Professional Documents
Culture Documents
ومناقبه وحقوقه()5
1
السلم كدين وبعض التصرفات الحمقاء التي تصدر من بعض
أبناء المسلمين باسم الدين وهو منها براء.
ومواجهة ذلك تكون ببذل جهود علمية مضاعفة من اجل توضيح
الصورة الحقيقة للسلم ،ونشر ذلك على أوسع نطاق.
ولم يقتصر علماء المسلمين على مدى تاريخ السلم في القيام
بواجبهم في الرد على هذه الشبهات كل بطريقته الخاصة
وبأسلوبه الذي يعتقد أنه السبيل القوم للرد ،وهناك محاولت
جادة بذلت في الفترة الخيرة للدفاع عن السلم في مواجهة
حملت التشكيك.
وسنعرض لبعض الشبهات التي أثارها الحاقدون والرد عليها
بالحجة الدامغة.
الشبهة الولى :حول عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم
وموقف القرآن من العصمة:
هناك من ل يعترفون بأن الرسول معصوم عن الخطأ ،ويقدمون
الدلة على ذلك بسورة [عبس وتولى] وكذلك عندما جامل
الرسول صلى الله عليه وسلم ،زوجاته ،ونزلت الية الكريمة
التي تنهاه عن ذلك
الرد على الشبهة:
إن عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم ،وكذلك عصمة كل
الرسل -عليهم السلم -يجب أن تفهم في نطاق مكانة
حى إليه ..أي أنه - الرسول ..ومهمة الرسالة ..فالرسول :بشر يو َ
مع بشريته -له خصوصية التصال بالسماء ،بواسطة الوحي..
ولذلك فإن هذه المهمة تقتضى صفات يصنعها الله على عينه
فيمن يصطفيه ،كي تكون هناك مناسبة بين هذه الصفات وبين
هذه المكانة والمهام الخاصة الموكولة إلى صاحبها.
والرسول مكلف بتبليغ الرسالة ،والدعوة إليها ،والجهاد في
سبيل إقامتها وتطبيقها ..وله على الناس طاعة هي جزء من
َ َ َ
ل}، سو َه وَأطِيعُوا الَّر ُ سبحانه وتعالى – {أطِيعُوا الل ّ َ َ
طاعة الله -
َ
ل فَقَد ْ أطَاعَ ل أَطِيعُوا الل ّ
سو َ ن يُطِِع الَّر ُ ْ م َ ل}{ ، سو َ ه وَالَّر ُ َ {قُ ْ
َّ َ َ
ه} ولذلك م الل ُ ه فَاتَّبِعُونِي ي ُ ْ
حبِبْك ُ ُ ن الل ّ َ
حبُّو َ ن كُنْت ُ ْ
م تُ ِ ه}{ ،قُ ْ
ل إِ ْ الل ّ َ
كانت عصمة الرسل فيما يبلغونه عن الله ضرورة من ضرورات
صدقهم والثقة في هذا البلغ اللهي الذي اختيروا ليقوموا به بين
سل مْر ِالناس ..وبداهة العقل -فضل ً عن النقل -تحكم بأن ُ
الرسالة إذا لم يتخير الرسول الذي يضفي الصدق على رسالته ،
كان عابثًا ..وهو ما يستحيل على الله ،الذي يصطفى من الناس
رسل ً تؤهلهم العصمة لضفاء الثقة والصدق على البلغ اللهي..
حجة على الناس بصدق هذا الذي يبلغون. وال ُ
2
وفى التعبير عن إجماع المة على ضرورة العصمة للرسول فيما
يبلغ عن الله.
الشبهة الثانية :قوم النبي محمد صلى الله عليه وسلم زناة من
أصحاب الجحيم!
الرد على الشبهة:
ما ذنب النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يقع قومه ومن
أرسل إليهم في خطيئة الزنا أو أن يكونوا من أصحاب الجحيم ؟
مادام هو صلوات الله وسلمه عليه قد برئ من هذه الخطيئة
ولسيما في مرحلة ما قبل النبوة ،وكانت مرحلة الشباب التي
يمكن أن تكون إغراء له ولمثاله أن يقعوا في هذه الخطيئة ؛
لسيما وأن المجتمع الجاهلي كان يشجع على ذلك وكان الزنا
فيه من المور العادية التي يمارسها أهل الجاهلية شبانًا وشيبًا
ضا .وكان للزنا فيه بيوت قائمة يعترف المجتمع بها ،وتُعلق أي ً
على أبوابها علمات يعرفها بها الباحثون عن الخطيئة ،وتعرف
بيوت البغايا باسم أصحاب الرايات.
ومع هذا العتراف العلني من المجتمع الجاهلي بهذه الخطيئة ،
ومع أن ممارستها للشباب وحتى للشيب لم تكن مما يكره
المجتمع أو يعيب من يمارسونه ؛ فإن محمدًا صلى الله عليه
وسلم لم يقع فيها أبدًا بل شهدت كل كتب السير والتواريخ له
صلى الله عليه وسلم بالطهارة والعفة وغيرهما من الفضائل
الشخصية التي يزدان بها الرجال وتحسب في موازين تقويمهم
وتقديرهم ،وأرسله الله سبحانه ليغير هذا المنكر .هذه واحدة
والثانية :أن الرسالة التي دعا بها ودعا إليها محمد صلى الله عليه
وسلم حّرمت الزنا تحريما ً قاطعا ً وحملت آياتها في القرآن
الكريم عقابا ً شديدا ً للزاني والزانية يبدأ بعقوبة بدنية هي أن يجلد
كل منهما مائة جلدة قاسية يتم تنفيذها علنا ً بحيث يشهدها الناس
لتكون عبرة وزجرا ً لهم عن التورط فيها
فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم قد طهر من هذه الخطيئة
في المجتمع الذي كان يراها عادية ومألوفة ،ثم كانت رسالته
صلى الله عليه وسلم تحرمها التحريم القاطع والصريح ،وتضع
مرتكبيها في مرتبة النحطاط والشذوذ عن السوياء من البشر..
م يُعَيّر محمد صلى الله عليه وسلم بأن بعض قومه زناة؟! فل ِ َ
وهل يصح في منطق العقلء أن يعيبوا إنسانا ً بما في غيره من
العيوب ؟ وأن يحملوه أوزار الخرين وخطاياهم ؟.
وهنا يكون للمسألة وجه آخر يجب التنويه إليه وهو خاص
بالمسئولية عن الخطيئة أهي فردية خاصة بمن يرتكبونها ؟ أم أن
آخرين يمكن أن يحملوها نيابة عنهم ويؤدون كفارتها ؟ !
3
أن السلم يمتاز بأمرين مهمين:
أولهما :أن الخطيئة فردية يتحمل من وقع فيها وحده عقوبتها ول
يجوز أن يحملها عنه أو حتى يشاركه في حملها غيره وصريح
َ َ
تسب َ ْ ما ك َ َ سعَهَ َا لَهَا َ ه نَفْسا ً إِل ّ وُ ْ ف الل ّ ُ آيات القرآن يقول{ :ل يُكَل ِّ ُ
س إ ِ ّل ع َلَيْهَا وَل تَزُِر ب ك ُ ُّ
ل نَفْ ٍ س ُ ت} ثم{ :وَل تَك ْ ِ سب َ ْ ما اكْت َ َ وَع َلَيْهَا َ
خَرى} .وورد هذا النص في آيات كثيرة. وَازَِرة ٌ وِْزَر أ ُ ْ
أما المر الثاني :فيما أقره السلم في مسألة الخطيئة فهو أنها
ل تورث ،ول تنقل من مخطئ ليتحمل عنه وزره آخر حتى ولو
بين الباء وأبنائهم وفى هذا يقول القرآن الكريم{ :وَاتَّقُوا يَوْما ً ل
شيْئاً}. س َ ن نَفْ ٍ س عَ ْ جزِي نَفْ ٌ تَ ْ
َ ُ
َ
ت}. سلَفَ ْ ما أ ْ س َ ل نَفْ ٍ ك تَبْلُو ك ُ ّ
َ
{هُنَال ِ َ
سرِيعُ ال ْ ِ جزي الل ّه ك ُ َّ
ب}. سا ِ ح َ ه َ ن الل ّ َت إ ِ َّ سب َ ْ ما ك َ َ س َ ل نَفْ ٍ ُ {لِي َ ْ ِ ْ َ
سهَا}. ن ن َ ْف ِ جاد ِ ُ ُ م تَأتِي ك ُ ّ
ل عَ ْ س تُ َ ل نَفْ ٍ {يَوْ َ
ُ
ن}. مو َ م ل يُظْل َ ُ ت وَهُ ْ سب َ ْما ك َ َ س بِ َ ل نَفْ ٍ جَزى ك ُ ّ {وَلِت ُ ْ
ة}. ت َرهِين َ ٌ ما ك َ َ {ك ُ ُّ
سب َ ْ س بِ َ ل نَفْ ٍ
وغير هذا كثير مما يؤكد ما أقَّره السلم من أن الخطايا فردية
وأنها ل تورث ول يجزى فيها والد عن ولده ،ول مولود هو جاز
عن والده شيئاً.
وما دام المر فل أن فلم يلم محمد صلى الله عليه وسلم ول
يعاب شخصه أو تعاب رسالته بأن بعض أهله أو حتى كلهم زناة
مارسوا الخطيئة التي كان يعترف بها مجتمعه ول يجزى فيها شيئاً
أو ينقص الشرف والمروءة أو يعاب بها عندهم من يمارسها.
وحسب محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يقع أبدا ً في هذه
الخطيئة ل قبل زواجه ول بعده ،ثم كانت رسالته دعوة كبرى
إلى التعفف والتطهر وإلى تصريف الشهوة البشرية في
المصرف الحلل الذي حض السلم عليه وهو النكاح الشرعي
الحلل ،ودعا المسلمين إلى عدم المغالة في المهور تيسيراً
على الراغبين في الحلل.
الشبهة الثالثة :محمد صلى الله عليه وسلم يحّرم ما أحل الله
الرد على الشبهة:
استند الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم في توجيه هذا
التهام إلى ما جاء في مفتتح سورة التحريم من قوله تعالى{ :يَا
َ َ َ َّ َ أَيُّهَا النَّب ِ ُّ
هك وَالل ّ ُ ج َت أْزوَا ِ ضا َمْر َ ك تَبْتَغِي َ ه لَ َ ل الل ّ ُ ح
ما أ َ م َ حّرِ ُ م تُ َ ي لِ َ
م}. حي ٌغَفُوٌر َر ِ
وهذه الية وآيات بعدها تشير إلى أمر حدث في بيت النبي صلى
الله عليه وسلم عاتبته نساؤه وتظاهرن عليه بدوافع الغيرة
المعروفة عن النساء عامة إذ كان صلى الله عليه وسلم قد دخل
4
ما ل يوجد في بيوتهن ،فأسر إلى عند إحداهن وأكل عندها طعا ً
إحداهن بالمر فأخبرت به أخريات فعاتبنه فحّرم صلى الله عليه
وسلم تناول هذا الطعام على نفسه ابتغاء مرضاتهن.
والواقعة صحيحة لكن اتهام الرسول بأنه يحّرم ما أحل الله هو
تصيّد للعبارة وحمل لها على ما لم ترد له..
ه لَ َ َ َّ َ
ك} هو فقط من باب " ل الل ّ ُ ح
ما أ َم َ حّرِ ُم تُ َ فمطلع الية {ل ِ َ
المشاكلة " لما قاله النبي لنسائه ترضية لهن ؛ والنداء القرآني
ما له صلى الله عليه وسلم بتحريم ما أحل الله ؛ ولكنه ليس اتها ً
من باب العتاب له من ربه سبحانه الذي يعلم تبارك وتعالى أنه
صلى الله عليه وسلم يستحيل عليه أن يحّرم شيئًا أو أمًرا أو
عمل ً أحلّه الله ؛ ولكنه يشدد على نفسه لصالح مرضاة زوجاته
من خلقه العالي الكريم.
ل َ
ولقد شهد الله للرسول بتمام تبليغ الرسالة فقال{ :وَلوْ تَقَوَّ َ
ما ن فَ َ ه ال ْ َ
وتِي َ م لَقَطَعْنَا ِ
من ْ ُ ن ث ُ َّ ه بِالْي َ ِ
مي ِ من ْ ُ ل لَ َ
خذ ْنَا ِ َ
ض القَاوِي ِ ع َلَيْنَا بَعْ َ
ن}. منك ُم م َ
جزِي َ حا ِه َ حد ٍ ع َن ْ ُ
نأ َ ِ ْ ْ ِ ْ
وعليه فالقول بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم يحّرم ما أحل
الله من المستحيلت على مقام نبوته التي زكاها الله تبارك
ن الْهَوَى إ ِ ْ
ن ما يَنْطِقُ ع َ ِ وتعالى وقد دفع عنه مثل ذلك بقوله{ :وَ َ
َ
حى}. ي يُو َح ٌ هُوَ إل ّ وَ ْ
فمقولة بعضهم أنه يحّرم هو تحميل اللفظ على غير ما جاء فيه ،
وما هو إل وعد أو عهد منه صلى الله عليه وسلم لبعض نسائه
فهو بمثابة يمين له كفارته ول صلة له بتحريم ما أحل الله.
الشبهة الرابعة :محمد صلى الله عليه وسلم أمي فكيف علّم
القرآن ؟
الرد على الشبهة:
والمي إما أن يكون المراد به من ل يعرف القراءة والكتابة أخذ ًا
من " المية " ،وإما أن يكون المراد به من ليس من اليهود أخذ ًا
من " الممية " حسب المصطلح اليهودي الذي يطلقونه على من
ليس من جنسهم.
فإذا تعاملنا مع هذه المقولة علمنا أن المراد بها من ل يعرف
القراءة والكتابة فليس هذا مما يعاب به الرسول ،بل لعله أن
يكون تأكيدًا ودليل ً قويًا على أن ما نزل عليه من القرآن إنما هو
وحى أُوحى إليه من الله لم يقرأه في كتاب ولم ينقله عن أحد
ول تعلمه من غيره .بهذا يكون التهام شهادة له ل عليه.
حا في قوله: وقد رد القرآن على هذه المقولة ردًا صري ً
5
َ َ َ
صيل ً قُ ْ
ل ملَى ع َلَيْهِ بُكَْرة ً وَأ ِ ي تُ ْ ن اكْتَتَبَهَا فَهِ َساطِيُر الوَّلِي َ {وَقَالُوا أ َ
ن غَفُوراً َ َ َ
ه كَا َض إِن َّ ُت وَالْر ِ ماوَا ِ سَّر فِي ال َّ
س َ م ال ِّ ه ال ّذِي يَعْل َ ُ أنَْزل ُ
حيماً}. َر ِ
وحسب النبي المي الذي ل يعرف القراءة ول الكتابة أن يكون
الكتاب الذي أنزل عليه معجًزا لمشركى العرب وهم أهل
الفصاحة والبلغة ؛ بل ومتحديًا أن يأتوا بمثله أو حتى بسورة من
مثله.
كفاه بهذا دليل ً على صدق رسالته وأن ما جاء به ـ كما قال بعض
كبارهم ـ " ليس من سجع الكهان ول من الشعر ول من قول
البشر ".
أما إذا تعاملنا مع مقولتهم عن محمد (أنه " أمي " على معنى أنه
من المميين ـ أي من غير اليهود ـ فما هذا مما يعيبه .بل إنه
لشرف له أنه من المميين أي أنه من غير اليهود.
ذلك لن اعتداد اليهود بالتعالي على من عداهم من " المميين "
واعتبار أنفسهم وحدهم هم الرقى والعظم وأنهم هم شعب الله
المختار ـ كما يزعمون.
ما مع ما جاء به محمد (من المساواة كل هذا مما يتنافى تما ً
الكاملة بين بني البشر رغم اختلف شعوبهم وألوانهم وألسنتهم
على نحو ما ذكره القرآن ؛ الذي اعتبر اختلف الجناس واللوان
واللسنة هو لمجرد التعارف والتمايز ؛ لكنه ـ أبدًا ـ ل يعطى تميًزا
لجنس على جنس ،فليس في السلم ـ كما يزعم اليهود ـ أنهم
شعب الله المختار.
ولكن التمايز والتكريم في منظور السلم ؛ إنما هو بالتقوى
َ
ن
م َْ م ِ خلَقْنَاك ُ ْ س إِنَّا َ والصلح كما في الية الكريمة{ :يَا أي ُّ َها النَّا ُ
ل لِتعارفُوا إ َ َ ُ
عنْد َ الل ّهِ م ِ مك ُ ْن أكَْر َ ِ ّ شعُوبا ً وَقَبَائ ِ َ َ َ َ م ُ جعَلْنَاك ُ ْ ذ َكَرٍ وَأنْثَى وَ َ
َ
م}. أتْقَاك ُ ْ
الشبهة الخامسة :محاولة النبي محمد صلى الله عليه وسلم
النتحار
الرد على الشبهة:
الحق الذي يجب أن يقال ..أن هذه الرواية التي استندتم إليها ـ يا
خصوم السلم ـ ليست صحيحة رغم ورودها في صحيح البخاري
ـ رضي الله عنه ـ ؛ لنه أوردها ل على أنها واقعة صحيحة ،ولكن
أوردها تحت عنوان " البلغات " يعنى أنه بلغه هذا الخبر مجرد
بلغ ،ومعروف أن البلغات في مصطلح علماء الحديث :إنما هي
مجرد أخبار وليست أحاديث صحيحة السند أو المتن.
وقد علق المام ابن حجر العسقلني في فتح الباري بقوله:
6
" إن القائل بلغنا كذا هو الزهري ،وعنه حكي البخاري هذا
البلغ ،وليس هذا البلغ موصول ً برسول الله صلى الله عليه
وسلم ،وقال الكرمانى :وهذا هو الظاهر ".
هذا هو الصواب ،وحاش أن يقدم رسول الله ـ وهو إمام
المؤمنين ـ على النتحار ،أو حتى على مجرد التفكير فيه.
ل فإن محمدا ً صلى الله عليه وسلم كان بشرا ً من البشر وعلى ك ٍ
ً
ولم يكن ملكا ول مدعيًا لللوهية.
والجانب البشرى فيه يعتبر ميزة كان صلى الله عليه وسلم
ن َربِّي حا َسب ْ َل ُ يعتني بها ،وقد قال القرآن الكريم في ذلك{ :قُ ْ
سولً}. شرا ً َر ُ ت إِل ّ ب َ َ ل كُن ْ ُ
هَ ْ
ومن ثم فإذا أصابه بعض الحزن أو الحساس بمشاعر ما نسميه
-في علوم عصرنا -بالحباط أو الضيق فهذا أمر عادى ل غبار
عليه ؛ لنه من أعراض بشريته صلى الله عليه وسلم.
وحين فتر (تأخر) الوحي بعد أن تعلق به الرسول صلى الله عليه
وسلم كان يذهب إلى المكان الذي كان ينزل عليه الوحي فيه
ب للمكان الذي جمع بينه وبين يستشرف لقاء جبريل ،فهو مح ّ
حبيبه بشيء من بعض السكن والطمأنينة ،فماذا في ذلك أيها
الظالمون دائما ً لمحمد صلى الله عليه وسلم في كل ما يأتي وما
يدع ؟
وإذا كان أعداء محمد صلى الله عليه وسلم يستندون إلى الية
منُوا بِهَذ َا ن لَ ْ
م يُؤ ْ ِ ك ع َلَى آثَارِه ِ ْ
م إِ ْ س َ
خعٌ نَفْ َ الكريمة{ :فَلَعَل َّ َ
ك بَا ِ
سفاً}. َ
ثأ َ حدِي ِ ال ْ َ
فالية ل تشير أبدا ً إلى معنى النتحار ،ولكنها تعبير أدبي عن
حزن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بسبب صدود قومه عن
السلم ،وإعراضهم عن اليمان بالقرآن العظيم ؛ فتصور كيف
كان اهتمام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بدعوة الناس
إلى الله ،وحرصه الشديد على إخراج الكافرين من الظلمات
إلى النور.
وهذا خاطر طبيعي للنبي النسان البشر الذي يعلن القرآن على
لسانه صلى الله عليه وسلم اعترافه واعتزازه بأنه بشر في قوله
-ردا ً على ما طلبه منه بعض المشركين{ :-وقالوا لن نؤمن لك
حتى تفجر لنا من الرض ينبوعا ً * أو تكون لك جنة من نخيل
وعنب فتفجر النهار خللها تفجيرا ً * أو تسقط السماء كما
زعمت علينا كسفا ً أو تأتي بالله والملئكة قبيل ً * أو يكون لك
بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل
علينا كتابا نقرؤه} .فكان رده{ :سبحان ربى} متعجبا ً مما طلبوه
7
ومؤكدا ً أنه بشٌر ل يملك تنفيذ مطلبهم{ :هل كنت إل بشراً
رسولً}.
أما قولهم على محمد صلى الله عليه وسلم أنه ليست له معجزة
فهو قول يعبر عن الجهل والحمق جميعاً.
حيث ثبت في صحيح الخبار معجزات حسية تمثل معجزة
الرسول صلى الله عليه وسلم ،كما جاءت الرسل بالمعجزات
من عند ربها ؛ منها نبع الماء من بين أصابعه ،ومنها سماع حنين
الجذع أمام الناس يوم الجمعة ،ومنها تكثير الطعام حتى يكفى
الجم الغفير ،وله معجزة دائمة هي معجزة الرسالة وهى القرآن
ظ ،ووعد ببيانه ؛ لذا يظهرحفِ َ
الكريم الذي وعد الله بحفظه فَ ُ
بيانه في كل جيل بما يكتشفه النسان ويعرفه.
8
ثم يفصحون عن تفسير البيضاوي:
أنه صلى الله عليه وسلم لما اقترب موته قال لعائشة ـ رضي
الله عنها ـ يا عائشة هذا أوان انقطاع أبهري.
فليس في موته صلى الله عليه وسلم بعد سنوات متأثًرا بذلك
سم إل أن جمع الله له بين الحسنيين ،أنه لم يسلط عليه من ال ُّ
ضا كتب له النجاة من كيد يقتله مباشرة وعصمه من الناس وأي ً
الكائدين وكذلك كتب له الشهادة ليكتب مع الشهداء عند ربهم
وما أعظم أجر الشهيد.
ضا ..ل شك أن عدم موته بالسم فور أكله للشاة المسمومة وأي ً
ما من َ
وحياته بعد ذلك سنوات يُعد معجزة من معجزاته ،وع َل ً
أعلم نبوته يبرهن على صدقه ،وعلى أنه رسول من عند الله
حقًا ويقينًا.
وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يموت في الجل الذي أجله له
رغم تأثره بالسم من لحظة أكله للشاة المسمومة حتى موته بعد
ذلك بسنوات.
الشبهة السابعة :يحتاج محمد صلى الله عليه وسلم إلى الصلة
عليه
الرد على الشبهة:
الحق أن الصلة على محمد صلى الله عليه وسلم من ربه ومن
المؤمنين ليست دليل حاجة بل هي مظهر تكريم واعتزاز وتقدير
له من الحق سبحانه وتقدير له من أتباعه ،وليست كما يزعم
الظالمون لسد حاجته عند ربه لن ربه قد غفر له ما تقدم من
ذنبه وما تأخر.
لن أي مقارنة منصفة بين ما كان عليه صلى الله عليه وسلم
وبين غيره من أنبياء الله ورسله ترتفع به ليس فقط إلى مقام
العصمة ؛ بل إلى مقام الكمال الذي أتم به الله الرسالت ،وأتم
به التنزيل ،وأتم به النعمة ،فلم تعد البشرية بعد رسالته صلى
الله عليه وسلم بحاجة إلى رسل ورسالت.
لذلك فإن رسالته صلى الله عليه وسلم وهى الخاتمة والكاملة
حملت كل احتياجات البشرية وما يلزمها من تشريعات ونظم
ومعاملت وما ينبغي أن تكون عليه من أخلق وحضارة مما
افتقدت مثل كماله كل الرسالت السابقة.
وحسب رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أنها جاءت رحمة
ْ َ َ َ
ة
م ً ك إ ِ ّل َر ْ
ح َ سلنَا
ما أْر َعامة للبشرية كلها كما قال القرآن{ :وَ َ
ن} .فلم تكن كما جاء ما قبلها رسالة خاصة بقوم لِلْعَال َ ِ
مي َ
9
رسولهم كما قال تعالى{ :وإلى عاد أخاهم هودًا قال يا قوم
اعبدوا الله}.
حا قال يا قوم اعبدوا الله}.{وإلى ثمود أخاهم صال ً
{وإلى مدين أخاهم شعيبًا قال يا قوم اعبدوا الله}.
وهكذا كل رسول كان مرسل ً إلى قومه..
لت كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى العالمين وإلى
الناس كافة كما جاء في قوله تعالى{ :وما أرسلناك إل رحمة
للعالمين}{ ،وما أرسلناك إل كافة للناس بشيرا ً ونذيراً}.
ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم كانت فوق كونها عالمية فقد
كانت هي الخاتمة والكاملة التي ـ كما أشرنا ـ تفي باحتياجات
البشر جميعا ً وتقوم بتقنين وتنظيم شئونهم المادية والمعنوية عبر
الزمان والمكان بكل ما فيه خيرهم في الدنيا والخرة.
وفى هذا قال الله تعالى{ :ما كان محمد أبا أحد من رجالكم
ولكن رسول الله وخاتم النبيين}.
وقال في وصفه لكمال الدين برسالة محمد صلى الله عليه
وسلم (السلم){ :اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم
نعمتي ورضيت لكم السلم دينا}.
إن عموم رسالة محمد إلى العالمين ،وباعتبارها الرسالة الكاملة
والخاتمة ؛ يعنى امتداد دورها واستمرار وجودها إلى أن يرث الله
الرض ومن عليها مصداقا ً لقوله تعالى{ :هو الذي أرسل رسوله
بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله}.
10
العظيم " حيث شهد لهم بالصدق والوفاء وأنهم رسل الله
المكرمون..
فل يظنن أحد ُ أننا حين نتحدث عن بشارات الكتب السابقة
برسول السلم إنما نتلمس أدلة نحن في حاجة إليها لثبات
صدق رسول السلم في دعواه الرسالة .فرسول السلم ليس
في حاجة إلى " تلك البشارات " حتى ولو سلم لنا الخصوم
بوجودها فله من أدلة الصدق ما لم يحظ به رسول غيره.
والبشارات موجودة في الكتب السابقة وقد وضعت فيه أبحاث
وكتب من أراد الطلع عليها فليرجع مثل إلى كتاب إظهار الحق
للشيخ رحمت الله الهندي تحقيق الدكتور أحمد حجازي السقا.
.1آيات رسول الله صلى الله عليه وسلم وإثبات
معجزاته الباهرة للعقول
اعلم أخي القارئ أنه قد كان في النبياء عليهم السلم من له
المعجزة والنبوة معا ً مثل موسى والمسيح عليهما السلم وقد
ذهبت معجزاتهما بذهابهما ،فلم يبق في أيدي الناس منها إل
ذكرها ،ومنهم من كانت له نبوة ولم تكن له معجزة مثل زكريا
وناحوم وميخا وملخي وغيرهم ،وها هو يوحنا المعمدان يقول
عنه متى((:يوحنا عند الجميع نبي)) متى ،26 :21و في موضع
آخر((أفضل من نبي)) متى 9 :11ورغم ذلك لم يأت بآية واحدة،
يقول يوحنا((:فأتى إليه كثيرون و قالوا أن يوحنا لم يفعل آية
واحدة)) يوحنا .41 :10وقد أثبت كتاب النصارى المقدس نبوة
جماعة من النساء مثل :مريم أخت موسى [خروج 15عدد ]20
وحنة بنت فنوئيل [ لوقا 2عدد ] 36وخلده [ 2ملوك 22عدد ] 14
ودبوره [ القضاة 4عدد ] 4وأستير ،وغيرهن ولم يكن لواحدة
منهن كتاب ول معجزة إل أنهن معدودات في زمرة النبياء
عندهم.
وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد جمع الله له النبوة
والمعجزة معا ً وقد كانت معجزة القرآن الكريم المعجزة العقلية
البيانية التي جاء بها الرسول المي هي من أعظم معجزاته وقد
تميز بها على سائر النبياء ببقائها حتى قيام الساعة ،أما معجزات
من سبقه من النبياء فقد كانت معجزات حسية انتهت بانتهاء
وقتها ،فلو أنك سألت أي نصراني اليوم أرني معجزة من
معجزات المسيح فلن يجيبك.
وبجانب معجزة القرآن الكريم -أخي القارئ -هناك الكثير من
المعجزات واليات الحسية قد قام بصنعها الرسول صلى الله
عليه وسلم ذكرتها الحاديث الصحيحة وقد أشار إليها القرآن
الكريم بكل وضوح كما في قوله تعالى في سورة الصافات:
11
ن * وَقَالُوا أن خُرو َ س ِ ة يَ ْ
ست َ ْ ن * وَإِذ َا َرأَوْا آي َ ً{ وَإِذ َا ذ ُ ِكُّروا َل يَذ ْكُُرو َ
َ
ن}مبِي ٌ حٌر ُ
س ْ هَذ َا إ ِ ّل ِ
ة) يدل ففي هذه الية الكريمة نجد أن الـتعبير بـ(وَإِذ َا َرأَوْا آي َ ً
بوضوح على أنهم شاهدوا معجزة أو معجزات للنبي صلى الله
عليه وسلم ،المر الذي أجمع عليه كافة علماء المسلمين
المعتبرين في العالم ودلت عليه الروايات المتواترة أيضاً .ومن
سلم به أن اليات القرآنية سمعية وليست بصرية ،وعليه ل الم ّ
ة)) عائد لليات َ
يمكن أن يكون قوله تعالى((:وَإِذ َا َرأوْا آي َ ً
القرآنية ،بالضافة إلى ذلك فأن التعبير بـ((:السحر المبين))
يتناسب تماما مع الـمـعجزات وخوارق العادات ،والواقع أن
اتهامهم نبي السلم بالسحر ،وترويجهم لهذه المسالة بشكل
واسع يدل على أنهم رأوا منه خوارق عادات ومعجزات،
أما ما ذهب إليه البعض أن هناك آيات في القرآن الكريم تدل
على أن نبي السلم لم يمتلك معجزة سوى القرآن الكريم
واسـتـدللهم بالية 59من سورة السراء التي تقول{ :وما منعنا
أن نرسل باليات إل أن كذب بها الولون} ،وكذلك بالية 90إلى
93من سورة السراء والتي جاء فيها{ :وقالوا لن نؤمن لك حتى
تفجر لنا من الرض ينبوعا ً * أو تكون لك جنة من نخيل و عنب
فتفجر النهار خللها تفجيرا ً * أو تسقط السماء كما زعمت علينا
كسفا ً أو تأتي بالله و الملئكة قبيل ً * أو ترقى في السماء و لن
نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا ً نقرؤه قل سبحان ربي هل
كنت إل بشرا ً رسولً}.
فالجواب عن ذلك هو:أن هؤلء المشركين لم يكن يقترحون
شادًا وطلبا ً للحق وإنما كانوا ستِْر َ
ويسألون عن تلك المعجزات ا ِ ْ
عنَادًا فعند طلب أمثال هذه ك كُفًْرا وَ ِ
ن ويقترحون ذَل ِ َ يَطْلُبُو َ
المعجزات مع العراض عن المعجزة الحقيقية لنبينا صلى الله
عليه وسلم والمعجزات الخرى ،عند ذلك لم يستجيب الله عز
وجل لطلب المشركين ،إذ أن طلبهم ليس لعدم قيام الحجة
الكافية بل هو نوع من التعنت و التعجيز ،و قد كانوا كلما رأوا
معجزة يقولون سحر مستمر أو ساحر مبين كما ذكرنا سالفاً…
وقد قال الله سبحانه وتعالى عنهم{ :ولو فتحنا عليهم بابا ً من
السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن
قوم مسحورون} فحتى لو نزلت هذه اليات فلسوف يعيدون
ذلك القول.
فالحاصل :أن عدم إجابة المشركين على تعنتهم ل تعني أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأت بآيات ،فإن هذا يرده
12
التأمل في معجزة القرآن وما نقل من معجزاته صلى الله عليه
وسلم المبثوثة في كتب الحديث ودلئل النبوة.
سل بِاليات منَعَنَا أن نُْر ِ ما َ يقول أهل التفسير في قوله تعالى { :وَ َ
َّ
سل باليات التِي منَعَنَا أن نُْر ِ ما َ ن } أي وَ َ ب بِهَا الَوَّلُو َ إل أن كَذ َّ َ
َ اقْترحها أَهْل مكَّة إل أن كَذ َّب بها الَوَلُون ل َ َ َ
سلْنَاهَا فَأهْلَكْنَاهُ ْ
م ما أْر َ ّ َ ّ َ َِ َ ََ َ َ
ُ َ َ
منَا حك َ ْ حقّوا الهلك وَقَد ْ َ ست َ َ سلْنَاهَا إلى هؤلء لَكَذ ّبُوا بِهَا وَا ْ وَلَوْ أْر َ
َ َ َ بإمهالِهم لتمام أ َ
م ،روى الطبري سل ّ َ صل ّى الل ّه ع َلَيْهِ وَ َ مد َ ح َّ
َّ
م َ ُ مر
ْ ِِ ْ َ ِ ْ
سل بِاليات إل منَعَنَا أن نُْر ِ ما َ عن الحسن فِي قَوْل الله تَعَالى{:وَ َ
َ َ
سلْنَا م أيَّتهَا المة ،أنا لَوْ أْر َ مة لَك ُ ْ ح َ لَ :ر ْ ن} قَا َ ب بِهَا الَوَّلُو َ أن كَذ َّ َ
َ َ
م .وجاء في تفسير ن قَبْلك ُ ْ م َْ ب َ صا َ ما أ َ م َ صابَك ُ ْ م ب ِ َها ،أ َ باليات فَكَذَّبْت ُ ْ
حوهَا إل أن سل باليات ال ّتِي اِقْتََر ُ منَعَنَا أن نُْر ِ ما َ القرطبي :وَ َ
َّ َ َ
خَر الله تَعَالى م .فَأ ّ ن كَأن قَبْله ْ م ْل بِ َ ما فُعِ َ يُكَذِّبُوا بِهَا فَيَهْلِكُوا ك َ َ
ن يُولَد م ْ م َ من وَفِيهِ ْ ن يُؤْ ِ م ْ م َ مهِ أن فِيهِ ْ ن كُفَّار قَُريْش لِعِل ْ ِ الْعَذ َاب ع َ ْ
ك وقَع فَإن من هؤلء م َ
سل َ َ
م نأ ْ َ َ ْ ِ ْ منًا .قال المام ابن كثير :وَكَذَل ِ َ َ َ
َ
مؤْ ِ ُ
ُ َ
ميَّة ال ّذِي تَبِعَ حتَّى ع َبْد الل ّه بْن أبِي أ َ ن إسلمه َ سَ َ ح ُ ك وَ َ بَعْد ذَل ِ َ
َ َ َ
ما تَا ًّ
ما سَل ًم إِ ْسل َ َ لأ ْ ما قَا َ ه َ ل لَ ُ م وَقَا َ سل ّ َ صل ّى الل ّه ع َلَيْهِ وَ َ
َ َ ي ّ ِ النَّب
ل. ج َّ ب إلى الل ّه عََّز وَ َ وَأنا َ
أن المعجزات التي اقترحها هؤلء ل تستند إلى أساس البحث عن
الحقيقة ،وإنما هي (اقتراحية) وتعللية ،ولو نفذت طلباتهم لما
ضا.آمنوا أي ً
هذا وأن اللتفات إلى الكلمة التي وردت في أقوال جمع من
المفسرين الكبار توضح أن المعجزات على نوعين:
الـنـوع الول :هي المعجزات الضرورية لثبات صدق دعوى النبي،
وترغيب الناس إلى اليمان ،وتخويف المنكرين ،وهي المعجزات
المنطقية لناشدي الحق والباحثين عن الحقيقة ،بحيث يعبر
القرآن في ذيل الية الولى منها بقوله{ :وما نرسل باليات إل
تخويفًا}( ،سورة السراء.)59 :
الـنـوع الـثاني من المعجزات :هي المعجزات التي تسمى
بـ(القتراحية) ،أي المعجزات التي يطالب بها ل لجل سلوك
سبيل الحق واليقين بصدق دعوى النبوة ومن ثم اليمان واعتناق
السلم ،وإنما بقصد تعجيز الطرف الخر فأن وجدوا به قدرة
على ذلك اتهموه بالسحر.
والنبياء كانوا يتجهون صوب القسم الول ول يستسلمون إطلقا
لمقترحات المتعللين والمعجزات القتراحية .وفي الناجيل التي
مع النصارى نجد أن هناك حالت لم يقدر المسيح عليه السلم
أن يعمل فيها معجزات كما في مرقس (:5 :6ولم يقدر أن يصنع
هناك ول قوة واحدة) ويقول مرقس أيضاً(:فخرج الفريسيون و
13
ابتدأوا يحاورونه طالبين منه آية من السماء لكي يجربوه ،فتنهد
بروحه ،وقال :لماذا يطلب هذا الجيل آية؟ الحق أقول لكم :لن
يعطى هذا الجيل آية .ثم تركهم…)(مرقس .)13-8/11
يـشير لحن اليات 90ـ 93من سورة السراء بشكل واضح إلى أن
هذه المطالب العجيبة والغريبة لمشركي العرب لم يكن منشؤها
هو البحث عن الحقيقة ،بل الغاية منها هي اختلق العذار
والـتـشكيك في نبوة نبي السلم وإرساء دعائم الشرك
والصنمية ،ولذا لم يتمعنوا النظر حتى في مفهوم كلمهم ،فمن
ضمن مطالبهم مثلً(الصعود إلى السماء) ،ثم ينفون ذلك مباشرة
ويقولون :نحن ل نؤمن بذلك حتى تبعث لنا كتابا من قبل اللّه،
{أو ترقى في السماء و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً
نقرؤه } وتـارة يطلبون المور المستحيلة كقولهم{ :وَقَالُوا لول
ن * وَل َ ْ
و م ل يُنْظَُرو َي المُر ث ُ َّ ض َ ملَكًا ل َ ُق ِ مل َ ٌ
ك وَلَوْ أنَزلْنَا َ ل ع َلَيْهِ َ
أنزِ َ
ن} [ النعام: سو َما يَلْب ِ ُ سنَا ع َلَيْهِ ْ
م َ جعَلْنَاهُ َرجل ً وَلَلَب َ ْملَكًا ل َ َ
جعَلْنَاه ُ َ
َ
]8
ثم إذا كان الهدف هو التوصل إلى معرفة حقيقة النبي فلم
يطلبون ست معجزات مختلفة؟ أليس المورد الواحد منها كافيا؟.
من هنا لم يتسن لي نبي أن يستسلم لهذا النوع من الراجيف
والباطيل ،فضل عن أن العجاز ليس من شأن النبي واختياره،
وإنما هو من شأن اللّه تعالى واختياره.
أن الـنـبي بإمكانه أن يطلب المعجزة من اللّه واللّه تعالى يضع
حا ،ولهذا نـقـرأ في ذيل اليات 90ـ 93 بين يديه أي مورد يراه صال ً
من سورة السراء هذا المعنى(:قل سبحان ربي هل كنت إل
بشًرا رسولً) وكذا في سورة الرعد آية (:38وما كان لرسول أن
يأتي بآية إل بإذن اللّه).
مـلخص الكلم هو أنه من الصحيح القول :بأن القرآن لوحده
معجزة خالدة ،ولو لم يكن هناك معجزة أخـرى سـوى هذه
المعجزة للنبي لستطاعت أن تكون شاهدا ً على صدقه ،ولكن
هذا ل يدل على أن الـنبي لم يمتلك معجزات جسمانية ومادية
غير هذه المعجزات الروحية والمعنوية ،بل ذهبت اليات
والـروايـات والـتـواريخ السلمية وسيرة النبي إلى القول :بأنه
كان يمتلك ذلك ،ول شك في أن انـضـمـام الـمعجزات
المحسوسة والمادية إلى تلك المعجزة المعنوية الكبيرة يظهر
حقيقة الدعوة النبوية بصورة أجلى وأوضح.
ولنذكر الن بعض من المعجزات الحسية التي قام بصنعها رسولنا
الكريم:
-1معجزة نبوع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم:
14
روى البخاري عن أنس بن مالك قال :رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم وحانت صلة العصر ،والتمس الناس الوضوء فلم
يجدوه ،فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فوضع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في ذلك الناء فأمر الناس
أن يتوضئوا منه فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه ،فتوضأ الناس
حتى توضئوا من عند آخرهم [ .صحيح البخاري ج / 1ص ]74
[ صحيح مسلم ج / 4ص [ ] 1783صحيح ابن حبان ج 14/ص] 477 /
وروى البخاري عن جابر بن عبد الله قال :عطش الناس يوم
الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة(أي أناء
صغير من جلد) يتوضأ فجهش الناس نحوه(أي تجمعوا) قال :ما
لكم؟ قالوا :ليس عندنا ماء نتوضأ ول نشرب إل ما بين يديك
فوضع يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال
العيون ،فشربنا وتوضأنا ،قلت :كم كنتم؟ قال :لو كنا مائة ألف
لكفانا ،كنا خمس عشرة مائة [ .صحيح البخاري ج 3 /ص ] /1310
[ صحيح ابن حبان ج /14ص ] 480
والروايات في هذه المعجزة مشهورة بين الصحابة وقد رواها
جمع كثير منهم أنس وجابر بن عبد الله وابن عباس ،والبراء بن
مالك وأبو قتادة ،وغيرهم وخبرها متواتر مستفيض .وقد تكررت
في أكثر من مناسبة.
-2معجزة شفاء علي رضي الله عنه وغيره من الصحابة:
قال عليه الصلة والسلم في غزوة خيبر(-:لعطين هذه الراية
غدًا رجل ً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله
ورسوله قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح
الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو
أن يعطاها فقال" :أين علي بن أبي طالب؟ فقيل :هو يا رسول
الله يشتكي عينيه قال " :فأرسلوا إليه (ائتوني به) فأُتي به فنفث
في عينه بقليل من ريقه عليه الصلة والسلم فبرأ لتوه ولم
يمرض بعينه قط [ .رواه البخاري في كتاب الغزوات ورواه
مسلم في باب فضائل الصحابة ]
وقد قام المسيح عليه السلم بالتـفل في عين أحد العميان
فشفي من مرضه [ مرقس ((:] 22 :8وجاء إلى بيت صيدا.فقدموا
إليه أعمى وطلبوا إليه أن يلمسه .فاخذ بيد العمى وأخرجه إلى
خارج القرية وتفل في عينيه ووضع يديه عليه وسأله هل أبصر
شيئًا)).
_ وأصيب سلمة يوم خيبر بضربة في ساقه ،فنفث فيها رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثلث نفثات فما اشتكاها قد .عن يزيد
بن أبي عبيد قال((:رأيت أثر ضربة في ساق سلمة ،فقلت :يا أبا
15
مسلم ،ما هذه الضربة؟ قال :هذه ضربة أصابتني يوم خيبر،
فقال الناس أصيب سلمة … فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم
فنفث فيها ثلث نفثات ،فما اشتكيت حتى الساعة [ )).صحيح
البخاري ج /1541 / 4صحيح أبي داود 3295 /صحيح ابن حبان ج 14
/ص ]439
_ وعن البراء بن عازب رضي الله عنه :أن عبد الله بن عتيك لما
قتل أبا رافع ونزل من درجة بيته سقط إلى الرض فانكسرت
ساقه ،قال :فحدثت النبي صلى الله عليه وسلم فقال":أبسط
رجلك" فبسطها فمسحها فكأنما لم أشكها قط [ .صحيح البخاري
ج / 4ص ]1483
_ وعن معاذ بن رافع بن مالك عن أبيه قال((:رميت بسهم يوم
بدر ففقئت عيني فبصق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم
ودعا لي فما آذاني منها شيء)) [ أخرجه ابن أبي شيبه والحاكم
والبيهقي وأبو نعيم ]
-3معجزة رد ّ عين قتادة بعد تدليها:
في غزوة أحد أُصيب قتادة بن النعمان في عينه حتى سقطت
وتدلت على وجـنته(أي على أحد خده) فردها عليه الصلة
والسلم بيده الشريفة فبرأت على الفور ،وصارت عينيه تلك
أحسن عينيه ...فتلك من آيات الله التي أيد الله بها رسوله.
والرواية أخرجها ابن إسحاق في السيرة النبوية( ،)30 / 3وابن
حجر في الصابة ،وابن عبد البر في الستيعاب في ترجمة
النعمان ،وأبو يعلى ،والبيهقي في الدلئل ،وأبو نعيم في الدلئل
برقم( )417 ،418وذكرها الحاكم في المستدرك()295 / 3
-4معجزة شفاء الضرير بدعائه صلى الله عليه وسلم:
عن عثمان بن حنيف :أن رجل ً ضريرا ً أتى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال :يا رسول الله أدع الله أن يعافيني فقال( :إن شئت
خرت ذلك فهو أفضل لخرتك ،وأن شئت دعوت لك) قال:ل ،بل أ ّ
ادع الله لي قال -:فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ،وأن يدعو
بهذا الدعاء-:
(اللهم أني أسألك و أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة،يا محمد
أني أتوجه بك في حاجتي هذه فتُقضى،اللهم شفعة في) ففعل
الرجل فبرأ،فشفاء هذا الضرير آية من نبوته [ رواه البخاري في
التاريخ الكبير ،6/210والطبراني في المعجم الكبير 9/19وصححه
وسلمه الذهبي ،والبيهقي في دلئل النبوة 6/166وغيرهم ]
وهذا الدعاء خاص في حياته صلى الله عليه وسلم وليس بعد
مماته فلُيعلم.
-5خروج الجن من الصبي بدعائه صلى الله عليه وسلم:
16
عن أبن عباس رضي الله عنهما قال-:أن امرأة جاءت بولدها إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:يا رسول الله أن به
لمماً ،وأنه يأخذه عند طعامنا فيفسد علينا طعامنا قال -:فمسح
رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا له فثعّ (أي قاء أو
سعل مرة واحدة) فخرج منه مثل الجرو السود يسعى [ .رواه
الدرامي ]
-6معجزة فيضأن ماء بئر الحديبية:
ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه لما كان بالحديبية هو
وأصحابه سنة ست من الهجرة وكان بالحديبية بئر ماء فنزحها
أصحابه بالسقي منها حتى لم يبقى فيها ما يمل كأس ماء وكانوا
ألفًا وأربعمائة رجل ،وخافوا العطش فشكوا ذلك إليه صلى الله
عليه وسلم ،فجاء فجلس على حافة البئر ،فدعا بماء فجئ به
إليه فتمضمض منه،ومج ما تمضمض به في البئر ،فما هي إل
لحظات ،وإذا البئر فيها ماء فأخذوا يسقون فسقوا وملئوا أوانيهم
وأدوات حمل الماء عندهم وهم كما تقدم ألف وأربعمائة رجل،
وهم أهل بيعة الرضوان الذين رضي الله عنهم وأنزل فيهم قوله
ن إَذ ْ يُبَايِعُون َ َ
ك منِي َمؤ ِ ن ال ُ ي الله ع َ ِ ض َتعالى من سورة الفتح(-:لَقَد َر ِ
م وأثَابَهُ ْ
م سكِيَنَة ع َلَيْهِ ْل ال َّ ما في قُلُوبِهِم فَأنَز َ جَرةِ فَعَل ِ َ
م َ ش َت ال َ َّ
ح َ
تَ ْ
فَتْحا ً قَرِيباً) [ .رواه البخاري في كتاب المناقب ،باب علمات
النبوة ]
-7معجزة الطعام القليل يشبع العدد الكثير:
روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قوله:
سليم :لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه قال أبو طلحة لم ُ
وسلم ضعيفا ً أعرف فيه الجوع ،فهل عندك من شيء؟
خمارا ً لها صا من شعير ،ثم أخرجت ِ قالت:نعم ،فأخرجت أقرا ً
فلفت الخبز ببعضه ،ثم دسته تحت يدي ،ثم أرسلتني إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس ،فقمت
عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(-:أرسلك أبو
طلحة؟) فقلت :نعم ،قال(:بطعام؟) قلت:نعم ،فقال -:رسول
الله صلى الله عليه وسلم لمن معه(قوموا) فأنطلق ،وانطلقت
ين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة -:يا أم
سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليس ُ
عندنا ما نطعمهم فقالت :الله ورسوله أعلم ،فانطلق أبو طلحة
حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه ،فقال رسول الله صلى
سليم ما عندك؟) فأتت بذلك الخبز الله عليه وسلم(-:هلم يا أم ُ
فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت ،وعصرت أم
17
سليم عكة فآدمته ،ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ُ
شاء أن يقول،ثم قال(-:ائذن لعشرة) فأذن لهم فأكلوا حتى
شبعوا،ثم خرجوا ،ثم قال(،ائذن لعشرة) ،فأذن لهم فأكلوا حتى
شبعوا ،ثم خرجوا ،ثم قال(،ائذن لعشرة) فأكل القوم كلهم،
والقوم سبعون أو ثمانون رجلً.أليست هذه معجزة؟ بلى وربي
أنها لمن أعظم المعجزات [ .صحيح البخاري /علمات النبوة ]
[ صحيح مسلم /الشربة ]
-8معجزة تكثير الطعام:
عن جابر ابن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه
رجل يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل
يأكل منه هو وامرأته ووصيف لهم حتى كالوه فقال النبي صلى
الله عليه وسلم" :لو لم تكيلوه لكلتم منه ولقام لكم" [ صحيح
مسلم في معجزات النبي ،رواه احمد في مسنده ]
قال أبو طلحة النصاري في حديثه المشهور((:أطعم رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثمانين رجل ً من أقراص شعير جاء بها أنس
تحت إبطه)) [ البخاري في كتاب المناقب _ ومسلم 1612 / 3
والترمذي 595 / 5والبيهقي في الدلئل ]
وقال جابر بن عبد الله((:أطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم الخندق من صاع شعير وعناق(النثى من أولد المعز) ألف
رجل حتى تركوا وانحرفوا(مالوا عن الطعام) ،وأن البرمة لتغط
كما هي وأن العجين ليخبر)) [ البخاري في كتاب المغازي
ومسلم 1610 / 3والترمذي ] 595 / 5
إن معجزة تكثير الطعام والشراب قد تكررت فبلغت عشرات
المرات ،وفي ظروف مختلفة ،ومناسبات عديدة ،فقد قال أبو
هريرة رضي الله عنه((:كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في
مسير قال فنفدت أزواد القوم _ أي نفد زادهم واحتاجوا إلى
طعام _ قال حتى هم بنحر بعض حمائلهم قال فقال عمر :يا
رسول الله لو جمعت ما بقي من أزواد القوم فدعوت الله
عليها؟(أي بقاياه) قال ففعل قال فجاء ذو البر ببره وذو التمر
بتمره قال وقال مجاهد وذو النواة بنواه قلت وما كانوا يصنعون
بالنوى قال كانوا يمصونه ويشربون عليه الماء قال فدعا عليها
حتى مل القوم أزودتهم قال فقال عند ذلك" :أشهد أن ل إله إل
الله وأني رسول الله ل يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إل
دخل الجنة" [ صحيح مسلم ،والنسائي ]
- 9معجزة تكثيره عليه السلم السمن لم سليم:
عن أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
قال -:كانت لمي أم سليم شاة فجمعت من سمنها في عكة
18
فملت العكة ثم بعثت بها ربيبة ،فقالت:يا ربيبة أبلغي هذا العكة
رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتدم بها ،فانطلقت بها ربيبة
حتى أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله
سليم قال(-:أفرغوا لها عكتها) هذه عكة سمن بعثت بها إليك أم ُ
فأفرغت العكة ودفعت إليها قالت -:فانطلقت بها ،وجئت وأم
سليم ليست في البيت،فعلقت العكة على وتد ،فجاءت أم سليم
فرأت العكة ممتلئة تقطر فقالت:يا ربيبة أليس أمرتك أن
تنطلقي بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت -:بلى
قد فعلت فإن لم تصدقيني فانطلقي فسلي رسول الله صلى
الله عليه وسلم فانطلقت ومعها ربيية ،فقالت يا رسول الله إني
بعثت معها إليك بعكة فيها سمن قال(-:قد فعلت ،قد جاءت)
قالت:والذي بعثك بالحق ،ودين الحق أنها لممتلئة تقطر سمناً،
قال أنس :فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(-:يا أم سليم
أتعجبين إن كان الله أطعمك كما أطعمت نبيه! كلي وأطعمي)
قالت فجئت إلى البيت فقسمت في قعب لنا ،وتركت فيها ما
أتئد منا به شهرا ً أو شهرين ،فكون العكة تمتلئ بعد إفراغها
والكل منه طرة شهرين من معجزاته.
-10معجزة نزول المطر بدعائه:
روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك قال :أصابت الناس
سنة(جدب) على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فبينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة
فقام أعرابي فقال :يا رسول الله هلك المال ،وجاع العيال ،فادع
الله أن يسقينا ،قال :فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه
وما رأينا في السماء قزعة (قطعة سحاب) فو الذي نفسي بيده
ما وضعها حتى ثار(أنتشر) سحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن
منبره حتى رأيت المطر يتحادر(يتقاطر) على لحيته قال :فمطرنا
يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والذي يليه إلى الجمعة
الخرى ،فقام ذلك العرابي أو قال غيره ،فقال :يا رسول الله
تهدم البناء ،وغرق المال فادع الله لنا ،فرفع رسول الله صلى
الله عليه وسلم يديه فقال":اللهم حوالينا ول علينا" قال :فما
جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده إلى ناحية من
السماء إل فرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة (أي حتى
صارت السحب والغيوم محيطة بالمدينة) في السحاب ،وسال
الوادي قناة شهرا ،ولم يجئ أحد من ناحية إل حدث بالجود.
[ صحيح البخاري /كتاب الجمعة ]
-11معجزة حنين جذع النخل شوقا ً إليه صلى الله عليه وسلم:
19
روى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما
قال((:كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب استند إلى جذع
نخلة من سواري المسجد ،فلما صنع له المنبر فاستوى عليه،
صاحت النخلة التي كان يخطب عليها حتى كادت أن تنشق ،فنزل
النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذها فضمها إليه ،فجعلت تئن
أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت ،قال :بكت على ما كانت
تسمع من الذكر)) [ رواه البخاري ]
وحديث حنين الجذع هو حديث مشهور معروف متواتر قد خرجه
أهل الصحيح ورواه الكابر /من أصحاب الرسول صلى الله عليه
وسلم منهم /أبي ابن كعب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك
وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وأبو سعيد الخدري وبريدة
وأم سلمة وسهل ابن سعد.
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما ،أخرجه البخاري في كتاب
المناقب(فتح )6/601والترمذي في كتاب الجمعة()،379 / 2
والبيهقي في الدلئل(.)66 / 6
-12معجزة تحول جذل الحطب سيفاً:
الجذل:هو عود غليظ من أصل الشجرة ،لقد انكسر سيف
عكاشة بن محصن يوم بدر فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم
جذل حطب فقال له(-:اضرب به) فانقلب في يده سيفاً ،صارماً
طويل ً أبيضا ً شديد المتن ،فقاتل به ،ثم لم يزل عنده يشهد به
المواقف إلى أن استشهد عكاشة في قتال أهل الردة ،وبعدما
قتل بلعت الرض ذلك السيف.
-13معجزة نطق الغزالة ووفاؤها له صلى الله عليه وسلم:
مَّر النبي صلى الله عليهعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال َ
وسلم على قوم قد اصطادوا ظبية ،فشدوها على عمود
خشفان(الولد فسطاط ،فقالت :يا رسول الله أني أُخذت ولي ِ
الصغير) فاستأذن لي أرضعهما وأعود إليهم ،فقال النبي صلى
الله عليه وسلم(أين صاحب هذه؟) فقال القوم نحن يا رسول
الله قال(-:خلوا عنها حتى تأتي خشفيها ترضعهما وترجع إليكم)
فقالوا من لنا بذلك؟ قال(-:أنا) فأطلقوها،فذهبت فأرضعت
خشفيها ثم رجعت إليهم ،فأوثقوها فمر بهم صلى الله عليه
وسلم فقال(-:أين صاحب هذه؟) فقالوا-:هذا يا رسول الله
فقال(تبيعونها؟) فقالوا -:هي لك يا رسول الله ،فقال(-:خلو عنها
فأطلقوها) فذهبت،فنُطقها آية من نبوته.
-14معجزة انقياد الشجر له صلى الله عليه وسلم:
روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما
قال -:سهرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا وادياً
20
أفيح(أي واسعا ً رحباً) فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقضي حاجته ،فأتبعتُه بإداوةٍ فيها ماء ،فنظر فلم ير شيئا ً يستتر
به ،وإذ شجرتان بشاطئ الوادي ،فانطلق إلى إحداهما فأخذ
ببعض من أغصانها ،وقال(-:انقادي علي بإذن الله) فانقادت معه
كالبعير المخشوش (الذي جعل في أنفه الخشائش وهو العود،
يجعل في عظم أنف الجمل لينقاد) الذي يُصانع قائده ،حتى أتى
الشجرة الخرى ،حتى إذا كان بالمنتصف فيما بينهما لءم أي
جمعهما ،وقال(-:التئما إلي علي بإذن الله) فالتأمتا ،قال جابر-:
فخرجت أحضر(أي أعدو بشدة) مخافة أن يحس بقربي منه
فيبعد ،فجلست أحدث نفسي ،فحانت مني التفاته ،فإذا أنا
برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل وإذا الشجرتان قد
افترقتا [ .صحيح مسلم ]
وعن ابن عباس ،رضي الله عنه ،قال :جاء أعرابي إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ،فقال :بم أعرف أنك رسول الله؟
قال((:أرأيت أن دعوت هذا العذق من الشجرة تشهد أني رسول
الله؟)) قال :نعم .قال :فدعا العذق ،فجعل العذق ينزل من
النخلة حتى سقط إلى الرض ينقز ،فأقبل إليه ،وهو يسجد ويرفع
ويمجد ويرفع حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ثم قال له((:ارجع)) فرجع إلى مكانه ،فقال العرابي :والله ل
أكذبك بشيء تقوله بعدها أبداً ،أنا أشهد أنك رسول الله ،وآمن[ .
أخرجه البخاري في تاريخه ،والترمذي في أبواب المناقب()3628
وأخرجه البزار ،وأبو يعلى ]
- 15معجزة سكون اضطراب الجبل بأمر الرسول:
روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه ،أن
النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدا ً وأبو بكر وعمر وعثمان،
فرجف بهم ،فقال((:اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق
وشهيدان )).وفي رواية :فضربه برجله وقال((:أثبت أحد فما
عليك إل نبي أو صديق أو شهيدان)) [ رواه البخاري في كتاب
فضال الصحابة] [صحيح ابن حبان ج /14ص .]415
- 16من معجزاته صلى الله عليه وسلم إخبار الشاة له أنها
مسمومة:
روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه ،أن
امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة
مسمومة ،ولما أكل منها أخبرته الشاة أنها مسمومة ،فجيء
باليهودية إلى رسول صلى الله عليه وسلم ،فسألها عن ذلك،
فقالت :أردت لقتلك ،قال" :ل ،ما كان الله ليسلطك علي".
21
/ 4 [ متفق عليه ] [ أخرجه البخاري في كتاب الهبة ومسلم
[ ] 1721البيهقي في الدلئل ]
- 17ومن علمات نبوته ذعر أبو جهل عندما أراد أن يؤذي
الرسول صلى الله عليه وسلم:
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال
أبو جهل :هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال :فقيل :نعم
فقال :واللت والعزى لن رأيته يفعل ذلك لطإن على رقبته أو
لعفرن وجهه في التراب ،قال :فأتى رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو يصلي _ ،ليطأ على رقبته _ قال :فما فجئهم منه إل
وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه قال :فقيل له مالك؟ فقال:
أن بيني وبينه لخندقا ً من نار وهول ً وأجنحة ،فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم((:لو دنا مني لختطفته الملئكة عضواً
عضواً)) [ صحيح مسلم ] 14 /17
-18من علمات النبوة إخباره عليه الصلة والسلم عن غيوب
مستقبلية فوقعت كما أخبر:
أولً -:قوله صلى الله عليه وسلم في الحسن رضي الله
عنهما((:إن ابني هذا سيد وسيُصلح الله به بين فئتين عظيمتين))
فكأن المر كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقد أصلح به
بين من كان مع الحسن وبين من كان مع معاوية رضي الله
عنهم [ .رواه البخاري في صحيحه ]
ُ
ثانيًا -:قوله صلى الله عليه وسلم((-:اُثبت أحد فإنما عليك نبي
وصدّيق وشهيدان)).
فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم ،فمات أبو بكر بمرض
أصابه ،وقُتل عمر في المحراب شهيداً،وقُتل عثمان في داره
شهيداً ،فرضي الله عنهم أجمعين [ .رواه البخاري ]
ثالثا :إخباره صلى الله عليه وسلم عن فتح القسطنطينية
ورومية(روما)
روى أحمد في مسنده عن أبي قبيل قال :كنا عند عبد الله بن
عمرو ابن العاص وسئل أي المدينتين تفتح أول ً القسطنطينية أو
رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق ،قال :فأخرج منه كتاباً،
قال فقال عبد الله :بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه
وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي
المدينتين تفتح أولً ،أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم((:مدينة هرقل تفتح أولً)) يعني
القسطنطينية .والحديث صححه الحاكم والذهبي ووافقهما
اللباني في سلسلة الحاديث الصحيحة.
22
وقد وقع المر كما أخبر به صلى الله عليه وسلم فتحقق فتح
القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح العثماني رحمه الله
كما هو معروف بعد أكثر من ثمانمائة سنة من إخبار النبي صلى
الله عليه وسلم بالفتح.
رابعا ً -:قوله صلى الله عليه وسلم(-:إن هذا قبر أبي ِرغال ،وإن
معه غصنا ً من ذهب) فحفروه فوجدوه كما أخبر النبي صلى الله
عله وسلم ،وذلك حين كان ذاهبا ً إلى الطائف ،فكان هذا الخبر
آية نبوته صلى الله عليه وسلم.
ت وقد جاء خامساً -:قوله صلى الله عليه وسلم لخباب بنت الر ّ
يشكو إليه ما يلقي المؤمنون كفار قريش ،يطلب من أن
يستنصر الله تعالى لهم ،قال له وقد أحمر وجهه صلى الله عليه
وسلم أو تغير لونه ،فقال له(-:لقد كان من قبلكم تحفر له
الحفرة ،ويجاء بالمنشار فيوضع على رأسه ،فيشق نصفين ما
يصرفه ذلك عن دينه ،وليتمن الله هذا المر ،حتى يسير الراكب
ما بين صنعاء إلى حضرموت ،ما يخشى إل الله والذئب على
غنمه) .وقد تم هذا كما أخبر صلى الله عليه وسلم [ .صحيح
البخاري ]
منعت العراق درهمها سادسا ً -:قوله صلى الله عليه وسلمُ (:
وقفيزها ،ومنعت الشام مدها ودينارها ،ومنعت مصر أرد بها
ودينارها ،وع ُدتم من حيث بدأتم) فهذا الخبر قد وقع كما أخبر
صلى الله عليه وسلم ،فقد منعت العراق ،ومنعت الشام ،ومنعت
مصر ،ما كانوا يؤدونه إلى أهل الحجاز من خراج وغيره ،وعاد
أهل الحجاز كما بدؤوا فمسهم الجوع ،ونالهم بعد ما أصابهم من
رغد العيش وسعة الرزق.
سابعا ً -:قوله صلى الله عليه وسلم((:الخلفة بعدي ثلثون سنة
ثم يؤتي الله ملكه من يشاء)) فهذا الخبر من أنباء الغيب ،إذ
كانت خلفة أبي بكر سنتين وأربعة أشهر إل عشر ليال ،وكانت
خلفة عمر عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام ،وخلفة عثمان
اثنتي عشر سنة إل اثني عشر يوماً ،وكانت خلفة علي خمس
سنوات إل شهرين ،وتكميل الثلثين بخلفة الحسن بن علي رضي
الله عنهما ،إذ كانت نحو من ستة أشهر ،ثم نزل عليهما لمعاوية
عام أربعين من الهجرة
20يوم 3أشهر 2سنة أبو بكر
23
أشهر 10 سنوات 4 علـي
شهريــــــــن الحسن
24
الناقة ،والذي يضربك يا علي على هذه -يعني قرنه -حتى يبل
أي بالدم هذه أي لحيته) [ صحيح الجامع الصغير ]
فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم فقد ضربه رضي الله عنه
عبد الرحمن بن ملجم أحد الخوارج بالكوفة فقتله على نحو ما
أخبر عليه الصلة والسلم.
الثاني عشر -:قوله صلى الله عليه وسلم((سيكون في هذه المة
بعث إلى السند والهند)) فهذا الخبر الصادق وقع كما أخبر صلى
الله عليه وسلم فقد فتح المسلمون الهند أيام معاوية سنة 44هـ
أربع وأربعين ثم توالى الغزو والفتح كما أخبر صلى الله عليه
وسلم.
سهيل بن عمرو-: رابع عشر -:قوله صلى الله عليه وسلم في ُ
(عسى أن يقوم مقاما ً يسرك يا عمر) وذلك يوم صلح الحديبية
سهيل وكان ممثلً حيث غضب عمر رضي الله عنه من تعنت ُ
لقريش يومئذ فقال له صلى الله عليه وسلم(-:عسى أن يقوم
مقاما ً يسرك يا عمر) وكان المر كما أخبر صلى الله عليه وسلم
إذ مات الرسول صلى الله عليه وسلم واضطربت البلد ونجم
الكفر ووقف سهيل بن عمرو رضي الله عنه بباب الكعبة بمكة
فخطب فثبت أهل مكة وقوى بصائرهم فحفظهم الله من الردة
بسببه وهو موقف سر عمر والمؤمنين وصدق عليه الصلة
والسلم.
خامس عشر :النبي صلى الله عليه وسلم يخبر وهو في المدينة
أن أمته ستفتح كنوز كسرى:
روى المام البخاري رحمه الله بإسناده إلى عدي بن حاتم قال:
بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه
الفاقة ،ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل .فقال[ :يا عدي ،هل
رأيت الحيرة؟] قلت :لم أرها ،وقد أنبئت عنها .قال[ :فإن طالت
بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة ل
تخاف أحدا ً إل الله ،قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار(الدعار
هو الخبث الشديد) طيء الذين قد سعروا البلد؟ ولئن طالت بك
حياة لتفتحن كنوز كسرى] .قلت :كسرى بن هرمز؟ قال:
[كسرى بن هرمز .ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء
كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فل يجد أحدا ً يقبله
منه ،وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمأن
يترجم له ،فيقولن ألم أبعث إليك رسول ً فيبلغك فيقول بلى
فيقول :ألم أعطك مال ً وأفضل عليك؟ فيقول :بلى!! فينظر عن
يمينه فل يرى إل جهنم ،وينظر عن يساره فل يرى إل جهنم] .قال
عدي :سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول[ :اتقوا النار
25
ولول بشق تمرة ،فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة] .قال
عدي :فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة ل
تخاف إل الله ،وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ،ولئن
طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه
وسلم :يخرج ملء كفه(.رواه البخاري)
سادس عشر :إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه إذا هلك كسرى
فل كسرى بعده ،وإذا هلك قيصر فل قيصر بعده:
قال البخاري رحمه الله :حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو
الزناد عن العرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال ":إذا هلك كسرى فل كسرى بعده،
وإذا هلك قيصر فل قيصر بعده ،والذي نفسي بيده لتنفقن
كنوزهما في سبيل الله.
سابع عشر :الخبار عن فتح خيبر من الغد فتم ما أخبر به
الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم :قال عليه الصلة
والسلم في غزوة خيبر((-:لعطين هذه الراية غدا رجل ً يفتح الله
على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)) قال فبات
الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على
رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال:
أين علي بن أبي طالب" فقيل هو يا رسول الله يشتكي عينيه
قال :فأرسلوا إليه (ائتوني به) فأُتي به فنفث في عينه بقليل من
ريقه عليه الصلة والسلم فبرأ لتوه ولم يمرض بعينه قط [ .رواه
البخاري في كتاب الغزوات ورواه مسلم في باب فضائل
الصحابة]
وفي الحديث معجزتين ظاهرتين للنبي صلى الله عليه وسلم
الولى إخباره بأن الله تعالى يفتح على يديه خيبر فكان كما
أخبر ،والثانية شفائه علي رضي الله عنه وأرضاه.
الثامن عشر :ومن علمات نبوته صلى الله عليه وسلم أنه أخبر
عن مصارع المشركين في بدر قبل مصرعهم :روى مسلم في
صحيحه وأحمد _ واللفظ له _ عن أنس بن مالك رضي الله عنه
قال :كنا مع عمر بين مكة والمدينة فترائينا الهلل وكنت حديد
البصر فرأيته فجعلت أقول لعمر :أما تراه ،قال سأراه وأنا
مستلق على فراشي ،ثم أخذ يحدثنا عن أهل بدر ،قال :إن كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرينا مصارعهم بالمس،
يقول((:هذا مصرع فلن غدا ً إن شاء الله تعالى ،وهذا مصرع
فلن غدا ً أن شاء الله تعالى)) قال :فجعلوا يصرعون عليها قال،
قلت والذي بعثك بالحق ما أخطئوا تيك كانوا يصرعون عليها.
26
التاسع عشر :إخباره صلى الله عليه وسلم عن مقتل أمراء مؤتة
قبل أن يأتي الخبر بمقتلهم:
روى البخاري في الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا ً وجعفرا ً وابن رواحة للناس
قبل أن يأتيهم خبرهم فقال(( :أخذ الراية زيد فأصيب ،ثم أخذ
جعفر فأصيب ثم أخذ ابن رواحه فأصيب -وعيناه تذرفان _ حتى
أخذها سيف من سيوف الله _ يعني خالد ابن الوليد رضي الله
عنه _ حتى فتح الله عليهم)) [ الفتح ] 54 / 9
عشرون :إخباره صلى الله عليه وسلم بفساد بعض أحوال
المسلمين وقتالهم بعضهم بعضا ً بعد فتح فارس والروم:
قال مسلم رحمه الله :حدثنا عمرو بن سواد العامري أخبرنا عبد
الله بن وهب أخبرني عمرو بن العاص حدثه عن عبد الله بن
عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال[ :
إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟ ] قال عبد الرحمن
بن عوف :نقول كما أمرنا الله .قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم[ :أو غير ذلك .تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم
تتباغضون أو نحو ذلك ،ثم تنطلقون في مساكن المهاجرين
فتجعلون بعضهم على رقاب بعض](مسلم )4/2274
قلت :وللسف فقد حدث ما أخبر به الرسول صلى الله عليه
وسلم ،وقتل المهاجرين والنصار بعضهم بعضا ً في الجمل
وصفين!! فأنا لله وأنا إليه راجعون
الحادي والعشرون :أخبر صلى الله عليه وسلم بأنه ل تقوم
الساعة حتى تقاتل أمته قوما ً صغار العين ذلف النوف(قصر
النف مع انبطاحه) ،وهذه حلية التتار ،فكان كذلك ووقع ما أخبر
به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
الثاني والعشرون :أخبر صلى الله عليه وسلم بأن عمارا ً ستقتله
الفئة الباغية ،فقتل يوم صفين مع علي رضي الله عنه [ رواه
البخاري :الصلة [ ] 644 / 1ومسلم :الفتن [ ] 2915 / 4وأخرجه
مسلم في صحيحه رقم( )2916من حديث أم سلمة.
الثالث والعشرون :أخبر صلى الله عليه وسلم بقتال الخوارج،
ووصف لهم الثدية ،فحدث كما وصف سواء بسواء .وأحاديث
قتال الخوارج متواترة ،أنظرها في السنة لبن أبي عاصم(623 / 2
_ )2233من حديث أبي بكرة.
الثالث والعشرون :أخبر الصادق المصدوق عليه الصلة والسلم
بأنه سوف تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق البل
ببصرى ،فوقع ما أخبر به ،وكان ظهور هذه النار في سنة بضع
وخمسين وستمائة ،وتواتر أمرها [ .البخاري :الفتن ] 84 / 13
27
[ مسلم :الفتن ] 2227 / 4رقم( )2902قال النووي :تواتر العلم
بخروج هذه النار عند أهل الشام _ وبصرى مدينة معروفة
بالشام ،تبعد عن دمشق حوالي 100كم شرقاً.
وأخيًرا وبعد هذا العرض لبعض المعجزات الظاهرة للنبي الخاتم
صلى الله عليه وسلم نقول :تعسا ً والله لمن ل يعتبر..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العاللمين
تن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأ ِ .2شبهة أ ّ
بمعجزة
مقدمة:
ً
طبع أحد المستشرقين كتابا مختصرا يحتوي على ترجمة لحياة ً
النبي(صلى الله عليه وآله) ،وعلى غلف الكتاب وضعت صورة
خيالية للنبي(صلى الله عليه وآله) ،كتب تحتها العبارة التية :متى
يُطلب منه – يقصد بذلك النبي(صلى الله عليه وآله) – التيان
بمعجزة ،كان يقول :ليس لدّي معجزة ،وأن الله لم يمنحنيها.
رد الشبهة:
ن هذا المستشرق خلط الحق بالباطل بهذه الشبهة ،فعندما قال إ ّ
النبي(صلى الله عليه وآله) :المعجزة ليست بيدي ،هذا الكلم
حق ،ويعرفه الناس جميعاً ،والية الكريمة التية تؤيّد ذلك ،قال
َ ْ الله تعالى(:وما كَان ل ِرسو َ
ن اللهِ) الرعد،38 : ي بِآيَةٍ إِل ّ بِإِذ ْ ِل أن يَأت ِ َ َ َ ُ ٍ َ َ
غافر.78 :
وفي معاجز النبي عيسى(عليه السلم) يؤكّد القرآن الكريم على
َ
ن كَهَيْئَةِ ُالط ّي ْ ِ
ر ّ
ن الطِي َ ِ م َ خلُقُ لَكُم ِّ هذا المضمون ،قال تعالى(:أَنِّي أ َ ْ
حيِـي ص وَأ ْ
ه والبَْر َ م َ
ُ
ن اللهِ وَأبْرِىءُ الك ْ َ ن طَيًْرا بِإِذ ْ ِخ فِيهِ فَيَكُو ُ فَأَنفُ ُ
ن اللهِ) آل عمران.49 : ال ْ َ ْ
موتَى بِإِذ ْ ِ
ن النبياء(عليهم السلم) جميعا ً ل يستطيعون وخلصة القول :أ ّ
عمل شيء إل ّ بإذن الله تعالى ،وهذا الكلم يدعمه الدليل العلمي
والفلسفي.
ن النبي(صلى نعود الن إلى الدِّعاء الثاني من الشبهة ،وهو :أ ّ
ن الله لم يعطني أي معجزة. الله عليه وآله) قال :بأ ّ
ن القرآن الكريم ،والخبار ،والحاديث وهذا ال ِدّعاء مرفوض ،ل ّ
المتواترة ،التي جمعها المحدّثون في كتبهم ،اتفقت جميعها على
حدوث كثير من المعجزات على يد النبي(صلى الله عليه وآله)،
وأنّها كانت بتسديد من الله عَّز وجل.
لنصرف النظر الن عن كتب الحديث والرواية ،ونذهب إلى
القرآن الكريم ،ليقضي بيننا في هذا المر ،نجد القرآن الكريم قد
ذكر كثيرا ً من المعجزات ،نذكر منها على سبيل المثال ل الحصر:
- 1شق القمر(سورة القمر).
28
- 2المعراج(سورة السراء).
- 3المباهلة(آل عمران.)61 :
وبناءً على ذلك يكون الرسول(صلى الله عليه وآله) قد جاء
بالمعجزات كباقي النبياء(عليهم السلم) عندما كان الناس
ن معجزات النبياء(عليهم يطالبونه بها لثبات نبوته ،علما ً أ ّ
صة بزمانهم ومكانهم. السلم) كانت خا ّ
صاً
أما معجزات النبي(صلى الله عليه وآله) فمنها ما كان مخت ّ
بزمان ومكان معين ،ومنها التي لم تتقيّد بحدود المكان والزمان،
وبقت وستبقى شاهدة على نبوته(صلى الله عليه وآله) إلى يوم
القيامة ،وهي معجزة القرآن الكريم.
القرآن الكريم الذي تحدَّى الناس أجمعين من الولين والخرين،
بأن يأتوا ولو بآية من مثله ،لكنهم عجزوا عن ذلك ،لذلك – وأمام
هذا التحدي – نجد بعض المغرضين ،أو قاصري النظر ،تصوّروا
ن النبي(صلى الله عليه وآله) ليس لديه معجزة غير القرآن. بأ ّ
في الوقت الذي صَّرحت به كثير من اليات والروايات بأ ّ
ن
للنبي(صلى الله عليه وآله) معجزات أخرى غير القرآن الكريم،
وقد ذكرنا قسما ً منها فيما تقدّم.
.3المعجزة الكبرى ..القرآن الكريم
أعطى الله عز وجل كل نبي من النبياء عليهم السلم معجزة
خاصة به لم يعطيها بعينها غيره تحدى بها قومه ،وكانت معجزة
كل نبي تقع مناسبة لحال قومه وأهل زمانه
فلما كان الغالب على زمان موسى عليه السلم السحر وتعظيم
السحرة ،بعثه الله بمعجزة بهرت البصار ،وحيرت كل سحار،
فلما استيقنوا أنها من عند العزيز الجبار انقادوا للسلم وصاروا
من عباد الله البرار.
وأما عيسى عليه السلم فبعثه الله في زمن الطباء وأصحاب
علم الطبيعة ،فجاءهم من اليات بما ل سبيل لحد إليه إل أن
يكون مؤيدًا من الذي شرع الشريعة ،فمن أين للطبيب قدرة
على إحياء الجماد ،وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد،
أو على مداواة الكمه والبرص،
29
َ
ن { }33فَلْيَأْتُوا منُو َ ه بَل ّل يُؤ ْ ِ ن تَقَوَّل َ ُ م يَقُولُو َ
َ
قال الله تعالي( :أ ْ
ن) -سورة الطور ايات 33و 34 صادِقِي َ مثْلِهِ إِن كَانُوا َ ث ِّ حدِي ٍ بِ َ
ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه فقال في سورة هود( :أم
يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من
استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين).
ثم تنازل إلى سورة فقال في سورة يونس( :أم يقولون افتراه
قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم
صادقين) وكذلك في سورة البقرة وهى مدنية أعاد التحدي
بسورة منه ،وأخبر تعالى أنهم ل يستطيعون ذلك أبدا ل في
ْ َ
ما ن َ ّزلنَا م َّب ِّم فِي َري ْ ٍ الحال ول في المآل فقال تعالى( :وَإِن كُنت ُ ْ
ْ
ن اللّهِ من د ُ َو ِ شهَدَاءكُم ِّ مثْلِهِ وَادْع ُوا ْ ُ من ِّ سوَرةٍ ِّ ع َلَى ع َبْدِنَا فَأتُوا ْ ب ِ ُ
َ
م تَفْعَلُوا ْ وَلَن تَفْعَلُوا ْ فَاتَّقُوا ْ النَّاَر ال ّتِي ن فَإِن ل ّ ْ صادِقِي َ م َ ن كُنْت ُ ْ
إِ ْ
ْ َ ُ ْ َ
ن) (سورة البقرة.)24-23: ت لِلكَافِرِي َ عد ّ ْ جاَرة ُ أ ِ ح َ س وَال ِ وَقُودُهَا الن ّا ُ
وهكذا وقع ،فإنه من لدن رسول الله صلى الله عليه و سلم وإلى
زماننا هذا لم يستطع أحد أن يأتي بنظيره ول نظير سورة منه،
وهذا ل سبيل إليه أبدا؛ فإنه كلم رب العالمين الذي ل يشبهه
شيء من خلقه ل في ذاته ول في صفاته ول في أفعاله ،فأنى
يشبه كلم المخلوقين كلم الخالق؟
وقد انطوى كتاب الله العزيز على وجوه كثيرة من وجوه
العجاز :ذلك أن القرآن الكريم معجز في بنائه التعبيري وتنسيقه
الفني باستقامته على خصائص واحدة في مستوى واحد ل يختلف
ول يتفاوت ول تختلف خصائصه معجز في بنائه الفكري وتناسق
أجزائه وتكاملها ،فل فلتة فيه ول مصادفة ،كل توجيهاته
وتشريعاته تتناسب وتتكامل وتحيط بالحياة البشرية دون أن
تصطدم بالفطرة النسانية معجز في يسر مداخله إلى القلوب
والنفوس ولمس مفاتيحها وفتح مغاليقها واستجاشة مواضع التأثر
والستجابة فيها وقد سرد هبة الدين الحسيني الشهرستاني
المزايا الجمالية للقرآن ومنها:
-فصاحة ألفاظه الجامعة لكل شرائعها.
-أنباؤه الغيبية ،وأخباره عن كوامن الزمان ،وخفايا المور.
-قوانين حكيمة في فقه تشريعي ،فوق ما في التوراة والنجيل،
وكتب الشرائع الخرى
-سلمته عن التعارض والتناقض والختلف.
-أسرار علمية لم تهتد العقول إليها بعد عصر القرآن إل بمعونة
الدوات الدقيقة واللت الرقيقة المستحدثة.
-ظهوره على لسان أمي لم يعرف القراءة ول الكتابة.
-خطاباته البديعة ،وطرق إقناعه الفذة.
30
-سلمته من الخرافات والباطيل.
-تضمنه السس لشريعة إنسانية صالحة لكل زمان ومكان.
قال الحافظ بن كثير :إن الخلق عاجزون عن معارضة هذا
القرآن ،بعشر سور مثله ،بل عن سورة منه ،وأنهم ل يستطيعون
َ
م تَفْعَلُوا ْ وَلَن تَفْعَلُواْ) (-سورة البقرة آية كما قال تعالى(:فَإِن ل ّ ْ
)24أي فان لم تفعلوا في الماضي ،ولن تستطيعوا ذلك في
المستقبل ،وهذا تحد ثان ،وهو أنه ل يمكن معارضتهم له في
الحال ول في المآل ومثل هذا التحدي إنما يصدر عن واثق بأن ما
جاء به ل يمكن لبشر معارضته ،ول التيان بمثله ،ولو كان من
عند نفسه لخاف أن يعارض ،فيفتضح ويعود عليه نقيض ما قصد
من متابعة الناس له..
.4عصمته صلى الله عليه وسلم من الناس
لقي رسول الله صلى الله عليه و سلم من أعدائه كثير الذى
وعظيم الشدة منذ أن جهر بدعوته ولكن الله تبارك وتعالى
حفظه ونصره وعصمه من الناس كما قال تعالى في كتابه
َ ما أُنزِ َ َ
ل ك وَإِن ل ّ ْ
م تَفْعَ ْ من َّرب ِّ َ
ك ِل إِلَي ْ َ ل بَل ِّغْ َ
سو ُ العزيز( :يَا أي ُّ َها الَّر ُ
َ
س -سورة المائدة آية م َ َ م َ ه وَالل ّ ُسالَت َ ُ ما بَل ّغْ َ
فَ َ
ن الن ّا ِ ك ِ ص ُه يَعْ ِ ت رِ َ
.67
وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يحرس قبل نزول هذه الية
من قبل بعض أصحابه فلما نزلت هذه الية قال :يا أيها الناس
انصرفوا عني فقد عصمني الله عز وجل
ومن المثلة على عصمة الله لرسوله وكف العداء عنه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال أبو جهل :هل يعفر
محمد وجهه بين أظهركم؟ -أي يسجد ويلصق وجهه بالعفر وهو
التراب قال :قيل :نعم فقال :واللت والعزى لئن رأيته يفعل
ذلك لطأن على رقبته أو لعفرن وجهه في التراب .قال :فأتى
رسول الله رضي الله عنه وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته قال
فما فجئهم(أي بغتهم) منه إل وهو ينكص على عقبيه(أي رجع
يمشي إلى ورائه) ويتقي بيديه قال فقيل له :مالك؟ فقال :إن
بيني وبينه لخندقًا من نار وهول ً وأجنحة .فقال رسول الله صلى
الله عليه و سلم :لو دنا مني لختطفته الملئكة عضوًا عضوًا -
رواه البخاري مختصًرا ورواه مسلم واللفظ له.
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قصة الهجرة النبوية
قال :فارتحلنا بعد ما مالت الشمس واتبعنا سراقة بن مالك
فقلت :أتينا يا رسول الله فقال :ل تحزن إن الله معنا فدعا عليه
النبي صلى الله عليه و سلم فارتطمت به فرسه إلى بطنها
فقال :إني أراكما قد دعوتما علي فادعوا لي فالله لكما أن أرد
31
عنكما الطلب .فدعا له النبي صلى الله عليه و سلم فنجا فجعل
ل يلقى أحدًا إل قال :كفيتكم ما هنا فل يلقى أحدًا إل رده قال:
ووفيلنا -رواه مسلم والبخاري مطولً.
عن سلمة بن الكوع رضي الله عنه قال :غزونا مع رسول الله
صلى الله عليه و سلم حنينًا فولى صحابة النبي صلى الله عليه و
سلم فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه و سلم(أي أتوه من
كل جانب) نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب الرض ثم
استقبل به وجوههم فقال :شاهت الوجوه(أي قبحت) فما خلق
الله منهم إنسانًا إل مل عينيه ترابًا بتلك القبضة فولوا مدبرين
فهزمهم الله عز وجل وقسم رسول الله صلى الله عليه و سلم
غنائمهم بين المسلمين -رواه مسلم.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :غزونا مع رسول الله
صلى الله عليه و سلم قبل نجد(أي ناحية نجد في غزوته إلى
غطفان وهي غزوته ذي أمر موضع من ديار غطفان) فأدركنا
رسول الله صلى الله عليه و سلم في واد كثير العضاه(هي كل
شجرة ذات شوك) فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم تحت
شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها قال :وتفرق الناس في
الوادي يستظلون بالشجر قال :فقال رسول الله صلى الله عليه
و سلم :إن رجل ً أتلني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو
قائم على رأسي فلم أشعر إل والسيف صلتًا(أي مسلولً) في
يده فقال لي :من يمنعك مني؟ قال :قلت :الله ثم قال في
الثانية :من يمنعك مني؟ قال :قلت :الله .قال :فشام السيف(أي
رده في غمده) فها هو ذا جالس ثم لم يعرض له رسول الله
صلى الله عليه و سلم -رواه البخاري ومسلم.
جالس أمامها ول تراه:
ت يَدَا قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها :لما نزلت {تَب َّ ْ
َ
ب } جاءت العوراء أم جميل ،ولها ولولة وفي يدها أبِي لَهَ ٍ
ب وَت َ َّ
ما أبينا ،ودينه قلينا ،وأمره عصينا ،ورسول فهر وهي تقول :مذم ً
الله صلى الله عليه وسلم جالس ،وأبو بكر إلى جنبه ،فقال أبو
بكر رضي الله عنه :لقد أقبلت هذه ،وأنا أخاف أن تراك ،فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم :إنها لن تراني ،وقرأ قرآنًا
َ ْ
ن لَ ن ال ّذِي َ
ك وَبَي ْ َجعَلْنَا بَيْن َ َن َت الْقُرآ َ
اعتصم به منها{ :وَإِذ َا قََرأ َ
ستُوراً}. جابا ً َّ
م ْ ح َ
خَرةِ ِ ن بِال ِ يُؤ ْ ِ
منُو َ
قال :فجاءت حتى قامت على أبي بكر ،فلم تر النبي صلى الله
عليه وسلم ،فقالت :يا أبا بكر بلغني أن صاحبك هجاني ،فقال أبو
بكر :ل ورب هذا البيت ما هجاك(أي أنه حكى ما قاله ربه ،وما
كان هذا كلمه ،وإنما كلم ربه تعالى فلم يكن هاجيًا له) ،قال:
32
فانصرفت وهي تقول :لقد علمت قريش أني بنت سيدها -رواه
أبو يعلى.
مر صلى الله عليه وسلم عليهم وألقى على رءوسهم التراب ول
يرونه:
لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليًا رضي الله عنه يوم
الهجرة أن يبيت في مضجعه تلك الليلة ،واجتمع أولئك النفر من
قريش يتطلعون من صير الباب ويرصدونه ،ويريدون بياته
ويأتمرون أيهم يكون أشقاها ،فخرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم عليهم ،فأخذ حفنة من البطحاء ،فجعل يذره على
سدّاً رءوسهم ،وهم ل يرونه وهو يتلو { وجعلْنا من بي َ
م َ ن أيْدِيهِ ْ َ َ َ َ ِ َْ ِ
ن }. صُرو َ م ل َ يُب ْ ِم فَهُ ْ شيْنَاهُ ْسدّا ً فَأَغ ْ َ خل ْ ِفهِ ْ
م َ ن َ م ْوَ ِ
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر
فخرجا من خوخة في دار أبي بكر ليلً ،وجاء رجل ورأى القوم
ببابه ،فقال :ما تنتظرون؟ قالوا :محمدًا قال :خبتم وخسرتم،
قال :والله مر بكم وذّر على رءوسكم التراب ،قالوا :والله ما
أبصرناه.
وقاموا ينفضون التراب عن رءوسهم ،وهم :أبو جهل والحكم بن
العاص وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وأمية بن خلف
وزمعة بن السود وطعيمة بن عدي وأبو لهب وأبي بن خلف ونبيه
ومنبه ابنا الحجاج .أخرجه ابن سعد وابن هشام وأحمد ،وقد
حسنه ابن كثير وابن حجر في الفتح.
أراد قتل الرسول صلى الله عليه وسلم فخذله الله:
عن جابر رضي الله عنه أن رجل ً من محارب يقال له غورث بن
الحارث قال لقومه :أقتل لكم محمدًا ،فقالوا :كيف تقتل؟ قال:
أفتك به ،فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس
وسيفه في حجره ،فقال :يا محمد ،أنظر إلى سيفك هذا؟ قال:
نعم ،فأخذه واستله وجعل يهزه ويهم فيكبته الله(أي فيخذله
الله)فقال :يا محمد ،أنظر إلى سيفك هذا؟ قال :نعم ،فأخذه
واستله وجعل يهزه ويهم فيكبته الله فقال :يا محمد أما تخافني؟
قال :ل ،وما أخاف منك
قال :أل تخافني وفي يدي السيف؟ قال :ل يمنعني الله منك.
ثم أغمد السيف ورده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
َ َ
ت الل ّ ِ
ه م َ منُوا ْ اذ ْكُُروا ْ نِعْ َنآ َ فأنزل الله عز وجل( :يَا أيُّهَا ال ّذِي َ
م قَوم أَن يبسطُوا ْ إلَيك ُم أَيديهم فَك َ َّ َ
م) - م ع َنك ُ ْ ف أيْدِيَهُ ْ ِ ْ ْ ْ َُِ ْ َْ ُ م إِذ ْ هَ َّ ْ ٌ ع َلَيْك ُ ْ
سورة المائدة ،من الية -11:أخرجه أبو نعيم.
أراد أن يدمغ النبي صلى الله عليه وسلم بحجر فيبست يده على
الحجر:
33
عن المعتمر بن سليمان عن أبيه :أن رجل ً من بني مخزوم قام
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده فهر(حجر يمل
الكف) ليرمي به رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فلما أتاه وهو
ساجد رفع يده وفيها الفهر ليدمغ(أي ليرمي) به رسول الله صلى
الله عليه وسلم ،فيبست يده على الحجر فلم يستطع إرسال
الفهر من يده ،فرجع إلى أصحابه فقالوا :أجبنت عن الرجل؟
قال :لم أفعل ولكن هذا في يدي ل أستطيع إرساله .فعجبوا من
ذلك ،فوجدوا أصابعه قد يبست على الفهر ،فعالجوا أصابعه حتى
خلصوها ،وقالوا هذا شئ يراد .أخرجه أبو نعيم في الدلئل.
أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم فنزل عليه شواظ من نار:
قال شيبة بن عثمان :لما غزا النبي صلى الله عليه وسلم حنينًا،
تذكرت أبي وعمي قتلهما علي وحمزة فقلت :اليوم أدرك ثأري
في محمد،فجئت من خلفه فدنوت منه ودنوت حتى لم يبق إل أن
أسوره بالسيفُ ،رفع لي شواظ من نار كأنه البرق فخفت أن
يحبسني فنكصت القهقرى
فالتفت إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال :يا شيبة! قال:
فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدري
فاستخرج الله الشيطان من قلبي ،فرفعت إليه بصري وهو أحب
إلي من سمعي وبصري ومن كذا .أخرجه أبو نعيم في الدلئل.
منع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من القتل في غزوة
ذات الرقاع:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :غزونا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم غزوة قبل نجد ،فأدركنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم في واد كثير العضاة(أي كثير الشجار) ،فنزل
رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فعلق سيفه بغصن
من أغصانها ،قال :وتفرق الناس في الوادي يستظلن بالشجر،
قال :فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :إن رجل ً أتاني وأنا
نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي فلم أشعر إل
والسيف صلتًا في يده
فقال لي :من يمنعك مني؟
قال :قلت :الله
ثم قال في الثانية :من يمنعك مني؟
قال :قلت :الله
قال :فشام السيف(أي أغمده) ،فها هو جالس ،ثم لم يعرض له
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه مسلم ،كتاب الفضائل
34
هذا الرجل اسمه غورث بن الحارث ،وقيل :اسمه غويرث ،وقيل:
دعثورا.
إخباره صلى الله عليه وسلم عن الذي غل في سبيل الله:
عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رجل ً من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر ،فقال صلى
الله عليه وسلم :صلوا على صاحبكم ،فتغيرت وجوه الناس
لذلك ،فقال :إن صاحبكم غل في سبيل الله(الغلول :أخذ شيء
من أموال الغنائم أو المال العام خفية) ،ففتشنا متاعه فوجدنا
خرًزا من خرز اليهود ل تساوي درهمين.
صحيح :أخرجه مالك في الموطأ في الجهاد ،وأحمد ،وأبو داود،
والنسائي ،وابن ماجه.
كن أبا خيثمة فكان:
لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك ،تخلف عنه
بعض الصحابة رضي الله عنهم بدون شك ول ارتياب ،منهم أبو
خيثمة السالمي ،ثم إن أبا خيثمة رجع بعد أن سار رسول الله
ما ،فوجد امرأتين له في عريشين لهما صلى الله عليه وسلم أيا ً
في حائطه ،قد رشت كل واحدة منهما عريشها وبردت له ماء،
ما ،فلما دخل قام على باب العريش ،فنظر وهيأت له فيه طعا ً
إلى امرأتيه وما صنعتا له فقال :رسول الله صلى الله عليه
وسلم في الضح(الشمس) والريح والحر ،وأبو خيثمة في ظل
بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء ،في ماله مقيم ،ما هذا
بالنصف(النصاف العدل) ،ثم قال :والله ل أدخل عريش واحدة
منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ،فهيئا لي
زادًا ،ففعلتا ،ثم قدم ناضحه(بعيره) فارتحله ثم خرج في طلب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،حتى أدركه حين نزل تبوك،
وقد كان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي في الطريق
يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فترافقا حتى إذا دنوا من
تبوك قال أبو خيثمة لعمير بن وهب :إن لي ذنبًا ،فل عليك أن
تتخلف عني حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ففعل
حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل
بتبوك ،قال الناس :هذا راكب على الطريق مقبل ،فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم :كن أبا خيثمة ،قالوا :يا رسول الله!
هو والله أبو خيثمة ،فلما أناخ أقبل ،فسلم على رسول الله صلى
الله عليه وسلم ،فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أولى لك يا أبا خيثمة ،فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
خبره ،فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :خيًرا ودعا له
بخير.
35
رواه ابن هشام ،عن ابن إسحاق بل سند ،وفي حديث كعب بن
مالك الطويل المخرج في البخاري ومسلم :فبينما هو على ذلك
ضا يزول به السراب ،فقال رسول الله صلى الله رأى رجل ً مبي ً
عليه وسلم :كن أبا خيثمة ،فإذا هو أبو خيثمة النصاري ،وهو الذي
تصدق بصاع التمر حين لمزه المنافقون.
أخبر أنه من أهل النار فكان كذلك:
عن عبد الله بن عمرو قال :كان على ثقل(الثقل :العيال ،وما
يثقله من المتعة) النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له
كركرة ،فمات ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم :هو في النار،
فذهبا ينظرون ،فوجدوا عليه كساء أو عباءة قد غلها .أخرجه
البخاري ،وأحمد ،وأخرجه ابن ماجة كتاب الجهاد باب في الغلول.
إجابة النبي صلى الله عليه وسلم السائل قبل أن يسأله:
عن وابصة السدي رضي الله عنه قال :أتيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأنا أريد أن ل أع شيئًا من البر والثم إل سألته
عنه ،وحوله عصابة من المسلمين يستفتونه ،فجعلت أتخطاهم،
فقالوا :إليك وابصة عن رسول الله فقلت :دعوني فأدنو منه،
فإنه أحب الناس إلي أن أدنو منه ،قال :دعوا وابصة ،ادن يا
وابصة ،مرتين أو ثلثًا .قال :فدنوت منه حتى قعدت بين يديه،
فقال :يا وابصة أخبرك أم تسألني؟ فقلت :ل ،بل أخبرني فقال:
جئت تسأل عن البر والثم؟ فقلت :نعم ،فجمع أنامله فجعل
ينكت بهن في صدري ويقول :يا وابصة استفت قلبك استفت
نفسك(ثلث مرات) البر ما اطمأنت إليه النفس والثم ما حاك
في النفس وتردد في صدرك ،وإن أفتاك الناس وأفتوك.صحيح:
أخرجه أحمد.
إخباره صلى الله عليه وسلم أن غلمه غل شملة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :لما أصيب مدعم غلم النبي
صلى الله عليه وسلم يوم خيبر قالوا :هنيئًا له الجنة ،قال صلى
الله عليه وسلم :كل والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها
يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناًرا ،فجاء
رجل بشراك أو شراكين لما سمع ذلك فقال :شراك أو شراكان
من نار .صحيح :أخرجه البخاري ،ومسلم ،وأبو داود والنسائي.
وقوف الكفار أمام باب الغار:
جدت قريش في طلب الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر
رضي الله عنه ،وأخذوا معهم القافة(متبعو الثر) حتى انتهوا إلى
باب الغار فوقفوا عليه ،قال أبو بكر :يا رسول الله ،لو أن
36
أحدهم نظر إلى ما تحت قدميه لبصرنا ،فقال صلى الله عليه
وسلم :يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ل تحزن فإن الله
معنا .صحيح :رواه البخاري ومسلم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يسمعان كلمهم فوق
مى عليهم أمرهما.رءوسهما ،ولكن الله ع َّ
.5دلئل نبوته فيما يتعلق ببعض الحيوانات
قصة البعير وسجوده وشكواه لرسول الله صلى الله عليه و
سلم:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :كان أهل البيت من
النصار لهم جمل يسنون عليه وأنه استصعب عليهم فمنعهم
ظهره وأن النصار جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
فقالوا :إنه كان لنا جمل نسني عليه(أي نستقي عليه) أنه
استصعب علينا ومنعنا ظهره ،وقد عطش الزرع والنخل .فقال
رسول الله صلى الله عليه و سلم لصحابه :قوموا فقاموا فدخل
الحائط والجمل في ناحيته ،فمشى النبي صلى الله عليه و سلم
نحوه فقالت النصار :يا رسول الله إنه قد صار مثل الكلب وإنا
ي منه بأس .فلما نظر الجمل نخاف عليك صولته فقال :ليس عل َ
إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أقبل نحوه حتى خر
ساجدا ً بين يديه ،فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بناصيته
أذل ما كانت قط ،حتى أدخله في العمل فقال له أصحابه :هذه
البهيمة ل تعقل تسجد لك ،ونحن أحق أن نسجد لك .فقال" :ل
يصلح لبشر أن يسجد لبشر ،ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر
لمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها ،والذي
نفس محمد بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تتفجر
بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه -رواه المام
أحمد في مسنده
وعن عبد الله بن جعفر -رضي الله عنهما قال :أردفني رسول
ي حديثا ً لالله صلى الله عليه و سلم ذات يوم خلفه فأسر إل َ
أخبر به أحدا ً أبدا ً وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم أحب
ما استتر به في حاجته هدف أو حائش نخل(أي جماعة النخل)
فدخل يوما ً حائطا ً من حيطان النصار فإذا جمل قد أتاه
فجرجر(أي ردد صوته في حنجرته) وذرفت عيناه قال بهر
ن وذرفت عيناه وعفان :فلما رأى النبي صلى الله عليه و سلم ح َ
فمسح رسول الله صلى الله عليه و سلم سراته(الظهر وقيل
السنام) وذفراه(العظم الشاخص خلف الذن) سكن فقال :من
صاحب هذا الجمل؟ فجاء فتى من النصار فقال :هو لي يا رسول
الله .فقال :أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملككها الله ،إنه
37
شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه -رواه أبو داوود والمام أحمد في
مسنده والحاكم في المستدرك.
إخبار الذئب بنبوته صلى الله عليه و سلم:
عن أبي سعيد الخضري رضي الله عنه قال :عدا الذئب على شاة
فأخذها فطلبه الراعي فانتزعها منه ،فأقعى الذئب على ذنبه
فقال :أل تتقي الله؟ تنزع مني رزقا ً ساقه الله إلي؟ فقال :يا
عجبي ذئب يقعي على ذنبه يكلمني كلم النس .فقال الذئب :أل
أخبرك بأعجب من ذلك؟ محمد صلى الله عليه و سلم بيثرب
يخبر الناس بأنباء ما قد سبق قال :فأقبل الراعي يسوق غنمه
حتى دخل المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها ،ثم أتى رسول
الله صلى الله عليه و سلم فأخبره.
فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فنودي :الصلة جامعة ثم
خرج فقال للراعي أخبرهم فأخبرهم فقال رسول الله صلى الله
عليه و سلم :صدق ،والذي نفس محمد بيده ل تقوم الساعة حتى
يكلم السباع النس ،ويكلم الرجل عذبة سوطه ،وشراك نعله،
ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده -رواه المام أحمد في
المسند ،و الحاكم في المستدرك ،وابن سعد في الطبقات.
وفي رواية من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عندما كلم
الذئب راعي الغنم فقال الرجل :تالله إن رأيت كاليوم ذئبا ً يتكلم.
فقال الذئب :أعجب من هذا الرجل في النخلت بين الحرتين(أي
المدينة المنورة) يخبركم بما مضى وما هو كائن بعدكم وكان
الرجال يهودياً ،فجاء النبي صلى الله عليه و سلم فأسلم وخبَره
فصدقه النبي صلى الله عليه و سلم -رواه المام أحمد في
المسند 3/88
الوحش يوقر الرسول صلى الله عليه وسلم:
قالت عائشة رضي الله عنها :كان لل رسول الله صلى الله عليه
وسلم وحش فإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب
واشتد وأقبل وأدبر ،فإذا أحس برسول الله صلى الله عليه وسلم
قد دخل ربض فلم يترمرم(أي سكن ولم يتحرك) ما دام رسول
اله صلى الله عليه وسلم في البيت كراهية أن يؤذيه -صحيح،
أخرجه أحمد ،وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد.
وافد الذئاب يرضى بأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم:
عن حمزة بن أبي أسيد قال :خرج رسول الله صلى الله عليه
شاوسلم في جنازة رجل من النصار بالبقيع ،فإذا الذئب مفتر ً
ذراعيه على الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :هذا
جاء يستفرض فافرضوا له .قالوا :ترى رأيك يا رسول الله .قال:
من كل سائمة شاة في كل عام قالوا :كثير .قال :فأشار إلى
38
الذئب أن خالسهم فانطلق الذئب .حسن بشواهده -أخرجه
البيهقي في الدلئل ،ورواه البزار وأبو نعيم.
ورضي الذئب بأن يأخذ منهم الشياة خلسة كما عرض عليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
.6تكثيره الماء ونبعه من بين أصابعه الشريفة
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :عطش الناس يوم
الحديبية والنبي صلى الله عليه و سلم بين يديه ركوة(إناء صغير
من جلد يشرب فيه الماء) فتوضأ فجهش الناس نحوه -و
الجهش( :أن يفزع النسان إلى النسان وهو مع ذلك يريد أن
يبكي كالصبي يفزع إلى أمه)
فقال :ما لكم؟
قالوا :ليس عندنا ماء نتوضأ ول نشرب إل ما بين يديك فوضع يده
في الركوة فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا
وتوضأنا
قلت :كم كنتم؟
قال :لو كنا مئة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مئة -رواه البخاري
ورواه مسلم مختصًرا.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال :رأيت رسول الله
صلى الله عليه و سلم وحانت صلة العصر فالتمس الوضوء فلم
يجدوه فأتي رسول الله صلى الله عليه و سلم بوضوء فوضع
رسول الله صلى الله عليه و سلم يده في ذلك الناء فأمر الناس
أن يتوضئوا منه فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه فتوضأ الناس
حتى توضئوا من عند آخرهم .رواه البخاري ومسلم.
قال المزنى -رحمه الله -نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه
و سلم أبلغ في المعجزة من نبع الماء من الحجر حيث ضربه
موسى عليه السلم بالعصا فتفجرت منه المياه لن خروج الماء
من الحجارة معهود ،بخلف خروج الماء من بين اللحم والدم.
تكثيره الطعام والشراب صلى الله عليه و سلم:
فأما الطعام:
فقد وقع ذلك منه صلى الله عليه وسلم مرات عديدة منها ما
روي عن جابر بن عبد الله -رضي لله عنهما -في الخندق حيث
يقول جابر :لما حفر الخندق رأيت برسول الله صلى الله عليه و
صا(الخمص :خلء البطن من الطعام) فانكفأت(أي سلم خم ً
انقلبت ورجعت) إلى امرأتي فقلت لها :هل عندك شيء؟ فإني
صا شديدًا فأخرجت رأيت برسول الله صلى الله عليه و سلم خم ً
لي جرابًا(أي وعاء من جلد) فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن
قال :فذبحتها وطحنت ففرغت إلي فراغي فقطعتها في برمتها
39
ثم وليت إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت :ل
تفضحني برسول الله صلى الله عليه و سلم ومن معه قال:
فجئته فساررته فقلت :يا رسول الله! إنا قد ذبحنا بهيمة لنا
وطحنت صاع ًا من شعير كان عندنا فتعال أنت في نفر معك
فصاح رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال" :يا أهل الخندق!
إن جابًرا قد صنع لكم سوًرا" (وهو الطعام الذي يدعى إليه وقيل
الطعام مطلقًا) فحيهل بكم ومعناه أعجل به
وقال :رسول الله صلى الله عليه و سلم :ل تنزلن برمتكم ول
تخبزن عجينتكم ،حتى أجي فجئت وجاء رسول الله صلى الله
عليه و سلم يقدم الناس حتى جئت امرأتي فقالت :بك ،وبك -
أي ذمته ودعت عليه فقلت :قد فعلت الذي قلت لي -معناه أني
أخبرت النبي بما عندنا فهو أعلم بالمصلحة فأخرجت له عجينتنا
فبصق فيها صلى الله عليه و سلم وبارك ثم عمد إلي برمتنا
فبصق فيها وبارك ثم قال :ادعى خابزة فلتخبز معك ،واقدحي
من برمتكم(أي اغرفي والمقدح المغرفة) ول تنزلوها ،وهم ألف
فأقسم بالله! لكلوا حتى تركوه وانحرفوا(أي شبعوا وانصرفوا)
وإن برمتنا لتغظ(أي تغلي ويسمع غليانها) كما هي وإن عجينتنا-
أو كما قال الضحاك -لتخبز كما هو(أي يعود إلي العجين) رواه
البخاري ومسلم
وأما الشراب:
فنأخذ من ذلك مثال ً واحدا ً وهو اللبن ،فمن أدلة تكثيره صلى الله
عليه و سلم اللبن ما أخرجه البخاري وغيره عن أبي هريرة-
رضي الله عنه -أنه كان يقول :ألله الذي ل اله إل هو ،إن كنت
لعتمد بكبدي على الرض من الجوع ،وإن كنت لشد الحجر على
بطني من الجوع
ولقد قعدت يوما ً على طريقهم الذي يخرجون منه ،فمر أبو بكر
فسألته عن آية في كتاب الله ،ما سألته إل ليشبعني فمر ولم
يفعل ثم مر بي عمر فسألته عن آية في كتاب الله ،ما سألته إل
ليشبعني فمر ولم يفعل ،ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه و
سلم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي ،ثم
قال :يا أبا هر .قلت :لبيك يا رسول الله قال :الحق ،ومضى
فتبعته فدخل فاستأذن فأذن له ،فوجد لبنا ً في قدح فقال :من
أين هذا اللبن؟ قالوا :أهداه لك فلن -أو فلنة قال :يا أبا هر.
قلت :لبيك يا رسول الله .قال :الحق إلي أهل الصفة فادعهم لي
ل ول ل ول ما ٍقال :وأهل الصفة أضياف السلم ،ل يأؤون على أه ٍ
على أحدٍ ،إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً ،وإذا
أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها و أشركهم فيها ،فساءني
40
ذلك .فقلت :وما هذا اللبن في أهل الصفة كنت أحق أن أصيب
من هذا اللبن شربة أتقوى بها ،ولم يكن من طاعة الله وطاعة
رسوله صلى الله عليه و سلم بد فأتيتهم فدعوتهم ،فأقبلوا
فاستأذنوا فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت ،قال :يا أبا هر
قلت :لبيك يا رسول الله قال :خذ فأعطهم ،فأخذت القدح
فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ،ثم يرد على القدح
فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ،ثم يرد على القدح فأعطيه
الرجل فيشرب حتى يروى ،ثم يرد على القدح فأعطيه الرجل
فيشرب حتى يروى ،ثم يرد على القدح حتى انتهيت إلى النبي
صلى الله عليه و سلم وقد روي القوم كلهم ،فأخذ القدح فوضعه
على يده ،فنظر إلي فتبسم فقال :يا أبا هر قلت :لبيك يا رسول
الله قال :بقيت أنا وأنت قلت :صدقت يا رسول الله
قال :اقعد فاشرب فقعدت فشربت فقال :اشرب فشربت ،فما
زال يقول :اشرب ،حتى قلت :ل والذي بعثك بالحق ،ما أجد له
مسلكاً ،قال :فأرني ،فأعطيته القدح ،فحمد الله وسمى وشرب
الفضلة -انظر البخاري لفتح .6452-11
ثمانون رجل ً يأكلون بعض أرغفة الخبز وتكفيهم:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :قال أبو طلحة لم سليم:
لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفًا
أعرف فيه الجوع ،فهل عندك من شيء؟ ،قالت :نعم ،فأخرجت
صا من شعير ثم أخرجت خماًرا لها فلفت الخبز ببعضه ثم أقرا ً
دستني تحت يدي ولثتني ببعضه(أي لفتني به) ،ثم أرسلتني إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،قال :فذهبت به فوجدت
رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس،
فقمت عليهم ،فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أرسلك أبو طلحة؟ فقلت :نعم ،قال :بطعام؟ قلت :نعم ،فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه :قوموا ،فانطلق
وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته ،فقال أبو
طلحة :يا أم سليم ،قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
والناس وليس عندنا ما نطعمهم ،فقلت :الله ورسوله أعلم،
فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه ،فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم :هلم يا أم سليم ما عندك؟
فأتت بذلك الخبز ،فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ت وعصرت أم سليم عكة فآدمته ،ثم قال رسول الله صلى فف ّ
الله عليه وسلم فيه ما شاء الله أن يقول ،ثم قال :ائذن لعشرة،
فأكل القوم كلهم والقوم سبعون أو ثمانون رجل .صحيح ،أخرجه
41
البخاري في المناقب ،وأخرجه مسلم في الشربة ،والترمذي في
المناقب.
قصعة الثريد يأكل منها المئات:
عن سمرة بن جندب قال :بينما نحن عند النبي صلى الله عليه
وسلم إذ أُتي بقصعة فيها ثريد(الخبز المختلط باللحم والرز)
قال :فأكل وأكل القوم فلم يزالوا يتداولونها إلى قريب من
الظهر؛ يأكل القوم ثم يقومون ويجئ قوم فيتعاقبونه ،قال :فقال
له رجل :هل كانت تُمد بطعام؟ قال :أما من الرض فل ،إل أن
تكون كانت تمد من السماء -رواه أحمد.
البركة في الشعير:
عن جابر رضي الله عنه :أن رجل ً أتى النبي صلى الله عليه
وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير ،فما زال الرجل
يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله ،فأتى النبي صلى الله عليه
ما
وسلم فقال :لو لم تكله لكلتم منه ولقام لكم(أي لستمر دائ ً
أبدًا وما انقطع خيره) -رواه مسلم في كتاب الفضائل.
البركة في السمن:
عن جابر رضي الله عنه :أن أم مالك كانت تُهدي إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم في عكة لها سمنًا فيأتيها بنوها فيسألون
الدم وليس عندهم شئ ،فتعمد إلى التي كانت تهدي فيه إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فتجد فيه سمنًا فما زال يقيم
لها أدم بيتها حتى عصرتها ،فأتت رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال :أعصرتيها؟ قالت :نعم ،فقال :لو تركتيها ما زالت
قائمة -رواه مسلم في كتاب الفضائل.
البركة في مزود أبي هريرة رضي الله عنه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :أتيت رسول الله صلى الله
ما بتمرات فقلت :ادع الله لي فيهن بالبركة ،قال: عليه وسلم يو ً
فصفهن بين يديه ثم دعا ،فقال لي :اجعلهن في مزود(الوعاء من
الجلد وغيره ،ويجعل فيه الزاد) وأدخل يدك ول تنثره ،قال:
فحملت منه كذا وكذا وسقًا(الوسق50 :كيلة = 4أردب وكيلتان)
في سبيل الله ونأكل ونطعم ،وكان ل يفارق حقوي ،فلما قتل
عثمان رضي الله عنه انقطع حقوي فسقط .حسن ،رواه أحمد،
والترمذي في مناقب أبي هريرة.
وفي رواية :أنه قال :أُصبت بثلث مصيبات في السلم لم أصب
ُ
بمثلهن:
.1موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت صويحبه.
.2وقتل عثمان.
.3والمزود.
42
قالوا :وما المزود يا أبا هريرة؟
قال :قلت تمر في مزود
قال :جئ به ،فأخرجت تمًرا فأتيته به
قال :فمسه ودعا فيه ثم قال :ادع عشرة ،فدعوت عشرة فأكلوا
حتى شبعوا ،ثم كذلك حتى أكل الجيش كله وبقي من تمر معي
في المزود
فقال :يا أبا هريرة إذا أردت أن تأخذ منه شيئًا ،فأدخل يدك فيه
ول تكفه
قال :فأكلت منه حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأكلت منه
حياة أبي بكر كلها ،وأكلت منه حياة عمر كلها ،وأكلت منه حياة
عثمان كلها ،فلما قتل عثمان انتهب ما في يدي ،وانتهب المزود،
أل أخبركم كم أكلت منه ،أكلت منه أكثر من مائتي
وسق(الوسق50 :كيلة = 4أردب وكيلتان) -دلئل النبوة للبيهقي.
البركة في شطر الشعير:
عن عائشة رضي الله عنها قالت :لقد توفي رسول الله صلى
الله عليه وسلم وما في بيتي شئ يأكله ذو كبد إل شطر
شعير(أي نصف قدح من شعير أو شئ قليل من الشعير) في
رف لي ،فأكلت منه حتى طال علي ،ثم كِلته ففني -صحيح،
أخرجه البخاري ومسلم.
إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم .7
كان رسول الله صلى الله عليه و سلم كما وصفه ربه عز وجل :
م) -سورة التوبة آية 128فكان ينظر إلى ف َّر ِ
حي ٌ ن َرؤ ُو ٌ
منِي َ (بِال ْ ُ
مؤ ْ ِ
أصحابه نظرة الرحمة والشفقة فكلما ألم بأصحابه مكروه من
عاهة أو مرض أو تفكير في أمر يشغل بالهم أسرع رسول الله
صلى الله عليه و سلم بالدعاء لهم للتخفيف عنهم ولكي ينالوا
بركة دعوته صلى الله عليه و سلم أما بالنسبة للكفار
والمشركين والمعاندين فقد كان رسول الله صلى الله عليه و
سلم يدعو عليهم حيث تشتد شوكتهم ويكثر أذاهم وتارة كان
يدعو لهم حيث تؤمن غائلتهم ويرجى تآلفهم.
وإذا دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم لناس أو دعا عليهم
فإنك تجد ما دعا به قد تحقق قطعًا وهذه بعض المثلة من
دعواته المستجابة صلى الله عليه و سلم
سرعة الجابة:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه :أن رجل ً دخل المسجد يوم
جمعة ورسول الله صلى الله عليه و سلم قائم يخطب فاستقبل
ما ثم قال :يا رسول الله رسول الله صلى الله عليه و سلم قائ ً
صا البل وهلكها من هلكت الموال (المراد هنا المواشي خصو ً
43
قلة القوات بسبب عدم المطر والنبات) وانقطعت السبل (أي
انقطعت الطرق فلم تسلكها البل إما لخوف الهلك أو الضعف
بسبب قلة الكل أو عدمه) فادع الله يغثنا قال :فرفع رسول الله
صلى الله عليه و سلم يديه ثم قال :اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم
أغثنا
قال أنس :ول والله ما نرى في السماء من سحاب ول قزعة
(القطعة من الغيم) /وما بيننا وبين سلع (جبل قرب المدينة) من
بيت ول دار قال :فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس (هو ما
يتقي به السيف ووجه الشبه الستدارة والكثافة ل القدر) فلما
توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت.
44
صلته رفع صوته ثم دعا عليهم وكان إذا دعا دعا ثلثًا وإذا سأل
سأل ثلثًا ثم قال :اللهم عليك بقريش (ثلث مرات) فلما سمعوا
صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ثم قال :اللهم عليك بأبي
جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عقبة
(اتفق العلماء على أنه غلط وصوابه :الوليد بن عتبة) وأمية بن
خلف وعقبة بن أبي معيط" وذكر السابع فلم أحفظه فو الذي
بعث محمدًا صلى الله عليه و سلم بالحق لقد رأيت الذين سمى
صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب (القليب هي البئر التي لم
تطو وإنما وضعوا في القليب تحقيًرا لهم ولئل يتأذى الناس
برائحتهم) قليب بدر قال أبو إسحاق :الوليد بن عقبة غلط في
هذا الحديث -رواه مسلم
دعوة وهداية:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :كنت أدعو أمي إلى السلم
ما فأسمعتني في رسول الله صلى الله وهي مشركة فدعوتها يو ً
عليه و سلم ما أكره فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم
وأنا أبكي قلت :يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى السلم
فتأبى علي فدعونها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره فادع الله أن
يهدي أم أبي هريرة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
"اللهم اهد أم أبي هريرة"
فخرجت مستبشًرا بدعوة نبي الله صلى الله عليه و سلم فلما
جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف (أي مغلق) فسمعت أمي
خشف (أي صوتهما في الرض) قدمي فقال :مكانك يا أبا هريرة
وسمعت خضخضة الماء (أي صوت تحريكه).
قال :فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب
ثم قالت :يا أبا هريرة أشهد أن ل إله إل الله وأشهد أن محمدًا
عبده ورسوله.
قال :فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتيته وأنا
أبكي من الفرح قال قلت :يا رسول الله أبشر قد استجاب الله
دعوتك وهدى أم أبي هريرة فحمد الله وأثنى عليه وقال خيًرا
قال قلت :يا رسول الله ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده
المؤمنين ويحببهم إلينا
قال :فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :اللهم حبب عبيدك
هذا يعني أبا هريرة وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم
المؤمنين فما خلق مؤمن يسمع بي ول يراني إل أحبني -رواه
مسلم.
نزول المطر الشديد يوم تبوك بدعاء النبي صلى الله عليه
وسلم:
45
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قيل لعمر بن
الخطاب ،حدثنا عن شأن ساعة العسرة ،فقال عمر :خرجنا إلى
تبوك في قيظ شديد(أي قلة نزول المطر) ،فزلنا منزل ً وأصابنا
فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع ،حتى إن كان أحدنا
ليذهب فيلتمس الرجل فل يجده حتى يظن أن رقبته ستنقطع،
حتى أن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه(أي روثه وفضلته)
فيشربه ،ثم يجعل ما بقي على كبده ،فقال أبو بكر الصديق :يا
رسول الله ،إن الله قد عودك في الدعاء خيًرا ،فادع الله لنا
فقال صلى الله عليه وسلم :أو تحب ذلك؟ قال :نعم ،فرفع يديه
نحو السماء فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأطلت ثم سكبت
فملوا ما معهم ،ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر.
أخرجه البيهقي في الدلئل ،وقال ابن كثير في البداية :هذا إسناد
جيد قوي ولم يخرجوه.
مجاب الدعوة بسبب دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: سعد ُ
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال :اللهم استجب لسعد إذا دعاك .فكان ل يدعو إل
استجيب .أخرجه الترمذي ،والحاكم صححه.
ومن هذا ما رواه جابر بن سمرة رضي الله عنه قال :شكا أهل
الكوفة سعدًا ،يعني ابن أبي قاص رضي الله عنه ،إلى عمر بن
الخطاب ،رضي الله عنه ،فعزله واستعمل عليهم عماًرا،
فشكوا(أي سعدًا رضي الله عنه) حتى ذكروا أنه ل يحسن يصلي،
فأرسل إليه فقال :يا أبا إسحاق ،إن هؤلء يزعمون أنك ل تحسن
تصلي! فقال :أما والله فإني كنت أصلي بهم صلة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ل أخرم عنها؛ أصلي صلة العشاء فأركد
في الوليين وأخف في الخريين ،قال :ذاك الظن بك يا أبا
إسحاق ،وأرسل معه رجل ً أو رجال ً إلى الكوفة يسأل عنه أهل
الكوفة ،فلم يدع مسجدًا إل سأل عنه ويثنون معروفًا ،حتى دخل
مسجدًا لبني عبس فقام رجل منهم يقال له :أسامة بن قتادة
يكنى أبا سعدة ،فقال :أما إذا نشدتنا فإن سعدًا كان ل يسير
بالسرية ول يقسم بالسوية ،ول يعدل في القضية .قال سعد :أما
والله لدعون بثلث :اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا ،قام رياءً
وسمعة ،فأطل عمره وأطل فقره وعرضه للفتن.
قال عبد الملك بن عمير الراوي عن جابر بن سمرة :فأنا رأيته
بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكِبَر ،وإنه ليتعرض للجواري
سئل يقول :شيخ كبير في الطرق فيغمزهن ،وكان بعد ذلك إذا ُ
مفتون ،أصابتني دعوة سعد .صحيح ،رواه البخاري ومسلم.
الفرس الضعيف يسبق ويدر الموال الطائلة:
46
عن جعيل الشجعي رضي الله عنه قال :غزوت مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته ،وأنا على فرس لي
عجفاء ضعيفة ،قال :فكنت في أُخريات الناس ،فلحقني رسول
الله صلى الله عليه وسلم وقال :سر يا صاحب الفرس فقلت :يا
رسول الله ،عجفاء ضعيفة قال :فرفع رسول الله صلى الله عليه
وسلم مخفقة معه فضربها بها وقال :اللهم بارك له .قال :فلقد
رأيتني أمسك برأسها أن تقدم الناس ،ولقد بعت من بطنها باثني
عشر ألفًا .رواه البخاري في التاريخ ،والنسائي في السنن
الكبرى ،والبيهقي في الدلئل.
دعاؤه لعبد الرحمن بن عوف:
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لعبد الرحمن بن عوف :بارك الله لك .رواه البخاري .قال
عبد الرحمن :فلقد رأيتني ولو رفعت حجًرا لرجوت أن أصيب
تحته ذهبًا أو فضة .أخرجه ابن سعد والبيهقي.
وفتح الله له أبواب الرزق ،ومن عليه ببركات من السماء
والرض ،وكان حين قدم المدينة فقيًرا ل يملك شيئًا ،فآخى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع
النصاري رضي الله عنه ،فقال سعد لعبد الرحمن :إن لي
زوجتين فاختر أجملهما أطلقها ثم تعتد ثم تتزوجها ،وإن لي من
المال كذا وكذا فخذ منه ما شئت .فقال عبد الرحمن :ل حاجة
لي في ذلك ،بارك الله لك في زوجتيك ومالك ،ثم قال :دلوني
على السوق .أخرجه البخاري.
فصار يتعاطى التجارة ،وفي أقرب زمن رزقه الله مال ً كثيًرا
ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم ،حتى أنه لما توفي بالمدينة
حفِر الذهب من تركته سنة إحدى وثلثين أو اثنتين وثلثينُ ،
جرِحت اليدي من كثرة العمل ،وأخذت كل زوجة بالفئوس ،حتى ُ
من زوجاته الربع ربع الثمن ثمانين ألفًا .وقيل :إن نصيب كل
واحدة كان مائة ألف ،وقيل :بل صولِحت إحداهن على نيف
وثمانين ألف دينار ،وأوصى بألف فرس وخمسين ألف دينار في
سبيل الله ،وأوصى بحديقة لمهات المؤمنين رضي الله عنهن،
بيعت بأربعمائة ألف ،وأوصى لمن بقي من أهل بدر لكل رجل
بأربعمائة دينار ،وكانوا مائة ،فأخذوها وأخذ عثمان فيمن أخذ،
وهذا كله غير صدقاته الفاشية في حياته ،وعطاءاته الكثيرة،
وصلته الوفيرة؛ فقد أعتق في يوم واحد ثلثين عبدًا ،وتصدق
مرة بعير :وهي الجمال التي تحمل الميرة ،وكانت سبعمائة بعير،
وردت عليه ،وكان أرسلها للتجارة ،فجاءت تحمل من كل شيء
فتصدق بها وبما عليها من طعام وغيره بأحلسها وأقتابها.
47
وجاء أنه تصدق مرة بشطر ماله ،وكان الشطر أربعة آلف ،ثم
تصدق بأربعين ألفًا ،ثم تصدق بأربعين ألف دينار ،ثم تصدق
بخمسمائة فرس في سبيل الله ثم بخمسمائة راحلة.
زاد أولده عن المائة وزاد عمره عن المائة وزاد ماله عن المائة
ألف بسبب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
إنه أنس بن مالك رضي الله عنه ..يحدثنا عن ذلك فيقول :جاءت
أم سليم ،وهي أم أنس ،رضي الله عنهما ،إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقد أزرتني بخمارها وردَّتني ببعضه ،فقالت :يا
رسول الله هذا أُنيس أتيتك به يخدمك فادع الله له ،قال :اللهم
أكثر ماله وولده .صحيح :أخرجه البخاري في الدعوات .وفي
لفظ :اللهم أكثر ماله وولده وأطِل عمره واغفر له.
قال أنس :فو الله إن مالي لكثير ،وإن ولدي وولد ولدي يتعادون
ميْنة أنه قد دفن من صلبي ُ
على نحو المائة .قال :وحدثتني ابنتي أ َ
إلى مقدم الحجاج البصرة :تسعة وعشرين ومائة.
وروى الترمذي وغيره أن أنس بن مالك رضي الله عنه خدم
رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ،ودعا له ،وكان له
بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين ،وكان فيها ريحان يجيء
منها ريح المسك .حسن :أخرجه الترمذي في المناقب ،وقال:
حديث حسن.
وفي رواية قال :دفنت من صلبي مائة واثنتين ،وإن ثمرتي
لتحمل في السنة مرتين ،ولقد بقيت حتى سئمت الحياة ،وأرجو
الرابعة.
فولده إذن يزيدون على المائة ،وأما عمره فقد مات وعمره مائة
عام وقيل :عشرة ومائة ،وكانت وفاته سنة ثلث وتسعين على
الراجح ،وأما ماله فقد كانت السحابة تمطر في أول أرضه ول
تمطر في آخرها لعظم مساحة أرضه.
دعا له فطال عمره وهو شاب:
ثبت أنه صلى الله عليه وسلم دعا للسائب بن يزيد ومسح بيده
على رأسه ،فطال عمره حتى بلغ أربعًا وتسعين سنة ،وهو تم تام
القامة معتدل ،ولم يشب منه موضع أصابت يد رسول الله صلى
متِّع بحواسه قواه .صحيح :أخرجه البخاري الله عليه وسلم ،و ُ
كتاب المناقب ،ومسلم في الفضائل.
ابن عباس حبر المة بسبب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :أتى رسول الله صلى الله
عليه وسلم الخلء فوضع له وضوءًا ،فلما خرج قال :من صنع
هذا؟ قالوا :ابن عباس ،قال :اللهم فقهه في الدين .صحيح،
أخرجه البخاري في الوضوء ،ورواه مسلم.
48
وعنه قال :إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على
كتفي ثم قال :اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل .صحيح،
أخرجه الحاكم وقال :هذا حديث صحيح السناد ،ولم يخرجاه،
وقال الذهبي :صحيح ،ورواه البيهقي في الدلئل.
وقد استجاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم هذه الدعوة في
ما يُهتدى بهداه ،ويُقتدى بسناه في علوم ابن عمه؛ فكان إما ً
الشريعة ،ول سيما في علم التأويل وهو التفسير؛ فإنه انتهت إليه
علوم الصحابة قبله ،وما كان عقله من كلم ابن عمه رسول الله
صلى الله عليه وسلم..
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :لو أن ابن عباس أدرك
أسناننا ما عاشره أحد منا ،وكان يقول :نعم ترجمان القرآن ابن
عباس .رواه الحاكم في المستدرك.
هذا وقد تأخرت وفاة ابن عباس عن وفاة عبد الله بن مسعود
ببضع وثلثين سنة ،فما ظنك بما حصله بعده في هذه المدة؟!.
وقيل :خطب الناس ابن عباس في عشية عرفة ،ففسر لهم
سورة البقرة تفسيًرا لو سمعه الروم والترك والديلم لسلموا_ .
رضي الله عنه وأرضاه _.
دعا صلى الله عليه وسلم عليه فاختلج لسانه:
عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال :كان فلن
يجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،فإذا تكلم النبي صلى
الله عليه وسلم بشيء اختلج (ردد الكلم على هيئة المستهتر)
بوجهه ،فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :كن كذلك ،فلم يزل
يختلج حتى مات.
أخرجه البيهقي في الدلئل.
ثبوت جرير على الفرس بعد أن كان ل يثبت:
عن جرير البجلي رضي الله عنه قال :كنت ل أثبت على الخيل،
فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،فضرب بيده
على صدري حتى رأيت أثر يده على صدري ،وقال :اللهم ثبته
واجعله هاديًا مهديًا ،فما سقطت عن فرسي بعد .رواه أبو نعيم.
وأخرجه الشيخان عنه بلفظ :قال لي رسول الله صلى الله عليه
خلَصة ،صنم ،فقلت :يا رسول الله، وسلم :أل تريحني من ذي ال َ
ل أثبت على الخيل ،فضرب في صدري وقال :اللهم ثبته واجعله
سا من أحمس، هاديًا مهديًا ،فسرت إليها في مائة وخمسين فار ً
فأتيناها فحرقناها.
أخرجه الشيخان.
شلت يده:
49
رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يأكل بشماله فقال له :كل
بيمينك.
قال :ل أستطيع
قال :ل استطعت.
قال الراوي :فما رفعها إلى فيه (فمه) .رواه مسلم في الشربة.
كان إذا باع شيئًا ربح فيه بسبب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم
له:
صاحب هذه الشهادة عروة بن أبي الجعد المازني ،رضي الله
عنه ،أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناًرا ليشتري له
به شاة ،فاشترى به شاتين وباع إحداهما بدينار وأتاه بشاة
ودينار ،فقال له :بارك الله لك في صفقة يمينك.
وفي رواية :فدعا له بالبركة في البيع ،فكان لو اشترى التراب
لربح فيه .أخرجه البهقي في الدلئل.
ل يشبع أبدًا:
عن ابن عباس ،رضي الله عنهما ،قال :كنت ألعب مع الغلمان
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختبأت منه ،فجاءني
فحطاني حطوة (أي قفدني يعني ضربه بيده وهي مبسوطة
الكفين) أو حطوتين وأرسلني إلى معاوية في حاجة ،فأتيته وهو
يأكل ،فقلت :أتيته وهو يأكل ،فأرسلني الثانية فأتيته وهو يأكل،
فقلت :أتيته وهو يأكل ،فقال :ل أشبع الله بطنه .فما شبع بعدها.
قال ابن كثير :وقد كان معاوية ،رضي الله عنه ،ل يشبع بعدها،
ووافقته هذه الدعوة في أيام إمارته فيقال :إنه كان يأكل في
ما بلحم وكان يقول :والله ل أشبع وإنما اليوم سبع مرات طعا ً
أعيي .البداية والنهاية (.)6/189
قلت :وهذا المر جاء لمعاوية على أنه استجابة لدعاء النبي صلى
الله عليه وسلم وابتلء من الله تعالى لمعاوية ،ولم يكن غضبًا ول
سخطًا من الرسول صلى الله عليه وسلم على معاوية رضي الله
عنه.
حضور الطعام الطهي بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
عن واثلة بن السقع ،رضي الله عنه ،حضر رمضان ونحن في
أهل الصفة فصمنا ،فكنا إذا أفطرنا أتى كل رجل منا رجل من
شاه ،فأتت علينا لم يأتنا أحد ،وأصبحناأهل البيعة فانطلق به فع َّ
ما ،وأتت علينا القابلة فلم يأتنا أحد ،فانطلقنا إلى رسول الله صيا ً
صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بالذي كان من أمرنا ،فأرسل إلى
كل امرأة من نسائه يسألها هل عندها شيء؟ فما بقيت منهن
امرأة إل أرسلت تقسم :ما أمسى في بيتها ما يأكل ذو كبد فقال
لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :فاجتمعوا ،فدعا وقال:
50
اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنها بيدك ل يملكها أحد
غيرك .فلم يكن إل ومستأذن يستأذن فإذا بشاة مصلية ورغف،
فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعت بين أيدينا،
فأكلنا حتى شبعنا ،فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :إنا
سألنا الله من فضله ورحمته ،فهذا فضله ،وقد ادخر لنا عنده
رحمته.
حسن :أخرجه البيهقي في الدلئل ،ورواه الطبراني وإسناده
حسن
.8السراء والمعراج
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
و سلم قال" :أتيت بالبراق-وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار
ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه-قال :فركبته حتى أتيت
بيت المقدس قال :فربطته بالحلقة التي يربط بها النبياء قال:
ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل
عليه السلم بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن
فقال جبريل عليه السلم :اخترت الفطرة ،ثم عرج بنا إلى
السماء فاستفتح جبريل فقيل :من أنت؟
قال :جبريل
قيل :ومن معك؟
قال :محمد
قيل :وقد بعث إليه؟
قال :قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل عليه السلم
فقيل :من أنت؟
قال :جبريل
قيل :ومن معك؟
قال :محمد
قيل :وقد بعث إليه؟
قال :قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة عيسى بن مريم
ويحيى بن زكريا صلوات الله عليهما فرحبا ودعوا لي بخير .ثم
عرج بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل عليه السلم فقيل:
من أنت؟
قال :جبريل
قيل :ومن معك؟
قال :محمد
قيل :وقد بعث إليه؟
51
قال:قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بيوسف عليه السلم إذا هو قد
أعطي شطر الحسن فرحب ودعا لي بخير ،ثم عرج بنا إلى
السماء الرابعة فاستفتح جبريل عليه السلم قيل :من هذا؟
قال :جبريل
قيل :ومن معك؟
قال :محمد
قيل :وقد بعث إليه؟
قال :قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإدريس فرحب ودعا لي بخير
قال الله عز وجل :ورفعناه مكانًا عليًا ،ثم عرج بنا إلى السماء
الخامسة فاستفتح جبريل عليه السلم قيل :من هذا؟
قال :جبريل
قيل :ومن معك؟
قال :محمد
قيل :وقد بعث إليه؟
قال :قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بهارون عليه السلم فرحب
ودعا لي بخير ،ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل
عليه السلم قيل :من هذا؟
قال :جبريل
قيل :ومن معك؟
قال :محمد
قيل :وقد بعث إليه؟
قال:قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بموسى عليه السلم فرحب
ودعا لي بخير ،ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل
عليه السلم فقيل :من هذا؟
قال :جبريل
قيل :ومن معك؟
قال :محمد
قيل :وقد بعث إليه؟
قال:قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم عليه السلم مسندُا
ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف
ملك ل يعودون إليه ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى وإذا ورقها
كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلل قال :فلما غشيها من أمر الله ما
غشي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من
ي خمسين صلة في ي ما أوحى ففرض عل ّ حسنها ،فأوحى الله إل ّ
كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى عليه السلم فقال :ما فرض
ربك على أمتك؟
قلت :خمسين صلة.
52
قال :ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف؛ فإن أمتك ل يطيقون ذلك
فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم.
قال :فرجعت إلى ربي
سا فرجعت إلى فقلت :يا رب خفف على أمتي فحط عني خم ً
موسى.
سا
فقلت :حط عني خم ً
قال :إن أمتك ل يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف
قال :فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه
السلم حتى قال :يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة
لكل صلة عشر فذلك خمسون صلة ومن هم بحسنة فلم يعملها
كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشًرا ومن هم بسيئة فلم
يعملها لم تكتب شيئًا فإن عملها كتبت سيئة واحدة.
قال :فنزلت حتى انتهيت إلى موسى عليه السلم فأخبرته
فقال :ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت :قد رجعت إلى
ربي حتى استحييت منه -رواه مسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه :أن النبي صلى الله عليه و سلم
مر على قوم يزرعون ويحصدون في يوم كلما حصدوا عاد كما
كان فقال لجبريل عليه السلم" :ما هذا؟ قال :هؤلء المجاهدون
في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة إلى سبعمائة ضعف وما
أنفقوا من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين.
ثم أتى على قوم ترضخ رءوسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما
كانت ول يفتر عنهم من ذلك شيء فقال" :ما هذا يا جبريل؟"
قال :هؤلء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلة المكتوبة
ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع وعلى أدبارهم رقاع
يسرحون كما تسرح النعام يأكلون الضريع والزقوم ورضف
جهنم فقال" :ما هؤلء؟" قال :هؤلء الذين ل يؤدون زكاة أموالهم
وما ظلمهم الله وما ربك بظلم للعبيد.
ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدر ولحم نيئ في
قدر خبيث فجعلوا يأكلون من النيئ الخبيث ويدعون النضيج
فقال :ما هؤلء يا جبريل؟ قال جبريل :هذا الرجل من أمتك تكون
عنده المرأة الحلل الطيب فيأتي امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى
يصبح والمرأة تقوم من عند زوجها حلل ً طيبًا فتأتي رجل ً خبيثًا
فتبيت عنده حتى تصبح.
ثم أتى على رجل قد جمع حزمة حطب عظيمة ل يستطيع حملها
وهو يزيد عليها فقال :ما هذا يا جبريل؟ قال :هذا الرجل من
53
أمتك تكون عليه أمانات الناس ل يقدر على أدائها وهو يريد أن
يحمل عليها.
ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاهم بمقاريض من حديد
كلما قرضت عادت كما كانت ل يفتر عنهم من ذلك شيء قال:
ما هذا يا جبريل؟ قال :هؤلء خطباء الفتنة.
ثم أتى على حجر صغير يخرج منه ثور عظيم فجعل الثور يريد أن
يرجع من حيث خرج فل يستطيع فقال :ما هذا يا جبريل؟ قال:
هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة ثم يندم عليها فل يستطيع أن
يردها.
حا طيبة باردة وريح مسك وسمع ثم أتى على واد فوجد فيه ري ً
صوتًا فقال :ما هذا يا جبريل؟
قال :هذا صوت الجنة تقول :رب آتيني بما وعدتني فقد كثرت
غرفي وإستبرقي وحريري وسندسي وعبقريي ولؤلؤي ومرجاني
وفضيتي وذهبي وأكوابي وصحافي وأباريقي ومراكبي وعسلي
ومائي ولبني وخمري فآتيني بما وعدتني
قال :لك كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة ومن آمن بي
حا ولم يشرك بي شيئًا ولم يتخذ من دوني وبرسلي وعمل صال ً
أندادًا ومن خشيني فهو آمن ومن سألني فقد أعطيته ومن
أقرضني جازيته ومن توكل علي كفيته إنني أنا الله ل إله إل أنا ل
أخلف الميعاد قد أفلح المؤمنون وتبارك الله أحسن الخالقين
حا
قالت :قد رضيت ثم أتى على واد فسمع صوتًا منكًرا ووجد ري ً
منتنة فقال :ما هذا يا جبريل؟ قال :هذا صوت جهنم تقول :رب
آتيني بما وعدتني فقد كثرت سلسلي وأغللي وسعيري وحميمي
وضريعي وغساقي وعذابي وقد بعد قعري واشتد حري فآتيني بما
وعدتني
قال :لك كل مشرك ومشركة وكافر وكافرة وكل جبار ل يؤمن
بيوم الحساب قالت :قد رضيت فسار حتى أتى بيت المقدس -
رواه الطبراني والبزار.
.9مـقدمـة
والمعجزة على شقين شق هو من نوع قدرة البشر ،فعجزوا عنه
فتعجيزهم عنه فعل لله دل على صدق نبيه كتحدي اليهود أن
يتمنوا الموت ،وشق خارج عن قدرتهم ،فلم يقدروا على التيان
بمثله كانشقاق القمر ،مما ل يمكن أن يفعله أحد إل الله تعالى
فيكون ذلك على يد النبي من الله وتحدى من يكذبه أن يأتي
بمثله تعجيزا له.
ومعجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ظهرت على
يديه تشمل كل النوعين فهو صلى الله عليه وسلم أكثر الرسل
54
معجزات وأبهرهم آيات وأظهرهم برهانا فله من المعجزات مال
يحصى ،وقد ألفت في معجزاته صلى الله عليه وسلم المؤلفات
الكثيرة ،وتناولها العلماء بالشرح والبيان ممن اعتنى بجمعها من
الئمة أبو نعيم الصبهاني والبيهقي.
ومعجزاته صلى الله عليه وسلم منها ما نقل إلينا نقل ً متواتًرا من
طرق كثيرة تفيد القطع عند المة ومنها ما لم يبلغ مبلغ الضرورة
والقطع وهو على نوعين.
أولً :نوع مشتهر منتشر ،رواه العدد وشاع الخبر به عند أهل
العلم بالثار ،ونقلته السيرة والخبار ،كنبع الماء من بين أصابعه
الشريفة صلى الله عليه وسلم ،وتكثير الطعام
ثانياً :نوع منه اختص به الواحد والثنان ورواه العدد اليسير ولم
يشتهر اشتهاره غيره لكنه إذا جمع إلى مثله اتفقا في المعنى
واجتمعا على التيان بالمعجز.
وبعد هذا التمهيد الموجز ،نورد بإذن الله تعالى جملة من
معجزات ودلئل نبوة سيد الولين والخرين صلى الله عليه وسلم
مما ساندها الدليل الصحي
.10إخباره صلى الله عليه وسلم عن المغيبات ()1
أولً :نبوءات تحققت في زمن النبي صلى الله عليه و سلم:
من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودلئل نبوته ما
اطلع عليه من الغيوب الماضية والمستقبلية وإخباره عنها ومن
المعلوم المقرر أن علم الغيب مختص بالله تعالى وحده وقد
أضافه الله تعالى إلى نفسه الكريمة في غير ما آية من كتابه
َْ َ
ب ض الْغَي ْ َت وَالْر ِ ماوَا ِ من فِي ال َّ
س َ م َالعزيز قال تعالى( :قُل ّل يَعْل َ ُ َ َ
ب لَ ح الْغَي ْ ِمفَات ِ ُعندَه ُ َ
ه) -سورة النمل آية 65وقال تعالى( :وَ ِ إ ِ ّل الل ّ ُ
َ
مهَا إِل ّ هُوَ) -سورة النعام آية 59 يَعْل َ ُ
ضا أن النبياء عليهم الصلة والسلم ل يعلمون ومن المعلوم أي ً
الغيب ول اطلع لهم على شيء منه قال الله تعالى مخبًرا عن
غير واحد من رسله الكرام عليهم الصلة والسلم أنهم قالوا
َ لقوامهم( :قُل ل َّ أَقُو ُ
ب) م الْغَي ْ َن اللّهِ وَل أع ْل َ ُخَزآئ ِ ُ
عندِي َ م ِ ل لَك ُ ْ
سورة النعام آية 50
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت :من
زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر بما يكون في غد
فقد أعظم على الله الفرية.
وكما جاءت الدلة تدل على أن الله تبارك وتعالى قد اختص
بمعرفة علم الغيب وأنه استأثر به دون خلقه جاءت أدلة أخرى
تفيد أن الله تعالى استثنى من خلقه من ارتضاه من الرسل
فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم وجعله معجزة
55
ن الل ّ ُ
ه ما كَا َ (و َ
لهم ودللة صادقة على نبوتهم قال تعالىَ :
شاءُ)- من ي َ َ سلِهِ َ من ُّر ُ جتَبِي ِ ن الل ّ َ
ه يَ ْ ب وَلَك ِ َّم ع َلَى الْغَي ْ ِ
لِيُطْلِعَك ُ ْ
ب فََل يُظْهُِر ع َلَى م الْغَي ْ ِ سورة آل عمران َ آية 179وقال تعالى( :ع َال ِ ُ
َ
ل) -سورة الجن آية 26و سو ٍ من َّر ُ ضى ِ ن اْرت َ َ م ِحدا ً { }26إ ِ ّل َ غَيْبِهِ أ َ
27
فتلخص من ذلك أن ما وقع على لسان رسول الله صلى الله
عليه وسلم من الخبار بالمغيبات فبوحي من الله تعالى وهو من
إعلم الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم للدللة على
ثبوت نبوته وصحة رسالته.
وقد اشتهر وانتشر أمره صلى الله عليه وسلم بإطلع الله له
على المغيبات
قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما :قام فينا رسول الله
ما فما ترك شيئًا يكون من مقامه ذلك صلى الله عليه وسلم مقا ً
إلى قيام الساعة إل حدثه حفظه من حفظه ونسيه من نسيه
رواه البخاري ومسلم.
وقال عمرو بن أخطب النصاري رضي الله عنه :صلى بنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى
حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت
العصر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس
فأخبرنا بما هو كائن إلى يوم القيامة فأعلمنا أحفظنا .رواه
مسلم.
والمغيبات التي تغيبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على
أقسام ثلثة
أولً :نبوءات تحققت في زمن النبي صلى الله عليه و سلم:
وهو ما أخبر به صلوات الله وسلمه عليه من المغيبات فوقع
أثناء حياته ومن أمثلة ذلك
قتل أمية بن خلف.
ثانياً :نبوءات تحققت بعد زمن النبي صلى الله عليه و سلم:
وهو ما أخبر به صلوات الله وسلمه عليه من المغيبات فوقع بعد
مماته.
ثالثًا :قسم في المستقبل لم يتحقق بعد.
و ستجد تفصيل ذلك في القبسات التالية.
أولً :نبوءات تحققت في زمن النبي صلى الله عليه و سلم:
النبي صلى الله عليه وسلم يخبر وهو في مكة في فئة
مستضعفة أن دينه سيعم الجزيرة كلها:
56
فعن خباب بن الرت قال :شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو يومئذ ٍ متوسد بردة في ظل الكعبة ،فقلنا} :أل
تستنصر لنا الله تبارك وتعالى ،أو أل تستنصر لنا؟
فقال صلى الله علي وسلم":قد كان الرجل فيمن كان قبلكم
يؤخذ فيحفر له في الرض ،فيجاء بالمنشار على رأسه فيجعل
بنصفين فما يصده ذلك عن دينه ،ويمشط بأمشاط الحديد ما
دون عظمه من لحم وعصب فما يصده ذلك ،والله ليتمن الله عز
وجل هذا المر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ل
يخاف إل الله تعالى ،والذئب على غنمه ،ولكنكم تستعجلون{- ".
رواه أحمد.
وقد وقع هذا المر في حياته صلى الله عليه وسلم فدانت
الجزيرة كلها بالسلم ،وآمن الناس فيها من أقصاها إلى
أقصاها...وكان تصور هذا ضرب من الخيال ،فقد كان القتل
وقطع الطريق ،والغارة والنهب والسلب في كل ركن من
أركانها إل المسجد الحرام فقط.
إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح جزيرة العرب ثم فارس ثم
الروم ،ووقوع المر كما حدث به تماماً:
قال مسلم رحمه الله :حد ثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن عبد
الملك بن عمير عن جابر بن سمرة عن نافع بن عتبة قال :كنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة قال :فأتى النبي
صلى الله عليه وسلم قوم من قبل المغرب عليهم ثياب الصرف
فوافقوه عند أكمة فإنهم لقيام ورسول الله صلى الله عليه
وسلم قاعد قال :فقالت لي نفسي ائتهم فقم بينهم وبينه ل
يغتالونه.
قال :ثم قلت لعله نجى معهم فأتيتهم فقمت بينهم وبينه
فحفظت منه أربع كلمات أعدهن في يدي قال":تغزون جزيرة
العرب فيفتحها الله ،ثم فارس فيفتحها الله ثم تغزون الروم
فيفتحها الله ،ثم تغزون الدجال فيفتحه الله".
قلت :ويبقى فتح الدجال ،وسيقع المر فيه كما حدث صلى الله
عليه وسلم تماماً ،وسيكون ذلك آية أخرى لمن يشهدها في
وقتها.
النبي صلى الله عليه وسلم يخبر وهو في المدينة أن أمته ستفتح
كنوز كسرى:
روى المام البخاري رحمه الله بإسناده إلى عدي بن حاتم قال:
بينا أنا عند الني صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه
الفاقة ،ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل.
فقال :يا عدي ،هل رأيت الحيرة؟
57
قلت :لم أرها ،وقد أنبئت عنها
قال :فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى
تطوف بالكعبة ل تخاف أحدا ً إل الله ،قلت فيما بيني وبين نفسي
فأين دعار (الدعار هو الخبث الشديد) طيء الذين قد سعروا
البلد؟ ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى.
قلت :كسرى بن هرمز؟
قال :كسرى بن هرمز .ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج
ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فل يجد أحداً
يقبله منه ،وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان
يترجم له ،فيقولن ألم أبعث إليك رسول ً فيبلغك فيقول بلى
فيقول :ألم أعطك مال ً وأفضل عليك؟
فيقول :بلى فينظر عن يمينه فل يرى إل جهنم ،وينظر عن يساره
فل يرى إل جهنم
قال عدي :سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :اتقوا النار
ولو بشق تمرة ،فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة
قال عدي :فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة
ل تخاف إل الله ،وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ،ولئن
طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه
وسلم :يخرج ملء كفه -رواه البخاري.
وقد روى هذا الحديث أبو نعيم بإسناده في دلئل النبوة أن
الشعبي رحمه الله دخل على عدي بن حاتم الطائي فقال :إنه
بلغني عنك حديث كنت أحب أن أسمعه منك
قال :نعم ،بعث النبي صلى الله عليه وسلم وكنت من أشد
الناس له كراهية ،وكنت بأقصى أرض العرب من الروم ،فكرهت
مكاني أشد من كراهيتي لمري الول ،فقلت لتين هذا الرجل،
فإن كان صادقا ً ل يخفى علي أمره ،وإن كان كاذبا ً ل يخفى علي،
أو قال :ل يضرني ،قال :فقدمت المدينة ،فاستشرفني الناس
فقالوا :عدي بن حاتم
فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال :يا عدي أسلم تسلم
قلت :إن لي ديناً ،قال :أنا أعلم بدينك منك
قلت :ما يجعلك أعلم بديني مني؟
قال :أنا أعلم بدينك منك .ألست ترأس قومك؟
قلت :بلى
قال :ألست تأخذ المرباع -أي ربع الغنيمة
قلت :بلى
قال :فإن ذلك ل يحل لك
قلت :أجل
58
قال :فكان ذلك أذهب بعض ما في نفسي
قال :أنه يمنعك من أن تسلم خصاصة فقر من ترى حولنا ،وإنك
ترى الناس علينا إلبا ً واحداً ،أو قال يدا ً واحدة
قلت :نعم
قال :هل أتيت الحيرة؟
قلت :ل ،وقد علمت مكانها
قال صلى الله عليه وسلم :يوشك الظعينة أن تخرج من الحيرة
حتى تطوف بالبيت بغير جوار ويوشك أن تفتح كنوز كسرى بن
هرمز
قال :قلت :كنوز كسرى بن هرمز
قال :كنوز كسرى بن هرمز ويوشك أن يخرج الرجل الصدقة من
ماله فل يجد من يقبلها منه
قال عدي رضي الله عنه :فلقد رأيت الظعينة تخرج من الحيرة
حتى تطوف بالبيت بغير جوار ،وكنت في أول خيل أغارت على
السواد ،والله لتكونن الثالثة أنه لقول رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
وفي رواية أبي بكر بن خلد ومحمد بن أحمد قال عدي فأنا
سرت بالظعينة من الحيرة ،قال :إلى البيت العتيق في غير جوار،
يعني أنه حج بأهله ،وكنت في أول خيل أغارت على المدائن،
والله لتكونن الثالثة كما كانت هاتان أنه تحديث رسول الله صلى
الله عليه وسلم إياي
وفي رواية أخرى
قدم عدي بن حاتم الطائي الكوفة ،فأتيته في أناس منا ،من أهل
الكوفة ،قلنا :حدثنا بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه
وسلم
فقال :بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنبوة ول أعلم
أحدا ً من العرب كان له أشد بغضا ً مني ،ول أشد كراهية له مني،
حتى لحقت بأرض الروم ،فتنصرت فيهم ،فلما بلغني ما يدعو
إليه من الخلق الحسنة ،وما اجتمع إليه من الناس ارتحلت حتى
أتيته ،فوقفت عليه وعنده صهيب وبلل وسلمان
فقال :يا عدي بن حاتم أسلم تسلم
فقلت :أخ أخ فأنخت ،فجلست وألزقت ركبتي بركبته
فقلت :يا رسول الله ما السلم؟
قال :تؤمن بالله وملئكته وكتبه ورسله ،وتؤمن بالقدر خيره
وشره ،وحلوه ومره .يا عدي بن حاتم ل تقوم الساعة حتى تفتح
خزائن كسرى وقيصر .يا عدي بن حاتم ل تقوم الساعة حتى تأتي
الظعينة من الحيرة –ولم يكن يومئذ كوفة -حتى تطوف بالكعبة
59
بغير خفير ،ل تقوم الساعة حتى يحمل الرجل جراب المال
فيطوف به فل يجد أحد يقبله ،فيضرب به الرض فيقول :ليتك
كنت ترابا ً -دلئل النبوة لبي نعيم .696-2/693
إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح الحيرة وهبته الشيماء بنت
نفيلة لخريم بن أوس:
قال أبو نعيم :حدثنا محمد بن معمر قال ثنا عبد الله بن محمد بن
ناجية ،قال :ثنا أبو السكين زكريا بن يحيى الطائي ،قال حدثني
عم أبي زخر بن حصن عن جده حميد بن منهب قال
قال جدي خريم بن أوس :هاجرت إلى النبي صلى الله عليه
ة من تبوك ،فأسلمت فسمعته يقول: صَرفَ ُ
من ْ َ
وسلم ،وقدمت عليه ُ
هذه الحيرة البيضاء قد رفعت لي ،وهذه الشيماء بنت نفيلة
الزدية على بغله شهباء معتجرة بخمار أسود.
فقلت :يا رسول الله إن نحن دخلنا الحيرة فوجدناها كما تصف
فهي لي؟
قال :هي لك.
قلت :ثم كانت الردة ،فما ارتد أحد من طيء ،فأقبلنا مع خالد بن
الوليد نريد الحيرة ،فلما دخلناها كان أول من تلقانا الشيماء بنت
نفيلة ،كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة
شهباء معتجرة بخمار أسود فتعلقت بها.
فقلت :هذه وصفها لي رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فدعاني خالد بالبينة فأتيت بها ،فكانت البينة محمد بن مسلمة
ي خالد ،ونزل إليها أخوهاومحمد بن بشير النصاريان ،فسلمها إل ّ
عبد المسيح بن نفيلة يريد الصلح
فقال :بعينها
فقلت :ل أنقصها والله من عشر مائة فأعطاني ألف درهم
وسلمتها إليه
فقالوا لي :لو قلت مائة ألف لسلمها إليك
فقلت :ما كنت أحسب أن عددا ً أكثر من عشر مائة
قلت :وهذا صحابي ل يعلم بعد اللف عددا ً وهذا الحديث من
أعلم نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه حدث عن أمر من
الغيب ل يمكن تصوره بالظن ول التخييل ول التوقع فإن تصور
انتصار العرب المسلمين على الفرس كان أبعد من الخيال ولقد
حدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم بصفته حقيقة واقعة ووقع
المر كما حدث به تماماً.
وقد روى هذا الحديث المام ابن حبان رحمه الله كما في
الموارد :أخبرنا ابن أسلم حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر
العدني ،حدثنا سفيان ،عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن
60
أبي حازم بن عدي بن حاتم قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم :مثلت لي الحيرة كأنياب الكلب وإنكم ستفتحونها
فقام رجل فقال :هب لي يا رسول الله ابنة نفيلة
فقال :هي لك فأعطوها إياه
فجاء أبوها فقال :أتبيعنها
فقال :نعم
قال :بكم؟
قال :احتكم ما شئت
قال :بألف درهم
قال :قد أخذتها فقيل :لو قلت ثلثين ألفاً
قال :وقال :وهل عدد أكثر من ألف؟
قال الحافظ الهيثمي :قلت هكذا وقع في هذه الرواية أن الذي
اشتراها أبوها وإن المشهور أن الذي اشتراها عبد المسيح أخوها
والله أعلم.
إخباره صلى الله عليه وسلم بحسن إسلم الفرس بعد الفتح:
قال البخاري رحمه الله :حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال
حدثني سليمان بن بلل عن ثور عن أبي الغيث عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال :كنا جلوسا ً عند النبي صلى الله عليه وسلم
م) قال: ما يَل ْ َ
حقُوا بِهِ ْ م ل َ َّ
منْهُ ْ
ن ِ
خرِي َ
فأنزلت عليه سورة الجمعة (وآ َ
قلت :من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلثاً ،وفينا
سلمان الفارسي وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده
على سلمان ثم قال :لو كان اليمان عند الثريا لناله رجال أو
رجل من هؤلء.
حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا عبد العزيز أخبرني ثور عن
أبي الغيث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم :لناله
رجال من هؤلء -البخاري .8/641
بشر الرسول المسلمين بغزو قريش:
ولما انصرف أهل الخندق عن الخندق قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم فيما بلغني ":لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا،
ولكنكم تغزونهم" .فلم تغزهم قريش بعد ذلك وكان هو الذي
يغزوها ،حتى فتح الله عليه مكة.
حدثت عن سلمان الفارسي ،أنه قال :ضربت قال ابن إسحاق :و ُ
ي صخرة ،ورسول الله صلى في ناحية من الخندق ،فغَلُظت عل ّ
الله عليه وسلم قريب مني؛ فلما رآني أضرب ورأى شدة المكان
علي ،نزل فأخذ المعول من يدي ،فضرب به ضربة لمعت تحت
المعول برقة؛
قال :ثم ضرب به ضربة أخرى ،فلمعت تحته برقة أخرى؛
61
قال :ثم ضرب به الثالث ،فلمعت تحته برقة أخرى .
قال :قلت :بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما هذا الذي رأيت لمع
تحت المعول وأنت تضرب؟
قال :أو قد رأيت ذلك يا سلمان؟
قال :قلت :نعم.
قال :أما الولى فإن الله فتح علي بها اليمن؛ وأما الثانية فإن الله
فتح علي بها الشام والمغرب؛ وأما الثالثة فإن الله فتح على بها
المشرق.
قال ابن إسحاق :وحدثني من ل أتهم عن أبي هريرة أنه كان
يقول ،حين فتحت هذه المصار في زمان عمر وزمان عثمان وما
بعده :افتتحوا ما بدا لكم ،فو الذي نفس أبي هريرة بيده ،ما
افتتحتم من مدينة ول تفتتحونها إلى يوم القيامة إل وقد أعطى
الله سبحانه محمدًا صلى الله عليه وسلم مفاتيحها قبل ذلك.
ولما انصرف أهل الخندق عن الخندق؛ قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم فيما بلغني :لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا،
ولكنكم تغزونهم .فلم تغزهم قريش بعد ذلك ،وكان هو الذي
يغزوها ،حتى فتح الله عليه مكة.
إخباره صلى الله عليه وسلم بمصارع القوم يوم بدر:
روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم بدر
قبل قتال المشركين وقال :هذا مصرع فلن ،ووضع يده على
الرض ،ثم قال :هذا مصرع فلن ،ووضع يده عليها ،وذكرهم
واحدًا واحدًا مشيًرا إلى مصارعهم ،فصرعوا كذلك ،ما تجاوز أحد
منهم موضعه الذي أشار إليه صلى الله عليه وسلم.
إخباره صلى الله عليه وسلم بخراب خيبر:
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر صلى بهم الصبح
وركب المسلمون ،فخرج أهل خيبر بمساحيهم ومكاتلهم ،ول
يشعرون ،بل خرجوا لرضهم ،فلما رأوا الجيش قالوا :محمد
والله ،محمد والجيش ،ثم رجعوا هاربين إلى حصونهم ،فقال
النبي صلى الله عليه وسلم ":الله أكبر خربت خيبر ،الله أكبر
خربت خيبر ،إنا إذا نزلنا بساحة قوم ،فساء صباح المنذرين".
أخرجه البخاري ومسلم.
إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه هو الذي يقتل أبيًا:
ي بن خلف _ لعنه الله_ قتل النبي صلى الله رام إمام الكفر أب ّ
عليه وسلم ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم":أنا أقتل أبيًا"،
وذلك الذي تم كما جاء في الحديث :أقبل أبي بن خلف يوم أحد
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخلوا سبيله ،فاستقبله مصعب
ي من بن عمير ،ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوة أب ّ
62
فرجة بين سابغة الدرع والبيضة ،وطعنه بحربته فسقط عن
فرسه ولم يخرج من طعنته الدم فكسر ضلعًا من أضلعه ،فأتاه
أصحابه وهو يخور خوار الثور ،فقالوا له :ما أعجزك ،إنما هو
خدش.
فذكر لهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :بل أنا أقتل
أبيًا ،ثم قال :والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي
المجاز لماتوا أجمعون ،فمات أبي قبل أن يقدم مكة ،فأنزل الله
ن
منِي َ ي ال ْ ُ
مؤ ْ ِ مى وَلِيُبْل ِ َ ن الل ّ َ
ه َر َ ت وَلَـك ِ َّ ت إِذ ْ َر َ
مي ْ َ مي ْ َ
ما َر َتعالى( :وَ َ
سنا) -سورة النفال ،من الية .17:أخرجه الحاكم ح َ ه بَلء َ
من ْ ُ
ِ
وقال :صحيح السناد.
ي بن خلف الكافر الوحيد الذي قتله رسول الله صلى الله وكان أب ّ
عليه وسلم في غزوة أحد ،وما سمع أنه قتل بعده أحدًا.
إخباره صلى الله عليه وسلم بإسلم أبي الدرداء قبل أن يسلم:
ما
عن جبير بن نفير قال :كان أبو الدرداء رضي الله عنه يعبد صن ً
في الجاهلية ،وإن عبد الله بن رواحة ومحمد بن مسلمة رضي
الله عنهما دخل بيته فسرقا صنمه ،فرجع أبو الدرداء فجعل يجمع
صنمه ذلك ويقول :ويحك ،هل امتنعت ،أل دفعت عن نفسك؟
فقالت أم الدرداء :لو كان ينفع أحدًا أو يدفع عن أحد ،دفع عن
نفسه ونفعها
فقال أبو الدرداء :أعدي لي في المغتسل ماء ،فجعلت له ماء
فاغتسل وأخذ حلته فلبسها ،ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه
وسلم ،فنظر إليه ابن رواحة مقبلً ،فقال :هذا أبو الدرداء ما أراه
جاء إل في طلبنا ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم" :ل ،إنما جاء
ليسلم؛ فإن ربي عز وجل وعدني بأبي الدرداء أن يسلم .أخرجه
البيهقي في الدلئل.
إعلمه صلى الله عليه وسلم بعدم غزو المشركين المسلمين بعد
الخندق:
لما انصرف أهل الخندق ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الن نغزوهم ول يغزوننا.
صحيح :أخرجه البخاري وأحمد وابن إسحاق.
فلم تغز قريش بعد هذه الغزوة ،وكان صلى الله عليه وسلم
يغزوهم حتى فتح الله عليه مكة.
إخباره صلى الله عليه وسلم عن إسلم أبي طلحة قبل أن
يسلم:
لما مات زوج أم سليم رضي الله عنها ،جاءها أبو طلحة النصاري
خاطبًا فكلمها في ذلك ،فقالت :يا أبا طلحة ،ما مثلك يرد ،ولكنك
امرؤ كافر وأنا امرأة مسلمة ل يصلح لي أن أتزوجك .فقال :ما
63
ذاك دهرك! (ما هذه عادتك) ،قالت :وما دهري؟ قال :الصفراء
(الذهب) والبيضاء (الفضة) ،قالت :فإني ل أريد صفراء ول بيضاء،
أريد منك السلم فإن تسلم فذاك مهري ول أسألك غيره ،قال:
فمن لي بذلك؟ قالت :لك بذلك رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،فانطلق أبو طلحة يريد النبي صلى الله عليه وسلم
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه ،فلما رآه
قال :جاءكم أبو طلحة غرة السلم بين عينيه ،فأخبر رسول الله
صلى الله عليه وسلم بما قالت أم سليم ،فتزوجها على ذلك.
قال ثابت البناني ،راوي القصة عن أنس :فما بلغنا أن مهًرا كان
أعظم منه أنها رضيت السلم مهًرا .صحيح ،رواه البخاري،
ومسلم ،وأبو داود الطيالس
.11إخباره صلى الله عليه وسلم عن المغيبات ()2
ثانياً :نبوءات تحققت بعد زمن النبي صلى الله عليه و سلم:
المسلمون يفتحون فارس موقنين بخبر الرسول صلى الله عليه
وسلم:
قال البخاري رحمه الله :حدثنا الفضل بن يعقوب حدثنا عبد الله
بن جعفر الرقي حدثنا المعتمر بن سليمان حدثنا سعيد بن عبيد
الله الثقفي حدثنا بكر بن عبد المزني وزياد بن جبير عن جبير بن
حية قال :بعث عمر الناس في أفناء النصار ،يقاتلون المشركين،
فأسلم الهرمزان
فقال له عمر :إني مستشيرك في مغازي هذه
مثَلُها ومثل من فيها من الناس من عدو المسلمين قال :نعمَ ،
مثل طائر له رأس ،وله جناحان وله رجلن ،فإن كسر أحد
الجناحين نهضت الرجلن بجناح والرأس ،فإن كسر الجناح الخر
نهضت الرجلن والرأس ،وإن شدخ الرأس ذهبت الرجلن
والجناحان والرأس ،فالرأس كسرى ،والجناح قيصر ،والجناح
الخر فارس ،فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى.
وقال بكر بن زياد جميعا ً عن جبير بن حية قال :فندبنا عمر
واستعمل علينا النعمان بن مقرن حتى إذا كنا بأرض العدو ،خرج
علينا عامل كسرى في أربعين ألفا ً فقام ترجمان فقال :ليكلمني
رجل منكم.
فقال المغيرة بن شعبة :سل عما شئت
قال :ما أنتم؟
قال :نحن أناس من العرب ،كنا في شقاء شديد وبلء شديد،
نمص الجلد والنوى من الجوع ،ونلبس الوبر والشعر ،ونعبد
الشجر والحجر ،فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السموات ورب
الرضين تعالى ذكره وجلت عظمته إلينا نبيا ً من أنفسنا نعرف
64
أباه وأمه ،فأمر نبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقاتلكم
حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية ،وأخبرنا نبينا صلى الله
عليه وسلم عن رسالة ربنا أن من قتل منا صار إلى الجنة في
نعيم لم ير مثلها قط ،ومن بقي منا ملك رقابكم.
وروى الحاكم رحمه الله هذا الحديث قال :حدثنا علي بن جمشاد
العدل ،ثنا علي بن عبد العزيز ثنا حجاج بن منهال ثنا حماد بن
سلمة ثنا أبو عمران الجوني ،عن علقمة بن عبد الله المزني عن
معقل بن يسار أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شاور
الهرمزان في أصبهان وفارس وآذربيجان
فقال يا أمير المؤمنين :أصبهان الرأس وفارس وآذربيجان
الجناحان ،فابدأ بأصبهان فدخل عمر بن الخطاب بالمسجد فإذا
هو بالنعمان بن مقرن يصلي فانتظره حتى قضى صلته.
فقال له :إني مستعملك.
فقال :أما جابيا ً فل!! وأما غازيا ً فنعم.
قال :فإنك غاز.
فسرحه وبعث إلى أهل الكوفة أن يمدوه ويلحقوا به وفيهم
حذيفة بن اليمان ،والمغيرة بن شعبة ،والزبير بن العوام،
والشعث بن قيس وعمرو بن معدي كرب ،وعبد الله بن عمرو،
فأتاهم النعمان وبينه وبينهم نهر ،فبعث إليهم المغيرة بن شعبة
رسول ً وملكهم ذو الحاجبين فاستشار أصحابه فقال :ما ترون
أقعد لهم في هيئة الحرب أو في هيئة الملك وبهجته؟
فجلس في هيئة الملك وبهجته على سريرة ،ووضع التاج على
رأسه وحوله سماطين عليهم ثياب الديباج والقرط والسورة،
فجاء المغيرة بن شعبة فأخذ بضبعيه ،وبيده الرمح والترس
والناس حوله سماطين على بساط له ،فجعل يطعنه برمحه
فخرقه لك لي يتطيروا ،فقال له ذو الحاجبين :إنكم يا معشر
العرب أصابكم جوع شديد وجهد فخرجتم فإن شئتم مرناكم (من
الميرة يعني الطعام) ورجعتم إلى بلدكم.
فتكلم المغيرة فحمد الله وأثنى عليه وقال :إنا كنا معشر العرب
نأكل الجيفة والميتة ،وأنه قد وعدنا أن هاهنا سيفتح علينا ،وقد
وجدنا جميع ما وعدنا حقاً ،وإني لرى ها هنا بزة وهيئة ما أرى
من معي بذاهبين حتى يأخذوه
فقال المغيرة :فقالت لي نفسي لو جمعت جراميزك فوثبت وثبة
فجلست معه على السرير إذ وجدت غفلة فزجني وجعلوا يحثونه
فقلت :أرأيتم إن كنت أنا استحمق فإن هذا ل يفعل بالرسل ،وإنا
ل نفعل هذا برسلكم إذا أتونا
فقال :إن شئتم قطعتم إلينا وإن شئنا قطعنا إليكم
65
فقلت :بلى نقطع إليكم ،فقطعنا إليهم وصاففناهم فتسلسلوا كل
سبعة في سلسلة ،وخمسة في سلسلة حتى ل يفروا
قال :فرامونا حتى أسرعوا فينا
فقال المغيرة للنعمان :إن القوم قد أسرعوا فينا فاحمل
فقال :إنك ذو مناقب وقد شهدت مع رسول الله ،ولكني أنا
شهدت رسول صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل أول النهار ،أخر
القتال حتى تزول الشمس وتهب الريح ،وينزل النصر
فقال النعمان :يا أيها الناس اهتز ثلث هزات فأما الهزة الولى
فليقضي الرجل حاجته ،وأما الثانية فلينظر الرجل في سلحه
وسيفه ،وأما الثالثة فإني حامل فاحملوا فإن قتل أحد فل يلوي
أحد على أحد ،وإن قتلت فل تلووا علي ،وإني داع الله بدعوة
فعزمت على كل امرىء منكم لما أمن عليها فقال :اللهم ارزق
اليوم النعمان شهادة تنصر المسلمين ،وافتح عليهم.
فأمن القوم..وهز لواءه ثلث مرات ،ثم حمل فكان أول صريع
رضي الله عنه فذكرت وصيته فلم ألوي عليه ،وأعلمت مكانه
فكنا إذا قتلنا رجل ً منهم ،شغل عنا أصحابه يجرونه ووقع ذو
الحاجبين من بغلته الشهباء فانشق بطنه وفتح الله على
المسلمين ،وأتيت النعمان وبه رمق ،فأتيته بماء فجعلت أصبه
على وجهه أغسل التراب عن وجهه
فقال :من هذا
فقلت :معقل بن يسار
فقال :ما فعل الناس
فقلت :فتح الله عليهم
فقال :الحمد لله اكتبوا بذلك إلى عمر.
وفاضت نفسه فاجتمع الناس إلى الشعث بن قيس فقال :فأتينا
أم ولده فقلنا :هل عهد إليك عهدا ً قالت :ل إل سفيط له فيه
كتاب فقرأته فإذا فيه :إن قتل فلن ففلن ،وإن قتل فلن ففلن
-المستدرك .3/293
قلت :فانظر كيف زحف المسلمون وهم قلة قليلة إلى الفرس
وهم أضعاف أضعافهم ولكن المسلمين كانوا موقنين بالنصر لن
النبي صلى الله عليه وسلم وعدهم بذلك ،والرسول ل يقول إل
حقاً.
إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه إذا هلك كسرى فل كسرى
بعده ،وإذا هلك قيصر فل قيصر بعده:
قال البخاري رحمه الله :حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو
الزناد عن العرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال :إذا هلك كسرى فل كسرى بعده ،وإذا
66
هلك قيصر فل قيصر بعده ،والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما
في سبيل الله
وقال البخاري رحمه الله :حدثنا إسحاق سمع جريرا ً عن عبد
الملك عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :إذا هلك كسرى فل كسرى بعده ،وإذا هلك
قيصر فل قيصر بعده ،والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في
سبيل الله
وأخرجه أيضا ً من حديث سماك بن حرب عن جابر بن سمرة
قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :لتفتحن
عصابة من المسلمين -أو من المؤمنين -كنز آل كسرى الذي في
البيض.
قلت :وقد وقع المر تماما ً كما قال صلى الله عليه وسلم فإنه لم
يأت بعد كسرى كسرى غيره ،ولما هدمت دولة القياصرة فلم
تقم لهم دولة بعد ذلك وإلى يومنا هذا.
فأي دليل أعظم من هذا الدليل على أن النبي صلى الله عليه
وسلم يحدث بالوحي الذي ل يعلمه إل الله ،فإنه لم يكن يتصور
أحد أن دولة الكاسرة التي استمرت نحو ألف عام أن يكون
سقوطها وزوالها بأيدي المسلمين ،وأن الكاسرة ل يستطيعون،
وإلى قيام الساعة أن يعيدوا ملكهم مرة ثانية.
إخباره صلى الله عليه وسلم بفساد بعض أحوال المسلمين
وقتالهم بعضهم بعضا ً بعد فتح فارس والروم:
قال مسلم رحمه الله :حدثنا عمرو بن سواد العامري أخبرنا عبد
الله بن وهب أخبرني عمرو بن العاص حدثه عن عبد الله بن
عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟
قال عبد الرحمن بن عوف :نقول كما أمرنا الله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :أو غير ذلك تتنافسون ثم
تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون أو نحو ذلك ،ثم تنطلقون
في مساكن المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض" -
مسلم .4/2274
قلت :وللسف فقد حدث ما أخبر به الرسول صلى الله عليه
وسلم ،وقتل المهاجرين والنصار بعضهم بعضا ً في الجمل
وصفين!! فإنا لله وإنا إليه راجعون.
النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بفتح القسطنطينية:
قال صلى الله عليه وسلم" :ل يذهب الليل والنهار حتى تعبد
اللت والعزى"
67
و
فقالت عائشة :يا رسول الله إن كنت لظن حين أنزل الله (هُ َ
َ َ
ن كُل ِّهِ َ ْ
ق لِيُظهَِره ُ ع َلى الدِّي ِ ن ال ْ َ
ح ِّ سول َ ُ ْ
ه بِالهُدَى وَدِي ِ ل َر ُس َ ال ّذِي أْر َ
ن)-سورة التوبة آية 33أن ذلك تاما!!ً. شرِكُو َ
م ْوَلَوْ كَرِه َ ال ْ ُ
قال :إنه سيكون من ذلك ما شاء الله -رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم :إن الله زوى (أي جمع وضم) لي
الرض فرأيت مشارقها ومغاربها ،وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى
لي منها -رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم" :ليبلغن هذا المر ما بلغ الليل
والنهار ،ول يترك الله بيت مدر ول وبر إل أدخله الله هذا الدين
بعز عزيز ،أو بذل ذليل عزا ً يعز الله به السلم ،وذل ً يذل به
الكفر".
وعن أبي قبيل قال :كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص ،وسئل
أي المدينتين تفتح أول ً القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله
بصندوق له خلق قال :فأخرج منه كتابا ً قال :فقال عبد الله :بينما
نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب ،إذ سئل
رسول الله صلى الله عليه وسلم :أي المدينتين تفتح أولً
أقسطنطينية أو رومية؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :مدينة هرقل تفتح أول ً -
يعني قسطنطينية -رواه أحمد والدارمي وغيرهما وصححه
اللباني في السلسلة الصحيحة.
فتح بيت المقدس:
فتح بيت المقدس فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( :اعدد
ستا ً بين يدي الساعة) وذكر منها (فتح بيت المقدس) -رواه
البخاري.
وهذا الشرط قد حدث في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه
سنة 36هـ.
طاعون عمواس:
طاعون عمواس وهي بلدة في فلسطين ،قال النبي صلى الله
عليه وسلم ( :اعدد ستا ً بين يدي الساعة) وذكر منها (ثم موتان
يأخذ فيكم كقصاص الغنم) رواه البخاري ،قال ابن حجر " :إن
هذه الية ظهرت في طاعون عمواس في خلفة عمر وكان ذلك
بعد فتح بيت المقدس" أهـ .وكان ذلك عام 18هـ وبلغ عدد من
مات فيه خمسة وعشرين ألفا ً من المسلمين.
استفاضة المال والستغناء عن الصدقة:
قال صلى الله عليه وسلم " :ل تقوم الساعة حتى يكثر فيكم
المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبله منه صدقه ،ويدعى
إليه الرجل فيقول :ل أرب لي فيه" -رواه البخاري.
68
وهذا تحقق كثير منه في عهد الصحابة رضي الله عنهم بسبب ما
وقع من الفتوح ،ثم فاض المال في عهد عمر بن عبد العزيز
رحمه الله ،فكان الرجل يعرض المال للصدقة فل يجد من يقبله،
وسيكثر المال في آخر الزمان في زمن المهدي وعيسى عليه
السلم إن شاء الله.
ظهور الفتن:
ظهور الفتن ،قال صلى الله عليه وسلم " :إن بين يدي الساعة
فتنا ً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ً ويمسي كافراً
ويمسي مؤمنا ً ويصبح كافراً" -رواه أحمد وأبو داود وصححه
اللباني في صحيح الجامع.
وقد حدث كثير من الفتن من عهد الصحابة رضي الله عنهم حتى
الن وأعظم الفتن جاءت من الشرق كما قال النبي صلى الله
عليه وسلم وهو مستقبل المشرق " :أل إن الفتنة ها هنا أل إن
الفتنه هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان -رواه البخاري.
ومن الفتن التي حدثت :مقتل عثمان رضي الله عنه ،وموقعة
الجمل وصفين ،وظهور الخوارج ،وموقعة الحرة ،وفتنة القول
بخلق القرآن.
ظهور مدعي النبوة:
ظهور مدعي النبوة ،فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " :ل
تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلثين كلهم
يزعم أنه رسول الله" -رواه مسلم
وممن ظهر من هؤلء الثلثين :مسيلمة الكذاب في زمن النبي
صلى الله عليه وسلم والسود العنسي في اليمن وقتله الصحابة،
وظهرت سجاح فادعت النبوة ثم رجعت إلى السلم ،وظهر
طليحة بن خويلد السدي ثم رجع إلى السلم ،ثم ظهر المختار،
ومنهم الحارث الكذاب ظهر في خلفة عبد الملك بن مروان،
وخرج في خلفة بني العباس جماعة.
وظهر في العصر الحديث ميرزا أحمد القادياني بالهند ،ول يزال
يظهر هؤلء الكذابون حتى يظهر آخرهم العور الدجال كما قال
صلى الله عليه وسلم " :وإنه والله ل تقوم الساعة حتى يخرج
ثلثون كذابا ً آخرهم العور الكذاب" -رواه أحمد
ومن هؤلء الكذابون أربع نسوة ،قال صلى الله عليه وسلم :
"في أمتي كذابون ودجالون ستة وعشرون منهم أربع نسوة وإني
خاتم النبيين ل نبي بعدي" -رواه أحمد وصححه اللباني في
صحيح الجامع الصغير.
ظهور نار الحجاز:
69
ظهور نار الحجاز ،فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال ":ل تقوم الساعة حتى تخرج نار من
أرض الحجاز تضيء أعناق البل ببصرى" -رواه البخاري.
وقد ظهرت هذه النار في منتصف القرن السابع الهجري في عام
654هـ ،وكانت نارا ً عظيمة أفاض العلماء ممن عاصر ظهورها
ومن بعدهم بوصفها ،قال النووي :خرجت في زماننا نار في
المدينة سنة أربع وخمسين وست مائة وكانت نارا ً عظيمة جداً
من جنب المدينة الشرقي وراء الحرة ،وتواتر العلم بها عند جميع
الشام وسائر البلدان وأخبرني من حضرها من أهل المدينة.
ونقل ابن كثير أن غير واحد من العراب ممن كان بحاضرة
بصرى شاهدوا أعناق البل في ضوء هذه النار التي ظهرت من
أرض الحجاز ،وذكر القرطبي في التذكرة أن هذه النار رئيت من
مكة ومن جبال بصرى.
فساد الخلق وضياع المانة:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله
ضيعت المانة فانتظر الساعة".عليه وسلم " :إذا ُ
قال :كيف إضاعتها يا رسول الله ؟
قال :إذا أسند المر إلى غير أهله فانتظر الساعة -رواه البخاري
ومن مظاهر تضييع المانة إسناد أمور الناس من إمارة وخلفة
وقضاء ووظائف إلى غير أهلها القادرين على تسييرها.
كثرة الشرطة وأعوان الظلمة:
فقد روى المام أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال" :يكون في هذه المة في آخر
الزمان رجال-أو قال-يخرج رجال من هذه المة في آخر الزمان
معهم سياط كأنها أذناب البقر ،يغدون في سخط الله ويروحون
في غضبه".
وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ":صنفان من أهل النار لم
أرهما ،قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون الناس"
انتشار الزنا:
ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " :إن من أشراط الساعة ـ فذكر منها ـ
ويظهر الزنا"
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم" :والذي نفسي بيده ل تفنى هذه المة حتى يقوم
الرجل إلى المرأة فيفترشها في الطريق فيكون خيارهم يومئذ
70
من يقول لو واريتها وراء هذا الحائط" -رواه أبو يعلي وقال
الهيثمي :ورجاله رجال الصحيح.
قال القرطبي " :في هذا الحديث علم من أعلم النبوة إذا أخبر
عن أمور ستقع فوقعت خصوصا ً في هذه الزمان" أ هـ ،فإذا كان
هذا في زمن القرطبي فهو في زمننا هذا أكثر ظهوراً.
الربا:
فعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال " :بين يدي الساعة يظهر الربا" -رواه الطبراني في
الترغيب والترهيب وقال المنذري رواته رواة الصحيح .وهذا
الحديث ينطبق على كثير من المسلمين في هذا الزمن.
ظهور المعازف واستحللها:
فعن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ".
قيل :ومتى ذلك يا رسول الله ؟
قال" :إذا ظهرت المعازف والقينات" -رواه ابن ماجه ،وقال
اللباني صحيح .وهذه العلمة قد وقع شيء كثير منها في السابق
وهي إلى الن أكثر ظهوراً.
كثرة شرب الخمر واستحللها:
فقد روى المام مسلم عن أنس رضي الله عنه قال :سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " :من أشراط الساعة ـ
وذكر منها ـ ويشرب الخمر.
وروى المام أحمد عن عباده بن الصامت قال :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " :لتستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم
يسمونها إياه"
ارتفاع السافل:
فيكون أمر الناس بيد السفهاء والراذل ،فعن أبي هريرة رضي
الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم" :إنها
ستأتي على الناس سنون خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها
الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها المين وينطق فيها
الرويبضة ،قال :السفيه يتكلم في أمر العامة" -رواه أحمد وقال
أحمد شاكر :إسناده حسن.
أن تكون التحية للمعرفة فقط:
فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم" :إن من أشراط الساعة أن يسلم الرجل على
الرجل ل يسلم عليه إل للمعرفة" -رواه أحمد ،وقال أحمد
شاكر :إسناده حسن.
ظهور الكاسيات العاريات:
71
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال :سمعت رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم يقول" :سيكون في آخر أمتي رجال
يركبون على سرج كأشباه الرحال ينزلون على أبواب المساجد،
نساؤهم كاسيات عاريات رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف،
العنوهن فإنهن ملعونات" -رواه أحمد وقال أحمد شاكر :إسناده
صحيح.
ومعنى كاسيات عاريات أي :كاسية جسدها ولكنها تشد خمارها
وتضيق ثيابها حتى تظهر تفاصيل جسمها ،أو تكشف بعض
جسدها ،وهذا حادث.
كثرة الكذب وعدم التثبت في نقل الخبار:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم":سيكون في آخر الزمان دجالون كذابون
يأتونكم من الحاديث ما لم تسمعوا أنتم ول آباؤكم ،فإياكم
وإياهم ل يضلونكم ول يفتنونكم" -رواه مسلم.
كثرة شهادة الزور وكتمان شهادة الحق:
فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم" :إن بين يدي الساعة شهادة الزور وكتمان
شهادة الحق" -رواه أحمد وقال أحمد شاكر :صحيح.
النفاق في العلئق وقطعية الرحام:
للحديث" :إذا الناس أظهروا العلم وضيعوا العمل ،وتحابوا
باللسن وتباغضوا بالقلوب وتقاطعوا في الرحام لعنهم الله عند
ذلك فأصمهم وأعمى أبصارهم" -ابن أبي الدنيا.
زخرفة المساجد والتباهي بها:
فقد روى المام أحمد عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال":ل تقوم الساعة حتى يتباهى الناس
في المساجد".
التطاول في البنيان:
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال لجبريل عندما سأل عن وقت قيام الساعة:
"ولكن سأحدثك عن أشراطها ـ فذكر منها ـ وإذا تطاول رعاء
البهائم في البنيان فذاك من أشراطها" ،وقد ظهر هذا في زماننا
جليا ً فتطاول الناس في البنيان وتفاخروا.
كثرة التجارة وفشوها بين الناس:
كثرة التجارة وفشوها بين الناس حتى تشارك المرأة فيها ،فعن
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و
آله وسلم قال" :بين يدي الساعة تسليم الخاصة وفشو التجارة
72
حتى تشارك المرأة زوجها في التجارة" -رواه أحمد وقال أحمد
شاكر :إسناده صحيح ،وهذا الشرط واقع حادث.
كثرة الزلزل:
كثرة الزلزل ،فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم" :ل تقوم الساعة حتى تكثر
الزلزل" -رواه البخاري.
ذهاب بركة الوقات:
للحديث" :ل تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة
كالشهر ،والشهر كالجمعة ،وتكون الجمعة كاليوم ،ويكون اليوم
كالساعة ،وتكون الساعة كالضرمة بالنار" -أخرجه الترمذي.
تداعى المم على أمة السلم:
وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا قائلً" :يوشك
ة علىم من كل أفق كما تداعى الكل ُ أن تداعى عليكم الم ُ
قصعتها،
قال :قلنا يا رسول الله أمن قلت بنا يومئذٍ؟
قال :أنتم يومئذ ٍ كثيٌر ولكن تكونون غثاءً كغثاء السيل ينتزع
المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن،
قلنا وما الوهن؟
قال :حب الدنيا وكراهية الموت" رواه أحمد في كتاب باقي
مسند النصار.
صدقت يا سيدي يا رسول الله فأصبحت المة السلمية الن
مطمعا ً لكل لئيم بعدما ترك المسلمون الجهاد و تكالبوا على
الدنيا.
إخباره صلى الله عليه وسلم بأن خلفة النبوة ثلثون سنة:
عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم" :خلفة النبوة ثلثون سنة ،ثم
يؤتي الله الملك من يشاء .وفي رواية :ثم تكون ملكًا .أخرجه أبو
داود.
وقد وقع ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد كانت
خلفة أبي بكر رضي الله عنه سنتين وثلثة أشهر ،وخلفة عمر
بن الخطاب رضي الله عنه عشر سنين وستة أشهر ،وخلفة
عثمان بن عفان رضي الله عنه اثنتي عشرة سنة ،وخلفة علي
بن أبي طالب رضي الله عنه أربع سنين وتسعة أشهر ،يضاف
إليها ستة أشهر وهي مدة خلفة الحسن بن علي رضي الله
عنهما ،فتصير ثلثين سنة؛ لن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
كانت في ربيع الول سنة إحدى عشر ،وتنازل الحسن لمعاوية
73
رضي الله عنهما كان في ربيع الول سنة إحدى وأربعون من
الهجرة النبوية.
شفي وطال عمره كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم:
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال له" :لعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويستضر
بك آخرون"؛ وذلك أن سعدًا مرض بمكة ،وكان يكره أن يموت
بالرض التي هاجر منها ،واشتد مرضه حتى أشفى (أي أشرف
على الموت) فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده ،ولم
يكن لسعد إل بنت ،فقال :يا رسول الله أوصي بمالي كله؟ قال:
ل ،إلى أن قال :فالشطر ،قال :ل ،فقلت :الثلث ،قال :الثلث
والثلث كثير ،ثم قال له صلى الله عليه وسلم :لعلك تخلف –أي
تعيش -حتى ينتفع بك أقوام ويستضر بك آخرون" ،فشفاه الله
سا
من ذلك المرض ،وفتح الله العراق على يديه ،وهدى الله به نا ً
من الكفار جاهدهم وقتل منهم وسبى ،وكانت المدة التي عاش
فيها بعد ذلك المرض نحو خمسين سنة .أخرجه البخاري ومسلم.
إخباره صلى الله عليه وسلم الزبير بأنه سيقاتل عليًا:
لما دنا علي وأصحابه من طلحة والزبير ودنت الصفوف بعضها
من بعض ،خرج علي رضي الله عنه وهو على بغلة رسول الله
صلى الله عليه وسلم فنادى :ادعوا لي الزبير بن العوام؛ فإني
علي ،فدُعي له الزبير ،فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابهما ،فقال
علي :يا زبير أنشدتك بالله أتذكر يوم مر بك رسول الله صلى
الله عليه وسلم ونحن في مكان كذا وكذا؟
فقال :يا زبير تحب عليًا؟
فقلت :أل أحب ابن خالي وابن عمي وعلى ديني
فقال :يا علي أتحبه؟
فقلت :يا رسول الله ،أل أحب ابن عمتي وعلى ديني
فقال :يا زبير ،أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم
قال :بلى ،والله لقد نسيته منذ سمعته من قول رسول الله صلى
الله عليه وسلم ثم ذكرته الن ،والله ل أقاتلك،
فرجع الزبير على دابته يشق الصفوف ،فعرض له ابنه عبد الله
بن الزبير فقال :مالك؟ فقال :ذكرني علي حديثًا سمعته من
رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول :لتقاتلنه وأنت له
ظالم ،فل أقاتله
قال :وللقتال جئت! وإنما جئت تصلح بين الناس ويصله الله هذا
المر
قال :قد حلفت أل أقاتله
74
قال :فأعتق غلمك جرجس وقف حتى تصلح بين الناس ،فأعتق
غلمه ووقف ،فلما اختلف الناس ذهب على فرسه -صحيح،
أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ،والبيهقي في الدلئل.
إخباره صلى الله عليه وسلم أن عماًرا تقتله الفئة الباغية:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال لعمار ":تقتلك الفئة الباغية" .أخرجه الشيخان.
ومعلوم أن عماًرا رضي الله عنه كان في جيش علي يوم صفين،
وقتله أصحاب معاوية من أهل الشام ،وكان الذي قتله رجل يقال
له أبو الفادية رجل من غوغاء الناس ،وقيل :قتله اثنان :هذا
ويسار بن أزيهر الجهني من قضاعة.
إخباره صلى الله عليه وسلم أن آخر شربة لعمار مذقة لبن:
عن مولة لعمار رضي الله عنه قالت :اشتكى عمار شكوى أرق
منها؟ فغشي عليه فأفاق ونحن نبكي حوله ،فقال :ما تبكون؟
أتخشون أن أموت على فراشي؟ أخبرني حبيبي صلى الله عليه
وسلم أنه تقتلني الفئة الباغية ،وأن آخر زادي من الدنيا مذقة
لبن.
وعن أبي البختري قال :قال عمار يوم صفين :ائتوني بشربة لبن،
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" :آخر شربة تشربها م
الدنيا شربة لبن" ،فشربها ثم تقدم فقتل -أخرجه أحمد في
المسند ،والحاكم في المستدرك.
إخباره صلى الله عليه وسلم عن مروق مارقة أثناء فرقة:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم" :تمرق مارقة عند فرقة المسلمين تقتلها أولى
الطائفتين بالحق" -أخرجه مسلم.
وهذه الفرقة هي الخوارج ،وقد ظهرت أثناء القتال بين علي
ومعاوية رضي الله عنهما وقتلها أقرب الطائفتين إلى الحق ،وهو
علي رضي الله عنه ومن معه.
إخباره صلى الله عليه وسلم عن أول أهله لحوقًا به:
عن عائشة رضي الله عنها قالت :أقبلت فاطمة رضي الله عنها
تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :مرحبًا بابنتي ،ثم أجلسها عن
يمينه أو عن شماله ،ثم أسر إليها حديثًا فبكت
فقلت :استخصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث ل ِ َ
م
تبكين؟
ثم أسر إليها حديثًا فضحكت
حا أقرب من حزن ،فسألتها عما قال فقلت :ما رأيت كاليوم فر ً
لها
75
فقالت :ما كنت لفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم،
حتى إذا قبض سألتها فقالت :إنه أسر إلي :أن جبريل عليه
السلم كان يعارضني بالقرآن كل سنة مرة ،وإنه عارضني به
العام مرتين ،ول أراه إل حضر أجلي ،وإنك أول أهل بيتي لحوقًا
بي ،ونعم السلف أنا لك ،فبكيت لذلك ،ثم قال :أل ترضين أن
تكوني سيدة نساء هذه المة أو نساء المؤمنين؟ فضحكت.
ول جدال أنها كانت أول أهله لحوقًا به صلى الله عليه وسلم،
واختلف في مدة مكثا بعده؛ فقيل :مكثت شهرين ،وقيل :ثلثة
أشهر ،وقيل :ستة أشهر ،وقيل :ثمانية أشهر ،وأصح الروايات:
أنها ستة أشهر.
إخباره صلى الله عليه وسلم عن أسرع أزواجه لحوقًا به:
عن عائشة رضي الله عنها قالت :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم" :أسرعكن لحوقًا بي أطولكن يدًا" .قالت :فكن يتطاولن
أيهن أطول يدًا ،قالت :فكانت زينب أطولنا يدًا لنها كانت تعمل
بيدها وتتصدق .صحيح ،أخرجه مسلم وغيره.
إخباره صلى الله عليه وسلم أم ورقة بأنها شهيدة:
عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث رضي الله عنها ،وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة
وكانت قد جمعت القرآن وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين غزا بدًرا
قالت :تأذن لي فأخرج معك أداوي جرحاكم وأمرض مرضاكم
لعل الله تعالى يهدي لي الشهادة؟
قال :إن الله تعالى مهد لك الشهادة ،فكان يسميها الشهيدة
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرها أن تؤم أهل دارها
وأنها غمتها جارية لها وغلم كانت قد دبرتهما فقتلها في إمارة
عمر فقيل :إن أم ورقة قتلتها جاريتها وغلمها وأنهما هربا ،فأتي
بهما فصلبهما فكانا أول مصلوبين في المدينة ،فقال عمر رضي
الله عنه :صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:
انطلقوا نزور الشهيدة .أخرجه المام أحمد والبيهقي.
إخباره صلى الله عليه وسلم عن موقع الفتن:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال":اليمان يمان ،والفتنة ها هنا ،ها هنا يطلع قرن الشيطان" -
أخرجه البخاري ومسلم.
وقد وقع المر كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ فخرجت
الفتنة من العراق ومن نجد وما حولهما.
إخباره صلى الله عليه وسلم عن الغزوة الولى في البحر:
76
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه ،وكانت تحت عبادة بن
ما فأطعمته ثم جلست تفلي رأسه ،فنام الصامت ،فدخل عليها يو ً
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك ،قالت:
فقلت :ما يضحكك يا رسول الله؟
قال" :ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون
ثبج هذا البحر (أي ظهره أو وسطه) ،ملوكًا على السرة ،أو مثل
الملوك على السرة"
فقلت :يا رسول الله ،ادع الله أن يجعلني منهم ،فدعا لها ،ثم
وضع رأسه فنام ،ثم استيقظ وهو يضحك
قالت :فقلت :ما يضحكك يا رسول الله؟
قال" :ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله ،كما قال
في الولى
قالت :قلت :يا رسول الله ،ادع الله أن يجعلني منهم
فقال :أنت من الولين
قال :فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمان معاوية
فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت .أخرجه
البخاري ومسلم.
وقد وقعت هذه الغزوة سنة سبع وعشرين في زمان عثمان
رضي الله عنه بقيادة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.
مقتل الحسين:
وذلك يم عاشوراء سنة إحدى وستين .عن عائشة رضي الله عنها
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" :يا عائشة إن جبريل أخبرني
أن ابني الحسين مقتول في أرض الطف وإن أمتي ستفترق
بعدي" .حسن ،أخرجه الطبراني.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم نصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم يلتقطه
ويتتبعه فيها ،قال :قلت :يا رسول الله ،ما هذا؟
قال" :دم الحسين وأصحابه لم أزل أتبعه منذ اليوم".
قال عمار بن أبي عمار الراوي عن ابن عباس :فحفظنا ذلك
اليوم فوجدناه قتل ذلك اليوم ،قلت :يعني العاشر من محرم
(عاشوراء) سنة إحدى وستين.
ولية اثنا عشر خليفة كلهم من قريش:
عن جابر بن سمرة قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول :يكون اثنا عشر خليفة ،ثم قال كلمة لم أسمعها
فقلت لبي :ما قال؟ قال :كلهم من قريش.
أخرجه البخاري.
77
إلى هذه اللحظة المدينة لم يدخلها الطاعون:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال النبي صلى الله عليه
وسلم :على أنقاب المدينة ملئكة ،ل يدخلها الطاعون ول
الدجال .أخرجه الشيخان.
وقد وقع ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم ،فحتى الن لم
نسمع بدخول الطاعون المدينة.
وصول مساكن المدينة إلى أهاب:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم" :تبلغ المساكن أهاب أو يهاب ،قال زهير :قلت
لسهيل ،أحد الرواة :فكم ذاك من المدينة؟ قال :كذا وكذا ميلً.
صحيح ،أخرجه مسلم.
وقد وصلت مساكن المدينة أبعد من المدينة عددًا من الميال.
ظهور التتار:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال" :ل تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوًزا وكرمان من العاجم،
حمر الوجوه فطس النوف صغار العين ،وجوههم المجان
جن وهو الترس ،والمطرقة التي قد م َ
المطرقة (المجان :جمع ِ
عوليت بطراق وهو الجلد الذي يغشاه ،وقيل :التي يطرق بعضها
على بعض ،كالنعل المطرق المخصوفة) ،نعالهم الشعر ( أي
يصنعون من الشعر حبال ً و يصنعون منها نعالً).
أخرجه البخاري.
وقد جاء التتار (المغول) إلى بلد السلم في القرن السابع
الهجري ،فاجتاحوا ديار السلم وقتلوا مئات اللوف وهدموا
البيوت والقصور ،وأذاعوا الفسق في كل مكان ،وقتلوا المراء
والسلطين ،وأزالوا الخلفة العباسية خلفة الظهور ،وخرجوا من
بلد إلى بلد ليقضوا على العلم والنور ،ثم كانت هزيمتهم على يد
المسلمين تحت قيادة سلطان مصر قطز.
وبلغ البناء سل ًعا:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبي ذر :إذا بلغ البناء سلعًا
فاخرج منها ،فلما بلغ البناء سلعًا خرج أبو ذر رضي الله عنه إلى
الربذة (على بعد أميال من المدينة) استجابة لم سول الله صلى
الله عليه وسلم ،ل أنه خرج مطرودًا منفيًا من جانب عثمان
رضي الله عنه كما يزعم الرافضة والمستشرقون اعتمادًا على
روايات باطلة وأخبار واهية وفهم سقيم وسوء نية وفساد طوية.
وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج من المدينة إذا بلغ
البناء سلعًا لما كان يخشى عليه ولما كان يعلم من حاله من
مبالغة في الزهد وأخذ بالعزيمة وجبر الناس عليها ،وتم المر كما
78
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعندما زادت الموال في عصر
عثمان رضي الله عنه ،وسارع الناس إلى جمع الثروات وبناء
المساكن وشراء الراضي ،خرج أبو ذر يطالبهم بإنفاق أموالهم
والكتفاء بما يسد حاجتهم منها ،واستغل عبد الله بن سبأ
اليهودي ،كعادة اليهود ،هذا ا لرأي استغلل ً مدمًرا؛ فأشعل نار
الفتنة بين الصحابة رضي الله عنهم ،ووقعت الفتنة الكبرى.
أخرجه الطبري في تاريخه ،وساقها الذهبي في سير أعلم
النبلء ،وقال المحقق :رجاله ثقات.
أبو ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده ،ووقع المر كما
حكى سيد البشر:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :لما سار رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى تبوك جعل ل يزال الرجل يتخلف
فيقولون :يا رسول الله ،تخلف فلن ،فيقول :دعوه ،إن يك فيه
خير فسيلحقه الله بكم ،وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه،
حتى قيل :يا رسول الله! تلف أبو ذر وأبطأ به بعيره ،فقال:
دعوه ،إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ،وإن يك غير ذلك فقد
أراحكم الله منه ،فتلوم أبو ذر بعيره فلما أبطأ عليه أخذ متاعه
فجعله على ظهره ،ثم خرج يتبع رسول الله صلى الله عليه
وسلم ماشيًا ،ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض
منازله ونظر ناظر من المسلمين فقال :يا رسول الله! إن هذا
الرجل ماشي على الطريق ،فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم :كن أبا ذر ،فلما تأمله القوم قالوا :يا رسول الله! هو والله
أبو ذر ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :يرحم الله أبا ذر،
يمشي وحده ،ويموت وحده ،ويبعث وحده .قال :فضرب الدهر
ضربه (أي مرت اليام) وسار أبو ذر إلى الربذة ،فلما حضره
الموت أوصى امرأته وغلمه فقال :إذا مت فاغسلني وكفناني
من الليل ثم ضعاني على قارعة الطريق ،فأول ركب يمرون بكم
فقول :هذا أبو ذر ،فلما مات فعلوا به كذلك ،فاطلع ركب فما
علموا به حتى كادت ركابهم تطأ سريره ،فإذا ابن مسعود في
رهط من أهل الكوفة فقال :ما هذا؟ فقيل :جنازة أبي ذر،
فاستهل ابن مسعود يبكي ،وقال :صدق رسول الله صلى الله
عليه وسلم :يرحم الله أبا ذر ،يمشي وحده ،ويموت وحده،
ويبعث وحده .فنزل فوليه بنفسه حتى أجنه (دفنه وأقبره).
حسن :أخرجه ابن إسحاق ،وإسناده حسن كما قال ابن كثير في
البداية.
عثمان تصيبه البلوى:
79
عن أبي موسى رضي الله عنه قال :توضأت في بيتي ثم خرجت
فقلت :لكونن اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فجئت
المسجد فسألت عنه فقالوا :خرج وتوجه هاهنا ،فخرجت في
أثره حتى جئت بئر أريس ،وما بها من جريد ،فمكثت عند بابها
حتى علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قضى حاجته
وجلس ،فجئته فسلمت عليه ،فإذا هو قد جلس على قف بئر
أريس فتوسطه ثم دلى رجليه في البئر وكشف عن ساقيه،
فرجعت إلى الباب وقلت :لكونن بواب رسول الله صلى الله
عليه وسلم ،فلم أنشب أن دق الباب ،فقلت :من هذا؟ قال :أبو
بكر ،قلت :على رسلك ،وذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقلت :يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن ،فقال :ائذن له وبشره
بالجنة ،قال :فخرجت مسرع ًا حتى قلت لبي بكر :ادخل ورسول
الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة ،قال :فدخل حتى جلس
إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم في القف على يمينه ودلى
رجليه وكشف عن ساقيه كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم.
قال :ثم رجعت وقد كنت تركت أخي يتوضأ ،وقد كان قال لي :أنا
على إثرك ،فقلت :إن يرد الله بفلن خيًرا يأت به .قال :فسمعت
تحريك الباب فقلت :من هذا؟ قال :عمر ،قلت :على رسلك،
قال :وجئت النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه وأخبرته،
فقال :ائذن له وبشره بالجنة ،قال :فجئت وأذنت له وقلت له:
رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة ،قال :فدخل
حتى جس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على يساره
وكشف عن ساقيه ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى
الله عليه وسلم وأبو بكر ،قال :ثم رجعت فقلت :إن يرد الله
بفلن خيًرا يأت به ،يريد أخاه ،فإذا تحريك الباب ،فقلت :من؟
قال :عثمان بن عفان ،قلت :على رسلك ،وذهبت إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقلت :هذا عثمان يستأذن ،فقال :ائذن له
وبشره بالجنة على بلوى تصيبه ،قال :فجئت فقلت :رسول الله
صلى الله عليه وسلم يأذن لك ويبشرك بالجنة على بلوى أو بلء
يصيبك ،فدخل وهو يقول :الله المستعان ،فلم يجد في القف
سا فجلس وجاههم من شق البئر وكشف عن ساقيه ودلهما مجل ً
في البئر كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وأبو بكر
وعمر رضي الله عنهما .أخرجه الشيخان.
قال سعد بن المسيب :فأولتها قبورهم؛ اجتمعت وانفرد عثمان.
وهذا البلء الذي أصاب عثمان رضي الله عنه هو ما وقع من قتله
وحصره ومنع الماء عنه ،على يد رعاع أهل المصار ومن دبر هذه
صا عبد الله بن سبأ
المكيدة وخطط لها وأشعلها من اليهود خصو ً
80
اليهودي المعروف بابن السوداء لعنه الله ،وبعد أن قتلوه ألقوه
على الطريق أياًما ل يصلى عليه ول يلتفت إليه ،حتى غُسل بعد
صلي عليه ودُفن بحش كوكب ،بستان في طريق البقيع. ذلك و ُ
وقد بلغ هؤلء القتلة الخونة الفجرة من الخسة والدناءة والوقاحة
ما ل يخطر على بال؛ حين قتلوه ،رضي الله عنه ،وهو يقرأ
القرآن ،فتقدم أحدهم عليه فركل المصحف برجله.
ضا:
قتل المسلمين بعضهم بع ً
عن أبي موسى قال :حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
جا ،قال :قلت :يا رسول الله ،ما الهرج؟ "إن بين الساعة لهر ً
قال :القتل القتل ،فقال بعض المسلمين :يا رسول الله ،إنا نقتل
الن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا ،فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :ليس بقتل المشركين ولكن بقتل بعضكم
ضا ،حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته".صحيح: بع ً
أخرجه ابن ماجه.
وفي رواية" :إذا تواجه المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في
النار" ،قيل :يا رسول الله! هذا القاتل ،فما بال المقتول؟ قال:
"إنه أراد قتل صاحبه" .رواه مسلم.
هيمنة المة السلمية على العالم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :إن الله زوى لي الرض
فرأيت مشارقها ومغاربها ،وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي
منها" .أخرجه مسلم.
وقد حدث هذا في أيام الصحابة رضي الله عنهم ،قبل نهاية
القرن الهجري الول؛ حيث سيطر المسلمون على قارات العالم
الثلث :آسيا وأفريقيا وأوروبا ،وزالت إمبراطورتا الفرس والروم.
أخذ المة السلمية بأخذ القرون قبلها:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ل تقوم الساعة حتى تأخذ
أمتي بأخذ القرون قبلها شبًرا بشبر وذراع ًا بذراع ،قيل :يا رسول
الله! كفارس والروم؟ قال :ومن الناس إل أولئك" .رواه البخاري
عن أبي هريرة.
وقد سارت المة على مناهج الشرق الملحد والغرب الكافر،
وجربت الشرق مرات وجربت الغرب مئات المرات ،وأبت أن
تسير على منهج الله تعالى مرة واحدة.
تبرج النساء:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :صنفان من أهل النار لم
أرهما بعد ،قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس،
ونساء كاسيات عاريات مميلت مائلت ،رؤوسهن كأسنمة البخت
81
المائلة ،ل يدخلن الجنة ول يجدن ريحها ،وإن ريحها ليوجد من
مسيرة كذا وكذا" .رواه البخاري.
أذناب البقر :ذيول.
كاسيات عاريات :كاسيات من نعمة الله عاريات عن شكرها ،أو
كاسيات بعض العضاء عاريات البعض الخر ،أو كاسيات في
الظاهر عاريات في الحقيقة لشفافية الثياب.
مميلت مائلت :أي يمشين المشية الميلء ذات التبختر
والكبرياء ،ويعلمن غيرهن هذا الصنيع.
رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة :يعظمن ويكبرن رؤوسهن
كأسنمة البل.
ظهور أقوام يغيرون شعرهم باللون السود:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :يكون في آخر الزمان
قوم يخضبون بالسواد كحواصل الحمام ل يريحون رائحة الجنة".
حديث صحيح :رواه أبو داود والنسائي عن ابن عباس.
أي أن هؤلء القوم يغيرون شعرهم وشيبهم بالسواد كما يفعل
في عصرنا.
إنكار السنة النبوية المطهرة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :يوشك أن يقعد الرجل
متكئًا على أريكته ،يحدث بحديث من حديثي ،فيقول :بيننا وبينكم
كتاب الله ،فما وجدنا فيه من حلل استحللناه ،وما وجدنا فيه من
حرام حرمناه" .أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه اللباني.
ظهرت في هذه اليام جماعة يسمون أنفسهم القرآنيون،
يقرءون القرآن الكريم وينكرون السنة النبوية بالكلية ،والحق
أنهم منكرون للقرآن الكريم قبل إنكار السنة؛ فمنكر السنة منكر
للقرآن بل ريب؛ إذ كيف يصلي وكم صلة يصليها ،وما أركان
الصلة ،وما سننها ومبطلتها؟ وكيف يزكي وكيف يصوم وكيف
يحج؟ وأنكر بعض المعاصرين السنة القولية ،وأقر السنة العملية.
وأنكر بعض المعاصرين ممن ليس لهم اختصاص بالسنة أحاديث
الشفاعة ،وأولوا اليات القرآنية الصريحة في الشفاعة ،والبعض
الن يتكئ على أريكته وينفخ أوداجه ثم يضعف أحاديث الشيخين
البخاري ومسلم التي أجمعت المة على صحتها.
قوله صلى الله عليه وسلم إن البراء لو أقسم على الله لبره:
عن أنس رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه
خلِقين)وسلم :كم من ضعيف مستضعِّف ذي طمرين (أي ثوبين َ
لو أقسم على الله لبَّره ،منهم البراء بن مالك" .حسن :رواه
الترمذي والحاكم والبيهقي.
82
وإن البراء لقي زحفًا من المشركين فقالوا :يا براء إن النبي
صلى الله عليه وسلم قال :لو أقسمت على الله لبَّرك ،فأقسم
منحوا على ربك ،قال :أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم ،ف ُ
أكتافهم ،ثم التقوا على قنطرة السوس ،فأوجعوا في المسلمين،
فقالوا :أقسم يا براء على ربك
قال :أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم ،وألحقني بنبيك ،ثم
حملوا فانهزم الفرس وقُتل البراء شهيدًا .وكان قتل البراء شهيدًا
يوم تستر في عهد عمر رضي الله عنه.
إشارته صلى الله عليه وسلم إلى أن الخليفة من بعده أبو بكر ثم
عمر ،وإشارته إلى قصر خلفة الصديق وطول خلفة الفاروق:
عن حذيفة بن اليمان قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم" :اقتدوا بالذين من بعدي ،أبي بكر وعمر رضي الله
عنهما" .حسن ،أخرجه الترمذي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم" :بينا أنا نائم رأيتني على قليب ،فنزعت منها ما شاء
الله ،ثم أخذها ابن أبي قحافة ،فنزع منها ذنوبًا أو ذنوبين ،وفي
نزعه ضعف والله يغفر له ،ثم أخذها ابن الخطاب فاستحالت
غْربًا (أي الدلو العظيمة ،وهذا تمثيل معناه أن الفتوحات كانت
في زمن عمر أكثر) ،فلم أر عبقريًا (العبقري هو سيد القوم
وكبيرهم) من الناس يفري فريه (يعمل عمله ويقطع قطعه)،
حتى ضرب الناس بعطن (العطن :مبارك البل نحو الماء).
أخرجه البخاري.
إخباره صلى الله عليه وسلم عن قتل مسيلمة الكذاب:
عن ابن عباس قال :قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم المدينة ،فجعل يقول :إن جعل لي محمد
المر من بعده تبعته ،وقدمها في بشر كثير من قومه ،فأقبل
النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس،
وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم قطعة جريد حتى وقف على
مسيلمة في أصحابه ،فقال" :إن سألتني هذه القطعة ما
أعطيتكها ،ولن تعدو أمر الله فيك ،ولئن أدبرت ليعقرنك الله،
وإني أراك الذي أريت فيه ما أريت وهذا ثابت بن قي يجيبك
عني ،ثم انصرف.
قال ابن عباس :فسألت عن قول النبي صلى الله عليه وسلم "
إنك الذي أريت فيه ما أريت " ،فأخبرني أبو هريرة أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال :بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين
من ذهب ،فأهمني شأنهما ،فأوحي إلي في المنام أن أنفخهما
فنفختهما فطارا ،فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي ،فهذان هما
83
أحدهما العنسي صاحب صنعاء ،والخر مسيلمة الكذاب صاحب
اليمامة" .أخرجه البخاري ،ومسلم في الرؤية.
إسلم أهل اليمن قبل أهل الشام:
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال :نظر رسول الله صلى الله
عليه وسلم قِبَل اليمن (أي تجاهها وناحيتها) فقال :اللهم أقبل
بقلوبهم ،ثم نظر قِبَل الشام فقال :اللهم أقبل بقلوبهم ،ثم نظر
مدان،قِبَل العراق فقال :وبارك لنا في صاعنا ومدنا (الصاعُ :
والمد حفنة بيد الرجل المتوسط)
قال ابن كثير :وهكذا وقع المر ،أسلم أهل اليمن قبل أهل
الشام ،ثم كان الخير والبركة قِبَل العراق ،ووعد أهل الشام
بالدوام على الهداية والقيام بنصرة الدين إلى آخر المر.
إعلمه صلى الله عليه وسلم بمواقيت الحج:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :وقت رسول الله صلى الله
عليه وسلم لهل المدينة ذا الحليفة (موضع بينه وبين مكة 450
كيلو متر يقع في شمالها) ،ولهل الشام الجحفة (موضع غي
الشمال الغربي من مكة بينه وبينها 187كيلومتر ،وهي قرية من
رابغ ،ورابغ بينها وبين مكة 204كيلومتر ،وقد صارت رابغ ميقات
جحفة)، أهل مصر والشام ومن يمر عليها ،بعد ذهاب معالم ُ
ولهل نجد قرن المنازل (جبل شرقي مكة يطل على عرفات،
بينه وبين مكة 94كيلومتر) ،ولهل اليمن يلملم (جبل يقع جنوب
مكة ،بينه وبينها 54كيلومتر) ،ولهل العراق ذات عرق (موضع في
الشمال الشرقي لمكة ،بينه وبينها 94كيلومتر) ،وقال" :هن لهن
ولمن أتى عليهن من غير أهلهن" .أخرجه الشيخان.
ولم تكن هذه البلد قد فتحت كلها بعد ،ثم مرت اليام وفتحت
هذه البلد في عهد الصديق والفاروق رضي الله عنهما.
أصابه العمى كما قال النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم:
عن زيد بن أرقم ،رضي الله عنه ،أن النبي صلى الله عليه وسلم
دخل عليه يعوده من مرض كان به ،فقال" :ليس عليك من
مرضك هذا بأس ،ولكن كيف بك إذا عمرت بعدي فعميت؟" قال:
إذ ًا أصبر وأحتسب ،قال" :إذ ًا تدخل الجنة بغير حساب" ،فعمي
بعد ممات النبي صلى الله عليه وسلم .أخرجه أبو داود ،وأحمد،
والحاكم ،وابن عساكر في تاريخه واللفظ له ،والبيهقي في دلئل
النبوة.
وعنه قال :رمدت عيني ،فعادني النبي صلى الله عليه وسلم ثم
قال" :يا زيد ،لو أن عينك لما بها كيف كنت تصنع؟" قال :كنت
أصبر وأحتسب ،قال" :لو أن عينك لما بها ثم صبرت واحتسبت
كان ثوابك الجنة" .أخرجه البخاري في الدب.
84
كثرة عدد النصارى:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :ل تقوم الساعة حتى
تكون الروم أكثر أهل الرض" .صحيح :أخرجه مسلم.
ونحن الن في العقد الول من القرن الحادي والعشرين،
والنصارى يبلغون أكثر من ثلث سكان العالم ،ول تبلغ أمة من
المم عدد أمة الروم .أما المسلمون فعددهم الن مليار وثلث،
وهذا يزيد قليل عن خمس سكان العالم.
الحديث في المساجد في الدنيا:
عن الحسن البصري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"يأتي على الناس زمان يكون حديثهم في مساجدهم في أمر
دنياهم فل تجالسوهم فليس لله فيهم حاجة" .أخرجه البيهقي في
الشعب عن الحسن مرسلً.
وهذا كثير في المساجد الن سيما من خدم المسجد والمسئولين
عن إدارته يحولون المساجد إلى مجلس للدنيا والطعام
والشراب.
مقاطعة العالم للعراق:
عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"منعت العراق درهمها وقفيزها ،ومنعت الشام مديها ودينارها،
ومنعت مصر إردبها ودينارها .وعدتم من حيث بدأتم ،وعدتم من
حيث بدأتم ،وعدتم من حيث بدأتم" .أخرجه مسلم.
سا عند جابر بن عبد الله فقال: وعن أبي نضيرة قال :كنا جلو ً
يوشك أهل العراق أن ل يجيء إليهم قفيز (مكيال العراق) ول
درهم ،قلنا :من أين؟ قال :من قِبَل العجم (غير العرب) ،يمنعون
ذلك ،ثم قال :يوشك أهل الشام أن ل يجيء إليهم دينار ول مدى،
قلنا :من أين ذلك؟ قال :من قِبَل الروم (النصارى) ،ثم أسكت
هنية .ثم قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يكون في
آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا .ل يعده عددا" .أخرجه مسلم.
أما قطع المعونات عن العراق فهذا حدث منذ احتلل العراق
للكويت سنة 1991م ،وأما قطع الموال من بلد الشام (سوريا-
لبنان -فلسطين -الردن) فلم يحدث بعد والن تستعد أمريكا
لتنفيذ المقاطعة ضد سوريا.
-----------------
.12إخباره صلى الله عليه وسلم عن المغيبات ()3
ثالثًا :نبوءات أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم في المستقبل
لم يتحقق بعد:
ظهور السلم:
85
في الحديث الذي رواه المام أحمد من حديث حذيفـة بن اليمان
وهو حديث صحيح أن النبي قال" :تكون النبوة فيكم ما شاء الله
أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ،ثم تكون خلفة على
منهاج النبوة ،فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون ،ثم يرفعها الله
إذا شاء أن يرفعها ،ثم تكون ملكا ً عاضاً ،فتكون فيكم ما شاء الله
أن تكون ،ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا ً جبرياً
فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن
يرفعها ،ثم تكون خلفة على منهاج النبوة" -رواه أحمد في
المسند ( )273 /4وصححه اللباني في الصحيحة رقم . 5
وفى الحديث الذي رواه مسلم من حديث ثوبان أن الصادق
المصدوق قال" :إن الله تعالى زوى لي الرض فرأيت مشارقها
ومغاربها ،وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها".
الرسول وهو في أحلك الزمـات والوقات وهو يُطـارد ،وأصحابه
ن هذا المر حتى ت" :والله لَيُت ِ َّ
م َّ مهاجرون يقول لخباب بن الر ّ
يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ل يخاف إل الله والذئب
على غنمه".
قبض العلم وظهور الجهل:
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " :من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت
الجهل" -رواه البخاري ومسلم ،وقبض العلم بقبض العلماء ،قال
النووي رحمه الله( :هذا الحديث يبين أن المراد بقبض العلم في
الحاديث السابقة المطلقة ليس هو محوه من صدور حفاظه
ولكن معناه أن يموت حملته ويتخذ الناس جهال ً يحكمون
بحهالتهم فيضلون ويضلون).
وقال الذهبي رحمه الله :وما أوتوا من العلم إل قليلً ،وأما اليوم
فما بقي من العلوم القليلة إل القليل ،في أناس قليل ،ما أقل
من يعمل منهم بذلك القليل فحسبنا الله ونعم الوكيل
وهذا في زمان الذهبي رحمه الله فما بالك بزماننا هذا ؟ فإنه
كلما بعد الزمان من عهد النبوة قل العلم وكثر الجهل ول يزال
يقبض العلم حتى ل يعرف من السلم إل اسمه كما قال النبي
صلى الله عليه وسلم " :ل تقوم الساعة حتى ل يقال في الرض
الله الله" -رواه مسلم.
كثرة القتل:
فقد روى المام البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :ل تقوم الساعة حتى
يكثر الهرج" قالوا :وما الهرج يا رسول الله قال :القتل القتل".
86
وروى المام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ":والذي نفسي بيده ل تذهب
الدنيا حتى يأتي على الناس يوم ل يدري القاتل فيم قتل ول
المقتول فيم قتل"
فقيل :كيف يكون ذلك ؟
قال " :الهرج القاتل والمقتول في النار".
ذهاب الصالحين:
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال :قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم " :ل تقوم الساعة حتى يأخذ الله
شريطته من أهل الرض ،فيبقى عجاجة ل يعرفون معروفا ً ول
ينكرون منكراً" -رواه أحمد وقال أحمد شاكر :إسناده صحيح.
صدق رؤيا المؤمن:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم" :إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب"
-رواه مسلم.
كثرة النساء:
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم" :من أشراط الساعة ـ وذكر منها ـ وتكثر
النساء ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد" -
رواه البخاري.
كثرة موت الفجأة:
فعن أنس رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم" :إن من أمارات الساعة أن يظهر موت الفجأة" -
رواه الطبراني في الصغير والوسط وقال اللباني :حسن.
وقوع التناكر بين الناس:
فعن حذيفة رضي الله عنه قال :سئل رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم عن الساعة فقال ":علمها عند ربي ل يجليها لوقتها إل
هو ،ولكن أخبركم بمشاريطها وما يكون بين يديها ـ وذكر منها ـ
ويلقى بين الناس التناكر فل يكاد أحد يعرف أحد" -رواه أحمد
وقال الهيثمي :رجاله رجال الصحيح.
عودة أرض العرب مروجا ً وأنهاراً:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم" :ل تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً
وأنهاراً" -رواه مسلم.
كثرة المطر وقلة النبات:
87
فعن أنس رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم" :ل تقوم الساعة حتى يمطر الناس مطرا ً عاما ً ول
تنبت الرض شيئًا -رواه أحمد ،وقال الهيثمي :رجاله ثقات.
حسر الفرات عن جبل من ذهب:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم" :ل تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل
من ذهب يقتتل الناس عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون ،
ويقول كل رجل منهم :لعلي أكون أنا الذي أنجو" -رواه البخاري.
أولى العلمات الصغرى المصاحبة للكبرى التي بدأت في
الظهور ..هي انحسار نهر الفرات عن جبل الذهب ..ستظهر هذه
العلمة قرب ظهور المهدي ..وبالفعل بدأ نهر الفرات في
انخفاض منسوب مياهه ..قال صلى الله عليه وسلم" :ل تقوم
الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقبل الناس
عليه ..فيقتتل من كل مائة تسعة وتسعون ..ويقول كل رجل
منهم لعلي أكون أنا الذي أنجو " ..وتلك فتنة شديدة ومقتلة
عظيمة ..قتال دائر بين الرجال من أجل أخذ الذهب ..ول يصل
إليه أحد ..ومن حضر تلك العلمة فل يأخذ من الذهب شيئا ً كما
أمر النبي صلى الله عليه وسلم" :..يوشك الفرات أن يحسر عن
جبل من ذهب فمن حضره فل يأخذ منه شيء".
كلم السباع والجمادات النس:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه في قصة الراعي الذي تكلم معه
الذئب ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره
بذلك فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم
ثم قال" :إنها أمارة من أمارات بين يدي الساعة ،قد أوشك
الرجل أن يخرج فل يرجع حتى تحدثه نعله وسوطه ما أحدث
أهله بعده" -رواه أحمد ،وقال أحمد شاكر صحيح.
هذه العلمة قد ظهرت من عهد النبي صلى الله عليه وسلم! في
الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :جاء ذئب
إلى راعي الغنم فأخذ منه شاه فطلبه الراعي حتى انتزعها منه.
قال :فصعد الذئب على تل فأقص– جلس على أسته واستذفر–
أدخل ذنبه بين فخذيه -فقال :عمدت إلى رزق رزقنيه الله عز
وجل وانتزعته مني ،فقال الرجل :تالله إن رأيت كاليوم ذئباً
يتكلم! قال الذئب :أعجب من هذا رجل في النخلت بين الحرتين
يخبركم بما مضى وبما هو كائن بعدكم .وكان الرجل يهوديا ً فجاء
الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وخبره ..فصدقه النبي
عليه الصلة والسلم ..ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم":
88
إنها أمارة من إمارات بين يدي الساعة قد أوشك الرجل أن
يخرج حتى تحدثه نعله وسوطه ما أحدث أهله بعده "..
كثرة الروم وقتالهم للمسلمين:
فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم" :اعدد ستا ً بين يدي الساعة ،فذكر منها:
"ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الصفر فيغدرون فيأتونكم تحت
ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً" -رواه البخاري.
وجاء في وصف هذا القتال أنه عظيم شديد فعن عبد الله بن
مسعود رضي الله عنه أنه قال :إن الساعة ل تقوم ،حتى ل
يقسم ميراث ،ول يفرح بغنيمة ،ثم قال بيده هكذا -ونحاها نحو
الشام فقال :عدو يجمعون لهل السلم ويجمع لهم أهل السلم.
قلت :الروم تعني؟
قال :نعم وتكون عند ذلكم القتال ردة شديدة فيشترط
المسلمون شرطة للموت ل ترجع إل غالبة فيقتتلون حتى يحجز
بينهم الليل فيفيء هؤلء وهؤلء كل غير غالب ،وتفنى الشرطة،
ثم يشترط المسلمون شرطة للموت ل ترجع إل غالبة ،فيقتتلون
حتى يحجز بينهم الليل فيفيء هؤلء وهؤلء كل غير غالب ،وتفنى
الشرطة ،ثم يشترط المسلمون شرطة للموت ل ترجع إل غالبة
فيقتتلون حتى يمسوا ،فيفيء هؤلء وهؤلء كل غير غالب وتفنى
الشرطة ،فإذا كان يوم الرابع نهد إليهم بقية أهل السلم فيجعل
الله الدبرة عليهم فيقتلون مقتلة – إما قال ل يرى مثلها ،وإما
قال لم ير مثلها – حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم ،فما يخلفهم
حتى يخر ميتا ً فيتعاد بنو الب كانوا مائة فل يجدونه بقي منهم إل
الرجل الواحد فبأي غنيمة يفرح؟ أو أي ميراث يقاسم؟ فبينما هم
كذلك إذ سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك فجاءهم الصريخ :إن
الدجال قد خلفم في ذراريهم ،فيرفضون ما في أيديهم ويقبلون
فيبعثون عشرة فوارس طليعة ،قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم " :إني لعرف أسمائهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم
هم خير فوارس على ظهر الرض يومئذ ،أو من خير فوارس
على ظهر الرض يومئذ" -رواه مسلم.
قتال اليهود:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم" :ل تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود
فيقتلهم المسلمون ،حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر،
فيقول الحجر أو الشجر :يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي
فتعال فاقتله ،إل الغرقد فإنه من شجر اليهود -متفق عليه.
ظهور المهدي المنتظر:
89
اعلم أن المحدثين متفقون على صحة حديث خروج المهدي فقد
صرح الحافظ ابن حجر بثبوته والحافظ السيوطي بل قال إنه
متواتر تواتًرا معنويًا وأكثر الئمة الذين ألفوا في الحديث أو خلق
كثير منهم وضعوا ترجمة لخروجه بل أفرد عدة منهم التأليف في
أخباره كالحافظ نعيم بن حماد والسيوطي ،ول عبرة بطعن أناس
ليسوا من المحدثين في ذلك .فإن عدد من روى حديث المهدي
38نفسا منهم 33صحابة و 5تابعيون ،ومن جملة ما ورد في
المهدي.
َّ ُ َّ ن ع َبْد ِ الل ّهِ قَاَل :قَا َ َ َ
صلى سول اللهِ َ ل َر ُ جابِرِ ب ْ ِ سعِيد ٍ وَ َ ن أبِي َ عَ َ ْ
ل وَلَ ْ َ ّ َ
ما َ م ال َ س ُ ة ي َ ْق ِ خلِي َف ٌ ن َ ما ِ َ
خرِ ال ّز َ ن فِي آ ِ م ":يَكُو ُ سل َ ه ع َليْهِ وَ َ الل ّ ُ
يَعُدُّه ُ -رواه مسلم.
َ َ َ َّ
م يَبْقَ ل" :لَوْ ل َ ْ م قَا َ
َ َ سل ّ ه ع َلَيْهِ وَ َ ُ صل ّى الل ّ َ يّ ِ ِ ب َ ّ الن نْ َ ع ِ ه
َ
ن ع َبْد ِ الل عَ ْ
م م ث ُ َّ ك اليَوْ َ ْ ه ذَل ِ َ ل الل ُّ حدِيثِهِ لطوَّ َ َ َ ل َزائِدَة ُ فِي َ م قَا َ ن الد ّنْيَا إ ِل يَوْ ٌ ّ ُ م ْ ِ
َ َ
ه
م ُ س ُ ئ ا ْ ل بَيْتِي يُوَاط ِ ُ ن أهْ ِ م ْ منِّي أوْ ِ جًل ِ ث فِيهِ َر ُ حتَّى يَبْعَ َ اتَّفَقُوا َ
ث فِطْر ي َ ُ َ اسمي واسم أَبيه اس َ
ضمَل اْلْر َ ٍ ْ حدِي ِ م أبِي َزاد َ فِي َ َ ْ ُ ِ ِ ْ ُ ْ ِ
ن: سفْيَا َ ث ُ حدِي ِ ل فِي َ جوًْرا" .وَقَا َ ما وَ َ ت ظل ًْ ُ ملِئ َ ْ ما ُ َ
سطا وَعَد ْل ك َ ً ً قِ ْ
َ َ
ل
ن أه ْ ِ م ْ ل ِ ج ٌ ب َر ُ ك الْعََر َ مل ِ َ حتَّى ي َ ْ ضي الدُّنْيَا َ ب أوْ َل تَن ْ َق ِ " َل تَذْهَ ُ
مي" .رواه أَبُو دَاوُد. س ِ ها ْ م ُ س ُ ئ ا ْ بَيْتِي يُوَاط ِ ُ
َ َ َ َ
ه ع َلَيْهِ صل ّى الل ّ ُ ل الل ّهِ َ سو ُ ل َر ُ ل :قَا َ ي قَا َ خدْرِ ِ ّ سعِيد ٍ ال ْ ُ ن أبِي َ عَ ْ
َ ُ َ َ َ َ
مَل اْلْر َ
ض ف يَ ْ جبْهَةِ أقْنَى اْلن ْ ِ جلَى ال ْ َ منِّي أ ْ مهْدِيُّ ِ سل ّم" َ:ال ْ َ وَ َ
ن" -رواه أبو سنِي َ سبْعَ ِ ك َ مل ِ ُ ما ي َ ْ جوًْرا وَظُل ْ ً ت َ ملِئ َ ْ ما ُ سطًا وَعَدًْل ك َ َ قِ ْ
داود.
َّ َ َ َ
م: سل َ ه ع َلَيْهِ وَ َ صل ّى الل ّ ُ ي َ ل النَّب ِ ُّ ل :قَا َ خدْرِيَّ قَا َ سعِيد ٍ ال ْ ُ ن أبِي َ عَ ْ
َ ن طَا َ ُ
شمُره ُ ع َا َ صَر ع ُ ْ مُره ُ أوْ قَ ُ ل عُ ْ مهْدِيُّ فَإ ِ ْ متِي ال ْ َ ن أ َّ م ْ ن ِ "يَكُو ُ
سطًا وَعَدًْل سنِين ي َ ُ َ َ َ
ض قِ ْ مَل اْلْر َ سعَ ِ َ ْ ن أوْ ت ِ ْ سنِي َ ن ِ ما ِ ن أوْ ث َ َ سنِي َ سبْعَ ِ َ
ماءُ قَطَرهَا" -رواه أحمد. ْ َ َ ْ
َ َ َ س َ مطُِر ال ّ
َ ض نَبَات َ َها وَت ُ ْ ج الْر ُ خرِ ُ وَت ُ ْ
ل ":ت ُمَلُ َ َ
ْ م قَا َ سل ّ َ ه ع َلَيْهِ وَ َ صل ّى الل ّ ُ ل الل ّهِ َ سو َ ن َر ُ سعِيد ٍ أ َّ ن أبِي َ عَ ْ
ك سبعا أوَ َ
مل ِ ُ َ ْ ً ْ عتَْرتِي ي َ ْ ن ِ م ْ ل ِ ج ٌ ج َر ُ خُر ُ م يَ ْ جوًْرا ث ُ َّ ما وَ َ ض ظُل ْ ً اْلْر ُ
سطًا وَعَدًْل" -رواه أحمد. ض قِ ْ َ مَل ُ اْلَْر سعًا فَي َ ْ تِ ْ
َ َ َ َ
ه ع َلَي ْ ِ
ه صل ّى الل ّ ُ ل الل ّهِ َ سو ُ ل َر ُ ل :قَا َ ي قَا َ خدْرِ ِ ّ سعِيد ٍ ال ْ ُ ن أبِي َ عَ ْ
حتَّى ت َمتَل ِ َ َ َ
ل ث ُ َّ
م ما وَعُدْوَانًا قَا َ ض ظُل ْ ً ئ اْلْر ُ ْ ة َ ساع َ ُ م ال َّ مَ" :ل تَقُو ُ سل ّ َ وَ َ
سطًا وَعَدًْل َ َ
ملَؤُهَا قِ ْ ل بَيْتِي ي َ ْ ن أهْ ِ م ْ عتَْرتِي أوْ ِ ن ِ م ْ ل ِ ج ٌ ج َر ُ خُر ُ يَ ْ
َ َ َ
ما وَعُدْوَانًا -رواه أحمد. ت ظُل ْ ً ملِئ َ ْ ما ُ كَ َ
َ
ه ع َلَيْهِ صل ّى الل ّ ُ ل الل ّهِ َ سو ُ ل َر ُ ل ":قَا َ ي قَا َ خدْرِ ِ ّ سعِيد ٍ ال ْ ُ ن أبِي َ عَ ْ
ُ ُ َ
نم ْ ف ِ ختَِل ٍ متِي ع َلَى ا ْ ث فِي أ َّ ي يُبْعَ ُ مهْد ِ ِ ّ م بِال ْ َ شُرك ُ ْ م" :أب َ ّ ِ سل ّ َ وَ َ
َ ُ
جوًْرا ت َ ملِئ َ ْ ما ُ سطًا وَعَدًْل ك َ َ ض قِ ْ مَل اْلْر َ ل فَي َ ْ س وََزَلزِ َ ِ النَّا
َْ
ل ما َ م ال ْ َ س ُ ض يَقْ ِ ن الْر ِ ساك ِ ُ ماءِ وَ َ س َ ن ال َّ ساك ِ ُ ه َ ضى ع َن ْ ُ ما يَْر َ وَظُل ْ ً
90
س قَا َ
ل سويَّةِ بَي ْ َ َ ل بِال َّ حا؟ قَا َ ج ٌ ل لَ حا فَقَا َ
ن الن ّا ِ َّ ِ َ َ
حا ً ص َ ما ِ َ ل ه َر ُ
ُ
ُ َ
حا ً
ُ
ص َ ِ
م
سعُهُ ْ م ِغنًى َوي َ َ سل َ ه ع َليْهِ وَ َ َ صلى الل ُ ّ ّ مد ٍ َ َ ح ّ م َ مةِ ُ َ بأ ّ ه قُلو َ ُ ّ
مل الل ُ َ وَي َ ْ
ْ
ما ة فَ َ ج ٌ حا َ ل َ ما ٍ ه فِي َ ن لَ ُ م ْ ل َ منَادِيًا فَيُنَادِي فَيَقُو ُ
َ مَر ُ حتَّى يَأ ُ ه َ عَدْل ُ ُ
لن فَقُ ْ خازِ َ ن يَعْنِي ال ْ َ سدَّا َ ت ال َّ ل ائ ْ ِ ل فَيَقُو ُ ج ٌ س إ ِ ّل َر ُ ِ ن النَّا م ْ م ِ يَقُو ُ
حتَّى إِذ َا َ ْ
ث َ ح ِ ه ا ْ ل لَ ُ ماًل فَيَقُو ُ ن تُعْطِيَنِي َ كأ ْ مُر َ مهْدِيَّ يَأ ُ ن ال ْ َ ه إ ِ َّ لَ ُ
سا مد ٍ نَفْ ً ح َّ م َ مةِ ُ شعَ أ ُ َّ ج َ تأ ْ
َ
ل كُن ْ ُ م فَيَقُو ُ جرِهِ وَأبَْرَزه ُ نَد ِ َ
َ
ح ْ ه فِي ِ جعَل َ ُ َ
ه إِنَّا لَ ل ل َُ ه فَيُقَا ُ ل فَيَُرد ّه ُ فَل يَقْب َ ُ َ ُ م قَا َ َ
من ْ ُ ل ِ سعَهُ ْ ما وَ ِ جَز ع َنِّي َ أوَع َ َ
ك سبع سنِين أَو ث َمان سنِي َ َ ن أْ ُ
ن أوْ ن كَذَل ِ َ َ ْ َ ِ َ ْ َ ِ ِ َ شيْئًا أع ْطَيْنَاه ُ فَيَكُو ُ خذ ُ َ
خيَْر فِي م َل َ ل ث ُ َّ ش بَعْدَهُ أَوْ قَا َ ْ
خيَْر فِي العَي ْ ِ م َل َ ن ث ُ َّ سنِي َ سعَ ِ تِ ْ
حيَاةِ بَعْدَه ُ -.رواه أحمد. ال ْ َ
َ سعِيد ٍ ال ْ ُ عَ َ
حد َ ٌ
ث ن بَعْد َ نَبِي ِّنَا َ ن يَكُو َ شينَا أ ْ خ ِ ل َ ي قَا َ ّ ِ ِ خدْر ن أبِي َ ْ
َ ُ َ َ َّ َ َّ َّ َ َّ ْ َ
متِي ن فِي أ ّ م فقَال" :إ ِ ّ َ سل َ ه ع َليْهِ وَ َ صلى الل ُ ي اللهِ َ سألنَا نَب ِ ّ فَ َ
ُ سعًا َزيْد ٌ ال َّ َ َ
ل ك قَا َ شا ّ سبْعًا أوْ ت ِ ْ سا أوْ َ م ً خ ْ ش َ ج يَعِي ُ خُر ُ مهْدِيَّ ي َ ْ ال ْ َ
مهْدِيُّ ل يَا َ ل فَيَقُو ُ ج ٌ جيءُ إِلَيْهِ َر ُ ل فَي َ ِ ن قَا َ سنِي َ ل ِ ك قَا َ ما ذ َا َ قُلْنَا َو َ
َ أَعْطِنِي أ عْطِنِي قَا َ
مل َ ُ
ه ح ِ ن يَ ْ ستَطَاع َ أ ْ ما ا ْ وبِهِ َ ه فِي ث َ ْ حثِي ل َ ُ ل فَي َ ْ
ن.س ٌ ح َ ث َ حدِي ٌ -رواه الترمذي وقال :هَذ َا َ
َ َ َ ي أ َ َّ َ
ل: م قَا َ سل ّ َ ه ع َلَيْهِ وَ َ
َ ُ صل ّى الل ّ َ ن النَّب ِ َّ
ي ّ ِ ِ خدْر سعِيد ٍ ال ْ ُ ن أبِي َ عَ ْ
ُ
سعٌ فَتَنْعَ ُ
م سبْعٌ وَإ ِ ّل فَت ِ ْ صَر فَ َ ن قُ ِ مهْدِيُّ إ ِ ْ متِي ال ْ َ ن فِي أ َّ "يَكُو ُ
ُ ُ فِيهِ أ ُ َّ
منْهُ ْ
م خُر ِ ط تُؤْتَى أكُلَهَا وََل تَد َّ ِ مثْلَهَا قَ ّ موا ِ م يَنْعَ ُ ة لَ ْ م ً متِي ن ِ ْع َ
مهْدِيُّ ل يَا َ ل فَيَقُو ُ ج ُ م الَّر ُ س فَيَقُو ُ مئِذ ٍ كُدُو ٌ ل يَوْ َ ما ُ شيْئًا وَال ْ َ َ
خذ ْ" -رواه ابن ماجه. ل ُ أَعْطِنِي فَيَقُو ُ
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه -قال :قال رسول
َ
الله -صل ّى الله عليه وسلم":-ل تقوم الساعة حتى تمل الرض
ظلما وجورا وعدوانا ،ثم يخرج من أهل بيتي من يملها قسطا
وعدل كما ملئت ظلما وعدوانا" -رواه الحاكم وقال:هذا حديث
صحيح على شرط الشيخين ،ولم يخرجاه وأقره الذهبي.
َ َ َ ُ َ
م" :ل تقوم الساعة حتى سل ّ َ ه ع َلَيْهِ وَ َ صل ّى الل ّ ُ ه َ ل الل ّ ِ سو قال َر ُ
يملك رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم
ما وجوًرا" -رواه ابن أبي يمل الرض قسطًا وعدل ً كما ملئت ظل ً
حبان.
فالمهدي عليه السلم اسمه محمد بن عبد الله وهو حسني أو
حسني من ولد فاطمة رضي الله عنها ،وقد ورد في الثر أنه
يسير معه في أول أمره ملك ينادي" يا أيها الناس هذا خليفة الله
المهدي فاتبعوه " ،وورد في الثر أيضا أن المهدي أول ما يخرج
يخرج من المدينة ويخرج معه ألف من الملئكة يمدونه وينتظره
في مكة ثلثمائة من الولياء هم أول من يبايعه ثم يخرج جيش
91
لغزوه فيخسف الله به الرض فيما بين مكة والمدينة ،بعد ذلك
يأتي إلى بر الشام.
والمهدي رجل طويل القامة آدم -أي أسمر – وجهه كالكوكب
الدري في الحسن والوضاءة ،أجلى الجبهة ،أقنى النف ،أكحل
العينين واسعهما ،أزج -أي دقيق الحاجبين طويلهما -أبلج -أي
مفروق الحاجبين غير مقرونهما – في خده اليمن خال أسود،
كث اللحية ،براق الثنايا.
يولد بالمدينة المنورة وينشأ بها ثم يأتي إلى مكة فيبايعه الولياء
ثم يأتي إلى بر الشام وأما وقت ظهوره فلم يعينه الرسول صلى
الله عليه وسلم فنحن ل نعين ولكن له علمات على ظهوره
ما وجوًرا.
وأكبرها أن تمتل الرض ظل ً
ظهور الدجال:
هو أعظم فتنة تمر بالبشر قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم" :ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أكبر من الدجال" -
رواه مسلم.
علمات خروجه:
أ -قلة العرب :روى أحمد ومسلم والترمذي عن أم شريك :أنها
سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول" :ليفرن الناس من
الدجال في الجبال" قالت أم شريك :يا رسول الله فأين العرب
يومئذ؟.
قال :هم قليل.
ب_ الملحمة وفتح القسطنطينية :روى أحمد وأبو داود عن معاذ
بن جبل رضي الله عنه :أن رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال" :عمران بيت المقدس خراب يثرب ،وخراب يثرب خروج
الملحمة ،وخروج الملحمة فتح القسطنطينية ،وفتح القسطنطينية
خروج الدجال".
ج_ الفتوحات :روى أحمد ومسلم وابن ماجة عن جابر بن سمرة
عن نافع بن عتيبة رضي الله عنهما؛ قال :كنا مع الرسول صلى
الله عليه و سلم في غزوة ،قال :فأتى النبي صلى الله عليه و
م من قبل المغرب عليهم ثياب الصوف ،فوافقوه عند سلم قو ٌ
أكمةٍ ،فإنهم لقيام ورسول الله صلى الله عليه و سلم قاعد،
قال :فقلت لي نفسي :ائتهم ،فقم بينهم وبينه ل يغتالونه.
قال :ثم قلت :لعله نجي معهم ،فأتيهم ،فقمت بينهم وبينه
قال :فحفظت منه أربع كلمات أعدهن في يدي قال" :تغزون
جزيرة العرب ،فيفتحها الله عز وجل ،ثم فارس ،فيفتحها الله عز
وجل ،ثم تغزون الروم ،فيفتحها الله ،ثم تغزون الدجال فيفتحه
الله".
92
د -انحباس القطر والنبات :ستكون بين يدي الدجال ثلث سنوات
عجاف ،يلقى الناس فيها شدة وكرباً؛ فل مطر ،ول نبات ،يفزع
الناس فيها للتسبيح والتحميد والتهليل ،حتى يجزئ عنهم بدل
الطعام والشراب ،فبينما هم كذلك؛ إذ تناهى لسماعهم أن إلهاً
ظهر ومعه جبال الخبز وأنهار الماء ،فمن أعترف به رباً؛ أطعمه
وسقاه ،ومن كذبه؛ منعه الطعام والشراب ،فالمعصوم عندها من
عصمه الله وتذكر لحظتها وصايا المصطفى صلى الله عليه و
سلم" :لن تروا ربكم حتى تموتوا ،وأنتم ترون هذا الفاك الدجال
ولم تموتوا بعد".
مكان خروجه:
روى أحمد والترمذي والحاكم وابن ماجة عن أبي بكر الصديق
رضي الله عنه؛ قال :حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقال" :إن الدجال يخرج من أرض بالمشرق ،يقال لها :خرسان،
مطرقة". يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان ال ُ
وأول ظهور أمره واشتهاره والله أعلم يكون بين الشام والعراق؛
ففي رواية مسلم عن نواس بن سمعان" :إنه خارج خلة بين
الشام والعراق".
أتباعه:
أ -اليهود :روى أحمد ومسلم عن أنس بن مالك :أن الرسول الله
صلى الله عليه و سلم قال" :يتبع الدجال من يهود أصبهان
سبعون ألفاً ،عليهم الطيالسة".
ب -الكفار والمنافقين :روى الشيخان والنسائي عن أنس بن
مالك رضي الله عنه؛ قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم" :ليس من بلد إل سيطؤه الدجال؛ إل مكة والمدينة،
وليس نُقب من أنقابها إل عليها الملئكة حافين تحرسها ،فينزل
بالسبخة ،فترجف المدينة بأهلها ثلث رجفات ،يخرج إليه منها كل
كافر ومنافق".
ج_ جهلة العراب :ودليل ذلك ما رواه ابن ماجه وابن خزيمة
والحاكم والضياء عن أبي أمامة ،وفيه . . ." :وإن من الفتنة أن
يقول العرابي :أرأيت إن يبعث لك أباك وأمك؛ أتشهد أني ربك؟
فيقول :نعم فيمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه ،فيقولن:
يابني! اتبعه؛ فإنه ربك.
د -من وجوههم كالمجان المطرقة ،ولعلهم الترك :عن أحمد
والترمذي والحاكم وابن ماجه عن أبي بكر الصديق رضي الله
عنه :إن الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها خرسان ،يتبعه
أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة.
هلكه:
93
أ -في بلد الشام حرسها الله :روى أحمد ومسلم عن أبي هريرة:
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :يأتي المسيح من قبل
المشرق ،وهمته المدينة ،حتى ينزل دُبُر أحد ،ثم تصرف الملئكة
وجهه قبل الشام ،وهناك يهلك.
ب -قاتله هو عيسى بن مريم عليهما السلم :روى الترمذي عن
مجمع بن جارية النصاري؛ قال :سمعت رسول الله صلى الله
عليه و سلم يقول" :يقتل ابن مريم الدجال بباب لد " ولن يسلط
عليه أحد إل عيسى بن مريم عليه السلم".
صفاته الخلقية:
أ -أعور العين أو العينين :روى الشيخان عن عبد الله بن عمر
رضي الله عنهما؛ قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الله ل يخفي عليكم ،إن الله تعلى ليس بأعور ،وإن المسيح
الدجال أعور عين اليمنى ،كأن عينه عنبة طافية".
ب -مكتوب بين عينيه كافر :روى الشيخان عن أنس؛ قال :قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم" :ما من نبي إل أنذر أمته
العور الكذاب ،أل إنه أعور ،وإن ربكم ليس بأعور ،ومكتوب بين
عينيه -ك ف ر".
د -قصير ،أفحج ،جعد ،أعور ،عينه ليست بناتئة ول جحراء :روى
أحمد وأبو داود عن عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله
عليه و سلم قال" :إني حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن ل
تعقلوا أن المسيح الدجال :قصير ،أفحج ،جعد ،أعور ،مطموس
العين ،ليست بنائتة ول جحراء ،فإن ألبس عليكم؛ فاعلموا أن
ربكم ليس بأعور ،وأنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا.
هـ_ هجان ،أزهر ،كأن رأسه أصلة :روى أحمد وابن حبان عن ابن
عباس :أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال" :الدجال:
أعور ،هجان ،أزهر ( وفي رواية أقمر )؛ كأن رأسه أصلة ،أشبه
الناس بعبد العزى بن قطن ،فإما هلك الهلك؛ فإن ربكم تعالى
ليس بأعور"
أعماله:
أ -يدعي اللوهية للحديث" :معه جنة ونار فناره جنة وجنته نار" -
رواه مسلم.
ب -تسخر له الجن والسماء والرض زيادة في الفتنة للحديث:
يقول للعرابي :أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك؟
فيقول :نعم ،فيتمثل له الشيطان في صورة أبيه وأمه فيقولن :يا
بني اتبعه فإنه ربك ،فيأتي على القوم فيدعوهم فيردون عليه
قوله فينصرف عنهم :فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من
أموالهم" -رواه مسلم.
94
جـ -أن يهبه الله إمكانية القتل ودعوة المقتول إلى الستواء
فيستوي زيادة في الفتنة للحديث :ثم يدعو رجل ممتلئا شبابا
فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين ،ثم يقول له :قم فيستوي
قائما" -رواه مسلم.
د -ومكوثه في الرض أربعون للحديث :قلنا :يا رسول الله وكم
لبثه في الرض؟ قال" :أربعون يوما" -رواه مسلم.
هـ -للنجاة منه :أن تقرأ فواتح سورة الكهف للحديث" :فمن
أدركه منكم فليقرأ عليه بفواتح الكهف فإنها جواركم من فتنته"-
رواه مسلم.
نزول عيسى بن مريم عليه السلم:
للحديث" :والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم
حكما عدل فيكسر الصليب ،ويقتل الخنزير ويضع الجزية" -رواه
البخاري ومسلم.
هلك الدجال على يد المسيح عليه السلم للحديث" :فيطلبه
حتى يدركه بباب لُد ّ فيقتله" -رواه مسلم.
مكوثه أربعين سنة :للحديث" :ينزل عيسى بن مريم فيمكث في
الناس أربعين سنة -رواه الطبراني وابن عساكر.
"ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ويدفن في الحجرة الشريفة
فيكون قبره رابعا" -رواه البخاري في تاريخه.
يعيش الناس في خير عظيم وأمان يسع الجميع :قال ابن
مسعود :يقول الرجل لغنمه ودوابه اذهبوا فارعوا وتمر الماشية
بين الزروع ل تأكل منه سنبلة والحيات والعقارب ل تؤذي أحدًا
والسبع على أبواب الدور ل يؤذي أحدًا ويأخذ الرجل المد من
القمح فيبذره بل حرث فيجيء منها سبعمائة مد.
يأجوج ومأجوج:
من ك ُ ِّ ْ ْ
ب حد َ ٍ
ل َ ج وَهُم ِّ جو ُ مأ ُ ج وَ َ جو ُ ت يَأ ُ ح ْ حتى إِذ َا فُت ِ َ قال تعالىَ ) :
ن) -سورة النبياء آية . 96 سلُو َ
يَن ِ
ْ ْ
نسدُو َ مفْ ِ ج ُ جو َ مأ ُ ج وَ َجو َ ن يَأ ُ ن إ ِ َّ
ِ و قال تعالى( :قَالُوا يَا ذ َا الْقَْرنَي ْ
سدّاً)- َ َْ
م َ ل بَيْنَنَا َوبَيْنَهُ ْجعَ َ خْرجا ً ع َلَى أن ت َ ْ ك َ ل لَ َ جعَ ُ ض فَهَ ْ
ل نَ ْ فِي الْر ِ
سورة الكهف آية .94
الفتن تتوالى ،وما أن يخرج المسلمون من فتنه ويحمدوا الله
على الخلص منها؛ إذا هم بفتنة جديدة ل تقل خطرا ً عن سابقتها.
فها هم قد انتهوا من الدجال ،وقد قتله الله على يدي عيسى بن
م وهو مريم عليه السلم ،وقد أحاط بعيسى عليه السلم قو ٌ
يحدثهم عن درجاتهم في الجنة ،وقد عصمهم الله من الفتنة
الدجال ،وقد أبلغنا رسول الله صلى الله عليه و سلم" :أن من
نجا من فتنته؛ فقد نجا".
95
وما زالوا يحفرون في السد حتى يخرقونه فيخرجون إلى الناس
وعيسى عليه السلم يحدث المؤمنين عن منازلهم في الجنة
وفجأة يطلب إليهم عيسى بوحي من السماء أن يحصنوا أنفسهم
بالطور؛ فقد أخرج الله عبادا ً ل قبل لحدهم بقتالهم ،وهم يأجوج
ومأجوج .ول تقل فتنتهم عن فتنة الدجال الذي يدعي اللوهية،
وهم يدعون قدرتهم على قتل من في السماء تعالى الله عن
قولهم علوا ً كبيراً.
من البشر من ذرية آدم:
يأجوج ومأجوج من البشر من ذرية آدم؛ خلفا ً لمن قال غير ذلك،
وذلك لما روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري -واللفظ
للبخاري-؛ قال :قال النبي صلى الله عليه و سلم" :يقول الله عز
وجل يوم القيامة :يا آدم
فيقول :لبيك ربنا وسعديك
فينادى بصوت :إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا ً إلى النار
قال :يارب! وما بعث النار؟
قال :من كل ألف -أراه قال -تسع مئة وتسعة وتسعين؛ فحينئذ
تضع الحامل حملها ،ويشيب الوليد ،وترى الناس سكارى وما هم
بسكارى ولكن عذاب الله شديد.
فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم فقال النبي صلى
الله عليه و سلم :من يأجوج ومأجوج تسع مئة وتسعة وتسعين
ومنكم واحد ،ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور
البيض ،أو كشعرة البيضاء في جنب الثور السود ،وإني لرجو أن
تكونوا ربع أهل أهل الجنة".
يخرجون على الناس بمشيئة الله تعالى:
روى أحمد وأبو داود والحاكم وابن حبان عن أبي هريرة؛ قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :إن يأجوج ومأجوج
يحفرون كل يوم ،حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس؛ قال الذي
عليهم :ارجعوا؛ فسنحفُره غداً ،فيعيده الله أشد ما كان ،حتى إذا
بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس؛ حفرو ،حتى إذا
كادوا يرون شعاع الشمس؛ قال الذي عليهم :ارجعوا؛
فستحفرونه غدا ً إن شاء الله تعالى ،واستثنوا ،فيعودون إليه وهو
كهيئته حين تركوه ،فيحفرونه ،ويخرجون على الناس ،فينشفون
الماء ،ويتحصن الناس منهم في حصونهم ،فيرمون بسهامهم إلى
السماء ،فترجع عليها الدم الذي أجفظ فيقولون :قهرنا أهل
الرض وعلونا أهل السماء ،فيبعث الله نغفا ً في أقفائهم فيقتلهم
بها.
كيف يقتلهم الله عز وجل:
96
فيرسل عليه النغف في رقابهم وفي رواية دودا كالنغف في
أعناقهم (ويكون في أنوف البل والغنم) فيصبحون موتى كموت
نفس واحدة ل يسمع لهم حس" -.رواه مسلم.
أي يرسل عليهم النغف ،فيأخذ بأعناقهم ،فيموتون موت الجراد،
يركب بعضهم بعضا ً الدواب ترعي لحومهم وتسمن عليها ففي
حديث أبي سعيد الخدري وفيه . . ." :فيحرج الناس ،ويُخلون
ي إل لحومهم ،فتشكر عليها سبيل مواشيهم ،فما يكون لهم رع ٌ
كأحسن ما شكرت على نبات قط".
مقتلهم عند جبل بيت المقدس:
ففي حديث النواس بن سمعان وفيه . . ." :ثم يسيرون حتى
ينتهوا إلى جبل الخمر ،وهو جبل بيت المقدس".
أسلحتهم وقود للمسلمين:
روى ابن ماجه والترمذي نحوه عن النواس :سيوقد المسلمون
من قسي يأجوج ومأجوج ونشابهم وأترستهم سبع سنين.
المطر الغزير لزالة آثارهم:
ففي حديث النواس ،وفيه . . ." :ثم يهبط نبي الله عيسى
وأصحابه الرض ،فل يجدون في الرض موضع شبر؛ إل مله
مهم ونتنهم(دسمهم ورائحتهم الكريهة) ،فيرغب نبي الله زه ُ
عيسى وأصحابه إلى الله ،فيرسل الله طيرا ً كأعناق البخت( نوع
من الجمال) ،فتحملهم ،فتطرحهم حيث يشاء الله ،ثم يرسل الله
مطرا ً ل يُكن منه بيت مدر(هو الطين الصلب) ول وبر ،فيغسل
الرض ،حتى يجعلها كالزلفة(المرآة في صفائها ونظافتها)".
طيب العيش وبركته بعد الخلص منهم:
ففي حديث النواس ،وفيه . . .":ثم يقال للرض :أنبتي ثمرتك،
وردي بركتك؛ فيومئذ تأكل العصابة (الجماعة) من الرمانة،
ويستظلون بقحفها ،ويبارك في الرسل (اللبن) ،حتى إن
اللقحة(قريبة العهد بالولدة) من البل لتكفي الفئام(الجماعة
الكثيرة) من الناس ،واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس،
واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ(الجماعة من القارب) من
الناس.
دابة الرض:
َ م َ ْ َ
ض
ن الْر ِ م دَاب َّ ً
ة ِّ جنَا لَهُ ْ
خَر ْ
مأ ْ ل ع َلَيْهِ ْ
قال تعالى( :وَإِذ َا وَقَعَ الْقَوْ ُ
ن) -سورة النمل آية 82و س كَانُوا بِآيَاتِنَا َل يُوقِنُو َ ن النَّا َ م أ َ َّ تُكَل ِّ ُ
مهُ ْ
هي دابة تخرج من الرض؛ تكلم الناس ،وتسمهم على
خراطيمهم؛ لقد أصبحت الساعة قريبا ً جدا ً منهم؛ فقد بدأ أيضاً
في هذا الوقت تغير العالم العلوي بطلوع الشمس من مغربها.
هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس وتركهم أوامر
97
الله وتبديلهم الدين الحق ،يُخرج الله لهم دابة من الرض -قيل:
من مكة ،-فتكلم الناس.
اليمان عند خروجها ل ينفع:
والدابة أحد ثلث آيات ل ينفع اليمان عند معاينتها ،بل ينفع
اليمان من أدركته واحدة ً من الثلث مؤمنا ً عامل ً روى مسلم
والترمذي عن أبي هريرة؛ قال :قال رسول الله صلى الله عليه
و سلم " :ثلث إذا خرجن ل ينفع نفسا ً إيمانها لم تكن آمنت من
ل أو كسبت في إيمانها خيراً :طلوع الشمس من مغربها، قب ُ
والدجال ،ودابة الرض"
وقت خروجها:
تخرج الدابة عل الناس ضحى وفي وقت طلوع الشمس من
مغربها ،وأيهما كانت قبل الخرى؛ فالخرى في أثرها قريبا ً
وسمها للناس على خراطيمهم
روى أحمد والبخاري وغيرهما عن أبي أمامة يرفعه للنبي صلى
الله عليه و سلم؛ قال " :تخرج الدابة ،فتسم الناس على
خراطيمهم ،ثم يعمرن فيكم ،حتى يشتري الرجل الدابة ،فيقال:
ممن اشتريت ،فيقول :من رجل المخاطم " وأما طبيعة هذا
الوسم ،وكيف يكون؛ فل أعلم بذلك حديثا ً صحيحاً.
طلوع الشمس من مغربها:
للحديث":ل تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا
طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون فذاك حين ل ينفع نفسا إيمانها
لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً"-رواه البخاري.
خروج نار من اليمن:
نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم للحديث:
"ستخرج نار من حضرموت ،أو من بحر حضرموت ،قبل القيامة
تحشر الناس"
قالوا :يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال :عليكم بالشام -أخرجه
الترمذي.
وقد روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه :أن رسول الله
صلى الله عليه و سلم قال" :يحشُر الناس على ثلث طرائق
راغبين وراهبين ،واثنان على بعير ،وثلثة على بعير ،وأربعة على
بعير ،وعشرة على بعير،ويحشر بقيتهم النار؛ تقيل معهم حيث
قالوا ،وتبيت معهم حيث باتوا ،وتصبح معهم حيث أصبحوا،
وتمسي معهم حيث أمسوا".
المراجع/
معجزات الرسول صلى الله عليه و سلم -ألف معجزة من
معجزات الرسول للدكتور مصطفى مراد.
98
----------------
.13معجزاته صلى الله عليه وسلم في أنواع الجمادات
حنين الجذع شوقا ً إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وشفقاً
من فراقه:
عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما -أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة ،فقالت
امرأة من النصار -أو رجل -يا رسول الله ،أل نجعل لك منبراً؟
قال :إن شئتم.
فجعلوا له منبرا ً فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر ،فصاحت
النخلة صياح الصبي ،ثم نزل النبي صلى الله عليه و سلم فضمه
إليه ،يئن أنين الصبي الذي يسكن قال" :كانت تبكي على ما
كانت تسمع من الذكر عندها" -رواه البخاري.
وفي رواية أخرى عن جابر رضي الله عنه قال :كان المسجد
مسقوفا ً على جذوع من نخل ،فكان النبي إذا خطب يقوم إلى
جذع منها ،فلما صنع له المنبر فكان عليه فسمعنا لذلك الجذع
صوتا ً كصوت العشار (جمع عشراء ،وهى الناقة التي أتى عليها
عشرة أشهر من حملها) ،حتى جاء النبي فوضع يده عليها،
فسكنت .رواه البخاري.
وفى رواية من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما -قال صلى
ن إلى يوم القيامة" -رواهالله عليه و سلم" :ولو لم أحتضنه لح َ
المام أحمد في مسنده ،وابن ماجه .وكان الحسن البصري رحمه
الله إذا حدث بحديث حنين الجذع يقول يا معشر المسلمين
الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا ً إلى
لقائه فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه.
عذق النخلة ينزل منها ويمشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم:
جاء إعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :بما
أعرف أنك رسول الله؟
قال :أرأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني
رسول الله؟
قال :نعم.
قال :فدعا العذق فجعل العذق ينزل من النخلة حتى سقط في
الرض ،فجعل ينقز حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم قال له :ارجع ،فرجع حتى عاد إلى مكانه.
فقال :أشهد أنك رسول الله ،وآمن -صحيح ،رواه البيهقي في
الدلئل ،والحاكم في المستدرك.
انقياد الشجر لرسول الله صلى الله عليه و سلم:
99
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :سرنا مع رسول الله
صلى الله عليه و سلم حتى نزلنا واديًا أفيح (أي واسعًا) فذهب
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فاتبعته بإداوة من
ماء فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير شيئًا يستتر
به فإذا شجرتان بشاطئ الوادي (أي جانبه) فانطلق رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها
فقال" :انقادي علي بإذن الله" فانقادت معه كالبعير المخشوش
(هو الذي يجعل في أنفه خشاش وهو عود يجعل في أنف البعير
إذا كان صعبًا ويشد فيه حبل ليذل وينقاد وقد يتمانع لصعوبته فإذا
اشتد عليه وآلمه انقاد شيئًا) الذي يصانع قائده حتى أتى الشجرة
الخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال" :انقادي علي بإذن الله
فانقادت معه كذلك حتى إذا كان بالمنصف (هو نصف المسافة)
مما بينهما لم بينهما (يعني جمعهما) فقال :التئما علي بإذن الله
فالتأمتا قال جابر :فخرجت أحضر (أي أعدو وأسعى سعيًا شديدًا)
مخافة أن يحس رسول الله صلى الله عليه و سلم بقربي فيبتعد
فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة فإذا أنا برسول الله
صلى الله عليه و سلم مقبل ً وإذا الشجرتان قد افترقتا فقامت
كل واحدة منهما على ساق فرأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقف وقفة فقال برأسه هكذا؟ وأشار أبو إسماعيل برأسه
يمينًا وشمال ً ثم أقبل فلما انتهى إلي قال :يا جابر هل رأيت
مقامي؟ قلت :نعم يا رسول الله قال" :فانطلق إلى الشجرتين
فاقطع من كل واحدة منهما غصنًا فأقبل بهما حتى إذا قمت
مقامي فأرسل غصنًا عن يمينك وغصنًا عن يسارك" .قال جابر:
فقمت فأخذت حجًرا فكسرته وحسرته (أي أحددته بحيث صار
مما يمكن قطع الغصان به) فانذلق لي (أي صار حادًا) فأتيت
الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنًا ثم أقبلت أجرهما
حتى قمت مقام رسول الله صلى الله عليه و سلم أرسلت غصنًا
عن يميني وغصنًا عن يساري ثم لحقته فقلت :قد فعلت يا
رسول الله فعم ذاك؟ قال :إني مررت بقبرين يعذبان فأحببت
بشفاعتي أن يرفه عنهما (أي يخفف) ما دام الغصنان رطبين"-
رواه مسلم.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :كنا مع رسول الله
صلى الله عليه و سلم في سفر فأقبل أعرابي فلما دنا منه قال
له رسول الله صلى الله عليه و سلم :أين تريد؟.
قال :إلى أهلي.
قال :هل لك في خير؟
قال :وما هو؟.
100
قال :تشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأن محمدًا عبده
ورسوله
قال :ومن يشهد على ما تقول؟
قال :هذه السلمة (شجرة من أشجار البادية).
فدعاها رسول الله صلى الله عليه و سلم وهي بشاطئ الوادي
فأقبلت تخد (تشق) الرض خدًا حتى قامت بين يديه فأشهدها
ثلثًا فشهدت ثلثًا أنه كما قال ثم رجعت إلى منبتها ورجع
العرابي إلى قومه وقال :إن اتبعوني آتك بهم وإل رجعت فكنت
معك .رواه الطبراني في الكبير وأبو يعلى والبزار ورجال
الطبراني رجال الصحيح.
تسليم الحجر عليه صلى الله عليه و سلم:
عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال :قال رسول الله صلى
ي قبل الله عليه و سلم" :إني لعرف حجًرا بمكة كان يسلم عل ّ
أن أبعث إني لعرفه الن" .رواه أحمد ومسلم والترمذي.
قال المام النووي معلقًا على هذا الحديث :فيه معجزة له صلى
الله عليه وسلم وفي هذا إثبات التمييز في بعض الجمادات وهو
خ ْ
شيَةِ ن َ م ْ ما يَهْب ِ ُ
ط ِ منْهَا ل َ َ موافق لقوله تعالى في الحجارة( :وَإ ِ َّ
ن ِ
شيءٍ إلَّ
من َ ْ ِ اللّهِ) -سورة البقرة آية . 74وقوله تعالى( :وَإِن ِّ
مدَه) -سورة السراء آية .44ح ْ
ح بِ َ
سب ِّ ُ
يُ َ
تسبيح الطعام بحضرته صلى الله عليه و سلم:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :كنا نعد اليات بركة
وأنتم تعدونها تخويفًا كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم
في سفر فقال الماء فقال :اطلبوا فضلة من ماء فجاءوا بإناء فيه
ماء قليل فأدخل يده في الناء ثم قال" :حي على الطهور
المبارك والبركة من الله" .فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع
رسول الله ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل .أخرجه
البخاري في صحيحه.
الشجرة تنتقل من مكانها ثم ترجع:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :جاء جبريل إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزين قد خضب
بالدماء (أي ملت الدماء رأسه) من ضربة بعض أهل مكة فقال
له :مالك؟
قال :فعل بي هؤلء وفعلوا.
فقال له جبريل :أتحب أن أريك آية؟
فقال :نعم
قال :فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال :ادع تلك الشجرة،
فدعاها.
101
قال :فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه
فقال :مرها فلترجع ،فأمرها ،فرجعت إلى مكانها
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :حسبي (أي يكفيني
اطمئنانًا) -صحيح ،أخرجه أحمد في مسنده ،ورواه ابن ماجة في
سننه.
الربعون نخلة تثمر في عام زرعها:
عن بريدة رضي الله عنه قال :جاء سلمان الفارسي إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة بمائدة عليها رطب،
فوضعها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :يا
سلمان ،ما هذا؟
فقال :صدقة عليك وعلى أصحابك،
فقال :ارفعها؛ فإنا ل نأكل الصدقة،
قال :فرفعها ،فجاء الغد بمثله ،فوضعه بين يدي رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
فقال :ما هذا يا سلمان؟
فقال :هدية لك،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحابه :ابسطوا (يعني
ابسطوا أيديكم وكلوا).
ثم نظر إلى الخاتم على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم
فآمن به ،وكان لليهود ،فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما على أن يغرس نخل ً فيعمل سلمان فيه حتى بكذا وكذا دره ً
تُطعِم ،فغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم النخيل إل نخلة
واحدة غرسها عمر ،فحملت النخل من عامها ولم تحمل النخلة
التي زرعها عمر،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ما شأن هذه النخلة؟
فقال عمر :يا رسول الله ،أنا غرستها،
فنزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرسها ،فحملت من
عامها -حسن ،أخرجه أحمد ،والترمذي في الشمائل ،وابن حبان،
والحاكم.
وفي هذا الحديث أربعون معجزة؛ لن كل نخلة تثمر في عامها
معجزة وحدها؛ فالنخلة ل تثمر إل بعد سبع سنوات على القل.
تسبيح الحصى:
عن أبي ذر رضي الله عنه قال :كنت رجل ً ألتمس خلوات النبي
ما
الله صلى الله عليه وسلم لسمع منه أو لخذ عنه ،فهجرت يو ً
من اليام ،فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من بيته،
فسألت عنه الخادم فأخبرني أنه في بيت ،فأتيته وهو جالس ليس
عنده أحد من الناس ،وكأني حينئذ أرى أنه في وحي ،فسلمت
102
عليه ،فرد علي السلم ثم قال :ما جاء بك؟ فقلت :جاء بي الله
ورسوله ،فأمرني أن أجلس ،فجلست إلى جنبه ل أسأله عن
شيء ل يذكره لي ،فمكثت غير كثير فجاء أبو بكر يمشي مسرع ًا
فسلم عليه فرد السلم ثم قال :ما جاء بك؟ قال :جاء بي الله
ورسوله.
فأشار بيده أن أجلس فجلس إلى ربوة مقابل النبي صلى الله
سا،عليه وسلم بينه وبينها الطريق ،حتى إذا استوى أبو بكر جال ً
فأشار بيده ،فجلس إلى جنبي عن يميني ،ثم جاء عمر ففعل مثل
ذلك ،وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك،
وجلس إلى جنب أبي بكر على تلك الربوة ،ثم جاء عثمان فسلم
فرد السلم وقال :ما جاء بك؟ قال :جاء بي الله ورسوله ،فأشار
إليه بيده ،فقعد إلى الربوة ،ثم أشار بيده فقعد إلى جنب عمر،
فتكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة لم أفقه أولها غير أنه
قال :قليل ما يبقين ،ثم قبض على حصيات سبع أو تسع أو قريب
من ذلك ،فسبحن في يده حتى سمع لهن حنين كحنين النخل في
كف النبي صلى الله عليه وسلم ،ثم ناولهن أبا بكر وجاوزني
فسبحن في كف أبي بكر ،ثم أخذهن منه فوضعهن في الرض
فخرسن فصرن حصى ،ثم ناولهن عمر فسبحن في كفه كما
سبحن في كف أبي بكر ،ثم أخذهن فوضعهن في الرض
فخرسن ،ثم ناولهن عثمان فسبحن في كفه نحو ما سبحن في
كف أبي بكر وعمر ،ثم أخذهن فوضعهن في الرض فخرسن.
حسن :أخرجه البيهقي في الدلئل ،ورواه السيوطي في
الخصائص الكبرى ،وعزاه للبزار والطبراني في الوسط وأبي
نعيم.
أنطق الله عز وجل الشجرة له:
عن معن قال :سمعت أبي قال :سألت مسروقًا :من آذن النبي
صلى الله عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا القرآن؟ فقال :حدثني
أبوك ،يعني ابن مسعود :أنه آذنته بهم شجرة.
وكان ذلك ليلة الجن عندما غاب النبي صلى الله عليه وسلم عن
أصحابه ،وجاءه داعي الجن فذهب معهم ،وقرأ عليهم القرآن،
وآمنوا به واتبعوا النور الذي أنزل معه .رواه مسلم.
من آذن النبي صلى الله عليه وسلم :أي أعلمه بحضور الجن.
.14إفحام النبي صلى الله عليه وسلم لهل الكتاب
كان أهل الكتاب كثيًرا ما يسألون رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن أشياء على سبيل المتحان والتعجيز وليس على سبيل
الهداية والنصياع للحق فسألوه عن أشياء كثيرة فكان رسول
103
الله صلى الله عليه وسلم يورد الجواب على وجهه ويأتي به على
نصه كما هو معروف لديهم ومقرر في كتبهم.
وقد علموا أنه صلى الله عليه وسلم أمي ل يقرأ ول يكتب ول
اشتغل بمدارسة ولم يتلق العلم على أيديهم ومع هذا لم يحك
عن واحد من اليهود والنصارى على شدة عداوتهم له وحرصهم
على تكذيبه وكثرة سؤالهم له وتعنتهم في ذلك أنه أنكر على
رسول الله صلى الله عليه وسلم جوابه أو كذبه بل أكثرهم صرح
بصحة نبوته وصدق مقالته والمكابر منهم اعترف بعناده وحسده
لرسول الله صلى الله عليه و سلم.
وها هي بعض النماذج التي سئل فيها رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأجاب بما طابق الحق المقرر عند أهل الكتاب.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :بلغ عبد الله بن سلم
مقدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة فأتاه فقال :إني
سائلك عن ثلث ل يعلمهن إل نبي
قال :ما أول أشراط الساعة (العلمات التي تتقدمها)؟ وما أول
طعام يأكله أهل الجنة؟ ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه (أي
يجيء يشبهه) ومن أي شيء ينزع إلى أخواله؟
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :خبرني بهن آنفًا جبريل
قال فقال عبد الله :ذاك عدو اليهود من الملئكة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :أما أول أشراط الساعة
فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب
وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت
وأما الشبه في الولد فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه
كان الشبه له وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها
قال :أشهد أنك رسول الله
ثم قال :يا رسول الله إن اليهود قوم بهت (أي يكذبون على
الناس) إن علموا بإسلمي قبل أن تسألهم بهتوني عندك فجاءت
اليهود ودخل عبد الله البيت فقال رسول الله صلى الله عليه و
سلم :أي رجل فيكم عبد الله بن سلم؟
قالوا :أعلمن وابن أعلمنا وأخبرنا وابن أخبرنا
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :أفرأيتم إن أسلم عبد
الله؟
قالوا :أعاذه الله من ذلك ,فخرج عبد الله إليهم فقال :أشهد أن
ل إله إل الله وأشهد أن محمدًا رسول الله .فقالوا :شرنا وابن
شرنا ووقعوا فيه -رواه البخاري.
ما عند رسول الله صلى عن ثوبان رضي الله عنه قال :كنت قائ ً
الله عليه و سلم فجاء حبر من أحبار اليهود -أي عالم من
104
علمائهم فقال :السلم عليك يا محمد .فدفعته دفعة كاد يصرع
منها فقال :لم تدفعني؟
فقلت :أل تقول يا رسول الله
فقال اليهودي :إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :إن اسمي محمد الذي
سماني به أهلي
فقال اليهودي :جئت أسألك
فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم :أينفعك شيء إن
حدثتك؟
قال :أسمع بأذني .فنكت رسول الله صلى الله عليه و سلم بعود
معه (أي يخط بالعود في الرض ويؤثر به فيها) فقال :سل
فقال اليهودي :أين يكون الناس يوم تبدل الرض غير الرض
والسماوات؟
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :هم في الظلمة دون
الجسر -المراد به :الصراط
قال :فمن أول الناس إجازة -المقصود :الجواز والعبور؟
قال صلى الله عليه و سلم :فقراء المهاجرين
قال اليهودي :فما تحفتهم (وهي ما يهدى إلى الرجل ويخص به)
حين يدخلون الجنة؟
قال :زيادة كبد النون -أي الحوت
قال :فما غذاؤهم على إثرها؟
قال :ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها
قال :فما شرابهم عليه
قال :عينا فيها تسمى سلسبيل
قال :صدقت.
قال :أردت أن أسألك عن شيء ل يعلمه أحد من أهل الرض إل
نبي أو رجل أو رجلن.
قال :ينفعك إن حدثتك.
قال :أسمع بأذني.
قال :جئت أسألك عن الولد.
قال :ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعل مني
الرجل مني المرأة أذكر بإذن الله وإذا عل مني المرأة مني
الرجل أنثا بإذن الله تعالى.
فقال اليهودي :لقد صدقت وإنك لنبي .ثم انصرف.
فذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :لقد سألني عن
الذي سألني عنه ومالي علم بشيء منه حتى أتاني الله عز وجل
به" -في صحيح مسلم.
105
من كتاب ألف معجزة من معجزات الرسول للدكتور (مصطفى
مراد)
-------------------
.15بركة النبي صلى الله عليه وسلم
أفاق جابر برش الوضوء النبوي عليه:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :عادني رسول الله
صلى الله عليه وسلم ،وأبو بكر رضي الله عنه في بني سلمة،
فوجدني ل أعقل ،فدعا بماء فتوضأ فرش منه علي ،فأفقت،
صيك ُ ُ
م فقلت :كيف أصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزلت( :يُو ِ
ح ِّ ُ َ
ن)– سورة النساء :من ظ النثَيَي ْ ِ م لِلذَّكَرِ ِ
مث ْ ُ
ل َ الل ّ ُ
ه فِي أوْلَدِك ُ ْ
الية - 11أخرجه البخاري ومسلم.
بصق في عين علي رضي الله عنه فبرأت:
في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
يوم خيبر" :لعطين هذه الراية غدًا رجل ً يحب الله ورسوله و
يحبه الله ورسوله ،يفتح الله على يديه ،فبات الناس يدركون أيهم
يُعطاها ،فلما أصبح الناس ،غدوا على رسول الله صلى الله عليه
وسلم كلهم يرجو أن يُعطاها ،فقال :أين علي بن أبي طالب؟
ُ
فقالوا :يا رسول الله ،هو يشتكي عينيه ،قال :فأرسلوا إليه ،فأتي
به ،فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له،
فبرأ حتى كان لم يكن به وجع ،فأعطاه الراية ،فقال :يا رسول
الله! أقاتلهم ،حتى يكونوا مثلنا؟ قال :انفذ على رسلك حتى تنزل
بساحتهم ،ثم ادعهم إلى السلم ،وأخبرهم بما يجب عليهم من
حق الله فيه ،فو الله لن يهدي الله بك رجل ً واحدًا خير من أن
يكون لك حمر النعم" .صحيح ،أخرجه البخاري ومسلم.
بركة مسحه صلى الله عليه وسلم على رأس حنظلة بن خديم:
قال والد حنظلة بن خديم لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
مت عليه (أي س ِّ
بأبي وأمي ،أنا رجل ذو سن ،وهذا ابني حنظلة ف َ
ادع الله له) ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم :يا غلم ،فأخذ
بيده فمسح رأسه ،وقال له :بورك فيه ،أو قال :بارك الله فيك،
ورأيت حنظلة يؤتى بالشاة الوارم ضرعها والبعير والنسان به
الورم ،فيتفل في يده ويمسح بصلعته ويقول :بسم الله على أثر
يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فيمسحه ،فيذهب عنه.
أخرجه أحمد والبخاري وابن سعد والطبراني والبيهقي ،وغيرهم.
الثر النبوي سبب في عدم نسيان أبي هريرة رضي الله عنه:
قال أبو هريرة رضي الله عنه :إنكم تقولون :أكثر أبو هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم والله الموعد ،وإنكم تقولون :ما بال
المهاجرين والنصار ل يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه
106
وسلم بهذه الحاديث؟ وإن أصحابي من المهاجرين كانت تشغلهم
صفقاتهم في السواق ،وإن أصحابي من النصار كانت تشغلهم
أرضهم والقيام عليها ،وإني كنت امرأ مسكينًا ،وكنت أكثر
مجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أحضر إذا غابوا،
ماوأحفظ إذا نسوا ،وإن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا يو ً
فقال :من يبسط ثيابه حتى أفرغ من حديثي ثم يقبضه إليه ،فإنه
ل ينسى شيئًا سمعه مني أبدًا،
قال :فبسطت ثوبي أو قال :نمرتي ،ثم حدثنا فقبضته إلي ،فو
الله ما نسيت شيئًا سمعته منه ،وأيم الله ،لول أنه في كتاب الله
َ َ َ
ن
م َما أنَزلْنَا ِ ن َمو َ ن ال ّذِي َ
ن يَكْت ُ ُ ما حدثتكم بشيء أبدًا ،ثم تل (إ ِ ّ
ُ
ب أولَـئ ِ َ
م
ك يَلعَنُهُ ُ س فِي الْكِتَا ِ َ َ
ما بَيَّن ّاه ُ لِلن ّا ِ
من بَعْد ِ َ ت وَالْهُدَى ِ
َّ
الْبَي ِّنَا ِ
ن )– سورة البقرة :الية .159صحيح ،أخرجه عنُو َ ه وَيَلْعَنُهُ ُ
م الل ِ الل ّ ُ
مسلم ،والبيهقي في الدلئل.
ظهور آثار النبوة في عمرو بن أخطب:
عن أبي زيد عمرو بن أخطب النصاري رضي الله عنه قال :قال
لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :ادن مني ،قال :فمسح
بيده على رأسي ولحيتي ثم قال :اللهم جمله ،وأدم جماله .قال:
فبلغ بضعًا ومائة سنة ،وما في لحيته بياض إل نبذ يسير ،ولقد
كان منبسط الوجه ولم يتقبَّض وجهه حتى مات .حسن ،أخرجه
المام أحمد ،والترمذي ،وحسنه البيهقي وقال :هذا إسناد صحيح
موصول.
تفل النبي صلى الله عليه وسلم في يد الصحابي فاجتمعت
وبرأت:
عن خبيب بن أساف رضي الله عنه قال :أتيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم أنا ورجل من قومي في بعض مغازيه فقلنا :إنا
نشتهي أن نشهد معك مشهدًا ،قال :أسلمتم؟ قلنا :ل ،قال :فإنا
ل نستعين بالمشركين على المشركين ،قال :فأسلمنا ،وشهدت
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابتني ضربة على عاتقي
فجافتني ،فتعلقت يدي ،فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فتفل فيها وألزقها ،فالتأمت وبرأت ،وقتلت الذي ضربني ،ثم
تزوجت ابنة الذي قتلته وضربني ،فكانت تقول :ل عدمت رجلً
شحك هذا الوشاح ،فأقول :ل عدمت رجل ً أعجل أباك إلى النار. و َّ
حسن ،أخرجه البيهقي في الدلئل ،ورواه المام أحمد.
ُرزقا عشرة أولد ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
لما تزوجت أم سليم أبا طلحة النصاري ُرزقت بمولود محبوب،
كان أبوه يحبه حبًا شديدًا ،فمرض الطفل ،فمات وكان أبوه في
عمله ،فلما رجع سأل عن ولده ،فقالت له زوجته :هو أسكن ما
107
كان ،ووضعت العشاء ،ثم تطيبت ولبست له خير لباس لها،
فقضى حاجته
ما أعاروا فلما كان آخر الليل قالت له :أبا طلحة ،أرأيت لو أن قو ً
ما عارية (أمانة ووديعة) فسألوهم إياها أكان لهم أن يمنعوهم؟ قو ً
قال :ل
قالت :فإن الله عز وجل كان أعارك ابنك عارية ،ثم قبضه إليه،
فاحتسب واصبر....
فاسترجع (قال :إنا لله وإنا إليه راجعون) ،وذهب إلى رسول الله
حا فأخبره
صلى الله عليه وسلم صبا ً
فقال :بارك الله لكما في غابر ليلتكما (سالف ليلتكما) ،فحملت،
ثم جئ بالمولود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،فأخذ النبي
صلى الله عليه وسلم بعض التمر فمضغهن ثم جمع بزاقه ثم فغر
مظ فاه وأوجره إليه ،فجعل يحنك الصبي ،وجعل الصبي يتل َّ
مه ،فسماه عبد الله ،فما كان في المدينة قالت :يا رسول الله س ِّ
شاب أفضل منه ،وخرج منه رجل (جمع راجل ضد الفارس ،أي
يجاهدون في سبيل الله على أرجلهم) كثير ،واستشهد عبد الله
بفارس.
وفي رواية :رزق أبو طلحة بعشرة أولد كلهم يحفظون القرآن.
صحيح ،رواه مطول ً أبو داود الطيالسي ،ورواه البخاري ،ومسلم،
وأحمد وابن حبان ،والبيهقي.
برأ ببصاق النبي صلى الله عليه وسلم:
عن يزيد بن أبي عبيد قال :رأيت أثر ضربة في ساق سلمة بن
الكوع فقلت :ما هذه الضربة؟ قال :ضربة أصابتني يوم خيبر،
فقال الناس :أصيب سلمة ،فأتيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم فنفث فيها ثلث نفثات ،فما اشتكيت منها حتى الساعة.
صحيح ،أخرجه البخاري.
برأ بمسح النبي صلى الله عليه وسلم رجله:
عن البراء رضي الله عنه أن عبد الله بن عتيك لما قتل أبا رافع
ونزل من درجة بيته سقط إلى الرض فانكسر ساقه ،قال:
فحدثت النبي صلى الله عليه وسلم فقال :ابسط رجلك،
فبسطتها ،فمسحها فكأنما لم أشكها قط .صحيح ،أخرجه
البخاري.
.16الجذع يحن إليه!!
الجذع يحن إليه!!
د .لطف الله بن مل عبد العظيم خوجه
-قصة:
108
ن الجذع ،وسمع الناس له صوتا كصوت العشار ،حتى تصدع فح ّ
وانشق ،حتى جاء فوضع يده عليه فسكت ،وكثر بكاء الناس لما
رأوا به ،فقال( :إن هذا بكى لما فقد من الذكر ،والذي نفسي
بيده ،لو لم ألتزمه ،لم يزل هكذا إلى يوم القيامة) ،فأمر به
فدفن تحت المنبر.
-محبة مفترضة:
من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم محبته ،وقد ورد المر بها
في القرآن ،قال الله تعالى:
{ -قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم
وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها
أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي
الله بأمره والله ل يهدي القوم الفاسقين}.
وموضع الشاهد :ما في الية من الوعيد ،لمن كانت محبته
لشيء ،أكثر من محبته لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم،
في كلمتين هما:
أول :قوله{ :فتربصوا حتى يأتي الله بأمره} .والتربص هنا
للعقوبة ،ول تكون العقوبة إل لترك واجب.
ثانيا :قوله{ :والله ل يهدي القوم الفاسقين} .فقد وصفهم
بالفسق ،وذلك ل يكون إل بفعل كبيرة فما فوقها ،من كفر
وشرك ،ل في صغيرة.
فمن قدم شيئا من المحبوبات على محبة النبي صلى الله عليه
وسلم فهو فاسق ،متربص ببلية تنزل عليه.
وقد اقترنت محبته صلى الله عليه وسلم بمحبة الله تعالى ،وذلك
يفيد التعظيم ،كاقتران طاعته بطاعة الله تعالى.
وثمة نصوص نبوية صريحة ،في وجوب تقديم محبته عليه الصلة
والسلم على كل المحبوبات الدنيوية:
-النص الول:
كان النبي آخذا بيد عمر بن الخطاب ،فقال له عمر:
( -يا رسول الله! لنت أحب إلي من كل شيء إل من نفسي.
-فقال النبي :ل ،والذي نفسي بيده ،حتى أكون أحب إليك من
نفسك.
-فقال له عمر :فإنه الن والله لنت أحب إلي من نفسي.
-فقال النبي :الن يا عمر)[ .البخاري ،اليمان والنذور ،باب كيف
كانت يمين النبي].
النفي المؤكد بالقسم يدل على وجوب تقديم محبته عليه الصلة
والسلم على النفس..
109
مُره بتأخير محبة النفس ،وتقديم هذه المحبة النبوية عليها ،مع َ
فأ ْ
كون محبة النفس جبلة في النسان ،يقدمها على كل شيء ،ول
يلم على ذلك في أصل المر ،إل إذا تجاوز بها إل محظور :دليل
وجوب ،ل استحباب.
إذ ل يؤمر النسان بترك فطرة فطر عليها ،وليست مذمومة في
أصلها ،إل إذا قادته إل محظور .وتقديم محبة النفس على محبة
النبي صلى الله عليه وسلم ،تقود إلى فعل المحظورات ،كما هو
مجرب ،فلذا وجب التقديم.
أمر ثان :النفس هالكة ،لول فضل الله تعالى على الناس بهذا
النبي ،فهو سبب نجاتها ،فمحبته أحق بالتقديم.
-النص الثاني:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( :ل يؤمن أحدكم حتى
أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) البخاري،
اليمان.
هذا نص في وجوب أن يكون عليه الصلة والسلم أحب إلى
المرء من كل شيء دنيوي ،وذلك لمور:
-كونه نفى حصول اليمان إل بكونه أحب شيء ،واليمان واجب،
وما تعلق به فهو واجب.
-ثم إن الخطاب جاء في حق العيان في قوله( :أحدكم) ،فكل
مؤمن مخاطب بهذه المحبة.
-ثم إنه أتى بصيغة التفضيل( :أحب) ،وهو صريح في تقديم
محبته مطلقا على كل شيء دنيوي.
وهذه المحبة الواجبة من فرط فيها فهو آثم مذنب ،ومن قدم
عليه محبة :الباء ،أو البناء ،أو الخوان ،أو الزواج ،أو شيء من
متاع الدنيا ،فهو آثم فاسق ،مستحق للعقوبة ،فقوله( :ل يؤمن
أحدكم )..نفي لليمان الواجب ،بمعنى أن من فعل ذلك فقد
نقص إيمانه ،نقصا يستحق به الثم والعقوبة .فالشارع ل ينفي
واجبا ،ثبت وجوبه ،إل لترك واجب فيه.
واليمان واجب ،ول ينفى بقوله( :ل يؤمن ) ..إل لترك واجب فيه،
كالصلة ل تنفى إل لترك واجب فيها ،كقوله( :ل صلة لمن ل
وضوء له)[ .رواه أحمد]
والثم والعقوبة متفاوت بحسب نوع التقديم:
-فتارة يكون كفرا ،وذلك في حالين:
-الول :إذا كان التقديم مطلقا ،فل يتعارض شيء مع محبة النبي
صلى الله عليه وسلم إل قدم ذلك الشيء ،وهكذا في كل شيء،
فهذا يعبد هواه ،ول يعبد الله تعالى في شيء.
110
-الثاني :إذا كان التقديم في بعض الحوال ،لكن في أمور كفرية،
ينقض بها أصل دينه ،فيقدم محبة المور الكفرية على محبة النبي
صلى الله عليه وسلم ،كمن نصر الكافرين على المسلمين.
-وتارة يكون كبيرة ،وذلك إذا قدم محبة الكبائر على محبة النبي
صلى الله عليه وسلم ،فشرب الخمر وزنا ،ولم يطع النبي صلى
الله عليه وسلم في نهيه عنها ،فهذا قدم محبة هذه الكبائر.
-وتارة صغيرة ،وذلك إذا فعل الصغائر ،فقدم حبها على حبه
للنبي صلى الله عليه وسلم وطاعته.
-عبودية ل إلهية:
وليس فوق محبة النبي صلى الله عليه إل محبة الله تعالى ،فإن
محبة الله تعالى هي أعلى المحبوبات وأوجبها على الطلق ،ول
يجوز أن يساوى بينه تعالى وبين غيره في المحبة ،حتى النبي
صلى الله عليه وسلم ،فإن محبته وإن كانت عظيمة مقدمة على
المحبوبات الدنيوية ،لكنها تبقى في مرتبة البشرية ،ل تبلغ مرتبة
اللوهية ،فلله تعالى محبة تخصه تسمى محبة :التأله ،والخلة.
ويقال كذلك :المحبة الذاتية .فل يجب شيء لذاته إل الله تعالى.
ومن هنا يفهم خطأ من بالغ في محبة النبي صلى الله عليه
وسلم ،حتى جعله كمحبة الله تعالى ،فنسب إليه خصائص الخالق
سبحانه:
-من علم الغيب.
-وتدبير الخلق.
-ونسبة إجابة الدعوات إليه.
-ودعاؤه والستغاثة به من دون الله تعالى ،في قضاء الحوائج،
وتفريج الكربات.
-وسؤاله شيئا ل يقدر عليه إل الله تعالى.
فإن محبة النبي صلى الله عليه وسلم وإن اقترنت بمحبة الله
تعالى ،إل أنها كاقتران طاعته بطاعته ،أما المحبة اللهية فشيء
وراء المحبة البشرية ،وما أرسل النبي صلى الله عليه إل ليعلق
القلوب بالله تعالى ،ويخلص الناس محبتهم لله تعالى فل يشركوا
فيها معه غيره ،وهذه هي العبودية ،التي قال تعالى فيها:
{ -وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون} ،أي ليخلصوا المحبة
والخضوع والطاعة لله تعالى.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المسلك غاية
التحذير ،وحرص على منع كل ذريعة تفضي إلى مساواته بالله
تعالى في المحبة ،فقال عليه الصلة والسلم:
( -ل تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم ،فإنما أنا
عبده فقولوا عبد الله ورسوله).
111
ومعنى الثر :ل تبالغوا في مدحي ،وتغلوا كغلو النصارى في
عيسى عليه السلم.
فإن النصارى زعموا فيه أنه إله ،وأنه ابن الله تعالى{:كبرت
كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إل كذبا} ،فقد خشي النبي
صلى الله عليه وسلم من هذا المسلك ،فنهى عن المبالغة في
مدحه.
وقد وقع ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم ،حيث غل فيه أناس
حتى جعلوه في مرتبة اللوهية والربوبية:
-فنسبوا إليه ما ل يليق إل بالخالق ،وصنعوا به كما صنع النصارى
بالمسيح ،غير أنهم لم يقولوا :هو ابن الله .لكنهم نسبوا إليه:
التصريف ،وعلم الغيب ،وإجابة الدعاء .وهذا إنزال له في مرتبة
اللوهية ،وإن لم يقولوا :إنه الله .فإن العبرة بالمعاني والحقائق.
-كما أنهم ابتدعوا له عيدًا ،يحتفلون فيه بمولده صلى الله عليه
وسلم ،كابتداع النصارى عيد الميلد للسيد المسيح عليه السلم،
ولم يفعله ولم يأمر به عليه السلم ،كما لم يفعله النبي صلى
الله عليه وسلم ولم يأمر في حق نفسه الشريفة.
لقد اتبع طائفة من المسلمين سنن اليهود والنصارى حذو القذة
بالقذة ،حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه ،كما أخبر الصادق
المصدوق صلى الله عليه وسلم.
نعم النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق ،وسيد ولد آدم،
وخليل الله تعالى ،وأعلى الناس منزلة يوم القيامة ،وفي الجنة،
وهو إمام النبياء والمرسلين ،ل يبلغ مقامه نبي مرسل ،ول ملك
مقرب ،غير أنه تحت سقف العبودية ،دون مرتبة اللوهية ،وقوله:
( -إنما أنا عبده ،فقولوا عبد الله ورسوله).
تقرير على هذه الحقيقة ،ولجم وإبطال لدعاوى فريقين:
-الول :الغالي ،الذي رفعه عن مرتبة العبودية ،وذلك بقوله:
(فقولوا عبد الله).
-والثاني :الجافي ،الذي عامله كسائر الناس ،فلم يميزه بالمرتبة
العالية ،وذلك بقوله( :ورسوله).
قال الله تعالى{:قل ل أملك لنفسي نفعا ول ضرا إل ما شاء الله
ولو كنت أعلم الغيب لستكثرت من الخير وما مسني السوء إن
أنا إل نذير وبشير لقوم يؤمنون}.
وتقديم محبته صلى الله عليه وسلم على كل شيء له أربعة
أسباب ،الثنان الولن منها على سبيل الوجوب ،والخران على
سبيل الستحباب:
-الول :أمر الله تعالى به ،حيث تقدمت الدلة الدالة على هذا،
وهذا السبب وحده يكفي في الوجوب.
112
-الثاني :منته صلى الله عليه وسلم على أمته ،إذا هداهم الله به،
ودلهم على طريق السعادة والنجاة من شقاء الدنيا والخرة.
ما ،وشجاعة ،وإحسانًا ،ومروءة، خلقي :كر ً -الثالث :كماله ال ُ
حا .بالضافة ما ،ورحمة ،وعفوا وصف ً وصدقًا ،وعدلً ،وأمانة ،وحل ً
إلى العلم والفقه والبصيرة ،وأية واحدة من هذه السجايا توجب
محبة من تحلى بها ،فكيف بمن اجتمعت فيه على أكمل وجه،
قال تعالى{ :وإنك لعلى خلق عظيم}.
خلقي .فقد كان جميلً ،منيًرا كالشمس ،طيب -الرابع :كماله ال َ
الرائحة ،عرقه كالمسك ،معتدل القوام ،حسن الشعر ،جميل
العين ،أبيض البشرة .فله أوصاف الجمال ،فمن رآه أحبه.
-الشوق إلى النبي:
وعلمات المحبة متعددة ،هي :اليمان به ،وتوقيره ،ونصرته،
وطاعته.
ثم إن منها كذلك :الشوق والطرب عند ذكره ،وتمني رؤيته،
والجلوس إليه ،ولو كان ذلك ل يحصل إل بإنفاق كل المال ،وما
عرف عن الصادقين من المؤمنين إل مثل هذا الشعور الصادق،
وهذه آثارهم:
-1سأل رجل فقال " :متى الساعة؟.
-قال ( :وما أعددت لها)؟.
-قال :ل شيء ،إل أني أحب الله ورسوله.
-فقال( :أنت مع من أحببت).
-قال أنس :فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي :أنت مع من
أحببت.
-قال أنس :فأنا أحب النبي وأبا بكر وعمر ،وأرجو أن أكون معهم
بحبي إياهم ،وإن لم أعمل أعمالهم" [البخاري ،الدب ،باب علمة
الحب في الله دون قول أنس].
-2قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( :والذي نفس محمد
بيده! ليأتين على أحدكم يوم ول يراني .ثم لن يراني أحب إليه
من أهله وماله معهم ) [رواه مسلم في الفضائل ،باب :فضل
النظر إليه صلى الله عليه وسلم ،وتمنيه .]4/1836
-3وجاء أن امرأة قتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أحد مع رسول
الله فقالت:
" -ما فعل رسول الله؟.
-قالوا :خيًرا ،هو بحمد الله كما تحبين.
-فلما رأته قالت :كل مصيبة بعدك جلل"[ .الروض النف
للسهيلي ،6/25الشفا ]2/22
-4ولما احتضر بلل قالت امرأته " :واحزناه.
113
-فقال :واطرباه ،غدًا نلقى الحبة ..محمدًا وحزبه"[ .سير أعلم
النبلء ،1/359الشفا .]2/23
-5ولما أخرج أهل مكة زيد بن الدثنة من الحرم ليقتلوه ،قال له
أبو سفيان:
" -أنشدك الله يا زيد! ،أتحب أن محمدًا الن عندنا مكانك
يضرب عنقه ،وأنك في أهلك"؟.
-فقال زيد" :والله ما أحب أن محمدًا الن في مكانه الذي هو
فيه تصيبه شوكة ،وإني جالس في أهلي".
-فقال أبو سفيان" :ما رأيت من الناس أحدًا يحب أحدًا كحب
أصحاب محمد محمدًا"[ .السيرة النبوية الصحيحة للعمري ،2/400
سيرة ابن هشام ،3/160الروض النف ،6/166الشفا .]2/23
-6وكان خالد بن معدان ل يأوي إلى فراشه إل وهو يذكر من
شوقه إلى رسول الله وإلى أصحابه ،ويسميهم ويقول" :هم
أصلي وفصلي ،وإليهم يحن قلبي ،طال شوقي إليهم ،فعجل رب
قبضي إليك" ،حتى يغلبه النوم[ .سير أعلم النبلء ،4/539الحلية
،5/210الشفا .]2/21
-7وقد كانت الجمادات فضل ً عن المؤمنين تشتاق إلى رسول
الله وتحبه وكذا البهائم:
-فقد كان عليه السلم يخطب إلى جذع نخلة ،فلما صنع له
ن الجذع ،وسمع الناس له صوتا كصوت المنبر ،تحول إليه ،فح ّ
العشار ،حتى تصدع وانشق ،حتى جاء رسول الله فوضع يده
عليه فسكت ،وكثر بكاء الناس لما رأوا به ،فقال النبي( :إن هذا
بكى لما فقد من الذكر ،والذي نفسي بيده ،لو لم ألتزمه ،لم يزل
هكذا إلى يوم القيامة) ،فأمر به فدفن تحت المنبر.
-وكان الحسن البصري إذا حدث بهذا بكى وقال" :يا عباد الله!
الخشبة تحن إلى رسول الله شوقًا إليه بمكانه فأنتم أحق أن
تشتاقوا إلى لقائه"[ .بتصرف ،وأصله مروي في صحيح البخاري،
في المناقب ،باب :علمات النبوة قبل السلم ،3/1314انظر الشفا
،1/304صحيح الجامع .]2256
-8وقد كان الطعام يسبح في يده والشجر والجبل والحجر يسلم
عليه [ .الشفا ،1/306وأثر التسبيح عند البخاري ،في المناقب،
باب :علمات النبوة قبل السلم ،3/1312وأثر تسليم الحجر في
مسلم ،الفضائل ،باب :فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم،
وتسليم الحجر عليه قبل النبوة ]4/1782
-9لما قدم عمر الشام ،سأله المسلمون أن يسأل بلل ً يؤذن
ما كان أكثر باكيًا من يومئذ، ما ،فلم ير يو ً
لهم ،فسأله ،فأذن يو ً
ذكًرا منهم للنبي صلى الله عليه وسلم[ .سير أعلم النبلء ]1/357
114
-10عن أبي بن كعب قال " :كان رسول الله إذا ذهب ربع الليل
قام فقال":أيها الناس اذكروا الله ،اذكروا الله ،جاءت الراجفة
تتبعها الرادفة ،جاء الموت بما فيه ،جاء الموت بما فيه".
-فقلت :يا رسول الله! إني أكثر الصلة عليك ،فكم أجعل لك
من صلتي؟ .قال :ما شئت.
-قلت :الربع؟ ،قال :ما شئت ،وإن زدت فهو خير.
-قلت النصف؟ ،قال :ما شئت ،وإن زدت فهو خير.
-قلت :الثلثين؟ ،قال :ما شئت ،وإن زدت فهو خير.
مك ،ويغفر لك -قال :أجعل لك صلتي كلها ،قال :إذا تكفى ه َ
ذنبك"[ .رواه الترمذي ،صفة القيامة ،وأحمد ]5/136؛ لن من صلى
على النبي صلى الله عليه بها عشًرا ،ومن صلى الله عليه كفاه
همه وغفر ذنبه[ .انظر جلء الفهام لبن القيم ص .]46
كثير من الصالحين يرون النبي صلى الله عليه وسلم في المنام،
بعضهم كان يراه في كل ليلة ،فإذا ما لم يره في ليلة اتهم نفسه
بالنفاق ،ورؤيته في المنام صلى الله عليه دليل على تعلق القلب
به ،واشتغال اللسان بالصلة عليه ،والعين بالنظر في سنته،
والذن في سماع حديثه.
أما أولئك الذين:
-ل يصلون عليه حتى إذا ذكر.
-ول يسمعون لحديثه ولو تلي.
-ول ينظرون في سنته ،ولو مر بهم كتاب حديث.
فإنه لن يكون له في قلوبهم :ذكر ،ول شوق.
فأنى لهم أن يروه في المنام ،ولو لمرة ،فهل لهم أن يتهموا
أنفسهم بالنفاق؟!..
000000000000000
القوم في معجزات النبي الكرم.. -1 .17القول
المقدمة
القول القوم في معجزات النبي الكرم
وما أظهره الله على يديه من اليات وشرفه به من الخصائص
والكرامات
أبو يوسف محمد زايد
الحمد لله والصلة ،والسلم على رسول الله..
أصل هذا المؤلف من كتاب "الشفا بتعريف حقوق المصطفى"
للقاضي عياض رحمه الله ،الباب الرابع؛ وكان عملي فيه كما
يلي:
-1تخريج اليات القرآنيـة وكتابتـها مشـكولة بالضبط التام.
-2تخريج الحاديث وتدوينها كاملة اللفظ ،كلما أمكنني ذلك.
115
-3إضافة فوائد كثيرة مـن كتب عدة في السيرة والتاريـخ..
-4وقفات مع نخبة طيبـة مــن العلماء حول بعض القصص.
-5إلباس الكتاب حلـة ترتــاح لها عين القارئ الكريم...
ويشتمل هذا الكتاب على مقدمـة و 28فصــلً ،وخاتمة...
والفصول كما وردت في المصفى من كتاب الشفا بتعريف حقوق
المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ هي:
-1في أن الله تعالى قادر على خلق المعرفة في قلوب عباده.
-2في معنى تسمية من جاءت به النبياء معجزة.
-3في إعجاز القرآن ـ الوجه الول :حسن تأليفه ،والتئام كلمه،
وفصاحته.
-4في إعجاز القرآن ـ الوجه الثاني :النظم والسلوب.
-5في إعجاز القرآن ـ الوجه الثالث :ما انطوى عليه من الخبار
بالمغيبات.
-6في إعجاز القرآن ـ الوجه الرابع :ما أنبأ به من أخبار القرون
السالفة ،والمم البائدة ،والشرائع الداثرة.
-7هذه الوجوه الربعة من العجاز ل نزاع فيها ول مرية.
-8من وجوه العجاز :الروعة التي تلحق قلوب سامعيه
وأسماعهم عند سماعه ،والهيبة التي تعتريهم عند تلوته.
ة ل تعدم ما بقيت ة باقي ً
-9ومن وجوه إعجازه المعدودة كونه آي ً
الدنيا.
-10في وجوه أخرى للعجاز.
-11في انشقاق القمر وحبس الشمس.
-12في نبع الماء من بين أصابعه و تكثيره بركة.
-13ومما يشبه هذا من معجزاته.
-14ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه.
-15في كلم الشجرة وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته.
-16في قصة حنين الجذع.
-17ومثل هذا في سائر الجمادات.
-18في اليات في ضروب الحيوانات.
-19في إحياء الموتى و كلمهم ،و كلم الصبيان والمراضع و
شهادتهم لهم بالنبوة.
-20في إبراء المرضى وذوي العاهات.
-21في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم.
-22في كرامته صلى الله عليه وسلم وانقلب العيان له فيما
لمسه أو باشره.
-23فيما أطلع عليه من الغيوب وما يكون.
116
-24في عصمة الله تعالى له صلى الله عليه وسلم مـن
النـــاس.
-25من معجزاته الباهرة ما جمعه الله له صلى الله عليه وسلم
من المعارف والعلوم.
-26من خصائصه صلى الله عليه وسلم وكراماته وباهر آياته
أنباؤه مع الملئكة والجن.
-27مــن دلئــل نـبـوتـه وعـلمـــات رسالـتـه صلى الله عليه
وسلم.
-28فـيـمـا ظـهـر مـن اليـات عـنـد مـولـده صلى الله عليه
وسلم.
الخاتمة -معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم أظهر من سائر
معجزات الرسل عليهم السلم.
ة
مــــ ُ
دّ َ اَلْـ ُ
مـقَـ ِ
قال القاضي أبو الفضل :حسب المتأمل أن يحقق أن كتابنا
هذا لم نجمعه لمنكر نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم ،ول لطاعن
في معجزاته ،فنحتاج إلى نصب البراهين عليها ،وتحصين حوزتها،
حتى ل يتوصل المطاعن إليها ،ونذكر شروط المعجز والتحدي
وحده ،وفساد قول من أبطل نسخ الشرائع ،ورده ،بل ألفناه
لهل ملته ،الملبين لدعوته ،المصدقين لنبوته ،ليكون تأكيدا ً في
محبتهم له ،ومنماة ً لعمالهم ،وليزدادوا إيمانا ً مع إيمانهم.
وبنيتنا أن نثبت في هذا الباب أمهات معجزاته ،ومشاهير آياته،
لتدل على عظيم قدره عند ربه .وأتينا منها بالمحقق والصحيح
السناد ،وأكثره مما بلغ القطع ،أو كاد ،وأضفنا إليها بعض ما وقع
في مشاهير كتب الئمة .وإذا تأمل المتأمل المنصف ما قدمناه
من جميل أثره ،وحميد سيره ،وبراعة علمه ،ورجاحة عقله
وحلمه ،وجملة كماله ،وجميع خصاله ،وشاهد حاله ،وصواب
مقاله ـ لم يمتر في صحة نبوته ،وصدق دعوته .وقد كفى هذا غير
واحد في إسلمه واليمان به.
-فروينا عن الترمذي ،وابن قانع وغيرهما بأسانيدهم ـ أن عبد الله
بن سلم ،قال( :لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
المدينة جئته لنظر إليه ،فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه
ليس بوجه كذاب) .حدثنا به القاضي الشهيد أبو علي رحمه الله،
قال :حدثنا أبو الحسين الصيرفي ،و أبو الفضل بن خيرون عن
أبي يعلى البغدادي ،عن أبي علي السنجي ،عن ابن محبوب ،عن
الترمذي ،حدثنا محمد بن بشار ،حدثنا عبد الوهاب الثقفي،
ومحمد بن جعفر ،وابن أبي عدي ،ويحيى بن سعيد ،عن عوف بن
117
أبي جميلة العرابي ،عن زرارة ابن أوفى ،عن عبد الله بن
سلم ...الحديث.
قلت * :رواه ابن ماجه في السنن ،والتبريزي في مشكاة
المصابيح ،والمنذري في الترغيب والترهيب ،ولفظه في سنن
الترمذي :لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة
إنجفل الناس إليه وقيل قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم..
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم..قدم رسول الله صلى
الله عليه وسلم ..فجئت في الناس لنظر إليه فلما استثبت وجه
رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه
كذاب .وكان أول شيء تكلم به أن قال" :أيها الناس :أفشوا
السلم ،وأطعموا الطعام ،وصلوا والناس نيام ،تدخلون الجنة
بسلم" .قال أبو عيسى هذا حديث صحيح.
** وقال الشيخ اللباني :صحيح سند الحديث حدثنا محمد بن
بشار حدثنا عبد الوهاب الثقفي ومحمد بن جعفر وبن أبي عدى
ويحيى بن سعيد عن عوف بن أبي جميلة العرابي عن زرارة بن
أوفى عن عبد الله بن سلم قال...
-وعن أبي رمثة التيمي :أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ،ومعي
ابن لي ،فأريته ،فلما رأيته قلت :هذا نبي الله.
قلت:
* رواه المام الترمذي في الشمائل -باب ما جاء في خضاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعي ابن لي قال :فأريته
فقلت لما رأيته :هذا نبي الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبان
(وفي رواية :بردان) أخضران وله شعر قد عله الشيب وشيبه
أحمر.
* وفي رواية أخرى :أتيت النبي صلى الله عليه وسلم مع ابن لي
فقال" :ابنك هذا؟" فقلت :نعم أشهد به ..قال" :ل يجني عليك
ول تجني عليه" .قال :ورأيت الشيب أحمر.
قال أبو عيسى :هذا أحسن شيء روي في هذا الباب وأفسر لن
الروايات الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الشيب..
وأبو رمثة اسمه رفاعة بن يثربي التيمي.
ضمادا ً لما وفد عليه ،فقال له النبي
-وروى مسلم وغيره أن ِ
صلى الله عليه وسلم" :إن الحمد لله نحمده ونستعينه ،من يهده
الله فل مضل له ،ومن يضلل فل هادي له ،وأشهد أن ل إله إل
الله وحده ل شريك له ،وأن محمدا ً عبده ورسوله" قال له :أعد
علي كلماتك هؤلء ،فلقد بلغن قاموس البحر هات يدك أبايعك.
118
قلت :رواه مسلم في كتاب الجمعة ،باب تخفيف الصلة
والخطبة ،قال :حدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن المثنى.
كلهما عن عبد العلى .قال ابن المثنى :حدثني عبد العلى (وهو
أبو همام) حدثنا داود عن عمرو بن سعيد ،عن سعيد بن جبير،
عن ابن عباس؛ أن ضمادًا قدم مكة .كان من أزد شنوءة .وكان
يرقي من هذه الريح .فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون :إن
محمدًا مجنون .فقال :لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه
على يدي .قال فلقيه .فقال :يا محمد! إني أرقي من هذه الريح.
وإن الله يشفي على يدي من يشاء .فهل لك؟ فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم" :إن الحمد لله .نحمده ونستعينه ،من يهده
الله فل مضل له ،ومن يضلل فل هادي له .وأشهد أن ل إله إل
الله وحده ل شريك له .وأن محمدًا عبده ورسوله .أما بعد" .قال
فقال :أعد علي كلماتك هؤلء .فأعادهن عليه رسول الله صلى
الله عليه وسلم .ثلث مرات .قال ،فقال :لقد سمعت قول
الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء .فما سمعت مثل كلمات
هؤلء .ولقد بلغن ناعوس البحر .قال ،فقال :هات يدك أبايعك
على السلم .قال فبايعه .فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم" :وعلى قومك" .قال :وعلى قومي .قال فبعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم سرية فمروا بقومه .فقال صاحب السرية
للجيش :هل أصبتم من هؤلء شيئًا؟ فقال رجل من القوم :أصبت
منهم مطهرة .فقال :ردوها .فإن هؤلء قوم ضماد.
-وقال جامع بن شداد :كان رجل منا يقال له طارق ،فأخبر أنه
رأى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ،فقال :هل معكم شيء
تبيعونه؟ قلنا :هذا البعير .قال :بكم؟ قلنا :بكذا و كذا وسقا ً من
تمر ،فأخذ بخطامه ،وسار إلى المدينة ،فقلنا :بعنا من رجل ل
ندري من هو،ومعنا ظعينة ،فقالت :أنا ضامنة لثمن البعير ،رأيت
وجه رجل مثل القمر ليلة البدر ل يخيس فيكم.
فأصبحنا ،فجاء رجل بتمر فقال :أنا رسول رسول الله صلى الله
عليه وسلم إليكم ،يأمركم أن تأكلوا من هذا التمر ،وتكتالوا حتى
تستوفوا .ففعلنا.
قلت :جامع بن شداد ،هو أبو صخرة السدي المحاربي ،أخرج له
النسائي وأبو داود – توفي رحمه الله عام 118هـ .والحديث أخرجه
البيهقي ،والحاكم ،والدارقطني وهو عند هذا الخير:
حدثنا أبو عبيد القاسم بن إسماعيل نا أحمد بن محمد بن يحيى
بن سعيد القطان نا ابن نمير عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد نا
أبو صخرة جامع بن شداد عن طارق بن عبد الله المحاربي قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرة بسوق ذي
119
المجاز وأنا في تباعة لي هكذا قال أبيعها فمر وعليه حلة حمراء
وهو ينادي بأعلى صوته" :يا أيها الناس قولوا ل إله إل الله
تفلحوا" ..ورجل يتبعه بالحجارة وقد أدمى كعبيه وعرقوبيه وهو
يقول :يا أيها الناس ل تطيعوه فإنه كذاب ..قلت :من هذا؟ فقالوا
هذا غلم بني عبد المطلب..قلت :من هذا الذي يتبعه يرميه؟
قالوا هذا عمه عبد العزى.وهو أبو لهب ...فلما ظهر السلم
وقدم المدينة أقبلنا في ركب من الربذة وجنوب الربذة حتى نزلنا
قريبًا من المدينة ومعنا ظعينة لنا قال :فبينا نحن قعود إذ أتانا
رجل عليه ثوبان أبيضان فسلم فرددنا عليه ،فقال :من أين أقبل
القوم؟ قلنا من الربذة وجنوب الربذة ..قال ومعنا جمل أحمر.
قال :تبيعوني جملكم ..قلنا نعم.قال :بكم؟ قلنا بكذا وكذا صاع ًا
من تمر..قال :فما استوضعنا شيئًا ،وقال :قد أخذته ..ثم أخذ
برأس الجمل حتى دخل المدينة فتوارى عنا ،فتلومنا بيننا :وقلنا:
أعطيتم جملكم من ل تعرفونه .فقالت الظعينة:ل تلوموا ،فقد
رأيت وجه رجل ما كان ليحقركم.ما رأيت وجه رجل أشبه بالقمر
ليلة البدر من وجهه ..فلما كان العشاء أتانا رجل ،فقال :السلم
عليكم .أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم ،وأنه
أمركم أن تأكلوا من هذا حتى تشبعوا وتكتالوا حتى تستوفوا..
قال :فأكلنا حتى شبعنا واكتلنا حتى استوفينا .فلما كان من الغد
دخلنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على
المنبر يخطب الناس وهو يقول :يد المعطي العليا وابدأ بمن
تعول أمك وأباك وأختك وأخاك وأدناك أدناك ...فقام رجل من
النصار ،فقال :يا رسول الله هؤلء بنو ثعلبة بن يربوع الذين
قتلوا فلنًا في الجاهلية ،فخذ لنا بثأرنا فرفع يديه حتى رأينا بياض
إبطيه ،فقال :أل ل يجني والد على ولده.
-وفي خبر الجلندي ملك عمان ـ لما بلغه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم يدعوه إلى السلم ـ قال الجلندي :والله ،لقد
دلني على هذا النبي المي أنه ل يأمر بخير إل كان أول آخذ به ،و
ل ينهى عن شيء إل كان أول تارك له ،و أنه يغلب فل يبطر
ويغلب فل يضجر ،ويفي بالعهد ،وينجز الموعود ،وأشهد أنه نبي.
قلت:
* ذكر ابن حجر في فتح الباري قصة " الجلندي" قال:
وقال الرشاطي عمان في اليمن سميت بعمان بن سبأ ينسب
إليها الجلندي رئيس أهل عمان ذكر وثيمة أن عمرو بن العاص
قدم عليه من عند النبي صلى الله عليه وسلم فصدقه ..وذكر
غيره أن الذي آمن على يد عمرو بن العاص ولدا الجلندي عياذ
وجيفر وكان ذلك بعد خيبر ذكره أبو عمرو انتهى ..وروى
120
الطبراني من حديث المسور بن مخرمة قال بعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم أرسله إلى الملوك فذكر الحديث ..وفيه
وبعث عمرو بن العاص إلى جيفر وعياذ ابني الجلندى ملك
عمان ..وفيه فرجعوا جميعًا قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه
وسلم إل عمرا فإنه توفي وعمرو بالبحرين وفي هذا إشعار
بقرب عمان من البحرين وبقرب البعث إلى الملوك من وفاته
صلى الله عليه وسلم فلعلها كانت بعد حنين فتصحفت.
* وقال ابن الجوزي في المنتظم :وفي هذه السنة ـ أي السنة
العاشرة ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن
العاص بعد رجوعه من الحج ليام بقين من ذي الحجة إلى جيفر
وعبد ابني الجلندي بعمان يدعوهما إلى السلم.
وكتب معه كتابًا إليهما وختم الكتاب قال عمرو :فلما قدمت
عمان عمدت إلى عبد وكان أحلم الرجلين وأسهلهما خلقًا فقلت:
إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك وإلى أخيك
فقال أخي المقدم بالسّر والملك :وأنا أوصلك إليه حتى تقرأ
ما ببابه ثم إنه دعاني فدخلت عليه فدفعت إليه كتابك فمكثت أيا ً
ما ففض خاتمه وقرأه حتى انتهى إلى آخره ثم دفعه الكتاب مختو ً
ت أخاه أرق منه فقال :دعني يومي إلى أخيه فقرأه إل أني رأي َ
ي غدا فلما كان الغد رجعت إليه فقال :إني فكرت هذا وارجع إل ّ
فيما دعوتني إليه فإذا أنا أضعف العرب إن ملكت رجًل ما في
ي
يدي قلت :فإني خارج غدًا فلما أيقن بمخرجي أصبح فأرسل إل ّ
فدخلت عليه فأجاب إلى السلم هو وأخوه جميعًا وصدقا بالنبي
ي وبين الصدقة وبين الحكم فيما صلى الله عليه وسلم وخليا بين ِ
بينهم وكانا لي عونًا على من خالفني فأخذت الصدقة من
ما بينهم حتى بلغنا
أغنيائهم فرددتها في فقرائهم ولم أزل مقي ً
وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
وذكر الواقدي إن هذا كان في سنة ثمان .قال المؤلف :وما
ذكرناه أصح .وقال ابن مسعود :هذا آخر بعث النبي صلى الله
عليه وسلم إلى الملوك.
** ونص كتاب رسول الله إلى ملكي عمان ،كما أورده الشيخ
أحمد بن محمد القسطلني في المواهب اللدنية بالمنح
المحمدية ،هو :بسم الله الرحمن الرحيم .من محمد عبد الله
جلَنْدي :السلم على من اتبع جيْفَر وعبْد ابنَي ال ُ
ورسوله ،إلى َ
الهدى ،أما بعد:أسلما تسلما ،فإني رسول الله إلى الناس
كافة،لُنذر من كان حيا ويحقّ القول على الكافرين ،وإنكما إن
أقررتما بالسلم وليتكما ،وإن أبيتما أن تقرا بالسلم فإن ملككما
زائل عنكما ،وخيلي تحل بساحتكما،وتظهر نبوتي على ملككما.
121
ضيءُ وَلَوْ ل َ ْ
م -وقال نفطويه ـ في قوله تعالى(:يَكَاد ُ َزيْتُهَا ي ُ ِ
ه نَاٌر) (النور :)35 :هذا مثل ضربه الله تعالى لنبيه صلى س ُس ْ
م َ
تَ ْ
الله عليه وسلم ،يقول :يكاد منظره يدل على نبوته وإن لم يتل
قرآنا ً كما قال ابن رواحة:
لكان منظره ينبيك بالخبر لو لم تكن فيه آيات مبينة
ن نأخذ في ذكر النبوة والوحي والرسالة ،وبعده في نأ ْوقد آ َ
معجزة القرآن ،وما فيه من برهان ودللة
00000000000000
.18وانشق القمر
الكاتب :د .جمال الحسيني أبو فرحة
يقول تعالى" :اقتربت الساعة وانشق القمر .وإن يروا آية
يعرضوا ويقولوا سحر مستمر" القمر .2:1 :وكثيًرا ما كانت هذه
الية محل للطعن من غير المسلمين ،والتأويل من بعض
المسلمين؛ بحجة أن هذه المعجزة لو وقعت لسجلها تاريخ المم
الخرى.
وجواب ذلك :أن هذا هو ما حدث بالفعل؛ فقد سجلتها كتب بعض
مؤرخي الهند ،وأرخت بها لبناء بعض البنية؛ ففي المقالة الحادية
ضا.
عشرة من تاريخ فرشته أن أهل مليبار من إقليم الهند رأوه أي ً
وقد نقل ابن تيمية عن بعض المسافرين أنه ذكر أنه وجد في بلد
ما مكتوبًا عليه ( :بني ليلة انشق القمر ).
الهند بناءً قدي ً
ثم إن انشقاق القمر لم يكن أحد من أمم أهل الرض يترصده
وينتظره ،وكان في ليل ،وفي زمان البرد ،ولفترة وجيزة؛ فقلما
يراه أحد.
ثم إنه قد يحول بين الرائي والقمر في بعض الماكن سحاب
كثيف؛ فل يرى هذه المعجزة ،هذا بالضافة إلى اختلف مطالع
القمر؛ فهو ل يرى لكل أهل الدنيا مرة واحدة.
ومن ثمة فإنه من المتوقع أل يكون رآه إل عدد محدود من أهل
الرض متفرقين في بلدان شتى ،ربما حمل معظم المؤرخين
روايتهم على تخطئة البصار ،أو على نوع من الخسوف.
أضف إلى ذلك أن وصفه تعالى لنشقاق القمر بأنه (آية) " :وإن
يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر "؛ يمنع أي محاولة لتأويل
هذه المعجزة.
ثم إن نزول القرآن على العرب وتحديه لهم وفيه هذه القصة مع
عدم اعتراض أحد منهم عليه ليؤكد حدوثها كما ذكرت الية
الكريمة.
أما في عصرنا الراهن فنجد في موقع وكالة ناسا الفضائية
المريكية على شبكة (النترنت)
122
http://antwrp.gsfc.nasa.gov/apod/ap021029.htmlصورة لصدع طولي رهيب
على سطح القمر يظهر بوضوح من الصورة في أعلى المقال
يمتد لمئات الكيلومترات ،عبارة عن حزام من الصخور المتحولة،
وكاتب المقال يتساءل:
?What could cause a long indentation on the Moon
أي ما الذي يمكن أن يحدث شقًا بهذا الطول في القمر؟
والكيفية التي طرح بها السؤال تبين بجلء حيرة العلماء في
ق ،وهو ما ينم عن حدث عظيم تعرض له تفسير تكون هذا الش ٍ
القمر ترك هذا الثر المحيّر ،ولو كان سببه زلزال عاديًا أو بركانًا
لما استغلق على العلماء فهمه كل هذه المدة إذ أنه اكتشف منذ
أكثر من 200عام كما يذكر موقع وكالة ناسا.
والطريف في المر أن هؤلء العلماء ليسوا مسلمين ول علم لهم
بنسبة هذه المعجزة لنبينا – صلى الله عليه وسلم -؛ فصدق الله
العظيم القائل في كتابه الكريم" :ويرى الذين أوتوا العلم الذي
أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد "
سبأ . 6:
-------------------
.19القول القوم في معجزات النبي الكرم(..)2
معجزة القرآن
الفصل الول:
في أن الله تعالى قادر على خلق المعرفة في قلوب عباده:
-اعلم أن الله جل اسمه قادر على خلق المعرفة في قلوب
عباده ،والعلم بذاته وأسمائه وصفاته وجميع تكليفاته ابتداء دون
واسطة لو شاء ،كما حكي عن سنته في بعض النبياء ،وذكره
َّ بعض أهل التفسير في قوله تعالى( :وما كَان لِب َ َ
ه
ه الل ُ م ُشرٍ أن يُكَل ِّ َ َ َ َ َ َ
َ َ
شاءُ ما ي َ َ ي بِإِذ ْنِهِ َ
ح َ ً
سول فَيُو ِ س َ
ل َر ُ ب أوْ يُْر ِ
جا ٍ
ح َمن وََراء ِ حيا ً أوْ ِإ ِ ّل وَ ْ
م) (الشورى.)51 : حكِي ٌ
ي َ إِن َّ ُ
ه عَل ِ ٌّ
وجائز أن يوصل إليهم جميع ذلك بواسطة تبلغهم كلمه ،وتكون
تلك الواسطة ،إما من غير البشر ،كالملئكة مع النبياء أو من
جنسهم ،كالنبياء مع المم ،ول مانع لهذا من دليل العقل.
وإذا جاز هذا ولم يستحل ،وجاءت الرسل بما دل على صدقهم
من معجزاته وجب تصديقهم في جميع ما أتوا به ،لن المعجزة
مع التحدي من النبي صلى الله عليه وسلم قائم مقام قول الله:
صدق عبدي فأطيعوه واتبعوه ،وشاهد على صدقه فيما يقوله ،و
هذا كاف.
والتطويل فيه خارج عن العرض ،فمن أراد تتبعه وجده مستوفي
في مصنفات أئمتنا رحمهم الله.
123
فالنبوة في لغة من همز مأخوذة من النبأ ،وهو الخبر ،وقد ل
تهمز على هذا التأويل تسهيل ً
والمعنى أن الله تعالى أطلعه على غيبه ،وأعلمه أنه نبيه ،فيكون
نبي منبأ فعيل بمعنى مفعول ،أو يكون مخبرا ً عما بعثه الله تعالى
به ،ومنبئا ً بما أطلعه الله عليه فعيل بمعنى فاعل ،ويكون عند من
لم يهمزه من النبوة ،وهو ما ارتفع من الرض ،ومعناه أن له رتبة
شريفة ،ومكانة نبيهة عند موله منيفة فالوصفان في حقه
مؤتلفان .وأما الرسول فهو المرسل ،ولم يأت فعول بمعنى
مفعل في اللغة إل نادراً .وإرساله أمر الله بالبلغ إلى من أرسله
إليه ،واشتقاقه من التتابع ،ومنه قولهم :جاء الناس أرسالً ،إذا
اتبع بعضهم بعضاً ،فكأنه ألزم تكرير التبليغ ،أو ألزمت المة
اتباعه.
واختلف العلماء :هل النبي والرسول بمعنى ،أو بمعنيين؟ فقيل:
هما سواء ،وأصله من النباء وهو العلم ،واستدلوا بقوله تعالى:
َ
منَّى أَلْقَى َ ي إ ِ ّل إِذ َا ت َ
ّ ٍ ِ ل وََل نَبٍ سو من َّر ُ ك ِ من قَبْل ِ َ سلْنَا ِ
َ
ما أْر َ (وَ َ
َّ ن ث ُ َّ َ َ ْ َ ّ َ ُ َ ال َّ
م الل ُ
ه حك ِ ُ
م يُ ْ شيْطا ُ ما يُلقِي ال ّ ه َ خ الل ُ منِي ّتِهِ فَيَن َ
س ُ ن فِي أ ْ شيْطا ُ
َ
م) (الحج ،))52 :فقد أثبت لهما معا ً الرسال، حكِي ٌ م َ ه عَلِي ٌآيَاتِهِ وَالل ّ ُ
قال :و ل يكون النبي إل رسول ً ول الرسول إل نبياً.
و قيل :هما مفترقان من وجه ،إذ قد اجتمعا في النبوة التي هي
الطلع على الغيب والعلم بخواص النبوة أو الرفعة لمعرفة
ذلك ،وحوز درجتها ،وافترقا في زيادة الرسالة للرسول ،وهو
المر بالنذار والعلم كما قلنا .وحجتهم من الية نفسها التفريق
بين السمين ،ولو كانا شيئا ً واحدا ً لما حسن تكرارهما في الكلم
البليغ ،قالوا :والمعنى :ما أرسلنا من رسول إلى أمة أو نبي ليس
بمرسل إلى أحد.
وقد ذهب بعضهم إلى أن الرسول من جاء بشرع مبتدإ ،ومن لم
يأت به نبي غير رسول ،وإن أمر بالبلغ والنذار .والصحيح،
والذي عليه الجماع الغفير ،أن كل رسول نبي ،وليس كل نبي
رسولً.
وأول الرسل آدم ،وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم .وفي
حديث أبي ذر رضي الله عنه :إن النبياء مائة ألف وأربعة
وعشرون ألف نبي .وذكر أن الرسل ،منهم ثلثمائة وثلثة عشر،
أولهم آدم عليه السلم.
فقد بان لك معنى النبوة والرسالة ،وليستا عند المحققين ذاتاً
للنبي ،ول وصف ذات ،خلفا ً للكرامية ،وفي تطويل لهم ،وتهويل،
ليس عليه تعويل.
قلت:
124
* حديث أبي ذر رضي الله عنه ،أخرجه البيهقي ،قال:
حدثنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو الحسن علي بن الفضل بن
إدريس السامري ببغداد ثنا الحسن بن عرفة العبدي حدثني يحيى
بن سعيد السعيدي البصري ثنا عبد الملك بن جريج عن عطاء
عن عبيد بن عمير عن أبي ذر قال دخلت على رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو في المسجد فذكر الحديث إلى أن قال
فقلت يا رسول الله كم النبيون قال مائة ألف نبي وأربعة
وعشرون ألف نبي قلت كم المرسلون منهم قال ثلثمائة وثلثة
عشر تفرد به يحيى بن سعيد السعيدي.
وأما الوحي فأصله السراع ،فلما كان النبي يتلقى ما يأتيه من
جل سمي وحياً ،وسميت أنواع اللهامات وحياً ،تشبيهاً ربه بِعَ َ
بالوحي إلى النبي ،وسمي الخط وحياً ،لسرعة حركة يد كاتبه،
ووحي الحاجب واللحظ سرعة إشارتهما ومنه قوله تعالى:
شيّاً) (مريم ،)11 :أي أومأ (فَأَوحى إلَيه َ
حوا بُكَْرة ً وَع َ ِ سب ِّ ُم أن َ ِ ِْ ْ ْ َ
ورمز .و قيل :كتب ،ومنه قولهم :الوحا ،الوحا ،أي السرعة.
وقيل أصل الوحي السر ولخفاء ،ومنه سمي اللهام وحياً ،ومنه:
وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ،أي يوسوسون في
ُ َ
سى) (القصص ،)7 :أي مو َ مِ ُحيْنَا إِلَى أ ّ صدروهم ،ومنه قوله( :وَأوْ َ
ألقي في قلبها.
َّ َّ َ
ه إ ِل ه الل ُ شرٍ أن يُكَل ِّ َ
م ُ ن لِب َ َما كَا َ وقد قيل ذلك في قوله تعالى(:وَ َ
َ َ
شاءُ إِن َّ ُ
ه ما ي َ َ
ي بِإِذ ْنِهِ َ
ح َسول ً فَيُو ِ ل َر ُ س َ
ب أوْ يُْر ِ جا ٍ ح َ
من وََراء ِ حيا ً أوْ ِ وَ ْ
م) (الشورى ،)51 :أي ما يلقيه في قلبه دون واسطة. حكِي ٌ ي َ عَل ِ ٌّ
الفصل الثاني:
في معنى تسمية من جاءت به النبياء معجزة:
اعلم أن تسميتنا ما جاءت به النبياء معجزة ،هو أن الخلق عجزوا
عن التيان بمثلها ،وهي على ضربين :ضرب هو من نوع قدره
البشر ،فعجزوا عنه ،فتعجيزهم عنه فعل لله دل على صدق نبيه،
كصرفهم عن تمني الموت .وتعجيزهم عن التيان بمثل القرآن
على رأي بعضهم ،ونحوه.
وضرب هو خارج عن قدرته ،فلم يقدروا على التيان بمثله،
كإحياء الموتى ،وقلب العصا حية ،وإخراج ناقة من صخرة ،وكلم
شجرة ،ونبع الماء من الصابع ،وانشقاق القمر ،مما ل يمكن أن
يفعله أحد ،إل الله ،فكون ذلك على يد النبي صلى الله عليه
وسلم من فعل الله تعالى و تحديه من يكذبه أن يأتي بمثله
تعجيز له
125
و اعلم أن المعجزات التي ظهرت على يد نبينا صلى الله عليه
وسلم دل ئل نبوته و براهين صدقه ـ من هذين النوعين معا ً ـ و
ة ،و أظهرهم برهاناً ،كما هو أكثر الرسل معجرةً ،وأبهرهم آي ً
ً
سنبينه ،وهي ـ في كثرتها ـ ل يحيط بها ضبط ،فإن واحدا منها ـ و
هو القرآن ـ ل يحصى عدد معجزاته بألف ول ألفين ،ول أكثر ،لن
النبي صلى الله عليه وسلم قد تحدى بسورة منه فعجز عنها.
قال أهل العلم( :إنا أعطيناك الكوثر) .فكل آية أو آيات منه
بعددها وقدرها معجزة ،ثم فيها نفسها معجزات على ما سنفصله
فيما انطوى عليه من المعجزات.
ثم معجزاته صلى الله عليه وسلم على قسمين:
قسم منها علم قطعاً ،:ونقل إلينا متواترا ً كالقرآن،فل مرية ،ول
خلف ،بمجيء النبي صلى الله عليه وسلم به ،وظهوره من قبله،
واستدلله بحجته ،وإن أنكر هذا معاند جاحد ،فهو كإنكاره وجود
محمد صلى الله عليه وسلم في الدنيا .وإنما جاء اعتراض
الجاحدين في الحجة به ،فهو في نفسه وجميع ما تضمنه من
معجز معلوم ضرورة ووجه إعجازه معلوم ضرورة ً ونظراً ،كما
سنشرحه.
قال بعض أئمتنا :ويجري هذا المجرى على الجملة أنه قد جرى
على يديه صلى الله عليه وسلم آيات وخوارق عادات إن لم يبلغ
واحد منها معينا ً القطع فيبلغه جميعها ،فل مرية في جريان
معانيها على يديه ،ول يختلف مؤمن ول كافر ـ أنه جرت على يديه
عجائب ،وإنما خلف المعاند في كونها من قبل الله.
وقد قدمنا كونها من قبل الله ،وأن ذلك بمثابة قوله :صدقت.
فقد علم وقوع مثل هذا أيضا ً من نبينا ضرورة ً لتفاق معانيها ،كما
يعلم ضرورة جود حاتم ،وشجاعة عنترة ،وحلم أحنف ،لتفاق
الخبار الواردة عن كل واحد منهم على كرم هذا ،وشجاعة هذا،
وحلم هذا ،وإن كان كل خبر بنفسه ل يوجب العلم ،ول يقطع
بصحته.
والقسم الثاني :ما لم يبلغ مبلغ الضرورة والقطع ،وهو على
نوعين :نوع مشتهر منتشر ،رواه العدد ،وشاع الخبر به عند
المحدثين والرواة ونقلة السير والخبار ،كنبع الماء من بين
الصابع ،وتكثير الطعام.
ونوع منه اختص به الواحد والثنان ،ورواه العدد اليسير ،ولم
يشتهر اشتهار غيره ،لكنه إذا جمع إلى مثله اتفقا في المعنى،
واجتمعا على التيان بالمعجز ،كما قدمناه.
-قال القاضي أبو الفضل :وأنا أقول صدعا ً بالحق :إن كثيرا ً من
هذه اليات المأثورة عنه صلى الله عليه وسلم معلومة بالقطع:
126
* أما انشقاق القمر فالقرآن نص بوقوعه ،وأخبر عن وجوده ،ول
يعدل عن ظاهر إل بدليل ،وجاء برفع احتماله صحيح الخبار من
منا خلف أخرق منحل ع ُرى الدين ،ول طرق كثيرة ،ول يُوهِن عز َ
يلتفت إلى سخافة مبتدع يلقي الشك على قلوب ضعفاء
المؤمنين ،بل نرغم بهذا أنفه ،وننبذ بالعراء سخفه.
وكذلك قصة نبع الماء ،وتكثير الطعام ـ رواها الثقات والعدد
الكثير عن الجماء الغفير ،عن العدد الكثير من الصحابة.
-ومنها ما رواه الكافة عن الكافة متصل ً عمن حدث بها من جملة
الصحابة وإخبارهم أن ذلك كان في موطن اجتماع الكثير منهم
في يوم الخندق ،وفي غزوة بواط ،وعمرة الحديبية ،وغزوة
تبوك ،وأمثالها من محافل المسلمين ومجمع العساكر ،ولم يؤثر
عن أحد من الصحابة مخالفة للراوي فيما حكاه ،ول إنكار لما ذكر
عنهم أنهم رأوه كما رآه ،فسكوت الساكت منهم كنطق الناطق،
إذ هم المنزهون عن السكوت على باطل ،والمداهنة في كذب،
وليس هناك رغبة أو رهبة تمنعهم ،ولو كان ما سمعوه منكراً
عندهم وغير معروف لديهم لنكروه ،كما أنكر بعضهم على بعض
أشياء رواها من السنن والسير وحروف القرآن .وخطأ بعضهم
بعضاً ،ووهمه في ذلك ،مما هو معلوم ،فهذا النوع كله يلحق
بالقطعي من معجزاته لما بيناه.
وأيضا ً فإن أمثال الخبار التي ل أصل لها ،وبنيت على باطل ،ل بد
بعد مرور الزمان وتداول الناس وأهل البحث من انكشاف
ضعفها ،وخمول ذكرها ،كما يشاهد في كثير من الخبار الكاذبة،
والراجيف الطارئة .وأعلم نبينا هذه الواردة من طريق الحاد ل
تزداد مع مرور الزمان إل ظهوراً ،ومع تداول الفرق ،وكثرة طعن
العدو ،وحرصه على توهينها ،وتضعيف أصلها ،واجتهاد الملحد
على إطفاء نورها ،إل قوة وقبولً ،وللطاعنين عليها إل حسرة
وغليلً.
وكذلك إخباره عن الغيوب ،وإنباؤه بما يكون وكان معلوم من
آياته على الجملة بالضرورة.
وهذا حق ل غطاء عليه ،وقد قال به من أئمتنا القاضي ،والستاذ
أبو بكر وغيرهما ،رحمهم الله ،وما عندي أوجب قول القائل :إن
هذه القصص المشهورة من باب خبر الواحد إل قلة مطالعته
للخبار وروايتها ،وشغله بغير ذلك من المعارف ،وإل فمن اعتنى
بطرق النقل ،وطالع الحاديث والسير لم يْرتب في صحة هذه
القصص المشهورة على الوجه الذي ذكرناه .ول يبعد أن يحصل
العلم يالتواتر عند واحد ول يحصل عند آخر ،فإن أكثر الناس
يعلمون ـ بالخبر ـ كون بغداد موجودة ،وأنها مدينة عظيمة ،ودار
127
المامة والخلفة ،وآحاد من الناس ل يعلمون اسمها ،فضل ً عن
وصفها ،وهكذا يعلم الفقهاء من أصحاب مالك بالضرورة وتواتر
النقل عنه ـ أن مذهبه إيجاب قراءة أم القرآن في الصلة
للمنفرد والمام ،وإجزاء النية في أول ليلة من رمضان عما
سواه ،وأن الشافعي يرى تجديد النية كل ليلة ،والقتصار في
المسح على بعض الرأس ،وأن مذهبهما القصاص في القتل
بالمحدد وغيره ،وإيجاب النية في الوضوء ،واشتراط الولي في
النكاح ،وأن أبا حنيفة يخالفهما في هذه المسائل ،وغيرهم ممن
لم يشتغل بمذاهبهم ول روى أقوالهم ل يعرف هذا من مذاهبهم
فضل ً عمن سواه.
وعند ذكرنا آحاد هذه المعجزات نزيد الكلم فيها بيانا ً إن شاء الله
تعالى.
الفصل الثالث:
في إعجاز القرآن:
الوجه الول :حسن تأليفه ،والتئام كلمه ،وفصاحته
-قال القاضي أبو الفضل رحمه الله:
منطوٍ على وجوه اعلم ـ وفقنا الله وإياك ـ أن كتاب الله العزيز ُ
من العجاز كثيرة ،وتحصيلها من جهة ضبط أنواعها في أربعة
وجوه:
أولها :حسن تأليفه ،والتئام كلمه ،وفصاحته ،ووجوه إيجازه،
وبلغته الخارقة عادة العرب ،وذلك أنهم كانوا أرباب هذا الشأن،
و فرسان الكلم ،قد خصوا من البلغة و الحكم بما لم يخص به
غيرهم من المم ،وأوتوا من ذرابة اللسان ما لم يؤت إنسان،
ومن فضل الخطاب ما يقيد اللباب جعل الله لهم ذلك طبعاً
وخلقة ،وفيهم غريزة وقوة ،يأتون منه على البديهة بالعجب،
ويدلون به إلى كل سبب ،فيخطبون
بديها ً في المقامات وشديد الخطب ،و يرتجزون به بين الطعن
والضرب ،ويمدحون ويقدحون ،ويتوسلون ويتوصلون ،ويرفعون
ويضعون ،فيأتون من ذلك بالسحر الحلل ،ويطوقون من
أوصافهم أجمل من سمط اللل ،فيخدعون اللباب ،ويذللون
حن ،ويهيجون الدِّمن ويجرئون الجبان، الصعاب ،ويذهبون ال َ
ويبسطون يد الجعد البنان ،ويصيرون الناقص كامل ً ويتركون
النبيه خاملً.
منهم البدوي ذو اللفظ الجزل ،والقول الفصل ،والكلم الفخم،
والطبع الجوهري ،والمنزع القوي.
128
ومنهم الحضري ذو البلغة البارعة ،واللفاظ الناصعة ،والكلمات
الجامعة ،والطبع السهل ،والتصرف في القول القليل الكُلفة،
الكثير الرونق ،الرقيق الحاشية.
و كل البابين لهما في البلغة الحجة البالغة ،والقوة الدامغة،
والقدح الفالج ،والمهيع الناهج ،ل يشكون أن الكلم طوع
مرادهم ،والبلغة ملك قيادهم ،قد حوَوا فنونها واستنبطوا عيونها، ُ
ً
ودخلوا من كل باب من أبوابها ،وعلوا صرحا لبلوغ أسبابها،
فقالوا في الخطير والمهين ،وتفننوا في الغث والسمين ،وتقاولوا
في القل والكثر ،وتساجلوا في النظم والنثر ،فما راعهم إل
ن م ْن يَدَيْهِ وََل ِ من بَي ْ ِ ل ِ رسول كريم ،بكتاب عزيز ((َل يَأْتِيهِ الْبَاط ِ ُ
ميدٍ) (فصلت ،)42 :أحمكت آياته ،و ح ِ حكِيم ٍ َ ن َ م ْل ِّ خلْفِهِ تَنزِي ٌ َ
فصلت كلماته وبهرت بلغته العقول ،وظهرت فصاحته على كل
مقول ،وتظافر إيجازه وإعجازه ،وتظاهرت حقيقته ومجازه،
وتبارت في الحسن مطالعه ومقاطعه ،وحوت كل البيان جوامعه
وبدائعه ،واعتدل مع إيجازه حسن نظمه ،وانطبق على كثرة
فوائده مختار لفظه ،وهم أفسح ما كانوا في الباب مجالً ،وأشهر
في الخطابة رجالً ،وأكثر في السجع والشعر سجالً ،وأوسع في
الغريب واللغة مقالً ،بلغتهم التي بها يتحاورون ،ومنازعهم التي
عنها يتناضلون ،صارخا ً بهم في كل حين ،ومقرعا ً لهم بضعاً
َ
ن افْتََراه ُ قُ ْ
ل م يَقُولُو َ وعشرين عاما ً على رؤوس المل أجمعين((:أ ْ
ْ
ن اللّهِ إِن كُنت ُ ْ
م من دُو ِ ستَطَعْتُم ِّ نا ْ م ِ مثْلِهِ وَادْع ُوا ْ َ سوَرةٍ ِّ فَأتُوا ْ ب ِ ُ
ن) (يونس.)38 : صادِقِي َ َ
ْ ْ َ ْ َ َ ُ
مثْلِهِمن ِّ سوَرةٍ ِّ ما ن َ ّزلنَا ع َلى ع َبْدِنَا فَأتُوا ب ِ ُ م ّب ِّ م فِي َري ْ ٍ ((وَإِن كنت ُ ْ
ن) (البقرة * )23 صادِقِي َ م ََ ن كُنْت ُ ْ ن اللّهِ إ ِ ْ من دُو ِ شهَدَاءكُم ِّ وَادْع ُوا ْ ُ
َ
م تَفْعَلُوا ْ وَلَن تَفْعَلُوا ْ فَاتَّقُوا ْ النَّاَر ال ّتِي وَقُودُهَا النَّا ُ
س (فَإِن ل ّ ْ
ن) (البقرة.)24 : َ ت لِلْكَافِرِي عد َّ ْ جاَرة ُ أ ُ ِ ح َوَال ْ ِ
ْ َ َ
نل هَـذ َا الْقُْرآ ِ مث ْ ِن ع َلَى أن يَأتُوا ْ ب ِ ِ ج ُّس وَال ْ ِ ت الِن ُ معَ ِ جت َ َ نا ْ ّ
و ( ْقُل لئ ِ ِ
ض ظَهِيراً) (السراء.)88 : م لِبَعْ ٍ ضهُ ْ ن بَعْ ُ و كَا َ ْ مثْلِهِ وَل َ ن بِ ِ ل َ يَأتُو َ
ت وَادْع ُواْ ل فَأتُوا ْ بِعَ ْ ْ َ
مفْتََريَا ٍ مثْلِهِ ُ سوَرٍ ِّ شرِ ُ ن افْتََراه ُ قُ ْ م يَقُولُو َ و (أ ْ
ن) (هود .)13 :وذلك أن صادِقِي َ م َ ن اللّهِ إِن كُنت ُ ْ من دُو ِ ستَطَعْتُم ِّ نا ْ م ِ َ
المفتري أسهل ووضع الباطل والمختلق على الختيار أقرب،
واللفظ إذا تبع المعنى الصحيح كان أصعب ،ولهذا قيل :فلن
يكتب كما يقال له ،وفلن يكتب كما يريد.
و للول على الثاني فضل ،و بينهما شأو بعيد.
فلم يزل يقرعهم أشد التقريع ،ويوبخهم غاية التوبيخ ،ويسفه
ويشتت نظامهم ،ويذم آلهتهم أحلمهم ،ويحط أعلمهم،
وآباءهم ،ويستبيح أرضهم وديارهم وأموالهم ،وهم في كل هذا
129
ناكصون عن معارضتيه ،محجمون عن مماثلته ،يخادعون أنفسهم
َ
ن هَذ َا إ ِ ّل بالتشغيب و التكذيب ،والغراء بالفتراء ،وقولهم(:إ ِ ْ
ن هَذ َا مٌّر) (القمر ،)2 :و(إ ِ ْ ست َ ِم ْ حٌر ُّ س ْ حٌر يُؤْثَُر) (المدّثر ،)24 :و( ِ س ْ ِ
ن) (النعام،)25 : َ
َ
ساطِيُر الوَّلِي ك افْتََراهُ) (الفرقان ،)4 :و (َأ َ إَِّل إِفْ ٌ
َ
مف بَل ل ّعَنَهُ ُ والمباهتة والرضا بالدنية ،كقولهم( :وَقَالُوا ْ قُلُوبُنَا غُل ْ ٌ
َ
ن) (البقرة.)88 : منُو َ ما يُؤ ْ ِ م فَقَلِيل ً َّ الل ّه بِكُفْرِه ِ ْ
َ
من بَيْنِنَا ما تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذ َانِنَا وَقٌْر وَ ِ م َّ (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أكِنَّةٍ ِّ
َ َ َ
ن ل ال ّذِي َ ن) (فصلت ( .)5وَقا
َ
ملُو َ ل إِنَّنَا ع َا ِ م ْ َ ب فَاع ْ جا ٌ ح َ ك ِ وَبَيْن ِ َ
ن) (فصلت: م تَغْلِبُو َ ن وَالْغَوْا فِيهِ لَعَل ّك ُ ْ معُوا لِهَذ َا الْقُْرآ ِ س َ كَفَُروا َل ت َ ْ
م آيَاتُنَا قَالُوا ْ قَدْ ))26والدعاء مع العجز بقولهم((:وَإِذ َا تُتْلَى ع َلَيْهِ ْ
َ َ
ساطِيُر الوَّلِي َ
ن) ن هَـذ َا إِل ّ أ َ ل هَـذ َا إ ِ ْ مث ْ َ شاء لَقُلْنَا ِ معْنَا لَوْ ن َ َ س ِ َ
(النفال)31 :
وقد قال لهم الله( :وَلن تَفْعَلوا ) (البقرة ،)24 :فما فعلوا ول ْ ُ َ
قدروا .ومن تعاطى ذلك من سخفائهم ـ كمسيلمة ـ كشف عواره
جميعهم ،وسلبهم الله ما ألفوه ،من فصيح كلمهم ،وإل فلم يخف
على أهل الميز منهم أنه ليس من نمط فصاحتهم ،ول جنس
بلغتهم ،بل ولوا عنه مدبرين ،وأتوا مذعنين من بين مهتد و بين
مفتون.
ولهذا لما سمع الوليد بن المغيرة من النبي صلى الله عليه
وسلم:
ْ ْ
ن ن وَإِيت َ َاء ذِي ال َقُْربَى َويَنْهَى ع َ ِ سا ِ ح َ
ل وَال ِ ْ مُر بِالْعَد ْ ِ ه يَأ ُ ن الل ّ َ (إ ِ َّ
ن) (النحل. )90 : م تَذ َك ُّرو َ م لَعَل ّك ُ ْ ي يَعِظُك ُ ْ منكَرِ وَالْبَغْ ِ شاء وَال ْ ُ ح َ الْفَ ْ
قال :والله ،إن له لحلوة ،وإن عليه لطلوةً ،وإن أسفله لمغدق،
وإن أعله لمثمر ،ما يقول هذا بشر.
-وذكر أبو عبيد أن أعرابيا ً سمع رجل ً يقرأ:
ن) (الحجر )94 :فسجد ،و َ شرِكِي م ْ ن ال ْ ُ ِ ض عَ ْ ِ مُر وَأَع ْر ما تُؤ ْ َ صدَع ْ ب ِ َ (فَا ْ
سواْ َ قال :سجدت لفصاحته .وسمع آخر رجل ً يقرأ(( :فَل َ َّ
ستَيْأ ُ ما ا ْ
جيّا ً ) (يوسف)80 : صوا ْ ن َ ِ خل َ ُ ه َ من ْ ُ ِ
فقال :أشهد أن مخلوقا ً ل يقدر على مثل هذا الكلم.
-وحكي أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كان يوما ً نائما ً في
المسجد فإذا هو بقائم على رأسه يتشهد شهادة الحق،
واستخبره ،فأعلمه أنه من بطارقة الروم ممن يحسن كلم
العرب وغيرها ،وأنه سمع رجل ً من أسرى المسلمين يقرأ آية من
كتابكم فتأملتها ،فإذا هي قد جمع فيها ما أنزل على عيسى ابن
َّ
ه
من يُطِِع الل َ الدنيا والخرة ،وهي قوله تعالى( :وَ َ مريم من أحوال
ُ َ
ن) (النور)52 : م الْفَائُِزو َ ك هُ ُ ه وَيَتَّقْهِ فَأوْلَئ ِ َ ش الل ّ َ خ َ ه وَي َ ْ سول َ ُ وََر ُ
130
-وحكى الصمعي أنه سمع كلم جارية ،فقال لها :قاتلك الله ما
حيْنَا َ
ة بعد قول الله تعالى( :وَأوْ َ أفصحك! فقالت :أو يعد هذا فصاح ً
م ِ وََل َ إلَى أ ُم موسى أ َ َ
ت ع َلَيْهِ فَألْقِيهِ فِي الْي َ ّ خفْ ِ ضعِيهِ فَإِذ َا ِ ن أْر ِ ْ ِّ ُ َ ِ
ن) يِ
ُ ْ َ َل س ر م ْ ال نُ ِ َم ه و ُ عل
ِ جا و ك ي َ
ِّ َ ّ ُ ِ ْ ِ َ َ ل إ ه و ُ د را اَ ن إ ي ِ زن ح
َ َ ْ َ ت ل َ و ي ت ِ
ف خا َ َ
(القصص ،)7 :فجمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين ،وخبرين ،و
بشارتين.
فهذا نوع من إعجازه منفرد بذاته ،غير مضاف إلى غيره على
التحقيق والصحيح من القولين.
وكون القرآن من قِبَل النبي صلى الله عليه وسلم ،وأنه أتى به
معلوم ضرورة ،وكونه متحديا ً به معلوم ضرورة ،وعجز العرب
عن التيان به معلوم ضرورة ،وكونه في فصاحته خارقا ً للعادة
معلوم ضرورة للعالِمين بالفصاحة ووجوه البلغة ،وسبيل من
ليس من أهلها علم ذلك بعجز المفكرين من أهلها عن معارضته
واعتراف المفسرين بإعجاز بلغته.
ُ
حيَاة ٌ يَا ْ أول ِ ْ
ي ص َ صا ِ م فِي ال ْ ِق َ تأملت قوله تعالى(:وَلَك ُ ْ َ
وأنت إذا
َ ّ َ َ
ن) (البقرة.) 179 : م تَت ّقُو َ ب لعَلك ُ ْ اللْبَا ِ
ب) ن قَرِي ٍ مكَا ٍ من َّ خذ ُوا ِ ت وَأ ُ ِ وقوله( :وَلَوْ تََرى إِذ ْ فَزِع ُوا فََل فَوْ َ
(سبأ.))51 :
َ َ َ َ
ه عَدَاوَة ٌ كَأن َّ ُ
ه ك وَبَيْن َ ُ ن فَإِذ َا ال ّذِي بَيْن َ َ س ُ ح َ يأ ْ وقوله(:إدْفَعْ بِال ّتِي ه ِ َ
م) (فصلت.)34 : مي ٌ ح ِ ي َ وَل ِ ٌّ
َ َ
ماء ض ال ْ َ ماء أقْلِعِي وَِغي َ َ س َ ك وَيَا َ ماء ِ ض ابْلَعِي َ ل يَا أْر ُ و قوله(:وَقِي َ
ن) ل بُعْدا ً ل ِّلْقَوْم ِ الظ ّال ِ ِ ي وَقِي َ ت ع َلَى ال ْ ُ َ وَقُ ِ
مي َ جود ِ ِ ّ ستَوَ ْ مُر وَا ْ ي ال ْ ض َ
(هود)44 :
َ َ
منْهُم صبا ً وَ ِ حا ِ سلْنَا ع َلَيْهِ َ ن أْر َ م ْ منْهُم َّ خذ ْنَا بِذ َنبِهِ فَ ِ و قوله (فَكُّل ً أ َ
َ َ ن أَ َ
ن أغَْرقْنَا م ْ منْهُم َّ ض وَ ِ سفْنَا بِهِ اْلْر َ خ َ ن َ م ْ منْهُم َّ ة وَ ِ ح ُ صي ْ َ ه ال َّ
َ ُ خذ َت ْ م ْ َّ
َ
ن) (العنكبوت: مو َ م يَظْل ِ ُ سهُ ْ م وَلَكِن كَانُوا أن ُف َ مهُ ْ ه لِيَظْل ِ َ ن الل ّ ُ ما كَا َ وَ َ
.)40
وأشباهها من الي ،بل أكثر القرآن حققت ما بينته من إيجار
ألفاظها ،وكثرة معانيه ،وديباجة عبارتها ،وحسن تأليف حروفها،
وتلؤم كلمها ،وأن تحت كل لفظة منها جمل ً كثيرة ،وفصول ً جمة،
وعلوما ً زواخر ،ملئت الدواوين من بعض ما استفيد منها ،وكثرت
المقالت في المستنبطات عنها.
ثم هو في سرده القصص الطوال ،وأخبار القرون السوالف ،التي
يضعف في عادة الفصحاء عندها الكلم ويذهب ماء البيان ـ آية
لمتأمله ،من ربط الكلم بعضه ببعض ،والتئام سرده ،وتناصف
وجوهه ،كقصة يوسف على طولها.
131
ثم إذا ترددت قصصه اختلفت العبارات عنها على كثرة ترددها
حتى تكاد كل واحدة تنسي في البيان صاحبتها ،وتناصف في
الحسن وجه مقابلتها ،ول نفور للنفوس من ترديدها ،ول معاداة
لمعادها.
الفصل الرابع:
في إعجاز القرآن ـ الوجه الثاني :النظم والسلوب:
الوجه الثاني من إعجازه صورة نظمه العجيب ،والسلوب
الغريب المخالف لساليب كلم العرب ومناهج نظمها ونثرها
الذي جاء عليه ،ووقفت مقاطع آية ،وانتهت فواصل كلماته إليه،
ولم يوجد قبله ول بعده نظير له ،ول استطاع أحد مماثلة شيء
منه ،بل حارت فيه عقولهم ،وتدلهت دونه أحلمهم ،ولم يهتدوا
إلى مثله في جنس كلمهم من نثر أو نظم ،أو سجع أو رجز ،أو
شعر.
ولما سمع كلمه صلى الله عليه وسلم الوليد بن المغيرة ،وقرأ
عليه القرآن ـ رقّ ،فجاءه أبو جهل منكرا ً عليه ـ قال :والله ما
منكم أحد أعلم بالشعار مني ،والله ما يشبه الذي يقول شيئا ً من
هذا.
قلت:
أخرج اللباني قصة الوليد بن المغيرة ،في صحيح السيرة ،باب
مجادلة المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم وإقامة
الحجة الدامغة عليهم واعترافهم في أنفسهم بالحق وإن أظهروا
المخالفة عنادا وحسدا وبغيا وجحودا.....قال:
روى إسحاق بن راهويه بسنده عن ابن عباس :أن الوليد بن
المغيرة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه
القرآن فكأنه رق له ..فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال :يا عم إن
قومك يريدون أن يجمعوا لك مال .قال :لم؟ قال :ليعطوكه فإنك
أتيت محمدا لتعرض ما قبله .قال :قد علمت قريش أني من
أكثرها مال .قال :فقل فيه قول ً يبلغ قومك أنك منكر له .قال:
وماذا أقول؟ فو الله ما منكم رجل أعرف بالشعار مني ،ول أعلم
برجزه ول بقصيده مني ،ول بأشعار الجن ...والله ما يشبه الذي
يقول شيئا من هذا ...و والله إن لقوله الذي يقوله لحلوة وإن
عليه لطلوة وإنه لمثمر أعله مغدق أسفله وإنه ليعلو ول يعلى
وإنه ليحطم ما تحته .قال :ل يرضى عنك قومك حتى تقول فيه.
قال :فدعني حتى أفكر فيه.
فلما فكر قال :إن هذا إل سحر يؤثر ،يأثره عن غيره .فنزلت:
مدُودا ً َ* َوبَنِي َ
ن مال ً َّ
م ْ ت لَ ُ
ه َ جعَل ْ ُ حيدا ً * وَ َ ت وَ ِ خلَقْ ُن َ م ْ(دَْرنِي وَ َ
َ َ
ه كَا َ
ن ن أزِيد َ * ك َ ّل إِن َّ ُ معُ أ ْ م يَط ْ َ مهِيدا ً * ث ُ َّ
ه تَ ْت لَ ُ شهُودا ً * وَ َ
م َّهد ُّ ُ
132
ه فَكََّر وَقَدََّر *فَقُت ِ َ لياتنا ع َنيداً* ُ
ف قَدََّر * ل كَي ْ َ صعُودا ً * إِن َّ ُ ه َ سأْرهِقُ ُ َ ِ ِ َ َِ
ستَكْبََر َ سَر * ث ُ َّ م نَظََر * ث ُ َّ ف قَدََّر * ث ُ َّ ل كَي ْ َ م قُت ِ َ ث ُ َّ
م أدْبََر وَا ْ س وَب َ َ َ م ع َب َ
صلِيهِ سأ ْ
ُ
شرِ * َ ل الْب َ َ ن هَذ َا إَِّل قَوْ ُ حٌر يُؤ ْثَُر * إ ِ ْ س ْ
َ
ن هَذ َا إ ِ ّل ِ ل إِ ْ *فَقَا َ
ة ل ِّلْب َ َ َ
شرِ * ح ٌ سقَُر * َل تُبْقِي وََل تَذَُر * لَوَّا َ ما َ ك َ ما أدَْرا َ سقََر * وَ َ َ
ْ َ َ َ ّ َ َ ْ ة عَ َ َ
جعَلنَا ما َ ة وَ َ ملئِك ً ب َالن ّارِ إ ِل َ حا َ ص َ جعَلنَا أ ْ ما َ ش ََر * َو َ سعَ َ ع َليْهَا ت ِ ْ
ُ َ
ب وَيَْزدَادَ ن أوتُوا الْكِتَا َ ن ال ّذِي َ ستَيْقِ َ ن كَفَُروا لِي َ ْ ة ل ِّل ّذِي َ م إ ِ ّل فِتْن َ ً ع َدَّتَهُ ْ ِ
ْ ْ ُ َ ّ َ ً ّ
ن
منُو َ مؤ ْ ِ ب وَال ُ ن أوتُوا الكِتَا َ ب الذِي َ مانا وَل يَْرتَا َ من ُ َوا إِي َ نآ َ الذِي َ
َّ َ
ه بِهَذ َا ماذ َا أَراد َ الل ُ ن َ ض وَالْكَافُِرو َ مَر ٌ ن فِي قُلُوبِهِم َّ َ ل ال ّذِي وَلِيَقُو َ
َ ُ
جنُودَ م ُ ما يَعْل َ ُ شاءُ وَ َ من ي َ َ شاءُ وَيَهْدِي َ من ي َ َ ه ََ ل الل ّ ُ ض ّ ك يُ ِ مثَل ً كَذَل ِ َ
َ َ
شرِ *) المدثر ./هكذا رواه ْ
ي إ ِل ذِكَْرى لِلب َ َ ّ ما ه ِ َ ك إ ِل هُوَ وَ َ ّ َرب ِّ َ
البيهقي عن الحاكم عن إسحاق.
قلت[ اللباني] :وفي ذلك قال الله تعالى إخبارا عن جهلهم وقلة
ْ ل قَالُوا ْ أ َضغَا ُ َ
عٌر فَلْيَأتِنَا بِآيَةٍ شا ِ و َ ل هُ َ ل افْتََراه ُ ب َ ْ حلَم ٍ ب َ ِ ثأ ْ ْ عقلهم (ب َ ْ
َ كَ ُ
ن) (النبياء )5 :فحاروا ماذا يقولون فيه؟ فكل ل الوَّلُو َ س َ ما أْر ِ َ
شيء يقولونه باطل لن من خرج عن الحق مهما قاله أخطأ...
ضلُّوا ْ فَلَ ل فَ َ مثَا َ ضربُوا ْ ل َ َ َ
ك ال ْ ف َ َ قال الله تعالى( :انظُْر كَي ْ َ
سبِيلً) (السراء)48 : ن َ ستَطِيعْو َ يَ ْ
قلت:
أورد الشيخ أحمد بن محمد القسطلني القصة في المواهب
اللدنية بالمنح المحمدية قال:
عن عكرمة في قصة الوليد بن المغيرة ،وكان زعيم قريش في
الفصاحة ،أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم :اقرأ علي ...فقرأ
ن وَإِيتَاء ذِي الْقُْربَى وَيَنْهَى ن الل ّه يأ ْ
ِ سا ح َ ل وَال ِ ْ ِ مُر بِالْعَد ْ ُ َ َ عليه( :إ ِ َّ
َ َ
ن) (النحل)90 : م تَذ َك ُّرو َ م لَعَل ّك ُ ْ ي يَعِظُك ُ ْ منكَرِ وَالْبَغْ ِ شاء وَال ْ ُ ح َ ن الْفَ ْ عَ ِ
قال :أعد ...فأعاد صلى الله عليه وسلم ،فقال[ الوليد]:والله إن
له لحلوة وإن عليه لطلوة وإن أعله لمثمر وإن أسفله لمغدق
وما يقول هذا بشر ،ثم قال لقومه والله ما فيكم رجل أعلم
بالشعار مني ،ول أعلم برجزه ول أشعار الجن فو الله ما يشبه
الذي يقول شيئا من هذا ..والله إن لقوله الذي يقول لحلوة وإن
عليه لطلوة وإنه لمثمر أعله مغدق أسفله وإنه ليعلو ول يعلى.
ش عند حضور الموسم ،وقال: -وفي خبره الخرـ حين جمع قري ً
إن وفود العرب ترد فأجمعوا فيه رأيا ً ل يكذب بعضكم بعضاً،
فقالوا :نقول كاهن .قال :والله ما هو بكاهن .ما هو بزمزمته ول
سجعه.قالوا :مجنون :قال :ما هو بمجنون ،ول بخنقه ول
وسوسته.
133
قالوا :فنقول شاعر .قال :ما هو بشاعر .قد عرفنا الشعر كله،
رجزه ،وهزجه ،وقريضه ،و مبسوطه ،ومقبوضه ،ما هو بشاعر.
قالوا :فنقول ساحر .قال :ما هو بساحر ،ول نفثه ول عقده.
قالوا :فما نقول :قال :ما أنتم بقائلين من هذا شيئاً ،إل وأنا
أعرف أنه باطل ،وإن أقرب القول أنه ساحر ،فإنه سحر يفرق
بين المرء وابنه ،والمرء وأخيه ،والمرء وزوجه ،والمرء وعشيرته.
فتفرقوا وجلسوا على السبل يحذرون الناس ،فأنزل الله تعالى
مدُودا ً * م َْمال ً َّ ه َ ت لَ ُ جعَل ْ ُ حيدا ً *وَ َ ت وَ ِ خلَقْ ُن َ م ْ في الوليد( :ذَْرنِي وَ َ
َ َ
ه كَا َ
ن ن أزِيد َ * ك َ ّل إِن َّ ُ معُ أ ْ م يَط ْ َ مهِيدا ً * ث ُ َّ ه تَ ْت لَ ُ مهَّد ُّشهُودا ً *وَ َ ن ُ وَبَنِي َ
َ َ َ َ ً ُ ً
ف قَد َّر * ل كَي ْ َ ه فَك َّر وَقَد َّر * فَقُت ِ َ صعُودا * إِن ّ ُ ه َ سأْرهِقُ ُ ِليَاتِنَا ع َنِيدا * َ
ستَكْبََر َ سَر * ث ُ َّ م نَظََر * ث ُ َّ ف قَدََّر * ث ُ َّ ل كَي ْ َم قُت ِ َث ُ َّ
م أدْبََر وَا ْ س وَب َ َ َ م ع َب َ
شر* ُ َ َ
صلِيهِ سأ ْ ل الْب َ َ ِ َ ن هَذ َا إ ِ ّل قَوْ ُ حٌر يُؤْثَُر * إ ِ ْ س ْ ن هَذ َا إ ِ ّل ِ * فَقَا َ
ل إِ ْ
سقََر *) (-المدثر). َ
-وقال عتبة بن ربيعة حين سمع القرآن :يا قوم ،قد علمتم أني
لم أترك شيئا ً إل وقد علمته وقرأته وقلته ،والله لقد سمعت
قولً ..والله ما سمعت مثله قط ،ما هو بالشعر ،ول بالسحر ،ول
بالكهانة- .وقال النضر بن الحارث نحوه.
قلت:
* أخرج اللباني قصة عتبة بن ربيعة ،في صحيح السيرة ،قال:
وروى المام عبد بن حميد في (مسنده) بسنده عن جابر بن
ما فقالوا :انظروا أعلمكم عبد الله قال :اجتمعت قريش يو ً
بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا
وشتت أمرنا وعاب ديننا فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه؟ فقالوا:
ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة .فقالوا :أنت يا أبا الوليد فأتاه
عتبة فقال :يا محمد أنت خير أم عبد الله؟ فسكت رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال :أنت خير أم عبد المطلب؟ فسكت
رسول الله صلى الله عليه وسلم .ثم قال :إن كنت تزعم أن
هؤلء خير منك فقد عبدوا اللهة التي عبت وإن كنت تزعم أنك
خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك إنا والله ما رأينا سخلة قط
أشأم على قومك منك فرقت جماعتنا وشتت أمرنا وعبت ديننا
وفضحتنا في العرب حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحًرا
وأن في قريش كاهنا والله ما ننتظر إل مثل صيحة الحبلى أن
يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى .أيها الرجل إن كان
إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجل ً واحدًا وإن
كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشًرا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم( :فرغت؟) .قال :نعم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم( :بسم الله الرحمن
134
ه
ت آيَات ُ ُ صل َ ْ ب فُ ِّ حيم ِ *كِتَا ٌ ن الَّر ِ م ِ ح َ ن الَّر ْ م َ ل ِّ الرحيم .حم * تَنزِي ٌ
م َل َ َ
م فَهُ ْ ض أكْثَُرهُ ْ شيرا ً وَنَذِيرا ً فَأعَْر َ ن * بَ ِ مو َ قُْرآنا ً عََربِيّا ً ل ِّقَوْم ٍ يَعْل َ ُ
ما تَدْع ُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذ َانِنَا وَقٌْر َ
م َّ ن *وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أكِنَّةٍ ِّ معُو َ س َ يَ ْ
َ َ ن * قُ ْ ُ َ من بَيْنِنَا َوبَيْن ِ َ
شٌر ما أنَا ب َ َ ل إِن ّ َ ملو َ ل إِن ّنَا ع َا ِ م ْ ب فَاع ْ َ جا ٌ ح َ ك ِ وَ ِ
َ
ستَغْفُِروهُ موا إِلَيْهِ وَا ْ ستَقِي ُ حد ٌ فَا ْ ه وَا ِ م إِل َ ٌ ما إِلَهُك ُ ْ ي أن َّ ََ حى إِل َ َّ م يُو َ مثْلُك ُ ْ ِّ
م
خَرةِ هُ ْ ن الَّزكَاة َ وَهُم بِاْل ِ ن َل يُؤ ْتُو َ ن * ال ّذِي َ شرِكِي َ َ م ْ ل ل ِّل ْ ُ وَوَي ْ ٌ
َ
ن
منُو ٍ م ْ جٌر غَيُْر َ مأ ْ ت لَهُ ْ حا ِ صال ِ َ ملُوا ال َّ منُوا وَع َ ِ
َ َ نآ َ ن ال ّذِي ن * إ ِ َّ كَافُِرو َ
َ * قُ ْ َ
ن لَ ُ
ه جعَلُو َ ن وَت َ ْ مي ْ ِ و َ ض فِي ي َ ْ خلَقَ اْلْر َ ن بِال ّذِي َ م لَتَكْفُُرو َ ل أئِنَّك ُ ْ
كمن فَوْقِهَا وَبَاَر َ ي ِ س َ ل فِيهَا َروَا ِ جعَ َ ن *وَ َ مي َ ب الْعَال َ ِ ك َر ُّ أَندَادا ً ذَل ِ َ
سوَاء ل ِّل َّ َ َ َ
ستَوَى ما ْ ن * ث ُ َّ سائِلِي َ فِيهَا وَقَدََّر فِيهَا أقْوَات َ َها فِي أْربَعَةِ أيَّام ٍ َ
ض اِئْتِيَا طَوْعا ً أَوْ كَْرها ً قَالَتَا ِ ل ل َ َها وَلِْلَْر ن فَقَا َ خا ٌ ي دُ َ ماء وَه ِ َ س َ إِلَى ال َّ
َ َ
حى فِي ك ُ ِّ
ل ن وَأوْ َ مي ْ ِ ت فِي يَوْ َ ماوَا ٍ س َ سبْعَ َ ن َ ضاهُ َّ ن * فَقَ َ أتَيْنَا طَائِعِي َ
حفْظا ً ذَل ِ َ مَرهَا وََزيَّنَّا ال َّ َ
ك تَقْدِيُر ح وَ ِ صابِي َ م َ ماء الدُّنْيَا ب ِ َ س َ ماء أ ْ س َ َ
َ َ
عقَةِ صا ِل َ مث ْ َ ة ِّ عقَ ً صا ِ م َ ُ
ل أنذَْرتُك ْ ضوا فَقُ ْ ن أعَْر ُ الْعَزِيزِ العَلِيم ِ * فَإ ِ ْ ْ
مود َ *) [ فصلت .] 13 - 1 :فقال عتبة :حسبك ما عندك غير ع َاد ٍ وَث َ ُ
هذا؟ قال( :ل) .فرجع إلى قريش فقالوا :ما وراءك؟ قال :ما
تركت شيئًا أرى أنكم تكلمونه إل كلمته .قالوا :فهل أجابك؟
فقال :نعم .ثم قال :ل والذي نصبها بينة ما فهمت شيئًا مما قال
غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود .قالوا :ويلك
يكلمك الرجل بالعربية ل تدري ما قال؟ قال :ل والله ما فهمت
شيئًا مما قال غير ذكر الصاعقة.
وقد رواه البيهقي وغيره عن الحاكم بسنده عن الجلح به وفيه
كلم وزاد :وإن كنت إنما بك الرياسة عقدنا ألويتنا لك فكنت
رأسا ما بقيت .وعنده أنه لما قال(_:فإن أعرضوا فقل أنذرتكم
صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) أمسك عتبة على فيه وناشده
الرحم أن يكف عنه ولم يخرج إلى أهله واحتبس عنهم .فقال أبو
جهل :والله يا معشر قريش ما نرى عتبة إل صبا إلى محمد
وأعجبه كلمه وما ذاك إل من حاجة أصابته انطلقوا بنا إليه .فأتوه
فقال أبو جهل :والله يا عتبة ما جئنا إل أنك صبوت إلى محمد
وأعجبك أمره فإن كان بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك
عن محمد .فغضب وأقسم بالله ل يكلم محمدًا أبدًا وقال :لقد
علمتم أني من أكثر قريش مال ً ولكني أتيته -وقص عليهم القصة
-فأجابني بشيء -والله ما هو بسحر ول بشعر ول كهانة -قرأ:
(بسم الله الرحمن الرحيم .حم .تنزيل من الرحمن الرحيم...حتى
بلغ :فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود)
فأمسكت بفيه وناشدته الرحم أن يكف وقد علمتم أن محمدًا إذا
قال شيئًا لم يكذب فخفت أن ينزل عليكم العذاب.
135
ثم روى البيهقي بسنده عن المغيرة بن شعبة قال :إن أول يوم
عرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أمشي أنا وأبو جهل
بن هشام في بعض أزقة مكة إذ لقينا رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبي جهل( :يا أبا
الحكم هلم إلى الله وإلى رسوله أدعوك إلى الله) .فقال أبو
جهل :يا محمد هل أنت منته عن سب آلهتنا؟ هل تريد إل أن
نشهد أنك قد بلغت؟ فنحن نشهد أن قد بلغت فو الله لو أني
أعلم أن ما تقول حق لتبعتك .فانصرف رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأقبل علي فقال :والله إني لعلم أن ما يقول حق
ولكن يمنعني شيء إن بني قصي قالوا :فينا الحجابة .فقلنا :نعم.
ثم قالوا :فينا السقاية .فقلنا :نعم .ثم قالوا :فينا الندوة .فقلنا:
نعم .ثم قالوا :فينا اللواء .فقلنا :نعم .ثم أطعموا وأطعمنا حتى
إذا تحاكت الركب قالوا :منا نبي والله ل أفعل .وهذا القول منه -
ك لعنه الله -كما قال تعالى مخبرا عنه وعن أضرابه( :وَإِذ َا َرأَوْ َ
ُ َ َ َ َ
ضل ّنَا سول ً * إِن كَاد َ لَي ُ ِه َر ُ ك إ ِ ّل هُُزوا ً أَهَذ َا ال ّذِي بَعَ َ
ث الل ّ ُ خذ ُون َإِن يَت َّ ِ
َ
ن الْعَذ َا َ
ب ن يََروْ َ
حي َ
ن ِ
مو َف يَعْل َ ُسوْ َصبَْرنَا ع َلَيْهَا وَ َن آلِهَتِنَا لَوَْل أن َ عَ ْ
سبِيلً) (الفرقان .)42 -41 ُ ض ّ َ
ل َ نأ َ م ْ
َ
صف أخاه أنيساً ،فقال :والله ما َ َ وو ذر أبي إسلم حديث -وفي
ً
سمعت بأشعر من أخي أنيس ،لقد ناقض اثني عشر شاعرا في
الجاهلية ،أنا أحدهم ،وإنه انطلق إلى مكة ،وجاء إ لى أبي ذر
بخبر النبي صلى الله عليه وسلم .قلت :فما يقول الناس؟ قال:
يقولون :شاعر :كاهن ،ساحر ،لقد سمعت قول الكهنة فما هو
بقولهم ،ولقد وضعته على أقراء الشعر فلم يلتئم ،وما يلتئم على
لسان أحد بعدي أنه شعر ،وإنه لصادق ،وإنهم لكاذبون- .والخبار
في هذا صحيحة كثيرة.
قلت:
حديث إسلم أبي ذر رضي الله عنه رواه مسلم،وأحمد،
والبيهقي ،وهو في صحيح مسلم -كتاب فضائل الصحابة-
حدثنا هداب بن خالد الزدي .حدثنا سليمان بن المغيرة .أخبرنا
حميد بن هلل عن عبد الله بن الصامت .قال :قال أبو ذر :خرجنا
من قومنا غفار .وكانوا يحلون الشهر الحرام .فخرجت أنا وأخي
أنيس وأمنا .فنزلنا على خال لنا .فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا.
فحسدنا قومه فقالوا :إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم
أنيس .فجاء خالنا فنثا علينا الذي قيل له .فقلت :أما ما مضى من
معروفك فقد كدرته ،ول جماع لك فيما بعد .فقربنا صرمتنا.
فاحتملنا عليها .وتغطى خالنا ثوبه فجعل يبكي .فانطلقنا حتى
نزلنا بحضرة مكة .فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها .فأتيا
136
الكاهن .فخير أنيسا .فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها.قال :وقد
صليت ،يا ابن أخي! قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه
وسلم بثلث سنين .قلت :لمن؟ قال :لله .قلت :فأين توجه؟
قال :أتوجه حيث يوجهني ربي .أصلي عشاء حتى إذا كان من
آخر الليل ألقيت كأني خفاء .حتى تعلوني الشمس.
فقال أنيس :إن لي حاجة بمكة فاكفني .فانطلق أنيس حتى أتى
مكة .فراث علي .ثم جاء فقلت :ما صنعت؟ قال :لقيت رجل
بمكة على دينك .يزعم أن الله أرسله .قلت :فما يقول الناس؟
قال :يقولون :شاعر ،كاهن ،ساحر .وكان أنيس أحد الشعراء.
قال أنيس :لقد سمعت قول الكهنة .فما هو بقولهم .ولقد وضعت
قوله على أقراء الشعر .فما يلتئم على لسان أحد بعدي؛ أنه
شعر .والله! إنه لصادق .وإنهم لكاذبون(...الحديث)
-والعجاز بكل واحد من النوعين :اليجاز والبلغة بذاتها ،أو
السلوب الغريب بذاته ،كل واحد منهما نوع إعجازه على
التحقيق ،لم تقدر العرب على التيان بواحد منهما ،إذا كل واحد
خارج عن قدرتها ،مباين لفصاحتها و كلمها ،وإلى هذا ذهب غير
واحد من أئمة المحققين.
و ذهب بعض المحققين المقتدى بهم إلى أن العجاز في مجموع
البلغة والسلوب ،وأتى على ذلك بقول تمجه السماع ،وتنفر منه
القلوب .والصحيح ما قدمناه ،و العلم بهذا كله ضرورة قطعاً.
ومن تفنن في علوم البلغة ،وأرهف خاطره ولسانه أدب هذه
الصناعة لم يخف عليه ما قلناه.
-وقد اختلف أئمة أهل السنة في وجه عجزهم عنه ،فأكثرهم
يقول :إنه ما جمع في قوة جزالته ،ونصاعة ألفاظه ،وحسن
نظمه ،وإيجازه ،وبديع تأليفه وأسلوبه ل يصح أن يكون في مقدور
البشر ،وأنه من باب الخوارق الممتنعة عن إقدار الخلق عليها،
كإحياء الموتى ،وقلب العصا ،وتسبيح الحصى.
وذهب الشيخ أبو الحسن إلى أن مما يمكن أن يدخل مثله تحت
مقدور البشر ،ويقدرهم الله عليه ،ولكنه لم يكن هذا ول يكون،
جزهم عنه. ه هذا ،و ع َّ
فمنعَهم الل ُ
-وقال به جماعة من أصحابه.
-وعلى الطريقين فعجز العرب عنه ثابت ،وإقامة الحجة عليهم
بما يصح أن يكون في مقدور البشر ،وتحديهم بأن يأتوا بمثله
قاطع ،وهو أبلغ في التعجيز ،وأحرى بالتقريع ،والحتجاج بمجيء
بشر مثلهم بشيء ليس من قدرة البشر لزم ،وهو أبهر آية،
وأقمع دللة.
137
وعلى كل حال فما أتوا في ذلك بمقال ،بل صبروا على الجلء،
صغار والذل ،وكانوا من شموخ النف، والقتل ،وتجرعوا كاسات ال َّ
وإباية الضيم ،بحيث ل يؤثرون ذلك اختياراً ،ول يرضونه إل
اضطراراً ،وإل فالمعارضة لو كانت من قدرهم ،الشغل بها أهون
عليهم وأسرع بالنجح وقطع العذر وإفحام الخصم لديهم ،وهم
ممن لهم قدرة على الكلم ،وقدوة في المعرفة به لجميع النام،
وما منهم إل من جهد جهده ،واستنفد ما عنده في إخفاء ظهوره،
ة من بنات شفاههم ،ول أتوا وإطفاء نوره ،فما جلوا في ذلك خبيئ ً
بنطفة من معين مياههم ،مع طول المد ،و كثرة العدد ،وتظاهر
الوالد وما ولد ،بل أبلسوا فما نبسوا ،ومنعوا فانقطعوا ،فهذان
نوعان من إعجازه.
الفصل الخامس
في إعجاز القرآن:
الوجه الثالث :ما انطوى عليه من الخبار بالمغيبات
-الوجه الثالث من العجاز ما انطوى عليه من الخبار بالمغيبات،
وما لم يكن ولم يقع ،فوجد ،كما ورد وعلى الوجه الذي أخبر به،
َ
ن) (الفتح منِي َ هآ ِ شاء الل ّ ُ م إِن َ حَرا َ جد َ ال ْ َ س ِ م ْ ن ال ْ َ خل ُ َّ كقوله تعالى( :لَتَد ْ ُ
)27
ن) (الروم.)3 : سيَغْلِبُو َ م َ من بَعْد ِ غَلَبِهِ ْ وقوله تعالى(:وَهُم ِّ
َ
َ
قّ لِيُظْهَِرهُ ح ِ ن ال ْ َ ه بِالهُدَى وَدِي ِ
سول َ ُ ْ ل َر ُ س َ وقوله تعالى(:هُوَ ال ّذِي أْر َ
ن) (التوبة)33 : شرِكُو َ م ْ ن كُل ِّهِ وَلَوْ كَرِ َه َ ال ْ َ ُ دّي ِع َلَى ال ِ
ت حا ِ صال ِ َ ملُوا ال َّ م وَع َ ِ منك ُ ْ منُوا ِ َ نآ َ ه ال ّذِي ُ وقوله تعالى(( :وَعَد َ الل ّ
َ
ن مكِّن َ َّم وَلَي ُ َ من قَبْلِهِ ْ ن ِ ف ال ّذِي َ خل َ َ ست َ ْ ما ا ْ ض كَ َ ِ خلِفَنَّهُم فِي اْلَْر لَي َ ْ
ست َ ْ
مناً خوفه َ َ
مأ ْ من بَعْد ِ َ ْ ِ ِ ْ دّلَنَّهُم ِّ م وَلَيُب َ ِ ضى لَهُ ْ م ال ّذِي اْرت َ َ م دِينَهُ ُ لَهُ ْ
ك فَأوْلَئ ِ َُ
م
ك هُ ُ من كَفََر بَعْد َ ذَل ِ َ شيْئا ً وَ َ ن بِي َ شرِكُو َ يَعْبُدُونَنِي َل ي ُ ْ
ن) (النور)55 : سقُو َ الْفَا ِ
َ َ
نخلُو َ س يَد ْ ُ ت النَّا َ ح ( )1وََرأي ْ َ ه وَالْفَت ْ ُ صُر الل ّ ِ جاء ن َ ْ -وقوله تعالى(:إِذ َا َ
واباً َ َ
ن ت َ َّ ه كَا َ ستَغْفِْره ُ إِن َّ ُ ك وَا ْ مد ِ َرب ِّ َ ح ْ ح بِ َ سب ِّ ْ ن الل ّهِ أفْوَاجا ً ( )2فَ َ فِي دِي ِ
((– )3النصر)
فكان جميع هذا ،كما قال...فغلبت الروم فارس في بضع سنين،
ودخل الناس في السلم أفواجاً ،فما مات صلى الله عليه وسلم
وفي بلد العرب كلها موضع لم يدخله السلم.واستخلف الله
المؤمنين في الرض ،ومكَّن فيها دينهم ،و ملكهم إياها من أقصى
المشارق إلى أقصى المغارب ،كما قال صلى الله عليه وسلم:
"زويت إلى الرض ،فأريت مشارقها و مغاربها ،و سيبلغ ملك
أمتي ما زوي لي منها.
138
قلت :أخرج هذا الحديث ابن ماجه في السنن؛ واللباني في
صحيح السيرة ،ولفظه:
" زويت لي الرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها وأعطيت
الكنزين الصفر أو الحمر والبيض( ،يعني الذهب والفضة) وقيل
لي إن ملكك إلى حيث زوي لك ..وإني سألت الله عز وجل ثلثا:
أن ل يسلط على أمتي جوعا فيهلكهم به عامة ،وأن ل يلبسهم
شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض ،وإنه قيل لي إذا قضيت قضاء فل
مرد له وإني لن أسلط على أمتك جوعا فيهلكهم فيه ولن أجمع
عليهم من بين أقطارها حتى يفني بعضهم بعضا ويقتل بعضهم
بعضا وإذا وضع السيف في أمتي فلن يرفع عنهم إلى يوم
القيامة ..وإن مما أتخوف على أمتي أئمة مضلين ..وستعبد قبائل
من أمتي الوثان ،وستلحق قبائل من أمتي بالمشركين ..وإن بين
يدي الساعة دجالين كذابين قريبا من ثلثين كلهم يزعم أنه نبي،
ولن تزال طائفة من أمتي على الحق منصورين ل يضرهم من
خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل" ..قال أبو الحسن لما فرغ
أبو عبد الله من هذا الحديث قال ما أهوله..
قال الشيخ اللباني :صحيح ..سند الحديث :حدثنا هشام بن عمار
ثنا محمد بن شعيب بن شابور ثنا سعيد بن بشير عن قتادة أنه
حدثهم عن أبي قلبة الجرمي عبد الله بن زيد عن أبي أسماء
الرحبي عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( ...:الحديث).
ن) (الحجر،)9 : حافِظُو َ ه لَ َن نََّزلْنَا الذِّكَْر وَإِنَّا ل َ ُ ح ُ -وقوله(( :إِنَّا ن َ ْ
فكان كذلك ،ل يكاد يعد من سعى في تغييره وتبديل محكمه من
الملحدة والمعطلة ،ل سيما القرامطة ،فأجمعوا كيدهم وحولهم
وقوتهم ،اليوم نيفا ً على خمسمائة عام ،فما قدروا على إطفاء
شيء من نوره ،ول تغيير كلمة من كلمه ،ول تشكيك المسلمين
في حرف من حروفه ،و الحمد لله.
ُ
ن الدُّبَُر) (القمر)45 : معُ وَيُوَل ّو َ ج ْ م ال ْ َ سيُهَْز ُ ومنه قولهَ ( :
َ
مم ع َلَيْهِ ْ صْرك ُ ْم َويَن ُ خزِه ِ ْ م َوي ُ ْه بِأيْدِيك ُ ْ م الل ّ ُ م يُعَذِّبْهُ ُ -وقوله(:قَاتِلُوهُ ْ
ن) (التوبة )14 منِي َ مؤ ْ ِ صدُوَر قَوْم ٍ ُّ ف ُ ش ِ وَي َ ْ
َ َ
ق لِيُظْهَِره ُ ع َلَى ن ال ْ َ
ح ِّ ه بِالهُدَى وَدِي ِ
سول َ ُ ْ ل َر ُ س َ وقوله(:هُوَ ال ّذِي أْر َ
ُ
ن) (التوبة )33 شرِكُو َ م ْ ن كُل ِّهِ وَلَوْ كَرِه َ ال ْ ُ الدِّي ِ
َ َ َ
م لَ م الدُبَاَر ث ُ َّ م يُوَل ّوك ُ ُ م إِل ّ أذ ًى وَإِن يُقَاتِلُوك ُ ْ ضُّروك ُ ْ وقوله( :لَن ي َ ُ
ن) (آل عمران.)111 : صُرو َ يُن َ
فكان كل ذلك.وما فيه من كشف أسرار المنافقين واليهود،
ومقالهم وكذبهم في حلفهم ،وتقريعهم بذلك،
139
َ َ
م
سبُهُ ْ ح ْ ل َ ما نَقُو ُ ه بِ َ ذّبُنَا الل ّ ُ م لَوَْل يُعَ ِ سهِ ْ ن فِي أنفُ ِ كقوله(:وَيَقُولُو َ
صيُر) (المجادلة )8 م ِ س ال ْ َ صلَوْن َ َها فَبِئ ْ َ م يَ ْ جهَن َّ ُ َ
ن لَنَا َ
ن لَوْ كَا َ ك يَقُولُو َ ن لَ َ ما ل َ يُبْدُو َ سهِم َّ ن فِي أن ُف ِ خفُو َ وقوله( :ي ُ ْ
َّ َ َ ّ ْ َ
نم لبََرَز الذِي َ م فِي بُيُوتِك ُ ْ ما قُتِلنَا هَاهُنَا قُل لوْ كُنت ُ ْ يءٌ َّ ش ْ مرِ َ ن ال ْ م َ ِ
م ُ
صدُورِك ْ ما فِي ُ ه َ ّ
ي الل ُ م وَلِيَبْتَل ِ َ جعِهِ ْ ضا ِ م َ ل إِلى َ َ م القَت ْ ُ ْ ب ع َليْهِ ُ َ كت ِ َ ُ
صدُورِ) (آل عمران: ت ال ُّ م بِذ َا ِ ه عَلِي ٌ م وَالل ّ ُ ما فِي قُلُوبِك ُ ْ ص َ ح َ م َّ وَلِي ُ َ
.)154
َ
ن
خرِي َ ن لِقَوْم ٍ آ َ ماع ُو َ س َّ ب َ ن لِلْكَذ ِ ِ ماع ُو َ س َّ ن هِادُوا ْ َ ن ال ّذِي َ م َ وقولهِ (:
م هَـذ َا ن أوتِيت ُ ْ
ُ
ن إِ ْ ضعِهِ يَقُولُو َ موَا ِ من بَعْد ِ َ م ِ ن الْكَل ِ َ حّرِفُو َ ك يُ َ م يَأْتُو َ لَ ْ
َ
ك لَ ُ
ه مل ِ َ ه فَلَن ت َ ْ ه فِتْنَت َ ُ من يُرِد ِ الل ّ ُ حذَُروا ْ وَ َ م تُؤ ْتَوْه ُ فَا ْ
َ ْ خذ ُوه ُ وَإِن ل ّ فَ ُ
َ ُ
م فِي م لَهُ ْ ه أن يُطَهَِّر قُلُوبَهُ ْ م يُرِد ِ الل ّ ُ ن لَ ْ ك ال ّذِي َ شيْئا ً أوْلَـئ ِ َ ن اللّهِ َ م َ ِ
م) (المائدة )41 ب عَظِي ٌ خَرةِ عَذ َا ٌ م فِي ال ِ خْزيٌ وَل َ َهُ ْ الدُّنْيَا ِ
ن ضعِهِ وَيَقُولُو َ موَا ِ م ع َن َّ ن الْكَل ِ َ حّرِفُو َ ن هَادُوا ْ ي ُ َ َ ن ال ّذِي م َ وقولهِّ ( :
م وَطَعْنا ً فِي) َ
سنَتِهِ ْ عنَا لَيّا ً بِأل ْ ِ مٍع وََرا ِ س َم ْ معْ غَيَْر ُ س َ صيْنَا وَا ْ معْنَا وَع َ َ س ِ َ
(النساء.)46 :
وقد قال مبديا ،ما قد ّره الله واعتقده المؤمنون يوم بدر( :وَإِذْ َ ً
ت ال َّ ن أ َ َّ يعِدك ُم الل ّه إحدى الطَّائِفَتِي َ
شوْكَةِ ن غَيَْر ذ َا ِ م وَتَوَدُّو َ ن أنَّهَا لَك ُ ْ َ ْ ِ ُ ِ ْ َ َ ُ ُ
ماتِهِ وَيَقْطَعَ دَابَِر حقَّ بِكَل ِ َ حقَّ ال َ ه أن ي ُ ِ م َويُرِيد ُ الل ّ ُ ن لَك ُ ْ تَكُو ُ
ن) (النفال)7 : الْكَافِرِي َ
ن) (الحجر.)95 : ستَهْزِئِي َ م ْ ك ال ْ ُ ومنه قوله تعالى( :إِنَّا كَفَيْنَا َ
ولما نزلت بشر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أصحابه بأن
الله كفاه إياهم ،وكان المستهزئون نفرا ً بمكة ينفرون الناس عنه
و يؤذونه فهلكوا.
س ) (المائدة.)67 : م َ َ م َ وقوله (وَالل ّ ُ
ن الن ّا ِ ك ِ ص ُ ه ي َ ْع ِ
فكان كذلك على كثرة من رام ضره ،وقصد قتله ،والخبار بذلك
معروفة صحيحة.
قلت :ذكر ابن كثير في التفسير أسماء هؤلء المستهزئين كما
رواه ابن إسحاق ،قال:
قوله تعالى{ :وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين}
أي بلغ ما أنزل إليك من ربك ,ول تلتفت إلى المشركين الذين
يريدون أن يصدوك عن آيات الله {ودّوا لو تدهن فيدهنون} ول
تخفهم فإن لله كافيك إياهم وحافظك منهم ,كقوله تعالى{ :يا
أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت
رسالته والله يعصمك من الناس}.
وقال الحافظ أبو بكر البزار :حدثنا يحيى بن محمد بن السكن,
حدثنا إسحاق بن إدريس ,حدثنا عون بن كهمس عن يزيد بن
درهم ,عن أنس قال :سمعت أنسا ً يقول في هذه الية{ ,إنا
140
كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها ً آخر} قال :مر
رسول الله صلى الله عليه وسلم فغمزه بعضهم فجاء جبريل,
أحسبه قال :فغمزهم ,فوقع في أجسادهم كهيئة الطعنة فماتوا.
قال محمد بن إسحاق :كان عظماء المستهزئين كما حدثني يزيد
بن رومان عن عروة بن الزبير خمسة نفر ,وكانوا ذوي أسنان
وشرف في قومهم من بني أسد بن عبد العزى بن قصي السود
بن المطلب أبي زمعة ,كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيما بلغني قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه ,فقال:
«اللهم أعم بصره ,وأثكله ولده» .ومن بني زهرة السود بن عبد
يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة ,ومن بني مخزوم الوليد
بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ,ومن بني سهم ابن
عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي العاص بن وائل بن هشام بن
سعيد بن سعد ,ومن خزاعة الحارث بن الطلطلة بن عمرو بن
الحارث بن عبد بن ـ عمرو بن ملكان ـ .فلما تمادوا في الشر
وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الستهزاء أنزل الله
تعالى{ :فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك
المستهزئين ...إلى قوله }فسوف يعلمون}.
وقال ابن إسحاق :فحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير أو
غيره من العلماء أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو يطوف بالبيت ,فقام وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى جنبه ,فمر به السود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه,
حفاستسقى بطنه ,ومر به الوليد بن المغيرة ,فأشار إلى أثر جر ٍ
بأسفل كعب رجله ,وكان أصابه قبل ذلك بسنتين ,وهو يجز
إزاره ,وذلك أنه مر برجل من خزاعة يريش نبل ً له ,فتعلق سهم
من نبله بإزاره فخدش رجله ذلك الخدش ,وليس بشيء ,فانتفض
به فقتله ,ومر به العاص بن وائل ,فأشار إلى أخمص قدمه فخرج
على حمار له يريد الطائف ,فربض على شبرقة فدخلت في
أخمص قدمه فقتلته ,ومر به الحارث بن الطلطلة فأشار إلى
رأسه فامتخط قيحا ً فقتله.
قال محمد بن إسحاق :حدثني محمد بن أبي محمد عن رجل ,عن
ابن عباس قال :كان رأسهم الوليد بن المغيرة وهو الذي جمعهم,
وهكذا روي عن سعيد بن جبير وعكرمة نحو سياق محمد بن
إسحاق به ,عن يزيد عن عروة بطوله ,إل أن سعيدا ً يقول:
الحارث بن غيطلة ,وعكرمة يقول الحارث بن قيس .قال
الزهري :وصدقا هو الحارث بن قيس ,وأمه غيطلة ,وكذا روي
عن مجاهد ومقسم وقتادة وغير واحد أنهم كانوا خمسة .وقال
الشعبي :كانوا سبعة ,والمشهور الول.
141
الفصل السادس:
في إعجاز القرآن:
الوجه الرابع :ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة ،والمم
البائدة ،والشرائع الداثرة:
الوجه الرابع ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة ،والمم البائدة،
والشرائع الداثرة ،مما كان ل يعلم منه القصة الواحدة إل الفذ
من أخبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلم ذلك ،فيورده
النبي صلى الله عليه وسلم على وجهه ،ويأتي به على نصه،
فيعترف العالم بذلك بصحته وصدقه ،وأن مثله لم ينله بتعليم.
وقد علموا أنه صلى الله عليه وسلم أمي ل يقرأ ول يكتب ،ول
اشتغل بمدارسة ول مثافنة ،ولم يغب عنهم ،ول جهل حاله أحد
منهم.
وقد كان أهل الكتاب كثيراما يسألونه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ً
عن هذا ،فينزل عليه من القرآن ما يتلو عليهم منه ذكراً ،كقصص
النبياء مع قومهم ،وخبر موسى والخضر ،ويوسف وإخوته،
وأصحاب الكهف ،وذي القرنين ،ولقمان وابنه ،وأشباه ذلك من
النبياء والقصص ،وبدء الخلق وما في التوراة ،والنجيل،
والزبور ،وصحف إبراهيم وموسى ،مما صدقه فيه العلماء بها،
ولم يقدروا على تكذيب ما ذكر منها ،بل أذعنوا لذلك ،فمن
موفق آمن بما سبق له من خير ،ومن شقي معاند حاسد ،ومع
هذا لم يحك عن واحد من النصارى واليهود على شدة عداوتهم
له ،وحرصهم على تكذيبه ،وطول احتجاجه عليهم بما في كتبهم،
وتقريعهم بما انطوت عليه مصاحفهم ،وكثرة سؤالهم له صلى
الله عليه وسلم ،وتعنيتهم إياه ـ عن أخبار أنبيائهم ،وأسرار
علومهم ،ومستودعات سيرهم ،وإعلمه لهم بمكتوم شرائعهم
ومضمنات كتبهم ،مثل سؤالهم عن الروح ،وذي القرنين،
وأصحاب الكهف ،وعيسى ،وحكم الرجم وما حرم إسرائيل على
نفسه ،وما حرم عليهم من النعام ،ومن طيبات أحلت لهم
فحرمت عليهم ببغيهم.
َ َ َ َ
ماء شدَّاء ع َلَى الْكُفّارِ ُر َ
ح َ هأ ِ معَ ُن َه وَال ّذِي َ ل الل ّ ِ سو ُ مد ٌ َّر ُ ح َّ وقولهُّ ( :
م َ
َ َ
م
ماهُ ْسي َضوَانا ً ِ ن الل ّهِ وَرِ ْ م َ ضل ً ِّ ن فَ ْ جدا ً يَبْتَغُو َ س َّم ُرك ّعا ً ُ م تََراهُ ْ بَيْنَهُ ْ
َ
م فِي مثَلُهُ ْ م فِي التَّوَْراةِ وَ َ مثَلُهُ ْك َ جود ِ ذَل ِ َ س ُ ن أثَرِ ال ُّ م ْ جوهِهِم ِّ فِي وُ ُ
َ َ
ه
سوقِ ِستَوَى ع َلَى ُ ظ فَا ْ ستَغْل َ َ شطْأهُ فَآَزَره ُ فَا ْ ج َ خَر َ ل كََزْرٍع أ ْ جي ِ اْلِن ِ
َ َ
ملُوامنُوا وَع َ ِ نآ َ ه ال ّذِي َ م الْكُفَّاَر وَعَد َ الل ّ ُ ظ بِهِ ُ ب الُّزَّراع َ لِيَغِي َ ج ُ يُعْ ِ
جرا ً عَظِيماً) (الفتح )29 :وغير ذلك من َ منْهُم َّ ال َّ
مغْفَِرة ً وَأ ْ ت ِ حا ِ صال ِ َ
أمورهم التي نزل فيها القرآن ،فأجابهم وعرفهم بما أوحى إليه
من ذلك أنه أنكر ذلك أو كذبه ،بل أكثرهم صرح بصحة نبوته،
142
وصدق مقالته ،واعترف بعناده وحسدهم إياه ،كأهل بجران ،وابن
صوريا ،وابني أخطب وغيرهم.
ومن باهت في ذلك بعض المباهتة ،وادعى أن فيما عندهم من
ة ـ دعي إلى إقامة حجته ،وكشف دعوته، ذلك لما حكاه مخالف ً
فقيل له( :قُ ْ ْ
نم ِ ن َ ( )93فَ َ صادِقِي َم َ ل فَأتُوا ْ بِالتَّوَْراةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنت ُ ْ
ن (.)94 مو َ م الظ ّال ِ ُ ك هُ ُ ك فَأُوْلَـئ ِ َ من بَعْد ِ ذَل ِ َ ب ِ افْتََرىَ ع َلَى اللّهِ الْكَذ ِ َ
(آل عمران )
فقرع ووبَّخ ،ودعا إلى إحضار ممكن غير ممتنع ،فمن معترف بما
جحده ،ومتواقح يلقي على فضيحته من كتابه يده .و لم يؤثر أن
واحدا ً منهم أظهر خلف قوله من كتبه ،ول أبدى صحيحا ً ول
مجاءك ُ ْ ب قَد ْ َ ل الْكِتَا ِ سقيما ً من صفحه ،قال الله تعالى( :يَا أَهْ َ
ب وَيَعْفُو ع َن ن الْكِتَا ِ م َن ِ خفُو َ م تُ ْما كُنت ُ ْ م َّم كَثِيرا ً ِّ ن لَك ُ ْ
سولُنَا يُبَي ِّ ُ
َر ُ
ن ّ ب ُّ ّ جاءكُم ِّ كَثِيرٍ قَد ْ َ
م ِ ه َن ( )ُ 15يَهْدِي بِهِ الل ُ مبِي ٌ ن اللهِ نُوٌر وَكِتَا ٌ م َ
ت إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ ما ِ ن الظ ّل ُ َ م ِجهُم ِّ خرِ ُ سلَم ِ وَي ُ ْ ل ال َّ سب ُ َ ه ُ ضوَان َ ُ اتَّبَعَ رِ ْ
ستَقِيم ٍ (- )16المائدة. م ْ ط ُّ صَرا ٍ م إِلَى ِ وَيَهْدِيهِ ْ
الفصل السابع:
هذه الوجــوه الربعـة مـن العجـاز ل نـزاع فيها ول مريــة:
هذه الوجوه الربعة من إعجازه بينة ل نزاع فيها ول مرية.
ومن الوجوه البينة في إعجازه من غير هذه الوجوه آي وردت
بتعجيز قوم في قضايا ،وإعلمهم أنهم ل يفعلونها فما فعلوا ول
م الدَّاُر ال َ ِ
خَرةُ ت لَك ُ ُ ل إِن كَان َ ْ قدروا على ذلك ،كقوله لليهود( :قُ ْ
ن)
صادِقِي َ م َ ت إِن كُنت ُ ْ مو َ منَّوُا ْ ال ْ َ ْ س فَت َ َ ِ ن النَّا
من دُو ِ ة ِّ
ص ً عند َ اللّهِ َ
خال ِ َ ِ
َ َ
م
ه عَلِي ٌ م وَالل ّ ُ ت أيْدِيهِ ْ م ْ ما قَد َّ َ منَّوْه ُ أبَدا ً ب ِ َ
(البقرة( )94 :وَلَن يَت َ َ َ
ن) (البقرة)95 : بِالظ ّالِمي َ
-قال أبو إسحاق الزجاج :في هذه الية أعظم حجة وأظهر دللة
ت) ،وأعلمهم أنهم مو َمنَّوُا ْ ال ْ َ ْ على صحة الرسالة ،لنه قال( :فَت َ َ
منَّوْه ُ أَبَداً) ،فلم يتمنه واحدا ً منهم. (لَن يَت َ َ
-وعن النبي صلى الله عليه وسلم :والذي نفسي بيده ل يقولها
رجل منهم إل غص بريقه .يعني يموت مكانه.
فصرفهم الله عن تمنيه وجزعهم ،ليظهر صدق رسوله ،وصحة ما
أوحي إليه ،إذا لم يتمنه أحد منهم ،وكانوا على تكذيبه أحرص لو
قدروا ،ولكن الله يفعل ما يريد ،فظهرت بذلك معجزته ،وبانت
حجته.
-قال أبو محمد الصيلي :من أعجب أمرهم أنه ل يوجد منهم
جماعة ،ول واحد ،من يوم أمر الله بذلك نبيه صلى الله عليه
143
وسلم ـ يقدم عليه ،ول يجيب إليه .وهذا موجود مشاهد لمن أراد
أن يمتحنه منهم.
قلت :قال السيوطي في الدر المنثور:
وأخرج البيهقي في الدلئل عن ابن عباس في هذه الية قال :قل
لهم يا محمد {إن كانت لكم الدار الخرة} يعني الجنة كما زعتم
{خالصة من دون الناس} يعني المؤمنين {فتمنوا الموت إن
كنتم صادقين} إنها لكم خالصة من دون المؤمنين فقال لهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إن كنتم في مقالتكم
صادقين قولوا اللهم أمتنا ،فوالذي نفسي بيده ل يقولها رجل
منكم إل غص بريقه فمات مكانه ،فأبوا أن يفعلوا وكرهوا ما قال
لهم ،فنزل {ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم} يعني عملته
أيديهم {والله عليم بالظالمين} أنهم لن يتمنوه ،فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم عند نزول هذه الية :والله ل يتمنونه
أبدا".
وأخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في
قوله {فتمنوا الموت} أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب
فأبوا ذلك ،ولو تمنوه يوم قال ذلك ما بقي على وجه الرض
يهودي إل مات.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله (قل إن لكم الدار
الخرة) يعني الجنة {خالصة} خاصة {فتمنوا الموت} فاسألوا
الموت {ولن يتمونه أبدا} لنهم يعلمون أنهم كاذبون {بما
قدمت} قال :أسلفت.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو نعيم في الدلئل
عن ابن عباس قال :لو تمنى اليهود الموت لماتوا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال :لو تمنوا
الموت لشرق أحدهم بريقه.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن مردويه
وأبو نعيم عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال" :لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ،ولرأوا مقاعدهم من
النار".
وكذلك آية المباهلة من هذا المعنى ،حيث وفد عليه أساقفة
نجران وأبوْا السلم ،فأنزل الله تعالى عليه آية المباهلة بقوله:
ل ت َ َعالَوْا ْ نَد ْ ُ
ع ن الْعِلْم ِ فَقُ ْ
م َ
ك ِ جاء َ ما َ من بَعْد ِ َك فِيهِ ِ ج َ حآ َّ ن َم ْ(فَ َ
َ َ َ َ
م نَبْتَهِ ْ
ل سك ُ ْ
م ث ُ َّ سنَا وأنفُ َ م وَأنفُ َساءك ُ ْ ساءنَا وَن ِ َ أبْنَاءنَا وَأ َبْنَاءك ُ ْ
م وَن ِ َ
ن) (آل عمران.)61 : ة اللّهِ ع َلَى الْكَاذِبِي َ جعَل ل ّعْن َ َ فَن َ ْ
144
فامتنعوا منها ،ورضوا بأداء الجزية ،وذلك أن العاقب عظيمهم
قال لهم :قد علمتم أنه نبي ،وأنه ما لعن قوما ً نبي قط فبقي
كبيرهم ول صغيرهم.
قلت :قال ابن كثير عند تفسير هذه الية الكريمة:
قال تعالى آمرا ً رسوله صلى الله عليه وسلم ,أن يباهل من
جك فيه من عاند الحق في أمر عيسى بعد ظهور البيان {فمن حا ّ
بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا
ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم} أي نحضرهم في حال المباهلة {ثم
نبتهل} أي نلتعن {فنجعل لعنة الله على الكاذبين} أي منا أو
منكم.
وكان سبب نزول هذه المباهلة وما قبلها من أول السورة إلى
هنا في وفد نجران ,أن النصارى لما قدموا فجعلوا يحاجون في
عيسى ويزعمون فيه ما يزعمون من البنوة واللهية ,فأنزل الله
صدر هذه السورة ردا ً عليهم ,قال ابن إسحاق في سيرته
المشهورة وغيره :قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفد نصارى نجران ستون راكباً ,فيهم أربعة عشر رجل ً من
أشرافهم يؤول أمرهم إليهم وهم :العاقب واسمه عبد المسيح,
والسيد وهو اليهم ,وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل,
وأويس بن الحارث ,وزيد ,وقيس ,ويزيد ونبيه ,وخويلد ,وعمرو,
حنّس ,وأمر هؤلء يؤول إلى ثلثة منهم وهم وخالد ,وعبد الله ,وي ُ َ
العاقب ,وكان أمير القوم وذا رأيهم وصاحب مشورتهم ,والذي ل
يصدرون إل عن رأيه ,والسيد وكان عالمهم وصاحب رحلهم
ومجتمعهم ,وأبو حارثة بن علقمة وكان أسقفهم وحبرهم
وإمامهم وصاحب مدارسهم ,وكان رجل ً من العرب من بني بكر
بن وائل ,ولكنه تنصر فعظمته الروم وملوكها وشرفوه ,وبنوا له
الكنائس وأخدموه لما يعلمونه من صلبته في دينهم ,وقد كان
يعرف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفته وشأنه مما
علمه من الكتب المتقدمة ,ولكن حمله جهله على الستمرار في
النصرانية لما يرى من تعظيمه فيها وجاهه عند أهلها.
قال ابن إسحاق :وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ,قال :قدموا
على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ,فدخلوا عليه
مسجده حين صلى العصر ,عليهم ثياب الحبرات جبب وأردية في
جمال رجال بني الحارث بن كعب ,قال :يقول من رآهم من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم :ما رأينا بعدهم وفدا ً مثلهم:
وقد حانت صلتهم فقاموا في مسجد رسول الله صلى الله عليه
وسلم ,فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم«:دعوهم» فصلوا
إلى المشرق ,قال :فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم
145
أبو حارثة بن علقمة ,والعاقب عبد المسيح ,والسيد اليهم وهم
من النصرانية على دين الملك مع اختلف أمرهم يقولون :هو
الله ,ويقولون :هو ولد الله ,ويقولون :هو ثالث ثلثة ,تعالى الله
عن قولهم علوا ً كبيراً .وكذلك قول النصرانية ,فهم يحتجون في
قولهم هو الله ,بأنه كان يحيى الموتى ويبرىء الكمه والبرص
والسقام ,ويخبر بالغيوب ,ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ
فيه فيكون طيراً ,وذلك كله بأمر الله .وليجعله الله آية للناس,
ويحتجون على قولهم بأنه ابن الله يقولون :لم يكن له أب يعلم,
وقد تكلم في المهد بشيء لم يسمعه أحد من بني آدم قبله,
ويحتجون على قولهم بأنه ثالث ثلثة بقول الله تعالى :فعلنا
وأمرنا وخلقنا وقضينا فيقولون لو كان واحدا ً ما قال إل فعلت
وأمرت وقضيت وخلقت ,ولكنه هو وعيسى ومريم ـ تعالى الله
وتقدس وتنزه عما يقول الظالمون والجاحدون علوا ً كبيرا ً ـ وفي
كل ذلك من قولهم :قد نزل القرآن ,فلما كلمه الحبران ,قال
لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم« :أسلما» قال :قد أسلمنا,
قال« :إنكما لم تسلما فأسلما» .قال :بلى قد أسلمنا قبلك .قال:
«كذبتما يمنعكما من السلم دعاؤكما لله ولدا ً وعبادتكما الصليب
وأكلكما الخنزير» .قال :فمن أبوه يا محمد؟ فصمت رسول الله
صلى الله عليه وسلم عنهما فلم يجبهما ,فأنزل الله في ذلك من
قولهم واختلف أمرهم صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين
آية منها ,ثم تكلم ابن إسحاق على تفسيرها إلى أن قال :فلما
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من الله والفصل
من القضاء بينه وبينهم وأمر بما أمر به من ملعنتهم إن ردوا
ذلك عليه دعاهم إلى ذلك ,فقالوا :يا أبا القاسم ,دعنا ننظر في
أمرنا ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه ,ثم انصرفوا
عنه ,ثم خلوا بالعاقب ,وكان ذا رأيهم فقالوا :يا عبد المسيح ماذا
ترى؟ فقال :والله يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمدا ً لنبي
مرسل ,ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ,ولقد علمتم أنه
ما لعن قوم نبيا ً قط ,فبقي كبيرهم ول نبت صغيرهم ,وإنه
للستئصال منكم إن فعلتم ,فإن كنتم أبيتم إل إلف دينكم
والقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم ,فوادعوا
الرجل وانصرفوا إلى بلدكم ,فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم
فقالوا :يا أبا القاسم ,قد رأينا أل نلعنك ونتركك على دينك
ونرجع على ديننا ولكن ابعث معنا رجل ً من أصحابك ترضاه لنا
يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها في أموالنا ,فإنكم عندنا رضا,
قال محمد بن جعفر :فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ائتوني العشية أبعث معكم القوي المين» فكان عمر بن
146
الخطاب رضي الله عنه يقول :ما أحببت المارة قط حبي إياها
يومئذ ,رجاء أن أكون صاحبها ,فرحت إلى الظهر مهجراً ,فلما
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر ,سلم ثم نظر عن
يمينه وشماله ,فجعلت أتطاول له ليراني فلم يزل يلتمس ببصره
حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح فدعاه ,فقال« :اخرج معهم فاقض
بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه» .قال عمر :فذهب بها أبو عبيدة
رضي الله عنه.
وقد روى ابن مردويه من طريق محمد بن إسحاق ,عن عاصم بن
عمر بن قتادة ,عن محمود بن لبيد ,عن رافع بن خديج :أن وفد
أهل نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ,فذكر
نحوه ,إل أنه قال في الشراف :كانوا اثني عشر ,وذكر بقيته
بأطول من هذا السياق ,وزيادات أخرى.
147
حديث عبد الرزاق ,عن معمر ,عن عبد الكريم به ,وقال
الترمذي :حسن صحيح.
وقد روى البيهقي في دلئل النبوة قصة وفد نجران مطولة جداً,
ولنذكره فإن فيه فوائد كثيرة ,وفيه غرابة ,وفيه مناسبة لهذا
المقام ,قال البيهقي :حدثنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد محمد
بن موسى بن الفضل ,قال :حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب,
حدثنا أحمد بن عبد الجبار ,حدثنا يونس بن بكير ,عن سلمة بن
عبد يسوع ,عن أبيه ,عن جده ,قال يونس ـ وكان نصرانيا ً فأسلم
ـ :إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ,كتب إلى أهل نجران
قبل أن ينزل عليه(طـس) سليمان« :باسم إله إبراهيم وإسحاق
ويعقوب ,من محمد النبي رسول الله إلى أسقف نجران وأهل
نجران أسلم أنتم ,فإني أحمد إليكم إله إبراهيم وإسحاق
ويعقوب .أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد,
وأدعوكم إلى ولية الله من ولية العباد ,فإن أبيتم فالجزية ,فإن
أبيتم فقد آذنتكم بحرب ,والسلم» .فلما أتى السقف الكتاب
وقرأه فظع به ,وذعره ذعرا ً شديداً ,وبعث إلى رجل من أهل
نجران يقال له شرحبيل بن وداعة ,وكان من همدان ,ولم يكن
أحد يدعى إذا نزلت معضلة قبله ل اليهم ول السيد ول العاقب,
فدفع السقف كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
شرحبيل فقرأه ,فقال السقف :يا أبا مريم ما رأيك؟ فقال
شرحبيل :قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من
النبوة ,فما يؤمن أن يكون هذا هو ذاك الرجل ,ليس لي في أمر
النبوة رأي ,ولو كان في أمر من أمور الدنيا لشرت عليك فيه
برأيي واجتهدت لك ,فقال السقف :تنح فاجلس ,فتنحى شرحبيل
فجلس ناحية ,فبعث السقف إلى رجل من أهل نجران يقال له
عبد الله بن شرحبيل ,وهو من ذي أصبح من حمير ,فأقرأه
الكتاب وسأله عن الرأي فيه فقال له مثل قول شرحبيل ,فقال
له السقف :تنح فاجلس ,فتنحى عبد الله فجلس ناحية ,فبعث
السقف إلى رجل من أهل نجران يقال له جبار بن فيض من بني
الحارث بن كعب أحد بني الحماس ,فأقرأه الكتاب ,وسأله عن
الرأي فيه؟ فقال له مثل قول شرحبيل وعبد الله ,فأمره
السقف ,فتنحى فجلس ناحية ,فلما اجتمع الرأي منهم على تلك
المقالة جميعاً ,أمر السقف بالناقوس فضرب به ,ورفعت النيران
والمسوح في الصوامع ,وكذلك كانوا يفعلون إذا فزعوا بالنهار,
وإذا كان فزعهم ليل ً ضربوا بالناقوس ورفعت النيران في
الصوامع ,فاجتمعوا حين ضرب بالناقوس ورفعت المسوح ,أهل
الوادي أعله وأسفله .وطول الوادي مسيرة يوم للراكب السريع,
148
وفيه ثلث وسبعون قرية وعشرون ومائة ألف مقاتل ,فقرأ
عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ,وسألهم عن
الرأي فيه ,فاجتمع رأي أهل الرأي منهم على أن يبعثوا شرحبيل
بن وداعة الهمداني وعبد الله بن شرحبيل الصبحي وجبار بن
فيض الحارثي ,فيأتونهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم,
فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدنية وضعوا ثياب السفر عنهم,
ولبسوا حلل ً لهم يجرونها من حبرة وخواتيم الذهب ,ثم انطلقوا
حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه ,فلم
يرد عليهم ,وتصدوا لكلمه نهارا ً طويلً ,فلم يكلمهم وعليهم تلك
الحلل وخواتيم الذهب ,فانطلقوا يتبعون عثمان بن عفان وعبد
الرحمن بن عوف ,وكانا معرفة لهم ,فوجدوهما في ناس من
المهاجرين والنصار في مجلس ,فقالوا :يا عثمان ويا عبد
الرحمن ,إن نبيكم كتب إلينا كتابا ً فأقبلنا مجيبين له ,فأتيناه
فسلمنا عليه فلم يرد سلمنا ,وتصدينا لكلمه نهارا ً طويلً ,فأعيانا
أن يكلمنا ,فما الرأي منكما ,أترون أن نرجع؟ فقال لعلي بن أبي
طالب وهو في القوم :ما ترى يا أبا الحسن في هؤلء القوم؟
فقال علي لعثمان وعبد الرحمن :أرى أن يضعوا حللهم هذه
وخواتيمهم ,ويلبسوا ثياب سفرهم ثم يعودون إليه ,ففعلوا
فسلموا عليه فرد سلمهم ,ثم قال« :والذي بعثني بالحق ,لقد
أتوني المرة الولى وإن إبليس لمعهم» .ثم سألهم ,فلم تزل به
وبهم المسألة حتى قالوا له :ما تقول في عيسى ,فإنا نرجع إلى
قومنا ونحن نصارى ,يسرنا إن كنت نبيا ً أن نسمع ما تقول فيه؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم« :ما عندي فيه شيء
يومي هذا ,فأقيموا حتى أخبركم بما يقول لي ربي في عيسى»
عند َ اللّهِ سى ِ عي َ ل ِ مث َ َ
ن َفأصبح الغد وقد أنزل الله هذه الَية {إ ِ َّ
كمن َّرب ِّ َ حقُّ ِ ن * ال ْ َ ه كُن فَيَكُو ُ ل لَ ُم قَا َ ب ث ِ َّمن تَُرا ٍ ه ِ خل َ َق ُ م َ كَ َ
مث َ ِ
ل آد َ َ
نم َ
ك ِ جاء َ ما َ من بَعْد ِ َ ك فِيهِ ِ ج َحآ َّ
ن َ م ْ ن * فَ َ متَرِي َم ْ من ال ْ ُ فَل َ تَكُن ِّ
َ َ َ
سنَا م وَأنفُ َ ساءك ُ ْ ساءنَا وَن ِ َ ل تَعَالَوْا ْ نَدْع ُ أبْنَاءنَا َ وَأبْنَاءك ُ ْ
م وَن ِ َ الْعِلْم ِ فَقُ ْ
َ
ن *(آل ة اللّهِ ع َلَى الْكَاذِبِي َ جعَل ل ّعْن َ َ ل فَن َ ْم نَبْتَهِ ْ م ث ُ َّ سك ُ ْ
وأنفُ َ
عمران) } فأبوا أن يقروا بذلك ,فلما أصبح رسول الله صلى الله
عليه وسلم الغد بعد ما أخبرهم الخبر ,أقبل مشتمل ً على الحسن
والحسين في خميل له ,وفاطمة تمشي عند ظهره للملعنة ,وله
يومئذ عدة نسوة ,فقال شرحبيل لصاحبيه :لقد علمتما أن الوادي
إذا اجتمع أعله وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إل عن رأيي ,وإني
والله أرى أمرا ً ثقيلً ,والله لئن كان هذا الرجل ملكا ً مبعوثا ً فكنا
أول العرب طعنا ً في عينيه وردا ً عليه أمره ,ل يذهب لنا من
صدره ول من صدور أصحابه حتى يصيبونا بجائحة ,وإنا لدنى
149
العرب منهم جواراً ,ولئن كان هذا الرجل نبيا ً مرسل ً فلعناه ,ل
يبقى منا على وجه الرض شعر ول ظفر إل هلك ,فقال له
صاحباه :فما الرأي يا أبا مريم؟ فقال :أرى أن أحكمه ,فإني أرى
رجل ً ل يحكم شططا ً أبداً ,فقال :له :أنت وذاك ,قال :فلقي
شرحبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ,فقال له :إني قد
رأيت خيرا ً من ملعنتك .فقال :وما هو؟ فقال :حكمك اليوم إلى
الليل وليلتك إلى الصباح ,فمهما حكمت فينا فهو جائز ,فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم« :لعل وراءك أحدا ً يثرب
عليك»؟ فقال شرحبيل :سل صاحبي ,فسألهما فقال :ما يرد
الوادي ول يصدر إل عن رأي شرحبيل .فرجع رسول الله صلى
الله عليه وسلم فلم يلعنهم حتى إذا كان من الغد أتوه ,فكتب
لهم هذا الكتاب« :بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما كتب النبي
محمد رسول الله لنجران ـ إن كان عليهم حكمه ـ في كل ثمرة
وكل صفراء وبيضاء وسوداء ورقيق فاضل عليهم ,وترك ذلك كله
لهم على ألفي حلة ,في كل رجب ألف حلة ,وفي كل صفر ألف
حلة» وذكر تمام الشروط وبقية السياق.
والغرض أن وفودهم كان في سنة تسع ,لن الزهري قال :كان
أهل نجران أول من أدى الجزية إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم ,وآية الجزية إنما أنزلت بعد الفتح ,وهي قوله تعالى:
{قاتلوا الذين ل يؤمنون بالله ول باليوم الخر} الية ,وقال أبو
بكر بن مردويه :حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا أحمد بن داود
المكي ,حدثنا بشر بن مهران حدثنا محمد بن دينار ,عن داود بن
أبي هند ,عن الشعبي ,عن جابر ,قال :قدم على النبي صلى الله
عليه وسلم العاقب والطيب ,فدعاهما إلى الملعنة فواعداه على
أن يلعناه الغداة ,قال :فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم,
فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين ,ثم أرسل إليهما ,فأبيا
أن يجيبا وأقرا له بالخراج ,قال :فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم« :والذي بعثني بالحق لو قال :ل ,لمطر عليهم الوادي
ناراً» قال جابر ,وفيهم نزلت {ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا
ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم} قال جابر {أنفسنا وأنفسكم}
رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب {وأبناءنا}
الحسن والحسين {ونساءنا} فاطمة .وهكذا رواه الحاكم في
مستدركه عن علي بن عيسى ,عن أحمد بن محمد الزهري ,عن
علي بن حجر ,عن علي بن مسهر ,عن داود بن أبي هند به
بمعناه ,ثم قال :صحيح على شرط مسلم ,ولم يخرجاه هكذا قال
وقد رواه أبو داود الطيالسي ,عن شعبة ,عن المغيرة عن
الشعبي مرسلً ,وهذا أصح ,وقد روي عن ابن عباس والبراء نحو
150
ذلك ,ثم قال الله تعالى{ :إن هذا لهو القصص الحق} أي هذا
الذي قصصناه عليك يا محمد في شأن عيسى هو الحق الذي ل
معدل عنه ول محيد {وما من إله إل الله ,وإن الله لهو العزيز
الحكيم * { فإن تولوا} أي عن هذا إلى غيره {فإن الله عليم
بالمفسدين} أي من عدل عن الحق إلى الباطل فهو المفسد
والله عليم به ,وسيجزيه على ذلك شر الجزاء وهو القادر الذي ل
يفوته شيء سبحانه وبحمده ونعوذ به من حلول نقمته ...اهـ
ما نََّزلْنَا ع َلَى ع َبْدِنَا فَأْتُواْ م َّ ب ِّ م فِي َري ْ ٍ ومثله قوله(( :وَإِن كُنت ُ ْ
ن
صادِقِي َ م َ ن كُنْت ُ ْ ن اللّهِ إ ِ ْ من دُو َ ِ شهَدَاءكُم ِّ مثْلِهِ وَادْع ُوا ْ ُ من ِّ سوَرةٍ ِّ بِ ُ
َ ّ َ ْ َ ْ ُ َ ْ ُ َ ّ
م تَفْعَلوا وَلن تَفْعَلوا فَات ّقُوا الن ّاَر التِي وَقُودُهَا الن ّا ُ
س * فَإِن ل ْ
ُ
ن) (البقرة .)24-23 ت لِلْكَافِرِي َ عد َّ ْ جاَرة ُ أ ِ وَال ْ ِ
ح َ
فأخبرهم أنهم ل يفعلون ،كما كان.
وهذه الية أدخل في باب الخبار عن الغيب ،ولكن فيها من
التعجيز ما في التي قبلها.
الفصل الثامن
من وجوه العجاز:الروعة التي تلحق قلوب سامعيه وأسماعهم
عند سماعه،
والهيبة التي تعتريهم عند تلوته.
ومنها الروعة التي تلحق قلوب سامعيه وأسماعهم عند سماعه،
والهيبة التي تعتريهم عند تلوته لقوة حاله ،وإنافة خطره ،وهي
ماعلى المكذبين به أعظم ،حتى كانوا يستثقلون سماعه(،وَ َ
م إِل َّ نُفُوراً) (السراء ،)41 :كما قال تعالى ،و يودون يَزِيدُهُ ْ
انقطاعه لكراهتهم له.
و لهذا قال :إن القرآن صعب مستصعب على من كرهه ،وهو
الحكم ،وأما المؤمن فل تزال روعته به ،وهيبته إياه،مع تلوته ـ
توليه انجذاباً ،وتكسبه هشاشة ،لميل قلبه إليه ،وتصديقه به ،قال
شابِها ً َّ ث كِتَابا ً ُّ تعالى( :الل َّه نَز َ َ
ه شعُِّر ِ
من َْ ُ ي تَقْ َ مثَان ِ َ مت َ َ حدِي ِ ن ال ْ َ س َ ح َ لأ ْ ُ َّ
م إِلَى ذِكْرِ اللهِّ ُ ُ َ
وبُهُ ْ م وَقُل ْ جلودُهُ ن ُ ُ م ث ُ َّ
م تَلِي ْ ُ َ
ن َرب ّه شوْ َ خ َ ن يَ ْ َ جلُود ُ ال ّذِي ُ
َ َ ّ َ ّ َ
ن هَادٍ) م ْ ه ِ ما ل ُ ه فَ َ ل الل ُ ضل ِ ْ من ي ُ ْ شاءُ وَ َ ن يَ َ م ْ ذَل ِك هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ َ
(الزمر)23 :
َ َ َ
ن
م ْ صدِّعا ً ِّ مت َ َ شعا ً ُّ خا ِ ه َ ل ل َّرأي ْ َت َ ُ ٍ جب َ ن ع َلَى َ و أنَزلْنَا هَذ َا الْقُْرآ َ ْ وقال( :ل َ
َ شيَةِ اللَّهِ وتِل ْ َ َ
ن) (الحشر: م يَتَفَك ُّرو َ س لَعَل ّهُ ْ َ
ضربُهَا لِلن ّا ِ ل نَ ْ ِ مثَا ُ ك اْل ْ َ خ ْ َ
)21
ويدل على أن هذا شيء خص به ـ أنه يعتري من ل يفهم معانيه،
ول يعلم تفاسيره ،كما روي عن نصراني ـ أنه مر بقارئ ـ فوقف
يبكي ،فقيل له :مم بكيت؟ قال :للشجا والنظم.
151
ة قبل السلم وبعده ،فمنهم من وهذه الروعة قد اعترت جماع ً
أسلم لها لول وهلة وآمن به ،ومنهم من كفر.
-فحكي في الصحيح ،عن جبير بن مطعم ،قال :سمعت النبي
صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور ،فلما بلغ هذه
خلَقُوا م َ َ م ال ْ َ َ ن غَيْرِ َ َ
ن ( )35أ ْ خالِقُو َ م هُ ُ يءٍ أ ْ ش ْ ْ م
خلِقُوا ِ م ُ الية(:أ ْ
خزائ ِن رب َ َ َ َ َ
م
كأ ْ م َ َ ُ َ ِّ عندَهُ ْ م ِ ن ( )36أ ْ ض بَل ّل يُوقِنُو َ ت وَاْلْر َ ماوَا ِ س َ ال َّ
ن ( - ))37كاد قلبي أن يطير للسلم. صيْطُِرو َ م َ م ال ْ ُ هُ ُ
-وفي رواية :و ذلك أول ما وقر اليمان في قلبي.
-وعن عتبية بن ربيعة أنه كلم النبي صلى الله عليه وسلم فيما
نم ِ ح َ ن الَّر ْ م َ ل ِّ جاء به من خلف قومه ،فتل عليهم(:حم * تَنزِي ٌ
شيراً ن * بَ ِ مو َ ه قُْرآنا ً عََربِيّا ً ل ِّقَوْم ٍ يَعْل َ ُ ت آيَات ُ ُ صل َ ْ ب فُ ِّ حيم ِ * كِتَا ٌ الَّر ِ
َ َ َ
ن * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أكِنَّةٍ معُو َ س َ م َل ي َ ْ م فَهُ ْ ض أكْثَُرهُ ْ وَنَذِيرا ً فَأعَْر َ
ل إِنَّنَا م ْ ب فَاع ْ َ جا ٌ ح َ ك ِ من بَيْنِنَا وَبَيْن ِ َ ما تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذ َانِنَا وَقٌْر وَ ِ م َّ ِّ
َ َ
حدٌ ه وَا ِ م إِل َ ٌ ما َ إِلَهُك ُ ْ ي أن َّ َ حى إِل َ َّ م يُو َ مثْلُك ُ ْ شٌر ِّ ما أنَا ب َ َ ل إِن َّ َ ن * قُ ْ ملُو َ ع َا ِ
ن ن َل يُؤْتُو َ ن * ال ّذِي َ شرِكِي َ م ْ ل ل ِّل ْ ُ ستَغْفُِروه ُ وَوَي ْ ٌ موا إِلَيْهِ وَا ْ ستَقِي ُ فَا ْ
َ
ملُوا منُوا وَع َ ِ َ نآ َ ن ال ّذِي ن * إ ِ َّ م كَافُِرو َ ْ خَرةِ هُ الَّزكَاة َ وَهُم بِاْل ِ
َ صال ِحات لَهم أ َجر غَير ممنون * قُ ْ َ
خلَقَ ن بِال ّذِي َ م لَتَكْفُُرو َ ل أئِنَّك ُ ْ ال َّ َ ِ ُ ْ ْ ٌ ْ ُ َ ْ ُ ٍ
لجعَ َ ن * وَ َ مي َ ب ال ْ َعال َ ِ ك َر ُّ ه أَندَادا ً ذَل ِ َ ن لَ ُ جعَلُو َ ن وَت َ ْ ِ مي ْ ض فِي يَوْ َ اْلْر َ
َ
َ َ
ك فِيهَا وَقَدََّر فِيهَا أقْوَات َ َها فِي أْربَعَةِ من فَوْقِهَا وَبَاَر َ ي ِ س َ فِيهَا َروَا ِ
ل ل َ َها ستَوَى إِلَى ال َّ سوَاء ل ِّل َّ َ
ن فَقَا َ خا ٌ ي دُ َ ماء وَه ِ َ س َ ما ْ ن *ث ُ َّ سائِلِي َ أيَّام ٍ َ
َ َ وَلِْلَْر
ع
سب ْ َ ن َ ضاهُ َّ ن * فَقَ َ ض اِئْتِيَا طَوْعا ً أوْ كَْرها ً قَالَتَا أتَيْنَا طَائِعِي َ ِ
ماء مَرهَا وََزيَّنَّا ال َّ َ حى فِي ك ُ ِّ َ
س َ ماء أ ْ س َ ل َ ن وَأوْ َ مي ْ ِ و َ ت فِي ي َ ْ ماوَا ٍ س َ َ
َ ْ ْ َ ً ُ
ضوا ن أعَْر ُ حفْظا ذَل ِك تَقْدِيُر العَزِيزِ العَلِيم ِ *فَإ ِ ْ ح وَ ِ صابِي َ م َ الد ّنْيَا ب ِ َ
فَقُ ْ َ
مود َ *)(سورة فصلت1 : عقَةِ ع َاد ٍ وَث َ ُ صا ِ ل َ مث ْ َ ة ِّ عقَ ً صا ِ م َ ل أنذَْرتُك ُ ْ
– .)13
فأمسك عتبة بيده على في النبي صلى الله عليه وسلم ،وناشده
الرحم أن يكف.
-وفي رواية :فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ وعتبة مصغ
ملق يديه خلف ظهره ،معتمد عليهما ،حتى انتهى إلى السجدة،
فسجد النبي صلى الله عليه وسلم ،وقام عتبة ل يدري بما
يراجعه ،ورجع إلى أهله ،ولم يخرج إلى قومه حتى أتوه ،فاعتذر
لهم ،وقال :والله لقد كلمني بكلم والله ما سمعت أذناي بمثله
قط فما دريت ما أقول له.
-وقد حكي عن غير واحد ممن رام معارضته أنه اعترته روعة
وهيبة كف بها عن ذلك.
فحكي أن ابن المقفع طلب ذلك ورامه ،وشرع فيه ،فمر بصبي
َ َ
ماء ض ال ْ َ ماء أقْلِعِي وَِغي َ س َ ك وَيَا َ ماء ِ ض ابْلَعِي َ ل يَا أْر ُ يقرأ( :وَقِي َ
152
َ َ
ن)
مي َ ل بُعْدا ً ل ِّلْقَوْم ِ الظ ّال ِ ِي وَقِي َ ت ع َلَى ال ْ ُ
جود ِ ِ ّ ستَوَ ْ
مُر وَا ْي ال ْ ض َوَقُ ِ
(هود )44 :ـ فرجع فمحا ما عمل ،وقال :أشهد أن هذا ل يعارض،
وما هو من كلم البشر ،وكان من أفصح أهل وقته.
-وكان يحيى بن حكم الغزال بليغ الندلس في زمنه ،فحكي أنه
رام شيئا ً من هذا فنظر في سورة الخلص ليحذو على مثالها،
وينسج ـ بزعمه ـ على منوالها ـ قال :فاعترتني خشية ورقة
حملتني على التوبة والنابة.
الفصل التاسع:
ة ل تعدم ما بقيت ة باقي ً ومن وجوه إعجازه المعدودة كونه آي ً
الدنيا
ة ل تعدم ما بقيت ة باقي ً -ومن وجوه إعجازه المعدودة كونه آي ً
ن نََّزلْنَا الذِّكَْر وَإِنَّا ل َ ُ
ه ح ُالدنيا مع تكفل الله بحفظه ،فقال( :إِنَّا ن َ ْ
ن
م ْ ن يَدَيْهِ وََل ِ من بَي ْ ِ ل ِ ن) (الحجر )9 :وقالَ( :ل يَأْتِيهِ الْبَاط ِ ُ حافِظُو َلَ َ
ميدٍ) (فصلت)42 : ح ِ حكِيم ٍ َن َم ْ خلْفِهِ تَنزِي ٌ
ل ِّ َ
-وسائر معجزات النبياء انقضت بانقضاء أوقاتها ،فلم يبق إل
خبرها ،والقرآن العزيز ،الباهرة آياته ،الظاهرة معجزاته على ما
ة لول كان عليه اليوم ـ مدة خمسمائة عام و خمس و ثلثين سن ً
نزوله إلى وقتنا هذا ـ حجته قاهرة ،ومعارضته ممتنعة ،والعصار
كلها طافحة بأهل البيان ،وحملة علم اللسان ،وأئمة البلغة،
وفرسان الكلم ،وجهابذة البراعة ،والملحد فيهم كثير ،والمعادي
للشرع عتيد،فما منهم من أتى بشيء يؤثر في معارضته ،ول ألف
كلمتين في مناقضته ،ول قدر فيه على مطعن صحيح ،ول قدح
المتكلف من ذهنه في ذلك إل بزند شحيح ،بل المأثور عن كل
من رام ذلك إلقاؤه في العجز بيديه والنكوص على عقبيه.
الفصل العاشر:
في وجوه أخرى للعجاز
ة من المة ومقلدي المة في إعجازه وجوها ً كثيرةً، وقد عد َّ جماع ٌ
منها أن قارئه ل يمله ،وسامعه ل يمجه ،بل النكباب على تلوته
ة ،ل يزال غضا ً طرياً ،وغيره يزيد حلوةً ،وترديده يوجب له محب ً
من الكلم ـ و لو بلغ في الحسن والبلغة مبلغه ـ يمل مع الترديد،
ويعادى إذا أعيد ،وكتابنا يستلذ به في الخلوات ،ويونس بتلوته
في الزمات ،وسواه من الكتب ل يوجد فيها ذلك ،حتى أحدث
أصحابها لحونا ً وطرقا ً يستجلبون بتلك اللحون تنشيطهم على
قراء تها.
ولهذا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن بأنه ل
يخلق على كثرة الرد ،ول تنقضي عبره ،ول تفنى عجائبه ،هو
الفصل ليس بالهزل ،ل يشبع منه العلماء ،ول تزيغ به الهواء ،ول
153
سمعته أن قالوا(: تلتبس به اللسنة ،هو الذي لم تنته الجن حين
بِهِ وَلَن ن ُّ ْ
شرِ َ
ك بَِرب ِّنَا منَّاشد ِ فَآ َجبا ً * يَهْدِي إِلَى الُّر ْ معْنَا قُْرآنا ً ع َ َ س ِ إِنَّا َ
حداً*) الجن .) 2 ،1 َ
أ َ
قلت :الحديث رواه الترمذي ؛ولفظه:
مررت في المسجد فإذا الناس يخوضون في الحاديث ،فدخلت
على علي ،فقلت :يا أمير المؤمنين ،أل ترى أن الناس قد خاضوا
في الحاديث .قال :وقد فعلوها؟ قلت :نعم .قال :أما إني قد
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :أل إنها ستكون
فتنة ...فقلت :ما المخرج منها ،يا رسول الله؟ قال :كتاب الله
فيه نبأ ما كان قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم ،وهو الفصل
ليس بالهزل ..من تركه من جبار قصمه الله ،ومن ابتغى الهدى
في غيره أضله الله ،وهو حبل الله المتين،وهو الذكر الحكيم ،وهو
الصراط المستقيم ،هو الذي ل تزيغ به الهواء ،ول تلتبس به
اللسنة ،ول يشبع منه العلماء،ول يخلق على كثرة الرد ،ول
تنقضي عجائبه ...هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا {إنا
سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد}..من قال به صدق ،ومن
عمل به أجر ،ومن حكم به عدل ،ومن دعا إليه هدى إلى صراط
مستقيم...
خذها إليك يا أعور.
قال أبو عيسى هذا حديث ل نعرفه إل من هذا الوجه وإسناده
مجهول ،وفي الحرث مقال.
وقال اللباني(:ضعيف).
ة ول محمد ومنها جمعه لعلوم ومعارف لم تعهد العرب عام ً
صلى الله عليه وسلم قبل نبوته خاصة ،بمعرفتها ،ول القيام بها،
ول يحيط بها أحد من علماء المم ،ول يشتمل عليها كتاب من
كتبهم ،فجمع فيه من بيان علم الشرائع ،والتنبيه على طرق
الحجج العقليات ،والرد على فرق المم ،ببراهين قوية ،وأدلة بينة
سهلة اللفاظ ،موجزة المقاصد ،رام المتخذلقون بعد ـ أن ينصبوا
َ َ
خل َ َقَ س ال ّذِي َ ة مثلها فلم يقدروا عليها؛ كقوله تعالى( :أوَلَي ْ َ أدل ً
خ ّلقُ مثْلَهُم بَلَى وَهُوَ ال ْ َ َ َ
خلُقَ ِ ن يَ ْ ض بِقَادِرٍ ع َلَى أ ْ ت وَاْلْر َ ماوَا ِ س َ ال َّ
م) (يس) 81 : ُ الْعَلِي
م)ق عَلِي ٌ خل ٍ
ل َ ْ مَّرةٍ وَهُوَ بِك ُ ِّ ل َ شأَهَا أَوَّ َ حيِيهَا الَّذِي أَن َ وقوله( :قُ ْ
ل يُ ْ
(يس.) 79 :
َّ َ َ
ب ن اللهِ َر ِّ حا َ سدَتَا فَ ُ
سب ْ َ ه لَفَ َ ة إ ِ ّل الل ّ ُ
ما آلِهَ ٌ
ن فِيهِ َ وقوله( :لَوْ كَا َ
ن) (النبياء.) 22 : صفُو َ ما ي َ ِ ش ع َ َّ ْ
العَْر ِ
إلى ما حواه من علوم السير ،وأنباء المم ،والمواعظ ،والحكم،
وأخبار الدار الخرة ،ومحاسن الداب والشيم.
154
يءٍ) ش ْ من َ ب ِ-قال الله ـ جل اسمه ـ( :ما فََّرطْنَا فِي الكِتَا ِ
(النعام) 38 :
ة
م ًح َيءٍ وَهُدًى وََر ْ ش ْ ل َ ب تِبْيَانا ً ل ِّك ُ ِّك الْكِتَا َ -وقال( :وَنََّزلْنَا ع َلَي ْ َ
ن) (النحل.) 89 : مي َ سل ِ ِ شَرى لِل ْ ُ
م ْ وَب ُ ْ
ل وَلَئِن مث َ ٍل َمن ك ُ ِّ ن ِ س فِي هَذ َا الْقُْرآ َ ِ ِ ضَربْنَا لِلنَّا -وقال( :وَلَقَد ْ َ
ن الَّذين كَفَروا إ َ
ن) (الروم.) 58 : مبْطِلُو َ م إ ِ ّل ُ ن أنت ُ ْ ِ ْ ُ ِ َ جئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُول َ َِّ
-وقال صلى الله عليه وسلم" :إن الله أنزل هذا القرآن آمراً
ة ،ومثل ً مضروباً ،فيه نبؤكم ،وخبر ما كان ة خالي ً وزاجراً ،وسن ً
قبلكم ،ونبأ ما بعدكم ،وحكم ما بينكم ،ل يخلقه طول الرد ،و ل
تنقضي عجائبه ،هو الحق ليس بالهزل ،من قال به صدق ،ومن
حكم به عدل ،ومن خاصم به فلج ،ومن قسم به أقسط ،ومن
عمل به أجر ،ومن تمسك به هدي إلى صراط مستقيم ،ومن
طلب الهدى من غيره أضله الله ،ومن حكم بغيره قصمه الله ،هو
الذكر الحكيم ،والنور المبين ،والصراط المستقيم ،وحبل الله
المتين ،والشفاء النافع ،عصمة لمن تمسك به ،ونجاة لمن اتبعه،
ل يعوج فيقوم ،ول يزيغ فيستعتب ،ول تنقضي عجائبه ،ول يخلق
على كثرة الرد.
قلت :أخرجه الترمذي في سننه ،والسيوطي في الجامع الصغير؛
من حديث علي رفعه ،وقد سبق ،وضعفه اللباني.
ن ،فيه نبأ -ونحوه عن ابن مسعود ،وقال فيه :ول يختلف ول يتشا ّ
الولين والخرين.
قلت :لعله أشار إلى الحديث الذي أخرجه المنذري في الترغيب
والترهيب
عن عبد الله يعني ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال" :إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا مأدبته ما
استطعتم إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين والشفاء النافع
عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه ل يزيغ فيستعتب ول يعوج
فيقوم ول تنقضي عجائبه ول يخلق من كثرة الرد اتلوه فإن الله
يأجركم على تلوته كل حرف عشر حسنات أما إني ل أقول الم
حرف ولكن ألف حرف ولم حرف وميم حرف.
وهذا ضعفه اللباني ،لكنه صحح طرفه الخير الذي رواه
الترمذي ،قال:
حدثنا محمد بن بشار أخبرنا أبو بكر الحنفي أخبرنا الضحاك بن
عثمان عن أيوب بن موسى ،قال :سمعت محمد بن كعب
القرظي يقول :سمعت عبد اللّه بن مسعود يقول :قال رسول
اللّه صلى الله عليه وسلم" :من قرأن حرفا من كتاب اللّه فله به
حسنة والحسنة بعشر أمثالها ل أقول آلم حرف ،ولكن ألف حرف
155
وميم حرف" .هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
سمعت قتيبة بن سعيد ،يقول :بلغني أن محمد بن كعب القرظي
ولد في حياة النبي صلى اللّه عليه وسلم ،ويروي هذا الحديث
من غير هذا الوجه عن ابن مسعود رواه أبو الحوص عن عبد اللّه
بن مسعود ،ورفعه بعضهم ،ووقفه بعضهم عن ابن مسعود،
ومحمد بن كعب القرظي يكنى أبا حمزة.
قال الشيخ اللباني :صحيح .سند الحديث :حدثنا محمد بن بشار
حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا الضحاك بن عثمان عن أيوب بن
موسى قال سمعت محمد بن كعب القرظي قال سمعت عبد
الله بن مسعود يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ورواه الدارمي قال :حدثنا أبو عامر قبيصة انا سفيان عن عطاء
بن السائب عن أبي الحوص عن عبد الله قال :تعلموا هذا
القرآن فإنكم تؤجرون بتلوته بكل حرف عشر حسنات أما اني ل
أقول بألم ولكن بألف ولم وميم بكل حرف عشر حسنات.
ورواه الحاكم في المستدرك قال :حدثنا أبو الوليد حسان بن
محمد القرشي الفقيه ثنا مسدد بن قطن بن إبراهيم ثنا داود بن
رشيد ثنا صالح بن عمر أنبأ إبراهيم الهجري عن أبي الحوص عن
عبد الله رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال" :إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا من مأدبته ما استطعتم
إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين والشفاء النافع عصمة لمن
تمسك به ونجاة لمن تبعه ل يزيغ فيستعتب ول يعوج فيقوم ول
تنقضي عجائبه ول يخلق من كثرة الرد اتلوه فإن الله يأجركم
على تلوته كل حرف عشر حسنات أما إني ل أقول ألم حرف
ولكن ألف ولم وميم" .هذا حديث صحيح السناد ولم يخرجاه
بصالح بن عمر.
-وفي الحديث :قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم :إني
منزل عليك توراة حديثة ،تفتح بها أعينا ً عمياً ،وآذانا ً صماً ،وقلوباً
غلفاً ،فيها ينابيع العلم ،وفهم الحكمة ،وربيع القلوب.
قلت :أخرجه ابن أبي شيبة قال :حدثنا أبو معاوية عن هشام عن
العمش عن مالك بن الحارث عن مغيث بن سمي قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :أنزلت علي توراة محدثة،
فيها نور الحكمة وينابيع العلم ،لتفتح بها أعينًا عميًا ،وقلوبًا غلفًا،
ما ،وهي أحدث الكتب بالرحمن. وآذنًا ص ً
وأخرجه الدارمي قال:حدثنا عمرو بن عاصم ثنا حماد بن سلمة
عن عاصم بن بهدلة عن مغيث عن كعب قال:عليكم بالقرآن فإنه
فهم العقل ونور الحكمة وينابيع العلم وأحدث الكتب بالرحمن
156
عهدًا ،وقال في التوراة يا محمد إني منزل عليك توراة حديثة
ما وقلوبًا غلفًا.. تفتح فيها أعينًا عميًا وآذانًا ص ً
وعن كعب :عليكم بالقرآن ،فإنه فهم العقول ،ونور الحكمة.
ل أَكْثََر
سَرائِي َ ص ع َلَى بَنِي إ ِ ْ ن يَقُ ُّ ن هَذ َا الْقُْرآ َ -وقال الله تعالى( :إ ِ َّ
َ
ن) (النمل.) 76 : ختَلِفُو َ
م فِيهِ ي َ ْال ّذِي هُ ْ
ن) (آل عمران: عظ َ ٌ
ة ل ِّل ْ ُ
متَّقِي َ موْ ِس وَهُدًى وَ َ ن لِلن ّا ِ
-وقال(:هَـذ َا بَيَا ٌ ّ َ
.) 138
فجمع فيه مع وجازة ألفاظه ،وجوامع كلمة أضعاف ما في الكتب
قبله التي ألفاظها على الضعف منه مرات.
ومنها جمعه فيه بين الدليل ومدلوله ،وذلك أنه احتج بنظم
القرآن ،وحسن رصفه وإيجازه وبلغته ،وأثناء هذه البلغة أمره
ونهيه ،ووعده ووعيده ،فالتالي له يفهم موضع الحجة والتكليف
معا ً من كلم واحد وسورة منفردة.
-ومنها أن جعله في حيز المنظوم الذي لم يعهد ،ولم يكن في
حيز المنثور ،لن المنظوم أسهل على النفوس ،وأوعى للقلوب،
وأسمع في الذان ،وأحلى على الفهام ،فالناس إليه أميل،
والهواء إليه أسرع.
-ومنها تيسيره تعالى حفظه لمتعلميه ،وتقريبه على متحفظيه،
مدَّكِرٍ)
من ُّ ل ِن لِلذِّكْرِ فَهَ ْ سْرنَا الْقُْرآ َ قال الله تعالى (:وَلَقَد ْ ي َ َّ
(القمر )...17 :وسائر المم ل يحفظ كتبها الواحد منهم ،فكيف
الجماء على مرور السنين عليهم .والقرآن ميسر حفظه للغلمان
في أقرب مدة.
-ومنها مشاكلة بعض أجزائه بعضاً ،وحسن ائتلف أنواعها ،والتئام
أقسامها ،وحسن التخلص من قصة إلى أخرى ،والخروج من باب
إلى غيره على اختلف معانيه ،وانقسام السورة الواحدة إلى أمر
ونهي ،وخبر واستخبار ،ووعد ووعيد ،وإثبات نبوة ،وتوحيد وتفريد،
وترغيب وترهيب ،إلى غير ذلك من فوائده ،دون خلل يتخلل
فصوله.
والكلم الفصيح إذا اعتوره مثل هذا ضعفت قوته ،ولنت جزالته،
وقل رونقه ،وتقلقت ألفاظه.
ن ذِي الذِّكْرِ ( ،)1وما جمع فتأمل أول سورة (ص) –( ص وَالْقُْرآ ِ
فيها من أخبار الكفار وشقاقهم وتقريعهم بإهلك القرون من
قبلهم ،وما ذكر من تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم،
وتعجبهم مما أتى به ،والخبر عن اجتماع ملئهم على الكفر وما
ظهر من الحسد في كلمهم ،و تعجيزهم و توهينهم ،ووعيدهم
بخزي الدنيا والخرة ،وتكذيب المم قبلهم ،وإهلك الله لهم،
ووعيد هؤلء مثل مصابهم ،و تصبير النبي على أذاهم وتسليته
157
بكل ما تقدم ذكره ،ثم أخذ في ذكر داود و قصص النبياء ،كل
هذا في أوجز كلم وأحسن نظام.
-ومنه الجملة الكثيرة التي انطوت عليها الكلمات القليلة ،وهذا
كله وكثير مما ذكرنا أنه ذكر في إعجاز القرآن ،إلى وجوه كثيرة
ذكرها الئمة لم نذكرها ،إذ أكثرها داخل في باب بلغته ،فل يجب
أن يعد فنا ً منفردا ً في إعجازه ،إل في باب تفضيل فنون البلغة،
وكذلك كثير مما قدمنا ذكره عنهم يعد في خواصه وفضائله ،ل
إعجازه.
وحقيقة العجاز الوجوه الربعة التي ذكرنا ،فليعتمد عليها ،وما
بعدها من خواص القرآن وعجائبه التي ل تنقضي .والله ولي
التوفيق.
-------------------
.20القول القوم في معجزات النبي الكرم(..)3
انشقاق القمر ,نبع الماء من بين أصابعه
الفصل الحادي عشر:
في انشقاق القمر وحبس الشمس
ة شقَّ ال ْ َق َ
مُر( )1وَأن يََروْا آي َ ً ة وَان َ ت ال َّ
ساع َ ُ قال الله تعالى( :اقْتََرب َ ِ
مٌّر( - )2القمر. ست َ ِ
م ْحٌر ُّ س ْضوا وَيَقُولُوا ِ
يُعْرِ ُ
-أخبر تعالى بوقوع انشقاقه بلفظ الماضي ،وإعراض الكفرة عن
آياته ،وأجمع المفسرون وأهل السنة على وقوعه.
-أخبرنا الحسين بن محمد الحافظ من كتابه ،حدثنا القاضي سراج
بن عبد الله ،حدثنا الصيلي ،حدثنا المروزي ،حدثنا الفربري،
حدثنا البخاري ،حدثنا مسدد ،حدثنا يحي ،عن شعبة ،و سفيان،
عن العمش ،عن إبراهيم ،عن أبي معمر ،عن ابن مسعود رضي
الله عنه ،قال :انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم فرقتين :فرقة فوق الجبل ،و فرقة دونه ،فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم":اشهدوا"
-وفي رواية مجاهد :ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم
-وفي بعض طرق العمش :ونحن بمنى.
-ورواه أيضا ً ـ عن ابن مسعود ـ السود ،وقال :حتى رأيت الجبل
بين فرجتي القمر.
-ورواه عنه مسروق ـ أنه كأن بمكة ـ و زاد :فقال كفار قريش:
سحركم ابن أبي كبشة!
فقال رجل منهم :أن محمدا ً أن كأن سحر القمر فإنه ل يبلغ من
سحره أن يسحر الرض كلها ،فاسألوا من يأتيكم من بلد آخر:
هل رأوا هذا؟ فأتوا ،فسألوهم فأخبروهم أنهم رأوا مثل ذلك.
158
-وحكى السمرقندي عن الضحاك نحوه ،وقال :فقال أبو جهل:
هذا سحر ،فابعثوا إلى أهل الفاق حتى تنظروا :أرأوا ذلك أم ل؟
فأخبر أهل الفاق أنهم رأوه منشقاً ،فقالوا ـ يعني الكفار :هذا
سحر مستمر.
-ورواه أيضا ً ـ عن ابن مسعود ـ علقمة ،فهؤلء أربعة عن عبد
الله.
-وقد رواه غير ابن مسعود ،كما رواه ابن مسعود ،منهم أنس،
وابن عباس وابن عمر ،وحذيفة ،وعلي ،وجبير بن مطعم ،فقال
علي ـ من رواية أبي حذيفة الرحبي :انشق القمر و نحن مع
النبي صلى الله عليه وسلم.
-وعن أنس :سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم
آية ،فأراهم انشقاق القمر فرقتين حتى رأوا حراء بينهم .رواه
عن أنس قتادة.
-وفي رواية معمر وغيره ،عن قتادة ،عنه :أراهم القمر مرتين
مُر(()1سورة القمر شقَّ الْقَ َة وَان َ ت ال َّ
ساع َ ُ انشقاقه ،فنزلت(:اقْتََرب َ ِ
.)1
-ورواه عن جبير بن مطعم ابنه محمد و ابن ابنه جبير بن محمد.
-ورواه عن ابن عباس عبيد الله بن عبد الله بن عتبة- .ورواه عن
ابن عمر مجاهد ،ورواه عن حذيفة أبو عبد الرحمن السلمي
ومسلم بن أبي عمر أن الزدي
وأكثر طرق هذه الحاديث صحيحة ،والية مصرحة ،ول يلتفت إلى
خف على أهل الرض ،إذ اعتراض مخذول ،بأنه لو كأن هذا لم ي ْ
هو شيء ظاهر لجميعهم ،إذ لم ينقل لنا عن أهل الرض أنهم
رصدوه تلك الليلة فلم يروه انشق ،ولو نقل إلينا عمن ل يجوز
تمالؤهم ـ لكثرتهم ـ على الكذب ،لما كانت علينا به حجة ،إذ
ليس القمر في حد واحد لجميع أهل الرض ،فقد يطلع على قوم
قبل أن يطلع على آخرين ،وقد يكون من قوم بضد ما هو من
مقابليهم من أقطار الرض ،أو يحول بين قوم و بينه سحاب أو
جبال ،ولهذا نجد الكسوفات في بعض البلد دون بعض ،وفي
بعضها جزئية ،وفي بعضها كلية ،وفي بعضها ل يعرفها إل
ك تَقْدِيُر الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)(النعام.)96 :المدعوون لعلمها(،ذَل ِ َ
وآية القمر كانت ليلً ،والعادة من الناس بالليل الهدوء والسكون
وإيجاف البواب ،وقطع التصرف ،ول يكاد يعرف من أمور
السماء شيئاً ،إل من رصد ذلك ،واهتبل به
ولذلك ما يكون الكسوف القمري كثيرا ً في البلد ،وأكثرهم ل
يعلم به حتى ينجز ،وكثيرا ً ما يحدث الثقات بعجائب يشاهدونها
159
من أنوار ونجوم طوالع عظام تظهر في الحيان بالليل في
السماء ،ول علم عند أحد منها.
قلت :حديث انشقاق القمر في الصحيحين روى البخاري ـ في
كتاب فضائل الصحابة ،باب انشقاق القمرـ قال:
-1حدثني عبد الله بن عبد الوهاب :حدثنا بشر بن المفضل :حدثنا
سعيد بن أبي عروبة ،عن قتادة ،عن أنس بن مالك رضي الله
عنه :أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يريهم آية ،فأراهم القمر شقين ،حتى رأوا حراء بينهما.
-2حدثنا عبدان ،عن أبي حمزة ،عن العمش ،عن إبراهيم ،عن
أبي معمر ،عن عبد الله رضي الله عنه قال :انشق القمر ونحن
مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى ،فقال(:اشهدوا) .وذهبت
فرقة نحو الجبل.
وقال أبو الضحى ،عن مسروق ،عن عبد الله :انشق بمكة ،وتابعه
محمد بن مسلم ،عن ابن نجيح ،عن مجاهد ،عن أبي معمر ،عن
عبد الله.
-3حدثنا عثمان بن صالح :حدثنا بكر بن مضر قال :حدثني جعفر
ابن ربيعة ،عن عراك بن مالك ،عن عبيد الله بن عبد الله بن
عتبة بن مسعود ،عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما :أن
القمر انشق على زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-4حدثنا عمر بن حفص :حدثنا أبي :حدثنا العمش :حدثنا
إبراهيم ،عن أبي معمر ،عن عبد الله رضي الله عنهما قال:
انشق القمر.
-5حدثنا مسدد :حدثنا يحيى ،عن شعبة ،وسفيان ،عن العمش،
عن إبراهيم ،عن أبي معمر ،عن ابن مسعود قال:انشق القمر
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين :فرقة فوق
الجبل ،وفرقة دونه ،فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم(:اشهدوا).
-6حدثنا علي بن عبد الله :حدثنا سفيان :أخبرنا ابن أبي نجيح،
عن مجاهد ،عن أبي معمر ،عن عبد الله قال:انشق القمر ونحن
مع النبي صلى الله عليه وسلم ،فصار فرقتين ،فقال
لنا(:اشهدوا ..اشهدوا).
وروى مسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ،باب
انشقاق القمر قال:
-1حدثنا عمرو الناقد وزهير بن حرب .قال :حدثنا سفيأن بن
عيينة عن ابن أبي نجيح ،عن مجاهد ،عن أبي معمر ،عن عبد الله
قال:
160
انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشقتين.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :اشهدوا".
)-2حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق بن إبراهيم.
جميعا عن أبي معاوية .ح وحدثنا عمر بن حفص بن غياث .حدثنا
أبي .كلهما عن العمش .ح وحدثنا منجاب بن حارث
التميمي(واللفظ له) .أخبرنا ابن مسهر عن العمش ،عن
إبراهيم ،عن أبي معمر ،عن عبد الله بن مسعود .قال:
بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ،إذا انفلق
القمر فلقتين .فكانت فلقة وراء الجبل ،وفلقة دونه .فقال لنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم" :اشهدوا".
-3حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري .حدثنا أبي .حدثنا شعبة عن
العمش ،عن إبراهيم ،عن أبي معمر ،عن عبد الله بن مسعود
قال:
انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقتين.
فستر الجبل فلقة .وكانت فلقة فوق الجبل .فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم" :اللهم! اشهد".
-4حدثنا عبيد الله بن معاذ .حدثنا أبي .حدثنا شعبة عن العمش،
عن مجاهد ،عن ابن عمر ،عن النبي صلى الله عليه وسلم .مثل
ذلك.
-5وحدثنيه بشر بن خالد .أخبرنا محمد بن جعفر .ح وحدثنا محمد
بن بشار .حدثنا ابن أبي عدي .كلهما عن شعبة .بإسناد ابن معاذ
عن شعبة .نحو حديثه .غير أن في حديث ابن أبي عدي :فقال:
"اشهدوا .اشهدوا".
-6حدثني زهير بن حرب وعبد بن حميد .قال :حدثنا يونس بن
محمد .حدثنا شيبان .حدثنا قتادة عن أنس أن أهل مكة سألوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية .فأراهم انشقاق
القمر ،مرتين.
-7وحدثنيه محمد بن رافع .حدثنا عبد الرزاق .أخبرنا معمر عن
قتادة ،عن أنس .بمعنى حديث شيبان.
-8وحدثنا محمد بن المثنى .حدثنا محمد بن جعفر وأبو داود .ح
وحدثنا ابن بشار .حدثنا يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر وأبو
داود .كلهم عن شعبة ،عن قتادة ،عن أنس .قال :انشق القمر
فرقتين.
وفي حديث أبي داود :انشق القمر على عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
-9حدثنا موسى بن قريش التميمي .حدثنا إسحاق بن بكر بن
مضر .حدثني أبي .حدثنا جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك ،عن
161
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ،عن ابن عباس قال:
أن القمر انشق على زمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم...
قال ابن حجر العسقلني في فتح الباري:
* قوله باب انشقاق القمر ،أي في زمن النبي صلى الله عليه
وسلم على سبيل المعجزة له وقد ترجم بمعنى ذلك في علمات
النبوة ،قال :باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله
عليه وسلم آية فأراهم انشقاق القمر ـ
* قوله عن أنس زاد في الرواية التي في علمات النبوة أنه
حدثهم (حدثني عبد الله بن محمد :حدثنا يونس :حدثنا شيبان،
عن قتادة ،عن أنس بن مالك .وقال لي خليفة :حدثنا يزيد بن
زريع :حدثنا سعيد ،عن قتادة ،عن أنس بن مالك رضي الله عنه
أنه حدثهم :أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن يريهم آية ،فأراهم انشقاق القمر).
-قوله أن أهل مكة هذا من مراسيل الصحابة لن أنسا لم يدرك
ضا
هذه القصة وقد جاءت هذه القصة من حديث بن عباس وهو أي ً
ممن لم يشاهدها ومن حديث بن مسعود وجبير بن مطعم
وحذيفة وهؤلء شاهدوها ولم أر في شيء من طرقه أن ذلك
كأن عقب سؤال المشركين إل في حديث أنس فلعله سمعه من
النبي صلى الله عليه وسلم ثم وجدت في بعض طرق حديث بن
عباس بيان صورة السؤال وهو وأن كأن لم يدرك القصة لكن في
بعض طرقه ما يشعر بأنه حمل الحديث عن بن مسعود كما
سأذكره فاخرج أبو نعيم في الدلئل من وجه ضعيف عن بن
عباس قال اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم منهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام والعاص بن
وائل والسود بن المطلب والنضر بن الحارث ونظرائهم فقالوا
للنبي صلى الله عليه وسلم أن كنت صادقا فشق لنا القمر
فرقتين فسأل ربه فانشق.
شقتين بكسر المعجمة أي نصفين وتقدم في العلمات -قولهِ :
من طريق سعيد وشيبأن عن قتادة بدون هذه اللفظة.
*وأخرجه مسلم من الوجه الذي أخرجه منه البخاري من حديث
سعيد عن قتادة بلفظ فأراهم انشقاق القمر مرتين
وأخرجه من طريق معمر عن قتادة قال بمعنى حديث شيبان..
ضا..
قلت وهو في مصنف عبد الرزاق عن معمر بلفظ مرتين أي ً
وكذلك أخرجه المامان أحمد وإسحاق في مسنديهما عن عبد
الرزاق ..وقد اتفق الشيخان عليه من رواية شعبة عن قتادة
بلفظ فرقتين قال البيهقي قد حفظ ثلثة من أصحاب قتادة عنه
مرتين قلت لكن اختلف عن كل منهم في هذه اللفظة ولم
162
يختلف على شعبة وهو أحفظهم ولم يقع في شيء من طرق
حديث بن مسعود بلفظ مرتين إنما فيه فرقتين أو فلقتين بالراء
أو اللم وكذا في حديث بن عمر فلقتين وفي حديث جبير بن
مطعم فرقتين وفي لفظ عنه فانشق باثنتين وفي رواية عن بن
عباس عند أبي نعيم في الدلئل فصار قمرين وفي لفظ شقتين
وعند الطبراني من حديثه حتى رأوا شقيه ووقع في نظم السيرة
لشيخنا الحافظ أبي الفضل وانشق مرتين بالجماع ول أعرف من
جزم من علماء الحديث بتعدد النشقاق في زمنه صلى الله عليه
وسلم ولم يتعرض لذلك أحد من شراح الصحيحين ..وتكلم بن
القيم على هذه الرواية فقال المرات يراد بها الفعال تارة
والعيان أخرى والول أكثر ومن الثاني انشق القمر مرتين وقد
خفي على بعض الناس فادعى أن انشقاق القمر وقع مرتين وهذا
مما يعلم أهل الحديث والسير أنه غلط فإنه لم يقع إل مرة
واحدة وقد قال العماد بن كثير في الرواية التي فيها مرتين نظر
ولعل قائلها أراد فرقتين قلت وهذا الذي ل يتجه غيره جمعًا بين
الروايات ثم راجعت نظم شيخنا فوجدته يحتمل التأويل المذكور
ولفظه فصار فرقتين فرقة علت وفرقة للطود منه نزلت وذاك
مرتين بالجماع والنص والتواتر السماع فجمع بين قوله فرقتين
وبين قوله مرتين فيمكن أن يتعلق قوله بالجماع بأصل النشقاق
ل بالتعدد مع أن في نقل الجماع في نفس النشقاق نظًرا
سيأتي بيانه.
حراء على يسار حراء بينهما أي بين الفرقتين ،و ِ
-قوله حتى رأوا ِ
السائر من مكة إلى منى.
* قوله عن أبي حمزة بالمهملة والزاي هو محمد بن ميمون
السكري المروزي قوله عن العمش عن إبراهيم وقع في رواية
السرخسي والكشميهني في آخر الباب من وجه آخر عن
العمش حدثنا إبراهيم قوله عن أبي معمر هذا هو المحفوظ
ووقع في رواية سعد أن بن يحيى ويحيى بن عيسى الرملي عن
العمش عن إبراهيم عن علقمة أخرجه بن مردويه ولبي نعيم
نحوه من طريق غريبة عن شعبة عن العمش والمحفوظ عن
شعبة كما سيأتي في التفسير عن العمش عن إبراهيم عن أبي
معمر وهو المشهور وقد أخرجه مسلم من طريق أخرى عن
شعبة عن العمش عن مجاهد عن بن عمر وسيأتي للمصنف
معلقا أن مجاهدًا رواه عن أبي معمر عن بن مسعود فالله اعلم
هل عند مجاهد فيه إسنادان أو قول من قال بن عمر وهم من
أبي معمر.
163
* قوله عن عبد الله هو بن مسعود ،قوله انشق القمر ونحن مع
النبي صلى الله عليه وسلم بمنى في رواية مسلم من طريق
علي بن مسهر عن العمش بينما نحن مع النبي صلى الله عليه
وسلم بمنى إذ انفلق القمر وهذا ل يعارض قول أنس أن ذلك
كأن بمكة لنه لم يصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كأن
ليلتئذ بمكة وعلى تقدير تصريحه فهي من جملة مكة فل تعارض..
وقد وقع عند الطبراني من طريق زر بن حبيش عن بن مسعود
قال انشق القمر بمكة فرأيته فرقتين وهو محمول على ما
ذكرته ..وكذا وقع في غير هذه الرواية وقد وقع عند بن مردويه
بيأن المراد فاخرج من وجه آخر عن بن مسعود قال انشق القمر
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمكة قبل أن
نصير إلى المدينة فوضح أن مراده بذكر مكة الشارة إلى أن
ذلك وقع قبل الهجرة ويجوز أن ذلك وقع وهم ليلتئذ بمنى.
-قوله فقال :اشهدوا أي اضبطوا هذا القدر بالمشاهدة ..قوله
وقال أبو الضحى الخ يحتمل أن يكون معطوفًا على قوله عن
إبراهيم فأن أبا الضحى من شيوخ العمش فيكون للعمش فيه
إسنادان ويحتمل أن يكون معلقًا وهو المعتمد فقد وصله أبو داود
الطيالسي عن أبي عوانة ورويناه في فوائد أبي طاهر الذهلي
من وجه آخر عن أبي عوانة وأخرجه أبو نعيم في الدلئل من
طريق هشيم كلهما عن مغيرة عن أبي الضحى بهذا السناد
بلفظ انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فقالت كفار قريش :هذا سحر سحركم بن أبي كبشة ،فانظروا
إلى السفار فأن أخبروكم أنهم رأوا مثل ما رأيتم فقد صدق..
قال فما قدم عليهم أحد إل أخبرهم بذلك ...لفظ هشيم وعند أبي
عوانة انشق القمر بمكة نحوه ،وفيه فأن محمدًا ل يستطيع أن
يسحر الناس كلهم.
* قوله وتابعه محمد بن مسلم هو الطائفي وابن أبي نجيح اسمه
عبد الله واسم أبيه بتحتانية ثم مهملة خفيفة ومراده انه تابع
إبراهيم في روايته عن أبي معمر في قوله أن ذلك كأن بمكة ل
في جميع سياق الحديث والجمع بين قول بن مسعود تارة بمنى
وتارة بمكة إما باعتبار التعدد أن ثبت ,وإما بالحمل على أنه كأن
بمنى ومن قال أنه كأن بمكة ل ينافيه لن من كأن بمنى كأن
بمكة من غير عكس ويؤيده أن الرواية التي فيها بمنى قال فيها
ونحن بمنى والرواية التي فيها بمكة لم يقل فيها ونحن وإنما قال
انشق القمر بمكة يعني أن النشقاق كأن وهم بمكة قبل أن
يهاجروا إلى المدينة وبهذا يندفع دعوى الداودي أن بين الخبرين
تضادًا والله أعلم ...وابن أبي نجيح رواه عن مجاهد عن أبي
164
معمر و هذه الطريق وصلها عبد الرزاق في مصنفه ومن طريقه
البيهقي في الدلئل عن بن عيينة ومحمد بن مسلم جميعًا عن بن
أبي نجيح بهذا السناد بلفظ رأيت القمر منشقًا شقتين شقة على
أبي قبيس وشقة على السويداء ،والسويداء بالمهملة والتصغير
ناحية خارج مكة عندها جبل ..وقول بن مسعود على أبي قبيس
يحتمل أن يكون رآه كذلك وهو بمنى كأن يكون على مكان
مرتفع بحيث رأى طرف جبل أبي قبيس ويحتمل أن يكون القمر
استمر منشقًا حتى رجع بن مسعود من منى إلى مكة فرآه كذلك
وفيه بعد ،والذي يقتضيه غالب الروايات أن النشقاق كأن قرب
غروبه ويؤيد ذلك إسنادهم الرؤية إلى جهة الجبل ويحتمل أن
يكون النشقاق وقع أول طلوعه فأن في بعض الروايات أن ذلك
كأن ليلة البدر أو التعبير بأبي قبيس من تغيير بعض الرواة لن
الغرض ثبوت رؤيته منشقًا إحدى الشقتين على جبل والخرى
على جبل آخر ول يغاير ذلك قول الراوي الخر رأيت الجبل بينهما
أي بين الفرقتين لنه إذا ذهبت فرقة عن يمين الجبل وفرقة عن
يساره مثل صدق أنه بينهما وأي جبل آخر كأن من جهة يمينه أو
يساره صدق انه عليه أيضا وسيأتي في تفسير سورة القمر من
وجه آخر عن مجاهد بلفظ آخر وهو قوله انشق القمر ونحن مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " :اشهدوا ..اشهدوا"
وليس فيه تعيين مكان وأخرجه بن مردويه من رواية بن جريح
عن مجاهد بلفظ آخر وهو قوله انشق القمر قال الله تعالى:
(اقتربت الساعة وانشق القمر) يقول كما شققت القمر كذلك
أقيم الساعة.
قوله في حديث بن عباس أن القمر انشق على زمان رسول الله
صلى الله عليه وسلم هكذا أورده مختصًرا وعند أبي نعيم من
وجه آخر انشق القمر فلقتين قال بن مسعود لقد رأيت جبل
حراء من بين فلقتي القمر وهذا يوافق الرواية الولى في ذكر
حراء وقد أنكر جمهور الفلسفة انشقاق القمر متمسكين بأن
اليات العلوية ل يتهيأ فيها النخراق واللتئام وكذا قالوا في فتح
أبواب السماء ليلة السراء إلى غير ذلك من إنكارهم ما يكون
يوم القيامة من تكوير الشمس وغير ذلك وجواب هؤلء أن كانوا
كفاًرا أن يناظروا أول ً على ثبوت دين السلم ثم يشركوا مع
غيرهم ممن أنكر ذلك من المسلمين ومتى سلم المسلم بعض
ذلك دون بعض ألزم التناقض ول سبيل إلى إنكار ما ثبت في
القرآن من النخراق واللتئام في القيامة فيستلزم جواز وقوع
ذلك معجزة لنبي الله صلى الله عليه وسلم وقد أجاب القدماء
عن ذلك فقال أبو إسحاق الزجاج في معاني القران( :أنكر بعض
165
المبتدعة الموافقين لمخالفي الملة انشقاق القمر ول إنكار
للعقل فيه؛ لن القمر مخلوق لله يفعل فيه ما يشاء كما يكوره
يوم البعث ويفنيه وأما قول بعضهم لو وقع لجاء متواتًرا واشترك
أهل الرض في معرفته ولما اختص بها أهل مكة فجوابه أن ذلك
وقع ليل وأكثر الناس نيام والبواب مغلقة وقل من يراصد السماء
إل النادر وقد يقع بالمشاهدة في العادة أن ينكسف القمر وتبدو
الكواكب العظام وغير ذلك في الليل ول يشاهدها إل الحاد
فكذلك النشقاق كأن آية وقعت في الليل لقوم سألوا واقترحوا
فلم يتأهب غيرهم لها ويحتمل أن يكون القمر ليلتئذ كان في
بعض المنازل التي تظهر لبعض أهل الفاق دون بعض كما يظهر
الكسوف لقوم دون قوم وقال الخطابي انشقاق القمر آية
عظيمة ل يكاد يعدلها شيء من آيات النبياء وذلك أنه ظهر في
جا من جملة طباع ما في هذا العالم المركب ملكوت السماء خار ً
من الطبائع فليس مما يطمع في الوصول إليه بحيلة فلذلك صار
البرهان به أظهر وقد أنكر ذلك بعضهم فقال لو وقع ذلك لم يجز
أن يخفى أمره على عوام الناس لنه أمر صدر عن حس
ومشاهدة فالناس فيه شركاء والدواعي متوفرة على رؤية كل
غريب ونقل ما لم يعهد فلو كان لذلك أصل لخلد في كتب أهل
التيسير والتنجيم إذ ل يجوز إطباقهم على تركه وإغفاله مع جللة
شأنه ووضوح أمره والجواب عن ذلك أن هذه القصة خرجت عن
بقية المور التي ذكروها لنه شيء طلبه خاص من الناس فوقع
ليل لن القمر ل سلطان له بالنهار ومن شأن الليل أن يكون أكثر
ما ومستكنين بالبنية والبارز بالصحراء منهم إذا كان الناس فيه نيا ً
يقظان يحتمل أنه كان في ذلك الوقت مشغول ً بما يلهيه من
سمر وغيره ومن المستبعد أن يقصدوا إلى مراصد مركز القمر
ناظرين إليه ل يغفلون عنه فقد يجوز أنه وقع ولم يشعر به أكثر
الناس وإنما رآه من تصدى لرؤيته ممن اقترح وقوعه ولعل ذلك
إنما كان في قدر اللحظة التي هي مدرك البصر ثم أبدى حكمة
بالغة في كون المعجزات المحمدية لم يبلغ شيء منها مبلغ
التواتر الذي ل نزاع فيه إل القرآن بما حاصله أن معجزة كل نبي
كانت إذا وقعت عامة أعقبت هلك من كذب به من قومه
للشتراك في إدراكها بالحس والنبي صلى الله عليه وسلم بعث
رحمة فكانت معجزته التي تحدى بها عقلية فاختص بها القوم
الذين بعث منهم لما أوتوه من فضل العقول وزيادة الفهام ولو
ما لعوجل من كذب به كما عوجل من قبلهم .وذكر كان إدراكها عا ً
أبو نعيم في الدلئل نحو ما ذكره الخطابي ,وزاد ول سيما إذا
وقعت الية في بلدة كان عامة أهلها يومئذ الكفار الذين
166
يعتقدون أنها سحر ويجتهدون في إطفاء نور الله.
قلت :وهو جيد بالنسبة إلى من سأل عن الحكمة في قلة من
نقل ذلك من الصحابة وأما من سأل عن السبب في كون أهل
التنجيم لم يذكروه فجوابه أنه لم ينقل عن أحد منهم أنه نفاه
وهذا كاف فإن الحجة فيمن أثبت ل فيمن يوجد عنه صريح النفي
حتى أن من وجد عنه صريح النفي يقدم عليه من وجد منه صريح
الثبات.
وقال بن عبد البر :قد روى هذا الحديث جماعة كثيرة من
الصحابة وروى ذلك عنهم أمثالهم من التابعين ثم نقله عنهم
الجمع الغفير إلى أن انتهى إلينا ويؤيد ذلك بالية الكريمة فلم
يبق لستبعاد من استبعد وقوعه عذر ،ثم أجاب بنحو جواب
الخطابي وقال :وقد يطلع على قوم قبل طلوعه على آخرين
ضا فإن زمن النشقاق لم يطل ولم تتوفر الدواعي على وأي ً
العتناء بالنظر إليه ومع ذلك فقد بعث أهل مكة إلى آفاق مكة
يسألون عن ذلك فجاءت السفار وأخبروا بأنهم عاينوا ذلك ،وذلك
لن المسافرين في الليل غالبًا يكونون سائرين في ضوء القمر
ول يخفى عليهم ذلك.
وقال القرطبي :الموانع من مشاهدة ذلك إذا لم يحصل القصد
إليه غير منحصرة ويحتمل أن يكون الله صرف جميع أهل الرض
غير أهل مكة وما حولها عن اللتفات إلى القمر في تلك الساعة
ليختص بمشاهدته أهل مكة كما اختصوا بمشاهدة أكثر اليات
ونقلوها إلى غيرهم اهـ .وفي كلمه نظر لن أحدا لم ينقل أن
أحدا من أهل الفاق غير أهل مكة ذكروا أنهم رصدوا القمر في
تلك الليلة المعينة فلم يشاهدوا انشقاقه ،فلو نقل ذلك لكان
الجواب الذي أبداه القرطبي جيدًا ،ولكن لم ينقل عن أحد من
أهل الرض شيء من ذلك ،فالقتصار حينئذ على الجواب الذي
ذكره الخطابي ومن تبعه أوضح والله اعلم.
شقَّ الْقَ َ
مُر ة وَان َ ت ال َّ
ساع َ ُ وأما الية فالمراد بها قوله تعالى(:اقْتََرب َ ِ
*)(القمر )1:لكن ذهب بعض أهل العلم من القدماء أن المراد
بقوله(:وانشق القمر) أي سينشق كما قال تعالى(:أتى أمر الله)
أي سيأتي والنكتة في ذلك إرادة المبالغة في تحقق وقوع ذلك
فنزل منزلة الواقع ..والذي ذهب إليه الجمهور أصح كما جزم به
بن مسعود وحذيفة وغيرهما ويؤيده قوله تعالى بعد ذلك(:وَأن
مّر *)(القمر )2:فإن ذلك ست َ ِ حٌر ُّ
م ْ ضوا َويَقُولُوا ِ
س ْ ر ُ
ة يُعْ ِ
يََروْا آي َ ً
ظاهر في أن المراد بقوله(:وانشق القمر) وقوع انشقاقه لن
لكفار ل يقولون ذلك يوم القيامة .وإذا تبين أن قولهم ذلك إنما
167
هو في الدنيا تبين وقوع النشقاق وأنه المراد بالية التي زعموا
حا في حديث بن مسعود كما بيناه قبل. أنها سحر ووقع ذلك صري ً
ونقل البيهقي في أوائل البعث والنشور عن الحليمي أن من
الناس من يقول أن المارد بقوله تعالى(:وانشق القمر) أي
سينشق .قال الحليمي :فإن كان كذلك فقد وقع في عصرنا
فشاهدت الهلل ببخارى في الليلة الثالثة منشقًا نصفين عرض
كل واحد منهما كعرض ليلة أربع أو خمس ثم اتصل فصار في
شكل أترجة إلى أن غاب ..قال :وأخبرني بعض من أثق به أنه
شاهد ذلك في ليلة أخرى اهـ .ولقد عجبت من البيهقي كيف أقر
هذا مع إيراده حديث بن مسعود المصرح بأن المراد بقوله
تعالى(:وانشق القمر) أن ذلك وقع في زمن النبي صلى الله عليه
وسلم فإنه ساقه هكذا من طريق بن مسعود في هذه
الية(:اقتربت الساعة وانشق القمر) قال لقد انشق على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ساق حديث بن مسعود..
قال القاضي عياض-:وخرج الطحاوي ـ في مشكل الحديث ،عن
أسماء بنت عميس من طريقين ـ أن النبي صلى الله عليه و
سلم كان يوحي إليه ،ورأسه في حجر علي فلم يصل العصر
حتى غربت الشمس ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم :أصليت
يا علي؟ قال:ل .فقال :اللهم إنه كأن في طاعتك و طاعة
رسولك فاردد عليه الشمس.
قالت أسماء :فرأيتها غربت ،ثم طلعت بعد ما غربت ،ووقفت
على الجبال والرض ،وذلك بالصهباء في خيبر .قال وهذان
الحديثان ثابتان ورواتهما ثقات.
-وحكى الطحاوي أن أحمد بن صالح كأن يقول :ل ينبغي لمن
يكون سبيله العلم المتخلف عن حفظ حديث أسماء ،لنه من
علمات النبوة.
-وروى يونس بن بكير في زيادة المغازي في روايته عن ابن
إسحاق :لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ،وأخبر
قومه بالرفقة والعلمة التي في العير قالوا :متى تجيء؟ قال:
يوم الربعاء ،فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينظرون وقد
ولى النهار ولم تجيء؟ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فزيد له في النهار ساعة ،وحبست عليه الشمس.
قلت :قال الشيخ محمد بن أحمد القسطلني في المواهب
اللدنية بالمنح المحمدية:
قال بعضهم هذا الحديث ليس بصحيح وأن أوهم القاضي عياض
له في الشفا عن الطحاوي من طريقين ،فقد ذكره ابن الجوزي
في الموضوعات وقال :إنه موضوع بل شك وفي سنده أحمد بن
168
داود وهو متروك الحديث كذاب ،.كما قال الدارقطني ،وقال ابن
حبان :كان يضع الحديث.
قال ابن الجوزي :وقد روى هذا الحديث ابن شاهين فذكره ثم
قال :حديث باطل ،قال :ومن تغفل واضعه أنه نظر إلى صورة
فضيلة ،ولم يلمح عدم الفائدة فيها ،فإن صلة العصر بغيبوبة
الشمس تصير قضاء ,ورجوع الشمس ل يعيدها أداء..اهـ
وقد أفرد ابن تيمية تصنيفًا مفردًا في الرد على الروافض ذكر
فيه الحديث بطرقه ورجاله وأنه موضوع ،والعجب من القاضي
مع جللة قدره وعلو خطره في علوم الحديث كيف سكت عنه
موهما صحته ،ناقل ثبوته ،موثقًا رجاله ..اهـ
وقال شيخنا ك قال أحمد :ل أصل له .وتبعه ابن الجوزي فأورده
في الموضوعات ..ولكن قد صححه الطحاوي والقاضي عياض،
وأخرجه ابن منده وابن شاهين من حديث أسماء بنت عميس،
وابن مردويه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ..اهـ
ورواه الطبراني في معجمه الكبير بإسناد حسن كما حكاه شيخ
السلم ابن العراقي في شرح التقريب عن أسماء بنت عميس
ولفظه :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر
بالصهباء ثم أرسل عليا ًَ في حاجة فرجع وقد صلى النبي صلى
الله عليه وسلم العصر ،فوضع صلى الله عليه وسلم رأسه في
ي ونام ،فلم يحركه حتى غابت الشمس ،فقال صلى الله حجر عل ّ
عليه وسلم " :اللهم أن عبدك عليًا احتبس بنفسه على نبيه فرد
عليه الشمس....قالت أسماء :فطلعت علبه الشمس حتى وقعت
ي فتوضأ وصلى العصر ثم على الجبال وعلى الرض ،وقام عل ّ
غابت،وذلك بالصهباء.
وفي لفظ آخر :كان صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي
ً
ي ،فقال له يغشى عليه ،فأنزل الله عليه يوما َ وهو في حجر عل ّ
ي؟" فقال :ل النبي صلى الله عليه وسلم " :صليت العصر يا عل ّ
يا رسول الله ...فدعا الله فرد عليه الشمس حتى صلى
العصر..قالت أسماء :فرأيت الشمس طلعت بعدما غابت حبن
ردت حتى صلى العصر.
قال :وروى الطبراني أيضا ً في معجمه الوسط بإسناد حسن عن
جابر :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الشمس فتأخرت
ساعة من نهار.
وروى يونس بن بكير في زيادة المغازي في روايته عن ابن
إسحاق ،مما ذكره القاضي عياض :لما أسري بالنبي صلى الله
عليه وسلم وأخبر قومه بالرفقة والعلمة التي في العير ،قالوا:
متى تجيء؟ قال :يوم الربعاء ..فلما كان ذلك اليوم أشرفت
169
قريش ينتظرون ،وقد ولى النهار ،ولم تجيء...فدعا رسول الله
صلى الله عليه وسلم فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه
الشمس.اهـ.
وهذا يعارضه قوله في الحديث :لم تحبس الشمس على أحد إل
ليوشع بن نون ،يعني حين قاتل الجبارين يوم الجمعة..فلما
أدبرت الشمس خاف أن تعيب قبل أن يفرغ منهم ويدخل
السبت فل يحل له قتالهم ،فدعا الله تعالى فرد عليه الشمس
حتى فرغ من قتالهم.
قال الحافظ ابن كثير:فيه أن هذا كأن من خصائص يوشع ،فيدل
على ضعف الحديث الذي رويناه أن الشمس رجعت حتى صلى
ي بن أبي طالب...وقد صححه أحمد بن صالح المصري ،ولكنه عل ّ
منكر.ليس في شيء من الصحاح والحسان.وهو مما تتوفر
الدواعي على نقله ,وتفردت بنقله امرأة من أهل البيت مجهولة
ل يعرف حالها.اهـ
ويحتمل الجمع :بأن المعنى لم تحبس الشمس على أحد من
النبياء غيري إل ليوشع ...والله أعلم.
وكذا روي حبس الشمس لنبينا صلى الله عليه وسلم أيضا ً يوم
الخندق ،حين شغل عن صلة العصر ،فيكون حبس الشمس
مخصوصا ً بنبينا rوبيوشع ،كما ذكره القاضي عياض في الكمال،
وعزاه لمشكل الثار ،ونقله النووي في شرح مسلم في باب حل
الغنائم عن عياض ،وكذا الحافظ ابن حجر في باب الذان في
تخريج أحاديث الرافعي ومغلطاي في الزهر الباسم،
وذكروه..وتعقب :بأن الثابت في الصحيح وغيره :أنه صلى الله
عليه وسلم صلى العصر في وقعة الخندق بعدما غربت
الشمس ..وذكر البغوي في تفسيره أنها حبست لسليمان عليه
ي) ونوزع فيه بعدم ذكر الشمس السلم أيضاً ،لقوله (:ردوها عل َّ
في الية ..فالمراد :الصافنات الجياد .والله أعلم.
قال القاضي عياض :واختلف في حبس الشمس المذكور هنا،
فقيل :ردت على أدراجها ،وقيل :وقفت ولم ترد ،وقيل :بطء
حركتها ...قال :وكل ذلك من معجزات النبوة...اهـ...
وقفة مع ابن حجر العسقلني
البخاري حدثنا محمد بن العلء :حدثنا ابن المبارك ،عن معمر،
عن همام ابن منبه ،عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم(:غزا نبي من النبياء ،فقال
لقومه :ل يتبعني رجل ملك بضع امرأة ،وهو يريد أن يبني بها ولم
يبن بها ،ول أحد بنى بيوتًا ولم يرفع سقوفها ،ول أحد اشترى غنما
أو خلفات ،وهو ينتظر ولدها ،فغزا ،فدنا من القرية صلة العصر،
170
أو قريبًا من ذلك ،فقال للشمس :إنك مأمورة وأنا مأمور ،اللهم
احبسها علينا ،فحبست حتى فتح الله عليه ،فجمع الغنائم فجاءت
-يعني النار -لتأكلها فلم تطعمها ،فقال :أن فيكم غلولً،
فليبايعني من كل قبيلة رجل ،فلزقت يد رجل بيده ،فقال :فيكم
الغلول ،فلتبايعني قبيلتك ،فلزقت يد رجلين أو ثلثة بيده ،فقال:
فيكم الغلول ،فجاءوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب،
فوضعوها ،فجاءت النار فأكلتها ،ثم أحل الله لنا الغنائم ،رأى
ضعفنا وعجزنا ،فأحلها لنا).
قوله عن بن المبارك كذا في جميع الروايات لكن قال أبو نعيم
في المستخرج أخرجه البخاري عن محمد بن العلء عن بن
المبارك أو غيره وهذا الشك إنما هو من أبي نعيم فقد أخرجه
السماعيلي عن أبي يعلى عن محمد بن العلء عن بن المبارك
وحده به قوله غزا نبي من النبياء أي أراد أن يغزو وهذا النبي هو
يوشع بن نون كما رواه الحاكم من طريق كعب الحبار وبين
تسمية القرية كما سيأتي وقد ورد أصله من طريق مرفوعة
صحيحة أخرجها أحمد من طريق هشام عن محمد بن سيرين عن
أبي هريرة قال ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :أن
الشمس لم تحبس لبشر إل ليوشع بن نون ليالي سار إلى بيت
المقدس ...وأغرب بن بطال فقال في باب استئذان الرجل
المام في هذا المعنى حديث لداود عليه الصلة والسلم أنه قال
في غزوة خرج إليها ل يتبعني من ملك بضع امرأة ولم يبن بها أو
بنى داًرا ولم يسكنها ولم أقف على ما ذكره مسندًا لكن أخرج
الخطيب في ذم النجوم له من طريق أبي حذيفة والبخاري في
المبتدأ له بإسناد له عن علي قال سأل قوم يوشع منه أن
يطلعهم على بدء الخلق وآجالهم فأراهم ذلك في ماء من غمامة
أمطرها الله عليهم فكان أحدهم يعلم متى يموت فبقوا على ذلك
إلى أن قاتلهم داود على الكفر فاخرجوا إلى داود من لم يحضر
أجله فكان يقتل من أصحاب داود ول يقتل منهم فشكى إلى الله
ودعاه فحبست عليهم الشمس فزيد في النهار فاختلطت الزيادة
بالليل والنهار فاختلط عليهم حسابهم قلت وإسناده ضعيف جدًا
وحديث أبي هريرة المشار إليه عند أحمد أولى فإن رجال إسناده
محتج بهم في الصحيح فالمعتمد أنها لم تحبس إل ليوشع ول
يعارضه ما ذكره بن إسحاق في المبتدأ من طريق يحيى بن
عروة بن الزبير عن أبيه أن الله لما أمر موسى بالمسير ببني
إسرائيل أمره أن يحمل تابوت يوسف فلم يدل عليه حتى كاد
الفجر أن يطلع وكأن وعد بني إسرائيل أن يسير بهم إذا طلع
الفجر فدعا ربه أن يؤخر الطلوع حتى فرغ من أمر يوسف ففعل
171
لن الحصر إنما وقع في حق يوشع بطلوع الشمس فل ينفي أن
يحبس طلوع الفجر لغيره وقد اشتهر حبس الشمس ليوشع حتى
قال أبو تمام في قصيدة فو الله ل أدري أحلم نائم ألمت بنا أم
كان في الركب يوشع ول يعارضه أيضا ما ذكره يونس بن بكير
في زياداته في مغازي بن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم
شا صبيحة السراء أنه رأى العير التي لهم وإنهالما أخبر قري ً
تقدم مع شروق الشمس فدعا الله فحبست الشمس حتى دخلت
العير وهذا منقطع لكن وقع في الوسط للطبراني من حديث
جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الشمس فتأخرت ساعة
من نهار وإسناده حسن ووجه الجمع أن الحصر محمول على ما
مضى للنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم فلم تحبس الشمس
إل ليوشع وليس فيه نفي أنها تحبس بعد ذلك لنبينا صلى الله
عليه وسلم وروى الطحاوي والطبراني في الكبير والحاكم
والبيهقي في الدلئل عن أسماء بنت عميس أنه صلى الله عليه
وسلم دعا لما نام على ركبة علي ففاتته صلة العصر فردت
الشمس حتى صلى علي ثم غربت وهذا أبلغ في المعجزة وقد
أخطأ بن الجوزي بإيراده له في الموضوعات وكذا بن تيمية في
كتاب الرد على الروافض في زعم وضعه والله أعلم...وأما ما
حكى عياض أن الشمس ردت للنبي صلى الله عليه وسلم يوم
الخندق لما شغلوا عن صلة العصر حتى غربت الشمس فردها
الله عليه حتى صلى العصر كذا قال وعزاه للطحاوي والذي رأيته
في مشكل الثار للطحاوي ما قدمت ذكره من حديث أسماء؛
ضا أنها
فإن ثبت ما قال فهذه قصة ثالثة والله أعلم وجاء أي ً
حبست لموسى لما حمل تابوت يوسف كما تقدم قريبًا وجاء
ضا أنها حبست لسليمان بن داود عليهما السلم وهو فيما ذكره أي ً
الثعلبي ثم البغوي عن بن عباس قال :قال لي علي ما بلغك في
قول الله تعالى حكاية عن سليمان عليه الصلة والسلم ردوها
سا عرضها فغابت علي فقلت قال لي كعب كانت أربعة عشر فر ً
الشمس قبل أن يصلي العصر فأمر بردها فضرب سوقها
ما لنهوأعناقها بالسيف فقتلها فسلبه الله ملكه أربعة عشر يو ً
ظلم الخيل بقتلها فقال علي كذب كعب وإنما أراد سليمان جهاد
عدوه فتشاغل بعرض الخيل حتى غابت الشمس فقال للملئكة
الموكلين بالشمس بإذن الله لهم ردوها علي فردوها عليه حتى
صلى العصر في وقتها وأن أنبياء الله ل يظلمون ول يأمرون
بالظلم قلت أورد هذا الثر جماعة ساكتين عليه جازمين بقولهم
قال بن عباس قلت لعلي وهذا ل يثبت عن بن عباس ول عن
غيره والثابت عن جمهور أهل العلم بالتفسير من الصحابة ومن
172
بعدهم أن الضمير المؤنث في قوله ردوها للخيل والله أعلم قوله
بضع امرأة بضم الموحدة وسكون المعجمة البضع يطلق على
ضا
الفرج والتزويج والجماع والمعاني الثلثة لئقة هنا ويطلق أي ً
على المهر وعلى الطلق وقال الجوهري قال بن السكيت البضع
النكاح يقال ملك فلن بضع فلنة قوله ولما يبن بها أي ولم يدخل
عليها لكن التعبير بلما يشعر بتوقع ذلك قاله الزمخشري في
قوله تعلى( :ولما يدخل اليمان في قلوبكم) ووقع في رواية
سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عند النسائي وابن عوانة وابن
حبان ل ينبغي لرجل بنى داًرا ولم يسكنها أو تزوج امرأة ولم
يدخل بها وفي التقييد بعدم الدخول ما يفهم أن المر بعد الدخول
بخلف ذلك فل يخفى فرق بين المرين وإن كان بعد الدخول
ربما استمر تعلق القلب لكن ليس هو كما قبل الدخول غالبا
قوله ولم يرفع سقوفها في صحيح مسلم ومسند أحمد ولما يرفع
سقفها وهو بضم القاف والفاء لتوافق هذه الرواية ووهم من
ضبط بالسكان وتكلف في توجيه الضمير المؤنث للسقف قوله
أو خلفات بفتح المعجمة وكسر اللم بعدها فاء خفيفة جمع خلفة
وهي الحامل من النوق وقد يطلق على غير النوق وفي قوله
ما أو خلفات للتنويع ويكون قد حذف وصف الغنم بالحمل غن ً
لدللة الثاني عليه أو هو على إطلقه لن الغنم يقل صبرها
فيخشى عليها الضياع بخلف النوق فل يخشى عليها إل مع الحمل
ما بغير صفة أو ويحتمل أن يكون قوله أو للشك أي هل قال غن ً
خلفات أي بصفة أنها حوامل كذا قال بعض الشراح والمعتمد أنها
للتنويع فقد وقع في رواية أبي يعلى عن محمد بن العلء ول رجل
له غنم أو بقر أو خلفات قوله وهو ينتظر ولدها بكسر الواو وهو
مصدر ولد ولدًا وولدة قوله فغزا أي بمن تبعه ممن لم يتصف
بتلك الصفة قوله فدنا من القرية هي أريحا بفتح الهمزة وكسر
الراء بعدها تحتانية ساكنة ومهملة مع القصر سماها الحاكم في
روايته عن كعب ,وفي رواية مسلم فأدنى للقرية أي قرب
جيوشه لها قوله فقال للشمس انك مأمورة في رواية سعيد بن
المسيب فلقي العدو عند غيبوبة الشمس وبين الحاكم في روايته
عن كعب سبب ذلك فإنه قال أنه وصل إلى القرية وقت عصر
يوم الجمعة فكادت الشمس أن تغرب ويدخل الليل وبهذا يتبين
معنى قوله وأنا مأمور والفرق بين المأمورين أن أمر الجمادات
أمر تسخير وأمر العقلء أمر تكليف وخطابه للشمس يحتمل أن
يكون على حقيقته وأن الله تعالى خلق فيها تمييًزا وإدراكًا كما
سيأتي البحث فيه في الفتن في سجودها تحت العرش
واستئذانها من أن تطلع ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل
173
استحضاره في النفس لما تقرر أنه ل يمكن تحولها عن عادتها إل
بخرق العادة وهو نحو قول الشاعر:
شكى إلي جملي طول السرى
ومن ثم قال اللهم احبسها ,ويؤيد الحتمال الثاني أن في رواية
سعيد بن المسيب فقال اللهم أنها مأمورة وإني مأمور فاحبسها
علي حتى تقضي بيني وبينهم فحبسها الله عليه ,قوله اللهم
احبسها علينا في رواية أحمد اللهم احبسها علي شيئًا وهو
منصوب نصب المصدر أي قدر ما تنقضي حاجتنا من فتح البلد
قال عياض اختلف في حبس الشمس هنا فقيل ردت على
أدراجها وقيل وقفت وقيل بطئت حركتها وكل ذلك محتمل,
والثالث أرجح عند بن بطال وغيره ووقع في ترجمة هارون بن
يوسف الرمادي أن ذلك كان في رابع عشر حزيران وحينئذ يكون
النهار في غاية الطول قوله فحبست حتى فتح الله عليه.
في رواية أبي يعلى فواقع القوم فظفر قوله فجمع الغنائم
فجاءت يعني النار في رواية عبد الرزاق عند أحمد ومسلم
فجمعوا ما غنموا فأقبلت النار زاد في رواية سعيد بن المسيب
وكانوا إذا غنموا غنيمة بعث الله عليها النار فتأكلها قوله فلم
ما وهو بطريق المبالغة قوله فقال أن تطعمها أي لم تذق لها طع ً
فيكم غلول ً هو السرقة من الغنيمة كما تقدم قوله فليبايعني من
كل قبيلة رجل فلزقت فيه حذف يظهر من سياق الكلم أي
فبايعوه فلزقت .قوله :فلزقت يد رجلين أو ثلثة في رواية أبي
يعلى فلزقت يد رجل أو رجلين وفي رواية سعيد بن المسيب
رجلن بالجزم قال بن المنير جعل الله علمة الغلول إلزاق يد
الغال وفيه تنبيه على أنها يد عليها حق يطلب أن يتخلص منه أو
أنها يد ينبغي أن يضرب عليها ويحبس صاحبها حتى يؤدي الحق
إلى المام وهو من جنس شهادة اليد على صاحبها يوم القيامة
قوله فيكم الغلول زاد في رواية سعيد بن المسيب فقال أجل
غللنا قوله :فجاءوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب فوضعوها
فجاءت النار فآكلتها ثم أحل الله لنا الغنائم في رواية النسائي
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك أن الله أطعمنا
الغنائم رحمة رحمناها وتخفيفًا خففه عنا قوله رأى ضعفنا وعجزنا
فأحلها لنا في رواية سعيد بن المسيب لما رأى من ضعفنا وفيه
أشعار بأن إظهار العجز بين يدي الله تعالى يستوجب ثبوت
الفضل وفيه اختصاص هذه المة بحل الغنيمة وكان ابتداء ذلك
من غزوة بدر وفيها نزل قوله تعالى( :فكلوا مما غنمتم حللً
طيباً) ,فأحل الله لهم الغنيمة وقد ثبت ذلك في الصحيح من
حديث بن عباس وقد قدمت في أوائل فرض الخمس أن أول
174
غنيمة خمست غنيمة السرية التي خرج فيها عبد الله بن جحش
وذلك قبل بدر بشهرين ويمكن الجمع بما ذكر بن سعد أنه صلى
الله عليه وسلم أخر غنيمة تلك السرية حتى رجع من بدر
فقسمها مع غنائم بدر قال المهلب في هذا الحديث أن فتن الدنيا
تدعو النفس إلى الهلع ومحبة البقاء لن من ملك بضع امرأة ولم
يدخل بها أو دخل بها وكان على قرب من ذلك فإن قلبه متعلق
بالرجوع إليها ويجد الشيطان السبيل إلى شغل قلبه عما هو عليه
من الطاعة وكذلك غير المرأة من أحوال الدنيا وهو كما قال لكن
تقدم ما يعكر على إلحاقه بما بعد الدخول وأن لم يطل بما قبله
ويدل على التعميم في المور الدنيوية ما وقع في رواية سعيد بن
المسيب من الزيادة أو له حاجة في الرجوع وفيه أن المور
المهمة ل ينبغي أن تفوض إل لحازم فارغ البال لها لن من له
تعلق ربما ضعفت عزيمته وقلت رغبته في الطاعة والقلب إذا
تفرق ضعف فعل الجوارح وإذا اجتمع قوي وفيه أن من مضى
كانوا يغزون ويأخذون أموال أعدائهم وأسلبهم لكن ل يتصرفون
فيها بل يجمعونها وعلمة قبول غزوهم ذلك أن تنزل النار من
السماء فتأكلها وعلمة عدم قبوله أن ل تنزل ومن أسباب عدم
القبول أن يقع فيهم الغلول وقد من الله على هذه المة ورحمها
لشرف نبيها عنده فأحل لهم الغنيمة وستر عليهم الغلول فطوى
عنهم فضيحة أمر عدم القبول فلله الحمد على نعمه تترى ودخل
في عموم أكل النار الغنيمة والسبى وفيه بعد لن مقتضاه إهلك
الذرية ومن لم يقاتل من النساء ويمكن أن يستثنوا من ذلك
ويلزم استثناؤهم من تحريم الغنائم عليهم ويؤيده إنهم كانت لهم
عبيد وإماء فلو لم يجز لهم السبي لما كان لهم أرقاء ويشكل
على الحصر أنه كان السارق يسترق كما في قصة يوسف ولم أر
من صرح بذلك وفيه معاقبة الجماعة بفعل سفهائها وفيه أن
أحكام النبياء قد تكون بحسب المر الباطن كما في هذه القصة
وقد تكون بحسب المر الظاهر كما في حديث إنكم تختصمون
إلي الحديث واستدل به بن بطال على جواز إحراق أموال
المشركين وتعقب بأن ذلك كان في تلك الشريعة وقد نسخ بحل
الغنائم لهذه المة وأجيب عنه بأنه ل يخفى عليه ذلك ولكنه
استنبط من إحراق الغنيمة بأكل النار جواز إحراق أموات الكفار
إذا لم يوجد السبيل إلى أخذها غنيمة وهو ظاهر لن هذا القدر لم
يرد التصريح بنسخه فهو محتمل على أن شرع من قبلنا شرع لنا
ضا على أن قتال آخر النهار أفضل ما لم يرد ناسخه واستدل به أي ً
من أوله وفيه نظر لن ذلك في هذه القصة إنما وقع اتفاقا كما
تقدم نعم في قصة النعمان بن مقرن مع المغيرة بن شعبة في
175
قتال الفرس التصريح باستحباب القتال حين تزول الشمس
وتهب الرياح فالستدلل به يغنى عن هذا.
الفصل الثاني عشر:
في نبع الماء من بين أصابعه وتكثيره بركة
-أما الحاديث في هذا فكثيرة جداً.
-روى حديث نبع الماء من أصابعه صلى الله عليه وسلم جماعة
من الصحابة ،منهم أنس ،وجابر ،وابن مسعود:
حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر الفقيه بقراءتي عليه ،حدثنا
القاضي عيسى بن سهل ،حدثنا أبو القاسم حاتم بن محمد ،حدثنا
أبو عمر بن الفخار ،حدثنا أبو عيسى ،حدثنا يحيى ،حدثنا مالك،
عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ،عن أنس بن مالك رضي
الله عنه :رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،و حانت صلة
العصر ،فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه ،فأتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بوضوء ،فوضع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في ذلك الناء يده ،و أمر الناس أن يتوضئوا منه.
قال :فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه ،فتوضأ حتى توضئوا من
عند آخرهم.
-ورواه أيضا ً ـ عن أنس ـ قتادة ،و قال :بإناء فيه ماء يغمر أصابعه
أو ل يكاد يغمر- .قال :كم كنتم؟ قال :كنا زهاء ثلثمائة.
-وفي رواية عنه :و هم بالزوراء عند السوق.
-ورواه أيضا ً حميد ،و ثابت و الحسن ،عن أنس.
-وفي رواية حميد :قلت :كم كانوا؟ قال :ثمانين.
-ونحوه عن ثابت عنه.
-وعنه أيضاً :وهم نحو من سبعين رجلً.
قلت :متفق عليه.
*رواه البخاري في كتاب الوضوء باب التماس الماء إذا حضرت
الصلة
حدثنا عبد الله بن يوسف قال :أخبرنا مالك ،عن إسحاق بن عبد
الله بن أبي طلحة ،عن أنس بن مالك أنه قال :رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم ،وحانت صلة العصر ،فالتمس الناس
الوضوء فلم يجدوه ،فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم
بوضوء ،فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الناء
يده ،وأمر الناس أن يتوضئوا منه ،قال :فرأيت الماء ينبع من
تحت أصابعه ،حتى توضئوا من عند آخرهم.
*ورواه مسلم في كتاب الفضائل باب في معجزات النبي صلى
الله عليه وسلم
176
_1وحدثني أبو الربيع ،سليمان بن داود العتكي .حدثنا حماد (يعني
ابن زيد) .حدثنا ثابت عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم
دعا بماء فأتي بقدح رحراح .فجعل القوم يتوضئون .فحزرت ما
بين الستين إلى الثمانين .قال :فجعلت أنظر إلى الماء ينبع من
بين أصابعه.
_2وحدثني إسحاق بن موسى النصاري .حدثنا معن .حدثنا مالك.
ح وحدثني أبو الطاهر .أخبرنا ابن وهب عن مالك بن أنس ،عن
إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ،عن أنس بن مالك؛ أنه قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وحانت صلة العصر،
فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه .فأتي رسول الله صلى الله
عليه وسلم بوضوء .فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
ذلك الناء يده .وأمر الناس أن يتوضئوا منه .قال :فرأيت الماء
ينبع من تحت أصابعه .فتوضأ الناس حتى توضؤا من عند آخرهم.
3حدثني أبو غسان المسمعي .حدثنا معاذ (يعني ابن هشام).
حدثني أبي عن قتادة .حدثنا أنس بن مالك؛ أن نبي الله وأصحابه
بالزوراء (قال :والزوراء بالمدينة عند السوق والمسجد فيما ثمه)
دعا بقدح فيه ماء .فوضع كفه فيه .فجعل ينبع من بين أصابعه.
فتوضأ جميع أصحابه .قال قلت :كم كانوا يا أبا حمزة؟ قال :كانوا
زهاء الثلثمائة.
_4وحدثنا محمد بن المثنى .حدثنا محمد بن جعفر .حدثنا سعيد
عن قتادة ،عن أنس؛
أن النبي كان بالزوراء .فأتي بإناء ماء ل يغمر أصابعه .أو قدر ما
يواري أصابعه .ثم ذكر نحو حديث هشام.
وأما ابن مسعود ففي الصحيح من رواية علقمة :بينما نحن مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وليس معنا ماء ،فقال لنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم :اطلبوا من معه فضل ماء،
فأتى بماء فصبه في إناء ،ثم وضع كفه فيه ،فجعل الماء ينبع من
بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت :رواه البخاري في كتاب المناقب ،حدثني محمد بن المثنى:
حدثنا أبو أحمد الزبيري :حدثنا إسرائيل ،عن منصور ،عن إبراهيم،
عن علقمة ،عن عبد الله قال:
كنا نعد اليات بركة ،وأنتم تعدونها تخويفًا ،كنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم في سفر ،فقل الماء ،فقال(:اطلبوا فضلة
من ماء) .فجاءوا بإناء فيه ماء قليل ،فأدخل يده في الناء ثم
قال(:حي على الطهور المبارك ،والبركة من الله) .فلقد رأيت
الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولقد
كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.
177
-وفي الصحيح عن سالم بن أبي الجعد ،عن جابر رضي الله
عنه :عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله صلى الله عليه
وسلم بين يديه ركوة ،فتوضأ منها ،وأقبل الناس نحوه ،وقالوا:
ليس عندنا ماء إل ما في ركوتك ،فوضع النبي صلى الله عليه
وسلم يده في الركوة ،فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال
العيون.
وفيه :فقلت :كم كنتم؟ قالوا :لو كنا مائة ألف لكفانا ،كنا خمس
عشرة مائة.
-وروي مثله عن أنس ،عن جابر ،وفيه أنه كأن بالحديبية.
قلت :رواه البخاري في كتاب المناقب 1وفي كتاب المغازي 2
قال:
-1حدثنا موسى بن إسماعيل :حدثنا عبد العزيز بن مسلم :حدثنا
حصين ،عن سالم بن أبي الجعد ،عن جابر بن عبد اله رضي الله
عنهما قال :عطش الناس يوم الحديبية ،والنبي صلى الله عليه
وسلم بين يديه ركوة فتوضأ ،فجهش الناس نحوه ،فقال(:ما
لكم) .قالوا :ليس عندنا ماء نتوضأ ول نشرب إل ما بين يديك،
فوضع يده في الركوة ،فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال
العيون ،فشربنا وتوضأنا .قلت :كم كنتم؟ قال :لو كنا مائة ألف
لكفانا ،كنا خمس عشرة مائة.
-2حدثنا يوسف بن عيسى :حدثنا ابن فضيل :حدثنا حصين ،عن
سالم ،عن جابر رضي الله عنه قال :عطش الناس يوم الحديبية،
ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة فتوضأ منها ،ثم
أقبل الناس نحوه ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(:ما
لكم) .قالوا :يا رسول الله ليس عندنا ماء نتوضأ به ول نشرب إل
ما في ركوتك ،قال :فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في
الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون ،قال:
فشربنا وتوضأنا ،فقلت لجابر :كم كنتم يومئذ؟ قال :لو كنا مائة
ألف لكفانا ،كنا خمس عشرة مائة
-حدثنا الصلت بن محمد :حدثنا يزيد بن زريع ،عن سعيد ،عن
قتادة :قلت لسعيد بن المسيب :بلغني أن جابر بن عبد الله كان
يقول :كانوا أربع عشرة مائة ،فقال لي سعيد :حدثني جابر :كانوا
خمس عشرة مائة ،الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم يوم
الحديبية .قال أبو داود :حدثنا قرة ،عن قتادة .تابعه بن بشار:
حدثنا أبو داود :حدثنا شعبة.
وأخرج مسلم طرفه الخير في كتاب المارة قال:
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير .قال :حدثنا عبد الله بن
إدريس .ح وحدثنا رفاعة بن الهيثم .حدثنا خالد (يعني الطحان).
178
كلهما يقول :عن حصين ،عن سالم بن أبي الجعد ،عن جابر.
قال:لو كنا مائة ألف لكفانا .كنا خمس عشرة مائة.
-وفي رواية الوليد بن عبادة الصامت عن جابر ،في حديث
مسلم الطويل في ذكر غزوة بواط ،قال:
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :يا جابر ،ناد الوضوء...
و ذكر الحديث بطوله ،وأنه لم يجد إل قطرة في عزلء شجب،
فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم ،فغمزه وتكلم بشيء ل
أدري ما هو ،وقال :ناد بجفنة الركب ،فأتيت بها ،فوضعتها بين
يديه ،وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بسط يده في الجفنة،
وفرق أصابعه ،وصب جابر عليه ،وقال :بسم الله ،كما أمره صلى
الله عليه وسلم ،قال :فرأيت الماء يفور من بين أصابعه ،ثم
فارت الجفنة واستدارت حتى امتلت ،وأمر الناس بالستقاء،
فاستقوا حتى رووا .فقلت :هل بقي أحد له حاجة؟ فرفع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة وهي ملئ.
قلت :الطرف الذي أشار إليه من الحديث الذي رواه مسلم في
كتاب الزهد والرقائق ،هو:
قال جابر :ـ فأتينا العسكر .فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم" :يا جابر! ناد بوضوء" فقلت :أل وضوء؟ أل وضوء؟ أل
وضوء؟ قال ،قلت :يا رسول الله! ما وجدت في الركب من
قطرة .وكان رجل من النصار يبرد لرسول الله صلى الله عليه
وسلم الماء ،في أشجاب له ،على حمارة من جريد .قال فقال
لي" :انطلق إلى فلن بن فلن النصاري ،فانظر هل في أشجابه
من شئ؟" قال فانطلقت إليه فنظرت فيها فلم أجد فيها إل
قطرة في عزلء شجب منها ،لو أني أفرغه لشربه يابسه .فأتيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت :يا رسول الله! إني لم
أجد فيها إل قطرة في عزلء شجب منها .لو أني أفرغه لشربه
يابسه .قال" :اذهب فأتني به" فأتيته به .فأخذه بيده فجعل يتكلم
بشيء ل أدري ما هو .ويغمزه بيديه .ثم أعطانيه فقال" :يا جابر!
ناد بجفنة" فقلت :يا جفنة الركب! فأتيت بها تحمل .فوضعتها بين
يديه .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في الجفنة
هكذا .فبسطها وفرق بين أصابعه .ثم وضعها في قعر الجفنة.
وقال "خذ .يا جابر! فصب علي .وقل :باسم الله" ,فصببت عليه
وقلت :باسم الله .فرأيت الماء يفور من بين أصابع رسول الله
صلى الله عليه وسلم .ثم فارت الجفنة ودارت حتى امتلت.
فقال" :يا جابر! ناد من كأن له حاجة بماء" قال فأتى الناس
فاستقوا حتى رووا .قال فقلت :هل بقي أحد له حاجة .فرفع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة وهي ملى....
179
-وعن الشعبي :أتي النبي صلى الله عليه وسلم في بعض
أسفاره بإداوة ماء ،وقيل :ما معنا يا رسول الله ماء غيرها،
فسكبها في ركوة ،ووضع إصبعه وسطها ،وغمسها في الماء،
وجعل الناس يجيئون ويتوضئون ثم يقومون.
قال الترمذي وفي الباب ،عن عمران بن حصين...
قلت :قول الترمذي هذا أورده بعد حديث أنس حدثنا إسحاق بن
موسى النصاري حدثنا معن حدثنا مالك بن أنس عن إسحاق بن
عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم وحانت صلة العصر والتمس الناس
الوضوء فلم يجدوه فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم
بوضوء فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في ذلك
الناء وأمر الناس أن يتوضئوا منه ..قال فرأيت الماء ينبع من
تحت أصابعه فتوضأ الناس حتى توضئوا من عند آخرهم قال أبو
عيسى وفي الباب عن عمران بن حصين وبن مسعود وجابر
وزياد بن الحارث الصدائي وحديث أنس حديث حسن صحيح..
قال القاضي عياض -ومثل هذا في هذه المواطن الحفلة
والجموع الكثيرة ل تتطرق التهمة إلى المحدث به ،لنهم كانوا
أسرع شيء إلى تكذيبه ،لما جبلت عليه النفوس من ذلك ،ولنهم
كانوا ممن ل يسكت على باطل ،فهؤلء قد رووا هذا ،وأشاعوه،
ونسبوا حضور الجماء الغفير له ،ولم ينكر أحد من الناس عليهم
ما حدثوا به عنهم أنهم فعلوا وشاهدوه ،فصار كتصديق جميعهم
له.
الفصل الثالث عشر:
ومما يشبه هذا من معجزاته.
ومما يشبه هذا من معجزاته تفجير الماء ببركته ،وانبعاثه بمسه
ودعوته فيما روى مالك في الموطأ عن معاذ بن جبل في قصة
غزوة تبوك ،وأنهم وردوا العين وهي تبض بشيء من ماء مثل
الشراك ،فغرفوا من العين بأيديهم حتى اجتمع في شيء ،ثم
غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وجهه ويديه ،وأعاده
فيها ،فجرت بماء كثير ،فاستقى الناس.
-قال ـ في حديث ابن إسحاق :فانخرق من الماء ما له حس
كحس الصواعق .ثم قال :يوشك يا معاذ ،أن طالت بك حياة أن
ترى ها هنا قد مليء جناناً.
قلت :حديث الموطأ رواه مالك في كتاب قصر الصلة في
السفر ،باب الجمع بين الصلتين في الحضر والسفر؛ وهو:
* وحدثني عن مالك عن أبي الزبير المكي عن أبي الطفيل
عامر بن واثلة أن معاذ بن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله
180
صلى الله عليه وسلم عام تبوك فكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال فأخر
ما ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا ثم دخل ثم الصلة يو ً
خرج فصلى المغرب والعشاء جميعًا ثم قال :إنكم ستأتون غدًا
أن شاء الله عين تبوك وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار ،فمن
جاءها فل يمس من مائها شيئا حتى آتي ...فجئناها وقد سبقنا
إليها رجلن والعين تبض بشيء من ماء؛ فسألهما رسول الله
صلى الله عليه وسلم" :هل مسستما من مائها شيئا؟ فقال نعم..
فسبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ,وقال لهما ما شاء الله
أن يقول؛ ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلً ,قليل ً حتى اجتمع في
شيء ..ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وجهه
ويديه ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير فأستقى الناس ثم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :يوشك يا معاذ أن طالت
بك حياة أن ترى ما ههنا قد ملئ جنانا"..
ورواه مسلم في كتاب الفضائل قال:حدثنا عبد الله بن عبد
الرحمن الدارمي .حدثنا أبو علي الحنفي .حدثنا مالك (وهو ابن
أنس) عن أبي الزبير المكي؛ أن أبا الطفيل عامر بن واثلة
أخبره .أن معاذ بن جبل أخبره.
قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك.
فكان يجمع الصلة .فصلى الظهر والعصر جميعًا .والمغرب
ما أخر الصلة .ثم خرج فصلى والعشاء جميعًا .حتى إذا كان يو ً
الظهر والعصر جميعًا .ثم دخل ثم خرج بعد ذلك .فصلى المغرب
والعشاء جميعًا .ثم قال" :إنكم ستأتون غدًا ،إن شاء الله ،عين
تبوك .وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار .فمن جاءها منكم فل
يمس من مائها شيئا حتى آتي" فجئناها وقد سبقنا إليها رجلن.
والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء .قال فسألهما رسول
الله صلى الله عليه وسلم" :هل مسستما من مائها شيئًا؟" قال:
نعم .فسبهما النبي صلى الله عليه وسلم ،وقال لهما ما شاء الله
أن يقول .قال ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلً ,قليلً .حتى
اجتمع في شيء .قال وغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيه يده ووجهه .ثم أعاده فيها .فجرت العين بماء منهمر .أو قال
غزير -شك أبو علي أيهما قال -حتى استقى الناس .ثم قال:
"يوشك يا معاذ! أن طالت بك حياة ،أن ترى ما ههنا قد ملئ
جنانا".
-وفي حديث البراء ،ومسلمة بن الكوع ـ وحديثه أتم ـ في قصة
الحديبية ،وهم أربع عشرة مائة ،وبئرها ل تروي خمسين شاة،
181
فنزحناها فلم نترك فيها قطرة ،فقعد رسول الله صلى الله عليه
وسلم على جباها.
قال البراء ،و أتي بدلو منها ،فبصق فدعا.
وقال سلمة :فإما دعا ،وإما بصق فيها ،فجاشت ،فأرووا أنفسهم
وركابهم.
-وفي غير هاتين الروايتين ـ في هذه القصة ـ من طريق ابن
شهاب ،في الحديبية:
فأخرج سهما ً من كنانته ،فوضع في قعر قليب ليس فيه ماء؟
فروي الناس حتى ضربوا بعطن.
قلت :حديث البراء ،رواه البخاري في كتاب المناقب قال:
حدثنا مالك بن إسماعيل :حدثنا إسرائيل ،عن أبي إسحاق ،عن
البراء رضي الله عنه قال:
كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة ،والحديبية بئر ،فنزحناها حتى
لم نترك فيها قطرة ،فجلس النبي صلى الله عليه وسلم على
شفير البئر فدعا بماء ،فمضمض ومج في البئر ،فمكثنا غير بعيد،
ثم استقينا حتى روينا ،وروت أو صدرت ركائبنا.
وفي كتاب المغازي قال:
-1حدثنا عبيد الله بن موسى ،عن إسرائيل ،عن أبي إسحاق،
عن البراء رضي الله عنه قال :تعدون أنتم الفتح فتح مكة ،وقد
كأن فتح مكة فتحا ،ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية،
كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة ،والحديبية
بئر ،فنزحناها فلم نترك فيها قطرة ،فبلغ ذلك النبي صلى الله
عليه وسلم فأتاها ،فجلس على شفيرها ،ثم دعا بإناء من ماء
فتوضأ ،ثم مضمض ودعا ثم صبه فيها ،فتركناها غير بعيد ،ثم إنها
أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا.
-2حدثني فضل بن يعقوب :حدثنا الحسن بن محمد بن أعين أبو
علي الحراني :حدثنا زهير :حدثنا أبو إسحاق قال :أنبانا البراء بن
عازب رضي الله عنهما :أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يوم الحديبية ألفا وأربعمائة أو أكثر ،فنزلوا على بئر
فنزحوها ،فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فأتى البئر
وقعد على شفيرها ،ثم قال(:ائتوني بدلو من مائها) .فأتي به،
فبصق فدعا ثم قال(:دعوها ساعة) .فأرووا أنفسهم وركابهم
حتى ارتحلوا.
قال ابن حجر :والحديبية بئر يشير إلى أن المكان المعروف
بالحديبية سمى ببئر كانت هنالك هذا اسمها ثم عرف المكان كله
بذلك ...قوله فنزحناها كذا للكثر ووقع في شرح بن التين
فنزفناها بالفاء بدل الحاء المهملة قال والنزف والنزح واحد وهو
182
أخذ الماء شيئا بعد شيء إلى أن ل يبقى منه شيء قوله فلم
نترك فيها قطرة في رواية فوجدنا الناس قد نزحوها قوله فجلس
على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء في رواية زهير ثم قال :ائتوني
بدلو من مائها قوله ثم مضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير
بعيد في رواية زهير فبصق فدعا ثم قال دعوها ساعة قوله ثم
أنها أصدرتنا (أي رجعتنا) يعني أنهم رجعوا عنها وقد رووا وفي
رواية زهير فأرووا أنفسهم وركابهم والركاب البل التي يسار
عليها...
أما الحديث الذي ورد فيه فأخرج سهما ً من كنانته :فرواه
البخاري .في كتاب الشروط ،باب :الشروط في الجهاد،
والمصالحة مع أهل الحرب ،وكتابة الشروط .قال:
-حدثني عبد الله بن محمد :حدثنا عبد الرزاق :أخبرنا معمر
قال :أخبرني الزهري قال :أخبري عروة بن الزبير ،عن المسور
بن مخرمة ومروان ،يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه ،قال:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية ،حتى كانوا
ببعض الطريق ،قال النبي صلى الله عليه وسلم( :أن خالد بن
الوليد بالغميم ،في خيل لقريش طليعة ،فخذوا ذات اليمين) .فو
الله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش ،فانطلق يركض
نذيًرا لقريش ،وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان
بالثنية التي يهبط عليهم منها ،بركت به راحلته ،فقال الناس :حل
حل ،فألحت ،فقالوا خلت القصواء ،هلت القصواء ،فقال النبي
صلى الله عليه وسلم(:ما خلت القصواء ،وما ذاك لها بخلق،
ولكن حبسها حابس الفيل) .ثم قال(:والذي نفسي بيده ،ل
يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إل أعطيتهم إياها) .ثم
زجرها فوثبت ،قال :فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على
ضا ،فلم يلبثه الناس حتىثمد قليل الماء ،يتبرضه الناس تبر ً
نزحوه ،وشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش،
فانتزع سهما من كنانته ،ثم أمرهم أن يجعلوه فيه ،فو الله مازال
يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه(.،الحديث).
وأخرجه أحمد في المسند قال ...:حتى نزل بأقصى الحديبية على
ضا فلم يلبثه الناس أن ثمد قليل الماء إنما يتبرضه الناس تبر ً
نزحوه فشكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش
فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يج حتى نزل بأقصى
ضا فلم يلبثهالحديبية على ثمد قليل الماء إنما يتبرضه الناس تبر ً
الناس أن نزحوه فشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه قال
183
فو الله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه علوه فيه قال
فو الله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه.
وقال ابن أبي شيبة :وهذه من معجزات الرسول صلى الله عليه
وسلم في تكثير المياه ونبعها من الرض والشياء ومن بين
أصابعه ....قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم( :أترون أن
نمضي لوجهنا ،ومن صدنا عن البيت قاتلناه ،ألم ترون أن نخالف
هؤلء إلى من تركوا وراءهم ،فإن أتبعنا منهم عنق قطعة الله،
قالوا :يا رسول الله! المر أمرك ،والرأي رأيك ..،فتيامنوا في
هذا الفعل ،فلم يشعر به خالد ول الخيل التي معه حتى جاوز بهم
فترة الجيش وأوفت به ناقته على ثنية تهبط على غائط القوم
يقال له بلدح ،فبركت فقال :حل حل ،فلم تنبعث ،فقالوا :خلت
القصواء ،قال :إنها والله ما خلت ،ول هو لها بخلق ،ولكن حبسها
حابس الفيل ،أنا والله ل يدعوني اليوم إلى خطة يعظمون فيها
حرمة ول يدعوني فيها إلى صلة إل أجبتهم إليها) ،ثم زجرها
فوثبت ،فرجع من حيث جاء عوده على بدئه ،حتى نزل بالناس
على ثمد من ثماد الحديبية ظنون قليل الماء يتربض الناس ماءها
ضا ،فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلة الماء، تبر ً
فانتزع سهما من كنانته فأمر رجل ً فغرزه في جوف القليب،
فجاش بالماء حتى ضرب الناس عنه بعطن..
-وعن أبي قتادة ـ وذكر أن الناس شكوا إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم العطش في بعض أسفاره ،فدعا بالميضأة
ضبْنِه ،ثم التقم فمها ،فالله أعلم ـ نفث فيها أم ل،
فجعلها في َ
فشرب الناس حتى رووا وملئوا كل إناء معهم ،فخيل إلي أنها
كما أخذها مني ،وكانوا اثنين وسبعين رجلً.
-وروى مثله عمران بن حصين.
-وذكر الطبري حديث أبي قتادة على غير ما ذكره أهل الصحيح ـ
وأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بهم ممدا ً لهل مؤتة عندما
بلغه قتل المراء:
وذكر حديثا ً طويل ً فيه معجزات وآيات للنبي صلى الله عليه
وسلم ،وفيه إعلمهم أنهم يفقدون الماء في غد.
وذكر حديث الميضأة ،قال :والقوم زهاء ثلثمائة.
وفي كتاب مسلم أنه قال لبي قتادة :احفظ علي ميضأتك ،فإنه
سيكون لها نبأ ..و ذكر نحوه.
قلت :رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلة قال:
*وحدثنا شيبان بن فروخ .حدثنا سليمان (يعني ابن المغيرة)
حدثنا ثابت عن عبد الله بن رباح ،عن أبي قتادة؛ قال :خطبنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
184
"إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم .وتأتون الماء ،إن شاء الله،
غدًا" .فانطلق الناس ل يلوي أحد على أحد .قال أبو قتادة :فبينما
صلى الله عليه وسلم يسير حتى إبهار الليل وأنا إلى جنبه .قال:
فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم .فمال عن راحلته.
فأتيته فدعمته .من غير أن أوقظه .حتى اعتدل على راحلته .قال
ثم سار حتى تهور الليل مال عن راحلته .قال فدعمته من غير أن
أوقظه .حتى اعتدل على راحلته .قال ثم سار حتى إذا كان من
آخر السحر مال ميلة .هي أشد من الميلتين الوليين .حتى كاد
ينجفل .فأتيته فدعمته .فرفع رأسه فقال" :من هذا " قلت :أبو
قتادة .قال" :متى كان هذا مسيرك منى؟" قلت :ما زال هذا
مسيري منذ الليلة .قال" :حفظك الله بما حفظت به نبيه" ثم
قال" :هل ترانا نخفى على الناس؟" ثم قال" :هل ترى من
أحد؟" قلت :هذا راكب .ثم قلت :هذا راكب آخر .حتى اجتمعنا
فكنا سبعة ركب .قال فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن الطريق .فوضع رأسه .ثم قال" :احفظوا علينا صلتنا" .فكأن
أول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم والشمس في
ظهره .قال فقمنا فزعين .ثم قال" :اركبوا" فركبنا .فسرنا .حتى
إذا ارتفعت الشمس نزل .ثم دعا بميضأة كانت معي فيها شئ
من ماء .قال فتوضأنا منها وضوءا دون وضوء .قال وبقي فيها
شئ من ماء .ثم قال لبى قتادة" :احفظ علينا ميضأتك .فسيكون
لها نبأ" ,ثم أذن بلل بالصلة .فصلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم ركعتين .ثم صلى الغداة فصنع كما كأن يصنع كل يوم .قال
وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبنا معه .قال فجعل
بعضنا يهمس إلى بعض :ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلتنا؟
ثم قال" :أما لكم في أسوة؟ "ثم قال :ليس في النوم تفريط.
إنما التفريط على من لم يصل الصلة حتى يجيء وقت الصلة
الخرى .فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها .فإذا كان الغد
فليصلها عند وقتها" ثم قال" :ما ترون الناس صنعوا؟" قال :ثم
قال" :أصبح الناس فقدوا نبيهم .فقال أبو بكر وعمر :رسول الله
صلى الله عليه وسلم بعدكم .لم يكن ليخلفكم .وقال الناس :إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيديكم .فإن يطيعوا أبا بكر
وعمر يرشدوا".
قال فانتهينا إلى الناس حين امتد النهار وحمي كل شئ .وهم
يقولون :يا رسول الله! هلكنا .عطشنا .فقال" :ل هلك عليكم" ثم
قال" :أطلقوا لي غمري" قال ودعا بالميضأة .فجعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم يصب وأبو قتادة يسقيهم .فلم يعد أن رأى
الناس ماء في الميضأة تكابوا عليها .فقال رسول الله صلى الله
185
عليه وسلم" :أحسنوا المل .كلكم سيروى" ,قال ففعلوا .فجعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب وأسقيهم .حتى ما بقي
غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم .قال ثم صب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي" :اشرب" .فقلت :ل
أشرب حتى تشرب يا رسول الله! قال" :أن ساقي القوم آخرهم
شربًا" قال فشربت .وشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال فأتي الناس الماء جامين رواء.
قال فقال عبد الله بن رباح :إني لحدث هذا الحديث في مسجد
الجامع .إذا قال عمران بن حصين :انظر أيها الفتى كيف تحدث.
فإني أحد الركب تلك الليلة .قال قلت :فأنت أعلم بالحديث.
فقال :ممن أنت؟ قلت :من النصار .قال :حدث فأنتم أعلم
بحديثكم .قال فحدثت القوم .فقال عمران :لقد شهدت تلك
الليلة وما شعرت أن أحدًا حفظه كما حفظته.
-ومن ذلك حديث عمران بن حصين حين أصاب النبي صلى الله
عليه وسلم وأصحابه عطش في بعض أسفارهم ،فوجه رجلين
من أصحابه ،وأعلمهما أنهما يجدان امرأة ً بمكان كذا معها بعير
عليه مزادتان ...الحديث ،فوجداها وأتيا بها إلى النبي صلى الله
عليه وسلم ،فجعل في إناء من مزادتيها ،وقال فيه ما شاء الله
أن يقول ،ثم أعاد الماء في المزادتين ،ثم فتحت عزاليهما ،وأمر
الناس فملئوا أسقيتهم حتى لم يدعوا شيئا ً إل ملئوه.
قال عمران :و تخيل إلي أنهما لم تزدادا إل امتلءً ،ثم أمر فجمع
للمرأة من الزواد حتى مل ثوبها .وقال :اذهبي ،فإنا لم نأخذ من
مائك شيئاً ،و لكن الله سقانا ...الحديث بطوله.
قلت :رواه الشيخان ،وهو عند مسلم في كتاب المساجد ومواضع
الصلة قال:
وحدثني أحمد بن سعيد بن صخر الدارمي .حدثنا عبيد الله بن
عبد المجيد .حدثنا سلم بن زرير العطاردي .قال :سمعت أبا رجاء
العطاردي عن عمران بن حصين .قال:
كنت مع نبي الله صلى الله عليه وسلم في مسير له .فأدلجنا
ليلتنا .حتى إذا كان في وجه الصبح عرسنا .فغلبتنا أعيننا حتى
بزغت الشمس .قال فكان أول من استيقظ منا أبو بكر .وكنا ل
نوقظ نبي الله صلى الله عليه وسلم من منامه إذا نام حتى
يستيقظ .ثم استيقظ عمر .فقام عند نبي الله صلى الله عليه
وسلم .فجعل يكبر ويرفع صوته بالتكبير .حتى استيقظ رسول
الله صلى الله عليه وسلم .فلما رفع رأسه ورأى الشمس قد
بزغت قال " :ارتحلوا " فسار بنا .حتى إذا ابيضت الشمس نزل
فصلى بنا الغداة .فاعتزل رجل من القوم لم يصل معنا .فلما
186
انصرف قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " :يا فلن! ما
منعك أن تصلي معنا؟ " قال :يا نبي الله! أصابتني جنابة .فأمره
رسول الله صلى الله عليه وسلم فتيمم بالصعيد .فصلى .ثم
شاعجلني ،في ركب بين يديه ،نطلب الماء .وقد عطشنا عط ً
شديدًا .فبينما نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين
مزادتين .فقلنا لها :أين الماء؟ قالت :أيهاه .أيهاه .ل ماء لكم.
قلنا :فكم بين أهلك وبين الماء؟ قالت :مسيرة يوم وليلة .قلنا:
انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .قالت :وما رسول
الله؟ فلم نملكها من أمرها شيئا حتى انطلقنا بها .فاستقبلنا بها
رسول الله صلى الله عليه وسلم .فسألها فأخبرته مثل الذي
أخبرتنا .وأخبرته أنها موتمة .لها صبيان أيتام .فأمر بروايتها.
فأنيخت .فمج في العزلوين العلياوين .ثم بعث براويتها .فشربنا.
ونحن أربعون رجل عطاش .حتى روينا .وملنا كل قربة معنا
وإداوة .وغسلنا صاحبنا .غير أنا لم نسق بعيًرا .وهي تكاد تنضرج
من الماء (يعني المزادتين) ثم قال" :هاتوا ما كأن عندكم"
فجمعنا لها من كسر وتمر .وصر لها صرة .فقال لها" :اذهبي
فأطعمي هذا عيالك .واعلمي أنا لم نرزأ من مائك" .فلما أتت
أهلها قالت :لقد لقيت أسحر البشر .أو إنه لنبي كما زعم .كأن
من أمره ذيت وذيت .فهدي الله ذاك الصرم بتلك المرأة.
فأسلمت وأسلموا.
-ورواه البيهقي في باب التطهر في أواني المشركين إذا لم
يعلم نجاسة قال:
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن بشر أن رحمه
الله تعالى ببغداد أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن
منصور ثنا عبد الرزاق أنبأ معمر عن عوف عن أبي رجاء
العطاردي عن عمران بن حصين قال سرى رسول الله صلى الله
عليه وسلم في سفر هو وأصحابه فأصابه عطش شديد فأقبل
رجلن من أصحابه أحسبه عليًا والزبير أو غيرهما قال إنكما
ستجدان بمكان كذا وكذا امرأة معها بعير عليه مزادتان فأتياني
بها فأتيا المرأة فوجداها قد ركبت بين مزادتين على البعير فقال
أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ومن رسول الله
هذا الصابي .قال :هو الذي تعنين وهو رسول الله صلى الله عليه
وسلم حقا فجاءا بها فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
فجعل في إناء من مزادتيها ثم قال فيه ما شاء الله أن يقول ثم
أعاد الماء في المزادتين ثم أمر بعزلء المزادتين ففتحت ثم أمر
الناس فملئوا آنيتهم وأسقيتهم فلم يدعوا يومئذ إناء ول سقاء إل
ملئوه قال عمران فكان يخيل إلي أنها لم تزدد إل امتلء قال
187
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بثوبها فبسطت ثم أمر أصحابه
فجاءوا من زادهم حتى ملئوا لها ثوبها ثم قال لها :اذهبي فإنا لم
نأخذ من مائك شيئًا ولكن الله سقانا ...قال فجاءت أهلها
فأخبرتهم فقالت جئتكم من أسحر الناس أو إنه لرسول الله حقا
قال فجاء أهل ذلك الحواء حتى أسلموا كلهم.
مخرج في الصحيحين من حديث عوف بن أبي جميلة وفيه فكان
آخر ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الذي أصابته
الجنابة إناء من ماء فقال اذهب فأفرغه عليك وهي قائمة تنظر
ما يفعل بمائها.
-وعن سلمة بن الكوع :قال نبي الله صلى الله عليه وسلم :هل
من وضوء؟ فجاء رجل بإداوة فيها نطفة فأفرغها في قدح
ة أربع عشرة مائة ...الحديث بطوله . فتوضأنا كلنا نُدَغْفِقُه دغْفق ً
قلت :رواه مسلم عن إياس بن سلمة عن أبيه؛ في كتاب
اللقطة ،باب استحباب خلط الزواد إذا قلت ،والمؤاساة فيها؛
قال:
حدثني أحمد بن يوسف الزدي .حدثنا النضر(يعني ابن محمد
اليمامي) .حدثنا عكرمة(وهو ابن عمار) .حدثنا إياس بن سلمة
عن أبيه ،قال:
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة .فأصابنا
جهد .حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا .فأمر نبي الله صلى الله
عليه وسلم فجمعنا مزاودنا .فبسطنا له نطعا .فاجتمع زاد القوم
على النطع .قال :فتطاولت لحرزه كم هو؟ فحزرته كربضة
العنز .ونحن أربع عشرة مائة .قال :فأكلنا حتى شبعنا جميعًا .ثم
حشونا جربنا .فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم (فهل من
وضوء؟) قال :فجاء رجل بإداوة له ،فيها نطفة .فأفرغها في قدح.
فتوضأنا كلنا .ندغفقه دغفقة .أربع عشرة مائة.
قال :ثم جاء بعد ذلك ثمانية فقالوا :هل من طهور؟ فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم (فرغ الوضوء).
َّ
ن ع َبْد ِ اللهِ ،باب إباحة جابِرِ ب ْ ِ ن َ ورواه ابن خزيمة في صحيحه ع َ ْ
الوضوء من فضل وضوء المتوضىء؛ قال:
سوَدُ َ ح َّ أخبرنا ال ْ َ
ميْدٍ ،أخبرنا ال ْ َ ح
ن ُ ُ مدٍ ،أخبرنا ع َبِيدَة ُ ب ْ م َ ُ ن
ُ ن بْ
ُ س
ح َ
سافَْرنَا لَ : ن ع َبْد ِ اللَّهِ ،قَا َ جابِرِ ب ْ ِ ن َ ن نُبَيٍْح الْعَنَزِ ِ ّ
ي ،ع َ ْ س ،ع َ َ ْ ن قَي ْ ٍ بْ ُ
لصلةُ ،فَقَا َ ت ال َّ ضَر ِ ح َ ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم ،فَ َ سو ِ معَ َر ُ َ
َ
ما فِي القَوْم ِ طهُوٌر؟ قَا َ ْ َ َ ّ سو ُ
ل: ل اللهِ صلى الله عليه وسلم :أ َ َر ُ
ضأَح فَتَوَ َّ ٍ ه فِي قَد َ صب َّ ُل :فَ َ ماءٍ فِي إِدَاوَةٍ ،قَا َ ل َ ض ِل بِفَ ْ ج ٌ
َ
جاءَ َر ُ فَ َ
قي َّ َ
ة م أن الْقَو َ ل :ث ُ َ ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم ،قَا َ سو ُ
م أتَوْا ب َ ِ ْ َ َر ُ
ّ ُ َّ م َّ الط ّهُورِ ،فَقَا َ َ
سول اللهِ صلى الله عليه م َر ُ معَهُ ْ حوا بِهِ ،فَ َ
س ِ س ُ ل :ت َ َ
188
ُ َ
ل الل ّهِ صلى الله عليه سو ب َر ُ ضَر َ م ،فَ َ ْ سلِك ُل :ع َلَى رِ ْ وسلم ،فَقَا َ
ُّ َ
سبِغُوا الطهُوَر، ل :أ ْ م قَا َ ماءِ ،ث ُ َّ ف ال ْ َ جوْ ِ
َ
ح فِي َ
َ ِ وسلم يَدَه ُ فِي الْقَد َ
َ
ل( :وَكان قَدْ صرِي ،قَا َ َ ب بَن ع َبْد ِ الل ّهِ :وَال ّذِي أذْهَ َ جابُِر ب ْ ُل َفَقَا َ
َّ َ َ
ل اللهِ صلى سو ِ صابِِع َر ُ نأ َ ِ ن بَي ْ
م ْ ماءَ يَنْبُعُ ِ ت ال ْ َ صُرهُ) لَقَد ْ َرأي ْ ُ ب بَ َذَهَ َ
َ حتَّى تَوَ َّ
ل ع َبِيدَةُ: ن قَا َ
معُو َ ج َضئُوا أ ْ م يَْرفَعْ يَدَه ُ َ الله عليه وسلم فَل َ ْ
ن أَوْ ِزيَادَةً. مائَتَي ْ ِ ل :كُنَّا ِ ه قَا َ سبْت ُ ُح ِ سوَدَُ : قَا َ َ
ل ال ْ
-وفي حديث عمر ـ في جيش العسرة :وذكر ما أصابهم من
العطش ،حتى أن الرجل لينحر بعيره ،فيعصر فرثه فيشربه،
فرغب أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء ،فرفع
يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماء فانسكبت ،فملئوا ما معهم
من آنية ،ولم تجاوز العسكر.
قلت :أخرجه ابن خزيمة في صحيحه باب ذكر الدليل على أن
الماء إذا خالطه فرث ما يؤكل لحمه لم ينجس.
-أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا يونس بن عبد العلى أخبرنا بن
وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلل عن عتبة
بن أبي عتبة عن نافع بن جبير عن عبد الله بن عباس أنه قيل
لعمر بن الخطاب حدثنا من شأن ساعة العسرة فقال عمر
خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزل ً أصابنا فيه عطش
حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس
الماء فل يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع حتى أن الرجل ينحر
بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده فقال أبو
بكر الصديق :يا رسول الله إن الله قد عودك في الدعاء خيًرا
فادع لنا..فقال :أتحب ذلك؟ قال نعم ..فرفع يده فلم يرجعهما
حتى قالت السماء فأظلمت ثم سكبت فملئوا ما معهم ثم ذهبنا
ننظر فلم نجدها جازت العسكر ...قال أبو بكر فلو كان ماء
سا لم يجز للمرء أن يجعله على كبده فينجس الفرث إذا عصر نج ً
بعض بدنه وهو غير واجد لماء طاهر يغسل موضع النجس منه,
فأما شرب الماء النجس عند خوف التلف إن لم يشرب ذلك
الماء فجائز إحياء النفس بشرب ماء نجس إذ الله عز وجل قد
أباح عند الضطرار إحياء النفس بأكل الميتة والدم ولحم الخنزير
إذا خيف التلف إن لم يأكل ذلك والميتة والدم ولحم الخنزير
نجس محرم على المستغني عنه مباح للمضطر إليه لحياء
النفس بأكله فكذلك جائز للمضطر إلى الماء النجس أن يحيي
نفسه بشرب ماء نجس إذا خاف التلف على نفسه بترك شربه
سا على بعض بدنه والعلم محيط أنه أن لم فأما أن يجعل ماء نج ً
يجعل ذلك الماء النجس على بدنه لم يخفف التلف على نفسه
ول كان في إمساس ذلك الماء النجس بعض بدنه إحياء نفسه
189
بذلك ول عنده ماء طاهر يغسل ما نجس من بدنه بذلك الماء
فهذا غير جائز ول واسع لحد فعله.
ورواه ابن سعد في طبقات...ومنه:
أن الرجلين والثلثة كانوا يتعاقبون على بعير واحد وأصابهم
عطش شديد حتى جعلوا ينحرون إبلهم لينفضوا أكراشها ويشربوا
ماءها.
-وعن عمر بن شعيب ـ أن أبا طالب قال للنبي صلى الله عليه
وسلم ،وهو رديفه بذي المجاز :عطشت وليس عندي ماء ،فنزل
النبي صلى الله عليه وسلم ،وضرب بقدمه الرض ،فخرج الماء،
فقال :اشرب.
والحديث في هذا الباب كثير ،ومنه الجابة بدعاء الستسقاء وما
جانسه.
قلت :أشار القاضي عياض رحمه الله إلى الحديث المتفق عليه
والذي رواه البخاري في كتاب الستسقاء باب :الستسقاء في
المسجد الجامع.قال:
* حدثنا محمد قال :أخبرنا أبو ضمرة أنس بن عياض قال:حدثنا
شريك بن عبد الله بن أبي نمر :أنه سمع أنس بن مالك يذكر:
أن رجل دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ،ورسول الله
صلى الله عليه وسلم قائم يخطب ،فاستقبل رسول الله صلى
ما ،فقال :يا رسول الله ،هلكت المواشي، الله عليه وسلم قائ ً
وانقطعت السبل ،فادع الله يغيثنا .قال :فرفع رسول الله صلى
الله عليه وسلم يديه فقال(:اللهم اسقينا ،اللهم اسقنا ،اللهم
اسقنا) .قال أنس :ل والله ،ما نرى في السماء من سحاب ،ول
قزعة ،ول شيئًا ،وما بيننا وبين سلع من بيت ول دار .قال:
فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس ،فلما توسطت السماء
انتشرت ثم أمطرت .قال :والله ما رأينا الشمس ستًا .ثم دخل
رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ،ورسول الله صلى الله
ما ،فقال :يا رسول الله، عليه وسلم قائم يخطب ،فاستقبله قائ ً
هلكت الموال ،وانقطعت السبل ،فادع الله يمسكها .قال :فرفع
رسول الله يديه ،ثم قال(:اللهم حولينا ول علينا ،اللهم على
الكام والجبال ،والجام والظراب ،والودية ومنابت الشجر) .قال:
فانقطعت ،وخرجنا نمشي في الشمس.
سا :أهو الرجل الول؟ قال :ل أدري. قال شريك :فسألت أن ً
وفي باب :الستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة.
* حدثنا قتيبة بن سعيد قال :حدثنا إسماعيل بن جعفر ،عن
شريك ،عن أنس بن مالك:
190
أن رجل ً دخل المسجد يوم الجمعة ،من باب كان نحو دار القضاء،
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب ،فاستقبل رسول
الله صلى الله عليه وسلم قائما ،ثم قال :يا رسول الله ،هلكت
الموال وانقطعت السبل ،فادع الله يغثنا .فرفع رسول الله صلى
الله عليه وسلم يديه ،ثم قال(:اللهم أغثنا ،اللهم أغثنا ،اللهم
أغثنا) .قال أنس :ول والله ،ما نرى في السماء من سحاب ،ول
قزعة ،وما بيننا وبين سلع من بيت ول دار .قال :فطلعت من
ورائه سحابة مثل الترس ،فلما توسطت السماء انتشرت ثم
أمطرت .فل والله ما رأينا الشمس ستًا .ثم دخل رجل من ذلك
الباب في الجمعة -يعني الثانية -ورسول الله صلى الله عليه
ما ،فقال :يا رسول الله ،هلكت وسلم قائم يخطب ،فاستقبله قائ ً
الموال ،وانقطعت السبل ،فادع الله يمسكها عنا .قال :فرفع
رسول الله يديه ،ثم قال(:اللهم حولينا ول علينا ،اللهم على
الكام والظراب ،وبطون الودية ومنابت الشجر) .قال :فأقلعت،
وخرجنا نمشي في الشمس.
سا بن مالك :أهو الرجل الول؟ فقال :ل قال شريك :فسألت أن ً
أدري.
وفي باب :الستسقاء على المنبر.
* حدثنا مسدد قال :حدثنا أبو عوانة ،عن قتادة ،عن أنس قال:
بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ،إذا
جاءه رجل فقال :يا رسول الله ،قحط المطر ،فادع الله أن
يسقينا .فدعا ،فمطرنا ،فما كدنا أن نصل إلى منازلنا ،فما زلنا
نمطر إلى الجمعة المقبلة .قال :فقام ذلك الرجل أو غيره،
فقال :يا رسول الله ،ادع الله أن يصرفه عنا .فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم(:اللهم حولينا ول علينا) .قال :فلقد رأيت
السحاب يتقطع يمينًا وشمالً ،يمطرون ول يمطر أهل المدينة.
وأخرجه مسلم في كتاب صلة الستسقاء باب الدعاء في
الستسقاء.قال:
* حدثنا يحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر(قال
يحيى :أخبرنا .وقال الخرون :حدثنا إسماعل بن جعفر) عن
شريك بن أبي نمر ،عن أنس بن مالك
أن رجل دخل المسجد يوم جمعة .من باب كأن نحو دار القضاء.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب .فاستقبل رسول
ما .ثم قال :يا رسول الله! هلكت الله صلى الله عليه وسلم قائ ً
الموال وانقطعت السبل .فادع الله يغثنا .قال :فرفع رسول الله
صلى الله عليه وسلم يديه .ثم قال " :اللهم أغثنا ...اللهم أغثنا...
اللهم أغثنا " .قال أنس :ول والله! ما نرى في السماء من
191
سحاب ول قزعة .وما بيننا وبين سلع من بيت ول دار .قال
فطلعت من و رائه سحابة مثل الترس .فلما توسطت السماء
انتشرت .ثم أمطرت .قال :فل والله! ما رأينا الشمس ستًا .قال:
ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة .ورسول الله
ما .فقال :يا
صلى الله عليه وسلم قائم يخطب .فاستقبله قائ ً
رسول الله! هلكت الموال وانقطعت السبل .فادع الله يمسكها
عنا .قال :فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه .ثم قال:
"اللهم حولنا ول علينا ...اللهم على الكام والظراب ،وبطون
الودية ،ومنابت الشجر" فانقلعت .وخرجنا نمشى في الشمس.
قال شريك :فسألت أنس بن مالك :أهو الرجل الول؟ قال :ل
أدرى.
* وحدثنا داود بن رشيد .حدثنا الوليد بن مسلم عن الوزاعي.
حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك.
قال :أصابت الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على المنبر
يوم الجمعة .إذ قام أعرابي فقال :يا رسول الله! هلك المال
وجاع العيال .وساق الحديث بمعناه .وفيه قال" :اللهم حوالينا ول
علينا" قال :فما يشير بيده إلى ناحية إل تفرجت .حتى رأيت
المدينة في مثل الجوبة .وسال وادي قناة شهًرا .ولم يجيء أحدًا
من ناحية إل أخبر بجود.
* وحدثني عبد العلى بن حماد ومحمد بن أبي بكر المقدمي.
قال :حدثنا معتمر .حدثنا عبيد الله عن ثابت البناني ،عن أنس بن
مالك .قال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة .فقام إليه
الناس فصاحوا .وقالوا :يا نبي الله! قحط المطر ،واحمر الشجر،
وهلكت البهائم وساق الحديث .وفيه من رواية عبد العلى:
فتقشعت عن المدينة .فجعلت تمطر حواليها .وما تمطر بالمدينة
قطرة .فنظرت إلى المدينة وإنها لفي مثل الكليل.
* وحدثناه أبو كريب .حدثنا أبو أسامة عن سليمان بن المغيرة،
عن ثابت ،عن أنس ،بنحوه .وزاد :فألف الله بين السحاب .ومكثنا
حتى رأيت الرجل الشديد تهمه نفسه أن يأتي أهله.
* وحدثنا هارون بن سعيد اليلي .حدثنا ابن وهب.حدثني أسامة؛
أن حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك حدثه؛ أنه سمع أنس بن
مالك يقول:
جاء إعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة،
وهو على المنبر وإقتص الحديث .وزاد :فرأيت السحاب يتمزق
كأنه الملء حين تطوى.
192
* وحدثنا يحيى بن يحيى .أخبرنا جعفر بن سليمان عن ثابت
البناني ،عن أنس .قال :قال أنس :أصابنا ونحن مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم مطر .قال :فحسر رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثوبه .حتى أصابه من المطر .فقلنا :يا رسول الله! لم
صنعت هذا؟ قال" :لنه حديث عهد بربه تعالى".
--------------------
.21البرق بين العلم الحديث والكلم النبوي الشريف
البرق بين العلم الحديث والكلم النبوي الشريف
Lightning Between Science and Prophet Speech
بقلم المهندس عبد الدائم الكحيل
ملخص البحث
يتضمن هذا البحث كشفا ً جديدا ً في العجاز العلمي في السن ّةَ
النبويَّة المطهَّرة ،وذلك في حديث المرور على الصراط يوم
القيامة ،فأسرع ُ الناس يمّر كالبرق ،وآخرهم يزحف زحفاً .هذا
الحديث الشريف ينطوي على معجزة علمية في قول الرسول
الكريم عليه صلوات الله وسلمه( :ألم تروا إلى البرق كيف يمُّر
ويرجع في طرفة عين؟) [رواه مسلم] .ومن خلل البحث في
المعنى اللغوي الذي يحمله هذا الحديث العظيم ،ومقارنة ذلك
بآخر ما وصل إليه العلم في مجال هندسة البرق ،تبيَّن لنا
التطابق التام والكامل بين الكلم النبوي الشريف ،وبين ما كشفه
العلماء مؤخرا ً من عمليات معقدة ودقيقة جدا ً تحدث في ومضة
البرق.
فقد بينت التجارب الجديدة أن أي ومضة برق ليست مستمرة
كما نراها ،بل تتألف من عدة أطوار ،أهمها طور المرور وطور
ر" Stepped الرجوع ،أي ما يسميه العلماء اليوم بـ "القائد الما ّ
Leaderوهو الشعاع الذي يمر ويخطو من الغيمة باتجاه الرض،
و"الضربة الراجعة" Return Strokeوهي الشرارة التي ترجع باتجاه
الغيمة .أي أن شعاع البرق يمّر ثم يرجع خلل زمن غير مدرك
بالعين ،وهذا الزمن يقدر وسطيا ً بعشرات الجزاء من اللف من
الثانية.
وفي هذا البحث سوف نرى بأن الرسول العظم صلى الله عليه
وآله وسلم قد تحدّث بدقة بالغة عن هذه الطوار والمراحل بل
ل هذا في ما ل يتجاوز عدة كلمات ،بل إن وحدَّد زمنها أيضاً! وك ّ
الحديث الذي سنتناوله بالدراسة والتحليل العلمي ،يؤكد أن
الرسول صلى الله عليه وسلم هو أول من تحدَّث عن سرعة
البرق بوضوح كامل ،وهو أول من تحدَّث عن اللية الهندسية
193
الدقيقة للعمليات الفيزيائية التي تحدث في البرق ،وأول من حدّد
زمن هذه العمليات التي ل تدركها أعيننا.
مقدمة
ن علينا بهذا النبيالحمد لله الذي أكرمنا بنعمة اليمان ،وم َّ
الكريم عليه وعلى آله الصلة والسلم وبعد:
فإن الحديث عن ظاهرة البرق ظل مرتبطا ً بالخرافات والساطير
للف السنين ،وفي الزمن الذي عاش فيه رسول الله صلى الله
عليه وسلم ،أي في القرن السابع الميلدي لم يكن لحد علم
بالعمليات الدقيقة التي تحدث داخل البرق .ولكن الذي ل ينطق
عن الهوى والذي أرسله الله رحمة للعالمين حدثنا عن هذه
العمليات بكلمات قليلة في قوله عليه الصلة والسلم( :ألم تروا
إلى البرق كيف يمُّر ويرجع في طرفة عين؟) [رواه مسلم] .ففي
هذه الكلمات معجزة علمية شديدة الوضوح ،خصوصا ً إذا علمنا
أن العلماء يستخدمون نفس الكلمة النبوية من خلل تعبيرهم عن
طوري المرور والرجوع ،وأن هذين الطورين يستغرقان مدة من
الزمن تساوي تماما ً الزمن اللزم لطرفة العين!
ت معه رحلة في عالم ت بتأمل الحديث الشريف ،وبدأ ُ لقد بدأ ُ
المكتشفات العلمية وآخر ما توصل إليه العلماء من حقائق يقينية
َ
ثابتة حول هذه الظاهرة الجميلة والمخيفة .هذه الظاهرة ظل ّت
مستعصية الفهم أمام العلماء لقرون طويلة ،وبالرغم من التطور
العلمي والتقني الذي نراه اليوم ،إل أن اللية الدقيقة لحدوث
البرق لم تزل غامضة ( .)1ولكن في السنوات القليلة الماضية
استطاع العلماء فهم الخطوط العريضة لهندسة البرق والعمليات
الفيزيائية الساسية التي تحدث خلله.
ومن خلل هذا البحث سوف نثبت أن النسان ل يمكنه أبدا ً أن
يلحظ بالعين المجردة هذه الطوار ،والسبب هو أن الزمن اللزم
لكل طور يقاس بأجزاء من اللف من الثانية ،وبالطبع ل تستطيع
العين أن تحلّل المعلومات القادمة إليها خلل زمن كهذا ،وهذا
يثبت أن الرسول الكريم يحدثنا عن أشياء لم نتمكَّن من رؤيتها
إل بأجهزة التصوير المتطورة والتي تلتقط أكثر من ألف صورة
في كل ثانية(.)2
ل اتفاق من قبل هنالك عمليات تحدث داخل البرق وهي مح ّ
جميع العلماء ،ويمكن رؤيتها اليوم بفضل هذه الكاميرات الرقمية
المتطورة ،كما يمكن اعتبار هذه العمليات كحقائق يقينية ل ش ّ
ك
فيها .وعلى الرغم من التطور التقني الكبير لهذه الجهزة تبقى
المراحل الدقيقة للبرق لغزا ً محيرا ً للعلماء.
194
ففي ظل الظروف السائدة داخل شعاع البرق ل يمكن لي جهاز
أن يتحمل ضخامة الحرارة والتوتر العالي جداً .فدرجة الحرارة
تصل إلى 30ألف درجة مئوية ،أي خمسة أضعاف حرارة سطح
الشمس! ويصل التوتر الكهربائي إلى مليين الفولتات ،وبالتالي
تُعتبر دراسة البرق من أصعب أنواع الدراسة وأكثرها تعقيداً ،لن
زمن المراحل التي تشكل ومضة البرق من مرتبة المايكرو ثانية،
أي جزء من المليون من الثانية ،وهذه صعبة الدراك.
سوف نرى معجزة نبوية أيضا ً في هذا الحديث تتمثل في إشارة
الرسول العظم عليه الصلة والسلم إلى سرعة البرق وأنه
يستغرق زمنا ً ليمر ،وليس كما كان العتقاد السائد أن البرق
حح يقطع أي مسافة دون الحاجة إلى زمن بل بلمح البصر .فص َّ
هذا النبي الكريم المعتقد الخاطئ بكل صراحة ووضوح.
إنه بحق حديث يفيض بالمعجزات ،ولو كان هذا الحديث من
اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه أو أصحابه إذن
ل على أن كل كلمة لمتزج بخرافات وأساطير عصره ،وهذا يد ّ
ي من عند خالق البرق نطق بها سيد البشر وخير الخلق هي وح ٌ
سبحانه وتعالى ،وأن الله أعطى الرسول الكريم القرآن وأعطاه
مثله معه ،والمعجزة التي سنراها في هذا البحث تثبت أن
الرسول على حق وأن السلم دين علم وليس كما يدعي أعداؤه
أنه دين تخلف وأساطير!
وسوف نرى أيضا ً التطابق الكامل بين ما جاء به محمد صلى الله
عليه وسلم في القرن السابع الميلدي ،وبين ما توصل إليه
العلماء في القرن الحادي والعشرين .وأن هذا الحديث الشريف
هو من دلئل نبوّة المصطفى عليه الصلة والسلم ،وأنه حقا ً كما
َ
ي
ح ٌن هُوَ إ ِ ّل وَ ْ
ن ال ْ َهوَى * إ ِ ْ
ما يَنْطِقُ ع َ ِ
وصفه الله تعالى بقوله(:وَ َ
حى) [النجم.]4-3 :يُو َ
حقائق تاريخية
ظلت ظاهرة البرق حدثا ً مخيفا ً ومحيِّرا ً للعلماء على مدى قرون
طويلة ،ونُسجت الساطير الكثيرة حول منشأ البرق وتأثيراته،
فكل حضارة كانت تنظر إلى هذه الظاهرة على أنها حدث
مقدس يرتبط باللهة ،وكل حضارة كانت تحاول إعطاء تفسير
لهذا الحدث المرعب .ففي الميثولوجيا الغريقية مثل ً كان البرق
هو سلح الله زيوس ،الذي استخدمه لقتل أعدائه( .)3على حد
زعمهم المفترى.
ثم جاء العصر الحديث عندما قام العلماء بتجارب متعددة منذ
منتصف القرن السابع عشر الميلدي وحتى يومنا هذا ،أي على
مدى أكثر من قرنين ونصف ،قام خللها العلماء بآلف التجارب
195
في سبيل فهم هذه الظاهرة المحيرة ،والتي ل تزال التفاصيل
الدقيقة مجهولة تماما ً بالنسبة لنا حتى الن.
ففي النصف الثاني من القرن الثامن عشر قام بنيامين فرانكلين
Benjamin Franklinبأول تجربة علمية منظّمة أثبت من خللها
الطبيعة الكهربائية للبرق ،وأن البرق ما هو إل شرارة كهربائية
ناتجة عن التقاء شحنتين كهربائيتين متعاكستين .فقد قام هذا
العالم بربط سلك من الحرير إلى طائرة ورقية وأرسله عالياً
أثناء وجود غيوم كثيفة وممطرة ،أي أثناء وجود عاصفة رعدية،
وربط نهاية السلك بقضيب معدني وغلفه بعازل من الشمع لكي
ل تتسبب الشرارة القوية بقتله.
وقد نجحت التجربة ،وعندما قَّرب القضيب من الرض انطلقت
شرارة قوية تشبه شرارة البرق ،فأثبت بذلك هوية البرق
الكهربائية وآلية حدوثه ،ولكن النتائج التي حصل عليها كانت
متواضعة جدا ً ولم يستطع إدراك العمليات الدقيقة التي تسبب
هذه الشرارة القوية.
أما الفيزيائي السويدي رتشمان ,G. W. Richmannوالذي قام بتجربة
أثبت فيها أن الغيوم الرعدية تحوي شحنات كهربائية ،وقد قُتِل
بسبب صدمة البرق التي تعرض لها أثناء قيامه بالتجارب.
واستمرت التجارب ،ولكن المعرفة بالبرق بقيت متواضعة حتى
نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ،عندما أصبح
التصوير الفوتوغرافي ممكناً ،عندها أصبح بإمكان العلماء التقاط
صور لومضات البرق ومن ثم تحليلها ومعرفة بعض تفاصيلها التي
ل تدركها عين النسان.
ولكن أجهزة التصوير كانت بطيئة وبقيت العمليات الدقيقة التي
ترافق ظاهرة البرق مجهولة حتى الستينات من القرن العشرين،
حيث تطورت التجارب وازداد الهتمام بها لتجنب صدمات البرق
التي تتعرض لها المراكب الفضائية والطائرات والمنشآت
الصناعية .وقد أمكن استخدام التصوير السريع والمراكب
الفضائية والرادارات والحاسوب لمعالجة ودراسة البيانات التي
قدمتها مختبرات مراقبة البرق (.)4
وقد استطاع العلماء أخيرا ً بفضل التصوير فائق السرعة
والمعالجة الرقمية للبيانات أن يثبتوا أن ومضة البرق الواحدة قد
تتألف من عدة ضربات ،وكل ضربة تتألف من عدة مراحل أو
أطوار .وقد تم قياس الزمنة لكل مرحلة بدقة كبيرة ،ورؤية هذه
المراحل ،ولم يتحقق هذا إل في نهاية القرن العشرين ،وبداية
القرن الحادي والعشرين.
أنواع البرق
196
قبل البدء بالتعرف على أسرار البرق وتفاصيله الدقيقة نود أن
نعّرِف القارئ الكريم بأهم أنواع البرق والتي قد ل تخطر بباله،
لبيان مدى تعقيد هذه الظاهرة والتنوع الكبير في ضربات البرق،
فالبرق يمكن أن يضرب في أي مكان على الرض أو في
السماء.
يحدث البرق على عدة أنواع حسب مكان وجود الشحنتين
الموجبة والسالبة .وقد دلّت الحصائيات الحديثة أنه في كل ثانية
هنالك مئة ضربة برق على سطح الكرة الرضية (.)Uman,1984
وجميع هذه الضربات متشابهة من حيث آلية الحدوث وزمنه.
أكثر النواع شيوعا ً وأهمية هو البرق الناتج من التقاء شحنتين
متعاكستين بين الغيمة والرض .فغالبا ً ما تكون الغيمة ذات شحنة
سالبة عند الجهة القريبة من الرض ،أما سطح الرض فيكون ذا
شحنة موجبة ،ويسمي العلماء هذا النوع "غيمة-أرض" أي Cloud-
Groundواختصارا ً يرمز لهذا النوع بالحرفين .CG
أما النوع الثاني فهو ما يحدث بين الغيمة وغيمة أخرى ،وبما أن
الوسط الذي تتجمع فيه الغيوم يمتلئ بالحقول الكهربائية فإن
احتمال تلمس الشحنات المتعاكسة والتقائها كبير جداً ،ولذلك
فإن هذا النوع يمثل ثلثة أرباع ضربات البرق ،والتي تقدر كما
قلنا بمئة ضربة في كل ثانية وذلك في مختلف أنحاء العالم.
ويعرف هذا النوع ببرق "غيمة-غيمة" أي Cloud-Cloudويرمز له
بالحرفين .CC
أما النوع الثالث فهو ما يحدث بين الغيمة والهواء .حيث تكون
ملة بشحنة كهربائية ،والهواء المحيط بها من أحد الغيمة مح ّ
جوانبها يحمل شحنة معاكسة .ويعرف هذا النوع بـ "غيمة-هواء"
أي Cloud-Airويرمز له بالرمز .CA
البرق من الفضاء
البرق بين الغيمة وطبقات الجو العليا ،ويحدث هذا البرق بين
الطبقات العليا في الغيوم وبين طبقة اليونوسفير والتي تحوي
حقل ً كهربائياً ،وقد أمكن رؤية برق كهذا بواسطة أجهزة التصوير
المثبتة على القمار الصطناعية (.)5
وهنالك أنواع أخرى كثيرة نذكر منها ما يحدث داخل الغيمة ذاتها،
وإذا علمنا بأن أية غيمة تحمل شحنة موجبة في أحد طرفيها ،فل
بد أن تحمل شحنة سالبة في طرفها المقابل ،وهكذا وفي
ظروف العواصف الرعدية يحدث التلمس ويتحقق البرق الذي
يضيء الرض ولكنه ل يصل إليها.
هنالك أيضا ً البرق الناتج بين غيمة وهدف على الرض ،مثل
شجرة أو بيت أو عمود كهرباء .وفي جميع هذه النواع تتم
197
المراحل ذاتها ،بنفس المرور والرجوع لشعاع البرق ،وبنفس
السرعة ونفس الزمن.
كما أن العلماء يعددون أنواعا ً ل يمكن إحصاؤها من البرق ،مثل
كرة البرق ،والبرق الصيفي ،وهو ما يحدث في أشهر الصيف،
والبرق الموجب والبرق السالب ،والبرق الصفائحي ،وغير ذلك
كثير( .)6كما أن العلماء رصدوا ضربات برق على بعض الكواكب
مثل المشتري وكانت أشد بمئة مرة من تلك الضربات على
الرض [.]2
الغيوم الرعدية
إن البرق ل يحدث في أية غيوم ،بل هنالك غيوم محددة يسميها
العلماء بالغيوم الرعدية ،وهي البيئة المناسبة لحدوث البرق ،وقد
تكون هنالك غيمة واحدة أو عدة غيوم وهو الغلب .وهذه الغيوم
تكون عادة ممتلئة بالحقول الكهربائية بسبب الرياح التي تسوق
جزيئات بخار الماء وتدفعه للعلى وتسبب احتكاك هذه الجزيئات
بعضها ببعض مما يولد هذه الحقول الكهربائية .فنجد أن الغيمة
تتجمع فيها بنفس الوقت شحنات سالبة وأخرى موجبة ،وغالبا ً ما
ترتفع الشحنات الموجبة للعلى وتبقى السالبة في أسفل الغيمة
من الجهة القريبة من الرض.
إن ضربات البرق ما هي إل تفريغ للكهرباء الموجودة على
الغيوم ،فلذلك يعمل البرق كصمام أمان ،لن هذه الشحنات
العملقة إذا زادت كثيرا ً فإنها تؤدي إلى تكهرب الجو بكامله؛
تماما ً مثل البطارية إذا ظللنا نشحنها فإنها ستنفجر في النهاية.
فسبحان الله!
حقائق وأرقام
ولكي نأخذ فكرة أوسع عن البرق الذي يحدث على الرض نتأمل
هذه الحصائيات (:)7
ـ في كل ثانية هنالك مئة ومضة برق في العالم.
ـ وفي كل يوم هنالك 8,6مليون ضربة برق.
ـ وفي سنة واحدة يحدث في الوليات المتحدة المريكية فقط 20
مليون ضربة برق.
ـ كل ومضة برق تولد توترا ً يتراوح من 100مليون وحتى 1000
مليون فولت.
ـ كل ومضة برق تنتج تيارا ً من 10آلف أمبير وحتى 200ألف
أمبير.
ـ إذا نظرنا للكرة الرضية في أية لحظة نرى فيها 2000عاصفة
رعدية تحدث في نفس اللحظة.
العمليات الدقيقة داخل البرق
198
نعلم من قوانين الكهرباء أنه عندما تلتقي الشحنات المتعاكسة
ينتج عنها ومضة أو شرارة كهربائية ،وهذا ما يحدث في البرق.
فالغيوم تتكون نتيجة تجمع جزيئات البخار المرتفع من الرض،
ملة بشحنات كهربائية موجبة وسالبة هذه الجزيئات تكون مح َّ
نتيجة تفاعلها واحتكاكها واصطدامها ،وكما قلنا غالبا ً ما تكون
الشحنات السالبة في أسفل الغيمة من الجهة القريبة من
الرض ،وذلك بسبب تأثير الجاذبية التي تقوم بدورها في توزيع
الشحنات ،وتكون الشحنة الموجبة في أعلى الغيمة ،وهذا يحدث
في ما يسمى بالغيوم الرعدية التي تسبب البرق دائماً.
إن الشحنة الكهربائية أو ما يسمى بالكهرباء الساكنة هي تماماً
س به عندما نلمس قبضة الباب بعد احتكاك أقدامنا ما نح ّ
س بلدغة بالسجادة ،أو عندما نلمس شاشة الكومبيوتر أحيانا ً فنح ّ
كهرباء خفيفة ،وما هي إل عبارة عن شرارة برق مصغرة!
وعندما نجري تلمسا ً بين سلكين كهربائيين أحدهما موجب
والخر سالب فإننا نرى شرارة تتولد بينهما.
عندما يكون هنالك زيادة في عدد اللكترونات ذات الشحنة
السالبة فهذا يعني وجود حقل كهربائي سالب ،أما عند زيادة عدد
البروتونات الموجبة فهذا يعني وجود شحنة أو حقل كهربائي
موجب.
وعندما تتجمع كميات مناسبة من اللكترونات في أسفل الغيمة
تنتقل هذه الشحنات السالبة بواسطة الهواء الرطب الموجود بين
الغيمة وسطح الرض ،وتقترب من سطح الرض ذي الشحنة
الموجبة ،ينطلق شعاع البرق القادم من الغيمة وتتشكل قناة
دقيقة جدا ً في قاعدة الغيمة .وبسبب وجود حقل كهربائي بين
الغيمة والرض ينطلق ما يسميه العلماء الشعاع "القائد "Leader
باتجاه الرض ،وهذا الشعاع الذي يمّر ويخطو بخطوات متتالية هو
أول مرحلة من مراحل البرق .وعندما يصل هذا القائد إلى الرض
وبفعل الحقل السالب الذي يحيط به يجذب إليه الشحنات
الموجبة الموجودة بالقرب من سطح الرض ،وتتحرك هذه
الشحنات الموجبة باتجاه الشعاع القائد وتصطدم به على ارتفاع
عشرات المتار عن سطح الرض ،وتتشكل قناة اتصال بين
الغيمة والرض.
وعندها تنهار عازلية الهواء ويصبح ناقل ً للكهرباء ويتولد تيار
كهربائي قوي ينير على شكل ومضة باتجاه العلى ،ويدعى طور
الرجوع ، Return Strokeوهذه الضربة الراجعة هي ما نراه فعل ً لن
معظم الضوء يتولد عنها .وهذه الضربة الراجعة تستغرق أقل من
100مايكرو ثانية وتُنتج التيار الراجع والذي يقدر ب 30ألف أمبير.
199
وبعد ذلك تمر فترة توقف مدتها من 20وحتى 50ميلي ثانية ثم
تتكرر العملية من جديد باستخدام نفس القناة التي تم تأسيسها
من قبل ،وهكذا عدة ضربات .وقد تكون ومضة البرق مفردة أو
متعددة حسب كمية الشحنات المتوفرة بين الغيمة والرض،
وحسب الظروف الجوية السائدة .وقد يصل عددها إلى عشر
ضربات متتالية وسريعة ولكننا نراها ومضة برق واحدة ول ندرك
مرور ورجوع البرق بأعيننا (.)8
قد يحدث العكس أحياناً ،فتأتي الشحنة الموجبة من الغيمة باتجاه
الشحنة السالبة للرض ،وتتولد الومضة الموجبة وهذه تكون
وحيدة وعنيفة ول يتبعها ضربات أخرى.
في أقل من نصف ثانية تحدث 4-3ضربات برق كلها نراها في
ومضة برق واحدة .ويمكن أن يصل التيار الناتج من الضربة
الراجعة إلى 200ألف أمبير ،وتسير الضربة الراجعة بسرعة تصل
إلى نصف سرعة الضوء (.)9
البرق خطوة خطوة
ً
لكي نسهل رؤية ما يحدث تماما في البرق نستعين بالرسوم
التوضيحية ( .)10وهذه الرسوم هي تقريب لما يحدث ،والواقع أن
ضخامة وسرعة العمليات الخاطفة في شرارة البرق ل يمكن
إدراكها أبداً.
-1يبدأ البرق بالخطوة الولى المتمثلة بانطلق شعاع يسميه
العلماء بالقائدLeader ،وهذا الشعاع ل ينزل دفعة واحدة ،بل يمّر
مرورا ً على شكل خطوات .وغالبا ً ما تكون شحنة هذا الشعاع
سالبة أما شحنة الرض فهي موجبة.
* الخطوة الولى :تبدأ شحنة سالبة دقيقة تدعى القائد الماّر
بالنطلق من الغيمة باتجاه الرض على خطوات طول كل منها
50مترا ً بزمن 1مايكرو ثانية ،ويتفرع هذا الشعاع إلى عدة فروع
ويحمل بحدود 100مليون فولت ،ويأخذ فترة توقف بين الخطوة
والخرى مقدارها 50مايكرو ثانية ،ويبقى يتقدم حتى يجد هدفاً
ليصطدم به ،وإل فيرجع ويعيد الكرة .ويتألف الشعاع الواحد من
عشرة آلف خطوة!!
-2ثم تأتي الخطوة الثانية ليصل هذا الشعاع إلى هدفه على
الرض ويصطدم مع شحنتها الموجبة ،ويحدث التصادم عادة فوق
سطح الرض على ارتفاع عشرات المتار.
* الخطوة الثانية :حالما يصل الشعاع القائد إلى الرض يبدأ
بجذب الشحنة الموجبة على سطح الرض ،وبسبب الشحنة
الضخمة التي يحملها هذا الشعاع فإنه يؤسس قناة من الرض
200
للغيمة والتي ستجري داخلها الشحنات ،ويحدث اللقاء بين
الشحنتين على ارتفاع 100-30متر فوق سطح الرض.
-3أما الخطوة الثالثة ففيها يبدأ تدفق الشحنة السالبة من الغيمة
باتجاه الرض ،وذلك على طول القناة التي أسسها الشعاع
القائد.
* الخطوة الثالثة :وفيها تبدأ الشحنة السالبة بالتدفق إلى الرض،
وتجذب إليها الشحنة الموجبة من الرض.
-4فيما بعد تتم أهم خطوة وهي الضربة الراجعة من الرض
باتجاه الغيمة ،ومع أننا نظن بأن البرق يتجه من الغيمة إلى
الرض ،إل أن الحقيقة هي أن الشعاع يتجه من الرض راجعاً
باتجاه الغيمة ،ولكن سرعة العملية تجعلنا نرى العكس.
* الخطوة الرابعة :تبدأ الضربة الراجعة على شكل موجه موجبة
بسرعة أكثر من 100ألف كيلو متر في الثانية ،بالتوجه نحو العلى
وينتج تيار كهربائي الذي يستغرق 1مايكرو ثانية للوصول إلى 30
ألف أمبير وسطياً ،وتنتج هذا البرق الراجع أكثر من %99من
إضاءة البرق وهو ما نراه فعل ً أي نرى رجوع البرق من الرض
باتجاه العلى.
-5وأخيرا ً تنتهي ضربة البرق بصعود الشعاع الراجع إلى الغيمة،
وتكون هنالك فترة توقف تقدر بعشرات الجزاء من اللف من
الثانية ،ثم ترجع الضربة لتتكرر من جديد بنفس الخطوات ،وهكذا
يمكن أن تتكرر ضربة البرق عددا ً من المرات لتعطي ومضة
واحدة .وقد تم تسجيل 47ضربة برق في ومضة واحدة ،إن
الزمن الفاصل بين الضربات هو عشرات الجزاء من اللف من
الثانية(.)11
* الخطوة الخامسة :بعد عودة الشعاع الراجع هنالك فترة توقف
50-20ميلي ثانية ،فإذا توفرت شحنات كافية في الغيمة فإن هذه
الضربة ترجع وتتكرر وتستخدم نفس القناة التي تم تأسيسها من
قبل.
والن وبعدما رأينا نتائج وأبحاث وتجارب استمرت قرنين ونصف
من الزمن ،وبعدما رأينا علماء أفنوا حياتهم ومنهم من مات في
سبيل معرفة هوية البرق وأطواره ومراحله ،وكم من الموال قد
صرفت في سبيل التعرف على ضربة برق ل يتجاوز زمنها طرفة
العين! نأتي بعد هذه الحقائق العلمية لنرى الحقائق النبوية،
ي الذي علّم العلماء،
ونعيش رحلة ممتعة مع كلم النبي الم ّ
ونقارن ونتدبر ،ونتساءل :أليس هذا الحديث الشريف يطابق
ويوافق مئة بالمئة ما توصل إليه العلماء اليوم؟!
حديث يفيض بالمعجزات
201
تحدث الرسول العظم عليه صلوات الله وسلمه عن يوم
القيامة ومرور الناس على الصراط ،وعن سرعة مرور كل منهم
حسب عمله في الدنيا .فأحسنُهم عمل ً هو أسرع ُهم مرورا ً على
الصراط ،وهذا هو سيدنا أبو هريرة رضي الله تعالى عنه يقول
على لسان سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم( :فيمُّر
أوَّلكم كالبرق)! فيقول أبو هريرة :بأبي أنت وأمي أيّ شيء كمّر
البرق؟ قال عليه الصلة والسلم(:ألم تروا إلى البرق كيف يمُّر
ويرجع في طرفة عين؟)[رواه مسلم] (.)12
الشارة الولى
الواضح من خلل هذا الحديث أن الصحابي راوي الحديث رضوان
الله عليه استغرب من تعبير الرسول الكريم صلى الله عليه
وسلم حول مرور البرق وحركته وسرعته .فقد كانوا يظنون أن
البرق والضوء ل يحتاج إلى زمن ليمّر! بل لم يكن أحد يتخيل أن
للضوء سرعة! فقد كانوا يعتقدون أن الضوء يسير بلمح البصر،
ولذلك قال هذا الصحابي الجليل( :بأبي أنت وأمي أي شيء كمّرِ
البرق؟)! فقد تعجب من قوله عليه الصلة والسلم (كمّر البرق)
إذ لم يكن يتصوّر أن البرق يمّر ويتحرك ويسير!!
وهذه هي أول إشارة نلمسها في الحديث الشريف إلى أن البرق
يسير بسرعة محددة .ففي قوله صلى الله عليه وسلم( :فيمُّر
أوَّلكم كالبرق) ،إشارة واضحة جدا ً إلى وجود زمن لمرور وتحرك
البرق! وكما قلنا كان العتقاد السائد وحتى زمن قريب هو أن
البرق والضوء ل يحتاجان لزمن ليمّرا .ولكن الحقائق العلمية
التي رأيناها في هذا البحث تثبت أن البرق يمّر ويخطو ويتحرك.
وكما رأينا تسير الضربة الراجعة بسرعة أكثر من مئة ألف كيلو
متر في الثانية .ومع أننا ل ندرك هذه السرعة بأبصارنا إل أن
الصادق المصدوق عليه الصلة والسلم حدثنا عنها وأشار إليها
في قوله (كيف يمُّر ويرجع).
الشارة الثانية في هذا الحديث الشريف
وتتضمن آلية مرور البرق ورجوعه في قوله عليه الصلة
والسلم( :ألم تروا إلى البرق كيف يمُّر ويرجع في طرفة
عين؟)،وهذا ما كشفه العلم مؤخراً .فقد انتهى العلماء كما
شاهدنا من خلل الحقائق الواردة إلى أن البرق ما هو إل شرارة
كهربائية ضخمة ،هذه الشرارة تحدث نتيجة تلمس الشحنة
الكهربائية السالبة الموجودة في الغيمة مع الشحنة الكهربائية
الموجبة الموجودة في الرض ،وأن هنالك طورين رئيسيين ل
يمكن لومضة البرق أن تحدث من دونهما أبداً ،وهما طور المرور
وطور الرجوع.
202
وتأمل معي هذه المصطلحات العلمية ،فكلمة " "Stepالتي
يستخدمها العلماء للتعبير عن المرحلة الولى تعني "يخطو أو
يمر" ،وكذلك كلمة " "Returnوالتي يستخدمها العلماء للتعبير عن
طور الرجوع تعني "يرجع" ،بما يتطابق مع التعابير النبوية
الشريفة!! وهذا يدل على دقة الكلم النبوي الشريف ومطابقته
للحقائق العلمية بشكل كامل .ولكن ماذا يعني أن يستخدم
العلماء اليوم التعابير النبوية ذاتها؟
إنه يعني شيئا ً واحدا ً أل وهو أن الرسول الكريم حدثنا عن حقائق
يقينية وكأننا نراها ،وذلك قبل أن يراها علماء عصرنا هذا .ويدل
أيضا ً على إعجاز غيبي في كلم هذا النبي المي عليه الصلة
والسلم .فم الذي أخبره بأن العلماء بعده بأربعة عشر قرناً
سيستخدمون هذه الكلمات؟؟ ولو كان الرسول العظم كما
َ
يدَّعون أنه تعل ّم هذه العلوم من علماء عصره ،إذن لجاءنا
بالساطير والخرافات السائدة والتي كان يعتقد بها علماء ذلك
الزمان!!
الشارة الثالثة
هنالك إشارة رائعة في الحديث النبوي إلى الزمن اللزم لحدوث
البرق ،فقد حدده الرسول العظم عليه وآله الصلة والسلم
بطرفة عين! والعمل الذي قمت به ببساطة أنني بحثت في
اكتشافات العلماء وقياساتهم الحديثة للزمن الذي تستغرقه
موجة البرق ذهابا ً وإيابا ً أي كم يستغرق البرق ليمّر ويرجع؟
فوجدت بأن الزمن هو أجزاء قليلة من الثانية ،ويختلف هذا
الزمن من مكان لخر ومن وقت لخر ،ومتوسط زمن البرق هو
عشرات الجزاء من اللف من الثانية (.)13
وبدأت أتساءل :هل هنالك علقة بين الزمن اللزم لضربة البرق،
وبين الزمن اللزم لطرفة العين؟ وإذا كانت الزمنة متساوية إذن
يكون الحديث الشريف قد حدَّد زمن ضربة البرق قبل العلماء
بأربعة عشر قرناً .وكانت المفاجأة وهي أنني عندما بحثت عن
زمن طرفة العين والمدَّة التي تبقى فيها العين مغلقة خلل هذه
ت بأن الزمن هو أيضا ً عشرات الجزاء من اللف الطرفة ،وجد ُ
من الثانية!!! وهو نفس الزمن اللزم لضربة البرق (.)14
ت بأن زمن ضربة البرق يختلف من غيمة لخرى حسب ووجد ُ
بعدها عن الرض وحسب الظروف الجوية المحيطة ،ولكن هذا
الزمن يبقى مقدرا ً بعدة عشرات من الميلي ثانية ،وكذلك الزمن
اللزم لطرفة العين يختلف من إنسان لخر حسب الحالة
النفسية والفيزيولوجية ،ولكنه أيضا ً يبقى مقدرا ً بعدة عشرات
من الميلي ثانية.
203
وسبحان الله! ما هذه الدقة في تحديد الزمنة؟ أعطانا رسول
الله صلى الله عليه وسلم الزمن والمجال الذي يتراوح ضمنه هذا
الزمن ،فهل بعد هذا العجاز كلم لحد بأن أحاديث الرسول
صلى الله عليه وسلم ليست معجزة من الناحية العلمية
والكونية؟
رد ّ على شبهة
وقد يدعي بعضهم أن الرسول الكريم لم يأت بشيء جديد! فأي
بدوي يعيش في الصحراء ويراقب ظواهر الطبيعة يمكن أن يرى
مرور البرق ورجوعه! وهذا الكلم غير منطقي وغير علمي،
ولكي ل ندع مجال ً لكل من يعتقد بذلك ليشكك بإعجاز هذا
الحديث ،فإننا نتوجه للعلماء بسؤال :هل يمكن ملحظة عمليات
البرق هذه بالعين البشرية؟
وطبعا ً نجد الجواب بالنفي ،فالعين ل يمكن أبدا أن تلحظ
ً
الحداث التي تتم في أجزاء من اللف من الثانية ،فعلى الرغم
من أننا نرى وميض البرق يبدو وكأنه مستمر ،إل أن الدراسة
الدقيقة أظهرت وجود عمليات ومراحل متتالية تتم خلل زمن
قصير جدا ً ل يمكن إدراكه بالعين.
وهذه دراسة حول البرق يقول صاحبها بالحرف الواحد (:)15
"A single flash is usually composed of many distinct luminous events (strokes) that
."often occur in such rapid succession that the human eye cannot resolve them
ومعنى هذا الكلم":الومضة الواحدة تتألف عادة من أطوار
متعددة النارة ،ولكنها تحدث بتعاقب سريع ل يمكن للعين
البشرية أن تحلّله".
ويمكن القول :إن أية محاولة لنقد هذا الحديث الشريف أو
التقليل من أهميته العلمية لن تنجح ،وذلك لنه شديد الوضوح.
ولكي ندفع أي شك في ذلك فسوف نلجأ إلى اللغة العربية
ونبحث عن المعنى المباشر لكلمتي (يمّر) و(يرجع) ،لندرك بما ل
يقبل الشك أن ما تعنيه هاتين الكلمتين مطابق تماما ً لما رأيناه
في هذا البحث.
المعنى المباشر للكلمتين
َ
مًّرا أي اجتاز .و مُّر َمَّر علـيه وبه ي َ ُ
جاء في لسان العرب" :مررَ :
مَّر
ب ،واستمّر مثله .قال ابن سيدهَ : مروراً :ذَهَ َ مًّرا و ُ مُّر َ مَّر ي َ َُ
مرورا ً جاء وذهب" .وجاء في القاموس المحيط معنى مًّرا و ُ مُّر َ يَ ُ
مَّرهُ ،ومّر به :جاَز عليه. بَ .مروراً :جاَز وذَهَ َ مّرا ً و ُمَّر َ(مّر)َ " :
ضى على طَريقَةٍ واحدَةٍ". م َ مَّرَ :ست َ َ وا ْ
204
ع
ج ُ
جعَ يَْر ِ
جعَ) فنجد معناها في القاموس المحيطَ" :ر َ أما كلمة (َر َ
جعاً ،ورجع الشيء َ
صَرفَه وَردَّه ،الَّرجيعُ من الكلمِ: ُرجوعا ً و َ
مْر ِ
م :عاوَدَه". جعَه الكل َ
حبِه ،ورا َ
مْردود ُ إلى صا ِ ال َ
ونلحظ المعنى الواضح لمرور البرق ،أي ذهابه ثم رجوعه أي
ردّه ومعاودته وسلوكه للطريق ذاتها ،أي استخدام نفس القناة
التي تم تأسيسها من قبل .وفي كلتا الكلمتين نلحظ إشارة
للتكرار والمعاودة ،وهذا ما يحدث تماما ً في ومضة البرق من
تعدد لضربات البرق وتكرارها ورجوعها ومعاودتها المراحل ذاتها.
الشارة الرابعة
في قول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم (ألم تروا) ،معجزة
علمية أيضاً ،ففي عصر الصحابة وهم المعنيون بالحديث ،فإنهم
لم يدركوا هذا المعنى العلمي لمرور البرق ورجوعه ،بسبب عدم
وجود وسائل لقياس زمن البرق في عصرهم .ولكنهم صدَّقوا كل
كلمة يقولها نبيّهم وقدوتهم وأسوتهم محمد عليه وآله الصلة
والسلم .وبما أننا استطعنا اليوم رؤية مرور البرق ورجوعه ،أي
تحقّق قولُه صلى الله عليه وسلم( :ألم تروا إلى البرق كيف يمُّر
ويرجع؟) ،أل تظن معي أن الحديث النبوي الشريف يخاطب
علماء هذا العصر!؟
كذلك في تشبيه الرسول الكريم عليه الصلة والسلم للبرق
بطرفة العين كل الدقة العلمية ،وليس غريبا ً أن نجد أن العلماء
اليوم يستخدمون التعبير النبوي ذاته!! وهذه إحدى الدراسات عن
البرق والرعد يصف مؤلفها ضربة البرق وما تحدثه من تسخين
وتمدد وتقلص للهواء (:)16
A lightning strike can heat the air in a fraction of a second. When air is heated that
quickly, it expands violently and then contracts, like an explosion that happens in the
.blink of an eye
وهذا يعني:
"ضربة البرق تسخن الهواء في جزء من الثانية .عندما يسخن
الهواء بسرعة ،يتمدد بعنف ثم يتقلص ،مثل انفجار يحدث في
طرفة عين".
إذن علماء عصر الفضاء والذرة والكومبيوتر يستخدمون التشبيه
النبوي ذاته ،أل يعني ذلك أن العلم النبوي أعظم وأكبر من علوم
البشر؟ أل يعني هذا أن الكلم الذي جاء به رسول الله ل يمكن
أن يكون من عنده ،بل هو من عند الله تعالى؟ أكرمه بالمعجزات
في كلمه أثناء حياته وبعد موته وإلى يوم القيامة ،لتكون أحاديث
الرسول الكريم شاهدة على صدق رسالته للناس جميعاً.
نتائج البحث ووجوه العجاز
205
لنلخص أهم النتائج التي توصلنا إليها في هذا البحث والتي تمثل
معجزات علمية في مجال هندسة الكهرباء والبرق ،جميعها في
كلمات ل يتجاوز عددها السطر الواحد:
من الحديث الشريف إشارة واضحة لتحرك البرق ومروره -1تض ّ
وأنه يسير بسرعة محددة ،وليس كما كان يُظن ويعتقد بأن البرق
يسير بلمح البصر ول وجود لي زمن.
من الحديث إشارة إلى أطوار البرق التي اكتشفها العلماء -2تض ّ
حديثاً ،وأن البرق يحدث على مراحل وليس كما كان يعتقد أنه
يحدث دفعة واحدة ،أي أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
حدد المراحل الساسية التي يحدث خللها البرق ،ومن دونها ل
يمكن لضربة البرق أن تحدث أبداً.
-3حدّد الحديث الشريف اسم كل مرحلة (يمّر ويرجع) ،باسمها
الحقيقي والفعلي ،وبما يتناسب مع السم العلمي لها .أيضاً
حح ما الرسول الكريم هو أول من تحدث عن رجوع البرق وص ّ
نتوهمه من أننا نرى ومضة واحدة ،والحقيقة أن هنالك عدة
ضربات راجعة.
-4حدّد الحديث النبوي زمن ضربة البرق الواحدة بطرفة عين،
وقد رأينا كيف تساوى هذان الزمنان ،أي أن التشبيه النبوي
للبرق بطرفة عين هو تشبيه دقيق جدا ً من الناحية العلمية.
خاتمة
وفي ختام هذا البحث ل بد ّ من الجابة عن سؤال قد يخطر ببال
من يقرأ هذا البحث للمرة الولى :إذا كان هذا الحديث يتضمن
كل هذه الدقة العلمية والتفاصيل حول عملية البرق المعقدة،
فلماذا لم يكتشف علماء المسلمين هذه المراحل؟ بل على
العكس فإننا نرى بأن علماء الغرب وهم من غير المسلمين
يكتشفون هذه العمليات وهم لم يقرءوا هذا الحديث ولم يطلعوا
عليه؟
والجواب ببساطة أن المسلمين يصدّقوا كل ما جاء به محمد
عليه الصلة والسلم ،ولكن غير المسلم هو من سيستفيد من
هذه الحقائق وهذه المعجزات لتكون برهانا ً ملموسا ً له على
صدق رسالة السلم .فالنبي عليه الصلة والسلم عندما يخاطب
الملحدين بحقائق علمية هم من سيكتشفها فإن هذا قمة التفوق
والقناع بأن الرسول على حق!
والشيء المعجز حقا ً أ ،الرسول العظم استخدم هذه المعجزة
العلمية أثناء الحديث عن القيامة التي ينكرها الملحدون ،وكأنه
يريد أن يخاطبهم بلغة العلم التي يفهمونها جيدا ً ويؤكد لهم :كما
أنهم رأوا حقيقة مرور البرق ورجوعه وهي حقيقة يقينية ،فكذلك
206
سوف يرون حقيقة يوم القيامة والمرور على الصراط .أليس
السلم يخاطب أعداءه بلغة العلم؟
أما المؤمن يزداد إيمانا ً عندما يرى هذه المعجزة النبوية ،وإذا لم
تتيسر له رؤية هذه المعجزة أو غيرها فلن يختل إيمانه أبداً! بينما
الملحد ل تقنعه إل البراهين العلمية المادية ،وما هذا الحديث إل
واحد منها ،فهل تقتنع برسالة السلم يا صديقي الملحد؟! أم أنك
ستفتش كعادتك عن حجج واهية لتنقُد هذه المعجزة وتقلل من
شأنها؟
شكر ودعاء
نسأل الله تعالى أن يجعل في هذا البحث الخير والهداية والقناع
ك برسالة السلم وبنبوّة خاتم النبيين عليه الصلة لكل من يش ّ
ت انتباهنا لهذا والسلم ،وأن يجزي الله خير الجزاء من لَفَ َ
الحديث الخ الكريم أبو همام حفظه الله وجعل ذلك في ميزانه
يوم القيامة .وكذلك الخ الستاذ فراس مدير موقع موسوعة
العجاز العلمي لجهوده المباركة في تعريف الناس بمعجزات
ل من ل وسنَّة نبيّه عليه الصلة والسلم ،وك ّ كتاب الله عّز وج ّ
يساهم في إعلء شأن هذا الدين الحنيف.
ب لكتاب الله وسنّة رسوله أن يتأمل أقوال وندعو كل مؤمن مح ّ
َ
الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ،ويتفك ّر في إعجازها
العلمي واللغوي والغيبي ،فنحن أمام بحر يزخر بالعجائب
والسرار! والكنوز النبوية لم يُستخرج منها إل القليل ،وهنالك
الكثير والكثير من الحاديث التي لم تُدرس بعد ،وهي بانتظار من
ل حسب يستخرج إعجازها .وأن نتعاون على البر والتقوى ،ك ٌّ
ل وعل عسى أن نكون جميعاً اختصاصه ،لنصل إلى مرضاة الله ج َّ
م كَانُوامن هؤلء الذين مدحهم الله في كتابه بقوله تعالى( :إِنَّهُ ْ
ت َويَدْع ُونَنَا َرغَبًا وََرهَبًا وَكَانُوا لَنَا خيَْرا ِ ن فِي ال ْ َ سارِعُو َ يُ َ
ن)[النبياء.]90 : شعِي َخا ِ َ
وأخيراً
نتذكر قول الحقّ تعالى عن أولئك المشكّكين بكتاب الله وسنّة
رسول الله ،والذين دأبوا على نقد أيّة معجزة نبوية تصادفهم،
وأنهم لن يحصدوا أية نتيجة من محاولتهم لطفاء نور الحق،
منها هذا الكلم النبوي مل المعجزات التي تض ّ وندعوهم لتأ ّ
ن
الشريف ،وأن يستيقنوا بصدق كلم الله تعالى القائل( :يُرِيدُو َ
أ َن يطْفئُوا نور اللَّه بأَفْواههم ويأْبى الل َّ َ َ
م نُوَره ُ وَلَوْ كَرِ َ
ه ه إ ِ ّل أ ْ
ن يُت ِ َّ ُ ِ ِ َ ِ ِ ْ ََ َ
َ ُ َ ْ ُ ِ
َ
قّ لِيُظْهَِرهُ ح ِ ن ال ْ َ سول َ ُ ْ
ه بِالهُدَى وَدِي ِ ل َر ُس َ ن * هُوَ ال ّذِي أْر َ الْكَافُِرو َ
ن)[التوبة.]33-32 : شرِكُو َ ن كُل ِّهِ وَلَوْ كَرِه َ ال ْ ُ
م ْ دّي ِ ع َلَى ال ِ
بقلم المهندس :عبد الدائم الكحيل
207
باحث في إعجاز القرآن الكريم
newmiracle7@hotmail.com
ــــــــــــــــ
الهوامش:
( )1يعترف العلماء اليوم بأنهم ل يزالون يجهلون الكثير عن
العمليات الفيزيائية التي تحدث داخل البرق والعواصف الرعدية،
انظر مثل ً هذا البحث العلمي على الرابط:
http://www.aldis.at/research/index.html
عن البرق :إننا لم نستطع ( )2جاء في إحدى الدراسات الحديثة
رؤية أطوار البرق إل عام 2000عندما تمكنّا من تصنيع آلة تصوير
تستطيع التقاط 1000صورة في الثانية الواحدة .انظر المقالة
على الرابط:
http://www.aldis.at/research/projects.html
حول علقة البرق بأساطير ( )3يمكن مراجعة المقالت الواردة
الغريق على الرابط:
http://www.crystalinks.com/greekmythology.html
شيقة ومبسطة على موقع ()4يرجى الطلع على سلسلة مقالت
وكالة ناسا حول مبادئ البرق ،وذلك على الرابطين:
/http://thunder.nsstc.nasa.gov/primer
http://thunder.nsstc.nasa.gov/shuttle.html
( )5يمكن مراجعة هذه المعلومات من على هذا الرابط:
http://earthobservatory.nasa.gov/Study/aces/index.html
( )6انظر مقالة موسعة حول أنواع البرق على الرابط:
http://en.wikipedia.org/wiki/Lightning
( )7هذه الحقائق واردة على الرابط:
http://www.srh.noaa.gov/mlb/ltgcenter/ltg_facts.html
تشكله ( )8يمكن مراجعة هذا المسرد المطوّل حول البرق وآلية
على أحد المواقع المتخصصة في دراسات البرق والحماية منه
على الرابط:
http://www.lightningeliminators.com/Lightning%20101/lightning_glossary.htm
( )9المعلومات من على الرابط:
http://www.educ.uvic.ca/Faculty/mroth/438/LIGHTENING/JASONS/Formation5.htm
l
( )10يمكن مطالعة المبادئ المبسطة للبرق الواردة على الرابط:
http://www.srh.noaa.gov/srh/jetstream/lightning/lightning_max.htm
( )11مقالة حول البرق متوفرة على الرابط:
http://www.fma-research.com/Q&A.htm
( )12روى المام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله
عنه في وصف الصراط ومرور الناس عليه يوم القيامة قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم( :وترسل المانة والرحم
208
فتقومان على جنبتي الصراط يمينا وشمالً ،فيمر أولكم كالبرق)،
قال :قلت بأبي أنت وأمي ،أي شيء كالبرق؟ قال( :الم تروا إلى
البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟ ثم كمر الريح ،ثم كمر
الطير وشد الرحال ،تجري بهم أعمالهم ،ونبيكم قائم على
الصراط يقول رب سل ِّم سل ِّم ،حتى تعجز أعمال العباد ،حتى
يجيء الرجل فل يستطيع السير إل زحفا) [رواه مسلم].
()13يحدد العلماء الزمن المنقضي بين ضربة البرق ورجوعها
بعشرات الميلي ثانية على الرابط:
http://www.lightningeliminators.com/Lightning%20101/lightning_glossary.htm
وانظر أيضا ً هذا البحث:
http://www.fma-research.com/Q&A.htm
بحث حول قياس مدة ومضات البرق وجاء فيه أن القياسات
الحديثة تظهر مدة ومضة البرق (التردد العالي جداً) يستمر
لعشرات قليلة من الميلي ثانية ،على الرابط:
http://www.pa.op.dlr.de/eulinox/publications/finalrep/Thery1/Final_Report_Thery1a.h
tml
حقائق عن البرق وفيها أن البرق بجميع أطواره الذهاب والياب
يستغرق عدة عشرات من الميلي ثانية .على الرابط:
http://home.earthlink.net/~jimlux/lfacts.htm
المنقضي خلل طرفة العين ( )14في بحث موسع يحدد الزمن
ميلي ثانية .على الرابط: وسطيا ً 50-30
http://www.freepatentsonline.com/4059348.html
ميلي 25 وفي دراسة إحصائية فإن الزمن اللزم لطرفة عين هو
ثانية حسب الحصائيات ،وذلك على الرابط:
http://www.csgnetwork.com/timemath.html
( )15مقالة بعنوان "ما هو البرق" على الرابط:
http://www.srh.noaa.gov/mlb/ltgcenter/whatis.html
وجاء في إحدى المقالت "ل تستطيع العين التمييز بين الضربات
المتتالية للبرق" ،المقالة على الرابط:
http://www.lightningeliminators.com/Lightning%20101/lightning_glossary.htm
( )16يمكن مراجعة هذه المقالة على الرابط:
http://weathereye.kgan.com/cadet/lightning/glossary.html#thunder
المراجع من المقالت والبحاث الجديدة على النترنت
يمكنك عزيزي القارئ الرجوع مباشرة إلى هذه المقالت
والبحاث المفيدة حول موضوع البرق ،وأحدث ما وصل إليه
العلماء من معلومات حول هذه الظاهرة ،وذلك من خلل
الروابط المذكورة:
-1مجموعة شيقة من المقالت على موقع وكالة الفضاء
المريكية ناسا حول مبادئ البرق .هذه السلسلة متوفرة على
الرابط/http://thunder.msfc.nasa.gov :
209
: مقالة عن البرق على الرابط-2
http://www.crystalinks.com/lightning.html
: "أسرار صدمة البرق" على الرابط: مقالة بعنوان-3
http://www.nytimes.com/library/national/science/071800sci-environ-lightning.html
: مقالة بعنوان "درس في البرق" على الرابط-4
http://www.srh.noaa.gov/abq/preparedness/ffwxwk.htm#Lightning%20-
%20Frequently%20Asked%20Questions
مقالة بعنوان "ماذا يحدث عندما يلتقي البرق والنسان" على-5
:موقع وكالة ناسا على الرابط
http://science.nasa.gov/newhome/headlines/essd18jun99_1.htm
من البرق على مقالة بعنوان "آلية الرعد" على موقع السلمة-6
:الرابط
http://www.lightningsafety.com/nlsi_info/thunder.html
العواصف الرعدية مقالة بعنوان "الشحنات الموجودة في-7
:والبرق" على الرابط
http://www.ce-mag.com/archive/02/09/mrstatic.html
: مقالة بعنوان "علم البرق" على موقع الفضاء-8
http://www.space.com/scienceastronomy/lightning_backgrounder.html
: دراسة حول تأثيرات البرق على موقع السلمة من البرق-9
http://www.lightningsafety.com/nlsi_lhm/effect.html
: معلومات مهمة حول البرق على الرابط-10
http://hyperphysics.phy-astr.gsu.edu/hbase/electric/lightning2.html#c2
كذلك يمكن مراجعة المقالت المنشورة حول البرق ومراحل-11
:تشكله على الروابط التالية
http://science.msfc.nasa.gov/newhome/headlines/essd24may99_1.htm
http://wwwghcc.msfc.nasa.gov/overview/lightning.html
http://science.msfc.nasa.gov/newhome/headlines/essd16jun99_1.htm
http://earthobservatory.nasa.gov/Study/aces/index.html
http://www.thomson.ece.ufl.edu/lightning/SGEB17.html
http://www.physicstoday.org/pt/vol-54/iss-11/p41.html
http://home.earthlink.net/~jimlux/lfacts.htm
http://hyperphysics.phy-astr.gsu.edu/hbase/electric/ligseq.html
:المراجع من الكتب
كما يمكن الرجوع لكتاب "البرق" للكاتب المعروف مارتن
والذي يعتبر من المراجع الساسية في هذا العلم والصادر،يومان
:1984 عام
.Martin A. Uman, Lightning, Dover Publications, Inc. New York, 1984
والصادرDean R. Koontz وكذلك كتاب "البرق" لمؤلفه دين كونتز
.2003 عام
---------------------
تكثير. .)4( القول القوم في معجزات النبي الكرم.22
كلم الشجرة وشهادتها بالنبوة،الطعام ببركته
210
الفصل الرابع عشر:
ومـن معجـزاته تكثـيـر الطعـام ببـركته ودعائـه
حدثنا القاضي الشهيد أبو علي رحمه الله ،حدثنا العذري ،حدثنا
الرازي ،حدثنا الجلودي ،حدثنا ابن سفيان ،حدثنا مسلم بن
الحجاج ،حدثنا سلمة بن شبيب ،حدثنا الحسن بن أعين ،حدثنا
معقل ،عن أبي الزبير ،عن جابر ـ أن رجل ً أتى النبي صلى الله
عليه وسلم يستطعمه ،فأطعمه شطر وسق شعير ،فما زال يأكل
منه وامرأته وضيفه حتى كالَه ،فأتى النبي صلى الله عليه
وسلم ،فأخبره ،فقال" :لو لم تكِلْه لكَلتم منه ولقام بكم".
قلت :رواه مسلم في كتاب الفضائل قال:
حدثني سلمة بن شبيب .حدثنا الحسن بن أعين .حدثنا معقل عن
أبي الزبير ،عن جابر؛
أن رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه .فأطعمه
شطر وسق شعير .فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما.
حتى كاله .فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال" :لو لم تكله
لكلتم منه ،ولقام لكم".
-ومن ذلك حديث أبي طلحة المشهور ،وإطعامه صلى الله عليه
وسلم ثمانين أو سبعين رجل ً من أقراص من شعير جاء بها أنس
تحت يده ،أي إبطه ،فأمر بها ففُتِّت ،و قال فيهما ما شاء الله أن
يقول.
قلت :أشار إلى حديث أنس المتفق عليه والذي رواه البخاري
في كتاب اليمان والنذور
حدثنا قتيبة ،عن مالك ،عن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة :أنه
سمع أنس بن مالك قال :قال أبو طلحة لم سليم:
لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفاً،
أعرف فيه الجوع ،فهل عندك من شيء؟ فقالت :نعم ،فأخرجت
أقراصا ً من شعير ،ثم أخذت خمارا ً لها ،فلفت الخبز ببعضه ،ثم
أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فذهبت فوجدت
رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس،
فقمت عليهم ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أأرسلك
أبو طلحة) .فقلت :نعم ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لمن معه( :قوموا) .فانطلقوا وانطلقت بين أيديهم ،حتى جئت أبا
طلحة فأخبرته ،فقال أبو طلحة :يا أم سليم ،قد جاء رسول الله
صلى الله عليه وسلم والناس ،وليس عندنا من الطعام ما
نطعمهم ،فقالت :الله ورسوله أعلم ،فانطلق أبو طلحة حتى
لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فأقبل رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأبو طلحة حتى دخل ،فقال رسول الله صلى
211
مي يا أم سليم ما عندك) .فأتت بذلك الخبز، الله عليه وسلم( :هل ِّ
قال :فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك الخبز ففت،
وعصرت أم سليم عكَّة لها فأدمته ،ثم قال فيه رسول الله صلى
الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول ،ثم قال( :ائذن لعشرة).
فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ،ثم خرجوا ،ثم قال( :ائذن لعشرة).
فأذن لهم ،فأكل القوم كلهم وشبعوا ،والقوم سبعون أو ثمانون
رجلً...
ومسلم في كتاب الشربة قال:
حدثنا يحيى بن يحيى .قال :قرأت على مالك بن أنس عن إسحاق
بن عبد الله ابن أبي طلحة؛ أنه سمع أنس بن مالك يقول :قال
أبو طلحة لم سليم:
قد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفًا.
أعرف فيه الجوع .فهل عندك من شيء؟ فقالت :نعم .فأخرجت
صا من شعير :ثم أخذت خماًرا لها .فلفت الخبز ببعضه ،ثم أقرا ً
دسته تحت ثوبي .وردتني ببعضه .ثم أرسلتني إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم .قال فذهبت به فوجدت رسول الله صلى
الله عليه وسلم جالسا في المسجد .ومعه الناس .فقمت عليهم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم( :أرسلك أبو طلحة؟)
قال فقلت :نعم .فقال (ألطعام؟) فقلت :نعم .فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لمن معه( :قوموا) قال فانطلق وانطلقت
بين أيديهم .حتى جئت أبا طلحة .فأخبرته .فقال أبو طلحة :يا أم
سليم! قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس .وليس
عندنا ما نطعمهم .فقالت :الله ورسوله أعلم .قال فانطلق أبو
طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل
رسول الله صلى الله عليه وسلم معه حتى دخل .فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم( :هلمي .ما عندك .يا أم سليم!)
فأتت بذلك الخبز .فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم
ففت .وعصرت عليه أم سليم عكة لها فأدمته .ثم قال فيه
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول .ثم قال:
(ائذن لعشرة) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا .ثم خرجوا .ثم قال:
(ائذن لعشرة) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا .ثم قال:
(ائذن لعشرة) حتى أكل القوم كلهم وشبعوا .والقوم سبعون
رجل ً أو ثمانون.
-حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة .حدثنا عبد الله بن نمير .ح وحدثنا
ابن نمير (واللفظ له) .حدثنا أبي .حدثنا سعد بن سعيد .حدثني
أنس ابن مالك قال:
212
بعثني أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لدعوه.
ما .قال فأقبلت ورسول الله صلى الله عليه وقد جعل طعا ً
وسلم مع الناس .فنظر إلي فاستحييت فقلت :أجب أبا طلحة.
فقال للناس( :قوموا) فقال أبو طلحة :يا رسول الله! إنما صنعت
لك شيئًا .قال فمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا
فيها بالبركة .ثم قال( :أدخل نفًرا من أصحابي ،عشرة) وقال:
(كلوا) وأخرج لهم شيئًا من بين أصابعه .فأكلوا حتى شبعوا.
فخرجوا .فقال( :أدخل عشرة) فأكلوا حتى شبعوا .فما زال
يدخل عشرة ويخرج عشرة حتى لم يبق منهم أحد إل دخل ،فأكل
حتى شبع .ثم هيأها .فإذا هي مثلها حين أكلوا منها.
-وحدثني سعيد بن يحيى الموي .حدثني أبي .حدثنا سعد بن
سعيد .قال :سمعت أنس ابن مالك قال :بعثني أبو طلحة إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم .وساق الحديث بنحو حديث
ابن نمير .غير أنه قال في آخره :ثم أخذ ما بقي فجمعه .ثم دعا
فيه بالبركة .قال فعاد كما كان .فقال( :دونكم هذا).
-وحدثني عمرو الناقد .حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي .حدثنا
عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بن عمير ،عن عبد الرحمن بن
أبي ليلى ،عن أنس بن مالك .قال :أمر أبو طلحة أم سليم أن
ما لنفسه خاصة .ثم تصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعا ً
أرسلني إليه .وساق الحديث .وقال فيه:
فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده وسمى عليه .ثم قال:
(ائذن لعشرة) فأذن لهم فدخلوا .فقال( :كلوا وسموا الله)
فأكلوا .حتى فعل ذلك بثمانين رجلً .ثم أكل النبي صلى الله
عليه وسلم بعد ذلك وأهل البيت .وتركوا سؤًرا.
-وحدثنا عبد بن حميد .حدثنا عبد الله بن مسلمة .حدثنا عبد
العزيز بن محمد عن عمرو بن يحيى ،عن أبيه ،عن أنس بن
مالك ،بهذه القصة ،في طعام أبي طلحة ،عن النبي صلى الله
عليه وسلم .وقال فيه:
فقام أبو طلحة على الباب .حتى أتى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال له :يا رسول الله! إنما كان شيء يسير .قال:
(هلمه .فإن الله سيجعل فيه البركة).
-وحدثنا عبد بن حميد .حدثنا خالد بن مخلد البجلي .حدثني محمد
بن موسى .حدثني عبد الله ابن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس
بن مالك ،عن النبي صلى الله عليه وسلم ،بهذا الحديث .وقال
فيه :ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل أهل البيت.
وأفضلوا ما أبلغوا جيرانهم.
213
-وحدثنا الحسن بن علي الحلواني .حدثنا وهب بن جرير .حدثنا
أبي .قال :سمعت جرير ابن زيد يحدث عن عمرو بن عبد الله بن
أبي طلحة ،عن أنس بن مالك .قال:
رأى أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في
المسجد .يتقلب ظهًرا لبطن .فأتى أم سليم فقال :إني رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا في المسجد .يتقلب
ظهًرا لبطن .وأظنه جائ ًعا .وساق الحديث .وقال فيه :ثم أكل
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة وأم سليم وأنس بن
مالك .وفضلت فضلة .فأهديناه لجيراننا.
-وحدثني حرملة بن يحيى التجيبي .حدثنا عبد الله بن وهب.
أخبرني أسامة؛ أن يعقوب ابن عبد الله بن أبي طلحة النصاري
حدثه؛ أنه سمع أنس بن مالك يقول:
سا مع ما .فوجدته جال ً
جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم يو ً
أصحابه يحدثهم ،وقد عصب بطنه بعصابة -قال أسامة :وأنا أشك
-على حجر .فقلت لبعض أصحابه :لم عصب رسول الله صلى
الله عليه وسلم بطنه؟ فقالوا :من الجوع .فذهبت إلى أبي
طلحة ،وهو زوج أم سليم بنت ملحان .فقلت :يا أبتاه! قد رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم عصب بطنه بعصابة .فسألت
بعض أصحابه فقالوا :من الجوع .فدخل أبو طلحة على أمي.
فقال :هل من شيء؟ فقالت :نعم .عندس كسر من خبز
وتمرات .فإن جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده
أشبعناه .وإن جاء آخر معه قل عنهم .ثم ذكر سائر الحديث
بقصته.
-وحدثني حجاج بن الشاعر .حدثنا يونس بن محمد .حدثنا حرب
بن ميمون عن النضر بن أنس ،عن أنس بن مالك ،عن النبي
صلى الله عليه وسلم ،في طعام أبي طلحة ،نحو حديثهم.
-وحديث جابر في إطعامه صلى الله عليه وسلم يوم الخندق
ألف رجل من صاع شعير وعناق.
وقال جابر :فأقسم بالله لكلوا حتى تركوه وانحرفوا ،وإن برمتنا
لتغط كما هي ،وإن عجيننا ليخبز.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق في العجين
والبرمة ،وبارك.
رواه عن جابر سعيد بن ميناء ،وأيمن.
قلت :حديث جابر متفق عليه ،رواه البخاري في كتاب المغازي؛
قال:
-حدثنا خلد بن يحيى :حدثنا عبد الواحد بن أيمن ،عن أبيه قال:
أتيت جابًرا رضي الله عنه فقال :إنا يوم الخندق نحفر ،فعرضت
214
كدية شديدة ،فجاءوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا :هذه
كدية عرضت في الخندق ،فقال( :أنا نازل) .ثم قام وبطنه
معصوب بحجر ،ولبثنا ثلثة أيام ل نذوق ذواقا ،فأخذ النبي صلى
الله عليه وسلم المعول فضرب الكدية ،فعاد كثيبا أهيل ،أو أهيم،
فقلت :يا رسول الله ،ائذن لي إلى البيت ،فقلت لمرأتي :رأيت
بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئًا ما كان في ذلك صبر ،فعندك
شيء؟ قالت :عندي شعير وعناق ،فذبحت العناق ،وطحنت
الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة ،ثم جئت النبي صلى الله
عليه وسلم والعجين قد انكسر ،والبرمة بين الثافي قد كادت
تنضج ،فقلت :طعم لي ،فقم أنت يا رسول ورجل أو رجلن،
قال( :كم هو) .فذكرت له ،قال( :كثير طيب ،قال :قل لها :ل
تنزع البرمة ،ول الخبز من التنور حتى آتي ،فقال :قوموا) .فقام
المهاجرون والنصار ،فلما دخل على امرأته قال :ويحك جاء
النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والنصار ومن معهم،
قالت :هل سألك؟ قلت :نعم ،فقال( :ادخلوا ول تضاغطوا).
فجعل يكسر الخبز ،ويجعل عليه اللحم ،ويخمر البرمة والتنور إذا
أخذ منه ،ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع ،فلم يزل يكسر الخبز،
ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية ،قال( :كلي هذا وأهدي ،فإن
الناس أصابتهم مجاعة).
-حدثني عمرو بن علي :حدثنا أبو عاصم :أخبرنا حنظلة بن أبي
سفيان :أخبرنا سعيد بن ميناء قال :سمعت جابر بن عبد الله
رضي الله عنهما قال :لما حفر الخندق رأيت بالنبي صلى الله
صا شديدًا ،فانكفأت إلى امرأتي ،فقلت :هل عليه وسلم خم ً
عندك شيء؟ فإني رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم
صا شديدًا ،فأخرجت إلى جرابًا فيه صاع من شعير ،ولنا بهيمة خم ً
داجن فذبحتها ،وطحنت الشعير ،ففرغت إلى فراغي ،وقطعتها
في برمتها ،ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فقالت :ل تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم وبمن
معه ،فجئته فساررته ،فقلت :يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا وطحنا
صاع ًا من شعير كان عندنا ،فتعال أنت ونفر معك ،فصاح النبي
صلى الله عليه وسلم فقال( :يا أهل الخندق إن جابًرا قد صنع
سوًرا ،فحي هل بكم) .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(ل تنزلن برمتكم ،ول تخبزن عجينتكم حتى أجيء) .فجئت وجاء
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس حتى جئت
امرأتي ،فقالت :بك وبك ،فقلت :قد فعلت الذي قلت ،فأخرجت
له عجينًا فبصق فيه وبارك ،ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك ،ثم
قال( :ادع خابزة فلتخبز معي ،واقدحي من برمتكم ول تنزلوها).
215
وهم ألف ،فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا ،إن برمتنا
لتغط كما هي ،وإن عجيننا ليخبز كما هو...
ورواه مسلم في كتاب الشربة قٌال:
حدثني حجاج بن الشاعر .حدثني الضحاك بن مخلد ،من رقعة
عارض لي بها ،ثم قرأه علي .قال :أخبرناه حنظلة بن أبي
سفيان .حدثنا سعيد بن ميناء .قال :سمعت جابر بن عبد الله
يقول:
لما حفر الخندق رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم
صا .فانكفأت إلى امرأتي .فقلت لها :هل عندك شيء؟ فإني خم ً
صا شديدًا .فأخرجت رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خم ً
لي جرابًا فيه صاع من شعير .ولنا بهيمة داجن .قال فذبحتها
وطحنت .ففرغت إلى فراغي .فقطعتها في برمتها .ثم وليت إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ..فقالت :ل تفضحني برسول
الله صلى الله عليه وسلم ومن معه .قال فجئته فساررته.
فقلت :يا رسول الله! إنا قد ذبحنا بهيمة لنا .وطحنت صاع ًا من
شعير كان عندنا .فتعال أنت في نفر معك .فصاح رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقال( :يا أهل الخندق! إن جابًرا قد صنع
لكم سوًرا .فحيهل بكم) وقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم(:ل تنزلن برمتكم ول تخبرن عجينتكم ،حتى أجئ) فجئت
وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس .حتى جئت
امرأتي .فقالت :بك .وبك .فقلت :قد فعلت الذي قلت لي.
فأخرجت له عجينتنا فبصق فيها وبارك .ثم عمد إلى برمتنا فبصق
فيها وبارك .ثم قال( :ادعي خابزة فلتخبز معك .واقدحي من
برمتكم ول تنزلوها) وهم ألف .فأقسم بالله لكلوا حتى تركوه
وانحرفوا .وإن برمتنا لتغط كما هي .وإن عجينتنا -أو كما قال
الضحاك -لتخبز كما هو...
-وعن ثابت مثله ،عن رجل من النصار وامرأته ،ولم يسمهما،
قال :و جيء بمثل الكف ،فجعل رسول الله صلى الله عليه
وسلم يبسطها في الناء ويقول ما شاء الله ،فأكل منه من في
البيت والحجرة والدار ،وكان ذلك قد امتل ممن قدم معه صلى
الله عليه وسلم لذلك ،وبقي بعد ما شبعوا مثل ما كان في الناء
.
وحديث أبي أيوب أنه صنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم
ولبي بكر من الطعام زهاء ما يكفيهما ،فقال له النبي صلى الله
عليه وسلم( :ادع ثلثين من أشراف النصار) فدعاهم فأكلوا حتى
تركوا ،ثم قال( :ادع ستين) فكان مثل ذلك ،ثم قال( :ادع
سبعين) فأكلوا حتى تركوا ،وما خرج منهم أحد حتى أسلم وبايع.
216
قال أبو أيوب :فأكل من طعامي مائة وثمانون رجلً.
قلت:أورده البيهقي في دلئل النبوة؛ ورواه الطبراني في
معجمه ،قال:
َ َ ّ ْ
ل، سَرائِي َ حاقُ بن أبِي إ ِ ْ س َ حد ّثَنَا إ ِ ْ َ يَ ، خطاب ِ ُّ م بن ع َب ّاد ٍ ال َ َ س ُ حدَّثَنَا الْقَا ِ َ
َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ
ن أبِي حد ّثَنَا أبُو الوَْردِ ،ع َ ْ جَريْرِيَُّ ، سعِيد ٌ ال ُ حد ّثَنَا َ حد ّثَنَا ع َبْد ُ الع ْلىَ ، َ
َ َ
ي صلى الله ت ل ِ َلنَّب ِ ِ ّ صنَعْ ُ لَ : ب ،قَا َ ن أبِي أيُّو َ ي ،ع َ ْ م ِّ ضَر ِ ح ْ مد ٍ ال ْ َ ح َّ م َ ُ
َ َ
له ،فَقَا َ ما ب ِ ِ ما ،فَأتَيْتُهُ َ فيهُ َ ما يَك ْ ِ ما قَدَْر َ عليه وسلم وَ َأبِي بَكْرٍ ط َعا ً
ن
م ْ ن ِ ب فَادْع ُ لِي ثَلثِي َ ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم :اذْهَ ْ سو ُ لِي َر ُ
َ َ أَ ْ
يءٌ أزِيدُهُ، ش ْ عنْدِي َ ما ِ تَ : ك ،قُل ْ ُ ي ذَل ِ َ شقَّ ع َل َ َّ صارِ ،فَ َ ف الن ْ َ شَرا ِ
شرا ِ َ ل :اذْهَب فَادع ُ لِي ثَلثِين م َ َ
صارِ، ف الن ْ َ نأ ْ َ َ ِ ْ ْ ْ ت ،فَقَا َ فَكَأنِّي تَغَفَّل ْ ُ
َ
شهِدُوا م َ صدَُروا ،ث ُ َّ حتَّى َ موا ،فَأكَلُوا َ ل :اطْعَ ُ جاءُوا ،فَقَا َ
َ
م فَ َ فَدَع َْوتُهُ ْ
َ ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم ،ث ُ َّ َ
جوا، خُر ُ ن يَ ْ لأ ْ م بَايَعُوه ُ قَب ْ َ سو ُ ه َر ُ أن َّ ُ
ل أَبُو صارِ ،قَا َ ف الن ْ َ
شرا ِ َ
نأ ْ َ
ل :اذْهَب فَادع ُ لِي ستِين م َ
ِ ّ َ ِ ْ ْ ْ م قَا َ ث ُ َّ
َ َ َ َ َ
لم ،فَقَا َ ل :فَدَع َْوتُهُ ْ ن ،قَا َ َ منِّي بِالث ّلثِي جوَد ُ ِ نأ ْ َ ستِّي ب :وَالل ّهِ لنَا ب ِ ِ أيُّو َ
َ ُ َ
صدَُروا، حتَّى َ ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم :تَوَقَّفُوا ،فَأكَلُوا َ سو َر ُ
م بَاي َ ُعوه ُ قَب ْ َ ل اللهِ صلى الله عليه وسلم ،ث ُ َّ َ ّ سو ُ َ َ م َ ث ُ َّ
ل ه َر ُ شهِدُوا أن ّ ُ
صارِ ،قَا َ َ جوا ،ث ُ َّ َ
ل: َ ن الن ْ َ م
ن ِ َ سعِي ب فَادْع ُ لِي ت ِ ْ ل :اذْهَ ْ م قَا َ خُر ُ ن يَ ْ أ ْ
م فَأَكَلُوا ل :فَدَع َْوتُهُ ْ ن ،قَا َ الث ّلثِي َ
منِّي ب َ
ِ ن ِ َ ستِّي ن وَال ِّ َ سعِي جوَد ُ بِالت ِّ ْ
َ
فَلَنَا أ ْ
ل اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ،ث ُ َّ
م سو ُ ه َر ُ
َ
شهِدُوا أن َّ ُ م َ صدَُروا ،ث ُ َّ َ حتَّى َ
َ َ َ َ َ
جل ن َر ُ مانُو َ ة َوث َ َ مائ َ ٌ مي ذَل ِك ِ ن طعَا ِ م ْ ل ِ جوا ،فَأك َ خُر ُ ن يَ ْ لأ ْ بَايَعُوه ُ قَب ْ َ
َ ُ
صار... ن الن ْ َ ِ م َ م ِ كُل ّهُ ْ
-وعن سمرة بن جندب :أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقصعة
فيها لحم ،فتعاقبوها من غدوة حتى الليل ،يقوم قوم ويقعد
آخرون.
قلت رواه البيهقي في دلئل النبوة؛ والنسائي في
َ مد ُ بن ب َ َّ
خبََرنَا شارٍ أ ْ ُ ح َّ م َ حدَّثَنَا ُ سننه؛والترمذي في جامعه ،قالَ :
ة
مَر َ س ُ ي ع َن أبي العلءِ ع َن َ ن التَّيم ُّ ما ُ سلِي َ خبََرنَا ُ ن أَ ْ ن هَاُرو َ يزيد ُ ب ُ
ل: ب قَا َ جند ُ ٍ ن ُ ب ِ
ل من قَصعةٍ من ي صلى الله عليه وسلم نتداو ُ " -كنَّا مع النَّب ّ
مدُّ؟ م عشرة ٌ وتقعُد ُ عشرةٌ .قلنَا فما كَانَت ت ُ َ غُدْوَةٍ حتَّى الليل تقو ُ
مد ُّ إل من ههنا وأشاَر بيدهِ إِلى ب ما كَانَت ت ُ َ ي شيءٍ تعج ُ ل من أ ِ ّ قَا َ
ح. حي ٌ ص ِ ن َ س ٌ ح َ ث َ حدِي ٌ ماءِ" .هَذ َا َ س َ ال َّ
-ومن ذلك حديث عبد الرحمن بن أبي بكر :كنا مع النبي صلى
الله عليه وسلم ثلثين ومائة ،وذكر في الحديث أنه عجن صاع
من طعام ،وصنعت شاة ،فشوي سواد بطنها قال :وأيم الله ،ما
من الثلثين ومائة إل وقد حز له حزة ً من سواد بطنها ثم جعل منا
217
قصعتين ،فأكلنا منها أجمعون ،وفضل في القصعتين ،فحملته
على البعير.
قلت :حديث متغف عليه؛ رواه البخاري في كتاب الهبة وفضلها،
قال:
حدثنا أبو النعمان :حدثنا المعتمر بن سليمان ،عن أبيه ،عن أبي
عثمان ،عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال:
كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلثين ومائة ،فقال النبي صلى
الله عليه وسلم( :هل مع أحد منكم طعام) .فإذا مع رجل صاع
من طعام أو نحوه ،فعجن ،ثم جاء رجل مشرك ،مشعان طويل،
بغنم يسوقها ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم( :بيعا أم عطية،
أو قال :أم هبة) .قال :ل ،بل بيع ،فاشترى منه شاة ،فصنعت،
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بسواد البطن أن يشوى ،وأيم
الله ،ما في الثلثين والمائة إل قد حز النبي صلى الله عليه
وسلم له حزة من سواد بطنها ،إن كان شاهدًا أعطاها إياه ،وإن
كان غائبًا خبأ له ،فجعل منها قصعتين ،فأكلوا أجمعون وشبعنا،
ففضلت القصعتان ،فحملناه على البعير ،أو كما قال.
وروا ه مسلم في كتاب الشربة قال:
مَر الْبَكَْراوِيّ َو ن عُ َ مد ُ ب ْ ُ حا ِ معَاذ ٍ الْعَنْبَرِيّ وَ َ ن ُ ه بْ ُ وحدّثنا ع ُبَيْد ُ الل ّ ِ
ن (وَاللّفْ ُ
ظ ما َ سلَي ْ َ ن ُ ن ال ْ ُ ميعا ً ع َ ن ع َبْد ِ الَع ْل َ
مرِ بَ ْ ِ معْت َ ِ
َ ِ ج ِ ىَ . َ مد ُ ب ْ ُ ح ّ م َ ُ
ثحد ّ َ ن (وَ َ ما َ ن أبِي ع ُث ْ َ حدّثَنَا أبِي ع َ ْ مُرَ . معْت َ ِ ْ
حدّثَنَا ال ُ معَاذٍ)َ . ن ُ
َ َلِب ْ ِ
ي صلى معَ النّب ِ ّ ل :كُنّا َ ن أبِي بَكْرٍ .قَا َ ن بْ ِ م ِ ح َ ن ع َبْد ِ الّر ْ أيْضاً) ،ع َ ْ
ي صلى الله عليه وسلم: ل النّب ِ ّ ة .فَقَا َ مائ َ ً ن وَ ِ الله عليه وسلم ثَلَثِي َ
ل مع أ َحد منك ُم طَعام؟" فَإذ َا مع رجل صاع ٌ من طَعام أوَ
َ ٍ ْ ِ ْ ِ َ َ َ ُ ٍ َ َ ٌ "هَ ْ َ َ َ ٍ ِ ْ ْ
سوقُهَا. ل ،بِغَنَم ٍ ي َ ُ ن طَوِي ٌ ش َعا ّ م ْ ك ُ شرِ ٌ م ْ لُ ، ج ٌ جاءَ َر ُ م َ ن .ث ُ ّ ج َ حوُهُ .فَعُ ِ نَ ْ
م َ ة أوْ قَا َ َ َ َ فَقَا َ
لأ ْ م عَطِي ّ ٌ ي صلى الله عليه وسلم" :أبَيْعٌ أ ْ ل النّب ِ ّ
َ ل :لَ .ب َ ْ
سو ُ
ل مَر َر ُ ت .وَأ َ صنِعَ ْ شاةً .فَ ُ ه َ من ْ ُ شتََرىَ ِ ل بَيْعٌ .فَا ْ ة؟" فَقَا َ هِب َ ٌ
َ ْ ْ
مل :وَاي ْ ُ شوَىَ .قَا َ ن يُ ْ نأ ْ سوَاد ِ البَط ِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ب ِ َ
ل اللّهِ صلى الله عليه سو ُ ه َر ُ حّز ل َ ُ مائَةٍ إِل ّ َ ن وَ ِ ن الثّلَثِي َ م َ ما ِ اللّهِ َ
َ
ن شاهِداً ،أع ْطَاهُ .وَإ ِ ْ ن َ ن كَا َ سوَاد ِ بَطْنِهَا .إ ْ ن َ م ْ حّزة ً ِ حّزة ً ُ وسلم ُ
َ
ه.خبَأ ل َ ُ ن غَائِباًَ ، كَا َ
َ َ
ل فِي ض َ شبِعْنَا .وَفَ َ ن .وَ َ معُو َ ج َ ما أ ْ منْهُ َ ن .فَأكَلْنَا ِ صعَتَي ْ ِ ل قَ ْ جعَ َ ل وَ َ قَا َ
َ
ل. ما قَا َ ه ع َلَى الْبَعِيرِ .أوْ ك َ َ ملْت ُ ُح َ ن .فَ َ صعَتَي ْ ِ الْقَ ْ
-ومن ذلك حديث عبد الرحمن بن أبي عمرة النصاري ،عن أبيه،
ومثله لسلمة بن الكوع ،وأبي هريرة وعمر بن الخطاب رضي
الله عنه ،فذكروا مخمصة أصابت الناس مع النبي صلى الله عليه
وسلم في بعض مغازيه ،فدعا ببقية الزواد ،فجاء الرجل بالحثية
من الطعام ،وفوق ذلك ،وأعلهم الذي أتى بالصاع من التمر،
218
فجمعه على نطع .قال سلمة :فحزرته كربضة العنز ،ثم دعا
الناس بأوعيتهم ،فما بقي في الجيش وعاء إل ملئوه وبقي منه.
قلت :رواه مسلم في كتاب اليمان قال:
حدثنا سهل بن عمان وأبو كريب محمد بن العلء ،جميعا عن أبي
معاوية .قال أبو كريب :حدثنا أبو معاوية عن العمش ،عن أبي
صالح ،عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد (شك العمش) قال :لما
كان غزوة تبوك ،أصاب الناس مجاعة .قالوا:
يا رسول الله! لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا .فقال
رسول الله :صلى الله عليه وسلم "افعلوا" قال فجاء عمر،
فقال :يا رسول الله! إن فعلت قل الظهر .ولكن ادعهم بفضل
أزوادهم .وادع الله لهم عليها بالبركة .لعل الله أن يجعل في
ذلك .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :نعم" قال فدعا
بنطع فبسطه .ثم دعا بفضل أزوادهم .قال فجعل الرجل يجيء
بكف ذرة .قال ويجيء الخر بكف تمر .قال ويجيء الخر
بكسرة .حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير .قال فدعا
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة .ثم قال" :خذوا في
أوعيتكم" قال فأخذوا في أوعيتهم .حتى ما تركوا في العسكر
وعاء إل ملوه .قال فأكلوا حتى شبعوا .وفضلت فضلة .فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم" :أشهد أن ل إله إل الله ،وأني
رسول الله .ل يلقى الله بهما عبد ،غير شاك ،فيحجب عن
الجنة".
-وعن أبي هريرة :أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أدعو له
أهل الصفة ،فتتبعتهم حتى جمعتهم ،فوضعت بين أيدينا صفحة،
فأكلنا ما شئنا ،وفرغنا وهي مثلها حين وضعت إل أن فيها أثر
الصابع.
قلت :رواه أبو نعيم ،والطبراني ،وابن أبي شيبة في مسنده قال:
ل ،ع َن أُنيس ب َ
نحاقَ ب ْ ِ س َ ن إِ ْ حيَى ،ع َ ْ ن أبِي ي َ ْ ْ َْ ِ ْ ِ عي َ ما ِ س َ نإ ْ م بْ ُحات ِ ُ حدَّثَنَا َ َ
ل اللهِ صلى الله سو ُ َ
ج ع َل َّ ن أبِي هَُريَْرةَ ،قَا َ َ
ي َر ُ خَر َ لَ : سالِمٍ ،ع َ ْ َ
صفّةِ ، َ ُ َ َ ُ ما ،فَقَا َ
ب ال ّ حا َ ص َ حابَك ،يَعَنْي أ ْ ص َ ل :ادْع ُ لِي أ ْ عليه وسلم يَوْ ً
ُ َ
بجئْنَا بَا َ م ،فَ ِ معْتُهُ ْ ج َ حتَّى َ م َ جل ً أوقِظُهُ ْ جلًَ ،ر ُ م َر ُ جعَلْت أتَّبِعُهُ ْ فَ َ
َ ن لَنَا ،قَا َ َ ْ
ل أبُو ستَأذ َنَّا فَأذ ِ َ ل اللهِ صلى الله عليه وسلم فَا ْ سو ِ َر ُ
مدَّيْ َ َ
شعِيرٍ، صنِيعٌ قَدُْر ُ ة فِيهَا َ حفَ ٌ ص ْن أيْدِينَا َ ت بَي ْ َ ضعَ ْ هَُريَْرةَ :وَوُ ِ
ل: ه صلى الله عليه وسلم يَدَه ُ ع َلَيْهَا ،فَقَا َ ل الل ِ سو ُ ضعَ َر ُ ل :فَوَ َ قَا َ
سو ُ
ل َ
ف ،ع َنَّا أيْدِيَنَا ،فَقَا َ شئْنَا ،ث ُ َّ َ
سم ِ اللهِ ،فَأكَلْنَا
ل َر ُ م َر َ ما ِ َ خذ ُوا ب ِ ْ ُ
َ َّ ت ال َّ
س
ة :وَالذِي نَفْ ُ حفَ ُ ص ْ ضعَ ْ ن وُ ِ حي َ اللهِ صلى الله عليه وسلم ِ
َ
قي َ
ل ه ،فَ ِ يءٍ تََروْن َ ُ ش ْ م غَيُْر َ مد ٍ طَعَا ٌ ح َّ م َ
ل ُ سى فِي آ ِ م َ ما أ ْ مد ٍ بِيَدِهَِ ، ح َّ م َ ُ
219
مثْلَهَا ِ َ
تضعَ ْن وُ ِ
حي َ لِ : ن فََرغْت ُ ْ
م ،قَا َ حي َ م كَان َ ْ
ت ِ لبِي هَُريَْرةَ :قَدُْر ك َ ْ
َ َ إلَّ ،أ َ َّ
صابِِع..ن فِيهَا أثََر ال َ
-وعن علي بن أبي طالب ،رضي الله عنه :جمع رسول الله
صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب ،وكانوا أربعين ،منهم
قوم يأكلون الجذعة ،و يشربون الفرق ،فصنع لهم مدا ً من طعام
فأكلوا حتى شبعوا ،وبقي كما هو ثم دعا بعس ،فشربوا حتى
رووا ،وبقي كأنه لم يشرب منه.
قلت:رواه المام أحمد في (مسنده) قال:
عن علي قال :جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم -أو :دعا
رسول الله صلى الله عليه وسلم -بني عبد المطلب فيهم
رهط كلهم يأكل لجذعة ويشرب الفرق قال :فصنع لهم مدا من
طعام فأكلوا حتى شبعوا قال :وبقي الطعام كما هو كأنه لم
يمس ثم دعا بغمر فشربوا حتى رووا وبقي الشراب كأنه لم
يمس أو لم يشرب فقال( :يا بني عبد المطلب إني بعثت لكم
خاصة وإلى الناس بعامة وقد رأيتم من هذه الية ما رأيتم فأيكم
يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي؟) .قال :فلم يقم إليه أحد
قال :فقمت إليه وكنت أصغر القوم قال :فقال( :اجلس) قال
ثلث مرات كل ذلك أقوم إليه فيقول لي( :اجلس) حتى كان في
الثالثة ضرب بيده على يدي....
-وقال أنس :إن النبي صلى الله عليه وسلم حين ابتنى بزينب
أمره أن يدعو له قوما ً سماهم ،وكل من لقيت ،حتى امتل البيت
والحجرة ،وقدم إليهم توًرا ،فيه قدر مد من تمر جعل حيساً،
فوضعه قدامه ،وغمس ثلث أصابعه وجعل القوم يتغدون
ويخرجون ،وبقي التور نحوا ً مما كان ،وكان القوم أحداً ،أو اثنين
وسبعين.
-وفي رواية أخرى في هذه القصة أو مثلها ،إن القوم كانوا زهاء
ثلثمائة ،وأنهم أكلوا حتى شبعوا .وقال لي :ارفع ،فل أدري حين
وضعت كانت أكثر أم حين رفعت.
قلت :رواه البخاري في كتاب النكاح ،باب :الهدية للعروس؛ قال
-وقال إبراهيم :عن أبي عثمان ،واسمه الجعد ،عن أنس بن
مالك قال:
مر بنا في مسجد بني رفاعة ،فسمعته يقول :كان النبي صلى
الله عليه وسلم إذا مر بجنبات أم سليم دخل عليها فسلم عليها،
ثم قال :كان النبي صلى الله عليه وسلم عروسا بزينب ،فقالت
لي أم سليم :لو أهدينا لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية،
فقلت لها :افعلي ،فعمدت إلى تمر وسمن وأقط ،فاتخذت حيسة
في برمة ،فأرسلت بها معي إليه ،فانطلقت بها إليه ،فقال لي:
220
(ضعها) .ثم أمرني فقال( :ادع لي رجال -سماهم -ادع لي من
لقيت) .قال :ففعلت الذي أمرني ،فرجعت فإذا البيت غاص
بأهله ،فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع يديه على تلك
الحيسة وتكلم بها ما شاء الله ،ثم جعل يدعو عشرة ,عشرة
يأكلون منه ،ويقول لهم( :اذكروا اسم الله ،وليأكل كل رجل مما
يليه) .قال :حتى تصدعوا كلهم عنها ،فخرج منهم من خرج ،وبقي
نفر يتحدثون ،قال :وجعلت أغتم ،ثم خرج النبي صلى الله عليه
وسلم نحو الحجرات وخرجت في إثره ،فقلت :إنهم قد ذهبوا،
فرجع فدخل البيت ،وأرخى الستر وإني لفي الحجرة ،وهو يقول:
(يا أيها الذين أمنوا ل تدخلوا بيوت النبي إل أن يؤذن لكم إلى
طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعتيم فادخلوا فإذا طعمتم
فانتشروا ول مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي
فيستحيي منكم والله ل يستحيي من الحق).
قال أبو عثمان :قال أنس :إنه خدم رسول الله صلى الله عليه
وسلم عشر سنين.
وأخرجه مسلم في كتاب النكاح ،باب زواج زينب بنت جحش
ونزول الحجاب ،وإثبات وليمة العرس؛ قال:
حدثنا قتيبة بن سعيد .حدثنا جعفر (يعني ابن سليمان) عن الجعد
أبي عثمان ،عن أنس بن مالك .قال:
تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بأهله .قال:
سا فجعلته في تور .فقالت :يا أنس! فصنعت أمي أم سليم حي ً
اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل بعثت
بهذا إليك أمي .وهي تقرئك السلم .وتقول :إن هذا لك منا قليل،
يا رسول الله! قال :فذهبت بها إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم .فقلت :إن أمي تقرئك السلم وتقول :إن هذا لك منا
قليل ،يا رسول الله! فقال "ضعه" ثم قال " :اذهب فادع لي فلنا
وفلنا وفلنا .ومن لقيت" وسمى رجالً .قال :فدعوت من سمى
ومن لقيت :قال :قلت لنس :عدد كم كانوا؟ قال :زهاء ثلثمائة.
وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم" :يا أنس ..هات
التور" قال :فدخلوا حتى امتلت الصفة والحجرة .فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم" :ليتحلق عشرة عشرة وليأكل كل
إنسان مما يليه" قال :فأكلوا حتى شبعوا .قال :فخرجت طائفة
ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم .فقال لي" :يا أنس ارفع" قال:
فرفعت .فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت .قال:
وجلس طوائف منهم يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ،وزوجته
مولية وجهها إلى الحائط .فثقلوا على رسول الله صلى الله عليه
221
وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم على
نسائه .ثم رجع .فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
رجع ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه .قال :فابتدروا الباب فخرجوا كلهم.
وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أرخى الستر ودخل.
وأنا جالس في الحجرة .فلم يلبث إل يسيرا حتى خرج علي.
وأنزلت هذه الية .فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقرأهن على الناس( :يا أيها الذين آمنوا ل تدخلوا بيوت النبي إل
أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا
فإذا طعمتم فانتشروا ول مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي
النبي)؛ إلى آخر الية .قال الجعد :قال أنس ابن مالك :أنا أحدث
الناس عهدًا بهذه اليات .وحجبن نساء النبي صلى الله عليه
وسلم.
-وحدثني محمد بن رافع .حدثنا عبد الرزاق .حدثنا معمر عن أبي
عثمان ،عن أنس .قال:
لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب أهدت له أم سليم
سا في تور من حجارة .فقال أنس :فقال رسول الله صلى حي ً
الله عليه وسلم" :اذهب فادع لي من لقيت من المسلمين"
فدعوت له من لقيت .فجعلوا يدخلون عليه فيأكلون ويخرجون.
ووضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على الطعام فدعا فيه.
وقال فيه ما شاء الله أن يقول ولم أدع أحدًا لقيته إل دعوته.
فأكلوا حتى شبعوا .وخرجوا .وبقي طائفة منهم فأطالوا عليه
الحديث .فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يستحي منهم أن
يقول لهم شيئًا .فخرج وتركهم في البيت .فأنزل الله عز وجل:
{يا أيها الذين آمنوا ل تدخلوا بيوت النبي إل أن يؤذن لكم إلى
ما) {ولكن طعام غيرناظرين إناه} (قال قتادة :غير متحينين طعا ً
إذا دعيتم فادخلوا} .حتى بلغ{ :ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن}.
َ َ َ
ي إ ِ ّل ت النَّب ِ ِ ّ خلُوا بُيُو َ منُوا َل تَد ْ ُ نآ َ والية الكريمة هي( :يَا أيُّهَا ال ّذِي َ
خلُوا َ
م فَاد ْ ُ عيت ُ ْن إِذ َا د ُ ِ ن إِنَاه ُ وَلَك ِ ْ م إِلَى طَعَام ٍ غَيَْر نَا ْظِرِي َ ن لَك ُ ْ أن يُؤْذ َ َ
ن يُؤْذِي م كَا َ ن ذَلِك ُ ْ ث إ ِ َّ حدِي ٍ ن لِ َ َ سيستَأن ِ ِ
م ْ شُروا وََل َ ُ م فَانت َ ِ مت ُ ْ فَإِذ َا طَعِ ْ
َ
نموهُ َّ سألْت ُ ُ ق وَإِذ َا َ ح ِّ ن ال ْ َم َحيِي ِ ه َل ي َ ْ
ست َ ْ م وَالل ّ ُ منك ُ ْ حيِي ِ ست َ ْ ي فَي َ ْ النَّب ِ َّ
م وَقُلُوبِهِ َّ َ َ
ن م أطْهَُر لِقُلُوبِك ُ ْ ب ذَلِك ُ ْ جا ٍَ ح َ من وََراء ِ ن ِ سألُوهُ َّ متَاعا ً فَا ْ َ
َ َ َ ّ سو َ َ ُ َ َ
من بَعْدِهِ ه ِ ج ُحوا أْزوَا َ ل اللهِ وَل أن تَنك ِ ُ م أن تُؤْذ ُوا َر ُ ن لك ْ ما كا َ وَ َ
َ أَبَدا ً إ ِ َّ
ه عَظِيماً) (الحزاب)53 : عند َ الل ّ ِ ن ِ م كَا َ ن ذَلِك ُ ْ
-و في حديث جعفر بن محمد ،عن أبيه ،عن علي رضي الله عنه
ـ أن فاطمة طبخت قدرا ً لغذائها ووجهت عليا ً إلى النبي صلى
الله عليه وسلم ليتغدى معهما ،فأمر فغرفت منها لجميع نسائه
222
ة ،ثم له صلى الله عليه وسلم ولعلي ،ثم لها ،ثم ة صفح ً
صفح ً
رفعت القدر ،وإنها لتفيض ،قال :فأكلنا منها ما شاء الله.
قلت :أخرجه ابن سعد في طبقاته
-وأمر عمر بن الخطاب أن يزود أربعمائة راكب من أحمس،
فقال :يا رسول الله ،ما هي إل أصوع .قال :اذهب ،فذهب
فزودهم منه ،و كان قدر الفصيل الرابض ،من التمر ،وبقي بحاله.
-من رواية دكين الحمسي ،و من رواية جرير.
-ومثله من رواية النعمان بن مقرن الخبر بعينه ،إل أنه قال:
أربعمائة راكب من مزينة.
قلت رواه عبد الله بن المام أحمد في مستد أبيه قال:
حدثني أبي حدثنا وكيع حدثنا اسماعيل عن قيس عن دكين بن
سعيد الخثعمي قال:
-أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربعون وأربعمائة
نسأله الطعام فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر :قم
فأعطهم..قال :يا رسول الله ما عندي إل ما يقيظني والصبية؛
قال وكيع والقيظ في كلم العرب أربعة أشهر؛ قال :قم فأعطهم
قال عمر يا رسول الله سمعًا وطاعة .قال :فقام عمر وقمنا معه
فصعد بنا إلى غرفة له فأخرج المفتاح من حجزته ففتح الباب
قال دكين فإذا في الغرفة من التمر شبيه بالفصيل الرابض قال
شأنكم قال فأخذ كل رجل منا حاجته ما شاء قال ثم التفت وإني
لمن آخرهم وكأنا لم نرزأ منه تمرة.
-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يعلى بن عبيد حدثنا إسماعيل
عن قيس عن دكين بن سعيد المزني قال:
-أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين راكبُا وأربعمائة
نسأله الطعام فقال لعمر :اذهب فأعطهم ,فقال يا رسول الله ما
بقي إل آصع من تمر ما أرى أن يقيظني قال :اذهب فأعطهم.
قال :سمعًا وطاعة قال :فأخرج عمر المفتاح من حجزته ففتح
الباب فإذا شبه الفصيل الرابض من تمر فقال :لتأخذوا فأخذ كل
رجل منا ما أحب ثم التفت وكنت من آخر القوم وكأنا لم نرزأ
تمرة.
-ومن ذلك حديث جابر في دين أبيه بعد موته ،وقد كان بذل
لغرماء أبيه أصل ماله ،فلم يقبلوه ،ولم يكن في تمرها سنين
كفاف دينهم ،فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أمره
بجدها ،وجعلها بيادر في أصولها ،فمشى فيها ،ودعا ،فأوفى منه
جابر غرماء أبيه ،وفضل مثل ما كانوا يجدون كل سنة.
-وفي رواية مثل ما أعطاهم ،قال :وكان الغرماء يهود ،فعجبوا
من ذلك.
223
قلت رواه البخاري في كتاب الستقراض وأداء الديون والحجر
والتفليس؛ باب :إذا قضى دون حقه أو حلله فهو جائز.
-حدثنا عبدان :أخبرنا عبد الله :أخبرنا يونس ،عن الزهري قال:
حدثني ابن كعب بن مالك :أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما
أخبره :أن أباه قتل يوم أحد شهيدًا وعليه دين ،فاشتد الغرماء
في حقوقهم ،فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ،فسألهم أن
يقبلوا تمر حائطي ويحللوا أبي فأبوا ،فلم يعطهم النبي صلى الله
عليه وسلم حائطي ،وقال( :سنغدوا عليك) .فغدا علينا حين
أصبح ،فطاف في النخل ودعا في ثمرها بالبركة ،فجددتها
فقضيتهم ،وبقي لنا من تمرها.
وفي باب :إذا قاص أو جازفه في الدين تمًرا بتمر أو غيره.
-حدثنا إبراهيم بن المنذر :حدثنا أنس ،عن هشام ،عن وهب بن
كيسان ،عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه أخبره :أن أباه
توفي وترك عليه ثلثين وسقًا لرجل من اليهود ،فاستنظره جابر
فأبى أن ينظره ،فكلم جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليشفع له إليه ،فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلم
اليهودي ليأخذ ثمر نخله بالذي له فأبى ،فدخل رسول الله صلى
الله عليه وسلم النخل فمشى فيها ،ثم قال لجابر( :جد له،
فأوف له الذي له) .فجده بعد ما رجع رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأوفاه ثلثين وسقًا ،وفضلت له سبعة عشر وسقًا ،فجاء
جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره بالذي كان،
فوجده يصلي العصر ،فلما انصرف أخبره بالفضل ،فقال( :أخبر
ذلك ابن الخطاب) .فذهب جابر إلى عمر فأخبره ،فقال له عمر:
لقد علمت حين مشى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليباركن فيها.
-وقال أبو هريرة رضي الله عنه :أصاب الناس مخمصة .فقال لي
رسول الله صلى الله عليه وسلم( :هل من شيء) قلت :نعم،
شيء من التمر في المزود .قال( :فأتني به) ،فأدخل يده فأخرج
قبضة ،فبسطها ودعا بالبركة ،ثم قال :ادع عشرة فأكلوا حتى
شبعوا ،ثم عشرة كذلك ،حتى أطعم الجيش كلهم وشبعوا .قال:
(خذ ما جئت به ،وأدخل يدك ،واقبض منه ول تكبه) ،فقبضت على
أكثر مما جئت به ،فأكلت منه وأطعمت حياة رسول الله صلى
الله عليه وسلم ،وأبي بكر ،وعمر ،إلى أن قتل عثمان ،فانتهب
مني ،فذهب.
-وفي رواية :فقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا من وسق في
سبيل الله.
224
-وذكرت مثل هذه الحكاية في غزوة تبوك ،وأن التمر كان بضع
عشرة تمرة.
قلت رواه البيهقي في دلئل النبوة قال:
باب ما جاء في مزود أبي هريرة رضي الله عنه وما ظهر فيه
ببركة دعاء النبي من آثار النبوة.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن أبي المعروف (السفرائيني) الفقيه
أنبأنا بشر ابن أحمد بن بشر حدثنا أحمد بن الحسين بن نصر
الحذاء حدثنا علي بن المديني حدثنا حماد بن زيد حدثنا المهاجر
مولى آل أبي بكرة عن أبي العالية عن أبي هريرة قال:
أتيت رسول الله بتمرات فقلت ادع لي فيهن بالبركة قال
فقبضهن ثم دعا فيهن بالبركة ثم قال :خذهن فاجعلهن في مزود.
أو قال :في مزودك ,فإذا أردت أن تأخذ منهن فأدخل يدك فخذ
ول تنثرهن نثًرا .قال فحملت من ذلك التمر كذا وكذا وسقًا في
سبيل الله وكنا نأكل ونطعم وكان المزود معلقا بحقوي ل يفارق
حقوي فلما قتل عثمان انقطع.
أخبرنا أبو الفتح هلل بن محمد بن جعفر الحفار أنبأنا الحسين
بن يحيى بن عباس القطان حدثنا حفص بن عمرو حدثنا سهيل
بن زياد أبو زياد حدثنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن
أبي هريرة قال :كان رسول الله في غزوة فأصابهم عوز من
الطعام فقال :يا أبا هريرة عندك شيء؟ قال :قلت :شيء من
تمر في مزود لي؛ قال :جيىء به ..قال فجئت بالمزود؛ قال:
هات نط ًعا ...فجئت بالنطع فبسطته ،فأدخل يده فقبض على
التمر فإذا هو إحدى وعشرون تمرة ثم قال :بسم الله...فجعل
يضع كل تمرة ويسمى حتى أتى على التمر فقال به هكذا فجمعه
فقال :ادع فلنا وأصحابه ...فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا؛ ثم قال:
ادع فلنا وأصحابه ..فأكلوا وشبعوا وخرجوا؛ ثم قال :ادع فلنا
وأصحابه ..فأكلوا وشبعوا وخرجوا؛ وفضل تمر .قال فقال لي:
اقعد ..فقعدت .فأكل وأكلت..
قال وفضل تمر فأخذه فأدخله في المزود فقال لي :يا أبا هريرة
إذا أردت شيئًا فأدخل يدك فخذ ول تكفأ فيكفأ عليك ..قال فما
كنت أريد تمًرا إل أدخلت يدي ...فأخذت منه خمسين وسقًا في
سبيل الله وكان معلقًا خلف رجلي فوقع في زمان عثمان بن
عفان رضي الله عنه فذهب.
وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنبأنا أبو سهل بن زياد
القطان حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا احمد بن عبدة
حدثنا سهل بن أسلم (ح)
225
وأنبأنا أبو الحسن علي بن محمد المقري أنبأنا الحسن بن محمد
ابن إسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي حدثنا ابن الخطاب
حدثنا سهل ابن اسلم العذري عن زيد بن أبي منصور عن أبيه
عن أبي هريرة قال :أصبت بثلث مصائب في السلم لم أصب
بمثلهن :بموت النبي وكنت صويحبه ،وقتل عثمان ،والمزود...
قالوا :وما المزود يا أبا هريرة؟ قال كنا ُ مع رسول الله في سفر
فقال :يا أبا هريرة أمعك شيء؟ قال :قلت تمًرا في مزود معي؛
قال :جىء به فأخرجت منه تمًرا فأتيته قال فمسه فدعا فيه ثم
قال :ادع عشرة...فدعوت عشرة .فأكلوا حتى شبعوا ..ثم كذلك
حتى أكل الجيش كله وبقي من تمر المزود قال :يا أبا هريرة إذا
أردت أن تأخذ منه شيئا فأدخل يدك ول تكبه ...قال فأكلت منه
حياة النبي ،وأكلت منه حياة أبي بكر كلها ،وأكلت منه حياة عمر
كلها ،وأكلت منه حياة عثمان كلها ..فلما قتل عثمان انتهب ما
في بيتي وانتهب المزود أل أخبركم أكلت أكلت منه أكثر من
مائتي وسق .لفظ حديث المقرئ
ورواه الترمذي.
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بتمرات فقلت :يا رسول الله
ادع الله فيهن بالبركة .فضمهن ثم دعا لي فيهن بالبركة فقال":
خذهن وأجعلهن في مزودك هذا أو في هذا المزود كلما أردت أن
تأخذ منه شيئا فأدخل فيه يدك فخذه ول تنثره نثًرا"...
فقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا من وسق في سبيل الله..
فكنا نأكل منه ونطعم وكان ل يفارق حقوي حتى كان يوم قتل
عثمان فإنه انقطع..
قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وقد روي
هذا الحديث من غير هذا الوجه عن أبي هريرة.
وقال الشيخ اللباني :حسن السناد ..وسند الحديث :حدثنا
عمران بن موسى القزاز حدثنا حماد بن زيد حدثنا المهاجر عن
أبي العالية الرياحي عن أبي هريرة قال
-ومنه أيضا ً حديث أبي هريرة حين أصابه الجوع ،فاستتبعه النبي
صلى الله عليه وسلم ،فوجد لبنا ً في قدح قد أهدي إليه وأمره أن
يدعو أهل الصفة.قال :فقلت:ما هذا اللبن فيهم؟ كنت أحق أن
أصيب منه شربة أتقوى بها فدعوتهم.وذكر أمر النبي صلى الله
عليه وسلم أن يسقيهم ،فجعلت أعطي الرجل فيشرب حتى
يروى ،ثم يأخذه الخر حتى روي جميعهم .قال :فأخذ النبي صلى
الله عليه وسلم القدح ،وقال :بقيت أنا وأنت ،اقعد فاشرب،
فشربت ،ثم قال :اشرب ،وما زال يقولها وأشرب حتى قلت :ل،
226
و الذي بعثك بالحق ،ما أجد له مسلكا ً ،فأخذ القدح فحمد الله و
سمى وشرب الفضلة.
قلت :رواه البخاري في كتاب الرقاق قال:
حدثني أبو نعيم بنحو من نصف هذا الحديث :حدثنا عمر بن ذر:
حدثنا مجاهد :أن أبا هريرة كان يقول :آلله الذي ل إله إل هو ،إن
كنت لعتمد بكبدي على الرض من الجوع ،وإن كنت لشد الحجر
على بطني من الجوع ،ولقد قعدت يوما ً على طريقهم الذي
يخرجون منه ،فمر أبو بكر ،فسألته عن آية من كتاب الله ،ما
سألته إل ليشبعني ،فمر ولم يفعل ،ثم مر بي عمر ،فسألته عن
آية من كتاب الله ،ما سألته إل ليشبعني ،فمر ولم يفعل ،ثم مر
بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ،فتبسم حين رآني ،وعرف
ما في نفسي وما في وجهي ،ثم قال( :يا أبا هر) .قلت :لبيك يا
رسول الله ،قال( :الحق) .ومضى فاتَّبعته ،فدخل ،فأستأذن،
فأذن لي ،فدخل ،فوجد لبنا ً في قدح ،فقال( :من أين هذا اللبن).
قالوا :أهداه لك فلن أو فلنة ،قال( :أبا هر) .قلت :لبيك يا
رسول الله ،قال( :الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي) .قال:
وأهل الصفة أضياف السلم ،ل يأوون على أهل ول مال ول على
أحد ،إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً ،وإذا أتته
هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها ،فساءني ذلك،
فقلت :وما هذا اللبن في أهل الصفة ،كنت أحق أنا أن أصيب من
هذا اللبن شربة أتقوى بها ،فإذا جاء أمرني ،فكنت أنا أعطيهم،
وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن ،ولم يكن من طاعة الله
وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بد ،فأتيتهم فدعوتهم
فأقبلوا ،فاستأذنوا فأذن لهم ،وأخذوا مجالسهم من البيت ،قال:
(يا أبا هر) .قلت :لبيك يا رسول الله ،قال( :خذ فأعطهم) .قال:
فأخذت القدح ،فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ،ثم يرد
علي القدح ،فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ،ثم يرد علي
القدح فيشرب حتى يروى ،ثم يرد علي القدح ،حتى انتهيت إلى
النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم ،فأخذ القدح
ي فتبسم ،فقال( :أبا هر) .قلت :لبيك فوضعه على يده ،فنظر إل َّ
يا رسول الله ،قال( :بقيت أنا وأنت) .قلت :صدقت يا رسول
الله ،قال( :اقعد فاشرب) .فقعدت فشربت ،فقال( :اشرب).
فشربت ،فما زال يقول( :اشرب) .حتى قلت :ل والذي بعثك
بالحق ،ما أجد له مسلكاً ،قال( :فأرني) .فأعطيته القدح ،فحمد
الله وسمى وشرب الفضلة...
-وفي حديث خالد بن عبد العزى أنه أجزر النبي صلى الله عليه
وسلم شاةً ،وكان عيال خالد كثيرا ً يذبح الشاة فل تُبِد ُّ عيالَه
227
عظما ً عظماً ،وإن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من هذه
الشاة وجعل فضلتها في دلو خالد ،ودعا له بالبركة ،فنثر ذلك
لعياله ،فأكلوا وأفضلوا ـ ذكر خبره الدولبي.
-وفي حديث الجري في إنكاح النبي صلى الله عليه وسلم لعلي
فاطمة ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلل ً بقصعة من
أربعة أمداد أو خمسة ،ويذبح جزورا ً ليوليمتها ـ قال :فأتيته بذلك
ة يأكلون منها حتى ة ُرفق ً
فطعن في رأسها ،ثم أدخل الناس ُرفق ً
فرغوا ،وبقيت منها فضلة ،فبَّرك فيها ،وأمر بحملها إلى أزواجه،
وقال :كلن وأطعمن من غشيكن.
-وفي حديث أنس :تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فصنعت أمي أم سليم حيساً ،فجعلته في تور ،فذهبت به إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقال :ضعه ،وادع لي فلنا ً و
فلناً ،ومن لقيت.
فدعوتهم ،ولم أدع أحدا ً لقيته إل دعوته ،وذكر أنهم كانوا زهاء
ثلثمائة حتى ملئوا الصفة والحجرة ،فقال لهم النبي صلى الله
عليه وسلم :تحلقوا عشرة عشرة ،ووضع النبي صلى الله عليه
وسلم يده على الطعام ،فدعا فيه ،وقال ما شاء الله أن يقول،
فأكلوا حتى شبعوا كلهم ،فقال لي( :ارفع) .فما أدري حين
وضعت كانت أكثر أم حين رفعت.
قلت :متفق عليه ،وقد سبق ...كما أخرجه أصحاب السنن ،وهذه
رواية الترمذي:
***تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بأهله قال
سا فجعلته في تور فقالت :يا أنس فصنعت أمي أم سليم حي ً
أذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل :بعثت
إليك بها أمي ،وهي تقرئك السلم ،وتقول إن هذا لك منا لك
قليل يا رسول الله..قال فذهبت بها إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقلت :إن أمي تقرئك السلم ،وتقول إن هذا منا لك
قليل ..فقال( :ضعه) ،ثم قال(:اذهب فأدع لي فلنًا وفلنًا وفلنًا
ومن لقيت) ..فسمى رجالً.
قال :فدعوت من سمى ومن لقيت ...قال قلت لنس عددكم كم
كانوا قال زهاء ثلثمائة قال وقال لي رسول الله صلى الله عليه
وسلم :يا أنس هات التور ...قال فدخلوا حتى امتلت الصفة
والحجرة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ليتحلق
عشرة عشرة وليأكل كل إنسان مما يليه ..قال فأكلوا حتى
شبعوا..قال :فخرجت طائفة ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم..
قال فقال لي :يا أنس ارفع ...قال :فرفعت فما أدري حين
وضعت كان أكثر أم حين رفعت ..قال :وجلس منهم طوائف
228
يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول
الله صلى الله عليه وسلم جالس وزوجته مولية وجهها إلى
الحائط فثقلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم على نسائه ثم رجع
فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجع ظنوا أنهم
قد ثقلوا عليه قال فابتدروا الباب فخرجوا كلهم ..وجاء رسول
الله صلى الله عليه وسلم حتى أرخى الستر ودخل؛ وأنا جالس
في الحجرة فلم يلبث إل يسيًرا حتى خرج علي ..وأنزلت هذه
اليات فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأهن على
َ َ َ َ
م ن لَك ُ ْ ي إ ِ ّل أن يُؤْذ َ َ ت النَّب ِ ِ ّ خلُوا بُيُو َ منُوا َل تَد ْ ُ نآ َ الناس (يَا أيُّهَا ال ّذِي َ
م
مت ُ ْ خلُوا فَإِذ َا طَعِ ْ م فَاد ْ ُ عيت ُ ْ ن إِذ َا د ُ ِ ن إِنَاه ُ وَلَك ِ ْ إِلَى طَعَام ٍ غَيَْر نَاظ ِْرِي َ
ن يُؤْذِي النَّب ِ َّ
ي م كَا َ ن ذَلِك ُ ْ ث إ ِ َّ حدِي ٍ ن لِ َ سي َ ستَأن ِ ِ م ْ شُروا وََل ُ فَانت َ ِ
متَاعاً َ َ
ن َ موهُ َّ سألْت ُ ُق وَإِذ َا َ ح ِّ ن ال ْ َم َ حيِي ِ ست َ ْه َل ي َ ْ م وَالل ّ ُ منك ُ ْحيِي ِ ست َ ْ فَي َ ْ
م وَقُلُوبِهِ َّ َ َ
ما كَا َ
ن ن َو َ م أطْهَُر لِقُلُوبِك ُ ْ ب ذَلِك ُ ْ جا ٍ َ
ح َ من وََراء ِ ن ِ سألُوهُ َّ فَا ْ
َ
من بَعْدِهِ أبَدا ً إ ِ َّ َ َ َ
ن ه ِ ج ُحوا أْزوَا َ ل الل ّهِ وََل أن تَنك ِ ُ سو َ م أن تُؤْذ ُوا َر ُ لَك ُ ْ
َ
عند َ الل ّهِ عَظِيماً) (الحزاب ...)53 :قال الجعد قال ن ِ م كَا َ ذَلِك ُ ْ
أنس :أنا أحدث الناس عهدًا بهذه اليات وحجبن نساء رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
والجعد هو بن عثمان ويقال هو بن دينار ويكنى أبا عثمان بصري
وهو ثقة عند أهل الحديث روى عنه يونس بن عبيد وشعبة وحماد
بن زيد .قال الترمذي :حسن صحيح.
-وأكثر أحاديث هذه الفصول الثلثة في الصحيح .وقد اجتمع على
معنى حديث هذا الفصل بضعة عشر من الصحابة ،رواه عنهم
أضعافهم من التابعين ،ثم من ل ينعد بعدهم.
وأكثرها في قصص مشهورة ،ومجامع مشهودة ،ول يمكن
التحدث عنها إل بالحق ،ول يسكت الحاضر لها على ما أنكر منها.
الفصل الخامس عشر:
في كلم الشجرة وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته
قال القاضي عياض* حدثنا أحمد بن محمد بن غلون الشيخ
الصالح فيما أجاز فيه عن أبي عمر الطلمنكي ،عن أبي بكر بن
المهندس ،عن أبي القاسم البغوي ،حدثنا أحمد بن عمران
الخنسي ،حدثنا أبو حيان التيمي ـ وكان صدوقاً،عن مجاهد،عن
ابن عمر ،قال :كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
سفره ،فدنا منه أعرابي ،فقال:يا أعرابي ،أين تريد؟ قال :إلى
أهلي .قال :هل لك إلى خير؟ قال :وما هو؟ قال :تشهد أن ل إله
إل الله وحده ل شريك له ،وأن محمدا ً عبده ورسوله ـ قال :من
229
يشهد لك على ما تقول؟ قال :هذه الشجرة السمرة ،وهي
بشاطئ الوادي ،وادع ُها فإنها تجيبك.
فأقبلت تخد الرض حتى قامت بين يديه ،فاستشهدها ثلثاً،
فشهدت أنه كما قال ،ثم رجعت إلى مكانها.
َ َ
ه صلى الله عليه ه بِهِ نَبِي َّ ُ م الل ّ ُ ما أكَْر َ قلت :رواه الدارمي -باب َ
ن: جرِ بِهِ وَالْبَهَائِم ِ وَال ْ ِ مان ال َّ
ج ِّ ش َ ن إِي َ ِ م ْ وسلم ِ
َ َ َ ح َّ َ َ ح َّ -أَ ْ
ن
حي ّا َ حد ّثَنَا أبُو َ ل َ ضي ْ َ ٍ ن فُ َ مد ُ ب ْ ُ م َ حد ّثَنَا ُ ف َ ن طرِي ٍ مد ُ ب ْ ُ م َخبََرنَا ُ
ل الل ّهِ صلى الله عليه سو ِ معَ َر ُ ل :كُنَّا َ مَر قَا َ ن عُ َ ِ ن اب ْ ِ ن ع َطَاءٍ ع َ عَ ْ
ُ َّ َ َ
سول اللهِ ه َر ُ ل لَ ُ ه قَا َ من ْ ُ ما دَنَا ِ ى فَل َ َّ ل أعَْراب ِ ٌّ سفَرٍ فَأقْب َ َ وسلم فِي َ
لل « هَ ْ ل إِلى أهْلِى .قَا َ َ َ ن تُرِيد ُ » .قَا َ َ
َ صلى الله عليه وسلم « :أي ْ َ
َ َ
حدَه ُ لَ ه وَ ْ ه إِل ّ الل ّ ُ ن ل َ إِل َ َ شهَد ُ أ ْ ل « تَ ْ ما هُوَ قَا َ ل َو َ خيْرٍ » .قَا َ ك فِى َ لَ َ
ما شهَد ُ ع َلَى َ ن يَ ْ م ْ ل َوَ َ ه » .فَقَا َ سول ُ ُ مدا ً ع َبْدُه ُ وََر ُ ح َّ م َ ن ُ ه وَأ َ َّ ك لَ ُشرِي َ َ
ل الل ّهِ صلى الله عليه سو ُ ة » .فَدَع َاهَا َر ُ م ُ سل َ َل « هَذِهِ ال َّ ل قَا َ تَقُو ُ
َ َ
تم ْ حتَّى قَا َ خدًّا َ ض َ خد ُّ الْر َ ت تُ ُ ئ الْوَادِى فَأقْبَل َ ْ شاط ِ ِ ى بِ َ وسلم وَه ِ َ
َ
ت جعَ ْ م َر َ ل ث ُ َّ ما قَا َ ه كَ َ ت ثَلَثا ً أن َّ ُ شهِد َ ْ شهَدَهَا ثَلَثا ً فَ َ ست َ ْ ن يَدَيْهِ فَا ْ بَي ْ َ
َ
ن اتَّبَعُونِى أتَيْت ُ َ جعَ الَعَْراب ِ ُّ
م
ك بِهِ ْ ل إِ ِ مهِ وَقَا َ و ِ ى إِلَى قَ ْ منْبَتِهَا وََر َ إِلَى َ
َ
ك.. معَ َ ت َ ت فَكُن ْ ُ جعْ ُ وَإِل ّ َر َ
-وعن بريدة :سأل أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم آية ،فقال
له :قل لتلك الشجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك.
قال :فمالت الشجرة عن يمينها وشمالها وبين يديها وخلفها،
فتقطعت عروقها ،ثم جاءت تخد الرض تجر مغبرة ً حتى وقفت
بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقالت :السلم
عليك يا رسول الله.
قال العرابي :مرها فلترجع إلى منبتها ،فرجعت ،فدلت عروقها
فاستوت.
فقال العرابي :ائذن لي أسجد لك.
قال :لو أمرت أحدا ً أن يسجد لحد لمرت المرأة أن تسجد
لزوجها.
قال :فأذن لي أن أقبل يديك ورجليك ،فأذن له.
مراً تآ ِ وقفة مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم" :لَوْ كُن ْ ُ
جهَا": أ َحدا ً أ َن يسجد ِل َحدَ ،ل َمرت ال ْ َ
جد َ لَِزوْ ِ س ُ ن تَ ْ مْرأة َ أ ْ َ َ ْ ُ ْ َ ْ ُ َ َ ٍ َ
رواه أبو داود -في كتاب النكاح ،باب في حق الزوج على
المرأة؛ قال:
ـ حدثنا عمرو بن عون ،أخبرنا إسحاق بن يوسف الزرق ،عن
شريك ،عن حصين ،عن الشعبي عن قيس بن سعد قال:
ن لهم ،فقلت :رسول اللّه أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبا ٍ
أحقُّ أن يسجد له ،قال :فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم
230
ن لهم ،فأنت يا فقلت :إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبا ٍ
رسول اللّه أحق أن نسجد لك ،قال" :أرأيت لو مررت بقبري
أكنت تسجد له؟" قال :قلت :ل ،قال" :فل تفعلوا ،لو كنت آمراً
ن؛ لماأحدا ً أن يسجد لحد ٍ لمرت النساء أن يسجدن لزواجه َّ
ق". جعل اللّه لهم عليه َّ
ن من الح ِ ّ
ورواه ابن ماجه -في كتاب النكاح باب حق الزوج على المرأة؛
قال:
-حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة .حدثنا عفان .حدثنا حماد بن
سلمة ،عن علي بن زيد ابن جدعان ،عن سعيد بن المسيب ،عن
عائشة؛
-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(( :لو أمرت أحدا أن
يسجد لحد ،لمرت المرأة أن تسجد لزوجها .ولو أن رجل ً أمر
امرأة أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود ،ومن جبل أسود
إلى جبل أحمر ،لكان نولها أن تفعل)).
في الزوائد :في إسناده علي بن زيد ،وهو ضعيف .لكن للحديث
طرق أخر .وله شاهدان من حديث طلق بن علي .رواه الترمذي
والنسائي .ومن حديث أم سلمة ،رواه الترمذي وابن ماجة.
-حدثنا أزهر بن مروان .حدثنا حماد بن زيد ،عن أيوب ،عن
القاسم الشيباني ،عن عبد الله بن أبي أوفى؛ قال:
-لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم.
قال((:ما هذا يا معاذ؟)) قال :أتيت الشام فوافقتهم يسجدون
لساقفتهم وبطارقتهم .فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(( :فل تفعلوا .فإني لو
كنت آمرا أحد أن يسجد لغير الله ،لمرت المرأة أن تسجد
لزوجها ...والذي نفس محمد بيده! ل تؤدي المرأة حق ربها حتى
تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها ،وهي على قتب لم تمنعه)).
في الزوائد :رواه ابن حبان في صحيحه .قال السندي :كأنه يريد
أنه صحيح السناد.
ورواه الدارمي -في كتاب الصلة باب النهي ان يسجد لحد؛ قال:
-أخبرنا عمرو بن عون ثنا إسحاق الزرق عن شريك عن حصين
عن الشعبي عن قيس بن سعد قال أتيت الحيرة فرأيتهم
يسجدون لمرزبان لهم فقلت :يا رسول الله أل نسجد لك،
فقال ":لو أمرت أحدا لمرت النساء ان يسجدن لزواجهن لما
جعل الله عليهن من حقهم".
-أخبرنا محمد بن يزيد الحزام ثنا حبان بن علي عن صالح بن
حبان عن أبي بريدة عن أبيه قال جاء أعرابي إلى النبي صلى
231
الله عليه وسلم ،فقال :يا رسول الله ائذن لي فلسجد لك؛ قال:
(لو كنت آمرا أحدا يسجد لحد لمرت المرأة تسجد لزوجها)
ورواه الترمذي -في أبواب مختلفة في النكاح باب ما جاء في
حق الزوج على المرأة .قال:
-حدثنا محمود بن غيلن .أخبرنا النضر بن شميل .أخبرنا محمد
بن عمرو ،عن أبي سلمة ،عن أبي هريرة،
-عن النبي صلى الله عليه وسلم ،قال" :لو كنت آمرا أحدا أن
يسجد لحد ،لمرت المرأة أن تسجد لزوجها".
وفي الباب عن معاذ بن جبل وسراقة بن مالك بن جعشم
وعائشة وابن عباس وعبد الله بن أبي أوفى وطلق بن علي وأم
سلمة وأنس وابن عمر .حديث أبي هريرة حديث حسن غريب
من هذا الوجه ،من حديث محمد بن عمرو ،عن أبي سلمة ،عن
أبي هريرة.
ورواه البيهقي -ما جاء في عظم حق الزوج على المرأة؛ قال:
-أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى
البزاز نا أحمد بن منصور المروزي ثنا النضر بن شميل أنا محمد
بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه
قال ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( :لو كنت آمرا أحد
أن يسجد لحد لمرت المرأة أن تسجد لزوجها لما عظم الله من
حقه عليها).
-أخبرنا محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنا أبو بكر محمد
الحسين القطان نا أحمد بن يوسف السلمي نا عبد الرحمن بن
أي بكر النخعي حدثني أبي نا حصين بن عبد الرحمن السلمي
عن عامر الشعبي عن قيس قال قدمت الحيرة فرأيت أهلها
يسجدون لمرزبان لهم فقلت نحن كنا أحق أن نسجد لرسول الله
صلى الله عليه وسلم فلما قدمت عليه أخبرته بالذي رأيت قلت
نحن كنا أحق أن نسجد لك فقال :ل تفعلوا أرأيت لو مررت
بقبري أكنت ساجدًا قلت :ل قال :فل تفعلوا فإني لو كنت آمرا
أحدا أن يسجد لحد لمرت النساء أن يسجدن لزواجهن لما جعل
الله من حقهم عليهن...
رواه غيره عن شريك فقال عن قيس بن سعد.
ورواه الحاكم -في كتاب النكاح
حدثنا محمد بن صالح بن هانئ حدثنا الفضل بن محمد بن
المسيب حدثنا عمرو بن عون حدثنا شريك عن حصين عن
الشعبي عن قيس بن سعد رضى الله تعالى عنه قال :أتيت
الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فقلت :رسول الله صلى
الله عليه وسلم أحق أن يسجد له فأتيت رسول الله صلى الله
232
عليه وسلم فقلت أني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان
لهم فأنت رسول الله أحق أن يسجد لك قال :أرأيت لو مررت
بقبري أكنت تسجد له؟ قلت :ل ..قال( :فل تفعلوا لو كنت آمرا
أحدا أن يسجد لحد لمرت النساء أن يسجدن لزواجهن لما جعل
لله لهم عليهن من حق) .هذا حديث صحيح السناد ولم يخرجاه.
ورواه ابن أبي شيبة -في كتاب النكاح؛ قال:
حدثنا أبو معاوية عن العمش عن أبي ظبيان قال :لما قدم معاذ
من اليمن قال :يا رسول الله! رأينا قوما يسجد بعضهم لبعض
أفل نسجد لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :ل! إنه
ل يسجد أحد لحد ولو كنت آمرا أحدًا يسجد لحد لمرت النساء
يسجدن لزواجهن " .حدثنا ابن نمير قال نا العمش عن أبي
ظبيان عن رجل من النصار عن معاذ ابن جبل بمثل حديث أبي
معاوية.
ورواه أحمد -في مسند النصار حدثنا عبد الله حدثني أبي في
سنة ثمان وعشرين ومائتين حدثنا وكيع حدثنا العمش عن أبي
ظبيان عن معاذ بن جبل-:أنه لما رجع من اليمن قال :يا رسول
الله رأيت رجال ً باليمن يسجد بعضهم لبعضهم أفل نسجد لك
قال( :لو كنت آمًرا بشًرا يسجد لبشر لمرت المرأة أن تسجد
لزوجها).
وفي مسند أم المؤمنين عائشة
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الصمد وعفان قال حدثنا
حماد قال عفان أنبأنا المعني عن علي بن زيد عن سعيد عن
عائشة :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في نفر من
المهاجرين والنصار فجاء بعير فسجد له فقال أصحابه :يا رسول
الله تسجد لك البهائم والشجر فنحن أحق أن نسجد لك فقال:
(أعبدوا ربكم ،وأكرموا أخاكم ،ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد لحد
لمرت المرأة أن تسجد لزوجها ولو أمرها أن تنقل من جبل
أصفر إلى جبل أسود ومن جبل أسود إلى جبل أبيض كان ينبغي
لها أن تفعله).
-وفي الصحيح في حديث جابر بن عبد الله الطويل :ذهب رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته ،فلم ير شيئا ً يستتر به،
فإذا بشجرتين في شاطئ الوادي ،فانطلق رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى إحداهما ،فأخذ بغصن من أغصانها ،فقال :انقادي
علي بإذن الله ،فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع
قائده.
وذكر أنه فعل بالخرى مثل ذلك ،حتى إذا كان بالمصنف بينهما
قال :التئما علي بإذن الله ،فالتأمتا.
233
-رواية أخرى :فقال( :يا جابر ،قل لهذه الشجرة :يقول لك رسول
الله صلى الله عليه وسلم :الحقي بصاحبتك حتى أجلس
حقت بصاحبتها فجلس خلفهما، حفت حتى ل ِ
خلفكما) ففعلت ،فز َ
ضر ،وجلست أحدث نفسي ،فالتفت فإذا برسول الله فخرجت أح ِ
صلى الله عليه وسلم مقبل ً والشجرتان قد افترقتا ،فقامت كل
واحدة منهما على ساق ،فوقف رسول الله صلى الله عليه
ة ،فقال برأسه هكذا يمينا ً وشمالً.
وسلم وقف ً
قلت :رواه مسلم في كتاب الزهد قال:
سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديًا أفيح.
فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته .فاتبعته
بإداوة من ماء .فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير
شيئا يستتر به .فإذا شجرتان بشاطئ الوادي .فانطلق رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من
أغصانها .فقال" :انقادي علي بإذن الله" فانقادت معه كالبعير
المخشوش ،الذي يصانع قائده .حتى أتى الشجرة الخرى .فأخذ
بغصن من أغصانها .فقال "انقادي علي بإذن الله" فانقادت معه
كذلك .حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما ،لم بينهما (يعني
جمعهما) فقال" :التئما علي بإذن الله" فالتأمتا .قال جابر:
فخرجت أحضر مخافة أن يحش رسول الله صلى الله عليه
وسلم بقربي فيبتعد (وقال محمد بن عباد :فيتبعد) فجلست
أحدث نفسي .فحانت مني لفتة ،فإذا أنا برسول الله صلى الله
عليه وسلم مقبلً .وإذا الشجرتان قد افترقتا .فقامت كل واحدة
منهما على ساق .فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف
وقفة .فقال برأسه هكذا (وأشار أبو إسماعيل برأسه يمينًا
وشمالً) ثم أقبل .فلما انتهى إلي قال "يا جابر! هل رأيت
مقامي؟" قلت :نعم .يا رسول الله! قال" :فانطلق إلى
الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصنا .فأقبل بهما .حتى
إذا قمت مقامي فأرسل غصنًا عن يمينك وغصنا عن يسارك".
قال جابر :فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحسرته .فانذلق لي.
فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا .ثم أقبلت
أجرهما حتى قمت مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم
أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري .ثم لحقته فقلت :قد
فعلت .يا رسول الله! فعم ذاك؟ قال "إني مررت بقبرين يعذبان.
فأحببت ،بشفاعتي ،أن يرفه عنهما ،ما دام الغصنان رطبين".
قلت :أخرج هذا الحديث كل من البيهقي في السنن الكبرى
ودلئل النبوة ،وابن كثير في البداية والنهاية ،والتبريزي في
المشكاة...وغيرهم.
234
-وروى أسامة بن زيد نحوه ،قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم في بعض مغازيه :هل يعني مكانا ً لحاجة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت :إن الوادي ما فيه موضع بالناس.
فقال :هل ترى من نخل أو حجارة؟ قلت :أرى نخلت متقاربات.
قال :انطلق وقل لهن :إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
يأمركن أن تأتين لمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وقل
للحجارة مثل ذلك.فقلت ذلك لهن ،فو الذي بعثه بالحق ،لقد
رأيت النخلت يتقاربن حتى اجتمعن والحجارة يتعاقدن حتى
صرن زكاما ً خلقهن .فلما قضى حاجته قال لي :قل لهن يفترقن،
فو الذي نفسي بيده لرأيتهن و لحجارة يفترقن حتى عدن إلى
مواضعهن.
قلت :رواه البيهقي في دلئل النبوة قال:
أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن الغفاري ببغداد حدثنا
عثمان ابن أحمد بن السماك حدثنا أبو علي حنبل بن إسحاق بن
حنبل حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا عبد الرحيم بن جماد عن
معاوية بن يحيى الصدفي أنبأنا الزهري عن خارجة بن زيد قال:
قال أسامة بن زيد:
(....ثم قال :يا أسيم أنظر هل ترى من خمر لمخرج رسول
الله ...فقلت :يا رسول الله ،قد دحس الناس الوادي فما فيه
موضع .فقال :انظر هل ترى من نخل أو حجارة ...فقلت :يا
رسول الله ،قد رأيت نخلت متقاربات ورجما من حجارة .قال:
انطلق إلى النخلت فقل لهن أن رسول الله يأمركن أن تدانين
لمخرج رسول الله وقل للحجارة مثل ذلك ..قال فأتيتهن فقلت
ذاك لهن فو الذي بعثك بالحق نبيا لقد جعلت أنظر إلى النخلت
يخددن الرض خدًا حتى اجتمعن وأنظر إلى الحجارة يتقافزن
ما خلف النخلت فأتيته فقلت ذاك له قال خذ حتى صرن رج ً
الداوة وانطلق فلما قضى حاجته وانصرف قال يا أسيم عد إلى
النخلت والحجارة فقل لهن إن رسول الله يأمركن أن ترجعن
إلى مواضعكن.
-وقال يعلى بن سيابة :كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في
مسير ...وذكر نحوا ً من هذين الحديثين ،وذكر :فأمر وديتين
فانضمتا .و في رواية :أشاءتين.
-وعن غيلن بن سلمة الثقفي مثله :في شجرتين.
قلت أورده البيهقي في دلئل النبوة قال:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قال حدثنا
العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس
بن بكير عن العمش عن المنهال بن عمرو عن يعلي بن مرة
235
عن أبيه قال :سافرت مع رسول الله سفًرا فرأيت منه أشياء
عجبا نزلنا منزل ً فقال انطلق إلى هاتين الشاءتين فقل أن
رسول الله يقول لكما أن تجتمعا فانطلقت فقلت لهما ذلك
فانتزعت كل واحدة منهما من أصلها فنزلت كل واحدة إلى
صاحبتها فالتقتا جميعًا فقضى رسول الله حاجته من ورائهما ثم
قال :انطلق فقل لهما فلتعد كل واحدة إلى مكانها فأتيتهما فقلت
لهما ذلك فنزلت كل واحدة حتى عادت إلى مكانها.
-وعن ابن مسعود ،عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله في
غزاة حنين.
قلت أورده البيهقي في دلئل النبوة قال:
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو بكر بن إسحاق أنبأنا
الحسن بن علي بن زياد حدثنا أبو حمه حدثنا أبو قرة عن زمعة
عن زياد عن أبي الزبير أنه سمع يونس بن خباب الكوفي يحدث
أنه سمع أبا عبيدة يحدث عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه كان في سفر إلى مكة فذهب إلى الغائط
فكان يبعد حتى ل يراه أحد قال فلم يجد شيئًا يتوارى به فبصر
بشجرتين فذكر قصة الشجرتين...
-وعن يعلى بن مرة ـ وهو ابن سيابة ـ أيضاً ،وذكر أشياء رآها من
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فذكر أن طلحة أو سمرةً
جاءت فأطافت به ،ثم رجعت إلى منبتها ،فقال رسول صلى الله
عليه وسلم :إنها استأذنت أن تسلم علي.
قلت :أخرجه التبريزي في مشكاة المصابيح ،وأحمد في المسند،
والبيهقي في دلئل النبوة قال:
أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد أنبأنا إسماعيل بن
محمد الصفار حدثنا أحمد بن منصور الرمادي حدثنا عبد الرزاق
أنبأنا معمر عن عطاء بن السائب عن عبد الله بن السائب عن
عبد الله بن حفص عن يعلى بن مرة الثقفي قال :ثم سرنا حتى
نزلنا منزل فنام النبي فجاءت شجرة تشق الرض حتى غشيتة ثم
رجعت إلى مكانها فلما استيقظ رسول الله ذكرت له فقال :هي
شجرة استأذنت ربها في أن تسلم على رسول الله فأذن لها.
ت النب َّ
ي -وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :آذن ِ
ٌُ
ة استمعوا له ـ شجرة ُ. صلى الله عليه وسلم بالجن ليل َ
قلت :أخرج البخاري في كتاب فضائل الصحابة ،باب ذكر
الجن.وقول الله تعالى{ :قل أوحي إلي أنه استمع نفر من
الجن} /الجن./1 :قال:
* -حدثني عبيد بن سعيد :حدثنا أبو أسامة :حدثنا مسعر ،عن
معن ابن عبد الرحمن قال :سمعت أبي قال :سألت مسروقًا:
236
من آذن النبي صلى الله عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا
القرآن؟ فقال :حدثني أبوك ،يعني عبد الله :أنه آذنت بهم شجرة.
** -حدثنا موسى بن إسماعيل :حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد
قال :أخبرني جدي ،عن أبي هريرة رضي الله عنه :أنه كان يحمل
مع النبي صلى الله عليه وسلم إداوة لوضوئه وحاجته ،فبينما هو
يتبعه بها ،فقال( :من هذا) .فقال :أنا أبو هريرة ،فقال( :أبغني
أحجاًرا أستنفض بها ،ول تأتيني بعظم ول بروثة) .فأتيته بأحجار
أحملها في طرف ثوبي ،حتى وضعت إلى جنبه ،ثم انصرفت،
حتى إذا فرغ مشيت ،فقلت :ما بال العظم والروثة؟ قال( :هما
من طعام الجن ،وإنه أتاني وفد جن نصيبين ،ونعم الجن،
فسألوني الزاد ،فدعوت الله لهم أن ل يمروا بعظم ول بروثة إل
ما).
وجدوا عليها طعا ً
قال ابن حجر العسقلني
قوله باب ذكر الجن ..وقول الله عز وجل( :قل أوحي إلي انه
استمع نفر من الجن) الية يريد تفسير هذه الية وقد أنكر بن
عباس أنهم اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم في
الصلة من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال
ما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على الجن ول رآهم الحديث
وحديث أبي هريرة في هذا الباب وإن كان ظاهًرا في اجتماع
النبي صلى الله عليه وسلم بالجن وحديثه معهم لكنه ليس فيه
انه قرأ عليهم ول أنهم الجن الذين استمعوا القرآن لن في
حديث أبي هريرة أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلتئذ
وأبو هريرة إنما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في السنة
السابعة المدينة وقصة استماع الجن للقران كان بمكة قبل
الهجرة وحديث بن عباس صريح في ذلك فيجمع بين ما نفاه وما
أثبته غيره بتعدد وفود الجن على النبي صلى الله عليه وسلم
فأما ما وقع في مكة فكان لستماع القرآن والرجوع إلى قومهم
منذرين كما وقع في القران وإما في المدينة فللسؤال عن
الحكام وذلك بين في الحديثين المذكورين ويحتمل أن يكون
القدوم الثاني كان أيضا بمكة وهو الذي يدل عليه حديث بن
مسعود كما سنذكره وإما حديث أبي هريرة فليس فيه تصريح
بأن ذلك وقع بالمدينة ويحتمل تعدد القدوم بمكة مرتين وبالمدينة
ضا قال البهيقي حديث بن عباس حكى ما وقع في أول المر أي ً
عندما علم الجن بحاله صلى الله عليه وسلم وفي ذلك الوقت
لم يقرأ عليهم ولم يرهم ثم أتاه داعي الجن مرة أخرى فذهب
معه وقرأ عليهم القرآن كما حكاه عبد الله بن مسعود انتهى.
237
وأشار بذلك إلى ما أخرجه أحمد والحاكم من طريق زر بن
حبيش عن عبد الله بن مسعود قال هبطوا على النبي صلى الله
عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخل فلما سمعوه قالوا أنصتوا
وكانوا سبعة أحدهم زوبعة قلت وهذا يوافق حديث بن عباس
وأخرج مسلم من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن
علقمة قال قلت لعبد الله بن مسعود هل صحب أحد منكم
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن قال ل ولكنا فقدناه
ذات ليلة فقلنا اغتيل استطير فبتنا شر ليلة فلما كان عند السحر
إذا نحن به يجيء من قبل حراء فذكرنا له فقال أتاني داعي الجن
فأتيتهم فقرأت عليهم فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم.
وقول بن مسعود في هذا الحديث أنه لم يكن مع النبي صلى الله
عليه وسلم أصح مما رواه الزهري أخبرني أبو عثمان بن شيبة
الخزاعي أنه سمع بن مسعود يقول :أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال لصحابه وهو بمكة " :من أحب منكم ان ينظر
الليلة اثر الجن فليفعل" قال فلم يحضر منهم أحد غيري فلما كنا
بأعلى مكة خط لي برجله خطا ثم أمرني أن أجلس فيه ثم
انطلق ثم قرأ القرآن فغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى
ما أسمع صوته ثم انطلقوا وفرغ منهم مع الفجر فانطلق الحديث
قال البهيقي يحتمل أن يكون قوله في الصحيح ما صحبه منا أحد
أراد به في حال إقرائه القرآن لكن قوله في الصحيح أنهم فقدوه
يدل على إنهم لم يعلموا بخروجه إل أن يحمل على أن الذي
فقده غير الذي خرج معه فالله أعلم.
ولرواية الزهري متابع من طريق موسى بن علي بن رباح عن
أبيه عن بن مسعود قال :استتبعني النبي صلى الله عليه وسلم
فقال" :إن نفًرا من الجن خمسة عشر بني إخوة وبني عم
يأتونني الليلة فأقرأ عليهم القرآن" فانطلقت معه إلى المكان
الذي أراد فخط لي خطا فذكر الحديث نحوه أخرجه الدارقطني
وابن مردويه وغيرهما وأخرج بن مردويه من طريق أبي الجوزاء
عن بن مسعود نحوه مختصًرا وذكر بن إسحاق أن استماع الجن
كان بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف لما خرج
إليها يدعو ثقيفًا إلى نصره وذلك بعد موت أبي طالب وكان ذلك
في سنة عشر من المبعث كما جزم بن سعد بأن خروجه إلى
الطائف كان في شوال وسوق عكاظ التي أشار إليها بن عباس
كانت تقام في ذي القعدة وقول بن عباس في حديثه وهو يصلي
بأصحابه لم يضبط ممن كان معه في تلك السفرة غير زيد بن
حارثة فلعل بعض الصحابة تلقاه لما رجع والله أعلم.
238
وقول من قال أن وفود الجن كان بعد رجوعه صلى الله عليه
وسلم من الطائف ليس صريحا في أولية قدوم بعضهم والذي
يظهر من سياق الحديث الذي فيه المبالغة في رمي الشهب
لحراسة السماء من استراق الجن السمع دال على أن ذلك كان
قبل المبعث النبوي وإنزال الوحي إلى الرض فكشفوا ذلك إلى
أن وقفوا على السبب ولذلك لم يقيد الترجمة بقدوم ول وفادة
ثم لما انتشرت الدعوة وأسلم من أسلم قدموا فسمعوا فأسلموا
وكان ذلك بين الهجرتين ثم تعدد مجيئهم حتى في المدينة.
قوله حدثني عبيد الله بن سعيد هو أبو قدامة السرخسي وهو
بالتصغير مشهور بكنيته وفي طبقته عبد الله بن سعيد مكبر وهو
أبو سعيد الشج قوله عن معن بن عبد الرحمن أي بن عبد الله
بن مسعود وهو كوفي ثقة ما له في البخاري إل هذا الموضع
قوله من آذن بالمد أي أعلم قوله انه آذنت بهم شجرة في رواية
إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي أسامة بهذا السناد آذنت
بهم سمرة بفتح المهملة وضم الميم.
قوله في حديث أبي هريرة أخبرني جدي هو سعيد بن عمرو بن
سعيد بن العاص قوله أبغني قال بن التين هو موصول من الثلثي
تقول بغيت الشيء طلبته وأبغيتك الشيء أعنتك على طلبه قوله
أحجاًرا أستنفض بها تقدم شرح ذلك في كتاب الطهارة قوله وأنه
أتاني وفد جن نصيبين يحتمل أن يكون خبًرا عما وقع في تلك
الليلة ويحتمل أن يكون خبًرا عما مضى قبل ذلك ونصيبين بلدة
مشهورة بالجزيرة ووقع في كلم بن التين إنها بالشام وفيه تجوز
فان الجزيرة بين الشام والعراق ويجوز صرف نصيبين وتركه
قوله فسألوني الزاد أي مما يفضل عن النس وقد يتعلق به من
يقول إن الشياء قبل الشرع على الحظر حتى ترد الباحة ويجاب
عنه بمنع الدللة على ذلك بل ل حكم قبل الشرع على الصحيح
قوله فدعوت الله لهم أن ل يمروا بعظم ول روثة إل وجدوا عليها
ما قال بن التين ما .في رواية السرخسي إل وجدوا عليها طعا ًطع ً
ما
يحتمل أن يجعل الله ذلك عليها ويحتمل أن يذيقهم منها طعا ً
وفي حديث بن مسعود عند مسلم أن البعر زاد دوابهم ول ينافي
ذلك حديث الباب ل مكان حمل الطعام فيه على طعام الدواب.
وروى مسلم في كتاب الصلة ،باب الجهر بالقراءة في الصبح
والقراءة على الجن قال:
*حدثنا شيبان بن فروخ .حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر ،عن
سعيد بن جبير ،عن ابن عباس؛ قال :ما قرأ رسول الله صلى
الله عليه وسلم على الجن وما رآهم .انطلق رسول الله صلى
الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ.
239
وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء .وأرسلت عليهم
الشهب .فرجعت الشياطين إلى قومهم .فقالوا :مالكم؟ قالوا:
حيل بيننا وبين خبر السماء .وأرسلت علينا الشهب .قالوا :ما ذاك
إل من شيء حدث .فاضربوا مشارق الرض ومغاربها .فانظروا
ما هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء .فانطلقوا يضربون
مشارق الرض ومغاربها .فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة (وهو
بنخل ،عامدين إلى سوق عكاظ .وهو يصلي بأصحابه صلة
الفجر) فلما سمعوا القرآن استمعوا له .وقالوا :هذا الذي حال
بيننا وبين خبر السماء .فرجعوا إلى قومهم فقالوا :يا قومنا! إنا
سمعنا قرآنا عجبًا يهدي إلى الرشد فآمنا به .ولن نشرك بربنا
أحدًا .فأنزل الله عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم:
{قل أوحي إلى أنه استمع نفر من الجن} [/72الجن /الية.]1-
**حدثنا محمد بن المثنى .حدثنا عبد العلى عن داود ،عن
عامر ،قال :سألت علقمة :هل كان ابن مسعود شهد مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال فقال علقمة :أنا
سألت ابن مسعود .فقلت :هل شهد أحد منكم مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال :ل .ولكنا كنا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة .ففقدناه .فالتمسناه في
الودية والشعاب .فقلنا :استطير أو اغتيل .قال فبتنا بشر ليلة
بات بها قوم .فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء .قال فقلنا :يا
رسول الله! فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات بها
قوم .فقال" :أتاني داعي الجن .فذهبت معه .فقرأت عليهم
القرآن" .قال فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم .وسألوه
الزاد .فقال" :لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم،
أوفر ما يكون لحما .وكل بعرة علف لدوابكم" .فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم" :فل تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم".
**وحدثنيه علي بن حجر السعدي .حدثنا إسماعيل بن إبراهيم
عن داود ،بهذا السناد ،إلى قوله :وآثار نيرانهم .قال الشعبي:
وسألوه الزاد .وكانوا من جن الجزيرة .إلى آخر الحديث من قول
الشعبي .مفصل من حديث عبد الله.
**وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة .حدثنا عبد الله بن إدريس عن
داود ،عن الشعبي ،عن علقمة ،عن عبد الله ،عن النبي صلى الله
عليه وسلم .إلى قوله :وآثار نيرانهم .ولم يذكر ما بعده.
**حدثنا يحيى بن يحيى .أخبرنا خالد بن عبد الله عن خالد ،عن
أبي معشر ،عن إبراهيم ،عن علقمة ،عن عبد الله .قال:لم أكن
ليلة الجن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .ووددت أني
كنت معه.
240
**حدثنا سعيد بن محمد الجرمي وعبيد الله بن سعيد .قال:
حدثنا أبو أسامة عن مسعر ،عن معن؛ قال :سمعت أبي
قال:سألت مسروقًا :من آذن النبي صلى الله عليه وسلم بالجن
ليلة استمعوا القرآن؟ فقال :حدثني أبوك (يعني ابن مسعود) أنه
آذنته بهم شجرة.
قال النووي
قوله( :سوق عكاظ) هو بضم العين وبالظاء المعجمة يصرف ول
يصرف ،والسوق تؤنث وتذكر لغتان ،قيل :سميت بذلك لقيام
الناس فيها على سوقهم .قوله( :عن ابن عباس رضي الله عنهما
قال :ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن وما
يرآهم) وذكر بعده حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النب ّ
صلى الله عليه وسلم قال( :أتاني داعي الجن فذهبت معه
فقرأت عليهم القرآن) قال العلماء :هما قضيتان ،فحديث ابن
عباس في أول المر وأول النبوة حين أتوا فسمعوا قراءة قل
ي صلى الله عليه وسلم أوحي ،واختلف المفسرون هل علم النب ّ
استماعهم حال استماعهم بوحي أوحي إليه أم لم يعلم بهم إل
بعد ذلك؟ وأما حديث ابن مسعود فقضية أخرى جرت بعد ذلك
بزمان الله أعلم بقدره وكان بعد اشتهار السلم .قوله( :وقد
حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت الشهب عليهم)
ظاهر هذا الكلم أن هذا حدث بعد نبوة نبينا صلى الله عليه
وسلم ولم يكن قبلها ،ولهذا أنكرته الشياطين وارتاعت له
وضربوا مشارق الرض ومغاربها ليعرفوا خبره ،ولهذا كانت
الكهانة فاشية في العرب ،حتى قطع بين الشياطين وبين صعود
السماء واستراق السمع كما أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا:
{وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا ً شديدا ً وشهباً ،وأنا كنا
نقعد منها مقاعد للسمع ،فمن يستمع الَن يجد له شهابا ً رصداً}
وقد جاءت أشعار العرب باستغرابهم رميها لكونهم لم يعهدوه
قبل النبوة وكان رميها من دلئل النبوة .وقال جماعة من العلماء:
ما زالت الشهب منذ كانت الدنيا وهو قول ابن عباس والزهري
وغيرهما وقد جاء ذلك في أشعار العرب .وروى فيه ابن عباس
رضي الله عنهما حديثا ً قيل للزهري فقد قال الله تعالى{ :فمن
يستمع الن يجد له شهابا ً رصداً} فقال :كانت الشهب قليلة
فغلظ أمرها وكثرت حين بعث نبينًا صلى الله عليه وسلم وقال
المفسرون نحو هذا وذكروا أن الرمي بها وحراسة السماء كانت
موجودة قبل النبوة ومعلومة ،ولكن إنما كانت تقع عند حدوث
أمر عظيم من عذاب ينزل بأهل الرض أو إرسال رسول إليهم،
وعليه تأولوا قوله تعالى{ :وأنا ل ندري أشر أريد بمن في الرض
241
أم أراد بهم ربهم رشداً} وقيل :كانت الشهب قبل مرئية
ومعلومة ،لكن رجم الشياطين وإحراقهم لم يكن إل بعد نبوة نبينا
صلى الله عليه وسلم .واختلفوا في إعراب قوله تعالى:
{رجوماً} وفي معناه فقيل هو مصدر فتكون الكواكب هي
الراجمة المحرقة بشهبها ل بأنفسها .وقيل :هو اسم فتكون هي
بأنفسها التي يرجم بها ويكون رجوم جمع رجم بفتح الراء والله
أعلم .قوله( :فاضربوا مشارق الرض ومغاربها) معناه سيروا فيها
كلها .ومنه قوله صلى الله عليه وسلم" :ل يخرج الرجلن يضربان
الغائط كاشفين عن عوراتهما يتحدثان فإن الله تعالى يمقت على
ذلك" قوله( :فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة وهو بنخل) هكذا
وقع في مسلم بنخل بالخاء المعجمة وصوابه بنخلة بالهاء وهو
موضع معروف هناك ،كذا جاء صوابه في صحيح البخاري،
ويحتمل أنه يقال فيه نخل ونخلة ،وأما تهامة فبكسر التاء وهو
اسم لكل ما نزل عن نجد من بلد الحجاز ومكة من تعامة .قال
ابن فارس في المجمل :سميت تهامة من التهم بفتح التاء والهاء
وهو شدة الحر وركود الريح .وقال صاحب المطالع :سميت بذلك
لتغير هوائها يقال تهم الدهن إذا تغير .وذكر الحازمي أنه يقال في
أرض تهامة تهائم .قوله( :وهو يصلي بأصحابه صلة الصبح فلما
سمعوا القرآن قالوا هذا الذي حال بيننا وبين السماء) فيه الجهر
بالقراءة في الصبح ،وفيه إثبات صلة الجماعة وأنها مشروعة في
السفر ،وأنها كانت مشروعة من أول النبوة .قال المام أبو عبد
الله المازري :ظاهر الحديث أنهم آمنوا عند سماع القرآن ،ول بد
لمن آمن عند سماعه أن يعلم حقيقة العجاز وشروط المعجزة،
وبعد ذلك يقع له العلم بصدق الرسول ،فيكون الجن علموا ذلك
من كتب الرسل المتقدمين قبلهم على أنه هو النبي الصادق
المبشر به ،واتفق العلماء على أن الجن يعذبون في الخرة على
المعاصي ،قال الله تعالى{ :لملن جهنم من الجنة والناس
أجمعين} واختلفوا في أن مؤمنهم ومطيعهم هل يدخل الجنة
وينعم بها ثوابا ً ومجازاة له على طاعته أم ل يدخلون؟ بل يكون
ثوابهم أن ينجوا من النار ثم يقال :كونوا ترابا ً كالبهائم .وهذا
مذهب ابن أبي سليم وجماعة ،والصحيح أنهم يدخلونها وينعمون
فيها بالكل والشرب وغيرهما ،وهذا قول الحسن البصري
والضحاك ومالك بن أنس وابن أبي ليلى وغيرهم.
قوله( :سألت ابن مسعود هل شهد أحد منكم مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال :ل) هذا صريح في إبطال
الحديث المروي في سنن أبي داود وغيره المذكور فيه الوضوء
بالنبيذ ،وحضور ابن مسعود معه صلى الله عليه وسلم ليلة
242
الجن ،فإن هذا الحديث صحيح وحديث النبيذ ضعيف باتفاق
المحدثين ،ومداره على زيد مولى عمرو بن حريث وهو مجهول.
قوله( :استطير أو اغتيل) معنى استطير طارت به الجن ،ومعنى
اغتيل قتل سراً ،والغيلة بكسر الغين هي القتل في خفية .قال
الدارقطني :انتهى حديث ابن مسعود عند قوله :فأرانا آثارهم
وآثار نيرانهم وما بعده من قول الشعبي ،كذا رواه أصحاب داود
الراوي عن الشعبي وابن علية وابن زريع وابن أبي زائدة وابن
إدريس وغيرهم ،هكذا قاله الدارقطني وغيره .ومعنى قوله أنه
من كلم الشعبي أنه ليس مرويا ً عن ابن مسعود بهذا الحديث
ي صلى الله وإل فالشعبي ل يقول هذا الكلم إل بتوقيف عن النب ّ
عليه وسلم والله أعلم.
قوله( :لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه) قال بعض العلماء ،هذا
لمؤمنيهم ،وأما غيرهم فجاء في حديث آخر أن طعامهم ما لم
يذكر اسم الله عليه .قوله( :وددت أني كنت معه) فيه الحرص
على مصاحبة أهل الفضل في أسفارهم ومهماتهم ومشاهدهم
ومجالسهم مطلقا ً والتأسف على فوات ذلك .قوله( :آذنت بهم
شجرة) هذا دليل على أن الله تعالى يجعل فيما يشاء من الجماد
تمييزاً ،ونظيره قوله الله تعالى{ :وإن منها لما يهبط من خشية
الله} وقوله تعالى{ :وإن من شيء إل يسبح بحمده ولكن ل
تفقهون تسبيحهم} وقوله صلى الله عليه وسلم " :إني لعرف
حجرا ً بمكة كان يسلم علي" وحديث الشجرتين اللتين أتتاه صلى
الله عليه وسلم وقد ذكره مسلم في آخر الكتاب ،وحديث حنين
الجذع وتسبيح الطعام وفرار حجر موسى بثوبه ورجعان حراء
وأحد والله أعلم…..
-وعن مجاهد ،عن ابن مسعود في هذا الحديث :إن الجن قالوا:
من يشهد لك؟ قال :هذه الشجرة .تعالى يا شجرة ،فجاءت تجر
عروقها لها قعاقع...
-وذكر مثل الحديث الول أو نحوه.
قلت :قال البيهقي في دلئل النبوة ،باب ذكر إسلم الجن وما
ظهر في ذلك من آيات المصطفى صلى الله عليه وسلم
ن
م ُعو َ ست َ ِ ن يَ ْ ج ِّن ال ْ َ ِ م َك نَفَرا ً ِّ صَرفْنَا إِلَي ْ َ قال الله عز وجل (وَإِذ ْ َ
َ
مهِمو ِي وَل ّوْا إِلَى قَ ْ ض َ ما قُ ِ صتُوا فَل َ َّ ضُروه ُ قَالُوا أن ِ ح َ ما َ ن فَل َ َّ الْقُْرآ َ
سى مو َ من بَعْد ِ ُ ل ِ معْنَا كِتَابا ً أُنزِ َ س ِ منَا إِنَّا َ ن * قَالُوا يَا قَوْ َ منذِرِي َ ُّ
ستَقِيم ٍ * يَا ق ُّ
م ْ َ ح ّ َ ْ َ صدِّقا ً ل ِّ َ
ق وَإِلى طرِي ٍ ن يَدَيْهِ ي َ َهْدِي إِلى ال َ ِ ما بَي ْ َ
َ
م َ ُ
ُ
جْركم م وَي ُ ِ ُ
من ذُنُوبِك ْ ُ َ
منُوا بِهِ يَغْفِْر لكم ِّ ّ
ي اللهِ وَآ ِ ع َجيبُوا دَا ِ منَا أ ِ قَوْ َ
َ َ َ
جزٍ فِي معْ ِ س بِ ُ ي الل ّهِ فَلَي ْ َ ع َ ب دَا ِ ج ْ من ّل ي ُ ِ ب ألِيم ٍ * َو َ ن عَذ َا ٍ م ْ
ِّ
243
ن *) مبِي ٍ ل ُّ ضَل ٍ ك فِي َ من دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئ ِ َ ه ِ س لَ ُ ض وَلَي ْ َ الْر ِ
َْ
الحقاف )32-29
ن فَقَالُوا َ ُ
ج ِّ ن ال ْ ِ م َ معَ نَفٌَر ِّ ست َ َ ها ْ ي أن َّ ُ ي إِل َ َّ ح َ ل أو ِ وفي موضع آخر (قُ ْ
ك بَِربِّنَا شرِ َ منَّا بِهِ وَلَن ن ُّ ْ شد ِ فَآ َ جبا ً * يَهْدِي إِلَى الُّر ْ معْنَا قُْرآنا ً ع َ َ س ِ إِنَّا َ
َ َ َ
ه كَا َ
ن ة وََل وَ َلَدا ً * وَأن َّ ُ حب َ ً صا ِ خذ َ َ ما ات َّ َ جد َُّ َرب ِّنَا َ ه تَعَالَى َ حدا ً * وَأن َّ ُ أ َ
سل اْلِن ُ شطَطا ً * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن ل ّن تَقُو َ سفِيهُنَا ع َلَى الل ّهِ َ ل َ يَقُو ُ
َ َ
لجا ٍ ن بِرِ َ س ي َ ُعوذ ُو َ ِ ن اْلِن َ م
ل ِّ جا ٌ ن رِ َ ه كَا َ ُ ن ع َلَى الل ّهِ كَذِبا ً (*وَأن َّ ج ُّ ِ وَال ْ
َ
ثم أَن ل ّن يَبْعَ َ ما ظَنَنت ُ ْ م ظَنُّوا ك َ َ
َ
م َرهَقا ً * وَأنَّهُ ْ ن فََزادُوهُ ْ ج ِّ ن ال ْ ِ م ََ ِّ
شدِيداً حَرسا ً َ َ َ
ت َ ملِئ َ ْ جدْنَاهَا ُ ماء فَوَ َ س َ سنَا ال َّ م ْ حدا ً * وَأنَّا ل َ َ هأ َ الل ّ ُ
َ
جد ْ ل َ ُ
ه ن يَ ِ مِع اْل َ ست َ ِ من ي َ ْ مِع فَ َ س ْ عد َ لِل َّ مقَا ِ منْهَا َ شهُبا ً * وَأنَّا كُنَّا نَقْعُد ُ ِ وَ ُ
َ َ َ ْ ُ َ
صدا ً * وَأنَّا َل نَدْرِي أ َ َ
مم أَراد َ بِهِ ْ ضأ ْ من فِي الْر ِ شٌّر أرِيد َ ب ِ َ ش َهابا ً َّر َ ِ
ك كُنَّا طََرائِقَ قِدَدا ً * َ
ن ذَل ِ َ منَّا دُو َ ن وَ ِ حو َ صال ِ ُ منَّا ال َّ شدا ً * وَأنَّا ِ م َر َ َربُّهُ ْ
َ
جَزه ُ هََربا ً (* وَأنَّا ل َ َّ َ
وأَنَّا ظَنَنَّا أن ل ّن نُّعجَز الل ّه فِي اْل َ َ َ
ما ض وَلَن نُّعْ ِ ِ ر
ْ َ ِ َ
خسا ً وََل َرهَقاً ف بَ ْ خا ُ َ
من بَِربِّهِ فَل ي َ َ من يُؤْ ِ من ّا بِهِ فَ َ َ معْنَا الهُدَى آ َ ْ س ِ َ
م فَأوْلَئ ِ َ ُ َ َ
حَّروْا ك تَ َ
َ سل َ َ نأ ْ م ْ ن فَ َ سطُو َ منَّا الْقَا ِ ن وَ ِ مو َ سل ِ ُ م ْ منَّا ال ْ ُ *وَأنَّا ِ
موا ع َلَى َ َ
ستَقَا ُ حطَبا ً * وَأل ّوِ ا ْ م َ جهَن َّ َ ن فَكَانُوا ل ِ َ سطُو َ ما الْقَا ِ شدا ً * وَأ َّ َر َ
َ َ
َن ذِكْرِ َّ
ضع من يُعْرِ ْ م فِ َيهِ وَ َ ماء غَدَقا ً * لِنَفْتِنَهُ ْ سقَيْنَاهُم َّ الط ّرِيقَةِ َل ْ
معَ الل ِ
ه جد َ لِل ّهِ فََل تَدْع ُوا َ سا ِ م َ ن ال ْ َ صعَدا ً * وَأ َ َّ ه عَذ َابا ً َ سلُك ْ ُ َربِّهِ ي َ ْ
َ َ َ
ن ع َلَيْهِ لِبَدا ً (الجن م ع َبْد ُ الل ّهِ يَدْع ُوه ُ كَادُوا يَكُونُو َ ما قَا َ ه ل َ َّ حدا ً * وَأن َّ ُ أ َ
) 19-1
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن
يعقوب قال حدثني يحيى بن محمد بن يحيى وأخبرنا أبو الحسن
علي بن أحمد بن عبدان قال حدثنا أحمد بن عبيد الصفار قال
حدثنا إسماعيل القاضي قال حدثنا مسدد قال حدثنا أبو عوانة
عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ما قرأ
رسول الله على الجن وما رآهم انطلق رسول الله في طائفة
من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين
وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى
قومهم فقالوا ما لكم قالوا حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت
علينا الشهب قالوا ما حال بينكم وبين خبر السماء إل شيء حدث
فاضربوا مشارق الرض ومغاربها وانظروا ما هذا الذي حال
بينكم وبين خبر السماء فانطلقوا يضربون مشارق الرض
ومغاربها يبتغون ما هذا الذي حال بينهم وبين خبر السماء
فانصرف أولئك النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله
وهو بنخلة عامدًا إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلة
الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا هذا والله الذي حال
بينكم وبين خبر السماء فهنالك حين رجعوا إلى قومهم قالوا يا
244
قومنا (إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك
بربنا أحدا) فأنزل الله عز وجل على نبيه (قل أوحى إلي أنه
استمع نفر من الجن) وإنما أوحي إليه قول الجن
رواه البخاري في الصحيح عن مسدد.
ورواه مسلم عن شيبان بن فروخ عن أبي عوانة
وهذا الذي حكاه عبد الله بن عباس إنما هو في أول ما سمعت
الجن قراءة النبي وعلمت بحاله وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم
ولم يرهم كما حكاه ثم أتاه داعي الجن مرة أخرى فذهب معه
وقرأ عليهم القرآن كما حكاه عبد الله بن مسعود ورأى آثارهم
وآثار نيرانهم والله أعلم
وعبد الله بن مسعود حفظ القصتين جميعًا فرواهما.
أما القصة الولى ففيما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو
علي الحافظ قال أخبرنا عبدان الهواري قال حدثنا أبو بكر بن
أبي شيبة قال حدثنا أبو أحمد الزبيري قال حدثنا سفيان عن
عاصم عن زر عن عبد الله قال هبطوا على النبي وهو يقرأ
القرآن ببطن نخلة فلما سمعوه قالوا أنصتوا قالوا صه وكانوا
سبعة أحدهم زوبعة فأنزل الله تبارك و تعالى( :وإذ صرفنا إليك
نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا الية
إلى ضلل مبين)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن
يعقوب إملء قال حدثنا أبو عمرو المستملي قال حدثنا أبو
قدامة عبيد الله ابن سعيد قال حدثنا أبو أسامة عن مسعر عن
معن قال سمعت أبي قال سألت مسروقًا من آذن النبي ليلة
استمعوا القرآن فقال حدثني أبوك يعني ابن مسعود أنه آذنته
بهم شجرة.
رواه البخاري ومسلم في الصحيح عن أبي قدامة
وأما القصة الخرى ففيما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا
أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني
أبي قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال حدثنا داود عن الشعبي
وابن أبي زايدة قال أخبرنا داود عن الشعبي عن علقمة قال:
قلت لعبد الله بن مسعود هل صحب رسول الله ليلة الجن منكم
أحد فقال ما صحبه منا أحد ولكنا فقدناه ذات ليلة بمكة فقلنا
اغتيل استطير ما فعل قال فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فلما كان
في وجه الصبح أو قال في السحر إذا نحن يجيء من قبل حراء
فقلنا يا رسول الله فذكروا الذي كانوا فيه فقال إنه أتاني داعي
الجن فأتيتهم فقرأت عليهم قال فانطلق فأرانا آثارهم وآثار
نيرانهم
245
قال وقال الشعبي سألوه الزاد وقال ابن أبي زائدة قال عامر
سألوه ليلتئذ الزاد وكانوا من جن الجزيرة فقال( :كل عظم ذكر
اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان لحما وكل بعرة أو
روثة علف لدوابكم قال فل تستنجوا بهما فإنهما زاد إخوانكم من
الجن).
رواه مسلم في الصحيح عن علي بن حجر عن إسماعيل بن
علية والحاديث الصحاح تدل على أن عبد الله بن مسعود لم يكن
مع النبي ليلة الجن وإنما كان معه حين انطلق به وبغيره ويريهم
آثار الجن وآثار نيرانهم
وقد روي من أوجه آخر أنه كان معه ليلتئذ منها ما حدثنا أبو عبد
الله الحافظ قال حدثنا أبو الحسين عبيد الله بن محمد بن البلخي
ببغداد من أصل كتابه قال حدثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل
السلمي قال حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح قال حدثني الليث
بن سعد قال حدثني يونس بن زيد عن ابن شهاب قال أخبرني
أبو عثمان بن سنة الخزاعي وكان رجل ً من أهل الشام أنه سمع
عبد الله بن مسعود يقول إن رسول الله قال لصحابه وهو بمكة
من أحب منكم أن يحضر الليلة أمر الجن فليفعل فلم يحضر
منهم أحد غيري فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة خط لي برجله
خطا ثم أمرني أن أجلس فيه ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن
فغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ثم
انطلقوا فطفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين حتى بقي
منهم رهط وفزع رسول الله مع الفجر فانطلق فبرز ثم أتاني
فقال( :ما فعل الرهط؟) فقلت هم أولئك يا رسول الله فأخذ
عظما وروثا فأعطاهم إياه زادا ثم نهى أن يستطيب أحد بعظم أو
بروث.
قلت :يحتمل قوله في الحديث الصحيح ما صحبه منا أحد أراد به
في حال ذهابه لقراءة القرآن عليهم إل أن ما روي في هذا
الحديث من إعلمه أصحابه بخروجه إليهم يخالف ما روي في
الحديث الصحيح من فقدانهم إياه حتى قيل اغتيل استطير إل أن
يكون المراد بمن فقده غير الذي علم بخروجه والله أعلم.
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي وأبو نصر بن قتادة قال أخبرنا
أبو محمد يحيى بن منصور القاضي قال حدثنا أبو عبد الله محمد
بن إبراهيم البوسنجي قال حدثنا روح بن صلح قال حدثنا موسى
بن علي بن رباح عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال استتبعني
رسول الله فقال" :إن نفًرا من الجن خمسة عشر بني أخوة
وبني عم يأتونني الليل فأقرأ عليهم القرآن فانطلقت معه إلى
المكان الذي أراد فخط لي خطا وأجلسني فيه وقال لي ل تخرج
246
من هذا فبت فيه حتى أتاني رسول الله مع السحر في يده عظم
حائل وروثة وحممة فقال لي إذا ذهبت إلى الخلء فل تستنجي
بشيء من هؤلء قال فلما أصبحت قلت لعلمن علمي حيث كان
رسول الله قال فذهبت فرأيت موضع مبرك ستين بعيرا أخبرنا
أبو الحسين بن بشران قال أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار
قال حدثنا محمد بن عبد الملك الواسطي قال حدثنا يزيد هو ابن
هارون قال حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي أن ابن
مسعود أبصر زطا في بعض الطريق فقال ما هؤلء قالوا هؤلء
الزط قال ما رأيت شبههم إل الجن ليلة الجن وكانوا مستنفرين
ضا.
يتبع بعضهم بع ً
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في آخرين قالوا حدثنا أبو العباس هو
الصم قال حدثنا العباس بن محمد الدوري قال حدثنا عثمان بن
عمر عن مستمر بن الريان عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن
مسعود قال انطلقت مع النبي ليلة الجن حتى إذا أتى الحجون
فخط علي خطا ثم تقدم إليهم فازدحموا عليه فقال سيد لهم
يقال له وردان إني أنا أرحلهم عنك فقال إني لن يجيرني من الله
أحد.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي رحمه الله
قال أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان قال حدثنا أبو
الزهر أحمد بن الزهر قال حدثنا مروان بن محمد قال حدثنا
زهير بن محمد عن محمد ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال
لما قرأ رسول الله الرحمن على الناس سكتوا فلم يقولوا شيئا
فقال رسول الله :للجن كانوا أحسن جوابًا منكم لما قرأت عليهم
(فبأي آلء ربكما تكذبان) قالوا ول بشيء من آلئك ربنا نكذب.
وحدثنا المام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان قال أخبرنا
أبو الحسن محمد بن عبد الله الدقاق قال حدثنا محمد بن
إبراهيم البوسنجي قال حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال
حدثنا الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد العنبري عن محمد بن
المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قرأ رسول الله سورة الرحمن
حتى ختمها ثم قال :ما لي أراكم سكوتا للجن كانوا أحسن منكم
ردا ما قرأت عليهم هذه الية من مرة (فبأي آلء ربكما تكذبان)
إل قالوا ول بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد".
أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال أخبرنا أبو جعفر الرزاز قال
حدثنا أحمد بن الخليل البرجلني قال حدثنا أبو النضر هاشم بن
القاسم قال حدثنا المسعودي عن قتادة عن أبي المليح الهذلي
أنه كتب إلى أبي عبيدة بن عبد الله ابن مسعود أين قرأ رسول
الله على الجن فكتب إليه أنه قرأ عليهم بشعب يقال له الحجون
247
أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله الديب قال أخبرنا أبو بكر
السماعيلي قال أخبرني الحسن هو ابن سفيان قال حدثني
سويد بن سعيد قال حدثنا عمرو بن يحيى عن جده سعيد بن
عمرو قال كان أبو هريرة يتبع رسول الله بإداوة لوضوئه وحاجته
فأدركه يوما فقال :من هذا؟ قال أنا أبو هريرة قال :إئتني بأحجار
استنجي بها ول تأتني بعظم ول روثة فأتيته بأحجار في ثوبي
فوضعتها إلى جنبه حتى إذا فرغ وقام اتبعته فقلت يا رسول الله
ما بال العظم والروثة فقال أتاني وفد جن نصيبين فسألوني الزاد
ما.
فدعوت الله لهم أن ل يمروا بروثة ول بعظم إل وجدوا طعا ً
رواه البخاري في الصحيح عن موسى بن إسماعيل عن عمرو.
*قال القاضي أبو الفضل :فهذا ابن عمر ،وبريدة ،وجابر ،وابن
مسعود ،ويعلى بن مرة ،وأسامة بن زيد ،وأنس بن مالك ،وعلي
بن أبي طالب ،وابن عباس ،وغيرهم ـ وقد اتفقوا على هذه
القصة نفسها أو معناها .وقد رواها عنهم من التابعين أضعافهم،
فصارت في انتشارها من القوة حيث هي.
-وذكر ابن فورك أنه صلى الله عليه وسلم سار في غزوة
الطائف ليلً ،و هو وسن ،فاعترضته سدرة ،فانفرجت له نصفين
حتى جاز بينهما ،وبقيت على ساقين إلى وقتنا هذا ،وهي هناك
معروفة معظمة.
قلت :ذكره الماوردي في أعلم النبوة قال:
و من آياته صلى الله عليه وسلم:
أنه مر في غزوة الطائف في كثيف من طلح فمشى و هو وسن
من النوم فاعترضته سدرة فانفرجت السدرة له بنصفين فمر
بين نصفيها و بقيت السدرة منفرجة على ساقين إلى قريب من
أعصارنا هذه و كانت معروفة بذلك في مكانها يتبرك بها كل مار
و يسمونها سدرة النبي صلى الله عليه وسلم.
-ومن ذلك حديث أنس رضي الله عنه ـ أن جبريل عليه السلم
قال للنبي صلى الله عليه وسلم ـ ورآه حزيناً :أتحب أن أريك
آية؟ قال :نعم فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
شجرة من وراء الوادي ،فقال :ادع تلك الشجرة ،فجاءت تمشي
حتى قا مت بين يديه .قال :مرها فلترجع ،فعادت إلى مكانها.
-وعن علي نحو هذا ،ولم يذكر فيها جبريل ،قال :اللهم أرني آية ل
أبالي من كذبني بعدها ،فدعا شجرة ...وذكر مثله.
-وحزنه صلى الله عليه وسلم لتكذيب قومه و طلبه الية لهم ل
له.
248
-وذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أرى ركانة
مثل هذه الية في شجرة دعاها فأتت حتى وقفت بين يديه ،ثم
قال :ارجعي ،فرجعت.
-وعن الحسن أنه صلى الله عليه وسلم شكا إلى ربه من قومه
وأنهم يخوفونه ،وسأله آية يعلم بها أل مخافة عليه ،فأوحى إليه
ائت وادي كذا فيه شجرة ،فادع غصنًا منها يأتك .ففعل ،فجاء
يخط الرض خطًا حتى انتصب بين يديه ،فحبسه ما شاء الله ،ثم
قال له :ارجع كما جئت ،فرجع ،فقال :يا رب ،علمت أن ل
مخافة علي" .
ونحو منه عن عمر ،وقال فيه :أرني آية ل أبالي من كذبني
بعدها ...وذكر نحوه.
قلت:رواه البيهقي،والدارمي؛ وابن ماجه قال:
حدثنا محمد بن طريف ثنا أبو معاوية عن العمش عن أبي
سفيان عن أنس قال :جاء جبريل عليه السلم ذات يوم إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس حزين ،قد خضب
بالدماء ،قد ضربه بعض أهل مكة ...فقال مالك؟ فقال :فعل بي
هؤلء وفعلوا ...قال :أتحب أن أريك آية؟ قال :نعم أرني ..فنظر
إلى شجرة من وراء الوادي ،قال :ادع تلك الشجرة ..فدعاها
فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه ..قال :قل لها فلترجع .فقال
لها فرجعت حتى عادت إلى مكانها فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم حسبي ...قال الشيخ اللباني :صحيح.
-وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم
قال لعرابي :أرأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد
أني رسول الله؟ قال :نعم ،فدعاه فجعل ينقر حتى أتاه .فقال:
ارجع ،فعاد إلى مكانه.
وخرجه الترمذي ،وقال :هذا حديث صحيح.
قلت :رواه الترمذي قال:
حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا محمد بن سعيد حدثنا شريك عن
سماك عن أبي ظبيان عن بن عباس قال جاء أعرابي إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال بم أعرف أنك نبي؟!
قال" :إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني رسول
الله؟ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل ينزل من
النخلة حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال:
"ارجع" فعاد فأسلم العرابي...
قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب صحيح؛ وقال الشيخ
اللباني :صحيح
---------------------
249
.23القول القوم في معجزات النبي الكرم( )5حنين
الجذع وما شابهها
الفصل السادس عشر:
في قصة حـنـيـن الـجـذع
* ويعضد هذه الخبار حديث أنين الجذع ،وهو في نفسه مشهور
منتشر ،والخبر به متواتر ،قد خرجه أهل الصحيح ،ورواه من
الصحابة بضعة عشر ،منهم أبي بن كعب ،وجابر بن عبد الله،
وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر ،وعبد الله بن عباس ،وسهل
بن سعد ،وأبو سعيد الخدري وبريدة ،وأم سلمة ،والمطلب بن
أبي وداعة ،كلهم يحدث بمعنى هذا الحديث .قال الترمذي:
وحديث أنس صحيح.
-قال جابر بن عبد الله :كان المسجد مسقوفا ً على جذوع نخل،
فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها،
فلما صنع له المنبر سمعنا لذلك الجذع صوتا ً كصوت العشار.
-وفي رواية أنس :حتى ارتج المسجد بخواره.
-وفي رواية سهل :وكثر بكاء الناس لما رأوا به.
-وفي رواية المطلب وأبي :حتى تصدع وانشق ،حتى جاء النبي
صلى الله عليه وسلم ،فوضع يده عليه فسكت.
زاد غيره :فقال النبي صلى الله عليه وسلم" :إن هذا بكى لما
فقد من الذكر".
وزاد غيره :والذي نفسي بيده :لو لم التزمه لم يزل هكذا إلى
يوم القيامة .تحزنا ً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فأمر
به صلى الله عليه وسلم فدفن تحت المنبر.كذا في حديث
المطلب ،وسهل بن سعد ،وإسحاق ،عن أنس.
-وفي بعض الروايات عن سهل :فدفنت تحت منبره ،أو جعلت
في السقف.
-وفي حديث أبي :فكان إذا صلى النبي صلى الله عليه وسلم
إليه ،فلما هدم المسجد أخذه أبي ،فكان عنده إلى أن أكلته
الرض ،وعاد رفاتاً.
-وذكر السفرايني أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه إلى
نفسه ،فجاء يخرق الرض ،فالتزمه ،ثم أمره فعاد إلى مكانه.
-وفي حديث بريده :فقال رسول الله النبي صلى الله عليه
وسلم" :إن شئت أدرك إلى الحائط الذي كنت فيه تنبت لك
عروقك ،ويكمل خلقك ،ويجدد لك خوص وثمرة ،وإن شئت
أغرسك في الجنة ،فيأكل أولياء الله من ثمرك" .ثم أصغى له
صلى الله عليه وسلم يسمع ما يقول .فقال :تغرسني في الجنة،
فيأكل مني أولياء الله ،و أكون في مكان ل أبلى فيه .فسمعه من
250
يليه .فقال النبي صلى الله عليه وسلم :قد فعلت ثم قال :اختار
دار البقاء على دار الفناء.
فكان الحسن إذا حدث بهذا بكى ،وقال :يا عباد الله ،الخشبة
تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا ً إليه لمكانه،
فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه .رواه ـ عن جابر ـ حفص بن
عبيد الله و يقال :عبيد الله بن حفص ،و يمن ،وبو نضرة ،و بن
المسيب ،وسعيد بن أبي كرب ،وكريب ،وأبو صالح.
ورواه عن أنس بن مالك الحسن ،وثابت ،وإسحاق بن أبي طلحة.
ورواه عن ابن عمر :نافع ،وأبو حية ،ورواه أبو نضرة ،وأبو
الوداك ،عن أبي سعيد ،وعمار بن أبي عمار ،عن ابن عباس ،وأبو
حازم ،وعباس بن سهل ،عن سهل بن سعد ،وكثير بن زيد عن
المطلب ،وعبد الله بن بريدة عن أبيه ،والطفيل بن أبي عن أبيه.
-قال القاضي أبو الفضل :فهذا حديث كما تراه خرجه أهل
الصحة ،ورواه من الصحابة من ذكرنا ،وغيرهم من التابعين
ضعفهم ،إلى من لم نذكره ،وبمن دون هذا العدد يقع العلم لمن
اعتنى بهذا الباب .والله المثبت على الصواب.
وقفة مع ما روي في أنين جذع النخلة لما تحول عنه رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى المنبر:
البخاري
في كتاب الجمعة باب :الخطبة على المنبر:
-حدثنا سعيد بن أبي مريم قال :حدثنا محمد بن جعفر قال:
أخبرني يحيى بن سعيد قال :أخبرني ابن أنس :أنه سمع جابر بن
عبد الله قال :كان جذع يقوم إليه النبي صلى الله عليه وسلم،
فلما وضع له المنبر ،سمعنا للجذع مثل أصوات العشار ،حتى
نزل النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه.قال سليمان،
عن يحيى :أخبرني حفص بن عبيد الله بن أنس :أنه سمع جابًرا.
وفي كتاب المناقب
-حدثنا محمد بن المثنى :حدثنا يحيى بن كثير أبو غسان :حدثنا أبو
حفص ،واسمه عمر بن العلء ،أخو أبي عمرو بن العلء ،قال:
سمعت نافعًا ،عن ابن عمر رضي الله عنهما:كان النبي صلى
الله عليه وسلم يخطب إلى جذع ،فلما اتخذ المنبر تحول إليه
فحن الجذع ،فأتاه يمسح يده عليه.وقال عبد الحميد :أخبرنا
عثمان بن عمر :أخبرنا معاذ بن العلء ،عن نافع بهذا .ورواه أبو
عاصم ،عن ابن أبي رواد ،عن نافع ،عن ابن عمر ،عن النبي
صلى الله عليه وسلم.
-حدثنا أبو نعيم :حدثنا عبد الواحد بن أيمن قال :سمعت أبي،
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما :أن النبي صلى الله عليه
251
وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة ،فقالت امرأة
من النصار ،أو رجل :يا رسول الله ،أل نجعل لك منبًرا؟ قال(:إن
شئتم) .فجعلوا له منبًرا ،فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر،
فصاحت النخلة صياح الصبي ،ثم نزل النبي صلى الله عليه
وسلم فضمها إليه ،تئن أنين الصبي الذي يسكن .قال(:كانت
تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها).
-حدثنا إسماعيل قال :حدثني أخي ،عن سليمان بن بلل ،عن
يحيى بن سعيد قال :أخبرني حفص بن عبيد الله بن أنس بن
مالك :أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول :كان
المسجد مسقوفًا على جذوع من نخل ،فكان النبي صلى الله
عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها ،فلما صنع له المنبر
وكان عليه ،فسمعنا لذلك الجذع صوتًا كصوت العشار ،حتى جاء
النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها فسكنت.
مسلم
ذكر العواد التي عمل منها المنبر ولم يذكر جذع النخلة:
حدثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد .كلهما عن عبد العزيز.
قال يحيى :أخبرنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه؛ أن نفًرا
جاءوا إلى سهل بن سعد .قد تماروا في المنبر .من أي عود هو؟
فقال:
أما والله! إني لعرف من أي عود هو .ومن عمله .ورأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم أول يوم جلس عليه .قال فقلت له :يا
أبا عباس! فحدثنا .قال :أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى امرأة (قال أبو حازم :إنه ليسميها يومئذ) "انظري غلمك
النجار .يعمل لي أعوادًا أكلم الناس عليها" .فعمل هذه الثلث
درجات .ثم أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .فوضعت
هذا الموضع .فهي من طرفاء [؟؟] الغابة .ولقد رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم قام عليه فكبر وكبر الناس وراءه .وهو
على المنبر .ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر.
ثم عاد حتى فرغ من آخر صلته .ثم أقبل على الناس فقال" :يا
أيها الناس! إني صنعت هذا لتأتموا بي .ولتعلموا صلتي".
حدثنا قتيبة بن سعيد .حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد
بن عبد الله بن عبد القارئ القرشي .حدثني أبو حازم؛ أن رجالً
أتوا سهل بن سعد .ح قال وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن
حرب وابن أبي عمر .قالوا :حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي حازم؛
قال :أتوا سهل بن سعد فسألوه :من أي شيء منبر النبي صلى
الله عليه وسلم ؟ وساقوا الحديث .نحو حديث ابن أبي حازم
الترمذي
252
في أبواب الجمعة باب ما جاء في الخطبة على المنبر:
-حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الفلس أخبرنا عثمان بن عمر
ويحيى بن كثير أبو غسان العنبري قال حدثنا معاذ بن العلء عن
نافع عن ابن عمر" :أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب
إلى جذع ،فلما اتخذ المنبر حن الجذع حتى أتاه فالتزمه
فسكن".وفي الباب عن أنس وجابر وسهل بن سعد وأبي بن
كعب وابن عباس وأم سلمة.
قال أبو عيسى :حديث ابن عمر حديث حسن غريب صحيح.ومعاذ
بن العلء هو بصري أخو أبي عمرو بن العلء.
وفي أبواب المناقب
-حدثنا محمود بن غيلن أخبرنا عمر بن يونس عن عكرمة بن
عمار عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب إلى لزق جذع
واتخذوا له منبرا فخطب عليه فحن الجذع حنين الناقة فنزل
النبي صلى الله عليه وسلم فمسه فسكت" .وفي الباب عن أبي
وجابر وابن عمر وسهل بن سعد وابن عباس وأم سلمة .حديث
ب من هذا الوجهح غري ٌ
ن صحي ٌث حس ٌ أنس هذا حدي ٌ
النسائي
في باب مقام المام في الخطبة مقام المام في الخطبة:
-أخبرنا عمرو بن سواد بن السود قال أنبأنا ابن وهب قال ابن
جريج أن أبا الزبير أخبره أنه سمع جابر بن عبد الله يقول-:كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يستند إلى جذع
نخلة من سواري المسجد فلما صنع المنبر واستوي عليه
اضطربت تلك السارية كحنين الناقة حتى نزل إليها رسول الله
صلى الله عليه وسلم فاعتنقها فسكتت..
الدارمي
في مجموعة أبواب في المقدمة باب ما أكرم النبي صلى الله
عليه وسلم بحنين المنبر:
أخبرنا عثمان بن عمر أنا معاذ بن العلء عن نافع عن ابن عمر
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع فلما
اتخذ المنبر حن الجذع حتى أتاه فمسحه.
أخبرنا محمد بن حميد ثنا تميم بن عبد المؤمن ثنا صالح بن
حيان حدثني ابن بريدة عن أبيه قال :كان النبي صلى الله عليه
وسلم إذا خطب قام فأطال القيام فكان يشق عليه قيامه فأتي
بجذع نخلة فحفر له وأقيم إلى جنبه قائما للنبي صلى الله عليه
وسلم فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب فطال القيام
عليه استند إليه فاتكأ عليه فبصر به رجل كان ورد المدينة فرآه
253
قائما إلى جنب ذلك الجذع ،فقال لمن يليه من الناس لو أعلم أن
سا يقوم عليهمحمدًا يحمدني في شيء يرفق به لصنعت له مجل ً
فإن شاء جلس ما شاء وإن شاء قام فبلغ ذلك النبي صلى الله
عليه وسلم ،فقال ائتوني به فأتوه به فأمر أن يصنع له هذه
المراقي الثلث أو الربع هي الن في منبر المدينة فوجد النبي
صلى الله عليه وسلم في ذلك راحة فلما فارق النبي صلى الله
عليه وسلم الجذع وعمد إلى هذه التي صنعت له جزع الجذع
فحن كما تحن الناقة حين فارقه النبي صلى الله عليه وسلم
فزعم بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم حين
سمع حنين الجذع رجع إليه فوضع يده عليه ،وقال" :اختر أن
أغرسك في المكان الذي كنت فيه فتكون كما كنت وإن شئت أن
أغرسك في الجنة فتشرب من أنهارها وعيونها فيحسن نبتك
وتثمر فيأكل أولياء الله من ثمرتك ونخلك فعلت" ..فزعم أنه
سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول له :نعم قد
فعلت مرتين فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ،فقال :اختار أن
أغرسه في الجنة.
أخبرنا محمد بن كثير عن سليمان بن كثير عن الزهري عن
سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله النصاري قال :كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم إلى جذع قبل أن يجعل
المنبر فلما جعل المنبر حن ذلك الجذع حتى سمعنا حنينه فوضع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليه فسكن.
حدثنا محمد بن كثير ثنا سليمان بن كثير عن يحيى بن سعيد
عن حفص بن عبيد الله عن جابر بن عبد الله قال :كان النبي
صلى الله عليه وسلم يخطب إلى خشبة فلما صنع المنبر فجلس
عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حنت حنين العشار حتى
وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليها فسكنت.
أخبرنا فروة ثنا يحيى بن زكريا عن أبيه عن أبي إسحاق عن
سعيد بن أبي كريب عن جابر بن عبد الله قال حنت الخشبة
حنين الناقة الخلوج.
أخبرنا زكريا بن عدي عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن
محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال :كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جذع ويخطب إليه
شا ،فقال له رجل من أصحابه :أل نجعل لك إذ كان المسجد عري ً
عريشا تقوم عليه يراك الناس يوم الجمعة وتسمع من خطبتك
قال :نعم ...فصنع له الثلث درجات هن اللواتي على المنبر .فلما
صنع المنبر ووضع في موضعه الذي وضعه فيه رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال :فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
254
يريد المنبر مر عليه فلما جاوزه خار الجذع حتى تصدع وانشق
فرجع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسحه بيده حتى
سكن ثم رجع إلى المنبر قال :فكان إذا صلى صلى إليه فلما
هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب فلم يزل عنده حتى
بلي فأكلته الرضة وعاد رفاتًا
حدثنا عبيد الله بن سعيد ثنا أبو أسامة عن مجالد عن أبي
الوداك عن أبي سعيد قال :كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يخطب إلى لزق جذع فأتاه رجل رومي ،فقال اصنع لك
منبًرا تخطب عليه فصنع له منبرا هذا الذي ترون قال :فلما قام
عليه النبي صلى الله عليه وسلم يخطب حن الجذع حنين الناقة
إلى ولدها فنزل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمه
إليه فسكن فأمر به أن يحفر له ويدفن.
أخبرنا مسلم بن إبراهيم ثنا الصعق قال :سمعت الحسن يقول
لما أن قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جعل يسند
ظهره إلى خشبة ويحدث الناس فكثروا حوله فأراد النبي صلى
الله عليه وسلم أن يسمعهم ،فقال ابنوا لي شيئا ارتفع عليه
قالوا كيف يا نبي الله قال عريش كعريش موسى فلما أن بنوا له
قال الحسن حنت والله الخشبة قال الحسن سبحان الله هل
تبتغي قلوب قوم سمعوا قال أبو محمد يعني هذا.
أخبرنا الحجاج بن منهال ثنا حماد بن سلمة عن عمار بن أبي
عمار عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يخطب إلى جذع قبل أن يتخذ المنبر فلما اتخذ المنبر وتحول إليه
حن الجذع فاحتضنه فسكن ،وقال :لو لم احتضنه لحن إلى يوم
القيامة.
أخبرنا الحجاج بن منهال ثنا حماد عن ثابت عن أنس بمثله
أخبرنا عبد الله بن يزيد ثنا المسعودي عن أبي حازم عن سهل
بن سعد قال حنت الخشبة التي كان يقوم عندها فقام رسول
الله صلى الله عليه وسلم إليها ووضع يده عليها فسكنت.
أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي خلف ثنا عمر بن يونس ثنا
عكرمة بن عمار ثنا إسحاق بن أبي طلحة حدثنا أنس بن مالك أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة فيسند ظهره
إلى جذع منصوب في المسجد فيخطب الناس فجاءه رومي،
فقال أل أصنع لك شيئًا تقعد عليه وكأنك قائم فصنع له منبًرا له
درجتان ويقعد على الثالثة فلما قعد نبي الله صلى الله عليه
وسلم على ذلك المنبر خار الجذع كخوار الثور حتى ارتج المسجد
حزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل إليه رسول
الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فالتزمه وهو يخور فلما
255
التزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم سكن ،ثم قال" :أما
والذي نفس محمد بيده لو لم التزمه لما زال هكذا إلى يوم
القيامة حزنا على رسول الله" صلى الله عليه وسلم فأمر به
رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن.
وفي كتاب الصلة باب مقام المام إذا خطب
أخبرنا محمد بن كثير عن سليمان بن كثير عن الزهري عن
سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله قال :كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقوم إلى جذع قبل أن يجعل المنبر فلما
جعل المنبر حن ذلك الجزع حتى سمعنا حنينه فوضع رسول الله
صلى الله عليه وسلم يده عليه فسكن.
256
وضعوه في موضعه الذي هو فيه .فلما أراد رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يقوم إلى المنبر ،مر إلى الجذع الذي كان يخطب
إليه .فلما جاوز الجذع ،خار حتى تصدع وانشق .فنزل رسول الله
صلى الله عليه وسلم لما سمع صوت الجذع .فمسحه بيده حتى
سكن .ثم رجع إلى المنبر .فكان إذا صلى ،صلى إليه .فلما هدم
المسجد وغير ،أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب .وكان عنده في بيته
حتى بلى .فأكلته الرضة وعاد رفاتًا.
-حدثنا أبو بكر بن خلد الباهلي .حدثنا بهز بن أسد .حدثنا حماد
بن سلمة ،عن عمار بن أبي عمار ،عن ابن عباس؛ وعن ثابت،
عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع.
فلما اتخذ المنبر ذهب إلى المنبر .فحن الجذع فأتاه فاحتضنه
فسكن .فقال( :لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة).
في الزوائد :إسناده صحيح ورجاله ثقات.
-حدثنا أحمد بن ثابت الجحدري .حدثنا سفيان بن عيينة ،عن
أبي حازم؛ قال -:اختلف الناس في منبر رسول الله صلى الله
عليه وسلم من أي شيء هو؟ فأتوا سهل بن سعد فسألوه.
فقال :ما بقي أحد من الناس أعلم به مني .هو من أثل الغابة.
عمله فلن مولى فلنة ،نجار .فجاء به .فقام عليه حينما وضع.
فاستقبل وقام الناس خلفه .فقرأ ثم ركع ثم رفع رأسه فرجع
القهقري حتى سجد بالرض .ثم عاد إلى المنبر فقرأ ثم ركع
فقام ثم رجع القهقرى حتى سجد بالرض.
-حدثنا أبو بشر ،بكر بن خلف .حدثنا ابن أبي عدي ،عن سليمان
التيمي ،عن أبي نضرة ،عن جابر بن عبد الله؛ قال:
-كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم إلى أصل شجرة
-أو قال إلى جذع -ثم اتخذ منبرا .قال فحن الجذع .قال جابر
حتى سمعه أهل المسجد حتى أتاه رسول الله صلى الله عليه
وسلم فمسحه فسكن .فقال بعضهم :لو لم يأته لحن إلى يوم
القيامة.
في الزوائد :إسناده صحيح وابن عدي ثقة .وقال :وقد أخرجه
النسائي عن جابر بسند آخر.
البيهقي
باب مقام المام في الخطبة
أخبرنا أبو القاسم عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤذن
أنبأ أبو بكر محمد بن أحمد بن خنب البخاري أنبأ أبو إسماعيل
محمد بن إسماعيل الترمذي ثنا أيوب بن سليمان بن بلل حدثني
أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان يعني بن بلل قال :قال يحيى
257
يعني بن سعيد :أخبرني حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك
النصاري أنه سمع جابر بن عبد الله يقول :كان المسجد في
زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسقوفًا على جذوع من
نخل فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى
جذع فلما صنع المنبر كان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتا
كصوت العشار حتى جاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فوضع يده عليها فسكنت رواه البخاري في الصحيح عن
إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه أبي بكر.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا
جعفر بن محمد وإسماعيل بن قتيبة قال :ثنا يحيى بن يحيى أنبأ
عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه أن نفرا جاءوا إلى سهل بن
سعد قد تماروا في المنبر من أي عود هو فقال :أما والله إني
لعرف من أي عود هو ومن عمله ورأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم أول يوم جلس عليه ..قال فقلت له يا أبا عباس
فحدثنا فقال :أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة
نقال أبو حازم إنه لسماها يومئذ" ..انظري غلمك النجار يعمل
لي أعوادًا لكلم الناس عليها" ..فعمل هذه الثلث درجات ثم أمر
بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعت هذا الموضع؛
فهي من طرفاء الغابة ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم قام عليه فكبر وكبر الناس وراءه وهو على المنبر يعني
ثم ركع ثم رفع فنزل القهقري حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد
حتى فرغ من آخر صلته ثم أقبل على الناس فقال :يا أيها الناس
إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلتي رواه مسلم في
الصحيح عن يحيى بن يحيى.
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران أنبأ
إسماعيل بن محمد الصفار قال ثنا الحسن بن الفضل بن السمح
ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ح وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبا
أبو علي حامد بن محمد الهروي ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو
نعيم ثنا عبد الواحد بن أيمن حدثني أبي عن جابر أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة
فقالت امرأة من النصار أو رجل يا رسول الله أل تجعل لك
منبًرا قال :إن شئتم فاجعلوه ..فجعلوا له منبًرا فلما كان يوم
الجمعة ذهب إلى المنبر فصاحت النخلة صياح الصبي فنزل
رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمها إليه كانت تئن أنين
الصبي الذي يسكت قال :كانت تبكي على ما كانت تسمع من
الذكر عندها ..لفظ حديث أبي عبد الله رواه البخاري في الصحيح
عن أبي نعيم.
258
وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني أبو أحمد الحافظ أنبأ
أبو الجهم محمد بن الحسين القرشي ثنا شعيب بن عمرو
الضبعي ثنا أبو عاصم ثنا بن أبي رواد حدثني نافع عن عبد الله
بن عمر أن تميم الداري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما أسن وثقل أل نتخذ لك منبًرا تحمل أو تجمع أو كلمة تشبهها
عظامك فاتخذ له مرقاتين أو ثلثة فجلس عليها قال فصعد النبي
صلى الله عليه وسلم فحن جذع كان في المسجد كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يستند إليه فنزل النبي صلى
الله عليه وسلم فاحتضنه فقال له شيئًا ل أدرى ما هو ثم صعد
المنبر وكانت أساطين المسجد جذوعا وسقائفه جريدًا قال
البخاري روى أبو عاصم عن بن أبي رواد فذكره.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي
قال ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري
ثنا عثمان بن عمر ثنا معاذ بن العلء عن نافع عن بن عمر أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع فلما
اتخذ المنبر حن الجذع فأتاه فالتزمه صلى الله عليه وسلم رواه
البخاري في الصحيح فقال وقال عبد الحميد أنبأ عثمان بن عمر.
البيهقي في دلئل النبوة
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو علي الحسين بن علي
الحافظ قال أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن قال حدثنا
تميم ابن المنتصر
ح وحدثنا منصور بن عبد الوهاب بن أحمد الصوفي قال أخبرنا
أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان البخاري قال أخبرنا أبو
إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا أيوب بن
سليمان بن بلل قال حدثني أبو بكر بن أبي أويس قال حدثني
سليمان بن بلل عن سعد بن سعيد بن قيس عن عباس بن سهل
بن سعد عن أبيه أن رسول الله كان يقوم الجمعة إذا خطب إلى
خشبة ذات فرضتين قال أراها من دوم كانت في مصله وكان
يتكئ إليها فقال له أصحابه يا رسول الله إن الناس قد كثروا فلو
اتخذت شيئًا تقوم عليه إذا خطبت يراك الناس فقال :ما شئتم
قال سهل ولم يكن بالمدينة إل نجار واحد قال فذهبت أنا وذلك
النجار إلى الغابة فقطعنا هذا المنبر من أثلة قال :فقام رسول
الله فحنت الخشبة فقال رسول الله" :أل تعجبون من حنين هذه
الخشبة" فأقبل الناس عليها فرقوا من حنينها حتى كثر بكاؤهم
فنزل رسول الله فأتاها فوضع يده عليها فسكنت فأمر رسول
الله بها فدفنت تحت منبره أو جعلت في السقف.
ابن خزيمة
259
باب ذكر أن موضع قيام النبي صلى الله عليه وسلم في
الخطبة كان قبل اتخاذه المنبر والدليل على أن الخطبة على
الرض جائزة من غير صعود المنبر يوم الجمعة والعلة التي لها
أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتخاذ المنبر إذ هو أحرى أن
يسمع الناس خطبة المام إذا كثروا إذا خطب على المنبر.
أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا علي بن خشرم أخبرنا عيسى يعني بن
يونس عن المبارك وهو بن فضالة عن الحسن عن أنس بن مالك
قال :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم يوم الجمعة
يسند ظهره إلى سارية من خشب أو جذع أو نخلة شك المبارك
فلما كثر الناس قال :ابنوا لي منبًرا ..فبنوا له المنبر ،فتحول إليه
حنت الخشبة حنين الواله فما زالت حتى نزل رسول الله صلى
الله عليه وسلم من المنبر فأتاها فاحتضنها فسكنت قال أبو بكر
الواله يريد بها المرأة إذا مات لها ولد.
باب ذكر العلة التي لها حن الجذع عند قيام النبي صلى الله عليه
وسلم على المنبر وصفة منبر النبي صلى الله عليه وسلم وعدد
درجه والستناد إلى شيء إذا خطب على الرض
أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا محمد بن بشار ثنا عمر بن يونس نا
عكرمة بن عمار نا إسحاق بن أبي طلحة ثنا أنس بن مالك أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة فيسند
ظهره إلى جذع منصوب في المسجد فيخطب ..فجاء رومي
فقال أل نصنع لك شيئا تقعد وكأنك قائم فصنع له منبًرا له
درجتان ويقعد على الثالثة فلما قعد نبي الله صلى الله عليه
وسلم على المنبر خار الجذع خوار الثور حتى ارتج المسجد
بخواره حزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل إليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فألتزمه وهو يخور
فلما التزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت ثم قال:
"والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه ما زال هكذا حتى تقوم الساعة
حزنا على رسول الله" .صلى الله عليه وسلم ...فأمر به رسول
الله صلى الله عليه وسلم فدفن يعني الجذع وفي خبر جابر
فقال النبي صلى الله عليه وسلم" :إن هذا بكى لما فقد من
الذكر".
ابن ابي شيبة
حدثنا الحسن بن موسى قال ثنا حماد بن سلمة عن فرقد
السبخي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع ،فلما اتخذ المنبر تحول
إليه ،فحن الجذع حتى أخذه فاحتضنه فسكن فقال " :لو لم
أحتضنه لحن إلى يوم القيامة ".
260
حدثنا ابن عيينة عن أبي حازم قال أتوا سهل بن سعد فقالوا:
من أي شئ منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال :ما
بقي أحد من الناس أعلم به مني ،قال :هو من أثل الغابة ،وعمله
فلن مولى فلنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يستند إلى جذع في المسجد
يصلي إليه إذا خطب ،فلما اتخذ المنبر فقعد عليه حن الجذع،
قال :فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوطده ،وليس في
حديث أبي حازم :حتى سكن.
حدثنا وكيع عن عبد الواحد عن أبيه عن جابر قال :كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع نخلة ،فقالت له
امرأة من النصار :يا رسول الله! إن لي غلما نجارا ،أفل آمره
يصنع لك منبرا؟ قال " :بلى ،فاتخذ منبرا ،فلما كان يوم الجمعة
خطب على المنبر ،قال :فإن الجذع الذي كان يقوم عليه كأنين
الصبي ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم :إن هذا بكى لما فقد
من الذكر
أحمد حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الرزاق أنبأنا ابن جريج
وروح حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد
الله يقول-:كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يستند
إلى جذع نخلة من سواري المسجد فلما صنع له منبره استوى
عليه اضطربت تلك السارية كحنين الناقة حتى سمعها أهل
المسجد حتى نزل إليها فاعتنقها فسكنت وقال روح فسكتت...
وقال ابن بكر فاضطربت تلك السارية وقال روح اضطربت
كحنين.
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عفان أخبرنا حماد عن عمار بن
أبي عمار عن ابن عباس أن-:رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يخطب إلى جذع قبل أن يتخذ المنبر فلما اتخذ المنبر وتحول
ن
اليه حن عليه فأتاه فاحتضنه فسكن قال :ولو لم أحتضنه لح ّ
إلى يوم القيامة.
-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عفان حدثنا حماد عن ثابت عن
أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
الطبراني
َ َ َ
ماد ُ بن ح َّحدَّثَنَا َ
حدَّثَنِي أبِيَ ، لَ ، حنْب َ ٍمد َ بن َ ح َ حدَّثَنَا ع َبْد ُ الل ّهِ بن أ ْ َ
ْ َ
س بن ن العَبَّا ِ مرِيُّ ،ع َ ِ مَر الْعُ َ حدَّثَنَا ع َبْد ُ الل ّهِ بن ع ُ َ طَ ، خيَّا ُ خالِد ٍ ال ْ َ َ
ن َ َ
ن الن ّب ِ َّ َ َ
ي صلى الله عليه وسلم كا َ ن أبِيهِ ,أ ّ سعْدٍ ،ع َ ْ ل بن َ سهْ ِ َ
وَ َ َ
س قد ْ كثُُروا ،فل ْ َ َ
ن الن ّا َ َ ل" :إ ِ ّ َ
س ،قا َ َ
ما كثَُر الن ّا ُ َ َ َ َ
جذٍْع ،فل ّ َ
ستَنِد ُ إِلى ِ يَ ْ
َ َ
منْبَرِن ال ْ ِ عيدَا َ ب أبِي فَقَطَعَ ِ س :فَذَهَ َ ل ع َبَّا ٌ ه" ،قَا َ منْبٌَر أقْعُد ُ ع َلَي ْ ِ ن ِ كَا َ
ملَهَا. َ َ
ستَعْ َ ملَهَا أوِ ا ْ ن الْغَابَةِ ،فَل أدْرِي ع َ ِ م َ ِ
261
الفصل السابع عشر
ومـثـل هـذا فـي سـائـر الـجـمـادات
* Jحدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عيسى التميمي ،حدثنا
القاضي أبو عبد الله محمد بن المرابط ،حدثنا المهلب ،حدثنا أبو
الحسن القابسي ،حدثنا المروزي ،حدثنا الفربري ،حدثنا البخاري،
حدثنا محمد بن المثنى ،حدثنا أبو أحمد الزبيري ،حدثنا إسرائيل،
عن منصور ،عن إبراهيم،عن علقمة ،عن ابن مسعود ،قال :لقد
كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.
-وفي غير هذه الرواية عن ابن مسعود :كنا نأكل مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم الطعام و نحن نسمع تسبيحه.
قلت :روى البخاري حديث ابن مسعود في كتاب المناقب قال:
حدثني محمد بن المثنى :حدثنا أبو أحمد الزبيري :حدثنا
إسرائيل ،عن منصور ،عن إبراهيم ،عن علقمة ،عن عبد الله
قال:
كنا نعد اليات بركة ،وأنتم تعدونها تخويفا ،كنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم في سفر ،فقل الماء ،فقال( :اطلبوا
فضلة من ماء) .فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل ،فأدخل يده في الناء
ثم قال( :حي على الطهور المبارك ،والبركة من الله) .فلقد
رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.
قال ابن حجر
قوله :ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل أي في عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم غالبا ووقع ذلك عند
السماعيلي صريحا أخرجه عن الحسن بن سفيان عن بندار عن
أبي أحمد الزبيري في هذا الحديث كنا نأكل مع النبي صلى الله
عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيح الطعام وله شاهد أورده
البيهقي في الدلئل من طريق قيس بن أبي حازم قال كان أبو
الدرداء وسليمان إذا كتب أحدهما إلى الخر قال له بآية الصحفة
وذلك أنهما بينا هما يأكلن في صحفة إذا سبحت وما فيها..
وأخرجه:
الترمذي حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا
إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال
إنكم تعدون اليات عذابا وإنا كنا نعدها على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم بركة لقد كنا نأكل الطعام مع النبي صلى
الله عليه وسلم ونحن نسمع تسبيح الطعام قال وأتي النبي صلى
الله عليه وسلم بإناء فوضع يده فيه فجعل الماء ينبع من بين
262
أصابعه فقال النبي صلى الله عليه وسلم حي على الوضوء
المبارك والبركة من السماء حتى توضأنا كلنا قال أبو عيسى هذا
حديث حسن صحيح
قال الترمذي :حسن صحيح
أحمد حدثنا عبد الله حدثني أبي قال :حدثنا الوليد بن القاسم بن
الوليد حدثنا إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد
الله قال وسمع عبد الله بخسف قال:
-كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نعد اليات بركة وأنتم
تعدونها تخويفا إنا بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وليس معنا ماء فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اطلبوا من معه يعني ماء ففعلنا فأتي بماء فصبه في اناء ثم وضع
كفيه فيه فجعل الماء يخرج من بين أصابعه ثم قال :حي على
الطهور المبارك والبركة من الله فملت بطني منه واستسقى
الناس قال عبد الله :قد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.
-وقال أنس :أخذ النبي صلى الله عليه وسلم كفا من حصى،
فسبحن في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا
التسبيح ،ثم صبهن في يد أبي بكر رضي الله عنه فسبحن ،ثم
في أيدينا فما سبحن.
-وروى مثله أبو ذر ،وذكر أنهن سبحن في كف عمر وعثمان.
قلت :قال ابن حجر العسقلني في فتح الباري:
قلت وقد اشتهر تسبيح الحصي ففي حديث أبي ذر قال تناول
رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع حصيات فسبحن في يده
حتى سمعت لهن حنينا ثم وضعهن في يد أبي بكر فسبحن ثم
وضعهن في يد عمر فسبحن ثم وضعهن في يد عثمان فسبحن
أخرجه البزار والطبراني في الوسط وفي رواية الطبراني فسمع
تسبيحهن من في الحلقة وفيه ثم دفعهن إلينا فلم يسبحن مع
أحد منا
قال البيهقي في الدلئل كذا رواه صالح بن أبي الخضر ولم يكن
بالحافظ عن الزهري عن سويد بن يزيد السلمي عن أبي ذر
والمحفوظ ما رواه شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال ذكر
الوليد بن سويد أن رجل من بني سليم كان كبير السن ممن
أدرك أبا ذر بالربذة ذكر له عن أبي ذر بهذا
فائدة ذكر بن الحاجب عن بعض الشيعة أن انشقاق القمر
وتسبيح الحصي وحنين الجذع وتسليم الغزالة مما نقل آحاد مع
توفر الدواعي على نقله ومع ذلك لم يكذب رواتها وأجاب بأنه
استغنى عن نقلها تواتر بالقرآن وأجاب غيره بمنع نقلها آحادا
وعلى تسليمه فمجموعها يفيد القطع كما تقدم في أول هذا
263
الفصل والذي أقول إنها كلها مشتهرة عند الناس وأما من حيث
الرواية فليست على حد سواء فإن حنين الجذع وانشقاق القمر
نقل كل منهما نقل مستفيضا يفيد القطع عند من يطلع على
طرق ذلك من أئمة الحديث دون غيرهم ممن ل ممارسة له في
ذلك وأما تسبيح الحصي فليست له إل هذه الطريق الواحدة مع
ضعفها...
قلت :وحديث أبي ذر أورده اللباني في كتاب ظلل الجنة في
تخريج السنة؛ وصححه -وهو:
حدثنا محمد بن عوف ثنا عبد الحميد بن إبراهيم ثنا عبدالله بن
سالم عن الزبيدي حدثني حميد أن عبد الرحمن بن أبي عوف
حدثه أنه سمع عبد ربه أنه سمع عاصم بن حميد يقول إن أبا ذر
قال إني انطلقت ألتمس رسول الله صلى الله عليه وسلم في
بعض حوائط المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد
فأقبل إليه أبو ذر حتى سلم على النبي صلى الله عليه وسلم
قال أبو ذر وحصيات موضوعة بين يديه فأخذهن في يده فسبحن
في يده ثم وضعهن في الرض فسكتن ثم أخذهن فوضعهن في
يد أبي بكر فسبحن في يده ثم أخذهن فوضعهن في الرض
فخرسن ثم أخذهن فوضعهن في يد عمر فسبحن في يده ثم
أخذهن فوضعهن في الرض فخرسن ثم أخذهن فوضعهن في يد
عثمان فسبحن ثم أخذهن فوضعهن في الرض فخرسن.
-وقال علي كنا بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فخرج إلى بعض نواحيها ما استقبله شجرة ول جبل إل قال له:
السلم عليك يا رسول الله.
قلت :رواه الترمذي من حديث الوليد بن أبي ثور عن السدي
عن عبادة بن أبي يزيد عن علي بن أبي طالب قال كنت مع
النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما
استقبله جبل ول شجر إل وهو يقول السلم عليك يا رسول الله
وقال الترمذي حديث حسن غريب ...وصححه اللباني في "
صحيح الترغيب والترهيب "
و أخرجه التبريزي في مشكاة المصابيح
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال كنت مع النبي
صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما
استقبله جبل ول شجر إل وهو يقول السلم عليك يا رسول الله.
رواه الترمذي والدارمي.
ى صلى الله عليه وسلم َ ولفظه في مسند الدارمي كُنَّا َ
معَ الن ّب ِ ِ ّ ب َ
جبَال وال َّ ن ال ْ حيهَا فَ ة فَ َ مك ّ َ
جرِش َ َ
َ َّ ِ ِ َ مَرْرنَا بَي ْ َ ض نَوَا ِ
َ ِ ه فِى بَعْ ُ معَ
َ جنَاخَر ْ ِ َ
سول اللهِ. ك يَا َر ُ َ
م ع َلي ْ َ سل َ ُ ل ال َّ
ل إِل ّ قَا َ جَرةٍ وَل َ َ
جب َ ٍ ش َ مَّر ب ِ َ
م نَ ُ َ
فَل ْ
264
-وعن جابر بن سمرة عنه صلى الله عليه وسلم :إني لعرف
حجرا ً بمكة كان يسلم علي .قيل :إنه الحجر السود.
قلت أخرجه السيوطي في الجامع الصغير (إني لعرف حجرا
بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث).
تخريج السيوطي( :حم م ت) عن جابر بن سمرة.
اللباني :في صحيح الجامع.
مسلم
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة .حدثنا يحيى بن أبي بكير عن
إبراهيم بن طهمان .حدثني سماك بن حرب عن جابر بن سمرة.
قال:
قال رسول الله ص صلى الله عليه وسلم "إني لعرف حجرا
بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث .إني لعرفه الن".
الترمذي
حدثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلن قال أخبرنا أبو داود
الطيالسي أخبرنا سليمان ابن معاذ الضبي عن سماك بن حرب
عن جابر بن سمرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" -إن بمكة حجرا كان يسلم علي ليالي بعثت إني ل أعرفه الن
ب.
ن غري ٌ
ث حس ٌ
" .هذا حدي ٌ
ابن حبان
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي حدثنا محمد بن
إسماعيل حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان عن
سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال :قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم :إني لعرف حجرا بمكة كان يسلم علي إذا
بعثت إني لعرفه الن.
الدارمي
حدثنا محمد بن سعيد أنا يحيى بن أبي بكر العبدي عن إبراهيم
بن طهمان عن سماك عن جابر بن سمرة قال :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :إني لعرف حجرا بمكة كان يسلم علي
قبل أن أبعث إني لعرفه الن.
حدثنا فروة ثنا الوليد بن أبي ثور الهمداني عن إسماعيل
السدي عن عباد أبي يزيد عن علي بن أبي طالب قال كنا مع
النبي
قلت أخرجه السيوطي في الجامع الصغير( :إني لعرف حجرا
بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث).
تخريج السيوطي( :حم م ت) عن جابر بن سمرة.
اللباني :في صحيح الجامع.
مسلم
265
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة .حدثنا يحيى بن أبي بكير عن
إبراهيم بن طهمان .حدثني سماك بن حرب عن جابر بن سمرة.
قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني لعرف حجرا بمكة
كان يسلم علي قبل أن أبعث .إني لعرفه الن".
الترمذي
حدثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلن قال أخبرنا أبو داود
الطيالسي أخبرنا سليمان ابن معاذ الضبي عن سماك بن حرب
عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" -إن بمكة حجرا كان يسلم علي ليالي بعثت إني ل أعرفه الن
ب.
ن غري ٌ
ث حس ٌ" .هذا حدي ٌ
ابن حبان
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي حدثنا محمد بن
إسماعيل حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان عن
سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم إني لعرف حجرا بمكة كان يسلم علي إذا
بعثت إني لعرفه الن
الدارمي
حدثنا محمد بن سعيد أنا يحيى بن أبي بكر العبدي عن إبراهيم
بن طهمان عن سماك عن جابر بن سمرة قال :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :إني لعرف حجرا بمكة كان يسلم علي
قبل أن أبعث اني لعرفه الن
حدثنا فروة ثنا الوليد بن أبي ثور الهمداني عن إسماعيل
السدي عن عباد أبي يزيد عن علي بن أبي طالب قال كنا مع
النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا معه في بعض نواحيها
فمررنا بين الجبال والشجر فلم نمر بشجرة ول جبل إل قال
السلم عليك يا رسول الله
أحمد
-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا
إبراهيم بن طهمان حدثني سماك عن جابر بن سمرة قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم-:إني لعرف حجرا بمكة كان
يسلم علي قبل أن أبعث إني لعرفه الن.
أبو يعلى
حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا أبو داود قال حدثني
سليمان بن معاذ حدثنا سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن بمكة حجرا كان يسلم
علي ليالي بعثت وإني لعرفه إذا مررت عليه
266
أحمد
-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا
إبراهيم بن طهمان حدثني سماك عن جابر بن سمرة قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم-:إني لعرف حجرا بمكة كان
يسلم علي قبل أن أبعث إني لعرفه الن.
أبو يعلى
حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا أبو داود قال حدثني
سليمان بن معاذ حدثنا سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن بمكة حجرا كان يسلم
علي ليالي بعثت وإني لعرفه إذا مررت عليه
-وعن عائشة رضي الله عنها :لما استقبلني جبريل عليه السلم
بالرسالة جعلت ل أمر بحجر ول شجر إل قال :السلم عليك
يارسول الله.
قلت :أورد البيهقي نحوه في دلئل النبوة قال:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن
يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير
عن ابن إسحاق قال حدثني عبد الملك بن عبد الله بن أبي
سفيان بن العلء بن جارية الثقفي وكان واعية عن بعض أهل
العلم أن رسول الله حين أراد الله عز وجل كرامته وابتدأه ل يمر
بحجر ول شجر إل سلم عليه وسمع منه فيلتفت رسول الله خلفه
وعن يمينه وعن شماله ول يرى إل الشجر وما حوله من الحجارة
وهي تحييه بتحية النبوة السلم عليك يا رسول الله
وقال ابن إسحاق حدثني عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان
بن العلء بن جارية الثقفي وكان داعية عن بعض أهل العلم أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد الله كرامته وابتدأه
بالنبوة كان إذا خرج لحاجة أبعد حتى يحسر الثوب عنه ويفضي
إلى شعاب مكة وبطون أوديتها فل يمر بحجر ول شجر إل قال
السلم عليك يا رسول الله قال فيلتفت حوله عن يمينه وعن
شماله وخلفه فل يرى إل الشجر والحجارة فمكث كذلك يرى
ويسمع ما شاء الله أن يمكث ثم جاءه جبريل عليه السلم بما
جاء من كرامة الله وهو بحراء في رمضان
و ذكر مثله الماوردي في أعلم النبوة قال:
روت برة بنت أبي تحراه :أن الله تعالى لما أراد كرامة رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالنبوة كان ل يمر بشجر و ل حجر إل
قال :السلم عليك يا رسول الله فكان يلتفت عن يمينه و شماله
و خلفه فل يرى أحدا فاحتمل أن يكون ذلك قبل رؤيا المنام
267
فيكون كالهتوف الخارجة عن أعلم الوحي إلى إعجاز النبوة و
احتمل أن يكون بعد الرؤيا فيكون تصديقا لها و تحقيقا لصحتها..
-وعن جابر بن عبد الله :لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم
يمر بحجر ول شجر إل سجد له.
ذكر مثله الماوردي في أعلم النبوة قال
ومن آياته صلى الله عليه وسلم :ما رواه جابر بن عبد الله قال:
كان في رسول الله صلى الله عليه وسلم خصال لم يكن يمر
في طريق فيتبعه أحد إل عرف أنه قد سلكه من طيب عرفه و
لم يكن يمر بحجر ول شجر إل سجد له..
-وفي حديث العباس ،إذا اشتمل عليه النبي صلى الله عليه
وسلم وعلى بنيه ،بملءة ،ودعا لهم بالستر من النار كستره
إياهم بملءته ،فأمنت أسكفة الباب و حوائط البيت :آمين آمين.
قلت :أخرجه أبو نعيم في دلئل النبوة قال:
عن أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه قال لقي رسول الله
صلى الله عليه وسلم عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه
فقال ل ترم من منزلك غدا أنت وبنوك فإن لي فيكم حاجة قال
فجمعهم العباس في بيت فأتاهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال السلم عليكم كيف أصبحتم؟! قالوا بخير نحمد الله
بأبينا أنت وأمنا يا رسول الله قال :تقاربوا يزحف بعضكم إلى
بعض .حتى إذا اكتنفوا اشتمل عليهم بملته إذا ثم قال اللهم هذا
العباس عمي وهؤلء أهل بيتي استرهم من النار كستري إياهم
بملتي فقال هذه قال فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت آمين
آمين آمين ثلثا
-وعن جعفر بن محمد ،عن أبيه :مرض النبي صلى الله عليه
وسلم فأتاه جبريل بطبق فيه رمان وعنب فأكل منه النبي صلى
الله عليه وسلم ،فسبح.
قلت:قال صاحب المواهب اللدنية :قال السيوطي لم أجده في
كتب الحديث÷ ونقله عن عياض الحافظ أبو الفضل في فتح
الباري.
-وعن أنس :صعد النبي صلى الله عليه وسلم ،وأبو بكر ،وعمر،
حداً ،فرجف بهم ،فقال :اثبت أحد ،فإنما عليك نبي و وعثمان ،أ ُ
صديق ،و شهيدان.
- Jومثله عن أبي هريرة في حراء ،وزاد معه :علي وطلحة،
والزبير ،وقال :فإنما عليك نبي ،أو صديق،أو شهيد.
- Jوالخبر في حراء أيضا ً عن عثمان ،قال :ومعه عشر من
أصحابه أنا فيهم.
وزاد عبد الرحمن وسعداً ،قال :ونسيت الثنين.
268
-وفي حديث سعيد بن زيد أيضا ً مثله ،و زاد عشرة ،وزاد نفسه.
قلت :رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة
حدثني محمد بن بشار :حدثنا يحيى ،عن سعيد ،عن قتادة :أن
أنس بن مالك رضي الله عنه حدثهم:
أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدا ،وأبو بكر وعمر
وعثمان ،فرجف بهم ،فقال( :اثبت أحد ،فإنما عليك نبي وصديق،
وشهيدان).
حدثنا مسدد :حدثنا يزيد بن زريع :حدثنا سعيد بن أبي عروبة.
وقال لي خليفة :حدثنا محمد بن سواء ،وكهمس بن المنهال قال:
حدثنا سعيد ،عن قتادة ،عن أنس بن مالك رضي الله عنه
قال:صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحدا ،ومعه أبو بكر وعمر
وعثمان ،فرجف بهم ،فضربه برجله وقال( :اثبت أحد ،فما عليك
إل نبي ،أو صديق ،أو شهيدان)
وأخرجه أحمد في المسند
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا شعبة
حدثنا قتادة أن أنس بن مالك حدثهم:
-أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدا فتبعه أبو بكر
وعمر وعثمان فرجف بهم الجبل فقال اسكن عليك نبي وصديق
وشهيدان.
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا علي بن عاصم قال حصين:
أخبرنا عن هلل ابن يساف عن عبد الله بن ظالم المازني قال:
-لما خرج معاوية من الكوفة استعمل المغيرة بن شعبة قال:
فأقام خطباء يقعون في علي قال :وأنا إلى جنب سعيد بن زيد
بن عمرو بن نفيل قال :فغضب فقام فأخذ بيدي فتبعته فقال :أل
ترى إلى هذا الرجل الظالم لنفسه الذي يأمر بلعن رجل من أهل
الجنة فأشهد على التسعة أنهم في الجنة ولو شهدت على
العاشر لم آثم قال :قلت :وما ذاك قال :قال رسول صلى الله
عليه وسلم :اثبت حراء فإنه ليس عليك إل نبي أو صديق أو شهيد
قال :قلت :من هم فقال :رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن
عوف وسعد بن مالك قال :ثم سكت قال :قلت :ومن العاشر
قال :قال :أنا.
-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا زائدة
حدثنا حصين بن عبد الرحمن عن هلل بن يساف عن عبد الله
بن ظالم التيمي عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال-:أشهد
أن عليا رضي الله عنه من أهل الجنة قلت :وما ذاك قال :هو في
التسعة ولو شئت أن أسمي العاشر سميته قال :اهتز حراء فقال
269
رسول الله صلى الله عليه وسلم :اثبت حراء فإنه ليس عليك إل
نبي أو صديق أو شهيد قال :رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبو بكر وعمر وعلي وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن
عوف وسعد وأنا يعني سعيدا نفسه...
و النسائي في سننه
أخبرني زياد بن أيوب قال حدثنا سعيد بن عامر عن يحيى بن
أبي الحجاج عن سعيد الجريري عن ثمامة بن حزن القشيري
قال:
-شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان فقال أنشدكم بالله
وبالسلم هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
على ثبير ثبير مكة ومعه أبو بكر وعمر وأنا فتحرك الجبل فركضه
رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله وقال اسكن ثبير فإنما
عليك نبي وصديق وشهيدان قالوا اللهم نعم قال الله أكبر شهدوا
لي ورب الكعبة يعني أني شهيد.
-أخبرنا عمران بن بكار ابن راشد قال حدثنا خطاب بن عثمان
قال حدثنا عيسى بن يونس حدثني أبي عن أبي إسحاق عن أبي
سلمة بن عبد الرحمن-:أن عثمان أشرف عليهم حين حصروه
فقال أنشد بالله رجل سمع من رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول يوم الجبل حين اهتز فركله برجله وقال اسكن فإنه
ليس عليك إل نبي أو صديق أو شهيدان وأنا معه فانتشد له
رجال.
والترمذي في سننه
حدثنا محمد بن بشار أخبرنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن أبي
عروبة عن قتادة أن أنس ابن مالك حدثهم:
" -أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد أحدا وأبو بكر
وعمر وعثمان فرجف بهم فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم:
نث حس ٌ اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديقٌ وشهيدان" .هذا حدي ٌ
ح.
صحي ٌ
-حدثنا قتيبة أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل بن أبي
صالح عن أبيه عن أبي هريرة:
" -أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو
بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال
النبي صلى الله عليه وسلم" :اهدأ فما عليك إل نبي أو صديقٌ أو
شهيدٌ" .وفي الباب عن عثمان وسعيد بن زيد وابن عباس وسهل
ح.
ث صحي ٌ بن سعد وأنس بن مالك وبريدة السلمي .هذا حدي ٌ
270
-حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أخبرنا عبد الله بن جعفر
الرقي أخبرنا عبيد الله بن عمرو عن زيد هو ابن أبي أنيسة عن
أبي إسحاق عن أبي عبد الرحمن السلمي قال" :لما حصر عثمان
أشرف عليهم فوق داره ثم قال أذكركم بالله هل تعلمون أن
حراء حين انتفض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اثبت
حراء فليس عليك إل نبي أو صديقٌ أو شهيدٌ؟ قالوا نعم.....
وابن حبان في صحيحه
اخبرنا أبو خليفة حدثنا علي بن المديني حدثنا عبد الرزاق أخبرنا
معمر عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن أحدا ارتج وعليه النبي
صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان رضى الله تعالى
عنهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم اثبت أحد فما عليك إل
نبي وصديق وشهيدان قال معمر وسمعت قتادة يحدث بمثله
أخبرنا أبو خليفة حدثا علي بن المديني حدثنا يزيد بن زريع
حدثني سعيد بن أبي عروبة حدثنا قتادة عن أنس بن مالك أن
نبي الله صلى الله عليه وسلم صعد أحدا فتبعه أبو بكر وعمر
وعثمان رضى الله تعالى عنهم فرجف بهم فضربه نبي الله
صلى الله عليه وسلم برجله وقال اثبت أحد فما عليك إل نبي
وصديق وشهيدان
وأبو يعلى في مسنده
حدثنا زكريا بن يحيى حدثنا خالد عن سعيد عن قتادة عن أنس أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على أحد وأبو بكر وعمر
وعثمان فرجف بهما فضربه برجله وقال اثبت أحد نبي وصديق
وشهيدان
** قال ابن حجر العسقلني
قوله حدثنا يحيى هو بن سعيد القطان وسعيد هو بن أبي عروبة
قوله صعد أحدا هو الجبل المعروف بالمدينة ووقع في رواية
لمسلم ولبي يعلى من وجه آخر عن سعيد حراء والول أصح
ولول اتحاد المخرج لجوزت تعدد القصة ثم ظهر لي أن الختلف
فيه من سعيد فاني وجدته في مسند الحارث بن أبي أسامة عن
روح بن عبادة عن سعيد فقال فيه أحدا أو حراء بالشك وقد
أخرجه أحمد من حديث بريدة بلفظ حراء وإسناده صحيح
وأخرجه أبو يعلى من حديث سهل بن سعد بلفظ أحد وإسناده
صحيح فقوي احتمال تعدد القصة وتقدم في أواخر الوقف من
حديث عثمان أيضا نحوه وفيه حراء وأخرج مسلم من حديث أبي
هريرة ما يؤيد تعدد القصة فذكر انه كان على حراء ومعه
المذكورون هنا وزاد معهم غيرهم والله اعلم قوله وأبو بكر وعمر
قال بن التين انما رفع أبو بكر عطفا على الضمير المرفوع الذي
271
في صعد وهو جائز اتفاقا لوجود الحائل وهو قوله أحدا وهو
بخلف قوله التي في آخر الباب كنت وأبو بكر وعمر وقوله اثبت
وقع في مناقب عمر فضربه برجله وقال اثبت بلفظ المر من
الثبات وهو الستقرار واحد منادى ونداؤه وخطابه يحتمل المجاز
وحمله على الحقيقة أولى وقد تقدم شيء منه في قوله أحد جبل
يحبنا ونحبه ويؤيده ما وقع في مناقب عمر انه ضربه برجله وقال
اثبت قوله فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان في رواية يزيد بن
زريع عن سعيد التية في مناقب عمر فما عليك إل نبي أو صديق
أو شهيد و أو فيها للتنويع و شهيد للجنس
صعد أحدا فتبعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم الجبل فقال
اسكن عليك نبي وصديق وشهيدان.
-وقد روي أنه حين طلبته قريش قال له ثبير :اهبط يا رسول
الله ،فإني أخاف أن يقتلوك على ظهري فيعذبني الله .فقال
ي يا رسول الله. حراء :إل ّ
قلت :قال الشيخ أحمد بن محمد القسطلني في المواهب
اللدنية :وهو ،أي هذا الحديث مروي في الهجرة من
السيرة...قال السهيلي في حديث الهجرة :وأحسب أن ثورا ً ناداه
أيضاً ،لما قال له ثبير :اهبط عني...
-وروى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
حقَّ قَدْرِهِ)(النعام(،)91 :الزمر: ه َما قَدَُروا ْ الل ّ َ قرأ على المنبر(( :وَ َ
)67ثم قال :يمجد الجبار نفسه ،أنا الجبار ،أنا الجبار ،أنا الكبير
المتعال ،فرجف المنبر حتى قلنا :ليخرن عنه.
قلت :أخرجه البيهقي في السماء والصفات.
-وعن ابن عباس :كان حول البيت ستون وثلثمائة صنم مثبته
الرجل بالرصاص بالحجارة ،فلما دخل رسول الله صلى الله
عليه وسلم المسجد عام الفتح جعل يشير بقضيب في يده إليها
ن ن الْبَاط ِ َ
ل كَا َ حقُّ وََزهَقَ الْبَاط ِ ُ
ل إ ِ َّ جاء ال ْ َ ول يمسها ويقولَ ( :
َزهُوقاً)(السراء ،))81 :فما أشار إلى وجه صنم إل وقع لقفاه ،ول
لقفاه إل وقع لوجهه ،حتى ما بقي منها صنم.
جاء-ومثله في حديث ابن مسعود ،وقال :فجعل يطعنها ويقولَ ( :
ما يُعِيدُ)(سبأ)49 : ل َو َما يُبْدِئُ الْبَاط ِ ُ ال ْ َ
حقُّ وَ َ
قلت رواه البخاري في المظالم ،والمغازي ،والتفسير
-1حدثنا علي بن عبد الله :حدثنا سفيان :حدثنا ابن أبي نجيح ،عن
مجاهد ،عن أبي معمر ،عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
قال:
272
دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة ،وحول الكعبة ثلثمائة
وستون نصبا ،فجعل يطعنها بعود في يده ،وجعل يقول{ :وَقُ ْ
ل
ن َزهُوقاً}(السراء)81 : ل كَا َ ن الْبَاط ِ َ ل إ ِ َّحقُّ وََزهَقَ الْبَاط ِ ُ جاء ال ْ َ َ
-2حدثنا صدقة بن الفضل :أخبرنا ابن عيينة ،عن ابن أبي نجيح،
عن مجاهد ،عن أبي معمر ،عن عبد الله رضي الله عنه قال:
دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح ،وحول البيت
ستون وثلثمائة نصب ،فجعل يطعنها بعود في يده ويقول{ :وَقُ ْ
ل
ن َزهُوقا ً }(السراء)81 :
ل كَا َ ن الْبَاط ِ َ ل إ ِ َّ حقُّ وََزهَقَ الْبَاط ِ ُ جاء ال ْ َ َ
ما يُعِيدُ}(سبأ.)49 :ل وَ َ ما يُبْدِئُ الْبَاط ِ ُ حقُّ وَ َجاء ال ْ َ ل َ {قُ ْ
-3باب{ :وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} /
./81
يزهق :يهلك.
-حدثنا الحميدي :حدثنا سفيان ،عن ابن أبي نجيح ،عن مجاهد،
عن أبي معمر ،عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة ،وحول البيت ستون
وثلثمائة نصب ،فجعل يطعنها بعود في يده ويقول{ :جاء الحق
وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا}{ .جاء الحق وما يبدئ
الباطل وما يعيد}.
قال ابن حجر
قوله ستون وثلثمائة نصب بضم النون والمهملة وقد تسكن
بعدها موحدة هي واحدة النصاب وهو ما ينصب للعبادة من دون
الله تعالى ووقع في رواية بن أبي شيبة عن بن عيينة صنما بدل
نصبا ويطلق النصب ويراد به الحجارة التي كانوا يذبحون عليها
للصنام وليست مرادة هنا وتطلق النصاب على أعلم الطريق
وليست مرادة هنا ول في الية قوله فجعل بطعنها بضم العين
وبفتحها والول أشهر قوله بعود في يده ويقول جاء الحق في
حديث أبي هريرة عند مسلم يطعن في عينيه بسية القوس وفي
حديث بن عمر عند الفاكهي وصححه بن حبان فيسقط الصنم ول
يمسه وللفاكهى والطبراني من حديث بن عباس فلم يبق وثن
استقبله إل سقط على قفاه مع أنها كانت ثابتة بالرض وقد شد
لهم إبليس أقدامها بالرصاص وفعل النبي صلى الله عليه وسلم
ذلك لذلل الصنام وعابديها ولظهار أنها ل تنفع ول تضر ول تدفع
عن نفسها شيئًا.
قوله الزلم هي السهام التي كانوا يستقسمون بها الخير والشر
وعند بن أبي شيبة من حديث جابر نحو حديث بن مسعود وفيه
فأمر بها فكبت لوجوهها وفيه نحو حديث بن عباس وزاد قاتلهم
الله ما كان إبراهيم يستقسم بالزلم ثم دعا بزعفران فلطخ تلك
273
التماثيل وفي الحديث كراهية الصلة في المكان الذي فيه صور
لكونها مظنة الشرك وكان غالب كفر المم من جهة الصور...
وقال
ل كَا َ
ن ْ
ن البَاط ِ ََ ل إِ ّ ْ
حقُّ وََزهَقَ البَاط ِ ُ ْ
جاء ال َ قوله باب( :وَقُ ْ
ل َ
َزهُوقاً)(السراء)81 :يزهق يهلك قال أبو عبيدة في قوله تزهق
أنفسهم وهم كارهون أي تخرج وتموت وتهلك ويقال زهق ما
عندك أي ذهب كله وروى بن أبي حاتم من طريق على بن أبي
طلحة عن بن عباس إن الباطل كان زهوقا أي ذاهبا ومن طريق
سعيد عن قتادة زهق الباطل أي هلك قوله عن بن أبي نجيح كذا
لهم وفي بعض النسخ حدثنا بن أبي نجيح قوله دخل رسول الله
صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة عند مسلم
والنسائي أن ذلك كان في فتح مكة وأوله في قصة فتح مكة إلى
أن قال فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طاف
بالبيت فجعل يمر بتلك الصنام فجعل يطعنها بسية القوس
ويقول جاء الحق وزهق الباطل الحديث بطوله وقد تقدم شرح
ذلك مستوفى في غزوة الفتح بحمد الله تعالى وقوله وحول
البيت ستون وثلثمائة نصب كذا للكثر هنا بغير ألف وكذا وقع
في رواية سعيد بن منصور لكن بلفظ صنم والوجه نصبه على
التمييز إذ لو كان مرفوعا لكان صفة والواحد ل يقع صفة للجمع
ويحتمل أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف والجملة صفة أو هو
منصوب لكنه كتب بغير ألف على بعض اللغات.
ورواه مسلم في الجهاد والسير
-1باب فتح مكة
حدثنا شيبان بن فروخ .حدثنا سليمان بن المغيرة .حدثنا ثابت
البناني عن عبدالله بن رباح ،عن أبي هريرة .قال :فأتى -النبي -
على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه .قال :وفي يد رسول
الله صلى الله عليه وسلم قوس .وهو آخذ بسية القوس .فلما
أتى على الصنم جعل يطعنه في عينه ويقول (جاء الحق وزهق
الباطل).
-2باب إزالة الصنام من حول الكعبة
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو بن الناقد وابن أبي
عمر(واللفظ لبن أبي شيبة) قالوا :حدثنا سفيان بن عيينة عن
ابن أبي نجيح ،عن مجاهد ،عن أبي معمر ،عن عبدالله .قال:
دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة .وحول الكعبة ثلثمائة
وستون نصبا .فجعل يطعنها بعود كان بيده .ويقول (جاء الحق
وزهق الباطل .إن الباطل كان زهوقا) [ السراء ( .]81جاء الحق
274
وما يبدئ الباطل وما يعيد) [سبأ .]49زاد ابن أبي عمر :يوم
الفتح.
- 3وحدثناه حسن بن علي الحلواني وعبد بن حميد .كلهما عن
عبدالرزاق .أخبرنا الثوري عن ابن أبي نجيح ،بهذا السناد ،إلى
قوله :زهوقا .ولم يذكر الية الخرى .وقال(:بدل نصبا) صنما.
قال النووي
فأتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه فجعل يطعنه بسية
قوسه السية بكسر السين وتخفيف الياء المفتوحة المنعطف من
طرفي القوس ،وقوله يطعن بضم العين على المشهور ويجوز
فتحها في لغة ،وهذا الفعل إذلل للصنام ولعابديها وإظهار لكونها
ل تضر ول تنفع ول تدفع عن نفسها كما قال الله تعالى{ :وإن
يسبلهم الذباب شيئا ً ل يستنقذوه منه}.
قوله(:جعل يطعن في عينه ويقول جاء الحق وزهق الباطل)
وقال في الرواية التي بعد هذه(:وحول الكعبة ثلثمائة وستون
نصبا ً فجعل يطعنها بعود كان في يده ويقول( :جاء الحق وزهق
الباطل إن الباطل كان زهوقاً)(،جاء الحق وما يبدئ الباطل وما
يعيد) .النصب الصنم وفي هذا استحباب قراءة هاتين الَيتين عند
إزالة المنكر .قوله( :ثم قال بيديه إحداهما على الخرى
احصدوهم حصداً)
وروى هذا الحديث:
أحمد
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن
مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود:
-دخل النبي صلى الله عليه وسلم وحول الكعبة ستون وثلثمائة
نصب فجعل يطعنها بعود كان بيده ويقول( :جاء الحق وما يبدئ
الباطل وما يعيد) (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان
زهوقا).
الترمذي
حدثنا ابن أبي عمر ،اخبرنا سفيان ،عن ابن أبي نجيح عن مجاهد
عن أبي معمر عن ابن مسعود قال:
" -دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح وحول
الكعبة ثلثمائة وستون نصبا ،فجعل النبي صلى الله عليه وسلم
يطعنها بمخصرة في يده ،وربما قال بعود ،ويقول( :جاء الحق
وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)( ،جاء الحق وما يبدئ
الباطل وما يعيد)" .هذا حديث حسن صحيح .وفيه عن ابن عمر.
ابن حبان
-1ذكر وصف عدد الصنام التي كانت حول الكعبة ذلك اليوم
275
أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال حدثنا أبو خيثمة قال حدثنا
سفيان عن بن أبى نجيح عن مجاهد عن أبى معمر عن عبد الله
قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد وحوله ثلث مائة
وستون صنما فجعل يطعنها بعود كان معه ويقول { جاء الحق
وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا }
-2وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استلم الحجر
وطاف بالبيت وفي يده قوس وهو آخذ القوس وكان إلى جنب
البيت صنم كانوا يعبدونه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم
يطعن في جنبه بالقوس ويقول (جاء الحق وزهق الباطل) فلما
قضى طوافه أتى الصفا فعل حيث ينظر إلى البيت فجعل صلى
الله عليه وسلم يرفع يده وجعل يحمد الله ويذكر ما شاء أن
يذكره
ابن أبي شيبة
قال :فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استلم
الحجر وطاف بالبيت ،فأتى على صنم إلى جنب البيت يعبدونه،
وفي يده قوس وهو آخذ بسية القوس ،فجعل يطعن بها في عينه
ويقول(* :جاء الحق وزهق الباطل) * حتى إذا فرغ من طوافه
أتى الصفا فعلها حيث ينظر إلى البيت فرفع يديه وجعل يحمد
الله ويذكره ويدعو بما شاء أن يدعو
البيهقي
-1وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل إلى الحجر
فاستلمه فطاف بالبيت فأتى إلى صنم إلى جنب البيت كانوا
يعبدونه قال وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس
وهو خذ بسية القوس فلما أتى على الصنم جعل يطعن في عينه
ويقول (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا فلما فرغ
من طوافه أتى الصفا فعل عليه حتى نظر إلى البيت فرفع يديه
وجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو رواه مسلم في
الصحيح عن شيبان بن فروخ وأخرجه من حديث بهز بن أسد عن
سليمان بن المغيرة وذكر اللفظة التي زادها أبو داود
-2أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو الحسن علي بن محمد بن
سختويه ثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا بن أبي
نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود قال دخل
النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وحول البيت ثلثمائة
وستون نصبا فجعل يطعنها بعود بيده ويقول( جاء الحق وما يبدئ
الباطل وما يعيد) (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان
زهوقا) رواه البخاري في الصحيح عن الحميدي وغيره ورواه
مسلم عن جماعة عن سفيان
276
ابن خزيمة
ثنا عبد الله بن هاشم ثنا بهز يعني بن أسد ثنا سليمان بن
المغيرة عن ثابت قال ثنا عبد الله بن رباح قال وفدت وفود إلى
معاوية أنا فيهم وأبو هريرة وذاك في رمضان فذكر حديث طويل
من فتح مكة وقال فقال أبو هريرة أل أعلمكم بحديث من
حديثكم يا معشر النصار فذكر فتح مكة قال وأقبل رسول الله
صلى الله عليه وسلم فدخل مكة فذكر الحديث بطوله وقال
فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحجر فاستلمه
وطاف بالبيت في يده قوس أخذ بسية القوس فأتى في طوافه
صنما في جنبة البيت يعبدونه فجعل يطعن بها في عينيه ويقول
{جاء الحق وزهق الباطل} ثم أتى الصفا فعله حيث ينظر إلي
البيت فرفع يديه فجعل يذكر الله بما شاء أن يذكره ويدعوه
والنصار تحته ثم ذكر باقي الحديث ثناه الربيع بن سليمان ثنا
سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح بنحوه
وقال فرفع يديه فجعل يحمد الله ويدعوه بما شاء الله...
أبو يعلى
أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي حدثنا أبو
خيثمة زهير بن حرب حدثنا سفيان بن عيينة عن بن أبي نجيح
عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود قال دخل
النبي صلى الله عليه وسلم المسجد وحول الكعبة ثلث مائة
وستون صنما فجعل يطعنها بعود كان معه ويقول { جاء الحق
وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا }
-ومن ذلك حديثه مع الراهب في ابتداء أمره ،إذ خرج تاجرا ً مع
عمه ،وكان الراهب ل يخرج لحد ،فخرج يتخللهم ،حتى أخذ بيد
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقال :هذا سيد العالمين،
يبعثه الله رحمة للعالمين.
فقال له أشياخ من قريش :ما علمك ،فقال :إنه لم يبق شجر ول
حجر إل خر ساجدا ً له ،ول تسجد إل لنبي ...و ذكر القصة ،ثم
قال :فأقبل صلى الله عليه وسلم وعليه غمامة تظلله ،فلما دنا
من القوم وجدهم سبقوه إلى فيء الشجرة ،فلما جلس مال
الفيء إليه.
قلت :رواه الترمذي في جامعه قال:
حدثنا الفضل بن سهل أبو العباس العرج البغدادي حدثنا عبد
الرحمن بن غزوان أبو نوح أخبرنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي
بكر بن أبي موسى عن أبيه قالخرج أبو طالب إلى الشام وخرج
معه النبي صل صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش فلما
أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب
277
وكانوا قبل ذلك يمرون به فل يخرج إليهم ول يلتفت قال فهم
يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال هذا سيد العالمين هذا رسول
رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين فقال له أشياخ من قريش
ما علمك فقال إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ول
حجر إل خر ساجدا ول يسجدان إل لنبي وإني أعرفه بخاتم النبوة
أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة ثم رجع فصنع لهم طعاما
فلما أتاهم به وكان هو في رعية البل قال أرسلوا إليه فأقبل
وعليه غمامة تظله فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فئ
الشجرة فلما جلس مال فئ الشجرة عليه فقال انظروا إلى فئ
الشجرة مال عليه قال فبينما هو قائم عليهم وهو يناشدهم أن ل
يذهبوا به إلى الروم فإن الروم إذا رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه
فألتفت فإذا بسبعة قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم فقال ما جاء
بكم قالوا جئنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق
إل بعث إليه بأناس وإنا قد أخبرنا خبره بعثنا إلى طريقك هذا
فقال هل خلفكم أحد هو خير منكم قالوا إنما اخترنا خيرة لك
لطريقك هذا قال أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع
أحد من الناس رده قالوا ل قال فبايعوه وأقاموا معه قال
أنشدكم الله أيكم وليه قالوا أبو طالب فلم يزل يناشده حتى رده
أبو طالب وبعث معه أبو بكر بلل وزوده الراهب من الكعك
والزيت قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب ل نعرفه إل من
هذا الوجه ...قال الشيخ اللباني :صحيح ،لكن ذكر بلل فيه
منكر.
وأخرجه التبريزي في مشكاته
عن أبي موسى قال خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه النبي
صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش فلما أشرفوا على
الراهب هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل
ذلك يمرون به فل يخرج إليهم قال فهم يحلون رحالهم فجعل
يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين يبعثه الله
رحمة للعالمين فقال له أشياخ من قريش ما علمك فقال إنكم
حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ول حجر إل خر ساجدا ول
يسجدان إل لنبي وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف
كتفه مثل التفاحة ثم رجع فصنع لهم طعاما فلما أتاهم به وكان
هو في رعية البل فقال أرسلوا إليه فأقبل وعليه غمامة تظله
فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة فلما
جلس مال فيء الشجرة عليه فقال انظروا إلى فيء الشجرة
278
مال عليه فقال أنشدكم بالله أيكم وليه قالوا أبو طالب فلم يزل
يناشده حتى رده أبو طالب وبعث معه أبو بكر بلل وزوده الراهب
من الكعك والزيت(.علق الشيخ أن ذكر بلل في الحديث خطأ إذ
لم يكن خلق بعد)
وأورده اللباني في صحيح السيرة قال:
خروجه صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب إلى الشام
وقصته مع بحيرى الراهب روى الحافظ أبو بكر الخرائطي من
طريق يونس بن أبي إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه
قال :خرج أبو طالب إلى الشام ومعه رسول الله صلى الله
عليه وسلم في أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب -
يعني :بحيرى -هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب وكانوا
قبل ذلك يمرون به فل يخرج ول يلتفت إليهم .قال :فنزل وهم
يحلون رحالهم فجعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد النبي صلى الله
عليه وسلم فقال :هذا سيد العالمين(وفي رواية البيهقي زيادة:
هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين) .فقال له
أشياخ من قريش :وما علمك؟ فقال :إنكم حين أشرفتم من
العقبة لم يبق شجر ول حجر إل خر ساجدا ول يسجدون إل لنبي
وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه .ثم رجع
فصنع لهم طعاما فلما أتاهم به -وكان هو في رعية البل -فقال:
أرسلوا إليه .فأقبل وغمامة تظله فلما دنا من القوم قال :انظروا
إليه عليه غمامة فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء
الشجرة فلما جلس مال فيء الشجرة عليه قال :انظروا إلى
فيء الشجرة مال عليه .قال :فبينما هو قائم عليهم وهو
ينشدهم أل يذهبوا به إلى الروم فإن الروم إن رأوه عرفوه
بالصفة فقتلوه فالتفت فإذا هو بسبعة نفر من الروم قد أقبلوا
قال :فاستقبلهم فقال :ما جاء بكم؟ قالوا :جئنا أن هذا النبي
خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إل بعث إليه ناس وإنا أخبرنا
خبره إلى طريقك هذه .قال :فهل خلفكم أحد هو خير منكم؟
قالوا :ل إنما أخبرنا خبره إلى طريقك هذه .قال :أفرأيتم أمرا
أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده؟ فقالوا :ل.
قال :فبايعوه وأقاموا معه عنده قال :فقال الراهب :أنشدكم
الله أيكم وليه؟ قالوا :أبو طالب .فلم يزل يناشده حتى رده
وبعث معه أبو بكر بلل وزوده الراهب من الكعك والزيت .وهكذا
رواه الترمذي والحاكم والبيهقي وابن عساكر وغير واحد من
الحفاظ وقال الترمذي( :حسن غريب ل نعرفه إل من هذا
الوجه) .قلت :فيه من الغرائب أنه من مرسلت الصحابة فإن أبا
موسى الشعري إنما قدم في سنة خيبر سنة سبع من الهجرة
279
فهو مرسل فإن هذه القصة كانت ولرسول الله صلى الله عليه
وسلم من العمر فيما ذكره بعضهم ثنتا عشرة سنة ولعل أبا
موسى تلقاه من النبي صلى الله عليه وسلم فيكون أبلغ أو من
بعض كبار الصحابة رضي الله عنهم أو كان هذا مشهورا مذكورا
أخذه من طريق الستفاضة
---------------------
.24القول القوم في معجزات النبي الكرم( ..)6في
اليات في ضروب الحيوانات
الفصل الثامن عشر:
فـي اليـات في ضـروب الحيوانات.
حدثنا سراج بن عبد الملك ،حدثنا أبو الحسن الحافظ ،حدثنا أبي،
حدثنا القاضي يونس ،قال :حدثنا أبو الفضل الصلقي ،حدثنا ثابت
بن قاسم بن ثابت ،من أبيه وجده ،قال حدثنا أبو العلء أحمد بن
عمران ،حدثنا محمد بن فضيل ،حدثنا يونس بن عمرو حدثنا
مجاهد عن عائشة رضي الله عنها ،قالت :كان عندنا داجن ،فإذا
كان عندنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قر وثبت مكانه ،فلم
يجيء ولم يذهب ،وإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
جاء وذهب.
قلت :رواه أحمد.
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو نعيم قال حدثنا يونس عن
مجاهد قال قالت عائشة:
-كان لل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحش فإذا خرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب واشتد وأقبل وأدبر فإذا
أحس برسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل ربض فلم
يترمرم مادام رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت كراهية
أن يؤذيه.
وأخرجه أبو يعلى ،ولفظه :حدثنا يحيى بن أيوب حدثنا شعيب بن
حرب حدثنا يونس بن أبي إسحاق حدثنا مجاهد عن عائشة قالت
كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحش فكان يقبل ويدبر
فإذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربض فلم يترمرم
كراهية أن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-وروى عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في
محفل من أصحابه إذ جاء أعرابي قد صاد ضباً ،فقال :ما هذا؟
قالوا :نبي الله .فقال :واللت والعزى ،ل آمنت بك أو يؤمن هذا
الضب ،وطرحه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ،فقال النبي
صلى الله عليه وسلم :يا ضب ،فأجابه بلسان مبين يسمعه القوم
جميعاً :لبيك وسعديك يا زين من وافى القيامة.قال :من تعبد؟
280
قال :الذي في السماء عرشه ،وفي الرض سلطانه ،وفي البحر
سبيله ،وفي الجنة رحمته ،وفي النار عقابه .قال :فمن أنا؟ قال:
رسول الله رب العالمين ،وخاتم النبيين ،وقد أفلح من صدقك،
وخاب من كذبك.فأسلم العرابي.
قلت :أخرجه البيهقي باب ما جاء في شهادة الضب لنبينا
بالرسالة وما ظهر في ذلك من دللت النبوة.
أخبرنا أبو منصور أحمد بن علي الدامغاني من ساكني قرية
نامين من بيهق قراءة عليه من أصل كتابه حدثنا أبو أحمد عبد
الله بن عدي الحافظ في شعبان سنة اثنتين وستين وثلثمائة
بجرجان حدثنا محمد بن علي بن الوليد السلمي حدثنا محمد بن
عبد العلى حدثنا معمر بن سليمان حدثنا كهمس عن داود بن
أبي هند عن عامر عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله
عنه ,أن رسول الله كان في محفل من أصحابه إذ جاء أعرابي
من بني سليم قد صاد ضبًا وجعله في كمه ليذهب به إلى رحله
فيشويه ويأكله فلما رأى الجماعة قال :ما هذا قالوا :هذا الذي
يذكر أنه نبي ,فجاء حتى شق الناس فقال :واللت والعزى ما
اشتملت النساء على ذي لهجة أبغض إلي منك ول أمقت ولول أن
يسميني قومي عجول ً لعجلت عليك فقتلتك فسررت بقتلك
السود والحمر والبيض وغيرهم ,فقال عمر بن الخطاب :يا
رسول الله دعني فأقوم فأقتله .قال :يا عمر أما علمت أن
الحليم كاد أن يكون نبيا؟ ثم أقبل على العرابي فقال :ما حملك
على أن قلت ما قلت وقلت غير الحق ولم تكرمني في مجلسي
ضا استخفافا برسول الله واللت والعزى ل قال :وتكلمني أي ً
آمنت بك أو يؤمن بك هذا الضب وأخرج الضب من كمه وطرحه
بين يدي رسول الله فقال رسول الله :يا ضب! فأجابه الضب
بلسان عربي مبين يسمعه القوم جميعًا :لبيك وسعديك يا زين
من وافي القيامة .قال :من تعبد يا ضب؟ قال الذي في السماء
عرشه وفي الرض سلطانه وفي البحر سبيله وفي الجنة رحمته
وفي النار عقابه قال :فمن أنا يا ضب؟ قال رسول رب العالمين
وخاتم النبيين وقد أفلح من صدقك وقد خاب من كذبك ,قال
العرابي :ل أتبع أثًرا بعد عين والله لقد جئتك وما على ظهر
الرض أبغض إلي منك وإنك اليوم أحب إلي من والدي ومن
عيني ومني وإنني لحبك بداخلي وخارجي وسري وعلنيتي أشهد
أن ل إله إل الله وأنك رسول الله .فقال رسول الله :الحمد لله
الذي هداك بي إن هذا الدين يعلو ول يعلى ول يقبل إل بصلة ول
تقبل الصلة إل بقرآن .قال فعلمني فعلمه(قل هو الله أحد) قال
زدني فما سمعت في البسيط ول في الرجز أحسن من هذا قال:
281
يا أعرابي إن هذا كلم الله ليس بشعر إنك إن قرأت(قل هو الله
أحد) مرة كان لك كأجر من قرأ ثلث القرآن وإن قرأت مرتين
كان لك كأجر من قرأ ثلثي القرآن وإذا قرأتها ثلث مرات كان
لك كأجر من قرأ القرآن كله .قال العرابي :نعم الله إلها يقبل
اليسير ويعطى الجزيل .فقال له رسول الله :ألك مال؟ قال
فقال :ما في بني سليم قاطبة رجل هو أفقر مني فقال رسول
الله لصحابه :أعطوه فأعطوه حتى أبطروه ,فقام عبد الرحمن
بن عوف فقال :يا رسول الله إن له عندي ناقة عشراء دون
البختية وفوق العرى تلحق ول تلحق أهديت إلي يوم تبوك
أتقرب بها إلى الله عز وجل وأدفعها إلى العرابي ,فقال رسول
الله :قد وصفت ناقتك فأصف ما لك عند الله يوم القيامة ,قال:
نعم قال :لك كناقة من درة جوفاء قوائمها من زبرجد أخضر
وعنقها من زبرجد أصفر عليها هودج وعلى الهودج السندس
والستبرق وتمر بك على الصراط كالبرق الخاطف يغبطك بها
كل من رآك يوم القيامة ,فقال عبد الرحمن :قد رضيت فخرج
العرابي فلقيه ألف أعرابي من بني سليم على ألف دابة معهم
ألف سيف وألف رمح فقال لهم :أين تريدون؟ فقالوا :نذهب إلى
هذا الذي سفه آلهتنا فنقتله ,قال :ل تفعلوا أنا أشهد أن ل إله إل
الله وأن محمدًا رسول الله فحدثهم الحديث فقالوا بأجمعهم ل
إله إل الله محمد رسول الله ثم دخلوا فقيل للنبي فتلقاهم بل
رداء فنزلوا عن ركابهم يقبلون حيث وافوا منه وهم يقولون ل إله
إل الله محمد رسول الله ثم قالوا :يا رسول الله مرنا بأمرك
قال :كونوا تحت راية خالد بن الوليد .فلم يؤمن من العرب ول
غيرهم ألف غيرهم.
قلت قد أخرجه شيخنا أبو عبد الله الحافظ في المعجزات
بالجازة عن أبي أحمد بن عدي الحافظ فقال كتب إلي أبو عبد
الله بن عدي الحافظ يذكر أن محمد بن علي بن الوليد السلمي
حدثهم فذكره وزاد في آخره قال أبو أحمد أنبأنا محمد بن علي
السلمي كان ابن عبد العلى يحدث بهذا مقطوع ًا وحدثنا بطوله
من أصل كتابه مع رعيف الوراق.
قلت وروى ذلك في حديث عائشة وأبي هريرة وما ذكرناه هو
أمثل السناد فيه والله أعلم
-ومن ذلك قصة كلم الذئب المشهورة عن أبي سعيد الخذري:
بينا راع يرعى غنما ً له عرض الذئب لشاة منها ،فأخذها الراعي
منه ،فأقعى الذئب ،وقال للراعي :أل تتقي الله! حلت بيني وبين
رزقي! قال الراعي :العجب من ذئب يتكلم بكلم النس! فقال
الذئب:أل أخبرك بأعجب من ذلك؟ رسول الله بين الحرتين
282
يحدث الناس بأنباء ما قد سبق.فأتى الراعي النبي الله فأخبره،
فقال النبي :قم فحدثهم ،ثم قال :صدق .والحديث فيه قصة،
وفي بعضه طول.
-وروي حديث الذئب عن أبي هريرة.
-وفي بعض الطرق عن أبي هريرة رضي الله عنه ،فقال الذئب:
أنت أعجب! واقفا ً على غنمك ،وتركت نبيا ً لم يبعث الله نبيا ً قط
أعظم منه عنده قدراً ،قد فتحت له أبواب الجنة ،وأشرف أهلها
على أصحابه ،ينظرون قتالهم ،وما بينك وبينه إل هذا الشعب،
فتصير من جنود الله .قال الراعي :من لي بغنمي؟ قال الذئب:
أنا أرعاها حتى ترجع .فأسلم الرجل إليه غنمه ومضى .وذكر
قصته وإسلمه ووجوده النبي صلى الله عليه وسلم يقاتل ،فقال
له النبي صلى الله عليه وسلم :عد إلى غنمك تجدها بوفرها.
فوجدها كذلك ،وذبح للذئب شاة منها.
-وعن أهبان بن أوس :وأنه كان صاحب القصة ،والمحدث بها
ومكلم الذئب.
-وعن سلمة بن عمرو بن الكوع :وأنه كان صاحب هذه القصة
أيضاً ،وسبب إسلمه بمثل حديث أبي سعيد.
-وقد روى ابن وهب مثل أنه جرى لبي سفيان بن حرب،
وصفوان بن أمية ،مع ذئب وجداه أخذ ظبياً ،فدخل الظبي الحرم،
فانصرف الذئب ،فعجبا من ذلك فقال الذئب :أعجب من ذلك
محمد بن عبد الله بالمدينة يدعوكم إلى الجنة و تدعونه إلى
النار .فقال أبو سفيان :و الت و العزى ،لئن ذكرت هذا بمكة
لتتركنها خلوفاً.
-وقد روي مثل هذا الخبر ،و أنه جرى لبي جهل وأصحابه.
-وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ،عن رجل أتى النبي
صلى الله عليه وسلم وآمن به وهو على بعض حصون خيبر،
وكان في غنم يرعاها لهم ،فقال يا رسول الله ،كيف بالغنم؟
قال :أحصب وجوهها ،فإن الله سيؤدي عنك أمانتك ،ويردها إلى
أهلها.
ففعل ،فسارت كل شاة حتى دخلت إلى أهلها.
قال البيهقي في دلئل النبوة:
باب ما في كلم الذئب وشهادته لنبينا بالرسالة وما ظهر في
ذلك من دللت النبوة.
أخبرنا أبو محمد جناح بن نذير بن جناح القاضي بالكوفة قال أبو
جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني حدثنا أحمد بن حازم بن
أبي غرزة حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا القاسم بن الفضل
الحداني عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال :بينما راع يرعى
283
بالحرة إذ عرض ذئب لشاة من شياهه فحال الراعي بين الذئب
والشاة فأقعى الذئب على ذنبه ثم قال للراعي :أل تتقي الله
تحول بيني وبين رزق ساقه الله إلي؟ فقال الراعي :العجب من
الذئب مقع على ذنبه يتكلم بكلم النس ..فقال الذئب :أل أحدثك
بأعجب مني؟ رسول الله بين الحرتين يحدث الناس بأنباء ما قد
سبق… فساق الراعي شاة حتى أتى المدينة فزوى إلى زاوية
من زواياها ثم دخل على النبي فحدثه بحديث الذئب ..فخرج
رسول الله إلى الناس فقال للراعى :قم فأخبرهم ..قال فأخبر
الناس بما قال الذئب؛ فقال رسول الله :صدق الراعي ،أل إنه
من أشراط الساعة كلم السباع للنس ،والذي نفسي بيده ل
تقوم الساعة حتى تكلم السباع النس ،ويكلم الرجل شراك نعله،
وعذبة سوطه ،ويخبره فأخذه بما أحدث أهله بعده..
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قال حدثنا
أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا
يونس بن بكير عن القاسم بن الفضل حدثنا أبو نضرة العبدي عن
أبي سعيد الخدري فذكره بنحوه.
هذا إسناد صحيح وله شاهد من وجه آخر عن أبي سعيد الخدري
رضي الله عنه.
أخبرنا أبو القاسم عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤذن
أنبأنا أبو بكر محمد بن المؤمل بن الحسن حدثنا الفضل بن
محمد بن المسيب حدثنا النفيلي قال قرأت على معقل بن عبد
الله بن شهر بن حوشب عن أبي سعيد الخدري قال :بينا أعرابي
في بعض نواحي المدينة في غنم له إذ عدا عليها الذئب فأخذ
شاة من غنمه فأدركه العرابي فأخذها وانطلق الذئب يمشي ثم
رجع الذئب مستذفًرا بذنبه مستقبل العرابي ثم قال :ويحك أل
تحرج تنزع رزقًَا رزقنيه الله؟ فطفق العرابي بين يديه ..فقال:
العجب من ذئب يتكلم ..قال الذئب :والله إنك لتدع ما هو أعجب
من هذا ..قال :وما أعجب من هذا؟ قال :نبي الله في النخلت
يحدث الناس عن أنباء ما قد سبق وما يكون بعد ذلك ...فساق
العرابي غنمه حتى ألجى إلى بعض المدينة وسعى إلى النبي
حتى ضرب عليه بابه فأذن له فحدثه العرابي فصدقه ثم قال إذا
صليت بالناس الصلة فأحضرني ..فلما صلى رسول الله قال:
أين صاحب الغنم؟ فقام العرابي .فقال له النبي :حدث بما رأيت
وبما سمعت ..فحدث العرابي بما سمع وبما رأى ،ثم قال:
والذي نفس محمد بيده ل تقوم الساعة حتى يخرج أحدكم من
أهله فتخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أحدث أهله بعده.
284
قال عبد الحميد بن بهرام الفزاري عن شهر بن حوشب أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قال حدثنا أبو
العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس
بن بكير عن عبد الحميد بن بهرام الفزاري حدثنا شهر بن حوشب
عن أبي سعيد أنه قال :بينا رجل من أسلم في غنم له ..فذكر
الحديث بنحو من معناه .وقال فيه :فقال الذئب:مم تعجب؟
فقال :أعجب من مخاطبتك إياي ..فقال الذئب :أعجب من ذلك
رسول الله بين الحرتين في النخلت يحدث الناس بما قد خل
ويحدث بما هو آت وأنت ها هنا تتبع غنمك..
وروى عبد الله بن عامر السلمي عن ربيعة بن أوس عن أنس
بن عمرو عن أهبان بن أوس كنت في غنم لي فكلمه الذئب
فأتى النبي فأسلم..
أخبرنا أبو بكر الفارسي حدثنا أبو إسحاق الصبهاني حدثنا أبو
أحمد ابن فارس حدثنا محمد بن إسماعيل حدثني أبو طلحة حدثنا
سفين بن حمزة السلمي سمع عبد الله بن عامر السلمي قال
محمد إسناده ليس بالقوي قلت قد مضى ما يقويه.
وأخبرنا أبو سعد الماليني أنبأنا أبو أحمد بن عدي الحافظ حدثنا
عبد الله بن أبي داود السجستاني أحد حفاظ عصره وعلماء
دهره فل يقول مثل هذا في ولد مكلم الذئب إل عن معرفة وفي
إشهار ذلك في ولده قوة الحديث.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمى قال سمعت الحسين بن أحمد
الرازي يقول سمعت أبا سليمان المغربي يقول خرجت من بعض
البلدان على حمار فجعل يجذبني عن الطريق فضربت رأسه
ضربات فرفع رأسه إلي وقال اضرب يا أبا سليمان فإنما على
دماغك هو ذا تضرب قلت له كلمك كلما يفهم فقال كما تكلمني
وأكلمك...
-وعن عباس بن مرداس لما تعجب من كلم ضمار صنمه،
وإنشاده الشعر الذي ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم ،فإذا
طائر سقط ،فقال :يا عباس ،أتعجب من كلم ضمار ،ول تعجب
من نفسك؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى
السلم وأنت جالس ،فكان سبب إسلمه.
ذكره البيهقي في دلئل النبوة سبب إسلم مازن الطائي.
أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل
القطان ببغداد قال أخبرنا أبو جعفر محمد بن يحيى بن عمر بن
علي بن حرب الطائي سنة ثمان وثلثين وثلث مائة قال حدثنا
جدي أبو علي بن حرب بن محمد بن علي بن حيان بن مازن
الوافد على رسول الله قال لقيت أبا المنذر هشام بن محمد
285
الكلبي فقال لي ممن الرجل فقلت من طيء ثم قال لي ثم
ممن قلت من ولد نبهان قال ثم ممن قلت من ولد خطامة فقال
لي لعلك من ولد السادن قلت نعم فأكرمني وأدناني وقربني ثم
قال لي كنت لقيت شيوخا من شيوخ طيء المتقدمين فسألتهم
عن قصة مازن وسبب إسلمه ووفوده على رسول الله وإقطاعه
أرض عمان وذلك بمن الله وفضله فكان مازن بأرض عمان
بقرية تدعى سمايل وكان يسدن الصنام لهله وكان له صنم
يقال له باجر قال مازن فعترت ذات يوم عتيرة وهي الذبيحة
فسمعت صوتا من الصنم يقول يا مازن أقبل إلي أقبل تسمع ما
ل يجهل هذا نبي مرسل جاء بحق منزل فآمن به كي تعدل عن
حر ناب تشعل وقودها بالجندل قال مازن فقلت إن هذا والله
لعجب ثم عترت بعد أيام عتيرة أخرى فسمعت صوتا أبين من
الول وهو يقول :يا مازن اسمع تسر ظهر خير وبطن شر بعث
نبي من مضر بدين الله الكبر فدع نحيتا من حجر تسلم من حر
سقر قال مازن فقلت إن هذا والله لعجب وإنه لخير يراد بي
وقدم علينا رجل من أهل الحجاز فقلنا ما الخبر وراءك قال خرج
رجل بتهامة يقول لمن أتاه أجيبوا داعي الله عز وجل يقال له
أحمد قال فقلت هذا والله نبأ ما سمعت فثرت إلى الصنم
فكسرته أجذاذ ًا وشددت راحلتي ورحلت حتى أتيت رسول الله
فشرح لي السلم فأسلمت وأنشأت أقول:
ربا نطيف به ضل بتضلل كسرت باجر أجذاذا وكان لنا
ولم يكن دينه مني على بال بالهاشمي هدانا من ضللتنا
إني لمن قال ديني ناجر قالي يا راكبًا بلغا عمرا وإخوته
يعني بعمرو إخوته بني خطامة قال مازن فقلت يا رسول الله
إني امرؤ مولع بالطرب وشرب الخمر والهلوك من النساء
وألحت علينا السنون فأذهبن الموال وأهزلن الذراري والرجال
وليس لي ولد فادع الله أن يذهب عني ما أجد ويأتيني بالحيا
ويهب لي ولدا فقال النبي :اللهم أبدله بالطرب قراءة القرآن
وبالحرام الحلل وآته بالحيا وهب له ولدا .قال مازن :فأذهب الله
عني كلما كنت أجد وأخصبت عمان وتزوجت أربع حرائر ووهب
الله لي حيان بن مازن وأنشأت أقول:
تجوب الفيافي من إليك رســـول الله خبت مطيتي
عمان إلى العرج
فيغفر لي ربي لتشفع لي يا خير من وطيء الحصا
فأرجع بالفلـــج
فل رأيهم رأيي ول إلى معشر خالفت فــي الله دينهم
شرجهم شرجي
286
شبابي حتى آذن وكنت أمرءا بالزعب والخمر مولعا
الجسم بالنهــج
فلله ما صومـي ولله فأصبحت همي في جهاد ونيـــة
مــا حجي
قال مازن فلما رجعت إلى قومي أنبوني وشتموني وأمروا
شاعرهم فهجاني فقلت إن هجوتهم فإنما أهجو نفسي فتركتهم
وأنشأت أقول:
وشتمنا عندكم يا قومنا لئن وشتمكم عندنا مــــر مذاقته
وكلكم أبدا في عيبنا ل ينشب الدهر أن يثبت معايبكم
فطــن
قال أبو جعفر إلى ههنا حفظت وأخذته من أصل جدي كأنه
يريد الباقي
في حربنا مبلغ في فشعرنا مفحم عنكم وشاعركـم
شتمنا لسن
وفي صدوركم البغضاء ما في الصدور عليكم فاعلموا وغر
والحن
فحدثنا موادنا من أهل عمان عن سلفهم أن مازنا لما تنحى عن
قومه أتى موضعا فابتنى مسجدا يتعبد فيه فهو ل يأتيه مظلوم
يتعبد فيه ثلثا ثم يدعو محقا على من ظلمه يعني إل استجيب
وفي أصل السماع فيكاد أن يعافى من البرص فالمسجد يدعى
مبرصا إلى اليوم قال أبو المنذر قال مازن ثم إن القوم ندموا أو
كنت القيم بأمورهم فقالوا ما عسانا أن نصنع به فجاءني منهم
أرفلة عظيمة فقالوا يا ابن عم عبنا عليك أمرا فنهيناك عنه فإذ
أبيت فنحن تاركوك ارجع معنا فرجعت معهم فأسلموا بعد كلهم
هكذا أخبرنا به غالبا وقد ذكره شيخنا أبو عبد الله الحافظ رحمه
الله عن أبي أحمد بن أبي الحسن عن عبد الرحمن بن محمد
الحنظلي عن علي بن حرب عن أبي المنذر هشام بن محمد عن
أبيه عن عبد الله العماني عن مازن بن الغضوية قال كنت أسدن
صنما بالسمال قرية بعمان فعترنا ذات يوم عنده عتيرة وهي
الذبيحة فذكر الحديث بمعنى ما روينا وزاد بيتا بعد قوله وكنت
امرءا فقال:
وبالعهر إحصانا وحصن لي فبدلني بالخمر خوفا وخشية
فرجي
وقد روي في معنى ما روينا عن مازن أخبار كثيرة منها:
* حديث عمرو بن جبلة فيما سمع من جوف الصنم يا عصام يا
عصام جاء السلم وذهبت الصنام.
287
* حديث طارق من بني هند بن حرام يا طارق يا طارق بعث
النبي الصادق.
* حديث ابن دقشة فيما أخبر به رئيه فنظر إلى ذباب بن الحارث
وقال يا ذباب يا ذباب اسمع العجب العجاب بعث محمد بالكتاب
يدعو بمكة ول يجاب.
* حديث عمرو بن مرة الغطفاني فيما رأى من النور الساطع في
الكعبة في نومه ثم ما سمع من الصوت أقبل حق فسطع ودمر
باطل فانقمع.
* حديث العباس بن مرداس فيما سمع من الصوت.
* حديث خالد بن سطيح حين أتته تابعته فقالت جاء الحق القائم
والخير الدايم وغير ذلك مما يطول بسياق جميعه الكتاب وبالله
التوفيع.
-وعن أنس رضي الله عنه :دخل النبي صلى الله عليه وسلم
حائط أنصاري وأبو بكر وعمر ورجل من النصار رضي الله عنهم
وفي الحائط غنم فسجدت له .فقال أبو بكر :نحن أحق بالسجود
لك منها ...الحديث.
قلت :ذكره ابن كثير في البداية والنهاية ،ولفظه " :دخل النبي
حائطا ً للنصار ومعه أبو بكر وعمر ورجل من النصار،وفي
الحائط غنم فسجدت له ،فقال أبو بكر :يا رسول الله ،كنا نحن
أحق بالسجودلك من هذه الغنم ،فقال :إنه لينبغي أن يسجد أحد
لحد ،ولو كان ينبغي لحد أن يسجد لحد ,لمرت المرأة أن
تسجد لزوجها(..غريب وفي إسناده من ل يعرف)
-وعن أبي هريرة رضي الله عنه:دخل النبي صلى الله عليه
وسلم حائطاً ،فجاء بعير فسجد له ،وذكر مثله.
-ومثله في الجمل ،عن ثعلبة بن مالك ،وجابر بن عبد الله ،ويعلى
بن مرة وعبد الله بن جعفر ،قال :وكان ل يدخل أحد الحائط إل
شد عليه الجمل ،فلما دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم
دعاه ،فوضع مشفره على الرض وبرك بين يديه ،فخطمه،
وقال :ما بين السماء والرض شيء إل يعلم أني رسول الله إل
عاصي الجن والنس.
-ومثله عن عبد الله بن أبي أوفى.
-وفي خبر آخر في حديث الجمل أن النبي صلى الله عليه وسلم
سألهم عن شأنه ،فاخبروه أنهم أرادوا ذبحه.
-وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم :إنه شكا
كثرة العمل ،وقلة العلف من صغره فقالوا :نعم.
وقفة مع ابن كثير فيما روي في قصة البعير
باب ما يتعلق بالحيوانات من دلئل النبوة:
288
قصة البعير الناد وسجوده له وشكواه إليه.
-1رواية أنس بن مالك
* قال المام أحمد حدثنا حسين ثنا خلف عن خليفة عن حفص
هو ابن عمر عن عمه أنس بن مالك قال كان أهل بيت من
النصار لهم جمل يسنون عليه وأنه استصعب عليهم فمنعهم
ظهره وأن النصار جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالوا :إنه كان لنا جمل نسني عليه وأنه استصعب علينا ومنعنا
ظهره وقد عطش الزرع والنخل فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لصحابه :قوموا..فقاموا فدخل الحائط والجمل في
ناحيته فمشى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه فقالت النصار:
يا رسول الله إنه قد صار مثل الكلب وإنا نخاف عليك صولته
فقال" :ليس علي منه بأس" .فلما نظر الجمل إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم أقبل نحوه حتى خر ساجدًا بين يديه فأخذ
رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته أذل ما كانت قط حتى
أدخله في العمل فقال له أصحابه يا رسول الله هذه بهيمة ل
تعقل تسجد لك ونحن أحق أن نسجد لك فقال" :ل يصلح لبشر
أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لمرت المرأة أن
تسجد لزوجها من عظم حقه عليها والذي نفسي بيده لو كان من
قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تتفجر بالقيح والصديد ثم استقبلته
فلحسته ما أدت حقه" وهذا إسناد جيد وقد روى النسائي بعضه
من حديث خلف ابن خليفة به.
-2رواية جابر في ذلك
قال المام أحمد حدثنا مصعب بن سلم سمعته من أبي مرتين
ثنا الجلح عن الذيال بن حرملة عن جابر بن عبد الله قال أقبلنا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر حتى إذا دفعنا إلى
حائط من حيطان بني النجار إذا فيه جمل ل يدخل الحائط أحد إل
شد عليه قال فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فجاء حتى أتى الحائط فدعا البعير فجاء واضعا مشفره إلى
الرض حتى برك بين يديه قال فقال رسول الله صلى الله عليه
ما" فخطمه ودفعه إلى صاحبه قال ثم التفت وسلم" :هاتوا خطا ً
إلى الناس فقال" :إنه ليس شيء بين السماء والرض إل يعلم
أني رسول الله إل عاصي الجن والنس" .تفرد به المام أحمد
وسيأتي عن جابر من وجه أخر بسياق آخر إن شاء الله وبه الثقة
-3رواية ابن عباس
قال الحافظ أبو القاسم الطبراني ثنا بشر بن موسى ثنا يزيد
بن مهران أخو خالد الجيار ثنا أبو بكر بن عياش عن الجلح عن
الذيال بن حرملة عن ابن عباس قال جاء قوم إلى رسول الله
289
فقالوا :يا رسول الله إن لنا بعيًرا قد ند في حائط فجاء إليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :تعال فجاء مطأطئا
رأسه حتى خطمه وأعطاه أصحابه فقال له أبو بكر الصديق يا
رسول الله كأنه علم أنك نبي فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم" :ما بين لبتيها أحد إل يعلم أني نبي الله إل كفرة الجن
والنس" ...وهذا من هذا الوجه عن ابن عباس غريب جدا
والشبه رواية المام أحمد عن جابر اللهم إل أن يكون الجلح قد
رواه عن الذيال عن جابر وعن ابن عباس والله أعلم.
4-طريق اخرى عن ابن عباس
قال الحافظ أبو القاسم الطبراني ثنا العباس بن الفضل
السفاطي ثنا أبو عون الزيادي ثنا أبو عزة الدباغ عن أبي يزيد
المديني عن عكرمة عن ابن عباس أن رجل من النصار كان له
فحلن فاغتلما فأدخلهما حائطا فسد عليهما الباب ثم جاء إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يدعو له والنبي قاعد
معه نفر من النصار فقال يا نبي الله إني جئت في حاجة فان
فحلين لي اغتلما وإني أدخلتهما حائطًا وسددت عليهما الباب
فأحب أن تدعو لي أن يسخرهما الله لي فقال لصحابه :قوموا
معنا فذهب حتى أتى الباب فقال :افتح ,فأشفق الرجل على
النبي صلى الله عليه وسلم فقال :افتح ,ففتح الباب فإذا أحد
الفحلين قريبًا من الباب فلما رأى رسول الله صلى الله عليه
وسلم سجد له ..فقال رسول الله :ائت بشيء أشد رأسه
وأمكنك منه .فجاء بخطام فشد رأسه وأمكنه منه ثم مشى إلى
أقصى الحائط إلى الفحل الخر فلما رآه وقع له ساجدًا فقال
للرجل :ائتني بشيء أشد رأسه فشد رأسه وأمكنه منه فقال:
اذهب فإنهما ل يعصيانك فلما رأى أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم ذلك قالوا يا رسول الله هذان فحلن سجدا لك أفل
نسجد لك قال" :ل آمر أحدا أن يسجد لحد ولو أمرت أحدا أن
يسجد لحد لمرت المرأة أن تسجد لزوجها" .وهذا إسناد غريب
ومتن غريب.
ورواه الفقيه أبو محمد عبد الله بن حامد في كتابه دلئل النبوة
عن أحمد بن حمدان السحري عن عمر بن محمد بن بجير
البحتري عن بشر بن آدم عن محمد بن عون أبي عون الزيادي
به وقد رواه أيضا من طريق مكي بن إبراهيم عن قائد أبي
الورقاء عن عبد الله بن ابي أوفى عن النبي صلى الله عليه
وسلم بنحو ما تقدم عن ابن عباس.
-5رواية أبي هريرة
290
قال أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه أخبرنا أحمد بن حمدان
أنا عمر بن محمد بن بجير حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير
عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة قال انطلقنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ناحية فأشرفنا إلى حائط
فاذا نحن بناضح فلما أقبل الناضح رفع رأسه فبصر برسول الله
صلى الله عليه وسلم فوضع جرانه على الرض فقال أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن أحق أن نسجد لك من
هذه البهيمة فقال" :سبحان الله أدون الله ما ينبغي لحد أن
يسجد لحد دون الله ولو أمرت أحد أن يسجد لشيء من دون
الله لمرت المرأة أن تسجد لزوجها".
-6رواية عبد الله بن جعفر في ذلك
قال المام أحمد حدثنا يزيد ثنا مهدي بن ميمون عن محمد بن
أبي يعقوب عن الحسن بن سعد عن عبد الله بن جعفر ح وثنا
بهز وعفان قال ثنا مهدي ثنا محمد بن أبي يعقوب عن الحسن بن
سعد مولى الحسن بن علي عن عبد الله بن جعفر قال أردفني
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه فأسر إلي حديثا
ل أخبر به أحدًا أبدًا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب
ما استتر به في حاجته هدف أو حائش نخل فدخل يوما حائطًا
من حيطان النصار فإذا جمل قد أتاه فجرجر وذرفت عيناه وقال
بهز وعفان فلما رأى رسول الله حن وذرفت عيناه فمسح رسول
الله سراته وذفراه فسكن فقال :من صاحب الجمل؟ فجاء فتى
من النصار فقال هو لي يا رسول الله فقال" :أما تتقي الله في
هذه البهيمة التي ملككها الله لك إنه شكا إلى أنك تجيعه وتدئبه".
وقد رواه مسلم من حديث مهدي بن ميمون به.
-7رواية عائشة أم المؤمنين في ذلك
قال المام أحمد ثنا عبد الصمد وعفان قال ثنا حماد هو ابن
سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في نفر من المهاجرين
والنصار فجاء بعير فسجد له فقال أصحابه يا رسول الله تسجد
لك البهائم والشجر فنحن أحق أن نسجد لك فقال" :اعبدوا ربكم
وأكرموا أخاكم ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد لحد لمرت المرأة
أن تسجد لزوجها ولو أمرها أن تنقل من جبل أصفر إلى جبل
اسود ومن جبل أسود إلى جبل ابيض كان ينبغي لها أن تفعله"...
وهذا السناد على شرط السنن وإنما روى ابن ماجه عن أبي بكر
بن أبي شيبة عن عفان عن حماد به "لو أمرت أحدا أن يسجد
لحد لمرت المرأة أن تسجد لزوجها" ...إلى آخره.
-8رواية يعلى بن مرة الثقفي أو هي قصة أخرى
291
قال المام أحمد ثنا أبو سلمة الخزاعي ثنا حماد بن سلمة عن
عاصم بن بهدلة عن حسين عن أبي جبيرة عن يعلى بن سيابة
قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير له فأراد أن
يقضي حاجته فأمر وديتين فانضمت إحداهما إلى الخرى ثم
أمرهما فرجعتا إلى منابتهما وجاء بعير فضرب بجرانه إلى الرض
ثم جرجر حتى ابتل ما حوله فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم :أتدرون ما يقول البعير إنه يزعم أن صاحبه يريد نحره.
فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :أواهبه أنت
لي؟ فقال :يا رسول الله مالي مال أحب إلي منه .فقال:
استوص به معروفًا .فقال :ل جرم ل أكرم مال لي كرامته يا
رسول الله قال وأتى على قبر يعذب صاحبه فقال إنه يعذب في
غير كبير فأمر بجريدة فوضعت على قبره وقال عسى أن يخفف
عنه ما دامت رطبة.
-9طريق أخرى عنه
قال المام احمد ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن عطاء بن السائب
عن عبد الله بن جعفر عن يعلى بن مرة الثقفي قال ثلثة أشياء
رأيتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا نحن نسير معه
إذ مررنا ببعير يسنى عليه فلما رآه البعير جرجر ووضع جرانه
فوقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال :أين صاحب هذا
البعير؟ فجاء فقال :بعنيه فقال :ل بل أهبه لك فقال :ل بل بعنيه
قال ل بل نهبه لك إنه لهل بيت مالهم معيشة غيره قال :أما إذ
ذكرت هذا من أمره فإنه شكى لي كثرة العمل وقلة العلف
فأحسنوا إليه ...قال ثم سرنا فنزلنا منزل فنام رسول الله صلى
الله عليه وسلم فجاءت شجرة تشق الرض حتى غشيته ثم
رجعت إلى مكانها فلما استيقظ ذكرت له فقال :هي شجرة
استأذنت ربها عز وجل في أن تسلم على رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأذن لها قال ثم سرنا فمررنا بماء فأتته امرأة بابن
لها به جنة فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنخره فقال :اخرج
إني محمد رسول الله قال ثم سرنا فلما رجعنا من سفرنا مررنا
بذلك الماء فأتته امرأة بجزر ولبن فأمرها أن ترد الجزر وأمر
أصحابه فشربوا من اللبن فسألها عن الصبي فقالت والذي بعثك
بالحق ما رأينا منه ريبا بعدك.
-10طريق أخرى عنه
قال المام أحمد ثنا عبد الله بن نمير ثنا عثمان بن حكيم
أخبرني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن يعلى بن مرة قال لقد
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثًا ما رآها أحد قبلي ول
يراها أحد بعدي لقد خرجت معه في سفر حتى إذا كنا ببعض
292
الطريق مررنا بامرأة جالسة معها صبي لها فقالت يا رسول الله
هذا صبي أصابه بلء وأصابنا منه بلء يؤخذ في اليوم ما أدري كم
مرة قال :ناولينيه .فرفعته إليه فجعلته بينه وبين واسطة الرحل
ثم فغر فاه فنفث فيه ثلثا وقال :بسم الله أنا عبد الله اخسأ
عدو الله ,ثم ناولها إياه فقال :القينا في الرجعة في هذا المكان
فأخبرينا ما فعل" .قال فذهبنا ورجعنا فوجدناها في ذلك المكان
معها شياه ثلث فقال :ما فعل صبيك فقالت والذي بعثك بالحق
ما حسسنا منه شيئًا حتى الساعة فاجترر هذه الغنم قال :انزل
فخذ منها واحدة ورد البقية قال :وخرجت ذات يوم إلى الجبانة
حتى إذا برزنا قال :ويحك انظر هل ترى من شيء يواريني".
قلت ما أرى شيئا يواريك إل شجرة ما أراها تواريك قال فما
بقربها قلت :شجرة مثلها أو قريب منها قال :فاذهب إليهما فقل
إن رسول الله يأمركما أن تجتمعا بإذن الله قال فاجتمعتا فبرز
لحاجته ثم رجع فقال اذهب إليهما فقل لهما إن رسول الله
يأمركما أن ترجع كل واحدة منكما إلى مكانها فرجعت قال وكنت
معه جالسا ذات يوم إذ جاء جمل نجيب حتى صوى بجرانه بين
يديه ثم ذرفت عيناه فقال :ويحك انظر لمن هذا الجمل إن له
لشئنًا قال فخرجت ألتمس صاحبه فوجدته لرجل من النصار
فدعوته إليه فقال :ما شأن الجمل هذا؟ .فقال :وما شأنه؟ قال ل
أدري والله ما شأنه عملنا عليه ونضحنا عليه حتى عجز عن
السقاية فائتمرنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه قال :فل تفعل
هبه لي أو بعنيه قال بل هو لك يا رسول الله .فوسمه بسمة
الصدقة ثم بعث به.
-12طريق أخرى عنه
قال المام أحمد ثنا وكيع ثنا العمش بن المنهال عن عمرو عن
يعلى بن مرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتته امرأة بابن
لها قد أصابه لمم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :اخرج
عدو الله أنا رسول الله قال فبرأ فأهدت إليه كبشين وشيئًا من
أقط وشيئًا من سمن قال فقال رسول الله :خذ القط والسمن
وأحد الكبشين ورد عليها الخر" ثم ذكر قصة الشجرتين كما
تقدم وقال أحمد ثنا أسود ثنا أبو بكر بن عياش عن حبيب بن أبي
عمرة عن المنهال بن عمرو عن يعلى قال ما أظن أن أحدا من
الناس رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إل دون ما رأيت
فذكر أمر الصبي والنخلتين وأمر البعير إل أنه قال :ما لبعيرك
يشكوك زعم أنك سانيه حتى إذا كبر تريد نحره قال :صدقت
والذي بعثك بالحق قد أردت ذلك والذي بعثك بالحق ل أفعل.
-13طريق أخرى عنه
293
روى البيهقي عن الحاكم وغيره عن الصم ثنا عباس بن محمد
الدوري ثنا حمدان بن الصبهاني ثنا يزيد عن عمرو بن عبد الله
بن يعلى بن مرة عن أبيه عن جده قال رأيت من رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثلثة أشياء ما رآها أحد قبلي كنت معه في
ما أشد طريق مكة فمر بامرأة معها ابن لها به لمم ما رأيت لم ً
منه فقالت :يا رسول الله ابني هذا كما ترى فقال :إن شئت
دعوت له فدعا له ثم مضى فمر على بعير ناد جرانه يرغو فقال:
علي بصاحب هذا البعير .فجيء به فقال :هذا يقول نتجت عندهم
فاستعملوني حتى إذا كبرت عندهم ارادوا أن ينحروني قال :ثم
مضى ورأى شجرتين متفرقتين فقال لي :اذهب فمرهما
فليجتمعا لي قال :فاجتمعتا فقضى حاجته قال :ثم مضى فلما
انصرف مر على الصبي وهو يلعب مع الغلمان وقد ذهب ما به
وهيأت أمه أكبشا فأهدت له كبشين وقالت :ما عاد إليه شيء من
اللمم فقال النبي صلى الله عليه وسلم :ما من شيء إل ويعلم
أني رسول الله إل كفرة أو فسقة الجن والنس".
فهذه طرق جيدة متعددة تفيد غلبة الظن أو القطع عند
المتبحرين أن يعلى بن مرة حدث بهذه القصة في الجملة وقد
تفرد بهذا كله المام أحمد دون أصحاب الكتب الستة ولم يرو
أحد منهم شيئًا سوى ابن ماجه فإنه روى عن يعقوب بن حميد بن
كاسب عن يحيى بن سليم عن خيثم عن يونس ابن خباب عن
يعلى بن مرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب
إلى الغائط أبعد .وقد اعتنى الحافظ أبو نعيم بحديث البعير في
كتابه دلئل النبوة وطرقه من وجوه كثيرة ثم أورد حديث عبد
الله بن قرط اليماني قال جيء رسول الله صلى الله عليه وسلم
بست زود فجعلن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ وقد قدمت الحديث في
حجة الوداع قلت قد أسلفنا عن جابر بن عبد الله نحو قصة
الشجرتين وذكرنا آنفا عن غير واحد من الصحابة نحوًا من حديث
الجمل لكن بسياق يشبه أن يكون غير هذا فالله أعلم وسيأتي
حديث الصبي الذي كان يصرع ودعاؤه عليه السلم له وبرؤه في
الحال من طرق أخرى وقد روى الحافظ البيهقي عن أبي عبد
الله الحاكم وغيره عن أبي العباس الصم عن أحمد بن عبد
الجبار عن يونس بن بكير عن إسماعيل بن عبد الملك عن أبي
الزبير عن جابر قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
في سفر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد البراز
تباعد حتى ل يراه أحد فنزلنا منزل بفلة من الرض ليس فيها
علم ول شجر فقال لي :يا جابر خذ الداوة وانطلق بنا فملت
الداوة ماء وانطلقنا فمشينا حتى ل نكاد نرى فإذا شجرتان بينهما
294
أذرع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :يا جابر انطلق فقل
لهذه الشجرة يقول لك رسول الله الحقي بصاحبتك حتى أجلس
خلفكما ففعلت فرجعت فلحقت بصاحبتها فجلس خلفها حتى
قضى حاجته ثم رجعنا فركبنا رواحلنا فسرنا كأنما على رؤسنا
الطير تظلنا وإذا نحن بامرأة قد عرضت لرسول الله صلى الله
عليه وسلم فقالت :يا رسول الله إن ابني هذا يأخذه الشيطان
كل يوم ثلث مرات ل يدعه فوقف رسول الله صلى الله عليه
وسلم فتناوله فجعله بينه وبين مقدمة الرحل فقال :اخسأ عدو
الله أنا رسول الله وأعاد ذلك ثلث مرات ثم ناولها إياه فلما
رجعنا وكنا بذلك الماء عرضت لنا تلك المرأة ومعها كبشان
تقودهما والصبي تحمله فقالت :يا رسول الله أقبل مني هديتي
فو الذي بعثك بالحق إن عاد إليه بعد .فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم :خدوا أحدهما وردوا الخر قال ثم سرنا ورسول الله
صلى الله عليه وسلم بيننا فجاء جمل ناد فلما كان بين
السماطين خر ساجدصا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يا أيها الناس من صاحب هذا الجمل فقال فتية من النصار :هو
لنا يا رسول الله قال :فما شأنه؟ قالوا :سنونا عليه منذ عشرين
سنة فلما كبرت سنه وكانت عليه شحيمة أردنا نحره لنقسمه بين
غلمتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :تبيعونه؟ قالوا :يا
رسول الله هو لك .قال :فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله قالوا :يا
رسول الله نحن أحق أن نسجد لك من البهائم .فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم" :ل ينبغي لبشر أن يسجد لبشر ولو كان
ذلك كان النساء لزواجهن..وهذا إسناد جيد رجاله ثقات وقد روى
أبو داود وابن ماجه من حديث إسماعيل بن عبد الملك بن أبي
الصفراء عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله كان إذا ذهب
المذهب أبعد .ثم قال البيهقي وحدثنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو
بكر بن إسحاق أنا الحسين بن علي بن زياد ثنا أبو حمنة ثنا أبو
قرة عن زياد هو ابن سعد عن أبي الزبير أنه سمع يونس بن
خباب الكوفي يحدث أنه سمع أبا عبيدة يحدث عن عبد الله بن
مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في سفر إلى
مكة فذهب إلى الغائط وكان يبعد حتى ل يراه أحد قال فلم يجد
شيئا يتوارى به فبصر بشجرتين فذكر قصة الشجرتين وقصة
الجمل بنحو من حديث جابر قال البيهقي وحديث جابر أصح قال
وهذه الرواية ينفرد بها زمعة ابن صالح عن زياد أظنه ابن سعد
ضا محفوظًا ول ينافي حديث عن أبي الزبير قلت وقد يكون هذا أي ً
جابر ويعلى بن مرو بل يشهد لهما ويكون هذا الحديث عن أبي
الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي عن جابر وعن يونس بن
295
خباب عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه والله أعلم
وروى البيهقي من حديث معاوية بن يحيى الصيرفي وهو ضعيف
عن الزهري عن خارجة ابن زيد عن أسامة بن زيد حديثًا طويلً
نحو سياق حديث يعلى بن مرة وجابر بن عبد الله وفيه قصة
الصبي الذي كان يصرع ومجيء أمه بشاة مشوية فقال :ناوليني
الذراع فناولته ثم قال :ناوليني الذراع فناولته ثم قال :ناوليني
الذراع فقلت كم للشاة من ذراع؟ فقال :والذي نفسي بيده لو
سكت لناولتيني ما دعوت ثم ذكر قصة النخلت واجتماعهما
ما خلف النخلت وانتقال الحجارة معهما حتى صارت الحجارة رج ً
وليس في سياقه قصة البعير فلهذا لم يورده بلفظه وإسناده
وبالله المستعان وقد روى الحافظ ابن عساكر ترجمة غيلن بن
سلمة الثقفي بسنده إلى يعلى بن منصور الرازي عن شبيب بن
شيبة عن بشر بن عاصم عن غيلن بن سلمة قال خرجنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأينا عجبًا فذكر قصة
الشجرتين واستتاره بهما عند الخلء وقصة الصبي الذي كان
يصرع وقوله :بسم الله أنا رسول الله اخرج عدو الله .فعوفي ثم
ذكر قصة البعيرين النادين وأنهما سجدا له بنحو ما تقدم في
البعير الواحد فلعل هذه قصة أخرى والله أعلم.
وقد ذكرنا فيما سلف حديث جابر وقصة جمله الذي كان قد أعيي
وذلك مرجعهم من تبوك وتأخره في أخريات القوم فلحقه النبي
صلى الله عليه وسلم فدعا له وضربه فسار سيًرا لم يسر مثله
حتى جعل يتقدم أمام الناس وذكرنا شراءه عليه السلم منه
وفي ثمنه اختلف كثير وقع من الرواة ل يضر أصل القصة كما
بيناه وتقدم حديث أنس في ركوبه عليه السلم على فرس أبي
طلحة حين سمع صوتًا بالمدينة فركب ذلك الفرس وكان يبطئ
وركب الفرسان نحو ذلك الصوت فوجدوا رسول الله صلى الله
عليه وسلم قد رجع بعد ما كان كشف ذلك المر فلم يجد له
حقيقة وكان قد ركبه عريًا ل شيء عليه وهو متقلد سيفًا فرجع
وهو يقول لن تراعوا لن تراعوا ما وجدنا من شيء وإن وجدناه
لبحًرا أي لسابقًا وكان ذلك الفرس يبطأ قبل تلك الليلة فكان بعد
ذلك ل يجارى ول يكشف له غبار وذلك كله ببركته عليه الصلة
والسلم.
-14حديث آخر غريب في قصة البعير
قال الشيخ أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه في كتابه دلئل
النبوة وهو مجلد كبير حافل كثير الفوائد أخبرني أبو علي
الفوارسي حدثنا أبو سعيد عن عبد العزيز بن شهلن القواس
حدثنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن خالد الراسبي حدثنا عبد
296
الرحمن بن علي البصري حدثنا سلمة ابن سعيد بن زياد بن أبي
هند الرازي حدثني أبي عن أبيه عن جده حدثنا غنيم بن أوس
يعني الرازي قال كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذ أقبل بعير يعدو حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه
وسلم فزعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :أيها البعير
اسكن فان تك صادقا فلك صدقك وإن تك كاذبا فعليك كذبك مع
أن الله تعالى قد أمن عائذنا ول يخاف لئذنا قلنا يا رسول الله:
ما يقول هذا البعير؟ قال :هذا بعير هم أهله بنحره فهرب منهم
فاستغاث بنبيكم فبينا نحن كذلك إذ أقبل أصحابه يتعادون فلما
نظر إليهم البعير عاد إلى هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالوا :يا رسول الله هذا بعيرنا هرب منا منذ ثلثة أيام فلم نلقه
إل بين يديك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :يشكو مر
الشكاية .فقالوا يا رسول الله :ما يقول قال :يقول إنه ربي في
إبلكم جوارا وكنتم تحملون عليه في الصيف إلى موضع الكل فإذا
كان الشتاء رحلتم إلى موضع الدفء فقالوا :قد كان ذلك يا
رسول الله فقال :ما جزاء العبد الصالح من مواليه قالوا :يا
رسول الله فإنا ل نبيعه ول ننحره قال فقد استغاث فلم تغيثوه
وأنا أولى بالرحمة منكم لن الله نزع الرحمة من قلوب
المنافقين وأسكنها في قلوب المؤمنين فاشتراه النبي صلى الله
عليه وسلم بمائة درهم ثم قال :أيها البعير انطلق فأنت حر لوجه
الله .فرغا على هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
رسول الله :آمين ثم رغا الثانية فقال آمين ثم رغا الثلثة فقال
آمين ثم رغا الرابعة فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقلنا يا رسول الله ما يقول هذا البعير قال يقول جزاك الله أيها
النبي عن السلم والقرآن خيرا قلت آمين قال سكن الله رعب
أمتك يوم القيامة كما سكنت رعبي قلت آمين قال حقن الله
دماء أمتك من أعدائها كما حقنت دمي قلت آمين قال ل جعل
الله بأسها بينها فبكيت وقلت هذه خصال سألت ربي فأعطانيها
ومنعني واحدة وأخبرني جبريل عن الله أن فناء أمتك بالسيف
فجرى القلم بما هو كائن" قلت هذا الحديث غريب جدا لم أر
أحدا من هؤلء المصنفين في الدلئل أورده سوى هذا المصنف
وفيه غرابة ونكارة في إسناده ومتنه أيضا والله أعلم…
-وقد روي في قصة الضباء وكلمها النبي صلى الله عليه وسلم،
وتعريفها له بنفسها ،ومبادرة العشب إليها في الرعي وتجنب
الوحوش عنها ،وندائهم لها :إنك لمحمد ،وإنها لم تأكل ولم
تشرب بعد موته حتى ماتت.
ذكره السفرايني.
297
-وروى ابن وهب ،أن حمام مكة أظلت النبي صلى الله عليه
وسلم يوم فتحها ،فدعا لها بالبركة.
-وروي عن أنس ،وزيد بن أرقم ،والمغيرة بن شعبة ـ أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال :أمر الله ليلة الغار شجرة ،فثبتت
تجاه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته ،وأمر حمامتين فوقفتا
بفم الغار.
-وفي حديث آخر :وأن العنكبوت نسجت على بابه ،فلما أتى
الطالبون له ،ورأوا ذلك قالوا :لو كان فيه أحد لم تكن الحمامتان
ببابه والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع كلمهم ،فانصرفوا.
ذكر هذا أبو نعيم في دلئل النبوة ثنا أبو مصعب قال أدركت أنس
بن مالك وزيد بن أرقم والمغيرة فسمعتهم يتحدثون أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال أمر الله شجرة فنبتت في وجه النبي
صلى الله عليه وسلم فسترته وأمر الله العنكبوت فنسجت في
وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته وأمر الله حمامتين
وحشيتين فوقعنا بفم الغار وأقبل فتيان قريش من كل بطن رجل
بعصيهم وسيوفهم وهراواهم قد حتى إذا كانوا من النبي صلى
الله عليه وسلم قدر أربعين ذراع ًا فعجل بعضهم فنظر في الغار
يرى فيه أحدًا فرأى حمامتين بفم الغار فرجع إلى أصحابه فقالوا
ما لك لم تنظر في الغار قال رأيت حمامتين بفم الغار فعرفت
أن ليس فيه أحد فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال:
فعرف أن الله قد درأ عنه بهما فسمت النبي صلى الله عليه
وسلم عليهن وفرض جزاءهن وانحدرن في الحرم.
-وعن عبد الله بن قرط :قرب إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم بدنات خمس أو سبع ،لينحرها يوم عيد ،فازدلفن إليه بأيهن
يبدأ.
-وعن أم سلمة :كان النبي صلى الله عليه وسلم في صحراء،
فنادته ظبية ،يا رسول الله ،قال :ما حاجتك؟ قالت :صادني هذا
العرابي ،ولي خفشان في ذلك الجبل ،فأطلقني حتى أذهب
فأرضعهما وأرجع.
قال :وتفعلين؟ قالت :نعم .فأطلقها ،فذهبت ورجعت ،فأوثقها،
فانتبه العرابي وقال :يا رسول الله ،ألك حاجة؟ قال :تطلق هذه
الظبية فأطلقها فخرجت تعدو في الصحراء ،وتقول :أشهد أن ل
إله إل الله ،وأنك رسول الله.
قلت :أخرجه البيهقي في دلئل النبوة ،باب ما جاء في كلم
الظبية التي فجعت بخشفها وشهادتها لنبينا بالرسالة ،قال:
أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي
بن دحيم الشيباني حدثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة الغفاري
298
حدثنا علي بن قادم حدثنا أبو العلء خالد بن طهمان عن عطية
عن أبي سعيد قال مر رسول الله بظبية مربوطة إلى خباء
فقالت يا رسول الله حلني حتى أذهب فأرضع خشفي ثم ارجع
فتربطني فقال رسول الله صيد قوم وربيطة قوم قال فأخذ
عليها فحلفت له فحلها فما مكثت إل قليل حتى جاءت وقد
نفضت ما في ضرعها فربطها رسول الله ثم أتى خباء أصحابها
فاستوهبها منهم فوهبوها له فحلها ثم قال رسول الله لو علمت
البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينًا أبدا وروى من
وجه آخر ضعيف.
أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن القاضي أنبأنا أبو علي حامد بن
محمد الهوري حدثنا بشر بن موسى حدثنا أبو حفص عمرو بن
علي حدثنا يعلى بن إبراهيم الغزال حدثنا الهيثم بن حماد عن أبي
كثير عن زيد ابن أرقم قال كنت مع النبي في بعض سكك
المدينة فمررنا بخباء أعرابي فإذا ظبية مشدودة إلى الخباء
فقالت يا رسول الله إن هذا العرابي اصطادني ولي خشفان في
البرية وقد تعقد اللبن في أخلفي فل هو يذبحني فاستريح ول
يدعني فأرجع إلى خشفي في البرية فقال لها رسول الله :إن
تركتك ترجعين قالت نعم وإل عذبني الله عذاب العشار فأطلقها
رسول الله فلم تلبث أن جاءت تلمظ فشدها رسول الله إلى
الخباء وأقبل العرابي ومعه قربة فقال له رسول الله :أتبيعنيها؟
قال هي لك يا رسول الله .فأطلقها رسول الله.
قال زيد بن أرقم :فأنا والله رأيتها تسيح في البرية وتقول :ل إله
إل الله محمد رسول الله.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد.
عن أنس بن مالك قال :مر رسول الله صلى الله عليه
وسلمعلى قوم قد صادوا ظبية فشدوها إلى عمود فسطاط
فقالت :يا رسول الله إني وضعت ولدين خشفين فاستأذن لي أن
أرضعهما ثم أعود ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :خلوا
عنها حتى تأتي خشفيها فترضعهما وتأتي إليكما" .قالوا :ومن لنا
بذلك يا رسول الله؟ قال" :أنا" .فأطلقوها فذهبت فأرضعت ثم
رجعت إليهم فأوثقوها .قال" :تبيعوها" .قال :يا رسول الله هي
لك ،فخلوا عنها فأطلقوها فذهبت.
299
رواه الطبراني في الوسط وفيه صالح المري وهو ضعيف.
وعن أم سلمة قالت :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الصحراء فإذا مناد يناديه :يا رسول الله فالتفت فلم ير أحدا ً ثم
التفت فإذا ظبية موثوقة فقالت :ادن مني يا رسول الله ،فدنا
منها فقال" :حاجتك؟" .فقالت :إن لي خشفين في هذا الجبل
فخلني حتى أذهب فأرضعهما ثم أرجع إليك .قال" :وتفعلين؟".
قالت :عذبني الله عذاب العشار إن لم أفعل .فأطلقها فذهبت
فأرضعت خشفيها ثم رجعت فأوثقها ،وانتبه العرابي فقال :ألك
حاجة يا رسول الله؟ قال" :نعم تطلق هذه" .فأطلقها فخرجت
تعدو وهي تقول :أشهد أن ل إله إل الله وأنك رسول الله.
رواه الطبراني وفيه أغلب بن تميم وهو ضعيف.
- Jومن هذا الباب ماروي من تسخير السد لسفينة مولى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ،إذا وجهه إلى معاذ باليمن فلقي
السد فعرفه أنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه
كتابه ،فهمهم وتنحى عن الطريق ،وذكر في منصرفه مثل ذلك.
- Jوفي رواية أخرى عنه ـ أن سفينة تكسرت به ،فخرج إلى
جزيرة فإذا السد ،فقلت له :أنا مولى رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،فجعل يغمزني بمنكبه حتى أقامني على الطريق.
ذكره البيهقي في دلئل النبوة قال:
باب ما جاء في تسخير الله عز وجل السد لسفينة مولى
رسول الله كرامة لرسول الله وما روي في معناه
أخبرنا أبو زكرياء يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي
أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن عبد الوهاب
أنبأنا جعفر بن عون أنبأنا أسامة بن زيد عن محمد بن عمرو عن
محمد بن المنكدر عن سفينه مولى رسول الله قال
ركبت سفينة في البحر فانكسرت فركبت لوحا منها فاخرجني
إلى أجمة فيها أسد إذ أقبل السد فلما رأيته قلت يا أبا الحارث
أنا سفينة مولى رسول الله فأقبل نحوي حتى ضربني بمنكبه ثم
مشى معى حتى أقامني على الطريق قال ثم همهم ساعة
وضربني بذنبه فرأيت أنه يودعني
وأخبرني أبو نصر بن قتادة حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن
زكريا حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي حدثنا
يوسف بن عدي حدثنا عبد الله بن وهب عن أسامة بن زيد أن
محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان حدثه عن محمد بن
المنكدر
أن سفينة مولى رسول الله قال ركبت البحر فانكسرت بي
سفينتي التي كنت فيها فركبت لوحا من ألواحها فطرحني اللوح
300
إلى أجمه فيها السد فدخلت فخرج إلي السد فأقبل إلي فقلت
يا أبا الحارث أنا مولى رسول
الله فطأطأ رأسه وأقبل إلي يدفعني بمنكبيه فأخرجني من
الجمة ووقفني على الطريق ثم همهم فظننت أنه يودعني فكان
هذا آخر عهدي به
أخبرنا أبو الحسين بن بشران العبد ببغداد أنبأنا إسماعيل بن
محمد الصفار حدثنا أحمد بن منصور حدثنا عبد الرزاق أنبأنا
معمر عن الحجبي عن ابن المنكدر
أن سفينة مولى رسول الله أخطأ الجيش بأرض الروم أو أسر
في أرض الروم فانطلق هاربا يلتمس الجيش فإذا هو بالسد
فقال له يا أبا الحارث إني مولى رسول الله كان من أمري كيت
وكيت فأقبل السد يبصبصه حتى قام إلى جنبه كلما سمع صوتا
أهوى إليه ثم أقبل يمشي إلى جنبه فلم يزل كذلك حتى بلغ
الجيش ثم رجع السد والله تعالى هو أعلم
باب ما جاء في معجزة أخرى ظهرت له في موله سفينة
وبذلك سمي سفينة
أخبرنا أبو منصور الظفري محمد بن أحمد العلوي رحمه الله
أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم حدثنا أحمد بن حازم بن
أبي غرزة حدثنا عبيد الله بن موسى وأبو نعيم عن حشرج بن
نباتة قال حدثنا سعيد بن جمهان عن سفينة قال قلت لسفينة ما
اسمك قال ما أنا بمخبركم ثم قال سماني رسول الله سفينة
قلت ولم سماك سفينة قال خرج رسول الله ومعه أصحابه فثقل
عليهم متاعهم فقال لي رسول الله ابسط كساءك فبسطته
فجعلوا فيه متاعهم فحملوه علي فقال رسول الله احمل فإنما
أنت سفينة فلو حملت من يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلثة أو
أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة ما ثقل علي إل أن يخفو
- Jوأخذ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأذن شاة لقوم من عبد
القيس بين إصبعه ،ثم خلها فصار لها ميسماً ،وبقي ذلك الثر
وفي نسلها بعد.
- Jوما روي عن إبراهيم بن حماد بسنده من كلم الحمار الذي
أصابه بخيبر ،وقال له :اسمي يزيد بن شهاب.فسماه النبي صلى
الله عليه وسلم يعفورا ،وأنه كان يوجهه إلى دور أصحابه،
فيضرب عليهم الباب برأسه ،ويستدعيهم ،وأن النبي صلى الله
عليه وسلم لما مات ،تردى في بئر جزعا ً وحزناً ،فمات.
قال ابن كثير في البداية والنهاية فأما ما ذكره القاضي عياض بن
موسى السبتي في كتابه الشفا وذكره قبل إمام الحرمين في
كتابه الكبير في أصول الدين وغيرهما انه كان لرسول الله صلى
301
الله عليه وسلم حمار يسمى زياد بن شهاب وأن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان يبعثه ليطلب له بعض أصحابه فيجيء
إلى باب أحدهم فيقعقعه فيعلم أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم يطلبه وأنه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه سللة
سبعين حمارا كل منها ركبه نبي وأنه لما توفي رسول الله صلى
الله عليه وسلم ذهب فتردى في بئر فمات فهو حديث ل يعرف
له إسناد بالكلية وقد أنكره غير واحد من الحفاظ منهم عبد
الرحمن بن أبي حاتم وأبوه رحمهما الله وقد سمعت شيخنا
الحافظ أبا الحجاج المزي رحمه الله ينكره غير مرة إنكارا شديدا
وقال الحافظ ابو نعيم في كتاب دلئل النبوة ثنا أبو بكر أحمد بن
محمد بن موسى العنبري ثنا أحمد بن محمد بن يوسف ثنا
ابراهيم ابن سويد الجذوعي حدثني عبد الله بن أذين الطائي عن
ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال أتى النبي
صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر حمار اسود فوقف بين يديه
فقال من أنت قال أنا عمرو بن فلن كنا سبعة إخوة كلنا ركبنا
النبياء وأنا أصغرهم وكنت لك فملكني رجل من اليهود فكنت إذا
ذكرتك كبوت به فيوجعني ضربا فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأنت يعفور هذا حديث غريب جدا
-وحديث الناقة التي شهدت عند النبي صلى الله عليه وسلم
لصاحبها أنه ما سرقها ،وأنها ملكه.
قلت :أخرجه الحاكم في المستدرك
حدثني أبو محمد الحسن بن إبراهيم السلمي الفارسي من
أصل كتابه حدثنا جعفر بن درستويه حدثنا اليمان بن سعيد
المصيصي حدثنا يحيى بن عبد الله المصري حدثنا عبد الرزاق
عن معمر عن الزهري عن سالم عن عبد الله بن عمر قال كنا
جلوسا حول رسول الله صلى الله عليه وسلمإذ دخل أعرابي
جهوري بدوي يماني على ناقة حمراء فأناخ بباب المسجد فدخل
فسلم ثم قعد فلما قضى نحبه قالوا يا رسول الله إن الناقة التي
تحت العرابي سرقة قال أثم بينة قالوا نعم يا رسول الله قال يا
علي خذ حق الله من العرابي إن قامت عليه البينة وإن لم تقم
فرده إلي قال فأطرق العرابي ساعة فقال له النبي صلى الله
عليه وسلم قم يا أعرابي لمر الله وإل فادل بحجتك فقالت
الناقة من خلف الباب والذي بعثك بالكرامة يا رسول الله إن هذا
ما سرقني ول ملكني أحد سواه فقال له النبي صلى الله عليه
وسلم يا أعرابي بالذي أنطقها بعذرك ما الذي قلت قال قلت
اللهم إنك لست برب استحدثناك ول معك إله أعانك على خلقنا
ول معك رب فنشك في ربوبيتك أنت ربنا كما نقول وفوق ما
302
يقول القائلون أسألك أن تصلي على محمد وأن تبرئني ببراءتي
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم والذي بعثني بالكرامة يا
أعرابي لقد رأيت الملئكة يبتدرون أفواه الزقة يكتبون مقالتك
فأكثر الصلة علي رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات ويحيى بن
عبد الله المصري هذا لست أعرفه بعدالة ول جرح.
-وفي العنز :التي أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في
عسكره ،وقد أصابهم عطش ،ونزلوا على غير ماء ،وهم زهاء
ثلثمائة ،فحلبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فأروى الجند،
ثم قال لرافع :أملكها وما أراك .فربطها فوجدها قد انطلقت.
رواه ابن قانع و غيره ،وفيه :فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم :إن الذي جاء بها هو الذي ذهب بها .
قلت :أخرج البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
باب ما جاء في الشاة التي ظهرت فحلبت فأروت ثم ذهبت
فلم توجد
أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد أنبأنا اسماعيل بن محمد
الصفار حدثنا محمد بن الفرج الزرق حدثنا عصمة بن سليمان
الخزاز حدثنا خلف ابن خليفة عن أبي هاشم الرماني عن نافع
وكانت له صحبة من رسول الله قال
كنا مع رسول الله في سفر لنا كنا أربعمائة رجل فنزلنا في
موضع ليس فيه ماء فشق ذلك على أصحابه فقالوا رسول الله
أعلم قال فجاءت شويهة لها قرنان فقامت بين يدي رسول الله
فحلبها فشرب حتى روي وسقي أصحابه حتى رووا ثم قال يا
نافع أملكها الليلة وما أراك تملكها قال فاخذتها فوتدت لها وتدا
ثم قمت في بعض الليل فلم أر الشاة ورأيت الحبل مطروحا
فجئت النبي فاخبرته من قبل أن يسألني فقال يا نافع ذهب بها
الذي جاء بها
وفي كتاب محمد بن سعد أنبأنا خلف بن الوليد أبو الوليد الزدي
حدثنا خلف بن خليفة عن آبان بن بشير عن شيخ من أهل
البصرة عن نافع فذكره
أخبرنا أبو سعد الماليني أنبأنا أبو أحمد بن عدي حدثنا العباس بن
محمد بن العباس حدثنا أحمد بن سعيد بن أبي مريم حدثنا أبو
حفص الرياحي حدثنا عامر بن أبي عامر الخزاز عن ابيه عن
الحسن بن سعد يعني مولى أبي بكر قال
قال رسول الله احلب لي العنز قال وعهدي بذلك الموضع ل
عنز فيه قال فاتيت بعنز حافل قال فاحتلبتها واحتفظت بالعنز
واوصيت بها قال فاشتغلنا بالرحلة ففقدت العنز فقلت يا رسول
الله فقدت العنز قال فقال إن لها ربا
303
أخبرنا الستاذ ابو بكر محمد بن الحسن بن فورك أنبأنا عبد الله
بن جعفر الصبهاني حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود
الطيالسي حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن ابنه خباب أنها أتت
رسول الله بشاة فاعتقلها وحلبها النبي وقال ائتني بأعظم إناء
لكم فأتيناه بجفنة العجين فحلب فيها حتى ملها ثم قال اشربوا
وجيرانكم
- Jوقالصلى الله عليه وسلم :لفرسه وقد قام إلى الصلة في
بعض أسفاره :ل تبرح ،بارك الله فيك حتى نفرغ من صلتنا
وجعله قبلته ،فما حرك عضوا ً حتى صلى صلى الله عليه وسلم.
-ويلتحق بهذا ما رواه الواقدي ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم
لما وجه رسله إلى الملوك ،فخرج ستة نفر منهم في يوم واحد،
فأصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعثه إليهم .
والحديث في هذا الباب كثير ،وقد جئنا منه بالمشهور ،وما وقع
في كتب الئمة.
الفصل التاسع عشر
في إحياء الموتى و كلمهم ،وكلم الصبيان و المراضع و شهادتهم
لهم بالنبوة صلى الله عليه وسلم
حدثنا أبوالوليد هشام بن أحمد الفقيه بقراءتي عليه ،القاضي أبو
الوليد محمد بن رشد ،والقاضي أبو عبد الله محمد بن عيسى
التميمي ،و غيره واحد سماعا ً و إذاناً ،قالوا :حدثنا أبو علي
الحافظ قال :حدثنا أبو عمر الحافظ ،حدثنا أبو زيد عبد الرحمن
بن يحي ،حدثنا أحمد بن سعيد ،حدثنا ابن العرابي...
حدثنا أبو داود ،حدثنا و هب بن بقية ،عن خالد ـ هو الطحان ،عن
محمد بن عمرو ،عن أبي سلمة ،عن أبي هريرة رضي الله عنه ـ
أن يهودية أهدت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر شاة مصلية
سمتها ،فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ،و أكل
القوم ،فقال :ارفعوا أيديكم ،فإنما أخبرتني أنها مسمومة.
فمات بشر بن البراء ..وقال لليهودية :ما حملك على ما صنعت؟
قالت :إن كنت نبيا ً لم يضرك الذي صنعت ،و إن كنت ملكا ً أرحت
الناس منك .قال :فأمر بها فقتلت.
-وقد روى هذا الحديث أنس ،وفيه :قالت :أردت قتلك .فقال:
ماكان الله ليسلطك على ذلك.
فقالوا :نقتلها؟ قال :ل.
-وكذالك روى عن أبي هريرة ـ من غير وهب ،قال :فما عرض
لها.
-ورواه أيضا ً جابر بن عبد الله ،وفيه :أخبرني هذه الذراع قال :و
لم يعاقبها.
304
مني أنها مسمومة. -وفي رواية الحسن :أن فخذها تُكَل ِّ ُ
-وفي رواية أبي سلمة بن عبدالرحمن قالت :إني مسمومة.
-وكذلك ذكر الخبر ابن إسحاق ،و قال فيه :فتجاوزعنها.
-وفي الحديث الخر ،عن أنس ،قال :فما زلت أعرفها في لهوات
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-وفي حديث أبي هريرة ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ـ في وجعه الذي مات فيه :ما زالت أكلة خيبر تعادُّني ،فالن
أوان قطعت أبهري.
-وحكى ابن إسحاق :إن كان المسلمون ليرون أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم مات شهيدا ً مع ما أكرمه الله به من النبوة.
-وقال ابن سحنون :أجمع أهل الحديث أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قتل اليهودية التي سمته.
-و قد ذكرنا اختلف الروايات في ذلك عن أبي هريرة ،وأنس،
وجابر.
-وفي رواية ابن عباس رضي الله عنهما ـ أنه دفعها لولياء بشر
بن البراء فقتلوها.
-وكذلك قد اختلف في قتله للذي سحره ،قال الواقدي :وعفوه
عنه أثبت عندنا.
-وروى الحديث البزار ،عن أبي سعيد ،فذكر مثله ،إل أنه قال
في آخره :فبسط يده وقال :كلوا بسم الله ،فأكلنا ،وذكر اسم
الله ،فلم تضر منا أحداً.
*قال القاضي أبو الفضل :وقد خرج حديث الشاة المسمومة أهل
الصحيح ،وخرجه الئمة ،وهو حديث مشهور.
-واختلف أئمة النظر في هذا الباب ،فمن قائل يقول :هو كلم
يخلقه الله تعالى في الشاة الميتة أو الحجر أو الشجر وحروف
وأصوات يحدثها الله ويسمعها منها دون تغيير أشكالها ،و نقلها
عن هيئتها.
وهو مذهب الشيخ أبي الحسن ،والقاضي أبي بكر رحمهما الله.
وآخرون ذهبوا إلى إيجاد الحياة بها ،ثم الكلم بعده- .وحكي هذا
أيضا ً عن شيخنا أبي الحسن ،وكل محتمل ،والله أعلم ،إذ لم
نجعل الحياة شرطا ً لوجود الحروف والصوات ،إذ ل يستحيل
وجودها مع عدم الحياة بمجردها.
305
والصوات إل من حي مركب على تركيب من يصح منه النطق
بالحروف والصوات.
والتزم ذلك في الحصى ،والجذع ،والذراع ،وقال :إن الله خلق
فيها حياة ،وخرق لها فما ً ـ ولساناً ،وآلة أمكنها بها من الكلم.
وهذا لو كان لكان نقله والتهمم به آكد من التهمم بنقل تسبيحه
والرواية شيئا ً من أو حنينه ،ولم ينقل أحد من أهل السير
ذلك ،فدل على سقوط دعواه ،مع أنه ل ضرورة إليه في النظر،
والموفق الله.
وقفة مع حديث الشاة المسمومة
البخاري في كتاب الهبة
حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب :حدثنا خالد بن الحارث :حدثنا
شعبة ،عن هشام بن زيد ،عن أنس بن مالك رضي الله عنه:أن
يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل
منها ،فجيء بها ،فقيل :أل نقتلها؟ قال(:ل) .فما زلت أعرفها في
لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم.
باب :الشاة التي سمت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر.
رواه عروة ،عن عائشه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم.
-حدثنا عبد الله بن يوسف :حدثنا الليث :حدثني سعيد ،عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال :لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله
صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم.
وروى في كتاب الطب؛ وفي أبواب الجزية والموادعة...
-حدثنا عبد الله بن يوسف :حدثنا الليث قال :حدثني سعيد ،عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال:
لما فتحت خيبر أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها
سم ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم(اجمعوا إلي من كان ها
هنا من يهود) .فجمعوا له ،فقال(:إني سائلكم عن شيء فهل
أنتم صادقي عنه) .فقالوا :نعم ،قال لهم النبي صلى الله عليه
وسلم (من أبوكم) .قالوا :فلن ،فقال(:كذبتم ،بل أبوكم فلن).
قالوا :صدقت ،قال(:فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألت عنه).
فقالوا :نعم يا أبا القاسم ،وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في
أبينا ،فقال لهم(:من أهل النار؟) .قالوا :نكون فيها يسيرا ،ثم
تخلفونا فيها ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم(:اخسؤوا فيها،
والله ل نخلفكم فيها أبدا) .ثم قال(:هل أنتم صادقي عن شيء
إن سألتكم عنه) .فقالوا :نعم يا أبا القاسم ،قال(:هل جعلتم في
هذه الشاة سما) .قالوا :نعم ،قال(:ما حملكم على ذلك) .قالوا:
أردنا إن كنت كاذبا نستريح ،وإن كنت نبيا لم يضرك.
قال ابن حجر
306
حديث أنس أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة
مسمومة فأكل منها الحديث وسيأتي شرحه في غزوة خيبر من
المغازي واسم اليهودية المذكورة زينب وقد اختلف في اسلمها
كما سيأتي
قوله فأكل منها فجيء بها زاد مسلم وأحمد في روايته من
الوجه المذكور هنا فأكل منه فقال أنها جعلت فيه سما وزاد
مسلم بعد قوله فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسألها عن ذلك فقالت أردت لقتلك قال ما كان الله ليسلطك
علي قوله فقيل أل نقتلها في رواية أحمد ومسلم فقالوا يا
رسول الله "أل نقتلها؟ "
قوله في لهوات بفتح اللم جمع لهاة وهي سقف الفم أو اللحمة
المشرفة على الحلق وقيل هي أقصى الحلق وقيل ما يبدو من
الفم عند التبسم
وقال
قوله باب الشاة التي سمت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر
أي جعل فيها السم والسم مثلث السين قوله رواه عروة عن
عائشة لعله يشير إلى الحديث الذي ذكره في الوفاة النبوية من
هذا الوجه معلقا أيضا وسيأتي ذكره هناك
قوله حدثني سعيد هو بن أبي سعيد المقبري قوله لما فتحت
خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم
هكذا أورده مختصرا وقد سبق مطول في أواخر الجزية فذكر هذا
الطرف وزاد فقال النبي صلى الله عليه وسلم اجمعوا لي من
كان هاهنا من يهود فذكر الحديث وسيأتي شرح ما يتعلق بذلك
في كتاب الطب قال بن إسحاق لما اطمأن النبي صلى الله عليه
وسلم بعد فتح خيبر أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلم بن
مشكم شاة مشوية وكانت سألت أي عضو من الشاة أحب اليه
قيل لها الذراع فأكثرت فيها من السم فلما تناول الذراع لك منها
مضغة ولم يسغها وأكل معه بشر بن البراء فأساغ لقمته فذكر
القصة وأنه صفح عنها وأن بشر بن البراء مات منها وروى
البيهقي من طريق سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن
المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة أن امرأة من اليهود أهدت
لرسول اللهصلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فأكل فقال
لصحابه أمسكوا فإنها مسمومة وقال لها ما حملك على ذلك
قالت أردت إن كنت نبيا فيطلعك الله وإن كنت كاذبا فأريح
الناس منك قال فما عرض لها ومن طريق أبي نضرة عن جابر
نحوه فقال فلم يعاقبها وروى عبد الرزاق في مصنفه عن معمر
عن الزهري عن أبي بن كعب مثله وزاد فاحتجم على الكاهل
307
قال قال الزهري فأسلمت فتركها قال معمر والناس يقولون
قتلها وأخرج بن سعد عن شيخه الواقدي بأسانيد متعددة له هذه
القصة مطولة وفي آخره قال فدفعها إلى ولة بشر بن البراء
فقتلوها قال الواقدي وهو الثبت وأخرج أبو داود من طريق يونس
عن الزهري عن جابر نحو رواية معمر عنه وهذا منقطع لن
الزهري لم يسمع من جابر ومن طريق محمد بن عمرو عن أبي
سلمة نحوه مرسل قال البيهقي وصله حماد بن سلمة عن محمد
بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال البيهقي يحتمل أن
يكون تركها أول ثم لما مات بشر بن البراء من الكلة قتلها وبذلك
أجاب السهيلي وزاد إنه كان تركها لنه كان ل ينتقم لنفسه ثم
قتلها ببشر قصاصا قلت ويحتمل أن يكون تركها لكونها أسلمت
وإنما أخر قتلها حتى مات بشر لن بموته تحقق وجوب القصاص
بشرطه ووافق موسى بن عقبة على تسميتها زينب بنت الحارث
وأخرج الواقدي بسند له عن الزهري أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال لها ما حملك على ما فعلت قالت قتلت أبي وعمي
وزوجي وأخي قال فسألت إبراهيم بن جعفر فقال عمها يسار
وكان من أجبن الناس وهو الذي أنزل من الرف وأخوها زبير
وزوجها سلم بن مشكم ووقع في سنن أبي داود أخت مرحب
وبه جزم السهيلي وعند البيهقي في الدلئل بنت أخي مرحب
ولم ينفرد الزهري بدعواه أنها أسلمت فقد جزم بذلك سليمان
التيمي في مغازيه ولفظه بعد قولها وإن كنت كاذبا أرحت الناس
منك وقد استبان لي الن أنك صادق وأنا أشهدك ومن حضر أني
على دينك وأن ل إله إل الله وأن محمدا عبده ورسوله قال
فانصرف عنها حين أسلمت....
وقال :قوله باب ما يذكر في سم النبي صلى الله عليه وسلم
الضافة فيه إلى المفعول قوله رواه عروة عن عائشة كأنه يشير
إلى ما علقه في الوفاة النبوية آخر المغازي فقال قال يونس عن
بن شهاب قال عروة قالت عائشة كان النبي صلى الله عليه
وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه يا عائشة ما أزال أجد ألم
الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك
السم ..وقد ذكرت هناك من وصله وهو البزار وغيره ...وقوله
أجد ألم الطعام أي اللم الناشىء عن ذلك الكل ل أن الطعام
نفسه بقي إلى تلك الغاية وأخرج الحاكم من حديث أم مبشر نحو
حديث عائشة ثم ذكر حديث أبي هريرة في قصة الشاة
المسمومة التي أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وقد
تقدم ذكره في غزوة خيبر وأنه أخرجه مختصرا وفي أواخر
الجزية مطول
308
قوله أهديت بضم أوله على البناء للمجهول تقدم في الهبة من
رواية هشام بن زيد عن أنس أن يهودية أتت النبي صلى الله
عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجىء بها الحديث فعرف
أن التي أهدت الشاة المذكورة امرأة وقدمت في المغازي أنها
زينب بنت الحارث امرأة سلم بن مشكم أخرجه بن إسحاق بغير
إسناد وأورده بن سعد من طرق عن بن عباس بسند ضعيف
ووقع في مرسل الزهري أنها أكثرت السم في الكتف والذراع
لنه بلغها أن ذلك كان أحب أعضاء الشاة إليه وفيه فتناول رسول
الله صلى الله عليه وسلم الكتف فنهش منها وفيه فلما ازدرد
لقمته قال إن الشاة تخبرني يعني أنها مسمومة وبينت هناك
الختلف هل قتلها النبي صلى الله عليه وسلم أو تركها ووقع في
حديث أنس المشار إليه فقيل ال تقتلها قال ل قال فما زلت
أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم كيفية
الجمع بين الختلف المذكور ومن المستغرب قول محمد بن
سحنون أجمع أهل الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قتلها قوله اجمعوا لي لم أقف على تعيين المأمور بذلك قوله أني
سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقوني عنه كذا وقع في هذا
الحديث في ثلثة مواضع قال بن التين ووقع في بعض النسخ
صادقي بتشديد الياء بغير نون وهو الصواب في العربية لن أصله
صادقوني فحذفت النون للضافة فاجتمع حرفا علة سبق الول
بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت ومثله وما أنتم بمصرخي وفي
حديث بدء الوحي أو مخرجي هم انتهى وإنكاره الرواية من جهة
العربية ليس بجيد فقد وجهها غيره قال بن مالك مقتضى الدليل
أن تصحب نون الوقاية اسم الفاعل وأفعل التفضيل والسماء
المعربة المضافة إلى ياء المتكلم لتقيها خفاء العراب فلما
منعت ذلك كانت كأصل متروك فنبهوا عليه في بعض السماء
المعربة المشابهة للفعل كقول الشاعر وليس الموافيني ليرتد
خائبا فإن له أضعاف ما كان أمل ومنه في الحديث غير الدجال
أخوفني عليكم والصل فيه أخوف مخوفاتي عليكم فحذف
المضاف إلى الياء وأقيمت هي مقامه فاتصل أخوف بها مقرونة
بالنون وذلك أن أفعل التفضيل شبيه بفعل التعجب وحاصل كلمه
أن النون الباقية هي نون الوقاية ونون الجمع حذفت كما تدل
عليه الرواية الخرى بلفظ صادقي ويمكن تخريجه أيضا على أن
النون الباقية هي نون الجمع فإن بعض النحاة أجاز في الجمع
المذكر السالم أن يعرب بالحركات على النون مع الواو ويحتمل
أن تكون الياء في محل نصب بناء على أن مفعول اسم الفاعل
إذا كان ضميرا بارزا متصل به كان في محل نصب وتكون النون
309
على هذا أيضا نون الجمع قوله من أبوكم قالوا أبونا فلن فقال
رسول اللهصلى الله عليه وسلم كذبتم بل أبوكم فلن فقالوا
صدقت وبررت بكسر الراء الولى وحكى فتحها وهو من البر
قوله نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها بضم اللم مخففا أي
تدخلون فتقيمون في المكان الذي كنا فيه وضبطه الكرماني
بتشديد اللم وقد أخرج الطبري من طريق عكرمة قال خاصمت
اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقالوا لن
ندخل النار إل أربعين ليلة وسيخلفنا إليها قوم آخرون يعنون
محمدا وأصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده
على رءوسهم بل أنتم خالدون يخلدون ل مخلفكم فيها أحد
معْدُودَة ً قُ ْ
ل سنَا النَّاُر إِل َّ أَيَّاما ً َّ م َّ فأنزل الله تعالى _((وَقَالُوا ْ لَن ت َ َ
َ أَت َّ َ
ن ع َلَى اللّهِ م تَقُولُو َ ه عَهْدَه ُ أ ْ ف الل ّ ُ خل ِ َعند َ اللّهِ عَهْدا ً فَلَن ي ُ ْ م ِخذ ْت ُ ْ
ه فَأُوْلَـئ ِ َ
ك خطِيـئَت ُ ُ ت بِهِ َ حاط َ ْ
ما ل َ تعل َمون * بلَى من ك َسب سيئ َ ً َ
ة وَأ َ َ َ َ ِّ َ َ َْ ُ َ َ
ن) (البقرة)81 - 80 :ومن طريق بن َ َ
خالِدُو َ م فِيهَا َ ب الن ّارِ هُ ْ
حا ُ ص َأ ْ
إسحاق عن سيف بن سليم عن مجاهد عن بن عباس أن اليهود
كانوا يقولون هذه الدنيا سبعة آلف سنة وإنما نعذب بكل ألف
سنة يوما في النار وإنما هي سبعة أيام فنزلت وهذا سند حسن
وأخرج الطبري أيضا من وجه آخر عن عكرمة قال اجتمعت يهود
تخاصم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا لن تصيبنا النار فذكر
نحوه وزاد فقال النبيصلى الله عليه وسلم كذبتم بل أنتم خالدون
مخلدون ل نخلفكم فيها أبدا إن شاء الله تعالى فنزل القرآن
تصديقا للنبي صلى الله عليه وسلم ومن طريق عبد الرحمن بن
زيد بن أسلم حدثني أبي زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال ليهود أنشدكم الله من أهل النار الذين ذكرهم
الله في التوراة قالوا إن الله غضب علينا غضبة فنمكث في النار
أربعين يوما ثم نخرج فتخلفوننا فيها فقال كذبتهم والله ل نخلفكم
فيها أبدا فنزل القرآن تصديقا له وهذان خبران مرسلن يقوي
أحدهما الخر ويستفاد منهما تعيين مقدار اليام المعدودة
المذكورة في الية وكذا في حديث أبي هريرة حيث قال فيه أياما
يسيرة وأخرج الطبري أيضا من رواية قتادة وغيره أن حكمة
العدد المذكور وهو الربعون أنها المدة التي عبدوا فيها العجل
قوله اخسئوا فيها هو زجر لهم بالطرد والبعاد أو دعاء عليهم
بذلك قوله والله ل نخلفكم فيها أبدا أي ل تخرجون منها ول نقيم
بعدكم فيها لن من يدخل النار من عصاة المسلمين يخرج منها
فل يتصور أنه يخلف غيره أصل قوله أردنا إن كنت كاذبا في رواية
المستملي والسرخسي إن كنت كذابا قوله وإن كنت نبيا لم
يضرك يعني على الوجه المعهود من السم المذكور وفي حديث
310
أنس المشار إليه فقالت أردت لقتلك فقال ما كان الله ليسلطك
على ذلك وفي رواية سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن
المسيب عن أبي هريرة في نحو هذه القصة فقالت أردت أن
أعلم إن كنت نبيا فسيطلعك الله عليه وإن كنت كاذبا فأريح
الناس منك أخرجه البيهقي وأخرج نحوه موصول عن جابر
وأخرجه بن سعد بسند صحيح عن بن عباس ووقع عند بن سعد
عن الواقدي بأسانيده المتعددة أنها قالت قتلت أبي وزوجي
وعمي وأخي ونلت من قومي ما نلت فقلت إن كان نبيا
فسيخبره الذراع وإن كان ملكا استرحنا منه وفي الحديث إخباره
صلى الله عليه وسلم عن الغيب وتكليم الجماد له ومعاندة اليهود
لعترافهم بصدقه فيما أخبر به عن اسم أبيهم وبما وقع منهم من
دسيسة السم ومع ذلك فعاندوا واستمروا على تكذيبه وفيه قتل
من قتل بالسم قصاصا وعن الحنفية إنما تجب فيه الدية ومحل
ذلك إذا استكرهه عليه اتفاقا وأما إذا دسه عليه فأكله ففيه
اختلف للعلماء فإن ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قتل اليهودية
ببشر بن البراء ففيه حجة لمن يقول بالقصاص في ذلك والله
أعلم وفيه أن الشياء كالسموم وغيرها ل تؤثر بذواتها بل بإذن
الله لن السم أثر في بشر فقيل إنه مات في الحال وقيل إنه
بعد حول ووقع في مرسل الزهري في مغازي موسى بن عقبة
أن لونه صار في الحال كالطيلسان يعني أصفر شديد الصفرة
وأما قول أنس فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى
الله عليه وسلم فاللهوات جمع لهاة ويجمع أيضا على لهى بضم
أوله والقصر منون ولهيان وزن إنسان وقد تقدم بيانها فيما مضى
في الطب في الكلم على العذرة وهل اللحمة المعلقة في أصل
الحنك وقيل هي ما بين منقطع اللسان إلى منقطع أصل الفم
وهذا هو الذي يوافق الجمع المذكور ومراد أنس أنه صلى الله
عليه وسلم كان يعتريه المرض من تلك الكلة أحيانا وهو موافق
لقوله في حديث عائشة ما أزال أجد ألم الطعام ووقع في مغازي
موسى بن عقبة عن الزهري مرسل ما زلت أجد من الكلة التي
أكلت بخيبر عدادا حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري ومثله في
الرواية المذكورة عند بن سعد والعداد بكسر المهملة والتخفيف
ما يعتاد والبهر عرق في الظهر تقدم بيانه في الوفاة النبوية
ويحتمل أن يكون أنس أراد أنه يعرف ذلك في اللهوات بتغير
لونها أو بنتوء فيها أو تحفير قاله القرطبي...
مسلم في كتاب السلم باب السم
حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي .حدثنا خالد بن الحارث .حدثنا
شعبة عن هشام بن زيد ،عن أنس؛
311
أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة
مسمومة .فأكل منها .فجيء بها إلى رسول الله ص .فسألها عن
ذلك؟ فقالت :أردت لقتلك .قال" ما كان الله ليسلطك على
ذاك" قال أو قال "علي" قال قالوا :أل نقتلها؟ قال "ل" قال :فما
زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال النووي
قوله(:أن يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة
مسمومة فأكل منها فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فسألها عن ذاك قالت أردت لقتلك ،قال :وما كان الله
ليسلطك على ذاك قال أو قال علي ،قالوا :أل نقتلها؟ قال :ل،
قال :فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه
وسلم) .وفي الرواية الخرى(:جعلت سما ً في لحم) .أما السم
فبفتح السين وضمها وكسرها ثلث لغات الفتح أفصح جمعه
سمام وسموم .وأما اللهوات فبفتح اللم والهاء جمع لهات بفتح
اللم وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أصل الحنك قاله
الصمعي .وقيل اللحمات اللواتي في سقف أقصى الفم.
وقوله(:ما زلت أعرفها) أي العلمة كأنه بقي للسم علمة وأثر
من سواد أو غيره .وقولهم(:أل نقتلها) هي بالنون في أكثر النسخ
وفي بعضها بتاء الخطاب .وقوله صلى الله عليه وسلم "ما كان
الله ليسلطك على ذاك أو قال علي" فيه بيان عصمته صلى الله
عليه وسلم من الناس كلهم كما قال الله تعالى{ :والله يعصمك
من الناس} وهي معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في
سلمته من السم المهلك لغيره وفي إعلم الله تعالى له بأنها
مسمومة وكلم عضو منه له فقد جاء في غير مسلم أنه صلى
الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلمإن الذراع تخبرني أنها
مسمومة وهذه المرأة اليهودية الفاعلة للسم اسمها زينب بنت
الحارث أخت مرحب اليهودي روينا تسميتها هذه في مغازي
موسى بن عقبة ودلئل النبوة للبيهقي قال القاضي عياض:
واختلف الَثار والعلماء هل قتلها النبي صلى الله عليه وسلم أم
ل؟ فوقع في صحيح مسلم أنهم قالوا :أل نقتلها؟ قال :ل .ومثله
عن أبي هريرة وجابر .وعن جابر من رواية أبي سلمة أنه صلى
الله عليه وسلم قتلها .وفي رواية ابن عباس أنه صلى الله عليه
وسلم دفعها إلى أولياء بشر بن البراء بن معرور وكان أكل منها
فمات بها فقتلوها .وقال ابن سحنون :أجمع أهل الحديث أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلها .قال القاضي :وجه الجمع
بين هذه الروايات والقاويل أنه لم يقتلها أول ً حين اطلع على
سمها وقيل له اقتلها فقال ل فلما مات بشر بن البراء من ذلك
312
سلمها لوليائه فقتلوها قصاصاً ،فيصح قولهم لم يقتلها أي في
الحال ،ويصح قولهم قتلها أي بعد ذلك والله أعلم....
وروى هذا الحديث
ً
أبو داود في أول كتاب الديات باب فيمن سقى رجل ً سما أو
أطعمه فمات ،أيقاد منه؟
-1حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي ،ثنا خالد بن الحارث ،ثنا شعبة،
عن هشام بن زيد ،عن أنس بن مالك
أن امرأة يهودية أتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بشاةٍ
مسمومة ،فأكل منها ،فجيء بها إلى رسول اللّه صلى الله عليه
وسلم فسألها عن ذلك فقالت :أردت لقتلك ،فقال" :ما كان اللّه
ي" قال :فقالوا :أل نقتلها؟ قال: ليسلطك على ذلك" أو قال" :عل َّ
"ل" فما زلت أعرفها في لهوات رسول اللّه صلى الله عليه
وسلم
-2حدثنا داود بن رشيد ،ثنا عباد بن العوام ،ح وثنا هارون بن عبد
اللّه ،ثنا سعيد بن سليمان ،ثنا عباد ،عن سفيان بن حسين ،عن
الزهري ،عن سعيد وأبي سلمة ،قال هارون :عن أبي هريرةأن
امرأة من اليهود أهدت إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم شاةً
مسمومة قال :فما عرض لها النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو
داود :هذه أخت مرحب اليهودية التي سمت النبي صلى الله عليه
وسلم
-3حدثنا سليمان بن داود المهري ،ثنا ابن وهب قال :أخبرني
يونس ،عن ابن شهاب قال:
مت شاة كان جابر بن عبد اللّه يحدِّث أن يهودية من أهل خيبر س َّ
مصليَّة ثم أهدتها لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم ،فأخذ رسول
ط من اللّه صلى الله عليه وسلم الذِّراع فأكل منها ،وأكل ره ٌ
أصحابه معه ،ثم قال لهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:
"ارفعوا أيديكم" وأرسل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى
اليهودية فدعاها ،فقال لها" :أسممت هذه الشاة؟" قالت
اليهودية :من أخبرك؟ قال" :أخبرتني هذه في يدي" للذراع،
قالت :نعم ،قال" :فما أردت إلى ذلك" قالت :قلت :إن كان نَبيّاً
فلن يضَّره ،وإن لم يكن نبيّا ً استرحنا منه ،فعفا عنها رسول
اللّهصلى الله عليه وسلم ولم يعاقبها ،وتوفي بعض أصحابه الذين
أكلوا من الشاة ،واحتجم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على
كاهله من أجل الذي أكل من الشاة ،حجمه أبو هند بالقَْرن
والشفرة ،وهو مولًى لبني بياضة من النصار.
-4حدثنا وهب بن بقية ،ثنا خالد ،عن محمد بن عمرو ،عن أبي
سلمة
313
أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أهدت له يهودية بخيبر شاةً
مصلية ،نحو حديث جابر قال :فمات بشر بن البراء بن معرور
النصاريُّ ،فأرسل إلى اليهودية "ما حملك على الّذي صنعت؟"
فذكر نحو حديث جابر ،فأمر بها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم
فقتلت ،ولم يذكر أمر الحجامة.
-5وثنا وهب بن بقية في موضع آخر ،عن خالد ،عن محمد بن
عمرو ،عن أبي سلمة ،ولم يذكر أبا هريرة قال:
كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ول يأكل
الصدقة ،زاد :فأهدت له يهودية بخيبر شاة ً مصلية سمتها ،فأكل
رسول اللّه صلى الله عليه وسلم منها وأكل القوم فقال" :ارفعوا
ة" فمات بشر بن البراء بن أيديكم فإِنها أخبرتني أنها مسموم ٌ
معرور النصاري ،فأرسل إلى اليهودية" :ما حملك على الذي
صنعت؟" قالت :إن كنت نبيّا ً لم يضَّرك الذي صنعت ،وإن كنت
ملكا ً أرحت الناس منك ،فأمر بها رسول اللّه صلى الله عليه
وسلم فقتلت ،ثم قال في وجعه الذي مات فيه" :ما زلت أجد
من الكلة التي أكلت بخيبر ،فهذا أوان قطعت أبهري".
-6حدثنا مخلد بن خالد ،قال :ثنا عبد الرزاق ،أخبرنا معمر ،عن
الزهري ،عن ابن كعب بن مالك ،عن أبيه،
شر قالت للنبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مب ّ ِ أن أ َّ
م ُ
مات فيه :ما يتهم بك يارسول اللّه؟ فإِني ل أتهم بابني شيئا ً إل
الشاة المسمومة التي أكل معك بخيبر ،وقال النبي صلى الله
عليه وسلم" :وأنا ل أتهم بنفسي إل ذلك ،فهذا أوان قطع
أبهري".
قال أبو داود :وربما حدّث عبد الرزاق بهذا الحديث مرسل ً عن
معمر ،عن الزهري ،عن النبي صلى الله عليه وسلم وربما حدث
به عن الزهري ،عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ،وذكر عبد
دّثهم بالحديث مرة مرسل ً فيكتبونه الرزاق أن معمرا ً كان يح ِ
ل صحيح عندنا ،قال عبد ويحدِّثهم مرة به فيسنده فيكتبونه ،وك ٌّ
الرزاق :فلما قدم ابن المبارك على معمر أسند له معمر أحاديث
كان يوقفها.
-7حدثنا أحمد بن حنبل ،ثنا إبراهيم بن خالد ،ثنا رباح ،عن معمر،
عن الزهري ،عن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالك،
م ِ مبشر ،قال أبو سعيد بن العرابي :كذا قال عن أمه، عن أمه أ ّ
شر:والصواب عن أبيه ،عن أم مب ّ
دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر معنى حديث مخلد
بن خالد [نحو حديث جابر قال :فمات بشر بن البراء بن معرور؛
فأرسل إلى اليهودية فقال" :ما حملك على الذي صنعت؟" فذكر
314
نحو حديث جابر؛ فأمر بها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم
فقتلت ،ولم يذكر الحجامة].
أبن ماجه في كتاب الطب
حدثنا يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي .حدثنا
بقية .حدثنا أبو بكر العنسي عن يزيد بن أبي حبيب ،ومحمد بن
يزيد ،المصريين ،قال :حدثنا نافع عن ابن عمر قال :قالت أم
سلمة :يا رسول الله! ل يزال يصيبك ،كل عام ،وجع من الشاة
المسمومة التي أكلت .قال((:ما أصابني شيء منها ،إل وهو
مكتوب علي ،وآدم في طينته)).في الزوائد :في إسناده أبو بكر
العنسي ،وهو ضعيف
الدارمي في مجموعة ابواب في المقدمة باب ما أكرم النبي
صلى الله عليه وسلم من كلم الموتى
-1أخبرنا جعفر بن عون أنا محمد بن عمر الليثي عن أبي سلمة
قال :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الهدية ول يقبل
الصدقة فأهدت له امرأة من يهود خيبر شاة مصلية فتناول منها
وتناول منها بشر بن البراء ثم رفع النبي صلى الله عليه وسلم
يده ،ثم قال إن هذه تخبرني انها مسمومة فمات بشر بن البراء
فأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم ما حملك على ما
صنعت فقالت إن كنت نبيا لم يضرك شيء وإن كنت ملكا أرحت
الناس منك ،فقال في مرضه :ما زلت من الكلة التي أكلت
بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري
-2أخبرنا الحكم بن نافع أنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري
قال :كان جابر بن عبد الله يحدث ان يهودية من أهل خيبر سمت
شاة مصلية ثم أهدتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ
النبي صلى الله عليه وسلم منها الذراع فأكل منها وأكل الرهط
من أصحابه معه ،ثم قال لهم النبيصلى الله عليه وسلم ارفعوا
أيديكم وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليهودية فدعاها،
فقال لها :أسممت هذا الشاة؟ فقالت :نعم ومن أخبرك ،فقال
النبيصلى الله عليه وسلم أخبرتني هذه في يدي الذراع فقالت
نعم قال :فماذا أردت إلى ذلك قالت قلت :إن كان نبيا لم يضره
وإن لم يكن نبيا استرحنا منه فعفا عنها رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولم يعاقبها وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من
الشاة واحتجم النبي صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل
الذي أكل من الشاة حجمه أبو هند مولى بني بياضة بالقرن
والشفرة وهو من بني ثمامة وهم حي من النصار
الحاكم في المستدرك كتاب معرفة الصحابة
315
-1أخبرنا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني
أبي ثنا إبراهيم بن خالد ثنا رباح عن معمر عن الزهري عن عبد
الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه عن أم مبشر
رضى الله تعالى عنها قالت دخلت على رسول اللهصلى الله
عليه وسلمفي وجعه الذي قبض فيه فقلت بأبي أنت يا رسول
الله ما تتهم بنفسك فإني ل اتهم بابني إل الطعام الذي أكله معك
بخيبر وكان ابنها بشر بن البراء بن معرور مات قبل النبي صلى
الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ل
أتهم غيرها هذا أوان انقطاع أبهري هذا صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه
-2حدثنا محمد بن صالح بن هانئ ثنا السري بن خزيمة ثنا عبد
العزيز بن داود الحراني ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو
الليثي عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه أن
امرأة يهودية دعت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابا له على
شاة مصلية فلما قعدوا يأكلون أخذ رسول الله صلى الله عليه
وسلم لقمة فوضعها ثم قال لهم أمسكوا إن هذه الشاة مسمومة
فقال لليهودية ويلك لي شيء سممتني قالت أردت أن أعلم إن
كنت نبيا فإنه ل يضرك وإن كان غير ذلك أن أريح الناس منك
وأكل منها بشر بن البراء فمات فقتلها رسول الله صلى الله
عليه وسلم صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه
الحاكم في كتاب الطعمة
حدثنا أبو أحمد بكر بن محمد الصيرفي بمرو ثنا أبو قلبة
الرقاشي ثنا أبو عتاب سهل بن حماد ثنا عبد الملك بن أبي نضرة
عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضى الله تعالى عنه أن يهودية
أهدت شاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سميطا فلما
بسط القوم أيديهم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم كفوا
أيديكم فإن عضوا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة قال فأرسل
إلى صاحبتها فقال أسممت طعامك هذا قالت نعم أحببت إن
كنت كاذبا أن أريح الناس منك وإن كنت صادقا علمت أن الله
سيطلعك عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذكروا
اسم الله وكلوا فأكلنا فلم يضر أحدا منا شيئا هذا حديث صحيح
السناد ولم يخرجاه
البيهقي في كتاب الجراح باب من سقى رجل سما
-1أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو النضر الفقيه ثنا عثمان
بن سعيد الدارمي ثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي ثنا خالد
بن الحارث ثنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس أن امرأة يهودية
أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء
316
بها فقبل أل نقلتها قال ل قال فما زلت أعرفها في لهوات رسول
الله صلى الله عليه وسلم
-2وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب
ثنا أحمد بن سلمة ومحمد بن النضر ومحمد بن إسماعيل قال بن
النضر أنبأ وقال الخران حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي ثنا خالد
بن الحارث فذكره بمثل إسناده إل أنه قال فجيء بها إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك فقالت أردت لقتلك
فقال ما كان الله ليسلطك على ذلك أو قال علي قالوا أل نقتلها
قال ل ثم ذكر باقي الحديث رواه البخاري في الصحيح عن
الحجبي ورواه مسلم عن يحيى بن حبيب بن عربي
-3أخبرنا أبو علي الروذباري أنبأ أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود ثنا
داود بن رشيد ثنا عباد بن العوام قال وثنا هارون بن عبد الله ثنا
سعيد بن سليمان ثنا عباد عن سفيان بن حسين عن الزهري عن
سعيد وأبي سلمة قال هارون عن أبي هريرة أن امرأة من اليهود
أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة قال فما
عرض لها النبي صلى الله عليه وسلم
-4أخبرنا أبو علي الروذباري أنبأ أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود ثنا
سليمان بن داود المهري ثنا بن وهب أخبرني يونس عن بن
شهاب قال كان جابر بن عبد الله يحدث أن يهودية من أهل خيبر
سمت شاة مصلية ثم أهدتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع فأكل منها وأكل
رهط من أصحابه معه ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم ارفعوا أيديكم وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى اليهودية فدعاها فقال لها أسممت هذا الشاة قالت اليهودية
من أخبرك قال أخبرتني هذه في يدي للذراع قالت نعم قال فما
أردت إلى ذلك قالت قلت إن كان نبيا فلن يضره وإن لم يكن نبيا
استرحنا منه فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم
يعاقبها وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة وأحتجم
رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذي أكل
من الشاة حجمه أبو هند بالقرن والشفرة وهو مولى لبني بياضة
من النصار
-5وأخبرنا أبو علي الروذباري أنبأ أبو بكر ثنا أبو داود ثنا وهب بن
بقية ثنا خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية نحو
حديث جابر قال فمات بشر بن البراء بن معرور فأرسل إلى
اليهودية ما حملك على الذي صنعت فذكر نحو حديث جابر قال
317
فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت ولم يذكر أمر
الحجامة
-6وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا محمد بن صالح بن هانئ ثنا
السري بن خزيمة ثنا عبد العزيز بن داود الحراني ثنا حماد بن
سلمة عن محمد بن عمرو الليثي عن أبي سلمة عن أبي هريرة
أن امرأة يهودية دعت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابا له
على شاة مصلية فلما قعدوا يأكلون أخذ رسول الله صلى الله
عليه وسلم لقمة فوضعها ثم قال لهم أمسكوا إن هذا الشاة
مسمومة فقال لليهودية ويلك لي شيء سممتني قالت أردت أن
أعلم إن كنت نبيا فإنه ل يضرك وإن كان غير ذلك أن أريح الناس
منك فأكل منها بشر بن البراء فمات فقتلها رسول الله صلى الله
عليه وسلم
-7أخبرنا أبو الحسن بن عبدان أنبأ أحمد بن عبيد ثنا إسماعيل بن
إسحاق الثقفي ثنا أبو همام الوليد بن شجاع قال عباد بن العوام
عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي
صلى الله عليه وسلمقتلها يعني التي سمته
-8أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الحارث الصبهاني أنبأ علي
بن عمر الحافظ ثنا أحمد بن إسحاق بن بهلول ثنا أبي ثنا بن أبي
فديك عن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن جده أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر أتي بشاة مسمومة مصلية
أهدتها له امرأة يهودية فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم
هو وبشر بن البراء فمرضا مرضا شديدا عنها ثم إن بشرا توفي
فلما توفي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهودية
فأتى بها فقال ويحك ماذا أطعمتينا قالت أطعمتك السم عرفت
إن كنت نبيا أن ذلك ل يضرك وإن الله سيبلغ فيك أمره وإن كنت
على غير ذلك فأحببت أن أريح الناس منك فأمر بها رسول الله
صلى الله عليه وسلم فصلبت
-9وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو عبد الله بن بطة الصبهاني
ثنا الحسن بن الجهم ثنا الحسين بن الفرج ثنا الواقدي أنبأ يحيى
بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة عن جده
محمد بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر
بها فصلبت بعد أن قتلها قال الواقدي الثبت عندنا أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قتلها وأمر بلحم الشاة فأحرق قال الشيخ
اختلفت الروايات في قتلها ورواية أنس بن مالك أصحها ويحتمل
أنه صلى الله عليه وسلم في البتداء لم يعاقبها حين لم يمت
أحد من أصحابه مما أكل فلما مات بشر بن البراء أمر بقتلها
فأدى كل واحد من الرواة ما شاهد والله أعلم.
318
البيهقي في كتاب الضحايا
-1وحدثنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أنبأ أبو سهل أحمد بن محمد
بن عبد الله بن زياد القطان ثنا محمد بن غالب ثنا أبو حذيفة ثنا
سفيان عن برد عن عطاء عن جابر بن عبد الله رضى الله تعالى
عنه قال كنا نغزو فنأكل في أوعية المشركين ونشرب في
أسقيتهم قال الشافعي في رواية حرملة أهدت للنبي صلى الله
عليه وسلم يهودية شاة محنوذة سمتها في ذراعها فأكل منها هو
يعني وغيره وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زالت
أوان الكلة التي أكلت من الشاة تعادني حتى كان هذا
قطعت أبهري..
-2أخبرنا أبو علي الروذباري أنبأ محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا
يحيى بن حبيب بن عربي ثنا خالد بن الحارث ثنا شعبة عن هشام
بن زيد عن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه أن امرأة يهودية
أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها
فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك
فقالت أردت لقتلك قال ما كان الله ليسلطك على ذلك أو قال
علي قال فقالوا أل نقتلها قال ل قال فما زلت أعرفها في لهوات
رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم في الصحيح عن
يحيى بن حبيب ورواه البخاري عن الحجبي عن خالد وروينا فيه
حديث جابر وغيره في كتاب الجراح
-3حدثنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو بكر محمد بن أحمد بن
يحيى الشفر ثنا يوسف بن موسى المروروذي ثنا أحمد بن صالح
ثنا عنبسة ثنا يونس عن بن شهاب قال قال عروة كانت عائشة
رضى الله تعالى عنها تقول كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول في مرضه الذي توفي فيه يا عائشة أني أجد ألم
الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم
أخرجه البخاري في الصحيح فقال وقال يونس
الدارقطني في كتاب الحدود والديات
نا أحمد بن إسحاق بن بهلول نا أبي نا ابن أبي فديك عن يحيى
بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن جده أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوم خيبر أتى بشاة مسمومة مصلية أهدتها له امرأة
يهودية فأكل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وبشر بن
البراء فمرضا مرضا شديدا عنها ثم إن بشرا توفي فلما توفي
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهودية فأتى بها،
فقال ويحك ماذا أطعمتنا قالت أطعمتك السم عرفت إن كنت
نبيا أن ذلك ل يضرك فإن الله تعالى سيبلغ منك أمره وإن كنت
319
على غير ذلك فأحببت أن أريح الناس منك فأمر بها رسول الله
صلى الله عليه وسلم فصلبت
أحمد في مسند أهل البيت
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا سريج حدثنا عباد عن هلل عن
عكرمة عن ابن عباس أن امرأة من اليهود أهدت لرسول الله
صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فأرسل اليها فقال :ما
حملك على ما صنعت قالت :أحببت أو أردت إن كنت نبيا فإن
الله سيطلعك عليه وإن لم تكن نبيا أريح الناس منك قال :وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد من ذلك شيئا احتجم
قال :فسافر مرة فلما أحرم وجد من ذلك شيئا فاحتجم.
وذكره الشيخ محمد الغزالي في فقه السيرة قال :فلما اطمأن
بها المقام أهدت امرأة سلم بن مشكم للرسول الله صلى الله
عليه وسلم شاة مسمومة وأكثرت من السم في ذراع الشاة لما
عرفته أن الرسول يؤثرها وقد تناول النبي مضغة منها فلكها ثم
لفظها وهو يقول :إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم وكان معه
بشر بن البراء فأساغ اللحم وازدرده فجيء بالمرأة الجانية
فاعترفت بما صنعت وقالت :بلغت من قومي ما ل يخفى عليك
فقلت إن كان ملكا استرحت منه وإن كان نبيا فسيخبر فتجاوز
عنها النبي ثم مات بشر بعد ما سرى السم في جسمه فقيل:
اقتص له منها وقيل بل أسلمت وعفا عنها...
وقفة مع الصحيحين في كون النبي صلى الله عليه وسلم
سحره اليهودي لبيد بن العصم
البخاري في كتاب بدء الخلق؛ وفي كتاب الدب؛ وفي كتاب
الجزية؛ وفي كتاب الدعوات وفي كتاب الطب باب :السحر.
ن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وقول الله تعالى{ :ولك َّ
وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد
حتى يقول إنما نحن فتنة فل تكفر فيتعلمون منها ما يفّرِقون به
بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إل بإذن الله
ن اشتراه ما له م ِويتعلمون ما يضُّرهم ول ينفعهم ولقد علموا ل َ َ
في الخرة من خلق} /البقرة./102 :وقوله تعالى{ :ول يفلح
الساحر حيث أتى} /طه./69:وقوله{ :أفتأتون السحر وأنتم
تبصرون} /النبياء./3:وقوله{ :يُخيَّل إليه من سحرهم أنها تسعى}
/طه./66:
وقوله{ :ومن شّرِ الن َّ َّفاثات في العقد} /الفلق :/4:والنَّفَّاثات:
مون. حرون} /المؤمنون :/89 :تُعَ َّ ْ س َ
السواحر{ .ت ُ ْ
-حدثنا إبراهيم بن موسى :أخبرنا عيسى بن يونس ،عن هشام،
عن أبيه ،عن عائشة رضي الله عنها قالت:
320
ل الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني ُزَريق ،يقال سحر رسو َ
له لبيد بن العصم ،حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله ،حتى إذا كان ذات يوم أو
ت
شعَْر ِذات ليلة وهو عندي ،لكنه دعا ودعا ،ثم قال(:يا عائشة ،أ َ
أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه ،أتاني رجلن ،فقعد أحدهما عند
رأسي ،والخر عند رجلي ،فقال أحدهما لصاحبه :ما وجع الرجل؟
فقال :مطبوب ،قال :من طبَّه؟ قال :لبيد بن العصم ،قال :في
ف طَلْع نخلة ذ َكَر .قال: ج ِّ مشاطة ،و ُ مشط و ُ أي شيء؟ قال :في ُ
وأين هو؟ قال :في بئر ذَْروان) .فأتاها رسول الله صلى الله عليه
وسلم في ناس من أصحابه ،فجاء فقال(:يا عائشة ،كأن ماءها
حنَّاء ،أو كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين) .قلت :يا نُقاعة ال ِ
رسول الله :أفل استخرجته؟ قال(:قد عافاني الله ،فكرهت أن
أثَوَِّر على الناس فيه شراً) .فأمر بها فدُفنت.تابعه أبو أسامة وأبو
ضمرة وابن أبي الزناد ،عن هشام.وقال الليث وابن ع ُيَينة ،عن
مشاقة). مشط و ُ هشام(:في ُ
مشاقة :من مشاطة :ما يخرج من الشعر إذا مشط ،وال ُ يقال :ال ُ
مشاقة الكَتَّان. ُ
باب :هل يُستخرج السحر.
ب ،أو :يُؤخذ وقال قتادة :قلت لسعيد بن المسيَّب :رجل به ط ِ ٌّ
شُر؟ قال :ل بأس به ،إنما يريدون به ل عنه أو يُن َ ّ ِح ُّ
عن امرأته ،أي ُ َ
ه عنه.الصلح ،فأما ما ينفع الناس فلم يُن ْ َ
-حدثني عبد الله بن محمد قال :سمعت ابن ع ُيَينة يقول :أول
جَريج يقول :حدثني آل عروة ،عن عروة، من حدثنا به ابن ُ
فسألت هشاما ً عنه ،فحدثنا عن أبيه ،عن عائشة رضي الله عنها
قالت:
حَر ،حتى كان يرى أنه س ِ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ُ
يأتي النساء ول يأتيهن ،قال سفيان :وهذا أشد ما يكون من
ت أن الله قد أفتاني م ِ السحر ،إذا كان كذا ،فقال(:يا عائشة ،أعَل ِ ْ
فيما استفتيته فيه ،أتاني رجلن ،فقعد أحدهما عند رأسي ،والخر
ي ،فقال الذي عند رأسي للخر :ما بال الرجل؟ قال: عند رجل َّ
مطبوب ،قال :ومن طبَّه؟ قال :لبيد بن أعصم -رجل من بني
مشط ُزَريق حليف ليهود كان منافقا ً -قال :وفيم؟ قال :في ُ
ف طلعةٍ ذ َكَرٍ ،تحت َرعوفة في ج ِّ مشاقة ،قال :وأين؟ قال :في ُ و ُ
بئر ذروان) .قالت :فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى
استخرجه ،فقال(:هذه البئر التي أريتها ،وكأن ماءها نقاعة الحنَّاء،
وكأن نخلها رؤوس الشياطين) .قال :فاستخرج ،قالت :فقلت:
321
شرت -فقال(:أما والله فقد شفاني الله ،وأكره أن أفل؟ -أي تن َّ
أثير على أحد من الناس شراً).
باب :السحر.
-حدثنا عبيد بن إسماعيل :حدثنا أبو أسامة ،عن هشام ،عن
أبيه ،عن عائشة قالت:
سحر النبي صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليخيل إليه أنه يفعل ُ
الشيء وما فعله ،حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي ،دعا الله
ت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما شعَْر ِودعاه ،ثم قال(:أ َ
استفتيته فيه) .قلت :وما ذاك يا رسول الله؟ قال(:جاءني رجلن،
ي ،ثم قال أحدهما فجلس أحدهما عند رأسي ،والخر عند رجل َّ
لصاحبه :ما وجع الرجل؟ قال :مطبوب ،قال :ومن طبَّه؟ قال:
لبيد بن العصم اليهودي من بني ُزَريق ،قال :في ماذا؟ قال :في
ف طَلْعَةٍ ذ َكَر ،قال :فأين هو؟ قال :في بئر ج ِّمشاطة و ُ مشط و ُ ُ
ذي أروان) .قال :فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في أناس
من أصحابه إلى البئر ،فنظر إليها وعليها نخل ،ثم رجع إلى
عائشة فقال(:والله لكأن ماءها نقاعة الحنَّاء ،ولكأن نخلها رؤوس
الشياطين) .قلت :يا رسول الله أفأخرجته؟ قال(:ل ،أما أنا فقد
عافاني الله وشفاني ،وخشيت أن أثوِّر على الناس منه شراً).
أمر بها فدُفنت.
البخاري كتاب الدعوات باب :تكرير الدعاء.
-حدثنا إبراهيم بن منذر :حدثنا أنس بن عياض ،عن هشام ،عن
أبيه ،عن عائشة رضي الله عنها:
ب ،حتى أنه ليخيل إليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ط ُ َّ
أنه قد صنع الشيء وما صنعه ،وإنه دعا ربه ،ثم قال(:أشعرت أن
الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه) .فقالت عائشة :فما ذاك يا
رسول الله؟ قال(:جاءني رجلن ،فجلس أحدهما عند رأسي،
والخر عند رجلي ،فقال أحدهما لصاحبه :ما وجع الرجل؟ قال:
مطبوب ،قال :من طبَّه؟ قال :لبيد بن العصم ،قال :في ماذا؟
قال :في مشط ومشاطة وجف طلعة ،قال :فأين هو؟ قال :في
ذروان) .وذروان بئر في بني زريق ،قالت :فأتاها رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى عائشة ،فقال(:والله لكأن
ماءها نقاعة الحناء ،ولكأن نخلها رؤوس الشياطين) .قالت :فأتى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرها عن البئر ،فقلت :يا
رسول الله فهل أخرجته؟ قال(:أما أنا فقد شفاني الله ،وكرهت
أن أثير على الناس شراً).
322
زاد عيسى بن يونس والليث بن سعد ،عن هشام ،عن أبيه ،عن
عائشة قالت :سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فدعا
ودعا ،وساق الحديث.
مسلم في كتاب السلم ؛ باب السحر
حدثنا أبو كريب .حدثنا ابن نمير عن هشام ،عن أبيه ،عن
عائشة .قالت:
سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي من يهود بني
زريق .يقال له :لبيد بن العصم .قالت :حتى كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء ،وما يفعله.
حتى إذا كان ذات يوم ،أو ذات ليلة ،دعا رسول الله صلى الله
عليه وسلم .ثم دعا .ثم دعا .ثم قال "يا عائشة! أشعرت أن الله
أفتاني فيما استفتيته فيه؟ جاءني رجلن فقعد أحدهما عند رأسي
والخر عند رجلي .فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي ،أو
الذي عند رجلي للذي عند رأسي :ما وجع الرجل؟ قال :مطبوب.
قال :من طبه؟ قال :لبيد بن العصم .قال :في آي شيء؟ قال:
في مشط ومشاطه .قال وجب طلعة ذكر .قال :فأين هو؟ قال:
في بئر ذي أروان".
قالت :فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من
أصحابه .ثم قال "يا عائشة! والله! لكأن ماءها نقاعة الحناء.
ولكأن نخلها رؤوس الشياطين".
قالت فقلت :يا رسول الله! أفل أحرقته؟ قال "ل .أما أنا فقد
عافاني الله .وكرهت أن أثير على الناس شرا .فأمرت بها
فدفنت".
حدثنا أبو كريب .حدثنا أو أسامة .حدثنا هشام عن أبيه ،عن
عائشة .قالت:
سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم .وساق أبو كريب الحديث
بقصته ،نحو حديث ابن نمير .وقال فيه :فذهب رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى البئر .فنظر إليها وعليها نخل .وقالت :قلت:
يا رسول الله! فأخرجه .ولم يقل :أفل أحرقته؟ ولم يذكر"
فأمرت بها فدفنت".
- Jوروى وكيع ـ رفعه عن فهد بن عطية ـ أن النبي صلى الله
ب لم يتكلم قط،فقال :من أنا؟ ي بصبي قد ش َّ ُ
عليه وسلم أت ِ َ
فقال رسول الله.
Jوروي عن معرض بن معيقيب :رأيت من النبي صلى الله عليه
وسلم عجباً ،جيء بصبي يوم وُلِد ...فذكر مثله.
323
وهو حديث مبارك اليمامة ،ويُعرف بحديث شاصونه :اسم راويه،
وفيه :فقال له صلى الله عليه وسلم :صدقت بارك الله فيك .ثم
ب ،فكان يسمى مبارك اليمامة. إن الغلم لم يتكلم بعدها حتى ش َّ
وكانت هذه القصة بمكة في حجة الوداع.
قلت :أخرجه البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
باب ما جاء في شهادة الرضيع والبكم لنبينا بالرسالة إن صحت
فيه الرواية
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان حدثنا أحمد بن عبيد
الصفار حدثنا محمد بن يونس الكديمي حدثنا شاصونة بن عبيد
أبو محمد اليمامي وانصرفنا من عدن بقرية يقال لها لحردة قال
حدثني معرض بن عبد الله بن معرض بن معيقيب اليماني عن
أبيه عن جده قال حججت حجة الوداع فدخلت دارا بمكة فرأيت
فيها رسول الله ووجهه مثل داره القمر وسمعت منه عجبا جاءه
رجل بغلم يوم ولد فقال له رسول الله يا غلم من أنا قال أنت
رسول الله قال صدقت بارك الله فيك ثم أن الغلم لم يتكلم بعد
ذلك حتى شب قال قال أبي فكنا نسميه مبارك اليمامة.
قال شاصونة بن عبيد وقد كنت أمر على معمر فلم أسمع منه
واخبرنا أبو سعد عبد الملك بن أبي عثمان الزاهد أنبأنا أبو
الحسين محمد بن أحمد بن جميع الغساني بثغر صيدا أنبأنا
العباس بن محبوب بن عثمان بن عبيد ابو الفضل حدثنا أبي حدثنا
جدي شاصونة بن عبيد قال حدثنا معرض بن عبد الله بن معيقيب
عن أبيه عن جسده قال حججت حجة الوداع فدخلت دارا بمكة
فرأيت فيها رسول الله ووجهه كدارة القمر فسمعت منه عجبا
أتاه رجل من أهل اليمامة بغلم يوم ولد وقد لفه في خرقة فقال
له رسول الله يا غلم من أنا فقال أنت رسول الله فقال له بارك
الله فيك ثم أن الغلم لم يتكلم بعدها
ورواه أبو الفضل أحمد بن خلف بن محمد المقرىء القزويني
عن أبي الفضل العباس بن محبوب بن شاصونه ذكره شيخنا أبو
عبد الله الحافظ عن أبي الحسن عن ابن العباس الوراق عن
أحمد بن خلف قال ابو عبد الله وقد أخبرني الثقة من أصحابنا
عن أبي عمر الزاهد قال لما دخلت اليمن دخلت حردة فسألت
عن هذا الحديث فوجدت فيها لشاصونة أعقابا وحملت إلى قبره
فزرته.
قلت ولهذا الحديث أصل من حديث الكوفيين باسناد مرسل
بخلفه في وقت الكلم
أخبرنا أبو القاسم زيد بن أبي هاشم العلوي بالكوفة أنبأنا أبو
جعفر محمد بن علي بن دحيم حدثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي
324
أنبأنا وكيع بن الجراح عن العمش عن شمر بن عطية عن بعض
أشياخه أن النبي أتي بصبي قد شب لم يتكلم قط قال من أنا
قال أنت رسول الله.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب
حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن العمش عن
شمر بن عطية عن بعض أشياخه قال جاءت امرأة بابن لها إلى
رسول الله قد تحرك فقالت يا رسول الله إن ابني هذا لم يتكلم
منذ ولد فقال رسول الله ادنيه فأدنته منه فقال من أنا فقال أنت
رسول الله.
- Jوعن الحسن :أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم ،فذكر أنه
طرح بنية له في وادي كذا ،فانطلق معه إلى الوادي ،وناداها
باسمها :يا فلنة ،أجيبي بإذن الله فخرجت وهي تقول :لبييك
وسعديك! فقال لها :إن أبويك قد أسلما ،فإن أحببت أن أردك
عليهما؟ قالت :ل حاجة لي فيهما ،و جدت الله خيرا منهما.
- Jوعن أنس أن شابا ً من النصار توفي وله أم عجوز عمياء،
فسجيناه ،وعزيناها ،فقالت :مات ابني؟ قلنا :نعم .قالت :اللهم
إن كنت تعلم أني هاجرت إليك وإلى نبيك رجاء أن تعينني على
كل شدة فل تحملن علي هذه المصيبة .فما برحنا أن كشف
الثوب عن وجهه ،فطعم وطعمنا.
قلت :أخرجه البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
باب ما جاء في المهاجرة إلى النبي التي أحيا الله تعالى بدعائها
ولدها بعد ما مات وما جاء في الكرامات التي ظهرت على العلء
بن الحضرمي وأصحابه
أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنبأنا أبو عمرو بن مطر حدثنا أبو
العباس بن أبي الدميك ببغداد(ح)
وأنبأنا أبو سعد الماليني أنبأنا أبو أحمد بن عدي الحافظ حدثنا
محمد بن طاهر بن أبي الدميك حدثنا عبيد بن عائشة حدثنا صالح
المري حدثنا ثابت عن أنس قال عدنا شابا من النصار وعنده أم
له عجوز عمياء قال فما برحنا أن فاض يعني مات ومددنا على
وجهه الثوب وقلنا لمه يا هذه احتسبي مصابك عند الله قالت
أمات ابني قلت نعم قالت اللهم إن كنت تعلم إني هاجرت إليك
وإلى نبيك رجاء أن تعينني عند كل شديدة فل تحمل علي هذه
المصيبة اليوم قال أنس فو الله ما برحت حتى كشف الثوب عن
وجهه وطعم وطعمنا معه.
وأخبرنا أبو الحسين بن بشران أنبأنا الحسين بن صفوان حدثنا
عبد الله بن أبي الدنيا حدثنا خالد بن خداس بن عجلن المهلبي
وإسماعيل بن إبراهيم بن بسام قال حدثنا صالح المري عن ثابت
325
البناني عن أنس بن مالك قال عدت شابا من النصار فما كان
بأسرع من أن مات فأغمضناه ومددنا عليه الثوب قال بعضنا لمه
احتسبيه قالت وقد مات قلنا نعم قالت أحق ما تقولون قلنا نعم
فمدت يديها إلى السماء وقالت اللهم إني آمنت بك وهاجرت إلى
رسولك فإذا نزلت بي شديدة دعوتك ففرجتها فأسألك اللهم ل
تحمل علي هذه المصيبة اليوم قال فكشف الثوب عن وجهه فما
برحنا حتى أكلنا وأكل معنا
صالح بن بشير المري من صالحي أهل البصرة وقصاصهم تفرد
بأحاديث مناكير عن ثابت وغيره وقد روى حذيفة هذا من وجه
آخر مرسل بين ابن عوف وأنس بن مالك
أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي حدثنا أبو
أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق الحافظ حدثنا أبو
الليث سهل بن معاذ التميمي بدمشق حدثنا أبو حمزة إدريس بن
يونس حدثنا محمد بن يزيد بن سلمة حدثنا عيسى بن يونس عن
عبدالله بن عون عن أنس قال أدركت في هذه المة ثلثا لو كانوا
في بني إسرائيل لما تقاسمتها المم لكان عجبا قلن ما هن يا أبا
حمزة قال كنا في الصفة عند رسول الله فأتته امرأة مهاجرة
ومعها ابن لها قد بلغ فأضاف المرأة إلى النساء وأضاف ابنها إلينا
فلم يلبث أن أصابه وباء المدينة فمرض أياما ثم قبض فغمضه
النبي وأمر بجهازه فلما أردنا أن نغسله قال يا أنس ائت أمه
فأعلمها قال فأعلمتها فجاءت حتى جلست عند قدميه فأخذت
بهما ثم قالت اللهم إني أسلمت لك طوعا وخلعت الوثان زهدا
وهاجرت إليك رغبة اللهم ل تشمت بي عبدة الوثان ول تحملني
من هذه المصيبة ما ل طاقة لي بحملها قال فو الله ما تقضى
كلمها حتى حرك قدميه وألقى الثوب عن وجهه وعاش حتى
قبض الله رسول وحتى هلكت أمه...
-وروي عن عبد الله بن عبيد الله النصاري :كنت فيمن دفن ثابت
بن قيس بن شماس ،وكان قتل باليمامة ،فسمعناه حين أدخلناه
القبر يقول :محمد رسول الله ،أبو بكر الصديق ،عمر الشهيد،
عثمان البر الرحيم ،فنظرنا فإذا هو ميت.
-وذكر عن النعمان بن بشير أن زيد بن خارجة خر ميتا ً في بعض
أزقة المدينة ،فرفع وسجي إذ سمعوه بين العشاءين والنساء
يصرخن حوله يقول :أنصتوا،أنصتوا ،فحسر عن وجهه،فقال:
محمد رسول الله ،النبي المي ،وخاتم النبيين ،كان ذلك في
الكتاب الول ،ثم قال صدق ،صدق ،وذكر أبا بكر ،وعمر،
326
وعثمان ،ثم قال :السلم عليك يا رسول الله،ورحمة الله و
بركاته ،ثم عاد ميتا ً كما كان.
قلت :أخرج البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
باب ما جاء في شهادة الميت لرسول الله بالرسالة والقائمين
بعده بالخلفة والرواية في ذلك صحيحة ثابتة وفي ذلك دللة
ظاهرة من دللت النبوة
أخبرنا أبو صالح بن أبي طاهر العنبري أنبأنا جدي يحيى بن
منصور القاضي حدثنا أبو علي محمد بن عمر وكشمرد أنبأنا
القعنبي حدثنا سليمان بن بلل عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن
المسيب أن زيد بن خارجة النصاري ثم من بني الحارث بن
الخزرج توفي زمن عثمان بن عفان فسجى في ثوبه ثم أنهم
سمعوا جلجلة في صدره ثم تكلم ثم قال أحمد أحمد في الكتاب
الول صدق صدق أبو بكر الصديق الضعيف في نفسه القوي في
أمر الله في الكتاب الول صدق صدق عمر بن الخطاب القوي
المين في الكتاب الول صدق صدق عثمان بن عفان على
منهاجهم مضت أربع وبقيت اثنتان أتت الفتن وأكل الشديد
الضعيف وقامت الساعة وسيأتيكم من جيشكم خبر بئر أريس
وما بئر أريس
قال يحيى قال سعيد ثم هلك رجل من خطمة فسجى بثوبه
فسمع جلجلة في صدره ثم تكلم فقال ان أخا بني الحارث بن
الخزرج صدق صدق
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه
أنبأنا قريش بن الحسن حدثنا القعنبي فذكره بإسناده نحوه وهذا
إسناد صحيح وله شواهد
أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد أنبأنا ابو علي الحسين بن
صفوان حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن
ابن يونس حدثنا عبد الله بن إدريس عن إسماعيل ابن أبي خالد
قال جاءنا يزيد بن النعمان بن بشير إلى حلقة القاسم ابن عبد
الرحمن بكتاب أبيه النعمان بن بشير بسم الله الرحمن الرحيم
من النعمان بن بشير إلى أم عبد الله بنت أبي هاشم سلم عليك
فإني أحمد إليك الله الذي ل إله إل هو فإنك كتبت إلي لكتب
إليك بشأن زيد بن خارجة وأنه كان من شأنه أنه أخذه وجع في
حلقه وهو يومئذ من أصح أهل المدينة فتوفي بين صلة الولى
وصلة العصر فأضجعناه لظهره وغشيناه بردين وكساء فأتاني
آت في مقامي وأنا أسبح بعد العصر فقال ان زيدا قد تكلم بعد
وفاته فانصرفت إليه مسرعا وقد حضره قوم من النصار وهو
يقول أو يقال على لسان الوسط أجلد القوم الذي كان ل يبالي
327
في الله عز وجل لومة لئم كان ل يأمر الناس أن يأكل قويهم
ضعيفهم عبد الله أمير المؤمنين صدق صدق كان ذلك في
الكتاب الول قال ثم قال عثمان أمير المؤمنين وهو يعافي الناس
من ذنوب كثيرة خلت ليلتان وهي أربع ثم اختلف الناس وأكل
بعضهم بعضا فل نظام وأبيحت الحماء ثم ارعوى المؤمنون
وقالوا كتاب الله وقدره أيها الناس أقبلوا على أميركم واسمعوا
وأطيعوا فمن تولى فل يعهدن ذما كان أمر الله قدرا مقدورا الله
أكبر هذه الجنة وهذه النار هؤلء والنبيون والصديقون سلم عليك
يا عبد الله بن رواحه هل احسست لي خارجة لبيه وسعدا اللذين
قتل يوم أحد(كل إنها لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى
فجمع فأوعى) ثم خفض صوته فسألت الرهط عما سبقني من
كلمه فقالوا سمعناه يقول انصتوا انصتوا فنظر بعضنا إلى بعض
فإذا الصوت من تحت الثياب فكشفنا عن وجهه فقال هذا أحمد
رسول الله سلم عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ثم قال
أبو بكر الصديق المين خليفة رسول الله كان ضعيفا في جسمه
قويا في أمر الله صدق صدق وكان في الكتاب الول
وأخبرنا أبو نصر بن قتادة أنبأنا أبو عمرو بن نجيد حدثنا علي بن
الحسين بن الجنيد حدثنا المعافى بن سليمان حدثنا زهير يعني
ابن معاوية أنبأنا إسماعيل بن أبي خالد فذكره باسناده ومعناه
زاد في وسط الحديث وكان ذلك على تمام سنتين خلتا من إمارة
عثمان وقال في آخره فأما قوله خلت ليلتان وبقي أربع فالسنتان
اللتان خلتا من إمارة عثمان قال فلم أزل أحفظ العدة الربع
البواقي وأتوقع ما هو كائن فيهن فكان فيهن انتزاء أهل العراق
وخلفهم وارجاف المرجفين وطعنهم على أميرهم الوليد بن
عقبة والسلم ورحمة الله
قلت هذا إسناد صحيح وروى ذلك أيضا عن حبيب بن سالم عن
النعمان بن بشير وذكر فيه بئر أريس كما ذكر في رواية ابن
المسيب والمر فيها أن النبي اتخذ خاتما فكان في يده ثم كان
في يد أبي بكر من بعده ثم كان في يد عمر ثم كان في يد
عثمان حتى وقع في بئر أريس بعد ما مضى من خلفته ست
سنين فعند ذلك تغيرت عمال وظهرت أسباب الفتن كما قيل
على لسان زيد بن خارجة قال البخاري في كتاب التاريخ زيد بن
خارجة الخزرجي النصاري شهد بدرا توفي في زمن عثمان هو
الذي تكلم بعد الموت
أخبرناه أبو بكر الفارسي أنبأنا أبو إسحاق الصبهاني حدثنا أبو
أحمد بن فارس حدثنا محمد بن إسماعيل فذكره وقد روي في
التكلم بعد الموت عن جماعة بأسانيد صحيحة
328
أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنبأنا الحسين بن صفوان حدثنا
ابن أبي الدنيا حدثنا خلف بن هشام البزار حدثنا خالد الطحان
عن حصين عن عبد الله بن عبيد النصاري أن رجل من قتلى
مسيلمة تكلم فقال محمد رسول الله أبو بكر الصديق عثمان
المين الرحيم ل أدري أيش قال لعمر
وقد أنبأنا أبو سعيد بن أبي عمر وحدثنا أبو العباس محمد بن
يعقوب حدثنا يحيى بن أبي طالب أنبأنا علي بن عاصم أنبأنا
حصين بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبيد النصاري قال بينما
هم يصورون القتلى يوم صفين أو يوم الجمل إذ تكلم رجل من
النصار من القتلى فقال محمد رسول الله أبو بكر الصديق عمر
الشهيد عثمان الرحيم ثم سكت خالد الطحان احفظ من علي بن
عاصم وأوثق والله أعلم.
----------------------
.25القول القوم في معجزات النبي الكرم( ..)7إبراء
المرضى
الفصل العشرون:
في إبراء المرضى وذوي العاهات.
أخبرنا أبو الحسن علي بن مشرف فيما أجازنيه و قرأته على
غيره ،قال :حدثنا أبو إسحاق الحبال ،قال :حدثنا أبو محمد بن
النحاس ،حدثنا ابن الورد ،عن البرقي ،عن ابن هشام ،عن زباد
البكائي ،عن محمد بن إسحاق ،حدثنا ابن شهاب ،وعاصم بن
عمر بن قتادة وجماعة ذكرهم بقضية أحد بطولها ،قال:
وقالوا:قال سعد بن أبي وقاص:إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ليناولني السهم ل نصل له ،فيقول :ارم به .وقد رمى
رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ عن قوسه حتى اندقت،
قلت :قال ابن إسحاق :وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله
ومعه لواؤه حتى قتل وكان الذي قتله ابن قمئة الليثي وهو يظن
أنه رسول الله فرجع إلى قريش فقال قتلت محمدًا… فلما قتل
مصعب أعطى رسول الله اللواء علي بن أبي طالب..
قال ابن أسحاق وقد قتل علي بن أبي طالب طلحة بن أبي
طلحة وهو يحمل لواء قريش والحكم بن الخنس بن شريق وعبد
الله بن حميد بن زهير وأبا أمية بن أبي حذيفة بن أبي المغيرة
وأخذ اللواء بعد طلحة أبو سعد بن أبي طلحة فقال سعد بن أبي
وقاص رميته فأصبت حنجرته فاندلع لسانه اندلع لسان الكلب..
قال ابن إسحاق فحدثني صالح بن كيسان عن بعض آل سعد عن
سعد بن أبي وقاص أنه رمى يوم أحد دون رسول الله؛ قال سعد
329
فلقد رأيت رسول الله يناولني النبل ويقول :إرم فداك أبي
وأمي ..حتى أنه ليناولني السهم ما له من نصل فأرمي به.
أخبرنا أبو علي الروذباري وأبو عبد الله الحسين بن عمرو بن
برهان البغدادي بها في آخرين قالوا أخبرنا اسماعيل بن محمد
الصفار قال حدثنا الحسن بن عرفة قال حدثنا مروان بن معاوية
عن هاشم بن هاشم الزهري قال سمعت سعيد بن المسيب
يقول سمعت سعد بن أبي وقاص يقول :نثل لي رسول الله...
قال الحسن بن عرفة يعني نفض كنانته يوم أحد وقال :إرم فداك
أبي وأمي" .رواه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن محمد عن
مروان بن معاوية...
البخاري :حدثني عبد الله بن محمد :حدثنا مروان بن معاوية:
حدثنا هاشم بن هاشم السعدي قال :سمعت سعيد بن المسيب
يقول :سعد بن أبي وقاص يقول :نثل لي النبي صلى الله عليه
وسلمكنانته يوم أحد ،فقال(:أرم فداك أبي وأمي).
-حدثنا مسدد :حدثنا يحيى ،عن يحيى بن سعيد قال :سمعت
سعيد ابن المسيب قال :سمعت سعدًا يقول :جمع لي النبي
صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد.
-حدثنا قتيبة :حدثنا ليث ،عن يحيى ،عن ابن المسيب أنه قال:
قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه :لقد جمع لي رسول الله
صلى الله عليه وسلم يوم أحد أبويه كليهما ،يريد حين قال(:فداك
أبي وأمي) وهو يقاتل.
-حدثنا أبو نعيم :حدثنا مسعر ،عن سعد ،عن ابن شداد قال:
سمعت عليًا رضي الله عنه يقول :ما سمعت النبي صلى الله
عليه وسلم يجمع أبويه لحد غير سعد.
-حدثنا يسرة بن صفوإن :حدثنا إبراهيم ،عن أبيه ،عن عبد الله
ابن شداد ،عن علي رضي الله عنه قال :ما سـمعت النبي صلى
الله عليه وسلم جمـع أبويه لحد إل لسعد بن مالك ،فإني سمعته
يقول يوم أحد(:يا سعد ارم ،فداك أبي وأمي).
مسلم حدثنا منصور بن أبي مزاحم .حدثنا إبراهيم(يعني ابن
سعد) عن أبيه ،عن عبد الله بن شداد .قال :سمعت عليا يقول:
ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لحد ،غير سعد
بن مالك .فإنه جعل يقول له ،يوم أحد" :ارم .فداك أبي وأمي!".
حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب .حدثنا سليمان(يعني ابن
بلل) عن يحيى(وهو ابن سعيد) عن سعيد ،عن سعد بن أبي
وقاص قال:لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه
يوم أحد.
330
حدثنا محمد بن عباد .حدثنا حاتم(يعني ابن إسماعيل) عن بكير
بن مسمار ،عن عامر بن سعد ،عن أبيه؛
أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه يوم أحد .قال :كان
رجل من المشركين قد أحرق المسلمين .فقال له النبي صلى
الله عليه وسلم" :ارم .فداك أبي وأمي!" قال فنزعت له بسهم
ليس فيه نصل .فأصبت جنبه فسقط .فانكشفت عورته .فضحك
رسول الله صلى الله عليه وسلم .حتى نظرت إلى نواجذه.
قال ابن حجر:
نثل بفتح النون والمثلثة أي :نفض وزنًا ومعنى والكنانة جعبة
السهام وتكون غالبًا من جلود وقوله في الرواية الثالثة :كلهما
كذا لبي ذر وأبي الوقت ولغيرهما كليهما وهما جائزان ,وقوله:
"ارم فداك أبي وأمي" هو تفسير لما في الروايتين الخريين من
قوله جمع لي أبويه ورأيت في هذا الحديث زيادة من وجه آخر
مرسل أخرجها بن عائذ عن الوليد بن مسلم عن يحيى بن حمزة
قال قال سعد رميت بسهم فرد علي النبي صلى الله عليه وسلم
سهمي أعرفه حتى واليت بين ثمانية أو تسعة كل ذلك يرده علي
فقلت هذا سهم دم فجعلته في كنانتي ل يفارقني ,وعند الحاكم
لهذه القصة بيان سبب فأخرج من طريق يونس بن بكير وهو في
المغازي روايته من طريق عائشة بنت سعد عن أبيها قال جال
الناس يوم أحد تلك الجولة تنحيت فقلت أذود عن نفسي فأما أن
أنجو وإما أن استشهد فإذا رجل محمر وجهه وقد كاد المشركون
أن يركبوه فمل يده من الحصى فرماهم وإذا بيني وبينه المقداد
فأردت أن أسأله عن الرجل فقال لي :يا سعد هذا رسول الله
يدعوك .فقمت وكأنه لم يصبني شيء من الذى وأجلسني أمامه
فجعلت أرمي .فذكر الحديث الحديث السادس أورده من وجهين
قوله عن سعد هو بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وابن
شداد هو عبد الله كما في الرواية الثانية وأبوه صحابي جليل
ويسرة بفتح التحتانية والمهملة وإبراهيم هو بن سعد بن إبراهيم
المذكور قوله وغير سعد أي بن أبي وقاص وهو بن مالك كما في
الرواية الثانية وقوله فيها إل لسعد بن مالك في رواية
الكشميهني غير سعد بن مالك..
-وأصيب يومئذ عين قتادة ـ يعني ابن النعمان ـ حتى وقعت على
وجنته ،فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فكانت أحسن
عينيه.
-وروى قصة قتادة عاصم بن عمر بن قتادة ،و يزيد بن عياض بن
عمر بن قتادة.
ورواها أبو سعيد الخدري عن قتادة.
331
أخرجه أبو نعيم في دلئل النبوة
أخبرنا أبو نصر سهل بن محمد النيسابوري أنا أبو عبد الرحمن
الشاذياخي أنا أبو بكر الجوزقي ثنا أبو العباس الدغولي أنا أبو
بكر هو ابن أبي خيثمة ثنا مالك ابن إسماعيل ثنا ابن الغسيل ثنا
عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان عن جده قتادة أنه أصيب
عينه يوم بدر فسالت حدقته على وجنته فأراد القوم أن يقطعوها
فقالوا :تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم تستشيره في
ذلك فجاء نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فأدناه
رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فرفع حدقته حتى وضعها
موضعها ثم غمزها براحته وقال" :اللهم اكسه جمال" فمات وما
يدري من لقيه أي عينيه أصيبت.
كما أخرجه البيهقي في دلئل النبوة
أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد الماليني قال أخبرنا أبو أحمد عبد
الله ابن عدي الحافظ قال أخبرنا أبو يعلي قال أخبرنا يحيى
الحماني قال أخبرنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل عن
عاصم بن عمر بن قتادة عن أبيه عن قتادة بن النعمان أنه
أصيبت عينه يوم بدر فسالت حدقته على وجنته فأرادوا أن
يقطعوها فسألوا رسول الله فقال( :ل) فدعا به فغمز حدقته
براحته فكان ل يدري أي عينيه أصيبت.
قال اللباني :صحيح بتعدد طرقه عن عاصم بن عمر بن قتادة
عن أبيه عن جده قتادة ابن النعمان أنه أصيبت عينه يوم بدر
فسالت حدقته على وجنته فأرادوا أن يقطعوها فسألوا النبي
صلى الله عليه وسلم فقال(:ل) فدعا به فغمز عينيه براحته...
فكان ل يدري أي عينيه أصيبت.
-وبصق على أثر سهم في وجه أبي قتادة في يوم ذي قرد ،قال:
فما ضرب عل َّ
ي ول قاح.
أخرج البيهقي في دلئل النبوة قال" :ما هذا بوجهك يا أبا قتادة؟"
قال قلت بأبي وأمي سهم أصابني والذي أكرمك بما أكرمك لقد
ظننت أني نزعته .قال":ادن مني يا أبا قتادة" قال :فدنوت منه
قال فنزع النصل نزع ًا رفيقًا ثم بزق فيه رسول الله ووضع راحته
عليه فوالذي أكرم محمدًا بالنبوة ما ضرب علي ساعة قط ول
قرح علي..
-وروى النسائي ،عن عثمان بن حنيف ـ أن أعمى قال :يا رسول
الله ،ادعو الله أن يكشف لي عن بصري.
قال" :فانطلق فتوضأ :ثم صلى ركعتين ،ثم قل ،اللهم إني أسألك
وأتوجه إليك بنبي محمد نبي الرحمة ،يا محمد ،إني أتوجه بك إلى
ربك أن يكشف عن بصري ،اللهم شفعه في".
332
قال :فرجع و قد كشف الله عن بصره.
قلت :أخرج هذا الحديث كل من:
* ابن ماجه
حدثنا أحمد بن منصور بن يسار ثنا عثمان بن عمر ثنا شعبة عن
أبي جعفر المدني عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن
حنيف أن رجل ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال :ادع الله لي أن يعافيني .فقال" :إن شئت أخرت لك وهو
خير وإن شئت دعوت" فقال :ادعو .فأمره أن يتوضأ فيحسن
وضوءه ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء" :اللهم إني أسألك
وأتوجه إليك بمحمد نبي الرحمة يا محمد إني قد توجهت بك إلى
ربي في حاجتي هذه لتقضى اللهم فشفعه في" قال أبو إسحاق:
هذا حديث صحيح.
* الترمذي
حدثنا محمود بن غيلن حدثنا عثمان بن عمر حدثنا شعبة عن
أبي جعفر عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف أن
رجل ً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :ادع الله
أن يعافيني .قال :إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك.
قال :فادعه قال :فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا
الدعاء اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة
إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي اللهم
فشفعه في قال هذا حديث حسن صحيح غريب ل نعرفه إل من
هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو الخطمي وعثمان بن حنيف
هو أخو سهل بن حنيف.
* الحاكم
أخبرنا أحمد بن سلمان الفقيه ثنا الحسن بن مكرم ثنا عثمان بن
عمرو ثنا شعبة وأخبرنا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد بن
حنبل حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي جعفر
المدني قال :سمعت عمارة بن خزيمة يحدث عن عثمان بن
حنيف رضى الله تعالى عنه أن رجل ً ضريًرا أتى النبي صلى الله
عليه وسلم فقال :ادع الله تعالى أن يعافيني قال :إن شئت
أخرت ذلك وإن شئت دعوت .قال :فادعه .قال :فأمره أن يتوضأ
فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء "اللهم أسألك
وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمن يا
محمد إني أتوجه بك إلى ربك في حاجتي هذه فتقضيها لي اللهم
شفعه في وشفعني فيه" هذا حديث صحيح السناد ولم يخرجاه.
* ابن خزيمة
333
حدثنا محمد بن بشار وأبو موسى قال حدثنا عثمان بن عمر نا
شعبة عن أبي جعفر المدني قال سمعت عمارة بن خزيمة يحدث
عن عثمان بن حنيف أن رجل ً ضريًرا أتى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال :ادع الله أن يعافيني .قال :إن شئت أخرت ذلك وهو
خير وإن شئت دعوت قال أبو موسى قال :فادعه وقال فأمره أن
يتوضأ قال بندار فيحسن وقال ويصلي ركعتين ويدعوا بهذا الدعاء
اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد
إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضي لي اللهم
شفعه في زاد أبو موسى وشفعني فيه قال :ثم كأنه شك بعد في
وشفعني فيه.
* أحمد
-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عثمان بن عمر أنبأنا شعبة عن
أبي جعفر قال سمعت عمارة بن خزيمة يحدث عن عثمان بن
حنيف-:أن رجل ً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال :ادع الله أن يعافيني .قال :إن شئت دعوت لك وإن شئت
أخرت ذاك فهو خير فقال :ادعه فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه
فيصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء اللهم إني أسألك وأتوجه إليك
بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في
حاجتي هذه فتقضي لي اللهم شفعه ف َّ
ي.
-حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا روح قال حدثنا شعبة عن أبي
جعفر المديني قال سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث عن
عثمان بن حنيف-:أن رجل ً ضريًرا أتى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال :يا نبي الله ادع الله أن يعافيني فقال :إن شئت أخرت ذلك
فهو أفضل لخرتك وإن شئت دعوت لك .قال :ل بل ادع الله لي.
فأمره أن يتوضأ وأن يصلي ركعتين وأن يدعو بهذا الدعاء اللهم
إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي
الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضي
وتشفعني فيه وتشفعه في .قال :فكان يقول هذا مراًرا ثم قال
بعد أحسب أن فيها أن تشفعني فيه قال ففعل الرجل فبرأ.
* المنذري
عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه أن أعمى أتى إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال :يا رسول الله ادع الله أن
يكشف لي عن بصري قال :أو أدعك قال يا رسول الله إنه قد
شق علي ذهاب بصري قال ":فانطلق فتوضأ ثم صل ركعتين ثم
قل اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيي محمد صلى الله عليه
وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه إلى ربي بك أن يكشف لي
334
عن بصري اللهم شفعه في وشفعني في نفسي" فرجع وقد
كشف الله عن بصره..
-وروي أن ابن ملعب السنة أصابه استسقاء ،فبعث إلى النبي
صلى الله عليه وسلم ،فأخذ بيده حثوة من الرض ،فتفل عليها
ثم أعطاها رسوله ،فأخذها متعجباً ،يرى أنه قد هزىء به ،فأتاه
بها ،وهو على شفا ،فشربها ،فشفاه الله.
-وذكر العقيلي عن حبيب بن فديك ،ويقال فريك ـ أن أباه ابيضت
عيناه ،فكان ل يبصر بهما شيئاً ،فنفث رسول الله صلى الله عليه
وسلم في عينيه ،فأبصر ،فرأيته يدخل الخيط في البرة ،وهو ابن
ثمانين.
قلت :أخرجه البيهقي في دلئل النبوة باب ما جاء في نفثه في
عينين كانتا مبيضتين ل يبصر صاحبهما بهما حتى أبصر.
أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنبأنا أحمد بن عبيد حدثنا
إسماعيل ابن الفضل حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة حدثنا
محمد بن بشر حدثنا عبد العزيز بن عمر قال حدثني رجل من
بني سلمان بن سعد عن أمه أن خالها حبيب بن فويك حدثها أن
أباه خرج إلى رسول الله وعيناه مبيضتان ل يبصر بهما شيئًا
فسأله :ما أصابك؟ فقال :كنت أمرىء جملي فوقعت رجلي على
بيض فأصيب بصري فنفث رسول الله في عينه فأبصر فرأيته
يدخل الخيط في البرة وإنه لبن ثمانين وأن عينيه لمبيضتان.
حد في نحره ،فبصق رسول الله ُ
-وُرمي كلثوم بن الحصين يوم أ ُ
صلى الله عليه وسلم ،فيه فبرأ.
-وتفل على شجة عبد الله بن أنيس فلم تمد.
-وتفل في عيني علي يوم خيبر ،و كان رمداً ،فأصبح بارئاً.
قلت :أخرجه أبو نعيم في دلئل النبوة قال:
عن أبي حازم قال أخبرني سهل بن سعد أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال يوم خيبر ":لعطين هذه الراية غدا رجل
يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" فبات
الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على
رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجوا أن يعطاها فقال:
أين علي بن أبي طالب فقالوا :يا رسول الله يشتكي عينه .قال:
فأرسلوا إليه .فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم
في عينه ودعا له فبرأ حتى لم يكن به وجع فأعطاه الراية وقال:
"انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى السلم
وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه ،فوالله لن يهدي الله
بك رجل واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم"...قال المام
رحمه الله قوله يدوكون أي يتفكرون والدوك في اللغة الختلط
335
والمدو كحجر يدق به والمداك عبد حجر العطار على رسلك أي
سكونك والرسل الرفق وحمر النعم البل الحمر وهي عزيزة عند
العرب.
وروى البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
باب ما جاء في بعث السرايا إلى حصون خيبر وإخبار النبي
بفتحها على يدي علي بن أبي طالب رضي الله عنه ودعائه له
وما ظهر ذلك من آثار النبوة ودللت الصدق.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو عبد
الله بن يعقوب قال حدثنا محمد بن نعيم قال حدثنا قتيبة بن
سعيد قال حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن السكندراني عن أبي
حازم قال أخبرنا سهل بن سعد أن رسول الله قال يوم خيبر" :
لعطين هذه الراية غدا رجل يفتح الله على يديه يحب الله
ورسوله ويحبه الله ورسوله" قال :فبات الناس يدوكون ليلتهم
أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله كلهم
يرجوأن يعطاها فقال :أين علي بن أبي طالب؟ فقال هو يا
رسول الله يشتكي عينيه قال :فأرسلوا إليه فأتى به فبصق
رسول الله في عينيه ودعا له فبرأ حتى كان لم يكن به وجع
فأعطاه الراية فقال علي رضي الله عنه :يا رسول الله أقاتلهم
حتى يكونوا مثلنا قال" :انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم
ادعهم إلى السلم وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه
فوالله لن يهدي الله بك رجل واحدا خير لك من أن يكون لك
حمر النعم".
رواه البخاري ومسلم في الصحيح عن قتيبة بن سعيد
أخبرنا أبو طاهر الفقيه قال أخبرنا أبو محمد حاجب بن أحمد
الطوسي قال حدثنا عبد الرحيم بن منيب قال حدثنا جرير بن عبد
الحميد قال أخبرنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة
قال :قال رسول الله ":لعطين الراية غدا رجل يحب الله
ورسوله يفتح الله عليه" قال عمر :فما أحببت المارة قط حتى
يومئذ فدعا عليًا فبعث ثم قال" :اذهب فقاتل حتى يفتح الله
عليك ول تلتفت" قال علي :على ما أقاتل الناس؟ قال" :قاتلهم
حتى يشهدوا وأن ل إله إل الله وأن محمدا عبده ورسوله فإذا
فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إل بحقها وحسابهم
على الله".
أخرجه مسلم من وجه آخر عن سهيل بن أبي صالح
أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله الديب قال أخبرنا أبو بكر
السماعيلي قال أخبرنا الحسن بن سفيان وأخبرنا أبو عبد الله
الحافظ قال أخبرني أبو بكر ابن عبد الله قال أخبرنا الحسن بن
336
سفيان قال :حدثنا قتيبة قال حدثنا حاتم بن إسماعيل عن يزيد
بن أبي عبيد عن سلمة هو ابن الكوع قال كان علي قد تخلف
عن النبي في خيبر وكان رمدًا فقال :أنا أتخلف عن النبي فخرج
علي فلحق بالنبي فلما كان مساء الليلة التي فتحها الله في
صباحها قال رسول الله" :لعطين الراية غدا أو ليأخذن الراية
غدا رجل يحبه الله ورسوله أو قال يفتح الله عليه" فإذا نحن
بعلي وما نرجوه فقالوا :هذا علي فأعطاه رسول الله الراية ففتح
الله عليه.
-ونفث علي ضربة بساق سلمة بن الكوع يوم خيبر فبرئت ،وفي
رجل زيد بن معاذ حين أصابها السيف إلى الكعب ،حين قتل ابن
الشرف ،فبرئت .وعلى ساق علي ابن الحكم يوم الخندق إذا
انكسرت ،فبرىء مكانه ،وما نزل عن فرسه.
البيهقي باب ما جاء في نفث رسول الله في جرح سلمة بن
الكوع يوم خيبر وبروه من ذلك:
أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قال أخبرنا أبو سهل
أحمد ابن محمد بن عبد الله بن زياد النحوي قال حدثنا إسماعيل
بن محمد الفسوي القاضي قال حدثنا مكي بن إبراهيم(ح)
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي
قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثنا أبي قال حدثنا
مكي قال حدثنا يزيد بن أبي عبيد قال :رأيت أثر ضربة في ساق
سلمة فقلت :يا أبا مسلم ما هذه الضربة قال هذه ضربة
أصابتني يوم خيبر فقال :الناس أصيب سلمة قال :فأتيت رسول
الله فنفث فيه ثلث نفثات معًا فما اشتكيت منها حتى الساعة.
لفظ حديث القاضي رواه البخاري عن مكي بن إبراهيم.
-واشتكى علي بن أبي طالب ،فجعل يدعو ،فقال النبي صلى
الله عليه وسلم" :اشفه ،أو عافه" ،ثم ضرب برجله ،فما اشتكى
ذلك الوجع بعد.
-وقطع أبو جهل يوم بدر يَد معوذ بن عفراء ،فجاء يحمل يده،
فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وألصقها فلصقت.
رواه ابن وهب.
-ومن روايته أيضا ً أن خبيب بن يساف أصيب يوم بدر مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم بضربة على عاتقه حتى مال شقه،
فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم ،و نفث عليه حتى صح.
أخرج أبو نعيم في دلئل النبوة
ثنا خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب عن أبيه عن جده رضي الله
عنه قال :أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجل من قومي
في بعض مغازيه فقلنا :إنا نشتهي أن نشهد معك مشهدًا قال:
337
أسلمتم؟ قلنا :ل .قال" :فإنا ل نستعين بالمشركين على
المشركين" قال فأسلمنا وشهدت مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأصابتني ضربة على عاتقي فجافتني فتعلقت يدي فأتيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفل عليها وألزقها فالتأمت
وبرأت وقتلت الذي ضربني ثم تزوجت ابنة الذي قتلته وضربني
وكانت تقول :ل عدمت رجل ً وشحك هذا الوشاح فأقول :ل
عدمت رجل ً عجل أباك إلى النار .قال المام رحمه الله :جافتني
هذا أي بلغت جوفي يقال طعنة جائفة إذا وصلت إلى الجوف
والتفل فوق النفث وهو أن يرمي بريقه أي رمى بريقه على
الجراحة فالتأمت أي انضم بعضها الى بعض ول عدمت دعاء
وقولها :وشحك أي أثر بجسدك هذا الثر يعني أثر الضربة على
عاتقه.
-وأتته امرأة من خثعم ،معها صبي به بلء ل يتكلم ،فأتي بماء
فمضمض فاه ،وغسل يديه ،ثم أعطاها إياه وأمرها بسقيه ومسه
به ،فبرأ الغلم ،وعقل عقل ً يفضل عقول الناس.
-وعن ابن عباس :جاءت امرأة بابن لها به جنون ،فمسح صدره،
فثعَّ ثعَّة فخرج من جوفه مثل الجرو السود ،فشفي.
قلت :أخرج البيهقي في دلئل النبوة قال:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد محمد بن موسى بن
الفضل قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن
عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن إسماعيل بن عبد الملك عن
أبي الزبير عن جابر قال :خرجت مع رسول الله في سفر… ثم
رجعنا فركبنا رواحلنا فسرنا كأنما علينا الطير يظلنا فإذا نحن
بامرأة قد عرضت لرسول الله معها صبي تحمله فقالت يا رسول
الله :إن ابنى هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلث مرات ل يدعه.
فوقف رسول الله فتناوله فجعله بينه وبين مقدمة الرحل فقال
رسول الله :إخسأ عدو الله أنا رسول الله .قال :فأعاد رسول
الله ذلك ثلث مرات ثم ناولها إياه فلما رجعنا فكنا بذلك الماء
عرضت لنا المرأة معها كبشان تقودهما والصبي تحمله فقالت :يا
رسول الله أقبل مني هديتي فو الذي بعثك بالحق إن عاد إليه.
فقال رسول الله :خذوا أحدهما منها وردوا الخر..
وأتت امرأة فقالت :إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين يأخذه
في كل يوم مرتين فقال رسول الله :أدنيه فأدنته منه فتفل في
فيه وقال :أخرج عدو الله أنا رسول الله ثم قال لها رسول الله:
إذا رجعنا فأعلمينا ما صنع فلما رجع رسول الله استقبله ومعه
كبشان وأقط وسمن فقال لي رسول الله :خذ هذا الكبش فأخذ
منه ما أراد فقالت :والذي أكرمك ما رأينا به شيئًا منذ فارقتنا.
338
أخبرنا أبو القاسم زيد بن أبي هاشم العلوى بالكوفة أنبأنا أبو
جعفر محمد بن علي بن دحيم حدثنا إبراهيم بن عبد الله أنبانا
وكيع عن العمش عن المنهال بن عمرو عن يعلي بن مرة قال
رأيت من النبي عجبًا خرجت معه في سفر فنزلنا منزل ً فأتته
امرأة بصبي لها به لمم فقال رسول الله :أخرج عدو الله أنا
رسول الله .قال :فبرأ فلما رجعنا جاءت أم الغلم بكبشين
وشيء من أقط وسمن فقال النبي :يا يعلى خذ أحد الكبشين
ورد عليها الخر وخذ السمن والقط قال ففعلت...
-وانكفأت القدر على ذراع محمد بن حاطب وهو طفل ،فمسح
عليه ودعا له ،وتفل فيه فبرأ لحينه.
قلت :أخرجه أبو نعيم في دلئل النبوة ،قال:
وأخبرنا أبو الشيخ ثنا الفضل بن العباس بن مهران ثنا بشار بن
موسى الخفاف ثنا عبد الرحمن بن عثمان الحاطبي حدثتني أمي
عن محمد بن حاطب عن أمه أم جميل بنت المجلل قالت:
أقبلت بك من أرض الحبشة حتى إذا كنت من المدينة على ليلة
خا ففني الحطب فخرجت أطلبه وتركتك أو ليلتين طبخت لك طبي ً
فتناولت القدر فانكفأت على ذراعك فلما قدمت المدينة أتيت
النبي صلى الله عليه وسلم فقلت :يا رسول الله هذا محمد بن
حاطب وهو أول من سمي بك فتفل في فيك ومسح على رأسك
ودعا لك بالبركة وجعل يتفل على يدك ويقول :أذهب البأس رب
ما.
الناس وأشف أنت الشافي ل شفاء إل شفاؤك ل يغادر سق ً
فما قمت من عنده حتى برأت ,فقلت لمي :من هذا الرجل؟
قالت :النبي صلى الله عليه وسلم.
-وكانت في كف شرحبيل الجعفي سلعة تمنعه القبض على
السيف وعنان الدابة ،فشكاها للنبي صلى الله عليه وسلم ،فما
زال يطحنها بكفه حتى رفعها ،ولم يبقى لها أثر.
قلت :أخرج البيهقي في دلئل النبوة ،باب ما جاء في نفثه في
كف شرحبيل الجعفي ووضع كفه على السلعة التي كانت بكفه
حتى ذهبت.
أخبرنا أبو بكر الفارسي أنبأنا أبو إسحاق الصبهاني أنبأنا أبو
أحمد بن فارس حدثنا محمد بن إسماعيل قال قال لي علي
حدثنا يونس بن محمد المؤدب حدثنا حماد بن زيد حدثنا مخلد بن
عقبة بن عبد الرحمن ابن شرحبيل الجعفي عن جده عبد الرحمن
عن أبيه قال :أتيت رسول الله وبكفي سلعة فقلت :يا رسول
الله هذه السلعة قد آذتني تحول بيني وبين قائم السيف أن
أقبض عليه عنان الدابة فقال :أدن مني فدنوت منه فقال لي:
افتح كفك ففتحتها ثم قال :اقبضها فقبضتها ثم قال :ادن منى
339
فدنوت منه فقال :افتحها ففتحتها فنفث في كفي ووضع كفه
على السلعة فما زال يطحنها بكفه حتى رفعها عنها وما أدري أين
أثرها.
ً
-وسألته جارية طعاما ،وهو يأكل ،فناولها من بين يديه ،وكانت
قليلة الحياء ،فقالت :إنما أريد من الذي في فيك ،فناولها ما في
فيه ،ولم يكن يسأل شيئا ً فيمنعه.
فلما استقر في جوفها ألقي عليها من الحياء ما لم تكن امرأة
بالمدينة أشد حياء منها.
الفصل الحادي والعشرون:
في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم.
* وهذا باب واسع جداً ،وإجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم
لجماعة بما دعا لهم وعليهم متواتر على الجملة ،معلوم ضرورةً.
-وقد جاء في حديث حذيفة رضي الله عنه :كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا دعا لرجل أدركت الدعوة ولدَه ووَلد َ ولدِه.
-حدثنا أبو محمد العتابي بقراءتي عليه ،حدثنا أبو القاسم حاتم بن
محمد ،حدثنا أبو الحسن القابسي ،حدثنا أبو زيد المروزي ،حدثنا
محمد بن يوسف ،حدثنا محمد بن إسماعيل ،حدثنا عبد الله بن
أبي السود ،حدثنا حرمي ،حدثنا شعبة ،عن قتادة ،عن أنس
رضي الله عنه ،قال :قالت أمي :يا رسول الله ،خادمك أنس ،ادع
الله له .قال :اللهم أكثر ماله وولده ،و بارك له فيما آتيته.
ومن رواية عكرمة :قال أنس :فوالله إن مالي لكثير ،وإن ولدي
وولد ولدي ليعادّون اليوم على نحو المائة.
وفي رواية :وما أعلم أحدا ً أصاب من رخاء العيش ما أصبت،
ة من ولدي ،ل أقول سقطا ً ول ولد ولقد دفنت بيدي هاتين مائ ً
ولد.
قلت :رواه الشيخان.
البخاري باب :من زار قوما فلم يفطر عندهم.
-حدثنا محمد بن المثنى قال :حدثني خالد هو ابن الحارث:
حدثنا حميد ،عن أنس رضي الله عنه :دخل النبي صلى الله عليه
وسلمعلى أم سليم ،فأتته بتمر وسمن ،قال(:أعيدوا سمنكم في
سقائه ،وتمركم في وعائه ،فإني صائم) .ثم قام إلى ناحية من
البيت فصلى غير المكتوبة ،فدعا لم سليم وأهل بيتها ،فقالت أم
سليم :يا رسول الله إن لي خويصة ،قال(:ما هي) .قالت :خادمك
أنس ،فما ترك خير آخرة ول دنيا إل دعا لي به ،قال(:اللهم ارزقه
مال ،وولدا ،وبارك له) .فإني لمن أكثر النصار مال .وحدثتني
ابنتي أمينة :أنه دفن لصلبي مقدم حجاج البصرة بضع وعشرون
ومائة.
340
حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا يحيى قال :حدثني حميد :سمع أنسا
رضي الله عنه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم.
مسلم في كتاب فضائل الصحابة ،باب من فضائل أنس بن
مالك ،رضي الله عنه
حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار .قال :حدثنا محمد بن جعفر.
حدثنا شعبة .سمعت قتادة يحدث عن أنس ،عن أم سليم؛ أنها
قالت:يا رسول الله! خادمك أنس .ادع الله له .فقال" :اللهم!
أكثر ماله وولده .وبارك له فيما أعطيته".
حدثنا محمد بن بشار .حدثنا محمد بن جعفر .حدثنا شعبة عن
هشام بن يزيد .سمعت أنس بن مالك يقول ،مثل ذلك .وحدثني
زهير بن حرب .حدثنا هاشم بن القاسم .حدثنا سليمان عن ثابت،
عن أنس .قال :دخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا .وما هو إل
أنا وأمي وأم حرام ،خالتي .فقالت أمي :يا رسول الله! خويدمك.
ادع الله له .قال فدعا لي بكل خير .وكان في آخر ما دعا لي به
أن قال" :اللهم! أكثر ماله وولده .وبارك له فيه".
حدثني أبو معن الرقاشي .حدثنا عمر بن يونس .حدثنا عكرمة.
حدثنا إسحاق .حدثنا أنس قال:جاءت بي أمي ،أم أنس إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم .وقد أزرتني بنصف خمارها
وردتني بنصفه .فقالت :يا رسول الله! هذا أنيس ،ابني .أتيتك به
يخدمك .فادع الله له .فقال" :اللهم! أكثر ماله وولده".قال أنس:
فوالله! إن مالي لكثير .وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو
المائة ،اليوم.
حدثنا قتيبة بن سعيد .حدثنا جعفر(يعني ابن سليمان) عن
الجعد ،أبي عثمان .قال :حدثنا أنس بن مالك قال :مر رسول
الله صلى الله عليه وسلم .فسمعت أمي ،أم سليم صوته.
فقالت :بأبي وأمي! يا رسول الله! أنيس .فدعا لي رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثلث دعوات .قد رأيت منها اثنتين في
الدنيا .وأنا أرجو الثالثة في الخرة.
-ومنه دعاؤه لعبد الرحمن بن عوف بالبركة ،قال عبد الرحمن:
فلو رفعت حجرا ً لرجوت أن أصيب تحته ذهباً ،وفتح الله عليه،
ومات فحفر الذهب من تركته بالفؤوس حتى مجلت فيه اليدي،
وأخذت كل زوجة ثمانين ألفا ً وكن أربعاً .وقيل مائة ألف .وقيل:
بل صولحت إحداهن ،لنه طلقها في مرضه على نيف وثمانين
ألفاً ،وأوصى بخمسين ألفا ً بعد صدقاته الفاشية في حياته،
وعوارفه العظيمة :أعتق يوما ً ثلثين عبداً ،وتصدق مرة ً بعير فيها
سبعمائة بعير ،وردت عليه تحمل من كل شيء ،فتصدق بها وبما
عليها ،وبأقتابها وأحلسها.
341
قلت :قال ابن كثير في البداية والنهاية:
عبد الرحمن بن عوف ابن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة
ما على بن كلب بن مرة أبو محمد القرشي الزهري أسلم قدي ً
يدي أبي بكر وهاجر إلى الحبشة وإلى المدينة وآخى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد ابن الربيع وشهد بدًرا وما
بعدها وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه الى بني
كلب وأرخى له عذته بين كتفية لتكون إمارة عليه للمارة وهو
أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الثمانية السابقين إلى
السلم وأحد الستة أصحاب الشورى ثم أحد الثلثة الذين انتهت
إليهم منهم كما ذكرنا ثم كان هو الذي اجتهد في تقديم عثمان
رضي الله عنه وقد تقاول هو وخالد بن الوليد في بعض الغزوات
فأغلظ له خالد في المقال فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال" :لتسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيد ه لو أنفق
أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ول نصيفه" .وهو في
الصحيح ..وقال معمر عن الزهري تصدق عبد الرحمن بن عوف
على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بشطر ماله أربعة آلف ثم
ثم تصدق بأربعين ألفًا ثم تصدق بأربعين الف دينار ثم حمل على
خمسمائة فرس في سبيل الله ثم حمل على خمسمائة راحلة
في سبيل الله وكان عامة ماله من التجارة فأما الحديث الذي
قال عبد بن حميد في مسنده ثنا يحيى بن إسحاق ثنا عمارة بن
زاذان عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن
عوف لما هاجر آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين
عثمان بن عفان فقال له :ان لي حائطين فاختر أيهما شئت
فقال :بارك الله لك في حائطيك ما لهذا أسلمت .دلني على
السوق قال :فدله فكان يشتري السمنة وألقيطة والهاب فجمع
فتزوج فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال" :بارك الله لك
أولم ولو بشاة".
قال :فكثر ماله حتى قدمت له سبعمائة راحله تحمل البر وتحمل
الدقيق والطعام قال :فلما دخلت المدينة سمع لهل المدينة رجه
فقالت عائشة :ما هذه الرجه؟ فقيل لها :عير قدمت بعبد
الرحمن بن عوف سبعمائة تحمل البر والدقيق والطعام فقالت
عائشة :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" :يدخل
عبد الرحمن بن عوف الجنة حبوًا" .فلما بلغ عبد الرحمن ذلك
قال :أشهدك يا أمة أنها بأحمالها وأحلسها أاقتابها في سبيل الله.
وقال المام أحمد ثنا عبد الصمد بن حسان ثنا عمارة هو ابن
زاذان عن ثابت عن أنس قال :بينما عائشة في بيتها إذ سمعت
صوتًا في المدينة قالت :ماهذا؟ قالوا :عير لعبد الرحمن بن عوف
342
قدمت من الشام تحمل كل شيء قال :وكانت سبعمائة بعير
قال :فارتجت المدينة من الصوت فقالت عائشة :سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول" :قد رأيت عبد الرحمن ابن
عوف يدخل الجنة حبوًا" .فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف قال:
ما فجعلها فأقتابها وأحمالها في سبيل لئن استطعت لدخلها قائ ً
الله .فقد تفرد به عمارة بن زاذان الصيدلني وهو ضعيف وأما
قوله في سياق عبد بن حميد أنه آخى بينه وبين عثمان بن عفان
فغلط محض مخالف لما في صحيح البخاري من أن الذي آخى
بينه وبينه إنما هو سعد بن الربيع النصاري رضي الله عنهما وثبت
في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى وراءه
الركعة الثانية من صلة الفجر في بعض السفار وهذه منقبة
عظيمة ل تبارى ولما حضرته الوفاة أوصى لكل رجل ممن بقي
من أهل بدر بأربعمائة دينار وكانوا مائة فأخذوها حتى عثمان
وعلي وقال علي :اذهب يا ابن عوف فقد أدركت صفوها وسبقت
زيفها وأوصى لكل امرأة من أمهات المؤمنين بمبلغ كثير حتى
كانت عائشة تقول :سقاه الله من السلسبيل وأعتق خلقًا من
مماليكه ثم ترك بعد ذلك كله مال ً جزيل ً من ذلك ذهب قطع
الفؤس حتى مجلت أيدي الرجال وترك ألف بعير ومائة فرس
وثلثة آلف شاة ترعى بالبقيع وكان نساؤه أربعًا فصولحت
إحداهن من ربع الثمن بثمانين ألفًا ولما مات صلى عليه عثمان
بن عفان وحمل في جنازته سعد بن أبي وقاص ودفن بالبقيع عن
خمس وسبعين سنة وكان أبيض مشربًا حمرة حسن الوجه دقيق
البشرة أعين أهدب الشفار أقنى له جمة ضخم الكفين غليظ
الصابع ليغير شيبة رضي الله عنه.
-ودعا لمعاوية بالتمكين في البلد ،فنال الخلفة.
ولسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن يجيب الله دعوته فما
دعا على أحد إل استجيب له.
أخرج الحاكم في المستدرك.
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا
يونس بن بكير عن إسحاق عن عثمان بن عبد الرحمن عن
عائشة بنت سعد عن أبيها سعد بن أبي وقاص رضى الله تعالى
عنه قال :لما جال الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
تلك الجولة يوم أحد تنحيت فقلت :أذود عن نفسي فأما أن
أستشهد وإما أن أنجو حتى ألقى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فبينا أنا كذلك إذا برجل مخمر وجهه ما أدري من هو فأقبل
المشركون حتى قلت قد ركبوه مل يده من الحصي ثم رمى به
في وجوههم فنكبوا على أعقابهم القهقري حتى يأتوا الجبل
343
ففعل ذلك مراًرا ول أدري من هو وبيني وبينه المقداد بن السود
فبينا أنا أريد أن أسأل المقداد عنه إذ قال المقداد يا سعد هذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك فقلت وأين هو فأشار
لي المقداد إليه فقمت ولكأنه لم يصبني شيء من الذى فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم :أين كنت اليوم يا سعد فقلت
حيث رأيت رسول الله فأجلسني أمامه فجعلت أرمي وأقول
اللهم سهمك فارم به عدوك ورسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول :اللهم استجب لسعد اللهم سدد لسعد رميته إيها سعد
فداك أبي وأمي فما من سهم أرمي به إل وقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم :اللهم سدد رميته وأجب دعوته إيها سعد حتى
إذا فرغت من كنانتي نثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما
ما نضيًا قال :وهو الذي قد ريش وكان أشد في كنانته فنبلني سه ً
من غيره ...قال الزهري إن السهام التي رمى بها سعد يومئذ
كانت ألف سهم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم
يخرجاه.
وأخرجه مختصًرا من طريق أخرى قال:
وحدثنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق ثنا العباس بن الفضل
السفاطي ثنا إبراهيم بن يحيى الشجري عن أبيه حدثني موسى
بن عقبة حدثني إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم
عن سعد بن أبي وقاص قال :قال لي رسول الله صلى الله عليه
وسلم :اللهم سدد رميته وأجب دعوته هذا حديث تفرد به يحيى
بن هانئ بن خالد الشجري وهو شيخ ثقة من أهل المدينة…
وذكره اللباني في ظلل الجنه في تخريج السن،
ثنا الحسن بن علي ثنا جعفر بن عوف عن إسماعيل عن قيس
عن سعد قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :اللهم سدد
رميته وأجب دعوته…
* دعا الرسول المين واستجاب رب العالمين
فكان سعد رضي الله عنه كلما رمى عدوا أصابه ،ومتى دعا الله
أجابه ،وكان الصحابة رضي الله عنهم يرون أن ذلك بسبب دعوة
الرسول صلى الله عليه وسلم -له(:اللهم سدد رميته ،وأجب
دعوته).
ويروى أنه سمع رجل ً يسب صحابة رسول الله صلى الله عليه
وسلم :طلحة وعليا والزبير رضي الله عنهم ،فنهاه فلم ينته...
فقال له(:إذن أدعو عليك) فقال الرجل(:أراك تتهددني كأنك
نبي )..فانصرف سعد رضي الله عنه فأسبغ الوضوء وصلى
ركعتين ،ثم رفع يديه ودعا( :اللهم إن كنت تعلم أن هذا الرجل
ما سبقت لهم منك الحسنى ،وأنه قد أسخطك سبُّه قد سب أقوا ً
344
إياهم ،فاجعله آية وعبرة) فلم يمض إل وقت قصير حتى ندّت
ناقة ل يردها راد ول يصدها صاد فخرجت من إحدى الدور ،وما
أن دخلت في زحام الناس حتى هاجمت الرجل فأخذته بين
قوائمها ،وما زالت ت َّ
خبطه حتى قتلته...
مر سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه -ما شاء الله ...وبسط وع َّ
الله له في الرزق فكان ذا مال كثير وخير وفير؛ لكنه حين
أحس بقرب أجله دعا بجبة غليظة من صوف بالية وقال(:كفنوني
بها فإني لقيت بها المشركين يوم بدر وإني أريد أن ألقى بها الله
ضا) وكان رأسه بحجر ابنه ،فبكى؛ فقال له( :ما يبكيك عز وجل أي ً
يا بني؟ إن الله ل يعذبني أبدًا ،وإني من أهل الجنة) فقد كان
إيمانه بصدق بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيًرا
وكانت وفاته سنة خمس وخمسين ( )55من الهجرة النبوية وكان
آخر المهاجرين وفاة ،ودفن في البقيع...
-ودعا بعز السلم بعمر رضي الله عنه ،أو بأبي جهل ،فاستجيب
له في عمر.
-قال ابن مسعود رضي الله عنه :ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر.
ابن ماجه حدثنا محمد بن عبيد أبو عبيد المديني ثنا عبد الملك بن
الماجشون حدثني الزنجي بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه
عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم
أعز السلم بعمر بن الخطاب خاصة.
قال الشيخ اللباني :صحيح دون قوله خاصة.
الترمذي حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن رافع قال حدثنا أبو
عامر العقدي حدثنا خارجة بن عبد الله النصاري عن نافع عن بن
عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" :اللهم أعز
السلم بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب
قال وكان أحبهما إليه عمر ,قال أبو عيسى هذا حديث حسن
صحيح غريب من حديث بن عمر ..قال الشيخ اللباني :صحيح.
التبريزي وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال :اللهم أعز السلم بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب
فأصبح عمر فغدا على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم ثم
صلى في المسجد ظاهًرا .رواه أحمد والترمذي.
حدثنا عبيد الله بن فضالة ثنا عيسى بن منصور النيسابوري حدثنا
عيسى بن إبراهيم العسقلني حدثنا سليمان بن أبي سليمان
المديني عن الزهري عن سالم عن أبيه قال قال :رسول الله
صلى الله عليه وسلم" :اللهم أعز السلم بعمر بن الخطاب أو
بالوليد بن المغيرة" .قال :فجعل الله الدعوة لعمر خاصة في
نفسه وفي الوليد بن المغيرة في ابنه خالد بن الوليد قال ابن
345
عمر والله ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أبا
جهل.
قال الشيخ اللباني:
حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(اللهم أعز السلم بأحب هذين الرجلين إليك :بأبي جهل أو بعمر
بن الخطاب) .قال :فكان أحبهما إليه عمر .أخرجه الترمذي
وقال(:حديث حسن صحيح)؛ وابن سعد ،والحاكم ،وأحمد ..وقال
الحاكم(:صحيح السناد) ووافقه الذهبي وهو عنده من طريقين
آخرين عن نافع عنه .ثم رواه هو وابن ماجه من حديث عائشة
ضا من حديث ابن مسعود وابن سعد من حديث عثمان بن وهو أي ً
الرقم وسعيد بن المسيب والحسن البصري مرسلً .وعن ابن
عباس قال :أول من جهر بالسلم عمر بن الخطاب .رواه
الطبراني وإسناده حسن كما في(المجمع) .وعن عمر أنه أتى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال :يا رسول الله إني ل أدع
سا جلسته في الكفر إل أعلنت فيه السلم .فأتى المسجد مجل ً
وفيه بطون قريش متحلقة فجعل يعلن السلم ويشهد أن ل إله
إل الله وأن محمدا رسول الله.
قال الشيخ اللباني في صحيح السيرة :إسلم عمر بن الخطاب
قال ابن إسحاق :ولما قدم عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي
ربيعة على قريش ولم يدركوا ما طلبوا من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم وردهم النجاشي بما يكرهون وأسلم عمر
بن الخطاب وكان رجل ً ذا شكيمة ل يرام ما وراء ظهره امتنع به
شا .فكان عبد الله أصحاب رسول الله وبحمزة حتى غاظوا قري ً
بن مسعود يقول :ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة حتى
شا حتى صلى عند الكعبة أسلم عمر فلما أسلم عمر قاتل قري ً
وصلينا معه .قلت :وثبت في(صحيح البخاري) عن ابن مسعود
أنه قال :ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر بن الخطاب .وقال زياد
البكائي :حدثني مسعر بن كدام عن سعد بن إبراهيم قال :قال
حا وإن هجرته كانت نصًرا وإن ابن مسعود :إن إسلم عمر كان فت ً
إمارته كانت رحمة ولقد كنا وما نصلي عند الكعبة حتى أسلم
شا حتى صلى عند الكعبة وصلينا عمر فلما أسلم عمر قاتل قري ً
معه.
روى البخاري في كتاب فضائل الصحابة.
حدثنا محمد بن المثنى :حدثنا يحيى ،عن إسماعيل :حدثنا قيس
قال :قال عبد الله :ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر.
وأخرج ابن حبان في صحيحه كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم
عن مناقب الصحابة رجالهم ونسائهم...
346
-1ذكر البيان بأن المسلمين كانوا في عزة لم يكونوا في مثلها
عند إسلم عمر رضى الله تعالى عنه.
* أخبرنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف حدثنا عثمان
بن كرامة حدثنا أبو أسامة حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس
بن حازم قال سمعت عبد الله بن مسعود يقول ما زلنا أعزة منذ
أسلم عمر.
-2ذكر البيان بأن عز المسلمين بإسلم عمر كان ذلك بدعاء
المصطفى صلى الله عليه وسلم.
* أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا عبد الرحمن بن معرف حدثنا
زيد بن الحباب حدثنا خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن
ثابت قال سمعت نافعًا يذكر عن بن عمر قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ":اللهم أعز الدين بأحب هذين الرجلين
إليك بأبي جهل بن هشام أو عمر بن الخطاب" فكان أحبهما إليه
عمر بن الخطاب.
-3ذكر خبر قد يوهم بعض الناس أنه مضاد لخبر بن عمر الذي
ذكرناه:
* أخبرنا عمرو بن عمر بن عبد العزيز بنصيبين حدثنا عبد الله بن
عيسى الفروي حدثنا عبد الملك بن الماجشون حدثني مسلم بن
خالد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال" :اللهم أعز السلم بعمر بن الخطاب خاصة
-4ذكر استبشار أهل السماء بإسلم عمر بن الخطاب رضى الله
تعالى عنه
* أخبرنا الحسن بن سفيان من كتابه حدثنا محمد بن عقبة
السدوسي حدثنا عبد الله بن خراش حدثنا العوام بن حوشب عن
مجاهد عن بن عباس قال لما أسلم عمر أتى جبريل صلوات الله
عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال :يا محمد لقد استبشر
أهل السماء بإسلم عمر.
-5ذكر إثبات الجنة لعمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه:
* أخبرنا عبد الله بن قحطبة حدثنا محمد بن الصباح أخبرنا يحيى
بن اليمان عن مسعر عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن
سبرة عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم" :عمر بن الخطاب من أهل الجنة".
--وأصاب الناس في بعض مغازيه عطش ،فسأله عمر الدعاء،
فدعا ،فجاءت سحابة ،فسقتهم حاجتهم ثم أقلعت.
قلت :جاء في فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي رحمه الله:
قيل لعمر بن الخطاب حدثنا عن شأن ساعة العسرة فقال عمر
خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزل ً أصابنا فيه عطش
347
حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى أن الرجل لينحر بعيره فيعصر
فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده فقال أبو بكر الصديق :يا
رسول الله إن الله قد عودك في الدعاء خيرا فادع له .فقال:
(أتحب ذلك؟) قال نعم فرفع يديه إلى السماء فلم يرجعهما حتى
قالت السماء فأظلت ثم سكبت فملوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر
فلم نجدها جازت العسكر.
وأخرج البيهقي في دلئل النبوة
أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد قال أخبرنا أبو محمد
دعلج بن أحمد بن دعلج قال حدثنا ابن خزيمة قال حدثنا يونس
بن عبد العلى قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرنا عمرو بن الحارث
عن سعد بن أبي هلل عن عتبة بن أبي عتبة عن نافع بن جبير
عن عبد الله بن عباس إنه قيل لعمر بن الخطاب :حدثنا من شأن
ساعة العسرة فقال عمر :خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا
منزل ً أصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى إن
كان الرجل ليذهب يلتمس الرجل فل يرجع حتى يظن أن رقبته
ستنقطع حتى إن كان الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه
ويجعل ما بقي على كبده فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
يا رسول الله إن الله عز وجل قد عودك في الدعاء خيرا ً فادع
الله لنا قال :أتحب ذلك؟ قال نعم فرفع يديه فلم يرجعهما حتى
قالت السماء فأظلت ثم سكبت فملوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر
فلم نجدها جاوزت العسكر.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن
يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس عن ابن
إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة قال أصبح الناس ول ماء
معهم فشكوا ذلك إلى رسول الله فدعا الله فأرسل سحابة
فأمطرت حتى ارتوى الناس واحتملوا حاجتهم من الماء
-ودعا في الستسقاء ،فسقوا ،ثم شكوا إليه المطر ،فدعا،
فصحوا.
قلت :يشير القاضي عياض رحمه الله إلى الحديث المتفق
عليه ..وهذه وقفة في رياض الصحيحين:
روى البخاري في كتاب الستسقاء:
-1باب :الستسقاء في المسجد الجامع.
-حدثنا محمد قال :أخبرنا أبو ضمرة أنس بن عياض قال:حدثنا
شريك بن عبد الله بن أبي نمر :أنه سمع أنس بن مالك يذكر:
أن رجل دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ،ورسول الله
صلى الله عليه وسلم قائم يخطب ،فاستقبل رسول الله صلى
ما ،فقال :يا رسول الله ،هلكت المواشي، الله عليه وسلم قائ ً
348
وانقطعت السبل ،فادع الله يغيثنا .قال :فرفع رسول الله صلى
الله عليه وسلميديه فقال(:اللهم اسقينا ،اللهم اسقنا ،اللهم
اسقنا) .قال أنس :ل والله ،ما نرى في السماء من سحاب ،ول
قزعة ،ول شيئًا ،وما بيننا وبين سلع من بيت ول دار .قال:
فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس ،فلما توسطت السماء
انتشرت ثم أمطرت .قال :والله ما رأينا الشمس ستًا .ثم دخل
رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ،ورسول الله صلى الله
ما ،فقال :يا رسول الله، عليه وسلم قائم يخطب ،فاستقبله قائ ً
هلكت الموال ،وانقطعت السبل ،فادع الله يمسكها .قال :فرفع
رسول الله يديه ،ثم قال(:اللهم حولينا ول علينا ،اللهم على
الكام والجبال ،والجام والظراب ،والودية ومنابت الشجر) .قال:
فانقطعت ،وخرجنا نمشي في الشمس.قال شريك :فسألت
أنسا :أهو الرجل الول؟ قال :ل أدري.
-2باب :الستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة.
-حدثنا قتيبة بن سعيد قال :حدثنا إسماعيل بن جعفر ،عن
شريك ،عن أنس بن مالك:
أن رجل دخل المسجد يوم الجمعة ،من باب كان نحو دار القضاء،
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب ،فاستقبل رسول
الله صلى الله عليه وسلم قائما ،ثم قال :يا رسول الله ،هلكت
الموال وانقطعت السبل ،فادع الله يغثنا .فرفع رسول الله صلى
الله عليه وسلم يديه ،ثم قال(:اللهم أغثنا ،اللهم أغثنا ،اللهم
أغثنا) .قال أنس :ول والله ،ما نرى في السماء من سحاب ،ول
قزعة ،وما بيننا وبين سلع من بيت ول دار .قال :فطلعت من
ورائه سحابة مثل الترس ،فلما توسطت السماء انتشرت ثم
أمطرت .فل والله ما رأينا الشمس ستا .ثم دخل رجل من ذلك
الباب في الجمعة -يعني الثانية -ورسول الله صلى الله عليه
وسلم قائم يخطب ،فاستقبله قائما ،فقال :يا رسول الله ،هلكت
الموال ،وانقطعت السبل ،فادع الله يمسكها عنا .قال :فرفع
رسول الله يديه ،ثم قال(:اللهم حولينا ول علينا ،اللهم على
الكام والظراب ،وبطون الودية ومنابت الشجر) .قال :فأقلعت،
سا بن مالك: وخرجنا نمشي في الشمس.قال شريك :فسألت أن ً
أهو الرجل الول؟ فقال :ل أدري.
-3باب :الستسقاء على المنبر.
-حدثنا مسدد قال :حدثنا أبو عوانة ،عن قتادة ،عن أنس
قال:بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة،
إذا جاءه رجل فقال :يا رسول الله ،قحط المطر ،فادع الله أن
يسقينا .فدعا ،فمطرنا ،فما كدنا أن نصل إلى منازلنا ،فما زلنا
349
نمطر إلى الجمعة المقبلة .قال :فقام ذلك الرجل أو غيره،
فقال :يا رسول الله ،ادع الله أن يصرفه عنا .فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم(:اللهم حولينا ول علينا) .قال :فلقد رأيت
السحاب يتقطع يمينا وشمال ،يمطرون ول يمطر أهل المدينة.
- 4باب :من اكتفى بصلة الجمعة في الستسقاء.
-حدثنا عبد الله بن مسلمة ،عن مالك ،عن شريك بن عبد الله،
عن أنس قال:جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،فقال:
هلكت المواشي ،وتقطعت السبل .فدعا ،فمطرنا من الجمعة
إلى الجمعة ،ثم جاء فقال :تهدمت البيوت ،وتقطعت السبل،
وهلكت المواشي فادع الله يمسكها .فقام صلى الله عليه وسلم
فقال(:اللهم على الكام والظراب ،والودية ومنابت الشجر).
فانجابت عن المدينة انجياب الثوب.
-5باب :الدعاء إذا انقطعت السبل من كثرة المطر.
-حدثنا إسماعيل قال :حدثني مالك ،عن شريك بن عبد الله بن
أبي نمر ،عن أنس بن مالك قال:جاء رجل إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم ،فقال :يا رسول الله ،هلكت المواشي،
وانقطعت السبل ،فادع الله .فدعا رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،فمطروا من الجمعة إلى الجمعة ،فجاء رجل إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال :يا رسول الله ،تهدمت البيوت،
وتقطعت السبل ،وهلكت المواشي .فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم(:اللهم على رؤس الجبال والكام ،وبطون الودية،
ومنابت الشجر) .فانجابت عن المدينة انجياب الثوب.
-6باب :الدعاء إذا كثر المطر :حولينا ول علينا.
-حدثنا محمد بن أبي بكر :حدثنا معتمر ،عن عبيد الله ،عن
ثابت ،عن أنس قال:كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم
الجمعة ،فقام الناس فصاحوا ،فقالوا :يا رسول الله ،قحط
المطر ،واحمرت الشجر ،وهلكت البهائم ،فادع الله أن يسقينا.
فقال(:اللهم اسقنا) .مرتين ،وأيم الله ،ما نرى في السماء قزعة
من سحاب ،فنشأت سحابة وأمطرت ،ونزل عن المنبر فصلى،
فلما انصرف ،لم تزل تمطر إلى الجمعة التي تليها ،فلما قام
النبي صلى الله عليه وسلم يخطب صاحوا إليه :تهدمت البيوت،
وانقطعت السبل ،فادع الله يحبسها عنا .فتبسم النبي صلى الله
عليه وسلم ،ثم قال(:اللهم حولينا ول علينا) .فكشطت المدينة،
فجعلت تمطر حولها ،ول تمطر بالمدينة قطرة ،فنظرت إلى
المدينة وإنها لفي مثل الكليل.
مسلم في كتاب الستسقاء؛ باب الدعاء في الستسقاء.
350
-حدثنا يحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر(قال
يحيى :أخبرنا .وقال الخرون :حدثنا إسماعل بن جعفر) عن
شريك بن أبي نمر ،عن أنس بن مالك؛ أن رجل ً دخل المسجد
يوم جمعة .من باب كان نحو دار القضاء .ورسول الله صلى الله
عليه وسلم قائم يخطب .فاستقبل رسول الله صلى الله عليه
ما .ثم قال :يا رسول الله! هلكت الموال وانقطعت وسلم قائ ً
السبل .فادع الله يغثنا .قال :فرفع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يديه .ثم قال" :اللهم! أغثنا .اللهم! أغثنا .اللهم! أغثنا".
قال أنس :ول والله! ما نرى في السماء من سحاب ول قزعة.
وما بيننا وبين سلع من بيت ول دار .قال فطلعت من ورائه
سحابة مثل الترس .فلما توسطت السماء انتشرت .ثم أمطرت.
قال :فل والله! ما رأينا الشمس سبتا .قال :ثم دخل رجل من
ذلك الباب في الجمعة المقبلة .ورسول الله صلى الله عليه
وسلم قائم يخطب .فاستقبله قائما .فقال :يا رسول الله! هلكت
الموال وانقطعت السبل .فادع الله يمسكها عنا .قال :فرفع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه .ثم قال" :اللهم! حولنا ول
علينا .اللهم! على الكام والظراب ،وبطون الودية ،ومنابت
الشجر" فانقلعت .وخرجنا نمشى في الشمس .قال شريك:
فسألت أنس بن مالك :أهو الرجل الول؟ قال :ل أدرى.
-وحدثنا داود بن رشيد .حدثنا الوليد بن مسلم عن الوزاعي.
حدثني إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك .قال:
أصابت الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .فبينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على المنبر يوم
الجمعة .إذ قام أعرابي فقال :يا رسول الله! هلك المال وجاع
العيال .وساق الحديث بمعناه .وفيه قال" :اللهم! حوالينا ول
علينا" قال :فما يشير بيده إلى ناحية إل تفرجت .حتى رأيت
المدينة في مثل الجوبة .وسال وادى قناة شهًرا .ولم يجيء أحدا
من ناحية إل أخبر بجود.
-وحدثني عبدالعلى بن حماد ومحمد بن أبي بكر المقدمي .قال:
حدثنا معتمر .حدثنا عبيدالله عن ثابت البناني ،عن أنس بن مالك.
قال :كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة .فقام
إليه الناس فصاحوا .وقالوا :يا نبي الله! قحط المطر ،واحمر
الشجر ،وهلكت البهائم وساق الحديث .وفيه من رواية عبد
العلى :فتقشعت عن المدينة .فجعلت تمطر حواليها .وما تمطر
بالمدينة قطرة .فنظرت إلى المدينة وإنها لفي مثل الكليل.
351
-وحدثناه أبو كريب .حدثنا أبو أسامة عن سليمان بن المغيرة،
عن ثابت ،عن أنس ،بنحوه .وزاد :فألف الله بين السحاب .ومكثنا
حتى رأيت الرجل الشديد تهمه نفسه أن يأتي أهله.
-وحدثنا هارون بن سعيد اليلي .حدثنا ابن وهب.حدثني أسامة؛
أن حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك حدثه؛ أنه سمع أنس بن
مالك يقول :جاء إعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم الجمعة ،وهو على المنبر وإقتص الحديث .وزاد :فرأيت
السحاب يتمزق كأنه الملء حين تطوى.
وأخرج ابن حبان في كتاب إقامة الصلة والسنة فيها (باب ما
جاء في صلة الستسقاء):
-7حدثنا أحمد بن الزهر .حدثنا أبو النضر .حدثنا أبو عقيل ،عن
عمر بن حمزة .حدثنا سالم ،عن أبيه؛ -قال :ربما ذكرت قول
الشاعر وأنا أنظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم
على المنبر .فما نزل حتى جيش كل ميزاب بالمدينة .فأذكر قول
الشاعر:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه **** ثمال اليتامى ،عصمة
للرامل
وهو قول أبي طالب.
-وقال لبي قتادة :أفلح وجهك ،اللهم بارك له في شعره وبشره،
ة ،وكأنه ابن خمس عشرة سنة. فمات و هو ابن سبعين سن ً
أخرج البيهقس في دلئل النبوة ،قال:
ذكر موسى بن عقبة أن عيينة بن بدر الفزاري أغار على سرح
رسول الله وأهل المدينة بالغابات أو قريب منها ويقال أن
مسعدة الفزاري كان رئيس القوم فخرج رسول الله معه
المسلمون يطلبونهم وأسرع نفر منهم ثمانية أميرهم سعد بن
زيد أخو بني عبد الشهل فأدركوا القوم فاعتنق أبو قتادة مسعدة
فقتله الله عز وجل بيد أبي قتادة وأخذ أبو قتادة بردة له حمراء
كانت عليه فسجاها على مسعدة حين قتله ثم نفذوا في أثر
السرح ومر رسول الله ومن معه من المسلمين على قتيل أبي
قتادة فلما رأوا رداء أبي قتادة على القتيل ظنوا أنه أبو قتادة
فاسترجع أحدهم وقال هذا أبو قتادة قتيل ً فقال رسول الله :بل
هو قتيل أبي قتادة جعل عليه رداءه لتعرفوه فخلوا عن قتيله
وسلبه...
ثم إن فوارس النبي أدركوا العدو والسرح فاقتتلوا قتال ً شديدًا
فاستنقذوا السرح وهزم الله العدو ويقال قتل أبو قتادة قرفة
امرأة مسعدة وقتل يومئذ من المسلمين الجدع محرز بن نضلة
352
قتله أو بار فشد عكاشة بن محصن فقتل أوباًرا وابنه عمًرا ويقال
كانا رديفين..
وأخبرناه أبو الحسن بن الفضل القطان قال أخبرنا أبو بكر بن
عتاب قال حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة الجوهري قال
حدثنا ابن أبي أويس قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة
عن عمه موسى بن عقبة فذكره ومعناه ذكره أبو السود عن
عروة في شأن أبي قتادة وقتله مسعدة وقتل الخرم أوبار محرز
بن نضلة الجدع وقتل عكاشة بن محصن أوبارا وابنه
وأخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو جعفر البغدادي قال
حدثنا أبو علثة قال حدثنا أبي قال حدثنا ابن لهيعة قال حدثنا أبو
السود عن عروة فذكره ولم يذكره ولم يذكر سعد بن زيد.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو أحمد علي بن محمد
بن عبد الله بن حبيب الزرقي بمرو قال حدثنا سيف بن قيس بن
ريحان المروزي قال حدثنا عكرمة بن قتادة بن عبد الله بن
عكرمة بن عبد الله بن أبي قتادة النصاري قال حدثنا أبي عن
أبيه عن عبد الله بن أبي قتادة أن أبا قتادة اشترى فرسه من
دواب دخلت المدينة فلقيه مسعدة الفزاري فقال يا أبا قتادة ما
هذا الفرس فقال أبو قتادة فرس أردت أن اربطها مع رسول الله
فقال ما أهون قتلكم وأشد جرأتكم قال أبو قتادة أما أني أسأل
الله عز وجل أن ألقينيك وأنا عليها قال آمين.
فبينا أبو قتادة ذات يوم يعلف فرسه تمًرا في طرف بردته إذ
رفعت رأسها وصرت أذنها فقال أحلف بالله لقد حست بريح خيل
فقالت له أمه :والله يا بني ما كنا نرام في الجاهلية فكيف حين
ضا رأسها وصرت أذنيها جاء الله بمحمد ثم رفعت الفرس أي ً
فقال :أحلف بالله لقد حست بريح خيل فوضع عليها سرجها
فأسرجها وأخذ سلحه ثم نهض حتى أتى مكانًا يقال له الزوراء
فلقيه رجل من الصحابة فقال له :يا أبا قتادة تسوط دابتك وقد
أخذت اللقاح وقد ذهب النبي في طلبها وأصحابه فقال :أين؟
سا عندفأشار له نحو الثنية فإذا بالنبي في نفر من أصحابه جلو ً
دباب فقمع دابته ثم خلها فمر بالنبي فقال له :امض يا أبا قتادة
صحبك الله.
قال أبو قتادة فخرجت فإذا بإنسان يحاكني فلم أنشب أن هجمنا
على العسكر فقال لي :يأبا قتادة ما تقول أما القوم فل طاقة لنا
بهم فقال أبو قتادة :تقول إني واقف حتى يأتي النبي أريد أن
تشد في ناحية وأشد في ناحية فوثب أبو قتادة فشق القوم
ورمي بسهم فوقع في جبهته قال أبو قتادة :فترعت فدحه وأنا
أظن أني قد نزعت الحديدة ومضيت على وجهي فلم أنشب أن
353
طلع علي فارس على فرس فاره وأداة كليلة على وجهه مغفر
له فاثبتني ولم أثبته قال :لقد لقانيك الله يأبا قتادة وكشف عن
وجهه فإذا مسعدة الفزاري فقال أيما أحب إليك مجالدة أو
مطاعنة أو مصارعة قال فقلت ذاك إلى الله عز وجل وإليك قال
فقال صراع فأحال رجله عن دابته وأحلت رجلي عن دابتي ثم
علقت دابتي وسلحي إلى شيء وعلق دابته وسلحه إلى شيء
ثم تواثبنا فلم أنشب أن رزق الله عز وجل الظفر عليه فإذا أنا
على صدره فوالله إني لمن أهم الناس من رجل متأبط قد
عالجت منه ما عالجت أن أقوم فآخذ سيفي أن يقوم فيأخذ
سيفه وأنا بين عسكرين ل أمن أن يهجم علي أحدهما إذا شيء
يمس رأسي فإذا نحن قد تعالجنا حتى بلغنا سلح مسعدة
فضربت بيدي إلى سيفه فلما رأى أن السيف قد وقع بيدي قال
يا أبا قتادة استحيني قال :قلت ل والله أو ترد أمك الهاوية قال يا
أبا قتادة فمن للصبية قال قلت النار قال ثم قتلته ثم أدرجته في
بردي ثم أخذت ثيابه فلبستها وآخذت سلحه ثم استويت على
فرسه وكانت فرسي نفذت حين تعالجنا فرجعت راجعة إلى
العسكر قال فعر قبوها ثم مضيت على وجهي فلم أنشب أنا
سا قالحتى أشرفت على ابن أخيه وهو في سبعة عشر فار ً
فألحت لهم فوقفوا فلما أن دنوت منهم حملت عليهم حملة
فطعنت ابن أخيه طعنة دققت صلبه قال واكشف من معه قال
وخشيت اللقاح برمحي.
قال وأقبل النبي ومن معه من أصحابه فلما نظر إليهم العسكر
فروا قال فلما انتهوا إلى موضع العسكر إذا بفرس أبي قتادة قد
عرقبت قال فقال الرجل من الصحابة يا رسول الله عرقبت
فرس أبي قتادة قال فوقف عليها رسول الله فقال ويح أمك رب
عدو لك في الحرب مرتين قال ثم أقبل رسول الله وأصحابه
حتى إذا انتهوا إلى الموضع الذي تعالجنا فيه إذا هم بأبي قتادة
فيما يرون سجي في ثيابه قال فقال رجل من الصحابة :يا رسول
الله استشهد أبو قتادة قال فقال رسول الله :رحم الله أبا قتادة
على آثار القوم يرتجز فدخلهم الشيطان أنهم ينظرون إلى فرس
قد عرقبت وينظرون إلى مسجى على ثيابي قال فخرج عمر بن
الخطاب أو أبو بكر الصديق يسعى حتى كشف الثوب فإذا هو
مسعدة فقال الله أكبر صدق الله ورسوله مسعدة يا رسول الله
فكبر الناس ولم ينشب أن طلع عليكم أبو قتادة يحوش اللقاح
فقال النبي :أفلح وجهك أبا قتادة أبو قتادة سيد الفرسان بارك
الله فيك يأبا قتادة وفي ولدك وفي ولد ولدك واحسب عكرمة
قال وفي ولد ولد ولدك ما هذا بوجهك يا أبا قتادة قال :قلت:
354
بأبي وأمي سهم أصابني والذي أكرمك بما أكرمك لقد ظننت أني
نزعته قال :ادن مني يا أبا قتادة قال فدنوت منه قال فنزع
النصل نزعا رفيقا ثم بزق فيه رسول الله ووضع راحته عليه
فوالذي أكرم محمدا بالنبوة ما ضرب علي ساعة قط ول قرح
علي..
-وقال للنابغة :ل يفضض الله فاك ...فما سقطت له سن .وفي
رواية :فكان أحسن الناس ثغراً ،إذا سقطت له سن نبتت له
أخرى ،وعاش عشرين ومائة سنة ،وقيل :أكثر من هذا.
البيهقي في دلئل النبوة باب ما جاء في دعائه لنابغة وإجابة الله
تعالى له فيما دعاه به:
أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد بن عبدان أنبأنا أبو بكر محمد
بن المؤمل حدثنا جعفر بن محمد بن سوار حدثنا إسماعيل بن
عبد الله بن خالد السكري الرقي قال حدثنا يعلى بن الشدق
قال سمعت النابغة نابغة بني جعدة يقول أنشدت رسول الله هذا
الشعر فأعجبه:
وإنا لنرجو فوق ذلك مظهـر بلغنا السماء مجدنا وثراءنــا
فقال لي إلي أين المظهر يا أبا ليلى قال قلت إلى الجنة قال
كذلك إن شاء الله
بوادر تحمي صفوه أن فل خير في حلم إذا لم تكن له
يكـدرا
حليم إذا ما أورد المر ول خير في جهل إذا لم يكن له
أصدرا
فقال النبي :أجدت ل يفضض فوك …قال يعلى فلقد رأيته ولقد
أتى عليه نيف ومائة سنة وما ذهب له سن.
-ودعا لبن عباس :اللهم فقهه في الدين ،وعمله التأويل ،فسمي
بعد الحبر وترجمان القرآن.
قلت :أخرج البخاري:
-1باب :قول النبي صلى الله عليه وسلم(:اللهم علمه الكتاب).
-حدثنا أبو معمر قال :حدثنا عبد الوارث قال :حدثنا خالد ،عن
عكرمة ،عن ابن عباس قال :ضمني رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقال(:اللهم علمه الكتاب).
-2وضع الماء عند الخلء.
-حدثنا عبد الله بن محمد قال :حدثنا هاشم بن القاسم قال:
حدثنا ورقاء ،عن عبيد الله بن أبي يزيد ،عن ابن عباس :أن النبي
صلى الله عليه وسلم دخل الخلء ،فوضعت له وضوءًا ،قال(:من
وضع هذا) .فأخبر ،فقال(:اللهم فقهه في الدين).
ومسلم
355
باب من فضائل عبدالله بن عباس ،رضي الله عنهما:
-حدثنا زهير بن حرب وأبو بكر بن النضر .قال :حدثنا هاشم بن
القاسم .حدثنا ورقاء بن عمر اليشكري .قال :سمعت عبيدالله
بن أبي يزيد يحدث عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه
وسلم أتى الخلء .فوضعت له وضوءًا .فلما خرج قال" :من وضع
هذا؟" -في رواية زهير قالوا وفي رواية أبي بكر -قلت :ابن
عباس .قال" :اللهم! فقهه".
والحاكم حدثنا علي بن حمشاذ العدل ثنا هشام بن علي
السدوسي ثنا سليمان بن حرب وأبو سلمة قال ثنا حماد بن
سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن بن
عباس رضى الله تعالى عنهما قال كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم في بيت ميمونة فوضعت له وضوءا فقالت له ميمونة
وضع لك عبد الله بن العباس وضوءا فقال( :اللهم فقهه في
الدين وعلمه التأويل) هذا حديث صحيح السناد ولم يخرجاه.
وأحمد حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا حسن بن موسى حدثنا
زهير بن خيثمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس أن-:رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع
يده على كتفي أو على منكبي شك سعيد ثم قال( :اللهم فقهه
في الدين وعلمه التأويل).
وابن حبان أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن عبد الله بن
عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال كنت في
بيت ميمونة بنت الحارث فوضعت لرسول الله صلى الله عليه
وسلم طهورا فقال من وضع هذا قالت ميمونة عبد الله فقال
صلى الله عليه وسلم (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأول)
قال ابن حجر:
وقد أخرج أحمد من طريق عمرو بن دينار عن كريب عن بن
عباس في قيامه خلف النبيصلى الله عليه وسلم في صلة الليل
وفيه فقال لي :ما بالك أجعلك حذائي فتخلفني فقلت أو ينبغي
لحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول الله فدعا لي أن يزيدني الله
فهما وعلما.
والمراد بالكتاب القرآن لن العرف الشرعي عليه والمراد
بالتعليم ما هو أعم من حفظه والتفهم فيه ووقع في رواية مسدد
الحكمة بدل الكتاب وذكر السماعيلي أن ذلك هو الثابت في
الطرق كلها عن خالد الحذاء كذا قال وفيه نظر لن المصنف
ضا فيحمل ضا من حديث وهيب عن خالد بلفظ الكتاب أي ً أخرجه أي ً
ضا القرآن فيكون بعضهم رواه بالمعنى على أن المراد بالحكمة أي ً
356
وللنسائي والترمذي من طريق عطاء عن بن عباس قال دعا لي
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أوتي الحكمة مرتين
فيحتمل تعدد الواقعة فيكون المراد بالكتاب القرآن وبالحكمة
السنة ويؤيده أن في رواية عبيد الله بن أبي يزيد التي قدمناها
عند الشيخين :اللهم فقهه في الدين لكن لم يقع عند مسلم في
الدين وذكر الحميدي في الجمع أن أبا مسعود ذكره في أطراف
الصحيحين بلفظ اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل قال
الحميدي وهذه الزيادة ليست في الصحيحين قلت وهو كما قال
نعم هي في رواية سعيد بن جبير التي قدمناها عند أحمد وابن
حبان والطبراني ورواها بن سعد من وجه آخر عن عكرمة مرسل
وأخرج البغوي في معجم الصحابة من طريق زيد بن أسلم عن
بن عمر كان عمر يدعو بن عباس ويقربه ويقول إني رأيت
ما فمسح رأسك وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاك يو ً
اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ووقع في بعض نسخ بن
ماجة من طريق عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء في حديث
الباب بلفظ اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب وهذه الزيادة
مستغربة من هذا الوجه فقد رواه الترمذي والسماعيلي وغيرهما
من طريق عبد الوهاب بدونها وقد وجدتها عند بن سعد من وجه
آخر عن طاوس عن بن عباس قال دعاني رسول الله صلى الله
عليه وسلم فمسح على ناصيتي وقال( :اللهم علمه الحكمة
وتأويل الكتاب) وقد رواه أحمد عن هشيم عن خالد في حديث
الباب بلغظ مسح على رأسي وهذه الدعوة مما تحقق إجابة
النبي صلى الله عليه وسلم فيها لما علم من حال بن عباس في
معرفة التفسير والفقه في الدين رضي الله تعالى عنه واختلف
الشراح في المراد بالحكمة هنا فقيل القرآن كما تقدم وقيل
العمل به وقيل السنة وقيل الصابة في القول وقيل الخشية
وقيل الفهم عن الله وقيل العقل وقيل ما يشهد العقل بصحته
وقيل نور يفرق به بين اللهام والوسواس وقيل سرعه الجواب
مع الصابة وبعض هذه القوال ذكرها بعض أهل التفسير في
تفسير قوله تعالى(:ولقد آتينا لقمان الحكمة) والقرب أن المراد
بها في حديث بن عباس الفهم في القرآن...
-ودعا لعبد الله بن جعفر بالبركة في صفقة يمينه ،فما اشترى
شيئا ً إل ربح فيه.
-ودعا للمقداد بالبركة ،فكانت عنده غرائز المال.
--ودعا بمثله لعروة بن أبي الجعد ،فقال :فلقد كنت أقوم
بالكناسة ،فما أرجع حتى أربح أربعين ألفاً .وقال البخاري في
حديث :فكان لو اشترى التراب ربح فيه.
357
وروي مثل هذا لغرقدة أيضاً.
قلت :وأخرج البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
باب ما جاء في دعائه لعروة البارقي في البركة في بيعه
وطهورها بعده في ذلك وكذلك في تجارة عبد الله بن جعفر بن
أبي طالب:
حدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الصبهاني أنبأنا أبو سعيد
أحمد بن محمد بن زياد حدثنا سعدان بن نصر حدثنا سفيان عن
شبيب بن غرقدة سمع قومه يحدثون عن عروة البارقي أن النبي
أعطاه ديناًرا ليشتري له شاة أضحية فاشترى به شاتين فباع
إحداهما بدينار وأتى النبي بشاة ودينار فدعا النبي بالبركة في
بيعه فكان لو اشترى التراب ربح فيه.
أخبرنا أبو منصور المظفر بن محمد العلوي أنبأنا أبو جعفر بن
دحيم حدثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة حدثنا الفضل بن دكين
حدثنا فطر بن خليفة عن أبيه زعم أنه سمع عمرو بن حريث قال
انطلق بي أبي إلى رسول الله وأنا غلم شاب فمر النبي على
عبدالله بن جعفر وهو يبيع شيئا يلعب به فدعا له النبي قال اللهم
بارك له في تجارته...
وروى ابن ماجه في سننه ،قال:
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا سفيان بن عيينة عن شبيب بن
غرقدة عن عروة البارقي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه
دينارا يشتري له شاة فاشترى له شاتين فباع إحداهما بدينار
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بدينار وشاة فدعا له رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالبركة قال فكان لو اشترى التراب
لربح فيه حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي ثنا حبان بن هلل ثنا
سعيد بن يزيد عن الزبير بن الخريت عن أبي لبيد لمازة بن زبار
عن عروة بن أبي الجعد البارقي قال قدم جلب فأعطاني النبي
صلى الله عليه وسلم دينارا فذكر نحوه.
قال الشيخ اللباني :صحيح
-وندت له ناقة ،فدعا فجاءه بها إعصار ريح ،،حتى ردها عليه.
-ودعا لم أبي هريرة فأسلمت.
قلت أخرج البهقي في دلئل النبوة باب ما جاء في دعائه لم
أبي هريرة بالهداية وإجابة الله تعالى له فيها:
حدثنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن
عبد الله الدقاق ببغداد حدثنا عبد الملك بن محمد بن عبد الله
الرقاشي حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي حدثنا عكرمة بن
عمار قال حدثنا أبو كثير الغبري قال قال أبو هريرة :ما على وجه
الرض مؤمن ول مؤمنة إل وهو يحبني قال قلت :وما علمك بذلك
358
يا أبا هريرة؟ قال إني كنت أدعو أمي إلى السلم فتأبي وإني
دعوتها ذات يوم فاسمعتني في رسول الله ما أكره فجئت إلى
رسول الله فقلت يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى السلم
فتأبي علي وأنا دعوتها فأسمعتني فيك ما أكره فادع الله يا
رسول الله أن يهدي أم أبي هريرة إلى السلم فدعا لها رسول
الله فرجعت إلى أمي أبشرها بدعوة رسول اللهِ فلما كنت على
الباب إذا الباب مغلق فدفعت الباب فسمعت حسي فلبست
ثيابها وجعلت على رأسها خمارا وقالت :ارفق يا أبا هريرة
ففتحت لي فلما دخلت قالت أشهد أن ل إله إل الله وأن محمدًا
رسول الله قال فرجعت إلى رسول الله وأنا أبكي من الفرح كما
كنت أبكي من الحزن وجعلت أقول :أبشر يا رسول الله قد
استجاب الله دعوتك وهدى الله أم أبي هريرة إلى السلم فقلت
ادع الله أن يجببني وأمي إلى عبادة المؤمنين ويحببهم إلينا قال
فقال رسول الله( :اللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلى عباده
المؤمنين وحببهم إليهما) فما على الرض مؤمن ول مؤمنة إل
وهو يحبني وأحبه.
رواه مسلم في الصحيح عن عمرو الناقد عن عمر بن يونس عن
عكرمة بن عمار وذكر فيه غسلها..
--ودعا لعلي أن يكفى الحر والقر ،فكان يلبس في الشتاء ثياب
الصيف ،وفي الصيف ثياب الشتاء ،ول يصيبه حر ول برد.
قلت :أخرج البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي
قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد
الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن عبد الرحمن بن
أبي ليلى عن المنهال بن عمرو والحكم عن عبد الرحمن بن أبي
ليلى قال كان علي يلبس في الحر والشتاء العباء المخشم
التخين وما يبالي الحر فأتاني أصحابي فقالوا إنا قد رأينا من أمير
المؤمنين شيئًا فهل رأيته فقلت :وما هو قالوا رأيناه يخرج إلينا
في الحر الشديد في العباء المحشو التخين وما يبالي الحر
ويخرج علينا في البرد الشديد في الثوبين الخفيفين وما يبالي
البرد فهل سمعت في ذلك شيئا فقلت ل فقالوا سل لنا أباك عن
ذلك فإنه يسمر معه فأتيته فسألته فقال ما سمعت في ذلك شيئا
فدخل على علي رضي الله عنه فسمر معه ثم سأله عن ذلك
فقال أو ما شهدت معنا خيبر فقلت بلى قال فما رأيت رسول
الله حين دعا أبا بكر فعقد له وبعثه إلى القوم فانطلق فلقي
القوم ثم جاء بالناس وقد هزموا فقال بلى ثم قال ثم بعث إلى
عمر فعقد له ثم بعثه إلى القوم فانطلق فلقي القوم فقاتلهم ثم
359
رجع وقد هزم فقال رسول الله عند ذلك(:لعطين الراية اليوم
رجل ً يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله يفتح الله عليه غير
فرار) فدعاني فأعطاني الراية ثم قال :اللهم أكفه الحر والبرد
فما وجدت بعد ذلك بردًا ول حًرا.
-ودعا الله لفاطمة ابنته أل يجيعها ،قالت :فما جعت بعد.
قلت :أخرج البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
باب ما جاء في دعائه لبنته فاطمة عليهما السلم وما ظهر فيه
من الجابة
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ رحمه الله قال أنبأنا أبو جعفر احمد
بن عبيد الحافظ بهمذان حدثنا ابراهيم بن الحسين الكيساني
حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة القناد حدثنا مسهر بن عبد الملك
بن سلع الهمداني عن عتبة أبي معاذ البصري عن عكرمة عن
عمران بن حصين قال
كنت مع رسول الله إذ أقبلت فاطمة رضي الله عنها وقفت بين
يديه فنظر إليها وقد ذهب الدم من وجهها وغلبت الصفرة على
وجهها من شدة الجوع فنظر اليها رسول الله فقال :إدني يا
فاطمة ثم إدني يا فاطمة .فدنت حتى قامت بين يديه فرفع يده
فوضعها على صدرها في موضع القلدة وفرج بين أصابعه ثم
قال( :اللهم مشبع الجاعة ورافع الوضيعة ارفع فاطمة بنت
محمد) قال عمران فنظرت إليها وقد ذهبت الصفرة من وجهها
وغلب الدم كما كانت الصفرة غلبت على الدم قال عمران
فلقيتها بعد فسألتها فقالت ما جعت بعد ذلك يا عمران والشبه
أنه إنما رآها قبل نزول آية الحجاب والله أعلم.
ة لقومه ،فقال :اللهم نور له فسطع -وسأله الطفيل بن عمرو آي ً
نور بين عينيه ،فقال :أخاف أن يقولوا مثله ،فتحول إلى طرف
سوطه ،فكان يضيء في الليلة المظلمة ،فسمي ذا النور.
حدثنا المام أبو عثمان رحمه الله إملءً قال أخبرنا أبو علي زاهر
بن أحمد الفقيه قال أخبرنا أبو لبابه الميهني حدثنا عمار بن
الحسن حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق بن يسار
قال كان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث أنه قدم مكة ورسول
الله بها فمشى إليه رجال قريش وكان الطفيل رجل ً شريفاً
شاعرا ً لبيبا ً فقالوا له إنك قدمت بلدنا وهذا الرجل الذي بين
أظهرنا فرق جماعتنا وشتت أمرنا وإنما قوله كالسحر يفرق بين
المرء وبين أبيه وبين الرجل وبين أخيه وبين الرجل وبين زوجته
وأنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا فل تكلمنه ول
تسمعن منه قال فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن ل أسمع منه
360
شيئا ً ول أكلمه حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد
كرسفا ً فرقا ً من أن يبلغني شيء من قوله
قال فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله قائم يصلي عند
الكعبة فقمت قريبا ً منه فأبى الله إل أن يسمعني بعض قوله
فسمعت كلما ً حسنا ً فقلت في نفسي :واثكل أماه والله إني
ي الحسن من القبيح فما يمنعني لرجل لبيب شاعر ما يخفي عل ّ
من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول فإن كان الذي يأتي به
حسنا ً قبلت وإن كان قبيحا ً تركت .قال :فمكثت حتى انصرف
رسول الله إلى بيته فتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت:
يا محمد إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا فوالله ما برحوا
يخوفوني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئل أسمع قولك ثم
أبى الله عز وجل إل أن يسمعينه فسمعت قول ً حسنا ً فاعرض
ي القرآني السلم وتل عل ّ ي أمرك قال فعرض رسول الله عل ّ عل ّ
فل والله ما سمعت قول ً قط أحسن منه ول أمرا ً أعدل منه
فأسلمت وشهدت شهادة الحق وقلت يا نبي الله إني امرؤ مطاع
في قومي وإني راجع إليهم فداعيهم إلى السلم فادع الله أن
يجعل لي آية تكون لي عونا ً عليهم فيما أدعوهم إليه فقال :اللهم
ة...
أجعل له آي ً
قال فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية يقال كذا وكذا
تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح قال قلت:
اللهم في غير وجهي إني أخشى أن يظنوا أنها مثلة وقعت في
وجهي لفراق دينهم قال فتحول فوقع في رأس سوطي كالقنديل
المعلق وأنا أهبط إليهم من الثنية حتى جئتهم فأصبحت فيهم..
فلما نزلت أتاني أبي وكان شيخا ً كبيرا ً فقلت إليك عني يا أبت
فلست منك ولست مني قال :لم يا بني؟ قلت :أسلمت وتابعت
دين محمد قال :يا بني فديني دينك قال :قلت :فاذهب يا أبت
فاغتسل وطهر ثيابك ثم تعال حتى أعلمك ما علمت قال :فذهب
فاغتسل وطهر ثيابه ثم جاء فعرضت عليه السلم فأسلم ,ثم
اتتني صاحبتي فقلت لها :إليك عني فلست منك ولست مني.
قالت :لم بأبي أنت وأمي؟ قلت :فرق السلم بيني وبينك
أسلمت وتابعت دين محمد قالت فديني دينك قال قلت :فاذهبي
إلى حني ذي الشرى فتطهري منه وكان ذو الشرى صنما ً لدوس
ى حوله وبه وشل من ماء يهبط من جبل إليه وكان الحنى حم ً
قالت :بأبي وأمي أتخشى على الصبية من ذي الشرى شيئا ً قال
قلت :ل أنا ضامن لك قال :فذهبت واغتسلت ثم جاءت فعرضت
عليها السلم فأسلمت ثم دعوت دوسا ً إلى السلم فأبطأوا
ي فجئت رسول الله فقلت :يا نبي الله إنه قد غلبني على عل ّ
361
دوس الزنا فادع الله عليهم فقال :اللهم أهد دوسا ً ثم قال :ارجع
إلى قومك فادعهم إلى الله وأرفق بهم .فرجعت إليهم فلم أزل
بأرض دوس أدعوهم إلى الله ثم قدمت على رسول الله بمن
أسلم معي من قومي ورسول الله بخيبر فنزلت المدينة بسبعين
أو ثمانين بيتا ً من دوس ثم لحقنا برسول الله بخيبر فأسهم لنا مع
المسلمين.
-ودعا على مضر فأقحطوا ،حتى استعطفته قريش ،فدعا لهم
فسقوا.
البخاري في كتاب الستسقاء:
-حدثنا قتيبة -حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن ،عن أبي الزناد ،عن
العرج ،عن أبي هريرة :أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا
رفع رأسه من الركعة الخرة يقول(:اللهم أنج عياش بن أبي
ربيعة ،اللهم أنج سلمة بن هشام ،اللهم أنج الوليد بن الوليد،
اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين ،اللهم اشدد وطأتك على
مضر ،اللهم اجعلها سنين كسني يوسف)..
-حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال :حدثنا جرير ،عن منصور ،عن
أبي الضحى ،عن مسروق قال :كنا عند عبد الله ،فقال :إن النبي
صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدباًرا ،قال(:اللهم سبع
كسبع يوسف) .فأخذتهم سنة حصت كل شيء ،حتى أكلوا الجلود
والميتة والجيف ،وينظر أحدهم إلى السماء فيرى الدخان من
الجوع .فأتاه أبو سفيان فقال :يا محمد ،إنك تأمر بطاعة الله
وبصلة الرحم ،وإن قومك قد هلكوا ،فادع الله لهم ،قال الله
شى النَّا َ
س ن * يَغْ َ ٍ ن ُّ
مبِي ماء بِد ُ َ
خا ٍ م تَأْتِي ال َّ
س َ ب يَوْ َتعالى{ :فَاْرتَقِ ْ
َ َ
من * أنَّىَ لَهُ ُ منُو َمؤْ ِ ب َ إِنَّا ُف ع َنَّا الْعَذ َا َ ش ْ م * َربَّنَا اك ْ ِ ب ألِي ٌهَذ َا عَذ َا ٌ
ممعَل ّ ٌ
ه وَقَالُوا ُ م تَوَل ّوْا ع َن ْ ُ ن * ث ُ َّ مبِي ٌل ُّ سو ٌ م َر ُ جاءهُ ْ الذِّكَْرى وَقَد ْ َ
ش
م نَبْط ِ ُن * يَوْ َ م ع َائِدُو َ ب قَلِيل ً إِنَّك ُ ْ شفُو الْعَذ َا ِ ن*إِنَّا كَا ِجنُو ٌم َّْ
ن *}(الدخان .()16 - 10فالبطشة يوم مو َ ة الْكُبَْرى إِنَّا ُ
منت َ ِق ُ ش َالْبَط ْ َ
بدر ،وقد مضت الدخان ،والبطشة واللزام وآية الروم.
مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلة:
حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى .قال :أخبرنا ابن وهب.
أخبرني يونس بن يزيد ،عن ابن شهاب .قال :أخبرني سعيد بن
المسيب وأبو سلمة بن عبدالرحمن بن عوف؛ أنهما سمعا أبا
هريرة يقول :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ،حين
يفرغ من صلة الفجر من القراءة ،ويكبر ،ويرفع رأسه" :سمع
الله لمن حمده .ربنا ولك الحمد" ثم يقول ،وهو قائم "اللهم! أنج
الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة.
والمستضعفين من المؤمنين .اللهم! اشدد وطأتك على مضر.
362
واجعلها عليهم كسني يوسف .اللهم! العن لحيان ورعل وذكوان
وعصية .عصت الله ورسوله" ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل:
شيءٌ أَو يتوب ع َلَيه َ َ
م م أوْ يُعَذَّبَهُ ْ
م فَإِنَّهُ ْ ِْ ْ ْ َُ َ مرِ َ ْن ال ْ
م َ س لَ َ
ك ِ {(لَي ْ َ
ن)(آل عمران.)128 : ظَال ِ ُ
مو َ
وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد .قال :حدثنا ابن
عيينة عن الزهري ،عن سعيد بن المسيب ،عن أبي هريرة ،عن
النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوله":واجعلها عليهم كسني
يوسف" ولم يذكر ما بعده.
وحدثنا محمد بن مهران الرازي .حدثنا الوليد بن مسلم .حدثنا
الوزاعي عن يحيى بن أبي كثير ،عن أبي سلمة؛ أن أبا هريرة
حدثهم؛ أن النبيصلى الله عليه وسلم قنت بعد الركعة ،في صلة،
شهًرا .إذا قال" :سمع الله لمن حمده" يقول في قنوته "اللهم!
أنج الوليد بن الوليد .اللهم! نج سلمة بن هشام .اللهم! نج عياش
بن أبي ربيعة .اللهم! نج المستضعفين من المؤمنين .اللهم!
اشدد وطأتك على مضر .اللهم! اجعلها عليهم سنين كسني
يوسف".
قال أبو هريرة :ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك
الدعاء بعد .فقلت :أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
ترك الدعاء لهم .قال فقيل :وما تراهم قد قدموا؟.
--ودعا على كسرى حين مزق كتابه أن يمزق الله ملكه ،فلم
تبق له باقية ،ول بقيت لفارس رياسة في أقطار الدنيا.
قلت:أخرج اللباني في السلسة الصحيحة؛ وقال(صحيح):
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة
السهمي إلى كسرى يدعوه إلى السلم وكتب معه كتابًا قال عبد
الله فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقريء
عليه ثم أخذه فمزقه فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال :اللهم مزق ملكه .وكتب كسرى إلى باذان عامله
على اليمن أن ابعث من عندك رجلين جلدين إلى هذا الرجل
الذي بالحجاز فليأتياني بخبره فبعث باذان قهرمان ورجل آخر
وكتب معهما كتابًا فقدما المدينة فدفعا كتاب باذان إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ودعاهما إلى السلم وفرائصهما ترعد وقال ارجعا عني يومكما
هذا حتى تأتياني الغد فأخبركما بما أريد فجاءاه من الغد فقال
لهما ...فذكره.
وقال الشيخ محمد الغزالي في فقه السيرة:
كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وبعث الكتاب
مع عبدالله بن حذافة السهمي فيه{ :بسم الله الرحمن الرحيم
363
من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلم على من
اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن ل إله إل الله وأني
رسول الله إلى الناس كافة لينذر من كان حيا أسلم تسلم فإن
أبيت فعليك إثم المجوس} (صحيح) (ويروى أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم لما بلغه ما صنع كسرى أبرويز بكتابه قال(:مزق
الله ملكه)
وروى البيهقي في دلئل النبوة باب ما جاء في بعث رسول الله
إلى كسرى ابن هرمز وكتابه إليه ودعائه عنده تمزيق كتابه عليه
وأجابه الله تعالى دعاءه وتصديقه قوله في هلكه وهلك جنوده
وفتح كنوزه:
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان قال أخبرنا أحمد بن
عبيد الصفار قال حدثنا عبيد بن شريك قال حدثنا يحيى(ح)
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أنبأنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه
قال أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان قال حدثنا يحيى بن بكير
قال حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال حدثنا عبيد الله
بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن عباس أخبره أن رسول الله
بعث بكتابه إلى كسرى وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين
يدفعه عظيم البحرين إلى كسرى فلما قرأه كسرى مزقه
فحسبت أن ابن المسيب قال فدعا عليهم رسول الله أن يمزقوا
كل ممزق..
رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن بكير وفي كتابي عن أبي
عبد الله الحافظ فيما لم أجد نسخة سماعي وقد أنبأني به إجازة
أن أبا جعفر محمد بن صالح بن هاني أخبرهم قال حدثنا أبو بكر
محمد بن النضر الجارودي قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا
أحمد بن صالح قال حدثنا ابن وهب قال أنبأنا يونس عن ابن
شهاب قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد القارئ أن رسول رسول
الله قام ذات يومي على المنبر خطيبًا فحمد الله وأثنى عليه
وتشهد ثم قال :أما بعد فإني أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك
العاجم فل تختلفوا علي كما اختلفت بنو إسرائيل على عيسى
بن مريم ...فقال المهاجرون :يا رسول الله..والله ل نختلف عليك
أبدا على شيء ،فمرنا وأبعثنا ..فبعث شجاع بن وهب إلى
كسرى فخرج حتى قدم على كسرى وهو بالمدائن فاستأذن عليه
فأما كسرى بإيوائه أن يزين له ثم أذن لعظماء فارس ثم أذن
لشجاع فلما دخل عليه أمر كسرى بكتاب رسول الله أن يقبض
منه قال شجاع ل حتى أدفعه أنا كما أمرني رسول الله فقال
كسرى أذنه فدنا فناوله الكتاب ثم دعا كاتبًا له من أهل الحيرة
فقرأه فإذا فيه من محمد عبد الله ورسوله إلى كسرى عظيم
364
فارس فأغضبه حين بدأ رسول الله بنفسه وصاح وغضب ومزق
الكتاب قبل أن يعلم ما فيه وأمر بشجاع بن وهب فأخرج فلما
رأى ذلك قعد على راحلته ثم سار ثم قال :والله ما أبالي على
أي الطريقين أكون إذا أديت كتاب رسول الله فلما ذهب عن
كسرى سورة غضبه بعث إلى شجاع أن يدخل عليه فالتمس فلم
يوجد فطلب إلى الحيرة فسبق فلما قدم شجاع على النبي
أخبره بما كان من أمر كسرى وتمزيقه كتاب رسول الله قال
رسول الله(:مزق كسرى ملكه).
اتفق هذا المرسل والموصول قبله في تمزيقه كتابه في هذا أن
النبي أخبر عن تمزيقه ملكه وفي الول أنه دعا عليهم واختلفت
الروايتين فيمن يدفع كتابه إلى كسرى والرواية الولى موصولة
فهي أولى والله أعلم.
-ودعا على صبي قطع عليه الصلة أن يقطع ا لله أثره ،فأقعد.
قلت :أخرج البيهقي في دلئل النبوة باب صلة النبي بتبوك
ودعائه على من مر بين يديه وما ظهر في ذلك من آثار النبوة:
-أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد الروذباري قال أخبرنا أبو بكر
بن داسة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن سليمان النباري
قال حدثنا وكيع عن سعيد بن عبد العزيز عن مولى ليزيد بن
نمران عن يزيد ابن نمران قال :رأيت رجل ً بتبوك مقعدا ً فقال
مررت بين يدي النبي وأنا على حمار وهو يصلي فقال( :اللهم
اقطع أثره) فما مشيت عليها بعد
** قال أبو داود وحدثنا كثير بن عبيد قال حدثنا ابن حيوة عن
سعيد بإسناده ومعناه زاد فقال( :قطع صلتنا قطع الله أثره).
أخبرنا أبو علي الروذباري قال أخبرنا أبو بكر بن داسة قال حدثنا
أبو داود قال حدثنا أحمد بن سعيد الهمذاني وسليمان بن داود
قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرنا معاوية عن سعيد بن غزوان عن
أبيه أنه نزل بتبوك وهو حاج فإذا رجل مقعد فسألته عن أمره
فقال سأحدثكم حديثا ً فل تحدث به ما سمعت أني حي أن رسول
الله نزل بتبوك إلى نخلة فقال هذه قبلتنا ثم صلى إليها قال
فأقبلت وأنا غلم أسعى حتى مررت بينه وبينها فقال :قطع
صلتنا قطع الله أثره ..قال فما قمت عليهما إلى يومي هذا.
أبو داود حدثنا محمد بن سليمان النباري ثنا وكيع عن سعيد بن
عبد العزيز عن مولى ليزيد بن نمران عن يزيد بن نمران قال
رأيت رجل بتبوك مقعدا فقال مررت بين يدي النبي صلى الله
عليه وسلم وأنا على حمار وهو يصلي فقال( :اللهم اقطع أثره)
فما مشيت عليها بعد قال الشيخ اللباني :ضعيف.
365
حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني ح ثنا سليمان بن داود قال ثنا بن
وهب أخبرني معاوية عن سعيد بن غزوان عن أبيه أنه نزل بتبوك
وهو حاج فإذا رجل مقعد فسأله عن أمره فقال له سأحدثك
حديثا فل تحدث به ما سمعت أني حي أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم نزل بتبوك إلى نخلة فقال هذه قبلتنا ثم صلى إليها
فأقبلت وأنا غلم أسعى حتى مررت بينه وبينها فقال( :قطع
صلتنا قطع الله أثره) فما قمت عليها إلى يومي هذا
قال الشيخ اللباني :ضعيف.
-وقال لرجل يأكل بشماله :كل بيمينك فقال :ل أستطيع .فقال:
ل استطعت .فلم يرفعها إلى فيه.
قلت :رواه مسام في كتاب الشربة باب :آداب الطعام والشراب
وأحكامهما.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة .حدثنا زيد بن الحباب عن عكرمة بن
عمار .حدثني إياس بن سلمة بن الكوع؛ أن أباه حدثه؛ أن رجلً
أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله .فقال( :كل
بيمينك) قال :ل أستطيع .قال(:ل استطعت) ما منعه إل الكبر.
قال :فما رفعها إلى فيه.
-وقال لعتبة بن أبي لهب :اللهم سلط عليه كلبا ً من كلبك ،فأكله
السد.
قلت :أخرج البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان قال أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار
قال حدثنا تمتام قال حدثنا عباس بن الفضل الزرق قال حدثنا
السود ابن شيبان قال حدثنا أبو نوفل بن أبي عقرب عن أبيه
قال :كان لهب ابن أبي لهب يسب النبي ويدعو عليه قال فقال
النبي( :اللهم سلط عليه كلبك) .قال :وكان أبو لهب يحمل البز
إلى الشام ويبعث بولده مع غلمانه ووكلئه ويقول إن ابني أخاف
عليه دعوة محمد فيعاهدوه قال وكانوا إذا نزل المنزل ألزقوه
إلى الحائط وغطوا عليه الثياب والمتاع قال ففعلوا ذلك به زمانا
فجاء سبع فنشله فقتله فبلغ ذلك أبا لهب فقال :ألم أقل لكم إني
أخاف عليه دعوة محمد؟
كذا قال عباس بن الفضل وليس بالقوي.
لهب بن أبي لهب وأهل المغازي يقولون عتبة بن أبي لهب وقال
بعضهم عتيبة
وفيما أخبرنا أبو عبد الله قراءة عليه قال كانت أم كلثوم يعني
ابنة رسول الله في الجاهلية تحت عتيبة بن أبي لهب وكانت رقية
تحت أخيه عتبة بن أبي لهب فلما أنزل الله عز وجل(:تبت يدا
366
أبي لهب) قال أبو لهب لبنيه عتيبة وعتبة :رأسي ورؤوسكما
حرام إن لم تطلقا ابنتي محمد وسأل النبي عتبة طلق رقية
وسألته رقية ذلك وقالت له أم كلثوم بنت حرب ابن أمية وهي
حمالة الحطب طلقها يا بني فإنها قد صبت فطلقها وطلق عتيبة
أم كلثوم وجاء النبي حين فارق أم كلثوم فقال :كفرت بدينك
وفارقت ابنتك ل تحبني ول أحبك ثم تسلط على رسول الله
فشق قميصه فقال رسول الله :أما إني أسأل الله أن يسلط
عليه كلبه فخرج نفر من قريش حتى نزلوا في مكان من الشام
يقال له الزرقاء ليل ً فأطاف بهم السد تلك الليلة فجعل عتيبة
يقول يا ويل أمي هو والله آكلي كما دعا محمد علي قتلني ابن
أبي كبشة وهو بمكة وأنا بالشام فعوى عليه السد من بين القوم
وأخذ برأسه فضغمه ضغمة فذبحه
قال أبو عبد الله فحدثنا بجميع ذلك محمد بن إسماعيل الحافظ
قال حدثنا الثقفي قال حدثنا أحمد بن المقدام قال حدثنا زهير بن
العلء العبدي عن ابن أبي عروبة عن قتادة قال زهير وحدثنا
هشام بن عروة عن أبيه أن السد لما طاف بهم تلك الليلة
انصرف عنهم فناموا وجعل عتيبة في وسطهم فأقبل السد
يتخطاهم حتى أخذ براس عتيبة ففدغه وتزوج عثمان بن عفان
رقية فتوفيت عنده ولم تلد له وتزوج أبو العاص بن الربيع زينب
فولدت له أمامة.
وأخرج في السنن:
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا أبو الحسن الكارزي ثنا علي
بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد في قوله والكلب العقور قال بلغني
عن سفيان بن عيينة أنه قال معناه كل سبع يعقر ولم يخص به
الكلب قال أبو عبيد قد يجوز في الكلم أن يقال للسبع كلب أل
ترى أنهم يروون في المغازي أن عتبة بن أبي لهب كان شديد
الذى للنبي صلى الله عليه وسلم فقال :اللهم سلط عليه كلبا
من كلبك فخرج عتبة إلى الشام مع أصحابه فنزل منزل
فطرقهم السد فتخطى إليه من بين أصحابه فقتله فصار السد
ههنا قد لزمه اسم الكلب قال ومن ذلك قوله تعالى(.):وما
علمتم من الجوارح مكلبين) فهذا اسم مشتق من الكلب ثم دخل
فيه صيد الفهد والصقر والبازي فلهذا قيل لكل جارح أو عاقر من
السباع كلب عقور...
-وقال لمرأة :أكلك السد .فأكلها.
--وحديثه المشهور ،من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله
عنه ،في دعائه على قريش حين وضعوا السل على رقبته وهو
367
ساجد مع الفرث والدم ،وسماهم .قال :فلقد رأيتهم قتلوا يوم
بدر.
قلت :أخرج البيهقي في دلئل النبوة
أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك رحمه الله قال أخبرنا
عبد الله بن جعفر بن أحمد الصبهاني قال حدثنا يونس بن حبيب
قال حدثنا أبو داود قال حدثنا شعبة قال حدثنا أبو إسحاق قال
سمعت عمرو بن ميمون يحدث عن عبدالله قال بينما رسول الله
ساجد وحوله ناس من قريش وثم سل بعير فقالوا من يأخذ سل
هذا الجزور أو البعير فيقذفه على ظهره فجاء عقبة بن أبي
معيط فقذفه على ظهر النبي فلم يرفع رأسه حتى جاءت فاطمة
فأخذته من ظهره ودعت على من صنع ذلك قال عبد الله فما
رأيت رسول الله دعا عليهم إل يومئذ فقال( :اللهم عليك المل
من قريش اللهم عليك أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة
بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف أو أبي بن خلف)
شك شعبة قال عبد الله فقد رأيتهم قتلوا يوم بدر وألقوا في
القليب أو قال في بئر غير أن أبي بن خلف أو أمية بن خلف كان
رجل ً بادنا فتقطع قبل أن يبلغ به البئر..
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث شعبة بن الحجاج
أخبرنا أبو محمد جناح بن نذير بن جناح القاضي بالكوفة قال
حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم قال حدثنا أحمد بن حازم
بن أبي غرزة قال أخبرنا جعفر بن عون العمري قال أخبرنا
سفيان بن سعيد الثوري عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون
عن عبد الله قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في ظل
الكعبة فقال أبو جهل وناس من قريش وقد نحرت جزور في
ناحية مكة فبعثوا فجاءوا من سلها فطرحوه بين كتفي النبي قال
فجاءت فاطمة فطرحته عنه قال فلما انصرف وكان يستحث ثلثا
قال( :اللهم عليك بقريش ثلثا بأبي جهل بن هشام وبعتبة بن
ربيعة وبشيبة بن ربيعة وبالوليد ابن عتبة وبأمية بن خلف وبعقبة
بن أبي معيط قال عبد الله) ثم لقد رأيتهم في قليب بدر قال أبو
إسحاق ونسيت السابع.
رواه البخاري ومسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة عن
جعفر بن عون
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو الوليد حسان بن
محمد بن أحمد الفقيه قال حدثنا أبو أحمد إسماعيل بن موسى
بن إبراهيم الحاسب قال حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان قال
حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن زكريا عن أبي إسحاق عن
عمرو بن ميمون الودي عن عبد الله قال بينما رسول الله يصلي
368
عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس وقد نحرت جزور
بالمس فقال أبو جهل أيكم يقوم إلى سل جزور فيأخذه فيضعه
على كتفي محمد إذا سجد فانبعث أشقى القوم فأخذه فلما
سجد النبي وضعه بين كتفيه قال فاستضحكوا وجعل بعضهم
يميل إلى بعض وأنا قائم أنظر لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر
رسول الله والنبي ساجد ما يرفع رأسه حتى انطلق إنسان فأخبر
فاطمة فجاءت وهي جويرية فطرحت عنه ثم أقبلت عليهم
تسبهم فلما قضى النبي صلته رفع صوته ثم دعا عليهم وكان إذا
دعا دعا ثلثا وإذا سأل سأل ثلثًا ثم قال النبي( :اللهم عليك
بقريش) ثلث مرات فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك
وخافوا دعوته ثم قال( :اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة
بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة
بن أبي معيط) وذكر السابع ولم أحفظه فوالذي بعث محمدًا
بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى
قليب بدر
رواه مسلم في الصحيح عن عبد الله بن عمر بن أبان.
--ودعا على الحكم بن أبي العاص ،وكان يختلج بوجهه ،ويغمز
عند النبي صلى الله عليه وسلم ،أي ل ،فرآه ،فقال :كذلك كن،
فلم يزل يختلج إلى أن مات.
قلت :أخرج البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي وأبو سعيد بن أبي
عمرو قالوا حدثنا العباس محمد بن يعقوب حدثنا إبراهيم بن
سليمان حدثنا ضرار ابن صرد حدثنا عائذ بن حبيب إسماعيل بن
أبي خالد عن عبد الله المزني قال سمعت عبدالرحمن بن أبي
بكر يقول كان فلن يجلس إلى النبي فإذا تكلم النبي بشيء
اختلج بوجهه فقال له النبي( :كن كذلك) فلم يزل يختلج حتى
مات..
ض ،ثم --ودعا على محلم بن جثامة فمات لسبع ،فلفظتْه الر ُ
صدّين ،ورجموا عليهوُرِيَ فلفظتْه مرات ،فألقوه بين ُ
بالحجارة.والصد :جانب الوادي.
قلت :أخرج البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
باب ما ظهر على من أرتد ععن السلم في وقت النبي ومات
على ردته من النكال ثم من قتل من شهد بالحق من ذلك وما
في كل واحد منهما من دلئل النبوة
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن
يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني قال حدثنا أبو النصر قال
حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن انس بن مالك قال كان
369
منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب
لرسول الله فانطلق هاربًا حتى لحق بأهل الكتاب قال فرفعوه
قالوا هذا كان يكتب لمحمد فأعجبوا به فما لبث أن قصم الله
عنقه فحفروا له فواروه فأصبحت الرض قد نبذته على وجهها
فتركوه منبوذ ًا.
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن رافع عن أبي النضر زاد
فيه غيره عن سليمان مراًرا.
أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله البسطامي قال أخبرنا أبو
بكر أحمد ابن إبراهيم السماعيلي قال أخبرنا أبو يعلى قال حدثنا
جعفر بن مهران قال حدثنا عبد الوراث عن عبد العزيز عن أنس
قال كان رجل ً نصرانيًا فأسلم على عهد رسول الله وقرأ البقرة
وآل عمران قال فكان يكتب للنبي قال فعاد نصرانيًا وكان يقول
ما أرى يحسن محمدًا إل ما كنت أكتب له فأماته الله عز وجل
فأقبروه فأصبح قد لفظته الرض قالوا هذا عمل محمد وأصحابه
أنه لما لم يرض دينهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه قال فحفروا له
فأعمقوا في الرض ما أستطاعوا فأصبح وقد لفظته الرض
فعلموا أنه ليس من الناس وأنه من الله عز وجل.
رواه البخاري في الصحيح عن أبي معمر عن الوارث ورواه
حميد الطويل عن أنس بن مالك بمعناه يزيد وينقص ومما زاد
فقال نبي الله ل تقبله الرض فذكر أن أبا طلحة أتى الرض التي
مات فيها فوجده منبوذ ًا فقال ما بال هذا قالوا دفناه مراًرا فلم
تقبله الرض..
-وجحده رجل بيع فرس ـ وهي التي شهد فيها خزيمة للنبي
صلى الله عليه وسلم ،فرد الفرس بعد النبي صلى الله عليه
وسلم على الرجل ،وقال :اللهم إن كان كاذبا ً فل تبارك له فيها.
ة.
فأصبحت شاصية برجلها ،أي رافع ً
وهذا الباب أكثر من أن يحاط به.
-----------------------
.26المعجزات النبوية بين الغلة والمقصرين
المعجزات النبوية بين الغلة والمقصرين
الدكتور يوسف القرضاوي
الناس في قضية المعجزات المحمدية المادية أصناف ثلثة:
فالصنف الول:
يبالغ في الثبات ،وسنده في ذلك ما حوته الكتب ،أيًا كانت هذه
الكتب :سواء كانت للمتقدمين أو المتأخرين ،وسواء كانت تعنى
بتمحيص الروايات أم ل تعنى ،وسواء وافق ذلك الصول أم
خالفها ،وسواء قبله المحققون من العلماء أم رفضوه .المهم أن
370
يروى ذلك في كتاب وإن لم يعرف صاحبه ،أو يذكر في قصيدة
من قصائد المدائح النبوية ،أو في قصة "مولد" التي يُتلى بعضها
في شهر ربيع الول من كل عام ،أو نحو ذلك.
وهذه عقلية عامية ل تستحق أن تناقش ،فالكتب فيها الغث
والسمين ،والمقبول والمردود ،والصحيح والمختلق الموضوع.
وقد ابتليت ثقافتنا الدينية بهؤلء المؤلفين الذين يتتبعون
"الغرائب" و"يحشون" بها بطون الكتب ،وإن خالفت صحيح
المنقول ،وصريح المعقول.
وبعض المؤلفين ،ل يعنى بصحة ما يروي من هذه المور ،على
أساس أنها ل يترتب عليها حكم شرعي ،من تحليل أو تحريم أو
غير ذلك .ولهذا إذا رووا في الحلل والحرام تشددوا في السانيد،
ونقدوا الرواة ،ومحصوا المرويات .فأما إذا رووا في الفضائل
والترغيب والترهيب .ومثلها المعجزات ونحوها ،تساهلوا
وتسامحوا.
ومؤلفون آخرون ،كانوا يذكرون الروايات بأسانيدها فلن عن
فلن عن فلن ،ولكنهم ل يذكرون قيمة هذه السانيد :أهي
صحيحة أم غير صحيحة؟ وما قيمة رواتها :أهم ثقات مقبولون أم
ضعاف مجروحون ،أم كذابون مردودون؟ معتمدين على أنهم إذا
ذكروا السند فقد أبرءوا أنفسهم من التبعة ،وخلوا من العهدة.
حا وكافيًا بالنسبة للعلماء في العصور الولى، غير أن هذا كان صال ً
أما في العصور المتأخرة -وفي عصرنا خاصة -فلم يعد يعني ذكر
السند شيئًا .وأصبح الناس يعتمدون على النقل من الكتب ،دون
أي نظر إلى السند.
وهذا هو موقف جمهرة الكتاب والمؤلفين في عصرنا ،حين
ينقلون من تاريخ الطبري ،أو طبقات ابن سعد أو غيرها.
والصنف الثاني:
يبالغ في النفي والنكار للمعجزات واليات الحسية الكونية،
وعمدته في ذلك :أن معجزة محمد صلى الله عليه وسلم هي
القرآن الكريم وهو الذي وقع به التحدي :أن يأتوا بمثله ،أو بعشر
سور مثله ،أو بسورة من مثله.
ولما طلب المشركون من الرسول بعض اليات الكونية تصديقًا
له ،نزلت آيات القرآن تحمل الرفض القاطع لجابة طلباتهم .كما
في قوله تعالى{ :وقالوا :لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الرض
ينبوع ًا .أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر النهار خللها
تفجيًرا .أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفًا أو تأتي بالله
والملئكة قبيلً .أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقي في
371
السماء .ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابًا نقرؤه ،قل:
سبحان ربي ،هل كنت إل بشًرا رسولً؟} (السراء.)93 - 90 :
وفي موضع آخر ،ذكر المانع من إرسال اليات الكونية التي
يقترحونها فقال{ :وما منعنا أن نرسل باليات إل أن كذب بها
الولون ،وآتينا ثمود الناقة مبصرة ،فظلموا بها ،وما نرسل باليات
إل تخويفًا} (السراء.)59 :
وفي سورة أخرى ،رد على طلب اليات بأن القرآن وحده كاف
كل الكفاية ليكون آية لمحمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى:
{أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم؟ إن في ذلك
لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون} (العنكبوت.)51 :
وقد اقتضت الحكمة اللهية أن تكون معجزة محمد صلى الله
عليه وسلم معجزة عقلية أدبية ،ل حسية مادية ،وذلك لتكون
أليق بالبشرية بعد أن تجاوزت مراحل طفولتها ،ولتكون أليق
بطبيعة الرسالة الخاتمة الخالدة .فالمعجزات الحسية تنتهي
بمجرد وقوعها .أما العقلية فتبقى.
وقد أيد ذلك ما جاء في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال" :ما من النبياء من نبي إل وقد أعطى من اليات ما
ي،
مثله آمن عليه البشر ،وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إل ّ
فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة".
ويبدو لي أن مما دفع هذا الصنف إلى هذا الموقف أمرين:
أولً :افتتان الناس في عصرنا بالعلوم الكونية ،القائمة على ثبات
السباب ،ولزوم تأثيرها في مسبباتها ،حتى ظن بعض الناس أنه
لزوم عقلي ل يتخلف في حال ،فالنار ل بد أن تحرق ،والسكين ل
بد أن تقطع ،والجماد ل يمكن أن ينقلب إلى حيوان ،والميت ل
يمكن أن يرجع إلى الحياة ...إلخ.
الثاني :غلو الصنف الول في إثبات الخوارق ،بالحق والباطل،
إلى حد يكاد يلغي قانون السباب والسنن ،التي أقام الله عليها
هذا العالم .وكثيًرا ما يقاوم الغلو بغلو مثله.
الصنف الثالث:
هنا يظهر الرأي الوسط بين المبالغين في الثبات ،والمغالين في
النكار .وهو الرأي الذي أرجحه وأتبناه.
وخلصة هذا الرأي:
-1أن القرآن الكريم هو الية الكبرى والمعجزة الولى لرسولنا
محمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي تحدى به العرب خاصة،
والخلق عامة .وبه تميزت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم على
غيرها من النبوات السابقة ،فالدليل على صدق نبوته هو نفس
372
موضوع رسالته؛ وهو كتابه المعجز بهدايته وبعلومه ،وبإعجازه
اللفظي والمعنوي ،وبإتيانه بالغيب :ماضيه وحاضره ومستقبله.
-2أن الله تعالى أكرم خاتم رسله بآيات كونية جمة ،وخوارق
حسية عديدة ،ولكن لم يقصد بها التحدي ،أعني إقامة الحجة.
ما من الله له ،أو
بها على صدق نبوته ورسالته .بل كانت تكري ً
رحمة منه تعالى به ،وتأييدًا له ،وعناية به وبمن آمن معه في
الشدائد؛ فلم تحدث هذه الخوارق استجابة لطلب الكافرين ،بل
رحمة وكرامة من الله لرسوله والمؤمنين ،وذلك مثل "السراء"
الذي ثبت بصريح القرآن ،والمعراج الذي أشار إليه القرآن،
وجاءت به الحاديث الصحيحة ،ونزول الملئكة تثبيتًا ونصرة للذين
آمنوا في غزوة بدر ،وإنزال المطار لسقائهم فيها وتطهيرهم،
وتثبيت أقدامهم ،على حين لم يصب المشركين من ذلك شيء
وهم بالقرب منهم .وحماية الله لرسوله وصاحبه في الغار يوم
الهجرة ،رغم وصول المشركين إليه ،حتى لو نظر أحدهم تحت
قدميه لرآهما ،وغير ذلك مما هو ثابت بنص القرآن الكريم.
ومثل ذلك إشباع العدد الكثير من الطعام القليل في غزوة
الحزاب ،وفي غزوة تبوك.
-3إننا ل نثبت من هذا النوع من الخوارق إل ما نطق به القرآن،
أو جاءت به السنة الصحيحة الثابتة .وما عدا ذلك مما انتفخت به
بطون الكتب ،فل نقبله ،ول نعبأ به.
فمن الصحيح الثابت:
(أ) ما رواه جماعة من الصحابة من حنين الجذع الذي كان
يخطب عليه صلى الله عليه وسلم أول المر ،فلما صنع له
المنبر ،وقام عليه للخطبة ،سمع للجذع صوت كحنين الناقة إلى
ولدها .فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه فسكت.
قال العلمة تاج الدين السبكي :حنين الجذع متواتر؛ لنه ورد عن
جماعة من الصحابة ،إلى نحو العشرين ،من طرق صحيحة كثيرة
تفيد القطع بوقوعه .وكذلك قال القاضي عياض في الشفاء :إنه
متواتر.
(ب) ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب السنن
والمسانيد عن جماعة من الصحابة ،من إفاضة الماء بغير الطرق
المعتادة ،وذلك في غزواته وأسفاره صلى الله عليه وسلم مثل
غزوة الحديبية ،وغزوة تبوك وغيرهما.
روى الشيخان عن أنس :أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
كانوا بالزوراء فدعا بقدح فيه ماء ،فوضع كفه فيه ،فجعل الماء
ينبع من بين أصابعه ،وأطراف أصابعه ،فتوضأ أصحابه به جميعًا.
373
وروى البخاري عن البراء بن عازب أنهم كانوا مع النبي صلى الله
عليه وسلم يوم الحديبية أربع عشرة مائة (أي ،)1400وأنهم نزحوا
بئر الحديبية فلم يتركوا فيها قطرة ،فبلغ ذلك النبي صلى الله
عليه وسالم فأتاها ،فجلس على شفيرها ،ثم دعا بإناء من ماء،
فتوضأ ،ثم تمضمض ودعا ،ثم صبه فيها .قال :فتركناها غير بعيد،
ثم إنها أصدرتنا (سقتنا وروتنا) ماشيتنا نحن وركابنا.
والحاديث في إجراء الماء له صلى الله عليه وسلم كثيرة
مستفيضة ،ومروية بأصح الطرق.
(جـ) ما حفلت به كتب السنة من استجابة الله تعالى لدعاء النبي
صلى الله عليه وسلم في مواضع يصعب حصرها ،مثل دعائه
بإنزال المطر .ودعائه يوم بدر بالنصر ،ودعائه لبن عباس بالفقه
في الدين ،ودعائه لنس بكثرة الولد ،وطول العمر ،ودعائه على
بعض من آذاه ...إلخ.
(د) ما صح من النباء بمغيبات وقت كما أخبر بها صلى الله عليه
وسلم ،بعضها في حياته ،وبعضها بعد وفاته ،مثل فتح بلد اليمن
وبصرى وفارس ،وقوله لعمار" :تقتلك الفئة الباغية" وقوله عن
الحسن" :إن ابني هذا سيد ،وسيصلح الله به بين فئتين من
المسلمين" ...إلخ .ومثل إخباره بفتح القسطنطينية وغيرها.
-4أما ما لم يصح من الخوارق واليات ،فل نثبته ول نقيم له وزنًا،
وإن شاع ذكره بين الناس.
ونكتفي هنا بما اشتهر من أن النبي صلى الله عليه وسلم حين
اختفى في الغار عند الهجرة من المدينة ،جاءت حمامتان فباضتا
على فم الغار كما أن شجرة نبتت ونمت فغطت مدخل الغار.
فهذا ما لم يجئ به حديث صحيح ،ول حسن ،ول ضعيف .أما نسج
العنكبوت على الغار فقد جاءت به رواية حسنها بعض العلماء،
وضعفها آخرون.
وظاهر القرآن يدل على أن الله تعالى أيد رسوله يوم الهجرة
بجنود غير مرئية كما قال تعالى{ :فأنزل الله سكينته عليه وأيده
بجنود لم تروها} والعنكبوت والحمام جنود مرئية ول شك والنصر
بجنود غير مشاهدة ول محسة أدل على القهر اللهي والعجز
البشري .وإنما اشتهرت هذه الخوارق بين جمهور المسلمين
بسبب المدائح النبوية ،للمتأخرين وبخاصة مثل "البردة"
للبوصيري التي يقول فيها:
ظنوا الحمام ،وظنوا العنكبوت على**** خير البرية لم تنسج
ولم تحم
وقاية الله أغنت عن مضاعفة من **** الدروع وعن عال من
الطم
374
فهذا هو موقفنا من الخوارق والمعجزات النبوية المنسوبة إلى
النبي صلى الله عليه وسلم.
-------------------
.27القول القوم في معجزات النبي الكرم( ..)8في
كرامته وبركاته
الفصل الثاني والعشرون:
في كرامته وبركاته وانقلب العيان له فيما لمسه أو باشره
-أخبرنا أحمد بن محمد ،حدثنا أبو ذر الهروي ،إجازة ،حدثنا
القاضي أبو علي سماعاً ،والقاضي أبو عبد الله بن عبد الرحمن
وغيرهما ،فقالوا :حدثنا أبو الوليد القاضي ،حدثنا أبو ذر ،حدثنا أبو
إسحاق ،وأبو الهيثم :قالوا :حدثنا الفربري ،حدثنا البخاري ،حدثنا
يزيد بن زريع ،حدثنا سعيد ،عن قتادة ،عن أنس بن مالك رضي
الله عنه ـ أن أهل المدينة فزعوا مرةً ،فركب رسول الله صلى
الله عليه وسلم فرسا ً لبي طلحة كان يقطُف ،أو به قِطاف.
وقال غيره :يبطأ ،فلما رجع قال :وجدنا فرسك بحرا ً فكان بعد ل
يجارى.
قلت :روى البيهقي في دلئل النبوة:
أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي حدثنا أبو بكر محمد بن
جعفر النباري حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر حدثنا حسين بن
محمد حدثنا جرير بن حازم عن محمد بن سيرين عن أنس بن
سا لبي طلحة بطيئًا ثم مالك قال :فزع الناس فركب النبي فر ً
خرج يركض وحده فركب الناس يركضون خلفه فقال :لن تراعوا
إنه لبحر ...قال فو الله ما سبق بعد ذلك اليوم...
وأخرج البخاري في صحيحه:
ـ باب :السرعة والركض في الفزع.
-حدثنا الفضل بن سهل :حدثنا حسين بن محمد :حدثنا جرير
بن حازم ،عن محمد ،عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :فزع
سا لبيالناس ،فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فر ً
طلحة بطيئًا ،ثم خرج يركض وحده ،فركب الناس يركضون خلفه،
فقال( :لم تراعوا ،إنه لبحر) .فما سبق بعد ذلك اليوم.
ـ باب :إذا فزعوا بالليل.
-حدثنا قتيبة بن سعيد :حدثنا حماد ،عن ثابت ،عن أنس رضي
الله عنه قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس ،وأجود
الناس ،وأشجع الناس ،قال :وقد فزع أهل المدينة ليلة ،سمعوا
صوتا ،قال :فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم على فرس لبي
طلحة عري ،وهو متلقد سيفه ،فقال(:لم تراعوا لم تراعوا) .ثم
375
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(:وجدته بحرا) .يعني
الفرس.
-باب :من استعار من الناس الفرس.
سا يقول: -حدثنا آدم :حدثنا شعبة ،عن قتادة قال :سمعت أن ً
ساكان فزع بالمدينة ،فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فر ً
من أبي طلحة يقال له المندوب فركب ،فلما رجع قال(:ما رأينا
من شيء ،وإن وجدناه لبحًرا).
-باب :الشجاعة في الحرب والجبن.
-حدثنا أحمد بن عبد الملك بن واقد :حدثنا حماد بن زيد ،عن
ثابت ،عن أنس رضي الله عنه قال :كان النبي صلى الله عليه
وسلم أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس ،ولقد فزع أهل
المدينة ،فكان النبي صلى الله عليه وسلم سبقهم على فرس،
وقال(:وجدناه بحرا).
ـ باب :اسم الفرس والحمار.
-حدثنا محمد بن بشار :حدثنا غندر :حدثنا شعبة :سمعت قتادة،
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :كان فزع بالمدينة،
فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لنا يقال له مندوب،
فقال(:ما رأينا منفزع ،وإن وجدناه لبحرا).
ـ باب :الركوب على الدابة الصعبة والفحولة من الخيل.
وقال راشد بن سعد :كان السلف يستحبون الفحولة ،لنها أجرى
وأجسر.
-حدثنا أحمد بن محمد :أخبرنا عبد الله :أخبرنا شعبة ،عن
قتادة :سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال :كان بالمدينة
فزع ،فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لبي طلحة يقال
له مندوب ،فركبه ،وقال(:ما رأينا من فزع ،وإن وجدناه لبحرا).
ـ باب :ركوب الفرس العري.
-حدثنا عمرو بن عون :حدثنا حماد ،عن ثابت ،عن أنس رضي
الله عنه :استقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم على فرس عري،
ما عليه سرج ،في عنقه سيف.
-باب :الفرس القطوف.
-حدثنا عبد العلى بن حماد :حدثنا يزيد بن زريع :حدثنا سعيد،
عن قتادة ،عن أنس بن مالك رضي الله عنه :أن أهل المدينة
فزعوا مرة ،فركب النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لبي
طلحة كان يقطف ،أو كان فيه قطاف ،فلما رجع قال(:وجدنا
فرسكم هذا بحرا) .فكان بعد ذلك ل يجارى.
باب :الحمائل وتعليق السيف بالعنق.
376
-حدثنا سليمان بن حرب :حدثنا حماد بن زيد ،عن ثابت ،عن
أنس رضي الله عنه قال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس ،وأشجع الناس،
ولقد فرغ أهل المدينة ليلة ،فخرجوا نحو الصوت ،فاستقبلهم
النبي صلى الله عليه وسلم وقد استبرأ الخبر ،وهو على فرس
لبي طلحة عري ،وفي عنقه السيف ،وهو يقول(:لم تراعوا ،لم
تراعوا) .ثم قال(:وجدناه بحرا) .أو قال(:إنه لبحر).
ـ باب :مبادرة المام عند الفزع.
-حدثنا مسدد :حدثنا يحيى ،عن شعبة ،حدثني قتادة ،عن أنس
بن مالك رضي الله عنه قال:
كان بالمدينة فزع ،فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فرسا لبي طلحة ،فقال(:ما رأينا من شيء ،وإن وجدناه لبحرا).
-باب :المعاريض مندوحة عن الكذب.
شعبة قال :حدثني قتادة ،عن -حدثنا مسدَّد :حدثنا يحيى ،عن ُ
أنس بن مالك قال:
كان بالمدينة فزع ،فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فرسا ً لبي طلحة ،فقال(:ما رأينا من شيء ،وإن وجدناه لبحراً).
باب :حسن الخلق والسخاء ،وما يكره من البخل
ماد ،هو ابن زيد ،عن ثابت ،عن -حدثنا عمرو بن عون :حدثنا ح َّ
أنس قال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس ،وأجود الناس،
وأشجع الناس ،ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة ،فانطلق الناس
قبل الصوت ،فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق
الناس إلى الصوت ،وهو يقول(:لم تراعوا لم تراعوا) .وهو على
فرس لبي طلحة عري ما عليه سرج ،في عنقه سيف،
فقال(:لقد وجدته بحراً .أو :إنه لبحر).
-ونخس جمل جابر ،وكان قد أعيا ،فنشط حتى كان ما يملك
زمامه.
قلت :أخرج البخاري في قصة جمل جابر بن عبد الله أحاديث،
منها:
-1باب :الشفاعة في وضع الدين.
-حدثنا موسى :حدثنا أبو عوانة ،عن مغيرة ،عن عامر ،عن
جابر رضي الله عنه قال:
غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم على ناضح لنا فأزحف
الجمل ،فتخلف علي ،فوكزه النبي صلى الله عليه وسلم من
خلفه ،قال(:بعينه ولك ظهره إلى المدينة) .فلما دنونا استأذنت،
قلت :يا رسول الله ،إني حديث عهد بعرس ،قال صلى الله عليه
377
وسلم(:فما تزوجت بكرا أم ثيبا) .قلت :ثيبا ،أصيب عبد الله
وترك جواري صغارا ،فتزوجت ثيبا تعلمهن وتؤدبهن ،ثم قال(:ائت
أهلك) .فقدمت فأخبرت خالي بيع الجمل فلمني ،فأخبرته بإعياء
الجمل ،وبالذي كان من النبي صلى الله عليه وسلم ووكزه إياه،
فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم غدوت إليه بالجمل،
فأعطاني ثمن الجمل والجمل ،وسهمي مع القوم.
-2باب :إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز.
-حدثنا أبو نعيم :حدثنا زكرياء قال :سمعت عامرا يقول :حدثني
جابر رضي الله عنه :أنه كان يسير على جمل له قد أعيا ،فمر
النبي صلى الله عليه وسلم فضربه ،فدعا له فسار بسير ليس
يسير مثله ،ثم قال(:بعنيه بوقية) .قلت :ل ،ثم قال(:بعينه بوقية).
فبعته ،فاستثنيت حملنه إلى أهلي ،فلما قدمنا أتيته بالجمل
ونقدني ثمنه ،ثم انصرفت ،فأرسل على إثري قال(:ما كنت لخذ
جملك ،فخذ جملك ،فهو مالك).
-3باب :استئذان الرجل المام.
-حدثنا إسحاق بن إبراهيم :أخبرنا جرير ،عن المغيرة ،عن
الشعبي ،عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :غزوت مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :فتلحق بي النبي صلى
الله عليه وسلم ،وأنا على ناضح لنا قد أعيا ،فل يكاد يسير ،فقال
لي(:ما لبعيرك) .قال :قلت :عيي ،قال :فتخلف رسول الله صلى
الله عليه وسلم فزجره ودعا له ،فما زال بين يدي البل قدامها
يسير ،فقال لي(:كيف ترى بعيرك) .قال :قلت :بخير ،قد أصابته
بركتك ،قال(:أفتبيعنيه) .قال :فاستحييت ،ولم يكن لنا ناضح
غيره ،قال :فقلت :نعم ،قال(:فبعنيه) .فبعته إياه على أن لي
فقار ظهره حتى أبلغ المدينة ،قال :فقلت :يا رسول الله ،إني
عروس ،فاستأذنته فأذن لي ،فتقدمت الناس إلى المدينة حتى
أتيت المدينة ،فلقيني خالي ،فسألني عن البعير ،فأخبرته بما
صنعت فيه ،فلمني ،قال :وقد كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال لي حين استأذنته(:هل تزوجت بكرا أم ثيبا) .فقلت:
تزوجت ثيبا ،فقال(:هل تزوجت بكرا تلعبها وتلعبك) .قلت :يا
رسول الله ،توفي والدي ،أو استشهد ،ولي أخوات صغار،
فكرهت أن أتزوج مثلهن فل تؤدبهن ول تقوم عليهن ،فتزوجت
ثيبا لتقوم عليهن وتؤدبهن ،قال :فلما قدم رسول الله صلى الله
عليه وسلم المدينة ،غدوت عليه بالبعير ،فأعطاني ثمنه ورده
علي.
وأخرج مسلم في صحيحه:
باب بيع البعير واستثناء ركوبه.
378
* حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير .حدثنا أبي .حدثنا زكريا عن
عامر .حدثني جابر بن عبد الله؛ أنه كان يسير على جمل له قد
أعيا .فأراد أن يسيبه .قال :فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم.
فدعا لي وضربه .فسار سيرا لم يسر مثله .قال( :بعنيه بوقية).
قلت :ل .ثم قال(بعنيه) .فبعته بوقية .واستثنيت عليه حملنه إلى
أهلي .فلما بلغت أتيته بالجمل .فنقدني ثمنه .ثم رجعت .فأرسل
في أثري .فقال(أتراني ماكستك لخذ جملك؟ خذ جملك
ودراهمك .فهو لك).
* حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم(قال إسحاق:
أخبرنا .وقال عثمان :حدثنا جرير) عن مغيرة ،عن الشعبي ،عن
جابر بن عبد الله .قال :غزوت مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم فتلحق بي .وتحتي ناضح لي قد أعيا ول يكاد يسير .قال:
فقال لي(ما لبعيرك؟) قال قلت :عليل .قال :فتخلف رسول الله
صلى الله عليه وسلم فزجره ودعا له .فما زال بين يدي البل
قدامها يسير .قال :فقال لي(كيف ترى بعيرك؟) قال قلت :بخير.
قد أصابته بركتك .قال(:أفتبيعنيه؟) فاستحييت .ولم يكن لنا ناضح
غيره .قال فقلت :نعم .فبعته أياه .على أن لي فقار ظهره حتى
أبلغ المدينة .قال فقلت له :يا رسول الله! إني عروس
فاستأذنته .فأذن لي .فتقدمت الناس إلى المدينة .حتى انتهيت.
فلقيني خالي فسألني عن البعير .فأخبرته بما صنعت فيه .فلمني
فيه .قال :وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي
حين استأذنته(:ما تزوجت؟ أبكرا أم ثيبا؟) فقلت له :تزوجت ثيبا.
قال(أفل تزوجت بكرا تلعبك وتلعبها؟) فقلت له :يا رسول الله!
توفي والدي(أو استشهد) ولي أخوات صغار .فكرهت أن أتزوج
إليهن مثلهن .فل تؤدبهن ول تقوم عليهن .فتزوجت ثيبا لتقوم
عليهن وتؤدبهن .قال :فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
المدينة ،غدوت إليه بالبعير ،فأعطاني ثمنه ،ورده علي.
* حدثنا عثمان بن أبي شيبة .حدثنا جرير عن العمش ،عن سالم
بن أبي الجعد ،عن جابر .قال :أقبلنا من مكة إلى المدينة مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم .فاعتل جملي .وساق الحديث
بقصته .وفيه :ثم قال لي(بعني جملك هذا) .قال قلت :ل .بل هو
لك .قال(ل .بل بعنيه) .قال قلت :ل .بل هو لك .يا رسول الله!
قال(ل .بل بعنيه) .قال قلت :فإن لرجل علي أوقية ذهب .فهو
لك بها .قال(قد أخذته .فتبلغ عليه إلى المدينة) .قال :فلما قدمت
المدينة ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلل(أعطه أوقية
من ذهب .وزده) .قال :فأعطاني أوقية من ذهب .وزادني
379
قيراطا .قال فقلت :ل تفارقني زيادة رسول الله صلى الله عليه
وسلم .قال :فكان في كيس لي .فأخذه أهل الشام يوم الحرة.
* حدثنا أبو كامل الجحدري .حدثنا عبد الواحد بن زياد .حدثني
الجريري عن أبي نضرة ،عن جابر بن عبد الله .قال :كنا مع النبي
صلى الله عليه وسلم في سفر .فتخلف ناصحي .وساق الحديث.
وقال فيه :فنخسه رسول الله صلى الله عليه وسلم .ثم قال
لي(اركب باسم الله) وزاد أيضا :قال :فما زال يزيدني
ويقول(والله يغفر لك).
* وحدثني أبو الربيع العتكي .حدثنا حماد .حدثنا أيوب عن أبي
الزبير ،عن جابر .قال :لما أتى على النبي صلى الله عليه وسلم،
وقد أعيا بعيري ،قال :فنخسه فوثب .فكنت بعد ذلك أحبس
خطامه لسمع حديثه ،فما أقدر عليه .فلحقني النبي صلى الله
عليه وسلم فقال(بعنيه) .فبعته منه بخمس أواق .قال قلت :على
أن لي ظهره إلى المدينة .قال(ولك ظهره إلى المدينة) .قال:
فلما قدمت إلى المدينة أتيته به ،فزادني وقية ،ثم وهبه لي.
* حدثنا عقبة بن مكرم العمى .حدثنا يعقوب بن إسحاق .حدثنا
بشير بن عقبة عن أبي المتوكل الناجي ،عن جابر بن عبد الله.
قال :سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض
أسفاره(.أظنه قال غازيا) .واقتص الحديث وزاد فيه :قال(يا
جابر! أتوفيت الثمن؟) قلت :نعم .قال(لك الثمن ولك الجمل .لك
الثمن ولك الجمل).
* حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري .حدثنا أبي .حدثنا شعبة عن
محارب؛ أنه سمع جابر بن عبد الله يقول :اشترى مني رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعيًرا بوقيتين ودرهم أو درهمين .قال:
فلما قدم صراًرا أمر ببقرة فذبحت .فأكلوا منها .فلما قدم
المدينة أمرني أن آتي المسجد فأصلي ركعتين .ووزن لي ثمن
البعير فأرجح لي.
* حدثني يحيى بن حبيب الحارثي .حدثنا خالد بن الحارث .حدثنا
شعبة .أخبرنا محارب عن جابر ،عن النبي صلى الله عليه وسلم
بهذه القصة .غير أنه قال :فاشتراه مني بثمن قد سماه .ولم
يذكر الوقيتين والدرهم والدرهمين .وقال :أمر ببقرة فنحرت ،ثم
قسم لحمها.
* حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة .حدثنا ابن أبي زائدة عن ابن جريج،
عن عطاء ،عن جابر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له(:قد
أخذت جملك بأربعة دنانير .ولك ظهره إلى المدينة).
380
-وصنع مثل ذلك بفرس لجعيل الشجعي ،خفقها بمخفقة معه،
وبَّرك عليها ،فلم يملك رأسها نشاطاً ،وباع من بطنها باثني
عشرألفاً.
قلت :روى البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
أخبرنا أبو بكر القاضي حدثنا محمد بن حامد الهروي حدثنا علي
بن عبد العزيز حدثنا محمد بن عبد الله الرقاشي حدثنا رافع بن
سلمة بن زياد قال حدثني عبد الله بن أبي الجعد الشجعي عن
جعيل الشجعي قال غزوت مع النبي في بعض غزواته وأنا على
فرس لي جعفاء ضعيفة قال فكنت في أخريات الناس فلحقني
رسول الله فقال(سر يا صاحب الفرس) فقلت يا رسول الله
جعفاء ضعيفة قال فرفع رسول الله مخفقة معه فضربها بها
وقال(اللهم بارك له فيها) قال فلقد رأيتني ما أمسك رأسه إن
تقدم الناس قال فلقد بعت من بطنها باثني عشر ألفا
جا ل يساير . -وركب حمارا ً قطوفا ً لسعد بن عبادة فرده همل ً
-وكانت شعرات من شعره في قلنسوة خالد بن الوليد ،فلم
يشهد بها قتال ً إل رزق النصر.
قلت :روى البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
باب ما جاء في قلنسوة خالد بن الوليد واسنتصاره بما جعل فيها
من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم:
حدثنا أبو عبد الله الحافظ حدثني علي بن عيسى الجبري أنبأنا
أحمد بن نجدة حدثنا سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثنا عبد
الحميد بن جعفر عن أبيه أن خالد بن الوليد فقد قلنسوة له يوم
اليرموك فقال اطلبوها فلم يجدوها ثم طلبوها فوجدوها فإذا هي
قلنسوة خلقة فقال خالد اعتمر رسول الله فحلق رأسه فابتدر
الناس جوانب شعره فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه
القلنسوة فلم أشهد قتال ً وهي معي إل رزقت النصر..
-وفي الصحيح ـ عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ـ أنها
أخرجت جبة طيالسة ،و قالت :كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يلبسها ،فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها.
قلت :رواه مسلم في صحيحه؛ قال:
حدثنا يحيى بن يحيى .أخبرنا خالد بن عبد الله عن عبد الملك،
عن عبد الله ،مولى أسماء بنت أبي بكر .وكان خال ولد عطاء.
قال:
أرسلتني أسماء إلى عبد الله بن عمر .فقالت :بلغني أنك تحرم
أشياء ثلثة :العلم في الثوب ،وميثرة الرجوان ،وصوم رجب كله.
فقال لي عبدالله :أما ما ذكرت من رجب ،فكيف بمن يصوم
البد .وأما ما ذكرت من العلم في الثوب ،فإني سمعت عمر بن
381
الخطاب يقول :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول(إنما يلبس الحرير من ل خلق له) فخفت أن يكون العلم
منه .وأما ميثرة الرجوان ،فهذه ميثرة عبد الله ،فإذا هي
أرجوان.
فرجعت إلى أسماء فخبرتها فقالت :هذه جبة رسول الله صلى
الله عليه وسلم .فأخرجت إلى جبة طيالسة كسروانية .لها لبنة
ديباج .وفرجيها مكفوفين بالديباج .فقالت :هذه كانت عند عائشة
حتى قبضت .فلما قبضت قبضتها .وكان النبي صلى الله عليه
وسلم يلبسها .فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها.
-وحدثنا القاضي أبو علي ،عن شيخه أبي القاسم بن المأمون:
قال :وكانت عندنا قصعة من قصاع النبي صلى الله عليه وسلم،
فكنا نجعل فيها الماء للمرضى ،فيستشفون بها.
-وأخذ جهجاه الغفاري القضيب من يد عثمان رضي الله عنه
ليكسره على ركبته ،فصاح الناس به ،فأخذته فيها الكلة فقطعها،
ومات قبل الحول.
قلت:
قال ابن حجر رحمه الله في الصابة:
جهجاه بن سعيد وقيل بن قيس وقيل بن مسعود الغفاري شهد
بيعة الرضوان بالحديبية وروى الشيخان من حديث جابر كنا في
غزاة بني المصطلق فكسع رجل من المهاجرين رجل ً من النصار
الحديث في نزول قوله تعالى {ليخرجن العز منها الذل} فذكر
بن عبد البر أن المهاجري هو جهجاه وأن النصاري هو سنان
وذكر الواقدي أنه شهد غزوة المريسيع فتنازع هو وسنان بن
وبرة حتى تداعيا بالقبائل وكان جهجاه أجيرا لعمر بن الخطاب
فذكر القصة وقد تقدم له ذكر في ترجمة جعال وروى بن أبي
شيبة من طريق عبيد الغر عن عطاء بن يسار عن جهجاه
الغفاري أنه قدم في نفر من قومه يريدون السلم فحضروا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فلما أن سلم قال
ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فذكر الحديث في شربه قبل أن
يسلم حلب سبع شياه فلما أسلم لم يستتم حلب شاة الحديث
غريب تفرد به موسى بن عبيدة عن عبيد وقد أشار إليه الترمذي
في الترجمة وعاش جهجاه إلى خلفة عثمان فروى الباوردي من
طريق الوليد بن مسلم عن مالك وغيره عن نافع عن بن عمر
قال قدم جهجاه الغفاري إلى عثمان وهو على المنبر فأخذ عصاه
فكسرها فما حال على جهجاه الحول حتى أرسل الله في يده
الكلة فمات منها ورواه بن السكن من طريق سليمان بن بلل
وعبد الله بن إدريس عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر
382
مثله ورواه من طريق فليح بن سليمان عن عمته وأبيها وعمها
أنهما حضرا عثمان قال فقام إليه جهجاه بن سعيد الغفاري حتى
أخذ القضيب من يده فوضعها على ركبته فكسرها فصاح به
الناس ونزل عثمان فدخل داره ورمى الله الغفاري في ركبته
فلم يحل عليه الحول حتى مات ورويناه في المحامليات من
طريق حماد بن زيد عن يزيد بن حازم عن سليمان بن يسار أن
جهجاه الغفاري نحو الول وقال بن السكن مات بعد عثمان بأقل
من سنة.
-وسكب من فضل و ضوئه في بئر قباء فما نزفت بعد.
قلت :روى البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
باب ما ظهر في البئر التي كانت بقباء من بركته صلى الله
عليه وسلم.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسن العلوي اخبرنا أبو حامد
الشرقي حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله قال حدثني أبي قال
حدثنا إبراهيم بن طهمان عن يحيى بن سعيد أنه حدثه أن أنس
بن مالك أتاهم بقباء فسألهم عن بئر هناك قال فدللته عليها
فقال لقد كانت هذه وإن الرجل لينضح على حماره فينزح
فنستخرجها له فجاء رسول الله وأمر بذنوب فسقي فإما أن
يكون توضأ منه أو تفل فيه ثم أمر به فأعيد في البئر قال فما
نزحت بعد...
-وبزق في بئر كانت في دار أنس ،فلم يكن بالمدينة أعذب منها.
-ومر على ماء ،فسأل عنه ،فقيل له :اسمه بيسان ،وماؤه ملح،
فقال :بل هو نعمان وماؤه طيب فطاب.
-وأتي بدلو من ماء زمزم ،فمج فيه ،فصارت أطيب من المسك.
قلت :روى البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي وأبو سعيد بن أبي
عمرو قالوا أنبأنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا الحسن بن
علي بن عفان حدثنا أبو أسامة عن مسعر عن عبد الجبار بن
وائل الحضرمي عن أبيه قال رأيت النبي تمضمض من دلو مج
فيه مسكًا أو أطيب من مسك قال أبو أسامة يقول في ذلك
الماء استنثر خارجا منه...
-وأعطى الحسن والحسين لسانه فمصاه ،وكان يبكيان عطشاً
فسكتا.
-وكان لم مالك عكة تهدي فيها للنبي صلى الله عليه وسلم
سمناً ،فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أل تعصرها ،ثم دفعها
إليها ،فإذا هي مملوءة سمناً ،فيأتيها بنوها يسألونها الدم ،وليس
383
عندهم شيء ،فتعمد إليها ،فتجد فيها سمناً ،فكانت تقيم أدمها
حتى عصرتها.
قلت :أخرجه مسلم في صحيحه ،قال:
حدثني سلمة بن شبيب .حدثنا الحسن بن أعين .حدثنا معقل عن
أبي الزبير ،عن جابر؛
أن أم مالك كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة لها
سمنًا .فيأتيها بنوها فيسألون الدم .وليس عندهم شيء .فتعمد
إلى الذي كانت تهدي فيه للنبي صلى الله عليه وسلم .فتجد فيه
سمنا .فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرته .فأتت النبي صلى
الله عليه وسلم فقال "عصرتيها؟" قالت :نعم .قال "لو تركتيها
ما زال قائما".
قلت :وذكر البيهقي في دلئل النبوة قصتين غير هذه ،قال:
-1أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن
يعقوب حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا علي بن نجيح
القطان حدثنا خلف بن خليفة عن أبي هاشم الرماني عن يوسف
بن خالد عن أوس بن خالد عن أم أوس البهزية قالت سليت
سمنا لي فجعلته في عكة وأهديته إلى النبي فقبله وترك في
العكة قليل ً ونفخ فيه ودعا بالبركة ثم قال ردوا عليها عكتها
فردوها عليها وهي مملوءة سمنًا فظننت أن النبي لم يقبلها
فجاءت ولها صراخ قالت يا رسول الله إنما سليته لك لتأكله
فعلم أنه قد استجيب له فقال اذهبوا فقولوا لها فلتأكل سمنها
وتدعو بالبركة فأكلت بقية عمر النبي وولية أبي بكر رضي الله
عنه وولية عمر رضي الله عنه وولية عثمان رضي الله عنه حتى
كان من أمر علي رضي الله عنه ومعاوية ما كان.
-2باب فيما ظهر من الكرامات على أم شريك في هجرتها إلى
رسول الله وما ظهر من دللت النبوة في العكة التي أهدتها له.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب
حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن عبد العلى
عن أبي المساور القرشي عن محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي
هريرة قال كانت امرأة من دوس يقال لها أم شريك أسلمت في
رمضان فأقبلت تطلب من يصحبها إلى رسول الله فلقيت رجلً
من اليهود فقال ما لك يا أم شريك قالت أطلب رجل ً يصحبني
إلى رسول الله .قال فتعالى فأنا أصحبك قالت :فانتظرني حتى
امل سقاي ماء قال معي ماء ل تريدين ماء فانطلقت معهم
فساروا يومهم حتى أمسوا فنزل اليهودي ووضع سفرته فتعشى
فقال :يا أم شريك تعالى إلى العشاء فقالت :اسقني من الماء
فإني عطشى ول أستطيع أن أكل حتى أشرب فقال :ل أسقيك
384
حتى تهودي فقالت :ل جزاك الله خيًرا غربتني ومنعتني أحمل ماء
فقال :ل والله ل أسقيك من قطرة حتى تهودين فقالت :ل والله
ل أتهود أبدًا بعد إذ هداني الله للسلم فأقبلت إلى بعيرها فعقلته
ووضعت رأسها على ركبته فنامت قالت فما أيقظني إل برد دلو
قد وقع على جبيني فرفعت رأسي فنظرت إلى ماء أشد بياضا
من اللبن وأحلى من العسل فشربت حتى رويت ثم نضحت على
سقاء حتى ابتل ثم ملته ثم رفع بين يدي وأنا أنظر حتى توارى
مني في السماء فلما أصبحت جاء اليهودي فقال يا أم شريك
قلت والله قد سقاني الله فقال من أين أنزل عليك من السماء
قلت :نعم والله لقد أنزل الله عز وجل علي من السماء ثم رفع
بين يدي حتى توارى عني في السماء ثم أقبلت حتى دخلت على
رسول الله فقصت عليه القصة فخطب رسول الله إليها نفسها
فقالت يا رسول الله لست أرضى نفسي لك ولكن بضعي لك
فزوجني من شئت فزوجها زيدًا وأمر لها بثلثين صاع ًا وقال كلوا
ول تكيلوا وكان معها عكة سمن هدية لرسول الله فقالت لجارية
لها بلغي هذه العكة رسول الله قولي أم شريك تقرئك السلم
وقولي هذه عكة سمن أهديناها لك فانطلقت بها فأخذوها
ففرغوها وقال لها رسول الله(علقوها ول توكوها) فعلقوها في
مكانها فدخلت أم شريك فنظرت إليها مملوءة سمنا فقالت يا
فلنة أليس أمرتك أن تنطلقي بهذه العكة إلى رسول الله فقالت
قد والله انطلقت بها كما قلت ثم أقبلت بها أصوبها ما يقطر منها
شيء ولكنه قال(علقوها ول توكوها) فعلقتها في مكانها وقد
أوكتها أم شريك حين رأتها مملوءة فأكلوا منها حتى فنيت ثم
كالوا الشعير فوجدوه ثلثين صاعا لم ينقص منه شيء ...والله
أعلم
-وكان يتفل في أفواه الصبيان المراضع فيجزئهم ريقه إلى الليل.
-ومن ذلك بركة يده فيما لمسه وغرسه ،ولسلمان رضي الله
عنه حين كاتبه مواليه على ثلثمائة ودية يغرسها لهم ،كلها تعلق
وتطعم وعلى أربعين أوقية من ذهب ،فقام صلى الله عليه
وسلم وغرسها له بيده إل واحدة غرسها غيره ،فأخذت كلها إلى
تلك الواحدة ،فقلعها النبي صلى الله عليه وسلم وردها ،فأخذت.
باب ما ظهر في النخل التي غرسها النبي لسلمان الفارسي
رضي الله عنه وأطعمت من سنته من آثار النبوة واستبرائه عند
قدومه عليه وما وصف له من حاله.
أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أنبأنا أبو بكر بن إسحاق أنبأنا
موسى ابن إسحاق القاضي حدثنا عبد الله بن أبي شيبة حدثنا
زيد بن الحباب عن الحسين بن واقد حدثنا عبد الله بن بريدة عن
385
أبيه أن سلمان لما قدم المدينة أتى رسول الله بهدية على طبق
فوضعها بين يديه فقال ما هذا يا سلمان قال صدقة عليك وعلى
أصحابك قال :إني ل آكل الصدقة فرفعها ثم جاءه من الغد بمثلها
فوضعها بين يديه فقال ما هذا قال هدية لك قال فقال رسول
الله لصحابه كلوا قالوا لمن أنت قال لقوم قال فاطلب إليهم أن
يكاتبوك قال فكاتبوني على كذا وكذا نخلة اغرسها لهم ويقوم
عليها سلمان حتى تطعم قال فجاء النبي فغرس النخل كله إل
نخلة واحدة غرسها عمر فأطعم نخله من سنته إل تلك النخلة
فقال رسول الله من غرسها قالوا عمر فغرسها رسول الله بيده
فحملت من عامها..
وروينا عن ابن عثمان عن سلمان أنه قال فجعل يغرس إل
واحدة غرستها بيدي فعلقن جميعا إل واحدة...
-وفي كتاب البزار :فأطعم النخل من عامه إل الواحدة ،فقلعها
رسول الله صلى الله عليه وسلم وغرسها فأطعمت من عامها.
وقفة مع قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه ،في مسند البزار
*حدثنا موسى بن عبد الله الخزاعي قال أخبرنا بكر بن سليمان
قال أخبرنا محمد بن إسحاق وأخبرنا عمرو بن علي قال أخبرنا
عبد الله بن هارون بن أبي عيسى عن أبيه عن بن إسحاق أنه
سمع عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن عبد الله
بن عباس قال حدثني سلمان الفارسي حديثه من فيه قال كنت
رجل ً فارسيًا من أهل أصفهان من قرية منها يقال حيى وكان أبي
دهقان قريته وكنت أحب خلق الله إليه لم يزل به حبه إياي حتى
حبسني في بيته كما تحبس الجارية فاجتهدت في المجوسية حتى
كنت قاطن النار أوقدها ل أتركها تخبو ساعة وكانت لبي ضيعة
ما فقال لي يا بني :إني قد شغلت هذا اليومعظيمة فشغل يو ً
عن ضيعتي أذهب إليها فطالعها وأمرني فيها ببعض ما يريد ثم
قال لي :ل تحبس علي فإنك إن احتبست علي كنت أهم إلي من
ضيعتي وشغلتني عن كل شيء ..فخرجت أريد ضيعته أسير إليها
فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم
يصلون ،وكنت ل أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته،
فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون؛ فلما رأيتهم
أعجبتني صلتهم ورغبت في أمرهم ..وقلت هذا والله خير من
الدين الذي نحن عليه .فما برحت من عندهم حتى غربت
الشمس وتركت ضيعة أبي؛ ثم قلت لهم :أين أصل هذا الدين؟
قالوا رجل بالشام ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وقد
شغلته عن عمله فقال :أي بني أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك
ما عهدت :قال قلت:إني مررت بناس يصلون في كنيسة لهم
386
فدخلت إليهم فما زلت عندهم وهم يصلون حتى غربت
الشمس ..فقال :أي بني ،ليس في ذلك الدين خير ..دينك ودين
آبائك خير منه ...ثم حبسني في بيته وبعثت إلى النصارى .فقلت:
إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني بهم .فقدم عليهم ركب
من الشام تجار من النصارى ،فأخبروني بهم .فقلت لهم :إذا
قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلدهم فأذنوني بهم .فلما
أرادوا الرجعة إلى بلدهم أخبروني بهم فألقيت الحديد من رجلي
ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام؛فلما قدمتها قلت:من أفضل
هذا الدين علما؟ قالوا السقف في الكنيسة ..فجئته فقلت له:
إني قد رغبت في هذا الدين فأحببت أن أكون معك أخدمك في
كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك ..قال :فدخل فدخلت معه
وكان رجل سوء يأمر بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه شيئا
منها اكتنزه لنفسه ،فلم يعط إنسانا منها شيئا ،حتى جمع قلل
من ذهب وورق ..وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع؛ ثم مات
فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه .فقلت لهم :إن هذا كان رجل
سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها ،فإذا جئتموه بها أكتنزها
لنفسه فلم يعط إنسانا أو لم يعط المساكين منها شيئا .قالوا وما
علمك بذاك؟ قلت لهم :فأنا أدلكم على كنزه .قالوا :فدلنا عليه.
فدللتهم عليه ،فاستخرجوا ذهبًا وورقًا ..فلما رأوها قالوا :والله ل
تدفنوه أبدًا ...فصلبوه ثم رجموه بالحجارة .وكان ثم رجل آخر
فجعلوه مكانه .قال يقول سلمان :فما رأيت رجل ً يصلي الخمس
أفضل منه ،ول أزهد في الدنيا ول أرغب في الخرة ول أدأب ليل
ونهارا ً منه ..فأحببته حبا لم أحبه شيئا قط؛ فما زلت معه زمانا ثم
حضرته الوفاة فقلت له يا فلن إني قد كنت معك فأحببتك حبا
لم أحبه شيئا قبلك ،وقد حضرك ما ترى من أمر الله فإلي من
توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال :أي بني والله ما أعلم أحدًا على
ما كنت عليه لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا كثيًرا مما كانوا عليه
إل رجل بالموصل وهو فلن وهو على ما كنت عليه فالحق به...
فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل فقلت له :يا فلن إن
فلنا أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره..
فقال :فأقم عندي .فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر
صاحبه فلم يلبث أن مات .فلما حضرته الوفاة ،قلت له :يا فلن
إن فلنا أوصاني إليك وأمرني فألحق بك وقد حضر من أمر الله
ما ترى فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال :أي بني والله ما
أعلم رجل على مثل ما كنا عليه إل رجل بنصيبين وهو فلن
فالحق به ...فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فجئته
فأخبرته بما أمرني به صاحبه فقال :أقم عندي فأقمت عنده
387
فوجدته على أمر صاحبيه فأقمت مع خير رجل فو الله ما لبث أن
نزل به الموت فلما حضر قلت له :يا فلن إن فلنا أوصى بي إلى
فلن،وأوصى بي فلن إليك ،فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟
قال يا بني :ما أعلم بقي أحد على ما آمرك أن تأتيه إل رجل
بعمورية من أرض الروم على مثل ما نحن عليه فإنه على أمرنا..
فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية فأخبرته خبري فقال:
أقم عندي فأقمت عند خير رجل على هدى أصحابه وأمرهم
واكتسبت حتى كانت لي بقيرات وغنيمة ثم نزل به أمر الله..
فلما حضر قلت له :يا فلن إني كنت مع فلن فأوصى بي إلى
فلن ثم أوصى فلن إلى فلن ثم أوصاني فلن إلى فلن ثم
أوصى بي فلن إليك فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال
والله ما أعلم أصلح لك على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن
تأتيه ولكن قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم يخرج
بأرض العرب مهاجرا إلى أرض بين حرتين به علمات ل تخفى
يأكل الهدية ول يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة فإن
استطعت أن تلحق بتلك البلد فافعل ..ثم مات وغيب ....فمكثت
بعمورية ما شاء الله أن أمكث ثم مر بي نفر من كلب تجار
فقلت لهم تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه
وغنيمتي هذه قالوا نعم فأعطيتهم وحملوني معهم حتى إذا قدموا
بي وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل يهودي كنت عنده
فرأيت النخل فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم
يحق في نفسي فبينا أنا عنده قدم عليه ابن عم له من بني
قريظة فابتاعني منه فحملني إلى المدينة فو الله ما هو إل رأيتها
عرفتها بصفة صاحبي لي فأقمت بها ...فبعث الله رسوله وأقام
بمكة ما أقام ما أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق؛ ثم
هاجر إلى المدينة فو الله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل له
فيه بعض العمل؛ وسيدي جالس تحتي إذ أقبل ابن عم له حتى
وقف عليه فقال :قاتل الله بني قيلة والله إنهم الن لمجتمعون
عند رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي فلما سمعته
أخذني يعني الفرح حتى ظننت أني سأسقط على سيدي ونزلت
عن النخلة وجعلت أقول لبن عمه ذلك :ماذا تقول؟ ماذا تقول؟
فغضب سيدي فلكمني لكمه شديدة ثم قال لي :مالك ولهذا؟
أقبل على عملك ...قلت ل شيء ،إنما أردت أن أستفتيه عما
قال .وقد كان عندي شيء قد جمعته فلما أمسيت أخذته ثم
ذهبت إلى رسول الله وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له إنه قد
بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذووا حاجة وهذا
شيء كان عندي صدقة فرأيتكم أحق به من غيركم .قال :وقربته
388
إليه فقال رسول الله لصحابه كلوا وأمسك هو فلم يأكل منه.
فقلت في نفسي :هذه واحدة ..ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا
فتحول رسول الله إلى المدينة ثم جئت به فقلت له إني قد
رأيتك ل تأكل الصدقة ،وهذه هديه أكرمتك بها ..فأكل رسول الله
منها وأمر أصحابه فأكلوا .وقال قلت في نفسي :هاتان اثنتان .ثم
جئت رسول الله وهو ببقيع الغرقد قد اتبع جنازة رجل من
أصحابه وهو جالس فسلمت عليه ثم استدبرت أنظر إلى ظهره
هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي؛ فلما رآني رسول الله
استدبرته عرف أني استثبت في شيء وصف لي فألقى رداءه
عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته ،فأكببت عليه أقبله
وأبكي ...فقال رسول الله :تحول فتحولت ،فجلست بين يديه،
فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا بن عباس ،فأعجب رسول
الله أن يسمع ذلك أصحابه ...ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع
رسول الله بدر وأحد ..ثم قال رسول الله :كاتب يا سلمان.
فكاتبت صاحبي على ثلثمائة نخلة أحييها له وأربعين أوقية..
فقال رسول الله لصحابه:أعينوا أخاكم ..فأعانوني في النخل،
الرجل بثلثين ،والرجل بعشرين ،والرجل بخمس عشرة ،والرجل
بعشر ،والرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلثمائة ...فقال
لي رسول الله :اذهب يا سلمان ،فإذا فرغت فأذني أكون معك
أنا أضعها بيدي ..ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت
جئته فأخبرته فخرج رسول الله معي إليها فجعلنا نقرب له الودي
ويضعه رسول الله بيده حتى فرغنا فو الذي نفس سلمان بيده ما
مات منها نخلة واحدة فأديت النخل وبقي على المال فأتى
رسول الله بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن قال:
ما فعل الفارسي المكاتب؟ فدعيت له فقال:خذ هذه فأدِّ بها ما
عليك يا سليمان ..فقلت :وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟
قال :خذها فإن الله سيؤدي بها عنك ..فوزنت له منها؛ فو الذي
نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم وعتق سلمان
وشهدت مع رسول الله الخندق ثم لم يفتني معه مشهد..
وأعطاه مثل بيضة الدجاجة من ذهب بعد أن أدارها على لسانه،
فوزن منها لمواليه أربعين أوقية وبقي عنده مثل ما أعطاهم.
قلت :جاء في دلئل النبوة للبيهقي:
عن سلمان قال :ثم جئت رسول الله وهو يتبع جنازة وعلي
شملتان لي وهو في أصحابه فاستدرت به لنظر إلى الخاتم في
ظهره فلما رآني رسول الله استدبرته عرف أني أستثبت شيئًا
قد وصف لي فوضع رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم بين
كتفيه كما وصف لي صاحبي فأكببت عليه أقبله وأبكي فقال
389
تحول يا سلمان هكذا فتحولت فجلست بين يديه وأحب أن يسمع
أصحابه حديثي عنه فحدثته يا ابن عباس كما حدثتك فلما فرغت
قال رسول الله كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبي على ثلثمائة
نخلة أحييها وأربعين أوقية وأعانني أصحاب رسول الله بالنخل
ثلثين ودية وعشرين ودية وعشر كل رجل منهم على قدر ما
عنده فقال لي رسول الله فقر لها فإذا فرغت فآذني حتى أكون
أنا الذي أضعها بيدي ففقرتها وأعانني أصحابي يقول حفرت لها
حيث توضع حتى فرغنا منها ثم جئت رسول الله فقلت يا رسول
الله قد فرغنا منها فخرج معي حتى جاءها وكنا نحمل إليه الودي
ويضعه بيده ويسوى عليها فو الذي بعثه بالحق ما ماتت منها ودية
واحدة وبقيت علي الدراهم فأتاه رجل من بعض المعادن بمثل
البيضة من الذهب فقال رسول الله :أين الفارسي المسلم
المكاتب فدعيت له فقال :خذ هذه يا سلمان فأدها مما عليك
فقلت يا رسول الله وأين تقع هذه مما علي قال :فإن الله تعالى
سيؤدي بها عنك فو الذي نفس سلمان بيده لوزنت لهم منها
أربعين أوقية فأديتها إليهم وعتق سلمان وكان الرق قد حبسني
حتى فاتني مع رسول الله بدر وأحد ثم عتقت فشهدت الخندق
ثم لم يفتني معه مشهد..
وقال أعطاني النبي مثل هذه من ذهب وحلق شريك بإصبعه
السبابة على البهام مثل الدرهم قال فلو وضع أحد في كفة
ووضعت في أخرى لرجحت به في فكاك رقبته....
وقال لما أعطاني رسول الله ذلك الذهب فقال اقض به عنك
فقلت يا رسول الله وأين تقع هذه مما علي فقلبها رسول الله
على لسانه ثم قذفها إلي ثم قال :انطلق بها فإن الله تعالى
سيؤدي بها عنك ...فانطلقت فوزنت لهم منها حتى أوفيتهم منها
أربعين أوقية.
-وفي حديث حنش بن عقيل :سقاني رسول الله صلى الله عليه
ة من سويق شرب أولها وشربت آخرها ،فما برحت وسلم شرب ً
أجد شبعها إذا جعت ،وريها إذا عطشت ،وبردها إذا ظمئت.
-وأعطى قتادة بن النعمان ،وصلى معه العشاء في ليلة مظلمة
مطيرة ـ عرجوناً ،وقال :انطلق به ،فإنه سيضيء لك من بين
يديك عشرا ً ومن خلفك عشراً ،فإذا دخلت بيتك فسترى سواداً
فاضربه حتى يخرج ،فإنه الشيطان.فانطلق فأضاء له العرجون
حتى دخل بيته ،ووجد السواد فضربه حتى خرج.
قلت :رواه المام أحمد
حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يونس وسريج قال حدثنا فليح
عن سعيد بن الحرث عن أبي سلمة قال:
390
-كان أبو هريرة يحدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
قال( :إن في الجمعة ساعة ل يوافقها مسلم وهو في صلة
يسأل الله خيرا إل آتاه إياه) ..قال وقللها أبو هريرة بيده .قال
فلما توفي أبو هريرة قلت والله لو جئت أبا سعيد فسألته عن
هذه الساعة أن يكون عنده منها علم فأتيته فأجده يقوم عراجين
فقلت يا أبا سعيد ما هذه العراجين التي أراك تقوم قال هذه
عراجين جعل الله لنا فيها بركة كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يحبها يتخصر بها فكنا نقومها ونأتيه بها فرأى بصاقًا في
قبلة المسجد وفي يده عرجون من تلك العراجين فحكه وقال:
(إذا كان أحدكم في صلته فل يبصق أمامه فإن ربه أمامه
وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فإن لم) ..قال سريج لم يجد
مبصقا ففي ثوبه أو نعله ..قال ثم هاجت السماء من تلك الليلة
فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم لصلة العشاء الخرة
برقت برقة فرأى قتادة بن النعمان فقال:ما السرى يا قتادة؟
قال علمت يا رسول الله إن شاهد الصلة قليل فأحببت أن
أشهدها قال :فإذا صليت فاثبت حتى أمر بك ..فلما انصرف
أعطاه العرجون وقال :خذها فسيضيء أمامك عشًرا وخلفك
عشرا فإذا دخلت البيت وتراءيت سوادا في زاوية البيت فاضربه
قبل أن يتكلم فإنه شيطان..قال ففعل فنحن نحب هذه العراجين
لذلك ...قال قلت :يا أبا سعيد إن أبا هريرة حدثنا عن الساعة
التي في الجمعة فهل عندك منها علم فقال سألت النبي صلى
الله عليه وسلم عنها فقال :إني كنت قد أعلمتها ثم أنسيتها كما
أنسيت ليلة القدر وقال ثم خرجت من عنده فدخلت على عبد
الله بن سلم.
-ومنها دفعه لعكاشة جدل حطب ،وقال :اضرب به حين انكسر
سيفه يوم بدر ،فعاد في يده سيفا ً صارماً ،طويل القامة ،أبيض،
شديد المتن ،فقاتل به ،ثم لم يزل عنده يشهد به المواقف إلى
أن استشهد في قتال أهل الردة .وكان هذا السيف يسمى العون
.
قلت :روى البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
أخبرنا أبو عبد الله قال أخبرنا أبو العباس قال أخبرنا أحمد قال
أخبرنا يونس عن ابن إسحاق في تسمية من شهد بدرا قال
وعكاشة بن محصن وهو الذي قاتل بسيفه يوم بدر حتى انقطع
في يده فأتى رسول الله فأعطاه جذل ً من حطب وقال :قاتل بها
يا عكاشة .فلما أخذه من يد رسول الله هزه فعاد سيفًا في يده
طويل القامة شديد المتن أبيض الحديدة فقاتل بها حتى فتح الله
تعالى على رسوله ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول
391
الله حتى قتل يعني في قتال أهل الردة وهو عنده وكان ذلك
السيف يسمى القوي..
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو عبد الله محمد بن
أحمد الصبهاني قال أخبرنا الحسن بن الجهم قال أخبرنا الحسين
بن الفرج قال أخبرنا الواقدي قال فحدثني عمر بن عثمان
الجحشي عن أبيه عن عمته قالت قال عكاشة بن محصن انقطع
سيفي يوم بدر فأعطاني رسول الله عودًا فإذا هو سيف أبيض
طويل وقاتلت حتى هزم الله المشركين فلم يزل عنده حتى
هلك.
-ودفع لعبد الله بن جحش يوم أحد ،وقد ذهب سيفه ـ عسيب
نخل ،فرجع في يده سيفاً.
قلت :روى البيهقي في دلئل النبوة ن قال:
أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد قال أخبرنا إسماعيل بن
محمد الصفار قال حدثنا أحمد بن منصور قال حدثنا عبد الرزاق
قال أخبرنا معمر عن سعيد بن عبد الرحمن الجحشي قال أخبرنا
أشياخنا أن عبد الله ابن جحش جاء إلى النبي يوم أحد وقد ذهب
سيفه فأعطاه النبي عسيبًا من نخل فرجع في يد عبد الله سيفًا.
-ومنه بركته في درور الشياه الحوائل باللبن الكثير ،كقصة شاة
أم معبد ،وأعنز معاوية بن ثور ،وشاة أنس ،وغنم حليمة مرضعته
وشارفها ،وشاة عبد الله بن مسعود ،وكانت لم ينز عليها فحل،
وشاة المقداد.
وقفة مع حديث أم معبد في صفة رسول الله صلى الله عليه
وسلم؛ في دلئل النبوة للبيهقي:
أخبرنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة من أصل
كتابه قال أخبرنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن محمد بن مطر
قال حدثنا أبو زيد عبد الواحد بن يوسف بن أيوب بن الحكم بن
أيوب بن سليمان ابن ثابت بن يسار الخزاعي الكعبي بقديد إملء
قال حدثني عمي سليمان بن الحكم عن جدي أيوب بن الحكم
الخزاعي عن حزام بن هشام عن أبيه هشام عن جده حبيش بن
خالد صاحب رسول الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم...
ح .وحدثنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي قال
أخبرنا أبو عمرو بن مطرف قال حدثنا محمد بن محمد بن
سليمان بن الحكم ابن أيوب بن سليمان بن ثابت بن يسار
الخزاعي بقديد يعرف بأبي عبد الله ابن أبي هشام القافة قال
حدثنا أبي محمد بن سليمان قال حدثنا عمي أيوب بن الحكم عن
حزام بن هشام عن أبيه هشام عن جده حبيش بن خالد قتيل
البطحاء يوم فتح مكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم...
392
ح .وأخبرنا أبو نصر بن قتادة أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال حدثنا
أبو جعفر محمد بن موسى بن عيسى الحلواني قال حدثنا مكرم
بن محرز ابن مهدي قال حدثني أبي محرز بن مهدي عن حزام
بن هشام عن حبيش بن خالد عن أبيه عن جده حبيش بن خالد
صاحب رسول الله قتيل البطحاء يوم الفتح وهو أخو عاتكة بنت
خالد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخرج من مكة
مهاجرا ً إلى المدينة هو وأبو بكر ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة
ودليلهما الليثي عبد الله بن الريقط مروا على خيمة أم معبد
الخزاعية وكانت برزة جلدة تحتبي بفناء القبة ثم تسقي وتطعم
فسألوها لحما ً وتمرا ً ليشتروه منها فلم يصيبوا عندها شيئا ً من
ذلك وكان القوم مرملين مسنتين فقالت والله لو كان عندنا
شيء ما أعوزناكم نحرها فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى شاة في كسر الخيمة فقال :ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت
شاة خلفها الجهد عن الغنم ..قال :أبها من لبن وقال أبو زيد
قال :هل بها من لبن؟ قالت :هي أجهد من ذلك..قال :أتأذنين لي
أن أحلبها؟ قالت بأبي وأمي إن رأيت بها حلبا ً فاحلبها ..فدعا بها
رسول الله فمسح بيده ضرعها وسمى الله تعالى ودعا لها في
شاتها فتفاجت عليه ودرت واجترت ودعا بإناء يربض الرهط
فحلب فيه ثجا ً حتى عله البهاء ثم سقاها حتى رويت وسقى
أصحابه حتى رووا ثم شرب آخرهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم ثم أراضوا ثم حلب فيه ثانيا ً بعد بدء حتى مل الناء ثم
غادره عندها ثم بايعها وارتحل عنها ...فقل ما لبثت حتى جاءها
زوجها أبو معبد يسوق أعنزا ً يتساوكن هزل ً ضحا ً مخهن قليل
وقال أبو زيد ضحا ً مخهن قليل فلما رأى أبو معبد اللبن عجب
وقال :من أين لك هذا اللبن يا أم معبد والشاء عازب حيال ول
حلوب في البيت؟ فقالت :ل والله إل أنه مر بنا رجل مبارك من
حاله كذا وكذا قال :صفيه لي يا أم معبد ..قالت :رأيت رجلً
ظاهر الوضاءة،أبلج الوجه ،حسن الخلق ،لم تعبه نحلة،ولم تزر
به صعلة،وسيم قسيم...وقال محمد بن موسى :وسيما ً قسيماً
في عينه دعج ،وفي أشفاره غطف ،وفي صوته صهل ،وفي عنقه
سطع،وفي لحيته كثاثة ،أزج أقرن،إن صمت فعليه الوقار ،وإن
تكلم سما وعله البهاء ،أجمل الناس ،وأبهاه من بعيد ،وأحله
وأحسنه من قريب،حلو المنطق،فصل ل نزر ول هزر كأن منطقه
خرزات نظم ينحدرن ،ربعة ل يأس من طول ،ول تقتحمه عين
من قصر،غصنا ً بين غصنين فهو أنضر الثلثة منظرا ً وأحسنهم
قدراً ،له رفقاء يحفون به،إن قال أنصتوا لقوله ،وإن أمر تبادروا
إلى أمره ،محفود محشود ل عابس ول مفند...
393
فقال أبو معبد هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما
ذكر بمكة ولقد هممت أن أصحبه ولفعلن إن وجدت إلى ذلك
سبيل ً فأصبح صوت بمكة عاليا ً يسمعون الصوت ول يدرون من
صاحبه وهو يقول:
رفيقين قال خيمتي أم جزى الله رب الناس خير جزائه
معبـد
فقد فاز من أمسى رفيق هما نزلها بالهدى واهتدت بـه
محمد
به من فعال ل تجارى فيا لقصي ما زوى الله عنكــم
وسؤدد
ومقعدها للمؤمنين بمرصــد ليهن بني كعب مقــام فتاتهم
فإنكم إن تسألوا الشاة سلوا أختكم عن شاتها وإنائهـا
تشهد
له بصريح ضرة الشاة مزبد دعاها بشاة حائــل فتحلبـت
يرددها في مصدر ثم مــورد فغادرها رهنا ً لديها بحالــب
فلما سمع حسان بن ثابت النصاري شاعر رسول الله شبب
يجاوب الهاتف وهو يقول
وقدس من يسري إليهم لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم
ويغتدي
وحـل على قـوم بنـور ترحـل عن قوم فضلت عقولهم
مجدد
وأرشدهم مـن يتبع الحق هداهم بــه بعد الضللة ربهم
يرشد
عمى وهـداة يهتـدون وهل يستوي ضلل قوم تسفهوا
بمهتـد
ركاب هدى حـلت عليهم وقد نزلت منه على أهل يثرب
بأسعد
ويتلو كتـاب الله في كـل نبي يرى ما ل يرى الناس حوله
مسجد
فتصديقها في اليوم أو في وإن قال في يوم مقالة غائــب
ضحا الغد
بصحبته من يسعد الله يسعــد ليهن أبا بكر سعادة جـــده
ومقعـدها للمؤمنين ليهـن بني كعب مقـام فتاتهم
بمرصـــد
لفظ حديث أبي نصر بن قتادة قال أبو نصر قال أبو عمرو بن
مطرف قال أبو جعفر بن محمد بن موسى سألت مكرما ً عن
394
اسم أم معبد فقال اسمها عاتكة بنت خالد وكنيتها أم معبد وأبو
معبد اسمه أكثم بن أبي الجون ويقال له عبد العزى.
وحدثنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد
ابن عمرو الحمسي قال حدثنا الحسين بن حميد بن الربيع
الخزاز قال حدثنا سليمان بن الحكم بن أيوب بن سليمان بن
ثابت بن يسار الخزاعي قال حدثنا أخي أيوب بن الحكم وسالم
بن محمد الخزاعي جميعا ً عن حزام بن هشام فذكره بإسناده
نحوه بنقصان بيتين من شعر حسان في آخره وقد ذكرهما في
موضع آخر.
ورواه يعقوب بن سفيان الفسوي عن مكرم بن محرز دون
الشعار.
أخبرنا أبو الحسين بن الفضل قال أخبرنا عبد الله بن جعفر بن
درستويه قال حدثنا يعقوب بن سفيان قال حدثنا أبو القاسم
مكرم بن محرز بن المهدي بن عبد الرحمن بن عمرو الخزاعي
قال حدثني أبي محرز بن المهدي فذكره.
وحدثنا أبو عبد الله الحافظ إملء قال حدثنا أبو زكريا يحيى بن
محمد العنبري قال حدثنا الحسين بن محمد بن زياد وجعفر بن
محمد بن سوار ح قال وأخبرني عبد الله بن محمد الدورقي في
آخرين قالوا حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة المام ح قال
وأخبرني مخلد بن جعفر قال حدثنا محمد بن جرير قالوا حدثنا
مكرم بن محرز.
قال أبو عبد الله الحافظ ثم سمعت الشيخ الصالح أبا بكر أحمد
بن جعفر القطيعي يقول حدثنا مكرم بن محرز عن آبائه فذكر
الحديث بطوله فقلت لشيخنا أبي بكر سمعه الشيخ من مكرم
فقال أي والله حج بي أبي وأنا ابن سبع سنين فأدخلني على
مكرم بن محرز.
وبلغني عن أبي محمد القتيبي رحمه الله أنه قال في تفسير ما
عسى يشكل من ألفاظ هذا الحديث.
قوله :برزة يريد أنها خل لها سن فهي تبرز ليست بمنزلة
الصغيرة المحجوبة.
وقوله :مرملين يريد قد نفد زادهم.
وقوله :مشتين يريد داخلين في الشتاء ويروي مسنتين أي
داخلين في السنة وهي الجدب والمجاعة.
وقوله :كسر الخيمة يريد جانبا ً منها.
وقوله :فتفاجت يريد فتحت ما بين رجليها للحلب.
وقوله :دعا بإناء يربض الرهط أي يرويهم حتى يثقلوا فيربضوا
والرهط ما بين الثلثة إلى العشرة.
395
وقوله :ثجا يريد سيل.
وقوله :حتى عله البهاء يريد عل الناء بها اللبن وهو وبيص
رغوته يريد أنه ملها.
قوله :فشربوا حتى أراضوا يريد شربوا حتى رووا فنقعوا بالري.
وقوله :تشاركن هزل ً أي عمهن الهزال فليس فيهن منقيه ول
ذات طرق وهو من الشتراك.
قوله :والشاء عازب أي بعيد في المرعى.
وقولها :ظاهر الوضاءة ,قال غير القتيبي تريد ظاهر الجمال.
قال القتيبي :وقولها أبلج الوجه تريد مشرق الوجه مضيئة.
وقولها :لم تعبه نحلة فالنحل الدقة والضمير.
وقولها :ولم تزريه صقلة فالصقل منقطع الضلع والصقلة
الخاصرة تريد أنه ضرب ليس بمنتفخ ول ناحل ويروي لم تعبه
ثجلة ولم تزريه صعلة.
والثجلة :عظم البطن واسترخاء أسفله.
والصعلة :صغر الرأس والوسيم الحسن الوضيء وكذلك القسيم
والدعج السواد في العين وغيره.
وقولها :في أشفاره عطف ,قال القتيبي :سألت عنه الرياشي
فقال :ل أعرف العطف وأحسبه غطف بالغين معجمة وهو أن
تطول الشفار ثم تنعطف والعطف أيضا ً إن كان هو المحفوظ
شبيه بذلك وهو انعطاف الشفار وروى وفي أشفاره وطف وهو
الطول.
وقولها :في صوته صهل ويروي صحل أي كالبحة وهو أن ل يكون
حاداً.
وقولها :في عنقه سطع أي طول إن تكلم سما تريد عل برأسه
أو يده.
وقولها :في وصف منطقه فصل ل نزر ول هذر تريد أنه وسط
ليس بقليل ول كثير.
وقولها :ل يأس من طول يحتمل أن يكون معناه إنه ليس
بالطويل الذي يؤيس مباريه عن مطاولته ويحتمل أن يكون
تصحيفا ً وأحسبه ل بائن من طول.
وقولها :ل تقتحمه عين من قصر ل تحتقره ول تزدريه.
محفود :أي مخدوم محشود هو من قولك حشدت لفلن في كذا
إذا أردت أنك أعددت له وجمعت.
وقال :غيره المحشود المحفوف وحشده أصحابه أطافوا به.
وقولها:ل عابس تريد ل عابس الوجه ول معتد من العداء وهو
الظلم
396
وقول :الهاتف فتحلبت له بصريح والصريح الخالص والضرة لحم
الضرع فغادرها رهنا ً لديها لحالب يريد أنه خلف الشاة عندها
مرتهنة بأن تدر..
غنم حليمة السعدية في دلئل النبوة للبيهقي
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس قال حدثنا
أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير قال حدثنا ابن
إسحاق قال حدثني جهم بن أبي جهم مولى لمرأة من بني تميم
كانت عند الحارث بن حاطب فكان يقال مولى الحارث بن
حاطب قال حدثني من سمع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب
يقول حدثت عن حليمة بنت الحارث أم رسول الله التي أرضعته
أنها قالت قدمت مكة في نسوة من بني سعد بن بكر ألتمس بها
الرضعاء وفي سنة شهباء فقدمت على أتان لي قمراء كانت
أذمت بالركب ومعي صبي لنا وشارف لنا والله ما تبض بقطرة
وما ننام ليلنا ذلك أجمع مع صبينا ذاك ما يجد في ثديي ما يغنيه
ول في شارفنا ما يغذيه فقدمنا مكة فو الله ما علمت منا امرأة
إل وقد عرض عليها رسول الله فتأباه إذا قيل إنه يتيم تركناه قلنا
ماذا عسى أن تصنع إلينا أمه إنما نرجو المعروف من أب الوليد
وأما أمه فماذا عسى أن تصنع إلينا فو الله ما بقي من صواحبي
امرأة إل أخذت رضيعا ً غيري فلما لم أجد رضيعا ً غيره قلت
لزوجي الحارث بن عبد العزى والله إني لكره أن أرجع من بين
صواحبي ليس معي رضيع لنطلقن إلى ذلك اليتيم فلخذنه
فقال :ل عليك فذهبت فأخذته فو الله ما أخذته إل أني لم أجد
غيره فما هو إل أن أخذته فجئت به إلى رحلي فأقبل عليه ثدياي
بما شاء من لبن فشرب حتى روي وشرب أخوه حتى روي وقام
صاحبي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل فحلب ما شرب وشربت
حتى روينا فبتنا بخير ليلة فقال صاحبي يا حليمة والله إني لراك
قد أخذت نسمة مباركة ألم تري ما بتنا به الليلة من الخير
والبركة حين أخذناه فلم يزل الله عز وجل يزيدنا خيرا ً حتى
خرجنا راجعين إلى بلدنا فو الله لقطعت أتاني بالركب حتى ما
يتعلق بها حمار حتى إن صواحباتي يقلن ويلك يا ابنة أبي ذؤيب
أهذه أتانك التي خرجت عليها معنا فأقول نعم والله إنها لهي
فيقلن والله إن لها لشأنا حتى قدمنا أرض بني سعد وما أعلم
أرضا ً من أرض الله تعالى أجدب منها فإن كانت غنمي لتسرح ثم
تروح شباعا ً لبنا ً فنحلب ما شئنا وما حولنا أحد تبض له شاة
بقطرة لبن وإن أغنامهم لتروح جياعا ً حتى إنهم ليقولون
لرعيانهم ويحكم انظروا حيث تسرح غنم ابنة أبي ذؤيب فاسرحوا
معهم فيسرحون مع غنمي حيث تسرح فيريحون أغنامهم جياعاً
397
ما فيها قطرة لبن وتروح غنمي شباعا ً لبنا ً نحلب ما شئنا فلم
يزل الله تعالى يرينا البركة ونتعرفها....
شاة ابن مسعود في دلئل النبوة للبيهقي
-1حدثنا أبو بكر بن فورك رحمه الله تعالى قال أخبرنا عبد الله
بن جعفر قال حدثنا يونس بن حبيب قال حدثنا أبو داود قال حدثنا
حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال
ما لعقبة بن أبي معيط بمكة فأتى علي ما يافعًا أرعى غن ً
كنت غل ً
رسول الله وأبو بكر وقد فرا من المشركين فقال :يا غلم عندك
لبن تسقينا قلت إني مؤتمن ولست بساقيكما فقال هل عندك
من جذعة لم ينـز عليها الفحل بعد قلت نعم فأتيتهما بها فأعتقلها
أبو بكر وأخذ رسول الله الضرع فدعا فحفل الضرع وأتاه أبو بكر
بصخرة منقعرة فحلب فيها ثم شرب هو وأبو بكر ثم سقاني ثم
قال للضرع أقلص فقلص فلما كان بعد أتيت رسول الله فقلت
علمني من هذا المقول الطيب يعني القرآن فقال رسول الله:
إنك غلم معلم فأخذت من فيه سبعين سورة ما ينازعني فيها
أحد...
-2أخبرنا أبو علي الروذباري وأبو عبد الله الحسين بن عمر بن
برهان الغزال وأبو الحسين بن الفضل القطان وأبو محمد عبد
الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري قالوا أخبرنا إسماعيل بن
محمد الصفار قال حدثنا الحسن ابن عرفة قال حدثنا أبو بكر بن
عياش عن عاصم بن أبي النجود عن زر ابن حبيش عن عبد الله
بن مسعود قال كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط فمر بي
رسول الله وأبو بكر رضي الله عنه فقال لي :يا غلم هل من
لبن؟ قال قلت نعم ولكني مؤتمن قال فهل من شاة لم ينز عليها
الفحل قال فأتيته بشاة فمسح ضرعها فنزل لبن فحلبه في إناء
فشرب وسقى أبا بكر قال ثم قال للضرع اقلص فقلص قال ثم
أتيته بعد هذا فقلت يا رسول الله علمني من هذا القول قال
فمسح رأسي وقال :يرحمك الله فإنك غليم معلم...
-ومن ذلك تزويده أصحابه سقاء ماء بعد أن أوكأه ،ودعا فيه،
فلما حضرتم الصلة نزلوا فحلوه ،فإذا به لبن طيب وزبدة في
فمه ـ من رواية حماد بن سلمة.
-ومسح على رأس عمير بن سعد ،وبَّرك ،فمات وهو ابن ثمانين،
فما شاب.
-وروي مثل هذه القصص عن غير واحد ،منهم السائب بن يزيد،
ومدلوك.
روى البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
398
*-1وأخبرنا أبو الحسين بن بشران أنبأنا أبو أحمد حمزة بن
محمد بن العباس حدثنا محمد بن غالب حدثنا موسى بن مسعود
أنبأنا عكرمة بن عمار حدثنا عطاء مولى السائب قال كان رأس
السائب أسود من هذا المكان ووصف بيده أنه كان أسود الهامة
إلى مقدم رأسه وكان سائره مؤخره ولحيته وعارضاه أبيض
فقلت يا مولي ما رأيت أحدًا أعجب شعًرا منك قال وما تدري يا
بني لم ذلك إن رسول الله مر بي وأنا مع الصبيان فقال :من
أنت؟ قلت السائب بن يزيد أخو النمر فمسح يده على رأسي
وقال( :بارك الله فيك) فهو ل يشيب أبدًا.
*-2ويذكر عن أبي سفيان واسمه مدلوك أنه ذهب إلى النبي
فأسلم ودعا له النبي ومسح رأسه بيده ودعا له بالبركة فكان
مقدم رأس أبي سفيان أسود ما مسته يد النبي وسائره أبيض
ذكره البخاري في التاريخ عن سليمان بن عبد الرحمن عن مطر
بن العلء الفزاري عن عمته وقطفة موله لهم قالت سمعنا أبا
سفيان فذكره.
وأخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال أنبأنا أبو الفضل محمد بن
إبراهيم حدثنا الحسين بن محمد بن زياد القباني قال ذكر علي
بن حجر فيما كتب به إلينا قال أنبأنا فطر بن العلء الفزاري قال
حدثتني عمتي آمنة بنت أبي الشعثاء عن مدلوك أبي سفيان.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن
عمرو الحمسي حدثنا الحسين بن حميد بن الربيع حدثنا الفضل
بن عون المسعودي أبو حمزة قال حدثتني أم عبد الله بنت
حمزة بن عبد الله عن جدتها وكانت أم ولد عبد الله بن عتبة
قالت قلت لسيدي عبد الله بن عتبة إيش تذكر عن النبي أذكر
إني غلم خماسي أو سداسي أجلسني النبي في حجره ودعا لي
ولولدي بالبركة قالت جدتي فنحن نعرف ذلك أنا ل نهرم.
-وكان يوجد لعتبة بن فرقد طيب يغلب طيب نسائه ،لن رسول
الله صلى الله عليه وسلم مسح بيده على بطنه وظهره.
روى البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
ورويناه عن حصين بن عبد الرحمن عن أم عاصم امرأة عتبة بن
فرقد أن عتبة بن فرقد كان ل يزيد على أن يدهن رأسه ولحيته
حا فسألته فذكر عتبة أن النبي فيما شكا إليه أخذ وكان أطيبنا ري ً
إزار عتبة فوضعه على فرجه ثم بسط يديه ونفث فيهما ومسح
إحداهما على ظهره والخرى على بطنه قال فهذه الريح من
ذلك..
م عن وجه عائذ بن عمرو ،وكان خرج يوم حنين، ت الد َّ َ
-وسل َ
ودعا له ،فكانت له غرة كغرة الفرس.
399
-ومسح على رأس قيس بن زيد الجذامى ،ودعا له ،فهلك وهو
ابن مائة سنة ،ورأسه أبيض وموضع كف النبي صلى الله عليه
وسلم وما مرت يده عليه من شعره أسود ،كان يدعى الغر.
-وروي مثل هذه الحكاية لعمرو بن ثعلبة الجهني.
ه آخر ،فما زال على وجهه نور. -ومسح وج َ
قلت :لعل القاضي عياض رحمه الله يشير إلى أبي زيد
النصاري،
قال البيهقي* أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أحمد
بن هارون بن إبراهيم الفقيه حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل
قال حدثني أبي حدثنا حرمي بن عمارة حدثنا عزرة بن ثابت
حدثنا علباء بن أحمر قال حدثني أبو زيد النصاري قال قال لي
رسول الله( :أدن مني) قال فمسح بيده على رأسي ولحيتي ثم
قال(اللهم جمله وأدم جماله) قال فبلغ بضعا ومائة سنة وما في
لحيته بياض إل نبذ يسير ولقد كان منبسط الوجه ولم يتقبض
وجهه حتى مات.
-ومسح وجه قتادة بن ملحان ،فكان لوجهه بريق حتى كان ينظر
في وجهه كما ينظر في المرأة.
قال البيهقي
باب ما روي في شأن قتادة بن ملحان وما ظهر على وجهه ببركة
مسح النبي إياه من النور
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أنبأنا أحمد بن عبيد
الصفار حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن معين
وهريم بن عبد العلى قال حدثنا معتمر بن سليمان(ح)
وحدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثنا أبي حدثنا عارم
حدثنا معتمر وهذا لفظ حديث بن معين قال سمعت أبي يحدث
عن أبي العلء قال كنت عند قتادة بن ملحان في مرضه قال نراه
الذي مات فيه قال فمر رجل في مؤخر الدار قال فرأيته في
وجه قتادة قال كان رسول الله مسح وجهه قال وكنت قلما رأيته
إل رأيته كأن على وجهه الدهان.
-ووضع يده على رأس حنظلة بن حزيم ،وبَّرك عليه ،فكان
حنظلة يؤتي بالرجل قد ورم وجهه ،والشاة قد ورم ضرعها،
فيوضع على موضع كف النبي صلى الله عليه وسلم فيذهب
الورم.
قلت :روى البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
أنبأني أبو عبد الرحمن السلمي أن أبا عبد الله عبيد الله بن
محمد العكبري أخبرهم حدثنا أبو القاسم البغوي حدثنا هارون بن
عبد الله أبو موسى حدثنا محمد بن سهل بن مروان حدثنا الذيال
400
بن عبيد بن حنظلة بن حذيم بن حنيفة قال سمعت جدي حنظلة
يحدث أبي وأعمامه أن حنيفة جمع بنيه فذكر الحديث في وصيته
وقدومه على النبي ومعه حذيم وحنظلة وفي آخره قال بأبي أنت
وأمي أنا رجل ذو سن وهذا ابني حنظلة فسمت عليه فقال
النبي :يا غلم فأخذ بيده فمسح رأسه وقال له :بورك فيك أو قال
بارك الله فيك .ورأيت حنظلة يؤتى بالشاة الوارم ضرعها والبعير
والنسان به الورم فيتفل في يده ويمسح بصلعته ويقول :بسم
الله على أثر يد رسول الله .فيمسحه فيذهب عنه...
-ونضح في وجه زينب بنت أم سلمة نضحة من ماء ،فما يعرف
كان في وجه امرأة من الجمال ما بها.
-ومسح على رأس صبي به عاهة ،فبرأ ،واستوى شعره ،وعلى
غير واحد من الصبيان والمرضى والمجانين ،فبرءوا.
ج فيها، َ -وأتاه رجل به أدرة ،فأمره أن ينضحها بماء من عين م ّ
ففعل ،فبرأ.
-وعن طاوس :لم يؤت النبي صلى الله عليه وسلم بأحد به
مس ،فصك في صدره إل ذهب ...والمس :الجنون.
قلت :روى البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
* أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ في الفوائد أنبأنا أبو الحسن
محمد بن أحمد بن تميم الصم ببغداد حدثنا ابن العباس الكابلي
حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن فرقد السبخي عن سعيد
بن جبير عن ابن عباس أن امرأة جاءت بابن لها فقالت يا رسول
الله إن بابني هذا جنونًا وإنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا فيفسد
علينا قال فمسح رسول الله رأسه ودعا له فثع ثعة فخرج من
جوفه مثل الجرو السود فسعى.
* أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قال حدثنا
العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس
بن بكير عن العمش عن المنهال بن عمرو عن يعلي بن مرة
عن أبيه قال...وأتت امرأة فقالت إن ابني هذا به لمم منذ سبع
سنين يأخذه في كل يوم مرتين فقال رسول الله :أدنيه فأدنته
منه فتفل في فيه وقال أخرج :عدو الله أنا رسول الله ثم قال
لها رسول الله إذا رجعنا فأعلمينا ما صنع فلما رجع رسول الله
استقبله ومعه كبشان وأقط وسمن فقال لي رسول الله خذ هذا
الكبش فأخذ منه ما أراد فقالت والذي أكرمك ما رأينا به شيئا
منذ فارقتنا.
* أخبرنا أبو القاسم زيد بن أبي هاشم العلوى بالكوفة أنبأنا أبو
جعفر محمد بن علي بن دحيم حدثنا إبراهيم بن عبد الله أنبانا
وكيع عن العمش عن المنهال بن عمرو عن يعلي بن مرة قال
401
رأيت من النبي عجبا خرجت معه في سفر فنزلنا منزل فأتته
امرأة بصبي لها به لمم فقال رسول الله :أخرج عدو الله أنا
رسول الله قال فبرأ فلما رجعنا جاءت أم الغلم بكبشين وشيء
من أقط وسمن فقال النبي :يا يعلى خذ أحد الكبشين ورد عليها
الخر وخذ السمن والقط .قال :ففعلت.
هذا أصح والول وهم قاله البخاري يعني روايته عن أبيه وهم إنما
هو عن يعلى نفسه وهم فيه وكيع مرة ورواه على الصحة مرة
قلت :وقد وافقه فيما زعم البخاري أنه وهم يونس بن بكير
فيحتمل أن يكون الوهم من العمش والله أعلم.
* أخبرنا أبو الفتح هلل بن محمد بن جعفر الحفار ببغداد أنبأنا
الحسين ابن يحيى بن عياش حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح
حدثنا عبيده بن حميد قال حدثنا يزيد بن أبي زياد عن سليمان
بن عمرو بن الحوص عن أمه قالت :رأيت رسول الله عند جمرة
العقبة راكبا ً ووراءه رجل يستره من رمي الناس فقال( :يا أيها
الناس ل يقتل بعضكم بعضا ً ومن رمى جمرة العقبة فليرمها
بمثل حصى الخذف) قالت ورأيت بين أصابعه حجرا ً قالت فرمي
ورمى الناس قالت :ثم انصرف فجاءت امرأة ومعها ابن لها به
مس قالت :يا نبي الله ابني هذا فأمرها النبي فدخلت بعض
الخبية فجاءت بتور من حجارة فيه ماء فأخذه بيده فمج فيه ودعا
فيه وأعاده فيه ثم أمرها فقال اسقيه واغسليه فيه قال فتبعتها
فقلت هيني لي من هذا الماء فقالت خذي منه فأخذت منه حفنة
فسقيته ابني عبد الله فعاش فكان من بره ما شاء الله أن يكون
قالت :ولقيت المرأة فزعمت أن ابنها برىء وأنه غلم ل غلم
خير منه.
* قال ثم سرنا فمررنا بماء فأنت امرأة بابن لها به جنة فأخذ
النبي بمنخره ثم قال اخرج أني محمد أني رسول الله قال ثم
سرنا فلما رجعنا من مسيرنا مررنا بذلك الماء فأتته المرأة بجزر
ولبن فأمر لها أن ترد الجزر وأمر أصحابه فشربوا اللبن فسألها
عن الصبي فقالت والذي بعثك بالحق ما رأينا منه ريبا بعدك.
*** أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن الغفاري ببغداد حدثنا
عثمان ابن أحمد بن السماك حدثنا أبو علي حنبل بن إسحاق بن
حنبل حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا عبد الرحيم بن جماد عن
معاوية بن يحيى الصدفي أنبأنا الزهري عن خارجة بن زيد قال:
قال أسامة بن زيد خرجنا مع رسول الله إلى الحجة التى حجها
حتى إذا كنا ببطن الروحاء نظر إلى امرأة تؤمه فحبس راحلته
فلما دنت منه قالت يا رسول الله هذا ابني والذي بعثك بالحق ما
أفاق من يوم ولدته إلى يومه هذا قال فأخذه رسول الله منها
402
فوضعه فيما بين صدره وواسطة الرحل ثم تفل في فيه وقال
أخرج يا عدو الله فإني رسول الله قال ثم ناولها إياه وقال خذيه
فل بأس عليه قال أسامة فلما قضي رسول الله حجته انصرف
حتى إذا نزل بطن الروحاء أتته تلك المرأة بشاة قد شوتها
فقالت :يا رسول الله أنا أم الصبي الذي لقيتك به في مبتدئك
قال وكيف هو قال فقالت والذي بعثك بالحق ما رابنى منه شىء
بعد...
وأخرج أبو نعيم في دلئل النبوة ،قال:
* ثم سرنا فإذا امرأة قد عرضت لرسول الله صلى الله عليه
وسلم فقالت يا رسول الله إن ابني يصاب فأخذه النبي صلى
الله عليه وسلم فتفل في فيه فقال :أخسأ عدو الله أنا محمد ثم
سرنا فلما رجعنا إذا هي تهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وقالت يا رسول الله ما عرض له منذ فارقتنا.
* عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قد جاءت امرأة
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن مقبلون إلى مكة في
عمرة وقالت يا رسول الله إن ابني قد أفسده الشيطان والله ما
يدعه ساعة قال" :ارفعيه إلي" فجعل رأسه بين فخذيه وواسطة
الرحل ثم فتح فمه فبزق فيه وقال :أنا رسول الله فاخرج عدو
الله ودفعه إليها وقال :قد برأ ابنك فجيئينا عليه إذا رجعنا إلى هذا
المنزل إن شاء الله فلما رجع أقبلت إليه بثلثة أكبش يسوقهن
الغلم فقال لها :كيف فعل ابنك؟ قالت :هو هذا يا رسول الله قد
برأ وقد أهدى لك ثلثة أكبش قال :يا بلل خذ منها واحدا واترك
لها اثنين.
* فصل حدثنا أبو رجاء بندار بن محمد أنا أبو أحمد محمد بن علي
المكفوف ثنا أبو بكر عبد الله بن محمد القباب ثنا أبو بكر بن أبي
عاصم ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا محمد بن علي عن أبي
جناب عن عبد الله بن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن
أبي بن كعب رضي الله عنه قال جاء أعرابي إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال إن لي أخا وبه وجع قال( :وما
وجعه)؟ قال :به لمم قال فأتني به فوضعه بين يديه فعوذه
رسول الله صلى الله عليه وسلم بفاتحة الكتاب وأربع آيات من
أول سورة البقرة وهاتين اليتين (وإلهكم إله واحد) وآية الكرسي
وثلث آيات من آخر سورة البقرة وآيه من آل عمران (شهد الله)
وآية من العراف (إن ربكم الله الذي خلق السموات والرض)
وآخر سورة المؤمنين وآيه من سورة الجن (وأنه تعالى جد ربنا)
وعشر آيات من أول الصافات وثلث آيات من آخر سورة الحشر
403
و(قل هو الله أحد) والمعوذتين فقام الرجل كأنه لم يشتك شيئا
قط قال المام رحمه الله قال أهل اللغة اللمم الجنون.
ج في دلو من بئر ،ثم صب فيها ،ففاح منها ريح المسك.. -وم َّ
-وأخذ قبضة من تراب يوم حنين ،ورمى بها في وجوه الكفار،
وقال :شاهت الوجوه ،فانصرفوا يمسحون القذى عن أعينهم.
قلت :رواه مسلم في كتاب الجهاد والسير ،باب في غزوة حنين،
حدثنا زهير بن حرب .حدثنا عمر بن يونس الحنفي .حدثنا
عكرمة بن عمار .حدثني إياس بن سلمة .حدثني أبي .قال :غزونا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا .فلما واجهنا العدو
تقدمت .فأعلو ثنية .فاستقبلني رجل من العدو .فأرميه بسهم.
فتوارى عني .فلما دريت ما صنع .ونظرت إلى القوم فإذا هم قد
طلعوا من ثنية أخرى .فالتقوا هم وصحابة النبي صلى الله عليه
ما.
وسلم .فولى صحابة النبي صلى الله عليه وسلم .وأرجع منهز ً
وعلى بردتان .متزرا بإحداهما .مرتديا بالخرى .فاستطلق إزاري.
فجمعتهما جميعا .ومررت ،على رسول الله صلى الله عليه
ما .وهو على بغلته الشهباء .فقال رسول الله صلى وسلم ،منهز ً
الله عليه وسلم (لقد رأى ابن الكوع فزع ًا) فلما غشوا رسول
الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة ،ثم قبض قبضة من
تراب من الرض .ثم استقبل به وجوههم .فقال( :شاهت الوجوه)
فما خلف الله منهم إنسانًا إل مل عينيه ترابًا ،بتلك القبضة .فولوا
مدبرين .فهزمهم الله عز وجل .وقسم رسول الله صلى الله
عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين...
-وشكا إليه أبو هريرة رضي الله عنه النسيان ،فأمره ببسط
ثوبه ،وغرف بيده فيه ،ثم أمره بضمه ،ففعل ،فما نسي شيئاً
بعد.
أخرجه البخاري كتاب العتصام بالكتاب والسنَّة باب :الحجة على
من قال :إن أحكام النبي كانت ظاهرة ،وما كان يغيب بعضهم
من مشاهد النبي صلى الله عليه وسلم وأمور السلم.
حدثنا علي :حدثنا سفيان :حدثني الُزهري :أنه سمعه من العرج
يقول :أخبرني أبو هريرة قال :إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر
الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،والله الموعد،
إني كنت امرأ مسكيناً ،ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم
على ملء بطني ،وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالسواق،
وكانت النصار يشغلهم القيام على أموالهم ،فشهدت من رسول
الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ،وقال(:من يبسط رداءه
حتى أقضي مقالتي ،ثم يقبضه ،فلن ينسى شيئا ً سمعه مني).
404
ي ،فو الذي بعثه بالحق ،ما نسيت شيئاً فبسطت بردة كانت عل َّ
سمعته منه..
-وما يروى عنه في هذا كثير.
-وضرب صدر جرير بن عبد الله ،ودعا له ،وكان ذكر له أنه ل
يثبت على الخيل ،فصار من أفرس العرب و أثبتهم.
قلت :روى البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب
الحافظ حدثنا محمد بن عبد الوهاب الفرآء أنبأنا يعلى بن عبيد
حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ح ـ وأنبأنا أبو النضر الفقيه حدثنا
عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا عمرو بن عون الواسطي حدثنا
خالد عن إسماعيل عن قيس عن جرير قال ،قال لي رسول الله:
(أل تريحني من ذي الخلصة؟) فقلت :يا رسول الله إني كفل ل
أثبت على الخيل ..قال ،فضرب النبي في صدري ثم قال( :اللهم
ثبته وأجعله هاديا ً مهدياً).
-ومسح على رأس عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وهو صغير،
وكان دميماً ،ودعا له بالبركة ،ففرع الرجال ،طول ً وتماماً
-----------------------
-9 .28القول القوم في معجزات النبي الكرم()9
[اطلعه على الغيبيات]
لفصل الثالث والعشرون:
*حدثنا المام أبو بكر محمد بن الوليد الفهري إجازة ،وقرأته على
غيره :قال أبو بكر :حدثنا أبو علي التستري ،حدثنا أبو عمر
الهاشمي ،حدثنا اللؤلؤي ،حدثنا أبو داود ،حدثنا عثمان بن أبي
شيبة ،حدثنا جرير ،عن العمش ،عن أبي وائل ،عن حذيفة ،قال:
قام فينا رسول الله مقاماً ،فما ترك شيئا ً يكون في مقامه ذلك
إلى قيام الساعة إل حدثه ،حفظه من حفظه ،ونسيه من نسيه،
قد علمه أصحابي هؤلء ،وإنه ليكون منه الشيء فأعرفه فأذكره
كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ،ثم إذا رآه عرفه .ثم
قال حذيفة :ما أدري ،أنسي أصحابي أم تناسوه ،والله ما ترك
405
رسول الله من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه
ثلثمائة فصاعدا ً إل قد سماه لنا باسمه ،واسم أبيه ،وقبيلته.
قلت :رواه البخاري في كتاب القدر.باب{ :وكان أمر الله قدراً
مقدوراً} /الحزاب-./38 :
-وقال أبو ذر :لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما
يحرك طائر جناحيه في السماء ،إل ذكرنا منه علماً.
عن أبي ذر قال تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما
طائر يقلب جناحيه في الهواء إل وهو يذكرنا منه علما قال فقال
صلى الله عليه وسلم فذكره.
406
وبيت المقدس ،واليمن ،والشام ،والعراق ،وظهور المن ،حتى
تظعن المرأة من الحيرة إلى مكة ل تخاف إل الله.
قال :فقال نافع :يا جابر! ل نرى الدجال يخرج حتى تفتح الروم.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه
قال قرئ على عبد الملك بن محمد وأنا أسمع قال حدثنا معاذ بن
فضالة حدثنا هشام بن أبي عبد الله عن يحيى بن أبي كثير عن
هلل بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسارعن أبي سعيد الخدري
قال جلس رسول الله على المنبر ذات يوم فقال( :إن مما
أتخوف عليكم ما يفتح الله عليكم من زهرة الدنيا وزينتها) فقال
رجل يا رسول الله ويأتي الخير بالشر فلم يرد عليه قلنا يا فلن
ك فرأيت أنه ينزل عليه ما شأنك سألت رسول الله فلم يرد علي ِ
الوحي قال فمسح الرحضاء عن ظهره فقال أين السائل كأنه
407
حمده وقال أنه ل يأتي الخير بالشر وأنه مما ينبت الربيع ما يقتل
أو يلم إل آكلة الخضر أكلت حتى إذا امتلت خاصرتها استقبلت
مطلع الشمس فثلطت وبالت ورتعت وإن هذا المال حلو خضر
فمن أخذه بحقه بورك له فيه ونعم صاحب المال من أعطى منه
المسكين واليتيم وابن السبيل أو كما قال رسول الله والذي يأخذ
بإشراف نفس كان كالذي يأكل ول يشبع فيكون عليه حسرة يوم
القيامة ورب متخوض في مال الله ومال رسوله له النار يوم
القيامة..
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال( :لتتبعن سنن من قبلكم
شبرا بشبر ،وذراعا بذراع ،حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه).
قلنا :يا رسول الله ،اليهود والنصارى؟ قال( :فمن).
عن عوف بن مالك ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة
وسبعون في النار وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة
408
فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة والذي نفس محمد
بيده لتفترقن أمتي على ثلث وسبعين فرقة فواحدة في الجنة
واثنتان وسبعون في النار.
1ـ حدثنا وهب بن بقية ،عن خالد ،عن محمد بن عمرو ،عن أبي
سلمة ،عن أبي هريرة قال:
قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم" :افترقت اليهود على
ة ،وتفرقت النصارى على إحدى أو إحدى أو ثنتين وسبعين فرق ً
ة".ث وسبعين فرق ً
ة ،وتفترق أمتي على ثل ٍ
ثنتين وسبعين فرق ً
2ـ حدثنا أحمد بن حنبل ،ومحمد بن يحيى قال :ثنا أبو المغيرة ،ثنا
صفوان ،ح وثنا عمرو بن عثمان ،حدثنا بقية قال :حدثني صفوان
نحوه ،قال :حدثني أزهر بن عبد اللّه الحرازي ،عن أبي عامر
الهوزني ،عن معاوية بن أبي سفيان أنه قام فينا فقال :أل إن
ن منرسول اللّه صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال" :أل إ َّ
409
ة ،وإ َّ
ن هذه قبلكم منن أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين مل ً
ث وسبعين :ثنتان وسبعون في النار، الملة ستفترق على ثل ٍ
وواحدة ٌ في الجنة ،وهي الجماعة".
م
زاد ابن يحيى وعمرو في حديثهما" :وإنه سيخرج من أمتي أقوا ٌ
تجارى بهم تلك الهواء كما يتجارى الكلب لصاحبه" وقال عمرو:
"الكلب بصاحبه ،ل يبقى منه عرقٌ ول مفص ٌ
ل إل دخله".
* الحاكم في المستدرك
وعن عبد الله بن عمرو قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم" :ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل
بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمه علنية لكان في أمتي من
يصنع ذلك وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة
وتفترق أمتي على ثلث وسبعين ملة كلهم في النار إل ملة
واحدة قالوا ومن هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي.
رواه الترمذي ( .صحيح ).
410
* أحمد في المسند
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو المغيرة قال ثنا صفوان قال
حدثني أزهر بن عبد الله الهوزني قال أبو المغيرة في موضع آخر
الحرازي عن أبي عامر عبد الله بن لحي قال :حججنا مع معاوية
بن أبي سفيان فلما قدمنا مكة قام حين صلى صلة الظهر فقال:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" :إن أهل الكتابين
افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه المة
ستفترق على ثلث وسبعين ملة يعني الهواء كلها في النار إل
واحدة وهي الجماعة وأنه سيخرج في أمتي أقوام تجاري بهم
تلك الهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه ل يبقى منه عرق ول
مفصل إل دخله والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به
نبيكم صلى الله عليه وسلم لغيركم من الناس أحرى أن ل يقوم
به".
مدُح َّ
م َ
شرٍ .حدّثنا ُ ن بِ ْ ح َّ
مد ُ ب ْ ُ م َ
ة .حدّثنا ُ شيْي َ َن أَبِي َ َ
-1حدّثنا أبُو بَكْرِ ب ْ ُ
ل اللهسو ُ ل َر ُل :قَا َ ن أَبِي هَُريَْرةَ؛ قَا َ ة ،ع َ ْ م َسل َ َ
ن أبِي َ
بن ع َمرو ع َ َ
ْ ْ ٍ ْ ُ
ة.ن فِْرقَ ًسبَعْي ِ َ
حدَى وَ َ ت الْيَهُودُع َلَى إ ِ ْصلى الله عليه وسلم(( :تَفََّرقَ ِ
ة)).ن فِْرقَ ُ
سبْعِي َ ث وَ َ متِي ع َلَى ثَل َ ٍ وَتَفْتَرِقُ أ ُ َّ
ي.مص ُّ ح ْن دِينَارٍ ال ْ ِ ن كَثِيرِ ب ْ ِ سعِيد ِ ب ْ ِن َ ن بْ ِما َ ن ع ُث ْ َ مُرو ب ْ ُ -2حدّثنا ع َ ْ
ن
شد ِ ب ْ ِ ن َرا ِ مرٍو ع َ ْ ن عَ ْ ن بْ ُ ْوا ُصف َف .حدّثنا َ س َ ن يُو ُ حدّثنا ع َبَّاد ُ ب ْ ُ
ل الله صلى الله عليه سو ُ ل َر ُ ل :قَا َ ك؛ قَا َ مال ِ ٍ ن َ ف بْ ِ ن ع َوْ ِ سعْدٍ ،ع َ ْ َ
حدَة ٌ فِي ة .فَوَا ِ ن فِْرقَ ً سبَعْي ِ َحدَى وَ َ َ
ت اليُهُود ُ ع َلى إ ِ ْ ْ وسلم((:افْتََرقَ ِ
نسبْعِي َ ن وَ َ صاَرى ع َلَى ثِنْتَيْي ت الن َّ َ ن فِي النَّارِ ,وَافْتََرقَ ِ سبْعُو َ جنَّة .وَ َ ال ْ َ
َِّ
جنَّةِ .وَالذِي نَفْ ُ
س حدَة ٌ فِي ال ْ َ ن فِي النَّارِ ،وَوَا ِ سبْعُو َ حدَى وَ َ ة .فَإ ِ ْ فِْرقَ ً
ُ
حدَة ٌ فِي ة .وَا ِ ن فِْرقَ ُ سبْعِي َ ث وَ َ متِي ع َلَى ثَل َ ٍ ن أ َّ مد ٍ بِيَدِه! لَتَفْتَرِقَ َّ ح َّ م َ ُ
م؟ قَالَ: ن هُ ْ م ْ ل اللهِ! َ سو َ ل :يَا َر ُ َ
ن فِي الن ّارِ)).قِي َ سبْعُو َ جن ّةِ وَ ََ ال َ ْ
ة)). ماع ُ ج َ((ال ْ َ
في الزوائد :إسناده حديث عوف بن مالك فيه مقال .وراشد بن
سعد ،قال فيه أبو حاتم :صدوق .وعباد ابن يوسف لم يخرج له
ل ابنأحد سوى ابن ماجة .وليس له عنده سوى هذا الحدي .قَا َ
411
عديّ :روى أحاديث تفرد بها .وذكر ابن حبان في الثقات .وباقي
رجال السناد ثقات.
َ
مرٍو،
سلِمٍ .حدّثنا أبُو ع َ ْ م ْن ُ مارٍ .حدّثنا الْوَلِيد ُ ب ْ ُ ن ع َ َّم بْ ُشا ُ -3حدّثنا ه ِ َ
ل الله صلى الله سو َ ل َر ُ ل :قَا َ ك؛ قَا َ مال ِ ِن َ س اب ْ ِ ن أن َ ِحدّثنا قَتَادّة ُ ع َ ْ
ن
سبَعْي ِ َ حدَى وَ َ ت ع َلَى إ ِ ْ ل افْتََرقَ ِ سَرائِي َ ن بَنِي إ ِ ْ عليه وسلم(( :إ َّ
ُ ُّ َ ن أ ُ َّ
ة .وإ ِ َّ
ة .كلهَا فِي ن فِْرقَ ً سبْعِي َ
ن وَ َ ستَفْتَرقُ ع َلى ثِنْتَي ْ ِ متِي َ فِْرقَ ً
َ
ة)) .في الزوائد :إسناده صحيح. ماع َ ُج َحدَةً .وَهَي ال ْ َ النَّارِ ،إل ّ وَا ِ
رجاله ثقات.
عن أنس بن مالك قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"تفترق أمتي على ثلث وسبعين فرقة كلهن في النار إل واحدة"،
قالوا :وما تلك الفرقة؟ قال" :ما أنا عليه" رواه الطبراني في
الصغير وفيه عبد الله بن سفيان قال العقيلي :ل يتابع على حديثه
هذا وقد ذكره ابن حبان في الثقات -وأنها ستكون لهم أنماط،
قال وأخبرنا سليمان حدثنا ابن حنبل يعني عبد الله بن أحمد قال
حدثنا أبي قال حدثنا ابن مهران حدثنا سفيان فذكره بإسناده
ومعناه إل أنه قال أنى تكون لي أنماط.
412
قلت :روى الترمذي في السنن قال:
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال نظر رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى الجوع في وجوه أصحابه فقال:
"أبشروا فإنه سيأتي عليكم زمان يغدى على أحدكم بالقصعة من
الثريد ويراح عليه بمثلها" قالوا يا رسول الله نحن يومئذ خير
قال" :بل أنتم اليوم خير منكم يومئذ" رواه البزار بإسناد جيد.
أخبرنا أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو بكر القطان حدثنا أحمد بن
يوسف حدثنا محمد بن يوسف قال ذكر سفيان عن يحيى بن
سعيد عن أبي موسى يحنس قال :قال رسول الله" :إذا مشت
أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم سلك بعضهم على
بعض"...
413
وأخبرنا أبو الحسن المقري أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق
حدثنا يوسف بن يعقوب حدثنا أبو الربيع حدثنا زيد بن الحباب
حدثنا موسى بن عبيده حدثنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن
النبي بمثله والله تعالى أعلم الصواب.
*حدثنا عمرو الناقد وابن أبي عمر (واللفظ لبن أبي عمر) .قال:
حدثنا سفيان عن الزهري ،عن سعيد بن المسيب ،عن أبي
هريرة ،قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم":قد مات
كسرى فل كسرى بعده .وإذا هلك قيصر فل قيصر بعده .والذي
نفسي بيده! لتنفقن كنوزهما في سبيل الله".
414
البخاري في كتاب العلم .باب :كيف يقبض العلم.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم :انظر ما كان من
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه ،فإني خفت
دروس العلم وذهاب العلماء ،ول تقبل إل حديث النبي صلى الله
عليه وسلم ،ولتفشوا العلم ،ولتجلسوا حتى يعلم من ل يعلم،
فإن العلم ل يهلك حتى يكون سًرا.
حدثنا العلء بن عبد الجبار قال :حدثنا عبد العزيز بن مسلم ،عن
عبد الله بن دينار :بذلك ،يعني حديث عمر بن عبد العزيز ،إلى
قوله :ذهاب العلماء.
قال الفربري :حدثنا عباس قال :حدثنا قتيبة :حدثنا جرير ،عن
هشام نحوه.
ومسلم في كتاب العلم باب رفع العلم وقبضه ،وظهور الجهل
والفتن ،في آخر الزمان.
415
وأبي موسى .فقال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :إن
ما .يرفع فيها العلم ،وينزل فيها الجهل ،ويكثر
بين يدي الساعة أيا ً
فيها الهرج .والهرج القتل".
*حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة .حدثنا عبد العلى عن معمر ،عن
الزهري ،عن سعيد ،عن أبي هريرة ،عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال" :يتقارب الزمان ،وينقص العلم" ثم ذكر مثل
حديثهما.
416
حدثنا حرملة بن يحيى التجيبي .أخبرنا عبد الله بن وهب .حدثني
أبو شريح؛ أن أبا السود حدثه عن عروة بن الزبير .قال :قالت
لي عائشة :يا ابن أختي! بلغني أن عبد الله بن عمرو مار بنا إلى
الحج .فالقه فسائله .فإنه قد حمل عن النبي صلى الله عليه
وسلم علما كثيًرا .قال فلقيته فساءلته عن أشياء يذكرها عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم .قال عروة :فكان فيما ذكر؛ أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال" :إن الله ل ينتزع العلم من
الناس انتزاع ًا .ولكن يقبض العلماء فيرفع العلم معهم .ويبقى في
سا جهالً .يفتونهم بغير علم .فيضلون ويضلون". الناس رؤ ً
قال عروة :فلما حدثت عائشة بذلك ،أعظمت ذلك وأنكرته.
قالت :أحدثك أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟
قال عروة :حتى إذا كان قابل ،قالت له :إن ابن عمرو قد قدم.
فالقه .ثم فاتحه حتى تسأله عن الحديث الذي ذكره لك في
العلم .قال فلقيته فساءلته .فذكره لي نحو ما حدثني به ،في
مرته الولى .قال عروة :فلما أخبرتها بذلك .قالت :ما أحسبه إل
قد صدق .أراه لم يزد فيه شيئا ولم ينقص.
حدثنا يحيى بن بكير :حدثنا الليث ،عن عقيل ،عن ابن شهاب ،عن
عروة بن الزبير :أن زينب بنت أبي سلمة حدثته ،عن أم حبيبة
بنت أبي سفيان ،عن زينب بنت جحش رضي الله عنهن:أن النبي
صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزع ًا يقول( :ل إله إل الله ،ويل
للعرب من شر اقترب ،فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل
هذه) .وحلق بإصبعه البهام والتي تليها ،قالت زينب بنت جحش:
فقلت :يا رسول الله ،أنهلك وفينا الصالحون؟ قال( :نعم ،إذا كثر
الخبث).
417
جحش؛أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ من نومه وهو
يقول" :ل إله إل الله .ويل للعرب من شر قد اقترب .فتح اليوم
من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه" وعقد سفيان بيده عشرة.
قلت :يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال" :نعم .إذا كثر
الخبث".
418
أو قال من بين أقطارها -حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ،ويسبي
بعضهم بعضا".
حدثنا هشام بن عمار ثنا محمد بن شعيب بن شابور ثنا سعيد بن
بشير عن قتادة أنه حدثهم عن أبي قلبة الجرمي عبد الله بن زيد
عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" :زويت لي
الرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها وأعطيت الكنزين الصفر أو
الحمر والبيض يعني الذهب والفضة وقيل لي إن ملكك إلى
حيث زوي لك وإني سألت الله عز وجل ثلثا أن ل يسلط على
أمتي جوعا فيهلكهم به عامة وأن ل يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم
بأس بعض وإنه قيل لي إذا قضيت قضاء فل مرد له وإني لن
أسلط على أمتك جوعا فيهلكهم فيه ولن أجمع عليهم من بين
أقطارها حتى يفني بعضهم بعضا ويقتل بعضهم بعضا وإذا وضع
السيف في أمتي فلن يرفع عنهم إلى يوم القيامة وإن مما
أتخوف على أمتي أئمة مضلين وستعبد قبائل من أمتي الوثان
وستلحق قبائل من أمتي بالمشركين وإن بين يدي الساعة
دجالين كذابين قريبا من ثلثين كلهم يزعم أنه نبي ولن تزال
طائفة من أمتي على الحق منصورين ل يضرهم من خالفهم حتى
يأتي أمر الله عز وجل" قال أبو الحسن لما فرغ أبو عبد الله من
هذا الحديث قال ما أهوله ...قال الشيخ اللباني :صحيح.
-وقوله :ل يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم
الساعة ـ ذهب ابن المديني إلى أنهم العرب ،لنهم المختصون
بالسقي بالغرب ـ وهي الدلو .و غيره يذهب إلى أنهم أهل
المغرب ،و قد ورد الغرب كذا في الحديث بمعناه.
قلت :رواه مسلم في كتاب المارة ،باب قوله صلى الله عليه
وسلم( :ل تزال ظائفة من أمتي ظاهرين على الحق ل يضرهم
من خالفهم).
419
وأخرجه اللباني في السلسلة الصحيحة ،قال( :ل يزال أهل
الغرب ظاهرين حتى تقوم الساعة) ( .صحيح ) .قال أبو نعيم
حديث ثابت مشهور ( .المراد بأهل الغرب في هذا الحديث أهل
الشام ).
وفي حديث آخر ،من رواية أبي أمامة( :ل تزال طائفة من أمتي
ظاهرين على الحق ،قاهرين لعدوهم ،حتى يأتيهم أمر الله وهم
كذلك .قيل :يا رسول الله ،وأين هم ،قال :بيت المقدس).
* وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة .حدثنا وكيع .ح وحدثنا ابن نمير.
حدثنا وكيع وعبدة .كلهما عن إسماعيل بن أبي خالد .ح وحدثنا
ابن أبي عمر (واللفظ له) .حدثنا مروان (يعني الفزاري) عن
إسماعيل ،عن قيس ،عن المغيرة .قال :سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول( :لن يزال قوم من أمتي ظاهرين
على الناس ،حتى يأتيهم أمر الله ،وهم ظاهرون).
420
* حدثنا منصور بن أبي مزاحم .حدثنا يحيى بن حمزة عن عبد
الرحمن بن يزيد بن جابر؛ أن عمير بن هانئ حدثه .قال :سمعت
معاوية على المنبر يقول :سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول( :ل تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله ،ل يضرهم
من خذلهم أو خالفهم ،حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على
الناس).
* حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب .حدثنا عمي عبد الله بن
وهب .حدثنا عمرو بن الحارث .حدثني يزيد أبي حبيب .حدثني
عبد الرحمن بن شماسة المهري .قال :كنت عند مسلمة بن
مخلد ،وعنده عبد الله بن عمرو بن العاص .فقال عبد الله :ل
تقوم الساعة إل على شرار الخلق .هم شر من أهل الجاهلية .ل
يدعون الله بشيء إل رده عليهم.
421
-وأخبر بملك بني أمية ،وولية معاوية ،ووصاه ،واتخاذ بني أمية
مال الله دُول ،وخروج ولد العباس بالرايات السود ،وملكهم
أضعاف ما ملكوا ،وخروج المهدي.
ي.
جا َء في المهد ِ ّ
ما َ
ب َ
وقفة مع المام الترمذي وما روى في بَا ُ
ي أخبرنا أبي أخبرنا مد ٍ القرش ُّح َّ
م َ
ن ُ طب ُ ن أسبا َحدَّثَنَا ع ُبيد ُ ب َُ -
سفيا ُ َ
ة عن زِّرٍ عن عبد ِ اللهِ قال- :
ن بَهدل َ ن الث ّوريُّ َ عن عاصم ِ ب ِ ُ
ب الدُّنيا حتَّى يمل ِ َ
ك ل الل ّه صلى الله عليه وسلم( :ل تَذه ُ سو ُ ل َر ُ قَا َ
ه اسمي). ئ اسم ُل بيتي يُواط ُ ل من أه ِ ب رج ٌ العر َ
ة وأبي هَُريَرةَ .هذا سل َ َ
م َ مِ َ
ي وأبي سعيد ٍ وأ ّ
ب عن ع َل ٍ ّ وفي البا ِ
ح.
ن صحي ٌ حس ٌ
َ
ة عنن ع ُيين َ
نب ُ ن العلءِ العط ّاُر أخبرنا ُ
سفيا ُ حدَّثَنَا عبد ُ الجبَّارِ ب ُ
َ -
ي صلى الله عليه وسلم قال: عاصم ٍ عن زِّرٍ عن عبد ِ اللهِ عن النَّب ّ
ه اسمي).ئ اسم ُ ل بيتي يُواط ُ ل من أه ِ (يَلي رج ٌ
م يبقَ من
م أخبرنا أبو صالٍح عن أبي هَُريَرة َ قال لو ل ْ قال عاص ٌ
ي. َ
م حت ّى بَل ِ َ ه ذل َ
ك اليو َ الدُّنيا إل َّ يوما لطوَّ َ
ل الل ُ ً
ح.
حي ٌ
ص ِ
ن َ
س ٌ
ح َ
ث َ
حدِي ٌ
هذا َ
ة قال
شعب ُ ن جعفرٍ أخبرنا ُ ح َّ حدَّثَنَا ُ مد ُ بن ب َّح َّ حدَّثَنَا ُ
مد ُ ب ُ م َ شارٍ َ ُ م َ َ -
ث عن ق النَّاجي يُحدِّ ُ
صدِّي ِ
ت أبا ال ِّ ي قال سمع ُ ت زيدا ً العم َّ سمع ُ
ي قال: خدر ِ ّ
أبي سعيد ٍ ال ُ
ي الله صلى الله عليه ث فسأَلنَا نَب َّ ن بعد َ نَبي ِّنا حد ٌ ن يكو َ خشينا أ ْ َ (-
ش خمسا ً أو سبعا ً أو ُ
ن في أ َّ وسلم فقال :إ َّ
ج يعي ُ يّ يَخُر ُ
متي المهد ِ
ك قال (سنيَن قال فَيجيءُ ك -قال قُلنا وما ذا َ ُ شا ّ تسعا ً -زيد ال َّ
ه في
حثي ل ُ ل يا مهديُّ أعطني أعطني قال فَي َ ْ ل فيقو ُ إليهِ الَّرج ُ
ه). مل ُن يَح ِ ثوبِهِ ما استطاع َ أ ْ
ن.
ث حس ٌ
هذا حدي ٌ
ي صلى الله عليه وقد ُروِيَ من غيرِ وجهٍ عن أبي سعيد ٍ عن النَّب ّ
ن ن عمرو ويقا ُ
ل بكُر ب ُ ه بكُر ب ُ ق النَّاج ُّ
ي اسم ُ دّي ِ
ص ِ
وسلم وأبو ال ِّ
س.
قي ٍ
422
-وما ينال أهل بيته وتقتيلهم وتشريدهم ،وقتل علي ،وأن أشقاها
الذي يخضب هذه من هذه ،أي لحيته من رأسه ،وأنه قسيم النار،
يدخل أولياؤه النار ،فكان فيمن عاداه الخوارج والناصبة ،وطائفة
ممن ينسب إليه من الروافض كفروه.
أخباره صلى الله عليه وسلم بمقتل علي بن أبي طالب فكان
كما أخبر.
...قال المام أحمد ثنا علي بن بحر ثنا عيسى بن يونس ثنا محمد
بن إسحاق حدثني زيد بن محمد بن خيثم المحاربي عن محمد بن
كعب بن خيثم عن عمار بن ياسر قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لعلي حين ولى غزوة العثيرة :يا أبا تراب -لما يرى
عليه من التراب -أل أحدثك بأشقى الناس رجلين قلنا بلى يا
رسول الله قال :أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك يا
علي على هذه يعني قرنه حتى يبل هذه يعني لحيته.
423
وسلم أن المة ستغدر بك بعدي ثم ساقه من طريق قطر بن
خليفة وعبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة بن
يزيد الحمامي قال سمعت عليا يقول :إنه لعهد النبي المي إلي
إن المة ستغدر بك بعدي ..قال البخاري ثعلبة هذا فيه نظر ول
يتابع على حديثه هذا.
-وقال :يقتل عثمان وهو يقرأ في المصحف وأن الله عسى أن
يلبسه قميصاً،وأنهم يريدون خلعه،وأنه سيقطر دمه على قوله
م الل ّ ُ
ه)(البقرة .) 137 سيَكْفِيكَهُ ُ
ق فَ َ
شقَا ٍ
تعالى( :فِي ِ
قال ابن كثير في البداية والنهاية
* صفة قتل عثمان رضي الله عنه
424
الله ،وأما أن اقتص لهم من نفسي فو الله لئن قتلتموني ل
تحابون بعدي ،ول تصلون بعدي جميعًا ،ول تقاتلون بعدي جميعًا
عدوًا أبدًا ...قال :وجاء رويجل كأنه ذئب فاطلع من باب ورجع
وجاء محمد بن أبي بكر في ثلثة عشر رجًل فأخذ بلحيته فعال بها
حتى سمعت وقع أضراسه ..فقال :ما أغنى عنك معاوية ،وما
أغنى عنك ابن عامر ،وما أغنت عنك كتبك ..قال :اسل لحيتي يا
ابن أخي .قال:فأنا رأيته استعدي رجل ً من القوم بعينه يعني أشار
إليه فقام إليه بمشقص فوجى به رأسه ..قلت :ثم مه؟ قال ثم
تعاوروا عليه حتى قتلوه..
وروى الحافظ ابن عساكر أن عثمان لما عزم على أهل الدار في
النصراف ولم يبق عنده سوى أهله تسوروا عليه الدار وأحرقوا
الباب ودخلوا عليه وليس فيهم أحد من الصحابة ول أبنائهم إل
محمد بن أبي بكر وسبقه بعضهم فضربوه حتى غشى عليه
وصاح النسوة فانزعروا وخرجوا ودخل محمد بن أبي بكر وهو
يظن أنه قد قتل فلما رآه قد أفاق قال:على أي دين أنت يا
نعثل؟ قال :على دين السلم ،ولست بنعثل ولكني أمير
المؤمنين ..فقال :غيرت كتاب الله .فقال :كتاب الله بيني
وبينكم .فتقدم إليه وأخذ بلحيته وقال :إنا ل يقبل منا يوم القيامة
أن نقول ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل وشطحه
425
بيده من البيت إلى باب الدار وهو يقول :يا ابن أخي ما كان أبوك
ليأخذ بلحيتي ...وجاء رجل من كندة من أهل مصر يلقب حمارا
ويكنى بأبي رومان وقال قتادة أسمه رومان وقال غيره كان
أزرق أشقر وقيل كان أسمه سودان بن رومان المرادي وعن ابن
عمر قال كان اسم الذي قتل عثمان أسود بن حمران ضربه
بحربة وبيده السيف صلتا قال ثم جاء فضربه به في صدره حتى
أقعصه ثم وضع ذباب السيف في بطنه واتكى عليه وتحامل حتى
قتله ...وقامت نائلة دونه فقطع السيف أصابعها رضي الله
عنها.ويروى أن محمد بن أبي بكر طعنه بمشاقص في أذنه حتى
دخلت حلقه والصحيح أن الذي فعل ذلك غيره وأنه استحى ورجع
حين قال له عثمان :لقد أخذت بلحية كان أبوك يكرمها ..فتذمم
من ذلك وغطى وجهه ورجع وحاجز دونه فلم يفد (وكان أمر الله
قدرا مقدوًرا) (وكان ذلك في الكتاب مسطوًرا)…
426
-Jوأن الفتن ل تظهر ما دام عمر حياً .وبمحاربة الزبير لعلي،
وبنباح كلب الحوأب على بعض أزواجه ،وأنه يقتل حولها قتلى
كثير ،وتنجو بعد ما كادت ،فنبحت على عائشة عند خروجها إلى
البصرة...
...وقال المام أحمد حدثنا يحيى بن إسماعيل ثنا قيس قال لما
أقبلت عائشة يعني في مسيرها إلى وقعة الجمل وبلغت مياه
بني عامر ليل ً نبحت الكلب فقالت أي ماء هذا قالوا ماء الحوأب
فقالت ما أظنني إل راجعة فقال بعض من كان معها بل تقدمين
فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم قالت إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال لنا ذات يوم :كيف بإحداكن تنبح عليها
كلب الحوأب.
وقال الحافظ أبو بكر البزار ثنا محمد بن عثمان بن كرامة ثنا
عبيد الله بن موسى عن عصام بن قدامة البجلي عن عكرمة عن
ابن عباس قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ليت
شعري أيتكن صاحبة الجمل الديب تسير حتى تنبحها كلب
الحوأب يقتل عن يمينها وعن يسارها خلق كثير ثم قال ل نعلمه
يروى عن ابن عباس إل بهذا السناد..
427
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار "تقتلك الفئة
الباغية".
428
-2وفي باب :العمل بالخواتيم.
-حدثنا سعيد بن أبي مريم :حدثنا أبو غسان :حدثني أبو حازم،
عن سهل:
429
باب ما روي في إخباره نفرا من أصحابه بأن آخرهم موتا في
النار:
أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد أخبرنا عبد الله بن
جعفر حدثنا يعقوب بن سفيان حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي
حدثنا شعبة عن أبي مسلمة عن أبي نضرة عن أبي هريرة أن
النبي قال لعشرة في بيت من أصحابه آخركم موتًا في النار فيهم
سمرة بن جندب
قال أبو نضرة فكان سمرة آخرهم موتًا رواته ثقات إل أن أبا
نضرة العبدي لم يثبت له عن أبي هريرة سماع فالله أعلم وروي
من وجه آخر موصول عن أبي هريرة.
فقد مات منا ثمانية ولم يبق غيري وغيره فليس شيء أحب إلي
من أن أكون ذقت الموت
وروي من وجه أخر ذكر فيه عبد الله بن عمرو بدل أبي محذورة
والول أصح.
430
أخبرنا أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان
حدثنا أحمد بن يوسف حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر قال سمعت
ابن طاووس وغيره يقولون قال النبي لبي هريرة ولسمرة بن
جندب ولرجل آخر آخركم موتا في النار فمات الرجل قبلهم
وبقي أبو هريرة بالمدينة فكان إذا أراد الرجل أن يغيط أبا هريرة
يقول مات سمرة بن جندب يعني فإذا سمعه غشي عليه وصعق
ومات أبو هريرة قبل سمرة فقتل سمرة بشًرا كثيًرا.
قلت بهذا وبصحبة رسول الله نرجو له بعد تحقيق قول رسول
الله.
431
عن الغسل .قال أبو سعيد رضي الله عنه :ووجدنا رأسه يقطر
ماء .
قلت :قال ابن إسحاق وقد كان حنظلة بن أبي عمر التقي هو
وأبو سفيان بن حرب فلما استعله حنظلة رآه شداد بن السود
وكان يقال له ابن شعوب قد عل أبا سفيان فضربه شداد فقتله.
ف كذَّا ٌ
ب ومبيٌر. جاءَ في ثَقي ٍ
ما َ
ب َ
نبا ُ
ب الفت ِ
أبوا ُ
ك عن ن موسى عن َ
شري ٍ لب ُ جرٍ أخبرنا الفض ُ ح ْ
ن ُيب ُحدَّثَنَا ع َل ُّ
َ -
ُ َّ ن عمر قال - :قَا َ
سول الله صلىل َر ُ ن ع ُصم ٍ عن اب ِ عبد ِ اللهِ ب ِ
ف كذَّا ٌ
ب مبيٌر). الله عليه وسلم (في ثقي ٍ
ت أبي بكرٍ.
ب عن أسماءَ بن ِ
وفي البا ِ
ثحدِي ٌ ك نحو هذا َ شري ٌ ن واقد ٍ أخبرنا َنب ُ ِ حدَّثَنَا عبد ُ الَّرح َ
م َ -
َ
ك.
شري ٍ ث َ ه إل ّ من حدي ِ ن عمر ل نعرف ُ ث اب ِب من حدي ِ ن غَرِي ٌ س ٌ ح َ
َ
ن
ل عبد ُ اللهِ ب ُ ل يقو ُ ن ع ُصمٍ ،وإسرائي ُ ل :عبد ُ اللهِ ب ُ ك يقو ُ وشري ٌ
ن
جب ُ مبيُر الح َّ
جا ُ ن أبي ع ُبيد ٍ وال ُ
ب المختاُر ب ُ ل الكذَّا ُ ة ويقا ُ م َع ُص َ
فيُوس َ
432
-وأن مسيلمة يعقره الله.
فأخبرنا أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" :بينا أنا
نائم أريت في يدي سوار من ذهب فأهمني شأنهما فأوحي إلي
في المنام أن انفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما كذابين بعدي
فكان أحدهما العنسي صاحب صنعاء والخر مسيلمة صاحب
اليمامة".
قال المام رحمه الله قوله ولن نعدوا أمر الله فيك أي لن نتجاوز
وقوله ليعقرنك الله أي ليقتلنك الله ويهلكنك تعالى وقوله وإني
لراك الذي رأيت فيك ما رأيت أي رأيت في المنام فيك ما رأيت
يعني ما ذكر من أمر السوارين ونفخهما فأما مسيلمة فقتل في
خلفة أبي بكر رضي الله عنه وكان يدعي النبوة وأما العنسي
فهو السود الكذاب تنبأ أيضا فقتل بعد وفاة النبي صلى الله عليه
وسلم.
433
فضحكت قالت عائشة فقلت لفاطمة ما هذا الذي سارك به
رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكيت ثم سارك فضحكت قال
سارني فأخبرني بموته فبكيت لذلك ثم سارني فأخبرني أني أول
من يتبعه من أهله فضحكت...
-وأنذر بالردة ،وبأن الخلفة بعده ثلثون سنة ،ثم تكون ملكاً،
فكانت ذلك بمدة الحسن بن علي.
خلفةِ ،قال:
جا َء في ال ِ
ما َ
ب َ
قلت :روى الترمذي في بَا ُ
ج
حشَر ُ ن أخبرنا َ ن النُّعما ِ
حب ُسري ُ
ن منيٍع أخبرنا ُ حدَّثَنَا أحمد ُ ب ُ
َ -
ة قال - :قَا َ
ل حدَّثَني َ
سفين ُ ن قال َ جمها َ
ن ُعن سعيد ِ ب ِ ة
ن نُبات َب ُ
َ
ن سن َ ً
ة متي ثلثو َة في أ َّ ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم( :الخلف ُ سو َُر ُ
ك).ك بعد َ ذل َم مل ٌ ث ُ َّ
ة ،ثم
ة وخلف ً
ة ،ثم يكون رحم ً -وقال :إن هذا المر بدا نبوة ورحم ً
يكون ملكا ً عضوضاً ،ثم يكون عتوا ً وجبروتا ً وفسادا ً في المة.
أخبرنا أبو بكر بن فورك رحمه الله أخبرنا عبد الله بن جعفر
حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا جرير بن حازم عن
ليث عن عبد الرحمن بن سابط عن أبي ثعلبة الخشني عن أبي
عبيدة بن الجراح ومعاذ ابن جبل عن النبي قال :إن الله بدأ هذه
المة نبوة ورحمة وكائنا خلفة ورحمة وكائنا ملكا عضوضا وكائنا
عزة وجبرية وفسادًا في المة يستحلون الفروج والخمور والحرير
وينصرون على ذلك ويرزقون أبدًا حتى يلقوا الله عز وجل...
434
* حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى .قال :حدثنا عفان بن
مسلم .حدثنا حماد (وهو ابن سلمة) عن سعيد الجريري ،بهذا
السناد ،عن عمر بن الخطاب قال :إني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول" :إن خير التابعين رجل يقال له أويس .وله
والدة .وكان به بياض .فمروه فليستغفر لكم".
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب
حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا هدبة حدثنا مبارك بن فضالة
حدثنا أبو الصفر عن صعصعة بن معاوية وهو عم الحنف أن عمر
435
بن الخطاب قال حدثنا رسول الله" :أنه سيكون في التابعين
رجل من قرن يقال له أويس بن عامر يخرج به وضح فيدعو الله
أن يذهبه عنه فيذهبه فيقول اللهم دع لي في جسدي منه ما أذكر
به نعمك علي فيدع له في جسده ما يذكر به نعمة عليه فمن
أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له فليستغفر"...
حدثنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب
حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا أبو نعيم حدثنا شريك عن
يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال لما كان يوم
صفين نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي فيكم أويس
القرني قالوا نعم فضرب دابته حتى دخل معهم ثم قال سمعت
رسول الله يقول خير التابعين أويس القرني.
*أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو زكريا يحيى بن محمد
العنبري حدثنا محمد بن عبد السلم حدثنا إسحاق بن إبراهيم
أخبرنا عبد الوهاب الثقفي حدثنا خالد الخذاء عن عبد الله بن
شقيق عن عبد الله بن أبي الجدعاء أنه سمع رسول الله يقول:
"يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني نعيم".
قال الثقفي وقال هشام بن حسان كان الحسن يقول إنه أويس
القرني..
436
فليفرش ذراعيه على فخذيه .وليجنأ .وليطبق بين كفيه .فلكأني
أنظر إلى اختلف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فأراهم.
حدثنا خلف بن هشام .حدثنا حماد بن زيد .ح قال وحدثني أبو
الربيع الزهراني وأبو كامل الجحدري .قال :حدثنا حماد عن أبي
عمران الجوني ،عن عبد الله بن الصامت ،عن أبي ذر؛ قال:
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم" :كيف أنت إذا كانت
عليك أمراء يؤخرون الصلة عن وقتها ،أو يميتون الصلة عن
وقتها؟" قال قلت :فما تأمرني؟ قال" :صل الصلة لوقتها .فإن
أدركتها معهم فصل .فإنها لك نافلة" .ولم يذكر خلف :عن وقتها.
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة .حدثنا عبد الله بن إدريس عن
شعبة ،عن أبي عمران ،عن عبد الله بن الصامت ،عن أبي ذر؛
قال :إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع .وإن كان عبدا مجدع
الطراف .وأن أصلي الصلة لوقتها" .فإن أدركت القوم وقد
صلوا كنت قد أحرزت صلتك .وإل كانت لك نافلة".
437
صنيع ابن زياد .فعض على شفته وضرب فخذي .وقال :إني
سألت أبا ذر كما سألتني .فضرب فخذي كما ضربت فخذك.
وقال :إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني.
فضرب فخذي كما ضربت فخذك وقال" :صل الصلة لوقتها .فإن
أدركتك الصلة معهم فصل .ول تقل :إني قد صليت فل أصلي".
*حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة (قال يحيى :أخبرنا.
وقال أبو بكر :حدثنا) أبو الحوص .ح وحدثنا أبو كامل الجحدري.
حدثنا أبو عوانة .كلهما عن سماك ،عن جابر بن سمرة قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن بين يدي
الساعة كذابين".
وزاد في حديث أبي الحوص :قال فقلت له :آنت سمعت هذا من
رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال :نعم.
438
*حدثني زهير بن حرب وإسحاق بن منصور (قال إسحاق:
أخبرنا .وقال زهير :حدثنا) عبد الرحمن -وهو ابن مهدي -عن
مالك ،عن أبي الزناد ،عن العرج ،عن أبي هريرة ،عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال" :ل تقوم الساعة حتى يبعث دجالون
كذابون قريب من ثلثين .كلهم يزعم أنه رسول الله".
عن ثوبان.عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" :إن الله
زوى لي الرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن ملك أمتي سيبلغ
ما زوي لي منها وإني أعطيت الكنزين الحمر والبيض وإني
سألت ربي لمتي أن ل يهلكوا بسنة عامة ول يسلط عليهم عدوا
من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي عز وجل قال يا
محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه ل يرد وإني أعطيتك لمتك أن ل
أهلكهم بسنة عامة وأن ل أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم
فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها حتى يكون
بعضهم يفني بعضا وإنما أخاف على أمتي الئمة المضلين وإذا
وضع في أمتي السيف لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة ول تقوم
الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين حتى تعبد قبائل
من أمتي الوثان وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلثون كلهم
يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين ل نبي بعدي ول تزال طائفة من
أمتي على الحق ظاهرين ل يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر
الله".
439
-وقال :يوشك أن يكثر فيكم العجم ،يأكلون فيئكم ،ويضربون
رقابكم .ول تقوم الساعة حتى يسوق الناس بعصاه رجل من
قحطان.
* حدثنا عبد العزيز بن عبد الله :حدثني سليمان ،عن ثور ،عن
أبي الغيث ،عن أبي هريرة :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال( :ل تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان ،يسوق
الناس بعصاه).
440
ويسير على سيرة المهدي وأخرج أيضا من طريق عبد الرحمن
بن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده مرفوع ًا "يكون بعد
المهدي القحطاني والذي بعثني بالحق ما هو دونه" وهذا الثاني
مع كونه مرفوع ًا ضعيف السناد والول مع كونه موقوفًا أصلح
إسنادًا منه فإن ثبت ذلك فهو في زمن عيسى بن مريم لما تقدم
أن عيسى عليه السلم إذا نزل يجد المهدي إمام المسلمين وفي
رواية أرطاة بن المنذر أن القحطاني يعيش في الملك عشرين
سنة واستشكل ذلك كيف يكون في زمن عيسى يسوق الناس
بعصاه والمر إنما هو لعيسى ويجاب بجواز أن يقيمه عيسى نائبا
عنه في أمور مهمة عامة وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الفتن إن
شاء الله تعالى.
441
-وقال :خيركم قرني ،ثم الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم .ثم يأتي
بعد كذلك قوم يشهدون ول يستشهدون ،ويخونون ول يؤتمنون،
وينذرون ول يوفون ،ويظهر فيهم السمن.
* -حدثنا آدم :حدثنا شعبة :حدثنا أبو جمرة قال :سمعت زهدم بن
مضرب قال :سمعت عمران بن حصين رضي الله عنهما قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم( :خيركم قرني ،ثم الذين
يلونهم ،ثم الذين يلونهم) .قال عمران :ل أدري ،أذكر النبي صلى
الله عليه وسلم بعد قرنه قرنين أو ثلثة ،قال النبي صلى الله
عليه وسلم( :إن بعدكم قوما يخونون ول يؤتمنون ،ويشهدون ول
يستشهدون ،وينذرون ول يفون ،ويظهر فيهم السمن).
* -حدثنا محمد بن كثير :أخبرنا سفيان ،عن منصور ،عن إبراهيم،
عن عبيدة ،عن عبد الله رضي الله عنه،عن النبي قال( :خير
الناس قرني ،ثم الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم ،ثم يجيء أقوام:
تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته).
* -حدثنا إسحاق :حدثنا النضر :أخبرنا شعبة ،عن أبي جمرة:
سمعت زهدم بن مضرب :سمعت عمران بن حصين رضي الله
عنهما يقول :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( :خير أمتي
قرني ،ثم الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم -قال عمران :فل أدري
أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلثا -ثم إن بعدكم قوما يشهدون ول
يستشهدون ،ويخونون ول يؤتمنون ،وينذرون ول يوفون ،ويظهر
فيهم السمن).
442
قال إبراهيم :وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار.
* -وفي كتاب الرقاق .باب :ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس
فيها.حدثني محمد بن بشار:
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال( :خيركم قرني ،ثم الذين
يلونهم ،ثم الذين يلونهم -قال عمران :فما أدري :قال النبي
صلى الله عليه وسلم بعد قوله مرتين أو ثلثا ً -ثم يكون بعدهم
قوم يشهدون ول يستشهدون ويخونون ول يؤتمنون ،وينذرون ول
من).
س َ
يفون ،ويظهر فيهم ال ِّ
* -حدثنا عبدان ،عن أبي حمزة ،عن العمش ،عن إبراهيم ،عن
عبيدة ،عن عبد الله رضي الله عنه ،عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال( :خير الناس قرني ،ثم الذين يلونهم ،ثم الذين
يلونهم ،ثم يجيء من بعدهم قوم :تسبق شهادتهم أيمانهم،
وأيمانهم شهادتهم).
* -حدثنا مسدد ،عن يحيى ،عن شعبة قال :حدثني أبو جمرة:
حدثنا زهدم بن مضّرِب قال :سمعت عمران بن حصين يحدث،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال( :خيركم قرني ،ثم الذين
يلونهم ،ثم الذين يلونهم -قال عمران :ل أدري :ذكر ثنتين أو ثلثاً
بعد قرنه -ثم يجيء قوم ،ينذرون ول يفون ،ويخونون ول
يؤتمنون ،ويشهدون ول يستشهدون ،ويظهر فيهم السمن).
443
قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه .ويمينه شهادته" لم يذكر هناد
القرن في حديثه .وقال قتيبة "ثم يجئ أقوام".
* -وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار .قال :حدثنا محمد بن
جعفر .حدثنا شعبة .ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار .قال:
حدثنا عبد الرحمن .حدثنا سفيان .كلهما عن منصور .بإسناد أبي
الحوص وجرير .بمعنى حديثهما .وليس في حديثهما :سئل رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
* -حدثنا محمد بن بشار .حدثنا محمد بن جعفر .ح وحدثني أبو
بكر بن نافع .حدثنا غندر عن شعبة .ح وحدثني حجاج بن الشاعر.
حدثنا أبو الوليد .حدثنا أبو عوانة كلهما عن أبي بشر ،بهذا
السناد ،مثله .غير أن في حديث شعبة :قال أبو هريرة :فل أدري
مرتين أو ثلثة.
444
* -حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار.
جميعا عن غندر .قال ابن المثنى :حدثنا محمد بن جعفر .حدثنا
شعبة .سمعت أبا جمرة .حدثني زهدم بن مضرب .سمعت
عمران بن حصين يحدث؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال "إن خيركم قرني .ثم الذين يلونهم .ثم الذين يلونهم .ثم
الذين يلونهم" .قال عمران :فل أدري أقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعد قرنه ،مرتين أو ثلثة" .ثم يكون بعدهم قوم
يشهدون ول يستشهدون .ويخونون ول يتمنون .وينذرون ول
يوفون ويظهر فيهم السمن".
* -حدثني محمد بن حاتم .حدثنا يحيى بن سعيد .ح وحدثنا عبد
الرحمن بن بشر العبدي .حدثنا بهز .ح وحدثني محمد بن رافع.
حدثنا شبابة .كلهم عن شعبة ،بهذا السناد .وفي حديثهم :قال :ل
أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلثة .وفي حديث شبابة قال:
سمعت زهدم بن مضرب ،وجاءني في حاجة على فرس،
فحدثني؛ أنه سمع عمران بن حصين .وفي حديث يحيى وشبابة
"ينذرون ول يفون" .وفي حديث بهز "يوفون" كما قال ابن جعفر.
* -حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وشجاع بن مخلد (واللفظ لبي
بكر) قال :حدثنا حسين (وهو ابن علي الجعفي) عن زائدة ،عن
السدي ،عن عبد الله البهي ،عن عائشة .قالت:
سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم :أي الناس خير؟ قال
"القرن الذي أنا فيه .ثم الثاني .ثم الثالث".
قلت :أخرجه البخاري في كتاب الفتن باب :ل يأتي زمان إل الذي
بعده شر منه.
445
-حدثنا محمد بن يوسف :حدثنا سفيان ،عن الزبير •
بن عدي قال :أتينا أنس بن مالك ،فشكونا إليه ما يلقون من
الحجاج ،فقال :اصبروا ،فإنه ل يأتي عليكم زمان إل والذي بعده
شر منه ،حتى تلقوا ربكم ،سمعته من نبيكم صلى الله عليه
وسلم
ط
جاءَ في أشَرا ِ
ما َ
ب َ
ن بَا ُ
ب الفت ِ
ورواه الترمذي في أبوا ُ •
ال َّ
ساعةِ.
سفيا َ َ مد ُ بن ب َّ
ن الث ّور ِ ّ
ي ن سعيد ٍ عن ُشارٍ أخبرنا يحيى ب ُ ُ ح َّ حدَّثَنَا ُ
م َ َ
ك قال
َّ َّ
ن مال ٍ
سب ِي قال - :دَخلنا على أن ِ ن ع َد ٍ ّ عن الُّزبيرِ ب ِ
ن عام ٍ إل والذي شكونَا إليهِ ما نَلقَى من الح َّ
جاِج فقال (ما م ْ فَ َ
ت هذا من نبيِّكُم صلى الله ه حتَّى تَلقَوا َربَّكُم) .سمع ُ بعده ُ شٌّر من ُ
عليه وسلم.
ح.
حي ٌ
ص ِ
ن َ
س ٌ
ح َ
ث َ
حدِي ٌ
هذا َ
وذكره السيوطي في الجامع الصغير وعزاه إلى أحمد والبخاري
والبيهقي من رواية أنس .ومتنه" :ل يأتي عليكم عام ول يوم إل
والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم".
قلت :رواه البخاري في كتاب الفتن باب :قول النبي صلى الله
عليه وسلم( :هلك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء).
446
وفي كتاب المناقب باب :علمات النبوة في السلم.حدثني
محمد بن عبد الرحيم :حدثنا أبو معمر إسماعيل ابن إبراهيم:
حدثنا أبو أسامة :حدثنا شعبة ،عن أبي التياح ،عن أبي زرعة ،عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم( :يهلك الناس هذا الحي من قريش) .قالوا :فما تأمرنا؟
قال( :لو أن الناس اعتزلوهم).
قال محمود :حدثنا أبو داود :أخبرنا شعبة ،عن أبي التياح :سمعت
أبا زرعة.
-و يُرى رعاء الغنم رؤوس الناس ،و العراة الحفاة يتبارون في
البنيان .وأن تلد المة ربتها.
447
."-1قال :يا رسول الله! متى الساعة؟ قال" :ما المسؤول عنها
بأعلم من السائل .ولكن سأحدثك عن أشرا طها إذا ولدت المة
ربها فذاك من أشراطها .وإذا كانت العراة الحفاة رؤوس الناس
فذاك من أشراطها .وإذا تطاول رعاء البهم في البنيان فذاك من
أشراطها .في خمس ل يعلمهن إل الله" ثم تل صلى الله عليه
وسلم{ :إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في
الرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري بأي أرض
تموت إن الله عليم خبير} -31[ .سورة لقمان ،آية ]34
قال ثم أدبر الرجل .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"ردوا على الرجل" فأخذوا ليردوه فلم يروا شيئا .فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم "هذا جبريل .جاء ليعلم الناس دينهم
قال ثم قام الرجل .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"ردوه على" فالتمس فلم يجدوه .فقال رسول الله :هذا جبريل.
جاء ليعلم الناس دينهم.
وأخرجه أبو داود في سننه ،باب القدر
448
...قال فأخبرني عن الساعة قال :ما المسؤول عنها بأعلم بها من
السائل ،قال :فأخبرني عن إماراتها ،قال :أن تلد المة ربتها ،وأن
ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان .قال
عمر :فلبثت ثلثا ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :يا
عمر ،هل تدري من السائل قلت :الله ورسوله أعلم ،قال :فإنه
جبريل عليه السلم ،أتاكم ليعلمكم أمر دينكم
ومن رواية أبي ذر رضي الله عنه :قال :يا محمد ،أخبرني متى
الساعة؟ قال :فنكس فلم يجبه شيئًا ،ثم أعاد فلم يجبه شيئا ،ثم
أعاد فلم يجبه شيئا ،ورفع رأسه فقال :ما المسئول عنها بأعلم
من السائل ،ولكن لها علمات تعرف بها إذا رأيت الرعاء البهم
يتطاولون في البنيان ورأيت الحفاة العراة ملوك الرض ورأيت
المرأة تلد ربها ،خمس ل يعلمها إل الله {إن الله عنده علم
الساعة } إلى قوله {إن الله عليم خبير} ثم قال :ل ،والذي بعث
محمدا بالحق هاديا وبشيرا ،ما كنت أعلم به من رجل منكم ،وإنه
لجبريل عليه السلم نزل في صورة دحية الكلبي.
-1حدثنا أبو نعيم :حدثنا سفيان ،عن أبي إسحاق ،عن سليمان بن
صرد قال :قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحزاب:
(نغزوهم ول يغزوننا).
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن
يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس عن ابن
إسحاق قال فلما انصرف أهل الخندق عن الخندق قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا" :لن تغزوكم قريش بعد
عامكم هذا ولكنكم تغزوهم فلم تغزوهم قريش بعد ذلك وكان
هو يغزوهم حتى فتح الله عليه مكة"...
449
-أخبر بالموتان الذي يكون بعد فتح بيت المقدس.
* -حدثني عبد العزيز بن عبد الله قال :حدثني سليمان بن بلل،
عن ثور ،عن أبي الغيث ،عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :كنا
جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة
الجمعة{ :وآخرين منهم لما يلحقوا بهم} .قال :قلت :من هم يا
رسول الله؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلثًا ،وفينا سلمان الفارسي،
وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ،ثم قال:
(لو كان اليمان عند الثريا ،لناله رجال ،أو رجل ،من هؤلء).
حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب :حدثنا عبد العزيز :أخبرني ثور،
عن أبي الغيث ،عن أبي هريرة ،عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(لناله رجال من هؤلء).
450
و مسلم في كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم باب
فضل فارس
* حدثنا قتيبة بن سعيد .حدثنا عبد العزيز (يعني ابن محمد) عن
ثور ،عن أبي الغيث ،عن أبي هريرة قال :كنا جلوسا عند النبي
صلى الله عليه وسلم .إذ نزلت عليه سورة الجمعة .فلما قرأ:
{وآخرين منهم لما يلحقوا بهم} قال رجل :من هؤلء؟ يا رسول
الله! فلم يراجعه النبي صلى الله عليه وسلم .حتى سأله مرة أو
مرتين أو ثلثا .قال وفينا سلمان الفارسي .قال فوضع النبي
صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ،ثم قال" :لو كان اليمان
عند الثريا ،لناله رجال من هؤلء".
حدثني أبو كريب ،محمد بن العلء .حدثنا حفص (يعني ابن غياث)
عن العمش ،عن أبي سفيان ،عن جابر؛ أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قدم من سفر .فلما كان قرب المدينة هاجت
ريح شديدة تكاد أن تدفن الراكب .فزعم أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال" :بعثت هذه الريح لموت منافق" فلما قدم
المدينة ،فإذا منافق عظيم ،من المنافقين ،قد مات.
قال أبو هريرة :فذهب القوم ـ يعني ماتوا ،و بقيت أنا ورجل،
فقتل مرتدا ً يوم اليمامة.
451
*حدثني سريج بن يونس .حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن
الحسن بن صالح ،عن هارون بن سعد ،عن أبي حازم ،عن أبي
هريرة ،قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"ضرس
الكافر ،أو ناب الكافر ،مثل أحد .وغلظ جلده مسيرة ثلث".
الترمذي
* باب ما جاء في عظم أهل النار
*حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسن ثنا عبد الرحمن بن عبد الله
بن دينار عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال" :ضرس الكافر مثل أحد وفخذه
مثل البيضاء ومقعده من النار كما بين قديد إلى مكة وكثافة
جلده اثنان وأربعون ذراعا بذراع الجبار".
الحاكم
-1أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا يحيى بن محمد بن
يحيى ثنا مسدد ثنا بشر بن المفضل ثنا عبد الرحمن بن إسحاق
عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه قال:
452
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :ضرس الكافر يوم
القيامة مثل أحد وعرض جلده سبعون ذراعا عضده مثل البيضاء
وفخذه مثل ورقان ومقعده من النار ما بيني وبين الربذة" هذا
حديث صحيح السناد ولم يخرجاه بهذه السياقة إنما اتفقا على
ذكر ضرس الكافر فقط...
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه قال الشيخ
أبو بكر رضى الله تعالى عنه معنى قوله بذراع الجبار أي جبار
من جبابرة الدميين ممن كان في القرون الولى ممن كان
أعظم خلقًا وأطول أعضاء وذراع ًا من الناس.
-3حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر ثنا عبد
الله بن وهب أخبرني عمرو عن الحارث عن أبي هلل عن سعيد
بن أبي سعيد المقبري أنه سمع أبا هريرة رضى الله تعالى عنه
يقول :إن ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد ورأسه مثل البيضاء
وفخذه مثل ورقان وغلظ جلده سبعون ذراع ًا وإن مجلسه في
النار كما بين المدينة والربذة ,قال أبو هريرة وكان يقال بطنه
مثل بطن أضم .هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه لتوقيفه على أبي هريرة رضى الله تعالى عنه...
* السيوطي
...عن ثوبان ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" :ضرس
الكافر مثل أحد وغلظ جلده أربعون ذراعا بذراع الجبار".
453
باب ما جاء في الرجل الذي كان قد غل في سبيل الله عز وجل
وإخبار النبي بذلك
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن
يعقوب قال حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى قال حدثنا مسدد قال
حدثنا يحيى بن سعيد وبشر بن المفضل عن يحيى بن سعيد عن
محمد بن يحيى بن حبان عن أبي عمرة عن زيد بن خالد الجهني
أن رجل من أصحاب النبي توفي يوم خيبر فذكروا لرسول الله
فقال" :صلوا على صاحبكم" فتغيرت وجوه الناس لذلك فزعم
زيد أن رسول الله قال :إن صاحبكم قد غل في سبيل الله
ففتشنا متاعه فوجدنا خرًزا من خرز اليهود ل يساوي درهمين.
باب سبب تسمية غزوة تبوك بالعسرة وما ظهر بدعاء النبي في
بقية الزواد وفي الماء وإخباره عن قول المنافقين في غيبته ثم
بموضع ناقته من آثار النبوة.
...ثم إن رسول الله سار حتى إذا كان ببعض الطريق ضلت
ناقته فخرج بعض أصحابه في طلبها وعند رسول الله عمارة بن
454
حزم النصاري وكان في رحلة زيد وكان منافقا ً فقال زيد ليس
محمد يزعم أنه نبي ويخبركم خبر السماء وهو ل يدري أمر ناقته
فقال رسول الله وعمارة بن حزم عنده" :إن رجل ً قال هذا محمد
يخبركم أنه نبي ويخبركم بأمر السماء وهو ل يدري أين ناقته
وإني والله ما أعلم إل ما علمني الله وقد دلني الله عليها هي في
الوادي قد حبستها الشجرة بزمامها فانطلقوا" فجاءوا بها فرجع
عمارة إلى رحله فحدثهم عما جاء رسول الله من خبر الرجل
فقال رجل ممن كان في رحل عمارة إنما قال زيد والله هذه
المقالة قبل أن تأتي فأقبل عمارة على زيد يجأ في عنقه ويقول
أن في رحلي لداهية وما أدري اخرج عني يا عدو الله فل تصحبني
فقال بعض الناس إن زيدا ً تاب وقال بعض الناس لم يزل مصراً
حتى هلك.
*وقال
باب غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع وما ظهر فيها
من آثار النبوة
455
فاذهب إلى رسول الله فليستغفر لك فزعموا أنه ذهب إلى
رسول الله فاعترف بذنبه واستغفر له رسول الله ..يزعمون أنه
ابن اللصيب وفي رواية عروة بن اللصيت أو ابن اللصيت ولم
يزل زعموا فشل حتى مات…
456
ك وَإِن من َّرب ِّ َ ك ِ ل إِلَي ْ َ ما أُنزِ َ ل بَل ِّغْ َ سو ُ َ
* قال الله تعالى( :يَا أيُّهَا الَّر ُ
َ َ
ه لَ ن الل ّ َ س إ ِ َّن الن ّا ِ
م َ َ ك ِ م َص ُه يَعْ ِ ه وَالل ّ ُ سالَت َ ُ ت رِ َ ما بَل ّغْ َ ل فَ َ م تَفْعَ ْلّ ْ
َ
ن) (المائدة) 67 : م الْكَافِرِي َ يَهْدِي الْقَوْ َ
مدِ َرب ِّ َ
ك ح ْ ح بِ َ سب ِّ ْ
ك بِأع ْيُنِنَا وَ َ ك فَإِن َّ َ حكْم ِ َرب ِّ َ صبِْر ل ِ ُ -وقال تعالى( :وَا ْ
م) (الطور) 48 : ن تَقُو ُ حي َ ِ
َ َّ َ َ
من من دُونِهِ وَ َ ن ِ خوِّفُون َك بِالذِي َ ف ع َبْدَه ُ وَي ُ َ ه بِكَا ٍ س الل ّ ُ (ألَي ْ َ َ
-وقال:
ن هَادٍ) (الزمر.)36 : م ْ ه ِ َ
ما ل ُ ه فَ َ ل الل ُّ ضل ِ ِ
يُ ْ
وقيل :بكاف محمدا ً صلى الله عليه وسلم أعداءه المشركين .و
قيل غير هذا.
ن) (الحجر.) 95 : زئِي َ ستَهْ ِ م ْ ْ
ك ال ُ َ
وقال تعالى( :إِن ّا كَفَيْنَا َ
َ ك أوْ يَقْتُلُو َ َ ن كَفَُروا ْ لِيُثْبِتُو َ َ َ
جو َ
ك خرِ ُ ك أوْ ي ُ ْ ك ال ّذِي َ مكُُر ب ِ وقال( :وَإِذ ْ ي َ ْ
ن) (النفال.) 30 : ماكِرِي َ خيُْر ال ْ َ ه َ ه وَالل ّ ُ مكُُر الل ّ ُ ن وَي َ ْ مكُُرو َ وَي َ ْ
-أخبرنا القاضي الشهيد أبو علي الصدفي بقراءتي عليه ،والفقيه
الحافظ أبو بكر محمد عبد الله المعافري قال :حدثنا أبو الحسن
الصيرفي ،قال :حدثنا أبو يعلى البغدادي ،حدثنا أبو علي السنجي،
حدثنا أبو العباس المروزي ،حدثنا أبو عيسى الحافظ ،حدثنا عبد
بن حميد ،حدثنا مسلم بن إبراهيم ،حدثنا الحارث بن عبيد ،عن
سعيد الجريري ،عن عبد الله بن شفيق ،عن عائشة رضي الله
عنها ،قالت :كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت
س) ـ فأخرج رسول الله صلى م َ َ م َ هذه الية( :وَالل ّ ُ
ن الن ّا ِ ك ِ ص ُه يَعْ ِ
الله عليه وسلم رأسه من القبة ،فقال لهم" :يا أيها الناس،
انصرفوا ،فقد عصمني ربي عز وجل".
قلت :رواه الترمذي في سننه ،قال:
حدثنا عبد بن حميد حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا الحرث بن عبيد
عن سعيد الجريري عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت كان
النبي :صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الية {والله
يعصمك من الناس} فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
رأسه من القبة فقال لهم" :يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني
الله" ..حدثنا نصر بن علي حدثنا مسلم بن إبراهيم بهذا السناد
نحوه؛ قال أبو عيسى هذا حديث غريب وروى بعضهم هذا
الحديث عن الجريري عن عبد الله بن شقيق قال كان النبي
صلى الله عليه وسلم يحرس ولم يذكروا فيه عن عائشة
وقال الشيخ اللباني :حسن ،وأخرجه في السلسلة الصحيحة.
-وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل منزل ً اختار
له أصحابه شجرة يقيل تحتها ،فأتاه أعرابي فاخترط سيفه ثم
قال :من يمنعك مني؟ فقال :الله عز وجل ..فرعدت يد
457
العرابي ،وسقط سيفه ،وضرب برأسه الشجرة حتى سال
دماغه ،فنزلت الية.
قلت:متفق عليه.
-رواه البخاري في كتاب المغازي ،قال:
حدثنا أبو اليمان :حدثنا شعيب ،عن الزهري قال :حدثني سنان
وأبو سلمة :أن جابرا أخبر :أنه غزا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم قبل نجد.
حدثنا إسماعيل قال :حدثني أخي ،عن سليمان ،عن محمد بن
أبي عتيق ،عن ابن شهاب ،عن سنان بن أبي سنان الدؤلي ،عن
جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أخبره :أنه غزا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم قبل نجد ،فلما قفل رسول الله صلى الله
عليه وسلم قفل معه ،فأدركتهم القائلة في واد كثير العصاه،
فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس في
العضاه يستظلون بالشجر ،ونزل رسول الله صلى الله عليه
وسلم تحت سمرة فعلق بها سيفه .قال جابر :فنمنا نومة ،ثم إذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فجئناه ،فإذا عنده
أعرابي جالس ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم( :أن هذا
اخترط سيفي وأنا نائم ،فاستيقظت وهو في يده صلتا ،فقال لي:
من يمنعك مني؟ قلت :الله ،فها هو ذا جالس) .ثم لم يعاقبه
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-و مسلم في كتاب الفضائل
حدثنا عبد بن حميد .أخبرنا عبد الرزاق .أخبرنا معمر عن
الزهري ،عن أبي سلمة ،عن جابر .ح وحدثني أبو عمران ،محمد
بن جعفر بن زياد (واللفظ له) .أخبرنا إبراهيم (يعني ابن سعد)
عن الزهري ،عن سنان بن أبي سنان الدؤلي ،عن جابر بن عبد
الله .قال :غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة قبل
نجد .فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في واد كثير
العضاه .فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة.
فعلق سيفه بغصن من أغصانها .قال :وتفرق الناس في الوادي
يستظلون بالشجر .قال :فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " :إن رجل أتاني وأنا نائم .فأخذ السيف فاستيقظت وهو
قائم على رأسي .فلم أشعر إل والسيف صلتا في يده .فقال لي:
من يمنعك مني؟ قال قلت :الله .ثم قال في الثانية :من يمنعك
مني؟ قال قلت :الله ...قال فشام السيف .فها هو ذا جالس" .ثم
لم يعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم .وحدثني عبد الله
بن عبد الرحمن الدارمي وأبو بكر بن إسحاق .قال :أخبرنا أبو
اليمان .أخبرنا شعيب عن الزهري .حدثني سنان بن أبي سنان
458
الدؤلي وأبو سلمة بن عبد الرحمن؛ أن جابر بن عبد الله
النصاري ،وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،
أخبرهما؛ أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة قبل نجد.
فلما قفل النبي صلى الله عليه وسلم قفل معه .فأدركتهم القائلة
ما .ثم ذكر نحو حديث إبراهيم بن سعد ومعمر. يو ً
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة .حدثنا عفان .حدثنا أبان بن يزيد.
حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة ،عن جابر .قال :أقبلنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم .حتى إذا كنا بذات الرقاع.
بمعنى حديث الزهري .ولم يذكر :ثم لم يعرض له رسول الله
صلى الله عليه وسلم.
-وقد رويت هذه القصة في الصحيح ،وأن غورث بن الحارث
صاحب هذه القصة ،وأن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عنه
فرجع إلى قومه ،وقال :جئتكم من عند خير الناس.
قلت :أخرج البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
باب عصمة الله عز وجل رسوله عما هم به غورث بن الحارث
من قتله وكيفية صلته في الخوف:
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري
ببغداد قال أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار قال حدثنا أحمد بن
منصور الرمادي قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن
الزهري عن أبي سلمة عن جابر أن النبي نزل منزل ً وتفرق
الناس في العضاة يستظلون تحتها وعلق النبي سلحه بشجرة
فجاء أعرابي فاستل السيف ثم أقبل إلى النبي فقال :من يحول
بيني وبينك؟ فقال النبي :الله .من يهزمك مني؟ حتى قالها ثلثًا
والنبي يقول :الله ,قال فشام العرابي السيف وجاء فجلس عند
النبي فدعا النبي أصحابه فأخبرهم خبر العرابي وهو جالس إلى
جنبه لم يعاقبه…
قال وكان قتادة يذكر نحو هذا ويذكر أن قوما من العرب أرادوا
منُواْ َ َ
نآ َ أن يفتكوا بالنبي فأرسلوا هذا العرابي ويتلو (يَا أيُّهَا ال ّذِي َ
م قَوم أَن يبسطُوا ْ إلَيك ُ َ
م
م أيْدِيَهُ ْ ِ ْ ْ َْ ُ م إِذ ْ هَ َّ ْ ٌ ت اللّهِ ع َلَيْك ُ ْ م َ اذ ْكُُروا ْ نِعْ َ
َ فَك َ َّ َ
ن)
منُو َ مؤ ْ ِ ل ال ْ ُ ه وَع َلَى اللّهِ فَلْيَتَوَك ّ ِ
م وَاتَّقُوا ْ الل ّ َ م ع َنك ُ ْف أيْدِيَهُ ْ
(المائدة.) 11 :
رواه البخاري في الصحيح عن محمود
ورواه مسلم عن عبد بن حميد كلهما عن عبد الرزاق دون قول
قتادة
قال البخاري وقال إبان حدثنا يحيى بن أبي كثير فذكر الحديث
الذي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا عبد الله بن محمد
الكعبي قال حدثنا إسماعيل بن قتيبة قال حدثنا أبو بكر بن أبي
459
شيبة قال حدثنا عفان قال حدثنا أبان قال حدثنا يحيى بن أبي
كثير عن أبي سلمة عن جابر قال أقبلنا مع رسول الله حتى إذا
كنا بذات الرقاع قال كنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها
لرسول الله قال فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله
معلق بشجرة فأخذ سيف نبي الله فاخترطه فقال لرسول الله:
أتخافني؟ قال :ل .قال :فمن يمنعك مني؟ قال :الله يمنعني
منك .قال فتهدده أصحاب رسول الله فأغمد السيف وعلقه قال
فنودي بالصلة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة
الخرى ركعتين قال فكانت لرسول الله أربع ركعات وللقوم
ركعتان .رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة.
قال البخاري قال مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر اسم
الرجل غورث بن الحارث وقاتل فيها محارب خصفة.
أخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو العباس محمد بن
أحمد بن محبوب قال حدثنا محمد بن معاذ قال حدثنا أبو النعمان
محمد بن الفضل عارم (ح).
وأخبرنا أبو عمرو الديب قال أخبرنا أبو بكر السماعيلي قال
أخبرنا محمد بن يحيى المروزي قال حدثنا عاصم هو ابن علي
قال حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سليمان بن قيس عن جابر
قال قاتل رسول الله محارب خصفة بنخل فرأوا من المسلمين
غرة فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث حتى قام على
رأس رسول الله بالسيف فقال :من يمنعك مني؟ قال :الله قال
فسقط السيف من يده قال فأخذ رسول الله السيف فقال :من
يمنعك مني؟ قال كن خير آخذ .قال :تشهد أن ل إله إل الله وإني
رسول الله .قال :ل ولكن أعاهدك على أن ل أقاتلك ول أكون مع
قوم يقاتلونك .فخلى سبيله فأتى أصحابه وقال جئتكم من عند
خير الناس ...ثم ذكر صلة الخوف وأنه صلى أربع ركعات لكل
طائفة ركعتين هذا لفظ حديث عاصم ..وفي رواية عارم قال
العرابي أعاهدك أن ل أقاتلك ول أكون مع قوم يقاتلونك قال
فخلى رسول الله يعني عنه فجاء إلى قومه فقال جئتكم من عند
خير الناس..
-وقد حكيت مثل هذه الحكاية ،وأنها جرت له يوم بدر ،وقد انفرد
من أصحابه لقضاء حاجته ،فتبعه رجل من المنافقين ...و ذكر
مثله.
-وقد روي أنه وقع له مثلها في غزوة غطفان بذي أمر ،مع رجل
اسمه دعثور بن الحارث ،وأن الرجل أسلم ،فلما رجع إلى قومه
الذين أغروه ـ وكان سيدهم وأشجعهم ـ قالوا له :أين ما كنت
تقول ،وقد أمكنك؟ فقال :إني نظرت إلى رجل أبيض طويل دفع
460
في صدري ،فوقعت لظهري ،وسقط السيف ،فعرفت أنه ملك،
وأسلمت.
قلت :قال البيهقي في دلئل النبوة قال:
قال الواقدي حدثني محمد بن زياد بن أبي هنيدة قال أخبرنا زيد
ابن أبي عتاب قال الواقدي وأخبرنا الضحاك بن عثمان قال
وحدثني عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر عن عبد الله بن أبي
بكر وزاد بعضهم على بعض في الحديث وغيرهم قد حدثني أيضا
قالوا بلغ رسول الله أن جمعا من غطفان من بني ثعلبة بن
محارب بذي أمر قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف
رسول الله معهم رجل منهم يقال له دعثور بن الحارث بن
محارب فندب رسول الله المسلمين فخرج في أربعمائة رجل
وخمسين رجل ً ومعهم أفراس فذكر الحديث في مسيره إلى أن
قال وهربت منه العراب فوق ذرى من الجبال ونزل رسول الله
ذا أمر وعسكر به فأصابهم مطر كثير فذهب رسول الله لحاجته
فأصابه ذلك المطر فبل ثوبه وقد جعل رسول الله وادي ذي أمر
بينه وبين أصحابه ثم نزع ثيابه فنشرها لتجف وألقاها على شجرة
ثم اضطجع تحتها والعراب ينظرون إلى كل ما يفعل رسول الله
فقالت العراب لدعثور وكان سيدها وأشجعها قد أمكنك محمد
وقد انفرد من أصحابه حيث إن غوث بأصحابه لم يغث حتى تقتله
ما ثم أقبل مشتمًل على السيف فاختار سيفا من سيوفهم صار ً
حتى قام على رأس رسول الله بالسيف مشهوًرا فقال :يا محمد
من يمنعك مني اليوم؟ قال :الله عز وجل ,ودفع جبريل في
صدره فوقع السيف من يده فأخذه رسول الله وقام على رأسه
فقال :من يمنعك مني؟ قال :ل أحد وأنا أشهد أن ل إله إل الله
وأن محمدًا رسول الله ل أكثر عليك جمعًا أبدًا .فأعطاه رسول
الله سيفه ثم أدبر ثم أقبل بوجهه ثم قال :والله لنت خير مني,
قال رسول الله :أنا أحق بذلك منك .فأتى قومه فقالوا :أين ما
كنت تقول وقد أمكنك والسيف في يدك؟ قال :قد كان والله ذلك
رأيي ولكن نظرت إلى رجل أبيض طويل فدفع في صدري
فوقعت لظهري فعرفت أنه ملك وشهدت أن محمدًا رسول الله
والله ل أكثر عليه وجعل يدعو قومه إلى السلم ونزلت هذه الية
(يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن
يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم) الية قال وكانت غيبته
إحدى عشرة ليلة واستخلف على المدينة عثمان بن عفان..
كذا قال الواقدي وقد روي في غزوة ذات الرقاع قصة أخرى
في العرابي الذي قام على رأسه بالسيف وقال من يمنعك مني
461
فإن كان الواقدي قد حفظ ما ذكر في هذه الغزوة فكأنهما
قصتان والله أعلم..
َ َ
م إِذ ْ هَ َّ
م ت اللّهِ ع َلَيْك ُ ْ م َ منُوا ْ اذ ْكُُروا ْ نِعْ َ نآ َ وفيه نزلت (يَا أيُّهَا ال ّذِي َ
قَوم أَن يبسطُوا ْ إلَيك ُم أَيديهم فَك َ َّ َ
م وَاتَّقُوا ْ الل ّ َ
ه م ع َنك ُ ْ ف أيْدِيَهُ ْ ِ ْ ْ ْ َُِ ْ َْ ُ ْ ٌ
ْ َ
ن) (المائدة.) 11 : منُو َ مؤ ْ ِل ال ُ وَع َلَى اللهِ فَليَتَوَك ِ
ّ ْ ّ
قلت :قال القرطبي:
قال جماعة :نزلت بسبب فعل العرابي في غزوة ذات الرقاع
حين اخترط سيف النبي صلى الله عليه وسلم وقال :من
يعصمك مني يا محمد؟ ..وفي البخاري :أن النبي صلى الله
عليه وسلم دعا الناس فاجتمعوا وهو جالس عند النبي صلى
الله عليه وسلم ولم يعاقبه .وذكر الواقدي وابن أبي حاتم أنه
أسلم .وذكر قوم أنه ضرب برأسه في ساق شجرة حتى مات.
وفي البخاري في غزوة ذات الرقاع أن اسم الرجل غورث بن
الحارث (بالغين منقوطة مفتوحة وسكون الواو بعدها راء وثاء
مثلثة) وقد ضم بعضهم الغين ،والول صح .وذكر أبو حاتم محمد
بن إدريس الرازي ،وأبو عبد الله محمد بن عمر الواقدي أن
اسمه دعثور بن الحارث ،وذكر أنه أسلم كما تقدم .وذكر محمد
بن إسحاق أن اسمه عمرو بن جحاش وهو أخو بني النضير .وذكر
بعضهم أن قصة عمرو بن جحاش في غير هذه القصة .والله
أعلم .وقال قتادة ومجاهد وغيرهما :نزلت في قوم من اليهود
جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية فهموا بقتله
صلى الله عليه وسلم فعصمه الله منهم .قال القشيري :وقد
تنزل الية في قصة ثم ينزل ذكرها مرة أخرى لدكار ما سبق.
"أن يبسطوا إليكم أيديهم" أي بالسوء" .فكف أيديهم عنكم" أي
منعهم.
-وفي رواية الخطابي أن غورث بن الحارث المحاربي أراد أن
يفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم ،فلم يشعر به إل وهو قائم
على رأسه منتضيا ً سيفه ،فقال :اللهم اكفنيه بما شئت ،فانكب
من وجهه من زلخة زلخها بين كتفيه ونذر سيفه من يده .الزلخة:
وجع الظهر .وقيل في قصته غير هذا ،وذكر فيه نزلت( :يَا أَيُّهَا
سطُواْ م قَو َ َ
م أن يَب ْ ُ م إِذ ْ هَ َّ ْ ٌ ت اللّهِ ع َلَيْك ُ ْ م َ منُوا ْ اذ ْكُُروا ْ نِعْ َ نآ َ َ ال ّذِي
َ إلَيك ُم أَيديهم فَك َ َّ َ
ه وَع َلَى اللّهِ فَلْيَتَوَك ّ ِ
ل م وَاتَّقُوا ْ الل ّ َ م ع َنك ُ ْ ف أيْدِيَهُ ْ ِ ْ ْ ْ َُِ ْ
ن) (المائدة.)11 : منُو َ مؤْ ِ ال ْ ُ
ح
جنَا َ قلت :قال القرطبي عند تفسيره لقول الله تعالى (:وََل ُ
َ َ ع َلَيك ُم إن كَان بك ُ َ
ضعُوا ن تَ َ ضى أ ْ مْر َ م َ مطَرٍ أوْ كُنْت ُ ْ ن ََ م ْ م أذ ًى ِ َ ِ ْ ْ ْ ِ ْ
َ َ
مهِينًا) ن عَذ َابًا ُ ري َ ه أعَد َّ لِلْكَافِ ِ ن الل ّ َ م إ ِ َّ حذَْرك ُ ْ خذ ُوا ِ م وَ ُ حتَك ُ ْ سل ِ َأ ْ
(النساء .)102
462
قيل :نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم يوم بطن نخلة لما
ما مطيًرا انهزم المشركون وغنم المسلمون؛ وذلك أنه كان يو ً
وخرج النبي صلى الله عليه وسلم لقضاء حاجته واضعًا سلحه،
فرآه الكفار منقطعًا عن أصحابه فقصده غورث بن الحارث
فانحدر عليه من الجبل بسيفه ،فقال :من يمنعك مني اليوم؟
فقال( :الله) ثم قال( :اللهم اكفني الغورث بما شئت) .فأهوى
بالسيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه ،فانكب
لوجهه لزلقة زلقها .وذكر الواقدي أن جبريل عليه السلم دفعه
في صدره ،...وسقط السيف من يده فأخذه النبي صلى الله
عليه وسلم وقال( :من يمنعك مني يا غورث )؟ فقال :ل أحد.
فقال( :تشهد لي بالحق وأعطيك سيفك)؟ قال :ل؛ ولكن أشهد
أل أقاتلك بعد هذا ول أعين عليك عدوًا؛ فدفع إليه السيف.
ً
-وقيل :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاف قريشا ،فلما
نزلت هذه الية استلقى ،ثم قال :من شاء فليخذلني.
-وذكر عبد بن حميد ،قال :كانت حمالة الحطب تضع العضاه ـ
وهي جمر ـ على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكأنما يطؤها كثيبا ً أهيل.
َ
بت يَدَا أبِي لَهَ ٍ
-وذكر ابن إسحاق عنها أنها لما بلغها نزول( :تَب َّ ْ
ب) (المسد ،)1 :وذكرها بما ذكرها الله مع زوجها من الذم ـ وَت َ َّ
أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد
ومعه أبو بكر ،وفي يدها فهر من الحجارة .فلما وقفت عليهما لم
تر إل أبا بكر ،وأخذ الله تعالى ببصرها عن نبيه صلى الله عليه
وسلم ،فقالت :يا أبا بكر أين صاحبك؟ فقد بلغني أنه يهجوني،
والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه.
قلت " قال القرطبي عند تفسيره لسورة المسد:
قوله تعالى" :تبت يدا أبي لهب" في الصحيحين وغيرهما (واللفظ
لمسلم) عن ابن عباس قال :لما نزلت "وأنذر عشيرتك القربين"
[الشعراء ]214 :ورهطك منهم المخلصين ،خرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم حتى صعد الصفا ،فهتف :يا صباحاه! فقالوا :من
هذا الذي يهتف؟ قالوا محمد .فاجتمعوا إليه .فقال( :يا بني فلن،
يا بني فلن ،يا بني فلن ،يا بني عبد مناف ،يا بني عبد المطلب)
فاجتمعوا إليه .فقال( :أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيل تخرج بسفح
هذا الجبل أكنتم مصدقي)؟ قالوا :ما جربنا عليك كذبا .قال:
(فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد) .فقال أبو لهب :تبا لك،
أوما جمعتنا إل لهذا؟ ثم قام ،فنزلت هذه السورة" :تبت يدا أبي
لهب وقد تب" كذا قرأ العمش إلى آخر السورة .زاد الحميدي
وغيره :فلما سمعت امرأته ما نزل في زوجها وفيها من القرآن،
463
أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد
عند الكعبة ،ومعه أبو بكر رضي الله عنه ،وفي يدها فهر من
حجارة ،فلما وقفت عليه أخذ الله بصرها عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم ،فل ترى إل أبا بكر .فقالت :يا أبا بكر ،إن
صاحبك قد بلغني أنه يهجوني ،والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر
ما عصينا***وأمره أبينا***ودينه فاه ،والله إني لشاعرة :مذم ً
قلينا ,ثم انصرفت .فقال أبو بكر :يا رسول الله ،أما تراها رأتك؟
قال( :ما رأتني ،لقد أخذ الله بصرها عني) .وكانت قريش إنما
ما؛ يسبونه ،وكان تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم مذم ً
يقول( :أل تعجبون لما صرف الله عني من أذى قريش ،يسبون
ويهجون مذمما وأنا محمد).
وقال البيهقي في دلئل النبوة:
باب قول الله عز وجل (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين
الذين ل يؤمنون بالخرة حجابًا مستوًرا) وما جاء في تحقيق ذلك:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه
قال أخبرنا بشر بن موسى قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان
قال حدثنا الوليد بن كثير عن ابن تدرس عن أسماء بنت أبي بكر
قالت لما نزلت (تبت يدا أبي لهب) أقبلت العوراء أم جميل بنت
ما أبينا ,ودينهحرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول :مذم ً
قلينا ,وأمره عصينا ..والنبي جالس في المسجد ومعه أبو بكر
رضي الله عنه فلما رآها أبو بكر قال :يا رسول الله قد أقبلت
وأنا أخاف أن تراك .قال النبي" :إنها لن تراني" ,وقرأ قرآنًا
فاعتصم به كما قال وقرأ (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين
الذين ل يؤمنون بالخرة حجابًا مستوًرا) فوقفت على أبي بكر
ولم تر رسول الله فقالت :يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك
هجاني ,فقال :ل ورب هذا البيت ما هجاك قال فولت وهي تقول
قد علمت قريش أني ابنة سيدها...
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان قال حدثنا أحمد بن
عبيد الصفار قال حدثنا أبو حصين محمد بن الحسين قال حدثنا
منجاب هو ابن الحارث قال حدثنا ابن مسهر عن سعيد بن كثير
عن أبيه قال حدثني أسماء بنت أبي بكر أن أم جميل دخلت على
أبي بكر وعنده رسول الله فقالت يا ابن أبي قحافة ما شأن
صاحبك ينشد في الشعر فقال والله ما صاحبي بشاعر وما يدري
ما الشعر فقالت :أليس قد قال في جيدها حبل من مسد فما
يدريه ما في جيدي فقال النبي" :قل لها ترين عندي أحدا فإنها
لن تراني" قال جعل بيني وبينها حجاب ,فسألها أبو بكر فقالت:
أتهزأ بي يا ابن أبي قحافة والله ما أرى عندك أحدًا..
464
-وعن الحكم بن أبي العاصي :تواعدنا على النبي صلى الله عليه
وسلم حتى إذا رأيناه سمعنا صوتا ً خلفنا ما ظننا أنه بقي بتهامة
أحد ،فوقعنا مغشيا ً علينا ،فما أفقنا حتى قضى صلته ورجع إلى
أهله.
ثم تواعدنا ليلة أخرى ،فجئنا حتى إذا رأيناه جاءت الصفا
والمروة ،فحالت بيننا وبينه.
-وعن عمر رضي الله عنه :تواعدت أنا وأبو جهم بن حذيفة ليلة
قتْل رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فجئنا منزله ،فسمعنا له،
ة * كَذَّب َ ْ
ت حاقَّ ُ ما ال ْ َك َ ما أَدَْرا َ َ َ ة*و حاقَّ ُ ما ال ْ َ َ حاقَّ ُ
ة* فافتح وقرأ ( :ال ْ َ
َ َ
مود ُ فَأهْلِكُوا بِالط ّاِغيَةِ * وَأ َّ ُ َ
مود ُ وَع َاد ٌ بِالْقَارِعَةِ * فَأ َّ
ما ع َا ٌد ما ث َ ُ ثَ ُ
َ س َّ ُ
ة أي َّ ٍ
ام ل َوث َ َ
مانِي َ َ سبْعَ لَيَا ٍ م َ خَرهَا ع َلَيْهِ ْ صرٍ عَاتِيَةٍ * َ َ صْرَ ريٍح ِ فَأهْلِكُوا ب ِ
خاوِيَةٍ * فَهَ ْ
ل ل َ حسوما ً فَترى الْقَوم فيها صرع َى كَأَنَه َ
خ ٍجاُز ن َ ْ م أع ْ َ ُّ ْ ْ َ ِ َ َ ْ ََ ُ ُ
من بَاقِيَةٍ *(الحاقة.). تََرى لهُم َِّ
ج،وفرا هاربين ،فكانت فضرب أبو جهم على عضد عمر ،وقال :ان ُ
من مقدمات إسلم عمر رضي الله عنه.
-ومنه العبرة المشهورة ،والكفاية التامة عندما أخافته قريش،
وأجمعت على قتله وبيتوه ،فخرج عليهم من بيته ،فقام على
ب على رؤوسهم ،وقد ضرب الله تعالى على أبصارهم ،وذر الترا َ
رؤوسهم ،وخلص منهم.
قلت :روى البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
أخبرنا أبو عبد الرحمن بن محبور الدهان قال أخبرنا الحسين بن
محمد بن هارون قال أخبرنا أحمد بن محمد بن نصر اللباد قال
حدثنا يوسف بن بلل قال حدثنا محمد بن مروان عن الكلبي عن
أبي صالح عن ابن عباس في قوله عز وجل (وجعلنا من بين
أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا) قال كفار قريش سدا غطاء
فأغشيناهم يقول ألبسنا أبصارهم وغشيناهم...
وقال :أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن
يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس عن ابن
إسحاق قال وأقام رسول الله ينتظر أمر الله حتى إذا اجتمعت
قريش فمكرت به وأرادوا به ما أرادوا أتاه جبريل عليه السلم
فأمره أن ل يبيت في مكانه الذي كان يبيت فيه دعا رسول الله
علي بن أبي طالب فأمره أن يبيت على فراشه ويتسجى ببرد له
أخضر ففعل ثم خرج رسول الله على القوم وهم على بابه وخرج
معه بحفنة من تراب فجعل يذرها على رؤوسهم وأخذ الله عز
حكِيم ِ * إِن َّ َ
ك ن ال ْ َ وجل بأبصارهم عن نبيه وهو يقرأ ( يس * وَالْقُْرآ ِ
حيم ِ * ل الْعَزِيزِ الَّر ِ ستَقِيم ٍ * تَنزِي َ م ْ ط ُّ صَرا ٍ ن * ع َلَى ِ سلِي َمْر َ ن ال ْ ُم َ لَ ِ
ل ع َلَى حقَّ الْقَوْ ُ ُ
ن * لَقَد ْ َ م غَافِلُو َ م فَهُ ْ ما أنذَِر آبَاؤُهُ ْ وما ً َّ لِتُنذَِر قَ ْ
465
ي إِلَى أَكْثَرهم فَهم َل يؤ ْمنون * إنَا جعلْنا في أَع ْناقه َ
م أغْلَل ً فَهِ ََ ِ ِ ْ ِّ َ َ َ ِ ُ ِ ُ َ ِ ِ ْ ُ ْ
ْ ً َ ْ ُ َ
مخل ِفهِ ْن َم ْسدّا وَ ِ
م َ ن أيْدِيهِ ْ
من بَي ْ ِجعَلنَا ِن * وَ َ حو َ م ُ
م ْق َ ن فَهُم ّالذْقَا َِ
ن *) وروي عن عكرمة ما يؤكد صُرو َم ل َ يُب ْ ِ م فَهُ ْشيْنَاهُ ْسدّا ً فَأغْ َ َ
هذا...
-وحمايته عن رؤيتهم في الغار بما هيأ الله له من اليات ،ومن
العنكبوت الذي نسج عليه ،حتى قال أمية بن خلف ـ حين قالوا:
تدخل الغار :ما أربكم فيه ،وعليه من نسج العنكبوت ما أرى أنه
قبل أن يولد محمد .ووقفت حمامتان على فم الغار ،فقالت
قريش :لو كان فيه أحد لما كانت هناك الحمام.
قلت :أخرج البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الهاشمي ببغداد
قال حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال حدثنا أحمد بن محمد بن
عيسى البري قال حدثنا مسلم بن إبراهيم ح وأخبرنا أبو بكر
أحمد بن الحسن القاضي وأبو صادق محمد بن أحمد العطار قال
حدثنا أبو العباس الصم قال حدثنا محمد بن علي الوراق قال
حدثنا مسلم قال حدثنا عون بن عمرو القيسي قال :سمعت أبا
مصعب المكي قال أدركت أنس بن مالك وزيد بن أرقم والمغيرة
بن شعبة فسمعتهم يتحدثون أن النبي ليلة الغار أمر الله عز
وجل بشجرة فنبتت في وجه النبي فسترته وأمر الله العنكبوت
فنسجت في وجه النبي فسترته وأمر الله حمامتين وحشيتين
فوقفتا بفم الغار وأقبل فتيان قريش من كل بطن رجل بعصيهم
وهراويهم وسيوفهم حتى إذا كانوا من النبي بقدر أربعين ذراع ًا
فجعل رجل منهم لينظر في الغار فرأى حمامتين بفم الغار فرجع
إلى أصحابه فقالوا له ما لك لم تنظر في الغار فقال رأيت
حمامتين بفم الغار فعلمت أنه ليس فيه أحد فسمع النبي ما قال
فعرف أن الله عز وجل قد درأ عنه بهما فدعاهن النبي فسمت
عليهن وفرض جزاءهن وانحدرن في الحرم..
-وقصته مع سراقة بن مالك بن جعشم حين الهجرة ،وقد جعلت
قريش فيه وفي أبي بكر الجعائل ،فأنذر به ،فركب فرسه واتبعه
حتى إذا قرب منه دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم ،
فساخت قوائم فرسه ،فخر عنها ،واستقسم بالزلم ،فخرج له
ما يكره .ثم ركب ودنا حتى سمع قراءة النبي صلى الله عليه
وسلم ،وهو ل يلفت ،وأبو بكر رضي الله عنه يلتفت فقال للنبي
صلى الله عليه وسلم :أتينا .فقال :ل تحزن إن الله معنا،
فساخت ثانية إلى ركبتها وخر عنها ،فزجرها فنهضت ولقوئمها
مثل الدخان ،فناداهم بالمان ،فكتب له النبي صلى الله عليه
وسلم أماناً ،كتبه ابن فهيرة ،وقيل أبو بكر ،وأخبرهم بالخبار،
466
وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أل يترك أحدا ً يلحق بهم.
فانصرف يقول للناس :كفيتم ما ها هنا .وقيل :بل قال لهما:
أراكما دعوتما علي ،فادعوا لي .فنجا ،ووقَع في نفسه ظهور
النبي صلى الله عليه وسلم
قلت :قال أبو نعيم في دلئل النبوة:
ثم قلت قد نال الرحيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا أحد غير سراقة بن مالك بن
جعشم على فرس له فقلت هذا الطلب قلد لحقنا يا رسول الله
فقال" :ل تحزن إن الله معنا" فلما دنا منا فكان بيننا وبينه قيد
رمحين أو ثلثة قلت هذا الطلب يا رسول الله قد لحقنا وبكيت
قال لم تبكي قلت أما والله ما على نفسي أبكي يا رسول الله
ولكن أبكي عليك فقال رسول الله" :اللهم اكفناه بما شئت"
فساخت فرسه في الرض إلى بطنها فوثب عنها ثم قال يا محمد
قد علمت أن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه فو الله
لعمين على من ورائي من الطلب وهذه كنانتي خذ سهما منها
فإنك ستمر على إبلي وغنمي بمكان كذا وكذا فخذ منها حاجتك
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :ل حاجة لنا في إبلك"...
فانطلق راجعا إلى أصحابه.
قال المام رحمه الله الرحل للناقة بمنزلة السرج للفرس أظهرنا
دخلنا في وقت الظهر وقائم الظهر وقت الزوال أنفض ما حولي
أي أنظر هل أرى أحد اعتقل شاة أي أمسك رجلها وكثبة من لبن
أي كثرة رويت ملت هذا الطلب أي الطالب يقع على الواحد
والجمع فساخت فرسه أي دخل يداها ورجلها في الرض لعمين
لخفين..
وقال ابن كثير في البداية والنهاية:
قال ابن شهاب فأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي وهو ابن
أخي سراقة أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن مالك ابن جعشم
يقول :جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره
فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج إذ أقبل
رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال :يا سراقة إني
رأيت آنفا أسودة بالساحل أراها محمدًا وأصحابه ,قال سراقة:
فعرفت أنهم هم فقلت له :إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلنًا
وفلنًا انطلقوا بأعيننا ثم لبثت في المجلس ساعة ثم قمت
فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي وهي من وراء أكمة
فتحبسها علي وأخذت رمحي فخرجت من ظهر البيت فخططت
بزجه الرض وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها فدفعتها
467
ففرت بي حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها
فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الزلم
فاستقسمت بها أضرهم أم ل فخرج الذي أكره فركبت فرسي
وعصبت الزلم فجعل فرسي يقرب بي حتى إذا سمعت قراءة
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ل يلتفت ,وأبو بكر يكثر
اللتفات ساخت يدا فرسي في الرض حتى بلغتا الركبتين
فخررت عنها فأهويت ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها
فلما استوت قائمة إذا لثر يديها غبار ساطع في السماء مثل
الدخان فاستقسمت الزلم فخرج الذي اكره فناديتهم بالمان
فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت
ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقلت له :إن قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم
أخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم
يرداني ولم يسألني إل أن قال أخف عنا فسألته أن يكتب لي
كتاب أمن فأمر عامر ابن فهيره فكتب لي رقعة من أدم ثم
مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد روى محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبد الرحمن بن
مالك بن جعشم عن أبيه عن عمه سراقة فذكر هذه القصة إل
أنه ذكر أنه استقسم بالزلم أول ما خرج من منزله فخرج
السهم الذي يكره ل يضره وذكر أنه عثر به فرسه أربع مرات
وكل ذلك يستقسم بالزلم ويخرج الذي يكره ل يضره حتى
ناداهم بالمان وسأل أن يكتب له كتابا يكون أمارة ما بينه وبين
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فكتب لي كتابا في عظم
أو رقعة أو خرقة وذكر أنه جاء به إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو بالجعرانة مرجعه من الطائف فقال له يوم وفاء
وبر أدنه فدنوت منه وأسلمت قال ابن هشام هو عبد الرحمن بن
الحارث بن مالك بن جعشم وهذا الذي قاله جيد.
ولما رجع سراقة جعل ل يلقى أحدا من الطلب إل رده وقال
كفيتم هذا الوجه فلما ظهر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد وصل إلى المدينة جعل سراقة يقص على الناس ما رأى وما
شاهد من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما كان من قضية
جواده واشتهر هذا عنه فخاف رؤساء قريش معرته وخشوا أن
يكون ذلك سببًا لسلم كثير منهم وكان سراقة أمير بني مدلج
ورئيسهم فكتب أبو جهل لعنه الله إليهم.
بني مدلج إني أخاف سفيهكم * سراقــة مستغو لنصر محمد
* فيصبح شتى بعد عز وسؤدد عليكم به أل يفرق جمعكـم
قال فقال سراقة بن مالك يجيب أبا جهل في قوله هذا:
468
أبا حكم والله لو كنت شاهدا * لمر جوادي إذ تسوخ قوائمه
عجيب ولم تشكك بأن محمدا * رسول وبرهان فمن ذا
يقاومه
عليك فكف القوم عنه فإنني * أخال لنا يوما ستبدو معالمه
* وإن جميع الناس طرا مسالمه بأمر تود النصر فيه فإنهم
وذكر هذا الشعر الموي في مغازيه بسنده عن أبي إسحاق وقد
رواه أبو نعيم بسنده من طريق زياد عن ابن إسحاق وزاد في
شعر أبي جهل أبياتا تتضمن كفًرا بليغًا
و قال الصفدي في الوافي بالوفيات
سراقة المدلجي الصحابي سراقة بن مالك ،هو الذي يسأل عن
متعة الحج أللبد هي? توفي في حدود الربعين للهجرة .نقلت من
خط الشيخ فتح الدين محمد بن سيد الناس بعدما حدثني به قال:
سراقة بن مالك بن جعشم الكناني يكنى أبو سفيان روى عنه
من الصحابة ابن عباس وجابر ،وروى عنه سعيد بن المسيب
وابنه محمد بن سراقة.
وقيل :مات سراقة سنة أربع وعشرين في خلفة عثمان .وقيل:
مات بعد عثمان .عن أبي عمر رحمه الله تعالى .انتهى .وقال
الشيخ شمس الدين في سنة أربع وعشرين :وفيها توفي سراقة
بن مالك المدلجي الذي ساخت قوائم فرسه .ثم أسلم وحسن
إسلمه .ثم ذكره في من مات في خلفة علي بن أبي طالب
مجملً ،وهي حدود الربعين .قلت :وروى لسراقة البخاري
والربعة...
-وفي خبر آخر :أن راعيا ً عرف خبرهما ،فخرج يشتد ،يعلم
قريشاً ،فلما ورد مكة ضرب على قلبه ،فما يدري ما يصنع،
وأنسي ما خرج له حتى رجع إلى موضعه.
-وجاءه ـ فيما ذكر ابن إسحاق وغيره ـ أبو جهل ،بصخرة وهو
ساجد ،وقريش ينظرون ،ليطرحها عليه ،فلزقت بيده ،وبست
يداه إلى عنقه ،وأقبل يرجع القهقرى إلى خلفه ،ثم سأله أن
يدعو له ،ففعل ,فانطلقت يداه ،وكان قد تواعد مع قريش بذلك،
وحلف لئن رآه ليدمغنه ،فسألوه عن شأنه ،فذكر أنه عرض لي
دونه فحل ،ما رأيت مثله قط ،هم بي أن يأكلني .فقال النبي
صلى الله عليه وسلم :ذاك جبريل ،لو دنا لخذه.
قلت:روى البيهقي في دلئل النبوة:
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن
يعقوب قال :قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن
بكير عن ابن إسحاق قال حدثني شيخ من أهل مصر قديم منذ
بضع وأربعين سنة عن عكرمة عن ابن عباس في قصة طويلة
469
جرت بين مشركي مكة وبين رسول الله فلما قام عنهم رسول
الله قال أبو جهل بن هشام يا معشر قريش إن محمدًا قد أبى إل
ما ترون من عيب ديننا وشتم آبائنا وتسفيه أحلمنا وسب آلهتنا
وإني أعاهد الله لجلسن له غدا بحجر فإذا سجد في صلته
فضحت به رأسه فليصنع بعد ذلك أبو عبد مناف ما بدا لهم
فلما أصبح أبو جهل أخذ حجًرا ثم جلس لرسول الله ينتظر وغدا
رسول الله كما يغدو وكانت قبلته الشام فكان إذا صلى صلى بين
الركنين السود واليماني وجعل الكعبة بينه وبين الشام فقام
رسول الله ثمة يصلي وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم
ينظرون فلما سجد رسول الله احتمل أبو جهل الحجر ثم أقبل
نحوه حتى إذا دنا منه رجع منتها منتقعا لونه مرعوبًا قد يبست
يداه على حجره حتى قذف الحجر من يده وقامت إليه رجال من
قريش فقالوا :مالك يا أبا الحكم فقال قمت إليه لفعل ما قلت
لكم البارحة فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من البل والله
ما رأيت مثل هامته ول قصرته ول أنيابه لفحل قط فهم أن
يأكلني..
-وذكر السمرقندي أن رجل ً من بني المغيرة أتى النبي صلى الله
عليه وسلم ليقتله ،فطمس الله على بصره ،فلم ير النبي صلى
الله عليه وسلم ،وسمع قوله ،فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى
نادوه.
َ
جعَلْنَا فِي أع ْنَاقِهِ ْ
م -وذكر أن في هاتين القصتين ،نزلت ( :إِنَّا َ
َ ي إِلَى الَذْقَا أَغْلَل ً فَه
م
ن أيْدِيهِ ْمن بَي ْ ِجعَلْنَا ِ
ن ( ) 8وَ َ حو َم ُ ن فَهُم ُّ
مقْ َ ِ َ ِ
ن ( – )9يس. صُرو َ م ل َ يُب ْ ِ
م فَهُ ْ سدّا ً فَأَغ ْ َ
شيْنَاهُ ْ م َ خلْفِهِ ْ
ن َ م ْ سدّا ً َو ِ
َ
قلت:ذكره القرطبي في تفسيره " الجامع لحكام القرآن " قال:
"إنا جعلنا في أعناقهم أغلل" .قيل :نزلت في أبي جهل بن هشام
وصاحبيه المخزوميين؛ وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى محمدًا
يصلي ليرضخن رأسه بحجر؛ فلما رآه ذهب فرفع حجًرا ليرميه،
فلما أومأ إليه رجعت يده إلى عنقه ،والتصق الحجر بيده؛ قاله
ابن عباس وعكرمة وغيرهما؛ فهو على هذا تمثيل أي هو بمنزلة
من علت يده إلى عنقه ،فلما عاد إلى أصحابه أخبرهم بما رأى،
فقال الرجل الثاني وهو الوليد بن المغيرة :أنا أرضخ رأسه .فأتاه
وهو يصلي على حالته ليرميه بالحجر فأعمى الله بصره فجعل
يسمع صوته ول يراه ،فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه
فقال :والله ما رأيته ولقد سمعت صوته .فقال الثالث :والله
لشدخن أنا رأسه .ثم أخذ الحجر وانطلق فرجع القهقرى ينكص
على عقبيه حتى خر على قفاه مغشيا عليه .فقيل له :ما شأنك؟
قال شأني عظيم رأيت الرجل فلما دنوت منه ،وإذا فحل يخطر
470
بذنبه ما رأيت فحل قط أعظم منه حال بيني وبينه ،فو اللت
والعزى لو دنوت منه لكلني .فأنزل الله تعالى" :إنا جعلنا في
أعناقهم أغلل ً فهي إلى الذقان فهم مقمحون".
-ومن ذلك ما ذكره ابن إسحاق ،وغيره في قصته ،إذ خرج إلى
بني قريظة ،في أصحابه ،فجلس إلى جدار بعض آطامهم،
فانبعث عمرو بن جحاش أحدهم ليطرح عليه رحى ،فقام النبي
صلى الله عليه وسلم فانصرف إلى المدينة وأعلمهم بقصتهم.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن
يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير
عن ابن إسحاق قال ثم خرج رسول الله إلى بني النضير
يستعينهم في ذينك القتيلين من بني عامر الذين قتلهما عمرو بن
أمية الضمري فيما حدثني يزيد بن رومان وكان بين بني النضير
وبني عامر عقد وحلف فلما أتاهم رسول الله يستعينهم في الدية
قالوا نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت مما استعنت بنا
عليه ثم خل بعضهم ببعض فقالوا إنكم لن تجدوا الرجل على مثل
حاله هذه ورسول الله إلى جانب جدار من بيوتهم قاعد فقالوا
من رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيقتله بها
فيريحنا منه فانتدب لذلك منهم عمرو بن جحاش بن كعب فقال
أنا لذلك فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ورسول الله في نفر
من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم فأتاه
الخبر من السماء بما أراد القوم فقام وقال لصحابه ل تبرحوا
فخرج راجعا إلى المدينة ,فلما استبطأ النبي أصحابه قاموا في
طلبه فلقوا رجًل مقبًل من المدينة فسألوه عنه فقال رأيته داخًل
المدينة فأقبل أصحاب رسول الله حتى انتهوا إليه فأخبرهم الخبر
بما أرادت يهود من الغدر وأمر رسول الله بحربهم والسير إليهم
فسار بالناس حتى نزل بهم...
َ َ
ت الل ّ ِ
ه م َمنُوا ْ اذ ْكُُروا ْ نِعْ َ
نآ َ -وقد قيل :أن قوله تعالى( :يَا أي ُّ َها ال ّذِي َ
َ م فَك َ َّ م قَوم أَن يبسطُوا ْ إلَيك ُ َ
م ع َنك ُ ْ
م ف أيْدِيَهُ ْ م أيْدِيَهُ ْ ِ ْ ْ َْ ُ م إِذ ْ هَ َّ ْ ٌ ع َلَيْك ُ ْ
َ
ن) (المائدة ) 11 :في هذه منُو َ ل ال ْ ُ
مؤ ْ ِ ه وَع َلَى اللّهِ فَلْيَتَوَك ّ ِ
وَاتَّقُوا ْ الل ّ َ
القصة نزلت.
-وحكى السمرقندي أنه خرج إلى بني النضير يستعين في عقل
الكلبيين اللذين قتلهما عمرو بن أمية ،فقال له حيي بن أخطب:
اجلس يا أبا القاسم حتى نطعمك ونعطيك ما سألتنا .فجلس
النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما،
وتوامر حيي معهم على قتله ،فأعلم جبريل عليه السلم النبي
صلى الله عليه وسلم بذلك ،فقام كأنه يريد حاجته حتى دخل
المدينة.
471
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ رحمه الله قال أخبرنا أبو جعفر محمد
بن عبد الله البغدادي قال حدثنا أبو علثة محمد بن عمرو بن
خالد قال أخبرنا أبي قال أخبرنا ابن لهيعة قال حدثنا أبو السود
عن عروة (ح) وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد قال
أخبرنا أبو بكر محمد ابن عبد الله بن عتاب قال أخبرنا القاسم
بن عبد الله بن المغيرة قال أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس قال
أنبأنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى ابن عقبة
قال هذا حديث رسول الله حين خرج إلى بني النضير يستعينهم
في عقل الكلبيين وكانوا زعموا قد دسوا إلى قريش حين نزلوا
بأحد لقتال رسول الله فحضوهم على القتال ودلوهم على العورة
فلما كلمهم رسول الله في عقل الكلبيين قالوا اجلس يا أبا
القاسم حتى تطعم وترجع بحاجتك ونقوم فنتشاور ونصلح أمرنا
فيما جئتنا له فجلس رسول الله ومن معه من أصحابه في ظل
جدار ينتظرون أن يصلحوا أمرهم فلما خلوا والشيطان معهم
ائتمروا بقتل رسول الله فقالوا لن تجدوه أقرب منه الن
فاستريحوا منه تأمنوا في دياركم ويرفع عنكم البلء فقال رجل
منهم إن شئتم ظهرت فوق البيت الذي هو تحته فدليت عليه
حجرا فقتلته وأوحى الله عز وجل إليه فأخبره بما ائتمروا به من
شأنهم فعصمه الله عز وجل وقام رسول الله كأنه يريد أن
يقضي حاجة وترك أصحابه في مجلسهم وانتظره أعداء الله
فراث عليهم فأقبل رجل من المدينة فسألوه عنه فقال لقيته قد
دخل أزقة المدينة فقالوا لصحابه عجل أبو القاسم أن يقيم أمرنا
في حاجته التي جاء لها ثم قام أصحاب رسول الله فرجعوا ونزل
القرآن والله أعلم بالذي أراد أعداء الله فقال عز وجل (يا أيها
الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم
أيديهم) إلى قوله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) فلما أظهر الله
عز وجل رسوله على ما أرادوا به وعلى خيانتهم أمر الله عز
وجل رسوله بإجلئهم وإخراجهم من ديارهم..
-وذكر أهل التفسير والحديث ،عن أبي هريرة رضي الله عنه ـ
أن أبا جهل وعد قريشا ً لئن رأى محمدا ً يصلي ليطأن رقبته .فلما
صلى النبي صلى الله عليه وسلم أعلموه ،فأقبل ،فلما قرب منه
ولى هاربا ً ناكصا ً على عقبيه ،متقيا ً بيديه ،فسئل فقال :لما دنوت
منه أشرفت على خندق مملوء نارا ً كدت أهوي فيه ،وأبصرت
هول ً عظيماً ،وخفق أجنحة قد ملت الرض.فقال النبي صلى
الله عليه وسلم :تلك الملئكة ،لو دنا لختطفته عضوا ً عضواً.
472
قلت :روى مسلم قصة أبي جهل حين أراد ان ينفذ فعلته
الشنيعة التي أقسم بمعبوداته الباطلة لئن رأى رسول الله
ساجدًا ليطأن رقبته ،قال:
باب قوله تعالى( :إن النسان ليطغى* أن رآه استغنى).
حدثنا عبيد الله بن معاذ ومحمد بن عبد العلى القيسي .قال:
حدثنا المعتمر عن أبيه .حدثني نعيم بن أبي هند عن أبي حازم،
عن أبي هريرة ،قال :قال أبو جهل :هل يعفر محمد وجهه بين
أظهركم؟ قال فقيل :نعم .فقال :واللت والعزى! لئن رأيته يفعل
ذلك لطأن على رقبته .أو لعفرن وجهه في التراب .قال فأتى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي .زعم ليطأ على
رقبته .قال فما فجئهم منه إل وهو ينكص على عقبيه ويتقي
بيديه .قال فقيل له :مالك؟ فقال :إن بيني وبينه لخندقا من نار
وهول وأجنحة .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :لو دنا
مني لختطفته الملئكة عضوا عضوا".
قال فأنزل الله عز وجل -ل ندري في حديث أبي هريرة ،أو
شيء بلغه { :-كل إن النسان ليطغى* أن رآه استغنى* إن إلى
ربك الرجعى* أرأيت الذي ينهى* عبدا إذا صلى* أرأيت إن كان
على الهدى* أو أمر بالتقوى* أرأيت إن كذب وتولى (يعني أبا
جهل) * ألم يعلم بأن الله يرى* كل لئن لم ينته لنسفعا بالناصية*
ناصية كاذبة خاطئة* فليدع ناديه* سندع الزبانية* كل ل تطعه} [
/ 96العلق .]19 - 6/
زاد عبيد الله في حديثه قال :وأمره بما أمره به.وزاد ابن عبد
العلى :فليدع ناديه .يعني قومه.
َ
ن
سا َ ن اْلِن َ ثم أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم( :ك َ ّل إ ِ َّ
َّ َ َ ن إِلَى َرب ِّ َ َ
ت الذِي جعَى * أَرأي ْ َ ك الُّر ْ ستَغْنَى *إ ِ َّ لَيَطْغَى * أن َّرآه ُ ا ْ
مَر ينهى * ع َبدا ً إذ َا صلَّى * أ َرأَيت إن كَان ع َلَى الْهدى * أَو أ َ
َ َّ َ َُ َ َ ْ َ َ ْ َ َ ِ َ ْ َ َِ ََْ
َ َ
ه يََرى * كل ن الل ّ َ م بِأ َّم يَعْل َ ْب وَتَوَل ّى * أل َ ْ ت إِن كَذ ّ َ بِالتَّق َْوَى * أَرأي ْ َ
خاطِئَةٍ * فَلْيَدْع ُ نَادِيَه صيَةٍ كَاذِبَةٍ َ صيَةِ * نَا ِ سفَعا ً بِالنَّا ِ م يَنتَهِ لَن َ ْ ْ لَئِن ل ّ
َ
ب * ( .سورة العلق جد ْ وَاقْتَرِ ْ س ُ
ه وَا ْ ة * ك َ ّل َل تُطِعْ ُ سنَدْع ُ الَّزبَانِي َ َ* َ
.)19-6
-وروي أن شيبة بن عثمان الحجبي أدركه يوم حنين ،وكان حمزة
قد قتل أباه وعمه ،فقال :اليوم أدرك ثأري من محمد.فلما اختلط
الناس أتاه من خلفه ،ورفع سيفه ليصبه عليه ،قال :فلما دنوت
منه ارتفع إلي شواظ من نار أسرع من البرق ،فوليت هارباً،
وأحس بي النبي صلى الله عليه وسلم فدعاني ،فوضع يده على
صدري ،وهو أبغض الخلق إلي ،فما رفعها إل وهو أحب الخلق
473
إلي .وقال لي :ادن فقاتل ...فتقدمت أمامه أضرب بسيفي وأقيه
بنفسي ،ولو لقيت أبي تلك الساعة لوقعت به دونه .
قلت :قال البيهقي في دلئل النبوة:
اخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو محمد أحمد بن عبد الله
المزني قال حدثنا يوسف بن موسى قال حدثنا هشام بن خالد
قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن
أبي بكر الهذلي عن عكرمة مولى ابن عباس عن شيبة بن عثمان
قال لما رأيت رسول الله يوم حنين قد عرى ذكرت أبي وعمي
ي وحمزة إياهما فقلت اليوم أدرك ثأري من محمد قال وقتل عل ّ
فذهب لجئه عن يمينه فإذا أنا بالعباس بن عبد المطلب قايم
عليه درع بيضاء كأنها فضة يكشف عنها العجاج فقلت عمه ولن
يخذله قال ثم جئته عن يساره فإذا أنا بأبي سفيان بن الحارث بن
عبد المطلب فقلت ابن عمه ولن يخذله قال ثم جئته من خلفه
فلم يبق إل أن أسوره سورة بالسيف إذ رفع لي شواظ من نار
بيني وبينه كأنه برق فخفت تمحشني فوضعت يدي على بصري
ومشيت القهقري والتفت رسول الله وقال :يا شيب يا شيب أدن
مني اللهم أذهب عنه الشيطان قال فرفعت إليه بصري ولهو
أحب إلي من سمعي وبصري وقال يا شيب قاتل الكفار..
وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ومحمد بن موسى بن الفضل
قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا العباس بن
محمد قال حدثنا محمد بن بكير الحضرمي قال حدثنا أيوب بن
جابر عن صدقة بن سعيد عن مصعب بن شيبة عن أبيه قال
خرجت مع رسول الله يوم حنين والله ما أخرجني إسلم ول
معرفة به ولكن أنفت أن تظهر هوازن على قريش فقلت وأنا
واقف معه يا رسول الله إني أرى خيل ً بلقا ً قال يا شيبة إنه ل
يراها إل كافر فضرب يده على صدري ثم قال" :اللهم اهد ِ شيبة"
ثم ضربها الثانية ثم قال" :اللهم اهد ِ شيبة" ثم ضربها الثالثة
فقال" :اللهم اهد ِ شيبة" فو الله ما رفع يده من صدري في
ي منه...
الثالثة حتى ما كان أحد من خلق الله أحب إل ّ
-وعن فضالة بن عمرو :أردت قتل النبي صلى الله عليه وسلم
عام الفتح ،وهو يطوف بالبيت ،فلما دنوت منه قال :أفضالة؟
قلت :نعم .قال :ما كنت تحدث به نفسك؟ قلت :ل شيء.
فضحك واستغفر لي ،ووضع يده على صدري ،فسكن قلبي ،فو
الله ما رفعها حتى ما خلق الله شيئا ً أحب إلي منه.
قلت :لعل القاضي عياض رحمه الله أراد فضالة بن عمير الذي
ذكره ابن كثير في البداية والنهاية ،قال:
474
وحدثني يعني بعض أهل العلم أن فضالة بن عمير بن الملوح
يعني الليثي أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف
بالبيت عام الفتح فلما دنا منه قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم :أفضالة؟ قال نعم فضالة يا رسول الله ..قال" :ماذا كنت
تحدث به نفسك؟" قال :ل شيء ،كنت أذكر الله .قال فضحك
النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال :استغفر الله ..ثم وضع يده
على صدره فسكن قلبه فكان فضالة يقول :والله ما رفع يده عن
صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه ..قال فضالة
فرجعت إلى أهلي فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها فقالت :هلم
إلى الحديث ..فقال :ل وانبعث فضالة يقول:
يأبى عليك الله * قالت هلم إلى الحديث فقلت ل
والســـلم
بالفتح يوم تكسر الصنــام * أو مـــا رأيت محمدا وقبيله
والشرك يغشى وجهه * لرأيت ديـن الله أضحى بينا
الظلم
-ومن مشهور ذلك خبر عامر بن الطفيل ،وأربد بن قيس ـ حين
وفدا على النبي صلى الله عليه وسلم ،وكان عامر قال له :أنا
أشغل عنك وجه محمد فاضربه أنت .فلم يره فعل شيئاً ،فلما
كلمه في ذلك قال له :والله ما هممت أن أضربه إل وجدتك بيني
و بينه ،أفأضربك.
قلت :قال ابن كثير في البداية والنهاية:
وفد بني عامر وقصة عامر بن الطفيل واربد بن مقيس
قال ابن إسحاق وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفد بني عامر بن الطفيل وأربد بن مقيس ابن جزء بن جعفر بن
خالد وجبار بن سلمى بن مالك بن جعفر وكان هؤلء الثلثة
رؤساء القوم وشياطينهم وقدم عامر بن الطفيل عدو الله على
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد الغدر به وقد قال له
قومه يا أبا عامر إن الناس قد أسلموا فأسلم ,قال :والله لقد
كنت آليت أل أنتهي حتى تتبع العرب عقبي فأنا أتبع عقب هذا
الفتى من قريش ثم قال لربد إن قدمنا على الرجل فإني
سأشغل عنك وجهه فإذا فعلت ذلك فأعله بالسيف فلما قدموا
على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر بن الطفيل يا
محمد خالني قال ل والله حتى تؤمن بالله وحده قال يا محمد
خالني قال وجعل يكلمه وينتظر من أربد ما كان أمره به فجعل
أربد ل يحير شيئًا فلما رأى عامر ما يصنع أربد قال يا محمد
خالني قال ل حتى تؤمن بالله وحده ل شريك له فلما أبى عليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أما والله لملنها عليك خيلً
475
ورجاًل فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :اللهم
اكفني عامر بن الطفيل" فلما خرجوا من عند رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال عامر بن الطفيل لربد أين ما كنت أمرتك به
والله ما كان على ظهر الرض رجل أخوف على نفسي منك وأيم
الله ل أخافك بعد اليوم أبدًا قال ل أبالك ل تعجل علي والله ما
هممت بالذي أمرتني به إل دخلت بيني وبين الرجل حتى ما أرى
غيرك أفأضربك بالسيف ,وخرجوا راجعين إلى بلدهم حتى إذا
كانوا ببعض الطريق بعث الله عز وجل على عامر بن الطفيل
الطاعون في عنقه فقتله الله في بيت امرأة من بني سلول
فجعل يقول يا بني عامر أغدة كغدة البكر في بيت امرأة من بني
سلول قال ابن هشام ويقال أغدة كغدة البل وموت في بيت
سلولية وروى الحافظ البيهقي من طريق الزبير بن بكار حدثتني
فاطمة بنت عبد العزيز بن موءلة عن أبيها عن جدها موءلة بن
جميل قال أتى عامر بن الطفيل رسول الله صلى الله عليه
وسلم ,فقال له :يا عامر أسلم .فقال :أسلم على أن لي الوبر
ولك المدر قال ل ثم قال :أسلم فقال أسلم على أن لي الوبر
ولك المدر قال ل فولى وهو يقول والله يا محمد لملنها عليك
سا .فقال رسول خيل ً جردًا ورجاًل مردًا ولربطن بكل نخلة فر ً
الله صلى الله عليه وسلم" :اللهم اكفني عامًرا وأهد قومه"
فخرج حتى إذا كان بظهر المدينة صادف امرأة من قومه يقال
لها سلولية فنزل عن فرسه ونام في بيتها فأخذته غدة في حلقه
فوثب على فرسه وأخذ رمحه وأقبل يجول وهو يقول غدة كغدة
البكر وموت في بيت سلولية فلم تزل تلك حاله حتى سقط عن
فرسه ميتًا.
وذكر الحافظ أبو عمر بن عبد البر في الستيعاب في أسماء
الصحابة موءلة هذا فقال هو موءلة بن كثيف الضبابي الكلبي
العامري من بني عامر بن صعصعة أتى رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو ابن عشرين سنة فاسلم وعاش في السلم مائة
سنة وكان يدعى ذا اللسانين من فصاحته روى عنه ابنه عبد
العزيز وهو الذي روى قصة عامر بن الطفيل غدة كغدة البعير
وموت في بيت سلولية.
قال الزبير بن بكار حدثتني ظميا بنت عبد العزيز بن موءلة بن
كثيف بن جميل بن خالد بن عمرو بن معاوية وهو الضباب بن
كلب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة قالت حدثني أبي عن أبيه
عن موءلة أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسلم وهو
ابن عشرين سنة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح
يمينه وساق أبله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصدقها
476
بنت لبون ثم صحب أبا هريرة بعد رسول الله صلى الله عليه
وسلم وعاش في السلم مائة سنة وكان يسمى ذا اللسانين من
فصاحته قلت والظاهر أن قصة عامر بن الطفيل متقدمة على
الفتح وإن كان ابن إسحاق والبيهقي قد ذكرها بعد الفتح وذلك
لما رواه الحافظ البيهقي عن الحاكم عن الصم أنبأنا محمد بن
إسحاق أنبأنا معاوية بن عمرو ثنا أبو إسحاق الفزاري عن
الوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس في
قصة بئر معونة وقتل عامر بن الطفيل حرام بن ملحان خال
أنس بن مالك وغدره بأصحاب بئر معونة حتى قتلوا عن آخرهم
سوى عمرو بن أمية كما تقدم قال الوزاعي قال يحيى فمكث
رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على عامر بن الطفيل
حا" :اللهم اكفني عامر بن الطفيل بما شئت وابعث ثلثين صبا ً
عليه ما يقتله" .فبعث الله عليه الطاعون وروى عن همام عن
إسحاق ابن عبد الله عن أنس في قصة ابن ملحان قال وكان
عامر بن الطفيل قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال :أخيرك بين ثلث خصال :يكون لك أهل السهل ويكون لي
أهل الوبر وأكون خليفتك من بعدك أو أغزوك بغطفان بألف
أشقر وألف شقراء ,قال فطعن في بيت امرأة فقال غدة كغدة
البعير وموت في بيت امرأة من بني فلن ائتوني بفرسي فركب
فمات على ظهر فرسه.
قال ابن إسحاق ثم خرج أصحابه حين رأوه حتى قدموا أرض بني
عامر شاتين فلما قدموا أتاهم قومهم فقالوا وما وراءك يا أربد
قال ل شيء والله لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت لو أنه عندي
الن فأرميه بالنبل حتى أقتله الن فخرج بعد مقالته بيوم أو
يومين معه جمل له يبيعه فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة
خا لبيد بن ربيعةفأحرقتهما قال ابن إسحاق وكان أربد بن قيس أ ً
لمه فقال لبيد يبكي أربد
ل والد مشفق ول * ما أن تعرى المنون مـــن أحد
ولــــد
أرهب نوء السماك * أخشى على أربــد الحتوف ول
والســد
قمنا وقام النساء في كبــــد * فعين هل بكيت أربــــد إذ
أو يقصدوا في الحكوم * إن يشغبوا ل يبـــال شغبهم
يقتصـد
مر لصيق الحشاء والكبـــد * حلو أريب وفي حلوتــــه
ألوت ريــاح الشتاء * وعين هل بكيت أربـــد إذ
بالعضد
477
حتى تجلت غوابر * وأصبحت لقحـــا مصرمة
المــــدد
* ذو نهمة في العــــل أشجع من ليث غابة لحـــم
ومنتقد
ليلة تمسي الجياد كالفــــدد * ل تبلغ العين كــــل نهمتها
* مثل الظباء البكار الباعث النــــوح في مآتمه
بالجــــرد
* رس يـوم الكريهـة فجعني البرق والصواعق بالفــا
النجـــد
* جــــاء نكيبا وإن يعد والحارب الجابــر الحريب إذا
يعـد
ينبت غيث الربيع ذو * يعفو على الجهد والسؤال كمـا
الرصــد
قــــل وإن كثروا من العدد * كــــل بني حرة مصيرهم
* أمروا يوما فهم للهلك إن يغبطــوا يهبطــوا وإن
والنفــد
وقد روى ابن إسحاق عن لبيد أشعارا كثيرة في رثاء أخيه لمه
أربد بن قيس تركناها اختصارا واكتفاء بما أوردناه والله الموفق
للصواب.
قال ابن هشام وذكر زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن
عباس قال فانزل الله عز وجل في عامر وأربد قوله تعالى( :الله
يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الرحام وما تزداد وكل شيء
عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال سواء منكم
من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب
بالنهار له معقبات من بين يده ومن خلفه يحفظونه من أمر
الله ) يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم ثم ذكر أربد وقتله،
فقال الله تعالى ( :وإذا أراد الله بقوم سوءًا فل مرد له ومالهم
من دونه من وال هو الذي يريكم البرق خوفًا وطمعًا وينشىء
السحاب الثقال ويسبح الرعد بحمده والملئكة من خيفته ويرسل
الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد
المحال).
...وقد وقع لنا إسناد ما علقه ابن هشام رحمه الله فروينا من
طريق الحافظ أبي القاسم سليمان بن احمد الطبراني في
معجمه الكبير حيث قال حدثنا مسعدة بن سعد العطار حدثنا
إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثني عبد العزيز بن عمران حدثني
عبد الرحمن وعبد الله ابنا زيد بن أسلم عن أبيهما عن عطاء بن
يسار عن ابن عباس أن أربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر
478
بن كلب وعامر بن الطفيل بن مالك قدما المدينة على رسول
الله صلى الله عليه وسلم فانتهيا إليه وهو جالس فجلسا بين
يديه فقال عامر بن الطفيل :يا محمد ما تجعل لي إن أسلمت
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :مالك ما للمسلمين
وعليك ما عليهم .قال عامر :أتجعل لي المر إن أسلمت من
بعدك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ليس ذلك لك
ول لقومك ولكن لك أعنة الخيل .قال :أنا الن في أعنة خيل نجد
اجعل لي الوبر ولك المدر قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم :ل...فلما قفا من عنده قال عامر أما والله لملنها عليك
خيل ً ورجاًل .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :يمنعك الله.
فلما خرج أربد وعامر قال عامر يا أربد أنا اشغل محمدًا بالحديث
فاضربه بالسيف فان الناس إذا قتلت محمدًا لم يزيدوا على أن
يرضوا بالدية ويكرهوا الحرب فسنعطيهم الدية قال أربد أفعل
فأقبل راجعين إليه ,فقال عامر يا محمد قم معي أكلمك فقام
معه رسول الله صلى الله عليه وسلم فخليا إلى الجدار ووقف
معه رسول الله يكلمه وسل أربد السيف فلما وضع يده على
السيف يبست يده على قائم السيف فلم يستطع سل السيف
فأبطأ أربد على عامر بالضرب فالتفت رسول الله صلى الله
عليه وسلم فرأى أربد وما ينصع فانصرف عنهما فلما خرج أربد
وعامر من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كانا
بالحرة حرة وإرقم نزل فخرج إليهما سعد بن معاذ وأسيد بن
الحضير فقال اشخصا يا عدوا الله لعنكما الله ,فقال عامر :من
هذا يا سعد قال أسيد بن حضير الكتائب فخرجا حتى غذا كانا
بالرقم أرسل الله على أربد صاعقة فقتلته وخرج عامر حتى إذا
كان بالحرة أرسل الله قرحة فأخذته فأدركه الليل في بيت امرأة
من بني سلول فجعل يمس قرحته في حلقه ويقول غدة كغدة
الجمل في بيت سلولية يرغب عن أن يموت في بيتها ثم ركب
فرسه فأحضرها حتى مات عليه راجعًا فأنزل الله فيهما( :الله
يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الرحام وما تزداد) إلى قوله
(له معقبات من بين يديه ومن خلفه) يعني محمدًا صلى الله
عليه وسلم ,ثم ذكر أربد وما قتله به فقال (ويرسل الصواعق
فيصيب بها من يشاء) الية وفي هذا السياق دللة على ما تقدم
من قصة عامر وأربد وذلك لذكر سعد بن معاذ فيه والله أعلم..
-ومن عصمته له تعالى أن كثيرا ً من اليهود والكهنة أنذروا به
وعينوه لقريش ،وأخبرهم بسطوته بهم ،وحضوهم عل قتله،
فعصمه الله تعالى حتى بلغ فيه أمره.
479
ومن ذلك نصره بالرعب أمامه مسيرة شهر ،كما قال صلى الله
عليه وسلم.
قلت :حديث "" نصرت بالرعب "" رواه الشيخان
-1البخاري في كتب وأبواب متفرقة ،منها:
* في كتاب التيمم
حدثنا محمد بن سنان قال :حدثنا هشيم (ح) .قال :وحدثني سعيد
بن النضر قال :أخبرنا هشيم قال :أخبرنا سيار قال :حدثنا يزيد،
هو ابن صهيب الفقير ،قال :أخبرنا جابر بن عبد الله :أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال( :أعطيت خمسا ،لم يعطهن أحد
قبلي :نصرت بالرعب مسيرة شهر ،وجعلت لي الرض مسجدا
وطهورا ،فأيما رجل من أمتي أدركته الصلة فليصل ،وأحلت لي
المغانم ولم تحل لحد قبلي ،وأعطيت الشفاعة ،وكان النبي
يبعث إلى قومه خاصة ،وبعثت إلى الناس عامة).
* في أبواب المساجد
باب :قول النبي صلى الله عليه وسلم ( :جعلت لي الرض
مسجدا وطهورا).
-حدثنا محمد بن سنان قال :حدثنا هشيم قال :حدثنا سيار ،هو
أبو الحكم ،قال :حدثنا يزيد الفقير قال :حدثنا جابر بن عبد الله
قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( :أعطيت خمسا ،لم
يعطهن أحد من النبياء قبلي :نصرت بالرعب مسيرة شهر،
وجعلت لي الرض مسجدا وطهورا ،وأيما رجل من أمتي أدركته
الصلة فليصل ،وأحلت لي الغنائم ،وكان النبي يبعث إلى قومه
خاصة ،وبعثت إلى الناس كافة ،وأعطيت الشفاعة).
* في كتاب الجهاد والسير
باب :قول النبي صلى الله عليه وسلم( :نصرت بالرعب مسيرة
شهر).
وقوله جل وعز{ :سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما
أشركوا بالله }/آل عمران ./151 :قاله جابر ،عن النبي صلى الله
عليه وسلم.
-حدثنا يحيى بن بكير :حدثنا الليث ،عن عقيل ،عن ابن شهاب،
عن سعيد بن المسيب ،عن أبي هريرة رضي الله عنه :أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال( :بعثت بجوامع الكلم ،ونصرت
بالرعب ،فبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الرض فوضعت في
يدي).
قال أبو هريرة :وقد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم
تنتثلوها.
* في كتاب التعبير
480
باب :رؤيا الليل.رواه سمرة.
-حدثنا أحمد بن المقدام العجلي :حدثنا محمد بن عبد الرحمن
الطفاوي :حدثنا أيوب ،عن محمد ،عن أبي هريرة قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم( :أعطيت مفاتيح الكلم ،ونصرت
بالرعب ،وبينما أنا نائم البارحة إذ أتيت بمفاتيح خزائن الرض
حتى وضعت في يدي).قال أبو هريرة :فذهب رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأنتم تنتقلونها.
* في كتاب العتصام بالكتاب والسنة
ت بجوامع الكلم). باب :قول النبي صلى الله عليه وسلم ( :بُعِث ُ
-حدثنا عبد العزيز بن عبد الله :حدثنا إبراهيم بن سعد ،عن ابن
شهاب ،عن سعيد بن المسيَّب ،عن أبي هريرة ،أن رسول الله
ت بجوامع الكلم ،ونصرت صلى الله عليه وسلم قال(:بُعِث ُ
ضعت بالرعب ،وبينا أنا نائم رأيتني أتيت بمفاتيح خزائن الرض فوُ ِ
في يدي) .قال أبو هريرة :فقد ذهب رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأنتم تَلْغَثونها ،أو تَْرغَثونها ،أو كلمة تشبهها.
-2مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلة.
حدثنا يحيى بن يحيى .أخبرنا هشيم عن سيار ،عن يزيد الفقير،
عن جابر بن عبدالله النصاري؛ قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم" :أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي .كان كل نبي
يبعث إلى قومه خاصة ،وبعثت إلى كل أحمر وأسود .وأحلت لي
الغنائم ،ولم تحل لحد قبلي .وجعلت لي الرض طيبة طهورا
ومسجدا .فأيما رجل أدركته الصلة صلى حيث كان .ونصرت
بالرعب بين يدي مسيرة شهر .وأعطيت الشفاعة".
وأخرجه ابن حبان في كتاب الصلة ،و الترمذي في أبواب السي،
و النسائي في كتاب الجهاد ،و البيهقي في كتاب الصلة ،و
الحاكم في كتاب التفسير ،و أحمد في مسند ،و الدارمي في
كتاب السير ...وغيرهم.
----------------------0
.30القول القوم في معجزات النبي الكرم()11
الفصل الخامس العشرون:
من معجزاته الباهرة ما جمعه الله له من المعارف والعلوم.
ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله له من المعارف والعلوم ،و
خصه به من الطلع على جميع مصالح الدنيا والدين ،ومعرفته
بأمور شرائعه ،وقوانين دينه ،وسياسة عباده ،ومصالح أمته ،وما
كان في المم قبله ،وقصص النبياء والرسل والجبابرة والقرون
الماضية من لدن آدم إلى زمنه ،وحفظ شرائعهم وكتبهم ،ووعي
سيرهم ،وسرد أنبائهم ،وأيام الله فيهم ،وصفات أعيانهم واختلف
481
آرائهم ،والمعرفة بمددهم وأعمارهم ،وحكم حكمائهم ،ومحاجة
كل أمة من الكفرة ،ومعارضة كل فرقة من الكتابيين بما في
كتبهم ،وإعلمهم بأسرارها ومخبآت علومها ،وإخبارهم بما كتموا
من ذلك وغيروه.إلى الحتواء على لغات العرب ،وغريب ألفاظ
فرقها ،والحاطة بضروب فصاحتها ،والحفظ ليامها وأمثالها،
حكَمها ومعاني أشعارها ،والتخصيص بجوامع كلمها .إلى و ِ
المعرفة بضرب المثال الصحيحة ،والحكم البينة لتقريب التفهيم
للغامض ،والتبيين للمشكل ،إلى تمهيد قواعد الشرع الذي ل
تناقض فيه ول تخاذل ،مع اشتمال شريعته على محاسن الخلق
ومحامد الداب وكل شيء مستحسن مفضل ،لم ينكر منه ملحد
ذو عقل سليم شيئا ً إل من جهة الخذلن.بل كل جاحد له وكافر
من الجاهلية به إذا سمع ما يدعو إليه صوبه ،واستحسنه دون
طلب إقامة برهان عليه .ثم ما أحل لهم من الطيبات ،وحرم
عليهم من الخبائث،وصان به أنفسهم وأعراضهم وأموالهم من
المعاقبات والحدود عاجلً ،والتخويف بالنار آجل ً مما ل يعلم علمه
ول يقوم به ول ببعضه إل من مارس الدرس والعكوف على
الكتب ،ومثافنة بعض هذا إلى الحتواء على ضروب العلوم،
وفنون المعارف ،كالطب ،والعبارة ،والفرائض ،والحساب،
والنسب ،وغير ذلك من العلوم مما اتخذ أهل هذه المعارف كلمه
صلى الله عليه وسلم فيها قدوة وأصول ً في علمهم،
-كقوله صلى الله عليه وسلم " :الرؤيا لول عابر .وهي على
رجل طائر".
قلت :روى هذا الحديث كل من:
أبو داود.
حدثنا أحمد بن حنبل ثنا هشيم أخبرنا يعلى بن عطاء عن وكيع
بن عدس عن عمه أبي رزين قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ":الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت
قال وأحسبه قال ول يقصها إل على واد أو ذي رأي"..
قال الشيخ اللباني :صحيح.
ابن ماجه
حدثنا أبو بكر ثنا هشيم عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس
العقيلي عن عمه أبي رزين أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم
يقول " :الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت قال
والرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة قال وأحسبه قال
ل يقصها إل على واد أو ذي رأي ".
قال الشيخ اللباني :صحيح.
الترمذي
482
حدثنا محمود بن غيلن حدثنا أبو داود قال أنبأنا شعبة قال
أخبرني يعلى بن عطاء قال سمعت وكيع بن عدس عن أبي رزين
العقيلي قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ":رؤيا
المؤمن جزء من أربعين جزءًا من النبوة وهي على رجل طائر ما
لم يتحدث بها فإذا تحدث بها سقطت قال وأحسبه قال ول يحدث
بها إل لبيبا أو حبيبا".
قال الشيخ اللباني :صحيح.
-وقوله" :الرؤيا ثلث :رؤيا حق ،و رؤيا يحدث بها الرجل نفسه ،و
رؤيا تخزين من الشيطان".
قلت :متفق عليه
رواه البخاري في كتاب التعبير .باب :القيد في المنام.
-حدثنا عبد الله بن صبَّاح :حدثنا معتمر :سمعت عوفاً :حدثنا
محمد بن سيرين :أنه سمع أبا هريرة يقول :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم( :إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن
تكذب ،ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا ً من النبوة) .وما
كان من النبوة فإنه ل يكذب .قال محمد :وأنا أقول هذه ،قال:
وكان يقال :الرؤيا ثلث :حديث النفس ،وتخويف الشيطان،
صه على أحد وليقم وبشرى من الله ،فمن رأى شيئا ً يكرهه فل يق َّ
ل في النوم ،وكان يعجبهم القيد، فليصل ،قال :وكان يكره الغُ َّ
ويقال :القيد ثبات في الدين.
وروى قتادة ،ويونس ،وهشام ،وأبو هلل ،عن ابن سيرين ،عن
أبي هريرة ،عن النبي صلى الله عليه وسلم ،وأدرجه بعضهم كله
في الحديث ،وحديث عوف أبين .وقال يونس :ل أحسبه إل عن
النبي صلى الله عليه وسلم في القيد.قال أبو عبد الله :ل تكون
الغلل إل في العناق.
ورواه مسلم في كتاب الرؤيا
حدثنا محمد بن أبي عمر المكي .حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن
أيوب السختياني ،عن محمد بن سيرين ،عن أبي هريرة ،عن
النبي صلى الله عليه وسلم.قال" :إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا
المسلم تكذب .وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا .ورؤيا المسلم
جزء من خمسة وأربعين جزءًا من النبوة والرؤيا ثلثة :فرؤيا
الصالحة بشرى من الله .ورؤيا تحزين من الشيطان .ورؤيا مما
يحدث المرء نفسه .فإن رأى أحدكم ما يكره ،فليقم فليصل .ول
يحدث بها الناس" .قال" :وأحب القيد أكره الغل .والقيد ثبات في
الدين" فل أدري هو في الحديث أم قاله ابن سيرين.
-وقوله :إذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب.
قلت :رواه البخاري في كتاب التعبير .باب :القيد في المنام.
483
-حدثنا عبد الله بن صبَّاح :حدثنا معتمر :سمعت عوفاً :حدثنا
محمد بن سيرين :أنه سمع أبا هريرة يقول :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم( :إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن
تكذب).
ورواه مسلم في كتاب الرؤيا.
حدثنا محمد بن أبي عمر المكي .حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن
أيوب السختياني ،عن محمد بن سيرين ،عن أبي هريرة ،عن
النبي صلى الله عليه وسلم.قال" :إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا
المسلم تكذب).
-وقوله :أصل كل داء البردة.
قلت :قال العجلوني في كشف الخفا
رواه أبو نعيم والمستغفري والدارقطني في العلل بسند فيه
مام بن نَجيح ضعفه الدارقطني ووثقه ابن معين وغيره عن أنس ت َ َّ
رفعه ،وفي رواية عند المستغفري كما في النجم أصل كل داء
ضا عن ابن عباس مرفوعا مثله ،ومن حديث البََردة ،ولبي نعيم أي ً
عمر بن الحرث عن أبي سعيد رفعه أصل كل داء من البردة،
ومفرداته ضعيفة ،وقال الدارقطني كغيره الشبه بالصواب أنه
من قول الحسن البصري ،وحكاه في الفائق من كلم ابن
مسعود ،قال الدارقطني المحدثون يروونه بسكون الراء ،ولذلك
م إليه بعضهم 'والحُّر' والصواب فتحها بمعنى التخمة لنها ض َّ
تبرارة الشهوة ،أو لنها ثقيلة على المعدة بطيئة الذهاب من برد
ضا عن أبي هريرة رفعه: إذا ثبت وسكن ،وقد أورد أبو نعيم أي ً
استدفئوا من الحر والبرد ،وكذلك المستغفري مع ما رواه عن
أنس أيضا مرفوع ًا :إن الملئكة لتفرح بارتفاع البرد عن أمتي،
ضا كما مر أصل كلء البرد ،وهما ضعيفان ،وذلك منهما وروى أي ً
دليل على المحدثين الذين رووه بالسكون.
-وما روي عنه في حديث أبي هريرة رضي الله عنه من قوله:
المعدة حوض البدن ،والعروق إليها واردة ...وإن كان هذا حديثا ً ل
نصححه وكونه موضوعا ً تكلم عليه الدارقطني.
قلت :قال العجلوني في كشف الخفا
...وللطبراني في الوسط عن أبي هريرة مرفوع ًا :المعدة حوض
البدن ،والعروق إليها واردة ،فإذا صحت المعدة صدرت العروق
بالصحة ،وإذا فسدت المعدة صدرت العروق بالسقم .وذكره
الدارقطني في العلل ،وقال اختلف فيه على الزهري ،ثم قال ل
يصح ول يعرف من كلم النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من
كلم عبد الملك بن سعيد بن الحرث.ومثله في الللئ ،وزاد :ولم
484
يرو هذا مسندًا عن إبراهيم ابن جريج وكان طبيبًا ،فجعل له
إسناد ،ولم يسند غير هذا الحديث انتهى.
وقال السيوطي في اللليء المصنوعة:
حدثنا عبد اللّه بن الحسن الحراني حدثنا يحيى بن عبد اللهّ
البابلتي حدثنا إبراهيم عن جريج الرهاوي عن زيد بن أبي أنيسة
عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال :قال رسول اللّه
صلى اللّه عليه وسلم" :المعدة حوض البدن والعروق إليها واردة
فإذا صحت المعدة صدرت العروق بالصحة وإذا سقمت المعدة
صدرت العروق بالسقم" قال العقيلي باطل ل أصل له وإنما
يروي عن ابن أبحر قال الدارقطني تفرد برفعه ابن جريج ولم
يسنده غيره وكان طبيبا ً فجعل له إسناداً .قال الزدي إبراهيم
متروك قلت أخرجه الطبراني في الوسط وابن السني وأبو نعيم
في الطب والبهيقي في شعب اليمان وقال إسناده ضعيف وقال
في الميزان هذا حديث منكر وإبراهيم ليس بعمدة قال في
اللسان إبراهيم ذكره ابن حبان في الثقات وقال روى عنه
البابلتي خبرا ً منكرا ً قال وقد جزم الدارقطني بأن إبراهيم
المنفرد به وقد بين العقيلي أمره بيانا ً شافيا ً وأخرج من طريق
أبي داود الحراني أن هذا الشيخ لم يكتب له بهذا أصًل وكان
يقول كتبت عن ابن أبي وضاع كتابي فقيل له من كنت تجالس
فقال فلن الطيب كان يقرب منزلي فكتب إليه ثم أخرج من
طريق الحميدي عن سفيان عن ابن عبد الملك بن أبحر عن أبيه
قال المعدة حوض البدن الحديث مقطوع قال العقيلي هذا أولى
واللّه أعلم...
-وقوله :خير ما تداويتم به السعوط واللدود ،والحجامة،
والمشي...
جاءَ في ما َ ب َ قلت :رواه الترمذي في سننه ـ أبواب الطب ،بَا ُ
ط وغيرِهِ. سعو ِ ال َّ
ماد ٍ أخبرنا ح َّ ن َ ُ نب ِ م
َ ن مدُّويةِ أخبرنا عبد ُ الَّرح ُ ح َّ
مد ُ ب م َ ُ حدَّثَنَاَ -
ُ َّ
سول اللهِ
َّ
ل َر ُ س قال :قا َ ن ع َبَّا ٍ ة عن اب ِ م َ عكْرِ َ ن منصورٍ عن ِ عبَّاد ُ ب ُ
ط واللدُو ُد سعو ُ م بهِ ال َّ ن خيَر ما تَدَاويت ُ صلى الله عليه وسلم( :إ َّ
ُ ْ َّ
سول اللهِ صلى الله عليه ما اشتَكَى َر ُ ي) فل َّ ة والمش ُّ والحجام ُ
ُّ
م) قال فلُدُّوا كلهُم غيَر ما فرغُوا قال (لُدُّوهُ ْ ه فل َّ وسلم لدَّهُ أصحاب ُ
س. العَبَّا ِ
عبَّاد ُ ب ُ
ن
ُ َّ
ن أخبرنا ن هارو َ ُ ن يحيى أخبرنا يزيد ُ ب ُ مد ُ ب ح َّ م َ ُ حدَّثَنَا
َ -
سول اللهِ صلى ل َر ُ س قال :قا َ
َ ن ع َبَّا ٍة عن اب ِ م َ عكْرِ َ منصورٍ عن ِ
سعو ُ
ط ن خيَر ما تَدَاويتُم بهِ الل ّدود ُ وال َّ الله عليه وسلم( :إ َّ
صَره يجلُو الب َ مد ُ فإن َّ ُ م بهِ الث ِ حلت ُ ْ
ي وخيَر ما اكت َ َ ة والمش ُّ والحجام ُ
485
ُ َ ت ال َّ
ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم ل ُ
ه سون َر ُشعَر) قال :وكا َ ويُنب ُ
ن.ل عي ٍ ل بها عند َ النَّوم ِ ثلثا ً في ك ِّة يكتح ُ مكحل ٌ
ن منصورٍ. ث عبَّاد ُ ب ُ ب هو حدي ُ ن غَرِي ٌ
س ٌ
ح َ ث َ حدِي ٌهذا َ
قال الشيخ اللباني :ضعيف.
...-وخير الحجامة يوم سبع عشرة ،وتسع عشرة ،وإحدى
وعشرين.
قلت :رواه أبو داود في سننه:
حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي
عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم" :من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى
وعشرين كان شفاء من كل داء"..
قال الشيخ اللباني :حسن.
...-وفي العود الهندي سبعة أشفية ،منها ذات الجنب.
قلت :متفق عليه.
ب.جن ْ ِ
* رواه البخاري في كتاب الطب ،باب :ذات ال َ
-حدثني محمد :أخبرنا عتَّاب بن بشير ،عن إسحاق ،عن
الُزهري قال :أخبرني عبيد الله بن عبد الله :أن أم قيس بنت
صن ،وكانت من المهاجرات الول اللتي بايعن رسول الله ح َ
م ِْ
َ
صلى الله عليه وسلم ،وهي أخت ع ُك ّاشة بن محصن ،أخبرته:
أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها قد علقت
ن بهذه ن أولدك َّ عليه من العذرة ،فقال( :اتقوا الله ،على ما تَدْغَْر َ
العلق ،عليكم بهذا العود الهندي ،فإن فيه سبعة أشفية ،منها
سط .قال :وهي لغة. ست ،يعني القُ ْ ذات الجنب) .يريد الك ُ ْ
* وأخرجه مسلم في كتاب الطب -باب التداوي بالعود الهندي،
وهو الكست.
حدثني حرملة بن يحيى .أخبرنا ابن وهب .أخبرني يونس بن
يزيد؛ أن ابن شهاب أخبره قال :أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن
عتبة بن مسعد؛ أن أم قيس بنت محسن -وكانت من المهاجرات
الول اللتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وهي أخت
عكاشة بن محصن ،أحد بني أسد بن خزيمة -قال :أخبرتني أنها
أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها لم يبلغ أن يأكل
الطعام وقد أعلقت عليه من العذرة (قال يونس :أعلقت غمزت
فهي تخاف أن يكون به عذرة" قالت :فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم":علمه تدغرن أولدكن بهذا العلق؟ عليكم بهذا
العود الهندي (يعني به الكست) فإن فبه سبعة أشفية .منها ذات
الجنب"..
486
-وقوله" :ما مل ابن آدم وعاء شرا ً من بطن ،فإن كان ل بد فثلث
للطعام ،و ثلث للشراب ،و ثلث للنفس".
قلت :رواه ابن ماجة،وأحمد ،والحاكم،و الترمذي وهذا لفظه:
حدثنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك أخبرنا إسماعيل
بن عياش حدثني أبو سلمة الحمصي وحبيب بن صالح عن يحيى
بن جابر الطائي عن مقدام بن معدي كرب قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول" :ما مل آدمي وعاء شًرا من
بطن بحسب بن آدم أكلت يقمن صلبه فإن كان ل محالة فثلث
لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" ,حدثنا الحسن بن عرفة
حدثنا إسماعيل بن عياش نحوه وقال المقدام بن معدي كرب
عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه سمعت النبي صلى
الله عليه وسلم قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح...وقال
الشيخ اللباني :صحيح.
-وقوله ـ وقد سئل عن سبأ :أرجل هو أم امرأة ،أم أرض؟ فقال:
رجل ولد عشرة :تيامن منهم ستة و تشاءم أربعة ...الحديث
بطوله.
قلت :ذكره البغوي في تفسيره ،عند قوله تعالى حكاية عن
ح ْ ث غَير بعِيد فَقَا َ َ
جئْت ُ َ
ك ط بِهِ وَ ِ ما ل َ ْ
م تُ ِ ت بِ َ
حط ُ
لأ َ مك َ َ ْ َ َ ٍ الهدهد ( :فَ َ
ن (النمل ،)22قال :قرأ أبو عمرو ،البزي عن ابن سبَإ ٍ بِنَبَإ ٍ يَقِي ٍ
ن َم ْ
ِ
كثير من سبأ و لسبأ في سورة سبأ ،مفتوحة الهمزة ،وقرأ
القواص عن ابن كثير ساكنة بل همزة ،وقرأ الخرون بالجراء،
فمن لم يجره جعله اسم البلد ،ومن أجراه جعله اسم رجل ،فقد
جاء في الحديث "أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن سبأ
فقال" :كان رجل ً له عشرة من البنين تيامن منهم ستة وتشاءم
أربعة".
-وكذلك جوابه في نسب قضاعة ،وغير ذلك مما اضطرت العرب
على شغلها بالنسب إلى سؤاله عما اختلفوا فيه من ذلك.
-وقوله :حمير رأس العرب ونابها .ومذحج هامتها وغلصمتها.
والزذ كاهلها وجمجمتها ،وهمدان غاربها وذروتها.
-وقوله" :إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات
والرض".
قلت :رواه البخاري في كتاب التفسير ،باب :قوله{ :إن عدة
الشهور عند الله اثنا عشر شهًرا في كتاب الله يوم خلق
السماوات والرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم} ,وأخرجه
مسلم في كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات باب
تغليظ تحريم الدماء والعراض والموال:
487
-حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب :حدثنا حماد بن زيد ،عن أيوب،
عن محمد ،عن ابن أبي بكرة ،عن أبي بكرة ،عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال( :إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله
السماوات والرض ،السنة اثنا عشر شهًرا ،منها أربعة حرم ،ثلث
متواليات :ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ،ورجب مضر الذي بين
جمادى وشعبان).
-وقوله في الحوض :زواياه سواء.
قلت :رواه مسلم في كتاب الفضائل باب إثبات حوض نبينا صلى
الله عليه وسلم وصفاته:
* وحدثنا داود بن عمرو الضبي .حدثنا نافع بن عمر الجمحي عن
ابن أبي مليكة .قال :قال عبد الله بن عمرو بن العاص :قال:
رسول الله صلى الله عليه وسلم" :حوضي مسيرة شهر.
وزواياه سواء .وماؤه أبيض من الورق .وريحه أطيب من
المسك ..وكيزانه كنجوم السماء .فمن شرب منه فل يظمأ بعده
أبدا".
-وقوله ـ في حديث الذكر" :وإن الحسنة بعشر أمثالها ،فتلك مائة
وخمسون على باللسان ،وألف وخمسمائة في الميزان".
قلت :لعل القاضي عياض رحمه الله جمع هنا بين طرفين من
حديثين:
-1الحسنة بعشر أمثالها...
رواه البخاري في كتب وأبواب متفرقة ،منها:في باب :حسن
إسلم المرء.
* قال مالك :أخبرني زيد بن أسلم :أن عطاء بن يسار أخبره :أن
أبا سعيد الخدري أخبره :أنه سمع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول( :إذا أسلم العبد فحسن إسلمه ،يكفر الله عنه كل
سيئة كان زلفها ،وكان بعد ذلك القصاص :الحسنة بعشر أمثالها
إلى سبعمائة ضعف ،والسيئة بمثلها إل أن يتجاوز الله عنها).
* حدثنا إسحاق بن منصور قال :حدثنا عبد الرزاق قال :أخبرنا
معمر ،عن همام ،عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم(:إذا أحسن أحدكم إسلمه :فكل حسنة يعملها
تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ،وكل سيئة يعملها
تكتب له بمثلها).
ورواه مسلم في جملة أحاديث ،منها :في باب "إذا هم العبد
بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب":
*وحدثنا محمد بن رافع .حدثنا عبد الرزاق .أخبرنا معمر عن
همام بن منبه؛ قال:هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله
صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها قال :قال رسول الله
488
صلى الله عليه وسلم" :قال الله عز وجل :إذا تحدث عبدي بأن
يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعملها .فإذا عملها فأنا
أكتبها بعشر أمثالها .وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما
لم يعملها .فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها" .وقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " :قالت الملئكة :رب ذاك عبدك يريد أن
يعمل سيئة (وهو أبصر به) فقال :ارقبوه .فإن عملها فاكتبوها له
بمثلها .وإن تركها فاكتبوها له حسنة .إنما تركها من جراي" .وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أحسن أحدكم إسلمه
فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف .وكل
سيئة تكتب بمثلها حتى يلقى الله".
م إل دخل -2خصلتان أو خلتان ل يحافظ عليهما عبد مسل ٌ
الجنة...
رواه أبو داود ـ حدثنا حفص بن عمر ،ثنا شعبة ،عن عطاء بن
السائب ،عن أبيه ،عن عبد اللّه بن عمرو ،عن النبي صلى الله
م
عليه وسلم قال" :خصلتان أو خلتان ل يحافظ عليهما عبد مسل ٌ
ل ،يسبح في دبر إل دخل الجنة ،هما يسيٌر ،ومن يعمل بهما قلي ٌ
كل صلةٍ عشراً ،ويحمد عشراً ،ويكبر عشراً ،فذلك خمسون
ف وخمسمائةٍ في الميزان ،ويكبر أربعا ً وثلثين ة باللسان ،وأل ٌ ومائ ٌ
إذا أخذ مضجعه ،ويحمد ثلثا ً وثلثين ،ويسبح ثلثا ً وثلثين ،فذلك
ة باللسان ،وألف في الميزان" فلقد رأيت رسول اللّه صلى مائ ٌ
الله عليه وسلم يعقدها بيده ،قالوا :يا رسول اللّه ،كيف هما
يسير ومن يعمل بهما قليل؟ قال" :يأتي أحدكم يعني الشيطان
ة
في منامه فينومه قبل أن يقوله ،ويأتيه في صلته فيذكره حاج ً
قبل أن يقولها".
حدَّثَنَا إسماعيل بْن علية ،و حدَّثَنَا أبو كريبَ . وأخرجه ابن ماجه َ
مد بْن فضيل ،وأبو يحيى التيمي ،وأبو الجلح ،ع َن عطاء بْن ح َّم َ
ُ
َّ السائب ،ع َن أبيه ،ع َن ع َبْد اللّه بْن عمرو؛ قَا َ
ه
سول الل ِ ل - :قال َر ُ
صلى الله عليه وسلم( :خصلتان ل يحصيهما رجل مسلم إل دخل
الجنة .وهما يسير .ومن يعمل بهما قليل .يسبح الله في دبر كل
َ
سول الل ّ ِ
ه صلة عشراً .ويكبر عشراً .ويحمد عشراً) فرأيت َر ُ
صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده( :فذلك خمسون ومائة
باللسان .وألف وخمسمائة في الميزان .وإذا أوى إلى فراشه
سبح وحمد وكبر مائة .فتلك مائة باللسان ،وألف في الميزان.
فأيكم يعمل في اليوم ألفين وخمسمائة سيئة) قالوا :وكيف ل
يحصيهما؟ قال(( :يأتي أحدكم الشيطان ،وهو في الصلة ،فيقول:
اذكر كذا وكذا .حتى ينفك العبد ل يعقل .ويأتيه وهو في مضجعه،
فل يزال ينومه حتى ينام)).
489
ورواه البخاري في الدب المفرد
* عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال( :خلتان ل يحصيهما رجل مسلم إل دخل الجنة
وهما يسير ومن يعمل بهما قليل) قيل :وما هما يا رسول الله؟
قال( :يكبر أحدكم في دبر كل صلة عشًرا ويحمد عشًرا ويسبح
عشًرا فذلك خمسون و مائة على اللسان وألف وخمسمائة في
الميزان) فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعدهن بيده (وإذا
أوى إلى فراشه سبحه وحمده وكبره فتلك مائة على اللسان
وألف في الميزان فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين
وخمسمائة سيئة؟) قيل :يا رسول الله كيف ل يحصيهما؟ قال:
(يأتي أحدكم الشيطان في صلته فيذكره حاجة كذا وكذا فل
يذكره).
مام هذا. -وقوله ـ وهو بموضع ـ :نعم موضع الح َّ
قلت :قال العجلوني في كشف الخفا :نعم البيت الحمام فإنه
يذهب بالوسخ ويذكر الخرة.
رواه ابن منيع بسند ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه .وتقدم
في حرف الباء من رواية ابن عدي عن ابن عباس بئس البيت
الحمام ترفع فيه الصوات وتكشف فيه العورات وهما محمولن
على حالتين على فرض صحة بئس البيت الحمام وإل فقد نقل
في الميزان عن الدارقطني أنه قال فيه بن أحمد القيراطي
البزار متروك كذاب وأن ابن عدي خرج الحديث فقال يسرق
صا. الحديث ثم ساق له هذا الخبر .كذا في شرح المناوي ملخ ً
-وقوله :ما بين المشرق والمغرب قبلة.
قلت :رواه النسائي ،وابن ماجه ،والبيهقي ،وابن أبي شيبة،
قشرِ ِ م ْن ال َ ما بَي َ ن َ جاءَ أ َ َّ ما َ ب َ والحاكم ...والترمذي في بَا ُ
ة ،قال: ب قِبْل َ ٌ مغْرِ ِ وَال َ
َ َ َ
مرٍو ع َن ن عَ ْ مد ِ ب ِ ح َّم َ خبََرنا أبِي ع َن ُ شرٍ أ ْ معْ َ ن أبِي َ مد ُ ب ُ ح َّم َ حدَّثَنَا ُ َ -
َ َ
ل الله صلى الله عليه سو ُ ل َر ُ ل :قَا َ ة ع َن أبِي هَُريَْرة َ قَا َ م َ سل َ َ
أبِي َ
ة". ب قِبْل َ ٌ مغْرِ ِ ق وَال َ شرِ ِ م ْ ن ال َ ما بَي َ وسلمَ " -
َ َ
ه. مثْل َ ُ
شرٍِ : معْ َ ن أبِي َ مد ُ ب ُ ح َّ م َخبََرنا ُ سى أ ْ مو َ ن ُ حيَى ب ُ حدَّثَنَا ي َ ْ َ -
َ َ
جهٍ. ن غَيرِ وَ ْ م ْ ه ِ ث أبِي هَُريَْرة َ قَد ْ ُروِيَ ع َن ْ ُ سى :حدي ُ عي َ ل أبُو ِ قَا َ
َ َ َ
ه
م ُ
س ُحفْظِهِ ،وَا ْ ل ِ ن قِب َ ِ م ْشرٍ ِ معْ َ ل العِلم ِ في أبِي َ ض أه ِ م بَعْ ُ وَقَد ْ تَكَل ّ َ
شيئاً .وَقَد ْ َروَى َ
ه َ مدٌ :ل َ أْروِي ع َن ْ ُ ح َّ م َ ل ُ شم ٍ قَا َ مولَى بَنِي هَا ِ ح َ ْ جي ٌ نَ ِ
ي ع َن خرِم ِ ّ م ْجعْفَرٍ ال َ ن َ ِ ث ع َبد ِ الله ب مدُ :وَحدي ُ ح َّ م َ ل ُ س قَا َ ه النَّا ُ ع َن ُ
َ َ ح َّ
ي ع َن أبِي هَُريَْرة َ ع َن مقْبُر ِ ّ سعيد ٍ ال َ ي ع َن َ خنَس ِ ّ مد ٍ ال ْ م َ ن ُ نب ِ ما َ ع ُث ْ َ
بمغْرِ ِ ق وَال َ شرِ ِ م ْ ن ال َ ما بَي َ لَ " : ي صلى الله عليه وسلم قَا َ النَّب ِ ِ ّ
490
خرم ُ َ
ه من وَلَد ِ المسورِ ي لن َّ ُ م ْ ِ ّ جعْفَرٍ ال َ ن َ ل ع َبد ُ الله ب ُ ما قِي َ ة" وَإِن َّ َ قِبْل َ ٌ
ح...صحي ٌ ن َ س ٌح َ ث َ حدِي ٌ سى :هَذ َا َ عي َ ل أَبُو ِ ة .قَا َ م َ خَر َ م ْن َ ب ِ
ب النَّب حد من أ َ
ي صلى الله عليه وسلم:
َ ّ ِ ِ ِ حا
ص َْ وَقَد ْ ُروِيَ ع َن غَيرِ وَا ِ ٍ ِ ْ
ب وَع َل ُّ
ي خط ّا ِ ن ال َ مُر ب ُ م عُ َ منْهُ ْ ة" ِ ب قِبْل َ ٌ مغْرِ ِ ق وَال َ شرِ ِ م ْ ن ال َ ما بَي َ " َ
َ َ
س. ن ع َبَّا ٍ ب وَاب ِ ن أبِي طال ٍ ب ُ
شرِقَ ع َن م ْ ك وَال َ مين ِ َ ب ع َن ي َ ِ مغْرِ َ ت ال َ جعَل ْ َ مَر :إِذ َا َ ن عُ َ ل اب ُ وَقَا َ
ما
كَ : مبَاَر ِ ن ال ُ ل اب ُ ة.وَقَا َ ت القِبْل َ َ ستَقْبَل ْ َ ة إِذ َا ا ْ ما قِبْل َ ٌ ما بَيْنَهُ َ ك فَ َ سارِ َ يَ َ
ختَاَر ع َبد ُ الله ق.وَا ْ م ْ َ َ م ْ
شرِ ِ ل ال َ ة.هَذ َا له ِ ب قِبْل ٌ مغْرِ ِ ق وَال َ شرِ ِ ن ال َ بَي َ
مروٍ.. َ
ل َ سُر له ِ ك التَيَا ُ مبَاَر ِ ن ال ُ ب ِ
-وقوله لعيينة ،أو القرع :أنا أفرس بالخيل منك.
قلت :أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد
وعن عمرو بن عبسة قال :كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يعرض يوما ً خيل ً وعنده عيينه بن حصن بن بدر الفزاري
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" :أنا أفرس بالخيل
منك" .فقال عيينة :وأنا أفرس بالرجال منك ،فقال له النبي
صلى الله عليه وسلم" :وكيف ذاك؟" .قال :خير أم على
عواتقهم ،جاعلي رماحهم على مناسج خيولهم ،لبسي البرد من
أهل نجد .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :كذبت ،بل
خير الرجال رجال أهل اليمن ،واليمان يمان إلى لخم وجذام
وعاملة ،ومأكول حمير خير من أكلها ،وحضرموت خير من بني
الحارث ،وقبيلة خير من قبيلة ،وقبيلة شبيلة ،والله ل أبالي أن
يهلك الحارثان كلهما ،لعن الله الملوك الربعة :جمداء ومخوساء
ومشرحاء وأبضعة وأختهم العمّرد"
مل. م ِ -وقوله لكتابه :ضع القلم على أذنك ،فإنه أذكر لل ُ
قلت :رواه الترمذي:
حدثنا قتيبة حدثنا عبيد الله بن الحرث عن عنبسة عن محمد بن
زاذان عن أم سعد عن زيد بن ثابت قال دخلت على رسول الله
صلى الله عليه وسلم وبين يديه كاتب فسمعته يقول :ضع القلم
على أذنك فإنه أذكر للمملي ..قال أبو عيسى هذا حديث غريب ل
نعرفه إل من هذا الوجه وهو إسناد ضعيف وعنبسة بن عبد
الرحمن ومحمد بن زاذان يضعفان في الحديث ..قال الشيخ
اللباني :موضوع.
عن زيد بن ثابت قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم
وبين يديه كاتب فسمعته يقول :ضع القلم على أذنك فإنه أذكر
للمآل .رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب وفي إسناده ضعف.
491
وذكره السيوطي في اللليء المصنوعة قال :قلت ورد من
حديث أخرجه ابن عساكر أنبأنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء بن
أبي منصور أنبأنا أبو الفتح منصور أنبأنا الحسين بن علي بن
القاسم طاهر بن محمود قال أنبأنا أبو بكر المقري حدثنا طاهر
محمد البزار الدمشقي حدثنا هشام بن عمار حدثنا عثمان بن
عمرو حدثنا أبو مسعدة النصاري عن عمرو بن الزهري عن
حميد عن أنس قال :قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم
لكاتبه" :إذا كتبت فضع قلمك على أذنك فإنه أذكر لك" ،وقال
الديلمي أنبأنا عبدوس عن ابن بلل أنبأنا أبو صالح القاضي عن
محمد بن هشام عن إبراهيم بن محمد القرشي عن إبراهيم بن
زكريا الواسطي عن عمرو بن أبي زهير عن حميد عن أنس قال:
قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم" :إذا كتبت فضع القلم
خلف أذنك فإنه أذكر لك" واللّه أعلم .هذا مع أنه صلى الله عليه
وسلم كان ل يكتب ،ولكنه أوتي علم كل شيء ،حتى قد وردت
آثار بمعرفته حروف الخط وحسن تصويرها:
-كقوله" :ل تمدوا بسم الله الرحمن الرحيم".رواه ابن شعبان
من طريق ابن عباس.
-وقوله في الحديث الخر الذي يروى عن معاوية أنه كان يكتب
بين يديه صلى الله عليه وسلم فقال له :ألق الدواة ،وحرف
القلم ،وأقم الباء ،وفرق السين ،ول تعور الميم ،وحسن الله،
ومد الرحمن ،وجود الرحيم".
وهذا ،وإن لم تصح الرواية أنه صلى الله عليه وسلم كتب فل
يبعد أن يرزق علم هذا ويمنع القراءة والكتابة .وأما علمه صلى
الله عليه وسلم بلغات العرب ،وحفظه معاني أشعارها ،فأمر
مشهور ،قد نبهنا على بعضه أول الكتاب.
وكذلك حفظه لكثير من لغات المم ،كقوله في الحديث :سنه،
سنه ..وهي حسنة بالحبشية.
قلت :رواه حدثنا حبان بن موسى :أخبرنا عبد الله ،عن خالد بن
سعيد ،عن أبيه ،عن أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت :أتيت
رسول البخاري في كتاب الجهاد والسير باب :من تكلم بالفارسية
والرطانة.رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي وعلي
وقميص أصفر ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( :سنه
سنه) .قال عبد الله :وهي بالحبشية حسنة ،قالت :فذهبت ألعب
بخاتم النبوة ،فزبرني أبي ،قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم( :دعها) .ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( :أبلي
وأخلقي ،ثم أبلي وأخلقي ،ثم أبلي وأخلقي) .قال عبد الله:
فبقيت حتى ذكر.
492
وأخرجه أبو داود في كتاب اللباس باب فيما يُدْعى لمن لبس
ثوبا ً جديدا ً داود بلفظ :سناه سناه.
ـ،حدثنا إسحاق بن الجراح الذني ،ثنا أبو النضر ،ثنا إسحاق بن
سعيد ،عن أبيه ،عن أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص أن
ي بكسوة فيها خميصة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أت َ
صغيرة فقال" :من ترون أحقُّ بهذه؟" فسكت القوم فقال:
خلِقي" م ِ خالدٍ" فأتي بها فألبسها إياها ثم قال" :أبلي وأ َ ْ "ائتوني بأ ّ
مرتين ،وجعل ينظر إلى علم في الخميصة أحمر أو أصفر ويقول:
م خالدٍ" وسناه في كلم الحبشة :الحسن. "سناه سناه يا أ َّ
-وقوله :ويكثر الهرج وهو القتل بها.
قلت :رواه البخاري في كتاب الفتن كتاب الفتن.باب :ظهور
الفتن.حدثنا عياش بن الوليد :أخبرنا عبد العلى :حدثنا معمر ،عن
الُزهري ،عن سعيد ،عن أبي هريرة ،عن النبي صلى الله عليه
ح ،وتظهر ش ُّ وسلم قال( :يتقارب الزمان ،وينقص العلم ،ويلقى ال ُّ
الفتن ،ويكثر الهرج) .قالوا :يا رسول الله ،أيُّما هو؟ قال( :القتل
القتل) .وقال شعيب ،عن يونس ،والليث ،وابن أخي الُزهري ،عن
الُزهري ،عن حميد ،عن أبي هريرة ،عن النبي صلى الله عليه
وسلم
وأخرجه مسلم في كتاب العلم باب رفع العلم وقبضه ،وظهور
الجهل والفتن ،في آخر الزمان حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير.
حدثنا وكيع وأبي .قال :حدثنا العمش .ح وحدثني أبو سعيد الشج
(واللفظ له) .حدثنا وكيع .حدثنا العمش عن أبي وائل قال :كنت
سا مع عبد الله وأبي موسى .فقال :قال رسول الله صلى جال ً
ما .يرفع فيها العلم، الله عليه وسلم" :إن بين يدي الساعة أيا ً
وينزل فيها لجهل ،ويكثر فيها الهرج .والهرج القتل"...
ب دَْرد َ أي وجع البطن شكَن ْ َ -وقوله ـ في حديث أبي هريرة :أ َ ْ
بالفارسية.
ن .حدّثنا ذُؤ َادُ سكِي ٍ م ْن ِ سرِيُّ ب ْ ُ سافِرٍ .حدّثنا ال َّ م َ ن ُ جعْفَُر ب ْ ُ حدّثنا َ
جَر النَّب ِ ُّ َ
ي ل :هَ َّ ن أبِي هَُريَْرةَ؛ قَا َ جاهِدٍ ،ع َ ْ م َ ن ُ ث ،ع َ ْ ن لَي ْ ٍ ة عَ ْ ن ع ُلْب َ َ بْ ُ
َ
ت ت .فَالْتَفَ َ س ُ جل َ ْ
مض َ ت ثُ ّ صل ّي ْ ُ ت .فَ َ جْر ُ صلى الله عليه وسلم فَهَ َّ
ت: ت دَْردْ؟)) قُل ْ ُ م ْشك َ َل(( :ا ِ ي صلى الله عليه وسلم فَقَا َ إِلَى النَّب ِ ُّ
شفَاءً)). ن فِي الصلةِ ِ ل ،فَإ ِ َّ ص ِّ م فَ َ ل ((ق ْ ل اللهِ! قَا َ سو َ م .يَا َر ُ نَعَ ْ
َ ْ َّ َ
صرٍ .حدّثنا أبُو ن نَ ْم بْ ُ ن .حدّثنا إِبَْراهِي ُ ن القَطا ُ س ِ ح َحدّثنا أبُو ال ْ َ
ت دَْردْ. م ْ شك َ َ ل فِيهِ :ا ِ حوَهُ ،وَفَا َ ة .فَذ َكََر ن َ ْ ن ع ُلْب َ َ ة .حدّثنا ذؤ َاد ُ ب ْ ُ م َسل َ ََ
َ
سي ّةِ. ْ َ
شتَكِي بَطن َك ،بِالفَارِ ِ ْ يَعْنِي ت َ ْ
ستَعْدَوا ع َلَيْهِ. َ قَا َ َ
ل لهْلَهِ .فَا ْ ج ٌ ث بِهِ َر ُ حد َّ َ هَ : ل أبُو ع َبْد ِ الل ِ
493
ن أبي سليم .وقد ضعفه في الزوائد :في إسناده ليث ،وهو اب ْ ِ
ل الفيروز الجمهور .جاء في هامش الطبعة الهندية ما يأتي :قَا َ
ي صلى الله عليه وسلم بالفارسية)): آبادي في ((باب تكلم النب ّ
ما صح شيء .ثم قال :قلت رجال هذا الحديث كلهم مأمونون ،إل
ن حبان :منكر الحديث جدا، ل اب ْ ِ ن علبة فإنه ضعيف .قَا َ ذ ُؤاد ب ْ ُ
ن الثقات مال أصل له ،ومن الضعفاء مال يعرف .كما يروي ع َ ْ
ذكره في التهذيب.
-إلى غير ذلك مما ل يعلم بعض هذا ول يقوم به و ا ببعضه إل
من مارس الدرس و العكوف على الكتب ومثافنة أهلها عمره.
وهو رجل كما قال الله تعالى :أمي ،لم يكتب ولم يقرأ ،ول عرف
بصحبه من هذه صفته ،ول نشأ بين قوم لهم علم ول قراءة
لشيء من هذه المور ،ول عرف هو ـ قبل بشيء منها ،قال الله
ك إِذاً ُ
مين ِ َ
ه بِي َ ِ خط ّ ُ ب وََل ت َ ُ من كِتَا ٍ من قَبْلِهِ ِ ت تَتْلُو ِ ما كُن َ َتعالى( :وَ َ
ن) (العنكبوت ) 48:إنما كانت غاية معارف العرب مبْطِلُو َ ب ال ْ ُ ّلْرتَا َ
النسب وأخبار أوائلها ،والشعر ،والبيان ،وإنما حصل ذلك لهم بعد
التفرغ علم ذلك ،والشتغال بطلبه ،ومباحثة أهله عنه .وهذا الفن
نقطة من بحر علمه صلى الله عليه وسلم .ول سبيل إلى جحد
الملحد لشيء مما ذكرناه ،ول وجد الكفرة حيلة في دفع ما
َ َ
ساطِيُر ن هَذ َا إِل ّ أ َ نصصناه إل قولهم الذي حكاه الله عنهم(:إ ِ ْ
شٌر) فرد الله عز وجل قولَهم ه بَ َ ُ م
ُ ما يُعَل ِّ
َ ن) (النعام )25و(إَن َ الَوَّلِي
َ بقوله( :ولَقَد نعل َ َ
ن ال ّذِي سا ُ شٌر ل ِّ َ ه بَ َ م ُما يُعَل ِّ ُ ن إِن َّ َ م يَقُولُو َ م أنَّهُ ْ َ ْ َْ ُ
َ
ن) (النحل ) 103 :ثم مبِي ٌ ي ُّ ن عََرب ِ ٌّ سا ٌ ي وَهَـذ َا ل ِ َ م ٌّج ِن إِلَيْهِ أع ْ َ حدُو َ يُل ْ ِ
ما قالوه مكابرة العيان ،فإن الذي نسبوا تعليمه إليه إما سلمان،
أو العبد الرومي ،وسلمان إنما عرفه بعد الهجرة ،ونزول الكثير
من القرآن ،وظهور ما ل ينعد من اليات.وأما الرومي فكان أسلم
وكان يقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم ،و اختلف في
اسمه .قيل :بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس عنده عند
ُ
المروة ،وكلهما أعجمي اللسان ،وهم الفُصحاء الل ّد ،والخطباء
ُ
سن ،قد عجزوا عن معارضة ما أتى به ،والتيان بمثله ،بل عن الل ّ ْ
فهم رصفه ،وصورة تأليفه ونظمه ،فكيف بأعجمي ألكن! نعم،
وقد كان سلمان ،أو بلعام الرومي ،أو يعيش ،أو جبر ،أو يسار ـ
على اختلفهم في اسمه ـ بين أظهرهم يكلمونه مدى أعمارهم،
فهل حكي عن واحد منهم شيء من مثل ما كان يجيء به محمد
صلى الله عليه وسلم؟ وهل عرف واحد منهم بمعرفة شيء من
ذلك؟ وما منع العدو حينئذ على كثرة عدده ،ودؤوب طلبه،وقوة
حسده -أن يجلس إلى هذا فيأخذ عليه أيضا ً ما يعارض به ويتعلم
منه ما يحتج به على شغبه ،كفعل النضر بن الحارث بما كان
494
يمخرق به من أخبار كتبه .ول غاب للنبي صلى الله عليه وسلم
عن قومه ،ول كثرت اختلفاته إلى بلد أهل الكتاب ،فيقال :إنه
استمد منهم ،بل لم يزل بين أظهرهم يرعى في صغره وشبابه،
على عادة أبنائهم ،ثم لم يخرج عن بلدهم إلى سفرة أو
سفرتين ،لم يطل فيهما مكثه مدة يحتمل فيها تعليم القليل،
فكيف الكثير ،بل كان في سفره في صحبة قومه ورفاقة
عشيرته ،لم يغب عنهم ،ول خالف حاله مدة مقامه بمكة من
تعليم و اختلف إلى حبر أو قس ،أو منجم أو كاهن ،بل لو كان
هذا بعد كله لكان مجيء ما أتى به من معجز القرآن قاطعا ً لكل
عذر ،ومدحضا ً لكل حجة ،ومجليا ً لكل أمر.
الفصل السادس والعشرون:
من خصائصه وكراماته وباهر آياته أنباؤه مع الملئكة والجن.
ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم ،وكراماته ،وباهر آياته أنباؤه
مع الملئكة والجن ،وإمداد الله له بالملئكة ،وطاعة الجن له،
ورؤية كثير من أصحابه لهم،
ُ َ ّ َ
ما وَإِن ت قُلوبُك ُ َ صغَ ْ *قال الله تعالى( :إ ِ َن تَتُوبَا إِلى اللهِ فَقَد ْ َ
ن منِي َ مؤْ ِ ح ال ْ ُ صال ِ ُ ل وَ َ جبْرِي ُ موَْله ُ وَ ِ ه هُوَ َ ن الل ّ َ تَظَاهََرا ع َلَيْهِ فَإ ِ َّ
ك ظَهِيٌر) (التحريم.)4 : ة بَعْد َ ذَل ِ َ مَلئِك َ ُوَال ْ َ
منُواْ َ َ
نآ َ م فَثَبِّتُوا ْ ال ّذِي َ معَك ُ ْ ملئِكَةِ أنِّي َ ك إِلَى ال ْ َ حي َرب ُّ َ
َ
-وقال( :إِذ ْ يُو ِ
ُ
َ
قضرِبُوا ْ فَوْقَ الع ْنَا ِ ب فَا ْ ن كَفَُروا ْ الَّرع ْ َ ب ال ّذِي َ سألْقِي فِي قُلُو ِ َ
ن) (النفال.)12 : َ م كُ ّ ضرِبُوا ْ ِ
َ ل بَنَا ٍ منْهُ ْ وَا ْ
َ
ن
م َ ف ِّ مدُّكُم بِأل ْ ٍ م ِ م أنِّي ُ ب لَك ُ ْ جا َ ست َ َ م فَا ْ ن َربَّك ُ ْ ستَغِيثُو َ -وقال( :إِذ ْ ت َ ْ
َ
من بِهِ قُلُوبُك ُ ْ مئ ِ َّ شَرى وَلِتَط ْ َ ه إِل ّ ب ُ ْ ه الل ّ ُ جعَل َ ُ ما َ ن * وَ َ مْردِفِي َ ملئِكَةِ ُ ال ْ َ
َ
م) (سورة النفال 9 حكِي ٌ ه ع َزِيٌز َ ن الل ّ َ عند ِ اللّهِ إ ِ َّ ن ِ م ْ صُر إِل ّ ِ ما الن َّ ْ وَ َ
– .)10
مان فَل َ َّ ن الْقُْرآ َ معُو َ ست َ ِ ن يَ ْ ج ِّن َال ْ ِ م َ ك نَفَرا ً ِّ صَرفْنَا إِلَي ْ َ -وقال( :وَإِذ ْ َ
َ
ن) منذِرِي َ مهِم ُّ ي وَل ّوْا إِلَى قَوْ ِ ض َ ما قُ ِ صتُوا فَل َ َّ ضُروه ُ قَالُوا أن ِ ح َ َ
(الحقاف.)29 :
* -حدثنا سفيان بن العاص الفقيه بسماعي عليه ،حدثنا أبو الليث
السمرقندي ،قال :حدثنا عبد الغافر الفارسي ،حدثنا أبو أحمد
الجلودي ،حدثنا ابن سفيان ،حدثنا مسلم ،حدثنا عبيد الله بن
معاذ ،حدثنا أبي حدثنا شعبة ،عن سليمان الشيباني ،سمع زر بن
َ
ه
ت َرب ِّ ِ ن آيَا ِ م ْ حبيش ،عن عبد الله في قوله تعالى(:لَقَد ْ َرأى ِ
الْكُبَْرى) (النجم ) 18 :ـ قال :رأى جبريل عليه السلم في صورته،
له ستمائة جناح.
قلت :قال القرطبي في تفسيره :وقال ابن مسعود وأبو هريرة
في تفسير قوله تعالى" :ولقد رآه نزلة أخرى" أنه جبريل .ثبت
495
هذا أيضا في صحيح مسلم .وقال ابن مسعود :قال النبي صلى
الله عليه وسلم( :رأيت جبريل بالفق العلى له ستمائة جناح
يتناثر من ريشه الدر والياقوت) ذكره المهدوي.
والحديث في صحيح مسلم هو:
*حدثني أبو الربيع الزهراني .حدثنا عباد (وهو ابن العوام) حدثنا
الشيباني قال :سألت زر بن حبيش عن قول الله عز وجل:
{فكان قاب قوسين أو أدني} [/53النجم /الية ]9-قال :أخبرني
ابن مسعود؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له
ستمائة جناح.
* حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة .حدثنا حفص بن غياث عن
الشيباني ،عن زر ،عن عبد الله؛ قال{ :ما كذب الفؤاد ما رأى}
[/53النجم /الية ]11-قال :رأى جبريل عليه السلم له ستمائة
جناح.
* حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري .حدثنا أبي .حدثنا شعبة عن
سليمان الشيباني .سمع زر بن حبيش عن عبد الله؛ قال{ :لقد
رأى من آيات ربه الكبرى} [ /53النجم /الية ]18قال :رأى جبريل
في صورته ،له ستمائة جناح.
- -والخبر في محادثته مع جبريل وإسرافيل وغيرهما من
الملئكة ،وما شاهده من كثرتهم وعظم صور بعضهم ليلة
السراء مشهور.
-وقد رآهم بحضرته جماعة من أصحابه في مواطن مختلفة،
فرأى أصحابه جبريل عليه السلم في صورة رجل يسأله عن
السلم واليمان...
-قلت :أشار القاضي عياض رحمه الله إلى حديث جبريل ,وهو
كما عند مسلم:
عن عبد الله بن عمر .حدثني أبي عمر بن الخطاب ،قال :بينما
نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ،إذ طلع
علينا رجل شديد بياض الثياب .شديد سواد الشعر .ل يرى عليه
أثر السفر .ول يعرفه منا أحد .حتى جلس إلى النبي صلى الله
عليه وسلم .فاسند ركبتيه إلى ركبتيه .ووضع كفيه على فخذيه.
وقال :يا محمد! أخبرني عن السلم .فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم" :السلم أن تشهد أن ل إله إل الله وأن محمدا
رسول الله صلى الله عليه وسلم .وتقيم الصلة .وتؤتي الزكاة.
وتصوم رمضان .وتحج البيت ،إن استطعت إليه سبيل" قال:
صدقت .قال فعجبنا له .يسأله ويصدقه .قال :فأخبرني عن
اليمان .قال" :أن تؤمن بالله ،وملئكته ،وكتبه ،ورسله ،واليوم
الخر .وتؤمن بالقدر خيره وشره" قال :صدقت .قال :فأخبرني
496
عن الحسان .قال" :أن تعبد الله كأنك تراه .فإن لم تكن تراه،
فإنه يراك" .قال :فأخبرني عن الساعة .قال" :ما المسؤول عنها
بأعلم من السائل" قال :فأخبرني عن أمارتها .قال" :أن تلد المة
ربتها .وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء ،يتطاولون في
البنيان" .قال ثم انطلق .فلبثت مليا .ثم قال لي" :يا عمر! أتدري
من السائل؟" قلت :الله ورسوله أعلم .قال" :فإنه جبريل أتاكم
يعلمكم دينكم".
-ورأى ابن عباس ،وأسامة بن زيد ،وغيرهما عنده جبريل في
صورة دحية.
قلت :ومنهم أم سلمة رضي الله عنها كما ثبت في صحيح
مسلم:
باب من فضائل أم سلمة ،أم المؤمنين ،رضي الله عنها
حدثني عبد العلى بن حماد ومحمد بن عبد العلى القيسي.
كلهما عن المعتمر .قال ابن حماد :حدثنا معتمر بن سليمان
قال :سمعت أبي .حدثنا أبو عثمان عن سلمان .قال :ل تكونن،
إن استطعت ،أول من يدخل السوق ول آخر من يخرج منها .فإنها
معركة الشيطان ،وبها ينصب رايته.
قال :وأنبئت أن جبريل عليه السلم أتى نبي الله صلى الله عليه
وسلم وعنده أم سلمة .قال فجعل يتحدث ثم قام .فقال نبي الله
صلى الله عليه وسلم لم سلمة" :من هذا؟" أو كما قال .قالت:
هذا دحية .قال فقالت أم سلمة :ايم الله! ما حسبته إل إياه .حتى
سمعت خطبة نبي الله صلى الله عليه وسلم يخبر خبرنا .أو
كما قال .قال فقلت لبي عثمان :ممن سمعت هذا؟ قال :من
أسامة بن زيد.
وقال صلى الله عليه وسلم :رأيت جبريل عليه السلم .فإذا
أقرب من رأيت به شبها دحية"( .وفي رواية ابن رمح) "دحية بن
خليفة".
وقفة مع البيهقي في دلئل النبوة
باب ما جاء في رؤية من رأى جبريل عليه السلم يوم بني
قريظة
* أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو قال أخبرنا الحسن بن محمد بن
إسحاق السفرئيني قال حدثنا محمد بن أيوب قال أخبرنا موسى
بن إسماعيل قال حدثنا جرير بن حازم قال حدثنا حميد بن هلل
عن أنس قال رأيت الغبار ساطعا في سكة بني غنم موكب
جبريل عليه السلم حين سار رسول الله إلى بني قريظة.
*وأخبرنا أبو سعيد احمد بن محمد الماليني قال أخبرنا أبو أحمد
بن عدي الحافظ قال أخبرنا محمد بن عبدة قال حدثنا محمد بن
497
أبي بكر المقدمي قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثني أبي عن
حميد بن هلل عن أنس قال كأني أنظر إلى الغبار ساطعا في
موكب جبريل حين سار إلى بني قريظة في سكة بني غنم.
رواه البخاري في الصحيح عن موسى بن إسماعيل عن جرير بن
حازم.
وذكرنا عن مغازي موسى بن عقبة وغيره أن رسول الله خرج
في أثر فمر على مجلس بني غنم فسألهم مر عليكم فارس آنفا
قالوا مر علينا دحية الكلبي على فرس أبيض تحته نمط أو قطيفة
من ديباج عليه اللمة فذكروا أن رسول الله قال ذاك جبريل
وكان يشبه دحية الكلبي بجبريل عليه السلم.
*وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان قال أخبرنا أحمد بن عبيد
الصفار قال أخبرنا احمد بن علي الحزاز قال حدثنا عبد الواحد هو
ابن غياث قال حدثنا حماد هو ابن سلمة قال حدثنا هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة إن النبي لما فرغ من الحزاب دخل
مغتسل ليغتسل فجاءه جبريل فقال يا محمد قد وضعتم أسلحتكم
وما وضعنا أسلحتنا انهض إلى بني قريظة فقالت عائشة :يا
رسول الله لقد رأيته من خلل الباب قد عصب رأسه التراب.
*أخبرنا أبو صالح منصور بن عبد الوهاب البزاز قال أخبرنا أبو
عمرو بن أبي جعفر قال أخبرنا الحسن بن سفيان قال حدثنا
عبيد الله بن عمر القواريري قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي
عن عبد الله بن عمر عن أخيه عبيد الله عن القاسم بن محمد
عن عائشة أن رجًل أتى النبي على برزون وعليه عمامة طرفها
بين كتفيه فسألت النبي فقال :رأيتيه ذاك جبريل عليه السلم".
رواه ابن وهب عن عبد الله عن عبد الرحمن بن القاسم عن
أبيه عن عائشة وروى في ذلك أيضا عن الشعبي عن أبي سلمة
عن عائشة قد أخرجناه في الفضائل.
باب ما جاء في رؤية أم سلمة زوج النبي جبريل عليه السلم:
* أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن
يعقوب قال حدثنا أبو بكر بن إسحاق وعبد الله بن محمد قال
حدثنا محمد بن عبد العلى قال حدثنا المعتمر بن سليمان قال
سمعت أبي قال حدثنا أبو عثمان النهدي عن سلمان قال :ل
تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ول آخر من يخرج منها
فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته أو كما قال وثبت أن
جبريل عليه السلم أتى النبي وعنده أم سلمة قال فجعل يتحدث
ثم قام فقال نبي الله لم سلمة" :من هذا"؟ أو كما قالت ,قلت:
هذا دحية الكلبي قال فقالت أم سلمة ما حسبته إل إياه حتى
498
سمعت خطبة النبي يخبر جبريل أو كما قال فقلت لبي عثمان
ممن سمعت هذا قال من أسامة.
499
يروا شيئًا فقال رسول الله :هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم".
أخرجاه في الصحيح.
باب ما جاء في رؤية حارثة بن النعمان جبريل عليه السلم
سا في المقاعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. جال ً
*حدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الصبهاني رحمه الله قال
أخبرنا أبو سعيد بن العرابي حدثنا أحمد بن منصور الرمادي
حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري قال أخبرني عبد
الله بن عامر بن ربيعة عن حارثة بن النعمان قال مررت على
رسول الله ومعه جبريل عليه السلم جالس في المقاعد
فسلمت عليه ومررت فلما رجعنا وانصرف رسول الله قال لي:
"هل رأيت الذي كان معي" قلت :نعم قال" :فإنه جبريل وقد رد
عليك السلم"
باب ما جاء في رؤية عبد الله بن عباس جبريل عليه السلم.
*أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي المقرئ قال أخبرنا
الحسن ابن محمد بن إسحاق قال حدثنا يوسف بن يعقوب
القاضي قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن سلمة
قال حدثنا عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال كنت مع أبي
عند رسول الله ومعه رجل يناجيه فكان كالمعرض عني فلما
خرجنا قال يا بني ألم تر أن ابن عمك كان كالمعرض عني عن
أبيه عن أبي فرك فقلت يا أباه إنه كان عنده رجل يناجيه فرجع
إلى رسول الله فقال يا رسول الله قلت لعبد الله كذا وكذا
فقال :إنه كان عندك رجل تناجيه ويناجيك فهل كان عندك أحد
فقال رسول الله :وهل رأيته يا عبد الله؟ قلت :نعم قال :ذاك
جبريل عليه السلم هو الذي كان يشغلني عنك".
باب ما جاء في رؤية النصاري جبريل عليه السلم وحديثه معه
* أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي وأبو سعيد بن أبي
عمرو قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا العباس
بن محمد الدوري قال حدثنا محمد بن عبد الوهاب قال حدثنا
يعقوب القمي عن جعفر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال
عاد رسول الله رجل ً من النصار فلما دنا من منزله سمعه يتكلم
في الداخل فلما استأذن عليه دخل فلم ير أحدًا قال له رسول
الله صلى الله عليه وسلم :سمعتك تكلم غيرك قال :يا رسول
ما بكلم الناس مما بي من الحمى الله لقد دخلت الداخل اغتما ً
فدخل علي داخل ما رأيت رجل ً قط بعدك أكرم مجل ً
سا ول
أحسن حديثًا منه قال :ذلك جبريل وأن منكم لرجاًل لو أن أحدكم
يقسم على الله لبره".
500
وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد قال حدثنا
إبراهيم بن هاشم قال حدثنا محمد بن عبد الوهاب قال حدثنا
يعقوب القمي عن جعفر بن المغيرة فذكره بإسناده مثله.
باب ما جاء في رؤية محمد بن مسلمة النصاري البدري جبريل
عليه السلم.
* أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن علي بن المؤمل أخبرنا أبو
أحمد بن إسحاق الحافظ قال أخبرنا أبو عروبة الحسين بن أبي
معشر السلمي قال حدثنا محمد بن المثني قال حدثنا عباد بن
موسى قال حدثنا يونس عن الحسن عن محمد بن مسلمة قال
مررت فإذا رسول الله على الصفا واضعًا خده على خد رجل قال
فذهبت فلم ألبث أن ناداني رسول الله قال فقمت له فقال :يا
محمد ما منعك أن تسلم؟ قال محمد بن مسلمة :يا رسول الله
رأيتك فعلت بهذا الرجل شيئًا ما فعلته بأحد من الناس فكرهت
أن أقطع عليك حديثك فمن كان يا رسول الله يكلمك؟ قال:
جبريل قال محمد بن مسلمة لم يسلم أما أنه لو سلم لرددنا
عليه السلم قال :وما قال لك يا رسول الله؟ قال" :ما زال
جبريل يوصيني بالجار حتى كنت أنتظر متى يأمرني فأورثه".
باب ما جاء في رؤية حذيفة بن اليمان الملك الذي روى أنه
استأذن ربه في التسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
*أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد
بن يعقوب قال حدثنا الحسن بن علي بن عفان قال حدثنا زيد بن
الحباب قال حدثني إسرائيل ح وأخبرنا أبو نصر بن قتادة قال
أخبرنا أبو علي الرفاء قال حدثنا محمد بن صالح الشج قال حدثنا
عبد الله بن عبد العزيز قال حدثنا إسرائيل بن يونس عن ميسرة
بن حبيب النهري عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن
حذيفة بن اليمان قال صلى رسول الله العشاء ثم خرج فتبعته
فإذا عارض قد عرض له فقال لي( :يا حذيفة هل رأيت العارض
الذي عرض لي) قلت نعم قال (ذاك ملك من الملئكة أستأذن
ربه يسلم علي ويبشرني بالحسن والحسين أنهما سيدا شباب
أهل الجنة وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة) لفظ حديث أبي
عبد الله الحافظ وقد أخرجته في كتاب الفضائل بطوله.
زاد ابن قتادة لم يهبط إلى الرض قبلها يعني الملك وروينا في
قصة الحزاب أن حذيفة رأى جماعة من الملئكة في الليلة التي
بعثه فيها رسول الله طليعة.
باب ما جاء في رؤية عمران بن حصين الملئكة وتسليمهم عليه
وذهابهم عنه حين اكتوى وعودهم إليه بعد ما تركه.
501
* أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو بكر بن
إسحاق الفقيه قال أخبرنا محمد بن أيوب قال أخبرنا مسلم بن
إبراهيم قال حدثنا إسماعيل بن مسلم العبدي قال حدثنا محمد
بن واسع عن مطرف ابن عبد الله بن الشخير قال :قال لي
عمران بن حصين ذات يوم إذا أصبحت فأغد علي فلما أصبحت
غدوت عليه فقال لي :ما غدا بك؟ قلت :الميعاد .قال :أحدثك
حديثين أما إحداهما فأكتمه علي وأما الخر فل أبالي أن تفشيه
علي..
فأما الذي تكتم علي فإن الذي كان أنقطع قد رجع يعني تسليم
الملئكة
والخر تمتعنا مع رسول الله قال فيها رجل برأيه ما شاء .أخرجه
مسلم في الصحيح من حديث إسماعيل بن مسلم.
* أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا عبد الله بن إسحاق بن
الخراساني قال حدثنا عبد الله بن الحسن الهاشمي قال حدثنا
شبابة قال حدثنا شعبة ح حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن
فورك رحمه الله قال أخبرنا عبد الله بن جعفر قال حدثنا يونس
بن حبيب قال حدثنا أبو داود قال حدثنا شعبة قال أخبرني حميد
بن هلل العدوي قال سمعت مطرف بن عبد الله بن الشخير
يحدث عن عمران بن حصين قال :قال لي :أل أحدثك حديثا لعل
الله أن ينفعك به؟ أن رسول الله جمع بين حج وعمرة ثم لم ينه
عنه ولم ينزل قرآنا يحرمه وأنه قد كان يسلم علي فلما اكتويت
أنقطع عني فلما تركت عاد إلي يعني الملئكة.
وفي رواية شبابة وأنه كان يسلم علي حتى اكتويت فلما اكتويت
رفع عني ذلك فلما تركت ذلك عاد إلي يعني تسليم الملئكة.
أخرجه مسلم في الصحيح عن حديث شعبة.
*أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس بن يعقوب
قال حدثنا العباس بن محمد الدوري قال حدثنا هارون بن
معروف قال حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن قتادة عن مطرف
بن عبد الله بن الشخير قال :قال لنا عمر :أن ابن حصين بعد أن
اكتوى وكان يأتيه آت ينبهه
للصلة فلما اكتوى أمسك عنه فلما سقطت عنه آثار المكاوي
ي ,وذكر عاد إليه فقال لهم :أعلموا أن الذي كان يأتيني قد عاد إل ّ
الحديث ورواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال فيه وأعلم أنه
قد سلم علي فإن عشت فأكتم علي وإن مت فحدث أن شئت.
*أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو حامد أحمد بن علي
المقرئ قال حدثنا أبو عيسى الترمذي في التاريخ قال حدثنا عبد
الله ابن أبي زياد الكوفي قال حدثنا سيار قال حدثنا حماد بن زيد
502
عن ثابت عن غزالة قالت كان عمران بن حصين يأمرنا أن نكنس
الدار ونسمع السلم عليكم ول نرى أحدا قال أبو عيسى يعني
هذا تسليم الملئكة.
*وفي حديث يوسف بن يعقوب القاضي عن سليمان بن حرب
عن حماد ابن سلمة عن عمار بن أبي عمار أن حمزة بن عبد
المطلب قال يا رسول الله أرني جبريل عليه السلم في صورته
فقال( :أنك ل تستطيع أن تراه) قال بلى فأرينه قال (فاقعد)
فقعد فنزل جبريل عليه السلم على خشبة كانت في الكعبة
يلقي المشركون عليها ثيابهم إذا طافوا فقال النبي (أرفع طرفك
فأنظر) فرفع طرفه فرأى قدميه مثل الزبرجد كالزرع الخضر
فخر مغشيًا عليه.
هكذا روي هذا عن عمار بن أبي عمار وهو مرسل
باب في رؤية أسيد بن الحضير وغيره السكينة والملئكة التي
نزلت عند قراءة القرآن
*أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق قال
أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان قال حدثنا عمرو بن خالد
الحراني قال حدثنا زهير قال حدثنا أبو إسحاق عن البراء قال
كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين
فتغشته سحابة فجعلت تدنو وتدنو وجعل فرسه ينفر فلما أصبح
أتى النبي فذكر ذلك فقال( :تلك السكينة تنزلت من للقرآن).
وأخبرنا أبو عبد الله قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب قال
حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى قال حدثنا يحيى بن يحيى قال
أخبرنا أبو خيثمة وهو زهير بن معاوية عن أبن إسحاق عن البراء
فذكره بمثله.
رواه البخاري في الصحيح عن عمرو بن خالد ورواه مسلم عن
يحيى ابن يحيى
*وأخبرنا أبو بكر بن فورك رحمه الله أخبرنا عبد الله بن جعفر
الصبهاني قال حدثنا يونس بن حبيب قال حدثنا أبو داود قال
حدثنا شعبة عن أبي إسحاق سمع البراء يقول بينما رجل يقرأ
سورة الكهف ليلة إذ رأى دابته تركض أو قال فرسه تركض فنظر
فإذ مثل الضبابة أو مثل الغمامة فذكر ذلك لرسول الله فقال:
(تلك السكينة تنزلت للقرآن أو تنزلت عند القرآن).
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن مثنى عن أبي داود.
*أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان قال أخبرنا أحمد بن
عبيد الصفار قال حدثنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان قال حدثنا ابن
بكير قال حدثنا الليث عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن
الحارث عن أسيد بن حضير قال بينما هو يقرأ من الليل سورة
503
البقرة وفرسه مربوط إذ جالت الفرس فسكت فسكنت فقرأ
فجالت الفرس فسكت فسكنت ثم قرأ فجالت الفرس فسكت
فسكنت فأنصرف وكان أبنه قريبا منه فأشفق أن تصيبه فلما
أخبره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها فلما أصبح حدث
رسول الله فقال بينما أنا اقرأ البارحة والفرس مربوطة إذ جالت
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اقرأ ابن الحضير اقرأ
ابن الحضير) ثلث مرات فقرأت فجالت فسكت فسكنت فقال
رسول الله (اقرأ ابن الحضير) فاشفقت يا رسول الله إن تطأ
يحيى وكان قريبًا فانصرفت إليه فرفعت رأسي إلى السماء فإذا
هو مثل الظلة فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى ل
أراها قال رسول الله (وتدري ما ذلك) قال :قلت ل يا رسول الله
قال( :تلك الملئكة أتت لصوتك ولو قرأت لصبح الناس ينظرون
ضا هذا الحديث عبد الله بن إليها ل تتوارى منهم) قال وحدثنا أي ً
خباب عن أبي سعيد الخدري عن أسيد بن الحضير.
أخرجه البخاري في الصحاح فقال وقال الليث وأخرجه مسلم
من حديث إبراهيم بن سعد عن يزيد بن الهاد عن عبد الله بن
خباب.
وروي ذلك أيضا من حديث الزهري عن ابن كعب بن مالك عن
أسيد ومن حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد.
باب سماع الصحابي قراءة من أسمعه قرآنه وأخفاه شخصه
والحمد لله وحده
*أخبرنا أبو نصر بن قتادة قال أخبرنا أبو منصور النصروي قال
حدثنا أحمد بن نجدة قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا أبو
الحوص عن أبي الحسن التيمي قال سمعت رجل ً يقول كنت
أسير مع رسول الله في ليلة ظلماء فسمع رجل ً يقرأ (قل يا أيها
الكافرون) فقال رسول الله (أما هذا فقد برىء من الشرك).
وسرنا فسمعنا رجًل يقرأ (قل هو الله أحد) فقال( :أما هذا فقد
غفر له) فكففت راحلتي لنظر من هو فنظرت يمينًا وشمال ً فما
رأيت أحدًا.
باب سماع عوف بن مالك وغيره صوت الملك الذي أتى النبي
صلى الله عليه وسلم بالشفاعة.
* أخبرنا أبو بكر بن فورك رحمه الله قال أخبرنا عبد الله بن
جعفر قال حدثنا يونس بن حبيب قال حدثنا أبو داود قال حدثنا
همام عن قتادة عن أبي المليح عن عوف بن مالك الشجعي قال
كنا مع النبي في سفر فعرسنا وافترش كل رجل منا ذراع راحلته
ثم انتبهت بعض الليل وإذا ليس بين يدي راحلة رسول الله أحد
فانطلقت فإذا أنا بمعاذ بن جبل وعبد الله بن قيس قائمان فقلت
504
لهما هل رأيتما رسول الله فقال ل وأنا أسمع صوتا فإذا مثل هزيز
الرحا وأتانا رسول الله فقال" :أنه أتاني آت من ربي فخيرني بين
أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة فأخترت الشفاعة"
فقلنا نناشدك الله والصحبة لما جعلتنا من أهل شفاعتك فقال
رسول الله " :أنتم من أهل شفاعتي" وجعل الرجل يجيء
فيقول :يا رسول الله اجعلني من أهل شفاعتك ,فيقول :أنت من
أهل شفاعتي فلما أضبوا عليه قال رسول الله" :اللهم أني
أشهدك أن شفاعتي لمن مات من أمتي ل يشرك بالله شيئًا".
-ورأى سعد عن يمينه يساره جبريل وميكائيل في صورة رجلين
عليهما ثياب بيض.
-ومثله غير واحد.
قلت :روى مسلم في باب في قتال جبريل وميكائيل عن النبي
صلى الله عليه وسلم ،يوم أحد.
* حدثنا أو بكر بن أبي شيبة .حدثنا محمد بن بشر وأبو أسامة
عن مسعر ،عن سعد بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن سعد .قال :رأيت
عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله ،يوم
أحد ،رجلين عليهما ثياب بياض .ما رأيتهما قبل ول بعد .يعني
جبريل وميكائيل عليهما السلم.
* وحدثني إسحاق بن منصور .أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث.
حدثنا إبراهيم بن سعد .حدثنا سعد عن أبيه ،عن سعد بن أبي
وقاص ،قال :لقد رأيت يوم أحد ،عن يمين رسول الله صلى الله
عليه وسلم وعن يساره ،رجلين عليهما ثياب بيض .يقاتلن عنه
كأشد القتال .ما رأيتهما قبل ول بعد.
-وسمع بعضهم زجر الملئكة خيْلَها يوم بدر.
-وبعضهم رأى تطاير الرؤوس من الكفار ،ول يرون الضارب.
-ورأى أبو سفيان بن الحارث يومئذ رجال ً بيضا ً على خيْل بُلق بين
السماء والرض ،ما يقوم لها شيء.
قال البيهقي في دلئل النبوة
باب التقاء الجمعين ونزول الملئكة وما ظهر في رمي النبي
بالقبضة وإلقاء الله تعالى الرعب في قلوبهم من آثار النبوة:
* أخبرنا أبو زكريا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي
قال حدثنا أحمد بن محمد بن عبدوس الطرايفي قال حدثنا
عثمان بن سعيد الدارمي قال حدثنا عبد الله بن صالح قال
حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
في قوله عز وجل (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين) قال أقبلت
عير أهل مكة تريد الشام فبلغ أهل المدينة ذلك فخرجوا ومعهم
رسول الله يريدون العير فبلغ ذلك أهل مكة فأسرعوا السير إليها
505
لكيل يغلب عليها النبي وأصحابه فسبقت العير رسول الله وكان
الله عز وجل وعدهم إحدى الطائفتين وكانوا أن يلقوا العير أحب
إليهم وأيسر شوكة وأحضر مغنما فلما سبقت البعير وفاتت سار
رسول الله بالمسلمين يريد القوم فكره القوم مسيرهم لشوكة
القوم فنزل النبي والمسلمون وبينهم وبين الماء رملة دعصة
فأصاب المسلمين ضعف شديد وألقى الشيطان في قلوبهم
الغيظ يوسوسهم تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله وقد
غلبكم المشركون على الماء وأنتم كذا فأمطر الله عليهم مطًرا
شديدًا فشرب المسلمون وتطهروا فأذهب الله عنهم رجز
الشيطان وصار الرمل كدا ذكر كلمة أخبر أنه أصابه المطر
ومشى الناس عليه والدواب فساروا إلى القوم ومد الله تعالى
نبيه والمؤمنين بألف من الملئكة فكان جبريل عليه السلم في
خمسمائة من الملئكة مجنبة وميكائيل في خمسمائة مجنبة وجاء
إبليس في جند من الشياطين معه راية في صورة رجال من بني
مدلج والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم فقال
الشيطان للمشركين ل غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم
فلما اصطف القوم قال أبو جهل اللهم أولنا بالحق فانصره ورفع
رسول الله يده فقال" :يارب إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في
الرض أبدًا" فقال له جبريل خذ قبضة من التراب فأخذ قبضة من
تراب فرمى بها وجوههم فما من المشركين من أحد إل أصاب
عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة فولوا مدبرين وأقبل
جبريل عليه السلم إلى إبليس فلما رآه وكانت يده في يد رجل
من المشركين انتزع إبليس يده ثم ولى مدبًرا وشيعته فقال
الرجل يا سراقة ألم تزعم أنك لنا جار قال (إني أرى ما ل ترون
إني أخاف الله والله شديد العقاب) وذلك حين رأى الملئكة...
*أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني محمد بن أحمد
الصبهاني قال حدثنا الحسن بن الجهم قال حدثنا الحسين بن
الفرج قال حدثنا الواقدي قال فحدثني موسى بن يعقوب الزمعي
عن عمه قال سمعت أبا بكر ابن سليمان بن أبي حثمة قال
سمعت مروان بن الحكم يسأل حكيم بن حزام عن يوم بدر
فجعل الشيخ يكره ذلك حتى ألح عليه فقال حكيم التقينا فاقتتلنا
فسمعت صوتا وقع من السماء إلى الرض مثل وقع الحصى في
الطست وقبض النبي القبضة فرمى بها فانهزمنا.
قال الواقدي فحدثنا أبو إسحاق بن محمد عن الرحمن بن محمد
بن عبد عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال سمعت نوفل بن
معاوية الديلي يقول انهزمنا يوم بدر ونحن نسمع كوقع الحصا في
506
الطساس في أيدينا ومن خلفنا وكان ذلك من أشد الرعب
علينا...
* أخبرنا أحمد بن عبدان قال أخبرنا أحمد بن عبيد قال حدثنا زياد
بن الخليل التستري قال حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثني
عباس يعني ابن أبي سلمة عن موسى بن يعقوب عن يزيد بن
عبد الله عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن حكيم بن
حزام قال سمعنا صوتًا من السماء وقع إلى الرض كأنه صوت
حصاة في طست فرمى رسول الله تلك الحصاة يوم بدر فما
بقي منا أحد يزيد بن عبد الله هذا هو ابن وهب بن زمعة عم
موسى ابن يعقوب.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن
يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس عن ابن
إسحاق قال حدثنا يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال
حدثني الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن
قتادة وعبد الله بن أبي بكر وغيرهم من علمائنا فذكر الحديث
في يوم بدر إلى أن قال فكان رسول الله في العريش هو وأبو
بكر وما معهما غيرهما وقد تدانا القوم بعضهم من بعضهم فجعل
رسول الله يناشد ربه ما وعده من نصره ويقول" :اللهم إنك أن
تهلك هذه العصابة اليوم ل تعبد" وأبو بكر يقول بعض مناشدتك
لربك يا رسول الله فإن الله موفيك ما وعدك من نصره وخفق
رسول الله خفقة ثم هب فقال رسول الله" :أبشر يا أبا بكر أتاك
نصر الله هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع"
يعني الغبار ثم خرج رسول الله فعبأ أصحابه وهيأهم وقال ل
يعجلن رجل بقتال حتى نؤذنه فإذا أكثبوكم القوم يقول اقتربوا
منكم فانضحوهم عنكم بالنبل ثم تزاحم الناس فلما تدانا بعضهم
من بعض خرج رسول الله فأخذ حفنة من حصباء ثم استقبل بها
شا فنفخ بها في وجوههم وقال شاهت الوجوه يقول قبحت قري ً
الوجوه ثم قال رسول الله احملوا يا معشر المسلمين فحمل
المسلمون وهزم الله قريشا وقتل من قتل من أشرافهم وأسر
من أسر منهم...
* أخبرنا أبو علي الروذباري قال أخبرنا عبد الله بن عمر بن أحمد
بن شوذب الواسطي بها قال حضرت أحمد بن سنان مع أبي
وجدي في المجلس وهو يحدث وأنا أسمع قال حدثنا يزيد بن
هارون قال :قال محمد بن إسحاق قال عبد الله بن أبي بكر قال
حدثني بعض بني ساعدة عن أبي أسيد مالك بن ربيعة وكان شهد
يوم بدر قال بعد أن ذهب بصره قال لو كنت معكم ببدر الن
ومعي بصري لريتكم الشعب الذي خرجت منه الملئكة...
507
-وقد كانت الملئكة تصافح عمران بن الحصين.
قال البيهقي في دلئل النبوة:
* أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس بن يعقوب
قال حدثنا العباس بن محمد الدوري قال حدثنا هارون بن
معروف قال حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن قتادة عن مطرف
بن عبد الله بن الشخير قال :قال لنا عمر أن ابن حصين بعد أن
اكتوى وكان يأتيه آت ينبهه للصلة فلما اكتوى أمسك عنه فلما
سقطت عنه آثار المكاوي عاد أليه فقال لهم أعلموا أن الذي كان
يأتيني قد عاد ألي وذكر الحديث ورواه سعيد بن أبي عروبة عن
قتادة قال فيه وأعلم أنه قد سلم علي فإن عشت فأكتم علي
وإن مت فحدث أن شئت.
* أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو حامد أحمد بن علي
المقرئ قال حدثنا أبو عيسى الترمذي في التاريخ قال حدثنا عبد
الله ابن أبي زياد الكوفي قال حدثنا سيار قال حدثنا حماد بن زيد
عن ثابت عن غزالة قالت كان عمران بن حصين يأمرنا أن نكنس
الدار ونسمع السلم عليكم ول نرى أحدًا قال أبو عيسى يعني
هذا تسليم الملئكة.
-وأرى النبي صلى الله عليه وسلم لحمزة جبريل في الكعبة،
فخر مغشيا ً عليه.
قال البيهقي في دلئل النبوة:
* وفي حديث يوسف بن يعقوب القاضي عن سليمان بن حرب
عن حماد ابن سلمة عن عمار بن أبي عمار أن حمزة بن عبد
المطلب قال يا رسول الله أرني جبريل عليه السلم في صورته
فقال( :أنك ل تستطيع أن تراه) قال بلى فأرينه قال( :فاقعد)
فقعد فنزل جبريل عليه السلم على خشبة كانت في الكعبة
يلقي المشركون عليها ثيابهم إذا طافوا فقال النبي (أرفع طرفك
فأنظر) فرفع طرفه فرأى قدميه مثل الزبرجد كالزرع الخضر
فخر مغشيا عليه ..هكذا روي هذا عن عمار بن أبي عمار وهو
مرسل.
-ورأى عبد الله بن مسعود الجن ليلة الجن ،و سمع كلمهم،
وشبههم برجال الزط.
قلت:روى الترمذي في سننه ،قال:
حدثنا محمد بن بشار حدثنا بن أبي عدي عن جعفر بن ميمون
عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي عثمان عن بن مسعود قال:
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ثم انصرف فأخذ
بيد عبد الله بن مسعود حتى خرج به إلى بطحاء مكة فأجلسه ثم
خط عليه خطا ثم قال :ل تبرحن خطك فإنه سينتهي إليك رجال
508
فل تكلمهم فإنهم ل يكلمونك ,قال :ثم مضى رسول الله صلى
الله عليه وسلم حيث أراد فبينا أنا جالس في خطي إذ أتاني
رجال كأنهم الزط أشعارهم وأجسامهم ل أرى عورة ول أرى
قشرا وينتهون إلي ل يجاوزون الخط ثم يصدرون إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان من آخر الليل لكن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قد جاءني وأنا جالس فقال :لقد أراني
منذ الليلة ثم دخل علي في خطي فتوسد فخذي فرقد وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رقد نفخ فبينا أنا قاعد
ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوسد فخذي إذا أنا برجال
عليهم ثياب بيض الله أعلم ما بهم من الجمال فانتهوا إلي فجلس
طائفة منهم عند رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائفة
منهم عند رجليه ثم قالوا بينهم :ما رأينا عبدًا قط أوتي مثل ما
أوتي هذا النبي إن عينيه تنامان وقلبه يقظان اضربوا له مثًل مثل
سيد بنى قصًرا ثم جعل مأدبة فدعا الناس إلى طعامه وشرابه
فمن أجابه أكل من طعامه وشرب من شرابه ومن لم يجبه
عاقبه أو قال عذبه ثم ارتفعوا واستيقظ رسول الله صلى الله
عليه وسلم عند ذلك فقال :سمعت ما قال هؤلء وهل تدري من
هؤلء؟ قلت الله ورسوله أعلم .قال :هم الملئكة ...فتدري ما
المثل الذي ضربوا؟ قلت الله ورسوله أعلم..قال :المثل الذي
ضربوا الرحمن تبارك وتعالى بنى الجنة ودعا إليها عباده فمن
أجابه دخل الجنة ومن لم يجبه عاقبه أو عذبه.
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه
وأبو تميمة هو الهجيمي واسمه طريف بن مجالد وأبو عثمان
النهدي اسمه عبد الرحمن بن مل وسليمان التيمي قد روى هذا
الحديث عنه معتمر وهو سليمان بن طرخان ولم يكن تيميًا وإنما
كان ينزل بني تيم فنسب إليهم قال علي قال يحيى بن سعيد ما
رأيت أخوف لله تعالى من سليمان التيمي
قال الشيخ اللباني :حسن صحيح.
-وذكر ابن سعد أن مصعب بن عمير لما قتل يوم أحد أخذ الراية
ملك على صورته ،فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول له:
تقدم يا مصعب فقال له الملك :لست بمصعب ،فعلم أنه ملك.
قال ابن إسحاق:
وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومعه لواؤه حتى قتل ،فكان الذي أصابه ابن قميئة الليثي ،وهو
يظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فرجع إلى قريش
509
فقال :قد قتلت محمداً ،فلما قتل مصعب أعطى رسول الله
صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب اللواء،
-وقد ذكر غير واحد من المصنفين عن عمر بن الخطاب رضي
الله عنه ـ أنه قال :بينا نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه
وسلم إذ أقبل شيخ بيده عصا ،فسلم على النبي صلى الله عليه
وسلم ،فرد عليه ،وقال صلى الله عليه وسلم :نغمة الجن .من
أنت؟ قال أنا هامة بن الهيم بن لقس بن إبليس ،فذكر أنه لقي
حا ومن بعده ...في حديث طويل ،وأن صلى الله عليه وسلم نو ً
علمه سورا ً من القرآن.
قلت :أخرجه البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
باب ما روي في قدوم هامة بن هيم بن لقيس بن إبليس على
النبي وإسلمه:
أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن داود العلوي رحمه الله
أنبأنا أبو نصر محمد بن حمدويه بن سهل الغازي المروزي حدثنا
عبد الله بن حماد الملي حدثنا محمد بن أبي معشر أخبرني أبي
عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال :قال عمر رضي الله عنه:
بينا نحن قعود مع النبي على جبل من جبال تهامة إذ أقبل شيخ
بيده عصا فسلم على النبي فرد عليه السلم ثم قال :نغمة جن
وغمعمتهم من أنت? قال أنا هامة بن هيم بن لقيس بن إبليس,
قال رسول الله :فما بينك وبين إبليس إل أبوان فكم أتى عليك
من الدهور? قال أفنيت الدنيا عمرها إل قليل ً ليالي قتل قابيل
هابيل كنت غلما ً ابن أعوام أفهم الكلم وأمر بالكام وآمر بفساد
الطعام وقطيعة الرحام فقال رسول الله (بئس عمل الشيخ
المقوسم والشاب المتلوم) قال ذرني من الترداد أني تايب إلى
الله عز وجل إني كنت مع نوح في مسجده مع من آمن به من
قومه فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى وأبكاني
وقال ل جرم أني على ذلك من النادمين وأعوذ بالله أن أكون من
الجاهلين قال قلت يا نوح إني ممن اشترك في دم السعيد
الشهيد هابيل بن آدم فهل تجد لي عند ربك توبة ? قال يا هام هم
بالخير وأفعله قبل الحسرة والندامة إني قرأت فيما أنزل الله عز
وجل إنه ليس من عبد تاب إلى الله عز وجل بالغ أمره ما بلغ إل
تاب الله عليه قم فتوضأ وأسجد لله سجدتين قال ففعلت من
ساعتي ما أمرني به فناداني أرفع رأسك فقد نزلت توبتك من
السماء قال فخررت لله ساجدا ً جزلً...وكنت مع هود في
مسجده مع من آمن من قومه فلم أزل أعاتبه على دعوته على
قومه حتى بكى عليهم وأبكاني فقال ل جرم أني أنا على ذلك من
النادمين وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ...وكنت مع صالح في
510
مسجده مع من آمن به من قومه فلم أزل أعاتبه على دعوته
على قومه حتى بكى عليهم وأبكاني فقال أنا على ذلك من
النادمين وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ...وكنت زوار
يعقوب...وكنت مع يوسف بالمكان المين وكنت ألقي إلياس في
الدوية وأنا ألقاه الن ...وإني لقيت موسى بن عمران فعلمني
من التوراة ...وقال إن لقيت عيسى يعني ابن مريم فأقرئه عن
موسى السلم وأن عيسى قال :إن لقيت محمدا ً فأقرئه مني
السلم قال فأرسل رسول الله عينيه فبكى ثم قال :وعلى
عيسى السلم ما دامت الدنيا وعليك السلم يا هام بأدائك
المانة .قال يا رسول الله أفعل بي ما فعل موسى إنه علمني
من التوراة فعلمه رسول الله إذا وقعت الواقعة والمرسلت و
(عم يتساءلون) و (إذا الشمس كورت) والمعوذتين و (قل هو
الله أحد) وقال أرفع إلينا حاجتك يا هامة ول تدع زيارتنا قال فقال
عمر فقبض رسول الله ولم ينعه إلينا فلسنا ندري أحي أم ميت.
قلت أبو معشر المدني قد روى عنه الكبار إل أن أهل العلم
بالحديث يضعفونه
وقد روي هذا الحديث من وجه آخر أقوى منه والله أعلم.
-وذكر الواقدي قتل خالد عند هدمه العزى للسوداء التي خرجت
له ناشرة شعرها عريانة ،فجَّز لها بسيفه وأعلم النبي صلى الله
عليه وسلم ،فقال له :تلك العزى.
قلت :روى البيهقي في دلئل النبوة ،قال:
باب ما جاء في بعثة خالد بن الوليد إلى نخلة كانت بها العزى وما
ظهر في ذلك من الثار:
أخبرنا محمد بن أبي بكر الفقيه قال أخبرنا محمد بن أبي جعفر
قال أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال حدثنا أبو كريب قال
حدثنا محمد ابن فضيل قال حدثنا الوليد بن جميع عن أبي
الطفيل قال لما فتح رسول الله مكة بعث خالد بن الوليد إلى
نخلة وكانت بها العزى فأتاها خالد ابن الوليد وكانت على ثلث
سمرات فقطع السمرات وهدم البيت الذي كان عليها ثم أتى
النبي فأخبره فقال :ارجع فإنك لم تصنع شيئا ً فرجع خالد فلما
نظرت إليه السدنة وهم حجابها امعنوا في الجبل وهم يقولون يا
عزى خبلية يا عزى عورية وإل فموتي برغم قال فأتاها خالد فإذا
امرأة عريانة ناشرة شعرها تحثو التراب على رأسها فعممها
بالسيف حتى قتلها ثم رجع إلى النبي فأخبره فقال تلك العزى.
-وقال صلى الله عليه وسلم :إن شيطانا ً تفلت البارحة ليقطع
علي صلتي ،فأمكنني الله منه ،فأخذته فأردت أن أربطه إلى
سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم ،فذكرت
511
َ
ملْكا ً ّل يَنبَغِي
ب لِي ُ ب اغ ْ ِ
فْر لِي وَهَ ْ ل َر ِّ دعوة أخي سليمان (:قَا َ
ِل َحد من بعدي إن َ َ َ
ب) (صـ .) 35 :فرده الله خاسئاً. ت الْوَهَّا ُك أن َ َ ٍ ِّ ْ َ ْ ِ ِ ّ
قلت :رواه البخاري في كتاب التفسير باب :قول الله تعالى:
{ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب} /ص ./30 :الراجع
المنيب.
-حدثنا محمد بن بشار :حدثنا محمد بن جعفر :حدثنا شعبة ،عن
محمد بن زياد ،عن أبي هريرة رضي الله عنه ،عن النبي صلى
الله عليه وسلم( :إن عفريتا من الجن تفلت البارحة ليقطع علي
صلتي ،فأمكنني الله منه فأخذته ،فأردت أن أربطه على سارية
من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم ،فذكرت دعوة أخي
سليمان{ :رب اغفر لي وهب لي ملكا ل ينبغي لحد من بعدي}.
فرددته خاسئا).
{عفريت} متمرد من إنس أو جان ،مثل زبنية جماعتها الزبانية.
وفي باب :قوله{ :هب لي ملكا ل ينبغي لحد من بعدي إنك أنت
الوهاب} ./35/
-حدثنا إسحاق بن إبراهيم :حدثنا روح ومحمد بن جعفر ،عن
شعبة ،عن محمد بن زياد ،عن أبي هريرة ،عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال:
(إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة ،أو كلمة نحوها ،ليقطع
علي الصلة ،فأمكنني الله منه ،وأردت أن أربطه إلى سارية من
سواري المسجد ،حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم ،فذكرت قول
أخي سليمان{ :رب اغفر لي ملكا ل ينبغي لحد من بعدي}).
قال روح :فرده خاسئًا.
وفي كتاب أبواب المساجد .باب :السير أو الغريم يربط في
المسجد.
-حدثنا إسحق بن إبراهيم قال :أخبرنا روح ومحمد بن جعفر،
عن شعبة ،عن محمد بن زياد ،عن أبي هريرة ،عن النبي صلى
الله عليه وسلم :قال( :إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة -
أو كلمة نحوها -ليقطع علي الصلة ،فأمكنني الله منه ،فأردت
أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد ،حتى تصبحوا وتنظروا
إليه كلكم ،فذكرت قول أخي سليمان{ :رب اغفر لي وهب لي
ملكا ل ينبغي لحد من بعدي}) .قال روح :فرده خاسئًا.
وفي كتاب بدء الخلق باب :صفة إبليس وجنوده .حدثنا محمود:
حدثنا شبابة :حدثنا شعبة ،عن محمد بن زياد ،عن أبي هريرة
رضي الله عنه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم :أنه صلى صلة،
فقال( :إن الشيطان عرض لي ،فشد علي ،يقطع الصلة علي،
فأمكنني الله منه) .فذكره.
512
ورواه مسلم في كتاب كتاب المساجد ومواضع الصلة ،باب
جواز لعن الشيطان في أثناء الصلة ،والتعوذ منه ،وجواز العمل
القليل في الصلة:
حدثنا إسحاق بن إبراهيم وإسحاق بن منصور .قال :أخبرنا
النضر بن شميل .أخبرنا شعبة .حدثنا محمد (وهو ابن زياد) قال:
سمعت أبا هريرة يقول :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن عفريتا من الجن جعل يفتك علي البارحة .ليقطع علي
ه .فلقد هممت أن أربطه إلى الصلة .وإن الله أمكنني منه فذَع َت ُّ ُ
جنب سارية من سواري المسجد .حتى تصبحوا تنظرون إليه.
أجمعون (أو كلكم) ثم ذكرت قول أخي سليمان( :رب اغفر لي
وهب لي مالكا ل ينبغي لحد من بعدي) .فرده الله خاسئًا".
وقال ابن منصور :شعبة عن محمد بن زياد.
حدثنا محمد بن بشار .حدثنا محمد (هو ابن جعفر) ح قال
وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة .حدثنا شبابة .كلهما عن شعبة ،في
هذا السناد .وليس في حديث ابن جعفر قوله :فذعته .وأما ابن
أبي شيبة فقال في روايته :فذعته [ما الفرق؟؟ مراجعة الكتاب:
لعله بالدال؟؟].
حدثنا محمد بن سلمة المرادي .حدثنا عبد الله بن وهب عن
معاوية بن صالح .يقول :حدثني ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس
الخولني ،عن أبي الدرداء؛ قال :قام رسول الله صلى الله عليه
وسلم فسمعناه يقول "أعوذ بالله منك" ثم قال" :ألعنك بلعنة
الله" ثلثًا .وبسط يده كأنه يتناول شيئًا .فلما فرغ من الصلة
قلنا :يا رسول الله! قد سمعناك تقول في الصلة شيئًا لم
نسمعك تقوله قبل ذلك .ورأيناك بسطت يدك .قال" :إن عدو
الله ،إبليس ،جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي .فقلت :أعوذ
بالله منك .ثلث مرات .ثم قلت :ألعنك بلعنة الله التامة .فلم
يستأخر .ثلث مرات .ثم أردت أخذه .والله! لول دعوة أخينا
سليمان لصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة"...
وهذا باب واسع.
الفصل السابع والعشرون:
من دلئل نبوته وعلمات رسالته صلى الله عليه وسلم.
-ومن دلئل نبوته وعلمات رسالته ما ترادفت به الخبار عن
الرهبان والحبار وعلماء أهل الكتاب ،من صفته وصفة أمته،
واسمه وعلماته ،وذكر الخاتم الذي بين كتفيه ،وما وجد من ذلك
في أشعار الموحدين المتقدمين ،من شعر تبع ،والوس بن
الحارثة ،وكعب ابن لؤي ،وسفيان بن مجاشع ،وقس بن ساعدة.
513
وما ذكر عن سيف بن ذي يزن وغيرهم ،وعرف به من أمره زيد
بن عمرو بن نفيل ،وورقة بن نوفل ،وعثكلن الحميري ،وعلماء
يهود ،وشامول عالمهم صاحب تبع ـ من صفته وخبره.
ما أُلفي من ذلك في التوراة والنجيل مما قد جمعه العلماء
وبينوه ،ونقله عنهما ثقاه من أسلم منهم ،مثل ابن سلم ،وابني
سعية ،وابن يامين ،ومخيريق ،وكعب ،وأشباههم ممن أسلم من
علماء يهود ،وبحيرا ،ونصطور الحبشة ،وصاحب بصرى ،وضغاطر،
وأسقف الشام ،والجارود ،وسلمان ،والنجاشي ،ونصارى الحبشة،
وأساقف نجران ،وغيرهم ممن أسلم من علماء النصارى.وقد
اعترف بذلك هرقل ،وصاحب رومة عالما النصارى ،ورئيساهم،
ومقوقس صاحب مصر ،والشيخ صاحبه ،وابن صوريا ،وابن
أخطب ،وأخوه ،وكعب بن أسد ،والزبير بن باطيا ،وغيرهم من
علماء اليهود ،ممن حمله الحسد والنفاسة على البقاء على
الشقاء.
والخبار في هذا كثيرة ل تنحصر .وقد قرع أسماع اليهود
والنصارى بما ذكر أنه في كتبهم من صفته وصفة أصحابه ،واحتج
عليهم بما انطوت عليه من ذلك صحفهم ،وذمهم بتحريف ذلك
وكتمانه ،وليهم ألسنتهم ببيان أمره ،ودعوتهم إلى المباهلة على
الكاذب ،فما منهم إل من نفر عن معارضته ،وإبداء ما ألزمهم من
كتبهم إظهاره .ولو وجدوا خلف قوله لكان إظهاره أهون عليهم
من بذل النفوس والموال وتخريب الديار ونبذ القتال ،وقد قال
لهم(:قُ ْ ْ
ن) (آل عمران: صادِقِي َ ل فَأتُوا ْ بِالتَّوَْراةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنت ُ ْ
م َ
) 93إلى ما أنذر به الكهان ،مثل شافع بن كليب ،وشق ،وسطيح،
وسراد بن قارب ،وخنافر ،وأفعى بحران وجذل بن جذل الكندي،
وابن خلصة الدوسي ،وسعدى بنت كريز ،وفاطمة بنت النعمان،
ومن ل ينعد كثرة .إلى ما ظهر على ألسنة الصنام من نبوته،
وحلول وقت رسالته ،وسمع من هواتف الجان ،ومن ذبائح
النصب ،وأجواف الصور ،وما وجد من اسم النبي صلى الله عليه
وسلم والشهادة له بالرسالة مكتوبا ً في الحجارة والقبور بالخط
القديم ما أكثره مشهور ،وإسلم من أسلم بسبب ذلك معلوم
مذكور.
الفصل الثامن والعشرون:
فيما ظهر من اليات عند مولده صلى الله عليه وسلم.
-ومن ذلك ما ظهر من اليات عند مولده ،وما حكته أمه ومن
حضره من العجائب ،وكونه رافعا ً رأسه عندما وضعته شاخصاً
ببصره إلى السماء ،وما رأته من النور الذي خرج معه ولدته ،وما
رأته إذ ذاك أم عثمان بن أبي العاص من تدلي النجوم ،وظهور
514
النور عند ولدته ،حتى ما تنظر إل النور .وقول الشفاء أم عبد
الرحمن بن عوف :لما سقط فـيـمـا ظـهـر مـن اليـات عند
مولده صلى الله عليه وسلم على يدي واستهل سمعت قائلً
يقول :حمك الله ،وأضاء لي ما بين المشرق والمغرب حتى
نظرت إلى قصور الروم.
ضئراه من بركته ،ودرور لبنها له، -وما تعرفت به حليمة وزوجها ِ
ولبن شارفها وخصب غنمه ،و سرعة شبابه وحسن نشأته .وما
جرى من العجائب ليلة مولده ،من ارتجاج إيوان كسرى ،وسقوط
شرفاته ،وغيض بحيرة طبرية ،وخمود نار فارس ،وكان لها ألف
عام لم تخمد .وأنه كان إذا أكل مع عمه أبي طالب وآله وهو
صغير شبِعوا و َروَوْا ،فإذا غاب فأكلوا في غيبته لم يشبعوا.
-وكان سائر ولد أبي طالب يصبحون شعثا ً و يصبح فيما ظهر من
اليات عند مولده صلى الله عليه وسلم قيل ً هينا ً كحيلً.
-قالت أم أيمن حاضنته :ما رأيته فيما ظهر من اليات عند
ط ول عطشا ً صغيراً مولده صلى الله عليه وسلم شكا جوعا ً ق ّ
ول كبيراً.
-ومن ذلك حراسة السماء بالشهب ،وقطع رصد الشياطين،
ومنعهم استراق السمع.
-وما نشأ عليه من بُغض الصنام ،والعفة عن أمور الجاهلية ،وما
خصه الله به من ذلك وحماه حتى في ستره في الخبر المشهور
عند بناء الكعبة ،إذ أخذ إزاره ليجعله على عاتقه ،ليحمل عليه
الحجارة وتعرى ،فسقط إلى الرض حتى رد إزاره عليه.
فقال له عمه :ما بالك؟ فقال :إني قد نهيت عن التعري.
-ومن ذلك إظلل الله له بالغمام في سفره.
-وفي رواية أن خديجة ونساءها رأينه لما قدم ،وما كان يظلنه،
فذكرت ذلك لميسرة ،فأخبرها أنه رأى ذلك منذ خرج معه في
سفره.
-وقد روي أن حليمة رأت غمامة تظله ،وهو عندها.
-وروي ذلك عن أخيه من الرضاعة.
-ومن ذلك أنه نزل في بعض أسفاره قبل مبعثه تحت شجرة
يابسة ،فاعشوشب ما حولها وأينعت هي فأشرقت وتدلت عليه
أغضانها بمحضر من رآه.
-وميْل فيء الشجرة إليه في الخبر الخر حتى أظلته.
-وما ذكر من أنه كان ل ظل لشخصيته في شمس ول قمر ،لنه
كان نوراً.
وأن الذباب كان ل يقع على جسده ول ثيابه.
515
ومن ذلك تحبيب الخلوة إليه حتى أوحي إليه ،ثم إعلمه بموته
ودنو أجله ،وأن قبره في المدينة وفي بيته ،وأن بين بيته ومنبره
روضة من رياض الجنة ،وتخيير الله له عند موته ،وما اشتمل
عليه حديث الوفاة من كراماته ،تشريفه ،وصلة الملئكة على
جسده على ما رويناه في بعضها .و استئذان ملك الموت عليه ،و
لم يستأذن على غيره قبله .و نداؤهم الذي سمعوه أل ينزعوا
القميص عنه عند غسله .وما روي من تعزية الخضر والملئكة
أهل بيته عند موته .إلى ما ظهر على أصحابه من كرامته وبركته
في حياته وموته ،كاستسقاء عمر بعمه ،وتبرك غير واحد بذريته.
------------------------
.31القول القوم في معجزات النبي الكرم(الخـاتمة)
معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم أظهر من سائر معجزات
الرسل عليهم السلم:
* قال القاضي أبو الفضل :قد أتينا في هذا الباب على نكت من
معجزاته واضحة ،وجمل من علمات نبوته مقنعة ،في واحد منها
الكفاية والغنية ،وتركنا الكثير سوى ما ذكرنا ،واقتصرنا من
الحاديث الطوال على عين الغرض وفص المقصد ،ومن كثير
الحاديث وغريبها على ما صح واشتهر إل يسيرا ً من غريبه مما
ذكره مشاهير الئمة ،وحذفنا السناد في جمهورها ،طلباً
للختصار .وبحسب هذا الباب لو تقصي أن يكون ديوانا ً جامعاً
يشتمل على مجلدات عدة .ومعجزات نبينا صلى الله عليه وسلم
أظهر من سائر معجزات الرسل بوجهين:
أحدهما :كثرتها ،وأنه لم يؤت نبي معجزة ً إل وعند نبينا مثلها ،أو
ما هو أبلغ منها .وقد نبه الناس على ذلك ،فإن أردته فتأمل
فصول هذا الباب ،ومعجزات من تقدم من النبياء ـ تقف على
ذلك إن شاء الله تعالى .وأما كونها كثيرة فهذا القرآن ،وكله
معجز ،وأقل ما يقع العجاز فيه عند بعض أئمة المحققين سورة:
ك الْكَوْثََر) ،أو آية في قدرها. (إِنَّا أَع ْطَيْنَا َ
وذهب بعضهم إلى أن كل آية منه كيف كانت معجزة .وزاد
آخرون أن كل جملة منتظمة منه معجزة ،وإن كانت من كلمة أو
كلمتين.والحق ما ذكرناه أولً ،لقوله تعالى( :قُ ْ ْ
سوَرةٍ ل فَأتُوا ْ ب ِ ُ
مثْلِهِ)( ،يونس )38 :فهو أقل ما تحداهم به ،مع ما ينصر هذا من ِّ
نظر وتحقيق يطول بسطه .وإذا كان هذا ففي القرآن من
الكلمات نحو من سبعة وسبعين ألف كلمة ونيف على عدد
حْر *
ك وَان ْ َل لَِرب ِّ َص ِّ بعضهم ،وعدد كلمات( :إِنَّا أَع ْطَيْنَا َ
ك الْكَوْثََر * فَ َ
ك هُوَ اْلَبْتَُر *) عشر كلمات ،فتجزؤ القرآن على نسبة شانِئ َ َ
ن َ إ ِ َّ
ك الْكَوْثََر) أزيد من سبعة آلف جزء ،كل واحد َ
عدد (إِنَّا أع ْطَيْنَا َ
516
منها معجز في نفسه .ثم إعجازه ـ كما تقدم ـ بوجهين :طريق
بلغته ،وطريق نظمه ،فصار في كل جزء من هذا العدد
معجزتان ،فتضاعف العدد من هذا الوجه .ثم فيه وجوه إعجاز
أخر من الخبار بعلوم الغيب ،فقد يكون في السورة الواحدة من
هذه التجزئة الخبر عن أشياء من الغيب ،كل خبر منها بنفسه
معجز ،فتضاعف العدد كرة أخرى .ثم وجوه العجاز الخر التي
ذكرناها توجب التضعيف ،هذا في حق القرآن ،فل يكاد يأخذ العد
معجزاته ،ول يحوي الحصر براهينه.
ثم الحاديث الواردة ،والخبار الصادرة عنه صلى الله عليه
وسلم في هذه البواب وعما دل على أمره مما أشرنا إلى جمله
يبلغ نحوا ً من هذا.
الوجه الثاني :وضوح معجزاته صلى الله عليه وسلم ،فإن
معجزات الرسل كانت بقدر همم أهل زمانهم ،وبحسب الفن
الذي سما فيه قرنه.فلما كان موسى غاية علم أهله السحر بعث
إليهم موسى بمعجزة تُشبه ما يدعون قدرتهم عليه ،فجاءهم منها
ما خرق عادتهم ،ولم يكن في قدرتهم ،وأبطل سحرهم .وكذلك
زمن عيسى أغنى ما كان الطب ،وأوفر ما كان أهله ،فجاءهم
أمر ل يقدرون عليه ،وأتاهم ما لم يحتسبوه من إحياء الميت،
وإبراء الكمه والبرص دون معالجة ول طب .وهكذا سائر
معجزات النبياء.
ثم إن الله تعالى بعث محمدا ً صلى الله عليه وسلم ،وجملة
معارف العرب وعلومها أربعة :البلغة ،والشعر ،والخبر ،والكهانة،
فأنزل عليه القرآن الخارق لهذه الربعة فصول من الفصاحة،
واليجاز ،والبلغة الخارجة عن نمط كلمهم ،ومن النظم الغريب،
والسلوب العجيب الذي لم يهتدوا في المنظوم إلى طريقه ،ل
علموا في أساليب الوزان منهجه ،ومن الخبار عن الكوائن
والحوادث والسرار والمخبآت والضمائر ،فتوجد على ما كانت،
ويعترف المخبر عنها بصحة ذلك وصدقه ،وإن كان أ'عدى العدو.
فأبطل الكهانة التي تصدق مرة ً وتكذيب عشراً ،ثم اجتثها من
أصلها برجم الشهب ،ورصد النجوم .وجاء من الخبار عن القرون
السالفة ،وأنباء النبياء ،والمم البائدة ،والحوادث الماضية ـ ما
يعجز من تفرغ لهذا العلم عن بعضه على الوجوه التي بسطناها
و بينا المعجز فيها .ثم بقيت هذه المعجزة الجامعة لهذه الوجوه
ة إلىإلى الفصول الخر التي ذكرناها في معجزات القرآن ثابت ً
يوم القيامة بينة الحجة لكل أمة تأتي ،ل يخفى وجوه ذلك على
من نظر فيه ،وتأمل وجوه إعجازه.
517
إلى ما أخبر به من الغيوب على هذه السبيل ،فل يمر عصر ول
زمن إل يظهر فيه صدقه بظهور مخبره على ما أخبر ،فيتجدد
اليمان ،ويتظاهر البرهان ،وليس الخبر كالعيان كما قيل.
وللمشاهدة زيادة في اليقين ،والنفس أشد طمأنينة إلى عين
اليقين منها إلى علم اليقين ،وإن كان كل عندها حقاً.
وسائر معجزات الرسل انقرضت بانقراضهم ،وع ُدمت بعدم
ذواتها ،ومعجزة نبينا صلى الله عليه وسلم ل تبيد ول تنقطع،
وآياته تتجدد ول تضمحل ،ولهذا أشار صلى الله عليه وسلم
بقوله فيما حدثنا القاضي الشهيد أبو علي ،حدثنا القاضي أبو
الوليد ،حدثنا أبو ذر ،حدثنا أبو محمد ،وأبو إسحاق ،وأبو الهيثم،
قالوا :حدثنا الفربري ،حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ،حدثنا الليث،
عن سعيد ،عن أبيه ،عن أبي هريرة رضي الله عنه ،عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال" :ما من النبياء نبي إل أعطي من
اليات ما مثله آمن عليه البشر ،وإنما كان الذي أوتيت وحياً
أوحاه الله إلي ،فأرجو أني أكثرهم تابعا ً يوم القيامة" .هذا معنى
الحديث عن بعضهم ،وهو الظاهر والصحيح إن شاء الله.
قلت :رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن ،باب :كيف نزول
الوحي ،وأول ما نزل.
-حدثنا عبد الله ين يوسف :حدثنا الليث :حدثنا سعيد المقبري،
عن أبيه،عن أبي هريرة قال :قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(ما من النبياء نبي إل أعطي ما مثله آمن عليه البشر ،وإنما كان
الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ،فأرجو أن أكون أكثرهم تاب ًعا يوم
القيامة).
تكتاب العتصام ،باب :قول النبي صلى الله عليه وسلم( :بُعِث ُ
بجوامع الكلم) - .حدثنا عبد العزيز بن عبد الله :حدثنا الليث ،عن
سعيد ،عن أبيه ،عن أبي هريرة ،عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال( :ما من النبياء نب ٌ َ
ي من اليات ما مثله أومن ،أو ي إل ّ أعط ِ َ
ّ
ً
آمن ،عليه البشر ،وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إل َّ
ي،
فأرجو أنِّي أكثرهم تابعا ً يوم القيامة).
وأخرجه مسلم في كتاب اليمان ،باب وجوب اليمان برسالة نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ونسخ الملل حدثنا
قتيبة بن سعيد .حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد ،عن أبيه ،عن
أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" :ما من
النبياء من نبي إل قد أعطي من اليات ما مثله آمن عليه البشر.
وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحى الله إلي .فأرجو أن أكون
أكثرهم تابعا يوم القيامة".
518
وذهب غير واحد من العلماء في تأويل هذا الحديث وظهور
معجزة نبينا صلى الله عليه وسلم إلى معنى آخر من ظهورها
بكونها وحيا ً وكلما ً ل يمكن التخييل فيه ،ول التحيل عليه ،ول
التشيبه ،فإن غيرها من معجزات الرسل قد رام المعاندون لها
بأشياء طمعوا في التخييل بها على الضعفاء كإلقاء السحرة
شبه هذا مما يخيله الساحر ،أو يتحيل فيه. حبالهم وعصيهم و ِ
والقرآن كلم ليس للحيلة ول للسحر ،ول التخييل فيه عمل،
فكان من هذا الوجه عندهم أظهر من غيره من المعجزات ،كما ل
يتم لشاعر ول لخطيب أن يكون شاعرا ً أو خطيبا ً بضرب من
الحيل والتمويه.
والتأويل الول أخلص وأرضى .وفي هذا التأويل الثاني ما يغمض
صرفة، عليه الجفن ،ويغضى .ووجه ثالث على مذهب من قال بال َّ
وأن المعارضة كانت في مقدور البشر ،فصرفوا عنها ،أو على
أحد مذهبي أهل السنة من أن التيان بمثله من جنس مقدورهم،
ولكن لم يكن ذلك قبل ،ول يكون بعد ،لن الله تعالى لم يقدرهم،
ول يقدرهم عليه .وبين المذهبين فرق بين ،وعليهما جميعاً،
ك العرب التيان بما في مقدورهم ،أو ما هو من جنس فتَتْر ُ
مقدورهم ،ورضاهم بالبلء والجلء ،والسباء والذلل ،وتغيير
والتقريع والتوبيخ ،والتعجيز الحال ،وسلب النفوس والموال،
والتهديد والوعيد أبين آية للعجز عن التيان بمثله ،والنكول عن
معارضته وأنهم منعوا عن شيء هو من جنس مقدورهم .وإلى
هذا ذهب المام أبو المعالي الجويني وغيره ،قال :وهذا عندنا أبلغ
ة
في خرق العادة بالفعال البديعة في أنفسها ،كقلب العصا حي ً
ونحوها ،فإنه قد يسبق إلى بال الناظر بدارا ً أن ذلك من
اختصاص صاحب ذلك بمزية معرفة في ذلك الفن ،وفضل علم
إلى أن يرد ذلك صحيح النظر.وأما التحدي للخلئق مئين من
السنين بكلم من جنس كلمهم ليأتوا بمثله فلم يأتوا ،فلم يبق
بعد توفر الدواعي على المعارضة ثم عدمها إل منع الله الخلق
عنها بمثابة ما لو قال نبي :آيتي أن يمنع الله القيام عن الناس
مع مقدرتهم عليه ،وارتفاع الزمانة عنهم ،فكان ذلك ،وعجزهم
الله تعالى عن القيام ـ لكان ذلك من أبهر آية ،وأظهر دللة .و
بالله التوفيق.
وقد غاب عن بعض العلماء وجه ظهور آيته على سائر آيات
النبياء ،حتى احتاج للعذر عن ذلك بدقة أفهام العرب ،وذكاء
ألبابها ،ووفور عقولها ،وأنهم أدركوا المعجزة فيه بفطنتهم،
وجاءهم من ذلك بحسب إدراكهم ،وغيرهم من القبط و بني
إسرائيل وغيرهم لم يكونوا بهذه السبيل ،بل كانوا من الغباوة
519
وقلة الفطنة بحيث جوز عليهم فرعون أنه ربهم ،وجوز عليهم
السامري ذلك في العجل بعد إيمانهم ،وعبدوا المسيح مع
م)ه لَهُ ْ صلَبُوه ُ وَلَـكِن ُ
شب ِّ َ ما َ ما قَتَلُوه ُ وَ َ
أجماعهم على صلبه(،وَ َ
(النساء ،)157فجاءتهم من اليات الظاهرة البينة للبصار بقدر
ن لَ َ
ك م َ غلظ أفهامهم ما ل يشكون فيه ،ومع هذا فقالوا (لَن نُّؤ ْ ِ
َ
جهَْرةً) (البقرة )55 :ولم يصبروا على المن ه َ حتَّى نََرى الل ّ َ َ
والسلوى ،واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.
والعرب على جاهليتها أكثرها يعترف بالصانع ،وإنما كانت تتقرب
بالصنام إلى الله زلفى .ومنهم من آمن بالله وحده من قبل
الرسول صلى الله عليه وسلم بدليل عقله و صفاء لبِّه .ولما
جاءهم الرسول بكتاب الله فهموا حكمته ،وتبينوا بفضل إدراكهم
لول وهلة معجزته ،فآمنوا به ،وازدادوا كل يوم إيماناً ،ورفضوا
الدنيا كلها في صحبته ،وهجروا ديارهم وأموالهم ،وقتلوا آباءهم
وأبناءهم في نصرته ،وأتى في معنى هذا بما يلوح له رونق،
ويعجب منه زبرج لو احتيج إليه وحقق ،لكنا قدمنا من بيان
معجزة نبينا صلى الله عليه وسلم وظهورها ما يغنى عن ركوب
بطون هذه المسالك وظهورها .وبالله أستعين ـ وهو حسبي،
ونعم الوكيل...
معَ ال َّ َ
ن)شاهِدِي َ ل فَاكْتُبْنَا َ
سو َ ت وَاتَّبَعْنَا الَّر ُ
ما أنَزل َ ْ منَّا ب ِ َ
(َربَّنَا آ َ
تم بحمد الله وكرمه
وكان الفراغ منه يوم 18ذي الحجة 1426
أبو يوسف محمد زايـد.
---------------------------
-32تعدد مصاحف القرآن
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
يقولون :لم تعددت المصاحف ؛ أليس فى ذلك دليل على
الختلف المؤذن بالتحريف ؟ الرد على الشبهة :وهى وثيقة
الصلة بالشبهة السابقة ونقول لهم:
التعدد الذى عندنا:
بدأ جمع القرآن فى " المصحف " فى عهد أبى بكر رضى الله
عنه وكان هذا جمعًا لما كتب فى حضرة رسول الله كما تقدم.
جمع فى عهد أبى بكر فى مصاحف أربعةأو ثم كان نسخ ما ُ
سبعة فى عهد عثمان رضى الله عنه ،فالجمع الول كان بمعنى
ضم الوثائق الخطية فى حياة النبى وترتيب سورها سورة بعد
أخرى ،دون إعادة كتابتها من جديد.
وكان الجمع الثانى هو إعادة كتابة الوثائق النبوية فى مصحف
نقل ً أمينًا لها دون أن يمسها أدنى تغيير أو تبديل.
520
ومن " المصحف المام " الذى تم نسخه من الوثائق النبوية
مطابقًا لها ،ثم نسخ مصاحف أربعة ،أو سبعة وزعت على
المصار السلمية فى ذلك الوقت.
الحجاز البصرة الكوفة الشام .وهذه المصاحف كانت أشبه ما
تكون بالصورة الضوئية للوثائق الحديثة عندما يتم تصويرها
فيتوغرافيًا ،شديدة الوضوح .ووجه الشبه هو التطابق التام بين
المصحف " الم " والمصاحف التى نسخت منه ،وأصل هذه
المصاحف كلها هو " الوثائق الخطية النبوية ".
هذا لون من ألوان تعدد المصحف عندنا ،وهو أول تعدد ظهر فى
بتاريخ القرآن .لكنه تعدد أوراق ل تعدد كلم ؛ فالكلم الذى كُت ِ َ
فى جميع المصاحف كلم واحد ،مثل الكتاب الذى تُطبع منه
مئات النسخ أو آلفها ،فإن كل نسخة منه تكرار حرفى للنسخ
الخرى.
أما اللون الثانى من تعدد المصاحف عندنا فهو مصاحف الفراد
التى كتبت بعد جمع القرآن لول مرة فى عهد أبى بكر ،أو كتبت
قبله ،قيل:إن عثمان جمع هذه المصاحف وحرقها .وقيل إنه لم
يحرقها بل استبعد غير الصحيح منها .ومنها مصحف ابن مسعود
لخلف غير كبير بينه وبين المصحف المام.
ثم تعددت نسخ المصحف بعد ذلك ،باتساع القطار السلمية ،
ومع هذا التعدد فإن النصوص الموحى بها من الله عز وجل
واحدة فى جميع المصاحف فى العالم السلمى كله.
أما ما استحدث من إضافات فهى إجراءات خارجية ل صلة لها
بالنصوص المنزلة .وكل المصاحف كانت تكرارا ً لمصحف عثمان ،
الذى جمع عليه المة ،وأعدم أو استبعد ما عداه من مصاحف
الفراد ،لن العمل الفردى عرضة للخطأ والسهو أو النسيان.
" وإذا كان إعدام هذه المخطوطات الفردية يبدو فيه شىء من
القسوة فى الوقت الذى لم يوجد فيه بالفعل أى تحريف على
الطلق ،فإنه يدل مع ذلك على أن عثمان كان بعيد النظر ،
وعميقًا فى إدراك حقيقة المور ،ويرجع فضل تمتع المسلمين
اليوم بوحدة كتابهم واستقراره إلى هذا العمل المجيد من جانب
عثمان.
ومهما أضيف إلى المصحف العثمانى من علمات خارجية ابتكرها
أبو السود الدؤلى وأتباعه ،ونصر بن عاصم ويحيى بن يعمر ،
والحسن البصرى ،والخليل بن أحمد فإن النص (اللهى) باق كما
هو على الدوام ،يتحدى فعل الزمن ،ووجود بعض الحروف
الزائدة (لحكمة) أو الكلمات المدغمة التى اقتصرت على كتابة
المصحف فى جميع نسخ القرآن إلى اليوم ،المطبوع منها
521
والمخطوط ،يُعد شهادة بليغة على المانة التى انتقل بها البناء
القرآنى من جيل إلى جيل ،حتى وصل إلينا بهذا الكمال المنقطع
النظير (.)1
فإن قالوا :إن بعض المصاحف تختلف فى عدد سور القرآن من
أربع عشرة ومائة سورة ،إلى اثنتى عشرة ومائة سورة ،إلى
ست عشرة ومائة سورة (.)2
دّ آيات القرآن كله ،وفى كلماته وكذلك تختلف المصاحف فى ع ِ
وعدد حروفه .فكيف تقولون إن تعدد المصاحف عندكم كائن
على صورة واحدة .وإن كل مصحف تكرار لما عداه من مصاحف
؟ إن قالوا هذا قلنا لهم ،إن الختلف فى هذه العداد كلها ل
يخرج " المصاحف " عن الوحدة والتطابق التام بينها ؛ لن
النصوص الموحى بها من الله عز وجل إلى خاتم رسله واحدة
فى جميع المصاحف ،فمثل ً من قال إن عدد سور القرآن ثلث
عشرة ومائة سورة اعتبر سورة النفال وسورة التوبة سورة
واحدة ؛ لنهما لم يفصل بينهما ب " بسم الله الرحمن الرحيم " ،
جعْل آيتينوكذلك الختلف فى عدد آيات القرآن الكريم مرجعه َ
آية واحدة ،وهكذا .وسواء عدت اليتان آية واحدة ،أو عدتا آيتين
فنصهما موجود فى المصحف الشريف .والختلف فى العدد ل
مساس فيه بالمعدود ،وهو النصوص التى نزل بها الوحى المين.
فالنصوص مسطورة فى المصحف ،أما تعدادها فأمر اعتبارى
خارج عنها ،ووصف عارض طارئ عليها .فالصابة والخطأ فيه ل
ينعكس بأى حال على حقيقة النصوص المذكورة فى المصحف
وإن قالوا :إن الشيعة يقولون إن عثمان رضى الله عنه حذف من
القرآن شيئًا يتعلق بعلى بن أبى طالب رضى الله عنه ،وبعضهم
يذكر سورة باسم " سورة النورين " كانت مما نزل فى القرآن
واستبعدها عثمان عند جمع المصحف .وهذا يُعد تعديل ً فى
النصوص الموحى بها فكيف تقولون إن القرآن لم يمس ،وإن
ما ؟.
المصاحف متطابقة تما ً
إن قالوا ذلك وهم قد قالوه فعل ً فإننا نقول لهم :إن كان هذا
القول قد حدث من بعض الشيعة فالشيعة كان منهم غلة دخلء
على التشيع ،وقد انقرضوا من الوجود الن.
ومما يدفع هذه الفرية عن عثمان رضى الله عنه ،أن التشيع فى
خلفته كان خافتًا ،بل وفى دور النشأة ،وعلى يد عبد الله بن
سبأ ،الذى كان المسلمون يطلقون عليه :ابن السوداء وهو
يهودى حاقد على السلم .ومولد التشيع كان بعد حادثة التحكيم
ى رضى الله عنه ومعاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه. بين عل ّ
522
ى رضى الله عنه لم يكن ومعنى هذا أن الحاجة إلى غمط حق عل ّ
لها وجود فى خلفة عثمان .فما الذى يحمل عثمان إذن على
حفاظ القرآن من غمط حقه وهب أن ذلك حدث منه فهل كان ُ
الصحابة سيتركونه يعبث بكتاب الله ،والهم من هذا أن عليًا
نفسه رضى الله عنه أثنى على ما قام به عثمان من جمع القرآن
،وكذلك كل أصحاب رسول الله الذين كانوا أحياء فى خلفة
عثمان (.)3
ومهما يكن من أمر ،فإن هذا المصحف (العثمانى) هو الوحيد
المتداول فى العالم السلمى بما فيه من فرق الشيعة ،منذ
أربعة عشر قرنًا من الزمان ،ونذكر هنا رأى الشيعة المامية
(أهم فرق الشيعة) كما ورد بكتاب أبى جعفر " الم ":
إن اعتقادنا فى جملة القرآن ،الذى أوحى الله تعالى به إلى نبيه
محمد هو كل ما تحويه دفتا المصحف المتداول بين الناس ل
أكثر ،وعدد السور المتعارف عليه بين المسلمين هو 114سورة.
أما عندنا " أى الشيعة " فسورة الضحى والشرح تكونان سورة
ضا سورتا النفال واحدة ،وكذلك سورتا الفيل وقريش ،وأي ً
والتوبة.
أما من ينسب إلينا أن القرآن أكثر من ذلك فهو كاذب (.)4
فماذا يقول خصوم القرآن بعد هذا البيان ؟ إن الختلف بين
مصاحف السنة والشيعة هو فى تعداد السور فحسب ،يدمج
بعض السور فى بعض عند الشيعة ،مع اعتماد كل النصوص
الموحى بها فى مصاحف الفريقين .وهذا ل يضير فى قضية
اليمان ،ول فى وحدة المصحف فى العالم السلمى.
( )1مدخل إلى القرآن الكريم ( )51-50د .محمد عبد الله دراز.
( )2انظر :البرهان فى علوم القرآن ( )1/249مرجع سبق ذكره.
( )3انظر :مدخل إلى القرآن الكريم ( )36مرجع سبق ذكره.
( )4مدخل إلى القرآن الكريم ( )39مرجع سبق ذكره.
تاريخ النشر في الموقع 20/10/1424 :هـ الموافق 12/14/2003م
--------------------
-33تعدد قراءات القرآن
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
مقدمة :تعدد القراءات أل يدل على الختلف فيه ،وهو نوع من
التحريف ؟ القراءات :جمع قراءة ،وقراءات القرآن مصطلح
خاص ل يراد به المعنى اللغوى المطلق ،الذى يفهم من اطلع
أى قارئ على أى مكتوب ،بل لها فى علوم القرآن معنى خاص
من إضافة كلمة قراءة أو قراءات للقرآن الكريم ،فإضافة "
523
قراءة " أو "قراءات " إلى القرآن تخصص معنى القراءة أو
القراءات من ذلك المعنى اللغوى العام ،فالمعنى اللغوى العام
يطلق ويراد منه قراءة أى مكتوب ،سواء كان صحيفة أو كتابًا ،
أو حتى القرآن نفسه إذا قرأه قارئ من المصحف أو تله بلسانه
من ذاكرته الحافظة لما يقرؤه من القرآن ومنه قول الفقهاء:
القراءة فى الركعتين الوليين من المغرب والعشاء تكون جهًرا ،
سنة من سنن الصلة ،ويسجد فإن أسَّر فيهما المصلى فقد ترك ُ
لهما سجود السهو إن أسر ساهيًا .فقراءة القرآن هنا معنى لغوى
عام ،ل ينطبق عليه ما نحن فيه الن من مصطلح :قراءات
القرآن .وقد وضع العلماء تعريفًا للقراءات القرآنية يحدد المراد
منها تحديدًا دقيقًا .فقالوا فى تعريفها:
" اختلف ألفاظ الوحى فى الحروف أو كيفيتها من تخفيف
وتشديد وغيرهما (البرهان فى علوم القرآن (.))1/318
وقد عرفها بعض العلماء فقال:
" القراءات :هى النطق بألفاظ القرآن كما نطقها النبى صلى
الله عليه وسلم ( "..القراءات القرآنية تاريخ وتعريف).
ومما تجب ملحظته أن القراءات القرآنية وحى من عند الله عَّز
ن ،ولنضرب لذلك بعض المثلة: وجل ،فهى إذن قرآ ً
م )( .)1هذه قراءة سك ُ ْقوله تعالى( :لقد جاءكم رسول من أن ْ ُف ِ
حفص عن عاصم ،أو القراءة العامة التى كُتب المصحف فى
خلفة عثمان بن عفان رضى الله عنه عليها ،والشاهد فى الية
سكُم" بضم الفاء وكسر السين ،وهى جمع " :نَفْس " كلمة "أنفُ ِ
بسكون الفاء ،ومعناها :لقد جاءكم رسول ليس غريبًا عليكم
تعرفونه كما تعرفون أنفسكم لنه منكم نسبًا ومولدًا ونشأة ،
وبيئة ،ولغة.
َ
م " بفتح الفاء سك ُ ْ
وقرأ غير عاصم " :لقد جاءكم رسول من أنْفَ ِ
وكسر السين ،ومعناها :لقد جاءكم رسول من أزكاكم وأطهركم.
و" أنْفَس " هنا أفعل تفضيل من النفاسة .فكلمة " أنفسكم "
كما ترى قرئت على وجهين من حيث النطق.
وهذا هو معنى القراءة والقراءات القرآنية.
مع ملحظة مهمة ينبغى أن نستحضرها فى أذهاننا ونحن نتصدى
فيما يأتى للرد على الشبهة التى سيوردها خصوم القرآن من
مدخل :تعدد قراءات القرآن أن هذه القراءات ل تشمل كل
كلمات القرآن ،بل لها كلمات فى الية دون كلمات الية
الخرى ،وقد رأينا فى الية السابقة أن كلمات الية لم تشملها
القراءات ،بل كانت فى كلمة واحدة هى " أنفسكم ".
524
وهذا هو شأن القراءات فى جميع القرآن ،كما ينبغى أن
ما أن كثيًرا من اليات خلت من تعدد القراءات خلوًّا نستحضر دائ ً
ما.تا ًّ
ومثال آخر ،قوله تعالى:
" مالك يوم الدين " والشاهد فى الية كلمة " مالك " ،وفيها
قراءتان:
ك " وهى قراءة حفص وآخرين" . مل ِ َ
" مالك " اسم فاعل من " َ
ملِك " صفة لسم فاعل ،وهى قراءة: َ
نافع وآخرين.
ومعنى الولى " مالك " القاضى المتصرف فى شئون يوم الدين،
وهو يوم القيامة.
ملِك " فهو أعم من معنى " مالك " أى من بيده المر أما معنى " َ
والنهى ومقاليد كل شىء .ما ظهر منها وما خفى.
وكل المعنيين لئق بالله تعالى ،وهما مدح لله عز وجل.
ولما كانت هذه الكلمة تحتمل القراءتين كتبت فى الرسم هكذا
"ملك " بحذف اللف بعد حرف الميم ،مع وضع شرطة صغيرة
رأسية بين الميم واللم ،ليصلح رسمها للنطق بالقراءتين.
ومثال ثالث هو قوله تعالى:
(يوم يُكشف عن ساق )(.)2
شف " وفيها قراءتان الولى قراءة والشاهد فى الية كلمة " يُك َ
جمهور القراء ،وهى " يُكشف " بضم الياء وسكون الكاف ،
وفتح الشين .بالبناء للمفعول ،والثانية قراءة ابن عباس "
ف " بفتح التاء وسكون الكاف ،وكسر الشين ،بالبناء ش ُتَك ْ ِ
للفاعل ،وهو الساعة ،أى يوم تكشف الساعة عن سياق .قرأها
بالتاء ،والبناء للمعلوم ،وقرأها الجمهور بالياء والبناء للمجهول.
والعبارة كناية عن الشدة ،كما قال الشاعر:
كشفت لهم ساقها * * * وبدا من الشر البراح (.)3
هذه نماذج سقناها من القراءات القرآنية تمهيدًا لذكر الحقائق
التية:
-إن القراءات القرآنية وحى من عند الله عز وجل.
-إنها ل تدخل كل كلمات القرآن ،بل لها كلمات محصورة وردت
فيها ،وقد أحصاها العلماء وبينوا وجوه القراءات فيها.
-إن الكلمة التى تقرأ على وجهين أو أكثر يكون لكل قراءة
معنى مقبول يزيد المعنى ويثريه.
-إن القراءات القرآنية ل تؤدى إلى خلل فى آيات الكتاب
العزيز ،وكلم الله الذى أنزله على خاتم رسله عليهم الصلة
والسلم.
525
ومع هذا فإن خصوم السلم يتخذون من تعدد قراءات بعض
كلمات القرآن وسيلة للطعن فيه ،ويرون أن هذه القراءات ما
هى إل تحريفات لحقت بالقرآن بعد العصر النبوى.
وكأنهم يريدون أن يقولوا للمسلمين ،إنكم تتهمون الكتاب
المقدس بعهديه (التوراة والنجيل) بالتحريف والتغيير والتبديل ،
وكتابكم المقدس (القرآن) حافل بالتحريفات والتغييرات
والتبديلت ،التى تسمونها قراءات ؟ وهذا ما قالوه فعل ً ،وأثاروا
حوله لغطًا كثيًرا ،وبخاصة جيش المبشرين والمستشرقين ،
الذين تحالفوا إل قليل ً منهم على تشويه حقائق السلم ،وفى
مقدمتها القرآن الكريم.
ونكتفى بما أثاره واحد منهم قبل الرد على هذه الشبهة التى
يطنطنون حولها كثيًرا ،ذلكم الواحد هو المستشرق اليهودى
المجرى المسمى " :جولد زيهر " الحقود على السلم وكل ما
يتصل به من قيم ومبادئ.
إن هذا الرجل لهو أشد خطًرا من القس زويمر زعيم جيش
المبشرين الحاقدين على السلم فى عهد الحتلل النجليزى
للهند ومصر.
أوهام جولد زيهر حول القراءات القرآنية:
المحاولة التى قام بها جولد زيهر هى إخراج القراءات القرآنية
من كونها وحيًا من عند الله ،نزل به الروح المين إلى كونها
تخيلت توهمها علماء المسلمين ،وساعدهم على تجسيد هذا
التوهم طبيعة الخط العربى ؛ لنه كان فى الفترة التى ظهرت
فيها القراءات غير منقوط ول مشكول ،وهذا ساعد على نطق
الياء ثاء فى مثل " تقولون " أو " تفعلون " ! فمنهم من قرأ
بالتاء " تقولون " ومنهم من قرأ بالياء " يقولون ".
ما ،أما من حيث الشكل أى هذا من حيث النقط وجودًا وعد ً
ضبط الحروف بالفتح أو الضم مثل ً ،وأرجع إلى هذا السبب قوله
تعالى( :وهو الذى أرسل الرياح بُشًرا.)4()..
فقد قرأ عاصم " :بُشرا " بضم الباء وقرأها الكسائى وحمزة" :
شرا " بالنون المفتوحة بدل ً من الباء المضمومة عند عاصم. نَ ْ
شرا " بالنون المضمومة والشين المضمومة ، وقرأ الباقون " :ن ُ ُ
بينما كانت الشين فى القراءات الخرى ساكنة (.)5
وفى هذا يقول جولد زيهر نقل ً عن الترجمة العربية لكتابه الذى
ذكر فيه هذا الكلم (:)6
" والقسم الكبر من هذه القراءات يرجع السبب فى ظهوره إلى
خاصية الخط العربى ،فإن من خصائصه أن الرسم الواحد
للكلمة قد يقرأ بأشكال مختلفة تبعًا للنقط فوق الحروف أو تحتها
526
،كما أن عدم وجود الحركات النحوية ،وفقدان الشكل (أى
الحركات) فى الخط العربى يمكن أن يجعل للكلمة حالت
مختلفة من ناحية موقعها من العراب .فهذه التكميلت للرسم
الكتابى ثم هذه الختلفات فى الحركات والشكل ،كل ذلك كان
السبب الول لظهور حركة القراءات ،فيما أهمل نقطه أو شكله
من القرآن ".
إن المتأمل فى هذا الكلم ،الذى نقلناه عن جولد زيهر ،يدرك
أن الرجل يريد أن يقول فى دهاء وخبث.
إن هذه القراءات تحريفات معترف بها لدى المسلمين خاصتهم
وعامتهم ،وأن النصوص اللهية المنزلة على رسولهم أصابها
بعض الضياع إنه لم يقل صراحة بالتحريف وإنما وضع المبررات
لوجود التحريف فى القرآن الحكيم.
ثم أخذ بعد ذلك يورد أمثلة من القراءات وينسبها إلى السببين
اللذين تقدم ذكرهما ،وهما:
-تجرد المصحف من النقط فى أول عهده.
-تجرد كلماته من ضبط الحروف.
فإلى السبب الول نسب قوله تعالى:
(ونادى أصحاب العراف رجال ً يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى
عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون)(.)7
والشاهد فى كلمة " تستكبرون " وهى قراءة الجمهور .وقد
قارنها جولد زيهر بقراءة شاذة " تستكثرون " بإبدال الباء ثاء ،
يريد أن يقول :إن الكلمة كانت فى الصل " يستكبرون " غير
منقوطة الحروف الول والثالث والخامس فاختُلِف فى قراءتها:
فمنهم من قرأ الخامس " باء " والول تاء فنطق :تستكبرون ،
ومنهم من قرأ الخامس " ثاء " فنطق " تستكثرون.
هذا هو سبب هاتين القراءتين عنده.
وكذلك قوله تعالى(:وما كان استغفار إبراهيم لبيه إل عن موعدة
وعدها إياه.)8()..
والشاهد فى كلمة " إياه " ضمير نصب منفصل للمفرد الغائب
الذكر.
ثم قارنها بقراءة شاذة لحماد الراوية هكذا " اباه " بإبدال الياء
من " إياه " باء " اباه " أى وعدها إبراهيم عليه السلم أباه ؟ (.)9
أما اختلف القراءات للسبب الثانى ،وهو تجرد كلمات المصحف
عن الضبط بالحركات ،فمن أمثلته عنده قوله تعالى:
عنْدَه ُ علم الكتاب )(.)10
ن ِم ْ
(و َ
ه
عنْد ِ ِ
ن ِم ْعنْدِه " " َ
ن ِ
م ْ
ن عنْدَه ُ " " ِ
م ْ
وقارن بين قراءاتها الثلثَ " :
"؟!
527
هذا هو منهجه فى إخراج القراءات القرآنية من كونها وحيًا من
ما كان سببها نقص الخط العربى الذى عند الله ،إلى كونها أوها ً
كتب به المصحف أول ً عن تحقيق اللفاظ من حيث حروفها ومن
حيث كيفية النطق بها .واقتفى أثره كثير من المبشرين
والمستشرقين.
الرد على هذه الشبهة:
لقد حظى كتاب الله العزيز بعناية منقطعة النظير ،فى حياة
النبى صلى الله عليه وسلم ،وبعد وفاته.
ومن الحقائق الراسخة رسوخ الجبال أن طريق تَلَقِّى القرآن كان
هو السماع الصوتى.
-سماع صوتى من جبريل لمحمد عليهما السلم.
-وسماع صوتى من الرسول إلى كتبة الوحى أول ً وإلى
المسلمين عامة.
-وسماع صوتى من كتبة الوحى إلى الذين سمعوه منهم من
عامة المسلمين.
-وسماع صوتى حتى الن من حفظة القرآن المتقنين إلى من
يتعلمونه منهم من أفراد المسلمين.
هذا هو الصل منذ بدأ القرآن ينزل إلى هذه اللحظة وإلى يوم
الدين ،فى تلقى القرآن من مرسل إلى مستقبل.
وليست كتابة القرآن فى مصاحف هى الصل ،ولن تكون.
القرآن يجب أن يُسمع بوعى قبل أن يقرأ من المصحف ،ول
يزال متعلم القرآن فى أشد الحاجة إلى سماع القرآن من شيوخ
حافظين متقنين ،وفى القرآن عبارات أو كلمات مستحيل أن
يتوصل أحد إلى نطقها الصحيح عن مجرد القراءة فى المصحف ،
ما وأشهرا.ولو ظل يتعلمها وحده أيا ً
وبهذا تهوى الفكار التى أرجع إليها جولد زيهر نشأة القراءات إلى
الحضيض ،ول يكون لها أى وزن فى البحث العلمى المقبول ؛
لن المسلمين من جيل الصحابة ومن تبعهم بإحسان لم يتعلموا
القرآن عن طريق الخط العربى من القراءة فى المصاحف ،
وإنما تعلموه سماع ًا واعيًا ملفوظًا كما خرج من فم محمد صلى
خا أجلء حفظوه وتلوه الله عليه وسلم ،ثم قيض الله لكتابه شيو ً
ضا طريًا كما كان صاحب الرسالة يحفظه ويتلوه كما سمعه من غ ً
جبريل أمين الوحى.
أجل ..كان سيكون لفكار جولد زيهر وجه من الحتمال لو كان
المسلمون يأخذون القراءة قراءة من مصاحف.
أما وقد علمنا أن طريق تلقى القرآن هو السماع الموثق ،فإن
أفكار جولد زيهر تذهب هباء فى يوم ريح عاصف.
528
ثانيًا :إن القراءات الصحيحة مسموعة من جبريل لرسول الله
صلى الله عليه وسلم ،ومسموعة من محمد صلى الله عليه
وسلم لكتبة الوحى ،ومسموعة من محمد ومن كتبة الوحى
لعموم المسلمين فى صدر السلم الول ،ثم شيوخ القرآن فى
تعاقب الجيال حتى يرث الله الرض ومن عليها.
529
ما لشأنه ،ة تنزيل الفرد منزلة " الجماعة " تعظي ًالتعظيم بلغ ً
وإجلل ً لقدره.
وفى هاتين القراءتين تكثير للمعنى ،وهو وصف ملزم لكل
القراءات.
وللبلغيين إضافة حسنة فى قراءة " نفصل " بعد قوله " :ما
خلق الله " ..هى النتقال من الغيبة فى " ما خلق الله " إلى
المتكلم فى " نفصل " للشعار بعظمة التفصيل وروعته.
وبعد :إن إرجاع القراءات القرآنية لطبيعة الخط العربى الذى كان
فى أول أمره خاليًا من النقط والشكل ،كما توهم " جولد زيهر "
ومن بعده " آثر جيفرى " فى المقدمة التى كتبها لكتاب
المصاحف ،لبى داود السجستانى ،وتابعهما المستشرق " جان
بيرك " ،إن هذه النظرية مجرد وَهْم ٍ سانده جهل هؤلء الدعياء
على الفكر السلمى ،مبدؤه ومنتهاه الحقد على السلم
والتطاول على القرآن ،لحاجات فى نفوس " اليعاقيب ".
وقد قدمنا فى إيجاز ما أبطل هذه الوهام ،وبقى علينا فى الرد
على هذه الشبهة أن نذكر فى إيجاز كذلك جهود علمائنا فى
تمحيص القراءات ،وكيف وضعوا الضوابط الدقيقة لمعرفة
القراءات الصحيحة ،من غيرها مما كان شائعًا وقت جمع القرآن
فى عهد عثمان بن عفان " رضى الله عنه ".
تمحيص القراءات:
وضع العلماء القدمون ضوابط محكمة للقراءات الصحيحة التى
هى وحى من عند الله .وتلك الضوابط هى:
-1صحة السند ،الذى يؤكد سماع القراءة عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم .
-2موافقة القراءة لرسم المصحف الشريف ،الذى أجمعت عليه
المة فى خلفة عثمان رضى الله عنه مع ملحظة أن الصحابة
الذين نسخوا القرآن فى المصحف من الوثائق النبوية فى خلفة
عثمان ،نقلوه كما هو مكتوب فى الوثائق النبوية بل تغيير أو
تبديل .ورسم المصحف الذى بين أيدينا الن سنة نبوية ؛ لن
النبى صلى الله عليه وسلم أقر تلك الوثيقة ،واحتفظ بها فى
بيته حتى آخر يوم فى حياته الطيبة.
ولذلك أجمع أئمة المذاهب الفقهية على تحريم كتابة المصحف
فى أى زمن من الزمان ،على غير الرسم المعروف بالرسم
العثمانى للمصحف الشريف .ونقل هذا الجماع عنهم كثير من
علماء تاريخ القرآن (.)13
-3أن تكون القراءة موافقة لوجه من وجوه تراكيب اللغة العربية
؛ لن الله أنزل كتابه باللسان العربى المبين.
530
-4أن يكون معنى القراءة غير خارج عن قيم السلم ومقاصده
الصول والفروع.
فإذا تخلف شرط من هذه الشروط فل تكون القراءة مقبولة ول
يعتد بها.
وعمل ً بهذه الضوابط تميزت القراءات الصحيحة من القراءات
غير الصحيحة ،أو ما يسمى بالقراءات الشاذة ،أو الباطلة.
ولم يكتف علماؤنا بهذا ،بل وضعوا مصنفات عديدة حصروا فيها
القراءات الصحيحة ،ووجهوها كلها من حيث اللغة ،ومن حيث
المعنى.
كما جمع العلمة ابن جنى القراءات الشاذة ،حاصًرا لها ،واجتهد
ما أفرغ ما ملك من طاقاته فيه ،وأخرجها فى أن يقومها تقوي ً
جزءين كبيرين.
أما ذو النورين عثمان بن عفان رضى الله عنه ،حين أمر بنسخ
الوثائق النبوية فى المصاحف ،فقد أراد منه هدفين ،ننقل
ما طيبًا للمرحوم الدكتور /محمد عبد الله دراز
للقارئ الكريم كل ً
فى بيانهما:
" وفى رأينا أن نشر المصحف بعناية عثمان كان يستهدف
أمرين:
أولهما :إضفاء صفة الشرعية على القراءات المختلفة ،التى
كانت تدخل فى إطار النص المدون يعنى المصحف ولها أصل
نبوى مجمع عليه ،وحمايتها فيه منعًا لوقوع أى شجار بين
المسلمين بشأنها ،لن عثمان كان يعتبر التمارى (أى الجدال)
فى القرآن نوعًا من الكفر.
ثانيهما :استبعاد ما ل يتطابق تطابقًا مطلقًا مع النص الصلى
(الوثائق النبوية) وقاية للمسلمين من الوقوع فى انشقاق خطير
فيما بينهم ،وحماية للنص ذاته من أى تحريف ،نتيجة إدخال
بعض العبارات المختلف عليها نوعًا ما ،أو أى شروح يكون
الفراد قد أضافوها إلى مصاحفهم " (.)14
هذه هى عناية المسلمين من الرعيل الول بالقرآن الكريم وتعدد
قراءاته ،وحماية كتاب الله من كل دخيل على نصوص الوحى
اللهى.
هذا ،وإذا كان جولد زيهر ،وآثر جيفرى المبشر النجليزى ،
وجان بيرك قد أجهدوا أنفسهم فى أن يتخذوا من قراءات القرآن
منفذ ًا للنقضاض عليه ،والتشكيك فيه ،فإن غيرهم من
المستشرقين شهدوا للقرآن بالحق ،ونختم ردنا على هذه
الشبهة بمستشرق نزيه ،أثنى على القرآن وقال إنه النص اللهى
531
الوحيد ،الذى سلم من كل تحريف وتبديل ،ل فى جمعه ،و فى
تعدد مصاحفه ،ول فى تعدد قراءاته.
قال المستشرق لوبلوا [ :إن القرآن هو اليوم الكتاب الربانى
الوحيد ،الذى ليس فيه أى تغيير يذكر ].
ومن قبله قال مستشرق آخر (د .موير) كلما طيبا ً فى الثناء على
القرآن ،وهو [ :إن المصحف الذى جمعه عثمان ،قد تواتر
انتقاله من يد ليد ،حتى وصل إلينا بدون أى تحريف ،ولقد حفظ
بعناية شديدة ،بحيث لم يطرأ عليه أى تغيير يذكر ،بل نستطيع
أن نقول إنه لم يطرأ عليه أى تغييرعلى الطلق فى النسخ التى
ل حصر لها ،المتداولة فى البلد السلمية الواسعة ،فلم يوجد
إل قرآن واحد لجميع الفرق السلمية المتنازعة وهذا الستعمال
الجماعى لنفس النص المقبول من الجميع حتى اليوم حجة
منزل ،الموجود معنا والذى يرجع إلى ودليل على صحة النص ال ُ
عهد الخليفة عثمان بن عفان رضى الله عنه الذى مات مقتول(
.)15
( )1التوبة.128 :
( )2القلم.42 :
( )3معانى القرآن للقراء (.)3/177
( )4الفرقان.48 :
( )5انظر :رسم المصحف ( )29للدكتور /عبد الفتاح شلبى ،
مكتبة وهبة.
( )6المذاهب السلمية (ص ، )4ترجمة د .محمد يوسف موسى.
( )7العراف.48 :
( )8التوبة.114 :
( )9رسم المصحف ( ، )30مرجع سبق ذكره.
( )10الرعد.43 :
( )11الحجرات.6 :
( )12يونس.5 :
( )13ينظر :البرهان فى علوم القرآن ،مرجع سبق ذكره.
( " )14مدخل إلى القرآن الكريم " (ص )43مرجع سبق ذكره.
( )15حياة محمد :تأليف w.MUIRنقل عن (مدخل إلى القرآن
الكريم).
----------------
-34الكلم العجمى
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
532
جاء فى سورة الشعراء(:نزل به الروح المين * على قلبك لتكون
من المنذرين * بلسان عربى مبين) ( .)1وجاء فى سورة
الزمر(:قرآنا عربيا ً غير ذى عوج ) ( .)2وجاء فى سورة الدخان:
(فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون) ( .)3وجاء فى سورة
النحل( :ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذى
يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربى مبين) (.)4
ونحن نسأل " :كيف يكون القرآن عربيًّا مبينًا ،وبه كلمات
أعجمية كثيرة ،من فارسية ،وآشورية ،وسريانية ،وعبرية ،
ويونانية ،ومصرية ،وحبشية ،وغيرها ؟ ".
هذا نص الشبهة الواردة فى هذا الصدد ،وتأكيدا لهذه الشبهة
ذكروا الكلمات العجمية حسب زعمهم التى وردت فى القرآن
الكريم وهى:
آدم أباريق إبراهيم أرائك استبرق إنجيل تابوت توراة جهنم حبر
حور زكاة زنجبيل سبت سجيل سرادق سكينة سورة صراط
طاغوت عدن فرعون فردوس ماعون مشكاة مقاليد ماروت
هاروت الله.
الرد على هذه الشبهة:
هذه هى شبهتهم الواهية ،التى بنوا عليها دعوى ضخمة ،ولكنها
جوفاء ،وهى نفى أن يكون القرآن عربيًّا مثلهم كمثل الذى يهم
أن يعبر أحد المحيطات على قارب من بوص ،ل يلبث أن تتقاذفه
المواج ،فإذا هو غارق ل محالة.
ولن نطيل الوقوف أمام هذه الشبهة ،لنها منهارة من أساسها
بآفة الوهن الذى بنيت عليه .ونكتفى فى الرد عليها بالتى:
-إن وجود مفردات غير عربية الصل فى القرآن أمر أقر به
علماء المسلمين قديما ً وحديثاً .ومن أنكره منهم مثل المام
الشافعى كان لنكاره وجه مقبول سنذكره فيما يأتى إن شاء
الله.
-ونحن من اليسير علينا أن نذكر كلمات أخرى وردت فى القرآن
سأَة بمعنى عصى فى سورة " سبأ " من ْ َ
غير عربية الصل ،مثلِ :
ومثل " اليم " بمعنى النهر فى سورة " القصص " وغيرها.
-إن كل ما فى القرآن من كلمات غير عربية الصل إنما هى
كلمات مفردات ،أسماء أعلم مثل " :إبراهيم ،يعقوب ،إسحاق
،فرعون " ،وهذه أعلم أشخاص ،أو صفات ،مثل ":طاغوت ،
حبر" ،إذا سلمنا أن كلمة " طاغوت " أعجمية.
ما من تراكيب غير عربية ،فليس فيه جملة -إن القرآن يخلو تما ً
واحدة إسمية ،أو فعلية من غير اللغة العربية.
533
-إن وجود مفردات أجنبية فى أى لغة سواء كانت اللغة العربية
أو غير العربية ل يخرج تلك اللغة عن أصالتها ،ومن المعروف أن
السماء ل تترجم إلى اللغة التى تستعملها حتى الن .فالمتحدث
بالنجليزية إذا احتاج إلى ذكر اسم من لغة غير لغته ،يذكره
برسمه ونطقه فى لغته الصلية ومن هذا ما نسمعه الن فى
نشرات الخبار باللغات الجنبية فى مصر ،فإنها تنطق السماء
العربية نُطقا ً عربيَّا .ول يقال:
إن نشرة الخبار ليست باللغة الفرنسية أو النجليزية مثل ً ،
لمجرد أن بعض المفردات فيها نطقت بلغة أخرى.
والمؤلفات العلمية والدبية الحديثة ،التى تكتب باللغة العربية
ويكثر فيها مؤلفوها من ذكر السماء الجنبية والمصادر التى نقلوا
عنها ،ويرسمونها بالحرف الجنبية والنطق الجنبى ل يقال :إنها
مكتوبة بغير اللغة العربية ،لمجرد أن بعض الكلمات الجنبية
وردت فيها ،والعكس صحيح.
ًّ
ومثيرو هذه الشبهة يعرفون ذلك كما يعرفون أنفسهم فكان حريا
بهم أل يتمادوا فى هذه اللغو الساقط إما احتراما ً لنفسهم ،وإما
خجل ً من ذكر ما يثير الضحك منهم.
-إنهم مسرفون فى نسبة بعض هذه المفردات التى ذكروها
وعزوها إلى غير العربية:
فالزكاة والسكينة ،وآدم والحور ،والسبت والسورة ،ومقاليد ،
وعدن والله ،كل هذه مفردات عربية أصيلة لها جذور لغُوية
عريقة فى اللغة العربية .وقد ورد فى المعاجم العربية ،وكتب
فقه اللغة وغيرها تأصيل هذه الكلمات عربيَّا فمثلً:
ك .وأصل هذه المادة هى الطهر الزكاة من زكا يزكو فهو زا ٍ
والنماء.
وكذلك السكينة ،بمعنى الثبات والقرار ،ضد الضطراب لها جذر
لغوى عميق فى اللغة العربية .يقال:
سكن بمعنى أقام ،ويتفرع عنه :يسكن ،ساكن ،مسكن ،
أسكن.
-إن هذه المفردات غير العربية التى وردت فى القرآن الكريم ،
وإن لم تكن عربية فى أصل الوضع اللغوى فهى عربية باستعمال
العرب لها قبل عصر نزول القرآن وفيه ..وكانت سائغة
ومستعملة بكثرة فى اللسان العربى قبيل نزول القرآن وبهذا
ت عربية نطقاًفارقت أصلها غير العربى ،وعُد َّ ْ الستعمال
ًّ
واستعمال ً وخطا.
إذن فورودها فى القرآن مع قلتها وندرتها إذا ما قيست بعدد
كلمات القرآن ل يخرج القرآن عن كونه " بلسان عربى مبين "
534
ومن أكذب الدعاءات أن يقال :إن لفظ الجللة " الله " عبرى أو
سريانى وإن القرآن أخذه عن هاتين اللغتين .إذ ليس لهذا اللفظ
الجليل " الله " وجود فى غير العربية:
فالعبرية مثل ً تطلق على " الله " عدة إطلقات ،مثل ايل ،
الوهيم ،وأدوناى ،ويهوا أو يهوفا .فأين هذه اللفاظ من كلمة "
الله " فى اللغة العربية وفى اللغةاليونانية التى ترجمت منها
الناجيل إلى اللغة العربية حيث نجد الله فيها " الوى " وقد
وردت فى بعض الناجيل يذكرها عيسى عليه السلم مستغيثاً
بربه هكذا " الوى الوى " وترجمتها إلهى إلهى.
إن نفى عروبة القرآن بناء على هذه الشبهة الواهية أشبه ما
يكون بمشهد خرافى فى أدب اللمعقول.
( )1الشعراء.195-193 :
( )2الزمر.28 :
( )3الدخان.58 :
( )4النحل.103 :
---------------------
-35الكلم العاطل
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
535
عاطلة " كما يدعى خصوم السلم ،ما فهم منها أحد معنى
واحداً.
ولو جارينا جدل ً هؤلء المتحاملين على كتاب الله العزيز من أن
هذه " الحروف " عاطلة من المعانى ،لوجدنا شططا ً فى
اتهامهم القرآن كله بأنه " كلم عاطل " لنها ل تتجاوز ثمانى
وعشرين آية ،باستبعاد " طه" و" يس " لنهما اسمان للنبى
صلى الله عليه وسلم ،حذف منهما أداة النداء والتقدير :يا " طه
" يا " يس " بدليل ذكر الضمير العائد عليه هكذا:
(ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) ( )2و (إنك لمن المرسلين) (.)3
وباستبعاد هاتين السورتين من السور التسع والعشرين تُصبح
هذه السور سبعا ً وعشرين سورة ،منها سورة الشورى ،التى
ذكرت فيها هذه الحروف المقطعة مرتين هكذا:
"حم ،عسق " فيكون عدد اليات موضوع هذه الملحظة ثمانى
وعشرين آية فى القرآن كله ،وعدد آيات القرآن الكريم 6236آية.
ن وعشرين آية على 6208آية ؟. فكيف ينطبق وصف ثما ٍ
ت من هذه " الحروف " نختار منها ما يأتى والمعانى التى فُهم ْ
فى الرد على هؤلء الخصوم.
الرأىالول:
يرى بعض العلماء القدامى أن هذه الفواتح ،مثل :الم ،و الر ،
والمص " .تشير إلى إعجاز القرآن ،بأنه مؤلف من الحروف
التى عرفها العرب ،وصاغوا منها مفرداتهم ،وصاغوا من
مفرداتهم تراكيبهم.
وأن القرآن لم يغير من أصول اللغة ومادتها شيئا ً ،ومع ذلك كان
القرآن معجزا ً ؛ ل لنه نزل بلغة تغاير لغتهم ،ولكن لنه نزل
بعلم الله عز وجل ،كما يتفوق صانع على صانع آخر فى حذقه
ومهارته فى صنعته مع أن المادة التى استخدمها الصانعان فى "
حجة عنهم. النموذج المصنوع " واحدة وفى هذا قطع لل ُ
ويؤيد هذا قوله سبحانه وتعالى:
(أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من
استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين * فإلم يستجيبوا لكم
فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن ل إله إل هو فهل أنتم
مسلمون ) (.)4
يعنى أن اللغة واحدة ،وإنما كان القرآن معجزا ً لمر واحد هو أنه
كلم الله ،نازل وفق علم الله وصنعه ،الذى ل يرقى إليه
مخلوق.
الرأى الثانى:
536
مقطعة " التى بدئت بها بعض سور القرآن إن هذه الحروف " ال ُ
إنما هى أدوات صوتية مثيرة لنتباه السامعين ،يقصد بها تفريغ
القلوب من الشواغل الصارفة لها عن السماع من أول وهلة.
فمثل ً " الم " فى مطلع سورة البقرة ،وهى تنطق هكذا.
" ألف لم ميم " تستغرق مسافة من الزمن بقدر ما يتسع لتسعة
أصوات ،يتخللها المد مد الصوت عندما تقرع السمع تهيؤه ،
وتجذبه لعقبى الكلم قبل أن يسمع السامع قوله تعالى بعد هذه
الصوات التسعة:
(ذلك الكتاب ل ريب فيه هدى للمتقين ) (.)5
وإثارة النتباه بمثل هذه المداخل سمة من سمات البيان العالى ،
ولذلك يطلق بعض الدارسين على هذه " الحروف " فى فواتح
السور عبارة " قرع عصى " ( )6وهى وسيلة كانت تستعمل فى
إيقاظ النائم ،وتنبيه الغافل .وهى كناية لطيفة ،وتطبيقها على
هذه " الحروف " غير مستنكر .لن الله عز وجل دعا الناس
لسماع كلمه ،وتدبر معانيه ،وفى ذلك يقول سبحانه وتعالى:
(وإذا قُرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) (.)7
الرأى الثالث:
ويرى المام الزمخشرى أن فى هذه " الحروف " سًّرا دقيقا ً من
أسرار العجاز القرآنى المفحم ،وخلصة رأيه نعرضها فى التى:
" واعلم أنك إذا تأملت ما أورده الله عز سلطانه فى الفواتح من
هذه السماء يقصد الحروف وجدتها نصف حروف المعجم ،أربعة
عشر سواء ،وهى :اللف واللم والميم والصاد ،والراء والكاف
والهاء ،والياء والعين والطاء والسين والحاء ،والقاف والنون ،
فى تسع وعشرين سورة ،على حذو حروف المعجم ".
ثم إذا نظرت فى هذه الربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف
أجناس الحروف ،بيان ذلك أن فيها:
من المهموسة نصفها:
" الصاد ،والكاف ،والهاء والسين والخاء ".
ومن المجهورة نصفها:
اللف واللم والميم ،والراء والعين والطاء ،والقاف والياء
والنون.
ومن الشديدة نصفها:
" اللف والكاف ،والطاء والقاف ".
ومن الرخوة نصفها:
" اللم والميم ،والراء والصاد ،والهاء والعين ،والسين والحاء
والياء والنون ".
ومن المطبقة نصفها:
537
" الصاد والطاء ".
ومن المنفتحة نصفها:
" اللف واللم ،والميم والراء ،والكاف ،والهاء والعين والسين
والحاء ،والقاف والياء والنون ".
ومن المستعلية نصفها:
" القاف والصاد ،والطاء ".
ومن المنخفضة نصفها:
" اللف واللم والميم ،والراء والكاف والهاء ،والياء ،والعين
والسين ،والحاء والنون ".
ومن حروف القلقلة نصفها " :القاف والطاء " (.)8
يريد أن يقول :إن هذه الحروف المذكورة يلحظ فيها ملحظان
إعجازيان:
الول :من حيث عدد البجدية العربية ،وهى ثمانية وعشرون
حرفاً .فإن هذه الحروف المذكورة فى فواتح السور تعادل نصف
حروف البجدية ،يعنى أن المذكور منها أربعة عشر حرفا ً والذى
لم يذكر مثلها أربعة عشر حرفا:
28 = 14+14حرفا ً هى مجموع البجدية العربية.
الثانى :من حيث صفات الحروف وهى:
الهمس فى مقابلة الجهارة.
الشدة فى مقابلة الرخاوة.
النطباق فى مقابلة النفتاح.
والستعلء فى مقابلة النخفاض.
والقلقلة فى مقابلة غيرها.
نجد هذه الحروف المذكورة فى الفواتح القرآنية لبعض سور
القرآن تعادل نصف أحرف كل صفة من الصفات السبع
المذكورة .وهذا النتصاف مع ما يلحظ فيه من التناسب الدقيق
بين المذكور والمتروك ،ل يوجد إل فى كلم الله المنزل على
محمد صلى الله عليه وسلم .وهو ذو مغزى إعجازى مذهل
معقباًلذوى اللباب ،لذلك نرى المام جار الله الزمخشرى يقول ُ
على هذا الصنع الحكيم:
" فسبحان الذى دقت فى كل شىء حكمته .وهو المطابق
للطائف التنزيل واختصاراته .فكأن الله عز اسمه عدد على
العرب اللفاظ التى منها تراكيب كلمهم ،إشارة إلى ما ذكرت
حجة إياهم (.)9من التبكيت لهم ،وإلزام ال ُ
ثم أخذ المام الزمخشرى ،يذكر فى إسهاب الدقائق والسرار
واللطائف ،التى تستشف من هذه " الحروف " التى بدئت بها
بعض سور القرآن ،وتابعه فى ذلك السيد الشريف فى حاشيته
538
التى وضعها على الكشاف ،والمطبوعة بأسفل تفسير
الزمخشرى .وذكر ما قاله الرجلن هنا يخرج بنا عن سبيل القصد
الذى نتوخاه فى هذه الرسالة .ونوصى القراء الكرام بالطلع
عليه فى المواضع المشار إليها فى الهوامش المذكورة وبقى أمٌر
م فى الرد على هذه الشبهة التى أثارها خصوم السلم ،وهى مه ٌّ
شبهة وصف القرآن بالكلم العاطل .نذكره فى إيجاز فى التى:
لو كانت هذه " الحروف " من الكلم العاطل لما تركها العرب
المعارضون للدعوة فى عصر نزول القرآن ،وهم المشهود لهم
بالفصاحة والبلغة ،والمهارة فى البيان إنشاءً ونقدا ً ؛ فعلى
قدرما طعنوا فى القرآن لم يثبت عنهم أنهم عابوا هذه " الفواتح
" وهم أهل الذكر " الختصاص " فى هذا المجال .وأين يكون "
الخواجات " الذين يتصدون الن لنقد القرآن من أولئك الذين
كانوا أعلم الناس بمزايا الكلم وعيوبه ؟!
وقد ذكر القرآن نفسه مطاعنهم فى القرآن ،ولم يذكر بينها أنهم
أخذوا على القرآن أىَّ مأخذ ،ل فى مفرداته ول فى جمله ،ول
َ
فى تراكيبه .بل على العكس سل ّموا له بالتفوق فى هذا الجانب ،
وبعض العرب غير المسلمين امتدحوا هذا النظم القرآنى ورفعوه
فوق كلم النس والجن.
ولشدة تأثيره على النفوس اكتفوا بالتواصى بينهم على عدم
سماعه ،والشوشرة عليه.
والطاعنون الجدد فى القرآن ل قدرة لهم على فهم تراكيب اللغة
العربية ،ول على صوغ تراكيبها صوغا ً سليما ً ،والشرط فيمن
يتصدى لنقد شىء أن تكون خبرته وتجربته أقوى من الشىء
الذى ينقده .وهذا الشرط منعدم أصل ً عندهم.
( )1انظر للوقوف على هذه المعانى :التفسير الكبير " للفخر
الرازى .تفسير سورة البقرة.
( )2طه.2 :
( )3يس.3 :
( )4هود.14-13 :
( )5البقرة.2 :
( )6يعنى الضرب بالعصى على الرض لتنبيه المراد تنبيهه.
( )7العراف.204 :
( )8الكشاف (ج 1ص .)103 -100
( )9الكشاف( :ج 1ص .)103
------------------------
-36الكلم المتناقض أ
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
539
" جاء فى سورة النساء( :أفل يتدبرون القرآن ولو كان من عند
غير الله لوجدوا فيه اختلفا كثيراً) (.)1
ولكننا نجد فيه التناقض الكثير مثل:
كلم الله ل يتبدل :كلم الله يتبدل (ل تبديل لكلمات الله ) (:)2
(وإذا بدلنا آية مكان آية( )3( )..ل مبدل لكلماته ) (( :)4ما ننسخ
من آية أو ننسها نأت بخير منها ) (( )5إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له
لحافظون ) (( :)6يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) (
)7هذه طريقتهم فى عرض هذه الشبهة يقابلون بين بعض اليات
على اعتبار تصورهم ،وهو أن كل آية تناقض معنى الية المقابلة
لها ،على غرار ما ترى فى هذا الجدول الذى وضعوه لبيان
التناقض فى القرآن حسب زعمهم.
الرد على هذه الشبهة:
الصورة الولى للتناقض الموهوم بين آية يونس( :ل تبديل
لكلمات الله) وآية النحل (وإذا بدلنا آية مكان آية )..ل وجود لها
ما.
إل فى أوهامهم ويبدو أنهم يجهلون معنى التناقض تما ً
فالتناقض من أحكام العقل ،ويكون بين أمرين كليين ل يجتمعان
أبدا ً فى الوجود فى محل واحد ،ول يرتفعان أبدا ً عن ذلك المحل
،بل ل بد من وجود أحدهما وانتفاء الخر ،مثل الموت والحياة.
فالنسان يكون إما حيًّا وإما ميتا ول يرتفعان عنه فى وقت واحد ،
ومحال أن يكون حيًّا و ميتا ً فى آن واحد ؛ لن النقيضين ل
يجتمعان فى محل واحد.
ومحال أن يكون إنسان ما ل حى ول ميت فى آن واحد وليس
فى القرآن كله صورة ما من صور التناقض العقلى إل ما يدعيه
الجهلء أو المعاندون .والعثور على التناقض بين اليتين المشار
إليهما محال محال ؛ لن قوله تعالى فى سورة يونس (ل تبديل
لكلمات الله) معناه ل تبديل لقضاء الله الذى يقضيه فى شئون
الكائنات ،ويتسع معنى التبديل هنا ليشمل سنن الله وقوانينه
الكونية .ومنها القوانين الكيميائية ،والفيزيائية وما ينتج عنها من
تفاعلت بين عناصرالموجودات ،أو تغييرات تطرأ عليها .كتسخين
الحديد أو المعادن وتمددها بالحرارة ،وتجمدها وانكماشها
ل.بالبرودة .هذه هى كلمات الله عّز وج ّ
وقد عبر عنها القرآن فى مواضع أخرى ب ..السنن وهى القوانين
التى تخضع لها جميع الكائنات ،النسان والحيوان والنبات
والجمادات .إن كل شئ فى الوجود ،يجرى ويتفاعل وفق السنن
اللهية أو كلماته الكلية ،التى ليس فى مقدور قوة فى الوجود
أن تغيرها أو تعطل مفعولها فى الكون.
540
ذلك هو المقصود به ب " كلمات الله " ،التى ل نجد لها تبديل ً ،
ول نجد لها تحويلً.
ومن هذه الكلمات أو القوانين والسنن اللهية النافذة طوعا ً أو
كرها ً قوله تعالى( :كل نفس ذائقة الموت) ( .)8فهل فى مقدور
أحد مهما كان أن يعطل هذه السنة اللهية فيوقف " سيف المنايا
" ويهب كل الحياء خلودا ً فى هذه الحياة الدنيا ؟ فكلمات الله
إذن هى عبارة عن قضائه فى الكائنات وقوانينه المطردة فى
الموجودات وسننه النافذة فى المخلوقات.
ول تناقض فى العقل ول فى النقل ول فى الواقع المحسوس بين
مدلول آية( :ل تبديل لكلمات الله) وآية:
(وإذا بدلنا آية مكان آية.)..
لن معنى هذه الية :إذا رفعنا آية ،أى وقفنا الحكم بها ،ووضعنا
آية مكانها ،أى وضعنا الحكم بمضمونها مكان الحكم بمضون
الولى .قال جهلة المشركين :إنما أنت مفتِرٍ (.)9
فلكل من اليتين معنى فى محل غير معنى ومحل الخرى.
فالية فى سورة يونس (ل تبديل لكلمات الله) والية فى سورة
النحل( :وإذا بدلنا آية مكان آية )..لكل منهما مقام خاص ،ولكن
هؤلء الحقدة جعلوا الكلمات بمعنى اليات ،أو جعلوا اليات
بمعنى الكلمات زورا ً وبهتانا ً ،ليوهموا الناس أن فى القرآن
تناقضاً .وهيهات هيهات لما يتوهمون.
أما اليتان (ل مبدل لكلماته) و(ما ننسخ من آية أو ننسها نأت
بخير منها أو مثلها) وقد تقدم ذكرهما فى الجدول السابق.
هاتان اليتان بريئتان من التناقض براءة قرص الشمس من اللون
السود:
فآية الكهف (ل مبدل لكلماته) معناها ل مغير لسننه وقوانينه فى
الكائنات .وهذا هو ما عليه المحققون من أهل العلم ويؤيده
الواقع المحسوس والعلم المدروس.
وحتى لو كان المراد من " كلماتـه " آياته المنـزلة فى الكتاب
العـزيز " القرآن " فإنه ـ كذلك ـ ل مبدل لها من الخلق فهى
باقية محفوظة كما أنزلها الله عز وجل ،إلى أن يرث الله الرض
ومن عليها (.)10
أما آية البقرة( :ما ننسخ من آية ) فالمراد من الية فيها المعجزة
،التى يجريها الله على أيدى رسله.
ونسخها رفعها بعد وقوعها .وليس المراد الية من القرآن ،وهذا
ما عليه المحققون من أهل التأويل.
بدليل قوله تعالى فى نفس الية( :ألم تعلم أن الله على كل
شىء قدير ).
541
ويكون الله عز وجل قد أخبر عباده عن تأييده رسله بالمعجزات
وتتابع تلك المعجزات ؛ لنها من صنع الله ،والله على كل شىء
قدير.
فاليتان ـ كما ترى ـ لكل منهما مقام خاص بها ،وليس بينهما
أدنى تعارض ،فضل ً عن أن يكون بينهما تناقض.
أما اليتان الخيرتان الواردتان فى الجدول ،وهما آية الحجر( :إنا
نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وآية الرعد( :يمحو الله ما
يشاء ويثبت) فل تعارض بينهما كذلك ؛ لن الية الولى إخبار من
الله بأنه حافظ للقرآن من التبديل والتحريف والتغيير ،ومن كل
آفات الضياع وقد صدق إخباره تعالى ،فظل القرآن محفوظا ً من
كل ما يمسه مما مس كتب الرسل السابقين عليه فى الوجود
الزمنى ،ومن أشهرها التوراة وملحقاتها .والنجيل الذى أنزله
الله على عيسى عليه السلم.
أما الية الثانية( :يمحو الله ما يشاء ويثبت) فهى إخبار من الله
بأنه هو وحده المتصرف فى شئون العباد دون أن يحد من تصرفه
أحد .فإرادته ماضية ،وقضاؤه نافذ ،يحيى ويميت ،يغنى ويفقر ،
شقِى ،يعطى ويمنع ،ل راد لقضائه ،ول سعِد وي ُ ْ
ض ،يُ ْ يُص ُّ
ح وي ُ ْ
مرِ ُ
معقب على حكمه (ل يُسأل عما يفعل وهم يُسـألون ) ( .)11فأين
التناقـض المزعوم بين هاتين اليتين يا ترى ؟ التناقض كان
سيكون لو ألغت آية معنى الخرى .أما ومعنى اليتين كل منهما
ق متوازٍ غير طريق الخرى ،فإن القول بوجود يسير فى طري ٍ
تناقض بينهما ضرب من الخبل والهذيان المحموم ،ولكن ماذا
نقول حينما يتكلم الحقد والحسد ،ويتوارى العقل وراء دياجير
الجهالة الحاقدة ؟ نكتفى بهذا الرد الموجز المفحم ،على ما ورد
فى الجدول المتقدم ذكره.
وهناك شبه أخرى يمكن سردها بإيجاز:
-1إنهـم توهـموا تناقضـا ً بين قوله تعالى( :يدبر المر من السماء
إلى الرض ثم يعرج إليه فى يوم كان مقداره ألف سنة مما
تعدون ) ( .)12وبين قوله تعالى( :تعرج الملئكة والروح إليه فى
يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) ( .)13وفى عبارة شديدة
اليجاز نرد على هذه الشبهة الفرعية ،التى تصيدوها من اختلف
زمن العروج إلى السماء ،فهو فى آية السجدة ألف سنة وهو
فى آية المعارج خمسون ألف سنة ،ومع هذا الفـارق العظيم
فإن اليتين خاليتان من التناقض .ولماذا ؟ لنهما عروجان ل
عروج واحد ،وعارجان ل عارج واحد.
فالعارج فى آية السـجدة المر ،والعـروج عروج المر ،والعارج
فى آية المعارج هم الملئكة والعروج هو عروج الملئكة.
542
اختلف العـارج والعـروج فى اليتين .فاختلف الزمن فيهما قصـراً
أو طولً .وشرط التناقض ـ لو كانوا يعلمون ـ هو اتحاد المقام.
ضا :إن بين قوله تعالى( :ثلة من الولين وقليل من -2وقالوا أي ً
الخرين) ( .)14وقـوله تعالى( :ثلة من الولين وثلة من الخرين )
( )15تناقضا .وشـاهد التنـاقض عندهم أن الله قال فى الية (
()13وقليل من الخـرين (وقال فى الية (( )40وثلة من الخرين)
إذ كيف قال أولً( :ثلة من الولين * وقـليل من الخرين) ثم قال
ثانيا ً (ثلة من الولين * وثلة من الخرين (ولو كان لديهم نية فى
النصاف ،ومعرفة الحق ناصعا ً ونظروا فى المقامين اللذين ورد
فيهما هذا الختلف لوصلوا إلى الحق من أقصر طريق.
ولكنهم يبحثون عن العيوب ولو كلفهم ذلك إلغاء عقولهم.
هذا الختلف سببه اختلف مقام الكلم ؛ لن الله عز وجل قسم
الناس فى سـورة الواقعة ،يوم القـيامة ثلثة أقسام .فقال:
(وكنتم أزواجا ً ثلثة):
*السابقون السابقون* .وأصحاب الميمنـة * .وأصحاب المشئمة.
ثم بين مصير كل قسـم من هـذه القسام فالسابقون السابقـون
لهم منزلة " :المقربون فى جنات النعيم ثم بيَّن أن الذين يتبوأون
هذه المنزلة فريقان:
كـثيرون من السـابقين الوليـن ،وقلــيلون من الجيال
المتأخـرين وذلك لن السابقين الولين بلغوا درجات عالية من
اليمان وعمل الباقيات الصالحات .ولم يشاركهم من الجيال
المتأخرة عن زمنهم إل قليل.
أما أصحاب اليمين أو الميمنة فبلؤهم فى السلم أدنى من بلء
السابقين الولين .لذلك كانت درجاتهم فى الجنة أدنى من
درجات السابقين الولين ويشاركهم فى هذه المنزلة كثير من
الجيال اللحقة بهم ؛ لن فرصة العمل بما جعلهم أصحاب اليمين
،متاحة فى كل زمان.
ويمكن أن نمثل للسابقين الولين بأصحاب رسول الله(ولصحاب
اليمين) بالتابعين ،الذين أدركوا الصحابة ولم يدركوا صاحب
الرسالة .واذا صح هذا التمثيل ،ول أظنه إل صحيحا ً ،صح أن
نقول:
إن قليل ً منا ،بل وقليل جدا ً ،من يسير فى حياته سيرة أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كثيرا ً منا من يمكن أن
يسير سيرة التابعين رضى الله عنهم.
وعلى هذا فل تناقض أبدا ً بين اليتين:
(ثلة من الولين * وقليل من الخرين).
و(ثلة من الولين * وثلة من الخرين).
543
ضا :إن فى القرآن آية تنهى عن النفـاق ،وآية أخـرى -3وقالوا أي ً
تُكره الناس على النفاق أما الية التى تنهى عن النفاق ـ عندهم ـ
فهى قوله تعالى( :وبشر المنافقين بأن لهم عذابًا أليما) (.)16
وأما الية التى تُكره الناس على النفـاق ـ عندهم ـ فهى قوله
تعالى( :وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن
الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفـروا من قـبل
قاتلهـم الله أَنَّى يؤفكـون ) (.)17
من المحال أن يفهم من له أدنى حظ من عقل أو تمييز أن فى
الية الولى نهيا ً ،وأن فى الية الثانية إكراها ً ويبدو بكل وضوح
أن مثيرى هذه الشبهات فى أشد الحاجة إلى من يعلمهم القراءة
والكتابة على منهج :وزن وخزن وزرع.
ويبدو بكل وضوح أنهم أعجميو اللسان ،ل يجيدون إل الرطانة
والتهتهة ؛ لنهم جهلة باللغة العربية ،لغة التنزيل المعجز .ومع
صبُون أنفسهم لنقد القرآن ،الذى أعجز النس هذه المخازى يُن َ َّ
والجن.
ل نهى فى الية الولى ،لن النهى فى لغة التنزيل له أسلوب
لغوى معروف ،هو دخول " ل " الناهية على الفعل المضارع
مثل :ل تفعل كذا.
ويقـوم مقامه أسلوب آخر هو :إياك أن تفعل ،جام ًعا بين التحذير
والنهى ،ول إكـراه فى الية الثانيـة.
وقد جهل هؤلء الحقدة أن الكراه من صفات الفعال ل من
صفات القـوال أما كان الحرى بهم أن يستحيوا من ارتكاب هذه
الحماقات الفاضحة.
إن الية الولى( :وبشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما) تحمل
إنذارا ً ووعيداً .أما النهـى فل وجـود له فـيها والية الثانية تسـجل
عن طريق " الخبر " انحراف اليهود والنصارى فى العقيدة ،
وكفرهم بعقيدة التوحيد ،وهى الساس الذى قامت عليه
رسالت الله عز وجل.
وليس فى هذه الية نفاق أصل ً ،ولكن فيها رمز إلى أن اليهود
والنصارى حين نسبوا " البنية " لله لم يكونوا على ثقة بما
يقولون ،ومع هذا فإنهم ظلوا فى خداع أنفسهم.
وكيف يكون الـقرآن قد أكرههـم على هذا النـفاق " المودرن "
وهو فى الوقت نفسه يدعو عليهم بالهلك بقبح إشراكهم بالله:
(قاتلهم الله).
( )1النساء.82 :
( )2يونس.64 :
( )3النحل.101 :
544
( )4الكهف.27 :
( )5البقرة.106 :
( )6الحجر.9 :
( )7الرعد.39 :
( )8آل عمران.185 :
( )9انظر تفسير فتح القدير (ج )10( )2/232تفسير فتح القدير (ج 3
ـ ص .)333
( )11النبياء.23 :
( )12السجدة.5 :
( )13المعارج.4 :
( )14الواقعة 13 :ـ .14
( )15الواقعة 39 :ـ .40
( )16النساء.138 :
( )17التوبة.30 :
--------------------
-37الكلم المفكك
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
545
خالف هذا ل يكون وحيا ً ؟ ! هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين .هذا
عن الولى.
أما عن الثانية ،فمن يجاريكم من العقلء على هذا المعيار الذى
وضعتموه لمعرفة الكلم المفكك الذى تتهمون كلم رب العالمين
به ؟ إن الكلم المفكك عند العقلء هو الكلم الذى ل يناسب
بعضه بعضا ً ،لمن حيث المفردات والتراكيب ول من حيث
المعانى والدللت .وهذا معيار عام ل يخص كلما ً دون كلم ،
فمن الناس من يكتب كتابا ً فى سنة ،أو خمس ،أو عشر ،ويأتى
ما كتبه آية فى الجودة والتقان .ولو قدر لنسان أن يكتب كتاباً
من مائة صفحة فى ساعة أو ساعتين أو ثلث لجاء كتابه "
تخاليط " يصد عنه الناس.
والقرآن ،الذى نزل مفرقا ً فى ثلث وعشرين سنة ،ليس له
مثيل ولحتى مقارب فى إحكام نسجه ،وتآلف نظمه وصحة
معناه وصفاء عباراته ،وسلمة لغته من كل عيب أو قصور.
كتاب قطع عمرا ً من الدهر يقترب من اللف ونصف اللف من
السنين ،ومع هذا فهو كتاب كل عصر سام فوق كل كلم قيل
بعده أو قبله أو فى عصر نزوله و معانيه تكشف للناس فى كل
عصر سبقا ً فى ميادين المعرفة يذهل ويدهش .وكفاه فضل ً سبقه
للحضارات الحديثة فى مختلف ميادين المعرفة العلوية والرضية
وما بين السماء والرض ،وما فى أعماق النهار والبحار
والمحيطات ،وما فى أعماق الرض.
وكل هذا وفاء بالوعد اللهى ،الذى ورد فى القرآن(:سنريهم
آياتنا فى الفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) (.)2
إن القرآن الذى تفترون عليه هو كتاب الوجود كله ،كم حاول
الحاقدون قبلكم ومعكم أن يحدثوا فيه شرخا ً فأعياهم ،وبقى هو
كلمة الله العليا السابحة فى الفاق يتحدى تعاقب الدهور
والعصور ،وهو المنارة الشامخة يتلل ضوؤها ماحيا ً حيالك
الظلم( .الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له
عوجا * قيما ً لينذر بأسا شديدا ً من لدنه ويبشر المؤمنين الذين
يعملون الصالحات أن لهم أجرا ً حسنا ً * ماكثين فيها أبدا ً * وينذر
الذين قالوا اتخذ الله ولدا * مالهم به من علم ول لبائهم كبرت
كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إل كذبا ) (.)3
( )1السراء.106 :
( )2فصلت.53 :
( )3الكهف.5 -1 :
---------------------
-38الكلم المكرر
546
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
547
مع هذه المزالق كلها جاء التكرار فى القرآن الكريم محكماً .وقد
ورد فيه كثيرا ً فليس فيه موضع قد أخذ عليه دَع ْ دعاوى المغالين
فإن بينهم وبين القرآن تارات ؛ فهم له أعداء وإذا أحسنا الفهم
لكتاب الله فإن التكرار فيه مع سلمته من المآخذ والعيوب يؤدى
وظيفتين:
أولهما :من الناحية الدينية.
ثانيهما :من الناحية الدبية.
فالناحية الدينية باعتبار أن القرآن كتاب هداية وإرشاد وتشريع ل
يخلو منها فن من فنونه ،وأهم ما يؤديه التكرار من الناحية
الدينية هو تقرير المكرر وتوكيده وإظهار العناية به ليكون فى
السلوك أمثل وللعتقاد أبين.
أما الناحية الدبية فإن دور التكرار فيها متعدد وإن كان الهدف
منه فى جميع مواضعه يؤدى إلى تأكيد المعانى وإبرازها فى
معرض الوضوح والبيان .وليكن حديثنا عنه على حسب المنهج
الذى أثبتناه فى صدر هذا البحث.
* تكرار الداة:
ومن أمثلتها قوله تعالى( :ثم إن ربك للذين هاجروا من بعدما
حيِم) (.)1 فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور ر ِ
(ثم إن ربك للذيِن عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك
وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ) (.)2
ن " فيهما .وهذا الظاهر والظاهر من النظر فى اليتين تكرار " إ َّ
ن " الولى .ولم يطلب إل خبرها .وهو فى يقتضى الكتفاء ب " إ َّ
الموضعين أعنى الخبر " لغفور رحيم " لكن هذا الظاهر خولف
ن " مرة أخرى.ولهذه المخالفة سبب. وأعيدت " إ َّ
ن " الولى وخبرها .وهذا وهذا السبب هو طول الفصل بين " إ َّ
ن " وهو أمر يُشعِر بتنافيه مع الغرض المسوقة من أجله " إ َّ
التوكيد .لهذا اقتضت البلغة إعادتها لتلحظ النسبة بين الركنين
على ما حقها أن تكون عليه من التوكيد.
على أن هناك وظيفة أخرى هى :لو أن قارئا ً تل هاتين اليتين
ن " ثم تلهما بتكرارها مرة أخرى لظهر دون أن يكرر فيهما " إ َّ
له الفرق بين الحالتين :قلق وضعف فى الولى ،وتناسق وقوة
فى الثانية.
ومن أجل هذا الطول كررت فى قول الشاعر (:)3
ً
م يقول ه لَكَرِي ُ ل هَذا َ إن َّ ُ مث ْ ِ موَاثِيقُ عَهْدِهِ *** ع َلَى ِ وإن امرأ طَال َ ْ
ت َ
ن " وكان بين اسمها ابن الثير رائيا ً هذا الرأى .." :فإذا وردت " إ َّ
وخبرها فسحة طويلة من الكلم.
548
ن " أحسن فى حكم البلغة والفصاحة كالذى تقدّم من فإعادة " إ َّ
اليات " (.)4
* تكرار الكلمة مع أختها:
ومن أمثلتها قوله تعالى( :أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم فى
الخرة هم الخسرون) (.)5
فقد تكررت " هم " مرتين ،الولى مبتدأ خبرها " :الخسرون ".
م
والثانية ضمير فصل جئ به لتأكيد النسبة بين الطرفين وهى :هُ ْ
الولى بالخسرية.
وكذلك قوله تعالى(:أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الغلل فِى
أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) (.)6
تكررت هنا " أولئك " ثلث مرات .ولم تجد لهذه الكلمة المكررة
مع ما جاورها إل حسنا ً وروعة .فالولى والثانية :تسجلن حكماً
ما على منكرى البعث :كفرهم بربهم وكون الغلل فى عا ًّ
أعناقهم.
والثالثة :بيان لمصيرهم المهين .ودخولهم النار .ومصاحبتهم لها
على وجه الخلود الذى ل يعقبه خروج منها.
ولو أسقطت(أَولئك (من الموضعين الثانى والثالث لرك المعنى
واضطرب .فتصبح الواو الداخلة على(:الغلل فى أعناقهم ( .واو
حال .وتصبح الواو الداخلة على(:أَصحاب النار هم فيها خالدون
(عاطفة عطفا ً يرك معه المعنى.
لذلك حسن موضع التكرار فى الية لما فيه من صحة المعنى
وتقويته .وتأكيد النسبة فى المواضع الثلثة للتسجيل عليهم بسوء
المصير.
*** * تكرار الفاصلة:
سبق أن ذكرنا فى مبحث الفواصل بسوء المصير من تكرار
الفاصلة مرتين بدءا ً وثلث مرات نهاية .وقد وجهنا أسلوب
التكرار فى تلك الصور .ولكنَّا هنا أمام فاصلة لم تقف فى
تكرارها عند حد المرات الثلث.
بل تعدت ذلك بكثير .لذلك آثرنا أن نبحثها هنا إذ هى بهذا الموضع
أنسب (.)7
ونعتمد فى دراستنا لتكرار الفاصلة على ثلث سور هى" :
الرحمن القمر المرسلت " .وهى السور التى برزت فيها هذه
الظاهرة السلوبية .بشكل لم يرد فى غيرها ،كما ورد فيها.
فقد تكررت(:فبِأى آلء ربكما تكذبان ) ( )8فى " الرحمن ".
وتكررت (فكيف كان عذابى ونذر) ( )9فى " القمر " .وتكررت:
(ويل يومئذ للمكذبين) ( )10فى " المرسلت ".
* تكرار الفاصلة فى " القمر ":
549
ولهذا التكرار فى المواضع الثلثة أسباب ومقتضيات .ففى سورة
القمر " نجد العبارة المكررة وهى( :فكيف كان عذابى ونذر(قد
صاحبت فى كل موضع من مواضع تكرارها قصة عجيبة الشأن ،
وكان أول موضع ذ ُكِرت فيه عقب قصة قوم نوح .وبعد أن صوَّر
القرآن مظاهر الصراع بينهم وبين نوح عليه السلم ثم انتصار
َ
منالله لنوح عليهم .حيث سل ّط عليهم الطوفان .فأغرقهم إل َ
آمن وعصمه الله.
جى نوحا ً وتابعيه .ولكن تبقى هذه القصة موضع ونجد أن الله ن َّ
عظة وادكار ،ولتلفت إليها النظار وللتهويل من شأنها جاء قوله
مصدَّرا ً باسم الستفهام " تعالى عقبها( :فكيف كان عذابى ونذر( ُ
كيف " للتعجيب مما كان ،ولقد مهَّد لهذا التعجيب بالية السابقة
عليه .وهى قوله تعالى( :ولقد تركناها آية فهل من مدكِر) (.)11
والموضع الثانى لذكرها حين قص علينا القرآن قصة عاد وعتوها
عن أمر الله وفى " عاد " هذه نجد العبارة اكتنفت القصة بدءاً
ى ونذر *ِإنا أرسلنا ونهاية .قال تعالى( :كذبت عاد ُ فكيف كان عذاب ِ
س مستمر * تنزع الناس كأنهم ح ٍ عليهم ريحا ً صرصرا ً فى يوم ِ ن ْ
أعجاز نخل منقعر * فكيف كان عذابى ونذر ) (.)12
وتكرار العبارة هكذا فى البداية والنهاية إخراج لها مخرج
صورت فى عبارات الهتمام .مع ملحظة أن أحداث القصة هنا ُ
قصيرة ولكنها محكمة وافية ..ولم يسلك هذا المسلك فى قصة
نوح أعنى قصر العبارات والسبب فيما يبدو لى أن إهلك قوم
نوح كان بالغراق فى الماء .وهى وسيلة كثيرا ً ما تكون سبب
هلك .فقد كانت سبب هلك فرعون وملئه ..أما أن يكون الهلك
بالريح فذلك أمر يدعو إلى التأمل والتفكر.
ولعل مما يقوى رأينا هذا .أن هذه القصة قصة عاد وردت فى
موضع آخر من القرآن يتفق مع هذا الموضوع من حيث الفكرة ،
ويختلف معه قليل ً من حيث طريقة العرض وزيادة التفصيل.
جاء فى سورة الحاقة( :وأما عاد فأهلكوا بريح صرصرٍ عاتية*
حسوما ً فترى القوم فيها ل وثمانية أيام ُ سخرها عليهم سبع ليا ٍ
صرع َى كأنهم أعجاز نخل خاوية * فهل ترى لهم من باقية) (.)13
فإرسال الريح هكذا سبع ليال وثمانية أيام حسوما ً مدعاة للعظة
والعتبار.
ومثله( :وفى عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم * ما تذر من شئ
أتت عليه إل جعلته كالرميم) (.)14
من أشد منا (فأما عاد فاستكبروا فى الرض بغير الحق وقالوا َ
قوة أولم يروا أن الله الذى خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا
بآياتنا يجحدون * فأرسلنا عليهم ريحا ً صرصرا ً فى أيام نحسات
550
لنذيقهم عذاب الخزى فى الحياة الدنيا ولعذاب الخرة أخزى وهم
ل ينصرون ) (.)15
فقد بطرت " عاد " نعم ربها عليها .وغرها ما فيه من أسباب
التمكين فى الرض وقوة البطش أن تبارز ربها ومولى نعمها
بالمعاصى ،فأهلكها الله بما ل قبل لها به .وفى كل موضع يذكر
القرآن فيه قصة هؤلء ،تأتى عباراته قوية هادرة واعظة زاجرة..
جاء فى موضع آخر( :ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات
العماد * التى لم يُخلق مثلها فى البلد ) ( )16وكانت عاقبتها
خسرا ً وهلكا ً مع من طغى فى الرض بغير الحق( :فصب عليهم
ربك سوط عذاب * إن ربك لبالمرصاد) (.)17
أما الموضع الخير الذى ذكرت فيه هذه العبارة( :فكيف كان
عذابى ونذر (فحين قص الله علينا قصة " ثمود " ،وقد جاءت
فيها كذلك مهيئة لتلقى صورة العقاب بعد التشويق إليها عند
السامع .ولفت نظره إليها( :فكيف كان عذابى ونذر* إنا أرسلنا
عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر) (.)18
ومن هنا ندرك شدة اقتضاء المقام لهذا التكرار .فليست إحدى
العبارات فى موضع بمغنية عن أختها فى الموضع الخر .إنما هو
اتساق عجيب تطلبه المقام من الناحيتين :الدينية والدبية.
من الناحية الدينية حيث تحمل المومنين على التذكر والعتبار
عقب كل قصة من هذه القصص ،ومن الناحية الدبية لن
العبارة( :فكيف كان عذابى ونذر(تأتى عقب كل قصة أيضا ً لفتة
أنظار المشاهدين إلى " كنه " النهاية وختام أحداث القصة.
وقد مهد القرآن لهذا التكرار حيث لم يأت إل بعد خمس عشرة
آية تنتهى كلها بفاصلة واحدة تتحد نهاياتها بحرف " الراء " مع
التزام تحريك ما قبلها .وذلك هو نهج فواصل السورة كلها .وقد
أشاع هذا النسق الشاجى نوعا ً من الحساس القوى بجو النذار.
والسورة فوق كل هذا مكية النزول والموضوع.
كما أن الطابع القصصى هو السائد فى هذه السورة .فبعد أن
صور القرآن الكريم موقف أهل مكة من الدعوة الجديدة .وبَيَّن
ضلل مسلكهم .وقد كان الرسول (حريصا ً على هدايتهم فى
وقت هم فيه أشد ما يكونون إعراضا ً عنه .لهذا اقتضى الموقف
عبَر الماضين ليكون فى ذلك تسلية للرسول(ومن العام سوق ِ
اتبعه وزجر لمن عارضه وصد عنه.
وما دام هذا هو طابع السورة فإن أسس التربية خاصة تربية
المم تستدعى تأكيد الحقائق بكل وسيلة ومنها التكرار الذى
لمسناه فى سورتنا هذه ؛ حتى لكأنه أصيل فيها وليس بمكرر.
* تكرار آخر فى سورة " القمر ":
551
وفى هذه السورة " القمر " مظهر آخر من مظاهر التكرار ،هو
قوله تعالى(:ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) ( .)19حيث
ورد فى السورة أربع مرات ،وهذه دعوة صالحة للتأمل فيما
يسوقه الله من قصص.
وقد اشتملت هذه الية( :ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من
مدكر (على خبر واستفهام ،والخبر تمهيد للستفهام الذى فيها
ولفت النظر إليه.
*** * التكرار فى سورة " الرحمن ":
أما التكرار الوارد فى " الرحمن " فى قوله تعالى( :فبأى آلء
ربكما تكذبان(حيث تكررت الية فيها إحدى وثلثين مرة فله
أسبابه كذلك .ويمكن أن نسجل هذه الملحظات:
أولً :إن هذا التكرار الوارد فى سورة " الرحمن " هو أكثر صور
التكرار الوارد فى القرآن على الطلق.
مهِّد َ له تمهيدا ً رائعاً.حيث
ثانياً :إنه أى التكرار فى هذا الموضع قد ُ
جاء بعد اثنتى عشرة آية متحدة الفواصل .وقد تكررت فى هذا
التمهيد كلمة " الميزان " ثلث مرات متتابعة دونما نبو أو ملل:
(والسماء رفعها ووضع الميزان * أل تطغوا فى الميزان * وأقيموا
الوزن بالقسط ول تخسروا الميزان ) (.)20
وهذا التمهيد قد أشاع كذلك لحنا ً صوتيًّا عذبا ً كان بمثابة مقدمة
طبيعية لتلئم صور التكرار ولتألفها النفس وتأنس بها فل تهجم
عليها هجوما ً ؛ لن القرآن قد راعى فى فواصل المقدمة
التمهيدية ما انبنت عليه فواصل الية المكررة.
ثالثاً :إن الطابع الغالب على هذه السورة هو طابع تعداد النعم
على الثَقَلين :النس والجن ،وبعد كل نعمة أو نِعَم يعددها الله
تأتى هذه العبارة( :فبأى آلء ربكما تكذبان(.
علّة التكرار الذى حفلت به وعلى هذا الساس يمكن بيسر فهم ِ
سورة الرحمن أنه تذكير وتقرير لنعمه.
وأنها من الظهور بمكان فل يمكن إنكارها أو التكذيب بها.
" فتكرار الفاصلة فى الرحمن ..يفيد تعداد النِّعَم والفصل بين كل
نعمة وأخرى لن الله سبحانه عدَّد فى السورة نعماءه وذكَّرعباده
بآلئه .ونبههم على قدرها وقدرته عليها ولطفه فيها .وجعلها
فاصلة بين كل نعمة لتعرف موضع ما أسداه إليهم منها .ثم فيها
إلى ذلك معنى التبكيت والتقريع والتوبيخ ؛ لن تعداد النِعَم واللء
من الرحمن تبكيت لمن أنكرها كما يبكت منكر أيادى المنعَم
عليه من الناس بتعديدها" ( .)21ولقائل أن يسأل :إن هذه
الفاصلة قد تكررت بعدما هو ليس بنعمة من وعيد وتهديد .فكيف
552
يستقيم التوجيه إذن بعد هذه اليات (يرسل عليكما شواظ من
نار ونحاس فل تنتصران * فبأى آلء ربكما تكذبان) (.)22
(يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصى والقدام * فبأى
آلء ربكما تكذبان) (.)23
(هذه جهنم التى يكذب بها المجرمون * يطوفون بينها وبين حميم
آن * فبأى آلء ربكما تكذبان) (.)24
وظاهر هذه اليات بلء وانتقام وليس بنعم.
والجواب :ولكن المتأمل يدرك أن فى النذار والوعيد وبيان مآل
الضالين عصمة للنسان من الوقوع فيما وقعوا فيه فيكون
مصيره مصيرهم.
ومن هذا العتبار يتبين أن هذه المواضع مندرجة تحت النعم ،لن
النعمة نوعان :إيصال الخير .ودفع الشر .والسورة اشتملت على
كل النوعين فلذلك كررت الفاصلة.
* التكرار فى سورة " المرسلت ":
بقى التكرار الوارد فى سورة " المرسلت" .وقد صنع ما صنع
فى نظيريه فى " القمر " و " الرحمن " من التقديم له بتمهيد..
وله مثلهما هدف عام اقتضاه.
بيد أن التمهيد يختلف عما سبق فى " القمر و " الرحمن " .فقد
رأينا فيهما اتحاد الفاصلة فى الحروف الخيرة مع التزام نهج
معين فيما قبله .أما هنا فإن المر يختلف.
()1النحل.110 :
( )2النحل.119 :
( )3ديوان الحماسة 2/105 :ولم ينسب لقائل معين.
( )4المثل السائر (ج 3ص )7تحقيق د /بدوى طبانة ود /الحوفى.
( )5النمل.5 :
( )6الرعد.5 :
( )7انظر كتابنا :خصائص التعبير فى القرآن الكريم وسماته
البلغية (مبحث الفواصل) مكتبة وهبة بالقاهرة ( )8وردت 31
مرة.
( )9وردت 4مرات.
( )10وردت 10مرات ( )11القمر.15 :
( )12القمر.21 18 :
( )13الحاقة.8 6 :
( )14الذاريات.42 41 :
( )15فصلت.16 15 :
( )16الفجر.8 6 :
( )17الفجر )18( .14 13القمر.31 30 :
553
.40 ، 32، 22
( )19القمر، 17 :
( )20الرحمن.9-7 :
( )21خزانة الدب للحموى :ص .145-144
( )22الرحمن.36 – 35 :
( )23الرحمن.42-41 :
( )24الرحمن.45-43 :
-------------------------
-39الكلم المنسوخ
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
النسخ فى اللغة هو الزالة والمحو ،يقال :نسخت الشمس الظ َّ
ل ُ
،يعنى أزالته ومحته ،وأحلت الضوء محله.
ثم تطورت هذه الدللة فأصبح النسخ يطلق على الكتابة ،سواء
كانت نقل ً عن مكتوب ،أو ابتدأها الكاتب بل نقل.
والنُّساخ أو الوراقون هم جماعة من محترفى الكتابة كانوا
ينسخون كتب العلماء (ينقلون ما كتب فيها فى أوراق جديدة فى
عدة نسخ ،مثل طبع الكتب الن).
أما النسخ فى الشرع فله عدة تعريفات أو ضوابط ،يمكن
التعبيرعنها بالعبارة التية:
َ
حكْم ٍ أفَادَه نص شرعى سابق من " النسخ هو وقْ ُ
ف العمل ب
ِ ُ ٍ
القرآن أو من السنة ،وإحلل حكم آخر محله أفاده نص شرعى
آخر لحق من الكتاب أو السنة ،لِحكمة قصدها الشرع ،مع
صحة العمل بحكم النص السابق ،قبل ورود النص اللحق ()1
والنسخ موجود بقلة فى القرآن الكريم ،مثل نسخ حبس
الزانيات فى البيوت حتى الموت ،وإحلل الحكم بالجلد مائة ،
والرجم حتى الموت محل ذلك الحبس (.)2
ً
النسخ و وروده فى القرآن ،على أن القرآن ليس وحيا من عند
الله .ونذكر هنا عبارة لهم صوَّروا فيها هذه الشبهة:
" القرآن وحده من دون سائر الكتب الدينية ،يتميز بوجود
الناسخ والمنسوخ فيه ،مع أن كلم الله الحقيقى ل يجوز فيه
الناسخ والمنسوخ ؛ لن الناسخ والمنسوخ فى كلم الله هو ضد
حكمته وصدقه وعلمه ،فالنسان القصير النظر هو الذى يضع
قوانين ويغيرها ويبدلها بحسب ما يبدو له من أحوال وظروف.
لكن الله يعلم بكل شئ قبل حدوثه .فكيف يقال إن الله يغير
كلمه ويبدله وينسخه ويزيله ؟ ليس الله إنسانا ً فيكذب ،ول ابن
إنسان فيندم ؟!
* الرد على هذه الشبهة:
554
نحن ل ننكر أن فى القرآن نسخا ً ،فالنسخ موجود فى القرآن
بين ندرة من اليات ،وبعض العلماء المسلمين يحصرها فيما يقل
عن أصابع اليد الواحدة ،وبعضهم ينفى نفيا ً قاطعا ً ورود النسخ
فى القرآن (.)3
أما جمهور الفقهاء ،وعلماء الصول فيقرونه بل حرج ،وقد
خصصوا للنسخ فصول ً مسهبة فى مؤلفاتهم فى أصول الفقه ،
قل من لم يذكره منهم قدماء ومحدثين .والذى ننكره كذلك أن
يكون وجود النسخ فى القرآن عيبا ً أو قدحا ً فى كونه كتابا ً منزلً
من عند الله .ذلك ظن الذين كفروا ،فويل للذين كفروا من
النار.
إن الناسخ والمنسوخ فى القرآن ،كان إحدى السمات التربوية
والتشريعية ،فى فترة نزول القرآن ،الذى ظل يربى المة ،
وينتقل بها من طور إلى طور ،وفق إرادة الله الحكيم ،الذى
يعلم المفسد من المصلح ،وهو العزيز الحكيم.
أما ما ذكرتموه من آيات القرآن ،ساخرين من مبدأ الناسخ
والمنسوخ فيه فتعالوا اسمعوا اليات التى ذكرتموها فى جداول
المنسوخ والناسخ وهى قسمان:
أحدهما فيه نسخ فعل ً (منسوخ وناسخ).
وثانيهما ل ناسخ فيه ول منسوخ فيه ،ونحن نلتمس لكم العذر
فى هذا " الخلط " لنكم سرتم فى طريق ل تعرفون كيفية
السير فيه.
القسم الول :ما فيه نسخ:
من اليات التى فيها نسخ ،وذكروها فى جدول الناسخ والمنسوخ
اليتان التاليتان( :واللتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا
عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن فى البيوت حتى
يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيل ) (.)4
ثم قوله تعالى( :الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة
جلدة ول تأخذكم بهما رأفة فى دين الله .)5( ) 000
هاتان اليتان فيهما نسخ فعل ً ،والمنسوخ هو حكم الحبس فى
ن حكما ً آخر.ن ،أو يجعل الله لَهُ َّ
مت ْ َ
البيوت للزانيات حتى ي َ ُ
وكان ذلك فى أول السلم .فهذا الحكم حكم حبس الزانية فى
البيت ،حين شرعه الله عز وجل أومأ فى الية نفسها إلى أنه
حكم مؤقت ،له زمان محدد فى علم الله أزلً .والدليل على أن
هذا الحكم كان فى علم الله مؤقتا ً ،وأنه سيحل حكم آخر محله
فى الزمن الذى قدره الله عز وجل هو قوله( :أو يجعل الله لهن
سبيل ً ( .هذا هو الحكم المنسوخ الن وإن كانت الية التى تضمنته
باقية قرآنا ً يتلى إلى يوم القيامة.
555
أما الناسخ فهو قوله تعالى فى سورة "النور" فى الية التى
تقدمت ،وبين الله أن حكم الزانية والزانى هو مائة جلدة ،وهذا
ما فى جميع الزناة .بل فى الزانية والزانى غير الحكم ليس عا ّ
المحصنين .أما المحصنان ،وهما اللذان سبق لهما الزواج فقد
بينت السنة قوليًّا وعمليًّا أن حكمهما الرجم حتى الموت.
وليس فى ذلك غرابة ،فتطور الحكام التشريعية ،ووقف العمل
بحكم سابق ،وإحلل حكم آخر لحق محله مما اقتضاه منهج
التربية فى السلم.
ول نزاع فى أن حكم الجلد فى غير المحصنين ،والرجم فى
الزناة المحصنين ،أحسم للمر ،وأقطع لمادة الفساد.
وليس معنى هذا أن الله حين أنزل عقوبة حبس الزانيات لم يكن
يعلم أنه سينزل حكما ً آخر يحل محله ،وهو الجلد والرجم حاشا
لله.
ما أن والنسخ بوجه عام مما يناسب حكمة الله وحسن تدبيره ،أ َّ
يكون فيه مساس بكمال الله .فهذا ل يتصوره إل مرضى العقول
أو المعاندين للحق البلج الذى أنزله الله وهذا النسخ كان معمولً
به فى الشرائع السابقة على شريعة السلم.
ومن أقطع الدلة على ذلك ما حكاه الله عن عيسى عليه السلم
حّرِم عليكم) ( فى قوله لبنى إسرائيل( :ولحل لكم بعض الذى ُ
.)6
وفى أناجيل النصارى طائفة من الحكام التى ذكروها وفيها نسخ
لحكام كان معمول ً بها فى العهد القديم.
ومثيروهذه الشبهات ضد القرآن يعرفون جيدا ً وقوع النسخ بين
بعض مسائل العهد القديم والعهد الجديد.
ومع هذا يدعون بإصرار أن التوراة والناجيل الن متطابقان تمام
النطباق (.)7
ومن هذا القسم أيضا ً اليتان التيتان:
(يا أيها النبى حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون
صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا ً من الذين
كفروا بأنهم قوم ل يفقهون) (.)8
وقوله تعالى( :الن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ً فإن
يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا
ألفين بإذن الله والله مع الصابرين) (.)9
واليتان فيهما نسخ واضح .فالية الولى توجب مواجهة المؤمنين
لعدوهم بنسبة ( ، )10 :1والية الثانية توجب مواجهة المؤمنين
للعدو بنسبة (.)2 :1
556
وهذا التطور التشريعى قد بين الله الحكمة التشريعية فيه ،وهى
التخفيف على جماعة المؤمنين فى العباء القتالية فما الذى يراه
عيبا ً فيه خصوم السلم ؟ لو كان هؤلء الحسدة طلب حق
مخلصين لهتدوا إليه من أقصر طريق ،لن الله عزوجل لم يدع
مجال ً لريبة يرتابها مرتاب فى هاتين اليتين .لكنهم يبحثون عن "
العورات " فى دين أكمله الله وأتم النعمة فيه ،ثم ارتضاه
للناس ديناً.
وقد قال الله فى أمثالهم:
(ولو نزلنا عليك كتابا ً فى قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين
كفروا إن هذا إل سحر مبين) (.)10
ومن هذا القسم أيضا ً اليتان التيتان:
ة لزواجهم متاعا ً إلى (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ً وصي ً
الحول غير إخراج.)11( )...
وقوله تعالى(:والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ً يتربصن
بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً.)12( )...
أجل ،هاتان اليتان فيهما نسخ ؛ لن موضوعهما واحد ،هو عدة
المتوفى عنها زوجها.
الية الولى :حددت العدة بعام كامل.
والية الثانية :حددت العدة بأربعة أشهر وعشر ليال.
والمنسوخ حكما ً ل تلوة هو الية الولى ،وإن كان ترتيبها فى
السورة بعد الية الثانية.
والناسخ هو الية الثانية ،التى حددت عدة المتوفى عنها زوجها
بأربعة أشهر وعشر ليال ،وإن كان ترتيبها فى السورة قبل الية
المنسوخ حكمها.
وحكمة التشريع من هذا النسخ ظاهرة هى التخفيف ،فقد
استبعدت الية الناسخة من مدة العدة المنصوص عليها فى الية
المنسوخ حكمها ثمانية أشهر تقريبا ً ،والمعروف أن النتقال من
الشد إلى الخف ،أدعى لمتثال المر ،وطاعة المحكوم به..
وفيه بيان لرحمة الله عز وجل لعباده .وهو هدف تربوى عظيم
عند أولى اللباب.
القسم الثانى:
أما القسم الثانى ،فقد ذكروا فيه آيات على أن فيها نسخا ً وهى
ل نسخ فيها ،وإنما كانوا فيها حاطبى ليل ،ل يفرقون بين
الحطب ،وبين الثعابين ،وكفى بذلك حماقة.
وها نحن نعرض نموذجين مما حسبوه نسخا ً ،وهو أبعد ما يكون
عن النسخ.
النموذج الول:
557
(ل إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى) (.)13
(قاتلوا الذين ل يؤمنون بالله ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم
الله ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى
يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) (.)14
زعموا أن بين هاتين اليتين تناسخا ً ،إحدى اليتين تمنع الكراه
فى الدين ،والخرى تأمر بالقتال والكراه فى الدين وهذا خطأ
فاحش ،لن قوله تعالى (ل إكراه فى الدين) سلوك دائم إلى
يوم القيامة.
والية الثانية لم ولن تنسخ هذا المبدأ السلمى العظيم ؛ لن
موضوع هذه الية " قاتلوا " غير موضوع الية الولى( :ل إكراه
فى الدين).
لن قوله تعالى( :قاتلوا الذين ل يؤمنون بالله ول باليوم الخر) له
سبب نزول خاص .فقد كان اليهود قد نقضوا العهود التى أبرمها
معهم المسلمون .وتآمروا مع أعداء المسلمين للقضاء على
الدولة السلمية فى المدينة ،وأصبح وجودهم فيها خطرا ً على
أمنها واستقرارها .فأمر الله المسلمين بقتالهم حتى يكفوا عن
أذاهم بالخضوع لسلطان الدولة ،ويعطوا الجزية فى غير
استعلء.
أجل :إن هذه الية لم تأمر بقتال اليهود لدخالهم فى السلم.
ولو كان المر كذلك ما جعل الله إعطاءهم الجزية سببا ً فى
الكف عن قتالهم ،ولستمر المر بقتالهم سواء أعطوا الجزية أم
لم يعطوها ،حتى يُسلموا أو يُقتلوا وهذا غير مراد ولم يثبت فى
تاريخ السلم أنه قاتل غير المسلمين لجبارهم على اعتناق
السلم.
ومثيرو هذه الشبهات يعلمون جيدا ً أن السلم أقر اليهود بعد
الهجرة إلى المدينة على عقائدهم ،وكفل لهم حرية ممارسة
شعائرهم ،فلما نقضوا العهود ،وأظهروا خبث نياتهم قاتلهم
المسلمون وأجلوهم عن المدينة.
ميًّا مع نصارى تغلبسل ْ ِ
ويعلمون كذلك أن النبى (عقد صلحا ً ِ
ونجران ،وكانوا يعيشون فى شبه الجزيرة العربية ،ثم أقرهم
عقائدهم النصرانية وكفل لهم حرياتهم الجتماعية والدينية.
وفعل ذلك مع بعض نصارى الشام .هذه الوقائع كلها تعلن عن
سماحة السلم ،ورحابة صدره ،وأنه لم يضق بمخالفيه فى
الدين والعتقاد.
فكيف ساغ لهؤلء الخصوم أن يفتروا على السلم ما هو برئ
منه ؟ إنه الحقد والحسد .ول شىء غيرهما ،إل أن يكون العناد.
النموذج الثانى:
558
(يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس
وإثمهما أكبر من نفعهما) (.)15
(إنما الخمر والميسر والنصاب والزلم رجس من عمل
الشيطان فاجتنبوه) (.)16
واليتان ل ناسخ ول منسوخ فيهما .بل إن فى الية الثانية توكيداً
لما فى الية الولى ،فقد جاء فى الية الولى " :فيهما إثم كبير
ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما " ثم أكدت الية الثانية
هذا المعنى( :رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه)فأين النسخ
إذن ؟.
أما المنافع فى الخمر والميسر ،فهى :أثمان بيع الخمر ،وعائد
التجارة فيها ،وحيازة الموال فى لعب الميسر " القمار " وهى
منافع خبيثة لم يقرها الشرع من أول المر ،ولكنه هادنها قليلً
لما كان فيها من قيمة فى حياة النسان قبل السلم ،ثم أخذ
القرآن يخطو نحو تحريمها خطوات حكيمة قبل أن يحرمها
تحريما ً حاسما ً ،حتى ل يضر بمصالح الناس.
وبعد أن تدرج فى تضئيل دورها فى حياة الناس القتصادية وسد
تل منافذ رواجها ،ونبه الناس على أن حسم المر بتحريمها آ ٍ
محالة وأخذوا يتحولون إلى أنشطة اقتصادية أخرى ،جاءت آية
التحريم النهائى فى سورة المائدة هذه( :رجس من عمل
الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) هذه هى حقيقة النسخ
وحكمته التشريعية ،وقيمته التربوية ومع هذا فإنه نادر فى
القرآن.
( )1هذا التعريف راعينا فيه جمع ما تفرق فى غيره من تعريفات
الصوليين مع مراعاة الدقائق والوضوح.
( )2الجلد ورد فى القرآن كما سيأتى .أما الرجم فقد ورد قوليا
وعمليا فى السنة ،فخصصت الجلد بغير المحصنين.
( )3منهم الدكتور عبد المتعال الجبرى وله فيه مؤلف خاص
نشرته مكتبة وهبة بالقاهرة ،والدكتور محمد البهى ومنهم الشيخ
محمد الغزالى.
( )4النساء.15 :
( )5النور.2 :
( )6آل عمران.50 :
( )7انظر كتابنا " السلم فى مواجهة الستشراق العالمى "
طبعة دار الوفاء.
()8النفال.65 :
()9النفال.66 :
( )10النعام.7 :
559
()11البقرة )12( 240 :البقرة.234:
( )13البقرة.256 :
( )14التوبة.29 :
( )15البقرة.219 :
( )16المائدة.90 :
---------------
-40الكلم الغريب
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
560
" إستبرق " ومعناهـا :الديباج .وهكذا كل ما فى القرآن من لغة
غير عربية الصل فهى عربية الستعمال بألفاظها ومعانيها.
وكانت العرب تلوكها بألسنتها قبل نزول القرآن.
واستعـارة اللغات من بعضـها من سنن الجـتماع البشرى ودليل
على حيوية اللغة .وهذه الظاهرة فاشية جدا ً فى اللغات حتى فى
العصر الحديث .ويسميها اللغويون بـ " التقارض " بين اللغات ،
سواء كانت لغات سامية أو غيرها كالنجليزية واللمانية
والفرنسية وفى اللغة السبانية كلمات مستعملة الن من اللغة
العربية.
أما مااقترضته اللغة العربية من غيرها من اللغات القديمة أو ما
له وجود حتى الن فقد اهتم به العلماء المسلمون ونصوا عليه
كلمة كلمة ،وأسـموه بـ " المعـَّرب " مثل كتاب العلمة
الجواليقى ،وقد يسـمونه بـ " الدخيل " هذا بالنسبة لما ذكروه
من الكلمات غير العربية الصل ،التى وردت فى القرآن الكريم.
أما بقية الكلمات فهى عربية الصل والستعمال ولكن مثيرى
هذه الشبهات قوم يجهلون فكلمة " حنان " لها جذر لغوى
ن ،بمعنى .رق قلبه ومال إلى العطف على عربى ،يقال :ح َّ
الخرين .والمضارع :يحن والمصدر :الحنان والحنين ،وقد
يستعملن استعمال السماء.
ومنه قول الشاعر:
حننت إلى ريَّا ونفسك باعـدت * مزارك من رياء ونفساكما معا
وأما " أوَّاه " فهو اسـم فاعـل من " التـأوُّه " على صيغـة
المبالغة " فعَّال ".
وكذلك " حصحص " ومعناه :ظهر وتبيَّن.
ومنه قـول الشــاعر العـربى القديم:
خداشا ً فإنـه * كذوب إذا ما حصحص الحق كاذب مبْلغٌ عنى ِ
من ُ
أما الناقـور فهو اسـم من " النقر " كالفاروق من الفراق.
وحتى لو جارينا هؤلء الحاقدين ،وسلمنا لهم جدل ً بأن هذه
الكلمات غريبة ؛ لنها غير عربية ،فإنها كلمات من " المعَّرب "
الذى عَّربه العرب واستعملوه بكثرة فصار عربيا ً بالستعمال.
ومعانيه معروفة عند العرب قبل نزول القرآن .وما أكثر الكلمات
التى دخلت اللغة العربية ،وهجر أصلها وصارت عربية.
فهى إذن ـ ليست غريبة ،لن الغريب ما ليس له معنى أصل ً ،
ول وجود له فى المعاجم اللغوية ،التى دونت فيها ألفاظ اللغة.
* * * قد يقـال :كيف تنكـرون " الغريب " فى القرآن ،وهو
موجود باعتراف العلماء ،مثل المام محمد بن مسلم بن قتيبة
العالم السنى ،فقد وضع كتابا ً فى " غريب القرآن " وأورده على
561
وفق ما جاء فى سور القرآن سورة سورة ؟ وكذلك صنع
السجستانى وتفسيره لغريب القرآن مشهور.
ومثله الراغب الصفهانى فى كتابه " المفردات " فى شرح
غريب القرآن.
ثم المام جلل الدين السيوطى ،العالم الموسوعى ،فله كتاب
يحمل اسم " مبهمات القرآن ".
أل يُعد ذلك اعترافا ً صـريحا ً من هؤلء الئمة الفذاذ بورود الغريب
فى القرآن الكريم ؟ ومن العلماء المحدثين الشيخ حسنين
مخلوف ،مفتى الديار المصـرية فى النصف الول من القـرن
العشـرين ،وكتـابه " كلمات القرآن ل يجهله أحد ".
كما أن جميع مفسرى القرآن قاموا بشرح ما رأوه غريبا ً فى
القرآن .فكيف يسوغ القول ـ الن ـ بإنكار وجود الغريب فى
القرآن أمام هذه الحقائق التى ل تغيب عن أحد ؟ من حق غير
الملم بفقه هذه القضية ـ قضية الغريب ـ أن يسألوا هذا
السؤال ،ومن واجبنا أن نجيب عليه إجابة شافية وافية بعون الله
وتوفيقه.
والجـواب:
هذا السؤال جدير بأن نستقصى جوانب الجابة عليه لوجاهته
وأهميته .فنقول مستمدين الهداية والتوفيق من الله العلى
الحكيم.
فأولً :إن الغـريب الذى نسـب فى كـتب العـلماء ـ رضى الله
عنهم ـ إلى القرآن ،إنما هو غريب نسبى وليس غريبا ً مطلقاً.
فالقرآن فى عصر الرسالة ،وعصر الخلفاء الراشدين كان
مفهوما ً لجميع أصحاب رسول .صلى الله عليه وسلم ولم يرد فى
رواية صحيحة أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غاب
عنهم فهم ألفاظ القرآن من حيث الدللة اللغوية البحتة ،وكل ما
وردت به الرواية أن بعضهم سأل عن واحد من بضعة ألفاظ ل
غير .وهى روايات مفتقرة إلى توثيق ،وقرائن الحوال ترجح
عدم وقوعها ،واللفاظ المسئول عنها هى:
غسلين ،قسورة ،أبَّا ،فاطر ،أوَّاه ،حنان .وقد نسبوا الجهل
بمعانى هذه الكلمات إما إلى عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ
،وإما إلى ابن عباس رضى الله عنهما ،وكل الرجلين أكبر من
هذه التهامات.
ومما يضعف إسناد الجهل إلى عمر رضى الله عنه ،بمعنى كلمة
" أبًّا " أن عمر كما تقـول الرواية سأل عن معـناها فى خـلفته ،
مع أن سـورة " عبس " التى وردت فيها هذه الكلمة من أوائل ما
ل أن يظل عمر جاهل بمعنى " نزل بمكة قبل الهجرة ،فهل يُعقَ ُ
562
أبًّا " طوال هذه المدة (قرابة ربع قرن) ؟ أما ابن عباس رضى
الله عنه فإن صحت الرواية عنه أنه سأل عن معانى " غسلين "
و " فاطر " فإنه يحتمل أنه سأل عنها فى حداثة سنه .ومعروف
أن ابن عباس كان معروفا ً بـ " ترجمان القرآن " ومعنى هذا أنه
كان متمكنا ً من الفقه بمعانى القرآن ،وقد ورد أن الرسول صلى
الله عليه وسلم دعا له قائلً:
[اللهم فقهه فى الدين ،وعلمه التأويل].
هذا فيما يتعلق بشأن الروايات الواردة فى هذا الشأن.
أما فيما يتعـلق بالمؤلفات قديما ً وحديثا ً حول ما سمى بـ " غريب
القرآن " فنقول:
إن أول مؤلف وضع فى بيان غريب القرآن هو كتاب " غريب
القرآن " لبن قتيبة (فى القرن الثالث الهجرى) وهذا يرجح أن
ابن قتيبة ،لم يكتب هذا الكتاب للمسلمين العرب ،بل كان
القصد منه هو أبناء الشعوب غير العربية التى دخلت فى
السلم ،وكانوا يتحدثون لغات غير اللغة العربية.
أما مسلموالقرنين الول والثانى الهجريين ،والنصف الول من
القرن الثالث ،فلم يكن فيها ـ فيما نعـلم ـ كتب حول بيان غريب
القرآن ،سوى تفســير عبـد الله بن عباس ـ رضى الله عنه ـ ،
وكتاب " مجازات القرآن " لبى عبيدة معمر بن المثنى (م 210هـ)
وهما أعنى تفـسير ابن عباس ،ومجازات أبى عبيدة ،ليسا من
كتب الغريب ،بل هما :محاولتان مبكرتان لتفسير القرآن الكريم
مفردات وتراكيب (.)1
ولما تقادم الزمن على نزول القرآن ،وضعف المحصول اللغوى
عند الجيال اللحقة ،قام بعض العلماء المتأخرين ـ مثل :الراغب
الصفهانى ،صاحب كتاب " مفردات القرآن " ،وجـلل الدين
السيوطى ،صاحب كتاب " مبهمات القرآن " ـ بوضع كتب تقرب
كتاب الله إلى الفهم ،وتقدم بيان بعض المفردات التى غابت
معانيها واستعمالتها عن الجيال المتأخرة.
وهذا يسلمنا إلى حـقيقة لحـت فى الفق من قبل ،نعيد ذكرها
هنا فى التى:
إن ما يطلق عليه " غريب القرآن " فى بعض المؤلفات التراثية
ومنها كتب علوم القرآن ،وما تناوله مفسرو القرآن الكريم فى
تفاسيرهم ،هو غريب نسبى ل مطلق ،غريب نسبى باعتبار أنه
مستعار من لغات أخرى غير اللغة العربية ،أو من لهجات عربية
غير لهجة قريش التى بها نزل القرآن وغريب نسبى باعتبار
البيئات التى دخلها السلم ،وأبناؤها دخلء على اللغة العربية ،
ت يتحدثون بها قبل دخولهم فى السلم ،وظلت تلك لن لهم لغا ٍ
563
اللغـات سائدة فيهم بعد دخولهم فى السلم وغريب نسبى
باعتبار الزمان ،حتى فى البيئات العربية ،لن الجيال المتأخرة
زمنا ً ضعفت صلتهـم باللغة العربية الفصحى مفردات وتراكيب.
وكل هذه الطوائف كانت ،وما تزال ،فى أمس الحاجة إلى ما
يعينهم على فهـم القرآن ،وتذوق معانيه ،والمدخل الرئيس
لتذوق معانى القرآن هو فهم معانى مفرداته ،وبعض أساليبه.
والغريب النسبى بكل العتبارات المتقدمة غريب فصيح سائغ ،
وليس غريبا ً عديم المعنى ،أو ل وجود له فى معاجم اللغة
ومصادرها ،وهذا موضع إجماع بين علماء اللغة والبيان ،فى كل
عصر ومصر.
ول وزن لقول من يزعم غير هذا من الكارهين لما أنزل الله على
خاتم أنبيائه ورسله.
مسائل ابن الزرق بقى أمر مهم ،له كبير صلة بموضوع "
الغريب " فى القرآن ذلك المر هو ما عرف فى كتب القدمين بـ
" مسائل ابن الزرق " ونوجز القول عنها هنا إيجازا ً يكشف عن
دورها فى النتصارللحق ،فى مواجهة مثيرى هذه الشبهات
ومسائل ابن الزرق مسطـورة فى كثير من كتب التراث مثـل
ابن النبارى فى كتابه " الوقف " والطبرانى فى كتابه " المعجم
الكبير " والمبرد فى كتابه " الكامل " .وجـلل الدين السـيوطى
فى كتابه " التقان فى علوم القرآن " وغيرهم.
ولهذه المسائل قصة إيجازها :أن عبد الله بن عباس كان جالساً
بجوار الكعبة يفسر القرآن الكريم ،فأبصره رجلن هما :نافع بن
الزرق ،ونجدة بن عويمر ،فقال نافع لنجدة " قم بنا إلى هذا
الذى يجترئ على القرآن ويفسره بما ل علم له به .فقاما إليه
فقال له:
إنَّا نريد أن نسألك عن أشياء فى كتاب الله ،فتفسرها لنا ،
وتأتينا بما يصادقه من كلم العرب .فإن الله أنزل القرآن بلسان
عربى مبين.
فقال ابن عباس :سلنى عما بدا لكما .ثم أخذا يسألنه وهو
يجيب بل توقف ،مستشهدا ً فى إجاباته على كل كلمة " ،قرآنية
" سأله عنها بما يحفظه من الشعر العربى المأثور عن شعراء
الجاهلية ،ليبين للسائلين أن القرآن نزل بلسان عربى مبين.
وكان المام جلل الدين السيوطى قد جمع هذه المسائل وذكر
ن وثمانين كلمة ،وقد حرص على ذكر إجابات ابن منها مائة وثما ٍ
عباس عليها رضى الله عنه ،وقال :إنه أهمل نحو أربع عشرة
كلمة من مجموع ما سئل عنه ابن عباس (.)2
564
وها نحن أولء نورد نماذج منها ،قبل التعليق عليها ،ولماذا أشرنا
إليها فى مواجهة هذه الشبهة التى تزعم أن ألفاظ الكتاب العزيز
" غريبة " وغير مفهومة.
النموذج الول " :عزين " قال نافع بن الزرق لبن عباس:
أخبرنى عن قوله تعالى( :عن اليمين وعن الشمال عزين) (.)3
قال ابن عباس :عزين :الحلق من الرفاق .فسأله نافع :وهل
تعرف العرب ذلك ؟ فقال ابن عباس :نعم ،أما سمعت قول
عبيد بن البرص:
فجاءوا يُهرعون إليه حتى يكونوا حول منسره عزينا يعنى
جماعات يلتفون حول الرسول( ،وهو مشتق من العتزاء ،أى
ينضم بعضهم إلى بعض ،قال الراغب فى المفردات :العزين:
الجماعة المنتسب بعضها إلى بعض (.)4
النموذج الثانى " :الوسيلة " قال نافع :أخبرنى عن قوله تعالى:
(وابتغوا إليه الوسيلة) ( .)5قال ابن عباس :الوسيلة :الحاجة ،
قال نافع :وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال ابن عباس :نعم ،أما
سمعـت قـول عنتــرة:
إن الرجال لهم إليك وسيلة أن يأخذوك تكحلى وتخضبى يعنى:
اطلبوا من الله حاجاتكم .واستعمال الوسيلة فى معنى الحاجة
كما فسرها ابن عباس فيها إلماح أن طريق قضاء الحوائج يكون
إلى الله ؛ لن معنى الوسيلة :الطريق الموصل إلى الغايات.
ة ومنهاجا ً " وسأله نافع عن الشرعة النموذج الثالث " :شرع ً
ة ومنهاجا ً ) (.)6 والمنهاج فى قوله تعالى( :لكل جعلنا منكم شرع ً
فقال ابن عباس :الشرعة :الدين ،والمنهاج :الطريق ،واستشهد
بقول أبى سفيان الحارث بن عبد المطلب:
لقد نطق المأمون بالصدق والهدى وبين للسلم دينا ً ومنهجاً.
النموذج الرابع " :ريشا ً " وسأله نافع عن كلمة " ريشا ً " فى
قوله تعالى( :يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسا ً يوارى سوءاتكم
وريشا ً ولباس التقوى ذلك خير.)7( ) ..
ففسره ابن عباس بالمال ،واستشهد بقول الشاعر:
فريشى بخير طـالما قد بريتنى وخير الموالى من يريش ول يبرى
النموذج الخامس " :كَبد " وسأله نافع عن كلمة " كَبد " فى قوله
تعالى( :لقد خلقنا النسان فى كبد ) (.)8
فقال ابن عباس :فى اعتدال واستقامة .ثم استشهد بقول لَبِيد
بن ربيعة:
يا عين هل بكيت أربد إذ قمنا وقام الخصوم فى كبد وهكذا نهج
ابن عباس فى المسائل الـ ( )188التى وجهت إليه ،يجيب عنها
بسرعة مذهلة ،وذاكرة حافـظة لشعار العـرب ،وسـرعة بديهة
565
فى استحضار الشواهـد الموافقة لفظا ً ومعنى للكلمات القرآنية ،
التى سئل عنها (.)9
وهذا يؤكد لنا حقيقتين أمام هذه الشبهات التى أثارها الحاقدون
ضد القرآن الكريم.
الولى :كذب الدعاءات التى نسبت لبن عباس الجهل ببعض
معانى كلمات القرآن.
الثانية :أن القرآن كله ل غريب فيه بمعنى الغريب الذى يعاب
الكلم من أجله ،وأن نسبة الغريب إليه فى كتابات السلف ،
تعنى الغريب النسبى ل الغريب المطلق ،وقد تقدم توضيح
المراد من الغريب النسبى فى هذا المبحث ،باعتبار الزمان ،
وباعتبار البيئة والمكان ،وأن ما وضعه القدماء من مؤلفات
تشرح غريب القرآن إنما كان المقصود به إما أبناء الشعوب التى
دخلت السلم من غير العرب .وإما للجيال السلمية المتأخرة
زمنا ،التى غابت عنها معانى بعض اللفاظ.
وقد يضاف إلى هذا كله اللفاظ المشتركة والمترادفة
والمتضادة ،والحتمالية المعنى.
أما أن يكون فى القرآن غريب ل معنى له وغير مأنوس
الستعمال .فهذا محال ،محال ..والحمد لله رب العالمين.
( )1هذا وقد ظهرت مؤلفات أخرى فى هذا الموضوع مثل "
معانى القرآن " للفراء ،وغيره من القدمين.
وهى ليست من كتب الغريب ،بل لها مجالت بحث أخرى
كالقراءات.
( )2التقان فى علوم القرآن .فصل ما يجب على المفسر لكتاب
الله.
( )3المعارج.37 :
( )4ومنه قول العامة " عزوة " أى جماعة انظر حرفى العين
والزاى فى كتاب الراغب.
( )5المائدة.35 :
( )6المائدة.48:
( )7العراف )8( 26البلد.4 :
( )9انظر " العجاز البيانى للقرآن .د/عائشة عبد الرحمن (بنت
الشاطئ) ط :دار المعارف بالقاهرة.
-----------------
-41الكلم المنقول عن غيره دعوى أن القرآن مقتبس
من التوراة
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
566
الشبهة التى تمسكوا بها وُُرود ُ مواضع بينها تشابه فى كل من
التوراة والقرآن الكريم .ومن أبرزها الجانب القصصى .وبعض
المواضع التشريعية تمسكوا بها ،وقالوا :إن القرآن مقتبس من
التوراة ،وبعضهم يضيف إلى هذا أن القرآن اقتبس مواضع أخرى
من " الناجيل ".
* الرد على هذه الشبهة:
ً
كيف يتحقق القتباس عموما ؟ القتباس عملية فكرية لها ثلثة
أركان:
مقتَبَس منه. الول :الشخص ال ُ
مقتَبِس (اسم فاعل). الثانى :الشخص ال ُ
سة نفسها (اسم مفعول). مقتَب َ َالثالث :المادة ال ُ
والشخص المقُتَبَس منه سابق إلى الفكرة ،التى هى موضوع
سة فلها طريقتان عند الشخص القتباس ،أما المادة المقُتَب َ َ
مقِتَبس ،إحداهما :أن يأخذ المقتبس الفكرة بلفظها ومعناها ال ُ
كلها أو بعضها .والثانية:
أن يأخذها بمعناها كلها أو بعضها كذلك ويعبر عنها بكلم من
عنده.
والمقتبس فى عملية القتباس أسير المقتبس منه قطعا ً ودائر
فى فلكه ؛ إذ ل طريق له إلى معرفة ما اقتبس إل ما ذكره
المقتبس منه .فهو أصل ،والمقتبس فرع ل محالة.
وعلى هذا فإن المقتبس لبد له وهو يزاول عملية القتباس من
موقفين ل ثالث لهما:
أحدهما :أن يأخذ الفكرة كلها بلفظها ومعناها أو بمعناها فقط.
وثانيهما :أن يأخذ جزءً من الفكرة باللفظ والمعنى أو بالمعنى
فقط.
ويمتنع على المقتبس أن يزيد فى الفكرة المقتبسة أية زيادة غير
موجودة فى الصل ؛ لننا قلنا :إن المقتبس ل طريق له لمعرفة
ما اقتبس إل ما ورد عند المقتبس منه ،فكيف يزيد على الفكرة
والحال أنه ل صلة له بمصادرها الولى إل عن طريق المقتبس
منه.
إذا جرى القتباس على هذا النهج صدقت دعوى من يقول إن
فلنا ً اقتبس منى كذا.
أما إذا تشابه ما كتبه اثنان ،أحدهما سابق والثانى لحق ،
واختلف ما كتبه الثانى عما كتبه الول مثل:
-1أن تكون الفكرة عند الثانى أبسط وأحكم ووجدنا فيها مالم
نجده عند الول.
567
-2أو أن يصحح الثانى أخطاء وردت عند الول ،أو يعرض الوقائع
عرضا ً يختلف عن سابقه.
فى هذه الحال ل تصدق دعوى من يقول إن فلنا قد اقتبس منى
كذا.
وَرد ُّ هذه الدعوى مقبول من المدعى عليه ،لن المقتبس
ما) لما لم يدر فى فلك المقتبس منه (فرضاً) بل زاد عليه (اتها ً
وخالفه فيما ذكر من وقائع فإن معنى ذلك أن الثانى تخطى ما
كتبه الول حتى وصل إلى مصدر الوقائع نفسها واستقى منها ما
استقى .فهو إذن ليس مقتبسا ً وإنما مؤسس حقائق تلقاها من
مصدرها الصيل ولم ينقلها عن ناقل أو وسيط.
وسوف نطبق هذه السس التى تحكم عملية القتباس على ما
ادعاه القوم هنا وننظر:
هل القرآن عندما اقتبس كما يدعون من التوراة كان خاضعاً
لشرطى عملية القتباس وهما :نقل الفكرة كلها ،أو القتصار
على نقل جزء منها فيكون بذلك دائرا ً فى فلك التوراة ،وتصدق
حينئذ دعوى القوم بأن القرآن (معظمه) مقتبس من التوراة ؟ أم
أن القرآن لم يقف عند حدود ما ذكرته التوراة فى مواضع
التشابه بينهما ؟ بل:
1عرض الوقائع عرضا ً يختلف عن عرض التوراة لها.
2أضاف جديدا ً لم تعرفه التوراة فى المواضع المشتركة بينهما.
3صحح أخطاء " خطيرة " وردت فى التوراة فى مواضع متعددة.
4انفرد بذكر " مادة " خاصة به ليس لها مصدر سواه.
5فى حالة اختلفه مع التوراة حول واقعة يكون الصحيح هو ما
ذكره القرآن .والباطل ما جاء فى التوراة بشهادة العقل والعلم
إذا كان الحتمال الول هو الواقع فالقرآن مقتبس من التوراة..
أما إذا كان الواقع هو الحتمال الثانى فدعوى القتباس باطلة
ويكون للقرآن فى هذه الحالة سلطانه الخاص به فى استقاء
الحقائق ،وعرضها فل اقتباس ل من توراة ول من إنجيل ول من
غيرهما.
ل أظن أن القارئ يختلف معنا فى هذه السس التى قدمناها
لصحة التهام بالقتباس عموماً.
وما علينا بعد ذلك إل أن نستعرض بعض صور التشابه بين التوراة
والقرآن ،ونطبق عليها تلك السس المتقدمة تاركين الحرية
التامة للقارئ سواء كان مسلما ً أو غير مسلم فى الحكم على ما
سوف تسفر عنه المقارنة أنحن على صواب فى نفى القتباس
عن القرآن ؟.
568
والمسألة بعد ذلك ليست مسألة اختلف فى الرأى يصبح فيها
كل فريق موصوفا ً بالسلمة ،وأنه على الحق أو شعبة من حق.
وإنما المسألة مسألة مصير أبدى من ورائه عقيدة صحيحة توجب
النجاة لصاحبها يوم ل ينفع مال ول بنون إل من أتى الله بقلب
سليم.
أو عقيدة فاسدة تحل قومها دار البوار يوم يقدم الله إلى ما
عملوا من عمل فيجعله هباءً منثوراً.
الصورة الولى من التشابه بين التوراة والقرآن .لقطة من قصة
يوسف عليه السلم مع امرأة العزيز تبدأ هذه اللقطة من بدء
مراودة امرأة عزيز مصر ليوسف (عليه السلم) ليفعل بها
الفحشاء وتنتهى بقرار وضع يوسف فى السجن .واللقطة كما
جاءت فى المصدرين هى:
أولً :نصوصها فى التوراة " )1( :وحدث بعد هذه المور أن امرأة
سيده رفعت عينها إلى يوسف وقالت :اضطجع معى ،فأبى وقال
لمرأة سيده :هو ذا سيدى ل يعرف معى ما فى البيت وكل ما له
قد دفعه إلى يدى ،ليس هو فى هذا البيت أعظم منى .ولم
يمسك عنى شيئا غيرك لنك امرأته .فكيف أصنع هذا الشر
ما فيوما العظيم ،وأخطئ إلى الله ،وكانت إذ كلمت يوسف يو ً
أنه لم يسمع لها أن يضطجع بجانبها ليكون معها..
ثم حدث نحو هذا الوقت أنه دخل البيت ليعمل عمله ولم يكن
إنسان من أهل البيت هناك فى البيت فأمسكته بثوبه قائلة
اضطجع معى فترك ثوبه فى يدها وخرج إلى خارج ،وكان لما
رأت أنه ترك ثوبه فى يدها ،وهرب إلى خارج أنها نادت أهل بيتها
وكلمتهم قائلة:
ى ليضطجع " انظروا قد جاء إلينا برجل عبرانى ليداعبنا دخل إل ّ
معى فصرخت بصوت عظيم ،وكان لما سمع أنى رفعت صوتى
تضعَ ْوصرخت أنه ترك ثوبه بجانبى وهرب وخرج إلى خارج .فَوَ َ
ثوبه بجانبها حتى جاء سيده إلى بيته فكلمته بمثل هذا الكلم
ى العبد العبرانى الذى جئت به إلينا ليداعبنى وكان قائلة دخل إل َّ
لما رفعت صوتى وصرخت أنه ترك ثوبه بجانبى وهرب إلى خارج
فكان لما سمع سيده كلم امرأته الذى كلمته به قائلة بحسب
هذا الكلم صنع بى عبدك أن غضبه حمى..
فأخذ سيدُه يوسف ووضعه فى بيت السجن المكان الذى كان
أسرى الملك محبوسين فيه ".
ه التى هوَ فى بيتها عن نفسه نصوص القرآن المين (وََراوَدَت ْ ُ
ن
ه ربى أحس َ ت هيت لك قال معاذ الله إن ُ ب وقال ْت البوا َ وغلّق ِ
م بها لول أن رأى ت به وَهَ َّ ح الظالمون *ولقد هَ َّ
م ْ ه ليُفل ُمثواى إن ُ
569
ه السوءَ والفحشاء إنه من عبادنا ف عن ُ برهان ربه كذلك لنصر َ
المخلَصين * واستبقا الباب وقدت قميصه من دُبرٍ وألفيا سيدها
ك سوءًا إل أن يُسجن أو لدى الباب قالت ما جزاءُ من أراد بأهل َ
ب أليم * قال هى راودتنى عن نفسى وشهد شاهد ٌ من أهلها عذا ُ
صه قُد من قُبُل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان إن كان قمي َ
قميصه قُد من دُبرٍ فكذبت وهو من الصادقين * فلما رأى قميصه
ن إن كيدكن عظيم * يوسف أعرض قُد من دُبرٍ قال إنه من كيدك ُ َّ
ت من الخاطئ )2( ...ثم بدا لهم ك إنك كن ِ عن هذا واستغفرى لذنب ِ
ه حتى حين ) (.)3 من بعد مارأوا اليات لَي َ ْ
سجنُن َّ ُ
تلك هى نصوص الواقعة فى المصدرين:
وأدعو القارئ أن يقرأ النصين مرات قراءة متأنية فاحصة .وأن
يجتهد بنفسه فى التعرف على الفروق فى المصدرين قبل أن
يسترسل معنا فيما نستخلصه من تلك الفروق .ثم يكمل ما يراه
من نقص لدينا أو لديه فقد يدرك هو ما لم ندركه ،وقد ندرك
ب قارئ أوعى من كاتب.. نحن ما لم يدركه ور َّ
الفروق كما نراها التوراة :القرآن المين المراودة حدثت مراًرا
ونُصح يوسف لمرأة سيده كان قبل المرة الخيرة :المراودة
حدثت مرة واحدة اقترنت بعزم المرأة على يوسف لينفذ رغبتها.
تخلو من الشارة إلى تغليق البواب وتقول إن يوسف ترك ثوبه
بجانبها وهرب وانتظرت هى قدوم زوجها وقصت عليه القصة بعد
أن أعلمت بها أهل بيتها :.يشير إلى تغليق البواب وأن يوسف
ت ثوبه من الخلف وحين وصل إلى الباب فوجئا هم بالخروج فَقَد َّ ْ
بالعزيز يدخل عليهما فبادرت المرأة بالشكوى فى الحال.
لم يكن يوسف موجودا ً حين دخل العزيز ولم يدافع يوسف عن
نفسه لدى العزيز :.يوسف كان موجودا ً حين قدم العزيز ،وقد
دافع عن نفسه بعد وشاية المرأة ،وقال هى راودتنى عن
نفسى.
تخلو من حديث الشاهد وتقول إن العزيز حمى غضبه على
يوسف بعد سماع المرأة :يذكر تفصيل ً شهادة الشاهد كما يذكر
اقتناع العزيز بتلك الشهادة ولومه لمرأته وتذكيرها بخطئها.
وتثبيت يوسف على العفة والطهارة.
تقول إن العزيز فى الحال أمر بوضع يوسف فى السجن ولم
يعرض أمره على رجال حاشيته.
يشير إلى أن القرار بسجن يوسف كان بعد مداولة بين العزيز
وحاشيته.
ن امرأة العزيز على مراودتها م َتخلو من حديث النسوة اللتى ل ُ ْ
فتاها عن نفسه ،وهى فجوة هائلة فى نص التوراة.
570
يذكر حديث النسوة بالتفصيل كما يذكر موقف امرأة العزيز
منهن ودعوتها إياهن ملتمسة أعذارها لديهن ومصرة على أن
ينفذ رغبتها هذه ستة فروق بارزة بين ما يورده القرآن المين ،
وما ذكرته التوراة .والنظر الفاحص فى المصدرين يرينا أنهما لم
يتفقا إل فى " أصل " الواقعة من حيث هى واقعة وكفى ،
ويختلفان بعد هذا فى كل شىء.
على أن القرآن قام هنا بعملين جليلى الشأن:
أولهما :أنه أورد جديدا ً لم تعرفه التوراة ومن أبرز هذا الجديد:
( )1حديث النسوة وموقف المرأة منهن.
( )2شهادة الشاهد الذى هو من أهل امرأة العزيز.
ثانيهما :تصحيح أخطاء وقعت فيها التوراة ومن أبرزها:
( )1لم يترك يوسف ثوبه لدى المرأة بل كان لبسا ً إياه ولكن
قطع من الخلف.
( )2غياب يوسف حين حضر العزيز وإسقاطها دفاعه عن نفسه.
اعتراض وجوابه:
قد يقول قائل :لماذا تفترض أن الخطأ هو ما فى التوراة ،وأن
الصواب هو ما فى القرآن ؟! أليس ذلك تحيزا ً منك للقرآن ؛ لنه
كتاب المسلمين وأنت مسلم ؟ ولماذا تفترض العكس ؟ وإذا لم
تفترض أنت العكس فقد يقول به غيرك ،وماتراه أنت ل يصادر
ما يراه الخرون .هذا العتراض وارد فى مجال البحث .وإذن
فلبد من إيضاح.
والجواب:
لم نتحيز للقرآن لنه قرآن .ولنا فى هذا الحكم داعيان:
الول :لم يرد فى القرآن -قط -ما هو خلف الحق ؛ لنه ل يأتيه
الباطل من بين يديه ول من خلفه تنزيل من حكيم حميد .وقد
ثبتت هذه الحقيقة فى كل مجالت البحوث التى أجريت على "
مفاهيم " القرآن العظيم فى كل العصور .وهذا الداعى وحده
ف فى تأييد ما ذهبنا إليه.
كا ٍ
الثانى :وهو منتزع من الواقعة نفسها موضوع المقارنة وإليك
البيان :كل من التوراة والقرآن متفقان على " عفة يوسف
"وإعراضه عن الفحشاء .ثم اختلفا بعد ذلك:
فالتوراة تقول :إن يوسف ترك ثوبه كله لدى المرأة وهرب
والقرآن يقول :إنه لم يترك الثوب بل أمسكته المرأة من الخلف
ولما لم يتوقف يوسف عليه السلم اقتطعت قطعة منه وبقيت
ظاهرة فى ثوبه.
فأى الروايتين أليق بعفة يوسف المتفق عليها بين المصدرين ؟!
أن يترك ثوبه كله ؟! أم أن يُخرق ثوبه من الخلف ؟!
571
إذا سلمنا برواية التوراة فيوسف ليس " عفيفا ً " والمرأة على
حق فى دعواها ؛ لن يوسف ل يخلع ثوبه هكذا سليما ً إل إذا كان
هو الراغب وهى البية.
ول يقال إن المرأة هى التى أخلعته ثوبه ؛ لن يوسف رجل ،
وهى امرأة فكيف تتغلب عليه وتخلع ثوبه بكل سهولة ،ثم لما
يمتنع تحتفظ هى بالثوب كدليل مادى على جنايته المشينة ؟!
وهل خرج يوسف " عريانًا " وترك ثوبه لدى غريمته..؟!
والخلصة أن رواية التوراة فيها إدانة صريحة ليوسف وهذا يتنافى
مع العفة التى وافقت فيها القرآن المين.
أما رواية القرآن فهى إدانة صريحة لمرأة العزيز ،وبراءة كاملة
ليوسف عليه السلم .
لقد دعته المرأة إلى نفسها ففر منها .فأدركته وأمسكته من
الخلف وهو ما يزال فارا ً هاربا ً من وجهها فتعرض ثوبه لعمليتى
جذب عنيفتين إحداهما إلى الخلف بفعل المرأة والثانية إلى
المام بحركة يوسف فانقطع ثوبه من الخلف.
وهذا يتفق تماما ً مع العفة المشهود بها ليوسف فى المصدرين
ولهذا قلنا :إن القرآن صحح هذا الخطأ الوارد فى التوراة.
..فهل القرآن مقتبس من التوراة ؟!
فهل تنطبق على القرآن أسس القتباس أم هو ذو سلطان خاص
به فيما يقول ويقرر ؟.
المقتبس ل بد من أن ينقل الفكرة كلها أو بعضها .وها نحن قد
رأينا القرآن يتجاوز هذه السس فيأتى بجديد لم يذكر فيما
سواه ،ويصحح خطأ وقع فيه ما سواه.
ك وصياغة ،وإنما هو اختلف حب ْ ٍ
فليس الختلف فيها اختلف َ
يشمل الصول والفروع .هذا بالضافة إلى إحكام البناء وعفة
اللفاظ وشرف المعانى (.)4
إن الذى روته التوراة هنا ل يصلح ولن يصلح أن يكون أساساً
للذى ذكره القرآن .وإنما أساس القرآن هو الوحى الصادق
المين .ذلك هو مصدر القرآن " الوضىء " وسيظل ذلك هو
مصدره تتساقط بين يديه دعاوى الباطل ومفتريات المفترين فى
كل عصر ومصر.
الصورة الثانية من صور التشابه بين التوراة والقرآن قصة هابيل
وقابيل ابنى آدم نصوص التوراة:
" حدث من بعد أيام أن قابين قدم من أثمار الرض قربانا للرب ،
وقدم هابيل أيضا من أبكار غنمه ،ومن سمانها ،فنظر الرب إلى
هابيل وقربانه ولكن إلى قابين .وقربانه لم ينظر .فاغتاظ قابين
جدا ً وسقط وجهه .فقال الرب لقابين لماذا اغتظت ولماذا سقط
572
وجهك ؟ إن أحسنت أفل رفع ؟؟ .وإن لم تحسن فعند الباب
خطية رابضة وإليك اشتياقها ،وأنت تسود عليها .وكلم قابين
هابيل أخاه .وحدث إذ كانا فى الحقل أن قابين قام على هابيل
أخيه وقتله .فقال الرب لقابين أين هابيل أخوك فقال ل أعلم
ى
أحارس أنا لخى ؟ فقال ماذا فعلت ؟ صوت دم أخيك صارخ إل َّ
من الرض .فالن ملعون أنت من الرض التى فتحت فاها لتقبل
دم أخيك من يدك متى عملت الرض ؟؟ تعود تعطيك قوتها .تائهاً
وهاربا ً تكون فى الرض فقال قابين للرب :ذنبى أعظم من أن
يحتمل أنك قد طردتنى اليوم على وجه الرض ،ومن وجهك
أختفى وأكون تائها ً وهاربا ً فى الرض فيكون كل من وجدنى
يقتلنى فقال له الرب:
لذلك كل من قتل قابين فسبعة أضعاف ينتقم منه .وجعل الرب
لقابين علمة لكى ل يقتله كل من وجده.
فخرج قابين من لدن الرب وسكن فى أرض نود شرقى عدن " (
.)5
نصوص القرآن المين (واتل عليهم نبأ ابنى آدم بالحق إذ قربا
قربانا ً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الخر قال لقتلنك قال
ى يدك لتقتلنى ما أنا ل الله من المتقين * لئن بسطت إل َّ إنما يتقب ُ
ب العالمين * إنى أريد ف الله ر َّ
ط يدى إليك لقتلك إنى أخا ُبباس ٍ
أن تبوء بإثمى وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء
ه قتل أخيه فقتله فأصبح من الظالمين* فطوعت له نفس ُ
ه كيف يوارى ري َ ُ
الخاسرين * فبعث الله غرابًا يبحث فى الرض لي ُ ِ
سوءة أخيه * قال ياويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب
فأوارىَ سوءة أخى فأصبح من النادمين * من أجل ذلك كتبنا
على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا ً بغير نفس أو فساد ٍ فى
الرض فكأنما قتل الناس جميعا ً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس
جميعا ً ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا ً منهم بعد ذلك فى
الرض لمسرفون ) (.)6
الفروق بين المصدرين اتفق المصدران حول نقطتين اثنتين ل
ثالث لهما واختلفا فيما عداهما .اتفقا فى :مسألة القربان .وفى
قتل أحد الخوين للخر .أما فيما عدا هاتين النقطتين فإن ما ورد
فى القرآن يختلف تماما ً عما ورد فى التوراة ،وذلك على النحو
التى:
التوارة/القرآن المين تسمى أحد الخوين بقابين وهو " القاتل "
والثانى " هابيل " كما تصف القربانين وتحدد نوعهما /.ليسميهما
ويكتفى ببنوتهما لدم كما اكتفى بذكر القربانين ولم يحددهما.
573
تروى حوارا ً بين قابين والرب بعد قتله أخاه ،وتعلن غضب الرب
على قابين وطرده من وجه الرب إلى أرض بعيدة /.ل يذكر حواراً
حدث بين القاتل وبين الله ،ول يذكر أن القاتل طرده الله من
وجهه إلى أرض بعيدة ،إذ ليس على الله بعيد.
التوراة تخلو من أى حوار بين الخوين /.يذكر الحديث الذى دار
بين ابنى آدم ويفصل القول عما صدر من القتيل قبل قتله
ً
وتهديده لخيه بأنه سيكون من أصحاب النار إذا قتله ظلما..
م تبين مصير جثة القتيل ؟! / ل مقابل فى التوراة لهذه الرواية ول ْ
يذكر مسألة الغراب ،الذى بعثه الله لٍِيُرى القاتل كيف يتصرف
فى جثة أخيه ،ويوارى عورته.
تنسب الندم إلى " قابين " القاتل لما هدده الله بحرمانه من
خيرات الرض ،ول تجعله يشعر بشناعة ذنبه /.يصرح بندم "
القاتل " بعد دفنه أخيه وإدراكه فداحة جريمته.
ل هدف لذكر القصة فى التوراة إل مجرد التاريخ .فهى معلومات
ذهنية خالية من روح التربية والتوجيه.
/يجعل من هذه القصة هدفا ً تربويا ً ويبنى شريعة القصاص العادل
عليها .ويلوم بنى إسرائيل على إفسادهم فى الرض بعد مجىء
رسل الله إليهم.
أضف إلى هذه ما تحتوى عليه التوراة من سوء مخاطبة " قابين"
الرب ،فترى فى العبارة التى فوق الخط " :أحارس أنا لخى "
ًّ ً
فيها فظاظة لوصدرت من إنسان لبيه لعد عاقًّا جافًّا فظ ّا غليظا
فكيف تصدر من " مربوب " إلى " ربه " وخالقه..؟!
ولكن هكذا تنهج التوراة فل هى تعرف " قدر الرب " ول من تنقل
عنه حوارا ً مع الرب.
ول غرابة فى هذا فالتوراة تذكر أن موسى أمر ربه بأن يرجع عن
غضبه على بنى إسرائيل ،بل تهديده إياه سبحانه بالستقالة من
النبوة إذا هو لم يستجب لمره.
ه علينا القرآن وهو الحق من أمر ابنى آدم والواقع أن ما ق َّ
ص ُ
مختلف تماما ً عما ورد فى التوراة فى هذا الشأن.
فكيف يقال :إن القرآن اقتبس هذه الحداث من التوراة وصاغها
فى قالب البلغة العربية ؟!
إن الختلف ليس فى الصياغة ،بل هو اختلف أصيل كما قد
رأيت من جدول الفروق المتقدم.
والحاكم هنا هو العقل فإذا قيل :إن هذه القصة مقتبسة من
التوراة قال العقل:
* فمن أين أتى القرآن بكلم الشقيق الذى قتل مع أخيه ،وهو
غير موجود فى نص التوراة التى يُدعى أنها مصدر القرآن ؟!
574
* ومن أين أتى القرآن بقصة الغراب الذى جاء ليُرى القاتل كيف
مدَّعى أصالتها يوارى سوءة أخيه وهى غير واردة فى التوراة ال ُ
للقرآن ؟!
* ولماذا أهمل القرآن الحوار الذى تورده التوراة بين " الرب "
وقابين القاتل وهذا الحوار هو هيكل القصة كلها فى التوراة ؟!
إن فاقد الشىء ل يعطيه أبدا ً ،وهذا هو حكم العقل .والحقائق
الواردة فى القرآن غير موجودة فى التوراة قطعا ً فكيف تعطى
التوراة شيئا ً هى لم تعرف عنه شيئا ً قط..؟!
ل ..إن القرآن له مصدره الخاص به الذى استمد منه الوقائع على
وجهها الصحيح ،ومجرد التشابه بينه وبين التوراة فى " أصل
الواقعة " ل يؤثر فى استقلل القرآن أبداً.
الصورة الثالثة من صورالتشابه بين التوراة والقرآن مقارنة بين
بعض التشريعات المحرمات من النساء قاَرنَّا فيما سبق بين
بعض المسائل التاريخية التى وردت فى كل من التوراة والقرآن
المين .وأثبتنا بأقطع الدلة أن القرآن له سلطانه الخاص به فيما
يقول ويقرر ،ورددنا دعوى أن القرآن مقتبس من التوراة .وبَيَّنَّا
حكم العقل فى هذه الدعوى كما أقمنا من الواقع " المحكى "
أدلة على ذلك.
ونريد هنا أن نقارن بين بعض المسائل التشريعية فى
المصدرين ؛ لنهم يقولون :إن المسائل والحكام التشريعية التى
فى القرآن ل مصدر لها سوى القتباس من التوراة.
وقد اخترنا نص المحرمات من النساء فى التوراة لنقابله بنص
المحرمات من النساء فى القرآن الحكيم ليظهر الحق.
النص فى المصدرين أولً :فى التوراة:
" عورة أبيك وعورة أمك ل تكشف .إنها أمك ل تكشف عورتها.
عورة امرأة أبيك ل تكشف .إنها عورة أبيك .عورة أختك بنت
أبيك أو بنت أمك المولودة فى البيت ،أو المولودة خارجا ً ل
تكشف عورتها.
عورة ابنة ابنك أو ابنة بنتك ل تكشف عورتها إنها عورتك .عورة
بنت امرأة أبيك المولودة من أبيك ل تكشف عورتها إنها أختك.
عورة أخت أبيك ل تكشف إنها قريبة أبيك .عورة أخت أمك ل
تكشف إنها قريبة أمك عورة أخى أبيك ل تكشف ،إلى امرأته ل
تقرب إنها عمتك .عورة كنتك ل تكشف .إنها امرأة ابنك ل تكشف
عورتها.
عورة امرأة أخيك ل تكشف إنها عورة أخيك .عورة امرأة ،وبنتها
ل تكشف ،ول تأخذ ابنة ابنتها أو ابنة بنتها لتكشف عورتها إنهما
575
قريبتاها .إنه رذيلة .ول تأخذ امرأة على أختها للضر لتكشف
عورتها معها فى حياتها (.)7
ثانياً :فى القرآن الحكيم:
(ول تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إل ماقد سلف إنه كان
فاحشة ومقتًا وساء سبيل * حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم
وأخواتكم وعماتكم وخالتكم وبنات الخ وبنات الخت وأمهاتكم
اللتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم
اللتى فى حجوركم من نسائكم اللتى دخلتم بهن فإن لم تكونوا
دخلتم بهن فل جناح عليكم وحلئل أبنائكم الذين من أصلبكم
وأن تجمعوا بين الختين إل ما قد سلف إن الله كان غفورا ً رحيما
والمحصنات من النساء.)8( ) ..
هذان هما النصان فى المصدرين .نص التوراة ،ونص القرآن
الحكيم .فما هى أهم الفروق بينهما ياترى ؟!
وقبل إجراء المقارنة نفترض صحة النص التوراتى وخلوه من
التحريف إذ ل مانع أن يكون هذا النص فعل ً مترجما ً عن نص
أصلى تشريعى خل مترجمه من إرادة تحريفه.
والمهم هو أن نعرف هل يمكن أن يكون نص التوراة هذا أصلً
اقتبس منه القرآن الحكيم فكرة المحرمات من النساء ،علماً
بأن النص التوراتى قابل إلى حد كبير لجراء دراسات نقدية
عليه ،ولكن هذا ل يعنينا هنا.
الفروق بين المصدرين:
التوراة:
-1ل تقيم شأنًا للنسب من جهة الرضاعة.
-2تحرم نكاح امرأة العم وتدعوها عمة.
-3تحرم نكاح امرأة الخ لخيه.
-4ل تذكر حرمة النساء المتزوجات من رجال آخرين زواجهم
قائم.
-5تجعل التحريم غالبا ً للقرابة من جهة غير الزوج مثل قرابة
الب الم العم 000وهكذا.
القرآن المين:
-1يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب.
-2ل يحرم نكاح امرأة العم ول يدعوها عمة.
-3ل يحرم نكاح امرأة الخ لخيه إذا طلقها أو مات عنها أخوه.
-4يحرم نكاح المتزوجات فعل ً من آخرين زواجا ً قائما ً ويطلق
عليهن وصف المحصنات من النساء.
-5يجعل التحريم لقرابة الزوج ممن حرمت عليه .أو قرابة زوجته
أحياناً.
576
هذه الفروق الواضحة ل تؤهل النص التوراتى لن يكون أص ً
ل
للنص القرآنى ،علميًّا ،وعقليًّا ،فللنص القرآنى سلطانه الخاص
ومصدره المتميز عما ورد فى التوراة .وإل لما كان بين النصين
فروق من هذا النوع المذكور.
وقفة مع ما تقدم:
نكتفى بما تقدم من التوراة وإن كانت التوراة مصدرا ً ثََرا ً لمثل
هذه المقارنات ،ولو أرخينا عنان القلم لما وقفنا عند حد قريب
ولتضاعف هذا الحجم مئات المرات .ومع هذا فما من مقارنة
تجرى بين التوراة وبين القرآن إل وهى دليل جديد على نفى أن
يكون القرآن مقتبسا ً من كتاب سابق عليه ،فالقرآن وحى أمين
حفظ كلمات الله كما أنزلت على خاتم النبيين (وقد رأينا فى
المقارنات الثلث المتقدمة أن القرآن فوق ما يأتى به من جديد
ليس معروفا ً فى سواه إنه يصحح أخطاء وقعت فيما سواه وهذا
ص الله بها القرآن فى قوله تعالى: خ َّ هو معنى " الهيمنة " التى َ
(مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه ) (.)9
فالمور التى لم يلحقها تحريف فى التوراة جاء القرآن مصدقا ً لها
أو هو مصدق لكل من التوراة والنجيل بالصفة التى أنزلها الله
عليهما قبل التحريف والتبديل.
صا صحيحاً حرفت ،وتعقبها القرآن فقصها ق ًّ أما المور التى ُ
أمينا ً ،وصحح ما ألحقوه بهما من أخطاء ،فذلك هو سلطان "
الهيمنة " المشهود للقرآن بها من منزل الكتاب على رسله.
فالقرآن هو كلمة الله " الخيرة " المعقبة على كل ما سواها ،
وليس وراءها معقب يتلوها ؛ لن الوجود النسانى ليس فى حاجة
مع وجود القرآن إلى غير القرآن.
كما أن الكون ليس فى حاجة مع الشمس إلى شمس أخرى
تمده بالضوء والطاقة بعد وفاء الشمس بهما.
ضا حيث يختلف عن ولنأخذ صورة مقارنة من العهد الجديد أي ً
العهد القديم وذلك لن نص النجيل الذى سندرسه يقابله من
القرآن نصان كل منهما فى سورة مما يصعب معه وضع النص
النجيلى فى جدول مقابل بالنصين القرآنيين .ولهذا فإننا سنهمل
نظام الجدول هنا ونكتفى بعرض النصوص ،والموازنة بينها
والموضوع الذى سنخضعه للمقارنة هنا هو بشارة زكريا عليه
السلم بابنه يحى عليه السلم وذلك على النحو التى:
الصورة الرابعة من النجيل والقرآن بشارة زكريا ب " يحيى
" (عليهما السلم) النص النجيلى:
" لم يكن لهما يعنى زكريا وامرأته ولد .إذ كانت اليصابات يعنى
امرأة زكريا عاقراً.وكان كلهما متقدمين فى أيامهما فبينما هو
577
يكهن فى نوبة غرفته أمام الله حسب عادة الكهنوت أصابته
القرعة أن يدخل إلى هيكل الرب ويبخر ،وكان كل جمهور
الشعب يصلى خارجا ً وقت البخور .فظهر له ملك الرب واقفاً
عن يمين مذبح البخور .فلما رآه زكريا اضطرب ووقع عليه
خوف .فقال له الملك :لتخف يا زكريا ؛ لن طلبتك قد سمعت
وامرأتك اليصابات ستلد لك ولدا ً وتسميه يوحنا ،ويكون لك فرح
وابتهاج .وكثيرون سيفخرون بولدته ؛ لنه يكون عظيما ً أمام
الرب .وخمرا ً ومسكرا ً ل يشرب ،ومن بطن أمه يمتلئ بروح
القدس ويرد كثيرين من بنى إسرائيل إلى الرب إلههم ،ويتقدم
أمامه بروح إيليا وقوته ليرد قلوب الباء إلى البناء.والعصاة إلى
فكر البرار ،لكى يهئ للرب شعبا ً مستعدًّا .فقال زكريا للملك:
كيف أعلم هذا و أنا شيخ وامرأتى متقدمة فى أيامها..؟!
فأجاب الملك وقال :أنا جبرائيل الواقف قدام الله .وأرسلت
لكلمك وأبشرك بهذا .وها أنت تكون صامتا ً ول تقدر أن تتكلم
إلى اليوم الذى يكون فيه هذا لنك لم تصدق كلمى الذى سيتم
فى وقته .وكان الشعب منتظرين زكريا ومتعجبين من إبطائه فى
الهيكل .فلما خرج لم يستطع أن يكلمهم ففهموا أنه قد رأى رؤيا
فى الهيكل .فكان يومئ إليهم .وبقى صامتاً.)10( "..
النصوص القرآنية:
( )1سورة آل عمران:
ة إنك ة طيب ً ه قال رب هب لى من لدُنك ذري ً ك دعا زكريا رب َّ ُ
(هنال ِ َ
سميعُ الدعاء * فنادته الملئكة وهو قائم يصلى فى المحراب أن
الله يُبشرك بيحيى مصدقا ً بكلمةٍ من الله وسيدا ً وحصورا ً ونبيًّا
م وقد بلغنى الكبر من الصالحين * قال رب أنى يكون لى غل ٌ
ب اجعل لى ل ما يشاء * قال ر ِّ ك الله يفع ُوامرأتى عاقر قال كذل ِ َ
ة أيام إل رمزا ً واذكر ربك كثيراً س ثلث َآية قال آيتك أل تُكلم النا َ
وسبح بالعشى والبكار) (.)11
( )2سورة مريم:
(ذكر رحمة ربك عبده زكريا * إذ نادى ربَّه نداءً خفيًّا * قال رب
بإنى وهن العظم منى واشتعل الرأس شيبا ً ولم أكن بدعائك ر ِّ
شقيًّا * وإنى خفت الموالى من ورائى وكانت امرأتى عاقرا ً فهب
ب رضيًّا لى من لدنك وليًّا * يرثنى ويرث من آل يعقوب واجعله ر ِّ
* يا زكريا إنا نبشرك بغلم اسمه يحيى لم نجعل له من قبل
ت امرأتى عاقرا ً وقد ً
سميًّا * قال رب أنَّى يكون لى غلم وكان ً
ن وقد ى هي ٌ ك هو عل َّ ك قال رب َبلغت من الكبر عتيًّا * قال كذل َ
خلقتك من قبل ولم تك شيئا * قال رب اجعل لى آية قال آيتك
أل تكلم الناس ثلث ليال سويًّا * فخرج على قومه من المحراب
578
فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيًّا * يا يحيى خذ الكتاب بقوة
وآتيناه الحكم صبيًّا * وحنانا ً من لدنَّا وزكاة ً وكان تقيًّا * وبراً
بوالديه ولم يكن جبارا ً عصيًّا * وسلم عليه يوم ولد ويوم يموت
ويوم يبعث حيًّا) (.)12
ذلك هو نص النجيل .وذان هما نصا القرآن المين .والقضية التى
نناقشها هنا هى دعوى " الحاقدين " أن القرآن مقتبس من
الناجيل كما ادعوا قبل أنه مقتبس من التوراة.
وندعو القارئ أن يراجع النص النجيلى مرات ،وأن يتلو النصوص
القرآنية مرات ،ويسأل نفسه هذا السؤال:
هل من الممكن علميًّا وعقليًّا أن يكون النص النجيلى مصدًرا لما
ورد فى القرآن المين ؟!
إن المقارنة بين هذه النصوص تسفر عن انفراد النصوص
القرآنية بدقائق ل وجود لها فى النص النجيلى.
ومن أبرز تلك الدقائق ما يلى:
أولً :فى سورة آل عمران:
(أ) تقدم على قصة البشارة فى" آل عمران" قصة نذر امرأة
عمران ما فى بطنها لله محرراً .وهذا لم يرد فى النص النجيلى.
(ب) الخبار بأنها ولدت أنثى " مريم " وكانت ترجو المولود ذكرا
وهذا لم يأت فى النص النجيلى.
(ج) كفالة زكريا للمولودة "مريم " ووجود رزقها عندها دون أن
يعرف مصدره والله سبحانه وتعالى أعلم سؤاله إياها عن
مصدره .وهذا بدوره لم يرد فى النص النجيلى.
(د) القرآن يربط بين قصة الدعاء بمولود لزكريا وبين قصة
مولودة امرأة عمران .وهذا ل وجود له فى النص النجيلى.
(ه) دعاء زكريا منصوص عليه فى القرآن وليس له ذكر فى
النص النجيلى.
ثانياً :فى سورة مريم:
(أ) ما رتبه زكريا على هبة الله له وليًّا ،وهو أن يرثه ويرث من
آل يعقوب .ولم يرد هذا فى النص النجيلى.
(ب) السبب الذى حمل زكريا على دعاء ربه وهو خوفه الموالى
من ورائه والنص النجيلى يخلو من هذا.
(ج) كون زكريا أوحى لقومه بأن يسبحوا بكرة وعشيًّا .ول وجود
لهذا فى النص النجيلى.
(د) الثناء على المولود " يحيى " من أنه بار بوالديه عليه سلم
الله يوم ولدته ويوم موته ويوم بعثه حيًّا ورد فى القرآن ول
مقابل له فى النص النجيلى.
579
هذا كله جديد خاص بالقرآن ل ذكر له فى سواه .وهذا يعنى أن
القرآن قد صور الواقعة المقصوصة تصويرا ً أمينًا كاملً.
وهذه هى المهمة الولى التى تعقب بها القرآن المهيمن ما ورد
فى النجيل المذكور.
وبقيت مهمة جليلة ثانية قام بها القرآن المهيمن نحو النص
النجيلى ،كما قام بمثلها نحو النصوص التوراتية المتقدمة .وتلك
المهمة هى :تصحيح الخطاء التى وردت فى النص النجيلى.
ومن ذلك:
(أ) النص النجيلى يجعل الصمت الذى قام بزكريا عقوبة له من
الملك.
فصحح القرآن هذه الواقعة ،وجعل الصمت استجابة لدعاء زكريا
ربه .وقد حرص على هذا النصان القرآنيان معاً .ففى آل عمران
(قال رب اجعل لى آية قال آيتك أل تكلم الناس ثلثة أيام إل
رمزاً(وفى مريم( :قال رب اجعل لى آية قال آيتك أل تكلم الناس
ثلث ليال سويا (.
فالصمت فكان تكريما لزكريا عليه السلم من الله ،وليس
عقوبة من الملك ،وقد انساق بعض مفسرى القرآن الكريم
وراء هذا التحريف النجيلى فقال :إن الصمت كان عقوبة
لزكريا ،ولكن من الله ل من الملك.
وها نحن نرفض هذا كله سواء كان القائل به مسلما أو
غيرمسلم.
فما هو الذنب الذى ارتكبه زكريا حتى يعاقب من الله أو حتى من
الملك ؟!
هل إقراره بكبر سنه وعقر امرأته هو الذنب ؟!
لقد وقع هذا من إبراهيم عليه السلم حين بشر بإسحق ،ووقع
من سارة حين بشرت به فلم يعاقب الله منهما أحداً.
ت بحملها بعيسى ولم وقد وقع هذا من " مريم " حين ب ُ ّ ِ
شَر ْ
يعاقبها الله عليه .فما السر فى ترك إبراهيم وسارة ومريم بل
عقوبة وإنزالها بزكريا وحده مع أن الذى صدر منه صدر مثله
تماما ً من غيره.
أفى المسألة محاباة..؟! كل ..فالله ل يحابى أحداً.
إن أكبر دليل على نفى هذا القول هو خلو النصوص القرآنية
منه ،وليس هذا تعصبا ً منا للقرآن .وإنما هو الحق ،والمسلك
الكريم اللئق بمنزلة الرسل عند ربهم.
إن الصمت الذى حل بزكريا كان بالنسبة لتكليم الناس ،ومع هذا
فقد ظل لسانه يلج بحمد الله وتسبيحه فى العشى والبكار كما
نص القرآن المين.
580
(ب) النص النجيلى يحدد مدة الصمت بخروج زكريا من الهيكل
إلى يوم أن ولد يحيى.
ن صححه القرآن المهيمن فجعل مدته ثلثة أيام وهذا خطأ ثا ٍ
بلياليهن بعد الخروج من المحراب.
(ج) النص النجيلى يجعل البشارة على لسان ملك واحد ،بينما
النصان القرآنيان يجعلنها على لسان جمع من الملئكة( :فنادته
الملئكة وهو قائم يصلى فى المحراب ) (.)13
(يا زكريا إنا نبشرك بغلم.)14( ) ..
وهذا خطأ ثالث وقع فيه النص النجيلى فصححه القرآن المين.
(د) النص النجيلى يجعل التسمبة ب " يحيى " يوحنا من اختيار
زكريا بيد أن الملك قد تنبأ بها.
وهذا خطأ رابع صححه القرآن المين فجعل التسمية من وحى
الله إلى زكريا ..( :اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ) (.)15
(ه) النص النجيلى يقول " :إن زكريا حين جاءه الملك وقع عليه
خوف واضطراب ".
وقد خل النص القرآنى من هذا ..فدل خلوه منه على أنه لم يقع.
صهِ للوقائع المناظرة لهذه ذلك أن القرآن الحكيم ع َوَّدَنَا فى قَ ِّ
ص عليهاالواقعة أن يسجلها إذا حدثت ول يهملها ،بدليل أنه قد ن َ َّ
فى واقعة السحرة مع موسى عليه السلم فقال( :فأوجس فى
نفسه خيفة موسى ) ( .)16وقال فى شأنه كذلك عند انقلب
ُ َ
مدبِرا ً ولمن وَل ّى ُ
جا ّالعصى حية لول مرة( :فلما رآها تهتز كأنها َ
ب ) ( .)17وحكاها عن إبراهيم عليه السلم حين جاءته يُعَقِّ ْ
الملئكة تبشره فقال حكاية عن إبراهيم لضيوفه( :إنا منكم
وجلون ) ( .)18وحكاها عن مريم حين جاءها الملك( :قالت إنى
أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ) (.)19
ص القرآن على ذكر هذا النفعال (الخوف ،إذا حدث) يدل حْر ُ و ِ
على أن خلوه منه بالنسبة لزكريا دليل على أنه لم يقع منه خوف
قط ،وهذا " الخلو "يعتبر تصحيحا ً لما ورد فى النجيل من نسبة
حدث إلى زكريا هو فى الواقع لم يصدر منه.
فهذه خمسة أخطاء قام بتصحيحها القرآن المين نحو نصوص
النجيل المذكورة هنا فى المقارنة .وبهذا نقول:
إن القرآن أدى هنا فى تعقبه للنص النجيلى مهمتين جليلتين:
الولى :تصوير الواقعة المقصوصة تصويرا ً أمينا ً كاملً.
الثانية :تصحيح الخطاء الواردة فى النص النجيلى المقارن.
وقفة أخيرة مع دعوى القتباس:
موضوع الدعوى كما يروج لها المبشرون أن القرآن اقتبس من
صهِ التاريخى. ص ِ الكتاب المقدس كل قَ َ
581
والواقعة التى هى موضوع دعوى القتباس هنا هى حادثة تاريخية
دينية محددة ببشارة زكريا عليه السلم بيحيى عبد الله ورسوله
ووثائق تسجيلها هما :النجيل ،ثم القرآن المين.
ضا بعد زمن وصلة النجيل بالواقعة المقصوصة أنه سجلها فر ً
وقوعها بقليل ؛ لن عيسى كان معاصرا ً ليحيى عليهما السلم
وصلة القرآن المين بها أنه سجلها بعد حدوثها بزمن طويل "
حوالى سبعمائة سنة ".
وقرب النجيل من وقوع الحادثة المقصوصة ،وبُعد القرآن
الزمنى عنها يقتضى إذا سلمنا جدل ً بدعوى القتباس المطروحة
أن يأتى القتباس على إحدى صورتين:
أولهما :أن يقتبس القرآن جزءًا مما ورد من القصة الكلية فى
النجيل .وتظل القصة فيه ناقصة عما هى عليه فى المصدر
المقتبس منه (النجيل) على حسب زعمهم.
ثانيهما :أن يقتبس القرآن القصة كلها كما هى فى النجيل بل
نقص ول زيادة ،سواء أخذها بألفاظها أو صاغها فى أسلوب جديد
(البلغة العربية كما يدعون) ،بشرط أن يتقيد بالمعانى الواردة
فى المصدر المقتبس منه ؛ لن الفرض قائم (حتى الن) على أن
القرآن لم يكن له مصدر يستقى منه الواقعة غير النجيل
المقتبس منه.
ومحظور على القرآن عمل بهذه القيود التى تكتنف قضية
القتباس للوقائع التاريخية من مصدرها الوحد أن يأتى بجديد أو
يضيف إلى الواقعة ما ليس فى مصدرها الوحد.
فماذا صنع القرآن إذن ؟ هل اقتبس من النجيل جزءًا من
الواقعة ؟ أم الواقعة كلها ؟!
دائرا ً فى فلك النجيل دورة ناقصة أو دورة كاملة ؟!
لو كان القرآن قد فعل هذا :اقتبس جزءا ً من الواقعة كلها ،وَ ل َ ْ
و
مع صياغة جديدة لم تغير من المعنى شيئا ؛ لكان لدعوى
القتباس هذه ما يؤيدها من الواقع القرآنى نفسه .ولما تردد فى
تصديقها أحد.
ولكننا قد رأينا القرآن لم يفعل شيئًا مما تقدم .لم يقتبس جزءاً
من الواقعة ول الواقعة كلها.
وإنما صورها تصويرا ً أمينا ً رائعاً .سجل كل حقائقها ،والتقط
بعدساته كل دقائقها .وعرضها عرضا ً جديدا ً نقيًّا صافيا ً ،وربط
بينها وبين وقائع كانت كالسبب الموحد لها فى بناء محكم وعرض
أمين.
ولم يقف القرآن عند هذا الحد ..بل قام بإضافة الكثير جدًّا من
الجديد الذى لم يعرفه النجيل .وصحح كثيرا ً من الخطاء التى
582
وردت فيه بفعل التحريف والتزوير .إما بالنص وإما بالسكوت.
وهذا ل يتأتى من مقتبس ليس له مصدر سوى ما اقتبس منه.
وإنما يتأتى ممن له مصدره ووسائله وسلطانه المتفوق ،بحيث
يتخطى كل الحواجز ،ويسجل الواقعة من " مسرحها " كما رآها
هو ،وعقلها هو ،وسجلها هو .وكان هذا هو القرآن.
إن المصدر الوحيد للقرآن هو الوحى الصادق المين ..وليس ما
سجله الحبار والكهان ،والفريسيون ،والكتبة فى توراة أو
أناجيل.
إن مقاصد القرآن وتوجيهاته وكل محتوياته ليس فى التوراة ول
فى النجيل منها شىء يذكر .وفاقد الشىء ل يعطيه .هذا هو
حكم العقل والعلم ،ومن لم يخضع لموازين الحق من عقل
وعلم ونقل فقد ظلم نفسه.
( )1سفر التكوين الصحاح ( )39الفقرات (.)19 7
( )2لم نذكرالنص القرآنى الخاص بحديث النسوه إذ ل مقابل له
فى التوراة.
( )3يوسف 29-23 :ثم آية .35
( )4تأمل عبارة التوراة " اضطجع معى " تجدها مبتذلة فاضحة
تكاد تجسم معناها تجسيماً .ثم تأمل عبارة القرآن (و راودته التى
هو فى بيتها عن نفسه (تجدها كناية لطيفة شريفة بعيدة عن
التبذل والسفاف.
واللفاظ أوعية المعانى والمعانى ظلل اللفاظ..
( )5سفر التكوين ( )6( )16-3-4المائدة.32-27 :
( )7سفر اللويين (.)18 7 18
( )8النساء.24-22 :
( )9المائدة.48 :
( )10إنجيل لوقا ( )22 -7الصحاح الول.
( )11آل عمران .41-38 :وراجع قبله اليات من 37-35للهمية ()12
مريم )13( 15 - 8 :آل عمران.39 :
( )14مريم.7:
( )15مريم.7:
( )16طه.67 :
( )17القصص.31 :
( )18الحجر.52 :
( )19مريم.18 :
-42رفع المعطوف على المنصوب
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
583
منشأ هذه الشبهة:
(إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله
واليوم الخر وعمل صالحا ً فل خوف عليهم ول هم يحزنون ) (.)1
هذه الية هى منشأ هذه الشبهة عندهم ،لنهم نظروا فيما بعد "
الواو " فى " الصابئون " وقارنوا بينه وبين " الذين آمنوا " الواقع
بعد " إن " وهى حرف ناسخ ينصب " المبتدأ " ويرفع " الخبر "
واسم " إن " هنا هو " الذين " وهو مبنى لنه اسم موصول.
وقد عطف عليه " الذين هادوا " أما " الصابئون " فجاءت
مرفوعة ب"الواو" لنها جمع مذكر سالم وجاء بعدها " النصارى
".
وكل من " الذين " فى الموضعين السابقين على " الصابئون "
وكذلك " النصارى " إعرابها تقديرى ل يظهر ل فى الخط ول فى
النطق ،وذلك لن السم الموصول " الذين " من المبنيات على
حالة واحدة ،أما "النصارى" فهو اسم مقصور ،يتعذر ظهور
حركة العراب عليه ،وهى هنا الفتحة ،و " الراء " مفتوحة
أصالة ،ومحال أن تظهر فتحتان على موضع واحد .سواء كانت
ح وضم ٍ ،أو متجانستين ،كفتحتينالحركتان مختلفتين ،كفت ٍ
وضمتين.
وخصوم القرآن نظروا فى نظم هذه الية الحكيمة وقالوا إن فيها
خطأ لغويا ً (نحوياً) ؛ لن " الصابئون " معطوفة على منصوب "
إن الذين آمنوا " فكان حقها أن تنصب ،فيقال " والصابئين "
لكنها جاءت مرفوعة ب " الواو " هكذا " والصابئون " وهدفهم
من تصيد هذه الشبهات إثبات:
-أن فى القرأن تحريفا ً لمخالفته بدهيات القواعد النحوية.
-أو هو ليس من عند الله ،لن ما كان من عند الله ل يكون فيه
خطأ.
584
من آمن منهم بالله واليوم الخر فل خوف عليهم ول هم يحزنون
والصابئون كذلك " (.)2
ومن شواهد هذا الحذف عند العرب قول الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأى مختلف فقد حذف
الخبر من المبتدأ الول ،وتقديره " راضون " لدللة الثانى عليه "
راض ".
والمعنى :نحن بما عندنا راضون ،وأنت بما عندك راض.
وقول الخر:
ومن بك أمسى بالمدينة رحله فإنى وقيَّار بها لغريب والتقدير:
فإنى لغريب وقيار كذلك.
وقول الشاعر:
وإل فاعلموا أنَّا وأنتم بغاة ما بقينا فى شقاق الشاعر يصف
الفريقين أنهم " بغاة " إن استمروا فى الشقاق ،والتقدير:
اعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك.
وهكذا ورد فى الستعمال اللغوى عند العرب ،أن الجملة
السمية المؤكدة ب " إن " يجوز أن يذكر فيها مبتدأ آخر غير
اسم " إن " وأن يذكر خبر واحد يكون لسم " إن " ويحذف خبر
المبتدأ الثانى لدللة خبر اسم "إن " عليه ،أو يحذف خبر اسم "
إن " ويكون الخبر المذكور للمبتدأ الثانى دليل ً على خبر اسم "
إن " المحذوف ونظم الية التى كانت منشأ الشبهة عندهم ل
يخرج عن هذه الساليب الفصيحة ،التى عرفناها فى البيات
الشعرية الثلثة ،وهى لشعراء فصحاء يستشهد بكلمهم.
الثانى :أن " إن " فى قوله تعالى " :إن الذين آمنوا " ليست هى
ن " الناسخة ،التى تنصب المبتدأ وترفع الخبر ،بل هى " إ َّ
بمعنى :نعم ،يعنى حرف جواب ،فل تعمل فى الجملة السمية
ل نصبا ً ،ول رفعا ً ،وعلى هذا فالذى بعدها مرفوع المحل ،لن "
الذين " اسم موصول ،وهو مبنى فى محل رفع ،وكذلك "
الصابئون " فإنه مرفوع لفظا ً ،وعلمة رفعه " الواو " لنه جمع
مذكر سالم ،مفرده " صابئ ".
وقد استعملها العرب كذلك .قال قيس بن الرقيات:
ب قده ويقلن شي ٌ برز الغوانى من الشباب يلمننى ،وآلو مهن َّ ْ
ه ( )3أى فقلت :نعم. ت ،فقلت إن َّ ْعلك وقد كبر َ
وعلى هذا فإن كل من " الذين " و " الصابئون " والنصارى ،
أسماء مرفوعة إما محل ً ،وهما :الذين " فهى مبنية فى محل
رفع ،والنصارى مرفوعة بضمة مقدرة لنها اسم مقصور ل تظهر
على آخره حركات ،وإما لفظا ً مثل " :الصابئون " فهى مرفوعة
لفظا ً بواو الجماعة.
585
وعليه كما كان فى المذهب الول فل خطأ فى الية كما زعم
خصوم القرآن.
أما المفسرون فقد اختار الزمخشرى منهم المذهب الول المعزو
إلى جمهور علماء البصرة ،ومن شيوخهم الخليل وسيبويه ،
فقال:
" والصابئون " رفع على البتداء ،وخبره محذوف والنية به ()4
التأخير عما فى حيز إن من اسمها وخبرها كأنه قيل:
" إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كذا ،والصابئون
كذلك " (.)5
وقال المام الشوكانى:
" والصابئون " مرتفع على البتداء ،وخبره محذوف والتقدير :إن
الذين آمنوا والذين هادوا من آمن منهم بالله واليوم الخر وعمل
صالحا ً فل خوف عليهم ول هم يحزنون والصابئون والنصارى
كذلك " (.)6
وقد ألمح المام الشوكانى إلى إضافة جديدة خالف بها كل من
الخليل وسيبويه والزمخشرى ؛ لن هؤلء جعلوا " الصابئون"
ً
مقدما من تأخير كما تقدم ،أما هو فجعله قارا ّ فى موضعه غير
مقدم من تأخير بدليل قوله:
" والصابئون والنصارى كذلك " وهذه إضافة حسنة ومقبولة.
جعْل " النصارى " مرفوعة عطفا ً على " الصابئون " وعليه يمكن َ
ول حاجة إلى جعلها منصوبة عطفا ً على " إن الذين آمنوا " ،
والواقع أن هذا المذهب على جملته الذى ذهب إليه جمهور علماء
البصرة ،وتابعهم فيه المام الشوكانى هو أقوى ما أورده النحاة
فى توجيه رفع " الصابئون " فى هذه الية الكريمة .أما بقية
الراء ،فهى دون ذلك بكثير (.)7
هذا هو توجيه رفع " الصابئون " عند جمهور النحاة والمفسرين ،
أما توجيهه بلغة فهو ما يأتى:
إن مخالفة إعراب " الصابئون " عما قبلها سواء كانت مقدمة من
تأخير على رأى الجمهور أو غير مقدمة على رأى المام
الشوكانى وآخرين ( )8وعما بعدها إن قدرنا " والنصارى "
معطوفا ً على " إن الذين آمنوا والذين هادوا ،بأن هذه المخالفة
لمحة بلغية رائعة ؛ تشير إلى وجود فرق كبير بين هذه الطوائف
الربع:
-الذين آمنوا.
-الذين هادوا.
-النصارى.
-الصابئون.
586
فالطوائف الثلث الولى يربط بينها رابط قوى هو أن كل طائفة
منها لها كتاب ورسول من عند الله عز وجل.
فالذين آمنوا لهم كتاب هو القرآن ،ورسول هو محمد صلى الله
عليه وسلم .
والذين هادوا لهم كتاب هو التوراة ،ولهم رسول هو موسى عليه
السلم.
والنصارى لهم كتاب هو النجيل ،ولهم رسول هو عيسى عليه
السلم.
أما الصابئون ،فليس لهم كتاب ول رسول ،وهم على ضلل
مطبق ل ذرة من هداية فيه.
والمقام الذى تتحدث عنه الية هو فتح باب القبول عند الله لكل
من آمن إيمانا ً صحيحا ً صادقا ً وداوم على عمل الصالحات.
فاليمان يمحو ما قبله ول ينظر الله إلى ماضيهم الذى كانوا عليه
ص ،والية بدأت بالذين آمنوا ليستمروا على من كفر ومعا ٍ
إيمانهم الذى هم فيه ،ويلتزموا بعمل الصالحات والله سيجزيهم
خير الجزاء على إيمانهم المستمر ،وصلحهم الدائم (.)9
ثم ثنت بالذين هادوا ،يعنى :اليهود ،وهم كانوا فى عصر نزول
القرآن قد غالوا فى دينهم ،وحادوا عن الحق ،وغيَّروا وبدَّلوا
فيما أنزله الله على أنبيائهم فوعدهم الله إذا آمنوا إيمانا ً صحيحاً
صادقا ً ،وتابوا إلى الله من كل ما ابتدعوه فى عقائدهم واتبعوا
ن من ما أنزل الله على خاتم رسله ؛ بأنهم سيكونون فى أم ٍ
عذاب الله ،ل خوف عليهم ول هم يحزنون.
وكذلك النصارى حيث جعلوا لله صاحبة وولدا وغالوا كثيرا ً فى
دينهم ،إذا آمنوا إيمانا ً صحيحا ً صادقا ً ،وبرئوا من عقائدهم التى
ابتدعوها ،وأصلحوا شأنهم ،وآمنوا بما أنزله الله على خاتم
رسله ،ولزموا العمل الصالح ،كان سعيهم عند الله مشكورا ً ،
ووقاهم الله عز وجل من الخوف والحزن يوم يقوم الناس لرب
العالمين.
ثم زاد الله فى ترغيب هذه الفرق الثلث فيما عنده بأن يجعل
هذا الفضل للصابئين الذين خرجوا عن جميع الرسالت
السماوية ،وإذا كان الله يقبل منهم إيمانهم إذا آمنوا ،ويثيبهم
على عمل الصالحات.
فإن الذين آمنوا واليهود والنصارى أولى بالقبول عند الله ،إذا
آمنوا وعملوا الصالحات.
ومن أجل هذا خولف إعراب و " الصابئون " ليلفت الذهان عند
قراءة هذه الية أو سماعها إلى الوقوف أمام هذه المخالفة ،
587
وليتساءل القارئ أو السامع ما سبب هذه المخالفة ،ثم يقوده
هذا التساؤل إلى الحصول على هذا المعنى الذى تقدم.
فهذه المخالفة أشبه ما تكون بالنبر الصوتى فى بعض الكلمات ،
التى يراد لفت النظار إليها عند السامعين ؛ قالوا :والواو فى "
والصابئون " ليست لعطف المفردات على نظائرها ،وإنما هى
لعطف " الجمل " و" الواو " التى تعطف جملة على أخرى ل
تعمل فى مفردات الجملة المعطوفة ،ل رفعا ً ول نصبا ً ول جراً.
بل تربط بين الجملتين المعطوفة والمعطوف عليها فى المعنى
دون الحركات العرابية.
ولهذه الية نظائر فى مخالفة إعرابها لما قبلها اتخذ منها خصوم
القرآن منشأ لشبهات مماثلة وسيأتى الحديث عنها كل فى
موضعه إذا شاء الله تعالى.
والخلصة:
إن هذه الية( :إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى
من آمن بالله واليوم الخر (تخلو من أى خطأ نحوى أو غير
نحوى .بل هى فى غاية الصحة والعجاز ،وقد بينا وجوه صحتها ،
والمعانى البيانية التى ألمح إليها رفع " الصابئون " وهؤلء الذين
يلحدون فى آيات الله ل دراية لهم بالنحو ول بالصرف ول بالبلغة
،وليسوا هم طلب حق ،ول باحثين عنه ،والذى سيطر على كل
تفكيرهم هو البحث " عن العورات " فى كتاب ل عورات فيه بل
هو أنقى وأبلغ وأفصح وأصح ،وأصدق بيان فى الكون كله ،ول
يأتوننا بمثل إل جئناهم بالحق وما هم بسابقين.
( )1المائدة.69 :
( )2انظر :الدر المصون للسمين الحلبى (.)4/354
( )3البيتان فى ديوانه ( )66والكتاب لسيبويه (.)1/475
( )4الضمير فى " به " عائد على " الصابئون " يعنى أن حقه أن
يذكر بعد النصارى ،ولكنه قُدِّم من تأخير.
( )5الكشاف (.)1/630
( )6فتح القدير (.)2/71
( )7انظر :تفاصيل هذه الراء وشواهدها ومناقشتها فى " الدر
المصون " للسمين الحلبى ( )4/352وما بعدها.
( )8انظر :المصدر السابق (.)4/360
( )9بعض العلماء يفسر " الذين آمنوا " فى الية بأنهم المنافقون
لنهم غير مؤمنين فى الباطن .والصوب ما أثبتناه ،وهو أن
المراد هم الذين آمنوا فعل ً ،ويكون المطلوب منهم أمرين ثباتهم
على هذا اليمان.
588
منوا
ثم إدامة عمل الصالحات .كما فى قوله تعالى(:يا أيها الذين آ َ
منوا بالله ورسوله (النساء.136 : آ ِ
أى :دوموا على إيمانكم.
-------------------------
-43نصب المعطوف على المرفوع
589
وأشهر الراء فيها أن " المقيمين " منصوب على الختصاص
المراد منه المدح فى هذا الموضع بدللة المقام ؛ لن المؤدين
للصلة بكامل ما يجب لها من طهارة ومبادرة وخشوع وتمكن ،
جديرون بأن يُمدحوا من الله والناس.
يقول المام الزمخشرى:
ب على المدح ،لبيان فضل الصلة وهو باب ص َ
" و " المقيمين " ن ُ ِ
ً
واسع ول يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنا فى خط المصحف
،وربما التفت إليه من لم ينظر فى الكتاب ،ولم يعرف مذاهب
العرب ،وما لهم فى النصب على الختصاص من الفتنان " (.)2
الزمخشرى أوجز كلمه فى الوجه الذى نُصب عليه " المقيمين "
وهو الختصاص مع إرادة المدح (.)2
الختصاص هو مخالفة إعراب كلمة لعراب ما قبلها بقصد المدح
كما فى هذه الية ،أو الذم .ويسمى الختصاص والقطع.
ومع إيجازه فى عبارته كان حكيما ً فيها ،ومن الطريف فى كلمه
إشارته إلى خطأ من يقول إن نصب " المقيمين " لحن فى خط
المصحف ـ ل سمح الله ـ ثم وصفه بالجهل بمذاهب العرب فى
البيان ،والتفنن فى الساليب ،وكأنه ـ رحمه الله ـ يتصدى للرد
على هؤلء الطاعنين فى القرآن ،الذين نرد عليهم فى هذه
الرسالة.
والرأى الذى اقتصر عليه المام الزمخشرى هو المشهور عند
النحاة والمفسرين والقراء.
وقد سبق الزمخشرى فى هذا التوجيه شيخ النحاة سيبويه وأبو
البقاء العكبرى (.)4
وهذا الختصاص أو القطع بيان لفضل الصلة التى جعلها الله
على الناس كتابا ً موقوتا ً ،وأمر عباده بإقامتها والمحافظة عليها
فى كثير من آيات الكتاب العزيز ومثَّلها رسوله صلى الله عليه
وسلم ـ كما فى صحيحى البخارى ومسلم ـ بالنهر ،الذى يستحم
فيه المكلف فى اليوم خمس مرات ،فيزيل كل ما علق بجسمه
من الدران والوساخ ،وكذلك الصلوات الخمس فإنها تمحو
الخطايا ،وتزيل المعاصى كما يزيل الماء أدران الجسام.
أما الراء الخرى فكثيرة ،ولكنها ل تبلغ من القوة والشيوع ما
بلغه هذا الرأى ،وهو النصب على الختصاص أو القطع.
وقد أوردوا عليه شواهد عدة من الشعر العربى المحتج به لغوياً
ونحوياً .ومن ذلك ما أورده سيبويه:
َ
شعْثا ً مراضيع مثل الثعالى ومنها قول لو ُ ويـأوى إلى نسـوة ع ُط ّ ٍ
الخرنق بنت هفان:
590
م العـداة وآفـة الجْزر النازلين بكل س ُّ
ن قومى الذين همو ً ل يبعد ْ
ُ
ك والطيبون معاقد الْزر ( )5والشاهد فى هذه البيات ، معتــر ٍ
شعثا " فى البيتين الوليين وهو معطوف على مجرور " نصب " ُ
َ
ل ".ع ُط ّ ٍ
والشاهد فى البيتين الخرين نصب " النازلين " وهو معطوف
م العداة ".على مرفوع ،وهو " س ُّ
هذا ،وقد قلنا من قبل إن القرآن غير مفتقر إلى شواهد من
خارجه على صحة أساليبه ،ومع هذا فإن ورود هذه الشواهد
نرحب به ول نقلل من شأنه ،ومنهم من جعل " المقيمين "
مجرورا ً ل منصوبا ً ،وقال إن جره لنه معطوف على الضمير
المجرور محل ً فى " منهم " والمعنى على هذا:
لكن الراسخون منهم والمقيمين الصلة.
وبعضهم قال إنه مجرور بالعطف على الكاف فى " أنزل إليك "
وبعضهم قال إنه مجرور بالعطف على " ما " فى " بما أنزل إليك
".
أو هو مجرور بالعطف على " الكاف " فى " قبلك " (.)6
والخلصة:
إن الذى ينبغى الركون إليه ـ لقوته ـ هو الرأى الول ،المنسوب
إلى سيبويه وأبى البقاء العكبرى والزمخشرى وابن عطية ،أما
ما عداه من آراء فل تخلو من التكلف أو الضعف.
أما النصب على الختصاص فل مناص من قبوله ؛ لنه أسلوب
شائع فى الستعمال اللغوى العربى ،وفيه من البلغة أمر زائد
على مجرد التوجيه النحوى ،الذى ل يتجاوز بيان عامل النصب أو
الجر.
الثانية:
قوله تعالى ..( :والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين فى
البأساء والضراء وحين البأس ) (.)7
وشاهدهم على هذه الشبهة هو قوله سبحانه " :والصابرين فى
البأساء والضراء وحين البأس " لنه جاء منصوبا ً بـ " الياء " بعد
قوله تعالى " :والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ".
وكان يجب أن يرفع المعطوف ـ يعنى :الصابرين ـ على المرفوع
ـ يعنى :الموفون ـ فيقول :والموفون والصابرون " ،هذا قولهم.
591
(( )1ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن
البر من آمن بالله واليوم الخر والملئكة والكتاب والنبيين).
(( )2وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن
السبيل والسائلين وفى الرقاب).
(( )3وأقام الصلة وآتى الزكاة).
(( )4والموفون بعهدهم إذا عاهدوا).
(( )5والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين
صدقوا وأولئك هم المتقون).
ترى أننا وزعنا كلمات هذه السورة على وحدات كل وحدة منها
تضم معانى وقيما ً متجانسة.
الوحدة الولى :قيم إيمانية تنتظم تحت مفهوم العقيدة وهى:
اليمان بالله ،وباليوم الخر ،وبالملئكة ،وبالوحى ،ثم بالنبياء
والرسل صلى الله عليه وسلم .
والوحدة الثانية :تنتظم عناصرها تحت مبدأ " النفاق المالى الحر
(غير الزكاة) ويبين الله فيها الصفات التى تتحقق فى المنفق
عليه ،وهم:
-ذوو القربى من النسب.
-اليتامى مهما تباعدت صلتهم عن المنفق.
-المساكين ،الذين ليس لهم مصدر رزق كسبى ،إما لعدم وجود
عمل ،أو لعجز عنه.
-الغرباء الذين تعوزهم الحاجة فى السفر ،وليس معهم مال
وإن كانوا أغنياء فى بلدهم.
-المحتاجون ـ حقا ً ـ الذين يستعطفون الناس لسد حاجتهم فى
غير معصية.
-عتق الرقاب من الرق ،إما تطوعا ً ،أو كاتب السيد عبده على
مقدار من المال ليصير حراً.
والوحدة الثالثة :يندرج عنصراها :الصلة والزكاة تحت ركنين
عمليين من أركان السلم ،والزكاة إنفاق واجب ،وليس حراً.
والوحدة الرابعة :هى حسن المعاملة مع الناس بوفاء الوعد
العهد.
والوحدة الخامسة :تنتظم عناصرها تحت مبدأ الصبر الجميل فى
كل عمل خير يؤديه المكلف ،وبخاصة فى الشدائد والمحن
وملقاة العدو.
أما الوحدة السادسة :فهى بيان فضل هؤلء المذكورين فى
الية ،وبخاصة ما ذكر قبل الفاصلة مباشرة ،ومنزلتهم عند الله:
" أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ".
592
وإذا تأملت هذه الوحدات ،وعناصرها المندرجة تحتها ،وجدت أن
أشدها وقعا ً على النفس ،وأكثرها أعباء ،وأشقها كلفة ،هى
الصبر فى المحن والشدائد والخطار ،وبخاصة فى ملقاة
العدو ،والتعرض لزحفه وسلحه ،وقد يفضى بالنسان إما إلى
حدوث عاهات مؤلمة فى الجسم ،وإما إلى الموت .فالمقاتل
فى ساحات الكر والفر إنما يصارع الموت ،ومقدمات الموت.
ولهذا جاء إعراب " الصابرين " مخالفا ً لعراب ما قبلها ،ليلفت
الله أذهان العباد إلى أهمية الصبر فى هذه المجالت ،وهذا
العراب المخالف لما قبله يفيد مع تركيز النتباه ،وتوفير العناية
مل هذا الخلق العظيم ،يفيد أمرا ً آخر مبهجا ً للنفوس ،هو بتأ ُّ
مدح هؤلء الصابرين شديدى العزيمة ،قويى الحتمال.
فانظر إلى نفائس هذه المعانى ،التى دل عليها نصب "
الصابرين " مع كون ما قبله مرفوعاً .إنها بلغة القرآن المعجز ،
وعبقرية اللغة العربية لغة التنزيل الحكيم.
وهذا العراب المخالف لعراب ما قبله ،هو الذى يسميه النحاة
واللغويون بـ " القطع " كما تقدم فى نظيريه فى هذه الدراسة ،
إما للمدح كما فى هذه الية ،وآية النساء " والمقيمين الصلة "
وقد تقدمت.
وإما بقصد الذم ،كما فى قوله تعالى فى سورة المسد "
ة الحطب " أى امرأة أبى لهب التى كانت تحمل وامرأته حمال َ
الشوك وتنثره فى طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم
لتؤذيه .لن كلمة " حمالة " جاءت منصوبة بعد رفع ما قبلها ،
وهى " امرأتُه " فهذا قطع كذلك ،القصد منه الذم ،أى :أذم أو
ألعن حمالة الحطب.
وأيا ً كان القطع للمدح أو الذم ،فإنه من أرقى الساليب
البلغية ،يحتوى على فضيلة اليجاز وهى أن تكون المعانى أكثر
وأوفر من اللفاظ التى تدل عليها ،أو المستعملة فيها ،لن كل
كلمة قُطِعَ إعرابها عما قبلها نابت هذه الكلمة مناب ثلثة قيم
بيانية ،رامزة إلى وجودها فى المقام ،وإن كانت محذوفة وهى:
1ـ الكلم الذى عمل العراب المخالف فى الكلمة المقطوع
إعرابها عن إعراب ما قبلها ،وهو فى " الصابرين " أمدح أو
أخص الصابرين بالمدح .وفى آية " المسد " أذم أو ألعن.
2ـ إفادة المدح أو الذم بغير اللفاظ التى تدل عليهما.
3ـ فضيلة اليجاز البيانى المفعم بالمعانى السرة والدللت
الساحرة .فسبحان من هذا كلمه !
والخلصة:
593
بعد هذا البيان الموجز ،وإن طال ،ل أرانا فى حاجة إلى ذكر
توجيهات النحاة والمفسرين وعلماء القراءات واللغويين ،لمجئ
" الصابرين " منصوبا ً بعد مرفوع فى هذه الية ،لن توجيهاتهم ـ
هنا ـ مثل توجيهاتهم هناك ،ولسنا فى حاجة كذلك إلى
الستشهاد بالمأثور عن العرب الذين يحتج بكلمهم على قواعد
اللغة ،وطرائق استعمالتها ،لسنا فى حاجة إلى ذلك ،وإن كان
حجة فى نفسه ،غير مفتقر لقامة مفيدا ً ،لن القرآن الكريم ُ
الدليل من خارجه على صحة شىء فيه ،فهو النموذج الممتاز
العلى للغة العربية ،قواعدها ،ونحوها ،وصرفها ،وبيانها ،
وبلغتها .وحسبنا فى هذه الية المعانى التى أمطنا عنها اللثام
فى مجىء " الصابرين " منصوبا ً بعد مرفوع.
( )1النساء.162 :
( )2الكشاف (.)1/582
( )3الكتاب (.)1/248
( )4إملء ما من به الرحمن (.)1/202
( )5انظر :فى هذه الشواهد الدر المصون (.)4/154
( )6انظر :الدر المصون (.)4/155
( )7البقرة.177 :
----------------------0
-44نصب الفاعل
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
594
" وكان يجب أن يرفع المعطوف على المرفوع فيقول" :
والمقيمون الصلة " ،هذا هو مبلغهم من الجهل ،أو حظهم من
العناد وكراهية ما أنزل الله على خاتم رسله صلى الله عليه
وسلم .
595
وقد سبق الزمخشرى فى هذا التوجيه شيخ النحاة سيبويه وأبو
البقاء العكبرى (.)4
وهذا الختصاص أو القطع بيان لفضل الصلة التى جعلها الله
على الناس كتابا ً موقوتا ً ،وأمر عباده بإقامتها والمحافظة عليها
فى كثير من آيات الكتاب العزيز ومثَّلها رسوله صلى الله عليه
وسلم ـ كما فى صحيحى البخارى ومسلم ـ بالنهر ،الذى يستحم
فيه المكلف فى اليوم خمس مرات ،فيزيل كل ما علق بجسمه
من الدران والوساخ ،وكذلك الصلوات الخمس فإنها تمحو
الخطايا ،وتزيل المعاصى كما يزيل الماء أدران الجسام.
أما الراء الخرى فكثيرة ،ولكنها ل تبلغ من القوة والشيوع ما
بلغه هذا الرأى ،وهو النصب على الختصاص أو القطع.
وقد أوردوا عليه شواهد عدة من الشعر العربى المحتج به لغوياً
ونحوياً .ومن ذلك ما أورده سيبويه:
َ
شعْثا ً مراضيع مثل الثعالى ومنها قول لو ُ ويـأوى إلى نسـوة ع ُط ّ ٍ
الخرنق بنت هفان:
س ُّ
م العـداة وآفـة الجْزر النازلين بكل ن قومى الذين همو ً ل يبعد ْ
ُ
ك والطيبون معاقد الْزر ( )5والشاهد فى هذه البيات ، معتــر ٍ
شعثا " فى البيتين الوليين وهو معطوف على مجرور " نصب " ُ
َ
ل ".ع ُط ّ ٍ
والشاهد فى البيتين الخرين نصب " النازلين " وهو معطوف
م العداة ". على مرفوع ،وهو " س ُّ
هذا ،وقد قلنا من قبل إن القرآن غير مفتقر إلى شواهد من
خارجه على صحة أساليبه ،ومع هذا فإن ورود هذه الشواهد
نرحب به ول نقلل من شأنه ،ومنهم من جعل " المقيمين "
مجرورا ً ل منصوبا ً ،وقال إن جره لنه معطوف على الضمير
المجرور محل ً فى " منهم " والمعنى على هذا:
لكن الراسخون منهم والمقيمين الصلة.
وبعضهم قال إنه مجرور بالعطف على الكاف فى " أنزل إليك "
وبعضهم قال إنه مجرور بالعطف على " ما " فى " بما أنزل إليك
".
أو هو مجرور بالعطف على " الكاف " فى " قبلك " (.)6
والخلصة:
إن الذى ينبغى الركون إليه ـ لقوته ـ هو الرأى الول ،المنسوب
إلى سيبويه وأبى البقاء العكبرى والزمخشرى وابن عطية ،أما
ما عداه من آراء فل تخلو من التكلف أو الضعف.
أما النصب على الختصاص فل مناص من قبوله ؛ لنه أسلوب
شائع فى الستعمال اللغوى العربى ،وفيه من البلغة أمر زائد
596
على مجرد التوجيه النحوى ،الذى ل يتجاوز بيان عامل النصب أو
الجر.
الثانية:
قوله تعالى ..( :والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين فى
البأساء والضراء وحين البأس ) (.)7
وشاهدهم على هذه الشبهة هو قوله سبحانه " :والصابرين فى
البأساء والضراء وحين البأس " لنه جاء منصوبا ً بـ " الياء " بعد
قوله تعالى " :والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ".
وكان يجب أن يرفع المعطوف ـ يعنى :الصابرين ـ على المرفوع
ـ يعنى :الموفون ـ فيقول :والموفون والصابرون " ،هذا قولهم.
597
-المحتاجون ـ حقا ً ـ الذين يستعطفون الناس لسد حاجتهم فى
غير معصية.
-عتق الرقاب من الرق ،إما تطوعا ً ،أو كاتب السيد عبده على
مقدار من المال ليصير حراً.
والوحدة الثالثة :يندرج عنصراها :الصلة والزكاة تحت ركنين
عمليين من أركان السلم ،والزكاة إنفاق واجب ،وليس حراً.
والوحدة الرابعة :هى حسن المعاملة مع الناس بوفاء الوعد
العهد.
والوحدة الخامسة :تنتظم عناصرها تحت مبدأ الصبر الجميل فى
كل عمل خير يؤديه المكلف ،وبخاصة فى الشدائد والمحن
وملقاة العدو.
أما الوحدة السادسة :فهى بيان فضل هؤلء المذكورين فى
الية ،وبخاصة ما ذكر قبل الفاصلة مباشرة ،ومنزلتهم عند الله:
" أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ".
وإذا تأملت هذه الوحدات ،وعناصرها المندرجة تحتها ،وجدت أن
أشدها وقعا ً على النفس ،وأكثرها أعباء ،وأشقها كلفة ،هى
الصبر فى المحن والشدائد والخطار ،وبخاصة فى ملقاة
العدو ،والتعرض لزحفه وسلحه ،وقد يفضى بالنسان إما إلى
حدوث عاهات مؤلمة فى الجسم ،وإما إلى الموت .فالمقاتل
فى ساحات الكر والفر إنما يصارع الموت ،ومقدمات الموت.
ولهذا جاء إعراب " الصابرين " مخالفا ً لعراب ما قبلها ،ليلفت
الله أذهان العباد إلى أهمية الصبر فى هذه المجالت ،وهذا
العراب المخالف لما قبله يفيد مع تركيز النتباه ،وتوفير العناية
مل هذا الخلق العظيم ،يفيد أمرا ً آخر مبهجا ً للنفوس ،هو بتأ ُّ
مدح هؤلء الصابرين شديدى العزيمة ،قويى الحتمال.
فانظر إلى نفائس هذه المعانى ،التى دل عليها نصب "
الصابرين " مع كون ما قبله مرفوعاً .إنها بلغة القرآن المعجز ،
وعبقرية اللغة العربية لغة التنزيل الحكيم.
وهذا العراب المخالف لعراب ما قبله ،هو الذى يسميه النحاة
واللغويون بـ " القطع " كما تقدم فى نظيريه فى هذه الدراسة ،
إما للمدح كما فى هذه الية ،وآية النساء " والمقيمين الصلة "
وقد تقدمت.
وإما بقصد الذم ،كما فى قوله تعالى فى سورة المسد "
ة الحطب " أى امرأة أبى لهب التى كانت تحمل وامرأته حمال َ
الشوك وتنثره فى طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم
لتؤذيه .لن كلمة " حمالة " جاءت منصوبة بعد رفع ما قبلها ،
598
وهى " امرأتُه " فهذا قطع كذلك ،القصد منه الذم ،أى :أذم أو
ألعن حمالة الحطب.
وأيا ً كان القطع للمدح أو الذم ،فإنه من أرقى الساليب
البلغية ،يحتوى على فضيلة اليجاز وهى أن تكون المعانى أكثر
وأوفر من اللفاظ التى تدل عليها ،أو المستعملة فيها ،لن كل
كلمة قُطِعَ إعرابها عما قبلها نابت هذه الكلمة مناب ثلثة قيم
بيانية ،رامزة إلى وجودها فى المقام ،وإن كانت محذوفة وهى:
1ـ الكلم الذى عمل العراب المخالف فى الكلمة المقطوع
إعرابها عن إعراب ما قبلها ،وهو فى " الصابرين " أمدح أو
أخص الصابرين بالمدح .وفى آية " المسد " أذم أو ألعن.
2ـ إفادة المدح أو الذم بغير اللفاظ التى تدل عليهما.
3ـ فضيلة اليجاز البيانى المفعم بالمعانى السرة والدللت
الساحرة .فسبحان من هذا كلمه !
والخلصة:
بعد هذا البيان الموجز ،وإن طال ،ل أرانا فى حاجة إلى ذكر
توجيهات النحاة والمفسرين وعلماء القراءات واللغويين ،لمجئ
" الصابرين " منصوبا ً بعد مرفوع فى هذه الية ،لن توجيهاتهم ـ
هنا ـ مثل توجيهاتهم هناك ،ولسنا فى حاجة كذلك إلى
الستشهاد بالمأثور عن العرب الذين يحتج بكلمهم على قواعد
اللغة ،وطرائق استعمالتها ،لسنا فى حاجة إلى ذلك ،وإن كان
حجة فى نفسه ،غير مفتقر لقامة مفيدا ً ،لن القرآن الكريم ُ
الدليل من خارجه على صحة شىء فيه ،فهو النموذج الممتاز
العلى للغة العربية ،قواعدها ،ونحوها ،وصرفها ،وبيانها ،
وبلغتها .وحسبنا فى هذه الية المعانى التى أمطنا عنها اللثام
فى مجىء " الصابرين " منصوبا ً بعد مرفوع.
( )1النساء.162 :
( )2الكشاف (.)1/582
( )3الكتاب (.)1/248
( )4إملء ما من به الرحمن (.)1/202
( )5انظر :فى هذه الشواهد الدر المصون (.)4/154
( )6انظر :الدر المصون (.)4/155
( )7البقرة.177 :
-----------------------
-45تذكير خبر السم المؤنث
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
الشبهة:
599
هو قوله تعالى( :ول تفسدوا فى الرض بعد إصلحها وادعوه
خوفا ً وطمعا ً إن رحمة الله قريب من المحسنين ) (.)1
وموضع الشاهد عند المعترضين فى الية الكريمة هو كلمة "
قريب " وهى " خبر " اسم " إن " " رحمة ".
ً
وحين نظروا فى نظم هذه الية توهموا كذلك أن فيها خطأ نحوياً
منشؤه عدم التطابق بين المبتدأ " رحمة " والخبر " قريب " فى
التأنيث ،لن المبتدأ " رحمت " مؤنث .أما الخبر " قريب " فهو
فى الية مذكر قالوا:
وكان يجب أن يتبع خبر " إن " اسمها فى التأنيث فيقال :قريبة.
600
فلنة قريبة وقريب ،وبعيدة وبعيد ،والتقدير هى فى مكان قريب
وبعيد .قال الشاعر:
عشية ل عفراء منك قريبة فتدنو ول عفراء منك بعيد " ( )4يعنى
أن الشاعر جمع بين الوجهين التأنيث والتذكير والموصوف مؤنث
؛ لن " قريب " و " بعيد " أريد بهما القرب فى المكان والبعد
فيه.
ً
والية الكريمة ليس القرب المذكور فيها مرادا به قرب النسب
فيلزم تأنيثه ،وإنما المراد قرب الزمان ،والعرب تجيز فيه
الوجهين :التأنيث والتذكير.
حجة فى ولمرئ القيس ،وهو من شعراء الجاهلية ،وشعرهم ُ
إثبات اللغة ،بيت نحا فيه هذا المنحى ؛ فقال:
له الويل إن أمسى ول أم سالم قريب ،ول البسباسة ابنته
يُشكرا ( )5والشاهد فى البيت تذكير " قريب " مع جريانه على
مؤنث " أم سالم " وهو نظير " قريب " فى الية الكريمة.
والخلصة:
رأينا فى الرد على هذه الشبهة أن القرآن الكريم لم يخرج عن
سنن البيان العربى حين ذكَّر " قريب " فى الية ،وهى مجراة
على مؤنث مجازى غير حقيقى " رحمة الله ".
وكان أصح وأثبت ما ذكرناه فى الرد على خصوم القرآن ،هو ما
قاله الفراء رحمه الله ،من أن العرب كانوا يفرقون بين القرب
والبعد من النسب وبين القرب والبعد فى المكان والزمان:
فالول :يلتزم فيه تأنيث ما جرى خبرا ً أو صفة لمؤنث.
أما الثانى :وهو القرب والبعد فى المكان والزمان فإنهم يجيزون
فيه الوجهين :التأنيث والتذكير ،وقد ذكر رحمه الله بعض
حجة فى إثبات اللغة ،وطرائق الشواهد الشعرية لشعراء هم ُ
استعمالتها .وبهذا تظهر براءة القرآن الناصعة مما حاول خصومه
إلصاقه به من خطأ.
( )1العراف.56 :
( )2وعلى هذا يكون التذكير قرينة على صحة حمل " رحمة الله "
على غفران الله ،أو رضوانه .انظر:
معانى القرآن للزجاح (.)2/380
( )3يعنى فى النثر دون اشتراط ضرورة تدعو إليه .انظر :الدرر
المصون (.)5/345
( )4معانى القرآن ( )2/382والبيت لعروة بن حزام .وقد أورده
للغرض نفسه أبو حيان فى البحر (.)4/313
( )5الدر المصون .الشاهد رقم (.)562
------------------
601
-46تأنيث العدد ،وجمع المعدود
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
602
والخلصة:
فقد طاحت هذه الشبهة ،وانمحت آثارها ،كما طاحت نظائرها
من قبل .ومن الدلئل القوية على صحة تأنيث العدد ،فوق ما
تقدم ،أن بعض النحاة أضاف إلى بدلية " أمما " من " أسباطا "
أن " أمما " وقعت نعتا ً ل " أسباطا " و " أمما ً " مؤنثة لفظاً.
وسواء كانت " أمما ً " بدل ً من " أسباطا ً " أو كانت نعتا ً له .فإن
الذى ل نزاع فيه أن المؤنث ل يبدل من المذكر ،ول يقع نعتا ً له.
وهذا دليل قاطع على أن المراد من " أسباطا ً " وإن كان مذكَّراً
فى اللفظ ،معنى مؤنث ل محالة .ولذلك أنث النظم القرآنى
جزئى العدد المركب " اثنتى عشرة ".
أما جمع المعدود " أسباطا ً أمما ً " وإن وجهه النحاة توجيهاً
صائبا ً ،فقد بقى فى مجيئه جمعا ً ملمح بلغى دقيق ذلك الملمح
نوضحه فى التى:
َّ
بدأت الية الكريمة بهذا الفعل " قطعناهم " بتشديد " الطاء "
على وزن " فَعَّل " وهذا التشديد يفيد التكثير ،أى كثرة التقطيع
والتفريق .وهذا يناسبه بلغة جمع " أسباطا ً أمما ً " ل إفرادهما ،
والمعانى البلغية من هذا النوع تزال من أجلها كل الموانع
والسدود .ولغة القرآن وبلغته أوسع من قواعد اللغة وفنونها
البلغية.
( )1راف.160 :
( )2انظر :الدر المصون (.)5/485
( )3ومما رجح التأنيث فى الية إبدال " أمما " من " أسباطا "
مما يؤكد أن السباط معناها هنا مؤنث بمعنى قبائل أو جماعات.
-------------------
-47جمع الضمير العائد على المثنى
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
603
-طريقة مراعاة اللفظ.
-وطريقة مراعاة المعنى فحيث جمع القرآن الضمير العائد على
المثنى ،فهو من استعمالت الطريقة الثانية ،التى يراعى فيها
جانب المعنى على جانب اللفظ.
وينبغى أن نعرف أن المثنى نوعان:
-مثنى حقيقى ،ومثاله من القرآن الكريم قوله تعالى( :قال
رجلن من الذين يخافون أنعم الله عليهما ) (.)2
ف " رجلن " مثنى حقيقى ؛ لن واحده فرد فى الوجود ؛ أو ذات
ف أو استؤنف الحديث ص َواحدة ؛ هذا هو المثنى الحقيقى .وإذا وُ ِ
عنه وجب تثنية الضمير العائد عليه.
* أما النوع الثانى من المثنى ،فهو المثنى اللفظى ومثاله من
القرآن قوله تعالى( :مثل الفريقين كالعمى والصم والبصير
والسميع ) (.)3
وهذا النوع من المثنى ضابطه أن واحده جمع فرد من عدة
أفراد ،وليس فردا ً واحداً.
والنوع الول (المثنى الحقيقى) يسمى مثنى لفظا ً ومعنى.
أما الثانى (المثنى غير الحقيقى) فيسمى مثنى فى اللفظ ،
وجمعا ً فى المعنى .وفى وصفه أو استئناف الحديث عنه يجوز أن
يراعى فيه جانب اللفظ ،أو جانب المعنى.
ومنه ما ورد فى آية " الحج " " :هذان خصمان " لما كان معناه
جمعا ً روعى فيه جانب المعنى فقال عز وجل " :اختصموا فى
ربهم " ومعروف أن مفرد الخصمين خصم ،وهو اسم جنس
يندرج تحته -هنا -أفراد كثيرون وبهذا نزل القرآن فى هذه
الية ،فتحدث عن الخصمين بضمير " الجمع " الذى هو " واو
الجماعة " " اختصموا " ثم بضمير الجماعة " هم " فى قوله
تعالى " :فى ربهم ".
ونظيره فى القرآن قوله تعالى:
(وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ) ( .)4أعاد الضمير جمعا ً "
اقتتلوا " هذا فى جملة الخبر ،مع أن المبتدأ مثنى " طائفتان "
وذلك لن هذا اللفظ مثنى غير حقيقى ،بل هو مثنى فى اللفظ ،
جمع فى المعنى.
وفى هذه الية راعى النظم القرآنى المعجز المعنى فى جملة
الخبر وحدها " اقتتلوا " ثم راعى اللفظ فى بقية الية هكذا:
(فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الخرى فقاتلوا التى
تبغى حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما (.
وكل المنهجين فصيح صحيح بليغ.
604
والذى سوَّغ مراعاة المعنى فى " اقتتلوا " وقوعه بعد جمٍع ،هو
" المؤمنين " ،وليس فوق ذلك درجة من الصحة والصابة ،وإن
كره الحاقدون.
والخلصة:
أن " اختصموا " و " فى ربهم " الذوق السليم يشهد أن "
اختصموا " أبلغ من اختصما ،وأن " ربهم " أبلغ من ربهما.
لن " اختصموا " يفيد تبادل الخصومة بين جميع أفراد ال "
خصمان " من أول وهلة ،وكذلك " ربهم ؛ إن ضمير الجمع فيه "
هم " يفيد من أول وهلة ربوبية الله لكل فرد منهم.
والختصام هو الحدث الرئيسى فى هذه الواقعة .فعُبِّر عنه بهذا
اللفظ الفخم " اختصموا " ومحال أن يستقيم لو قيل بعده " فى
ربهما " فسبحان من هذا كلمه ،الذى ل يأتيه الباطل من بين
يديه ول من خلفه ،تنزيل من حكيم حميد.
( )1الحج.19 :
( )2المائدة.23 :
( )3هود.24 :
( )4الحجرات.9 :
------------------
-48التيان باسم الموصول العائد على الجمع مفرداً
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
605
هذه الية -بتمامها -وردت فى سياق الحديث عن المنافقين ؛
لن ما قبلها هو قوله عز وجل( :وعد الله المنافقين والمنافقات
والكفار نار جهنم خالدين فيها هى حسبهم ولعنهم الله ولهم
عذاب مقيم ) (.)2
والية مسوقة لتهديد المنافقين والكفار ،لعلهم يقلعون عما هم
فيه من نفاق وكفر.
وقد أدير الحديث فيها على تشبيه المخاطبين (المنافقين
والكفار) بالمم الغابرة ،كانت أشد منهم قوة ،وأكثر مال ً وولدا ،
وانغمسوا فى شهواتهم الفانية ،فسار المنافقون والكفار
سيرتهم فركنوا إلى متع الحياة الدنيا الفانية ،ولم يبتغوا ما عند
الله ،وأن المنافقين والكفار فعلوا كل ما فعله من قبلهم من
المعاصى والسيئات.
ثم بين الله عز وجل أنهم الخاسرون فى الدنيا والخرة فالذى
معنا فى الية فريقان:
-فريق سابق فى الزمن ،لم يكن موجودا ً فى عصر نزول
القرآن.
-فريق كان حاضرا ً فى عصر نزول القرآن ،وهم الذين خاطبهم
الله فى هذه الية الكريمة .وليس فى هذه الية فريق ثالث
تحدثت عنه الية.
ومن هذا يتضح أن تعقيب خصوم القرآن على هذه الية ،بأن
الصواب أن يقال " :وخضتم كالذين خاضوا " فاسد من كل
الوجوه ؛ لن معنا فى الية فريقان ل ثلثة ،ولو قيل " :خضتم
كالذين خاضوا " لنفكت رابطة الكلم ،ولبرز فى النظم طرف
ثالث ل وجود له فى سياق الية.
بيان ذلك:
أن المقارنة جرت فى الية بين الفريقين " المنافقين والكفار " و
" المم الغابرة " .ودارت المقارنة على هذا المنهج:
-فاستمتعوا بخلقهم.
-فاستمتعتم بخلقكم.
-كما استمتع الذين من قبلكم بخلقهم.
-وخضتم كالذى خاضوا.
والمعنى :وخضتم خوضا ً مثل خوضهم (.)3
فالذى فى الية اسم موصول مفرد ،يعود على المصدر المفهوم
من الفعل الماضى " خضتم " فشبه الله عز وجل خوض
المنافقين بخوض الذين من قبلهم .وهذا هو النسق الذى دارت
عليه المقارنة فى الية تشبيه سلوك اللحقين بسلوك السابقين
من المم الغابرة ،التى عتت عن أمر ربها وعصت رسله.
606
واختار المام الشوكانى أن المعنى " :كالخوض الذى خاضوا " ()4
،ومن قبله قال المام الزمخشرى:
" وخاضوا فخضتم كالذى خاضوا " (.)5
هذا هو الحق فى هذه العبارة ،ل كما قال خصوم القرآن
الكارهون لما أنزل الله عز وجل.
( )1التوبة.69 :
( )2التوبة.68 :
( )3انظر :الدر المصون (.)6/84
( )4فتح القدير (.)2/433
( )5الكشاف (.)2/201
-------------------
-49جزم الفعل المعطوف على المنصوب
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
607
فعلى كثرة ما اتهموه بأنه سحر ،أو شعر ،أو أساطير الولين
تملى على النبى صلى الله عليه وسلم بكرة وأصيل لم يذكروا -
قط -أن به أخطاء لغوية ،أو نحوية أو صرفية أو بيانية ،بل على
العكس من ذلك نراهم أثنوا عليه على لسان الوليد بن المغيرة ،
لما سمع من النبى صلى الله عليه وسلم اليات الولى من
سورة " فصلت " حين نفى عنه كل عيب أو نقص فى أساليبه
ونظمه المحكم البديع ولو كان ما يؤخذه خصوم القرآن -الن -
من الشبهات التى نعرض لها -هنا -حقا ً لبادروا بإعلنها ،
ولتخذوها حربا ً ضروسا ً ضده .وسكوتهم المطبق عن ذكر عيوب
من هذا القبيل تسليم منهم له بالسلمة من جميع الخطاء ،
وهذه هى عقيدة المة وكل العقلء المنصفين ،وقد أشرنا من
قبل إلى أن القرآن أوسع من قواعد اللغة وأسمى من أساليب
البيان المعروفة عند البشر فإذا ورد فيه شىء على غير قاعدة
نحوية أو صرفية معروفة لدى الناس ،فليس معناه أن القرآن قد
أخطأ أو سها .لن القرآن نفسه مصدر من مصادر إثبات اللغة
فى نفسها وفى طرق استعمالتها.
فما جاء منه على ما نعرفه أو نألفه من القواعد فل مشاحنة فيه.
وما جاء على غير ذلك وجب اليمان بصحته ،وعلينا أن نجتهد فى
التماس العلة فيه ،فإن أدركناها فالحمد لله وإل فوضنا المر
فيها لله ،كما هو فى بعض المتشابهات القرآنية من اللفاظ
والمعانى ،كما قال عز وجل( :هو الذى أنزل عليك الكتاب منه
آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين فى
قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما
يعلم تأويله إل الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من
عند ربنا وما يذكر إل أولو اللباب ) (.)2
وبعد هذه الوقفة الكاشفة الشافية نعود إلى ما قاله النحاة
والمفسرون فى توجيه مجىء الفعل المجزوم مردوفا ً على
الفعل المنصوب فى الية الكريمة ،التى اتخذ منها الذين فى
قلوبهم زيغ وسيلة للطعن فى القرآن ،ابتغاء الفتنة:
جه المام الزمخشرى مجئ الفعل " وأكن " مجزوما ً مردوفاً و ّ
على الفعل المنصوب " فأصدق " بأن قوله تعالى " لول أخرتنى..
" فى محل جزم لتضمنه معنى الشرط ،فكأنه قيل :إن أخرتنى
أصدقْ وأكن من الصالحين (.)3
وكذلك قال ابن عطية ( ، )4وأبو على الفارسى (.)5
الخلصة:
لم تكن هذه القراءة هى الوحيدة فى جزم الفعل " أكن " فقد
قرأه أبو عمرو " وأكون " بالنصب عطفا ً على " فأصدق ".
608
ونرى أن التوجيه بأن هذا الفعل مجزوم على تضمن عبارة
التمنى " لول أخرتنى إلى أجل قريب " أو على الشرط المقدر
ب " -إن أخرتنى " هو توجيه سديد ،وقد سبق إلى القول به
علمان من أئمة النحو ،هما الخليل وسيبويه (.)6
والذى سوَّغ إيثار عبارة التمنى " لول أخرتنى " على الشرط
الصريح " إن أخرتنى " أن قائل هذه العبارة يقولها فى ساعة
يملكه فيها اليأس من التأخير وهى ساعة حضور الموت ،
والتمنى كما نعلم يستعمل فى طلب المحال أو المتعذر ،أما
الشرط فيستعمل فى المور التى ل استحالة فيها ول تعذر.
فهو إذن من تبادل الصيغ وإحلل بعضها محل بعض لداع بلغى.
وقرينة إرادة الشرط من عبارة التمنى هو جزم الفعل " أكن "
وسره البلغى أن من حضرته الوفاة وهو مقصر فى طاعة الله
تدفعه شدة الحاجة التى نزلت به إلى طمٍع من نوع ما ،مما هو
مستحيل أو متعذر الوقوع .ومما تقدم يظهر لنا استقامة العبارة
القرآنية وبُعْدها عن كل خلل ،ووفاؤها بالمعنى المراد نحواً
وبياناً.
( )1المنافقون.10 :
( )2آل عمران.7 :
( )3الكشاف (.)4/112
( )4المحرر الوجيز (.)16/23
( )5الحجة فى القراءات (.)4/386
( )6حاشية الشهاب على البيضاوى (.)8/200
--------------------
ل الضمير العائد على المفرد جمعاً ع ُج ْ
َ -50
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
609
أغراضهم الدنيوية .وعدم ثباتهم على مبدأ خلقى قويم ،وقد
تقدم على هذه الية آية أخرى تصف سعيهم الضال ،وإيثارهم
منافع الدنيا العاجلة الفانية ،على ما عند الله ـ عز وجل ـ مقضياً
عليهم بالخسران المبين ،وهى قوله تعالى( :أولئك الذين اشتروا
الضللة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ) (.)2
ثم استأنف القرآن الحديث عنهم فى( :مثلهم كمثل الذى استوقد
نارا ً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم فى ظلمات
ل يبصرون (.
والمثل ـ بفتح الثاء ـ هو الشأن والقصة الغريبة التى يكون عليها
ل الله حالهم وشأنهم مث َّ َ المتحدث عنه ،وهو ـ هنا ـ المنافقون َ ،
الذى هم عليه ،وقصتهم الغريبة الراسخة فى طباعهم بمثل
رجل ،أو فريق من الناس طلب إيقاد نارٍ للنتفاع بها فى تحقيق
الرؤية ،وإبصار الطريق للسير فيه ،فلما أضاءت النار ما حوله
وفرح بها سرعان ما أطفاها الله فأظلمت عليه الدنيا ،فوقع فى
حيرة وارتباك.
ً
وجمع الضمير فى " بنورهم " ليس عائدا على " الذى " المفرد
جه النحاة جمع الضمير المذكور فى (كالذى استوقد نارا ً ( ،وقد و َّ
بعد " الذى " فقالوا :إن الذى ليس بمعنى المفرد ،بل هو بمعنى
" الذين " وذكروا أن " الذى " فى الستعمال اللغوى له معنيان:
الول :أن يكون بمعنى المفرد ،وهو الغالب والكثير فيه.
والثانى :أن يكون بمعنى الجمع ،ويُفَّرق بينهما بالقرائن ،ففى
الية التى معنا " :الذى " بمعنى الفريق أو الفوج الذى استوقد
النار.
هذا رأى فى توجيه رد الضمير جمعا ً على " الذى " وقد عبروا
عن هذا بقولهم :أراد بالذى جنس المستوقد ،ل فردا ً معينا ً (.)3
ويرى المام الزمخشرى أن " الذى " هو ـ هنا ـ "الذين " حذفت
منه " النون " لستطالته ،وهو مثل " وخضتم كالذى خاضوا "
وليس فى الكلم تشبيه الجماعة بالواحد على هذا التأويل ،وأن
المشبه هو حال المنافقين ،بحال الذى استوقد ناراً .تشبيه معنى
مركب بمعنى مركب ،وليس تشبيه ذوات المنافقين بذات الذى
استوقد نارا ً ،فهذا غير مقصود ،وإنما المقصود هو تشبيه قصة
المنافقين المضروب لها المثل ،بقصة المستوقد للنار ،وأن وجه
الشبه بين القصتين هو " :فبقوا خابطين فى ظلم ،متحيرين
متحسرين على فوت الضوء ،خائبين بعد الكدح فى إحياء النار
" (.)4
ويقول المام الشوكانى:
610
و " الذى " موضوع موضع الذين ،أى كمثل الذين استوقدوا ،
وذلك موجود فى كلم العرب ،كقول الشاعر:
م القوم ،كل القوم ،يا أم خالد وإن الذى حانت بفلج دماؤهم ه ُ
َ
ومنه " وخضتم كالذى خاضوا " و " والذى جاء بالصدق وصد ّق به
،أولئك هم المتقون " (.)5
والخلصة:
ً
بعد هذا العرض لئمة النحاة والمفسرين يتضح جليا أن
الستعمال القرآنى فى " مثلهم كمثل الذى استوقد نارا ً فلما
أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم " استعمال عربى فصيح فى
غاية الفصاحة ،وله شواهد فى كلم العرب المحتج بكلمهم ،
وإن كان القرآن غنيا ً عن الستشهاد من خارجه على عروبته
وسلمته من كل خطأ ؛ لنه من أصح مصادر اللغة العربية ،ومع
هذا فإن ما قاله الئمة العلم يحيل شبهة هؤلء المتطاولين على
كتاب الله العزيز هباءً منثورا ً ،هذا هو دور النحو فى إبطال هذه
الشبهة ،وللبلغة دور مهم فى الرد عليهم نلخصه فى التى:
إن المثل فى الية مسوق أساسا ً لتمثيل شأن المنافقين ،أما
قوله تعالى " :كمثل الذى استوقد نارا ً " ،فأمر عارض اقتضاه
مقام الحديث عن تمثيل حال المنافقين فهو أشبه ما يكون
بالجملة العتراضية ،لول أنها مشبه به ،ولما أدت الدور المراد
منها تحول الحديث إلى الصل المسوق من أجله الكلم ،وبدأ
معُ الضمير هذا التحول من قوله تعالى " :ذهب الله بنورهم " فَ َ
ج ْ
فى " بنورهم " منظور فيه إلى نظيره فى " مثلهم " فكان ضمير
الجمع فى " بنورهم " مطابقا ً أصالة لمقام الحديث أما " الذى
استوقد نارا ً " فصار مسكوتا ً عنه بعد آداء دوره المراد منه.
وعلى هذا فإن التوجيه البلغى لجمع الضمير فى " بنورهم "
يغنى عن التوجيهات التى أبداها النحاة والمفسرون إذ ل معول
فى التوجيه البلغى على اعتبار " الذى " بمعنى الذين ،أو هو "
الذين " حذف منه النون.
ومحال أن يستقيم ما قاله مثيرو هذه الشبهة أن الصواب هو
إفراد الضمير فى " نورهم " لنه لو قيل:
ذهب الله بنوره وتركه فى ظلمات ل يبصر ،لتحول الكلم إلى
غير المنافقين المضروب لهم المثل ،ولزالت كل الروابط بين
صدر الية وعجزها .وهذا ل يقول به عاقل.
( )1البقرة.17 :
( )2البقرة.16 :
()3انظر :أنوار التنزيل للمام البيضاوى ( )1/30وحاشية الشهاب
على البيضاوى (.)1/365
611
( )4الكشاف (.)1/199
( )5فتح القدير (.)1/55
--------------------
-51التيان بجمع كثرة فى موضع جمع القلة
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
612
أرادوا جمع القلة ـ أى أنهم يمكثون فى النار أياما ً قليلة .فجاء
ف بالمعنى الذى كانوا يقصدونه ،وكان تعبير القرآن غير وا ٍ
الواجب على القرآن أن يقول :أياما ً معدودات ،بدل ً من (أياماً
معدودة (هذا هو قولهم ،وهو محض الخطأ لو كانوا يعلمون
وذلك للعتبارات التية:
فأولً :لن " معدودة " ليست جمعا ً بل مفردًا ،ليست جمع كثرة
ول جمع قلة .وهؤلء " العباقرة " جعلوها جمع كثرة ،بسبب
جهلهم باللغة العربية ،لغة العجاز.
وثانياً :أن " معدودات " التى يقولون إنها الصواب وكان حق
القرآن أن يعبر بها بدل ً من " معدودة " ظانين أن " معدودات "
جمع قلة .وهى ليست جمع قلة كما توهموا ،فهى على وزن "
مفعولت " وهذا الوزن ليس من أوزان جموع القلة ( )2بل من
أوزان جموع الكثرة ول ينفعهم قولهم إن اليهود أرادوا القلة ،لن
هذه القلة يدل عليها سياق الكلم ل المفردات المستعملة فى
التركيب.
وثالثاً :إن هذا التعبير ل ينظر فيه إلى جانب قلة أو كثرة ،ولكن
ينظر فيه من جانب آخر ليس عند هؤلء الدعياء شرف التصاف
به ؛ لنهم دخلء على لغة العجاز والتنزيل.
هذا الجانب هو :معاملة غير العاقل معاملة العاقل أو عدم
معاملته (.)3
ووصف اليام بـ " معدودة " فى ما حكاه الله عن اليهود هو
وصف لها بما هو لئق بها ،لن اليام ل تعقل فأجرى عليها
الوصف الذى لغير العقلء ،وما جاء على الصل فل يسأل عنه ،
ولكنهم لجهلهم المركب بلغة العجاز حسبوا الصواب خطأ ،
والخطأ صواباً .لنهم زجوا بأنفسهم فيما ل ناقة لهم فيه ول
جمل.
أما معاملة غير العاقل معاملة العاقل ،فلها دواٍع بلغية ل يعرف
عنها مثيرو هذه الشبهات كثيرا ً ول قليلً.
وهى فى النظم القرآنى من الكثرة بمكان ،ول يعامل غير
العاقل معاملة العاقل إل بتنزيله منزلة العاقل لداع بلغى يقتضى
ذلك التنزيل.
وإذا كان القرآن قد عبَّر فى وصف " أياما ً " فى آية البقرة هذه بـ
" معدودة " وهو وصف غير العاقل جارٍ على الصل ،فإنه عبَّر
عن وصفها بـ " معدودات " فى موضع آخر ،هو قوله تعالى:
(ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إل أياما ً معدودات وغرهم فى
دينهم ما كانوا يفترون ) (.)4
613
فكان ينبغى أن يسأل هؤلء عن اختلف التعبير فى الموضعين
بدل أن يخط ِّئوا الصواب وهم جاهلون.
وها نحن نضع بين أيديهم الحق ناصع البياض.
فى آية البقرة جاء وصف " أياما ً " ـ " معدودة " بصيغة الفراد ،
وليس جمع كثرة كما زعموا.
وفى آية آل عمران جاء وصف " أياما ً " ـ " معدودات " جمعا ً ل
إفراداً.
فلماذا ـ إذا ً ـ اختلفت صيغة الوصف ،والموصوف واحد ،هو "
أياما ً " ؟ إذا قارنَّا بين اليتين وجدنا آية البقرة مبنية على اليجاز
هكذا:
" وقالوا لن تمسنا النار إل أياما ً معدودة." ..
ووجدنا آية آل عمران مبنية على الطناب هكذا:
" ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إل أياما ً معدودات ".
وازن بين صدر آية البقرة " وقالوا ".
وبين صدر آية آل عمران " ذلك بأنهم قالوا ".
تجد أن جملة " ذلك بأنهم " هذه العبارة اشتملت على اسم
الشارة الموضوع للبعيد ،الرابط بين الكلمين السابق عليه ،
واللحق به.
ثم تجد " الباء " الداخلة على " إن " فى " بأنهم ".
ثم " إن " التى تفيد التوكيد ،ثم ضمير الجماعة " هم ".
هذه الدوات لم يقابلها فى آية البقرة ،إل واو العطف " وقالوا "
إذا ً المقامان مختلفان ،أحدهما إيجاز ،والثانى إطناب.
وهذا يبين بكل قوة ووضوح لماذا كان " معدودة " .فى آية البقرة
؟ و " معدودات " فى آية آل عمران كان وصف " أياما ً " فى آية
البقرة " معدودة " لن المقام فيها مقام إيجاز كما تقدم فناسب
هذا المقام اليجازى أن يكون الوصف موجزا ً هكذا " معدودة ".
وكان الوصف فى آية آل عمران مطنبا ً " معدودات " بزيادة "
اللف " ليناسب مقام الية الطنابى كما تقدم (.)5
فانظر إلى هذه الدقائق واللطائف البيانية المعجزة التى عميت
عنها مدارك " الخواجات " المتعالمين.
( )1البقرة.80 :
( )2أوزان جموع القلة هى :فِعْلَة ـ أفْعَال ـ أفعُل ـ أفْعِلَة.
( )3غير العاقل هو ماعدا النسان من مخلوقات الله الرضية.
( )4آل عمران.24 :
( )5انظر :ملك التأويل ،القاطع لذوى اللحاد والتعطيل فى
توجيه المتشابه من آى التنزيل ( )1/281للعلمة أحمد بن الزبير
القرناطى .دار النهضة العربية.
614
---------------------
-52التيان بجمع قلة فى موضع جمع الكثرة
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
615
(شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من
الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) (.)2
ولهذا التنزيل مواضع أخرى كثيرة فى القرآن الكريم وحسبنا من
القلدة ما أحاط بالعنق.
( )1البقرة.184-183 :
( )2البقرة.185 :
------------------------
علَم ٍ يجب إفرادهع اسم ِ َ
م ُ
ج َْ -53
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
616
لغة فى إلياس ،كما أن إدريسين لغة فى إدريس ،وعلى هذا
فإن " إلياسين " ليس جمعاً .وإذا كان جمعا ً فإن المراد إلياس
مضموما ً إليه من آمن به من قومه ،كما قالوا الخبيبون
والمهلبون ،فى الخبيب والمهلب أى تسمية التباع اسم المتبوع
(.)3
ويقوى هذا قراءة نافع وابن عامر وعلى :آل ياسين ،وياسين ،
وأن " ياسين " هو أبو " إيليا " واحد ( )4من أنبياء بنى إسرائيل.
ويرى هذا الرأى آخرون غير من تقدم ذكرهم (.)5
ويرى باحث حديث أن " إلياس " هو " إيليا " أحد أنبياء بنى
إسرائيل ،المذكور فى سفر الملوك الول بهذا السم " إيليا " (
.)6
وأن أصله فى اللغة العبرية " إلياهو " أى " إيل +ى +ياهو:
أى إيلى ياهو ،أو يهو .ومعناه :الله إلهى أو الله ربى.
وأن مجيئه فى القرآن مرتين (إلياس) فى حالة المنع من
الصرف للعلمية والعجمة .أما فى سورة الصافات فكان مجيئه
مصروفا ً هكذا " إلياسين " ،وأن علمة صرفه هى " التنوين " أما
" الياء " فتولد عن إشباع الكسرة تحت " السين " أى أن أصله
فى حالة الصرف " إلياسن " فلما أشبعت الكسرة صار "
إلياسين " وأن المقتضى لصرفه هنا هو رؤوس الى.
هذا فيما يختص بالشبهة الولى .أما الشبهة الثانية وهى " طور
سنين " فالرد عليها فى التى:
ليست " سينين " جمعا ً كما توهم مثيرو هذه الشبهات ،الذين
يقفون عند ظواهر الكلمات فإن وجدوا فيها ما يشبع رغبتهم فى
التشفى من القرآن والتحامل عليه ملوا الدنيا ضجيجا ً ،وإن لم
يجدوا ملت قلوبهم الحسرة ،ورجعوا خائبين ..نعم ليست "
سينين " جمعا ً كما زعموا ،بل هى لغة فى "سيناء" بكسر السين
سيناء ،
سيناء " بفتح السين لغة فيها .وبهاتين اللغتينِ : ،كما أن " َ
سيناء بالفتح وردت القراءات ،فهى إذن فى القرآن بالكسر ،و َ
لها ثلثة لغات:
سيناء بكسر السين. ِ -
سيناء بفتح السين. َ -
سنيين ،بكسر السين وياءين ونونين. -و ِ
كما أن البلد الحرام لها فى القرآن عدة أسماء(:)7
-مكــــة -بكــــة -أم القــرى -البلد المين.
( )1الصافات.130-123 :
( )2التين.3-1 :
( )3الكشاف (.)3/352
617
( )4الدر المصون (.)9/328
( )5معانى القرآن للفراء ( )2/391وعلل القراءات (.)579
( )6الصحاح ( )16الفقرات (.)33-31
ً
( )7انظر :من إعجاز القرآن ،العلم العجمى مفسرا بالقرآن (
)2/167للستاذ رؤوف سعد.
--------------------
-54التيان بالموصول بدل المصدر
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
618
المام الزمخشرى أورد فيها ثلثة توجيهات:
الول :أن فى الكلم مضافا ً محذوفا ً ،والتقدير .ولكن البر بر من
آمن .وهذا التوجيه اشتهر بين جمهور العلماء ،وردده كثير منهم.
الثانى :تأويل " البر " بـ " ذو البر " يعنى أن فى الكلم حذف
مضاف لكن تقديره قبل " البر " أما التوجيه الول فكان تقدير
المضاف المحذوف قبل " من آمن " وهذا المضاف خبر " البر "
الذى هو اسم " ليس ".
الثالث :أن يكون المصدر ،وهو " البر " موضوع موضع اسم
الفاعل للمبالغة ،كما فى قول الخنساء تصف فرس أخيها صخر.
ترتع ما رتعت حتى إذا ادَّكرت فإنما هى إقبال وإدبار فإقبال
وإدبار مصدران حل محل اسم الفاعل ،والتقدير ؛ هى مقبلة
مدبرة.
وقد سبق الزمخشرى إلى الرأى الول .ولكن البر بُّر من آمن ،
شيخ النحاة سيبويه .وقد اختار سيبويه هذا الرأى ورجحه لعتبار
قوى فحواه.
أن السابق عليه هو نفى كون البر هو تولية وجوه المخاطبين نحو
المشرق والمغرب.
ثم قال :والذى يستدرك ينبغى أن يكون من جنس ما وقع عليه
النفى ،وهو ـ هنا ـ البر ( )3يريد شيخ النحاة أن يقول:
إن " لكن " أداة استدراك فى المعنى ،وإن طرفى الستدراك
ينبغى أن يكونا متجانسين ،والستدراك:
إما إثبات بعد نفى ،أو نفى بعد إثبات ،فمثل ً قوله تعالى( :ولو
أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء
والرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ( )4ما قبل أداة
الستدراك " لكن " هو اليمان والتقوى ،وما بعدها هو التكذيب ،
فبين ما قبلها وما بعد تجانس ظاهر ،لنهما سلوكيات قلبية
وخلقية.
وكذلك ما قبل لكن فى الية موضوع الدراسة هو البر الظاهرى
المنفى ،وما بعدها ينبغى أن يكون هو البر الحقيقى المثبت.
وهذه لمحة طيبة من شيخ النحاة ،ولها صلة وثيقة بالتوجيه
البلغى لهذه المسألة ،سنعرضها فى الخلصة إن شاء الله.
ومن الراء التى طرحت فى هذا الصدد أن " البر " وقع موقع
اسم الفاعل لرادة المبالغة على وزان قول العرب " رجل عدل
" حيث عدلوا عن رجل عادل ،إلى الخبار عنه بالمصدر ،على
اعتبار أن هذا الرجل لما كان كثير العدل صار كأنه العدل نفسه ،
ل فرق بينهما .وهذا رأى نحاة الكوفة.
أما الفراء فقد جعل " من آمن " واقعا ً موقع اليمان وقال:
619
والعرب تجعل السم خبرا ً للفعل ،واستشهد على هذا بقول
الشاعر:
لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحى ولكنما الفتيان كل فتى نَدِى
حيث جعل الشاعر نبات اللحية خبرا ً عن الفتيان.
والمعنى :لعمرك ما الفتوة أن تنبت اللحى.
نكتفى بهذا القدر ـ مما ذكره النحاة ،ويكاد يجمع عليه
المفسرون ـ فى توجيه وقوع " من آمن " خبرا ً عن البر ،مع
تسليم الكافة بصحة الستعمال اللغوى فيه ،واجتهادهم هذا كان
محاولة لفهم هذا الستعمال.
والخلصة:
من خلل النقول التى تقدمت عن النحاة واللغويين والمفسرين ،
بطلت هذه الشبهة ولم يبق لها أثر ،فل غرابة فى وضع " من
آمن " خبرا ً عن " البر " سواء أخذنا بتوجيه شيخ النحاة سيبويه ؛
أن فى الكلم حذف مضاف تقديره " ولكن البر بر من آمن " أو
أخذنا بالتوجيه الذى أجاز وقوع المصدر موقع اسم الفاعل أو
الفاعل ..فهذه كلها أساليب عربية فصيحة مستعملة ،ومن
شواهدها فى القرآن كذلك قوله تعالى " :وأنت حل بهذا البلد "
ل " أى مقيم بهذا فوقع المصدر " حل " موقع اسم الفاعل " حا ٌّ
البلد.
فإذا ولينا وجوهنا شطر البلغة بعد النحو واللغة ،والبلغة أوسع
خطى منهما ،فإننا نلمح فى التعبير القرآنى " ولكن البر من آمن
" معنى لطيفا ً دقيقا ً ذا مغزى كبير لن " من آمن " يدل على
ل " فى تلك ذوات تمكن اليمان فى قلوبها .فاليمان " حا ٌّ
القلوب ،ولو كان قد قيل " :ولكن البر اليمان " لكان هذا
اليمان مجرد فكرة ل محل لها ،بل هى مفصولة عن الذوات.
يعنى إيمان نظرى ل عملى .وهذا ليس بسديد ،لكن لما جعل
هذا وصفا ً للذوات المدلول عليها بـ " من " التحم اليمان
بالمؤمن ،والمؤمن باليمان ،فتحول إلى إيمان عملى متمكن
فى القلوب ،فى مقابلة اليمان الشكلى الذى لم يرضه القرآن ،
وهو توجه الوجوه نحو المشرق والمغرب .وهذا ما ألمح إليه
سيبويه من قبل.
( )1البقرة.177 :
( )2الكشاف (.)1/330
( )3الكتاب (.)1/108
( )4العراف.96 :
----------------
-55وضع الفعل المضارع موضع الماضى
620
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
621
المفكرين والنحويين ،وبهذا فسره ابن عباس رضى الله عنه " (
.)5
ونعيد السؤال مرة أخرى:
لماذا عُدِل عن معنى الماضى إلى لفظ المضارع ومعناه ؟
الجواب على هذا السؤال هو ما قدمناه فى توضيح عبارة المام
الزمخشرى ،التى تناقلها عنه النحاة والمفسرون وهو إيثار
المضارع على الماضى لستحضار صورة الحدث فى الذهن ،
وكأن البصار تراه الن.
هذه خلصة أمينة ووافية لما قاله العلماء فى توجيه " فيكون "
ما جوابًا للمر ،ول ماضيًا.
مضارع ًا مرفوع ًا ل مجزو ً
والخلصة:
بعد عرض توجيهات المفسرين والنحاة ،يطيب لنا أن نستكشف
إسهامات البلغة فى تأصيل التعبير القرآنى " ثم قال له كن
فيكون " الذى اعتبره مثيرو هذه الشبهات معيبًا بالخطأ النحوى ،
والنحو وإن كان أساس البلغة ،وجذورها العميقة ،التى أثمرت
كل اليحاءات البلغية ،فإن هناك حقيقة يجب الوقوف عليها ،
وهى أن البلغة تبدأ من حيث ينتهى النحو ،فالنحو ـ ومعه
الصرف ـ يهتم باستقامة الساليب وصحتها ،أما البلغة فتنظر
فى الساليب ،وتغوص وراء ما فيها من المعانى الخبيئة ،
والسرار الدفينة وتبحث عن اليحاءات الكامنة وراء كل لفظ
وجملة وتركيب ،أو تبحث عن معنى المعنى ل معنى اللفظ ،أو
المعانى الثانية الخفية غير المباشرة الظاهرة.
وإذا كان ما قدمناه من توجيهات كافيًا فى إزالة هذه الشبهة التى
توهمها هؤلء " الخواجات " فإن دور البلغة فى تأصيل هذا
التعبير القرآنى مساير لتوجيهات النحاة والمفسرين.
إن هذا التعبير " كن فيكون " هو الواجب بلغة وبيانًا وإعجاًزا
ما أما لوقيل " كن فكان " لخل هذا التعبير من ثلثة أرباع ونظ ً
الحسن الذى هو فيه ،وذلك للعتبارات التية:
فأولً :دللة الماضى الصل فيها النقطاع عن الوجود المستمر ،
ولذلك يعبر عنه النحويون بأنه :ما دل على حدث وقع وانقطع
قبل زمن التكلم.
وهذا غير مراد فى حكاية الله كيفية خلقه لدم ،لنه لو قيل :كن
فكان لصدق هذا التعبير عن وجوده لحظة واحدة من الزمن ،ولو
كان قد مات لحظة خلقه.
ن أنجب م ْأما " كن فيكون " فدللتها استمرار وجوده حتى أنجب َ
من ذكور وإناث ،وما بث منهما من آباء البشر وأمهاته ،كما قال
عز وجل:
622
(وبث منهما رجال ً كثيًرا ونساءً ) (.)6
لن دللة المضارع تبدأ من الحال ،وتستمر فى الستقبال.
وثانياً :أن هذا التعبير " كن فيكون " يؤذن بتقدير مسند إليه قيل
" فيكون " أى " فهو يكون " وفى هذا تكرار إسناد " الكينونة "
لدم:
مرة يجعل " يكون " خبًرا عن ضمير آدم " هو " ومرة بإسناد
فعل الجملة الخبرية " يكون " إلى ضمير آدم المستكن فى
الفعل وجوبًا ،على أنه فاعل له .وتكرار السناد من أقوى
أساليب التوكيد فى البلغة العربية.
وثالثاً :فى الفعل المضارع " يكون " تناسب آسر لرءوس اليات
(الفواصل) لن ما قبله كلها فواصل مبنية على حرف المد إما
الياء ،وهو الكثر ،وإما الواو مع النون ،وهو كثير ،أو مع الميم.
وكذلك ما بعدها ،والتناسق الصوتى فى النظم القرآنى المعجز ،
وجه من وجوه إعجازه ،التى باين بها كلم البشر والجن ،وجعل
لتلوته حلوة جذابة للسماع ،كما جذبت معانيه القلوب ،
وأسرت العقول ،واستولت على ألباب أولى اللباب.
( )1آل عمران.59 :
( )2الكشاف (.)1/433
( )3أنوار التنزيل (.)1/162
( )4يعنى سقطت على الرض على جنبها.
( )5انظر :الدر المصون (.)221-3/220
( )6النساء.1 :
------------------
-56عدم التيان بجواب " ل َّ
ما "
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
623
قلنا إن هذه الشبهة تتعلق بفن الحذف ،وهو مبحث بلغى أكثر
منه نحويًّا.
إن كل محذوف عندهم غلط شنيع ،وكل حذف خلط فظيع
والناس ـ كما قيل فى المثل ـ أعداء ما جهلوا.
يقول المام عبد القاهر الجرجانى ـ شيخ البلغيين ـ فى وصف
الحذف البلغى ،وروائع ثماره ،وبديع آثاره:
" هو بحث دقيق المسلك ،لطيف المأخذ ،عجيب المر ،شبيه
بالسحر ،فإنك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر ،والصمت عن
الفادة أزيد للفادة ،وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق ،وأتم ما
تكون بيانا ً إذا لم تُبن " (.)2
هذه هى منزلة الحذف فى البيان العربى ،السارى فى أعطاف
الكلم سريان النسيم فى الرياض الفيحاء ،وقد شاع شيوعا ً ل
حصر له فى القرآن الكريم ،إذ لم تكد تخلو منه سورة من
سوره ،ول آية من آياته والمعانى التى يدل عليها الحذف فى
القرآن تكاد تعادل ربع معانى القرآن كله .وهو منهج واسع وحكيم
من مناهج اللغة العربية ل مثيل له.
ولذلك نجد العلمة اللغوى العظيم ابن جنى ،يسميه فى كتابه
ما طريفًا ،هو :شجاعة العربية ". "الخصائص" اس ً
وينتمى الحذف البلغى إلى فن بلغى حصر بعض العلماء البلغة
فيه ،وهو " فن اليجاز " أى قلة اللفاظ مع كثرة المعانى.
وله مقامات يتألق فيها ،ومقتضيات يوفى بأغراضها.
ومن مقاماته الحذف الوارد فى آية سورة " يوسف " التى رآها
من عشا بصره ،وغلظ قفاه ،وضل عقله خطأ ينبغى أن
يصوَّب ،ولحنًا يجب أن يقوَّم.
إن حذف جواب " لما " هنا المراد منه تهويل وتفظيع ما حدث
من إخوة يوسف ليوسف ،بعد أن أذن لهم أبوهم بالذهاب به إلى
الصحراء ،وقد روى عنهم أنهم أخذوا يؤذونه بالقول والفعل وهم
فى الطريق إلى المكان الذى قصدوه ،حتى كادوا يقتلونه ،
والدليل على هذا قوله تعالى حكاية عن أحد إخوته:
ل لكم(قال قائل منهم ل تقتلوا يوسف وألقوه فى غيابة الجب يخ ُ
وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما ً صالحين ) (.)3
فالنهى عن القتل ل يكون إل عند العزم عليه ومباشرة أسبابه.
لذلك حذف جواب " لما " لتذهب النفس فى تصوره كل مذهب ،
وحذف هذا الجواب فيه دللة على طول ما حدث منهم ،وعلى
غرابته وبشاعته ،لذلك قدره المام الزمخشرى فقال:
624
" فعلوا به ما فعلوا من الذى ..وأظهروا له العداوة وأخذوا
يهينونه ويضربونه ،وإذا استغاث بواحد منهم لم يغثه إل بالهانة
والضرب.)4( " ..
وسار على هذا النهج المام البيضاوى (.)5
وذهب غيرهما فى تقدير الجواب مذاهب أخرى ،والذى أتاح لهم
هذا الختلف فى تقدير الجواب المحذوف هو الحذف نفسه (.)6
أما اقتراح مثيرى الشبهة أن يحذف " الواو " فى " وأوحينا "
ليستقيم المعنى فخطأ جسيم ؛ لن " أوحينا " ليس هو جواب "
لما " وإنما هو معطوف على الجواب المقدر لن جواب " ل َّ
ما "
هو ما حدث ليوسف من إخوته بمجرد خروجهم به من عند أبيهم
وبعدهم عنه قليلً.
ودليل ذلك هو العطف بالفاء فى " فلما " لنها تفيد الفورية
والترتيب.
( )1يوسف.15 :
( )2دلئل العجاز ( )146تحقيق الشيخ محمد محمد شاكر.
( )3يوسف.9 :
( )4الكشاف (.)307-3/306
( )5أنوار التنزيل (.)1/387
( )6الدر المصون (.)6/453
---------------------
-57التيان بتركيب أدى إلى اضطراب المعنى
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
625
" وتعزروه وتوقروه وتسبحوه " عائدًا على الله يكون كفًرا ؛ لن
الله سبحانه وتعالى ل يحتاج لمن يعزره ويقويه ".
626
قال نوح لقومه موبخا ً لهم (ما لكم ل ترجون لله وقارا ً وقد
خلقكم أطوارا ً ) (.)5
ويجوز أن يكون عائدا ً على الرسول ،وتوقيره هو احترامه وإنزاله
منزلته من التكريم والطاعة.
هذا هو بيان ما توهموه من لبس ،دون الرجوع إلى ما قاله
النحاة أو المفسرون فالمسألة ل تحتاج إلى أكثر مما أوجزناه.
والخلصة:
القرآن خطاب للعقلء الذكياء ،وليس خطابا ً للمتغابين أو الغبياء
،وفى النسان حاسة كثيرا ً ما يعوِّل عليها القرآن فى خطابه ،
تستجلى خفايا معانيه ،وتدرك روائع إيماءاته ودقائق أسراره.
تلك الحاسة هى الخصائص العقلية ،والملكات الذهنية أو الذوقية
المثقفة.
فمثل ً قوله تعالى( :وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فل تعضلوهن
أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ) (.)6
ترى الخطاب فيها واحدا ً " طلقتم ـ تعضلوهن " والنظرة العجلى
تحسب أن المخاطب فى الموضعين صنف واحد من الرجال لكن
العقل ـ بمعونة الشرع ـ سرعان ما يفرق بين الذين خوطبوا بـ "
طلقتم " والذين خوطبوا بـ " تعضلوهن " فالمخاطب الول هم
الزواج الذين يطلقون زوجاتهم ،والمخاطب الثانى هم أولياء
أمور المطلقات ،يقول لهم القرآن إذا أراد الزوج المطلق طلقاً
رجعيا ً فى العدة أو بعد العدة أن يعيد زوجته إليه بالمراجعة أو
العقد الجديد وكانت الزوجة راغبة فى ذلك ،فعلى أولياء أمرها
أل يقفوا فى طريقها.
فالذى فَّرق بين مرجعى الضميرين ـ هنا ـ العقل ،بمعونة الشرع
،وهذه الية شبيهة بالية التى أثيرت حولها الشبهات ،التى فرغنا
من الرد عليها .ولو كان نظر مثيرى هذه الشبهات وقع على آية
البقرة هذه ،لقالوا إن فيها تركيبا ً أدى إلى اضطراب المعنى ،
ول وجود لضطراب إل فى أوهامهم.
( )1الفتح.9-8 :
( )2السراء.23 :
( )3العراف.73 ، 65 ، 59 :
( )4النور.55 :
( )5نوح.14 ، 13 :
( )6البقرة.232 :
------------------------
ف الممنوع من الصرف صْر ُ َ -58
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
627
منشأ هذه الشبهة:
هو آيتان من سورة واحدة.
إحداهما قوله تعالى( :إنا اعتدنا للكافرين سلسل ً وأغلل ً وسعيراً)
(.)1
والثانية( :ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا) (
.)2
وشاهدهم فى الية الولى كلمة " سلسل " ذكروها ثم قالوا:
ن لمتناعها عن فلماذا قال " سلسل " بالتنوين مع أنها ل تُنَوَّ ُ
الصرف ؟ وقالوا عن الية الثانية :لماذا آتى بها ؟ " بالتنوين مع
ن ؛ لمتناعها عن الصرف ،لنها على وزن مصابيح ؟ أنها ل تُنَوَّ ُ
هذا قولهم ،وهو مبلغ علمهم أو مبلغ جهلهم وافترائهم لنهم ـ
كما تقدم مرات ـ يحفظون شيئا ً وتغيب عنهم أشياء ،وما
ن لهم ،وكان الصمت استر لهم لو كانوا حفظوه ليس بمغ ٍ
يحترمون أنفسهم.
628
( )1النسان.4 :
( )2النسان.15 :
( )3انظر :التوجيهات النحوية والصرفية للقراءات ()1/598
للدكتور:على محمد فاخر.
-------------------
-59التيان بتوضيح الواضح
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
629
* حسنا ً جميلً.
* بهيا ً ساحراً.
* رفيع الشأن شامخاً.
حتى العامة من الناس ـ غير الشعراء المرهفى الحس ـ يفتنون
به ،ويعبرون عن بهائه وسحره .ويمجدون بوصفه كل جميل ،
فيقولون " :قمر أربع عشرة " أى قمر الليلة التى يرون فيها
القمر يوم الرابع عشر ،التى سيعقبها اليوم الخامس عشر من
الشهر ،والقمر فى هذه الليلة يبلغ كمال شبابه ونضجه.
ومنذ فجر الحياة كان القمر ،وبخاصة فى ليلة كماله مبعث
العجاب والبهارة والبتهاج فى نفس كل من يراه ،ولم يشذ عن
هذا الحساس أحد ،فإن رأيت من يذم القمر فى ليلة كماله
فاعلم أنه رجل مريض الحس ،فاسد الذوق ،غريب الطوار.
والساليب البيانية شأنها شأن القمر ،فى تدرج أنماطها وتفاوت
درجاتها:
فمنها الحديث اليومى العادى ،الذى يخلو من الخصائص الفنية
ومنها المتوسط الدرجة ،الذى ل يمدح ول يذم.
ومنها البيان العالى المؤثر فى النفوس ،الممتع للعواطف
المثرى للفكر.
ومنها البيان العلى ،المعصوم من النقد ،الذى يحس الناس
برونقه وإحكامه وجماله وكماله وجلله ،وهو القرآن المعجز
العظيم.
ومن أساليب هذا البيان العلى الذى ل يضارعه بيان ،أسلوب
التوكيد كما فى قوله تعالى (تلك عشرة كاملة (.
ونبدأ بأقوال الئمة فى بيان قيمة " تلك عشرة كاملة " فى تقوية
السلوب وتوفير العناية بالمعنى ،نبدأ بما قاله المام
الزمخشرى:
" فإن قلت :ما فائدة الفذلكة " ؟ قلت :الواو قد تجئ للباحة فى
نحو قولك :جالسى الحسن ،وابن سيرين ،أل ترى أنه لو
ت ( )2نفياًجالسهما جميعا ً ،أو واحدا ً منهما كان ممتثل ً ،فَفُذْلِك َ ْ
لتوهم الباحة.
وأيضا ً ففائدة الفذلكة فى كل حساب أن يُعْلَم العدد جملة كما
عُلِم تفصيل ً ليحاط به من جهتين فيتأكد العلم به.
وفى أمثال العرب:
" علمان خير من علم ".
وكذلك " كاملة " تأكيد آخر ،وفيه زيادة توصية بصيامها ،وأل
يتهاون بها ،ول ينقص من عددها.
وقيل " كاملة فى وقوعها بدل ً من الهدى " (.)3
630
يعنى أن فى هذه العبارة توكيدين:
الول فى :تلك عشرة ".
والثانى فى " كاملة ".
وقد بين المام ـ رحمه الله ـ المعانى التى أفادها هذا التركيب
ولنا إضافة على ما قاله سنوضحها فى الخلصة التى تعودنا على
جعلها خاتمة كل مبحث.
ويتابع المام البيضاوى ما قاله المام الزمخشرى ويضيف إليه
جديدا ً فيقول " :تلك عشرة " فذلكة الحساب ،وفائدتها أل يتوهم
متوهم أن " الواو " ـ أى فى " وسبعة إذا رجعتم " ـ كقولك
جالسى الحسن وابن سيرين ،وأن يعلم العدد جملة كما علم
تفصيلً..
و " كاملة " صفة مؤكدة تفيد المبالغة فى المحافظة على العدد ،
أو مبينة كمال العشرة ،فإنه أول عدد كامل إذ به تنتهى الحاد
وتتم مراتبها " (.)4
ت بيدى " وحذا المام الشوكانى حذوهما ،ثم قال :إنه مثل " كتب ُ
والكتابة ل تكون إل باليد (.)5
ويسوق غيرهم شواهد من الشعر العربى على تأصيل هذا
السلوب فى لغة العرب ،مثل:
جتان أى :سنتان. م عشرين شهرا ً وأربعــة فذلـك ِ
ح ّ ت إليه ُفسر ُ
وقول الخر:
ن حسبى وست حين يدركنى العشاء فذلك تسعة ثلث بالغداة فهُ َّ
شرب المرء بعد الِرى داء ( )6والخلصة: فى اليوم ربى و ُ
لقد أصاب الئمة فى الشارة إلى معنى جملة " تلك عشرة
كاملة " وبخاصة فى قولهم إنها أفادت دفع توهم من يحسب أن
" الواو " بمعنى " أو " تفيد الباحة ،فليس ببعيد أن يفهم بعض
الناس أن المتمتع بالعمرة إلى الحج كفارته الصيام:
فإن صام فى الحج فيكفيه ثلثة أيام ،ومن لم يصم حتى رجع
إلى بلده فعليه صيام سبعة أيام ،وأن يفهم الكتفاء بالثلثة فى
الحج للتخفيف على المحرمين بالحج ويؤدون مناسكه ،أما بعد
الرجوع إلى الوطن فل داعى للتخفيف ،لنه غير مشغول
بالمناسك ،وليس غريبا ً عن بلده .ليس ببعيد أن يقع هذا الفهم
فى أذهان بعض الناس حتى الفقهاء المجتهدين.
لذلك كان قوله تعالى " :تلك عشرة " واصفا ً لها بأنها " كاملة "
دافعا ً لذلك الفهم.
وبذكر " كاملة " تحوَّل قوله تعالى " :تلك عشرة " إلى نص
محكم غير قابل للحتمال أو التأويل.
631
أما من حيث البلغة والبيان ،فإن كلمة " كاملة " وصفا ً لـ " تلك
عشرة " تفيد تعظيم هذه اليام العشرة وكمال فضلها عند الله
عز وجل.
ً
بدليل أنه أشار إليها باسم الشارة الموضوع للبعيد ،تنويها ببعد
منزلتها ،وكان يمكن أن يقال هذه عشرة كاملة ،وهذه اسم
إشارة للقريب سواء كان قربا ً حسيا ً أو قربا ً معنويًّا.
هذه المعانى والدقائق والسرار ما كانت لتُفهَم لول وجود تلك
العبارة ،التى عدَّها مثيرو الشبهات عيبا ً من عيوب الكلم.
( )1البقرة.196 :
( )2الفذلكة مصطلح فنى معناه :إجمال المعنى فى عبارة موجزة
بعد بسطه فى عبارة طويلة.
( )3الكشاف (.)1/345
( )4نوار التنزيل (.)1/111
( )5فتح القدير (.)1/227
( )6الدر المصون (.)2/320
--------------------
-60اللتفات من المخاطب إلى الغائب قبل تمام
المعنى
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
632
هو مجموعة القواعد والصول التى تكوِّن علوم البلغة باعتبارها
علما ً راقيا ً من علوم اللسان ؛ لن لكل علم أو فن أصوله ومبادئه
الخاصة به.
ُّ
وهذه القواعد والصول يمكن تَعَلمها وإتقانها لكل راغب صادق
الرغبة فيها.
العنصر الثانى الذاتى:
الممتزج بذات البليغ ،والذى يجرى فيه مجرى الروح فى الجسد
هو الحساس المرهف بالجمال الفنى ،والقدرة على التذوق ،
والخبرة بالساليب إنشاءً ودراسة ونقدا ً وتقويماً .وليس بلزم أن
يكون العارف بالقواعد والصول البلغية ،ليس بلزم أن يكون
بليغاً.
يقول المام الزمخشرى البليغ الذواقة ،فى اللتفات من
الخطاب إلى الغيبة:
" فإن قلت ما فائدة صرف الكلم من الخطاب إلى الغيبة قلت:
المبالغة ،كأنه يذكر حالهم لغيرهم ليعجبَّهم منها ،ويستدعى
منهم النكار والتقبيح " (.)2
هذه العبارة فى حاجة إلى إيضاح ،هو التى:
هؤلء الذين تحدث الله عنهم فى هذه الية ،أنعم الله عليهم
بالتسيير فى البر والبحر ،وامتحنهم بالريح العاصف بعد أن
أقلعت بهم الفلك تمخر عباب الماء ،فتوجهوا إلى الله يطلبون
منه النجاء ،واعدين الله إذا أنجاهم أن يشكروه ويعرفوا فضله.
فلما أنجاهم نسوا ما وعدوا الله به ،وعادوا إلى معصيته كما قال
ربنا عز وجل:
(فلما أنجاهم إذا هم يبغون فى الرض بغير الحق.)3( ) ..
وكانت فائدة اللتفات عن خطابهم المباشر " كنتم فى الفلك "
إلى حكاية حالتهم العجيبة إلى غيرهم ،لكى يستثير سخطهم
عليهم ،ويقبِّحوا سوء صنيعهم مع الله.
والخلصة:
ما قاله المام الزمخشرى فى هذه الية لمحة طيبة ،ومعنى
لطيف دل عليه هذا اللتفات من المخاطب إلى الغائب ،وقد
تناقله عنه المفسرون من بعده.
حا بلغيا ً آخر ،
أما البلغيون ـ بعد الزمخشرى ـ فقد أضافوا ملم ً
يساير ما فهمه المام الزمخشرى ول ينافره ،فقد قالوا:
" إن السر فى اللتفات من الخطاب إلى الغيبة ،أن " الغيبة "
تناسب الفعل " جرين " فهم كانوا على الشاطئ والفلك ترسو
إلى جنبه ،وأخذ الناس يركبون الفلك ،حتى إذا تكاملوا على
ظهره ،وأقلعت آخذة فى السير السريع (الجرى) غابوا عن
633
النظار ،فهم ليسوا حاضرين حتى يُخاطَبُوا .ولكنهم غائبون
غائبون فجرى الحديث عنهم مجرى الحديث عن الغائب ".
إن كلتا اللمحتين البلغيتين تنبثقان من هذا التعبير " وجرين بهم
" ول تنافر واحدة منهما الخرى.
هذا ما لم يكن مثيرو هذه الشبهات أهل ً لفهمه لبلدة حسهم ،
وفساد ذوقهم.
واللتفات ـ عامة ـ فن عريق من فنون البيان فى البلغة
العربية ،طرقه الشعراء فى الجاهلية ،وشاع فى كلمهم ،
ووردت منه نماذج وصور فى الذكر الحكيم ،وفى أحاديث خاتم
النبيين ،وأسراره ل تحصر ،ودللته ل تنضب ،وكفاه فضل ً أنه
يروِّح عن مشاعر السامعين وينتقل بهم من لون إلى لون ،فى
معرض جذاب ،ل يقدره حق قدره إل من ُرزق حسن الفهم ،
والقدرة على التذوق لمرامى الكلم.
( )1يونس.22 :
( )2الكشاف (.)2/231
( )3يونس.23 :
--------------------
-61التيان بفاعلين لفعل واحد
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
634
هؤلء أسروا النجوى .فوضع المظهر موضع المضمر تسجيل ً على
فعلهم بأنه ظلم (.)3
ذكر المام ـ رحمه الله ـ فى توجيه هذا التركيب أربعة آراء كلها
صحيح فصيح:
الول :إن " الذين ظلموا " بدل كل من كل من معنى " الواو "
فى " أسروا " لنه واو جماعة معناه الجمع.
الثانى :إنه جاء على لغة بعض القبائل العربية ،التى تجمع بين
الضمير إذا وقع فاعل ً وبين ما يفسره.
وعليه جاء الحديث الشريف [ :يتعاقبون فيكم ملئكة بالليل ،
وملئكة بالنهار ] (.)4
الثالث :أن يكون فى محل نصب على الذم ،على تقدير فعل
محذوف هو :أذم أو أخص الذين ظلموا بالذم.
الرابع :أن يكون هو المبتدأ ،وما قبله خبر عنه ،أى الذين ظلموا
أسروا النجوى.
أما الذى اقتضى تقديم خبره عليه " أسروا النجوى " فهو
التسجيل عليهم بقبح ظلمهم وفحوشته .وهذا كله كلم طيب فى
غاية النفاسة.
ويردد المام الشوكانى ما قاله المام جار الله ـ رحمه الله ـ
ويضيف إلى ما قاله جديدا ً ،ومن هذا الجديد:
" إن الذين ظلموا " فاعل لفعل محذوف تقديره :يقول الذين
ظلموا.
ثم يورد على لغة " أكلونى البراغيث " آية أخرى من كتاب الله ،
هى قوله عز وجل( :ثم عموا وصموا كثير منهم ) (.)5
معَ فى الية بين الضمير ،وهو " الواو " فى " عموا " و ج ِ
فقد ُ
"صموا " وبين السم الظاهر " كثير ".
كما ذكر قول الشاعر:
ولكن ديافى أبـوه وأمــه بحوران يعصرن السليط أقاربـه ()6
مع الشاعر ،وهو عربى فصيح يحتج ج َ
والشاهد فى البيت حيث َ
بكلمه بين نون النسوة فى " يعصرن " وهو فاعل لـ " يعصر "
وبين السم الظاهر " أقاربه " وليس فى الكلم إل فعل واحد
يكفى فيه فاعل واحد (.)7
وفى المسألة مذاهب أخرى ،منها:
* إن " الذين ظلموا " هى الفاعل ،أما " الواو " فهى علمة جمع
الفاعل ل غير ،وأن العرب كانت تفعل ذلك حتى فى المثنى ،
فيقولون:
قاما أخواك .كما استشهد من ذهب هذا المذهب بقول الشاعر:
635
يلوموننى فى اشتراء النخيـل قومى ،فكلهمو يعـزل حيث جمع
بين " الواو " فى " يلوموننى " وبين السم الظاهر فى " قومى"
(.)8
هذا ما قاله المفسرون وبعض النحاة فى هذا التركيب وتخريجه
على عدة وجوه من الصحة .دون أن يكون عندهم علم بأن بعضاً
من الناس ،سيأتون ويقولون مثل ما قال مثيرو هذه الشبهات ،
مع جهلهم المركب بلغة التنزيل وخصائصها التعبيرية والبيانية ،
وهم فيها عوام أو أشباه عوام.
والخلصة:
ما تقدم من الرد على هذه الشبهة يريك إلى أى مدىً تعسف
هؤلء المغالون فى التحامل على القرآن ،المسرفون فى إظهار
الحقد عليه والطعن فيه ،إنهم مثل الذى يريد أن يعبر محيطاً
بقارب مصنوع من " البوص " ،دون أن يكون لهم رادع من
أنفسهم يحفظون به ماء وجوههم إن كان فى وجوههم ماء.
وقبل أن نودع الحديث فى الرد عليهم على ما أثاروه حول الية
نضيف إلى ما ذكره الئمة إضافتين من حيث التوجيه البلغى:
إحداهما :إن فى أساليب علم المعانى ،وهو أحد علوم البلغة
الثلثة (المعانى ـ البيان ـ البديع) أسلوبا ً ل يعرف عنه مثيرو هذه
الشبهات شيئا ً ،هو ما يسميه البلغيون بـ " الستئناف البيانى ".
وضابط هذا السلوب أن تتقدم جملة من الكلم تثير فى ذهن
السامع تساؤل ً لطيفا ً يدب فى نفسه أو يسرى سريان الماء فى
العود الخضر ،فتأتى جملة أخرى تجيب على ذلك التساؤل ،
الذى ليس له صورة فى الكلم .بل هو يبرق كالشعاع فى ذهن
السامع ومن أمثلته فى القرآن:
(وقضينا إليه ذلك المر أن دابر هؤلء مقطوع ُ مصبحين ) (.)9
فجملة " أن دابر هؤلء مقطوع مصبحين " جواب على سؤال
تقديره :ما هو ذلك المر الذى قضاه الله (.)10
ومثله قوله تعالى( :فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك
على شجرة الخلد وملك ل يبلى ) (.)11
فجملة " فوسوس إليه الشيطان " أثارت فى النفس تساؤلً
لطيفا ً " ماذا قال الشيطان لدم ؟ فكان الجواب:
(قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك ل يبلى (.
هذا هو الستئناف البيانى عند البلغيين وهو ـ مرة أخرى ـ:
" تنزيل جملة منزلة جواب على سؤال تضمنته الجملة التى قبلها
".
والية التى معنا( :وأسروا النجوى الذين ظلموا (جرت على نسق
الستئناف البيانى الذى عرفته ،لن جملة (وأسروا النجوى (تثير
636
ن هم الذين (أسروا النجوى (؟ م ْ
فى النفس التساؤل نفسهَ :
فكان الجواب:
(الذين ظلموا (.
ل يقال :إن هذا السؤال ل يقتضى المقام إثارته لن مرجع
الضمير ،وهو " الواو " فى " أسروا " مذكور قبله فى قوله
تعالى:
(اقترب للناس حسابهم وهم فى غفلة معرضون * ما يأتيكم من
ذكر من ربهم محدث إل استمعوه وهم يلعبون * لهية قلوبهم) ..
(.)12
لنا نقول :إن الوقائع المذكورة فى مطلع السورة ،وقائع عامة ،
هى أحوال للناس جميعا ً ،إل من عصمه الله.
أما إسرار النجوى ،فهى واقعة خاصة وقعت من مشركى العرب
،فليس " الناس " قبلها هم فاعليها ،بل فاعلوها هم الذين
قالوا:
(??? هل هذا إل بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون ) (
.)13
وعلى هذا فإن " الذين ظلموا ليس فاعل لـ " أسروا " وإنما
فاعل " أسروا " الواو.
أما " الذين ظلموا " فواقعه فى كلم جديد ،هو خبر عن جلة
السؤال :من هم الذين أسروا النجوى ؟ وهذا وجه آخر يرد به
على مثيرى هذه الشبهة المتعالمين وهم جاهلون.
أما الضافة الثانية ،فهى أسلوب آخر من أساليب البلغة العربية
،مفتاح العجاز المفحم.
ذلك السلوب تحدث عنه شيخ البلغيين بل منازع المام عبد
القاهر الجرجانى ،وأسماه:
" الضمار على شريطة التفسير " (.)14
وضابط هذا السلوب هو أن تأتى بالضمير أول ً ثم تفسره بعد
ذلك بذكر مرجعه .ومن أمثلته شعًرا قول الشاعر:
هى الدنيا تقول بملء فيهـــا حذار حذار من بطشى وفتكـى ول
م منى ابتســــام فقولى مضحك والفعل مبكــى وتخريج يغُررك ُ
الية " وأسروا النجوى الذين ظلموا " على هذا السلوب سائع
رائع.
فقد أتى بالضمير أول ً " وأسروا " ثم فسره ثانيا ً هكذا " الذين
ظلموا ".
وبلغة هذا السلوب هى تحريك الشعور ،وتشويق النفس إلى
عقبى الكلم كيف تكون ،فيتمكن المعنى المسوق من أجله
637
الكلم فى النفوس كل التمكن ؛ لن النفس إذا ظفرت بالشىء
بعد انتظاره استقر ذلك الشىء فيها.
م منها مثيرو هذه الشبهات ؛ لنهم هذه الخصائص البيانية محرو ٌ
يجهلونها .والناس ـ كما جاء فى المثل ـ أعداء ما جهلوا.
( )1ليست هذه عبارتهم ،بل هى تعبير بديل من عندنا عنها .أما
عبارتهم فهى " أتى بضمير فاعل مع وجود فاعل " وهى خطأ ـ
كما ترى ـ لنه ل مانع من التيان بضمير فاعل عائد على الفاعل
خلقه.فى الكلم الفصيح مثل :جاء صديقى الكريم ُ
( )2النبياء.3 :
( )3الكشاف (.)2/562
( )4رواه الشيخان :البخارى ومسلم.
( )5المائدة.71 :
( )6دياف وحوران :موضعان .والسليط :الزيت.
( )7فتح القدير (.)470-3/469
( )8الدر المصون (.)133-8/132
( )9الحجر.66 :
( )10انظر :اليضاح للخطيب القزوينى :مبحث الفصل والوصل.
( )11طـه.120 :
( )12النبياء.3-1 :
( )13النبياء.3 :
( )14دلئل العجاز ( )163تحقيق الشيخ العلمة محمود محمد
شاكر ،مكتبة الخانجى ،القاهرة.
-----------------
-62التيان بالضمير العائد على المثنى مفردًا
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
638
هذه الية ،والتركيب الذى حسبوه أو عاندوا وقالوا إنه خطأ
لغوى نحوى ،إنما هى لمحة قرآنية تتعلق بعقيدة توحيد الله عز
وجل.
ً
ومثيرو هذه الشبهات ،ل يعرفون عن حقيقة " التوحيد " شيئا ،
وضوابطهم فيه مثل الغربال إذا وضع فيه سائل ل يبقى فيه منه
شىء.
وقد فات هؤلء أمر عظيم ،ترتب عليه جهل شنيع ذلك أنهم لم
يعرفوا أصل ً ،أو لم يستحضروا فى أذهانهم وهم يسطرون هذه
الشبهة ،متى يُثنَّى المعدود ،ومتى يجمع ،ومتى يظل مفرداً.
وهى من البديهات ،بيان ذلك :أن هناك شرطا ً موضوعيًّا فى
تثنية المعدود وجمعه ذلك الشرط هو:
التجانس بين الفراد فى الواقع ،فقَلَم يثنى فيقال :قلمان ويجمع
فيقال أقلم.
لكن حمارا ً ـ مثل ً ـ ل يثنى مع القلم ول يجمع ،لنك لو ثنيت
القلم والحمار ،فقلت قلمان ،أو حماران ،وأنت تريد قلماً
وحمارا ً لم يفهم أحد ٌ من العقلء ما تريد.
وحتى الرجل والمرأة ،وهما فردان بينهما تجانس من جهة ،
واختلف من جهة أخرى .فإنك ل تستطيع أن تثنيهما فتقول:
رجلن ،أو تقول :امرأتان ،وأنت تريد رجل ً وامرأة .هذا ل يجوز
عند العقلء ،ول يجوز فى الواقع الذى يحسه الناس ويحترمونه.
هذا التمهيد ضرورى جدًّا لبيان لماذا ورد فى القرآن " أن يُرضوه
" دون أن يُرضوهما كما اقترح مثيرو هذه الشبهات ؟ وذلك لنه
ى شىء فى ليس بين الله ،وبين رسوله ،ول بين الله وبين أ ِ ّ
الوجود تجانس من أى نوع من النواع.
فالله هو الفرد الصمد ،الواحد الحد ،الذى لم يلد فليس له
ولد ،ولم يولد فليس له أم ول أب .هو الخالق البارئ المصوِّر ،
ليس له كفوا ً أحد ،وليس كمثله شىء فى الوجود وغيره ،هو
المخلوق المبروء المصوَّر (اسم مفعول).
ى .ل فى ذاته ول مع أحدٍ مع ول يُثن َّ
من أجل هذا ؛ فإن الله ل يُج َ
من خلقه.
وعلى هذا جرى بيان القرآن المعجز ،فلم يقل كما يقترح هؤلء
الغافلون:
والله ورسوله أحق أن يُرضوهما .لن الله ليس فردا ً من جنس
الفراد الذين ينتمى إليهم رسوله صلى الله عليه وسلم .
بل هو فرد ل مثيل له فى الوجود أبدا ً ،فل يكون مع غيره ثانى
اثنين ،أو ثالث ثلثة ،تعالى الله عما يقولون ع ُلُوًّا كبيًرا.
639
فالخطأ كل الخطأ هو ما توهمه مثيرو هذه الشبهات .أما ما عليه
النظم القرآنى الحكيم ،فهو ليس كل الصواب فحسب ولكنه
َ
ن أحسن جلَى معارضه ،وآلق آفاقه و َ
م ْ العجاز المفحم ،فى أ ْ
من الله حديثاً.
التوحيد فى القرآن عقيدة متمكنة فى الواقع الخارجى مستقرة
كل الستقرار فى قلوب المؤمنين.
وهو ـ كذلك ـ عقيدة فى البيان القرآنى ،فلم يأت الله فى لغة
القرآن إل واحدا ً أحدًا ،ليس اثنين ،وليس ثلثة (ذلك ظن الذين
كفروا فويل للذين كفروا من النار ) ( )2وليس ما لفت أنظار
مثيرى هذه الشبهات فى الية المتقدمة هو الوحيد فى القرآن ،
بل له نظائر عميت عنها أبصارهم وبصائرهم:
ففى الية الثالثة من سورة التوبة نفسها ،ورد قوله تعالى:
( ..أن الله برئ من المشركين ورسوله.)3( ) ..
لم يقل :إن الله ورسوله بريئان من المشركين ،لن وصف الله
بالبراءة من المشركين ،وصف توحيدى تابع للواحد الحد ،الذى
ليس له مثيل فى كل الوجود.
ولذلك قال " :أن الله برئ من المشركين ورسوله " أى ورسوله
برئ منهم ،والذى دل على هذا ،ما ذكره فى جانب الله أولً.
كما تقول :محمد (من أُولى العزم من الرسل ،وموسى عليه
السلم ،أى وموسى من أُولى العزم من الرسل.
تثبت الوصف المحذوف لموسى ،استنادا ً إلى ذكر ذلك الوصف
خبرا ً عن محمد ،عليهما الصلة والسلم.
هذا ما يفهمه العقلء من بليغ الكلم.
وفى سورة التوبة نفسها ـ كذلك ـ ورد قوله تعالى( :ولو أنهم
رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من
فضله ورسوله إنَّا إلى الله راغبون ) (.)4
روعيت عقيدة التوحيد فى النظم القرآنى المعجز المفحم فى
ثلثة مواطن:
الول " :ما آتاهم الله ورسوله " حيث عطف رسوله على اسم
الجللة ،دون عود ضمير مثنى.
الثانى " :حسبنا الله " دون عطف رسوله على اسم الجللة .لن
الحسب ل يكون إل لله.
الثالث " :سيؤتينا الله من فضله ورسوله " دون أن يُثَنِّى فيقول:
من فضلهما.
وإنما عُطِف " رسوله " بعد تمام الجملة الولى.
ثم حذف من جملة " ورسوله " ما دل عليه الكلم السابق ،أى:
وسيؤتينا رسوله من فضله.
640
هذا هو التوحيد فى القرآن ،دقة وإحكام ،ومبالغة فى تنزيه الله
عن المساوى والمثيل والكفء حتى فى اللفظ توحيد نقى ،
خالص ،مبرأ عن الشبهات المعنوية ومبرأ عن الشبهات اللفظية.
ولم يرد فى القرآن الحكيم اسم يكون ثانيا ً لله ،ول اسم يكون
ثالثا ً لله ،ل فى المعانى ،ول فى اللفاظ وذلك هو التوحيد
الخالص .رسالة كل الرسل والنبياء.
والخلصة:
أن فى الية أسلوب اليجاز البليغ لن معناها الذى لم يهتدوا إليه
حذف " هو " :والله أحق أن يُرضوه ورسوله أحق أن يرضوه " ف ُ
أحق أن يرضوه " من الول ،لدللة الثانى " ورسوله أحق أن
يرضوه " عليه.
وهذا فن بلغى يطلقون عليه " :الحتباك " وهو نوعان:
الول :أن يحذف كلم من جملة أولى ويذكر ما يدل عليه فى
جملة ثانية جاءت بعدها مباشرة .مثل الية التى اتخذوها منشأ
لهذه الشبهة.
والثانى :أن يحذف من جملة ثانية كلم يدل عليه ما ذكر فى
الجملة التى قبلها ،ومثاله قوله تعالى( :ألم يروا أنا جعلنا الليل
ليسكنوا فيه والنهار مبصراً.)5( ) ..
والمعنى :والنهار مبصرا ً ليسعوا فيه ،فحذف لن " ليسكنوا "
دليل قوى عليه.
وقد تلحظ حذفا ً من الول ـ كذلك ـ لدللة الثانى عليه ،وهو:
مظلما ً ،أى جعلنا الليل مظلما ً ،وحذف لن ما فى الثانى ،وهو
" مبصرا ً " دليل ً عليه.
( )1التوبة.62 :
( )2سورة ص.27 :
( )3التوبة.3 :
( )4سورة.59 :
( )5النمل.86 :
------------------
-63التيان بالجمع مكان المثنى أ
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
641
قوله تعالى " :تتوبا " مثنى كذلك .وقد علقوا على هذا فقالوا" :
لماذا لم يقل:
قلباكما " لنه ليس للثنين أكثر من قلبين " ؟!
642
والسارقات ل يحصرن فى عدد محدد ،بل هن جمع ل يعلمه إل
الله.
فأنت ترى أن اللفظ فى " السارق " و " السارقة " وإن كان
مفردا ً ،فهو من حيث المعنى جمع ل حصر له فى النوعين معاً:
الذكور والناث.
الجهة الثانية :إن السارق أو السارقة قد تتكرر منهما السرقة ،
فيقام عليهما الحد مرة أخرى بقدر مرات السرقة.
وعلى كل الوضعين (الجهة الولى والجهة الثانية) تكون كلمة" :
أيدى " جمعا .مضافة إلى الضمير " هما " فيها دللة ملحوظة
على الجمع كما رأيت .وهذا ما ل يهتدى إليه أمثال مثيرى هذه
الشبهات.
أما آية " التحريم " فقد فسرها العلماء تفسيرين:
أحدهما :أن " صغت " بمعنى :زاغت وأثمت ،وهذا تفسير ابن
عباس رضى الله عنه (.)5
وعلى هذا يكون مجىء القلبين جمعا ً فيه تهويل وتفظيع لما حدث
من زوجتى النبى صلى الله عليه وسلم ،من إفشاء سره عليه
السلم ،لن فى ذلك ما يؤذيه صلى الله عليه وسلم (.)6
أما التفسير الثانى فهو قريب من الول ،وهو " :إن صغت "
بمعنى زاغت أى مالت عن الحق والصواب ( )7وتوجيهه توجيه
التفسير الول.
وفى اليتين معنى لطيف غاية فى الطرافة والروعة والعجاز
وهو مراعاة اللفظ والمعنى معاً.
مراعاة اللفظ فى تثنية المضاف إليه ،وهو " هما " فى " أيديهما
" و"كما" فى " قلوبكما ".
ثم مراعاة المعنى فى جمع اليدى والقلوب.
فتثنية الضمير المضاف إليه فيهما جاءت حمل ً على اللفظ فى:
"السارق والسارقة ".
وجمع اليدى والقلوب جاء حمل ً على المعنى المفهوم من
إيحاءات المقام على وجه الحقيقة فى جمع اليدى.
والمفهوم من المقام على وجه التنزيل التهويلى فى جمع
القلوب.
أجل :إن القرآن ل تنتهى عجائبه ،ول تجف ينابيعه ،لنه تنزيل
من حكيم حميد.
( )1التحريم.4 :
( )2الدر المصون (.)10/366
( )3المائدة.38 :
( )4انظر :المصدر نفسه (.)4/262
643
( )5فتح القدير للمام الشوكانى (.)5/301
( )6انظر:القصة بتمامها فى كتاب من كتب التفسير :تفسير
سورة " التحريم " ؛ وليكن السابق ـ مثلً.
( )7الدر المصون (.)10/265
--------------------
ب المضاف إليه ! -64ص ُ
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
644
من نطفة (يس ..)77 :من طين (السجدة ..)7 :من علق (العلق:
..)2من حمأ مسنون (الحجر..)26 :
ولم يك شيئًا (مريم.)67 :
حا فى نفس الوقت ؟ (انتهى). فكيف يكون كل ذلك صحي ً
الرد على الشبهة:
ليس هناك أدنى تناقض بل ول حتى شبهة تناقض بين ما جاء فى
القرآن الكريم من معلومات عن خلق النسان ..وحتى يتضح ذلك
،يلزم أن يكون هناك منهج علمى فى رؤية هذه المعلومات ،
التى جاءت فى عديد من آيات القرآن الكريم ..وهذا المنهج
العلمى يستلزم جمع هذه اليات ..والنظر إليها فى تكاملها..
مع التمييز بين مرحلة خلق الله للنسان الول آدم ـ عليه السلم
ـ ومرحلة الخلق لسللة آدم ،التى توالت وتكاثرت بعد خلق حواء
،واقترانها بآدم ،وحدوث التناسل عن طريق هذا القتران
والزواج..
* لقد خلق الله ـ سبحانه وتعالى ـ النسان الول ـ آدم ـ فأوجده
بعد أن لم يكن موجودًا ..أى أنه قد أصبح " شيئًا " بعد أن لم يكن
" شيئًا " موجودًا.
وإنما كان وجوده فقط فى العلم اللهى ..وهذا هو معنى الية
الكريمة (أو ل يذكر النسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئًا ) (
.)1
* أما مراحل خلق الله ـ سبحانه وتعالى ـ لدم ..فلقد بدأت بـ
[ التراب ] الذى أضيف إليه [ الماء ] فصار [ طينًا ] ثم تحول هذا
الطين إلى [ حمأ ] أى أسود منتنًا ،لنه تغير والمتغير هو
[ المسنون ] ..فلما يبس هذا الطين من غير أن تمسه النار
سمى [ صلصال ً ] لن الصلصال هو الطين اليابس من غير أن
ل ،أى يُصوِّت ،من يبسه أى تمسه نار ،وسمى صلصال ً لنه يص ّ
له صوت ورنين.
وبعد مراحل الخلق هذه ـ التراب ..فالماء ..فالطين ..فالحمأ
المسنون ..فالصلصال ـ نفخ الله سبحانه وتعالى فى " مادة "
الخلق هذه من روحه ،فغدا هذا المخلوق " إنسانًا " هو آدم عليه
السلم.
* وعن هذه المراحل تعبر اليات القرآنية ،فتصور تكامل
المراحل ـ وليس التعارض المتوهم والموهوم ـ فتقول هذه الية
الكريمة( :إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ) (
.)2فبالتراب كانت البداية (الذى أحسن كل شىء خلقه وبدأ خلق
النسان من طين ) ( .)3وذلك عندما أضيف الماء إلى التراب
645
(فاستفتهم أهم أشد خلقًا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين
لزب ) ( )4وذلك عندما زالت قوة الماء عن الطين ،فأصبح "
لزبًا " أى جامدًا.
* وفى مرحلة تغير الطين ،واسوداد لونه ،ونتن رائحته ،سمى [
حمأ ً مسنونًا ] ،لن الحمأ هو الطين السود المنتن ..والمسنون
سنَّه) هو الذى لم يتغير ..وعن هذه هو المتغير ..بينما الذى (لم يَت َ َ
المرحلة عبرت اليات( :ولقد خلقنا النسان من صلصال من حمأ
مسنون * والجان خلقناه من قبل من نار السموم * وإذ قال ربك
للملئكة إنى خالق بشًرا من صلصال من حمأ مسنون * فإذا
سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين * فسجد
الملئكة كلهم أجمعون * إل إبليس أبى أن يكون مع الساجدين *
قال يا إبليس مالك أل تكون مع الساجدين * قال لم أكن لسجد
لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون * قال فاخرج منها
فإنك رجيم * وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين ) (.)5
تلك هى مراحل خلق النسان الول ،توالت فيها وتتابعت
وتكاملت معانى المصطلحات :التراب ..والماء..
والطين ..والحمأ المسنون ..والصلصال ..دونما أية شبهة
للتعارض أو التناقض.
* وكذلك الحال والمنهاج مع المصطلحات التى وردت باليات
القرآنية التى تحدثت عن خلق سللة آدم ـ عليه السلم ـ.
فكما تدرج خلق النسان الول آدم من التراب إلى الطين ..إلى
الحمأ المسنون ..إلى الصلصال ..حتى نفخ الله فيه من روحه..
كذلك تدرج خلق السللة والذرية بدءا ً من [ النطفة ] ـ التى هى
ى ] ..إلى [ العَلَقَةالماء الصافى ـ ويُعَبَُّر بها عن ماء الرجل [ المن ّ
] التى هى الدم الجامد ،الذى يكون منه الولد ،لنه يعلق ويتعلق
بجدار الرحم إلى [ المضغة ] وهى قطعة اللحم التى لم تنضج ،
والمماثلة لما يمضغ بالفم..
إلى [ العظام ] ..إلى [ اللحم ] الذى يكسو العظام ..إلى
[ الخلق الخر ] الذى أصبح بقدرة الله فى أحسن تقويم (.)6
ومن اليات التى تحدثت عن توالى وتكامل هذه المراحل فى
خلق وتكوين نسل النسان الول وسللته ،قول الله سبحانه
وتعالى( :يا أيها الناس إن كنتم فى ريب من البعث فإنا خلقناكم
من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير
مخلقة لنبين لكم ونقر فى الرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم
نخرجكم طفل ً ثم لتبلغوا أشدّكم ومنكم من يتوفى ومنكم من
يرد إلى أرذل العمر لكيل يعلم من بعد علم شيئًا ) (.)7
646
وقوله سبحانه( :ولقد خلقنا النسان من سللة من طين * ثم
جعلناه نطفة فى قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا
ما ثمما فكسونا العظام لح ً العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظا ً
أنشأناه خلقًا آخر * فتبارك الله أحسن الخالقين ) (.)8
* وإذا كانت [ النطفة ] هى ماء الرجل ..فإنها عندما تختلط بماء
المرأة ،توصف بأنها [ أمشاج ] ـ أى مختلطة ـ كما جاء فى قوله
تعالى( :إنا خلقنا النسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعًا
بصيًرا ) (.)9
* كما توصف هذه [ النطفة ] بأنها [ ماء مهين ] لقلته وضعفه..
وإلى ذلك تشير اليات الكريمة( :الذى أحسن كل شىء خلقه
وبدأ خلق النسان من طين * ثم جعل نسله من سللة من ماء
مهين ) (( .)10ألم نخلقكم من ماء مهين * فجعلناه فى قرار
مكين * إلى قَدَرٍ معلوم * فقدرنا فنعم القادرون ) (.)11
* وكذلك ،وصفت [ النطفة ] ـ أى ماء الرجل ـ بأنه [ دافق ]
م َّ
م لتدفقه واندفاعه ..كما جاء فى الية الكريمة (فلينظر النسان ِ
خلق * خلق من ماء دافق * يخرج من بين الصلب والترائب ) (
.)12
هكذا عبر القرآن الكريم عن مراحل الخلق ..خلق النسان
الول ..وخلق سللت وذريات هذا النسان..
وهكذا قامت مراحل الخلق ،ومصطلحات هذه المراحل ،شواهد
على العجاز العلمى للقرآن الكريم.
عندما جاء العلم الحديث ليصدق على هذه المراحل ومصطلحاتها
،حتى لقد انبهر بذلك علماء عظام فاهتدوا إلى السلم.
فكيف يجوز ـ بعد ذلك ومعه ـ أن يتحدث إنسان عن وجود
تناقضات بين هذه المصطلحات ..لقد صدق الله العظيم إذ يقول:
(أفل يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه
اختلفًا كثيًرا ) (.)13
( )1مريم.67 :
( )2آل عمران.59 :
( )3السجدة.7 :
( )4الصافات.11 :
( )5الحجر26 :ـ .35انظر معانى المصطلحات الواردة فى هذه
اليات فى :الراغب الصفهانى أبو القاسم الحسين بن محمد
[ المفردات فى غريب القرآن ] طبعة دار التحرير ـ القاهرة ـ
سنة 1991م و[ لسان العرب ] ـ لبن منظور ـ طبعة دار المعارف ـ
القاهرة.
647
( )6انظر فى معانى هذه المصطلحات [ المفردات فى غريب
القرآن ] ـ مصدر سابق ـ.
( )7الحج.5 :
( )8المؤمنون12 :ـ .14
( )9النسان.2 :
( )10السجدة7 :ـ .8
( )11المرسلت20 :ـ .23
( )12الطارق5 :ـ .7
( )13النساء.82 :
-----------------------
-66حول موقف القرآن من الشرك بالله
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
648
بازغًا قال هذا ربى فلما أفل قال لئن لم يهدنى ربى لكونن من
القوم الضالين * فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربى هذا أكبر
فلما أفلت قال يا قوم إنى برئ مما تشركون * إنى وجهت
وجهى للذى فطر السموات والرض حنيفًا وما أنا من المشركين
جونى فى الله وقد هدان ول أخاف ما جه قومه قال أتحا ّ* وحا ّ
ما أفلتشركون به إل أن يشاء ربى شيئًا وسع ربى كل شىء عل ً
تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ول تخافون أنكم أشركتم
بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانًا فأى الفريقين أحق بالمن إن
كنتم تعلمون * الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم
المن وهم مهتدون * وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع
درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ) (.)3
أما هذه اليات ،فليس فيها دليل على أن إبراهيم ـ عليه السلم
ـ قد مر بمرحلة شرك ،وحاشا لله أن يقع فى ذلك ،وإنما هى
تحكى كيف آتى الله إبراهيم الحجة على قومه ..حجة التوحيد ،
ودحض الشرك..
فهى حجاج وحوار يسلم فيه إبراهيم جدل ً ـ كشأن الحوار ـ بما
يشركون ،لينقض هذا الشرك ،ويقيم الحجة على تهاوى ما به
يحتجون ،وعلى صدق التوحيد المركوز فى فطرته ..ليخلص من
هذا الحوار والحجاج والحتجاج إلى أن الخيار الوحيد المتبقى ـ
بعد هذه الخيارات التى سقطت ـ هو التوحيد..
فهو حوار التدرج من توحيد الفطرة إلى التوحيد القائم على
المنطق والبرهان والستدلل ،الذى فند دعاوى وحجج الخصوم..
والستدلل اليقينى (وليكون من الموقنين (وليس فيه انتقال من
الشرك إلى التوحيد.
تلك هى الحقيقة التى رجحها المفسرون.
* فالقرطبى ،أبو عبد الله محمد بن أحمد النصارى [671هـ
1273م] يقول فى تفسيره [ الجامع لحكام القرآن ] ـ مورد الراء
المختلفة حول هذا الموضوع:
قوله تعالى( :هذا ربى (اختلف فى معناه على أقوال ،فقيل :كان
مهلة النظر وحال الطفوليّة وقبل قيام الحجة ،وفى هذا منه فى ُ
تلك الحال ل يكون كفر ول إيمان.
وقال قوم :هذا ل يصح ،وقالوا :غير جائز أن يكون لله تعالى
حد وبه رسول يأتى عليه وقت من الوقات إل وهو لله تعالى مو ِّ
عارف ،ومن كل معبود سواه برئ .قالوا :وكيف يصح أن يتوهم
ل ،وأراه ملكوته هذا على من عصمه الله وأتاه رشده من قب ُ
ليكون من الموقنين ،ول يجوز أن يوصف بالخلو من المعرفة ،
بل عرف الرب أول النظر ..وقد أخبر الله تعالى عن إبراهيم أنه
649
ى أن نعبد الصنام ) ( )4وقال عز وجل( :إذ قال( :واجنبنى وبن ّ
جاء ربه بقلب سليم ) ( )5أى لم يشرك قط ..لقد قال( :هذا ربى
(على قول قومه ،لنهم كانوا يعبدون الصنام والشمس والقمر.
ونظير هذا قوله تعالى( :أين شركائى ) ( .)6وهو جل وعل واحد ل
شريك له ،والمعنى :أين شركائى على قولكم..
حجة على قومه ،فأظهر وقيل :إنما قال( :هذا ربى (لتقرير ال ُ
َ
حجة ،وقال :ما تَغَي َّر ل يجوز موافقتهم ،فلما أفل النجم قّرر ال ُ
أن يكون ربًّا ،وكانوا يعظمون النجوم ويعبدونها ويحكمون بها.
ومن أحسن ما قيل فى هذا ما صح عن ابن عباس أنه قال فى
قوله ـ عز وجل ـ( :نور على نور ) ( )7قال :كذلك قلب المؤمن
يعرف الله عز وجل ويستدل عليه بقلبه ،فإذا عرفه ازداد نوًرا
على نور ،وكذلك إبراهيم ـ عليه السلم ـ ،عرف الله عز وجل
بقلبه واستدل عليه بدلئله ،فعلم أن له ربًّا وخالقًا.
فلما عَّرفه الله عز وجل بنفسه ازداد معرفة فقال( :أتحاجونى
فى الله وقد هدان (.
وقيل :هو على معنى الستفهام والتوبيخ ،منكًرا لفعلهم ،
والمعنى :أهذا ربى ،أو مثل هذا يكون ربًّا ؟! فحذف الهمزة.
وفى التنزيل( " :أفإن مت فهم الخالدون ) ( .)8أى أفهم
الخالدون ؟.)9( " ..
ضا الزمخشرى ،أبو القاسم جار الله محمود * ومع هذا الرأى أي ً
بن عمر الخوارزمى [ 467ـ 538هـ 1075ـ 1144م ] ،صاحب تفسير
[ الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون القاويل فى وجوه التأويل ]
الذى يقول فى تفسير هذه اليات:
" وكان أبوه آزر وقومه يعبدون الصنام والشمس والقمر
والكواكب ،فأراد أن ينبههم على الخطأ فى دينهم ،وأن يرشدهم
إلى طريق النظر والستدلل ،ويعّرِفهم أن النظر الصحيح مؤدٍّ
إلى أن شيئًا منها ل يصح أن يكون إلها ،لقيام دليل الحدوث
حدِثًا أحدثها وصان ًعا صنعها ومدبًرا دبر طلوعها م ْ فيها ،وأن وراءها ُ
وأفولها وانتقالها ومسيرها وسائر أحوالها ".
(هذا ربى ( :قول من ينصف خصمه مع علمه بأنه مبطل ،
فيحكى قوله كما هو غير متعصب لمذهبه ،لن ذلك أدعى إلى
شغَب ،ثم يكُّر عليه بعد حكايته فيبطله الحق وأنجى من ال َّ
حجة.
بال ُ
(ل أحب الفلين ( :ل أحب عبادة الرباب المتغيرين من حال إلى
حال ،المنتقلين من مكان إلى مكان ،المحتجبين بستر ،فإن
جرام. ذلك من صفات ال ْ
650
(لئن لم يهدنى ربى ( :تنبيه لقومه على أن من اتخذ القمر إلها
وهو نظير الكواكب فى الفول فهو ضال ،وأن الهداية إلى الحق
بتوفيق الله ولطفه..
(إنى وجهت وجهى للذى فطر السموات والرض (أى للذى دلت
هذه المحدثات عليه وعلى أنه مبتدئها ومبدعها (.)10
ضا من المحدثين ـ الشيخ عبد الوهاب النجار * وعلى هذا الرأى أي ً
[ 1278ـ 1360هـ 1862،ـ 1941م] ـ صاحب [ قصص النبياء ] ـ الذى
يقول " :لقد أتى إبراهيم فى الحتجاج لدينه وتزييف دين قومه
بطريقة التدرج فى اللزام أو التدرج فى تكوين العقيدة.)11( " ..
وذلك هو موقف إبراهيم الخليل ـ عليه السلم ـ من الشرك ..لقد
عصمه الله منه ..وإنما هى طريقة فى الجدال يتدرج بها مع
قومه ،من منطلقاتهم ليصل إلى هدم هذه المنطلقات ،وإلى
إقامة الدليل العقلى على عقيدة التوحيد الفطرية المركوزة فى
القلوب.
( )1الزمر64 :ـ .66
( )2النساء.48 :
( )3النعام74 :ـ .83
( )4إبراهيم.35 :
( )5الصافات.84 :
( )6القصص.74 :
( )7النور.35 :
( )8النبياء.34 :
( [ )9الجامع لحكام القرآن ] ج 7ص ، 26 ، 25طبعة دار الكاتب
العربى للطباعة والنشر ـ القاهرة 1387هـ 1967م.
( [ )10الكشاف ] ج 2ص 31 ، 30طبعة دار الفكر ـ بيروت ـ بدون
تاريخ ـ وهى طبعة مصورة عن طبعة طهران " انتشارات أفتاب ـ
تهران " وهى الخرى بدون تاريخ للطبع.
( [ )11قصص النبياء ] ص 80طبعة دار إحياء التراث العربى ـ
بيروت ـ لبنان ـ بدون تاريخ للطبع.
------------------------
-67حول عصيان إبليس وهو من الملئكة الذين ل
يعصون الله
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
يؤكد القرآن أنه ل يمكن للملئكة أن تعصى الله [ التحريم] 6 :
ومع ذلك فقد عصى إبليس الذى كان من الملئكة ،كما فى الية
[ البقرة ] 34 :فأيهما صحيح ؟( .انتهى).
الرد على الشبهة:
651
الملئكة مخلوقات مجبولة على طاعة الله وعبادته والتسبيح له
وبه ..فهم ل يعصون الله سبحانه وتعالى(:يا أيها الذين آمنوا قوا
أنفسكم وأهليكم ناًرا وقودها الناس والحجارة عليها ملئكة غلظ
شداد ل يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) (.)1
ومع تقرير هذه الية أن هؤلء الملئكة القائمين على النار [ ل
يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ] يقرر القرآن الكريم
أن إبليس ـ وهو من الملئكة ـ فى قمة العصيان والعصاة( :وإذ
قلنا للملئكة اسجدوا لدم فسجدوا إل إبليس أبى واستكبر وكان
من الكافرين ) (.)2
وهناك إمكانية للجمع بين معانى اليتين ،وذلك بأن نقول :إن
عموم الملئكة ل يعصون الله ـ سبحانه وتعالى ـ فهم مفطورون
ومجبولون على الطاعة ..لكن هذا ل ينفى وجود صنف هم الجن ـ
ومنهم إبليس ،شملهم القرآن تحت اسم الملئكة ـ كما وصف
جنَّة ـ لخفائهم واستتارهم ـ وهذا الصنف من ضا بأنهم ِالملئكة أي ً
الجن ،منهم الطائعون ومنهم العصاة..
وفى تفسير المام محمد عبده [ 1265ـ 1323هـ 1849،ـ 1905م] لية
[ لبقرة ] 34 :يقول:
" أى سجدوا إل إبليس ،وهو فرد من أفراد الملئكة ،كما يفهم
من الية وأمثالها فى القصة ،إل آية الكهف فإنها ناطقة بأنه كان
من الجن ..وليس عندنا دليل على أن بين الملئكة والجن فصلً
جوهريًا يميز أحدهما عن الخر ،وإنما هو اختلف أصناف ،عندما
تختلف أوصاف .فالظاهر أن الجن صنف من الملئكة .وقد أطلق
القرآن لفظ الجنَّة على الملئكة ،على رأى جمهور المفسرين
فى قوله تعالى( :وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) ( .)3وعلى
الشياطين فى آخر سورة الناس " (.)4
ضا عند القرطبى ـ فى تفسيره [ الجامع ونحن نجد هذا الرأى أي ً
لحكام القرآن ] فيقول:
سبْط من الملئكة ،خلقوا من " وقال سعيد بن جبير :إن الجن ِ
خلق سائر الملئكة من نور ..والملئكة قد نار ،وإبليس منهم ،و ُ
تسمى جنا لستتارها .وفى التنزيل( :وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا
) ( )5وقال الشاعر أعشى قيس ـ فى ذكر سليمان ـ عليه
السلم:
ما لديه يعملون بل أجر (.)6 ن الملئكة تسعة قيا ً خر من ج ّ س َّ
و َ
فل تناقض إذ ًا بين كون الملئكة ل يعصون الله ..وبين عصيان
إبليس ..وهو من الجن ،الذين أطلق عليهم اسم الملئكة ـ فهو
مثله كمثل الجن هؤلء منهم الطائعون ومنهم العصاة.
( )1التحريم.6 :
652
( )2البقرة.34 :
( )3الصافات.158 :
( [ )4العمال الكاملة للمام محمد عبده ] ج 4ص ، 133دراسة
وتحقيق .د .محمد عمارة ،طبعة دار الشروق .القاهرة 1414هـ
1993م.
( )5الصافات.158 :
( [ )6الجامع لحكام القرآن ] ج 1ص 295 ، 294مصدر سابق.
----------------------
-68حول عصيان البشر :مع أنهم من المخلوقات
الطائعة القانتة لله
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
653
إن مفتاح الجابة عن هذا التساؤل ،هو فهم أنواع الرادة اللهية
والقضاء اللهى ..فالله سبحانه ل يريد العصيان ،ول يقضى
بالشر ..لكن إرادته وقضاءه نوعان:
َ
خي ّرة ..وذلك م َ
1ـ إرادة وقضاء تكوينى وحتمى للمخلوقات غير ال ُ
مثل القضاء الذى تتحدث عنه الية:
(فقضاهن سبع سموات فى يومين وأوحى فى كل سماء أمرها )
(.)3
(وإذا قضى أمًرا فإنما يقول له كن فيكون ) (.)4
ففى هذا اللون من المر اللهى والقضاء الربانى تكون
المخلوقات غير المختارة مجبولة على القنوت والطاعة والخضوع
لله سبحانه وتعالى..
2ـ إرادة وقضاء معهما تخيير..وذلك خاص بالنسان
خيَّر..المكلف ..المسئول والذى له ـ بسبب هذا التخيير م َال ُ
والحرية ـ حساب وجزاء.
وإلى مثل هذا تشير اليتان( :وقضى ربك أل تعبدوا إل إياه
وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلهما فل
ما * واخفض لهما تقل لهما أف ول تنهرهما وقل لهما قول ً كري ً
جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا ) (
.)5
فنحن هنا أمام قضاء إلهى ،شاء الله سبحانه وتعالى أن يترك
للنسان المخير إزاءه حرية الطاعة والعصيان ليتميز الخبيث من
الطيب ،وليكون الجزاء وفق العمل والرادة والختيار ..فالنسان
خيَّر ،الذى هداه الله النجدين ،له قدرات واستطاعات م َال ُ
الطاعة والعصيان ..ولذلك كان من جنس النسان المؤمن
والكافر ،والمطيع والعاصى ومن يبتغى وجه الله ومن يبتغى غير
دين الله ..بينما المخلوقات غير المختارة مجبولة على الطاعة
والخضوع (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من فى السموات
والرض طوع ًا وكرهًا وإليه يرجعون ) ( ، )6وقوله تعالى( :ولله
يسجد من فى السموات والرض طوع ًا وكرهًا ) ( ، )7وقوله
سبحانه وتعالى( :ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها
وللرض ائتيا طوع ًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين ) (.)8
ففى مخلوقات الله مخلوقات مجبولة على الطاعة والخضوع..
وفى هذه المخلوقات مخيرون ،منهم من يطيع ومنهم من يختار
العصيان ،فيبتغى غير دين الله !.
( )1الروم.26 :
( )2الحاقة 9 :ـ .10
( )3فصلت.12 :
654
( )4البقرة.117 :
( )5السراء23 :ـ .24
( )6آل عمران.83 :
( )7الرعد.15 :
( )8فصلت.11 :
---------------
-69حول مدة خلق السموات والرض
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
655
وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له
قال أعلم أن الله على كل شىء قدير ) (.)7
فبعض اليوم ،فى حساب النسان ـ هنا ـ بلغ مائة عام ..أى قرابة
ما
37000يوم ! وكذلك الحال فى قصة أهل الكهف ..فما حسبوه يو ً
أو بعض يوم قد بلغ ثلثمائة عام بالتقويم الشمسى وثلثمائة
وتسعة أعوام بالتقويم القمرى( ..قال قائل منهم كم لبثتم قالوا
ما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم ) (( ، )8ولبثوا لبثنا يو ً
فى كهفهم ثلث مائة سنين وازدادوا تسعًا * قل الله أعلم بما
لبثوا له غيب السموات والرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه
من ولى ول يشرك فى حكمه أحدا ) (.)9
* وكذلك الحال يوم ينفخ فى الصور ـ يوم البعث ـ يحسب بعض
ل ..بينما
المجرمين أن مكثهم فى الدنيا لم يتجاوز عشر ليا ٍ
يحسب آخرون منهم أن مكثهم لم يتعد اليوم الواحد( :يوم ينفخ
فى الصور ونحشر المجرمين يوميئذ زرقا * يتخافتون بينهم إن
لبثتم إل عشرا * نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن
لبثتم إل يوما ) (.)10
* أما عند الله ،سبحانه وتعالى فإن لمصطلح " اليوم " مدى ل
يعلم حقيقة طوله وأمده إل هو( :ويستعجلونك بالعذاب ولن
ما عند ربك كألف سنة مما تعدون ) (.)11 يخلف الله وعده وإن يو ً
والية ل تحدده بألف سنة مما نعد نحن فى تقويمنا ..وإنما
تستخدم أداة التشبيه ـ الكاف ـ (كأَلْف) ليظل المدى غير معلوم
لنا فى هذه الحياة ..وغير ممكن التحديد بوحداتنا نحن فى
القياس الزمنى.
فيوم الدين ـ الجزاء ـ ..وأيام الله ..واليام الستة التى خلق الله
فيها السموات والرض ..مداها ـ بمقاييس أيامنا نحن ـ ل يعلمها
إل الله ،سبحانه وتعالى..
* ثم إن ما اكتشفه العلم من سرعات للصوت ..وسرعات
للضوء ..وزمن للضوء ـ سنة ضوئية ـ يجعل تفاوت واختلف
المفاهيم والمقاييس لمصطلح " اليوم " أمًرا مقرًرا ومألوفًا.
هذا عن المشكلة الولى من مشكلتى السؤال..
أما المشكلة الثانية ـ من مشكلتى السؤال ـ والخاصة بحديث
بعض اليات القرآنية عن أن الخلق للسموات والرض قد يفهم
على أنه قد استغرق ثمانية أيام ،وليس ستة أيام ..وهى آيام
سورة فصلت( :قل أئنكم لتكفرون بالذى خلق الرض فى يومين
وتجعلون له أندادًا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسى من
فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين
* ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللرض ائتيا طوع ًا
656
أو كرهًا قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سموات فى يومين
وأوحى فى كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظًا
ذلك تقدير العزيز العليم ) (.)12
هذه " المشكلة " ل وجود لها ! ..فليس هناك تناقض ول تفاوت
بين المدة الزمنية التى جاءت فى هذه اليات وبين اليات الخرى
التى ورد فيها تحديد اليام الستة..
ففى هذه اليات ـ من سورة فصلت ـ نجد أن الله سبحانه
وتعالى يخبرنا بأنه( :خلق الرض فى يومين (.
ثم (جعل فيها رواسى من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها
(فى تمام (أربعة أيام ( ..أى فى يومين آخرين يضافان إلى
اليومين اللذين خلق فيهما الرض ،فيكون المجموع أربعة أيام..
وليس واردًا أن يكون خلق الرواسى وتقدير القوات قد استغرق
أربعة أيام..
ولعل الشبهة ـ التى جاءت فى السؤال ـ قد أتت من هنا ..أى من
توهم إضافة أربعة إلى اليومين اللذين خلقت فيهما الرض ،
فيكون المجموع ستة ..وإذا أضيف إليها اليومان اللذان خلقت
فيهما السماء (فقضاهن سبع سموات فى يومين (يكون المجموع
ثمانية أيام ،وليس ستة أيام ..لكن إزالة هذه الشبهة متحققة
بإزالة هذا الوهم ..فالرض خلقت فى يومين ..وخلق الرواسى
وتقدير القوات قد استغرق ما تمم اليومين أربعة أيام ..أى
استغرق هو الخر يومين ..ثم استغرق خلق السموات السبع
يومين ..فكان المجموع ستة أيام من أيام الله ،سبحانه وتعالى..
ولقد نبه المفسرون على هذه الحقيقة ـ المزيلة لهذا الوهم ـ
فقال القرطبى( " :فى أربعة أيام ( .ومثاله قول القائل :خرجت
من البصرة إلى بغداد فى عشرة أيام وإلى الكوفة فى خمسة
ما " (.)13
ما ،أى فى تتمة خمسة عشر يو ً عشر يو ً
وقال الزمخشرى:
" (فى أربعة أيام (فذلكة ( )14لمدة خلق الله الرض وما فيها ،
كأنه قال :كل ذلك فى أربعة أيام كاملة مستوية بل زيادة ول
نقصان ..وقال الزجاج :فى تتمة أربعة أيام ،يريد بالتتمة اليومين
" (.)15
فهذه اليات ـ من سورة فصلت ـ تؤكد هى الخرى ـ على أن
خلق السموات والرض إنما تم فى ستة أيام ..ومن ثم فل
تناقض بين آيات القرآن ول تفاوت فى مدة الخلق اللهى
للسموات والرض ..وحاشا أن يكون شىء من ذلك فى الذكر
الحكيم.
( )1العراف ، 54 :يونس.3 :
657
( )2هود.7 :
( )3الفرقان.59 :
( )4السجدة.4 :
( )5ق.38 :
( )6الحديد.4 :
( )7البقرة.259 :
( )8الكهف.19 :
( )9الكهف25 :ـ .26
( )10طه102 :ـ .104
( )11الحج.47 :
( )12فصلت9 :ـ .12
( [ )13الجامع لحكام القرآن ] ج 15ص 343ـ مصدر سابق.
( )14الفذلكة :جملة ما فصل وخلصته.
( [ )15الكشاف ] ج 3ص 444ـ مصدر سابق.
----------------
-70حول خلف القرآن للكتاب المقدس فى أسماء
بعض الشخصيات التاريخية
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
658
وفى هذا الطار ..ومن هذا المنطلق نناقش الشبهات التى يثيرها
هذا السؤال ..فنقول:
* بالنسبة لسم والد الخليل إبراهيم ـ عليه السلم ـ ل تختلف
معظم المصادر السلمية ـ سواء منها تفاسير القرآن ،أو قصص
النبياء على أن " آزر " ليس اسم والد إبراهيم ..وعلى أن اسمه
" تارح " ومن العلماء من يرى أن " آزر " اسم صنم ،وأن الية
خطاب استنكارى لعبادة والد إبراهيم لهذا الصنم ،تقدم المفعول
فى هذا الخطاب ..والمعنى أتتخذ آزر إلها ومعبودًا ؟..
ومن العلماء من يرى أن " آزر " لقب أطلق على " تارح " بعد
ما فى ذلك التاريخ.. أن عمل فى حاشية الملك الذى كان حاك ً
ونحن نقرأ ـ حول هذه القضية ـ فى تفسير القرطبى:
َ
" قوله تعالى( :وإذ قال إبراهيم لبيه آزر) تكل ّم العلماء فى هذا ،
فقال أبو بكر محمد بن محمد بن الحسن الجوينى الشافعى
الشعرى فى النكت من التفسير له :وليس بين الناس اختلف
فى أن اسم والد إبراهيم تارح .والذى فى القرآن يدل على أن
اسمه آزر ..وقيل :آزر اسم صنم كأنه قال :وإذا قال إبراهيم لبيه
ما آلهة..
أتتخذ آزر إلها ،أتتخذ أصنا ً
ت ـ [ أى القرطبى ] ما ادعاه من التفاق ليس عليه وفاق. قل ُ
فقد قال محمد بن إسحاق والكلبى والضحاك:
إن آزر أبو إبراهيم ـ عليه السلم ـ وهو تارح ،مثل إسرائيل
ت :فيكون له اسمان .وقال مقاتل :آزر لقب ،وتارح ويعقوب .قل ُ
اسم .وحكاه الثعلبى عن ابن إسحاق القشيرى .ويجوز أن يكون
العكس ..وقال الجوهرى :آزر اسم أعجمى ،وهو مشتق من آزر
فلن فلنًا إذا عاونه ،فهو مؤازٌر قومه على عبادة الصنام ..وقال
ما..
ن :آزر اسم صنم ،أى أتتخذ آزر إلها .أتتخذ أصنا ً مجاهد ويما ٍ
وقال الثعلبى فى كتاب العرائس :إن اسم أبى إبراهيم الذى
ما على خزانة آلهته سماه به أبوه تارح ،فلما صار مع النمرود قي ِّ ً
سماه آزر .وقال مجاهد إن آزر ليس باسم أبيه وإنما هو اسم
صنم ،وهو إبراهيم ابن تارح بن ناخور بن ساروع ابن أرغو بن
فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح ـ عليه
السلم ـ " (.)1
ونفس التفسيرات الموضحة لهذه الشبهة نجدها فى [ قصص
النبياء ]:
" قال السيد المرتضى الزبيدى ـ فى " ص 12ج 2تاج العروس ":
روى عن مجاهد فى قوله تعالى:
659
ما) قال :لم يكن بأبيه ،ولكن آزر اسم صنم ، (آزر أتتخذ أصنا ً
ب على إضمار الفعل والتلوة كأنه قال " :وإذ قال ص ٌ
فموضعه ن َ ْ
ما آلهة ".
إبراهيم أتتخذ آزر إلها ،أى أتتخذ أصنا ً
وقال الصغانى " :التقدير أتتخذ آزر إلها ".
وقد نقل شيخ العروبة المرحوم أحمد زكى باشا عبارة تاج
العروس السابقة فى أول كتابه " تكملة كتاب الصنام لبن
الكلبى ".
وهذا القول الذى قاله مجاهد أولى القوال عندى بالقبول .وعلى
ذلك يكون والد إبراهيم لم يذكر باسم العَلَمى فى القرآن الكريم.
ومما يستأنس له بأن " آزر " اسم إله أننا نجد فى اللهة القديمة
عند المصريين الله " أوزوريس " ومعناه الله القوى المعين ،
ضا فى أسماء اللهة( " .. وقد كانت المم السالفة يقلد بعضهم بع ً
.)2
فليست هناك مشكلة ،إذن ،حول هذا الموضوع.
أما الشبهة الثانية فى هذا السؤال ،والخاصة باسم الذى اشترى
وآوى يوسف ـ عليه السلم ـ فى بيته ،والذى أطلق عليه القرآن
الكريم اسم " عزيز " بينما سماه الكتاب المقدس ..Potipharفإنها
ل تمثل ،هى الخرى ،مشكلة من المشكلت.
ذلك أن منصب هذا الذى آوى يوسف كان " رئاسة الشرطة "..
واسمه " فوطيفار " ..ولقبه " العزيز " فل تناقض بين أسماء
التعريف به هذه ..ولقد تناولت ذلك المصادر السلمية ..ففى
[ قصص النبياء ]:
" وكان سيده رئيس شرطة المدينة ،واسمه " فوطيفار " ،
ويعبر عن منصبه فى العبرية بـ " سرها طباحيم " ،أى رئيس
الشرطة.)3( " ..
وفى تفسير القرطبى:
" قال الضحاك :هذا الذى اشتراه ملك مصر ،ولقبه العزيز..
واسمه قطفير .وقال ابن إسحاق :إطفير.
اشتراه لمرأته ..وقال ابن عباس :إنما اشتراه قطفير وزير ملك
مصر ..وكان هذا العزيز الذى اشترى يوسف على خزائن الملك..
" (.)4
أما الخلفات والختلفات الطفيفة فى نطق السم فهى واردة ،
بسبب النقل من لغة إلى لغة ..ومن لهجة إلى لهجة ..وبسبب
النسخ للمخطوطات .والتصحيف والتحريف ..فل مشكلة ، ..إذن ،
حول هذه السماء.
( [ )1الجامع لحكام القرآن ] ج 7ص 23 ، 22ـ مصدر سابق.
( [ )2قصص النبياء ] ص 72ـ مرجع سابق.
660
( )3المرجع السابق ص .122
( [ )4الجامع لحكام القرآن ] ج 9ص 158ـ مصدر سابق ـ.
---------------------
-71حول تسمية القرآن الكريم مريم " أخت هارون "
واختلفه فى ذلك مع الكتاب
المقدس
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
يسمى القرآن والدة المسيح ـ عليه السلم ـ باسم " أخت هارون
" [ مريم ] 28 :ولعل محمدًا صلى الله عليه وسلم ،خلط بين
خا
مريم أم المسيح ،ومريم أخرى كانت أختًا لهارون الذى كان أ ً
لموسى ـ عليه السلم ـ ومعاصًرا له ،ول يوجد مثل هذا التناقض
فى الكتاب المقدس( .انتهى).
661
حا ،ومن المفسرين من يقول إن هارون هذا كان رجل ً صال ً
مشهوًرا بالصلح والعفة ..فنسبها قومها إليه سخرية منها ،
ضا بما فعلت ،واستهزاء بدعواها الصلح ما عليها ،وتعري ًوتهك ً
والتقوى والتبتل فى العبادة بينما هى ـ فى زعمهم ـ قد حملت
حا..سفا ً
وقيل :إنه كان لها أخ من أبيها اسمه هارون وكان من ع ُبّاد
وصلحاء بنى إسرائيل ـ فنسبوها إليه ـ ..واسم هارون من
السماء الشائعة فى بنى إسرائيل (.)3
والشاهد ـ من كل ذلك ـ أن هذه التسمية لمريم بـ " أخت هارون
" ،ليست خبًرا قرآنيًا ،وإنما هى حكاية من القرآن الكريم لما
قاله قومها ..وهذه الحتمالت التى ذكرها المفسرون ،تعليلً
لهذه التسمية هى اجتهادات مستندة إلى تراث من التاريخ
والقصص والمأثورات.
( )1التحريم.12 :
( )2مريم.28 ،27 :
( )3انظر فى ذلك [ قصص النبياء ] ص 384 ، 383ـ مرجع سابق ـ
و [ الجامع لحكام القرآن ] ج 11ص 101 ، 100ـ مصدر سابق ـ .و
[ الكشاف ] ج 2ص 508ـ مصدر سابق ـ.
------------------
-72حول خلف القرآن للكتاب المقدس فى عصر
نمرود
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
662
الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذى
كفر والله ل يهدى القوم الظالمين ) (.)2
والقرآن الكريم لم يسم الملك الذى حاج إبراهيم فى ربه ؛ لن
جة ،والعبرة منها.. قصد القرآن من القصص هو مضمون المحا ّ
واسم الملك ل يقدم ول يؤخر فى المضمون والعِبرة .أما تسمية
جه إبراهيم ـ بـ " النّمروذ " والختلف فى هذا الملك ـ الذى حا ّ
نطق اسمه .ومدة ملكه ..فجميعها قصص تاريخى ،أورده
المفسرون..
فهو غير ملزم للقرآن الكريم ( ..)3ومن ثم ل يصح أن يورد ذلك
كشبهة تثار ضد القرآن ..فليس لدينا فى التاريخ الموثق
ج إبراهيم والمحقق ما يثبت أو ينفى أن اسم الملك الذى حا ّ
الخليل فى ربه هو " النّمروذ " .وإنما هو قصص تاريخى يحتاج
إلى تحقيق..
ت العهد القديم ،فى المواضع التى جاء ذكرها فى ولقد راجع ُ
السؤال [سفر التكوين الصحاح 11 ، 10 :8والصحاح 22 :10ـ 25
والصحاح 13 :11ـ ]26وهى تحكى عن قبائل نوح ،ومواليد ابنه
سام ،فلم أجد فيها ذكر الملك " النّمروذ ".
وفى [ دائرة المعارف السلمية ] التى كتبها المستشرقون ـ وقد
حرر مادة " إبراهيم " فيها " ج .إيزبرغ " ـ يأتى ذكر الملك نمروذ
فى قصة إبراهيم دون اعتراض ..وفى أثنائها إشارات إلى مصادر
عبرية أشارت إلى النمروذ ـ منها [ دللة الحائرين ـ لموسى بن
ميمون ـ الفصل ..] 29ومنها " سفر هياشار " فصل نوح..
وتأتى الشارة إلى " نمرود " الملك فى سفر التكوين ـ بالعهد
القديم ـ الصحاح 8 :10ـ 11باعتباره " الذى ابتدأ يكون جباًرا فى
الرض "..
وبه كان يُضرب المثل فى التجبر " ..وكان ابتداء مملكته بابل
وأرك وأكد ّ وكلنة من أرض شنغار .من تلك الرض خرج أشور
وبنى نينوى " ..إلخ ..إلخ..
وأخيًرا ..فليس هناك ما يمنع تكرار لسم " نمروذ " لكثر من
ملك فى أكثر من عصر وتاريخ ..ويبقى أن الشبهة ـ إذ ًا كانت
هناك شبهة ـ خاصة بالقصص التاريخى ..ول علقة لها بالقرآن
الكريم..
( )1النبياء68 :ـ .70
( )2البقرة.258 :
( )3انظر :القرطبى [ الجامع لحكام القرآن ] ج 3ص 283ـ 285ـ
مصدر سابق ـ والزمخشرى [ الكشاف ] ج 1ص 387ـ 389ـ مصدر
سابق ـ.
663
----------------------
-73حول السكندر ذى القرنين ..وهل كان عبدًا
حا ؟ أم من عبدة الوثان ؟صال ً
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
يمدح القرآن السكندر الكبر (ذو القرنين) كعبد صالح يؤمن بالله
[الكهف87 :ـ .]88ولكن جميع مؤرخى الغريق يجمعون على أنه
كان من عبدة الوثان .فكيف يصح ذلك ؟( .انتهى).
664
ويثنى القرطبى على شك وتشكيك ابن إسحاق هذا ،عندما
يورده ،ثم يقول " :والحق ما قال " ..أى أن الحق هو شك
وتشكيك ابن إسحاق فى هذا القصص ،الذى لم يخضع للتحقيق
والتمحيص وإن يكن موقف ابن إسحاق هذا ،وكذلك القرطبى ،
هو لون من التحقيق والتمحيص.
فليس هناك ،إذ ًا ما يشهد على أن السكندر الكبر المقدونى ـ
الملك الوثنى ـ هو ذو القرنين ،العادل ،والموحد لله..
( )1الكهف83 :ـ .84
( )2الكهف87 :ـ .88
( )3القرطبى [ الجامع لحكام القرآن ] ج 11ص 50ـ مصدر
سابق.
-------------------
-73حول غروب الشمس فى عين حمئة ومخالفة ذلك
للحقائق العلمية
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
665
البحر عند غروب الشمس ،فإن أفق بصره يجعله يرى قرص
الشمس يغوص ـ رويدًا رويدًا ـ فى قلب ماء البحر.
فالحكاية هنا عما يحسبه الرائى غروبًا فى العين الحمئة ،أو فى
البحر المحيط ..وليست الحكاية عن إخبار القرآن بالحقيقة
العلمية الخاصة بدوران الرض حول الشمس ،وعن ماذا يعنيه
العلم فى مسألة الغروب.
وقد نقل القفال ،أبو بكر الشاشى محمد بن أحمد بن الحسين
بن عمر [429ـ 507هـ 1037/ـ 1114م] عن بعض العلماء تفسيًرا لهذه
الرؤية ،متسقًا مع الحقيقة العلمية ،فقال " :ليس المراد أنه
[ أى ذو القرنين ] انتهى إلى الشمس مشرقًا ومغربًا حتى وصل
سها ..فهى أعظم من أن تدخل فى عين من عيون جْرمها وم َّ إلى ِ
الرض ،بل هى أكبر من الرض أضعافًا مضاعفة .وإنما المراد
أنه انتهى إلى آخر العمارة [ أى البقاع المعمورة والمأهولة ] من
جهة المغرب ومن جهة المشرق ،فوجدها فى رأى العين تغرب
فى عين حمئة ،كما أنا نشاهدها فى الرض الملساء كأنها تدخل
فى الرض ،ولهذا قال( :وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من
سهم وتلصقهم سترا ) ( .)2ولم يرد أنها تطلع عليهم بأن تما ّ دونها ِ
،بل أراد أنهم أول من تطلع عليهم.)3( " ..
فالوصف هو لرؤية العين ،وثقافة الرائى ..وليس للحقيقة
العلمية الخاصة بالشمس فى علقتها بالرض ودورانها ،وحقيقة
المعنى العلمى للشروق والغروب.
فل تناقض بين النص القرآنى وبين الثابت من حقائق العلوم..
( )1الكهف.86 :
( )2الكهف.90 :
( )3القرطبى [ الجامع لحكام القرآن ] ج 11ص 50 ، 49ـ مصدر
سابق ـ.
-----------------
-74حول حفظ الله للذكر وهل الذكر هو كل القرآن ؟
أم بعض القرآن؟
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
666
الرد على الشبهة:
وفى الجواب عن هذه الشبهة نسأل:
لماذا بعث الله ـ سبحانه وتعالى ـ الرسل ،وأنزل الكتب ؟.
لقد كان ذلك رعاية من الله لخلقه ..ولطفًا بهم ..وحتى يكون
حسابه لهم ـ كى ل يتساوى المحسن والمسىء ـ وجزاؤه إياهم
صا( ..وإن من أمة إل خل فيها نذير ) ( على أفعالهم عدل ً إلهيًا خال ً
( )1وما كنا معذبين حتى نبعث رسول ً ) (.)2
(لئل يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) (.)3
وقبل ختم النبوة والرسالة ،كانت مهمة حفظ كتب الرسالت
والشرائع موكولة إلى أمم هذه الرسالت كجزء من التكليف لهم
والختبار لستقامتهم فى هذا التكليف( :إنا أنزلنا التوراة فيها
هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون
والحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فل
تخشوا الناس واخشون ول تشتروا بآياتى ثمنًا قليل ً ومن لم يحكم
بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) (.)4لكنهم فرطوا فى القيام
بتكليف الحفظ للكتب بالنسيان حينًا وبالتحريف والخفاء حينًا
آخر( :فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون
م عن مواضعه ونسوا حظًا مما ذكروا به ول تزال تطلع على الكَل ِ َ
خائنة منهم إل قليل ً منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب
المحسنين * ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا
حظًا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم
القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون * يا أهل الكتاب قد
جاءكم رسولنا يبين لكم كثيًرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو
عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدى به الله من
اتبع رضوانه سبل السلم ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه
ويهديهم إلى صراط مستقيم ) (.)5
وعندما كانوا يحرفون هذه الكتب ،أو ينسون بعضها ويخفون
البعض الخر ،كان الله يبعث رسول ً جديدًا بكتاب جديد..
أما عندما أراد الله ـ سبحانه وتعالى ـ مع بلوغ النسانية سن
الرشد ـ ختم النبوات والرسالت بنبوة ورسالة محمد صلى الله
عليه وسلم ،فكان لبد لحفظ كتاب الشريعة الخاتمة من حافظ
ل يجوز عليه الهمال ،ول يتأتى منه التحريف ،ول يليق به
النسيان ..أى كان لبد من الحفظ المعصوم الدائم للكتاب
المعجز الخالد .لن ترك حفظ الكتاب الخاتم للبشر ،الذين يجوز
عليهم الهمال والتحريف والنسيان معناه طروء وحدوث التحريف
667
والضياع لهذا الكتاب ،حيث ل وحى سيأتى ول رسول سيبعث ول
كتاب سينزل..
ضا ـ سيضل الناس ول رعاية لهم ،ول المر الذى لو حدث ـ افترا ً
حجة عليهم ،تجعل من حسابهم وجزائهم عدل ً إلهيًا مناسبًا. ُ
ولذلك ،انتقلت مهمة حفظ الوحى الخاتم ـ القرآن الكريم ـ فى
الرسالة الخاتمة إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ الذى ل يتخلف
حفظه أبدًا ،بعد أن كانت هذه المهمة فى الرسالت السابقة ،
استحفاظًا من الله للناس ،أى طلبًا منه لهم أن يحفظوا ما أنزل
عليهم من الكتاب .فكان الوعد اللهى المؤكد( :إنا نحن نزلنا
الذكر وإنا له لحافظون ) (.)6
ولذلك هيأ الله لتدوين القرآن الكريم من كتبة الوحى ما لم يتهيأ
لكتاب سابق ..وجعل جمعه وعدًا إلهيًا وإنجاًزا ربانيًا( :ل تحرك به
لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع
قرآنه * ثم إن علينا بيانه ) ( .)7فكان الحفظ للقرآن ـ كل القرآن
ـ وعدًا إلهيًّا .وإنجاًزا ربانيًا ،وذلك حتى تستمر حجة الله على
عباده ،ويكون حسابه لهم عدل ً خال ً
صا.
ولم يقل أحد ،ول جائز فى العقل ـ فضل ً عن النقل ـ أن يقال:
إن الذكر ،الذى تعهد الله بحفظه ،هو بعض القرآن ،وليس كل
القرآن ..لن ضياع أى جزء من القرآن إنما يعنى تخلف رعاية
حجته على عباده ..ثم إن القرآن ل يقف الله لخلقه ،وسقوط ُ
بالحفظ عندما يطلق عليه الذكر ،فضل ً عن أن مصطلح الذكر
إنما يشمل كل القرآن ..تشهد على ذلك اليات الكثيرة فى كتاب
الله ..فالمراد بالذكر القرآن ..كل القرآن ..والكتاب ..كل الكتاب
ـ وليس بعضه ـ بدليل قول الله سبحانه وتعالى( :فاسألوا أهل
الذكر ) ( ، )8أى أهل الكتب السابقة ..والله يشير إلى القرآن
والتنزيل ـ أى كل ما نزل به الوحى ـ بلفظ الذكر (أو عجبتم أن
جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ) (( ، )9وقالوا يا
أيها الذى نُزِل عليه الذكر إنك لمجنون ) (( ، )10وأنزلنا إليك
الذكر لتبين للناس ما نُّزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) (( ، )11وهذا
ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون ) (( ، )12إن هو إل ذكر
وقرآن مبين ) (( ، )13وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم
لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون * وما هو إل ذكر
للعالمين ) (.)14
والذكر هو كل ما جاء به الوحى ،فالوحى هو الذكر (فاستمسك
بالذى أوحى إليك إنك على صراط مستقيم * وإنه لذكر لك
ولقومك وسوف تُسألون ) ( .)15بل إن سياق آية (إنا نحن نزلنا
الذكر (شاهد على أن الذكر والقرآن والكتاب هو الوحى (آلر تلك
668
آيات الكتاب وقرآن مبين ) (وما أهلكنا من قرية إل ولها كتاب
معلوم)( ،وقالوا يا أيها الذى نُزل عليه الذكر إنك لمجنون (( ،إنا
نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) (.)16
ثم إن القرآن الكريم يؤكد أن الحفظ ،ونفى الشك والريبة إنما
هو لكل القرآن ولجميع التنزيل ،وليس لبعض القرآن( :ذلك
الكتاب ل ريب فيه هدى للمتقين ) (( )17تنزيل الكتاب ل ريب فيه
من رب العالمين ) (( )18ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق ) ()19
(نزل عليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه ) (( )20إنا أنزلنا
إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس ) (( )21وأنزلنا إليك الكتاب
بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه ) (( .)22ما
فرطنا فى الكتاب من شىء ) ( ..)23ولو ضاع شىء من هذا
الكتاب أى القرآن والتنزيل لحدث التفريط الذى تنفيه هذه الية ،
ولنتفت حجة الله على البشر (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه
واتقوا لعلكم ترحمون * أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على
طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين * أو تقولوا لو أنا
أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم
وهدى ورحمة ) ( ..)24فحجة الله على الناس ـ بعد ختم الوحى
القرآن الكريم ـ تنتفى وتسقط إذا حدث جهل بشىء مما أنزل
فى الكتاب ـ القرآن ـ( :وما أهلكنا من قرية إل ولها كتاب
معلوم ) ( )25ولو أن القرآن ضاع منه شىء لتخلف وعد الله
بتنزيل تبيان كل شىء فيه ،لتتم شهادة الرسول صلى الله عليه
وسلم على أمته( :ويوم نبعث فى كل أمة شهيدًا عليهم من
أنفسهم وجئنا بك شهيدًا على هؤلء ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا
لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) (.)26
وختم النبوة والرسالة ،يعنى انتفاء بعث رسول جديد ،ونزول
حجة الله على عباده لبد من بقاء كتاب جديد ..وحتى تقوم ُ
القرآن كله محفوظًا ،ليكون قيّما على الناس ،أى دائم القيام
على هدايتهم وإرشادهم:
(الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا *
سا شديدًا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون قيما لينذر بأ ً
الصالحات أن لهم أجًرا حسنًا ) (.)27
وإذا كان الكتاب هو كل القرآن ،فلقد وعد الله سبحانه بأن
يحفظه ويورثه للذين اصطفاهم من عباده ،بعد أن أنزله على
المصطفى من رسله ،وجمعه وقرأه( :والذى أوحينا إليك من
الكتاب هو الحق مصدقًا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير *
ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه
669
ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل
الكبير ) (.)28
ومن صفات القرآن ـ كل القرآن ـ أنه كتاب عزيز ،أى منيع ،
محفوظ من العبث به وفيه ..وأنه ممتنع عن البطال ،ل يأتيه
الباطل من بينه يديه ول من خلفه ،بأى حال من الحوال( :إن
الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز * ل يأتيه الباطل
من بين يديه ول من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) (.)29
والذكر فى هذه الية هو كل الكتاب ،العزيز على أى عبث به
وفيه..
ى حكيم ،فوق ومن صفات القرآن ـ كل القرآن ـ أنه كتاب عل ّ
تطاول المتطاولين ،بشًرا كانوا أو أزمنة ودهوًرا( :إن جعلناه
قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون * وإنه فى أم الكتاب لدينا لعلى
حكيم ) (.)30
ومن صفات القرآن ـ كل القرآن ـ أنه فى كتاب مكنون :أى
مصون ومحفوظ عن اللعب والعبث والتحريف (إنه لقرآن كريم *
فى كتاب مكنون ) (.)31
ولقد صدّق التاريخ على هذا الحفظ اللهى لهذا القرآن المجيد..
ومن يقرأ تاريخ التوراة ـ حتى ذلك الذى كتبه علماء اليهودية ـ
يعلم ما أصابها بعد سنوات من نزولها ..وكيف أعيدت كتابة
أسفارها على النحو الذى صنعه " عزرا " وغيره من الحبار ،فى
صورة مليئة بالتحريف ..ومن يتأمل تناقضات الناجيل ـ حتى
الشهيرة منها ـ والفروق الجوهرية بينها وبين غير الشهيرة ـ من
مثل أناجيل " مخطوطات نجع حمادى " ،و " مخطوطات البحر
الميت " " ،إنجيل برنابا " يعلم ما أصاب النجيل بعد سنوات
معدودة من بعثة المسيح ـ عليه السلم ـ لكن ..ها هو القرآن
الكريم كما نزل به الروح المين على قلب الصادق المين ،لم
يتغير فيه حرف ول رسم ول حركة ول غُنّة ول مد ّ وقد مضى على
نزوله أكثر من أربعة عشر قرنًا مرت فيها أمته بأطوار من
التراجع والنحطاط ،وفقدت فيها الذاكرة السلمية مليين
المخطوطات التى أبادتها غزوات الطغاة ،واندثرت فيها مذاهب
وفلسفات ..وظل القرآن الكريم عزيًزا منيعًا محفوظًا بحفظ الله
خير الحافظين ..فالتاريخ ـ هو الخر ـ قد غدا شاهدًا على هذا
الحفظ اللهى لكل القرآن الكريم..
فبرهان العقل ـ المتعلق بختم الرسالة ..وختم الوحى ـ يجعل
حفظ القرآن ـ كل القرآن ـ لقامة الحجة على الناس ـ ضرورة
عقلية.
670
وكذلك النقل المتكرر فى القرآن ـ بلفظ القرآن ..والكتاب..
والتنزيل ..والذكر ..ـ شاهد هو الخر على الحفظ اللهى لكل
حرف وكل كلمة وكل آية وكل سورة من هذا القرآن الكريم..
فهو وحى الله الخاتم..
تعهد سبحانه وتعالى بجمعه وحفظه ،وحجة خالدة ،كى ل يكون
للناس على الله حجة إذا ما ضاع شىء من هذا التنزيل العزيز
المنيع الحكيم.
ً
أما بعض المرويات التى يفهم منها البعض شك ّا فى حفظ كل ما
نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن ..فإن
منطق العقل ،ومنهاج البحث العلمى ،وقواعد نقد النصوص
والمرويات ،التى اتفق عليها العلماء والعقلء من كل الحضارات
والفلسفات والنساق الفكرية ..كلها تؤكد على ضرورة الموازنة
بين المتعارض والمتناقض من الروايات ..والخذ بالمصدر الوثق
عند تعذر الجمع بين المرويات ..فإذا كان لدينا ـ على نحو ما
قدمنا ـ شهادة العقل الصريح على أن حفظ القرآن ـ كل القرآن
ـ هو ضرورة عقلية ،تقتضيها حقيقة ختم النبوة والرسالة
واكتمال الوحى ..وإذا كانت شهادة العقل الصريح هذه مدعومة
بنصوص آيات القرآن الكريم ،أى بالمصدر المعجز ،قطعى
الدللة والثبوت ..فهل يكون عاقل ً من يترك شهادة العقل
الصريح ،والنقل المعجز الصحيح ،ويلتفت إلى رواية من روايات
يعلم الله من رواها ؟ ولماذا رواها ؟.
إن منطق البحث العلمى ،الذى أجمع عليه كل عقلء الدنيا ،فى
التعامل مع النصوص ،قد حسم هذه القضية التى نرجو أن تكون
هذه الجابة حاسمة للشبهة المثارة حولها ..والله من وراء القصد
،منه نلتمس الهداية والحكمة والرشاد..
( )1فاطر.24 :
( )2السراء.15 :
( )3النساء.165 :
( )4المائدة.44 :
( )5المائدة13 :ـ .16
( )6الحجر.9 :
( )7القيامة16 :ـ .19
( )8النبياء.7 :
( )9العراف.69 :
( )10الحجر.6 :
( )11النحل.44 :
( )12النبياء.50 :
671
( )13يس.69 :
( )14القلم51 :ـ .52
( )15الزخرف43 :ـ .44
( )16الحجر.9 ،6 ،4 ،1 :
( )17البقرة.2 :
( )18السجدة.2 :
( )19البقرة.176 :
( )20آل عمران.3 :
( )21النساء.105 :
( )22المائدة.48 :
( )23النعام.38 :
( )24النعام155 :ـ .157
( )25الحجر.4 :
( )26النحل.89 :
( )27الكهف1 :ـ .2
( )28فاطر31 :ـ .32
( )29فصلت41 :ـ .42
( )30الزخرف3 :ـ .4
( )31الواقعة77 :ـ .78
-----------------
-75حول تاريخية أو خلود أحكام القرآن الكريم
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
672
أولها :أن هذه الدعوى ليست جديدة ،فلقد سبق وتبناها فلسفة
التنوير الغربى الوضعى العلمانى ،بالنسبة للتوراة والنجيل..
فرأوا أن قصصها مجرد رموز ،بل ورأوا أن الدين والتدين إنما
يمثل " مرحلة تاريخية " فى عمر التطور النسانى ،مثلت مرحلة
طفولة العقل البشرى ،ثم تلتها ـ على طريق النضج ـ مرحلة "
الميتافيزيقا " ،التى توارت هى الخرى لحساب المرحلة
ما إل إذا كان نابعًا من الواقع ،ول ترىالوضعية ،التى ل ترى عل ً
سبل ً للعلم والمعرفة إل العقل والتجارب الحسية ..وما عدا ذلك ـ
مثَّل مرحلة تاريخية
من الدين وأحكام شرائعه ـ فهى " إيمان " َ
حا لعصر العلم الوضعى ـ على درب التطور العقلى ،ولم يعد صال ً
اللهم إل لحكم العامة والسيطرة على نزعاتهم وغرائزهم !.
هكذا بدأت وتبلورت نزعة " تاريخية وتاريخانية " النصوص الدينية
فى فكر التنوير الغربى العلمانى والنهضة الوروبية الحديثة..
وإذا كان هذا القول قد جاز ،ووجد له بعض المبررات ـ فى
الغرب ـ بالنسبة لكتب رسالت خاصة بقوم بعينهم ـ بنى إسرائيل
ـ الذين جاءتهم اليهودية والمسيحية ،ونزلت لهم التوراة والنجيل
ـ ..ولزمان معين..
وبتفاصيل تشريعات ـ وخاصة فى التوراة ـ تجاوزها تطور الواقع ،
فإن دعوى تاريخية النص الدينى ل مكان لها ول ضرورة تستدعيها
بالنسبة للقرآن الكريم..
ذلك أن القرآن هو كتاب الشريعة الخاتمة ،والرسالة التى ختمت
بها النبوات والرسالت ،فلو طبقنا عليه قاعدة تاريخية النصوص
الدينية لحدث " فراغ " فى المرجعية الدينية ،إذ ل رسالة بعد
رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ،ول وحى بعد القرآن ..وإذا
حدث هذا " الفراغ " فى المرجعية والحجة اللهية على الناس ،
زالت حجة الله على العباد فى الحساب والجزاء ،إذ سيقولون:
يا ربنا ،لقد أنزلت علينا كتابًا نسخه التطور ،فماذا كان علينا أن
نطبق ،بعد أن تجاوز الواقع المتطور آيات وأحكام الكتاب الذى
أنزلته لهدايتنا ؟!.
وثانى هذه النقاط :أن التاريخية والتاريخانية ـ أى وقتية الحكام ـ
ل يقول بها أحد فى أحكام العبادات..
وإنما يقول بها أصحابها فى آيات وأحكام المعاملت .وهم
يخطئون إذا ظنوا أن هناك حاجة إليها فى أحكام المعاملت التى
جاء بها القرآن الكريم ذلك أن القرآن الكريم ـ فى المعاملت ـ
قد وقف عند " فلسفة " و " كليات " و " قواعد " و " نظريات "
صل فى تشريع المعاملت.. التشريع ،أكثر مما ف ّ
673
فهو قد فصل فى المور الثوابت ،التى ل تتغير بتغير الزمان
والمكان ،مثل منظومة القيم والخلق ،والقواعد الشرعية التى
تستنبط منها الحكام التفصيلية ،والحدود المتعلقة بالحفاظ على
المقاصد الكلية للشريعة ..ونزل تفصيل أحكام المعاملت لعلم
الفقه ،الذى هو اجتهاد محكوم بثوابت الشريعة اللهية ،ذلك
ما وأبدًا ،عبر
حتى يظل هذا الفقه ـ فقه المعاملت ـ متطوًرا دائ ً
الزمان والمكان ،ليواكب تغير الواقع ومستجدات الحداث ،فى
إطار كليات الشريعة وقواعدها ومبادئها ،التى تحفظ على
ما وأبدًا..
أحكامه المتطورة إسلميتها ،دائ ً
وهذه " الصيغة السلمية " الفريدة التى جاءت بالنص اللهى
الثابت ـ أى الشريعة التى هى وضع إلهى ثابت ـ تحفظ إسلمية
ما وأبدًا ..بينما وكلت أمر المتغيرات وإلهية المرجعية والمصدر دائ ً
إلى الفقه المتجدد والمتطور ـ والفقه هو علم الفروع ـ ..هذه "
الصيغة السلمية " هى التى وازنت بين ثبات النص وتطور
التفسير البشرى للنص اللهى الثابت ..وجمعت بين ثبات "
الوضع اللهى " وتطور " الجتهاد الفقهى " ..أى جمعت بين ثبات
المرجعية والنص ،وبين تطور الجتهاد الفقهى المواكب
لمتغيرات الواقع عبر الزمان والمكان..
ثالث هذه النقاط :تتعلق بالمثلة التى سيقت وتساق من قبل
دعاة تاريخية وتاريخانية النصوص الدينية ،للتدليل على ضرورة
تطبيق هذه التاريخانية ـ فى زعمهم ـ على أحكام القرآن الكريم
فى المعاملت..
ونحن عندما ننظر فى هذه المثلة ـ وهى هنا ـ " :ميراث المرأة
وشهادتها " نزداد يقينًا بخطأ دعوى تطبيق هذه التاريخانية على
القرآن الكريم ،وعلى الحكام التشريعية الواردة فيه ..فليس
حا أن توريث المرأة فى السلم قد جانب النصاف لها ، صحي ً
حا للزمان الماضى دون الزمان المعاصر حتى يكون حكمه صال ً
ما
والمستقبل ..فالنثى ـ فى السلم ـ ل ترث نصف الذكر دائ ً
وأبدًا ..والقرآن لم يقل يوصيكم الله فى الوارثين للذكر مثل حظ
النثيين.
وإنما جعل ذلك فى حالة بعينها هى حالة " الولد " ،وليس فى
مطلق وكل الوارثين( :يوصيكم الله فى أولدكم للذكر مثل حظ
ما للميراث فإن القرآن قد النثيين ) ( .)1أما عندما كان التقعيد عا ً
ما هو لفظ " النصيب " لكل الذكور والناث على استخدم لفظًا عا ً
حد سواء( :للرجال نصيب مما ترك الوالدان والقربون وللنساء
ل منه أو كثر نصيبًانصيب مما ترك الوالدان والقربون مما ق َّ
ضا ) (.)2
مفرو ً
674
ومعايير التفاوت فى أنصبة الميراث ل علقة لها بالجنس ـ ذكورة
أو أنوثة ـ على الطلق ـ على غير ما يحسب ويظن الكثيرون ـ
إن لم يكن الكثرون ! وإنما معايير هذا التفاوت ثلثة:
1ـ درجة القرابة .فكلما كان الوارث أقرب إلى الموّرث زاد
نصيبه فى الميراث.
2ـ وموقع الجيل الوارث فى تسلسل الجيال وتلك حكمة إلهية
بالغة فى فلسفة السلم للميراث ـ وكلما كان الوارث صغيًرا من
جيل يستقبل الحياة وأعباءها ،وأمامه المسئوليات المتنامية ،
كان نصيبه من الميراث أكبر ..فابن المتوفى يرث أكثر من أب
المتوفى ـ وكلهما ذكر ـ وبنت المتوفى ترث أكثر من أمه ـ
وكلتاهما أنثى ..بل إن بنت المتوفى ترث أكثر من أبيه.
3ـ والعامل الثالث فى تفاوت أنصبة الميراث هو العبء المالى
الذى يتحمله ويكلف به الوارث طبقًا للشريعة السلمية ..فإذا
اتفقت وتساوت درجة القرابة ..وموقع الجيل الوارث ـ مثل مركز
الولد ـ أولد المورث ـ مع تفاوت العبء المالى بين الولد الذكر
ـ المكلف بإعالة زوجة وأسرة وأولد ـ وبين البنت ـ التى سيعولها
هى وأولدها زوج ذكر ـ هنا يكون للذكر مثل حظ النثيين ..وهو
تقسيم ليس فيه أية شبهة لظلم النثى..
بل ربما كان فيه تمييز وامتياز لها ،احتياطًا لستضعافها..
وهذه الحقائق فى المواريث السلمية ـ التى يجهلها ويتجاهلها
دعاة تاريخية آيات الميراث ـ هى التى جعلت المرأة ـ فى
الجداول الجمالية لحالت الميراث السلمى ـ ترث مثل الرجل ،
أو أكثر من الرجل ،أو ترث ول يرث الرجل فى أكثر من ثلثين
حالة من حالت الميراث السلمى ،بينما هى ترث نصف ما يرث
الذكر فى أربع حالت فقط (.! )3
وكذلك الحال مع " شهادة المرأة " ..ففى المور والميادين التى
تقل فيها خبرة المرأة عن الرجل ،تكون شهادتها أقل من
شهادته ..وحتى ل تهدر شهادتها كلية فى هذه الميادين ،سمح
القرآن بشهادتها ،على أن تُدعم بشهادة واحدة من بنات
جنسها ،تذكرها بما تنساه من وقائع الشهادة ..أما الميادين التى
تختص بالمرأة ،والتى تكون خبرتها فيها أكثر ،فإن شهادتها فيها
تكون أعلى ،وأحيانًا ضعف شهادة الرجل ..بل إن شهادتها تعتمد
حيث ل تعتمد شهادة الرجل فى بعض هذه الميادين.
والذين يظنون أن آية سورة البقرة( :يا أيها الذين آمنوا إذا
تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل
ول يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذى عليه
الحق وليتق الله ربه ول يبخس منه شيئًا فإن كان الذى عليه
675
الحق سفيهًا أو ضعيفًا أو ل يستطيع أن يمل هو فليملل وليه
بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين
فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما
فتذكر إحداهما الخرى ول يأب الشهداء إذا ما دعوا ول تسأموا
أن تكتبوه صغيًرا أو كبيًرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم
للشهادة وأدنى أل ترتابوا إل أن تكون تجارة حاضرة تديرونها
بينكم فليس عليكم جناح أل تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ول يضار
كاتب ول شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم
الله والله بكل شىء عليم * وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبًا
ضا فليؤدِّ الذى اؤتمن أمانته فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بع ً
وليتق الله ربه ول تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله
بما تعملون عليم ) (.)4
الذين يظنون أن هذه الية ـ 282ـ تجعل شهادة المرأة نصف
شهادة الرجل بإطلق ،وفى كل الحالت مخطئون وواهمون..
فهذه الية تتحدث عن دَين خاص ..فى وقت خاص ،يحتاج إلى
كاتب خاص ،وإملء خاص ،وإشهاد خاص..
وهذه الية ـ فى نصها ـ استثناء ..( :إل أن تكون تجارة حاضرة
تديرونها بينكم فليس عليكم جناح أل تكتبوها).
ثم إنها تستثنى من هذه الحالة الخاصة الشهاد على البيوع ،فل
تقيدها بما قيدت به حالة هذا الدين الخاص ..ثم إنها تتحدث ،
مخاطبة ،لصاحب الدين ،الذى يريد أن يستوثق لدينه الخاص
هذا بأعلى درجات الستيثاق ..ول تخاطب الحاكم ـ القاضى ـ
الذى له أن يحكم بالبينة واليمين ،بصرف النظر عن جنس
الشاهد وعدد الشهود الذين تقوم بهم البينة ..فللحاكم ـ القاضى
ـ أن يحكم بشهادة رجلين ..أو امرأتين ..أو رجل وامرأة ..أو رجل
واحد ..أو امرأة واحدة ..طالما قامت البينة بهذه الشهادة..
ومن يرد الستزادة من الفقه السلمى فى هذه القضية ـ التى
يجهلها الكثيرون ـ فعليه أن يرجع إلى آراء شيخ السلم ابن تيمية
[ 661ـ 728هـ1263/ـ 1328م] وتلميذه العظيم ابن قيم الجوزية [691ـ
751هـ1262/ـ 1350م] فى كتابه [ الطرق الحكمية فى السياسة
الشرعية ] ( ..)5ففيه ـ وفق نص ابن تيمية ـ أن ماجاء عن
شهادة المرأة فى آية سورة البقرة ،ليس حصًرا لطرق الشهادة
وطرق الحكم التى يحكم بها الحاكم ،وإنما ذكر لنوعين من
البينات فى الطرق التى يحفظ بها النسان حقه..
فالية نصيحة لهم وتعليم وإرشاد لما يحفظون به حقوقهم ،وما
تحفظ به الحقوق شىء وما يحكم به الحاكم شىء ،فإن طرق
الحكم أوسع من الشاهدين والمرأتين.
676
ولقد قال المام أحمد بن حنبل [164ـ 241هـ780/ـ 855م] إن شهادة
الرجل تعدل شهادة امرأتين فيما هو أكثر خبرة فيه ،وأن شهادة
المرأة تعدل شهادة رجلين فيما هى أكثر خبرة فيه من الرجل..
فالباب مفتوح أمام الخبرة التى هى معيار درجة الشهادة ،فإذا
تخلفت خبرة الرجل فى الميدان تراجع مستوى شهادته فيه..
وإذا تقدمت وزادت خبرة المرأة فى الميدان ارتفع مستوى
شهادتها فيه ..وليس هناك فى الفقه السلمى تعميم وإطلق فى
هذا الموضوع ،إذ الشهادة سبيل للبينة التى يحكم الحاكم ـ
القاضى ـ بناء عليها ،بصرف النظر عن جنس الشهود وعددهم.
ولو فقه الداعون إلى تاريخية وتاريخانية آيات الحكام فى القرآن
حقيقة هذه الحكام التى توهموا الحاجة إلى تجاوزها ـ فقالوا
بتاريخية ووقتية معانى نصوصها القرآنية ـ لدركوا أن وقوف
النص القرآنى عند كليات وفلسفات وقواعد ونظريات التشريع ،
مع ترك تفصيلت التشريع لجتهادات الفقهاء ،هو الذى جعل
أحكام القرآن الكريم فى المعاملت ـ فضل ً عن العبادات ..والقيم
والخلق ـ صالحة لكل زمان ومكان ،فكانت شريعته آخر وخاتم
الشرائع السماوية ،دونما حاجة إلى هذه " التاريخية " التى
استعاروها من الفكر الغربى ،دونما إدراك لخصوصية النص
السلمى ،وتميز مسيرة الفقه السلمى والحضارة السلمية..
ولو أنهم فقهوا حقيقة المثلة التى توهموها دواعى لهذه
التاريخية ـ من مثل ميراث المرأة..
وشهادتها ـ لكفونا مئونة هذا الجهد فى كشف هذه الشبهات!..
( )1النساء.11 :
( )2النساء.7 :
( )3لمزيد من التفاصيل ،أنظر :د .محمد عمارة [ هل السلم هو
الحل ؟ ] طبعة دار الشروق .القاهرة 1998م .ود .صلح سلطان
[ميراث المرأة وقضية المساواة] طبعة دار نهضة مصر.القاهرة
1999م.
( )4البقرة282 :ـ .283
( )5ص 103ـ .104تحقيق :د .جميل غازى ،طبعة القاهرة 1977م.
-----------------------
-76جمع القرآن الكريم
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
677
والواقع أن الذى ألجأهم إلى التسلل من هذه " الوليجة " وهى
وقائع جمع القرآن أمران رئيسيان :
الول :محاولتهم نزع الثقة عن القرآن وخلخلة اليمان به حتى ل
يظل هو النص اللهى الوحيد المصون من كل تغيير أو تبديل ،أو
زيادة أو نقص .
الثانى :تبرير ما لدى أهل الكتاب (اليهود والنصارى) من نقد وجه
إلى الكتاب المقدس بكل عهديه :
القديم (التوراة) والجديد (الناجيل) ليقطعوا الطريق على ناقدى
الكتاب المقدس من المسلمين ،ومن غير المسلمين .
ومواطن الشبهة عندهم فى وقائع جمع القرآن والمراحل التى
مَّر بها ،هى :
أن القرآن لم يُدوَّن ولم يكتب فى مصحف أو مصاحف كما هو
الشأن الن ،إل بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم أما فى
حياته ،فلم يكن مجموعا ً فى مصحف .وأن جمعه مًّر بعدة
مراحل :
الولى :فى خلفة أبى بكر -رضى الله عنه -وهو جمع ابتدائى
غير موثق تمام التوثيق كما يزعمون ؟ .
الثانية :فى خلفة عثمان بن عفان رضى الله عنه وقد كان
الجمع فى هذه المرحلة قابل ً لدخال كثير من الضافات التى
افتقر إليها تدوين القرآن فيما بعد .لن القرآن لم يكن فيهما
مضبوطًا مشكول ً .
ت بالنص القرآنى وأبرزها : ُ
الثالثة :الضافات التى أل ْ ِ
حقَ ْ
* نَقْط حروفه لتمييز بعضها من بعض ،مثل تمييز الخاء من
الجيم والحاء ،وتمييز الجيم من الخاء والحاء ،وتمييز التاء بوضع
نقطتين فوقها عن كل من الياء والباء والنون والثاء .
مدُ -1ضبط كلماته بالضم والفتح والكسر والجزم ،مثل " :ال ْ َ
ح ْ َ
مين " وهذا أمر طارئ على جمع القرآن فى لِل ّهِ َر ِّ
ب الْعَال َ ِ
مرحلتيه السابقتين .
-2علمات الوقف:مثل :ج صلى ل قلى م -3 00 00وضع الدوائر
المرقوم فيها أرقام اليات فى كل سورة .
إن كل هذه الضافات لم تكن موجودة فى العصر النبوى ،بل ول
فى عهد الخلفاء الراشدين .
يذكرون هذا كله ليصوروا أن الشبهة التى لوحظت فى جمع
المصحف الحاوى للقرآن الكريم ،تزرع الشكوك والريوب (جمع
ريب) فى وحدة القرآن واستقراره وسلمته من التحريف .فعلم
إذن يصر المسلمون على اتهام التوراة التى بيد اليهود الن أنها ل
تمثل حقيقة التوراة التى أنزلها الله على موسى عليه السلم ؟
678
أو لماذا يطلقون هذا الوصف على مجموعة " الناجيل " :التى
بيد النصارى الن ؟ الرد على هذه الشبهة :
ن تأخير تدوين القرآن عن حياة النبى صلى الله عليه وسلم إ ًّ
وجمعه فى مصحف فى خلفة أبى بكر رضى الله عنه ،لمساس
له مطلقًا بوحدة القرآن وصلة كل كلمة بالوحى اللهى ؛ لن
القرآن قبل جمعه فى مصاحف كان محفوظًا كما أنزله الله على
خاتم المرسلين .
والعرب قبل السلم ،وفى صدر السلم المبكر كانوا ذوى
ملكات فى الحفظ لم يماثلهم فيها شعب أو أمة ،من قبلهم أو
معاصرة لهم ،ومن يعرف الكتابة والقراءة فيهم قليلون فكانوا
يحفظون عن ظهر قلب ما يريدون حفظه من منثور الكلم
ومنظومه .
وروعة نظم القرآن ،ونقاء ألفاظه ،وحلوة جرسه ،وشرف
معانيه ،هذه الخصائص والسمات فاجأت العرب بما لم يكونوا
يعرفون ،فوقع من أنفسهم موقع السحر فى شدة تأثيره على
العقول والمشاعر ،فاشتد اهتمامهم به ،وبخاصة الذين كانوا من
السابقين إلى اليمان به ،وكانوا يترقبون كل جديد ينزل به
الوحى المين ،يجمعون بين حفظه والعمل به .
وكان النبى صلى الله عليه وسلم كلما نزل عليه شئ من الوحى
يأمر كُتًّاب الوحى بكتابته فوًرا ،سماع ًا من فمه الطاهر ثم ينشر
ما نزل من الوحى بين الناس .
وقد ساعد على سهولة حفظه أمران :
ما) أى مفرقًا على مدى ثلث وعشرين سنة ؛ من َ َّ
ج ً الول :نزوله ( ُ
لنه لم ينزل دفعة واحدة كما كان الشأن فى الوحى إلى الرسل
السابقين .
مفََّرقًا هو ارتباطه بتربية المة ،
والسبب فى نزول القرآن ُ
والترقى بها فى مجال التربية طوًرا بعد طور ومعالجة ما كان
يجد من مشكلت الحياة ،ومواكبة حركة بناء الدعوة من أول
شعاع فيها إلى نهاية المطاف .
الثانى :خصائص النظم القرآنى فى صفاء مفرداته ،وإحكام
تراكيبه ،واليقاع الصوتى لدائه متلوًّا باللسان ،مسموع ًا
بالذان ،وما يصاحب ذلك من إمتاع وإقناع ،كل ذلك أضفى على
آيات القرآن خاصية الجذب إليه ،والميل الشديد إلى القبال
ل من عليه ،بحيث يجذب قارئه وسامعه واقعًا فى أسره غير ملو ٍ
طول الصحبة معه .
ما فى الحساس بهذه مه ًّ
وتؤدى فواصل اليات فى القرآن دوًرا ُ ِ
الخصائص .ولنذكر لهذا " مثل ً " من سور القرآن الكريم :
679
بسم الله الرحمن الرحيم (والعاديات ضبحا * فالموريات قدحا *
حا * فأثرن به نقعًا * فوسطن به جمعًا * إن فالمغيرات صب ً
النسان لربه لكنود * وإنه على ذلك لشهيد * وإنه لحب الخير
حصل ما فى الصدور لشديد * أفل يعلم إذا بُعثر ما فى القبور * و ُ
* إن ربهم بهم يومئذ لخبير)(. )1
عدد آيات هذه السورة [ العاديات ] إحدى عشرة آية ،وقد
وزعت من حيث الفواصل ،وهى الكلمات الواقعة فى نهايات
اليات ،على أربعة محاور ،هى :الثلث اليات الولى ،وكل
فاصلة فيها تنتهى بحرف الحاء :ضبحا قدحا صبحا .
واليتان الرابعة والخامسة ،كل فاصلة فيهما انتهت بحرف العين
معا .
ج ْ
:نقعا َ
واليات السادسة والسابعة والثامنة ،انتهت فواصلها بحرف
الدال :لكنود لشهيد لشديد .
أما اليات التاسعة ،والعاشرة ،والحادية عشرة ،فقد انتهت
فواصلها بحرف الراء :القبور الصدور لخبير .
مع ملحظة أن حروف الفواصل فى هذه السورة ماعدا اليات
الثلث الولى مسبوقة بحرف " مد " هو " الواو " فى " :لكنود "
و " الياء " فى " :لشهيد لشديد " .
ثم " الواو " فى " :القبور الصدور ثم " الياء " فى " :لخبير "
وحروف المد تساعد على " تطرية " الصوت وحلوته فى السمع
.لذلك صاحبت حروف المد كلمات " الفواصل " فى القرآن كله
تقريبًا ،وأضفت عليها طابعًا غنائيًا من طراز فريد ( )2جذب
السماع ،وحرك المشاعر للقبال على القرآن بشدة أسره إياهم
عن طريق السماع ،ليكون ذلك وسيلة للقبال على فقه معانيه ،
ثم اليمان به .
ومن سمات سهولة الحفظ فى هذه السورة أمران :
أنها سورة قصيرة ،حيث لم تتجاوز آياتها إحدى عشرة آية .
قصر آياتها ،فمنها ما تألف من كلمتين ،وهى اليات الثلث
الولى .ومنها ما تألف من ثلث كلمات ،وهى اليتان الرابعة
والخامسة .ومنها ما تألف من أربع كلمات ،وهى اليات :
السادسة والسابعة والثامنة .وآيتان فحسب كلماتها خمس ،
وهما العاشرة والحادية عشرة .وآية واحدة كلماتها سبع ،هى
الية التاسعة .
ونظام " عقد المعانى " فى السورة رائع كروعة نظمها .فاليات
ل المجاهدين فى سبيل الله . خي ْ ِ
م جليل ب ِ َ الثلث الولى قَ َ
س ٌ
680
واليتان الرابعة والخامسة استطراد مكمل لمعانى المقسم به ،
شدة إغارتها التى تثير غبار الرض ،وسرعة عَدْوِهٍَا ومفاجأتها
العدوّ فى الغارة عليه .
ثم يأتى المقسم عليه فى الية السادسة " :إن النسان لربه
لكنود " :عاص لله ،كفور بإنعامه عليه وفى الية السابعة إلماح
إلى علم النسان بأنه عاق لربه ،شهيد على كفرانه نعمته .
وفى الية الثامنة تقبيح لمعصية النسان لربه ،وإيثار حطام الدنيا
على شكر المنعم .
أما اليات الثلث الخيرة من ( )9إلى ( )11فهى إنذار للنسان
الكفور بنعم ربه إليه .
وهذه السمات ،ليست وقفًا كلها على سورة " والعاديات " بل
هى مع غيرها ،سمات عامة للقرآن كله ،وبهذا صار القرآن
سهل الحفظ لمن حاوله وصدق فى طلبه وسلك الطريق الحق
الموصل إليه ( )3إن الحفظ كان العلقة الولى بين المسلمين
وبين كتاب ربهم وكان الحفظ له وسيلة واحدة ضرورية يعتمد
عليها ،هى السماع .وهكذا وصل إلينا القرآن ،من بداية نزوله
إلى نهايته .
وأول سماع فى حفظ القرآن كان من جبريل عليه السلم الذى
وصفه الله بالمين .
وأول سامع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ،سمع القرآن
كله مرات من جبريل .
مع كان هو عليه الصلة والسلم بعد سماعه القرآن س ِّ
م َ
وثانى ُ
من جبريل .
ب الوحى ،سمعوه من النبى عليه أما ثانى سامع للقرآن فهم كُتَّا ُ
الصلة والسلم فور سماعه القرآن من جبريل ؛ لنه كان إذا نزل
ب الوحىالوحى ،وفرغ من تلقى ما أنزله الله إليه دعا كُتَّا َ
فأملى على مسامعهم ما نزل فيقومون بكتابته على الفور .
ثم يشيع عن طريق السماع ل الكتابة ما نزل من القرآن بين
المؤمنين ،إما من فم الرسول صلى الله عليه وسلم ،أو من
أفواه كتاب الوحى .
سر الله تعالى لحفظ القرآن واستمرار حفظه كما أنزله لله وقد ي َّ
،أوثق الطرق وأعلها قدًرا فكان صلى الله عليه وسلم يقرؤه
على جبريل فى كل عام مرة فى شهر رمضان المعظم .ثم فى
م عرض القرآن تلوة على جبريل العام الذى لقى فيه ربه ت َ َّ
مرتين .زيادة فى التثبت والتوثيق .
وفى هذه الفترة (فترة حياة النبى) لم يكن للقراء مرجع سوى
المحفوظ فى صدر النبى عليه الصلة والسلم ،وهو الصل الذى
681
يُرجع إليه عند التنازع ،أما ما كان مكتوبًا فى الرقاع والورق فلم
يكن مما يرجع إليه الناس ،مع صحته وصوابه .
وكذلك فى عهدى الشيخين أبى بكر وعمر رضى الله عنهما كان
العتماد على الحفظ فى الصدور هو المعول عليه دون الكتابة ؛
لنها كانت مفرقة ،ولم تكن مجموعة .
وكانت حظوظ الصحابة ،من حفظ القرآن متفاوتة ،فكان منهم
من يحفظ القدر اليسير ،ومنهم من يحفظ القدر الكثير ،ومنهم
من يحفظ القرآن كله .وهم جمع كثيرون مات منهم فى موقعة
اليمامة فى خلفة أبى بكر سبعون حافظًا للقرآن ،وكانوا
يسمون حفظة القرآن ب " القَُّراء " .
ول يقدح فى ذلك أن بعض الروايات تذهب إلى أن الذين حفظوا
القرآن كله من الصحابة كانوا أربعة أو سبعة ،وقد وردت بعض
هذه الروايات فى صحيحى البخارى ومسلم لن ما ورد فيهما له
توجيه خاص ،هو أنهم حفظوا القرآن كله وعرضوا حفظهم على
رسول الله تلوة عليه فأقرهم على حفظهم ،وليس معناه أنهم
هم الوحيدون الذين حفظوا القرآن من الصحابة (. )4
أول جمع للقرآن الكريم لم يجمع القرآن فى مصحف فى حياة
النبى صلى الله عليه وسلم ،ول فى صدر خلفة أبى بكر رضى
الله عنه ،وكان حفظه كما أنزل الله فى الصدور هو المتبع .
وفى هذه الثناء كان القرآن مكتوبًا فى رقاع متفرقًا .هذه
الرقاع وغيرها التى كتب فيها القرآن إملء من فم النبى صلى
الله عليه وسلم ،ظلت كما هى لم يطرأ عليها أى تغيير من أى
نوع .
حفّاظِه دعت الحاجة إلى جمع ما كتب َ ولما قتل سبعون رجل ً من ُ
مفرقًا فى مصحف واحد فى منتصف خلفة أبى بكر باقتراح من
عمر رضى الله عنهما .
وبعد وفاة أبى بكر تسلم المصحف عمر بن الخطاب ،وبعد وفاته
ظل المصحف فى حوزة ابنته أم المؤمنين حفصة رضى الله عنها
(. )5
وفى هذه الفترة كان حفظ القرآن فى الصدور هو المتبع كذلك .
ح َّفاظه من الصحابة بعد انتقال النبى عليه الصلة وانضم إلى ُ
والسلم إلى الرفيق العلى ،التابعون من الطبقة الولى ،
وكانت علقتهم بكتاب الله هى الحفظ بتفاوت حظوظهم فيه قلة
وكثرة ،وحفظًا للقرآن كله ،وممن اشتهر منهم بحفظ القرآن
كله التابعى الكبير الحسن البصرى رضى الله عنه وآخرون .
كان هذا أول جمع للقرآن ،والذى تم فيه هو جمع الوثائق التى
كتبها كتبة الوحى فى حضرة رسول الله ،بمعنى تنسيق وثائق
682
كل سورة مرتبة آياتها على نسق نزولها ،ول معنى لهذا الجمع إل
ما ذكرناه ،وإطلق وصف المصحف عليه إطلق مجازى صرف .
والقصد منه أن يكون مرجعًا موثوقًا به عند اختلف الحفاظ .
ومما يجب التنبيه إليه مرات أن الجمع فى هذه المرحلة لم يضف
شيئًا أو يحذفه من تلك الوثائق الخطية ،التى تم تدوينها فى حياة
النبى عليه الصلة والسلم إملءً منه على كتبة وحيه المناء
الصادقين .
مرحلة الجمع الثانية ( )6كانت هذه المرحلة فى خلفة عثمان بن
عفان رضى الله عنه وكان حافظًا للقرآن كله كما ورد فى
الروايات الصحيحة .والسبب الرئيسى فى اللجوء إلى هذا الجمع
فى هذه المرحلة هو اختلف الناس وتعصبهم لبعض القراءات ،
إلى حد الفتخار بقراءة على قراءة أخرى ،وشيوع بعض
القراءات غير الصحيحة وهذا ما حمل حذيفة بن اليمان على أن
يفزع إلى أمير المؤمنين عثمان ابن عفان ،ويهيب به أن يدرك
المة قبل أن تتفرق حول القرآن كما تفرق اليهود والنصارى
حول أسفارهم المقدسة .فنهض رضى الله عنه للقيام بجمع
القرآن فى " مصحف " يجمع الناس حول أداء واحد متضمنًا
الصلحية للقراءات الخرى الصحيحة ،وندب لهذه المهمة الجليلة
رجل ً من النصار (زيد بن ثابت) وثلثة من قريش :عبد الله بن
الزبير ،سعد بن أبى وقاص ،وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام
.وزيد بن ثابت هذا كان هو رئيس الفريق الذى ندبه عثمان رضى
الله عنه لهذه المهمة الجليلة؛ لنه أى زيد بن ثابت قد تحققت
فيه مؤهلت أربعة للقيام بهذه المسئولية وهى :
كان من كتبة الوحى فى الفترة المدنية .
كان حافظًا متقنًا للقرآن سماع ًا مباشًرا من فم رسول الله .
كان هو الوحيد الذى حضر العرضة الخيرة للقرآن من النبى عليه
الصلة والسلم على جبريل عليه السلم كان هو الذى جمع
القرآن فى خلفة أبى بكر رضى الله عنه .
منهج الجمع فى هذه المرحلة وقد تم الجمع فى هذه المرحلة
على منهج دقيق وحكيم للغاية قوامه أمران :
الول :المصحف الذى تم تنسيقه فى خلفة أبى بكر رضى الله
عنه ،وقد تقدم أن مكوّنات هذا المصحف هى الوثائق الخطية
التى سجلها كتبة الوحى فى حضرة النبى عليه صلى الله عليه
وسلم سماع ًا مباشًرا منه .
فكان ل يُقبل شئ فى مرحلة الجمع الثانى ليس له وجود فى
تلك الوثائق التى أقرها النبى عليه الصلة والسلم .
683
الثانى :أن تكون الية أو اليات محفوظة حفظًا مطابقًا لما فى
مصحف أبى بكر عند رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم على القل .فل يكفى حفظ الرجل الواحد ،ول يكفى
وجودها فى مصحف أبى بكر ،بل لبد من المرين م ًعا :
-1وجودها فى مصحف أبى بكر .
-2ثم سماعها من حافظين ،أى شاهدين ،وقد استثنى من هذا
الشرط أبو خزيمة النصارى ،حيث قام حفظه مقام حفظ
رجلين فى آية واحدة لم توجد محفوظة إل عند أبى خزيمة ،
وذلك لن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل شهادته بشهادة
رجلين عدلين .
قام هذا الفريق ،وفق هذا المنهج المحكم ،بنسخ القرآن ،لول
مرة ،فى مصحف واحد ،وقد أجمع عليه جميع أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم ولم يعارض عثمان منهم أحدًا ،حتى
عبد الله بن مسعود ،وكان له مصحف خاص كتبه لنفسه ،لم
يعترض على المصحف "الجماعى" الذى دعا إلى كتابته عثمان
رضى الله عنه ،ثم تلقت المة هذا العمل الجليل بالرضا والقبول
،فى جميع القطار والعصور ونسخ من مصحف عثمان ،الذى
سمى " المصحف المام " بضعة مصاحف ،أرسل كل مصحف
منها إلى قطر من أقطار السلم ،مثل الكوفة والح جاز ،وبقى
المصحف الم فى حوزة عثمان رضى الله عنه ،ثم عمد عثمان
إلى كل ماعدا " المصحف المام " من مصاحف الفراد المخالفة
أدنى مخالفة للمصحف المام ،ومنها مصحف الصحابى الجليل
ابن مسعود وأمر بحرقها أو استبعادها ؛ لنها كانت تحتوى على
قراءات غير صحيحة ،وبعضها كان يُدخل بعض عبارات تفسيرية
فى صلب اليات أو فى أواخرها .
الفرق بين الجمعين من نافلة القول ،أن نعيد ما سبق ذكره ،
من أن أصل الجمعين اللذين حدثا فى خلفتى أبى بكر وعثمان
رضى الله عنهما كان واحدًا ،هو الوثائق الخطية التى حررت فى
حضرة النبى صلى الله عليه وسلم إملءً من فمه الطاهر على
كتبة الوحى ،ثم تلوتهاعليه وإقرارها كما تليت عليه هذه الوثائق
لم تدخل عليها أية تعديلت ،وهى التى نراها الن فى المصحف
الشريف المتداول بين المسلمين .
وكان الهدف من الجمع الول فى خلفة أبى بكر رضى الله عنه
هو جمع تلك الوثائق المتفرقة فى مكان واحد منسقة السور
واليات ،دون نقلها فى مصحف حقيقى جامع لها .فهذا الجمع
بلغة العصر مشروع جمع ل جمع حقيقى فى الواقع .
684
ولهذا عبَّر عنه أحد العلماء بأنه أشبه ما يكون بأوراق وجدت
متفرقة فى بيت النبى فربطت بخيط واحد ،مانع لها من التفرق
مرة أخرى .
خا ونقل ً لما
أما الجمع فى خلفة عثمان رضى الله عنه فكان نس ً
فى الوثائق الخطية ،التى حررت فى حياة النبى عليه الصلة
والسلم وأقرها بعد تلوتها عليه ،وجمعها فى مصحف واحد فى
مكان واحد .وإذا شبهنا الوثائق الولى بقصاصات ورقية مسطر
عليها كلم ،كان الجمع فى خلفة عثمان هو نسخ ذلك الكلم
المفرق فى القصاصات فى دفتر واحد .
أما الهدف من الجمع فى خلفة عثمان فكان من أجل المور
التية :
-1توحيد المصحف الجماعى واستبعاد مصاحف الفراد لنها لم
تسلم من الخلل .وقد تم ذلك على خير وجه .
-2القضاء على القراءات غير الصحيحة ،وجمع الناس على
القراءات الصحيحة ،التى قرأ بها النبى عليه الصلة والسلم فى
العرضة الخيرة على جبريل فى العام الذى توفى فيه .
-3حماية المة من التفرق حول كتاب ربها .والقضاء على
التعصب لقراءة بعض القراء على قراءة قراء آخرين .
حفَّاظ مجودين وفى جميع الزمنة فإن القرآن يؤخذ سماع ًا من ُ
متقنين ،ول يؤخذ عن طريق القراءة من المصحف ؛ لن الحفظ
من المصحف عرضة لكثير من الخطاء ،فالسماع هو الصل فى
تلقى القرآن وحفظه .لن اللسان يحكى ما تسمعه الذن ،لذلك
نزل القرآن ملفوظًا ليسمع ولم ينزل مطبوع ًا ليُقرأ فالفرق بين
الجمعين حاصل من وجهين :
الوجه الول :جمع أبى بكر رضى الله عنه كان تنسيقًا للوثائق
الخطية التى حررت فى حياة النبى عليه الصلة والسلم على
صورتها الولى حسب ترتيب النزول سوًرا وآيات .
وجمع عثمان رضى الله عنه كان نقل ً جديدًا لما هو مسطور فى
الوثائق الخطية فى كتاب جديد ،أطلق عليه " المصحف المام "
.
أما الوجه الثانى فهو من حيث الهدف من الجمع وهو فى جمع
أبى بكر كان حفظ الوثائق النبوية المفرقة فى نسق واحد
ما بعضها إلى بعض ،منسقة فيه السور واليات كما هى مضمو ً
فى الوثائق ،لتكون مرجعًا حافظًا ليات الذكر الحكيم .
وهو فى جمع عثمان ،جمع المة على القراءات الصحيحة التى
قرأها النبى صلى الله عليه وسلم فى العرضة الخيرة على
جبريل عليه السلم .
685
أما المتون (النصوص) التى نزل بها الوحى المين فظلت على
صورتها الولى ،التى حررت بها فى حياة النبى عليه الصلة
والسلم .
خل على رسم اليات ول نطقها فالجمعان البكرى والعثمانى لم يُد ْ ِِ
أى تعديل أو تغيير أو تبديل ،وفى كل الماكن والعصور واكب
حفظ القرآن تدوينه فى المصاحف ،وبقى السماع هو الوسيلة
الوحيدة لحفظ القرآن على مدى العصورحتى الن وإلى يوم
الدين.
فذلكة سريعة :
العرض الذى قدمناه لتدوين القرآن يظهر من خلله الحقائق
التية :
-1إن تدوين متون القرآن (نصوصه) تم منذ فجر أول سورة
نزلت بل أول آية من القرآن ،وكان كلما نزل نجم من القرآن
أمله عليه الصلة والسلم على كاتب الوحى فدونه سماع ًا منه
لتوه ،ولم يلق عليه الصلة والسلم ربه إل والقرآن كله مدون
فى الرقاع وما أشبهها من وسائل التسجيل .وهذا هو الجمع
الول للقرآن وإن لم يذكر فى كتب المصنفين إل نادًرا .
-2إن هذا التدوين أو الجمع المبكر للقرآن كان وما يزال هو
الصل الثابت الذى قامت على أساسه كل المصاحف فيما بعد ،
حتى عصرنا الحالى .
-إن الفترة النبوية التى سبقت جمع القرآن فى خلفة أبى بكر
رضى الله عنه ،لم تكن فترة إهمال للقرآن ،كما يزعم بعض
خصوم القرآن من المبشرين والمستشرقين والملحدين بل
العكس هو الصحيح ،كانت فترة عناية شديدة بالقرآن (. )7
اعتمدوا فيها على ركيزتين بالغتى الهمية :
الولى :السماع من الحفظة المتقنين لحفظ القرآن وتلوته .
الثانية :الحفظ المتقن فى الصدور .
والسماع والحفظ هما أقدم الوسائل لحفظ وتلوة كتاب الله
العزيز .وسيظلن هكذا إلى يوم الدين .
-إن القرآن منذ أول آية نزلت منه ،حتى اكتمل وحيه لم تمر
عليه لحظة وهو غائب عن المسلمين ،أو المسلمون غائبون عنه
ما لهم ملزمة الروح للجسد . ،بل كان ملز ً
إن تاريخ القرآن واضح كل الوضوح ،ومعروف كل المعرفة ،لم
تمر عليه فترات غموض ،أو فترات اضطراب ،كما هو الشأن
فى عهدى الكتاب المقدس ( )8التوراة والنجيل .وما خضعا له
من أوضاع ل يمكن قياسها على تاريخ القرآن ،فليس لخصوم
القرآن أى سبب معقول أو مقبول فى اتخاذهم مراحل جمع
686
القرآن منافذ للطعن فيه ،أو مبرًرا يبررون به ما اعترى كتابهم
المقدس من آفات تاريخية ،وغموض شديد العتام صاحب وما
يزال يصاحب ،واقعيات التوراة والناجيل نشأة ،وتدوينًا ،
واختلفًا واسع المدى ،فى الجوهر والعراض التى قامت به .
وقد بقى علينا من عناصر شبهاتهم حول جمع القرآن ومراحله ما
سبقت الشارة إليه من قبل ،وهى :النقط والضبط وعلمات
الوقف .
المراد بالنَقْط هو وضع النُّقط فوق الحروف أو تحتها مثل نقطة
النون ونقطة الباء .
أما الضبط فهو وضع الحركات الربع :الضمة والفتحة والكسرة
والسكون فوق الحروف أو تحتها حسب النطق الصوتى للكلمة .
حسبما تقتضيه قواعد النحو والصرف .
أما علمات الوقف فهى كالنقط والضبط توضع فوق نهاية الكلمة
التى يجوز الوقف عليها أو وصلها بما بعدها .وهذه النواع الثلثة
يُلحظ فيها ملحظان عا َّ
مان :
الول :أنها ل تمس جسم الكلمة من قريب أو من بعيد ول تغير
من هيكل الرسم العثمانى للكلمات ،بل هى زيادة إضافية
خارجة عن " متون " (أصول) الكلمات .
الثانى :أنها كلها أدوات أو علمات اجتلبت لخدمة النص
القرآنى ،ولتلوته صوتيًا تلوة متقنة أو بعبارة أخرى :
هى وسائل إيضاح اصطلحية متفق عليها تعين قارئ القرآن على
ما ،وليست هى من عناصر التنزيل ،ولو أدائه أداء صوتيًا محك ً
جرد المصحف منها ما نقص كلم الله شيئًا .وقد كان كتاب الله
قبل إدخال هذه العلمات هو هو كتاب الله ،إذن فليست هى
تغييًرا أو تبديل ً أو تحريفًا أدخل على كتاب الله فأضاع معالمه ،
كما يزعم خصوم القرآن الموتورون .
فالنقط أضيفت إلى رسم المصحف للتمييز بين الحروف
المتماثلة كالجيم والحاء والخاء ،والباء والتاء والثاء والنون
والسين والشين ،والطاء والظاء والفاء والقاف والعين والغين ،
والصاد والضاد .
وقبل إضافة النقط إلى الحروف كان السماع قائما ً مقامها ،لن
حفاظ القرآن المتقنين المجوِّدين ليسوا فى حاجة إلى هذه
ضا طريًا كما أنزله اللهالعلمات ،لنهم يحفظون كتاب ربهم غ ً
ما غير الحفاظ ممن ل يستغنون عن النظر على خاتم رسله ،أ َّ
فى المصحف فهذه العلمات النقطية والضبطية والوقفية
ترشدهم إلى التلوة المثلى ،وتقدم لهم خدمات جليلة فى النظر
687
فى المصحف ؛ لنها كما قلنا من قبل وسائل إيضاح لقراء
المصحف الشريف .
فمثل ً نقط الحروف وقاية من الوقوع فى أخطاء ل حصر لها ،
ولنأخذ لذلك مثال ً واحدًا هو قوله تعالى ( :كمثل جنة بربوة)(. )9
لو تركت " جنة " بغير نقط ول ضبط لوقع القارئ غير الحافظ
فى أخطاء كثيرة ؛ لنها تصلح أن تنطق على عدة احتمالت ،
حتة خيَّة جيَّة حبة جبَّة .
جنة ِحنَّة خبَّة ُ
حبَّة حية ِ
مثل َ :
ضبطت كلماتها اتضح المراد منها ولكن لما نقطت حروفها ،و ُ
وتحدد تحديدًا دقيقًا ،طاردًا كل الحتمالت غير المرادة .
وأول من نقط حروف المصحف جماعة من التابعين كان
أشهرهم أبوالسود الدؤلى ،ونصر بن عاصم الليثى ،ويحيى بن
مر ،والخليل ابن أحمد ،وكلهم من كبار التابعين (. )10 يَعْ ُ
والخلصة :أن نقط حروف الكلمات القرآنية ،وضبط كلمات
آياته ليس من التنزيل ،وأنه حدث فى عصر كبار التابعين ،
وإلحاق ذلك بالمصحف ليس تحريفًا ول تعديل ً لكلم القرآن .
وهو من البدع الحسنة وقد أجازه العلماء لن فيه تيسيًرا على
قَُّراء كتاب الله العزيز ،وإعانة لهم على تلوته تلوة متقنة
محكمة ،وهو من المصالح المرسلة ،التى سكت الشرع عنها
فلم يأمر بها ولم ينه عنها .
وتحقيق المصلحة يقوم مقام المر بها ،ووقوع المضرة يقوم
مقام النهى عنها .
وهذه سمة من سمات مرونة الشريعة السلمية العادلة
الرحيمة .أما علمات الوقف فلها أدوار إيجابية فى إرشاد قراء
القرآن وتوجيههم إلى كيفية التعامل مع الجمل والتراكيب
القرآنية حين تُتلى فى صلة أو فى غير صلة .
والواقع أن كل هذه المضافات إلى رسم كلمات المصحف فوق
أنها والله سبحانه وتعالى أعلم وسائل إيضاح كما تقدم ،اجتلبت
من أجل خدمة النص القرآنى ،تؤدى فى الوقت نفسه خدمة
جليلة لمعانى المفردات والتراكيب القرآنية .وقد أشرنا من قبل
إلى مهمات النقط فوق أو تحت الحروف ،وعلمات الضبط
الربع :الفتحة والضمة والكسرة والسكون ،فوق أو تحت رسم
الكلمات .
ونسوق الن تمثيل ً سريعًا للمهام الجليلة التى تؤديها علمات
ف عليها أو ل الوقف ،التى توضع فوق نهايات الكلمات التى يُوْقَ ُ
يُوقف :
قوله تعالى(:وإن يمسسك الله بضر فل كاشف له إل هوصلى ،
وإن يمسسك بخير فهو على كل شىء قدير)(. )11
688
نرى العلمة (صلى) فوق حرف الواو فى كلمة " هو " وهى ترمز
إلى أن الوقف على هذه الكلمة " هو " جائز ووصلها بما بعدها
وهو " وإن يمسسك " جائز كذلك إل أن الوصل ،وهو هنا تلوة
الية كلها دفعة واحدة بل توقف ،أولى من الوقف .
والسبب فى جواز الوقف والوصل هنا أن كل ً من الكلمين معناه
تام يحسن السكوت عليه ،وكذلك يحسن وصله بما بعده لنهما
كلمان بينهما تناسب وثيق ،ومن حيث البناء التركيبى ،هما
ن " ،وفِعْل الشرط فيهما فعل مضارع ،وهما فعل شرط " إ ْ
واحد تكرر فى شرطى الكلمين " يمسسك " والفاعل هو " الله
" فيهما .الول اسم ظاهر ،والثانى ضمير عائد عليه ،أما كون
الوصل أولى من الوقف ،فلن التناسب بين الكلمين أقوى من
التباين لفظًا ومعنى ،مع ملحظة أن جواز الوقف يتيح لقارئ
القرآن نفحة من راحة الصمت ،ثم يبدأ رحلة التلوة بعدها وقوله
تعالى (:قل ربى أعلم بعدتهم ما يعلمهم إل قليل قلى فل تمار
فيهم إل مراءً ظاهًرا)(. )12
علمة الوقف (قلى) موضوعة فوق اللم الثانية من كلمة "قليل"
وترمز إلى جواز الوصل والوقف على كلمة " قليل " وأن الوقف
عليها أولى من وصلها بما بعدها ،وفى الوقف راحة لنفس
القارئ كما تقدم وجواز الوقف لتمام المعنى فى الجزء الول من
الية .
وجواز الوصل ،فلن الجزء الثانى من الكلم مفرع ومرتب على
الجزء الول (. )13
أما كون الوقف على كلمة " قليل " أولى فى هذه الية فلن ما
قبلها جملتان خبريتان ،وهما واقعتان مقول القول لقوله تعالى :
(قل ربى .)..
أما جملة " فل تمار فيهم " فهى جملة إنشائية ( )14فيها نهى عن
الجدال فى شأن أهل الكهف كم كان عددهم والكلم النشائى
مباين للكلم الخبرى .إذن فالكلمان غير متجانسين .هذه واحدة
.
أما الثانية فإن " فل تمار فيهم إل مراء ظاهًرا ول تستفت فيهم
منهم أحدًا " ،غير داخل فى مقول القول الذى أشرنا إليه قبل ً .
وهذان الملحظان أحدثا تباعدًا ما بين الكلمين لذلك كان الوقف
حا إلى ذلك التباين بين الكلمين .والوقف هو القطع أولى ،إلما ً
بين كلمين بالسكوت لحظة بين نهاية الكلم الول ،وبداية الكلم
الثانى ،وله شأن عظيم فى تلوة القرآن الكريم ،من حيث
اللفاظ (الداء الصوتى) ومن حيث تذوق المعانى وخدمتها ،
وقوله تعالى ( :وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات
689
اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم فى فجوة منهج
ذلك من آيات الله)(. )15
علمة الوقف (ج) موضوعة فوق " الهاء " نهاية كلمة " منه "
وترمز إلى جواز الوقف على " منه " وعلى جواز وصله بما بعده
" ذلك من آيات الله " وهذا الجواز مستوى الطرفين ،ل يترجح
فيه الوقف على الوصل ،ول الوصل على الوقف .وهذا راجع إلى
المعنى المدلول عليه بجزئى الكلم ،جزء ما بعد " منه " وجزء
ما قبله .
وذلك لن ما قبل " منه " كلم خبرى ل إنشائى وكذلك ما بعدها "
ذلك من آيات الله " ..فهما إذن متجانسان .
والوقف مناسب جدًا لطول الكلم قبل كلمة " منه " وفى الوقف
راحة للنفس ،والراحة تساعد على إتقان التلوة .
والوصل مناسب جدًا من حيث المعنى ؛ لن قوله تعالى " :ذلك
من آيات الله " تركيب واقع موقع " الخبر " عما ذكره الله عز
وجل من أوضاع أهل الكهف فى طلوع الشمس وغروبها عنهم .
وقوله تعالى ( :الذين تتوفاهم الملئكة طيبينل يقولون سلم
عليكم ادخلوا الجنة . )16()..
علمة الوقف (ل) موضوعة على " النون " نهاية كلمة "طيبين"
ترمز إلى أن الوقف على " طيبين " ممنوع والسبب فى هذا
المنع أن جملة " يقولون " وهى التالية لكلمة "طيبين" حال من "
الملئكة " وهم فاعل " تتوفاهم " .
أما " طيبين " فهى حال من الضمير المنصوب على المفعولية
للفعل " تتوفاهم " وهو ضمير الجماعة الغائبين " هم " ولو جاز
الوقف على " طيبين " لحدث فاصل زمنى بين جملة الحال "
يقولون " وبين صاحب الحال " الملئكة " ولم تدع إلى هذا الفعل
ضرورة بيانية .
لذلك كان الوقف على " طيبين " ممنوع ًا لئل يؤدى إلى قطع
"الحال" وهو وصف ،عن صاحبه " الملئكة " وهو الموصوف .
وهذا ل يجوز بلغة ؛ فمنع الوقف هنا كان سببه الوفاء بحق
المعنى ،ومجىء الحال هنا جملة فعلية فعلها مضارع يفيد وقوع
الحدث بالحال والستقبال مراعاة لمقتضى الحال ؛ لن الملئكة
تقول هذا الكلم لمن تتوفاهم من الصالحين فى كل وقت لن
الموت لم ولن يتوقف .
وقوله تعالى ( :إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولدم له ما
فى السماوات وما فى الرض وكفى بالله وكيل )(. )17
690
علمة الوقف (م) موضوعة على حرف الدال من كلمة " ولد "
للدللة على لزوم الوقف على هذه الكلمة " ولد " وامتناع وصلها
بما بعدها وهو " :له ما فى السماوات وما فى الرض " .
ما لن هذا الوقف سيترتب عليه صحة وإنما كان الوقف ،هنا لز ً
المعنى وليمتنع إيهام غير صحته أما وصله بما بعده فيترتب عليه
إيهام فساد المعنى .
بيان ذلك أن الوصل لو حدث لوهم أن قوله تعالى " :له ما فى
السماوات وما فى الرض " وصف ل " الولد " المنفى ،أى ليس
لله ولد ،له ما فى السماوات والرض ،وهذا ل يمنع أن يكون
لله سبحانه ولد ولكن ليس له ما فى السماوات والرض ؟! وهذا
باطل قطعًا .
أما عندما يقف القارئ على كلمة " ولد " ثم يستأنف التلوة من
" له ما فى السماوات وما فى الرض " فيمتنع أن يكون هذا
الوصف للولد المنفى ،ويتعين أن يكون لله عز وجل ،وهذا ناتج
عن قطع التلوة عند " ولد " أى بالفاصل الزمنى بين تلوة ما
قبل علمة الوقف " ل " وما بعدها حتى آخر الية .
فأنت ترى أن الوقف هنا يؤدى خدمة جليلة للمعنى المراد من
الية الكريمة .ومثله قوله تعالى (:الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه
كما يعرفون أبناءهمم الذين خسروا أنفسهم فهم ل يؤمنون )()18
.
علمة الوقف (م) موضوعة فوق الميم من كلمة " همم " للدللة
على لزوم الوقف عليها ،وامتناع وصلها بما بعدها ،وهو " الذين
خسروا أنفسهم " .
وسر ذلك اللزوم ؛ أن الوصل يوهم معنى فاسدًا غير مراد ،لنه
سيترتب عليه أن يكون قوله تعالى :
" الذين خسروا أنفسهم " وصفًا ل " أبناءهم " وهذا غير مراد ،
بل المراد ما هو أعم من "أبناءهم" وهم الذين خسروا أنفسهم
فى كل زمان ومكان .فهو حكم عام فى الذين خسروا أنفسهم ،
صا بأبناء الذين آتاهم الله الكتاب .
وليس خا ً
هذه هى علمات الوقف ،وتلك هى نماذج من المعانى الحكيمة
التى تؤديها ،أو جاءت رامزة إليها ،وبقيت حقيقة مهمة ،لبد
من الشارة إليها .
خل على ُ
إن خصوم القرآن يعتبرون علمات الوقف تعديل ً أد ْ ِ
القرآن ،بعد عصر النزول وعصر الخلفاء الراشدين .
وهذا وهم كبير وقعوا فيه ،لن هذه العلمات وغيرها ليست هى
التى أوجدت المعانى التى أشرنا إلى نماذج منها ،فهذه المعانى
التى يدل عليها الوقف سواء كان جائز الطرفين ،أو الوقف أولى
691
من الوصل أو الوصل أولى من الوقف ،أو الوقف اللزم أو
الوقف الممنوع .هذه المعانى من حقائق التنزيل وكانت
ملحوظة منذ كان القرآن ينزل ،وكان حفاظ القرآن وتالوه من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يطبقونها فى تلوتهم
للقرآن ،قبل أن يُدوَّن القرآن فى " المصحف " هذا هو الحق
الذى ينبغى أن يكون معروفًا للجميع ،أما وضع هذه العلمات فى
عصر التابعين فجاءت عونًا لغير العارفين بآداب تلوة القرآن ،
دون أن تكون بشكلها جزءا من التنزيل (. )19
تنسيق المصحف :
نعنى ب :تنسيق المصحف " الفواصل بين سوره ب " :بسم
الله الرحمن الرحيم " وترقيم آيات كل سورة داخل دوائر فاصلة
بين اليات ،ووضع خطوط رأسية تحت مواضع السجود فى آيات
القرآن ،ثم اللقاب التى أطلقت على مقادير محددة من اليات
مثل :
الربع الحزب الجزء .لن هذه العمال إجراءات بشرية خالصة
ضع بعضها حق بعضها بسطور المصحف ،وهو ترقيم اليات وَوُ ِ أُل ْ ِ
تحتها ،كعلمات السجود فى أثناء التلوة .
أما ماعدا هذين فهى إجراءات اعتبارية عقلية ،تدل عليها عبارات
سور اليات وليس فى هذا مطعن موضوعة خارج إطار أو ُ
لطاعن ؛ لنّا َ نقول كما قلنا فى نظائره من قبل إنها وسائل
إيضاح وتوجيه لقَّراء القرآن الكريم توضع خارج كلمات الوحى ل
فى متونها ،وتؤدى خدمة جليلة للنص المقدس مقروءا ً أو متْلُوًّا .
ول يدعى مسلم أنها لها قداسة النص اللهى ،أو أنها نازلة من
السماء بطريق الوحى المين .
والمستشرقون الذين يشاركون المبشرين ( )20فى تَصيُّد التهم
للقرآن ،ينهجون هذا النهج " التنسيقى " فى أعمالهم العلمية
والفكرية ،وبخاصة فى تحقيق النصوص فيضعون الهوامش
والملحق والفهارس الفنية لكل ما يقومون بتحقيقه من نصوص
التراث .ولهم مهارة فائقة فى هذا المجال ،ولم نر واحدًا منهم
ينسب هذه العمال الضافية إلى مؤلف النص نفسه ،كما لم نر
أحدًا منهم عد َّ هذه الضافات تعديل ً أو تحريفًا أو تغييًرا للنص
الذى قام هو بتحقيقه وخدمته .
بل إنه يعد هذه العمال الضافية وسائل إيضاح للنص المحقق .
وتيسيرات مهمة للقراء .
وهذا هو الشأن فى عمل السلف رضى الله عنهم فى تنسيق
المصحف الشريف ،وهو تنسيق ل مساس له ب " قدسية اليات
692
ت بها بينم ْ س َ" لنها وضعت فى المصحف على الصورة التى ُر ِ
يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
تاريخ القرآن ( )21هذا هو تاريخ القرآن ،منذ نزلت أول سورة
منه ،إلى آخر آية نزلت منه ،كان كتابًا محفوظا فى الصدور ،
متلوًّا باللسنة ،مسطوًرا على الرقاع ،ثم مجموع ًا فى
مصاحف ،لم يخضع لعوامل محو وقرض ،ول آفات ضياع ،
ل فلم يضل عنها أو يغب ،ولم وضعته المة فى " أعينها " منذ نََز َ
تضل هى عنه أو تغب ،تعرف مصادره وموارده ،على مدى
عمره الطويل ،تعرفه كما تعرف أبناءها ،بل زيغ ول اشتباه .
م بمعالم مل ِ ٌّهذا هو تاريخ القرآن ،وضعناه وضعًا موجًزا ،لكنه ُ
الرحلة ،كاشفًا عن أسرارها .وضعناه لنقول لخصوم القرآن
والسلم :
هل فى تاريخ القرآن ما يدعو إلى الرتياب فيه ،أو نزع الثقة عنه
؟ وهل أصاب آياته المحكمة خلل أو اضطراب ؟ وهل رأيتموه
غاب لحظة عن المة ،أو المة غابت عنه لحظة؟ وهل رأيتم فيه
جهل ً بمصدره ونشأته وتطور مراحل جمعه وتدوينه ؟ أو رأيتم فى
آياته تغييًرا أو تبديل ً تلك هى بضاعتنا عرضناها فى سوق العرض
والطلب غير خائفين أن يظهر فيها غش أو رداءة ،أو تصاب ببوار
أو كساد من منافس يناصبها العداء .
هذا هو ما عندنا .فما هو الذى عندكم من تاريخ الكتاب المقدس
بعهديه (. )22
القديم (التوراة) التى بين أيدى اليهود الن ،والجديد (الناجيل)
التى بين أيدى النصارى الن .
ما الذى تعرض له الكتاب المقدس فى تاريخه الول المقابل
لفترة تاريخ القرآن ،التى فرغنا من عرضها تعالوا معنا نفحص
تلك الفترة من تاريخ الكتاب المقدس فى رحلته المبكرة :
مولد التوراة وتطورها :
يضطرب أهل الكتاب عامة ،واليهود خاصة حول تاريخ التوراة
(مولدها وتطورها) اضطرابًا واسع المدى ويختلفون حولها اختلفًا
يذهبون فيه من النقيض إلى النقيض ،ولهذا عرضوا لتاريخ
القرآن بالطعن والتجريح ليكون هو والتوراة سواسية فى فقد
الثقة بهما ،أو على القل ليُحرجوا المسلمين بأنهم ل يملكون
قرآنًا مصونًا من كل ما يمس قدسيته وسلمته من التحريف
والتبديل .وقد عرضنا من قبل تاريخ القرآن ،وها نحن نعرض
تاريخ التوراة حسبما هو فى كتابات أهل الكتاب أنفسهم ،مقارنًا
بما سبق من حقائق تاريخ القرآن المين .
693
الكتاب المقدس بعهديه :القديم والجديد تتعلق به آفتان قاتلتان
منذ وجد ،وإلى هذه اللحظة التى نعيش فيها :
آفة تتعلق بتاريخه متى ولد ،وعلى يد من ولد ،وكيف ولد ،ثم
ما هو محتوى الكتاب المقدس ؟ وهل هو كلم الله ،أم كلم
آخرين ؟ (. )23
والمهم فى الموضوع أن هذا الغموض فى تاريخ الكتاب المقدس
لم يثره المسلمون ،بل أعلنه أهل الكتاب أنفسهم يهودًا أو
نصارى ممن اتسموا بالشجاعة ،وحرية الرأى ،والعتراف
الخالص بصعوبة المشكلت التى أحاطت بالكتاب المقدس ،مع
الشارة إلى استعصائها على الحلول ،مع بقاء اليهودية
والنصرانية كما هما .ومعنى العهد عند أهل الكتاب هو " الميثاق "
والعهد القديم عندهم هو ميثاق أخذه الله على اليهود فى عصر
موسى عليه السلم ،والعهد الجديد ميثاق أخذه فى عصر عيسى
عليه السلم( )24والمشكلتان اللتان أحاطتا بالكتاب المقدس
يمكن إيجازهما فى التى :
-مشكلة أو أزمة تحقيق النصوص المقدسة ،التى تمثل حقيقة
العهدين .
-مشكلة أو أزمة المحتوى ،أى المعانى والغراض التى تضمنتها
كتب (أى أسفار) العهدين ،وفصولهما المسماة عندهم
ب"الصحاحات " .
والذى يدخل معنا فى عناصر هذه الدراسة هو المشكلة أو الزمة
الولى ؛ لنها هى المتعلقة بتاريخ الكتاب المقدس دون الثانية .
ن ولدت التوراة : م ْمتى ؟ وعلى يد َ
هذا السؤال هو المفتاح المفضى بنا إلى إيجاز ما قيل فى الجابة
.
وهو تساؤل صعب ،ونتائجه خطيرة جدًا ،وقد تردد منذ زمن
قديم .وما يزال يتردد ،وبصورة ملحة ،دون أن يظفر بجواب
يحسن السكوت عليه .
وممن أثار هذا التساؤل فى العصر الحديث وول ديورانت
المريكى الجنسية ،المسيحى العقيدة ،وكان مما قال :
" كيف كُتبت هذه السفار (يعنى التوراة) ومتى كُتبت ؟ ذلك
سؤال برئ ل ضير فيه ،ولكنه سؤال كُتب فيه خمسون ألف
مجلد ،ويجب أن نفرغ منه هنا فى فقرة واحدة ،نتركه بعدها
من غير جواب ؟! ( )25فقد ذهب كثير من الباحثين إلى أن خروج
موسى من مصر كان فى حوالى 1210قبل ميلد السيد المسيح ،
وأن تلميذه يوشع بن نون الذى خلفه فى بنى إسرائيل (اليهود)
مات عام 1130قبل الميلد .ومن هذا التاريخ ظلت التوراة التى
694
أنزلها الله على موسى عليه السلم مجهولة حتى عام 444قبل
الميلد ،أى قرابة سبعة قرون (700سنة) فى هذا العام )444( .
فقط عرف اليهود أن لهم كتابًا اسمه التوراة ولكن كيف عرفوه
بعد هذه الزمان الطويلة ؟ وول ديورانت يضع فى الجابة على
هذا السؤال طريقتين إحداهما تنافى الخرى .
الطريقة الولى :
أن اليهود هالهم ما حل بشعبهم من كفر ،وعبادة آلهة غير الله ،
وانصرافهم عن عبادة إله بنى إسرائيل " يهوه " وأن " الكاهن
خلقيا " أبلغ ملك بنى إسرائيل " يوشيا " أنه وجد فى ملفات
ما قضى فيه موسى عليه السلم فى جميع الهيكل ملفًا ضخ ً
المشكلت ،فدعا الملك " يوشيا" كبار الكهنة وتل عليهم سفر "
الشريعة " المعثور عليه فى الملفات ،وأمر الشعب بطاعة ما
ورد فى هذا السفر ؟ ويعلق وول ديورانت على السفر فيقول:
"ل يدرى أحد ما هو هذا السفر؟ وماذا كان مسطوًرا فيه ؟ وهل
هو أول مولد للتوراة فىحياة اليهود " ؟ .
الطريقة الثانية :
أن بنى إسرائيل بعد عودتهم من السبى البابلى شعروا أنهم فى
حاجة ماسة إلى إدارة دينية تهىء لهم الوحدة القومية والنظام
العام ،فشرع الكهنة فى وضع قواعد حكم دينى يعتمد على
المأثور من أقوال الكهنة القدماء وعلى أوامر الله ؟ فدعا عزرا ،
وهو من كبار الكهان ،علماء اليهود للجتماع وأخذ يقرأ عليهم هو
وسبعة من الكهان سفر شريعة موسى ولما فرغوا من قراءته
أقسم الكهان والزعماء والشعب على أن يطيعوا هذه الشرائع ،
ويتخذوها دستوًرا لهم إلى أبد البدين (. )26
هذا ما ذكره ديورانت نقل ً عن مصادر اليهود ،وكل منهما ل يصلح
مصدًرا حقيقيًا للتوراة التى أنزلها الله على موسى ؛ لن الرواية
الولى ل تفيد أكثر من نسبة الملف الذى عثر عليه " خلقيا " إلى
أقوال موسى وأحكامه فى القضاء بين الخصوم .
ولن الرواية الثانية تنسب صراحة أن النظام الذى وضعه
الكهان ،بعد قراءتهم السفر كان خليطًا من أقوال كهانهم
القدماء ،ومن أوامر الله ؟!
( )1العاديات . 11-1 :
( )2سورة " والعاديات " من قصار السور التى قد بدأ بها الوحى
فى مكة ،قبل الهجرة ،ويرى بعض الباحثين أن القرآن بدأ بهذه
السور ذات الطبيعة الغنائية فى مكة ،لجذب أهل مكة إليه عن
طريق السمع أول ً ،ثم لتدبر معانيه ثانيًا.
695
( )3انظر تفسير سورة " والعاديات " فى أى تفسير شئت من
التفاسير المتداولة :الكشاف روح المعانى التفسير الواضح
للدكتور حجازى ،أو فى غيرها .
( )4ينظر :البرهان فى علوم القرآن للمام الزركشى ( )1/241وما
بعدها .
( )5هو مصحف فرد ل متعدد ،فلم يكن متداول ً بين أيدى
المسلمين ،لن حفظ القرآن فى الصدور كان هو المرجع .
( )6انظر :جمع القرآن فى خلفة عثمان فى " البرهان فى علوم
القرآن " و " التقان فى علوم القرآن والول للمام الزركشى ،
والثانى للمام جلل الدين السيوطى ( )7لن القرآن لو كان جمع
فى مصحف من أول المر ،لتكل الناس على المصحف
المكتوب ،وقل اهتمامهم بحفظه .
( )8سيأتى حديث مفصل عما تعرض له الكتاب المقدس بعهديه
القديم والجديد من أوضاع وآفات شديدة الخطورة .
( )9البقرة . 265 :
( )10المقنع لبى عمرو الدانى ص 129تحقيق محمد الصادق
قمحاوى .
( )11النعام . 17 :
( )12الكهف . 22 :
( )13التفريع هو تولد كلم من كلم آخر ،وتأتى الفاء دليل ً على
هذا التفريع كما فى الية الكريمة .
( )14الكلم كله قسمان :خبر ،وإنشاء ،فكل كلم أخبرت فيه
غيرك بأمر قد حدث قبل زمن التكلم أو بعده مثل :حضر فلن
أمس ،أو سيحضر غدًا هو كلم خبرى ،أما إذا طلبت شيئًا لم
يكن حاصل ً فى زمن التكلم مثل :أطع والديك فهو كلم إنشائى .
( )15الكهف . 17 :
( )16النحل )17( 32 :النساء . 171 :
( )18النعام . 20 :
( )19هى مثل علمات العراب كالفتحة والضمة والكسرة
والسكون .لم تُوجد هى أحكام العراب ،وإنما هى مجرد رموز
دالة عليها .
( )20المبشرون هم الذين يريدون فتنة عامة الناس بما يكتبونه
عن السلم ،وهم أساتذة المستشرقين .أما المستشرقون
فيقصدون فتنة المثقفين والطبقات العليا ،ويصورون السلم فى
غير صورته إل قليل ً منهم تجدهم منصفين للسلم .
( )21نقصد بتاريخ القرآن رحلته عبر تاريخه المبكر ،إلى أن تم
جمعه فى المصاحف ،وما لحق بهذا الجمع من رموز
696
واصطلحات لتيسير تلوته مجودًا ،ولسهولة الحاطة بما فيه من
اللفاظ والمعانى .
( )22اليهود يؤمنون بالعهد القديم وحده ،ويكفرون بالعهد الجديد
(الناجيل) أما النصارى فيعتبرون العهد القديم شطًرا من الكتاب
المقدس ،ويؤمنون بالعهدين معًا .
( )23نقصد بتاريخ القرآن رحلته عبر تاريخه المبكر ،إلى أن تم
جمعه فى المصاحف ،وما لحق بهذا الجمع من رموز
واصطلحات لتيسير تلوته مجودًا ،ولسهولة الحاطة بما فيه من
اللفاظ والمعانى .
( )24نقصد بتاريخ القرآن رحلته عبر تاريخه المبكر ،إلى أن تم
جمعه فى المصاحف ،وما لحق بهذا الجمع من رموز
واصطلحات لتيسير تلوته مجودًا ،ولسهولة الحاطة بما فيه من
اللفاظ والمعانى .
( )25قصة الحضارة (ج 2ص )367 :ترجمة محمد بدران .
( )26قصة الحضارة (ج 2ص . )356
--------------------
-77حول عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم وموقف
القرآن من العصمة
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
697
) (( )3قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ) ( )4ولذلك
كانت عصمة الرسل فيما يبلغونه عن الله ضرورة من ضرورات
صدقهم والثقة فى هذا البلغ اللهى الذى اختيروا ليقوموا به بين
سل الناس ..وبداهة العقل -فضل ً عن النقل -تحكم بأن ُ
مْر ِ
الرسالة إذا لم يتخير الرسول الذى يضفى الصدق على رسالته ،
كان عابثًا ..وهو ما يستحيل على الله ،الذى يصطفى من الناس
رسل ً تؤهلهم العصمة لضفاء الثقة والصدق على البلغ اللهى..
حجة على الناس بصدق هذا الذى يبلغون. وال ُ
وفى التعبير عن إجماع المة على ضرورة العصمة للرسول فيما
يبلغ عن الله ،يقول المام محمد عبده عن عصمة الرسل -كل
الرسل .." :-ومن لوازم ذلك بالضرورة :وجوب العتقاد بعلو
فطرتهم ،وصحة عقولهم ،وصدقهم فى أقوالهم ،وأمانتهم فى
تبليغ ما عهد إليهم أن يبلغوه ،وعصمتهم من كل ما يشوه
السيرة البشرية ،وسلمة أبدانهم مما تنبو عنه البصار وتنفر منه
الذواق السليمة ،وأنهم منزهون عما يضاد شيئًا من هذه
الصفات ،وأن أرواحهم ممدودة من الجلل اللهى بما ل يمكن
معه لنفس إنسانية أن تسطو عليها سطوة روحانية ..إن من
حكمة الصانع الحكيم -الذى أقام النسان على قاعدة الرشاد
والتعليم -أن يجعل من مراتب النفس البشرية مرتبة يُعد ُّ لها ،
ن يصطفيه من خلقه ،وهو أعلم حيث م ْ
بمحض فضله ،بعض َ
يجعل رسالته ،يميزهم بالفطرة السليمة ،ويبلغ بأرواحهم من
الكمال ما يليقون معه للستشراق بأنوار علمه ،والمانة على
مكنون سره ،مما لو انكشف لغيرهم انكشافه لهم لفاضت له
نفسه ،أو ذهبت بعقله جللته وعظمته ،فيشرفون على الغيب
بإذنه ،ويعلمون ما سيكون من شأن الناس فيه ،ويكونون فى
مراتبهم العلوية على نسبة من العالمين ،نهاية الشاهد وبداية
الغائب ،فهم فى الدنيا كأنهم ليسو من أهلها ،هم وفد الخرة
فى لباس من ليس من سكانها ..أما فيما عدا ذلك [ -أى
التصال بالسماء والتبليغ عنها ] -فهم بشر يعتريهم ما يعترى
سائر أفراده ،يأكلون ويشربون وينامون ويسهون وينسون فيما
ل علقة له بتبليغ الحكام ،ويمرضون وتمتد إليهم أيدى الظلمة ،
وينالهم الضطهاد ،وقد يقتلون " (.)5
فالعصمة -كالمعجزة -ضرورة من ضرورات صدق الرسالة ،
ومن مقتضيات حكمة من أرسل الرسل -عليهم السلم ..-
وإذا كان الرسول -كبشر -يجوز على جسده ما يجوز على
أجساد البشر ..وإذا كان الرسول كمجتهد قد كان يمارس الجتهاد
والشورى وإعمال العقل والفكر والختيار بين البدائل فى مناطق
698
وميادين الجتهاد التى لم ينزل فيها وحى إلهى ..فإنه معصوم فى
مناطق وميادين التبليغ عن الله -سبحانه وتعالى -لنه لو جاز
عليه الخطأ أو السهو أو مجانبة الحق والصواب أو اختيار غير
الولى فى مناطق وميادين التبليغ عن الله لتطرق الشك إلى
صلب الرسالة والوحى والبلغ ،بل وإلى حكمة من اصطفاه
حجة على الناس ..كذلك كانت العصمة صفة وأرسله ليكون ُ
أصيلة وشرطًا ضروريًا من شروط رسالة جميع الرسل -عليهم
السلم ..-فالرسول فى هذا النطاق -نطاق التبليغ عن الله -
(وما ينطق عن الهوى * إن هو إل وحى يوحى ) ( .)6وبلغة ما هو
بقول بشر ،ولذلك كانت طاعته فيه طاعة لله ،وبغير العصمة ل
يتأتى له هذا المقام.
أما اجتهادات الرسول صلى الله عليه وسلم فيما ل وحى فيه ،
والتى هى ثمرة لعماله لعقله وقدراته وملكاته البشرية ،فلقد
كانت تصادف الصواب والولى ،كما كان يجوز عليها غير ذلك..
ومن هنا رأينا كيف كان الصحابة ،رضوان الله عليهم فى كثير
من المواطن وبإزاء كثير من مواقف وقرارات وآراء واجتهادات
الرسول صلى الله عليه وسلم يسألونه -قبل الدلء بمساهماتهم
سنة والسيرة: فى الرأى -هذا السؤال الذى شاع فى ال ُّ
" يا رسول الله ،أهو الوحى ؟ أم الرأى والمشورة ؟ " ..فإن
قال :إنه الوحى .كان منهم السمع والطاعة له ،لن طاعته هنا
هى طاعة لله ..وهم يسلمون الوجه لله حتى ولو خفيت الحكمة
من هذا المر عن عقولهم ،لن علم الله -مصدر الوحى -
مطلق وكلى ومحيط ،بينما علمهم نسبى ،قد تخفى عليه
الحكمة التى ل يعلمها إل الله ..أما إن قال لهم الرسول -جوابًا
عن سؤالهم :-إنه الرأى والمشورة ..فإنهم يجتهدون ،
ويشيرون ،ويصوبون ..لنه صلى الله عليه وسلم هنا ليس
ما ،وإنما هو واحد من المقدمين فى الشورى والجتهاد.. معصو ً
ووقائع نزوله عن اجتهاده إلى اجتهادات الصحابة كثيرة ومتناثرة
فى كتب السنة ومصادر السيرة النبوية -فى مكان القتال يوم
غزوة بدر ..وفى الموقف من أسراها ..وفى مكان القتال يوم
موقعة أُحد ..وفى مصالحة بعض الحزاب يوم الخندق ..إلخ..
إلخ.
ولن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أراد الله له أن يكون
القدوة والسوة للمة (لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة
لمن كان يرجو الله واليوم الخر وذكر الله كثيًرا ) (.)7
وحتى ل يقتدى الناس باجتهاد نبوى لم يصادف الولى ،كان نزول
الوحى لتصويب اجتهاداته التى لم تصادف الولى ،بل وعتابه -
699
أحيانًا -على بعض هذه الجتهادات والختيارات من مثل( :عبس
وتولى * أن جاءه العمى * وما يدريك لعله يزكى * أو يذكر
فتنفعه الذكرى * أما من استغنى * فأنت له تصدى * وما عليك
أل يزكى * وأما من جاءك يسعى * وهو يخشى * فأنت عنه تلهى
) ( .)8ومن مثل( :يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى
مرضاة أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة
أيمانكم والله مولكم وهو العليم الحكيم * وإذ أسر النبى إلى
بعض أزواجه حديثًا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عّرف بعضه
وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأنى
العليم الخبير ) ( .)9ومن مثل( :ما كان لنبى أن يكون له أسرى
حتى يثخن فى الرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الخرة
والله عزيز حكيم * لول كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم
عذاب عظيم ) (.)10
وغيرها من مواطن التصويب اللهى للجتهادات النبوية فيما لم
يسبق فيه وحى ،وذلك حتى ل يتأسى الناس بهذه الجتهادات
المخالفة للولى.
فالعصمة للرسول صلى الله عليه وسلم ،فيما يبلغ عن الله
شرط لزم لتحقيق الصدق والثقة فى البلغ اللهى ،وبدونها ل
يكون هناك فارق بين الرسول وغيره من الحكماء والمصلحين ،
ومن ثم ل يكون هناك فارق بين الوحى المعصوم والمعجز وبين
الفلسفات والبداعات البشرية التى يجوز عليها الخطأ
والصواب ..فبدون العصمة تصبح الرسالة والوحى والبلغ قول
بشر ،بينما هى -بالعصمة -قول الله -سبحانه وتعالى -الذى
مبَل ِّغ هى
بلغه وبينه المعصوم -عليه الصلة والسلم ..-فعصمة ال ُ
ضا -الشرط لنفى العبث الشرط لعصمة البلغ ..بل إنها -أي ً
وثبوت الحكمة لمن اصطفى الرسول وبعثه وأوحى إليه بهذا
البلغ.
( )1النساء.59 :
( )2آل عمران.32 :
( )3النساء.80 :
( )4آل عمران.31 :
( [ )5العمال الكاملة للمام محمد عبده ] ج 2ص ،420 ، 416 ، 415
.421دراسة وتحقيق :د.
محمد عمارة .طبعة القاهرة سنة 1993م.
( )6النجم.4-3 :
( )7الحزاب.21 :
( )8عبس.10-1 :
700
( )9التحريم.3-1 :
( )10النفال.68-67 :
-----------------
-78دعوى :خلو الكتب السابقة من البشارة برسول
السلم
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
زعموا أن محمدا ً صلى الله عليه وسلم ليس برسول .وبنوا هذا
الزعم على أربع شعب هى:
-1إن العهد والنبوة والكتاب محصورة فى نسل إسحق ل
إسماعيل.؟!
ً
-2إن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يأت بمعجزات.؟!
-3إن القرآن من نوادر العمال النسانية ،فليس هو معجزا ً (
.)1؟!
-4إن الكتب السابقة -التوراة وملحقاتها والناجيل -خلت من
البشارة برسول السلم.؟!
701
فل يظنن أحد ُ أننا حين نتحدث عن بشارات الكتب السابقة
برسول السلم إنما نتلمس أدلة نحن فى حاجة إليها لثبات
صدق رسول السلم فى دعواه الرسالة .فرسول السلم ليس
فى حاجة إلى " تلك البشارات " حتى ولو سلم لنا الخصوم
بوجودها فله من أدلة الصدق ما لم يحظ به رسول غيره.
وستعالج البشارة به صلى الله عليه وسلم على قسمين:
-1بشاراته صلى الله عليه وسلم فى التوراة.
-2بشاراته صلى الله عليه وسلم فى النجيل.
أولً :البشارات فى التوراة تعددت البشارات برسول السلم فى
التوراة وملحقاتها ،ولكن اليهود أزالوا عنها كل معنى صريح ،
وصيروها نصوصا ً احتمالية تسمح لهم بصرفها عنه صلى الله عليه
وسلم ومع هذا فقد بقيت بعد تعديلها وتحريفها قوية الدللة على
معناها " الصلى " من حملها على رسول السلم صلى الله عليه
وسلم لن حملها على غيره متعذر أو متعسر أو محال.
محى " عنوانها " ولكن صاحب فهى أشبه ما تكون برسالة مغلقة ُ
الرسالة قادر -بعد فضها -أن يثبت اختصاصها به ،لن الكلم "
الداخلى " الذى فيها يقطع بأنها " له " دون سواه ؛ لما فيها من
" قرائن " وبينات واضحة ونعرض -فيما يلى -بعضا ً منها:
" وهذه هى البركة التى بارك بها موسى رجل الله بنى إسرائيل
قبل موته ".
فقال:
" جاء الرب من سيناء ،وأشرق لهم من ساعير ،وتلل من جبل
فاران " ( .)2فى هذا النص إشارة إلى ثلث نبوات:
الولى :نبوة موسى عليه السلم التى تلقاها على جبل سيناء.
الثانية :نبوة عيسى عليه السلم وساعير هى قرية مجاورة لبيت
المقدس ،حيث تلقى عيسى عليه السلم أمر رسالته.
الثالثة :نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وجبل فاران هو المكان
الذى تلقى فيه -عليه الصلة والسلم -أول ما نزل عليه من
الوحى وفاران هى مكة المكرمة مولد ومنشأ ومبعث محمد
صلى الله عليه وسلم.
وهذه العبارة -مرة أخرى -تضمنت خبرا ً وبشارتين:
فالخبر هو تذكير موسى بفضل الله عليه حيث أرسله إليهم
رسولً.
والبشارتان:
الولى :خاصة بعيسى عليه السلم .والثانية خاصة بمحمد صلى
الله عليه وسلم.
702
وموقف اليهود منهما النفى :فل الولى بشارة بعيسى ابن مريم
ول الثانية بشارة برسول السلم.
أما موقف النصارى فإن النفى -عندهم -خاص ببشارة رسول
السلم .ولهم فى ذلك مغالطات عجيبة ،حيث قالوا إن " فاران
" هى " إيلت " وليست مكة .وأجمع على هذا " الباطل " واضعو
َ
مواسل ّ ُ
كتاب :قاموس الكتاب المقدس .وهدفهم منه واضح إذ لو َ
بأن " فاران " هى مكة المكرمة ،للزمهم إما التصديق برسالة
رسول السلم ،وهذا عندهم قطع الرقاب أسهل عليهم من
الذعان له ..؟! ،أو يلزمهم مخالفة كتابهم المقدس ،ولم يقتصر
ورود ذكر " فاران " على هذا الموضع من كتب العهد القديم ،
فقد ورد فى قصة إسماعيل عليه السلم مع أمه هاجر حيث
تقول التوراة :إن إبراهيم عليه السلم استجاب لسارة بعد ولدة
هاجر ابنها إسماعيل وطردها هى وابنها فنزلت وسكنت فى "
برية فاران " ( .)3على أنه يلزم من دعوى واضعى قاموس
الكتاب المقدس من تفسيرهم فاران بإيلت أن الكذب باعترافهم
وارد فى التوراة .لنه لم يبعث نبى من " إيلت " حتى تكون
البشارة صادقة .ومستحيل أن يكون هو عيسى عليه السلم ؛ لن
العبارة تتحدث عن بدء الرسالت وعيسى تلقى النجيل بساعير
وليس بإيلت.
فليست " فاران " إل " مكة المكرمة " وباعتراف الكثير منهم ،
وجبل فاران هو جبل " النور " الذى به غار حراء ،الذى تلقى فيه
رسول السلم صلى الله عليه وسلم بدء الوحى.
وهجرة إسماعيل وأمه هاجر إلى مكة المكرمة " فاران " أشهر
من الشمس.
وترتيب الحداث الثلثة فى العبارة المذكورة:
جاء من سيناء وأشرق من ساعير وتلل من فاران .هذا الترتيب
الزمنى دليل ثالث على أن " تلل من جبل فاران " تبشير قطعى
برسول السلم صلى الله عليه وسلم.
وفى بعض " النسخ " كانت العبارة " :واستعلن من جبل فاران "
بدل " تلل ".
وأيا ً كان اللفظ فإن " تلل " و " استعلن " أقوى دللة من " جاء
" و " أشرق " وقوة الدللة هنا ترجع إلى " المدلولت " الثلثة.
فالشراق جزء من مفهوم " المجئ " وهكذا كانت رسالة عيسى
بالنسبة لرسالة موسى (عليهما السلم).
أما تلل واستعلن فهذا هو واقع السلم ،رسول ورسالة وأمة ،
إلى أن يرث الله الرض ومن عليها.
703
هذه المغالطة (فاران هى إيلت) لها مثيل حيث تزعم التوراة أن
هاجرأم إسماعيل عندما أجهدها العطش هى وابنها إسماعيل بعد
أن طردا من وجه " سارة " طلبت الماء فلم تجده إل بعد أن لقيا
ملك " الرب " فى المكان المعروف الن " ببئر سبع " ؟! وأنها
سميت بذلك لذلك..؟! وكما كذبت فاران دعوى " إيلت " كذَّبت
؟ وستظل فاران -مكة " زمزم الطهور " دعوى " بئر سبع "
المكرمة -وزمزم الطهور " عملقين " تتحطم على صخورهما
كل مزاعم الحقد والهوى.
ويجئ نص آخر فى التوراة ل محمل له إل البشارة برسول
السلم صلى الله عليه وسلم مهما غالط المغالطون.
وهو قول الله لموسى حسب ما تروى التوراة:
" أقيم لهم نبيا ً من وسط إخوتهم مثلك ،وأجعل كلمى فى فمه
فيكلمهم بكل ما أوصيه به ،ويكون أن النسان الذى ل يسمع
لكلمى الذى يتكلم به باسمى أنا أطالبه " (.)4
حدث هذا حسب روايات التوراة وعدا ً من الله لموسى فى آخر
عهده بالرسالة ،وكان يهمه أمر بنى إسرائيل من بعده ،فأعلمه
الله -حسب هذه الرواية التوراتية -أنه سيبعث فيهم رسول مثل
موسى عليه السلم.
ولقوة دللة النص على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فقد
وقف أهل الكتابين -اليهود والنصارى -موقفين مختلفين هدفهما
واحد ،وهو أن النص ليس بشارة برسول السلم.
أما اليهود فلهم فيه رأيان:
الول :أن العبارة نفسها ليست خبرا ً بل هى نفى ،ويقدرون قبل
الفعل " أقيم " همزة استفهام يكون الستفهام معها " إنكاريا ً "
وتقدير النص عندهم هكذا " أأقيم لهم نبيا ً من وسط إخوتهم
مثلك..؟!
بطلن هذا الرأى وهذا الرأى باطل ولن نذهب فى بيان بطلنه
إلى أكثر من كلم التوراة نفسها .وذلك ؛ لنه لو كان النص كما
ذكروا بهمزة استفهام إنكارى محذوفة هى فى قوة المذكور لكان
الكلم نفيا ً فعلً ..ولو كان الكلم نفيا ً لما صح أن يعطف عليه
قوله بعد ذلك:
" ويكون أن النسان الذى ل يسمع لكلمى الذى يتكلم به باسمى
أنا أطالبه " ؟! فهذا المقطع إثبات قطعا ً فهو مرتب على إقامة
النبى الذى وعد به المقطع الذى قبله .فدل هذا " العطف " على
أن المقطع السابق وعد خبرى ثابت ل نفى .ويترتب على ذلك
بطلن القول الذاهب إلى تقدير الستفهام..؟!
704
الثانى :وقد أحس اليهود ببطلن القول بالستفهام فاحتاطوا
للمر وقالوا ل مانع أن يكون النص خبرا ً ووعدا ً مثبتا ً ،ولكنه ليس
المقصود به عيسى ابن مريم عليه السلم ول محمد بن عبد الله
رسول السلم صلى الله عليه وسلم ،بل المراد به نبى من
أنبياء إسرائيل يوشع بن نون فتى موسى ،أو صموئيل..؟!
موقف النصارى:
أما النصارى فيحملون البشارة فى النص على عيسى عليه
السلم وينفون أن يكون المراد بها رسول السلم صلى الله
عليه وسلم ،وقد علمنا قبل أن اليهود ينفون أن تكون لعيسى
عليه السلم.
وللنصارى مغالطات عجيبة فى ذلك إذ يقولون إن النبى الموعود
به ليس من بنى إسماعيل بل من بنى إسرائيل .ومحمد
إسماعيلى فكيف يرسل الله إلى بنى إسرائيل رجل ً ليس
منهم.؟! كما قالوا إن موسى أتى بمعجزات ومحمد لم يأت
بمعجزات فكيف يكون مثله .وقد رددنا على هذه الفرية فيما
تقدم.
الحق الذى ل جدال فيه:
والواقع أن كل ما ذهب إليه اليهود والنصارى باطل .باطل .ولن
نذهب فى بيان بطلنه إلى أبعد من دللة النص المتنازع عليه
نفسه .أما الحق الذى ل جدال فيه فإن هذا النص ليس له محمل
مقبول إل البشارة برسول السلم صلى الله عليه وسلم وإليكم
البيان:
إن النص المتنازع عليه يقيد البشارة بالنبى الموعود به فيه
بشرطين:
أحدهما :أنه من وسط إخوة بنى إسرائيل.
وثانيهما :أنه مثل موسى عليه السلم صاحب شريعة وجهاد
لعداء الله وهذان الشرطان ل وجود لهما ل فى يوشع بن نون ،
ول فى صموئيل كما يدعى اليهود فى أحد قوليهم.
ول فى عيسى عليه السلم كما يدعى النصارى.
أما انتفاء الشرط الول فلن يوشع وصموئيل وعيسى من بنى
إسرائيل وليسو من وسط إخوة بنى إسرائيل.
ولو كان المراد واحدا ً منهم لقال فى الوعد :أقيم لهم نبياً
منهم ..؟! هذا هو منهج الوحى فى مثل هذه المور كما قال فى
شأن النبى صلى الله عليه وسلم:
(هو الذى بعث فى الميين رسول ً منهم .)5( ) ...وكما جاء على
لسان إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلم) (ربنا وابعث فيهم
رسول ً منهم.)6( ) ...
705
وأما انتفاء الشرط الثانى ،فلن :ل صموئيل ول يوشع ول عيسى
ابن مريم كانوا مثل " موسى " عليه السلم.
فموسى كان صاحب شريعة ،ويوشع وصموئيل وعيسى وجميع
الرسل الذين جاءوا بعد موسى عليه السلم من بنى إسرائيل لم
يكن واحدا ً منهم صاحب شريعة ،وإنما كانوا على شريعة
موسىعليه السلم.
ً
وحتى عيسى ما جاء بشريعة ولكن جاء متمما ومعدل ً فشريعة
موسى هى الصل .إن عيسى كان مذكرا ً لبنى إسرائيل ومجدداً
الدعوة إلى الله على هدى من شريعة موسى عليه السلم !!
فالمثلية بين هؤلء -وهى أحد شرطى البشارة -وبين موسى
عليه السلم ل وجود لها .؟!
الشرطان متحققان فى رسول السلم صلى الله عليه وسلم
وبنفس القوة والوضوح اللذين انتفى الشرطان بهما عمن ذكروا
من النبياء ثبت ذلك الشرطان لمحمد بن عبد الله صلى الله
عليه وسلم:
فهو من نسل إسماعيل ،وإسماعيل أخو إسحق ،الذى هو أبو
يعقوب المسمى إسرائيل .فهو من وسط إخوة بنى إسرائيل -
بنو عمومتهم -وليس من إسرائيل نفسها .وبهذا تحقق الشرط
الول من شرطى البشارة:
ومحمد -عليه الصلة والسلم -صاحب شريعة جليلة الشأن لها
سلطانها الخاص بها -جمعت فأوعت -مثلما كان موسى -أكبر
رسل بنى إسرائيل -صاحب شريعة مستقلة كانت لها منزلتها
التى لم تضارع فيما قبل من بدء عهد الرسالت إلى مبعث
عيسى عليه السلم.
وبهذا يتحقق الشرط الثانى من شرطى البشارة وهو " المثليه "
بين موسى ومحمد (عليهما صلوات الله وسلمه) ،فعلى القارئ
أن يتأمل ثم يحكم.
فى المزامير المنسوبة إلى داود عليه السلم وردت كثير من
العبارات التى ل يصح حمل معناها إل على رسول السلم .ومن
ذلك قول داود كما تروى التوراة:
" أنت أبرع جمال ً من بنى البشر .انسكبت النعمة على شفتيك،
لذلك باركك الله إلى البد .تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار ،
جللك وبهاؤك .وبجللك اقتحم .اركب من أجل الحق والدعة..
بتلك المسنونة فى قلب أعداء الملك -يعنى الله -شعوب تحتك
يسقطون ..من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن البتهاج أكثر
من رفقائك " (.)7
706
اسمعى يانيت وأميلى أذنك ،وانسى شعبك وبيت أبيك ،فيشتهى
الملك الملك حسنك ؛ لنه هو سيدك فاسجدى له .وبنت صور
أغنى الشعوب تترضى وجهك بهدية .كلها مجد ابنة الملك فى
خدرها .منسوجة بذهب ملبسها مطرزة ،تحضر إلى الملك فى
إثرها عذارى صاحباتها مقدمات إليك يحضرن بفرح وابتهاج
يدخلن إلى قصر الملك .عوضا ً عن آبائك يكون بنوك نقيمهم
رؤساء فى كل الرض اذكر اسمك فى كل دور فدور من أجل
ذلك تحمدك الشعوب إلى الدهر والبد " وقفة مع هذا الكلم فى
المقطع الول (أ) ل تنطبق الوصاف التى ذكرها داود إل على
رسول السلم صلى الله عليه وسلم.
فهو الذى قاتل بسيفه فى سبيل الله وسقطت أمامه شعوب
عظيمة كالفرس والروم.
وهو الممسوح بالبركة أكثر من رفقائه النبياء ؛ لنه خاتم
النبيين ،ورسالته عامة خالدة (وما أرسلناك إل رحمة للعالمين )
(.)8
ولم يترك رسول هدى وبيانا مثلما ترك رسول السلم فى
القرآن الحكيم ،وفى أحاديثه وتوجيهاته ،التى بلغت مئات اللف
،وتعددت المصادر التى سجلتها ،وفيها من روائع البيان ،وصفاء
اللفاظ ،وشرف المعانى ما ليس فى غيرها.
أما المقطع الثانى (ب) فهو أوصاف للكعبة الشريفة .فهى التى
تترضاها المم بالهدايا .وهى ذات الملبس المنسوجة بالذهب
والمطرزة ،وهى التى يذكر اسمها فى كل دور فدور وتأتيها
قوافل" الحجيج " رجال ً ونساءً من كل مكان فيدخل الجميع فى "
قصر الملك " ويحمدها الناس إلى البد ؛ لن الرسالة المرتبطة
بها رسالة عامة :لكل شعوب الرض النس والجن .بل والملئكة.
وفى مواسم الحج يأتيها القاصدون من جميع بقاع الرض
مسلمين ،ورعايا مسلمين من بلد ليست مسلمة.
خالدة :لم ينته العمل بها بوفاة رسولها ،كما هو الحال فيما
تقدم .وإنما هى دين الله إلى البد البيد.
وأشعيا وسفره من أطول أسفار العهد القديم ملئ بالشارات
الواضحة التى تبشر برسول السلم صلى الله عليه وسلم ،ولول
المنهج الذى أخذنا به هنا وهو عدم التطويل لذكرنا من ذلك
الكثير ؛ ولذا فإننا نكتفى بهذا المقطع لدللته القوية على ما
نقول:
" قومى استنيرى ؛ لنه قد جاء نورك ،ومجد الرب أشرق عليك..
لنه ها هى الظلمة تغطى الرض والظلم الدامس المم .أما
707
عليك فيشرق الرب ،ومجده عليك يرى .فتسير المم فى
نورك ،والملوك فى ضياء إشراقك.
ارفعى عينيك حواليك وانظرى .قد اجتمعوا كلهم جاءوا إليك.
يأتى بنوك من بعيد ،وتحمل بناتك على اليدى ،حينئذ تنظرين
وتنيرين ويخفق قلبك ويتسع ؛ لنه تحول إليك ثروة البحر ،ويأتى
إليك غنى المم تغطيك كثرة الجمال بكران مديان ،وعيفة كلها
تأتى من شبا .تحمل ذهبا ولبانا ،وتبشر بتسابيح الرب .كل غنم
قيدار تجتمع إليك .كباش نبايوت تخدمك تصعد مقبولة على
مذبحى ،وأزين بيت جمالى.
من هؤلء الطائرون كسحاب وكالحمام إلى بيوتها .إن الجزائر
تنتظرنى وسفن ترشيش فى الول لتأتى من بعيد ،وفضتهم
وذهبهم معهم ل سم الرب إلهك … (.)9
وبنو الغريب يبنون أسوارك ،وملوكهم يخدمونك ..وتفتح أبوابك
دائما نهارا ً وليل ً ل تغلق ،ليؤتى إليك بغنى المم وتقاد ملوكهم...
(.)10
دللة هذه النصوص:
بل أدنى ريب فإن هذا الكلم المنسوب إلى أشعيا وصف لمكة
المكرمة وكعبتها الشامخة.
فالمقطع الول إنما هو حديث عن موسم الحج المبارك فيه
يجتمع بنوها حولها من كل مكان وفيه لمحة قوية جدا ًُ إلى نحر
الهدى صبيحة العيد .ألم يشر النص إلى غنم قيدار ،وقيدار
هوولد إسماعيل عليه السلم الذى تشعبت منه قبائل العرب .ثم
ألم ينص على المذبح الذى تنحر عليه الذبائح ؟ كما أشار النص
ثلث إشارات تعد من أوضح الدلة على أن المراد بهذا النص مكة
المكرمة .وتلك الشارات هى طرق حضور الحجاج إليها .ففى
القديم كانت وسائل النقل :ركوب الجمال .ثم السفن .أما فى
العصر الحديث فقد جدت وسيلة النقل الجوى " الطائرات "
وبشارة أشعيا تضمنت هذه الوسائل الثلث على النحو التى:
-1الجمال ،قال فيها :تغطيك كثرة الجمال.؟!
-2السفن ،قال فيها :وسفن ترشيش تأتى ببنيك من بعيد ؟!
-3النقل الجوى ،وفيه يقول :من هؤلء الطائرون كسحاب
وكالحمام إلى بيوتها .؟!!
أليس هذا أوضح من الشمس فى كبد السماء.
على أن النص ملئ بعد ذلك بالدقائق والسرار ،ومنها أن مكة
مفتوحة البواب ليل ً ونهارا ً لكل قادم فى حج أو عمرة ..؟!
ومنها أن خيرات المم تجبى إليها من كل مكان ،والقرآن يقرر
هذا المعنى فى قول الله تعالى:
708
(أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شىء ) (.)11
ومنها أن بنى الغريب (يعنى غير العرب) يبنون أسوارها .وكم من
اليدى العاملة الن ،وذوى الخبرات يعملون فيها ويشيدون
قلعها فوق الرض وتحت الرض ومنها أنه ما من عاصمة من
عواصم العالم إل دخلت فى محنة من أهلها أو من غير أهلها إل
هذه " العاصمة المقدسة " فظلت بمأمن من غارات الغائرين
وكيد الكائدين ،ومثلها المدينة المنورة.
ن الله بها عليها .أليس البترول من م َّ
ومنها كثرة الثروات التى َ
ثروات البحر العظمى التى تفجرت أرض الحجاز وشبه الجزيرة
منه عيونا ً دفاقة بمعدل لم تصل إليه أمة من المم .أضف إلى
ذلك سبائك الذهب والفضة.
والحديث عن مكة المكرمة حديث عن رسول السلم ؛ لن
مجدها لم يأت إل على يدى بعثته صلى الله عليه وسلم.
هذه الحقائق ل تقبل الجدل .ومع هذا فإن أهل الكتاب (وخاصة
اليهود) يحملون هذه الوصاف على مدينة " صهيون " ولهذا
فإنهم عمدوا إلى النص وعدلوه ليصلح لهذا الزعم.
ولكننا نضع المر بين يدى المنصفين من كل ملة .أهذه الوصاف
يمكن أن تطلق على مدينة " صهيون ".
لقد خرب " بيت الرب " فى القدس مرارا ً وتعرض لعمال
شنيعة على كل العصور .أما الكعبة الشريفة والمسجد الحرام
فلم يصل أحد إليهما بسوء ،ثم أين ثروات البحر والبر التى تجبى
إلى تلك المدينة وأهلها (إلى الن) يعيشون عالة على صدقات
المم.
جوّا ً ،وهل أبوابها
وأين هى المواكب التى تأتى إليها برا ً وبحرا ً و َ
مفتوحة ليل ً ونهارا ً ،وأين هم بنوها الذين اجتمعوا حولها.
وما صلة غنم قيدار وكباش مدين بها .وأين هو التسبيح الذى
يشق عنان السماء منها ..وأين ..وأين..؟ إن هذه المغالطات ل
تثبت أمام قوة الحق ،ونحن يكفينا أن نقيم هذه الدلة من كتبهم
على صدق الدعوى ،ول يهمنا أن يذعن القوم لما نقول فحسبك
من خصمك أن تثبت باطل ما يدعيه أمام الحق الذى تدافع عنه.
والفاصل بيننا ـ فى النهاية ـ هو الله الذى ل يُبدل القول لديه.
وتنسب التوراة إلى نبى يدعى " حبقوق " من أنبياء العهد القديم
،وله سفر صغير قوامه ثلثة إصحاحات.
تنسب إليه التوراة نصوصا ً كان يصلى بها .تضمنها الصحاح
الثالث من سفره .وهذا الصحاح يكاد يكون كله بشارة برسول
السلم صلى الله عليه وسلم .وإليكم مقاطع منه " :الله جاء من
تيمان ،والقدوس من جبل فاران ـ سله ـ جلله غطى
709
السماوات .والرض امتلت من تسبيحه وكان لمعان كالنور له
من يديه شعاع ،وهناك استتار قدرته.
قدامه ذهب الوبأ .وعند رجليه خرجت الحمى .وقف وقاس
الرض ،نظر فرجف المم ودكت الجبال الدهرية ،وخسفت آكام
القوم.
مسالك الزل يسخط دست المم ،خرجت لخلص شعبك 000
سحقت رأس بيت الشرير معريا ً الساس حتى العنق 000سلكت
البحر بخيلك.)12(..
دللت هذه الشارات:
ل يستطيع عاقل عالم بتاريخ الرسالت ومعانى التراكيب أن
يصرف هذه النصوص على غير البشارة برسول السلم صلى
الله عليه وسلم .فالجهتان المذكورتان فى مطلع هذا المقطع
وهما :تيمان :يعنى اليمن ،وجبل فاران :يعنى جبل النور الذى
بمكة المكرمة التى هى فاران .هاتان الجهتان عربيتان .وهما رمز
لشبه الجزيرة العربية التى كانت مسرحا ً أوليا ً لرسالة محمد
صلى الله عليه وسلم.
فليس المراد إذن نبيا ً من بنى إسرائيل ؛ لنه معلوم أن رسل
بنى إسرائيل كانت تأتى من جهة الشام شمالً .ل من جهة بلد
العرب .وهذه البشارة أتت مؤكدة للبشـارة المماثلة ،التى تقدم
ذكرها من سفر التثنية ،وقد ذكرت أن الله :تلل أو استعلن من
جبل فاران.
بيد أن بشارة التثنية شملت الخبار بمقدم موسىعليه السلم
والتبشير بعيسى عليه السلم وبمحمد صلى الله عليه وسلم أما
بشـارة حبقوق فهى خاصة برسول السلم صلى الله عليه
وسلم .ولو لم يكن فى كلم حبقوق إل هذا " التحديد " لكان ذلك
كافيا ً فى اختصاص بشارته برسول السلم صلى الله عليه وسلم
ومع هذا فقد اشتمل كلم حبقوق على دلئل أخرى ذات مغزى:
منها :الشارة إلى كثرة التسبيح حتى امتلت منه الرض ..؟!
ومنها :دكه صلى الله عليه وسلم لعروش الظلم والطغيان وقهر
الممالك الجائرة.
ومنها :أن خيل جيوشه ركبت البحر ،وهذا لم يحدث إل فى ظل
رسالة السلم.
على أن كلم حبقوق ملئ بالرمز والشارات مما يفيدنا فى هذا
المجال ولكننا نتجاوزه لمرين:
أحدهما :أن فى الشارات الصريحة غناء عنها.
وثانيهما :عدم التطويل ـ هنا ـ كما اتفقنا.
710
بشاراته صلى الله عليه وسلم فى العهد الجديد أسفار العهد
الجديد (الناجيل والرسائل) حافلة بالنصوص التى يتعين أن تكون
" بشارات " برسول السلم صلى الله عليه وسلم.
تلك البشـارات تعـلن أحيانا ً فى صورة الوعـد بملكوت الله أو
ملكوت السماوات .وأحيانا أخـرى بالـروح القـدس .ومرات
باسـم المعـزى أو الفارقليط ،وهى كلمة يونانية سيأتى فيما بعد
معناها ،تلك هى صورة البشارات فى الناجيل فى صيغها
المعروفة الن.
ففى إنجيل متى وردت هذه العبارة مسـندة إلى يحيى عليه
السلم المسمى فى الناجيل :يوحنا المعمدان.
وفيها يقول " :توبوا ؛ لنه قد اقترب ملكوت السماوات " (.)13
فمن هو ملكوت السماوات الذى بشر به يحيى ؟! هل هو عيسى
عليه السلم ـ كما يقول النصارى..؟!
هذا احتمال ..ولكن متَّى نفسه يدفعه حيث روى عن عيسى عليه
السلم نفس العبارة " :توبوا ؛ لنه قد اقترب ملكوت السماوات
" (.)14
فلـو كان المراد بملكـوت السماوات ـ هذه ـ عيسى عليه السلم
لما وردت هذه " البشارة " على لسان عيسى ؛ إذ كيف يبشر
بنفسه ،وهو قائم موجود ،والبشـارة ل تكون إل بشئ محـبوب
سيأتى ،كما أن النذار ـ قسيمه ـ ل يكون إل بشىء " مكروه "
قد يقع .فكلهما :التبشير والنذار ـ أمران مستقبلن.
إن ورود هذه العبارة عن عيسى نفسه تخصيص لذلك العموم
المستفاد من عبارة يحيى عليهما السلم.
فدل ذلك على أن المراد بملكوت السماوات رسول آخر غير
عيسى .ولم يأت بعد عيسى ـ باعتراف الجميع ـ رسول غير
رسول السلم صلى الله عليه وسلم.
فدل ذلك على أنه هو المراد بملكوت السماوات فى عبارة
عيسى عليه السلمـ قول ً واحدا ً ـ وباحتمال أرجح فى عبارة يحيى
،إذ ل مانع عندنا ـ أن يكون يحيى عليه السلم قد بشر بها بعيسى
عليه السلم.
أما بشارة عيسى فل موضع لها إل الحمل ـ القطعى ـ على
رسول السلم صلى الله عليه وسلم.
متَّى
وفى صيغة الصلة التى علمها المسيح لتلميذه ـ كما يروى َ
متَّى فى هذا " نفسه ـ بشارة أخرى بنبى السـلم .وهذا هو نص َ
فصلوا أنتم هكذا :أبانا الذى فى السماوات ليتقدس اسمك ليأت
ملكوتك " (.)15
ووردت هذه الصيغة فى إنجيل لوقا هكذا:
711
" متى صليتم فقـولوا :أبانا الذى فى السماوات ليتقـدس اسمك
ليأت ملكوتك.)16( " ..
ويذكر لوقا أن المسيح جمع تلميذه ،وعلمهم كيف يقهرون
الشياطين ،ويشفـون المراض ثم قال " :وأرسلهم ليكرزوا ـ أى
يبشروا ـ بملكوت الله " (.)17
أما مرقس فيسند هذه البشارة إلى المسيح نفسه إذ يقول" :
جاء يسوع إلى الجبل يكرز ببشارة ملكوت الله ويقول :قد كمل
الزمان واقترب ملكوت الله " (.)18
فهـؤلء ثلثة من التلمذة يتفقـون على أن يحيى وعيسى (عليهما
السلم) قد بشرا بملكوت الله الذى اقترب.
فمن المراد بملكوت الله إذا لم يكن هو رسول السلم صلى الله
عليه وسلم ؟ وأكاد أجزم بأن عبارة " المسيح ،قد كمل الزمان
" ل تعنى سوى انتهاء عصر الرسالت الموقوتة وإقبال الرسالة
الخالدة!..
ـ 3ـ أما يوحنا صاحب رابع الناجيل .فإنه يذكر هذه البشارات فى
مواضع متعددة من إنجيله .ومن ذلك ما يرويه عن المسيح عليه
السلم " الذى ل يحبنى ل يحفظ كلمى ،والكلم الذى تسمعونه
ليس لى بل للب الذى أرسلنى .بهذا كلمتكم وأنا عندكم .وأما
المعزى (اسم فاعل من الفعل المضعف العين عزى) ( )19الروح
القدس ،الذى سيرسله الب باسمى فهو يعلمكم كل شىء
ويذكركم بما قلته لكم " (.)20
كما يروى يوحنا قول المسيح ـ التى ـ مع تلميذه " :إنه خير لكم
أن انطلق .إن لم أنطلق ل يأتيكم المعزى ،ولكن إن ذهبت
أرسله إليكم .ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية ،وعلى بر
وعلى دينونة " (.)21
ويروى كذلك قول المسيح لتلميذه " :وأما إذا جاء ذاك روح
الحق ،فهو يرشدكم إلى جميع الحق ؛ لنه ل يتكلم من نفسه.
بل كل ما يسمع يتكلم به ،ويخبركم بأمور آتية " ..؟! (.)22
فمن هو المعزى أو روح القدس أو روح الحق الذى بشر به
المسيح عليه السلم حسبما يروى يوحنا..؟!
إن المسيح يقول:
معَّرِى أو الروح القدس ل يأتى إل بعد ذهاب المسيح ، إن ذلك ال ُ
ُ َ
ل منه ج ّ والمسيح ـ نفسه ـ يُقـُّر بأن ذلك ال ُ
معَّرِى أو الروح أ َ
شأنا ،وأعم نفعا ً وأبقى أثرا ً ،ولذلك قال لتلميذه :خير لكم أن
معَّرِى.أنطلق .إن لم أنطلق ل يأتيكم ال ُ
وكلمة " خير " أفعل تفضيل بمعنى أكثر خيرا ً لكم ذهابى ليأتيكم
معَـَّزى " مسـاويا للمسيح فى الدرجة لكانا المعزى ولو كان " ال ُ
712
مستويين فى الخيرية ولما ساغ للمسيح أن يقول خير لكم أن
أنطلق.
ومن باب أولى لو كان " المعَّزى " أقل فضل ً من المسيح .فعبارة
مساو
ٍ المسيح دليل قاطع على أنه بشر بمن هو أفضل منه ،ل
له ول أقل.
معََّرى أو الروح بأوصـاف ليست
ثم يصف المسيح ذلك ال ُ
موجـودة فى المسيح نفسه عليه السلم .ومن تلك الوصاف:
أـ إنه يعلم الناس كل شىء.وهذا معناه شمول رسالته لكل
مقومات الصلح فى الدنيا والدين .وذلك هو السلم.
ب ـ إنه يبكت العالم على خطية .والشاهد هنا كلمة " العالم "
وهذا معناه شمول السلم لكل أجـناس البشر ،عربا وعجما ً ،
فى كل زمان ومكان .ولم توصف شريعة بهذين الوصفين إل
السلم.
جـ ـ إنه يخـبر بأمور آتية ،ويذكـر بما مضى .وقد تحقق هذا فى
رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
فأخبر بأمور آتية لم يخبر بها من سبقه أو أخبروا ولكن ليس على
وجه التفصيل والتأكيد الذى كان على يديه صلى الله عليه وسلم
فكم فى القرآن من أمور أخبر بها قبل أن تقع فوقعت كما أخبر ،
وكم فيه من الخبار بما سيكون فى الحياة الخرة من أوصاف
الجنة ،والنار ،والبعث ،وعلمات الساعة ،وتخاصم أهل النار ،
وحوار أصحاب الجنة مع " رجال العراف " ،وندم من باعوا
دينهم بدنياهم.
إلخ ..إلخ.
وذكر بما مضى من أحوال المم ،وقيام الحضارات ثم سقوطها
وأحوال المرسلين وما بلغوا به أقوامهم والشهادة لهم بالصدق
والمانة والخلص والوفاء ،ومسلك بعض القوام من رسلهم
والصراع الذى دار بين المحقين وأهل الباطل ،وعاقبة بعض
المكذبين ..إلخ..إلخ.
ثم استوعبت رسالته الحياة كلها فأرست قواعد العتقاد الصحيح
وسنت طرق العبادة المثمرة ،ووضعت أصول التشريع فى كل
ما هو متعلق بالحياة عاجلها وآجلها ،ووضحت العلقة السليمة
بين المخلوق والخالق ،وبين الناس بعضهم بعضاً .وحررت
العقول ،وطهرت القلوب ورسمت طريق الهدى لكل نفس
ولكل جماعة ولكل أمة .أى أنها أرشدت إلى كل شىء .وعلمت
كل شىء مما يحتاج تعلمه إلى وحى وتوقيف!..
ذلك هو السلم ،ول شىء غير السلم.
713
وشهدت ـ فيما شهدت ـ للمسيح عليه السلم بأنه رسول كريم
أمين أدى رسالته وبشر وأنذر بنى إسرائيل.
وأنه عبده ورسوله (ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذى فيه
يمترون ) (.)23
وشهادة رسول السلم لعيسى عليه السلم منصوص عليها فى
بشارات عيسى نفسه به (صلى الله عليه وسلم) .فاسمع إلى
يوحنا وهو يروى عن المسيح عليه السلم قوله التى " .ومتى
جاء المعَّزى الذى سأرسله " أنا " إليكم من الب روح الحق من
عند الب ينبثق فهـو يشهـد لى ..وتشهـدون أنتم أيضا ً لنكم معى
من البتداء " (.)24
روح القـدس هذا ،أو المعَّزى ،أو روح الحق ل يمكن أن يكون
عيسى ؛ لن عـيسى لم يبشر بنفسـه ،وهو كان موجودا ً ساعة
قال هذا ول يمكن أن يكون المراد به نبيا ً بعد عيسى غير محمد
(صلى الله عليه وسلم) لننا متفقون على أن عيسى لم يأت
بعده نبى قبل رسول السلم صلى الله عليه وسلم.
فتعين أن يكون روح القدس ،أو المعَّزى ،أو روح الحق تبشيرا
بمحمد صلى الله عليه وسلم إذ فيه تجتمع تلك الوصاف ،كما
يتحقق فيه معنى " الفضلية " إذ هو خاتم النبيين ،الذى جاء
بشريعة خالدة عامة ،وعلى هذا حملنا قبل قول عيسى :خير لكم
معَّزِى " وهذا إقرار من أن أنطلق .إن لم أنطلق ل يأتيكم ال ُ
شر وكفى بذلك شواهد. مب َ ّ ِعيسى بأن المبشر به أفضل من ال ُ
أما البشارة باسم " الفارقليط " فقد خلت منها الترجمات
العربية المعاصرة للكتاب المقـدس .ومعـلوم أن الكتاب
المقدس خضع للترجمات وطبعات متعددة ؛ لدرجة أن الترجمات
العربية لتختلف من نسخة إلى أخرى اختلفا بيناً.
وتحت يدى ـ الن ـ نسختان من الطبعـات العربية كلتاهما خاليتان
من كلمة الفارقليط ،وموضوع مكانها كلمة المعزى.
بيد أننى وجدت أن ابن القيم ،وابن تيمية ،كل منهما قد نقل
عن نسخ خطية كانت معاصرة لهما نصوصا ً فيها التصريح باسم"
الفارقليط " كما أن الشيخ رحمت الله الهندى (رحمه الله) نقل
فى كتابه " إظهار الحق " نصوصا ً " عن ترجمات عربية ترجع إلى
أعوام 1821 :ـ 1831ـ 1844م وتمت فى لندن معنى " الفارقليط ":
كلمة يونانية معناها واحد مما يأتى:
الحامد ـ الحماد ـ المحمود ـ الحمد.
أو معناها كل ما تقدم .فمعنى " فارقليط " يدور حول الحمد
وجميع مشتقاته المشار إليها.
714
وكل واحد منها يصح إطلقه على رسول السلم صلى الله عليه
ماد والمحمود والحمد ،والمحمد. وسلم فهو الحامد والح ّ
وفى الطبعات ـ اللندنية ـ المتقدم ذكرها ورد النص هكذا " :إن
كنتم تحبوننى فاحفظوا وصاياى .وأنا أطلب من الب فيعطيكم
فارقليط آخر ،ليثبت معكم إلى البد ".
" الفارقليط " روح القـدس الذى يرسله الب باسمى هو يعلمكم
كل شىء ،وهو يذكركم كل ما قلته لكم " (.)25
ومقارنة هذين النصـين بالنص المقابل لهما الذى نقلناه آنفا عن
إنجيل يوحنا من الطبعات العربية الحديثة تريك أن الطبعات
الحديـثة حـذفت كلمة " الفارقليط " ووضعت مكانها كلمة "
المعزى " كما تريك أن الطبعات الحديثة حذفت جملة " :ليثبت
معـكم إلى البد " وهو نص على خلود السلم على أنهم عادوا
واعترفوا بأن كلمة " المعزى " التى فى الطبعات الحديثة للكتاب
المقـدس أصلها مترجـم عن كلمة يونانية لفظا ً ومعنى وهى "
باراكليتس " ومعناها المعزى ،وليست " فارقليط " أو " بارقليط
" التى معناها الحماد والحامد 000والتى يتمسك بها
المسلمون ..؟!
وهذه المحاولت مردودة لسببين:
أولهما :ليس نحن ـ المسلمين ـ الذين قاموا بعمل بالطبعات
القديمة التى فيها " الفارقليط " وإنما طبعها النصارى قديماً.
فعملهم حجة على الطبعات الحديثة وهم غير متهمين فى عملهم
هذا.
وثانيهما :ولو كانت الكلمة " هى :الباراكليتس " فلماذا خلت منها
الطبعات القديمة والنسخ المخطوطة ؟!
بل ولماذا خلت منها الطبعات الحديثة..؟!
وأيا كان المدار :فارقليط ،أو باراكليتس ،أو المعزى ،أو الروح
القدس فنحن ل نعول على الكلمة نفسها بقدر ما نعول على
الوصاف التى أجريت عليها .مثل يعلمكم كل شىء ـ يمكث
معكم إلى البد.
فهـذه الوصـاف هى لرسـول السـلم صلى الله عليه وسلم
ومهما اجتهدتم فى صرفها عنه فلن تنصرف.
ولهم " شبهة " أخرى يحلو لهم تردادها وهى :محمد صلى الله
عليه وسلم عربى الجنس واللسان ،فكيف يرسله الله إلى أمم
وأجناس غير عربية ..وكيف يكلف الله الناس برسالة ل يعرفون
لغتها ول عهد لهم بالتحدث معها .وكيف يستطيعون أن يفهموا
القرآن ،وتوجيهات رسول السلم ،وهما باللغة العربية.؟!
رد الشبهة نرد عليها من طريقين:
715
الول :وهو مستمد من واقـع القـوم أنفسهم .فهم يدعون تبعاً
لما قال " بولس " أن عيسى عليه السلم مرسل لخلص العالم
كله .وأنه أمر حوارييه أن يكرزوا كل العالم برسالة الخلص ،
وفى أيامنا هذه كثرت المنشورات التى تقول :المسيح مخلص
العالم .وهنا نسأل القوم سؤالً :أية لغة كانت لغة المسيـح عليه
السلم وحوارييه ؟! هل هى العبرانية أم اليونانية ؟! وأيا كان
الجواب فإن المسيح كان يتكلم لغة واحدة .وأوحى إليه النجيل
بلغة واحدة ..فعلى أى أساس إذن قلتم :إنه منقذ لكل العالم ؟!
هل كل العالم كان وما يزال يعرف لغة المسيح ؟! أم أن العالم
أيام المسيح كان يتكلم بعدة لغات ..والن يتكلم بمئات
اللغات..؟!
فإن كنتم قد ادعيتم أن المسيح هو منقذ كل العالم مع تسليمكم
بأنه كان يتكلم بلغة واحدة فلماذا تنكرون على رسول السلم أن
يكون مرسل ً لكل العالم.؟! وما الفرق بين رسول السلم صلى
الله عليه وسلم والمسيح عليه السلم حتى تحظروا عليه ما
استبحتموه للمسيح ؟! أهذا عدل ..أهذا إنصاف !!
وإن تنازلتم عن عالمية المسيح فأنتم مدينون..؟!
الثانى :وهو مستمد من طبيعة السلم .ومن تاريخه الطويل
الحافل بكل عجيب.
نعم :إن محمدا ً صلى الله عليه وسلم عربى اللسان ،والجنس ،
والقرآن العظيم الذى جاء به عربى اللسان ،عالمى التوجيه
والتشريع والسلطان .ووحدة اللغة فى السلم مثل وحدة
العقيدة فيه .ولم يحل دون انتشار السلم بين المم والشعوب
غير العربية أن لغة رسالته عربية ورسوله عربى ورواده الوائل
عرب .هذه العتبارات لم تحل دون نشر السلم لجميع شعوب
الرض باختلف لغاتها وعقائدهـا وأجناسها.
وكان سلوك الدعوة إلى السلم حكيما ،وهذه أبرز ملمحه.
أولً :إن صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم أرسل رسله
يحملون رسائله وكتبه إلى كل رؤساء القبائل وملوك المم
والشعوب ،وقد بدأت هذه الطريقة بعد وقوع صلح الحديبية ،
وكل حامل رسالة أو كتاب إلى رئيس أو ملك كان على علم بلغة
من هم المبعوث إليهم.
فقد أرسل النبى صلى الله عليه وسلم إلى هرقل دحية بن خليفة
الكلبى.
وأرسل إلى المقوقس عظيم القبـط بمصـر حاطب بن أبى
بلتعة .وأرسل إلى كسرى عبد الله بن حذافة السهمى.
716
وأرسل إلى الحارث بن أبى شمر الغسانى شجاع بن ذهب
السدى .وكان هؤلء الرسل عالمين بلغات من أرسلوا إليهم.
كما كان صلى الله عليه وسلم يحتفظ بمترجمين يترجمون له ما
يرد من رسائل لغتها غير العربية.
ثانياً :إن الملوك والرؤساء كان لديهم مترجمون ـ كذلك ـ
يترجمون لهم ما يرد من رسول السلم أو يقومون بالترجمة من
العربية إلى غيرها ،ومن غير العربية إلى العربية فى حالة ما إذا
كان " المرسل " وفدا ً يحمل رسائل شفوية للتبليغ.
ثالثاً :إن اليهود وكثيرا ً من النصارى كانوا يعرفون اللسان
العربى ،ومن النصارى من هم عـرب خلص كنصـارى نجـران ،
كما أن العجم من الفرس والروم كان من بينهم عرب يعايشونهم
ويقيمون بينهم.
رابعاً :كان صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم يحض أصحابه
على تعلم لغات المم ومما يروى عنه ـ عليه الصلة السلم ـ
قوله :من تعلم لغة قوم أمن غوائلهم.
خامساً :لما اجتازت الدعوة مرحلة الدعوة بالرسالة والكتاب
والوفد ،والبعث ،ودخلت فى مرحلة الفتح كان الجنود
المسلمون ينشرون اللغة العربية كما ينشرون السلم نفسه.
وما من أرض حل بها السلم إل وقد حلت بها اللغة العربية
تعضده ،وتؤازره فى انسجام عجيب ،فقضت اللغة العربية على
لغات المم والشعوب وحلت هى محلها .قضت على القبطية فى
مصر وعلى الفارسية فى الشام وعلى البربرية فى شمال غرب
أفريقيا كما قضت على السريانية وغيرها من اللغات ،وأصبحت
هى لغة الحياة والدارة والكتابة والنشر والتأليف.
سادساً :قام العرب المسلمون بترجمة ما دعت إليه المصلحة
من تراث المم المفتوحة ،ففتحوا نوافذ الفكر ،والثقافة ،
والمعرفة لمن ل يعرف غير العربية من العرب المسلمين .كما
ترجموا من الفكر السلمى ما يصلح ضرورة لغير العرب من
المسلمين فنقلوه من العربية إلى غير العربية وفاءً بحق الدعوة
والتبليغ.
سابعاً :أقبل غير العرب من الذين دخلوا السلم على تعلم
العربية وتركوا لغاتهم الصلية وأصبحوا عربى اللسان واللغة.
ومن هـؤلء أعلم ل يحصون كان لهم فضل عظيم فى إنماء
الفكر السلمى منهم اللغويون ،والنحويون ،والبيانيون ،
والفقـهاء ،والصوليون ،والمفسرون ،والمحدثون ،والمتكلمون
،والفلسفة ،والمناطـقة ،والرياضيون ،والطباء ،والفلكيون ،
بل والشعراء والدباء والرحالة والجغرافيون ،وغيرهم ،وغيرهم.
717
إن كل مجال من مجـالت النشـاط العلمى فى السلم نبغ فيه
كثير من غير العرب بعد تعلمهم اللغة العربية التى كانوا فيها مثل
أنجب وأحذق وأمهر أبنائها .ولو رحنا نحصى هؤلء لضاق بنا
السهل والوعر ،فلتكن الشارة إليهم نائبا ً عن ذلك التفصيل غير
المستطاع.
إن وحدة اللغة فى السلم لم تحل دون نشر السلم ،فلم يمض
طويل من الزمن حتى بلغت الدعوة مشارق الرض ومغاربها.
وصلت إلى الهند والصين فى أقصى الشرق ،وإلى شواطئ
المحيط الطلسى فى أقصى الغرب وإلى بلد النوبة جنوبا ً وإلى
جبال البرانس جنوبى فرنسا شمالً .وتوطدت فى قلب الكون:
الحجاز واليمن والشام وفارس وبلد ما بين النهرين وما وراء
النهرين ومصر وجنوب الوادى ،وتركت اللغة العربية الواحدة
آثارها فى كل قطر أشرقت فيه شمس السلم ،وحتى ما فارقه
السلم ـ كأسبانيا ـ ما تزال حضارة السلم وآثار العربية تغزو
كل بيت فيها .وكما استوعب السلم مناهج الصلح فى كل
مجالت الحياة النسـانية استوعـبت شقيقته الكبرى " اللغة
العربية " كل أنماط التعبير ووسعت بسلطانها كل وسائل
التسجيل والتدوين ..وامتلكت ناصية البيان الرائع الجميل ،فهى
لغة علم ،ولغة فن ومشاعر ،ووجدان .وقانون وسلم وحرب ،
ودين ودنيا.
إن أكثر من ألف مليون مسلم ينتشرون فى ربوع الرض الن لم
يعجز الكثير منهم من غير العرب عن حفظ كتاب الله " القرآن
العظيم " ويتلونه كما أنزل بلسان عربى فصيح .فإذا عاد إلى
حديثه اليومى لجأ إلى لغة أمه وأبيه وبيئته.
ومسلم غير عربى استطاع أن يحفظ أو يقرأ القرآن بلغته العربية
الفصحى لهو قادر ـ لو أدى المسلمون العرب واجبهم نحو لغة
التنزيل ـ أن يقرأ بها كتب الحديث ،والفقه ،والتشريع ،والنحو ،
والصرف ،والبلغة ،والدب وسائر العلوم والفنون.
ولكنه ذنب العـرب المسـلمين ل ذنب اللغة .فهى مطواعة لمن
يريد أن يتقنها إن وجد معلما ً مخلصاً .والمل كبير ـ الن ـ فى أن
يلتقى كل المسلمين على لغة واحدة ،كما التقوا على عقيدة
واحدة.
إن رسـول السـلم صلى الله عليه وسلم عالمى الدعوة وإن
كان عربى اللسان والجنس.
وإن السلم الحنيف عالمى التوجيه والسلطان وإن كانت لغة
تنزيله عربية ورسوله عربيا ً ،ورواده الوائل عرباً.
718
( )1رددنا على هذه الدعاءات فى " السلم فى مواجهة
الستشراق فى العالم " مرجع سبق ذكره.
( )2سفر التثنية :الصحاح ( )33الفقرات (.)2-1
( )3سفر التكوين (.)21 - 21
( )4سفر التثنية :الصحاح ( )18الفقرات (.)19 - 18
؟ أى ويكون المعنى عليه :كيف أقيم لهم نبيا ً من وسط إخوتهم
ل أفعل هذا.
( )5الجمعة.2 :
( )6البقرة.129 :
( )7المزمور ( )45الفقرات ( )17 - 2مع الحذف اليسير )8( .النبياء:
.107
( )9مكان النقط هنا كلم لم نذكره هو " قدوس إسرائيل لنه
مجدك " ؟! وهذا مقطع مضاف بكل تأكيد والهدف منه صرف
الكلم عن معناه الظاهر!!
( )10سفر أشعياء الصحاح ( )60الفقرات ( )12-4مع حذف يسير.
( )11القصص.57 :
( 3( )12ـ 3ـ )15مع الحذف.
( )13الصحاح ( )3الفقرة (.)2
( )14الصحاح ( )4الفقرة (.)17
( )15الصحاح ( )6الفقرة (9ـ .)10
( )16الصحـاح ( )11الفقـرة (.)2
( )17الصحاح ( )9الفقرة (.)2
( )18الصحاح ( )1الفقرة ( 14ـ .)15
( )19هذا إيضاح وليس من النص.
( )20الصحاح ( )14الفقرات ( 24ـ .)26
( )21الصحاح ( )16الفقرتان ( 7ـ .)8
( )22الصحاح ( )16الفقرة (.)13
( )23مريم.34 :
( )24الصحاح ( )15فقرتا ( 26ـ .)27
( )25انظر كتاب " إظهار الحق " ص 528للشيخ رحمت الله
الهندى تحقيق الدكتور أحمد حجازى السقا .نشر دار التراث.
---------------------
-79قوم النبى محمد صلى الله عليه وسلم زناة من
أصحاب الجحيم
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
719
الرد على الشبهة:
ما ذنب النبى محمد صلى الله عليه وسلم أن يقع قومه ومن
أرسل إليهم فى خطيئة الزنا أو أن يكونوا من أصحاب الجحيم ؟
مادام هو صلوات الله وسلمه عليه قد برئ من هذه الخطيئة
ولسيما فى مرحلة ما قبل النبوة ،وكانت مرحلة الشباب التى
يمكن أن تكون إغراء له ولمثاله أن يقعوا فى هذه الخطيئة ؛
لسيما وأن المجتمع الجاهلى كان يشجع على ذلك وكان الزنا
فيه من المور العادية التى يمارسها أهل الجاهلية شبانًا وشيبًا
ضا .وكان للزنا فيه بيوت قائمة يعترف المجتمع بها ،وتُعلق أي ً
على أبوابها علمات يعرفها بها الباحثون عن الخطيئة ،وتعرف
بيوت البغايا باسم أصحاب الرايات.
ومع هذا العتراف العلنى من المجتمع الجاهلى بهذه الخطيئة ،
ومع أن ممارستها للشباب وحتى للشيب لم تكن مما يكره
المجتمع أو يعيب من يمارسونه ؛ فإن محمدًا صلى الله عليه
وسلم لم يقع فيها أبدًا بل شهدت كل كتب السير والتواريخ له
صلى الله عليه وسلم بالطهارة والعفة وغيرهما من الفضائل
الشخصية التى يزدان بها الرجال وتحسب فى موازين تقويمهم
وتقديرهم ،وأرسله الله سبحانه ليغير هذا المنكر.
هذه واحدة والثانية :أن الرسالة التى دعا بها ودعا إليها محمد
صلى الله عليه وسلم حّرمت الزنا تحريما ً قاطعا ً وحملت آياتها
فى القرآن الكريم عقابا ً شديدا ً للزانى والزانية يبدأ بعقوبة بدنية
هى أن يجلد كل منهما مائة جلدة قاسية يتم تنفيذها علنا ً بحيث
يشهدها الناس لتكون عبرة وزجرا ً لهم عن التورط فيها كما تقول
الية الكريمة(:الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة
ول تأخذكم بهما رأفة فى دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم
الخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) (.)1
فإذا كان الزانيان محصنين أى كل منهما متزوج ارتفعت العقوبة
إلى حد ّ العدام رميا ً بالحجارة حتى الموت.
ول تقف العقوبة عند ذلك بل نرى أن رسالة محمد صلى الله
ن يمارسون هذه الخطيئة فى مرتبة دونية من م ْعليه وسلم تضع َ
البشر حتى لكأنهم صنف منحط وشاذ عن بقية الطهار السوياء
فتقول الية الكريمة عنهم( :الزانى ل ينكح إل زانية أو مشركة
ن أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) ( والزانية ل ينكحها إل زا ٍ
.)2
من الذى يحمل المسئولية عن الخطيئة ؟ فإذا كان محمد صلى
الله عليه وسلم قد طهر من هذه الخطيئة فى المجتمع الذى كان
يراها عادية ومألوفة ،ثم كانت رسالته صلى الله عليه وسلم
720
تحرمها التحريم القاطع والصريح ،وتضع مرتكبيها فى مرتبة
النحطاط والشذوذ عن السوياء من البشر..
م يُعَيّر محمد صلى الله عليه وسلم بأن بعض قومه زناة ؟ فل ِ َ
ً
وهل يصح فى منطق العقلء أن يعيبوا إنسانا بما فى غيره من
العيوب ؟ وأن يحملوه أوزار الخرين وخطاياهم ؟.
وهنا يكون للمسألة وجه آخر يجب التنويه إليه وهو خاص
بالمسئولية عن الخطيئة أهى فردية خاصة بمن يرتكبونها ؟ أم أن
آخرين يمكن أن يحملوها نيابة عنهم ويؤدون كفارتها ؟ !
أن السلم يمتاز بأمرين مهمين:
أولهما :أن الخطيئة فردية يتحمل من وقع فيها وحده عقوبتها ول
يجوز أن يحملها عنه أو حتى يشاركه فى حملها غيره وصريح
آيات القرآن يقول( :ل يكلف الله نفسا ً إل وسعها لها ما كسبت
وعليه ما اكتسبت) ( .)3ثم( :ول تكسب كل نفس إل عليها ول تزر
وازرة وزر أخرى) ( .)4وورد هذا النص فى آيات كثيرة.
أما المر الثانى :فيما أقره السلم فى مسألة الخطيئة فهو أنها
ل تورث ،ول تنقل من مخطئ ليتحمل عنه وزره آخر حتى ولو
بين الباء وأبنائهم وفى هذا يقول القرآن الكريم(:واتقوا يوما ً ل
تجزى نفس عن نفس شيئا ً ) (.)5
(هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت ) (.)6
(ليجزى الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب) (.)7
(يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها ) (.)8
(ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم ل يظلمون ) (.)9
(كل نفس بما كسبت رهينة) (.)10
وغير هذا كثير مما يؤكد ما أقَّره السلم من أن الخطايا فردية
وأنها ل تورث ول يجزى فيها والد عن ولده ،ول مولود هو جاز
عن والده شيئاً.
وما دام المر فل أن فلم يلم محمد صلى الله عليه وسلم ول
يعاب شخصه أو تعاب رسالته بأن بعض أهله أو حتى كلهم زناة
مارسوا الخطيئة التى كان يعترف بها مجتمعه ول يجزى فيها شيئاً
أو ينقص الشرف والمروءة أو يعاب بها عندهم من يمارسها.
وحسب محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يقع أبدا ً فى هذه
الخطيئة ل قبل زواجه ول بعده ،ثم كانت رسالته دعوة كبرى
إلى التعفف والتطهر وإلى تصريف الشهوة البشرية فى
المصرف الحلل الذى حض السلم عليه وهو النكاح الشرعى
الحلل ،ودعا المسلمين إلى عدم المغالة فى المهور تيسيراً
على الراغبين فى الحلل ،حتى كان الرسول صلى الله عليه
وسلم يزوج الرجل بأقل وأيسر ما يملك من المال ،وأثر عنه
721
صلى الله عليه وسلم أن شابا ً جاءه يرغب إليه فى الزواج وما
كان معه ما يفى بالمراد فقال له صلى الله عليه وسلم [ :التمس
ولو خاتما ً من حديد ] (.)11
أكثر من هذا أنه صلى الله عليه وسلم كان يزوج بعض الصحابة
بما يحفظ من القرآن الكريم.
لهذا لم تقع خطايا الزنا فى المجتمع فى العهد النبوى كله إل فى
ندرة نادرة ،ربما لن الحق سبحانه شاء أن تقع وأن يقام فيها
الحد الشرعى ليسترشد بها المجتمع فى مستقبل اليام ؛
كتشريع تم تطبيقه فى حالت محددة يكون هاديا ً ودليل ً فى
القضاء والحكم.
هذا عن اتهام محمد صلى الله عليه وسلم بأن أهله زناة ،وهو
كما أوضحنا اتهام متهافت ل ينال من مقام النبوة ول يرتقى إلى
أقدام صاحبها صلى الله عليه وسلم .وقد أتينا عليه بما تستريح
إليه ضمائر العقلء وبصائر ذوى القلوب النقية.
أما عن اتهامه صلى الله عليه وسلم بأن أهله من أصحاب
الجحيم ،فهى شهادة لجلل التشريع الذى أنزله الحق -على
محمد فأكمل به الدين وأتم به النعمة.
بل إن ما يعيبون به محمدا ً صلى الله عليه وسلم من أن أهله من
أصحاب الجحيم ليس أبدا ً عيبًا فى منطق العقلء ذوى النصفة
والرشد ؛ بل إنه وسام تكريم لمحمد صلى الله عليه وسلم
ولرسالته الكاملة والخاتمة فى أن التشريع الذى نزلت به سوَّى
بين من هم أقرباء محمد صلى الله عليه وسلم وبين من هم
غرباء عنه فى جميع الحكام ثوابا ً وعقوبة.
بل إن التشريع الذى نزل على محمد صلى الله عليه وسلم نص
صراحة على التزام العدل خاصة حين يكون أحد أطرافه ذا قربى
فقال القرآن(:ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين
ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) (
.)12وقوله( :وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ) (.)13
أما فى السنة النبوية فحديث المرأة المخزومية ـ من بنى مخزوم
ذوى الشرف والمكانة ـ التى ارتكبت جريمة السرقة وهى جريمة
عقوبتها حد ّ السرقة وهو قطع يد السارق كما تنص عليه آيات
القرآن ،وشغل بأمرها مجتمع المدينة لئل يطبق عليها الحدّ
فتقطع يدها وهى ذات الشرف والمكانة فسعوا لدى أسامة بن
ب رسول الله صلى الله عليه وسلم -أن يشفع لها لدى زيد – ح ِّ
رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلم رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال [ :أتشفع فى حد من حدود الله ؟ ثم قام
فخطب فقال :يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا
722
إذا سرق فيهم الشريف تركوه ،وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا
عليه الحد ،وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع
محمد يدها ] (.)14
وعليه فكون بعض آل محمد وذوى قرباه من أصحاب الجحيم
كأبى لهب عمه الذى نزلت فيه سورة المسد:
(تبت يدا أبى لهب وتب ) ( )15وغيره ممن كان نصيًرا لهم مع
بقائه على شركه..
كون هؤلء من أصحاب الجحيم لنهم بقوا على شركهم ولم
تنفعهم قرابتهم لمحمد صلى الله عليه وسلم هو فى الواقع
شهادة تقدير تعطى لمحمد ورسالته التى سوَّت فى العدل بين
القريب وبين الغريب ،ولم تجعل لعامل القرابة أدنى تأثير فى
النحياز ضد الحق لصالح القريب على الغريب .وما قاله
المبطلون هو فى الحق وسام وليس باتهام.
وصلى الله وسلم على النبى العظيم.
( )1النور.2 :
( )2النور.3 :
( )3البقرة.286 :
( )4النعام.164 :
( )5البقرة .48
( )6يونس.30 :
( )7إبراهيم.51 :
( )8النحل.111 :
( )9الجاثية.22 :
( )10المدثر.38 :
( )11رواة البخارى [ كتاب النكاح ].
( )12التوبة.113 :
( )13النعام.152 :
( )14رواة البخارى [ كتاب أحاديث النبياء ].
( )15المسد.1 :
---------------------
-80مات النبى صلى الله عليه وسلم بالسم
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
723
يعيب ،واتهامه بما ل يصلح أن يكون تهمة ،حتى إنك لترى من
يعيب إنسانا ً مثل ً بأن عينيه واسعتان أو أنه أبيض اللون طويل
القامة ،أو مثل ً قد أصيب بالحمى ومات بها ،أو أن فلنا ً من
الناس قد ضربه وأسال دمه ؛ فهذا كأن أو أن تعيب الورد بأن
لونه أحمر مثل ً ؛ وغير ذلك مما يستهجنه العقلء ويرفضونه
سا وعجًزا.
ويرونه إفل ً
أن محمدا ً صلى الله عليه وسلم قدمت له امرأة من نساء اليهود
شاة مسمومة فأكل منها فمات صلى الله عليه وسلم.
وينقلون عن تفسير البيضاوى:
أنه لما فتحت خيبر واطمأن الناس سألت زينب بنت الحارس -
وهى امرأة سلم بن مشكم (اليهودى) -عن أى الشاة أحب إلى
محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فقيل لها :إنه يحب الذراع لنه
أبعدها عن الذى فعمدت إلى عنزة لها فذبحتها ثم عمدت إلى
مت به الشاة ،وذهبت بها جارية م ل يلبث أن يقتل لساعته فس َّ س ّ
لها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت له :يا محمد هذه
هدية أهديها إليك.
وتناول محمد الذراع فنهش منها ..فقال صلى الله عليه وسلم:
ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع والكتف تخبرنى بأنها مسمومة ؛
ثم سار إلى اليهودية فسألها لم فعلت ذلك ؟ قالت :نلت من
قومى ما نلت … وكان ذلك بعد فتح " خيبر " أحد أكبر حصون
اليهود فى المدينة وأنه صلى الله عليه وسلم قد عفا عنها.
ثم يفصحون عن تفسير البيضاوى:
أنه صلى الله عليه وسلم لما اقترب موته قال لعائشة ـ رضى
الله عنها ـ يا عائشة هذا أوان انقطاع أبهرى (.)1
فليس فى موته صلى الله عليه وسلم بعد سنوات متأثًرا بذلك
سم إل أن جمع الله له بين الحسنيين ،أنه لم يسلط عليه من ال ُّ
ضا كتب له النجاة من كيد يقتله مباشرة وعصمه من الناس وأي ً
الكائدين وكذلك كتب له الشهادة ليكتب مع الشهداء عند ربهم
وما أعظم أجر الشهيد.
ضا ..ل شك أن عدم موته بالسم فور أكله للشاة المسمومة وأي ً
ما من وحياته بعد ذلك سنوات يُعد معجزة من معجزاته ،وع َل َ ً
أعلم نبوته يبرهن على صدقه ،وعلى أنه رسول من عند الله
حقًا ويقينًا.
وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يموت فى الجل الذى أجله له
رغم تأثره بالسم من لحظة أكله للشاة المسمومة حتى موته بعد
ذلك بسنوات.
( )1البهران عرقان متصلن بالقلب وإذا قطعا كانت الوفاة.
724
-----------------------
-81تعدد زوجات النبى محمد صلى الله عليه وسلم
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
725
والثالثة أنه صلى الله عليه وسلم بعد زواجه منها دامت عشرته
بها طيلة حياتها ولم يتزوج عليها حتى مضت عن دنياه إلى رحاب
الله .وقضى معها -رضى الله عنها -زهرة شبابه وكان له منها
أولده جميعًا إل إبراهيم الذى كانت أمه السيدة " مارية "
القبطية.
والرابعة أنه صلى الله عليه وسلم عاش عمره بعد وفاتها -رضى
الله عنها -محبًّا لها يحفظ لها أطيب الذكريات ويعدد مآثرها وهى
مآثر لها خصوص فى حياته وفى نجاح دعوته فيقول فى بعض ما
قال عنها [ :صدقتنى إذ كذبنى الناس وأعانتنى بمالها ] .بل كان
صلى الله عليه وسلم ل يكف عن الثناء عليها والوفاء لذكراها
والترحيب بمن كن من صديقاتها ،حتى أثار ذلك غيرة السيدة
عائشة -رضى الله عنها.
أما تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم فكان كشأن غيره من
النبياء له أسبابه منها:
مُر محمد صلى الله عليه وسلم فى أول زواج له أولً :كان ع ُ ْ
صلى الله عليه وسلم بعد وفاة خديجة تجاوز الخمسين وهى
ن التى تنطفىء فيها جذوة الشهوة وتنام الغرائز الحسية الس ّ
بدنيًّا ،وتقل فيها الحاجة الجنسية إلى النثى وتعلو فيها الحاجة
إلى من يؤنس الوحشة ويقوم بأمر الولد والبنات اللتى تركتهم
خديجة -رضى الله عنها .-
وفيما يلى بيان هذا الزواج وظروفه.
الزوجة الولى :سودة بنت زمعة :كان رحيل السيدة خديجة -
رضى الله عنها -مثير أحزان كبرى فى بيت النبى صلى الله عليه
وسلم وفى محيط الصحابة -رضوان الله عليهم -إشفاقًا عليه
من الوحدة وافتقاد من يرعى شئونه وشئون أولده .ثم تصادف
فقدانه صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب نصيره وظهيره
ى العام الذى رحل فيه نصيراه خديجة وأبو طالب عام م َس ِّ
و ُ
الحزن.
فى هذا المناخ ..مناخ الحزن والوحدة وافتقاد من يرعى شئون
الرسول وشئون أولده سعت إلى بيت الرسول واحدة من
المسلمات تُسمى خولة بنت حكيم السلمية وقالت :له يا رسول
الله كأنى أراك قد دخلتك خلّة لفقد خديجة فأجاب صلى الله
عليه وسلم [ :أجل كانت أم العيال وربة البيت ] ،فقالت يا
رسول الله :أل أخطب عليك ؟.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :ولكن – من بعد خديخة ؟!
فذكرت له عائشة بنت أبى بكر فقال الرسول:
726
لكنها ما تزال صغيره فقالت :تخطبها اليوم ثم تنتظر حتى تنضج..
قال الرسول ولكن من للبيت ومن لبنات الرسول يخدمهن ؟
فقالت خولة :إنها سودة بنت زمعة ،وعرض المر على سودة
ووالدها :فتم الزواج ودخل بها صلى الله عليه وسلم بمكة.
وهنا تجدر الشارة إلى أن سودة هذه كانت زوجة للسكران بن
عمرو وتوفى عنها زوجها بمكة فلما حلّت تزوجها الرسول صلى
الله عليه وسلم وكانت أول امرأة تزوجها صلى الله عليه وسلم
بعد خديجة ،وكان ذلك فى رمضان سنة عشر من النبوة.
وعجب المجتمع المكى لهذا الزواج لن " سودة " هذه ليست
بذات جمال ول حسب ول تصلح أن تكون خلفًا لم المؤمنين
خديجة التى كانت عند زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بها
جميلة وضيئة وحسيبة تطمح إليها النظار.
وهنا أقول للمرجفين الحاقدين :هذه هى الزوجة الولى للرسول
بعد خديجة ،فهى مؤمنة هاجرت الهجرة الولى مع من فّروا
ل الرسول زواجها حماية لها وجبًرا بدينهم إلى الحبشة وقد قَب ِ َ
لخاطرها بعد وفاة زوجها إثر عودتهما من الحبشة.
وليس الزواج بها سعاَر شهوة للرسول ولكنه كان جبًرا لخاطر
امرأة مؤمنة خرجت مع زوجها من أهل الهجرة الولى إلى
الحبشة ولما عادا توفى زوجها وتركها امرأة تحتاج هى وبنوها
إلى من يرعاهم.
الزوجة الثانية بعد خديجة :عائشة بنت أبى بكر الذى يقول عنه
ى فى الرسول صلى الله عليه وسلم " :إن من آمن الناس عل ّ
ماله وصحبته أبا بكر ،ولو كنت متخذ ًا خليل ً لتخذت أبا بكر
خليل ً ،ولكن أخوة السلم."..
ومعروف من هو أبو بكر الذى قال عنه الرسول صلى الله عليه
ل قط ما نفعنى وسلم متحدثا ً عن عطائه للدعوة " ما نفعنى ما ٌ
مال أبى بكر " ،وأم عائشة هى أم رومان بنت عامر الكنانى من
الصحابيات الجليلت ،ولما توفيت نزل رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى قبرها واستغفرلها وقال " :اللهم لم يخف عليك
ما لقيت أم رومان فيك وفى رسولك صلى الله عليه وسلم " ،
وقال عنها يوم وفاتها:
" من سّره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم
رومان " ولم يدهش مكة نبأ المصاهرة بين أعز صاحبين ؛ بل
استقبلته كما تستقبل أمًرا متوقعا ً ؛ ولذا لم يجد أى رجل من
المشركين فى هذا الزواج أى مطعن -وهم الذين لم يتركوا
مجال ً للطعن إل سلكوه ولو كان زوًرا وافتراء.
727
وتجدر الشارة هنا إلى أن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم
ما ليس بدعا ول غريبًا لن هذا بفتاة بينه وبينها قرابة خمسين عا ً
المر كان مألوفًا فى ذلك المجتمع .لكن المستشرقين ومن
تحمل قلوبهم الحقد من بعض أهل الكتاب -على محمد صلى
ما للرسول وتشهيًرا الله عليه وسلم -جعلوا من هذا الزواج اتها ً
به بأنه رجل شهوانى غافلين بل عامدين إلى تجاهل ما كان واقعًا
فى ذلك المجتمع من زواج الكبار بالصغيرات كما فى هذه
النماذج:
-فقد تزوج عبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم من
هالة بنت عم آمنة التى تزوجها أصغر أبنائه عبد الله ـ والد
الرسول صلى الله عليه وسلم.
-وتزوج عمر بن الخطاب ابنة على بن أبى طالب وهو أكبر سنًّا
من أبيها.
ـ وعرض عمر على أبى بكر أن يتزوج ابنته الشابة " حفصة "
وبينهما من فارق السن مثل الذى بين المصطفى صلى الله عليه
وسلم وبين " عائشة " (.)1
كان هذا واقع المجتمع الذى تزوج فيه الرسول صلى الله عليه
وسلم بعائشة .لكن المستشرقين والممتلئة قلوبهم حقدًا من
بعض أهل الكتاب لم تَر أعينهم إل زواج محمد بعائشة والتى
جعلوها حدث الحداث -على حد مقولتهم -أن يتزوج الرجل
الكهل بالطفلة الغريرة العذراء (.)2
قاتل الله الهوى حين يعمى البصار والبصائر !
الزوجة الثالثة :حفصة بنت عمر الرملة الشابة:
توفى عنها زوجها حنيس بن حذافة السهمى وهو صحابى جليل
من أصحاب الهجرتين -إلى الحبشة ثم إلى المدينة -ذلك بعد
جراحة أصابته فى غزوة أُحد حيث فارق الحياة وأصبحت حفصة
بنت عمر بن الخطاب أرملة وهى شابة.
ملها مثار ألم دائم لبيها عمر بن الخطاب الذى كان وكان تر ّ
ما بعد يوم.. يحزنه أن يرى جمال ابنته وحيويتها تخبو يو ً
وبمشاعر البوة الحانية وطبيعة المجتمع الذى ل يتردد فيه الرجل
من أن يخطب لبنته من يراه أهل ً لها..
بهذه المشاعر تحدث عمر إلى الصديق " أبى بكر " يعرض عليه
الزواج من حفصة لكن أبا بكر يلتزم الصمت ول يرد باليجاب أو
بالسلب.
فيتركه عمر ويمضى إلى ذى النورين عثمان بن عفان فيعرض
عليه الزواج من حفصة فيفاجئه عثمان بالرفض..
728
فتضيق به الدنيا ويمضى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم
يخبره بما حدث فيكون رد الرسول صلى الله عليه وسلم عليه
ة خيٌر من عثمان ويتزوج عثمان خيًرا من هو قوله [ :يتزوج حفص َ
حفصة ] (.)3
وأدركها عمر -رضى الله عنه -بفطرته إذ معنى قول الرسول
صلى الله عليه وسلم فيما استشعره عمر هو أن من سيتزوج
ابنته حفصة هو الرسول نفسه وسيتزوج عثمان إحدى بنات
الرسول صلى الله عليه وسلم.
وانطلق عمر إلى حفصة والدنيا ل تكاد تسعه من الفرحة وارتياح
القلب إلى أن الله قد فّرج كرب ابنته.
الزوجة الرابعة :أم سلمة بنت زاد الراكب:
من المهاجرين الولين إلى الحبشة وكان زوجها (أبو سلمة) عبد
الله ابن عبد السد المخزومى أول من هاجر إلى يثرب (المدينة)
من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .جاءت إلى بيت النبى
صلى الله عليه وسلم كزوجة بعد وفاة " أم المساكين زينب بنت
خزيمة الهللية " بزمن غير قصير.
سليلة بيت كريم ،فأبوها أحد أجواد قريش المعروفين بلقب زاد
الراكب ؛ إذ كان ل يرافقه أحد فى سفر إل كفاه زاده.
وزوجها الذى مات عنها صحابى من بنى مخزوم ابن عمة
المصطفى صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة ذو
الهجرتين إلى الحبشة ثم إلى المدينة .وكانت هى و زوجها من
السابقين إلى السلم .وكانت هجرتهما إلى المدينة م ًعا وقد
حدث لها ولطفلها أحداث أليمة ومثيرة ذكرتها كتب السير .رضى
الله عن أم سلمة..
ول نامت أعين المرجفين.
الزوجة الخامسة :زينب بنت جحش:
لم أَر امرأة قط خيًرا فى الدين من زينب ،وأتقى لله وأصدق
حديثًا وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد تبديل إل لنفسها فى
العمل الذى تتصدق وتتقرب به إلى الله عز وجل ؟ (.)4
هكذا تحدثت أم المؤمنين عائشة -رضى الله عنها– عن " ضّرتها
" زينب بنت جحش .أما المبطلون الحاقدون من بعض أهل
الكتاب فقالوا:
جب محمد صلى الله عليه وسلم ـ وحاشا له -بزوجة متبناه " ُ
أع ْ ِ
زيد بن حارثة " فطلقها منه وتزوجها.
ويرد الدكتور هيكل فى كتابه " حياة محمد " ( )5صلى الله عليه
وسلم على هذا فيقول :إنها شهوة التبشير المكشوف تارة
والتبشير باسم العلم تارة أخرى ،والخصومة القديمة للسلم
729
تأصلت فى النفوس منذ الحروب الصليبية هى التى تملى على
هؤلء جميعًا ما يكتبون.
والحق الذى كنا نود أن يلتفت إليه المبطلون الحاقدون على
السلم ورسوله صلى الله عليه وسلم ..هو أن زواج محمد صلى
الله عليه وسلم من زوجة ابنه بالتبنى زيد بن حارثة إنما كان
لحكمة تشريعية أرادها السلم لبطال هذه العادة ـ عادة التبنى ـ
التى هى فى الحقيقة تزييف لحقائق المور كان لها فى واقع
الناس والحياة آثار غير حميدة.
ولن هذه العادة كانت قد تأصلت فى مجتمع الجاهلية اختارت
السماء بيت النبوة بل نبى الرسالة الخاتمة نفسه صلى الله عليه
وسلم ليتم على يديه وفى بيته العلن العلمى عن إبطال هذه
العادة.
وتجدر الشارة هنا إلى مجموعة اليات القرآنية التى جاءت إعلناً
عن هذا الحكم المخالف لعادات الجاهلية وتفسيًرا للتشريع
الجديد فى هذه ـ المسألة و فى موضوع الزواج بزينب حيث
تقول:
(ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم
النبيين) (.)6
(ادعوهم لبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم
فإخوانكم فى الدين ومواليكم ) (.)7
(وإذ تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك
واتق الله وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله
أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطًرا زوجناكها لكيل يكون
على المؤمنين حرج فى أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطًرا
وكان أمر الله مفعولً) (.)8
مرة أخرى نذكر بأن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من
زينب لم تكن وراءه أبدًا شهوة أو رغبة جنسية وإنما كان أمًرا
من قدر الله وإرادته لبطال عادة التبنى من خلل تشريع يتردد
صداه بأقوى قوة فى المجتمع الجاهلى الذى كانت عادة التبنى
أصل ً من أصوله وتقليدًا مستقًرا فيه ،فكان السبيل لبطالها أن
يتم التغيير فى بيت النبوة وعلى يد الرسول نفسه صلى الله
عليه وسلم.
وقد فطنت السيدة " زينب بنت جحش " نفسها إلى هذا المر
فكانت تباهى به ضراتها وتقول لهن:
موات " (.)9" زوجكن أهاليكن وزوجنى ربى من فوق سبع س َ
730
أما لماذا كان زيد بن حارثة نفسه يتردد على الرسول معربًا عن
رغبته فى تطليق زينب ؛ فلم يكن -كما زعم المرجفون -أنه
شعر أن الرسول يرغب فيها فأراد أن يتنازل عنها له..
ولكن لن حياته معها لم تكن على الوفاق أو التواد المرغوب
فيه ؛ ذلك أن زينب بنت جحش لم تنس أبدًا ـ وهى الحسيبة
جا لرجل كان رقيقًا عند ضا أنها أصبحت زو ًالشريفة والجميلة أي ً
ى للرسول صلى الله بعض أهلها وأنه ـ عند الزواج بها ـ كان مول ً
عليه وسلم أعتقه بعد ما اشتراه ممن أسره من قريش وباعه
بمكة.
فهو ـ وإن تبناه محمد وبات يسمى زيد بن محمد فى عرف
المجتمع المكى كله ،لكنه عند العروس الحسيبة الشريفة
والجميلة أيضا ما يزال ـ كما كان بالمس -السير الرقيق الذى ل
حلم من تكون فى مثل حالها من الحسب والجمال وليس يمثل ُ
هذا بغريب بل إنه من طبائع الشياء.
ومن ثم لم تتوهج سعادتها بهذا الزواج ،وانعكس الحال على زيد
بن حارثة فانطفأ فى نفسه توهج السعادة هو الخر ،وبات مهيأ
النفس لفراقها بل لقد ذهب زيد إلى الرسول صلى الله عليه
وسلم يشكو زينب إليه كما جاء فى البخارى من حديث أنس
قال :جاء زيد يشكو إلى الرسول فجعل صلى الله عليه وسلم
يقول له [ :أمسك عليك زوجك واتق الله ] ( )10قال أنس :لو
ما شيئًا لكتم هذا الحديث.
كان النبى كات ً
لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول له كما حكته الية:
أمسك عليك زوجك ول تسارع بتطليقها.
وزينب بنت جحش هى بنت عمة الرسول صلى الله عليه وسلم -
كما سبقت الشارة – وهو الذى زوجها لموله " زيد " ولو كانت
به رغبة فيها لختارها لنفسه ؛ وخاصة أنه رآها كثيرا ً قبل فرض
الحجاب ،وكان النساء فى المجتمع الجاهلى غير محجبات فما
كان يمنعه – إذ ًا – من أن يتزوجها من البداية ؟! ؛ ولكنه لم
يفعل.
فالمر كله ليس من عمل الرادة البشرية لهم جميعًا :ل لزينب
ول لزيد ول لمحمد صلى الله عليه وسلم ،ولكنه أمر قدرى
شاءته إرادة الله لعلن حكم وتشريع جديدين فى قضية إبطال
عادة " التبنى " التى كانت سائدة فى المجتمع آنذاك.
يؤكد هذا ويدل عليه مجموع اليات الكريمة التى تعلقت
بالموضوع فى سورة الحزاب.
أما الجملة التى وردت فى قوله تعالى(:وتخفى فى نفسك ما
الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) ( .)11فإن ما
731
أخفاه النبى صلى الله عليه وسلم هو كتم ما كان الله قد أخبره
جا له ؛ لكنه لم يصرح به ما ما ـ ستكون زو ً
به من أن زينب ـ يو ً
خشية أن يقول الناس :إنه تزوج زوجة ابنه بالتبنى (.)12
الزوجة السادسة :جويرية بنت الحارث الخزاعية:
الميرة الحسناء التى لم تكن امرأة أعظم بركة على قومها منها
فقد أعتق الرسول صلى الله عليه وسلم بعد زواجه بها أهل مائة
بيت من بنى المصطلق (التى هى منهم).
كانت ممن وقع فى السر بعد هزيمة بنى المصطلق من اليهود
فى الغزوة المسماة باسمهم .وكاتبها من وقعت فى أسره على
مال فذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لها " :أو
خير من ذلك ؟.
قالت :وما هو ؟ قال :أقضى عنك كتابتك وأتزوجك.
قالت :وقد أفاقت من مشاعر الهوان والحزن :نعم يا رسول
الله.
قال :قد فعلت " (.)13
وذاع الخبر بين المسلمين :أن رسول صلى الله عليه وسلم قد
تزوج بنت الحارث بن ضرار زعيم بنى المصطلق وقائدهم فى
هذه الغزوة..
معنى هذا أن جميع من بأيديهم من أسرى بنى المصطلق قد
أصبحوا بعد هذا الزواج كأنهم أصهار رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
وإذا تيار من الوفاء والمجاملة من المسلمين للرسول صلى الله
عليه وسلم تجسد فى إطلق المسلمين لكل من بأيديهم من
أسرى بنى المصطلق وهم يقولون :أصهار رسول الله ،فل
نبقيهم أسرى.
ومع أن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه السيرة بنت
سيد قومها والذى جاءته ضارعة مذعورة مما يمكن أن تتعرض له
من الذل من بعد عزة ..فإذا هو يرحمها بالزواج ،ثم يتيح لها
الفرصة لن تعلن إسلمها وبذا تصبح واحدة من أمهات المؤمنين.
ويقولون :إنه نظر إليها.
وأقول :أما أنه نظر إليها فهذا ل يعيبه ـ وربما كان نظره إليها
ضارعة مذعورة – هو الذى حرك فى نفسه صلى الله عليه وسلم
عاطفة الرحمة التى كان يأمر بها بمن فى مثل حالتها ويقول:
[ ارحموا عزيز قوم ذل ] ،فرحمها وخيرها فاختارت ما يحميها
من هوان السر ومذلة العزة من الناس.
على أن النظر شرع ًا مأذون به عند القدام على الزواج -كما
فى هذه الحالة -وكما أمر به صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه
732
عند رغبته فى الزواج -قائل ً له [ :انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم
بينكما ] (.)14
وقد توفيت فى دولة بنى أمية وصلى عليها عبد الملك بن مروان
وهى فى السبعين من العمر -رضى الله عنها.
ى ـ عقيلة بنى النضير:حي ّ
الزوجة السابعة :صفية بنت ُ
إحدى السبايا اللتى وقعن فى السر بعد هزيمة يهود بنى النضير
أمام المسلمين فى الوقعة المسماة بهذا السم ،كانت من
نصيب النبى صلى الله عليه وسلم فأعتقها وتزوجها :فماذا فى
ذلك ؟ ولم يكن عتقه إياها وتزوجها بدع ًا فى ذلك ؛ وإنما كان
موقفًا جانب النسانية فيه هو الغلب والسبق.
فلم يكن هذا الموقف إعجابًا بصفية وجمالها ؛ ولكنه موقف
النسانية النبيلة التى يعبر عنها السلوك النبيل بالعفو عند
المقدرة والرحمة والرفق بمن أوقعتهن ظروف الهزيمة فى
الحرب فى حالة الستضعاف والمذلة ل سيما وقد أسلمن
وحسن إسلمهن.
ى " بنت الحارس عقيلة بنى حي ّفقد فعل ذلك مع " صفية بنت ُ
النضير (اليهود) أمام المسلمين فى الموقعة المعروفة باسم
(غزوة بنى قريظة) بعد انهزام الحزاب وردّهم مدحورين من
وقعة الخندق.
الزوجة الثامنة :أم حبيبة بنت أبى سفيان نجدة نبوية لمسلمة فى
محنة:
إنها أم حبيبة " رملة " بنت أبى سفيان كبير مشركى مكة وأشد
أهلها خصومة لمحمد صلوات الله وسلمه عليه.
جا لعبيد الله بن جحش وخرجا م ًعا مهاجرين بإسلمهما كانت زو ً
فى الهجرة الولى إلى الحبشة ،وكما هو معروف أن الحبشة
فى عهد النجاشى كانت هى المهجر المن للفارين بدينهم من
المسلمين حتى يخلصوا من بطش المشركين بهم وعدوانهم
عليهم ؛ فإذا هم يجدون فى – ظل النجاشى – رعاية وعناية لما
كان يتمتع به من حس إيمانى جعله يرحب بأتباع النبى الجديد
الذى تم التبشير بمقدمه فى كتبهم على لسان عيسى بن مريم–
عليه السلم – كما تحدث القرآن عن ذلك فى صورة الصف فى
قوله(:وإذ قال عيسى بن مريم يا بنى إسرائيل إنى رسول الله
إليكم مصدقًا لما بين يدى من التوراة ومبشًرا برسول يأتى من
بعدى اسمه أحمد) (.)15
لكن أم حبيبة بنت أبى سفيان كانت وحدها التى تعرضت لمحنة
قاسية لم يتعرض لمثلها أحد من هؤلء المهاجرين الوائل إلى
الحبشة ؛ ذلك أن زوجها عبيد الله بن جحش قد أعلن ارتداده عن
733
السلم ودخوله فى النصرانية وما أصعب وأدق حال امرأة باتت
فى محنة مضاعفة :محنتها فى زوجها الذى ارتد وخان..
ومحنتها السابقة مع أبيها الذى فارقته مغاضبة إياه فى مكة منذ
دخلت فى دين الله (السلم)..
وفوق هاتين المحنتين كانت محنة الغتراب حيث ل أهل ول وطن
ثم كانت محنة حملها بالوليدة التى كانت تنتظرها والتى رزقت
بها من بعد وأسمتها " حبيبة " ..كان هذا كله أكبر من عزم هذه
المسلمة الممتحنة من كل ناحية والمبتلة بالب الغاضب والزوج
الخائن !!
لكن عين الله ثم عين محمد صلى الله عليه وسلم سخرت لها
سر العين ويهون الخطب ، من لطف الرعاية وسخائها ما ي ّ
وعادت بنت أبى سفيان تحمل كنية جديدة ،وبدل أن كانت " أم
حبيبة " أصبحت " أم المؤمنين " وزوج سيد المسلمين -صلوات
الله وسلمه عليه.
والحق أقول :لقد كان نجاشى الحبشة من خلّص النصارى فأكرم
وفادة المهاجرين عامة وأم المؤمنين بنت أبى سفيان بصفة
خاصة .فأنفذ فى أمرها مما بعث به إليه رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يخطبها له.
وكانت خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم لم حبيبة بنت أبى
سفيان نعم النقاذ والنجدة لهذه المسلمة المبتلة فى الغربة ؛
عوضتها عن الزوج الخائن برعاية سيد البشر صلى الله عليه
وسلم ؛ وعوضتها عن غضب الب " أبى سفيان " برعاية الزوج
الحانى الكريم صلوات الله عليه.
كما كانت هذه الخطبة فى مردودها السياسى ـ لطمة كبيرة
لرأس الكفر فى مكة أبى سفيان بن حرب الذى كان تعقيبه على
زواج محمد لبنته هو قوله " :إن هذا الفحل ل يجدع أنفه " ؛
كناية عن العتراف بأن محمدًا لن تنال منه اليام ولن يقوى أهل
مكة -وهو على رأسهم -على هزيمته والخلص منه لنه ينتقل
كل يوم من نصر إلى نصر.
كان هذا العتراف من أبى سفيان بخطر محمد وقوته كأنه
استشفاف لستر الغيب أو كما يقول المعاصرون:
تنبؤ بالمستقبل القريب وتمام الفتح.
فما لبث أن قبل أبو سفيان دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم
إياه إلى السلم وشهد أل إله إل الله وأن محمدًا رسول الله.
وتقدم أحد الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله
قائلً " :إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فهل جعلت له ما يحل
عقدته ويسكن حقده وغيظه ،فقال صلوات الله وسلمه عليه
734
فى ضمن إعلنه التاريخى الحضارى العظيم لهل مكة عند
استسلمهم وخضوعهم بين يديه:
* من دخل داره فهو آمن.
* ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن.
* ومن دخل دار أبى سفيان فهو آمن "(.)16
وانتصر السلم وارتفع لواء التوحيد ودخل الناس فى دين الله
جا .وفى مناخ النصر العظيم ..كانت هى سيدة غمرتها أفوا ً
السعادة الكبرى بانتصار الزوج ونجاة الب والهل من شر كان
يوشك أن يحيط بهم.
تلكم هى أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبى سفيان التى أحاطتها
النجدة النبوية من خيانة الزوج وبلء الغربة ووضعتها فى أعز
مكان من بيت النبوة.
الزوجة التاسعة :ميمونة بنت الحارث الهللية أرملة يسعدها أن
يكون لها رجل:
آخر أمهات المؤمنين ..توفى عنها زوجها أبو رهم بن عبد العّزى
العامرى ؛ فانتهت ولية أمرها إلى زوج أختها العباس الذى زوجها
رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ حيث بنى بها الرسول ـ فى "
سرف " قرب " التنعيم" على مقربة من مكة حيث يكون بدء
الحرام للمعتمرين من أهل مكة والمقيمين بها.
وقيل :إنه لما جاءها الخاطب بالبشرى قفزت من فوق بعيرها
وقالت :البعير وما عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وقيل :إنها هى التى وهبت نفسها للنبى والتى نزل فيها قوله
تعالى( :وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبى إن أراد النبى أن
يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين.)17( )..
كانت آخر آمهات المؤمنين وآخر زوجاته صلوات الله وسلمه
عليه.
( )1تراجم لسيدات بيت النبوة للدكتورة بنت الشاطئ :ص 250
وما بعدها.
( )2المصدر السابق.
( )3انظر سيدات بيت النبوة للدكتورة بنت الشاطىء ص )4( 324
صحيح مسلم كتاب الفضائل.
( )5حياة محمد ص .29
( )6الحزاب.40 :
( )7الحزاب.5 :
( )8الحزاب.37 :
( )9رواه البخارى (كتال التوحيد .)6108
( )10رواه االبخارى (كتاب التوحيد).
735
( )11الحزاب.37 :
( )12انظر فتح البارى 371 / 8عن سيدات بيت النبوة لبنت
الشاطئ ص .354
( )13رواه البخارى :فتح البارى _ كتال النكاح باب .14
( )14رواه البخارى :فتح البارى ـ كتاب النكاح باب .36
( )15الصف.6 :
( )16رواه البخارى – فتح البارى – " كتاب المغازى ".
( )17الحزاب.50 :
---------------------
-82محاولة النبى محمد صلى الله عليه وسلم النتحار
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
736
حبيبه بشىء من بعض السكن والطمأنينة ،فماذا فى ذلك أيها
الظالمون دائما ً لمحمد صلى الله عليه وسلم فى كل ما يأتى وما
يدع ؟ وإذا كان أعداء محمد صلى الله عليه وسلم يستندون إلى
الية الكريمة( :فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا
الحديث أسفاً) (.)4
فالية ل تشير أبدا ً إلى معنى النتحار ،ولكنها تعبير أدبى عن
حزن النبى محمد صلى الله عليه وسلم بسبب صدود قومه عن
السلم ،وإعراضهم عن اليمان بالقرآن العظيم ؛ فتصور كيف
كان اهتمام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بدعوة الناس
إلى الله ،وحرصه الشديد على إخراج الكافرين من الظلمات
إلى النور.
وهذا خاطر طبيعى للنبى النسان البشر الذى يعلن القرآن على
لسانه صلى الله عليه وسلم اعترافه واعتزازه بأنه بشر فى قوله
-ردا ً على ما طلبه منه بعض المشركين( :-وقالوا لن نؤمن لك
حتى تفجر لنا من الرض ينبوعا ً * أو تكون لك جنة من نخيل
وعنب فتفجر النهار خللها تفجيرا ً * أو تسقط السماء كما
زعمت علينا كسفا ً أوتأتى بالله والملئكة قبيل ً * أو يكون لك بيت
من زخرف أو ترقى فى السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل
علينا كتابا نقرؤه) .فكان رده(:سبحان ربى) متعجبا ً مما طلبوه
ومؤكدا ً أنه بشٌر ل يملك تنفيذ مطلبهم(:هل كنت إل بشرا ً رسولً)
(.)5
أما قولهم على محمد صلى الله عليه وسلم أنه ليست له معجزة
فهو قول يعبر عن الجهل والحمق جميعاً.
حيث ثبت فى صحيح الخبار معجزات حسية تمثل معجزة
الرسول صلى الله عليه وسلم ،كما جاءت الرسل بالمعجزات
من عند ربها ؛ منها نبع الماء من بين أصابعه ،ومنها سماع حنين
الجذع أمام الناس يوم الجمعة ،ومنها تكثير الطعام حتى يكفى
الجم الغفير ،وله معجزة دائمة هى معجزة الرسالة وهى القرآن
ظ ،ووعد ببيانه ؛ لذا يظهرحفِ َ
الكريم الذى وعد الله بحفظه فَ ُ
بيانه فى كل جيل بما يكتشفه النسان ويعرفه.
( )1انظر صحيح البخارى ج 9ص ، 38طبعة التعاون.
( )2فتح البارى ج 12ص .376
( )3السراء.93 :
( )4الشعراء.3 :
( )5السراء.93 :
---------------------
-83ولدة النبى محمد صلى الله عليه وسلم عادية
737
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
738
ملئكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا ً رسول ً ) (
.)3
وعلى المعنى نفسه جاءت دعوة إبراهيم عليه السلم(:ربنا
وابعث فيهم رسول منهم يتلو عليهم آياتك ) ( .)4وقوله تعالى:
(كما أرسلنا فيكم رسول ً منكم يتلو عليكم آياتنا ) ( .)5وقوله
ن الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسول من م ّتعالى (لقد َ
أنفسهم ) ( .)6وقوله تعالى (فأرسلنا فيهم رسول منهم أن اعبدوا
الله .)7( ) ..وقوله تعالى (هو الذى بعث فى الميين رسول
منهم ) (.)8
وغير هذا كثير مما أكده القرآن وهو المنطق والحكمة التى
اقتضتها مشيئته ـ تعالى ـ لما هو من خصائص الرسالت التى
توجب أن يكون المرسل إلى الناس من جنسهم حتى يحسن
إبلغهم بما كلفه الله بإبلغه إليهم وحتى يستأنسوا به ويفهموا
عنه.
ومن هنا تكون " بشرية الرسول " بمعنى أن يجرى عليه ما
يجرى على الناس من البلء والموت ومن الصحة والمرض
وغيرها من الصفات البشرية فيكون ذلك أدعى لنجاح البلغ عن
الله.
( )1التوبة.128 :
( )2السراء.93 :
( )3السراء.95 :
( )4البقرة.195 :
( )5البقرة .151
( )6آل عمران.164 :
( )7المؤمنون.32 :
( )8الجمعة.2 :
------------------
-84يحتاج محمد صلى الله عليه وسلم إلى الصلة عليه
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
739
لن أى مقارنة منصفة بين ما كان عليه صلى الله عليه وسلم
وبين غيره من أنبياء الله ورسله ترتفع به ليس فقط إلى مقام
العصمة ؛ بل إلى مقام الكمال الذى أتم به الله الرسالت ،وأتم
به التنزيل ،وأتم به النعمة ،فلم تعد البشرية بعد رسالته صلى
الله عليه وسلم بحاجة إلى رسل ورسالت.
لذلك فإن رسالته صلى الله عليه وسلم وهى الخاتمة والكاملة
حملت كل احتياجات البشرية وما يلزمها من تشريعات ونظم
ومعاملت وما ينبغى أن تكون عليه من أخلق وحضارة مما
افتقدت مثل كماله كل الرسالت السابقة.
وحسب رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أنها جاءت رحمة
عامة للبشرية كلها كما قال القرآن( :وما أرسلناك إل رحمة
للعالمين) ( .)1فلم تكن كما جاء ما قبلها رسالة خاصة بقوم
رسولهم كما قال تعالى(:وإلى عاد أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا
الله ) (.)2
حا قال يا قوم اعبدوا الله ) (.)3 (وإلى ثمود أخاهم صال ً
(وإلى مدين أخاهم شعيبًا قال يا قوم اعبدوا الله ) (.)4
وهكذا كل رسول كان مرسل ً إلى قومه..
لت كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى العالمين وإلى
الناس كافة كما جاء فى قوله تعالى:
(وما أرسلناك إل رحمة للعالمين) (( ،)5وما أرسلناك إل كافة
للناس بشيرا ً ونذيراً) (.)6
ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم كانت فوق كونها عالمية فقد
كانت هى الخاتمة والكاملة التى ـ كما أشرنا ـ تفى باحتياجات
البشر جميعا ً وتقوم بتقنين وتنظيم شئونهم المادية والمعنوية عبر
الزمان والمكان بكل ما فيه خيرهم فى الدنيا والخرة.
وفى هذا قال الله تعالى(:ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن
رسول الله وخاتم النبيين) (.)7
وقال فى وصفه لكمال الدين برسالة محمد صلى الله عليه
وسلم (السلم)( :اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى
ورضيت لكم السلم دينا) (.)8
إن عموم رسالة محمد إلى العالمين ،وبإعتبارها الرسالة الكاملة
والخاتمة ؛ يعنى امتداد دورها واستمرار وجودها إلى أن يرث الله
الرض ومن عليها مصداقا ً لقوله تعالى( :هو الذى أرسل رسوله
بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) (.)9
( )1النبياء.107 :
( )2العراف.65 :
( )3العراف.72 :
740
( )4العراف.85 :
( )5النبياء.107 :
( )6سبأ.28 :
( )7الحزاب.40 :
( )8المائدة.3 :
( )9التوبة 33 :ـ الفتح 28 :ـ والصف.9 :
-------------------
مى فكيف علّم القرآن ُ
-85محمد صلى الله عليه وسلم أ ّ
؟
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
741
ذلك لن اعتداد اليهود بالتعالى على من عداهم من " المميين "
واعتبار أنفسهم وحدهم هم الرقى والعظم وأنهم هم شعب الله
المختار ـ كما يزعمون.
ما مع ما جاء به محمد (من المساواة كل هذا مما يتنافى تما ً
الكاملة بين بنى البشر رغم اختلف شعوبهم وألوانهم وألسنتهم
على نحو ما ذكره القرآن ؛ الذى اعتبر اختلف الجناس واللوان
واللسنة هو لمجرد التعارف والتمايز ؛ لكنه ـ أبدًا ـ ل يعطى تميًزا
لجنس على جنس ،فليس فى السلم ـ كما يزعم اليهود ـ أنهم
شعب الله المختار.
ولكن التمايز والتكريم فى منظور السلم ؛ إنما هو بالتقوى
والصلح كما فى الية الكريمة( :يا أيها الناس إنا خلقناكم من
ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله
اتقاكم ) (.)2
( )1الفرقان.6-5 :
( )2الحجرات.13 :
-----------------
-86محمد صلى الله عليه وسلم يحّرم ما أحل الله
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
742
صلى الله عليه وسلم يستحيل عليه أن يحّرم شيئًا أو أمًرا أو
عمل ً أحلّه الله ؛ ولكنه يشدد على نفسه لصالح مرضاة زوجاته
من خلقه العالى الكريم.
ولقد شهد الله للرسول بتمام تبليغ الرسالة فقال(:ولو تقوّل
علينا بعض القاويل * لخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين
* فما منكم من أحد عنه حاجزين ) (.)2
وعليه فالقول بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم يحّرم ما أحل
الله من المستحيلت على مقام نبوته التى زكاها الله تبارك
وتعالى وقد دفع عنه مثل ذلك بقوله( :وما ينطق عن الهوى * إن
هو إل وحى يوحى) (.)3
فمقولة بعضهم أنه يحّرم هو تحميل اللفظ على غير ما جاء فيه ،
وما هو إل وعد أو عهد منه صلى الله عليه وسلم لبعض نسائه
فهو بمثابة يمين له كفارته ول صلة له بتحريم ما أحل الله.
( )1التحريم.1 :
( )2الحاقة.47 -44 :
( )3النجم.4 -3 :
------------------------
-87محمد صلى الله عليه وسلم يعظم الحجر السود
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
743
ضا كان مما استبقاه السلم من فضائل السابقين مما ورثوه وأي ً
عن إبراهيم -عليه السلم -تعظيمهم للبيت الحرام وطوافهم
به ؛ بل وتقبيلهم للحجر السود.
وهناك بعض مرويات تقول إن هذا الحجر من أحجار الجنة.
وهنا فقط ل يكون أمامنا إل ما ثبت من أن الرسول صلى الله
عليه وسلم كان يقبل الحجر السود عند طوافه بالبيت ،وهو ما
تنطق به الرواية عن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ أنه قال
عن تقبيله لهذا الحجر( :والله إنى لعلم أنك حجر ل تضر ول تنفع
،ولول أنى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك).
وهنا نقول:
من المستحيل أن يكون تقبيل الرسول صلى الله عليه وسلم
للحجر السود من باب المجاراة أو المشاكلة لعبدة الصنام فيما
كانوا يفعلون.
ضا أن يكون صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك -أى ومستحيل أي ً
تقبيل الحجر السود -دون وحى أو إلهام وجهه صلى الله عليه
وسلم إلى تقبيل الحجر بعيدًا بعيدًا عن أى شبهة وثنية أو مجاراة
لعبدة الصنام.
ولنه صلى الله عليه وسلم قال[ :خذوا عنى مناسككم] فقد
أصبح تقبيل الحجر السود من بعض مناسك الحجاج والعمار
للبيت الحرام.
كما أن تعظيم الحجر السود هو امتثال لوامر الله الذى أمر
بتعظيم هذا الحجر بالذات ،وهو سبحانه الذى أمر برجم حجر
آخر كمنسك من مناسك الحج فالمر بالنسبة للتعظيم أو الرجم
ل يعدو كونه إقراًرا بالعبودية لله تعالى وامتثال ً لوامره عز وجل
ما لحكامه. واستسل ً
----------------------
-88كاد محمد صلى الله عليه وسلم أن يفتن
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
744
بعض ما قيل فى سبب نزول هذه الية أن وفد ثقيف قالوا
جلنا سنة حتى نقبض ما يهدى للرسول صلى الله عليه وسلم أ ّ
م
للهتنا من (الصنام) فإذا قبضنا ذلك كسرناها وأسلمنا ،فهَ ّ
صلى الله عليه وسلم بقبول ذلك فنزلت الية.
قوله تعالى " :كدت تركن إليهم " أى هممت أو قاربت أن تميل
لقبول ما عرضوه عليك لول تثبيت الله لك بالرشد والعصمة ،ولو
فعلت لعذبناك ضعف عذاب الحياة وعذاب الممات ؛ يعنى:
قاربت أن تستجيب لما عرضوه لكنك بتثبيت الله لم تفعل
لعصمة الله لك.
م
م على مقربة من الثقافة السلمية يعرفون أن " اله ّ ن هُ ْ
م ْ
وكل َ
" أى المقاربة لشىء دون القيام به أو الوقوع فيه ل يعتبر معصية
ول جزاء عليه وهو مما وضع عن المة وجاء به ما صح عن النبى
صلى الله عليه وسلم قوله:
(وضع عن أمتى ما حدثت به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به) ،
وعليه ..فإنه ل إثم ول شىء يؤخذ على محمد صلى الله عليه
وسلم فى ذلك.
( )1السراء.75-73 :
-----------------------
-89قاتل محمد صلى الله عليه وسلم فى الشهر
الحرام
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
745
يخرجهم من المسجد الحرام وهم أهله وهم أولى به من
غيرهم ؟!
إن قانون " الدفع الحضارى " الذى يقره القرآن الكريم لحماية
الكون من إفساد المتجبرين والظلمة ،ثم لحماية بيوت العبادة
ضا ،والذى عبرت عنه اليتان للمسلمين والنصارى واليهود أي ً
الكريمتان( :ولول دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الرض)
( .)2وقوله( :ولول دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع
وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيًرا ولينصرن الله
من ينصره إن الله لقوى عزيز) ( .)3هذا القانون القرآنى ـ وليس
قانون من ضربك على خدك اليمن فأدر له خدك اليسر ـ هو
وحده الذى يحمى الكون والناس من إفساد المتجبرين وظلم
الظالمين.
وذلك على أساس أن من يمكن الله لهم فى الرض بما يمنحهم
من القوة والثروة والعلم يجب -وبحسب القانون القرآنى -أن
يكونوا صالحين وأخياًرا ؛ بمعنى :أن يستخدموا قوتهم وثروتهم
وعلمهم ل فى الطغيان والتجبر ولكن فى حماية القيم النبيلة
التى تحمى بها العدل والحق وتمكن لكل ما هو خير ،وتنفى كل
ما هو شر حتى تنعم البشرية بالمن والستقرار ،وتعتدل أمور
الحياة والناس.
وهذا ما جاءت الية التالية لليتين السابقتين لتقره حيث يقول:
(الذين إن مكناهم فى الرض أقاموا الصلة وآتوا الزكاة وأمروا
بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة المور) (.)4
ولن إقرار حقوق عباد الله فى أرض الله وحماية المستضعفين
من بطش المتجبرين ل يقل حرمة عند الله من حرمة الشهر
الحرم فقد أبيح القتال فيها لمن ظُلموا من المسلمين ومن فُتنوا
ما وعدوانًا. ُ
فى دينهم وأخرجوا من ديارهم ظل ً
وهذا ما تقرره الية(:يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل
قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام
وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ول يزالون
يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ) (.)5
( )1البقرة.217 :
( )2البقرة.251 :
( )3الحج.40 :
( )4الحج.41 :
( )5البقرة.217 :
---------------------
-90محمد صلى الله عليه وسلم مذنب كما فى القرآن
746
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
747
ولو كان هؤلء الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم على
شىء من سلمة النظر وصفاء القلوب لنتبهوا إلى بقية سورة
الفتح ،والتى كانت كلها تثبيتا ً للمؤمنين وللرسول وتبشيًرا لهم
بالتأييد والنصر ..لو كان محمد صلى الله عليه وسلم -كما
ادعيتم – من المذنبين والعاصين لكان من المستحيل أن يجعله
الله تعالى ممن يؤيدهم بنوره ويتم عليهم نعمته ويهديهم صراطًا
مستقيما ً ؛ لن النصر يكون للصالحين ل للمذنبين.
ونقف أمام الذنب فى منطوق الية(:ليغفر لك الله ما تقدم من
ذنبك وما تأخر (فالذنب هنا ليس مما تعارف عليه الناس من
الخطأ والثام ؛ لن سنة الله تبارك وتعالى هى عصمة جميع
أنبيائه وفى قمتهم خاتمهم صلى الله عليه وسلم .وهذا مما
يعرفه ويقره ويقرره أتباع كل الرسالت إل قتلة النبياء ومحّرفى
الكلم عن مواضعه من اليهود الذين خاضوا فى رسل الله وأنبيائه
بما هو معروف.
فالذنب هو ما يمكن اعتباره ذنبا ً على مستوى مقام نبوته صلى
الله عليه وسلم ذنبًا مما تقدره الحكمة اللهية ـ ل ما تحدده
أعراف الناس.
ومع هذا كله فإن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة
كانت محل تقدير قومه وإكبارهم له لما اشتهر به صلى الله عليه
وسلم من العفة والطهر والتميز عن جميع أترابه من الشباب
حتى كان معروفًا بينهم بالصادق المين.
أفبعد هذا ل يستحى الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم
والحاقدون عليه من أهل الكتاب أن يقولوا:
إنه مذنب ؟!!
(كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إل كذبا) (.)6
( )1الفتح.2 :
( )2النبياء .117
( )3التوبة.128 :
( )4القلم.5 :
( )5الحزاب.37 :
( )6الكهف.5 :
---------------------
-91تعلّم محمد صلى الله عليه وسلم من غيره
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
748
وهى من أسوأ المفتريات على محمد صلى الله عليه وسلم الذى
قال ربه عز وجل عنه( :وما ينطق عن الهوى * إن هو إل وحى
يوحى ) (.)1
لكن الحقد حين يتمكن من قلوب الحاقدين يدفعهم إلى المنكر
ل ل يقبله من القول ومن الزور ،حتى إنهم ليتجرأون على قو ٍ
عقل عاقل ،ول يجرؤ على مثله إل المفترون.
فى هذه المقولة زعموا أنه حين كان ينزل عليه الوحى باليات
التى أثبت العلم الحديث المعاصر أنها من أبرز آيات العجاز
العلمى فى القرآن فيما تتصل بمراحل خلق النسان من سللة
من طين ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلّقة وغير
مخلقة ثم يكون إنشاؤه خلقًا آخر..
ن هذا خلقه(:تبارك الله أحسن م ْحا َزعموا أن كاتب وحيه قال ماد ً
الخالقين ) (.)2
ثم أفرطوا فى زعمهم فقالوا إن محمدًا صلى الله عليه وسلم
ى ..؟! وهنا لبد من وقفة: قال له :اكتبها فهكذا نزلت عل ّ
فأولً :مما هو ثابت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا
نزل عليه الوحى يأخذ العرق يتصبب من جسده ويكون فى غيبة
عمن حوله ..فإذا انقضى الوحى أخذ فى ذكر وتلوة ما نزل عليه
من القرآن ،وهذا ما تقرره كل كتب السيرة.
ثانياً :معنى ما سبق أنه صلى الله عليه وسلم ل يأخذ فى الملء
على كاتب وحيه إل بعد اكتمال نزول الوحى واكتمال نزول اليات
المتعلقة بمراحل خلق النسان فى سورة " المؤمنون ".
ثالثًا :وبهذا يتضح كذب المقولة أن كاتب وحيه صلى الله عليه
وسلم هو الذى أملها عليه وأنه أمر بإثباتها.
رابعًا :أن لفظة " تبارك الله " تكررت فى القرآن الكريم تسع
مرات ،تلتقى جميعها فى مواضع يكون الحديث فيها عن قدرة
الخالق فيما خلق من مثل قوله تعالى:
(أل له الخلق والمر تبارك الله رب العالمين ) (.)3
(تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيًرا) (.)4
جا وقمًرا (تبارك الذى جعل فى السماء بروجا وجعل فيها سرا ً
منيًرا) (.)5
(تبارك الذى له ملك السموات والرض وما بينهما ) (.)6
(تبارك الذى بيده الملك وهو على كل شىء قدير ) (.)7
فلماذا تعلم محمد صلى الله عليه وسلم من كاتب وحيه آية "
المؤمنون " دون غيرها مما جاء فى بقية السور ؟!!
( )1النجم3 :ـ .4
( )2المؤمنون.14 :
749
( )3العراف.55 :
( )4الفرقان.1 :
( )5الفرقان.61 :
( )6الزخرف.85 :
( )7الملك.1 :
--------------------
-92الشيطان يوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
750
كثير ممن هاجروا إلى الحبشة " ظنًّا منهم أن مشركى مكة قد
أسلموا.
ثم أضاف ابن كثير يقول :ولكنها -أى قصة " الغرانيق " -من
طرق كثيرة مرسلة ولم أرها مسندة من وجه صحيح ،ثم قال
ابن كثير )4( :عن ابن أبى حاتم بسنده إلى سعيد بن جبير قال" :
قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة " سورة النجم " فلما
بلغ هذا الموضع( .أفرأيتم اللت والعّزى * ومناة الثالثة الخرى (.
قال بن جبير :فألقى الشيطان على لسانه :تلك الغرانيق العل
وإن شفاعتهن لترتجى.
فقال المشركون :ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم ..فأنزل الله هذه
الية( :وما أرسلنا من قبلك من رسول ول نبى إل إذا تمنى ألقى
الشيطان فى أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله
آياته والله عزيز حكيم(ليقرر العصمة والصون لكلمه سبحانه من
وسوسة الشيطان.
وربما قيل هنا :إذا كان الله تعالى ينسخ ما يلقى الشيطان
ويحكم آياته فلماذا لم يمنع الشيطان أصل ً من إلقاء ما يلقيه من
الوساوس فى أمنيات النبياء والجواب عنه قد جاء فى اليتين
اللتين بعد هذه الية مباشرة:
أولً :ليجعل ما يلقيه الشيطان فتنة للذين فى قلوبهم مرض من
المنافقين والقاسية قلوبهم من الكفار وهو ما جاء فى الية
الولى منهما(:ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين فى قلوبهم
مرض) (.)5
ثانياً :لميز المؤمنين من الكفار والمنافقين فيزداد المؤمنون
إيمانا على إيمانهم ؛ وهو ما جاء فى الية الثانية(:وليعلم الذين
أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن
الله لهادى الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ) (.)6
ما وحديثًا قصة الغرانيق .ومن القدماء هذا :وقد أبطل العلماء قدي ً
المام الفخر الرازى الذى قال ما ملخصه (:)7
" قصة الغرانيق باطلة عند أهل التحقيق وقد استدلوا على
بطلنها بالقرآن والسنة والمعقول ؛ أما القرآن فمن وجوه :منها
قوله تعالى(:ولو تقول علينا بعض القاويل * لخذنا منه باليمين *
ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين) (.)8
وقوله سبحانه(:وما ينطق عن الهوى * إن هو إل وحى يوحى(( .
)9وقوله سبحانه حكاية عن رسوله صلى الله عليه وسلم(:قل ما
ى)( يكون لى أن أبدله من تلقاء نفسى إن أتبع إل ما يوحى إل ّ
.)10
وأما بطلنها بالسنة فيقول المام البيهقى:
751
روى المام البخارى فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم
قرأ سورة " النجم " فسجد وسجد فيها المسلمون والمشركون
والنس والجن وليس فيها حديث " الغرانيق " وقد روى هذا
الحديث من طرق كثيرة ليس فيها ألبتة حديث الغرانيق.
فأما بطلن قصة " الغرانيق " بالمعقول فمن وجوه منها:
أ ـ أن من جوّز تعظيم الرسول للصنام فقد كفر لن من المعلوم
بالضرورة أن أعظم سعيه صلى الله عليه وسلم كان لنفى
الصنام وتحريم عبادتها ؛ فكيف يجوز عقل ً أن يثنى عليها ؟ ب ـ
ومنها :أننا لو جوّزنا ذلك لرتفع المان عن شرعـه صلى الله عليه
وسلم فإنه ل فرق -فى منطق العقل -بين النقصان فى نقل
وحى الله وبين الزيادة فيه.
( )1النجم.20- 19 :
( )2المراد بالغرانيق :الصنام ؛ وكان المشركون يسمونها بذلك
تشبيهًا لها بالطيور البيض التى ترتفع فى السماء.
( )3الحج.52 :
( )4عن :التفسير الوسيط للقرآن لشيخ الزهر د .طنطاوى ج 9
ص 325وما بعدها.
( )5الحج.53 :
( )6الحج.54 :
( )7التفسير السابق :ص .321
( )8الحاقة 44 :ـ .47
( )9النجم.4 -3 :
( )10يونس.15 :
----------------
-93حول الستغناء بالقرآن عن السنة وعلقة السنة
بالقرآن
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
ن يكتفون بالقرآن الكريم ..ويشككون فى صحة الحاديث م ْ
هناك َ
،ويظهرون التناقضات بينها ،ويذكرون الحديث الذى ينص على
عدم زيارة المرأة للقبول ،والحديث الذى يقول (فى معناه) أن
الرسول صلى الله عليه وسلم قال إننى قد أمرتكم بعدم زيارة
القبور من قبل ،والن أسمح لكم بزيارة القبور ..فيشيرون إلى
ذلك بأنه تناقض ..ويدللون على ذلك بأن المة قد فقدت الكثير
من الحاديث النبوية عبر الزمان ،أو أن هذه الحاديث قد حرفت
عن معانيها الصحيحة( ..انتهى).
الرد على الشبهة:
752
فى بداية الجواب عن شبهة هؤلء الذين يشككون فى الحاديث
النبوية .ننبه على مستوى جهل كل الذين يثيرون مثل هذه
الشبهات حول الحديث النبوى الشريف ..ذلك أن التدرج والتطور
فى التشريع الذى يمثله حديث النهى عن زيارة القبور ثم
إباحتها ..هذا التدرج والتطور فى التشريع ل علقة له بالتناقض
بأى وجه من الوجوه ،أو أى حال من الحوال.
ثم إن التشكيك فى بعض الحاديث النبوية ،والقول بوجود
تناقضات بين بعض هذه الحاديث ،أو بينها وبين آيات قرآنية ..بل
والتشكيك فى مجمل الحاديث النبوية ،والدعوة إلى إهدار
السنة النبوية والكتفاء بالقرآن الكريم ..إن هذه الدعوة قديمة
وجديدة ،بل ومتجددة ..وكما حذ ّر رسول الله صلى الله عليه
وسلم من الكذب عليه ..فلقد حذ ّر من إنكار سنته ،ومن الخروج
عليها.
ونحن بإزاء هذه الشبهة نواجه بلونين من الغلو:
أحدهما :يهدر كل السنة النبوية ،اكتفاء بالقرآن الكريم ..ويرى
أن السلم هو القرآن وحده.
وثانيهما :يرى فى كل المرويات المنسوبة للرسول صلى الله
عليه وسلم سنة نبوية ،يكفر المتوقف فيها ،دونما فحص وبحث
وتمحيص لمستويات " الرواية " و " الدراية " فى هذه المرويات.
ودونما تمييز بين التوقف إزاء الراوى وبين إنكار ما ثبت عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وبين هذين الغلوين يقف علماء السنة النبوية ،الذين وضعوا
علوم الضبط للرواية ،وحددوا مستويات المرويات ،بناء على
مستويات الثقة فى الرواة ..ثم لم يكتفوا ـ فى فرز المرويات ـ
بعلم " الرواية " والجرح والتعديل للرجال ـ الرواة ـ وإنما
ضا لهذه المرويات التى رواها اشترطوا سلمة " الدراية " أي ً
العدول الضابطون عن أمثالهم حتى رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
أى أن هؤلء العلماء بالسنة قد اشترطوا " نقد المتن والنص
والمضمون " بعد أن اشترطوا " نقد الرواية والرواة " وذلك حتى
يسلم المتن والمضمون من " الشذوذ والعلة القادحة " ،فل
يكون فيه تعارض حقيقى مع حديث هو أقوى منه سندًا ،وألصق
منه بمقاصد الشريعة وعقائد السلم ،ومن باب أولى أل يكون
ضا حقيقيًّا مع محكم القرآن الكريم.. ضا تناق ً
الثر المروى متناق ً
ولو أننا طبقنا هذا المنهاج العلمى المحكم ،الذى هو خلصة
علوم السنة النبوية ومصطلح الحديث ،لما كانت هناك هذه
المشكلة ـ القديمة..
753
المتجددة ـ ..ولكن المشكلة ـ مشكلة الغلو ،بأنواعه ودرجاته ـ
إنما تأتى من الغفلة أو التغافل عن تطبيق قواعد هذا المنهج
الذى أبدعته المة السلمية ،والذى سبقت به حضارتنا كل
الحضارات فى ميدان " النقد الخارجى والداخلى للنصوص
والمرويات " ..وهذه الغفلة إنما تتجلى فى تركيز البعض على "
الرواية " مع إهمال " الدراية " أو العكس ..وفى عدم تمييز
البعض بين مستويات المرويات ،كأن يطلب من الحاديث ظنية
الثبوت ما هو من اختصاص النصوص قطعية الثبوت ..أو من مثل
تحكيم " الهوى " أو " العقل غير الصريح " فى المرويات
الصحيحة ،الخالية متونها ومضامينها من الشذوذ والعلة القادحة..
ضا آفة الذين ل يميزون بين التوقف إزاء " الرواية وهناك أي ً
والرواة " ـ وهم بشر غير معصومين ،وفيهم وفى تعديلهم
وقبول مروياتهم اختلف الفقهاء وعلماء الحديث والمحدثون ـ
وبين التوقف إزاء " السنة " ،التى ثبتت صحة روايتها ودرايتها
عن المعصوم صلى الله عليه وسلم ..فتوقف العلماء
المتخصصين ـ وليس الهواة أو المتطفلين ـ إزاء " الرواية والرواة
" شىء ،والتوقف إزاء " السنة " التى صحت وسلمت من
الشذوذ والعلل القادحة شىء آخر ..والول حق من حقوق علماء
هذا الفن ،أما الثانى فهو تكذيب للمعصوم صلى الله عليه وسلم
،والعياذ بالله..
أما الذين يقولون إننا ل حاجة لنا إلى السنة النبوية ،اكتفاء بالبلغ
القرآنى ،الذى لم يفرط فى شىء..
فإننا نقول لهم ما قاله القدمون ـ من أسلفنا ـ للقدمين ـ من
أسلفهم ـ:
إن السنة النبوية هى البيان النبوى للبلغ القرآنى ،وهى التطبيق
العملى لليات القرآنية ،التى أشارت إلى فرائض وعبادات
وتكاليف وشعائر ومناسك ومعاملت السلم ..وهذا التطبيق
العملى ،الذى حوّل القرآن إلى حياة معيشة ،ودولة وأمة
ومجتمع ونظام وحضارة ،أى الذى " أقام الدين " ،قد بدأ
بتطبيقات الرسول صلى الله عليه وسلم للبلغ القرآنى ،ليس
ما بفريضة إلهية نص تطوع ًا ول تزيّدًا من الرسول ،وإنما كان قيا ً
عليها القرآن الكريم (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل
إليهم ولعلهم يتفكرون ) (.)1
فالتطبيقات النبوية للقرآن ـ التى هى السنة العملية والبيان
صل ـ هى ضرورة قرآنية ، القولى الشارح والمفسر والمف ّ
وليست تزيّدًا على القرآن الكريم ..هى مقتضيات قرآنية ،
اقتضاها القرآن ..ويستحيل أن نستغنى عنها بالقرآن ..وتأسيًا
754
ما بفريضة طاعته ـ التى بالرسول صلى الله عليه وسلم ،وقيا ً
نص عليها القرآن الكريم( :قل أطيعوا الله والرسول ) ()2
(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) (( )3من يطع الرسول فقد أطاع
الله ) (( )4قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ) ()5
(إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) ( .)6تأسيًا بالرسول صلى
الله عليه وسلم ،وطاعة له ،كان تطبيق المة ـ فى جيل
الصحابة ومن بعده ـ لهذه العبادات والمعاملت ..فالسنة النبوية ،
التى بدأ تدوينها فى العهد النبوى ،والتى اكتمل تدوينها وتمحيصها
فى عصر التابعين وتابعيهم ،ليست إل التدوين للتطبيقات التى
جسدت البلغ القرآنى دينًا ودنيا فى العبادات والمعاملت.
َ
ب السنة النبوية ،وليست هى فالقرآن الكريم هو الذى تَطَل ّ َ
بالمر الزائد الذى يغنى عنه ويستغنى دونه القرآن الكريم.
أما العلقة الطبيعية بين البلغ اللهى ـ القرآن ـ وبين التطبيق
النبوى لهذا البلغ اللهى ـ السنة النبوية ـ فهى أشبه ما تكون
بالعلقة بين " الدستور " وبين " القانون " .فالدستور هو مصدر
ومرجع القانون..
حجة ول دستورية والقانون هو تفصيل وتطبيق الدستور ،ول ُ
لقانون يخالف أو يناقض الدستور ..ول غناء ول اكتفاء بالدستور
عن القانون.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ليس مجرد مبلّغ فقط ،
وإنما هو مبلّغ ،ومبين للبلغ ،ومطبق له ،ومقيم للدين ،تحوّل
القرآن على يديه إلى حياة عملية ـ أى إلى سنة وطريقة يحياها
المسلمون.
وإذا كان بيان القرآن وتفسيره وتفصيله هو فريضة إسلمية دائمة
وقائمة على المة إلى يوم الدين..
فإن هذه الفريضة قد أقامها ـ أول من أقامها ـ حامل البلغ ،
ومنجز البيان ،ومقيم السلم ـ عليه الصلة والسلم.
والذين يتصورون أن الرسول صلى الله عليه وسلم مجرد مبل ِّغ
إنما يضعونه فى صورة أدنى من صورتهم هم ،عندما ينكرون
عليه البيان النبوى للبلغ القرآنى ،بينما يمارسون هم القيام بهذا
البيان والتفسير والتطبيق للقرآن الكريم ! ..وهذا " مذهب "
يستعيذ المؤمن بالله منه ومن أهله ومن الشيطان الرجيم !.
( )1النحل.44 :
( )2آل عمران.32 :
( )3النساء.59 :
( )4النساء.80 :
( )5آل عمران.31 :
755
( )6الفتح.10 :
------------------
-94حول تناقض النقل -القرآن -مع العقل
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
ن يقيمون التناقض بين " العقل " و " النقل " ،ويدعون م ْهناك َ
أن الثقافة السلمية نقلية ل عقلية ،ويعتقدون أن جميع علماء
المة بدون استثناء غير مؤهلين ،لنهم اعتمدوا على النقل وليس
التفكير..
وأنه يجب التفكير فى كل أمور الدين ،الصل قبل الفرع ..وإلغاء
كل الساسيات الموجودة التى تعتبرها المة من المسلمات ،
والبحث من جديد عن الحقيقة ،معتمدين على العقل فقط..
(انتهى).
الرد على الشبهة:
إن القول بالعتماد على العقل فقط -أى دون النقل ،الذى هو
الوحى اللهى ،فى بلغه القرآنى وبيانه النبوى ..-واستخدام
العقل وحده أداة لعادة النظر فى كل ما تعتبره المة من
المسلمات ..هو قول يحتاج إلى ضبط ..وإلى تصويب ..ويمكن أن
يتم ذلك من خلل إشارات إلى عدد من الحقائق:
أولها :أن مقام العقل فى السلم هو مكان عال وفريد ،ول
نظير له فى الشرائع السابقة على الشريعة السلمية الخاتمة..
فالعقل فى السلم هو مناط التكليف بكل فرائض وأحكام
السلم ..أى شرط التدين بدين السلم.
وثانيتها :أن النقل السلمى -وخاصة معجزته القرآنية -هو
ما فى فهمها وفى التصديق معجزة عقلية ،قد ارتضت العقل حك ً
ضا فى بها ،وفى التمييز بين المحكم والمتشابه فى آياتها ،وأي ً
تفسير هذه اليات ..فليس للقرآن كهنوت يحتكر تفسيره ،وإنما
هو ثمرة لنظر عقول العلماء المفسرين ..وعلى حين كانت
معجزات الرسالت السابقة معجزات مادية ،تدهش العقول ،
فتشلها عن التفكير والتعقل ،جاءت معجزة السلم -القرآن
الكريم -معجزة عقلية ،تستنفر العقل كى يتعقل ويتفكر
ويتدبر ،وتحتكم إليه باعتباره القاضى فى تفسير آياتها ..فكان
النقل السلمى سبيل ً لتنمية العقلنية السلمية ..وكان هذا
التطور فى طبيعة المعجزة متناسبًا ومتسقًا مع مرحلة النضج
التى بلغتها النسانية ،ومع ختم السماء سلسلة الرسالت
والوحى إلى النبياء والرسل وأمم الرسالت..
وثالثتها :أن العقل -فى السلم -هو سبيل اليمان بوجود الله
ووحدانيته وصفاته ..لن اليمان بالله سابق على التصديق
756
بالرسول وبالكتاب الذى جاء به الرسول ،لنه شرط لهما ،
ومقدم عليهما ،فالتصديق بالكتاب -النقل -متوقف على صدق
الرسول الذى أتى به ،والتصديق بالرسول متوقف على وجود
الله الذى أرسل هذا الرسول وأوحى إليه ..والعقل هو سبيل
اليمان بوجود الله -سبحانه وتعالى -وذلك عن طريق تأمل
وتدبر بديع نظام وانتظام المصنوعات الشاهدة على وجود الصانع
المبدع لنظام وانتظام هذه المصنوعات ..فالعقل -فى السلم -
هو أداة اليمان بجوهر الدين -اللوهية -وبعبارة المام محمد
عبده .." :فأول أساس وضع عليه السلم هو النظر العقلى ،
والنظر عنده هو وسيلة اليمان الصحيح ،فقد أقامك منه على
حجة ،وقاضاك إلى العقل ،ومن قاضاك إلى حاكم فقد سبيل ال ُ
أذعن إلى سلطته.)1( " ..
وذلك على حين كان العقل غريبًا ومستبعدًا من سبل اليمان فى
حقب الرسالت السابقة على السلم..
حقب المعجزات المدهشة للعقول ،عندما كانت النسانية فى
مراحل الطفولة " خرافًا ضالة " ،تؤمن بما يُلقى إلى قلبها ،
دون إعمال عقل ،لن اليمان ل يحتاج إلى إعمال عقل ..وفق
عبارة القديس والفيلسوف النصرانى " أنسيلم " [1109-1033م].
ورابعتها :أن المقابلة بين " العقل " و " النقل " هى أثر من آثار
الثنائيات المتناقضة التى تميزت بها المسيرة الفكرية للحضارة
هوتًا كنسيًا -نقل ً -ل عقلنيًا ،فجاءت
الغربية ،تلك التى عرفت ل ُ
عقلنيتها ،فى عصر النهضة والتنوير الوضعى العلمانى ،ثورة
ضا له ..أما فى السلم ،والمسيرة على النقل اللعقلنى ونق ً
الفكرية لحضارته وأمته -وخاصة فى عصر الزدهار والبداع -
فإن النقل لم يكن أبدًا مقابل ً للعقل ،لن المقابل للعقل هو
الجنون ،وليس النقل ..ولن النقل السلمى -القرآن الكريم -
هو مصدر العقلنية المؤمنة ،والباعث عليها ،والداعى لستخدام
العقل والتفكر والتدبر فى آيات الله المنظورة والمسطورة
جميعًا ..وآيات القرآن التى تحض على العقل والتعقل تبلغ تسعًا
ُ
وأربعين آية ..واليات التى تتحدث عن " الل ّب " -بمعنى عقل
وجوهر النسان -هى ست عشرة آية .كما يتحدث القرآن عن "
النُّهى " -بمعنى العقل -فى آيتين ..وعن الفكر والتفكر فى
ثمانية عشر موضعًا ..وعن الفقه والتفقه -بمعنى العقل والتعقل
-فى عشرين موضعًا ..وعن " التدبر " فى أربع آيات ..وعن "
العتبار " فى سبع آيات ..وعن " الحكمة " فى تسع عشرة آية..
وعن " القلب " كأداة للفقه والعقل -فى مائة واثنين وثلثين
موضعًا ..ناهيك عن آيات العلم والتعلم والعلماء التى تبلغ فى
757
القرآن أكثر من ثمانمائة آية ..فالنقل السلمى -أى الشرع
اللهى -هو الداعى للتعقل والتدبر والتفقه والتعلّم ..والعقل
النسانى هو أداة فقه الشرع ،وشرط ومناط التدين بهذا الشرع
اللهى ..ولذلك ل أثر للشرع بدون العقل ،كما أنه ل غنى للعقل
عن الشرع ،وخاصة فيما ل يستقل العقل بإدراكه من أمور
الغيب وأحكام الدين.
ذلك أن العقل ،مهما بلغ من العظمة والتألق فى الحكمة
والبداع ،هو ملكة من ملكات النسان ،وكل ملكات النسان -
بالخبرة التاريخية والمعاصرة -هى نسبة الدراك والقدرات ،
تجهل اليوم ما تعلمه غدًا ،وما يقصر عنه عقل الواحد يبلغه عقل
الخر ..وإذا كانت ميادين عالم الشهادة -النفس والكون..
أى الدنيا ..مفتوحة على مصاريعها أمام العقل وأمام التجربة -
بالنسبة للنسان -فإن هناك ميادين -وخاصة فى معارف عالم
الغيب -سبيل معرفتها النقل -أى الوحى -والوجدان -القلب
واللهام -فالهدايات التى يهتدى بها النسان هى " العقل " و "
النقل " و " التجربة " و " الوجدان " ..وليست العقل وحده دون
سواه ..وبتنوع الهدايات وسبل المعرفة النسانية ،مع تنوع
مصادر المعرفة النسانية -الوحى وآيات الله المسطورة ،مع
الكون وآيات الله المنظورة -تتكامل وتتوازن المعرفة النسانية
-وهذه هى نظرية المعرفة السلمية -بينما يختل توازن هذه
المعرفة إذا هى وقفت -فى المصادر -عند الكون وعالم
الشهادة وحده -وفى الوسائل وإدراك المعرفة عند العقل
وحده ،أو العقل والتجربة وحدهما ،دون النقل والوجدان ..ولقد
عبر عن هذا التكامل والتوازن فى -نظرية المعرفة السلمية
المام محمد عبده عندما تحدث -فى تفسيره لية (اهدنا
الصراط المستقيم) -من سورة الفاتحة -عن " الهدايات الربع "
-العقل ،والنقل ،والتجربة ،والوجدان كما عبر عن التلزم
الضرورى بين العقل والنقل ،لتكامل المعرفة السلمية عندما
قال .." :فالعقل هو ينبوع اليقين فى اليمان بالله ،وعلمه
وقدرته ،والتصديق بالرسالة ..أما النقل ،فهو الينبوع فيما بعد
ذلك من علم الغيب ،كأحوال الخرة والعبادات ..والقرآن -وهو
م الناس إلى النظر فيه بعقولهم.. المعجز الخارق -دعا السل ُ
فهو معجزة ع ُرضت على العقل ،وعرفته القاضى فيها ،
وأطلقت له حق النظر فى أنحائها ،ونشر ما انطوى فى أثنائها..
وإذا قدّرنا عقل البشر قدره ،وجدنا غاية ما ينتهى إليه كماله إنما
هو الوصول إلى معرفة عوارض بعض الكائنات التى تقع تحت
الدراك النسانى ..أما الوصول إلى كنه حقيقته فمما ل تبلغه
758
قوته ..ومن أحوال الحياة الخرى ما ل يمكن لعقل بشرى أن
معين يستعين به جا إلى ُيصل إليه وحده ..لهذا كان العقل محتا ً
فى وسائل السعادة فى الدنيا والخرة.)2( " ..
فالسلم ل يعرف -على الطلق -هذه الثنائية المتناقضة بين
العقل والنقل ..وصريح المعقول ل يمكن أن يتعارض مع صحيح
المنقول ..ولقد عبر المام محمد عبده عن ما قد يتوهمه البعض
ضا عندما صاغ حقيقة هذه القضية فقال " :لقد تقرر بين تعار ً
المسلمين أن الدين إن جاء بشىء قد يعلو على الفهم ،فل
يمكن أن يأتى بما يستحيل عند العقل ..)3( " ..ففارق بين ما
يعلو على إدراك العقل ،من بعض أمور الدين ،وبين ما يستحيل
فى العقل الذى برئ ويبرأ منه الدين.
ومن بين علماء السلم الذين عبروا -بصدق وعبقرية -عن
حجة السلم -أبو تكامل العقل والنقل -الحكمة والشريعة ُ -
حامد الغزالى عندما قال " :إن أهل السنة قد تحققوا أن ل
معاندة بين الشرع المنقول والحق المعقول ،وعرفوا أن من
ظن وجوب الجمود على التقليد واتباع الظواهر ،ما أُتوا به إل
من ضعف العقول وقلة البصائر .وأن من تغلغل فى تصرف
العقل حتى صادموا به قواطع الشرع ،ما أُتوا به إل من خبث
الضمائر .فميل أولئك إلى التفريط ،وميل هؤلء إلى الفراط ،
وكلهما بعيد عن الحزم والحتياط ..فمثال العقل :البصر السليم
عن الفات والذاء ،ومثال القرآن :الشمس المنتشرة الضياء ،
خلِق أن يكون طالب الهتداء المستغنى إذا استغنى بأحدهما فأ ْ
عن الخر فى غمار الغبياء ،فل فرق بينه وبين العميان .فالعقل
مع الشرع نور على نور.)4( " ..
وهذه العلقة بين العقل والنقل -علقة التكامل والتآخى -هى
التى أكد عليها أبو الوليد ابن رشد [654-520هجرية1198-1126/م]
عندما قال .." :فإنا -معشر المسلمين -نعلم على القطع ،أنه ل
يؤدى النظر البرهانى إلى مخالفة ما ورد به الشرع ،فإن الحق ل
يضاد الحق ،بل يوافقه ويشهد له ..فالحكمة هى صاحبة الشريعة
،والخت الرضيعة ..وهما المصطحبتان بالطبع ،المتحابتان
بالجوهر والغريزة.)5( " ..
فالباب مفتوح على مصراعيه أمام العقل فى سائر ميادين عالم
الشهادة .وهو سبيل الفقه والفهم والتكليف فى الشرع والدين..
لكن لبد من مؤازرة الشرع والنقل للعقل فيما ل يستقل العقل
بإدراكه من أخبار عالم الغيب والحكم والعلل من وراء بعض
أحكام العبادات فى الدين ..وما قد يبدو من تعارض -عند البعض
-أحيانًا بين العقل والنقل ،فهو تعارض بين العقل وبين " ظاهر
759
" النقل وليس حقيقة معنى النقل أو مرجعه إلى تخلف " صحة "
النقل ..أو تخلف " صراحة " العقل ..أو وجود ما يعلو على
الفهم ،ل ما يتعارض مع العقل ..فالعقل مع الشرع -كما قال
حجة السلم الغزالى " -نور على نور " ..وما الحديث عن ُ
ً
التعارض بينهما إل أثر من آثار الغلو فى أحدهما ،تفريطا أو
إفراطًا.
وإذا كانت البداهة والخبرة البشرية -وحتى الحكمة الفلسفية -
تقول :إن من مبادئ الدين والشرائع ما ل يستقل العقل بإدراك
كنهه وحقيقة جوهره ،فكيف يجوز لعاقل أن يدعو إلى تحكيم
العقل وحده فى كل أساسيات الدين ؟! لقد قال الفيلسوف
الفقيه أبو الوليد ابن رشد وهو الذى احترم عقلنيته المتألقة
الوروبيون والمسلمون جميعًا .قال عن رأى الفلسفة القدماء
فى مبادئ الشرائع التى ل يستقل العقل بإدراكها " :إن الحكماء
من الفلسفة ليس يجوز عندهم التكلم ول الجدل فى مبادئ
الشرائع مثل :هل الله تعالى موجود ؟ وهل السعادة موجودة ؟
وهل الفضائل موجودة ؟ .وفاعل ذلك عندهم محتاج إلى الدب
الشديد ،ولذلك وجب قتل الزنادقة ..فيجب على كل إنسان أن
يسلم بمبادئ الشرائع ،لن مبادئها أمور إلهية تفوق العقول
النسانية ،وكيفية وجودها هو أمر معجز عن إدراك العقول
النسانية ،فلبد أن يعترف بها مع جهل أسبابها.)6( " ..
كّم العقل فيما ل يستقل العقل بإدراكه من فليس هناك عاقل يح ِ
مبادئ الشرائع والمعجزات ،وكنه وجوهر وحقائق المغيبات.
وليس هناك عاقل يغفل أو يتغافل عن مكانة ودور العقل فى دين
السلم.
وإدراك وظيفة العقل ..وميدان عمله ..وحدود قدراته ،هو لب
الحترام للعقل ،وليس فيه انتقاص من سلطانه ،الذى تألق فى
دين السلم وفكر المسلمين.
( [ )1العمال الكاملة للمام محمد عبده ] ج 3ص .301
( )2المصدر السابق ج 3ص .397 ، 379 ، 325
( [ )3العمال الكاملة ] ج 3ص .257
( [ )4القتصاد فى العتقاد ] ص .3 ،2طبعة القاهرة .مكتبة صبيح
بدون تاريخ.
( [ )5فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من التصال ] ص
.67 ،32 ،31دراسة وتحقيق د .محمد عمارة .طبعة دار المعارف.
القاهرة سنة 1999م.
( [ )6تهافت التهافت ] ص ، 125 ، 122 ، 121طبعة القاهرة سنة
1903م.
760
----------------------
-95السلم انتشر بالسيف ،ويحبذ العنف
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
الرد على الشبهة:
وهى من أكثر الشبه انتشاًرا ،ونرد عليها بالتفصيل حتى نوضح
المر حولها:
ً ً
يقول الله تعالى مخاطبا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم( :وما
أرسلناك إل رحمة للعالمين) (.)1
إن هذا البيان القرآنى بإطاره الواسع الكبير ،الذى يشمل
المكان كله فل يختص بمكان دون مكان ،والزمان بأطواره
المختلفة وأجياله المتعاقبة فل يختص بزمان دون زمان ،
والحالت كلها سلمها وحربها فل يختص بحالة دون حالة ،والناس
أجمعين مؤمنهم وكافرهم عربهم وعجمهم فل يختص بفئة دون
فئة ؛ ليجعل النسان مشدوها متأمل ً فى عظمة التوصيف
القرآنى لحقيقة نبوة سيد الولين والخرين ( ،وما أرسلناك إل
رحمة للعالمين) رحمة عامة شاملة ،تجلت مظاهرها فى كل
موقف لرسول الله صلى الله عليه وسلم تجاه الكون والناس
من حوله.
والجهاد فى السلم حرب مشروعة عند كل العقلء من بنى
البشر ،وهى من أنقى أنواع الحروب من جميع الجهات:
-1من ناحية الهدف.
-2من ناحية السلوب.
-3من ناحية الشروط والضوابط.
-4من ناحية النهاء واليقاف.
-5من ناحية الثار أو ما يترتب على هذه الحرب من نتائج.
وهذا المر واضح تمام الوضوح فى جانبى التنظير والتطبيق فى
دين السلم وعند المسلمين.
وبالرغم من الوضوح الشديد لهذه الحقيقة ،إل أن التعصب
والتجاهل بحقيقة الدين السلمى الحنيف ،والصرار على جعله
طرفا ً فى الصراع وموضوعا ً للمحاربة ،أحدث لبسا ً شديدا ً فى
هذا المفهوم ـ مفهوم الجهاد ـ عند المسلمين ،حتى شاع أن
السلم قد انتشر بالسيف ،وأنه يدعو إلى الحرب وإلى العنف ،
ويكفى فى الرد على هذه الحالة من الفتراء ،ما أمر الله به من
العدل والنصاف ،وعدم خلط الوراق ،والبحث عن الحقيقة كما
هى ،وعدم الفتراء على الخرين ،حيث قال سبحانه فى كتابه
ن الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم سو َم تَلب ِ ُ
العزيز( :ل ِ َ
تعلمون ) (.)2
761
ولقد فطن لبطلن هذا الدعاء كاتب غربى كبير هو توماس
كارليل ،حيث قال فى كتابه " البطال وعبادة البطولة " ما
ترجمته " :إن اتهامه ـ أى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ـ
بالتعويل على السيف فى حمل الناس على الستجابة لدعوته
سخف غير مفهوم ؛ إذ ليس مما يجوز فى الفهم أن يشهر رجل
فرد سيفه ليقتل به الناس ،أو يستجيبوا له ،فإذا آمن به من
يقدرون على حرب خصومهم ،فقد آمنوا به طائعين مصدقين ،
وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها " (.)3
ويقول المؤرخ الفرنسى غوستاف لوبون فى كتابه " حضارة
العرب " وهو يتحدث عن سر انتشار السلم فى عهده صلى الله
عليه وسلم وفى عصور الفتوحات من بعده ـ " :قد أثبت التاريخ
أن الديان ل تفرض بالقوة ،ولم ينتشر السلم إذن بالسيف بل
انتشر بالدعوة وحدها ،وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التى
قهرت العرب مؤخرا ً كالترك والمغول ،وبلغ القرآن من النتشار
فى الهند ـ التى لم يكن العرب فيها غير عابرى سبيل ـ ما زاد
عدد المسلمين إلى خمسين مليون نفس فيها ..ولم يكن السلم
أقل انتشارا ً فى الصين التى لم يفتح العرب أى جزء منها قط ،
وسترى فى فصل آخر سرعة الدعوة فيها ،ويزيد عدد مسلميها
على عشرين مليونا فى الوقت الحاضر " (.)4
هذا وقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلثة عشر
عاما ً ،يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ،وقد كان نتاج
هذه المرحلة أن دخل فى السلم خيار المسلمين من الشراف
وغيرهم ،وكان الداخلون أغلبهم من الفقراء ،ولم يكن لدى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثروة عظيمة يغرى بها هؤلء
الداخلين ،ولم يكن إل الدعوة ،والدعوة وحدها ،ولم يقف المر
مل المسلمون ـ لسيما الفقراء والعبيد ومن عند هذا الحد بل تح َّ
ل عصبية له منهم ـ من صنوف العذاب وألوان البلء ما تعجز
الجبال الرواسى عن تحمله ،فما صرفهم ذلك عن دينهم وما
تزعزعت عقيدتهم ،بل زادهم ذلك صلبة فى الحق ،وصمدوا
صمود البطال مع قلتهم وفقرهم ،وما سمعنا أن أحدا ً منهم ارت ّ
د
سخطا ً عن دينه ،أو أغرته مغريات المشركين فى النكوص عنه ،
وإنما كانوا كالذهب البريز ل تزيده النار إل صفاء ونقاء ،
وسنتكلم هنا على الجانبين التنظيرى والتطبيقى ،ونقصد
بالتنظيرى ما ورد فى مصادر السلم (الكتاب والسنة) ،ونعنى
بالتطبيقى ما حدث عبر القرون ابتداء من الحروب التى شارك
فيها النبى صلى الله عليه وسلم ،وانتهاء بعصرنا الحاضر ،ثم
نختم ببيان هذه النقاط الخمسة التى ذكرناها سابقاً.
762
أولً :الجانب التنظيرى ورد فى القرآن الكريم وفى السنة النبوية
آيات وأحاديث تبين شأن الجهاد فى السلم ،ويرى المطالع لهذه
اليات والحاديث ،أن المجاهد فى سبيل الله ،هو ذلك الفارس
النبيل الخلقى المدرب على أخلق الفروسية العالية الراقية ؛
حتى يستطيع أن يمتثل إلى الوامر والنواهى الربانية التى تأمره
بضبط النفس قبل المعركة وأثناء المعركة وبعد المعركة ،فقبل
المعركة يجب عليه أن يحرر نفسه من كل الطماع ،وأل يخرج
مقاتل من أجل أى مصلحة شخصية ،سواء كانت تلك المصلحة
من أجل نفسه أو من أجل الطائفة التى ينتمى إليها ،أو من أجل
أى عرض دنيوى آخر ،وينبغى أن يتقيد بالشروط التى أحل الله
فيها الجهاد ،وأن يجعل ذلك لوجه الله تعالى ،ومعنى هذا أنه
سوف يلتزم بأوامر الله ،ويستعد لنهاء الحرب فورا ً ،إذا ما
فقدت الحرب شرطا ً من شروط حلها أو سببا ً من أسباب
استمرارها ،وسواء أكان ذلك الفارس منتصرا ً ،أو أصابه الذى
من عدوه ،فإن الله يأمره بضبط النفس ،وعدم تركها للنتقام ،
والتأكيد على اللتزام بالمعانى العليا ،وكذلك الحال بعد القتال ،
فإنه يجب عليه أن يجاهد نفسه الجهاد الكبر ؛ حتى ل يتحول
ص مؤذ ٍ لمجتمعه أو لجماعته أو
الفارس المجاهد إلى شخ ٍ
للخرين ،وبالرغم من أن لفظة الجهاد إذا أطلقت انصرف الذهن
إلى معنى القتال فى سبيل الله .إل أن الرسول صلى الله عليه
وسلم قد أسماه بالجهاد الصغر ،وسمى الجهاد المستمر بعد
القتال بالجهاد الكبر ؛ لن القتال يستمر ساعات أو أيام ،وما
بعد القتال يستغرق عمر النسان كله.
وفيما يلى نورد اليات القرآنية والحاديث النبوية التى تحدثت عن
هذه القضية ،ثم بعد ذلك نستخرج منها الهداف والشروط
والضوابط والساليب ،ونعرف منها متى تنتهى الحرب ،والثار
المترتبة على ذلك:
أولً :القرآن الكريم:
( -1وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ول تعتدوا إن الله ل
يحب المعتدين * واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث
أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ول تقاتلوهم عند المسجد
الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء
الكافرين) (.)5
( -2فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم * وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة
ويكون الدين لله فإن انتهوا فل عدوان إل على الظالمين) (.)6
763
( -3كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا ً وهو
خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا ً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم ل
تعلمون ) (.)7
( -4يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد
عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر
عند الله والفتنة أكبر من القتل ) (.)8
( -5وكأين من نبى قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم
فى سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ) (
.)9
ُ
( -6ول تحسبن الذين قُتِلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند
ربهم يُْرَزقُون ) (.)10
( -7فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا فى سبيلى وقاتلوا
وقتلوا لكفرن عنهم سيئاتهم ) (.)11
( -8فليقاتل فى سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالخرة
ومن يقاتل فى سبيل الله فيُقتل أو يَغِلب فسوف نؤتيه أجرا
عظيما ً ) (.)12
( -9وما لكم ل تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال
والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية
الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك
نصيرا ً ) (.)13
( -10فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل
الله لكم عليهم سبيل ً ) (.)14
( -11وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات
الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر
الكافرين * ليحق الحق ويبطل الباطل ولوكره المجرمون ) (.)15
( -12فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله
رمى ) (.)16
( -13وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا
فإن الله بما يعملون بصير) (.)17
( 14ول تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس
ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط) (.)18
( -15وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع
العليم ) (.)19
( -16يا أيها النبى قل لمن فى أيديكم من السرى إن يعلم الله
فى قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا ً مما أخذ منكم ويغفر لكم والله
غفور رحيم ) (.)20
764
( -17فإن تابوا وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله
غفور رحيم * وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى
يسمع كلم الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم ل يعلمون ) (.)21
( -18إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم
الجنة يقاتلون فى سبيل الله فَيَقتُلُون وَيُقتَلُون ) (.)22
ُ
موا وإن الله على نصرهم لقدير ن للذين يُقَاتَلُون بأنهم ظُل ِ ُ ( -19أذ ِ َ
جوا من ديارهم بغير حق إل أن يقولوا َربُّنَا الله) (.)23 * الذين أ ُ ْ
خرِ ُ
ثانياً :الحاديث النبوية الشريفة:
-1عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ عن النبى صلى الله عليه
وسلم قال " :تكفل الله لمن جاهد فى سبيله ل يخرجه من بيته
إل جهاد فى سبيله وتصديق كلمته بأن يدخله الجنة أو يرجعه إلى
مسكنه الذى خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة " (.)24
-2عن وهب بن منبه ،قال :سألت جابرا ً عن شأن ثقيف إذ
بايعت ،قال :اشترطت على النبى صلى الله عليه وسلم أن ل
صدقة عليها ول جهاد ،وأنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم بعد
ذلك يقول " :سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا " (.)25
-3عن سعد بن زيد بن سعد الشهلى أنه أهدى إلى رسول صلى
الله عليه وسلم سيفا ً من نجران فلما قدم عليه أعطاه محمد بن
مسلمة ،وقال " :جاهد بهذا فى سبيل الله فإذا اختلفت أعناق
الناس فاضرب به الحجر ،ثم ادخل بيتك وكن حلسا ً ملقى حتى
تقتلك يد خاطئة أو تأتيك منية قاضية .قال الحاكم :فبهذه
السباب وما جانسها كان اعتزال من اعتزل عن القتال مع على ـ
رضى الله عنه ـ وقتال من قاتله " (.)26
-4عن سعيد بن جبير قال " :خرج علينا أو إلينا ابن عمر فقال
رجل كيف ترى فى قتال الفتنة فقال وهل تدرى ما الفتنة كان
محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين وكان الدخول
عليهم فتنة وليس كقتالكم على الملك " (.)27
-5عن عبد الله بن عمرو ـ رضى الله عنهما ـ قال :جاء رجل إلى
النبى صلى الله عليه وسلم فقال:
إنى أريد الجهاد فقال " :أحى والداك ؟ قال :نعم .قال :ففيهما
فجاهد " (.)28
ويتضح من هذه اليات والحاديث أن هدف الحرب فى السلم
يتمثل فى التى:
-1رد العدوان والدفاع عن النفس.
-2تأمين الدعوة إلى الله وإتاحة الفرصة للضعفاء الذين يريدون
اعتناقها.
-3المطالبة بالحقوق السليبة.
765
-4نصرة الحق والعدل.
ويتضح لنا أيضا أن من شروط وضوابط الحرب:
( )1النبل والوضوح فى الوسيلة والهدف.
( )2ل قتال إل مع المقاتلين ول عدوان على المدنيين.
( )3إذا جنحوا للسلم وانتهوا عن القتال فل عدوان إل على
الظالمين.
( )4المحافظة على السرى ومعاملتهم المعاملة الحسنة التى
تليق بالنسان.
( )5المحافظة على البيئة ويدخل فى ذلك النهى عن قتل الحيوان
لغير مصلحة وتحريق الشجار ،وإفساد الزروع والثمار ،
والمياه ،وتلويث البار ،وهدم البيوت.
( )6المحافظة على الحرية الدينية لصحاب الصوامع والرهبان
وعدم التعرض لهم.
الثار المترتبة على الجهاد يتضح لنا مما سبق أن الجهاد فى
السلم قد اتسم بنبل الغاية والوسيلة معا ،فل غرو أن تكون
الثار والثمار المتولدة عن هذا الجهاد متناسقة تماما فى هذا
السياق من النبل والوضوح ؛ لن النتائج فرع عن المقدمات ،
ونلخص هذه الثار فى النقاط التالية:
( )1تربية النفس على الشهامة والنجدة والفروسية.
( )2إزالة الطواغيت الجاثمة فوق صدور الناس ،وهو الشر الذى
يؤدى إلى الفساد فى الرض بعد إصلحها.
( )3إقرار العدل والحرية لجميع الناس مهما كانت عقائدهم.
( )4تقديم القضايا العامة على المصلحة الشخصية.
( )5تحقيق قوة ردع مناسبة لتأمين الناس فى أوطانهم.
يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة الحج:
(الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إل أن يقولوا ربنا الله ولول
دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات
ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ً ولينصرن الله من ينصره إن
الله لقوى عزيز ) (.)29
قال المام القرطبى عند تفسيره لهذه الية:
(ولول دفع الله الناس بعضهم ببعض) أى لول ما شرعه الله
تعالى للنبياء والمؤمنين من قتال العداء ،لستولى أهل الشرك
وعطلوا ما بينته أرباب الديانات من مواضع العبادات ،ولكنه دفع
بأن أوجب القتال ليتفرغ أهل الدين للعبادة .فالجهاد أمر متقدم
فى المم ،وبه صلحت الشرائع واجتمعت المتعبدات ؛ فكأنه
قال :أذن فى القتال ،فليقاتل المؤمنون .ثم قوى هذا المر فى
القتال بقوله( :ولول دفع الله الناس) الية ؛ أى لول القتال
766
والجهاد لتغلب على الحق فى كل أمة .فمن استشبع من
النصارى والصابئين الجهاد فهو مناقض لمذهبه ؛ إذ لول القتال لما
بقى الدين الذى يذب عنه .وأيضا ً هذه المواضع التى اتخذت قبل
تحريفهم وتبديلهم وقبل نسخ تلك الملل بالسلم إنما ذكرت لهذا
المعنى ؛ أى لول هذا الدفع لهُدمت فى زمن موسى الكنائس ،
وفى زمن عيسى الصوامع والبيع ،وفى زمن محمد صلى الله
عليه وسلم المساجد " .لهدمت " من هدمت البناء أى نقضته
فانهدم .قال ابن عطية :هذا أصوب ما قيل فى تأويل الية " (.)30
ثانياً :الناحية التطبيقية ( )1حروب النبى صلى الله عليه وسلم:
(أ) الحرب ظاهرة اجتماعية:
الحرب ظاهرة إنسانية قديمة قدم النسان على ظهر هذه
البسيطة ،فمنذ وُجد النسان وهو يصارع ويحارب ،وكعلقة من
العلقات الجتماعية الحتمية نشأت الحرب ،فالحتكاك بين
البشر لبد وأن يُوَل ِّد صداما ً من نوع ما ،لقد جبل النسان على
غريزة التملك التى تدعوه إلى التشبث بما يملكه ،حيث إن هذه
الغريزة هى التى تحفظ عليه البقاء فى الحياة ،وهى بالتالى
التى تتولد عنها غريزة المقاتلة ،فى أبسط صورها دفاعا ً عن
حقه فى الستمرار والحياة ،وقد تتعقد نفسية النسان وتصبح
حاجاته ومتطلباته مركبة ،فل يقاتل طالبا ً للقوت أو دفاعا ً عنه
فقط ،وإنما يقاتل طلبا ً للحرية ورفعا ً للظلم واستردادا للكرامة.
صل العلمة ابن خلدون هذه الحقيقة فى مقدمته فيقول" : ويُفَ ِّ
اعلم أن الحروب وأنواع المقاتلة لم تزل واقعة فى الخليقة منذ
برأها الله ،وأصلها إرادة انتقام بعض البشر من بعض ويتعصب
لكل منها أهل عصبيته ،فإذا تذامروا لذلك وتوافقت الطائفتان ؛
إحداهما تطلب النتقام والخرى تدافع ،كانت الحرب وهو أمر
طبيعى فى البشر ،إما غيرة ومنافسة وإما عدوان وإما غضب
لله ولدينه ،وإما غضب للملك وسعى فى تمهيده " (.)31
(ب) الحرب فى الكتب المقدسة قبل السلم:
إذا ما تجاوزنا المم والحضارات البشرية ،وتأملنا فى الكتب
السماوية المقدسة (التوراة ـ النجيل) ،نرى أن هذه الكتب
المقدسة قد تجاوزت السباب المادية الغريزية التى يقاتل
النسان من أجلها إلى أسباب أكثر ُرقِيًّا وحضارة ،فبعد أن كان
النسان يقاتل رغبة فى امتلك الطعام أو الرض ،أو رغبة فى
الثأر الشخصى من الخرين ،أو حتى ردا للعدوان ،نرى أن
الكتب المقدسة قد أضافت أسبابا ً أخرى ،أسبابا ً إلهية تسمو
بالبشرية عن الدنايا وظلم الخرين ،إلى بذل النفس إقامة
للعدل ،ونصرة للمظلوم ،ومحاربة للكفر والخروج عن منهج
767
مح الله ،لقد حددت الكتب السماوية المناهج والطر التى ي ُ ْ
س َ
فيها بإقامة القتال وعبرت بالنسان مرحلة بناء المجد الشخصى
المؤسس على النا ،إلى مرحلة التضحية من أجل المبادئ
والمثل اللهية العليا ،التى تعمل فى إطار الجماعة البشرية ل
فى محيط الفرد الواحد.
الحرب فى العهد القديم:
وردت أسباب الحرب فى ست وثلثين آية تقع فى ثمانية أسفار
من أسفار العهد القديم هى( :التكوين ـ العدد ـ التثنية ـ يوشع ـ
القضاة ـ صموئيل الول ـ الملوك الثانى ـ حزقيال).
( )1ففى سفر العدد ـ الصحاح الثالث عشر ،ورد ما يفيد أن
موسى ـ عليه السلم ـ بعد خروجه بقومه من مصر بعث رسل
يتحسسون أمر أرض كنعان ـ فلسطين ـ ليستقروا فيها:
" فساروا حتى أتوا موسى وهارون وكل جماعة بنى إسرائيل إلى
برية فاران إلى قادش ،وردوا إليهما خبًرا وإلى كل الجماعة ،
وأروهم ثمر الرض وأخبروه ،وقالوا :قد ذهبنا إلى الرض التى
أرسلتنا إليها وحقا إنها تفيض لبنا ً وعسل ً وهذا ثمرها غير أن
الشعب الساكن فى الرض معتز والمدن حصينة عظيمة جداً
وأيضا قد رأينا بنى عناق هناك " (.)32
( )2وجاء فى سفر صموئيل الول ـ الصحاح الخامس والعشرون:
" فأجاب نابال عبيد داود وقال :من هو داود ومن هو ابن يسى
قد كثر اليوم العبيد الذين يقحصون كل واحد من أمام سيده ،
أآخذ خبزى ومائى وذبيحى الذى ذبحت لجارى وأعطيه لقوم ل
أعلم من أين هم ؟ فتحول غلمان داود إلى طريقهم ورجعوا
وجاءوا وأخبروه حسب كل هذا الكلم ،فقال داود لرجاله:
ليتقلد كل واحد منكم سيفه وتقلد داود سيفه وصعد وراء داود
نحو أربعمائة رجل ومكث مائتان مع المتعة " (.)33
( )3وفى سفر الملوك الثانى ـ الصحاح الثالث:
" وكان ميشع ملك موآب الثانى صاحب مواش ،فأدى لملك
إسرائيل مائة ألف خروف ومائة ألف كبش بصوفها ،وعند موت
آخاب عصى ملك موآب على ملك إسرائيل وخرج الملك يهورام
فى ذلك اليوم من السامرة وعد كل إسرائيل وذهب وأرسل إلى
يهو شافاط ملك يهوذا يقول :قد عصى على ملك موآب ،فهل
تذهب معى إلى موآب للحرب ؟ " (.)34
( )4جاء فى حزقيال الصحاح الواحد والعشرون:
" وكان إلى كلم الرب قائل :يا ابن آدم اجعل وجهك نحو
أورشليم وتكلم على المقادس وتنبأ على أرض إسرائيل وقل
لرض إسرائيل هكذا قال الرب هأنذا عليك وأستل سيفى من
768
غمده فأقطع منه الصديق والشرير من حيث إنى أقطع منك
الصديق والشرير فلذلك يخرج سيفى من غمده على كل بشر
من الجنوب إلى الشمال فيعلم كل بشر أنى أنا الرب سللت
سيفى من غمده ل يرجع أيضا ً " (.)35
( )5وجاء فى سفر يوشع الصحاح الثالث والعشرون:
" وأنتم قد رأيتم كل ما عمل الرب إلهكم هو المحارب عنكم
انظروا :قد قسمت لكم بالقرعة هؤلء الشعوب الباقين ملكاً
حسب أسباطكم من الردن وجميع الشعوب التى قرضتها والبحر
العظيم نحو غروب الشمس والرب إلهكم هو ينفيهم من أمامكم
ويطردهم من قدامكم فتملكون أرضهم كما كلمكم الرب إلهكم "
(.)36
( )6وجاء فى سفر القضاة الصحاح الول:
" وحارب بنو يهوذا أورشليم وأخذوها وضربوا بحد السيف
وأشعلوا المدينة بالنار وبعد ذلك نزل بنو يهوذا لمحاربة الكنعانيين
سكان الجبل وسكان الجنوب والسهل ".
( )7وفى سفر القضاة الصحاح الثامن عشر:
" فأما هم فقد أخذوا ما صنع ميخا ً والكاهن الذى له وجاءوا إلى
ليش إلى شعب مستريح مطمئن فضربوهم بحد السيف وأحرقوا
ن ينقذ لنها بعيدة عن صيدون ولم يكن م ْ
المدينة بالنار ولم يكن َ
لهم أمر مع إنسان وهى فى الوادى الذى لبيت رحوب فبنوا
المدينة وسكنوا بها ودعوا اسم المدينة دان باسم دان أبيهم الذى
ولد لسرائيل ولكن اسم المدينة أول :ليش " (.)37
( )8وفى صموئيل الول الصحاح الرابع:
" وخرج إسرائيل للقاء الفلسطينيين للحرب ونزلوا عند حجر
المعونة ،وأما الفلسطينيون فنزلوا فى أفيق واصطف
الفلسطينيون للقاء إسرائيل واشتبكت الحرب فانكسر إسرائيل
أمام الفلسطينيين وضربوا من الصف فى الحقل نحو أربعة آلف
رجل " (.)38
( )9وفى التكوين الصحاح الرابع والثلثون:
" فحدث فى اليوم الثالث إذ كانوا متوجعين أن ابنى يعقوب
شمعون ولوى أخوى دينة أخذ كل واحد منهما سيفه وأتيا على
المدينة بأمن وقتل كل ذكر وقتل حمور وشكيم ابنه بحد السيف
لنهم بخسوا أختهم ،غنمهم وبقرهم وكل ما فى المدينة وما فى
الحقل أخذوه وسبوا ونهبوا كل ثروتهم وكل أطفالهم ونسائهم
وكل ما فى البيوت " (.)39
( )10وفى سفر التكوين الصحاح الرابع عشر:
769
" فلما سمع إبرام أن أخاه سبى جر غلمانه المتمرنين ولدان بيته
ثلثمائة وثمانية عشر وتبعهم إلى دان وانقسم عليهم ليل ً هو
وعبيده فكسرهم وتبعهم إلى حوبة التى من شمال دمشق
واسترجع كل الملك واسترجع لوطا ً أخاه أيضا ً وأملكه والنساء
أيضا ً والشعب " (.)40
( )11وفى سفر العدد الصحاح الواحد والعشرون:
" فقال الرب لموسى ل تخف منه لنى قد دفعته إلى يدك مع
جميع قومه وأرضه فتفعل به كما فعلت بسيحون ملك الموريين
الساكن فى حبشون فضربوه وبنيه وجميع قومه حتى لم يبق لهم
شارد وملكوا أرضه " ( )12( )41وفى سفر العدد الصحاح
الخامس والعشرون:
" ثم كلم الرب موسى قائل ضايقوا المديانيين واضربوهم لنهم
ضايقوكم بمكايدهم التى كادوكم بها " (.)42
( )13وفى سفر العدد الصحاح الثالث والثلثون:
تطالعنا التوراة ،أن الله قد أمر موسى ـ عليه السلم ـ أن يشن
حربا ً على أقوام قد عبدوا غير الله ـ سبحانه وتعالى ـ " :وكلم
الرب موسى فى عربات مو آب على أردن أريحا قائل " :كلم بنى
إسرائيل وقل لهم :إنكم عابرون الردن إلى أرض كنعان
فتطردون كل سكان الرض من أمامكم وتمحون جميع تصاويرهم
وتبيدون كل أصنامهم المسبوكة وتخربون جميع مرتفعاتهم " (
.)43
( )14وشبيه به ما ورد فى سفر صموئيل الصحاح السابع عشر
آية " 47 :45فقال داود للفلسطينى :أنت تأتى إلى بسيف وبرمح
وبترس ،وأنا آتى إليك باسم رب الجنود إله صفوف إسرائيل
الذين عيرتهم 000فتعلم كل الرض أنه يوجد إله لسرائيل " (.)44
( )15وفى سفر صموئيل الول الصحاح الثالث والعشرون:
" فذهب داود ورجاله إلى قعيلة وحارب الفلسطينيين وساق
مواشيهم وضربهم ضربة عظيمة وخلص داود سكان قعيلة " (
.)45
( )16فى سفر المزامير المزمور الثامن عشر:
يسبح داود الرب ويمجده لنه يعطيه القوة على محاربة أعدائه" :
الذى يعلم يدى القتال فتحنى بذراعى قوس من نحاس ..أتبع
أعدائى فأدركهم ول أرجع حتى أفنيهم أسحقهم فل يستطيعون
القيام ،يسقطون تحت رجلى تمنطقنى بقوة للقتال تصرع تحتى
القائمين على وتعطينى أقفية أعدائى ومبغضى أفنيهم " (.)46
هذه بعض من حروب بنى إسرائيل التى سجلتها نصوص كتبهم
وأسفارهم ،فمفهوم الحرب والقتال ،ليس مفهوما ً كريها ً من
770
وجهة النظر التوراتية ،وكأنها حروب مستمدة من الشريعة
الدينية التوراتية ،وهى كانت دائما تتم بمباركة الرب ومعونته
وكأن الرب ـ حسب تعبير التوراة ـ قد استل سيفه من غمده فل
يرجع (.)47
الحرب فى العهد الجديد:
كذلك نرى النجيل لم يهمل الكلم عن الحروب بالكلية ،بل جاء
نص واضح صريح ،ل يحتمل التأويل ول التحريف يقرر أن
المسيحية على الرغم من وداعتها وسماحتها التى تمثلت فى
النص الشهير " من ضربك على خدك اليمن فأدر له اليسر " ـ
إل أنها تشير إلى أن السيد المسيح ـ عليه السلم ـ قد يحمل
السيف ويخوض غمار القتال إذا دعته الظروف لذلك ؛ فجاء فى
النجيل على لسان السيد المسيح:
" ل تظنوا أنى جئت لرسى سلما ً على الرض ،ما جئت لرسى
سلما ً ،بل سيفا ً ،فإنى جئت لجعل النسان على خلف مع
أبيه ،والبنت مع أمها والكنة مع حماتها وهكذا يصير أعداء
النسان أهل بيته " (.)48
ولعلنا نلحظ التشابه الكبير بين هذه المقولة وحديث الرسول
صلى الله عليه وسلم [ :بعثت بالسيف بين يدى الساعة حتى
يعبد الله وحده ] (.)49
مما سبق يتبين لنا واضحا ً وجليا أن الحرب والقتال سنة كونية
سرت فى المم جميعاً ،ولم نر فى تاريخ المم أمة خلت من
حروب وقتال ،ورأينا من استعراض الكتب المقدسة ـ التوراة
والنجيل ـ أنه سنة شرعية لم تخل شريعة من الشرائع السماوية
السابقة على السلم من تقريره والقيام به كما مر.
لقد كان هذا القدر كافيا فى إثبات أن محمدا ً صلى الله عليه
وسلم سائر على سنن من سبقه من النبياء ،وأن الجهاد لتقرير
الحق والعدل مما يمدح به السلم ؛ ل مما به يشان ،وأن ما هو
جواب لهم فى تبرير هذه الحروب وسفك الدماء كان جوابا ً لنا
فى مشروعية ما قام به النبى صلى الله عليه وسلم من القتال
والجهاد.
ولنشرع الن فى تتميم بقية جوانب البحث مما يزيل الشبهة
ويقيم الحجة ويقطع الطريق على المشككين ،فنتكلم عن
غزوات النبى صلى الله عليه وسلم ،ممهدين لذلك بالحالة التى
كانت عليها الجزيرة العربية من حروب وقتال وسفك للدماء
لتفه السباب وأقلها شأنا ً ،حتى يبدو للناظر أن القتال كان
غريزة متأصلة فى نفوس هؤلء ل تحتاج إلى قوة إقناع أو
استنفار.
771
الحرب عند العرب قبل السلم سجلت كتب التاريخ والدب
العربى ما اشتهر وعرف بأيام العرب ،وهى عبارة عن مجموعة
من الملحم القتالية التى نشبت بين العرب قبل مبعث النبى
صلى الله عليه وسلم ،وليس يعنينا سرد هذه الملحم وتفاصيلها
ولكن الذى يعنينا هنا أن نقف على بعض الجوانب التى تصلح
للمقارنة (السباب ـ الزمن المستغرق ـ الثار التى خلفتها هذه
الحروب).
قال العلمة محمد أمين البغدادى " :اعلم أن الحروب الواقعة
بين العرب فى الجاهلية أكثر من أن تحصر ،ومنها عدة وقائع
مشهورة ل يتسع هذا الموضع لذكرها ولنذكر بعضا ً منها على
سبيل الجمال " (.)50
وقد ذكرت كتب التواريخ أياما ً كثيرة للعرب (البسوس ـ وداحس
والغبراء ـ يوم النسار ـ يوم الجفار ـ يوم الفجار ـ يوم ذى قار ـ
يوم شعب جبلة ـ يوم رحرحان 000إلخ) والمتأمل فى هذه
الملحم واليام يرى أن الحماسة الشديدة والعصبية العمياء
وعدم الكتراث بعواقب المور والشجاعة المتهورة التى ل تتسم
بالعقل ،كانت هى الوقود المحرك لهذه الحروب ،هذا فضل ً عن
تفاهة السباب التى قامت من أجلها هذه المجازر ،والمدة
الزمنية الطويلة التى استمرت فى بعضها عشرات السنين ،
والثار الرهيبة التى خلفتها هذه الحروب ،وعلى الرغم من أننا
لم نقف على إحصاء دقيق لما خلفته هذه الحروب إل أن
الكلمات التى قيلت فى وصف آثارها من الفناء والخراب وتيتم
الطفال وترمل النساء 000إلخ لتوقفنا على مدى ما أحدثته
الحرب فى نفوس الناس من اليأس والشؤم ،ويصف لنا الشاعر
زهير بن أبى سلمى طرفا ً من ذلك فى معلقته المشهورة وهو
يخاطب الساعين للسلم بين عبس وذبيان:
تداركتما عبسا وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم فهو
يقول للساعين للسلم :إنكما بتحملكما ديات الحرب من مالكما ،
أنقذتما عبسا وذبيان بعدما يأسوا ،ودقوا بينهما عطر منشم ،
ومنشم هو اسم لمرأة كانت تبيع العطر يضرب بها المثل فى
التشاؤم ،دليل على عظم اليأس الذى أصاب نفوس الناس من
انتهاء هذه الحرب (.)51
هذه إطللة سريعة ومختصرة على الحروب وأسبابها لدى العرب
قبل السلم والن نشرع فى الكلم على تشريع الجهاد فى
السلم ثم نتبع ذلك بتحليل موثق لغزوات النبى صلى الله عليه
وسلم.
الجهاد فى شرعة السلم:
772
لما استقر النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأسس حكومته
النبوية بها ،بعد ثلثة عشر عاما ً من الدعوة إلى الله وتحمل
الذى والعذاب فى سبيل ذلك تخللتها ثلث هجرات جماعية كبيرة
ـ هاجت ثائرة قريش وحقدوا على رسول الله صلى الله عليه
وسلم لما أحرزه من استقرار ونجاح لهذه الدولة الوليدة ـ دون
ظلم أو استبداد أو سفك للدماء ـ ولذلك فقد كان صلى الله عليه
وسلم مقصودا ً بالقتل ،إذ ليس معقول ً أن تنام أعينهم على هذا
التقدم والنمو ،ومصالحهم قائمة على الزعامة الدينية فى جزيرة
العرب ،وهذه الدولة الجديدة قائمة على أساس دينى ربما يكون
سببا ً فى زوال هذه الزعامة الدينية الوثنية الموروثة .وإذا كان
السلم دينا ً بلغت الميول السلمية فيه مداها فى قوله تعالى:
(فاصفح عنهم وقل سلم ) ( )53إل أن الميول السلمية ل تتسع
لمنع القائمين بهذا الدين الجديد من الدفاع عن أنفسهم وعن
دينهم الذى أنزله الله للنسانية كافة ،فى عالم يضيع فيه الحق
والعدل إن لم يكن لهما قوة تحميهما ،فكان ل مناص من السماح
للمسلمين بحماية أنفسهم ودينهم بالسلح الذى يشهره خصومهم
ُ
ن للذين يُقَاتَلُو َ
ن فى وجوههم ،ولذلك كان التعبير بقوله تعالى(:أذ ِ َ
موا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من بأنهم ظُل ِ ُ
ديارهم بغير حق إل أن يقولوا ربنا الله ولول دفع الله الناس
بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها
اسم الله كثيرا ً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز ) (
.)53
أقول :كان التعبير بالذن الذى يدل على المنع قبل نزول الية
يدل على طروء القتال فى السلم وأنه ظل ممنوعا ً طيلة العهد
المكى وبعضا ً من العهد المدنى.
" هذا ولم يغفل السلم حتى فى هذا الموطن ـ موطن الدفاع
عن النفس والدين ـ أن ينصح لتباعه بعدم العدوان ؛ لن
الموضوع حماية حق ل موضوع انتقام ول شفاء حزازات
الصدور ،وهذا من مميزات الحكومة النبوية ،فإن القائم عليها
من نبى يكون كالجراح يضع مشرطه حيث يوجد الداء
لستئصاله ،مع عدم المساس بالعضاء السليمة ،ومقصده
استبقاء حياة المريض ل قتله ،والعالم كله فى نظر الحكومة
النبوية شخص مريض تعمل لستدامة وجوده سليما ً قوياً ..إن
طبيعة هذا العالم مبنية على التدافع والتغالب ليس فيما بين
الناس فحسب ،ولكن فيما بينهم وبين الوجود المحيط بهم ،
وبين كل فرد والعوامل المتسلطة عليه من نفسه ،ول أظن أن
قارئا ً من قرائنا يجهل الناموس الذى اكتشفه دارون وروسل
773
ولس ودعوه ناموس تنازع البقاء وبنوا عليه كل تطور أصاب
النواع النباتية والحيوانية والنسان أيضا ً " (.)54
" ألم تر كيف تصدى خصوم الدين النصرانى للمسيح ،وما كان
يدعو إل للصلح والسلم حتى إنهم استصدروا أمرا ً بصلبه فنجاه
الله منهم ،وما زالوا بالذين اتبعوه يضطهدونهم ويقتلونهم حتى
مضت ثلثة قرون وهم مشردون فى الرض ل تجمعهم جامعة ،
إلى أن حماهم من أعدائهم السيف على يد المبراطور
قسطنطين الذى أعمل السيف فى الوثنيين من أعدائهم ..أفيريد
مثيرو هذه الشبهة أن يقوم دين على غير السنن الطبيعية فى
عالم مبنى على سنن التدافع والتنازع واستخدام القوة الحيوانية
لطمس معالم الحق ودك صروح العدل " ؟ " يقول المعترضون:
وماذا أعددتم من حجة حين تجمع المم على إبطال الحروب
وحسم منازعاتها عن طريق التحكيم ،وهذا قرآنكم يدعوكم إلى
الجهاد وحثكم على الستبسال فيه ؟ نقول :أعددنا لهذا العهد
قوله تعالى( :وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو
السميع العليم) (.)55
" هذه حكمة بالغة من القرآن ،بل هذه معجزة من معجزاته
الخالدة ،وهى أدل دليل على أنه لم يشرع الحرب لذاتها ،ولكن
لنها من عوامل الجتماع التى لبد منها ما دام النسان فى
عقليته ونفسيته المأثورتين عنه ،غير أنه لم ينف أن يحدث تطور
عالمى يتفق فيه على إبطال الحرب فصرح بهذا الحكم قبل
حجة لهله من ناحية ،وليدل على أنه ل يريد حدوثه ليكون ُ
الحرب لذاتها من ناحية أخرى ،ولو كان يريدها لذاتها لما نوه
لهذا الحكم " (.)56
ثانياً :نظرة تحليلية لغزوات النبى صلى الله عليه وسلم:
إذا تتبعنا هذه الغزوات وقسمناها حسب الطوائف التى ضمتها ،
أمكننا التعرف على القبائل التى حدثت معها هذه المعارك وهى
كالتى:
( )1قريش مكة:
وهى القبيلة التى ينتمى إليها النبى صلى الله عليه وسلم ،حيث
أن قريش هو فهر بن مالك ،وقيل النضر بن كنانة ،وعلى كل
القولين فقريش جد للنبى صلى الله عليه وسلم ،وكانت معهم
الغزوات :سيف البحر ـ الرابغ ـ ضرار ـ بواط ـ سفوان ـ ذو
العشيرة ـ السويق ـ ذو قردة ـ أحد ـ حمراء السد ـ بدر الخرة ـ
الحزاب ـ سرية العيص ـ سرية عمرو بن أمية ـ الحديبية ـ سيف
البحر الثانية 8هـ ـ فتح مكة.
( )2قبيلة بنو غطفان وأنمار:
774
غطفان من مضر ،قال السويدى " :بنو غطفان بطن من قيس
ابن عيلن بن مضر ،قال فى العبر :وهم بطن متسع كثير
الشعوب والبطون " ( ، )57قال ابن حجر فى فتح البارى " :تميم
وأسد وغطفان وهوازن جميعهم من مضر بالتفاق " ( ، )58أما
أنمار فهم يشتركون فى نفس النسب مع غطفان ،قال ابن
حجر " :وسيأتى بعد باب أن أنمار فى قبائل منهم بطن من
غطفان " ( ، )59أى أن أنمار ينتسبون إلى مضر أيضا ً ونسبهم
كالتالى :أنمار بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس
عيلن بن مضر (.)60
والغزوات التى ضمتها هى :قرقرة الكدر ـ ذى أمر ـ دومة الجندل
ـ بنى المصطلق ـ الغابة ـ وادى القرى ـ سرية كرز بن جابر ـ
ذات الرقاع ـ تربة ـ الميفعة ـ الخربة ـ سرية أبى قتادة ـ عبد الله
بن حذافة (.)61
( )3بنو سليم:
قال السويدى " :بضم السين المهملة قبيلة عظيمة من قيس
عيلن والنسبة إليهم سلمى ،وسليم من أولد خصفة بن قيس
بن عيلن بن مضر ( ، )62والغزوات التى خاضها صلى الله عليه
وسلم مع بنى سليم هى :بئر معونة ـ جموم ـ سرية أبى العوجاء
ـ غزوة بنى ملوح وبنى سليم (.)63
( )4بنو ثعلبة:
ثعلبة هو ابن سعد بن ضبة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر (
، )64نسبه الدكتور على الجندى إلى مر بن أد هكذا :ثعلبة بن مر
بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر ( ، )65والغزوات التى غزاها
صلى الله عليه وسلم معهم هى :غزوة ذى القصة ـ غزوة بنى
ثعلبة ـ غزوة طرف ـ سرية الحسمى (.)66
( )5بنو فزارة وعذرة:
قال فى سبائك الذهب " :بنو فزارة بطن من ذبيان من غطفان ،
قال فى العبر :وكانت منازل فزارة بنجد ووادى القرى ،ونسب
فزارة :فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن
قيس عيلن بن مضر.
أما بنو عذرة :بنوه بطن من قضاعة ،ونسبهم هكذا :عذرة بن
سعد بن جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحافى بن
قضاعة ( .)67ونسبهم إلى قضاعة أيضا ً الدكتور على الجندى
معتمدا ً على أنساب ابن حزم هكذا :عذرة بن سعد بن أسلم بن
عمران بن الحافى بن قضاعة ( ، )68وعلى هذا فبنو عذرة ليسو
من مضر وإنما كانوا موالين لبنى فزارة وهم من مضر .وكان
معهما الغزوات والسرايا التية:
775
سرية أبى بكر الصديق ـ سرية فدك ـ سرية بشير بن سعد ـ
غزوة ذات أطلح (.)69
( )6بنو كلب وبنو مرة:
أما بنو كلب فهم :بنو كلب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب
بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن
إلياس بن مضر ،وبنو مرة هم أبناء كعب بن لؤى فيكون كلب
بطن من مرة ،وهذه نفس سلسلة النسب التى ذكرها الدكتور
على الجندى معتمدا ً على أنساب ابن حزم ( ، )70والغزوات التى
كانت معهم :غزوة قريظة ـ غزوة بنى كلب ـ غزوة بنى مرة ـ
سرية ضحاك (.)71
( )7عضل والقارة:
قال فى سبائك الذهب" :عضل بطن من بنى الهون من مضر" ،
ونسبهم هكذا :عضل بن الهون بن خزيمة بن مدركة بن إلياس
بن مضر ،وأما القارة فلم يذكرها السويدى فى السبائك ول
الدكتور الجندى ،إل أن الستاذ الشيخ محمد الخضرى نسبها إلى
خزيمة بن مدركة ،وذكر الفارة بالفاء الموحدة ل بالقاف المثناة
( )72وقد غزاهم النبى صلى الله عليه وسلم غزوة واحدة هى
غزوة الرجيع (.)73
( )8بنو أسد:
قال السويدى " :بنو أسد حى من بنى خزيمة ،ونسبهم هكذا:
أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر ( ، )74والغزوات
التى غزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هى :سرية قطن ـ
سرية عمر مرزوق ـ غزوة ذات السلسل (.)75
( )9بنو ذكوان:
قال السويدى " :بنو ذكوان بطن من بهتة من سليم ،وهم من
الذين مكث النبى صلى الله عليه وسلم شهرا ً يقنت فى الصلة
يدعو عليهم وعلى رعل ( )76ونسبهم هكذا :ذكوان بن بهتة بن
سليم بن منصور بن عكرمة خصفة بن قيس عيلن بن مضر (
، )77ولم يغزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إل غزوة
واحدة هى غزوة بئر معونة.
( )10بنو لحيان:
من المعروف أن بنى لحيان من هذيل ،وهذيل هو :ابن مدركة
بن مضر( ،)78وغزاهم النبى صلى الله عليه وسلم غزوة واحدة
هى:غزوة بنى لحيان (.)79
( )11بنو سعد بن بكر:
776
نسبهم :سعد بن بكر بن هوازن بن سليم بن منصور بن عكرمة
ابن خصفة بن قيس عيلن بن مضر ( ، )80وقد أرسل لهم النبى
صلى الله عليه وسلم سرية واحدة هى سرية فدك.
( )12بنو هوازن:
بنو هوازن بطن من قيس عيلن ،ونسبهم هكذا :هوازن بن سليم
بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلن بن مضر (،)81
وقد غزاهم صلى الله عليه وسلم غزوة ذات عرق.
( )13بنو تميم:
بنو بطن من طابخة ،قال فى العبر " :وكانت منازلهم بأرض نجد
دائرة من هنالك على البصرة واليمن ،ونسبهم هكذا :تميم بن
مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر " (.)82
( )14بنو ثقيف:
بنو ثقيف بطن من هوازن اشتهروا باسم أبيهم ثقيف ،ونسبهم:
ثقيف بن منبه بن بكر بن بهتة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن
خصفة بن قيس عيلن بن مضر ( ، )83وقد غزاهم النبى صلى
الله عليه وسلم غزوتين هما :غزوة حنين ـ غزوة الطائف.
ونستطيع من خلل هذا التتبع أن نقول :إن هذه القبائل كانت
جميعها تنتسب إلى مضر وهو جد النبى صلى الله عليه وسلم أو
من والهم ،وبالمعنى الدق كانت نتيجة غضب إخوته من
أجداده ،أما اليهود فقد كانوا مع قريش حسب معاهدتهم معهم ،
وبذلك ظهر جليا ً أن الغزوات والسرايا التى خاضها أو أرسلها
النبى صلى الله عليه وسلم ،كانت موجهة فى نطاق ضيق هو
نسل مضر ،فل يمكن أن يقال حينئذ :أن النبى صلى الله عليه
وسلم قد أشعل نار الحرب ضد العرب جميعا ً ،أو أنه خاض
الحروب لكراه الناس على اعتناق السلم ،ولو كان المر كما
يقولون لوقعت حرب عدوانية أو دفاعية ضد أى قبيلة من مئات
القبائل العربية ،وهذه الحقيقة تحتاج إلى مزيد من التعمق
والتحليل فى بعض خصائص القبائل العربية ؛ إذ قد يقول قائل أو
يعترض معترض :إن هذا الذى توصلنا إليه بالبحث ـ أل وهو
انحصار القتال مع المضريين ـ لم يحدث إل اتفاقا ً ،والمور
التفاقية ل تدل على شىء ول يستخرج منها قانون كلى نحكم به
على جهاد النبى صلى الله عليه وسلم ،إذ كان من الممكن أن
يقاتل النبى صلى الله عليه وسلم ربيعة بدل ً من مضر ،أو يقاتل
ربيعة ومضر معا ً ،أو يقاتل القحطانية بدل ً من العدنانية أو
يقاتلهما معا ً ،وهكذا.
777
ذلك المتوقع أن تزيد اللفة والمودة بين أفراد وقبائل الجد
الواحد ل أن تشتعل نار الحرب والقتال بينهم ،فما الذى عكس
هذا التوقع وقلب المر رأسا ً على عقب ؟!
وللجابة على هذه الشبهة نقول:
كان من أشهر المثلة العربية المثل المشهور " انصر أخاك ظالماً
أو مظلوما ً " وقد كان العرب يطبقون هذا المثل تطبيقا ً حرفيا ً ـ
دون هذا التعديل الذى أضافه السلم عليه ـ فكانوا ينصرون
إخوانهم وبنى أعمامهم نصرا ً حقيقيا ً على كل حال فى صوابهم
وخطئهم وعدلهم وظلمهم ،وإذا دخلت قبيلتان منهم فى حلف
كان لكل فرد من أفراد القبيلتين النصرة على أفراد القبيلة
الخرى ،وهذا الحلف قد يعقده الفراد وقد يعقده رؤساء القبائل
والمر واحد فى الحالين.
بينما هم كذلك فى بنى أبيهم وفى حلفائهم ،إذ بك تراهم حينما
تتشعب البطون قد نافس بعضهم بعضا ً فى الشرف والثروة ،
فنجد القبائل التى يجمعها أب واحد كل واحدة قد وقفت لختها
بالمرصاد تنتهز الفرصة للغض منها والستيلء على موارد رزقها ،
وترى العداء قد بلغ منها الدرجة التى ل تطاق ،كما كان بين
بطنى الوس والخزرج ،وبين عبس وذبيان ،وبين بكر وتغلب
ابنى وائل ،وبين عبد شمس وهاشم 000 ،إلخ ،فكانت روح
الجتماع سائدة بين القبيلة الواحدة ،تزيدها العصبية حياة ونموا ً ،
وكانت مفقودة تماما ً بين القبائل المختلفة ؛ فكانت قواهم
متفانية فى قتالهم وحروبهم ونزاعاتهم.
وقد علل الشيخ محمد الخضرى بك هذه الحقيقة العجيبة بأمرين:
المر الول:
التنافس فى مادة الحياة بين بنى الب الواحد ،إذ أن حياتهم
كانت قائمة على المراعى التى يسيمون فيها أنعامهم ،والمناهل
التى منها يشربون.
المر الثانى:
تنازع الشرف والرياسة ،وأكثر ما يكون ذلك إذا مات أكبر الخوة
وله ولد صالح لن يكون موضع أبيه ،فينازع أعمامه رياسة
العشيرة ول يسلم أحد منهما للخر ،وقد يفارق رئيس أحد
البيتين الديار مضمرا ً فى نفسه ما فيها من العداوة والبغضاء ،
وقد يبقيا متجاورين ،وفى هذه الحالة يكون التنافر أشد كما كان
الحال بين الوس والخزرج من المدينة ،وبين هاشم وأمية من
مكة ،وبين عبس وذبيان من قيس ،وبين بكر وتغلب من ربيعة.
ومتى وجد النفور بين جماعتين أو بين شخصين ل يحتاج شبوب
نار الحرب بينهما إلى أسباب قوية ،بل إن أيسر النزاع كاف
778
لنشوب نار الحرب وتيتم الطفال وتأيم النساء ؛ لذلك كانت
الجزيرة العربية دائمة الحروب والمنازعات (.)84
هذه الحقيقة التى توصلنا إليها ـ وهى أن نار الحرب سريعة
النشوب بين أبناء الب أو الجد الواحد ـ تدعم ما توصلنا إليه من
أن الحرب إنما كانت نتيجة غضب إخوته من أجداده ،وإذا كان
الخلف محصورا ً فى السببين السابقين ،فأى سبب هو الذى أجج
نار الغيرة والحقد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ هل
السبب هو التنافس فى مادة الحياة الدنيا ،أم الخوف من انتزاع
الشرف والسيادة التى تؤول إلى النبى صلى الله عليه وسلم إذ
هم أذعنوا له بالرسالة والنبوة ؟ أما عن السبب الول فليس
واردا ً على الطلق ،فلقد ضرب كفار مكة حصارا ً تجويعيا ً على
رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى بنى هاشم وبنى عبد
المطلب ،فانحازوا إلى شعب أبى طالب ثلث سنوات كاملة ،
عاشوا فيها الجوع والحرمان ما ل يخطر ببال ،حتى إنهم من
شدة الجوع قد أكلوا ورق الشجر وكان يسمع من بعيد بكاء
أطفالهم وأنين شيوخهم ،ومع ذلك فقد التزم النبى صلى الله
عليه وسلم الصبر والثبات ،ولم يأمر أصحابه أن يشنوا حربا ً أو
قتال ً لفك هذا الحصار ،والخبير يعلم ما الذى يمكن أن يفعله
الجوع بالنفس البشرية ،إن لم يصحبها نور من وحى أو ثبات من
إيمان.
كان السبب الثانى إذن كفيل ً بإشعال هذه النار فى قلوب هؤلء
وعلى حد تعبير الستاذ العلمة محمد فريد وجدى " :كان مقصوداً
بالقتل من قريش ،وليس يعقل أن تغمض قريش عينها ،
ومصلحتها الحيوية قائمة على زعامة الدين فى البلد العربية ،
وعن قيام زعامة أخرى فى البلد كيثرب يصبح منافسا ً لم القرى
،وربما بزها سلطانا ً على العقول ،وكر على قريش فأباد
خضراءها وسلبها حقها الموروث " ( ، )85والذى يؤيد هذا ويقويه
ذلك الحوار الذى دار بين الخنس بن شريق وبين أبى جهل ؛ إذ
قال له الخنس :يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ ـ
يعنى القرآن ـ فقال ما سمعت ؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف
الشرف ،أطعموا فأطعمنا ،وحملوا فحملنا ،وأعطوا فأعطينا ،
حتى إذا تجاثينا على الركب ،وكنا كفرسى رهان قالوا منا نبى
يأتيه الوحى من السماء ،فمتى ندرك هذا ؟! والله ل نؤمن به
أبدا ً ول نصدقه.
ليست الصدفة إذن ول محض التفاق هما اللذان دفعا النبى صلى
الله عليه وسلم لقتال أبناء أجداده من مضر دون ربيعة أو غيرها
من العرب ،بل الطبيعة العربية المتوثبة دائما ً ،لمن ينازعها
779
الشرف والسيادة من أبناء الب الواحد ـ على ما بيناه آنفا ً ـ كانت
هى السبب الرئيسى لشتعال هذه الحروب ولولها لما اضطر
صلى الله عليه وسلم للقتال بعد ثلثة عشر عاما ً من الدعوة
والصبر تخللها من المشاق والعنت ما الله به عليم ،ومع ذلك
فقد كان هجيراه ـ بأبى هو وأمى ـ " اللهم اهد قومى فإنهم ل
يعلمون ".
وثمة أمر آخر ينبغى الشارة إليه ،يتعلق بالثار الناجمة عن هذا
القتال ،من حيث أعداد القتلى التى نجمت عن هذه الغزوات
والجدول التى يعطينا صورة بيانية عن هذه الثار كالتى:
الغزوة /شهداء المسلمين /قتلى المشركين /الملحظة بـدر /
/ 70 / 14أُحـد / 22 / 70 /الخندق / 3 / 6 /بنو المصطلق /ـ / 3 /
خيبر / 19 /لم يدخل اليهود فى هذه الحصائية لن لهم حكم آخر
بسبب خيانتهم ،فهم قُتلوا بناء على حكم قضائى ،بسبب
الحرب.
بئر مونة / 69ـ /مؤتـة / 14 / 14 /حنيـن / 71 / 4 /الطائف / 13 /ـ
/معارك أخرى / 256 / 118 /المجموع 756 / 439 / 317 /من
الجانبين.
حا وجليًا أن السلم متمثل ً فى وبعد فقد بدا للناظرين واض ً
شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم أبعد ما يكون عن حمل
الناس على اعتناق السلم بالسيف ،وهو الذى قال صلى الله
عليه وسلم لعدائه بعدما قدر عليهم " :اذهبوا فأنتم الطلقاء "
هكذا دون شرط أو قيد ،أقول حتى دون اشتراط السلم.
والنتائج الحقيقية:
( )1تحويل العرب الوحوش إلى عرب متحضرين ،والعرب
الملحدين الوثنيين إلى عرب مسلمين موحدين.
( )2القضاء على أحداث السلب والنهب وتعزيز المن العام فى
بلد تفوق مساحتها مساحة فرنسا بضعفين.
( )3إحلل الخوة والروحانية محل العداوة والبغضاء.
( )4إثبات الشورى مكان الستبداد (.)86
هذا وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ضوابط وقيود
كان من شأنها أن تحدد وظيفة الجهاد فى نشر السلم فى ربوع
المعمورة ،دون سفك للدماء ما استطعنا إلى ذلك سبيلً.
ومن هذه الضوابط قوله تعالى( :وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ
إليهم على سواء إن الله ل يحب الخائنين ) (.)87
فإن كان بين المسلمين والكفار عهد أو أمان فل يجوز للمسلمين
الغدر حتى ينقضى المد ،فإن خاف المسلمون من أعدائهم
خيانة بأن ظهر من قرائن أحوالهم ما يدل على خيانتهم من غير
780
تصريح منهم ،فحينئذ يخبرهم المسلمون أنه ل عهد بيننا وبينكم
حتى يستوى علم المسلمين وعلم أعدائهم بذلك.
ودلت الية على أنه إذا وجدت الخيانة المحققة من العداء لم
يحتج أن ينبذ إليهم عهدهم ،لنه لم يخف منهم بل علم ذلك.
ودل مفهوم الية أيضا ً على أنه إذا لم يخف منهم خيانة بأن يوجد
منهم ما يدل على عدم الخيانة ،أنه ل يجوز نبذ العهد إليهم ،بل
يجب الوفاء إلى أن تتم مدته (.)88
انتشار السلم أ ـ معدلت انتشار السلم:
الذى يؤكد على الحقيقة التى توصلنا إليها ـ وهى أن انتشار
السلم كان بالدعوة ل بالسيف ـ أن انتشار السلم فى الجزيرة
العربية وخارجها ،كان وفق معدلت متناسبة تماما ً من الناحيتين
الكمية والكيفية ،مع التطور الطبيعى لحركة الدعوة السلمية ،
ول يوجد فى هذه المعدلت نسب غير طبيعية أو طفرات تدل
على عكس هذه الحقيقة ،والجدول التى يوضح هذه النسب:
السنوات بالهجرى /فارس /العراق /سورية /مصر /الندلس
نسبة المسلمين مع نهاية أول مائة عام /%2 /%2 /%3 /%5 /أقل
من %1السنوات التى صارت النسبة فيها %25من السكان/185 /
295 /275 /275 /225السنوات التى صارت النسبة فيها %50من
السكان 355 /330 /330 /280 /235 /السنوات التى صارت النسبة فيها
%75من السكان * 400 /385 /385 /320 /280 /حسبت السنوات منذ
عام 13قبل الهجرة عندما بدأ تنزيل القرآن الكريم.
وتوضح معلومات أخرى أن شعب شبه الجزيرة العربية كان
الشعب الول فى الدخول فى السلم ،وقد أصبح معظمهم
مسلمين فى العقود الولى بعد تنزيل القرآن الكريم.
وهكذا كان عدد العرب المسلمين يفوق عدد المسلمين من غير
العرب فى البداية ،ومهدوا الطريق للتثاقف السلمى والتعريب
من أجل المسلمين غير العرب ،ولم يمض وقت على هؤلء فى
أصولهم من أديان ومذاهب متعددة من كل المم والحضارات
السابقة.
كان على هؤلء جميعا ً أن يوظفوا بشكل موحد عمليات توأمية
للتقليد والبتكار فى وقت واحد وذلك حسب خلفياتهم الصلية
تحت التأثير الثورى والمتحول الكثر عمقا ً للفكر السلمى
ومؤسساته ،وقاموا عن طريق عملية التنسيق المزدوجة بتنقية
تراثهم من علوم وتكنولوجيا وفلسفات عصر ما قبل القرآن
الكريم وذلك إما بالقبول الجزئى أو الرفض الجزئى ،وقاموا
كذلك بالبتكار من خلل انطلقهم من أنظمتهم الفكرية الحسية
وتراثهم فى ضوء القرآن الكريم والسنة.
781
ومن هنا ولدت العلوم السلمية والتكنولوجيا السلمية والحضارة
السلمية الحديثة متناسبة مع اليدولوجية والرؤية السلمية
الشاملة (.)89
خصائص ذلك النتشار:
ـ عدم إبادة الشعوب.
ـ جعلوا العبيد حكاماً.
ـ لم يفتحوا محاكم تفتيش.
ـ ظل اليهود والنصارى والهندوك فى بلدهم.
ـ تزاوجوا من أهل تلك البلد وبنوا أُسرا ً وعائلت على مر التاريخ.
ـ ظل إقليم الحجاز ـ مصدر الدعوة السلمية ـ فقيرا ً إلى عصر
البترول فى الوقت الذى كانت الدول الستعمارية تجلب خيرات
البلد المستعمرة إلى مراكزها.
ـ تعرضت بلد المسلمين لشتى أنواع العتداءات (الحروب
الصليبية ـ الستعباد فى غرب إفريقيا ـ إخراج المسلمين من
ديارهم فى الندلس وتعذيب من بقى منهم فى محاكم التفتيش)
ونخلص من هذا كله أن تاريخ المسلمين نظيف وأنهم يطالبون
خصومهم بالنصاف والعتذار ،وأنهم لم يفعلوا شيئا ً يستوجب
ذلك العتذار حتى التاريخ المعاصر.
1ـ سرية سيف البحر ـ رمضان 1هجرية ـ 30راكب ـ حمزة بن
عبد المطلب ـ 300أبو جهل ـ انصرف المسلمون بدون قتال ـ
بعثت هذه السرية لدراسة أحوال مكة ووجد العداء أن
المسلمين منتبهون فانصرفوا عنهم.
2ـ سرية الرابغ ـ شوال سنة 1هجرية ـ 60ـ عبيدة بن الحارث ـ
200عكرمة بن أبى جهل أو أبو صيان ـ انصرف المسلمون بدون
قتال ـ بعثت هذه السرية لتفقد أحوال أهل مكة فرأت جمعاً
عظيما ً من قريش بأسفل ثنية المرة.
3ـ سرية ضرار ـ فى ذى القعدة سنة 1هجرية ـ 80سعد بن أبى
وقاص ـ خرج حتى بلغ الجحفة ثم رجع ولم يلق كيداً.
4ـ غزوة ودان وهى غزوة البواب ـ صفر 2هجرية ـ 70ـ سيدنا
محمد صلى الله عليه وسلم ـ عاهد عمرو بن مخثى الضمرى
على أل يعين قريش ول المسلمين.
5ـ غزوة بواط ـ ربيع الول 2هجرية ـ 200ـ سيدنا محمد صلى
الله عليه وسلم ـ 100ـ أمية بن خلف ـ بلغ إلى بواط ناحية رضوى
ثم رجع إلى المدينة لقى فى الطريق قريشا ً وأمية ـ رضوى اسم
جبل بالقرب من ينبع.
6ـ غزوة صفوان أو بدر الولى ـ ربيع الول 2هجرية ـ 70ـ سيدنا
محمد صلى الله عليه وسلم ـ كرز بن جابر الفهرى ـ خرج فى
782
طلب العدو حتى بلغ صفوان فلم يدركه ـ كان كرز بن جابر قد
أغار على مواشى لهل المدينة.
7ـ غزوة ذى العشيرة ـ جمادى الخرة 2هجرية ـ 150ـ سيدنا
محمد صلى الله عليه وسلم ـ وادع بنى مذلج وحلفائهم من بنى
ضمرة ـ ذو العشيرة موضع بين مكة والمدينة من بطن ينبع.
8ـ سرية النخلة ـ فى رجب 2هجرية ـ 12ـ عبد الله بن جحش ـ
قافلة تحت قيادة بنى أمية ـ أطلق السيران وودى القتيل ـ
أرسلوا لستطلعن قريش فوقع الصدام.
9ـ غزوة بدر الكبرى ـ رمضان 2هجرية ـ 313ـ سيدنا محمد صلى
الله عليه وسلم ـ 1000ـ أبو جهل ـ 22ـ 70ـ 70ـ انتصر المسلمون
على العدو ـ بين بدر ومكة سبعة منازل وبين بدر والمدينة ثلثة
منازل لما علم بخروج قريش إلى المدينة ارتحل دفاعا ً عن
المسلمين.
10ـ سرية عمير بن العدى الخطمى ـ فى رمضان 2هجرية ـ 1ـ
عمير ـ 1ـ عصماء بن مروان ـ 1ـ قتل عمير اخته التى كانت
تحض قومها على الحرب ضد المسلمين.
11ـ سرية سالم بن عمير النصارى ـ فى شوال 2هجرية ـ 1ـ
سالم ـ 1ـ الخطمية أبو عكفة ـ كان أبو عكفة اليهودى يستفز
اليهود على المسلمين فقتله سالم.
12ـ غزوة بنى قينقاع ـ فى شوال 2هجرية ـ النبى صلى الله عليه
وسلم ـ قبيلة بنى قينقاع ـ تم إجلئهم ـ أتوا بالشر فى المدينة
حين كان المسلمون فى بدر فأجلوا لذلك.
13ـ غزوة السويق ـ فى ذى الحجة 2هجرية ـ 200ـ النبى صلى
الله عليه وسلم ـ 200ـ أبو سفيان ـ خرج النبى صلى الله عليه
وسلم فى طلبه فلم يدركه ـ بعث أبو سفيان من قريش إلى
المدينة فأتوا ناحية منها فحرقوا فى أسوال من نخل ووجدوا بها
رجلين فقتلوهما.
14ـ غزوة قرقرة الكدر أو غزوة بنى سليم ـ محرم 2هجرية ـ 70ـ
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ـ كرز بن جابر الفهرى ـ 1ـ
خرج العدو يغزو المدينة فانصرف حين رأى جمعا ً من المسلمين
ـ أسر عبد اسمه يسار فأطلق سراحه.
15ـ سرية قررة الكدر ـ 2هجرية ـ 1ـ غالب بن عبد الله الليثى ـ
قبيلة بنى غطفان وبنى سليم ـ 3ـ قتل من العداء وفر الباقون ـ
بعثت هذه السرية إكمال ً إذ اجتمع العداء مرة أخرى.
16ـ سرية محمد بن مسلمة ـ ربيع الول ـ 3هجرية ـ محمد بن
مسلمة النصارى الخزرجى ـ 1ـ كعب بن الشرف اليهودى ـ 1ـ 1
783
ـ كان كعب بن الشرف يحرض القبائل من اليهود ضد المسلمين
ودعا قريشا ً للحرب فوقعت غزوة أحد.
17ـ غزوة ذى أمر أو غزوة غطفان أو أنمار ـ فى ربيع سنة 3
هجرية ـ 450ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ بنو ثعلبة وبنو محارب
ـ اجتمعت بنو ثعلبة وبنو محارب للغارة على المدينة فانصرفوا
حين رأوا جمعا ً من المسلمين ـ خرج النبى صلى الله عليه وسلم
فى أصحابه حتى بلغ نجد وهنا أسلم وعثود الذى هم بقتل رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
18ـ سرية قردة ـ فى جمادى الخرة سنة 3هجرية ـ 100ـ زيد بن
حارثة ـ أبو سفيان ـ 1ـ خرج زيد بن حارثة فى بعث فتلقى
قريشا ً فى طريقهم إلى العراق ـ أسر فراء بن سفيان دليل
القافلة التجارية فأسلم.
19ـ غزوة أُحد ـ شوال 3هجرية ـ 650راجل ـ النبى صلى الله
عليه وسلم ـ 2800راجل ـ 200راكب أبو سفيان الموى ـ 40ـ 70ـ
30ـ لحقت خسارة فادحة بالمسلمين ولكن فشل الكفار نتيجة
لرعب أصابهم ـ بين أحد والمدينة ثلثة أيمال كانوا العداء زحفوا
من مكة إلى أُحد.
ـ غزوة حمراء السد ـ فى 7من شوال المكرم سنة 3هجرية ـ
540ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ 2790ـ أبو سفيان ـ 2أبو عزة
ومعاوية بن المغيرة ـ خرج النبى صلى الله عليه وسلم مرعباً
للعدو ـ لما آن الغد من يوم أُحد خرج المسلمون إلى معسكر
العدو لئل يغير عليهم ثانية ظانا ً بهم ضعفا ً ،أسر رجلن ،وقتل
أبو عزة الشاعر لن كان وعد فى بدر بأنه ل يظاهر أبدا ً على
المسلمين ثم نقض عهده وحث المشركين على المسلمين.
21ـ سرية قطن أو سرية أبى سلمة المخزومى ـ فى غرة محرم
الحرام سنة 4هجرية ـ 150أبو سلمة المخزومى ـ طلحة وسلمة ـ
لم يتمكنوا من الغارة على المدينة بمظاهرة قام بها المسلمون
ـ هو رئشيس قطاع الطريق أراد الغارة على المدينة ولكن
المسلمين تظاهروا فوصلوا إلى قطن وهو مسكنه فتفرق جمعه.
22ـ سرية عبد الله بن أنيس ـ فى 5من محرم الحرام سنة 4
هجرية ـ 1ـ عبد الله بن أنيس الجهنى النصارى ـ 1ـ سفيان
الهذيلى ـ 1ـ سمع عبد الله بأن سفيان استنفر قوما ً ضد
المسلمين بعرفى فوصل عليها وقتل بها أبا سفينان.
23ـ سرية الرجيع ـ فى صفر 4هجرية ـ 10عاصم بن ثابت ـ 100ـ
من عضل والقارة ـ 10ـ استشهاد عشرة قراء.
24ـ سرية بئر معونة ـ 70ـ منذر بن عمر ـ جماعة كبيرة ـ عامر
بن مالك ـ 1ـ .69
784
ـ عمر 1 هجرية ـ 4 25ـ سرية عمر بن أمية الضميرى ـ ربيع الول
بن أمية الضمرى ـ 2قبيلة بنى كلب.
26ـ غزوة بنى النضير ـ ربيع أول 4هجرية ـ النبى صلى الله عليه
وسلم ـ قبيلة النضير ـ تم إجلئهم بأنهم هموا بقتل الرسول صلى
الله عليه وسلم.
27ـ غزوة بدر الخرى ـ ذى القعدة 4هجرية ـ 1510النبى صلى
الله عليه وسلم ـ 2050أبو سفيان ـ لم تحدث مواجهة ـ خرج أبو
سفيان فى أهل مكة حتى نزل بناحية الظهران أو عسفان ولما
علم النبى صلى الله عليه وسلم خرج إليه فرجع أبو سفينان رجع
النبى أيضاً.
28ـ غزوة دومة الجندل ـ سنة 5هجرية ـ 1000النبى صلى الله
عليه وسلم ـ أهل الدومة ـ رجع الرسول صلى الله عليه وسلم
قبل أن يصل إليها ولم يلق كيداً.
29ـ غزوة بنى المصطلق ـ 2شعبان 5هجرية ـ النبى صلى الله
عليه وسلم ـ الحارث بن ضرار سيد بنى المصطلق ـ 19ـ 10ـ
انهزم العدو وأطلق السرى كلهم.
30ـ غزوة الحزاب أو الخندق ـ شوال 5هجرية ـ 3000ـ النبى
صلى الله عليه وسلم ـ 10000أبو سفيان ـ 6ـ 10ـ انقلب العدو
خاسراً.
31ـ سرية عبد الله بن عتيك ـ ذى القعدة 5هجرية ـ 5ـ عبد الله
بن عتيك النصارى ـ 1ـ سلم بن أبى الحقيق ـ .1
32ـ غزوة بنى قريظة ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ بنو قريظة ـ
4ـ 200ـ 400ـ من العداء من قتل ومنهم من أسر ـ قتلهم كان
حكما ً قضائيا ً بسبب الخيانة وكان هذا الحكم موافقا ً لنصوص
التوراة التى كانوا يؤمنون بها.
33ـ سرية الرقطاء ـ 30ـ محمد بن مسلمة ـ 30ـ ثمامة بن آثال ـ
1ـ أثر ثمالة فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ كان
ثمامة سيد نجد ،وأسلم بعد أن أطلق سراحه من السر.
34ـ غزوة بنى لحيان ـ 6هجرية ـ 200ـ النبى صلى الله عليه
وسلم ـ بنو لحيا من بطون هذيل ـ تفرق العدو حين علم بمقدم
المسلمون إليه ـ كانت الغزوة لتأديب أهل الرجيع الذين قتلوا
عشرة من القراء.
35ـ غزوة ذى قردة ـ 6هجرية ـ 500ـ النبى صلى الله عليه وسلم
ـ خيل من غطفن تحت قيادة عيينة الفزارى ـ امرأة واحدة ـ 3ـ 1
ـ أغاروا على لقاح لرسول الله فخرج المسلمون ولحقوا بهم.
785
36ـ سرية عكاشة محصن ـ 40ـ عكاشة بن محصن السدى ـ بنو
أسد ـ تفرق العداء ولم تحدث مواجهة ـ كان بنو أسد قد أجمعوا
الغارة على المدينة فبعثت إليهم هذه السرية.
37ـ سرية ذى القصة ـ 6هجرية ـ 10ـ محمد بن مسلمة ـ 100بنو
ثعلبة ـ 1جريح ـ 9ـ استشهد تسعة من الدعاة وأصيب محمد بن
مسلمة بجرح ـ كان عشرة من القراء ذهبوا للدعوة وبينما هم
نائمون قتلهم بنو ثعلبة وذو القصة اسم موضع.
38ـ سرية بنى ثعلبة ـ 6هجرية ـ 40ـ أبو عبيدة بن الجراح ـ بنو
ثعلبة ـ 1ـ انصرف العدو وغنم المسلمون ما كان لهم من متاع.
39ـ سرية الجموم ـ 6هجرية ـ زيد بن حارثة ـ بنو سليم ـ 10ـ
أسر مجموعة رجال وأطلقهم النبى صلى الله عليه وسلم.
40ـ سرية الطرف أو الطرق ـ 6هجرية ـ 15ـ زيد بن حارثة ـ بنو
ثعلبة ـ هرب العداء وأصاب المسلمون عشرين بعيرا ً ـ بعثت
هذه السرية لمعاقبة المجرمين بذى القصة.
41ـ سرية وادى القرى ـ 12ـ زيد بن حارثة ـ سكان وادى القرى ـ
1جريح ـ 9ـ قتل من المسلمين تسعة رجال وجرح واحد ـ كان
زيدا ً ذاهبا ً للجولة فحملوا عليه وعلى أصحابه.
42ـ دومة الجندل ـ 6هجرية ـ عبد الرحمن بن عوف ـ قبيلة بنى
كلب ـ الصبغ بن عمرو ـ تحقق نجاح ملموس فى مجال الدعوة ـ
أسلم الصبغ بن عمرو وكان نصرانيا ً وأسلم معه كثير من قومه.
43ـ سرية فداك ـ 6هجرية ـ 200ـ على بن أبى طالب ـ بنو سعد
بن بكر ـ هربت بنو سعد وأصاب المسلمون مائة بعير وألفى شاة
ـ بلغ النبى صلى الله عليه وسلم أنهم يريدون أن يمدوا يهود
ى رضى الله الله عنه بالمظاهرة عليهم. خيبر فقام عل ّ
44ـ سرية أم فرقة ـ 7هجرية ـ أبو بكر الصديق رضى الله عنه ـ
بنو فزارة تحت قيادة أم قرفة ـ 2ـ انهزم العدو ـ كانت بنو فزارة
قد أغاروا على قافلة زيد بن حارثة.
45ـ سرية عبد الله بن رواحة ـ 6هجرية ـ 30ـ عبد الله بن رواحة
ـ 30ـ أسير بن رزام اليهودى ـ 1ـ 30ـ وقع اشتباك لسوء فهم
الفريقين فقتل اليهود جميعاً.
46ـ سرية العرنيين ـ 6هجرية ـ 20ـ كرز بن جابر الفهرى ـ رجال
من عكل وعريننة ـ 1ـ 8ـ قتلوا الراعى واستاقوا البل فأسروا
ومثل بهم ـ استوخموا المدينة فشربوا من ألبان البل وأبوالها
فصحوا ثم قتلوا يسارا راعى النبى صلى الله عليه وسلم
واستاقوا البل.
47ـ سرية عمرو بن أمية الضمرى ـ 6هجرية ـ 1ـ عمرو بن أمية
الضمرى ـ كان عمرو قد جاء إلى مكة ليقتل النبى صلى الله
786
عليه وسلم ثم أسلم من حسن خلقه الشريف ثم ذهب إلى مكة
يدعو أهلها.
48ـ غزوة الحديبية ـ 6هجرية ـ 1400ـ النبى صلى الله عليه وسلم
ـ أهل مكة ـ سهيل بن عمرو القرشى ـ تم الصلح بين النبى صلى
الله عليه وسلم وبين ريش عشر سنوات ـ كان النبى قد خرج
معتمرا ً فصدته قريش عن البيت فى الحديبية.
49ـ غزوة خيبر 7هجرية ـ 100ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ
10000ـ يهود خيبر كنانة بن أبى الحقيق ـ 50جريحا ً ـ 18ـ 93ـ فتح
الله للمسلمين فتحا ً مبينا ً ـ كان اليهود قد قاتلوا المسلمين فى
أُحد والحزاب ونقضوا عهدهم مع النبى صلى الله عليه وسلم
فأفسد خططهم العدوانية.
50ـ غزوة وادى القرى ـ المحرم 6هجرية ـ 1382ـ النبى صلى الله
عليه وسلم ـ اليهود من وادى القرى.
51ـ غزوة ذات الرقاع ـ 7هجرية ـ 400ـ النبى صلى الله عليه
وسلم ـ بنو غطفان وبنو محارب وبنو ثعلبة وبنو أنمار ـ تفرق
العدو ـ كانت بنو عطفان قد جمعوا جموعا ً من القبائل للغارة
على المسلمين فلما قام المسلمون بحشودهم تفرقوا جميعاً.
52ـ سرية عيص ـ فى صفر 7هجرية ـ 72ـ أبو جندل وأبو بصير ـ
قافلة قريش ـ 9ـ أخذ أموال العدو ثم ردها إليهم بأمر النبى
صلى الله عليه وسلم.
53ـ سرية الكديد ـ صفر 7هجرية ـ 60ـ غالب بن عبد الله الليثى ـ
بنو الملوح ـ 1ـ وقع اشتباك ـ كانت بنو الملوح قد قتلوا أصحاب
بشير بن سويد فبعثت إليهم هذه السرية للتوبيخ.
54ـ سرية فدك ـ فى صفر سنة 7هجرية ـ غالب بن عبد الله
الليثى ـ أهل فدك ـ قتل ناس من العدو.
55ـ سرية حسمى ـ فى جمادى الخرة 7هجرية ـ 500ـ زيد بن
حارثة ـ 102ـ الهنيد بن عوض الجزرى ـ 100ـ 2ـ انتصر المسلمون
وقتل الهنيد مع ابنه وأطلق الباقون بعد توبتهم ـ كان دحية الكلبى
محمل ً ببعض الهدايا من قيصر فقابله الهنيد فى ناس وقطع عليه
الطريق.
56ـ سرية تربة ـ فى شعبان سنة 7هجرية ـ عمر بن الخطاب ـ
أهل تربة ـ تفرق العدو ـ بين تربة ومكة منزلن كان أهل تربة قد
اصطلحوا مع بنى غطفان فقام المسلمون بالمظاهرة فى
محالهم.
57ـ سرية بنى كلب ـ فى شعبان 7هجرية ـ أبو بكر الصديق
رضى الله عنه ـ بنو كلب ـ انتصر المسلمون سبى من العداء
787
جماعة وقتل آخرون ـ كانوا أجمعوا الهجوم على المسلمين مع
بنى محارب وبنى أنمار.
58ـ سرية الميفعة ـ رمضان 7هجرية ـ غالب بن عبد الله الليثى ـ
أهل الميفعة ـ وقع اشتباك ـ كانوا حلفاء أهل خيبر.
59ـ سرية خربة ـ فى رمضان 7هجرية ـ أسامة بن زيد ـ أهل
خربة ـ بينما أسامة وأصحابه يمشون فى الطريق إذ هبط إليهم
رجل من الجبل فقتله أسامة بعد أن قال ل إله إل الله.
60ـ سرية بنى مرة ـ شوال 7هجرية ـ 30بشير بن سعد ـ بنو مرة
بالقرب من فدك ـ وقع اشتباك كانوا حلفاء أهل خيبر.
61ـ سرية بشير بن سعد النصارى ـ فى شوال 7هجرية ـ 30
بشير بن سعد ـ بنو فزارة وعذرة ـ جرح جميع المسلمين وأسر
منهم رجلن ـ كانت بنو فزارة وعذرة قد ساعدوا اليهود فى خيبر
فبعثت إليهم هذه السرية للترويع.
62ـ سرية ابن أبى العوجاء ـ 7هجرية ـ 50ـ ابن أبى العوجاء ـ بنو
سليم ـ 1ـ 49ـ أصيب ابن أبى العوجاء بجرح واستشهد الباقون ـ
قام المسلمون بحشد قواهم فى محالهم لنهم كانوا يجمعون
للغارة على المدينة.
63ـ سرية ذات أطلح ـ 8هجرية ـ 15ـ كعب بن عمير النصارى ـ
أهالى ذات أطلح بنو قضاعة ـ 14ـ استشهد المسلمون جميعاً
وبرأ واحد منهم ـ كانوا يجمعون فى عدد كبير للغارة على
المسلمين فبعث إليهم كتيبة لتخوفيهم فاستشهد المسلمون
جميعاً.
64ـ سرية ذات عرق ـ فى ربيع الول 8هجرية ـ 25ـ شجاع بن
وهب السدى ـ بنو هوازن أهالى ذا عرق ـ كانت هوازن قد مدّوا
يد المعونة لعداء المسلمين مرارا ً ثم اجتمعوا على مشارف
المدينة فاحتشد المسلمون لتخويفهم.
65ـ سرية مؤنة ـ فى جمادى الولى سنة 8هجرية ـ 3000ـ زيد بن
حارثة ـ مائة ألف ـ شرحبيل الغسانى ـ 12ـ لم نعرف عدد
المفقودين ـ انتصر المسلمون ـ كان شرحبيل قد قتل رسول الله
صلى الله عليه وسلم فوقعت لذلك الحرب وهزم ثلثة آلف مائة
ألف.
66ـ سرية ذات السلسل ـ جمادى الخرة 8هجرية ـ 500ـ عمرو
بن العاص القرشى ـ بنو قضاعة ساكنوا السلسل ـ هرب العداء
بمظاهرة المسلمين ـ كانت قضاعة قد تجمعت للغارة على
المدينة.
788
67ـ سرية سيف البحر ـ فى رجب 8هجرية ـ 300ـ أبو عبيدة ـ
قريش ـ أقام المسلمون على الساحل أياما ً ثم انصرفوا ـ كان
الغرض من هذه السرية تشتيت همم قريش.
68ـ سرية محارب ـ فى شعبان 8هجرية ـ 15ـ أبو قتادة النصارى
ـ بنو غطفان ـ هرب العدو خائفا ً وأصاب المسلمون أنعاما ً ـ تجمع
بنو غطفان بخضرة فأرسلت إليهم سرية مكونة من خمسة عشر
رجل ً للستطلع.
69ـ غزوة فتح مكة ـ رمضان 8هجرية ـ 10000ـ النبى صلى الله
عليه وسلم ـ قريش مكة ـ 2ـ 12ـ انتصر المسلمون ـ لم يتعرض
للمسلمين أحد إل كتيبة واحدة ثم دخل النبى صلى الله عليه
وسلم مكة وجعل الناس كلهم طلقاء ول تثريب عليهم.
70ـ سرية خالد ـ فى رمضان 8هجرية ـ خالد بن الوليد ـ الصنم
العزى ـ كانت العزى صنم بنى كنانة فحطمها خالد رضى الله
عنه.
71ـ سرية عمرو بن العاص ـ 8هجرية ـ عمرو بن العاس ـ الصنم
سواع ـ كانت سواع صنم بنى هذيل فحطمها عمرو بن العاص
رضى الله عنه.
72ـ سرية سعد الشهلى ـ رمضان 8هجرية ـ سعد بن زيد
الشهلى النصارى ـ الصنم مناة ـ كانت مناة صنما ً للوس
والخزرج فهدمها سعد الشهلى رضى الله عنه.
73ـ سرية خالد بن الوليد ـ شوال 8هجرية ـ 350ـ خالد بن الوليد ـ
بنو جذيمة ـ 95ـ قتل خمسة وتسعون رجل ً من بنى جذيمة ممن
كانوا أسلموا فكره الرسول صلى الله عليه وسلم قتلهم وودى
بهم الدية ـ كان خالد بن الوليد بعث داعيا ً وكانت بنو جذيمة قد
أسلموا من قبل فشك خالد فى إسلمهم وقتل منهم رجالً.
74ـ غزوة حنين أو أوطاس أو هوازن ـ شوال 8هجرية ـ 12000ـ
النبى صلى الله عليه وسلم ـ بنو ثقيف وبنو هوازن وبنو معز وبنو
أحسم ـ 6ـ 6000ـ 71ـ انتصر المسلمون ـ أطلق النبى صلى الله
عليه وسلم سراح جميع السرى وأعطاهم الكسوة كذلك.
75ـ غزوة الطائف ـ شوال 8هجرية ـ 12000ـ النبى صلى الله عليه
وسلم ـ بنو ثقيف ـ جمع كثير ـ 13ـ جمع كثير ـ رجع النبى صلى
الله عليه وسلم بعد محاصرة دامت شهرا ً ـ لما رفع النبى صلى
الله عليه وسلم عنهم الحصار قدموا عليه وأسلموا.
76ـ سرية عيينة بن حصن ـ فى محرم 9هجرية ـ 150ـ عيينى بن
حصن الفزارى ـ قبيلة بنى تميم ـ 62ـ تم القضاء على الثورة ـ
قامت هذه القبيلة بإغراء القبائل التابعة لها ومنعتها عن أداء
الجزية ولما خرج إليهم عيينى أسر منهم 11رجل ً و 21امرأة و 20
789
ولدا ً فأطلقهم النبى صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه
سيدهم.
77ـ سرية قطبة بن عامر ـ فى صفر 9هجرية ـ 20ـ قطبة بن
عامر ـ قبيلة خثم ـ أكثر من النصف ـ أكرهم ـ تفرقوا وانتشروا ـ
كانوا يدبرون مؤامرة ضد المسلمين فجاء قطبة ببعضهم أسيراً
فأطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
78ـ سرية الضحاك ابن سفيان الكلبى ـ ربيع أول 9هجرية ـ
الضحاك رضى الله عنه ـ قبيلة بنى كلب ـ بعث المسلمون إلى
بنى كلب داعين فاعترض لهم الكفار فوقع اشتباك.
79ـ سرية عبد الله بن حذافة ـ ربيع أول 9هجرية ـ 300ـ عبد الله
بن حذافة القرشى السهمى ـ القراصنة من الخثعميين ـ هربوا ـ
كانوا قد اجتمعوا فى ساحل جدة يريدون الغارة على مكة
فتفرقوا حين رأوا هذه السرية.
80ـ سرية بن طىء ـ 9هجرية ـ 150ـ على رضى الله عنه ـ بنى
طىء ـ أسرت سفانة بنت حاتم وغيرها من الناس.
81ـ غزوة تبوك ـ 9هجرية ـ 3000ـ الرسول صلى الله عليه وسلم
ـ هرقل قيصر الروم ـ قام النبى صلى الله عليه وسلم بالتجمع
مع أصحابه وأرهب العداء ثم رجع إلى المدينة.
82ـ سرية دومة الجندل ـ 420ـ خالد بن الوليد ـ أكيدر أمير دومة
الجندل ـ أسر أكيدر وقتل أخوه ـ أطلق رسول الله صلى الله
عليه وسلم سراح أكيدر وعقد الحلف مع حكومات نصرانية
أخرى.
( )1النبياء.107 :
( )2آل عمران.71 :
( )3حقائق السلم وأباطيل خصومه ص 166ط الهيئة المصرية
العامة للكتاب.
( )4غوستاف لوبون حضارة العرب ص 129 ، 128ط الهيئة
المصرية للكتاب.
( )5البقرة.191-190 :
( )6البقرة.193 ،192 :
( )7البقرة.216 :
( )8البقرة.217 :
( )9آل عمران.146 :
( )10آل عمران.169 :
( )11آل عمران.195 :
( )13( ، )12النساء.75 ، 74 :
( )14النساء.90 :
790
( )15النفال7 :ـ .8
( )16النفال.17 :
( )17النفال.39 :
( )18النفال.47 :
( )19النفال.61 :
( )20النفال.70 :
( )21التوبة5 :ـ .6
( )22التوبة.111 :
( )23الحج.40-39 :
( )24رواه مسلم ـ كتاب المارة ـ باب فضل الجهاد والخروج فى
سبيل الله.
( )25رواه أبو داود فى سننه ـ كتاب الخراج والمارة والفئ ـ باب
ما جاء فى خبر الطائف.
( )26رواه الحاكم فى مستدركه ـ كتاب معرفة الصحابة رضى الله
عنهم ـ ذكر إسلم أمير المؤمنين على ـ رضى الله عنه ـ.
( )27رواه البخارى ـ كتاب التفسير ـ باب قول الله تعالى
(وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة (.
( )28مصنف عبد الرازق ـ كتاب الجهاد ـ باب الرجل يغزو وأبوه
كاره.
( )29الحج.40 :
( )30القرطبى ج 12تفسير سورة الحج.
( )31تاريخ ابن خلدون 226 / 1فصل فى الحروب ومذاهب المم
فى ترتيبها.
( )32سفر العدد ـ الصحاح الثالث عشر ـ اليات.29-26 :
( )33سفر صموئيل الول ـ الصحاح الخامس والعشرون آية -10
.14
( )34سفر الملوك الثانى ـ الصحاح الثالث ،اليات 4ـ .8
( )35سفر حزقيال ـ أصحاح 21آيات 1ـ .5
( )36سفر يوشع ـ الصحاح الثالث والعشرون ـ اليات 3ـ .5
( )37سفر القضاة ـ الصحاح الثامن عشر ـ اليات 27ـ .30
( )38سفر صموئيل الول ـ الصحاح الرابع ،اليات 1ـ .4
( )39سفر التكوين ـ الصحاح الرابع والثلثون ـ اليات 25ـ .29
( )40سفر التكوين ـ الصحاح الرابع عشر ـ اليات 14ـ .16
( )41سفر العدد ـ الصحاح الواحد والعشرون اليتان 34ـ .35
( )42سفر العدد ـ الصحاح الخامس والعشرون الية .16
( )43الصحاح الثالث والثلثون اليات 50ـ .53
( )44سفر صموئيل ـ الصحاح السابع عشر اليات 45ـ .47
791
( )45سفر صموئيل الول ـ الصحاح الثالث والعشرون الية .6
( )46سفر المزامير ـ المزمور الثامن عشر اليات .41-35
( )47سفر حزقيال الصحاح الواحد والعشرون آية .5
( )48إنجيل متى ـ الصحاح العاشر آية .36-34
( )49رواه أحمد وأبو داود.
( )50سبائك الذهب .443
( )51شرح المعلقات السبع للزوزنى ص ، 83ط مصطفى الحلبى.
( )52الزخرف.89 :
( )53الحج.40-39 :
( )54السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة لمحمد فريد
وجدى ص 163 ، 164بتصرف.
( )55النفال.61 :
( )56السيرة النبوية لمحمد فريد وجدى .166 ، 165
( )57سبائك الذهب ص 120ط دار الكتب العلمية ،موسوعة
القبائل العربية لمحمد سليمان الطيب 51 / 1دار الفكر العربى.
( )58فتح البارى 543 / 6دار المعرفة ـ بيروت.
( )59فتح البارى .424 / 7
( )60تاريخ الدب الجاهلى د .على الجندى .472
( )61رحمة للعالمين للمنصور فورى ص .462
( )62فى تاريخ الدب الجاهلى .473
( )63رحمة للعالمين للمنصور فورى ص .462
( )64سبائك الذهب .8
( )65تاريخ الدب الجاهلى ص .470
( )66رحمة للعالمين المنصور فوزى ص .462
( )67سبائك الذهب .87
( )68تاريخ الدب الجاهلى ص .466
( )69رحمة للعالمين للمنصور فورى ص .463
( )70سبائك الذهب ، 295تاريخ الدب الجاهلى ص .467
( )71رحمة للعالمين ص .463
( )72تاريخ الدولة الموية للشيخ محمد الخضرى ص .156
( )73رحمة للعالمين ص .463
( )74سبائك الذهب ص ، 256تاريخ الدب الجاهلى ص .467
( )75رحمة للعالمين ص .463
( )76سبائك الذهب ص .127
( )77سبائك الذهب ص .126
( )78تاريخ الدب الجاهلى ص .467
( )79رحمة للعالمين ص .463
792
( )80سبائك الذهب ص ، 148تاريخ الدب الجاهلى ص .473
( )81سبائك الذهب ص ، 124وتاريخ الدب الجاهلى ص .473
( )82سبائك الذهب ص ، 86 ، 85تاريخ الدب الجاهلى ص .470
( )83سبائك الذهب رقم ، 148 ، 147تاريخ الدب الجاهلى ص .473
( )84تاريخ الدولة الموية الشيخ محمد الخضرى بك ص ، 33 ، 32
ط دار القلم ،بيروت.
( )85السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة الستاذ محمد
فريد وجدى ص ، 162ط الهيئة المصرية العامة للكتاب.
( )86رحمة للعالمين ص .469
( )87النفال.58 :
( )88تفسير ابن كثير .321 / 2
( )89الفكر السلمى فى تطوير مصادر المياه والطاقة ،د .سيد
وقار أحمد حسينى ـ عالم زائر فى جامعة ستانفورد ، 75-71
ترجمة د .سمية زكريا زيتونى طبعة :فصلت للدراسات والترجمة
والنشر.
and emergence of a Muslim Society in Richard W. bulliet, Conversion of Islam Meier
& ed. Nehemia Levtzion (New York Holmes Iran in Conversion to Islam, (Publ., Inc,
.1979) Pp. 30-51, p31 for fig 1.1
-----------------------
-96هل الجبال تحفظ توازن الرض ؟ والرض تدور
حول نفسها ؟
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
الرد على الشبهة:
فى المزمور [ 2 :75أنا وزنت أعمدتها ] وفى مز 5 :104
[ المؤسس الرض على قواعد فل تتزعزع إلى الدهر والبد ]
وفى علم الجيولوجيا أن الله جعل الجبال لحفظ الرض ؛ وذلك
مثل الفقاعات تشاهد كالقبة على سطح المياه وتدور مع المياه
وهى مثبتة فى جميع أطرافها ،وأن الجبال آخر مراحل تكوين
الرض فى بدء الخليقة.
وللدكتور زغلول النجار كتاب مستقل عن الجبال.
وصدق الله( :لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) (.)1
وصدق الله( :وما يعقلها إل العالمون ) (.)2
( )1النساء.83 :
( )2العنكبوت.43 :
-----------------
-97هل النجوم رجوم الشياطين ؟
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
793
الرد على الشبهة:
إن السلم دين ،وهو موحى به من رب العالمين يخبرنا عن
صدق ويقين ،وهو القائل سبحانه( :ما أشهدتهم خلق السموات
والرض ول خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا ) (.)1
والسلم ليس بدعا ً من الديان ولذلك نرى أن الكتب المقدسة
تذكر ذلك ؛ فإن الله تعالى يقول:
ملئت حرسا ً شديدا ً وشهبا ً * وأنا كنا (وأنا لمسنا السماء فوجدناها ُ
ً
نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الن يجد له شهابا رصدا ) (
.)2قال ذلك حكاية عن الجن .وليس المعنى كما فهم المؤلف ،
وإنما المعنى هو أن الله جعل على السماء حراسا ً من الملئكة ،
وخلق لهم أدوات عقاب تناسب أجسام الشياطين.
وهى الشهب .فإذا جاء شيطان رماه أحد الملئكة بشهاب
وليست الشهب كواكب كالقمر والشمس ،وإنما هى أدوات
عقاب كالسيف فى يد الجندى المحارب.
وفى الصحاح الثالث من سفر التكوين ؛ أن الله لما طرد آدم
من الجنة وهى جنة عدن ،ليعمل الرض التى أُخذ منها ،أقام
شرقى جنة عدن ملئكة تسمى الكروبيم ،ووضع لهيب سيف
متقلب فى أياديهم لحراسة طريق شجرة الحياة " :فأخرجه
الرب الله من جنة عدن ليعمل الرض التى أُخذ منها ؛ فطرد
النسان ،وأقام شرقى جنة عدن الكروبيم ،ولهيب سيف متقلب
لحراسة طريق شجرة الحياة " (.)3
ويقول المفسرون " :إن الكروبيم من الملئكة المقربين .وهو
فى الفارسية بمعنى الحارس " .وكان عملهم وقت طرد آدم هو
" حراسة الفردوس ؛ لئل يرجع النسان إليه ".
وفى القرآن تفسير الشهب بشواظ من نار .فى قوله تعالى( :يا
معشر الجن والنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات
والرض فانفذوا ل تنفذون إل بسلطان * فبأى آلء ربكما تكذبان
* يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فل تنتصران ) (.)4
فقد جعل للجن غير ما جعل للنس من أدوات العقاب .ولم يجعل
للجن كواكب تُرمى بها كالقمر والشمس ،وإنما جعل للجن "
شواظ " أى " شهب ".
( )1الكهف.51 :
( )2الجن8 :ـ .9
( )3تك .24-23 :3
( )4الرحمن33 :ـ .35
-------------------
794
-98القرآن يتناقض مع العلم
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
795
وفى النجيل " :بالكسل يهبط السقف " .وفى ترجمة أخرى" :
من جراء الكسل ينهار السقف .وبتراخى اليدين يسقط البيت " [
جامعة ] 18 :10يريد أن يقول :إن الكسل يؤدى إلى الفقر ،
والفقر يؤدى إلى خراب البيوت .وعبر عن الخراب بانهيار
السقف .والسقف ل ينهار بالكسل ،وإنما بهد ّ العمدة التى
تحمله .وفى سفر الرؤية " :فسقط من السماء كوكب " [ رؤ :8
] 10كيف يسقط كوكب من السماء بغير إرادة الله ؟ وفى سفر
الرؤية " :ونجوم السماء سقطت " (رؤ ، ] 13 :6ويقول عيسى
عليه السلم:
إن العصفور ل يقع إلى الرض إل بإرادة الله " :أما يباع
عصفوران بفَلْس واحد .ومع ذلك ل يقع واحد منهما إلى الرض
خفية عن أبيكم " [ متى .] 29 :10وفى الرسالة إلى العبرانيين" :
حقا ً ما أرهب الوقوع فى يدى الله الحى ؟ " [ عب .] 31 :10
والجزء الثالث :وهو أنه كيف يقول عن الكواكب إنها مصابيح ؟
والمؤلف دل بقوله هذا على إنكار الواقع والمشاهد فى الحياة
الدنيا ،ودل أيضا ً بقوله هذا على جهله بالتوراة وبالنجيل .ففى
سفر الرؤية " :كوكب عظيم متقد كمصباح "[رؤ " ،]10 :8وأمام
العرش سبعة مصابيح "[رؤ ،]5 :4وجاء المصباح على المجاز فى
قول صاحب المثال " :الوصية مصباح والشريعة نور " [ أم :6
.] 23
( )1الطلق.12 :
( )2النبياء.44 :
----------------------
-99كيف يكون العلم كفًرا
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
796
( )1التوبة.37 :
--------------------
ى مصر بالغيث ! -100ر ّ
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
إن أرض مصر تُروى بالنيل ،ول تروى بالمطر .وفى القرآن( :ثم
يأتى من بعد ذلك عام فيه يُغاث الناس وفيه يعصرون ) (.)1
وهذا يدل على غوثهم بالمطر .فكيف ينسب خصب مصر للغيث
والمطر ؟
الرد على الشبهة:
هنا كلمتان:
( -1يغاث ( ( -2يعصرون (.
وكلمة الغوث على الحقيقة تدل على نزول ماء من السماء.
وكلمة العصر على الحقيقة تدل على عصير العنب .لن الشائع
بين الناس فى العصر هو العنب .والمؤلف يوجه النقد على
المعنى الحقيقى فى نزول المطر ،ولم يوجه النقد لعصير
العنب .وكلمة الغيث جاءت على الحقيقة مثل " :فامتنع الغيث
ولم يكن مطر " [ إرمياء ، ] 3 :3وجاءت على المجاز مثل" :
لعرف أن أغيث المعيى " [ إشعياء .] 4 :50
أما على المجاز فالشبهة منتفية .وأما على الحقيقة فهذا هو
غرض المعترض وهو مغرض فى ذلك.
وذلك لن المر كله خارج على المألوف .وبيان خروجه على
المألوف :أن المدة خمس عشرة سنة .سبع شداد يأكلن سبعًا
سمانًا أو :سبع سمان يأكلهن سبع عجاف .والسنة الخيرة يأتى
فيها الخير قليلً.
والمناسب لقلة الخير ؛ نزول المطر .وقلة المياه تكفى لرى
العنب والفواكه فى أماكن زراعته ،وتكفى لنبات قمح يكون
بذره بذرا للسنوات التية التى سيكثر فيها ماء النيل .وهذا أمر
غير مستبعد فى العقل.
فكيف يكون شبهة ؟ أما عن العصر .فإنه يكون على الحقيقة
مثل " :فأخذت العنب وعصرته فى كأس فرعون ،وأعطيت
الكأس فى يد فروع " [تكوين ،]11 :40ويكون على المجاز مثل" :
فألقاه إلى معصرة غضب " [ رؤية :14
.] 19
وإذا ثبت وجود العصر ،وليس لماء النيل وجود .فكيف حيى
النبات وعاش ؟ وفى السنوات السبع العجاف كانت سنابل القمح
تخرج من الرض خروجا ً هزيلً .فكيف خرجت وهى هزيلة والنيل
797
ل يروى الراضى ؟ لبد من القول بوجود مصدر للمياه غير النيل.
إما آبار عيون ،وإما مطر .ففى حلم فرعون " :وهو ذا سبع
سنابل طالعة فى ساق واحد سمينة وحسنة .ثم هو ذا سبع
سنابل رقيقة وملفوحة بالريح الشرقية نابتة وراءها " [تكوين :41
،]6-5وكرر الكلم وقال فيه " :نابتة وراءها "[تك ]23 :41كيف
تكون نابتة وليس لماء النيل من سواقى؟ ( )1يوسف.49 :
------------------
-101الرعد ملك من الملئكة
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
798
وفى الناجيل الربعة " :يسبحون الله بصوت عظيم " [لوقا :19
" ، ]37وهم يمجدون الله ويسبحونه " [لو " ، ]20 :2وظهر بغتة
مع الملك جمهور من الجند السماوى مسبحين الله وقائلين:
المجد لله فى العالى ،وعلى الرض السلم ،وبالناس المسرة
" [لو ، ]13 :2وكان عيسى ـ عليه السلم ـ يسبح الله تعالى مع
الحواريين .ففى مرقس " :ثم سبحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون "
[مر ، ]26 :14وفى متى " :ثم سبّحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون "[
متى .]30 :26ومن يسبح الله كيف يكون هو الله أو إله مع الله ؟.
وفى القرآن الكريم( :سبح اسم ربك العلى ) ( ، )1وفى الزبور:
" سبحوا اسم الرب .سبحوا يا عبيد الرب " إلى أن قال " :كل ما
شاء الرب صنع فى السموات وفى الرض .فى البحار وفى كل
اللجج.
المصعد السحاب من أقاصى الرض .الصانع بروقا للمطر.
المخرج الريح من خزائنه ([ " ..)2مز .]135
( )1العلى.1 :
( )2فى سورة الحجر( :وأرسلنا الرياح لواقح) [آية رقم ]22ـ (وإن
من شئ إل عندنا خزائنه) [آية رقم .]21
---------------------
-102الوادى طوى
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
إنه ل يوجد وادى اسمه " طوى " فى سيناء .فمن أين جاء به
القرآن ؟.
799
وفى الرسالة إلى العبرانيين " :وأنت يا رب فى البدء أسست
الرض ،والسموات هى عمل يديك .هى تبيد ولكن أنت تبقى
وكلها كثوب تبلى ،وكرداء تطويها؛ فتتغير ،ولكن أنت أنت،
وسنوك لن تفنى " [عب 20 :1ـ ]22فقد عبر عن طيها بطى
الرداء.
فيكون المعنى (إنك بالوادى المقدس (الذى سيصير (طوى)
بمعنى مطوى كما أن السماء ستكون مطوية بقدرته.
وهنا هو ل يعترض على القرآن بل على التفاسير ،وهو جانب آخر
من إعجاز القرآن يزيد فى إثباته وذلك أن كلم البشر من العلماء
والمفسرين قد يختلف ويؤخذ منه ويُرد ؛ ولكن كلم الله ل يأتيه
الباطل من بين يديه ول من خلفه ،شىء عجيب حقا ً ذلك القرآن
الذى يقف أمام هؤلء جميعا ً بكل ذلك الفهم الخاطئ والتصيد
المستمر وإذ به يتعالى عليهم ويبقى فى عليائه معجزا ً للبشر إلى
يوم الدين.
( )1طـه.12 :
( )2الزمر.67 :
( )3النبياء.104 :
---------------------
-102هل الزيتون يخرج من طور سيناء ،وهو يخرج من
فلسطين ،فكيف ذلك ؟
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
الرد على الشبهة:
أن سيناء من فلسطين وفلسطين والشام هى شمال مصر ،
وهذا المعنى يوجد فى التوراة ففى سفر الزبور:
[ سينا فى القدس ] مز .17 :68
ول تعتمد التقسيمات السياسية الحديثة التى فصلت الديار بعضها
عن بعض بل إن مصر فى الصل كانت تمتد إلى هذا الحد ،أما
تقسيمات سايكس بيكون فل يمكن تفسير النصوص المقدسة
عليها.
----------------
-104جبل قاف المحيط بالرض كلها
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
800
وقال المؤلف :إن الكلمة العبرانية " تاو " ومعناه " الخط " لما
سمعها الصحابة لم يعرفوا أن معناها " الخط " بل توهموا أنها
سلسلة جبال عظيمة اسمها قاف .فكيف يعتبر بعض القرآن ما
نسميه الفق ـ وهو خط وهمى ـ جبل ً حقيقيا ً ؟
الرد على الشبهة:
حجة على صحة القرآن ، إن كلم مؤلف عرائس المجالس ليس ُ
حجة على صحة القرآن .ولم وإن الحاديث الموضوعة ليست ُ
يجمع المسلمون على معنى (ق) فإن لهم فى المعنى آراء كثيرة.
منها أن (ق) حرف من حروف الهجاء مثل اللف والياء والتاء..
إلخ .فاعتراض المؤلف على القرآن ليس فى موضعه.
( )1سورة ق.1 :
-----------------------
-105هامان وزير فرعون
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
801
يقولون له :يا سامرى ،بدل قولهم يا مضل .وذلك لنهم يعتبرون
السامريين كفاراً .وإذا أطلقه السامريون على رجل منهم يقولون
له :يا عبرانى ،بدل قولهم يا مضل .وذلك لنهم يعتبرون
العبرانيين كفاراً .وإذا سمع العبرانى عنهم كلمة " سامرى " ل
يفهم منها أنها اسم شخص ،وإنما يفهم منها أنها لقب للذم .وعن
هذا المعنى جاء فى إنجيل يوحنا أن علماء اليهود قالوا لعيسى ـ
عليه السلم ـ " :إنك سامرى ،وبك شيطان " ورد عليهم بقوله:
" أنا ليس بى شيطان ،لكنى أكرم أبى وأنتم تهينوننى .أنا لست
أطلب مجدى .يُوجد من يطلب ويدين " [يو 48 :8ـ .]50
( )1القصص.8 :
------------
-106قارون وهامان مصريان
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
إن قارون يهودى ،وفرعون مصرى ،وهامان فارسى فكيف
قاوم هامان نبى الله موسى وهو لم يكن فى زمانه ؟
الرد على الشبهة:
إن هامان ليس اسم شخص ،وإنما هو لقب يدل على نائب
الرئيس .وبهذا المعنى يكون هامان ـ أى النائب عن فرعون ـ قد
قاوم نبى الله موسى عليه السلم.
------------------
-107العجل الذهبى من صنع السامرى
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
إن مدينة السامرة فى فلسطين لم يكن لها وجود لما خرج بنو
إسرائيل من مصر ،مع موسى ،وسكنوا أرض سيناء .وفيها عمل
لهم هارون العجل الذهبى كطلبهم .فكيف نتخيل سامريا ً يضع
لهم العجل قبل أن يكون للسامريين وجود ؟
الرد على الشبهة:
1ـ إنه ليس فى فلسطين مدينة تسمى بمدينة السامرة .وإنما
كان للسامريين مملكة فى فلسطين ،عاصمتها " نابلس "
المسماة قديما ً " شكيم " وكانت هذه المملكة مكونة من عشرة
أسباط .وكان للسبطين مملكة فى فلسطين عاصمتها " القدس
" المسماة قديما ً " أورشليم ".
2ـ ولما صعد موسى عليه السلم إلى جبل الطور وتلقى
التوراة ،نزل فوجد اليهود يعبدون عجل ً جسدا ً له خوار .فسأل
عن ذلك فدلوه على من أغراهم بعبادتهم .فأمسك به وسأله (ما
خطبك يا سامرى)أى ما هذا الذى فعلته أيها المضل ؟ لن كلمة
802
(سامرى) تطلق على المضل .ول تطلق على شخص كاسم من
السماء.
وبهذا المعنى ل يكون الذى أضلهم رجل مسمى بالسامرى ،حتى
يتوجه الشكال .وإل يلزم أن يكون السامرى من أسماء المسيح
عيسى ـ عليه السلم ـ فإن اليهود قالوا له " :إنك سامرى ،وبك
شيطان " [يو :8
.]48
-----------------------
-108أبو إبراهيم آزر
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
إن فى التوراة أن أبا إبراهيم اسمه تارح .وقد أخطأ القرآن فى
قوله إن أباه اسمه آزر.
الرد على الشبهة:
إن النساب مختلفة بين التوراة السامرية والعبرانية واليونانية.
وإن عدد السنين لكل أب من آدم إلى إبراهيم مختلف فيه بين
نسخ التوراة الثلثة ،ولوقا كاتب النجيل زاد على السماء قينان.
نقل عن اليونانية.
ومعنى هذا أنه كان يجب على المؤلف تصحيح كتبه قبل أن يوجه
نقده .ولذلك جاء فى القرآن الكريم:
(إن هذا القرآن يقص على بنى إسرائيل أكثر الذى هم فيه
يختلفون ) (.)1
( )1النمل.76 :
------------------
-109مريم العذراء بنت عمران
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
إن القرآن نسب مريم العذراء إلى عمران أبى موسى النبى.
وقال :إنها أخت هارون النبى ـ عليه السلم ـ وهذا يخالف ما جاء
فى إنجيل لوقا أنها بنت هالى [لوقا ]23 :3ويخالف التاريخ لن
بين مريم وهارون ألف وستمائة سنة.
803
المؤلف ،وإنما يدل على أنه نسب المسيح .فكيف يكذب القرآن
بنسب ليس لها ؟ وكيف ينسبون المسيح إلى يوسف بن هالى.
وفى النجيل أنه ل أب له ول سبط له ؟ ذلك قوله عن يوسف" :
ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر " [متى ، ]24 :1وكيف يكذبون
القرآن بنسب على سبيل الظن ؟ ذلك قوله " :وهو على ما كان
يُظن " وفى إنجيل متى أن المسيح ابن يوسف بن يعقوب بن
متّان بن اليعازر بن آليود.
إلى أن أوصل نسبه إلى سليمان ـ عليه السلم ـ [ متى .] 1
والحق :أن مريم ابنة عمران الب المباشر لموسى ـ عليه
السلم ـ وهو أب مباشر لموسى ،وهو أب لمريم لنه رئيس
العائلة التى تناسلت هى منها .وهارون ابن عمران .وهى من
نسل هارون ـ عليه السلم ـ فيكون هو أخوها على معنى أنها من
نسله .أما أبوها المباشر فاسمه " يهويا قيم " وأمها اسمها " حنة
" كما جاء فى إنجيل يعقوب الذى ل يعترف به النصارى.
والنسب هكذا:
إبراهيم ـ إسحاق ـ يعقوب ـ لوى وهو البن الثالث ليعقوب.
وأنجب لوى ثلثة هم جرشون وقهات ومرارى.
وبنوقهات عمرام ويصهار وحبرون وعزئييل .وبنو عمرام هارون
وموسى ومريم.
وقد وصى موسى عن أمر الله تعالى أن تتميز السباط التى تريد
الرث فى بنى إسرائيل .وذلك بأن تتزوج كل بنت فى سبطها.
ففى سفر العدد " :وكل بنت ورثت نصيبا ً من أسباط بنى
إسرائيل ؛ تكون امرأة لواحد من عشيرة سبط أبيها ؛ لكى يرث
ل واحد نصيب آبائه " [عدد .]8 :36ووصى بأن بنو إسرائيل ك ُّ
يتفرغ سبط لوى للعلم والدين ،ول يكون له نصيب فى الرض ،
وإنما يسكن بين السباط فى مدنهم ،ووصى بأن تكون المامة
فى نسل هارون وحده .وعلى هذه الشريعة نجد فى بدء إنجيل
لوقا :أن " أليصابات " زوجة زكريا ـ عليه السلم ـ كانت من
نسل هارون من سبط لوى ،وكان زكريا من نسل هارون من
سبط لوى .وتزوجت أليصابات زكريا .وأن مريم العذراء كانت
قريبة لليصابات .وإذا ثبت أنها قريبة لها ؛ يثبت أن مريم هارونية
من سبط لوى .يقول لوقا " :كان فى أيام هيرودس ملك
اليهودية كاهن اسمه زكريا من فرقة أبِيّا ،وامرأته من بنات
هارون ،واسمها أليصابات ..إلخ " ويقول لوقا:
" وهو ذا أليصابات نسيبتك ..إلخ " ؛ قال لها الملك ذلك وهو
يبشرها بالحمل بعيسى ـ عليه السلم ـ فإذا صح أنها قريبة لها
ونسيبة لها .فكيف يخطئ المؤلف القرآن فى نسبتها إلى هارون
804
ـ عليه السلم ـ ؟ وفرقة أبِيّا هى فرقة من بنى هارون ،وهى
الفرقة الثامنة من الفرق التى عدها داود ـ عليه السلم ـ للعمل
فى المناظرة على بيت الرب .وخبرهم فى الصحاح الرابع
والعشرين من سفر أخبار اليام الول.
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
إن القرآن نسب مريم العذراء إلى عمران أبى موسى النبى.
وقال :إنها أخت هارون النبى ـ عليه السلم ـ وهذا يخالف ما جاء
فى إنجيل لوقا أنها بنت هالى [لوقا ]23 :3ويخالف التاريخ لن
بين مريم وهارون ألف وستمائة سنة.
805
وقد وصى موسى عن أمر الله تعالى أن تتميز السباط التى تريد
الرث فى بنى إسرائيل .وذلك بأن تتزوج كل بنت فى سبطها.
ففى سفر العدد " :وكل بنت ورثت نصيبا ً من أسباط بنى
إسرائيل ؛ تكون امرأة لواحد من عشيرة سبط أبيها ؛ لكى يرث
ل واحد نصيب آبائه " [عدد .]8 :36ووصى بأن بنو إسرائيل ك ُّ
يتفرغ سبط لوى للعلم والدين ،ول يكون له نصيب فى الرض ،
وإنما يسكن بين السباط فى مدنهم ،ووصى بأن تكون المامة
فى نسل هارون وحده .وعلى هذه الشريعة نجد فى بدء إنجيل
لوقا :أن " أليصابات " زوجة زكريا ـ عليه السلم ـ كانت من
نسل هارون من سبط لوى ،وكان زكريا من نسل هارون من
سبط لوى .وتزوجت أليصابات زكريا .وأن مريم العذراء كانت
قريبة لليصابات .وإذا ثبت أنها قريبة لها ؛ يثبت أن مريم هارونية
من سبط لوى .يقول لوقا " :كان فى أيام هيرودس ملك
اليهودية كاهن اسمه زكريا من فرقة أبِيّا ،وامرأته من بنات
هارون ،واسمها أليصابات ..إلخ " ويقول لوقا:
" وهو ذا أليصابات نسيبتك ..إلخ " ؛ قال لها الملك ذلك وهو
يبشرها بالحمل بعيسى ـ عليه السلم ـ فإذا صح أنها قريبة لها
ونسيبة لها .فكيف يخطئ المؤلف القرآن فى نسبتها إلى هارون
ـ عليه السلم ـ ؟ وفرقة أبِيّا هى فرقة من بنى هارون ،وهى
الفرقة الثامنة من الفرق التى عدها داود ـ عليه السلم ـ للعمل
فى المناظرة على بيت الرب .وخبرهم فى الصحاح الرابع
والعشرين من سفر أخبار اليام الول.
----------------------
م بالفساد -110يوسف ه ّ
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
806
عن الله من آبائه .فامرأة العزيز همت به أن يفعل الفاحشة بها ،
وهو قد قال لها( :معاذ الله (وعلّل عدم الفعل بأنه يكون مسيئاً
لمن أحسن إليه.
وهو سيده .والساءة إلى المحسن نوع من أنواع الظلم.
2ـ انظر إلى قوله( :وراودته (وإلى قوله (معاذ الله (تجد أنها لما
راودته (همت به (فيكون الهم منها بمعنى طلب فعل الفاحشة.
وتجد أنها لما (همت به (صار منه هم بها .يفسره قوله (معاذ الله
(كما فسر همها (وراودته (فيكون همه بها ؛ دفعا ً لها وامتناعاً
عنها.
3ـ ولو فرضنا أن يوسف غير عارف بالله وغير مقر به مثلها ؛
فإننا نفرض أنه لو همت به للفعل بها ؛ لهم بها للفعل بها .ولول
أنه رأى برهان وجود الله فى كونه ،لكان قد فعل بها .إذ هذا
شأن الوثنيين .وكهذا البرهان ؛ أريناه براهين فى الفاق وفى
النفس (لنصرف عنه السوء والفحشاء ) (.)1
4ـ ول يمكن تفسير (برهان ربه (بعلمة مجىء سيده إلى بيته ؛
لنه لو ظهرت علمة مجئ سيده ؛ ما استبقا الباب :هى للطلب ،
وهو للدفع .فاستباقهما معناه :أنها تغلق البواب وتمنع من
الفلت وهو يحاول الدفع ،حتى أنها جذبته من خلف ظهره من
ثوبه ،وعندئذ (ألفيا سيدها لدى الباب ) ( )2وصرح بأنه غير مذنب
،وشهد شاهد بالقرائن من أهل الشهادة أنه غير مذنب.
5ـ على هذا يكون القرآن مقرا ً ببراءة يوسف ـ عليه السلم ـ
ويكون لفظ الهم فى جانبه على سبيل المشاكلة لنه صرح قبله
بقوله (معاذ الله ) (.)3
( )1يوسف.24 :
( )2يوسف.25 :
( )3يوسف.23 :
--------------------
-111نوح يدعو للضلل
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
إن نوحا ً ـ عليه السلم ـ قال لله تعالى( :ول تزد الظالمين إل
ضلل ً ) ( )1؛ فكيف يدعو نوح ربه أن يزيد الناس ضلل ً ؟
الرد على الشبهة:
إن نوحا ً لم يدع ربه أن يزيد الناس ضلل ً ،وإنما دعا على
الظالمين من الناس .ومثل ذلك :ما فى التوراة عن النبياء فإنهم
دعوا على الظالمين ،ولم يدعوا على كل الناس .ففى المزمور
الثامن عشر " :من الرجل الظالم تنقذنى " ـ " مثل طين
807
السواق ؛ اطرحهم " ،وفى النجيل يقول المسيح لله عن الذين
آمنوا به " :احفظهم فى اسمك الذين أعطيتنى " [يو ]11 :17ولم
يدع للكل.
( )1نوح.24 :
-------------------
-112فرعون ينجو من الغرق
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
808
هو " 11 :106
ونص 3 :78هو " أما أعداؤهم فغمرهم البحر " ونص
وغطّت المياه مضايقيهم.
واحد منهم لم يبق ".
هذا عن عدم غرق فرعون .وأما عن غرقه ففى المزمور 15 :136
" ودفع فرعون وقوته فى بحر يوسف ؛ لنه إلى البد رحمته "
وفى ترجمة أخرى " :أغرق فرعون وجيشه فى البحر الحمر إلى
البد رحمته ( " )3ومفسرو الزبور ـ وهم أنفسهم الذين صرحوا
بعدم غرق فرعون ـ كتبوا عن فرعون " :فإن هذا الخير قد حاول
جهد المستطاع أن يرجع السرائيليين إلى عبوديتهم ؛ فما تم له
ما أراد ،بل اندحر شر اندحار " انتهى.
ومن هذا الذى قدمته يكون من الواجب على المؤلف حل
التناقض الموجود عنده فى أمر فرعون ،قبل أن يوجه كلمه إلى
القرآن.
( )1يونس.92 :
( )2القصص.40 :
( )3جمعية الكتاب المقدس فى لبنان سنة 1993م.
-----------------
-113انتبـاذ مريـم
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
809
2ـ وإن أنت نظرت فى خريطة فلسطين .تجد حبرون أسفل
أورشليم وقريبة منها ،وتجد الناصرة على نفس الخط وبعيدة
عن أورشليم .فتكون أورشليم غرب الناصرة ،وشرق حبرون.
َ
3ـ وفى النجيل " :وفى ذلك الوقت ولد موسى وكان جميل ً جد ّا.
فربى هذا ثلثى أشهر فى بيت أبيه.
ولما نُبذ ؛ اتخذته ابنة فرعون ،وربته لنفسها ابنا ً " [أعمال ]21 :7
قوله " ولما نبذ " ل يدل على أن أهله كرهوه وإنما يدل على
أنهم وضعوه فى التابوت وهم لوضعه كارهون .ومن ينتبذ عن
قوم ؛ ل يدل انتباذه عنهم على كرهه لهم ،وإنما يدل على
ابتعاده عنهم لسبب أو لسباب .وإذ صح وثبت أن ابتعادها عنهم
كان لعبادة الله ؛ يثبت أنها لم تنتبذ لمشاجرة.
4ـ وقد تبين أن " الناصرة " من نصيب سبط زبولون ـ وهو من
أسباط السامريين ـ وهى من سبط يهوذا ـ على حد زعمه ـ
فكيف تكون من سكان الناصرة ؟ وإذا كانت من سكان
الناصرة ،فلماذا أتت إلى أورشليم لتعد ّ مع سكانها .وسكان
أورشليم من سبطى يهوذا وبنيامين ؟ فالحق ما قاله القرآن أنها
كانت هارونية.
ومعلوم أن زكريا وامرأته ويوحنا المعمدان كانوا من التابعين
لهل أورشليم.
----------------
-114مريم تلد فى البرية ووليدها يكلمها من تحتها
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
لقد ولدت مريم السيد المسيح فى بيت لحم كما تنبأ أنبياء
التوراة بذلك قبل حدوثه بمئات السنين ،وليس بجوار جذع نخلة.
ووضعت مريم وليدها فى مذود [لوقا 2 :2ـ ]20وغريب أن يكلمها
وليدها من تحتها:
أن تهز جذع النخلة وتأكل من البلح وتشرب من الجدول .فإذا مّر
بها أحد تقول( :إنى نذرت للرحمن صوما ً فلن أكلم اليوم إنسيا )
( )1فأين الصوم وهى الكلة الشاربة المتكلمة ؟
الرد على الشبهة:
1ـ ولدة المسيح فى بيت لحم ـ كما قال المؤلف ـ تدل على أن
مريم من سكان الخليل التى هى حبرون ،ول تدل على أنها من
سكان الناصرة .ففى خريطة فلسطين تجد بيت لحم تحت
أورشليم ،وبعدها حبرون.
وعلى هذا تكون مريم بعد حملها بالمسيح وإحساسها بدنو
حبرون (فأجاءها المخاض (عند بيت لحم. الوضع .قد اتجهت إلى َ
810
ولو كانت من الناصرة وأحست بالحمل وبالوضع .لتجهت إلى
الناصرة .وعندئذ يكون الوضع فى مكان بين أورشليم وبين
الناصرة .فقولهم بالمخاض فى بيت لحم يصدق القرآن فى أنها
كانت من نسل هارون الساكنين فى حبرون.
2ـ وقول المعترض :إن التوراة تنبأت بولدة المسيح فى بيت
لحم .يقصد به ما جاء فى سفر ميخا وهو " أما أنت يا بيت لحم
أفراتة وأنت صغيرة أن تكونى بين ألوف يهوذا ،فمنك يخرج لى
الذى يكون متسلطا ً على إسرائيل ،ومخارجه منذ القديم منذ
أيام الزل " [ميخا .]2 :5
والنبوءة موضوعة وليست من النص الصلى .بدليل :أن المسيح
كان من الهارونيين من جهة أمه ،وبيت لحم من مدن سبط
يهوذا .ولو كان له أب لمكن للنصارى نسبته إلى سبط أبيه.
ولكنه ل أب له ؛ فكيف ينتسب إلى سبط يهوذا أو غير سبط
يهوذا ؟ وبدليل :أن المتسلط على إسرائيل وهو النبى المى
التى على مثال موسى .يكون ملكا ً وفاتح بلد .ولم يكن المسيح
ملكا ً ول فاتح بلد ..وبدليل :أن سفر ميخا مرفوض من
السامريين .وبدليل أن شراح سفر ميخا يصرحون بالتناقض
فيه.والنبوءة من مواضع التناقض التى صرحوا بها .يقول الشراح:
"هناك تعليمان متشابكان فى كتاب ميخا :الول :الله يدين شعبه
ويعاقبه [ف 1ـ 1 :6 :3ـ ]7 :7الله يعد شعبه بالخلص [ف 4ـ 5و
8 :7ـ ]20حين يُعيده إلى حاله السابقة ويجعله بقيادة رئيس من
نسل داود [1 :5ـ .]4
3ـ وقد جاء فى إنجيل متى البوكريفى معجزة النخلة.
4ـ وكلم المسيح فى المهد جاء فى برنابا وفى إنجيل الطفولية
العربى ،وجاء فى تاريخ يوسيفوس.
5ـ وقال المعترض :إن المسيح كلم أمه من تحتها :أن تهز جذع
من تحتها " والحق: النخلة ..إلخ .وهو قد قال بذلك على قراءة " ِ
أن الذى ناداها هو ملك الله نفسه .وسياق الكلم يدل على أنه
الملك.
ى هيّن ولنجعله آيةفإنه قد قال لها( :كذلك قال ربك هو عل ّ
للناس ورحمة منا وكان أمرا ً مقضيا ً ) ( ،)2ولما حملته وانتبذت به
وأجاءها المخاض وتمنّت الموت ؛ عاد إلى خطابه معها فقال( :أل
تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا وهزى إليك بجذع النخلة تساقط
عليك رطبا ً جنيا ً فكلى واشربى وقرى عينا ً فإما ترين من البشر
أحدا ً فقولى إنى نذرت للرحمن صوما ً فلن أكلم اليوم إنسيا ) (
.)3
811
وأما كلم المسيح فهو لم يقل إل (إنى عبد الله أتانى الكتاب
وجعلنى نبيا وجعلنى مباركا أينما كنت وأوصانى بالصلة والزكاة
ً
مادمت حيًّا وبرا بوالدتى ولم يجعلنى جبارا شقيا والسلم عل ّ
ى
يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ) (.)4
6ـ المعترض قد غالط فى نقل المعنى بقوله " :وغريب أن
يكلمها وليدها من تحتها :أن تهز جذع النخلة وتأكل من البلح
وتشرب من الجدول ؛ فإذا مر بها أحد تقول( :إنى نذرت للرحمن
صوما ً فلن أكلم اليوم إنسيا ) ( )5فأين الصوم وهى الكلة
الشاربة المتكلمة ؟ ".
ووجه المغالطة :أنه يقول فإذا مر بها أحد تقول ..إلخ .والمعنى
الصحيح :أنها ل تقول لكل أحد يمر عليها إنها صائمة عن الطعام
والشراب .وإنما تقول :ل أتكلم مع أحد فى أمر ابنى فى هذه
اليام .فجملة (فإما ترين من البشر( ..جملة مستأنفة ل صلة لها
بالطعام وبالشراب .وقولها( :إنى نذرت للرحمن صوما (تعنى به
المعنى المجازى وهو المساك عن الكلم بدليل( :فلن أكلم (ولم
تقل فلن آكل.
( )1مريم.26 :
( )2مريم.21 :
( )3مريم24 :ـ .26
( )4مريم30 :ـ .33
( )5مريم.26 :
------------------
-115لكل أمة رسول منها إليها
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
إنه جاء فى القرآن أن لكل أمة رسول منها .وهذا يناقض الكتاب
المقدس فى أن النبياء والرسل هم من بنى إسرائيل وإليهم
وإلى كل العالم .فإذا صدق ما فى القرآن فكيف لم يخرج للمم
فى إفريقيا وأوروبا وأمريكا واستراليا وآسيا :أنبياء منهم وإليهم ؟
ولو كان لهذه المم أنبياء ـ منها وإليها ـ لجاز أن يكون للعرب
رسول منهم.
812
ففى إنجيل متى " :هؤلء الثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم
قائلً " :إلى طريق أمم ل تمضوا[ " ..متى .]5 :10
وابتداء الدعوة إلى الله كان فى زمن أنوش بن شعيث بن آدم ؛
لقوله " :حينئذ ابتُدئ أن يُدعى باسم الرب " [تك ]26 :4وظل
الحال على هذه الدعوة التى كانت دعوة إلى مكارم الخلق
وعدم سفك الدماء ظلما ً إلى زمان نوح ـ عليه السلم ـ ولم يكن
من المطعومات شىء محرم فلما خرج نوح من السفينة أعطاه
الله شريعة فيها أن كل الطعام حلل ،وأن يحب المرء لخيه ما
يحبه هو لنفسه ،وليس فيها شريعة تبين أن هذا حلل وهذا
حرام .ففى الصحاح التاسع من سفر التكوين " :كل دابة حية
تكون لكم طعاماً.
كالعشب الخضر دفعت إليكم الجميع " ..وظلت شريعة نوح
سائدة على العالم إلى أن جاء موسى ـ عليه السلم ـ وأعطاه
الله التوراة (موعظة وتفصيل ً لكل شىء (وأمره أن يخصص
سبط لوِى من بين السباط ليعرفها ويعّرفها للناس. ِ
ً
وهذا الذى ذكرته هو ما يقول به أهل الكتاب جميعا ،ونص عليه
أهل الكتاب فى كتبهم .وعنه فى القرآن الكريم( :كل الطعام
كان حل ً لبنى إسرائيل ) ( )1وهو حلل من أيام نوح ـ عليه السلم
ـ وعلى ذلك نسأل المؤلف هذا السؤال وهو أن الناس من آدم
أبى البشر إلى موسى الكليم كانت رسلهم من بنى إسرائيل أم
من غير بنى إسرائيل ؟ إن قلت إن رسلهم كانت من بنى
إسرائيل يكذبك الواقع والكتب التى تقدسها ،وإن قلت كانت من
غير بنى إسرائيل فلماذا وجهت السؤال إلى المسلمين ؟ أما من
موسى إلى محمد صلى الله عليه وسلم فإن علماء بنى إسرائيل
من اللويين والهارونيين كانوا يبلغون التوراة لليهود وللمم ،وإذا
انطلق واحد منهم إلى المم ؛ فإنه يكون رسول ً إلى المم .ليس
على الحقيقة ،وإنما على المجاز بمعنى أنه رسول رسول الله
موسى ـ عليه السلم ـ وظلوا على هذا الحال إلى زمان سبى
بابل سنة 586ق.م فإنهم وهم فى بابل حرفوا التوراة ،وقصروا
شريعة موسى على اليهود من دون الناس ،وابتعدوا عن دعوة
المم ،وتعصبوا لجنسهم وتآمروا على المم (ذلك بأنهم قالوا
ليس علينا فى الميين سبيل ) (.)2
ومن قبل سبى بابل كان علماؤهم يدعون العرب إلى الله على
وفق شريعة موسى .فيكون العالم الداعى رسول ً مجازاً .وهكذا
فى سائر بلد العالم .أما من بعد السبى وتخلى العلماء عن
الدعوة فإن كل أمة سارت على ما عندها من العلم .وقد وبخهم
المسيح عيسى ـ عليه السلم ـ على إهمالهم فى دعوة المم
813
سيُّون المراءون ؛ لنكمبقوله " :لكن ويل لكم أيها الكتبة والفَّرِي ِ
تُغلقون ملكوت السماوات قدام الناس ؛ فل تدخلون أنتم ول
تدعون الداخلين يدخلون " [ متى .]13 :23
ثم حث أتباعه بالنطلق إلى بلد اليهود أول ً بأمرين هما أن يعملوا
بالتوراة ،وأن يستعدوا لتركها إذا ما ظهر محمد رسول الله الذى
يبشر به .وإذا فرغوا من دعوة اليهود فى بلدهم ينطلقون إلى
المم ،وسماهم رسل ً مجازاً .فقال " :إلى طريق أمم ل تمضوا ،
حراف وإلى مدينة للسامريين ل تدخلوا ،بل اذهبوا بالحرىّ إلى ُ
بيت إسرائيل الضالة .وفيما أنتم ذاهبون ،اكْرِزوا قائلين " :إنه قد
اقترب ملكوت السموات " [متى .]5 :10وملكوت السماوات هى
مجئ محمد صلى الله عليه وسلم بعد مملكة الروم كما أنبأ النبى
دانيال فى الصحاح السابع من سفره.
( )1آل عمران.93 :
( )2آل عمران.75 :
--------------------
خلط السمـاء ْ َ -116
ذكروا آيتين من سورة النعام ،وأوردوا الشبهة على نص اليتين
حيث قالوا:
ً
جاء فى سورة النعام (ووهبنا له إسحاق ويعقوب كل ّ هدينا ونوحاً
هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى
وهارون وكذلك نجزى المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى
وإلياس كل من الصالحين * وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً
وكل ًّ فضلنا على العالمين ) (.)1
والترتيب التاريخى هو:
أيوب ـ إبراهيم وابن أخته لوط وابناه إسماعيل وإسحاق وحفيده
يعقوب وابن حفيده يوسف ومن بعده موسى ـ هارون ـ داود ـ
سليمان ـ إلياس ـ اليسع ـ يونس ـ زكريا ـ يحيى ـ عيسى.
814
وفى التوراة أنبياء ل يعرفون تواريخهم ول يعرفون نسبهم ،
ومنهم " أيوب " فإن منهم من يقول إنه من العرب ومنهم من
يقول إنه من الدوميين ومنهم من يجعله اسما ً فرضيًّا .بل إن
حبقّوق وميخا ؛ النبياء أصحاب السفار كإشعياء وإرمياء وملخى و َ
ل يعرفون هم أنفسهم السابق منهم عن اللحق.
وقد جمعوا أسفارهم فى وقت واحد .ففى الكتاب المقدس
الصادر عن دار الكتاب المقدس فى الشرق الوسط سنة 1993م
ما نصه " :كانت أول لئحة وضعت فى سبيل " قانونية " العهد
عْزرا [نح
القديم وأسفاره تضم أسفار الشريعة الخمسة فى أيام ِ
]1 :8حوالى عام 400ق.م ثم زاد المعلمون السفار النبوية من
يشوع والقضاة حتى إشعياء وإرمياء وحوالى سنة 90ق.م التقى
معلمو الشريعة اليهود من مختلف البلدان ،فى بلدة " يمنية "
الواقعة فى " فلسطين " وثبتوا لئحة نهائية وكاملة للسفار
المقدسة..
إلخ (.)2
( )1النعام.86-84 :
( )2ص 3الكتاب المقدس طبعة لبنان سنة 1993م.
--------------
-117أخنوخ وليس إدريس
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
815
وهذا النص يثبت أن كل امرئ بما كسب رهين ،خلفا ً لعتقاد
النصارى فى موت المسيح على الصليب لِيُكَفِّر عن خطايا آدم.
ومفسرو التوراة يستدلون من نقله على ثبوت الحياة من بعد
الموت ورأى فيلبسون من قوله " الله أخذه " أن ذلك تلطف
بالتعبير عن الوفاة قبل إكمال العمر ،وأن فى ذلك دليل ً على
وجود حياة وراء هذه الحياة الرضية .ونزيد على ذلك :أن نقل
أخنوخ فى متوسط العصر الذى قبل الطوفان ،وأن حياته كانت
على الرض 365سنة وهو عدد اليام فى السنة الشمسية وكانت
سنة العبرانيين 354يوما ً وسنة الكلدانيين 360يوما ً " انتهى.
------------------
-118نوح لم يتبعه الراذل
لكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
816
ولذلك قال مفسرو التوراة " :وسللة قابين سللة الحياة
المدنية ،وسللة شعث سللة الحياة القدسية ".
-----------------------
-119تهاويل خيالية حول برج بابل
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
قال المؤلف :إنه جاء فى سورة النحل (قد مكر الذين من
قبلهم )1( )..ثم قال :قال البيضاوى :قيل:المراد به نمرود بن
كنعان فإنه بنى صرحا ً ببابل.
الرد على الشبهة:
إنه وجه الشبهة على كلم مفسر .وهذا المفسر لم يجزم بأن
تفسيره هو الصحيح بدليل قوله " :قيل " فكيف يورد شبهة على
كلم مفسر ؟ ( )1النحل.26 :
-------------
-120اختراع طفل ينطق بالشهادة
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
إنه فى سورة يوسف (وشهد شاهد من أهلها ) ( )1وذكر تفسير
م ٍ لها صبيًّا فى المهد.
الشيخ البيضاوى وهو أنه قيل إنه ابن ع ّ
الرد على الشبهة:
إن المعنى المراد هو :وشهد شاهد من أهل الشهادة بقرينة
مفَ َّ
سر ، الحال .ومع هذا فإنه ل يصح توجيه شبهة على قول ُ
خاصة أنه قال " :قيل ".
( )1يوسف.26 :
قلت:
الصواب أنه صبي نطق في المهد لصحة الخبر به
تفسير الطبري ( -ج / 16ص )53
وأما قوله(:وشهد شاهد من أهلها) فإن أهل العلم اختلفوا في
صفة الشاهد.
فقال بعضهم :كان صبيًّا في المهد .
* ذكر من قال ذلك:
- 19099حدثنا ابن وكيع ،قال :حدثنا العلء بن عبد الجبار ،عن
حماد بن سلمة ،عن عطاء بن السائب ،عن سعيد بن جبير ،
عن ابن عباس ،قال :تكلم أربعة في المهد وهم صغار :ابن
ماشطة بنت فرعون ،وشاهد يوسف ،وصاحب جريج ،وعيسى
ابن مريم عليه السلم)1( .
- 19100حدثنا أبو كريب ،قال :حدثنا وكيع ،عن أبي بكر الهذلي ،
عن شهر بن حوشب ،عن أبي هريرة ،قال :عيسى ،وصاحب
يوسف ،وصاحب جريج = يعني :تكلموا في المهد)2( .
817
- 19101حدثنا ابن بشار ،قال :حدثنا عبد الرحمن ،قال :حدثنا
زائدة ،عن أبي حصين ،عن سعيد بن جبير(:وشهد شاهد من
أهلها) ،قال :صبي.
- 19102حدثنا ابن بشار ،قال :حدثنا عبد الرحمن ،قال :حدثنا
إسرائيل ،عن أبي حصين ،عن سعيد بن جبير(:وشهد شاهد من
أهلها) ،قال :كان في المهد صبيًّا.
- 19103حدثني محمد بن عبيد المحاربي ،قال :حدثنا أيوب بن
جابر ،عن أبي حصين ،عن سعيد بن جبير ،في قوله(:وشهد
شاهد من أهلها) قال :صبي)3( .
__________
( )1الثر "- 19099 :العلء بن عبد الجبار" "،أبو الحسن العطار" ،
روى عن حماد بن سلمة ،وروى عنه الحميدي ،وابنه عبد الجبار
بن العلء .صالح الحديث .مترجم في ابن أبي حاتم . 358 / 1 / 3
( )2الثر "- 19100 :أبو بكر الهذلي" ،كلن يكذب ،متروك الحديث
.مضى مراًرا ،آخرها رقم ، 18439 ، 17616 :ولكن حديث أبي
هريرة مطول رواه البخاري في صحيحه ( الفتح ، ) 348 - 344 : 6
ومسلم في صحيحه ، 106 : 16ورواه أحمد في المسند ، 8057 :
8058بإسناد صحيح ،وانظر شرح أخي رحمه الله .
( )3الثر "- 19103 :أيوب بن جابر بن سيار اليمامي" ،ضعيف .
مترجم في التهذيب ،والكبير ، 410 / 1 / 1وابن أبي حاتم / 1 / 1
، 242وميزان العتدال . 132 : 1
- 19104حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ،قال :حدثنا أبو بكر بن
عياش ،عن أبي حصين ،عن سعيد بن جبير ،بمثله .
- 19105حدثنا أبو كريب ،قال :حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع ،
قال :حدثنا أبي ،عن شريك ،عن سالم ،عن سعيد بن جبير ،
قال :كان صبيًّا في مهده.
- 19106حدثنا ابن وكيع ،قال :حدثنا ابن إدريس ،عن حصين ،
عن هلل بن يساف(:وشهد شاهد من أهلها) قال :صبي في
المهد.
- 19107حدثنا ابن وكيع ،قال :حدثنا عمرو بن محمد ،عن أبي
مرزوق ،عن جويبر ،عن الضحاك(:وشهد شاهد من أهلها) ،
قال :صبي أنطقه الله .ويقال :ذو رأي برأيه)1( .
- 19108حدثنا الحسن بن محمد ،قال :أخبرنا عفان ،قال :حدثنا
حماد ،قال :أخبرني عطاء بن السائب ،عن سعيد بن جبير ،عن
ابن عباس ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال":تكلم أربعة
وهم صغار" ،فذكر فيهم شاهد يوسف (. )2
818
- 19109حدثت عن الحسين بن الفرج .قال :سمعت أبا معاذ
يقول :حدثنا عبيد بن سليمان ،قال :سمعت الضحاك يقول في
قوله(:وشهد شاهد من أهلها) يزعمون أنه كان صبيًّا في الدار.
- 19110حدثني محمد بن سعد ،قال :حدثني أبي ،قال :حدثنا
عمي
__________
( )1قوله ":ذو رأي برأيه" ،أي كان الشاهد رجل ذا رأي ،قال
ذلك برأيه .وانظر الثر التالي رقم . 19127 :
( )2الثر - 19108 :حديث حماد بن سلمة ،عن عطاء بن السائب ،
حديث طويل ،رواه أحمد في مسنده رقم ، 2824 ،2823 ، 2822 :
، 2825وفي آخره :قال" قال ابن عباس :تكلم أربعة صغار ،
عيسى بن مريم ،وصاحب جريج ،وشاهد يوسف ،وابن ماشطة
فرعون" ،ولم يرفع هذا القول الخير إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم .وإسناده إسناد صحيح .
.قال :حدثني أبي ،عن أبيه ،عن ابن عباس ،قوله(:وشهد
شاهد من أهلها) ،قال :كان صبيًّا في المهد.
***
وقال آخرون :كان رجل ذا لحية .
* ذكر من قال ذلك:
- 19111حدثنا أبو كريب ،قال :حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع ،
قال :حدثنا أبي = ،عن إسرائيل ،عن سماك ،عن عكرمة ،عن
ابن عباس ،قال :كان ذا لحية.
- 19112حدثنا أبو كريب ،قال :حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع ،
قال :حدثنا أبي = ،عن سفيان ،عن جابر ،عن ابن أبي مليكة ،
صة عن ابن عباس(:وشهد شاهد من أهلها) ،قال :كان من خا ّ
الملك.
.... - 19113وبه قال ،حدثنا أبي ،عن عمران بن حدير ،سمع
ي ،ولكن عكرمة يقول(:وشهد شاهد من أهلها) قال :ما كان بصب ّ
ما.
كان رجل حكي ً
- 19114حدثنا سوّار بن عبد الله ،قال ،حدثنا عبد الملك بن
الصباح ،قال :حدثنا عمران بن حدير ،عن عكرمة ،وذكره
عنده(:وشهد شاهد من أهلها) فقالوا :كان صبيًّا .فقال :إنه ليس
بصبي ،ولكنه رجل حكيم (. )1
- 19115حدثنا أبو كريب ،قال :حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع ،
قال :حدثنا أبي ،عن سفيان ،عن منصور ،عن مجاهد(:وشهد
شاهد من أهلها) قال :كان رجل.
819
- 19116حدثنا ابن بشار ،قال ،حدثنا عبد الرحمن ،قال :حدثنا
سفيان ،
__________
( )1الثر "- 19114 :عبد الملك بن الصباح المسمعي" ،ثقة /
مترجم في التهذيب ،وابن أبي حاتم . 354 / 2 / 2
عن منصور ،عن مجاهد(:وشهد شاهد من أهلها) قال :رجل.
- 19117حدثنا ابن حميد ،قال :حدثنا جرير ،عن منصور ،عن
مجاهد ،في قوله(:وشهد شاهد من أهلها) قال :رجل.
- 19118حدثنا ابن وكيع ،قال :حدثنا أبو بكر بن عياش ،عن أبي
حصين ،عن سعيد بن جبير(:وشهد شاهد من أهلها) قال :رجل.
- 19119حدثنا الحسن بن محمد ،قال :حدثنا عمرو بن محمد ،
قال :أخبرنا إسرائيل ،عن سماك ،عن عكرمة ،عن ابن
عباس(:وشهد شاهد من أهلها) قال :ذو لحية.
- 19120حدثنا ابن وكيع ،قال :حدثنا عمرو بن محمد ،قال :حدثنا
أسباط ،عن السدي ،قال :ابن عمها كان الشاهد َ من أهلها.
- 19121حدثنا الحسن بن يحيى ،قال :أخبرنا عبد الرزاق ،قال:
أخبرنا إسرائيل ،عن سماك ،عن عكرمة ،عن ابن
عباس(:وشهد شاهد من أهلها) قال :ذو لحية.
- 19122حدثني المثنى ،قال :حدثنا أبو غسان ،قال :حدثنا
إسرائيل ،عن سماك ،عن عكرمة ،عن ابن عباس ،قال :ذو
لحية.
- 19123حدثني الحارث ،قال :حدثنا عبد العزيز ،قال :حدثنا قيس
،عن جابر ،عن ابن أبي مليكة(:وشهد شاهد من أهلها) قال:
كان من خاصة الملك.
- 19124حدثنا بشر ،قال :حدثنا يزيد ،قال :حدثنا سعيد ،عن
قتادة ،قوله(:وشهد شاهد من أهلها) قال :رجل حكيم كان من
أهلها.
- 19125حدثنا محمد بن عبد العلى ،قال :حدثنا محمد بن ثور ،
عن معمر ،عن قتادة ،قوله(:وشهد شاهد من أهلها) قال :رجل
حكيم من أهلها.
- 19126حدثنا المثنى ،قال :حدثنا أبو نعيم ،قال :حدثنا سفيان ،
عن منصور ،عن مجاهد(:وشهد شاهد من أهلها) قال :كان رجل.
- 19127حدثني المثنى ،قال :حدثنا عمرو بن عون ،قال :أخبرنا
هشيم ،عن بعض أصحابه ،عن الحسن ،في قوله(:وشهد شاهد
من أهلها) قال :رجل له رأي أشاَر برأيه.
- 19128حدثنا ابن حميد ،قال :حدثنا سلمة ،عن ابن
إسحاق(:وشهد شاهد من أهلها) قال :يقال :إنما كان الشاهد
820
مشيًرا ،رجل من أهل إطفير ،وكان يستعين برأيه = إل أنه قال:
أشهد إن كان قميصه قد ّ من قبل لقد صدقت وهو من الكاذبين.
***
وقيل :معنى قوله(:وشهد شاهد) :حكم حاكم.
- 19129حدثت بذلك عن الفراء ،عن معلي بن هلل ،عن أبي
يحيى ،عن مجاهد.
***
ص المقدود َ .وقال آخرون :إنما عنى بالشاهد ،القمي َ
* ذكر من قال ذلك:
- 19130حدثني محمد بن عمرو ،قال :حدثنا أبو عاصم ،قال:
حدثنا عيسى ،عن ابن أبي نجيح ،عن مجاهد ،في قول
صه مشقوق من دبر ، الله(:وشهد شاهد من أهلها) قال :قمي ُ
فتلك الشهادة.
- 19131حدثنا الحسن بن محمد ،قال :حدثنا شبابة ،قال :حدثنا
ورقاء ،عن ابن أبي نجيح ،عن مجاهد ،قوله(:وشهد شاهد من
صه مشقوق من دبر ،فتلك الشهادة. أهلها) ،قمي ُ
- 19132حدثنا ابن وكيع ،قال :حدثنا المحاربي ،عن ليث ،عن
مجاهد(:وشهد شاهد من أهلها) لم يكن من النس.
.... - 19133قال :حدثنا حفص ،عن ليث ،عن مجاهد(:وشهد
شاهد من أهلها) ،قال :كان من أمر الله ،ولم يكن إنسيًا.
***
قال أبو جعفر :والصواب من القول في ذلك ،قول من قال :كان
صبيًّا في المهد = للخبر الذي ذكرناه عن رسول الله صلى الله
ن أحدهم صاحب عليه وسلم .أنه ذكر من تكلم في المهد .فذكر أ َّ
يوسف.
***
ما ما قاله مجاهد من أنه القميص المقدود ،فما ل معنى له ; فأ ّ
لن الله تعالى ذكره أخبر عن الشاهد الذي شهد بذلك أنه من
أهل المرأة فقال(:وشهد شاهد من أهلها) ،ول يقال للقميص هو
من أهل الرجل ول المرأة.
***
وقوله(:إن كان قميصه قُد ّ من قُبل فصدقت وهو من الكاذبين) ،
لن المطلوب إذا كان هاربًا فإنما يؤتى من قِبل دبره ،فكان
ما أن الشق لو كان من قُبُل لم يكن هاربًا مطلوبًا .ولكن معلو ً
كان يكون طالبًا مدفوع ًا ،وكان يكون ذلك شهادة على كذبه .
- 19134حدثنا ابن حميد ،قال :حدثنا سلمة ،عن ابن إسحاق ،
قال :قال :أشهد إن كان قميصه قُد ّ من قُبُل لقد صدقت وهو من
821
الكاذبين .وذلك أن الرجل إنما يريد المرأة مقبل =( وإن كان
من دُبر فكذبت وهو من الصادقين) وذلك أن الرجل ل قميصه قُد ّ ِ
يأتي المرأة من دُبر .وقال :إنه ل ينبغي أن يكون في الحقّ إل
صه قد َّ من دُبر عرف أنه من كيدها ، ذاك .فلما رأى إطفير قمي َ
فقال(:إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم).
- 19135حدثنا بشر ،قال :حدثنا يزيد ،قال :حدثنا سعيد ،عن
ص يقضي قتادة :قال = يعني :الشاهد ُ من أهلها = :القمي ُ
بينهما(،إن كان قميصه قد ّ من قُبُل فصدقت وهو من الكاذبين
وإن كان قميصه قُد ّ من دُبر فكذبت
وهو من الصادقين .فلما رأى قميصه قُد من دبر قال إنه من
كيدكن إن كيدكن عظيم).
***
ن" التي تتلقّى بها"الشهادة" لنهَ َ قال أبو جعفر :وإنما حذفت"أ ّ
ذهب بالشهادة إلى معنى"القول" ،كأنه قال :وقال قائل من
َ َ
م م الل ّ ُ
ه فِي أوْلدِك ُ ْ صيك ُ ُ أهلها :إن كان قميصه = كما قيل (:يُو ِ
ن ) [سورة النساء ،]11 :لنه ذهب بالوصية ح ِّ
ظ النْثَيَي ْ ِ ل َ لِلذَّكَرِ ِ
مث ْ ُ
إلى"القول".
***
وقوله(:فلما رأى قميصه قد ّ من دبر) ،خبر عن زوج المرأة ،وهو
القائل لها :إن هذا الفعل من كيدكن = أي :صنيعكن ،يعني من
صنيع النساء ( (= )1إن كيدكن عظيم ).
***
ل ذلك. وقيل :إنه خبر عن الشاهد أنه القائ ُ
__________
( )1انظر تفسير" الكيد" فيما سلف ، 558 : 15تعليق 2 :والمراجع
هناك
تفسير ابن كثير ( -ج / 4ص )383
وقد اختلفوا في هذا الشاهد :هل هو صغير أو كبير ،على قولين
لعلماء السلف ،فقال عبد الرزاق:
عكْرِمة ،عن ابن عباس: ماك ،عن ِ س َ
أخبرنا إسرائيل ،عن ِ
ن أَهْلِهَا } قال :ذو لحية. م ْ
شاهِد ٌ ِشهِد َ َ { وَ َ
ملَيْكَة ،عن ابن عباس :كان وقال الثوري ،عن جابر ،عن ابن أبي ُ
من خاصة الملك .وكذا قال مجاهد ،وعكرمة ،والحسن ،وقتادة،
سدِّي ،ومحمد بن إسحاق :إنه كان رجل. وال ُّ
وقال زيد بن أسلم ،والسدي :كان ابن عمها.
وقال ابن عباس :كان من خاصة الملك.
822
وقد ذكر ابن إسحاق أن زليخا كانت بنت أخت الملك الريان بن
الوليد.
ن
م ْ شهِد َ َ
شاهِد ٌ ِ وقال العوفي ،عن ابن عباس في قوله { :وَ َ
أَهْلِهَا } قال :كان صبيا في المهد .وكذا ُروي عن أبي هريرة،
مزاحم: ساف ،والحسن ،وسعيد بن جبير والضحاك بن ُ وهلل بن ي َ َ
أنه كان صبيا في الدار .واختاره ابن جرير.
وقد ورد فيه حديث مرفوع فقال ابن جرير :حدثنا الحسن بن
محمد ،حدثنا عفان ،حدثنا حماد -هو ابن سلمة -أخبرني عطاء بن
السائب ،عن سعيد بن جبير ،عن ابن عباس ،عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال" :تكلم أربعة وهم صغار" ،فذكر فيهم
شاهد يوسف (. )1
ورواه غيره عن حماد بن سلمة ،عن عطاء ،عن سعيد ،عن ابن
عباس؛ أنه قال :تكلم أربعة وهم صغار :ابن ماشطة بنت
جَريْج ،وعيسى ابن مريم (. )2 فرعون ،وشاهد يوسف ،وصاحب ُ
وقال ليث بن أبي سليم ،عن مجاهد :كان من أمر الله ،ولم يكن
إنسيا .وهذا قول غريب.
__________
( )1تفسير الطبري ( )16/55ورواه أحمد في المسند ()1/310
والحاكم في المستدرك ( )2/496من طريق حماد بن سلمة به،
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
( )2رواه العلء بن عبد الجبار عن حماد موقوفا أخرجه الطبري
في تفسيره (.)16/54
تفسير اللوسي ( -ج / 8ص )488
ن أَهْلِهَا } ذهب جمع إلى أنه كان ابن خالها ، م ْشاهِد ٌ ّ شهِد َ َ
{ وَ َ
وكان طفل ً في المهد أنطقه الله تعالى ببراءته عليه السلم ،فقد
ورد عنه صلى الله عليه وسلم " :تكلم أربعة في المهد وهم
صغار :ابن ماشطة ابنة فرعون .وشاهد يوسف عليه السلم .
وصاحب جريج .وعيسى ابن مريم عليهما السلم " وتعقب ذلك
الطيبي بقوله :يرده دللة الحصر في حديث الصحيحين عن أبي
هريرة رضي الله تعالى عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال :لم يتكلم في المهد إل ثلثة :عيسى ابن مريم .وصاحب
جريج .وصبي كان يرضع من أمه فمر راكب حسن الهيئة فقالت
:أمه اللهم اجعل ابني مثل هذا فترك الصبي الثدي ،وقال اللهم
ل تجعلني مثله " اه ،ورده الجلل السيوطي فقال :هذا منه
على جاري عادته من عدم الطلع على طرق الحاديث ،
والحديث المتقدم صحيح أخرجه أحمد في مسنده .وابن حبان
في صحيحه .والحاكم في مستدركه وصححه من حديث ابن
823
عباس ،ورواه الحاكم أيضا ً منحديث أبي هريرة ،وقال صحيح
على شرط الشيخين ،وفي حديث الصحيحين المشار إليه آنفاً
زيادة على الربعة " الصبي الذي كان يرضع من أمه فمر راكب "
الخ فصاروا خمسة وهم أكثر من ذلك ،ففي «صحيح مسلم»
تكلم الطفل في قصة أصحاب الخدود ،وقد جمعت من تكلم
في المهد فبلغوا أحد عشر ،ونظمتها فقلت :
تكلم في المهد النبي محمد ...ويحيى وعيسى والخليل ومريم
ومبرى جريج ثم شاهد يوسف ...وطفل لذي الخدود وديرويه
مسلم
وطفل عليه مر بالمة التي ...يقال لها تزنى ول تتكلم
وماشطة في عهد فرعون طفلها ...وفي زمن الهادي المبارك
يختم
اه ،وفيه أنه لم يرد الطيبي الطعن على الحديث الذي ذكر كما
توهم ،وإنما أراد أن بين الحديث الدال على الخضر وغيره
تعارضا ً يحتاج إلى التوفيق؛ وفي «الكشف» بعد ذكره حديث
الربعة ،وما تعقب به مما تقدم عن الطيبي أنه نقل الزمخشري
في سورة البروج خامسا ً فإن ثبتت هذه أيضا ً فالوجه أن يجعل
في المهد قيدا ً وتأكيدا ً لكونه في مبادىء الصبا ،وفي هذه
الرواية يحمل على الطلق أي سواء كان في المبادي أو بعيدها
بحيث يكون تكلمه من الخوارق ،ول يخفى أنه توفيق بعيد .
وقيل :كان ابن عمها الذي كان مع زوجها لدى الباب وكان رجلً
ذا لحية ول ينافي هذا قول قتادة :إنه كان رجل ً حكيما ً من أهلها
ذا رأي يأخذ الملك برأيه ويستشيره ،وجوز أن يكون بعض أهلها
وكان معهما في الدار بحيث لم يشعرا به فبصر بما جرى بينهما
فأغضبه الله تعالى ليوسف فقال الحق ،وعن مجاهد أن الشاهد
هو القميص المقدود وليس بشيء كما ل يخفى ،وجعل الله
تعالى الشاهد من أهلها قيل :لكون أدل على نزاهته عليه السلم
وأنفى للتهمة وألزم لها ،وخص هذا بماإذا لم يكن الشاهد الطفل
الذي أنطقه الله تعالى الذي أنطق كل شيء ،وأما إذا كان ذلك
فذكر كونه من أهلها لبيان الواقع فإن شهادة الصبي حجة قاطعة
ول فرق فيها بين القارب وغيرهم ،وتعقب بأن كون شهادة
القريب مطلقا ً أقوى مما ل ينبغي أن يشك فيه ،وسمي شاهداً
لنه أدى تأديته في أن ثبت بكلمه قول يوسف وبطل قولها ،
وقيل :سمي بذلك من حيث دل على الشاهد وهو تخريق
القميص ،وفسر مجاهد فيما أخرجه عنه ابن جرير الشهادة
بالحكم أي وحكم حاكم من أهلها
فتح القدير ( -ج / 4ص )21
824
ن أَهْلِهَا } أي :من قرابتها ،وسمي الحكم م ْ شهِد َ َ
شاهِد ٌ ّ { وَ َ
بينهما شهادة لما يحتاج فيه من التثبت والتأمل ،قيل :لما التبس
المر على العزيز احتاج إلى حاكم يحكم بينهما ليتبين له الصادق
م لها واقفا ً مع العزيز في الباب . من الكاذب .قيل :كان ابن ع ّ
وقيل :ابن خال لها .وقيل :إنه طفل في المهد تكلم .قال
السهيلي :وهو الصحيح للحديث الوارد في ذلك عن النبي صلى
الله عليه وسلم في ذكر من تكلم في المهد ،وذكر من جملتهم
شاهد يوسف .وقيل :إنه رجل حكيم كان العزيز يستشيره في
أموره ،وكان من قرابة المرأة
وأخرج ابن جرير ،وابن أبي حاتم ،وأبو الشيخ عن ابن عباس
ن أَهْلِهَا } قال :صبي أنطقه الله م ْ شهِد َ َ
شاهِد ٌ ّ في قوله { :وَ َ
كان في الدار .وأخرج أحمد ،وابن جرير ،والبيهقي ،في
ي صلى الله عليه وسلم قال « : الدلئل عن ابن عباس ،عن النب ّ
تكلم أربعة وهم صغار :ابن ماشطة بنت فرعون ،وشاهد
يوسف ،وصاحب جريج ،وعيسى ابن مريم » وأخرج عبد الرزاق
،والفريابي ،وابن جرير ،وابن المنذر ،وابن أبي حاتم ،وأبو
شهِد َ َ
شاهِدٌ الشيخ ،وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { :وَ َ
ن أَهْلِهَا } قال :كان رجل ً ذا لحية .وأخرج الفريابي ،وابن م ّْ
جرير ،وأبو الشيخ عنه قال :كان من خاصة الملك .وأخرج ابن
جرير ،وابن أبي حاتم عن الحسن قال :هو رجل له فهم وعلم .
م لها كان وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال :ابن ع ّ
حكيما ً .وأخرج ابن جرير ،وابن أبي حاتم ،وأبو الشيخ عن
ي هو خلق من خلق الله . ي ول جن ّ مجاهد قال :إنه ليس بإنس ّ
َ
ن أهْلِهَا } .م ْقلت :ولعله لم يستحضر قوله تعالى ّ { :
أضواء البيان ( -ج / 2ص )325
نم ْ
شاهِد ٌ ِّشهِد َ َواختلف العلماء في الشاهد في قوله { :وَ َ
أَهْلِهَآ } .
فقال بعض العلماء :هو صبي في المهد ،وممن قال ذلك ابن
عباس ،والضحاك ،وسعيد بن جبير .
وعن ابن عباس أيضا ً -أنه رجل ذو لحية ،ونحوه الحسن .
وعن زيد بن أسلم -أنه ابن عم لها كان حكيما ً ،ونحوه عن قتادة
وعكرمة .
وعن مجاهد -أنه ليس بأنس ول جان ،هو خلق من خلق الله .
قال مقيده -عفا الله عنه :
قول مجاهد هذا يرده قوله تعالى { :من أهلها } ،لنه صريح
في أنه إنسي من أهل المرأة .وأظهر القوال :أنه صبي ،لما
رواه أحمد ،وابن جرير ،والبيهقي في الدلئل ،عن ابن عباس
825
رضي الله عنهما ،عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال « :تكلم
أربعة وهم صغار :ابن ماشطة فرعون ،وشاهد يوسف ،
وصاحب جريج ،وعيسى ابن مريم » اه .
الوسيط لسيد طنطاوي ( -ج / 1ص )2297
ه قُدَّ شاهد م َ
ص ُمي ُ ن قَ ِن أهْلِهَآ إِن كَا َ شهِد َ َ ِ ٌ ِّ ْ ثم قال -تعالى { : -وَ َ
من دُبُرٍ ه قُد َّ ِص ُ
مي ُ ن قَ ِن كَا َن .وَإ ِ ْ ن الكَاذِبِي َم َت وَهُوَ ِ صدَقَ ْل فَ َ من قُب ُ ٍ ِ
ن}. صادِقِي َ من ال َّ ت وَهُوَ ِ فَكَذ َب َ ْ
وهذا الشاهد ذهب بعضهم إلى أنه كان ابن خال لها ،وقيل ابن
عم لها . .
قال صاحب المنار " :ولكن الرواية عن ابن عباس وسعيد بن
جبير والضحاك ،أنه كان صبيا فى المهد ،ويؤيدها ما رواه أحمد
وابن جرير والبيهقى فى الدلئل عن ابن عباس عن النبى -صلى
الله عليه وسلم -قال " :تكلم فى المهد أربعة وهم :صفار ابن
ماشطة ابنة فرعون .وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى بن
مريم " .
وروى ابن جرير عن أبى هريرة قال " :عيسى ابن مريم
وصاحب يوسف وصاحب جريج تكلموا فى المهد " وهذا
موقوف ،والمرفوع ضعيف ،وقد اختاره ابن جرير ،وحكاه ابن
كثير بدون تأييد ول تضعيف " . .
وعلى أية حال فالذى يهمنا أن الله -تعالى -قد سخر فى تلك
اللحظة الحرجة ،من يدلى بشهادته لتثبت براءة يوسف أمام
العزيز .
وألقى الله -تعالى -هذه الشهادة على لسان من هو من أهلها ،
لتكون أوجب للحجة عليها ،وأوثق لبراءة يوسف ،وأنفى للتهمة
عنه .
وقد قال هذا الشاهد فى شهادته -كما حكى القرآن عنه { -إِن
ت " فى أنه صدَقَ ْل } أى :من أمام " فَ َ من قُب ُ ٍ ه قُد َّ ِ
ص ُ
مي ُ ن قَ ِ كَا َ
أراد بها سوءا ،لن ذلك يدل على أنها دافعته من المام وهو يريد
العتداء عليها .
0000000000000000000
فى سورة البقرة( :وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا) إلى قوله:
(إنك أنت السميع العليم) (.)1
ثم قال :كيف تكون الكعبة بيت الله ،وقد بنيت أول المر لعبادة
كوكب زحل ؟ واستدل على قوله هذا بأقوال مؤرخين.
826
وقال :إن فى الكتاب المقدس :أن إبراهيم دُعى من " أُور "
الكلدانيين إلى أرض كنعان ،وتَعََّرب فيها.
إن القرآن ذكر أن إسماعيل كان (رسول ً نبيًّا) وفى التوراة أنه
إنسان وحشى .وهذا تناقض.
827
فأجعل عهدى بينى وبينك وأكثرك كثيرا ً جدا ً " [تك 1 :17ـ ]2وعن
البركة فى إسحاق " :وأباركها وأعطيك أيضا ً منها أبناء أُباركها
فتكون أمما ً وملوك شعوب منها يكونون " [تك ، ]16 :17وعن
البركة فى إسماعيل " :وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه .ها أنا
أباركه وأثمره وأكثره كثيرا ً جداً [ " ..تك ]20 :17وقد قام ببركة
إسحاق نبى الله موسى ،وقام ببركة إسماعيل نبى الله محمد.
وإسماعيل قد أنبأ به من قبل ظهوره.
----------------------------
-123أبناء يعقوب يطلبون أن يلعب يوسف معهم
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
828
إنه جاء فى سورة يوسف أن امرأة العزيز هيأت وليمة لبعض
السيدات وأنهن قطعن أيديهن .وهذا غير معقول.
829
إن فى القرآن أن يعقوب قال لبنائه بعد رحيل بنيامين إلى مصر:
(بل سولت لكم أنفسكم أمًرا فصبر جميل عسى الله أن يأتينى
بهم جميعاً) ( .)1وقال المؤلف :إن المفسر البيضاوى يقول :إنه
يقصد بقوله (بهم جميعاً) يوسف وبنيامين وأخيهما الذى توقف
بمصر.
وإن القرآن جعل عدد مرات مجئ إخوة يوسف لمصر أربع مرات
بدل ثلث كما جاء فى التوراة ،وأن فى القرآن أن يوسف حبس
بنيامين ،وأن إخوة يوسف رجعوا إلى أبيهما بدون شمعون
وبنيامين.
830
إخوته ؛ لنى كيف أصعد إلى أبى والغلم ليس معى ؟ لئل أنظر
الشر الذى يصيب أبى " [تك 33 :44ـ .]34
( )1يوسف.83 :
( )2يوسف.94 :
( )3يوسف.87 :
---------------
-126قميص سحـرى
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
إنه جاء فى القرآن أن قميص يوسف لما رآه يعقوب ؛ أتى بصيراً
إلى مصر مع أهله ،وقد كان قد عمى من الحزن.
ونقل من كتب التفسير أنه كان قميص إبراهيم ..إلخ.
واستبعد شفاء يعقوب برؤية القميص.
831
إن فى القرآن أن امرأة فرعون هى التى التقطت موسى ـ عليه
السلم ـ ويقول :إن فى التوراة أن الملتقطة له هى ابنة فرعون
وليست امرأته .وهذا تناقض.
832
بني إسرائيل سيولد هذا العام ستكون نهايتك على يديه ،فلو كان
القتل مستمرا للطفال لما بقي نسل لبني إسرائيل ،وأما
استحياء نساء بني إسرائيل فكان دائما عند فرعون و قومه
---------------------
صدَاق امرأة موسى َ -129
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
833
الرد على الشبهة:
1ـ على قوله :إن دعوة موسى كانت خاصة لبنى إسرائيل .فإن
حدود مصر تبدأ من " رفح " وهم يقولون:
إن المواعيد هى من النيل إلى الفرات .فيكون الجزء من رفح
إلى النيل داخل ً فى الرث.
2ـ والرث ليس لستغلل خيرات الرض وتسخير أهلها فى
مصالح اليهود .ولكنه " إرث شريعة " فإن الله قال لبراهيم ـ
عليه السلم ـ " :سر أمامى وكن كامل ً " [تك ]1 :17أى امشى
أمامى فى جميع البلد لدعوة الناس إلى عبادتى وترك عبادة
الوثان .وقد سار إبراهيم ودعا بالكلم وبالسيوف .ولذلك سّر
الله منه ،ووعده بمباركة المم فى نسل ولديه إسحاق
وإسماعيل .والبركة معناها :ملك النسل على المم إذا ظهر منه
نبى .وسلمه الله شريعة .ولما ظهر موسى ـ عليه السلم ـ
وسلمه الله التوراة .أمره بنشرها بين المم .وإذا نشرها بين أمة
فإنه يكون وارثا ً لهذه المة " إرث شريعة " إذ هو بنشرها يكون
بنو إسرائيل والمم متساوون أمام الله فيها .وما فائدة بنو
إسرائيل إل التبليغ فقط .وبه امتازوا عن المم .ويدل على ذلك:
إرثهم لرض كنعان ـ كما يقولون ـ فإنهم ورثوها لنشر شريعة
التوراة فيها ،وكان الرث على يد طالوت وداود ـ عليهما السلم
ـ وقد قال داود ـ عليه السلم ـ لجالوت وهو يحاربه:
إن الحرب للرب .أى أن القتال فى سبيل الله .ذلك قوله" :
وتعلم هذه الجماعة كلها أنه ليس بسيف ول برمح يخلّص الرب ؛
لن الحرب للرب .وهو يدفعكم ليدنا "[صموئيل الول .]47 :17
وإذا أراد الله نسخ التوراة يكون معنى النسخ إزالة ملك النسل
اليهودى عن المم ليقوم النسل الجديد بتبليغ الشريعة التى أقرها
الله فيهم لتبليغها إلى المم .وهذا ما حدث فى ظهور السلم.
فإن بنى إسماعيل ـ عليه السلم ـ حاربوا وملكوا ونشروا القرآن
وعلموه للمم .ولهم بركة .فإن الله قال لبراهيم عن إسماعيل:
" وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه .ها أنا أباركه " [تك .]20 :17
وفى التوراة عن بركة إبراهيم " :وتتبارك فيك جميع قبائل الرض
" [تك ]3 :12ومعنى مباركة جميع أمم الرض فى إبراهيم :هو أن
نسله يبلغون للناس شرائع الله.
وفى التوراة عن إرث بنى إسماعيل للمم " :ويرث نسلك أمما ً ،
ويعمر مدنا ً خربة " [إش .] 3 :54
3ـ وكتب المؤرخين تدل على أن بنى إسرائيل أقاموا فى مصر.
وقد نقل صاحب تفسير المنار فى سورة يونس عن يونانيين
834
قدماء أن موسى ـ عليه السلم ـ رجع إلى مصر بعد هلك جنود
فرعون وحكم فيها ثلث عشرة سنـة.
-------------------
-131ضربات مصر عشر ل تسع
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
835
الرد على الشبهة:
لم يذكر القرآن أن الثنتى عشرة عينا ً فى " حوريب ".
( )1البقرة.60 :
وما ورد في بعض كتب التفسير فل يعول عليه لنه من
السرائيليات ،وخرافات بني إسرائيل .
وهذا بعض ما ورد :
تفسير الطبري ( -ج / 2ص )119
ت
جَر ْ جَر فَانْفَ َ ح َك ال ْ َ صا َ ب بِعَ َ ضرِ ْ مهِ فَقُلْنَا ا ْ َو ِ سى لِق ْ مو َسقَى ُ ست َ ْ وَإِذ ِ ا ْ
م كُلُوا وَا ْ ُ ُ م كُ ّ
نم ْشَربُوا ِ شَربَهُ ْم ْ س َ ل أنَا ٍ شَرة َ ع َيْنًا قَد ْ عَل ِ َ ه اثْنَتَا ع َ ْ
َ من ْ ُ
ِ
َ ْ َ ّ
ن ()60 سدِي َمفْ ِ ض ُق اللهِ وَل تَعْثَوْا فِي الْر ِ رِْز ِ
فتأويل قوله(:بما كانوا يفسقون) إذا :بما كانوا يتركون طاعة الله
عز وجل ،فيخرجون عنها إلى معصيته وخلف أمره.
***
مهِسى لِقَوْ ِ مو َ سقَى ُ ست َ ْ القول في تأويل قوله تعالى { :وَإِذ ِ ا ْ
شَرة َ ع َيْنًا قَدْ ه اثْنَتَا ع َ ْمن ْ ُت ِ جَر ْ جَر فَانْفَ َ ح َ ك ال ْ َصا َب بِعَ َ ضرِ ْ فَقُلْنَا ا ْ
م} م ْ ُ عَل ِم ك ُ ُّ
شَربَهُ ْ س َ ل أنَا ٍ َ
يعني بقوله(:وإذ استسقى موسى لقومه) ،وإذ استسقانا موسى
لقومه ،أي سألنا أن نسقي قومه ماء .فترك ذكر المسئول
ذلك ،والمعنى الذي سأل موسى )1( ،إذ ْ كان فيما ذكر من
الكلم الظاهر دللة على معنى ما ترك.
وكذلك قوله(:فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا
عشرة عينا) ،مما استغني بدللة الظاهر على المتروك منه .
وذلك أن معنى الكلم :فقلنا اضرب بعصاك الحجر ،فضربه،
فانفجرت .فترك ذكر الخبر عن ضرب موسى الحجر ،إذ كان
فيما ذكر دللة على المراد منه .
وكذلك قوله(:قد علم كل أناس مشربهم) ،إنما معناه :قد علم
كل أناس منهم مشربهم .فترك ذكر"منهم" لدللة الكلم عليه .
***
وقد دللنا فيما مضى على أن"أناس" جمع ل واحد له من لفظه( ،
ي وأناسية)3( . )2وأن"النسان" لو جمع على لفظه لقيل :أناس ّ
***
__________
( )1قوله" والمعنى الذي سأل موسى" ،يعني"والشيء" وهو
الماء
( )2في المطبوعة " :ان الناس جمع ل واحد له" ،وقد مضى ذلك
ضا جمع ل ،ولكنه هنا أراد"أناس" ،المذكور في الية ،وهو أي ً
واحد له من لفظه ،وإن قال بعضهم إنه جمع إنس
836
( )3انظر ما سلف . 268 : 1
وقوم موسى هم بنو إسرائيل ،الذين قص الله عز وجل قصصهم
في هذه اليات .وإنما استسقى لهم ربه الماء في الحال التي
تاهوا فيها في التيه ،كما-:
- 1043حدثنا بشر بن معاذ قال ،حدثنا يزيد بن زريع ،عن سعيد
بن أبي عروبة ،عن قتادة قوله(:وإذ استسقى موسى لقومه)
الية قال ،كان هذا إذ ْ هم في البرية اشتكوا إلى نبيهم الظمأ ،
فأمروا بحجر طوري -أي من الطور -أن يضربه موسى بعصاه .
فكانوا يحملونه معهم ،فإذا نزلوا ضربه موسى بعصاه فانفجرت
منه اثنتا عشرة عينا ،لكل سبط عين معلومة مستفيض ماؤها
لهم .
- 1044حدثني تميم بن المنتصرقال ،حدثنا يزيد بن هارون قال،
حدثنا أصبغ بن زيد ،عن القاسم بن أبي أيوب ،عن سعيد بن
جبير ،عن ابن عباس قال :ذلك في التيه؛ ظلل عليهم الغمام ،
وأنزل عليهم المن والسلوى ،وجعل لهم ثيابا ل تبلى ول تتسخ ،
جعل بين ظهرانيهم حجر مربع ،وأمر موسى فضرب بعصاه و ُ
الحجر ،فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا في كل ناحية منه ثلث
عيون ،لكل سبط عين ؛ ول يرتحلون منقلة إل وجدوا ذلك الحجر
معهم بالمكان الذي كان به معهم في المنزل الول . )1( .
- 1045حدثني عبد الكريم قال ،أخبرنا إبراهيم بن بشار قال ،حدثنا
سفيان ،عن أبي سعيد ،عن عكرمة عن ابن عباس قال :ذلك
في التيه .ضرب لهم موسى الحجر ،فصار فيه اثنتا عشرة عينا
من ماء ،لكل سبط منهم عين يشربون منها .
- 1046وحدثني محمد بن عمرو قال ،حدثنا أبو عاصم قال ،حدثنا
عيسى ،عن ابن أبي نجيح ،عن مجاهد(:فقلنا اضرب بعصاك
الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا) لكل سبط منهم عين .كل
ذلك كان في تيههم حين تاهوا .
- 1047حدثنا القاسم بن الحسن قال ،حدثنا الحسين قال ،حدثني
حجاج
__________
( )1المنقلة :المرحلة من مراحل السفر ،والجمع مناقل .
،عن ابن جريج ،عن مجاهد قوله(:وإذ استسقى موسى لقومه)،
قال :خافوا الظمأ في تيههم حين تاهوا ،فانفجر لهم الحجر اثنتي
عشرة عينا ،ضربه موسى .قال ابن جريج :قال ابن
عباس":السباط" بنو يعقوب ،كانوا اثني عشر رجل كل واحد
منهم ولد سبطا ،أمة من الناس )1( .
837
- 1048وحدثني يونس بن عبد العلى قال ،أخبرنا ابن وهب قال،
قال ابن زيد :استسقى لهم موسى في التيه ،فسقوا في حجر
مثل رأس الشاة ،قال :يلقونه في جوانب الجوالَق إذا ارتحلوا ( ،
)2ويقرعه موسى بالعصا إذا نزل ،فتنفجر منه اثنتا عشرة عينا ،
لكل سبط منهم عين ،فكان بنو إسرائيل يشربون منه ،حتى إذا
كان الرحيل استمسكت العيون ،وقيل به فألقى في جانب
الجوالق ( . )3فإذا نزل رمى به ،فقرعه بالعصا ،فتفجرت عين
من كل ناحية مثل البحر.
- 1049حدثني موسى بن هارون قال ،حدثنا عمرو بن حماد قال،
حدثني أسباط ،عن السدي قال :كان ذلك في التيه .
***
وأما قوله(:قد علم كل أناس مشربهم) ،فإنما أخبر الله عنهم
بذلك .لن معناهم -في الذي أخرج الله جل وعز لهم من الحجر،
الذي وصف جل ذكره في هذه الية صفته )4( -من الشرب كان
مخالفا معاني سائر الخلق فيما أخرج الله لهم من المياه من
الجبال والرضين ،التي ل مالك لها سوى الله عز وجل .وذلك
__________
( )1في المطبوعة " :ولد سبطا وأمة من الناس" ،والصواب
حذف واو العطف فإن قوله "أمة من الناس" تفسير
قوله"سبطا" .
( )2الجوالق :وعاء كبير منسوج من صوف أو شعر ،تحمل فيه
الطعمة ،وهو الذي نسميه في بلدنا"الشوال" محرفة
من"الجوالق" .
(" )3قيل به" مبني للمجهول من"قال به" .وقال بالشيء :رفعه
أو حمله .والعرب تجعل القول عبارة عن جميع الفعال وتطلقه
على غير الكلم واللسان .يقولون :قال برجله :إذا بدأ يتقدم
ومشى ،أو إذا أشار بها للركل .ويقولون :قال بالماء على يده
أي قلبه وصبه .وما أشبه ذلك .وقد مضى مثل ذلك آنفًا ص 54
تعليق ، 3 :ص 64 :تعليق . 4 :
( )4سياق الجملة "لن معناهم . .من الشرب ،كالذي مخالفا
معاني" ،وفصل كعادته فيما بينا مرارا .يعني لن شربهم كان
مخالفا شرب سائر الناس . .
أن الله كان جعل لكل سبط من السباط الثني عشر ،عينا من
الحجر الذي وصف صفته في هذه الية ،يشرب منها دون سائر
السباط غيره ،ل يدخل سبط منهم في شرب سبط غيره .وكان
مع ذلك لكل عين من تلك العيون الثنتي عشرة ،موضع من
الحجر قد عرفه السبط الذي منه شربه .فلذلك خص جل ثناؤه
838
هؤلء بالخبر عنهم :أن كل أناس منهم كانوا عالمين بمشربهم
دون غيرهم من الناس .إذ كان غيرهم -في الماء الذي ل يملكه
أحد -شركاء في منابعه ومسايله .وكان كل سبط من هؤلء
مفردا بشرب منبع من منابع الحجر -دون سائر منابعه -خاص
لهم دون سائر السباط غيرهم .فلذلك خصوا بالخبر عنهم :أن
كل أناس منهم قد علموا مشربهم.
***
َّ القول في تأويل قوله تعالى { :كُلُوا وَا ْ
ق اللهِ } ن رِْز ِ م ْشَربُوا ِ
وهذا أيضا مما استغني بذكر ما هو ظاهر منه ،عن ذكره ما ترك
ذكره .وذلك أن تأويل الكلم(:فقلنا اضرب بعصاك الحجر)،
فضربه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ،قد علم كل أناس
مشربهم ،فقيل لهم :كلوا واشربوا من رزق الله .أخبر الله جل
ثناؤه أنه أمرهم بأكل ما رزقهم في التيه من المن والسلوى ،
وبشرب ما فجر لهم فيه من الماء من الحجر المتعاور )1( ،الذي
ل قرار له في الرض ،ول سبيل إليه [إل] لمالكيه )2( ،يتدفق
بعيون الماء ،ويزخر بينابيع العذب الفرات ،بقدرة ذي الجلل
والكرام .
ثم تقدم جل ذكره إليهم ( - )3مع إباحتهم ما أباح ،وإنعامه بما
أنعم به عليهم من العيش الهنيء -بالنهي عن السعي في الرض
فسادا ،والعَثَا فيها استكبارا ،فقال جل ثناؤه لهم(:ول تعثوا في
الرض مفسدين).
__________
( )1الحجر المتعاور :الحجر المتبادل ،ينقل من يد إلى يد .من
تعاوروا الشيء :إذا تبادلوه ،ول يتعاور شيء حتى يكون منقول ،
أما الثابت فل يتعاوره الناس ول يتبادلونه .
( )2في المطبوعة " :ل سبيل إليه لمالكيه" ،وهو كلم بل معنى .
والصواب ما أثبتناه بزيادة"إل" ويدل على صواب ذلك ما مضى
منذ قليل في تفسير ما سبق من الية .
( )3تقدم إليه بكذا :إذا أمره .
تفسير السعدي ( -ج / 1ص )53
جَر ك ال ْ َ
ح َ صا َب بِعَ َ ضرِ ْ مهِ فَقُلْنَا ا ْ سى لِقَوْ ِ مو َ سقَى ُ { { } 60وَإِذ ِ ا ْ
ست َ ْ
م كُلُوا ُ ُ م كُ ّ
م ْ
شَربَهُ ْ س َ ل أنَا ٍ شَرة َ ع َيْنًا قَد ْ عَل ِ َ ه اثْنَتَا ع َ ْ
َ من ْ ُت ِ جَر ْفَانْفَ َ
ن رِْز ِ ّ
ن}. سدِي َ مفْ ِض ُ ق اللهِ وَل تَعْثَوْا فِي الْر ِ م ْ شَربُوا ِ وَا ْ
استسقى ،أي :طلب لهم ماء يشربون منه.
جَر } إما حجر مخصوص معلوم عنده، ك ال ْ َ
ح َ صا َ ب بِعَ َضرِ ْ { فَقُلْنَا ا ْ
شَرة َ ع َيْنًا } وقبائل بني ه اثْنَتَا ع َ ْ من ْ ُ
ت ِ جَر ْ وإما اسم جنس { ،فَانْفَ َ
س } منهم ُ إسرائيل اثنتا عشرة قبيلة { ،قَد ْ عَل ِم ك ُ ُّ
ل أنَا ٍ َ
839
م } أي :محلهم الذي يشربون عليه من هذه العين ،فل شَربَهُ ْم ْ { َ
يزاحم بعضهم بعضا ،بل يشربونه متهنئين ل متكدرين ،ولهذا قال:
َ
ق الل ّهِ } أي :الذي آتاكم من غير سعي ول ن رِْز ِ م ْ
شَربُوا ِ { كُلُوا وَا ْ
ض } أي :تخربوا على وجه الفساد. تعب { ،وَل تَعْثَوْا فِي الْر ِ
تفسير القرآن للعثيمين ( -ج / 3ص )145
جَر
ح َك ال ْ َصا َ ب بِعَ َ ضرِ ْ مهِ فَقُلْنَا ا ْ سى لِقَوْ ِ مو َ سقَى ُ ست َ ْ)وَإِذ ِ ا ْ
ُ
م كُلوا ُ ُ م كُ ّ ً
شَربَهُ ْم ْ س َ ل أنَا ٍ شَرة َ ع َيْنا قَد ْ عَل ِ َ ه اثْنَتَا ع َ ْ
َ من ْ ُ
ت ِ جَر ْ فَانْفَ َ
َ ْ ن رِْز ِ ّ
ن) (البقرة)60: سدِي َ مفْ ِض ُ ق اللهِ وَل تَعْثَوْا فِي الْر ِ م ْ شَربُوا ِ وَا ْ
التفسير:
} 60 {.قوله تعالى { :وإذا استسقى موسى لقومه } أي :واذكر
إذ استسقى موسى لقومه .أي طلب السقيا لهم؛ وهذا يعم
كونهم في التيه ،وغيره..
قوله تعالى { :فقلنا اضرب بعصاك الحجر }" :العصا" معروفة؛
و{ الحجر } :المراد به الجنس؛ فيشمل أيّ حجر يكون؛ وهذا أبلغ
من القول بأنه حجر معين؛ وهذه "العصا" كان فيها أربع آيات
عظيمة.:
أولً :أنه يلقيها ،فتكون حية تسعى ،ثم يأخذها ،فتعود عصا..
ثانياً :أنه يضرب بها الحجر ،فينفجر عيوناً..
ثالثاً :أنه ضرب بها البحر ،فانفلق؛ فكان كل فرق كالطود
العظيم..
رابعاً :أنه ألقاها حين اجتمع إليه السحرة ،وألقوا حبالهم،
وعصيهم ،فألقاها فإذا هي تلقف ما يأفكون..
قوله تعالى { :فانفجرت منه }؛ "النفجار" :النفتاح ،والنشقاق؛
ومنه سمي "الفجر"؛ لنه ينشق به الفق؛ فمعنى { انفجرت }
أي تشققت منه هذه العيون..
قوله تعالى { :اثنتا عشرة عينا ً }؛ { عينا ً } :تمييز؛ وكانت العيون
اثنتي عشرة؛ لن بني إسرائيل كانوا اثنتي عشرة أسباطاً؛ لكل
سبط واحدة..
قوله تعالى { :قد علم كل أناس } أي من السباط { مشربهم }
أي مكان شربهم ،وزمانه حتى ل يختلط بعضهم ببعض ،ويضايق
بعضهم بعضاً..
وهذه من نعمة الله على بني إسرائيل؛ وهي من نعمة الله على
موسى؛ أما كونها نعمة على موسى فلنها آية دالة على رسالته؛
وأما كونها نعمة على بني إسرائيل فلنها مزيلة لعطشهم،
ولظمئهم..
840
قوله تعالى { :كلوا واشربوا } المر هنا للباحة فيما يظهر؛
{ من رزق الله } أي من عطائه ،حيث أخرج لكم من الثمار،
ورزقكم من المياه..
قوله تعالى { :ول تعثوا في الرض مفسدين } أي ل تسيروا
مفسدين؛ فنهاهم عن الفساد في الرض؛ فـ"العُثو" ،و"العِثي"
معناه السراع في الفساد؛ والفساد في الرض يكون
بالمعاصي ،كما قال الله تعالى{ :ظهر الفساد في البر والبحر بما
كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}
[الروم.]41 :
الفوائد:
1.من فوائد الية :مشروعية الستسقاء عند الحاجة إلى الماء؛
لن موسى استسقى لقومه؛ وشرع من قبلنا شرع لنا إن لم يرد
شرعنا بخلفه؛ فكيف وقد أتى بوفاقه؟! فقد كان النبي صلى الله
عليه وسلم يستسقي في خطبة الجمعة( ، )1ويستسقي في
الصحراء على وجه معلوم(.. )2
2.ومنها :أن السقيا كما تكون بالمطر النازل من السماء تكون
في النابع من الرض..
3.ومنها :أن الله سبحانه وتعالى هو الملجأ للخلق؛ فهم إذا مسهم
الضر يلجؤون إلى الله سبحانه وتعالى..
4.ومنها :أن الرسل .عليهم الصلة والسلم .كغيرهم في
الفتقار إلى الله سبحانه وتعالى؛ فل يقال :إن الرسل قادرون
على كل شيء ،وأنهم ل يصيبهم السوء..
5.ومنها :رأفة موسى بقومه؛ لقوله تعالى { :وإذا استسقى
موسى لقومه }..
6.ومنها :أن الله سبحانه وتعالى قادر جواد؛ ولهذا أجاب الله
تعالى دعاء موسى؛ لن العاجز ل يسقي؛ والبخيل ل يعطي..
7.ومنها :إثبات سمع الله سبحانه وتعالى ،لقوله تعالى:
{ فقلنا }؛ لن الفاء هنا للسببية؛ يعني :فلما استسقى موسى
قلنا؛ فدل على أن الله سمع استسقاء موسى ،فأجابه..
ل ،حيث إن موسى صلى الله . 8.ومنها :كمال قدرة الله عّز وج ّ
عليه وسلم يضرب الحجر اليابس بالعصا ،فيتفجر عيوناً؛ وهذا
شيء لم تجر العادة بمثله؛ فهو دليل على قدرة الله عّز وج ّ
ل،
وأنه ليس كما يزعم الطبائعيون بأنه طبيعة؛ إذ لو كانت المور
بالطبيعة ما تغيرت ،وبقيت على ما هي عليه..
9.ومنها :الية العظيمة في عصا موسى ،حيث يضرب به الحجر،
فيتفجر عيونا ً مع أن الحجر صلب ،ويابس؛ وقد وقع لرسول الله
صلى الله عليه وسلم ما هو أعظم ،حيث أُتي إليه بإناء فيه ماء،
841
فوضع يده فيه ،فصار يفور من بين أصابعه كالعيون( )3؛ ووجه
كونه أعظم :أنه ليس من عادة الناء أن يتفجر عيونا ً بخلف
الحجارة؛ فقد قال الله تعالى{ :وإن من الحجارة لما يتفجر منه
النهار} [البقرة ]74 :؛ ووجه آخر :أن الناء منفصل عن الرض ل
صلة له بها بخلف الحجارة..
10.ومنها :حكمة الله سبحانه وتعالى بجعل هذا الماء المتفجر
اثنتي عشرة عيناً؛ لفائدتين.:
الفائدة الولى :السعة على بني إسرائيل؛ لنه لو كان عينا ً واحدة
لحصلت مشقة الزحام..
الفائدة الثانية :البتعاد عن العداوة ،والبغضاء بينهم؛ لنهم كانوا
جمعوا في مكان واحد مع الضيق، اثنتي عشرة أسباطاً؛ فلو كانوا ُ
والحاجة إلى الماء لحصل بينهم نزاع شديد؛ وربما يؤدي إلى
القتال؛ فهذا من رحمة الله .تبارك وتعالى .ببني إسرائيل ،حيث
فجره اثنتي عشرة عيناً ،ولهذا أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذه
النعمة بقوله { :قد علم كل أناس مشربهم } :كل أناس من بني
إسرائيل..
11.من فوائد الية :أن الله سبحانه وتعالى يذكِّر بني إسرائيل
بهذه النعم العظيمة لجل أن يقوموا بالشكر؛ ولهذا قال تعالى:
( كلوا واشربوا من رزق الله ول تعثوا في الرض مفسدين )
12.ومنها :أن ما خلق الله تعالى من المأكول ،والمشروب
للنسان فالصل فيه الباحة ،والحل؛ لن المر للباحة؛ فما أخرج
الله تعالى لنا من الرض ،أو أنزل من السماء فالصل فيه الحل؛
فمن نازع في حل شيء منه فعليه الدليل؛ فالعبادات الصل فيها
الحظر؛ وأما المعاملت ،والنتفاعات بما خلق الله فالصل فيها
الحل ،والباحة..
13.ومنها :تحريم الفساد في الرض؛ لقوله تعالى { :ول تعثوا
في الرض مفسدين }؛ والصل في النهي التحريم..
جامع لطائف التفسير ( -ج / 1ص )367
قال ابن كثير ( -)1رحمه الله -في تفسيره ما نصه" :قال ابن
عباس رضي الله عنهما "وجعل بين ظهرانيهم حجرا ً مربعاً ,وأمر
موسى -عليه السلم -فضربه بعصاه ,فانفجرت منه اثنتا عشرة
عينا ً في كل ناحية منه ثلث عيون وأعلم كل سبط عينهم
يشربون منها ,ل يرتحلون من منقلة -إل وجدوا ذلك معهم
بالمكان الذي كان منهم بالمنزل الول -وهذا قطعة من الحديث
الذي رواه النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وهو حديث الفتون
الطويل .اهـ
842
ونقل ابن كثير أقوال بعض المفسرين في وصف الحجر مع ما
فيها من مبالغة دون أن يقرها أو ينكرها .حيث قال :
وقال عطية العوفي :وجعل لهم حجرا ً مثل رأس الثور يحمل
على ثور ,فإذا نزلوا وضعوه فضربه موسى -عليه السلم -
بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ً فإذا ساروا حملوه على ثور
فاستمسك الماء ,وقيل كان لبني إسرائيل حجر فكان يضعه
هارون ويضربه موسى بالعصا ,وقال قتادة :كان حجرا ً طوريا من
ً
الطور يحملونه معهم إذا نزلوا ضربه موسى بعصاه ,وقال
الزمخشري وقيل :كان من الرخام وكان ذراعا ً في ذراع ,وقيل
مثل رأس النسان وقيل :كان من الجنة طوله عشرة أذرع على
طول موسى وله شعبتان تتقدان في الظلمة وكان يحمل على
حمار ,وقيل أهبطه آدم من الجنة فتوارثوه حتى وقع إلى شعيب
فدفعه إليه مع العصا ,وقيل هو الحجر الذي وضع عليه ثوبه حين
اغتسل فقال له جبريل:ارفع هذا الحجر فإن فيه قدرة ولك فيه
معجزة فحمله في مخلته( .)2أهـ .
وقال ابن الجوزي( : )3واختلفوا في صفة الحجر على ثلثة أقوال
أحدها :أنه كان حجرا ً مربعاً ,والثاني :كان مثل رأس الثور,
والثالث :مثل رأس الشاة .
__________
( - )1تفسير ابن كثير حـ 1صـ 130
( - )2تفسير ابن كثير حـ صـ 130بتصرف يسير
( - )3زاد المسير حـ 1صـ 87باختصار يسير
()5/92
وقال المام الفخر -رحمه الله -بعد ذكر بعض هذه القوال في
صفة الحجر" :واعلم أن السكوت عن أمثال هذه المباحث واجب,
لنه ليس فيها نص متواتر قاطع ,ول يتعلق بها عمل حتى يكتفي
فيها بالظن المستفاد من أخبار الحاد فالولى تركها( .)1اهـ
وقال اللوسي ( :)2بعد أن ذكر أكثر هذه الروايات في صفة
الحجر(: )3
"وظاهر أكثرها التعارض ,ول ينبئ على تعيين هذا الحجر أمر
ديني والسلم تفويض علمه إلى الله ( .)4أهـ .
__________
( - )1التفسير الكبير حـ 3صـ 528
( - )2روح المعاني حـ 1صـ 89
( - )3وكأنه بذلك يميل إلى ما رجحه المام فخر الدين الرازي -
رحمه الله .
843
( - )4وقد ذكر هذه الروايات كثير من المفسرين دون إقرار أو
إنكار ،وكأنهم يميلون إلى القول بصحتها -والله أعلم -مع أنها
تفتقر إلى نقل صحيح ،وقد سكت القرآن عن بيانها .وممن ذكر
هذه القوال .
المام الطبري حـ 1صـ ، 308والزمخشري حـ 1صـ ، 147 : 146وابن
الجوزي حـ 1صـ ، 87وابن جزي في التسهيل حـ 1صـ . 49
والبغوي حـ 1صـ ، 90والخازن حـ 1صـ ، 53وابن عطية حـ 1صـ 152
،وأبو السعود حـ 1صـ ، 106 - 105والقرطبي حـ 1صـ ، 291وابن
كثير حـ 1صـ ، 130فهذه القوال يجب عدم التعويل عليها ،
والرجح أنها من السرائيليات المنكرة التي شوهت كتب التفسير
،كذلك يجب التنبيه على ضعف ما ورد من مبالغة في قوله
تعالى " ونزلنا عليكم المن والسلوى " فقد ذكر المام الطبري
رحمه الله في تفسيره حـ 1صـ 297أن بني إسرائيل وهم في
التيه كان ينزل عليهم المن والسلوى ،ول تبلى ثيابهم .انتهى
كلمه -سبحان الله هذا أمر لم يتحقق إل لهل الجنة فقط يوم
المزيد بل لم يستطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل
من قطف العنب الذي في الجنة عندما رآه وهو يصلي
بالمسلمين ،والحديث معروف -رزقنا الله وإياكم الفوز بالجنة .
أ هـ .
()5/93
---
(( فقلنا اضرب بعصاك الحجر ))
قال البغوي ( - )1رحمه الله : -قوله تعالى[ :فقلنا اضرب بعصاك
الحجر] وكانت من آس الجنة طولها عشرة أذرع على طول
موسى عليه السلم ,ولها شعبتان تتقدان في الظلمة نوراً,
واسمها عليق ,حملها آدم من الجنة فتوارثها النبياء حتى وصلت
إلى شعيب -عليه السلم -فأعطاها موسى -عليه السلم -قال
مقاتل :اسم العصا :نبعة( .)2اهـ
قال القشيري( :)3إن الذي قدر على إخراج الماء من الصخرة
الصماء كان قادرا ً على إروائهم بغير ماء ولكن لظهار أثر
المعجزة فيه ,وإيصال محل الستغاثة إليه ,وليكون على موسى -
عليه السلم -أيضا ً في نقل الحجر -مع نفسه شغل ,ولتكليفه
أن يضرب بالعصا مقاساة نوع من معالجة ما أمضى حكمه عند
استسقائه لقومه( .)4اهـ
قوله تعالى[ :كلوا واشربوا من رزق الله ]
قال الفخر([ :)5كلوا واشربوا من رزق الله] فيه حذف والمعنى:
فقلنا لهم ,أو قال لهم موسى -عليه السلم -كلوا واشربوا,
844
وإنما قال[ :كلوا] لوجهين أحدهما :لما تقدم من ذكر المن
والسلوى ,فكأنه قال :كلوا من المن والسلوى الذي رزقكم الله
بل تعب ول نصب ,واشربوا من هذا الماء.
والثاني :أن الغذية ل تكون إل بالماء ,فلما أعطاهم الماء فكأنه
تعالى أعطاهم المأكول والمشروب .أ هـ .
سؤال :هل يجوز أن يأمره الله تعالى بأن يضرب بعصاه الحجر
فينفجر من غير ضرب حتى يستغني عن تقدير هذا المحذوف ؟
__________
( - )1معالم التنزيل حـ 1صـ 90
( - )2كما سبق فإنه يجب عدم اللتفات إلى مثل هذه القوال ،
ولكننا نذكرها لئل يغتر بها لوجودها في كتب أكابر المفسرين -
رحمهم الله جميعا ً .
( - )3لطائف الشارات حـ 1صـ 90
( - )4قال القرطبي :وقد كان تعالى قادرا ً على تفجير الماء
وفلق الحجر من غير ضرب ،لكن أراد أن يربط المسببات
بالسباب حكمة منه للعباد في وصولهم إلى المراد ،وليترتب
على ذلك ثوابهم وعقابهم في المعاد أ هـ القرطبي حـ 1صـ . 290
( - )5التفسير الكبير حـ 3صـ 530
()5/94
الجواب :ل يمتنع في القدرة أن يأمره الله بأن يضرب بعصاه
الحجر ومن قبل أن يضرب ينفجر على قدر الحاجة لن ذلك لو
قيل :إنه أبلغ في العجاز لكان أقرب ,لكن الصحيح أنه ضرب
فانفجرت لنه تعالى لو أمر رسوله بشيء ,ثم إن الرسول ل
يفعله لصار الرسول عاصياً ,ولنه إذا انفجر من غير ضرب صار
المر بالضرب بالعصا عبثاً ,كأنه ل معنى له ولن المروي في
الخبار أن تقديره :فضرب فانفجرت كما في قوله تعالى:
[فانفلق](الشعراء )63:من أن المراد فضرب فانفلق .
سؤال :إنه تعالى ذكر هاهنا[ :فانفجرت] وفي العراف:
[فانبجست] (العراف )16:وبينهما تناقض لن النفجار خروج
الماء بكثرة والنبجاس خروجه قليلً:
الجواب من ثلثة أوجه :أحدها الفجر الشق في الصل ,والنفجار
النشقاق ,ومنه الفاجر لنه يشق عصا المسلمين بخروجه إلى
الفسق ,والنبجاس اسم للشق الضيق القليل ,فهما مختلفان
اختلف العام والخاص ,فل يتناقضان ,وثانيهما :لعله انبجس أولً,
ثم انفجر ثانياً ,وكذا العيون :يظهر الماء منها قليل ً ثم يكثر لدوام
خروجه .وثالثها :ل يمتنع أن حاجتهم كانت تشتد إلى الماء
845
فينفجر ,أي يخرج الماء كثيرا ً ثم كانت تقل فكان الماء ينبجس
أي يخرج قليلً.
سؤال :معجزة موسى في هذا المعنى أعظم أم معجزة محمد
-عليه السلم-؟
الجواب :كل واحدة منهما معجزة باهرة قاهرة ,لكن التي لمحمد
-صلى الله عليه وسلم -أقوى لن نبوع الماء من الحجر معهود
في الجملة ,أما نبوعه من بين الصابع فغير معتاد ألبتة ,فكان
ذلك أقوى .
سؤال :ما الحكمة في جعل الماء اثنتي عشرة عينا ً ؟
()5/95
الجواب :أنه كان في قوم موسى كثرة والكثير من الناس إذا
اشتدت بهم الحاجة إلى الماء ثم وجدوه فإنه يقع بينهم تشاجر
وتنازع وربما أفضى ذلك إلى الفتن العظيمة فأكمل الله تعالى
هذه النعمة بأن عين لكل سبط منهم ماء معينا ً ل يختلط بغيره
والعادة في الرهط الواحد أن ل يقع بينهم من التنازع مثل ما يقع
بين المختلفين .
سؤال :من كم وجه يدل هذا النفجار على العجاز ؟
الجواب :من وجوه :أحدها :أن نفس ظهور الماء معجز ,وثانيها:
خروج الماء العظيم من الحجر الصغير ,وثالثها :خروج الماء بقدر
حاجتهم .ورابعها :خروج الماء عند ضرب الحجر بالعصا,
وخامسها :انقطاع الماء عند الستغناء عنه ,فهذه الوجوه الخمسة
ل يمكن تحصيلها إل بقدرة تامة نافذة في كل الممكنات وعلم
نافذ في جميع المعلومات وحكمة عالية على الدهر والزمان ,وما
ذاك إل للحق سبحانه وتعالى( .)1أهـ .
----------------
-134لوحا الشريعة
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
846
ففى الصحاح التاسع عشر من سفر الخروج وما بعده إلى
الصحاح الرابع والعشرين كل أحكام التوراة وبعدها " فجاء
موسى وحدث الشعب بجميع أقوال الرب وجميع الحكام ".
ثم صعد إلى جبل الطور فأعطاه الله:
أ -لوحى الحجارة.
ب -والشريعة والوصية.
ومن قبل نزوله من على الجبل ؛ عبدوا العجل من دون الله.
ولما سمع موسى بالخبر كسر لوحى العهد فى أسفل الجبل.
ولكن كاتب سفر التثنية يقول " :إنه كسر لوحين كان عليهما كل
أحكام الشريعة وعليهما مثل جميع الكلمات التى كلمكم بها
الرب فى الجبل من وسط النار فى يوم الجتماع " [تث ]10 :9
ول يمكن للوحى العهد أن يحمل مع العهد كل أحكام الشريعة
التى نزلت فى يوم الجتماع ".
ولما كسر اللواح .أعطى الله له بدلهم ألواح جديدة [خر ] 29 :32
والمكتوب على اللواح الجديدة ؛ أحكام الشريعة الموجودة فى
الصحاح الرابع والثلثين من سفر التثنية .وفيها " :ل تطبخ جديًا
بلبن أمه ".
والمناسب لحكام الشريعة (اللواح) بالجمع .ومنها لوحى العهد.
-----------------
-135هل طلبوا رؤية الله
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
847
النقاوة ،ولكنه لم يمد يده إلى أشراف بنى إسرائيل فرأوا الله
وأكلوا وشربوا " [خروج 9 :24ـ .]11
(ب) وطلب موسى رؤية الله " فقال :أرنى مجدك " ورد عليه
بقوله " :ل تقدر أن ترى وجهى.لن النسان ل يرانى ويعيش
" [خر .]18 :33
(ج) ولما تجلى الله للجبل ؛ حدث من هيبته حال التجلى نار
ودخان وارتجف كل الجبل جداً .فارتعب بنو إسرائيل من هذا
المنظر ،وقالوا لموسى :إذا أراد الله أن يكلمنا مرة أخرى ؛
فليكن عن طريقك يا موسى ونحن لك نسمع ونطيع .فرد الله
بقوله :أحسنوا فيما قالوا .وسوف أكلمهم فى مستقبل الزمان
عن طريق نبى مماثل لك يا موسى من بين إخوتهم وأجعل
كلمى فى فمه ؛ فيكلمهم بكل ما أوصيه به [تث 15 :18ـ .]22
------------------
-136سليمان أو أبشالوم
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
848
إنه جاء فى سورة مريم :أن مريم لما حملت بالمسيح انتبذت به
مكانا ً قصيًّا .وعندئذ قد جعل الله لها تحتها (سريًّا) أى نهرا جارياً
لتشرب منه .وهذا فى التوراة عن هاجر أم إسماعيل ؛ فإنها لما
عطشت هيأ الله لها عين ماء .وقد وضعه القرآن على مريم.
الرد على الشبهة:
إنه فسر السرى بالنهر الجارى .وليس كذلك .فإن الملك ناداها
بعدم الحزن ؛ لن الله قد جعل تحت كفالتها ورعايتها غلماً
سيكون سيّدا .فالسرى هو السيد وليس هو جدول الماء .وقد
تحقق هذا الوعد ؛ فإن المسيح صار سيِّدًا .أى معلما ً للشريعة.
وقال للحواريين عن هذا المعنى " :أنتم تدعوننى معلما ً وسيداً.
سنا ً تقولون ؛ لنى أنا كذلك " [يو .]13 :13 ح َ و َ
--------------
قلت :
الصواب أنه النهر وعليه معظم المفسرين ،ويحمل على تعدد
الحادثة وما في التوراة ل يعول عليه لنا الماء نبع من بين أصابع
إسماعيل عليه السلم
تفسير الطبري ( -ج / 18ص )175
ي بالسريّ في هذا الموضع ،فقال واختلف أهل التأويل في المعن ّ
بعضهم :عني به :النهر الصغير.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار ،قال :ثنا أبو عاصم ،قال :ثنا سفيان ،عن أبي
سرِيًّا ) قال: ك َ حت َ ِ ك تَ ْ ل َرب ُّ ِجعَ َ إسحاق ،عن البراء بن عازب( قَد ْ َ
الجدول.
حدثنا ابن بشار ،قال :ثنا محمد بن جعفر ،قال :ثنا شعبة ،عن أبي
كل َرب ُّ ِ جعَ َإسحاق ،قال :سمعت البراء يقول في هذه الية( قَد ْ َ
سرِيًّا ) قال :الجدول. ك َ حت َ ِتَ ْ
ي ،عن ي ،قال :ثنا عبد الله ،قال :ثني معاوية ،عن عل ّ حدثني عل ّ
سريًّا ) وهو نهر عيسى. ك َ ِ حت َ ِ
ك تَ ْل َرب ُّ ِ ابن عباس ،قوله( قَد ْ َ
جعَ َ
حدثني محمد بن سعد ،قال :ثني أبي ،قال :ثني عمي ،قال :ثني
سرِيًّا ) ك َ حت َ ِ
ك تَ ْ ل َرب ُّ ِ جعَ َ أبي ،عن أبيه ،عن ابن عباس ،قوله( قَد ْ َ
قال :السريّ :النهر الذي كان تحت مريم حين ولدته كان يجري
سرِيا.
يسمى َ
حدثني أبو حصين ،قال :ثنا ع َبثر ،قال :ثنا حصين ،عن عمرو بن
سرِيًّا ) ك َ حت َ ِ
ك تَ ْ ل َرب ُّ ِ جعَ َ ميمون الوْدِيّ ،قال في هذه الية( قَد ْ َ
قال :السريّ :نهر يُشرب منه.
849
حدثنا يعقوب وأبو كريب ،قال ثنا هشيم ،قال :أخبرنا حصين ،عن
سرِيًّا ) قال :هو ك َ حت َ ِك تَ ْ ل َرب ُّ ِ جعَ َ عمرو بن ميمون ،في قوله (:قَد ْ َ
الجدول.
حدثنا محمد بن عمرو ،قال :ثنا أبو عاصم ،قال :ثنا عيسى؛
وحدثني الحارث ،قال :ثنا الحسن ،قال :ثنا ورقاء ،جميعا عن ابن
سريًّا) قال :نهر بالسريانية. أبي نجيح ،عن مجاهد( َ ِ
حدثنا القاسم ،قال :ثنا الحسين ،قال :ثني حجاج ،عن ابن جريج،
عن مجاهد ،مثله ،قال ابن جريج :نهر إلى جنبها.
حدثنا محمد بن بشار ،قال :ثنا أبو داود ،قال :ثنا شعبة ،عن
سرِيًّا ) قال: ك َ حت َ ِ ك تَ ْ ل َرب ُّ ِ جعَ َ قتادة ،عن الحسن ،في قوله( قَد ْ َ
كان سريا فقال حميد بن عبد الرحمن :إن السريّ :الجدول،
فقال :غلبتنا عليك المراء.
حدثنا القاسم ،قال :ثنا الحسين ،قال :ثنا أبو بكر بن عياش ،عن
سرِيًّا ) قال: ك َ حت َ ِ ك تَ ْ ل َرب ُّ ِ جعَ َ أبي حصين ،عن سعيد بن جبير( قَد ْ َ
هو الجدول ،النهر الصغير ،وهو بالنبطية :السريّ.
حدثني أبو حميد الحمصي ،قال :ثنا عثمان بن سعيد ،قال :ثنا
محمد بن مهاجر ،عن ثابت بن عجلن قال :سألت سعيد بن
جبير ،عن السريّ ،قال :نهر.
حدثنا أبو كريب ،قال :ثنا هشيم ،عن مغيرة ،عن إبراهيم ،قال:
النهر الصغير.
حدثني يعقوب ،قال :ثنا هشيم ،قال :أخبرنا مغيرة ،عن إبراهيم،
جعَ َ
ل أنه قال :هو النهر الصغير :يعني الجدول ،يعني قوله( قَد ْ َ
سرِيًّا ). ك َ حت َ ِك تَ َْرب ُّ ِ
حدثنا ابن وكيع ،قال :ثنا أبي ،عن سلمة بن نبيط ،عن الضحاك،
قال :جدول صغير بالسريانية.
حدثنا عن الحسين ،قال :سمعت أبا معاذ ،قال :أخبرنا عبيد بن
سرِيًّا )ك َ حت َ ِسليمان ،قال :سمعت الضحاك يقول في قوله( ت َ ْ
الجدول الصغير من النهار.
جعَ َ
ل حدثنا بشر ،قال :ثنا يزيد ،قال :ثنا سعيد ،عن قتادة( قَد ْ َ
سرِيًّا ) والسريّ :هو الجدول ،تسميه أهل الحجاز. ك َ حت َ ِك تَ َْرب ُّ ِ
حدثنا الحسن ،قال :ثنا عبد الرزاق ،قال :أخبرنا معمر ،في
سرِيًّا) قال :هو جدول. قوله( َ
حدثنا ابن حميد ،قال :ثنا سلمة ،عن ابن إسحاق ،عمن ل يتهم
سرِيًّا ) يعني ربيع الماء. ك َ حت َ ِك تَ ْل َرب ُّ ِجعَ َ وعن وهب بن منبه( قَد ْ َ
-حدثنا موسى بن هارون ،قال :ثنا عمرو ،قال :ثنا أسباط ،عن
سرِيًّا ) والسريّ :هو النهر. ك َ ل َرب ُّ ِ
ك تَ ْ
حت َ ِ جعَ َ السدي( قَد ْ َ
وقال آخرون :عنى به عيسى.
850
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر ،قال :ثنا يزيد ،قال :ثنا سعيد ،عن قتادة ،عن الحسن(
سرِيًّا ) والسريّ :عيسى نفسه. ك َ حت َ ِ ك تَ ْ ل َرب ُّ ِ جعَ َ قَد ْ َ
حدثني يونس ،قال :أخبرنا ابن وهب ،قال :قال ابن زيد ،في
سرِيًّا ) يعني نفسه ،قال :وأيّ شيء ك َحت َ ِ
ك تَ ْ ل َرب ُّ ِ جعَ َ قوله( قَد ْ َ
أسرى منه ،قال :والذين يقولون :السريّ :هو النهر ليس كذلك
النهر ،لو كان النهر لكان إنما يكون إلى جنبها ،ول يكون النهر
تحتها.
قال أبو جعفر :وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قيل من
قال :عنى به الجدول ،وذلك أنه أعلمها ما قد أتاها الله من الماء
ساقِ ْ
ط خلَةِ ت ُ َجذِْع الن َّ ْ الذي جعله عندها ،وقال لها( وَهُّزِي إِلَي ْ ِ
ك بِ ِ
شَربي) من هذا الماء( جنِيًّا فَكُلِي ) من هذا الرطب(وَا ْ ك ُرطَبًا َ ع َلَي ْ ِ
وَقَّرِي ع َيْنًا ) بولدك ،والسريّ معروف من كلم العرب أنه النهر
الصغير; ومنه قول لبيد:
مها ()1 متَجاوًِرا قُل ُ جوَرة ٌ ُس ُ م ْ صدَّعاَ ...
سريّ وَ َ ض ال َّ سطا عُْر َ فَتَوَ َّ
__________
( )1البيت للبيد بن ربيعة العامري ،من معلقته المشهورة
( انظره في شرح الزوزني على المعلقات السبع ،وفي شرح
التبريزي على القصائد العشر ،وفي جمهرة أشعار العرب ص 63
. ) 74 -قال صاحب الجمهرة :توسطا ؛ :أي دخل وسطه .
وعرض السري :أي ناحية النهر ،وأهل الحجاز .يسمون النهر
سريا .وصدعا :أي فرقا .ومسجورة :أي عينا مملوءة ؛ قال
الله تعالى ( :والبحر المسجور ) وأقلمها ،ويروى قلمها ،وهو
ضرب من الشجر الحمض ،والقلم :قصب اليراع .وقال
الزوزني يقول :فتو سط العير والتان جانب النهر الصغير ،
وشقا عينا مملوءة ماء ،قد تجاوز قلمها ،أي قد كثر هذا الضرب
من النبت عليها .وتحرير المعنى :أنهما قد ورد عينا ممتلئة ماء ،
فدخل فيها من عرض نهرها ،وقد تجاور نبتها .والشاهد في قوله
" السري " وهو اسم للنهر الصغير .
تفسير الرازي ( -ج / 10ص )294
المسألة الثانية :اتفق المفسرون إل الحسن وعبد الرحمن بن
زيد أن السري هو النهر والجدول سمي بذلك لن الماء يسري
فيه وأما الحسن وابن زيد فجعل السري عيسى والسري هو
النبيل الجليل يقال فلن من سروات قومه أي من أشرافهم
وروي أن الحسن رجع عنه وروي عن قتادة وغيره أن الحسن تل
لجعَ َهذه الية وبجنبه حميد بن عبد الرحمن الحميري { :قَد ْ َ
سرِيّا ً } فقال :إن كان لسريا ً وإن كان لكريما ً ،فقال ك َ حت َ ِ
ك تَ ْ َرب ُّ ِ
851
له حميد :يا أبا سعيد إنما هو الجدول فقال له الحسن من ثم
تعجبنا مجالستك ،واحتج من حمله على النهر بوجهين :أحدهما :
أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن السري فقال :هو
الجدول .والثاني :أن قوله { :فَكُلِي واشربي } يدل على أنه
نهر حتى ينضاف الماء إلى الرطب فتأكل وتشرب واحتج من
حمله ( على ) عيسى بوجهين :الول :أن النهر ل يكون تحتها بل
إلى جانبها ول يجوز أن يجاب عنه بأن المراد منه أنه جعل النهر
تحت أمرها يجري بأمرها ويقف بأمرها كما في قوله { :وهذه
حتِي } [ الزخرف ] 51 :لن هذا حمل للفظ من ت َ ْ جرِى ِ النهار ت َ ْ
على مجازه ولو حملناه على عيسى عليه السلم لم يحتج إلى
جعَلْنَا ابن
هذا المجاز .الثاني :أنه موافق لقوله تعالى { :وَ َ
ن} معِي ٍت قََرارٍ وَ َ
ة وءاويناهما إلى َربْوَةٍ ذ َا ِ ه ءاي َ ًم ُم وَأ ُ َّمْري َ َ
َ
[ المؤمنون ] 50 :والجواب عنه ما تقدم أن المكان المستوي إذا
كان فيه مبدأ معين فكل من كان أقرب منه كان فوق وكل من
كان أبعد منه كان من تحت فرعان :الول :إن حملنا السري
على النهر ففيه وجهان :أحدهما :أن جبريل عليه السلم ضرب
برجله فظهر ماء عذب .والثاني :أنه كان هناك ماء جار .والول
سرِيّا ً } مشعر بالحدوث ك َ حت َ ِ
ك تَ ْل َرب ُّ ِ جعَ َ :أقرب لن قوله { :قَد ْ َ
في ذلك الوقت ولن الله تعالى ذكره تعظيما ً لشأنها وذلك ل
يثبت إل على الوجه الذي قلناه .الثاني :اختلفوا في أن السري
هو النهر مطلقا ً وهو قول أبي عبيدة والفراء أو النهر الصغير على
ما هو قول الخفش .
أضواء البيان ( -ج / 3ص )456
واختلف العلماء في المراد بالسري هنا .فقال بعض العلماء :هو
الجدول وهو النهر الصغير .لن اله اجرى لها تحتها نهرا ً .وعله
فقوله تعالى { :فكلي } أي من الرطب المذكور في قوله
جنِيّا ً } [ مريم ] 25 :أي من النهر المذكور ك ُرطَبا ً َ ط ع َلَي ْ ِساقِ ْ { تُ َ
سريّا ً } وإطلق السري على ك َ ِ حت َ ِ ل َرب ُّ ِ
ك تَ ْ جعَ َ في قوله { قَد ْ َ
الجدول مشهور في كلم العرب .ومنه قول لبيد في معلقته :
فتوسطا عرض السري وصدعا ...مسجورة متجاورا ً قلمها
وقول لبيد أيضا ً يصف نخل ً نابتا ً على ماء النهر :
سحق يمتعها الصفا وسريه ...عم نواعم بينهم كروم
وقول الخر :
سهل الخليفة ماجد ذو نائل ...مثل السري تمده النهار
فقوله « سريه » .وقولهما « السري » بمعنى الجدول .وكذلك
قول الراجز :
سلم ترى الدالي منه أزورا ...إذا يعب في السري هرهرا
852
وقال بعض أهل العلم :السري هو عيسى .والسري هوا لرجل
الذي له شرف مروءة .يقال في فعله سرو بالضم .وسرا -
بالفتح -يسرو سروا فيهما .وسري -بالكسر -يسري سري
وسراء وسروا إذا شرف .ويجمع السري هذا على أسرياء على
القياس ،وسرواء وسراة بالفتح .وعن سيبويه إن السراة -
بالفتح -اسم جمع ل جمع .ومنه قول الفوه الودي :
ل يصلح الناس فوضى ل سراة لهم ...ول سراة إذا جهالهم
سادوا
ويجمع السراة على سروات .ومنه قول قيس بن الحطين :
وعمرة من سروات النساء ...تنفح بالمسك أردانها
ومن إطلق السري بمعنى الشريف قول الشاعر :
تلقى الشري من الرجال بنفسه ...وابن الشري إذا سرى
أسراهما
وقوله « أسراهما » اي أشرفهما .قاله في اللسان .
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له :أظهر القولين عندي أن
السري في الية النهر الصغير ،والدليل على ذلك أمران :
أحدهما -القرينة من القرآن ،فقوله تعالى { :فَكُلِي واشربي }
[ مريم ] 26 :قرينة على أن ذلك المأكول والمشروب هو ما
سرِيّا ً } ،
ك َ حت َ ِ
ك تَ ْل َرب ُّ ِ تقدم المتنان به في قوله { :قَد ْ َ
جعَ َ
جنِيّا ً } [ مريم ، ] 25 :وكذلك قوله ك ُرطَبا ً َ ط ع َلَي ْ ِ ساقِ ْ وقوله { :ت ُ َ
ن } [ المؤمنون : معِي ٍت قََرارٍ وَ َة ذ َا ِمآ إلى َربْوَ ٍ تعالى { :وَآوَيْنَاهُ َ
] 50لن المعين :الماء الجاري .والظاهر أن الجدول المعبر عنه
بالسري في هذه الية .والله تعالى أعلم .
المر الثاني -حيديث جاء بذلك عن النَّبي صلى الله عليه وسلم .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الية :وقد جاء بذلك
حديث مرفوع ،قال الطبراني :حدثنا أبو شعيب الحراني ،حدثنا
يحيى بن عبد الله البابلي ،حدثنا أيوب بن نهيك ،سمعت عكرمة
مولى ابن عابس ،سمعت ابن عمر يقول :سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول « :إن السري الذي قال الله لمريم
سرِيّا ً } ،نهر أخرجه الله لها لتشرب منه ك َ حت َ ِ ك تَ ْل َرب ُّ ِجعَ َ { :قَد ْ َ
» وهذا حديث غريب جدا ً من هذا الوجه .وأيوب بن نهيك هذا هو
الحبلى ،قال فيه أبو حاتم الرزاي :ضعيف .وقال أبو زرعة :
منكر الحديث .وقال أبو الفتح الزدي :متروك الحديث -انتهى
كلم ابن كثير .وقال ابن حجر رحمه الله في « الكافي الشاف ،
في تخريج أحاديث الكشاف » في الحديث المذكور :أخرجه
الطبراني في الصغير ،وابن عدي من رواية أبي سنان سعيد بن
سنان ،عن أبي إسحاق ،عن البراء عن النَّبي صلى الله عليه
853
سرِيّا ً } قال « : ك َ حت َ ِ
ك تَ ْل َرب ُّ ِ ويلم في قوله تعالى { :قَد ْ َ
جعَ َ
السري النهر » قال الطبراني :لم يرفعه عن أبي إسحاق إل أبو
سنان ،رواه عنه يحيى بن معاوية وهم ضعيف .وأخرجه عبد
الرزاق ،عن الثوري ،عن أبي إسحاق عن البراء موقوفا ً .وكذا
ذكره البخاري تعليقا ً عن وكيع ،عن إسرائيل ،عن أبي إسحاق .
ورواه ابن مروديه من طريق آدم ،عن إسرائيل كذلك وأخرجه
الحاكم من وجه آخر عن أبي إسحاق موقوفا ً .وفي الباب عن
ابن عمر رضي الله عنهما قال « :إن السري الذي قاله لمريم
أخرجه الله لتشرب منه » .أخرجه الطبراني وأبو نعيم في
الحلية في ترجمة عكرمة عن ابن عمر ،وروايه عن عكرمة أيوب
بن نهيك ضعفه أبو حاتم وأبو زرعة -انتهى .
فهذا الحديث المرفوع إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت
طرقه ل يخلو شيء منها من ضعف -اقرب إلى الصواب من
دعوى أن السري عيسى بغير دليل يجب الرجوع إليه .وممن
اختار أن السري المذكور في الية النهر : -ابن جرير في تفسيره
،وبه قال البراء بن عازب ،وعلي بن ابي طلحة ،عن ابن عباس
.وعمر بن ميمون ،ومجاهد ،وسعيد بن جبير ،والضحاكن
وإبراهيم النخعي ،وقتادةن ولسدي ،ووهب بن منبه وغيرهم .
وممن قال إنه عيسى :الحسن ،والربيع بن انس ،ومحمد بن
عباد بن جعفر .وهو إحدى الروايتين عن قتادة .وقول عبد
الرحمن بن زيد بن أسلم قاله ابن كثير وغيره .
الوسيط لسيد طنطاوي ( -ج / 1ص )2775
ويبدو لنا أن ما ذهب إليه ابن جرير من كون الذى نادى مريم هو
ابنها عيسى ،أقرب إلى الصواب ،لن هذا النداء منه لها فى تلك
الساعة ،فيه ما فيه من إدخال الطمأنينة والسكينة على قلبها .
أى :فناداها ابنها عيسى الذى كان أسفل منها عندما وضعته .
مطمئنا ً إياها بعد أن قالت :يا ليتنى مت قبل هذا الذى حدث لى
َ َ
كحت َ ِ ل َرب ُّ ِ
ك تَ ْ حَزنِي } يا أماه { قَد ْ َ
جعَ َ . . .ناداها بقوله { :أل ّ ت َ ْ
سرِيّا ً } أى جدول ً صغيرا ً من الماء ،لتأخذى منه ما أنت فى َ
حاجة إليه ،وسمى النهر الصغير من الماء سريا ،لن الماء
يسرى فيه .
وقيل :المراد بالسرى :عيسى -عليه السلم -مأخوذ من
سْرو بمعنى الرفعة والشرف . ال َّ
سرِىّ ،إذا عل سُروَ الرجل يسرو -كشرف يشرف -فهو َ يقال َ :
قدره وعظم أمره ومنه قول الشاعر :
ل يصلح الناس فوضى ل سراة لهم ...ول سراة إل جهالهم
سادوا
854
أى :قد جعل ربك تحتك يا مريم إنسانا رفيع القدر ،وهو ابنك
عيسى ،والجلمة الكريمة تعليل لنتفاء الحزن المفهوم من النهى
َ َ
حَزنِي } قال بعض العلماء ما ملخصه " :وأظهر بقوله { :أل ّ ت َ ْ
القولين عندى أن السرى فى الية النهر الصغير لمرين :
أحدهما :القرينة من القرآن ،لن قوله بعد ذلك { فَكُلِي
واشربي } قرينة على أن ذلك المأكول والمشروب هو ما تقدم
سرِيّا ً } .
ك َ
حت َ ِ ل َرب ُّ ِ
ك تَ ْ المتنان به فى قوله { :قَد ْ َ
جعَ َ
الثانى :ما جاء عن ابن عمر من أنه سمع النبى -صلى الله عليه
وسلم -يقول " :إن السرى الذى قال الله لمريم { :قَد ْ َ
جعَ َ
ل
سرِيّا ً } نهر أخرجه الله لها لتشرب منه " . ك َحت َ ِ َرب ُّ ِ
ك تَ ْ
فهذا الحديث -وإن كانت طرقه ل يخلو شىء منها من ضعف -
أقرب إلى الصواب من دعوى أن السرى عيسى بغير دليل يجب
الرجوع إليه " .
-------------------
-138لم تنزل مائدة من السماء
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
855
البرية ؟ " [مز ]19 :78فمعنى نزوله من السماء :أنه من جهة الله
ل من جهة إله آخر .ونص إنجيل يوحنا يبين أنهم طلبوا مائدة من
السماء .ذلك قوله " :أنه أعطاهم خبزا ً من السماء ليأكلوا " فإذا
بارك الله فى طعام من الرض ليشبع خلقا ً كثيرا ً ؛ فإنه يكون
مائدة من السماء .كالمن النازل من السماء .وهو لم ينزل من
السماء وإنما كان على ورق الشجر ،وكالسلوى.
ومن أعجب العجب :أن مؤلف النجيل قال كلما ً عن المسيح فى
شأن محمد رسول الله ل يختلف اثنان فى دللته عليه صلى الله
عليه وسلم .وقد استدل المسيح فيه عليه صلى الله عليه وسلم
بنص فى الصحاح الرابع والخمسين من سفر إشعياء.
ل قصة القرآن عن نزول مائدة من السماء ويقول المعترض :ولع ّ
نشأت عن عدم فهم بعض آيات النجيل الواردة فى متى 26
ومرقس 24ولوقا 22ويوحنا .13وغرضه من قوله هذا أن ل يعرف
المسلمون موضع المائدة من الناجيل لنها بصدد كلم من
المسيح فى شأن محمد رسول الله ،وموضعها الصحاح
السادس من إنجيل يوحنا.
------------------------
-139قصة ذى الكفـل
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
يقول المعترض :إنه جاء فى القرآن ذكر نبى اسمه (ذا الكفل)
وليس فى التوراة مسمى بهذا السم .وذكر من كلم البيضاوى
كلما ً فى شأنه ،وذكر أيضا ً كلما ً لغيره.
الرد على الشبهة:
هو أنه جاء فى كتاب " نزهة المشتاق " ومؤلفه يهودى يحكى فيه
تاريخ يهود العراق :أن (ذا الكفل) الذى ورد اسمه فى القرآن هو
نبى الله حزقيال .وكان معاصرا ً لسبى اليهود فى بابل.
-----------------
-140أصحـاب الـرس
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
جاء فى سورة الفرقان (وأصحاب الرس) ثم ذكر كلم البيضاوى
المفسر ،ووجه الشكال عليه.
الرد على الشبهة:
إن كلم المفسر ليس بحجة ،ويوجد فى أرض العرب مدينة
مى مدينة " الرس " وهذا يدل على ذكر اسم قديم فى بلد تس ّ
العرب .ربما يكون من اسم الوائل.
------------------
-141حتى لقمان نبـى
856
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
إنه جاء فى القرآن (ولقد آتينا لقمان الحكمة .)1( ) ..ونقل عن
البيضاوى المفسر أنه كان معاصرا ً لداود ـ عليه السلم ـ وحرف
المؤلف قول البيضاوى وهو أنه من أولد آزر ابن أخت أيوب إل
أن لقمان كان معاصرا ً ليوب .ووجه نقده على هذا بقوله كيف
يكون معاصرا ً ليوب وداود ،وبين أيوب وداود ما يقرب من 900
سنة ؟ والبيضاوى ل يقصد معاصرته وإنما يقصد نسبه .ولم يقل
البيضاوى إن لقمان كان نبيًّا ولم يقل القرآن وإنما قال (ولقد
آتينا لقمان الحكمة (ولكن المؤلف وجه الشكال على النبوة
فقال :فكيف يكون لقمان نبيًّا ؟
الرد على الشبهة:
إنه قال كيف يكون لقمان نبيا ً ؟ وليس فى القرآن أنه كان نبيًّا
وإنما كان حكيماً .واسمه " لوكيوس " فى اليونانى و " لقمان "
فى العبرانية .وفى سفر أعمال الرسل " :وكان فى أنطاكية فى
الكنيسة هناك أنبياء ومعلمون برنابا وسمعان الذى يدعى نيجر
ولوكيوس القيروانى ومناين[ " ..أع ]1 :13وفى سفر الرسالة إلى
أهل روما :أنه كان معاصرا ً لبولس ،وصديقا له " :يسلم عليكم
تيموثاوس العامل معى ،ولوكيوس وياسون[ " ..رو .]21 :16
واللغة اليونانية تضيف حرف السين فى آخر السم مثل
يوسيفوس ـ هيرودس ـ أغسطس قيصر .بير كلينوس وهو اسم
أحمد رسول الله فى إنجيل يوحنا .وفى العبرانية " يونان "
باللف والنون .وفى اليونانية " يونس ".
( )1لقمان.12 :
-------------------
-142الكعبة مقام إبراهيـم
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
إنه جاء فى القرآن أن الكعبة أول بيت وضع للناس .وأنها كانت
مقام إبراهيم ،ومعلوم أن الكعبة من بناء الوثنيين كما جاء فى
الكتب التاريخية.
الرد على الشبهة:
أولً :إن الكعبة ليست من بناء الوثنيين كما جاء فى الكتب
التاريخية التى ل يشك أحد فى أن لليهود دخل فيها .وإنما هى من
بناء نوح ـ عليه السلم ـ فإنه لما خرج من السفينة ،ونجا من
الغرق هو ومن آمن معه .بنى " مذبحا ً " لذبح الحيوانات عنده
قربانا ً لله تعالى .ففى التوراة " :وبنى نوح مذبحا ً للرب .وأخذ
من كل البهائم الطاهرة ،ومن كل الطيور الطاهرة ،وأصعد
857
محرقات على المذبح " [تك ]20 :8وهذا المذبح كان فى أرض
جودِىّ.
مكة المكرمة المدينة التى استقر الفلك فيها على ال ُ
والدليل على ذلك قول التوراة :إن الناس من بعد نوح ارتحلوا
شرقا ً إلى أرض شنعار التى هى أرض العراق.
فارتحالهم إلى الشرق إلى العراق يدل على أن السفينة كانت
فى بلد العرب .ذلك قوله " :وكانت الرض كلها لسانا ً واحدا ً ولغة
واحدة .وحدث فى ارتحالهم شرقا ً أنهم وجدوا بقعة فى أرض
شنعار ،وسكنوا هناك " [تك 1 :11ـ .]2
وليس فى القرآن نصوص صريحة على أن العرب قد عبدوا
الصنام حتى يقال :إن الكعبة كانت لصنم ُرحل .وفى التوراة
نصوص صريحة على أن اليهود وأدوا نبيهم وبناتهم فى النار
للعرافة والسحر وأنهم عبدوا الصنام .بل وفى القرآن نصوص
صريحة على أن اليهود عبدوا صنم البعل فى أيام إلياس ـ عليه
السلم ـ ففى الزمور المائة والسادس " :وأهرقوا دما ً زكيًّا .دم
نبيهم وبناتهم الذين ذبحوا لصنام كنعان وتدنست الرض بالدماء
" [مز .]38 :106وفى الصحاح الخامس والستين من سفر
إشعياء " :أما أنتم الذين تركوا الرب ونسوا جبل قدسى ،ورتبوا
للسعد الكبر مائدة ،وملوا للسعد الصغر خمرا ً ممزوجة..
" [إش .]11 :65
فى ترجمة الكتاب المقدس فى الشرق الوسط سنة 1995م تحت
كلمة السعد الكبر :لجاد وهو المشترى ،وتحت كلمة السعد
منَى وهو الزهرة.الصغر :ل َ
وفى ترجمة 1995م بلبنان " :ونسيتم جبلى المقدس .وهيأتم مائدة
للله جاد ،ومزجتم الخمر لللهة مناة " والتعليق عندهم هكذا:
جاد ومناة إلهان عند الكنعانيين.
هذا مما فى التوراة عن عبادة اليهود للصنام ومما فيها " :بعدد
مدنك صارت آلهتك يا يهوذا ،وبعدد شوارع أورشليم وضعتم
مذابح للخزى ومذابح للتبخير للبعل " [إرمياء .]13 :11
ويمكن الفهم من آيات فى القرآن أن العرب بنى إسماعيل ـ
عليه السلم ـ لم يعبدوا الصنام قط .فإبراهيم ـ عليه السلم ـ
وهو يبنى الكعبة ولم يكن له من ولد غير إسماعيل ،يطلب من
الله طلبين فى ذريته:
أولهما :أن يجنبهم عبادة الصنام ،وثانيهما :أن يبعث فيهم نبيًّا
منهم.
وإذ شهد الواقع بتحقيق الطلب الثانى فإن محمدا ً قد أرسل ؛
يكون الطلب الول قد تحقق أيضاً.
858
وفى القرآن أن الله قد عاهد إبراهيم وإسماعيل بتطهير الكعبة
من الصنام ولم يذكر أنهم نقضوا العهد.
كما ذكر أن اليهود نقضوا فى قوله (فبما نقضهم ميثاقهم.)1( ) ..
وأما قوله تعالى( :أفرأيتم اللت والعزى ومناة )2( ) ..فإن فى
التوراة أن اليهود عبدوا صنم مناة.
والضمير فى (أفرأيتم) يحتمل أنه للعرب ويحتمل أنه لليهود.
واحتمال عوده إلى اليهود أقوى لوجود شواهد فى التوراة عليه.
ول يقدر عاقل على اتهام بدليل محتمل.
سئلت بأى ذنب قتلت ) ( )3ففى وأما قوله تعالى( :وإذا الموءودة ُ
التوراة أن اليهود وأدوا نبيهم وبناتهم.
وليس فى القرآن من نص صريح على نسبة الوأد إلى العرب.
( )1النساء ، 155 :المائدة.13 :
( )2النجم19 :ـ .20
( )3التكوير8 :ـ .9
-----------------------
-143فرعون بنى برج بابل بمصر
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
إن فى القرآن أن فرعون طلب من هامان أن يبنى له برجاً .وهذا
خطأ لن البرج من بناء الناس فى " بابل " من بعد نوح.
الرد على الشبهة:
إن فرعون طلب من وزيره الملقب بهامان أن يوقد له على
حا .ولم يرد فى القرآن أنه أوقد له على الطين ليجعل له صر ً
حا .ولو أنه أوقد وجعل فما هو الدليل على الطين وجعل له صر ً
أن صرح مصر هو برج بابل ؟ ومن المحتمل أنه أراد ببناء
الصرح ؛ التهكم على موسى.
-----------------
-144شاول الملك أو جدعون القاضى
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
جاء فى سورة البقرة( :وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم
طالوت ملكاً( ..إلخ (.)1
وهذه القصة هى قصة طالوت وداود لما فتحا فلسطين.
ووجه الشكال أنه قال فيها :إن الله امتحن جيش طالوت
بالشرب من النهر .والمتحان لم يكن لجيش طالوت وإنما كان
لجيش جدعون وهو يحارب أهل مدين [قضاة 1 :7ـ .]8
الرد على الشبهة:
إن سفر القضاة سفر تاريخى ،وسفر صموئيل الول الذى أورد
قصة طالوت وداود سفر تاريخى .فأى مانع يمنع من خطأ المؤرخ
859
فى نقل جزء من قصة إلى قصة أخرى مشابهة لها .خاصة وأنه
ليس معصوما ً كالنبيين والمرسلين الحقيقيين ؟ ولهذا أمثلة كثيرة
منها أن هذا النص مذكور مرتين :مرة فى سفر الخروج ،ومرة
فى سفر التثنية من التوراة السامرية .ومذكور مرة واحدة فى
سفر التثنية من التوراة العبرانية واليونانية .وهو " :نبيًّا أقمت لهم
من حملة إخوتهم مثلك وجعلت خطابى بغيه ؛ فيخاطبهم بكل ما
أوصيه به.
ويكون الرجل الذى ل يسمع من خطابه الذى يخاطب باسمى ؛
أنا أطالبه .والمتنبئ الذى يتقح على الخطاب باسمى ما لم أوصه
من الخطاب ،ومن يخاطب باسم آلهة أخرى ؛ فليقتل ذلك
المتنبئ .وإذ تقول فى سرك :كيف يتبين المر الذى لم يخاطبه
الله ؟ ما يقوله المتنبئ باسم اللهو ل يكون ذلك المر ول يأتى ؛
هو المر الذى لم يقله الله .باتّقاح قاله المتنبئ .ل تخف منه ".
( )1البقرة.247 :
------------------
-145يتكلم فى المهـد
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
إنه قد جاء فى القرآن أن المسيح قد تكلم فى المهد .وليس فى
الناجيل ما يدل على كلمه فى المهد.
الرد على الشبهة:
إن مريم لم تكن مخطوبة ول متزوجة .وقد أحصنت فرجها .أى
منعت نفسها عن الزواج طيلة حياتها وسلكت فى سلك الرهبنة.
ثم إنها ابنة كاهن من نسل هارون ـ عليه السلم ـ وابنة الكاهن
إذا زنت فإنها تحرق بالنار .لما جاء فى سفر الخبار " :وإذا
تدنست ابنة كاهن بالزنا ؛ فقد دنست أباها ،بالنار تحرق " [ل :21
.]9ومريم قد أتت بولد وهى غير متزوجة .وهذا هو دليل التهام
فلماذا لم تحرق ؟ إن عدم حرقها يدل على أن ابنها تكلم فى
المهد .ومع ذلك فقد جاء فى بعض الناجيل المرفوضة أنه تكلم
فى المهد .ومن ذلك " :وبينما كانوا نياما ً ؛ حذرهم الطفل من
الذهاب إلى هيرودس " [بر .]10 :7
-----------------------
-146يصنع من الطين طيراً
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
إن القرآن يصرح بأن المسيح خلق من الطين كهيئة الطير ،
وليس فى الناجيل المعتمدة هذه المعجزة.
الرد على الشبهة:
860
إن هذه المعجزة وردت فى إنجيل توما .فإنه قد صنع من الطين
هيئة اثنى عشر عصفورا ً ،وأمرهم أن يطيروا ؛ فطاروا والناس
ينظرون إليهم.
----------------------
صلـب -147إنكـار ال َّ
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
إن القرآن ينكر صلب المسيح .والتاريخ يثبته.
الرد على الشبهة:
إن العلّة المترتبة على صلب المسيح هى غفران خطايا من يؤمن
به ربًّا مصلوبا ً والغفران لكل من كان فى المدة من آدم إلى
المسيح إذا قدّر أنهم لو كانوا له مشاهدين ،لكانوا به مؤمنين.
فهل هذه العلة صحيحة ؟ بالتأكيد ليست بصحيحة .وذلك لن آدم
لما أخطأ هدته الحكمة أن يعترف بخطئه وأن يتوب .فتاب الله
عليه .وإذ هو قد تاب ،فأى فائدة من سريان خطيئة آدم فى بنيه
؟ ففى سفر الحكمة " :والحكمة هى التى حمت النسان الول
أب العالم الذى خلق وحده لما سقط فى الخطيئة ؛ رفعته من
سقوطه ،ومنحته سلطة على كل شىء" [حك 1 :10ـ .]2
وفى التوراة :أن نجاة المرء من غضب الله يكون بالعمل الصالح
حسبما أمر الله .ومن ل يعمل بما أمر الله ؛ فإنه ل يكون له
نجاة .ففى سفر الحكمة عن نوح ـ عليه السلم ـ وولده" :
وعندما غاصت المم فى شرورها ؛ تعرفت الحكمة برجل صالح ،
وحفظته من كل عيب فى نظر الله ،وجعلته قويًّا يفضل العمل
بأمر الله على الستجابة إلى عاطفته تُجاه ولده " [حكمة .]5 :10
انظر إلى قوله " تجاه ولده " أى ولده الذى غرق لعدم إيمانه
وعمله .وهذا النص من سفر الحكمة عن " ولده " ليس له نظير
فى قصة نوح الموجودة فى التوراة العبرانية.
ويقول المسيح عيسى ـ عليه السلم ـ " :كل كلمة فارغة يقولها
الناس؛ يُحاسبون عليها يوم الدين .لنك بكلمك تُبّرر ،وبكلمك
تُدان " [متى 36 :12ـ .]37
وفى التوراة " :ل يُقتل الباء عن الولد ،ول يقتل الولد عن
الباء .كل إنسان بخطيئته يُقتل " [تث .]16 :24
وفى الناجيل أن المسيح بعد حادثة القتل والصلب ؛ ظهر أربعين
يوما ً للحواريين ،وتكلم عن ملكوت الله معهم .وهو ملكوت
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففى بدء سفر أعمال
الرسل " :الذين أراهم أيضا ً نفسه حيًّا ببراهين كثيرة بعدما تألم ،
وهو يظهر لهم أربعين يوما ً ،ويتكلم عن المور المختصة بملكوت
861
الله " [أع ]3 :1وظهوره وكلمه عن الملكوت ؛ يدلن على
استمراره فى الدعوة.
----------------------
-148تحليل إنكار الله
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
جاء فى سورة النحل :أن الكراه على الكفر مع اطمئنان القلب
باليمان ؛ يجوز .وهذا ل يصح لنه ليس من المانة أن يزور
النسان فى عقيدته.
الرد على الشبهة:
إن الضرورات تبيح المحظورات .وهذا موجود بكثرة فى التوراة
وفى النجيل ومن ذلك :ما جاء فى الصحاح الثالث عشر من
سفر الملوك الول أن رجل ً من رجال الله جاء إلى مدينة " بيت
إيل " وتنبأ عليه .وقال له الملك ادخل إلى بيتى لعطيك أجرة ؛
فأبى بحجة أنه أمر من الله أن يعود مسرعاً .وكان نبى شيخ
صوا عليه قصة رجل الله. ساكنا ً فى بيت إيل .فأتى إليه بنوه وق ّ
فقال لهم :دلونى على الطريق التى رجع منها .فلما لحقه قال
له :ارجع معى لتتقوت .فأبى .فقال له النبى الشيخ " :أنا أيضاً
نبى مثلك.
وقد كلمنى ملك بكلم الرب قائلً :ارجع به معك إلى بيتك .فيأكل
خبزا ً ويشرب ماء .كذب عليه .فرجع معه وأكل خبزا ً وشرب ماء
[ 1مل 17 :13ـ .]19
فقد استعمل الحيلة فى إرجاعه و " كذب عليه " وفى الناجيل
والرسائل أن بولس كان ذا لسانين وذا وجهين.
فإنه لما ردوه للسياط ،كذب وقال :إننى رومانى الجنسية وقد
ولدت حًّرا [أعمال ]28 :22وقال:
أنا رجل يهودى من سبط بنيامين [رومية .]11:1ولما مثل أمام
رئيس الكهنة وضربه على فمه قال له بولس " :سيضربك الله
أيها الحائط المبيض " ولما شتمه بهذا القول وفى التوراة أنه ل
جه إليه اللوم على مخالفته للتوراة. يجوز شتم رئيس الكهنة وَوَ َّ
قال بولس :لم أكن أعرف أيها الخوة أنه رئيس كهنة ؛ لنه
مكتوب :رئيس شعبك ل تقل فيه سوءا [أع 1 :23ـ [ ، ]5خروج :22
.]28
وفى التوراة أن الكراه على كسر حكم من أحكام الشريعة
يسقط العقاب على كسر الحكم .فإن الفتاة العذراء المخطوبة
لرجل ،إن وجدها فى الحقل وأمسكها الرجل واضطجع معها ؛
يموت الرجل الذى اضطجع معها وحده " وأما الفتاة فل تفعل بها
شيئاً .ليس على الفتاة خطية للموت ،بل كما يقوم رجل على
862
صاحبه ويقتله قتلً .هكذا هذا المر ،إنه فى الحقل وجدها ؛
فصرخت الفتاة المخطوبة فلم يكن من يخلصها " [تث 26 :22ـ
.]27
وفى النجيل ينصح المسيح تلميذه بالحذر من الناس فيقول" :
ها أنا أرسلكم كغنم فى وسط ذئاب.
فكونوا حكماء كالحيات ،وبسطاء كالحمام .ولكن احذروا من
الناس " [متى 16 :10ـ .]17
-------------
سمق َ -149تحليل الحنث فى ال َ
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
إنه جاء فى سورة البقرة( :ل يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ،
ولكن يؤاخكم بما كسبت قلوبكم ) ( )1وليس هذا من مقومات
النبل والشرف ؛ فإن المسيح قد نهى عن الحلف مطلقاً.
الرد على الشبهة:
تنص التوراة على " ل تنطق باسم الرب إلهك باطل ً " [خر :20
.] 7وفى سفر اللويين " :ول تحلقوا باسمى للكذب " [ل .]12 :19
ومفسروالتوراة يقولون " :اختلف المفسرون فى معنى هذه
الوصية فقال قوم :إنها تنهى عن القسم بالله على صحة ما هو
كاذب ،وقيل :إنها تنهى عن التهاون والستخفاف باسمه تعالى ،
حتى تحظر على النسان أن ينطق باسمه بدون مراعاة الرهبة
والحترام ".
ى المسيح عن القسم ليس عن كل شىء .بل عن القسم ونَهْ ُ
على ما هو باطل ،يقول المفسرون " :وقد أبان المسيح فى
موعظته على الجبل أن الشريعة منعت عن القسم على صحة ما
هو باطل فقط ".
وفى القرآن أن القسم مشروط (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين
الناس ) ( )2وليس على الكذب .فيكون اللغو فى الية مفسراً
بغير الكذب.
كبناء مسجد .هل يبنى أو ل يبنى ؟ فإنه إذا حسم التردد بيمين ،
ثم بدا له أن يرجع فى الحال؛ فله ذلك .أما إذا حسم التردد
بيمين .وعزم عليه وعقده وأكده ؛ فليس له أن يرجع فيه .وإن
رجع فيه يلزمه التكفير عنه .وعلى قوله (أن تبروا وتتقوا
وتصلحوا (ليكون الكذب داخل ً فى الموضوع على أى تفسير
للغو.
( )1البقرة.225 :
( )2البقرة.224 :
-------------------
863
-150تحليل الغراء بالمال
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
إن فى القرآن أن من مصارف الزكاة (والمؤلفة قلوبهم) وهذا
إغراء بالمال للدخول فى السلم.
الرد على الشبهة:
إذا كان الحسان إلى الناس إغراء لهم بالدخول فى السلم .فما
بال النصارى ينشئون المستشفيات والمبرات الخيرية فى بلد
المسلمين وفى غير بلد المسلمين لغرض التنصير والصد عن
سبيل الله ؟ وفى الدين السلمى أخذ الجزية من اليهود
والنصارى إذا أصروا على ما نشأوا عليه .ولو كان التأليف إغراء ؛
لما أخذ المسلمون منهم أموال الجزية .ذلك قوله تعالى( :قاتلوا
الذين ل يؤمنون بالله ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم الله
ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا
الجزية عن يد وهم صاغرون ) (.)1
وهل يسمى النصارى مكارم الخلق إغراء ؟ والمؤلفة قلوبهم هم
الذين ألف الله بين قلوبهم لقوله( :وألف بين قلوبهم لو أنفقت
ما فى الرض جميعا ً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم )
( )2وللتأليف أسبابه.
ومنها النفاق على طلب العلم الذين يتولون هدايتهم إلى الله.
وذلك بفتح دور للعلم فيها ليتعلم الطلب لغات المم ،ثم
ينتشرون لتعليمهم وإزالة شبه الشيطان عن دينهم ،ووضع
القرآن بينهم ،وما شابه ذلك .وهذا يُنفق عليه من أموال الزكاة.
( )1التوبة.29 :
( )2النفال.63 :
---------------------
-151تحليل القتل
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
إن فى القرآن شريعة القتال من أجل إسلم الُمم .وهذا يُع ّ
د
إكراها ً للناس على قبول الدين بالسيف.
الرد على الشبهة:
إن إبراهيم عليه السلم كان يدعو إلى الله ،ومن يستجيب له
يكون مساويا ً لجميع المؤمنين بالله .ومن ل يستجيب له ويصد
عن سبيل الله ؛ كان يحاربه ،وإبراهيم هو أب اليهود والنصارى
والمسلمين .ففى سفر التكوين " :بعد هذه المور صار كلم
الرب إلى أبرام فى الرؤيا قائلً :ل تخف .أنا تُرس لك ،أجرك
كثيًرا جدًا " [تك ]1:15أى حارب أعداء الله وأنا أحميك كما يحمى
الترس الجندى من ضربات السيوف.
864
وفى سفر الزبور نبوءة صلى الله عليه وسلم ومن أوصافه فيها:
" أما أنت يا رب فترس لى ،مجدى ورافع رأسى[ " ..مز]3 :
ويقول النصارى إن نبوءة عن المسيح ,وهم يعلمون أن المسيح
لم يحارب ولم يفتح بلداً .وفى هذه النبوءة يصرخ النبى إلى الله
أن ينصره ،وقد أجابه من جبل قدسه " بصوتى إلى الرب أصرخ
فيجيبنى من جبل قدسه " وجبل قدسه فى مكة المكرمة.
وفى التوراة أنه ل يحل لليهود أن يملك عليهم وثنى .فلو فرضنا
أن ملكا ً وثنيا ً قصد ديارهم وملك عليهم ؛ تفرض أنهم مأمورون
بقتاله ،ذلك قوله:
ً
" ل يحل لك أن تجعل عليك رجل ً أجنبي ّا ليس هو أخاك " [تث
]15:17وفى التوراة " :إذا خرجت للحرب على عدوك ،ورأيت خيلً
ومراكب قوما ً أكثر منك ؛ فل تخف منهم ؛ لن معك الرب إلهك"
[تث ]1 :20وهو معهم إذا كانوا يحاربون من أجل دينه ،ونبذ
عبادة الوثان .وذلك لن داود ـ عليه السلم ـ وهو يحارب
جالوت ؛ قال له´ :فتعلم كل الرض أنه يوجد إله لسرائيل ،
وتعلم هذه الجماعة كلها أنه ليس بسيف ول برمح يخلّص الرب ؛
لن الحرب للرب وهو يدفعكم ليدنا " [صموئيل الول 46 :17ـ .]47
وفى سفر المكّابيين الثانى فى قصة الم وأولدها السبعة أنها
كانت تحرض أولدها على الشهادة فى سبيل الله .ومن كلمها" :
ل أعلم كيف نشأتم فى أحشائى .فأنا لم أمنحكم الروح والحياة ،
ول أنا كونت أعضاء جسد كل واحد منكم ،بل الذى فعل ذلك هو
خالق العالم .فهو الذى جبل النسان وأبدع كل شىء .وهو لذلك
سيعيد إليكم برحمته الروح والحياة .لنكم الن تضحون بأنفسكم
فى سبيل شريعته " [2مك 22 :7ـ .]23وفى إنجيل لوقا :أن
المسيح أرسل تلميذه إلى مدن بنى إسرائيل وأمرهم أن ل
يحملوا زادا ً ول مال ً ول يلبسوا أحذية .وأن يبشروا باقتراب
ملكوت الله .فلما رجعوا " قال لهم :حين أرسلتكم بل كيس ول
مزود ول أحذية .هل أعوزكم شىء ؟ فقالوا :ل .فقال لهم :لكن
الن من له كيس ؛ فليأخذه ،ومزود كذلك .ومن ليس له فليبع
ثوبه ،ويشتر سيفا ً " [لو 35 :22ـ ]36فقد أمرهم بشراء السيوف
للحرب .وما يزال النصارى إلى هذا اليوم يحاربون أعداءهم.
وفى إنجيل متى يقول المسيح " :سمعتم أنه قبل عين بعين
وسن بسن وأما أنا فأقول لكم :ل تقاوموا الشر .بل من لطمك
على خدك اليمن فحول له الخر أيضا ً " [متى 38 :5ـ .]39
يريد أن يقول :إن التوراة مكتوب فيها العين بالعين والسن
بالسن [خر ]24 :21وأنا أقول لكم " :ل تقاوموا الشر " فى هذا
ض عادل ول ملك منصف .كما الزمان الفاسد الذى ليس فيه قا ٍ
865
قال صاحب سفر المثال فى زمانه " :ل تقل كما فعل بى هكذا
افعل به .أرد على النسان مثل عمله " [أم ]29 :24فهو وصاحب
سفر المثال لم يخالفا شريعة موسى فى أوقات العدل .وهما
ينصحان أنه إذا عم الظلم .فإنه يجب على المظلوم أن يفوض
أمره إلى الله .وقد وافق هو النبى إشعياء ومؤلف سفر مراثى
إرمياء على قولهما فى أيام الفساد واشتداد الظلم " :من لطمك
على خدك اليمن ،فحول له الخر أيضا ً " وهذا يدل على أنه فى
إرشاداته ونصحه لم يأت بجديد ،مع قوله " :ما جئت لنقصن
الناموس أو النبياء " [متى .]17 :5
ففى سفر إشعياء " :بذلت ظهرى للضاربين ،وخدى للناتفين.
وجهى لم أستر عن العار والبصق " [إش ]6 :50وفى سفر
المراثى " :يعطى خده لضاربه ،يشبع عارا " [مرا .]30 :3
-------------------
-152تحليل النهـب
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
إن الله حلل الغنائم ،وهذا أمر بقتل الناس ونهب أموالهم.
الرد على الشبهة:
إن تحليل الغنائم فى التوراة .ففى سفر التثنية " :وغنيمة المدن
التى أخذنا ..الجميع دفعه الرب إلهنا أمامنا " [تث 35 :2ـ ، ]36
وفى سفر التكوين فى صفات بنيامين " :فى الصباح يأكل
غنيمة ،وعند المساء يقسم نهبا ً " [تك ]27 :49أى محارب.
ومن أوصاف محمد رسول الله فى التوراة أنه يقسم غنائم .ففى
نبوءة العبد المتألم " :ومع العظماء يقسم غنيمة " [إش ]12 :53
ولكن النصارى يفسرونها على المسيح مع أنه لم يحارب أحداً.
وفى المزمور الثامن والستين عن محمد صلى الله عليه وسلم:
" الملزمة البيت تقسم الغنائم " [مز .]12 :68
-------------------
-153تحليل الحلـف
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
إن فى القرآن أن صاحب القرآن يقسم بالفجر والليالى العشر.
فلماذا يحلف ؟ وهل يحتاج صاحب القول الصادق إلى قسم يؤكد
به كلمه ؟
الرد على الشبهة:
إن المعترض يعنى بصاحب القرآن محمدا ً صلى الله عليه وسلم
منَّزِلة وهو الله ـ عز وجل ـ والقسم من الله نفسه ول يعنى ُ
بمخلوقاته هو للدللة على عظمها وأهميتها ومنافعها للناس .وفى
التوراة " :الذى حلف الرب لهم أنه " [يشوع " ]6 :5حلف الرب
866
بيمينه " [إشعياء ]8 :62وفى النجيل " ومن حلف بالهيكل فقد
حلف به وبالساكن فيه ،ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش
الله وبالجالس عليه " [متى 21 :23ـ ]22وفى الزبور " :أقسم
الرب ولن يندم "[مز ]4 :110وفى سفر التكوين " :بذاتى أقسمت
،يقول الرب " [تك ]16 :22وفى سفر أعمال الرسل أن كاهناً
وأولده كانوا يقسمون باسم يسوع المسيح " قائلين نقسم عليك
بيسوع " [أع .]13 :19
------------------
-154تحليل النتقام
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
يقول المؤلف :إن القرآن يحلل النتقام بقوله( :فمن اعتدى
عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) (.)1
الرد على الشبهة:
قد بينا فى إجابة السؤال الرابع من الجزء الثالث معنى قول
حوِّل له الخر أيضا ً ".المسيح " لطمك على خدك اليمن فَ َ
ونبين هنا :أن رد العتداء ليس فرضا ً على المسلمين .فالفرض
هو إما رد العتداء ،وإما الصفح عن الجانى .ورد العتداء فرض
فى التوراة والصفح عن الجانى فى العدل مرفوض فى التوراة.
ففى التوراة:
سنًّا بسن " وإن حصلت أذية ؛ تعطى نفسا ً بنفس وعينا ً بعين و ِ
ويدا ً بيد ورجل ً برجل وكيًّا بكى وجرحا ً بجرح ورضا ً برضى " [خر
23 :21ـ .]25
وليس عندهم دفع الدية فى مقابل العفو عن القاتل .أما فى
القرآن الكريم ففيه (فمن ع ُفى له من أخيه شىء ؛ فاتباع
بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة ) ()2
أى تخفيف من الحكم القديم الذى كان فى التوراة وهو عدم
قبول الدية.
( )1البقرة.194 :
( )2البقرة.178 :
-----------------
-155تحليل الشهوات
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
1ـ إن القرآن أباح للمسلمين أكثر من زوجة.
2ـ إن الله فى الجنة سيرزق المؤمنين بنساء من الحور العين.
وليست الجنة مكانا ً للشهوات الحسية ،ول يبيح دين من عند الله
تعدد الزوجات.
الرد على الشبهة:
867
إن هذه الشبهة مكونة من جزأين:
الجزء الول :تعدد الزوجات ،والجزء الثانى :إباحة الشهوات
الحسية فى الجنة.
والرد على الجزء الول هو:
إن إبراهيم ـ عليه السلم ـ كان متزوجا ً من سارة وهاجر
وقطورة .وهو أب لليهود والنصارى والمسلمين.وأيضا ً كانت له
سرارى كثيرة لقوله " :وأما بنو السرارى اللواتى كانت لبراهيم
فأعطاهم إبراهيم عطايا وصرفهم عن إسحاق ابنه شرقا ً إلى
أرض المشرق وهو بعد حى " [تك ] 6 :25وموسى كان متزوجاً
من مديانية وحبشية [عدد ]1 :12ويعقوب ـ عليه السلم ـ كان
متزوجا ً من حرتين وأمنين وهما ليئة وراحيل وزلفة وبلهة [تك 29
وما بعده] وكان لداود نساء هن :أخينوعم اليزرعبلية ـ أبيجايل ـ
معكة ـ حجيث ـ أبيطال ـ عجلة .الجميع ستة عدا بثشبع امرأة
أوريا الحثى التى أنجب منها سليمان ـ عليه السلم ـ [صموئيل
الثانى 1 :3ـ ]5وكان لسليمان " سبع مائة من النساء السيدات ،
وثلث مائة من السرارى " [ الملوك الول .]3 :11
سىوفى النجيل أنه كان للمسيح أربع إخوة هم :يعقوب ومو ِ
ويهوذا وسمعان [مرقس ]3 :6واتفق النصارى على أن مريم أتت
به بغير زرع بشر .وإذ هذا حاله .فهل هؤلء الربعة على الحقيقة
إخوة أم على المجاز؟ اختلفوا .لن متى قال عن يوسف النجار:
" ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر " [مز ]24 :1فيكون قد
عرفها بعد ولدته .وإن منهم لفريقا ً يقولون " :إنها ظلت عذراء
إلى أن ماتت ،وإن الربعة أولد ليوسف عن زوجة سابقة له
على مريم " .وعلى أية حال فإن غرضنا وهو إثبات تعدد الزوجات
بإخوة المسيح الربعة .وفى تفاسير النجيل أنه كان له أختان
أيضا ً هما أستير وثامار ؛ يكون ملزما ً لهم بإثبات التعدد.
والرد على الجزء الثانى هو:
إن التوراة تصرح بالبعث الجسدى والروحى معاً .فيكون النعيم
حسيًّا ،والعذاب حسيًّا .والنجيل يصرح بالبعث الجسدى
والروحى معاً .ولكن بُولُوس صرح بالبعث الروحى لغرض اللغو
فى حقيقة ملكوت السماوات.
ولسنا ههنا بصدد مناقشته .وإنما نحن ههنا بصدد إثبات البعث
الجسدى والروحى .ففى إنجيل مرمقس يقول المسيح " :وإن
أعثرتك يدك فاقطعها ،خير لك أن تدخل الحياة أقطع من أن
يكون لك يدان وتمضى إلى جهنم .إلى النار التى ل تطفأ .حيث
دودهم ل يموت والنار ل تطفأ ..إلخ " [مر 43 :9ـ ]44وفى إنجيل
متى " وإن كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها وألقها عنك ؛ لنه
868
خير لك أن يهلك أحد أعضائه ،ول يلقى جسدك كله فى جهنم
" [متى .]30 :5
مسّرات فى الجنة " :لم تر عينا إنسان وفى سفر إشعياء عن ال ُ
ولم تسمع أذناه ولم يدرك قلب بشر ما أعده الله للذين يحبونه "
[إش ]4 :64واستدل به بولس فى الرسالة الولى إلى أهل
كورنثوس [ ، ]9 :2وفى سفر أيوب " :أعلم أن إلهى حى ،وأنى
سأقوم فى اليوم الخير بجسدى وسأرى بعينى الله مخلّصى
" [أى 25 :19ـ ]27وفى ترجمة البروتستانت " :وبدون جسدى ".
وفى سفر إشعياء عن عذاب جهنم " :يجلس خدمى على مائدتى
فى بيتى ،ويتلذذون بابتهاج مع حبور ومع صوت العواد والراغن
ول أدعهم يحتاجون شيئا ً ما ،أما أنتم أعدائى فتطرحون خارجاً
عنى حيث تموتون فى الشقاء ،وكل خادم لى يمتهنكم " [إش
.]13 :60
------------------
-156الحدود في السلم
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
الرد على الشبهة:
إن الدارس للسلم وأحكامه يدرك حقائق أساسية لتشريع
الحدود فى السلم نحاول أن نشير إلى بعضها بإيجاز:
أولً :الحدود فى السلم إنما هى زواجر تمنع النسان المذنب أن
يعود إلى هذه الجريمة مرة أخرى.
وهى كذلك تزجر غيره عن التفكير فى مثل هذه الفعلة وتمنع من
ضا نكال " مانع " من يفكر من أن يقارف الذنب ،وهى أي ً
الجريمة على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة.
ثانيًا :إن من المقرر لدى علماء السلم قاعدة " درء الحدود
بالشبهات " أى جعل الظن والشك فى صالح المتهم.
ثالثًا :ليس المراد بالحدود التشفى والتشهى وإيقاع الناس فى
الحرج وتعذيبهم بقطع أعضائهم أو قتلهم أو رجمهم.
إنما المراد هو أن تسود الفضيلة ،ومن هنا نجد الشرع الشريف
ييسر فى هذه الحدود.
فإذا اشتدت الظروف فى حالت الجوع والخوف والحاجة تعطل
الحدود ،كما فعل سيدنا عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ فى
عام الرمادة.
ضا أن السلم يأمر بالستر قبل الوصول إلى ومن التيسير أي ً
ل يشهد على الحاكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرج ٍ
الزنا [ لو سترته بثوبك كان خيًرا لك ] (.)1
869
رابعًا :الشريعة السلمية شريعة عامة لكل زمان ومكان ،
والناس مختلفون فى ضبط نفوسهم ،فلبد من وجود عقاب
رادع يضبط أصحاب النفوس الضعيفة من الوقوع فى الجرائم
والحدود والردة عن السلم حتى يسلم المجتمع من الفساد
ظاهًرا وباطنًا.
سا :الحدود إنما هى جزء من النظام السلمى العام ،فلبد خام ً
من فهم النظام ككل حتى تفهم الحدود ول يمكن تطبيق الحدود
إل مع تطبيق النظام السلمى ككل وإل ل ينسجم المر ول
تستقيم حكمة الله من تشريعه.
سا :الحدود دعوة صريحة للتخلق بالخلق الحسنة التى هى ساد ً
ضا طريق إلى التوبة إلى الله ، من مقاصد الدين وهى أي ً
فالمذنب إذا عوقب بعقاب الشارع الذى هو منسجم مع تكوينه
وواقع وفق علم الله تعالى به وبنفسيته فإن هذا يخاطب قلبه
ومشاعره بوجوب الرجوع إلى ربه.
ويكفى ارتداع المسلم عن الجريمة ودخوله فى رحمة ربه
معرفته بأن ربه هو الذى شرع له هذا الحكم ،فإن هذا وحده من
شأنه أن يجعله يتوب وينجذب إلى ربه ويصير مؤمنًا بالله جل
جلله خاصة إذا علم أن هذا الحد يكفر عنه هذا الذنب.
ساب ًعا :السلم دين ،والحدود والتعاذير إنما هى فى كل دين بل
وفى كل نظام قانونى ومن أراد على ذلك مثال فالتوراة مثلً
تأمر بحرق الزانية والزانى إذا كانت ابنة كاهن.
ذلك قولهم " وإذا تدنست ابنة كاهن بالزنا فقد دنست أباها ،
بالنار تحرق [اللويين .]9 :21
ومن النظم القانونية من يأمر بقتل الخارج على النظام إلى غير
ذلك.
ثامنًا :الحدود عقوبات واعية تتناسب مع النفس البشرية
والعقوبات البديلة خالية من هذه القيم.
( )1رواه أبو داود.
----------------
-157حد السرقة
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
الرد على الشبهة:
ل متكامل ،فل تفهم حكمة الجزئيات إن النظام السلمى ك ٌ
التشريعية فيه حق فهمها إل أن ينظر فى طبيعة النظام وأصوله
ومبادئه ،كذلك ل تصلح هذه الجزئيات فيه للتطبيق إل أن يؤخذ
النظام كامل ً ويعمل به جملة واحدة هذا بصفة عامة.
أما بالنسبة لحد السرقة:
870
فإن السلم يقرر حق كل فرد فى الحياة وحقه فى كل الوسائل
لحفظ حياته ،ومن حق كل إنسان أن يحصل على هذه الوسائل:
أول ً عن طريق العمل مادام قادرا ً على العمل ،فإن لم يستطع
صـل أسباب الحياة فعلى المجتمع المسلم أن يوفر له ما أن يح ِّ
يحفظ حياته أول ً من النفقة التى تفرض له شرعا ً على القادرين
فى أسرته.
ثانيا ً على القادرين من أهل محلته.
ثالثا ً من بيت مال المسلمين من حقه المفروض له فى الزكاة
فى نظام تكافلى للرعاية الجتماعية والمن الجتماعى.
والسلم كذلك يتشدد فى تحديد وسائل جمع المال فل تقوم
الملكية الفردية فيه إل على حلل ،ومن ثم ل تثير الملكية
الفردية فى المجتمع المسلم أحقاد الذين ل يملكون حيث يمكن
لكل أحد أن يصبح غنيًّا بالوسائل المشروعة المتاحة والسوق
التنافسية الشريفة .والسلم يربى ضمائر الناس وأخلقهم ،
فيجعل تفكيرهم يتجه إلى العمل والكسب ل إلى السرقة ،
وبذلك يحفظ مصالح الفرد والمجتمع معاً.
إذن فلماذا يسرق السارق فى ظل هذا النظام ؟ إنه ل يسرق إل
للطمع فى الثراء من غير طريق العمل ،والثراء ل يطلب من
هذا الوجه الذى يروع الجماعة المسلمة فى دار السلم ،
ويحرمها الطمأنينة التى من حقها أن تستمتع بها ،ويحرم أصحاب
المال الحلل أن يطمئنوا على مالهم الحلل.
فإذا سرق إنسان بعد هذا فإنه ل يسرق وله عذر ،ول ينبغى لحد
أن يرأف به متى ثبت عليه الجريمة وأحيل أمره إلى النظام.
ونفس النسان فطرت على حب المال ولعل هذا هو الذى يدفع
معظم الناس إلى العمل والكد .والسلم دائما ً يقوّم دوافع
النفس حتى تنضبط إما بالترغيب أو بالترهيب .من هنا حض
السلم على الكسب الحلل ورغّب فيه ورهّب من السرقة بهذه
العقوبة ،حتى يستقيم المجتمع بما فيه من بار وفاجر .يقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم [إن الله ليدع بالسلطان ما ل
يدع بالقرآن].
ولما كان قطع يد السارق يفضحه ويسمه بسمة السرقة ويطلع
الناس على ما كان منه .فقد أقام السلم حراسة على من يتهم
بالسرقة ،فل تقطع يده مع وجود شبهة فى أنه سرق كما ل
تقطع يده فى الشىء المسروق إذا كان تافها ً ل يعتد به ،أو كان
فى غير حرز بل إن السارق فى تلك الحالة يعزر بالضرب أو
الحبس ،ول تقطع يده.
871
ومن تلك الضوابط التى وضعتها الشريعة لقامة حد القطع على
السارق:
أولً :أن يكون المسروق شيئا ً ذا قيمة أى أن له اعتبارا ً اقتصاديٍّا
فى حياة الناس .عن السيدة عائشة ـ رضى الله عنها ـ عن النبى
صلى الله عليه وسلم أنه قال [ :تقطع اليد ـ أى يد السارق ـ
بربع دينار فصاعدا ً ] (.)1
ثانياً :أن يكون المسروق محروزا ً ،أى محفوظا ً فى حرز.
ثالثاً :أن ما أخذ للكل بالفم من التمر فهذا ل قطع فيه ول تعزير.
رابعاً :السرقة فى أوقات المجاعات ل قطع فيها ولذلك أبطل
عمر ـ رضى الله عنه ـ القطع فى عام الرمادة حينما عمت
المجاعة.
خامساً :العبد إذا سرق شىء ينظر هل سيده يطعمه أم ل ؟ فإن
كان ل ،غرم سيده ضعف ثمن المسروق كما فعل سيدنا عمر
بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ فى غلمان ابن حاطب بن أبى
بلتعة حينما سرقوا ناقة رجل من مزينة فقد أمر بقطعهم ولكن
حين تبين له أن سيدهم يجيعهم درأ عنهم الحد وغرم سيدهم
ضعف ثمن الناقة تأديبا ً له.
والقاعدة أن الحدود تُدَْرء بالشبهات.
وهكذا ينبغى أن تفهم حدود السلم فى ظل نظامه المتكامل
الذى يتخذ أسباب الوقاية قبل أن يتخذ أسباب العقوبة.
فالحدود تمنع من وقوع الجريمة ولذلك نرى على مر التاريخ
السلمى وعلى مساحة واسعة من بلد المسلمين أن حد
السرقة لم يطبق إل فى أضيق الحدود وبعدد محدود جدا ً ل
يتجاوز العشرات مع كل هذه المليين من البشر حيث استقر فى
وجدان المسلمين أن السرقة جريمة من الجرائم السيئة التى
تهدد المن الجتماعى والمجتمع فى ذاته بحيث تستحق مثل هذه
العقوبة البدنية التى تشبه عقوبة العدام وعلى قدر عظم الذنب
والجرم يكون عظم العقاب.
وبعض المعاصرين ينطلقون من نموذج معرفى آخر يقدم بدن
النسان فى ذاته بغض النظر عن أفعاله وجرائمه .وقد خفى
عليهم كل هدى سليم ول حول ول قوة إل بالله العلى العظيم.
( )1رواه أبو داود.
--------------------
-158حد الزنا
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
الرد على الشبهة:
872
إن جريمة الزنا لهى من أقذر الجرائم حتى أنكرها كل دين ،بل
وأنكرها العقلء والراشدون من الناس ،كما أنكرها أصحاب
المدنية الغربية جهًرا وإن قبلوها سًرا وذلك لما فيها من عدوان
على حقوق الزواج ومن اختلط للنساب وحل لروابط السرة
وقتل لما فى قلوب الباء من عطف وحنان على البناء ،ورعاية
ل سخى لهم بما يبلغ حد التضحية بالراحة والنفس ،المر وبذ ٍ
الذى ل يكون إل إذا ملت عاطفة البوة قلوب الباء وذلك ل
يكون إل إذا وقع فى قلوب الباء وقوع ًا محققًا أن هؤلء البناء
من أصلبهم.
ثم لعلك ل تعجب لما تقرأ من الخبار الواردة إلينا من أمريكا
وأوروبا عن آباء قتلوا أولدهم بأيديهم وأتوا على السرة كلها فى
لحظة واحدة دون أن ينبض فيهم شعور بالتردد قبل الجريمة أو
الندم بعدها ،وذلك شفاء لما فى نفوسهم من شكوك فى صحة
نسب هؤلء البناء إليهم حتى لقد تحولت هذه الشكوك إلى
عواطف من الجنون الذى أفقد هؤلء الباء كل شعور إنسانى
نحو البناء المشكوك فى نسبهم ،وهيهات أن يخلو شعور
أوروبى من الشك فى نسبة أبنائه إليه مع هذه الباحية المطلقة
للجمع بين النساء والرجال فى أى مكان وأى زمان.
فإن أراد السلم أن يحارب هذه الجريمة برصد هذه العقوبة
الرادعة ـ الرجم للمحصن ،والجلد لغير المحصن ـ كان ذلك عند
أعداء السلم تهمة شنيعة يرمونه بها ويحاكمونه عليها ليخرجوه
من حدود النسانية المتحضرة إلى عالم سكان الدغال ورعاة
البل والشياه فى الصحارى.
ويقولون :كيف يحكم السلم بإهدار آدمية النسان حتى يأمر
بجلده على مرائى ومسمع من الناس ؟ ثم كيف تصل الوحشية
فى قسوتها إلى أن يُلقى بالنسان فى حفرة ثم تتناوله اليدى
رجما ً بالحجارة إلى أن يموت.
هكذا يقولون (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إل
كذبا ً ) (.)1
ول ننكر أن فى شريعة السلم حكم الجلد والرجم يقول الله
تعالى( :الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد ٍ منهما مائة جلدة ول
تأخذكم بهما رأفة فى دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخر
وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) (.)2
ئ مسلم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ل يحل دم امر ٍ
إل بإحدى ثلث :الثيب الزانى ،والنفس بالنفس ،والتارك لدينه
المفارق للجماعة ] (.)3
والنظام السلمى كل متكامل ل تفهم جزئياته إل فى نسق واحد.
873
فإن السلم قد حّرم النظر إلى " الجنبيات " قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم [ النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة
فمن تركها من خوف الله أثابه إيمانا ً يجد حلوته فى قلبه ] (.)4
وكذلك أمر النساء أل يظهرن الزينة إل للزواج أو القارب من
الصلب الذين ل يُخشى منهم فتنة.قال الله تعالى( :يا أيها النبى
قل لزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلبيبهن )
( ، )5وقال:
(وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ) ( .)6وأمر أيضا ً أل يختلى
رجل بامرأة ل تحل له قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ما
اجتمع رجل وامرأة إل وكان الشيطان ثالثهما ].
وحرم أيضا ً أن يمس الرجل امرأة ل تحل له فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم [ لئن تضرب بمخيط فى رأسك فتدمى به
رأس خير لك من أن تمس امرأة ل تحل لك ] .وقبل هذا كله
فقد استطاع السلم أن يربى الضمير فى الرجل والمرأة على
حد سواء على ضوء ما جاء فى قصة ماعزو الغامدية.
والسلم كذلك حض الشباب على إخراج هذه الشهوة فى
منفذها الشرعى بالزواج .فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم [ :يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه
أغض للبصر وأحفظ للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له
وجاء ] ( )7أى قاطع للشهوة.
وكذلك رخص للرجل أن يتزوج بامرأة واحدة أو اثنين أو ثلثة أو
أربع مادام يملك النفقة ويستطيع العدل.
وأمر أولياء المور أن ل يغالوا فى مهور بناتهم فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم [ إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه
فزوجوه إل تفعلوا تكن فتنة فى الرض وفساد كبير ] ( .)8وأمر
الغنياء أن يساعدوا الشباب فى نفقات الزواج .وقد قام الخليفة
العادل عمر بن عبد العزيز بتزويج الشباب والفتيات من بيت مال
المسلمين.
هذا كله هو بعض ملمح السلم فى تيسير أمر إخراج هذه
الشهوة بطريق مشروع ،والحقيقة أن مثل هذه الشنيعة ل
تحصل فى المجتمع المسلم ـ الذى تسوده الفضيلة ـ إل بعد تدبير
عظيم من كل الطرفين يدل على إجرام كل الطرفين ولكن مع
كل هذا فإن شريعة السلم قد وضعت شروط من الصعب جدًا
توافرها قبل إيقاع العقوبة.
فإن لم تتوفر مجتمعة ل يقام الحد على صاحب هذه الفعلة جلداً
كان أو رجما ً وهذه هى الشروط:
874
1ـ لبد حتى تثبت الجريمة من شهادة أربعة شهود عدول
يشهدون بأنهم رأوا من الرجل والمرأة ما يكون بين الرجل
وزوجته من اتصال مباشر ،المر الذى ل يكاد يراه أحد ٌ من
البشر.
وكأن الشريعة ل ترصد هذه العقوبة على هذه الفعلة بوصفها
ولكنها ترصدها على شيوع هذه الفعلة على المل من الناس
بحيث ل يبغى بين الناس من يعرف معروفا ً ول ينكر منكراً.
2ـ إن الشريعة السلمية تقرر درء الحدود بالشبهات بمعنى أن
أى شك فى شهادة الشهود يفسر لصالح المتهم فيسقط بذلك
الحد .قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ادرءوا الحدود
بالشبهات ] (.)9
3ـ فرضت الشريعة عقوبة الجلد ثمانين جلدة على من قذف
محصنة ثم لم يأت بأربعة يشهدون بأنهم رأوا منها ومن المقذوف
بها ما يكون بين الزوج وزوجته قال الله تعالى( :والذين يرمون
المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ول
تقبلوا لهم شهادة أبدا ً وأولئك هم الفاسقون ) (.)10
4ـ رغبت الشريعة السلمية فى التستر على عورات المسلمين
وإمساك اللسنة عن الجهر بالفواحش وإن كانت وقعت ،قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم [ لرجل جاء يشهد :هل
سترتهما بثوبك ] يقول الله تعالى( :إن الذين يحبون أن تشيع
الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والخرة والله
يعلم وأنتم ل تعلمون ) (.)11
أبعد هذا كله يتخرص متخرص ويقول :إن السلم يظلم النسان
ويهدر أدميته حين يأخذ أولئك الذين يأتون الفاحشة على أعين
بما يأخذهم به من جلد بالسياط .وفضح بين المل من الناس.
أفل يسأل هؤلء المتخرصون أنفسهم ماذا يبقى للنسان من
آدميته وكرامته إذا تركت هذه الفاحشة يعالى بها بعض الدميين
من غير استحياء ثم ل يضرب على أيديهم أحد .إن إنسانا ً توفرت
له كل هذه الميسرات وتجرأ على الترتيب لهذه الفعلة الشنيعة.
ثم افتضح حاله حين يراه هذا العدد فى هذا الوضع.
إن إنسانا ً فى مثل هذا الحال لهو إنسان مفسد ضال مضل ولو
لم يتم بتره أو تربيته فإن هذا يشكل خطرا ً على المجتمع كله.
والمتحدثون عن حقوق النسان يقولون ل بأس من أن يحبس
قترة من الزمن ثم يخرج لكى يمارس عمله ول يعلمون أن مثل
هذا الحبس سوف يمكنه من أن يخالط من هو أجرم منه ليتعلم
منه ويعلمه ويخرجان إلى المجتمع بعد أن أصبحا إمامين فى
الضلل ليضل الناس عن طريق رب الناس وهذا هو المشاهد.
875
فضل ً عن الذى يترتب على الحد من تكفير لهذا الذنب.
وإن المتتبع ل يجد هذه العقوبة قد نفذت " حال تنفيذ العقوبات "
إل فى أعداد محدودة ول ضرر فى هذا مادام قد وفر المن
والستقرار للمجتمع.
( )1الكهف.5 :
( )2النور.2 :
( )3رواه مسلم.
( )4رواه الحاكم فى المستدرك.
( )5الحزاب.59 :
( )6النور.31 :
( )7رواه البخارى.
( )8رواه ابن ماجه.
( )9رواه الترمذى.
( )10النور.4 :
( )11النور.19 :
---------------
-159حد الردة
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
الرد على الشبهة:
إن السلم يقرر حرية اختيار الدين ،فالسلم ل يكره أحدا ً على
أن يعتنق أى دين يقول الله تعالى (ل إكراه فى الدين ) (.)1
غاية ما هنالك أن السلم ل يقبل الشرك بالله ول يقبل عبادة غير
الله وهذا من صلب حقيقة السلم باعتبار كونه دين من عند الله
جل وعل ،ومع ذلك يقبل النصارى واليهود ول يقاتلهم على ما
هم عليه ولكن يدعوهم إلى السلم .كما أن السلم ل يبيح
الخروج لمن دخل فى دين الله ل يكلف أحدا ً أن يجهر بنصرة
السلم ،ولكنه ل يقبل من أحد ٍ أن يخذل السلم ،والذى يرتد
عن السلم ويجهر بذلك فإنه يكون عدوًّا للسلم والمسلمين
ويعلن حربا ً على السلم والمسلمين ول عجب أن يفرض السلم
قتل المرتد ،فإن كل نظام فى العالم حتى الذى ل ينتمى لى
دين تنص قوانينه أن الخارج عن النظام العام له عقوبة القتل ل
غير فيما يسمونه بالخيانة العظمى.
وهذا الذى يرتد عن السلم فى معالنة وجهر بارتداده ،إنما يعلن
بهذا حربا ً على السلم ويرفع راية الضلل ويدعو إليها المنفلتين
من غير أهل السلم وهو بهذا محارب للمسلمين يؤخذ بما يؤخذ
به المحاربون لدين الله.
876
والمجتمع المسلم يقوم أول ما يقوم على العقيدة واليمان.
فالعقيدة أساس هويته ومحور حياته وروح وجوده ،ولهذا ل
يسمح لحد أن ينال من هذا الساس أو يمس هذه الهوية .ومن
هنا كانت الردة المعلنة كبرى الجرائم فى نظر السلم لنها خطر
على شخصية المجتمع وكيانه المعنوى ،وخطرعلى الضرورة
الولى من الضرورات الخمس " الدين والنفس والنسل والعقل
والمال ".
والسلم ل يقبل أن يكون الدين ألعوبة يُدخل فيه اليوم ويُخرج
منه غدا ً على طريقة بعض اليهود الذين قالوا( :آمنوا بالذى أنزل
على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ) (.)2
والردة عن السلم ليست مجرد موقف عقلى ،بل هى أيضا ً تغير
للولء وتبديل للهوية وتحويل للنتماء.
فالمرتد ينقل ولءه وانتماءه من أمة إلى أمة أخرى فهو يخلع
نفسه من أمة السلم التى كان عضوا ً فى جسدها وينقم بعقله
وقلبه وإرادته إلى خصومها ويعبر عن ذلك الحديث النبوى بقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه [ :التارك لدينه المفارق
للجماعة ] ( ، )3وكلمة المفارق للجماعة وصف كاشف ل
منشئ ،فكل مرتد عن دينه مفارق للجماعة.
ومهما يكن جرم المرتد فإن المسلمين ل يتبعون عورات أحد ٍ ول
يتسورون على أحد ٍ بيته ول يحاسبون إل من جاهر بلسانه أو قلمه
أو فعله مما يكون كفرا ً بواحا ً صريحا ً ل مجال فيه لتأويل أو
احتمال فأى شك فى ذلك يفسر لمصلحة المتهم بالردة.
إن التهاون فى عقوبة المرتد المعالن لردته يعرض المجتمع كله
للخطر ويفتح عليه باب فتنة ل يعلم عواقبها إل الله سبحانه .فل
يلبث المرتد أن يغرر بغيره ،وخصوصا ً من الضعفاء والبسطاء
من الناس ،وتتكون جماعة مناوئة للمة تستبيح لنفسها الستعانة
بأعداء المة عليها وبذلك تقع فى صراع وتمزق فكرى واجتماعى
وسياسى ،وقد يتطور إلى صراع دموى بل حرب أهلية تأكل
الخضر واليابس.
وجمهور الفقهاء قالوا بوجوب استتابة المرتد قبل تنفيذ العقوبة
فيه بل قال شيخ السلم ابن تيمية هو إجماع الصحابة ـ رضى
الله عنه ـ وبعض الفقهاء حددها بثلثة أيام وبعضهم بأقل وبعضهم
بأكثر ومنهم من قال يُستتاب أبدا ً ،واستثنوا من ذلك الزنديق ؛
ب الرسول صلى لنه يظهر خلف ما يبطن فل توبة له وكذلك سا ّ
الله عليه وسلم لحرمة رسول الله وكرامته فل تقبل منه توبة
َ
وأل ّف ابن تيمية كتابا ً فى ذلك أسماه " الصارم المسلول على
شاتم الرسول ".
877
والمقصود بهذه الستتابة إعطاؤه فرصة ليراجع نفسه عسى أن
حجة ويكلف العلماء بالرد على ما تزول عنه الشبهة وتقوم عليه ال ُ
حجة إن كان يطلب فى نفسه من شبهة حتى تقوم عليه ال ُ
الحقيقة بإخلص وإن كان له هوى أو يعمل لحساب آخرين ،يوليه
الله ما تولى.
( )1البقرة.156 :
( )2آل عمران.72 :
( )3رواه مسلم.
------------------
حد ُّ الردَّة
دّين والحفاظسياج المنيع والحصن الحصين لحماية هذا ال ِ هو ال ِّ
على المسلمين
تمهيد
تعريف الردة
أدلة كفر المرتد
كيفية توبة المرتد ردة مجردة
أدلة قتل المرتد
ل فرق بين الرجل والمرأة في إقامة حد الردة
أنواع الردة
أقوال أهل العلم في ذلك
نماذج للفرق المعاصرة المرتدة عن السلم
أسباب الوقوع في الردة
حكم من أباح الردة وأنكر حدها
تمهيد
الحمد لله الذي جعل الدَِّين قواماً ،ومحمد بن عبد الله للمتقين
إماما ً صلى الله عليه وآله وسلم ،والحدود الشرعية حافظاً
وسياجاً ،والعلماء العاملين ردءا ً لدين الله عز وجل ،ينفون عنه
تحريف الغالين ،وتأويل المبطلين ،وشبه وتشكيك الشاكين،
ودعاوى المارقين ،فجزى الله السلم وجزاهم عنه خير الجزاء،
وأمدَّهم بعونه وتوفيقه ،وحفظهم وكلهم بعين رعايته ،إنه ولي
ذلك والقادر عليه ،ول حول ول قوة إل به.
لقد رفع المنافقون ـ نفاق العتقاد ـ في الونة الخيرة عقيرتهم،
وأبانوا عن سوأتهم ،وكشفوا عن قبيح معتقداتهم ،وناصبوا المة
السلمة بعداوتهم ،وحاربوها بالتشكيك والطعن في الثوابت
والمسلمات ،بل بلغت بهم الجرأة والوقاحة أن أباحوا الردة
وأنكروا حدها ،وساووا بين دين الحق والديان الباطلة ،فازدادوا
كفرا ً ونفاقا ً إلى كفرهم ونفاقهم ،لردهم لي القرآن ،وصحيح
878
السنة ،ودفعهم لما هو معلوم من الدين ضرورة ،وذلك كله
لسكوت العلماء ،ولحجام الحكام عن حماية شرع الله ،فمن لم
يردعه القرآن أخافه السلطان ،فالله يزع بالسلطان ما ل يزع
بالقرآن" :من أمن العقوبة أساء الدب" ،ورحم الله المام أبا بكر
بن العربي المالكي عندما وصف كفر غلة الشيعة بأنه "كفر بارد
ل تسخنه إل حرارة السيف ،أما دفء المناظرة فل يؤثر فيه"1.
فما الذي يردع هؤلء؟ وهم يرون من سبقهم من الزنادقة أمثال
سلمان رشدي ،ونصر أبي زيد ،والبغدادي ،وغيرهم كثير ل كثر
الله من أمثالهم ،يسرحون ويمرحون ويُحمون ،وينادي بعض
المنهزمين من العلماء بعدم إقامة الحد على بعضهم بدعوى أنهم
تابوا !!
ترى ما الذي منع بشر المريسي من إظهار بدعة العتزال وكان
يعتقدها ويخفيها منذ عهد الرشيد؟ سوى خوفه من الرشيد ،ولما
أمن العقوبة في عهد المأمون أساء الدب وأظهر ما كان يخفيه.
وبعد..
فهذا بحث عن تعريف الردة ،وحدها ،وأقسامها ،وأدلة ذلك،
والسباب الداعية لها ،وهل للمرتد من توبة؟ وعن أحكام المرتد،
وعمن قتله ولة أمر المسلمين من المرتدين قديما ً وحديثاً ،كتبت
ذلك نصحا ً للمة ،ومعذرة إلى ربي ،ولعلهم يرجعون ،وردا ً على
ما سطر ويسطر في الصحف هذه اليام من المتطفلين الجرآء
الجاهلين ،وتهجمهم على الدين ،وتشكيكهم في هذا الحد الذي
جعله الله حماية للدين ،وزجرا ً للزنادقة المارقين ،يقول شيخ
السلم ابن تيمية رحمه الله( :فإنه لو لم يقتل ذلك المرتد لكان
الداخل في الدين يخرج منه ،فقتله حفظ لهل الدين وللدين،
فإن ذلك يمنع من النقص ،ويمنعهم من الخروج عنه)2.
إذ ل يحل تأخير البيان عن وقت الحاجة ،وقد تأخر ،مما حدى
بهؤلء الوَّراقين السفهاء أن ينادوا بإسقاط حد الردة ،ويعتبروا
إقامة حدها جريمة ل تغتفر" :كبُرت كلمة تخرج من أفواههم إن
يقولون إل كذباً" ،ونبشر هؤلء أن حد الردة قائم ما قامت
السموات والرض ،ولو اجتمع من في الرض جميعا ً لما
استطاعوا أن يسقطوا حدا ً من حدود الله ،دعك عن مجموعة
الوراقين ،ونذكرهم بأن دين الله منصور ،وعليهم أن ل يغتروا
بغلبة إخوانهم أهل الكفر والفجور ،فاليام دول ،والحرب سجال،
والله غالب على أمره ،ونذكرهم كذلك بأن إقامة الحد عليهم في
الدنيا أفضل لهم من إقامته عليهم يوم يقوم الشهاد.
على المسؤولين أن يتقوا الله في دينه ،ويعملوا على إيقاف هذه
الحملت الكفرية التي يقودها الشيوعيون والمنافقون في
879
الصحف ،وفي بعض الجامعات؛ في الصحف الحائطية ،وأركان
النقاش ،وليعلموا أن ذلك من أوجب واجباتهم ،فليس هناك شيء
أوجب على الحاكم من حماية الدين وردع الزنادقة المارقين بعد
مموا نحو "المبريالية العالمية" ،بعد أن خرجوا من أجحارهم ،وي ّ
سقوط روسيا الشيوعية ،عجبا ً لهؤلء الذين لم يرضوا بالله رباً،
وبالسلم ديناً ،وبمحمد نبيا ً ورسولً ،واستعاضوا عن ذلك
بالعبودية لغير الله ،والعمالة لكل من يحاد ّ الله ورسوله
والمؤمنين" :ومن يهن الله فما له من مكرم" ،3ل غرو في ذلك
فقد أصبحت روسيا نفسها عميلة لمريكا ،فالعقوق سمة من
سمات هؤلء القوم ،ومن قبل عقوا لدين آبائهم وأجدادهم.
والله أسأل أن يوفق ولة المر من الحكام والعلماء للقيام
بدورهم ،وتحمل مسؤولياتهم ،وأداء واجباتهم على الوجه الذي
يرضيه ،وأن ينتقم من الكفار والمنافقين ،وأن يخالف بين
قلوبهم ،ويجعل كيدهم في نحورهم ،وآخر دعوانا أن الحمد لله
رب العالمين ،والصلة والسلم على حامي حمى الدين ،وعلى
آله وصحبه والتابعين.
تعريف الردة
الّرِدَّة هي الرجوع عن السلم كليا ً أوجزئيا ً بإنكار ما هو معلوم
من الدين ضرورة ،بنفي ما أثبته الله ورسوله ،أوإثبات ما نفاه
الله ورسوله ،وتكون بالفعل ،والترك ،والنطق ،والعتقاد،
والشك ،جادا ً كان المرتد أم هازلً.
وبلفظ آخر أن يرتكب النسان ناقضا ً من نواقض السلم.
قال الكاساني الحنفي المتوفي 587هـ في بدائع الصنائع ( :4أما
ركن الردة فهو إجراء كلمة الكفر على اللسان بعد وجود اليمان،
إذ الردة عبارة عن الرجوع عن اليمان).
وقال الصاوي المالكي المتوفى 1241هـ في "الشرح الصغير":5
(الردة كفر مسلم بصريح من القول ،أوقول يقتضي الكفر،
أوفعل يتضمن الكفر).
وقال الشربيني الشافعي المتوفى 977هـ في "مغني المحتاج":6
(الردة هي قطع السلم بنية أوفعل ،سواء قاله استهزاءً أوعناداً
أواعتقاداً).
شاف القناع":7 وقال البهوتي الحنبلي المتوفى 1050هـ في "ك َّ
(المرتد شرعا ً الذي يكفر بعد إسلمه نطقاً ،أواعتقاداً ،أوشكاً،
أوفعلً).
أدلة كفر المرتد
كثيرة جداً ،منها:
880
قوله تعالى" :ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر •
فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والخرة وأولئك أصحاب النار
هم فيها خالدون"8.
قوله تعالى" :ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب •
قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ل تعتذروا قد كفرتم بعد
إيمانكم"9.
وقوله" :إن الله ل يغفر أن يُشَرك به ويغفر ما دون ذلك •
لمن يشاء"10.
وقوله" :إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم •
ً
ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ول ليهديهم سبيلً"11.
وقوله" :ول ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين"12. •
وقوله" :من كفر بالله من بعد إيمانه إل من أكره وقلبه •
ً
مطمئن باليمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من
الله ولهم عذاب عظيم .ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على
الخرة وأن الله ل يهدي القوم الكافرين" ،13فلم يستثن إل
المكره من الكفر.
وقال عن كفر المنافقين الذين يتظاهرون بالسلم •
ل على أحد منهم مات أبدا ً ول تقم على ويبطنون الكفر" :ول تص ِّ
قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون"14.
وقال مميزا ً المنافقين على إخوانهم الكافرين لعظيم •
ضررهم على السلم والمسلمين" :إن المنافقين في الدرك
السفل من النار ولن تجد لهم نصيراً"15.
وقوله تعالى" :كيف يهدي الله قوما ً كفروا بعد إيمانهم •
وشهدوا أن الرسول حق ..أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله
والملئكة والناس أجمعين"16.
وقال عن كفر تاركي الصلة" :ما سلككم في سقر .قالوا •
لم نك من المصلين .ولم نك 17نطعم المسكين .وكنا نخوض مع
الخائضين .18وكنا نكذب بيوم الدين"19.
وقال عن المنافقين" :ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على •
قلوبهم فهم ل يفقهون"20.
حكم المرتد
(أ) في الدنيا
.1يُفَّرق بينه وبين زوجته ،فإن تاب قبل انقضاء عدتها رجعت
إليه ،وإن انقضت عدتها قبل أن يتوب تبيَّن فسخ النكاح منذ
ارتداده ،سواء كانت ردته قبل الدخول بها أوبعد الدخول.
.2يُمنع من التصرف في ماله ،وينفق منه على عياله ،وتقضى
ديونه.
881
.3ل يرث ،ول يورث ،لقوله صلى الله عليه وسلم" :ل يرث
م" ،21ويكون ما تركه فيئا ً لبيت م الكافَر ول الكافُر المسل َ المسل ُ
مال المسلمين ،ومن أهل العلم من قال لورثته.
قال القرطبي عن ميراث المرتد( :قال علي بن أبي طالب،
حكَم ،والليث ،وأبوحنيفة ،وإسحاق بن والحسن ،والشعبي ،وال َ
َراهَوَيْه :ميراث المرتد لورثته من المسلمين ،وقال مالك ،وربيعة،
وابن أبي ليلى ،والشافعي ،وأبو ثور :ميراثه في بيت المال)22.
والراجح ما ذهب إليه مالك والشافعي ومن وافقهما أن ميراثه
م الكافَر ،"..وينفق لبيت مال المسلمين ،للحديث" :ل يرث المسل ُ
على عياله من بيت مال المسلمين.
.4يُقتل المرتد من غير استتابة إن قُدِر عليه ،إذا كانت ردته
مغلظة ،لن الردة تنقسم إلى قسمين:
مغلظة ،وهي ما تكون مصحوبة بمحاربة الله ،ورسوله، •
وأوليائه من العلماء العاملين ،وعداوتهم ،والمبالغة في الطعن
في الدين ،والتشكيك في الثوابت.
ومجردة ،وهي التي لم تصحب بمحاربة ول عداوة ول طعن •
وتشكيك في الدين ،وكل الثار التي وردت في استتابة المرتد
متعلقة بالردة المجردة.
قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله( :إن الردة على قسمين:
ردة مجردة ،وردة مغلظة شرع القتل على خصوصها ،وكلهما قد
قام الدليل على وجوب قتل صاحبها ،والدلة الدالة على سقوط
م القسمين ،بل إنما تدل على القسم الول ـ القتل بالتوبة ل تع ُّ
الردة المجردة ـ كما يظهر ذلك لمن تأمل الدلة على قبول توبة
المرتد ،فيبقى القسم الثاني ـ الردة المغلظة ـ وقد قام الدليل
على وجوب قتل صاحبها ،ولم يأت نص ول إجماع على سقوط
القتل عنه ،والقياس متعذر مع وجود الفرق الجلي ،فانقطع
اللحاق ،والذي يحقق هذه الطريقة أنه لم يأت في كتاب ول سنة
ول إجماع أن كل من ارتد بأي قول أوبأي فعل كان فإنه يسقط
عنه القتل إذا تاب بعد القدرة عليه ،بل الكتاب والسنة والجماع
رق بين أنواع المرتدين)23. قد ف َّ
قال في "نيل المآرب في تهذيب عمدة الطالب"( :24ول تقبل في
ب الله تعالى ،أورسوله ،سبا ً صريحاً ،أوتنقصه، الدنيا توبة من س َّ
ول توبة من تكررت ردته ،بل يقتل بكل حال ،لن هذه الشياء
تدل على فساد عقيدته).
م أومن ينوب عنه. .5يتولى قتله الما ُ
.6ل يغسل ،ول يكفن ،ول يصلى عليه ،ول يدفن في مقابر
المسلمين.
882
.7يبطل عمله ،نحو حجة السلم ،وهذا مذهب مالك ومن وافقه،
ن عملك ولتكونن من ت ليحبط َّ لقوله تعالى" :لئن أشرك َ
الخاسرين" ،25وذهب الشافعي وأحمد إلى أن( :من ارتد ثم عاد
إلى السلم لم يحبط عمله ول حجه الذي فرغ منه ،بل إن مات
على الردة فحينئذ تحبط أعماله ،وقال مالك :تحبط بنفس الردة،
ج ثم ارتد ثم أسلم ،فقال مالك: ويظهر الخلف في المسلم إذا ح َّ
يلزمه الحج لن الول قد حبط بالردة)26.
(ب) في الخرة
إن تاب وصدق في توبته قبلت منه إن شاء الله ،وإن لم يتب ولو
قتل في الدنيا فهو من أهل النار خالدا ً مخلدا ً فيها.
كيفية توبة المرتد ردة مجردة
.1أن يشهد أن ل إله إل الله وأن محمدا ً عبده ورسوله.
.2أن يعلن رجوعه عما كان يعتقده ،أويقوله ،أويفعله بالتفصيل
على العامة ،قال تعالى" :إل الذين تابوا وأصلحوا وبينوا" الية،
ت ل كذا وكذا ،أوكن ُ ت أقو ُ
ت أعتقد ُ كذا وكذا ،أوكن ُ بأن يقول :كن ُ
ل كذا وكذا ،وأنا راجع عن كل ذلك؛ ويُكتب ويُختم ويشهد أفع ُ
على ذلك ،وإل ل تقبل توبته.
أدلة قتل المرتد
حد المرتد ثبت بالسنة القولية ،والفعلية ،والتقريرية ،وبما ص َّ
ح
عن الخلفاء الراشدين وحكام المسلمين ،وإليك الدلة:
(أ) من السنة القولية ،والفعلية ،والتقريرية
.1خَّرج البخاري في صحيحه بسنده إلى أنس بن مالك رضي
الله عنه" :أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح،
وعلى رأسه المغفر ،فلما نزعه جاءه رجل فقال :ابن أخطل
متعلق بأستار الكعبة؛ فقال :اقتله"27.
وفي رواية للدارقطني كما قال الحافظ في الفتح " :28من رأى
منكم ابن أخطل فليقتله" ،ومن رواية زيد بن الحباب عن مالك
بهذا السناد" :وكان ابن أخطل يهجو رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالشعر".
وقال الحافظ ابن حجر( :وأخرج عمر بن شبة في "كتاب مكة"
من حديث السائب بن يزيد قال" :رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم استخرج من تحت أستار الكعبة عبد الله بن أخطل
فضربت عنقه صبرا ً بين زمزم ومقام إبراهيم ،وقال" :ل يقتلن
قرشي بعد هذا صبراً" ،ورجاله ثقات ،إل أن في أبي معشر مقالً،
والله أعلم.
وقال :29وروى الطبراني من حديث ابن عباس ..وقد كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم أمر أمراءه أن ل يقتلوا إل من قاتلهم،
883
ماهم ،وقد جمعت أسماءهم من مفرقات غير أنه أهدر دم نفر س َّ
الخبار ،وهم :عبدالعزى بن أخطل ،وعبد الله بن أبي السرح،
وعكرمة بن أبي جهل ،والحويرث بن نُقَيد بنون وقاف مصغَّر،
صبَابة بمهملة مضمومة وموحدتين الولى خفيفة، ومقيس بن َ
وهبار بن السود ،وقينتان كانتا لبن أخطل كانتا تغنيان بهجو النبي
صلى الله عليه وسلم ،وسارة مولة بني عبد المطلب وهي التي
جد َ معها كتاب حاطب ،فأما ابن أبي السرح فكان أسلم ثم ارتد وُ ِ
فشفع فيه عثمان يوم الفتح إلى النبي صلى الله عليه وسلم
صبَابة فكان أسلم ثم فحقن دمه وقبل إسلمه ..وأما مقيس بن َ
عدا على رجل من النصار فقتله ،وكان النصاري قتل أخاه
هشاما ً خطأ ،فجاء مقيس فأخذ الدية ثم قتل النصاري ثم ارتد،
فقتله نميلة بن عبد الله يوم الفتح).
وشاهدنا من هؤلء في إهدار دم وقتل من أسلم ثم ارتد وهم:
عبد الله بن أبي السرح ،ومقيس بن صبابة ،وسارة.
ح عن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه إلى الرسول .2ما ص َّ
صلى الله عليه وسلم بأنه قال" :من بدَّل دينه فاقتلوه"30.
م امرئ لد ُ .3وما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال" :ل يح ُّ
مسلم إل بإحدى ثلث" ،وذكر منهم" :التارك لدينه المفارق
للجماعة"31.
(ب) قتل الخلفاء الراشدين والصحابة المهديين للمرتدين
قتل أبي موسى ومعاذ رضي الله عنهما ليهودي أسلم ثم تهوَّد
خَّرج البخاري في صحيحه بسنده إلى أبي موسى عندما بعثه
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ثم أتبعه بمعاذ ،فلما
قدم معاذ على أبي موسى ألقى له وسادة ،قال :انزل ،فإذا رجل
عنده موثق ،قال :ما هذا؟ قال :كان يهوديا ً فأسلم ثم تهود؛ قال:
اجلس؛ قال :ل أجلس حتى يُقتل قضاء الله ورسوله ،ثلث
مرات؛ فأمر به فقتل"32.
إقناع أبي بكر لعمر وغيره بقتال المترتدين ،وإجماع الصحابة
على قتلهم بعدُ
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال" :لما توفي النبي صلى الله
عليه وسلم واستخلف أبو بكر ،وكفر من كفر من العرب ،قال
عمر :يا أبا بكر ،كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم :أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل إله إل الله،
فمن قال ل إله إل الله عصم مني ماله ونفسه إل بحقه ،وحسابه
على الله؛ قال أبو بكر :والله لقاتلن من فَّرق بين الصلة
والزكاة ،فإن الزكاة حق المال ،والله لو منعوني عناقا ً كانوا
يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على
884
ت أن قد شرح الله صدر منعها؛ قال عمر :فوالله ما هو إل أن رأي ُ
ت أنه الحق"33. أبي بكر للقتال فعرف ُ
الذين قاتلهم الصديقُ ثلث طوائف كما قال ابن حزم رحمه الله
في الملل والنحل:
طائفة أعلنت الكفر وارتدت ،واتبعت المتنبئين مسيلمة، •
وطليحة ،والسود ،وسجاح.
وطائفة بقيت على إسلمها ولكن منعوا الزكاة. •
وطائفة تربصت حتى ترى لمن الغلبة. •
فقُتل السود العنسي ،ومسيلمة ،وعاد طليحة إلى السلم وكذا
سجاح ،ورجع غالب من كان ارتد إلى السلم ،ولم يحل الحول إل
والجميع قد راجعوا دين السلم ولله الحمد كما قال الحافظ ابن
حجر ،34وذلك بفضل الله ،ثم عزيمة وشجاعة أبي بكر وإقامة
هذا الحد على المرتدين ،الذي لوله لضاع الدين ولتهدمت أركانه.
َ
ي وحرقه لجماعة من الرافضة أل ّهوه وعبدوه قتل عل ّ
خَّرج البخاري في صحيحه عن عكرمة قال :أتي علي رضي الله
ت أنا لمعنه بزنادقة فأحرقهم ،فبلغ ذلك ابن عباس ،فقال :لو كن ُ
أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم" :ل تعذبوا بعذاب
الله" ،ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم" :من
بدَّل دينه فاقتلوه"35.
خرج علي يوما ً من المسجد بالكوفة بباب كندة فإذا جماعة من
الرافضة المخذولين سجدوا له ،فقال لهم :ما هذا؟ قالوا له :أنت
خالقنا ورازقنا؛ فقال لهم :سبحان الله إنما أنا بشر مثلكم إن
ي ثلثة أيام،شاء رحمني ،وإن شاء عذبني؛ فاستتابهم عل ٌّ
وتهددهم إن لم يتوبوا بالحراق بالنار ،فلم يفد ،فأمر بحفر
الخاديد وملها بالحطب وأشعلها ناراً ،ثم ألقاهم فيها ،وقال
مرتجزاً:
تأججت ناري ودعو ُ ت المر أمرا ً منكرا ًلما رأي ُ
قنبرا 36
فهؤلء الزنادقة لم يقاتلوا ولم يحاربوا علياً ،بل عبدوه ،ومع ذلك
قتلهم ثم حرقهم بالنار بعد قتلهم تعزيراً ،مما يدل على أنه ل
فرق بين الردة الفكرية أوالمصحوبة بمحاربة في العقوبة ،بل
كانت عقوبة هؤلء الزنادقة أشد ،لتخاذهم عليا ً رضي الله عنه
إلهاً.
قتل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لشيخ نصراني أسلم ثم
ارتد عن السلم
فقال له علي :لعلك إنما ارتددت لن تصيب ميراثاً 37ثم ترجع
إلى السلم؟ قال :ل؛ قال :فلعلك خطبت امرأة فأبوا أن
885
يزوجوكها ،فأردت أن يزوجوكها ثم تعود إلى السلم؟ قال :ل؛
قال :فارجع إلى السلم؛ قال :ل ،حتى ألقى المسيح؛ قال :فأمر
ي فضربت عنقه ،ودفع ميراثه إلى ولده من المسلمين38. به عل ّ
صر بعد إسلمه سوَر العجلي تن َّم ْ
وعن أبي عمرو الشيباني أن ال ِ
فبعث به عتيبة بن أبي وقاص إلى علي فاستتابه ،فلم يتب،
ي وأحرقه39. فقتله ،فسأله النصارى جيفته بثلثين ألفاً ،فأبى عل ٌّ
قتل أبي موسى الشعري رضي الله عنه لستة نفر من بكر بن
وائل كانوا قد ارتدوا عن السلم 40
أخذ ابن مسعود رضي الله عنه قوما ً ارتدوا عن السلم من أهل
العراق
فكتب فيهم إلى عثمان رضي الله عنه ،فرد ّ عليه عثمان :أن
اعرض عليهم دين الحق ،وشه،ادة أن ل إله إل الله ،فإن قبلـوها
ل عنهم ،فإن لم يقبلوها فاقتلهم ،فقبلهـا بعضهم فتركهم ،ولم فخ ِّ
يقبلها بعضهم فقتلهم41 .
(ج) الجماع
لهذا أجمعت المة من لدن الصحابة ومن بعدهم على قتل
المرتد.
(د) قتل ولة أمر المسلمين للزنادقة والمرتدين
قتل عبد الملك بن مروان رحمه الله لمعبد الجهني ،لنه أول من
تكلم في القدر
قال ابن كثير( :وقد كانت لمعبد عبادة وفيه زهادة ..وقال الحسن
البصري :إياكم ومعبدا ً فإنه ضال مضل ..صلبه عبد الملك بن
مروان في سنة ثمانين بدمشق ثم قتله) ،42جزاه الله خيراً.
قتل عبد الملك بن مروان للحارث الكذاب
وكانت له علقة بالشياطين ،فأضلته ،فقتله عبد الملك بن مروان
بدمشق43.
قتل المير خالد بن عبد الله القسري للجعد بن درهم ،لنكاره
لصفتين من صفات الله عز وجل
عن حبيب بن أبي حبيب قال( :خطبنا خالد بن عبد الله القسري
بواسط يوم الضحى فقال :أيها الناس ارجعوا فضحوا تقبل الله
منا ومنكم ،فإني مضح بالجعد بن درهم ،إنه زعم أن الله تبارك
وتعالى لم يتخذ إبراهيم خليلً ،ولم يكلم موسى تكليماً ،سبحانه
وتعالى عما يقوله الجعد بن درهم علوا ً كبيراً؛ ثم نزل فذبحه،
وكان ذلك في سنة 124ﻫ )44.
قتل أسلم بن أحوز للجهم بن صفوان لنكاره لصفات الله عز
وجل متوهما ً تنزيهه بذلك
886
م بن
قـال الذهبي رحمـه الله( :إن أسلم بن أحـوز قتل جه َ
صفـوان لنكاره أن الله كلم موسى) ،45وكان ذلك في سنة 128ﻫ
.
ً
قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله( :وكان الجعد يسأل وهبا عن
صفات الله عز وجل ،فقال له وهب يوماً :ويلك يا جعد ،أقصر
المسألة عن ذلك ،إني لظنك من الهالكين ،لو لم يخبرنا الله في
كتابه أن له يدا ً ما قلنا ذلك ،وأن له عينا ً ما قلنا ذلك ،وأن له
سمعا ً ما قلنا ذلك)46.
هذه السلسلة الشيطانية الخبيثة :الجهم بن صفوان ،عن الجعد
بن درهم ،عن معبد الجهني ،ثمرة خبيثة من ثمار علم الكلم
والجدل.
وروى الدارمي عثمان بن سعيد في كتابه "الرد على الجهمية"47
(أتى خالد بن عبد الله القسري برجل قد عارض القرآن ،فقال:
ل لربك وانحر .إن قال الله في كتابه" :إنا أعطيناك الكوثر .فص ِّ
شانئك هو البتر" ،وقلت أنا :إنا أعطيناك الجماهر ،فصل لربك
وجاهر ،ول تطع كل سافه وكافر؛ فضرب خالد عنقه ،وصلبه،
فمَّر به خلف بن خليفة وهو مصلوب ،فضرب بيده على خشبته
فقال :إنا أعطيناك العمود ،فصل لربك على عود ،فأنا ضامن لك
أل تعود).
روى الذهبي بسنده إلى أبي بكر بن عياش
ت خالدا ً القسري حين أتى بالمغيرة بن سعيد وأصحابه، قال" :رأي ُ
وكان يريهم ـ أي المغيرة ـ أنه يحيي الموتى ،فقتل خالد واحداً
منهم ،ثم قال للمغيرة :أحيه؛ فقال :والله ما أحيي الموتى؛ قال:
ن من قصب فأضرموه، لتحيينه أولضربن عنقك؛ ثم أمر بط َ ٍ ّ
فقال :اعتنقه فأبى؛ فعدا رجل من أتباعه فاعتنقه ،قال أبو بكر:
ت النار تأكله وهو يشير بالسبابة ،فقال خالد :هذا والله أحق فرأي ُ
بالرئاسة منك؛ ثم قتله وقتل أصحابه.
قال الذهبي عن المغيرة هذا( :كان رافضياً ،خبيثاً ،كذاباً ،ساحراً،
ضل عليا ً على النبياء ،وكان مجسماً ،سقت ادعى النبوة ،وف َّ
أخباره في "ميزان العتدال") 49 48
ثم ذكر الذهبي قتل خـالد للجعد بن درهم ،ثم قال( :هذه من
حسنـاته ،هي وقتله مغيرة الكـذاب)50.
ت :كان خالد القسري شجاعا ً كريماً ،ولكنه كان رقيق الدين قل ُ
مبيرا ً كالحجاج بن يوسف ،وقد صدق رسول الله صلى الله عليه
وسلم" :إن الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر" ،لن فجوره
لنفسه ،وقتله لهذين المرتدين من حسناته التي نسأل الله أن
يكفر بها سيئاته.
887
قتل هشام بن عبد الملك لغيلن القدري لنكاره القدر ،بعد أن
تهدده عمر بن عبد العزيز بالقتل من قبل ،ولكنه تظاهر بالتوبة.
تتبع الخليفة المهدي العباسي للمرتدين والزنادقة وقتله لهم
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله وهو يؤرخ لعام ست وسبعين
ومائة( :وفيها تتبع المهدي جماعة من الزنادقة في سائر الفاق
فاستحضرهم وقتلهم صبرا ً بين يديه ،وكان المتولي أمر الزنادقة
عمر الكلواذي)51.
وقال الذهبي في ترجمة المهدي( :كان جواداً ،ممداحاً ،معطاءً،
محببا ً إلى الرعية ،قصابا ً في الزنادقة ،باحثا ً عنهم)52.
وقال ابن الجوزي في كتابه "المنتَظَم في تاريخ الملوك والمم"
53وهو يؤرخ لعام سبع وستين بعد المائة( :وفيها جد َّ المهدي في
طلب الزنادقة والبحث عنهم في الفاق وقتلهم ،فولى أمرهم
عمـر الكلواذيّ ،فأخـذ يزيد بن الفيض كاتب المنصور ،فأقر
فحبس فهرب من الحبس.
ح بن عبد القدوس ثم روى بسنده قائلً :اتهم المهدي صال َ
البصري بالزندقة ،فأمر بحمله إليه فأحضر.
إلى أن قال :قال ابن ثابت :وقيل إنه بلغه عنه أبيات يعّرِض فيها
بالنبي صلى الله عليه وسلم ،قال :ويقال إنه كان مشهوراً
بالزندقة ،وله مع أبي الهذيل العلف مناظرات).
قتل الخليفة موسى الهادي العباسي لبعض الزنادقة والمرتدين
روى ابن الجوزي بسنده إلى المطلب بن عكاشة المزني قال:
(قدمنا على أمير المؤمنين الهادي شهودا ً على رجل منا شتم
قريشا ً وتخطى إلى ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ،فجلس
لنا مجلسا ً أحضر فيه فقهاء أهل زمانه ،ومن كان بالحضرة على
بابه ،وأحضر الرجل وأحضرنا ،فشهدنا عليه بما سمعنا منه ،فتغير
وجه الهادي ثم نكس رأسه ثم رفعه فقال :إني سمعت أبي
المهدي يحدث عن أبي المنصور ،عن أبيه محمد بن علي عن أبيه
علي بن عبد الله ،عن أبيه عبد الله بن عباس قال :من أراد هوان
قريش أهانه الله ،وأنت يا عدو الله لم ترض بأن أردت ذلك من
ت إلى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قريش حتى تخطي َ
اضربوا عنقه؛ فما برحنا حتى قتل)54.
وقال ابن الجوزي وهو يؤرخ لسنة تسع وستين ومائة ( :55وفيها
اشتد ّ طلب موسى للزنادقة ،فقتل منهم جماعة ،فكان فيمن قتل
كاتب يقطين وابنه علي بن يقطين ،وكان علي قد حج فنظر إلى
الناس في الطواف يهرولون ،فقال :ما أشبههم ببقر يدور في
البيدر؛ فقال شاعر:
وارث الكعبـة و المنبـر قـل لمين الله في خـلقه
888
يشبِّه الكعبـة بالبيــدر؟ ماذا ترى في رجل كافـر
مرا ً يَدُوس البَُّر
ح ْ
ُ ويجعل الناس إذا ما سعوا
والدَّوسر؟
فقتله موسى ثم صلبه.
إلى أن قال :وقتل من بني هاشم يعقوب بن الفضل بن عبد
الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ،وكان
المهدي أتى به وبابن لداود بن علي فحبسهما لما أقّرا بالزندقة،
ت! أما والله لول أني وقال ليعقوب :لول محمد رسول الله من كن َ
ت على الله عهدا ً إن ولني أن ل أقتل هاشميا ً لما كنت جعل ُ
ت عليك ناظرتك؛ ثم التفت إلى الهادي ،فقال :يا موسى ،أقسم ُ
ت هذا المر من بعدي أن ل تناظرهما ساعة واحدة، بحقي إن ولي َ
فمات ابن داود بن علي في الحبس قبل وفاة المهدي ،فلما قدم
الهادي من جرجان ذكر وصية المهدي ،فأرسل إلى يعقوب وألقى
عليه فراشا ً وأقعِدت عليه الرجال حتى مات ،ولها عنه).
قتل أبي منصور الحلج وصلبه لدعائه اللوهية ،والقول بالحلول،
وقوله" :أنا الحق" ،مع تمسكه في الظاهر بالشريعة
قال القاضي عياض رحمه الله( :وقد أحرق علي بن أبي طالب
رضي الله عنه من ادعى اللوهية ،وقد قتل عبد الملك بن مروان
الحارث المتنبئ وصلبه وفعل ذلك غير واحد من الخلفاء والملوك
بأشباههم ،وأجمع علماء وقتهم على صواب فعلهم ..والمخالف
في ذلك في كفرهم كافر.
وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر (توفي 320ﻫ) من المالكية ـ
وغيرهم ـ وقاضي قضاتها أبو عمر 56المالكي على قتل الحلج
وصلبه لدعواه اللوهية ،والقول بالحلول ،وقوله" :أنا الحق" ،مع
تمسكه في الظاهر بالشريعة ،ولم يقبلوا توبته)57.
وقال الذهبي عن الحلج( :فهو صوفي الزي والظاهر ،متستر
بالنسب إلى العارفين ،وفي الباطن فهو من صوفية الفلسفة
أعداء الرسل ،كما كان جماعة في أيام النبي منتسبون إلى
صحبته وإلى ملته وهم في الباطن من مردة المنافقين ،قد
ليعرفهم النبي ول علم بهم ،قال تعالى" :ومن أهل المدينة
مردوا على النفاق ل تعلمهم" ،فإذا جاز على سيد البشر أن ل
يعلم ببعض المنافقين وهم معه في المدينة سنوات فبالولى أن
يخفى حال جماعة من المنافقين الفارغين عن دين السلم بعده
عليه السلم على العلماء من أمته)58 .
روى الحـافظ ابن كثير عن الخطيب البغـدادي بسنده عن أبي
عمـر بن حيـوة قال( :لما أُخرج الحسين بن منصور الحلج للقتل،
مضيت في جملة الناس ،ولم أزل أزاحم حتى رأيته فدنوت منه
889
فقال لصحابه :ل يهولنكم هذا المر ،فإني عائد إليكم بعد ثلثين
يوماً؛ ثم قتل فما عاد ،وذكر الخطيب أنه قال وهو يُضرب لمحمد
بن عبد الصمد والي الشرطة :ادع بي إليك فإن عندي نصيحة
تعدل فتح القسطنطينية؛ فقال له :قد قيل لي إنك ستقول مثل
هذا ،وليس إلى رفع الضرب عنك سبيل؛ ثم قطعت يداه ورجله،
وحز رأسه ،وأحرقت جثته ،وألقي رمادها في دجلة ،ونصب
الرأس يومين ببغداد على الجسر ،ثم حمل إلى خرسان ،وطيف
به في تلك النواحي ،وجعل أصحابه يَعِدُون أنفسهم برجوعه إليهم
بعد ثلثين يوماً ،وزعم بعضهم أنه رأى الحلج من آخر ذلك اليوم
وهو راكب على حمار في طريق النهروان ،59فقال :لعلك من
هؤلء النفر الذين ظنوا أني أنا هو المضروب المقتول ،إني لست
به ،وإنما ألقي شبهي على رجل ففعل به ما رأيتم (!!)؛ وكانوا
بجهلهم يقولون :إنما قتل عدو من أعداء الحلج؛ فذكر هذا لبعض
علماء ذلك الزمان ،فقال :إن كان هذا الرائي صادقاً ،فقد تبدى
له شيطان على صورة الحلج ليضل الناس به ،كما ضلت فرقة
النصارى بالمصلوب.
إلى أن قال الخطيب :ونودي ببغداد أن ل تشترى كتب الحلج ول
تباع ،وكان قتله لست بقين من ذي القعدة سنة تسع وثلثمائة
ببغداد)60.
ابن أبي الفراقيد قتل بسبب ادعائه اللوهية سنة 322ﻫ
قال القاضي عياض( :وكذلك حكموا ـ أي العلماء ـ في ابن أبي
الفراقيد وكان على نحو مذهب الحلج بعد هذا أيام الراضي بالله
ـ العباسي المتوفي 329هـ وقاضي قضاة بغداد يومئذ أبو الحسين
بن أبي عمر المالكي)61.
قال محقق الشفا( :هو محمد بن علي بن أبي الفراقيد ،شاع
أمره في بغداد ،وادعى اللوهية ،وأنه يحيي الموتى ،فطلبه
الراضي فهرب سنين ،ثم عاد فهجم عليه ابن مقلة وأمسكه
فأثبت كفره وكتب عليه القضاة ،وأفتوا بقتله ،وأحرقت جثته سنة
اثنتين وعشرين وثلثمائة)62.
ابن أبي عون ،وكان على طريقة الحلج فقتل
قال محقق الشفا( :وتبعه ـ أي ابن أبي الفراقيد ـ على حاله ابن
أبي عون صاحب "كتاب التنبيه" فقتل معه)63.
جب" قتل المير عبد الرحمن بن الحكم رحمه الله "لبن أخي ع َ َ
لتعرضه بساقط القول وسخيفه للرب جل جلله
قال القاضي عياض رحمه الله( :وأما من تكلم من سقط وسخف
اللفظ ممن لم يضبط كلمه ،وأهمل لسانه ،بما يقتضي
الستخفاف بعظمة ربه ،وجللة موله ..أوتمثل في بعض الشياء
890
ببعض ما عظم الله من ملكوته ،أونزع من الكلم لمخلوق بما ل
يليق إل حق خالقه غير قاصد للكفر والستخفاف ول عامد
ل على تلعبه بدينه، لللحاد ،فإن تكرر هذا منه ،وعرف به ،د ّ
واستخفافه بحرمة ربه ،وجهله بعظيم عزته وكبريائه ،هذا كفر ل
مرية فيه ،وكذلك إن كان ما أورده يوجب الستخفاف والتنقص
لربه.
صبَغ 65بن خليل من فقهاء قرطبة بقتل وقد أفتى ابن حبيب 64وأ ْ
جب ،66وكان خرج يوما ً فأخذه المطر، المعروف بابن أخي ع َ َ
فقال" :بدأ الخراز يرش جلوده" ،67وكان بعض الفقهاء بها ..أبو
زيد صاحب الثمانية ،68وعبد العلى بن وهب ،وأبان بن عيسى،
وقد توقفوا عن سفك دمه ،وأشاروا إلى أنه عبث بالقول ،ويكفي
فيه الدب ،وأفتى بمثله القاضي حينئذ موسى بن زياد ،فقال ابن
حبيب :دمه في غيض ..أيشتم ربا ً عبدناه ثم ل ننتصر له؟! إنا إذاً
لعبيد سوء ،ما نحن له بعابدين؛ وبكى ،وُرفِع المجلس إلى المير
جب عمة هذا بها عبدالرحمن بن الحكم الموي ،وكانت ع َ َ
المطلوب من حظاياه ،وأعلِم باختلف الفقهاء ،69فخرج الذن
من عنده بالخذ بقول ابن حبيب وصاحبه ،وأمر بقتله ،فقتل
وصلب بحضرة الفقيهين ،وعزل القاضي بالمداهنة في هذه
القضية ،ووبخ بقية الفقهاء وسبهم)70.
جزى الله المير عبد الرحمن بن الحكم ومن قبل المامين ابن
حبيب وأصبغ على غيرتهما على الدين ،وحمايتهما لجناب رب
العالمين ،ولخذهما بالعزيمة ،وعدم التفاتهما للقوال الضعيفة،
والهفوات ،والزلت التي ليس فيها نصر للسلم ،ول للسفهاء
اللئام من النام.
قتل ابن الهيثي لكفره واستهانته بآيات الله 626ﻫ
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله وهو يؤرخ لسنة 626ﻫ( :وفي يوم
الثلثاء حادي عشرين ربيع أول ضربت عنق ناصر بن الشرف أبي
الفضل بن إسماعيل بن الهيثي بسوق الخيل على كفره
واستهانته واستهتاره بآيات الله ،وصحبته الزنادقة ،كالنجم بن
خلكان ،والشمس محمد الباجريقي ،وابن المعمار البغدادي ،وكل
فيه انحلل وزندقة مشهور بها بين الناس.
قال الشيخ علم الدين البرزالي :وربما زاد هذا المذكور
المضروب العنق عليهم بالكفر والتلعب بدين السلم ،والستهانة
بالنبوة والقرآن ،71قال :وحضر قتله العلماء والكابر وأعيان
الدولة ،قال :وكان هذا الرجل في أول امره قد حفظ التنبيه،
وكان يقرأ في الختم بصوت حسن ،وعنده نباهة وفهم ،وكان
891
منزل ً في المدارس والترب ،ثم إنه انسلخ من ذلك جميعه ،وكان
قتله عزا ً للسلم وذل ً للزنادقة وأهل البدع)72.
قتل الرئيس نميري للزنديق المرتد الصوفي الباطني محمود 73
محمد طه في 1985م
لتركه للصلة وادعائه الرسالة ثم اللوهية ،وفتنته للعامة
والدهماء ،ونشره الضلل والكفر ،وكان أتباعه يعتقدون أنه لن
ميتة ،وقتل شر قِتلة.
يموت ،فقد مات شر ِ
ل فرق بين الرجل والمرأة في إقامة حد الردة
ض أن حد الردة ل يقام على المرأة ،وتمسكوا ببعض يدعي البع ُ
النصوص التي وردت عن بعض السلف ،وهي خاصة بالكافرة
الصلية ،أما من دخلت في السلم ولو نفاقاً ،ثم انسلخت منه
قتلت ،وإليك الدلة:
.1أمره صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة بقتل أربعة نفر
وامرأتين ،إحداهما مرتدة عن السلم وهي سارة مولة بني عبد
جدوا متعلقين بأستار الكعبة. المطلب ،ولو وُ ِ
.2ما صح عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما" :أن أم
ولد لرجل سبَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلها ،فنادى
منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دمها هدر".
وفي رواية للدارقطني 74عن ابن عباس" :أن رجل ً أعمى كانت
له أم ولد له منها ابنان مثل اللؤلؤتين ،فكانت تشتم النبي صلى
الله عليه وسلم وتقع فيه ،فينهاها فلم تنته ،ويزجرها فلم تنزجر،
فلما كان ذات ليلة ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم فما صبر
سيدها أن قام إلى معول فوضعه في بطنها ،ثم اتكأ عليها حتى
أنفذه ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم" :أل أشهد أن دمها
هدر" ،وفي رواية قال لرسول الله" :وكانت بي رفيقة ،فلما كان
البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك ،فقتلتها".
ي صلى الله عليه وسلم فقتلها خالد بن .3سبَّت امرأة النب َّ
الوليد رضي الله عنه.
. 4وعن محمد بن المنكدر عن جابر قال" :ارتدت امرأة عن
السلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُعرض عليها
السلم ،فإن قبلت وإل قتلت؛ فعرضوا عليها السلم فأبت إل أن
تقتل فقتلت"75.
.5وفي رواية عن جابر" :أن امرأة يقال لها أم مروان ارتدت
عن السلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُعرض عليها
السلم فإن رجعت وإل قتلت"76.
892
. 6وعن عائشة رضي الله عنها قالت" :ارتدت امرأة يوم أحد،
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تستتاب فإن تابت وإل
قتلت"77.
.7قتل أبي بكر الصديق رضي الله عنه لمرأة يقال لها أم
قرفة في الردة.
أما ما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال" :ل يُقتل
النساء إذا ارتددن" ،فضعيف.
روى البيهقي بسنده إلى عبد الرحمن بن مهدي معلقا ً على
ت سفيان عن حديث عاصم 78 حديث ابن عباس هذا ،قال( :سأل ُ
في المرتدة؟ فقال :أما عن ثقة فل؛ ثم نقل عن الزهري في
المرأة أن تكفر بعد إسلمها قال :تستتاب ،فإن تابت وإل قتلت،
وعن إبراهيم النخعي مثل ذلك).
ومن العجيب أن القائلين بعدم قتل المرتدة هم منكرون لجميع
الحدود ،وداعون لتسوية المرأة بالرجل في الميراث وفي
الحقوق السياسية ونحوها ،مخالفين بذلك كتاب الله وسنة
رسوله وإجماع المة ،مما يدل على جهلهم الفاضح وتناقضهم،
وأنهم في الحقيقة متبعون لهوائهم.
أنواع الردة
نواقض السلم ل تحصى كثرة ،ولكن سنذكر أخطرها ،وهي:
.1الشرك الكبر ،وهوأن يتخذ النسان مع الله ندا ً أوشريكاً
يصرف إليه شيئا ً من العبادة ،كالدعاء ،والستغاثة ،والذبح ،والنذر،
واتخاذ الوسائط.
قال شيخ السلم ابن تيمية( :من جعل بينه وبين الله وسائط
يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم كفر إجماعاً).
.2نفي ما أثبته الله ورسوله ،أوإثبات ما نفاه الله ورسوله.
.3من ادعى النبوة أوصدَّق من يدعيها ،كالخوان الجمهوريين.
.4التحاكم لغير شرع الله أوالرضا به.
.5السخرية والستهزاء بالله ورسوله وآياته.
ك في َ .6من لم يكفِّر الكفار ،كاليهود والنصارى والمشركين ،أوش ّ
حح مذاهبهم. كفرهم ،أوص َّ
ّ
.7تعلم السحر والكهانة والشتغال بذلك.
.8استحلل ما حَّرم الله أوتحليل ما حَّرم الله.
.9اعتقاد أن بعض المشايخ تُرفع عنهم التكاليف الشرعية.
.10تضليل وتكفير جل الصحابة أوالخلفاء الراشدين.
.11اتهام عائشة بما بَّرأها الله منه.
.12السجود لصنم.
893
ملَك
.13الستخفاف بالمصحف ،أوالقرآن ،أو بنبي من النبياء ،أو َ
من الملئكة ،أوبأي أمر من الدين.
.14س ُّ
ب الدين.
.15الدعوة إلى توحيد الديان أوالتقارب بين دين الحق وغيره من
الديان المنسوخة.
.16اعتقاد أن أحدا ً من الثقلين يمكنه الستغناء عن شرع محمد
صلى الله عليه وسلم.
أقوال أهل العلم في ذلك 79
.1قال ابن عبد الحكم في المبسوط" :من تنبَّأ قُتل".
.2وقال أبو حنيفة وأصحابه" :من جحد أن الله خالقه أوربه،
أوقال :ليس لي رب ،فهو مرتد" ،كالشيوعيين ونحوهم.
.3وقال مالك في كتاب ابن حبيب ومحمد ،وقال ابن القاسم،
سحنون ،فيمن شتم وابن الماجشون ،وابن عبد الحكم ،وأصبغ ،و ُ
النبياء أوأحدا ً منهم أوتنقصه :80قتل ولم يستتب ،ومن سبهم من
أهل الذمة قتل إل أن يسلم.
.4وفي النوادر عن مالك ،فيمن قال :إن جبريل أخطأ 81بالوحي،
وإنما كان النبي علي بن أبي طالب ،استتيب فإن تاب وإل قتل.
.5وقال أبو الحسن القابسي في الذي قال لخر" :كأنه وجه
ملَك ـ خازن النار عليه مالك الغضبان" ،لوعرف أنه قصد ذم ال َ
السلم ـ قتل.
.6وقال ابن القاسم :من قال إن الله تعالى لم يكلم موسى
تكليما ً قتل؛ وقاله عبد الرحمن بن مهدي.
سحنون فيمن قال" :المعوذتان ليستا من .7وقال محمد بن ُ
َ
كتاب الله" :يضرب عنقه إل أن يتوب ،وكذلك كل من كذ ّب
بحرف منه.
.8وقال عبد الله بن مسعود" :من كفر بآية من القرآن فقد كفر
به كله.
جلد،
ب أبا بكر ـ بغير تضليل ول تكفير ـ ُ .9روي عن مالك :من س ّ
م؟ قال :من رماها فقد خالف ب عائشة قتل؛ قيل له :ل ِ َ ومن س ّ
القرآن.
.10وقال الفوزان :ومن حكّم القوانين الوضعية بدل الشريعة
السلمية ،يرى أنها أصلح 82من الشريعة السلمية ،أواعتنق
فكرة الشيوعية ،أوالقومية العربية بديل ً عن السلم ،فل شك في
ردته.
وأنواع الردة كثيرة ،مثل من ادّعى علم الغيب ،ومثل من لم
فّر المشركين أويشك في كفرهم أويصحح ما هم عليه83. يك ِ
894
.11وقال محمد بن عبد الوهاب ،ول فرق في جميع هذه النواقض
بين الهازل ،والجاد ،والخائف ،إل المكره.
.12وقال شيخ السلم ابن تيمية( :من لعن أحدا ً من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم كمعاوية ،وعمرو بن العاص،
أومن هو أفضل من هؤلء كأبي موسى ،وأبي هريرة ،أومن هو
أفضل من هؤلء كطلحة ،والزبير ،أوعثمان ،أوعلي ،أوأبي بكر،
أوعمر ،أوعائشة ،أونحو هؤلء من الصحابة فإنه يستحق العقوبة
البليغة باتفاق المسلمين ،وتنازعوا هل يعاقب بالقتل أوما دون
ذلك؛ وقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال" :ل
تسبوا أصحابي" ،وعموم الصحبة يندرج فيها كل من رآه مؤمناً
به).
نماذج للفرق المعاصرة المرتدة عن السلم 84
من أمثلة الفرق المرتدة عن السلم على سبيل التمثيل ل
الحصر ما يأتي:
.1النصيرية
قال عنهم شيخ السلم ابن تيمية( :هم أكفر من كثير من
المشركين ،وفيهم من جنس دين البراهيمة ،والوثنيين،
والملحدين).
.2الماسونية
قال مجمع الفقه السلمي برابطة العالم السلمي عنها( :يقرر
المجمع الفقهي اعتبار الماسونية من أخطر المنظمات الهدامة
على السلم والمسلمين ،وأن من ينتسب إليها على علم
بحقيقتها وأهدافها فهو كافر بالسلم ومجانب لهله).
.3الشيوعية
َ
سل ّم به يقيناًم َقال عنها مجمع الفقه السلمي بالرابطة..( :من ال ُ
أن الشيوعية منافية للسلم ،وأن اعتناقها كفر بالدين الذي
ارتضاه الله لعباده ،وهي هدم للمثل النسانية ،والقيم الخلقية،
وانحلل للمجتعات البشرية ،والشريعة السلمية المحمدية التي
هي خاتمة الديان السماوية ..كذا فإن المجلس يوصي الدول
والشعوب السلمية أن تنتبه إلى وجوب مكافحة هذا الخطر
الداهم بالوسائل المختلفة.
والحمد لله فالن عام 1412هـ انتهى هذا المبدأ الخبيث في عقر
داره ،وتبرأ منه وحاربه أبناء وأحفاد الذين أسسوه ،بعدما جّر
عليهم الفقر والخراب والدمار).
.4البهائية والبابية
895
جاء في قرار المجمع الفقهي بمكة المكرمة عن البهائية والبابية:
(أن البهائية دين جديد مخترع قام على أساس البابية التي هي
أيضا ً دين جديد مخترع.
يقرر المجمع الفقهي بالجماع خروج البهائية والبابية عن شريعة
السلم ،واعتبارها حربا ً عليه ،وكفر أتباعها كفرا ً بواحا ً سافرا ً ل
تأويل فيه ،وإن المجمع ليحذر المسلمين في جميع بقاع الرض
من هذه الفئة المجرمة الكافرة ،ويهيب بهم أن يقاوموها،
ويأخذوا حذرهم منها ،ل سيما أنه قد ثبت مساندة الدول
الستعمارية لها لتمزيق السلم والمسلمين ،والله الموفق).
.5القاديانية ـ الحمدية
جاء في قرار المجمع الفقهي بمكة المكرمة عن القاديانية ـ
الحمدية( :قرر المجلس بالجماع اعتبار العقيدة القاديانية ـ
المسماة أيضا ً بالحمدية ـ عقيدة خارجة عن السلم خروجاً
كاملً ،وأن معتنقيها كفار مرتدون عن السلم ،وإن تظاهر أهلها
بالسلم ،وإنما هو للتضليل والخداع ،ويعلن المجلس الفقهي أنه
يجب على المسلمين حكومات وعلماء وكتابا ً ومفكرين ودعاة
وغيرهم مكافحة هذه النحلة الضالة وأهلها في كل مكان من
العالم ،وبالله التوفيق.
.6الخوان الجمهوريون
وهم أتباع الزنديق الصوفي الباطني السوداني المرتد المقتول
محمود "مذموم" محمد طه ،الذي ادعى الرسالة ثم اللوهية،
وزعم أن الصلة رفعت عنه ،والذي حكم العلماء في السودان
بكفره وردته ،وقتل في عهد الرئيس نميري ،جزاه الله خيرا ً على
ذلك.
لقد رحل كثير من أتباعه إلى أمريكا وكندا ،واحتضنهم الكفار،
وقاموا بترجمة كفرياته في أمريكا وكندا مكافأة له على تحريفه
لدين الله وتضليله لفئة من أبناء المسلمين ،وانتحل بعض اتباعه
الشيوعية ووجدوا فرصة في العلم السوداني ،وما فتئ الجميع
يعمل على تحريف الدين والتدليس والتضليل والخداع على
السذج من الناس.
ã
أسباب الوقوع في الردة
أسباب الوقوع في الردة كثيرة ،ولكن أهمها ما يأتي:
.1الجهل بدين السلم ،فمن جهل شيئا ً عاداه ،يكاد أن يكون هذا
السبب الرئيس لرتداد المرتدين ورجوعهم عن السلم ،ومن
يطلع على مقالتهم وأقوالهم يتضح له جهل هؤلء بالسلم جهلً
فاضحاً ،إذ ل يعرفون عن القرآن إل رسمه ،ول عن السلم إل
896
اسمه ،والشبهات التي أثارها أعداء الدين من المستشرقين
وتلميذهم من المنتسبين إلى السلم.
.2ردود الفعال :الدافع لكثير من المرتدين عن السلم هو عبارة
عن ردة فعل للبيئات والظروف التي عاشوا وتربوا فيها ،ولبعض
الممارسات الخاطئة والتصرفات المشينة التي لمسوها ،والتي ل
يقرها السلم ،نحو الممارسات الشركية والعقائد الخرافية،
وكثير من مظاهر الشعوذة والدجل.
.3تأثير الفكر الرجائي عبر العقيدة الشعرية والماتريدية التي
تدرس في كثير من المعاهد والمدارس والجامعات السلمية،
الذي تولد كردة فعل للغلو والخروج في بداية المر ،من غير
انتساب إلى هذه المذاهب.
إذ اليمان عند بعض طوائف المرجئة عبارة عن النطق
بالشهادتين ،وعند بعضهم عبارة عن المعرفة ،ول يدخلون
العمال في مسمى اليمان ،مما أعطى الفرصة لكثير من
المنافقين المتظاهرين بالسلم أن يعيثوا في الرض الفساد،
حيث جعلوا التلفظ بالشهادتين عبارة عن جواز سفر لترك
الواجبات واقتراف المحرمات ،إذ ل يكون الشخص مرتدا ً في
شرع هؤلء إل إذا كان مكذبا ً جاحداً ،أما الستهزاء بالله ،ودينه،
ورسوله ،والسجود إلى الصنم ،والطواف بالقبور ،والستغاثة
بالموات ،والتحاكم إلى الطواغيت ،فليس من أسباب الردة ،إذ
الردة ل تقع بقول ول عمل.
وثمة شيء آخر كان سببا ً في ارتداد البعض عن السلم ،وهو
التوسع في التأويل غير المستساغ الذي تميزت به العقيدتان
الشعرية والماتريدية ،حيث وجد المتفلتون عن السلم في ذلك
حْرفيين بغيتهم ،حيث قسموا المسلمين إلى مدرستين ،مدرسة ال َ
أو النصوصيين المتحجرين الذين ل يجاوزون النصوص الشرعية،
ومدرسة المستنيرين ـ في زعمهم ـ الذين اكتفوا من السلم
بروحه ومزاجه ،ومعلوم في شرع الله أن التأويل منه ما هو
محمود وهو الذي يقوم على الدليل ،ومنه ما هو مذموم محرم
وهو الذي يعتمد على الهوى.
.4التحاكم إلى القوانين الوضعية ،وتنحية القوانين والحكام
الشرعية مكَّن كثيرا ً من المتظاهرين بالسلم من إعلن ردتهم
وزندقتهم والتبجح بها ،وأمنهم من إقامة حد الردة عليهم،
أوتعزيرهم وتأديبهم جعلهم ل يترددون فيما يريدون قوله أوفعله
ن العقوبة أساء الدب". م َ
أواعتقاده" ،فمن أ ِ
.5التسيب الفكري ،فقد اختلت المفاهيم وتغيرت الموازين،
وضعف الوازع الديني.
897
.6تقليد الكفار والتشبه بهم وبدينهم ،فطالما أن الكفار نبذوا
الدين وحصروه في الذهاب إلى الكنيسة ساعة يوم الحد
للستماع للموسيقى ،وقد نتج عن ذلك تقدمهم الحضاري
والعسكري ،فما بالنا نحن متمسكون بديننا مطالبون بتحكيمه في
كل مناحي الحياة؟!
.7تقصير العلماء في القيام بدورهم في توعية المسلمين
وتبصيرهم بأمر دينهم ،ومنافقتهم الناس فيما يعتقدون
ويمارسون ،من أقوى أسباب تفشي ظاهرة الرتداد عن دين
الله.
.8الفتاوى النهزامية التي تصدر من بعض المنتسبين إلى العلم
من العصرانيين وغيرهم.
.9التشبث بالزلت والهفوات التي صدرت أونسبت لبعض أهل
العلم ،ومعلوم أن من تتبع زلت العلماء وهفواتهم تزندق أوكاد،
وتجمع فيه الشر كله.
.10توهم البعض واستغلل أهل الهواء للدعوى الباطلة ،وهي أن
أحاديث الحاد ل يعمل بها في العقائد والحكام
تقسيم الحاديث إلى متواتر وآحادي تقسيم حادث ،وهو نتيجة
خبيثة وأثر سيئ لعلم الكلم ،وما تبع ذلك من أن أحاديث الحاد
ظنية الثبوت ولهذا ل يعمل بها في العقائد والحكام ،وقد رد على
هذه الشبهة القذرة الئمة الكبار أمثال الشافعي في "الرسالة"
وابن حزم في "الحكام لصول الحكام" ،حتى أصبحت هذه
المسالة هي الفارق بين ال ُّ
سنِّي والبدعي.
فكل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حجة
بنفسه من غير قيد ول شرط" :وما آتاكم الرسول فخذوه وما
نهاكم عنه فانتهوا" ،ويفيد العلم والعمل في العقائد ،والحكام،
والعبادات ،والسلوك ،والداب سواء ،فمن شاء فليؤمن ومن شاء
فليكفر.
ويكفي في رد هذه الشبهة القذرة أن حديث" :إنما العمال
بالنيات" الذي يعتبر ثلث الدين حديث آحاد ،مشهور ،عزيز ،إذ لم
يروه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ول عن عمر ول عن
راويه عن عمر إل واحد ،فلماذا يقبله أهل الهواء المتزيين
م الزاني المحصن ،وكلهابالسلم ،وينكرون حد َّ الردة ،ورج َ
أحاديث آحاد؟ لول مرض القلوب.
ã
حكم من أباح الردة وأنكر حدها
مهدَر الدم ما لم يتب عن
من أباح الردة وأنكر حدها فهو كافر ُ
ذلك ويراجع السلم ،لن ذلك إنكار لما هو معلوم من الدين
898
ضرورة ،وطعن وتشكيك في الخلفاء الراشدين ،والئمة
المهديين ،والحكام الغيورين الذين حكموا بردة المرتدين ،وأقاموا
عليهم حدها.
يتشبث المبيحون للردة الداعون لنكار حدها ببعض الزلت
والهفوات ،نحو ما نسب للشيخ شلتوت رحمه الله أنه قال:
(يتغير وجه النظر في المسألة إذا لوحظ أن كثيرا ً من العلماء
يرى أن الحدود ل تثبت بأحاديث الحاد ،وأن الكفر نفسه ليس
مبيحا ً للدم ،وإنما المبيح للدم هو محاربة المسلمين والعدوان
عليهم ،ومحاولة فتنتهم عن دينهم ،وأن ظواهر القرآن في صمته
عن عقوبة المرتد تؤيد هذا) ،مما يدل على خطورة الزلت
والهفوات وتلقف أهل الهواء لها.
يرد ُّ هذا الزعم الباطل قتل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه
لتلك الطائفة المخذولة من الرافضة وحرقه لهم ،الذين لم
يحاربوا عليا ً ولم يخرجوا عليه ،بل ألّهوه ،فالمرتد مفارق لجماعة
المسلمين ومحارب لهم ولعقيدتهم.
ً
وإذا لم يكن الكفر بعد اليمان مبيحا للدم فما الذي يبيح الدم
ياترى؟! إذا كان الراجع عن الماسونية والشيوعية ونحوهما ،وهي
فرق كافرة ،يُقتل أويُضيَّق عليه ،وقد يكون رجوعه إلى الحق،
إلى السلم ،وكذلك التارك لجماعة من الجماعات السلمية
يُهجر ،ويُضيَّق عليه ،ويوصف بالخيانة والخروج والعمالة ،وقد
يكون محقا ً في خروجه وتمرده على التسلط والجبروت
والمخالفات الشرعية ،فكيف بالراجع عن السلم ،وهو الدين
ل هؤلء القوم ل يستحون؟! الخاتم لجميع الديان؟ فما ِ
السنة حجة بنفسها ،فقد حرمت السنة الجمع بين المرأة وعمتها
أوخالتها ،ونهت عن الوصية للوارث ،ومنعت كذلك أن يرث
م.م الكافَر والكافُر المسل َ
المسل ُ
وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم لها شقان؛ البلغ والبيان،
فهو المبيِّن لمراد الله عز وجل ،ولهذا يقول بعض العلماء:
"القرآن أحوج إلى السنة" ،لن السنة مبينة لكثير مما أجمل في
كتاب الله عز وجل.
وهب أن مسألة قتل المرتد ليس فيها نص ،فهل نترك فعل أبي
بكر ،وعمر ،وعلي ،ومعاذ ،وأبي موسى رضي الله عنهم ،وقول
أبي حنيفة ،ومالك ،والشافعي ،وأحمد ،وغيرهم من الئمة رحمهم
الله لهذه الزلت والهفوات ،ولما تهواه نفوس المنافقين وأعداء
الملة والدين؟!
وأخيرا ً أرجو من دعاة إباحة الردة وإنكار حدها والداعين لتوحيد
الديان أن يراجعوا إسلمهم قبل أن تبلغ الروح الحلقوم ،ويُحال
899
بينهم وبين ما يشتهون ،وإل فليعلموا أنهم لن يضُّروا الله شيئاً،
ومن إخواني المسلمين أن ينتبهوا لخطورة المنافقين من
الشيوعيين ،والجمهوريين ،والقوميين ،والمتزيين بالدين ،وغيرهم،
(فإن بلية السلم بالمنافين شديدة جداً ،لنهم منتسبون إليه،
وهم أعداؤه في الحقيقة ،يخرجون عداوته في كل قالب يظن
الجاهل أنه علم وصلح ،وهو غاية الجهل والفساد.
فلله كم من معقل للسلم قد هدموه؟ وكم من حصن له قد
قلعوا أساسه وخربوه ،وكم من ع َلَم له قد طمسوه؟ وكم من
لواء له مرفوع قد وضعوه؟ وكم ضربوا بمعاول الشبه 85في
أصول غراسه ليقلعوها ،فل يزال السلم وأهله منهم في محنة
وبلية ،ول يزال يطرقه من شبههم سرية بعد سرية ،يزعمون
أنهم بذلك مصلحون ،أل إنهم المفسـدون ولكن ل يشعـرون)86.
لذلك حذر القرآن من المنافقين وبين صفاتهم( :فكان الحديث
عن النفاق والمنافقين في القرآن في سبع عشرة سورة مدنية
من ثلثين سورة ،واستغرق ذلك قرابة ثلثمائة وأربعين آية ،حتى
قال ابن القيم رحمه الله" :كاد القرآن أن يكون كله في
شأنهم")87.
ومن إخواني الصحفيين السلميين ،السودانيين وغيرالسودانيين،
أمثال الستاذ صادق عبد الله عبدالماجد ،والدكتور الطيب زين
العابدين ،والستاذ موسى يعقوب ،والدكتور حسن مكي ،والستاذ
مهدي البوني ،والستاذ علي إسماعيل العتباني ،والستاذ محجوب
عروة ،والستاذ محمد أحمد شاموق ،والستاذ عادل الباز،
والستاذ عثمان ميرغني ،والستاذ حسين خوجلي ،والستاذ محمد
طه محمد أحمد ،وغيرهم ممن لم أذكر ،أن يقوموا بواجبهم خير
قيام ،فهم على ثغرة ،والحذر كل الحذر أن يؤتى السلم من
قبلهم ،وعليهم أن يدعوا الحياد الذي تميزت به كتاباتهم،
فالمسلم ل يليق به أن يكون محايدا ً أومستقلً ،وفي الحقيقة
ملل العلمانيين متحدة متضافرة جهودها، ستَغَلً" ،بينما نجد ِ
م ْ
" ُ
على الرغم من أنها ل يجمعها شيء سوى محاربة السلم والكيد
له ،وليعلموا أنهم لن تزول أقدامهم عن الصراط حتى يُسألوا عن
تفريطهم في هذا الجانب الذي تعين عليهم ،ول يُمكّن منه
غيُرهم.
من العجيب أن يتشاغل هؤلء الخوة بالدفاع عن الديمقراطية ـ
صنم العصر ـ ،والمحاماة عن الشيوعيين والعلمانيين ،والتحليلت
السياسية ،والهنات العادية ،ومدح بعض أهل الهواء والمبتدعة ،88
ويتخلوا عن الدفاع عن الدين ،وقد أصيب في عقر داره!!
900
ول يفوتني في هذا المقام أن أتوجه بالشكر الجزيل وبالدعاء
الكثير للخ الستاذ إسحاق فضل الله لقيامه بالواجب خير قيام،
ولثباته على المبادئ ،وتفرده ،وعدم مجاملته لمن تعتبر
مجاملتهم مداهنة ونفاق ،نسأل الله أن يوفقه ويزيده من فضله،
وأن يثبت أجره ويبارك فيما يكتب ،كما أرجو من إخواننا
المسؤولين أن يراقبوا ما يدور في الصحف من كفريات
وضللت.
اللهم إنا نشكو إليك ضعف التق َّ
ي واستكانته ،وجلد الفاجر
ل أن يؤلف بين قلوب المسلمين ،وأن يهديهم ه أسأ ُ
وجرأته ،والل َ
سبل الرشاد ،وأن يهيئ للمة السلمية أمر رشد يعز فيه أهل
الطاعة ،ويذل فيه أهل المعصية ،ويُؤمر فيه بالمعروف ،ويُنهى
فيه عن المنكر ،وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد،
وعلىآله وصحبه أجمعين.
ã
المراجع
البداية والنهاية للحافظ ابن كثير. §
الجامع لحكام القرآن للقرطبي. §
الرد القويم للمين الحاج. §
سير أعلم النبلء للحافظ الذهبي. §
الشفا بتعريف أحوال المصطفى للقاضي عياض. §
فتح الباري للحافظ ابن حجر. §
مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية. §
مقالت في عقيدة أهل السنة للدكتور عبد العزيز العبد §
اللطيف.
الملخص الفقهي للشيخ الفوزان. §
المنتظم في تاريخ الملوك والمم للحافظ ابن حجر. §
نيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب ،ومعه §
الختيارات الجلية في المسائل الخلفية ـ تهذيب الشيخ عبد الله
الب َّ
سام.
---------------
-160أن ميراث النثى نصف ميراث الذكر
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
901
السـلم ،متخـذين من التمايز فى الميراث سبيل ً إلى ذلك ل
يفقـهون أن توريث المـرأة على النصـف من الرجل ليس موقفًا
ما ول قاعدة مطّردة فى توريث السلم لكل الذكور وكل عا ً
الناث .فالقرآن الكريم لم يقل :يوصيكم الله فى المواريث
والوارثين للذكر مثل حظ النثيين ..إنما قال( :يوصيكم الله فى
أولدكم للذكر مثل حظ النثيين)..
ّ
أى أن هذا التمييز ليس قاعدة مطردة فى كل حـالت الميراث ،
وإنما هو فى حالت خاصة ،بل ومحدودة من بين حالت
الميراث.
بل إن الفقه الحقيقى لفلسفة السلم فى الميراث تكشف عن
أن التمايـز فى أنصبة الوارثين والوارثات ل يرجع إلى معيار
الذكورة والنوثة ..وإنما لهذه الفلسفة السلمية فى التوريث
حكَم إلهية ومقاصد ربانية قد خفيت عن الذين جعلوا التفاوت بين ِ
الذكور والناث فى بعض مسائل الميراث وحالته شبهة على
كمال أهلية المرأة فى السلم .وذلك أن التفاوت بين أنصبة
الوارثين والوارثات فى فلسـفة الميراث السلمى ـ إنما تحكمه
ثلثة معايير:
موََّرثأولها :درجة القرابة بين الوارث ذكًرا كان أو أنثى وبين ال ُ
المتوفَّى فكلما اقتربت الصلة ..زاد النصيب فى الميراث ..وكلما
ابتعدت الصلة قل النصيب فى الميراث دونما اعتبار لجنس
الوارثين..
وثانيها :موقع الجيل الوارث من التتابع الزمنى للجيال ..فالجيال
التى تستقبل الحياة ،وتستعد لتحمل أعبائها ،عادة يكون نصيبها
فى الميراث أكبر من نصيب الجيال التى تستدبر الحياة.
وتتخفف من أعبائها ،بل وتصبح أعباؤها ـ عادة ـ مفروضة على
غيرها ،وذلك بصرف النظر عن الذكورة والنوثة للوارثين
والوارثات ..فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه ـ وكلتاهما أنثى ـ..
وترث البنت أكثر من الب ! – حتى لو كانت رضيعة لم تدرك
شكل أبيها ..وحتى لو كان الب هو مصدر الثروة التى للبن ،
والتى تنفرد البنت بنصفها ! ـ ..وكذلك يرث البن أكثر من الب ـ
وكلهما من الذكور..
حكَموفى هذا المعيار من معايير فلسفة الميراث فى السلم ِ
إلهية بالغة ومقاصد ربانية سامية تخفى على الكثيرين !..
وهى معايير ل علقة لها بالذكورة والنوثة على الطلق..
وثالثها :العبء المالى الذى يوجب الشرع السلمى على الوارث
تحمله والقيام به حيال الخرين ..وهذا هو المعيار الوحيد الذى
يثمر تفاوتا ً بين الذكر والنثى ..لكنه تفـاوت ل يفـضى إلى أى
902
ظـلم للنثى أو انتقاص من إنصافها ..بل ربما كان العكس هو
الصحيح !..
ففى حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون فى درجة القرابة..
واتفقوا وتساووا فى موقع الجيل الوارث من تتابع الجيال -مثل
أولد المتوفَّى ،ذكورا ً وإناثا ً -يكون تفاوت العبء المالى هو
السبب فى التفاوت فى أنصبة الميراث ..ولذلك ،لم يعمم
القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والنثى فى عموم
الوارثين ،وإنما حصره فى هذه الحالة بالذات ،فقالت الية
القرآنية( :يوصيكم الله فى أولدكم للذكر مثل حظ النثيين)..
ولم تقل :يوصيكم الله فى عموم الوارثين ..والحكمة فى هذا
التفاوت ،فى هذه الحالة بالذات ،هى أن الذكر هنا مكلف بإعالة
أنثى ـ هى زوجه ـ مع أولدهما ..بينما النثـى الوارثة أخت الذكرـ
إعالتها ،مع أولدها ،فريضة على الذكر المقترن بها ..فهى ـ مع
هذا النقص فى ميراثها بالنسبة لخيها ،الذى ورث ضعف
ً
ميراثها ،أكثر حظ ّا وامتيازا ً منه فى الميراث ..فميراثها ـ مع
إعفائها من النفاق الواجب ـ هو ذمة مالية خالصة ومدخرة ،
لجبر الستضعاف النثوى ،ولتأمين حياتها ضد المخاطر
والتقلبات ..وتلك حكمة إلهية قد تخفى على الكثيرين..
وإذا كانت هذه الفلسفة السلمية فى تفاوت أنصبة الوارثين
والوارثات وهى التى يغفل عنها طرفا الغلو ،الدينى واللدينى ،
الذين يحسبون هذا التفاوت الجزئى شبهة تلحق بأهلية المرأة
فى السلم فإن استقراء حالت ومسائل الميراث ـ كما جاءت
فى علم الفرائض (المواريث) ـ يكشف عن حقيقة قد تذهل
الكثيرين عن أفكارهم المسبقة والمغلوطة فى هذا الموضوع..
فهذا الستقراء لحالت ومسائل الميراث ،يقول لنا:
1ـ إن هناك أربع حالت فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل.
2ـ وهناك حالت أضعاف هذه الحالت الربع ترث فيها المرأة
مثل الرجل تماماً.
3ـ وهناك حالت عشر أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل.
4ـ وهناك حالت ترث فيها المرأة ول يرث نظيرها من الرجال.
أى أن هناك أكثر من ثلثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل ،
أو أكثر منه ،أو ترث هى ول يرث نظيرها من الرجال ،فى
مقابلة أربع حالت محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل)2( ..
"!!.
تلك هى ثمرات استقراء حالت ومسـائل الميراث فى عـلم
الفرائض (المواريث) ،التى حكمتها المعايير السلمية التى
903
حددتها فلسفة السلم فى التوريث ..والتى لم تقف عند معيار
الذكورة والنوثة ،كما يحسب الكثيرون من الذين ل يعلمون !..
وبذلك نرى سقوط الشبهة الولى من الشبهات الخمس المثارة
حول أهلية المرأة ،كما قررها السلم.
( )1النساء.11 :
( )2د .صلح الدين سلطان "ميراث المرأة وقضية المساواة " ص
، 46 ، 10طبعة القاهرة ،دار نهضة مصر سنة 1999م ـ " سلسلة
فى التنوير السلمى ".
--------------
-161أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
904
رفضها ..وإنما معيارها تحقق اطمئنان القاضى لصدق الشهادة
بصرف النظرعن جنس الشاهد ،ذكًرا كان أو أنثى ،وبصرف
النظر عن عدد الشهود ..فالقاضى إذا اطمأن ضميره إلى ظهور
البينة أن يعتمد شهادة رجلين ،أو امرأتين ،أو رجل وامرأة ،أو
رجل وامرأتين ،أو امرأة ورجلين ،أو رجل واحد أو امرأة
واحدة ..ول أثر للذكورة أو النوثة فى الشهادة التى يحكم القضاء
بناءً على ما تقدمه له من البينات..
أما آية سورة البقرة ،والتى قالت [ :واستشهدوا شهيدين من
رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من
الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الخرى] فإنها تتحدث
عن أمر آخر غير" الشهادة " أمام القضاء ..تتحدث عن " الشهاد
" الذى يقوم به صاحب الدين للستيثاق من الحفاظ على دَيْنه ،
وليس عن " الشهادة " التى يعتمد عليها القاضى فى حكمه بين
المتنازعين ..فهى -الية -موجهة لصاحب الحق الدَّيْن وليس إلى
القاضى الحاكم فى النزاع ..بل إن هذه الية ل تتوجه إلى كل
صاحب حق دَيْن ول تشترط ما اشترطت من مستويات الشهاد
وعدد الشهود فى كل حالت الدَّيْن ..وإنما توجهت بالنصح
والرشاد فقط النصح والرشاد إلى دائن خاص ،وفى حالت
خاصة من الديون ،لها ملبسات خاصة نصت عليها الية ..فهو
دين إلى أجل مسمى ..ولبد من كتابته ..ولبد من عدالة الكاتب.
ويحرم امتناع الكاتب عن الكتابة..ولبد من إملء الذى عليه
الحق ..وإن لم يستطع فليملل وليه بالعدل..
والشهاد ل بد أن يكون من رجلين من المؤمنين ..أو رجل
وامرأتين من المؤمنين ..وأن يكون الشهود ممن ترضى عنهم
الجماعة ..ول يصح امتناع الشهود عن الشهادة ..وليست هذه
الشروط بمطلوبة فى التجارة الحاضرة ..ول فى المبايعات..
ثم إن الية ترى فى هذا المستوى من الشهاد الوضع القسط
والقوم ..وذلك ل ينفى المستوى الدنى من القسط..
ولقد فقه هذه الحقيقة حقيقة أن هذه الية إنما تتحدث عن "
الشهاد" فى دَيْن خاص ،وليس عن الشهادة..
وإنها نصيحة وإرشاد لصاحب الدَّيْن ذى المواصفات والملبسات
الخاصة وليست تشريعا ً موجها ً إلى القاضى الحاكم فى
المنازعات ..فقه ذلك العلماء المجتهدون..
صلواومن هؤلء العلماء الفقهاء الذين فقهوا هذه الحقيقة ،وف ّ
القول فيها شيخ السلم ابن تيمية [ 661728هجرية ]1328 1263/
وتلميذه العلمة ابن القيم [ 691751هجرية 1350 1292 /م ] من
القدماء والستاذ المام الشيخ محمد عبده [ 12651323هجرية ]
905
والمام الشيخ محمود شلتوت [ 13101383هجرية 18931963/م] من
المحدثين والمعاصرين فقال ابن تيمية فيما يرويه عنه ويؤكد
عليه ابن القيم:
قال عن " البينة " التى يحكم القاضى بناء عليها ..والتى وضع
قاعدتها الشرعية والفقهية حديث رسول الله صلى الله عليه
وسلم " :البينة على المدعى ،واليمين على المدعى عليه " رواه
البخارى والترمذى وابن ماجه:
" إن البينة فى الشرع ،اسم لما يبيّن الحق ويظهره ،وهى تارة
تكون أربعة شهود ،وتارة ثلثة ،بالنص فى بينة المفلس ،وتارة
شاهدين ،وشاهد واحد ،وامرأة واحدة ،وتكون نُكول ً (، )2
ويمينًا ،أو خمسين يمينا ً أو أربعة أيمان ،وتكون شاهد الحال.
فقوله صلى الله عليه وسلم " :البينة على المدعى " ،أى عليه
أن يظهر ما يبيّن صحة دعواه ،فإذا ظهر صدقه بطريق من
حكِم له )3( " ..فكما تقوم البينة بشهادة الرجل الواحد أو الطرق ُ
أكثر ،تقوم بشهادة المرأة الواحدة ،أو أكثر ،وفق معيار البينة
التى يطمئن إليها ضمير الحاكم -القاضى ..-
صل ابن تيمية القول فى التمييز بين طرق حفظ الحقوق ، ولقد ف ّ
التى أرشدت إليها ونصحت بها آية الشهاد -الية 282من سورة
البقرة وهى الموجهة إلى صاحب " الحق الدَّين " وبين طرق
البينة ،التى يحكم الحاكم القاضى بناء عليها ..وأورد ابن القيم
تفصيل ابن تيمية هذا تحت عنوان [ الطرق التى يحفظ بها
النسان حقه ] ..فقال:
" إن القرآن لم يذكر الشاهدين ،والرجل والمرأتين فى طرق
الحكم التى يحكم بها الحاكم ،وإنما ذكر النوعين من البينات فى
الطرق التى يحفظ بها النسان حقه ،فقال تعالى( :يا أيها الذين
آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم
كاتب بالعدل ول يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب
وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه ول يبخس منه شيئا ً فإن
كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو ل يستطيع أن يمل هو
فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم
يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ) (..)4
فأمرهم ،سبحانه ،بحفظ حقوقهم بالكتاب ( ، )5وأمر من عليه
الحق أن يملى الكاتب ،فإن لم يكن ممن يصح إملؤه أملى عنه
وليه ،ثم أمر من له الحق أن يستشهد على حقه رجلين ،فإن
لم يجد فرجل وامرأتان ،ثم نهى الشهداء المتحملين للشهادة
خص لهم فى عن التخلف عن إقامتها إذا طُلبوا لذلك ،ثم ر ّ
التجارة الحاضرة أل يكتبوها ،ثم أمرهم بالشهاد عند التبايع ،ثم
906
أمرهم إذا كانوا على سفر ولم يجدوا كاتبا ً ،أن يستوثقوا بالرهان
المقبوضة.
كل هذا نصيحة لهم ،وتعليم وإرشاد لما يحفظون به حقوقهم ،
وما تحفظ به الحقوق شئ وما يحكم به الحاكم [ القاضى ]
شئ ،فإن طرق الحكم أوسع من الشاهد والمرأتين ،فإن
الحاكم يحكم بالنكول ،واليمين المردودة ول ذكر لهما فى
القرآن وأيضاً :فإن الحاكم يحكم بالقرعة بكتاب الله وسنة
رسوله الصريحة الصحيحة ..ويحكم بالقافة ( )6بالسنة الصريحة
الصحيحة التى ل معارض لها ويحكم بالقامة ( )7بالسنة الصحيحة
الصريحة ،ويحكم بشاهد الحال إذا تداعى الزوجان أو الصانعان
متاع البيت والدكان ،ويحكم ،عند من أنكر الحكم بالشاهد
واليمين بوجود الجر فى الحائط ،فيجعله للمدعى إذا كان جهته
وهذا كله ليس فى القرآن ،ول حكم به رسول الله صلى الله
عليه وسلم ،ول أحد من أصحابه..
ل عن فإن قيل :فظاهر القرآن يدل على أن الشاهد والمرأتين بد ٌ
ضى بهما إل عند عدم الشاهدين. الشاهدين ،وأنه ل يُقْ َ
قيل :القرآن ل يدل على ذلك ،فإن هذا أمر لصحاب الحقوق بما
يحفظون به حقوقهم ،فهو سبحانه أرشدهم إلى أقوى الطرق ،
فإن لم يقدروا على أقواها انتقلوا إلى ما دونها ..وهو سبحانه لم
يذكر ما يحكم به الحاكم ،وإنما أرشدنا إلى ما يحفظ به الحق ،
وطرق الحكم أوسع من الطرق التى تُحفظ بها الحقوق " (..)8
وبعد إيراد ابن القيم لهذه النصوص نقل ً عن شيخه وشيخ السلم
ابن تيمية علق عليها ،مؤكدا ً إياها ،فقال " :قلت [ أى ابن
حكَم إل بشاهدين ،أو القيم ] :وليس فى القرآن ما يقتضى أنه ل ي ُ ْ
شاهد وامرأتين ،فإن الله سبحانه إنما أمر بذلك أصحاب الحقوق
أن يحفظوا حقوقهم بهذا النِّصاب ،ولم يأمر بذلك الحكام أن
يحكموا به ،فضل ً عن أن يكون قد أمرهم أل يقضوا إل بذلك.
ولهذا يحكم الحاكم بالنكول ،واليمين المردودة ،والمرأة
مط ()9 الواحدة ،والنساء المنفردات ل رجل معهن ،وبمعاقد ال ُق ُ
،ووجوه الجّر ،وغير ذلك من طرق الحكم التى تُذكر فى
القرآن..فطرق الحكم شئ ،وطرق حفظ الحقوق شئ آخر ،
وليس بينهما تلزم ،فتُحفظ الحقوق بما ل يحكم به الحاكم مما
يعلم صاحب الحق أنه يحفظ به حقه ،ويحكم الحاكم بما ل
يحفظ به صاحب الحق حقه ،ول خطر على باله.)10( " ..
فطرق الشهاد ،فى آية سورة البقرة التى تجعل شهادة
المرأتين تعدل شهادة رجل واحد هى نصيحة وإرشاد لصاحب
الدَّين ذى الطبيعة الخاصة ..-وليست التشريع الموجه إلى
907
الحاكم القاضى والجامع لطرق الشهادات والبينات ..وهى أيضاً
خاصة بدَيْن له مواصفاته وملبساته ،وليست التشريع العام فى
البينات التى تُظهر العدل فيحكم به القضاة..
* وبعد هذا الضبط والتمييز والتحديد ..أخذ ابن تيمية يعدد حالت
البينات والشهادات التى يجوز للقاضى الحاكم الحكم بناء عليها..
فقال " :إنه يجوز للحاكم – [ القاضى ] – الحكم بشهادة الرجل
الواحد إذا عرف صدقه فى غير الحدود ،ولم يوجب الله على
الحاكم أل يحكم إل بشاهدين أصل ً ،وإنما أمر صاحب الحق أن
يحفظ حقه بشاهدين ،أو بشاهد وامرأتين ،وهذا ل يدل علىأن
الحاكم ل يحكم بأقل من ذلك ،بل قد حكم رسول الله صلى الله
عليه وسلم ،بالشاهد واليمين ،وبالشاهد فقط ،وليس ذلك
مخالفا ً لكتاب الله عند من فهمه ،ول بين حكم الله وحكم
رسوله خلف ..وقد قبل النبى صلى الله عليه وسلم شهادة
العرابى وحده على رؤية هلل رمضان ،وتسمية بعض الفقهاء
ذلك إخبارا ً ،ل شهادة ،أمر لفظى ل يقدح فى الستدلل ،ولفظ
الحديث يرد ّ قوله ،وأجاز صلى الله عليه وسلم شهادة الشاهد
سلَب ( ، )11ولم يطالب القاتل بشاهد آخر ، الواحد فى قضية ال َّ
واستحلفه ،وهذه القصة [وروايتها فى الصحيحين] صريحة فى
ذلك ..وقد صرح الصحاب :أنه تُقبل شهادة الرجل الواحد من
خَرقى [ 334هجرية 945م ] غير يمين عند الحاجة ،وهو الذى نقله ال ِ
فى مختصره ،فقال :وتِقبل شهادة الطبيب العدل فى الموضحة (
)12إذا لم يقدر على طبيبين ،وكذلك البيطار فى داء الدابة( "..
.)13
* وكما تجوز شهادة الرجل الواحد فى غير الحدود ..وكما تجوز
شهادة الرجال وحدهم في الحدود ،تجوز عند البعض شهادة
النساء وحدهن فى الحدود ..وعن ذلك يقول ابن تيمية ،فيما
نقله ابن القيم:
" وقد قبل النبى صلى الله عليه وسلم شهادة المرأة الواحدة
فى الرضاع ،وقد شهدت على فعل نفسها ،ففى الصحيحين عن
عقبة ابن الحارث " :أنه تزوج أم يحيى بنت أبى إهاب ،فجاءت
ت ذلك للنبى صلى الله َ
ة سوداء ،فقالت :قد أرضعتكما .فذكر ُ م ٌ
أ َ
ت ذلك له ،قال: ت فذكر ُ عليه وسلم ،فأعرض عنى ،قال :فتنحي ُ
ن قد أرضعتكما ! ".تأ ْ فكيف ؟ وقد زعم ْ
وقد نص أحمد على ذلك فى رواية بكر بن محمد عن أبيه ،قال:
فى المرأة تشهد على مال يحضره الرجال من إثبات استهلل
مام يدخله النساء ،فتكون بينهن جراحات. الصبى ( ،)14وفى الح ّ
908
ت لحمد فى شهادة الستدلل" : وقال إسحاق بن منصور :قل ُ
مام ،تجوز شهادة امرأة واحدة فى الحيض والعدة والسقط والح ّ
وكل مال يطلع عليه إل النساء ".
فقال" :تجوز شهادة امرأة إذا كانت ثقة ،ويجوز القضاء بشهادة
النساء منفردات فى غير الحدود والقصاص عند جماعة من
خلَف والسلف " .وعن عطاء [ 114-27هجرية 732 647/م ] أنه أجاز ال َ
شهادة النساء فى النكاح .وعن شريح [ 78هجرية 697 /م ] أنه
أجاز شهادة النساء فى الطلق .وقال بعض الناس :تجوز شهادة
النساء فى الحدود .وقال مهنا :قال لى أحمد بن حنبل :قال أبو
حنيفة :تجوز شهادة القابلة وحدها ،وإن كانت يهودية أو
نصرانية.)15( "..
ذلك أن العبرة هنا فى الشهادة إنما هى الخبرة والعدالة ،
وليست العبرة بجنس الشاهد ذكرا ً كان أو أنثى ففى مهن مثل
الطب ..والبيطرة ..والترجمة أمام القاضى ..تكون العبرة
"بمعرفة أهل الخبرة " (.)16
* بل لقد ذكر ابن تيمية فى حديثه عن الشهاد الذى تحدثت عنه
آية سورة البقرة أن نسيان المرأة ،ومن ثم حاجتها إلى أخرى
تذكرها (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الخرى(ليس طبعًا ول
ما فى كل أنواع الشهادات ..وإنما جبلة فى كل النساء ،وليس حت ً
هو أمر له علقة بالخبرة والمران ،أى أنه مما يلحقه التطور
والتغيير ..وحكى ذلك عنه ابن القيم فقال:
" قال شيخنا ابن تيمية ،رحمه الله تعالى :قوله تعالى(::فإن لم
يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل
إحداهما فتذكر إحداهما الخرى(فيه دليل على أن استشهاد
امرأتين مكان رجل واحد إنما هو لذكار إحداهما للخرى ،إذا
ضلت ،وهذا إنما يكون فيما فيه الضلل فى العادة ،وهو
ف فيه النسيان وعدم الضبط ..فما كان من الشهادات ل يُخا ُ
الضلل فى العادة لم تكن فيه على نصف الرجل.)17( "..
فحتى فى الشهاد ،يجوز لصاحب الدَّيْن أن يحفظ دَينه وفق
نصيحة وإرشاد آية سورة البقرة بإشهاد رجل وامرأة ،أو امرأتين
،وذلك عند توافر الخبرة للمرأة فى موضوع الشهاد ..فهى فى
هذا الشهاد ليست شهادتها دائما ً على النصف من شهادة
الرجل..
ولقد كرر ابن القيم وأكد هذا الذى أشرنا إلى طرف منه ،فى
غير كتابه [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] فقال فى
كتابه " إعلم الموقعين عند رب العالمين" أثناء حديثه عن "
البينة " وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " :البينة على
909
المدعى واليمين على من أنكر " خلل شرحه لخطاب عمر بن
الخطاب إلى أبى موسى الشعرى [ 21ق هجرية 44هجرية -602
665م ] فى قواعد القضاء وآدابه -قال:
" إن البينة فى كلم الله ورسوله ،وكلم الصحابة اسم لكل ما
يبين الحق ..ولم يختص لفظ البينة بالشاهدين..
وقال الله فى آية الدَّيْن( :واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن
لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان (فهذا فى التَّحمل والوثيقة التى
يحفظ بها صاحب المال حقه ،ل فى طرق الحكم وما يحكم به
الحاكم ،فإن هذا شئ وهذا شئ ،فذكر سبحانه ما يحفظ به
الحقوق من الشهود ،ولم يذكر أن الحكام ل يحكمون إل بذلك..
فإن طرق الحكم أعم من طرق حفظ الحقوق ..وقال
سبحانه(:ممن ترضون من الشهداء (لن صاحب الحق هو الذى
يحفظ ماله بمن يرضاه." ..
وعلل ابن تيمية حكمة كون شهادة المرأتين فى هذه الحالة
تعدلن شهادة الرجل الواحد ،بأن المرأة ليست مما يتحمل عادة
مجالس وأنواع هذه المعاملت ..لكن إذا تطورت خبراتها
وممارساتها وعاداتها ،كانت شهادتها حتى فى الشهاد على حفظ
الحقوق والديون مساوية لشهادة الرجل ..فقال:
" ول ريب أن هذه الحكمة فى التعدد هى فى التحمل ،فأما إذا
عقلت المرأة ،وحفظت وكانت ممن يوثق بدينها فإن المقصود
حاصل بخبرها كما يحصل بأخبار الديانات ،ولهذا تُقبل شهادتها
وحدها فى مواضع ،ويُحكم بشهادة امرأتين ويمين الطالب فى
أصح القولين ،وهو قول مالك [ 179-93هجرية 795-712م ] وأحد
قف الوجهين فى مذهب أحمد " ..والمقصود أن الشارع لم ي َ ِ
الحكم فى حفظ الحقوق البتة على شهادة ذكرين ،ل فى الدماء
ول فى الموال ول فى الفروج ول فى الحدود ..وسر المسألة أل
يلزم من المر بالتعدد فى جانب التحمل وحفظ الحقوق المر
بالتعدد فى جانب الحكم والثبوت ،فالخبر الصادق ل تأتى
الشريعة برده أبداً.
وهذا الذى قاله ابن تيمية وابن القيم فى حديثهما عن آية سورة
البقرة هو الذى ذكره المام محمد عبده ،عندما أرجع تميز
شهادة الرجال على هذا الحق الذى تحدثت عنه الية على شهادة
النساء ،إلى كون النساء فى ذلك التاريخ كن بعيدات عن حضور
مجالس التجارات ،ومن ثم بعيدات عن تحصيل التحمل
والخبرات فى هذه الميادين ..وهو واقع تاريخى خاضع للتطور
والتغير ،وليس طبيعة ول جبلة فى جنس النساء على مر
العصور ..ولو عاش المام محمد عبده إلى زمننا هذا ،الذى زخر
910
ويزخر بالمتخصصات فى المحاسبة والقتصاد وإدارة العمال ،
وب " سيدات العمال " اللئى ينافسن " رجال العمال " لفاض
وتوسع فيما قال ،ومع ذلك ،فحسبه أنه قد تحدث قبل قرن من
الزمان فى تفسيره لية سورة البقرة هذه رافضا ً أن يكون
ما فى كل موضوعات الشهادات ، نسيان المرأة جبلة فيها وعا ًّ
فقال:
" تكلم المفسرون فى هذا ،وجعلوا سببه المزاج ،فقالوا :إن
مزاج المرأة يعتريه البرد فيتبعه النسيان ،وهذا غير متحقق ،
والسبب الصحيح أن المرأة ليس من شأنها الشتغال بالمعاملت
المالية ونحوها من المعاوضات ،فلذلك تكون ذاكرتها ضعيفة ،ول
تكون كذلك فى المور المنزلية التى هى شغلها ،فإنها أقوى
ذاكرة من الرجل ،يعنى أن من طبع البشر ذكرانا ً وإناثا ً أن يقوى
تذكرهم للمور التى تهمهم ويكثر اشتغالهم بها " (.)18
ولقد سار الشيخ محمود شلتوت الذى استوعب اجتهادات ابن
تيمية وابن القيم ومحمد عبده مع هذا الطريق ،مضيفا ً إلى هذه
الجتهادات علما ً آخر عندما لفت النظر إلى تساوى شهادة الرجل
فى " اللعان "..
فكتب يقول عن شهادة المرأة وكيف أنها دليل على كمال أهليتها
،وذلك على العكس من الفكر المغلوط الذى يحسب موقف
صا من إنسانيتها ..كتب يقول: السلم من هذه القضية انتقا ً
إن قول الله سبحانه وتعالى( :فإن لم يكونا رجلين فرجل
وامرأتان (ليس واردا ً فى مقام الشهادة التى يقضى بها القاضى
ويحكم ،وإنما هو فى مقام الرشاد إلى طرق الستيثاق
والطمئنان على الحقوق بين المتعاملين وقت التعامل(يأيها الذين
آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم
كاتب بالعدل وليأب كاتب أن يكتب كما علمه الله (إلى أن قال:
(واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل
وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر
إحداهما الخرى ) (.)19
فالمقام مقام استيثاق على الحقوق ،ل مقام قضاء بها .والية
ترشد إلى أفضل أنواع الستيثاق الذى تطمئن به نفوس
المتعاملين على حقوقهم.
وليس معنى هذا أن شهادة المرأة الواحدة أو شهادة النساء
اللتى ليس معهن رجل ،ليثبت بها الحق ،ول يحكم بها
القاضى ،فإن أقصى ما يطلبه القضاء هو " البينة ".
وقد حقق العلمة ابن القيم أن البينة فى الشرع أعم من
الشهادة ،وأن كل ما يتبين به الحق ويظهره ،هو بينة يقضى بها
911
القاضى ويحكم .ومن ذلك :يحكم القاضى بالقرائن القطعية ،
ويحكم بشهادة غير المسلم متى وثق بها واطمأن إليها.
واعتبار المرأتين فى الستيثاق كالرجل الواحد ليس لضعف عقلها
،الذى يتبع نقص إنسانيتها ويكون أثرا ً له ،وإنما هو لن المرأة
كما قال الشيخ محمد عبده " ليس من شأنها الشتغال
بالمعاملت المالية ونحوها من المعاوضات ،ومن هنا تكون
ذاكرتها فيها ضعيفة ،ول تكون كذلك فى المور المنزلية التى
هى شغلها ،فإنها فيها أقوى ذاكرة من الرجل ،ومن طبع البشر
عامة أن يقوى تذكرهم للمور التى تهمهم ويمارسونها ،ويكثر
اشتغالهم بها.
والية جاءت على ما كان مألوفا ً فى شأن المرأة ،ول يزال أكثر
النساء كذلك ،ل يشهدن مجالس المداينات ول يشتغلن بأسواق
المبايعات ،واشتغال بعضهن بذلك ل ينافى هذا الصل الذى
تقضى به طبيعتها فى الحياة.
وإذا كانت الية ترشد إلى أكمل وجوه الستيثاق ،وكان
المتعاملون فى بيئة يغلب فيها اشتغال النساء بالمبايعات وحضور
مجالس المداينات ،كان لهم الحق فى الستيثاق بالمرأة على
نحو الستيثاق بالرجل متى اطمأنوا إلى تذكرها وعدم نسيانها
على نحو تذكر الرجل وعدم نسيانه.
هذا وقد نص الفقهاء على أن من القضايا ما تقبل فيه شهادة
المرأة وحدها ،وهى القضايا التى لم تجر العادة بإطلع الرجال
على موضوعاتها ،كالولدة والبكارة ،وعيوب النساء والقضايا
الباطنية.
وعلى أن منها ما تقبل فيه شهادة الرجل وحده ،وهى القضايا
التى تثير موضوعاتها عاطفة المرأة ول تقوى على تحملها ،على
أنهم قدروا قبول شهادتها فى الدماء إذا تعينت طريقا ً لثبوت
الحق واطمئنان القاضى إليها .وعلى أن منها ما تقبل شهادتهما
معاً.
ومالنا نذهب بعيدا ً ،وقد نص القرآن على أن المرأة كالرجل
سواء بسواء فى شهادات اللعان ،وهو ما شرعه القرآن بين
الزوجين حينما يقذف الرجل زوجه وليس له على ما يقول شهود
(والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إل أنفسهم فشهادة
أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين * والخامسة أن
لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين * ويدرأ عنها العذاب أن تشهد
أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله
عليها إن كان من الصادقين ) (.)20
912
أربع شهادات من الرجل ،يعقبها استمطار لعنة الله عليه إن كان
من الكاذبين ،ويقابلها ويبطل عملها ،أربع شهادات من المرأة
يعقبها استمطار غضب الله عليها إن كان من الصادقين ..فهذه
عدالة السلم فى توزيع الحقوق العامة بين الرجل والمرأة ،
وهى عدالة تحقق أنهما فى النسانية سواء.)21( ..
هكذا وضحت صفحة السلم ..وصفحات الجتهاد السلمى فى
قضية مساواة شهادة المرأة وشهادة الرجل ،طالما امتلك
الشاهد أو الشاهدة مقومات ومؤهلت وخبرة هذه الشهادة ..لن
الهلية النسانية بالنسبة لكل منهما واحدة ،ونابعة من وحدة
الخلق ،والمساواة فى التكاليف ،والتناصر فى المشاركة بحمل
المانة التى حملها النسان ،أمانة استعمار وعمران هذه الحياة.
*وأخيرا ً وليس آخرا ً فإن ابن القيم يستدل بالية القرآنية( :وكذلك
جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول
عليكم شهيدا ً ) ( .)22على أن المرأة كالرجل فى هذه الشهادة
على بلغ الشريعة ورواية السنة النبوية ..فالمرأة كالرجل فى "
رواية الحديث " ،التى هى شهادة على رسول الله صلى الله
عليه وسلم..
وإذا كان ذلك مما أجمعت عليه المة ،ومارسته راويات الحديث
النبوى جيل ً بعد جيل " والرواية شهادة " فكيف تقبل الشهادة من
المرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ول تقبل على واحد
من الناس ؟..
إن المرأة العدل [ بنص عبارة ابن القيم ] كالرجل فى الصدق
والمانة والديانة (.)23
ذلكم هو منطق شريعة السلم وكلها منطق وهذا هوعدلها بين
النساء والرجال وكلها عدل وكما يقول ابن القيم ":وما أثبت الله
سا أو عقل ً ، ورسوله قط حكما ً من الحكام يُقطع ببطلن سببه ح ًّ
ما منهفحاشا أحكامه سبحانه من ذلك ،فإنه ل أحسن حك ً
سبحانه وتعالى ول أعدل .ول يحكم حكما ً يقول العقل :ليته حكم
بخلفه ،بل أحكامه كلها مما يشهد العقل والفِطَر بحسنها ،
ووقوعها على أتم الوجوه وأحسنها ،وأنه ل يصلح فى موضعها
سواها " (.)24
هذا ..ولقد تعمدنا فى إزالة هذه الشبهة أمران:
أولهما :أن ندع نصوص أئمة الجتهاد السلمى هى التى تبدد
غيوم هذه الشبهة ،ل نصوصنا نحن..
وذلك حتى ل ندع سبيل ً لشبهات جديدة فى هذا الموضوع !
وثانيهما :أن تكون هذه النصوص للئمة المبرزين فى إطار
السلف والسلفيين ..وذلك حتى نقطع الطريق على أدعياء
913
السلفية الذين حملوا العادات الراكدة لمجتمعاتهم على دين
السلم ،فاستبدلوا هذه العادات بشريعة السلم ! ..وحتى نقطع
الطريق كذلك على غلة العلمانيين والعلمانيات ،الذين استبدلوا
البدع الفكرية الوافدة بحقائق وحقيقة السلم ،والذين
يتحسسون مسدساتهم إذا ذكرت مصطلحات السلفية والسلفيين
!..
فإنصاف المرأة ،وكمال واكتمال أهليتها هو موقف السلم ،
الذى نزل به الروح المين على قلب الصادق المين ..وهو موقف
كل تيارات الجتهاد السلمى ،على امتداد تاريخ السلم.
( )1البقرة.282 :
( )2النكول :هو المتناع عن اليمين.
( )3ابن القيم [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص .34
تحقيق محمد جميل غازى .طبعة القاهرة سنة 1977م.
( )4سورة البقرة.282 :
( )5أى الكتابة.
( )6القافة :مفردها قائف هو الذى يعرف الثار آثار القدام
ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه..
( )7القامة :اليمان ،تقسم على أهل المحلة الذين وجد المقتول
فيهم.
( [ )8الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ]ص 219،23 ، 105-103
.6
( )9مفردها قمط بكسر القاف وسكون الميم :ما تشد به
الخصاص ومكونات البناء ولبناته.
( [ )10الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص .198
سلب بفتح السين مشددة ،وفتح اللم :-هو متاع القتيل ( )11ال َّ
وعدته ،يأخذه قاتله ..وفى الحديث:
سلَب ُ ُ
ه ". " من قتل قتيل ً فله َ
( )12الموضحة :هى الجراحات التى هى دون قتل النفس.
( [ )13الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص .123 ، 113 ، 98
( )14استهلل الصبى :هو أن يحدث منه ما يدل على حياته ساعة
الولدة من رفع صوت أو حركة عضو أو عين ،وهو شرط لتمتعه
بحقوق الحياء.
([ )15الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص .117-115
( )16المصدر السابق .ص .193 ، 188
( [ )17إعلم الموقعين عن رب العالمين ] ج 1ص 103، 95-94 ،92-90
.،104طبعة بيروت سنة 1973م.
914
( [ )18العمال الكاملة للمام محمد عبده ] ج 4ص .732دراسة
وتحقيق :د .محمد عمارة .طبعة القاهرة سنة 1993م.
( )19البقرة.282 :
( )20النور.69:
( [ )21السلم عقيدة وشريعة ] ص .241 -239طبعة القاهرة سنة
1400هجرية سنة 1980م.
( )22البقرة.143 :
( [ )23الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص .244 ،236
( )24المصدر السابق ،ص .329
---------------
-162أن النساء ناقصات عقل ودين
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
الردعلى الشبهة:
المصدر الحقيقى لهذه الشبهة هو العادات والتقاليد الموروثة ،
والتى تنظر إلى المرأة نظرة دونية ..وهى عادات وتقاليد
جاهلية ،حرر السلم المرأة منها ..لكنها عادت إلى الحياة
الجتماعية ،فى عصور التراجع الحضارى مستندة كذلك إلى
رصيد التمييز ضد المرأة الذى كانت عليه مجتمعات غير
إسلمية ،دخلت فى إطار المة السلمية والدولة السلمية ،
دون أن تتخلص تماما ً من هذه المواريث ..فسرعة الفتوحات
السلمية التى اقتضتها معالجة القوى العظمى المناوئة للسلم
قوى الفرس والروم وما تبعها من سرعة امتداد الدولة
السلمية ،قد أدخلت فى الحياة السلمية شعوبا ً وعادات
وتقاليد لم تتح هذه السرعة للتربية السلمية وقيمها أن تتخلص
تلك الشعوب من تلك العادات والتقاليد ،والتى تكون عادة أشد
رسوخا ً وحاكمية من القيم الجديدة ..حتى لتغالب فيه هذه
العادات الموروثة العقائد والنساق الفكرية والمثل السامية
للديان والدعوات الجديدة والوليدة ،محاولة التغلب عليها !.
ولقد حاولت هذه العادات والتقاليد بعد أن ترسخت وطال عليها
المد ،فى ظل عسكرة الدولة السلمية فى العهدين المملوكى
والعثمانى أن تجد لنظرتها الدونية للمرأة " غطاء شرعيًّا " فى
التفسيرات المغلوطة لبعض الحاديث النبوية وذلك بعد عزل هذه
الحاديث عن سياقها ،وتجريدها من ملبسات ورودها ،وفصلها
عن المنطق السلمى منطق تحرير المرأة كجزء من تحريره
للنسان ،ذكرا ً كان أو أنثى هذا النسان فلقد جاء السلم ليضع
عن الناس إصرهم والغلل التى كانت عليهم ،وليحيى ملكات
915
وطاقات النسان مطلق جنس ونوع النسان وليشرك الناث
والذكور جميعا ً فى حمل المانة التى حملها النسان ،وليكون
بعضهم أولياء بعض فى النهوض بالفرائض الجتماعية ،الشاملة
لكل ألوان العمل الجتماعى والعام..
لكن العادات والتقاليد الجاهلية فى احتقار المرأة ،والنتقاص من
أهليتها ،وعزلها عن العمل العام ،وتعطيل ملكاتها وطاقاتها
الفطرية قد دخلت فى حرب ضروس ضد القيم السلمية لتحرير
المرأة..
وسعت إلى التفسيرات الشاذة والمغلوطة لبعض الحاديث
النبوية والمأثورات السلمية كى تكون " غطاءً شرعيا ً " لهذه
العادات والتقاليد..
فبعد أن بلغ التحرير السلمى للمرأة إلى حيث أصبحت به وفيه:
* طليعة اليمان بالسلم ..والطاقة الخلقة الداعمة للدين
ورسوله صلى الله عليه وسلم كما كان حال أم المؤمنين خديجة
بنت خويلد [ 3 68ق هجرية 620 556 /م ] رضى الله عنها ..حتى لقد
كان عام وفاتها عام حزن المسلمين ورسول السلم ودعوة
السلم..
* وطليعة شهداء السلم ..كما جسدتها شهادة سمية بنت خياط
[ 7ق هجرية 615م] ،أم عمار بن ياسر [ 57ق هجرية 37هجرية /
657 567م]..
* وطليعة المشاركة فى العمل العام السياسى منه ،والشورى ،
والفقهى ،والدعوى ،والدبى ،والجتماعى.
بل والقتالى -كما تجسدت فى كوكبة النخبة والصفوة النسائية
التى تربت فى مدرسة النبوة..
بعد أن بلغ التحرير السلمى للمرأة هذه الفاق ..أعادت العادات
والتقاليد المرأة أو حاولت إعادتها إلى أسر وأغلل منظومة من
القيم الغربية عن الروح السلمية ..حتى أصبحت المفاخرة
والمباهاة بأعراف ترى:
* أن المرأة الكريمة ل يليق بها أن تخرج من مخدعها إل مرتان:
أولهما :إلى مخدع الزوجية ..وثانيتهما:
إلى القبر الذى تُدفن فيه !..
* فهى عورة ،ل يسترها إل " القبر " !.
سترت بقبر ! ولم أر نعمة شملت كريما ً *** كنعمة عورة ُ
وإذا كان السلم قد حفظ حياتها من الوأد المادى القتل فإن
المجد والمكرمات فى تلك العادات هى فى موتها !
ومن غاية المجد والمكرمات *** بقاء البنين وموت البنات !
916
تهوى حياتى وأهوى موتها شفقا *** والموت أكرم نّزال على
الحرم !
* وشوراها شؤم يجب اجتنابها ..وإذا حدثت فلمخالفتها ،وللحذر
من الخذ بها !.
والكثر خطورة من هذه العراف والعادات والتقاليد ،التى
سادت أوساطا ملحوظة ومؤثرة فى حياتنا الجتماعية ،إبان
مرحلة التراجع الحضارى ،هى التفسيرات المغلوطة لبعض
المرويات السلمية بحثا ً عن مرجعية إسلمية وغطاء شرعى
لقيم التخلف والنحطاط التى سادت عالم المرأة فى ذلك
التاريخ..
لقد كان الحظ الوفر فى هذا المقام للتفسير الخاطىء الذى
ساد وانتشر لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى رواه
البخارى ومسلم عن نقص النساء فى العقل والدين ..وهو حديث
رواه الصحابى الجليل أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه فقال" :
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أضحى أو فِطْر إلى
المصلى فمّر على النساء ،فقال:
" -يا معشر النساء ،ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب
الرجل الحازم من إحداكن ".
-قلن :وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟.
-قال " :أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل " ؟.
-قلن :بلى.
ل ولم -قال " :فذلك من نقصان عقلها .أليس إذا حاضت لم تص ّ
تصم ؟ ".
-قلن :بلى.
-قال " :فذلك من نقصان دينها ".
ذلكم هو الحديث الذى اتّخذ َ تفسيره الملغوط ول يزال " غطاء
شرعيًّا " للعادات والتقاليد التى تنتقص من أهلية المرأة ..والذى
ينطلق منه نفر من غلة السلميين فى " جهادهم " ضد إنصاف
المرأة وتحريرها من أغلل التقاليد الراكدة ..وينطلق منه
المتغربون وغلة العلمانيين فى دعوتهم إلى إسقاط السلم من
حسابات تحرير المرأة ،وطلب هذا التحرير فى النماذج الغربية
الوافدة..
المر الذى يستوجب إنقاذ المرأة من هذه التفسيرات المغلوطة
لهذا الحديث ..بل إنقاذ هذا الحديث الشريف من هذه التفسيرات
!..
وذلك من خلل نظرات فى " متن " الحديث و " مضمونه "
نكثفها فى عدد من النقاط:
917
أولها :أن الذاكرة الضابطة لنص هذا الحديث قد أصابها ما يطرح
بعض علمات الستفهام ..ففى رواية الحديث شك من الرواى
حول مناسبة قوله ..هل كان ذلك فى عيد الضحى ؟ أم فى عيد
الفطر؟ ..وهو شك ل يمكن إغفاله عند وزن المرويات
والمأثورات.
وثانيتها :أن الحديث يخاطب حالة خاصة من النساء ،ول يشّرع
شريعة دائمة ول عامة فى مطلق النساء..
فهو يتحدث عن "واقع " والحديث عن " الواقع " القابل للتغير
ما ومعاملت والتطور شىء ،والتشريع " للثوابت " عبادات وقي ً
شىء آخر..
ُ
فعندما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إنا أمة أمية ،ل
نكتب ول نحسب " .رواه البخارى ومسلم والنسائى وأبو داود
والمام أحمد فهو يصف " واقعا ً " ،ول يشرع لتأييد الجهل
بالكتابة والحساب ،لن القرآن الكريم قد بدأ بفريضة " القراءة
" لكتاب الكون ولكتابات القلم (اقرأ باسم ربك الذى خلق *
خلق النسان من علق * اقرأ وربك الكرم * الذى علم بالقلم *
علم النسان ما لم يعلم) ( )1ولن الرسول صلى الله عليه وسلم
الذى وصف " واقع " المية الكتابية والحسابية ،وهو الذى غير
هذا الواقع ،بتحويل البدو الجهلء الميين إلى قراء وعلماء
وفقهاء ،وذلك امتثال ً لمر ربه ،فى القرآن الكريم ،الذى علمنا
أن من وظائف جعل الله سبحانه وتعالى القمر منازل أن نتعلم
عدد السنين والحساب (هو الذى جعل الشمس ضياء والقمر
نوراًوقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله
ذلك إل بالحق يفصل اليات لقوم يعلمون ) ( .)2فوصف " الواقع
" – كما نقول الن مثلً " :نحن مجتمعات متخلفة " ل يعنى
شرعنة هذا " الواقع " ول تأييده ،فضل ً عن تأبيده ،بأى حال من
الحوال.
وثالثتها :أن فى بعض روايات هذا الحديث وخاصة رواية ابن
عباس رضى الله عنهما ما يقطع بأن المقصود به إنما هى حالت
خاصة لنساء لهن صفات خاصة ،هى التى جعلت منهن أكثر أهل
النار ،ل لنهن نساء ،وإنما لنهن كما تنص وتعلل هذه الرواية "
يكفرن العشير " ،ولو أحسن هذا العشير إلى إحداهن الدهر كله
ة أو شيئا ً ل يعجبها ،كفرت كفر نعمة بكل النعم ،ثم رأت منه هِن َ ً
التى أنعم عليها بها ،وقالت بسبب النزق أو الحمق أو غلبة
العاطفة التى تنسيها ما قدمه لها هذا العشير من إحسان:
" ما رأيت منك خيرا ً قط " ! رواه البخارى ومسلم والنسائى
ومالك فى الموطأ..
918
فهذا الحديث إذن وصف لحالة بعينها ،وخاص بهذه الحالة..
ما ودائما ً لجنس النساء..
وليس تشريعا ً عا ًّ
ورابعتها :أن مناسبة الحديث ترشح ألفاظه وأوصافه لن يكون
المقصود من ورائها المدح وليس الذم..
خلق من صنعه الله على عينه ،حتى جعله فالذين يعرفون ُ
خلق العظيم(وإنك لعلى خلق عظيم) (..)3 صاحب ال ُ
والذين يعرفون كيف جعل الرسول صلى الله عليه وسلم من "
العيد " الذى قال فيه هذا الحديث " فرحة " أشرك فى الستمتاع
حيَّضبها مع الرجال كل النساء ،حتى الصغيرات ،بل وحتى ال ُ
والنفساء !..
الذين يعرفون صاحب هذا الخلق العظيم ،ويعرفون رفقه
بالقوارير ،ووصاياه بهن حتى وهو على فراش المرض يودع هذه
الدنيا ..ل يمكن أن يتصوروه صلى الله عليه وسلم ذلك الذى
يختار يوم الزينة والفرحة ليجابه كل النساء ومطلق جنس النساء
بالذم والتقريع والحكم المؤبد عليهن بنقصان الهلية ،لنقصانهن
فى العقل والدين !..
وإذا كانت المناسبة يوم العيد والزينة والفرحة ل ترشح أن يكون
الذم والغم والحزن والتبكيت هو المقصود..
فإن ألفاظ الحديث تشهد على أن المقصود إنما كان المديح ،
الذى يستخدم وصف " الواقع " الذى تشترك فى التحلى بصفاته
غالبية النساء ..إن لم يكن كل النساء..
فالحديث يشير إلى غلبة العاطفة والرقة على المرأة ،وهى
عاطفة ورقة صارت " سلحا ً " تغلب به هذه المرأة أشد الرجال
حزما ً وشدة وعقلً ..وإذا كانت غلبة العاطفة إنما تعنى تفوقها
على الحسابات العقلية المجردة والجامدة ،فإننا نكون أمام
عملة ذات وجهين ،تمثلها المرأة ..فعند المرأة تغلب العاطفة
على العقلنية ،وذلك على عكس الرجل ،الذى تغلب عقلنيته
وحساباته العقلنية عواطفه ..وفى هذا التمايز فقرة إلهية ،
وحكمة بالغة ،ليكون عطاء المرأة فى ميادين العاطفة بل حدود
وبل حسابات..
وليكون عطاء الرجل فى مجالت العقلنية المجردة والجامدة
مكمل ً لما نقص عند " الشق اللطيف والرقيق ! "..
فنقص العقل الذى أشارت إليه كلمات الحديث النبوى الشريف
هو وصف لواقع تتزين به المرأة السوية وتفخر به ،لنه يعنى
غلبة عاطفتها على عقلنيتها المجردة ..ولذلك ،كانت " مداعبة "
خلق العظيم الذى آتاه ربه جوامع الكلم للنساء ،فى صاحب ال ُ
يوم الفرحة والزينة ،عندما قال :لهن " :إنهن يغلبن بسلح
919
العاطفة وسلطان الستضعاف أهل الحزم واللباب من عقلء
الرجال ،ويخترقن بالعواطف الرقيقة أمنع الحصون !:
" -ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم
من إحداكن " فهو مدح للعاطفة الرقيقة التى تذهب بحزم ذوى
العقول واللباب ..ويا بؤس وشقاء المرأة التى حرمت من شرف
امتلك هذا السلح الذى فطر الله النساء على تقلده والتزين به
فى هذه الحياة ! بل وأيضا ً يا بؤس أهل الحزم والعقلنية من
الرجال الذين حرموا فى هذه الحياة من الهزيمة أمام هذا
السلح..
سلح العاطفة والستضعاف !..
وإذا كان هذا هو المعنى المناسب واللئق بالقائل وبالمخاطب
وبالمناسبة وأيضا ً المحبب لكل النساء والرجال معا ً الذى قصدت
إليه ألفاظ " نقص العقل " فى الحديث النبوى الشريف ..فإن
المراد " بنقص الدين " هو الخر وصف الواقع غير المذموم ،بل
إنه الواقع المحمود والممدوح !..
فعندما سألت النسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
المقصود من نقصهن فى الدين ،تحدث عن اختصاصهن " برخص
" فى العبادات تزيد على " الرخص " التى يشاركن فيها الرجال..
خص فيها فالنساء يشاركن الرجال فى كل " الرخص " التى ر ّ
الشارع 00من إفطار الصائم فى المرض والسفر ..إلى قصر
الصلة وجمعها فى السفر ..إلى إباحة المحرمات عند
الضرورات ..إلخ ..إلخ 00ثم يزدن عن الرجال فى " رخص" خاصة
بالناث ،من مثل سقوط فرائض الصلة والصيام عن الحيَّض
والنفساء ..وإفطار المرضع ،عند الحاجة ،فى شهر رمضان..
إلخ ..إلخ..
وإذا كان الله سبحانه وتعالى يحب أن تُؤتَى رخصه كما يحب أن
تُؤتَى عزائمه ،فإن التزام النساء بهذه " الرخص " الشرعية هو
الواجب المطلوب والمحمود ،وفيه لهن الجر والثواب ..ول
يمكن أن يكون بالمر المرذول والمذموم ..ووصف واقعه فى هذا
الحديث النبوى مثله كمثل وصف الحديث لغلبة العاطفة الرقيقة
الفياضة على العقلنية الجامدة ،عند النساء ،هو وصف لواقع
ما للنساء ،ينتقص من أهلية المرأة محمود ..ول يمكن أن يكون ذ ًّ
ومساواتها للرجال ،بأى حال من الحوال.
إن العقل ملكة من الملكات التى أنعم الله بها على النسان ،
وليس هناك إنسان رجل ً كان أو امرأة يتساوى مع الخر مساواة
كلية ودقيقة فى ملكة العقل ونعمته ..ففى ذلك يتفاوت الناس
ويختلفون ..بل إن عقل النسان الواحد وضبطه ذكرا ً كان أو أنثى
920
يتفاوت زيادة ونقصا ً بمرور الزمن ،وبما يكتسب من المعارف
والعلوم والخبرات ..وليست هناك جبلة ول طبيعة تفرق بين
الرجال والنساء فى هذا الموضوع..
وإذا كان العقل فى السلم هو مناط التكليف ،فإن المساواة
بين النساء والرجال فى التكليف والحساب والجزاء شاهدة على
أن التفسيرات المغلوطة لهذا الحديث النبوى الشريف ،هى
تفسيرات ناقصة لمنطق السلم فى المساواة بين النساء
والرجال فى التكليف ..ولو كان لهذه التفسيرات المغلوطة
نصيب من الصحة لنقصت تكاليف السلم للنساء عن تكليفاته
للرجال ،ولكانت تكاليفهن فى الصلة والصيام والحج والعمرة
والزكاة وغيرها على النصف من تكاليف الرجال !.
ولكنها " الرخصة " ،التى يُؤجر عليها الملتزمون بها والملتزمات ،
كما يُؤجرون جميعا ً عندما ينهضون بعزائم التكاليف ..إن النقص
المذموم فى أى أمر من المور هو الذى يمكن إزالته وجبره
وتغييره ،وإذا تغير وانجبر كان محموداً ..ولو كانت " الرخص "
التى شرعت للنساء بسقوط الصلة والصيام للحائض والنفساء
حيّض ونفساء ما ،لكان صيامهن وصلتهن وهن ُ صا مذمو ًمثل ً نق ً
أمًرا مقبول ً ومحمودًا ومأجوًرا..
لكن الحال ليس كذلك ،بل إنه على العكس من ذلك.
وأخيًرا ،فهل يعقل عاقل ..وهل يجوز فى أى منطق ،أن يعهد
السلم ،وتعهد الفطرة اللهية بأهم الصناعات النسانية
والجتماعية صناعة النسان ،ورعاية السرة ،وصياغة مستقبل
المة إلى ناقصات العقل والدين ،بهذا المعنى السلبى ،الذى
ظلم به غلة السلميين وغلة العلمانيين السلم ،ورسوله
الكريم ،الذى حرر المرأة تحريره للرجل ،عندما بعثه الله
بالحياة والحياء لمطلق النسان (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله
وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ( )4فوضع بهذا الحياء ،عن
ملوا من الصار والغلل (الذين ح ِّ
الناس كل الناس ما كانوا قد ُ
يتبعون الرسول النبى المى الذى يجدونه مكتوبا ً عندهم فى
التوراة والنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل
لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والغلل
التى كانت عليهم.)5( )..
إنها تفسيرات مغلوطة ،وساقطة ،حاول بها أسرى العادات
والتقاليد إضفاء الشرعية الدينية على هذه العادات والتقاليد التى
ل علقة لها بالسلم ..والتى يبرأ منها هذا الحديث النبوى
الشريف..
921
وإذا كان لنا فى ختام إزالة هذه الشبهة أن نزكى المنطق
السلمى الذى صوبنا به معنى الحديث النبوى الشريف ،وخاصة
بالنسبة للذين ل يطمئنون إلى المنطق إل إذا دعمته وزكته "
النصوص " ،فإننا نذكر بكلمات إمام السلفية ابن القيم ،التى
تقول " :إن المرأة العدل كالرجل فى الصدق والمانة والديانة
" (.)6
وبكلمات المام محمد عبده ،التى تقول:
" إن حقوق الرجل والمرأة متبادلة ،وإنهما أكفاء ..وهما متماثلن
فى الحقوق والعمال ،كما أنهما متماثلن فى الذات والحساس
والشعور والعقل ،أى أن كل منهما بشر تام له عقل يتفكر فى
سُّر به ،ويكره ما ل يلئمه
مصالحه ،وقلب يحب ما يلئمه وي ُ َ
وينفر منه." )7(..
وبكلمات الشيخ محمود شلتوت ،التى تقول:
" لقد قرر السلم الفطرة التى خلقت عليها المرأة ..فطرة
النسانية ذات العقل والدراك والفهم ..فهى ذات مسئولية
مستقلة عن مسئولية الرجل ،مسئولة عن نفسها ،وعن
عبادتها ،وعن بيتها ،وعن جماعتها..
وهى ل تقل فى مطلق المسئولية عن مسئولية أخيها الرجل ،
وإن منزلتها فى المثوبة والعقوبة عند الله معقودة بما يكون منها
من طاعة أو مخالفة ،وطاعة الرجل ل تنفعها وهى طالحة
منحرفة ،ومعصيته ل تضرها ،وهى صالحة مستقيمة(ومن يعمل
من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة
ول يُظلمون نقيرا) (( )8فاستجاب لهم ربهم أنى ل أضيع عمل
عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض) (.)9
وليقف المتأمل عند هذا التعبير اللهى " بعضكم من بعض " ،
ليعرف كيف سما القرآن بالمرأة حتى جعلها بعضا ً من الرجل ،
وكيف حد َّ من طغيان الرجل فجعله بعضا ً من المرأة .وليس فى
المكان ما يُؤدَّى به معنى المساواة أوضح ول أسهل من هذه
الكلمة التى تفيض بهاطبيعة الرجل والمرأة ،والتى تتجلى فى
حياتهما المشتركة ،دون تفاضل وسلطان (للرجال نصيب مما
اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن) (.)10
وإذا كانت المرأة مسئولة مسئولية خاصة فيما يختص بعبادتها
ونفسها ،فهى فى نظر السلم أيضا ً مسئولة مسئولية عامة فيما
يختص بالدعوة إلى الخير والمر بالمعروف والرشاد إلى
الفضائل ،والتحذير من الرذائل .وقد صرح القرآن بمسئوليتها
فى ذلك الجانب ،وقرن بينها وبين أخيها الرجل فى تلك
المسئولية ،كما قرن بينها وبينه فى مسئولية النحراف عن
922
واجب اليمان والخلص لله وللمسلمين (والمؤمنون والمؤمنات
بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
ويقيمون الصلة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك
سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) (( )11المنافقون والمنافقات
بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون
أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون * وعد الله
المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هى حسبهم
ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم) (.)12
فليس من السلم أن تلقى المرأة حظها من تلك المسئولية
المر بالمعروف والنهى عن المنكر وهى أكبر مسئولية فى نظر
السلم على الرجل وحده ،بحجة أنه أقدر منها عليها ،أو أنها
ذات طابع ل يسمح لها أن تقوم بهذا الواجب ،فللرجل دائرته ،
وللمرأة دائرتها ،والحياة ل تستقيم إل بتكاتف النوعين فيما
ينهض بأمتهما ،فإن تخاذل أو تخاذل أحدهما انحرفت الحياة
الجادة عن سبيلها المستقيم..
والسلم فوق ذلك لم يقف بالمرأة عند حد اشتراكها مع أخيها
الرجل فى المسئوليات جميعها خاصها وعامها بل رفع من
شأنها ،وكرر تلقاء تحملها هذه المسئوليات احترام رأيها فيما
تبدو وجاهته ،شأنه فى رأى الرجل تماما ً سواءً بسواء .وإذا كان
السلم جاء باختيار آراء بعض الرجال ،فقد جاء أيضا ً باختيار رأى
بعض النساء.
وفى سورة المجادلة احترم السلم رأى المرأة ،وجعلها مجادلة
ومحاورة للرسول ،وجمعها وإياه فى خطاب واحد(والله يسمع
ما خالداً ..فكانت تحاوركما) ( )13وقرر رأيها ،وجعله تشريعا ً عا ًّ
سورة المجادلة أثرا ً من آثار الفكر النسائى ،وصفحة إلهية خالدة
نلمح فيها على مر الدهور صورة احترام السلم لرأى المرأة ،
فالسلم ل يرى المرأة مجرد زهرة ،ينعم الرجل بشم رائحتها ،
وإنما هى مخلوق عاقل مفكر ،له رأى ،وللرأى قيمته ووزنه.
وليس هناك فارق دينى بين المرأة والرجل فى التكليف
والهلية ،سوى أن التكليف يلحقها قبل أن يلحق الرجل ،وذلك
لوصولها -بطبيعتها -إلى مناط التكليف ،وهو البلوغ ،قبل أن
يصل إليه الرجل (.)14
هكذا تضافرت الحجج المنطقية مع نصوص الجتهاد السلمى
على إزالة شبهة النتقاص من أهلية المرأة ،بدعوى أن النساء
ناقصات عقل ودين..
وهكذا وضحت المعانى والمقاصد الحقة لحديث رسول الله صلى
الله عليه وسلم ،الذى اتخذت منه التفسيرات المغلوطة " غطاءً
923
شرعيًّا " للعادات والتقاليد الراكدة ،تلك التى حملها البعض من
غلة السلميين على السلم ،زورا ً وبهتانًا ..والتى حسبها غلة
العلمانيين دينا ً إلهيًّا ،فدعوا -لذلك -إلى تحرير المرأة من هذا
السلم !.
لقد صدق الله العظيم إذ يقول(:سنريهم آياتنا فى الفاق وفى
أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل
شئ شهيد ) (.)15
إننا نلح منذ سنوات طوال وقبلنا ومعنا الكثيرون من علماء
السلم ومفكريه على أن هذا الدين الحنيف إنما يمثل ثورة كبرى
لتحرير المرأة ،لكن الخلف بيننا وبين الغرب والمتغربين هو
حول " نموذج "هذا التحرير ..فهم يريدون المرأة ندًّا مساوياً
للرجل ..ونحن مع السلم نريد لها " مساواة الشقين المتكاملين
،ل الندين المتماثلين " ..وذلك ،لتتحرر المرأة ،مع بقائها أنثى ،
ومع بقاء الرجل رجل ً ،كى يثمر هذا التمايز الفطرى بقاء ،ويجدد
القبول والرغبة والجاذبية والسعادة بينهما سعادة النوع النسانى.
ونلح على أن هذا " التشابه ..والتمايز " بين النساء والرجال ،هو
الذى أشار إليه القرآن الكريم عندما قرن المساواة بالتمايز ،
فقالت آياته المحكمات( :ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف
وللرجال عليهن درجة) (( )16وليس الذكر كالنثى) (.)17
نلح على ذلك المنهاج فى التحرير السلمى للمرأة ..ولقد شاءت
إرادة الله سبحانه وتعالى أن يشهد شاهد من أهلها على صدق
هذا المنهاج السلمى ،فتنشر صحيفة [ الهرام ] تقريرا ً علمياً
عن نتائج دراسة علمية استغرقت أبحاثها عشرين عاما ً ،وقام بها
فريق من علماء النفس فى الوليات المتحدة المريكية ،وإذا بها
تكشف عن مصداقية حقائق هذا المنهاج القرآنى فى تشابه
الرجال والنساء فى اثنين وثلثين صفة ..وتميّز المرأة عن الرجل
فى اثنتين وثلثين صفة ..وتميز الرجل عن المرأة كذلك فى
اثنتين وثلثين صفة–فهناك التشابه( :ولهن مثل الذى عليهن
بالمعروف)(،خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها) ()18
(بعضكم من بعض) ( .)19وهناك التمايز الفطرى (وليس الذكر
كالنثى) ..فهما يتشابهان فى نصف الصفات ،ويتمايزان فى
نصفها الخر..
فالنموذج المثل لتحررهما معا ً هو " مساواة الشقين
المتكاملين ،ل الندين المتماثلين " ..ولذلك ،آثرت أن أقدم
للقارئ خلصة هذه الدراسة العلمية ،كما نشرتها [ الهرام ]–-
تحت عنوان [ اختلف صفات الرجل عن المرأة لمصلحة كليهما ]
-ونصها:
924
" فى دراسة قام بها علماء النفس فى الوليات المتحدة
المريكية ،على مدى عشرين عاما ً ،تم حصر عدد الصفات
الموجودة فى كل من الرجل والمرأة ،ووجد أن هناك 32صفة
مشتركة فى كل منهما ،وأن 32صفة أخرى موجودة فى الرجل ،
و 32صفة أخرى موجودة عند المرأة ،بدرجات مختلفة فى
الشدة ،ومن هنا جاءت الفروق بين صفات الرجولة والنوثة.
وتوصل العلماء من خلل هذه التجارب إلى أن وجود نصف عدد
الصفات مشتركة فى كل من الرجل والمرأة يعمل على وجود
السس المشتركة بينهما ،لتسهيل التفاهم والتعامل مع بعضهما
البعض..
أما وجود عدد آخر من الصفات متساويا ً بينهما ومختلفا ً عند كل
منهما فى الدرجة والشهرة فمعناه تحقيق التكامل بينهما .كما
توصلوا إلى أنه كى يعيش كل من الرجل والمرأة فى انسجام
وتناغم تام ،لبد أن يكون لدى كل منهما الصفات السيكولوجية
المختلفة ،فمثل ً الرجل العصبى الحاد المزاج ل يمكنه أن يتعايش
مع امرأة عصبية حادة المزاج ،والرجل البخيل عليه أل يتزوج
امرأة بخيلة ،والرجل المنطوى ،الذى ل يحب الناس ،ل يجوز
أن يتزوج من امرأة منطوية ول تحب الناس .وهكذا.
وكان من نتائج هذه الدراسات الوصول إلى نتيجة مهمة ،أل وهى
أن كل إنسان يحب أل يعيش مع إنسان متماثل معه فى الصفات
وكل شىء ،أى صورة طبق الصل من صفاته الشخصية ،ومن
هنا جاءت الصفات المميزة للرجولة متمثلة فى :قوة العضلت
وخشونتها والشهامة ،والقوة فى الحق ،والشجاعة فى موضع
الشجاعة ،والنخوة ،والهتمام بمساندة المرأة وحمايتها والدفاع
عنها وجلب السعادة لها .كما تتضمن أيضا ً صفات الحب ،
والعطاء ،والحنان ،والكرم ،والصدق فى المشاعر وفى القول
وحسن التصرف ..إلخ.
أما عن صفات النوثة ،فهى تتميز بالدفء ،والنعومة ،
والحساسية ،والحنان ،والتضحية ،والعطاء ،وحب الخير ،
والتفانى فى خدمة أولدها ،والحكمة ،والحرص على تماسك
السرة وترابطها ،وحب المديح ،والذكاء ،وحسن التصرف ،
وغير ذلك من الصفات..
ولذلك ،فمن المهم أن يكون لدى كل من الرجل والمرأة دراية
كافية بطبيعة الرجل وطبيعة المرأة ،وبذلك يسهل على كل
منهما التعامل مع الطرف الخر فى ضوء خصائص كل منهما..
فعندما يعرف الرجل أن المرأة مخلوق مشحون بالمشاعر
925
والحاسيس والعواطف ،فإنه يستطيع أن يتعامل معها على هذا
الساس.
وبالمثل ،إذا عرفت المرأة طبيعة الرجل ،فإن هذا سيساعدها
أيضا ً على التعامل معه.)20( ..
تلك هى شهادة الدراسة العلمية ،التى قام بها فريق من علماء
النفس فى الوليات المتحدة المريكية والتى استغرق البحث
فيها عشرون عاماً ..والتى تصدق على صدق المنهاج القرآنى فى
علقة النساء بالرجال :الشتراك والتماثل فى العديد من
الصفات ..والتمايز فى العديد من الصفات ،لتكون بينهما "
المساواة " و " التمايز " فى ذات الوقت..
ومرة أخرى ل أخيرة صدق الله العظيم إذ يقول(:سنريهم آياتنا
فى الفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك
أنه على كل شىء شهيد) (.)21
( )1العلق.5-1 :
( )2سورة يونس :الية .5
( )3القلم.4 :
( )4النفال.24 :
( )5العراف.157 :
( [ )6الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص .236
( [ )7العمال الكاملة للمام محمد عبده ] ج 4ص .606دراسة
وتحقيق د .محمد عمارة .طبعة القاهرة 1993م.
( )8النساء.124 :
( )9آل عمران.195 :
( )10النساء.32 :
( )11التوبة.71 :
( )12التوبة.68 -67 :
( )13المجادلة.1 :
( [)14السلم عقيدة وشريعة ] ص .228-223طبعة القاهرة سنة
1400هجرية 1980-م.
( )15فصلت.53 :
( )16سورة البقرة.228 :
( )17سورة آل عمران.36 :
( )18سورة العراف.189 :
( )19سورة آل عمران.195 :
( [ )20الهرام ] فى -2001-4 -29ص .2
( )21فصلت53 :
---------------------
926
ُ
-163ما أفلح قوم ول ّوا أمرهم امرأة
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
الرد على الشبهة:
صَرة " ..وكل من ولى ُ
إن " الولية " بكسر الواو وفتحها هى " الن ّ ْ
ى الله )ى الذين آمنوا ) (( )2إن وَلِي ِّ َ أمر الخر فهو وليه(()1الله ول ُّ
ى المؤمنين) (( )4قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم (( )3والله ول ُّ
َ
أنكم أولياء لِل ّهِ من دون الناس فتمنوا الموت ) (( )5ما لكم من
وَليتهم من شىء ) (.)6
وإذا كانت " النصرة " هى معنى " الولية " ،فل مجال للخلف
على أن للمرأة نصرة وسلطانا ً ،أى ولية ،فى كثير من ميادين
الحياة..
فالمسلمون مجمعون على أن السلم قد سبق كل الشرائع
الوضعية والحضارات النسانية عندما أعطى للمرأة ذمة مالية
خاصة ،وولية وسلطانا على أموالها ،ملكا وتنمية واستثمارا
وإنفاقا ً ،مثلها فى ذلك مثل الرجل سواء بسواء ..والولية المالية
والقتصادية من أفضل الوليات والسلطات فى المجتمعات
النسانية ،على مر تاريخ تلك المجتمعات ..وفى استثمار الموال
ولية وسلطان يتجاوز الطار الخاص إلى النطاق العام..
والمسلمون مجمعون على أن للمرأة ولية على نفسها ،تؤسس
لها حرية وسلطانا فى شئون زواجها ،عندما يتقدم إليها الراغبون
فى القتران بها ،وسلطانها فى هذا يعلو سلطان وليها الخاص
والولى العام لمر أمة السلم..
والمسلمون مجمعون على أن للمرأة ولية ورعاية وسلطانا ً فى
بيت زوجها ،وفى تربية أبنائها ..وهى ولية نص على تميزها بها
صل أنواع وفيها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى ف ّ
وميادين الوليات:
[ كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ،فالمير الذى على الناس
راع عليهم وهو مسئول عنهم ،والرجل راع على أهل بيته وهو
مسئول عنهم ،والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهى
مسئولة عنهم ،أل فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ] (.)7
لكن قطاعا من الفقهاء قد وقف بالوليات المباحة والمفتوحة
ميادينها أمام المرأة عند " الوليات الخاصة " ،واختاروا حجب
المرأة عن " الوليات العامة " ،التى تلى فيها أمر غيرها من
الناس ،خارج السرة وشئونها..
ونحن نعتقد أن ما سبق وقدمناه فى القسم الول من هذه
الدراسة من وقائع تطبيقات وممارسات مجتمع النبوة والخلفة
الراشدة لمشاركات النساء فى العمل العام بدءا ً من الشورى
927
فى المور العامة ..والمشاركة فى تأسيس الدولة السلمية
الولى .وحتى ولية الحسبة والسواق والتجارات ،التى ولّها
شفاء بنت عبد الله بن عبد عمر بن الخطاب رضى الله عنه " لل ّ ِ
شمس [ 20هجرية 641/م ] ..وانتهاء بالقتال فى ميادين الوغى..
ضا ما أوردناه من اليات القرآنية الدالة على أن الموالة وأي ً
والتناصر بين الرجال والنساء فى العمل العام سائر ميادين
العمل العام وهى التى تناولها القرآن الكريم تحت فريضة المر
بالمعروف والنهى عن المنكر (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم
أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون
الصلة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم
الله إن الله عزيز حكيم ) (.)8
نعتقد أن ما سبق وأوردناه حول هذه القضية -قضية ولية المرأة
ومشاركتها مع الرجل فى وليات العمل العام كاف وواف فى
الردِّ على الذين يمارون فى ولية المرأة للعمل العام.
أما الضافة التى نقدمها فى هذا القسم من هذه الدراسة قسم
إزالة الشبهات فهى خاصة بمناقشة الفهم المغلوط للحديث
النبوى الشريف [ :ما أفلح قوم يلى أمرهم امرأة ] ..إذ هو
الحديث الذى يستظل بظله كل الذين يحّرمون مشاركة المرأة
فى الوليات العامة والعمل العام..
ولقد وردت لهذا الحديث روايات متعددة ،منها [ :لن يفلح قوم
تملكهم امرأة ] [ ..لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ] [ ..ولن
يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة ] رواها :البخارى والترمذى
والنسائى والمام أحمد..
وإذا كانت صحة الحديث من حيث " الرواية " هى حقيقة ل شبهة
فيها ..فإن إغفال مناسبة ورود هذا الحديث يجعل " الدراية "
بمعناه الحقيقى مخالفة للستدلل به على تحريم ولية المرأة
للعمل العام..
ذلك أن ملبسات قول الرسول صلى الله عليه وسلم ،لهذا
الحديث تقول :إن نفرا ً قد قدموا من بلد فارس إلى المدينة
المنورة ،فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" -من يلى أمر فارس " ؟ " -قال [ أحدهم ] :امرأة.
-فقال صلى الله عليه وسلم " ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ".
فملبسات ورود الحديث تجعله نبوءة سياسية بزوال ملك فارس
وهى نبوءة نبوية قد تحققت بعد ذلك بسنوات– أكثر منه تشريعاً
عاما يحرم ولية المرأة للعمل السياسى العام..
ثم إن هذه الملبسات تجعل معنى هذا الحديث خاصا ً " بالولية
العامة " أى رئاسة الدولة وقيادة المة..
928
فالمقام كان مقام الحديث عن امرأة تولت عرش الكسروية
الفارسية ،التى كانت تمثل إحدى القوتين العظم فى النظام
العالمى لذلك التاريخ ..ول خلف بين جمهور الفقهاء باستثناء
طائفة من الخوارج على اشتراط " الذكورة " فيمن يلى "
المامة العظمى " والخلفة العامة لدار السلم وأمة السلم..
أما ماعدا هذا المنصب بما فى ذلك وليات القاليم والقطار
والدول القومية والقطرية والوطنية فإنها ل تدخل فى ولية
المامة العظمى لدار السلم وأمته ..لنها وليات خاصة وجزئية ،
يفرض واجب المر بالمعروف والنهى عن المنكر المشاركة فى
حمل أماناتها على الرجال والنساء دون تفريق..
فالشبهة إنما جاءت من خلط مثل هذه الوليات الجزئية والخاصة
بالمامة العظمى والولية العامة لدار السلم وأمته وهى الولية
التى اشترط جمهور الفقهاء " الذكورة " فيمن يليها ..ول حديث
للفقه المعاصر عن ولية المرأة لهذه المامة العظمى ،لن هذه
الولية قد غابت عن متناول الرجال ،فضل ً عن النساء ،منذ
سقوط الخلفة العثمانية [ 1342هجرية 1924م ] وحتى الن !..
وأمر آخر لبد من الشارة إليه ،ونحن نزيل هذه الشبهة عن
ولية المرأة للعمل العام ،وهو تغير مفهوم الولية العامة فى
عصرنا الحديث ،وذلك بانتقاله من ":سلطان الفرد " إلى "
سلطان المؤسسة " ،والتى يشترك فيها جمع من ذوى السلطان
والختصاص..
لقد تحوّل " القضاء " من قضاء القاضى الفرد إلى قضاء
مؤسسى ،يشترك فى الحكم فيه عدد من القضاة..
فإذا شاركت المرأة فى " هيئة المحكمة " فليس بوارد الحديث
عن ولية المرأة للقضاء ،بالمعنى الذى كان واردا ً فى فقه
القدماء ،لن الولية هنا الن لمؤسسة وجمع ،وليست لفرد من
الفراد ،رجل ً كان أو امرأة ..بل لقد أصبحت مؤسسة التشريع
والتقنين مشاركة فى ولية القضاء ،بتشريعها القوانين التى
ينفذها القضاة ..فلم يعد قاضى اليوم ذلك الذى يجتهد فى
استنباط الحكم واستخلص القانون ،وإنما أصبح " المنفذ "
للقانون الذى صاغته وقننته مؤسسة ،تمثل الجتهاد الجماعى
والمؤسسى ل الفردى فى صياغة القانون..
وكذلك الحال مع تحول التشريع والتقنين من اجتهاد الفرد إلى
اجتهاد مؤسسات الصياغة والتشريع والتقنين..
فإذا شاركت المرأة فى هذه المؤسسات ،فليس بوارد الحديث
عن ولية المرأة لسلطة التشريع بالمعنى التاريخى والقديم
لولية التشريع..
929
وتحولت سلطات صنع " القرارات التنفيذية " فى النظم الشورية
والديمقراطية عن سلطة الفرد إلى سلطان المؤسسات
المشاركة فى العداد لصناعة القرار ..فإذا شاركت المرأة فى
هذه المؤسسات ،فليس بوارد الحديث عن ولية المرأة لهذه
السلطات والوليات ،بالمعنى الذى كان فى ذهن الفقهاء الذين
عرضوا لهذه القضية فى ظل " فردية " الوليات ،وقبل تعقد
النظم الحديثة والمعاصرة ،وتميزها بالمؤسسية والمؤسسات..
لقد تحدث القرآن الكريم عن ملكة سبأ -وهى امرأة -فأثنى
عليها وعلى وليتها للولية العامة ،لنها كانت تحكم بالمؤسسة
الشورية ل بالولية الفردية (قالت يا أيها المل أفتونى فى أمرى
ما كنت قاطعة أمرا ً حتى تشهدون) ( ..)9وذم القرآن الكريم
فرعون مصر -وهو رجل لنه قد انفرد بسلطان الولية العامة
وسلطة صنع القرار(قال فرعون ما أريكم إل ما أرى وما أهديكم
إل سبيل الرشاد ) ( ..)10فلم تكن العبرة بالذكورة أو النوثة فى
الولية العامة حتى الولية العامة وإنما كانت العبرة بكون هذه
الولية " مؤسسة شورية " ؟ أم " سلطانا فرديا ً مطلقا ً " ؟ أما
ولية المرأة للقضاء ..والتى يثيرها البعض كشبهة على اكتمال
أهلية المرأة فى الرؤية السلمية..
فإن إزالة هذه الشبهة يمكن أن تتحقق بالتنبيه على عدد من
النقاط:
أولها :أن ما لدينا فى تراثنا حول قضية ولية المرأة لمنصب
القضاء هو " فكر إسلمى " و " اجتهادات فقهية " أثمرت "
أحكاما ً فقهية " ..وليس "دينا " وضعه الله سبحانه وتعالى وأوحى
به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ،فالقرآن الكريم لم يعرض
لهذه القضية ،كما لم تعرض لها السنة النبوية ،لن القضية لم
تكن مطروحة على الحياة الجتماعية والواقع العملى لمجتمع
صدر السلم ،فليس لدينا فيها نصوص دينية أصل ً ،ومن ثم فإنها
من مواطن ومسائل الجتهاد..
ثم إن هذه القضية هى من " مسائل المعاملت " وليست من "
شعائر العبادات " ..وإذا كانت " العبادات توقيفية " تُلْتَمس من
النص وتقف عند الوارد فيه ،فإن " المعاملت " تحكمها المقاصد
الشرعية وتحقيق المصالح الشرعية المعتبرة..والموازنة بين
المصالح والمفاسد فيها ..ويكفى فى " المعاملت " أن ل تخالف
ما ورد فى النص ،ل أن يكون قد ورد فيها نص..
ومعلوم أن " الحكام الفقهية " التى هى اجتهادات الفقهاء ،
مثلها كمثل الفتاوى ،تتغير بتغير الزمان والمكان والمصالح
الشرعية المعتبرة..
930
فتولى المرأة للقضاء قضية فقهية ،لم ولن يُغْلَق فيها باب
الجتهاد الفقهى السلمى..
وثانيها :أن اجتهادات الفقهاء القدماء حول تولى المرأة لمنصب
القضاء هى اجتهادات متعددة ومختلفة باختلف وتعدد مذاهبهم
واجتهاداتهم فى هذه المسألة ،ولقد امتد زمن اختلفهم فيها جيلً
بعد جيل..
ومن ثم فليس هناك " إجماع فقهى " فى هذه المسألة حتى
يكون هناك إلزام للخلف بإجماع السلف ،وذلك فضل ً عن أن
إلزام الخلف بإجماع السلف هو أمر ليس محل إجماع ..ناهيكم
عن أن قضية إمكانية تحقق الجماع أى اجتماع سائر فقهاء عصر
ما على مسألة من مسائل فقه الفروع كهذه المسألة هو مما ل
صوَّر حدوثه حتى لقد أنكر كثير من الفقهاء إمكانية حدوث يُت َ َ
الجماع فى مثل هذه الفروع أصلً.
ومن هؤلء المام أحمد بن حنبل [ 241 164هجرية 855 780م ]
الذى قال " :من ادعى الجماع فقد كذب ! ".
فباب الجتهاد الجديد والمعاصر والمستقبلى فى هذه المسألة
وغيرها من فقه الفروع مفتوح ..لنها ليست من المعلوم من
الدين بالضرورة أى المسائل التى لم ولن تختلف فيها مذاهب
المة ول الفِطر السليمة لعلماء وعقلء السلم..
وثالثها :أن جريان " العادة " فى العصر السلمية السابقة ،
على عدم ولية المرأة لمنصب القضاء ل يعنى " تحريم " الدين
لوليتها هذا المنصب ،فدعوة المرأة للقتال ،وانخراطها فى
معاركه هو مما لم تجربه " العادة " فى العصر السلمية
السابقة ،ولم يعن ذلك " تحريم " اشتراك المرأة فى الحرب
والجهاد القتالى عند الحاجة والستطاعة وتعيُّن فريضة الجهاد
القتالى على كل مسلم ومسلمة ..فهى قد مارست هذا القتال
وشاركت فى معاركه على عصر النبوة والخلفة الراشدة ..من
ُ
غزوة أحد [ 3هجرية 625م ] إلى موقعة اليمامة [ 12هجرية 633
م ] ضد ردة مسيلمة الكذاب [ 12هجرية 633م ] ..وفى " العادة
" مرتبطة " بالحاجات " المتغيرة بتغير المصالح والظروف
والملبسات ،وليست هى مصدر الحلل والحرام..
رابعها :أن علة اختلف الفقهاء حول جواز تولى المرأة لمنصب
القضاء ،فى غيبة النصوص الدينية – القرآنية والنبوية – التى
تتناول هذه القضية ،كانت اختلف هؤلء الفقهاء فى الحكم الذى
" قاسوا " عليه توليها للقضاء .فالذين " قاسوا " القضاء على:
"المامة العظمى " التى هى الخلفة العامة على أمة السلم
ودار السلم مثل فقهاء المذهب الشافعى قد منعوا توليها
931
للقضاء ،لتفاق جمهور الفقهاء باستثناء بعض الخوارج على جعل
" الذكورة " شرطا من شروط الخليفة والمام ،فاشترطوا هذا
الشرط " الذكورة " – فى القاضى ،قياسا ً على الخلفة والمامة
العظمى.
ويظل هذا " القياس " قياسا ً على " حكم فقهى " – ليس عليه
إجماع وليس " قياسا ً " على نص قطعى الدللة والثبوت..
والذين أجازوا توليها القضاء ،فيما عدا قضاء " القصاص والحدود
" مثل أبى حنفية " [ 150 80هجرية 767 699 /م ] وفقهاء مذهبه
قالوا بذلك " لقياسهم " القضاء على " الشهادة " ،فأجازوا
قضاءها فيما أجازوا شهادتها فيه ،أى فيما عدا " القصاص
والحدود ".
فالقياس هنا أيضا ً على " حكم فقهى " وليس على نص قطعى
الدللة والثبوت..وهذا الحكم الفقهى المقيس عليه وهو شهادة
المرأة فى القصاص والحدود ..أى فى الدماء ليس موضع
إجماع ..فلقد سبق وذكرنا فى رد شبهة أن شهادة المرأة هى
على النصف من شهادة الرجل إجازة بعض الفقهاء لشهادتها فى
الدماء ،وخاصة إذا كانت شهادتها فيها هى مصدر البينة الحافظة
لحدود الله وحقوق الولياء..
أما الفقهاء الذين أجازوا قضاء المرأة فى كل القضايا مثل المام
محمد بن جرير الطبرى [ 224310هجرية 923 839 /م ] فقد حكموا
بذلك " لقياسهم " القضاء على " الفتيا " ..فالمسلمون قد
أجمعوا على جواز تولى المرأة منصب الفتاء الدينى أى التبليغ
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من أخطر المناصب
الدينية وفى توليها للفتاء سنة عملية مارستها نساء كثيرات على
عهد النبوة من أمهات المؤمنين وغيرهن فقاس هؤلء الفقهاء
قضاء المرأة على فتياها ،وحكموا بجواز توليها كل أنواع
القضاء ،لممارستها الفتاء فى مختلف الحكام.
وهم قد عللوا ذلك بتقريرهم أن الجوهرى والثابت فى شروط
القاضى إنما يحكمه ويحدده الهدف والقصد من القضاء ،وهو:
ضمان وقوع الحكم بالعدل بين المتقاضين ..وبعبارة أبى الوليد
بن رشد الحفيد [ 520595هجرية 1198 1126 /م ] :فإن " من رأى
حكم المرأة نافذا فى كل شئ قال :إن الصل هو أن كل من
يأتى منه الفصل بين الناس فحكمه جائز ،إل ما خصصه الجماع
من المامة الكبرى " (.)11
وخامسها :أن " الذكورة " لم تكن الشرط الوحيد الذى اختلف
حوله الفقهاء من بين شروط من يتولى القضاء..
932
فهم مثل اختلفوا فى شرط " الجتهاد " فأوجب الشافعى [
150204هجرية 767820 /م ] وبعض المالكية أن يكون القاضى
مجتهداً ..على حين أسقط أبو حنيفة هذا الشرط ،بل وأجاز
قضاء " العامى " أى المى فى القراءة والكتابة وهو غير الجاهل
ووافقه بعض الفقهاء المالكية قياسا على أمية النبى صلى الله
عليه وسلم (.)12
واختلفوا كذلك فى شرط كون القاضى " عامل " وليس مجرد "
عالم " بأصول الشرع الربعة :الكتاب ،والسنة ،والجماع ،
والقياس ..فاشترطه الشافعى ،وتجاوز عنه غيره من الفقهاء (
.)13
كما اشترط أبو حنيفة ،دون سواه أن يكون القاضى عربيا من
قريش (.)14
فشرط " الذكورة " فى القاضى ،هو واحد من الشروط التى
اختلف فيها الفقهاء ،حيث اشترطه البعض فى بعض القضايا
دون البعض الخر ،وليس فيه إجماع ..كما أنه ليس فيه نصوص
دينية تمنع أو تقيد اجتهادات المجتهدين..
وسادسها :أن منصب القضاء ووليته قد أصابها هى الخرى ما
أصاب الوليات السياسية والتشريعية والتنفيذية من تطور انتقل
بها من " الولية الفردية " إلى ولية " المؤسسة " فلم تعد "
ولية رجل " أو " ولية امرأة " ،وإنما أصبح " الرجل " جزءا ً من
المؤسسة والمجموع ،وأصبحت " المرأة " جزءا ً من المؤسسة
والمجموع ..ومن ثم أصبحت القضية فى " كيف جديد " يحتاج
إلى " تكييف جديد " يقدمه الجتهاد الجديد لهذا الطور
المؤسسى الجديد الذى انتقلت إليه كل هذه الوليات ..ومنها
ولية المرأة للقضاء..
( )1الراغب الصفهانى ،أبو القاسم الحسين بن محمد
[ المفردات فى غريب القرآن ] طبعة دار التحرير ،القاهرة
1991م.
( )2البقرة.257 :
( )3العراف.196 :
( )4آل عمران.68 :
( )5الجمعة.6 :
( )6النفال.72 :
( )7رواه البخارى ومسلم والمام أحمد..
( )8التوبة.71 :
( )9النمل.32 :
( )10غافر.29 :
933
( [ )11بداية المجتهد ونهاية المقتصد ] ج 2ص .494طبعة القاهرة
سنة 1974م .والماوردى [ أدب القاضى ] ج 1ص 628-625طبعة
بغداد سنة 1971م .والحكام السلطانية ص 65طبعة القاهرة سنة
1973م.
( [ )12بداية المجتهد ونهاية المقتصد ] ج 2ص .493،494
( [)13أدب القاضى ] ج 1ص .643
( )14محمد محمد سعيد [ كتاب دليل السالك لمذهب المام مالك
] ص 190طبعة القاهرة سنة 1923م.
----------------
وامون على النساء -164الرجال ق َّ
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
934
لطرف ،أو تمييز يخل بمبدأ المساواة ،وإنما وفق الجهد
صل به كل طرف ما يستحق من ثمرات(..ول والكسب الذى يح ِّ
تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما
اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن
الله كان بكل شئ عليما ً * ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالدان
والقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان
ضل الله على كل شئ شهيدا ً * الرجال قوّامون على النساء بما ف ّ
بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم.)2( )..
ولقد فقه حبر المة ،عبد الله بن عباس [ 3ق هجرية 68هجرية /
687 619م ] الذى دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم ربه أن
يفقهه فى الدين فهم الحكمة اللهية فى اقتران المساواة
بالقوامة ،فقال فى تفسيره لقول الله ،سبحانه وتعالى (:-ولهن
مثل الذى عليهن بالمعروف) تلك العبارة النسانية ،والحكمة
الجامعة " :إننى لتزين لمرأتى ،كما تتزين لى ،لهذه الية " !
وفهم المسلمون قبل عصر التراجع الحضارى ،الذى أعاد بعضاً
من التقاليد الجاهلية الراكدة إلى حياة المرأة المسلمة مرة
أخرى – أن درجة القوامة هى رعاية ُربّان السرة الرجل
لسفينتها ،وأن هذه الرعاية هى مسئولية وعطاء ..وليست
ديكتاتورية ول استبدادا ينقص أو ينتقص من المساواة التى قرنها
القرآن الكريم بهذه القوامة ،بل وقدمها عليها..
ولم يكن هذا الفهم السلمى لهذه القوامة مجرد تفسيرات أو
استنتاجات ،وإنما كان فقها ً محكوما ً بمنطق القواعد القرآنية
الحاكمة لمجتمع السرة ،وعلقة الزوج بزوجه ..فكل شئون
السرة تُدار ،وكل قراراتها تُتَّخذ بالشورى ،أى بمشاركة كل
أعضاء السرة فى صنع واتخاذ هذه القرارات ،لن هؤلء العضاء
مؤمنون بالسلم والشورى صفة أصيلة من صفات المؤمنين
والمؤمنات (والذين يجتنبون كبائرالثم والفواحش وإذا ما غضبوا
هم يغفرون *والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلة وأمرهم
شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون * والذين إذا أصابهم البغى
هم ينتصرون) (.)3
فالشورى واحدة من الصفات المميزة للمؤمنين والمؤمنات ،فى
كل ميادين التدبير وصناعة القرار ..والسرة هى الميدان
ب هذه الشورى ،ويلزم التأسيسى والول فى هذه الميادين ..تج ُ
هذا التشاور فى مجتمع السرة – لتتأسس التدابير والقرارات
على الرضا ،الذى ل سبيل إليه إل بالمشاركة الشورية فى صنع
القرارات ..يستوى فى ذلك الصغير والخطير من هذه التدابير
والقرارات ..حتى لقد شاءت الحكمة اللهية أن ينص القرآن
935
الكريم على تأسيس قرار الرضاعة للطفال -أى سقاية
المستقبل وصناعة الغد على الرضا الذى تثمره الشورى ..ففى
سياق اليات التى تتحدث عن حدود الله فى شئون السرة ..تلك
الحدود المؤسسة على منظومة القيم ..والمعروف ..والحسان..
جناح والحرج ..وعدم المضارة والظلم والعدوان.. ونفى ال ُ
والدعوة إلى ضبط شئون السرة بقيم التزكية والطهر ،ل "
بترسانة " القوانين الصماء !..
فى هذا السياق ينص القرآن الكريم على أن تكون الشورى هى
آلية السرة فى صنع كل القرارات( :والوالدات يرضعن أولدهن
حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن
وكسوتهن بالمعروف ل تكلف نفس إل وسعها ل تضار والدة
بولدها ول مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا
فصال ً عن تراض منهما وتشاور فل جناح عليهما وإن أردتم أن
تسترضعوا أولدكم فل جناح عليكم إذا سلمتم ما أتيتم بالمعروف
واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير) (.)4
هكذا فهم المسلمون معنى القوامة ..فهى مسئولية وتكاليف
للرجل ،مصاحبة لمساواة النساء بالرجال..
وبعبارة المام محمد عبده " :إنها تفرض على المرأة شيئا ً وعلى
الرجل أشياء ".
وكانت السنة النبوية فى عصر البعثة البيان النبوى للبلغ القرآنى
ملهفى هذا الموضوع ..فالمعصوم صلى الله عليه وسلم الذى ح ّ
ربه الحمل الثقيل فى الدين ..والدولة ..والمة ..والمجتمع ( -إنا
سنلقى عليك قول ً ثقيل ً ) ( .)5هو الذى كان فى خدمة أهله -
أزواجه -وكانت شوراهن معه وله صفة من صفات بيت النبوة ،
فى الخاص والعام من المور والتدابير ..ويكفى أن هذه السنة
العملية قد تجسدت تحريرا ً للمرأة ،شاركت فيه الرجال بكل
ميادين الجتماع والسياسة والقتصاد والتربية ..وحتى القتال..
كما كان صلى الله عليه وسلم دائم التأكيد على التوصية بالنساء
خيراً..فحريتهن حديثة العهد ،وهن قريبات من عبودية التقاليد
الجاهلية ،واستضعافهن يحتاج إلى دوام التوصية بهن والرعاية
لهن ..وعنه صلى الله عليه وسلم تروى أقرب زوجاته إليه عائشة
رضى الله عنها " :إنما النساء شقائق الرجال " رواه أبو داود
والترمذى والدارمى والمام أحمد وعندما سئلت:
ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل فى بيته ؟ قالت:
" كان بشرا ً من البشر ،يغلى ثوبه ،ويحلب شاته ،ويخدم نفسه
" رواه المام أحمد يفعل ذلك ،وهو القَوَّام على المة كلها ،فى
الدين والدولة والدنيا جميعا ً !..وفى خطبته صلى الله عليه وسلم
936
بحجة الوداع [ 10هجرية 632 /م ] وهى التى كانت إعلنا عالميا
خالدا ً للحقوق والواجبات الدينية والمدنية – كما صاغها السلم
أفرد صلى الله عليه وسلم للوصية بالنساء فقرات خاصة ،أكد
فيها على التضامن والتناصر بين النساء والرجال فى المساواة
والحقوق والواجبات فقال " :أل واستوصوا بالنساء خيرا ً ،فإنهن
عوان عندكم ،ليس تملكون منهن شيئا ً غير ذلك ،إل أن يأتين
بفاحشة مبينة .أل إن لكم على نسائكم حقا ً ولنسائكم عليكم
حقاً ..فاتقوا الله فى النساء ،واستوصوا بهن خيرا ً ،أل هل بلغت
! .اللهم فاشهد " (.)6
هكذا فُهمت القوامة فى عصر التنزيل ..فكانت قيادة للرجل فى
السرة ،اقتضتها مؤهلته ومسئولياته فى البذل والعطاء ..وهى
قيادة محكومة بالمساواة والتناصر والتكافل بين الزوج وزوجه
فى الحقوق والواجبات ومحكومة بالشورى التى يسهم بها
الجميع ويشاركون فى تدبير شئون السرة ..هذه السرة التى
قامت على " الميثاق الغليظ " ميثاق الفطرة والذى تأسس على
المودة والرحمة ،حتى غدت المرأة فيها السكن والسكينة
ن لباس لكم وأنتم لزوجها حيث أفضى بعضهم إلى بعض ،ه َّ
لباس لهن ،فهى بعض الرجل والرجل بعض منها(:بعضكم من
بعض) (( - )7ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا
إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك ليات لقوم
ن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) (( )9وقد أفضى يتفكرون ) (( )8ه َّ
بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا ) (.)10
وإذا كانت القوامة ضرورة من ضروريات النظام والتنظيم فى أية
وحدة من وحدات التنظيم الجتماعى ،لن وجود القائد الذى
يحسم الختلف والخلف ،هو مما ل يقوم النظام والنتظام إل
به.
فلقد ربط القرآن هذه الدرجة فى الريادة والقيادة بالمؤهلت
وبالعطاء ،وليس بمجرد " الجنس " فجاء التعبير( :الرجال
قوامون على النساء) وليس كل رجل قوّام على كل امرأة ..لن
إمكانات القوامة معهودة فى الجملة والغالب لدى الرجال ،فإذا
تخلفت هذه المكانات عند واحد من الرجال ،كان الباب مفتوحاً
أمام الزوجة إذا امتلكت من هذه المقومات أكثر مما لديه لتدير
دفة الجتماع السرى على نحو ما هو حادث فى بعض
الحالت !..
هكذا كانت القوامة فى الفكر والتطبيق فى عصر صدر السلم..
لكن الذى حدث بعد القرون الولى وبعد الفتوحات التى أدخلت
إلى المجتمع السلمى شعوبا ً لم يذهب السلم عاداتها
937
الجاهلية ،فى النظر إلى المرأة والعلقة بها ،قد أصاب النموذج
السلمى بتراجعات وتشوهات أشاعت تلك العادات والتقاليد
الجاهلية فى المجتمعات السلمية من جديد..
ويكفى أن نعرف أن كلمةٍ " ع َوَان " التى وصف الرسول صلى
الله عليه وسلم بها النساء ،فى خطبة حجة الوداع ،والتى تعنى
صف والوسط " ( )11أى الخيار وتعنى فى [ لسان العرب ] " :الن َّ َ
ذات المعنى فى موسوعات مصطلحات الفنون ( ..)12قد أصبحت
تعنى -فى عصر التراجع الحضارى -أن المرأة أسيرة لدى
الرجل ،وأن النساء أسرى عند الرجال ..وأن القوامة هى لون
من " القهر " لولئك النساء السيرات !! حتى وجدنا إماما ً عظيماً
مثل ابن القيم ،يعبر عن واقع عصره العصر المملوكى فيقول
هذا الكلم الغريب والعجيب " :إن السيد قاهر لمملوكه ،حاكم
عليه ،مالك له .والزوج قاهر لزوجته ،حاكم عليها ،وهى تحت
سلطانه وحكمه شبه السير " (!! )13
وهو فهم لمعنى القوامة ،وعلقة الزوج بزوجه ،يمثل انقلباً
جذريا على إنجازات السلم فى علقة الزواج بالزوجات !..
انقلب جذريًّا فالعادات والتقاليد الجاهلية التى أصبحت تغالب
قيم السلم فى تحرير المرأة ومساواة النساء للرجال..
ووجدنا كذلك فى عصور التقليد والجمود الفقهى تعريف بعض "
الفقهاء " لعقد النكاح ،فإذا به " :عقد تمليك بضع الزوجة " !!..
وهو انقلب على المعانى القرآنية السامية لمصطلحات " الميثاق
الغليظ " و " المودة " ..والرحمة ..والسكن والسكينة ..وإفضاء
كل طرف إلى الطرف الخر ،حتى أصبح كل منهما لباسا ً له "..
هكذا حدث النقلب ،فى عصور التراجع الحضارى لمسيرة أمة
السلم..
ولذلك ،كان من مقتضيات البعث الحضارى ،الحديث
والمعاصر ،لنموذج السلم فى تحرير المرأة وإنصافها ،كبديل
للنموذج الغربى الذى اقتحم عالم السلم فى ركاب الغزوة
الستعمارية الغربية لبلدنا والذى شقيت وتشقى به المرأة
السوية فى الغرب ذاته كان من مقتضيات ذلك إعادة المفاهيم
السلمية الصحيحة لمعنى قوامة الرجال على النساء ..وهى
المهمة التى نهضت بها الجتهادات السلمية الحديثة والمعاصرة
لعلم علماء مدرسة الحياء والتجديد..
فالمام محمد عبده ،قد وقف أمام آيات القوامة (ولهن مثل
الذىعليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) ( )14فإذا به يقول:
" هذه كلمة جليلة جدا ً ،جمعت على إيجازها مال يُؤ َدى بالتفصيل
إل فى سفر كبير ،فهى قاعدة كلية ناطقة بأن المرأة مساوية
938
للرجل فى جميع الحقوق ،إل أمرا ً واحدا ً عبّر عنه بقوله:
(وللرجال عليهن درجة) وقد أحال فى معرفة ما لهن وما عليهن
على المعروف بين الناس فى معاشراتهن ومعاملتهن فى
أهليهن ،وما يجرى عليه عرف الناس هو تابع لشرائعهم
وعقائدهم وآدابهم وعاداتهم..
فهذه الجملة تعطى الرجل ميزانا يزن به معاملته لزوجه فى
م بمطالبتها بأمر من المور يتذكر جميع الشئون والحوال ،فإذا ه ّ
أنه يجب عليه مثله بإزائه ،ولهذا قال ابن عباس ،رضى الله
عنهما :إننى لتزين لمرأتى كما تتزين لى ،لهذه الية.
وليس المراد بالمثل المثل بأعيان الشياء وأشخاصها ،وإنما
المراد :أن الحقوق بينهما متبادلة ،وأنهما كفئان ،فما من عمل
تعمله المرأة للرجل إل وللرجل عمل يقابله لها ،وإن لم يكن
مثله فى شخصه ،فهو مثله فى جنسه ،فهما متماثلن فى
الذات والحساس والشعور والعقل ،أى أن كل منهما بشر تام له
عقل يتفكر فى مصالحه ،وقلب يحب ما يلئمه ويسر به ،ويكره
مال يلئمه وينفر منه ،فليس من العدل أن يتحكم أحد الصنفين
بالخر ويتخذه عبدا يستذله ويستخدمه فى مصالحه ،ول سيما
بعد عقد الزوجية والدخول فى الحياة المشتركة التى ل تكون
سعيدة إل باحترام كل من الزوجين الخر والقيام بحقوقه..
هذه الدرجة التى ُرفع النساء إليها لم يرفعهن إليها دين سابق ول
شريعة من الشرائع ،بل لم تصل إليها أمة من المم قبل السلم
ول بعده..
لقد خاطب الله تعالى النساء باليمان والمعرفة والعمال
الصالحة ،فى العبادات والمعاملت ،كما خاطب الرجال ،وجعل
لهن مثل ما جعله عليهن ،وقرن أسماءهن بأسمائهم فى آيات
كثيرة ،وبايع النبى صلى الله عليه وسلم المؤمنات كما بايع
المؤمنين ،وأمرهن بتعلم الكتاب والحكمة كما أمرهم ،وأجمعت
المة على ما مضى به الكتاب والسنة من أنهن مجزيات على
أعمالهن فى الدنيا والخرة..
وأما قوله تعالى( :وللرجال عليهن درجة) فهو يوجب على المرأة
شيئا ً ،وذلك أن هذه الدرجة درجة الرياسة والقيام على المصالح
،المفسرة بقوله تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل
الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) (.)15
إن الحياة الزوجية حياة اجتماعية ،ول بد لكل اجتماع من رئيس ،
لن المجتمعين لبد أن تختلف آراؤهم ورغباتهم فى بعض المور ،
ول تقوم مصلحتهم إل إذا كان لهم رئيس يُرجع إلى رأيه فى
الخلف ،لئل يعمل كل ضد الخر فتفصم عروة الوحدة الجامعة
939
ويختل النظام ،والرجل أحق بالرياسة لنه أعلم بالمصلحة ،
وأقدر على التنفيذ بقوته وماله ،ومن ثم كان هو المطالب شرعاً
بحماية المرأة والنفقة عليها ،وكانت هى مطالبة بطاعته فى
المعروف.
إن المراد بالقيام " القوامة " هنا هو الرياسة التى يتصرف فيها
المرؤوس بإرادته واختياره ،وليس معناه أن يكون المرؤوس
مقهورا مسلوب الرادة ل يعمل عمل إل ما يوجهه إليه رئيسه.
إن المرأة من الرجل والرجل من المرأة بمنزلة العضاء من بدن
الشخص الواحد ،فالرجل بمنزلة الرأس والمرأة بمنزلة البدن.
أما الذين يحاولون بظلم النساء أن يكونوا سادة فى بيوتهم ،
فإنما يلدون عبيدًا لغيرهم ".!! )16(-
" وإذا كانت عصور التراجع الحضارى كما سبق وأشرنا قد
استبدلت بالمعانى السامية لعقد الزواج المودة ،والرحمة ،
والسكن والميثاق الغليظ " ذلك المعنى الغريب "عقد تمليك بُضع
الزوجة " ! – وعقد أسر وقهر ! .فلقد أعاد الجتهاد السلمى
الحديث والمعاصر العتبار إلى المعانى القرآنية السامية..
وكتب الشيخ محمود شلتوت [ 13101383هجرية 1963 1893م ] فى
تفسيره للقرآن الكريم تحت عنوان [ الزواج ميثاق غليظ ] يقول:
" لقد أفرغت سورة النساء على عقد الزواج صبغة كريمة ،
أخرجته عن أن يكون عقد تمليك كعقد البيع والجارة ،أو نوعا
من السترقاق والسر حيث أفرغت عليه صبغة " الميثاق الغليظ
".
ولهذا التعبير قيمته فى اليحاء بموجبات الحفظ والرحمة
والمودة .وبذلك كان الزواج عهدا شريفا ً وميثاقا ً غليظا ً ترتبط به
القلوب ،وتختلط به المصالح ،ويندمج كل من الطرفين فى
صاحبه ،فيتحد شعورهما ،وتلتقى رغباتهما وآمالهما .كان علقة
ن لباس دونها علقة الصداقة والقرابة ،وعلقة البوة والبنوة(ه َّ
لكم وأنتم لباس لهن) (( )17ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم
أزواجا ً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك ليات
لقوم يتفكرون) ( .)18يتفكرون فيدركون أن سعادة الحياة
الزوجية إنما تُبنى على هذه العناصر الثلثة :السكن والمودة
والرحمة..
وإذا تنبهنا إلى أن كلمة (ميثاق) لم ترد فى القرآن الكريم إل
تعبيًرا عما بين الله وعباده من موجبات التوحيد ،والتزام الحكام
،وعما بين الدولة والدولة من الشئون العامة والخطيرة ،علمنا
مقدار المكانة التى سما القرآن بعقد الزواج إليها ،وإذا تنبهنا
مرة أخرى إلى أن وصف الميثاق " بالغليظ " لم يرد فى موضع
940
من مواضعه إل فى عقد الزواج وفيما أخذه الله على أنبيائه من
مواثيق(وأخذنا منهم ميثاقا ً غليظاً) ( .)19تضاعف لدينا سمو هذه
المكانة التى رفع القرآن إليها هذه الرابطة السامية ".
ثم تحدث الشيخ شلتوت عن المفهوم السلمى الصحيح "
للقوامة " فقال:
" ..وبينت السورة الدرجة التى جعلها الله للرجال على النساء ،
بعد أن سوى بينهما فى الحقوق والواجبات ،وأنها ل تعدو درجة
الشراف والرعاية بحكم القدرة الطبيعية التى يمتاز بها الرجل
على المرأة ،بحكم الكد والعمل فى تحصيل المال الذى ينفقه
فى سبيل القيام بحقوق الزوجة والسرة ،وليست هذه الدرجة
درجة الستعباد والتسخير ،كما يصورها المخادعون المغرضون "
(.)20
تلك هى شبهة الفهم الخاطىء والمغلوط لقوامة الرجال على
النساء ..والتى ل تعدو أن تكون النعكاس لواقع بعض العادات
الجاهلية التى ارتدت فى عصور التراجع الحضارى لمتنا
السلمية فغالبت التحرير السلمى للمرأة حتى انتقلت بالقوامة
من الرعاية والريادة ،المؤسسة على إمكانات المسئولية والبذل
والعطاء ،إلى قهر السيد للمسود والحر للعبد والمالك
للمملوك !.
ولن هذا الفهم غريب ومغلوط ،فإن السبيل إلى نفيه وإزالة
غباره وآثاره هو سبيل البديل السلمى الذى فقهه الصحابة ،
رضوان الله عليهم للقوامه ..والذى بعثه من جديد الجتهاد
السلمى الحديث والمعاصر ،ذلك الذى ضربنا عليه المثال من
فكر وإبداع الشيخ محمد عبده والشيخ محمود شلتوت.
بل إننا نضيف ،للذين يرون فى القوامة استبدادا بالمرأة وقهرا
لها سواء منهم غلة السلميين الذين ينظرون للمرأة نظرة دونية
،ويعطلون ملكاتها وطاقاتها بالتقاليد أو غلة العلمانيين ،الذين
حسبوا ويحسبون أن هذا الفهم المغلوط هو صحيح السلم
وحقيقته ،فيطلبون تحرير المرأة بالنموذج الغربى..
بل وتحريرها من السلم ! ..أقول لهؤلء جميعاً:
إن هذه الرعاية التى هى القوامة ،لم يجعلها السلم للرجل
بإطلق ..ولم يحرم منها المرأة بإطلق..
وإنما جعل للمرأة رعاية – أى " قوامة " – فى الميادين التى هى
فيها أبرع وبها أخبر من الرجال..
ويشهد على هذه الحقيقة نص حديث رسول الله صلى الله عليه
وسلم " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ،فالمير الذى على
الناس راع عليهم ،وهو مسئول عنهم ،والرجل راع على أهل
941
بيته ،وهو مسئول عنهم ،والمرأة راعية على بيت بعلها وولده ،
وهى مسئولة عنهم ..أل فكلكم راع وكلكم مسئول عن راعيته "
رواه البخارى والمام أحمد.
فهذه الرعاية "القوامة "-هى فى حقيقتها " تقسيم للعمل " تحدد
الخبرة ُ والكفاءة ُ ميادين الختصاص فيه ..فالكل راع ومسئول-
وليس فقط الرجال هم الرعاة والمسئولون-وكل صاحب أو
صاحبة خبرة وكفاءة هو راع وقوّام أو راعية وقوّامة على ميدان
من الميادين وتخصص من التخصصات ..وإن تميزت رعاية
الرجال وقوامتهم فى السر والبيوت والعائلت وفقا ً للخبرة
والمكانات التى يتميزون بها فى ميادين الكد والحماية..فإن
لرعاية المرأة تميزا ً فى إدارة مملكة السرة وفى تربية البناء
والبنات ..حتى نلمح ذلك فى حديث الرسول صلى الله عليه
وسلم الذى سبق إيراده -عندما جعل الرجل راعيا ً ومسئول ً على
" أهل بيته " بينما جعل المرأة راعية ومسئولة على " بيت بعلها
وولده "..
فهذة " القوامة " -توزيع للعمل ،تحدد الخبرة والكفاءة ميادينه..
سرا ً ول تملكا ول عبودية ،بحال من الحوال.. وليست قهرا ً ول قَ ْ
هكذا وضحت قضية القوامة ..وسقطت المعانى الزائفة
والمغلوطة لخر الشبهات التى يتعلق بها الغلة..
غلة السلميين ..وغلة العلمانيين.
فالطريق مفتوح أمام إنهاض المرأة بفكر متزن يرى أنها مع
الرجل قد خلقا من نفس واحدة وتساويا فى الحقوق والواجبات
واختلفت وظائف كل منهما إختلف تكامل كتكامل خصائصهما
الطبيعية لعمارة الدنيا وعبادة الله الواحد الحد.
( )1البقرة.228 :
( )2النساء.34-32 :
( )3الشورى.39 - 37 :
( )4البقرة.233 :
( )5المزمل.5 :
([ )6مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوى والخلفة الراشدة]
ص .283جمعها وحققها :د .محمد حميد الله .طبعة القاهرة سنة
1956م.
( )7آل عمران.195 :
( )8الروم.21 :
( )9البقرة.187 :
( )10النساء.21 :
( )11ابن منظور [ لسان العرب ] طبعة دار المعارف .القاهرة.
942
( )12انظر :الراغب الصفهانى [ المفردات فى غريب القرآن ]
طبعة دار التحرير .القاهرة سنة 1991م.
وأبو البقاء الكفوى [ الكليات ] ق 2ص .287تحقيق :د .عدنان
درويش ،طبعة دمشق سنة 1982م.
( [ )13إعلم الموقعين ] ج 2ص .106طبعة بيروت سنة 1973م.
( )14البقرة.228 :
( )15النساء.34 :
( [ )16العمال الكاملة للمام محمد عبده ] ج 4ص -611 – 606وج
5ص .203 ،201دراسة وتحقيق :د .محمد عمارة .طبعة القاهرة
1993م.
( )17البقرة.187 :
( )18الروم.21 :
( )19النساء.21 :
( [ )20تفسير القرآن الكريم ] ص .174 172طبعة القاهرة 1399
هجرية 1979م.
------------------
حجاب -164قضية ال ِ
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
943
عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا ً غير مسكونة فيها متاع لكم والله
يعلم ما تبدون وما تكتمون * قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم
ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون *
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ول
يبدين زينتهن إل ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ول
يبدين زينتهن إل لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو
أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو
نسائهـن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الربة من
الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ول
يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً
أيها المؤمنون لعلكم تفلحون * وأنكحوا اليامى منكم والصالحين
من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله
واسع عليم * وليستعفف الذين ل يجدون نكاحا ً حتى يغنيهم الله
من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن
علمتم فيهم خيرا ً وآتوهم من مال الله الذى آتاكم ول تكرهوا
فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا
ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) (.)1
فنحن أمام نظام إسلمى ،وتشريع إلهى مفصل ،فى العفة
وعلقتها بستر العورات عن غير المحارم.
وهو تشريع عام ،فى كل مكان توجد فيه المرأة مع غير محرم.
بل إن ذات السورة ـ (النور) تستأنف التشريع لستر العورات
داخل البيوت ـ نصا ً وتحديدا ً ـ فتقول آياتها الكريمة( :يا أيها الذين
آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم
منكم ثلث مرات من قبل صلة الفجر وحين تضعون ثيابكم من
ث عورات لكم ليس عليكم ول الظهيرة ومن بعد صلة العشاء ثل ُ
عليهم جناح بعدهن طوّافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين
الله لكم اليات والله عليم حكيم * وإذا بلغ الطفال منكم الحلم
فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته
والله عليم حكيم * والقواعد من النساء اللتى ل يرجون نكاحاً
فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن
يستعففن خير لهن والله سميع عليم ) (.)2
فنحن أمام تشريع لستر العورات ،حتى داخل البيوت ،عن غير
المحارم ـ الذين حددتهم اليات ـ ومنهم الصبيان إذا بلغوا الحلم..
فحيث أمر الله بالعفاف وحرم الزنا وأقر الزواج وأباح إمكانية
التعدد فكان لبد لكمال التشريع من المر بدرء ما يوصل إلى
عكس ذلك كله فأمر بالحجاب وبغض البصر وبعدم الخلوة وهو
مٌر له سبحانه فى كل دين. َ
أ ْ
944
( )1النور.33 -26 :
( )2النور.70 :68 :
---------------
شبهات حول المرأة
أولً :الحجاب:
مت والدين يسر: الشبهة الولى :الحجاب تز ّ
مت في الدين، ن الحجاب تز ّ يدّعي بعض دعاة التبرج والسفور بأ ّ
ة
ت فيه ول تشدّد ،وإباحة السفور مصلح ٌ م َ
والدين يسر ل تز ّ
تقتضيها مشقّة التزام الحجاب في عصرنا[.]1
الجواب:
-1إن تعاليم الدين السلمي وتكاليفَه الشرعية جميعها يسر ل
َ
سَر وَل َ يُرِيد ُ بِك ُ ُ
م م ٱلْي ُ ْ ه بِك ُ ُعسَر فيها ،قال تعالى{ :يُرِيد ُ ٱلل ّ ُ
ن
م فِى ٱلدّي ِ ل ع َلَيْك ْ جعَ َ ما َ{و َ
سَر} [البقرة ،]185:وقال تعالىَ َ : ٱلْعُ ْ
َ ج} [الحج ،]78:وقال{ :ل َ تُكَل ّ ُ
سعَهَا} [البقرة: س إِل ّ وُ ْ ف نَفْ ٌ حَر ٍن َم ْ
ِ
.]232فهذه اليات صريحة في التزام مبدأ التخفيف والتيسير على
الناس في أحكام الشرع.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال(( :إن هذا الدين يسر ،ولن يشاد الدين أحد إل غلبه،
فسدّدوا وقاربوا وأبشروا))[ ،]2وعن أبي موسى الشعري رضي
الله عنه قال :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث
أحدا من أصحابه في بعض أمره قال(( :بشروا ول تنفروا،
ويسروا ول تعسروا))[.]3
َّ
فالشارع ل يقصد أبدًا إعنات المكلفين أو تكليفهم بما ل تطيقه
ل في ل ما ثبت أنه تكليف من الله للعباد فهو داخ ٌ أنفسهم ،فك ّ
مقدورهم وطاقتهم[.]4
-2ثم ل بد من معرفة أن للمصلحة الشرعية ضوابط يجب
مراعاتها وهي:
أ -أن تكون هذه المصلحة مندرجة في مقاصد الشرع ،وهي حفظ
ل ما يحفظ هذه الدين والنفس والعقل والنسل والمال ،فك ّ
ل ما يفوّت هذه الصول أو الصول الخمسة فهو مصلحة ،وك ّ
بعضها فهو مفسدة ،ول شك أن الحجاب مما يحفظ هذه الكليات
وأن التبرج والسفور يؤدي بها إلى الفساد.
ب -أن ل تعارض هذه المصلحة النقل الصحيح ،فل تعارض القرآن
م استنادًا إلى الكريم؛ لن معرفة المقاصد الشرعية إنما ت ّ
الحكام الشرعية المنبثقة من أدلتها التفصيلية ،والدلة كلّها
ب الله لستلزم راجعة إلى الكتاب ،فلو عارضت المصلحة كتا َ
ل دليله ،وهو باطل .وكذلك بالنسبة للسنة، ذلك أن يعارض المدلو ُ
945
ما .ولفإن المصلحة المزعومة إذا عارضتها اعتُبرت رأيًا مذمو ً
يخفى مناقضة هذه المصلحة المزعومة لنصوص الكتاب والسنة.
ج -أن ل تعارض هذه المصلحة القياس الصحيح.
م منها أو مساوية لها. د -أن ل تفوِّت هذه المصلحة مصلحة أه ّ
ن المشقة التي قد -3قاعدة" :المشقّة تجلب التيسير" معناها :أ ّ
يجدها المكلف في تنفيذ الحكم الشرعي سبب شرعي صحيح
للتخفيف فيه بوجه ما.
لكن ينبغي أن ل تفهم هذه القاعدة على وجهٍ يتناقض مع
الضوابط السابقة للمصلحة ،فل بد للتخفيف أن ل يكون مخالفًا
ب ول سنّة ول قياس صحيح ول مصلحة راجحة. لكتا ٍ
حكمة الكتاب والسنة كالعبادات ص على ُ ومن المصالح ما ن ّ
ص الشارع فيه والعقود والمعاملت ،وهذا القسم لم يقتصر ن ّ
على العزائم فقط ،بل ما من حكم من أحكام العبادات
والمعاملت إل وقد شرع إلى جانبه سبل التيسير فيه .فالصلة
مثل شرِعت أركانها وأحكامها الساسية ،وشرع إلى جانبها أحكام
سرة لدائها عند لحوق المشقة كالجمع والقصر والصلة من مي ّ
ة
جلوس .والصوم أيضا شرع إلى جانب أحكامه الساسية رخص ُ
الفطر بالسفر والمرض .والطهارة من النجاسات في الصلة
شرع معها رخصة العفو عما يشقّ الحتراز منه .وأوجب الله
ب على المرأة ،ثم نهى عن النظر إلى سبحانه وتعالى الحجا َ
خطبةخص في كشف الوجه والنظر إليه عند ال ِ الجنبية ،ور ّ
والعلج ،والتقاضي والشهاد.
إذ ًا فليس في التيسير الذي شرعه الله سبحانه وتعالى في
ل بالوفاق مع ضوابط المصلحة، مقابلة عزائم أحكامه ما يخ ّ
م أنه ل يجوز الستزادة في التخفيف على ما ورد به النص، ومعلو ٌ
ن مشقة الحرب بالنسبة للجنود تقتضي وضعَ الصلة كأن يقال :إ ّ
عنهم ،أو يقال :إن مشقة التحّرز عن الربا في هذا العصر تقتضي
ن مشقة التزام الحجاب في بعض جواَز التعامل به ،أو يقال :إ ّ
ح للمرأة التبّرج بدعوى عموم البلوى المجتمعات تقتضي أن يبا َ
به[.]5
الشبهة الثانية :الحجاب من عادات الجاهلية فهو تخلف ورجعية:
ن
قالوا :إن الحجاب كان من عادات العرب في الجاهلية ،ل ّ
شرف ،ووأدوا البنات خوفًا من العار، العرب طبِعوا على حماية ال ّ
فألزموا النساء بالحجاب تعصبًا لعاداتهم القبلية التي جاء السلم
مها وإبطالها ،حتى إنّه أبطل الحجاب[ ،]6فاللتزام بالحجاب بذ ّ
رجعية وتخلّف عن ركب الحضارة والتقدم.
الجواب:
946
-1إن الحجاب الذي فرضه السلم على المرأة لم يعرفه العرب
م الله تعالى تبّرج نساء الجاهلية ،فوجه قبل السلم ،بل لقد ذ ّ
نساء المسلمين إلى عدم التبرج حتى ل يتشبهن بنساء الجاهلية،
ة ج ٱل ْ َ
جـٰهِلِي َّ ِ ن تَبَُّر َ
ج َ ن فِى بُيُوتِك ُ َّ
ن وَل َ تَبََّر ْ ل شأنه{ :وَقَْر َ فقال ج ّ
ٱلولَىٰ} [الحزاب.]33:
ن وص َ
ل م تغيير خلق الله أوضحت أ ّ كما أن الحاديث الحافلة بذ ّ
مص كان شائعًا في نساء اليهود قبل السلم ،ومن الشعر والتن ّ
المعروف أنه مما تستخدمه المتبّرجات.
صحيح أن السلم أتى فأبطل عادات ذميمة للعرب ،ولكن
بالضافة إلى ذلك كانت لهم عادات جميلة أقّرها السلم فلم
يبطلها ،كإكرام الضيف والجود والشجاعة وغير ذلك.
وكان من ضمن عاداتهم الذميمة خروج النساء متبّرجات كاشفات
الوجوه والعناق ،باديات الزينة ،ففرض الله الحجاب على المرأة
ساق ن كرامتها ،ويمنع عنها أذى الف ّ بعد السلم ليرتقي بها ويصو َ
والمغرضين[.]7
ت بلباسهن الذي ل يجعلهن -2إذا كانت النساء المسلمات راضيا ٍ
في زمرة الرجيعات والمتخلفات فما الذي يضير التقدميين في
ن يلبسن الحجاب ول يتأفّفن منه فما الذي حشر ذلك؟! وإذا ك ّ
التقدميين في قضية فردية شخصية كهذه؟! ومن العجب أن
تسمع منهم الدعوة َ إلى الحرية الشخصية وتقديسها ،فل يجوز أن
خلون في حرية غيرهم في ارتداء ما شاؤوا سها أحد ،ثم هم يتد ّ يم ّ
من الثياب[.]8
ن التخلف له أسبابه ،والتقدم له أسبابه ،وإقحام شريعة -3إ ّ
الستر والخلق في هذا المر خدعة مكشوفة ،ل تنطلي إل على
متخلّف عن مستوى الفكر والنظر ،ومنذ متى كان التقدّم
ن الحضارة والتقدم والحضارة متعلّقَين بلباس النسان؟! إ ّ
صل إليها النسان بعقله وإعمال ة أبحاث تو َّ والتطور كان نتيج َ
فكره ،ولم تكن بثوبه ومظهره[.]9
الشبهة الثالثة :الحجاب وسيلة لخفاء الشخصية:
ب يسهّل عملية إخفاء الشخصية ،فقد ن الحجا َ يقول بعضهم :إ ّ
يتستّر وراءه بعض النساء اللواتي يقترفن الفواحش[.]10
الجواب:
-1يشرع للمرأة في السلم أن تستر وجهها لن ذلك أزكى
وأطهر لقلوب المؤمنين والمؤمنات .وكل عاقل يفهم من سلوك
المرأة التي تبالغ في ستر نفسها حتى أنها ل تبدي وجهًا ول كفا ـ
فضل ً عن سائر بدنها ـ أن هذا دليل الستعفاف والصيانة ،وكل
ضا أن تبرج المرأة وإظهارها زينتها يشعر بوقاحتها عاقل يعلم أي ً
947
وقلة حيائها وهوانها على نفسها ،ومن ثم فهي الَولى أن يُساء بها
الظن بقرينة مسلكها الوخيم حيث تعرِض زينتها كالسلعة ،فتجّر
خبث النية وفساد الطوية وطمع الذئاب على نفسها وصمة ُ
البشرية[.]11
ن من المتواتر لدى الكافة أن المسلمة التي تتحجب في هذا -2إ ّ
الزمان تذوق الويلت من الجهزة الحكومية والدارات الجامعية
والحملت العلمية والسفاهات من المنافقين في كل مكان ،ثم
هي تصبر على هذا كله ابتغاء وجه الله تعالى ،ول يفعل هذا إل
مؤمنة صادقة رباها القرآن والسنة ،فإذا حاولت فاسقة مستهترة
ساقطة أن تتجلبب بجلباب الحياء وتواري عن العين بارتداء
شعار العفاف ورمز الصيانة وتستر عن الناس آفاتها وفجورها
بمظهر الحصان الرزان فما ذنب الحجاب إذ ًا؟!
ل ذيإن الستثناء يؤيد القاعدة ول ينقضها كما هو معلوم لك ّ
ن نفس هذه المجتمعات التي يروَّج فيها هذه الراجيف عقل ،مع أ ّ
قد بلغت من النحدار والتردّي في مهاوي التبّرج والفسوق
ن إلىوالعصيان ما يغني الفاسقات عن التستّر ،ول يحوِجه ّ
التواري عن العين.
ن في هذا خطًرا على ما وإذا كان بعض المنافقين يتشدّقون بأ ّ
ل بسبب المتحجبات مونه المن فليبينوا كيف يهتّز المن ويخت ّ يس ّ
المتسترات ،مع أنه لم يتزلزل مرة واحدة بسبب السافرات
والمتبرجات!![.]12
-3لو أن رجل ً انتحل شخصية قائد عسكري كبير ،وارتدى بزته،
وتحايل بذلك واستغل هذا الثوب فيما ل يباح له كيف تكون
عقوبته؟! وهل يصلح سلوكه مبرًرا للمطالبة بإلغاء الزي المميّز
للعسكريين مثل ً خشية أن يسيء أحد استعماله؟!
الفتو ،وزيّ
ّ وما يقال عن البزة العسكرية يقال عن لباس
الرياضة ،فإذا وجد في المجتمع الجندي الذي يخون والفتى الذي
ن على المة أن يسيء والرياضي الذي يذنب هل يقول عاقل :إ ّ
تحارب شعاَر العسكر ولباس الفتوّة وزيّ الرياضة لخيانات
ظهرت وإساءات تكررت؟! فإذا كان الجواب" :ل" فلماذا يقف
أعداء السلم من الحجاب هذا الموقف المعادي؟! ولماذا يثيرون
حوله الشائعات الباطلة المغرضة؟![.]13
-4إن السلم كما يأمر المرأة بالحجاب يأمرها أن تكون ذات
خلق ودين ،إنه يربي من تحت الحجاب قبل أن يسدل عليها
خيٌْر} [العراف،]26: ك َ س ٱلتَّقْوَىٰ ذٰل ِ َ
الجلباب ،ويقول لها{ :وَلِبَا ُ
حتى تصل إلى قمة الطهر والكمال قبل أن تصل إلى قمة الستر
948
والحتجاب ،فإذا اقتصرت امرأة على أحدهما دون الخر تكون
كمن يمشي على رجل واحدة أو يطير بجناح واحد.
إن التصدي لهؤلء المستهترات ـ إذا وجدن ـ أن تصدر قوانين
صارمة بتشديد العقوبة على كل من تسوّل له نفسه استغلل
الحجاب لتسهيل الجرائم وإشباع الهواء ،فمثل هذا التشديد جائز
شرع ًا في شريعة الله الغراء التي حرصت على صيانة النفس
ووقاية العرض ،وجعلتهما فوق كل اعتبار ،وإذا كان التخوف من
سوء استغلل الحجاب مخطرة محتملة إل أن المخطرة في
التبرج والسفور بنشر الفاحشة وفتح ذرائعها مقطوع بها لدى كل
عاقل[.]14
الشبهة الرابعة :عفة المرأة في ذاتها ل في حجابها:
يقول البعض :إن عفة الفتاة حقيقة كامنة في ذاتها ،وليست
غطاء يلقى ويسدل على جسمها ،وكم من فتاة محتجبة عن
الرجال في ظاهرها وهي فاجرة في سلوكها ،وكم من فتاة
حاسرة الرأس كاشفة المفاتن ل يعرف السوء سبيل ً إلى نفسها
ول إلى سلوكها[.]15
الجواب:
إن هذا صحيح ،فما كان للثياب أن تنسج لصاحبها عفّة مفقودة،
ب فاجرة سترت فجورها ول أن تمنحه استقامة معدومة ،ور َّ
بمظهر سترها.
ولكن من هذا الذي زعم أن الله إنما شرع الحجاب لجسم المرأة
ليخلق الطهارة في نفسها أو العفة في أخلقها؟! ومن هذا الذي
زعم أن الحجاب إنما شرعه الله ليكون إعلنًا بأن كل من لم
تلتزمه فهي فاجرة تنحط في وادي الغواية مع الرجال؟!
إن الله عز وجل فرض الحجاب على المرأة محافظة على عفة
الرجال الذين قد تقع أبصارهم عليها ،وليس حفاظًا على عفتها
من العين التي تراها فقط ،ولئن كانت تشترك معهم هي الخرى
في هذه الفائدة في كثير من الحيان إل أن فائدتهم من ذلك
أعظم وأخطر ،وإل فهل يقول عاقل تحت سلطان هذه الحجة
المقلوبة :إن للفتاة أن تبرز عارية أمام الرجال كلهم ما دامت
ليست في شك من قوة أخلقها وصدق استقامتها؟!
ت النساءإن بلء الرجال بما تقع عليه أبصارهم من مغريا ِ
ل ،فكان في وفتنتهن هو المشكلة التي أحوجت المجتمعَ إلى ح ّ
شرع الله ما تكفّل به على أفضل وجه ،وبلء الرجال إذا لم يجد
ل اللهي ما من ريب سيتجاوز بالسوء إلى في سبيله هذا الح ّ
ضا ،ول يغني عن المر شيئًا أن تعتصم المرأة المتبرجة النساء أي ً
عندئذ باستقامةٍ في سلوكها أو عفة في نفسها ،فإن في ضرام
949
ذلك البلء الهائج في نفوس الرجال ما قد يتغلّب على كل
استقامة أو عفة تتمتّع بها المرأة إذ تعرض من فنون إثارتها
وفتنتها أمامهم[.]16
الشبهة الخامسة :دعوى أن الحجاب من وضع السلم:
زعم آخرون أن حجاب النساء نظام وضعه السلم فلم يكن له
وجود في الجزيرة العربية ول في غيرها قبل الدعوة المحمدية[
.]17
الجواب:
-1إن من يقرأ كتب العهد القديم وكتب الناجيل يعلم بغير عناء
كبير في البحث أن حجاب المرأة كان معروفًا بين العبرانيين من
عهد إبراهيم عليه السلم ،وظل معروفًا بينهم في أيام أنبيائهم
جميعًا ،إلى ما بعد ظهور المسيحية ،وتكررت الشارة إلى البرقع
في غير كتاب من كتب العهد القديم وكتب العهد الجديد.
ففي الصحاح الرابع والعشرين من سفر التكوين عن (رفقة) أنها
رفعت عينيها فرأت إسحاق ،فنزلت عن الجمل وقالت للعبد :من
هذا الرجل الماشي في الحقل للقائي ،فقال العبد :هو سيدي،
فأخذت البرقع وتغطت.
وفي النشيد الخامس من أناشيد سليمان تقول المرأة :أخبرني يا
من تحبه نفسي ،أين ترعى عند الظهيرة؟ ولماذا أكون كمقنعة
عند قطعان أصحابك؟
وفي الصحاح الثالث من سفر أشعيا :إن الله سيعاقب بنات
صهيون على تبرجهن والمباهاة برنين خلخيلهن بأن ينزع عنهن
زينة الخلخيل والضفائر والهلة والحلق والساور والبراقع
والعصائب.
ضا أن تاماروفي الصحاح الثامن والثلثين من سفر التكوين أي ً
مضت وقعدت في بيت أبيها ،ولما طال الزمان خلعت عنها ثياب
ترملها وتغطت ببرقع وتلففت.
ويقول بولس الرسول في رسالته كورنثوس الولى" :إن النقاب
شرف للمرأة ،وكانت المرأة عندهم تضع البرقع على وجهها حين
تلتقي بالغرباء وتخلعه حين تنزوي في الدار بلباس الحداد[.]18
فالكتب الدينية التي يقرؤها غير المسلمين قد ذكرت عن البراقع
والعصائب مالم يذكره القرآن الكريم.
-2وكان الرومان يسنون القوانين التي تحرم على المرأة الظهور
بالزينة في الطرقات قبل الميلد بمائتي سنة ،ومنها قانون عرف
باسم "قانون أوبيا" يحرم عليها المغالة بالزينة حتى في البيوت[
.]19
950
-3وأما في الجاهلية فنجد أن الخبار الواردة في تستّر المرأة
ك سترها كان سببًا العربية موفورة كوفرة أخبار سفورها ،وانتها ُ
في اليوم الثاني من أيام حروب الفجار الول؛ إذ إن شبابًا من
قريش وبني كنانة رأوا امرأة جميلة وسيمة من بني عامر في
سوق عكاظ ،وسألوها أن تسفر عن وجهها فأبت ،فامتهنها
أحدهم فاستغاثت بقومها.
وفي الشعر الجاهلي أشعار كثيرة تشير إلى حجاب المرأة
العربية ،يقول الربيع بن زياد العبسي بعد مقتل مالك بن زهير:
من كان مسروًرا بمقتل مالك فليـأت نسوتنا بوجه نهـار
يجد النسـاء حواسًرا يندبنه يلطمن أوجههن بالسحـار
قد كن يخبأن الوجـوه تستًرا فاليوم حيـن برزن للنظـار
مة لديهم أن النساء كن محجبات إل في مثل هذه فالحالة العا ّ
الحالة حيث فقدن صوابهن فكشفن الوجوه يلطمنها ،لن الفجيعة
قد تنحرف بالمرأة عما اعتادت من تستر وقناع.
وقد ذكر الصمعي أن المرأة كانت تلقي خمارها لحسنها وهي
على عفة[.]20
وكانت أغطية رؤوس النساء في الجاهلية متنوعة ولها أسماء
شتى ،منها:
ف
الخمار :وهو ما تغطي به المرأة رأسها ،يوضع على الرأس ،ويل ّ
على جزء من الوجه.
وقد ورد في شعر صخر يتحدث عن أخته الخنساء:
والله ل أمنحها شرارها ولو هلكت مزقت خمارها
وجعلت من شعر صدارها
ولم يكن الخمار مقصوًرا على العرب ،وإنما كان شائعًا لدى المم
القديمة في بابل وأشور وفارس والروم والهند[.]21
النقاب :قال أبو عبيد" :النقاب عند العرب هو الذي يبدو منه
محجر العين ،ومعناه أن إبداءهن المحاجر محدث ،إنما كان
النقاب لصقًا بالعين ،وكانت تبدو إحدى العينين والخرى
مستوره"[.]22
الوصواص :وهو النقاب على مارِن النف ل تظهر منه إل العينان،
مى الخنق ،قال الشاعر: وهو البرقع الصغير ،ويس ّ
صايا ليتها قد لبست وصوا ً
البرقع :فيه خرقان للعين ،وهو لنساء العرب ،قال الشاعر:
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت فقد رابني منها الغداة سفورها[
]23
الشبهة السادسة :الحتجاج بقاعدة" :تبدل الحكام بتبدّل
الزمان":
951
فهم أعداء الحجاب من قاعدة" :تبدل الحكام بتبدل الزمان"
وقاعدة" :العادة محكّمة" أنه ما دامت أعرافهم متطوّرة بتطوّر
الزمان فل بد ّ أن تكون الحكام الشرعية كذلك[.]24
الجواب:
ل ريب أن هذا الكلم لو كان مقبول ً على ظاهره لقتضى أن
يكون مصير شرعية الحكام كلها رهنًا بيد عادات الناس
وأعرافهم ،وهذا ل يمكن أن يقول به مسلم ،لكن تحقيق المراد
من هذه القاعدة أن ما تعارف عليه الناس وأصبح عرفًا لهم ل
يخلو من حالت:
ضا بأن أوجده الشرع ،أو ما شرعيًا أي ً -1إما أن يكون هو بعينه حك ً
كان موجودًا فيهم فدعا إليه وأكّده ،مثال ذلك :الطهارة من
النجس والحدث عند القيام إلى الصلة ،وستر العورة فيها،
وحجب المرأة زينتها عن الجانب ،والقصاص والحدود وما شابه
ذلك ،فهذه كلها أمور تعد ّ من أعراف المسلمين وعاداتهم ،وهي
في نفس الوقت أحكام شرعية يستوجب فعلها الثواب وتركها
العقاب ،سواء منها ما كان متعارفًا عليه قبل السلم ثم جاء
سنًا له كحكم القسامة والديه الحكم الشرعي مؤيّدًا ومح ّ
والطواف بالبيت ،وما كان غير معروف قبل ذلك ،وإنما أوجده
السلم نفسه كأحكام الطهارة والصلة والزكاة وغيرها.
فهذه الصورة من العراف ل يجوز أن يدخلها التبديل والتغيير
مهما تبدلت الزمنة وتطورت العادات والحوال؛ لنها بحد ّ ذاتها
أحكام شرعية ثبتت بأدلة باقية ما بقيت الدنيا ،وليست هذه
الصورة هي المعنية بقول الفقهاء" :العادة محكَّمة".
ما شرعيًا ،ولكن تعلّق به الحكم الشرعي -2وإما أن ل يكون حك ً
بأن كان مناطًا له ،مثال ذلك :ما يتعارفه الناس من وسائل
التعبير وأساليب الخطاب والكلم ،وما يتواضعون عليه من
العمال المخلّة بالمروءة والداب ،وما تفرضه سنة الخلق
والحياة في النسان مما ل دخل للرادة والكليف فيه كاختلف
عادات القطار في سن البلوغ وفترة الحيض والنفاس إلى غير
ذلك.
َّ
ما شرعية ولكنها متعلق فهذه المثلة أمور ليست بحد ذاتها أحكا ً
ومناط لها ،وهذه الصورة من العرف هي المقصودة من قول
الفقهاء" :العادة محكمة" ،فالحكام المبنيّة على العرف والعادة
ح أن يقال" :ل ينكر هي التي تتغيّر بتغيّر العادة ،وهنا فقط يص ّ
خا للشريعة ،لن تبدّل الحكام بتبدل الزمان" ،وهذا ل يعد ّ نس ً
الحكم باق ،وإنما لم تتوافر له شروط التطبيق فطبِّق غيره.
ن العادة إذا تغيرت فمعنى ذلك أن حالة جديدة قد ضحه أ ّيو ّ
952
طرأت تستلزم تطبيق حكم آخر ،أو أن الحكم الصلي باق ،ولكن
تغير العادة استلزم توافر شروط معينة لطبيقه[.]25
953
جد فيمن سلف في القرون ل نقول مثلً :يحل شرب الخمر فقد و ِ
الخي ِّرة من شربها؟![.]29
-4وما بال هؤلء الدعاة إلى السفور قد عمدوا إلى كتب التاريخ
والتراجم فجمعوا أسماء مثل هؤلء النسوة من شتى الطبقات
والعصور ،وقد علموا أنه كان إلى جانب كل واحدة منهن سواد
جبات الساترات لزينتهن عن عظيم وجمع غفير من النساء المتح ّ
الجانب من الرجال؟! فلماذا لم يعتبر بهذه الجمهرة العظيمة
ولم يجعلها حجة بدل ً من حال أولئك القلة الشاذة المستثناة؟!
يقول الغزالي" :لم تزل الرجال على مر الزمان تكشف الوجوه،
والنساء يخرجن منتقبات أو يمنعن من الخروج"[ ،]30ويقول ابن
رسلن" :اتفق المسلمون على منع النساء من الخروج
سافرات"[.]31
ولماذا لم يحتج بمواقف نساء السلف من الصحابة والتابعين ومن
تبعهم بإحسان في تمسكهم بالحجاب الكامل واعتباره أصلً
خا من أصول البنية الجتماعية؟![.]32 راس ً
الشبهة الثامنة :الحجاب كبت للطاقة الجنسية:
ن الطاقة الجنسية في النسان طاقة كبيرة وخطيرة، قالوا :إ ّ
وخطورتها تكمن في كبتها ،وزيادة الضغط يولّد النفجار ،وحجاب
ن الشباب يظلون في كتب المرأة يغطّي جمالها ،وبالتالي فإ ّ
ي يكاد أن ينفجر أو ينفجر أحيانًا على شكل حوادث جنس ّ
الغتصاب وغيرها ،والعلج لهذه المشكلة إنما يكمن في تحرير
المرأة من هذا الحجاب لكي ينفس الشباب الكبت الذي فيهم،
ل طبقًا لذلك خطورة وبالتالي يحدث التشبع لهذه الحاجة ،فيق ّ
النفجار بسبب الكبت والختناق[.]33
الجواب:
حا لكانت أمريكا والدول الوربية وما -1لو كان هذا الكلم صحي ً
ل الدول في العالم في حوادث الغتصاب شاكلها هي أق ّ
والتحّرش في النساء وما شاكلها من الجرائم الخلقية ،ذلك لن
أمريكا والدول الوربية قد أعطت هذا الجانب عناية كبيرة جدًا
بحجة الحرية الشخصية ،فماذا كانت النتائج التي ترتبت على
النفلت والباحية؟ هل قلّت حوادث الغتصاب؟ هل حدث التشبّع
حميت المرأة من هذه الخطورة؟ الذي يتحدّثون عنه؟ وهل ُ
جاء في كتاب "الجريمة في أمريكا" :إنه تتم جريمة اغتصاب
بالقوة كل ستة دقائق في أمريكا[ .]34ويعني بالقوة :أي تحت
تأثير السلح.
وقد بلغ عدد حالت الغتصاب في أمريكا عام 1978م إلى مائة
وسبعة وأربعين ألف وثلثمائة وتسع وثمانين حالة ،لتصل في عام
954
1987م إلى مائتين وواحد وعشرين ألف وسبعمائة وأربع وستين
حالة .فهذه الحصائيات تكذ ّب هذه الدعوى[.]35
-2إن الغريزة الجنسية موجودة في الرجال والنساء ،وهي سّر
حكَم كثيرة ،منها استمرار أودعه الله تعالى في الرجل والمرأة ل ِ
النسل .ول يمكن لحد أن ينكر وجود هذه الغريزة ،ثم يطلب من
الرجال أن يتصرفوا طبيعيًا أمام مناظر التكشف والتعّري دونما
اعتبار لوجود تلك الغريزة[.]36
-3إن الذي يدّعي أنه يمكن معالجة الكبت الجنسي بإشاعة
مناظر التبّرج والتعري ليحدث التشبع فإنه بذلك يصل إلى
نتيجتين:
الولى :أن هؤلء الرجال الذين ل تثيرهم الشهوات والعورات
البادية من فئة المخصيّين ،فانقطعت شهوتهم ،فما عادوا
يشعرون بشيء من ذلك المر.
الثانية :أن هؤلء الرجال الذين ل تثيرهم العورات الظاهرة من
الذين أصابهم مرض البرود الجنسي.
فهل الذين يدعون صدقَ تلك الشبهة يريدون من رجال أمتنا أن
يكونوا ضمن إحدى هاتين الطائفتين من الرجال؟![.]37
الشبهة التاسعة :الحجاب يعطل نصف المجتمع:
قالوا :إن حجاب المرأة يعطل نصف المجتمع ،إذ إن السلم
يأمرها أن تبقى في بيتها[.]38
الجواب:
-1إن الصل في المرأة أن تبقى في بيتها ،قال الله تعالى:
جـٰهِلِيَّةِ ٱلولَىٰ}
ج ٱل ْ َن تَبَُّر َج َ ن فِى بُيُوتِك ُ َّ
ن وَل َ تَبََّر ْ {وَقَْر َ
[الحزاب .]33:ول يعني هذا المر إهانة المرأة وتعطيل طاقاتها،
بل هو التوظيف المثل لطاقاتها[.]39
-2وليس في حجاب المرأة ما يمنعها من القيام بما يتعلق بها من
الواجبات ،وما يُسمح لها به من العمال ،ول يحول بينها وبين
اكتساب المعارف والعلوم ،بل إنها تستطيع أن تقوم بكل ذلك مع
المحافظة على حجابها وتجنبها الختلط المشين.
وكثير من طالبات الجامعات اللتي ارتدين الثوب الساتر وابتعدن
عن مخالطة الطلب قد أحرزن قصب السبق في مضمار
المتحان ،وكن في موضع تقدير واحترام من جميع المدرسين
والطلب[.]40
-3بل إن خروج المرأة ومزاحمتها الرجل في أعماله وتركها
العمال التي ل يمكن أن يقوم بها غيرها هو الذي يعطل نصف
المجتمع ،بل هو السبب في انهيار المجتمعات وفشو الفساد
سر ،لن مهمة رعاية النشء وتربيتهم وانتشار الجرائم وانفكاك ال َ
955
والعناية بهم ـ وهي من أشرف المهام وأعظمها وأخطرها ـ
أضحت بل عائل ول رقيب.
الشبهة العاشرة :التبرج أمر عادي ل يلفت النظر:
يدّعي أعداء الحجاب أن التبرج الذي تبدو به المرأة كاسية عارية
ل يثير انتباه الرجال ،بينما ينتبه الرجال عندما يرون امرأة
متحجبة حجابًا كامل ً يستر جسدها كله ،فيريدون التعّرف على
ل ممنوع مرغوب[.]41 ن ك َّ
شخصيتها ومتابعتها؛ ل ّ
الجواب:
-1ما دام التبرج أمر عادي ل يلفت النظار ول يستهوي القلوب
ملت أدوات التجميل فلماذا تبّرجت؟! ولمن تبرجت؟! ولماذا تح ّ
وأجرة الكوافير ومتابعة الموضات؟![.]42
-2وكيف يكون التبرج أمًرا عاديًا ونرى أن الزواج ـ مثل ً ـ تزداد
ملن ،كما تزداد الشهوة إلى ن وتج ّ
رغبتهم في زوجاتهم كلما تزي ّ
الطعام كلما كان منسقًا متنوع ًا جميل ً في ترتيبه ولو لم يكن لذيذ
الطعم؟![.]43
-3إن الجاذبية بين الرجل والمرأة هي الجاذبية الفطرية ،ل تتغير
مدى الدهر ،وهي شيء يجري في عروقهما ،وينبه في كل من
الجنسين ميوله وغرائزه الطبيعية ،فإن الدم يحمل الفرازات
الهرمونية من الغدد الصماء المختلفة ،فتؤثر على المخ
والعصاب وعلى غيرها ،بل إن كل جزء من كل جسم يتميز عما
يشبهه في الجنس الخر؛ ولذلك تظهر صفات النوثة في المرأة
في تركيب جسمها كله وفي شكلها وفي أخلقها وأفكارها
وميولها ،كما تظهر مميزات الذكورة في الرجل في بدنه وهيئته
وصوته وأعماله وميوله .وهذه قاعدة فطرية طبيعية لم تتغير من
يوم خلق الله النسان ،ولن تتغير حتى تقوم الساعة[.]44
-4أودع الله الشبق الجنسي في النفس البشرية سًّرا من
ل شأنه ،وجعل الممارسة أسراره ،وحكمة من روائع حكمه ج ّ
الجنسية من أعظم ما ينزع إليه العقل والنفس والروح ،وهي
مطلب روحي وحسي وبدني ،ولو أن رجل ً مرت عليه امرأة
حاسرة سافرة على جمال باهر وحسن ظاهر واستهواء بالغ ولم
يلتفت إليها وينزع إلى جمالها يحكم عليه الطب بأنه غير سوي
وتنقصه الرغبة الجنسية ،ونقصان الرغبة الجنسية ـ في عرف
الطب ـ مرض يستوجب العلج والتداوي[.]45
-5إن أعلى نسبة من الفجور والباحية والشذوذ الجنسي وضياع
العراض واختلط النساب قد صاحبت خروج النساء مترجات
كاسيات عاريات ،وتتناسب هذه النسبة تناسبًا طرديًا مع خروج
النساء على تلك الصورة المتحللة من كل شرف وفضيلة ،بل إن
956
أعلى نسبة من المراض الجنسية ـ كاليدز وغيره ـ في الدول
الباحية التي تزداد فيها حرية المرأة تفلّتًا ،وتتجاوز ذلك إلى أن
تصبح همجية وفوضى ،بالضافة إلى المراض والعقد النفسية
التي تلجئ الشباب والفتيات للنتحار بأعلى النسب في أكثر بلد
العالم تحلل ً من الخلق[.]46
-6أما أن العيون تتابع المتحجبة الساترة لوجهها ول تتابع
المتبرجة فإن المتحجبة تشبه كتابًا مغلقًا ،ل تعلم محتوياته وعدد
صفحات وما يحمله من أفكار ،فطالما كان المر كذلك ،فإنه
مهما نظرنا إلى غلف الكتاب ودققنا النظر فإننا لن نفهم
محتوياته ،ولن نعرفها ،بل ولن نتأثر بها ،وبما تحمله من أفكار،
وهكذا المتحجبة غلفها حجابها ،ومحتوياتها مجهولة بداخله ،وإن
النظار التي ترتفع إلى نورها لترتد حسيرة خاسئة ،لم تظفر
ل القليل.شروَى[ ]47نقير ول بأق ّ بِ َ
حا تتصفّحه اليدي ،وتتداوله أما تلك المتبرجة فتشبه كتابًا مفتو ً
العين سطًرا سطًرا ،وصفحة صفحة ،وتتأثّر بمحتوياته العقول،
فل يترك حتى يكون قد فقد رونق أوراقه ،فتثنت بل تمزق
ما ل يستحق أن يوضع في واجهة مكتبة بعضها ،إنه يصبح كتابًا قدي ً
بيت متواضعة ،فما بالنا بواجهة مكتبة عظيمة؟![.]48
الشبهة الحادية عشرة :السفور حقّ للمرأة والحجاب ظلم:
زعموا أن السفور حقّ للمرأة ،سلبها إياه المجتمع ،أو سلبها إياه
الرجل الناني المتحجر المتزمت ،ويرون أن الحجاب ظلم لها
وسلب لحقها[.]49
الجواب:
-1لم يكن الرجل هو الذي فرض الحجاب على المرأة فترفع
قضيتها ضدّه لتتخلّص من الظلم الذي أوقعه عليها ،كما كان وَض ُ
ع
القضية في أوربا بين المرأة والرجل ،إنما الذي فرض الحجاب
على المرأة هو ربها وخالقها الذي ل تملك ـ إن كانت مؤمنة ـ أن
ما{و َ
تجادله سبحانه فيما أمر به أو يكون َ لها الخيرة في المرَ ،
َ كَان ل ِمؤ ْمن ول َ مؤ ْمنة إذ َا قَضى ٱلل ّه ورسول ُ َ
ن لَهُ ُ
م مًرا أن يَكُو َ هأ ْ َ ُ ََ ُ ُ َ َ ُ ِ ٍ ََ ُ ِ َ ٍ ِ
ضلَـٰلً َ
ل َ ض ّ سول َ ُ
ه فَقَد ْ َ ه وََر ُص ٱلل ّ َ
من يَعْ ِ م وَ َ
مرِه ِ ْ
نأ ْم ْ ٱل ْ ِ
خيََرة ُ ِ
مبِينًا} [الحزاب.]50[]36: ُّ
ب في ذاته ل يشكل قضية ،فقد فرض الحجاب في -2إن الحجا َ
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ونفذ في عهد ،واستمر
بعد ذلك ثلثة عشر قرنًا متوالية وما من مسلم يؤمن بالله
ورسوله يقول :إن المرأة كانت في عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم مظلومة.
957
فإذا وقع عليها الظلم بعد ذلك حين تخلّف المسلمون عن
عقيدتهم الصحيحة ومقتضياتها فلم يكن الحجاب ـ بداهة ـ هو
ما في خير القرون منبع الظلم ول سببه ول قرينه ،لنه كان قائ ً
على الطلق ،وكان قرين النظافة الخلقية والروحية ،وقرين
الرفعة النسانية التي ل مثيل لها في تاريخ البشرية كله[.]51
الشبهة الثانية عشرة :الحجاب رمز للغلو والتعصب الطائفي
والتطرف الديني:
زعم أعداء الحجاب أن حجاب المرأة رمز من رموز التطرف
والغلو ،وعلمة من علمات التنطع والتشدد ،مما يسبب تنافرا
في المجتمع وتصادما بين الفئتين ،وهذا قد يؤول إلى الخلل
بالمن والستقرار.
الجواب:
-1هذه الدعوى مرفوضة من أساسها ،فالحجاب ليس رمزا لتلك
المور ،بل ول رمزا من الرموز بحال ،لن الرمز ما ليس له
وظيفة إل التعبير عن النتماء الديني لصاحبه ،مثل الصليب على
صدر المسيحي أو المسيحية ،والقلنسوة الصغيرة على رأس
اليهودي ،فل وظيفة لهما إل العلن عن الهوية .أما الحجاب فإن
حكَما نبيلة ،هي الستر والحشمة والطهر له وظيفة معروفة و ِ
والعفاف ،ول يخطر ببال من تلبسه من المسلمات أنها تعلن عن
نفسها وعن دينها ،لكنها تطيع أمر ربها ،فهو شعيرة دينية ،وليس
رمزا للتطرف والتنطع.
ثم إن هذه الفرية التي أطلقوها على حجاب المرأة المسلمة
لماذا لم يطلقوها على حجاب الراهبات؟! لماذا لم يقولوا :إن
ب اليهوديات والنصرانيات رمز للتعصب الديني والتميز حجا َ
الطائفي؟! لماذا لم يقولوا :إن تعليق الصليب رمز من رموز
التطرف الديني وهو الذي جّر ويلت الحروب الصليبية؟! لماذا لم
يقولوا :إن وضع اليهودي القلنسوة الصغيرة على رأسه رمز من
رموز التطرف الديني وبسببه يحصل ما يحصل من المجازر
والرهاب في فلسطين المحتلة؟!
-2إن هذه الفرية يكذ ّبها التاريخ والواقع ،فأين هذه المفاسد
المزعومة والحجاب ترتديه المرأة المسلمة منذ أكثر من أربعة
عشر قرنا؟!
-3إن ارتداء المرأة للحجاب تم من منطلق عقدي وقناعة روحية،
فهي لم تلَزم بالحجاب بقوة الحديد والنار ،ولم تدع ُ غيرها إلى
الحجاب إل بالحكمة والحجج الشرعية والعقلية ،بل عكس
القضية هو الصحيح ،وبيان ذلك أن إلزام المرأة بخلع حجابها
وجعل ذلك قانونا وشريعة لزمة هو رمز التعصب والتطرف
958
اللديني ،وهذا هو الذي يسبب التصادم وردود الفعال السيئة،
لنه اعتداء على الحرية الدينية والحرية الشخصية.
959
[ ]31انظر :عون المعبود (.)4/106
[ ]32عودة الحجاب (.)411-3/410
[ ]33أختي غير المحجبة ما المانع من الحجاب؟ لعبد الحميد
البللي (.)7
[ ]34هذا بالنسبة لعام (1988م) على ما في الكتاب.
[ ]35أختي غير المحجبة ( )10 ،8بتصرف.
[ ]36أختي غير المحجبة (.)12
[ ]37أختي غير المحجبة (.)13-12
[ ]38أختي غير المحجبة (.)64
[ ]39أختي غير المحجبة (.)64
[ ]40يا فتاة السلم اقرئي (.)40-39
[ ]41المتبرجات (.)117
[ ]42المتبرجات (.)117
[ ]43المتبرجات (.)117
[ ]44التبرج لنعمت صافي (.)24-23
[ ]45الفتاوى للشيخ محمد متولي الشعراوي بمشاركة :د.السيد
الجميلي .انظر :المتبرحات ()120-119
[ ]46المتبرجات ( )120وللمزيد من ذلك انظر :المرأة المتبرجة
وأثرها السيئ في المة لعبد الله التليدي (.)25-12
شروى كجدوى :المثل( .القاموس المحيط ،مادة :شرى). [ ]47ال َّ
[ ]48المتبرجات (.)118
[ ]49قضية تحرير المرأة لمحمد قطب (.)21
[ ]50قضية تحرير المرأة (.)19
[ ]51قضية تحرير المرأة لمحمد قطب (.)20-19
-------------------
رق -165ال ّ ِ
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
الرد على الشبهة:
الّرِق لغة :هو الشئ الرقيق ،نقيض الغليظ والثخين.
ملْك والعبودية ،أى نقيض العِتْق والحرية. حا :هو ال ِ
واصطل ً
والرقيق بمعنى العبد يطلق على المفرد والجمع ،وعلى الذكر
مة للنثى. َ
والنثى أما العبد ،فهو :الرقيق الذكر ،ويقابله :ال َ
ومن اللفاظ الدالة على الرقيق الذكر لفظى :الفتى أو الغلم..
وعلى النثى لفظى:
ملِكن فهو أخص من العبد ،إذ هو الذى ُ الفتاة ،والجارية .أما الق ّ
هو وأبواه.
ومالك الرقيق هو :السيد ،أو المولى.
960
والرق نظام قديم قدم المظالم والستعباد والطبقية والستغلل
فى تاريخ النسان ،وإليه أشار القرآن الكريم فى قصة يوسف
عليه السلم(:وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا
شرى هذا غلم وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون .وشروه بُ ْ
بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين.
وقال الذى اشتراه من مصر لمرأته أكرمى مثواه عسى أن
ينفعنا أو نتخذه ولدا ً ) ( )1وكان السترقاق من عقوبات السرقة
عند العبرانيين القدماء ،وعندما سئل إخوة يوسف عن جزاء
السارق لصواع الملك(قالوا جزاؤه من وُجد فى رحله فهو
جزاؤه.)2( )..
وفى الحضارات القديمة كان الرق عماد نظام النتاج
والستغلل ،وفى بعض تلك الحضارات كالفرعونية المصرية
والكسروية الفارسية كان النظام الطبقى المغلق يحول دون
تحرير الرقاء ،مهما توفرت لى منهم الرغبة أو المكانات ..وفى
بعض تلك الحضارات كالحضارة الرومانية كان السادة هم القلية
الرومانية ،وكانت الغلبية فى المبراطورية برابرة أرقاء ،أو فى
حكم الرقاء ..وللرقاء فى تلك الحضارات ثورات من أشهرها
ثورة " اسبارتاكوس " [ 7371ق م ].
وعندما ظهر السلم كانت للمظالم الجتماعية والتمييز العرقى
والطبقى منابع وروافد عديدة تغذى " نهر الرق " فى كل يوم
بالمزيد من الرقاء ..وذلك من مثل:
-1الحرب ،بصرف النظر عن حظها من الشرعية والمشروعية ،
فالسرى يتحولون إلى أرقاء ،والنساء يتحولن إلى سبايا وإماء..
-2والخطف ،يتحول به المخطوفون إلى رقيق..
-3وارتكاب الجرائم الخطيرة كالقتل والسرقة والزنا كان يحكم
على مرتكبيها بالسترقاق..
-4والعجز عن سداد الديون ،كان يحوِّل الفقراء المدينين إلى
أرقاء لدى الغنياء الدائنين..
-5وسلطان الوالد على أولده ،كان يبيح له أن يبيع هؤلء
الولد ،فينتقلون من الحرية إلى العبودية.
-6وسلطان النسان على نفسه ،كان يبيح له بيع حريته ،
فيتحول إلى رقيق..
-7وكذلك النسل المولود من كل هؤلء الرقاء يصبح رقيقا ،حتى
ولو كان أباه حرا..
ومع كثرة واتساع هذه الروافد التى تمد نهر الرقيق فى كل وقت
بالمزيد والمزيد من الرقاء ،كانت أبواب العتق والحرية إما
موصدة تماما ،أو ضيقة عسيرة على الولوج منها..
961
وأمام هذا الواقع ،اتخذ السلم ،إبان ظهوره ،طريق الصلح
الذى يتغيا تحرير الرقاء ،وإلغاء نظام العبودية ،وطى صفحته
من الوجود ،لكن فى " واقعية ثورية " إذا جازالتعبير ..فهو لم
يتجاهل الواقع ولم يقفز عليه ..وأيضا لم يعترف به على النحو
الذى يبقيه ويكرسه..
لقد بدأ السلم فأغلق وألغى وحّرم أغلب الروافد التى كانت تمد
نهر الرقيق بالمزيد من الرقاء ..فلم يبق منها إل أسرى الحرب
المشروعة والشرعية ،والنسل إذا كان أبواه من الرقاء ..وحتى
أسرى الحرب المشروعة فتح السلم أمامهم باب العتق والحرية
ن أو الفداء( :فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا الم ّ
أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منًّا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب
أوزارها )3( ) ..فعندما تضع الحرب أوزارها ،يتم تحرير السرى ،
إما بالمن عليهم بالحرية وإما بمبادلتهم بالسرى المسلمين لدى
العداء..
ومع إغلق الروافد روافد السترقاق ومصادره التفت السلم إلى
" كتلة " واقع الرقاء ،فسعى إلى تصفيتها بالتحرير ،وذلك
ب نهر الرقيق..ولقد سلك السلم إلى عندما عدد ووسع مصا ّ
ذلك المقصد سبيل منظومة القيم السلمية .وسبيل العدالة
الجتماعية السلمية .فحبب إلى المسلمين عتق الرقاء تطوعا،
إذ فى عتق كل عضو من أعضاء الرقيق عتق لعضو من أعضاء
سيده من النار ،فتحرير الرقيق سبيل لتحرير النسان من عذاب
النار يوم القيامة ..كما جعل السلم عتق الرقاء كفارة للكثير
من الذنوب والخطايا..
وجعل للدولة والنظام العام مدخل ً فى تحرير الرقاء عندما جعل
هذا التحرير مصرفا من المصارف الثمانية لفريضة الزكاة فهو
جزء من أحد أركان السلم (إنما الصدقات للفقراء والمساكين
والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى
سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم ) (.)4
كما جعل الحرية هى الصل الذى يولد عليه الناس ،والرق هو
الستثناء الطارئ الذى يحتاج إلى إثبات ،فمجهولوا الحكم هم
أحرار ،وعلى مدعى رقهم إقامة البينات ،وأولد المة من الب
الحر هم أحرار و" متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم
أحرارا ً ؟ ! "..
كذلك ،ذهب السلم فساوى بين العبد والحر فى كل الحقوق
الدينية ،وفى أغلب الحقوق المدنية ،وكان التمييز فقط ،فى
أغلب حالته بسبب التخفيف عن الرقاء مراعاة للستضعاف
والقيود التى يفرضها السترقاق على الرادة والتصرف..
962
فالمساواة تامة فى التكاليف الدينية ،وفى الحساب والجزاء..
وشهادة الرقيق معتبرة فى بعض المذاهب السلمية عند الحنابلة
وله حق الملكية فى ماله الخاص ،وإعانته على شراء حريته
بنظام المكاتبة والتدبير مرغوب فيها دينيا ً (والذين يبتغون الكتاب
مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ً وآتوهم من
مال الله الذى آتاكم ) ( .)6والدماء متكافئة فى القصاص..
وبعد أن كان الرق من أكبر مصادر الستغلل والثراء لملك العبيد
،حوّله السلم بمنظومة القيم التى كادت أن تسوى بين العبد
وسيده إلى ما يشبه العبء المالى على ملك الرقيق ..فمطلوب
من مالك الرقيق أن يطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس ول
يكلفه من العمل مال يطيق ..بل ومطلوب منه أيضا ً إلغاء كلمة "
العبد " و المة " واستبدالها بكلمة " الفتى " و " الفتاة ".
بل لقد مضى السلم فى هذا السبيل إلى ما هو أبعد من تحرير
الرقيق ،فلم يتركهم فى متاهة عالم الحرية الجديد دون عصبية
وشوكة وانتماء ،وإنما سعى إلى إدماجهم فى القبائل والعشائر
والعصبيات التى كانوا فيها أرقاء ،فأكسبهم عزتها وشرفها
ومكانتها ومنعتها وما لها من إمكانات ،وبذلك أنجز إنجازا ً عظيماً
وراء وفوق التحرير عندما أقام نسيجا ً اجتماعيا ً جديدا ً التحم فيه
الرقاء السابقون بالحرار ،فأصبح لهم نسب قبائلهم عن طريق
مة ة كل ُ ْ
ح َ م ٌ " الولء " ،الذى قال عنه الرسول ( [ :الولء ل ُ ْ
ح َ
النسب ] رواه الدارمى .حتى لقد غدا أرقاء المس " سادة " فى
أقوامهم ،بعد أن كانوا " عبيدا ً " فيهم..
وقال عمر بن الخطاب وهو من هو فى الحسب والنسب عن
بلل الحبشى ،الذى اشتراه أبو بكر الصديق وأعتقه " :سيدنا
أعتق سيدنا " ! ..كما تمنى عمر أن يكون سالم مولى أبى حذيفة
حيا ً فيختاره لمنصب الخلفة ..فالمولى ،الذى نشأ رقيقا ً ،قد
حرره السلم ،فكان إماما ً فى الصلة وأهل ً بخلفة المسلمين.
ولقد ساعد على هذا الندماج فى النسيج العربى فضل ً عن
السلمى ذلك المعيار الذى حدده السلم للعروبة وهو معيار
اللغة وحدها ،فباستبعاد " العرق ..والدم " غدت الرابطة اللغوية
والثقافية انتماءً واحدا ً للجميع ،بصرف النظر عن ماضى
السترقاق وعن هذا المعيار للعروبة تحدث الرسول(فى معرض
النقد والرفض للذين أرادوا إخراج الموالى ،ذوى الصول العرقية
غير العربية ،من إطار العروبة ،فقال:
[ أيها الناس ،إن الرب واحد ،والب واحد ..وليست العربية
بأحدكم من أب أو أم ،وإنما هى اللسان ،فمن تكلم العربية فهو
عربى..] ..
963
هكذا كان السلم إحياء وتحريرا ً للنسان ،مطلق النسان ،يضع
عن الناس إصرهم والغلل التى كانت عليهم ،ويحرر الرقاء ،
لن الرق فى نظره " موت " ،والحرية " حياة وإحياء " ..ولقد
أبصر هذه الحكمة السلمية المام النسفى [ 710هجرية 1310/م ]
وهو يعلل جعل السلم كفارة القتل الخطأ تحرير رقبة( :ومن
قتل مؤمنا ً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) ( ..)6فقال :إن القاتل " لما
أخرج نفسا ً مؤمنة من جملة الحياء لزمة أن يدخل نفسا ً مثلها
فى جملة الحرار ،لن اطلقها من قيد الرق كإحيائها ،من قِبَل
أن الرقيق ملحق بالموات ،إذ الرق أثر من آثار الكفر ،والكفر
موت حكماً ..)7( "..فالسلم قد ورث نظام الرق عن المجتمعات
الكافرة فهو من آثار الكفر ،ولنه موت لروح وملكات الرقاء ،
وسعى السلم إلى إلغائه ،وتحرير أى إحياء موات هؤلء
الرقاء ،كجزء من الحياء السلمى العام (يا أيها الذين آمنوا
استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) (.)8
ومع أن مقاصد السلم فى تصفية نهر الرقيق بإغلق روافده
وتجفيف منابعه ،وتوسيع مصباته لم تبلغ كامل آفاقها ،إذ انتكس
"الواقع التاريخى" للحضارة السلمية ،بعد عصر الفتوحات ،
وسيطرة العسكر المماليك على الدولة السلمية ..إل أن .حال
الرقاء فى الحضارة السلمية قد ظلت أخف قيودا ً وأكثر عدلً
بما ل يقارن من نظائرها خارج الحضارة السلمية ،بما فى ذلك
الحضارة الغربية ،التى تزعمت فى العصر الحديث الدعوة إلى
تحرير الرقاء..
فلقد اقترن عصر النهضة الوروبية بزحفها الستعمارى على
العالمين القديم والجديد ،وبعد أن استعبد المستعمرون السبان
والبرتغاليون والنجليز والفرنسيون سكان أمريكا الصليين ،
وأهلكوهم فى سخرة البحث عن الذهب وإنشاء المزارع ،
مارسوا أكبر أعمال القرصنة والخطف فى التاريخ ،تلك التى راح
ضحيتها أكثر من أربعين مليونا ً من زنوج إفريقيا ،سلسلوا
بالحديد ،وشحنوا فى سفن الحيوانات ،لتقوم على دمائهم
وعظامهم المزارع والمصانع والمناجم التى صنعت رفاهية الرجل
البيض فى أمريكا وأوروبا ..ول يزال أحفادهم يعانون من التفرقة
العنصرية فى الغرب حتى الن.
وعندما سعت أوروبا فى القرن التاسع عشر إلى إلغاء نظام
الرق ،وتحريم تجارته ،لم تكن دوافعها فى أغلبها روحية ول
قيمية ول إنسانية ،وإنما كانت فى الساس دوافع مادية ،لن
نظامها الرأسمالى قد رأى فى تحرير الرقيق سبيل ً لجعلهم عمالً
أكثر مهارة ،وأكثر قدره على النهوض باحتياجات العمل الفنى
964
فى الصناعات التى أقامها النظام الرأسمالى ..فلقد غدا الرق
بمعايير الجدوى القتصادية عبئا ً على فائض رأس المال الذى هو
معبود الحضارة الرأسمالية المادية وأصبحت حرية الطبقة العاملة
أعون على تنمية مبادراتها ومهاراتها فى عملية النتاج..
ولقد كان ذات القرن الذى دعت فيه أوروبا لتحرير الرقيق هو
القرن الذى استعمرت فيه العالم ،فاسترقّت بهذا الستعمار
المم والشعوب استرقاقا ً جديدا ً ،ل تزال النسانية تعانى منه
حتىالن..
( )1يوسف.1921 :
( )2يوسف.75 :
( )3محمد.4 :
( )4التوبة.60 :
( )5النور.33 :
( )6النساء.92 :
( [ )7تفسير النسفى ] طبعة القاهرة ،الولى.
( )8النفال24 :
--------------------
السلم والرق -محمد قطب
ربما كانت هذه الشبهة أخبث ما يلعب به الشيوعيون لزلزلة
عقائد الشباب! ..لو كان السلم صالحا ً لكل عصر – كما يقول
دعاته – لما أباح الرق ..وإن إباحته للرق ..وإن إباحته للرق لدليل
قاطع على أن السلم قد جاء لفترة محدودة ،وأنه أدى مهمته
وأصبح في ذمة التاريخ!
وإن الشباب المؤمن ذاته لتساوره بعض الشكوك! كيف أباح
السلم الرق؟ هذا الدين الذي ل شك في نزوله من عند الله ،ول
شك في صدقه ،وفي أنه جاء لخير البشرية كلها في جميع
أجيالها ..كيف أباح الرق؟ الدين الذي قام على المساواة الكاملة.
الذي رد الناس جميعا ً إلى أصل واحد ،وعاملهم على أساس هذه
المساواة في الصل المشترك ..كيف جعل الرق جزءا ً من نظامه
وشرع له؟ أَوَ يريد الله للناس أن ينقسموا أبدا ً إلى سادة وعبيد؟
أَوَ تلك مشيئته في الرض؟ أَوَ يرضى الله للمخلوق الذي أكرمه
إذ قال " :ولقد كرمنا بني آدم " أن يصير طائفة منه سلعة تباع
وتشترى كما كان الحال مع الرقيق؟ وإذا كان الله ل يرضى
بذلك ،فلماذا لم ينص كتابه الكريم صراحة على إلغاء الرق كما
نص على تحريم الخمر والميسر والربا وغيرها مما كرهه
السلم؟
965
وإن الشباب المؤمن ليعلم أن السلم دين الحق ،ولكنه
كإبراهيم " :قال :أولم تؤمن؟ قال بلى ،ولكن ليطمئن قلبي! ".
أما الشباب الذي أفسد الستعمار عقله وعقائده ،فإنه ل يتلبث
حتى يتبين حقيقة المر ،وإنما يميل به الهوى فيقرر دون مناقشة
أن السلم نظام عتيق قد استنفد أغراضه!
وأما الشيوعيون خاصة فأصحاب دعاوى " علمية " مزيفة،
يتلقونها من سادتهم هناك ،فينتفشون بها عجبا ،ويحسبون أنهم
وقعوا على الحقيقة البدية الخالدة التي ل مراء فيها ول جدال،
وهي المادية الجدلية ،التي تقسم الحياة البشرية إلى مراحل
اقتصادية معينة ل معدى عنها ول محيص .وهي الشيوعية الولى،
والرق ،والقطاع ،والرأسمالية ،والشيوعية الثانية (وهي نهاية
العالم!) وأن كل ما عرفته البشرية من عقائد ونظم وأفكار ،إنما
كانت انعكاسا ً للحالة القتصادية ،أو للطور القتصادي القائم
حينئذ ،وأنها صالحة له ،متلئمة مع ظروفه ،ولكنها ل تصلح
للمرحلة التالية التي تقوم على أساس اقتصادي جديد .وأنه – من
ثم – ل يوجد نظام واحد يمكن أن يصلح لكل الجيال .وإذا كان
السلم قد جاء والعالم نهاية فترة الرق ومبادئ فترة القطاع،
فقد جاءت تشريعاته وعقائده ونظمه ملئمة لهذا القدر من
التطور ،فاعترفت بالرق ،وأباحت القطاع []! 11ولم يكن في
طوق السلم أن يسبق التطور القتصادي ،أو يبشر بنظام جديد
لم تتهيأ بعد إمكانياته القتصادية! لن كارل ماركس قال إن هذا
مستحيل!
ونريد هنا أن نضع المسألة في حقيقتها التاريخية والجتماعية
والنفسية ،بعيدا ً عن الغبار الذي يثيره هؤلء وأولئك ،فإذا حصلنا
على حقيقة موضوعية فل علينا حينئذ من دعاوي المنحرفين ،و "
العلماء " المزيفين !
نحن ننظر اليوم إلى الرق في ظروف القرن العشرين ،وننظر
إله في ضوء الشناعات التي ارتكبت في عالم النخاسة،
والمعاملة الوحشية البشعة التي سجلها التاريخ في العالم
الروماني خاصة ،فنستفظع الرق ،ول تطيق مشاعرنا أن يكون
هذا اللون من المعاملة أمرا ً مشروعا ً يقره دين أو نظام .ثم
تغلب علينا انفعالت الستبشاع والستنكار فنعجب كيف أباح
السلم الرق ،وكل توجيهاته وتشريعاته كانت ترمي إلى تحرير
البشر من العبودية في جميع ألوانها وأشكالها ،ونتمنى في حرارة
النفعال أن لو كان السلم قد أراح قلوبنا وعقولنا فنص على
تحريمه بالقول الصريح.
966
وهنا وقفة عند حقائق التاريخ .ففظائع الرق الروماني في العالم
القديم لم يعرفها قط تاريخ السلم ،ومراجعة بسيطة للحالة
التي كان يعيش عليها الرقاء في المبراطورية الرومانية ،كفيلة
بأن ترينا النقلة الهائلة التي نقلها السلم للرقيق ،حتى لو لم
يكن عمل على تحريره – وهذا غير صحيح!
كان الرقيق في عرف الرومان " شيئا " ل بشرا .شيئا ل حقوق
له البتة ،وإن كان عليه كل ثقيل من الواجبات .ولنعلم أول من
أين كان يأتي هذا الرقيق .كان يأتي من طريق الغزو .ولم يكن
هذا الغزو لفكرة ول لمبدأ.
وإنما كان سببه الوحيد شهوة استعباد الخرين وتسخيرهم
لمصلحة الرومان.
فلكي يعيش الروماني عيشة البذخ والترف ،يستمتع بالحمامات
الباردة والساخنة ،والثياب الفاخرة ،وأطايب الطعام من كل لون،
ويغرف في المتاع الفاجر من خمر ونساء ورقص وحفلت
ومهرجانات ،كان ل بد لكل هذا من استعباد الشعوب الخرى
وامتصاص دمائها .ومصر مثل لذلك حين كانت في قبضة
الرومان ،قبل أن يخلصها من نيرهم السلم .إذ كانت حقل قمح
للمبراطورية ،وموردا للموال.
في سبيل هذه الشهوة الفاجرة كان الستعمار الروماني ،وكان
الرق الذي نشأ من ذلك الستعمار .أما الرقيق فقد كانوا – كما
ذكرنا – أشياء ليس لها كيان البشر ول حقوق البشر .كانوا
يعملون في الحقول وهم مصفدون في الغلل الثقيلة التي تكفي
لمنعهم من الفرار .ولم يكونوا يُطْعَمون إل إبقاء على وجودهم
ليعملوا ،ل لن من حقهم – حتى كالبهائم والشجار – أن يأخذوا
حاجتهم من الغذاء .وكانوا – في أثناء العمل – يساقون بالسوط،
لغير شيء إل اللذة الفاجرة التي يحسها السيد أو وكيله في
تعذيب هذه المخلوقات .ثم كانوا ينامون في " زنزانات " مظلمة
كريهة الرائحة تعيث فيها الحشرات والفئران ،فيلقون فيها
عشرات عشرات قد يبلغون خمسين في الزانزانة الواحدة –
بأصفادهم – فل يتاح لهم حتى الفراغ الذي يتاح بين بقرة وبقرة
في حظيرة الحيوانات.
ولكن الشناعة الكبرى كانت شيئا ً أفظع من كل ذلك ،وأدل على
الطبيعة الوحشية التي ينطوي عليها ذلك الروماني القديم ،والتي
ورثها عنه الوربي الحديث في وسائل الستعمار والستغلل.
تلك كانت حلقات المبارزة بالسيف والرمح ،وكانت من أحب
المهرجانات إليهم ،فيجتمع إليها السادة وعلى رأسهم المبراطور
أحياناً ،ليشاهدوا الرقيق يتبارزون مبارزة حقيقية ،توجه فيها
967
طعنات السيوف والرماح إلى أي مكان في الجسم بل تحرز ول
احتياط من القتل .بل كان المرح يصل إلى أقصاه ،وترتفع
الحناجر بالهتاف والكف بالتصفيق ،وتنطلق الضحكات السعيدة
العميقة الخالصة حين يقضي أحد المتبارزين على زميله قضاء
كاملً ،فيلقيه طريحا ً على الرض فاقد الحياة!
ذلك كان الرقيق في العالم الروماني .ول نحتاج أن نقول شيئاً
عن الوضع القانوني للرقيق عندئذ ،وعن حق السيد المطلق في
قتله وتعذيبه واستغلله دون أن يكون له حق الشكوى ،ودون أن
تكون هناك جهة تنظر في هذه الشكوى أو تعترف بها ،فذلك لغو
بعد كل الذي سردناه.
ولم تكن معاملة الرقيق في فارس والهند وغيرها ،تختلف كثيراً
عما ذكرنا من حيث إهدار إنسانية الرقيق إهدارا ً كامل ،وتحميله
بأثقل الواجبات دون إعطائه حقا ً مقابلها ،وإن كانت تختلف فيما
بينها قليلً أو كثيرا ً في مدى قسوتها وبشاعتها.
ثم جاء السلم…
جاء ليرد لهؤلء البشر إنسانيتهم.جاء ليقول للسادة عن الرقيق:
" بعضكم من بعض " [ ]12جاء ليقول " :من قتل عبده قتلناه،
ومن جدع عبده جدعناه ،ومن أخصى عبده أخصيناه " [ ]13جاء
ليقرر وحدة الصل والمنشأ والمصير " :أنتم بنو آدم وآدم من
تراب] ، " [14وأنه ل فضل لسيد على عبد لمجرد أن هذا سيد وهذا
عبد .وإنما الفضل للتقوى " :أل ل فضل لعربي على أعجمي ،ول
لعجمي على عربي ،ول لسود على أحمر ،ول أحمر على أسود
إل بالتقوى " [.]15
جاء ليأمر السادة أمرا ً أن يحسنوا معاملتهم للرقيق" :
وبالوالدين إحساناً ،وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي
القربى ،والجار الجنب ،والصاحب بالجنب ،وابن السبيل ،وما
ملكت أيمانكم إن الله ل يحب من كان مختال ً فخورا ً " []16
وليقرر أن العلقة بين السادة والرقيق ليست علقة الستعلء
والستعباد ،أو التسخير أو التحقير ،وإنما هي علقة القربى
والخوة .فالسادة " أهل " الجارية يُستأذنون في زواجها " :فمن
ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم.
بعضكم من بعض ،فانكحوهن بإذن أهلهن ،وآتوهن أجورهن
بالمعروف " [ ،]17وهم إخوة للسادة " :إخوانكم خولكم ..فمن
كان " أخوه " تحت يده فليطعمه مما يطعم ،وليلبسه مما يلبس،
ول تكلفوهم ما يغلبهم ،فإن كلفتموهم فأعينوهم ] " [18وزيادة في
رعاية مشاعر الرقيق يقول الرسول الكريم صلى الله عليه
وسلم " :ليقل أحدكم :هذا عبدي وهذه أمتي ،وليقل :فتاي وفتاتي
968
" [ ]19ويستند على ذلك أبو هريرة فيقول لرجل ركب وخلفه
عبده يجري " :احمله خلفك ،فإنه أخوك ،وروحه مثل روحك ".
ولم يكن ذلك كل شئ .ولكن ينبغي قبل أن ننتقل إلى الخطوة
التالية أن نسجل القفزة الهائلة التي قفزها السلم بالرقيق في
هذه المرحلة.
لم يعد الرقيق " شيئا ً " .وإنما صار بشرا ً له روح كروح السادة.
وقد كانت المم الخرى كلها تعتبرالرقيق جنسا ً آخر غير جنس
السادة ،خلق ليستعبد ويستذل ،ومن هنا لم تكن ضمائرهم تتأثم
من قتله وتعذيبه وكيه بالنار وتسخيره في العمال القذرة
والعمال الشاقة [] 20ومن هنالك رفعه السلم إلى مستوى
الخوة الكريمة ،ل في عالم المثل والحلم ،بل في عالم الواقع.
ويشهد التاريخ -الذي لم ينكره أحد ،حتى المتعصبون من كتاب
أوربا -بأن معاملة الرقيق في صدر السلم بلغت حدا ً من
النسانية الرفيعة لم تبلغه في أي مكان آخر .حدا ً جعل الرقيق
المحررين يأبون مغادرة سادتهم السابقين -مع أنهم يملكون ذلك
بعد أن تحرروا اقتصاديا ً وتعودوا على تحمل تبعات أنفسهم -
لنهم يعتبرونهم أهل ً لهم ،يربطهم بهم ما يشبه روابط الدم!
وأصبح الرقيق كائنا ً إنسانيا ً له كرامة يحميها القانون ،ول يجوز
العتداء عليها بالقول ول بالفعل .فأما القول فقد نهى صلى الله
عليه وسلم السادة عن تذكير أرقائهم بأنهم أرقاء .وأمرهم أن
يخاطبوهم بما يشعرهم بمودة الهل وينفي عنهم صفة العبودية،
وقال لهم في معرض هذا التوجيه " :إن الله ملككم إياهم ولو
شاء لملكهم إياكم " [ ]21فهي إذن مجرد ملبسات عارضة جعلت
هؤلء رقيقاً ،وكان من الممكن أن يكونوا سادة لمن هم اليوم
سادة! وبذلك يغض من كبرياء هؤلء ،ويردهم إلى الصرة
البشرية التي تربطهم جميعاً ،والمودة التي ينبغي أن تسود
علقات بعضهم ببعض .وأما العتداء الجسدي فعقوبته الصريحة
هي المعاملة بالمثل " :ومن قتل عبده قتلناه " ..وهو مبدأ صريح
الدللة على المساواة النسانية بين الرقيق والسادة ،وصريح في
بيان الضمانات التي يحيط بها حياة هذه الطائفة من البشر -
التي ل يخرجها وضعها العارض عن صفتها البشرية الصيلة -
وهي ضمانات كاملة ووافية ،تبلغ حدا ً عجيبا ً لم يصل إليه قط
تشريع آخرمن تشريعات الرقيق في التاريخ كله ،ل قبل السلم
ول بعده ،إذ جعل مجرد لطم العبد في غير تأديب (وللتأديب
حدود مرسومة ل يتعداها ول يتجاوز على أي حال ما يؤدب به
السيد أبناءه) مبررا ً شرعياً لتحرير الرقيق.
***
969
ثم ننتقل إلى المرحلة التالية ،مرحلة التحرير الواقعي.
لقد كانت الخطوة السابقة في الواقع تحريرا ً روحيا ً للرقيق،
برده إلى النسانية ومعاملته على أنه بشر كريم ل يفترق عن
السادة من حيث الصل ،وإنما هي ظروف عارضة حدت من
الحرية الخارجية للرقيق في التعامل المباشر مع المجتمع ،وفيما
عدا هذه النقطة كانت للرقيق كل حقوق الدميين.
ولكن السلم لم يكتف بهذا ،لن قاعدته الساسية العظمى هي
المساواة الكاملة بين البشر ،وهي التحرير الكامل لكل البشر.
ولذلك عمل فعل ً على تحرير الرقاء ،بوسيلتين كبيرتين :هما
العتق والمكاتبة.
فأما العتق فهو التطوع من جانب السادة بتحرير من في يدهم
من الرقاء ،وقد شجع السلم على ذلك تشجيعاً كبيراً ،وكان
الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم القدوة الولى في ذلك إذ
أعتق من عنده من الرقاء ،وتله في هذا أصحابه ،وكان أبو بكر
ينفق أموال ً طائلة في شراء العبيد من سادة قريش الكفار،
ليعتقهم ويمنحهم الحرية ؛ وكان بيت المال يشتري العبيد من
أصحابهم ويحررهم كلما بقيت لديه فضلة من مال .قال يحيى بن
سعيد " :بعثني عمر بن عبد العزيز على صدقات إفريقية،
فجمعتها ثم طلبت فقراء نعطيها لهم فلم نجد فقيراً ولم نجد من
يأخذها منا ،فقد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس ،فاشتريت بها
عبيداً فأعتقتهم".
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتق من الرقاء من يعلم
عشرة من المسلمين القراءة والكتابة ،أويؤدي خدمة مماثلة
للمسلمين .ونص القرآن الكريم على أن كفارة بعض الذنوب هي
عتق الرقاب .كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على
العتق تكفيرا ً عن أي ذنب يأتيه النسان ،وذلك للعمل على تحرير
أكبر عدد ممكن منهم ،فالذنوب ل تنقطع ،وكل ابن آدم خطاء
كما يقول الرسول .ويحسن هنا أن نشير إشارة خاصة إلى إحدى
هذه الكفارات لدللتها الخاصة في نظرة السلم إلى الرق ،فقد
جعل كفارة القتل الخطأ دية مسلمة إلى أهل القتيل وتحرير
َ
رقبة " :ومن قتل مؤمنا ً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسل ّمة
إلى أهله " [ ]22والقتيل الذي قتل خطأ هو روح إنسانية قد فقدها
أهلها كما فقدها المجتمع دون وجه حق ،لذلك يقرر السلم
التعويض عنها من جانبين :التعويض لهلها بالدية المسلمة لهم،
والتعويض للمجتمع بتحرير رقبة مؤمنة !فكأن تحرير الرقيق هو
إحياء لنفس إنسانية تعوض النفس التي ذهبت بالقتل الخطأ.
والرق على ذلك هو موت أو شبيه بالموت في نظر السلم ،على
970
الرغم من كل الضمانات التي أحاط بها الرقيق ،ولذلك فهو ينتهز
كل فرصة " لحياء " الرقاء بتحريرهم من الرق!] [23
ويذكر التاريخ أن عددا ً ضخما ً من الرقاء قد حرر بطريق العتق،
وأن هذا العدد الضخم ل مثيل له في تاريخ المم الخرى ،ل قبل
السلم ،ول بعده بقرون عدة حتى مطلع العصر الحديث .كما أن
عوامل عتقهم كانت إنسانية بحتة ،تنبع من ضمائر الناس ابتغاء
مرضاة الله ،ولشيء غير مرضاة الله.
أما المكاتبة ،فهي منح الحرية للرقيق متى طلبها بنفسه ،مقابل
مبلغ من المال يتفق عليه السيد والرقيق .والعتق هنا إجباري ل
يملك السيد رفضه ول تأجيله بعد أداء المبلغ المتفق عليه .وإل
تدخلت الدولة (القاضي أو الحاكم) لتنفيذ العتق بالقوة ،ومنح
الحرية لطالبها.
وبتقرير المكاتبة ،فتح في الواقع باب التحرير في السلم ،لمن
أحس في داخل نفسه برغبة التحرر ،ولم ينتظر أن يتطوع سيده
بتحريره في فرصة قد تسنح أو ل تسنح على مر اليام.
ومنذ اللحظة الولى التي يطلب فيها المكاتبة -والسيد ل يملك
رفض المكاتبة متى طلبها الرقيق ،ولم يكن في تحريره خطر
على أمن الدولة السلمية -يصبح عمله عند سيده بأجر ،أو يتاح
له -إذا رغب -أن يعمل في الخارج بأجر ،حتى يجمع المبلغ
المتفق عليه.
971
عتقه تطوعاً ،بغير ضغط من التطورات القتصادية أو السياسية
التي اضطرت الغرب اضطرارا ً لتحرير الرقيق كما سيجيء.
وبهذا وذاك تسقط حذلقة الشيوعيون ودعاواهم " العلمية "
الزائفة ،التي تزعم أن السلم حلقة من حلقات التطور
القتصادي جاءت في موعدها الطبيعي حسب سنة المادية
الجدلية – فها هي ذي قد سبقت موعدها بسبعة قرون – والتي
تزعم أن كل نظام -بما في ذلك السلم -إن هو إل انعكاس
للتطور القتصادي القائم وقت ظهوره ،وأن كل عقائده وأفكاره
تلئم هذا التطور وتستجيب له ،ولكنها ل تسبقه ،ول تستطيع أن
تسبقه ،كما قرر العقل الذي ل يخطىء ول يأتيه الباطل من فوقه
ول من تحته ،عقل كارل مارس تقدست ذكراه! فها هو ذا
السلم لم يعمل بوحي النظم القتصادية القائمة حينئذ في
جزيرة العرب وفي العالم كله ،ل في شأن الرقيق ،ول في توزيع
الثروة ،ول في علقة الحاكم بالمحكوم ،أو المالك بالجير [،]25
وإنما كان ينشئ نظمه الجتماعية والقتصادية تطوعا ً وإنشاء
على نحو غير مسبوق ،ول يزال في كثير من أبوابه متفردا ً في
التاريخ.
وهنا يخطر السؤال الحائر على الفكار والضمائر :إذا كان
السلم قد خطا هذه الخطوات كلها نحو تحرير الرقيق ،وسبق
بها العالم كله متطوعا ً غير مضطر ول مضغوط عليه ،فلماذا لم
يخط الخطوة الحاسمة الباقية ،فيعلن في صراحة كاملة إلغاء
الرق من حيث المبدأ؟
وللجابة على هذا السؤال ينبغي أن ندرك حقائق اجتماعية
ونفسية وسياسية أحاطت بموضوع الرق ،وجعلت السلم يضع
المبادئ الكفيلة بتحرير الرقيق ،ويدعها تعمل عملها على المدى
الطويل .
يجب أن نذكر أول ً أن الحرية ل تمنح وإنما تؤخذ .وتحرير الرقيق
بإصدار مرسوم كما يتخيل البعض لم يكن ليحرر الرقيق !
والتجربة المريكية في تحرير الرقيق بجرة قلم على يد أبراهام
لنكولن خير شاهد لما نقول ،فالعبيد الذين حررهم لنكولن -من
الخارج -بالتشريع ،لم يطيقوا الحرية ،وعادوا إلى سادتهم
يرجونهم أن يقبلوهم عبيدا ً لديهم كما كانوا ،لنهم -من الداخل -
لم يكونوا قد تحرروا بعد .
والمسألة على غرابتها ليست غريبة حين ينظر إليها على ضوء
الحقائق النفسية .فالحياة عادة .والملبسات التي يعيش فيها
النسان هي التي تكيف مشاعره وتصوغ أحاسيسه وأجهزته
النفسية [ ]26والكيان النفسي للعبد يختلف عن الكيان النفسي
972
للحر ،ل لنه جنس آخر كما ظن القدماء ،ولكن لن حياته في
ظل العبودية الدائمة جعلت أجهزته النفسية تتكيف بهذه
الملبسات ،فتنمو أجهزة الطاعة إلى أقصى حد ،وتضمر أجهزة
المسؤولية واحتمال التبعات إلى أقصى حد..
فالعبد يحسن القيام بكثير من المور حين يأمره بها سيده ،فل
يكون عليه إل الطاعة والتنفيذ .ولكنه ل يحسن شيئا ً تقع
مسؤوليته على نفسه ،ولو كان أبسط الشياء ،ل لن جسمه
يعجز عن القيام بها ،ول لن فكره – في جميع الحوال -يعجز
عن فهمها ؛ ولكن لن نفسه ل تطيق احتمال تبعاتها ،فيتخيل فيها
أخطارا ً موهومة ،ومشكلت ل حل لها ،فيفر منها إبقاء على
نفسه من الخطار!
ولعل الذين يمعنون النظر في الحياة المصرية -والشرقية -في
العهود الخيرة يدركون أثر هذه العبودية الخفية التي وضعها
الستعمار الخبيث في نفوس الشرقيين ليستعبدهم للغرب.
يدركونها في المشروعات المعطلة التي ل يعطلها -في كثير من
الحيان -إل الجبن عن مواجهة نتائجها! والمشروعات المدروسة
التي ل تنفذها الحكومات حتى تستقدم خبيرا ً انجليزياً أو أمريكيا ً [
..]27الخ .ليحتمل عنها مسؤولية المشروع ويصدر الذن بالتنفيذ!
والشلل المروع الذي يخيم على الموظفين في الدواوين ويقيد
إنتاجهم بالروتين المتحجر ،لن أحدا ً من الموظفين ل يستطيع أن
يصنع إل ما يأمره به " السيد " الموظف الكبير ،وهذا بدوره ل
يملك إل إطاعة " السيد " الوزير ،ل لن هؤلء جميعا ً يعجزون عن
العمل ،ولكن لن جهاز التبعات عندهم معطل وجهاز الطاعة
عندهم متضخم ،فهم أشبه شيء بالعبيد ،وإن كانوا رسميا ً من
الحرار!
هذا التكيف النفسي للعبد هو الذي يستعبده .وهو ناشىء في
أصله من الملبسات الخارجية بطبيعة الحال ،ولكنه يستقل عنها،
ويصبح شيئا ً قائما ً بذاته كفرع الشجرة الذي يتدلى إلى الرض،
ثم يمد جذورا ً خاصة به ويستقل عن الصل .وهذا التكيف
النفسي ل يذهب به إعلن تصدره الدولة بإلغاء الرق .بل ينبغي
أن يغير من الداخل ،بوضع ملبسات جديدة تكيف المشاعر على
نحو آخر ،وتنمي الجهزة الضامرة في نفس العبد ،وتصنع كياناً
بشريا ً سويا ً من كيانه المشوه الممسوخ .
وذلك ما صنعه السلم.
فقد بدأ أول بالمعاملة الحسنة للرقيق .ول شيء كحسن
المعاملة يعيد توازن النفس المنحرفة ،ويرد إليها اعتبارها،
973
فتشعر بكيانها النساني ،وكرامتها الذاتية ،وحين ذلك تحس طعم
الحرية فتتذوقه ،ول تنفر منه كما نفر عبيد أمريكا المحررون.
وقد وصل السلم في حسن المعاملة ورد العتبار النساني
للرقيق إلى درجة عجيبة ضربنا أمثلة منها من قبل في آيات
القرآن وأحاديث الرسول ،ونسرد هنا أمثلة أخرى في التطبيق
الواقعي.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يؤاخي بين بعض الموالي
وبعض الحرار من سادة العرب .فآخى بين بلل بن رباح وخالد
بن رويحة الخثعمي ،وبين موله زيد وعمه حمزة ،وبين خارجة بن
زيد وأبي بكر ،وكانت هذه المؤاخاة صلة حقيقية تعدل رابطة
الدم وتصل إلى حد الشتراك في الميراث!
ولم يكتف بهذا الحد …
فقد زوج بنت عمته زينب بنت جحش من موله زيد .والزواج
مسألة حساسة جدا ً وخاصة من جانب المرأة ،فهي تقبل أن
تتزوج من يفضلها مقاما ً ولكنها تأبى أن يكون زوجها دونها في
الحسب والنسب والثروة ،وتحس أن هذا يحط من شأنها ويغض
من كبريائها .ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يهدف إلى
معنى أسمى من كل ذلك وهو رفع الرقيق من الوهدة التي
دفعته إليها البشرية الظالمة إلى مستوى أعظم سادة العرب من
قريش.
ولم يكتف كذلك بهذا الحد.
فقد أرسل موله زيدا ً على رأس جيش فيه النصار والمهاجرون
من سادات العرب ،فلما قتل ولى ابنه أسامة بن زيد قيادة
الجيش ،وفيه أبو بكر وعمر وزيرا الرسول وخليفتاه من بعده،
فلم يعط المولى بذلك مجرد المساواة النسانية ،بل أعطاه حق
القيادة والرئاسة على " الحرار " .ووصل في ذلك إلى أن يقول:
" اسمعوا وأطيعوا ولو استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه
زبيبة ،ما أقام فيكم كتاب الله تبارك وتعالى [ ."]28فأعطى
الموالي بذلك الحق في أرفع مناصب الدولة ،وهو ولية أمر
المسلمين .وقد قال عمر وهو يستخلف " :لو كان سالم مولى
أبي حذيفة حيا ً لوليته " فيسير على نفس المبدأ الذي سنه
الرسول صلى الله عليه وسلم .ويضرب عمر مثل ً آخر من المثلة
الرائعة على احترام الموالي ؛ إذ يعارضه بلل بن رباح في مسألة
الفيء فيشتد في معارضته ،فل يجد سبيل ً في رده إل أن يقول" :
اللهم اكفني بلل ً وأصحابه "! ذلك وهو الخليفة الذي كان يملك -
لو أراد -أن يأمر فيطاع!
974
هذه النماذج التي وضعها السلم كان المقصود بها تحرير الرقيق
من الداخل -كما قلنا في مبدأ هذا الفصل -لكي يحس بكيانه
فيطلب الحرية ،وهذا هو الضمان الحقيقي للتحرير.
وصحيح أنه شجع على العتق وحث عليه بكل الوسائل ،ولكن
هذا نفسه كان جزءا ً من التربية النفسية للرقيق ،لكي يشعروا أن
في إمكانهم أن يحصلوا على الحرية ويتمتعوا بكل ما يتمتع به
السادة من حقوق ،فتزداد رغبتهم في الحرية ويتقبلوا احتمال
التبعات في سبيلها ،وهنا يسارع في منحها لهم ،لنهم حينئذ
مستحقون لها ،قادرون على صيانتها.
وفرق كبير بين النظام الذي يشجع الناس على طلب الحرية
ويهيء لها الوسائل ،ثم يعطيها لهم في اللحظة التي يطلبونها
بأنفسهم ،وبين النظم التي تدع المور تتعقد وتتحرج ،حتى تقوم
الثورات القتصادية والجتماعية وتزهق الرواح بالمئات واللوف،
ثم ل تعطي الحرية لطلبها إل مجبرة كارهة.
وقد كان من فضائل السلم الكبرى في مسألة الرقيق ،أنه قد
حرص على التحرير الحقيقي له من الداخل والخارج ،فلم يكتف
بالنية الطيبة كما فعل لنكولن بإصدار تشريع ل رصيد له في
داخل النفوس ؛ مما يثبت عمق إدراك السلم للطبيعة البشرية،
وفطنته إلى خير الوسائل لمعالجتها .وهذا إلى جانب تطوعه
بإعطاء الحقوق لصحابها ،مع تربيتهم على التمسك بها واحتمال
تبعاتها -على أساس الحب والمودة بين جميع طوائف المجتمع -
قبل أن يتصارعوا من أجل هذه الحقوق ،كما حدث في أوربا،
ذلك الصراع البغيض الذي يجفف المشاعر ويورث الحقاد.
فيفسد كل ما يمكن أن تصيبه البشرية من الخير في أثناء
الطريق.
والن نتحدث عن العامل الكبر الذي جعل السلم يضع الساس
لتحرير الرقيق ثم يدعه يعمل عمله من خلل الجيال.
لقد جفف السلم منابع الرق القديمة كلها ،فيما عدا منبعا ً واحداً
لم يكن يمكن أن يجففه ،وهو رق الحرب .ولنأخذ في شيء من
التفصيل.
كان العرف السائد يومئذ هو استرقاق أسرى الحرب أو قتلهم [
]29وكان هذا العرف قديما ً جداً ،موغل ً في ظلمات التاريخ ،يكاد
يرجع إلى النسان الول ،ولكنه ظل ملزما ً للنسانية في شتى
أطوارها.
وجاء السلم والناس على هذا الحال .ووقعت بينه وبين أعداءه
الحروب ،فكان السرى المسلمون يسترقون عند أعداء السلم،
فتسلب حرياتهم ،ويعامل الرجال منهم بالعسف والظلم الذي
975
كان يجري يومئذ على الرقيق ،وتنتهك أعراض النساء لكل
طالب ،يشترك في المرأة الواحدة الرجل وأولده وأصدقاؤه من
يبغي الستمتاع منهم ،بل ضابط ول نظام ،ول احترام لنسانية
أولئك النساء أبكارا ً كن أم غير أبكار .أما الطفال – إن وقعوا
أسرى – فكانوا ينشأون في ذل العبودية البغيض .
عندئذ لم يكن جديرا ً بالمسلمين أن يطلقوا سراح من يقع في
أيديهم من أسرى العداء .فليس من حسن السياسة أن تشجع
عدوك عليك بإطلق أسراه ،بينما أهلك وعشيرتك وأتباع دينك
يسامون الخسف والعذاب عند هؤلء العداء .والمعاملة بالمثل
هنا هي أعدل قانون تستطيع استخدامه ،أو هي القانون الوحيد.
ومع ذلك فينبغي أن نلحظ فروقا ً عميقة بين السلم وغيره من
النظم في شأن الحرب وأسرى الحرب .
كانت الحروب – وما تزال – في غير العالم السلمي ل يقصد بها
إل الغزو والفتك والستعباد .كانت تقوم على رغبة أمة في قهر
غيرها من المم ،وتوسيع رقعتها على حسابها ،أو لستغلل
مواردها وحرمان أهلها منها ؛ أو لشهوة شخصية تقوم في نفس
ملك أو قائد حربي ،ليرضي غروره الشخصي وينتفش كبراً
وخيلء ،أو لشهوة النتقام ..أو ما إلى ذلك من الهداف الرضية
الهابطة .وكان السرى الذين يسترقون ،ل يسترقون لخلف في
عقيدة ،ول لنهم في مستواهم الخلقي أو النفسي أو الفكري
أقل من آسريهم ،ولكن فقط لنهم غلبوا في الحرب.
وكذلك لم تكن لهذه الحرب تقاليد تمنع من هتك العراض أو
تخريب المدن المسالمة ،أو قتل النساء والطفال والشيوخ،
وذلك منطقي مع قيامها لغير عقيدة ول مبدأ ول هدف رفيع.
فلما جاء السلم أبطل ذلك كله ،وحرم الحروب كلها .إل أن
تكون جهادا ً في سبيل الله ..جهادا ً لدفع اعتداء عن المسلمين ،أو
لتحطيم القوى الباغية التي تفتن الناس عن دينهم بالقهر والعنف.
أو لزالة القوى الضالة التي تقف في سبيل الدعوة وإبلغها
للناس ليروا الحق ويسمعوه.
( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ،ول تعتدوا إن الله ل
يحب المعتدين) [( ]30وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين
كله لله) [.]31
فهي دعوة سلمية ل تكره أحداً( :ل إكراه في الدين قد تبين
الرشد من الغي) [ ]32وبقاء اليهود والمسيحيين في العالم
السلمي على دينهم حتى اللحظة برهان قاطع ل يقبل الجدل ول
المماحكة ،يثبت أن السلم لم يكره غيره على اعتناقه بقوة
السيف [.]33
976
فاذا قبل الناس السلم ،واهتدوا إلى دين الحق ،فل حرب ول
خصومة ول خضوع من أمة لمة ،ول تمييز بين مسلم ومسلم
على وجه الرض ،ول فضل لعربي على عجمي إل بالتقوى.
فمن أبى السلم وأراد أن يحتفظ بعقيدته في ظل النظام
السلمي – مع إيمان السلم بأنه خير من هذه العقيدة وأقوم
سبيل ً – فله ذلك دون إكراه ول ضغط ،على أن يدفع الجزية
مقابل حماية السلم له ،بحيث تسقط الجزية أو ترد إن عجز
المسلمون عن حمايته [ ]34فإن أبوا السلم والجزية فهم إذن
معاندون متبجحون ،ل يريدون للدعوة السلمية أن تأخذ طريقها،
وإنما يريدون أن يقفوا بالقوة المادية في طريق النور الجديد
يحجبونه عن عيون قوم ربما اهتدوا لو خلي بينهم وبين النور.
عند ذلك فقط يقوم القتال ،ولكنه ل يقوم بغير إنذار أو إعلن،
لعطاء فرصة أخيرة لحقن الدماء ونشر السلم في ربوع الرض:
(وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله) [.]35
تلك هي الحرب السلمية ،ل تقوم على شهوة الفتح ول رغبة
الستغلل ،ول دخل فيها لغرور قائد حربي أو ملك مستبد ،فهي
حرب في سبيل الله وفي سبيل هداية البشرية ،حين تخفق
الوسائل السلمية كلها في هداية الناس.
ولها مع ذلك تقاليد ؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في
وصيته" :اغزوا باسم الله في سبيل الله .قاتلوا من كفر بالله.
اغزوا ول تغدروا ول تمثلوا ول تقتلوا وليدا" [.]36
فل قتل لغير المحارب الذي يقف بالسلح يقاتل المسلمين ،ول
تخريب ول تدمير ول هتك للعراض ،ول إطلق لشهوة الشر
والفساد( :إن الله ل يحب المفسدين)
وقد راعى المسلمون تقاليدهم النبيلة هذه في كل حروبهم،
حتى في الحروب الصليبية الغادرة ،حين انتصروا على عدوهم
الذي كان في جولة سابقة قد انتهك الحرمات واعتدى على
المسجد القصى فهاجم المحتمين فيه بحمى الله – رب الجميع –
وأسال دماءهم فيه أنهاراً ،فلم ينتقموا لنفسهم حين جاءهم
النصر ،وهم يملكون الذن من الدين ذاته بالمعاملة بالمثل( :فمن
اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) [ .]37ولكنهم
ضربوا المثل العلى الذي يعجز عنه غير المسلمين في كل
الرض حتى العصر الحديث.
ذلك فارق أساسي في أهداف الحرب وتقاليدها بين المسلمين
وغير المسلمين .وقد كان السلم يملك لو أراد – والحق يسنده
في ذلك – أن يعتبر من يقع في يديه من السرى – ممن يعاندون
الهدى ويصرون على وثنيتهم الهابطة وشركهم المخرف – قوماً
977
ناقصي الدمية ،ويسترقهم بهذا المعنى وحده .فما يصر بشر على
هذه الخرافة – بعد إذ يرى النور – إل أن يكون في نفسه هبوط
أو في عقله انحراف ،فهو ناقص في كيانه البشري ،غير جدير
بكرامة الدميين ،وحرية الحرار من بني النسان.
ومع ذلك فإن السلم لم يسترق السرى لمجرد اعتبار أنهم
ناقصون في آدميتهم ،وإنما لنهم – وهذه حالهم – قد جاءوا
يعتدون على حمى السلم ،أو وقفوا بالقوة المسلحة يحولون
بين الهدى الرباني وبين قلوب الناس .
وحتى مع ذلك فلم يكن تقليد السلم الدائم هو استرقاق
السرى .فقد أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم بعض أسرى
بدر من المشركين منًّا بغير فداء ،وأطلق بعضهم لقاء فدية ،وأخذ
من نصارى نجران جزية ورد إليهم أسراهم ،ليضرب بذلك المثل
لما يريد أن تهتدي إليه البشرية في مستقبلها.
ومما هو جدير بالشارة هنا أن الية الوحيدة التي تعرضت
لسرى الحرب( :فإما منّا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب
أوزارها) [ ]38لم تذكر السترقاق للسرى ،وإنما ذكرت الفداء
وإطلق السراح دون مقابل ،حتى ل يكون السترقاق تشريعاً
دائما ً للبشرية ول ضربة لزب ،إنما هو أمر يلجأ إليه الجيش
السلمي المحارب إذا اقتضته الظروف والملبسات.
يضاف إلى ذلك أن السرى الذين كانوا يقعون في يد السلم
كانوا يعاملون تلك المعاملة الكريمة التي وصفناها من قبل ،ول
يلقون الهوان والتعذيب ،وكان يفتح أمامهم باب التحرر حين
تسعى نفوسهم إليه وتحتمل تبعاته ،وإن كان معظمهم في الواقع
لم يكن حرا ً قبل أسره ،إنما كان من الرقيق الذي استرقه
الفرس والرومان ودفعوه إلى قتال المسلمين.
فكأن المر في الحقيقة لم يكن استرقاقا ً من أجل السترقاق.
ول كان الرق أصل ً دائما ً يهدف السلم إلى المحافظة عليه،
فاتجاه السلم إلى تحرير الرقيق هو التجاه البارز الذي تشير
كل الدلئل إليه .
وإنما هو وضع موقوت يؤدي في النهاية إلى التحرير.
تقوم الحرب بين المسلمين وأعداء السلم فيقع بعض السرى
من الكفار في يد المسلمين ،فيصبحون – في بعض الحالت ،ل
في كل الحالت ول بصورة حتمية – رقيق حرب ،فيعيشون فترة
من الزمن في جو المجتمع السلمي ،يبصرون عن كثب صورة
العدل الرباني مطبقا ً في واقع الرض ،وتشملهم روح السلم
الرحيمة بحسن معاملتها واعتباراتها النسانية ،فتتشرب أرواحهم
بشاشة السلم ،وتتفتح بصائرهم للنور ..وعندئذ يحررهم السلم
978
بالعتق في بعض الحيان ،أو بالمكاتبة إن تاقت نفوسهم إلى
الحرية وسعوا إليها.
وبذلك تصبح الفترة التي يقضونها في الرق في الحقيقة فترة
علج نفسي وروحي ،قوامه إحسان المعاملة لهم ،وإشعارهم
بآدميتهم المهدرة ،وتوجيه أرواحهم إلى النور الرباني بغير إكراه..
ثم في النهاية يكون التحرير..
وذلك كله في حالة السترقاق .وليست هي السبيل الوحيد الذي
يسلكه السلم ،كما يتضح من آية التشريع ،ومن السلوك العملي
للرسول صلى الله عليه وسلم في مختلف الغزوات.
أما النساء فقد كرمهن -حتى في رقهن -عما كن يلقين في
غير بلد السلم .فلم تعد أعراضهن نهبا ً مباحا ً لكل طالب على
طريقة البغاء (وكان هذا هو مصير أسيرات الحروب في أغلب
الحيان) وإنما جعلهن ملكا ً لصاحبهن وحده ،ل يدخل عليهن أحد
غيره ،وجعل من حقهن نيل الحرية بالمكاتبة ،كما كانت تحرر من
ولدت لسيدها ولدا ً ويحرر معها ولدها ،وكن يلقين من حسن
المعاملة ما أوصى به السلم.
***
تلك قصة الرق في السلم :صفحة مشرفة في تاريخ البشرية.
فالسلم لم يجعل الرق أصل ً من أصوله ،بدليل أنه سعى إلى
تحريره بشتى الوسائل ،وجفف منابعه كلها لكي ل يتجدد ،فيما
عدا المنبع الواحد الذي ذكرناه وهو رق الحرب المعلنة للجهاد
في سبيل الله .وقد رأينا أن الرق فيها ليس ضربة لزب ،وأنه –
إن حدث – فلفترة موقوتة تؤدي في النهاية إلى التحرير..
أما ما حدث في بعض العهود السلمية من الرق في غير أسرى
الحروب الدينية ،ومن نخاسة واختطاف وشراء لمسلمين ل يجوز
استرقاقهم أصلً ،فإن نسبته إلى السلم ليست أصدق ول أعدل
من نسبة حكام المسلمين اليوم إلى السلم بما يرتكبونه من
موبقات وآثام!
وينبغي أن نجعل بالنا إلى عدة أمور في هذا الموضوع.
الول :هو تعدد منابع الرق عند الدول الخرى بغير ضرورة ملجئة
سوى شهوة الستعباد ،من استرقاق أمة لمة ،وجنس لجنس،
واسترقاق للفقر .واسترقاق بالوراثة من الميلد في طبقة معينة،
واسترقاق بسبب العمل في الرض إلخ ،وإلغاء هذه المنابع كلها
في السلم ،فيما عدا المنبع الوحيد الذي شرحنا ظروفه من
قبل.
والثاني :أن أوربا مع تعدد موارد الرق فيها بغير ضرورة ،لم تلغ
الرق حين ألغته متطوعة ،وكتابهم يعترفون بأن الرق ألغي حين
979
ضعف إنتاج الرقيق – لسوء أحوالهم المعيشية وفقدان الرغبة أو
القدرة على العمل – بحيث أصبحت تكاليف العبد من إعاشة
وحراسة أكثر من إنتاجه !!فهي إذن حسبة اقتصادية ل غير،
يحسب فيها المكسب والخسارة ،ول ظل فيها لي معنى من
المعاني النسانية التي تشعر بكرامة الجنس البشري ،فتمنح
الرقيق حريته من أجلها !هذا بالضافة إلى الثورات المتتابعة التي
قام بها الرقيق فاستحال معها دوام استرقاقه.
ومع ذلك فإن أوربا حينئذ لم تمنحه الحرية .ولكنها حولته من
رقيق للسيد إلى رقيق للرض ،يباع معها ويشترى ،ويخدم فيها،
ول يجوز له أن يغادرها ،وإل اعتبر آبقا ً وأعيد إليها بقوة القانون
مكبل ً بالسلسل مكويا ً بالنار .وهذا اللون من الرق هو الذي بقي
حتى حرمته الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر ،أي بعد أن
قرر السلم مبدأ التحرير بما يزيد على ألف ومائة عام.
والمر الثالث :أنه ل يجوز أن تخدعنا السماء .فقد ألغت الثورة
الفرنسية الرق في أوربا ،وألغى لنكولن الرق في أمريكا ،ثم
اتفق العالم على إبطال الرق ..كل ذلك من الظاهر .وإل فأين هو
الرق الذي ألغي؟ وما اسم ما يحدث اليوم في كل أنحاء العالم؟
وما اسم الذي كانت تصنعه فرنسا في المغرب السلمي؟ وما
اسم الذي تصنعه أمريكا في الزنوج ،وانجلترا في الملونين في
جنوب افريقيا؟
أليس الرق في حقيقته هو تبعية قوم لقوم آخرين ،وحرمان
طائفة من البشر من الحقوق المباحة للخرين؟ أم هو شيء غير
ذلك؟ وماذا يعني أن يكون هذا تحت عنوان الرق ،أو تحت عنوان
الحرية والخاء والمساواة؟ ماذا تجدي العناوين البراقة إذا كانت
الحقائق التي وراءها هي أخبث ما عرفته البشرية من الحقائق
في تاريخها الطويل؟
لقد كان السلم صريحا ً مع نفسه ومع الناس فقال :هذا رق،
وسببه الوحيد هو كذا ،والطريق إلى التحرر منه مفتوح.
أما الحضارة الزائفة التي نعيش اليوم في أحضانها ،فل تجد في
نفسها هذه الصراحة ،فهي تصرف براعتها في تزييف الحقائق
وطلء اللفتات البراقة .فقتل مئات اللوف في تونس والجزائر
والمغرب لغير شيء سوى أنهم يطالبون بالحرية والكرامة
النسانية :حريتهم في أن يعيشوا في بلدهم بل دخيل ،وأن
يتكلموا لغتهم ،ويعتقدوا عقيدتهم ،ول يخدموا إل أنفسهم.
وحريتهم في التعامل المباشر مع العالم في السياسة
والقتصاد ...قتل هؤلء البرياء وحبسهم في السجون القذرة بل
طعام ول ماء ،وانتهاك أعراضهم والسطو على نسائهم ،وقتلهن
980
بل مبرر وشق بطونهن للتراهن على نوع الجنين ..هذا اسمه في
القرن العشرين حضارة ومدنية ونشر لمبادئ الحرية والخاء
والمساواة .أما المعاملة المثالية الكريمة التي كان يمنحها
السلم للرقيق قبل ثلثة عشر قرناً ،تطوعا ً منه وإكراما ً للجنس
البشري في جميع حالته ،مع إعلنه العملي بأن الرق وضع
مؤقت وليس حالة دائمة ،فهذا اسمه تأخر وانحطاط وهمجية.
وحين يضع المريكان على فنادقهم ونواديهم لفتات تقول" :
للبيض فقط " أو تقول في وقاحة كريهة " :ممنوع دخول السود
والكلب " ،وحين يفتك جماعة من البيض " المتحضرين " بواحد
من الملونين ،فيطرحونه أرضا ً ويضربونه بأحذيتهم حتى يسلم
الروح ،ورجل الشرطة واقف ل يتحرك ول يتدخل ،ول يهم لنجدة
أخيه في الوطن وفي الدين واللغة فضل ً عن الخوة في البشرية،
كل ذلك لنه – وهو ملون – تجرأ فمشى إلى جانب فتاة أمريكية
بيضاء ل عرض لها – وبإذنها ل كرها عنها – يكون هذا هو أقصى
ما وصل إليه القرن العشرون من التحضر والرتفاع.
أما حين يتهدد العبد المجوسي عمر بالقتل ،ويفهم عنه عمر
ذلك ،ثم ل يحبسه ول ينفيه من الرض ،ول نقول يقتله ،وهو
مخلوق ناقص الدمية حقا لنه يعبد النار ويصر على عبادتها تعصباً
منه للباطل بعد أن رأى الحق بعينيه ،فما أشد همجية عمر ،وما
أشد ازدراءه لكرامة الجنس البشري لنه قال " :تهددني العبد "!
ثم تركه حرا ً حتى ارتكب جريمته فقتل خليفة المسلمين ،لنه لم
يكن يملك عليه سلطاناً قبل أن يقترف الجريمة.
وقصة الملونين في أفريقيا ،وحرمانهم من حقوقهم البشرية
وقتلهم أو " اصطيادهم " حسب تعبير الجرائد النجليزية الوقحة،
لنهم تجرأوا فأحسوا بكرامتهم وطالبوا بحريتهم ،هذا هو العدل
البريطاني في قمته ،والحضارة النسانية في أوجها ،والمبادئ
السامية التي تجيز لوربا الوصاية على العالم .أما السلم فهو
همجي جدا ً لنه لم يتعلم " اصطياد " البشر ،والتلهي بقتلهم
لنهم سود البشرة .بل وصل توغله في التأخر والنحطاط أن
يقول " :اسمعوا وأطيعوا ولو استعمل عليكم عبد حبشي كأن
رأسه زبيبة" ..
أما المرأة فلها حساب آخر.
كان السلم قد أباح للسيد أن يكون عنده عدد من الجواري من
سبى الحرب [ ]39يستمتع بهن وحده ،ويتزوج منهن أحيانا ً إذا
شاء .وأوربا تستنكر هذا اليوم وتتعفف عن هذه الحيوانية البشعة
التي تعتبر الجواري متاعاً مباحاً ،وأجسادا ً ل حرمة لها ول كرامة،
981
كل مهمتها في الحياة إشباع لذة بهيمية بغيضة ،لرجل ل يرتفع
عن مستوى الحيوان.
وجريمة السلم الحقيقية في هذا المر أنه ل يبيح البغاء! فقد
كانت أسيرات الحرب في البلد الخرى يهوين إلى حمأة الرذيلة
بحكم أنه ل عائل لهن ،ولن سادتهن ل يشعرن نحوهن بحمية
العرض ،فيشغلونهن في هذه المهمة البغيضة ،ويكسبون من هذه
التجارة القذرة :تجارة العراض .ولكن السلم – المتأخر – لم
يقبل البغاء ،وحرص على حفظ المجتمع نظيفا ً من الجريمة،
فقصر هؤلء الجواري على سيدهن ،عليه إطعامهن وكسوتهن
وحفظهن من الجريمة ،وإرضاء حاجتهن الجنسية – عرضا ً – وهو
يقضي حاجته.
أما ضمير أوربا فل يطيق هذه الحيوانية ...ولذلك أباحت البغاء
ومنحته رعاية القانون وحمايته! وراحت تنشره عامدة في كل بلد
وطئته أقدامها مستعمرة .فما الذي تغير من الرق حين تغير
عنوانه؟ وأين كرامة البغي وهي ل تملك رد طالب – وما يطلبها
أحد إل لقذر معنى يمكن أن تهبط إليه البشرية :دفعة الجسد
الخالصة التي ل تلطفها عاطفة ،ول ترتفع بها روح؟ وأين من هذه
القذارة الحسية والمعنوية ما كان بين السادة والجواري في
السلم؟
لقد كان السلم صريحا ً مع نفسه ومع الناس ،فقال :هذا رق.
وهؤلء جوار .وحدود معملتهن هي كذا وكذا .ولكن الحضارة
المزيفة ل تجد في نفسها هذه الصراحة ،فهي ل تسمي البغاء
رقا ،وإنما تقول عنه إنه " ضرورة اجتماعية "!
ولماذا هو ضرورة؟
لن الرجل الوربي المتحضر ل يريد أن يعول أحداً :ل زوجة ول
أولداً .يريد أن يستمتع دون أن يحتمل تبعة .يريد جسد امرأة
يفرغ فيه شحنة الجنس .ول يعنيه من تكون هذه المرأة ،ول تعنيه
مشاعرها نحوه ول مشاعره نحوها .فهو جسد ينزو كالبهيمة،
وهي جسد يتلقى هذه النزوة بل اختيار ،ويتلقاها ل من واحد
بعينه ،ولكن من أي عابر سبيل.
هذه هي " الضرورة " الجتماعية التي تبيح استرقاق النساء في
الغرب في العصر الحديث .وما هي بضرورة لو ارتفع الرجل
الوربي إلى مستوى " النسانية " ولم يجعل لنانيته كل هذا
السلطان عليه.
والدول التي ألغت البغاء في الغرب المتحضر لم تلغه لن
كرامتها أوجعتها ،أو لن مستواها الخلقي والنفسي والروحي قد
982
ارتفع عن الجريمة .كل! ولكن لن الهاويات قد أغنين عن
المحترفات .ولم تعد الدولة في حاجة إلى التدخل!
وبعد ذلك يجد الغرب من التبجح ما يعيب به نظام الجواري في
السلم ،ذلك النظام الذي كان قبل ألف وثلثمائة عام – وعلى أنه
نظام غير مطلوب له الدوام – أكرم بكثير وأنظف بكثير من
النظام الذي يقوم اليوم في القرن العشرين ،وتعتبره المدنية
نظاما ً طبيعيا ،ل يستنكره أحد ،ول يسعى في تغييره أحد ،ول
يمانع أحد في أن يظل باقيا ً إلى نهاية الحياة!
ول يقل قائل إن هؤلء " الهاويات " يتطوعن دون إكراه من أحد
وهن مالكات لحريتهن الكاملة .فالعبرة بالنظام الذي يدفع الناس
بأوضاعه القتصادية والجتماعية والسياسية والفكرية والروحية
إلى قبول الرق أو الوقوع فيه .ول شك أن " الحضارة " الوربية
هي التي تدفع إلى البغاء وتقره ،سواء كان البغاء الرسمي أو
بغاء المتطوعات الهاويات!
تلك قصة الرق في أوربا حتى القرن العشرين :رق الرجال
والنساء والمم والجناس .رق متعدد المنابع متجدد الموارد ،في
غير ضرورة ملجئة ،اللهم إل خسة الغرب وهبوطه عن المستوى
اللئق لبني النسان.
ودع عنك استرقاق الدولة الشيوعية لفراد شعبها حتى ل يملك
أحدهم حرية اختيار العمل الذي يريده ،ول المكان الذي يعمل
فيه ،واسترقاق أصحاب رؤوس الموال للعمال في الغرب
الرأسمالي حتى ل يملك أحدهم سوى اختيار السيد الذي
يستعبده.
دع عنك هذا وذاك ،فقد تجد المجادلين عنه والمنافحين .ويكفي
ما سردناه من ألوان الرق الصارخة الصريحة ،التي تتم باسم
المدنية وباسم التقدم الجتماعي! ثم انظر هل تقدمت البشرية
في أربعة عشر قرناً ،بعيدا ً عن وحي السلم ،أم إنها ظلت تنحدر
وتتأخر ،حتى لتحتاج اليوم إلى قبس من هدي السلم ،يخرجها
مما هي فيه من الظلم؟!
] [11سنناقش في الفصل التالي شبهة القطاع.
] [12سورة النساء.25 :
] [13حديث رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي.
] [14حديث رواه مسلم وأبو داود..
] [15أخرجه الطبري في كتاب " آداب النفوس " " بإسناده عمن
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ".
] [16سورة النساء . :36
] [17سورة النساء . :25
983
] [18حديث رواه البخاري.
] [19رواه أبو هريرة.
984
بتجهيز هرقل لمهاجمته) كتب إلى عمال المدن المفتوحة في
الشام يأمرهم بأن يردوا عليهم ما جبي من الجزية من هذه
المدن ،وكتب إلى الناس يقول " :إنما رددنا عليكم أموالكم لنه
بلغنا ما جمع لنا من الجموع .وإنكم قد اشترطتم علينا أن نمنعكم
وإنا ل نقدر على ذلك .وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم ونحن لكم
على الشرط وما كتبنا بيننا إن نصرنا الله عليهم "
] [35سورة النفال.: 61
] [36أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي
] [37سورة البقرة.194 :
] [38سورة محمد.4 :
]39بذلك يخرج من دائرة السلم كل ما كان يأتي من الجواري –
أو العبيد – عن طريق الختطاف من بلد إسلمية ويباع ويشترى
في سوق النخاسة.
المصدر :من كتاب شبهات حول السلم
السلم ...والرق
-----------------
السلم والرق
وهنا يثار موضوع الرق ،وكيف أباحه السلم؟
ونقول :أن السلم لم يجئ بشرع السترقاق ،بل جاء بشريعة
الحرية ،ورد الرقاء إلى ساحتها التي فطرهم الله عليها ،كما
يقول الفاروق عمر" :متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم
أحراراً".
|والقارئ للقرآن الكريم ل يجد فيه آية واحدة تبيح السترقاق
والستعباد ،وإنما يجد اليات المتعددة تنادي بتحرير الرقاء
وتحض على إعتاقهم ،وتجعل هذا التحرير من أعظم القرب
والطاعات الدينية| ثم تجعله كفارة تستر ما يقع فيه المسلم من
بعض المخالفات الدينية .بل أنه يوجبه على الدولة السلمية،
ويجعله عمل ً من أعمالها ،ومصرفا ً من مصارف أموالها ،ونفصل
هذا الجمال بعض التفصيل ،فنقول:
أول ً ـ أن أسرى يخير القرآن فيهما بين أمرين ل ثالث لهما :المن
عليهم بنعمة الحرية من غير مقابل ،أو المن عليهم بها في مقابل
فداء مالي أو شخصي ،وهو ما يسمى الن (تبادل السرى).1
بحر ُ حتَّى تَضعَ ال َ منَّا ً بَعد ُ وَإ ِ َّ
ما فِداءً َ ما َيقول الله تعالى...( :فَإ ِ َّ
أَوَْزارهَا) (سورة محمد.)4 /
كذلك إذا رجعنا إلى السنة النبوية وجدنا أن أقوال الرسول ـ
صلى الله عليه وسلم ـ وأفعاله تنطق بأنه ما جاء مسترقا ً بل
محرراً.
985
يحث على العتق ويحض عليه ،فيقول" :من أعتق رقبة مسلمة
أعتق الله بكل عضو منه عضوا ً منه من النار".
ويقول" :أيما رجل مسلم أعتق رجل ً مسلما ً فأن الله عّز وجل
جاعل وفاء كل أعظم من عظامه عظما ً من عظام محرره"...
وإذا كان الصحابة قد استرقوا في حروبهم فإنما كان ضرورة
حربية ل محيص عنها ،ومعاملة بالمثل حيث كان أعداؤهم
يسترقون أسرى المسلمين ،وتسهيل ً لستخلص هؤلء السرى
المسلمين من يد أعدائهم عن طريق التبادل.
وقد شرع الله سبحانه أحكامه التي تحقق المصالح الصلية ،وأباح
الخروج عنها في أحوال الضرورة التي تقدر بقدرها ول تعدوها.
َ ل لَكُم َّ
م إِل ّ َ
ما حَّرم ع َليك ُ ْ ما َ والله سبحانه وتعالى يقول( :وَقَد ْ فَص َ
م إِليهِ) (سورة النعام.)119/ ضطُررت ُ ْ ا ْ
ثم أن الله سبحانه وتعالى يشير إلى قاعدة المعاملة بالمثل في
ما اع َتدَى ل َ م فَاع ْتَدُوا ع َلَيهِ بِمث ِ ن اع َتدَى ع َلَيك ُ ْ قوله تعالى( :فَم ِ
شهرِ الحَرامِ، َ م بِال ّ حَرا ُ شهُر ال َ َ م) وفي قوله تعالى( :ال ّ ع َليك َ ْ
ص) فمن انتهك حرمة من الحرمات ،ولم يكن صا ٌ ت قِ َ ما ُ حُر َ وَال ُ
هناك مفر من مقابلته بمثل عمله ،كانت المصلحة في معاملته
بالمثل ،وفي حدود الضرورة ،حتى يرتدع ،ول يفل الحديد إل
الحديد ،وأن أنت أكرمت اللئيم تمردا .والوقوف عند المثالية
أحيانا ً أمام من ل يؤمنون ول يتعاملون بها يضر ول ينفع.
وبهذا ضيق السلم موارد الرق وأسبابه ،التي وجدها قبله وكانت
متعددة 2ووقف بها وحصرها عند المعاملة بالمثل ،وبقدر
الضرورة من غير تجاوز ول اعتداء.
ثانيا ً ـ لم يكتف السلم بذلك ،بل وضع خطة حكيمة لنهاء الرق
وقد كان أساسا ً لنظام الحياة القتصادية والجتماعية ـ تدريجياً
من غير رجة اقتصادية أو اجتماعية.
فجعل عتق الرقبة كفارة للحنث في اليمين ،يقول الله تعالى( :لَ
َ َ
ما عَقَّدت ُّ ُ
م خذ ُكُم ب ِ َ م وَلَكِن يُؤ َا ِ مانِك ُ ْ ه بِالل ّغْوِ فِي أي ْ َ م الل ُ خذ ُك ُ ُ يُؤ َا ِ
َ
ن
مو َ ما تُطْعِ ُ ط َ س ِ ن أوْ َ م ْ ن ِ َ ساكِي م َ َ شَرةِ م عَ َ ه إِطْعَا ُ ُ ن فَكَفَّاَرت ُ ما َ َ الَي ْ
ام َ ي أَهْلِيك ُم أَو كسوتهم أَو تحرير رقَبة فَمن ل َّم يجد فَصيام ثَلثَة أ َ
ٍ ّ ِ ِ َ ُ ْ َ ِ ْ ْ ْ ِ ْ َُُ ْ ْ َ ْ ِ ُ َ َ ٍ َ
َ
م( )...سورة المائدة.)89/ حلَفْت ُ ْ م إِذ َا َ مانِك ُ ْ ك كَفَّاَرة ُ أي ْ َ ذَل ِ َ
كما جعله كفارة في الظهار ،وهو تحريم الرجل زوجته على
نفسه ،ثم رغبته في العودة إليها.
َ
ما قَالُوا ن لِ َ م يَعُودُو َ م ث ُ َّ سائِهِ ْ من ن ِّ َ ن ِ ن يُظَاهُِرو َ يقول تعالى( :وَال ّذِي َ
فَتحرير رقَبة من قَب َ
ما ه بِ َ ن بِهِ وَالل ُ م تُوع َظُو َ سا ذَلِك ُ ْ ما َّ ل أن يَت َ َ َْ ِ َ ْ ِ ُ َ َ ٍ ِّ
َ
ل أن من قَب ْ ِ ن ِ متَتَابِعَي ْ ِ ن ُ شهَْري ْ ِ م َ صيَا ُ جد ْ فَ ِ من ل ّ ْ
م يَ ِ خبِيٌر فَ َ ن َ ملُو َ ت َ ْع َ
986
َ
سكِيناً( )...سورة
م ْ ستِّي َ
ن ِ ستَطِعْ فَإِطْعَا ُ
م ِ يَ ْ من ل ّ ْ
م سا فَ َ ما َّ يَت َ َ
المجادلة.)4-3 /
ن
مؤم ٍ نل ُ ما كَا َ ثم جعله الله كفارة للقتل خطأ .يقول سبحانه( :وَ َ
ً خطَأ ً و
ة
من َ ٍمؤ ِ ُ حرِيُر َرقَبَةٍ خطَأ فَت َ ْ منا ً َ
مؤ ُِ من قَت َ َ
ل َ َ منا ً إِل َّ َ مؤ ِ ُ لأَن يَقْت ُ َ
َ ة إِلى أهْلِهِ إِل َّ أَن ي َ َّ ُ َ
من قَوْم ٍ عَدُوٍ ل ّك ُ ْ
م ن ِ صدَّقُوا فَإِن كَا َ مسل ّ َ
م ٌ ة ّ وَدِي ٌ
م وَبَيْنَهُم من قَوْم ٍ بَيْنَك ُ ن ِمنَةٍ وَإِن كَا َ مؤ ِ حرِيُر َرقَبةٍ ُّ ن فَت َ ْ م ٌ مؤ ِ وَهُوَ ُ
ْ َّ َ َ ّ ة ُّ
د
ج ْ م يَ ِ من ل ْ منَةٍ فَ َ مؤ ِ حرِيُر َرقَبَةٍ ُ ة إِلى أهْلِهِ وَت َ ْ مسلم ٌ ميثَاقٌ فَدِي َ ٌ ِّ
ن ( )...سورة النساء.)92 / متَتَابِعَي ْ َ ن ُ شهَْري ْ ِ م َ صيَا ُ فَ ِ
وكفارة للفطار المتعمد في نهار رمضان ،فقد روي أبو هريرة أن
رجل ً أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال :هلكت يا رسول
الله ،قال :ما شأنك؟ قال :وقعت على امرأتي في رمضان ،قال:
فهل تجد رقبة تعتقها؟ قال :ل .قال :فهل تستطيع أن تصوم
شهرين متتابعين؟ قال :ل ،قال :فهل تستطيع أن تطعم ستين
مسكيناً؟ قال :ل.3"...
ويلحظ أن العتق هو الواجب الول في بعض هذه الكفارات قبل
الصيام وهو من أسمى العبادات ،وقبل الطعام للفقراء ،وما أشد
حاجتهم إليه ،وكأن رد الحرية إلى الرفيق وفيها حياته الحقيقية
أولى وأهم.
ثم جعله كفارة لضرب العبد أو لطمه .يقول الرسول ـ صلى الله
عليه وسلم ـ" :من لطم مملوكا ً له أو ضربه فكفارته عتقه".4
ثم جعل تحرير العبيد مصرفا ً من مصارف الزكاة في قوله تعالى:
مؤلفةِ ن ع َليْها وَال ُ ن وَالعَاملِي َ ساكي ِ م َ ت للفُقَراءِ وَال َ صدقَا ُ (إِنَّما ال َّ
لسبي ِ ن ال َّ ل اللهِ وَاب ْ ِ سبي ِن وَفِي َ ب وَالغَارِمي َ م وَفِي الّرِقا ِ قُلوبُهُ ْ
م) (سورة التوبة.)60/ حكي ٌ م َ ه ع َلي ٌ من اللهِ وَالل ُ ة ِّ ريض ً فَ ِ
ة
م العَقَب َ ثم دعا إلى تحرير الرقاب ،قربة وطاعة لله( :فل َ اقْتَح َ
سغبةٍ يَتيماً َ ة فَ ُّ ما أَدَْرا َ
م ْ م فِي يَوْم ٍ ذِي َ ك َرقبَةٍ أو إِطعَا ٌ ما العَقَب َ ك َ وَ َ
َ
متْربةٍ) (سورة البلد.)16-11 / سكينا ً ذ َا َ م ْ مقَْربةٍ أوْ ِ ذ َا َ
فأن أبدى الرقيق رغبة في الحرية في مقابل مالى ،كان على
مالكه الستجابة لرغبته في الخروج إلى ساحة الحرية ،وهو ما
يسمى "المكاتبة" مع التخفيف عنه في هذا المال الذي يدفعه
َ
ن ومعاونته ماليا ً في أدائه .وفي ذلك يقول الله تعالى( :وَال ّذي َ
خيْراً َ
م َ م فِيه ْ ن عَلِمت ُ ْ م إِ ْ م فَكاتِبُوهُ ْ مانُك ُ ْ ت أي ْ َ مل َ َك َ ْ ما َ م َّ ب ِ ن الكِتَا َ يَبتغُو َ
َ َ
م) (سورة النور )33 /ثم أن القرابة ه ال ّذي أتاك ُ ْ ل الل ِ ما ِ من َّ وَأتُوهُم ِّ
القريبة تتنافى مع السترقاق ،ولهذا إذا ملك الشخص قريبه
المحرم صار هذا القريب حراً .يقول الرسول ـ صلى الله عليه
وسلم ـ" :ومن ملك ذا رحم محرم فهو حر".
987
وكذلك علقة زوجية ،فإذا ملك الزوج زوجته صارت حرة ،وإذا
ملكت الزوجة زوجها صار حراً .ثم إذا استولد المالك أمته ،أي
كان له منها ولد ،كانت في سبيلها إلى الحرية ،فأن شاء حررها،
وإل حرم عليه التصرف في ملكيتها حتى يموت فتكون حرة،
والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول" :أيما امرأة ولدت من
سيدها فأنها حرة إذا مات".
وإذا عتق نصيبه في عبد ،عتق العبد ،وكان على المالك تخليصه
من ماله ،فأن لم يكن له مال سعى العتيق في أداء المال إلى
الشريك الخر دون إرهاق ،يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم
ـ" :من أعتق شقصاً 5له في عبد فخلصه في ماله أن كان له
مال ،فأن لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه"
كذلك إذا أوصى المالك بعتق عبده لم يجز له الرجوع في الوصية
وكان هذا العبد حرا ً بعد الوفاة ،ولو تجاوزت قيمته ثلث التركة
الذي تنفذ فيه الوصايا.
بل أن المالك إذا جرى على لسانه هازل ً إعتاق عبده ،أصبح العبد
حراً ،فأن الحرية ل تتوقف على القصد والنية.
وهكذا تتعدد أسباب التحرير بصورة واضحة ،وتترتب على بعض
العمال والتصرفات المتكررة ،وتكون مع ذلك في مسئولية
الدولة السلمية والفراد المسلمين ،بحيث لو سارت المور
فسيرا ً طبيعيا ً ما بقي رقيق ،وهو ما خطط السلم له ،وتشوَّ َ
إليه كما يقول الفقهاء.
فإذا جاء العالم اليوم بعد صحوة الرق ،6كان مستضيئا ً بنور
السلم ومقتبسا ً من روحه.
ومع هذا حرص السلم على معاملة الرقيق معاملة إنسانية
أخوية كريمة ،إلى أن يجعل الله له مخرجا ً إلى الحرية.
يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ" :إخوانكم خولكم ،قد
ملككم الله إياهم ،ولو شاء لملككم إياهم ،فأطعموهم مما
تطعمون ،وأكسوهم مما تكسون".
ويقول" :الله ،الله ،فيما ملكت أيمانكم" ويقول" :ما خففت عن
خادمك من عمله كان لك أجرا ً في موازينك".
ويقول" :للمملوك طعامه وكسوته ،ول يكلف من العمل ما ل
يطيق" "هم إخوانكم وخولكم جعلهم الله تحت أيديكم ،فمن كان
أخوة تحت يده ،فليطعمه مما يأكل ،وليلبسه مما يلبس ،ول
تكلفوهم ما يغلبهم ،فأن كلفتموهم فأعينوهم عليه".
وكان من وصاياه ـ عليه الصلة والسلم ـ وقد حضرته الوفاة ـ
الوصية بالرقاء قارنا ً لها بالمحافظة على الصلة .يقول أنس:
988
كانت عامة وصية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين
حضرته الوفاة ،وهو يغرغر بنفسه :الصلة وما ملكت أيمانكم .7
وفوق هذا كان من الدب القرآني والدب النبوي تسمية العبد
فتى والمة فتاة ،ابتعادا ً عن معنى الستعباد .يقول الله سبحانه:
َ
تمنَا ِمؤ ِت ال ُ
محصنَا ِ منكُم طَول ً أن يَنك َ
ح ال ُ من لّضم يَستطيعْ ِ (وَ َ
َ
ت) (سورة النساء/ منا ِمؤ ِمن فَتَياتِكم ال ُ مانكُم ِّ ملَك َ ْ
ت أي ْ َ ما َمن َّ فَ ِ
)25ويقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ" :ل تقل عبدي
وأمتي ،ولكن قل فتاي وفتاتي".
وكان من نتيجة معاملة المسلمين للرقاء هذه المعاملة ،اندماج
الرقاء في السر السلمية اخوة متحابين ،حتى كأنهم بعض
أفرادها.
يقول جوستاف لوبون:ـ "أن الذي أراه صادقا ً هو أن الرق عند
المسلمين خير منه عند غيرهم ،وأن حال الرقاء في الشرق
أفضل من حال الخدم في أوروبا ،وأن الرقاء في الشرق يكونون
جزءا ً من السرة ...وأن الموالي الذين يرغبون في التحرر ينالونه
بإبداء رغبتهم ..ومع هذا ل يلجأون إلى استعمال هذا الحق".8
-----------------------------------
هوامش
1وهذا النوع من الفداء هو الولى ،لن فيه إطلق الحرية
للمسلمين غير المسلمين ،ودين الحرية يحرص على الحرية
بالنسبة لغير اتباعه كما يحرص عليها في اتباعه ،لن الحرية ـ
عنده ـ كالماء والغذاء والهواء حقوق طبيعية لكل إنسان (وأنظر
التمهيد لكتاب السير الكبير ط جامعة القاهرة للستاذ الشيخ
محمد أبو زهرة ص .)74
2ومن ذلك أن المدين إذا عجز عن سداد الدين يصبح رقيقاً
لصاحبه ،بينما يشرع القرآن في ذلك إمهاله والتخفيف عنه "وان
كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ،وأن تصدقوا خير لكم أن كنتم
تعلمون".
3نيل الوطار للشوكاني ج 4ص .293
4رواه مسلم.
5الشقص :الجزء والنصيب.
6تنص المادة الرابعة من إعلن حقوق النسان على أنه "ل يجوز
استرقاق أو استعباد أي شخص ،ويحظر السترقاق وتجارة
الرقيق بكافة أوضاعها".
7أنظر نيل الوطار ج 7ص .3
8حضارة العرب ص .460-459
----------------------------
989
1971 المصدر :عالم الفكر ـ المجلد الول ـ العدد الرابع مارس
==================
-166التسري
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
الرد على الشبهة:
هذا عن الرق فى التاريخ النسانى وفى السلم :الدين..
الحضارة ..والتاريخ..
سريَّةِ يعاشرها معاشرة أما التسرى ،فهو :اتخاذ مالك المة منها َ ِ
الزواج فى الشرع السلمى..
ً ً ً
وكما لم يكن الرق والسترقاق تشريعا إسلميا مبتكرا ،ول
خاصية شرقية تميزت به الحضارات الشرقية عن غيرها من
الحضارات ،وإنما كان موروثا ً اجتماعيا ً واقتصاديا ً إنسانيا ً ،ذاع
وشاع فى كل الحضارات النسانية عبر التاريخ ..فكذلك كان
التسرى الذى هو فرع من فروع الرق والسترقاق نظاما ً قديماً
ولقد جاء فى المأثورات التاريخية المشهورة والمتواترة أن خليل
الله إبراهيم ،عليه السلم ،قد تسرى بهاجر المصرية ،عندما
وهبه إياها ملك مصر ،ومنها وُلد له إسماعيل عليه السلم..
فمارس التسرى أبو النبياء ،وولد عن طريق التسرى نبى
ورسول ..وكذلك جاء فى المأثورات التاريخية أن نبى الله
سليمان عليه السلم قد تسرى بثلثمائة سرية ! ..وكما شاع
التسرىعند العرب قبل السلم ،فلقد مارسه ،فى التاريخ
السلمى والحضارة السلمية ،غير المسلمين مثل المسلمين..
وإذا كان التسرى ،هو اتخاذ مالك المة منها سريّه ،أى جعله لها
موضعا للوطء ،واختصاصها بميل قلبى ومعاشرة جنسية ،
وإحصان واستعفاف ..فلقد وضع السلم له ضوابط شرعية
جعلت منه زواجا ً حقيقيا ً ،تشترط فيه كل شروط الزواج ،وذلك
باستثناء عقد الزواج ،لن عقد الزواج هو أدنى من عقد الملك ،
إذ فى الول تمليك منفعة ،بينما الثانى يفضى إلى ملك الرقبة ،
ومن ثم منفعتها..
ة" سرِي َّ ً
سميت " َ ولقد سميت المة التى يختارها مالكها سرية له ُ
ل تسرها " دون " لنها موضع سروره ،ولنه يجعلها فى حا ٍ
سواها ،أو أكثر من سواها ..فالغرض من التسرى ليس مجرد
إشباع غرائز الرجل ،وإنما أيضا ً الرتفاع بالَمة إلى مايقرب كثيراً
من مرتبة الزوجة الحرة..
َ
والسلم ل يبيح التسرى أى المعاشرة الجنسية للمة بمجرد
امتلكها ..وإنما لبد من تهيئتها كما تهيأ الزوجة ..وفقهاء المذهب
الحنفى يشترطون لتحقيق ذلك أمرين:
990
أولهما :تحصين السرية ،بأن يخصص لها منزل خاص بها ،كما
هو الحال مع الزوجة..
وثانيهماً :مجامعتها ،أى إشباع غريزتها ،وتحقيق عفتها ..طالما
أنها قد أصبحت سرية ،ل يجوز لها الزواج من رقيق مثلها ،أو أن
يتسرى بها غير مالكها..
ولن التسرى إن فى المعاشرة الجنسية أو التناسل مثله مثل
الزواج من الحرائر ..فلقد اشترط السلم براءة رحم المة قبل
التسرى بها ،فإباحة التسرى قد جاءت فى آية إباحة الزواج :وإن
خفتم أل تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء
مثنى وثلث ورباع فإن خفتم أل تعدلوا فواحدة أو ما ملكت
أيمانكم ذلك أدنى أل ّ تعولوا ) ( ..)1والتكليف السلمى بحفظ
الفروج عام بالنسبة لمطلق الرجال والنساء ،أحرارا ً كانوا أم
رقيقا ً ،مسلمين كانوا أم غير مسلمين( :والذين هم لفروجهم
حافظون * إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير
ملومين) ( ..)2ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى
سبايا " أوطاس " أى حنين [ :ل توطأ حامل حتى تضع ،ول غير
ذات حمل حتى تحيض حيضة.)3( ] ..
وكذلك الحال مع المقاصد الشرعية والنسانية من وراء
التسرى ..فهى ذات المقاصد الشرعية والنسانية من وراء
الزواج:
تحقيق الحصان والستعفاف للرجل والمرأة ،وتحقيق ثبوت
أنساب الطفال لبائهم الحقيقيين ..ففى هذا التسرى كما يقول
الفقهاء " استعفاف مالك المة ..وتحصين الماء لكيل يملن إلى
الفجور ،وثبوت نسب أولدهن " .وأكاد ألمح فى التشريع
القرآنى أمرا ً إلهيا ً بالحصان العام للرجال والنساء ،أحراًرا كانوا
أو أرقاء ..ففى سياق التشريع لغض البصر ،وحفظ الفروج ،جاء
التشريع للستعفاف بالنكاح الزواج للجميع ..وجاء النهى عن
إكراه الماء على البغاء ،ل بمعنى إجبارهن على الزنا فهذا داخل
فى تحريم الزنا ،العام للجميع وإنما بمعنى تركهن دون إحصان
واستعفاف بالزواج أو التسرى أكاد ألمح هذا المعنى عندما أتأمل
سياق هذه اليات القرآنية( :قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم
ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون *
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ول
يبدين زينتهن إل ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ول
يبدين زينتهن إل لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو
أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو
نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الربة من
991
الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ول
يضربن بأرجلهن ليُعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً
أيَّة المؤمنون لعلكم تفلحون * وأنكحوا اليامى منكم والصالحين
من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله
واسع عليم * وليستعفف الذين ل يجدون نكاحا ً حتى يغنيهم الله
من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن
علمتم فيهم خيرا ً وآتوهم من مال الله الذى آتاكم ول تكرهوا
فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا
ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) (.)4
فالتشريع للستعفاف والحصان بالنكاح الزواج والتسرى عام
وشامل للجميع..
بل لقد جعل السلم من نظام التسرى سبيل ً لتحقيق المزيد من
الحرية للرقاء ،وصول ً إلى تصفية نظام العبودية والسترقاق..
فأولد السرية فى الشرع السلمى ،يولدون أحرارا ً بعد أن كانوا
يظلون أرقاء فى الشرائع والحضارات غير السلمية والسرية ،
بمجرد أن تلد ،ترتفع إلى مرتبة أرقى هى مرتبة " أم الولد " ثم
تصبح كاملة الحرية بعد وفاة والد أولدها..
وكما اشترط الشرع السلمى للتسرى استبراء الرحم ،كما هو
الحال فى الزواج من الحرائر ،اشترط فى السرية ما يشترط
فى الزوجة الحرة :أن تكون ذات دين سماوى ،مسلمة أو
كتابية ..وأن ل تكون من المحارم اللتى يحرم الزواج بهن ،
بالنسب أو الرضاعة ..فل يجوز التسرى بالمحارم ،بل ول يحل
استرقاقهم أصل ً ،إناثا ً كانوا أم ذكورا ً ،فامتلكهم يفضى إلى
تحريرهم بمجرد المتلك ..وفى الحديث النبوى الشريف [ :من
حَرم ٍ فهو حر ] (.)5 م ْ
حم ٍ َ
ملك ذا ر ِ
وكما هو الحال فى اختيار الزوجة الحرة ،استحسن الشرع
السلمى تخير السرية ذات الدين ،التى ل تميل إلى الفجور ،
وذلك لصيانة العرض .وأن تكون ذات عقل ،حتى ينتقل منها إلى
الولد .وأن تكون ذات جمال يحقق السكينة للنفس والغض
للبصر .فالتخيُّر للنُّطَف وفق حديث رسول الله صلى الله عليه
وسلم [ :تخيَّروا لنطفكم]( )6هو تشريع عام فى الحرائر والماء (
..)7
وكما ل يجوز القتران بأكثر من أربع زوجات حرائر ،اشترط
بعض الفقهاء اللتزام بذات العدد فى السرارى ،أو فيهن وفى
الزوجات الحرائر ..وإذا كان جمهور الفقهاء ل يقيدون التسرى
بعدد الربعة ،فإن المام محمد عبده فى فتواه عن تعدد
الزوجات قد قال عند تفسيره لقول الله سبحانه وتعالى(:أو ما
992
ملكت أيمانكم) ( " .)8لقد اتفق المسلمون على أنه يجوز للرجل
أن يأخذ من الجوارى ما يشاء بدون حصر ولكن يمكن لفاهم أن
يفهم من الية غير ذلك ،فإن الكلم جاء مرتبطا ً بإباحة التعدد
إلى الربعة فقط..
" (.)9
ويؤيد هذا الجتهاد ما كان عليه العمل فى صدر السلم ،إذ لم
يكن الرجل يتسرى بغير سرية واحدة وكما يجب العدل بين
الزوجات الحرائر عند تعددهن ..قال بعض الفقهاء :إن ما يجب
للزوجة يستحب للسرية ،وجعل الحنابلة الحصان للرقاء ذكوراً
وإناثا ً أمرا ً واجباً.)10( ..
هكذا رفع السلم ،بالشروط التى اشترطها فى التسرى ،من
شأن السرارى ،وذلك عندما جعلهن فى الواقع العملى أقرب ما
يكن إلى الزوجات الحرائر .وعندما جعل من نظام التسرى بابًا
من أبواب التحرير للماء ولولدهن ،بعد أن كان رافدا ً من روافد
السترقاق والستعباد..
أما الواقع التاريخى ،الذى تراجع عن هذا النموذج السلمى
للتسرى ،عندما كثرت السبايا ،وتعددت مصادر السترقاق..
فمن الخطأ البين بل والتجنى حمل هذا الواقع التاريخى على
شرع السلم..
فالسلم كما قدمنا فى الحديث عن الرق قد ألغى وجفف كل
روافد ومصادر السترقاق ،ولم يستثن من ذلك إل الحرب
الشرعية المشروعة .ولذلك ،فإن تجارة الرقيق ،وأسواق
الرقاء ،وشيوع التسرى الذى جاء ثمرة لختطاف الفتيات
والفتيان ،وللحروب غير المشروعة ،وغيرها من سبل
حسب على " السترقاق التى حرمها السلم ..كل ذلك إن ُ
التاريخ السلمى " فل يمكن أن يُحسب على " دين السلم "..
وعن هذه الحقيقة الهامة يقول المام محمد عبده " :لقد ساء
استعمال المسلمين لما جاء فى دينهم من هذه الحكام الجليلة ،
فأفرطوا فى الستزادة من عدد الجوارى ،وأفسدوا بذلك
عقولهم وعقول ذراريهم بمقدار ما اتسعت لذلك ثرواتهم..
أما السرى اللتى يصح نكاحهن فهن أسرى الحرب الشرعية
التى قصد بها المدافعة عن الدين القويم أو الدعوة إليه
ن عند السر إل غير مسلمات ..وأما ما مضى بشروطها ،ول يَك ُ َّ
المسلمون على اعتياده من الرق ،وجرى عليه عملهم فى
الزمان الخيرة ،فليس من الدين فى شىء ،فما يشترونه من
بنات الجراكسة أو من السودانيات اللتى يختطفهن الشقياء
سلبَة المعروفون "بالسيرجية" ،فهو ليس بمشروع ول معروف ال َّ
993
فى دين السلم ،وإنما هو من عادات الجاهلية ،لكن ل جاهلية
العرب بل جاهلية السودان والجركس.)11( " ..
وإذا كان من العبث الظالم حمل تاريخ الحضارة الغربية مع الرق
والسترقاق على النصرانية ،كدين ،فالكثر عبثية والشد ظلماً
هو حمل التاريخ السلمى فى هذا الميدان على شريعة
السلم !..
( )1النساء.3 :
( )2المؤمنون.6 ، 5 :
( )3رواه أبو داود.
( )4النور.33 30 :
( )5رواه أبو داود.
( )6رواه ابن ماجة.
( )7انظر [ :الموسوعة الفقهية ] مادة " التسرى " طبعة الكويت
1408هجرية 1988م.
( )8النساء.3 :
( [ )9العمال الكاملة ] ج 2ص 91طبعة القاهرة 1993م.
( )10المصدر السابق :ج .91 2
( )11المصدر السابق :ج 2ص .92 ،91
-------------------
-167هل تحريم زواج المسلمة بغير المسلم يُعد نزعة
عنصرية ؟
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
الرد على الشبهة:
1ـ صحيح أن السلم يجيز زواج المسلم من غير المسلمة
(مسيحية أو يهودية) ول يجيز زواج المسلمة من غير المسلم.
وللوهلة الولى يُعد ذلك من قبيل عدم المساواة ،ولكن إذا
م انعدامعرف السبب الحقيقى لذلك انتفى العجب ،وزال وَهْ ُ
المساواة .فهناك وجهة نظر إسلمية فى هذا الصدد توضح
الحكمة فى ذلك .وكل تشريعات السلم مبنية على حكمة معينة
ومصلحة حقيقية لكل الطراف.
2ـ الزواج فى السلم يقوم على " المودة والرحمة " والسكن
النفسى .ويحرص السلم على أن تبنى السرة على أسس
سليمة تضمن الستمرار للعلقة الزوجية .والسلم دين يحترم
كل الديان السماوية السابقة ويجعل اليمان بالنبياء السابقين
جميعًا جزءا ً ل يتجزأ من العقيدة السلمية .وإذا تزوج مسلم من
مسيحية أو يهودية فإن المسلم مأمور باحترام عقيدتها ،ول يجوز
له ـ من وجهة النظر السلمية ـ أن يمنعها من ممارسة شعائر
994
دينها والذهاب من أجل ذلك إلى الكنيسة أو المعبد .وهكذا
يحرص السلم على توفير عنصر الحترام من جانب الزوج
لعقيدة زوجته وعبادتها .وفى ذلك ضمان وحماية للسرة من
النهيار.
3ـ أما إذا تزوج غير مسلم من مسلمة فإن عنصر الحترام
لعقيدة الزوجة يكون مفقودًا .فالمسلم يؤمن بالديان السابقة ،
وبأنبياء الله السابقين ،ويحترمهم ويوقرهم ،ولكن غير المسلم
ل يؤمن بنبى السلم ول يعترف به ،بل يعتبره نبيًّا زائفًا وَي ُ َ
صدِّق ـ
فى العادة ـ كل ما يشاع ضد السلم وضد نبى السلم من
افتراءات وأكاذيب ،وما أكثر ما يشاع.
وحتى إذا لم يصرح الزوج غير المسلم بذلك أمام زوجته فإنها
ستظل تعيش تحت وطأة شعور عدم الحترام من جانب زوجها
لعقيدتها .وهذا أمر ل تجدى فيه كلمات الترضية والمجاملة.
فالقضية قضية مبدأ .وعنصر الحترام المتبادل بين الزوج
والزوجة أساس لستمرار العلقة الزوجية.
4ـ وقد كان السلم منطقيًّا مع نفسه حين حّرم زواج المسلم
من غير المسلمة التى تدين بدين غير المسيحية واليهودية ،
وذلك لنفس السبب الذى من أجله حّرم زواج المسلمة بغير
المسلم.
فالمسلم ل يؤمن إل بالديان السماوية وما عداها تُعد أديانًا
بشرية .فعنصر التوقير والحترام لعقيدة الزوجة فى هذه الحالة ـ
بعيدًا عن المجاملت ـ يكون مفقودًا .وهذا يؤثر سلبًا على العلقة
الزوجية ،ول يحقق " المودة والرحمة " المطلوبة فى العلقة
الزوجية.
----------------
العنوان لحكمة من تحريم زواج المسلمة بغير المسلم
بسم الله الرحمن الرحيم ،أنا أعمل في بلد أوربي و كنت في
نقاش مع أحدهم ،أحدثه عن سماحة السلم وعن نظرة السلم
لجميع الناس بمساواة ،فقال لي ماذا تفسر تحريم زواج
المسلمة بغير المسلم أل يُعد نزعة عنصرية ؟ فبماذا أجيبه ؟
السؤال وجزاكم الله خيرا ً
14/05/2006التاريخ
مجموعة من المفتين المفتي
الحل
995
بسم الله ،والحمد لله ،والصلة والسلم على رسول
الله ،وبعد :
فيرى جمهور الفقهاء إباحة زواج المسلم من نساء أهل
الكتاب ،وأجمعوا على حرمة زواج المسلمة من غير المسلم،
وهذا أمر تعبدي ،وإذا أردنا أن نلتمس حكمة لذلك فيمكن أن
يقال :إن السلم عندما أباح للرجل الزواج من الكتابية فإنه أمر
الزوج أن يحترم دينها لن المسلم يؤمن بجميع النبياء ،أما غير
المسلم إذا تزوج من مسلمة فإنه ل يحترم عقيدتها ،ول يؤمن
بنبيها مما يوقد النار في المنزل ويمنع السكينة والرحمة التي
عليها قوام البيوت ،فلهذا منع السلم مثل هذا الزواج .
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي- :
المسلمة ل تتزوج إل مسلماً ،والله تعالى يقول (ول تنكحوا
المشركات حتى يؤمن) وقال (ول تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا)
ثم استثنى فقال (:وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم
حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا
الكتاب) فأباح زواج المحصنات من أهل الكتاب ولم يجز زواج
الرجال من نساء المسلمين.
وحكمة ذلك :أن المسلم يؤمن بكل الرسل بما فيهم موسى
وعيسى عليهم السلم .وبكل الكتب بما فيها التوراة والنجيل.
بينما ل يؤمن أهل الكتاب إل برسولهم وكتابهم .وقد أجاز السلم
لزوجة المسلم الكتابية أن تذهب إلى أماكن عبادتها كالكنيسة
والمعبد ،بينما ل يجيز هؤلء الكتابيين للمسلمة ـ لو تزوجوها ـ أن
تذهب للمسجد وتظهر شعائر السلم.
والهم من ذلك :أن السلم يعلو ول يعلى عليه ،والزواج ولية
وقوامة ،فيمكن أن يكون المسلم وليا وقواما على زوجته
الكتابية ،بينما ل يمكن أن يكون غير المسلم وليا أو قواما على
المسلمة ،فالله تعالى يقول ( :ولن يجعل الله للكافرين على
المؤمنين سبيل).
والزوجة عليها طاعة زوجها ،فلو تزوجت المسلمة غير المسلم
لتعارضت طاعتها له مع طاعتها لله تعالى ولرسوله صلى الله
عليه وسلم.
996
ولعل هناك حكما أخرى كامنة فى منع زواج المسلمة من غير
المسلم ،يعلمها الله تعالى ،العليم بما يصلح العباد ( أل يعلم
من خلق وهو اللطيف الخبير)؟
وما على المؤمن بالله تعالى وبحكمته وعلمه ؛ إل أن يقول(:
سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)
أهـ
ويقول الشيخ محمد الغزالي ـ رحمه الله ـ :
رب البيت المسلم يستحيل أن يمر بخاطره أن يهين موسى
أوعيسى ،إنه يحترمهما كما يحترم نبيه محمدا ،ويصفهما
بالوجاهة والرسالة وقوة العزم وصدق البلغ!
وهذا معنى يلقي السكينة في نفوس أتباعهما.
أما اليهود والنصارى فإن ضغائنهم على محمد أعيت الولين
والخرين ،وقد استباحوا قذفه بكل نقيصة.
وفي عصرنا هذا منحت إنجلترا أعظم جائزة أدبية لكاتب نكرة ،
كل بضاعته شتم محمد والولوغ في عرضه والتهجم عل حرمه !
فكيف تعيش مسلمة في بيت تلك بعض معالمه؟
إن الزواج ليس عشق ذكر لمفاتن أنثى !!إنه إقامة بيت على
السكينة النفسية والداب الجتماعي ،في إطار محكم من اليمان
بالله ،والعيش وفق هداياته ،والعمل على إعلء كلمته ،وإبلغ
رسالته .أهـ
وهذا الذي ذكر ما هو إل محاولت لستنباط الحكمة من المنع ،
ويبقى الكثير الذي ل يدركه إل الله ،على أن الفيصل في
المسألة أنه أمر تعبدي محض.
997
جميعًا جزءا ً ل يتجزأ من العقيدة السلمية .وإذا تزوج مسلم من
مسيحية أو يهودية فإن المسلم مأمور باحترام عقيدتها ،ول يجوز
له ـ من وجهة النظر السلمية ـ أن يمنعها من ممارسة شعائر
دينها ،والذهاب من أجل ذلك إلى الكنيسة أو المعبد.
وهكذا يحرص السلم على توفير عنصر الحترام من جانب
الزوج لعقيدة زوجته وعبادتها .وفى ذلك ضمان وحماية للسرة
من النهيار.
أما إذا تزوج غير مسلم من مسلمة فإن عنصر الحترام لعقيدة
الزوجة يكون مفقودًا .فالمسلم يؤمن بالديان السابقة ،وبأنبياء
الله السابقين ،ويحترمهم ويوقرهم ،ولكن غير المسلم ل يؤمن
دّق ـ في بنبي السلم ،ول يعترف به ،بل يعتبره نبيًّا زائفًا وَي ُ َ
ص ِ
العادة ـ كل ما يشاع ضد السلم وضد نبي السلم من افتراءات
وأكاذيب ،وما أكثر ما يشاع.
وحتى إذا لم يصرح الزوج غير المسلم بذلك أمام زوجته فإنها
ستظل تعيش تحت وطأة شعور عدم الحترام من جانب زوجها
لعقيدتها .وهذا أمر ل تجدي فيه كلمات الترضية والمجاملة.
فالقضية قضية مبدأ .وعنصر الحترام المتبادل بين الزوج
والزوجة أساس لستمرار العلقة الزوجية.
وقد كان السلم منطقيًّا مع نفسه حين حّرم زواج المسلم من
غير المسلمة التي تدين بدين غير المسيحية واليهودية ،وذلك
لنفس السبب الذي من أجله حّرم زواج المسلمة بغير المسلم.
فالمسلم ل يؤمن إل بالديان السماوية وما عداها تُعد أديانًا
بشرية .فعنصر التوقير والحترام لعقيدة الزوجة في هذه الحالة ـ
بعيدًا عن المجاملت ـ يكون مفقودًا .وهذا يؤثر سلبًا على العلقة
الزوجية ،ول يحقق " المودة والرحمة " المطلوبة في العلقة
الزوجية أهـ
==================
صور محظورة من الزواج المختلط
998
سمى العهد بين الزوج وزوجته بالميثاق الغليظ ،قال تعالى في
سورة النساء( :وأخذن منكم ميثاقا ً غليظاً)•
وفي إطار اهتمامه بالزواج وما يترتب عليه من نتائج وآثار ،بيّن
السلم موانع الزواج التي تمنع المسلم من القتران بنساء
معينات أو في حالت محددة لما قد ينتج عن هذا القتران من
أضرار سلبية تتعارض ومقاصد الشرع الحكيم•
وإذا كانت موانع الزواج تنقسم إلى قسمين :موانع مؤبدة ل
يمكن أن تزول وأخرى مؤقتة تمنع الزواج مادامت قائمة وتبيحه
في حال ارتفاعها ،فإن ما يعرف في الصطلح الحديث بالزواج
المختلط ،أي الزواج بالجنبيات يدخل في بعض صوره ضمن
الموانع المؤقتة ،كما أن الزواج المختلط يتنوع بدوره إلى نوعين:
الزواج المختلط الصلي >مثل زواج المسلم بالكتابية< والزواج
المختلط الطارئ >مثل إسلم زوج الكتابية< وهو بشطريه
يشتمل على عدة صور منها ما هو جائز في حق المسلم ومنها ما
هو محظور•
ولما كان الزواج المختلط قد أضحى في عصرنا هذا يشكل
ظاهرة لفتة للنتباه خاصة في صفوف أبناء الجاليات والقليات
المسلمة في الغرب فإن المشكلت والنعكاسات السلبية التي
يطرحها هنا وهناك قد أمست تتفاقم بحدة وتزداد تعقيدا ً خاصة
على مستوى وقوع الكثير في الصور المحظورة من الزواج
المختلط مما جاء منهيا ً عنه في الشريعة السلمية ،ولذلك
نقتصر في هذه العجالة على إيضاح وبيان هذه الصور المحظورة
حتى يتنبه إليها من يهمه المر•
ويمكن تلخيص الصور المحظورة من الزواج المختلط في
الحالت التالية:
الحالة الولى
تحريم زواج المسلمة بغير المسلم ،وهذا أمر أجمع عليه
المسلمون استنادا ً إلى قوله تعالى( :يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم
المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن
ن حل لهم ول علمتموهن مؤمنات فل ترجعوهن إلى الكفار ل ه َّ
ن) الممتحنة•10: هم يحلو َّ
ن له َّ
والحكمة من تحريم زواج المسلمة بغير المسلم ،هو أن السلم
يأبى أن يكون المسلم تحت سلطان الكافر لن عقد الزواج
يستلزم أن يكون للرجل حق الطاعة والقوامة على المرأة ،ونص
الفقهاء أيضا ً على أن الكافر قد ل يتحرج من سب دين زوجته
المسلمة وتسفيه عقيدتها وقد يؤثر عليها فتنخلع من ربقة
السلم ،كما أن الولد يتبعون آباءهم في الدين والنسب وكل
999
هذه الحيثيات جعلت الشارع الحكيم يمنع ويحظر هذه الحالة من
الزواج•
الحالة الثانية
تحريم زواج المسلم بالمشركة ،والمقصود بها المرأة التي ل
تعتنق دينا ً سماوياً ،ويدخل في هذا المسمى كل من المرأة
الوثنية التي تعبد الوثان والصنام مثل البوذيين والمجوس
والبراهمة عبدة البقر ،والملحدة التي تجحد الديان كالشيوعية•
والحكمة من تحريم الزواج بالمشركة هو كونها تختلف عن
المسلم اختلفا ً بينا ً في العقيدة مما يحول دون أي التقاء أو اتفاق
يسمح بالسكن والمودة والرحمة التي هي من مقاصد الزواج•
الحال الثالثة
إسلم زوج المشركة ،إذ لما كان المسلم ل يجوز له الزواج
بالمشركة ،فإنه إذا أسلم الرجل وكان في عصمته امرأة مشركة
توجب عليه عرض السلم على الزوجة ،فإن أسلمت أبقى عليها
وإن امتنعت وعارضت لزمه فراقها•
الحالة الرابعة
إسلم زوجة الكتابي أو المشرك ،وهذه الحالة تنبني على
القاعدة المقررة وهي أن المسلمة ل يمكن أن ينعقد زواجها
على غير المسلم ،ولذلك فإنه إذا أسلمت الزوجة ورفض زوجها ـ
كتابيا ً كان أو مشركا ً ـ الدخول في السلم ،فإنه يجب التفريق
بينهما عند انتهاء عدة الزوجة التي هي استبراء من ماء الزوج
الكافر بعد إسلم الزوجة•
الحالة الخامسة
ردة أحد الزوجين لن إعلن أحد الزوجين ارتداده عن السلم
يجعل الطرف الخر مرتبطا ً بزوج خارج عن الدين ،وهو ما
يستلزم التفريق بينهما بطلقة بائنة ،والدليل على تحريم زواج
المرتد أو المرتدة قوله تعالى( :ول تمسكوا بعصم الكوافر<
م َّ
ن الممتحنة ،10:وقوله تعالى( :ول تنكحوا المشركات حتى يؤ ِ
ولمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ول تنكحوا المشركين
حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم) البقرة:
•221
إن الباعث من وراء التنبيه إلى هذه الصور المحظورة من
الزواج المختلط هو كون كثير من المسلمين الذين يهاجرون إلى
الغرب للعمل أو لطلب العلم تتفشى بينهم ظاهرة الزواج
بالجنبيات ،فيقع بعضهم في الممنوع شرعا ً طمعا ً في تحقيق
أغراض ومصالح شخصية كالحصول على الجنسية أو الطمع في
1000
ثروة المرأة الجنبية أو غير ذلك من الغراءات التي تجعل الواقع
فيها ل يستحضر الدين والضوابط الشرعية
================
حكم زواج غير المسلم بالمسلمة
سؤال أثاره عدد ممن قرأ في وسائل العلم فتوى يبيح فيها
صاحبها زواج غير المسلم بالمسلمة ،وقد نسب إليه أنه قال :إن
تحريم هذا الزواج مجرد أقاويل وتخرصات وأوهام وتضليل،
الهدف منها جر المرأة إلى الوراء .
وقبل هذا وردنا في المجلة سؤال من فضيلة الخ الشيخ -أبو
الكلم شفيق القاسمي المظاهري ،أحد علماء الهند والمين
العام لقسم الفتاء لجماعة أهل السنة والجماعة في جنوب
الهند ،عن صدور مثل هذه الفتوى -مع بعض الختلف -من
شخص آخر في الهند .
وقد سبق أن أجبنا فضيلته عن هذا السؤال في كتيب اسمه
(رسالة إلى أهل السنة والجماعة في جنوب الهند) تم توزيعه مع
العدد السابع والستين من المجلة .
وسؤال آخر يتفرع من السؤال الول حول دوافع هذه الفتوى
وأمثالها ،وأهداف أصحابها ومبتغاهم في هذه المرحلة التي تواجه
فيها المة هجوما ً على عقيدتها وتراثها .
والجواب عن هذين السؤالين من وجهين:
الوجه الول :حكم زواج غير المسلم بالمسلمة .
هذا الحكم ل يحتاج إلى كثير من الجتهاد .إذا كان الزوج مشركاً
م فيه كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم حك َ ُ
فال َ
وإجماع المة .أما الكتاب فقول الله تعالى :ول تنكحوا
المشركين حتى" يؤمنوا ( .)1قال أبو جعفر محمد بن جرير
الطبري في تفسير هذه الية" :يعني تعالى ذكره بذلك أن الله قد
حرم على المؤمنات أل ينكحن مشركاً ،كائنا ً من كان المشرك
من أي أصناف الشرك كان ،فل تنكحوهن أيها المؤمنون فإن ذلك
حرام عليكم ..ثم قال :أخبرنا معمر عن قتادة والزهري في
قوله :ول تنكحوا المشركين قال ل يحل لك أن تنكح يهوديا ً أو
نصرانيا ً ول مشركا ً من غير أهل دينك ..وعن عكرمة والحسن
البصري قال :حرم على المسلمات رجالهم يعني المشركين" (
.)2
وذكر الفخر الرازي أن قوله تعالى :ول تنكحوا المشركين حتى"
يؤمنوا فل خلف هاهنا أن المراد به الكل ،وأن المؤمنة ل يحل
تزويجها من الكافر البتة ،على اختلف أنواع الكفرة ( .)3وذكر
المام القرطبي في تفسيره في قوله تعالى :ول تنكحوا
1001
المشركين حتى" يؤمنوا أي ل تزوجوا المسلمة من المشرك،
وأجمعت المة على أن المشرك ل يطأ المؤمنة بوجه ،لما في
ذلك من الغضاضة على السلم(.)4
وفي الكتاب أيضا ً قول الله تعالى :يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم
المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن
علمتموهن مؤمنات فل ترجعوهن إلى الكفار ل هن حل لهم ول
هم يحلون لهن ( .)1قال المام القرطبي قوله تعالى :يا أيها
الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن المراد إذا
هاجرت المؤمنات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركن
أزواجهن المشركين فامتحنوهن قيل :إنه كان من أرادت منهن
إضرار زوجها فقالت :سأهاجر إلى محمد صلى الله عليه وسلم ؛
فلذلك أمر صلى الله عليه وسلم بامتحانهن .واختلف فيما كان
يمتحنهن به ،فقال ابن عباس :كانت المحنة أن تُستحلف بالله
أنها ما خرجت من بغض زوجها ،ول رغبة من أرض إلى أرض ،ول
حبّا ً لله ولرسوله .فإذا
التماس دنيا ،ول عشقا ً لرجل منَّا؛ بل ُ
حلفت بالله الذي ل إلَه إل هو على ذلك ،أعطى النبي صلى الله
عليه وسلم زوجها مهرها وما أنفق عليها ولم يردّها؛ فذلك قوله
تعالى :فإن علمتموهن مؤمنات فل ترجعوهن إلى الكفار ل هن
حل لهم ول هم يحلون لهن .
وقيل إن المحنة كانت أن تشهد أن ل إلَه إل الله وأن محمداً
رسول الله؛ قاله ابن عباس أيضا ً .
قوله تعالى :الله أعلم بإيمانهن أي هذا المتحان لكم ،والله
متَول ِّي السرائر .فإن علمتموهن مؤمنات أي أعلم بإيمانهن ،لنه ُ
بما يظهر من اليمان .وقيل :إن علمتموهن مؤمنات قبل
المتحان فل ترجعوهن إلى الكفار ل هن حل لهم ول هم يحلون
لهن أي لم يحل الله مؤمنة لكافر ،ول نكاح مؤمن لمشركة.
وهذا أدل دليل على أن الذي أوجب فرقة المسلمة من زوجها
مها ل هجرتها (.)2
إسل ُ
وقال المام ابن كثير في تفسير هذه الية" :كان امتحانهن أن
يشهدن أن ل إلَه إل الله وأن محمدا ً عبده ورسوله ،وقال مجاهد
فامتحنوهن فاسألوهن عما جاء بهن ،فإن كان جاء بهن غضب
ن فارجعوهن إلى على أزواجهن أو سخطة أو غيرة ولم يؤم َّ
أزواجهن ،وقال عكرمة :يقال لها ما جاء بك إل حب الله ورسوله،
وما جاء بك عشق رجل منا ول فرار من زوجك فذلك قوله
فامتحنوهن .وقال قتادة كانت محنتهن أن يستحلفن بالله ما
أخرجكن النشوز وما أخرجكن إل حب السلم وأهله وحرص
عليه ،فإذا قلن ذلك قبل ذلك منهن ،وقوله تعالى فإن
1002
علمتموهن مؤمنات فل ترجعوهن إلى الكفار فيه دللة على أن
اليمان يمكن الطلع عليه يقيناً .وقوله تعالى ل هن حل لهم ول
هم يحلون لهن هذه الية هي التي حرمت المسلمات على
المشركين ،وقد كان جائزا ً في ابتداء السلم أن يتزوج المشرك
المؤمنة ،ولهذا كان أمر أبي العاص بن الربيع زوج ابنة النبي
صلى الله عليه وسلم زينب -رضي الله عنها -وقد كانت مسلمة
وهو على دين قومه ،فلما وقع في السارى يوم بدر ،بعثت امرأته
زينب في فدائه بقلدة لها كانت لمها خديجة ،فلما رآها رسول
الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال للمسلمين:
(إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فافعلوا) .ففعلوا فأطلقه رسول
الله صلى الله عليه وسلم على أن يبعث ابنته إليه ،فَوَفَى له
صدَقَه فيما وعده ،وبعثها إلى رسول الله صلى الله عليه بذلك و َ
وسلم مع زيد بن حارثة -رضي الله عنه -فأقامت بالمدينة من
بعد وقعة بدر ،وكانت سنة اثنتين إلى أن أسلم زوجها أبو العاص
بن الربيع سنة ثمان ،فردها عليه بالنكاح الول ،ولم يحدث لها
صداقاً"(.)1
والسؤال في هذا المقام هل يعد الكتابي في حكم المشرك
فيحرم زواج المسلمة منه ؟ يجيب عن هذا السؤال فريقان:
الول -يرى أن هذا التحريم هو الصل القاطع الذي ل مجال
للخلف فيه ،استدلل ً وعمل ً بقول الله تعالى وقالت اليهود عزير
ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ( .)1وقوله عز ذكره:
لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلثة وما من إله إل إله واحد (
.)2وقوله :اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح
ابن مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو سبحانه عما
يشركون ( .)3واستدلل ً كذلك بأن عبدالله بن عمر لما سئل عن
نكاح النصرانية واليهودية قال" :إن الله حرم المشركات على
المؤمنين ،ول أعلم من الشراك شيئا ً أكبر من أن تقول المرأة
ربها عيسى وهو عبد من عباد الله"( .)4فإذا كان هذا في حق
زواج المسلم منها فهو في حق زواج غير المسلم منها أولى
وآكد ،كما يستدل أيضا ً بأن الكثير من العلماء على أن لفظ
المشرك يندرج فيه الكفار من أهل الكتاب ،وإن النقل قد تواتر
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يسمي كل من
كان كافرا ً بالمشرك (.)5
وفي المقابل هناك من ينفي كون الكتابي مشركاً ،ويحتج بأن الله
صل بين أهل الكتاب والمشركين في قوله تعالى :إن الذين فَ َ
آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى" والمجوس والذين
أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على" كل شيء
1003
شهيد ( .)1وقوله :لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب
والمشركين ( .)2وقوله عز وجل :إن الذين كفروا من أهل
الكتاب والمشركين ( .)3وقوله ما يود الذين كفروا من أهل
الكتاب ول المشركين ( .)4فهذا -كما يقول -عطف على
معطوف عليه ،والعطف هنا يقتضي المغايرة.
ومن يقول هذا قد يقول أيضا ً إن اليهود ليسوا كلهم مشركين،
وأن من يقول منهم إن عزير ابن الله هم طائفة صغيرة من أتباع
فنحاص( )5كما قد يقول إن النصارى ليسوا كلهم يعتقدون في
ألوهية عيسى أو يشركونه مع الله ،وأن من يقول ذلك بعض
طوائفهم .والقوال في هذا ل تنتهي .
1004
وفي المذهب الظاهري قال المام أبو محمد علي بن حزم :ول
يحل لمسلمة نكاح غير مسلم أصل ً (.)2
قلت :هذه هي النصوص بحرفيتها كما وردت في الكتاب والسنة
وفي كتب الئمة ،وحين ننقلها فإنما هو لبيان الحق وبراءة للذمة،
وأيا ً كان القول حول كون الكتابي مشركا ً أم غير مشرك فإن
إجماع المة وسلفها وخلفها منعقد على تحريم زواج المسلمة
بغير المسلم ،أيا ً كانت صفته ،والجماع حجة ثابتة فهو المصدر
الثالث لشريعة الله ،وعامة العلماء على أن منكره يكفر .
الوجه الثاني :دوافع هذه الفتوى وأهدافها :
ل أحد يعرف على وجه التحديد دوافع هذه الفتوى التي صدرت
من هذا الشخص أو ذاك ،خاصة وأن هذه المسألة لم تكن قضية
أو مشكلة بين المسلمين وأهل الكتاب ،وأراد هذان الرجلن
البحث عن حل لها؛ حتى الذين يتعصبون للمرأة ويقولون إنهم
يدافعون عن حقوقها لم يطالبوا بما أفتى به هذان الرجلن.
نعم :نحن لم نفهم أن تحريم زواج المسلمة من غير المسلم
يجرها إلى الوراء كما قال أحد الرجلين ،بل إن هذا قول ل يقوله
عاقل .قد يكون لهذا وأمثاله بواطن وسلوكيات ل نعرفها ،وقد
يكونون في مرحلة من الخلل الفكري الذي يحدث عندما تنحرف
النفس فتختلط عليها اللوان فتراها على غير حقيقتها.
وربما يذهب الظن إلى أن هؤلء إنما يبحثون عن منافع ل
يستطيعون الوصول إليها إل إذا أفتوا بمثل هذه الفتاوى ،لتكون
وسيلتهم للوصول إلى هذه المنافع ،بعد أن ظنوا أن المة في
حال من الضعف قد ل تستطيع فيه مواجهتهم ،سيما وهي محاطة
بظروف دولية تبحث فيها عن مأمن من فوضى القوة والسيطرة
التي تسود العالم أو بعض أجزائه .
والغالب أن هؤلء إنما يبحثون فعل ً عن هذه المنافع رغم
معرفتهم بخطأ فتاواهم وفسادها وبطلنها ،وقد حدث مثل هذا
حينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤسس الدولة،
وكان هذا التأسيس يتطلب مواجهة المعادين لها؛ ففي تلك
المرحلة كانت فئة من المنافقين تهتم بمصالحها الدنيوية مع
المعادين لدين الله ،ولم يكن يهمهم من هذا الدين ول من الدولة
إل بقدر ما ينتفعون منه ،وكان على رأس هؤلء عبد الله بن أبي
بن سلول ،وكان هذا يساّر المشركين واليهود خوفا ً على مصالحه
معهم ،مع ظنه السيئ في رسول الله محمد صلى الله عليه
وسلم وما جاء به من دين الله ،واعتقاده أن هذا الدين سوف
يفشل ،وأن الغلبة ستكون للمعادين له .ولم يدرِ هو وأضرابه أن
الله يعلم أسرارهم ودواخلهم فأنزل فيهم قوله تعالى فترى
1005
الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى" أن
تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا
على" ما أسروا في أنفسهم نادمين ( .)1ويقول الذين آمنوا
أهؤلء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت
أعمالهم فأصبحوا خاسرين (.)2
ومع قوة القوى المعادية وسند المنافقين لها إل أن الله نصر دينه
وأعز رسوله ،فأصبح عمل المنافقين مجرد تاريخ يتلى للعتبار
والتعاظ فحسب.
هذا في الماضي ،أما في الزمن المعاصر فقد عرف تاريخ المة
الحديث مرزا غلم أحمد القادياني وجماعته من الجهلة
والمارقين ،وقد أجهد هذا نفسه وحاول إقناع المسلمين وغيرهم
في الهند بوجوب طاعة المستعمر للهند آنذاك ،والنقياد له،
مدعيا ً أن هذا من طاعة الله ،كما حاول تعطيل الجهاد ووصفه
بما يتفق مع عقيدته ومبادئه المنحرفة .وقد عرف الناس من كان
وراءه ومن كان يدفع له المال ،ومع كل ما كان له من زخم
دعاوى أضفاه عليه المستعمر ،إل أن الهنود رفضوا دعاواه،
وجاهدوا بكل قوة لتحرير بلدهم ،وكان من نتيجة هذا الجهاد
تحرر الهند ،وتكوين دولتي الباكستان وبنغلديش المسلمتين،
وبقي مرزا غلم أحمد مجرد اسم في تاريخ الردة وخدمة
المستعمرين .
وفي الختام نقول :إن هؤلء الذين يتجرؤون على الله بهذه
الفتاوى ،ويتوسلون بها إلى القوى الجنبية ،من أجل منافعهم
الشخصية ،إنما يرتكبون خطأ وإثما ً كبيرا ً في حق دينهم وأمتهم.
أما قولهم بأنهم يجتهدون في السلم ويبينون أحكامه فهو قول
باطل ،وإثم مبين ،وقد شدد الله في عقوبة من يحل ما حرمه أو
يحرم ما أحله ،فقال تعالى :ول تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب
هذا حلل وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون
على الله الكذب ل يفلحون ( ،)1متاع قليل ولهم عذاب أليم (.)2
كما بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المة ستبتلى
بأقوام حدد صفاتهم وسلوكهم بقوله( :يخرج في آخر الزمان قوم
أحداث السنان سفهاء الحلم يقرؤون القرآن ل يجاوز تراقيهم
يقولون من قول خير البرية يمرقون من الدين كما يمرق السهم
من الرمية) (.)3
ول يسعنا إل أن نسأل الله عز وجل أن يعز دينه ،ويعلي كلمته،
ل إلى الحق .إنه سميع مجيب. وأن يرد كل ضا ٍ
================
زواج المسلمة من الكتابي
1006
الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداويالمؤلف
نص البحث
زواج المسلمة من الكتابي حرام ومستحله مرتد
1007
الشاهد الغائب فإنه رب مبلغ أسعد من سامع ) . 11فكان من
مقتضيات هذا الميثاق لقوته ومتانته وعظم مسؤوليته أن يجري
بين الزوجين من التحاد والمتزاج وحسن الصحبة والمعاشرة
والولء في الله ما يثقل كاهليهما ويحفظ أسرتهما وذريتهما
ويبرئ ذمتهما عند المساءلة بين يدي الله تعالى.
كذلك أيضا نجد تعظيما آخر من الله عز وجل لهذه العلقة في
مثَل منها مثَلين للولء والبراءَ ، سورة الممتحنة ،إذ جعلها أحد َ
مثَل من إبراهيم عليه السلم مع أبيه وقومه. و َ
ذلك أن محور هذه السورة الكريمة هو عقيدة الولء والبراء،
افتتحت بتحريم موالة أعداء الله ومحبتهم بقوله تعالى:
خذ ُوا عَدوي وعَدوَك ُ َ َ َ
ن إِلَيْهِم م أوْلِيَاء تُلْقُو َ َ ُ ّ ْ ُ ِّ منُوا َل تَت َّ ِ نآ َ ( يَا أيُّهَا ال ّذِي َ
ل وَإِيَّاك ُ ْ
م سو َ ن الَّر ُ جو َ خرِ ُ قّ ي ُ ْ ح ِ ن ال ْ َ م َ جاءكُم ِّ ما َ موَدَّةِ وَقَد ْ َكَفَُروا ب ِ َ بِال ْ َ
َ
سبِيلِي وَابْتِغَاء جهَادا ً فِي َ م ِ جت ُ ْ خَر ْ م َ م إِن كُنت ُ ْ منُوا بِالل ّهِ َربِّك ُ ْ أن تُؤ ْ ِ
َ ما أ َ ْ َ َ
ما أع ْلَنت ُ ْ
م م َو َ خفَيْت ُ ْ م بِ َ موَدَّةِ وَأنَا أع ْل َ ُ ن إِلَيْهِم بِال ْ َ سُّرو َ ضاتِي ت ُ ِ مْر َ َ
َ
ل ) 12 سبِي ِ سوَاء ال َّ ل َ ض ّ م فَقَد ْ َ منك ُ ْ ه ِ من يَفْعَل ْ ُ وَ َ
وختمت كذلك بتحريم اتخاذ الكافرين أولياء في قوله تعالى:
َ َ َ َ
ن
م َ سوا ِ م قَد ْ يَئ ِ ُ ه ع َلَيْهِ ْ ب الل ّ ُ ض َ وما ً غَ ِ منُوا َل تَتَوَل ّوْا قَ ْ نآ َ ( يَا أيُّهَا ال ّذِي َ
ب الْقُبُورِ )13
خرة ك َما يئ ِس الْكُفَّار م َ
حا ِ ص َ نأ ْ ُ ِ ْ اْل ِ َ ِ َ َ َ
مثَلين توضيحيين وبين دفتي هذه السورة ضرب الله تعالى َ
كاشفين لمدى خطورة هذه العقيدة في أهم مفاصلها ،مفصل
العلقة مع الوالدين والقوم ،ومفصل العلقة بين الزوجة وزوجها،
داعيا في الحالتين إلى اتخاذ الميثاق مع الله مقدما على أي
رابطة أخرى ،وحاكما عليها.
توقومه إذ يقول تعالى ( قَد ْ كَان َ ْ َ
الول في علقة إبراهيم بأبيه
م إِنَّا بَُرآء لَك ُ ُ
مهِ ْ َو ِ ه إِذ ْ قَالُوا لِق ْ م َع ُ ن َ م وََال ّذِي َ ة فِي إِبَْراهِي َ سن َ ٌ ح َ سوَة ٌ َ مأ ْ ْ
م ُ
م وَبَد َ َا بَيْنَنَا َوبَيْنَك ُ ُ
رنَا بِك ْ ن اللهِ كفَ َْ ّ من دُو ِ ن ِ ما تَعْبُدُو َ َ م ّ م َو ِ ُ
منك ْ ِ
حدَه ُ إ ِ ّل قَوْ َ َ َ
م
ل إِبَْراهِي َ ه وَ ْ منُوا بِالل ّ ِ حتَّى تُؤ ْ ِ ضاء أبَدا ً َ الْعَدَاوَة ُ وَالْبَغْ َ
يءٍ َّربَّنَا ع َلَي ْ َ َ َ َ َ
ك ش ْ من َ ن الل ّهِ ِ م َ ك ِ ك لَ َ مل ِ ُ ما أ ْ ك َو َ ن لَ َ ستَغْفَِر َّ ِلبِيهِ َل ْ
ك ال ْمصير) ( ، 14لَقَد كَان لَك ُم فيه ُ توكَّلْنا وإلَي َ َ
سوَةٌ مأ ْ ْ ِ ِ َْ َ ْ ك أنَبْنَا وَإِلَي ْ َ َ َ ِ ُ َ َ َ َِ ْ
َ
و
ه هُ َ ن الل ّ َ ل فَإ ِ َّ من يَتَوَ ّ خَر وَ َ م اْل ِ ه وَالْيَوْ َ جو الل ّ َ ن يَْر ُ من كَا َ ة لِ َ سن َ ٌ ح َ َ
ميد ُ ) 15 ح ِ ْ
ي ال َ الغَن ِ ُّ ْ
مثَل الثاني ففي العلقة الزوجية ،إذ حرم الله عز وجل أما ال َ
المرأة المسلمة على الكافر ،بحيث ل تقوم هذه الصرة حق
قيامها إل من خلل الرجل المسلم ذي أهلية تحمل أمانة الوفاء
َ َ
ت منَا ُ مؤ ْ ِ م ال ْ ُ جاءك ُ ُ منُوا إِذ َا َ نآ َ بهذا الميثاق الغليظ{ :يَا َ أي ُّ َها ال ّذِي َ
ن الل ّ َ
تمنَا ٍ مؤ ْ ِ ن ُ موهُ َّ مت ُ ُ ُ ن عَل ِ ْ ن فَإ ِ ْ مانِهِ َّ م بِإِي ََ ه أع ْل َ ُ ُ حنُوهُ َّ مت َ ِ ت فَا ْ جَرا ٍ م َها ِ ُ
ن ل ُه َّ َ ّ َ ّ ٌ َ
ن إِلى الكفّارِ ل هُ َّ َ ُ ْ َ جعُوهُ َّ َ
ن }16 حلو َ م يَ ِ م وَل هُ ْ ل له ُ ْ ح ّ ن ِ فَل تَْر ِ
1008
بهذه الية الكريمة يكون اشتراط السلم في الرجل كي يكون
أهل للزواج من المسلمة ثابتا ثبوتا قطعيا بنص الكتاب .ولئن
ن
شرِكِي َ م ِ حوا ْ ال ْ ُ جادل بعضهم بمحاولة تأويل قوله تعالى( وَل َ تُنك ِ ُ
م أوْلَـئ ِ َ ُ َ
ك جبَك ُ ْ ك وَلَوْ أع ْ َ شرِ ٍ م ْ من ُّ خيٌْر ِّ ن َ م ٌ مؤ ْ ِ منُوا ْ وَلَعَبْد ٌ ُّ حتَّى يُؤْ ِ َ
ن آيَاتِهِ مغْفَِرةِ بِإِذ ْنِهِ وَيُبَي ِّ ُ ْ
جن ّةِ وَال َ َ ْ َ
ه يَدْع ُو إِلى ال َ ّ َ
ن إِل َى الن ّارِ وَالل ُ َ يَدْعُو َ
َ
ن ) ، 17 م يَتَذ َك ُّرو َ س لَعَل ّهُ ْ لِلن ّا ِ
َ
فل حجة لهم فيما ذهبوا إليه ،لن هذه الية نفسها تؤكد حكم
تحريم زواج المسلمة من الكافر .وما محاولة ضرب آية سورة
الممتحنة بآية سورة البقرة إل من تلبيس الهواء والغواية،
والقول بأن أهل الكتاب ليسوا مشركين دعوى ساقطة لتعارضها
مع النقل الصحيح والعقل السليم ،وما الداعي إليها إل كفر بما
جاء عن الله تعالى أو خضوع مذل ومداراة سفيهة ومسايرة
وتزلف للتجبر الكتابي المعاصر.
إن الكفر في الشريعة السلمية هو تكذيب ما جاء عنه عز وجل
بواسطة نبيه -صلى الله عليه وسلم -سواء كان هذا التكذيب
جحودا للسماء والصفات أو الربوبية واللوهية أو إنكارا للنبوة
وما نقل عنها صحيحا ،أو رفضا للشريعة وتعاليمها ،وهو بذلك
متضمن للشرك سواء كان الشرك بعبادة الهواء أو الشجار أو
الحجار أو الرهبان والحبار ،ويدخل فيه بهذه المعاني كلها
اليهودي والنصراني والمشرك واللديني ،فيحرم لذلك على
المسلمة الزواج بأي منهم .لسيما وقد ورد لفظ " الكفار " في
آية التحريم من سورة الممتحنة بصيغة الجمع المعرف ب" أل"
وهي تفيد الستغراق ،أي جميع أصناف الكفرة.
كما أن صريح الكتاب والسنة قد حسم هذا المر حسما قاطعا
حين وردت النصوص المبينة أن أهل الكتاب كفار ومشركون.
فقد قال تعالى:
َ َ َ
د
ح ٌ ه وَا ِ ه إِل ّ إِلَـ ٌ ن إِلَـ ٍ م ْ ما ِ ث َثَلَثَةٍ وَ َ ه ثَال ِ ُ ن الل ّ َ ن قَالُوا ْ إ ِ َّ ( ل ّقَد ْ َ كَفََر ال ّذِي َ
بم عَذ َا ٌ منْهُ ْ ن كَفَُروا ْ ِ ن ال ّذِي َ س َّم َّ ن لَي َ َ ما يَقُولُو َ م يَنتَهُوا ْ ع َ َّ وَإِن ل ّ ْ
م ) 18 ٌ أَلِي
َ
ح
سي ُ م ِ ل ال ْ َ م وَقَا َ مْري َ َ ن َ ح اب ْ ُ سي ُ م ِ ه هُوَ ال ْ َ ن الل ّ َ ن قَالُوا ْ إ ِ َّ ( لَقَد ْ كَفََر ال ّذِي َ
ك بِاللّهِ فَقَ ْ
د شرِ ْ من ي ُ ْ ه َ م إِن َّ َ ُه َربِّي وََربَّك ُ ْ ل اع ْبُدُوا ْ الل ّ َ سَرائِي َ يَا بَنِي إ ِ ْ
َ ْ
صارٍ ) 19 ن أن َ م ْ ن ِ مي َ ما لِلظ ّال ِ ِ مأوَاه ُ النَّاُر وَ َ ة َو َ جن َّ َه ع َلَيهِ ال ْ َ م الل ّ ُ حَّر َ َ
ن الل ّ ِ
ه ح اب ْ ُ سي ُ م ِ صاَرى ال ْ َ ت َالن َّ َ ن اللّهِ وَقَال َ ْ ت الْيَهُ َود ُ عَُزيٌْر اب ْ ُ ( وَقَال َ ِ
م ل قَاتَلَهُ ُ من قَب ْ ُ ن كَفَُروا ْ ِ ل ال ّذِي َ ن قَوْ َ ضاهِئو َ م يُ َ ك قَوْلُهُم بِأفْوَاهِهِ ْ ذَل ِ َ
َ َ َ
ن اللّهِ من دُو ِ م أْربَابا ً ِّ م وَُرهْبَانَهُ ْ حبَاَرهُ ْ خذ ُوا ْ أ ْ ن ،ات َّ َ ه أنَّى يُؤْفَكُو َ الل ّ ُ
َ َ مُروا ْ إِل َّ لِيَعْبُدُوا ْ إِلَـها ً وَا ِ ُ
ه إِل ّ هُ َ
و حدا ً ل ّ إِلَـ َ ما أ ِ م َو َ مْري َ َ ن َ ح اب ْ َ سي َ م ِ وَال ْ َ
ن }20 شرِكُو َ ما ي ُ ْ ه عَ َّ حان َ ُسب ْ َ ُ
1009
هذه اليات صريحة في أن اليهود والنصارى مشركون ،لسيما
مُروا ْ إِل َّ لِيَعْبُدُواْ ُ
ما أ ِ عندما عقب على الية الثالثة بقوله تعالى ( َو َ
َ َ
ن ) ،وعلى الثانية شرِكُو َ ما ي ُ ْ ه ع َ َّ حان َ ُسب ْ َ ه إِل ّ هُوَ ُ حدا ً ل ّ إِلَـ َ إِلَـها ً وَا ِ
مأوَاه ُ النَّاُر ْ
ة وَ َ جن َّ َ ه ع َلَيهِ ال ْ َ م الل ّ ُ حَّر َ ك بِاللّهِ فَقَد ْ َ شرِ ْ من ي ُ ْ ه َ بقوله(َ :إِن َّ ُ
صارٍ). وما لِلظ ّال ِمين م َ
ن أن َ ِ َ ِ ْ َ َ
تبين هذه المعاني كلها وتؤكدها سنة النبي صلى الله عليه وسلم،
فقد تواتر عنه عليه الصلة والسلم أنه كان يسمي كل من كان
كافرا بالمشرك وكان الكفار في عهده ما بين يهودي ونصراني
وعابد وثن ومستشفع به ومنكر للبعث والتكليف.
كما روى العمش وسفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي
خذ ُوا البختري قال :سئل حذيفة عن قول الله عز وجل ( :ات َّ َ
َ أ َحبارهُم ورهْبانه َ
ن الل ّهِ ) ،هل عبدوهم؟ فقال : ن دُو ِ م ْ م أْربَابًا ِ ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ
ل ،ولكن أحلوا لهم الحرام فاستحلوه ،وحرموا عليهم الحلل ّ
فحرموه 21.
وروى الترمذي عن عدي بن حاتم قال :أتيت النبي صلى الله
عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب ،فقال" :ما هذا يا
عدي ؟ اطرح عنك هذا الوثن" ،وسمعته يقرأ من سورة براءة :
َ خذ ُوا أ َحبارهُم ورهْبانه َ
م، مْري َ َ ن َ ح اب ْ َ سي َ م ِ ن الل ّهِ وَال ْ َ ن دُو ِ م ْ م أْربَابًا ِ ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ ات َّ َ
ثم قال " :أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ،ولكن كانوا إذا أحلوا لهم
شيئا ً استحلّوه ،وإذا حّرموا عليهم شيئا ً حرموه " .22
وفي رواية البيهقي ( :أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي
عنقي صليب من ذهب فسمعته يقول اتخذوا أحبارهم ورهبانهم
أربابا من دون الله ،قال :قلت يا رسول الله إنهم لم يكونوا
يعبدونهم ،قال :أجل ولكن يحلون لهم ما حرم الله فيستحلونه
ويحرمون عليهم ما أحل الله فيحرمونه فتلك عبادتهم لهم ) 23
وتقتضي هذه النصوص القطعية من الكتاب والسنة أن الكفر
يتضمن الشرك مبنى ومعنى وشرعا ،إذ لو كان غير ذلك لوجب
ه لَ ن الل ّ َ أن يغفر الله عز وجل لهل الكتاب بمقتضى قوله { :إ ِ َّ
ك شرِ ْ من ي ُ ْ شاءُ َو َ من ي َ َ ك لِ َ ن ذَل ِ َ ما دُو َ ك بِهِ وَيَغْفُِر َ شَر َ يَغْفُِر أَن ي ُ ْ
بِاللّهِ فَقَد ِ افْتََرى إِثْما ً عَظِيما ً } .24وهذا المعنى باطل بطلنا بينا.
منُوا ْ وَلَعَب ْ ٌ
د حتَّى يُؤْ ِ ن َ شرِكِي َ م ِ حوا ْ ال ْ ُ كما أن قوله تعالى{ وَل َ تُنك ِ ُ
ُ شرك ول َ َ
ن إِل َ َى النَّارِ وَالل ّ ُ
ه ك يَدْع ُو َ م أوْلَـئ ِ َ جبَك ُ ْ و أع ْ َ ْ َ م ْ ِ ٍ من ُّ خيٌْر ِّ ن ٌَ مؤْ ِ
م ُّ
َ
ن م يَتَذ َك ُّرو َ س لَعَل ّهُ ْ َ
ن آيَاتِهِ لِلن ّا ِ فَرةِ بِإِذ ْنِهِ وَيُبَي ِّ ُ مغْ ِ جنَّةِ وَال ْ َ يَدْع ُوَ إِلَى ال ْ َ
} 25يهدم ما ذهب إليه المبطلون لسيما بتعقيب الله في نهاية
ن إِلَى النَّارِ ) لن علة التحريم في ك يَدْعُو َ الية بقوله (أُوْلَـئ ِ َ
المشركين وهي الدعوة إلى النار قائمة في أهل الكتاب أيضا.
1010
هذه المعاني كلها بينتها السنة النبوية المطهرة ولخصتها قول
وعمل ،فقد أخرج ابن جرير عن جابر بن عبد الله قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " نتزوج نساء أهل الكتاب ول يتزوجون
نساءنا " 26وعند عبد الرزاق وابن جرير عن عمر بن الخطاب
قال " المسلم يتزوج النصرانية ول يتزوج النصراني المسلمة "27
وعند عبد بن حميد عن قتادة قال " أحل الله لنا محصنتين
محصنة مؤمنة ومحصنة من أهل الكتاب نساؤنا عليهم حرام
ونساؤهم لنا حلل " . 28
إن تحريم زواج المسلمة بغير المسلم يعد من المسائل التي لم
يختلف عليها المسلمون ،والتي تواتر إجماعهم عليها منذ عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ فرق بين بنته زينب وزوجها
المشرك ثم ردها إليه بعد إسلمه ،29إلى يومنا هذا ،وما ذلك إل
لما فهموه من الكتاب والسنة قطعيا ،ولم يشذ عن هذا الحكم إل
شرذمة من ذوي الهواء والضلل ،قدامى ومعاصرين ممن باعوا
أنفسهم لغير الله تعالى.
إن زواج المسلمة بغير المسلم ولو كان جهل منها ل استحلل،
يؤدي بها إلى الكفر مهما حاذرت وحرصت ،لن مآل هذا الزواج
أن يخل بعقيدتها ولء وبراء.
ذلك أن الولء شرعا هو محبة الله ورسوله وطاعتهما ومحبة
المسلمين في الله ونصرتهم ،والبراء هو بغض من كفر بالله
ورسوله وشريعة السلم ،أو أنكر الرسالة ومرسلها والمرسل
َّ
ن بِاللهِ منُو َ وما ً يُؤ ْ ِ جد ُ قَ ْ بها ،أو حارب أهلها ،بدليل قوله َ تعالى ( َل ت َ ِ
م أ َ ْو ه وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُ ْ سول َ ُ ه وََر ُ حاد َّ الل ّ َ ن َ م ْن َ خرِ يُوَادُّو َ وَالْيَوْم ِ اْل ِ
م ) .30 خوانه َ أَبناءهُ َ
شيَرتَهُ ْ م أوْ ع َ ِ م أوَْ إ ِ ْ َ َ ُ ْ ْ َْ
م َ َ ْ ْ َ ْ
منُوا ل َ تَت ّ ِ ّ ُ َ
ضهُ ْ صاَرى أوْلِيَاء بَعْ ُ خذ ُوا اليَهُود َ وَالن ّ َ َ نآ َ ( يَا أي ّهَا الذِي َ
َ
ه ل َ يَهْدِي الْقَوْ َ
م ن الل ّ َ م إ ِ َّ منْهُ ْه ِ م فَإِن َّ ُ منك ُ ْ من يَتَوَل ّهُم ِّ ض وَ َأوْلِي ََاء بَعْ ٍ
ن ) .31 مي َ الظ ّال ِ ِ
َ َ َ َ
م ع َلَى أعْقَابِك ُ ْ
م ن كَفَُروا ْ يَُردُّوك ُ ْ منُوَا ْ إِن تُطِيعُوا ْ ال ّذِي َ نآ َ ( يَا أيُّهَا ال ّذِي َ
ن ) .32 سرِي َ خا ِ فَتَنقَلِبُوا ْ َ
َ
نمن دُو ِ ما لَكُم ِّ م النَّاُر وَ َ سك ُ ُ م َّ موا ْ فَت َ َ ن ظَل َ ُ ( وَل َ تَْركَنُوا ْ إِلَى ال ّذِي َ
ن ) 33 صُرو َ م ل َ تُن َ ن أَوْلِيَاء ث ُ َّ م ْ اللّهِ ِ
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :أوثق عرى اليمان الحب
في الله والبغض في الله 34
وعن عمرو بن الجموح أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم
يقول ل يحق العبد حق صريح اليمان حتى يحب لله تعالى
ويبغض لله فإذا أحب لله تبارك وتعالى وأبغض لله تبارك وتعالى
1011
فقد استحق الولء من الله وإن أوليائي من عبادي وأحبائي من
خلقي الذين يذكرون بذكري وأذكر بذكرهم 35
وعن عمرو بن الجموح أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم
يقول :ل يحق العبد صريح اليمان حتى يحب لله ويبغض لله فإذا
أحب لله تبارك وتعالى وأبغض لله فقد استحق الولية من الله 36
وعن معاذ أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل
اليمان قال أن تحب لله وتبغض لله وتعمل لسانك في ذكر الله
قال وماذا يا رسول الله قال وأن تحب للناس ما تحب لنفسك
وتكره لهم ما تكره لنفسك 37
وعن البراء بن عازب قال كنا جلوسا عند النبي صلى اللهم عليه
وسلم فقال أي عرى السلم أوسط قالوا الصلة قال حسنة وما
هي بها قالوا الزكاة قال حسنة وما هي بها قالوا صيام رمضان
قال حسن وما هو به قالوا الحج قال حسن وما هو به قالوا
الجهاد قال حسن وما هو به قال إن أوسط عرى اليمان أن تحب
في الله وتبغض في الله 38
وعن البراء بن عازب قال :قال النبي صلى الله عليه وسلم:
أتدرون أي عرى اليمان أوثق؟ قلنا الصلة ،قال :الصلة حسنة
وليست بذلك ،قلنا الصيام ،فقال مثل ذلك ،حتى ذكرنا الجهاد
فقال مثل ذلك ،ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :أوثق
عرى اليمان الحب في الله عز وجل والبغض في الله 39
وبما أن الزوجة المسلمة في الصل بفطرتها ومقتضيات دينها
تحب زوجها وتواليه وتطيعه وتنصره ،فإن كان زوجها كافرا كان
ة للكفر ونصرةً ة ضمني ً
ولؤها ومحبتُها له ونصرتهُا إياه محب ً
ة لعداء ربها ورسوله ومبغضيهما ،وهذا يتعارض مع العقيدة وطاع ً
السليمة ويهدمها.
خلصة ما نصل إليه في هذا المبحث أن زواج المسلمة من غير
المسلم ،الكتابي 40يهوديا كان أو نصرانيا ،والمشرك واللديني،
ل يجوز شرعا ،ومحرم بإجماع كل المذاهب السلمية على
اختلفها ،ول يوجد رأي فقهي واحد يؤيد هذه المسألة ،ل في
كتب المتأخرين ول المتقدمين ول في أقوالهم
وأن إنكار حكم التحريم هذا يوجب ردة القائل به ،لنه معلوم من
الدين بالضرورة ،وغير خفي على عامة المسلمين وسوقتهم بله
علمائهم وسراتهم ،وغني عن البيان التذكير بحكمة هذا التحريم
وضرورته لحفظ العراض دينا ونسل ومجتمعا سويا وأمة قوية
رائدة ،وإن كانت النصوص المحرمة لزواج المسلمة من غير
المسلم متضمنة كل هذه المعاني.
-----------------------------------
1012
1 [ - ]1النساء
[ - ]2العراف 189
[ - ]3الروم 21
[ - ]4الزمر 6
[ - ]5الواو والثاء والقاف كلمة تدل على عقد وإحكام ،والفعل :
وثق به على وزن "ورث" ثقة وموثقا ووثاقة ووثوقا :ائتمنه،
والميثاق هو العهد المحكم ،والمواثقة المعاهدة ، ،وأخذ الله
ميثاق النبيئين أخذ العهد عليهم.
[ - ]6النساء 21
[ - ]7الحزاب 7
[ - ]8النساء 154
[ - ]9النساء 21
[ - ]10صحيح مسلم رقم – 2137ابن ماجه – 3065الدارمي 1778
]11[ -مجمع الزوائد
[ - ]12الممتحنة 1
[ - ]13الممتحنة 13
[ - ]14الممتحنة 4
[ - ]15الممتحنة 6
]16[-الممتحنة 10
[ - ]17البقرة 221
[ - ]18المائدة 73
[ - ]19المائدة 72
[ - ]20التوبة 31 – 30
[ - ]21تفسير القرطبي 8/120
[ - ]22سنن الترمذي رقم 3020
[ - ]23السنن الكبري للبيهقي 10/116
[ - ]24النساء 48
[ - ]25البقرة 221
[ - ]26حدثنا تميم بن المنتصر أخبرنا إسحاق الزرقي عن شريك
عن أشعث بن سوار عن الحسن عن جابر بن عبد الله قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم نتزوج نساء أهل الكتاب ول
يتزوجون نساءنا ثم قال وهذا الخبر وإن كان في إسناده مافيه
فالقول به لجماع الجميع من المة عليه كذا قال ابن جرير رحمه
الله .تفسير ابن كثير ، 1/258أقول وصحة معنى هذا الحديث تأتي
من موافقته للقرآن عند عرضه عليه كما أمر الرسول صلى الله
عليه وسلم.
[ - ]27تفسير الطبري ، 2/278تفسير ابن كثير 1/258
1013
6/108 [ - ]28عون المعبود ،8/9تفسير الطبري
[ - ]29المستدرك على الصحيحين .3/25
[ - ]30المجادلة 22
[ - ]31المائدة 51
[ - ]32آل عمران 149
[ - ]33هود 113
[ - ]34مصنف ابن أبي شيبة 6/172
[ - ]35أحمد مسند المكيين -14998ج ،3/430فتح الباري ،1/47
الفردوس بمأثور الخطاب 5/152
[ - ]36مجمع الزوائد ،1/89رواه أحمد وفيه رشدين بن سعد وهو
منقطع ضعيف.
[ - ]37أحمد مسند النصار ،21113مجمع الزوائد 1/61
[ - ]38أحمد مسند الكوفيين 17793
[ - ]39مسند الطيالسي ،1/101شعب اليمان 1/46
[ - ]40أطلق لفظ" كتابي" على اليهود والنصارى لكونهم كانوا
أصحاب كتاب منزل ،ولكنهم حرفوه وأشركوا بالله ما لم ينزل به
سلطانا ،وهو ما أشارت إليه اليتان 31 -30من سورة التوبة .وإل
فهم في الشرك مع المشركين سواء
---------------------
في ظل إجماع الفقهاء قديما وحديثا على حكمه :زواج المسلمة
بغير المسلم ..حرام
إعداد /عبد القادر علي ورسمة
في ظل إجماع الفقهاء قديما وحديثا على حكمه :زواج المسلمة
بغير المسلم ..حرام
إعداد /عبد القادر علي ورسمة
إن زواج المسلمة بغير المسلم يعد من المسائل التي لم يختلف
عليها الفقهاء ،ومن المسائل التي قد أجمعوا على حرمتها ،ولكن
للسف بدأنا نسمع أصواتا ً ونقرأ لناس ل دخل لهم بالعلم
الشرعي يهرفون بما ل يعرفون ويفتون بغير علم ول هدي ول
كتاب منير حول زواج المسلمة من غير المسلم كتابيا ً كان أم
مشركا ً داخل البلد السلمية أو خارجها فالحكم واحد ،وقد حاول
بعض المستشرقين ومن لف لفهم من العلمانيين سابقا
ويحاولون الن إثارة بعض الزوابع في كثير من المسائل
الشرعية ،ومنها قضية زواج المسلمة بغير المسلم ،ونصوص
الكتاب والسنة واضحة كل الوضوح في هذه المسألة حيث قال
نم ْخيٌْر ِ ة َ من َ ٌمؤْ ِة ُم ٌ
ن ،وَل َ حتَّى يُؤ ْ ِ
م َّ ت َ شرِكَا ِ حوا ال ْ ُ
م ْ تعالى- :وَل تَنك ِ ُ
َ
منُوا ،وَلَعَبْدٌ حتَّى يُؤ ْ ِن َ
شرِكِي َ م ْ حوا ال ْ ُم .وَل تُنك ِ ُ شرِكَةٍ وَلَوْ أع ْ َ
جبَتْك ُ ْ م ْ
ُ
1014
ن إِلَى النَّارِ، م .أُوْلَئ ِ َ
ك يَدْع ُو َ ْ جبَك ُ شرك ول َ َ
و أع ْ َم ْ ِ ٍ َ ْ ن ُ
م ْ خيٌْر ِن َ
م ٌ مؤْ ِ
َ َّ َ ْ َ ْ َ ُ َّ
مس لعَلهُ ْ ن آيَاتِهِ لِلن ّا ِ
مغْفَِرةِ بِإِذ ْنِهَ ِ،ويُبَي ِّ ُ جن ّةِ وَال َه يَدْع ُو إِلى ال َ وَالل ُ
َ
ن- -البقرة.221/ يَتَذ َك ُّرو َ
ودلّت الية بوضوح على تحريم زواج المسلمة من المشرك
وحتى لو كان كتابياً ،ولو أعجبها وأعجب أهلها ،طالما بقي على
شركه ،وعلّة التحريم هي الشرك.
وزواج المسلمة من المشرك ،محرم بنص الية ،ويشمل غير
المسلمين جميعا ً سواء كانوا كتابيين أم غير كتابيين.
قال المام الطبري في تفسير هذه الية- :والمحصنات من الذين
أوتوا الكتاب من قبلكم -يعني :والحرائر من الذين أعطوا الكتاب
وهم اليهود والنصارى الذين دانوا بما في التوراة والنجيل من
قبلكم أيها المؤمنون بمحمد من العرب وسائر الناس أن
تنكحوهن أيضا ً - ،إذا آتيتموهن أجورهن -يعني :إذا أعطيتم من
نكحتم من محصناتكم ومحصناتهم أجورهن؛ وهي :مهورهن
-تفسير الطبري .-6/104
وقال المام الطبري أيضا :القول في تأويل قوله تعالى - :ول ً
تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو
أعجبكم -يعني تعالى ذكره بذلك :أن الله قد حرم على
المؤمنات أن ينكحن مشركا ً كائنا ً من كان المشرك ،ومن أي
أصناف الشرك كان ،فل تنكحوهن أيها المؤمنون منهم فإن ذلك
ن من عبد مؤمن مصدق بالله جوه ّ ن تَُزوّ ُحرام عليكم ،ول ْ
ن من جوه ّ وبرسوله وبما جاء به من عند الله خير لكم من أن تَُزوّ ُ
حر مشرك ولو شرف نسبه وكرم أصله ،وإن أعجبكم حسبه
ونسبه.
1015
تعبدي ،وإذا أردنا أن نلتمس حكمة لذلك فيمكن أن يقال :إن
السلم عندما أباح للرجل الزواج من الكتابية ،فإنه أمر الزوج أن
يحترم دينها لن المسلم يؤمن بجميع النبياء ،أما غير المسلم إذا
تزوج من مسلمة فإنه ل يحترم عقيدتها ،و ل يؤمن بنبيها مما
يوقد النار في المنزل ويمنع السكينة والرحمة التي قوام البيوت
عليها ،ويمكن أن يخرجها عن دينها لما عنده من الكره والبغض
للسلم والمسلمين؛ فلهذا منع السلم مثل هذا الزواج ،وقال
تعالي - :ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حتى تتبع ملتهم.-
المسلمة والكتابي
ً ً
إن زواج المسلمة من الكتابي سواء كان يهوديا أم نصرانيا أم
مشركا ً غير كتابي ل يجوز شرعا ،وذلك بإجماع كل المذاهب
السلمية على اختلفها ،ول يوجد رأي فقهي واحد يؤيد هذه
المسألة ،ل في كتب المتأخرين ول المتقدمين ول في أقوالهم،
ونطالب من أهل الهواء الذين يدعون بجواز هذا المر بداعي
العولمة ومساواة الجميع أن يأتوا بأي عالم من علماء المسلمين
أفتى بجواز هذا المر ،وإل فليسكتوا عن إلقاء الشبهات التي ل
تستند إلى شيء؛ لن ديننا السلمي الحنيف ل يعتمد على الهواء
بل يعتمد على نصوص شرعية من الكتاب والسنة ،وأقوال أهل
العلم البعيدة عن الهواء والبدع.
فتوى المجمع
وقد أصدر مجمع الفقه السلمي فتوى عن استفسار ورد إليهم
من قبل بعض المسلمين في الغرب ،وكان كالتالي :ما حكم زواج
المسلمة بغير المسلم خصوصا ً إذا طمعت في إسلمه بعد الزواج
حيث تدعي مسلمات كثيرات أنه ل يتوافر لهن الكفاء من
المسلمين في غالب الحيان ،وأنهن مهددات بالنحراف أو يعشن
في وضع شديد الحرج؟ الجواب :زواج المسلمة بغير المسلم
ممنوع شرعا ً بالكتاب والسنة والجماع .وإذا وقع فهو باطل ،ول
تترتب عليه الثار الشرعية المترتبة على النكاح ،والولد
المولودون عن هذا الزواج أولد غير شرعيين ،ورجاء إسـلم
الزواج ل يغير من هذا الحكم شيئا ً .
-وعليه فإن زواج المسلمة بغير المسلم محرم بإجماع
المسلمين ،بل وقد يؤكد العلماء بأن استحلل هذا المر قد يؤدي
إلى الكفر والخروج من السلم.
وإلى حرمة نكاح المسلمة بغير المسلم وبطلن هذا النكاح
يشير قول الله جل وعل- :ول تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا
ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار
والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه -البقرة.221/:
1016
وقول الله تعالى - :يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات
مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات
فل ترجعوهن إلى الكفار ل هن حل لهم ول هم يحلون لهن-
الممتحنة.10/
-وقد حرمت هذه الية المسلمات على المشركين ،وقد كان
جائزا في ابتداء السلم أن يتزوج المشرك المؤمنة ثم نسخ بعد
ذلك.
يقول الشافعي رحمه الله :فإن أسلمت المرأة ،أو ولدت على
السلم ،أو أسلم أحد أبويها وهي صبية لم تبلغ حرم على كل
مشرك كتابي ووثني نكاحها بكل حال.
مثل أولد الزنا
وقد قرر فقهاؤنا السابقون أن من ينشأ عن هذه العلقة
المحرمة من أولد فإن مثلهم مثل أولد الزنا ل يثبت لهم نسب،
ول يتقرر لهم ميراث من الزاني ،فإن ماء الزنا هدر ل يثبت به
نسب ول يتقرر به ميراث لقوله صلى الله عليه وسلم - :الولد
للفراش وللعاهر الحجر -فالولد ينسب لصاحب الفراش الشرعي
وهو الزوج ،وحيث ليوجد مثل هذا الفراش في هذه الواقعة
لبطلن عقد النكاح فل يثبت نسب ،ول يتقرر ميراث إل بين الولد
وبين أمه ،أما بينه وبين الزاني فل توارث وذلك لسببين :لختلف
الدين من ناحية؛ لن الولد مسلم بالتبعية لمه ،والزاني من أهل
الكتاب ،وقد قررت الشريعة المطهرة عدم التوارث عند اختلف
الدين ،فقد قال صلى الله عليه وسلم- :ل يتوارث أهل ملتين
شتى.-
-وعلىه نرى أن حكم الشرع في هذه المسألة واضح جداً ،وأنه ل
يوجد دليل واحد يدل على جواز هذا المر ،وإن كان بعض أهل
الهواء من العلمانيين وغيرهم يحاولون إثارة الشبهات ،حتى
يتمكنوا من تغيير بعض ثوابت الدين عند المسلمين ،وذلك لتكوين
ثقافة عالمية واحدة،ودور المم المتحدة وتدخلها في شؤون
المرأة ومحاولتها إقناع العالم بالمساواة المطلقة بين الرجل
والمرأة وتدخلتها السافرة في شؤون الدول واضح لكل ذي
نظر ،مما يدل على أن إثارة مثل هذه المواضيع في هذه اليام
يخدم أجندة خارجية تسعى إلى طمس ثوابت المة وهويتها
وثقافتها ،وهذا مخالف لمبادئ حقوق النسان التي يتبجح بها
الغرب وأذنابه من العلمانيين ،والتي تنص على وجوب احترام
الثقافات والديان.
-وعلى المسلم أن يكون حذرا ً من هذه الفكار الهدامة وينبغي
أن يلتزم بكتاب الله وسنة رسوله ،وعلى فهم سلف المة خير
1017
القرون قاطبة؛ قال تعالى- :وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى
الله ورسوله أمرا ً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ،ومن يعص
الله ،ورسوله فقد ضل ضلل مبينا- -الحزاب.-26-
-------------------
-168هل صحيح أن السلم ضد حرية العتقاد ؟
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
الرد على الشبهة:
1ـ لقد كفل السلم للنسان حرية العتقاد .وجاء ذلك فى وضوح
تام فى القرآن الكريم( :ل إكراه فى الدين ) ( .)1فل يجوز إرغام
أحد على ترك دينه واعتناق دين آخر .فحرية النسان فى اختيار
دينه هى أساس العتقاد .ومن هنا كان تأكيد القرآن على ذلك
تأكيدًا ل يقبل التأويل فى قوله( :فمن شاء فليؤمن ومن شاء
فليكفر ) (.)2
2ـ وقد أقر النبى صلى الله عليه وسلم الحرية الدينية فى أول
دستور للمدينة حينما اعترف لليهود بأنهم يشكلون مع المسلمين
أمة واحدة.
ومن منطلق الحرية الدينية التى يضمنها السلم كان إعطاء
الخليفة الثانى عمر بن الخطاب للمسيحيين من سكان القدس
المان " على حياتهم وكنائسهم وصلبانهم ،ل يضار أحد منهم ول
يرغم بسبب دينه ".
ضا حرية المناقشات الدينية على أساس 3ـ لقد كفل السلم أي ً
موضوعى بعيد عن المهاترات أو السخرية من الخرين .وفى ذلك
يقول القرآن( :ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة
وجادلهم بالتى هى أحسن ) ( .)3وعلى أساس من هذه المبادئ
السمحة ينبغى أن يكون الحوار بين المسلمين وغير المسلمين ،
وقد وجه القرآن هذه الدعوة إلى الحوار إلى أهل الكتاب فقال:
(قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل
الله ول نشرك به شيئًا ول يتخذ بعضنا بع ً
ضا أربابًا من دون الله *
فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) ( .)4ومعنى هذا أن
الحوار إذا لم يصل إلى نتيجة فلكل دينه الذى يقتنع به .وهذا ما
ضا الية الخيرة من سورة (الكافرون) التى ختمت عبرت عنه أي ً
بقوله تعالى للمشركين على لسان محمد صلى الله عليه وسلم:
(لكم دينكم ولى دين ) (.)5
4ـ القتناع هو أساس العتقاد :فالعقيدة الحقيقية هى التى تقوم
على القناع واليقين ،وليس على مجرد التقليد أو الرغام .وكل
فرد حر فى أن يعتقد ما يشاء وأن يتبنى لنفسه من الفكار ما
يريد ،حتى ولو كان ما يعتقده أفكاًرا إلحادية .فل يستطيع أحد أن
1018
يمنعه من ذلك طالما أنه يحتفظ بهذه الفكار لنفسه ول يؤذى بها
أحدًا من الناس .أما إذا حاول نشر هذه الفكار التى تتناقض مع
معتقدات الناس ،وتتعارض مع قيمهم التى يدينون لها بالولء ،
فإنه بذلك يكون قد اعتدى على النظام العام للدولة بإثارة الفتنة
والشكوك فى نفوس الناس .وأى إنسان يعتدى على النظام
العام للدولة فى أى أمة من المم يتعرض للعقاب ،وقد يصل
المر فى ذلك إلى حد تهمة الخيانة العظمى التى تعاقب عليها
معظم الدول بالقتل .فقتل المرتد فى الشريعة السلمية ليس
لنه ارتد فقط ولكن لثارته الفتنة والبلبلة وتعكير النظام العام
فى الدولة السلمية .أما إذا ارتد بينه وبين نفسه دون أن ينشر
ذلك بين الناس ويثير الشكوك فى نفوسهم فل يستطيع أحد أن
يتعرض له بسوء ،فالله وحده هو المطلع على ماتخفى الصدور.
وقد ذهب بعض العلماء المحدثين إلى أن عقاب المرتد ليس فى
الدنيا وإنما فى الخرة ،وأن ما حدث من قتل للمرتدين فى
السلم بناء على بعض الحاديث النبوية فإنه لم يكن بسبب
الرتداد وحده ،وإنما بسبب محاربة هؤلء المرتدين للسلم
والمسلمين (.)6
( )1البقرة.256 :
( )2الكهف.29 :
( )3النحل.125 :
( )4آل عمران.64 :
( )5الكافرون.6 :
( )6راجع :الحرية الدينية فى السلم للشيخ عبد المتعال
الصعيدى ص 88 ،73 ،3،72ـ دار الفكر العربى ـ الطبعة الثانية (دون
تاريخ).
-------------------
حقوق الفراد في ظل السلم
عبد الوهاب خلف
لقد اعطى السلم الفرد حقوقا مثل الحقوق التي اعطته اياه
المدنية المعاصرة ولكن حصرتها بقيود تتناسب والظروف
الجتماعية والبيئية التي يعيشها الفرد .وجميع هذه الحقوق على
تعددها ترجع إلى أمرين عامين :الول الحرية الشخصية ،والثاني
المساواة بين الفراد في الحقوق المدنية والسياسية.
الحرية الشخصية
المراد من الحرية الشخصية أن يكون الشخص قادرا ً على
التصرف في شؤون نفسه وفي كل ما يتعلق بذاته ،آمنا ً من
العتداء عليه في نفس أو عرض أو مال أو مأوى أو أي حق من
1019
حقوقه ،على أن ل يكون في تصرفه عدوان على غيره .ومن هذا
التعريف يتبين أن الحرية الشخصية تتحقق بتحقق أمور؛ وأنها
معنى مكون من حريات عدة وهي :حرية الذات ،وحرية المأوى،
وحرية الملك ،وحرية العتقاد ،وحرية الرأي ،وحرية التعليم .ففي
تأمين الفرد على هذه الحريات كفالة لحريته الشخصية ،وهذا ما
قرره السلم في شأن هذه الحريات.
الحرية الفردية أو حرية الذات
من الفرد على ذاته من أي اعتداء: في أحكام السلم ما يقرر ويؤ ّ
وذلك أن السلم حد حدودا ً بأوامره ونواهيه؛ وشرع لمجاوزة هذه
الحدود عقوبات ،بعضها مقدرة وهي الحدود ،وبعضها موكول
تقديره إلى ولة المر وهي التعازير ،فل جريمة إل ّ في تعدي
حدود الله ،ول عقوبة إل ّ على وفق شرع الله .واتفقت كلمة
علماء السلم على أن العقوبات مما ل تثبت بالرأي والقياس
وأنها ل تثبت إل ّ بالنص ،وجاء في القرآن الكريم قوله عز شأنه:
َ َ
ممن اع ْتَدَى ع َلَيْك ُ ْ ن) وقوله تعالى( :فَ َ مي َن إِل ّ ع َلَى الظ ّال ِ ِ (فَل َ عُدْوَا َ
م) .ففي النهي عن العدوان إلّ ما اع ْتَدَى ع َلَيْك ُ ْ ل َ مث ْ ِ فَاع ْتَدُوا ع َلَيْه ب ِ ِ
على ظالم ،وفي المر بأن يكون العتداء على الظالم مماثلً
لعتدائه ل يزيد ،وفي قصر الجريمة على مخالفة حدود الله ،ومنع
تشريع العقوبات بالرأي والقياس كفالة للحرية الفردية وتأمين
سنة رسوله، من العتداء على الذات .وجميع ما في كتاب الله و ُ
مي ،يؤيد حرية الذات من النهي عن الظلم واليذاء للمسلم والذ ّ
وأمان النسان من أذى غيره.
حرية المأوى
في أحكام السلم ما يكفل هذه الحرية .فإن النفي والبعاد
عقوبة لم يذكرها القرآن الكريم إل ّ جزاء للذين يحاربون الله
َ ورسوله ويسعون في الرض فساداً .قال تعالى( :إِن َّ َ
جَزآؤ ُ الذ ّي َ
ن ما َ
َ ن فِي الَر
سادا ً أن يُقَتَّلُوا أوْ ض فَ َ ِ سعَو َ ه وَي َ ْ سول َ ُ ه وََر ُ
َ ن الل َ حارِبُو َ
َ
يُ َ
َ َ َ َ َ
ض
ن الر ِ م َ ف أو يُنفَوا ِ خل َ ٍ ن ِ م ْ جلُهُم ِّ م وأر ُ صل ّبُوا أوْ تُقَط ّعَ أيْدِيه ْ يُ َ
َ
م). ب عَظِي ٌ خَرةِ عَذ َا ٌ م فِي ال ِ خزيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُ ْ ك ِ ذَل ِ َ
وفي القرآن الكريم والسنة تقرير حرمة المسكن قال تعالى( :يا
ْ أَيُها الذَّين أ َ
سوا ستَأن ِ ُ حتَّى ت َ ْ م َ ْ خلُوا بُيُوتا ً غَيَْر بُيُوتِك ُ منُوا ل َ تَد ْ ُ َ َ ّ
َّ َ ّ ُ َّ ُ َ َّ ُ َ َ ّ
جدُوا ن ،فإِن لم ت َ ِ م تَذ َكرو َ م لعَلك ْ خيٌر لك ْ م َ موا ع َلى أهْلِهَا ذَلِك ْ وَتُسل ِ ُ
َ
جعُوا م اْر ِ م ،وَإِن قِيَل لَك ُ ْ ن لَك ُ ْ حتَّى يُؤْذ َ َ خلُوهَا َ حدا ً فَل َ تَد ْ ُ فِيهَا أ َ
َ
م).ن عَلِي ٌ ملو َ ما تَعْ َ ه بِ َم ،واَلل ُ جعُوا ،هُوَ أْزكَى لَك ُ ْ فَار ِ
وقال عليه الصلة والسلم" :إذا استأذن أحدكم ثلثا ً فلم يؤذن له
فليرجع".
حرية الملكية
1020
السلم أقر هذه الحرية وكفلها بأحكام عدة:
منها أن كل ما شرعه الله من التصرفات التي تفيد نقل ملكية
العين أو منفعتها ،من بيع وإجارة وقرض وغيره ،جعل أساس
صحته ونفاذه حرية المتصرف ورضاه واختياره .فالركن الول
لصحة المبادلت المالية التراضي والصل في هذا قوله عز
َ َ َ ْ وشأنه( :يا أَيُها الذَّي َ
ل إل ّ أن م بَيْنَكُم بِالبَاط ِ ِ موَالَك ُ ْ منُوا ل َ تَأكُلُوا أ ْ نأ َ َ َّ
م). منك ُ ْ ض ِّ جارة ً ع َن تََرا ٍ ن تِ َ تَكُو َ
ومنها النهي في مواضع عدة في القرآن والسنة عن التعدي على
مال الغير وأخذه من مالكه بغير حق ،قال تعالى( :وَل َ تَأْكُلُوا
أ َموالَكُم بينكُم بالباطل وتدلُوا بها إلى ال َ
نم ْ حك ّام ِ لِتَأكُلُوا فَرِيقا ً ِّ ُ َِ ِ ِ َ ِ ِ َُ ْ ََْ ْ َ
َ َ َ َ َ َ
ن الذ ّي َ
ن ن) وقال عز شأنه( :إ ِ ّ مو َ م تَعْل ُ س بِالِثْم ِ وَأنت ُ ْ ِ ل الن ّا ِ موَا أ ْ
م نَاراً ْ يأْكُلُو َ
ن فِي بُطُونِهِ ْ مى ظُلما ً إِنَّما يَأكُلُو َ ل اليَتَا َ موَا َ نأ ْ َ َ
ً
سعِيرا). ن َ صلو َ َ سي َ ْ وَ َ
وليس تقرير عقوبة السارق وتضمين الغاصب إل ّ ضمانا ً لحرية
َ
ما) وقال ة فَاقْطَعُوا أيْدِي َ ُه َ سارِق ُ سارِقُ وَال َّ الملكية .قال تعالى( :وَال َّ
عليه السلم" :ول يحل لحد أن يأخذ متاع أخيه لعبا ً ول جاداً،
فإن أخذه فليرده عليه" وقال" :على اليد ما أخذت حتى ترد".
ومما يؤيد حق الملكية في أحكام السلم قوله صلى الله عليه
وسلم لمن كان يغبن في المبادلت "إذا بايعت فقل :ل خلبة،
ولي الخيار ثلثة أيام" ونهيه عن بيع الغرر ،فإن في تجويز شرط
الخيار والنهي عن بيع الغرر ضمانة لتحقق رضا المالك بالتبادل
وعدم خروج الملك من مالكه وفي نفسه شبهة قهر أو خداع له.
بل إن تقرير حق الشفعة إذا نظر إليه من ناحية أنه لدفع الضرر
عن الجار أو الشريك يؤيد احترام الملكية وإحاطة المالك بما
يدفع عنه الضرر ويحول بينه وبين النتفاع بملكه.
حرية العتقاد 1
السلم أقر هذه الحرية ،وترك لكل فرد الحرية التامة في أن
يكّون عقيدته بناء على ما يصل إليه عقله ونظره الصحيح ،وذلك
أن السلم جعل أساس التوحيد واليمان البحث والنظر ،ل القهر
واللجاء ،ول المحاكاة والتقليد .ففي كثير من آي الكتاب الكريم
لفت الناس إلى النظر في ملكوت السماوات والرض وما خلق
الله من شيء ،ليهتدوا هم بهذا النظر إلى اليمان الصحيح والدين
الحق ،كقوله تعالى( :أولم ينظروا في ملكوت السماوات والرض
ت ماوا ِ س َ ق ال َّ خل ِ ن فِي َ وما خلق الله من شيء)وقوله تعالى( :إ َّ
َ َ
ما
حرِ ب ِ َ جري فِي الب َ ْ ك ال ّتي ت َ ْ ل وَالنَّهارِ ،وَالفُل ِ ِ ف ال ّلي ختِل ِ ض وَا ْ ِ وَالَر
َ َ مآ أَنَز َ
ض
حيَا بِهِ الر َ ماءٍ ،فَأ ْ من َّ ماءِ ِ س َ ن ال َّ م َ ه ِ ل الل ُ س وَ َ يَنفَعُ النَّا َ
بحا ِ س َ ح وَال َّ ل دَآبَّةٍَ ،وت َ ْ من ك ُ ِّ موْتِهَا وَب َ َّ
ف الّرِيَا ِ صرِي ِ ث فِيَها ِ بَعْد َ َ
1021
ن) ،وفي كثير من قلُو َ ت ل ِّقَوم ٍ يَعْ ِض ،لَيَا ٍ َ
سماءِ وَالر ِ ن ال َّ س َّ
خرِ بَي ْ َ م َ ال ُ
الي الكريمة نعى على من آمن بطريق التقليد ل بطريق البحث
والنظر ،كقوله تعالى( :بل قالوا إِنَّا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على
آثارهم مهتدون) ،وفي كثير من الي نفي لليمان بطريق الكراه
نم َ شد ُ ِ ن قَد تَّبَي َّ َ
ن الُّر ْ (ل إ َِكَْراه َ فِي الدِّي ِ والقسر كقوله تعالى:
َ
ن)
منِي َ مؤْ ِحتَّى يَكُونُوا ُ س َ ت تُكْره ُ النَّا َ ي) ،وكقوله تعالى( :أفَأن َ الغَ ِ ّ
ن).
ي دِي ِم وَل ِ َم دِينُك ُ ْ
وكقوله تعالى( :لك ْ
فإذا كان أساس العتقاد في السلم النظر العقلي والبحث
والتفكير في آيات الله ول محاكاة ،ول تقليد ،ول إلجاء ،ول إكراه،
فليس أضمن لحرية العتقاد من هذا .ويؤيده ما جاء في الكتاب
الكريم من أنه ل سلطان للداعي غير سلطان التذكير والموعظة
َ الحسنة ،قال تعالى لرسوله( :فذَكّر إن َ َ
ت ع َلَيْهِم مذ َ ِكٌّر ،ل ّس َ ت ُ ما أن َ ِ ِّ َ
صيْطِرٍ). م َ بِ ُ
هذا ما يؤيد حرية العتقاد في السلم وإما ما يقرره حماية إقامة
الشعائر ،فإن السلم جعل لغير المسلمين الحرية التامة في أن
يقيموا شعائر دينهم في كنائسهم ومعابدهم وجعل لهم أن يتبعوا
أحكام دينهم في معاملتهم وأحوالهم الشخصية .والصل في هذا
قوله صلى الله عليه وسلم في شأن الذميين" :لهم ما لنا وعليهم
ما علينا" وجميع العهود التي كانت تعطى للمعاهدين كان يقرن
فيها بالتأمين على النفس والموال التأمين على العقائد وإقامة
الشعائر ،وفي عهد عمر لهل إيليا ما نصه "أعطاهم المان
لنفسهم وأموالهم وكنائسهم وسائر ملتهم ،ل تسكن كنائسهم ول
ينقص منها ول من خيرها ول من صلبهم ،ول يكرهون على دينهم،
ول يضار أحد منهم" .فالسلم في تكوين العقيدة أطلق للعقل
عنان النظر ،وفسح له في مجال البحث والتفكير في اليات
والدلئل وفي حماية عقائد المسلمين أحاطها بما يكفلها ويحفظها
وترك أرباب كل دين وما يدينون به.
حرية الرأي
السلم في شأن هذا الحق نظر إلى موضوع الرأي :إما أن يكون
أمرا ً دينياً ،أو غير ديني.
فإن كان المر غير ديني ،فلكل فرد أن يبدي رأيه فيه حسبما
يراه ،ويُعرِب عنه بالوسيلة الميسورة له ،وقد حدث في صدر
السلم وبعده عدة حوادث تدل على حرية الرأي وإقراره في
هذه المواضع :من ذلك أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم
أشار على المسلمين في بعض الغزوات أن ينزلوا موضعا ً معيناً،
فسأله أحد الصحابة :أهذا منزل أنزلكه الله؟ أو هو الرأي
والحرب والمكيدة؟ قال :بل هو الرأي والحرب والمكيدة ...قال
1022
الصحابي للرسول :ليس هذا بمنزل ...وأشار بإنزال المسلمين
منزل ً آخر ،وتحولوا .واختلف أبي بكر وعمر في حكم السرى
على مسمع من الرسول خبره مستفيض .وكذلك اختلف كبار
الصحابة في شأن الخلفة وكثير من الشؤون.
وأما في المور الدينية فلكل واحد أن يجتهد فيها ،ويرى الرأي
الذي يوصله إليه اجتهاده ،ما دام في غيره موضع النص ،ورأيه
في حدود أصول الدين الكلية ونصوصه الصحيحة :وذلك أن
السلم جعل القياس أحد أصوله ،ومصدرا ً من مصادر التشريع
فيه ،والقياس هو إلحاق الشباه بالشباه ،والنظائر بالنظائر،
لستنباط الحكام التي لم ينص عليها ..،وفي هذا اللحاق
والستنباط مجال فسيح للرأي ،ومتسع عظيم للنظر ،وفي جعله
مصدرا ً تشريعيا ً اعتبار للرأي وتقرير لحقه.
وكذلك جاء في السنّة أن كل مجتهد مأجور :إن أخطأ فله أجر،
وإن أصاب فله أجران .فالمئوية على الجتهاد ـ سواء أدى إلى
خطأ أو صواب ـ دليل على تقدير السلم للرأي ،وإقراره هذا
الحق.
ويؤيد هذا ما ورد في كثير من النصوص من ذم التقليد والنعي
على المقلدين الذين يهملون عقولهم ول يحررونها من أسر
التقليد ،وما جاء على ألسنة كثير من المجتهدين من التصريح
بأنهم ما اجتهدوا ليقلدوا ،وأن آرائهم لنفسهم وخطأهم عليها.
فليس في أصول السلم ونصوصه ما ينافي حرية الرأي بالمعنى
الذي بيّناه ،بل فيها ما يؤيده ويقرره .وأما ما ورد عن ابن عباس
من قول الرسول صلى الله عليه وسلم" :من قال في القرآن
برأيه فليتبوأ مقعده من النار" ،وما ورد عن أبي بكر من قوله:
"أي سماء تظلني وأي أرض تقلّني إن قلت في كتاب الله
برأيي؟" ..فهو محمول على الرأي الذي يستند إلى مجرد الهوى
ول يعتمد على مصلحة عامة ول أصل ديني كلّي.
وأما ما حدث في السلم من سد باب الجتهاد وإيجاب التقليد
لئمة معينين ،فإن هذا ليس من مقتضى أصول الدين أو نصوصه
وإنما هو علج لجأ إليه المتأخرون سدا ً لباب الفوضى ،فهو من
قبيل ارتكاب أخف الضررين وأهون الشرين ،ولو وفق المسلمون
إلى علج تلك الفوضى ما كان في السلم مانع من الجتهاد.
حرية التعليم
السلم نص على أن طلب العلم فريضة على كل مسلم
ومسلمة ونفى أن يستوي الذين يعلمون والذين ل يعلمون ،ولم
ينص على أنواع معينة من العلوم وحظر ما عداها ،فكل علم
يوصل إلى مصلحة دنيوية أو دينية فهو مطلوب وهو حق مشاع
1023
بين أفراد الناس ذكورهم وإناثهم .وليس في أصول السلم ما
يدل على أنه يضيق بعلم أو يقف في سبيل تعليم بل إن في
سعت صدورهم وبلدهم حوادث التاريخ دليل ً على أن المسلمين وَ ِ
مختلف العلوم وطبقات العلماء الذين ما وجدوا في غير السلم
متسعا ً لعلومهم ونظرياتهم .وإن ما نقل إلى العربية من علوم
الفرس على يد ابن المقفع وأضرابه ،وما عرب من علوم اليونان
في عهد المنصور والرشيد والمأمون ،وما كانت عليه حال العلم
والتعليم في معاهد بغداد وقرطبة وسمرقند ،دليل على تقدير
السلم لحرية العلم وتأييده للتعليم.
وكيف ل يتفق السلم وحرية التعليم ،وأول أسس السلم أن
يكون اليمان عماده البرهان والحجة والنظر في ملكوت
السماوات والرض! وهذا النظر يحتاج إلى مختلف العلوم وتعرف
كثير من النظريات! ...وكيف يكلف المسلمون بقوله تعالى:
من قُوَّةٍ) إذا كان في السلم ما يقيدستَطَعْتُم ِّ (وَأ َ ِ
عدُّوا لَهُم َّ
ما ا ْ
حريتهم في إعداد القوة بحظر البحث في أنواع من العلوم أو
الفنون التي تتطلبها حاجات العداد في مختلف العصور.
فالحقيقة الثابتة أن السلم يقرر حرية العلم ،بل يجعل طلبه
فريضة محكمة على كل مسلم ومسلمة ،وما يرمى به
المسلمون من اضطهاد أنواع من العلوم في بعض العصور،
فليس سببه أمرا ً في طبيعة السلم .وفيما كتبه الستاذ المام
في كتابه "السلم والنصرانية مع العلم والمدنية" مقنع لمن في
نفسه ريب.
المساواة
المساواة شعار من أظهر شعائر السلم ،ونصوصه وأحكامه
ناطقة بتقريرها على أكمل وجوهها :وذلك أن السلم ل يفرق
بين واحد وآخر في الخضوع لسلطان قانونه ،وليس فيه فرد فوق
القانون مهما علت منزلته ،وأمير المؤمنين والوالي وكل واحد
من الفراد متساوون في أحوالهم المدنية والجنائية ،ل يمتاز واحد
بحكم خاص ول بطرق محاكمة خاصة بل جميعهم أمام القانون
سواء.
وكذلك ل يميز السلم واحدا ً عن واحد في التمتّع بالحقوق :فلم
يجعل منزلة أو ميزة حقا ً لفراد أسرة معينة ،ل يستمتع بها
سواه ،بل ناط المر بالعمل له ،ومهد السبيل لكل عامل ،فكل
مناصب الدولة من أمارة المؤمنين إلى أصغر منصب فيها حق
مشاع بين أفراد المة ،ل يحول بينه وبينها نسب أو عصبية ُ
وينطق بهذا قوله صلى الله عليه وسلم "ل فضل لعربي على
عجمي إل بالتقوى" وقوله صلى الله عليه وسلم لبني هاشم" :يا
1024
بني هاشم .ل يجئني الناس بالعمال وتجيئوني بالنساب .إن
أكرمكم عند الله أتقاكم".
وفي كثير من النصوص تقرير المساواة وجعلها من شعائر
خوَةٌ) وقوله صلى الله عليه ن إِ ْ
منُو َ مؤ ْ ِ
ما ال ُاليمان ،كقوله تعالى (إِن َّ َ
وسلم "إخوانكم خدمكم" وقوله عليه السلم" :الناس سواسية
كأسنان المشط ،ل فضل لحمر على أسود ول لعربي على
عجمي".
وفي كثير من الحكام تحقيق هذه المساواة :ففي الحج كلهم
بلباس واحد عراة الرؤوس ل يلبسون مخيطاً ،وفي الصلة كلهم
في صفوف متساوية ،وفي التناصح للوضيع على الرفيع ما للرفيع
على الوضيع وفي الجنايات النفس بالنفس والعين بالعين
والجروح قصاص ...،وهكذا في سائر الحكام السلمية الناس
سواسية .وقد كانت هذه المساواة في صدر السلم شعار
المسلمين في حربهم وسلمهم ،وكان الذميون والمعاهدون
يستمتعون في بلدهم بنعمة هذه المساواة عمل ً بقول الرسول
صلى الله عليه وسلم" :لهم ما لنا وعليهم ما علينا" وقوله صلى
الله عليه وسلم" :من آذى ذميا ً فأنا خصمه يوم القيامة".
مركز المرأة في الحياة السلمية القرضاوي
المرأة أُنثى
قدّر السلم أُنوثة المرأة ،واعتبرها ـ لهذا الوصف ـ عنصرا ً مكملً
للرجل ،كما أنه مكمل لها ،فليس أحدهما خصما ً للخر ،ول ندَّا له
ول منافساً ،بل عونا ً له على كمال شخصه ونوعه.
سنَّة الله في المخلوقات ،أن يكون الزدواج من فقد اقتضت ُ
خصائصها ،فنرى الذكورة والنوثة في عالم النسان والحيوان ُ
والنبات ،ونرى الموجب والسالب في عالم الجمادات من
الكهرباء والمغناطيس وغيرها ،حتى الذًًّّرة ،فيها الشحنة
الكهربائية الموجبة ،والشحنة السالبة (اللكترون البروتون).
خلَقْنَائ َ ش ٍ ل َمن ك ُ ِّ وإلى ذلك أشار منذ أربعة عشر قرنا ً فقال( :وَ ِ
َ َ
ن).م تَذ َك ُّرو َ ن لَعَل ّك ُ ْ جي ْ ِ
َزوْ َ
فالذكر والنثى كالعلبة وغطائها ،والشيء ولزمه ،ل ِغنَى لحدهما ُ
عن الخر.
ُ
ومنذ خلق الله النفس البَشرية الولى ـ آدم ـ خلق منها زوجها ـ
حوَّاء ـ ليسكن إليها ،ولم يتركه وحده ،حتى ولو كانت هذه
الوحدة في الجنَّة ،وكان الخطاب اللهي لهما معاً ،أمرا ً ونهياً:
ما وَل َ تَقَْربَاشئْت ُ َ
ث ِ منْها َرغَدا ً َ
حي ْ ُ ة وَكُل َ ِ جن َّ َك ال َ ج َ ت وََزوْ ُ َ ن أَن (أسك ْ
َّ َ
ن)( .سورة البقرة .)35 / ن الظالِمي َ م َجَرة َ فَتَكُونَا ِ ش َ هَذِهِ ال ّ
1025
فالمرأة ـ بهذاـ غير الرجل ،لنها تكمله ويكملها ،والشيء ل يكمل
س الذَّكَُر كَالُنثَى) (سورة آل عمران/ نفسه ،والقرآن يقول( :وَلَي ْ َ
.)36
كما أن الموجب غير السالب ،والسالب غير الموجب.
ومع هذا لم تُخلق لتكون ندا ً ول خصماً ،بل هي منه وله( :بعضكم
ل لَكُم م َ
سك ُ ْ
م ن أنفُ ِ ِّ ْ جعَ َ
ه َ
من بعض) (سورة النساء( ،)25/والل ُ
أَْزوَاجاً) (سورة النحل.)72/
واقتضت حكمة الله أن يكون التكوين العضوي والنفسي للمرأة
يحمل عناصر الجاذبية للرجل وقابلية النجذاب إليه.
شهْوة غريزية فِطرية قوية وركَّب الله في كل من الرجل والمرأة َ
تسوقهما إلى التجاذب والل ِّقاء حتى تستمر الحياة ويبقى النوع.
م يرفض السلم كل نظام يصادم هذه الفِطرة ويعطلها، ومن ث َ َّ
كنظام الرهبنة.
ولكنه حظر كل تصريف لهذه الطاقة على غير ما شرعه الله
ورضيه من الزواج الذي هو أساس الُسرة ،ولهذا حَّرم الزنى،
كما حَّرمته الديان السماوية كلها ،ونهى عن الفواحش ،ما ظهر
منها وما بطن ،وسد َّ كل منفذ يؤدي إلى هذه الفواحش ،حماية
للرجل والمرأة من عوامل الثارة وبواعث الفتنة والغراء.
وعلى هذا الساس من النظر إلى فِطرة المرأة ،وما يجب أن
تكون عليه في علقتها بالرجل ،يعامل بالرجل ،يعامل السلم
المرأة ،ويقيم كل نظمه وتوجيهاته وأحكامه.
إنه يرعى أُنوثتها الفِطرية ،ويعترف بمقتضياتها فل يكبتها ول
يصادرها ،ولكنه يحول بينها وبين الطريق الذي يؤدي إلى ابتذالها،
وامتهان أُنوثتها ،ويحميها من ذئاب البشر ،وكلب الصيد ،التي
تتخطف بنات حوَّاء ،لتنهشها نهشاً ،وتستمتع بها لحماً ،ثم ترميها
عظماً.
ونستطيع أن نحدد موقف السلم من أُنوثة المرأة فيما يلي:
-1إنه يحافظ على أُنوثتها ،حتى تظل ينبوعا ً لعواطف الحنان
حّرِم على الرجال ،بما ل لها بعض ما ُ والرقة والجمال ،ولهذا أح َّ
ِّ
س الحرير تقتضيه طبيعة الُنثى ووظيفتها ،كالتحلي بالذهب ،ول ُْ
ب
ِ
الخالص ،فقد جاء في الحديث" :إن هذين حرام على ذ ُكور أُمتي
ل لناثهم".2 ح ٌ
ِ
كما أنه حَّرم عليها كل ما يجافي هذه الُنوثة ،من التشبه بالرجال
في الزي والحركة والسلوك وغيرها ،فنهى أن تلبس المرأة لِبْسة
الرجل ،كما نهى الرجل أن يلبس لِبْسة المرأة ،وجاء في
الحديث" :لعن الله الرج َ
ل يلبس لِبْسة المرأة ،والمرأة تلبس
1026
لِبْسة الرجل" ،3ولعن المتشبهات من النساء بالرجال ،مثلما لعن
المتشبهين من الرجال بالنساء ،4وفي الحديث" :ثلثة ل يدخلون
الجنَّة ول ينظر الله إليهم يوم القيامة :العاق لوالديه ،والمرأة
المترجلة_المتشبهة بالرجال_والديُّوث".5
من دخل على أهله. والديوث :الذي ل يبالي َ
جلة من النساء".6 وفي الحديث الخر" :لعن الله الر ُ
-2وهو يحمي هذه الُنوثة ويرعى ضعفها ،فيجعلها أبدا في ظل
ً
رجل ،مكفولة النفقات ،مكفية الحاجات ،فهي في كنف أبيها أو
زوجها أو أولدها أو إخوتها ،يجب عليهم نفقتها ،وفق شريعة
السلم ،فل تضطرها الحاجة القاهرة إلى الخوض في لجج الحياة
وصراعها ومزاحمة الرجال بالمناكب من أجل لقمة العيش ،وهو
ما فعلته المرأة الغربية بحكم الضرورة ،حيث ل يرعاها أب ول
ابن أخ ول عم ،فاضطرت أن تقبل أي عمل ،وبأي أجر ،وقاية من
الهلك.
خلُقها وحيائها ،ويحرص على سمعتها -3وهو يحافظ على ُ
وكرامتها ،ويصون عفافها من خواطر السوء ،وألسنة السوء ـ
فضل ً عن أيدي السوءِ ـ أن تمتد إليها.
ولهذا يوجب السلم عليها:
(أ) الغض من بصرها والمحافظة على عفِتَّها ونظافتها( :وَقُل
ل ِّلمؤمنات يغْضضن م َ
ن) (سورة جهُ َّ ن فُُرو َ حفَظ ْ َ ن وَي َ ْ صارِه ِ َّ ن أب ْ َ ُ ِ َ ِ َ ُ ْ َ ِ ْ
النور.)31/
(ب) الحتشام والتستر في لباسها وزينتها دون إعنات لها ،ول
تضييق عليها( :ول َ يبدين زينته َ َ
ن
ضرِب ْ َ منْهَا وَلي َ ْ ما ظَهََر ِ ن إِل ّ َ َ ُْ ِ َ ِ ََُ ّ
ن) (سورة النور .)31/وقد فسر( :ما ظَهََر جيُوب ِ ِه َّ ن ع َلَى ُ مره ِ َّ خ ُبِ ُ
منْهَا) بالكحل والخاتم ،وبالوجه والكفين ،وزاد بعضهم :القدمين. ِ
شعر والعنق والنَّحر والذراعين (ج) أل تبدى زينتها الخفية _كال َ
والساقين_ إل لزوجها ومحارمها الذين يشق عليها أن تستتر منهم
استتارها من الجانب( :ول َ يبدين زينته َ َ
منْهَا ما ظَهََر ِ ن إِل ّ َ َ ُْ ِ َ ِ ََُ ّ
ن أوَ ن إِل ّ لِبُعُولَتِهِ َّ َ ن زِينَتَهُ َّ ن وَل َ يُبْدِي َ جيُوبِهِ َّ ن ع َلَى ُ مره ِ َّ خ ُ ن بِ ُضرِب ْ َ وَلي َ ْ
ن أوَ ن أو إِخوَان ِ ِه َّ َ ن أو أبنَاءِ بُعُولَتِهِ َّ َ َ َ
ن أو أبنَائِه َّ َ ن أو أباءِ ب ُ ُعولَتِهِ ََّ َ أَبائِهِ َّ
ن أَو مانُهُ َّ َ
ت أي ْ َ ملَك َ ْ ما َ ن أو َ
ن أَو ن ِسائِه َ َ
ّ َ خوَات ِ ِه َّ ن أَو بَنِي أ َ َ خوَانِه َّ بَنِي إ ِ ْ
م يَظْهَُروا َ َ ُ
ن لَ ْ ل الذ ّي َ ل أو الط ِّفْ ِ جا ِ ن الّرِ َ م َ ن غَيْرِ أولِى الِْربَةِ ِ التَّابِعِي َ
ساءِ) (سورة النور.)31/ ت الن ِّ َ ع َلَى ع َوَْرا ِ
َ
مام َ ن لِيُعْل َ َ جلِهِ َّ ن بِأْر ُ ضرب ْ َ(د) أن تتوقر في مشيتها وكلمها( :وَل َ ي َ ْ ِ
معَل فَيَط ْ َ ن بِالقَوْ ِ ضعْ َ خ َ ن) (سورة النور( ،)31/فل َ ت َ ْ من زِينَتِهِ َّ ن ِ خفِي َ يُ ْ
َ
معُْروفاً) (الحزاب .)32/فليست ن قَوْل ً َّ ض وَقُل ْ َ مَر ٌ ال ّذي فِي قَلْبِهِ َ
1027
ممنوعة من الكلم ،وليس صوتها عورة! بل هي مأمورة أن تقول
قول ً معروفاً.
(ه) أن تتجنب كل ما يجذب انتباه الرجل إليها ،ويغريه بها ،من
خلُق المرأة تبرج الجاهلية الُولى أو الخيرة ،فهذا ليس من ُ
ما امرأة استعطرت ثم خرجت من العفيفة .وفي الحديث" :أي ُ َ
بيتها ليشم الناس ريحها فهي زانية" .7أي تفعل فعلها ،وإن لم
تكن كذلك ،فيجب أن تتنَّزه عن هذا السلوك.
حَرما ً لها،
م ْ(و) أن تمتنع عن الخلوة بأي رجل ليس زوجها ول َ
صونا ً لنفسها ونفسه من هَواجس الثم ،ولسمعتها من ألسنة
ن امرأة ،إل ومعهال بامرأةٍ ،ول تسافر َّ خلُوَ َّ
ن رج ٌ الزور" :ل ي َ ْ
حرم".8
م ْ َ
(ز) أل تختلط بمجتمع الرجال الجانب إل لحاجة داعية ،ومصلحة
معتبرة ،وبالقدر اللزم ،كالصلة في المسجد ،وطلب العلم،
والتعاون على البر والتقوى ،بحيث ل تُحرم المرأة من المشاركة
في خدمة مجتمعها ،ول تنسى الحدود الشرعية في لقاء الرجال.
ن السلم بهذه الحكام يحمي أُنوثة المرأة من أنياب إ َّ
المفترسين من ناحية ،ويحفظ عليها حياءها وعفافها بالبُعْد عن
عْرضها من عوامل النحراف والتضليل من ناحية ثانية ،ويصون ِ
ألسنة المفترين والمرجفين من ناحية ثالثة ،وهو ـ مع هذا كله ـ
يحافظ على نفسها وأعصابها من التوتر والقلق ،ومن الهَّزات
والضطرابات ،نتيجة لجموح الخيال ،وانشغال القلب ،وتوزع
عواطفه بين شتَّى المثيرات والمهيِّجات.
وهو أيضا ً ـ بهذه الحكام والتشريعات ـ يحمي الرجل من عوامل
النحراف والقلق ،ويحمي الُسرة من أسباب التفكك ،ويحمي
الُسرة من أسباب التفكك ،ويحمي المجتمع كله من عوامل
السقوط والنحلل.
* الختلط المشروع:
دخلت مجتمعنا الحديث كلمات أصبح لها دللت لم تكن لها من
قبل .من ذلك كلمة "الختلط" بين الرجل والمرأة .فقد كانت
المرأة المسلمة ـ في عصر النبوة وعصر الصحابة والتابعين ـ
تلقى الرجل ،وكان الرجل يلقى المرأة ،في مناسبات مختلفة،
دينية ودنيوية ،ولم يك ذلك ممنوعا ً بإطلق ،بل كان مشروعا ً إذا
جدت أسبابه ،وتوافرت ضوابطه ،ولم يكونوا يسمون ذلك وُ ِ
"اختلطاً".
ثم شاعت هذه الكلمة في العصر الحديث ـ ول أدري متى بدأ
استعمالها ـ بما لها من إيحاء ،ينفر منه حس المسلم والمسلمة؛
1028
لن خلط شيء بشيء يعني إذابته فيه ،كخلط الملح أو السكر
بالماء.
المهم أن نؤكد هنا أن ليس كل اختلط ممنوعاً ،كما يتصور ذلك
ويُصوّرِه دعاة التشديد والتضييق ،وليس كذلك كل اختلط
مشروعاً ،كما يروِّج لذلك دعاة التبعية والتغريب.
ن الواجب علينا أن نلتزم بخير الهَدْى، والذي أود أن أذكره هنا :أ َّ
وهو هَدْى محمد صلى الله عليه وسلم ،وهَدْى خلفائه الراشدين،
سنَّتهم ،وأن نعض عليها ُ
مرنا أن نتبع ُ وأصحابه المهديين ،الذين أ ِ
بالنواجذ ،بعيدا ً عن نهج الغرب المتحلل ،ونهج الشرق المتشدد.
والمتأمل في خير الهَدْى يرى :أن المرأة لم تكن مسجونة ول
معزولة ،كما حدث ذلك في عصور تخلف المسلمين.
فقد كانت المرأة تشهد الجماعة والجمعة ،في مسجد رسول الله
صلى الله عليه وسلم ،ومنها :صلة العشاء وصلة الفجر ،وكان
عليه الصلة والسلم يحثهن على أن يتخذن مكانهن في الصفوف
الخيرة خلف صفوف الرجال ،وكلما كان الصف أقرب إلى
المؤخرة كان أفضل ،خشية أن تظهر من عورات الرجال شيء،
وكان أكثرهم ل يعرفون السراويل ،ولم يكن بين الرجال والنساء
أي حائل من بناء أو خشب أو نسيج ،أو غيره....
وكانوا في أول المر يدخل الرجال والنساء من أي باب اتفق
لهم ،فيحدث نوع من التزاحم عند الدخول والخروج ،فقال عليه
صصوه بعد الصلة والسلم" :لو تركنا هذا الباب للنساء" ،9فخ َّ
ذلك لهن ،وصار يُعرف إلى اليوم باسم "باب النساء".
خطبة، وكان النساء في عصر النبوة يحضرن الجمعة ،ويسمعن ال ُ
ن إحداهن حفظت سورة "ق" من فِي رسول الله صلى حتى إ َّ
الله عليه وسلم من طول ما سمعتها من فوق منبر الجمعة.
وكان النساء يحضرن كذلك صلة العيدين ،ويشاركن في هذا
المهرجان السلمي الكبير ،الذي يضم الكبار والصغار ،والرجال
والنساء ،في الخلء مهل ِّلين مكبِّرين.
روى مسلم عن أُم عطية قالت" :كنا نؤمر بالخروج في العيدين،
والمخبأة والبِكر".
وفي رواية قالت" :أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
حيَّض وذوات الخدور، نُخرجهن في الفِطر والضحى :العواتق وال ُ
حيَّض فيعتزلن الصلة ،ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، فأما ال ُ
سهَاقلت :يا رسول الله؛ إحدانا ل يكون لها جلباب ،قال" :لِتُلْب ِ ْ
أُختها من جلبابها".10
ل البلدان أو في كلها ،إل ما سنَّة أماتها المسلمون في ُ
ج ِّ وهذه ُ
حوة السلمية الذين أحيوا بعض ما مات قام به مؤخرا ً شباب ال َ
ص ْ
1029
سنَّة العتكاف في العشر الواخر من رمضان، سنَن مثل ُ من ال ُ
سنَّة شهود النساء صلة العيد .وذلك في بعض البلدان السلمية و ُ
حوة وارتفعت رايتها. ص ْ التي قويت فيها ال َ
وكان النساء يحضرون دروس العلم ،مع الرجال عند النبي صلى
الله عليه وسلم ،ويسألن عن أمر دينهن مما قد يستحي منه
الكثيرات اليوم ،حتى أثنت عائشة على نساء النصار ،أنهن لم
يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين ،فطالما سألن عن الجنابة
والحتلم والغتسال والحيض والستحاضة ونحوها.
ولم يشبع ذلك نهمهن لمزاحمة الرجال واستئثارهم برسول الله
نصلى الله عليه وسلم ،فطلبن أن يجعل لهن يوما ً يكون له َّ
ن الرجال ول يزاحمونهم وقلن في ذلك صراحة: خاصة ،ل يغالبه َّ
"يا رسول الله؛ قد غلبنا عليك الرجال ،فاجعل لنا يوما ً من
ن.11 ن وأمره َّ ن فيه ووعظه َّ ن يوماً ،فلقيه َّ نفسك" فوعده َّ
وتجاوز هذا النشاط النسائي إلى المشاركة في المجهود الحربي
ن القيام ن عليه ويحس َّ في خدمة الجيش والمجاهدين ،بما يقدر َ
به ،من التمريض والسعاف ،ورعاية الجرحى والمصابين ،بجوار
الخدمات الُخرى من الطهي والسقي وإعداد ما يحتاج إليه
المجاهدون من أشياء مدنية.
ت مع رسول الله صلى الله عليه ُ
عن أم عطية قالت" :غزو ُ
وسلم ،سبع غزوات ،أخلفهم في رحالهم ،فأصنع لهم الطعام
وأداوي الجرحى ،وأقوم على المرضى".12
حد" ُ ُ
وروى مسلم عن أنس" :أن عائشة وأم سليم ،كانتا في يوم أ ُ
مرتين ،تنقلن القَِرب على متونهما (ظهورهما) ثم تفرغانها مش ِّ
في أفواه القوم ،ثم ترجعان فتملنها" ،13ووجود عائشة هنا ـ
ن الشتراك وهي في العقد الثاني من عمرها ـ يرد الذين ادّعوا أ َّ
في الغزوات والمعارك كان مقصورا ً على العجائز والمتقدمات
َ
سل ّم .وماذا تغني العجائز في مثل هذه م َ في السن ،فهذا ُ
المواقف التي تتطلب القدرة البدنية والنفسية معاً؟
ن مع ن ست نسوة من نساء المؤمنين ك َّ وروى المام أحمد :أ َّ
الجيش الذي حاصر "خيبر" :يتناولن السهام ،ويسقين السويق،
ن في سبيل الله ،وقد شعر ،ويع َّ ويداوين الجرحى ،ويغزلن ال َّ
ن النبي صلى الله عليه وسلم نصيبا ً من الغنيمة .14 أعطاه َّ
ح أن نساء بعض الصحابة شاركن في بعض الغزوات بل ص ّ
ن الفرصة، ُ
والمعارك السلمية بحمل السلح ،عندما أتيحت له َّ
حد" حتى ُ ُ
ومعروف ما قامت به أم عمارة نسيبة بنت كعب يوم "أ ُ
قال عنها صلى الله عليه وسلم" :لمقامها خير من مقام فلن
وفلن".15
1030
ُ
من حنَين" ،تبقر به بطن َ وكذلك اتخذت أم سليم خنجرا ً يوم " ُ
يقترب منها.
حنَين" ُ روى مسلم عن أنس ابنها :أ َّ
ن أم سليم اتخذت يوم " ُ
خنجراً ،فكان معها ،فرآها أبو طلحة (زوجها) فقال :يا رسول
الله؛ هذه أُم سليم معها خنجر! فقال لها رسول الله صلى الله
عليه وسلم" :ما هذا الخنجر"؟ قالت :اتخذته ،إن دنا مني أحد
ت به بطنه! فجعل رسول الله صلى الله عليه المشركين بقر ُ
وسلم يضحك .16
وقد عقد البخاري بابا ً في "صحيحه" في غزو النساء وقتالهن.
ولم يقف طموح المرأة المسلمة في عهد النبوة والصحابة
للمشاركة في الغزو عند المعارك المجاورة والقريبة في الرض
حنَين ،بل طمحن إلى ركوب البحار ،والسهام في العربية كخبير و ُ
فتح القطار البعيدة لبلغها رسالة السلم.
ن رسول الله صلى الله ففي صحيح البخاري ومسلم عن أنس :أ َّ
عليه وسلم قال :عند أُم حرام بنت ملحان (خالة أنس) يوماً ،ثم
استيقظ وهو يضحك ،فقالت :ما يضحكك يا رسول الله؟ قال:
ى غزاة في سبيل الله ،يركبون ثبج "ناس من أُمتي ع ُرِضوا عل َّ
سَّرة"، سَّرة ـ أو مثل الملوك على ال َ ِ هذا البحر ،ملوكا ً على ال َ ِ
قالت :فقلت :يا رسول الله؛ ادع الله أن يجعلني منهم ،فدعا لها
..17فركبت أُم حرام البحر في زمن عثمان ،مع زوجها عبادة بن
صرِعت عن دابتها هناك ،فتوفيت ودُفِنت الصامت إلى قبرص ،ف ُ
هناك ،كما ذكر أهل السير والتاريخ.
وفي الحياة الجتماعية شاركت المرأة داعية إلى الخير ،آمرة
ن
منُو َ مؤ ِ بالمعروف ،ناهية عن المنكر ،كما قال تعالى( :وَال ُ
ن والمؤمنات بعضه َ
ن عَ ِ و َف وَيَنْهَ ْ
معُرو ِ ن بِال َمُرو َ
ض يَأ ُ
م أوْليَاءُ بَعْ ٍ َ ُ ِ َ ُ َْ ُ ُ ْ
منكَرِ( )...التوبة.)71/ال ُ
ومن الوقائع المشهورة رد إحدى المسلمات على عمر في
المسجد في قضية المهور ،ورجوعه إلى رأيها علناً ،وقوله" :كل
الناس أفقه من عمر"! .وقد ذكرها ابن كثير في تفسير سورة
النساء ونسبها إلى أبي يعلى في مسنده ،وقال :إسنادها جيد
قوي .18
وفي رواية عند عبد الرزاق أن عمر قال :إن امرأة خاصمت عمر
فخصمته :!19أي غلبته.
شفاء بنت عبد الله العدوية محتسبة وقد عيَّن عمر في خلفته ال ِ
على السوق .والمتأمل في القرآن الكريم وحديثه عن المرأة في
مختلف العصور ،وفي حياة الرسل والنبياء ل يشعر بهذا الستار
الحديدي الذي وضعه بعض الناس بين الرجل والمرأة.
1031
وقوته ـ يحادث الفتاتين ّ فنجد موسى ـ وهو في ريعان شبابه
حَرج ،ويعاونهما ابنتي الشيخ الكبير ،ويسألهما وتجيبانه بل تأثم ول َ
سلة من أبيها في شهامة ومروءة ،وتأتيه إحداهما بعد ذلك مر ِ
تدعوه أن يذهب معها إلى والدها ،ثم تقترح إحداهما على أبيها
بعد ذلك أن يستخدمه عنده؛ لما لمست فيه من قوة وأمانة.
ن
مدْي َ َ ماءَ َ ما وََرد َ َ لنقرأ في ذلك ما جاء في سورة القصص( :وَل َ َّ
ن َ ن النَّا جد َ ع َلَيْهِ أ ُ َّ
ِ مَرأتَي ْ ما ْ من دُونِهِ ُ جد َ ِ ن وَوَ َ سقُو َ س يَ ْ ِ م َ ة ِّ م ً وَ َ
َ
صدَِر الّرِع َاءُ وَأبُونَا حتَّى ي ُ ْ سقِي َ ما قَالَتَا ل َ ن َ ْ
َ َ خطْبُك ُ ما َ ل َ ن قَا َ تَذ ُودَا ِ
ما ب إِنِّي ل ِ َ ل َر ِّ ل فَقَا َ م تَوَل ّى إلَى الظ ِّ ِّ ما ث ُ َّ سقَى لَهُ َ خ كَبِيٌر ،فَ َ شي ْ ٌ َ
َ
حيَاءٍ ست ِ ْ شي ع َلَى ا ْ م ِ ما ت َ ْ حدَاهُ َ ه إِ ْ جاءَت ْ ُ خيْرٍ فَقِيٌر ،فَ َ ن َ م ْ ى ِ ت إل َّ أنَزل َ
ت لَنَا فَل َ َّ ك لِيجزي َ َ َ
جاءَه ُ وَقَ َّ
ص ما َ
َ َ سقَي ْ ما َ َ جَر كأ ْ ت إِن أبِى يَدْع ُو َ َ ْ ِ َ قَال َ ْ
ت ن ،قَال َ ْ مي َ ن القَوْم ِ الظ ّال ِ م َ ت ِ جوْ َ ف نَ َ خ ْ ل ل َ تَ َ ص قَا َ صَ َ ع َلَيْهِ ال َق َ
ن) مي ُ ت القَوِيُّ ال َ ِ جْر َ ن استَئ ْ َ م َ خيَْر ِ ن َ جْره ُ إ ِ َّ ستَئ ْ ِ تا ْ ما يَأب َ ِ حدَاهُ َ إِ ْ
(سورة القصص.)26-23/
وفي قضية مريم نجد زكريا يدخل عليها المحراب ،ويسألها عن
د
ج َ ب وَ َ حَرا َ م ْ ل ع َلَيْهَا َزكَريَّا ال ِ خ َ الرزق الذي يجده عندها( :كلما د َ َ
َ ل يا مري َ
عنَد اللهِ أ َّ
ن ن ِ م َ ت هُوَ ِ ك هَذ َا قَال َ م أنَّى ل َ ِ عنَدهَا رِْزقا ً قَا َ َ َ ْ َ ُ ِ
ب) (سورة آل عمران.)37/ سا ٍ ح َ شاءُ بِغَيْرِ ِ ن يَ َ م ْ ه يَْرُزقُ ِ الل َ
وفي قصة ملكة سبأ نراها تجمع قومها تستشيرهم في أمر
سليمان:
حتَّى َ َ َ َ
مرا ً َ ةأ ْ ت قَاطِعَ ً ما كُن ُ مرِي َ ملَؤ ُا أفْتُونِي فِي أ ْ (قَالَت يَأيُّهَا ال َ
َ ْ ن أولُوا قُوَّةٍ وَأولُوا بَـأُ ُ
كمُر إِلي ْ ِ شدِيدٍ وَال ْ س َ ٍ ح ُ ن ،قَالُوا ن َ ْ شهَدُو ِ تَ ْ
َ ْ
سدُوهَا ة أف ْ َ خلُوا قَْري َ ً ك إِذ َا د َ َ ملُو َ ن ال ُ ت إ ِ َّ ن َ ،قَال َ ْ مرِي َ ماذ َا تَأ ُ فَانظُرِي َ
ن) (سورة النمل.)34-32/ ك يَفْعَلُو َ ة وَكَذَل ِ َ جعَلُوا أَعَّزة َ أَهْلِهَا أَذل ّ ً وَ َ
وكذلك تحدَّثت مع سليمان عليه السلم وتحدَّث معها( :فلما
ُ َ ت قِيَل أَهَكَذ َا عَْر ُ
من قَبْلِهَا م ِ ه هُوَ وَأوتِينَا العِل ْ َ ت كَأن َّ ُ ك قَال َ ْ ش ِ جاءَ ْ َ
من ت ِ ه إِنَّهَا كَان َ ْ ن الل ِ من دُو ِ ما كَانَت تَّعْبُد ُ ِ صدَّهَا َ ن ،وَ َ مي َ سل ِ ِ م ْ وَكُنَّا ُ
ه ل ُ َّ َ ح فَل َ َّ ن ،قِيَل لَهَا اد ْ ُ
ةج ً سبَت ْ ُ ح ِ ه َ ما َرأت ْ ُ صْر َ خلِي ال َّ ري َ قَوْم ٍ كَافِ ِ
ب ت َر ِّ من قَوَارِيَر قَال َ ْ مَّرد ٌ ِّ م َ ح ُّ صْر ٌ ه َ ل إِن َّ ُ ساقَيْهَا قَا َ ت ع َن َ شفَ ْ وَك َ َ
َ
ن) مي َ ب العَال َ ِ ن للهِ َر ِّ ما َ سلَي ْ َ معَ ُ ت َ م ُ سل َ ْ سي وَأ ْ ت ن َ ْف ِ م ُ إِنِّي ظَل َ ْ
(سورة النمل.)44-42/
ن القرآن لم يذكره من قبلنا فل يلزمنا؛ فإ َّ ن هذا شرع َ ول يُقال :إ َّ
لنا إل لن فيه هداية وذكرى وعبرة لُلى اللباب ،ولهذا كان القول
سنَّة هو شرعمن قبلنا المذكور في القرآن وال ُّ ن شرع َ الصحيح :أ َّ
لنا ما لم يرد في شرعنا ما ينسخه .وقد قال تعالى لرسوله:
م اقْتَدِهْ) (سورة النعام.)90/ه فَبِهُدَهُ ُ َ
ك الذ ّي َ
ن هَدَى الل ُ (أُولئ ِ َ
1032
ن إمساك المرأة في البيت ،وإبقاءها بين جدرانه الربعة ل تخرج إ َّ
منه اعتبره القرآن ـ في مرحلة من مراحل تدرج التشريع قبل
الفاحشة من نساء المسلمين ،وفي هذا يقول تعالى في سورة
َ
نشهِدُوا ع َلَيْهِ َّ م فَا ْ
ست َ ْ سائِك ُ ْ
من ن ِّ َ ة ِ
ش َح َ ن الفَا ِ َ النساء( :وَال ّتي يَأْتِي
َ
نحتَّى يَتَوَفَّهُ َّ ت َن فِي البُيُو ِ سكُوُه َّم ِ شهِدُوا فَأ ْ م فَإِن َ منك ُ ْة ِّ أَربَع ً
سبِيلً) (سورة النساء.)15/ ه لَهُ َّ جعَ َ َ
ن َ ل الل ُ ت أو ي َ ْ موْ ُال َ
ن سبيل ً بعد ذلك حينما شرع الحد ،وهو العقوبة وقد جعل الله له َّ
جلْد الذي جاء به المقدَّرة في الشرع حقا ً لله تعالى ،وهي ال َ
سنَّة للمحصن. القرآن لغير المحصن ،والرجم الذي جاءت به ال ُّ
فكيف يستقيم في منطق القرآن والسلم أن يُجعل الحبس في
البيت صفة ملزمة للمسلمة الملتزمة المحتشمة ،كأننا بهذا
نعاقبها عقوبة دائمة وهي لم تقترف إثماً؟
ن الل ِّقاء بين الرجال والنساء في ذاته إذن ليس والخلصة :أ َّ
محَّرماً ،بل هو جائز أو مطلوب إذا كان القصد منه المشاركة في
هدف نبيل ،من علم نافع أو عمل صالح ،أو مشروع خير ،أو جهاد
لزم ،أو غير ذلك مما يتطلب جهودا ً متضافرة من الجنسين،
ويتطلب تعاونا ً مشتركا ً بينهما في التخطيط والتوجيه والتنفيذ.
--------------------------------------
هوامش
1ملحوظة :يجب توضيح وتقييد هذا المعنى بأن قصد المؤلف أنه
ل يجوز إجبار أحد على الدخول في السلم ،ولكن بالنسبة للذين
أسلموا أي المسلمين بالفعل فإنه ل يجوز للمسلم أن يبدل دينه
ويرتد عن السلم فهو ملتزم به أمام الله والشريعة.
ي ،وهو صحيح بجموع 2رواه ابن ماجه ج ،2برقم ( )3595عن عل ّ
طرقه.
3رواه عن أبي هريرة :أبو داود ( ،)4098ونسبه المنذري للنسائي
حبَّان في صحيحه (الحسان أيضاً ،كما رواه أحمد ،2/325 :وابن ِ
)1904والحاكم وصححه على شرط مسلم ،4/194 :ووافقه الذهبي.
4رواه عن ابن عباس البخاري في كتاب الل ِّباس ،كما رواه أبو
داود والترمذي وابن ماجه ،صحيح الجامع الصغير (.)5100
5رواه أحمد عن ابن عمر ،وقال الشيخ شاكر :إسناده صحيح (
جلة ،)1680ورواه النسائي ،5/80 :والحاكم وصححه 1/72 :بلفظَ" :ر ُ
النساء" ،ووافقه الذهبي .وقال الهيثمي :رواه البزار بإسنادين
ورجالهما ثقات.8/147،148 :
6رواه أبو داود عن عائشة ،صحيح الجامع الصغير (.)5096
7رواه أبو داود عن أبي موسى ( ،)4173والترمذي ( ،)2786وقال:
حديث حسن صحيح ،ورواه النسائي ج 8ص 153في كتاب الزينة،
1033
ولفظه" :أيما امرأة استعطرت فمَّرت على قوم ليجدوا من
ريحها فهي زانية".
8متفق عليه عن ابن عباس ،اللؤلؤ والمرجان (.)850
9رواه أبو داود ،ج 1برقم ( )462عن أبن عمر ،وفي رواية أخرى
لبي داود ( )463أن قائل ذلك هو عمر،قال وهو أصح.
10أي تعيرها من ثيابها ما تستغني عنه ،والحديث في كتاب "صلة
العيدين" في صحيح مسلم ،ج ،1حديث رقم (.)890
11رواه البخاري في كتاب "العلم" من صحيحه ،1/34 :عن أبي
سعيد.
12رواه مسلم برقم (.)1812
13رواه مسلم برقم (.)1811
14رواه أحمد ،6/371 ،5/271 :وأبو داود ج 3برقم (.)2729
15الطبقات ،8/415 :وسير أعلم النبلء.279-2/278 :
16رواه مسلم برقم (.)1809
17انظر الحديث رقم ( )1912من صحيح مسلم.
18تفسير ابن كثير ،1/467 :طبعه عيسى الحلبي ،وأوردها الهيثمي
في المجمع وقال :فيه مجالد بن سعيد ،وفيه ضعف ،وقد وثق:
.4/284
19ذكرها ابن كثير أيضاً ،المصدر السابق ،وانظر :المصنف6/180 :
برقم (.)10420
-------------------------------------
المصدر :السياسة الشرعية
=============
) قضية الحريات [الكاتب :عبد الخر حماد الغنيمي]
هى النقطة الخيرة في مناقشتنا لحكم لديمقراطية في السلم،
حيث نرى الديمقراطية الغربية تفتح للناس باب الحريات على
مصراعيه حتى لتكاد تكون بل ضوابط.
ول شك أن السلم هو دين الحرية بمعناها الصحيح إذ يضع
الضوابط المثلى لممارسة الحريات ،المر الذي ل يرضى به
الديمقراطيون ،وأضرب لذلك مثال ً واحدا ً وهو حرية العتقاد ففي
ظل الديمقراطية يحق للنسان طبقا لحرية العتقاد أن يغير
عقيدته فينسلخ من دينه إلى دين جديد أو إلى ل دين.
أما حرية العتقاد في السلم فهي تختلف عن ذلك فالنصراني
مثل ً يمكنه أن يبقى في دار السلم على دينه وهو آمن على
نفسه وماله بشرط أن يؤدي ما يجب عليه طبقا للنظام
السلمي ،أما المسلم فليس له أن يغير دينه فيصير نصرانيا ً مثل
بدعوى حرية العتقاد ،ومن فعل ذلك فحكمه في الشرع
1034
معروف :يستتاب وإل قتل ،ونحن نجد دعاة العلمانية في مصر
مثل ً تثور ثائرتهم لمجرد الشارة لمثل هذه القضية -قضية حد
الردة -ويرون فيها نوعا ً من الحجر على الحريات حتى اعتبر
أحدهم( )17مسألة تغيير الدين حقا ً يجب أن يتساوى فيه الجميع
واستنكر أن يكون للقبطي الحق في تغيير عقيدته بينما يرفض
ذلك الحق بالنسبة للمسلم ويقول(( :وقد سألت مرة العالم
الجليل الدكتور فرهود رئيس جامعة الزهر السبق كيف يا سيدنا
تطالبون بإعدام من يغير دينه من المسلمين لي سبب؟ قال لي:
لنه أما وقد اختار الدين السلمي فيستحق العقاب إذا تركه.
قلت :ومن قال إن %90من المسلمين قد اختاروا أن يكونوا
مسلمين ،نحن لم نكن كفارا ً حتى أسلمنا لقد ولدنا ووجدنا
أنفسنا مسلمين حسب شهادة ميلد آبائنا وكذلك المسيحيون
واليهود ،وإذا كنت ترى أن من حقي أن أختار أن أكون مسلماً
فلماذا ل تسمح للنسان أن يختار غير ذلك؟)) ()18
وهذا الباطل الذي يقول به ذلك الكاتب وأمثاله سببه ما أشربوه
من فهم مغلوط لعدة قضايا :فَهُم لم يفهموا الدين إل أنه علقة
بين العبد وبين إلهه يختار لها الفرد أي صورة يشاء ،ثم فهموا
قضية الحريات على أنها مطلقة -على القل في باب العتقاد -
فبنوا على ذلك أن للنسان أن يغير اختياره متى شاء ول يصح أن
يحجر عليه أحد في ذلك الختيار ،ناهيك عن فهمهم لقضية
المساواة بين الديان والمعتقدات التي تجعلهم ل يفرقون بين
دين هو الحق وبين أديان باطلة ل يرضاها الله عز وجل.
وهذا مثال واحد من أمثلة الخلف بين السلم والديمقراطية في
باب الحريات وغيره كثير.
------------
( )17هو الكاتب اليساري عبد الستار الطويلة في كتابه أمراء
الرهاب ص .34
( )18المصدر السابق ص.35-34 :
==============
سنة كلها تشريع [الكاتب :يحيى هاشم حسن فرغل] موضوع
السنة من الموضوعات القديمة الجديدة التي يحوم حولها أعداء
السلم قديما ،وحديثا ؛ يحاولون أن ينفذوا منها إلى هدم
الشريعة ثم هدم السلم برمته ،والمقصود بالسنة هنا أقوال
الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته
وهي تتضمن الحكام الشرعية الخمسة من الفرضية مثل صوم
رمضان ،أو الوجوب مثل صلة الوتر عند الحنفية ،ومن السنية أو
الندب أوالستحباب مثل صوم ست من شعبان ،ومن التحريم
1035
مثل أكل الربا ،ومن الكراهية التحريمية أو التنزيهية مثل أكل
الثوم عند صلة الجمعة ،ومن الباحة مثل البيع والشراء.
منذ زمن طويل أطلت برأسها فتنة الكتفاء بالقرآن الكريم :قال
رجل لعمران بن حصين ل تتحدث معنا إل بالقرآن فقال له
عمران :إنك لحمق ،هل في القرآن بيان عدد ركعات الفرائض أو
اجهروا في كذا دون كذا؟ فقال الرجل ل ،فأفحم الرجل.
وروى البيهقي أيضا في باب صلة المسافر من سننه عن عمر
بن الخطاب رضي الله عنه :أنه سئل عن قصر الصلة في السفر
وقيل له :إنا لنجد في الكتاب العزيز صلة الخوف ول نجد صلة
السفر فقال للسائل :يا أخي :إن الله تعالى أرسل إلينا محمدا
صلى الله عليه وسلم ول نعلم شيئا ،وإنما نفعل ما رأينا رسول
الله صلى الله عليه وسلم يفعله ،قصر الصلة في السفر سنة
سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم [.]1
واليوم فإن من أظهر ما يدل على مدى التمزق والحيرة التي
أصابت الساحة الثقافية – بفضل حركة التنوير -هو ما عليه
المسلمون اليوم بالنسبة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهم اليوم أربعة أصناف متناحرة:
• صنف يتطرف برفض السنة كلها وهؤلء خارجون عن الملة
بالكلية.
• وصنف يأخذون بها جميعا ولكنه يتطرف فل يفرق بين ما هو
فرض ومندوب ،وحرام ومكروه من الحكام الخمسة.
• وصنف يزعم أن فيها ما هو للتشريع فيأخذ به وما ليس في
التشريع فل يأخذ به.
• وصنف يأخذ بالسنة كلها وأنها كلها تشريع يتفاوت حكمه بين
الفرض والمندوب والتحريم والكراهة والباحة.
أما الصنف الول :الذي يزعم أنه يكتفي بالقرآن ول يتقيد بالسنة
فأمره واضح بين ،إذ هو ل يلتزم بالسنة ول بالقرآن معا ،لنه لوا
التزم بالقرآن للتزم بالسنة نزول عند قوله تعالى { :من يطع
الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا }،
{فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا
في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } { ،وما ينطق
عن الهوى ،إن هو إل وحي يوحى }.
وفي سنن ابي داود بسنده عن المقدام بن معد يكرب عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال(( :أل إني أوتيت
الكتاب ومثله معه أل يوشك رجل شبعان على أريكته يقول:
عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلل فأحلوه وما وجدتم
فيه من حرام فحرموه .أل ل يحل لكم الحمار الهلي ول كل ذي
1036
ناب من السبع ول لقطة معاهد إل أن يستغني عنها صاحبها ،ومن
نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل
قراه)).
هؤلء أمرهم بين ،ينتسبون إلى السلم زورا وبهتانا.
يقول المام الشعراني( :سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله
تعالى يقول :لول أن السنة بينت لنا ما أجمل في القرآن ما قدر
أحد أن يستخرج أحكام المياه والطهارة ،ول عرف كيف يكون
الصبح ركعتين والظهر والعصر والعشاء أربعا ،ول كون المغرب
ثلثا ،ول كان أحد يعرف ما يقال في دعاء التوجه والفتتاح ،ول
عرف صفة التكبير ،ول أذكار الركوع والسجود ،والعتدالين ،ول
ما يقال في جلوس التشهدين ول كان يعرف كيفية صلة العيدين
والكسوفين ،ول غيرهما من الصلوات كصلة الجنازة،
والستسقاء ،ول كان يعرف الزكاة ول أركان الصيام والحج،
والبيع والنكاح والجراح والقضية وسائر أبواب الفقه).
الصنف الثاني :وهو من يذهب إلى الطرف الخر من القضية في
أقصاه ،فيلتزم بالسنة التي هي أقوال النبي صلى الله عليه
وسلم وأفعاله وتقريراته ،ولكنه ل يفرق فيها بين الحكام
الشرعية الخمسة التي قدمناها فيخلط بين الفرض والمندوب،
فيراه فرضا كله والمكروه والمحرم فيراه محرما كله ،ويدخل
المباح تارة هنا وتارة هناك.
فهؤلء -مثل – يستمعون إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم
في لعق الصابع عند الكل فيأخذون بذلك في جميع الحوال كأنه
فرض ،ويستمعون إلى سنته صلى الله عليه وسلم في التوضؤ
بحفنة من الماء فيأخذون بذلك في جميع الحوال كأنه فرض
كذلك.
1037
وكان صلى الله عليه وسلم يعد سلحه لملقاة العداء بالسيف
والرمح والنبل ،فهذا تشريع ولكنه ليس للوجوب بالذات ،ولكنه
يدور بين أحكام الشريعة الخمس ،بحسب الملبسات ،ولو عاش
في زماننا لما قصر صلى الله عليه وسلم عن العداد بأقصى
مظاهر القوة العسكرية الحديثة.
إن بعض مشكلت السلم اليوم هي في بعض أهله ممن
يفرطون ،أو يفرطون ،فليس من السلم في شيء ما نسمع عنه
اليوم من أن بعض الدعاة يذهب إلى أوربا أو أمريكا ليدعو إلى
السلم فيأكل على الرض ،وبالصابع ،فالحق أن هذا تنفير من
السلم وليس دعوة إليه ول فهما له.
إن مشكلة السلم مع هؤلء في أنهم يدخلون جميع أفعاله صلى
الله عليه وسلم في باب الوجوب أو اللزام ،بينما هي قد تكون
من التشريع بالندب ،أو من التشريع بالباحة ،أو غير ذلك من
أحكام التشريع.
والصنفان السابقان :من يرفضون السنة جملة وتفصيل ،ومن
ياخذون بها دون تفرقة بين الحكام الشرعية الخمسة -أمرهما
هين في كشف خطرهما أو انحرافهما ،فالول الذي ينكر السنة
في باب التشريع إجمال ،كافر غير مسلم ،والثاني الذي ل يميز
فيها بين الفرض والمندوب والمحرم والمكروه والمباح أمره
خطير ولكنه أقل خطرا من أولئكم .فهم مسلمون متشددون
فيما ل موضع للتشديد فيه ،ويمكن كشف خطرهما بشيء من
الفقه والتعليم.
1038
أو قصره .وما سبيله التدبير النساني في ظروف خاصة كتوزيع
الجيوش على المواقع الحربية .وكل هذه النواع ليس شرعا
يتعلق به طلب الفعل أو تركه ،وإنما هو من الشئون البشرية
التي ليس مسلك الرسول فيها صلى الله عليه وسلم " تشريعا
ول مصدر تشريع ".
ويقول الشيخ موسى شاهين لشين :وعن الشيخ شلتوت أخذ
كثير من المعاصرين فيما كتبوه عن السنة وتقسيمها إلى
تشريعية وغير تشريعية .والذين ساروا في ركاب الشيخ شلتوت
هم حتى اليوم ل يتجاوزون أصابع اليد الواحدة.وهؤلء بحسن نية
في بعض الحيان يفتحون في الشريعة السلمية ثغرة يحسبونها
هينة وهي منفذ خطير لعداء الشريعة السلمية.
1039
ومن الواضح ما يمثله هذا التوجه من خطر على الشريعة
السلمية :ينسفها أول في المعاملت ،ويبقيها في العبادات ليجهز
بعد ذلك على المعاملت والعبادات جميعا .وهذه هي الغاية التي
تنتهي إليها العلمانية في أقصى حالتها .وهؤلء يأتي الرد عليهم
بعد نبذة سريعة عن الصنف الرابع.
الصنف الرابع :وهم المسلمون منذ عصر الرسول صلى الله عليه
وسلم إلى قريب من عهدنا الحاضر ،فهؤلء يؤمنون بأن السنة
كلها تشريع :إيمانا بما جاء عن ذلك في القرآن الكريم { :وما
أرسلنا من رسول إل ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم
جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا
رحيما } { ،وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
واتقوا الله إن الله شديد العقاب } { ،وما كان لمؤمن ول مؤمنة
إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن
يعص الله ورسوله فقد ضل ضلل مبينا } { ،وما ينطق عن
الهوى ،إن هو إل وحي يوحى }.
يقول الستاذ الدكتور عبد الغني عبد الخالق( :كل ما تلفظ به
رسول الله صلى الله عليه وسلم – ما عدا القرآن – أو ظهر منه
من ابتداء رسالته إلى نهاية حياته فهو من سنته ،سواء ما أثبت
حكما عاما لسائر أفراد المة ،وهذا هو الصل ،أو ما أثبت حكما
خاصا به أو ببعض أصحابه ،وسواء أكان فعله جبليا أم كان غير
جبلي ،من قول أو فعل يصدر عنه إل ويثبت حكما شرعيا ،بقطع
النظر عن كونه إيجابا أو ندبا أو تحريما أو كراهة أو إباحة).
يقول ابن تيمية رحمه الله( :كل ما قاله الرسول صلى الله عليه
وسلم – بعد النبوة – أو أقرعليه أو فعله ولم ينسخ فهو تشريع.
والتشريع يتضمن اليجاب والتحريم والباحة ،ويدخل في ذلك ما
دل عليه من المنافع في الطب ،فإنه يتضمن إباحة الدواء،
والنتفاع به فهو شرع لباحته ،وقد يكون شرعا لستحبابه،
والمقصود أن جميع أقواله يستفاد منه شرع).
لقد ذهب جمهور الصوليين إلى أن فعل الرسول صلى الله عليه
وسلم يدل – على القل – على الذن به ،مطلق الذن الذي
يشمل الوجوب والندب والباحة ،ما لم يوجد دليل على تعيين
واحد منها .وقال بعضهم :يفيد الوجوب ما لم توجد قرينة مانعة
منه .وقال بعضهم يفيد الستحباب ما لم توجد قرينة مبينة
للوجوب .ومن ذلك يتبين الجماع على كونه تشريعا.
إن أظهر ما يستدل به القائلون بأن بعض السنة ليس تشريعا هو
ما يذكرونه في باب الكل والشرب ؛ يقولون :إن سنة الرسول
صلى الله عليه وسلم في الكل والشرب هي من باب الجبلة أو
1040
العادة والتجربة .فهي ليست تشريعا .وهو كلم منمق يتبين
بطلنه بعد الفحص والنظر .فإذا ظهر بطلن دعواهم فيما جاء
عن الكل والشرب ظهر بطلن دعواهم في القضية كلها .وتبين
رسوخ ما عليه جماعة المسلمين من كون السنة كلها تشريعا.
لقد حرم الله الميتة ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
البحر (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) فمن الذي أحل السمك
الميت – وها نحن في قلب مسألة الكل والشرب –؟
أليس هذا تشريعا؟
كيف يكون ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الكل
والشرب صلى الله عليه وسلم في الكل والشرب ليس تشريعا
مع أن الله سبحانه وتعالى يقول عن الرسول صلى الله عليه
وسلم (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) 157العراف،
أليس فعله صلى الله عليه وسلم أو قوله أو تقريره يعطي حكما
شرعيا أقله رفع الحرج عن فعله؟ أكله صلى الله عليه وسلم
للقثاء بالرطب أل يفيد هذا إباحة هذا الفعل؟ أو ل يفيد؟ أل يفيد
هذا جواز الجمع بين لونين من الطعام؟ أو ل يفيد؟ وإليكم طائفة
مما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الكل والشرب،
بعضها واجب وبعضها مندوب:
فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال( :كنت غلما في
حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم :يا غلم سم الله وكل
بيمينك ،وكل مما يليك) كيف ل يكون هذا تشريعا يدخل في أحد
الحكام الخمسة؟
وفي ذم الشره والتنفير من الجشع في الكل يقول صلى الله
عليه وسلم( :المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في
سبعة أمعاء) [أخرجه البخاري] ،كيف ل يكون هذا تشريعا يدخل
في أحد الحكام الخمسة؟
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن " الكرع " وهو
الشرب منكفئا على الناء وتناول الشراب بالفم كما تشرب
البهائم ،فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال :مررنا على بركة
فجعلنا نكرع فيها ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ل
تكرعوا ولكن اغسلوا أيديكم ثم اشربوا بها) [أخرجه ابن ماجة]،
أليس هذا تشريعا يدخل في أحد الحكام الخمسة؟
ونهى صلى الله عليه وسلم عن اختنات السقية – أي الشرب
من الناء الكبير – منعا من توارد الفواه على المكان الواحد في
الناء ،فعن عائشة رضي الله عنها (نهى صلى الله عليه وسلم أن
1041
يشرب من في السقاء – أي فم السقاء – لن ذلك ينتنه) [أخرجه
الحاكم بسند قوي] ،أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟
ونهى صلى الله عليه وسلم عن التنفس في الناء عند الشرب
فقال( :إذا شرب أحدكم فل يتنفس في الماء) [أخرجه البخاري].
أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟
ونهى صلى الله عليه وسلم عن النفخ في الشراب عند الشرب
فقال رجل :القذاة أراها في الناء؟ قال( :اهرقها) .قال :فإني ل
أروى من نفس واحد؟ قال( :فأين القدح إذن عن فيك) [أخرجه
الترمذي وقال :حديث حسن صحيح] .أليس هذا تشريعا بأحد
الحكام الخمسة؟
ونهى صلى الله عليه وسلم عن الشرب في آنية الذهب والفضة.
[أخرجه البخاري] أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟
وأمر صلى الله عليه وسلم بتغطية أواني الطعام والشراب
فقال( :أطفئوا المصابيح إذا رقدتم وغلقوا البواب ،وأوكوا
السقية ،وخمروا الطعمة والشراب) أي غطوها [أخرجه
البخاري] ،أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟
ونهى صلى الله عليه وسلم عن الكل من وسط الناء فعن ابن
عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" :
البركة تنزل وسط الطعام فكلوا من حافته ،ول تأكلوا من وسطه
" [أخرجه الترمذي وقال :حسن صحيح] .أليس هذا تشريعا بأحد
الحكام الخمسة؟
ورغب صلى الله عليه وسلم في المواساة بالطعام والمشاركة
فيه والجتماع عليه فقال( :طعام الواحد يكفي الثنين ،وطعام
الثنين يكفي الربعة ،وطعام الربعة يكفي الثمانية) [أخرجه
مسلم] ،أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟
وحفاظا منه صلى الله عليه وسلم على أحاسيس الخرين نجده
صلى الله عليه وسلم :ما عاب طعاما قط ،كان إذا اشتهى شيئا
أكله وإن كرهه تركه ،أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟
وقد اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا – في
المسجد – ل يدخل عليهن بيوتهن – [أخرجه البخاري] أليس هذا
تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟
ولم يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة له ول
خادما قط [أخرجه أحمد] ،أليس هذا تشريعا بأحد الحكام
الخمسة؟
وكان صلى الله عليه وسلم يتوضأ بحفنة من الماء وغيره يتوضأ
بعشر حفنات [أخرجه البخاري] أليس هذا تشريعا بأحد الحكام
الخمسة؟
1042
وكان صلى الله عليه وسلم يصلي في الليل إحدى عشرة ركعة
أو ثلث عشرة ركعة [أخرجه البخاري] ،أليس هذا تشريعا بأحد
الحكام الخمسة؟
وكان صلى الله عليه وسلم يصوم في السفر وبعض أصحابه
يفطر ،وكان يفطر وبعض أصحابه يصوم ،كما أخرجه البخاري،
أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟
وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتلحي في العمة – أي
بتطويقها تحت الحنك – كما ذكره ابن قتيبة ،أليس هذا تشريعا
بأحد الحكام الخمسة؟
وقد يحزن صلى الله عليه وسلم فيأتي في حزنه بما ل يعتبر
واجبا ولكنه يعتبر تشريعا بالباحة كالبكاء ودمع العينين.
وقد يضحك فيأتي في ضحكه بما يعتبر تشريعا بالتبسم صلى الله
عليه وسلم ،أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟
وقد يعبس صلى الله عليه وسلم أليس هذا تشريعا بأحد الحكام
الخمسة؟
وقد يغضب صلى الله عليه وسلم فيأتي في غضبه بما يعتبر
تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟
وقد ينسى صلى الله عليه وسلم فيأتي بعد نسيانه بما يعتبر
تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟
وإن ما يجري في الكل والشرب يجري مثله في الفعال الجبلية
أو العادية الخرى له صلى الله عليه وسلم كاللباس فلبسه صلى
الله عليه وسلم للزار ،والرداء ،والجبة الشامية ،والقميص،
والبرنس ،والسراويل والعمامة ،وتقنع ،وعصب رأسه بخرقة فوق
العمامة ،ولبس على رأسه المغفر ،والعمامة السوداء ،والبردة
النجرانية ،والحبرة ،والبردة اليمانية والشملة إلخ ...أفل يعتبر
ذلك تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟
وكان الصحابة رضي الله عنهم يؤمنون بذلك -أي بأن أفعاله
تشريع :-لبس نعله صلى الله عليه وسلم في الصلة فلبسوا
نعالهم ،فلما خلع نعله – لسبب ل يعلمونه – خلعوا نعالهم.
ولما رأوه صلى الله عليه وسلم يمتنع عن أكل الثوم امتنعوا حتى
أباح لهم.
ولما رأوه صلى الله عليه وسلم يمتنع عن أكل الضب – لسبب ل
يعلمونه أيضا – أوشكوا أن يمتنعوا حتى أباح لهم.
وكانوا في الفعال الجبلية يقضون حاجاتهم جماعات يرى بعضهم
بعضا ويكلم بعضهم بعضا ،فعلمهم التواري والتستر وعدم الكلم،
وكان بعضهم يبول قائما فعلمهم الجلوس[ .أخرجه النسائي وابن
ماجة].
1043
وإذا كان بعض الصحابة لم يصبغوا شيبتهم – مع أن الرسول
صلى الله عليه وسلم دعا إلى ذلك – مخالفة لليهود والنصارى –
فليس معنى هذا أن سنته صلى الله عليه وسلم في ذلك ليست
تشريعا بالمعنى العام ،ولكن معناه أنه ليس تشريعا بالوجوب،
ويظل بعد ذلك داخل في التشريع بالندب أو التشريع بالباحة
أليس إذا اختلف أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في فعل
من الفعال أنه محظور أو مباح ثم نقل الناقل في موضوع
اختلفهم فعل للنبي صلى الله عليه وسلم ،أل يدل ذلك على
حسم الخلف؟
وكانوا ل يؤاكلون الحائض ول يأكلون مما عملت يداها ول
يخالطونها ول يلمسونها فكان هو صلى الله عليه وسلم يفعل
ذلك كله – كما أخرجه مسلم – تشريعا بالباحة؟
أليست الباحة من أقسام الحكم الشرعي:
طبقا لتعريف الحكم الشرعي كما عرفه الصوليون من أهل
السنة بأنه خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخييرا
أو وضعا فإن الباحة حكم شرعي ،وهو على كل حال شيء
والحرية شيء آخر ،ومن الخطأ الستدلل به على قيمة الحرية
في السلم كما وجدنا في مناقشة هذا الموضوع في حلقة
الشريعة والحياة بقناة الجزيرة [في .]11102003
المباح -كما عرفه المدي :-ما دل الدليل السمعي على خطاب
الشارع بالتخيير فيه بين الفعل والترك ،فهو إذن تشريع.
وهو -كما عرفه الجويني :-ما خير الشارع فيه بين الفعل
والترك من غير اقتضاء ول زجر ول حكم عقلي قبل ورود الشرع.
فالباحة حكم شرعي لم يخالف في ذلك إل بعض المعتزلة.
والمراد بالقتضاء الطلب سواء كان طلبا باليجاب ،أو بالندب ،أو
بالتحريم أو بالكراهة.
والمراد بالتخيير ما كان تخييرا بين فعل الشيء أو تركه دون
ترجيح لحد الجانبين على الخر ،والذي يترتب على هذا هو
الباحة ،فيصير المكلف مخيرا بين الفعل والترك ويسمى الفعل
مباحا.
وقد أطلق بعض الصوليين اسم الحكم التكليفي على الحكم
التخييري – كما هو على الحكم القتضائي – ويرجع ذلك فيما يرى
الستاذ الدكتور محمد سلم مدكور إلى عدة اعتبارات من بينها:
أن المكلف ملزم باعتقاد إباحته ،ولنه يرد بأسلوب المر أحيانا
كما في نحو قوله تعالى { كلوا واشربوا } { ،إذا حللتم
فاصطادوا } ،وربما يرجع المر في هذا إلى ما ذهب إليه الستاذ
الدكتور موسى شاهين ل شين من أن بعض أحكام الباحة واجبة
1044
التناول في أصلها كالكل والشرب ل يجوز المتناع عنه بإطلق،
ويرى الكعبي من الصوليين أن المباح مطلوب ،بل واجب ،بناء
على أنه به يحصل ترك الحرام ،وما يحصل به ترك الحرام فهو
واجب.
ومن المعتزلة من ينفي أن الباحة من الحكام الشرعية -كما
نقل عنهم الغزالي في المستصفى -إذ معنى المباح رفع الحرج
عن الفعل والترك وذلك ثابت بالعقل قبل السمع ،وقد ناقشهم
الغزالي بما يثبت كون الباحة داخلة في أحكام الشرع باعتبار أو
آخر .وموقفنا في هذا المقال يركن إلى عدم الدخول في هذا
الخلف ،لن كلمنا في أن السنة كلها تشريع يتجه إلى ما جاء
بالسنة ل إلى ما لم يأت بها ،وهذا الخير ما نترك التوسع فيه
للصوليين.
ومن هنا فإنه كما يرى الستاذ الدكتور موسى شاهين ل شين في
بحثه القيم في صميم هذا الموضوع [ :]3ل خلف لنا هنا مع
المعتزلة فيما جاء من الباحة على الصل المعقول قبل مجيء
الشرع ،وكلمنا فيما جاء فيه نص أو سنة ،فهو مما اجتمع عليه
الدليلن العقلي والنقلي معا.
إن الباحة تعني تكليفا وتشريعا ل بأحد المباحات دون غيره،
ولكنه تكليف بالتحرك في دائرته ،يقول المام الشاطبي( :المباح
وإن كان ظاهره الدخول تحت اختيار المكلف لكنه إنما دخل
بإدخال الشارع له تحت اختياره) ،أي إنه إنما كان مباحا بحكم
الشارع ل بحكم المكلف.
وأليس المباح عندما يتناوله المسلم كما تناوله الرسول صلى
الله عليه وسلم بنية القتداء به ومحبته أل يعتبر عندئذ داخل في
حكم التشريع بالندب والستحباب؟
وأليس المباح الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم فيما
يظن البعض كالكتحال وصبغ الشعر وتضفيره أفاد تشريعا
بالباحة لوله لجتهد مجتهدون بالتحريم أو الكراهة؟
وأليس تناول المباح موجبا للجر إذا تناوله المسلم باعتباره مما
أباحه الشارع ،أو باعتباره مساعدا على البعد عن الحرام؟ إذن
فهو تشريع ،وهذا مقتضى قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه
مسلم بسنده عن أبي ذر أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم :يا رسول الله
ذهب أهل الدثور بالجور .يصلون كما نصلي .ويصومون كما
نصوم .ويتصدقون بفضول أموالهم .قال(( :أو ليس قد جعل الله
لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة .وكل تكبيرة صدقة.
وكل تحميدة صدقة .وكل تهليلة صدقة .وأمر بالمعروف صدقة.
1045
ونهي عن منكر صدقة .وفي بضع أحدكم صدقة)) قالوا :يا رسول
الله ،أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال(( :أرأيتم لو
وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في
الحلل كان له أجر)).
والمباح نفسه أل يعني التكليف بوجه من الوجوه ؛
فالكل والشرب واجب في أصله وجملته ،يحرم المتناع عنه مدة
تعرض النفس للهلك ،والختيار إنما هو في المأكول والبدائل
والملبسات فيه.
واللباس واجب في أصله يحرم التجرد منه نهائيا ،والختيار إنما
هو في بدائل الملبوس وملبساته { يا بني آدم خذوا زينتكم عند
كل مسجد وكلوا واشربوا ول تسرفوا إنه ل يحب المسرفين ،قل
من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي
للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل
اليات لقوم يعلمون }.
أما إذا كان المقصود بأن بعض أفعاله صلى الله عليه وسلم
ليست تشريعا يعني أنها غير ملزمة أي غير واجبة فهذا صحيح
بشروطه ،ول خلف عليه إجمال ،لكنه ل يعني أنه ل يفيد حكما
شرعيا على الطلق سواء بالوجوب أو بالندب أو بالكراهة إلخ،
فهذا باب خطير من أبواب اختراق الشريعة السلمية بالجتهاد
المغلوط.
وكما يقول أستاذنا الدكتور موسى شاهين لشين( :إن باب الشر
المغلق إذا كسر غلقه لم يؤمن انفتاحه على مصراعيه ،ومعظم
النار من مستصغر الشرر ،وسلب التشريع عن عشرة من أفعاله
صلى الله عليه وسلم يتيح الفرصة لخرين :تسلبها عن عشرين،
ثم عن مائة ،ثم عن المعاملت كلها ،ثم عن الشريعة كلها) جزاه
الله خيرا.
________________________________________
1046
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
الرد على الشبهة:
1ـ يُعد السلم أول من نادى بحقوق النسان وشدد على ضرورة
حمايتها .وكل دارس للشريعة السلمية يعلم أن لها مقاصد
تتمثل فى حماية حياة النسان ودينه وعقله وماله وأسرته.
والتاريخ السلمى سجل للخليفة الثانى عمر بن الخطاب
مواجهته الحاسمة لنتهاك حقوق النسان وقوله فى ذلك " :متى
استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراًرا " ؟.
2ـ تنبنى حقوق النسان فى السلم على مبدأين أساسيين هما:
مبدأ المساواة بين كل بنى النسان ،ومبدأ الحرية لكل البشر.
ويؤسس السلم مبدأ المساواة على قاعدتين راسختين هما:
وحدة الصل البشرى ،وشمول الكرامة النسانية لكل البشر .أما
وحدة الصل البشرى فإن السلم يعبر عنها بأن الله قد خلق
الناس جميعًا من نفس واحدة .فالجميع إخوة فى أسرة إنسانية
كبيرة ل مجال فيها لمتيازات طبقية .والختلفات بين البشر ل
تمس جوهر النسان الذى هو واحد لدى كل البشر .ومن هنا
فهذه الختلفات ينبغى ـ كما يشير القرآن الكريم ـ أن تكون
دافعًا إلى التعارف والتآلف والتعاون بين الناس وليس منطلقًا
للنزاع والشقاق( :يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى
وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا * إن أكرمكم عند الله أتقاكم )
(.)1
أما القاعدة الخرى للمساواة فهى شمول الكرامة النسانية لكل
البشر .وقد نص القرآن على ذلك فى قوله( :ولقد كرمنا بنى آدم
) ( .)2فالنسان بهذا التكريم جعله الله خليفة فى الرض ،
وأسجد له ملئكته ،وجعله سيدًا فى هذا الكون ،وسخر له ما
فى السموات وما فى الرض .فالنسان بذلك له مكانته ومكانه
المفضل بين الخلق جميعًا .وقد منح الله هذه الكرامة لكل الناس
جا من الحصانة والحماية لكل فرد من بل استثناء لتكون سيا ً
أفراد النسان ،ل فرق بين غنى وفقير وحاكم ومحكوم .فالجميع
أمام الله وأمام القانون وفى الحقوق العامة سواء.
أما المبدأ الثانى الذى ترتكز عليه حقوق النسان فهو مبدأ
الحرية .فقد جعل الله النسان كائنًا مكلفًا ومسئول ً عن عمارة
الرض وبناء الحضارة النسانية .وليست هناك مسئولية دون
حرية ،حتى فى قضية اليمان والكفر التى جعلها الله مرتبطة
بمشيئة النسان (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) (.)3
وهكذا تشمل الحرية كل الحريات النسانية دينية كانت أم
سياسية أم فكرية أم مدنية.
1047
3ـ الحكم فى تعاليم السلم لبد أن يقوم على أساس من العدل
والشورى .وقد أمر الله الناس فى القرآن بالعدل وألزمهم
بتطبيقه (إن الله يأمر بالعدل والحسان ) (( .)4وإذا حكمتم بين
الناس أن تحكموا بالعدل ) ( .)5واليات فى ذلك كثيرة .أما
الشورى فهى مبدأ أساسى ملزم .وكان النبى (يستشير أصحابه
ويأخذ برأى الغلبية وإن كان مخالفًا لرأيه .وأظهر مثل على ذلك
خروج المسلمين إلى غزوة أُحد .فقد كان الرسول يرى عدم
الخروج ،ولكن الكثرية كانت ترى الخروج .فنزل على رأيهم
وخرج ،وكانت الهزيمة للمسلمين .ومع ذلك شدد القرآن على
ضرورة الشورى فقال مخاطبًا النبى( :فاعف عنهم واستغفر لهم
وشاورهم فى المر ) ( .)6ول يلتفت فى هذا الصدد إلى رأى قلة
من الفقهاء الذين يزعمون أن الشورى غير ملزمة .فهذا الزعم
مخالف للنصوص الدينية الصريحة.
وقد ترك السلم للمسلمين حرية اختيار الشكل الذى تكون عليه
الشورى طبقًا للمصلحة العامة .فإذا كانت المصلحة تقتضى أن
تكون الشورى بالشكل المعروف الن فى الدول الحديثة
فالسلم ل يعترض على ذلك .وكل ما فى المر هو التطبيق
السليم مع المرونة طبقًا لظروف كل عصر وما يستجد من
تطورات محلية أو دولية.
ومن ذلك يتضح مدى حرص السلم على حقوق النسان
وصيانتها ،وحرصه على التطبيق السليم لمبدأ الشورى أو
الديمقراطية بالمفهوم الحديث.
4ـ السلم أتاح الفرصة لتعددية الراء ،وأباح الجتهاد حتى فى
القضايا الدينية طالما توافرت فى المجتهد شروط الجتهاد.
وجعل للمجتهد الذى يجتهد ويخطئ أجًرا وللذى يجتهد ويصيب
أجران .والدارس لمذاهب الفقه السلمى المعروفة يجد بينها
خلفًا فى وجهات النظر فى العديد من القضايا .ولم يقل أحد:
إن ذلك غير مسموح به .ومن هنا نجد أن السلم يتيح الفرصة
أمام الرأى الخر ليعبر عن وجهة نظره دون حرج مادام الجميع
يهدفون إلى ما فيه خير المجتمع والحفاظ على أمنه واستقراره.
( )1الحجرات.13 :
( )2السراء.70 :
( )3الكهف.29 :
( )4النحل.90 :
( )5النساء.58 :
( )6آل عمران.159 :
-----------------
1048
حقوق النسان التي كفلها له السلم
ملفات متنوعة
أضيفت بتاريخ 2003 - 06 - 17 :نقل عن :خاص بإذاعة طريق
السلم نسخة للطباعة القراء 8529 :
إن شريعة السلم مبنية بناءً متينا ً حكيما ً لنها من العزيز الحكيم
الحميد فما من مصلحة في الدنيا والخرة إل وأرشدت إليه ودلت
عليه ،ولذا اعتنت الشريعة بحفظ الضرورات الخمس :حفظ
الدين والنفس والعقل والنسل والمال ،فحياة البشر ل تستقيم
وأمورهم ل تنتظم إل بحفظ هذه الضرورات ،أليست هي من
حقوق النسان التي كفلها له السلم.
وهذا موقف يبين قيمة النسان في السلم وأنه ليس بهيمة إنه
إنسان سميع بصير جعل الله له حقا ً ورأيا ً وكلمة:
( أتت ثياب من اليمن فوزعها أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه
على الناس لكل مسلم ثوب وبقي ثوب لمير المؤمنين فلبسه
فوصل الثوب إلى ركبتيه فقال لبنه عبد الله :أعطني ثوبك الذي
هو حصتك فأعطاه إياه فوصل عمر ثوبه بثوب ابنه عبد الله
ولبسهما وصعد يخطب في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أيها الناس اسمعوا لما سوف أحدثكم عنه...فيصرخ سلمان
الفارسي :والله ل نسمع ول نعي – رجل يقاطع الخليفة أمير
المؤمنين رجل فارسي ليس بقرشي ول هاشمي ول عربي ول
هو من قرابة الخليفة–
فيقول عمر :ولم؟
فيرد سلمان :لنك تلبس ثوبين وتلبسنا ثوبا ً واحدا ً ،أين العدالة؟
فقال عمر :يا عبد الله :قم فأجب.
فقام عبد الله والناس سكوت فقال :إن أبي رجل طويل ليكفيه
ثوب فأعطيته ثوبي ،فوصله بثوبه ولبسهما.
فهنا قال سلمان :يا أمير المؤمنين الن قل نسمع وأمر تــطع ).
1049
حد سواء ل فرق بين أبيض وأسود ول غني وفقير ول كبير وصغير
،الكل سواء في ميزان السلم.
1050
التي تدل على فداحة التحديات التي تعرض لها العالم السلمي،
بعدما فقد السيطرة على حدوده السياسية والثقافية بالخصوص.
لقد وضع السلم في قفص التهام ،مباشرة بعد الهزائم
الحضارية التي توالت على العالم السلمي ،واعتبر المسؤول
الول عن تخلف المسلمين .وطالبت فئات داخل العالم
السلمي ،منبهرة بالحضارة الغربية ،بإبعاد السلم عن جميع
مناحي الحياة ،لنه يشكل ،من منظورها ،عائقا ً أمام التطور
المطلوب .وقد وجدت هذه المطالبات من يدعمها على المستوى
الفكري واليديولوجي؛ إذ نجد أن مجموعة كبيرة من الكتابات
التي أنجزت داخل مراكز البحث في الجامعات الغربية وخارجها،
انصبت في إثارة الشبهات وتفجير القضايا الفكرية الحساسة،
للتدليل على أن السلم يعد من أهم السباب في تخلف المة
السلمية .وأن عددا ً من تشريعاته ونظمه القانونية التقليدية
المتوارثة ،تسهم بشكل واضح في تكريس هذا التخلف عن ركب
الحضارة.
كانت ردود الفعل مختلفة ومتعددة ،بعد تحقيق التحرر السياسي
وانطلق عملية تجديد شاملة لجميع البنى ،مواكبة في أحد
جوانبها المهمة ،عملية الدفاع عن السلم ونظمه التشريعية في
مجالت القتصاد والسياسية والجتماع ،وتبرئته من الخلل الذي
أصاب العقل المسلم الذي توقف عن الفعل الحضاري.
ومع التطور الذي عرفه مجال حقوق النسان ،على المستوى
العالمي ،خلل العقود الخمسة الماضية ،أضيف إلى التحديات
السابقة تحد جديد ،جعل الفكر السلمي الذي انشغل طويلً
بالدفاع عن النظم السلمية ،يتوجه بسرعة نحو السهام بمعالجة
قضايا حقوق النسان ،لبراز إسهام السلم في هذا المجال
كذلك .وصول ً إلى تأكيد تفوق التشريع الحقوقي السلمي،
وموافقة هذا التشريع ورؤاه الفكرية لحقوق النسان الشاملة.
لذلك فقد عرفت السنوات العشرون الخيرة حركة نشطة في
مجال التأليف السلمي في محاولة لتأصيل الحقوق النسانية.
والكشف عن إسهام السلم في هذا المجال الذي حظي باهتمام
كبير في الونة الخيرة.
وجاءت سرعة الستجابة ،من طرف الفكر السلمي ،رد فعل
مباشرا ً للتحدي الذي طرحته المواثيق والعلنات العالمية ،من
جهة ،وتصاعد وتيرة الهتمام بحقوق النسان في العالم من جهة
أخرى.
أهم التطورات العالمية في مجال حقوق النسان
1051
الهتمام بمجال حقوق النسان ليس وليد الونة التي تلت الحرب
العالمية الثانية ،كما ل يمكن أن نرجعه إلى " حقبة زمنية معينة
أو مترتبة عن أيديولوجية واحدة ،ومحددة ،وإنما هي (الحقوق)
نتاج تراكمات تاريخية متتالية ومتعاقبة[ ،]2و " ما خلفته العقائد
جل النسان وتعلي من قيمته وتنبذ العسف الدينية من مبادئ تُب َّ
والظلم "[.]3
إل ّ أن الهتمام الغربي المعاصر ،بهذا المجال ،على مستوى
التنظير والممارسة ،وصول ً إلى تقنينه في مواثيق وإعلنات
عالمية ،جعل هذا الهتمام يأخذ بعدا ً عالميا ً لم يسبق له مثيل من
قبل ،وكان من نتائجه المهمة ،العلن العالمي لحقوق النسان
الذي صدر عن منظمة المم المتحدة سنة 1948م.
إن التطور الذي عرفه مجال الحقوق النسانية ،على المستوى
النظري بالخصوص ،يرجع بالساس إلى التطور السياسي الذي
عرفته أوروبا ،ومحاولة عدد من المفكرين والفلسفة ،الوقوف
في وجه الستبداد السياسي للدولة والكنيسة ،من دون إغفال
الموروث اليوناني والروماني الذي شكل الخلفية الفكرية لهؤلء
المفكرين ،وهم يضعون المباحث السياسية ويطورونها .لقد
شهدت أوروبا آنذاك صراعات دامية وطويلة من أجل " :إسقاط
بعض المفاهيم السياسية التي تؤسس للستبداد السياسي
والديني ،وتنكر على النسان الفرد كيانه وحقوقه "[ .]4كفكرة
الحق اللهي التي كانت الكنيسة تروج لها ،أو فكرة العناية اللهية
التي قامت عليها الشرعية السياسية للملوك والباطرة.
من هنا بدأ الفكر الوروبي ،بعد صراع سياسي واجتماعي طويل
ومضن ،يصل إلى بعض النتائج ،وكان من أهمها فصل الدين عن
السياسة ،ومحاولة وجود بدائل وأفكار تؤسس لعلقة جديدة بين
الدولة والمجتمع ،على أساس ديني أو غيبي ،ولكن على أسس
واضحة وموضوعية ،وذلك ليس لتحجيم الستبداد السياسي
فحسب ،ولكن لتحرير النسان من قوة الدولة وسيطرتها
المجحفة والمنتهكة لحقوقه الذاتية والواقعية .ويمكن الحديث هنا
عن ثلث نظريات طورت المجال السياسي الغربي ودفعت به
إلى المام ،ما كان له التأثير الكبير ،ليس على مجال حقوق
النسان بشكل عام فحسب .ولكن على الواقع السياسي الغربي
المعاصر الذي شكلت هذه النظريات خلفيته الفلسفية والفكرية.
النظرية الولى :فكرة القانون الطبيعي التي عرفها اليونان،
وكانت تعني عندهم " وجود قانون ثابت ل يتغير مستمد من
الطبيعة ،ويتمثل بكشف العقل عن روح المساواة والعدل الكامنة
في النفس "[ .]5ثم انتقلت الفكرة إلى الرومان ،لكنها ستعرف
1052
تطورا ً على مستوى المضمون؛ وذلك عبر إضفاء طابع اللئكية
عليها ،مع فقهاء القرن السابع عشر الميلدي.
النظرية الثانية :العقد الجتماعي ،وهي كما صاغها لوك (ت
1704م) وروسو (ت 1770م) ،تقوم على مناهضة الحكم المطلق،
في محاولة لترسيخ أسس الحكم الديمقراطي ،وذلك باعتبارهما
العقد الجتماعي عقدا ً تبادلياً ،يرتب حقوقا ً وواجبات إزاء
المحكومين والحاكمين[ .]6وقد أسهمت هذه النظرية في تطور
المذهب الفردي ،بإقرار وجود حريات وحقوق طبيعية سابقة على
المجتمع المنظم ،يجب على السلطة عدم العتداء عليها .كما
أسهمت في وضع الضمانات الدستورية والسياسية خلل القرنين
الثامن عشر والتاسع عشر .وعموما ً فقد جاءت الثورة الفرنسية
معتمدة على مبادئ المذهب الفردي الحر .فأصدرت وثيقة إعلن
حقوق النسان والمواطن سنة 1789م ،متضمنة النص على الحرية
والمساواة والملكية وحق المن وحق مقاومة الظلم[.]7
النظرية الثالثة :جاء منتسكيو ،صاحب كتاب " روح القوانين "،
ليعلن أن تحقيق العدل ،داخل أي نظام سياسي ،رهين بفصل
السلطات الثلث :التشريعية والتنفيذية والقضائية.
ومع هذه التجارب ،وما واكبها من بحوث ودراسات فكرية،
اهتمت بميدان الحريات العامة وحقوق النسان ،تبلورت الرؤية
الخاصة لدى الغرب (الرأسمالي) في مجال حقوق النسان.
استفاد المذهب الليبرالي (الرأسمالي) من النتقادات التي وجهها
له المذهب الشتراكي الذي بدأ يتبلور تنظيرا ً وممارسة ،ما دفع
به نحو التطور والتوسع ليشمل ميادين جديدة ،ظهرت أهميتها مع
التطور الصناعي ،كالحقوق القتصادية والجتماعية المتعددة
للطبقات العاملة ،ما أضاف أبعادا ً جديدة لمفاهيم حقوق
النسان ،وأعاد النظر في بعض الحقوق من حيث الولوية
والهمية .وأدخل حقوقا ً جديدة لم تكن معتبرة من قبل وبالتالي
فالتطور الفكري والسياسي الذي عرفته أوروبا ،بشطريها
الرأسمالي والشتراكي ،إضافة إلى التجربة السياسية المريكية،
قد نجم عنه تراكم هائل على مستوى التجربة والتنظير في مجال
حقوق النسان .دفع به ـ أي هذا التراكم ـ ليفرض نفسه على
المستوى العالمي ،لتصبح المطالبة بحقوق النسان والدعوة إلى
احترامها دعوة عالمية ،تتبناها المؤسسات الدولية والوطنية
وتسعى لحترامها وفرضها[.]8
م هذا التراكم ،نجد أن مجال حقوق النسان قد عرف تطوراً أما َ
ل مثيل له من قبل ،وأن الوعي أصبح ذا بعد عالمي ،يؤثر في
جميع المشاريع والتشريعات والختيارات السياسية والقتصادية
1053
والجتماعية ،التي تقوم بها الدول في العالم ككل .وهذا مما وسع
مجال التحدي أمام الفكر السلمي ،الذي وجد نفسه مضطراً
للدخول في معالجات وسجالت متعددة المناحي والوجه،
سنطلع على بعض ملمحها بعد قليل.
أما في العالم السلمي ،وعلوة على أصالة الحقوق النسانية
في السلم ،فهذه الحقوق محل إجماع عدد ل بأس به من
المفكرين المسلمين والعرب ،كما أن الدعوة للهتمام بالحقوق
النسانية كانت قد واكبت عمليات التحرر السياسي ،حيث كان
شعار الدفاع عن الحقوق النسانية ،من أهم الشعارات التي
رفعتها الحركات التحررية في وجه الستعمار .وبعيد الستقلل،
عرفت هذه المطالب نوعا ً من التوسع ،وفجرت مشاكل وقضايا
جديدة .يقول المحامي حسين ضناوى " :أصبحت قضية حقوق
النسان داخلية وطنية تهدف لضمان عدم استبداد الحكام ،وقيام
أنظمة ديمقراطية ذات شرعية حقيقية "[ ]9إل ّ أن الهتمام
بحقوق النسان في العالم السلمي ،سواء على المستوى
التنظيري أم على مستوى الممارسة ،لم تتضح معالمه إل ّ خلل
العقدين الخيرين ،وذلك مع انتشار موجه التأليف والتأصيل
وتوسعها في هذا الميدان من جهة ،وظهور منظمات وهيئات
محلية تختص بالدفاع عن حقوق النسان من جهة أخرى .إضافة
إلى تطور التشريعات القانونية المعمول بها .وحجم الضغوط
الدولية التي كان من آثارها مصادقة عدد كبير من الدول
السلمية على بعض المواثيق الحقوقية الدولية ،وإدخال بنودها
ضمن التشريعات والقوانين المحلية المعتبرة عند التطبيق[.]10
لكن ما يلحظ ،وخصوصا ً بالنسبة للعالم العربي ،أن الهتمام بهذا
الميدان ،وما أنتج ،من مواثيق محلية ،ومنظمات حقوقية[ ،]11جاء
من طرف بعض الشخصيات العلمية والكاديمية ،من حقوقيين
ومفكرين .ولم يكن للدولة أو الجهزة الرسمية أي نشاط فعال
في هذا المجال ،باستثناء الهتمام المتواضع الذي أبدته جامعة
الدول العربية ،والذي أثمر إنشاء اللجنة الدائمة لحقوق النسان.
لكن ،ومهما قيل عن تردي الوضع الحقوقي في العالمين العربي
والسلمي ،فإن تطورا ً إيجابيا ً يمكن تلمسه في صدور عدة
بيانات حقوقية عربية وإسلمية ،ومطالبة أصحابها بإدخالها ضمن
التشريعات المحلية والنظم القانونية المعتبرة ،وانتشار عدد كبير
من المنظمات الحقوقية داخل العالم السلمي ،وقد أخذت على
عاتقها تطوير مجال الحقوق النسانية ،بنشر الوعي الحقوقي،
إلى جانب الكشف والتنديد بالخروقات التي تقع من طرف
1054
السلطات الحاكمة ،أو غيرها من الجهات التي تملك وسائل القوة
والقهر.
هذه التطورات ،على المستويين العالمي والمحلي التي عرضنا
لها باقتضاب ،شكلت الخلفية الموضوعية ،لنطلق عملية
التأصيل السلمي للحقوق النسانية ،وتأثرت بإشكالته التي
يفجرها بين الحين والخر.
ملحظة ل يفوتنا ذكرها هنا ،وتتعلق بالصحوة السلمية الشاملة
التي اجتاحت العالم السلمي ،منذ بداية هذا القرن ،وصول ً إلى
تشكل ملمحها الساسية خلل العقدين الخيرين .لنها أسهمت
إسهاما ً فعليا ً في تدعيم عملية التأصيل الحقوقي ،وسرعت
بتكاملها ،لن هذه الصحوة كانت قد عالجت عددا ً من المواضيع
في إطار دفاعها عن السلم والتبشير به ،وتأكيد أفضليته من
دون أن يكون العنوان الذي عولجت تحته هذه المواضيع حقوقياً.
لكن توجه الفكر السلمي نحو التأصيل في مجال الحقوق،
بخاصة ،جعله يستفيد مما أنجز في مجالت فكرية إسلمية
مختلفة.
إن قضية حقوق النسان مركبة ومتعددة البعاد والمداخلت،
باختلف جوانبها السياسية والقتصادية والجتماعية والثقافية
والقانونية والدينية .ومن ثم يمكن أن تدخل ضمن دائرة اهتمام
العديد من فروع المعرفة وتخصصاتها[.]12
لذلك فقد وجد الفكر السلمي نفسه ،وهو يقوم بالتأصيل،
يعرض للمذهب السلمي المتكامل في جميع مناحي الفعل
النساني .لهذا كانت الصحوة السلمية التي سبقت هذا الهتمام
المتميز بهذا الحقل ،رافدا ً مهما ً ساعد ،كما قلنا ،في عملية
التكامل السريع والشامل ،وأنضج مبكرا ً عملية التنظير في هذا
المجال .وصول ً إلى تقنين هذه الحقوق في مواثيق وإعلنات
إسلمية ،صدرت تباعا ً خلل السنوات العشرين الماضية .وعليه ل
بد من اعتبار الصحوة السلمية واقعا ً موضوعيا ً داخلياً ،أسهم إلى
جانب التطور العالمي في بلورة المنظومة الحقوقية السلمية،
التي سنعرض لهم ملمحها بعد قليل.
التأصيل السلمي لحقوق النسان :الملمح والمميزات
قلنا ،سابقاً ،إن قضية حقوق النسان قضية مركبة ومتعددة
البعاد ،لذلك فقد وجد الفكر السلمي نفسه ،وهو يقوم بعملية
التأصيل لحقوق النسان ،يعرض النظم السلمية في جميع
المجالت .وهذه العملية فتحت عينيه على قضايا متعددة،
وجعلته يتعرض لتحديات ذاتية جديدة .لنه اصطدم ،أثناء معالجة
بعض القضايا الخاصة ،بتجربة تاريخية طويلة ،تعرض فيها تطبيق
1055
السلم ،لمجموعة من الخفاقات ،إلى جانب بعض النجاحات
بطبيعة الحال.
وقد شكلت هذه التجربة وموروثها الفكري ،زخما ً ساعد من جهة
المفكر السلمي على الحاطة بأبعاد التشريع السلمي عند
التطبيق أو التنظير .لكنه وقف ،من جهة أخرى ،عائقا ً أمام
الفصل في عدد من القضايا ،التي تبين أن التجربة التاريخية فيها
كانت بعيدة جدا ً عن مقاصد السلم وشريعته ،بالرغم من ترسانة
التبريرات التي أوجدها العقل الجتهادي الذي عايش هذه
التجربة .لذلك يمكننا أن نؤكد على أن عملية التأصيل كانت تسير
إلى جانب إعادة النظر في عدد من الوقائع التأريخية ،بالتحليل
والدفاع عن اجتهاد معين تارة ،باعتباره يمثل وجهة نظر السلم
الحقيقية التي طبقها المسلمون ،أو بالنقد والرفض تارة أخرى.
وفي مرات عدة ساد الختلف وبقيت مجموعة من المواضيع
معلقة تنتظر الحسم.
لكن ظهرت بعض الكتابات التي انتهجت الموضوعية العلمية،
لتؤكد على أن النتقادات التي وجهت للسلم ،كان يجب في
حقيقة المر أن توجه للتطبيقات الخاطئة التي وقعت ،وإلى
بعض الجتهادات التي تأثرت بالظروف التاريخية الموضوعية.
لذلك ل بد من التفريق هنا بين مبادىء النظام السلمي التي ل
يشك أحد في أن مقاصدها تهدف إلى تحقيق واقع أفضل
للنسان في بعديه المادي والروحي ،وبين وقائع التاريخ
المحسوبة على السلم.
هذه الحقيقة التي أفصح عنها الفكر الحقوقي السلمي كانت
مهمة جداً ،لنها ساعدت على تعميق المراجعة الشاملة التي
يقوم بها الفكر السلمي ،وهو يجدد نفسه ،لمواكبة التطورات
الحضارية ،وينفض عنه غبار التقليد وتجارب الماضي السلبية.
نجد ،مثلً ،أن البحث في الحقوق السياسية في السلم ،يدفع
بهذا الفكر إلى محاولة الكشف عن النظام السياسي في السلم
بعيدا ً عن التجربة التاريخية ،ومناقشة إشكالته ،كالحديث عن
الشورى ومقارنتها بالديمقراطية الغربية ،والتأكيد على ان نظام
الشورى السلمي يضمن حقوق المشاركة السياسية للنسان
المسلم .إضافة إلى الحديث عن حجم الحريات السياسية
وطبيعة علقة الحاكم بالمحكومين ،وحقوق المعارضة وإنشاء
الحزاب .وكما قلنا ،سابقاً ،أدت معالجة هذه القضايا إلى إعادة
النظر في عدد من الجتهادات والتطبيقات التاريخية ،انتهت إلى
رفض الستبداد السياسي ،وتفنيد مسوغاته الفكرية ،وقطع صلته
1056
بمبادىء دينية تلبست بلباس القداسة ،واتخذها أعداء السلم
مطية للطعن فيه وفي تشريعاته.
الحقوق القتصادية كان لها نصيب مهم في عملية التأصيل ،لنها
ستكشف بدورها عن نظام السلم القتصادي ،عند البحث في
الحقوق القتصادية التي يقدمها السلم للنسان فردا ً وجماعة،
وتشريعاته القتصادية التي تكفل الرخاء والرفاه للمجتمع
المسلم .لكن التأصيل ،في مجال الحقوق القتصادية ،عانى من
تحديات جمة لن المذهب القتصادي في السلم غير متكامل
من حيث التنظير والتفصيل ،وملمحة تعاني من الغموض .مع قلة
البحوث القتصادية المنجزة في الماضي ،وتطور المجال
القتصادي المعاصر وتعقيده وتفرعاته الكثيرة ،التي جعلت
المفكر السلمي يشعر بنوع من التخبط ،لنه لم يجد بين يديه
سوى الصول العامة ،وبعض الحكام الجزئية في قضايا اقتصادية
متفرقة .لذلك كان عليه أن يفتح باب الجتهاد على مصراعيه
لعلج نواقص هذا الموضوع بالذات .خصوصا ً إذا علمنا أن
المذاهب القتصادية التي تم استيرادها من الغرب ،وطبقت في
العالم السلمي ،كان لها وقع سيء على الهوية الدينية ،لن هذه
المذاهب حملت معها خلفيات عقائدية ومظاهر ،على نقيض تام
مع دين التوحيد ،بل مناقضة لكل دين .لذلك فالتحدي في هذا
المجال كان كبيراً.
إلى جانب البحث في الحقوق السياسية والقتصادية ،كان هناك
اهتمام متميز وخاص بحقوق المرأة ،تشهد على ذلك كثرة
الكتابات والدراسات التي أنجزت في هذا الموضوع ،سواء
الكتابات العامة التي تحدثت عن موضوع المرأة في السلم،
واهتمت بالرد على الشبهات والنتقادات التي يروج لها الغزو
الفكري الغربي ،وتجد بعض الذان الصاغية لها داخل العالم
السلمي ،أم الكتابات المتخصصة في مجال الحقوق كما نصت
عليها الكتابات الحقوقية الغربية ،ومن ضمنها المواثيق والعلنات
الحقوقية العالمية .وموضوع المرأة في السلم ،كان قد اكتسب
صبغة ذات حساسية خاصة قبل التوجه الحقوقي ،خلل العقود
الخيرة ،لن وضع المرأة بشكل عام كان من بين القضايا التي
احتدم حولها النقاش مبكراً ،مع وصول الجحافل الولى
للستعمار الغربي وسيطرتها العسكرية على العالم السلمي.
وبقي هذا الجدل محتدماً ،وفي تصاعد مستمر ،بعد انتهاء الحقبة
الستعمارية ،لن الغزو الثقافي عبر وسائط العلم والتعليم ،ما
فتىء يركز على هذا الموضوع ويثيره بين الحين والخر .لذلك
فقد وجدت المرأة المسلمة نفسها تتقاذفها التيارات
1057
واليديولوجيات المختلفة ،بين منتصر لما تدعو له الحضارة
الغربية من قيم وحقوق تخص المرأة ،وبين قيم السلم التي
امتزجت مع تقاليد المجتمعات السلمية وأعرافها .وقد
استطاعت عملية التأصيل لحقوق المرأة أن تميط اللثام عن عدد
من المغالطات اليديولوجية ،ووضعت في بعض جوانبها
المتميزة ،حدا ً بين ما يريده السلم من المرأة وما قدمه لها من
حقوق ،وبين الواقع التاريخي ،أو وضع المرأة المسلمة الحالي،
الذي يحكمه التخلف وعدم النسجام بين النظرة السلمية
الحقوقية والواقع المعيش .لكن يمكن أن يقال إن عملية التأصيل
في مجال حقوق المرأة قد بلغت شأوا ً من التقدم ،تم فيه
العتراف والنتباه لعدد كبير من الحقوق التي كانت ،إلى عهد
قريب ،خارجة عن موضوع البحث أو المعالجة ،بل كان النسيان
والتجاهل يلفها ويلغيها من الوجود الواقعي .وبدأ الكلم عن
حقوق تثير حساسية كبيرة داخل المجتمعات العربية والسلمية،
وهكذا بدأ الحديث عن الحقوق السياسية للمرأة وحقها في
الولية مثلً؟.
لكن ل بد هنا من الشارة إلى أن الفكر السلمي ما زال يتعامل
مع الموروث الروائي المتعلق بالمرأة ،بنوع من الحذر ،وقلة
الجرأة لمعالجته ،لنه مما ل شك فيه أن عددا ً كبيرا ً من العراف
والتقاليد قد استحالت عبر الوضع والكذب إلى أحاديث نبوية ،كما
أن التفسيرات التقليدية لكثير من الحاديث ،يجب إعادة النظر
فيها ،إذا أردنا فعل ً أن نكشف عن الوضع الحقوقي للمرأة كما
جاء به السلم .وهذان المران :التردد والتخبط كثيرا ً ما يظهران
في الكتابات العامة أو المختصة بحقوق المرأة في السلم.
وتفرع مجال التأصيل كثيراً ،باعتباره استجابة للتحديات الحضارية
المعاصرة التي كان من أهم إنجازاتها العلنات والمواثيق
العالمية والقليمية والوطنية ،والمطالبة بالعمل على وضعها
موضع التنفيذ والتطبيق ،لذلك نجد أن مواضيع كثيرة قد نوقشت
وتم علجها سواء بشكل مفصل وكبير ،أم بدراسات محدودة.
ومن العناوين التي عولجت وكثر حولها التأليف نذكر :الحقوق
الجتماعية والعلمية ،الحريات العامة ،الدستورية ،الزوجية،
العائلية ،القارب ،العمال ،حقوق الجنين ،الباء ،المتهم ،الطفل،
القليات إضافة إلى عناوين أخرى تعالج مواضيع جديدة ،طرحها
التطور العالمي في هذا المجال.
ومما لحظناه ،عند إنجازنا لببليوغرافيا خاصة بموضوع حقوق
النسان[ ]13في السلم ،أن الكتابات عن حقوق المرأة تأتي
على رأس القائمة من حيث كثرتها وتفرعها ،وهذا يؤكد حجم
1058
التحدي كما ذكرنا سابقاً ،ثم تأتي الكتابات عن الحقوق
السياسية ،بعدها نجد أن موضوع القليات قد أخذ حيزا ً كبيرا ً في
مجال التأليف الحقوقي .وهذا يدل كذلك على حجم التحديات
التي أثارها العلم الغربي حول القليات الدينية التي تعيش داخل
العالم السلمي منذ قرون ،وهو يروج أن التشريعات السلمية
تضطهدها وتنتهك جملة من حقوقها .وأمام الهجمات المتكررة
لهذا العلم ،نجد أن الفكر السلمي استجاب بشكل إيجابي
حينما عالج هذا الموضوع ،وخصص له جهودا ً محترمة في عملية
التأصيل هذه.
هناك مواضيع حقوقية مهمة نلحظ فيها بعض التقصير؛ إذ إن هذه
العملية تعطيها حقها المطلوب ،مع وجود موروث روائي ل بأس
به يمكن أن يسهل هذه العملية ،كموضوع حقوق الطفل،
فالدراسات والبحوث قليلة جداً ،وهذا يقلل من فرص وضع ميثاق
حقوقي خاص بالطفل ،لن التراكم التنظيري متواضع جداً .لكننا
نلحظ أن العقل السلمي قد تحرر من محظوراته وكوابحه
الذاتية والموضوعية ،وانفتح على مصراعيه لمناقشة جميع
القضايا التي لها علقة بحقوق النسان وبحثها .وإن كنا نسجل
نوعا ً من السبق الوقائعي والتنظيري للفكر الغربي في هذا
المجال ،فالعقل المسلم ،بشكل عام ،يظل منفعل ً وليس فاعلً
في أغلب القضايا التي توصلها له وسائط العلم الغربية ،فيهرع
لمعرفتها والرد عليها سلبا ً أو إيجاباً .لكننا نثمن سرعة الستجابة
في كثير من الحيان ،وكذلك الكم المعرفي في ميدان الحقوق
الذي نجم عنها ،لنه سيشكل الرضية والقاعدة الفكرية المتينة
لنطلق الجيال القادمة نحو البداع والنتاج وبلورة النظرية
السلمية في جميع المجالت.
مميزات عملية التأصيل
من خلل القراءات المتعددة ،للكتابات السلمية الحقوقية ،تظهر
بوضوح بعض المميزات والخصائص التي تكاد تشترك فيها مجمل
هذه الكتابات والبحوث ،ليس في مجال معين ،كالقتصاد أو
السياسة ،ولكن في أغلب المواضيع المبحوثة .أولى هذه
الخصائص ،الحديث عن مفهوم الحق في المنظور السلمي،
وذلك في قبالة الحديث عن الخلفيات الفكرية والفلسفية التي
انطلق منها الوعي الحقوقي الغربي ،وشكلت الرضية العقائدية
التي تتحكم في تعريفه للحق النساني .وقد تحدثنا من قبل عن
النظريات الثلث التي شكلت الخلفية الفلسفية للفكر الحقوقي
الغربي.
1059
والحديث عن مفهوم الحق ،لما له من أهمية كبرى يحتاج إلى
شيء من التفصيل .إن الختلف الذي تبرزه بعض الحقوق
المنصوص عليها في المواثيق العالمية ،إنما يرجع في أساسه إلى
النظرة الفلسفية والعقائدية للحق ،من حيث مفهومه ومصادره.
لذلك فمعالجة الفكر السلمي الحقوقي لهذه القضية تعد مهمة
وأساسية.
الميزة ،أو الخاصية الثانية ،تظهر في النقد الذي وجهه الفكر
السلمي الحقوقي للحقوق النسانية في الفكر الغربي بشكل
عام ،عندما اتجه لنقد المذاهب القتصادية والسياسية
والجتماعية الغربية ،مستعينا ً بطبيعة الحال ببعض المظاهر ،حيث
الخفاق في مجال الحقوق أدى إلى كوارث إنسانية ،تجاوزت
حدود تأمين الحتياجات الضرورية للنسان إلى تعريض وجوده
النساني ككل للخطر ،فظواهر النتحار والتفسخ العائلي والتحلل
الخلقي ،وانتشار اللحاد .هذه الظواهر التي تجتاح الواقع
الغربي ،تكاد تعصف بالمكتسبات الحقوقية التي تم تحقيقها بعد
معاناة طويلة.
م إشكال له جانبه الحقوقي ،لكنه قد يتجاوزه، طبعا ً نحن ،هنا ،أما َ
ليتم الحديث عن الحاجة إلى الديان السماوية ،بوصفها بديل ً عن
اليديولوجيات الوضعية .وهذا ما نجد تلميحا ً له أثناء معالجة الفكر
السلمي لقضايا حقوقية جزئية ،على اعتبار أن النظر إلى
الظاهرة النسانية ،ل يمكن معالجته بشكل جزئي ،لن النتائج
النهائية لي تطبيق ستفتقر إلى النظرة الكلية للنسان ،في إطار
فلسفي عقائدي ،ل يهمل المنطلقات ،ويتحدث عن الغايات
والمقاصد الوجودية الساسية للنسان ،بشكل واضح ومفصل ،ما
يسهم بشكل فعال في تحقيق ما يصبو له النسان من حياة
أفضل على الرض.
وهذه النظرة التكاملية تدفع بنا إلى الحديث عن الخاصية الثالثة،
وهي شمولية الحقوق النسانية في الفكر الحقوقي السلمي،
والتي نظر لها من خلل :التشريع اللهي (الوحي) الذي يعلم يقيناً
الحتياجات الحقيقية للنسان وحقوقه الساسية ،إضافة إلى
نقطة مهمة تتلخص في كون التشريع اللهي يمثل الحقيقة التي
ل تتأثر بالمصالح الفردية أو الجماعية أو الفئوية ،أو غيرها من
التقسيمات التي يطغى تأثيرها في التشريعات الوضعية .وبالتالي
فالحديث عن عالمية الحقوق ،انطلقا ً من تشريعات وضعية ،يعد
تسويقا ً ليديولجيات غرضها الهيمنة ل غير.
1060
هذه المميزات الثلث ،سنعرض لها بنوع من التفصيل ،لنها من
القضايا المهمة التي ركز عليها الفكر السلمي الحقوقي أثناء
عملية التأصيل ،ولنها محطات يمكن من خللها معرفة المدى
الذي توصلت إليه هذه العملية.
________________________________________
[ ]1كاتب من الغرب
[ ]2الدكتور أحمد بلحاج السندك ،حقوق النسان ،رهانات
وتحديات ،الرباط ،شركة بابل للطباعة ،1996 ،ص .8
[ ]3أمينة البقالي ،حركة حقوق النسان :من أجل أنسنة العمل
السياسي ،مجلة الوحدة ،العدد ،63/64السنة السادسة،89/1990 ،
ص .75
[ ]4المحامي حسين ضناوي ،وعي حقوق النسان :جذور التطور
والحماية ،جريدة النهار البيروتية ،بتاريخ 17/12/1990م ،ص .2
[ ]5عمر ممدوح مصطفى ،القانون الروماني ،القاهرة ،ط ،3
1959م ،ص .16
مد خريف ،حقوق النسان بالمغرب ،منشورات [ ]6الدكتور مح ّ
المجلة المغربية لعلم الجتماع السياسي ،الرباط ،مطبعة
المعارف الجديدة1994 ،م ،ص .14
[ ]7أحمد البخاري وأمينة جبران ،الحريات العامة وحقوق
النسان ،مراكش ،وليلي للطباعة والنشر ،ط 1996 ،1م ،ص .69
[ ]8مثل منظمة العفو الدولية التي لديها الن ما يزيد عن (
700ألف) عضو مشترك في نحو ( )150بلدا ً في جميع أنحاء العالم،
وما يزيد على ( )4200مجموعة محلية في ( )63بلداً ،إضافة إلى
عدد كبير من المنظمات الوطنية التي تهتم بالدفاع عن حقوق
النسان وفضح النتهاكات المختلفة.
[ ]9جريدة النهار البيروتية ،م.س ،.ص .90
[ ]10اعترضت عدد من الدول السلمية على بعض البنود الواردة
في العلنات التي طلب منها المصادقة عليها ،واعتبرتها مسوغاً
كافيا ً لعدم التصديق على هذه العلنات العالمية.
[ ]11ظهرت في العالم العربي مجموعة من المنظمات
الحقوقية ،وقد صدر مؤخرا ً كتاب عن المعهد العربي لحقوق
النسان في تونس يعد أهم دليل لمعرفة هذه المنظمات
وعناوينها.
1061
[ ]12حسين توفيق إبراهيم ،حقوق النسان في الكتب والرسائل
الجامعية وبعض الدوريات العربية ،مجلة منبر الحوار ،عدد ،9
السنة ،3ص .73
[ ]13انظر :مجلة الكلمة ،عدد 1998 ،20م.
================
حقوق النسان في السلم
مقدمــة:
-تعريف الحقوق.
-هل هذه الحقوق مستحقة للنسان أم هي من تفضل الله تعالى
عليه؟
-مظاهر التكريم اللهي للنسان.
الفصل الول :خصائص ومميزات حقوق النسان في السلم.
-1حقوق النسان في السلم تنبثق من العقيدة السلمية.
-2حقوق النسان في السلم منح إلهية.
-3حقوق النسان في السلم شاملة لكل أنواع الحقوق.
-4حقوق النسان في السلم ثابتة ول تقبل اللغاء أو التبديل أو
التعطيل.
-5حقوق النسان في السلم ليست مطلقة بل مقيدة بعدم
التعارض مع مقاصد الشريعة السلمية.
الفصل الثاني :أهم الحقوق التي كفلها السلم للنسان.
أولً :حق الحياة.
ثانياً :حق الكرامة.
ثالثاً :حق الحرية.
رابعاً :حق التدين.
خامساً :حق التعليم.
سادسا :حق معرفة الحق.
سابعا :حق التملك والتصرف.
ثامنا :حق العمل.
الفصل الثالث :مقارنة بين حقوق النسان في السلم وفي
الوثائق الوضعية الدولية.
أولً :من حيث السبقية واللزامية.
ثانياً :من حيث العمق والشمول.
ثالثاً :من حيث الحماية والضمانات.
الفصل الرابع :مفهوم الغرب لحقوق النسان.
-1حرية التدين.
-2حرية إقامة العلقات السرية.
-3حق الحرية.
1062
-4حق التملك.
مقدمــة:
-تعريف الحقوق:
تعريف الحقوق لغة:
قال الجوهري" :الحق :خلف الباطل ،والحق :واحد الحقوق،
حقة أخص منه ،يقال :هذه حقتي أي :حقي". وال َ
وقال الفيروز آبادي" :الحق :من أسماء الله تعالى أو من صفاته،
والقرآن ،وضد الباطل ،والمر المقضي ،والعدل ،والسلم،
والمال ،والملك ،والموجود الثابت ،والصدق ،والموت ،والحزم،
وواحد الحقوق".
وقال المناوي" :الحق لغة :الثابت الذي ل يسوغ إنكاره".
تعريف الحقوق اصطلحاً:
الحقوق لها معنيان أساسيان:
-1فهي أول ً تكون بمعنى :مجموعة القواعد والنصوص التشريعية
التي تنظم على سبيل اللزام علئق الناس من حيث الشخاص
والموال.
فهي بهذا المفهوم قريبة من مفهوم خطاب الشارع المرادف
لمعنى (الحكم) في اصطلح علماء الصول ،أو لمعنى (القانون)
في اصطلح علماء القانون.
وهذا المعنى هو المراد عندما نقول مثلً :الحقوق المدنية ،أو
القانون المدني.
-2وهي ثانيا ً تكون جمع حق بمعنى السلطة والمكنة المشروعة،
أو بمعنى المطلب الذي يجب لحد على غيره.
وهذا هو المراد في مثل قولنا :إن للمغصوب منه حق استرداد
عين ماله لو قائماً ،وأخذ قيمته أو مثله لو هالكاً ،وإن للمشتري
حق الرد بالعيب ،وإن التصرف على الصغير هو حق لوليه أو
وصيه ونحو ذلك.
ويمكن تعريف الحق بمعناه العام بأن يقال :الحق هو اختصاص
يقرر به الشرع سلطة أو تكليفاً.
-هل هذه الحقوق مستحقة للنسان أم هي من تفضل الله
تعالى؟
ن} [الروم.]47: مني َ صُر ٱل ْ ُ
مؤ ْ ِ حقّا ً ع َلَيْنَا ن َ ْ ن َقال تعالى{ :وَكَا َ
قال ابن كثير" :أي" حق أوجبه على نفسه الكريمة تكرماً
وتفضلً".
ة} [النعام.]54: م َ
ح َسهِ ٱٱلَّر ْ م ع َلَىٰ نَفْ ِ ب َربُّك ُ ْوقال تعالى{ :كَت َ َ
قال القرطبي" :أي :أوجب ذلك بخبره الصادق ووعده الحق".
1063
وقال ابن كثير" :أي :أوجبها على نفسه الكريمة تفضل ً منه
وإحسانا ً وامتناناً".
قال شيخ السلم ابن تيمية" :كون المطيع يستحق الجزاء هو
استحقاق إنعام وفضل ليس هو استحقاق مقابلة كما يستحق
المخلوق على المخلوق ،فمن الناس من يقول :ل معنى
للستحقاق إل أنه أخبر بذلك ووعده صدق ،ولكن أكثر الناس
يثبتون استحقاقا ً زائدا ً على هذا كما دل عليه الكتاب والسنة قال
ن}. مني َ مؤ ْ ِ صُر ٱل ْ ُ حقّا ً ع َلَيْنَا ن َ ْ ن َ تعالى{ :وَكَا َ
ولكن أهل السنة يقولون هو الذي كتب على نفسه الرحمة،
وأوجب هذا الحق على نفسه ،لم يوجبه عليه مخلوق ،والمعتزلة
يدّعون أنه واجب عليه بالقياس على الخلق ،وأن العباد هم الذين
أطاعوه بدون أن يجعلهم مطيعين له ،وأنهم يستحقون الجزاء
بدون أن يكون هو الموجب ،وغلطوا في ذلك ،وهذا الباب غلطت
فيه القدرية والجبرية أتباع جهم والقدرية النافية".
وقال ابن القيم" :وقد أخبر سبحانه عن نفسه أنه كتب على
صُر حقّا ً ع َلَيْنَا ن َ ْ ن َ نفسه وأحق على نفسه ،قال تعالى{ :وَكَا َ
َ
ن بِـئَايَـٰتِنَا منُو َ ن يُؤ ْ ِ ك ٱل ّذِي َ جاء َ ن} ،وقال تعالى{ :وَإِذ َا َ مني َ مؤ ْ ِ ٱل ْ ُ
ة} ،وقال م َ ح َ سهِٱٱٱلَّر ْ م ع َلَىٰ نَفْ ِ ب َربُّك ُ ْ م كَت َ َ م ع َلَي ْ َك ُ ْ سلَـٰ ٌ ل َ فَقُ ْ
َ َ َ
نم بِأ َّ موٰلَهُ ْ م وَأ ْ سه ُ ْ ن أن ُف َ منِي َ مؤ ْ ِن ٱل ْ َ ُ م َ شتََرىٰ ِ هٱ ْ ن ٱلل ّ َ تعالى{ :إ ِ َّ
ن وَعْدًا ع َلَيْهِ ن َويُقْتَلُو َ ل ٱٱلل ّهِ فَيَقْتُلُو َ سبِي ِ ن فِى َ ة يُقَـٰتِلُو َ جن َّ َ
م ٱل ّ َ لَهُ ُ
[التوبة ،]:وفي 111 ن} ل وَـٱلـــْقُْرءا ِ جي ِ حقّا فِي ٱلتَّوَْراةِ وَـٱلـــِن ِ َ
الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ:
((أتدري ما حق الله على عباده؟)) وفيه(( :أتدري ما حق العباد
على الله إذا فعلوا ذلك؟)) ،ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في
غير حديث :من فعل كذا كان على الله أن يفعل به كذا وكذا في
الوعد والوعيد ،ونظير هذا ما أخبر سبحانه من قسمه ليفعلن ما
ك لَنسـئَلَنَه َ
ن} [الحجر،]92: معِي َ ج َ مأ ْ وَرب ّ َ َ ْ ّ ُ ْ أقسم عليه كقوله{ :فَ َ
،]68وقوله{ :لَنُهْلِك َ َّ م و ٱلـــ َّ
ن ن} [مريم: شيَـٰطِي َ شَرنَّهُ ْ َـ ح ُ ك لَن َ ْ {فَوََرب ّ َ
َ
من م َّ ك وَ ِ من َم ِ جهَن َّ َن َ مل َ َّ ن} [إبراهيم ،]13:وقوله{ :ل ْ مي َ ٱلظ ّـٰل ِ ِ
ك منه َ
ن} [ص ،]85:إلى أمثال ذلك من صيغ القسم معِي َ ج َ مأ ْ تَبِعَ َ ِ ْ ُ ْ
سه ،وهو سم على نفسه أو منعه نف َ المتضمن معنى إيجاب المق ِ
القسم الطلبي المتضمن للحظر والمنع ،بخلف القسم الخبري
المتضمن للتصديق والتكذيب ،قالوا :وإذا كان معقول ً من العبد
أن يكون طالبا ً من نفسه فتكون نفسه طالبة منها لقوله تعالى:
ن
م ْ ما َ ،]53وقوله{ :وَأ َ َّ سوء} [يوسف: ماَرة ٌ ب ِـٱلـــ ُّ س ل َّ ن ٱلنَّفْ َ {إ ِ َّ
ن ٱلْهَوَىٰ} [النازعات ،]40:مع س عَ ِ م َربّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْ َ مقَا َ ف َ خا َ َ
كون العبد له آمر ونهاه فوقه ،فالرب تعالى الذي ليس فوقه آمر
1064
ول ناهٍ كيف يمتنع منه أن يكون طالبا ً من نفسه فيكتب على
نفسه ،ويحق على نفسه ،ويحرم على نفسه؟! بل ذلك أولى
وأحرى في حقه من تصوره في حق العبد ،وقد أخبر به عن
نفسه وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم ،قالوا :وكتابة ما
كتبه على نفسه وإحقاق ما حقه عليها متضمن لرادته ذلك
ومحبته له ورضاه به وأنه ل بد أن يفعله ،وتحريمه ما حرمه على
نفسه متضمن لبغضه لذلك وكراهته له وأنه ل يفعله ،ول ريب أن
محبته لما يريد أن يفعله وبغضه له يمنع وقوعه منه مع قدرته
عليه لو شاء ،وهذا غير ما يحبه من فعل عبده ويكرهه منه ،فذاك
نوع وهذا نوع ،ولما لم يميز كثير من الناس بين النوعين
وأدخلوهما تحت حكم واحد اضطربت عليهم مسائل القضاء
والقدر والحكمة والتعليل ،وبهذا التفصيل سفر لك وجه المسألة
وتبلج صبحها".
-مظاهر التكريم اللهي للنسان:
-1خلقه في أحسن تقويم:
َ
ن تَقْوِيمٍ} [التين.]4: س ِح َ ن فِى أ ْ سـٰ َ خلَقْنَا ٱلِن َ قال تعالى{ :لَقَد ْ َ
قال ابن عباس( :في أعدل خلق).
قال ابن كثير" :إنه تعالى خلق النسان في أحسن صورة وشكل،
منتصب القامة سوي العضاء حسنها".
-2نفخ فيه من روحه:
حهِ} [السجدة.]9: من ُّرو ِ خ فِيهِ ِ سوَّاه ُ وَنَفَ َ م َ قال تعالى{ :ث ُ َّ
حى فَقَعُوا ْ ل َ ُ
ه من ُّرو ِ ت فِيهِ ِ خ ُ ه وَنَفَ ْ سوَّيْت ُ ُ وقال تعالى{ :فَإِذ َا َ
ن} [ص.]72: جدِي َ سـٰ ِ َ
قال الواحدي" :وأضاف روح آدم إليه إكراما ً وتشريفاً".
-3أمر الملئكة بالسجود لدم:
َ
سجدُوا ْ إِل ّ إِبْلِي َ س َ م فَ َ جدُوا ْ لد َ َ س ُملَـٰئِكَةِ ٱٱ ْ قال تعالى{ :وَإِذ ْ قُلْنَا لِل ْ َ
َ
[البقرة.]:
34 ن} ري َ ف ِ ن ٱلْكَـٰ ِ م َ ن ِ ستَكْبََر وَكَا َ أبَىٰ وَـٱ ْـــ
قال ابن كثير" :وهذه كرامة عظيمة من الله تعالى لدم ،امتن بها
على ذريته ،حيث أخبر أنه تعالى أمر الملئكة بالسجود لدم".
-4تعليم آدم السماء كلها:
َ َ
م ع َلَىضه ُ ْم عََر َ ماء كُل ّهَا ث ُ َّ س َم ٱل ْ م ءاد َ َ قال تعالى{ :وَع َل ّ َ
ن eقَالُواْ َ ٱل ْملَـٰئِكَة فَقَا َ َ
صـٰدِقِي َ م َ ماء هَـؤ ُلء إِن كُنت ُ ْ ل أنبِئُونِى بِأ ْ
سَ َ ِ َ
َ َ
م}. حكِي ُم ٱل ْ َ ت ٱٱلْعَلِي ُ ك أن َ متَنَا إِن َّ َما ع َل ّ ْ م لَنَا إِل ّ َ عل ْ َ
ك لَ ِ حـٰن َ َسب ْ َ ُ
[البقرة.]32 ،31:
قال ابن كثير" :هذا مقام ذكر الله تعالى فيه شرف آدم على
الملئكة بما اختصه من علم أسماء كل شيء دونهم".
-5جعل النسان خليفة في الرض:
1065
ض
ل فِى ٱٱلْر ِ ع ٌ جا ِملَـٰئِكَةِ إِنّي َ ك لِل ْ َل َرب ُّ َ قال تعالى{ :وَإِذ ْ قَا َ
ة} [البقرة.]30: خلِيفَ ًَ
قال البغوي" :والصحيح أنه خليفة الله في أرضه؛ لقامة أحكامه
وتنفيذ وصاياه".
قال ابن عاشور" :وقول الله هذا موجه إلى الملئكة على وجه
الخبار؛ ليسوقهم إلى معرفة فضل الجنس النساني على وجه
يزيل ما علم الله أنه في نفوسهم من سوء الظن بهذا الجنس".
-6تفضيل النسان على كثير من المخلوقات:
م فِى ٱٱلْبَّر وَـٱلـــْب َ ْ ِ
حر ملْنَـٰهُ ْح َم وَ َمنَا بَنِى ءاد َ َ قال تعالى{ :وَلَقَد ْ َكََّر ْ
خلَقْنَا
ن َ م ع َلَىٰ كَثِيرٍ ّ
م َّ
م ْ ضلْنَـٰهُ ْت وَفَ َّ ن ٱلط ّيّبَـٰ ِ م َ م ّ وََرَزقْنَـٰهُ ْ
ضيلً} [السراء.]70: ت َ ْف ِ
قال الشوكاني" :أجمل سبحانه هذا الكثير ولم يبين أنواعه ،فأفاد
ذلك أن بني آدم فضلهم سبحانه على كثير من مخلوقاته...
ضيلً} يدل على عظم هذا التفضيل وأنه بمكان والتأكيد بقوله {ت َ ْف ِ
مكين ،فعلى بني آدم أن يتلقوه بالشكر ويحذروا من كفرانه".
-7تسخير المخلوقات للنسان:
َ س َّ
ض
ما فِىٱٱٱلْر ِ ت وَ َ مـٰوٰ ِ س َما فِى ٱل َّ م َّ خَر لَك ُ ْ قال تعالى{ :وَ َ
َ
ن} [الجاثية.]13: ت لّقَوْم ٍ يَتَفَك ُّرو َ ك ليَـٰ ٍ ن فِى ذَل ِ َ ه إ ِ َّ ميعا ً ّ
من ْ ُ ج ِ َ
قال ابن سعدي" :وهذا شامل لجرام السماوات والرض ولما
أودع الله فيهما من الشمس والقمر والكواكب والثوابت
والسيارات وأنواع الحيوانات وأصناف الشجار والثمرات وأجناس
المعادن ،وغير ذلك مما هو معد لمصالح بني آدم ومصالح ما هو
من ضروراته".
الصحاح (.)4/1460
القاموس المحيط (.)3/221
التوقيف على مهمات التعاريف (ص .)287
المدخل الفقهي العام ( )10-3/9لمصطفى الزرقاء.
تفسير القرآن العظيم (.)3/446
الجامع لحكام القرآن (.)6/435
تفسير القرآن العظيم (.)2/140
أخرجه البخاري في الجهاد ،باب اسم الفرس والحمار (،)48
ومسلم في اليمان (.)30
مفتاح دار السعادة (ص )431-430ببعض اختصار.
تفسير ابن أبي حاتم (.)10/3448
تفسير القرآن العظيم (.)4/527
الوسيط في تفسير القرآن المجيد (.)3/45
تفسير القرآن العظيم (.)1/80
1066
تفسير القرآن العظيم (.)1/78
معالم التنزيل (.)1/79
تفسير التحرير والتنوير (.)1/400
فتح القدير (.)245-3/244
تيسير الكريم الرحمن (ص .)776
الفصل الول :خصائص ومميزات حقوق النسان في السلم:
-1حقوق النسان في السلم تنبثق من العقيدة السلمية:
إن حقوق النسان في السلم تنبع أصل ً من العقيدة ،وخاصة من
عقيدة التوحيد ،ومبدأ التوحيد القائم على شهادة أن ل إله إل الله
هو منطلق كل الحقوق والحريات ،لن الله تعالى الواحد الحد
الفرد الصمد خلق الناس أحراراً ،ويريدهم أن يكونوا أحراراً،
ويأمرهم بالمحافظة على الحقوق التي شرعها والحرص على
اللتزام بها ،ثم كلفهم شرعا ً بالجهاد في سبيلها والدفاع عنها،
ومنع العتداء عليها وهذا ما تكرر في القرآن الكريم في آيات
القتال والجهاد.
فحقوق النسان في السلم تنبع من التكريم اللهي للنسان
بالنصوص الصريحة ،وهو جزء من التصور السلمي والعبودية لله
تعالى وفطرة النسان التي فطره الله عليها.
-2حقوق النسان في السلم منح إلهية:
إن حقوق النسان في السلم منح إلهية منحها الله لخلقه ،فهي
ليست منحة من مخلوق لمخلوق مثله ،يمن بها عليه ويسلبها منه
متى شاء ،بل هي حقوق قررها الله للنسان.
-3حقوق النسان في السلم شاملة لكل أنواع الحقوق:
من خصائص ومميزات الحقوق في السلم أنها حقوق شاملة
لكل أنواع الحقوق ،سواء الحقوق السياسية أو القتصادية أو
الجتماعية أو الثقافية.
كما أن هذه الحقوق عامة لكل الفراد الخاضعين للنظام
السلمي دون تمييز بينهم في تلك الحقوق بسبب اللون أو
الجنس أو اللغة.
-4حقوق النسان في السلم ثابتة ول تقبل اللغاء أو التبديل أو
التعطيل:
من خصائص حقوق النسان في السلم أنها كاملة وغير قابلة
لللغاء؛ لنها جزء من الشريعة السلمية.
إن وثائق البشر قابلة للتعديل غير متأبية على اللغاء مهما جرى
تحصينها بالنصوص ،والجمود الذي فرضوه على الدساتير لم
يحمها من التعديل بالغلبية الخاصة.
1067
وقضى الله أن يكون دينه خاتم الديان وأن يكون رسول الله
صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ،ومن ثم فما جاء في كتاب
الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهو باق ما دامت
السماوات والرض.
-5حقوق النسان في السلم ليست مطلقة بل مقيدة بعدم
التعارض مع مقاصد الشريعة السلمية:
ومن خصائص حقوق النسان في السلم أنها ليست مطلقة ،بل
مقيدة بعدم التعارض مع مقاصد الشريعة السلمية ،وبالتالي
بعدم الضرار بمصالح الجماعة التي يعتبر النسان فردا ً من
أفرادها.
حقوق النسان في السلم للدكتور محمد الزحيلي (ص )133-132
بتصرف.
حقوق النسان في السلم للدكتور سليمان الحقيل (ص .)53
حقوق النسان في السلم .د.سليمان الحقيل (ص .)53
حقوق النسان للحقيل (ص .)53
حرمات ل حقوق ،لعلي جريشة.
حقوق النسان للحقيل (ص .)53
الفصل الثالث :مقارنة بين حقوق النسان في السلم وفي
الوثائق الوضعية الدولية:
أولً :من حيث السبقية واللزامية:
لقد كان للشريعة السلمية الغراء فضل السبق على كافة
المواثيق والعلنات والتفاقيات الدولية في تناولها لحقوق
النسان وتأصيلها لتلك الحقوق منذ أكثر من أربعة عشر قرنا ً من
الزمان ،وأن ما جاء به العلن العالمي لحقوق النسان
والتفاقيات الدولية اللحقة ومن قبلها ميثاق المم المتحدة ما هو
إل ترديد لبعض ما تضمنه الشريعة السلمية الغراء.
فحقوق النسان المهددة اليوم والتي ندعو إلى حمايتها واحترامها
قد أقرها السلم وقدسها منذ أربعة عشر قرنا ً فسبق بها سبقاً
بعيدا ً عما قال به القرن الثامن عشر الذي ع ُد قرن حقوق
النسان.
وحقوق النسان كما جاء بها السلم حقوق أصيلة أبدية ل تقبل
حذفا ً ول تعديل ً ول نسخا ً ول تعطيلً ،إنها حقوق ملزمة شرعها
الخالق سبحانه وتعالى ،فليس من حق بشر كائنا ً من كان أن
يعطلها أو يتعدى عليها ،ول تسقط حصانتها الذاتية ل بإرادة الفرد
تنازل ً عنها ول بإرادة المجتمع ممثل ً فيما يقيمه من مؤسسات أياً
كانت طبيعتها وكيفما كانت السلطات التي تخولها.
1068
أما فيما يتعلق بالقيمة القانونية للعلن العالمي لحقوق النسان
فهو ليس إل مجرد تصريح صادر عن المم المتحدة غير ملزم.
فيتضح أن حقوق النسان في المواثيق الدولية عبارة عن
توصيات أو أحكام أدبية ،أما في السلم فحقوق النسان عبارة
عن فريضة تتمتع بضمانات جزائية وليست مجرد توصيات أو
أحكام أدبية ،فللسلطة العامة في السلم حق الجبار على تنفيذ
هذه الفريضة ،خلفا ً لمفهوم هذه الحقوق في المواثيق الدولية
التي تعتبرها حقا ً شخصيا ً مما ل يمكن الجبار عليه إذا تنازل عنه
صاحبه.
ثانياً :من حيث العمق والشمول:
حقوق النسان في السلم أعمق وأشمل من حقوق النسان في
الوثائق الوضعية ،فحقوق النسان في السلم مصدرها كتاب الله
وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،أما مصدر حقوق النسان
في القوانين والمواثيق الدولية فهو الفكر البشري ،والبشر
يخطئون أكثر مما يصيبون ،ويتأثرون بطبيعتهم البشرية بما فيها
من ضعف وقصور وعجز عن إدراك المور والحاطة بالشياء،
وقد أحاط الله بكل شيء علماً.
إن الحقوق في السلم تبلغ درجة الحرمات وهي في هذا تمر
َ
سل ّمة ،ومن بعدها تدعمها الواجبات ،ومن م َ
بدرجات ،فالحقوق ُ
بعد الواجبات تحميها الحدود ،ومن بعد الحدود ترتفع إلى
الحرمات.
وإذا كانت المواثيق البشرية قد ضمنت بعض الحقوق فإن
السلم بمصدريه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة شمل
جميع أنواع الحقوق التي تكرم الله بها على خلقه.
ثالثاً :من حيث الحماية والضمانات:
إن حقوق النسان في القوانين الوضعية لم توضع لها الضمانات
اللزمة لحمايتها من النتهاك.
فبالرجوع إلى مواد العلن العالمي لحقوق النسان الصادر عن
المم المتحدة عام 1948م نجده لم يحدد الوسائل والضمانات لمنع
أي اعتداء على حقوق النسان وبخاصة ما يكون من هذه
الوسائل والضمانات على المستوى العالمي.
كما تضمن العلن تحذيرا ً من التحايل على نصوصه أو إساءة
تأويلها دون تحديد جزاء للمخالفة ،وتضمنت أيضا ً تشكيل لجنة
لحقوق النسان تقوم بدراسة تقارير الدول الطراف عن
إجراءاتها لتأمين الحقوق المقررة ،كما تتسلم التبليغات المقدمة
من إحدى الدول الطراف ضد أخرى بشأن أدائها لحد التزاماتها
المقررة بمقتضى التفاقية وذلك بشروط معينة.
1069
وبالنظر إلى الحماية الدولية لحقوق النسان نجدها محاولت لم
تصل إلى حد التنفيذ ،وهي تقوم على أمرين:
-1محاولة التفاق على أساس عام معترف به بين الدول جميعاً.
-2محاولة وضع جزاءات ملزمة تدين الدولة التي تنتهك حقوق
النسان.
إن كل ما صدر عن المم المتحدة والمنظمات والهيئات بخصوص
حقوق النسان يحمل طابع التوصيات ول يعدو كونه حبرا ً على
ورق يتلعب به واضعوه حسبما تمليه عليهم الهواء والشهوات.
أما في السلم فقد اعتمد المسلمون في مجال حماية حقوق
النسان على أمرين أساسين ،وهما:
-1إقامة الحدود الشرعية ،إذ إن من أهم أهداف إقامة الحدود
الشرعية في السلم المحافظة على حقوق الفراد.
-2تحقيق العدالة المطلقة التي أمر الله بها ورسوله صلى الله
عليه وسلم وحثا عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية
الشريفة.
ْ ْ َّ َ
[النحل:
.]90 ن} سا ِ ح َ ل وَـٱلـــ ْ مُر ب ِـٱلـــعَد ْ ِ ه يَأ ُن ٱلل َ قال تعالى{ :إ ِ ّ
قال ابن عطية" :والعدل هو فعل كل مفروض من عقائد وشرائع
وسير مع الناس في أداء المانات وترك الظلم والنصاف وإعطاء
الحق".
َ
ل}موا ْ ب ِـٱلـــْعَد ْ ِحك ُ ُ
س أن ت َ ْ َ
ن ٱلن ّا ِ م بَي ْ َ
مت ُ ْحك َ ْوقال تعالى{ :وَإِذ َا َ
[النساء.]58:
قال ابن كثير" :أمر منه تعالى بالحكم بالعدل بين الناس".
وقد امتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ربه في إقامة
العدل فكانت حياته كلها عدل ،وعلم أصحابه العدل وأوصى أمته
به وحذرهم من الظلم ،ووضع منهج السلم في إقرار العدل
والمساواة والمحافظة على الحقوق وحمايتها.
حقوق النسان للحقيل (ص .)87
حقوق النسان للحقيل (ص .)103
حقوق النسان للحقيل (.)89-88
حقوق النسان للحقيل (ص .)89
حقوق النسان للحقيل.
المحرر الوجيز (.)2/416
تفسير القرآن العظيم (.)1/528
حقوق النسان للحقيل (ص .)104-103
الفصل الرابع :مفهوم الغرب لحقوق النسان:
لم تظهر فكرة حقوق النسان جزئيا ً بشكل رسمي عند الغرب إل
في القرن الثالث عشر الميلدي ،الموافق للقرن السابع
1070
الهجري ،أي :بعد نزول السلم بسبعة قرون ،وذلك نتيجة ثورات
طبقية وشعبية في أوروبا ،ثم في القرن الثامن عشر في أمريكا
لمقاومة التميز الطبقي أو التسلط السياسي أو الظلم
الجتماعي.
-1حرية التدين في الغرب:
جاء في العلن العالمي لحقوق النسان أن لكل شخص الحق
في حرية الدين وحرية تغيير ديانته أو عقيدته وحرية العراب
عنها بالتعليم والممارسة.
فالنسان عند الغرب حر في أن يختار الدين الذي يريده وحر في
أن يغير دينه متى شاء.
وهذا يتعارض مع تعاليم السلم الذي ل يجيز للمسلم تغيير
ديانته ،بل يعتبر ذلك ردة ويجب إقامة الحد فيها؛ لن السماح
بالردة يشكل خطرا ً على أمن الدولة السلمية ،ويخالف ما
قصده السلم من حفظ للضروريات الخمس التي على رأسها
ضرورة حفظ الدين الذي تقوم الدولة السلمية أساسا ً عليه.
-2حرية إقامة العلقات السرية:
جاء في العلن العالمي لحقوق النسان أن للرجل والمرأة متى
بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب
الجنس أو الدين.
فيبيح للكافر التزوج بمسلمة وللمسلم التزوج بالكافرة بدون أي
قيود على ذلك.
وهذا يخالف تعاليم السلم التي ل تجيز للمرأة المسلمة أن
تتزوج بغير المسلم ،وذلك صيانة للسرة من النحلل بسبب
الختلف في الدين عند احترام الزوج بموجب عقيدته لمقدسات
زوجته لن المرأة أحد عنصري السرة الكثر حساسية في هذا
الموضوع بسبب شعورها بالضعف أمام الرجل".
-3حق الحرية:
جاء في العلن العالمي لحقوق النسان" :يولد جميع الناس
أحرارا ً متساوين في الكرامة والحقوق".
وفي اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية" :لكل فرد الحق في
الحرية والسلمة الشخصية ول يجوز حرمان أحد من حريته إل
على أساس من القانون وطبقا ً للجراءات المقررة".
وهذا الحق يكاد أن يكون نظريا ً اليوم ،ويعاني الفراد والشعوب
الويلت من الفراط والتفريط بحق الحرية ،والمتاجرة بها
والتغني فيها وعدم ضبط الممارسات فيها وحولها ،حتى قالت
إحدى نسائهم" :كم من الجرائم ارتكبت باسمك أيتها الحرية".
-4حق التملك:
1071
تفاوت مفهوم حق التملك عند الغرب تفاوتا ً هائلً.
فالرأسمالية أطلقت حرية التملك إلى أبعد الحدود وجردته من
كل قيد حتى استبد الغنياء وأصحاب رؤوس الموال بمقدرات
المم والشعوب واستنزفت خيرات البلد وطبقات الفقراء
والعمال.
بينما تمادت الشيوعية في الفراط والغلو وألغت الملكية الفردية
وفرضت ملكية الدولة الكاملة ،واستولت على جميع وسائل
النتاج ،وأصبح العمال مجرد آلت للعمل.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين،،
حقوق النسان للزحيلي (ص .)101
حقوق النسان للزحيلي (ص .)181
حقوق النسان للزحيلي (ص )156-155بتصرف.
حقوق النسان للحقيل (ص .)82
حقوق النسان للحقيل (ص .)161
حقوق النسان للزحيلي (ص .)169
حقوق النسان للزحيلي (ص .)169
حقوق النسان للزحيلي (ص .)170
حقوق النسان للزحيلي (ص .)315
-------------------
السلم والديمقراطية
الشيخ فتحي منصور
قاضي المحكمة الشرعية -القدس
1072
(الديمقراطية) من بُعد فكري ونظري لترتيب السياسة في
المجتمع الى ممارسات عملية تتعلق بحريات أساسية منها حرية
التعبير والتنقل والتنظيم وغيرها.
فالناس عامة ل يكترثون في البحث عن السس الفلسفية أو
الفكرية التي تنطلق منها الديمقراطية ،بقدر ما يهتمون ببعض
المظاهر والممارسات السياسية التي يرتاحون إليها ويثنون عليها
ويودون أن تكون جزءا ً من واقعهم لعلهم ينعمون ببعض
(الخيرات) التي تنعم بها الشعوب التي أقامت نظما ً سياسية
ديمقراطية.
وقد ساد هذا النطباع الجماهيري العام عن الديمقراطية في
العالم السلمي والوطن العربي حتى بات المفهوم الشعبي لها
مرادفا ً (للحرية) .ول ينتبه الكثيرون من الناس أن الحرية قد
تكون أكثر شمول ً أو أقل اتساعا ً من الديمقراطية ،وأن لكل
مفهوما ً خاصا ً ربما يتقاطع مع الخر ول يلتقي معه بالضرورة.
وربما أن هذا المر هو الذي قاد بعض المفكرين والباحثين
المسلمين إلى القول بأن السلم (ديمقراطي) وأن القيم
الديمقراطية قيم إسلمية يجب الدفاع عنها ،وبدل ً من أن يركزوا
على البحث في مجال الحريات في السلم ،انطلقوا يتحدثون
عن الحداثة السلمية في ثوب ديمقراطي.
* إذن ما المقصود بالديمقراطية:
لقد عرفت الديمقراطية لغويا ً أنها حكم الشعب.
وقد نشأ هذا المفهوم في أثينا في الثقافة اليونانية القديمة ثم
تجسدت هذه الفكرة في العصور اللحقة في الفكر السياسي
الغربي واتخذت نشاطا ً نضاليا ً من أجل الديمقراطية بين الحكام
والمحكومين بلغ أوجه خلل القرنين السابع عشر والثامن عشر
عندما استطاع البريطانيون من الحد من صلحيات الملك بعد
ثورتي 1649و .1688
وكان ل (جون لوك) دور بارز في الدعوة للديمقراطية بالمفهوم
الغربي والذي عرفها بأنها (حق الكثرية التي اكتسبت سلطة
الجماعة بالتحاد في استخدام تلك السلطة لتشريع القوانين
وتنفيذها بواسطة موظفين عينوا لذلك).
أما الوليات المتحدة فلم تعرب النظام الديمقراطي إل بعد
الستقلل ( )1776وتجسدت في إعلن حقوق النسان وحريته.
رغم أن الديمقراطية المريكية بقيت مشوهة إلى اليوم حيث ل
يحق مثل ً الترشيح للرئاسة إل لفئة معينة من الشعب
كالبروتستانت أو البيض أو النكلوسكسون ،كما أن الثروة المالية
للمرشح مقدمة على أن نوع من الكفاءات الخرى.
1073
أما في فرنسا فقد انفجرت الثورة سنة 1789معلنة حقوق
النسان والمواطن ،حيث عرف جان جاك روسو الديمقراطية بما
يلي:
"يستطيع صاحب السيادة في المقام الول أن يعهد بأمانة الحكم
إلى الشعب كله أو إلى الجزء الكثر منه بحيث يكون هناك من
المواطنين الحكام أكثر من المواطنين الفراد ويطلق على هذا
الشكل من الحكومة اسم ديمقراطية".
أما (مونتسكيو) ففي معرض تقسيمه للحكومات اعتبر الحكم
الديمقراطي شكل ً من أشكال الحكم الجمهوري.
فالديمقراطية في راية تحكم على أساس الفضيلة السياسية
وتعني حب الدولة وحب المساواة ،وفي ظل النظام الديمقراطي
فإن المواطنين يختارون وفقا ً لبمدأ المساواة وإمكانياتهم
وقدراتهم ،والسلطة التشريعية يجب أن تكون بين الفراد كما أن
التصويت يجب أن يكون عاماً.
1074
ويهدف هذا المنهج إلى استبدال هذا الوضع القديم بآخر جديد هو
وضع الدولة الحديثة التي يحكمها القانون باعتبارها معبّرا ً عن
إرادة الشعب وملزما ً للرئيس والمرؤوس معا.
ولبلوغ هذا الهدف يعتمد المنهج الديمقراطي على جملة من
المبادئ الساسية التي تتولد عنها آليات وأجهزة دستورية تختلف
صيغتها التفصيلية من نظام إلى آخر ،ويمكن إجمالها فيما يلي:
الشعب صاحب السيادة ومصدر السلطات والشرعية. .1
انبثاق السلطات بواسطة النتخابات .2
القرار للغلبية بأن تحكم وللقلية بأن تعارض .3
التعددية الحزبية .4
التداول السلمي على السلطة .5
مراقبة الحكام وممارسة التأثير عليهم .6
فصل السلطات .7
ضمان حريات المعتقد والتعبير والعمل النقابي .8
حفظ مصالح الضعفاء والقليات .9
.10احترام حقوق النسان
1075
وقال تعالى( :وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا ً لما بين يديه من
الكتاب ومهيمنا ً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ول تتبع أهواءهم
واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله اليك).
قال تعالى( فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم)
اختيار الحاكم
حق اختيار الحاكم هو للمة بواسطة أهل الحل والعقد، -
فالحكم بالسلم هو عقد عن تراض بين المة والحاكم.
البيعة تعني الطاعة والقبول -
الحاكم مقيد بتبني الحكام الشرعية المستنبطة استنباطاً -
صحيحا ً من الدلة الشرعية ومقيد بالحلل والحرام.
ل يخرج على الحاكم أو يعزل إل إذا أظهر كفرا ً بواحاً. -
عن عبادة بن الصامت قال( :بايعنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم على السمع والطاعة في المكره والمنشط ،فبايعناه،
فقال :فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا
ومكرهنا ،وعسرنا ويسرنا ،وأثرة علينا ،وأن ل ننازع المر أهله إل
أن تروا كفرا ً بواحا ً عندكم من الله فيه برهان).
الشورى
الشورى ضرورة إنسانية في جميع المجالت الجتماعية
والقتصادية والسياسية والعلقات الفردية.
قال عليه الصلة والسلم (إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه)
وهي في النظام السياسي في السلم من لوازم اليمان بالله
تعالى.
قال تعالى ( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلة وأمرهم
شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون).
النظام السياسي في السلم نظام شوري يرفض جميع
أشكال الحكم الستبدادي وكل النظمة السياسية الغوغائية
والفوضوية.
1076
قال تعالى (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً
غليظ القلب لنفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم
وشاورهم في المر فإذا عزمت فتوكل على الله ،إن الله يحب
المتوكلين).
الحاكم يمارس تنفيذ هذا النظام من خلل الوقوف على
رأي فئة من المة تتصف بالذكاء والحنكة والتجربة والخلص
للنظام والمة ،وهذه الفئة تمثل المة تمثيل ً حقيقيا ً بجميع
قطاعاتها وتحاسب الحاكم محاسبة من شأنها تسديد مسيرته
ودعمه في اتجاهاته الخيرة وتعينه على اتخاذ القرارات المهمة
والحسم في المواقف التي تواجهه.
لما سار رسول الله إلى بدر خرج فاستشار الناس فأشار عليه
أبو بكر رضي الله عنه ثم استشارهم فأشار عليه عمر عنه
فسكت فقال رجل من النصار إنما يريدكم ،فقالوا يا رسول الله،
"والله ل نكون كما قالت بنوا إسرائيل لموسى عليه السلم
(اذهب أنت وربك فقاتل إنا ههنا قاعدون) ،ولكن والله لو ضربت
أكباد البل ،حتى تبلغ برك الغماد لكنا معك".
المرأة
لقد وزع السلم الختصاصات العملية توزيعا ً يوافق طبائع
الذكورة والنوثة.
ً
كفل السلم للمرأة حقوقا عديدة في المجالت السياسية،
فقد أقر لها حق المشاركة السياسية من حيث إبداء الرأي ،وأن
الية الكريمة (وأمرهم شورى بينهم) لم تخص الرجال دون
النساء.
وقد شاركت أم سلمة في صلح الحديبة وهي التي أشارت على
النبي صلى الله عليه وسلم بأن يحلق رأسه.
كما عارضت أسماء بنت أبي بكر بيعة بأنها عبد الله بن الزبير
للمويين.
1077
الناس افقه منك يا عمر ،وفي رواية أخرى امرأة أصابت ورجل
أخطأ وترك النكار.
ساوى السلم بين الذكور والناث في حق التعليم والثقافة
فسح السلم أمام المرأة مجال العمل وراعى تركيبة
المرأة البيولوجية وأنوثتها.
=================
يقول الستاذ فهمي هويدي" :يظلم السلم مرتين :مرة عندما
يقارن بالديمقراطية ومرة عندما يقال إنه ضد الديمقراطية ،إذ
المقارنة بين الثنين خاطئة وادعاء التنافي خطيئة ،المر الذي
يحتاج إلى تحرير أول ً واستجلء ثانياً".
1078
أما (مونتسكيو) ففي معرض تقسيمه للحكومات اعتبر الحكم
الديمقراطي شكل ً من أشكال الحكم الجمهوري.
فالديمقراطية في راية تحكم على أساس الفضيلة السياسية
وتعني حب الدولة وحب المساواة ،وفي ظل النظام الديمقراطي
فإن المواطنين يختارون وفقا ً لبمدأ المساواة وإمكانياتهم
وقدراتهم ،والسلطة التشريعية يجب أن تكون بين الفراد كما أن
التصويت يجب أن يكون عاماً.
إذن ،فالديمقراطية بالمعنى اللغوي (حكم الشعب) :هي قاعدة ل
يمكن تطبيقها على أرض الواقع في حال من الحوال ،وهو المر
الذي يؤكده (روسو) حيث يقول (وإذا أخذنا عبارة الديمقراطية
بكل معناها الدقيق نجد أن الديمقراطية الحقيقية لم توجد أبداً
ولن توجد أبدا ً فيما يخالف النظام الطبيعية أن يحكم العدد الكبر
وأن يكون العدد الصغر هو المحكوم ول يمكن أن نتصور بقاء
الشعب مجتمعا ً على الدوام للنظر في الشؤون العامة ونستطيع
أن نرى بسهولة أنه ل يمكن إقامة لجان من أجل ذلك دون تغيير
في شكل الدارة.
مفهوم الديمقراطية حالياً
يقول الستاذ راشد الغنوشي :مفهوم الديمقراطية مفهوم واسع
يتسع لمعاني كثيرة ،ولكنها قد تلتقي عند معنى أنها نظام
كّن المحكومين من القدرة سياسي يجعل السلطة للشعب ،ويُم ِ
على التأثير في حكامهم ،بل قبل ذلك يعطيهم الحق في اختيار
حكامهم وفي التأثير فيهم والضغط عليهم ،وعند القتضاء إلى
تغييرهم عبر آليات قد تختلف من نظام ديمقراطي إلى آخر،
ولكنها تلتقي أيضا ً عند آلية النتخاب أي القتراع الحر عبر
خطوات كثيرة وأشكال ،وبالتالي يحقق هذا النظام التداول على
السلطة عبر صناديق القتراع ،ويمكّن الناس -أي المحكومين-
من حريات كالتعبير ،وتكوين الحزاب واستقلل القضاء ،وبالتالي
فالديمقراطية هي شكل يعلن عن أن هذا النظام السياسي يقوم
على سيادة الشعب ،ومن جهة أخرى جملة من المضامين والقيم
تقر بكرامة الناس وبمساواتهم لبعضهم ،ويقر لهم بجملة من
الحقوق وجملة من الحريات تجعلهم قادرين على اختيار حكامهم
والضغط عليهم وتغييرهم بالوسائل السلمية ،تعطيهم الحق في
المشاركة في السلطة ،وتجعلهم آمنين من الجور أو من
الستبداد.
السلم والديمقراطية
1079
يقول الدكتور يوسف القرضاوي " :الحكم على الشيء فرع عن
تصوره" ومن هنا كان لبد أن نعرف ما هي الديمقراطية ،
الديمقراطية بجوهرها هذا ل تنافي السلم لنها تقوم على عدة
مبادئ:
أولً :أن يختار الناس من يحكمهم :ل أن يقود الناس من يكرهونه
ول يرضون عنه ،فإذا كان السلم قال فيحق المامة الصغرى –
المقصود إمامة الصلة" :-ثلثة ل ترتفع صلتهم فوق رؤوسهم
م قوما ً وهم له كارهون" (رواه ابن شبراً ،أول هذه الثلثة "رجل أ َّ ِ
ماجه والترمذي والطبراني و إسناده حسن أو صحيح)فإذا كان
هذا بالنسبة للمامة الصغرى فما بالك بالمامة الكبرى بقيادة
المة وفي الحديث (الذي رواه مسلم وأحمد والطبراني)" :خيار
أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم ،
وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم"
ثانياً :المحاسبة :وهي أن أن يحاسب الناس هذا الشخص بعد
اختياره إذ ل معصوم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فلبد إذا ً أن يقوَّم الخطأ وأن يعان على الصواب ،سيدنا أبو بكر
يقول" :أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فل طاعة
عليكم ،إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني" ،وابن
الخطاب يقول على المنبر" :رحم الله امرئ أهدى إلى عيوب
نفسي ،مرحبا ً بالناصح أبد الدهر ،مرحبا ً بالناصح غدوا ً وعشياً ،من
ي اعوجاجا ً فليقومه" ،وهكذا فمن حق المة يقول رأى منكم ف َّ
صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم" :الدين النصيحة ،قالوا:
لمن يا رسول الله؟ قال لله ولرسوله ولكتابه ولئمة المسلمين
وعامتهم" .
ولذلك حمل القرآن حملة شعواء على المتألهين في الرض،
ت) ،فرعون الذي قال: ُ َ ُ
مي ُ حيِي وَأ ِ نمروذ الذي قال لبراهيم (أنَا أ ْ
م الَع ْلَى) ،ومن مع فرعون؟ هامان وقارون ،هامان َ
(أنَا َربُّك ُ ُ
السياسي الوصولي الذي يسند الطاغية المتجبر ،والرأسمالي
القطاعي الذي يسند هذا وذاك قارون ،السلم حمل على هؤلء
يعني جميعاً ،وحمل على الشعوب التي تتبع هؤلء ،ولذلك قال
َ
ساراً)خ َه وَوَلَدُه ُ إِل َّ َمال ُ ُم يَزِدْه ُ َ من ل ّ ْ عن قوم فرعون( :وَاتَّبَعُوا َ
َ
جبَّارٍ ع َنِيدٍ) ،ل يجوز ل َ مَر ك ُ ِّوقال عن عاد قوم هود( :وَاتَّبَعُوا أ ْ
ه فَأَطَاع ُوهُ) م ُ ف قَ ْ
و َ خ َّ ست َ َللمة أن تتبع ..وقال عن فرعون( :فَا ْ
َ َ
شيدٍ) حمل الشعوب ن بَِر ِ مُر فِْرع َْو َ ما أ ْ
ن وَ َ مَر فِْرع َْو َ(فَاتَّبَعُوا أ ْ
المسؤولية ،لن الشعوب يجب أن تتحمل تبعاتها في اختيار
الحاكم ومساءلته ،ل أن تكون قطيعا ً يسوقه الحاكم بعصاه.
1080
ثالثاً :القيم الديمقراطية :كالحرية والكرامة وحقوق النسان ،هذه
كلها مبادئ إسلمية ،هي عندهم تسمى حقوقاً ،عندنا تسمى
فرائض ،يعني ما يعتبر في الديمقراطية حقا ً في السلم يعتبر
فرضا ً وليس حقا ً يجوز التنازل عنه ومن أهم هذه الفرائض:
المر بالمعروف والنهي عن المنكر :فرض عليك أن تأمر
بالمعروف وأن تنهى عن المنكر ،وإل دخلت في الذين لعنوا كما
لعن بنو إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ..لماذا؟
منكَرٍ فَعَلُوهُ). ن ع َن ُّ و َ(كَانُوا ل َ يَتَنَاهَ ْ
م)
منَا بَنِي آد َ َ -كرامة النسان في السلم ( :وَلَقَد ْ كََّر ْ
ُ -المساواة( :يَا أَيُّهَا النَّا
مجعَلْنَاك ُ ْ
من ذ َكَرٍ وَأنثَى وَ َ خلَقْنَاكُم ِّ س إِنَّا َ
ُ
َ َ ل لِتعارفُوا إ َ َ
عند َ الل ّهِ أتْقَاك ُ ْ
م) م ِ مك ُ ْن أكَْر َ ِ ّ شعُوبا ً وَقَبَائ ِ َ َ َ َ ُ
فكل المعاني التي قامت عليها الديمقراطية معاني يقرها
السلم ،فلذلك نحن في غنى أن نقول ديمقراطية ،ولكن لن
الديمقراطية وصلت إلى صيغ وأساليب وضمانات لتحقيق هذه
القيم السياسية التي جاء بها السلم ،فنحن نقول البشرية في
صراعها مع الطغاة والمستبدين طوال العصور استطاعت
الوصول إلى تلك القيم فلماذا ل نستفيد منها.
السلم والديمقراطية...هل يكتب التوفيق لهذا الزواج-الجزء 1
________________________________________
الحاجة إلى الديمقراطية
يقول الستاذ راشد الغنوشي :غابت دولة الشورى في كل
المستويات منذ القرن الول (قال عليه الصلة والسلم:الخلفة
ث إلى هؤلء الملوك ،و بعدي ثلثون ثم تكون ملكاً)وأصبحنا نوَّر ً
ساد التقليد وهو شكل من أشكال الستبداد أيضا ً ،وفي مجال
التربية ساد التصوف العمى "المريد بين يدي شيخه كالميت بين
يدي من يغسله"وهذا يلغي إرادة الناس يلغي إرادة من يسمون
المريدين لصالح الشيخ.
فأصبحنا إذا ً مجتمعنا ينتج الستبداد ويتحرك في إطار الستبداد.
فلما انفتحت النوافذ وجاء الهواء لم نستطع أن نتعايش مع الفكر
الحديث ،وبادرنا برفضه ،على سبيل المثال انظر ما حصل في
أفغانستان في التسعينات ،خرب البلد على يد مجاهدين ،لماذا؟
لنهم لو اتفقوا على الديمقراطية كآليات لحسم خلفاتهم لرجعوا
للشعب الفغاني واحتكموا له ،ومن يرضى به الشعب يُقبل،
ولكن هؤلء كثير من مشايخهم يرفضون الديمقراطية لنها حرام
–بزعمهم -وأن الشعب ليس محل ثقة ،ويقولون بنظام يتخيلونه
واضحاً ،ولكنها مجرد أسماء :يقولون نظام أهل الحل والعقد ،من
هم أهل أحل والعقد؟ كيف نختارهم؟ هؤلء كانوا واضحين في
1081
مجتمع صغير كمجتمع المدينة ،كيف نتوصل إليهم اليوم دون
ممارسة الليات الحديثة ،آليات الديمقراطية في النتخاب؟
فخرب البلد رغم أنهم قد يكونون صالحين ومجاهدين ،لكنهم
ورثوا هذا التخلف في فقهنا السياسي ،فلم يتوفقوا إلى آليات
لحسم خلفاتهم
في الحركة السلمية جوانب كثيرة للتجديد ،فالسلم أقر مبدأ
الشورى ،وأمرنا أل يقرر الفرد ولالنخبة المستبدة في القضايا
الكبرى ،وإنما المة كلها تُشارك في صناعة القرار.
فكرة المشاركة هذه فكرة أساسية جاء بها السلم ،وأظن أن
غيابها وإقصاء المة عن شأنها واستبداد الفراد بالمجموع هو
الذي أنهك حضارتنا وأسلمها إلى النهيار ،على حين توفق الغرب
في أن يحول شورانا هذه -مبدأ الشورى المبدأ العظيم -أن يجعل
له آليات تجعل من الشورى نظاما ً يحقق التداول على السلطة،
ويحقق المن من الجور ،ويعطي للناس للشعب وسائل الضغط
من الغرب على الحكام ،ويعطي وسائل النصح والتغيير ،وبالتالي أ ِ
من الستبداد ،وبقينا نحن المسلمين ل أمل لنا في نصح حكامنا-
فضل ً عن تغييرهم -إل أن ننتظر زيارة ملك الموت لمستبد أو
إعلن دبابة في الهزيع الخير من الليل ،وهذه كارثة على الحاكم
والمحكوم بصراحة.
ويرى بعض المفكرين أن البتعاد عن الديمقراطية يؤثر على
الدور الرسالي للسلم حيث يقول مراد هوفمان :إذا لم يتمكن
العالم السلمي من تأكيد العنصر الديمقراطي الصيل الكامن
في تكوينه ،وسيترتب على ذلك أن المسلمين لن يتمكنوا من
تحقيق وتطوير إمكاناتهم في شتى المجالت :القتصادية،
والجتماعية ،والسياسية ،وسيعقب ذلك تخلفه وعجزه السياسي.
1082
َ
مجابُوا لَِربِّهِ ْ ست َ َنا ْ تعالى في وصف مجتمع المؤمنين (وَال ّذِي َ
م َّ َ موا ال َّ َ
ن) هذا م يُنفِقُو َ ما َرَزقْنَاهُ ْ م وَ ِ شوَرى بَيْنَهُ ْ م ُ مُرهُ ْ صلة َ وَأ ْ وَأقَا ُ
في القرآن المكي ،وفي القرآن المدني قال الله تعالى لرسوله
ضواب لنفَ ُّ ظ القَل ْ ِت فَظا ًّ غَلِي َ م وَلَوْ كُن َ ت لَهُ ْ
َ
ن الل ّهِ لِن َ م َمةٍ ِّ ح َ ما َر ْ (فَب ِ َ
َ
مرِ) وإذا م فِي ال ْ شاوِْرهُ ْ م وَ َ ستَغْفِْر لَهُ ْ م وَا ْ ف ع َنْهُ ْ ك فَاع ْ ُ حوْل ِ َ ن َ م ْ ِ
كان الرسول مأمورا ً بالمشاورة فغيره أولى بأن يشاور يعني
قطعاً ،وكان النبي -صلى الله عليه وسلم -أكثر الناس مشاورة،
كما جاء في صحيح البخاري ،أكثر الناس مشاورة لصحابه ،هو
النبي -صلى الله عليه وسلم ،-وهذا يعني معروف ،شاور في
غزوة بدر ،وشاور في غزوة أحد ،وشاور في غزوة الخندق،
وكثيرا ً ما نزل عن رأيه إلى رأي أصحابه.
في غزوة بدر شاور قبل الغزوة ،وشاور في أثناء الغزوة ،وشاور
بعد الغزوة في مسألة السرى ،في غزوة أحد شاور أيضاً
الصحابة في الخروج إلى المشركين أم البقاء في المدينة ،وكان
رأيه ورأي كبار الصحابة أن يبقوا في المدينة ،ولكن الشباب وهم
جمهور الناس رفضوا ذلك ،وقالوا :يعني ما دخل علينا فيها في
الجاهلية .أفي السلم يدخلون علينا؟! وأبوا إل أن يخرجوا ،فنزل
على رأيهم ،في غزوة الخندق أيضا ً استشار السعود :سعد بن
معاذ ،وسعد بن الربيع ،وسعد بن خيثمة ،وسعد بن مسعود من
النصار حينما عرض عليه قبيلة غطفان أن يأخذوا ثلث ثمار
المدينة أو نصف ثمار المدينة ويرجعوا وينفضوا عن قريش،
وعرض الرسول عليهم هذا ،وقال لهم :إن العرب رمتكم عن
قوس واحدة ،فل مانع إن إحنا نقسم المهاجمين بأننا نصالح
بعضهم وأن نتفرغ للبعض ،ولكن هؤلء السعود وهم يمثلون
النصار رفضوا ذلك قالوا ما أخذوا منا تمرة في الجاهلية بعد أن
أعزنا الله بالسلم يأخذون منا؟ رفضوا ونزل النبي -صلى الله
عليه وسلم -على رأيهم.
َّ
جابُواست َ َنا ْ و يقول مراد هوفمان معلقاً :إن آية الشورى (وَالذِي َ
م َّ َ موا ال َّ َ
ما َرَزقْنَاهُ ْ
م م َو ِشوَرى بَيْنَهُ ْ م ُمُرهُ ْ صلة َ وَأ ْ م وَأقَا ُ لَِربِّهِ ْ
ن) جعلت واجب الشورى يمتد إلى المؤمنين كافة وليس فقُو َ يُن ِ
الرسول وحده ،وقرنت واجب الشورى بفرض الصلة .وهذه
الصيغة ذات أهمية قصوى ،حتى وإن كان فرض الخذ بالشورى -
كما هو الحال في الغرب -قد عطل وانتهى الخذ به في التاريخ
السلمي الذي يتسم بالتسلط ،ولم يعد الخذ بالشورى موضع
تنفيذ منذ حكم السرة الموية في دمشق عام .750انتهى
ومنذ تلك اللحظة بدأ فشل المسلمين السياسي وقد صدق عليه
الصلة والسلم إذ يقول" :لينتقضن عرى السلم عروة عروة
1083
فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها فأولهن نقضا
الحكم وآخرهن الصلة"
وبهذا فل يجوز للمسلمين أن يفتخروا بالممارسة السياسية التي
مارسوها – أو بالصح مارسها الملوك -بعد نهاية العقد الرابع
للهجرة.
1084
فإذا قام الحاكم _كما هو متبع في كثير من البلدان السلمية _
بتعيين أعضاء هذا المجلس ،فكأنما يقوم الحاكم الذي يجب
مراقبته بمراقبة نفسه بنفسه .ولذلك هناك تأييد متزايد
للنتخابات العامة الحرة لممثلي الشعب ،ويحظى هذا القتراح
بموافقة غالبية المسلمين.
هناك عقبة من المحتمل أن تعوض الممارسة الديمقراطية ،وهي
أنه يجب على المسلم أن يمتنع عن أن يطلب لنفسه منصباً
سياسياً .ولقد كان هذا المر -أي أن يطلب المرء لنفسه منصباً
سياسيا -موضع رفض بل ازدراء ،حتى إن الرسول محمد لم يعين
أحدا في منصب قيادي قد يكون طلبه لنفسه( .ولبد أن يصل
المسلمون إلى اجتهاد مناسب لحل هذا الشكال كأسلوب
التزكية مثل ً الذي اقترحه د.القرضاوي)
-اللبنة الخامسة(الشورى الملزمة):وهو أمر سنأتي إلى شرحه
تفصيل ً في فقرة اعتراضات على الديمقراطية.
-اللبنة السادسة( القرار بالتعددية) :يذكر القرآن إمكانية اختلف
يءٍ فَُردُّوه ُ إِلَى
ش ْ م فِي َ آراء ووجهات نظر المسلمين" فَإِن تَنَاَزع ْت ُ ْ
خيٌْر
ك َ ن بِاللّهِ وَالْيَوْم ِ ال ِ
خرِ ذَل ِ َ ل إِن كُنت ُ ْ
م تُؤ ْ ِ
منُو َ اللّهِ وَالَّر ُ
سو ِ
ن تَأ ْ ِويل" ولكن للسف يؤمن بعض المسلمين أن اختلف س ُح َ
َ
وَأ ْ
وجهات النظر ما هو إل دليل لسوء النوايا .
-اللبنة السابعة( السلطة التشريعية) :هناك ضرورة لصدار
تشريعات ل تنظم فقط الجوانب الفنية لبناء الشوارع والتعريفة
الجمركية والمسائل الصحية وضمانات العمل وغيرها ،بل أيضاً
هناك ضرورة لصدار أحكام تكميلية في مجال التعزير مثلً .حدث
هذا في عهد الخلفة العباسية ،حيث وجد نظامان للحكام ،تزامنا
معاً :أحكام الشريعة من ناحية ،ومن ناحية أخرى نظام إدارة
وأحكام متحرز نسبياتهم من خلله استحداث عقوبات لم يذكرها
القرآن ،مثل دفع الغرامة نقداً ،والسجن.
أما المور التي ل تقبل التأويل فيجب في النظام السلمي التنبيه
أن "ل اجتهاد في مورد النص"
-اللبنة الثامنة :فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية
.
----------------------
الحرية بين السلم والديمقراطية
[الكاتب :أبو بصير الطرطوسي]
1085
الحمد لله رب العالمين ،والصلة والسلم على خاتم النبياء
والمرسلين.
وبعد...
ل توجد كلمة تغنت بها الشعوب ،واستهوتها قلوبهم ككلمة
"الحرية"!
ل أو كتاب، تنادوا بها في كل واد ٍ ونادٍ ،وفي كل خطبة ومقا ٍ
لورفعوها شعاراً ،وجعلوها غاية يرخص في سبيلها كل غا ٍ
ونفيس!
وفي كثير من الحيان ينادون بها ول يعرفون ما الذي يريدونه
منها؟!
إلى أن أصبحت هذه الكلمة -لشدة فتنة الناس بها -مطية
دهاقنة الحكم والسياسة إلى أهدافهم ومآربهم ومصالحهم
الخاصة ،وليصرفوا إليهم وجوه الناس!
وأصبحت الحرية -في كثير من الحيان -ذريعة وسببا ً لوأد
الحرية ،والحريات ،وإعلن الحروب على كثير من الشعوب!
وصوروا أن الديمقراطية هي التي تحقق لهم الحرية ،لنها تقوم
على الحرية ،لذا جعلوا من لوازم مناداتهم بالحرية التنادي
بالديمقراطية ،وكأن كل واحدة منهما لزمة للخرى ومؤدية إليها
ول بد ،فمن كان محبا ً للحرية والتحرر ل بد من أن ينادي
بالديمقراطية ،ويكون محبا ً لها والعكس كذلك ،وكل من كان
عدوا ً للديمقراطية فهو عدو للحرية ،كما زعموا!
والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة:
هل الديمقراطية -كما تمارس في أرقى الدول الغربية
الديمقراطية -فعل ً تحقق الحرية التي يحتاجها ويريدها النسان،
وترقى به إلى المستوى المطلوب والمنشود من الحرية؟!
وما هي نوعية وصفة وحدود الحرية التي تحققها الديمقراطية
للشعوب؟!
وهل النسان المريكي أو الوربي فعل ً هو حر ،وهل الحرية التي
يعيشها في بلده ومجتمعاته فعل ً هي الحرية ،أو من الحرية؟!
وهل السلم يتعارض مع مبدأ الحرية ،أم أنه يقرها ويدعو إليها؟!
ثم -إن كان يقرها -كيف ينظر للحرية ،وكيف يمارسها ،وما هو
الممنوع منها وما هو المسموح؟!
وهل الحرية التي يريدها السلم هي ذات الحرية التي تريدها
الديمقراطية ،أم يوجد فارق بينهما؟!
ثم أيهما أصدق لهجة وواقعا ً مع الحرية المنشودة ،السلم أم
الديمقراطية؟!
1086
هذه السئلة وغيرها تحملنا على المقارنة بين الحرية كما يريدها
ف وأربعمائة سنة خلت ،ول السلم ،وكما مارسها لكثر من أل ٍ
يزال يمارسها ويدعو إليها ،وبين الحرية كما تريدها الديمقراطية،
وكما تمارس في واقع أرقى الدول والمجتمعات الديمقراطية
المعاصرة ،لنرى أيهما أجدى نفعاً ،وأصدق لهجة ،وأولى
بالسلمة ،وأقرب للحق والصواب!
فأقول:
الحرية في الديمقراطية ،يقوم بتحديدها ،وتحديد المسموح منها
من الممنوع النسان القاصر الضعيف ،وفق ما تملي عليه أهواؤه
ونزواته وشهواته ،وهذا يعني أن مساحة الحرية في الديمقراطية
تتسع أحيانا ً وتضيق أحياناً ،بحسب ما يرتئيه النسان المشّرِع في
كل يوم أو ظرف ،بحسب ما يظن فيه المصلحة!
وهذا يعني أن الشعوب تكون حقل تجارب ،وهي في حالة تغيير
وتقلب مستمر مع ما يجوز لهم ومال يجوز لهم من الحرية!
بينما الحرية في السلم ،الذي يقوم بتحديدها ،وتحديد المسموح
منها من الممنوع ،هو الله تعالى وحده ،خالق النسان المنزه عن
صفات النقص أو الضعف والعجز ،العالم بأحوال عباده وما
يُناسبهم وما يحتاجون إليه ،وبالتالي فالحرية في السلم تمتاز
بالثبات والستقرار ،فالذي يجوز من الحرية للنسان قبل ألف
ئ يعرف ما له وأربعمائة سنة يجوز له إلى قيام الساعة ،فكل امر ٍ
وما عليه ،والمساحة التي يمكن أن يتحرك بها كحق وهبه الله
إياه!
كما أنها تمتاز بالحق المطلق والعدالة المطلقة؛ لنها صادرة عن
الله عز وجل ،وهذا بخلف الحرية في الديمقراطية الصادرة عن
النسان الذي يحتمل الوقوع في الظلم والخطأ ،والقصور!
الحرية في الديمقراطية ،يكون النسان حرا ً في دائرة المباحات
التي أذن له المشرعون من البشر أن يتحرك بها!
بينما الحرية في السلم ،يكون النسان حرا ً في دائرة المباحات
والمسموحات التي أذن الله بها ،وأذن لعبده استباحتها والتنعم
بها ،والتحرك فيها!
الحرية في الديمقراطية ،تحارب وتنكر الشر الذي يتفق عليه
المشرعون من البشر بأنه شٌّر ،وهذا من لوازمه -بحكم جهلهم
وقصورهم وعجزهم -أن يدخلوا كثيرا ً من الشر في دائرة الخير
الجائز والمباح ،كما من لوازمه أن يدخلوا كثيرا ً من الخير في
دائرة الشر الممنوع والمحظور ،عقل ً وشرعاً!
كم من أمر يجيزونه تحت عنوان الحرية ثم بعد ذلك يظهر لهم
خطؤهم وظلمهم فينقضونه ويمنعونه ،وكذلك كم من أمر
1087
يحرمونه ويمنعونه ثم يظهر لهم نفعه ،فيجيزونه ويُبيحونه ،وهذا
كله يقلل من قيمة الحرية التي يدعونها!
بينما الحرية في السلم ،تحارب وتنكر الشَّر الذي حكم الله
تعالى عليه بأنه شٌّر ،الذي ما بعده إل الخير ،وذلك لما ذكرناه آنفاً
أن الله تعالى منزه عن الخطأ أو الزلل سبحانه وتعالى ،فهو
سبحانه وتعالى ل يجيز إل الخير والنافع ،كما أنه ل يحرم إل كل
شّرٍ وقبيح!
فالله تعالى جميل يحب الجمال ،وبالتالي فهو ل يُشّرِع إل الجميل
والجمال ،فحاشاه سبحانه وتعالى أن يشرع القبيح أو يأذن به!
ومنه نعلم أن الحرية في السلم ،تتحرك في جميع ميادينها مع
الجميل والجمال ،وتبتعد كل البعد عن الخبائث والقبائح!
الحرية في الديمقراطية ،تعبد العبيد للعبيد ،فتجعل العبيد
منقادين لعبيد ربما يكونون أقل منهم شأناً ،يُشرعون ويُقننون
لهم ،يُحرمون ويُحلون لهم ،وليس على الخرين إل الطاعة
والستسلم والنقياد ،والخضوع!
فأي حرية هذه ،مع العبودية للمخلوق هذه؟!
بينما الحرية في السلم ،فإنها تعمل على تحرير العباد -كل
العباد -من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد وحده سبحانه
وتعالى!
فإن قيل :هي في نهاية المطاف عبادة وعبودية ،فأين الحرية؟!
أقول :أجيب على هذا السؤال الساقط من أوجه:
منها :أن الله تعالى هو الذي خلق النسان ،وأنشأه ورباه ،وهداه
النجدين ،وسخر له الكون كله ،وبالتالي من حقه سبحانه وتعالى
أن يُعبد ،ومن الواجب على عباده أن يعبدوه ويُخلصوا في عبادته
سبحانه وتعالى ،وشكره ،واتباع أوامره!
فعبادة العبد لخالقه وحده ،عز ،وفخر ،ورفعة ،وشرف ما بعده
شرف ،بينما عبادته للمخلوق العاجز الضعيف ،ظلم ،وذل،
وضياع ،وعذاب ما بعده عذاب!
ومنها :أن المرء فُطر على العبودية والتدين ،فهو إن لم يكن عبداً
لخالقه ،فسيكون ل محالة عبدا ً للمخلوق وفي الباطل ،أيا ً كانت
صورة ونوعية هذا المخلوق!
ومنها :أن إفراد الله تعالى وحده بالعبادة ،هو عين التحرر من
عبادة اللهة الخرى الوضيعة المكذوبة المزعومة!
الحرية في الديمقراطية ،تُخضع النسان لكثير من المؤثرات
والضغوط الخارجية التي تفقده كثيرا ً من حرية الختيار والتفكير:
ضغط العلم بجميع فروعه وتخصصاته ووسائله ،ضغط إثارة
الشهوات ووسائل اللهو بجميع أصنافها وألوانها ،وما أضخمها،
1088
ضغط الحاجة والسعي الدؤوب وراء الرزق والكسب ،ضغط
سحرة الساسة والحبار والرهبان ومدى تزويرهم للحقائق ،ضغط
المخدرات والمسكرات المنتشرة في كل مكان ،وأخيرا ً التلويح
باستخدام عصا الرهاب والتهديد الجسدي والمادي لمن يستعصي
على جميع تلك الوسائل والضغوطات ،ول يستعصي عليها إل من
رحمه الله ،وما أقلهم!
فهذه الضغوط والمؤثرات تُسلب المرء صفة حرية الختيار،
والتفكير ،واتخاذ المواقف التي يريدها ويرضاها بعيدا ً عن تلك
المؤثرات الخارجية المصطنعة!
هذه الضغوط والمؤثرات التي يصعب الفكاك منها ،تُسلب المرء
حريته ،وإن زعم بلسانه أنه حٌّر ،وظهر للخرين بأنه حر!
لذلك نجد طغاة القوم ومستكبريهم ،وأحبارهم ورهبانهم ،ل
يحتاجون إلى مزيد عناء عندما يريدون من شعوبهم أن تسير في
اتجاه دون اتجاه ،أو يريدون حملهم على استعداء جهة دون جهة،
أو على اختيار شيء دون شيء ،يكفي لتحقيق ذلك أن يُسلطوا
عليهم قليل ً من تلك المؤثرات والضغوطات النفة الذكر ،ولفترة
وجيزة من الوقت!
هذه الضغوط والمؤثرات التي تسلب المرء حريته ،هي المعنية
َ َ َ َ
مكُْرل َ ستَكْبَُروا ب َ ْنا ْ ض َعِفُوا لِل ّذِي َ ست ُ ْنا ْ ل ال ّذِي َ من قوله تعالى{ :وَقا
اللَّيل والنَهار إذ ْ تأ ْ
َ َ َ
سُّرواه أنْدَادا ً وَأ َُ ل لَجعَ َ ن نَكْفَُر بِالل ّهِ وَن َ ْمُرونَنَا أ ْ ُ ْ ِ َ َّ ِ ِ َ
َ َ َ َ
ن كَفَُروا ق ال ّذِي َل فِي أع ْنَا ِ جعَلْنَا اْلغْل َ ب وَ َ ما َرأوُا الْعَذ َا َ
َ
ة ل َ َّ
م َ النَّدَا َ
ن}.ملُو َ ما كَانُوا يَعْ َ ن إ ِ ّل َ
جَزوْ َ ل يُ ْهَ ْ
ليس مكر الليل وحسب ،أو مكر النهار وحسب ،بل هو مكر الليل
والنهار وعلى مدار الوقت ،بحيث ل يُعطى المرء منهم لحظة
واحدة يخلد فيها للراحة والهدوء والتفكير ،حتى ل يهتدي إلى
الحق ،ويعرف أين هو من الصواب!
بينما الحرية في السلم ،تحرر المرء من جميع تلك المؤثرات
الخارجية التي تقلل من حريته وحرية اختياره وقراره ،وربما
تسلبها كلها ،لتعيد له جميع قواه النفسية والجسدية والمعنوية،
وترفع عنه جميع الغلل والقيود ،ثم تقول له بعد ذلك :اختر الذي
ن}. تريده{ ،ل إِكَْراه َ فِي الدِّي ِ
الحرية في الديمقراطية ،تمر بصاحبها على الجيف المتآكلة،
وعلى القبائح ،وعلى المراض ،وعلى الفساد ،وعلى كل ما يُفسد
الذوق الجميل ،والطبائع السوية ،فتجرئه على الشذوذ والعتداء،
والدمان على ذلك!
1089
ومثله كمثل الذي يقود سيارة بل كوابح ،ول ضوابط ،ول مراعاة
لحقوق طريق أو مار ،فيصطدم بالجميع ،ويمر على الجميع،
ويعتدي على الجميع!
بينما الحرية في السلم ،تمر بصاحبها على كل ما هو جميل أو
طيب ،كما أنها ل تسمح له أن يتعدى ذلك ،ليمر على الخبائث
والجيف والمراض ،لتحافظ على سلمة ذوقه ،وتفكيره ،وصحته،
وإيمانه!
ومثله كمثل الذي يقود سيارة بكوابح وضوابط ،ينطلق حيث
قّ
ينبغي النطلق ،ويقف حيث ينبغي التوقف ،ويُعطي كل ذي ح ٍ
ط ول تفريط! حقه ،من غير إفرا ٍ
الحرية في الديمقراطية ،تظهر وكأنها منحة يمن بها النسان على
أخيه النسان ،يعطيه منها ما يشاء ويسلبها منه متى يشاء!
بينما الحرية في السلم ،حق وهبه الله تعالى لعباده ،وفطرهم
عليه ،ل منة فيه لمخلوق على مخلوق ،ل يجوز أن يُسلب أو
ن منه سبحانهن بي ٍ
يُنتقص منه شيء إل بإذن الله ،وبسلطا ٍ
وتعالى ،يتجسد هذا المعنى في مقولة عمر بن الخطاب رضي
الله عنه لبعض أمرائه( :متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم
أمهاتهم أحراراً).
هذه هي الحرية في الديمقراطية ،وهذه هي الحرية في السلم،
فأي الفريقين أولى بالحرية ،والسلمة ،والحق؟!
الحرية في الديمقراطية أم الحرية في السلم؟!
َ {واستقم ك َ ُ
م}.ت وَل تَتَّبِعْ أهْوَاءَهُ ْ ما أ ِ
مْر َ َ ْ َ ِ ْ َ
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
عبد المنعم مصطفى حليمة؛ أبو بصير
8/3/1423هـ
---------------------
-170ما موقف السلم من الفنون ؟
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
الرد على الشبهة:
1ـ السلم دين يحب الجمال ويدعو إليه فى كل شىء .والنبى
صلى الله عليه وسلم يقول [ :إن الله جميل يحب الجمال ] (.)1
والفن هو فى حقيقته إبداع جمالى ل يعاديه السلم .وغاية ما فى
المر أن السلم يجعل الولوية للمبدأ الخلقى على المبدأ
الجمالى ،بمعنى أنه يجعل الثانى مترتبًا على الول ومرتبطًا به.
وهذا هو الموقف المبدئى للسلم إزاء جميع أشكال الفنون.
وهناك معيار إسلمى للحكم على أى فن من الفنون يتمثل فى
سنُه حسن وقبيحه قبيح. ح َ قاعدة تقولَ :
1090
والقرآن الكريم فى العديد من آياته يلفت النظار إلى ما فى
الكون من تناسق وإبداع وإتقان ،وما يتضمنه ذلك من جمال
وبهجة وسرور للناظرين ( .)2ومن هنا ل يعقل أن يرفض السلم
الفن إذا كان جميلً.
أما إذا اشتمل على القبح بما يعنيه ذلك من قبح مادى ومعنوى
فإن السلم يرفضه ول يوافق عليه.
2ـ وترتيبًا على ما تقدم فإن الفن إذا كان هدفه المتعة الذهنية ،
وترقيق الشعور ،وتهذيب الحاسيس ،فل اعتراض عليه .ولكن
إذا خرج عن ذلك وخاطب الغرائز الدنيا فى النسان ،وخرج عن
أن يكون فنًّا هادفًا فإنه حينئذ ل يساعد على بناء الحياة ،بل
يعمل على هدمها ،وبذلك يخرج عن أن يكون فنًّا ،بل يصير نوع ًا
من اللهو المذموم والعبث المرفوض .وهذا أمر ل يقره السلم.
3ـ إذا كانت الموسيقى والغناء تحمل إلينا ألحانًا جميلة وكلمات
ما راقية ،وأصواتًا جميلة ،فذلك ل يرفضه السلم مهذبة وأنغا ً
طالما كان فى إطار المبدأ الخلقى ،أى طالما كان هدف الفن
هو السمو بالنسان وبأحاسيسه ووجدانه ومشاعره .وقد امتدح
النبى صلى الله عليه وسلم صوت أبى موسى الشعرى ـ وكان
صوته جميل ً ـ وهو يتغنى بالقرآن .وكان النبى يختار من بين
أصحابه للذان أجملهم صوتًا .وقد سمع النبى صلى الله عليه
وسلم صوت الدف والمزمار دون تحرج .وفى يوم عيد دخل أبو
بكر على ابنته عائشة زوجة الرسول ولديها جاريتان تغنيان
وتضربان بالدفوف فاعترض أبو بكر على ذلك .ولكن النبى صلى
الله عليه وسلم رفض ما أبداه أبو بكر من احتجاج فى هذا الصدد
قائلً [ :دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد ] ( .)3وقد أوصى النبى
صلى الله عليه وسلم نفسه السيدة عائشة أن ترسل من يغنى
فى حفل زفاف قريبة لها ُزفت إلى رجل من النصار.
وهناك مرويات أخرى عديدة عن النبى صلى الله عليه وسلم
تبين أن الغناء والموسيقى ليسا من المحرمات فى السلم ما لم
يصحبهما أمور منكرة غير أخلقية (.)4
4ـ أما الرقص :فالسلم يفرق فيه بين رقص المرأة ورقص
الرجل .فالرقصات الشعبية التى يؤديها الرجال مثل ً ل ضير فيها ،
وقد سمح النبى صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة بمشاهدة
الحباش وهم يرقصون فى يوم عيد.
ورقص المرأة أمام النساء ل حرج فيه .أما رقصها أمام الرجال
فذلك ل يقره السلم لما فيه من محاذير كثيرة.
ما مادام فى إطار المبدأ الخلقى ، 5ـ أما التمثيل فإنه ليس حرا ً
ول ينكر أحد ما للتمثيل الهادف من دور فعال فى معالجة الكثير
1091
من المشكلت والقضاء على العديد من السلبيات فى المجتمع.
ضا أن يشتمل التمثيل على ألوان من اللهو البرئ ول حرج أي ً
والترويح المقبول والترفيه الذى ل يخرج عن نطاق المعقول.
وكذلك التصوير ل ضير فيه ،بل أصبح فى حياتنا المعاصرة يمثل
فى أحيان كثيرة ضرورة ل غنى عنها.
6ـ أما النحت أو التماثيل المجسمة فهناك نصوص واضحة فى
تحريمها .ويرجع السبب فى تحريم السلم لذلك بالدرجة الولى
إلى ما يخشى من توقير هذه التماثيل أو عبادتها كما كان يفعل
ما.
عباد الصنام قدي ً
فإذا لم يكن ذلك واردًا على الطلق نظًرا لرتفاع درجة الوعى
لدى الناس فل ضرر منه ول حرج فيه لنعدام سبب التحريم .غير
أن السلم من باب سد الذرائع ل يريد أن يفتح هذا الباب لما
يمكن أن يترتب عليه من محاذير فى أزمنة مستقبلية .فالسلم
يشرع لكل الجيال ولمختلف العصور .وما يستبعد فى بيئة قد
يقبل فى أخرى ،وما يعتبر مستحيل ً فى عصر قد يصبح حقيقة
واقعة فى عصر آخر قريب أو بعيد.
( )1رواه مسلم فى كتاب اليمان.
( )2انظر :الحجر ، 16 :النحل ، 6 :فصلت.12 :
( )3متفق عليه.
( )4راجع :الحلل والحرام فى السلم للدكتور القرضاوى ص 291
وما بعدها ـ الدوحة ،قطر 1978م ،والشيخ محمد الغزالى :مائة
سؤال عن السلم ج 1ص 174وما بعدها.
--------------------
-171ما أسباب تفرق المسلمين رغم دعوة السلم
للوحدة ؟
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
الرد على الشبهة:
1ـ ل ينكر أحد أن الشعوب السلمية فى عصرنا الحاضر متفرقة
ومتنازعة فيما بينها ،فهذا واقع ملموس ل يحتاج إلى برهان.
ولكن هذا يُعد مرحلة فى تاريخ المسلمين شأنهم فى ذلك شأن
بقية الشعوب والمم الخرى .ول يعنى ذلك أنهم سيظلون كذلك
إلى البد .وكما استطاعت الشعوب الوروبية أن تتغلب على
عوامل الفرقة والتنازع فيما بينها والتى أدت إلى حربين عالميتين
شهدهما القرن العشرون ـ فإن الشعوب السلمية سوف
ضا على عوامل الفرقة تستطيع فى مستقبل اليام أن تتغلب أي ً
فيما بينها ،والبحث عن صيغة ملئمة للتعاون المثمر من أجل
مصلحة المجتمعات السلمية كلها.
1092
وهناك محاولت مستمرة فى هذا الصدد وإن كانت بطيئة وذات
تأثير محدود ومتواضع مثل منظمة المؤتمر السلمى التى تضم
كل الدول السلمية ،إل أنه يمكن تطوير العمل فى هذه
المنظمة وغيرها من منظمات إسلمية أخرى للوصول بها إلى
مرحلة متقدمة من التعاون الوثق .وللمة السلمية فى تعاليم
السلم فى الوحدة والتعاون والتآلف والتكافل أعظم سند يضمن
لها نجاح هذه المحاولت فى مستقبل اليام.
2ـ فالسلم فى مصادره الصلية يدعو إلى الوحدة والتضامن
ويحذر من الفرقة والتنازع (واعتصموا بحبل الله جميعًا ول تفرقوا
) ( ، )1ويدعو إلى الشعور بآلم الخرين والمشاركة فى تخفيفها ،
ويجعل المة كلها مثل الجسد الواحد ـ كما يقول النبى صلى الله
عليه وسلم ـ [ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر العضاء
بالسهر والحمى ] ( .)2ويعتبر السلم رابطة العقيدة بمنزلة
رابطة الخوة( :إنما المؤمنون إخوة ) ( .)3وحينما هاجر النبى
صلى الله عليه وسلم إلى المدينة آخى بين المهاجرين والنصار ،
فأصبحوا إخوة متحابين متضامنين فى البأساء والضراء .وآيات
القرآن وأحاديث النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك أكثر من أن
تحصى.
3ـ هناك أسباب خارجية كثيرة أدت إلى النقسام والفرقة بين
المسلمين فى العصر الحديث .وترجع هذه السباب فى قدر كبير
منها إلى الفترة التى هيمن فيها الستعمار على بلد العالم
السلمى .وعندما رحل ترك مشكلت عديدة كان هو سببًا فيها
مثل مشكلت الحدود ،وكانت القاعدة التى على أساسها خطط
سد " .ومن هنا عمل على إحياء لسياساته هى مبدأ " :فَّرِق ت َ ُ
مرة .وقام بنهب العصبيات العرقية بين شعوب البلد المستع َ
خيرات هذه البلد ،وأدى ذلك إلى إفقارها وتخلفها الحضارى
الذى ل تزال آثاره باقية حتى اليوم .ول تزال معظم شعوب
العالم السلمى تعانى من المشكلت التى خلفها الستعمار.
4ـ انشغل المسلمون بالمشكلت الكثيرة التى خلفها الستعمار
وغفلوا عن تعاليم السلم فى الوحدة والتضامن.
ولكن الشعوب السلمية ل تزال تحن إلى وحدة جهودها ،
وتضامنها فيما بينها ،وتجميع قواها فى سبيل الخير لهذه
الشعوب جميعها .ول يزال المسلم فى أى بلد إسلمى يشعر
بآلم المسلمين فىمناطق العالم المختلفة بوصفه جزءا ً من المة
السلمية .وهذا من شأنه أن يعمل على توفير أساس راسخ
لمحاولت إعادة التضامن والوحدة بين أقطار العالم السلمى ،
بمعنى توحيد الجهود والتكامل فيما بينها فى ميادين الثقافة
1093
والقتصاد والسياسة والمن ،وتبادل الخبرات والمنافع ،وكل ما
يعود على المسلمين بالخير ،مما يجعلهم أقدر على القيام بدور
فعّال فى ترسيخ قواعد السلم والمن فى العالم كله.
( )1آل عمران.103 :
( )2رواه المام مسلم وغيره (راجع :فيض القدير ج 5ص 514وما
بعدها).
( )3الحجرات.10 :
------------------
-172هل السلم مسئول عن تخلف المسلمين ؟
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
الرد على الشبهة:
1ـ حقائق التاريخ تبين بما ل يدع مجال ً للشك أن السلم قد
استطاع بعد فترة زمنية قصيرة من ظهوه أن يقيم حضارة رائعة
كانت من أطول الحضارات عمًرا فى التاريخ .ول تزال الشواهد
على ذلك ماثلة للعيان فيما خلفه المسلمون من علم غزيز فى
شتى مجالت العلوم والفنون ،وتضم مكتبات العالم آلفًا مؤلفة
من المخطوطات العربية السلمية تبرهن على مدى ما وصل
إليه المسلمون من حضارة عريقة .يضاف إلى ذلك الثار
السلمية المنتشرة فى كل العالم السلمى والتى تشهد على
عظمة ما وصلت إليه الفنون السلمية.
وحضارة المسلمين فى الندلس وما تبقى من معالمها حتى يومنا
هذا شاهد على ذلك فى أوروبا نفسها.
وقد قامت أوروبا بحركة ترجمة نشطة فى القرنين الثانى عشر
والثالث عشر لعلوم المسلمين .وكان ذلك هو الساس الذى بنت
عليه أوروبا حضارتها الحديثة.
2ـ يشتمل القرآن الكريم على تقدير كبير للعلم والعلماء وحث
على النظر فى الكون ودراسته وعمارة الرض .واليات الخمس
الولى التى نزلت من الوحى اللهى تنبه إلى أهمية العلم
والقراءة والتأمل (.)1
وهذا أمر كانت له دللة هامة انتبه إليها المسلمون منذ البداية.
وهكذا فإن انفتاح السلم على التطور الحضارى بمفهومه
الشامل للناحيتين المادية والمعنوية ل يحتاج إلى دليل.
3ـ أما تخلف المسلمين اليوم فإن السلم ل يتحمل وزره ،لن
السلم ضد كل أشكال التخلف .وعندما تخلف المسلمون عن
إدراك المعانى الحقيقية للسلم تخلفوا فى ميدان الحياة .ويعبر
مالك بن نبى ـ المفكر الجزائرى الراحل ـ عن ذلك تعبيًرا صادقًا
حين يقول " :إن التخلف الذى يعانى منه المسلمون اليوم ليس
1094
سببه السلم ،وإنما هو عقوبة مستحقة من السلم على
المسلمين لتخليهم عنه ل لتمسكهم به كما يظن بعض الجاهلين
" .فليست هناك صلة بين السلم وتخلف المسلمين.
حا على كل تطور حضارى 4ـ ل يزال السلم وسيظل منفت ً
يشتمل على خير النسان .وعندما يفتش المسلمون عن السباب
الحقيقية لتخلفهم فلن يجدوا السلم من بين هذه السباب ،
فهناك أسباب خارجية ترجع فى جانب كبير منها إلى مخلفات
عهود الستعمار التى أعاقت البلد السلمية عن الحركة اليجابية
ضا
،وهذا بدوره ـ بالضافة إلى بعض السباب الداخلية ـ أدى أي ً
إلى نسيان المسلمين للعناصر اليجابية الدافعة لحركة الحياة فى
السلم.
5ـ ل يجوز الخلط بين السلم والواقع المتدنى للعالم السلمى
المعاصر .فالتخلف الذى يعانى منه المسلمون يُعد مرحلة فى
تاريخهم ،ول يعنى ذلك بأى حال من الحوال أنهم سيظلون
كذلك إلى نهاية التاريخ.
ول يجوز اتهام السلم بأنه وراء هذا التخلف ،كما ل يجوز اتهام
المسيحية بأنها وراء تخلف دول أمريكا اللتينية.
إن المانة العلمية تقتضى أن يكون الحكم على موقف السلم
من الحضارة مبنيًّا على دراسة موضوعية منصفة لصول السلم
وليس على أساس إشاعات واتهامات وأحكام مسبقة ل صلة لها
بالحقيقة.
( )1العلق1 :ـ .5
-------------------
-173هل صحيح أن الصوم يقلل حركة النتاج ؟
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
الرد على الشبهة:
1ـ الصوم من العبادات التى لم ينفرد بها السلم .فقد أخبر
ضا على المم السابقة: ضا أي ًالقرآن الكريم أن الصوم كان مفرو ً
(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من
قبلكم ) ( .)1ول تزال هناك ديانات أخرى حتى يومنا هذا تَعرِف
حا بين الصوم فى السلم شعيرة الصوم .ولكن هناك فرقًا واض ً
والصوم فى غيره من الديانات .ويتمثل هذا الفرق فى أن الصوم
فى السلم يأتى فى شهر معين من العام طبقًا للتقويم
الهجرى ،ويبدأ صيام كل يوم بالمتناع التام عن الطعام
والشراب وعن كل الشهوات من طلوع الفجر حتى غروب
الشمس .وهذا يعنى أن المسلم يقضى نهار يومه كله ـ وهو وقت
العمل المعتاد ـ وهو صائم على النحو المشار إليه .ولعل هذا هو
1095
السبب الذى من أجله يتوهم البعض أن الصوم السلمى بهذه
الطريقة يقلل حركة النتاج لدى الفرد والمجتمع.
2ـ والصوم فى حقيقة المر برئ من هذه التهمة .فالصوم
يفترض فيه أنه يعمل على تصفية النفوس والتسامى بالرواح.
وهذا من شأنه أن يمد الفرد بطاقة روحية تجعله أقدر على
ما .وهذه الطاقة الروحية النتاج والعمل أكثر مما لو لم يكن صائ ً
قوة ل يستهان بها .وقد حارب المسلمون فى غزوة بدر أيام
الرسول صلى الله عليه وسلم وهم صائمون وانتصروا ،وحارب
الجنود المصريون عام 1973م وهم صائمون حيث كان ذلك فى
شهر رمضان وانتصروا .ولم يقلل الصوم من نشاطهم ،بل كان
ما.
العكس هو الصحيح تما ً
3ـ ما نراه فى بعض البلد السلمية من قلة النتاج فى شهر
الصوم يرجع إلى أسباب أخرى غير الصوم .فمن عادة الكثيرين
أن يظلوا متيقظين فى شهر الصوم معظم الليل .ول يأخذون
قسطًا كافيًا من النوم ،فنجدهم ـ نظًرا لذلك ـ متعبين أثناء
النهار .ومن هنا يقل إنتاجهم ،ويقبلون على أعمالهم ببطء وفى
تثاقل .ويعتذرون عن ذلك بأنهم صائمون .وقد يكون اعتذارهم
هذا فى أول النهار .فلو كان للصوم أى تأثير على النشاط ـ كما
يزعمون ـ فإن ذلك ل يكون فى أول النهار ،بل يكون فى فترة
متأخرة منه.
4ـ لقد ثبت أن للصوم فوائد كثيرة صحية وروحية واجتماعية
وتربوية .فالمفروض أنه فرصة سنوية للمراجعة والتأمل والتقييم
والنقد الذاتى على المستويين الفردى والجتماعى بهدف القضاء
على السلبيات والتخلص من الكثير من المراض الجتماعية ،
وهذا من شأنه أن يدفع حركة المجتمع بخطى أسرع ،وبإخلص
أكثر ،وبوعى أفضل.
( )1البقرة.183 :
--------------------
-174هل صحيح أن الزكاة تتيح للغنى فرصة عند الله
أفضل من فرصة الفقير ؟
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
الرد على الشبهة:
1ـ تُعد الزكاة فى السلم أول ضريبة نظامية فى تاريخ القتصاد
فى العالم .فالذى كان يحدث قبل ذلك هو أن الحكام كانوا
يفرضون الضرائب حسب أهوائهم ،وبقدر حاجتهم إلى الموال
تحقيقًا لغراضهم الشخصية .وكان عبء هذه الضرائب يقع على
كاهل الفقراء أكثر مما يقع على كاهل الغنياء ،أو يقع على كاهل
1096
الفقراء وحدهم .ولما جاء السلم وفرض الزكاة قام بتنظيم
جمعها وحدد لها نسبة معينة ،وجعلها تقع على عاتق الغنياء
والمتوسطين ،وأعفى منها الفقراء ( .)1وتشريع الزكاة ليس
ما ماليًّا ،وإنما هو فى الوقت نفسه عبادة كالصلة فقط نظا ً
والصيام والحج ،يؤديها المسلم القادر على دفعها ،ليس خوفًا
من السلطة التنفيذية ،ولكن تقربًا إلى الله واستجابة لتعاليم
دينه.
2ـ شعر الفقراء فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم بعجزهم
عن أداء الزكاة مثل الغنياء .ورأوا أن هذا من شأنه أن يعطى
للغنياء ميزة الحصول على الثواب من الله بأدائهم للزكاة
وحرمان الفقراء من هذا الثواب مع أنه ل ذنب لهم فى فقرهم.
وقام الفقراء بعرض ما يشعرون به على النبى صلى الله عليه
وسلم ،فأوصاهم بالتسبيح والتحميد والتكبير (أى بقول سبحان
الله ،والحمد لله ،والله أكبر) ثلثًا وثلثين مرة عقب كل صلة ،
وبين لهم أن هذا من شأنه أن يرفع من درجاتهم عند الله ويجعل
منزلتهم عنده ل تقل عن منزلة الغنياء الذين يؤدون الزكاة (.)2
3ـ المعيار الذى اعتمده القرآن فى المفاضلة بين الناس بصفة
عامة هو معيار التقوى والعمل الصالح كما جاء فى القرآن
الكريم( :إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ( .)3والتقوى مفهوم عام
يشمل كل عمل يقوم به النسان ـ أيًّا كان هذا العمل دينيًا أم
دنيويًا ـ طالما قصد به وجه الله ونفع الناس ودفع الذى عنهم.
فالقرب من الله ل يتوقف على أداء الزكاة أو غيرها من الشعائر
ضا على التوجه العام من جانب السلمية فحسب ،بل يتوقف أي ً
النسان فى كل ما يقوم به فى حياته من أعمال ،وما يصدر عنه
من سلوك وما يخرج من فمه من أقوال .والسلم يعلق أهمية
كبيرة على النية .فالعمال بالنيات كما يقول النبى ـ عليه الصلة
والسلم ـ [ إنما العمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ] (.)4
وهذا يعنى أن الفقير الذى ل يستطيع إخراج الزكاة ويتمنى أن لو
كان لديه مال ليزكى به فإنه يثاب على هذه النية مادامت
صادقة .وقد يُخرج الغنى الزكاة ويقصد من وراء ذلك التظاهر
أمام الناس والحصول على مكانة بينهم فل يثاب على ذلك
بشىء.
( )1راجع :محمد قطب :شبهات حول السلم ـ ص 91ـ مكتبة
وهبة سنة 1960م.
( )2فتح البارى بشرح صحيح البخارى ج 2ص 325تحقيق محمد
فؤاد عبد الباقى .المطبعة السلفية.
( )3الحجرات.13 :
1097
( )4البخارى .باب الوحى رقم ، 1واليمان ، 41والنكاح ، 5
والطلق ، 11والترمذى فضائل الجهاد ، 16والنسائى طهارة .59
-------------------
-175لماذا حّرم السلم أكل لحم الخنزير ؟
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
الرد على الشبهة:
1ـ لم يكن السلم أول الديان التى حرمت أكل لحم الخنزير.
فالديانة اليهودية تحّرِم أكل لحم الخنزير.
ول يوجد حتى الن يهودى فى أوروبا وأمريكا يأكل لحم الخنزير
إل فيما ندر .ولم يعب أحد على اليهود ذلك ،بل يحترم الغرب
العادات الدينية لليهود .وعندما جاء السيد المسيح ـ عليه السلم ـ
صرح ـ كما جاء فى النجيل ـ بأنه لم يأت لينقض الناموس بل
ليكمله ،أى أنه لم يأت ليغير التشريعات اليهودية.
ومن بينها بطبيعة الحال تحريم أكل لحم الخنزير .والمر
ما فى المسيحية المنطقى بناء على ذلك أن يكون الخنزير محر ً
ضا (.)1
أي ً
ضا أكل لحم الخنزير .وهذا التحريم 2ـ عندما جاء السلم حّرم أي ً
امتداد لتحريمه فى الديانات السماوية السابقة .وقد نص القرآن
الكريم عليه صراحة فى أربعة مواضع ( .)2وهناك من ناحية
أخرى ـ بجانب هذا التحريم الدينى ـ أسباب ومبررات أخرى تؤكد
هذا التحريم .ومن ذلك ما أثبته العلماء المسلمون من أن أكل
لحم الخنزير ضار بالصحة ول سيما فى المناطق الحارة .وفضلً
عن ذلك فإن اليات القرآنية التى ورد فيها تحريم لحم الخنزير
قد جمعت هذا التحريم مع تحريم أكل الميتة والدم .وضرر أكل
الميتة والدم محقق لما يتجمع فيهما من ميكروبات ومواد ضارة ،
ضا على أكل لحم الخنزير. مما يدل على أن الضرر ينسحب أي ً
وإذا كانت الوسائل الحديثة قد تغلبت على ما فى لحم الخنزير
ودمه وأمعائه من ديدان شديدة الخطورة (الدودة الشريطية
وبويضاتها المتكلسة) فمن الذى يضمن لنا بأنه ليست هناك آفات
أخرى فى لحم الخنزير لم يكشف عنها بعد ؟ فقد احتاج النسان
قرونًا طويلة ليكشف لنا عن آفة واحدة .والله الذى خلق النسان
أدرى به ويعلم ما يضره وما ينفعه .ويؤكد لنا القرآن هذه الحقيقة
فى قوله( :وفوق كل ذى علم عليم ) (.)3
3ـ يحسب السلم حساب الضرورات فيبيح فيها المحرمات.
وفى ذلك قاعدة مشهورة تقول " :الضرورات تبيح المحظورات
" .ومن هنا فإن المسلم إذا ألجأته الضرورة الملحة ـ التى يخشى
منها على حياته ـ لتناول الطعمة المحرمة ومنها الخنزير فل حرج
1098
عليه .كما يشير إلى ذلك القرآن الكريم( :فمن اضطر غير باغ ول
عاد فل إثم عليه ) ( .)4ولكن هذه الباحة ل يجوز أن تتعدى حدود
تلك الضرورة وإل كان المسلم آثماً.
( )1راجع :الحلل والحرام للدكتور القرضاوى ص 42ـ قطر 1978م.
( )2البقرة ، 173 :والمائدة ، 3 :والنعام ، 145 :والنحل)3( 115 :
يوسف.76 :
( )4البقرة.173 :
---------------------
-176لماذا حّرم السلم الحرير والذهب على الرجال ؟
الكاتب :أ.د محمود حمدى زقزوق ،وزير الوقاف
الرد على الشبهة:
1ـ يعتمد القول بتحريم لبس الحرير والتختم بالذهب للرجال فى
السلم على العديد من المرويات عن النبى صلى الله عليه
وسلم ـ كما ذهب إلى ذلك جمهور العلماء ـ وتتلخص وجهة
نظرهم فى أن من طبيعة الرجل الصلبة والقوة .والسلم يريد
ضا عنأن يتربى الرجال بعيدًا عن مظاهر الضعف ،وبعيدًا أي ً
مظاهر الترف الذى يحاربه السلم ويعده مظهًرا من مظاهر
الظلم الجتماعى ،وذلك حتى يكون الرجل قادًرا على الكفاح
ضا إذا اقتضى والنتصار فى معارك الحياة وميادين القتال أي ً
المر .ولما كان التزين بالذهب وارتداء الحرير يُعدان من مظاهر
الترف فقد حرمهما السلم على الرجال .ولكنه أباحهما للمرأة
مراعاة لمقتضى أنوثتها وما فطرت عليه من حب للزينة (.)1
2ـ وعلى الرغم من هذا التحريم فإنه إذا كانت هناك ضرورة
صحية تقضى بلبس الرجل للحرير فإن السلم يبيح له ذلك ول
يمنعه .فقد أذن النبى صلى الله عليه وسلم لكل من عبد الرحمن
بن عوف والزبير بن العوام فى لبس الحرير لنهما كانا يشكوان
من حكة فى جسمهما (.)2
3ـ وقد ذهب المام الشوكانى (توفى حوالى عام 1840م) فى
كتابه الشهير " نيل الوطار " إلى القول بأن أحاديث النبى صلى
الله عليه وسلم فى النهى عن لبس الحرير تدل على الكراهية
فقط وليس على التحريم .والكراهية هنا درجة أخف من التحريم.
ويقوى الشوكانى رأيه هذا بأن هناك ما ل يقل عن عشرين
صحابيًّا منهم أنس والبراء بن عازب قد لبسوا الحرير .ومن غير
المعقول أن يقدم هؤلء الصحابة على ما هو محّرم ،كما يبعد
ضا أن يسكت عنهم سائر الصحابة وهم يعلمون تحريمه (.)3 أي ً
4ـ أما التختم بالذهب أى اتخاذه كخاتم ونحوه للرجال فقد ذهب
ضا اعتمادًا على بعض الحاديث جمهور العلماء إلى تحريمه أي ً
1099
النبوية .ولكن هناك جماعة من العلماء ذهبوا إلى القول بكراهة
التختم بالذهب للرجال كراهة تنزيه فقط .وكراهة التنزيه بعيدة
عن التحريم وقريبة من الباحة أو الجواز ،واعتمدوا فى ذلك
ضا على أن هناك عددًا من الصحابة قد تختموا بالذهب منهم أي ً
سعد بن أبى وقاص ،وطلحة بن عبيد الله ،وصهيب ،وحذيفة ،
وجابر بن سمرة ،والبراء بن عازب .الذين فهموا أن النهى
للتنزيه وليس للتحريم (.)4
( )1راجع :الحلل والحرام فى السلم للدكتور القرضاوى ص 80
وما بعدها ـ الدوحة ـ قطر 1978م.
( )2راجع :نيل الوطار للشوكانى ج 2ص 81ـ دار الجيل ،بيروت
1973م.
ضا :فقه السنة
( )3نيل الوطار ج 2ص 73وما بعدها .راجع أي ً
للشيخ سيد سابق ج 3ص 481وما بعدها .بيروت 1971م.
( )4راجع :فقه السنة للشيخ سيد سابق ـ المجلد الثالث ص 482
وما بعدها 488 ،وما بعدها.
---------------------
-177
-178
-179
-180
==================
الباب السابع -الحتفال بالمولد النبوي
منهج أهل السنة في تعظيم النبي -صلى الله .1
عليه وسلم -
1100
لربنا تبارك وتعالى أرفع القدر وأعظم الشأن؛ فله العظمة
الكاملة التي تتجلى في ذاته وصفاته وأفعاله ،في خلقه وأمره،
في الفاق والنفس ،أنَّى نظرت في خلقه رأيت ما يبهر العقول
ويزيد اليمان ،ومهما تلوت من آي كتابه العظيم وقفت على
دلئل عظمته ،وأدلة قَدْره سبحانه .خضعت لعظمة ربي عز وجل
المخلوقات ،وذلت لجبروته الرض والسماوات ،واشتد نكيره
َ
حقَّ ه َما قَدَُروا الل ّ َ تعالى على من أخل بتعظيمه ،فقال سبحانه{:و َ
َ
تمطْوِيَّا ٌ ت َ موَا ُس َ مةِ وال َّ م القِيَا َ ه يَوْ َ ضت ُ ميعا ً قَب ْ َ
ج ِض َقَدْرِهِ والْر ُ
ن} [الزمر .]67:فحقٌ على من شرِكُو َ ما ي ُ ْه وتَعَالَى عَ َّ حان َ ُ
سب ْ َ مينِهِ ُ بِي َ ِ
عرف قدر الله وأراد تعظيمه أن يعظم ما عظمه -تعالى -قياماً
بحقه من التوحيد والعبادة ،وقياما ً بحق كتابه وحق رسوله -صلى
الله عليه وسلم.-
وغير خاف على مسلم صادق في إسلمه تلك المنزلة الرفيعة
التي حباها ربنا تعالى لصفوة خلقه ،وخاتم أنبيائه ورسله حبيبنا
محمد -صلى الله عليه وسلم ،-فإلى شيء من جوانب تلك
العظمة ،وهدي السابقين والتابعين لهم بإحسان في تعظيمه
-صلى الله عليه وسلم ...-ذلك الحديث الذي تنشرح له صدور
المؤمنين الصادقين ،وتتطلع إليه نفوسهم ،ويتمنون أن لو
اكتحلت أعينهم برؤية حبيبهم صلى الله عليه وسلم؛ وتشنفت
آذانهم بسماع صوته.
المراد بالتعظيم:
َ
منُوا شرا ً ونَذِيرا ً * لِتُؤْ ِ شاهِدا ً و ُ
مب َ ّ ِ ك َ سلْنَا َ قال الله تعالى{ :إنَّا أْر َ
َ َ
صيلً} [الفتح8،: حوه ُ بُكَْرة ً وأ ِ سولِهِ وتُعَّزُِروه ُ وتُوَقُِّروه ُ وت ُ َ
سب ِّ ُ بِالل ّهِ وَر ُ
.]9فذكر تعالى :حقا ً مشتركا ً بينه وبين رسوله صلى الله عليه
وسلم وهو اليمان ،وحقا ً خاصا ً به تعالى وهو التسبيح ،وحقاً
خاصا ً بنبيه صلى الله عليه وسلم وهو التعزير والتوقير.
وحاصل ما قيل في معناهما أن :التعزير اسم جامع لنصره
وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه .والتوقير :اسم جامع لكل ما فيه
سكينة وطمأنينة من الجلل والكرام ،وأن يعامل من التشريف
والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار.
وهذه المعاني هي المراد بلفظ التعظيم عند إطلقه ،فإن معناه
في اللغة :التبجيل ،يقال :لفلن عظمة عند الناس :أي حرمة
يعظم لها ،ولفظ التعظيم وإن لم يرد في النصوص الشرعية ،إل
أنه استعمل لتقريب المعنى إلى ذهن السامع بلفظ يؤدي المعنى
المراد من التعزير والتوقير .والتعظيم أعلى منزلة من المحبة،
لن المحبوب ل يلزم أن يكون معظماً ،كالولد يحبه والده محبة
تدعوه إلى تكريمه دون تعظيمه ،بخلف محبة الولد لبيه ،فإنها
1101
تدعوه إلى تعظيمه .والرجل يعظم لما يتمتع به من الصفات
العلية ،ولما يحصل من الخير بسببه ،أما المحبة فل تحصل إل
بوصول خير من المحبوب إلى من يحبه.
خلقاً:
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم سيرة و ُ
لقد حبا الله تبارك وتعالى نبينا محمدا ً صلى الله عليه وسلم من
الخصائص القوية والصفات العلية والخلق الرضية ما كان داعياً
لكل مسلم أن يجله ويعظمه بقلبه ولسانه وجوارحه.
وقد كان لهل السنة والجماعة قدم صدق في العناية بجمع
خصائصه ،وإبراز فضائله والشادة بمحاسنه ،فلم يخل كتاب من
كتب السنة كالصحاح والسنن وغيرها من كتب مخصصة لم يخل
من ذكر مآثره ،كما أُفردت كتب مستقلة للحديث عنه وعن
سيرته.
وقد اختار الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم اسم (محمد)
المشتمل على الحمد والثناء؛ فهو صلى الله عليه وسلم محمود
عند الله تعالى ،ومحمود عند ملئكته ،ومحمود عند إخوانه
المرسلين عليهم الصلة والسلم ومحمود عند أهل الرض كلهم،
وإن كفر به بعضهم؛ لن صفاته محمودة عند كل ذي عقل وإن
كابر وجحد؛ فصدق عليه وصفه نفسه حين قال « :أنا سيد ولد
آدم يوم القيامة ،ول فخر ،وأول من تنشق عنه الرض ،وأول
شافع ،بيدي لواء الحمد ،تحته آدم فمن دونه » .وقد أغاث الله
تعالى به البشرية المتخبطة في ظلمات الشرك والجهل
والخرافة ،فكشف به الظلمة ،وأذهب الغمة ،وأصلح المة ،وصار
هو المام المطلق في الهدى لول بني آدم وآخرهم ،فهدى الله
به من الضللة ،وعلم به من الجهالة ،وأرشد به من الغواية ،وفتح
به أعينا عمياً ،وآذانا ً صماً ،وقلوبا ً غلفاً ،وكثَّر به بعد القلة ،وأعَّز به
س ربَّهم ومعبودهم غاية بعد الذلة ،وأغنى به بعد العيلة .عّرف النا َ
ما يمكن أن تناله قواهم من المعرفة ،ولم يدع لمته حاجة في
هذا التعريف ،ل إلى من قبله ،ول إلى من بعده ،بل كفاهم،
َ
مفه ِ ْ وشفاهم ،وأغناهم عن كل من تكلم في هذا الباب{:أوَ ل َ ْ
م يَك ْ ِ
ة وذِكَْرى م ً ك لََر ْ
ح َ ن فِي ذَل ِ َ ب يُتْلَى ع َلَيْهِ ْ
م إ َّ أَنَّا أَنَزلْنَا ع َلَي ْ َ
ك الكِتَا َ
ن} [العنكبوت ،]51:وعرفهم الطريق الموصلة إلى منُو َ لِقَوْم ٍ يُؤْ ِ
ربهم ورضوانه ودار كرامته ،ولم يدع صلى الله عليه وسلم حسناً
إل أمر به ،ول قبيحا ً إل نهى عنه .وعرفهم حالهم بعد القدوم على
ربهم أتم تعريف ،فكشف المر وأوضحه ،ولم يدع بابا ً من العلم
النافع للعباد المقرب لهم إلى ربهم إل فتحه ،ول مشكل ً إل بينه
وشرحه ،حتى هدى به القلوب من ضللها ،وشفاها به من
1102
أسقامها ،وأغاثها به من جهلها ،فأي بشر أحق بأن يُحب؟ جزاه
الله عن أمته أفضل الجزاء.
ي صلى الله عليه وسلم عدد من أزواجه وأصحابه وقد وصف النب َّ
كخديجة وعائشة ،وأنس ،وابن عباس ،وعلي ،وابن عمر وغيرهم
رضي الله عنهم ،ولما كان المقصود الشارة إلى ذلك دون
الستقصاء آثرت نقل كلم ابن القيم الجامع لوصافه ،تحاشياَ
للطالة وكثرة التخاريج.
قال ابن القيم( :ومما يحمد عليه صلى الله عليه وسلم ما جبله
الله عليه من مكارم الخلق وكرائم الشيم ،فإن من نظر في
أخلقه وشيمه صلى الله عليه وسلم علم أنها خير أخلق الخلق،
وأكرم شمائل الخلق ،فإنه صلى الله عليه وسلم كان أعظم
الخلق ،وأعظمهم أمانة ،وأصدقهم حديثاً ،وأجودهم وأسخاهم،
وأشدهم احتمالً ،وأعظمهم عفوا ً ومغفرة ،وكان ل يزيد شدة
الجهل عليه إل حلماً ،كما روى البخاري في صحيحه عن عبد الله
بن عمر رضي الله عنهما أنه قال في صفة رسول الله صلى الله
عليه وسلم في التوراة( :محمد عبدي ورسولي سميته المتوكل،
خاب بالسواق ،ول يدفع بالسيئة ليس بفظ ول غليظ ،ول س َّ
السيئة ،ولكن يعفو ويصفح ،ولن أقبضه حتى أقيم به الملة
العوجاء بأن يقولوا :ل إله إل الله ،وأفتح به أعينا ً عمياً ،وآذاناً
صماً ،وقلوبا ً غلفاً).
وأرحم الخلق وأرأفهم بهم ،وأعظم الخلق نفعا ً لهم في دينهم
ودنياهم ،وأفصح خلق الله وأحسنهم تعبدا ً عن المعاني الكثيرة
باللفاظ الوجيزة الدالة على المراد ،وأصبرهم في مواطن
الصبر ،وأصدقهم في مواطن اللقاء ،وأوفاهم بالعهد والذمة،
وأعظمهم مكافأة على الجميل بأضعافه ،وأشدهم تواضعاً،
وأعظمهم إيثارا ً على نفسه ،وأشد الخلق ذبَّا ً عن أصحابه ،وحماية
لهم ،ودفاعا ً عنهم ،وأقوم الخلق بما يأمر به ،وأتركهم لما ينهى
عنه ،وأوصل الخلق لرحمه ،فهو أحق بقول القائل :بَْرد ٌ على
جلْد ُ بواعث تعظيم النبي ن َة وعلى العادي مار ٌ الدنى ومرحم ٌ
صلى الله عليه وسلم :يدعو المسلم إلى ذلك أمور عدة ،منها:
-1تعظيم العظيم سبحانه وتعالى ،لنه عظم نبيه صلى الله عليه
مسكَْرتِهِ ْ في َ م لَ ِ
ك إنَّهُ ْ
مُر َوسلم؛ حيث أقسم بحياته في قوله{:ل َ َع ْ
ق ك لَعَلَى ُ ُ ن}[الحجر .]72 :كما أثنى عليه فقال{:وإن َّ َ
خل ٍ م ُهو َ
يَعْ َ
ك} [الشرح ،]4 :فل ك ذِكَْر َ عَظِيمٍ} [القلم ،]4 :وقال{:وَرفَعْنَا ل َ َ
يُذكر بشر في الدنيا ويثنى عليه كما يُذكر النبي صلى الله عليه
وسلم ويثنى عليه.
1103
-2أن من شرط إيمان العبد أن يعظم النبي صلى الله عليه
وسلم ،وهذا هو الغرض من بعثته صلى الله عليه وسلم .قال
َ َ
منُوا بِالل ّهِ
شرا ً ونَذِيرا ً * لِتُؤْ ِ شاهِدا ً و ُ
مب َ ّ ِ ك َ سلْنَا َ
تعالى{:إنَّا أْر َ
َ
صيلً} [الفتح،]9 ،8 : حوه ُ بُكَْرة ً وأ ِ سولِهِ وتُعَّزُِروه ُ وتُوَقُِّروه ُ وت ُ َ
سب ِّ ُ وَر ُ
قال ابن القيم( :وكل محبة وتعظيم للبشر فإنما تجوز تبعا ً لمحبة
الله وتعظيمه ،كمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتعظيمه ،فإنها من تمام محبة مرسله وتعظيمه ،فإن أمته يحبونه
لمحبة الله له ،ويعظمونه ويجلونه لجلل الله له؛ فهي محبة لله
من موجبات محبة الله ،وكذلك محبة أهل العلم واليمان ومحبة
الصحابة رضي الله عنهم وإجللهم تابع لمحبة الله ورسوله صلى
الله عليه وسلم) .بل المر كما قال شيخ السلم ابن تيمية(:إن
قيام المدحة والثناء عليه والتعظيم والتوقير له قيام الدين كله،
وسقوط ذلك سقوط الدين كله).
-3ما ميزه الله تعالى به -مما سبق ذكره -من شرف النسب،
وكرم الحسب ،وصفاء النشأة ،وأكمل الصفات والخلق
والفعال.
-4ما تحمله صلى الله عليه وسلم من مشاق نشر الدعوة ،وأذى
المشركين بالقول والفعل حتى أتم الله به الدين وأكمل به
النعمة .مع الصحابة في تعظيمهم للنبي صلى الله عليه وسلم
وتوقيرهم له في حياته :نال الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين
شرف لقاء النبي صلى الله عليه وسلم ،فكان لهم النصيب
الوفى من توقيره وتعظيمه مما سبقوا به غيرهم ،ولم ،ولن
يدركهم من بعدهم ،ثم شاركوا المة في تعظيمه بعد موته صلى
الله عليه وسلم .كان شأنهم في توقيره أوضح وأظهر من أن
يستدل عليه ،وأجمل من وصف شأنهم في ذلك عروة ابن
مسعود الثقفي رضي الله عنه حين فاوض النبي صلى الله عليه
وسلم في صلح الحديبية ،فلما رجع إلى قريش قال(:أي قوم!
والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى
والنجاشي ،والله إن رأيت ملكا ً قط يعظمه أصحابه ما يعظم
ة إل وقعت في كف م نخام ً أصحاب محمد محمداً ،والله إن تنخ َّ
رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده ،وإذا أمرهم ابتدروا أمره ،وإذا
توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ،وإذا تكلم خفضوا أصواتهم
ما له)!. حدُّون النظر إليه تعظي ً عنده ،وما ي ُ ِ
وقد وُصف الصحابة حال جلوسهم واستماعهم للنبي صلى الله
عليه وسلم بوصف عجيب جاء في أحاديث عدة ،منها قول أبي
سعيد الخدري :وسكت الناس كأن على رؤوسهم الطير .وقال
عمرو بن العاص رضي الله عنه(:وما كان أحد أحب إلي من
1104
رسول الله صلى الله عليه وسلم ول أجل في عيني منه ،وما
كنت أطيق أن أمل عيني منه إجلل ً له ،ولو سئلت أن أصفه ما
أطقت لني لم أكن أمل عيني منه).
ولما زار أبو سفيان ابنته أم حبيبة رضي الله عنها في المدينة،
ودخل عليها بيتها ،ذهب ليجلس على فراش رسول الله؛ فطوته،
فقال :يا بنية! ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أو رغبت به
عني؟ فقالت(:هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وأنت
مشرك نجس ،فلم أحب أن تجلس على فراشه) .ومن شدة
حرص الصحابة على إكرامه وتجنب إيذائه قول أنس بن
مالك(:إن أبواب النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقرع
بالظافير).
َ َ
صوَاتَك ُ ْ
م منُوا ل تَْرفَعُوا أ ْ نآ َ ولما نزل قول الله تعالى{:يَا أيُّهَا الَذِي َ
َ
ض أن ضك ُ ْ
م لِبَعْ ٍ جهْرِ بَعْ ِ ه بِالْقَوْ ِ
ل كَ َ جهَُروا ل َ ُ
ي ول ت َ ْ ت النَّب ِ ِ ّ صوْ ِ فَوْقَ َ
َ تحب َ َ
ن} [الحجرات ،]2 :قال ابن شعُُرو َ م ل تَ ْ م وأنت ُ ْ مالُك ُ ْ
ط أع ْ َ َ ْ َ
مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذه الزبير(:فما كان عمر يُس ِ
الية حتى يستفهمه) ،وكان ثابت بن قيس جهوري الصوت يرفع
صوته عند النبي صلى الله عليه وسلم فجلس في بيته منكساً
رأسه يرى أنه من أهل النار بسبب ذلك ،حتى بشره النبي صلى
الله عليه وسلم بالجنة.
وللمحدثين نصيب:
للمحدثين رحمهم الله ورضي عنهم منهج رصين ورصيد ثري
وإسهام قوي في إجلل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وتوقير مجلس الحديث ،والتحفز لستباق العمل به ،تعظيما ً له
وهذه بعض الشواهد :حدث عمرو بن ميمون عن عبد الله بن
مسعود رضي الله عنه فكان مما قال :وما سمعته قط يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إل مرة ،فنظرت إليه وقد
حل إزاره وانتفخت أوداجه ،واغرورقت عيناه ،فقال(:أو نحو ذلك
أو دون ،أو قريبا ً من ذلك ،أو شبه ذلك) .وجعفر بن محمد ،ومالك
بن أنس ،والعمش ،بل قد صار ذلك مستحبا ً عندهم ،وكرهوا
خلفه .قال ضرار بن مرة(:كانوا يكرهون أن يحدثوا عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهم على غير وضوء) .قال إسحاق:
فرأيت العمش إذا أراد أن يتحدث وهو على غير وضوء تيمم.
وكان مالك يلبس أحسن ثيابه ويتطيب ويأخذ زينته للتحديث
بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .وقال ابن أبي الزناد:
كان سعيد بن المسيب -وهو مريض -يقول(:أقعدوني؛ فإني
أكره أن أحدث حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا
مضطجع) .ومّر مالك بن أنس على أبي خازم وهو يحدث فجازه،
1105
وقال(:إني لم أجد موضعا ً أجلس فيه ،فكرهت أن آخذ حديث
رسول الله -صلى الله عليه وسلم -وأنا قائم) .وكان محمد بن
سيرين يتحدث فيضحك ،فإذا جاء الحديث خشع .وقال سعيد بن
عامر(:كنا عند هشام الدستوائي فضحك رجل منا فقال له هشام
الدستوائي :تضحك وأنت تطلب الحديث؟!)..
كيف نعظم النبي صلى الله عليه وسلم؟
إن المر بتوقير النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه يعني أن
ذلك عبادة لله عز وجل وقربة إليه سبحانه والعبادة التي أرادها
الله تعالى ويرضاها من العبد هي ما ابتغي به وجهه ،وكان على
الصفة التي شرعها في كتابه العظيم وعلى لسان نبيه الكريم
صلى الله عليه وسلم .فأما الخلص في العمال وابتغاء وجه
الله فيها فهو مقتضى شهادة أن ل إله إل الله؛ لن معناها ل
معبود بحق إل الله سبحانه وتعالى .وأما متابعة النبي صلى الله
عليه وسلم فهي مقتضى الشهادة بأن محمدا ً رسول الله ،ولزم
من لوازمها؛ إذ معنى الشهادة له بأنه رسول الله حقاً(:طاعته
فيما أمر ،وتصديقه فيما أخبر ،واجتناب ما عنه نهى وزجر ،وأن ل
يعبد الله إل بما شرع).
وهذا كمال التعظيم ،وغاية التوقير .وأي تعظيم أو توقير للنبي
صلى الله عليه وسلم لدى من شك في خبره ،أو استنكف عن
طاعته ،أو ارتكب مخالفته ،أو ابتدع في دينه وعبد الله من غير
طريقه؟! ولذا اشتد نكير الله تعالى على من سلكوا في العبادة
َ
نن الدِّي ِ شَرع ُوا لَهُم ِّ
م َ شَركَاءُ َ م لَهُ ْ
م ُ سبيل ً لم يشرعها ،فقال{:أ ْ
َ
ه} [الشورى .]21 :وقال صلى الله عليه ن بِهِ الل ّ ُ ما ل َ ْ
م يَاًذ َ ْ َ
وسلم«:من عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رد» ،أي مردود
عليه.
1106
[الحزاب ،]56 :وهذا إخبار من الله تعالى( :بمنزلة عبده ونبيه
عنده في المل العلى بأنه يثني عليه عند الملئكة المقربين ،وأن
الملئكة تصلي عليه ،ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلة
والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي
والسفلي جميعا) ،وصلة المؤمنين عليه هي الدعاء طلبا ً للمزيد
من الثناء عليه .والصلة عليه مشروعة في عبادات كثيرة
كالتشهد والخطبة وصلة الجنازة وبعد الذان وعند الدعاء وغيرها
من المواطن .وأفضل صيغها :ما علمه النبي صلى الله عليه
وسلم لصحابه حين قالوا :أما السلم عليك فقد عرفناه ،فكيف
الصلة؟ قال« :قولوا :اللهم صل على محمد ،وعلى آل محمد،
كما صليت على آل إبراهيم ،إنك حميد مجيد .اللهم بارك على
محمد ،وعلى آل محمد ،كما باركت على آل إبراهيم ،إنك حميد
مجيد».
وغير خاف عليك ما في الصلة عليه من الفوائد والثمرات من
كونها سببا ً لحصول الحسنات ،ومحو السيئات ،وإجابة الدعوات،
وحصول الشفاعة ،وصلة الله على العبد ،ودوام محبة النبي
صلى الله عليه وسلم وزيادتها ،والنجاة من البخل .ومن تعظيمه:
التأدب عند ذكره صلى الله عليه وسلم بأن ل يذكر باسمه
مجرداً ،بل يوصف بالنبوة أو الرسالة ،وهذا كما كان أدبا ً للصحابة
رضي الله عنهم في ندائه فهو أدب لهم ولغيرهم عند ذكره ،فل
يقل :محمد ،ولكن :نبي الله ،أو الرسول ،ونحو ذلك.
1107
لمحاسنه ومكانته ومنزلته ،والمعاني الجالبة لحبه وإجلله وكل ما
من شأنه أن يجعل القلب ذاكرا ً لحقه من التوقير والتعزير،
ومعترفا ً به ومذعنا ً له ،فالقلب ملك العضاء ،وهي جند له وتبع،
فمتى ما كان تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم مستقرا ً في
القلب مسطورا ً فيه على تعاقب الحوال فإن آثار ذلك ستظهر
على الجوارح حتما ً ل محالة.
وحينئذ سترى اللسان يجري بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه،
وترى باقي الجوارح ممتثلة لما جاء به ومتبعة لشرعه وأوامره،
ومؤدية لماله من الحق والتكريم .وبرهان التعظيم الصادق هو
تعظيم ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الشريعة
المتضمنة في الكتاب والسنة كما فهمها سلف المة ،وذلك
باتباعها والتزامها قلبا ً وقالباً ،وتحكيمها في كل مناحي الحياة
وشؤونها الخاصة والعامة؛ ومحال أن يتم اليمان بدون
َ ل وأَطَعْنَا ث ُ َّ َ
منْهُم م يَتَوَل ّى فَرِيقٌ ِّ سو ِ منَّا بِالل ّهِ وبِالَّر ُ نآ َ ذلك{:ويَقُولُو َ
ن}[النور..]47: منِي َ مؤْ ِ ك بِال ْ ُما أُوْلَئ ِ َ كو َ ن بَعْد ِ ذَل ِ َ م ْ ِّ
فإن هذا هو مقتضى التعظيم الحقيقي والتوقير الصادق؛ إذ
العبرة بالحقائق ل بالمظاهر والشكال الجوفاء ،ولذا قدم الله عز
وجل هذا الدب العظيم على سائر الداب الواجبة مع النبي صلى
الله عليه وسلم ،فنهى عن التقدم بين يديه بأمر دون أمره أو
قول دون قوله ،بل يكونون تبعا ً لمره منقادين له مجتنبين نهيه،
َ
ن
موا بَي ْ َ دّ ُمنُوا ل تُقَ ِ نآ َ الحجرات{:يَا َ أيُّهَا الَذِي َ َ
فقال في أول سورة
َ
م} [الحجرات.]1: ميعٌ عَلِي ٌ س ِ
ه َ ن الل ّ َ ه إ َّ سولِهِ واتَّقُوا الل ّ َ ي الل ّهِ وَر ُ يَد َ ِ
ومن التقدم بين يديه :تقديم القوانين والتشريعات البشرية على
شريعته ،أو تفضيل حكم غيره على حكمه أو مساواته به ،أو
حتَّى ن َ منُو َ ك ل يُؤْ ِ التزام منهج مخالف لهديه وسنته{:فَل وَرب ِّ َ
َ
م َّ
ما حَرجا ً ِّ م َ سهِ ْجدُوا فِي أن ُف ِ م ل يَ ِ م ث ُ َّ جَر بَيْنَهُ ْ ش َ ما َ ك فِي َ مو َ حكِّ ُ يُ َ
سلِيماً} [النساء.]65: موا ت َ ْ سل ِّ ُت وي ُ َ ضي ْ َقَ َ
وأسعد الناس حظا ً بسنته وأقربهم إلى الشرب من حوضه :أهل
السنة والجماعة ،فهم من أحيوا سنته واتبعوا شريعته وهديه.
ومن توقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم توقيره في آله،
ومنهم أهل بيته رضي الله عنهم أجمعين ورعاية وصيته بهم
بمعرفة فضلهم ومنزلتهم وشرفهم بقربهم من النبي صلى الله
عليه وسلم زيادة على إيمانهم ،وبحفظ حقوقهم والقيام بها ،فهم
أشرف آل على وجه الرض ،وأزواجه أمهات المؤمنين
َ
س
ج َ م الّرِ ْ ب ع َنك ُ ُ ه لِيُذْه ِ َ ريد ُ الل ّ ُ ما ي ُ ِ الطاهرات ،قال الله تعالى{:إن َّ َ
م تَطْهِيراً} [الحزاب ،]33 :وقد أوجب الله ت ويُطَهَِّرك ُ ْ ل البَي ْ ِ أَهْ َ
1108
الصلة عليهم تبعا ً للصلة على النبي صلى الله عليه وسلم في
التشهد في الصلة.
ومنه :توقيره في سائر صحبه رضي الله عنهم جميعا ً فإنهم خيرة
الناس بعد النبياء ،وخيرة الله لصحبة نبيه ،وهم حماة المصطفى
صلى الله عليه وسلم والمناء على دينه وسنته وأمته ،وذلك
بمعرفة فضلهم ،ورعاية حقوقهم ،فإن الطعن فيهم أو تنقُّصهم
عنوان الزندقة .ومنه :الدب في مسجده ،وكذا عند قبره ،وترك
اللغط ورفع الصوت ،ولذا أنكر عمر رضي الله عنه على من رفع
صوته فيه .فقال للرجلين(:ترفعان أصواتكما في مسجد النبي
صلى الله عليه وسلم؟! لو كنتما من أهل المدينة لوجعتكما
ضرباً).
ومن تعظيمه :حفظ حرمة بلده المدينة النبوية؛ فإنها مهاجره،
ودار نصرته ،وبلد أنصاره ،ومحل إقامة دينه ،ومدفنه ،وفيها
مسجده خير المساجد بعد المسجد الحرام .والمقصود من
تعظيم المدينة هو تعظيم حرمها ،وهذا أمر واجب في حق من
سكن بها أو دخل فيها ،مع ما يجب على ساكنيها من مراعاة حق
المجاورة وحسن التأدب فيها ،وذلك لما لها من المنزلة والمكانة
عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم فيتأكد فيها العمل
الصالح وتعظم فيها السيئة؛ لشرف المكان.
صور من البخس:
بعد هذه الجولة الماتعة مع حق عظيم للنبي صلى الله عليه
وسلم فإنه ل يسوغ أبدا ً لمنتسب إلى السنة أن يجفو في حق
نبيه صلى الله عليه وسلم فيخل بما يجب له من الجلل والتوقير
والتعظيم .ومن صور الخلل :التقصير في معرفته أو معرفة
سيرته وهديه أو فهم سنته أو الخلل في تطبيقها غلوا ً أو جفاء.
ومنها :إساءة العمل والتقصير في الصالحات ،وخاصة ممن
ينتسب لل بيته الكرام .ومن العجيب مع تأكد هذا الحق العظيم
أن يقع التعرض بسوء للمؤمنين الصادقين من آل البيت! وأعجب
منه سب صحابته والنيل من أزواجه الطاهرات! وأكبر منها
الساءة إلى ذات النبي صلى الله عليه وسلم ،والجرأة على نقده
ولمز شريعته في ديار المسلمين!! ثم أين هو من دين النبي
صلى الله عليه وسلم من يستبدل شريعته بقوانين البشر ،أو يهزأ
من هديه ،أو يتعالى على سنته؟!
َّ
وبعد :يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! هل عظم نبيكم
وحبيبكم صلى الله عليه وسلم من حلف به مع أنه صلى الله
عليه وسلم يقول«:من كان حالفا ً فليحلف بالله أو ليصمت»،
َ
ويقول«:من حلف بغير الله فقد أشرك»؟! وهل عظ ّمه من
1109
توسل بذاته مع أن الصحابة توسلوا بدعائه ل بذاته ،كما في
حديث عمر حين طلب من العباس الدعاء والستسقاء والنبي
َ
صلى الله عليه وسلم عندهم في قبره؟! وهل عظ ّمه من توجه
إليه طالبا ً منه الشفاعة مع أن الله عز وجل بين للمة أن
الشفاعة ل تكون إل بإذنه تعالى ورضاه ،وأمر من أراد الشفاعة
بطلبها بطاعته؟! وهل عظمه من استغاث به مع أنه بشر ل يملك
من أمره شيئا؟! أليس هذا تنكرا ً لمحبته وتعديا ً لشرعه وعصياناً
لمره؟ حيث قال«:ل تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم،
فإنما أنا عبده ،فقولوا عبد الله ورسوله»؟!
وهل من تعظيمه البتداع في دينه ،والزيادة في شريعته من
التمسح بحجرته أو الحتفال بمولده بعد اتفاقنا على نصحه لمته
ودللتها على كل حسن؟! فأي حسن في عمل احتفالت ساعات
أو أيام ثم التقصير والهمال في سائر العام؟! وأي حسن في
الحتفال بزمن توفي فيه المصطفى -صلى الله عليه وسلم-؟!
وأي حسن في مشابهة دين النصارى المفتونين بالحتفالت؟!
وأي حسن في التعدي على فقه الفاروق حين أَّرخ بهجرة
المصطفى صلى الله عليه وسلم رمز انتصار دينه ،ولم يؤرخ
بمولده ووفاته ،تقديما ً للحقائق والمعاني على الطقوس
والشكال؟! وأي حسن في تجديد دين الدولة العبيدية الباطنية
الحاقدة التي ابتدعت ذلك الحتفال؟! وأي حسن في عمل لم
يشرعه الحبيب صلى الله عليه وسلم ،ولم يفعله أنصاره وحماة
دينه وحملة رسالته رضي الله عنهم؟ أليسوا أصدق الناس حباً
له؟! أليس فقه الراشدين وفهمهم وسنتهم مما أوصاكم به نبيكم
صلى الله عليه وسلم قائل :عليكم بسنتي وسنة الخلفاء
الراشدين المهديين من بعدي ،عضوا عليها بالنواجذ؟! أليس فعل
المولد مخالفة لمره :وإياكم ومحدثـات المور ،فإن كل محدثة
بدعة ،وكل بدعة ضللة؟!
فأي تعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الموالد التي
صارت ركبا ً للمدعين ،وحجة للبطالين؟! أل ترون المولد بعد هذا
تقصيرا ً في حق حبيبنا صلى الله عليه وسلم وظلما ً له؟! اللهم
اجعلنا من المعظمين رسولنا -صلى الله عليه وسلم -حق
التعظيم المتبعين شرعه ،السائرين على دربه ،المهتدين بهديه،
اللهم أحينا على سنته ،ول تحرمنا من مرافقته في الجنة ..آمين.
----------------
.2في ذكرى المولد النبوي
خباب بن مروان الحمد
المقدمة
1110
المبحث الول :في حكم الحتفال بذكرى مولد محمد صلى الله
عليه وسلم
المبحث الثاني :ذكر أقوال لهل العلم فيه.
المبحث الثالث :شبهــــات وردود.
المقدمة
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على
الدين كله وكفى الله شهيداً ،وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل
شريك له إقرارا ً به وتوحيداً ،وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ً مزيدا ً إلى يوم
الدين ..أما بعد:
أخي المسلم ..أختي المسلمة..
في مثل هذه اليام يحتفل فئام من البشر بيوم مولد محمد صلى
الله عليه وسلم ،وهم من وقت ليس ببعيد يعدون العدة
ويجهزون الجهزة استعدادا ً للحتفال لهذا اليوم ،فالضواء قد
علقت في أعمدة الشوارع ،والبيوت قد زينت بالزهور والورود،
والحلويات قد أصبح لها سوق رائجة للبيع ،وبعض المكنة
استئجرت حتى يُفْعَل بها هذا الحتفال ،والمعازف والطبول
ض عنها الغبار استعداداً
ف َ والدفوف وأشياء كثيرة كثيرة قد ن ُ ِ
لذكرى المولد النبوي!!
فهل فعل هذا من المور التي ترضي الرب تبارك وتعالى؟ وما
هو حكمه؟ وهل فعله السلف أو أقروه؟ إلى غير ذلك من الشياء
التي سأطرقها في هذا البحث اليسير.
وقبل أن أصول وأجول في ثنايا هذا البحث فإني سأذكر مقدمة
يسيرة نافعة بإذن الله عز وجل لمن أراد الله هدايته وأبعده عن
أسباب شقاوته ،كلها من سلسبيل القرآن ومشكاة الحديث
والسنة ،فهما المنهل العذب الزلل على قلوب أهل اليمان،
والصواعق المردية لهل الكفر والضلل.
فهذه مقدمة نافعة في المر بالعتصام بالكتاب والسنة ،ووجوب
طاعة الله ورسوله ،وأن مرجع أهل السنة والجماعة في
استدللهم هو كتاب الله وسنة المصطفى عليه الصلة والسلم ل
إلى آراء الناس وعقول المشايخ ،نقول فيها:
من يقرأ هذا الكلم المزبور والخط المسطور ،قد أنزل الله يا َ
علينا هذا القرآن ليكون الهادي لنا في ظلمات الحياة ،ومنيراً
للصراط المستقيم ،وقائدا ً يدعو البشرية جمعاء إلى جنة خلد
أعدت للمؤمنين .وقد ذكر الله عز وجل في هذا الكتاب العظيم
آيات كثيرة بلغت ثلثا ً وثلثين آية كما قال أبو عبد الله أحمد بن
حنبل ـ قدس الله روحه ـ كلها في المر والحث على طاعة الله
1111
ورسله والتمسك بغرز القرآن والسنة فقد قال تعالى {وما كان
لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا ً أن يكون لهم
الخيرة من أمرهم ومن يعض الله ورسوله فقد ضل ضلل ً مبينا}
[الحزاب.]36 :
فقد ذكر الله أنه ل يكون للمؤمنين إذا قضى الله ورسوله عليهم
أي أمر ،وتأمل هنا قوله تعالى {أمراً} فهي نكرة في سياق
النفي فهي تعم كل أمر ،فإذا قضى الله ورسوله أي أمر ل يكون
لهم أن يتخيروا من أمرهم هذا غير الذي قضى فيهم ثم ذكر الله
عزل وجل أن من عصى الله ورسوله فهو في ضلل بعيد؛ لنه
يأبى ما قضاه الله ورسوله عليه وخالف أمرهما.
وقال تعالى {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا الله ورسوله
ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون*
ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون}
[النور 51 :ـ .]52
وقال تعالى {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو
يصيبهم عذاب أليم} [النور.]36 :
وقال تعالى {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}..
[الحشر.]7 :
وقال تعالى {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم
فإنما على رسولنا البلغ المبين} [المائدة.]92 :
وقد حذرنا الله عز وجل من الشراك بطاعته فقال {وإن
أطعتموهم إنكم لمشركون} [النعام ،]121 :وقال تعالى {أم لهم
شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله[ }..الشورى:
،]21وقال تعالى {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع
ما وجدنا عليه آبائنا[ }..لقمان ،]21 :وقال تعالى {وإذا قيل لهم
تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون
عنك صدوداً} [النساء.]61 :
ورسول الهدى صلى الله عليه وسلم يوصينا بالتمسك بسنته
فيقول" :عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من
بعدي تمسكوا بها ،وعضوا عليها بالنواجذ ،وإياكم ومحدثات المور
فإن كل محدثة بدعة ،وكل بدعة ضللة"( .مسند أحمد ،4/126
وانظر صحيح الجامع .)2546
وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة" :أما
بعد فإن خير الحديث كتاب الله ،وخير الهدي هدي محمد صلى
الله عليه وسلم ،وشر المور محدثاتها ،وكل بدعة ضللة".
(صحيح مسلم .)867
1112
وقال صلى الله عليه وسلم" :من أحدث في أمرنا هذا ما ليس
منه فهو رد"( .رواه البخاري ،2697ومسلم .)1718
والعجب كل العجب ـ والله ـ أن ترى كثيرا ً ممن ينتسبون للسلم
ويقولون بألسنتهم نحن نحب الله ورسوله فإذا أنكرت عليهم
شيئا ً من منكرات في الدين ظاهرةٍ عليهم ،جادلوك بألسنتهم
وبدءوا يستندون بأقوال لبعض من ينتسب إلى العلم ،وهي أقوال
"ساقطة" وصدق من قال" :لكل ساقطة لقطة" ،ثم إذا قلت
لهم قال الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضجوا
وأكثروا وقالوا أنت قرن مماحك ،فواأسفاه على أناس أعرضوا
ن هذين الصلين من أًول شريعتنا ل عن الكتاب والسنة ،وكأ ّ
اعتبار لهما في مجرى حياتهم ،ويأتي آخرون من هذا الصنف ثم
يقولون وهل أنت أعلم من الشيخ الفلني أو العالم الرباني فهم
يرونا نفعل مثل هذه المور التي تدعون أنها منكرات وبدع ولم
ينكروا علينا ما نفعله؟
جروا وهذه طامة كبيرة وقارعة خطيرة حيث أن مثل هؤلء قد أ ّ
عقولهم لمشايخهم ولم يريدوا أن يطلبوا أدلة الكتابة والسنة؛
لنهم لو فعلوا ذلك لتركوا منكرات كثيرة وقعوا بها ولما أقلعوا
عن البدع والمعاصي التي تحيط بهم .وأعيذك الله أخي وأنت يا
أختاه أن تكونا من مثل هذا النوع فإن الهوى استحكم على
قلوبهم فهم إما أن يناقشوك بآرائهم وأهوائهم أو بآراء مشايخهم
بل استناد للكتاب والسنة بفهم سلف المة وقد قال الشاعر ينكر
على المحتجين بكلم شيوخهم:ـ
لأقول قال الله قال رسوله *** فتجيب شيخي إنه قد قا َ
وأمثال هؤلء قليل ـ إن شاء الله ـ وأسأله تعالى أن يهديهم
ويصلح شأنهم.
وقد يحصل لك في النقاش مع مثل هذه النخبة من البشر أنهم
يقولون لك هذه وجهة نظرنا وما ندين الله به وأنت يا من
تناقشني برأيك هذه هي وجهة نظرك وما تدين الله به ،والحمد
لله كل على هدى مستقيم.
وهذه شبهة ألقاها عليهم شيخهم ـ إبليس الرجيم ـ وإل فإن
الجواب عن ذلك أن يقال :أن المرجع في النزاع والنقاش هو
كتاب الله سبحانه وتعلى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم،
والله عز وجل يقول {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولي المر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى
الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخر ذلك خير
وأحسن تأويلً} [النساء.]59 :
1113
وقال تعالى {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله}..
[الشورى.]10 :
نعم ،هذا هو مرجعنا كتاب الله عز وجل..
ل تذكـــر الكتب الســـوالف *** طلع النهار فأطفئ القنديل
ن آرائهم هي التي يدينون الله بها إذا ً ما يدعي به أهل الهوى من أ ّ
فكلمهم هذا مردود عليهم ،وعلى هذا فإن اليهود والنصارى
يدينون الله بما هم عليه من الكفر والضلل ولن ينقذهم كلمهم
هذا عند الله شيئاً.
وأنا الن أطلب من القارئ الكريم والخت الكريمة أن يتجردا
للحق فالحق أحق أن يتبع فماذا بعد الحق إل الضلل ،وحذار
حذار من الهوى فالله عز وجل يقول {ول تتبع الهوى فيضلك عن
سبيل الله} [ص ]26 :وقال{ :بل اتبع الذين ظلموا أهوائهم}.
وقد أحسن من قال:
ت فقد لقيت إن الهوان هو الهوى قلب اسمه *** فـإذا هَوِي َ
هوانـاً
وأختم بقول الله سبحانه {وأن هذا صراطي مستقيما ً فاتبعوه ول
تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم
تتقون} [النعام ،]153 :وليكن شعار كل مسلم طالب للحق مبتعد
عن الباطل أن يقول ما قاله أحد المتقدمين ـ رحمه الله ـ:
كتــاب الله عــز وجــل قولي *** ومــا صحت به الثــار ديني
فدع ما صد ّ عـن هذي وخــذها *** تكــن منها عــلى عين اليقين
المبحث الول :في حكم الحتفال بذكرى مولد محمد صلى الله
عليه وسلم:
في يوم 3 /12يحتفل جمع من المة السلمية بذكرى مولد النبي
محمد صلى الله عليه وسلم ،وفي الحقيقة إن الحتفال بمثل هذا
اليوم واتخاذه عيدا ً بدعة منكرة قبيحة ولم يدل على جوازها
كتاب ول سنة ول إجماع سلف المة.
بل المة السلمية في عهد القرون الثلثة الولى التي فضلها
محمد صلى الله عليه وسلم على غيرها مجمعة أنها ل تعرف
احتفال ً ول عيدا ً إل الضحى والفطر ،أما سواهما من العياد
والذكريات فهو لغو غير معدود ول معروف عندهم ،بل ل تشرئب
إليها أنفسهم ،ول ترتفع إليها أعناقهم.
ذلك أنهم كانوا شديدي النكار على كل من خالف السلم بكفر
أو بدعة أو معصية ،ولقوة اعتصامهم بالكتاب والسنة خلت
بيوتاتهم من البدع المنكرة ،والمور المحدثة.
وللقارئ أو القارئة أن يسأل ويقول:
1114
ما سبب حكمك على أن من احتفل بذكرى مولد النبي المختار
محمد صلى الله عليه وسلم أنه قد أرتكب بدعة منكرة في
الدين؟ فأقول وبالله التوفيق:
1ـ النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده في حياته وهو
المبلغ للدين ،ولم يأمر بذلك.
2ـ أن الخلفاء الراشدين لم يفعلوا هذا الحتفال مع أنهم أحب
للرسول صلى الله عليه وسلم منا.
3ـ أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصانا بالتمسك بسنته ،وأن
ل نعبد الله إل بما شرع ،وذكرى المولد لو كان فيها خير لذكر لنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم منها خبراً ،ومن تعبّد الله بما
لم يشرعه لعباده وعلى لسان رسوله ،فقد اتهم الرسول صلى
الله عليه وسلم بالقصور أو بالتقصير في تبليغ دعوة الله.
4ـ قال المام مالك بن أنس ـ نوّر الله ضريحه ـ" :ل يصلح آخر
هذه المة إل بما صلح به أولها" ،فما دام أن السلف لم يفعلوا
مثل هذه البدعة المحدثة فحري بنا أل نفعلها ،وقد قال الناظم:
وكل خير في اتباع من سلف *** كل شـر فـي ابتداع من خلف
5ـ أن يوم المولد وليلته لو كان لها مزية لختصت بفضل معين،
ثم إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتذكر سيرته ل تكون
في يوم واحد بل في كل اليام نقرأ سيرته ونتبع ما شرعه لنا
صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه عن
عبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال :قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم" :ما بعث الله من نبي إل كان حقاً
عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ،وينذرهم من شر ما
يعلمه لهم".
6ـ إن بعض الموالد فيها اختلط الرجال بالنساء ،وفيها الغلو
ن بعضهم قد يجعله في مقام بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى أ ّ
الربوبية ،وبعضهم يظن أن محمدا ً صلى الله عليه وسلم يحضر
المولد فيقومون له محييين ومرحبين ،ويكون كذلك من
المنكرات مشاركة المعازف من الطبل والدف وآلت الموسيقى،
وكذلك بعضهم يستغيث بمحمد صلى الله عليه وسلم ويطلبوا
منه المدد والغوث وأنه يعلم الغيب .وكل هذه المور منكرة
محرمة وبعضها فيها شرك بالله ـ عياذا ً به سبحانه ـ فكيف إذا
اجتمعت كلها.
7ـ الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا في الحديث الصحيح
فقال" :إياكم ومحدثات المور ،فإن كل محدثة بدعة ،وكل بدعة
ضللة ،وكل ضللة في النار" رواه النسائي بسند صحيح .ولفظه:
1115
"كل" هنا للعموم فيكون معناها أن أية بدعة محدثة في الدين
ما من يقول "كل" ليس المراد بها العموم فما رأيك فهي بدعة وأ ّ
بقول الله تعالى{ :كل نفس ذائقة الموت} هل توجد أنفس من
مخلوقات الله عز وجل ل تموت؟
8ـ من فعل هذه البدعة فقد تشبه بأعداء الله فإن النصارى
يحتفلون بعيد ميلد المسيح عيسى بن مريم ،وقد سرت بدعتهم
هذه للمسلمين فأصبحوا يحتفلون بذكرى مولده صلى الله عليه
وسلم ،والرسول حذرنا من التشبه بأعداء الله فقال" :من تشبه
بقوم فهو منهم" والحديث رواه أحمد وأبو داود وجوّد إسناده ابن
تيمية ،وحسنه ابن حجر.
9ـ من احتفل بذكرى المولد فقد اتهم ديننا بالنقص ،ولو كان قصد
هذا المبتدع حسناً؛ فإن بدعته طعن في دين الله عز وجل
وتكذيب لقوله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم
نعمتي ورضيت لكم السلم ديناً} [المائدة.]3 :
10ـ إن الكفار أعداء الله يفرحون بإقامة هذه البدع؛ لنهم قرءوا
كتبنا السلمية وعلموا أنه متى أحدث في الدين بدعة ماتت سنة
من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم" ،وأوضح أنموذج
لذلك ما ذكره الجبرتي من أن نابليون أمر الشيخ البكري بإقامة
الحتفال بالمولد وأعطاه ثلثمائة ريال فرنسي ،وأمره بتعليق
الزينات ،بل وحضر الحفل بنفسه من أوله إلى آخره "...ويعلل
الجبرتي اهتمام الفرنسيين بالحتفال بالموالد عموما ً بما "رآه
الفرنسيون في هذه الموالد من الخروج عن الشرائع ،واجتماع
النساء ،وإتباع الشهوات ،والرقص ،وفعل المحرمات" أ.ه.
[حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الجلل والخلل ()155
المنتدى السلمي].
11ـ إننا لو نقبنا في بداية تاريخ هذه البدعة ومن هو أول من فعلها
فسنجد أنهم الفاطميون العبيديون ،وهم من الباطنيين ،وقد
حكموا مصر وكان بدء حكمهم في مصر في القرن الرابع
الهجري ،وقد ذكر تقي الدين أحمد بن علي المقريزي في كتابة
"المواعظ والعتبار بذكر الخطط والثار" ( )1/490أنه كان
للفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم ،فذكرها وهي كثيرة
جداً ،ومنها مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ومولد علي
وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم ،ومولد الخليفة
الحاضر ،وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث سنة (
567هـ) وهي السنة التي انتهت فيها دولتهم بموت آخرهم العاضد،
قال" :ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات ،وكثر أهل الفساد،
ل عندهم الصالحون من العلماء والعباد[ ."..الرد على وق ّ
1116
الرفاعي والبوطي ،للعباد (82ـ .)83وكتاب القول الفصل في حكم
الحتفال بمولد خير الرسل2/451( ،ـ .])452
وقال العلمة الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي مفتي الديار
المصرية سابقا ً في كتابة "أحسن الكلم فيما يتعلق بالسنة
والبدعة من الحكام" (44ـ " : )45مما حدث وكثر السؤال عنه
الموالد فنقول :إن أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون،
وأولهم المعز لدين الله توجه من المغرب إلى مصر في شوال
سنة (361هـ) ،فوصل إلى ثغر السكندرية في شعبان سنة (362هـ)
ودخل القاهرة لسبع خلون من شهر رمضان فابتدعوا ستة موالد
النبوي ،ومولد أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب[ ."...القول
الفصل ،إسماعيل النصاري (2/457ـ .])458
وبعض أهل العلم ذكر أن أول من احتفل بذكرى مولده صلى الله
عليه وسلم هو الملك المظفر "أبو سعيد كوكبوري" ملك إربل
في آخر القرن السادس أو أول القرن السابع الهجري ،وقد قال
ابن كثير في البداية والنهاية ( )137 /13عن هذا الملك وهو أبو
سعيد كوكبوري" :كان يعمل المولد الشريف في ربيع الول
ويحتفل به احتفال ً هائلً[ ..إلى أن قال ]:قال السبط :حكى بعض
من حضر سماط المظفر في بعض الموالد أنه كان يمد في ذلك
السماط خمسة آلف رأس مشوي ،وعشرة آلف دجاجة ،ومائة
آلف زبدية ،وثلثين ألف صحن حلوى[ ..إلى أن قال ]:ويعمل
الصوفية سماعا ً من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم" أ.ه
[حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الجلل والخلل (.])140
ويمكن الجمع بين قول من قال إن الحتفال بالمولد النبوي أول
من فعله الرافضة بنو عبيد القداح في القرن الرابع ،وبين قول
من قال أول من فعله هو ملك إربل في القرن السابع ،أن يقال:
أن أول من فعله بنو عبيد القداح في مصر ثم سرت هذه البدعة
إلى الشام والعراق في القرن السابع الهجري.
وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية عن الدولة الفاطمية (
" :)11/346هم كفار ،فساق ،فجار ملحدون ،زنادقة ،معطلون
السلم جاحدون ولمذهب المجوسية معتقدون" ا.ه[ .مجموعة
الرسائل والتوجيهات ،محمد جميل زينو (.])1/199
وقال ياقوت في معجمه ( )1/138عن الملك المظفر صاحب إربل
وقد كان من معاصريه" :طباع هذا المير متضادة ،فإنه كثير
الظلم ،عسوف بالرعية ،راغب في أخذ الموال من غير وجهها"
ا.ه
إذا ًَ علمنا علم اليقين أيها القارئ الكريم والقارئة الكريمة أن هذه
البدعة تسربت للمسلمين من الكفار العبيديين ومن ملك إربل
1117
الظالم المتعسف المبتدع ،فهل يجوز لنا أن نأخذ ديننا من مثل
هؤلء المبتدعة؟
12ـ ومن المور التي تجعلنا نقول إن الحتفال بذكرى المولد
بدعة ،أن إحياء بدعة المولد يفتح الباب للبدع الخرى والشتغال
بها عن السنن ،ولهذا تجد المبتدعة ينشطون في إحياء البدع
ويتكاسلون عن السنن ويبغضونها ويعادون أهلها[ .حقوق النبي
صلى الله عليه وسلم بين الجلل والخلل (.])142
والبدعة أحب إلى إبليس من مائة معصية؛ لنها تجر النسان إلى
الشرك بالله وقد ل يعلم ذلك ،ولن صاحبها يعتقد أنه على
صواب ويجادل عن جواز بدعته ،أما صاحب المعصية يعلم أن
المعصية غير جائزة وقد يتوب منها ويستغفر الله عز وجل.
13ـ يُلَزم أصحاب بدعة المولد النبوي أن يفعلوا ذكرى لوفاته
صلى الله عليه وسلم وذكرى ليوم بعثته في نشر دين السلم
وهلم جراً ،ثم أن محمدا ً صلى الله عليه وسلم توفي في شهر
ربيع الول "فلي سبب يفرحون ـ أي أصحاب البدعة ـ بميلده،
ول يحزنون بموته لول قسوة القلب" ،وعلى هذا اللزام يكون
في كل يوم ذكرى مولد أو وفاة لكل نبي وصالح وضاع ديننا
بالموالد والذكريات.
المبحث الثاني :ذكر أقوال لهل العلم في إنكار هذه البدعة:
1ـ قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه المام مسلم
في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه" :وشر المور
محدثاتها ،وكل بدعة ضللة" وفي رواية النسائي "وكل ضللة في
النار".
2ـ قال شيخ السلم ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (
" :)2/123وكذلك ما يحدثه بعض الناس ،إما مضاهاة للنصارى في
ميلد عيسى عليه السلم ،وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم
وتعظيماً ..من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً .مع
اختلف الناس في مولده فإن هذا لم يفعله السلف ،مع قيام
المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيراً ،ولو كان هذا خيراً
محضاة أو راجحا ً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا،
فإنهم كانوا أشد محبة للرسول صلى الله عليه وسلم ،وتعظيم له
منا ،وهم على الخير أحرص."...
وتأمل رعاك الله ما قاله "مع اختلف الناس في مولده"؛ لن
بعض أهل العلم قال :ولد صلى الله عليه وسلم في يوم التاسع
من ربيع الول ،وبعضهم قال ولد في يوم الثاني عشر .ولذا يلزم
من يفعل هذه البدعة أن يحتفل كل يوم قيل إنه ولد فيه محمد
1118
صلى الله عليه وسلم حتى ينال ما يريده من موافقة اليوم الذي
ولد فيه صلى الله عليه وسلم.
3ـ وقد ألف الفاكهاني رسالة "المورد في عمل المولد" وأنكر
هذه البدعة وقال" :ل أعلم لهذا المولد أصل ً في كتاب ول سنة،
ول ينقل عمله عن أحد من علماء المة ،الذين هم القدوة في
الدين ،المتمسكون بآثار المتقدمين ،بل هو بدعة ،أحدثها
البطالون ،وشهوة نفس اغتنى بها الكالون" إلى آخر ما قال
رحمه الله (8 /1ـ )9من كتاب "رسائل في حكم الحتفال بالمولد
النبوي" ،تحت إشراف رئاسة إدارة البحوث العلمية والفتاء.
4ـ وألف الشيخ إسماعيل النصاري رسالة ضخمة بما يقارب ()600
صفحة وذكر أن الحتفال بالمولد بدعة ،ورد ّ على معظم الشبه
التي يثيرها أدعياء هذه البدعة في رسالته "القول الفصل في
حكم الحتفال بمولد خير الرسل".
5ـ وممن أنكر هذه البدعة المام الشاطبي في كتابه "العتصام".
6ـ والشيخ محمد بشير السهسواني الهندي في كتابه "صيانة
النسان".
7ـ والشيخ ابن باز ،ومحمد ابن إبراهيم وجمع من العلماء
المتقدمين والمتأخرين ـ رحمة الله عليهم أجمعين ـ.
المبحث الثالث :شبهــــات وردود:
يستند بعض مقيمي مثل هذا المولد إلى شبهات يتعلقون بها
ويجوزون بها فعل بدعتهم ،ولذا فل بد من عرض شيء منها مع
أنها أوهى من بيت العنكبوت ،وسأذكر أهم الشبه التي يتعلق بها
هؤلء وأناقشها ،خاصة أن بعض من ينتسب إلى العلم ويقيم مثل
هذه الموالد يلبّس على العوام بهذه الشبه ـ فل حول ول قوة إل
بالله ـ.
كيف ،ل أدري ،لماذا؟ ربمـا *** أنني يوما ً عرفت السببـا
عالِم يدعو بدعـوى جاهـل *** وليوث الحرب ترجو الرنبا
الشبهة الولى :أن إقامة مثل هذا المولد من قبيل البدعة
الحسنة الجائزة في دين السلم.
ويجاب عن هذه الشبة بأن يقال :ليس في دين السلم بدعة
تسمى بدعة حسنة ،فإنه صلى الله عليه وسلم كما في الحديث
الذي مّر بنا مرارا ً يقول" :وكل محدثة بدعة ،وكل بدعة ضللة"،
وزاد النسائي "وكل ضللة في النار".
وقد ذكر الشاطبي في كتابه "العتصام" ( )1/28أن "ابن
الماجشون" قال :سمعت مالكا ً يقول" :من ابتدع في السلم
بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا ً خان الرسالة؛ لن الله
1119
يقول {اليوم أكملت لكم دينكم} فما لم يكن يومئذ دينا ً فل يكون
اليوم ديناً".
ثم إنه صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث المتفق عليه:
"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وفي لفظ مسلم
"من عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رد".
فهل عمل بدعة الحتفال بالمولد النبوي من دين السلم الذي
ذكره الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم لنا ،وهل فعل هذه
البدعة كان عليه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم.
وذكر المام ابن بطة في كتاب "البانة" ( )1/339عن نافع عن ابن
عمر رضي الله عنهما قوله" :كل بدعة ضللة وإن رآها الناس
حسنة" وذكره محمد بن نصر المروزي في كتاب السنة بسند
صحيح.
ً
ورحمة الله على المام مالك الذي كان كثيرا ما ينشد:
وخير أمور الدين ما كان سنة *** وشر المور المحدثات البــدع
ذكره الشاطبي في كتابه "العتصام" (.)1/115
الشبهة الثانية :يستند بعضهم إلى ما ورد عن ابن مسعود رضي
الله عنه أن قال" :ما رآه المسلمون حسنا ً فهو عند الله حسن،
وما رآه المسلمون قبيحا ً فهو عند الله قبيح" ،ثم يقولون وكثير
من المسلمين يستحسن فعل الحتفال بذكرى مولد محمد صلى
الله عليه وسلم.
والجواب عن ذلك:
1ـ أن هذا الكلم المنسوب لبن مسعود رضي الله عنه إنما أراد
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولم يرد كل من هب
ودب من المسلمين والمنتسبين إلى السلم ،وكلمه صريح في
ذلك ،وهذا لفظه عند المام أحمد رحمه الله تعالى" :إن الله نظر
في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير
قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ،ثم نظر في قلوب
العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد
فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه ،فما رأى المسلمون حسناً
فهو عند الله حسن ،وما رأوا سيئا ً فهو عند الله سيئ".
وهذا مثل ما رآه الصحابة حسن من العلم بالتاريخ والبتداء به
بالهجرة ،ومثل وضع ديوان العطاء زمن عمر بن الخطاب ،ومثل
جمع المصحف في عهد أبي بكر ،وأما ما رأوه سيئا ً مثل التحلق
والجتماع على عد التسبيح والتحميد والتكبير ،وقد أنكر ذلك ابن
مسعود وأبي موسى الشعري ،ومثل إنكار الصحابة لبدعة
الخوارج ،ومثل إنكار علي رضي الله عنه على الرافضة في
1120
غلوهم فيه وإنكار الصحابة معه[ .الرد القوي على الرفاعي
والمجهول وابن علوي لحمود التويجري (163ـ )166بتصرف].
2ـ أن يقال إن أهل السلم يستقبحون البدع ويعتبرونها ضللة،
ومن ضمنها بدعة المولد النبوي.
3ـ أن هذا الكلم الوارد عن ابن مسعود المراد به ما أجمع عليه
المسلمون ورأوه حسنا ً ل ما رآه بعضهم واستحسنه وقد ذكر هذا
الجواب أربعة من أئمة العلم ،وهم ابن القيم والشاطبي وابن
قدامة وابن حزم[ .القول الفصل ،النصاري (.])2/591
ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتبهم أو إلى المرجع السابق
ذكره فقد ذكر الشيخ إسماعيل جميع أقوالهم.
الشبهة الثالثة :أن الحتفال بالمولد يفعله الكثير من الناس بل
يراه بعض المشايخ ،ولو كان منكرا ً ما فعله هؤلء.
والجواب عن هذه الشبهة:
1ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" :ل تجتمع أمتي
على ضللة" ،رواه أهل السنن إل النسائي وهو حسن لغيره.
(سلسلة الحاديث الصحيحة ،رقم .)1331
2ـ ذكر العلمة محمد ابن إبراهيم ـ رحمه الله ـ عن المام
الشاطبي في كتاب "العتصام" أنه قال نقل ً عن بعض مشايخه:
"إن الحتجاج على تحسين البدع بهذه الدعوى ليس بشيء في
أمر تركته القرون الثلثة المقتدى بهم" ،ثم قال المام الشاطبي
ـ رحمه الله ـ "ولما كانت البدع والمخالفات وتواطأ الناس عليها
صار الجاهل يقول" :ولو كان هذا منكرا ً لما فعله الناس" ،ثم قال
ما ذكره ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم" :من اعتقد أن
أكثر هذه العادات المخالفة للسنن مجمع عليها بناء على أن المة
أقرتها ولم تنكرها فهو مخطئ في هذا العتقاد ،فإنه لم يزل ول
يزال في كل وقت من ينهى عن عامة العادات المستحدثة
المخالفة للسنة[ ."..رسائل في حكم الحتفال بالمولد ،رسالة
الشيخ محمد ابن إبراهيم].
3ـ أن فعل الكثير من الناس لي شيء ل يدل على أنه حق بل إن
الله ذم الكثرة في القرآن فقال {وإن تطع أكثر من في الرض
يضلوك عن سبيل الله} [النعام ،]116 :وقال {وما أكثر الناس
ولو حرصت بمؤمنين} [يوسف ،]103 :وقال {وإن كثيرا ً ليضلون
بأهوائهم بغير علم} [النعام ،]119 :وقال تعالى {وإن كثيرا ً من
الخلفاء ليبغي بعضهم على بعض إل الذين آمنوا أو قليل ما هم}
[ص.]24 :
4ـ ويرد على من قال إن بعض المشايخ يقول بجوازه بل يفعله،
بأن رسول الهدى يقول" :وكل بدعة ضللة ،وكل ضللة في
1121
النار" ،ووالله إن قول رسول الله أحب إلينا من قول أمة كلها،
وقد قال أبو بكر بن أبي داود:
ودع عنك آراء الرجال وقولهم *** فقول رسول الله أزكى
وأشرح
ويقال لمن استدل بقول شيوخه ،أيهما أحب إليك قول رسول
الهدى صلى الله عليه وسلم أم قول مشايخك؟ فإن قال بل قوله
ي ،فيقال له :إن الله عز وجل يقول ب إل ّعليه الصلة والسلم أح ُّ
{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم
ذنوبكم} ،وقد ذكر ابن تيمية في كتاب العبودية قول الحسن
البصري" :ادعى قوم محبة الله ورسوله فأنزل الله عليهم آية
الممتحنة {قل إن كنتم تحبون الله ،}..فامتحنهم الله بهذه الية.
وقد قال المام الشافعي" :أجمع المسلمون على أن من
استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن
يدعها لقول أحد من الناس[ .الرسالة (.])104
إن قال إن قول شيخي أحب إلي من قول رسول الهدى صلى
الله عليه وسلم ،فإني أبشره بآية عظيمة {ومن يشاقق الرسول
من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى
ونصله جهنم وساءت مصيراً}[ .النساء.]115 :
وقد قال ابن تيمية" :ومن نصب شخصا ً كائنا ً من كان فوالى
وعادى على موافقته في القول والفعل فهو من الذين فرقوا
بدينهم وكانوا شيعاً"[ .الفتاوى (2/239ـ .])240
الشبهة الرابعة :دعوى بعضهم أن من لم يحتفل بمولده صلى
الله عليه وسلم فإنه يكره الرسول صلى الله عليه وسلم ول
يحبه ول يعظمه.
والجواب عن هذه الشبهة أن يقال:
1ـ بل إنكم أنتم يا من تدعون محبة الرسول صلى الله عليه
وسلم ل تعظموه ول توقروا شرعه ،والدليل على ذلك أنكم ل
تقرؤون في الشمائل المحمدية ول تكثرون الصلة عليه ول
تتذكرونه إل في هذا اليوم المبتدع.
2ـ ويقال كذلك أنتم الذين تنقصتم محمدا ً صلى الله عليه وسلم،
ورميتموه بالتقصير فقد قال صلى الله عليه وسلم" :ما بعث الله
من نبي إل كان حقا ً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم
وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم" (أخرجه مسلم من حديث عبد
الله بن عمرو بن العاص ( )1844في كتاب المارة).
وقد نهانا محمد صلى الله عليه وسلم وحذرنا عن البدع كلها،
فقال" :وكل بدعة ضللة".
1122
قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان" (" :)1/102وكما أنك ل تجد
مبتدعا ً إل وهو متنقص للرسول صلى الله عليه وسلم ،وإن زعم
أنه معظم له بتلك البدعة فإن يزعم أنها خير من السنة وأولى
بالصواب ،أو يزعم أنها هي السنة إن كان جاهل ً مقلداً ،وإن كان
مستبصرا ً في بدعته فهو مشاق لله ورسوله".
وإني أبشر السني بكلم عظيم لبن القيم قاله كذلك في إغاثة
اللفهان (" )1/111وهذا المبتدع إنما ينقم على السني تجريده
متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه لم يشبها بآراء الرجال
ول بشيء مما خالفها .فصبر الموحد المتبع للرسل على ما ينقمه
عليه أهل الشرك والبدعة خير له وأنفع ،وأسهل عليه من صده
على ما ينقمه الله ورسوله عليه من موافقة أهل الشرك
والبدعة.
إذا لم يكن بد من الصبــر ،فاصطبر *** على الحق ،ذاك الصبر
تحمد عقباه
وأختم بما ذكره أبو داود في سننه عن حذيفة رضي الله عنه
قال " :كل عبادة ل يتعبدها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
فل تعبدوها ،فإن الول لم يترك للخر مقال".
وقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه ( )20750واللفظ له ،وأخرجه
كذلك أبو داود ( )4611من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه
قال" :فيوشك قائل أن يقول :ما هم بمتبعي فيتبعوني وقد قرأت
القرآن؟! ثم يقول :ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره! فإياكم
وما ابتدع ،فإن ما ابتدع ضللة."..
هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أهل بيته الطيبين
الطاهرين.
-------------------
.3هل أنت تحب النبي صلى الله عليه وسلم؟!
ففي الصحيحين عن أنس رض الله عنه قال جاء رجل إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله متى الساعة
قال(:وماذا أعدت لها) ,قال :ما أعدت لها كثير عمل إل أنني
أحب الله ورسوله قال النبي صلى الله عليه وسلم( ,المرء مع
من أحب) .يقول أنس فما فرحنا بشي كفرحنا بقول النبي صلى
الله عليه وسلم(:المرء مع من أحب) ,ثم قال :وأنا أحب رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجوا الله أن أحشر
معهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم.
ولكن السؤال :هل أنت تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
حقا فتنعم بهذه الكلمة(المرء مع من أحب) أم ل؟
1123
قبل التسرع في الجابة ينبغي أن تسأل عن علمات المحبة .ما
ي حتى أكون محب للنبي هي العلمات التي تنبغي أن تكون ف ّ
صلى الله عليه وسلم حقا ل إدعاءً؟
الجواب :أن هذه العلمات كثيرة ولكن سأذكر بعضها؛ ولكن قبل
أن أذكرها ينبغي أن تعلم أن هذه العلمات ليست لحكم عليك أو
ي وإنما ليحكم كل منا على نفسه ويطالب بها لتحكم أنت عل ّ
نفسه؛ فكلنا يدعي حب النبي صلى الله عليه وسلم ولكن من
الصادق منا ومن الكاذب؟ نسأل الله أن نكون من الصادقين.
العلمة الولى -:طاعته فيما أمر والنتهاء عما نهى عنه وزجر
قال تعالى(:قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر
لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) وفى البخاري عن ابي هريرة
رضي الله عنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال(:كل أمتي يدخلون الجنة إل من أبى قالوا ومن يأبى يا
رسول الله قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى),
فعلمة المحبة أن تطيع أمره وتجتنب نهيه.
تعصى الله وأنت تزعم حـبــه *** هذا لعمري فى القياس شنيع
لو كنت صادقا في حبه لطعته *** إن المــحب لمن يحـب
مطيـع
وها أنا أذكر لك بعض الوامر لتطالب نفسك أيها المحب لله
ورسوله بفعل هذه الوامر التي أمرك بها الله عز وجل وأمرك
بها النبي صلى الله عليه وسلم:
-أمرك حبيبك بأن تغض بصرك فل تنظر إلى المتبرجات ول إلى
المسلسلت والفلم فهل نفذت ما أمرك به حبيبك أيها المحب؟
-أمرك أيتها المحبة بالحجاب فهل ارتديته؟
-أمرنا نترك الغيبة والنميمة فهل تركتها؟
-أمرنا ببر الوالدين وصله الرحم والحسان إلى الجار.
-أمرنا أمرا ً مهما ً وهو صلة الفجر فهل تؤديها في وقتها أيها
المحب وأنت أيتها المحبة
العلمة الثانية الغيرة -:
إن أي محب يغار على محبوبه وله؛ فينبغي أيها المحب لله
ولرسوله صلى الله عليه وسلم أن تغار إذا انتهكت حرمات الله.
انظر إلى اليهود حين استولوا على القدس في عام 1967عبروا
عن فرحهم وخرجوا في مظاهرات عارمة وصاحوا قائلين(محمد
مات مات خلف بنات) إن هذه الكلمات ينبغي أن تفجر في قلب
كل محب لهذا الرسول المين صلى الله عليه وسلم نار الغيرة
عليه وله ليقوم ويصرخ ويقول لهؤلء الكلب – اليهود -محمد لم
1124
يمت ولم يخلف بنات ،بل خلف وراءه رجال ً يحملون هَم هذا
الدين ويضحون من أجله بالغالي والنفيس.
ولكن مجرد صرختك لن تصل إلى هؤلء الكلب – اليهود – وإنما
يصل إليهم فعلك.
وينبغي أن يسألني كل من احترق قلبه وثارت فيه الغيرة ماذا
ي؟
أصنع وماذا عل ّ
وأجيبك :إنهما أمران:
الول :إصلح نفسك فإنه بصلحك يفسد على هؤلء كثيرا ً من
خططهم التي يخططونها لفساد شباب المسلمين فلقد قال
شيطانهم الكبر صموئيل زويمر رئيس جمعيات التبشير في
مؤتمر القدس للمبشرين عام (1935إن مهمة التبشير التي ندبتكم
الدولة المسيحية للقيام بها في البلد المحمدية ليست هي إدخال
المسلمين في المسيحية فإن هذا هداية لهم وتكريم!! إن
مهمتكم أن تخرجوا المسلم من السلم ليصبح مخلوقا ً ل صلة له
بالله )--فأرجوا من الله أن تعي هذه الكلمات وأن تخيب آمالهم،
وأرجوا أن تحافظ على الصلة في المسجد وبالذات صلة الفجر
وأنقل كلم ذلك اليهودي وهو يقول( :لن تستطيعوا أن تغلبوننا
حتى يكون عدد المصلين في صلة الفجر كعددهم في صلة
الجمعة) فأنت واحد من هذا العدد.
ك أيتها المحبة أن ترتدي الخمار فإنه يقذف في قلوب وأرجوا من ِ
العداء الخوف وفوق ذلك فإنه يرضي ربك وهذه هي الغاية
الثاني :إصلح غيرك –أصحابك – إخواتك – جيرانك – أهلك..
وكيف ذلك؟ أريد أن أبذل ول أدرى ماذا أفعل؟ أذكر لك بعض
الوسائل الدعوية تفعلها مع كلمك لهم ونصحك إياهم:
-1توزيع الشرائط السلمية :ولو أن تخصص من مالك كل شهر
ثمن شريط واحد تهديه لحد الناس وقل له إن سمعته فأهديه
لغيرك وهكذا.
-2توزيع الكتيبات السلمية .كتيب واحد كل شهر على القل.
-3تعليق بعض الورقات على باب العمارة التي تسكن فيها تتكلم
عن حرمه ترك الصلة أو حرمة التبرج أو عن حق النبي صلى
الله عليه وسلم على أمته أو..
-4عمل لقاء أسبوعي مع أهل بيتك أو مع أصدقائك تسمعوا فيه
شريطا ً أو تقرأوا فيه القران أو..
-5نشر هذه الورقة وأمثالها.
-6أن تقوم بالليل لتدعوا لهذه المة أن يحفظها الله وأن يحفظ
لنا مشايخنا وعلماءنا.
1125
-7دعوة الخرين لمجالس العلم في المساجد وعلى شبكة
النترنت.
-8أن تدعوا لمن تدعوه وتنصحه أن يهديه الله.
-9وأخيرا ً هل جلست مع أمك أو أباك تكلمهم في أمر الدين!!
هم يقولون فماذا تقول أنت
يقول روبرت ماكس أحد أعمدة التنصير(لن يتوقف سعينا نحو
تنصير المسلمين حتى يرتفع الصليب في مكة ويقام قداس الحد
في المدينة) فماذا تقول أنت!؟
العلمة الثالثة مطالعة أخباره ودراسة سيرته في كل وقت
فإن من يحب أحد يريد أن يعرف عنه كل شيء فماذا تعرف أنت
عن حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم ,من أجمل الكتب في
السيرة :الرحيق المختوم – وقفات تربوية في السيرة النبوية.
هناك علمات أخرى ولكن ل يتسع المقام لذكره
-------------------
.4هل احتفلوا؟!
الشيخ أحمد عبد العزيز الحمدان
سؤال يطرح نفسه كلما أقبل على المسلمين شهر ربيع الول ،
وهو :هل احتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمولد وهل
احتفل صحابته رضوان الله عليهم ،وهل احتفل سلف هذه المة
الصالح رحمهم الله تعالى ؟ كما يفعله كثير من النَّاس في هذه
الزمنة ،أم أنَّهم تركوا الحتفال ؟ نترك للعلماء الجواب عن ذلك
:
قال العلمة عمر بن علي السكندري المالكي ،المشهور
بالفاكهاني -رحمه الله تعالى " : -ل أعلم لهذا المولد أصل ً في
مة ،الذين كتاب ول سنة ،ول يُنقل عملُه عن أحد من علماء ال َّ
َ
هم القدوة في الدين … بل هو بدعة أحدثها البط ّالون " .وأقَّره
الشيخ العدوي المالكي -في حاشيته على مختصر سيدي خليل
مد عليش المالكي -رحمهما الله -في (فتح العلي -والشيخ مح َّ
المالك في الفتوى على مذهب المام مالك) .
ج المالكي -رحمه الله تعالى ،في (المدخل) وقال العلمة ابن الحا ّ
عن المولد إذا خل من جميع المنكرات" :-فإن خل من ك ِّ
ل ما
ن ذلك زيادة في الدين ، تقدم ،فهو بدعة بنفس نيته فقط ،إذ إ َّ
وليس من عمل السلف الماضين … ولم يُنقل عن أحد منهم أنَّه
نوى المولد ،ونحن لهم تبع ،فيسعنا ما وسعهم".
وقال الحافظ ابن حجر الشافعي -رحمه الله تعالى" :-أصل
عمل المولد بدعة ،لم تُنقل عن أحد من السلف الصالح من
القرون الثلثة".
1126
وقال الحافظ السخاوي الشافعي -رحمه الله تعالى" :-عمل
المولد لم يُنقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلثة
الفاضلة ،وإنَّما حدث بَعْدُ".
وقال الشيخ نصير الدين المبارك ،الشهير بابن الطبَّاخ -رحمه
الله تعالى" :-ليس هذا من السنن".
وقال الشيخ ظهير الدين جعفر التزمنتي -رحمه الله تعالى " : -
هذا الفعل لم يقع في الصدر الول من السلف الصالح ،مع
ة ل يبلغ تعظيمهم وحب ِّهم له صلى الله عليه وسلم ،إعظاما ً ومحب َّ ً
جمعنا الواحد منهم ،ول ذرة منه " .
قال إمام دار الهجرة ،مالك بن أنس -رحمه الله تعالى " : -من
نمة شيئا ً لم يكن عليه سلفها فقد زعم أ َّ أحدث في هذه ال َّ
ن الله يقول ] رسول الله صلى الله عليه وسلم خان الرسالة ،ل َّ
اليوم أكملت لكم دينكم [ فما لم يكن يومئذ دينا ً فل يكون اليوم
دينا ً " .
وإن من أعظم المور -بعد ما ذكرناه -مما يدل على ما ذكر
العلماء -رحمهم الله تعالى -أن مولد رسول الله صلى الله عليه
ف
وسلم غير متفق عليه بين العلماء ،إذ الخلف فيه كبير ،خل ٌ
في سنة ولدته صلى الله عليه وسلم ،وخلف في شهر ولدته
صلى الله عليه وسلم ،وخلف في تاريخ ولدته صلى الله عليه
وسلم ،وخلف في يوم ولدته .
متى ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإليكم ما قاله الصحابة رضوان الله عليهم ،والتابعون لهم ،
وعلماء الحديث من بعدهم ،وأهل التاريخ والسير .
ن ولدته أول ً :سنة ولدته صلى الله عليه وسلم :الكثرون على أ َّ
صلى الله عليه وسلم كانت عام الفيل ،وهو قول ابن عباس
رضي الله عنهما ؛ قيل :بعد حادثة الفيل بخمسين يوما ً ،وهو
قول السهيلي المالكي ؛ وقيل :بخمس وخمسين يوما ً ،حكاه
الحافظ الدمياطي الشافعي ؛ وقيل :بشهر ؛ وقيل :بأربعين
يوما ً ،حكاهما مغلطاي الحنفي وابن سيد النَّاس الشافعي ؛ وقال
المام الزهري :بعد الفيل بعشر سنين ؛ وقيل :قبل الفيل
بخمس عشرة سنة ؛ وقيل :غيره .
ثانيا ً :شهر ولدته صلى الله عليه وسلم :قيل :في شهر صفر؛
وقيل :في ربيع الخر ،حكاهما مغلطاي الحنفي ؛ وقيل :في
رجب ؛ وقيل :في رمضان ،حكاه اليعمري الشافعي ومغلطاي
الحنفي ،وهو مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما ،وهو موافق
مه حملت به في أيام التشريق ؛ وأغرب من قال لمن قال :إ َّ
ن أ َّ
:إنَّه ولد في أيام التشريق .
1127
ثالثا ً :يوم ولدته صلى الله عليه وسلم :قيل :غير معين ؛ وقيل
:في ربيع الول ،من غير تعيين اليوم ،نقله الحافظ القسطلني
الشافعي في (المواهب اللدنية) ؛ وقيل :يوم الثنين ،والجمهور
على هذا ؛ وقيل :لليلتين مضتا من ربيع الول ،قاله ابن عبد البر
المالكي ،ورواه الواقدي :عن أبي معشر نجيح المدني ؛ وقيل :
لثمان ليال مضين منه ُ ،روي ذلك عن ابن عبَّاس وجبير بن
مطعم رضي الله عنهم ،واختاره ابن حزم ،ونقل ابن عبد البر
مد الخوارزمي ، تصحيح أهل التأريخ له ،وقطع به الحافظ مح ّ
ورجحه الحافظ ابن دِحـية الكلبي الظاهري ،وقال :هو الذي ل
يصح غيره ،وعليه أجمع أهل التأريخ ؛ وقال القطب القسطلني
:هو اختيار أكثر أهل الحديث ،وهو اختيار أكثر من له معرفة
بهذا الشأن ؛ وحكى القضاعي إجماع أهل الزِيْج ( الميقات ) عليه
؛ وقيل :لتسع خلون منه ،وهذا ما ذهب إليه الباشا الفلكي
المصري ،وله رسالة علمية في هذا ،درس فيها الموضوع
دراسة فلكية ؛ ورجحه الشيخ علي الطنطاوي ،وأثنى على
رسالته ؛ وقيل :لعشر مضين منه ،وهو قول الشعبي ،ومحمد
الباقر ،وصححه الحافظ الدمياطي الشافعي ؛ وقيل :لثنتي
عشرة مضت منه ،وهو قول ابن إسحاق ؛ وقيل :لسبع عشرة
مضت منه ،نقله ابن دِحية عن بعض الشيعة ؛ وقيل :لثمان
عشرة مضين منه ؛ وقيل :لثمان بقين منه ،رواه أبو رافع عن
أبيه محمد بن حزم الظاهري .
رابعا ً :وقت ولدته صلى الله عليه وسلم :قيل :ولد رسول الله
صلى الله عليه وسلم نهارا ً ؛ وقيل :عند طلوع الفجر ؛ وقيل :
عند طلوع أنجم الغفر ؛ وقيل :ولد ليل ً ،رواه الحاكم عن أ ّ
م
ن الصحابة رضوان الله عليهم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .إ َّ
ن ضبط تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم لو لو كانوا يرون أ َّ
أهمية ما لما أهملوا ذلك ،ولما اختلفت أقوالهم فيه ،ولوجدناهم
يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ،مع أنَّهم
كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل صغيرة
وكبيرة من أمر الدين ،فلما لم يسألوه ،تبين أن ذلك من المور
التي لم يعيروها أي اهتمام ،ولم يكونوا يرون أنَّها حقيقة
بالسؤال !
أخي الكريم ،علم يدل اهتمام الصحابة رضي الله عنهم بضبط
تاريخ مولد سيد المرسلين رسول الله محمد بن عبدالله صلى
الله عليه وسلم؟
هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين
1128
-------------------
12 .5وقفة ..مع المحتفلين بيوم 12ربيع الول
حسن الحسيني
الحمد لله رب العالمين ،والصلة والسلم على أشرف الخلق
أجمعين ،أما بعد :فهذه وقفات مع المحتفلين بميلد خير البشر
صلى الله عليه وآله وسلم ،أسأل الله أن ينفع بها :
الوقفة الولى
لقد أمر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم باتباع الشريعة الربانية ،
وعدم اتباع الهوى ،قال تعالى( :ثم جعلناك على شريعة من
المر فاتبعها ول تتبع أهواء الذين ل يعلمون) ،فالعبادات كلها
توقيفيّة ،بمعنى أنه ل مجال للرأي فيها ،بل ل بد أن يكون
المشّرع لها هو الله سبحانه وتعالى ،ولذلك أمر الله نبيّه في
ي ) ،وقد
أكثر من موضع باتباع الوحي ( :إن اتبع إل ما يوحى إل ّ
ة على التباع ل البتداع . ن :العبادات مبني ٌ
قّرر العلماء أ ّ
الوقفة الثانية
ن الله تعالى على عباده ببعثة الّرسول صلى الله عليه لقد امت ّ
ْ َ َ ّ م َّ َ
ن مؤ ْ ِ
منِي َ ه ع َلى ال ُ ن الل ُ وسلم وليس بميلده ،قال تعالى ( :لقَد ْ َ
ث فيهم رسول ً م َ
م آيَاتِهِ وَيَُزكِّيهِ ْ
م م يَتْلُو ع َلَيْهِ ْ
سهِ ْن أنْفُ ِ ِ ْ إِذ ْ بَعَ َ ِ ِ ْ َ ُ
ن) مبِي ٍل ُ ضل ٍ ل لَفِي َ ن قَب ْ ُم ْ ن كَانُوا ِة وَإ ِ ْم َ ب وَال ْ ِ
حك ْ َ م الْكِتَا َ وَيُعَل ِّ ُ
مهُ ُ
(آل عمران. )164:
الوقفة الثالثة
السلف الصالح لم يكونوا يزيدون من العمال في يوم ولدة
النبي صلى الله عليه وسلم على سائر اليام ،ولو فعلوا لنقل
ما واتباع ًا . إلينا ! ول يخفى لنهم أشد ّ الناس حبًّا وتعظي ً
ن
قال العلمة /أبي عبد الله محمد الحفار المالكي ( :أل ترى أ ّ
يوم الجمعة خير يوم ٍ طلعت عليه الشمس ،وأفضل ما يفعل في
اليوم الفاضل صومه ،وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن
ل هذا على أنه ل تحدث صوم يوم الجمعة مع عظيم فضله ،فد ّ
عبادة في زمان ول في مكان إل إذا شرعت ،وما لم يشرع ل
يفعل ،إذ ل يأتي آخر هذه المة بأهدى مما أتى به أولها ...
والخير كله في اتّباع السلف الصالح ) المعيار المعرب . 99 / 7
الوقفة الرابعة
انظر إلى فقه الفاروق عمر بن الخطاب حين أَّرخ بهجرة
المصطفى صلى الله عليه وسلم رمز انتصار دينه ،ولم يؤّرخ
بمولده ووفاته ،أتدري لماذا ؟ تقديما ً للحقائق والمعاني على
الطقوس والشكال والمباني !!
1129
الوقفة الخامسة
إن أوّل من أحدث بدعة المولد :الخلفاء الفاطميون بالقرن
الرابع للهجرة بالقاهرة ،فقد ابتدعوا ستة موالد :المولد النبوي،
ومولد المام علي وفاطمة والحسن والحسين ،ومولد الخليفة
الحاضر ،وبقيت هذه الموالد على رسومها إلى أن أبطلها
الفضل ابن أمير الجيوش ،ثم أعيدت في خلفة الحاكم بأمر الله
سنة 524هـ بعد ما كاد الناس ينسونها .
فعلى هذا لم تعرف المة هذا المولد قبل هذه الدولة ،فهل هي
ل للقتداء بها ؟ والغريب أنّه وصل بالبعض ،تفضيل ليلة أه ٌ
المولد النبوي على ليلة القدر !!
الوقفة السادسة
اختلف المؤرخون وأهل السير في الشهر الذي ولد فيه النبي
صلى الله عليه وسلم ،فقيل :ولد في شهر رمضان ،والجمهور
:على أنه ولد في ربيع الول ،ثم اختلف هؤلء في تحديد تاريخ
يوم مولده على أقوال :
فقيل :اليوم الثاني من ربيع الول قاله ابن عبد البّر ،وقيل :
اليوم الثامن ،صححه ابن حزم ،وهو اختيار أكثر أهل الحديث ،
جحه أبو الحسن الندوي ،وزاهد وقيل :اليوم التاسع ،وهذا ما ر ّ
الكوثري ،وقيل :اليوم العاشر ،اختاره الباقر ،وقيل :اليوم
ص عليه ابن إسحاق ،وقيل :السابع عشر من الثاني عشر ،ن ّ
ربيع الول ،وقيل :الثامن عشر من ربيع الول ...
ل على عدم حرص الصحابة على ل على شيء فهو يد ّ وهذا إن د ّ
نقل تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم إلينا ،فلو كان في ذلك
اليوم عبادة ،لكانت معلومة مشهورة ل يقع فيها خلف ،ولنقل
إلينا مولده على وجه الدقّة .
قال الشيخ القرضاوي ( :إذا نظرنا إلى هذا الموضوع من الناحية
ن الصحابة رضوان الله عليهم،لم يحتفلوا بذكرى التاريخية :نجد أ ّ
مولد النبي صلى الله عليه وسلم ،ول بذكرى إسرائه ومعراجه أو
هجرته ،بل الواقع أنهم لم يكونوا يبحثون عن تواريخ هذه الشياء
! فهم اختلفوا في يوم مولد النبي صلى الله عليه و سلم ،فإن
اشتهر أنه الثاني عشر من ربيع الول ،لكن البعض يقول :ل ،
الصح اليوم التاسع من ربيع الول وليس يوم الثاني عشر ،وذلك
لنه ل يترتب عليه عبادة أو عمل ،ليس هنالك قيام في تلك
ن الصحابةالليلة ول صيام في ذلك اليوم ،فلذلك المعروف أ ّ
والتابعين والقرون الولى وهي خير قرون هذه المة لم تحتفل
بهذه الذكريات ! بعد ذلك حدثت بعد عدة قرون بدأت هذه
الشياء . ) ..
1130
ة
ولمراعاة هذا الخلف ،كان صاحب إربل يحتفل بالمولد ،سن ً
في ثامن شهر ربيع الول ،وسنة في ثاني عشرة !!! ( انظر
ابن خلكان . ) 437 / 1
الوقفة السابعة
ن التاريخ الذي ولد فيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ،هو إ ّ
بعينه التاريخ الذي توفي فيه ! ( :يوم الثنين 12ربيع الول ) ،
فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه ،نبّه على ذلك غير واحد
من أهل العلم ،منهم ابن الحاج المالكي ،والمام الفاكهاني .
قال ابن الحاج المالكي ( :العجب العجيب :كيف يعملون المولد
بالمغاني والفرح والسرور كما تقدّم ،لجل مولده صلى الله
عليه وسلم كما تقدّم في هذا الشهر الكريم ؟ وهو صلى الله
عليه وسلم فيه انتقل إلى كرامة ربه عّز وجل ،وفجعت المة
ب عظيم ،ل يعدل ذلك غيرها من المصائب أبدًا ، وأصيبت بمصا ٍ
فعلى هذا كان يتعيّن البكاء والحزن الكثير ...فانظر في هذا
الشهر الكريم ـ والحالة هذه ـ كيف يلعبون فيه ويرقصون )
المدخل . 16 / 2
الوقفة الثامنة
ن انتشار الحتفال بالمولد النبوي بين المسلمين ، من الملحظ أ ّ
كان في البلد التي جاور فيها المسلمون النصارى ،كما في
الشام ومصر ..فالنصارى كانوا يحتفلون بعيد ميلد المسيح في
يوم مولده ،وميلد أفراد أسرته ،فكان ذلك سببًا في سرعة
انتشار تلك البدعة بين المسلمين تقليدًا للنصارى .
حتى قال الحافظ السخاوي مؤيدًا الحتفال بالمولد ( :وإذا كان
أهل الصليب اتّخذوا ليلة مولد نبيّهم عيدًا أكبر ،فأهل السلم
أولى بالتكريم وأجدر ) !! وقد تعقّبه المل علي القاري ( :قلت :
ما يرد ّ عليه أنّا مأمورون بمخالفة أهل الكتاب ) المورد الروي م ّ
في المولد النبوي . 29 /
الوقفة التاسعة
ن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ،ل تتحقّق بالحتفال إ ّ
بمولده ،وإنّما تتحقّق بالعمل بسنّته ،وتقديم قوله على كل قول
ن الرسول صلى الله عليه ،وعدم رد ّ شيء من أحاديثه ،ولنعلم أ ّ
ل بمولده ،إذ ًاوسلم وأصحابه قد وسعهم دين الله من غير احتفا ٍ
فليسعنا ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
والفرح بمحمد ٍ صلى الله عليه وسلم ،ل يمكن أن يقتصر على
يوم ٍ واحد ٍ ،بل بكل لحظة من لحظات حياة المسلم ،بالتزام
أوامره واجتناب نواهيه ،والخضوع لكل ما جاء به من عند الله
تعالى ،فل تقف الفرحة أمام يوم ٍ واحد ٍ ،بل نجعل لنا من كل
1131
ما أكثر بالسنة ، ،لنحوّل ضعفنا إلى قوةٍ ، يوم ٍ جديد ٍ ،التزا ً
ونرسي في أنفسنا قواعد َ عقيدتنا ،ومبادئ السلم العظيم .
الوقفة العاشرة
قال النبي صلى الله عليه وسلم قال ( :ل تطروني كما أطرت
النصارى ابن مريم ،فإنما أنا عبده ،فقولوا عبدالله ورسوله )
البخاري .
أكثر تلك الموالد فيها إطراءٌ ومبالغة في مدح الرسول صلى الله
عليه وسلم ،والغريب أنّه حتى المؤيدين للموالد ،قد أقّروا
ة عندما تجّرأ بوجود الغلو الذي يصل إلى درجة الكفر !! خاص ً
البعض على تأليف كتب عن المولد النبوي ،ثم وضع الحاديث
على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ! تأييدًا لذلك يقول
عبد الله الغماري ـ أحد كبار الصوفية المعاصرين ـ :
( ..وكتب المولد النبوي ملى بهذه الموضوعات ،وأصبحت
عقيدة ً راسخة في أذهان العامة ،وأرجو أن يوفّقني الله إلى
ل من أمرين اثنين :الحاديث ف حول المولد النبوي ،خا ٍ تألي ٍ
ن الغلو في ّ
سجع المتكلف المرذول ...والمقصود أ ّ المكذوبة ،وال ّ
ن
ضا فإ ّ م لقوله تعالى { :ل تغلوا في دينكم} ،وأي ً المدح مذمو ٌ
مادح النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأمر لم يثبت عنه ،يكون
مدًا فليتبوّأ ي متع ّ كاذبًا عليه ،فيدخل في وعيد " :من كذب عل ّ
مقعده من النار "
وليست الفضائل النبويّة مما يتساهل فيها برواية الضعيف
ونحوه ،لتعلقها بصاحب الشريعة ونبي المة ،الذي حّرم الكذب
مد الجويني والد إمام عليه وجعله من الكبائر ،حتى قال أبو مح ّ
الحرمين بكفرِ الكاذب عليه صلى الله عليه وسلم .
وعلى هذا فما يوجد في كتب المولد النبوي وقصة المعراج من
مبالغات وغلوٍ ل أساس له من الواقع :يجب أن تُحرق ،لئل
يُحرق أصحابها وقارئوها في نار جهنّم ،نسأل الله السلمة
والعافية ) من نقده لبردة البوصيري ص .75
وقد جرت العادة في الموالد أن تختم بالعبارات البدعية
والتوسلت الشركيّة ،ول حول ول قوة إل بالله .
الوقفة الحادية عشرة
ما يدور في الموالد من المفاسد ،ل تخفى على مسلم ،من
أهمها :
ن المحتفلين بالمولد يرمون المخالفين ـ وللسف ـ بعدم محبة أ ّ
ن التعظيم والمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم !! متناسين بأ ّ
تكون بالتباع ل البتداع ،وكذلك :ما يجري داخل الموالد من
إطفاء النوار وهّز الرؤس وتمايل الكتاف و ..ناهيك عن الذكار
1132
المكذوبة والقصص الموهومة ،ويقول الشيخ علي محفوظ
الزهري ( :فيها إسراف وتبذير للموال ،وإضاعة للوقات فيما
ل فائدة منه ول خير فيه ) البداع ، 324 /والقواعد الشرعية
ن المباح ـ وهذا على فرض أنه مباح ـ إذا أدّى إلى محّرم تقضي بأ ّ
:فإنّه يحرم من باب سد ّ الذرائع ،فكيف وهو يحوي على
المنكرات !!
الوقفة الثانية عشرة
وقد أجمع المسلمون على بدعية الحتفال بالمولد النبوي ،لكنهم
اختلفوا في حسنه وقبحه ،فذهب البعض منهم إلى أنه بدعة
حسنة :كابن حجر والسيوطي والسخاوي ..وغيرهم ،نظرا
للمصلحة التي ظنوا حصولها !!
لكن العلماء المحقّقين ،المتقدّمين منهم والمتأخرين ،أفتوا
بحرمة الحتفال بالمولد ،عمل ً بالدلة الشرعية التي تحذ ّر من
البدع في الدين ،والعياد والحتفالت من أمور الشريعة ،
ووقفوا أمام فتح باب شر متيقّن لخيرٍ موهوم ؟ ثم ما وعاء هذا
ل لم يفعله الرسول ول صحابته ول التابعون الخير المزعوم ،عم ٌ
ما بأن الرسول صلى الله عليه لهم بإحسان قرونا ً طويلة !! عل ً
وسلم ،لم يفّرق بين بدعة حسنة وأخرى سيئة ،بل قال ( :كل
بدعة ضللة ) !
ة يراها حسنة ، قال المام مالك ( :من ابتدع في السلم بدع ً
ن محمدًا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة !! لن فقد زعم أ ّ
الله يقول " :اليوم أكملت لكم دينكم " ،فما لم يكن يومئذٍ دينًا
فل يكون اليوم دينًا ) العتصام للشاطبي .
بعض العلماء الذين أفتوا ببدعية الحتفال بالمولد النبوي :
• المام الشاطبي قال ببدعية المولد النبوي ؟ فقد ذكر بعض
أنواع البدع في أول كتابه العتصام ( ، )1/34وعد ّ منها اتخاذ يوم
م ذلك .ولدة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً ،وذ ّ
• المام الفاكهاني قال ببدعية المولد النبوي ،في رسالته
المفردة . 9-8 /
• والعلمة ابن الحاج المالكي في المدخل قال ببدعية المولد
النبوي (. )12-2/11
• وعلمة الهند أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي قال ببدعية
المولد النبوي ،وكذلك شيخه العلمة بشير الدين قنوجي الذي
ألف كتابا ً سماه " غاية الكلم في إبطال عمل المولد والقيام
" ( انظر تعليقه على حديث " :من أحدث في أمرنا هذا ما ليس
منه فهو رد " في سنن الدارقطني ) .
1133
• الشيخ العلمة /أبي عبد الله محمد الحفار المالكي ـ من
علماء المغرب العربي ـ ( :ليلة المولد لم يكن السلف الصالح ـ
وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم ـ
يجتمعون فيها للعبادة ،ول يفعلون فيها زيادة على سائر ليالي
السنة ،لن النبي صلى الله عليه وسلم ،ل يعظّم إل بالوجه
الذي شرع تعظيمه ،وتعظيمه من أعظم القرب إلى الله ،لكن
يتقّرب إلى الله جل جلله بما شرع ) ..المعيار المعرب . 99 / 7
• الشيخ العلمة /محمد صالح العثيمين ( :يقيمونها لنهم كما
يقولون يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ويريدون إحياء
ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ونحن نقول لهم :
مرحبا ً بكم إذا أحببتم النبي صلى الله عليه وسلم ،ومرحبا ً بكم
إذا أردتم إحياء ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ولكن !! هناك ميزان وضعه أحكم الحاكمين وإله العالمين ،هناك
َ
ن الل ّ َ
ه حبُّو َ ن كُنْت ُ ْ
م تُ ِ ميزان للمحبة أل وهو قول الله تعالى " :قُ ْ
ل إِ ْ
َ
ه". م الل ّ ُحبِبْك ُ ُفَاتَّبِعُونِي ي ُ ْ
فإذا كان النسان صادقا ً في دعوى محبة الله ورسوله ،فليكن
متبعا ً لشريعة الله متبعا ً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،فإن لم يكن متبعا ً له فإنه كاذب في دعواه ،لن هذا
الميزان ميزان صدق وعدل ،إذن فلننظر هل إحداث احتفال
بليلة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم هل هو من شريعة الله
؟ هل فعله النبي صلى الله عليه وسلم ؟ هل فعله الخلفاء
الراشدون ؟ هل فعله الصحابة هل فعله التابعون لهم بإحسان
هل فعله أتباع التابعين ؟ إن الجواب على كل هذه التساؤلت
بالنفي المحض القاطع ،ومن ادعى خلف ذلك فليأت به " :
ن " ) موقع الشيخ. صادِقِي َ
م َن كُنْت ُ ْ
م إِ ْ هَاتُوا بُْرهَانَك ُ ْ
• الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي ... ( :وقالوا إن الذي ابتدع
هذه الموالد وهذه الشياء الفاطميون في مصر ،ومن مصر
انتقل إلى بلد أخرى ،وربما كان وراء ذلك أهداف سياسية معينة
! أنهم يريدون أن يشغلوا الجماهير والشعوب بهذه الموالد وهذه
الحتفالت ! حتى ل يبحث الناس في أمور السياسة ول في أمور
القضايا العامة إلى آخره ! ولذلك إذا نظرنا إلى المر باعتباره
عبادة نقول :أنه لم ترد هذه العبادة ولم تصح ) !! قناة الجزيرة
.
• الشيخ محمد الغزالي أفتى ببدعية المولد النبوي ،في كتابه
ليس من السلم : 252 /
( والتقرب إلى الله بإقامة هذه الموالد عبادة ل أصل لها ...ومن
م فنحن نميل إلى تعميم الحكم على هذه الموالد جميعا ً ووصفها ث ّ
1134
بأنها مبتدعات تُرفض ول يُعتذر لها ...إن إلغاء الموالد ضرورةٌ
ة ...وهكذا انتظم الحتفال بليلة المولد النبوي ،وليلة ة ودنيوي ٌ ديني ٌ
السراء والمعراج ،وليلة النصف من شبعان ،وليلة القدر ،ورأس
السنة الهجرية .
جعل البذل وقد حددت لهذه الحتفالت تواريخ كيفما اتفق ،و ُ
فيها من مظاهر التديّن !! وأحياها العوام والخواص بمزيد من
الكلم والطعام ،وهكذا تكون نصرة السلم !! ) .
وفي الختام
ن لهذه الورقات بالقبول عنده ،وأن ما أسأل الله أن يأذ َ وختا ً
مبْتغى ،ول منية النتفاع ُ بها ،وليس وراء القبول ُ يُنْتفع بها ،فإن ال ُ
مْرتَجى ،فاللهم إن مفزع َنَا إليك ل إلى غيرك ،فثبت سواه ُ
صرنا بأنفسنا ،ول تجعل من عملنا لحدٍ أقدامنا على الحق ،وب َّ
سواك شيئاً ،والله الهادي إلى سواء السبيل ،وآخر دعوانا أن
الحمد لله رب العالمين .
-------------------
.6المــولد النبـوي ،ما وراءه؟!
مقدمة:
ليست القضية قضية احتفال بمولد النبي الكريم أو توسل به أو
شد الرحل إلى قبره ،فهذه القضايا محل خلف بين العلماء ،وإن
كان الصواب منعها ..
بل القضية أبعد من ذلك..
في كل عام يدور جدل كبير ـ إذا حل شهر ربيع الول ـ حول
قضية المولد النبوي بين مؤيد ومعارض..
هذا الجدل يأخذ في كثير من الحيان شكل من أشكال التعصب
واتباع الهوى ،ويقينا أن المسلم يقصد الحق ويبتغي الثواب ،لكن
هذا القصد ل يغني ول يجدي إل إذا وافقه اتباع الشرعة
المحمدية..
وإن قضية المولد في حد ذاتها ليست بتلك المشكلة التي يترتب
عليها إيمان أو كفر ،وإن كانت ل ريب محدثة ،يدل على حدثانها:
تأخر ظهورها عن عصر النبوة والصحابة والتابعين والسلف،
ومضي القرون الثلثة الولى المفضلة دون وقوعها..
وكل الخير في اتباع من سلف ،وكل الشر في ابتداع من خلف،
والمة الراشدة هي التي يسعها ما وسع سلفها الصالح ،لكن ل
يعنينا في هذا المقام أن نبين أصل المولد ونشأته بالقدر الذي
يعنينا فيه استشفاف الحقيقة الكامنة وراء هذا المولد..
أمامنا ثلث قضايا كلها تتعلق بالنبي الكريم صلوات الله وسلمه
عليه:
1135
الولى :المولد..
الثانية :التوسل به..
والثالثة :شد الرحل إلى قبره..
هذه المور الثلثة صارت عند طائفة من الناس علمة على حب
رسول الله ،فمن احتفل بمولده وتوسل به وشد رحله إلى قبره
فهو محب ،ومن لم يفعل ذلك أو نهى عنه فهو فاقد الحب..
وقد قلنا من قبل إن إمامنا في كل قضية الكتاب والسنة وفقه
السلف:
فهل الشرع دعا إلى شيء من ذلك؟..
وهل جعلها علمة على حب الرسول؟..
الثابت أن الشرع لم يأمر بالحتفال بالمولد النبوي ،لكنه في ذات
الوقت لم ينه عن تدارس سيرة النبي واستخراج العبر منها في
كل زمان ومكان ،بل هو من المقربات إلى الله تعالى ،والشرع
لم يعلق حب الرسول على فعل تلك المور الثلثة ،بل علقه على
اتباعه وتعظيمه..
وأما التوسل فإن الشرع لم يأمر بالتوسل بالنبي الكريم بعد
مماته ،وقد كان الصحابة يتوسلون به في حال حياته ،أي يطلبون
منه الدعاء ،وكان هذا جائزا حينذاك ،لكنه لما مات تركوا ذلك
لعلمهم أن الميت ولو كان نبيا ل يملك أن ينفع أحدا..
لذا فإنهم لما قحطوا في عام الرمادة في عهد عمر استسقوا
بالعباس عم النبي وما استسقوا بالنبي فقال عمر رضي الله
عنه:
" اللهم إنا كنا نستسقيك بنبينا فتسقينا ،وإن نستسقيك بعم بنبينا
فاسقنا" البخاري ،كتاب الستسقاء باب سؤال الناس المام
الستسقاء إذا قحطوا ،انظر :فتح الباري .2/494
وفي خلفهم في سقيفة بني ساعدة حول الخلفة لم يتوسلوا به
في حل ذلك الخلف ،ول في المحنة التي تعرض لها عثمان
رضي الله عنه ،ول في الخلف بين علي ومعاوية رضي الله
عنهما..
فلو كان التوسل به ـ أي طلب الدعاء منه بعد مماته ـ جائزا لم
يفرط الصحابة فيه ،فعدم فعلهم ـ وهم الحرص على الخير ـ
يدل على المنع منه..
وأما التوسل بجاهه فذلك أمر لم يفعله الصحابة أبدا ل في حال
حياته ول بعد مماته ،وما ورد من أثر يجيز التوسل بجاهه فهو
ضعيف ،وما عرف عن السلف مثل هذا النوع من التوسل ،إل ما
كان من المام أحمد..
1136
أما عن شد الرحل إلى قبره عليه الصلة والسلم ،فإنه نهى عن
شد الرحال إل إلى ثلثة مساجد فقال ( :ل تشد الرحال إل إلى
ثلثة مساجد :مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد القصى)
البخاري كتاب فضل الصلة في مسجد مكة والمدينة انظر :فتح
الباري 3/63ـ 64
أي ل يجوز شد الرحل لجل العبادة إل لهذه المواطن الثلثة..
أما من قصد غيرها لجل العبادة فقد خالف المر ووقع في
النهي ،لكن قد يأتي من يخالف فيقول:
"ليس في الحديث النهي عن شد الرحل إلى القبر ،وليس فيه
ذكر القبور أصل ،فمن أين قلتم الحديث ينهى شد الرحل إلى
القبر؟"..
فيقال :إنما ذكرت المساجد لن المقصود هو العبادة ،فالقاصد
للمسجد إنما يقصده لجل الصلة وقراءة القرآن والذكر
والعتكاف ،وهذه عبادات ،وزيارة القبور ل ريب أنها عبادة لن
الشارع أمر بها..
وكل ما أمر به الشارع فهو عبادة..
وعلى ذلك فل يجوز السفر من أجل زيارة القبر ،لن السفر لجل
العبادة ل يجوز إل لهذه الثلثة..
وليس في هذا الكلم منع لزيارة القبور ،بل الزيارة مشروعة في
كل حال ،أما الممنوع فهو السفر لجلها..
حكَم الذي يحكم بين فإن لم يسلم المخالف بهذا فحينئذ ال َ
المسلمين إذا اختلفوا في فهم نص من نصوص الشرع هم
السلف وعلى رأسهم الصحابة ،فماذا يقول الصحابة في هذه
المسألة؟..
ورد أن أبا هريرة خرج إلى الطور فلما بلغ ذلك بصرة بن أبي
بصرة الغفاري قال له حين أقبل:
"لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت سمعت رسول الله
يقول :فذكر الحديث" الموطأ ،النسائي كتاب الجمعة باب ذكر
الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة ،صححه اللباني..
وجاء رجل إلى ابن عمر فقال له:
" إني أريد الطور..
فقال :إنما تشد الرحال إلى ثلثة مساجد :المسجد الحرام
ومسجد المدينة والمسجد القصى فدع عنك الطور ول تأته"..
أحمد وعمر بن شبة في أخبار المدينة ،انظر :فتح المجيد باب
ماجاء في حماية المصطفى جناب التوحيد ص ..289
والطور ليست بمسجد بل هي بقعة مباركة ،كلم الله فيها موسى
عليه السلم ،فالصحابة ما فهموا من الثر أن المنع خاص
1137
بالمساجد ،بل فهموا المنع لجل العبادة ،ولو فهموا أنه مخصوص
بالمساجد لما أنكروا على من خرج إلى الطور يريد التبرك..
فهذه فتوى الصحابة في هذه المسألة ،ول أظن مسلما إل هو
يرضى بما ثبت عنهم ورضوه دينا ،لنهم هم الكمل ،وهم خيار
المة وقدوتها..
وكل حديث ورد في فضل زيارة قبره عليه الصلة والسلم فهو
ضعيف كما ذكر الئمة المحققون كابن تيمية ،بل الذي ورد النهي
عن اتخاذ قبره عيدا فقال( :ل تتخذوا قبري عيدا)..
أي تعادونه بالزيارة ،والعيد في اللغة اسم لما يعتاد مجيئه ،سمي
عيد الفطر عيدا وكذا الضحى والجمعة لكونها معتادة تجيء كل
عام وكل أسبوع ،فالذي يزور قبره في كل موسم أو عيد أو نحو
ذلك فقد اتخذ قبره عيدا ،وهذا هو ما نهى عنه الرسول الكريم..
وقد أنكر الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب اعتياد القبر
فقد روى سعيد بن منصور في سننه عن سهيل بن أبي سهيل
قال:
" أتى الحسن بن الحسن بن علي عند القبر فناداني وهو في بيت
فاطمة يتعشى فقال:
هلم إلى العشاء..
فقلت :ل أريده..
فقال :مالي رأيتك عند القبر؟..
فقلت :سلمت على النبي..
فقال :إذا دخلت المسجد فسلم..
ثم قال :إن رسول الله قال:
(ل تتخذوا قبري عيدا ول تتخذوا بيوتكم مقابر ،وصلوا علي فإن
صلتكم تبلغني حيث كنتم ،لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور
أنبيائهم مساجد ) ،ما أنتم ومن بالندلس إل سواء" انظر :الفتاوى
.27/189فتح المجيد باب حماية المصطفى جناب التوحيد ص ..286
فقد أنكر عليه زيارته القبر ،وأرشده إلى السنة وهي أن من أراد
السلم على رسول الله فإن في الرض ملئكة سياحة تبلغه عن
أمته السلم ،فل فرق بين القريب من القبر والبعيد عنه كما ذكر
ابن رسول الله الذي هو أقرب الناس نسبا إليه ،فالسنة لمن أراد
السلم عليه أن يسلم حين دخوله المسجد كما أرشد إلى ذلك
النبي الكريم ،والسنة أن يصلى ويسلم عليه في الصلة ،فهذا
الذي يشق على نفسه بالسفر وإتيان القبر لجل السلم يستوي
هو ومن قعد في بيته في أقصى الرض في بلوغ السلم ،فلم
هذا العناء ورسول الله لم يأمر بزيارة قبره؟..
1138
وما عرف عن صحابته أنهم كانوا يعتادون القبر ،بل لم يكونوا
يزورونه إل ما كان من ابن عمر كان إذا قدم من سفر أم القبر
فسلم على رسول الله ثم أبي بكر ثم أبيه ..
انظر :المصنف لعبد الرزاق ،كتاب الجنائز ،باب السلم على قبر
النبي صلى الله عليه وسلم ،والمصنف لبن أبي شيبة ،كتاب
الجنائز ،باب من كان يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم
فيسلم..
قال عبيد الله بن عمر:
" ل نعلم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك
" ..
انظر :مصنف عبد الرزاق ،كتاب الجنائز ،باب السلم على قبر
النبي صلى الله عليه وسلم ،فتح المجيد ص ،288الجواب الباهر
ابن تيمية .. 60
إذن ..تعليق محبة رسول الله بفعل هذه المور الثلثة إذا كان
صادرا من جاهل ل يعلم حقيقة المر النبوي وما هو مشروع وما
هو ممنوع فهو معذور لجهله وظنه ثبوت ما لم يثبت ،وإن كان ل
يعذر في ترك سؤال أهل العلم..
وأما إن كان صادرا من عالم يعلم عدم ثبوت ذلك في الشرع
ويخفي وراءه اعتقادا خاصا وفكرا موروثا عن الديان والنحل
القديمة ،يقصد به تقويض ملة السلم وهدم أركان اليمان بالله
فهنا نصل إلى لب القضية التي نريد أن نوقفكم على حقيقتها:
إننا أمام فكر خطير ل يمت إلى السلم بصلة ،له قواعده وأركانه
المستمدة من ثقافات أجنبية قديمة من قبل السلم ،دخل إلى
السلم باسم الزهد في أول أمره لما كان الزهاد من أرباب هذا
الفكر يملؤون الدنيا ،ثم تحول لحقا إلى الدعوة إلى محبة رسول
الله لما قل الزهادون منهم وكثر المترفون..
لذا فالذي نقوله هنا:
ليست القضية قضية احتفال بمولد النبي الكريم أو توسل به أو
شد الرحل إلى قبره ،فهذه القضايا محل خلف بين العلماء ،وإن
كان الصواب منعها لما سبق من أدلة..
بل القضية أبعد من ذلك ،إنها قضية فلسفية تخرج معتقدها من
دائرة السلم وتدخله دائرة اللحاد والزندقة ،وللسف،
المتفطنون لهذا المر هم قلة والكثر في غفلة عن الحقيقة،
وتلك الغفلة تساهم بطريقة ل شعورية في ترسيخ هذه الفكرة
المصادمة للسلم ،حين ينحصر البحث والجدل حول قضايا
فرعية مع نسيان القضية الساسية..
1139
لذا كان من المهم إعطاء فكرة عن الصل الذي انبثق عنه ادعاء
محبة الرسول والنسبة إليها عند هؤلء الذين سموا صوفية
وأشغلوا العالم بهذه الدعوى ،لكي نعلم هل هم صادقون في
هذه المحبة ،أم أن لهم غرضا آخر من الدعوة إليها؟..
النسان الكامل:
النسان الكامل ،فكرة فلسفية صوفية كانت رائجة في المم
المتصوفة من قبل السلم ..أطلق هذا اللقب من قبل الصوفية
القدماء من أهل فارس والهند واليونان على أول موجود وجد في
الكون حسب نظريتهم ...حيث زعموا أن هذا الموجود الول
فاض عن الله تعالى كما يفيض نور الشمس عن الشمس ،لم
يخلقه بل صدر عنه ،فهو نور من نور ،ونوره امتد إلى جميع ذرات
الكون:
فبه قامت الحياة ..وهو الله الذي صنع وخلق الموجودات ..وهو
الواسطة بين الخالق والخلق لما له من شبه بهما ..فله صفات
الله وله صفات البشر..
ولنه بهذه المرتبة فهو يعلم الغيب ويدبر أمر العالم ،وربما سموه
الروح العظم أو العقل الول أو الفعال وغيرها من التسميات،
هذه خلصة فكرة النسان الكامل التي في تلك الثقافات القديمة
قبل السلم..
انظر النسان الكامل ،عبد الرحمن بدوي ،الموسوعة الفلسفية
،1/136بنية العقل العربي ،الجابري ص 378
ثم إن الله تعالى كتب لهذا الدين أن ينتشر في بلد فارس والهند
فدخل فيه كثير من حملة هذا الفكر أبناء تلك البلد ،ومع قلة
الوعي بحقيقة السلم بقي كثير منهم على هذا العتقاد الفاسد
ظانين عدم منافاته لما أنزل الله ،فصاروا يدعون إليه بحسن نية
وقصد..
لكن طائفة أخرى تعمدت نشر هذا الفكر بين المسلمين خبثا
وكيدا لما كانت قلوبهم تنطوي على حقد عظيم على هذا الدين
الذي أزال دولهم الظالمة الكافرة..
وبما أن لقب النسان الكامل غريب على المجتمع السلمي
تحاشوا أن يصطدموا به فاتخذوا بدل منه لقب الحقيقة المحمدية
أو النور المحمدي..
فإذا سمع السامع هذا اللقب تبادر إلى ذهنه النبي محمد صلى
الله عليه وسلم ،ومن المعلوم أن أعظم شخصية في تاريخ
المسلمين هو محمد صلى الله عليه وسلم ،وله خصائص ليست
لغيره بإجماع المسلمين ،وكثير من المسلمين ممن عدم الفقه
والعلم ل يمانع من الزيادة والغلو في حقه عليه الصلة والسلم..
1140
هنا وظف هؤلء هذه الشخصية لبراز فكرة النسان الكامل من
خللها..
فقالوا عن رسول الله أنه:
أول موجود فاض عن الله تعالى كما يفيض نور الشمس عن
الشمس..
وهو نور ونوره ممتد إلى جميع ذرات الكون..
وكل العلوم قطرة من بحره..
وهو محل نظر الله..
له شبه بالصفات اللهية والصفات البشرية..
فهو واسطة بين الخالق والخلق..
فصارت الحقيقة المحمدية هي حقيقة النسان الكامل بغير
فرق ...إل أنهم ومحاولة منهم لترويج تلك الفكرة الفلسفية
حرفوا اليات واختلقوا الحاديث للتدليل عليها..
( الحقيقة المحمدية = النسان الكامل)
والذي يثبت هذا التوافق ما يرد في أقوالهم وأشعارهم من
أوصاف غالية في حق النبي الكريم ل يمكن أن تفسر إل من
خلل فكرة النسان الكامل ،وهانحن نورد طرفا منها..
يقول ابن عربي " :بدء الخلق الهباء ،وأول موجود فيه الحقيقة
المحمدية الرحمانية" الفتوحات المكية 1/118
ويقول الحلج:
" أنوار النبوة من نوره برزت ،وأنوارهم من نوره ظهرت ،وليس
في النوار نور أنور وأظهر وأقدم سوى نور صاحب الكرم...
همته سبقت الهمم ،ووجوده سبق العدم ،واسمه سبق القلم،
لنه كان قبل المم ...العلوم كلها قطرة من بحره ..والزمان
ساعة من دهره" الطواسين 13
وقال ابن الدباغ:
" اعلم أن أنوار المكونات كلها من عرش وفرش وسموات
وأرضين وجنات وحجب وما فوقها وما تحتها إذا جمعت كلها
وجدت بعضا من نور محمد ،وأن مجموع نوره لو وضع على
العرش لذاب ،ولو وضع على الحجب السبعين التي فوق العرش
لتهافتت ،ولو جمعت المخلوقات كلها ووضع ذلك النور العظيم
عليه لتهافتت وتساقطت" هذه هي الصوفية ص 87نقل عن محبة
الرسول ص 203
يقول البوصيري في البردة:
سواك عند حدوث الحادث يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به
العمم
ومن علومك علم اللوح والقلم فإن من جودك الدنـيا وضرتها
1141
هذه هي الحقيقة المحمدية عندهم ،فكل كلماتهم وأشعارهم
تنطق بحقيقة النسان الكامل ليجادل في ذلك إل جاهل أو
ماكر ..وهم وإن كانوا قد استتروا خلف هذا اللقب المحمدي زمنا
إل أنهم عادوا وحنوا إلى لقبهم القديم فصاروا يصرحون به..
فهذا إمامهم الكبر ابن عربي الطائي يطلق لقب النسان الكامل
في كثير من مؤلفاته وله مؤلف بعنوان" :النسان الكلي"..
وهذا عبد الكريم الجيلي وهو منهم يضع كتابا بعنوان" :النسان
الكامل"..
وهناك آخرون غيرهم قدماء ومحدثون..
النسان الكامل ،الحقيقة المحمدية مرتبة عامة:
وإن المدقق في أقوالهم وأحوالهم يعلم يقينا أنهم ل يعظمون
رسول الله ول يحبونه ،بل يتخذون محبته ذريعة إلى تحقيق فكرة
النسان الكامل بين المسلمين ..ولذا فإنهم عندما يطلقون لقب
الحقيقة المحمدية أو غيره مما يقوم مقامه ل يقصدون به ذات
النبي عليه الصلة والسلم خاصة ،بل كل ذات تتحقق فيها الهلية
ـ حسب شروطهم ـ لن تصير في مرتبة النسان الكامل..
فليست هذه المرتبة حكرا على النبي أو غيره من البشر ،بل هي
مشاعة ينالها كل من هذب نفسه وصفاها على طريقة فلسفية
خاصة حتى تصل إلى مرحلة التحاد بذات الله تعالى كما يقولون،
تعالى الله عما يقولون ،فإذا صارت كذلك نالت مرتبة النسان
الكامل..
لذا فإنهم يعتقدون في مشايخهم ما يعتقدونه في النسان
الكامل ،فهم نور ،وهم يعلمون الغيب ،ويدبرون شؤون الكون،
ومن هنا نفهم لماذا يصرون على تعظيم أولئك المشايخ هذا
التعظيم الغالي الذي ل يجوز أن يكون إل لرب العالمين..
يقول الجيلي:
" اعلم حفظك الله أن النسان الكامل هو القطب الذي تدور
عليه أفلك الوجود من أوله إلى آخره ،وهو واحد منذ كان الوجود
إلى أبد البدين ،ثم له تنوع في ملبس ،ويظهر في كنائس،
فيسمى باعتبار لباس ،ول يسمى به باعتبار لباس آخر ،فاسمه
الصلي الذي هو له محمد ،وكنيته أبو القاسم ،ولقبه شمس
الدين ،ثم له باعتبار ملبس أخرى أسام ،وله في كل زمان اسم
يليق بلباسه في ذلك الزمان ...فقد اجتمعت به صلى الله عليه
وسلم هو في صورة شيخي إسماعيل الجبرتي" النسان الكامل
2/73
قال بعضهم:
نيابة عنه في تبليغ دعـواه كل النبيين والرسل الكـرام أتـوا
1142
كل العصور ونابت عنه فهو الرسول إلى كل الخـلئق فـي
أفواه
(النفحات القدسية للبيطار ص )17
وإذا كنا قلنا إنهم ل يحبون رسول الله حقيقة ،بل يتخذون المحبة
ستارا لغاية علمناها من التفصيل السابق ،فإننا نشير كذلك إلى
أن لهم غاية أخرى يتوصلون إليها بهذه الدعوى أل وهي :تعظيم
ذواتهم ،وإستذلل العباد ،وتسخيرهم في شهواتهم ..وذلك حين
يزعمون أن ذواتهم تمثل الحقيقة المحمدية ،وقد مهدوا لذلك
بقولهم إن هذه الحقيقة تظهر في كل زمان ومكان في صورة
ولي من الولياء..
ولعل هذا هو السبب الول في الدعوة إلى محبة الرسول...
(( فهم ينتقلون منها إلى تعظيم ذواتهم))..
يظهر ذلك جليا من حيث إنهم ل يقفون عن حد الحتفال بمولد
النبي الكريم والتوسل به وشد الرحل إلى قبره ،بل (( :يجيزون
ويدعون إلى الحتفال بمولد كل شيخ من مشايخهم والتوسل بهم
وشد الرحل إلى قبورهم للتضرع والسؤال))..
كما هو معلوم ،تحت اسم الولية والتعظيم وطلب البركة..
ولو فرضنا صدقهم لكان ينبغي لهم أل يشركوا أحدا مع رسول
الله في تلك القضايا الثلث ،ولو كانوا صادقين لنهوا أتباعهم عن
دعاء النبي وسؤاله ما ليقدر عليه إل الله ،وحينذاك نقول :إنهم
صادقون في المحبة ،مخطئون اجتهادهم...
لكنهم ما فعلوا هذا ول ذاك ،بل جعلوا لكل شيخ مرتبة تضارع
مرتبة النبي وتفوقه حتى تصل إلى مرتبة الله ،وأذنوا في تقديم
القربات إليهم من دون الله ،فهم مشركون زنادقة متبعون
لهواءهم:
{ فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ،ومن أضل
ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله ليهدي القوم الظالمين
}...
( تلك هي الحقيقة ..لكن كثيرا منهم ل يعلمون)
فهذه هي حقيقة محبة رسول الله عند هؤلء القوم ،كما رأينا:
ليس فيها إل تعظيم الذوات وإحياء دين الفلسفة الوثنيين من
فرس وهند ويونان ،وفكرتهم تناقض السلم ...فليس أحد فاض
عن الله ،بل كل الموجودات مخلوقة لله تعالى ليست من ذاته
ول من نوره ..وليس أحد من خلق الله يملك علم اللوح والقلم،
ول يقدر أحد على التصرف في الكون..
فمعتقد هذه العتقادات كافر بالله تعالى..
والحق أن كثيرا من أتباع هذه الفكرة ل يدركون حقيقتها..
1143
وكثير من الذين يحتفلون بالمولد ل يعلمون أصل هذا المر..
بل كثير منهم صادقون في محبتهم وشعورهم تجاه الرسول
لكنهم مخطئون حين لم يلتزموا المحبة الشرعية القائمة على
التباع..
لكن البلية فيمن يعتنق هذا الفكر اللحادي ويدعو إليه متخذا
محبة رسول الله ستارا..
فهذا أصل الضللة مصدر الغواية ،إذن هذه هي الحقيقة ،فمن
جادلهم فليجادلهم فيها ،وليحذر من الخديعة والحيلة فيظن أن
القضية قضية مولد أو توسل أو سفر إلى قبر ،بل القضية أخطر
من تلك بكثير كما قد رأينا.
-------------------
.7الحتفال بالمولد النبوي
يحيى بن موسى الزهراني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ،ول عدوان إل على الظالمين ،وأشهد
أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ولي المؤمنين ،وأشهد أن
محمدا ً عبده ورسوله النبي المين ،صلى الله وسلم عليه وعلى
آله وصحبه الطيبين الطاهرين ،وعلى التابعين لهم بإحسان إلى
يوم الدين . . .أما بعد :
فلقد كان العالم يغط في ظلم عميق ،وجهل سحيق ،فكان
القتل ،والظلم ،وكثير من الكبائر والعظائم التي ل تجد من
ينكرها ،أو يبطلها ،لقد أنت الشعوب قبل السلم أنينا ً شديدا ً ،
وجار العدوان والطغيان ،وأقيمت الحدود على الفقراء والضعفاء
،ونجا منها الغنياء والقوياء ،وبقي الناس على ذلك المر
والعلقم حتى رحم الله البشرية ،بإرسال أفضل الرسل وخاتمهم
وأرحمهم بأمته ،وهو نبينا وحبيبنا محمد صلى اله عليه وسلم ،
وبعد مولده وشبابه ،ونضوجه ونبوته عادت البسمة للناس من
جديد ،فقد أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ،وحطم أسس
الشرك ،وقضى على معالم الوثنية ،واستأصل شأفتها ،واجتث
جرثومتها ،حتى أقيمت الحدود على الطغاة والبغاة ،واخذ الحق
من الظالم ،وأعيد للمظلوم ،وهكذا عاشت المة في خير وهناء
.
فقبل الشروع في المولد النبوي ،وقبل تفنيد ما فيه من
الباطل ،يحسن بنا أن نتطرق إلى بعض المور التي قد يغفل
عنها كثير من المسلمين ،وهي مما يتعلق به عليه الصلة
والسلم ،والتي ينبغي على المكلف معرفتها والهتمام بها حتى
يعرف أمر نبيه صلى الله عليه وسلم عليه ومن هذه المور :
1144
أول :النبي صلى الله عليه وسلم رحمة :
فهو رحمة على أمته رحيم رؤوف بهم مشفق عليهم ،قال
تعالى [ :لقد جاء كم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم
حريص عليهم بالمؤمنين رؤوف رحيم ] ( التوبة ، ) 128وقال
تعالى [ :وما أرسلناك إل رحمة للعالمين ] ( النبياء )107
وقد حث أمته على التراحم فيما بينهم والتعاطف والشفقة من
بعضهم على بعض وأن يكونوا كالجسد الواحد يساعد بعضهم
بعضا ويقف بعضهم مع بعض فهو كما وصفه ربه سبحانه رحيم
بالمؤمنين قال (( :أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا )) وأشار
بالسبابة والوسطى [ البخاري وأبو داود والترمذي ] ،وقال تعالى
[ :فأما اليتيم فل تقهر ] ( الضحى . ) 9
وكذلك من الرحمة التي أوصى بها النبي العناية بالرملة
والمسكين وذوي الحاجات فعن أبي هريرة قال :قال النبي
(( :الساعي على الرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ))
أن رجل ً شكا إلى [ البخاري ومالك ] ،وعن أبي هريرة
رسول الله قسوة قلبه فقال (( :امسح رأس اليتيم وأطعم
المسكين )) [ رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح].
ومن رحمته بالفقراء قال فيهم (( :بئس الطعام طعام الوليمة
يُدعى إليها الغنياء ويترك الفقراء )) [ في الصحيحين ] ،وقد
أوصى بالحسان إلى البنات والنساء والضعفاء وما ذاك إل من
رحمته وشفقته على أمته .
فعن أنس رضى الله عنه ،عن النبي قال (( :من عال جاريتين
حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين )) [ رواه مسلم ]
وجاريتين أي بنتين ،وقال (( :اللهم إني أحَّرج حق الضعيفين
اليتيم والمرأة )) [ رواه النسائي بإسناد جيد ] ومعنى أحرج أي
أنه يُلحق الثم بمن ضيع حق اليتيم والمرأة ،وقال ( :هل
تُنصرون وتُرزقون إل بضعفائكم )) [ رواه البخاري مرسل
وأورده بمعناه النسائي في صحيح سنن النسائي 2/669برقم (
، ] )2978وقال (( :من ل يرحم الناس ل يرحمه الله )) [ متفق
عليه ] ،وقال (( :من ل يَرحم ل يُرحم )) [ متفق عليه].
ومن رحمته أنه أوصى بالرحمة بالحيوان فقال عليه الصلة
والسلم (( :إن الله كتب الحسان على كل شيء فإذا قتلتم
فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته
وليرح ذبيحته)) [ ابن حبان ومسلم والدارمي وغيرهم ] .
وصور رحمته بأمته وشفقته عليهم كثيرة جدا ً ،فعليه الصلة
والسلم.
1145
ثانيا ً :مولده صلى الله عليه وسلم :
ولد عليه الصلة والسلم يوم الثنين الثاني عشر من ربيع الول
عام الفيل ،قال أبو قتادة النصاري :سأل رجل أعرابي رسول
فقال :ما تقول في صوم يوم الثنين ؟ قال [ :ذاك يوم الله
ولدت فيه ،وفيه أوحي إلي ] ( مسلم ) .
وعن قيس بن مخرمة بن عبد المطلب ،قال :ولدت أنا ورسول
عام الفيل ] ( الترمذي وإسناده حسن ) انظر سير أعلم الله
النبلء . 1/33
ثالثا ً :بشريته صلى الله عليه وسلم :
فهو بشر مثل بقية البشر قال تعالى [ :قل سبحان ربي هل
كنت إل بشرا ً رسول ً ] ( السراء ، )93وقال تعالى [ :محمد
رسول الله ( ].....الفتح ) 29وقال (( :إنما أنا بشر وإنكم
تختصمون إلي )) [ متفق عليه ] ،وهي دللة على أن محمدا ً
رسول الله إلى الناس كافة بل إلى الثقلين ـ الجن والنس ـ
وقال الله جل وعل [ :شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً
والذين أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى …( ]..
الشورى ) 13والمذكورون في هذه الية هم أولو العزم من
الرسل فهم بشر ولكن الله أكرمهم بالرسالة وغفر لهم جميعا ً ،
وقال الله جل وعل [ :إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه
من تراب … ( ].آل عمران ، ) 59فهذه اليات تدل دللة قاطعة
لشك فيها أن النبياء بشر والله هو خالقهم ،ولكنه اصطفاهم
برسالته عن بقية البشر ،فل يُعبدون من دون الله ويحرم الغلو
فيهم أو التوسل بهم بعد موتهم ،لن ذلك من الشرك الكبر
المنافي للتوحيد والمخرج من ملة السلم والنبي محمد من
أولئك النبياء الذين بعثهم الله عز وجل للعباد مبشرين ومنذرين
قال تعالى [ :وما محمد إل رسول قد خلت من قبله الرسل ]
( آل عمران ، ) 144فل يجوز الغلو فيه أو التوسل به بعد موته أو
طلب العون أو المدد منه ،فإنه بشر مثل كل البشر فقد قال :
(( سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لن يدخل الجنة أحدا ً عمله ،قالوا
:ول أنت يارسول الله ،قال :ول أنا ،إل أن يتغمدني الله منه
برحمة )) [ البخاري ومسلم ] .
فمن ذلك ع ُلم أن النبي بشر ولد وعاش ومات ،قال تعالى [ :
وما محمد إل رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أوقتل
انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا
وسيجزي الله الشاكرين ] ( آل عمران ، ) 144وقال تعالى [ :إنك
ميت وإنهم ميتون ] ( الزمر ، ) 30والخطاب للنبي عليه أفضل
الصلة وأزكى السلم .
1146
فالواجب على المؤمن أن يؤمن برسالة النبي ورسالة جميع
النبياء والرسل عليهم أفضل الصلة وأزكى التسليم ،لن ذلك
ركن من أركان اليمان ،الذي لو سقط لضعف إيمان المرء معه
وقد يهوي إلى الهاوية والعياذ بالله .
رابعا ً :فضله على جميع الخلئق :
عن أبي هريرة رضي الله عنه ،قال :قال رسول الله (( :أنا
سيد ولد آدم يوم القيامة ،وأول من ينشق عنه القبر ،وأول
شافع وأول مشفع )) [ مسلم ] .
وقيل أن السيد :هو الذي يفوق قومه في الخير ،وقيل :هو الذي
يُفزع إليه في النوائب والشدائد فيقوم بأمرهم ويتحمل عنهم
مكارههم ويدفعها عنهم .
وهو أفضل البشر على الطلق ،وهو أفضل النبياء والمرسلين
وخاتمهم ،قال (( :مثلي ومثل النبياء من قبلي كمثل رجل
بنى بنيانا ً فأحسنه وأجمله إل موضع لبنة من زاوية من زواياه
فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هل وضعت هذه
اللبنة قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين )) [ مسلم ] ،فهو سيد ولد
آدم في الدنيا والخرة ،ففي يوم القيامة يظهر سؤدده لكل أحد
ول يبقى منازع ول معاند له ،بخلف الدنيا فقد نازعه في سيادته
أنا سيد ولد آدم لم ملوك الكفار وزعماء المشركين ،وقوله
يقله فخرا ً ،بل إنه صرح بنفي الفخر فقال عليه الصلة والسلم
(( :أنا سيد ولد آدم ول فخر )) [ الترمذي ]
وقوله أنا سيد ولد آدم ،كما قلنا لم يقلها مفاخرة بها وإنما قال
ذلك لسببين:
الول :امتثال ً لمر ربه سبحانه عندما قال جل من قائل عزيز
سبحانه [ :وأما بنعمة ربك فحدث ] ( الضحى . ) 11
الثاني :أنه من البيان الذي يجب عليه تبليغه لمته ليعرفوه
ويوقروه ويعتقدوه ويعملوا بمقتضى ذلك العتقاد ويوقروه بما
تقتضيه مرتبته .
فهو الذي يطلب من ربه ويسأله سبحانه يوم القيامة للفصل بين
العباد وهو أول من يُشفع يوم القيامة ،فلهذا فهو أفضل الخلئق
على الطلق ،صلوات ربي وسلمه عليه .
خامسا ً :معنى شهادة أن محمدا ً رسول الله :
معناها :طاعته فيما أمر ،وتصديقه فيما أخبر ،واجتناب مانهى
عنه وزجر ،وأن ل يُعبد الله إل ّ بما شرع.
فطاعته من طاعة الله عز وجل ،قال تعالى [ :قل إن كنتم
تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور
رحيم ] ( آل عمران . ) 331
1147
)، 32 وقال تعالى [ :قل أطيعوا الله والرسول ] ( آل عمران
وقال تعالى [ :من يطع الرسول فقد أطاع الله ] ( النساء ، ) 80
وتصديقه في الخبار الماضية والمستقبلية مما كان من أمور
الغيب التي أطلعه الله عليها ،وتصديقه في ذلك من أوجب
الواجبات .
ومن مقتضى شهادة أن محمدا ً رسول الله اجتناب مانهى عنه
النبي ،فكل مانهى عنه يجب اجتنابه وذلك مصداقا ً لقوله
تعالى [ :وما أتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا ]
( الحشر ، ) 7وقال (( :ما أمرتكم من أمر فأتوا منه ما
استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه )) [ مسلم ] .
سادسا ً :عبوديته صلى الله عليه وسلم :
فالنبي عبد من عباد الله وهو مملوك لله عز وجل ووصفه الله
فتعالى بالعبودية الخاصة كما قال تعالى [ :أليس الله بكا ٍ
عبده ] ( الزمر ، ) 26فأعلى مراتب العبد العبودية الخاصة
والرسالة فهو أكمل الخلق في هاتين الصفتين الشريفتين قال
تعالى [ :تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ] ( الفرقان ، ) 1
فهو عبد لله تعالى ،أما الربوبية واللهية فهما حق لله تعالى
وحده ل يشركه في شي منهما أحد ،ل ملك مقرب ول نبي
مرسل فالنبي كما قلنا عبد الله ورسوله كما قال هو عن نفسه
(( إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله )) [ ابن حبان ] .
فل يُرفع فوق منزلته عليه الصلة والسلم ول يكون له خصيصة
من خصائص اللوهية فهو عليه الصلة والسلم ل يعلم الغيب إل
ما أطلعه الله عز وجل عليه من المور الغيبية قال تعالى [ :قل
ل يعلم من في السموات والرض الغيب إل الله ] ( النمل ، ) 65
وقال تعالى [ :عالم الغيب فل يظهر على غيبه أحدا ً إل من
ارتضى من رسول ] ( الجن ، ) 27 ، 26فقد أطلع الله عز وجل
نبيه محمدا ً على بعض المور الغيبية ،لذلك فهو ل يعلم الغيب
من تلقاء نفسه ،ودليل ذلك أنه عندما سأله جبريل عليه السلم
عن الساعة قال (( :ما المسؤول عنها بأعلم من السائل )) وقد
علم مما أطلعه الله عليه أن ذلك السائل هو جبريل عليه
السلم قال تعالى [ :تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت
تعلمها أنت ول قومك من قبل هذا ] ( هود ، ) 49وقال تعالى :
[ ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمر
وهم يمكرون ] ( يوسف . ) 102
وكذلك فهو ل ينفع ول يضر بنفسه ،ول يُعتقد فيه أي أمر من
أمور اللوهية أو الربوبية ولقد وصفه الله بالعبودية في أشرف
1148
المقامات فقال جل من قائل سبحانه [ سبحان الذي أسرى
بعبده ] ( السراء . ) 1
فهو عبد الله ورسوله فل يعطى ول يرفع فوق منزلته هذه ،
عن أبي هريرة قال :قال رسول الله (( :أشهد أن ل إله إل
الله وأني رسول الله ل يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إل
دخل الجنة )) [مسلم].
فهو عبد الله ورسوله ،وصلوات ربي وسلمه عليه .
1149
إن التصوف أدنأ وألم كيدا ً ،ابتدعه الشيطان ليسخر معه عباد
الله في حربه لله ولرسله [ .مصرع التصوف ] .
ويقول الشيخ /صالح الفوزان :
الصوفية دخيلة على السلم ،ويظهر ذلك في ممارسات
المنتسبين إليها ،من ممارسات غريبة على السلم وبعيدة عن
هديه ،وخصوصا ً المتأخرين منهم ،الذين كثرت شطحاتهم ،
وعظمت غلطاتهم ،وأما المتقدمون منهم فكانوا على جانب من
العتدال ،كالفضيل بن عياض ،والجنيد ،وإبراهيم بن أدهم
وغيرهم.
1150
من عبد الله بالحب وحده :فهو زنديق ،ومن عبده بالرجاء وحده
:فهو مرجئ ،ومن عبده بالخوف وحده :فهو حروري ،ومن
عبده بالحب والرجاء والخوف :فهو مؤمن موحد .ولهذا قال
تعالى " :تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا ً وطمعاً
ومما رزقناهم ينفقون "
وقال تعالى " :أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة
أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان
محذورا ً " ،في هذه الية أعظم دليل على كذب الصوفية
وأهلها ،لن كل إنسان يرجو رحمة ربه ويخاف عذابه .
1151
والقاعدة تقول :
ً
كل شيء كان سببه موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
ولم يفعله ،ففعله بعده بدعة .
مما سبق يتبين لنا أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم كان
سببه موجودا ً في عهد العهد النبوي ،ولكن لم يحتفل بمولده أحد
من البشر في قرنه وفي القرون المفضلة من بعده ،وهي ثلثة
قرون ،فقد قال صلى الله عليه وسلم " :خير القرون قرني ثم
الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم " ،قال شيخ السلم بن تيمية
رحمه الله :أما لفظ الصوفية فإنه لم يكن مشهورا ً في القرون
الثلثة ،وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك " .
مما سرى في المسلمين في هذا العصر وما سبقه من العصار
من التشبه بالكفار ،التشبه بالنصارى في عمل ما يسمى
بالحتفال بالمولد النبوي ،يحتفل جهلة المسلمين أو العلماء
المضلين في ربيع الول من كل سنة بمناسبة مولد الرسول
محمد صلى الله عليه وسلم ،فمنهم من يقيم هذا الحتفال في
المساجد ومنهم من يقيمه في البيوت أو المكنة المعدة لذلك
ويحضره جموع كثيرة من دهماء الناس وعوامهم ،يعملون ذلك
تشبها ً بالنصارى في ابتداعهم الحتفال بمولد المسيح عليه
السلم .ول ريب أن الله سبحانه وتعالى بعث نبيه محمدا ً صلى
الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ،وهى العلم النافع والعمل
الصالح ،ولم يقبضه إليه حتى أكمل له ولمته الدين وأتم عليهم
النعمة كما قال سبحانه وتعالى [ :اليوم أكملت لكم دينكم
وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم دينا ً ] "المائدة " 3
فبين الله سبحانه وتعالى بهذه الية الكريمة أن الدين قد كمل
والنعمة قد أتمت ،فمن زعم أن يُحدث حدثا ً يزعم أنه مشروع
وأنه ينبغي للناس أن يهتموا به ويعملوا به فلزم قوله أن الدين
ليس بكامل بل هو محتاج إلى مزيد وتكميل ،ول شك أن ذلك
باطل ،بل من أعظم الفرية على الله سبحانه والمصادمة لهذه
الية الكريمة ،ولو كان الحتفال بيوم المولد النبوي مشروعاً
لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم لمته لنه أنصح الناس لهم ،
وليس بعده نبي يبين ما سكت عنه من حقه ،لنه صلى الله عليه
1152
وسلم خاتم النبيين ،وقد أبان للناس ما يجب له من الحق
كمحبته واتباع شريعته والصلة والسلم عليه وغير ذلك من
حقوقه الموضحة في الكتاب والسنة ولم يذكر لمته أن الحتفال
بيوم مولده أمر مشروع حتى يعملوا بذلك ولم يفعله صلى الله
عليه وسلم طيلة حياته ،ثم الصحابة رضي الله عنهم أحب
الناس له وأعلمهم بحقوقه لم يحتفلوا بهذا اليوم ل الخلفاء
الراشدون ول غيرهم ،ثم التابعون لهم بإحسان في القرون
الثلثة المفضلة لم يحتفلوا بهذا اليوم .
أفتظن أن هولء كلهم جهلوا حقه أو قصروا فيه حتى جاء
المتأخرون فأبانوا هذا النقص وكملوا هذا الحق ؟ ل والله ،ولن
يقول هذا عاقل يعرف حال الصحابة وأتباعهم بإحسان .
وإذا ع ُلم أن الحتفال بيوم المولد النبوي لم يكن موجودا ً في
عهده صلى الله عليه وسلم ول في عهد أصحابه الكرام ول في
عهد أتباعهم في الصدر الول ،ول كان معروفا ً عندهم .ع ُلم أن
ذلك بدعه محدثة في دين الله ل يجوز فعلها ول إقرارها ول
الدعوة إليها ،بل يجب إنكارها والتحذير منها عمل ً بقوله صلى
الله عليه وسلم في خطبة الجمعة { :خير الكلم كلم الله وخير
الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر المور محدثاتها
وكل بدعة ضللة } ،وقوله عليه الصلة والسلم { :عليكم
بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي تمسكوا بها
وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات المور فإن كل محدثة
بدعة وكل بدعة ضللة } ،وقوله عليه الصلة والسلم { :من
أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } ،وقوله صلى الله
عليه وسلم {:من عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رد } ،فكل
عمل ليس عليه أمر الشارع فهو رد ومردود على صاحبه وعليه
النكال وله الويل من الخالق سبحانه ،فمن كان عمله خارجا ً عن
الشرع المطهر وليس متقيدا ً به فهو مردود ول يزيد صاحبه إل
بُعدا ً عن الله تعالى ،ول يزيده إل مقتا ً وخسارا ً ،ويذهب ذلك
العمل هباءً منثورا ً لمخالفته الواضحة لدين الله تعالى ،والله جل
وعل قد تكفل بدينه وحفظه [ :إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له
لحافظون ] " الحجر . " 9
فمن شرع لولئك الفئام من الناس هذا الدين الذي ابتدعوه ؟
أهو الهوى ؟ أم الشيطان ؟ أم لهم شركاء وآلهة أخرى غير الله
تُشرع لهم دينا ً غير دين الله تعالى فتُحلل وتُحرم لهم ؟
قال تعالى [ :أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به
الله ] "الشورى ، " 21وقد ختم الله جل وعل هذه الية بقوله :
[ وإن الظالمين لهم عذاب أليم ] ،فهؤلء ظلمة ،ظلمة
1153
لنفسهم ،ظلمة لدينهم ،ظلمة ل خوانهم المسلمين الذين يأتون
من بعدهم ،ويجدون تلك البدع والخرافات ،والهواء
والمنكرات ؟ فإن الله جلت قدرته قد حرم الظلم على نفسه
وجعله بين عباده محرما ً .
فمن أشد الظلم وأقبحه وأشنعه أن يتعدى النسان على ربه ،
بأن يُشّرع للناس عبادة لم يأذن بها الله عز وجل ،ليحذر أولئك
من شديد عقابه ،وأليم عذابه ،فالنبي صلى الله عليه وسلم
ترك هذه المة على البيضاء ليلها كنهارها ل يزيغ عنها إل هالك ،
وقد أوضح صلى الله عليه وسلم لهذه المة قبل موته عليه
ً
الصلة والسلم أنه ترك فيها ما إن تمسكت به فلن تَضل أبدا ،
كتاب الله عز وجل وسنته صلى الله عليه وسلم ،فمن أراد أن
يزيد في الدين ما ليس منه ،فالدين بريء منه وزيادته مردودة
عليه ،وهو مأزور غير مأجور آثم ببدعته تلك .
قال صلى الله عليه وسلم { :تركتكم على بيضاء نقية ليلها
كنهارها ل يزيغ عنها إل هالك } ( الترمذي وأبوداود والحاكم ) .
وقال أبو ذر رضي الله عنه :توفي رسول الله صلى الله عليه
وسلم وما طائر يحرك جناحيه في السماء إل وقد ذكر لنا منه
علما ً .
وقال العباس رضي الله عنه :والله ما مات رسول الله صلى
الله عليه وسلم حتى ترك السبيل نهجا ً واضحا ً وأحل الحلل
وحرم الحرام ،ونكح وطلق وحارب وسالم .ولو تصفحنا كتاب
ما وجدنا آية فيه الله عز وجل صفحة صفحة وسطرا ً سطرا ً ،ل َ
تدل على أنه يُحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ،وكذلك
في السنة ل يوجد حديث ول أثر صحيح يُعتمد عليه يدل على ذلك
.
فمن أين جاء أولئك الناس بهذا الحتفال المبتدع في دين الله .
فكثرة وقوع الحوادث التي ل أصل لها في الكتاب ول في السنة ،
إنما هو من ترك الشتغال بأوامر الله وأوامر رسوله صلى الله
عليه وسلم وكذلك ترك اجتناب النواهي ،فلو أن من أراد أن
يعمل عمل ً في الدين سأل العلماء الربانيين ،علماء أهل السنة
والجماعة ،عما شرعه الله في ذلك فامتثله وأطاعه ورضي به
وانتهى عما فيه نهي ،لوقعت كل العمال مقيدة بالكتاب والسنة
.
ولكن المصيبة والطامة الكبرى أن العامل يعمل بمقتضى رأيه
وهواه ،فتقع الحوادث مخالفة لما شرع الله .
فمن امتثل أمر الله تعالى وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم
واشتغل بذلك عما سواه حصلت له النجاة في الدنيا والخرة ،
1154
ومن خالف ذلك واشتغل بخواطره وهواه وانقاد وراء المخططات
الصهيونية والنصرانية وغيرها من مخططات أعداء الدين وقع
فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم من حال أهل الكتاب ـ
اليهود والنصارى ـ الذين هلكوا بكثرة مسائلهم واختلفهم على
أنبيائهم وعدم انقيادهم وطاعتهم لرسلهم ،وابتداعهم في
دينهم ،فكانوا فريسة وصيدا ً سهل ً في أيدي المسلمين آنذاك .
فهل نحذوا حذوهم ،ونقتفي أثرهم ،وهم على الباطل والضلل ،
والزيغ والنحلل ؟ ل والله ؟ ل ينبغي هذا .بل الواجب التمسك
بالدين السلمي الحنيف ،الذي ل نُصرة للمسلمين إل بتمسكهم
به ،ول رِفعة لهم إل بتقيدهم به ،وأن نترك البتداع في دين الله
عز وجل .
فأمور العياد المخالفة للشرع والحتفالت المصادمة للدين
ليست من شعار المسلمين بل أن { :من حسن إسلم المرء
تركه ما ل يعنيه } ( الترمذي وهو حسن ) ،ويبتعد عن الشبهات ،
ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه .
فأمر ليس في كتاب الله وليس في سنة نبيه صلى الله عليه
وسلم ل يعنينا الهتمام به ،ول حتى النظر إليه ،ول التفكير فيه ،
فمن أراد عمله عليه قبل ذلك أن يسأل أهل العلم عن ذلك ،
حتى يكون على بصيرة من دينه ،قال تعالى [ :فسألوا أهل
الذكر إن كنتم ل تعلمون ]" النحل . "43
والسؤال هنا :
ماذا يحدث في هذا المولد ؟
إن غالب هذه الحتفالت مع كونها بدعة مخالفة للدين فهي ل
تخلوا من اشتمالها على منكرات أخرى مثل :
1ـ اختلط الرجال بالنساء ،مما قد يُفضي إلى أمور محرمة بين
الجنسين ،بل إن ذلك يحصل غالبا ً في هذه العياد المبتدعة
حب النبي صلى الله عليه وسلم وهم المنكرة وكيف يدعي أولئك ُ
يخالفون أمره ،فيحصل الختلط بين الرجال والنساء ،وقد حذر
عليه الصلة والسلم من الدخول على النساء غير المحارم حتى
أنه قال في الحمو :الحمو الموت .
فكيف يدّعون حبهم واحتفالهم بمولد النبي صلى الله عليه وسلم
وهم يُقدّمون في هذا الحتفال كل ما فيه معصية له صلى الله
عليه وسلم .فليتب أولئك من هذه الخرافات والخزعبلت قبل
أن يحل بهم هادم اللذات ،وهم غرقى في الذنوب والشهوات ،
ثم بعد ذلك ل تنفع الهات والويلت .
2ـ ذبح ذبائح في مثل هذه الموالد والعياد المزيفة ول شك ول
ريب أن الذبح لغير الله شرك قال صلى الله عليه وسلم { :لعن
1155
الله من ذبح لغير الله } (مسلم ) ،واللعن :هو الطرد والبعاد
من رحمة الله عز وجل ،وإن الله عز وجل قد أمر بأن يكون
الذبح له سبحانه ،في قوله تعالى [ :قل إن صلتي ونسكي
ومحياي ومماتي لله رب العالمين * ل شريك له وبذلك أمرت
وأنا أول المسلمين ] " النعام " 163 ،162وقال تعالى [ :فصل
لربك وانحر ] " الكوثر " 2
فالذبح لغير الله في الضرحة والقبور وغيرها شرك أكبر ومن
فعل ذلك فهو ملعون لما جاء في الحديث السابق ،وحكم هذه
الذبائح حكم الميتة ولو ذكر اسم الله عليها ،لنها لم تكن لله عز
وجل .
3ـ ضرب الدفوف والطبول واستعمال الغاني والمعازف والله
جل وعل قد حرم المعازف والغناء المصحوب معها سواءً كان ما
جنا ً أم غير ماجن ،قال تعالى [ :ومن الناس من يشتري لهو
الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا ً أولئك لهم
عذاب مهين ] " لقمان " 6وقد أقسم عبد الله بن مسعود رضي
الله عنه الصحابي المعروف عن المقصود بلهو الحديث ،فقال :
{ والله الذي ل إله إل هو إنه الغناء } .وقد نهى النبي صلى الله
عليه وسلم { :ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير
والخمر والمعزف } ( البخاري ) ،إنه والله لمر تأسف له
النفوس ،وتضيق له القلوب ممن ل ينطبق عملهم على قولهم ،
بل عملهم يكذب قولهم ول يصدقه يقولون نحب رسول الله
صلى الله عليه وسلم ونحتفل بمولده ،ثم في ذات الوقت
يعصونه ول يطيعونه يرتكبون ما نهى عنه ،ويجتنبون ما أمر به
فأي حب هذا ؟ وأي اتباع له صلى الله عليه وسلم الذي يدعيه
أولئك المبتدعة ؟
4ـ شرب الخمور والمسكرات والدخان وأكل القات ،وغير ذلك
من المشروبات المحرمات .
والله تعالى حذرهم ونهاهم عنها ،فقال جل وعل [ :يا أيها الذين
آمنوا إنما الخمر والميسر والنصاب والزلم رجس من عمل
الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع
بينكم العدواة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر
الله وعن الصلة فهل أنتم منتهون ] ،ثم ختم الله عز وجل هذه
اليات بالية الدالة على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه
وسلم لن في طاعتهما الفلح والنجاح ،وفي معصيتهما
الخسران والحرمان ،فقال تعالى [ :وأطيعوا الله وأطيعوا
الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلغ
المبين ] " المائدة . "92، 90،91
1156
5ـ يعتقد من يحتفل بالمولد النبوي أن الرسول صلى الله عليه
وسلم يحضر المولد ،ولهذا يقومون له محيين ومرحبين ،وهذا
من أعظم الباطل وأقبح الجهل ،فإن الرسول صلى الله عليه
وسلم ل يخرج من قبره قبل يوم القيامة ،ول يتصل بأحد من
الناس ،ول يحضر اجتماعهم ،بل هو مقيم في قبره ول يخرج
إلى يوم القيامة وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة
كما قال تعالى [:ثم إنكم بعد ذلك لميتون * ثم إنكم يوم القيامة
تبعثون ] " المؤمنون " 16، 15وقال عليه الصلة والسلم { :أنا
أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة ،وأنا أول شافع وأول
مشفع } ( مسلم ) .
فهذا قول الله تعالى يقول عن نبيه صلى الله عليه وسلم [ :إنك
ميت وإنهم ميتون ] " الزمر " فل إله إل الله ـ أين عقول أولئك
الناس عن قول الله عز وجل ،وقول نبيه صلى الله عليه وسلم .
ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يستشفعون بالنبي صلى
الله عليه وسلم إذا أجدبوا واحتبس عنهم المطر ،فإنهم يطلبون
من نبيهم أن يدعو الله لهم ،فكان يفعل ،ولكن بعد موته عليه
الصلة والسلم ،لم ينقل عن أحد منهم أنه كان يدعو النبي في
قبره ويستغيث به ،بل كما جاء عن عمر بن الخطاب أنه دعا
العباس عم رسول الله ،فقال :الهم إنا كنا نستشفع بنبينا
فتسقينا ،فها نحن نستشفع بعم نبينا فأسقنا ،فقال :قم يا
عباس فادع الله لنا ،ولم يستشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم
بعد موته ،لنه عرف أنه لم يعد يملك لهم شيئا ً بعد موته .
6ـ ما يحدث في هذه الموالد من دعاء النبي صلى الله عليه
وسلم أو الغلو فيه والتوسل به أو الغلو في الولياء ،وهذا هو
الشرك الكبر المحبط للعمال والمدخل للنيران ـ أعاذنا الله من
ذلك ـ فيحصل فيها دعاء النبي صلى الله عليه وسلم والستعانة
والستغاثة به ،أو طلب المدد منه عليه الصلة والسلم ،واعتقاد
أنه يعلم الغيب ،ونحو ذلك من المور الكفرية التي يفعلها الكثير
من الناس حين احتفالهم بمولد النبي صلى الله عليه وسلم أو
غيره ممن يسمونهم بالولياء .
وإن الله تعالى قد حرم الدعاء لغيره سبحانه ،فالدعاء حق من
حقوقه تعالى فل يُصرف إل لله ،قال تعالى [ :وأن المساجد لله
فل تدعوا مع الله أحدا ً ] " الجن " 18وقال تعالى [ :إن الذين
تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن
كنتم صادقين ] " العراف ، "194وإلى أصحاب العقول والفهام
هذه الية التي تبطل كل المزاعم من أن الموات يسمعون دعاء
الغير ،هذه الية قاطعة وجازمة بأن الميت ل يسمع ول ينفع ول
1157
يضر ،قال تعالى [ :والذين تدعون من دونه ما يملكون من
قطمير * إن تدعوهم ل يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا
لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ول ينبئك مثل خبير ] " فاطر
13ـ ، " 14فمن دعا غير الله عز وجل بجلب نفع أو دفع ضر أو
غير ذلك فقد أشرك بالله شركا ً أكبر مخرجا ً من الملة ،فل يُدعى
إل الله عز وجل لنه سبحانه بيده دفع الضر وكشفه وإسباغ
النعمة وإفاضة الخير على عباده وغير ذلك من المور التي ل
يقدر عليها إل الله .
وقال جل وعل [ :ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من ل
يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا
حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ] " الحقاف
، " 6-5وقال النبي صلى الله عليه وسلم لبن عباس رضي الله
عنهما { :إذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله }
( الترمذي ) .
فل يسأل النسان إل ربه ،ول يستعين إل به ،فهو سبحانه الذي
يستطيع النفع والضر وبيده خزائن كل شيء ،لذلك قال تعالى :
{ وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن
عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ] " غافر ، "60وقال تعالى :
[ قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فل يملكون كشف الضر عنكم
ول تحويل ً ] " السراء . "56
ولو كان أولئك الموات يملكون نفعا ً أو ضرا ً لنفعوا أنفسهم ولما
ما توا ،ولدفعوا عن أنفسهم الموت وما يحصل بهم من ضر ،
فكيف ينفعون غيرهم أو يضرونهم ـ فعجبا ً !! لولئك الناس الذين
تركوا عقولهم سلعة رخيصة يلعب بها شياطين النس والجن ،
حتى ضلوا عن جادة الصواب ،فعبدوا العباد ،بدل ً من أن يعبدوا
رب العباد ،واتجهوا إلى عبادة القبور والضرحة التي ل تنفع ول
تضر فما هي إل كومة من تراب ولو قدر الله عز وجل وبعث أحد
أولئك الموات ،ووجد الناس رجال ً ونساءً جماعات وفرادى
يطوفون حول قبره ويتبركون به ويطلبون المدد منه ويذبحون
تقربا ً إليه ،والله لما وسعه إل أن يدعوهم إلى عبادة الله ولبين
لهم أنه إنسان مثلهم ل ينفع ول يضر وإل لنفع نفسه قبل ذلك ،
ولو وجدهم على حالهم هذه لسخر منهم واستهزأ بهم ولتبرأ إلى
الله مما يفعلون ،فالله عز وجل أنعم عليهم بنعم شتى ،فوهبهم
العقل والسمع والبصر ،ومع ذلك فنهم كالنعام بل هم أضل
سبيل ،يعرفون الباطل فل يجتنبونه ،ويعرفون الحق فل يتبعونه
وقد قال لهم ربهم [ :وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون ] "
الذاريات . " 56
1158
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { :من مات وهو
يدعو لله ندا ً دخل النار } ( أحمد والبخاري ) ،وفي رواية مسلم
{ :من لقي الله ل يشرك به شيئا ً دخل الجنة ،ومن لقيه يشرك
به شيئا ً دخل النار } .
وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن تعظيمه فقال { :ل
تعظموني كما يعظم العاجم بعضها بعضا } ( مسلم وأبو داود
وابن ماجة ) ،وقال صلى الله عليه وسلم { :لعن الله اليهود
والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد } ( في الصحيحين ) ،
قالت عائشة رضي الله عنها { :يحذر ما صنعوا ولول ذلك لبرز
قبره ولكن خشي أن يتخذ مسجدا ً } .وقال عليه الصلة والسلم
{ :أل وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم
مساجد أل فل تتخذوا القبور مساجد فإني أنها كم عن ذلك }
( مسلم ) ،وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم { :ل
تجلسوا على القبور ول تصلوا إليها } .وروى أهل السنن عن بن
عباس رضي الله عنهما قال { :لعن رسول الله صلى الله عليه
وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج } ،
وذكرت أم سلمة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه
وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور ،فقال :
{ أولئك إذا مات فيهم الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره
مسجدا ً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله }
( البخاري ومسلم ) .
وقال صلى الله عليه وسلم { :ول تجعلوا قبري عيدا ً } ( أبو
داود ) وروى مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال { :اللهم ل تجعل قبري وثنا ً يُعبد ،اشتد غضب الله
على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد } وقال صلى الله عليه
وسلم { :ل تطروني كما أطرت النصارى بن مريم ،إنما أنا
عبد ،فقولوا عبد الله ورسوله } ( البخاري ) .
فيحرم الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم أو التوسل به أو
دعاؤه أو طلب المدد منه صلى الله عليه وسلم فهو ميت وقد
قال تعالى [ :إنك ميت وإنهم ميتون } " الزمر " 30وقال تعالى :
[ وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفأين مت فهم الخالدون ] "
النبياء ، " 34فإذا كان هذا يحرم مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم فغيره من باب أولى ،لنهم ل ينفعون ول يضرون فيحرم
الطواف حول قبور أولئك الموات ويحرم الذبح عندها أو التقريب
لها ،أو طلب المدد منها أو التبرك بها والتمسح بها أو غير ذلك
من المور المحرمة ،فكل من فعل ذلك فهو داخل في قوله
تعالى [ :إن الله ل يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن
1159
يشاء ] " النساء " 116وقوله تعالى [ :وقدمنا إلى ما عملوا من
عمل فجعلناه هباءً منثورا ً ] " الفرقان ، "23وقوله تعالى :
[ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون
صنعا ً ] " الكهف ، "104لنهم خالفوا ما خلقوا من أجله وهو عبادة
الله وحده ل شريك له .
فاجتماع الناس لحياء ليلة المولد وقراءة قصته صلى الله عليه
وسلم بدعة محدثة منكرة في دين الله عز وجل ،ومن أباطيلهم
وكذبهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر هذه المجالس ،
فالنبي صلى الله عليه وسلم قد توفي وغسل وكفن وصلي عليه
صلة الجنازة ودفن كغيره ،وهو أول من يبعث يوم القيامة من
قبره .
ومن البدع المنكرة التي يجب إنكارها ،الحتفال بالنصف من
شعبان ،وعيد الميلد ،وبلوغ الشخص 21سنة وعيد الم وغير
ذلك من البدع التي أحدثها أعداء الله ليشوشوا على المسلمين
عقيدتهم ويبعدوهم عن دينهم فيقعوا فريسة لهواء العداء ،
فأين أفئدتهم وأبصارهم .
فقد نقل الصحابة رضوان الله عليهم ،عن نبيهم صلى الله عليه
وسلم كل شئ تحتاجه المة ولم يفرطوا في شئ من الدين ،بل
هم السابقون إلى كل خير فلو كان الحتفال بمولده مشروعاً
لكانوا أسبق الناس إليه ،والنبي صلى الله عليه وسلم أنصح
الناس ،وقد بلغ البلغ المبين ،ولم يترك طريقا ً يوصل إلى الجنة
،ويباعد من النار إل بينه للمة ،كما قال صلى الله عليه وسلم :
{ ما بعث الله من نبي إل كان حقا ً عليه أن يدل أمته على خير
ما يعلمه لهم ،وينذرهم شر ما يعلمه لهم } ( مسلم ) وقال
تعالى [ :لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان
يرجوا الله واليوم الخر وذكر الله كثيرا ً ] " الحزاب "21وقال
تعالى [ :والسابقون الولون من المهاجرين والنصار والذين
اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات
تجري تحتها النهار خالدين فيها أبدا ً ذلك الفوز العظيم ] " التوبة
. " 100
وقال صلى الله عليه وسلم { :إياكم والغلو في الدين فإنما
أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين } .فلو كان تعظيم هذا
المولد والحتفال به من دين الله ،لفعله النبي صلى الله عليه
وسلم ولم يكتمه ،فلما لم يقع شئ من ذلك ،ع ُلم أن الحتفال
بهذا المولد وتعظيمه ليس من السلم في شئ فهو بدعة منكرة
في دين الله عز وجل ما أنزل الله بها من سلطان ،ولم يأذن بها
الله تعالى ،فقد أكمل الله تعالى الدين وأتم النعمة على عباده :
1160
[ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم
السلم دينا ً ] " المائدة ، " 3وقال تعالى [ :أم لهم شركاء
شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولول كلمة الفصل
لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم } " الشورى ." 21
وقال صلى الله عليه وسلم { :من أحدث في أمرنا هذا ما ليس
منه فهو رد } ( متفق عليه ) ،وقال عليه الصلة والسلم :
{ من عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رد } ( مسلم ) وفي
صحيح مسلم ،قال صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة :
{ أما بعد :فإن خير الحديث كتاب الله ،وخير الهدي هدي محمد
صلى الله عليه وسلم ،وشر المور محدثاتها وكل بدعة ضللة }
وزاد النسائي بسند جيد { :وكل ضللة في النار } .وعن
العرباض بن سارية رضي الله عنه أنه قال :وعظنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت
منها العيون ،فقلنا :يا رسول الله كأنها موعظة مودع ،فأوصنا :
{ أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ،وإن تأمر عليكم عبد ،
فإنه من يعش منكم فسيرى اختلفا ً كثيرا ً ،فعليكم بسنتي وسنة
الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي ،تمسكوا بها وعضوا عليها
بالنواجذ ،وإياكم ومحدثات المور ،فإن كل محدثة بدعة وكل
بدعة ضللة } ( أحمد وغيره ) .
فلقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ،وأصحابه والسلف
الصالح التحذير من البدع ،والترهيب منها ،وذلك لنها زيادة في
دين الله عز وجل ،وفي البدع تشبه بأعداء الله من اليهود
والنصارى في زيادتهم وابتداعهم في دينهم زيادة لم يأذن بها الله
،ففي ذلك من الفساد العظيم والمنكر الشنيع ما ل يعلم إل به
الله .
وفي تلك البدع والحتفالت مصادمة لكتاب الله وسنة نبيه صلى
الله عليه وسلم .
أسأل الله تعالى أن يمن علينا بالعلم النافع ،والعمل الصالح ،
وأن يجنبنا البدع الظاهرة والباطنة ،وأن يتم علينا نعمة الدين
المستقيم ،دين السلم الحنيف ،إنه ولي ذلك والقادر عليه .
والحمد لله رب العالمين ،والصلة والسلم على أشرف الخلق
أجمعين ،نبينا محمد المين
--------------------
.8شهر ربيع الول
أول من أحدث بدعة المولد النبوي:
ل شك أن الصحابة رضي الله عنهم هو أشد الناس محبة
للرسول صلى الله عليه وسلم وأحرصهم على اتباعه وأعلم
1161
الناس بالسنة ،وهم رضي الله عنهم مع حرصهم وشدة محبتهم
للنبي صلى الله عليه وسلم لم يؤثر عنهم على الطلق إن أحدا
منهم احتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ،ولم يؤثر كذلك
عن القرون المفضلة الولى أن أحدا احتفل بالمولد .فلم تسجل
حادثة واحدة في كتب التاريخ تدل على وجود مثل هذا المر في
تلك القرون .
ما يعني أن أمر هذا الحتفال استحدث بعد هذه القرون المفضلة
.
وأول من أحدث هذه البدعة هم الباطنية وبالخص قوم يعتبرون
من المؤسسين للدعوة الباطنية يقال لهم بني القداح ويسمون
أنفسهم بالفاطميين ،وينتسبون زورا ً إلى ولد علي بن أبي طالب
رضي الله عنه ،فجدهم هو ميمون ابن ديصان القداح وكان
مولى لجعفر بن محمد الصادق وميمون هذا من الهواز وهو أحد
مؤسسي المذهب الباطني الخبيث وذلك بالعراق ،ثم ارتحل إلى
المغرب ،وانتسب هناك إلى عقيل بن أبي طالب وزعم أنه من
نسله ،فلما دخل في دعوته قوم من غلة الرافضة ادعى أنه من
ولد محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق فقبلوا ذلك منه على
الرغم من أن محمد ا بن إسماعيل بن جعفر الصادق مات وليس
ذرية .وممن تبع ابن ديصان القداح رجل يقال له :حمدان قرمط
وإليه تنسب القرامطة .
ثم لما توالت اليام ظهر المعروف منهم بسعيد بن الحسين بن
أحمد بن عبدالله بن ميمون بن ديصان القداح فغير اسمه ونسبه
وقال لتباعه :أنا عبيد الله بن الحسن بن محمد بن إسماعيل بن
جعفر الصادق فظهرت فتنته بالمغرب .
قال ابن خلكان في وفيات العيان( :وأهل العلم بالنساب من
المحققين ينكرون دعواه في النسب).
وفي سنة 402هـ كتب جماعة من العلماء والقضاة ،والشراف
والعدول والصالحين والفقهاء والمحدثين ،محاضر تتضمن الطعن
والقدح في نسب الفاطميين – العبيديين -وشهدوا جميعا أن
الحاكم بمصر هو :منصور بن نزار الملقب ب" الحاكم " حكم
الله عليه بالبوار والخزي والدمار – ابن معد بن إسماعيل بن
عبدالله بن سعيد –ل أسعده الله – فإنه لما صار إلى بلد المغرب
تسمى بعبيد الله ،وتلقب بالمهدي ،وأن من تقدم من سلفه
أدعياء خوارج ،ل نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب رضي
الله عنه .ول يتعلقون بسبب وأنه منزه عن باطلهم ،وأن الذي
ادعوه إليه باطل وزور .وأنهم ل يعلمون أحدا من أهل بيوتات
علي بن أبي طالب رضي الله عنه توقف عن إطلق القول في
1162
أنهم خوارج كذبه ،وقد كان هذا النكار لباطلهم شائعا في
الحرمين ،وفي أول أمرهم بالمغرب ،منتشرا انتشارا يمنع أن
يدلس أمرهم على أحد ،أو يذهب وهم إلى تصديقهم فيما ادعوه
،وأن هذا الحاكم بمصر –هو و سلفه – كفار فساق فجار ،
ملحدون زنادقة ،معطلون ،وللسلم جاحدون ،ولمذهب
المجوسية والثنوية معتقدون ،وقد عطلوا الحدود ،وأباحوا
الفروج ،وأحلوا الخمر ،وسفكوا الدماء ،وسبوا النبياء ولعنوا
السلف ،وادعوا الربوبية ،كتب في سنة 402هجرية وقد كتب
خطه في المحضر خلق كثير .ا.هـ
فأول من قال بهذه البدعة – بدعة الحتفال بالمولد النبوي – هم
الباطنية الذين أرادوا أن يغيّروا على الناس دينهم ،وأن يجعلوا
فيه ما ليس منه ؛ لبعادهم عما هو من دينهم فإشغال الناس
بالبدع طريق سهل لماتة السنة ،والبعد عن شريعة الله
السمحة وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المطهرة.
وقد كان دخول العبيديين مصر سنة 362هـ في الخامس من
رمضان ،وبدعة الحتفال بالمولد عموما ،ومولد النبي صلى الله
عليه وسلم خصوصا إنما ظهرت في عهد العبيديين ،ولم يسبقهم
أحد إلى ذلك .
قال المقريزي ( :ذكر التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها
أعيادا ومواسم تتسع بها أحوال الرعية وتكثر نعمهم وكان للخلفاء
الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم وهي ) :
• موسم رأس السنة
• وموسم أول العام
• ويوم عاشوراء
• ومولد النبي صلى الله عليه وسلم
• ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه
• ومولد الحسن رضي الله عنه
• ومولد الحسين رضي الله عنه
• ومولد فاطمة الزهراء رضي الله عنها
• ومولد الخليفة الحاضر
• وليلة أول رجب
• وليلة النصف من رجب
• وليلة أول شعبان
• وليلة النصف من شعبان
• وموسم ليلة رمضان
• وغرة رمضان
• وسماط رمضان
1163
• وليلة الختم
• وموسم عيد لفطر
• وموسم عيد النحر
• وعيد الغدير
• وكسوة الشتاء
• وكسوة الصيف
• وموسم فتح الخليج
• ويوم النيروز
• ويوم الغطاس
• ويوم الميلد
• وخميس العدس
• وأيام الركوبات
ثم تكلم المقريزي عن كل موسم من هذه المواسم ،ومراسم
الحتفال فيه .
فهذه شهادة ظاهرة واضحة من المقريزي – وهو من المثبتين
انتسابهم إلى ولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن
المدافعين عنهم – أن العبيديين هم سبب البلء على المسلمين
وهم الذين فتحوا باب الحتفالت البدعية على مصراعيه ،حتى
إنهم كانوا يحتفلون بأعياد المجوس والمسيحيين وهذا من الدلة
على بعدهم عن السلم ومحاربتهم له ،وإن لم يجهروا بذلك
ويظهروه .
وفي ذلك دليل أيضا على أن إحياءهم للموالد الستة المذكورة
ومنها مولد النبي صلى الله عليه وسلم ليس محبة له صلى الله
عليه وسلم كما يزعمون وكما يظهرون للعامة والسذج من
الناس ،وإنما قصدهم بذلك نشر خصائص مذهبهم السماعيلي
الباطني ،وعقائدهم الفاسدة بين الناس ،وإبعادهم عن الدين
الصحيح ،والعقيدة السليمة بابتداعهم هذه الحتفالت ،وأمر
الناس بإحيائها ،وتشجيعهم على ذلك وبذل الموال الطائلة في
سبيل ذلك .
موقف أهل السنة والجماعة من بدعة المولد
اتفق العلماء من السلف الصالح -رحمهم الله – على أن
الحتفال بالمولد النبوي وغيره من المواسم غير الشرعية ،أمر
محدث مبتدع في الدين ،ولم يؤثر ذلك عن النبي صلى الله عليه
وسلم ول عن أصحابه ،ول عن التابعين وتابعيهم ،ول علماء
المة المشهورين كالئمة الربعة ونحوهم .
قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله تعالى :
1164
(وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع
الول ،التي يقال إنها ليلة المولد ،أو بعض ليالي رجب ،أو ثامن
ذي الحجة ،أو أول جمعة من رجب ،أو ثامن شوال الذي يسميه
الجهال عيد البرار ،فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ،ولم
يفعلوها ،والله سبحانه وتعالى أعلم).
وقال – أيضا – في – " اقتضاء الصراط المستقيم " (( :فصل..
ومن المنكرات في هذا الباب :سائر العياد والمواسم المبتدعة ،
فإنها من المنكرات المكروهات سواء بلغت الكراهة التحريم ،أو
لم تبلغه ؛ وذلك أن أعياد أهل الكتاب والعاجم نهي عنها ؛
لسببين :
أحدهما :أن فيها مشابهة للكفار .
والثاني :أنها من البدع .فما أحدث من المواسم والعياد هو
منكر ،وإن لم يكن فيها مشابهة لهل الكتاب ؛ ))
وقد ذكر رحمه الله تعالى توجيه ذلك فقال (( :أن ذلك داخل في
مسمى البدع والمحدثات ،فيدخل فيما رواه مسلم في صحيحه
عن جابر – رضي الله عنهما – قال كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا خطب احمّرت عيناه ،وعل صوته ،واشتد غضبه ،
حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ،ويقول :؛" بعثت
أنا والساعة كهاتين – ويقرن بين إصبعيه :السبابة والوسطى -
ويقول ":أما بعد ،فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي
محمد ،وشر المور محدثاتها ،وكل بدعة ضللة " وفي رواية
للنسائي" :وكل ضللة في النار")).
وبين رحمه الله تعالى أن الزمان ثلثة أنواع ويدخل فيها بعض
أعياد المكان والفعال:
أحدها :يوم لم تعظمه الشريعة السلمية أصل ،ولم يكن له ذكر
في السلف ،ول جرى فيه ما يوجب تعظيمه ،مثل أول خميس
من رجب ،وليلة تلك الجمعة التي تسمى الرغائب .
النوع الثاني :ما جرى فيه حادثة كما كان يجري في غيره ،من
غير أن يوجب ذلك جعله موسما ،ول كان السلف يعظمونه :
كثامن عشر ذي الحجة الذي خطب النبي صلى الله عليه وسلم
بغدير خم مرجعه من حجة الوداع ...
وكذلك ما يحدثه بعض الناس :إما مضاهاة للنصارى في ميلد
عيسى عليه السلم ،وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم ،
والله قد يثيبهم على هذه المحبة والجتهاد ل على البدع – من
اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدا مع اختلف الناس
في مولده ،فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له
وعدم المانع فيه لو كان خيرا ،ولو كان خيرا محضا أو راجحا
1165
لكان السلف – رضي الله عنهم – أحق به منا ،فإن كانوا أشد
محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له منا ،وهم
على الخير أحرص .وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته
وطاعته واتباع أمره ،وإحياء سنته ظاهرا وباطنا ،ونشر ما بعث
به ،والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان ،فإن هذه طريقة
السابقين الولين من المهاجرين والنصار ،والذين اتبعوهم
بإحسان .
وأكثر هؤلء الذين تجدهم حّراصا على أمثال هذه البدع – مع ما
لهم فيها من حسن القصد والجتهاد – تجدهم فاترين في أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أمروا بالنشاط فيه ،وإنما
هم بمنزلة من يزخرف المسجد ول يصلي فيه ،أو يصلي فيه
قليل ،وبمنزلة من يتخذ المسابيح والسجادات المزخرفة ،
وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي تُشرع ،ويصحبها من الرياء
والكبر والشتغال عن المشروع بما يفسد حال صاحبها .
المراجع :
• كتاب لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف لبن
رجب الحنبلي
• كتاب البدع الحولية لعبد الله بن عبد العزيز التويجري
المصدر المفكرة السلم
--------------------
.9المولد النبوي بين المشروعية والبدعية
المولد النبوي بين المشروعية والبدعية
فهد عبد الله
الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على سيدنا محمد وعلى
آله وصحبه وسلم وبعد.
فمع كل إقبال شهر ربيع الثاني يثار الجدل والنقاش حول
مشروعية الحتفال بمولد النبي من عدم مشروعيته وتكثر
الرسائل والكتب من الطرفين المجيزين والمانعين وتتنوع بين
الصغيرة والكبيرة والمطولة والمختصرة ،ومع هذا فقد أحببت أن
أدلي بدلوي في هذا الموضوع وأن أوضح بعض القضايا التي أرى
من الضروري فهمها واستيعابها وتجليتها وبيانا للحق وكشفا لغيره
مما قد يلبس لبوس الحقيقة وهو عنها بمعزل.
وقد قسمت البحث إلى :
المقدمة :فقبل أن أدخل في صلب الموضوع مهدت له بجملة
تمهيدات هي في الحقيقة مقدمات ضرورية ومفيدة يظهر من
خللها حكم المولد وترسم الطريق لكيفية التعامل مع هذه
المسألة وغيرها مما يقاربها أو يشابهها .
1166
الفرع الول :أدلة المانعين.
الفرع الثاني :أدلة المجيزين.
الفرع الثالث :القول الراجح.
الخاتمة.
المقـدمة
وهنا أذكر بعض القضايا التي تصور بعض جوانب هذه المسألة
وتساعد على فهمها وإعطائها الحكم الصائب.
-1تاريخ المولد النبوي:
يرجع البعض الحتفال بالمولد النبوي إلى الدول الباطنية والتي
يسميها أتباعها بالفاطمية والتي حكمت مصر ردحا من الزمن
وكانت هذه الدولة تعتنق الدين السماعيلي وينتسب قادتها إلى
شخص يسمى عبيد الله بن ميمون القداح يذكر عنه بعض
المؤرخين بأنه مجوسي دس نفسه في المسلمين مريدا زعزعة
دينهم وخلخلته من الداخل بإحداث بعض البدع والخرافات
والعقائد المناقضة للسلم.
ويذكرون أن الدولة الباطنية أحدثت المولد النبوي ضمن موالد
واحتفالت وأعياد أخرى كثرت مع الزمن ونكتفي بذكر الموالد
التي نقل احتفالهم بها وهي :مولد النبي ،ومولد علي بن أبي
طالب رضي الله عنه ،ومولد الحسن والحسين ،ومولد فاطمة
الزهراء عليها السلم ،ومولد الخليفة الحاضر []1
في حين يرجع آخرون وهم المؤيدون للمولد بأن أول من عمله
لم يكن باطنيا أو إسماعيليا بل كان ملكا عادل ويعرف بالمظفر
أبي سعيد ملك إربل وحكي عنه أنه في بعض الموالد كان يمد
في السماط خمسة آلف رأس مشوى ،وعشرة آلف دجاجة
ومائة ألف زبدية ،وثلثين ألف صحن حلوى وأنه كان يحضر عنده
في هذه الموالد أعيان العلماء(!) والصوفية فيخلع عليهم ويطلق
لهم ويعمل للصوفية سماعا من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه
معهم(!!!)[ ،]2ولكن مما أيد به أصحاب القول الول قولهم أن
تاريخ فعل هذا الملك متأخر عن فعل الباطنية مما يعني أنهم أول
من أحدثه ،وأن هذا الملك فلدهم جهل.
وعلى كل فالجميع متفقون على أنه جاء متأخرا بحيث مرت
القرون الثلثة الولى وهي القرون المفضلة دون ذكر للحتفال
بالمولد أو إقامته ،وهذا هو المطلوب أي القرار بأن المولد حدث
متأخرا ،لننا سنبني على هذا شيئا آخر ،ول يهمنا في هذا المقام
كون أول من احتفل بالمولد سنيا أو شيعيا ،إنسيا أو جنيا أو
غيره.
1167
وهذا ما صرح به العلماء حيث ذكروا أن الحتفال بالمولد لم يكن
في السلف قال الحافظ السخاوي في فتاويه ":عمل المولد
الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلثة
الفاضلة وإنما حدث بعد".أهـ[]3
وإن مما يجدر ذكره والتنبيه عليه أن فترة ظهور المولد كانت
فترة التقليد وانقضاء المجتهدين ،ومن المعلوم أن استحباب فعل
ما أو إيجابه اجتهاد بل شك؛ لن التقليد هو التزام قول الغير دون
زيادة أو نقصان بخلف الجتهاد الذي يعني بذل الوسع في
استنباط حكم شرعي وهذا بعينه هو ما قالوه بشأن استحباب
المولد فكيف يتواءم هذا مع ما نظروا له من تحريم الجتهاد
وإغلق بابه وشن الغارة على بعض الكابر ممن هو أهل للجتهاد
بتضليله لكونه نزع ربقة التقليد ،إنه حقا لمر غريب ،أقول هذا
وإن كانت قناعتي بأن إقفال باب الجتهاد لم يكن واقعيا إلى حد
كبير فدعوى إغلق باب الجتهاد وانقراض عصر المجتهدين وإن
منعت علماء أكابر من الجتهاد في مسائل مهمة وكانت سيفا
مصلتا على كثيرين إل أنها في الواقع لم تمارس عمليا بشكل
كبير فقد كان الكثير من الفقهاء يجتهدون بل ومن وصموا بأنهم
مقلدين ،ولسنا في مقام بسط هذا إنما أحببت أن أشير إلى هذه
النكتة إذ إن بعضهم مع تحريمه الجتهاد على جلة من العلماء
الكبار إذا به يجتهد هو نفسه ،وللسف أنه حين يجتهد يكون
اجتهاده غالبا مجانبا للصواب فيما يتعلق بما يشابه قضايا المولد
والذكر ونحوها مما له علقة بالتصوف والذي دخلت فيه الكثير
من الدخائل.
-2السنة والبدعة:
كثر الكلم عن البدعة وتعددت تعاريف العلماء لها فمنها المتشابه
ومنها المتغاير ومنها المتداخل ،وقد حاول كل صاحب تعريف أن
يدلل لتعريفه وينقض تعريف الخرين ،والسبب الكبر في هذا
الختلف هو أن كل صاحب تعريف يصوغ تعريفه بما يتلئم
وأقواله الفقهية وتوجهاته الستنباطية والمذهبية فهو يصوغ
التعريف بعين وينظر بالعين الخرى إلى الفروع ،محاول أل يعود
تعريفه بإبطال بعض أقواله وفتاويه أو فتاوى مدرسته الفقهية
التي ينتمي غليها.
ومع هذا تجد أحيانا هذه التعاريف مطاطة عامة ل تستطيع أن
تمسكها ،فإذا ما جئتها من طرف فرت عليك من طرف آخر،
وكمثال على هذا يعرف بعضهم البدعة بأنها "إحداث ما لم يكن
في عهد الرسول ] "[4فترى أن هذا التعريف واسع يشمل كل ما
لم يكن في عهد النبي سواء كان في إطار التعبدات أو
1168
العادات ،وهكذا تجد الكثير من التعاريف ،يرد عليها هذا الشكال
ولهذا تفادا أصحاب التعريف السابق ما قدر يرد على تعريفهم
من إشكالت بأن قسموا البدعة إلى :بدعة حسنة وأخرى سيئة،
وقسمها آخرون كالعز بن عبد السلم وتبعه كثيرون إلى الحكام
الخمسة :واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة ،ولكن يرد
هذا التقسيم حديث" :كل بدعة ضللة وكل ضللة في النار"[]5
ومن المعلوم أصوليا أن (كل) من ألفاظ العموم وأضيفت إلى
نكرة فتعم كل بدعة ،ولهذا فتقسيم البدعة على هذا الشكل
يتناقض تماما والنص النبوي.
والصواب أن البدعة لها إطلقان الول لغوي والثاني شرعي ،
فأما الطلق اللغوي فتعني البدعة إحداث ما ليس له مثال سابق
وفي هذا الطار يدخل تعريف العز ونحو قول عمر رضي الله عنه
بشأن التراويح :نعمت البدعة هذه ،مراده البدعة بالمعنى اللغوي
للبدعة ل المعنى الصطلحي.
فالبدعة بالمعنى اللغوي تشمل ما كان دنيويا كاختراع الكهرباء
والسيارات والطائرات ،إذ كلها أحدثت على غير مثال سابق.
كما يدخل ضمنها المصالح المرسلة كجمع القرآن وتدوين العلوم
وبناء المدارس والربطة ونحوها.
أما المعنى الصطلحي للبدعة فالذي نرتضيه إلى حد كبير هو
تعريف المام الشاطبي في كتابه القيم العتصام والذي عرف
البدعة بأنها "طريقة في الدين مخترعة ،تضاهي الطريقة
الشرعية ،يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية"[]6
فيخرج بهذا التعريف ما كان دنيويا وما كان مصلحة مرسلة.
بقيت نقطة أود توضيحها لها تعلق بموضوع البدعة ويحتج بها
البعض في تجويز واستحباب بدعة ما وهو قولهم :إن له أصل في
السنة كما فعل بعضهم في مسألة المولد بأن قال إنه خرجه
على أصل ثابت في الصحيحين من أن النبي قدم المدينة فوجد
اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا :هو يوم أغرق الله
فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكرا لله تعالى"[.]7
ويكفي في الرد على هذا أن نذكر قصة عبدالله بن مسعود لما
جاء إلى أولئك القوم المتحلقين في المسجد ،ومعهم حصى،
يعدون بها التكبير والتهليل والتسبيح ،فقال لهم ":فعدوا
ن أن ل يضيع من حسناتكم شيءٌ ،ويحكم يا سيئاتكم ،فأنا ضام ٌ
ن،
متوافرو َ أمة محمدٍ! ما أسرع هلكتكم! هؤلء صحابة نبيكم
وهذه ثيابه لم تبل ،وآنيته لم تكسر ،والذي نفسي بيده ،إنكم
من ملةٍ محمدٍ أو مفتتحو باب ضللةٍ. لعلى ملةٍ أهدى ِ
قالوا :والله يا أبا عبد الرحمن؛ ما أردنا إل الخير.
1169
قال :وكم من مريد ٍ للخيرِ لن يصيبه" []8
فرغم أن الشارع قد حث على الذكر ورغب فيه ووردت فيه
الكثير من الدلة الصحيحة والصريحة بما لم يرد شيء منه في
المولد ومع هذا فقد وصفهم ابن مسعود بأنهم لم يصيبوا الخير،
وهذا دليل واضح في المسألة.
ارتكبت الكثير من البدع ونَفَذ َت العديد من الخرافات ،تحت
عنوان له أصل في السنة مع أن ما زعموه أصل ل يتفق مع ما
يفعلوه ،كم أنه لو لم يكن إل تعارض حديث (كل بدعة ضللة)
والذي يدل على التحريم والصل الذي يذكرونه لكان الخذ
بالتحريم هو الصواب وهو ما ذكره العلماء في التعارض من علم
الصول ،هذا إذا تنزلنا وقلنا بوجود تعارض وإل فالمر ليس كذلك
بتاتا.
إن البدعة تعني الستدراك على الشارع بتشريع ما لم يشرعه
َ والله يقول :الْيو َ
متِي ت ع َلَيْك ُ ْ
م نِعْ َ م ُ
م ْ
م وَأت ْ َ ت لَك ُ ْ
م دِينَك ُ ْ مل ْ ُ
م أك ْ َ
َ ْ َ
م السلم دِيناً ]المائدة [3:فدين الله كامل ل يحتاج ت لَك ُ ُ
ضي ُ
وََر ِ
إلى زيادة ،ويكفينا أثر ابن مسعود حيث قال" :اتبعوا ول
تبتدعوا؛ فقد كفيتم ،وكل بدعة ضللة"[.]9
تصوير زائف: -3
يحاول البعض تصوير الخلف بين من يحرمون الحتفال بالمولد
والمجيزين له بأنه خلف بين من يحب النبي ومن ل يحبه بل
تأخذ بعضهم فورة الغضب فيقول :إن بين القوم -أي المحرمين
لهذه البدعة -والنبي شيء وأن غرضهم إنما هو نزع محبة النبي
من القلوب!!! ولست أدري هل كان بين خير القرون ورسول
الله شيء ،وهل أراد سلف المة بعدم احتفاله نزع محبة النبي
من القلوب.
أقول يؤخذ على هذا التصوير وتبعاته الكلمية مآخذ:
ليس من أدب الخلف أن نرمي الخر بمثل هذا الكلم أ-
الذي ل يمت إلى الموضوع بصلة.
يقول سبحانه يعلم خائنة العين وما تخفي الصدور] [10 ب-
فالله وحده هو من يعلم ما تخفيه الصدور وما تنطوي عليه
القلوب ،فقوله بأن غرضهم ...علم بالغيب ورد لهذه الية ،هذا
وقد ثبت في مسلم أن زيد بن ثابت قتل رجل في حرب بعد
نطقه الشهادتين فعنفه رسول الله فقال زيد إنما قالها خوفا من
السلح ،فقال رسول الله :أفل شققت عن صدره"[ ]11ونقول
لهذا القائل أفل شققت عن صدور المخالفين حتى علمت
أغراضهم.
1170
أن الخلف ليس حول مسألة عقدية بل هي مسألة فرعية ت-
هذا في حالة كون بالمولد مجردا عن بدع أخرى لها أحكامها
الخرى ،فتهويلها بالشكل السابق فيه مجانبة للحقيقة بل يزعم
بعضهم بأن المحرمين يقولون بأن من يحتفل بالمولد مشرك!!!
هكذا ولست أدري ما الذي يدفع إلى هذا القول الذي ليس له من
الحقيقة أدنى نصيب.
في قولهم بأن بين المحرمين والنبي شيء...الخ ول ث-
أدري ما هذا الشيء إل أنني استغرب هذه المقولة ممن يدعي
التصوف ويدعو إلى حسن الظن بالمسلمين ومعاملتهم باللين
وعدم رفع الخلفيات والفرعيات إلى القطعيات ونحو هذا الكلم
الذي اكتشفت أخيرا بعده عن واقعه وانعدام أثره في تطبيقه
العملي وما نحن فيه خير مثال على ذلك.
إن المقولة السابقة تعني تكفير المحرمين ،لن من يكون ج-
بينه وبين النبي شيء ويريد أن ينزع محبة النبي من القلوب
فالكفر غير بعيد عليه ،في حين أنه يتهم المحرمين بأنهم هم من
يكفر الناس !!!
عندما يفلس القائل من كل الحجج المقنعة بحيث ل يجد ح-
ما يؤيد مقولته يضطر إلى قول مثل هذا الكلم الدعائي الذي ل
تتوفر فيه المعايير الموضوعية ول ينطلق وفق المناهج العلمية
في التدليل وتنعدم عنده كل أشكال الستدلل.
يريد المجيزون أن يتفهم الخرون موقفهم وهم لم خ-
يتفهموا موقف غيرهم ،فالمحرمون قالوا بتحريم الحتفال
بالمولد بناء على أدلة صحت عندهم والتي سنذكرها لحقا
فاتهامهم بتهم غير لئقة ل يمت إلى التدين ول إلى أدب الخلف
بصلة.
الفرع الول :أدلة المحرمين لقامة المولد النبوي
استدل المحرمون بجملة أدلة أذكرها فيما يلي:
-1أن هذا الفعل لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ول أمر به
ول فعله صحابته ول أحد من التابعين ول تابعيهم ول فعله أحد من
أهل السلم خلل القرون المفضلة الولى وإنما ظهر -كما تقدم-
على أيدي أناس هم أقرب إلى الكفر منهم إلى اليمان وهم
الباطنيون.
إذا تقرر هذا فالذي يفعل هذا المر داخل ضمن الوعيد الذي توعد
الله عز وجل صاحبه وفاعله بقوله (ومن يشاقق الرسول من بعد
ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله
جهنم وساءت مصيرا) والذي يفعل ما يسمى بالمولد لشك انه
متبع لغير سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين وتابعيهم .
1171
-2أن الذي يمارس هذا الفعل واقع فيما حذر منه النبي صلى الله
عليه وسلم حين قال " إياكم ومحدثات المور فإن كل محدثة
بدعة وكل بدعة ضللة" وجاء في رواية أخرى ( وكل ضللة في
النار ).
فقوله (كل بدعة ضللة ) عموم ل مخصص له يدخل فيه كل أمر
مخترع محدث ل أصل له في دين الله والعلماء مجمعون على انه
أمر محدث فصار المر إلى ما قلنا أنه بدعة ضللة تودي بصاحبها
إلى النار أعاذنا الله وإياك منها.
-3أن فاعل هذه البدعة غير مأجور على فعله بل مردود على
صاحبه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من عمل عمل ليس
عليه أمرنا فهو رد) ول يكفي حسن النية بل لبد من متابعة النبي
صلى الله عليه وسلم.
-4قال الله تعالى :اليوم أكملت لكم دينكم أتممت عليكم
نعمتي ورضيت لكم السلم دينا] [12
والقول بأن المولد عبادة يتعبد لله تعالى بها فيه تكذيب بهذه
الية .
كما أن فيه استدراك على الله وعلى رسوله بأنهم لم يدلونا على
هذه العبادة العظيمة التي تقرب إلى الله والرسول .
-5أن فاعل المولد معاند للشرع ومشاق له لن الشارع قد عين
لمطالب العبد طرقا خاصة على وجوه وكيفيات خاصة وقصر
الخلق عليها بالوامر والنواهي وأخبر أن الخير فيها والشر في
مجاوزتها وتركها لن الله اعلم بما يصلح عباده ،وما أرسل
الرسل ول أنزل الكتب إل ليعبدوه وفق ما يريد سبحانه والذي
يبتدع هذه البدعة راد لهذا كله زاعم أن هناك طرقا أخرى للعبادة
وان ما حصره الشارع أو قصره على أمور معينة ليس بلزم له
فكأنه يقول بلسان حاله إن الشارع يعلم وهو أيضا يعلم بل ربما
يفهم أن يعلم أمرا لم يعلمه الشارع.
-6أن في إقامة هذه البدعة تحريف لصل من أصول الشريعة
وهي محبة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه ظاهرا وباطنا
واختزالها في هذا المفهوم البدعي الضيق الذي ل يتفق مع
مقاصد الشرع المطهر إلى دروشة ورقص وطرب وهز للرؤوس
لن الذي يمارسون هذه البدعة يقولون إن هذا من الدلئل
الظاهرة على محبته ومن لم يفعلها فهو مبغض للنبي صلى الله
عليه وسلم
1172
وهذا لشك تحريف لمعنى محبة الله ومحبة رسول لن محبة الله
والرسول تكون باتباع سنته ظاهرا وباطنا كما قال جل وعل قل
إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله] [13
فالذي يجعل المحبة باقامة هذه الموالد محرف لشريعة الله التي
تقول ان المحبة الصحيحة تكون باتباعه صلى الله عليه وسلم ،
بل محو لحقيقة المحبة التي تقرب من الله وجعلها في مثل هذه
الطقوس التي تشابه ما عند النصارى في أعيادهم وبهذا يعلم أنه
( ما أحييت بدعة إل وأميتت سنة ).
-7أن هذا المولد فيه مشابهة واضحة لدين النصارى الذين
يحتفلون بعيد ميلد المسيح وقد نهينا عن التشبه بهم كما قال
صلى الله عليه وسلم "ومن تشبه بقوم فهو منهم"[]15[]14
-8أن الفرح بهذا اليوم والنفقه فيه وإظهار الفرح والسرور فيه
قدح في محبة العبد لنبيه الكريم إذ هذا اليوم باتفاق هو اليوم
الذي توفي فيه النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يفرح فيه.
وأما يوم مولده فمختلف فيه ،فكيف تكون عبادة عظيمة تقرب
إلى الله واليوم الذي يحتفل فيه غير مجزوم به .
ويقول ابن الحاج [ ":]16ثم العجب العجيب كيف يعملون المولد
للمغاني والفرح والسرور لجل مولده عليه الصلة والسلم كما
تقدم في هذا الشهر الكريم وهو عليه الصلة والسلم فيه انتقل
إلى كرامة ربه عز وجل وفجعت المة فيه وأصيبت بمصاب
عظيم ل يعدل ذلك غيرها من المصائب أبدا ً فعلى هذا كان يتعين
البكاء والحزن الكثير وانفراد كل إنسان بنفسه لما أصيب به
."......أهـ
-9اشتمال هذه الموالد على كثير من كبائر وعظائم المور والتي
يرتع فيها أصحاب الشهوات ويجدون فيها بغيتهم مثل :الطرب
والغناء واختلط الرجال بالنساء ،ويصل المر في بعض البلدان
التي يكثر فيها الجهل أن يشرب فيها الخمر وكذلك إظهار ألوان
من الشعوذة والسحر ومن يحضر هذه الماكن بغير نية القربة
فهو آثم مأزور غير مأجور فكيف إذا انضم إليه فعل هذه
المنكرات على أنها قربة إلى الله عز وجل فأي تحريف لشعائر
الدين أعظم من هذا التحريف[.]17
الفرع الثاني :أدلة المجيزين ومناقشتها
استدل الميزون بجملة أدلة نذكرها فيما يلي مع مناقشة وجه
الستدلل:
)1قال تعالى :قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا
[يونس .]58
1173
ي صلى الله عليه جل طلب منا أن نفرح بالرحمة ،والنب ُّ فالله عََّز و َّ
ّ
وسلم رحمة ،وقد قال تعالى :وماأرسلناك إل رحمة للعالمين
[النبياء .]107
الجواب:
بعد الرجوع إلى كتب التفسير المشهورة كتفسير ابن جرير
ومختصره لبن كثير وتفاسير القرطبي والبغوي والبيضاوي
والنسفي وابن الجوزي لم أعثر على شيء من هذا القبيل ويكفي
في توضيح معنى الية أن أذكر كلم شيخ المفسرين إذ لو نقلت
عن الجميع لطال المقام.
قال ابن جرير" :يقول تعالى ذكره لنبيه محمد :قل يا محمد
لهؤلء المكذبين بك ،وبما أنزل إليك من عند ربك :بفضل الله
أيها الناس الذي تفضل به عليكم وهو السلم ،فبينه لكم
ودعاكم إليه ،وبرحمته التي رحمكم بها فأنزلها إليكم ،فعلمكم
ما لم تكونوا تعلمون من كتابه ،فبصركم بها معالم دينكم ؛ وذلك
القرآن .
فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون يقول :فإن السلم
الذي دعاهم إليه والقرآن الذي أنزله عليهم ،خير مما يجمعون
من حطام الدنيا وأموالها وكنوزها ،وبنحو الذي قلنا في ذلك قال
أهل التأويل"[. ]18
يظهر من هذا أن الية تتحدث عن شيء آخر ول يدخل فيها نصا
أو دللة ما ذكروه أن النبي هو المراد بالرحمة هنا ،كما أن في
هذا إغفال تام لسياق الية.
ثم حتى وإن سلمنا بأن المراد بالرحمة هو النبي فما دخل
المولد بالفرح به ،إن المولد يعني الحتفال في يوم معين من
السنة أو بصورة مستمرة بأسلوب مخصوص ،والية تأمر بالفرحة
دون توقيت ،كما أنها فرحة كذلك بما أنزل على النبي من
تشريع والذي هو كذلك رحمة للناس ول علقة للمولد بهذا كله.
)2قال الله تعالى :وكل ً نقص عليك من أنباء الرسل مانثبت
به فؤادك [هود ]120والمولد النبوي الشريف يشتمل على أنباء
النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذكره تثبيت لفئدة المؤمنين.
الجواب:
أول :ل علقة لهذه الية بالمولد كما هو ظاهر.
ثانيا :تثبيت الفؤاد يكون بما ثبت في القرآن والسنة حاشا
الخزعبلت من القصص التي تهز اليمان بدل من تثبيته.
ثالثا :من المعلوم أن السيرة النبوية وذكر قصص النبياء كما هو
وارد في القرآن وصحيح السنة مما هو مطلوب طوال العام
وبدون طقوس ومظاهر خاصة.
1174
)3قوله تعالى حكاية عن عيسى بن مريم عليهما السلم :ربنا
أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا ً لولنا وآخرنا وآية منك
وارزقنا وأنت خير الرازقين [المائدة .]114
وقوله تعالى على لسان سيدنا عيسى عليه السلم :والسلم
ي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا [مريم.]33: عل َّ
هذه الية والتي قبلها وغيرهما من اليات ،حافلة بالشارات إلى
م َّ
ن الله بها ميلد المسيح عليه السلم ،ومدحه ومزاياه التي َ
عليه ،وهي بمجموعها شاهدة وداعية إلى الحتفال بهذا الحدث
العظيم.
ً
وما كان ميلد محمد صلى الله عليه وسلم بأقل شأنا من ميلد
عيسى عليه السلم ،بل ميلد الرسول صلى الله عليه وسلم
أعظم منه ،لنه صلى الله عليه وسلم أكبر نعمة ،فيكون ميلده
أيضا ً أكبر وأعظم.
الجواب:
يجاب عن هذا الستدلل من وجوه:
إننا أمة السلم ليس لنا سوى عيدين ل غير. أ-
الية الولى ل تذكر الحتفال ول تدل عليه ل دللة ول ب-
اقتضاء ،وإنما تتحدث عن المائدة التي أنزلها الله من السماء
لبني إسرائيل من أتباع عيسى.
فيه مشابهة للنصارى ومن المعلوم أن من مقاصد الشرع ت-
مخالفتهم في شعائرهم.
)4قال تعالى :لتؤمنوا بالله ورسوله ،وتعزروه وتوقروه
وتسبحوه بكرة وأصيل [الفتح .]9
الجواب:
ليس من توقيره أن نبتدع في دينه غير ما شرعه وجاء به ،بل
التوقير الحق هو اتباع ما أمر به واجتناب ما نهى عنه وقد نهانا
عن البتداع ،فوجب اتباعه إيمانا وتوقيرا.
ن الله على المؤمنين إذ بعث فيهم )5قال الله تعالى :لقد م َّ
رسول ً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب
والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبين [آل عمران.]164:
)6قوله سبحانه وتعالى :إن الله وملئكته يصلون على النبي
يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما .والحتفال بالمولد
تطبيع النفس على كثرة الصلة عليه صلى الله عليه وسلم رجاء
أن ينطبع حبه وحب آله في القلوب .
)7قوله سبحانه وتعالى :سبحان الذي أسرى بعبده ليل ً من
المسجد الحرام إلى المسجد القصى الذي باركنا حوله لنريه من
آياتنا إنه هو السميع البصير .
1175
الجواب:
كل اليات السابقة ل تدل على مشروعية المولد ،كما أن
المراجع لكتب التفسير يجد لهذه اليات سياقات ودللت أخرى ل
تتفق وما أرادوا التدليل عليه ،وإنني لستغرب كيف حشرت هذه
اليات في غير موضعها للتدليل على ما ل تدل عليه ،وتذكرني
هذه الستدللت بمناظرة جرت لبن حزم مع بعضهم فاستدل
مناظره بآية ل تدل على المراد فما كان من ابن حزم إل أن قال:
إذا كان هذا دليلك فدليلي قل أعوذ برب الناس
)8عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل
ت فيه ،وفيه أنزلعن صوم يوم الثنين فقال" :ذاك يوم ولد ُ
علي" []19
وهذا في معنى الحتفال به إل أن الصورة مختلفة ولكن المعنى
موجود سواء كان ذلك بصيام أو إطعام طعام أو اجتماع على ذكر
أو صلة على النبي أو سماع شمائله الشريفة
الجواب:
أن المولد ليس فيه صيام بل إن القائلين به يكرهون أ-
صيامه ويجعلونه عيدا وينزلون عليه أحكام العيد ويقولون " :يكره
صوم يوم المولد النبوي الشريف للحاقه بالعياد"[ ]20وقال آخر:
" ويكره أيضا صوم يوم المولد النبوي لنه شبيه بالعياد"[]21
أن النبي صام يوم الثنين ،والمولد قد يكون السبت أو ب-
الحد أو غيرهما فهل يستحب صومه ،هم ل يقولون بهذا ول
غيرهم ،وإذا ما قاله بعضهم فهو مخالف لما استدلوا به لن
الدليل في الثنين المتكرر كل أسبوع ل في غيره.
كما أن صومه للثنين لم يكن لشهر ربيع الثاني أو غيره ت-
اختصاص فكيف قصره المجيزون على هذا الشهر.
)9عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :قدم النبي صلى الله
عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسئلوا
عن ذلك فقالوا :هو اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني
إسرائيل على فرعون ،فنحن نصومه تعظيما ً له ،فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " :نحن أولى بموسى منكم" وأمر
بصومه[.]22
الجواب:
أن الرسول قد صام يوم عاشوراء وحث على صيامه فكان
صيامه سنة وهذا لم يحدث بشأن يوم ولدته الذي هو الثاني
عشر من ربيع الول كما يذهب بعضهم إلى هذا ،فهو لم يشرع
فيه شيئا ً فوجب أل نشرع فيه شيئا ل صيام ول قيام فضل عن
الحتفال[.]23
1176
قَ
)10عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ع َ ّ
قَ
عن نفسه بعد النبوة ،مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب ع َ ّ
عنه في سابع ولدته ،والعقيقة ل تعاد مرة ثانية ،فيحمل ذلك
على أن الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم إظهار للشكر
على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين ،وتشريع لمته كما كان يصلي
على نفسه ،لذلك فيستحب لنا أيضا ً إظهار الشكر بمولده
بالجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار
المسرات.
الجواب:
تكلم المام النووي عن هذا الحديث في المجموع فقال" :أما
الحديث الذي ذكره ـ أي الشيرازي ـ في عق النبي عن نفسه
فرواه البيهقي بإسناده عن عبدالله بن محرر بالحاء المهملة
والراء المكررة عن قتادة عن أنس "أن النبي صلى الله عليه
وسلم عق عنه نفسه بعد النبوة" وهذا حديث باطل ،قال
البيهقي هو حديث منكر"[ ]24كما ضعفه الحافظ ابن حجر في
الفتح[ ]25والتلخيص[.]26
" هل ثبت أن العقيقة كانت مشروعة لهل الجاهلية وهم يعملون
بها حتى نقول إن عبد المطلب قد عق عن ابن ولده ؟
ثم هل أعمال أهل الجاهلية يعتد بها في السلم؟ حتى نقول إذا
عق النبي عن نفسه شكرا ً ل قياما ً بسنة العقيقة ،إذا قد عق
عنه ؟
سبحان الله ما أعجب هذا الستدلل وما أغربه ،وهل إذا ثبت أن
النبي ذبح شاة
شكرا ً لله تعالى على نعمة إيجاده وإمداده يلزم من ذلك اتخاذ
يوم ولدته عيدا ً للناس ؟
و لم لم يدع ُ إلى ذلك رسول الله ويبين للناس ماذا يجب
عليهم فيه من أقوال وأعمال ؟ كما بين ذلك في عيدي الفطر
والضحى .
أنسي ذلك أم كتمه ،وهو المأمور بالبلغ ؟
سبحانك اللهم إن رسولك ما نسي ول كتم ولكن النسان كان
أكثر شيء جدلً"[.]27
)10وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :خرج معاوية
على حلقة في المسجد فقال :ما أجلسكم؟ قالوا :جلسنا نذكر
الله ،قال :آلله ما أجلسكم إل ذاك؟ قالوا :والله ما أجلسنا إل
ذاك ،قال :أما إني لم أستحلفكم تهمة لهم ،وما كان أحد بمنزلتي
من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عنه حديثا ً مني ،وإن
رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه
1177
فقال :ما أجلسكم؟ قالوا :جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا
ن به علينا .قال :آلله ما أجلسكم إل ذاك؟ قالوا :والله للسلم وم َّ
ما أجلسنا إل ذاك .قال :أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ،ولكنه
أتاني جبريل فأخبرني أن الله عَّز وجل يباهي بكم الملئكة"[.]28
)11عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجل ً من اليهود قال
له :يا أمير المؤمنين ،آية في كتابكم ،لو علينا معشر اليهود نزلت
لتخذنا ذلك اليوم عيداً .فقال :أي آية؟ قال :اليوم أكملت لكم
دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم ديناً [المائدة
.]3
فقال عمر :إني لعلم اليوم الذي نزلت فيه ،والمكان الذين
نزلت فيه ،ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم بعرفة يوم
الجمعة[.]29
الجواب:
في هذا اتباع لليهودي الذي ذكر طبعهم من كونهم يحتفلون
بالوقائع والحوادث والذي يريد منا المستدل بهذا الدليل أن
نتبعهم فيه ،ولم يلق بال إلى أن عمر رضي الله عنه رغم معرفته
بزمان ومكان نزول الية إل أنه لم يكترث لقول اليهودي ولم
يدفعه هذا لن يحتفل بذلك اليوم ول غيره ،فيا ترى أمرنا باتباع
بهدي الخلفاء الراشدين أم بمقولت اليهود ،أم أن اليهودي كان
أفقه من عمر وصحب رسول الله !!!
)12إن الحتفال بالمولد يشتمل على كثير من أعمال البر
كالصلة على النبي صلى الله عليه وسلم والذكر والصدقة،
ومدح وتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم ،وذكر شمائله
ل هذا مطلوب شرعا ً ومندوب إليه. الشريفة وأخباره المنيفة ،وك ُّ
وما كان يبعث ويساعد على المطلوب شرعا ً فهو مطلوب ،لذا
قال تعالى مخبرا ً أنه هو وملئكته يصلون على النبي :إن الله
وملئكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا
تسليما [الحزاب .]56
الجواب:
قد يحتوي المولد على ما هو مرغب فيه كالصلة على النبي صلى
الله عليه وسلم وسماع بعض الفوائد العلمية وقراءة سيرته
صلى الله عليه وسلم ،وهذه كلها مرغب فيها بل شك ،ولهذا ليس
الشكال هنا بل في نقطة أخرى وهي تخصيص أسلوب ووقت
وهيئة مخصوصة بحيث يصبح الذكر والصلة على النبي مع غيرها
بمثابة عمل واحد له صفته المخصوصة التي يتقرب بها على جهة
التعبد ،وهذا هو ما أخرج المولد من المشروعية إلى البدعية.
1178
الفرع الثالث :سبب الخلف والترجيح:
أول :سبب الخلف:
من خلل ذكر أدلة الفريقين يظهر أن الخلف في مسألة المولد
تنبع من سببين:
الول :هل الحتفال بالمولد يسلك به مسلك