You are on page 1of 1373

‫فضائل الرسول صلى الله عليه وسلم‬

‫ومناقبه وحقوقه(‪)5‬‬

‫الباب السادس‪ -‬دلئل ومعجزات النبوة‬


‫شبهات وأباطيل‬
‫قصة الصراع بين الحق والباطل والخير والشر قصة قديمة بدأت‬
‫فصولها مع بداية وجود النسان على الرض‪ ،‬وسوف تتواصل‬
‫فصولها طالما كان هناك إنسان في هذا الوجود‪.‬‬
‫وعندما ظهر السلم منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان لم‬
‫يتوقف سيل الشبهات التي يثيرها المشككون من خصوم هذا‬
‫الدين تشكيكا في مصادره أو في نبيه أو في مبادئه وتعاليمه‪ .‬ول‬
‫تزال الشبهات القديمة تظهر حتى اليوم في أثواب جديدة يحاول‬
‫مروجوها أن يضيفوا عليها طابعا علميا زائفا‪.‬‬
‫ومن المفارقات الغريبة في هذا الصدد أن يكون السلم – وهو‬
‫الدين الذي ختم الله به الرسالت ‪ ،‬وكان آخر حلقة في سلسلة‬
‫اتصال السماء بالرض – قد اختص من بين كل الديانات التي‬
‫عرفها النسان سماوية كانت أم أرضية بأكبر قدر من الهجوم‬
‫وإثارة الشبهات حوله‪.‬‬
‫ووجه الغرابة في ذلك يتمثل في أن السلم في الوقت الذي جاء‬
‫فيه يعلن للناس الكلمة الخيرة لدين الله على لم ينكر أيا من‬
‫أنبياء الله السابقين ول ما أنزل عليهم من كتب سماوية ‪ ،‬ولم‬
‫يجبر أحد من أتباع الديانات السماوية السابقة على اعتناق‬
‫السلم ‪ .‬ولم يقتصر المر على عدم النكار ‪ ،‬وإنما جعل السلم‬
‫اليمان بأنبياء الله جميعا وما أنزل عليهم من كتب عنصرا أساسيا‬
‫من عقيدة كل مسلم بحيث ل تصح هذه العقيدة بدونه‪.‬‬
‫ومن شأن هذا الموقف المتسامح للسلم إزاء الديانات السابقة‬
‫أن يقابل بتسامح مماثل وأن يقلل من عدد المناهضين للسلم‪.‬‬
‫ولكن الذي حدث كان على العكس من ذلك تماما‪ .‬فقد وجدنا‬
‫السلم – على مدى تاريخه – يتعرض لحملت ضارية من كل‬
‫اتجاه ‪ .‬وليس هناك في عالم اليوم دين من الديان يتعرض لمثل‬
‫ما يتعرض له السلم في العلم الدولي من ظلم فادح‬
‫وافتراءات كاذبة‪.‬‬
‫وهذا يبين لنا أن هناك جهل فاضحا بالسلم وسوء فهم لتعاليمه‬
‫سواء كان ذلك بوعي أو بغير وعى ‪ ،‬وأن هناك خلطا واضحا بين‬

‫‪1‬‬
‫السلم كدين وبعض التصرفات الحمقاء التي تصدر من بعض‬
‫أبناء المسلمين باسم الدين وهو منها براء‪.‬‬
‫ومواجهة ذلك تكون ببذل جهود علمية مضاعفة من اجل توضيح‬
‫الصورة الحقيقة للسلم ‪ ،‬ونشر ذلك على أوسع نطاق‪.‬‬
‫ولم يقتصر علماء المسلمين على مدى تاريخ السلم في القيام‬
‫بواجبهم في الرد على هذه الشبهات كل بطريقته الخاصة‬
‫وبأسلوبه الذي يعتقد أنه السبيل القوم للرد ‪ ،‬وهناك محاولت‬
‫جادة بذلت في الفترة الخيرة للدفاع عن السلم في مواجهة‬
‫حملت التشكيك‪.‬‬
‫وسنعرض لبعض الشبهات التي أثارها الحاقدون والرد عليها‬
‫بالحجة الدامغة‪.‬‬
‫الشبهة الولى‪ :‬حول عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫وموقف القرآن من العصمة‪:‬‬
‫هناك من ل يعترفون بأن الرسول معصوم عن الخطأ ‪ ،‬ويقدمون‬
‫الدلة على ذلك بسورة [عبس وتولى] وكذلك عندما جامل‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬زوجاته ‪ ،‬ونزلت الية الكريمة‬
‫التي تنهاه عن ذلك‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وكذلك عصمة كل‬
‫الرسل ‪ -‬عليهم السلم ‪ -‬يجب أن تفهم في نطاق مكانة‬
‫حى إليه‪ ..‬أي أنه ‪-‬‬ ‫الرسول‪ ..‬ومهمة الرسالة‪ ..‬فالرسول‪ :‬بشر يو َ‬
‫مع بشريته ‪ -‬له خصوصية التصال بالسماء ‪ ،‬بواسطة الوحي‪..‬‬
‫ولذلك فإن هذه المهمة تقتضى صفات يصنعها الله على عينه‬
‫فيمن يصطفيه ‪ ،‬كي تكون هناك مناسبة بين هذه الصفات وبين‬
‫هذه المكانة والمهام الخاصة الموكولة إلى صاحبها‪.‬‬
‫والرسول مكلف بتبليغ الرسالة ‪ ،‬والدعوة إليها ‪ ،‬والجهاد في‬
‫سبيل إقامتها وتطبيقها‪ ..‬وله على الناس طاعة هي جزء من‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل}‪،‬‬ ‫سو َ‬‫ه وَأطِيعُوا الَّر ُ‬ ‫سبحانه وتعالى – {أطِيعُوا الل ّ َ‬ ‫َ‬
‫طاعة الله ‪-‬‬
‫َ‬
‫ل فَقَد ْ أطَاعَ‬ ‫ل أَطِيعُوا الل ّ‬
‫سو َ‬ ‫ن يُطِِع الَّر ُ‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل}‪{ ،‬‬ ‫سو َ‬ ‫ه وَالَّر ُ‬ ‫َ‬ ‫{قُ ْ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه} ولذلك‬ ‫م الل ُ‬ ‫ه فَاتَّبِعُونِي ي ُ ْ‬
‫حبِبْك ُ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫حبُّو َ‬ ‫ن كُنْت ُ ْ‬
‫م تُ ِ‬ ‫ه}‪{ ،‬قُ ْ‬
‫ل إِ ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫كانت عصمة الرسل فيما يبلغونه عن الله ضرورة من ضرورات‬
‫صدقهم والثقة في هذا البلغ اللهي الذي اختيروا ليقوموا به بين‬
‫سل‬ ‫مْر ِ‬‫الناس‪ ..‬وبداهة العقل ‪ -‬فضل ً عن النقل ‪ -‬تحكم بأن ُ‬
‫الرسالة إذا لم يتخير الرسول الذي يضفي الصدق على رسالته ‪،‬‬
‫كان عابثًا‪ ..‬وهو ما يستحيل على الله‪ ،‬الذي يصطفى من الناس‬
‫رسل ً تؤهلهم العصمة لضفاء الثقة والصدق على البلغ اللهي‪..‬‬
‫حجة على الناس بصدق هذا الذي يبلغون‪.‬‬ ‫وال ُ‬

‫‪2‬‬
‫وفى التعبير عن إجماع المة على ضرورة العصمة للرسول فيما‬
‫يبلغ عن الله‪.‬‬
‫الشبهة الثانية‪ :‬قوم النبي محمد صلى الله عليه وسلم زناة من‬
‫أصحاب الجحيم!‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫ما ذنب النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يقع قومه ومن‬
‫أرسل إليهم في خطيئة الزنا أو أن يكونوا من أصحاب الجحيم ؟‬
‫مادام هو صلوات الله وسلمه عليه قد برئ من هذه الخطيئة‬
‫ولسيما في مرحلة ما قبل النبوة ‪ ،‬وكانت مرحلة الشباب التي‬
‫يمكن أن تكون إغراء له ولمثاله أن يقعوا في هذه الخطيئة ؛‬
‫لسيما وأن المجتمع الجاهلي كان يشجع على ذلك وكان الزنا‬
‫فيه من المور العادية التي يمارسها أهل الجاهلية شبانًا وشيبًا‬
‫ضا‪ .‬وكان للزنا فيه بيوت قائمة يعترف المجتمع بها ‪ ،‬وتُعلق‬ ‫أي ً‬
‫على أبوابها علمات يعرفها بها الباحثون عن الخطيئة ‪ ،‬وتعرف‬
‫بيوت البغايا باسم أصحاب الرايات‪.‬‬
‫ومع هذا العتراف العلني من المجتمع الجاهلي بهذه الخطيئة ‪،‬‬
‫ومع أن ممارستها للشباب وحتى للشيب لم تكن مما يكره‬
‫المجتمع أو يعيب من يمارسونه ؛ فإن محمدًا صلى الله عليه‬
‫وسلم لم يقع فيها أبدًا بل شهدت كل كتب السير والتواريخ له‬
‫صلى الله عليه وسلم بالطهارة والعفة وغيرهما من الفضائل‬
‫الشخصية التي يزدان بها الرجال وتحسب في موازين تقويمهم‬
‫وتقديرهم ‪ ،‬وأرسله الله سبحانه ليغير هذا المنكر‪ .‬هذه واحدة‬
‫والثانية‪ :‬أن الرسالة التي دعا بها ودعا إليها محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم حّرمت الزنا تحريما ً قاطعا ً وحملت آياتها في القرآن‬
‫الكريم عقابا ً شديدا ً للزاني والزانية يبدأ بعقوبة بدنية هي أن يجلد‬
‫كل منهما مائة جلدة قاسية يتم تنفيذها علنا ً بحيث يشهدها الناس‬
‫لتكون عبرة وزجرا ً لهم عن التورط فيها‬
‫فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم قد طهر من هذه الخطيئة‬
‫في المجتمع الذي كان يراها عادية ومألوفة ‪ ،‬ثم كانت رسالته‬
‫صلى الله عليه وسلم تحرمها التحريم القاطع والصريح ‪ ،‬وتضع‬
‫مرتكبيها في مرتبة النحطاط والشذوذ عن السوياء من البشر‪..‬‬
‫م يُعَيّر محمد صلى الله عليه وسلم بأن بعض قومه زناة؟!‬ ‫فل ِ َ‬
‫وهل يصح في منطق العقلء أن يعيبوا إنسانا ً بما في غيره من‬
‫العيوب ؟ وأن يحملوه أوزار الخرين وخطاياهم ؟‪.‬‬
‫وهنا يكون للمسألة وجه آخر يجب التنويه إليه وهو خاص‬
‫بالمسئولية عن الخطيئة أهي فردية خاصة بمن يرتكبونها ؟ أم أن‬
‫آخرين يمكن أن يحملوها نيابة عنهم ويؤدون كفارتها ؟ !‬

‫‪3‬‬
‫أن السلم يمتاز بأمرين مهمين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬أن الخطيئة فردية يتحمل من وقع فيها وحده عقوبتها ول‬
‫يجوز أن يحملها عنه أو حتى يشاركه في حملها غيره وصريح‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫سعَهَ َا لَهَا َ‬ ‫ه نَفْسا ً إِل ّ وُ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫آيات القرآن يقول‪{ :‬ل يُكَل ِّ ُ‬
‫س إ ِ ّل ع َلَيْهَا وَل تَزُِر‬ ‫ب ك ُ ُّ‬
‫ل نَفْ ٍ‬ ‫س ُ‬ ‫ت} ثم‪{ :‬وَل تَك ْ ِ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما اكْت َ َ‬ ‫وَع َلَيْهَا َ‬
‫خَرى}‪ .‬وورد هذا النص في آيات كثيرة‪.‬‬ ‫وَازَِرة ٌ وِْزَر أ ُ ْ‬
‫أما المر الثاني‪ :‬فيما أقره السلم في مسألة الخطيئة فهو أنها‬
‫ل تورث‪ ،‬ول تنقل من مخطئ ليتحمل عنه وزره آخر حتى ولو‬
‫بين الباء وأبنائهم وفى هذا يقول القرآن الكريم‪{ :‬وَاتَّقُوا يَوْما ً ل‬
‫شيْئاً}‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫ن نَفْ ٍ‬ ‫س عَ ْ‬ ‫جزِي نَفْ ٌ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ت}‪.‬‬ ‫سلَفَ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل نَفْ ٍ‬ ‫ك تَبْلُو ك ُ ّ‬
‫َ‬
‫{هُنَال ِ َ‬
‫سرِيعُ ال ْ ِ‬ ‫جزي الل ّه ك ُ َّ‬
‫ب}‪.‬‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ت إ ِ َّ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س َ‬ ‫ل نَفْ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫{لِي َ ْ ِ ْ َ‬
‫سهَا}‪.‬‬ ‫ن ن َ ْف ِ‬ ‫جاد ِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫م تَأتِي ك ُ ّ‬
‫ل عَ ْ‬ ‫س تُ َ‬ ‫ل نَفْ ٍ‬ ‫{يَوْ َ‬
‫ُ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل يُظْل َ ُ‬ ‫ت وَهُ ْ‬ ‫سب َ ْ‬‫ما ك َ َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ل نَفْ ٍ‬ ‫جَزى ك ُ ّ‬ ‫{وَلِت ُ ْ‬
‫ة}‪.‬‬ ‫ت َرهِين َ ٌ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫{ك ُ ُّ‬
‫سب َ ْ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ل نَفْ ٍ‬
‫وغير هذا كثير مما يؤكد ما أقَّره السلم من أن الخطايا فردية‬
‫وأنها ل تورث ول يجزى فيها والد عن ولده ‪ ،‬ول مولود هو جاز‬
‫عن والده شيئاً‪.‬‬
‫وما دام المر فل أن فلم يلم محمد صلى الله عليه وسلم ول‬
‫يعاب شخصه أو تعاب رسالته بأن بعض أهله أو حتى كلهم زناة‬
‫مارسوا الخطيئة التي كان يعترف بها مجتمعه ول يجزى فيها شيئاً‬
‫أو ينقص الشرف والمروءة أو يعاب بها عندهم من يمارسها‪.‬‬
‫وحسب محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يقع أبدا ً في هذه‬
‫الخطيئة ل قبل زواجه ول بعده ‪ ،‬ثم كانت رسالته دعوة كبرى‬
‫إلى التعفف والتطهر وإلى تصريف الشهوة البشرية في‬
‫المصرف الحلل الذي حض السلم عليه وهو النكاح الشرعي‬
‫الحلل ‪ ،‬ودعا المسلمين إلى عدم المغالة في المهور تيسيراً‬
‫على الراغبين في الحلل‪.‬‬
‫الشبهة الثالثة‪ :‬محمد صلى الله عليه وسلم يحّرم ما أحل الله‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫استند الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم في توجيه هذا‬
‫التهام إلى ما جاء في مفتتح سورة التحريم من قوله تعالى‪{ :‬يَا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫أَيُّهَا النَّب ِ ُّ‬
‫ه‬‫ك وَالل ّ ُ‬ ‫ج َ‬‫ت أْزوَا ِ‬ ‫ضا َ‬‫مْر َ‬ ‫ك تَبْتَغِي َ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح‬
‫ما أ َ‬ ‫م َ‬ ‫حّرِ ُ‬ ‫م تُ َ‬ ‫ي لِ َ‬
‫م}‪.‬‬ ‫حي ٌ‬‫غَفُوٌر َر ِ‬
‫وهذه الية وآيات بعدها تشير إلى أمر حدث في بيت النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم عاتبته نساؤه وتظاهرن عليه بدوافع الغيرة‬
‫المعروفة عن النساء عامة إذ كان صلى الله عليه وسلم قد دخل‬

‫‪4‬‬
‫ما ل يوجد في بيوتهن ‪ ،‬فأسر إلى‬ ‫عند إحداهن وأكل عندها طعا ً‬
‫إحداهن بالمر فأخبرت به أخريات فعاتبنه فحّرم صلى الله عليه‬
‫وسلم تناول هذا الطعام على نفسه ابتغاء مرضاتهن‪.‬‬
‫والواقعة صحيحة لكن اتهام الرسول بأنه يحّرم ما أحل الله هو‬
‫تصيّد للعبارة وحمل لها على ما لم ترد له‪..‬‬
‫ه لَ َ‬ ‫َ َّ َ‬
‫ك} هو فقط من باب "‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح‬
‫ما أ َ‬‫م َ‬ ‫حّرِ ُ‬‫م تُ َ‬ ‫فمطلع الية {ل ِ َ‬
‫المشاكلة " لما قاله النبي لنسائه ترضية لهن ؛ والنداء القرآني‬
‫ما له صلى الله عليه وسلم بتحريم ما أحل الله ؛ ولكنه‬ ‫ليس اتها ً‬
‫من باب العتاب له من ربه سبحانه الذي يعلم تبارك وتعالى أنه‬
‫صلى الله عليه وسلم يستحيل عليه أن يحّرم شيئًا أو أمًرا أو‬
‫عمل ً أحلّه الله ؛ ولكنه يشدد على نفسه لصالح مرضاة زوجاته‬
‫من خلقه العالي الكريم‪.‬‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫ولقد شهد الله للرسول بتمام تبليغ الرسالة فقال‪{ :‬وَلوْ تَقَوَّ َ‬
‫ما‬ ‫ن فَ َ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫وتِي َ‬ ‫م لَقَطَعْنَا ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ن ث ُ َّ‬ ‫ه بِالْي َ ِ‬
‫مي ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل لَ َ‬
‫خذ ْنَا ِ‬ ‫َ‬
‫ض القَاوِي ِ‬ ‫ع َلَيْنَا بَعْ َ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫منك ُم م َ‬
‫جزِي َ‬ ‫حا ِ‬‫ه َ‬ ‫حد ٍ ع َن ْ ُ‬
‫نأ َ‬ ‫ِ ْ ْ ِ ْ‬
‫وعليه فالقول بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم يحّرم ما أحل‬
‫الله من المستحيلت على مقام نبوته التي زكاها الله تبارك‬
‫ن الْهَوَى إ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ما يَنْطِقُ ع َ ِ‬ ‫وتعالى وقد دفع عنه مثل ذلك بقوله‪{ :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫حى}‪.‬‬ ‫ي يُو َ‬‫ح ٌ‬ ‫هُوَ إل ّ وَ ْ‬
‫فمقولة بعضهم أنه يحّرم هو تحميل اللفظ على غير ما جاء فيه ‪،‬‬
‫وما هو إل وعد أو عهد منه صلى الله عليه وسلم لبعض نسائه‬
‫فهو بمثابة يمين له كفارته ول صلة له بتحريم ما أحل الله‪.‬‬
‫الشبهة الرابعة‪ :‬محمد صلى الله عليه وسلم أمي فكيف علّم‬
‫القرآن ؟‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫والمي إما أن يكون المراد به من ل يعرف القراءة والكتابة أخذ ًا‬
‫من " المية " ‪ ،‬وإما أن يكون المراد به من ليس من اليهود أخذ ًا‬
‫من " الممية " حسب المصطلح اليهودي الذي يطلقونه على من‬
‫ليس من جنسهم‪.‬‬
‫فإذا تعاملنا مع هذه المقولة علمنا أن المراد بها من ل يعرف‬
‫القراءة والكتابة فليس هذا مما يعاب به الرسول ‪ ،‬بل لعله أن‬
‫يكون تأكيدًا ودليل ً قويًا على أن ما نزل عليه من القرآن إنما هو‬
‫وحى أُوحى إليه من الله لم يقرأه في كتاب ولم ينقله عن أحد‬
‫ول تعلمه من غيره‪ .‬بهذا يكون التهام شهادة له ل عليه‪.‬‬
‫حا في قوله‪:‬‬ ‫وقد رد القرآن على هذه المقولة ردًا صري ً‬

‫‪5‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صيل ً قُ ْ‬
‫ل‬ ‫ملَى ع َلَيْهِ بُكَْرة ً وَأ ِ‬ ‫ي تُ ْ‬ ‫ن اكْتَتَبَهَا فَهِ َ‬‫ساطِيُر الوَّلِي َ‬ ‫{وَقَالُوا أ َ‬
‫ن غَفُوراً‬ ‫َ َ َ‬
‫ه كَا َ‬‫ض إِن َّ ُ‬‫ت وَالْر ِ‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫سَّر فِي ال َّ‬
‫س َ‬ ‫م ال ِّ‬ ‫ه ال ّذِي يَعْل َ ُ‬ ‫أنَْزل ُ‬
‫حيماً}‪.‬‬ ‫َر ِ‬
‫وحسب النبي المي الذي ل يعرف القراءة ول الكتابة أن يكون‬
‫الكتاب الذي أنزل عليه معجًزا لمشركى العرب وهم أهل‬
‫الفصاحة والبلغة ؛ بل ومتحديًا أن يأتوا بمثله أو حتى بسورة من‬
‫مثله‪.‬‬
‫كفاه بهذا دليل ً على صدق رسالته وأن ما جاء به ـ كما قال بعض‬
‫كبارهم ـ " ليس من سجع الكهان ول من الشعر ول من قول‬
‫البشر "‪.‬‬
‫أما إذا تعاملنا مع مقولتهم عن محمد (أنه " أمي " على معنى أنه‬
‫من المميين ـ أي من غير اليهود ـ فما هذا مما يعيبه‪ .‬بل إنه‬
‫لشرف له أنه من المميين أي أنه من غير اليهود‪.‬‬
‫ذلك لن اعتداد اليهود بالتعالي على من عداهم من " المميين "‬
‫واعتبار أنفسهم وحدهم هم الرقى والعظم وأنهم هم شعب الله‬
‫المختار ـ كما يزعمون‪.‬‬
‫ما مع ما جاء به محمد (من المساواة‬ ‫كل هذا مما يتنافى تما ً‬
‫الكاملة بين بني البشر رغم اختلف شعوبهم وألوانهم وألسنتهم‬
‫على نحو ما ذكره القرآن ؛ الذي اعتبر اختلف الجناس واللوان‬
‫واللسنة هو لمجرد التعارف والتمايز ؛ لكنه ـ أبدًا ـ ل يعطى تميًزا‬
‫لجنس على جنس ‪ ،‬فليس في السلم ـ كما يزعم اليهود ـ أنهم‬
‫شعب الله المختار‪.‬‬
‫ولكن التمايز والتكريم في منظور السلم ؛ إنما هو بالتقوى‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م َْ‬ ‫م ِ‬ ‫خلَقْنَاك ُ ْ‬ ‫س إِنَّا َ‬ ‫والصلح كما في الية الكريمة‪{ :‬يَا أي ُّ َها النَّا ُ‬
‫ل لِتعارفُوا إ َ َ‬ ‫ُ‬
‫عنْد َ الل ّهِ‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬‫ن أكَْر َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫شعُوبا ً وَقَبَائ ِ َ َ َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَلْنَاك ُ ْ‬ ‫ذ َكَرٍ وَأنْثَى وَ َ‬
‫َ‬
‫م}‪.‬‬ ‫أتْقَاك ُ ْ‬
‫الشبهة الخامسة‪ :‬محاولة النبي محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫النتحار‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫الحق الذي يجب أن يقال‪ ..‬أن هذه الرواية التي استندتم إليها ـ يا‬
‫خصوم السلم ـ ليست صحيحة رغم ورودها في صحيح البخاري‬
‫ـ رضي الله عنه ـ ؛ لنه أوردها ل على أنها واقعة صحيحة ‪ ،‬ولكن‬
‫أوردها تحت عنوان " البلغات " يعنى أنه بلغه هذا الخبر مجرد‬
‫بلغ ‪ ،‬ومعروف أن البلغات في مصطلح علماء الحديث‪ :‬إنما هي‬
‫مجرد أخبار وليست أحاديث صحيحة السند أو المتن‪.‬‬
‫وقد علق المام ابن حجر العسقلني في فتح الباري بقوله‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫" إن القائل بلغنا كذا هو الزهري ‪ ،‬وعنه حكي البخاري هذا‬
‫البلغ ‪ ،‬وليس هذا البلغ موصول ً برسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وقال الكرمانى‪ :‬وهذا هو الظاهر "‪.‬‬
‫هذا هو الصواب ‪ ،‬وحاش أن يقدم رسول الله ـ وهو إمام‬
‫المؤمنين ـ على النتحار ‪ ،‬أو حتى على مجرد التفكير فيه‪.‬‬
‫ل فإن محمدا ً صلى الله عليه وسلم كان بشرا ً من البشر‬ ‫وعلى ك ٍ‬
‫ً‬
‫ولم يكن ملكا ول مدعيًا لللوهية‪.‬‬
‫والجانب البشرى فيه يعتبر ميزة كان صلى الله عليه وسلم‬
‫ن َربِّي‬ ‫حا َ‬‫سب ْ َ‬‫ل ُ‬ ‫يعتني بها ‪ ،‬وقد قال القرآن الكريم في ذلك‪{ :‬قُ ْ‬
‫سولً}‪.‬‬ ‫شرا ً َر ُ‬ ‫ت إِل ّ ب َ َ‬ ‫ل كُن ْ ُ‬
‫هَ ْ‬
‫ومن ثم فإذا أصابه بعض الحزن أو الحساس بمشاعر ما نسميه‬
‫‪ -‬في علوم عصرنا ‪ -‬بالحباط أو الضيق فهذا أمر عادى ل غبار‬
‫عليه ؛ لنه من أعراض بشريته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وحين فتر (تأخر) الوحي بعد أن تعلق به الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم كان يذهب إلى المكان الذي كان ينزل عليه الوحي فيه‬
‫ب للمكان الذي جمع بينه وبين‬ ‫يستشرف لقاء جبريل ‪ ،‬فهو مح ّ‬
‫حبيبه بشيء من بعض السكن والطمأنينة ‪ ،‬فماذا في ذلك أيها‬
‫الظالمون دائما ً لمحمد صلى الله عليه وسلم في كل ما يأتي وما‬
‫يدع ؟‬
‫وإذا كان أعداء محمد صلى الله عليه وسلم يستندون إلى الية‬
‫منُوا بِهَذ َا‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م يُؤ ْ ِ‬ ‫ك ع َلَى آثَارِه ِ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫س َ‬
‫خعٌ نَفْ َ‬ ‫الكريمة‪{ :‬فَلَعَل َّ َ‬
‫ك بَا ِ‬
‫سفاً}‪.‬‬ ‫َ‬
‫ثأ َ‬ ‫حدِي ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫فالية ل تشير أبدا ً إلى معنى النتحار ‪ ،‬ولكنها تعبير أدبي عن‬
‫حزن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بسبب صدود قومه عن‬
‫السلم ‪ ،‬وإعراضهم عن اليمان بالقرآن العظيم ؛ فتصور كيف‬
‫كان اهتمام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بدعوة الناس‬
‫إلى الله ‪ ،‬وحرصه الشديد على إخراج الكافرين من الظلمات‬
‫إلى النور‪.‬‬
‫وهذا خاطر طبيعي للنبي النسان البشر الذي يعلن القرآن على‬
‫لسانه صلى الله عليه وسلم اعترافه واعتزازه بأنه بشر في قوله‬
‫‪ -‬ردا ً على ما طلبه منه بعض المشركين‪{ :-‬وقالوا لن نؤمن لك‬
‫حتى تفجر لنا من الرض ينبوعا ً * أو تكون لك جنة من نخيل‬
‫وعنب فتفجر النهار خللها تفجيرا ً * أو تسقط السماء كما‬
‫زعمت علينا كسفا ً أو تأتي بالله والملئكة قبيل ً * أو يكون لك‬
‫بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل‬
‫علينا كتابا نقرؤه}‪ .‬فكان رده‪{ :‬سبحان ربى} متعجبا ً مما طلبوه‬

‫‪7‬‬
‫ومؤكدا ً أنه بشٌر ل يملك تنفيذ مطلبهم‪{ :‬هل كنت إل بشراً‬
‫رسولً}‪.‬‬
‫أما قولهم على محمد صلى الله عليه وسلم أنه ليست له معجزة‬
‫فهو قول يعبر عن الجهل والحمق جميعاً‪.‬‬
‫حيث ثبت في صحيح الخبار معجزات حسية تمثل معجزة‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬كما جاءت الرسل بالمعجزات‬
‫من عند ربها ؛ منها نبع الماء من بين أصابعه ‪ ،‬ومنها سماع حنين‬
‫الجذع أمام الناس يوم الجمعة ‪ ،‬ومنها تكثير الطعام حتى يكفى‬
‫الجم الغفير ‪ ،‬وله معجزة دائمة هي معجزة الرسالة وهى القرآن‬
‫ظ ‪ ،‬ووعد ببيانه ؛ لذا يظهر‬‫حفِ َ‬
‫الكريم الذي وعد الله بحفظه فَ ُ‬
‫بيانه في كل جيل بما يكتشفه النسان ويعرفه‪.‬‬

‫الشبهة السادسة‪ :‬مات النبي صلى الله عليه وسلم بالسم‬


‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫حين تصاب القلوب بالعمى بسبب ما يغشاها من الحقد‬
‫والكراهية يدفعها حقدها إلى تشويه الخصم بما يعيب ‪ ،‬وبما ل‬
‫يعيب ‪ ،‬واتهامه بما ل يصلح أن يكون تهمة ‪ ،‬حتى إنك لترى من‬
‫يعيب إنسانا ً مثل ً بأن عينيه واسعتان أو أنه أبيض اللون طويل‬
‫القامة ‪ ،‬أو مثل ً قد أصيب بالحمى ومات بها ‪ ،‬أو أن فلنا ً من‬
‫الناس قد ضربه وأسال دمه ؛ فهذا كأن أو أن تعيب الورد بأن‬
‫لونه أحمر مثل ً ؛ وغير ذلك مما يستهجنه العقلء ويرفضونه‬
‫سا وعجًزا‪.‬‬
‫ويرونه إفل ً‬
‫أن محمدا ً صلى الله عليه وسلم قدمت له امرأة من نساء اليهود‬
‫شاة مسمومة فأكل منها فمات صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وينقلون عن تفسير البيضاوي‪:‬‬
‫أنه لما فتحت خيبر واطمأن الناس سألت زينب بنت الحارس ‪-‬‬
‫وهى امرأة سلم بن مشكم (اليهودي) ‪ -‬عن أي الشاة أحب إلى‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فقيل لها‪ :‬إنه يحب الذراع لنه‬
‫أبعدها عن الذى فعمدت إلى عنزة لها فذبحتها ثم عمدت إلى‬
‫مت به الشاة ‪ ،‬وذهبت بها جارية‬ ‫م ل يلبث أن يقتل لساعته فس َّ‬ ‫س ّ‬
‫لها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت له‪ :‬يا محمد هذه‬
‫هدية أهديها إليك‪.‬‬
‫وتناول محمد الذراع فنهش منها‪ ..‬فقال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع والكتف تخبرني بأنها مسمومة ؛‬
‫ثم سار إلى اليهودية فسألها لم فعلت ذلك ؟ قالت‪ :‬نلت من‬
‫قومي ما نلت … وكان ذلك بعد فتح " خيبر " أحد أكبر حصون‬
‫اليهود في المدينة وأنه صلى الله عليه وسلم قد عفا عنها‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫ثم يفصحون عن تفسير البيضاوي‪:‬‬
‫أنه صلى الله عليه وسلم لما اقترب موته قال لعائشة ـ رضي‬
‫الله عنها ـ يا عائشة هذا أوان انقطاع أبهري‪.‬‬
‫فليس في موته صلى الله عليه وسلم بعد سنوات متأثًرا بذلك‬
‫سم إل أن جمع الله له بين الحسنيين ‪ ،‬أنه لم يسلط عليه من‬ ‫ال ُّ‬
‫ضا كتب له النجاة من كيد‬ ‫يقتله مباشرة وعصمه من الناس وأي ً‬
‫الكائدين وكذلك كتب له الشهادة ليكتب مع الشهداء عند ربهم‬
‫وما أعظم أجر الشهيد‪.‬‬
‫ضا‪ ..‬ل شك أن عدم موته بالسم فور أكله للشاة المسمومة‬ ‫وأي ً‬
‫ما من‬ ‫َ‬
‫وحياته بعد ذلك سنوات يُعد معجزة من معجزاته ‪ ،‬وع َل ً‬
‫أعلم نبوته يبرهن على صدقه ‪ ،‬وعلى أنه رسول من عند الله‬
‫حقًا ويقينًا‪.‬‬
‫وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يموت في الجل الذي أجله له‬
‫رغم تأثره بالسم من لحظة أكله للشاة المسمومة حتى موته بعد‬
‫ذلك بسنوات‪.‬‬

‫الشبهة السابعة‪ :‬يحتاج محمد صلى الله عليه وسلم إلى الصلة‬
‫عليه‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫الحق أن الصلة على محمد صلى الله عليه وسلم من ربه ومن‬
‫المؤمنين ليست دليل حاجة بل هي مظهر تكريم واعتزاز وتقدير‬
‫له من الحق سبحانه وتقدير له من أتباعه ‪ ،‬وليست كما يزعم‬
‫الظالمون لسد حاجته عند ربه لن ربه قد غفر له ما تقدم من‬
‫ذنبه وما تأخر‪.‬‬
‫لن أي مقارنة منصفة بين ما كان عليه صلى الله عليه وسلم‬
‫وبين غيره من أنبياء الله ورسله ترتفع به ليس فقط إلى مقام‬
‫العصمة ؛ بل إلى مقام الكمال الذي أتم به الله الرسالت ‪ ،‬وأتم‬
‫به التنزيل ‪ ،‬وأتم به النعمة ‪ ،‬فلم تعد البشرية بعد رسالته صلى‬
‫الله عليه وسلم بحاجة إلى رسل ورسالت‪.‬‬
‫لذلك فإن رسالته صلى الله عليه وسلم وهى الخاتمة والكاملة‬
‫حملت كل احتياجات البشرية وما يلزمها من تشريعات ونظم‬
‫ومعاملت وما ينبغي أن تكون عليه من أخلق وحضارة مما‬
‫افتقدت مثل كماله كل الرسالت السابقة‪.‬‬
‫وحسب رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أنها جاءت رحمة‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫ك إ ِ ّل َر ْ‬
‫ح َ‬ ‫سلنَا‬
‫ما أْر َ‬‫عامة للبشرية كلها كما قال القرآن‪{ :‬وَ َ‬
‫ن}‪ .‬فلم تكن كما جاء ما قبلها رسالة خاصة بقوم‬ ‫لِلْعَال َ ِ‬
‫مي َ‬

‫‪9‬‬
‫رسولهم كما قال تعالى‪{ :‬وإلى عاد أخاهم هودًا قال يا قوم‬
‫اعبدوا الله}‪.‬‬
‫حا قال يا قوم اعبدوا الله}‪.‬‬‫{وإلى ثمود أخاهم صال ً‬
‫{وإلى مدين أخاهم شعيبًا قال يا قوم اعبدوا الله}‪.‬‬
‫وهكذا كل رسول كان مرسل ً إلى قومه‪..‬‬
‫لت كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى العالمين وإلى‬
‫الناس كافة كما جاء في قوله تعالى‪{ :‬وما أرسلناك إل رحمة‬
‫للعالمين}‪{ ،‬وما أرسلناك إل كافة للناس بشيرا ً ونذيراً}‪.‬‬
‫ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم كانت فوق كونها عالمية فقد‬
‫كانت هي الخاتمة والكاملة التي ـ كما أشرنا ـ تفي باحتياجات‬
‫البشر جميعا ً وتقوم بتقنين وتنظيم شئونهم المادية والمعنوية عبر‬
‫الزمان والمكان بكل ما فيه خيرهم في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫وفى هذا قال الله تعالى‪{ :‬ما كان محمد أبا أحد من رجالكم‬
‫ولكن رسول الله وخاتم النبيين}‪.‬‬
‫وقال في وصفه لكمال الدين برسالة محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم (السلم)‪{ :‬اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم‬
‫نعمتي ورضيت لكم السلم دينا}‪.‬‬
‫إن عموم رسالة محمد إلى العالمين ‪ ،‬وباعتبارها الرسالة الكاملة‬
‫والخاتمة ؛ يعنى امتداد دورها واستمرار وجودها إلى أن يرث الله‬
‫الرض ومن عليها مصداقا ً لقوله تعالى‪{ :‬هو الذي أرسل رسوله‬
‫بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله}‪.‬‬

‫الشبهة الثامنة‪ :‬خلو الكتب السابقة من البشارة برسول السلم‪.‬‬


‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن وجود البشارات وعدمها في الكتب المشار إليها آنفا سواء ‪،‬‬
‫وجودها مثل عدمها ‪ ،‬وعدمها مثل وجودها‪ .‬فرسالة رسول‬
‫السلم صلى الله عليه وسلم ليست في حاجة إلى دليل يقام‬
‫عليها من خارجها ‪ ،‬بحيث إذا لم يوجد ذلك الدليل " الخارجي "‬
‫بطلت ‪ -‬ل سمح الله ‪ -‬تلك الرسالة ؛ فهي رسالة دليلها فيها ‪،‬‬
‫ووجود البشارات بها في كتب متقدمة ‪ -‬زمنا ‪ -‬عليها ل يضيف‬
‫إليها جديدا ً ‪ ،‬وعدم وجود تلك البشارات ل ينال منها شيئا ً قط‪.‬‬
‫فهي حقيقة قائمة بذاتها لها سلطانها الغنى عما سواها‪ .‬ودليلها‬
‫قائم خالد صالح للفحص في كل زمان ومكان ‪ ،‬باق بقاء رسالته‬
‫أبد الدهر أشرق ولم يغب ‪ ،‬ظهر ولم يختف ‪ ،‬قوى ولم يضعف‪.‬‬
‫عل ولم يهبط ‪ ،‬إنه دليل صدق النبياء كلهم‪ .‬فكل النبياء مضوا‬
‫ولم يبق من أدلة صدقهم إل ما جاء في هذا الدليل " القرآن‬

‫‪10‬‬
‫العظيم " حيث شهد لهم بالصدق والوفاء وأنهم رسل الله‬
‫المكرمون‪..‬‬
‫فل يظنن أحد ُ أننا حين نتحدث عن بشارات الكتب السابقة‬
‫برسول السلم إنما نتلمس أدلة نحن في حاجة إليها لثبات‬
‫صدق رسول السلم في دعواه الرسالة‪ .‬فرسول السلم ليس‬
‫في حاجة إلى " تلك البشارات " حتى ولو سلم لنا الخصوم‬
‫بوجودها فله من أدلة الصدق ما لم يحظ به رسول غيره‪.‬‬
‫والبشارات موجودة في الكتب السابقة وقد وضعت فيه أبحاث‬
‫وكتب من أراد الطلع عليها فليرجع مثل إلى كتاب إظهار الحق‬
‫للشيخ رحمت الله الهندي تحقيق الدكتور أحمد حجازي السقا‪.‬‬
‫‪ .1‬آيات رسول الله صلى الله عليه وسلم وإثبات‬
‫معجزاته الباهرة للعقول‬
‫اعلم أخي القارئ أنه قد كان في النبياء عليهم السلم من له‬
‫المعجزة والنبوة معا ً مثل موسى والمسيح عليهما السلم وقد‬
‫ذهبت معجزاتهما بذهابهما‪ ،‬فلم يبق في أيدي الناس منها إل‬
‫ذكرها‪ ،‬ومنهم من كانت له نبوة ولم تكن له معجزة مثل زكريا‬
‫وناحوم وميخا وملخي وغيرهم‪ ،‬وها هو يوحنا المعمدان يقول‬
‫عنه متى‪((:‬يوحنا عند الجميع نبي)) متى ‪ ،26 :21‬و في موضع‬
‫آخر((أفضل من نبي)) متى ‪ 9 :11‬ورغم ذلك لم يأت بآية واحدة‪،‬‬
‫يقول يوحنا‪((:‬فأتى إليه كثيرون و قالوا أن يوحنا لم يفعل آية‬
‫واحدة)) يوحنا ‪ .41 :10‬وقد أثبت كتاب النصارى المقدس نبوة‬
‫جماعة من النساء مثل‪ :‬مريم أخت موسى [خروج ‪ 15‬عدد ‪]20‬‬
‫وحنة بنت فنوئيل [ لوقا ‪ 2‬عدد ‪ ] 36‬وخلده [ ‪ 2‬ملوك ‪ 22‬عدد ‪] 14‬‬
‫ودبوره [ القضاة ‪ 4‬عدد ‪ ] 4‬وأستير‪ ،‬وغيرهن ولم يكن لواحدة‬
‫منهن كتاب ول معجزة إل أنهن معدودات في زمرة النبياء‬
‫عندهم‪.‬‬
‫وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد جمع الله له النبوة‬
‫والمعجزة معا ً وقد كانت معجزة القرآن الكريم المعجزة العقلية‬
‫البيانية التي جاء بها الرسول المي هي من أعظم معجزاته وقد‬
‫تميز بها على سائر النبياء ببقائها حتى قيام الساعة‪ ،‬أما معجزات‬
‫من سبقه من النبياء فقد كانت معجزات حسية انتهت بانتهاء‬
‫وقتها‪ ،‬فلو أنك سألت أي نصراني اليوم أرني معجزة من‬
‫معجزات المسيح فلن يجيبك‪.‬‬
‫وبجانب معجزة القرآن الكريم ‪ -‬أخي القارئ ‪ -‬هناك الكثير من‬
‫المعجزات واليات الحسية قد قام بصنعها الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم ذكرتها الحاديث الصحيحة وقد أشار إليها القرآن‬
‫الكريم بكل وضوح كما في قوله تعالى في سورة الصافات‪:‬‬

‫‪11‬‬
‫ن * وَقَالُوا أن‬ ‫خُرو َ‬ ‫س ِ‬ ‫ة يَ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫ن * وَإِذ َا َرأَوْا آي َ ً‬‫{ وَإِذ َا ذ ُ ِكُّروا َل يَذ ْكُُرو َ‬
‫َ‬
‫ن}‬‫مبِي ٌ‬ ‫حٌر ُ‬
‫س ْ‬ ‫هَذ َا إ ِ ّل ِ‬
‫ة) يدل‬ ‫ففي هذه الية الكريمة نجد أن الـتعبير بـ(وَإِذ َا َرأَوْا آي َ ً‬
‫بوضوح على أنهم شاهدوا معجزة أو معجزات للنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬المر الذي أجمع عليه كافة علماء المسلمين‬
‫المعتبرين في العالم ودلت عليه الروايات المتواترة أيضاً‪ .‬ومن‬
‫سلم به أن اليات القرآنية سمعية وليست بصرية‪ ،‬وعليه ل‬ ‫الم ّ‬
‫ة)) عائد لليات‬ ‫َ‬
‫يمكن أن يكون قوله تعالى‪((:‬وَإِذ َا َرأوْا آي َ ً‬
‫القرآنية‪ ،‬بالضافة إلى ذلك فأن التعبير بـ‪((:‬السحر المبين))‬
‫يتناسب تماما مع الـمـعجزات وخوارق العادات‪ ،‬والواقع أن‬
‫اتهامهم نبي السلم بالسحر‪ ،‬وترويجهم لهذه المسالة بشكل‬
‫واسع يدل على أنهم رأوا منه خوارق عادات ومعجزات‪،‬‬
‫أما ما ذهب إليه البعض أن هناك آيات في القرآن الكريم تدل‬
‫على أن نبي السلم لم يمتلك معجزة سوى القرآن الكريم‬
‫واسـتـدللهم بالية ‪ 59‬من سورة السراء التي تقول‪{ :‬وما منعنا‬
‫أن نرسل باليات إل أن كذب بها الولون}‪ ،‬وكذلك بالية ‪ 90‬إلى‬
‫‪ 93‬من سورة السراء والتي جاء فيها‪{ :‬وقالوا لن نؤمن لك حتى‬
‫تفجر لنا من الرض ينبوعا ً * أو تكون لك جنة من نخيل و عنب‬
‫فتفجر النهار خللها تفجيرا ً * أو تسقط السماء كما زعمت علينا‬
‫كسفا ً أو تأتي بالله و الملئكة قبيل ً * أو ترقى في السماء و لن‬
‫نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا ً نقرؤه قل سبحان ربي هل‬
‫كنت إل بشرا ً رسولً}‪.‬‬
‫فالجواب عن ذلك هو‪:‬أن هؤلء المشركين لم يكن يقترحون‬
‫شادًا وطلبا ً للحق وإنما كانوا‬ ‫ستِْر َ‬
‫ويسألون عن تلك المعجزات ا ِ ْ‬
‫عنَادًا فعند طلب أمثال هذه‬ ‫ك كُفًْرا وَ ِ‬
‫ن ويقترحون ذَل ِ َ‬ ‫يَطْلُبُو َ‬
‫المعجزات مع العراض عن المعجزة الحقيقية لنبينا صلى الله‬
‫عليه وسلم والمعجزات الخرى‪ ،‬عند ذلك لم يستجيب الله عز‬
‫وجل لطلب المشركين‪ ،‬إذ أن طلبهم ليس لعدم قيام الحجة‬
‫الكافية بل هو نوع من التعنت و التعجيز‪ ،‬و قد كانوا كلما رأوا‬
‫معجزة يقولون سحر مستمر أو ساحر مبين كما ذكرنا سالفاً…‬
‫وقد قال الله سبحانه وتعالى عنهم‪{ :‬ولو فتحنا عليهم بابا ً من‬
‫السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن‬
‫قوم مسحورون} فحتى لو نزلت هذه اليات فلسوف يعيدون‬
‫ذلك القول‪.‬‬
‫فالحاصل‪ :‬أن عدم إجابة المشركين على تعنتهم ل تعني أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأت بآيات‪ ،‬فإن هذا يرده‬

‫‪12‬‬
‫التأمل في معجزة القرآن وما نقل من معجزاته صلى الله عليه‬
‫وسلم المبثوثة في كتب الحديث ودلئل النبوة‪.‬‬
‫سل بِاليات‬ ‫منَعَنَا أن نُْر ِ‬ ‫ما َ‬ ‫يقول أهل التفسير في قوله تعالى‪ { :‬وَ َ‬
‫َّ‬
‫سل باليات التِي‬ ‫منَعَنَا أن نُْر ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ن } أي وَ َ‬ ‫ب بِهَا الَوَّلُو َ‬ ‫إل أن كَذ َّ َ‬
‫َ‬ ‫اقْترحها أَهْل مكَّة إل أن كَذ َّب بها الَوَلُون ل َ َ َ‬
‫سلْنَاهَا فَأهْلَكْنَاهُ ْ‬
‫م‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ّ َ ّ‬ ‫َ َِ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫منَا‬ ‫حك َ ْ‬ ‫حقّوا الهلك وَقَد ْ َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫سلْنَاهَا إلى هؤلء لَكَذ ّبُوا بِهَا وَا ْ‬ ‫وَلَوْ أْر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بإمهالِهم لتمام أ َ‬
‫م‪ ،‬روى الطبري‬ ‫سل ّ َ‬ ‫صل ّى الل ّه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫مد َ‬ ‫ح َّ‬
‫َّ‬
‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫مر‬
‫ْ‬ ‫ِِ ْ َ ِ ْ‬
‫سل بِاليات إل‬ ‫منَعَنَا أن نُْر ِ‬ ‫ما َ‬ ‫عن الحسن فِي قَوْل الله تَعَالى‪{:‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سلْنَا‬ ‫م أيَّتهَا المة‪ ،‬أنا لَوْ أْر َ‬ ‫مة لَك ُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ل‪َ :‬ر ْ‬ ‫ن} قَا َ‬ ‫ب بِهَا الَوَّلُو َ‬ ‫أن كَذ َّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‪ .‬وجاء في تفسير‬ ‫ن قَبْلك ُ ْ‬ ‫م َْ‬ ‫ب َ‬ ‫صا َ‬ ‫ما أ َ‬ ‫م َ‬ ‫صابَك ُ ْ‬ ‫م ب ِ َها‪ ،‬أ َ‬ ‫باليات فَكَذَّبْت ُ ْ‬
‫حوهَا إل أن‬ ‫سل باليات ال ّتِي اِقْتََر ُ‬ ‫منَعَنَا أن نُْر ِ‬ ‫ما َ‬ ‫القرطبي‪ :‬وَ َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خَر الله تَعَالى‬ ‫م‪ .‬فَأ ّ‬ ‫ن كَأن قَبْله ْ‬ ‫م ْ‬‫ل بِ َ‬ ‫ما فُعِ َ‬ ‫يُكَذِّبُوا بِهَا فَيَهْلِكُوا ك َ َ‬
‫ن يُولَد‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من وَفِيهِ ْ‬ ‫ن يُؤْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫مهِ أن فِيهِ ْ‬ ‫ن كُفَّار قَُريْش لِعِل ْ ِ‬ ‫الْعَذ َاب ع َ ْ‬
‫ك وقَع فَإن من هؤلء م َ‬
‫سل َ َ‬
‫م‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫منًا‪ .‬قال المام ابن كثير‪ :‬وَكَذَل ِ َ َ َ‬
‫َ‬
‫مؤْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ميَّة ال ّذِي تَبِعَ‬ ‫حتَّى ع َبْد الل ّه بْن أبِي أ َ‬ ‫ن إسلمه َ‬ ‫سَ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫بَعْد ذَل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما تَا ًّ‬
‫ما‬ ‫سَل ً‬‫م إِ ْ‬‫سل َ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ما قَا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫م وَقَا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫صل ّى الل ّه ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫النَّب‬
‫ل‪.‬‬ ‫ج َّ‬ ‫ب إلى الل ّه عََّز وَ َ‬ ‫وَأنا َ‬
‫أن المعجزات التي اقترحها هؤلء ل تستند إلى أساس البحث عن‬
‫الحقيقة‪ ،‬وإنما هي (اقتراحية) وتعللية‪ ،‬ولو نفذت طلباتهم لما‬
‫ضا‪.‬‬‫آمنوا أي ً‬
‫هذا وأن اللتفات إلى الكلمة التي وردت في أقوال جمع من‬
‫المفسرين الكبار توضح أن المعجزات على نوعين‪:‬‬
‫الـنـوع الول‪ :‬هي المعجزات الضرورية لثبات صدق دعوى النبي‪،‬‬
‫وترغيب الناس إلى اليمان‪ ،‬وتخويف المنكرين‪ ،‬وهي المعجزات‬
‫المنطقية لناشدي الحق والباحثين عن الحقيقة‪ ،‬بحيث يعبر‬
‫القرآن في ذيل الية الولى منها بقوله‪{ :‬وما نرسل باليات إل‬
‫تخويفًا}‪( ،‬سورة السراء‪.)59 :‬‬
‫الـنـوع الـثاني من المعجزات‪ :‬هي المعجزات التي تسمى‬
‫بـ(القتراحية)‪ ،‬أي المعجزات التي يطالب بها ل لجل سلوك‬
‫سبيل الحق واليقين بصدق دعوى النبوة ومن ثم اليمان واعتناق‬
‫السلم‪ ،‬وإنما بقصد تعجيز الطرف الخر فأن وجدوا به قدرة‬
‫على ذلك اتهموه بالسحر‪.‬‬
‫والنبياء كانوا يتجهون صوب القسم الول ول يستسلمون إطلقا‬
‫لمقترحات المتعللين والمعجزات القتراحية‪ .‬وفي الناجيل التي‬
‫مع النصارى نجد أن هناك حالت لم يقدر المسيح عليه السلم‬
‫أن يعمل فيها معجزات كما في مرقس ‪(:5 :6‬ولم يقدر أن يصنع‬
‫هناك ول قوة واحدة) ويقول مرقس أيضاً‪(:‬فخرج الفريسيون و‬

‫‪13‬‬
‫ابتدأوا يحاورونه طالبين منه آية من السماء لكي يجربوه‪ ،‬فتنهد‬
‫بروحه‪ ،‬وقال‪ :‬لماذا يطلب هذا الجيل آية؟ الحق أقول لكم‪ :‬لن‬
‫يعطى هذا الجيل آية‪ .‬ثم تركهم…)(مرقس ‪.)13-8/11‬‬
‫يـشير لحن اليات ‪ 90‬ـ ‪ 93‬من سورة السراء بشكل واضح إلى أن‬
‫هذه المطالب العجيبة والغريبة لمشركي العرب لم يكن منشؤها‬
‫هو البحث عن الحقيقة‪ ،‬بل الغاية منها هي اختلق العذار‬
‫والـتـشكيك في نبوة نبي السلم وإرساء دعائم الشرك‬
‫والصنمية‪ ،‬ولذا لم يتمعنوا النظر حتى في مفهوم كلمهم‪ ،‬فمن‬
‫ضمن مطالبهم مثلً(الصعود إلى السماء)‪ ،‬ثم ينفون ذلك مباشرة‬
‫ويقولون‪ :‬نحن ل نؤمن بذلك حتى تبعث لنا كتابا من قبل اللّه‪،‬‬
‫{أو ترقى في السماء و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً‬
‫نقرؤه } وتـارة يطلبون المور المستحيلة كقولهم‪{ :‬وَقَالُوا لول‬
‫ن * وَل َ ْ‬
‫و‬ ‫م ل يُنْظَُرو َ‬‫ي المُر ث ُ َّ‬ ‫ض َ‬ ‫ملَكًا ل َ ُق ِ‬ ‫مل َ ٌ‬
‫ك وَلَوْ أنَزلْنَا َ‬ ‫ل ع َلَيْهِ َ‬
‫أنزِ َ‬
‫ن} [ النعام‪:‬‬ ‫سو َ‬‫ما يَلْب ِ ُ‬ ‫سنَا ع َلَيْهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫جعَلْنَاهُ َرجل ً وَلَلَب َ ْ‬‫ملَكًا ل َ َ‬
‫جعَلْنَاه ُ َ‬
‫َ‬
‫‪]8‬‬
‫ثم إذا كان الهدف هو التوصل إلى معرفة حقيقة النبي فلم‬
‫يطلبون ست معجزات مختلفة؟ أليس المورد الواحد منها كافيا؟‪.‬‬
‫من هنا لم يتسن لي نبي أن يستسلم لهذا النوع من الراجيف‬
‫والباطيل‪ ،‬فضل عن أن العجاز ليس من شأن النبي واختياره‪،‬‬
‫وإنما هو من شأن اللّه تعالى واختياره‪.‬‬
‫أن الـنـبي بإمكانه أن يطلب المعجزة من اللّه واللّه تعالى يضع‬
‫حا‪ ،‬ولهذا نـقـرأ في ذيل اليات ‪ 90‬ـ ‪93‬‬ ‫بين يديه أي مورد يراه صال ً‬
‫من سورة السراء هذا المعنى‪(:‬قل سبحان ربي هل كنت إل‬
‫بشًرا رسولً) وكذا في سورة الرعد آية ‪(:38‬وما كان لرسول أن‬
‫يأتي بآية إل بإذن اللّه)‪.‬‬
‫مـلخص الكلم هو أنه من الصحيح القول‪ :‬بأن القرآن لوحده‬
‫معجزة خالدة‪ ،‬ولو لم يكن هناك معجزة أخـرى سـوى هذه‬
‫المعجزة للنبي لستطاعت أن تكون شاهدا ً على صدقه‪ ،‬ولكن‬
‫هذا ل يدل على أن الـنبي لم يمتلك معجزات جسمانية ومادية‬
‫غير هذه المعجزات الروحية والمعنوية‪ ،‬بل ذهبت اليات‬
‫والـروايـات والـتـواريخ ‌السلمية وسيرة النبي إلى القول‪ :‬بأنه‬
‫كان يمتلك ذلك‪ ،‬ول شك في أن انـضـمـام الـمعجزات‬
‫المحسوسة والمادية إلى تلك المعجزة المعنوية الكبيرة يظهر‬
‫حقيقة الدعوة النبوية بصورة أجلى وأوضح‪.‬‬
‫ولنذكر الن بعض من المعجزات الحسية التي قام بصنعها رسولنا‬
‫الكريم‪:‬‬
‫‪ -1‬معجزة نبوع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫روى البخاري عن أنس بن مالك قال‪ :‬رأيت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وحانت صلة العصر‪ ،‬والتمس الناس الوضوء فلم‬
‫يجدوه‪ ،‬فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فوضع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في ذلك الناء فأمر الناس‬
‫أن يتوضئوا منه فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه‪ ،‬فتوضأ الناس‬
‫حتى توضئوا من عند آخرهم‪ [ .‬صحيح البخاري ج ‪ / 1‬ص ‪]74‬‬
‫[ صحيح مسلم ج ‪ / 4‬ص ‪ [ ] 1783‬صحيح ابن حبان ج‪ 14/‬ص‪] 477 /‬‬
‫وروى البخاري عن جابر بن عبد الله قال‪ :‬عطش الناس يوم‬
‫الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة(أي أناء‬
‫صغير من جلد) يتوضأ فجهش الناس نحوه(أي تجمعوا) قال‪ :‬ما‬
‫لكم؟ قالوا‪ :‬ليس عندنا ماء نتوضأ ول نشرب إل ما بين يديك‬
‫فوضع يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال‬
‫العيون‪ ،‬فشربنا وتوضأنا‪ ،‬قلت‪ :‬كم كنتم؟ قال‪ :‬لو كنا مائة ألف‬
‫لكفانا‪ ،‬كنا خمس عشرة مائة‪ [ .‬صحيح البخاري ج ‪ 3 /‬ص ‪] /1310‬‬
‫[ صحيح ابن حبان ج ‪/14‬ص ‪] 480‬‬
‫والروايات في هذه المعجزة مشهورة بين الصحابة وقد رواها‬
‫جمع كثير منهم أنس وجابر بن عبد الله وابن عباس‪ ،‬والبراء بن‬
‫مالك وأبو قتادة‪ ،‬وغيرهم وخبرها متواتر مستفيض‪ .‬وقد تكررت‬
‫في أكثر من مناسبة‪.‬‬
‫‪ -2‬معجزة شفاء علي رضي الله عنه وغيره من الصحابة‪:‬‬
‫قال عليه الصلة والسلم في غزوة خيبر‪(-:‬لعطين هذه الراية‬
‫غدًا رجل ً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله‬
‫ورسوله قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح‬
‫الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو‬
‫أن يعطاها فقال‪" :‬أين علي بن أبي طالب؟ فقيل‪ :‬هو يا رسول‬
‫الله يشتكي عينيه قال ‪" :‬فأرسلوا إليه (ائتوني به) فأُتي به فنفث‬
‫في عينه بقليل من ريقه عليه الصلة والسلم فبرأ لتوه ولم‬
‫يمرض بعينه قط‪ [ .‬رواه البخاري في كتاب الغزوات ورواه‬
‫مسلم في باب فضائل الصحابة ]‬
‫وقد قام المسيح عليه السلم بالتـفل في عين أحد العميان‬
‫فشفي من مرضه [ مرقس ‪((:] 22 :8‬وجاء إلى بيت صيدا‪.‬فقدموا‬
‫إليه أعمى وطلبوا إليه أن يلمسه‪ .‬فاخذ بيد العمى وأخرجه إلى‬
‫خارج القرية وتفل في عينيه ووضع يديه عليه وسأله هل أبصر‬
‫شيئًا‪)).‬‬
‫_ وأصيب سلمة يوم خيبر بضربة في ساقه‪ ،‬فنفث فيها رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ثلث نفثات فما اشتكاها قد‪ .‬عن يزيد‬
‫بن أبي عبيد قال‪((:‬رأيت أثر ضربة في ساق سلمة‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أبا‬

‫‪15‬‬
‫مسلم‪ ،‬ما هذه الضربة؟ قال‪ :‬هذه ضربة أصابتني يوم خيبر‪،‬‬
‫فقال الناس أصيب سلمة … فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فنفث فيها ثلث نفثات‪ ،‬فما اشتكيت حتى الساعة‪ [ )).‬صحيح‬
‫البخاري ج ‪ /1541 / 4‬صحيح أبي داود ‪ 3295 /‬صحيح ابن حبان ج ‪14‬‬
‫‪ /‬ص ‪]439‬‬
‫_ وعن البراء بن عازب رضي الله عنه‪ :‬أن عبد الله بن عتيك لما‬
‫قتل أبا رافع ونزل من درجة بيته سقط إلى الرض فانكسرت‬
‫ساقه‪ ،‬قال‪ :‬فحدثت النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪":‬أبسط‬
‫رجلك" فبسطها فمسحها فكأنما لم أشكها قط‪ [ .‬صحيح البخاري‬
‫ج ‪ / 4‬ص ‪]1483‬‬
‫_ وعن معاذ بن رافع بن مالك عن أبيه قال‪((:‬رميت بسهم يوم‬
‫بدر ففقئت عيني فبصق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ودعا لي فما آذاني منها شيء)) [ أخرجه ابن أبي شيبه والحاكم‬
‫والبيهقي وأبو نعيم ]‬
‫‪ -3‬معجزة رد ّ عين قتادة بعد تدليها‪:‬‬
‫في غزوة أحد أُصيب قتادة بن النعمان في عينه حتى سقطت‬
‫وتدلت على وجـنته(أي على أحد خده) فردها عليه الصلة‬
‫والسلم بيده الشريفة فبرأت على الفور‪ ،‬وصارت عينيه تلك‬
‫أحسن عينيه‪ ...‬فتلك من آيات الله التي أيد الله بها رسوله‪.‬‬
‫والرواية أخرجها ابن إسحاق في السيرة النبوية(‪ ،)30 / 3‬وابن‬
‫حجر في الصابة‪ ،‬وابن عبد البر في الستيعاب في ترجمة‬
‫النعمان‪ ،‬وأبو يعلى‪ ،‬والبيهقي في الدلئل‪ ،‬وأبو نعيم في الدلئل‬
‫برقم(‪ )417 ،418‬وذكرها الحاكم في المستدرك(‪)295 / 3‬‬
‫‪ -4‬معجزة شفاء الضرير بدعائه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫عن عثمان بن حنيف‪ :‬أن رجل ً ضريرا ً أتى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فقال‪ :‬يا رسول الله أدع الله أن يعافيني فقال‪( :‬إن شئت‬
‫خرت ذلك فهو أفضل لخرتك‪ ،‬وأن شئت دعوت لك) قال‪:‬ل‪ ،‬بل‬ ‫أ ّ‬
‫ادع الله لي قال‪ -:‬فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين‪ ،‬وأن يدعو‬
‫بهذا الدعاء‪-:‬‬
‫(اللهم أني أسألك و أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة‪،‬يا محمد‬
‫أني أتوجه بك في حاجتي هذه فتُقضى‪،‬اللهم شفعة في) ففعل‬
‫الرجل فبرأ‪،‬فشفاء هذا الضرير آية من نبوته [ رواه البخاري في‬
‫التاريخ الكبير ‪،6/210‬والطبراني في المعجم الكبير ‪ 9/19‬وصححه‬
‫وسلمه الذهبي‪ ،‬والبيهقي في دلئل النبوة ‪ 6/166‬وغيرهم ]‬
‫وهذا الدعاء خاص في حياته صلى الله عليه وسلم وليس بعد‬
‫مماته فلُيعلم‪.‬‬
‫‪ -5‬خروج الجن من الصبي بدعائه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬

‫‪16‬‬
‫عن أبن عباس رضي الله عنهما قال‪-:‬أن امرأة جاءت بولدها إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت‪:‬يا رسول الله أن به‬
‫لمماً‪ ،‬وأنه يأخذه عند طعامنا فيفسد علينا طعامنا قال‪ -:‬فمسح‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا له فثعّ (أي قاء أو‬
‫سعل مرة واحدة) فخرج منه مثل الجرو السود يسعى‪ [ .‬رواه‬
‫الدرامي ]‬
‫‪ -6‬معجزة فيضأن ماء بئر الحديبية‪:‬‬
‫ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه لما كان بالحديبية هو‬
‫وأصحابه سنة ست من الهجرة وكان بالحديبية بئر ماء فنزحها‬
‫أصحابه بالسقي منها حتى لم يبقى فيها ما يمل كأس ماء وكانوا‬
‫ألفًا وأربعمائة رجل‪ ،‬وخافوا العطش فشكوا ذلك إليه صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فجاء فجلس على حافة البئر‪ ،‬فدعا بماء فجئ به‬
‫إليه فتمضمض منه‪،‬ومج ما تمضمض به في البئر‪ ،‬فما هي إل‬
‫لحظات‪ ،‬وإذا البئر فيها ماء فأخذوا يسقون فسقوا وملئوا أوانيهم‬
‫وأدوات حمل الماء عندهم وهم كما تقدم ألف وأربعمائة رجل‪،‬‬
‫وهم أهل بيعة الرضوان الذين رضي الله عنهم وأنزل فيهم قوله‬
‫ن إَذ ْ يُبَايِعُون َ َ‬
‫ك‬ ‫منِي َ‬‫مؤ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ي الله ع َ ِ‬ ‫ض َ‬‫تعالى من سورة الفتح‪(-:‬لَقَد َر ِ‬
‫م وأثَابَهُ ْ‬
‫م‬ ‫سكِيَنَة ع َلَيْهِ ْ‬‫ل ال َّ‬ ‫ما في قُلُوبِهِم فَأنَز َ‬ ‫جَرةِ فَعَل ِ َ‬
‫م َ‬ ‫ش َ‬‫ت ال َ َّ‬
‫ح َ‬
‫تَ ْ‬
‫فَتْحا ً قَرِيباً)‪ [ .‬رواه البخاري في كتاب المناقب‪ ،‬باب علمات‬
‫النبوة ]‬
‫‪ -7‬معجزة الطعام القليل يشبع العدد الكثير‪:‬‬
‫روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قوله‪:‬‬
‫سليم‪ :‬لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه‬ ‫قال أبو طلحة لم ُ‬
‫وسلم ضعيفا ً أعرف فيه الجوع‪ ،‬فهل عندك من شيء؟‬
‫خمارا ً لها‬ ‫صا من شعير‪ ،‬ثم أخرجت ِ‬ ‫قالت‪:‬نعم‪ ،‬فأخرجت أقرا ً‬
‫فلفت الخبز ببعضه‪ ،‬ثم دسته تحت يدي‪ ،‬ثم أرسلتني إلى رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس‪ ،‬فقمت‬
‫عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪(-:‬أرسلك أبو‬
‫طلحة؟) فقلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪(:‬بطعام؟) قلت‪:‬نعم‪ ،‬فقال‪ -:‬رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم لمن معه(قوموا) فأنطلق‪ ،‬وانطلقت‬
‫ين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة‪ -:‬يا أم‬
‫سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليس‬ ‫ُ‬
‫عندنا ما نطعمهم فقالت‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ ،‬فانطلق أبو طلحة‬
‫حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه‪ ،‬فقال رسول الله صلى‬
‫سليم ما عندك؟) فأتت بذلك الخبز‬ ‫الله عليه وسلم‪(-:‬هلم يا أم ُ‬
‫فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت‪ ،‬وعصرت أم‬

‫‪17‬‬
‫سليم عكة فآدمته‪ ،‬ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما‬ ‫ُ‬
‫شاء أن يقول‪،‬ثم قال‪(-:‬ائذن لعشرة) فأذن لهم فأكلوا حتى‬
‫شبعوا‪،‬ثم خرجوا‪ ،‬ثم قال‪(،‬ائذن لعشرة)‪ ،‬فأذن لهم فأكلوا حتى‬
‫شبعوا‪ ،‬ثم خرجوا‪ ،‬ثم قال‪(،‬ائذن لعشرة) فأكل القوم كلهم‪،‬‬
‫والقوم سبعون أو ثمانون رجلً‪.‬أليست هذه معجزة؟ بلى وربي‬
‫أنها لمن أعظم المعجزات‪ [ .‬صحيح البخاري ‪ /‬علمات النبوة ]‬
‫[ صحيح مسلم ‪ /‬الشربة ]‬
‫‪ -8‬معجزة تكثير الطعام‪:‬‬
‫عن جابر ابن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه‬
‫رجل يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل‬
‫يأكل منه هو وامرأته ووصيف لهم حتى كالوه فقال النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬لو لم تكيلوه لكلتم منه ولقام لكم" [ صحيح‬
‫مسلم في معجزات النبي ‪ ،‬رواه احمد في مسنده ]‬
‫قال أبو طلحة النصاري في حديثه المشهور‪((:‬أطعم رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ثمانين رجل ً من أقراص شعير جاء بها أنس‬
‫تحت إبطه)) [ البخاري في كتاب المناقب _ ومسلم ‪1612 / 3‬‬
‫والترمذي ‪ 595 / 5‬والبيهقي في الدلئل ]‬
‫وقال جابر بن عبد الله‪((:‬أطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يوم الخندق من صاع شعير وعناق(النثى من أولد المعز) ألف‬
‫رجل حتى تركوا وانحرفوا(مالوا عن الطعام)‪ ،‬وأن البرمة لتغط‬
‫كما هي وأن العجين ليخبر)) [ البخاري في كتاب المغازي‬
‫ومسلم ‪ 1610 / 3‬والترمذي ‪] 595 / 5‬‬
‫إن معجزة تكثير الطعام والشراب قد تكررت فبلغت عشرات‬
‫المرات‪ ،‬وفي ظروف مختلفة‪ ،‬ومناسبات عديدة‪ ،‬فقد قال أبو‬
‫هريرة رضي الله عنه‪((:‬كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في‬
‫مسير قال فنفدت أزواد القوم _ أي نفد زادهم واحتاجوا إلى‬
‫طعام _ قال حتى هم بنحر بعض حمائلهم قال فقال عمر‪ :‬يا‬
‫رسول الله لو جمعت ما بقي من أزواد القوم فدعوت الله‬
‫عليها؟(أي بقاياه) قال ففعل قال فجاء ذو البر ببره وذو التمر‬
‫بتمره قال وقال مجاهد وذو النواة بنواه قلت وما كانوا يصنعون‬
‫بالنوى قال كانوا يمصونه ويشربون عليه الماء قال فدعا عليها‬
‫حتى مل القوم أزودتهم قال فقال عند ذلك‪" :‬أشهد أن ل إله إل‬
‫الله وأني رسول الله ل يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إل‬
‫دخل الجنة" [ صحيح مسلم‪ ،‬والنسائي ]‬
‫‪ - 9‬معجزة تكثيره عليه السلم السمن لم سليم‪:‬‬
‫عن أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫قال‪ -:‬كانت لمي أم سليم شاة فجمعت من سمنها في عكة‬

‫‪18‬‬
‫فملت العكة ثم بعثت بها ربيبة‪ ،‬فقالت‪:‬يا ربيبة أبلغي هذا العكة‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتدم بها‪ ،‬فانطلقت بها ربيبة‬
‫حتى أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله‬
‫سليم قال‪(-:‬أفرغوا لها عكتها)‬ ‫هذه عكة سمن بعثت بها إليك أم ُ‬
‫فأفرغت العكة ودفعت إليها قالت‪ -:‬فانطلقت بها‪ ،‬وجئت وأم‬
‫سليم ليست في البيت‪،‬فعلقت العكة على وتد‪ ،‬فجاءت أم سليم‬
‫فرأت العكة ممتلئة تقطر فقالت‪:‬يا ربيبة أليس أمرتك أن‬
‫تنطلقي بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت‪ -:‬بلى‬
‫قد فعلت فإن لم تصدقيني فانطلقي فسلي رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فانطلقت ومعها ربيية‪ ،‬فقالت يا رسول الله إني‬
‫بعثت معها إليك بعكة فيها سمن قال‪(-:‬قد فعلت‪ ،‬قد جاءت)‬
‫قالت‪:‬والذي بعثك بالحق‪ ،‬ودين الحق أنها لممتلئة تقطر سمناً‪،‬‬
‫قال أنس‪ :‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪(-:‬يا أم سليم‬
‫أتعجبين إن كان الله أطعمك كما أطعمت نبيه! كلي وأطعمي)‬
‫قالت فجئت إلى البيت فقسمت في قعب لنا‪ ،‬وتركت فيها ما‬
‫أتئد منا به شهرا ً أو شهرين‪ ،‬فكون العكة تمتلئ بعد إفراغها‬
‫والكل منه طرة شهرين من معجزاته‪.‬‬
‫‪ -10‬معجزة نزول المطر بدعائه‪:‬‬
‫روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك قال‪ :‬أصابت الناس‬
‫سنة(جدب) على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فبينا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة‬
‫فقام أعرابي فقال‪ :‬يا رسول الله هلك المال‪ ،‬وجاع العيال‪ ،‬فادع‬
‫الله أن يسقينا‪ ،‬قال‪ :‬فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه‬
‫وما رأينا في السماء قزعة (قطعة سحاب) فو الذي نفسي بيده‬
‫ما وضعها حتى ثار(أنتشر) سحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن‬
‫منبره حتى رأيت المطر يتحادر(يتقاطر) على لحيته قال‪ :‬فمطرنا‬
‫يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والذي يليه إلى الجمعة‬
‫الخرى‪ ،‬فقام ذلك العرابي أو قال غيره‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله‬
‫تهدم البناء‪ ،‬وغرق المال فادع الله لنا‪ ،‬فرفع رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم يديه فقال‪":‬اللهم حوالينا ول علينا" قال‪ :‬فما‬
‫جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده إلى ناحية من‬
‫السماء إل فرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة (أي حتى‬
‫صارت السحب والغيوم محيطة بالمدينة) في السحاب‪ ،‬وسال‬
‫الوادي قناة شهرا‪ ،‬ولم يجئ أحد من ناحية إل حدث بالجود‪.‬‬
‫[ صحيح البخاري ‪ /‬كتاب الجمعة ]‬
‫‪ -11‬معجزة حنين جذع النخل شوقا ً إليه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬

‫‪19‬‬
‫روى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما‬
‫قال‪((:‬كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب استند إلى جذع‬
‫نخلة من سواري المسجد‪ ،‬فلما صنع له المنبر فاستوى عليه‪،‬‬
‫صاحت النخلة التي كان يخطب عليها حتى كادت أن تنشق‪ ،‬فنزل‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذها فضمها إليه‪ ،‬فجعلت تئن‬
‫أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت‪ ،‬قال‪ :‬بكت على ما كانت‬
‫تسمع من الذكر)) [ رواه البخاري ]‬
‫وحديث حنين الجذع هو حديث مشهور معروف متواتر قد خرجه‬
‫أهل الصحيح ورواه الكابر ‪ /‬من أصحاب الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم منهم ‪ /‬أبي ابن كعب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك‬
‫وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وأبو سعيد الخدري وبريدة‬
‫وأم سلمة وسهل ابن سعد‪.‬‬
‫وحديث ابن عمر رضي الله عنهما‪ ،‬أخرجه البخاري في كتاب‬
‫المناقب(فتح ‪ )6/601‬والترمذي في كتاب الجمعة(‪)،379 / 2‬‬
‫والبيهقي في الدلئل(‪.)66 / 6‬‬
‫‪ -12‬معجزة تحول جذل الحطب سيفا‪ً:‬‬
‫الجذل‪:‬هو عود غليظ من أصل الشجرة‪ ،‬لقد انكسر سيف‬
‫عكاشة بن محصن يوم بدر فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫جذل حطب فقال له‪(-:‬اضرب به) فانقلب في يده سيفاً‪ ،‬صارماً‬
‫طويل ً أبيضا ً شديد المتن‪ ،‬فقاتل به‪ ،‬ثم لم يزل عنده يشهد به‬
‫المواقف إلى أن استشهد عكاشة في قتال أهل الردة‪ ،‬وبعدما‬
‫قتل بلعت الرض ذلك السيف‪.‬‬
‫‪ -13‬معجزة نطق الغزالة ووفاؤها له صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫مَّر النبي صلى الله عليه‬‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال َ‬
‫وسلم على قوم قد اصطادوا ظبية‪ ،‬فشدوها على عمود‬
‫خشفان(الولد‬ ‫فسطاط‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول الله أني أُخذت ولي ِ‬
‫الصغير) فاستأذن لي أرضعهما وأعود إليهم‪ ،‬فقال النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم(أين صاحب هذه؟) فقال القوم نحن يا رسول‬
‫الله قال‪(-:‬خلوا عنها حتى تأتي خشفيها ترضعهما وترجع إليكم)‬
‫فقالوا من لنا بذلك؟ قال‪(-:‬أنا) فأطلقوها‪،‬فذهبت فأرضعت‬
‫خشفيها ثم رجعت إليهم‪ ،‬فأوثقوها فمر بهم صلى الله عليه‬
‫وسلم فقال‪(-:‬أين صاحب هذه؟) فقالوا‪-:‬هذا يا رسول الله‬
‫فقال(تبيعونها؟) فقالوا‪ -:‬هي لك يا رسول الله‪ ،‬فقال‪(-:‬خلو عنها‬
‫فأطلقوها) فذهبت‪،‬فنُطقها آية من نبوته‪.‬‬
‫‪ -14‬معجزة انقياد الشجر له صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما‬
‫قال‪ -:‬سهرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا وادياً‬

‫‪20‬‬
‫أفيح(أي واسعا ً رحباً) فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يقضي حاجته‪ ،‬فأتبعتُه بإداوةٍ فيها ماء‪ ،‬فنظر فلم ير شيئا ً يستتر‬
‫به‪ ،‬وإذ شجرتان بشاطئ الوادي‪ ،‬فانطلق إلى إحداهما فأخذ‬
‫ببعض من أغصانها‪ ،‬وقال‪(-:‬انقادي علي بإذن الله) فانقادت معه‬
‫كالبعير المخشوش (الذي جعل في أنفه الخشائش وهو العود‪،‬‬
‫يجعل في عظم أنف الجمل لينقاد) الذي يُصانع قائده‪ ،‬حتى أتى‬
‫الشجرة الخرى‪ ،‬حتى إذا كان بالمنتصف فيما بينهما لءم أي‬
‫جمعهما‪ ،‬وقال‪(-:‬التئما إلي علي بإذن الله) فالتأمتا‪ ،‬قال جابر‪-:‬‬
‫فخرجت أحضر(أي أعدو بشدة) مخافة أن يحس بقربي منه‬
‫فيبعد‪ ،‬فجلست أحدث نفسي‪ ،‬فحانت مني التفاته‪ ،‬فإذا أنا‬
‫برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل وإذا الشجرتان قد‬
‫افترقتا‪ [ .‬صحيح مسلم ]‬
‫وعن ابن عباس‪ ،‬رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬جاء أعرابي إلى رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬بم أعرف أنك رسول الله؟‬
‫قال‪((:‬أرأيت أن دعوت هذا العذق من الشجرة تشهد أني رسول‬
‫الله؟)) قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فدعا العذق‪ ،‬فجعل العذق ينزل من‬
‫النخلة حتى سقط إلى الرض ينقز‪ ،‬فأقبل إليه‪ ،‬وهو يسجد ويرفع‬
‫ويمجد ويرفع حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ثم قال له‪((:‬ارجع)) فرجع إلى مكانه‪ ،‬فقال العرابي‪ :‬والله ل‬
‫أكذبك بشيء تقوله بعدها أبداً‪ ،‬أنا أشهد أنك رسول الله‪ ،‬وآمن‪[ .‬‬
‫أخرجه البخاري في تاريخه‪ ،‬والترمذي في أبواب المناقب(‪)3628‬‬
‫وأخرجه البزار‪ ،‬وأبو يعلى ]‬
‫‪ - 15‬معجزة سكون اضطراب الجبل بأمر الرسول‪:‬‬
‫روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه‪ ،‬أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدا ً وأبو بكر وعمر وعثمان‪،‬‬
‫فرجف بهم‪ ،‬فقال‪((:‬اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق‬
‫وشهيدان‪ )).‬وفي رواية‪ :‬فضربه برجله وقال‪((:‬أثبت أحد فما‬
‫عليك إل نبي أو صديق أو شهيدان)) [ رواه البخاري في كتاب‬
‫فضال الصحابة] [صحيح ابن حبان ج ‪/14‬ص ‪.]415‬‬
‫‪ - 16‬من معجزاته صلى الله عليه وسلم إخبار الشاة له أنها‬
‫مسمومة‪:‬‬
‫روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه‪ ،‬أن‬
‫امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة‬
‫مسمومة‪ ،‬ولما أكل منها أخبرته الشاة أنها مسمومة‪ ،‬فجيء‬
‫باليهودية إلى رسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فسألها عن ذلك‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬أردت لقتلك‪ ،‬قال‪" :‬ل‪ ،‬ما كان الله ليسلطك علي"‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫‪/‬‬ ‫‪4‬‬ ‫[ متفق عليه ] [ أخرجه البخاري في كتاب الهبة ومسلم‬
‫‪[ ] 1721‬البيهقي في الدلئل ]‬
‫‪ - 17‬ومن علمات نبوته ذعر أبو جهل عندما أراد أن يؤذي‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال‬
‫أبو جهل‪ :‬هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال‪ :‬فقيل‪ :‬نعم‬
‫فقال‪ :‬واللت والعزى لن رأيته يفعل ذلك لطإن على رقبته أو‬
‫لعفرن وجهه في التراب‪ ،‬قال‪ :‬فأتى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وهو يصلي‪ _ ،‬ليطأ على رقبته _ قال‪ :‬فما فجئهم منه إل‬
‫وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه قال‪ :‬فقيل له مالك؟ فقال‪:‬‬
‫أن بيني وبينه لخندقا ً من نار وهول ً وأجنحة‪ ،‬فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪((:‬لو دنا مني لختطفته الملئكة عضواً‬
‫عضواً)) [ صحيح مسلم ‪] 14 /17‬‬
‫‪ -18‬من علمات النبوة إخباره عليه الصلة والسلم عن غيوب‬
‫مستقبلية فوقعت كما أخبر‪:‬‬
‫أولً‪ -:‬قوله صلى الله عليه وسلم في الحسن رضي الله‬
‫عنهما‪((:‬إن ابني هذا سيد وسيُصلح الله به بين فئتين عظيمتين))‬
‫فكأن المر كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقد أصلح به‬
‫بين من كان مع الحسن وبين من كان مع معاوية رضي الله‬
‫عنهم‪ [ .‬رواه البخاري في صحيحه ]‬
‫ُ‬
‫ثانيًا‪ -:‬قوله صلى الله عليه وسلم‪((-:‬اُثبت أحد فإنما عليك نبي‬
‫وصدّيق وشهيدان))‪.‬‬
‫فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فمات أبو بكر بمرض‬
‫أصابه‪ ،‬وقُتل عمر في المحراب شهيداً‪،‬وقُتل عثمان في داره‬
‫شهيداً‪ ،‬فرضي الله عنهم أجمعين‪ [ .‬رواه البخاري ]‬
‫ثالثا‪ :‬إخباره صلى الله عليه وسلم عن فتح القسطنطينية‬
‫ورومية(روما)‬
‫روى أحمد في مسنده عن أبي قبيل قال‪ :‬كنا عند عبد الله بن‬
‫عمرو ابن العاص وسئل أي المدينتين تفتح أول ً القسطنطينية أو‬
‫رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق‪ ،‬قال‪ :‬فأخرج منه كتاباً‪،‬‬
‫قال فقال عبد الله‪ :‬بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي‬
‫المدينتين تفتح أولً‪ ،‬أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪((:‬مدينة هرقل تفتح أولً)) يعني‬
‫القسطنطينية‪ .‬والحديث صححه الحاكم والذهبي ووافقهما‬
‫اللباني في سلسلة الحاديث الصحيحة‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫وقد وقع المر كما أخبر به صلى الله عليه وسلم فتحقق فتح‬
‫القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح العثماني رحمه الله‬
‫كما هو معروف بعد أكثر من ثمانمائة سنة من إخبار النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم بالفتح‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ -:‬قوله صلى الله عليه وسلم‪(-:‬إن هذا قبر أبي ِرغال‪ ،‬وإن‬
‫معه غصنا ً من ذهب) فحفروه فوجدوه كما أخبر النبي صلى الله‬
‫عله وسلم‪ ،‬وذلك حين كان ذاهبا ً إلى الطائف‪ ،‬فكان هذا الخبر‬
‫آية نبوته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ت وقد جاء‬ ‫خامساً‪ -:‬قوله صلى الله عليه وسلم لخباب بنت الر ّ‬
‫يشكو إليه ما يلقي المؤمنون كفار قريش‪ ،‬يطلب من أن‬
‫يستنصر الله تعالى لهم‪ ،‬قال له وقد أحمر وجهه صلى الله عليه‬
‫وسلم أو تغير لونه‪ ،‬فقال له‪(-:‬لقد كان من قبلكم تحفر له‬
‫الحفرة‪ ،‬ويجاء بالمنشار فيوضع على رأسه‪ ،‬فيشق نصفين ما‬
‫يصرفه ذلك عن دينه‪ ،‬وليتمن الله هذا المر‪ ،‬حتى يسير الراكب‬
‫ما بين صنعاء إلى حضرموت‪ ،‬ما يخشى إل الله والذئب على‬
‫غنمه)‪ .‬وقد تم هذا كما أخبر صلى الله عليه وسلم‪ [ .‬صحيح‬
‫البخاري ]‬
‫منعت العراق درهمها‬ ‫سادسا ً ‪ -:‬قوله صلى الله عليه وسلم‪ُ (:‬‬
‫وقفيزها‪ ،‬ومنعت الشام مدها ودينارها‪ ،‬ومنعت مصر أرد بها‬
‫ودينارها‪ ،‬وع ُدتم من حيث بدأتم) فهذا الخبر قد وقع كما أخبر‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقد منعت العراق‪ ،‬ومنعت الشام‪ ،‬ومنعت‬
‫مصر‪ ،‬ما كانوا يؤدونه إلى أهل الحجاز من خراج وغيره‪ ،‬وعاد‬
‫أهل الحجاز كما بدؤوا فمسهم الجوع‪ ،‬ونالهم بعد ما أصابهم من‬
‫رغد العيش وسعة الرزق‪.‬‬
‫سابعا ً ‪ -:‬قوله صلى الله عليه وسلم‪((:‬الخلفة بعدي ثلثون سنة‬
‫ثم يؤتي الله ملكه من يشاء)) فهذا الخبر من أنباء الغيب‪ ،‬إذ‬
‫كانت خلفة أبي بكر سنتين وأربعة أشهر إل عشر ليال‪ ،‬وكانت‬
‫خلفة عمر عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام‪ ،‬وخلفة عثمان‬
‫اثنتي عشر سنة إل اثني عشر يوماً‪ ،‬وكانت خلفة علي خمس‬
‫سنوات إل شهرين‪ ،‬وتكميل الثلثين بخلفة الحسن بن علي رضي‬
‫الله عنهما‪ ،‬إذ كانت نحو من ستة أشهر‪ ،‬ثم نزل عليهما لمعاوية‬
‫عام أربعين من الهجرة‬
‫‪ 20‬يوم‬ ‫‪ 3‬أشهر‬ ‫‪ 2‬سنة‬ ‫أبو بكر‬

‫أيام‬ ‫‪4‬‬ ‫شهر‬ ‫‪6‬‬ ‫سنوات‬ ‫‪10‬‬ ‫عـمر‬

‫يوم‬ ‫‪18‬‬ ‫شهر‬ ‫‪11‬‬ ‫سنة‬ ‫‪11‬‬ ‫عثمان‬

‫‪23‬‬
‫أشهر‬ ‫‪10‬‬ ‫سنوات‬ ‫‪4‬‬ ‫علـي‬

‫شهريــــــــن‬ ‫الحسن‬

‫ســنة‬ ‫‪30‬‬ ‫المجـموع =‬

‫ثامناً‪ -:‬قوله صلى الله عليه وسلم في عثمان رضي الله‬


‫عنه‪((،‬افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه)) وذلك في حديث‬
‫ه‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً(بستان)‬ ‫صحيح ونص ُ‬
‫فدلى رجليه في القف(الدكة تجعل حول البئر يجلس عليها وتدلى‬
‫الرجل في الماء المستخرج من البئر) فقال أبو موسى وكان‬
‫معه‪ -:‬لكونن اليوم بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فجلست خلف الباب فجاء رجل فقال‪:‬أفتح فقلت من أنت؟ قال‬
‫ت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪(:‬أفتح‬ ‫أبو بكر‪ ،‬فأخبر ُ‬
‫له وبشره ُ بالجنة) ثم جاء عمر‪ ،‬فقال كذلك‪ ،‬ثم جاء عثمان فقال‪:‬‬
‫((ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه)) فهذا الخبر من أنباء‬
‫الغيب الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫تاسعاً‪ :‬قوله صلى الله عليه وسلم‪((-:‬إن جبريل كان يعارضني‬
‫القرآن كل عام مرة‪،‬وإنه عارضني العام مرتين‪ ،‬وما أرى ذلك إل‬
‫اقتراب أجلي))‪ ،‬فبكت فاطمة ثم سارها فأخبرها بأنها سيدة‬
‫نساء أهل الجنة‪ ،‬وأنها أول أهله لحوقا ً به‪ ،‬فكان كما أخبر إذ‬
‫ماتت بعده بستة أشهر‪ ،‬ولم يمت قبلها من آل البيت أحد‪ ،‬فكأن‬
‫هذا الخبر آية من نبوته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫عاشراً‪ :‬قوله صلى الله عليه وسلم لنسائه‪((-:‬كيف بإحداكن تنبح‬
‫عليها كلب الحواب)) وكان ذلك كما أخبر‪ ،‬فقد خرجت عائشة‬
‫رضي الله عنها تُريد الصلح بين علي ومعاوية رضي الله عنهما‬
‫في وقعة الجمل‪ ،‬فلما بلغت مياه بني عامر ليل ً نبحت الكلب‪،‬‬
‫فقالت رضي الله عنها‪:‬أي ماءٍ هذا؟ فقالوا‪ :‬ماء الحواب‪،‬فقالت‪:‬‬
‫ما أظنني إل راجعه‪:‬فقال بعض من كان معها‪ :‬بل تقدمي فيراك‬
‫المسلمون فيصلح الله ذات بينهم‪ ،‬قالت‪ :‬إن رسول الله صلى‬
‫الله عليه سلم قال لنا ذات يوم‪ -:‬قال‪((-:‬كيف بإحداكن تنبح‬
‫عليها كلب الحواب)) فهذا الخبر الصادق قد وقع كما أخبر به‬
‫قبل وقوعه بكذا سنة‪.‬‬
‫الحادي عشر‪ -:‬قوله صلى الله عليه وسلم في حديث احمد عن‬
‫عمار بن ياسر قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي‬
‫حين ولى غزوة العشيرة‪(:‬يا أبا تراب أل أحدثك بأشقى الناس‬
‫رجلين؟) قلنا بلى يا رسول الله‪ :‬قال(أحيمر ثمود‪ ،‬الذي عقر‬

‫‪24‬‬
‫الناقة‪ ،‬والذي يضربك يا علي على هذه ‪ -‬يعني قرنه ‪ -‬حتى يبل‬
‫أي بالدم هذه أي لحيته) [ صحيح الجامع الصغير ]‬
‫فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم فقد ضربه رضي الله عنه‬
‫عبد الرحمن بن ملجم أحد الخوارج بالكوفة فقتله على نحو ما‬
‫أخبر عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫الثاني عشر‪ -:‬قوله صلى الله عليه وسلم((سيكون في هذه المة‬
‫بعث إلى السند والهند)) فهذا الخبر الصادق وقع كما أخبر صلى‬
‫الله عليه وسلم فقد فتح المسلمون الهند أيام معاوية سنة ‪44‬هـ‬
‫أربع وأربعين ثم توالى الغزو والفتح كما أخبر صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫سهيل بن عمرو‪-:‬‬ ‫رابع عشر‪ -:‬قوله صلى الله عليه وسلم في ُ‬
‫(عسى أن يقوم مقاما ً يسرك يا عمر) وذلك يوم صلح الحديبية‬
‫سهيل وكان ممثلً‬ ‫حيث غضب عمر رضي الله عنه من تعنت ُ‬
‫لقريش يومئذ فقال له صلى الله عليه وسلم‪(-:‬عسى أن يقوم‬
‫مقاما ً يسرك يا عمر) وكان المر كما أخبر صلى الله عليه وسلم‬
‫إذ مات الرسول صلى الله عليه وسلم واضطربت البلد ونجم‬
‫الكفر ووقف سهيل بن عمرو رضي الله عنه بباب الكعبة بمكة‬
‫فخطب فثبت أهل مكة وقوى بصائرهم فحفظهم الله من الردة‬
‫بسببه وهو موقف سر عمر والمؤمنين وصدق عليه الصلة‬
‫والسلم‪.‬‬
‫خامس عشر‪ :‬النبي صلى الله عليه وسلم يخبر وهو في المدينة‬
‫أن أمته ستفتح كنوز كسرى‪:‬‬
‫روى المام البخاري رحمه الله بإسناده إلى عدي بن حاتم قال‪:‬‬
‫بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه‬
‫الفاقة‪ ،‬ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل‪ .‬فقال‪[ :‬يا عدي‪ ،‬هل‬
‫رأيت الحيرة؟] قلت‪ :‬لم أرها‪ ،‬وقد أنبئت عنها‪ .‬قال‪[ :‬فإن طالت‬
‫بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة ل‬
‫تخاف أحدا ً إل الله‪ ،‬قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار(الدعار‬
‫هو الخبث الشديد) طيء الذين قد سعروا البلد؟ ولئن طالت بك‬
‫حياة لتفتحن كنوز كسرى]‪ .‬قلت‪ :‬كسرى بن هرمز؟ قال‪:‬‬
‫[كسرى بن هرمز‪ .‬ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء‬
‫كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فل يجد أحدا ً يقبله‬
‫منه‪ ،‬وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمأن‬
‫يترجم له‪ ،‬فيقولن ألم أبعث إليك رسول ً فيبلغك فيقول بلى‬
‫فيقول‪ :‬ألم أعطك مال ً وأفضل عليك؟ فيقول‪ :‬بلى!! فينظر عن‬
‫يمينه فل يرى إل جهنم‪ ،‬وينظر عن يساره فل يرى إل جهنم]‪ .‬قال‬
‫عدي‪ :‬سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‪[ :‬اتقوا النار‬

‫‪25‬‬
‫ولول بشق تمرة‪ ،‬فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة]‪ .‬قال‬
‫عدي‪ :‬فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة ل‬
‫تخاف إل الله‪ ،‬وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز‪ ،‬ولئن‬
‫طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬يخرج ملء كفه‪(.‬رواه البخاري)‬
‫سادس عشر‪ :‬إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه إذا هلك كسرى‬
‫فل كسرى بعده‪ ،‬وإذا هلك قيصر فل قيصر بعده‪:‬‬
‫قال البخاري رحمه الله‪ :‬حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو‬
‫الزناد عن العرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪":‬إذا هلك كسرى فل كسرى بعده‪،‬‬
‫وإذا هلك قيصر فل قيصر بعده‪ ،‬والذي نفسي بيده لتنفقن‬
‫كنوزهما في سبيل الله‪.‬‬
‫سابع عشر‪ :‬الخبار عن فتح خيبر من الغد فتم ما أخبر به‬
‫الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم‪ :‬قال عليه الصلة‬
‫والسلم في غزوة خيبر‪((-:‬لعطين هذه الراية غدا رجل ً يفتح الله‬
‫على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)) قال فبات‬
‫الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال‪:‬‬
‫أين علي بن أبي طالب" فقيل هو يا رسول الله يشتكي عينيه‬
‫قال ‪ :‬فأرسلوا إليه (ائتوني به) فأُتي به فنفث في عينه بقليل من‬
‫ريقه عليه الصلة والسلم فبرأ لتوه ولم يمرض بعينه قط‪ [ .‬رواه‬
‫البخاري في كتاب الغزوات ورواه مسلم في باب فضائل‬
‫الصحابة]‬
‫وفي الحديث معجزتين ظاهرتين للنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫الولى إخباره بأن الله تعالى يفتح على يديه خيبر فكان كما‬
‫أخبر‪ ،‬والثانية شفائه علي رضي الله عنه وأرضاه‪.‬‬
‫الثامن عشر‪ :‬ومن علمات نبوته صلى الله عليه وسلم أنه أخبر‬
‫عن مصارع المشركين في بدر قبل مصرعهم‪ :‬روى مسلم في‬
‫صحيحه وأحمد _ واللفظ له _ عن أنس بن مالك رضي الله عنه‬
‫قال‪ :‬كنا مع عمر بين مكة والمدينة فترائينا الهلل وكنت حديد‬
‫البصر فرأيته فجعلت أقول لعمر‪ :‬أما تراه‪ ،‬قال سأراه وأنا‬
‫مستلق على فراشي‪ ،‬ثم أخذ يحدثنا عن أهل بدر‪ ،‬قال‪ :‬إن كان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرينا مصارعهم بالمس‪،‬‬
‫يقول‪((:‬هذا مصرع فلن غدا ً إن شاء الله تعالى‪ ،‬وهذا مصرع‬
‫فلن غدا ً أن شاء الله تعالى)) قال‪ :‬فجعلوا يصرعون عليها قال‪،‬‬
‫قلت والذي بعثك بالحق ما أخطئوا تيك كانوا يصرعون عليها‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫التاسع عشر‪ :‬إخباره صلى الله عليه وسلم عن مقتل أمراء مؤتة‬
‫قبل أن يأتي الخبر بمقتلهم‪:‬‬
‫روى البخاري في الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا ً وجعفرا ً وابن رواحة للناس‬
‫قبل أن يأتيهم خبرهم فقال‪(( :‬أخذ الراية زيد فأصيب‪ ،‬ثم أخذ‬
‫جعفر فأصيب ثم أخذ ابن رواحه فأصيب ‪ -‬وعيناه تذرفان _ حتى‬
‫أخذها سيف من سيوف الله _ يعني خالد ابن الوليد رضي الله‬
‫عنه _ حتى فتح الله عليهم)) [ الفتح ‪] 54 / 9‬‬
‫عشرون‪ :‬إخباره صلى الله عليه وسلم بفساد بعض أحوال‬
‫المسلمين وقتالهم بعضهم بعضا ً بعد فتح فارس والروم‪:‬‬
‫قال مسلم رحمه الله‪ :‬حدثنا عمرو بن سواد العامري أخبرنا عبد‬
‫الله بن وهب أخبرني عمرو بن العاص حدثه عن عبد الله بن‬
‫عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‪[ :‬‬
‫إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟ ] قال عبد الرحمن‬
‫بن عوف‪ :‬نقول كما أمرنا الله‪ .‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪[ :‬أو غير ذلك‪ .‬تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم‬
‫تتباغضون أو نحو ذلك‪ ،‬ثم تنطلقون في مساكن المهاجرين‬
‫فتجعلون بعضهم على رقاب بعض](مسلم ‪)4/2274‬‬
‫قلت‪ :‬وللسف فقد حدث ما أخبر به الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وقتل المهاجرين والنصار بعضهم بعضا ً في الجمل‬
‫وصفين!! فأنا لله وأنا إليه راجعون‬
‫الحادي والعشرون‪ :‬أخبر صلى الله عليه وسلم بأنه ل تقوم‬
‫الساعة حتى تقاتل أمته قوما ً صغار العين ذلف النوف(قصر‬
‫النف مع انبطاحه)‪ ،‬وهذه حلية التتار‪ ،‬فكان كذلك ووقع ما أخبر‬
‫به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫الثاني والعشرون‪ :‬أخبر صلى الله عليه وسلم بأن عمارا ً ستقتله‬
‫الفئة الباغية‪ ،‬فقتل يوم صفين مع علي رضي الله عنه [ رواه‬
‫البخاري‪ :‬الصلة [ ‪ ] 644 / 1‬ومسلم‪ :‬الفتن [ ‪ ] 2915 / 4‬وأخرجه‬
‫مسلم في صحيحه رقم(‪ )2916‬من حديث أم سلمة‪.‬‬
‫الثالث والعشرون‪ :‬أخبر صلى الله عليه وسلم بقتال الخوارج‪،‬‬
‫ووصف لهم الثدية‪ ،‬فحدث كما وصف سواء بسواء‪ .‬وأحاديث‬
‫قتال الخوارج متواترة‪ ،‬أنظرها في السنة لبن أبي عاصم(‪623 / 2‬‬
‫_ ‪ )2233‬من حديث أبي بكرة‪.‬‬
‫الثالث والعشرون‪ :‬أخبر الصادق المصدوق عليه الصلة والسلم‬
‫بأنه سوف تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق البل‬
‫ببصرى‪ ،‬فوقع ما أخبر به‪ ،‬وكان ظهور هذه النار في سنة بضع‬
‫وخمسين وستمائة‪ ،‬وتواتر أمرها‪ [ .‬البخاري‪ :‬الفتن ‪] 84 / 13‬‬

‫‪27‬‬
‫[ مسلم‪ :‬الفتن ‪ ] 2227 / 4‬رقم(‪ )2902‬قال النووي‪ :‬تواتر العلم‬
‫بخروج هذه النار عند أهل الشام _ وبصرى مدينة معروفة‬
‫بالشام‪ ،‬تبعد عن دمشق حوالي ‪ 100‬كم شرقاً‪.‬‬
‫وأخيًرا وبعد هذا العرض لبعض المعجزات الظاهرة للنبي الخاتم‬
‫صلى الله عليه وسلم نقول‪ :‬تعسا ً والله لمن ل يعتبر‪..‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العاللمين‬
‫ت‬‫ن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأ ِ‬ ‫‪ .2‬شبهة أ ّ‬
‫بمعجزة‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫ً‬
‫طبع أحد المستشرقين كتابا مختصرا يحتوي على ترجمة لحياة‬ ‫ً‬
‫النبي(صلى الله عليه وآله)‪ ،‬وعلى غلف الكتاب وضعت صورة‬
‫خيالية للنبي(صلى الله عليه وآله)‪ ،‬كتب تحتها العبارة التية‪ :‬متى‬
‫يُطلب منه – يقصد بذلك النبي(صلى الله عليه وآله) – التيان‬
‫بمعجزة‪ ،‬كان يقول‪ :‬ليس لدّي معجزة‪ ،‬وأن الله لم يمنحنيها‪.‬‬
‫رد الشبهة‪:‬‬
‫ن هذا المستشرق خلط الحق بالباطل بهذه الشبهة‪ ،‬فعندما قال‬ ‫إ ّ‬
‫النبي(صلى الله عليه وآله)‪ :‬المعجزة ليست بيدي‪ ،‬هذا الكلم‬
‫حق‪ ،‬ويعرفه الناس جميعاً‪ ،‬والية الكريمة التية تؤيّد ذلك‪ ،‬قال‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الله تعالى‪(:‬وما كَان ل ِرسو َ‬
‫ن اللهِ) الرعد‪،38 :‬‬ ‫ي بِآيَةٍ إِل ّ بِإِذ ْ ِ‬‫ل أن يَأت ِ َ‬ ‫َ َ ُ ٍ‬ ‫َ َ‬
‫غافر‪.78 :‬‬
‫وفي معاجز النبي عيسى(عليه السلم) يؤكّد القرآن الكريم على‬
‫َ‬
‫ن كَهَيْئَةِ ُالط ّي ْ ِ‬
‫ر‬ ‫ّ‬
‫ن الطِي َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫خلُقُ لَكُم ِّ‬ ‫هذا المضمون‪ ،‬قال تعالى‪(:‬أَنِّي أ َ ْ‬
‫حيِـي‬ ‫ص وَأ ْ‬
‫ه والبَْر َ‬ ‫م َ‬
‫ُ‬
‫ن اللهِ وَأبْرِىءُ الك ْ َ‬ ‫ن طَيًْرا بِإِذ ْ ِ‬‫خ فِيهِ فَيَكُو ُ‬ ‫فَأَنفُ ُ‬
‫ن اللهِ) آل عمران‪.49 :‬‬ ‫ال ْ َ ْ‬
‫موتَى بِإِذ ْ ِ‬
‫ن النبياء(عليهم السلم) جميعا ً ل يستطيعون‬ ‫وخلصة القول‪ :‬أ ّ‬
‫عمل شيء إل ّ بإذن الله تعالى‪ ،‬وهذا الكلم يدعمه الدليل العلمي‬
‫والفلسفي‪.‬‬
‫ن النبي(صلى‬ ‫نعود الن إلى الدِّعاء الثاني من الشبهة‪ ،‬وهو‪ :‬أ ّ‬
‫ن الله لم يعطني أي معجزة‪.‬‬ ‫الله عليه وآله) قال‪ :‬بأ ّ‬
‫ن القرآن الكريم‪ ،‬والخبار‪ ،‬والحاديث‬ ‫وهذا ال ِدّعاء مرفوض‪ ،‬ل ّ‬
‫المتواترة‪ ،‬التي جمعها المحدّثون في كتبهم‪ ،‬اتفقت جميعها على‬
‫حدوث كثير من المعجزات على يد النبي(صلى الله عليه وآله)‪،‬‬
‫وأنّها كانت بتسديد من الله عَّز وجل‪.‬‬
‫لنصرف النظر الن عن كتب الحديث والرواية‪ ،‬ونذهب إلى‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬ليقضي بيننا في هذا المر‪ ،‬نجد القرآن الكريم قد‬
‫ذكر كثيرا ً من المعجزات‪ ،‬نذكر منها على سبيل المثال ل الحصر‪:‬‬
‫‪ - 1‬شق القمر(سورة القمر)‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫‪ - 2‬المعراج(سورة السراء)‪.‬‬
‫‪ - 3‬المباهلة(آل عمران‪.)61 :‬‬
‫وبناءً على ذلك يكون الرسول(صلى الله عليه وآله) قد جاء‬
‫بالمعجزات كباقي النبياء(عليهم السلم) عندما كان الناس‬
‫ن معجزات النبياء(عليهم‬ ‫يطالبونه بها لثبات نبوته‪ ،‬علما ً أ ّ‬
‫صة بزمانهم ومكانهم‪.‬‬ ‫السلم) كانت خا ّ‬
‫صاً‬
‫أما معجزات النبي(صلى الله عليه وآله) فمنها ما كان مخت ّ‬
‫بزمان ومكان معين‪ ،‬ومنها التي لم تتقيّد بحدود المكان والزمان‪،‬‬
‫وبقت وستبقى شاهدة على نبوته(صلى الله عليه وآله) إلى يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وهي معجزة القرآن الكريم‪.‬‬
‫القرآن الكريم الذي تحدَّى الناس أجمعين من الولين والخرين‪،‬‬
‫بأن يأتوا ولو بآية من مثله‪ ،‬لكنهم عجزوا عن ذلك‪ ،‬لذلك – وأمام‬
‫هذا التحدي – نجد بعض المغرضين‪ ،‬أو قاصري النظر‪ ،‬تصوّروا‬
‫ن النبي(صلى الله عليه وآله) ليس لديه معجزة غير القرآن‪.‬‬ ‫بأ ّ‬
‫في الوقت الذي صَّرحت به كثير من اليات والروايات بأ ّ‬
‫ن‬
‫للنبي(صلى الله عليه وآله) معجزات أخرى غير القرآن الكريم‪،‬‬
‫وقد ذكرنا قسما ً منها فيما تقدّم‪.‬‬
‫‪ .3‬المعجزة الكبرى‪ ..‬القرآن الكريم‬
‫أعطى الله عز وجل كل نبي من النبياء عليهم السلم معجزة‬
‫خاصة به لم يعطيها بعينها غيره تحدى بها قومه‪ ،‬وكانت معجزة‬
‫كل نبي تقع مناسبة لحال قومه وأهل زمانه‬
‫فلما كان الغالب على زمان موسى عليه السلم السحر وتعظيم‬
‫السحرة‪ ،‬بعثه الله بمعجزة بهرت البصار‪ ،‬وحيرت كل سحار‪،‬‬
‫فلما استيقنوا أنها من عند العزيز الجبار انقادوا للسلم وصاروا‬
‫من عباد الله البرار‪.‬‬
‫وأما عيسى عليه السلم فبعثه الله في زمن الطباء وأصحاب‬
‫علم الطبيعة‪ ،‬فجاءهم من اليات بما ل سبيل لحد إليه إل أن‬
‫يكون مؤيدًا من الذي شرع الشريعة‪ ،‬فمن أين للطبيب قدرة‬
‫على إحياء الجماد‪ ،‬وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد‪،‬‬
‫أو على مداواة الكمه والبرص‪،‬‬

‫وكذلك نبينا بعث في زمان الفصحاء والبلغاء وتجاريد الشعراء‪،‬‬


‫فأتاهم بكتاب من عند الله عز وجل‪ ،‬فاتهمه أكثرهم أنه اختلقه‬
‫وافتراه من عنده فتحداهم ودعاهم أن يعارضوه ويأتوا بمثله‬
‫ُ َّ‬
‫ن‬
‫عن ذلك كما قال تعالي‪( :‬قْل لئ ِ ِ‬ ‫وليستعينوا بمن شاءوا فعجزوا‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ل َ يَأتُو َ‬
‫ن‬ ‫ل هَـذ َا القُْرآ ِ‬ ‫ن ع َلَى أن يَأتُوا ب ِ ِ‬
‫مث ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ج ُّ‬‫س وَال ْ ِ‬
‫ت الِن ُ‬ ‫معَ ِ‬ ‫جت َ َ‬
‫ا ْ‬
‫ض ظَهِيراً) ‪ -‬سورة السراء آية ‪ 88‬وكما‬ ‫م لِبَعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫مثْلِهِ وَلَوْ كَا َ‬
‫ن بَعْ ُ‬ ‫بِ ِ‬

‫‪29‬‬
‫َ‬
‫ن {‪ }33‬فَلْيَأْتُوا‬ ‫منُو َ‬ ‫ه بَل ّل يُؤ ْ ِ‬ ‫ن تَقَوَّل َ ُ‬ ‫م يَقُولُو َ‬
‫َ‬
‫قال الله تعالي‪( :‬أ ْ‬
‫ن) ‪ -‬سورة الطور ايات ‪ 33‬و ‪34‬‬ ‫صادِقِي َ‬ ‫مثْلِهِ إِن كَانُوا َ‬ ‫ث ِّ‬ ‫حدِي ٍ‬ ‫بِ َ‬
‫ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه فقال في سورة هود‪( :‬أم‬
‫يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من‬
‫استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين)‪.‬‬
‫ثم تنازل إلى سورة فقال في سورة يونس‪( :‬أم يقولون افتراه‬
‫قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم‬
‫صادقين) وكذلك في سورة البقرة وهى مدنية أعاد التحدي‬
‫بسورة منه‪ ،‬وأخبر تعالى أنهم ل يستطيعون ذلك أبدا ل في‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما ن َ ّزلنَا‬ ‫م َّ‬‫ب ِّ‬‫م فِي َري ْ ٍ‬ ‫الحال ول في المآل فقال تعالى‪( :‬وَإِن كُنت ُ ْ‬
‫ْ‬
‫ن اللّهِ‬ ‫من د ُ َو ِ‬ ‫شهَدَاءكُم ِّ‬ ‫مثْلِهِ وَادْع ُوا ْ ُ‬ ‫من ِّ‬ ‫سوَرةٍ ِّ‬ ‫ع َلَى ع َبْدِنَا فَأتُوا ْ ب ِ ُ‬
‫َ‬
‫م تَفْعَلُوا ْ وَلَن تَفْعَلُوا ْ فَاتَّقُوا ْ النَّاَر ال ّتِي‬ ‫ن فَإِن ل ّ ْ‬ ‫صادِقِي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن كُنْت ُ ْ‬
‫إِ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن) (سورة البقرة‪.)24-23:‬‬ ‫ت لِلكَافِرِي َ‬ ‫عد ّ ْ‬ ‫جاَرة ُ أ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫س وَال ِ‬ ‫وَقُودُهَا الن ّا ُ‬
‫وهكذا وقع‪ ،‬فإنه من لدن رسول الله صلى الله عليه و سلم وإلى‬
‫زماننا هذا لم يستطع أحد أن يأتي بنظيره ول نظير سورة منه‪،‬‬
‫وهذا ل سبيل إليه أبدا؛ فإنه كلم رب العالمين الذي ل يشبهه‬
‫شيء من خلقه ل في ذاته ول في صفاته ول في أفعاله‪ ،‬فأنى‬
‫يشبه كلم المخلوقين كلم الخالق؟‬
‫وقد انطوى كتاب الله العزيز على وجوه كثيرة من وجوه‬
‫العجاز‪ :‬ذلك أن القرآن الكريم معجز في بنائه التعبيري وتنسيقه‬
‫الفني باستقامته على خصائص واحدة في مستوى واحد ل يختلف‬
‫ول يتفاوت ول تختلف خصائصه معجز في بنائه الفكري وتناسق‬
‫أجزائه وتكاملها‪ ،‬فل فلتة فيه ول مصادفة‪ ،‬كل توجيهاته‬
‫وتشريعاته تتناسب وتتكامل وتحيط بالحياة البشرية دون أن‬
‫تصطدم بالفطرة النسانية معجز في يسر مداخله إلى القلوب‬
‫والنفوس ولمس مفاتيحها وفتح مغاليقها واستجاشة مواضع التأثر‬
‫والستجابة فيها وقد سرد هبة الدين الحسيني الشهرستاني‬
‫المزايا الجمالية للقرآن ومنها‪:‬‬
‫‪ -‬فصاحة ألفاظه الجامعة لكل شرائعها‪.‬‬
‫‪ -‬أنباؤه الغيبية‪ ،‬وأخباره عن كوامن الزمان‪ ،‬وخفايا المور‪.‬‬
‫‪ -‬قوانين حكيمة في فقه تشريعي‪ ،‬فوق ما في التوراة والنجيل‪،‬‬
‫وكتب الشرائع الخرى‬
‫‪ -‬سلمته عن التعارض والتناقض والختلف‪.‬‬
‫‪-‬أسرار علمية لم تهتد العقول إليها بعد عصر القرآن إل بمعونة‬
‫الدوات الدقيقة واللت الرقيقة المستحدثة‪.‬‬
‫‪ -‬ظهوره على لسان أمي لم يعرف القراءة ول الكتابة‪.‬‬
‫‪-‬خطاباته البديعة‪ ،‬وطرق إقناعه الفذة‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫‪ -‬سلمته من الخرافات والباطيل‪.‬‬
‫‪-‬تضمنه السس لشريعة إنسانية صالحة لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫قال الحافظ بن كثير‪ :‬إن الخلق عاجزون عن معارضة هذا‬
‫القرآن‪ ،‬بعشر سور مثله‪ ،‬بل عن سورة منه‪ ،‬وأنهم ل يستطيعون‬
‫َ‬
‫م تَفْعَلُوا ْ وَلَن تَفْعَلُواْ) ‪ (-‬سورة البقرة آية‬ ‫كما قال تعالى‪(:‬فَإِن ل ّ ْ‬
‫‪ )24‬أي فان لم تفعلوا في الماضي‪ ،‬ولن تستطيعوا ذلك في‬
‫المستقبل‪ ،‬وهذا تحد ثان‪ ،‬وهو أنه ل يمكن معارضتهم له في‬
‫الحال ول في المآل ومثل هذا التحدي إنما يصدر عن واثق بأن ما‬
‫جاء به ل يمكن لبشر معارضته‪ ،‬ول التيان بمثله‪ ،‬ولو كان من‬
‫عند نفسه لخاف أن يعارض‪ ،‬فيفتضح ويعود عليه نقيض ما قصد‬
‫من متابعة الناس له‪..‬‬
‫‪ .4‬عصمته صلى الله عليه وسلم من الناس‬
‫لقي رسول الله صلى الله عليه و سلم من أعدائه كثير الذى‬
‫وعظيم الشدة منذ أن جهر بدعوته ولكن الله تبارك وتعالى‬
‫حفظه ونصره وعصمه من الناس كما قال تعالى في كتابه‬
‫َ‬ ‫ما أُنزِ َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ك وَإِن ل ّ ْ‬
‫م تَفْعَ ْ‬ ‫من َّرب ِّ َ‬
‫ك ِ‬‫ل إِلَي ْ َ‬ ‫ل بَل ِّغْ َ‬
‫سو ُ‬ ‫العزيز‪( :‬يَا أي ُّ َها الَّر ُ‬
‫َ‬
‫س ‪ -‬سورة المائدة آية‬ ‫م َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه وَالل ّ ُ‬‫سالَت َ ُ‬ ‫ما بَل ّغْ َ‬
‫فَ َ‬
‫ن الن ّا ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫ص ُ‬‫ه يَعْ ِ‬ ‫ت رِ َ‬
‫‪.67‬‬
‫وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يحرس قبل نزول هذه الية‬
‫من قبل بعض أصحابه فلما نزلت هذه الية قال‪ :‬يا أيها الناس‬
‫انصرفوا عني فقد عصمني الله عز وجل‬
‫ومن المثلة على عصمة الله لرسوله وكف العداء عنه‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال أبو جهل‪ :‬هل يعفر‬
‫محمد وجهه بين أظهركم؟ ‪ -‬أي يسجد ويلصق وجهه بالعفر وهو‬
‫التراب قال‪ :‬قيل‪ :‬نعم فقال‪ :‬واللت والعزى لئن رأيته يفعل‬
‫ذلك لطأن على رقبته أو لعفرن وجهه في التراب‪ .‬قال‪ :‬فأتى‬
‫رسول الله رضي الله عنه وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته قال‬
‫فما فجئهم(أي بغتهم) منه إل وهو ينكص على عقبيه(أي رجع‬
‫يمشي إلى ورائه) ويتقي بيديه قال فقيل له‪ :‬مالك؟ فقال‪ :‬إن‬
‫بيني وبينه لخندقًا من نار وهول ً وأجنحة‪ .‬فقال رسول الله صلى‬
‫الله عليه و سلم‪ :‬لو دنا مني لختطفته الملئكة عضوًا عضوًا ‪-‬‬
‫رواه البخاري مختصًرا ورواه مسلم واللفظ له‪.‬‬
‫عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قصة الهجرة النبوية‬
‫قال‪ :‬فارتحلنا بعد ما مالت الشمس واتبعنا سراقة بن مالك‬
‫فقلت‪ :‬أتينا يا رسول الله فقال‪ :‬ل تحزن إن الله معنا فدعا عليه‬
‫النبي صلى الله عليه و سلم فارتطمت به فرسه إلى بطنها‬
‫فقال‪ :‬إني أراكما قد دعوتما علي فادعوا لي فالله لكما أن أرد‬

‫‪31‬‬
‫عنكما الطلب‪ .‬فدعا له النبي صلى الله عليه و سلم فنجا فجعل‬
‫ل يلقى أحدًا إل قال‪ :‬كفيتكم ما هنا فل يلقى أحدًا إل رده قال‪:‬‬
‫ووفيلنا ‪ -‬رواه مسلم والبخاري مطولً‪.‬‬
‫عن سلمة بن الكوع رضي الله عنه قال‪ :‬غزونا مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم حنينًا فولى صحابة النبي صلى الله عليه و‬
‫سلم فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه و سلم(أي أتوه من‬
‫كل جانب) نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب الرض ثم‬
‫استقبل به وجوههم فقال‪ :‬شاهت الوجوه(أي قبحت) فما خلق‬
‫الله منهم إنسانًا إل مل عينيه ترابًا بتلك القبضة فولوا مدبرين‬
‫فهزمهم الله عز وجل وقسم رسول الله صلى الله عليه و سلم‬
‫غنائمهم بين المسلمين ‪ -‬رواه مسلم‪.‬‬
‫عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال‪ :‬غزونا مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم قبل نجد(أي ناحية نجد في غزوته إلى‬
‫غطفان وهي غزوته ذي أمر موضع من ديار غطفان) فأدركنا‬
‫رسول الله صلى الله عليه و سلم في واد كثير العضاه(هي كل‬
‫شجرة ذات شوك) فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم تحت‬
‫شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها قال‪ :‬وتفرق الناس في‬
‫الوادي يستظلون بالشجر قال‪ :‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫و سلم‪ :‬إن رجل ً أتلني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو‬
‫قائم على رأسي فلم أشعر إل والسيف صلتًا(أي مسلولً) في‬
‫يده فقال لي‪ :‬من يمنعك مني؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬الله ثم قال في‬
‫الثانية‪ :‬من يمنعك مني؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬الله‪ .‬قال‪ :‬فشام السيف(أي‬
‫رده في غمده) فها هو ذا جالس ثم لم يعرض له رسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم ‪ -‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫جالس أمامها ول تراه‪:‬‬
‫ت يَدَا‬ ‫قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها‪ :‬لما نزلت {تَب َّ ْ‬
‫َ‬
‫ب } جاءت العوراء أم جميل‪ ،‬ولها ولولة وفي يدها‬ ‫أبِي لَهَ ٍ‬
‫ب وَت َ َّ‬
‫ما أبينا‪ ،‬ودينه قلينا‪ ،‬وأمره عصينا‪ ،‬ورسول‬ ‫فهر وهي تقول‪ :‬مذم ً‬
‫الله صلى الله عليه وسلم جالس‪ ،‬وأبو بكر إلى جنبه‪ ،‬فقال أبو‬
‫بكر رضي الله عنه‪ :‬لقد أقبلت هذه‪ ،‬وأنا أخاف أن تراك‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬إنها لن تراني‪ ،‬وقرأ قرآنًا‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن لَ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬
‫ك وَبَي ْ َ‬‫جعَلْنَا بَيْن َ َ‬‫ن َ‬‫ت الْقُرآ َ‬
‫اعتصم به منها‪{ :‬وَإِذ َا قََرأ َ‬
‫ستُوراً}‪.‬‬ ‫جابا ً َّ‬
‫م ْ‬ ‫ح َ‬
‫خَرةِ ِ‬ ‫ن بِال ِ‬ ‫يُؤ ْ ِ‬
‫منُو َ‬
‫قال‪ :‬فجاءت حتى قامت على أبي بكر‪ ،‬فلم تر النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فقالت‪ :‬يا أبا بكر بلغني أن صاحبك هجاني‪ ،‬فقال أبو‬
‫بكر‪ :‬ل ورب هذا البيت ما هجاك(أي أنه حكى ما قاله ربه‪ ،‬وما‬
‫كان هذا كلمه‪ ،‬وإنما كلم ربه تعالى فلم يكن هاجيًا له)‪ ،‬قال‪:‬‬

‫‪32‬‬
‫فانصرفت وهي تقول‪ :‬لقد علمت قريش أني بنت سيدها ‪ -‬رواه‬
‫أبو يعلى‪.‬‬
‫مر صلى الله عليه وسلم عليهم وألقى على رءوسهم التراب ول‬
‫يرونه‪:‬‬
‫لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليًا رضي الله عنه يوم‬
‫الهجرة أن يبيت في مضجعه تلك الليلة‪ ،‬واجتمع أولئك النفر من‬
‫قريش يتطلعون من صير الباب ويرصدونه‪ ،‬ويريدون بياته‬
‫ويأتمرون أيهم يكون أشقاها‪ ،‬فخرج رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم عليهم‪ ،‬فأخذ حفنة من البطحاء‪ ،‬فجعل يذره على‬
‫سدّاً‬ ‫رءوسهم‪ ،‬وهم ل يرونه وهو يتلو { وجعلْنا من بي َ‬
‫م َ‬ ‫ن أيْدِيهِ ْ‬ ‫َ َ َ َ ِ َْ ِ‬
‫ن }‪.‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل َ يُب ْ ِ‬‫م فَهُ ْ‬ ‫شيْنَاهُ ْ‬‫سدّا ً فَأَغ ْ َ‬ ‫خل ْ ِفهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫وَ ِ‬
‫ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر‬
‫فخرجا من خوخة في دار أبي بكر ليلً‪ ،‬وجاء رجل ورأى القوم‬
‫ببابه‪ ،‬فقال‪ :‬ما تنتظرون؟ قالوا‪ :‬محمدًا قال‪ :‬خبتم وخسرتم‪،‬‬
‫قال‪ :‬والله مر بكم وذّر على رءوسكم التراب‪ ،‬قالوا‪ :‬والله ما‬
‫أبصرناه‪.‬‬
‫وقاموا ينفضون التراب عن رءوسهم‪ ،‬وهم‪ :‬أبو جهل والحكم بن‬
‫العاص وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وأمية بن خلف‬
‫وزمعة بن السود وطعيمة بن عدي وأبو لهب وأبي بن خلف ونبيه‬
‫ومنبه ابنا الحجاج‪ .‬أخرجه ابن سعد وابن هشام وأحمد‪ ،‬وقد‬
‫حسنه ابن كثير وابن حجر في الفتح‪.‬‬
‫أراد قتل الرسول صلى الله عليه وسلم فخذله الله‪:‬‬
‫عن جابر رضي الله عنه أن رجل ً من محارب يقال له غورث بن‬
‫الحارث قال لقومه‪ :‬أقتل لكم محمدًا‪ ،‬فقالوا‪ :‬كيف تقتل؟ قال‪:‬‬
‫أفتك به‪ ،‬فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس‬
‫وسيفه في حجره‪ ،‬فقال‪ :‬يا محمد‪ ،‬أنظر إلى سيفك هذا؟ قال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬فأخذه واستله وجعل يهزه ويهم فيكبته الله(أي فيخذله‬
‫الله)فقال‪ :‬يا محمد‪ ،‬أنظر إلى سيفك هذا؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فأخذه‬
‫واستله وجعل يهزه ويهم فيكبته الله فقال‪ :‬يا محمد أما تخافني؟‬
‫قال‪ :‬ل‪ ،‬وما أخاف منك‬
‫قال‪ :‬أل تخافني وفي يدي السيف؟ قال‪ :‬ل يمنعني الله منك‪.‬‬
‫ثم أغمد السيف ورده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫منُوا ْ اذ ْكُُروا ْ نِعْ َ‬‫نآ َ‬ ‫فأنزل الله عز وجل‪( :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫م قَوم أَن يبسطُوا ْ إلَيك ُم أَيديهم فَك َ َّ َ‬
‫م) ‪-‬‬ ‫م ع َنك ُ ْ‬ ‫ف أيْدِيَهُ ْ‬ ‫ِ ْ ْ ْ َُِ ْ‬ ‫َْ ُ‬ ‫م إِذ ْ هَ َّ ْ ٌ‬ ‫ع َلَيْك ُ ْ‬
‫سورة المائدة‪ ،‬من الية‪ -11:‬أخرجه أبو نعيم‪.‬‬
‫أراد أن يدمغ النبي صلى الله عليه وسلم بحجر فيبست يده على‬
‫الحجر‪:‬‬

‫‪33‬‬
‫عن المعتمر بن سليمان عن أبيه‪ :‬أن رجل ً من بني مخزوم قام‬
‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده فهر(حجر يمل‬
‫الكف) ليرمي به رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فلما أتاه وهو‬
‫ساجد رفع يده وفيها الفهر ليدمغ(أي ليرمي) به رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬فيبست يده على الحجر فلم يستطع إرسال‬
‫الفهر من يده‪ ،‬فرجع إلى أصحابه فقالوا‪ :‬أجبنت عن الرجل؟‬
‫قال‪ :‬لم أفعل ولكن هذا في يدي ل أستطيع إرساله‪ .‬فعجبوا من‬
‫ذلك‪ ،‬فوجدوا أصابعه قد يبست على الفهر‪ ،‬فعالجوا أصابعه حتى‬
‫خلصوها‪ ،‬وقالوا هذا شئ يراد‪ .‬أخرجه أبو نعيم في الدلئل‪.‬‬
‫أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم فنزل عليه شواظ من نار‪:‬‬
‫قال شيبة بن عثمان‪ :‬لما غزا النبي صلى الله عليه وسلم حنينًا‪،‬‬
‫تذكرت أبي وعمي قتلهما علي وحمزة فقلت‪ :‬اليوم أدرك ثأري‬
‫في محمد‪،‬فجئت من خلفه فدنوت منه ودنوت حتى لم يبق إل أن‬
‫أسوره بالسيف‪ُ ،‬رفع لي شواظ من نار كأنه البرق فخفت أن‬
‫يحبسني فنكصت القهقرى‬

‫فالتفت إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يا شيبة! قال‪:‬‬
‫فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدري‬
‫فاستخرج الله الشيطان من قلبي‪ ،‬فرفعت إليه بصري وهو أحب‬
‫إلي من سمعي وبصري ومن كذا‪ .‬أخرجه أبو نعيم في الدلئل‪.‬‬
‫منع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من القتل في غزوة‬
‫ذات الرقاع‪:‬‬
‫عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال‪ :‬غزونا مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم غزوة قبل نجد‪ ،‬فأدركنا رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم في واد كثير العضاة(أي كثير الشجار)‪ ،‬فنزل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فعلق سيفه بغصن‬
‫من أغصانها‪ ،‬قال‪ :‬وتفرق الناس في الوادي يستظلن بالشجر‪،‬‬
‫قال‪ :‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن رجل ً أتاني وأنا‬
‫نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي فلم أشعر إل‬
‫والسيف صلتًا في يده‬
‫فقال لي‪ :‬من يمنعك مني؟‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬الله‬
‫ثم قال في الثانية‪ :‬من يمنعك مني؟‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬الله‬
‫قال‪ :‬فشام السيف(أي أغمده)‪ ،‬فها هو جالس‪ ،‬ثم لم يعرض له‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الفضائل‬

‫‪34‬‬
‫هذا الرجل اسمه غورث بن الحارث‪ ،‬وقيل‪ :‬اسمه غويرث‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫دعثورا‪.‬‬
‫إخباره صلى الله عليه وسلم عن الذي غل في سبيل الله‪:‬‬
‫عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رجل ً من أصحاب‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر‪ ،‬فقال صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ :‬صلوا على صاحبكم‪ ،‬فتغيرت وجوه الناس‬
‫لذلك‪ ،‬فقال‪ :‬إن صاحبكم غل في سبيل الله(الغلول‪ :‬أخذ شيء‬
‫من أموال الغنائم أو المال العام خفية)‪ ،‬ففتشنا متاعه فوجدنا‬
‫خرًزا من خرز اليهود ل تساوي درهمين‪.‬‬
‫صحيح‪ :‬أخرجه مالك في الموطأ في الجهاد‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وأبو داود‪،‬‬
‫والنسائي‪ ،‬وابن ماجه‪.‬‬
‫كن أبا خيثمة فكان‪:‬‬
‫لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك‪ ،‬تخلف عنه‬
‫بعض الصحابة رضي الله عنهم بدون شك ول ارتياب‪ ،‬منهم أبو‬
‫خيثمة السالمي‪ ،‬ثم إن أبا خيثمة رجع بعد أن سار رسول الله‬
‫ما‪ ،‬فوجد امرأتين له في عريشين لهما‬ ‫صلى الله عليه وسلم أيا ً‬
‫في حائطه‪ ،‬قد رشت كل واحدة منهما عريشها وبردت له ماء‪،‬‬
‫ما‪ ،‬فلما دخل قام على باب العريش‪ ،‬فنظر‬ ‫وهيأت له فيه طعا ً‬
‫إلى امرأتيه وما صنعتا له فقال‪ :‬رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم في الضح(الشمس) والريح والحر‪ ،‬وأبو خيثمة في ظل‬
‫بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء‪ ،‬في ماله مقيم‪ ،‬ما هذا‬
‫بالنصف(النصاف العدل)‪ ،‬ثم قال‪ :‬والله ل أدخل عريش واحدة‬
‫منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فهيئا لي‬
‫زادًا‪ ،‬ففعلتا‪ ،‬ثم قدم ناضحه(بعيره) فارتحله ثم خرج في طلب‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬حتى أدركه حين نزل تبوك‪،‬‬
‫وقد كان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي في الطريق‬
‫يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فترافقا حتى إذا دنوا من‬
‫تبوك قال أبو خيثمة لعمير بن وهب‪ :‬إن لي ذنبًا‪ ،‬فل عليك أن‬
‫تتخلف عني حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ففعل‬
‫حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل‬
‫بتبوك‪ ،‬قال الناس‪ :‬هذا راكب على الطريق مقبل‪ ،‬فقال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬كن أبا خيثمة‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول الله!‬
‫هو والله أبو خيثمة‪ ،‬فلما أناخ أقبل‪ ،‬فسلم على رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫أولى لك يا أبا خيثمة‪ ،‬فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫خبره‪ ،‬فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬خيًرا ودعا له‬
‫بخير‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫رواه ابن هشام‪ ،‬عن ابن إسحاق بل سند‪ ،‬وفي حديث كعب بن‬
‫مالك الطويل المخرج في البخاري ومسلم‪ :‬فبينما هو على ذلك‬
‫ضا يزول به السراب‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله‬ ‫رأى رجل ً مبي ً‬
‫عليه وسلم‪ :‬كن أبا خيثمة‪ ،‬فإذا هو أبو خيثمة النصاري‪ ،‬وهو الذي‬
‫تصدق بصاع التمر حين لمزه المنافقون‪.‬‬
‫أخبر أنه من أهل النار فكان كذلك‪:‬‬
‫عن عبد الله بن عمرو قال‪ :‬كان على ثقل(الثقل‪ :‬العيال‪ ،‬وما‬
‫يثقله من المتعة) النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له‬
‫كركرة‪ ،‬فمات‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬هو في النار‪،‬‬
‫فذهبا ينظرون‪ ،‬فوجدوا عليه كساء أو عباءة قد غلها‪ .‬أخرجه‬
‫البخاري‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وأخرجه ابن ماجة كتاب الجهاد باب في الغلول‪.‬‬
‫إجابة النبي صلى الله عليه وسلم السائل قبل أن يسأله‪:‬‬
‫عن وابصة السدي رضي الله عنه قال‪ :‬أتيت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وأنا أريد أن ل أع شيئًا من البر والثم إل سألته‬
‫عنه‪ ،‬وحوله عصابة من المسلمين يستفتونه‪ ،‬فجعلت أتخطاهم‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬إليك وابصة عن رسول الله فقلت‪ :‬دعوني فأدنو منه‪،‬‬
‫فإنه أحب الناس إلي أن أدنو منه‪ ،‬قال‪ :‬دعوا وابصة‪ ،‬ادن يا‬
‫وابصة‪ ،‬مرتين أو ثلثًا‪ .‬قال‪ :‬فدنوت منه حتى قعدت بين يديه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا وابصة أخبرك أم تسألني؟ فقلت‪ :‬ل‪ ،‬بل أخبرني فقال‪:‬‬
‫جئت تسأل عن البر والثم؟ فقلت‪ :‬نعم‪ ،‬فجمع أنامله فجعل‬
‫ينكت بهن في صدري ويقول‪ :‬يا وابصة استفت قلبك استفت‬
‫نفسك(ثلث مرات) البر ما اطمأنت إليه النفس والثم ما حاك‬
‫في النفس وتردد في صدرك‪ ،‬وإن أفتاك الناس وأفتوك‪.‬صحيح‪:‬‬
‫أخرجه أحمد‪.‬‬
‫إخباره صلى الله عليه وسلم أن غلمه غل شملة‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬لما أصيب مدعم غلم النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يوم خيبر قالوا‪ :‬هنيئًا له الجنة‪ ،‬قال صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ :‬كل والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها‬
‫يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناًرا‪ ،‬فجاء‬
‫رجل بشراك أو شراكين لما سمع ذلك فقال‪ :‬شراك أو شراكان‬
‫من نار‪ .‬صحيح‪ :‬أخرجه البخاري‪ ،‬ومسلم‪ ،‬وأبو داود والنسائي‪.‬‬
‫وقوف الكفار أمام باب الغار‪:‬‬
‫جدت قريش في طلب الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬وأخذوا معهم القافة(متبعو الثر) حتى انتهوا إلى‬
‫باب الغار فوقفوا عليه‪ ،‬قال أبو بكر‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬لو أن‬

‫‪36‬‬
‫أحدهم نظر إلى ما تحت قدميه لبصرنا‪ ،‬فقال صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ل تحزن فإن الله‬
‫معنا‪ .‬صحيح‪ :‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يسمعان كلمهم فوق‬
‫مى عليهم أمرهما‪.‬‬‫رءوسهما‪ ،‬ولكن الله ع َّ‬
‫‪ .5‬دلئل نبوته فيما يتعلق ببعض الحيوانات‬
‫قصة البعير وسجوده وشكواه لرسول الله صلى الله عليه و‬
‫سلم‪:‬‬
‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬كان أهل البيت من‬
‫النصار لهم جمل يسنون عليه وأنه استصعب عليهم فمنعهم‬
‫ظهره وأن النصار جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم‬
‫فقالوا‪ :‬إنه كان لنا جمل نسني عليه(أي نستقي عليه) أنه‬
‫استصعب علينا ومنعنا ظهره‪ ،‬وقد عطش الزرع والنخل‪ .‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه و سلم لصحابه‪ :‬قوموا فقاموا فدخل‬
‫الحائط والجمل في ناحيته‪ ،‬فمشى النبي صلى الله عليه و سلم‬
‫نحوه فقالت النصار‪ :‬يا رسول الله إنه قد صار مثل الكلب وإنا‬
‫ي منه بأس‪ .‬فلما نظر الجمل‬ ‫نخاف عليك صولته فقال‪ :‬ليس عل َ‬
‫إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أقبل نحوه حتى خر‬
‫ساجدا ً بين يديه‪ ،‬فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بناصيته‬
‫أذل ما كانت قط‪ ،‬حتى أدخله في العمل فقال له أصحابه‪ :‬هذه‬
‫البهيمة ل تعقل تسجد لك‪ ،‬ونحن أحق أن نسجد لك‪ .‬فقال‪" :‬ل‬
‫يصلح لبشر أن يسجد لبشر‪ ،‬ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر‬
‫لمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها‪ ،‬والذي‬
‫نفس محمد بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تتفجر‬
‫بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه ‪ -‬رواه المام‬
‫أحمد في مسنده‬
‫وعن عبد الله بن جعفر‪ -‬رضي الله عنهما قال‪ :‬أردفني رسول‬
‫ي حديثا ً ل‬‫الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم خلفه فأسر إل َ‬
‫أخبر به أحدا ً أبدا ً وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم أحب‬
‫ما استتر به في حاجته هدف أو حائش نخل(أي جماعة النخل)‬
‫فدخل يوما ً حائطا ً من حيطان النصار فإذا جمل قد أتاه‬
‫فجرجر(أي ردد صوته في حنجرته) وذرفت عيناه قال بهر‬
‫ن وذرفت عيناه‬ ‫وعفان‪ :‬فلما رأى النبي صلى الله عليه و سلم ح َ‬
‫فمسح رسول الله صلى الله عليه و سلم سراته(الظهر وقيل‬
‫السنام) وذفراه(العظم الشاخص خلف الذن) سكن فقال‪ :‬من‬
‫صاحب هذا الجمل؟ فجاء فتى من النصار فقال‪ :‬هو لي يا رسول‬
‫الله‪ .‬فقال‪ :‬أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملككها الله‪ ،‬إنه‬

‫‪37‬‬
‫شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه ‪ -‬رواه أبو داوود والمام أحمد في‬
‫مسنده والحاكم في المستدرك‪.‬‬
‫إخبار الذئب بنبوته صلى الله عليه و سلم‪:‬‬
‫عن أبي سعيد الخضري رضي الله عنه قال‪ :‬عدا الذئب على شاة‬
‫فأخذها فطلبه الراعي فانتزعها منه‪ ،‬فأقعى الذئب على ذنبه‬
‫فقال‪ :‬أل تتقي الله؟ تنزع مني رزقا ً ساقه الله إلي؟ فقال‪ :‬يا‬
‫عجبي ذئب يقعي على ذنبه يكلمني كلم النس‪ .‬فقال الذئب‪ :‬أل‬
‫أخبرك بأعجب من ذلك؟ محمد صلى الله عليه و سلم بيثرب‬
‫يخبر الناس بأنباء ما قد سبق قال‪ :‬فأقبل الراعي يسوق غنمه‬
‫حتى دخل المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها‪ ،‬ثم أتى رسول‬
‫الله صلى الله عليه و سلم فأخبره‪.‬‬
‫فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فنودي‪ :‬الصلة جامعة ثم‬
‫خرج فقال للراعي أخبرهم فأخبرهم فقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم‪ :‬صدق‪ ،‬والذي نفس محمد بيده ل تقوم الساعة حتى‬
‫يكلم السباع النس‪ ،‬ويكلم الرجل عذبة سوطه‪ ،‬وشراك نعله‪،‬‬
‫ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده ‪ -‬رواه المام أحمد في‬
‫المسند‪ ،‬و الحاكم في المستدرك‪ ،‬وابن سعد في الطبقات‪.‬‬
‫وفي رواية من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عندما كلم‬
‫الذئب راعي الغنم فقال الرجل‪ :‬تالله إن رأيت كاليوم ذئبا ً يتكلم‪.‬‬
‫فقال الذئب‪ :‬أعجب من هذا الرجل في النخلت بين الحرتين(أي‬
‫المدينة المنورة) يخبركم بما مضى وما هو كائن بعدكم وكان‬
‫الرجال يهودياً‪ ،‬فجاء النبي صلى الله عليه و سلم فأسلم وخبَره‬
‫فصدقه النبي صلى الله عليه و سلم ‪ -‬رواه المام أحمد في‬
‫المسند ‪3/88‬‬
‫الوحش يوقر الرسول صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫قالت عائشة رضي الله عنها‪ :‬كان لل رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وحش فإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب‬
‫واشتد وأقبل وأدبر‪ ،‬فإذا أحس برسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قد دخل ربض فلم يترمرم(أي سكن ولم يتحرك) ما دام رسول‬
‫اله صلى الله عليه وسلم في البيت كراهية أن يؤذيه ‪ -‬صحيح‪،‬‬
‫أخرجه أحمد‪ ،‬وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد‪.‬‬
‫وافد الذئاب يرضى بأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫عن حمزة بن أبي أسيد قال‪ :‬خرج رسول الله صلى الله عليه‬
‫شا‬‫وسلم في جنازة رجل من النصار بالبقيع‪ ،‬فإذا الذئب مفتر ً‬
‫ذراعيه على الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬هذا‬
‫جاء يستفرض فافرضوا له‪ .‬قالوا‪ :‬ترى رأيك يا رسول الله‪ .‬قال‪:‬‬
‫من كل سائمة شاة في كل عام قالوا‪ :‬كثير‪ .‬قال‪ :‬فأشار إلى‬

‫‪38‬‬
‫الذئب أن خالسهم فانطلق الذئب‪ .‬حسن بشواهده ‪ -‬أخرجه‬
‫البيهقي في الدلئل‪ ،‬ورواه البزار وأبو نعيم‪.‬‬
‫ورضي الذئب بأن يأخذ منهم الشياة خلسة كما عرض عليه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ .6‬تكثيره الماء ونبعه من بين أصابعه الشريفة‬
‫عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال‪ :‬عطش الناس يوم‬
‫الحديبية والنبي صلى الله عليه و سلم بين يديه ركوة(إناء صغير‬
‫من جلد يشرب فيه الماء) فتوضأ فجهش الناس نحوه ‪ -‬و‬
‫الجهش‪( :‬أن يفزع النسان إلى النسان وهو مع ذلك يريد أن‬
‫يبكي كالصبي يفزع إلى أمه)‬
‫فقال‪ :‬ما لكم؟‬
‫قالوا‪ :‬ليس عندنا ماء نتوضأ ول نشرب إل ما بين يديك فوضع يده‬
‫في الركوة فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا‬
‫وتوضأنا‬
‫قلت‪ :‬كم كنتم؟‬
‫قال‪ :‬لو كنا مئة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مئة ‪ -‬رواه البخاري‬
‫ورواه مسلم مختصًرا‪.‬‬
‫وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال‪ :‬رأيت رسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم وحانت صلة العصر فالتمس الوضوء فلم‬
‫يجدوه فأتي رسول الله صلى الله عليه و سلم بوضوء فوضع‬
‫رسول الله صلى الله عليه و سلم يده في ذلك الناء فأمر الناس‬
‫أن يتوضئوا منه فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه فتوضأ الناس‬
‫حتى توضئوا من عند آخرهم‪ .‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫قال المزنى‪ -‬رحمه الله‪ -‬نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه‬
‫و سلم أبلغ في المعجزة من نبع الماء من الحجر حيث ضربه‬
‫موسى عليه السلم بالعصا فتفجرت منه المياه لن خروج الماء‬
‫من الحجارة معهود‪ ،‬بخلف خروج الماء من بين اللحم والدم‪.‬‬
‫تكثيره الطعام والشراب صلى الله عليه و سلم‪:‬‬
‫فأما الطعام‪:‬‬
‫فقد وقع ذلك منه صلى الله عليه وسلم مرات عديدة منها ما‬
‫روي عن جابر بن عبد الله‪ -‬رضي لله عنهما‪ -‬في الخندق حيث‬
‫يقول جابر‪ :‬لما حفر الخندق رأيت برسول الله صلى الله عليه و‬
‫صا(الخمص‪ :‬خلء البطن من الطعام) فانكفأت(أي‬ ‫سلم خم ً‬
‫انقلبت ورجعت) إلى امرأتي فقلت لها‪ :‬هل عندك شيء؟ فإني‬
‫صا شديدًا فأخرجت‬ ‫رأيت برسول الله صلى الله عليه و سلم خم ً‬
‫لي جرابًا(أي وعاء من جلد) فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن‬
‫قال‪ :‬فذبحتها وطحنت ففرغت إلي فراغي فقطعتها في برمتها‬

‫‪39‬‬
‫ثم وليت إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت‪ :‬ل‬
‫تفضحني برسول الله صلى الله عليه و سلم ومن معه قال‪:‬‬
‫فجئته فساررته فقلت‪ :‬يا رسول الله! إنا قد ذبحنا بهيمة لنا‬
‫وطحنت صاع ًا من شعير كان عندنا فتعال أنت في نفر معك‬
‫فصاح رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال‪" :‬يا أهل الخندق!‬
‫إن جابًرا قد صنع لكم سوًرا" (وهو الطعام الذي يدعى إليه وقيل‬
‫الطعام مطلقًا) فحيهل بكم ومعناه أعجل به‬
‫وقال‪ :‬رسول الله صلى الله عليه و سلم‪ :‬ل تنزلن برمتكم ول‬
‫تخبزن عجينتكم‪ ،‬حتى أجي فجئت وجاء رسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم يقدم الناس حتى جئت امرأتي فقالت‪ :‬بك‪ ،‬وبك ‪-‬‬
‫أي ذمته ودعت عليه فقلت‪ :‬قد فعلت الذي قلت لي ‪ -‬معناه أني‬
‫أخبرت النبي بما عندنا فهو أعلم بالمصلحة فأخرجت له عجينتنا‬
‫فبصق فيها صلى الله عليه و سلم وبارك ثم عمد إلي برمتنا‬
‫فبصق فيها وبارك ثم قال‪ :‬ادعى خابزة فلتخبز معك‪ ،‬واقدحي‬
‫من برمتكم(أي اغرفي والمقدح المغرفة) ول تنزلوها‪ ،‬وهم ألف‬
‫فأقسم بالله! لكلوا حتى تركوه وانحرفوا(أي شبعوا وانصرفوا)‬
‫وإن برمتنا لتغظ(أي تغلي ويسمع غليانها) كما هي وإن عجينتنا‪-‬‬
‫أو كما قال الضحاك‪ -‬لتخبز كما هو(أي يعود إلي العجين) رواه‬
‫البخاري ومسلم‬
‫وأما الشراب‪:‬‬
‫فنأخذ من ذلك مثال ً واحدا ً وهو اللبن‪ ،‬فمن أدلة تكثيره صلى الله‬
‫عليه و سلم اللبن ما أخرجه البخاري وغيره عن أبي هريرة‪-‬‬
‫رضي الله عنه‪ -‬أنه كان يقول‪ :‬ألله الذي ل اله إل هو‪ ،‬إن كنت‬
‫لعتمد بكبدي على الرض من الجوع‪ ،‬وإن كنت لشد الحجر على‬
‫بطني من الجوع‬
‫ولقد قعدت يوما ً على طريقهم الذي يخرجون منه‪ ،‬فمر أبو بكر‬
‫فسألته عن آية في كتاب الله‪ ،‬ما سألته إل ليشبعني فمر ولم‬
‫يفعل ثم مر بي عمر فسألته عن آية في كتاب الله‪ ،‬ما سألته إل‬
‫ليشبعني فمر ولم يفعل‪ ،‬ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه و‬
‫سلم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬يا أبا هر‪ .‬قلت‪ :‬لبيك يا رسول الله قال‪ :‬الحق‪ ،‬ومضى‬
‫فتبعته فدخل فاستأذن فأذن له‪ ،‬فوجد لبنا ً في قدح فقال‪ :‬من‬
‫أين هذا اللبن؟ قالوا‪ :‬أهداه لك فلن‪ -‬أو فلنة قال‪ :‬يا أبا هر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لبيك يا رسول الله‪ .‬قال‪ :‬الحق إلي أهل الصفة فادعهم لي‬
‫ل ول‬ ‫ل ول ما ٍ‬‫قال‪ :‬وأهل الصفة أضياف السلم‪ ،‬ل يأؤون على أه ٍ‬
‫على أحدٍ‪ ،‬إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً‪ ،‬وإذا‬
‫أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها و أشركهم فيها‪ ،‬فساءني‬

‫‪40‬‬
‫ذلك‪ .‬فقلت‪ :‬وما هذا اللبن في أهل الصفة كنت أحق أن أصيب‬
‫من هذا اللبن شربة أتقوى بها‪ ،‬ولم يكن من طاعة الله وطاعة‬
‫رسوله صلى الله عليه و سلم بد فأتيتهم فدعوتهم‪ ،‬فأقبلوا‬
‫فاستأذنوا فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت‪ ،‬قال‪ :‬يا أبا هر‬
‫قلت‪ :‬لبيك يا رسول الله قال‪ :‬خذ فأعطهم‪ ،‬فأخذت القدح‬
‫فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى‪ ،‬ثم يرد على القدح‬
‫فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى‪ ،‬ثم يرد على القدح فأعطيه‬
‫الرجل فيشرب حتى يروى‪ ،‬ثم يرد على القدح فأعطيه الرجل‬
‫فيشرب حتى يروى‪ ،‬ثم يرد على القدح حتى انتهيت إلى النبي‬
‫صلى الله عليه و سلم وقد روي القوم كلهم‪ ،‬فأخذ القدح فوضعه‬
‫على يده‪ ،‬فنظر إلي فتبسم فقال‪ :‬يا أبا هر قلت‪ :‬لبيك يا رسول‬
‫الله قال‪ :‬بقيت أنا وأنت قلت‪ :‬صدقت يا رسول الله‬
‫قال‪ :‬اقعد فاشرب فقعدت فشربت فقال‪ :‬اشرب فشربت‪ ،‬فما‬
‫زال يقول‪ :‬اشرب‪ ،‬حتى قلت‪ :‬ل والذي بعثك بالحق‪ ،‬ما أجد له‬
‫مسلكاً‪ ،‬قال‪ :‬فأرني‪ ،‬فأعطيته القدح‪ ،‬فحمد الله وسمى وشرب‬
‫الفضلة ‪ -‬انظر البخاري لفتح ‪.6452-11‬‬
‫ثمانون رجل ً يأكلون بعض أرغفة الخبز وتكفيهم‪:‬‬
‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬قال أبو طلحة لم سليم‪:‬‬
‫لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفًا‬
‫أعرف فيه الجوع‪ ،‬فهل عندك من شيء؟‪ ،‬قالت‪ :‬نعم‪ ،‬فأخرجت‬
‫صا من شعير ثم أخرجت خماًرا لها فلفت الخبز ببعضه ثم‬ ‫أقرا ً‬
‫دستني تحت يدي ولثتني ببعضه(أي لفتني به)‪ ،‬ثم أرسلتني إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قال‪ :‬فذهبت به فوجدت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس‪،‬‬
‫فقمت عليهم‪ ،‬فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫أرسلك أبو طلحة؟ فقلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬بطعام؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه‪ :‬قوموا‪ ،‬فانطلق‬
‫وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته‪ ،‬فقال أبو‬
‫طلحة‪ :‬يا أم سليم‪ ،‬قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫والناس وليس عندنا ما نطعمهم‪ ،‬فقلت‪ :‬الله ورسوله أعلم‪،‬‬
‫فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬هلم يا أم سليم ما عندك؟‬
‫فأتت بذلك الخبز‪ ،‬فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ت وعصرت أم سليم عكة فآدمته‪ ،‬ثم قال رسول الله صلى‬ ‫فف ّ‬
‫الله عليه وسلم فيه ما شاء الله أن يقول‪ ،‬ثم قال‪ :‬ائذن لعشرة‪،‬‬
‫فأكل القوم كلهم والقوم سبعون أو ثمانون رجل‪ .‬صحيح‪ ،‬أخرجه‬

‫‪41‬‬
‫البخاري في المناقب‪ ،‬وأخرجه مسلم في الشربة‪ ،‬والترمذي في‬
‫المناقب‪.‬‬
‫قصعة الثريد يأكل منها المئات‪:‬‬
‫عن سمرة بن جندب قال‪ :‬بينما نحن عند النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم إذ أُتي بقصعة فيها ثريد(الخبز المختلط باللحم والرز)‬
‫قال‪ :‬فأكل وأكل القوم فلم يزالوا يتداولونها إلى قريب من‬
‫الظهر؛ يأكل القوم ثم يقومون ويجئ قوم فيتعاقبونه‪ ،‬قال‪ :‬فقال‬
‫له رجل‪ :‬هل كانت تُمد بطعام؟ قال‪ :‬أما من الرض فل‪ ،‬إل أن‬
‫تكون كانت تمد من السماء ‪ -‬رواه أحمد‪.‬‬
‫البركة في الشعير‪:‬‬
‫عن جابر رضي الله عنه‪ :‬أن رجل ً أتى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير‪ ،‬فما زال الرجل‬
‫يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله‪ ،‬فأتى النبي صلى الله عليه‬
‫ما‬
‫وسلم فقال‪ :‬لو لم تكله لكلتم منه ولقام لكم(أي لستمر دائ ً‬
‫أبدًا وما انقطع خيره) ‪ -‬رواه مسلم في كتاب الفضائل‪.‬‬
‫البركة في السمن‪:‬‬
‫عن جابر رضي الله عنه‪ :‬أن أم مالك كانت تُهدي إلى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في عكة لها سمنًا فيأتيها بنوها فيسألون‬
‫الدم وليس عندهم شئ‪ ،‬فتعمد إلى التي كانت تهدي فيه إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فتجد فيه سمنًا فما زال يقيم‬
‫لها أدم بيتها حتى عصرتها‪ ،‬فأتت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فقال‪ :‬أعصرتيها؟ قالت‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪ :‬لو تركتيها ما زالت‬
‫قائمة ‪ -‬رواه مسلم في كتاب الفضائل‪.‬‬
‫البركة في مزود أبي هريرة رضي الله عنه‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬أتيت رسول الله صلى الله‬
‫ما بتمرات فقلت‪ :‬ادع الله لي فيهن بالبركة‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫عليه وسلم يو ً‬
‫فصفهن بين يديه ثم دعا‪ ،‬فقال لي‪ :‬اجعلهن في مزود(الوعاء من‬
‫الجلد وغيره‪ ،‬ويجعل فيه الزاد) وأدخل يدك ول تنثره‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فحملت منه كذا وكذا وسقًا(الوسق‪50 :‬كيلة = ‪ 4‬أردب وكيلتان)‬
‫في سبيل الله ونأكل ونطعم‪ ،‬وكان ل يفارق حقوي‪ ،‬فلما قتل‬
‫عثمان رضي الله عنه انقطع حقوي فسقط‪ .‬حسن‪ ،‬رواه أحمد‪،‬‬
‫والترمذي في مناقب أبي هريرة‪.‬‬
‫وفي رواية‪ :‬أنه قال‪ :‬أُصبت بثلث مصيبات في السلم لم أصب‬
‫ُ‬
‫بمثلهن‪:‬‬
‫‪ .1‬موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت صويحبه‪.‬‬
‫‪ .2‬وقتل عثمان‪.‬‬
‫‪ .3‬والمزود‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫قالوا‪ :‬وما المزود يا أبا هريرة؟‬
‫قال‪ :‬قلت تمر في مزود‬
‫قال‪ :‬جئ به‪ ،‬فأخرجت تمًرا فأتيته به‬
‫قال‪ :‬فمسه ودعا فيه ثم قال‪ :‬ادع عشرة‪ ،‬فدعوت عشرة فأكلوا‬
‫حتى شبعوا‪ ،‬ثم كذلك حتى أكل الجيش كله وبقي من تمر معي‬
‫في المزود‬
‫فقال‪ :‬يا أبا هريرة إذا أردت أن تأخذ منه شيئًا‪ ،‬فأدخل يدك فيه‬
‫ول تكفه‬
‫قال‪ :‬فأكلت منه حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأكلت منه‬
‫حياة أبي بكر كلها‪ ،‬وأكلت منه حياة عمر كلها‪ ،‬وأكلت منه حياة‬
‫عثمان كلها‪ ،‬فلما قتل عثمان انتهب ما في يدي‪ ،‬وانتهب المزود‪،‬‬
‫أل أخبركم كم أكلت منه‪ ،‬أكلت منه أكثر من مائتي‬
‫وسق(الوسق‪50 :‬كيلة = ‪ 4‬أردب وكيلتان) ‪ -‬دلئل النبوة للبيهقي‪.‬‬
‫البركة في شطر الشعير‪:‬‬
‫عن عائشة رضي الله عنها قالت‪ :‬لقد توفي رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وما في بيتي شئ يأكله ذو كبد إل شطر‬
‫شعير(أي نصف قدح من شعير أو شئ قليل من الشعير) في‬
‫رف لي‪ ،‬فأكلت منه حتى طال علي‪ ،‬ثم كِلته ففني ‪ -‬صحيح‪،‬‬
‫أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم‬ ‫‪.7‬‬
‫كان رسول الله صلى الله عليه و سلم كما وصفه ربه عز وجل ‪:‬‬
‫م) ‪ -‬سورة التوبة آية ‪ 128‬فكان ينظر إلى‬ ‫ف َّر ِ‬
‫حي ٌ‬ ‫ن َرؤ ُو ٌ‬
‫منِي َ‬ ‫(بِال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫أصحابه نظرة الرحمة والشفقة فكلما ألم بأصحابه مكروه من‬
‫عاهة أو مرض أو تفكير في أمر يشغل بالهم أسرع رسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم بالدعاء لهم للتخفيف عنهم ولكي ينالوا‬
‫بركة دعوته صلى الله عليه و سلم أما بالنسبة للكفار‬
‫والمشركين والمعاندين فقد كان رسول الله صلى الله عليه و‬
‫سلم يدعو عليهم حيث تشتد شوكتهم ويكثر أذاهم وتارة كان‬
‫يدعو لهم حيث تؤمن غائلتهم ويرجى تآلفهم‪.‬‬
‫وإذا دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم لناس أو دعا عليهم‬
‫فإنك تجد ما دعا به قد تحقق قطعًا وهذه بعض المثلة من‬
‫دعواته المستجابة صلى الله عليه و سلم‬
‫سرعة الجابة‪:‬‬
‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه‪ :‬أن رجل ً دخل المسجد يوم‬
‫جمعة ورسول الله صلى الله عليه و سلم قائم يخطب فاستقبل‬
‫ما ثم قال‪ :‬يا رسول الله‬ ‫رسول الله صلى الله عليه و سلم قائ ً‬
‫صا البل وهلكها من‬ ‫هلكت الموال (المراد هنا المواشي خصو ً‬

‫‪43‬‬
‫قلة القوات بسبب عدم المطر والنبات) وانقطعت السبل (أي‬
‫انقطعت الطرق فلم تسلكها البل إما لخوف الهلك أو الضعف‬
‫بسبب قلة الكل أو عدمه) فادع الله يغثنا قال‪ :‬فرفع رسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم يديه ثم قال‪ :‬اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم‬
‫أغثنا‬
‫قال أنس‪ :‬ول والله ما نرى في السماء من سحاب ول قزعة‬
‫(القطعة من الغيم)‪ /‬وما بيننا وبين سلع (جبل قرب المدينة) من‬
‫بيت ول دار قال‪ :‬فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس (هو ما‬
‫يتقي به السيف ووجه الشبه الستدارة والكثافة ل القدر) فلما‬
‫توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت‪.‬‬

‫قال‪ :‬فل والله ما رأينا الشمس سبتًا‬


‫قال‪ :‬ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول‬
‫ما فقال‪ :‬يا‬‫الله صلى الله عليه و سلم قائم يخطب فاستقبله قائ ً‬
‫رسول الله هلكت الموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها‬
‫عنا‬
‫قال‪ :‬فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم يديه ثم قال‪ :‬اللهم‬
‫حولنا ول علينا اللهم على الكام (جمع أكمة وهي الرابية‬
‫المرتفعة من الرض) والظراب (جمع ظرب وهي صغار الجبال‬
‫والتلل) ومنابت الشجر فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس ‪-‬‬
‫رواه البخاري ومسلم‬
‫يمهل ول يهمل‪:‬‬
‫عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪ :‬بينما رسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له‬
‫جلوس وقد نحرت جزور (أي ناقة) بالمس فقال أبو جهل‪ :‬أيكم‬
‫يقوم إلى سل (هو اللفافة التي يكون فيها الولد في بطن الناقة‬
‫وسائر الحيوان وهي من الدمية المشيمة) جزور بني فلن‬
‫فيأخذه فيضل في كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم‬
‫(وهو عقبة بن أبي معيط) فأخذه فلما سجد النبي صلى الله عليه‬
‫و سلم وضعه بين كتفيه قال‪ :‬فاستضحكوا (أي حملوا أنفسهم‬
‫على الضحك والسخرية) وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم‬
‫أنظر لو كانت لي منعة (أي لو كان لي قوة تمنع أذاهم أو كان‬
‫لي عشيرة بمكة تمنعني) طرحته عن ظهر رسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم والنبي صلى الله عليه و سلم ساجد ما يرفع رأسه‬
‫حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة‪ .‬فجاءت وهي جويرية (تصغير‬
‫جارية بمعنى شابة أي أنها إذ ذاك ليست بكبيرة) فطرحته عنه ثم‬
‫أقبلت عليهم تشتمهم فلما قضى النبي صلى الله عليه و سلم‬

‫‪44‬‬
‫صلته رفع صوته ثم دعا عليهم وكان إذا دعا دعا ثلثًا وإذا سأل‬
‫سأل ثلثًا ثم قال‪ :‬اللهم عليك بقريش (ثلث مرات) فلما سمعوا‬
‫صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ثم قال‪ :‬اللهم عليك بأبي‬
‫جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عقبة‬
‫(اتفق العلماء على أنه غلط وصوابه‪ :‬الوليد بن عتبة) وأمية بن‬
‫خلف وعقبة بن أبي معيط" وذكر السابع فلم أحفظه فو الذي‬
‫بعث محمدًا صلى الله عليه و سلم بالحق لقد رأيت الذين سمى‬
‫صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب (القليب هي البئر التي لم‬
‫تطو وإنما وضعوا في القليب تحقيًرا لهم ولئل يتأذى الناس‬
‫برائحتهم) قليب بدر قال أبو إسحاق‪ :‬الوليد بن عقبة غلط في‬
‫هذا الحديث ‪ -‬رواه مسلم‬
‫دعوة وهداية‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬كنت أدعو أمي إلى السلم‬
‫ما فأسمعتني في رسول الله صلى الله‬ ‫وهي مشركة فدعوتها يو ً‬
‫عليه و سلم ما أكره فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم‬
‫وأنا أبكي قلت‪ :‬يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى السلم‬
‫فتأبى علي فدعونها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره فادع الله أن‬
‫يهدي أم أبي هريرة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم‪:‬‬
‫"اللهم اهد أم أبي هريرة"‬
‫فخرجت مستبشًرا بدعوة نبي الله صلى الله عليه و سلم فلما‬
‫جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف (أي مغلق) فسمعت أمي‬
‫خشف (أي صوتهما في الرض) قدمي فقال‪ :‬مكانك يا أبا هريرة‬
‫وسمعت خضخضة الماء (أي صوت تحريكه)‪.‬‬
‫قال‪ :‬فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب‬
‫ثم قالت‪ :‬يا أبا هريرة أشهد أن ل إله إل الله وأشهد أن محمدًا‬
‫عبده ورسوله‪.‬‬
‫قال‪ :‬فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتيته وأنا‬
‫أبكي من الفرح قال قلت‪ :‬يا رسول الله أبشر قد استجاب الله‬
‫دعوتك وهدى أم أبي هريرة فحمد الله وأثنى عليه وقال خيًرا‬
‫قال قلت‪ :‬يا رسول الله ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده‬
‫المؤمنين ويحببهم إلينا‬
‫قال‪ :‬فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم‪ :‬اللهم حبب عبيدك‬
‫هذا يعني أبا هريرة وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم‬
‫المؤمنين فما خلق مؤمن يسمع بي ول يراني إل أحبني ‪ -‬رواه‬
‫مسلم‪.‬‬
‫نزول المطر الشديد يوم تبوك بدعاء النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪:‬‬

‫‪45‬‬
‫عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قيل لعمر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬حدثنا عن شأن ساعة العسرة‪ ،‬فقال عمر‪ :‬خرجنا إلى‬
‫تبوك في قيظ شديد(أي قلة نزول المطر)‪ ،‬فزلنا منزل ً وأصابنا‬
‫فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع‪ ،‬حتى إن كان أحدنا‬
‫ليذهب فيلتمس الرجل فل يجده حتى يظن أن رقبته ستنقطع‪،‬‬
‫حتى أن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه(أي روثه وفضلته)‬
‫فيشربه‪ ،‬ثم يجعل ما بقي على كبده‪ ،‬فقال أبو بكر الصديق‪ :‬يا‬
‫رسول الله‪ ،‬إن الله قد عودك في الدعاء خيًرا‪ ،‬فادع الله لنا‬
‫فقال صلى الله عليه وسلم‪ :‬أو تحب ذلك؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فرفع يديه‬
‫نحو السماء فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأطلت ثم سكبت‬
‫فملوا ما معهم‪ ،‬ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر‪.‬‬
‫أخرجه البيهقي في الدلئل‪ ،‬وقال ابن كثير في البداية‪ :‬هذا إسناد‬
‫جيد قوي ولم يخرجوه‪.‬‬
‫مجاب الدعوة بسبب دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫سعد ُ‬
‫عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪ :‬اللهم استجب لسعد إذا دعاك‪ .‬فكان ل يدعو إل‬
‫استجيب‪ .‬أخرجه الترمذي‪ ،‬والحاكم صححه‪.‬‬
‫ومن هذا ما رواه جابر بن سمرة رضي الله عنه قال‪ :‬شكا أهل‬
‫الكوفة سعدًا‪ ،‬يعني ابن أبي قاص رضي الله عنه‪ ،‬إلى عمر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬رضي الله عنه‪ ،‬فعزله واستعمل عليهم عماًرا‪،‬‬
‫فشكوا(أي سعدًا رضي الله عنه) حتى ذكروا أنه ل يحسن يصلي‪،‬‬
‫فأرسل إليه فقال‪ :‬يا أبا إسحاق‪ ،‬إن هؤلء يزعمون أنك ل تحسن‬
‫تصلي! فقال‪ :‬أما والله فإني كنت أصلي بهم صلة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ل أخرم عنها؛ أصلي صلة العشاء فأركد‬
‫في الوليين وأخف في الخريين‪ ،‬قال‪ :‬ذاك الظن بك يا أبا‬
‫إسحاق‪ ،‬وأرسل معه رجل ً أو رجال ً إلى الكوفة يسأل عنه أهل‬
‫الكوفة‪ ،‬فلم يدع مسجدًا إل سأل عنه ويثنون معروفًا‪ ،‬حتى دخل‬
‫مسجدًا لبني عبس فقام رجل منهم يقال له‪ :‬أسامة بن قتادة‬
‫يكنى أبا سعدة‪ ،‬فقال‪ :‬أما إذا نشدتنا فإن سعدًا كان ل يسير‬
‫بالسرية ول يقسم بالسوية‪ ،‬ول يعدل في القضية‪ .‬قال سعد‪ :‬أما‬
‫والله لدعون بثلث‪ :‬اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا‪ ،‬قام رياءً‬
‫وسمعة‪ ،‬فأطل عمره وأطل فقره وعرضه للفتن‪.‬‬
‫قال عبد الملك بن عمير الراوي عن جابر بن سمرة‪ :‬فأنا رأيته‬
‫بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكِبَر‪ ،‬وإنه ليتعرض للجواري‬
‫سئل يقول‪ :‬شيخ كبير‬ ‫في الطرق فيغمزهن‪ ،‬وكان بعد ذلك إذا ُ‬
‫مفتون‪ ،‬أصابتني دعوة سعد‪ .‬صحيح‪ ،‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫الفرس الضعيف يسبق ويدر الموال الطائلة‪:‬‬

‫‪46‬‬
‫عن جعيل الشجعي رضي الله عنه قال‪ :‬غزوت مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته‪ ،‬وأنا على فرس لي‬
‫عجفاء ضعيفة‪ ،‬قال‪ :‬فكنت في أُخريات الناس‪ ،‬فلحقني رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وقال‪ :‬سر يا صاحب الفرس فقلت‪ :‬يا‬
‫رسول الله‪ ،‬عجفاء ضعيفة قال‪ :‬فرفع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم مخفقة معه فضربها بها وقال‪ :‬اللهم بارك له‪ .‬قال‪ :‬فلقد‬
‫رأيتني أمسك برأسها أن تقدم الناس‪ ،‬ولقد بعت من بطنها باثني‬
‫عشر ألفًا‪ .‬رواه البخاري في التاريخ‪ ،‬والنسائي في السنن‬
‫الكبرى‪ ،‬والبيهقي في الدلئل‪.‬‬
‫دعاؤه لعبد الرحمن بن عوف‪:‬‬
‫عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال لعبد الرحمن بن عوف‪ :‬بارك الله لك‪ .‬رواه البخاري‪ .‬قال‬
‫عبد الرحمن‪ :‬فلقد رأيتني ولو رفعت حجًرا لرجوت أن أصيب‬
‫تحته ذهبًا أو فضة‪ .‬أخرجه ابن سعد والبيهقي‪.‬‬
‫وفتح الله له أبواب الرزق‪ ،‬ومن عليه ببركات من السماء‬
‫والرض‪ ،‬وكان حين قدم المدينة فقيًرا ل يملك شيئًا‪ ،‬فآخى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع‬
‫النصاري رضي الله عنه‪ ،‬فقال سعد لعبد الرحمن‪ :‬إن لي‬
‫زوجتين فاختر أجملهما أطلقها ثم تعتد ثم تتزوجها‪ ،‬وإن لي من‬
‫المال كذا وكذا فخذ منه ما شئت‪ .‬فقال عبد الرحمن‪ :‬ل حاجة‬
‫لي في ذلك‪ ،‬بارك الله لك في زوجتيك ومالك‪ ،‬ثم قال‪ :‬دلوني‬
‫على السوق‪ .‬أخرجه البخاري‪.‬‬
‫فصار يتعاطى التجارة‪ ،‬وفي أقرب زمن رزقه الله مال ً كثيًرا‬
‫ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬حتى أنه لما توفي بالمدينة‬
‫حفِر الذهب من تركته‬ ‫سنة إحدى وثلثين أو اثنتين وثلثين‪ُ ،‬‬
‫جرِحت اليدي من كثرة العمل‪ ،‬وأخذت كل زوجة‬ ‫بالفئوس‪ ،‬حتى ُ‬
‫من زوجاته الربع ربع الثمن ثمانين ألفًا‪ .‬وقيل‪ :‬إن نصيب كل‬
‫واحدة كان مائة ألف‪ ،‬وقيل‪ :‬بل صولِحت إحداهن على نيف‬
‫وثمانين ألف دينار‪ ،‬وأوصى بألف فرس وخمسين ألف دينار في‬
‫سبيل الله‪ ،‬وأوصى بحديقة لمهات المؤمنين رضي الله عنهن‪،‬‬
‫بيعت بأربعمائة ألف‪ ،‬وأوصى لمن بقي من أهل بدر لكل رجل‬
‫بأربعمائة دينار‪ ،‬وكانوا مائة‪ ،‬فأخذوها وأخذ عثمان فيمن أخذ‪،‬‬
‫وهذا كله غير صدقاته الفاشية في حياته‪ ،‬وعطاءاته الكثيرة‪،‬‬
‫وصلته الوفيرة؛ فقد أعتق في يوم واحد ثلثين عبدًا‪ ،‬وتصدق‬
‫مرة بعير‪ :‬وهي الجمال التي تحمل الميرة‪ ،‬وكانت سبعمائة بعير‪،‬‬
‫وردت عليه‪ ،‬وكان أرسلها للتجارة‪ ،‬فجاءت تحمل من كل شيء‬
‫فتصدق بها وبما عليها من طعام وغيره بأحلسها وأقتابها‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫وجاء أنه تصدق مرة بشطر ماله‪ ،‬وكان الشطر أربعة آلف‪ ،‬ثم‬
‫تصدق بأربعين ألفًا‪ ،‬ثم تصدق بأربعين ألف دينار‪ ،‬ثم تصدق‬
‫بخمسمائة فرس في سبيل الله ثم بخمسمائة راحلة‪.‬‬
‫زاد أولده عن المائة وزاد عمره عن المائة وزاد ماله عن المائة‬
‫ألف بسبب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫إنه أنس بن مالك رضي الله عنه‪ ..‬يحدثنا عن ذلك فيقول‪ :‬جاءت‬
‫أم سليم‪ ،‬وهي أم أنس‪ ،‬رضي الله عنهما‪ ،‬إلى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وقد أزرتني بخمارها وردَّتني ببعضه‪ ،‬فقالت‪ :‬يا‬
‫رسول الله هذا أُنيس أتيتك به يخدمك فادع الله له‪ ،‬قال‪ :‬اللهم‬
‫أكثر ماله وولده‪ .‬صحيح‪ :‬أخرجه البخاري في الدعوات‪ .‬وفي‬
‫لفظ‪ :‬اللهم أكثر ماله وولده وأطِل عمره واغفر له‪.‬‬
‫قال أنس‪ :‬فو الله إن مالي لكثير‪ ،‬وإن ولدي وولد ولدي يتعادون‬
‫ميْنة أنه قد دفن من صلبي‬ ‫ُ‬
‫على نحو المائة‪ .‬قال‪ :‬وحدثتني ابنتي أ َ‬
‫إلى مقدم الحجاج البصرة‪ :‬تسعة وعشرين ومائة‪.‬‬
‫وروى الترمذي وغيره أن أنس بن مالك رضي الله عنه خدم‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين‪ ،‬ودعا له‪ ،‬وكان له‬
‫بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين‪ ،‬وكان فيها ريحان يجيء‬
‫منها ريح المسك‪ .‬حسن‪ :‬أخرجه الترمذي في المناقب‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫حديث حسن‪.‬‬
‫وفي رواية قال‪ :‬دفنت من صلبي مائة واثنتين‪ ،‬وإن ثمرتي‬
‫لتحمل في السنة مرتين‪ ،‬ولقد بقيت حتى سئمت الحياة‪ ،‬وأرجو‬
‫الرابعة‪.‬‬
‫فولده إذن يزيدون على المائة‪ ،‬وأما عمره فقد مات وعمره مائة‬
‫عام وقيل‪ :‬عشرة ومائة‪ ،‬وكانت وفاته سنة ثلث وتسعين على‬
‫الراجح‪ ،‬وأما ماله فقد كانت السحابة تمطر في أول أرضه ول‬
‫تمطر في آخرها لعظم مساحة أرضه‪.‬‬
‫دعا له فطال عمره وهو شاب‪:‬‬
‫ثبت أنه صلى الله عليه وسلم دعا للسائب بن يزيد ومسح بيده‬
‫على رأسه‪ ،‬فطال عمره حتى بلغ أربعًا وتسعين سنة‪ ،‬وهو تم تام‬
‫القامة معتدل‪ ،‬ولم يشب منه موضع أصابت يد رسول الله صلى‬
‫متِّع بحواسه قواه‪ .‬صحيح‪ :‬أخرجه البخاري‬ ‫الله عليه وسلم‪ ،‬و ُ‬
‫كتاب المناقب‪ ،‬ومسلم في الفضائل‪.‬‬
‫ابن عباس حبر المة بسبب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬أتى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم الخلء فوضع له وضوءًا‪ ،‬فلما خرج قال‪ :‬من صنع‬
‫هذا؟ قالوا‪ :‬ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬اللهم فقهه في الدين‪ .‬صحيح‪،‬‬
‫أخرجه البخاري في الوضوء‪ ،‬ورواه مسلم‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫وعنه قال‪ :‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على‬
‫كتفي ثم قال‪ :‬اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل‪ .‬صحيح‪،‬‬
‫أخرجه الحاكم وقال‪ :‬هذا حديث صحيح السناد‪ ،‬ولم يخرجاه‪،‬‬
‫وقال الذهبي‪ :‬صحيح‪ ،‬ورواه البيهقي في الدلئل‪.‬‬
‫وقد استجاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم هذه الدعوة في‬
‫ما يُهتدى بهداه‪ ،‬ويُقتدى بسناه في علوم‬ ‫ابن عمه؛ فكان إما ً‬
‫الشريعة‪ ،‬ول سيما في علم التأويل وهو التفسير؛ فإنه انتهت إليه‬
‫علوم الصحابة قبله‪ ،‬وما كان عقله من كلم ابن عمه رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪..‬‬
‫قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‪ :‬لو أن ابن عباس أدرك‬
‫أسناننا ما عاشره أحد منا‪ ،‬وكان يقول‪ :‬نعم ترجمان القرآن ابن‬
‫عباس‪ .‬رواه الحاكم في المستدرك‪.‬‬
‫هذا وقد تأخرت وفاة ابن عباس عن وفاة عبد الله بن مسعود‬
‫ببضع وثلثين سنة‪ ،‬فما ظنك بما حصله بعده في هذه المدة؟!‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬خطب الناس ابن عباس في عشية عرفة‪ ،‬ففسر لهم‬
‫سورة البقرة تفسيًرا لو سمعه الروم والترك والديلم لسلموا‪_ .‬‬
‫رضي الله عنه وأرضاه _‪.‬‬
‫دعا صلى الله عليه وسلم عليه فاختلج لسانه‪:‬‬
‫عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال‪ :‬كان فلن‬
‫يجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فإذا تكلم النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم بشيء اختلج (ردد الكلم على هيئة المستهتر)‬
‫بوجهه‪ ،‬فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬كن كذلك‪ ،‬فلم يزل‬
‫يختلج حتى مات‪.‬‬
‫أخرجه البيهقي في الدلئل‪.‬‬
‫ثبوت جرير على الفرس بعد أن كان ل يثبت‪:‬‬
‫عن جرير البجلي رضي الله عنه قال‪ :‬كنت ل أثبت على الخيل‪،‬‬
‫فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فضرب بيده‬
‫على صدري حتى رأيت أثر يده على صدري‪ ،‬وقال‪ :‬اللهم ثبته‬
‫واجعله هاديًا مهديًا‪ ،‬فما سقطت عن فرسي بعد‪ .‬رواه أبو نعيم‪.‬‬
‫وأخرجه الشيخان عنه بلفظ‪ :‬قال لي رسول الله صلى الله عليه‬
‫خلَصة‪ ،‬صنم‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول الله‪،‬‬ ‫وسلم‪ :‬أل تريحني من ذي ال َ‬
‫ل أثبت على الخيل‪ ،‬فضرب في صدري وقال‪ :‬اللهم ثبته واجعله‬
‫سا من أحمس‪،‬‬ ‫هاديًا مهديًا‪ ،‬فسرت إليها في مائة وخمسين فار ً‬
‫فأتيناها فحرقناها‪.‬‬
‫أخرجه الشيخان‪.‬‬
‫شلت يده‪:‬‬

‫‪49‬‬
‫رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يأكل بشماله فقال له‪ :‬كل‬
‫بيمينك‪.‬‬
‫قال‪ :‬ل أستطيع‬
‫قال‪ :‬ل استطعت‪.‬‬
‫قال الراوي‪ :‬فما رفعها إلى فيه (فمه)‪ .‬رواه مسلم في الشربة‪.‬‬
‫كان إذا باع شيئًا ربح فيه بسبب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫له‪:‬‬
‫صاحب هذه الشهادة عروة بن أبي الجعد المازني‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه‪ ،‬أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناًرا ليشتري له‬
‫به شاة‪ ،‬فاشترى به شاتين وباع إحداهما بدينار وأتاه بشاة‬
‫ودينار‪ ،‬فقال له‪ :‬بارك الله لك في صفقة يمينك‪.‬‬
‫وفي رواية‪ :‬فدعا له بالبركة في البيع‪ ،‬فكان لو اشترى التراب‬
‫لربح فيه‪ .‬أخرجه البهقي في الدلئل‪.‬‬
‫ل يشبع أبدًا‪:‬‬
‫عن ابن عباس‪ ،‬رضي الله عنهما‪ ،‬قال‪ :‬كنت ألعب مع الغلمان‬
‫فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختبأت منه‪ ،‬فجاءني‬
‫فحطاني حطوة (أي قفدني يعني ضربه بيده وهي مبسوطة‬
‫الكفين) أو حطوتين وأرسلني إلى معاوية في حاجة‪ ،‬فأتيته وهو‬
‫يأكل‪ ،‬فقلت‪ :‬أتيته وهو يأكل‪ ،‬فأرسلني الثانية فأتيته وهو يأكل‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬أتيته وهو يأكل‪ ،‬فقال‪ :‬ل أشبع الله بطنه‪ .‬فما شبع بعدها‪.‬‬
‫قال ابن كثير‪ :‬وقد كان معاوية‪ ،‬رضي الله عنه‪ ،‬ل يشبع بعدها‪،‬‬
‫ووافقته هذه الدعوة في أيام إمارته فيقال‪ :‬إنه كان يأكل في‬
‫ما بلحم وكان يقول‪ :‬والله ل أشبع وإنما‬ ‫اليوم سبع مرات طعا ً‬
‫أعيي‪ .‬البداية والنهاية (‪.)6/189‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا المر جاء لمعاوية على أنه استجابة لدعاء النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وابتلء من الله تعالى لمعاوية‪ ،‬ولم يكن غضبًا ول‬
‫سخطًا من الرسول صلى الله عليه وسلم على معاوية رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫حضور الطعام الطهي بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫عن واثلة بن السقع‪ ،‬رضي الله عنه‪ ،‬حضر رمضان ونحن في‬
‫أهل الصفة فصمنا‪ ،‬فكنا إذا أفطرنا أتى كل رجل منا رجل من‬
‫شاه‪ ،‬فأتت علينا لم يأتنا أحد‪ ،‬وأصبحنا‬‫أهل البيعة فانطلق به فع َّ‬
‫ما‪ ،‬وأتت علينا القابلة فلم يأتنا أحد‪ ،‬فانطلقنا إلى رسول الله‬ ‫صيا ً‬
‫صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بالذي كان من أمرنا‪ ،‬فأرسل إلى‬
‫كل امرأة من نسائه يسألها هل عندها شيء؟ فما بقيت منهن‬
‫امرأة إل أرسلت تقسم‪ :‬ما أمسى في بيتها ما يأكل ذو كبد فقال‬
‫لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬فاجتمعوا‪ ،‬فدعا وقال‪:‬‬

‫‪50‬‬
‫اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنها بيدك ل يملكها أحد‬
‫غيرك‪ .‬فلم يكن إل ومستأذن يستأذن فإذا بشاة مصلية ورغف‪،‬‬
‫فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعت بين أيدينا‪،‬‬
‫فأكلنا حتى شبعنا‪ ،‬فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬إنا‬
‫سألنا الله من فضله ورحمته‪ ،‬فهذا فضله‪ ،‬وقد ادخر لنا عنده‬
‫رحمته‪.‬‬
‫حسن‪ :‬أخرجه البيهقي في الدلئل‪ ،‬ورواه الطبراني وإسناده‬
‫حسن‬
‫‪ .8‬السراء والمعراج‬
‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫و سلم قال‪" :‬أتيت بالبراق‪-‬وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار‬
‫ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه‪-‬قال‪ :‬فركبته حتى أتيت‬
‫بيت المقدس قال‪ :‬فربطته بالحلقة التي يربط بها النبياء قال‪:‬‬
‫ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل‬
‫عليه السلم بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن‬
‫فقال جبريل عليه السلم‪ :‬اخترت الفطرة‪ ،‬ثم عرج بنا إلى‬
‫السماء فاستفتح جبريل فقيل‪ :‬من أنت؟‬
‫قال‪ :‬جبريل‬
‫قيل‪ :‬ومن معك؟‬
‫قال‪ :‬محمد‬
‫قيل‪ :‬وقد بعث إليه؟‬
‫قال‪ :‬قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير‪.‬‬
‫ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل عليه السلم‬
‫فقيل‪ :‬من أنت؟‬
‫قال‪ :‬جبريل‬
‫قيل‪ :‬ومن معك؟‬
‫قال‪ :‬محمد‬
‫قيل‪ :‬وقد بعث إليه؟‬
‫قال‪ :‬قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة عيسى بن مريم‬
‫ويحيى بن زكريا صلوات الله عليهما فرحبا ودعوا لي بخير‪ .‬ثم‬
‫عرج بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل عليه السلم فقيل‪:‬‬
‫من أنت؟‬
‫قال‪ :‬جبريل‬
‫قيل‪ :‬ومن معك؟‬
‫قال‪ :‬محمد‬
‫قيل‪ :‬وقد بعث إليه؟‬

‫‪51‬‬
‫قال‪:‬قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بيوسف عليه السلم إذا هو قد‬
‫أعطي شطر الحسن فرحب ودعا لي بخير‪ ،‬ثم عرج بنا إلى‬
‫السماء الرابعة فاستفتح جبريل عليه السلم قيل‪ :‬من هذا؟‬
‫قال‪ :‬جبريل‬
‫قيل‪ :‬ومن معك؟‬
‫قال‪ :‬محمد‬
‫قيل‪ :‬وقد بعث إليه؟‬
‫قال‪ :‬قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإدريس فرحب ودعا لي بخير‬
‫قال الله عز وجل‪ :‬ورفعناه مكانًا عليًا‪ ،‬ثم عرج بنا إلى السماء‬
‫الخامسة فاستفتح جبريل عليه السلم قيل‪ :‬من هذا؟‬
‫قال‪ :‬جبريل‬
‫قيل‪ :‬ومن معك؟‬
‫قال‪ :‬محمد‬
‫قيل‪ :‬وقد بعث إليه؟‬
‫قال‪ :‬قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بهارون عليه السلم فرحب‬
‫ودعا لي بخير‪ ،‬ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل‬
‫عليه السلم قيل‪ :‬من هذا؟‬
‫قال‪ :‬جبريل‬
‫قيل‪ :‬ومن معك؟‬
‫قال‪ :‬محمد‬
‫قيل‪ :‬وقد بعث إليه؟‬
‫قال‪:‬قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بموسى عليه السلم فرحب‬
‫ودعا لي بخير‪ ،‬ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل‬
‫عليه السلم فقيل‪ :‬من هذا؟‬
‫قال‪ :‬جبريل‬
‫قيل‪ :‬ومن معك؟‬
‫قال‪ :‬محمد‬
‫قيل‪ :‬وقد بعث إليه؟‬
‫قال‪:‬قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم عليه السلم مسندُا‬
‫ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف‬
‫ملك ل يعودون إليه ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى وإذا ورقها‬
‫كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلل قال‪ :‬فلما غشيها من أمر الله ما‬
‫غشي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من‬
‫ي خمسين صلة في‬ ‫ي ما أوحى ففرض عل ّ‬ ‫حسنها‪ ،‬فأوحى الله إل ّ‬
‫كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى عليه السلم فقال‪ :‬ما فرض‬
‫ربك على أمتك؟‬
‫قلت‪ :‬خمسين صلة‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫قال‪ :‬ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف؛ فإن أمتك ل يطيقون ذلك‬
‫فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فرجعت إلى ربي‬
‫سا فرجعت إلى‬ ‫فقلت‪ :‬يا رب خفف على أمتي فحط عني خم ً‬
‫موسى‪.‬‬
‫سا‬
‫فقلت‪ :‬حط عني خم ً‬
‫قال‪ :‬إن أمتك ل يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف‬
‫قال‪ :‬فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه‬
‫السلم حتى قال‪ :‬يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة‬
‫لكل صلة عشر فذلك خمسون صلة ومن هم بحسنة فلم يعملها‬
‫كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشًرا ومن هم بسيئة فلم‬
‫يعملها لم تكتب شيئًا فإن عملها كتبت سيئة واحدة‪.‬‬
‫قال‪ :‬فنزلت حتى انتهيت إلى موسى عليه السلم فأخبرته‬
‫فقال‪ :‬ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت‪ :‬قد رجعت إلى‬
‫ربي حتى استحييت منه ‪ -‬رواه مسلم‪.‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه‪ :‬أن النبي صلى الله عليه و سلم‬
‫مر على قوم يزرعون ويحصدون في يوم كلما حصدوا عاد كما‬
‫كان فقال لجبريل عليه السلم‪" :‬ما هذا؟ قال‪ :‬هؤلء المجاهدون‬
‫في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة إلى سبعمائة ضعف وما‬
‫أنفقوا من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين‪.‬‬
‫ثم أتى على قوم ترضخ رءوسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما‬
‫كانت ول يفتر عنهم من ذلك شيء فقال‪" :‬ما هذا يا جبريل؟"‬
‫قال‪ :‬هؤلء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلة المكتوبة‬
‫ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع وعلى أدبارهم رقاع‬
‫يسرحون كما تسرح النعام يأكلون الضريع والزقوم ورضف‬
‫جهنم فقال‪" :‬ما هؤلء؟" قال‪ :‬هؤلء الذين ل يؤدون زكاة أموالهم‬
‫وما ظلمهم الله وما ربك بظلم للعبيد‪.‬‬
‫ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدر ولحم نيئ في‬
‫قدر خبيث فجعلوا يأكلون من النيئ الخبيث ويدعون النضيج‬
‫فقال‪ :‬ما هؤلء يا جبريل؟ قال جبريل‪ :‬هذا الرجل من أمتك تكون‬
‫عنده المرأة الحلل الطيب فيأتي امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى‬
‫يصبح والمرأة تقوم من عند زوجها حلل ً طيبًا فتأتي رجل ً خبيثًا‬
‫فتبيت عنده حتى تصبح‪.‬‬
‫ثم أتى على رجل قد جمع حزمة حطب عظيمة ل يستطيع حملها‬
‫وهو يزيد عليها فقال‪ :‬ما هذا يا جبريل؟ قال‪ :‬هذا الرجل من‬

‫‪53‬‬
‫أمتك تكون عليه أمانات الناس ل يقدر على أدائها وهو يريد أن‬
‫يحمل عليها‪.‬‬
‫ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاهم بمقاريض من حديد‬
‫كلما قرضت عادت كما كانت ل يفتر عنهم من ذلك شيء قال‪:‬‬
‫ما هذا يا جبريل؟ قال‪ :‬هؤلء خطباء الفتنة‪.‬‬
‫ثم أتى على حجر صغير يخرج منه ثور عظيم فجعل الثور يريد أن‬
‫يرجع من حيث خرج فل يستطيع فقال‪ :‬ما هذا يا جبريل؟ قال‪:‬‬
‫هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة ثم يندم عليها فل يستطيع أن‬
‫يردها‪.‬‬
‫حا طيبة باردة وريح مسك وسمع‬ ‫ثم أتى على واد فوجد فيه ري ً‬
‫صوتًا فقال‪ :‬ما هذا يا جبريل؟‬
‫قال‪ :‬هذا صوت الجنة تقول‪ :‬رب آتيني بما وعدتني فقد كثرت‬
‫غرفي وإستبرقي وحريري وسندسي وعبقريي ولؤلؤي ومرجاني‬
‫وفضيتي وذهبي وأكوابي وصحافي وأباريقي ومراكبي وعسلي‬
‫ومائي ولبني وخمري فآتيني بما وعدتني‬
‫قال‪ :‬لك كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة ومن آمن بي‬
‫حا ولم يشرك بي شيئًا ولم يتخذ من دوني‬ ‫وبرسلي وعمل صال ً‬
‫أندادًا ومن خشيني فهو آمن ومن سألني فقد أعطيته ومن‬
‫أقرضني جازيته ومن توكل علي كفيته إنني أنا الله ل إله إل أنا ل‬
‫أخلف الميعاد قد أفلح المؤمنون وتبارك الله أحسن الخالقين‬
‫حا‬
‫قالت‪ :‬قد رضيت ثم أتى على واد فسمع صوتًا منكًرا ووجد ري ً‬
‫منتنة فقال‪ :‬ما هذا يا جبريل؟ قال‪ :‬هذا صوت جهنم تقول‪ :‬رب‬
‫آتيني بما وعدتني فقد كثرت سلسلي وأغللي وسعيري وحميمي‬
‫وضريعي وغساقي وعذابي وقد بعد قعري واشتد حري فآتيني بما‬
‫وعدتني‬
‫قال‪ :‬لك كل مشرك ومشركة وكافر وكافرة وكل جبار ل يؤمن‬
‫بيوم الحساب قالت‪ :‬قد رضيت فسار حتى أتى بيت المقدس ‪-‬‬
‫رواه الطبراني والبزار‪.‬‬
‫‪ .9‬مـقدمـة‬
‫والمعجزة على شقين شق هو من نوع قدرة البشر‪ ،‬فعجزوا عنه‬
‫فتعجيزهم عنه فعل لله دل على صدق نبيه كتحدي اليهود أن‬
‫يتمنوا الموت‪ ،‬وشق خارج عن قدرتهم‪ ،‬فلم يقدروا على التيان‬
‫بمثله كانشقاق القمر‪ ،‬مما ل يمكن أن يفعله أحد إل الله تعالى‬
‫فيكون ذلك على يد النبي من الله وتحدى من يكذبه أن يأتي‬
‫بمثله تعجيزا له‪.‬‬
‫ومعجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ظهرت على‬
‫يديه تشمل كل النوعين فهو صلى الله عليه وسلم أكثر الرسل‬

‫‪54‬‬
‫معجزات وأبهرهم آيات وأظهرهم برهانا فله من المعجزات مال‬
‫يحصى‪ ،‬وقد ألفت في معجزاته صلى الله عليه وسلم المؤلفات‬
‫الكثيرة‪ ،‬وتناولها العلماء بالشرح والبيان ممن اعتنى بجمعها من‬
‫الئمة أبو نعيم الصبهاني والبيهقي‪.‬‬
‫ومعجزاته صلى الله عليه وسلم منها ما نقل إلينا نقل ً متواتًرا من‬
‫طرق كثيرة تفيد القطع عند المة ومنها ما لم يبلغ مبلغ الضرورة‬
‫والقطع وهو على نوعين‪.‬‬
‫أولً‪ :‬نوع مشتهر منتشر‪ ،‬رواه العدد وشاع الخبر به عند أهل‬
‫العلم بالثار‪ ،‬ونقلته السيرة والخبار‪ ،‬كنبع الماء من بين أصابعه‬
‫الشريفة صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وتكثير الطعام‬
‫ثانياً‪ :‬نوع منه اختص به الواحد والثنان ورواه العدد اليسير ولم‬
‫يشتهر اشتهاره غيره لكنه إذا جمع إلى مثله اتفقا في المعنى‬
‫واجتمعا على التيان بالمعجز‪.‬‬
‫وبعد هذا التمهيد الموجز‪ ،‬نورد بإذن الله تعالى جملة من‬
‫معجزات ودلئل نبوة سيد الولين والخرين صلى الله عليه وسلم‬
‫مما ساندها الدليل الصحي‬
‫‪ .10‬إخباره صلى الله عليه وسلم عن المغيبات (‪)1‬‬
‫أولً‪ :‬نبوءات تحققت في زمن النبي صلى الله عليه و سلم‪:‬‬
‫من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودلئل نبوته ما‬
‫اطلع عليه من الغيوب الماضية والمستقبلية وإخباره عنها ومن‬
‫المعلوم المقرر أن علم الغيب مختص بالله تعالى وحده وقد‬
‫أضافه الله تعالى إلى نفسه الكريمة في غير ما آية من كتابه‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ض الْغَي ْ َ‬‫ت وَالْر ِ‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫من فِي ال َّ‬
‫س َ‬ ‫م َ‬‫العزيز قال تعالى‪( :‬قُل ّل يَعْل َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب لَ‬ ‫ح الْغَي ْ ِ‬‫مفَات ِ ُ‬‫عندَه ُ َ‬
‫ه)‪ -‬سورة النمل آية ‪ 65‬وقال تعالى‪( :‬وَ ِ‬ ‫إ ِ ّل الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫مهَا إِل ّ هُوَ) ‪ -‬سورة النعام آية ‪59‬‬ ‫يَعْل َ ُ‬
‫ضا أن النبياء عليهم الصلة والسلم ل يعلمون‬ ‫ومن المعلوم أي ً‬
‫الغيب ول اطلع لهم على شيء منه قال الله تعالى مخبًرا عن‬
‫غير واحد من رسله الكرام عليهم الصلة والسلم أنهم قالوا‬
‫َ‬ ‫لقوامهم‪( :‬قُل ل َّ أَقُو ُ‬
‫ب)‬ ‫م الْغَي ْ َ‬‫ن اللّهِ وَل أع ْل َ ُ‬‫خَزآئ ِ ُ‬
‫عندِي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل لَك ُ ْ‬
‫سورة النعام آية ‪50‬‬
‫وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت‪ :‬من‬
‫زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر بما يكون في غد‬
‫فقد أعظم على الله الفرية‪.‬‬
‫وكما جاءت الدلة تدل على أن الله تبارك وتعالى قد اختص‬
‫بمعرفة علم الغيب وأنه استأثر به دون خلقه جاءت أدلة أخرى‬
‫تفيد أن الله تعالى استثنى من خلقه من ارتضاه من الرسل‬
‫فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم وجعله معجزة‬

‫‪55‬‬
‫ن الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ما كَا َ‬ ‫(و َ‬
‫لهم ودللة صادقة على نبوتهم قال تعالى‪َ :‬‬
‫شاءُ)‪-‬‬ ‫من ي َ َ‬ ‫سلِهِ َ‬ ‫من ُّر ُ‬ ‫جتَبِي ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ب وَلَك ِ َّ‬‫م ع َلَى الْغَي ْ ِ‬
‫لِيُطْلِعَك ُ ْ‬
‫ب فََل يُظْهُِر ع َلَى‬ ‫م الْغَي ْ ِ‬ ‫سورة آل عمران َ آية ‪ 179‬وقال تعالى‪( :‬ع َال ِ ُ‬
‫َ‬
‫ل)‪ -‬سورة الجن آية ‪ 26‬و‬ ‫سو ٍ‬ ‫من َّر ُ‬ ‫ضى ِ‬ ‫ن اْرت َ َ‬ ‫م ِ‬‫حدا ً {‪ }26‬إ ِ ّل َ‬ ‫غَيْبِهِ أ َ‬
‫‪27‬‬
‫فتلخص من ذلك أن ما وقع على لسان رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم من الخبار بالمغيبات فبوحي من الله تعالى وهو من‬
‫إعلم الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم للدللة على‬
‫ثبوت نبوته وصحة رسالته‪.‬‬
‫وقد اشتهر وانتشر أمره صلى الله عليه وسلم بإطلع الله له‬
‫على المغيبات‬
‫قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما‪ :‬قام فينا رسول الله‬
‫ما فما ترك شيئًا يكون من مقامه ذلك‬ ‫صلى الله عليه وسلم مقا ً‬
‫إلى قيام الساعة إل حدثه حفظه من حفظه ونسيه من نسيه‬
‫رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وقال عمرو بن أخطب النصاري رضي الله عنه‪ :‬صلى بنا رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى‬
‫حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت‬
‫العصر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس‬
‫فأخبرنا بما هو كائن إلى يوم القيامة فأعلمنا أحفظنا‪ .‬رواه‬
‫مسلم‪.‬‬
‫والمغيبات التي تغيبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على‬
‫أقسام ثلثة‬
‫أولً‪ :‬نبوءات تحققت في زمن النبي صلى الله عليه و سلم‪:‬‬
‫وهو ما أخبر به صلوات الله وسلمه عليه من المغيبات فوقع‬
‫أثناء حياته ومن أمثلة ذلك‬
‫قتل أمية بن خلف‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬نبوءات تحققت بعد زمن النبي صلى الله عليه و سلم‪:‬‬
‫وهو ما أخبر به صلوات الله وسلمه عليه من المغيبات فوقع بعد‬
‫مماته‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬قسم في المستقبل لم يتحقق بعد‪.‬‬
‫و ستجد تفصيل ذلك في القبسات التالية‪.‬‬
‫أولً‪ :‬نبوءات تحققت في زمن النبي صلى الله عليه و سلم‪:‬‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يخبر وهو في مكة في فئة‬
‫مستضعفة أن دينه سيعم الجزيرة كلها‪:‬‬

‫‪56‬‬
‫فعن خباب بن الرت قال‪ :‬شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وهو يومئذ ٍ متوسد بردة في ظل الكعبة‪ ،‬فقلنا‪} :‬أل‬
‫تستنصر لنا الله تبارك وتعالى‪ ،‬أو أل تستنصر لنا؟‬
‫فقال صلى الله علي وسلم‪":‬قد كان الرجل فيمن كان قبلكم‬
‫يؤخذ فيحفر له في الرض‪ ،‬فيجاء بالمنشار على رأسه فيجعل‬
‫بنصفين فما يصده ذلك عن دينه‪ ،‬ويمشط بأمشاط الحديد ما‬
‫دون عظمه من لحم وعصب فما يصده ذلك‪ ،‬والله ليتمن الله عز‬
‫وجل هذا المر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ل‬
‫يخاف إل الله تعالى‪ ،‬والذئب على غنمه‪ ،‬ولكنكم تستعجلون{‪- ".‬‬
‫رواه أحمد‪.‬‬
‫وقد وقع هذا المر في حياته صلى الله عليه وسلم فدانت‬
‫الجزيرة كلها بالسلم‪ ،‬وآمن الناس فيها من أقصاها إلى‬
‫أقصاها‪...‬وكان تصور هذا ضرب من الخيال‪ ،‬فقد كان القتل‬
‫وقطع الطريق‪ ،‬والغارة والنهب والسلب في كل ركن من‬
‫أركانها إل المسجد الحرام فقط‪.‬‬
‫إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح جزيرة العرب ثم فارس ثم‬
‫الروم‪ ،‬ووقوع المر كما حدث به تماماً‪:‬‬
‫قال مسلم رحمه الله‪ :‬حد ثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن عبد‬
‫الملك بن عمير عن جابر بن سمرة عن نافع بن عتبة قال‪ :‬كنا مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة قال‪ :‬فأتى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قوم من قبل المغرب عليهم ثياب الصرف‬
‫فوافقوه عند أكمة فإنهم لقيام ورسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قاعد قال‪ :‬فقالت لي نفسي ائتهم فقم بينهم وبينه ل‬
‫يغتالونه‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثم قلت لعله نجى معهم فأتيتهم فقمت بينهم وبينه‬
‫فحفظت منه أربع كلمات أعدهن في يدي قال‪":‬تغزون جزيرة‬
‫العرب فيفتحها الله‪ ،‬ثم فارس فيفتحها الله ثم تغزون الروم‬
‫فيفتحها الله‪ ،‬ثم تغزون الدجال فيفتحه الله"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويبقى فتح الدجال‪ ،‬وسيقع المر فيه كما حدث صلى الله‬
‫عليه وسلم تماماً‪ ،‬وسيكون ذلك آية أخرى لمن يشهدها في‬
‫وقتها‪.‬‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يخبر وهو في المدينة أن أمته ستفتح‬
‫كنوز كسرى‪:‬‬
‫روى المام البخاري رحمه الله بإسناده إلى عدي بن حاتم قال‪:‬‬
‫بينا أنا عند الني صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه‬
‫الفاقة‪ ،‬ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا عدي‪ ،‬هل رأيت الحيرة؟‬

‫‪57‬‬
‫قلت‪ :‬لم أرها‪ ،‬وقد أنبئت عنها‬
‫قال‪ :‬فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى‬
‫تطوف بالكعبة ل تخاف أحدا ً إل الله‪ ،‬قلت فيما بيني وبين نفسي‬
‫فأين دعار (الدعار هو الخبث الشديد) طيء الذين قد سعروا‬
‫البلد؟ ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬كسرى بن هرمز؟‬
‫قال‪ :‬كسرى بن هرمز‪ .‬ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج‬
‫ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فل يجد أحداً‬
‫يقبله منه‪ ،‬وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان‬
‫يترجم له‪ ،‬فيقولن ألم أبعث إليك رسول ً فيبلغك فيقول بلى‬
‫فيقول‪ :‬ألم أعطك مال ً وأفضل عليك؟‬
‫فيقول‪ :‬بلى فينظر عن يمينه فل يرى إل جهنم‪ ،‬وينظر عن يساره‬
‫فل يرى إل جهنم‬
‫قال عدي‪ :‬سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‪ :‬اتقوا النار‬
‫ولو بشق تمرة‪ ،‬فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة‬
‫قال عدي‪ :‬فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة‬
‫ل تخاف إل الله‪ ،‬وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز‪ ،‬ولئن‬
‫طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬يخرج ملء كفه ‪ -‬رواه البخاري‪.‬‬
‫وقد روى هذا الحديث أبو نعيم بإسناده في دلئل النبوة أن‬
‫الشعبي رحمه الله دخل على عدي بن حاتم الطائي فقال‪ :‬إنه‬
‫بلغني عنك حديث كنت أحب أن أسمعه منك‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬بعث النبي صلى الله عليه وسلم وكنت من أشد‬
‫الناس له كراهية‪ ،‬وكنت بأقصى أرض العرب من الروم‪ ،‬فكرهت‬
‫مكاني أشد من كراهيتي لمري الول‪ ،‬فقلت لتين هذا الرجل‪،‬‬
‫فإن كان صادقا ً ل يخفى علي أمره‪ ،‬وإن كان كاذبا ً ل يخفى علي‪،‬‬
‫أو قال‪ :‬ل يضرني‪ ،‬قال‪ :‬فقدمت المدينة‪ ،‬فاستشرفني الناس‬
‫فقالوا‪ :‬عدي بن حاتم‬
‫فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يا عدي أسلم تسلم‬
‫قلت‪ :‬إن لي ديناً‪ ،‬قال‪ :‬أنا أعلم بدينك منك‬
‫قلت‪ :‬ما يجعلك أعلم بديني مني؟‬
‫قال‪ :‬أنا أعلم بدينك منك‪ .‬ألست ترأس قومك؟‬
‫قلت‪ :‬بلى‬
‫قال‪ :‬ألست تأخذ المرباع ‪ -‬أي ربع الغنيمة‬
‫قلت‪ :‬بلى‬
‫قال‪ :‬فإن ذلك ل يحل لك‬
‫قلت‪ :‬أجل‬

‫‪58‬‬
‫قال‪ :‬فكان ذلك أذهب بعض ما في نفسي‬
‫قال‪ :‬أنه يمنعك من أن تسلم خصاصة فقر من ترى حولنا‪ ،‬وإنك‬
‫ترى الناس علينا إلبا ً واحداً‪ ،‬أو قال يدا ً واحدة‬
‫قلت‪ :‬نعم‬
‫قال‪ :‬هل أتيت الحيرة؟‬
‫قلت‪ :‬ل‪ ،‬وقد علمت مكانها‬
‫قال صلى الله عليه وسلم‪ :‬يوشك الظعينة أن تخرج من الحيرة‬
‫حتى تطوف بالبيت بغير جوار ويوشك أن تفتح كنوز كسرى بن‬
‫هرمز‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬كنوز كسرى بن هرمز‬
‫قال‪ :‬كنوز كسرى بن هرمز ويوشك أن يخرج الرجل الصدقة من‬
‫ماله فل يجد من يقبلها منه‬
‫قال عدي رضي الله عنه‪ :‬فلقد رأيت الظعينة تخرج من الحيرة‬
‫حتى تطوف بالبيت بغير جوار‪ ،‬وكنت في أول خيل أغارت على‬
‫السواد‪ ،‬والله لتكونن الثالثة أنه لقول رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫وفي رواية أبي بكر بن خلد ومحمد بن أحمد قال عدي فأنا‬
‫سرت بالظعينة من الحيرة‪ ،‬قال‪ :‬إلى البيت العتيق في غير جوار‪،‬‬
‫يعني أنه حج بأهله‪ ،‬وكنت في أول خيل أغارت على المدائن‪،‬‬
‫والله لتكونن الثالثة كما كانت هاتان أنه تحديث رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم إياي‬
‫وفي رواية أخرى‬
‫قدم عدي بن حاتم الطائي الكوفة‪ ،‬فأتيته في أناس منا‪ ،‬من أهل‬
‫الكوفة‪ ،‬قلنا‪ :‬حدثنا بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‬
‫فقال‪ :‬بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنبوة ول أعلم‬
‫أحدا ً من العرب كان له أشد بغضا ً مني‪ ،‬ول أشد كراهية له مني‪،‬‬
‫حتى لحقت بأرض الروم‪ ،‬فتنصرت فيهم‪ ،‬فلما بلغني ما يدعو‬
‫إليه من الخلق الحسنة‪ ،‬وما اجتمع إليه من الناس ارتحلت حتى‬
‫أتيته‪ ،‬فوقفت عليه وعنده صهيب وبلل وسلمان‬
‫فقال‪ :‬يا عدي بن حاتم أسلم تسلم‬
‫فقلت‪ :‬أخ أخ فأنخت‪ ،‬فجلست وألزقت ركبتي بركبته‬
‫فقلت‪ :‬يا رسول الله ما السلم؟‬
‫قال‪ :‬تؤمن بالله وملئكته وكتبه ورسله‪ ،‬وتؤمن بالقدر خيره‬
‫وشره‪ ،‬وحلوه ومره‪ .‬يا عدي بن حاتم ل تقوم الساعة حتى تفتح‬
‫خزائن كسرى وقيصر‪ .‬يا عدي بن حاتم ل تقوم الساعة حتى تأتي‬
‫الظعينة من الحيرة –ولم يكن يومئذ كوفة‪ -‬حتى تطوف بالكعبة‬

‫‪59‬‬
‫بغير خفير‪ ،‬ل تقوم الساعة حتى يحمل الرجل جراب المال‬
‫فيطوف به فل يجد أحد يقبله‪ ،‬فيضرب به الرض فيقول‪ :‬ليتك‬
‫كنت ترابا ً ‪ -‬دلئل النبوة لبي نعيم ‪.696-2/693‬‬
‫إخباره صلى الله عليه وسلم بفتح الحيرة وهبته الشيماء بنت‬
‫نفيلة لخريم بن أوس‪:‬‬
‫قال أبو نعيم‪ :‬حدثنا محمد بن معمر قال ثنا عبد الله بن محمد بن‬
‫ناجية‪ ،‬قال‪ :‬ثنا أبو السكين زكريا بن يحيى الطائي‪ ،‬قال حدثني‬
‫عم أبي زخر بن حصن عن جده حميد بن منهب قال‬
‫قال جدي خريم بن أوس‪ :‬هاجرت إلى النبي صلى الله عليه‬
‫ة من تبوك‪ ،‬فأسلمت فسمعته يقول‪:‬‬ ‫صَرفَ ُ‬
‫من ْ َ‬
‫وسلم‪ ،‬وقدمت عليه ُ‬
‫هذه الحيرة البيضاء قد رفعت لي‪ ،‬وهذه الشيماء بنت نفيلة‬
‫الزدية على بغله شهباء معتجرة بخمار أسود‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬يا رسول الله إن نحن دخلنا الحيرة فوجدناها كما تصف‬
‫فهي لي؟‬
‫قال‪ :‬هي لك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ثم كانت الردة‪ ،‬فما ارتد أحد من طيء‪ ،‬فأقبلنا مع خالد بن‬
‫الوليد نريد الحيرة‪ ،‬فلما دخلناها كان أول من تلقانا الشيماء بنت‬
‫نفيلة‪ ،‬كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة‬
‫شهباء معتجرة بخمار أسود فتعلقت بها‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬هذه وصفها لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فدعاني خالد بالبينة فأتيت بها‪ ،‬فكانت البينة محمد بن مسلمة‬
‫ي خالد‪ ،‬ونزل إليها أخوها‬‫ومحمد بن بشير النصاريان‪ ،‬فسلمها إل ّ‬
‫عبد المسيح بن نفيلة يريد الصلح‬
‫فقال‪ :‬بعينها‬
‫فقلت‪ :‬ل أنقصها والله من عشر مائة فأعطاني ألف درهم‬
‫وسلمتها إليه‬
‫فقالوا لي‪ :‬لو قلت مائة ألف لسلمها إليك‬
‫فقلت‪ :‬ما كنت أحسب أن عددا ً أكثر من عشر مائة‬
‫قلت‪ :‬وهذا صحابي ل يعلم بعد اللف عددا ً وهذا الحديث من‬
‫أعلم نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه حدث عن أمر من‬
‫الغيب ل يمكن تصوره بالظن ول التخييل ول التوقع فإن تصور‬
‫انتصار العرب المسلمين على الفرس كان أبعد من الخيال ولقد‬
‫حدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم بصفته حقيقة واقعة ووقع‬
‫المر كما حدث به تماماً‪.‬‬
‫وقد روى هذا الحديث المام ابن حبان رحمه الله كما في‬
‫الموارد‪ :‬أخبرنا ابن أسلم حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر‬
‫العدني‪ ،‬حدثنا سفيان‪ ،‬عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن‬

‫‪60‬‬
‫أبي حازم بن عدي بن حاتم قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬مثلت لي الحيرة كأنياب الكلب وإنكم ستفتحونها‬
‫فقام رجل فقال‪ :‬هب لي يا رسول الله ابنة نفيلة‬
‫فقال‪ :‬هي لك فأعطوها إياه‬
‫فجاء أبوها فقال‪ :‬أتبيعنها‬
‫فقال‪ :‬نعم‬
‫قال‪ :‬بكم؟‬
‫قال‪ :‬احتكم ما شئت‬
‫قال‪ :‬بألف درهم‬
‫قال‪ :‬قد أخذتها فقيل‪ :‬لو قلت ثلثين ألفاً‬
‫قال‪ :‬وقال‪ :‬وهل عدد أكثر من ألف؟‬
‫قال الحافظ الهيثمي‪ :‬قلت هكذا وقع في هذه الرواية أن الذي‬
‫اشتراها أبوها وإن المشهور أن الذي اشتراها عبد المسيح أخوها‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫إخباره صلى الله عليه وسلم بحسن إسلم الفرس بعد الفتح‪:‬‬
‫قال البخاري رحمه الله‪ :‬حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال‬
‫حدثني سليمان بن بلل عن ثور عن أبي الغيث عن أبي هريرة‬
‫رضي الله عنه قال‪ :‬كنا جلوسا ً عند النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫م) قال‪:‬‬ ‫ما يَل ْ َ‬
‫حقُوا بِهِ ْ‬ ‫م ل َ َّ‬
‫منْهُ ْ‬
‫ن ِ‬
‫خرِي َ‬
‫فأنزلت عليه سورة الجمعة (وآ َ‬
‫قلت‪ :‬من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلثاً‪ ،‬وفينا‬
‫سلمان الفارسي وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده‬
‫على سلمان ثم قال‪ :‬لو كان اليمان عند الثريا لناله رجال أو‬
‫رجل من هؤلء‪.‬‬
‫حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا عبد العزيز أخبرني ثور عن‬
‫أبي الغيث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬لناله‬
‫رجال من هؤلء ‪ -‬البخاري ‪.8/641‬‬
‫بشر الرسول المسلمين بغزو قريش‪:‬‬
‫ولما انصرف أهل الخندق عن الخندق قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فيما بلغني‪ ":‬لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا‪،‬‬
‫ولكنكم تغزونهم"‪ .‬فلم تغزهم قريش بعد ذلك وكان هو الذي‬
‫يغزوها‪ ،‬حتى فتح الله عليه مكة‪.‬‬
‫حدثت عن سلمان الفارسي‪ ،‬أنه قال‪ :‬ضربت‬ ‫قال ابن إسحاق ‪ :‬و ُ‬
‫ي صخرة‪ ،‬ورسول الله صلى‬ ‫في ناحية من الخندق‪ ،‬فغَلُظت عل ّ‬
‫الله عليه وسلم قريب مني؛ فلما رآني أضرب ورأى شدة المكان‬
‫علي‪ ،‬نزل فأخذ المعول من يدي‪ ،‬فضرب به ضربة لمعت تحت‬
‫المعول برقة؛‬
‫قال‪ :‬ثم ضرب به ضربة أخرى‪ ،‬فلمعت تحته برقة أخرى؛‬

‫‪61‬‬
‫قال‪ :‬ثم ضرب به الثالث‪ ،‬فلمعت تحته برقة أخرى ‪.‬‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما هذا الذي رأيت لمع‬
‫تحت المعول وأنت تضرب؟‬
‫قال‪ :‬أو قد رأيت ذلك يا سلمان؟‬
‫قال‪ :‬قلت ‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬أما الولى فإن الله فتح علي بها اليمن؛ وأما الثانية فإن الله‬
‫فتح علي بها الشام والمغرب؛ وأما الثالثة فإن الله فتح على بها‬
‫المشرق‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق‪ :‬وحدثني من ل أتهم عن أبي هريرة أنه كان‬
‫يقول‪ ،‬حين فتحت هذه المصار في زمان عمر وزمان عثمان وما‬
‫بعده ‪ :‬افتتحوا ما بدا لكم‪ ،‬فو الذي نفس أبي هريرة بيده‪ ،‬ما‬
‫افتتحتم من مدينة ول تفتتحونها إلى يوم القيامة إل وقد أعطى‬
‫الله سبحانه محمدًا صلى الله عليه وسلم مفاتيحها قبل ذلك‪.‬‬
‫ولما انصرف أهل الخندق عن الخندق؛ قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فيما بلغني ‪ :‬لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا‪،‬‬
‫ولكنكم تغزونهم ‪ .‬فلم تغزهم قريش بعد ذلك‪ ،‬وكان هو الذي‬
‫يغزوها‪ ،‬حتى فتح الله عليه مكة‪.‬‬
‫إخباره صلى الله عليه وسلم بمصارع القوم يوم بدر‪:‬‬
‫روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم بدر‬
‫قبل قتال المشركين وقال‪ :‬هذا مصرع فلن‪ ،‬ووضع يده على‬
‫الرض‪ ،‬ثم قال‪ :‬هذا مصرع فلن‪ ،‬ووضع يده عليها‪ ،‬وذكرهم‬
‫واحدًا واحدًا مشيًرا إلى مصارعهم‪ ،‬فصرعوا كذلك‪ ،‬ما تجاوز أحد‬
‫منهم موضعه الذي أشار إليه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫إخباره صلى الله عليه وسلم بخراب خيبر‪:‬‬
‫لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر صلى بهم الصبح‬
‫وركب المسلمون‪ ،‬فخرج أهل خيبر بمساحيهم ومكاتلهم‪ ،‬ول‬
‫يشعرون‪ ،‬بل خرجوا لرضهم‪ ،‬فلما رأوا الجيش قالوا‪ :‬محمد‬
‫والله‪ ،‬محمد والجيش‪ ،‬ثم رجعوا هاربين إلى حصونهم‪ ،‬فقال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ":‬الله أكبر خربت خيبر‪ ،‬الله أكبر‬
‫خربت خيبر‪ ،‬إنا إذا نزلنا بساحة قوم‪ ،‬فساء صباح المنذرين"‪.‬‬
‫أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه هو الذي يقتل أبيًا‪:‬‬
‫ي بن خلف _ لعنه الله_ قتل النبي صلى الله‬ ‫رام إمام الكفر أب ّ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪":‬أنا أقتل أبيًا"‪،‬‬
‫وذلك الذي تم كما جاء في الحديث‪ :‬أقبل أبي بن خلف يوم أحد‬
‫إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخلوا سبيله‪ ،‬فاستقبله مصعب‬
‫ي من‬ ‫بن عمير‪ ،‬ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوة أب ّ‬

‫‪62‬‬
‫فرجة بين سابغة الدرع والبيضة‪ ،‬وطعنه بحربته فسقط عن‬
‫فرسه ولم يخرج من طعنته الدم فكسر ضلعًا من أضلعه‪ ،‬فأتاه‬
‫أصحابه وهو يخور خوار الثور‪ ،‬فقالوا له‪ :‬ما أعجزك‪ ،‬إنما هو‬
‫خدش‪.‬‬
‫فذكر لهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬بل أنا أقتل‬
‫أبيًا‪ ،‬ثم قال‪ :‬والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي‬
‫المجاز لماتوا أجمعون‪ ،‬فمات أبي قبل أن يقدم مكة‪ ،‬فأنزل الله‬
‫ن‬
‫منِي َ‬ ‫ي ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫مى وَلِيُبْل ِ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َر َ‬ ‫ت وَلَـك ِ َّ‬ ‫ت إِذ ْ َر َ‬
‫مي ْ َ‬ ‫مي ْ َ‬
‫ما َر َ‬‫تعالى‪( :‬وَ َ‬
‫سنا) ‪ -‬سورة النفال‪ ،‬من الية‪ .17:‬أخرجه الحاكم‬ ‫ح َ‬ ‫ه بَلء َ‬
‫من ْ ُ‬
‫ِ‬
‫وقال‪ :‬صحيح السناد‪.‬‬
‫ي بن خلف الكافر الوحيد الذي قتله رسول الله صلى الله‬ ‫وكان أب ّ‬
‫عليه وسلم في غزوة أحد‪ ،‬وما سمع أنه قتل بعده أحدًا‪.‬‬
‫إخباره صلى الله عليه وسلم بإسلم أبي الدرداء قبل أن يسلم‪:‬‬
‫ما‬
‫عن جبير بن نفير قال‪ :‬كان أبو الدرداء رضي الله عنه يعبد صن ً‬
‫في الجاهلية‪ ،‬وإن عبد الله بن رواحة ومحمد بن مسلمة رضي‬
‫الله عنهما دخل بيته فسرقا صنمه‪ ،‬فرجع أبو الدرداء فجعل يجمع‬
‫صنمه ذلك ويقول‪ :‬ويحك‪ ،‬هل امتنعت‪ ،‬أل دفعت عن نفسك؟‬
‫فقالت أم الدرداء‪ :‬لو كان ينفع أحدًا أو يدفع عن أحد‪ ،‬دفع عن‬
‫نفسه ونفعها‬
‫فقال أبو الدرداء‪ :‬أعدي لي في المغتسل ماء‪ ،‬فجعلت له ماء‬
‫فاغتسل وأخذ حلته فلبسها‪ ،‬ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فنظر إليه ابن رواحة مقبلً‪ ،‬فقال‪ :‬هذا أبو الدرداء ما أراه‬
‫جاء إل في طلبنا‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل‪ ،‬إنما جاء‬
‫ليسلم؛ فإن ربي عز وجل وعدني بأبي الدرداء أن يسلم‪ .‬أخرجه‬
‫البيهقي في الدلئل‪.‬‬
‫إعلمه صلى الله عليه وسلم بعدم غزو المشركين المسلمين بعد‬
‫الخندق‪:‬‬
‫لما انصرف أهل الخندق‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫الن نغزوهم ول يغزوننا‪.‬‬
‫صحيح‪ :‬أخرجه البخاري وأحمد وابن إسحاق‪.‬‬
‫فلم تغز قريش بعد هذه الغزوة‪ ،‬وكان صلى الله عليه وسلم‬
‫يغزوهم حتى فتح الله عليه مكة‪.‬‬
‫إخباره صلى الله عليه وسلم عن إسلم أبي طلحة قبل أن‬
‫يسلم‪:‬‬
‫لما مات زوج أم سليم رضي الله عنها‪ ،‬جاءها أبو طلحة النصاري‬
‫خاطبًا فكلمها في ذلك‪ ،‬فقالت‪ :‬يا أبا طلحة‪ ،‬ما مثلك يرد‪ ،‬ولكنك‬
‫امرؤ كافر وأنا امرأة مسلمة ل يصلح لي أن أتزوجك‪ .‬فقال‪ :‬ما‬

‫‪63‬‬
‫ذاك دهرك! (ما هذه عادتك)‪ ،‬قالت‪ :‬وما دهري؟ قال‪ :‬الصفراء‬
‫(الذهب) والبيضاء (الفضة)‪ ،‬قالت‪ :‬فإني ل أريد صفراء ول بيضاء‪،‬‬
‫أريد منك السلم فإن تسلم فذاك مهري ول أسألك غيره‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فمن لي بذلك؟ قالت‪ :‬لك بذلك رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فانطلق أبو طلحة يريد النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه‪ ،‬فلما رآه‬
‫قال‪ :‬جاءكم أبو طلحة غرة السلم بين عينيه‪ ،‬فأخبر رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم بما قالت أم سليم‪ ،‬فتزوجها على ذلك‪.‬‬
‫قال ثابت البناني‪ ،‬راوي القصة عن أنس‪ :‬فما بلغنا أن مهًرا كان‬
‫أعظم منه أنها رضيت السلم مهًرا‪ .‬صحيح‪ ،‬رواه البخاري‪،‬‬
‫ومسلم‪ ،‬وأبو داود الطيالس‬
‫‪ .11‬إخباره صلى الله عليه وسلم عن المغيبات (‪)2‬‬
‫ثانياً‪ :‬نبوءات تحققت بعد زمن النبي صلى الله عليه و سلم‪:‬‬
‫المسلمون يفتحون فارس موقنين بخبر الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم‪:‬‬
‫قال البخاري رحمه الله‪ :‬حدثنا الفضل بن يعقوب حدثنا عبد الله‬
‫بن جعفر الرقي حدثنا المعتمر بن سليمان حدثنا سعيد بن عبيد‬
‫الله الثقفي حدثنا بكر بن عبد المزني وزياد بن جبير عن جبير بن‬
‫حية قال‪ :‬بعث عمر الناس في أفناء النصار‪ ،‬يقاتلون المشركين‪،‬‬
‫فأسلم الهرمزان‬
‫فقال له عمر‪ :‬إني مستشيرك في مغازي هذه‬
‫مثَلُها ومثل من فيها من الناس من عدو المسلمين‬ ‫قال‪ :‬نعم‪َ ،‬‬
‫مثل طائر له رأس‪ ،‬وله جناحان وله رجلن‪ ،‬فإن كسر أحد‬
‫الجناحين نهضت الرجلن بجناح والرأس‪ ،‬فإن كسر الجناح الخر‬
‫نهضت الرجلن والرأس‪ ،‬وإن شدخ الرأس ذهبت الرجلن‬
‫والجناحان والرأس‪ ،‬فالرأس كسرى‪ ،‬والجناح قيصر‪ ،‬والجناح‬
‫الخر فارس‪ ،‬فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى‪.‬‬
‫وقال بكر بن زياد جميعا ً عن جبير بن حية قال‪ :‬فندبنا عمر‬
‫واستعمل علينا النعمان بن مقرن حتى إذا كنا بأرض العدو‪ ،‬خرج‬
‫علينا عامل كسرى في أربعين ألفا ً فقام ترجمان فقال‪ :‬ليكلمني‬
‫رجل منكم‪.‬‬
‫فقال المغيرة بن شعبة‪ :‬سل عما شئت‬
‫قال‪ :‬ما أنتم؟‬
‫قال‪ :‬نحن أناس من العرب‪ ،‬كنا في شقاء شديد وبلء شديد‪،‬‬
‫نمص الجلد والنوى من الجوع‪ ،‬ونلبس الوبر والشعر‪ ،‬ونعبد‬
‫الشجر والحجر‪ ،‬فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السموات ورب‬
‫الرضين تعالى ذكره وجلت عظمته إلينا نبيا ً من أنفسنا نعرف‬

‫‪64‬‬
‫أباه وأمه‪ ،‬فأمر نبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقاتلكم‬
‫حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية‪ ،‬وأخبرنا نبينا صلى الله‬
‫عليه وسلم عن رسالة ربنا أن من قتل منا صار إلى الجنة في‬
‫نعيم لم ير مثلها قط‪ ،‬ومن بقي منا ملك رقابكم‪.‬‬
‫وروى الحاكم رحمه الله هذا الحديث قال‪ :‬حدثنا علي بن جمشاد‬
‫العدل‪ ،‬ثنا علي بن عبد العزيز ثنا حجاج بن منهال ثنا حماد بن‬
‫سلمة ثنا أبو عمران الجوني‪ ،‬عن علقمة بن عبد الله المزني عن‬
‫معقل بن يسار أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شاور‬
‫الهرمزان في أصبهان وفارس وآذربيجان‬
‫فقال يا أمير المؤمنين‪ :‬أصبهان الرأس وفارس وآذربيجان‬
‫الجناحان‪ ،‬فابدأ بأصبهان فدخل عمر بن الخطاب بالمسجد فإذا‬
‫هو بالنعمان بن مقرن يصلي فانتظره حتى قضى صلته‪.‬‬
‫فقال له‪ :‬إني مستعملك‪.‬‬
‫فقال‪ :‬أما جابيا ً فل!! وأما غازيا ً فنعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإنك غاز‪.‬‬
‫فسرحه وبعث إلى أهل الكوفة أن يمدوه ويلحقوا به وفيهم‬
‫حذيفة بن اليمان‪ ،‬والمغيرة بن شعبة‪ ،‬والزبير بن العوام‪،‬‬
‫والشعث بن قيس وعمرو بن معدي كرب‪ ،‬وعبد الله بن عمرو‪،‬‬
‫فأتاهم النعمان وبينه وبينهم نهر‪ ،‬فبعث إليهم المغيرة بن شعبة‬
‫رسول ً وملكهم ذو الحاجبين فاستشار أصحابه فقال‪ :‬ما ترون‬
‫أقعد لهم في هيئة الحرب أو في هيئة الملك وبهجته؟‬
‫فجلس في هيئة الملك وبهجته على سريرة‪ ،‬ووضع التاج على‬
‫رأسه وحوله سماطين عليهم ثياب الديباج والقرط والسورة‪،‬‬
‫فجاء المغيرة بن شعبة فأخذ بضبعيه‪ ،‬وبيده الرمح والترس‬
‫والناس حوله سماطين على بساط له‪ ،‬فجعل يطعنه برمحه‬
‫فخرقه لك لي يتطيروا‪ ،‬فقال له ذو الحاجبين‪ :‬إنكم يا معشر‬
‫العرب أصابكم جوع شديد وجهد فخرجتم فإن شئتم مرناكم (من‬
‫الميرة يعني الطعام) ورجعتم إلى بلدكم‪.‬‬
‫فتكلم المغيرة فحمد الله وأثنى عليه وقال‪ :‬إنا كنا معشر العرب‬
‫نأكل الجيفة والميتة‪ ،‬وأنه قد وعدنا أن هاهنا سيفتح علينا‪ ،‬وقد‬
‫وجدنا جميع ما وعدنا حقاً‪ ،‬وإني لرى ها هنا بزة وهيئة ما أرى‬
‫من معي بذاهبين حتى يأخذوه‬
‫فقال المغيرة‪ :‬فقالت لي نفسي لو جمعت جراميزك فوثبت وثبة‬
‫فجلست معه على السرير إذ وجدت غفلة فزجني وجعلوا يحثونه‬
‫فقلت‪ :‬أرأيتم إن كنت أنا استحمق فإن هذا ل يفعل بالرسل‪ ،‬وإنا‬
‫ل نفعل هذا برسلكم إذا أتونا‬
‫فقال‪ :‬إن شئتم قطعتم إلينا وإن شئنا قطعنا إليكم‬

‫‪65‬‬
‫فقلت‪ :‬بلى نقطع إليكم‪ ،‬فقطعنا إليهم وصاففناهم فتسلسلوا كل‬
‫سبعة في سلسلة‪ ،‬وخمسة في سلسلة حتى ل يفروا‬
‫قال‪ :‬فرامونا حتى أسرعوا فينا‬
‫فقال المغيرة للنعمان‪ :‬إن القوم قد أسرعوا فينا فاحمل‬
‫فقال‪ :‬إنك ذو مناقب وقد شهدت مع رسول الله‪ ،‬ولكني أنا‬
‫شهدت رسول صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل أول النهار‪ ،‬أخر‬
‫القتال حتى تزول الشمس وتهب الريح‪ ،‬وينزل النصر‬
‫فقال النعمان‪ :‬يا أيها الناس اهتز ثلث هزات فأما الهزة الولى‬
‫فليقضي الرجل حاجته‪ ،‬وأما الثانية فلينظر الرجل في سلحه‬
‫وسيفه‪ ،‬وأما الثالثة فإني حامل فاحملوا فإن قتل أحد فل يلوي‬
‫أحد على أحد‪ ،‬وإن قتلت فل تلووا علي‪ ،‬وإني داع الله بدعوة‬
‫فعزمت على كل امرىء منكم لما أمن عليها فقال‪ :‬اللهم ارزق‬
‫اليوم النعمان شهادة تنصر المسلمين‪ ،‬وافتح عليهم‪.‬‬
‫فأمن القوم‪..‬وهز لواءه ثلث مرات‪ ،‬ثم حمل فكان أول صريع‬
‫رضي الله عنه فذكرت وصيته فلم ألوي عليه‪ ،‬وأعلمت مكانه‬
‫فكنا إذا قتلنا رجل ً منهم‪ ،‬شغل عنا أصحابه يجرونه ووقع ذو‬
‫الحاجبين من بغلته الشهباء فانشق بطنه وفتح الله على‬
‫المسلمين‪ ،‬وأتيت النعمان وبه رمق‪ ،‬فأتيته بماء فجعلت أصبه‬
‫على وجهه أغسل التراب عن وجهه‬
‫فقال‪ :‬من هذا‬
‫فقلت‪ :‬معقل بن يسار‬
‫فقال‪ :‬ما فعل الناس‬
‫فقلت‪ :‬فتح الله عليهم‬
‫فقال‪ :‬الحمد لله اكتبوا بذلك إلى عمر‪.‬‬
‫وفاضت نفسه فاجتمع الناس إلى الشعث بن قيس فقال‪ :‬فأتينا‬
‫أم ولده فقلنا‪ :‬هل عهد إليك عهدا ً قالت‪ :‬ل إل سفيط له فيه‬
‫كتاب فقرأته فإذا فيه‪ :‬إن قتل فلن ففلن‪ ،‬وإن قتل فلن ففلن‬
‫‪ -‬المستدرك ‪.3/293‬‬
‫قلت‪ :‬فانظر كيف زحف المسلمون وهم قلة قليلة إلى الفرس‬
‫وهم أضعاف أضعافهم ولكن المسلمين كانوا موقنين بالنصر لن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم وعدهم بذلك‪ ،‬والرسول ل يقول إل‬
‫حقاً‪.‬‬
‫إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه إذا هلك كسرى فل كسرى‬
‫بعده‪ ،‬وإذا هلك قيصر فل قيصر بعده‪:‬‬
‫قال البخاري رحمه الله‪ :‬حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو‬
‫الزناد عن العرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬إذا هلك كسرى فل كسرى بعده‪ ،‬وإذا‬

‫‪66‬‬
‫هلك قيصر فل قيصر بعده‪ ،‬والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما‬
‫في سبيل الله‬
‫وقال البخاري رحمه الله‪ :‬حدثنا إسحاق سمع جريرا ً عن عبد‬
‫الملك عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬إذا هلك كسرى فل كسرى بعده‪ ،‬وإذا هلك‬
‫قيصر فل قيصر بعده‪ ،‬والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في‬
‫سبيل الله‬
‫وأخرجه أيضا ً من حديث سماك بن حرب عن جابر بن سمرة‬
‫قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪ :‬لتفتحن‬
‫عصابة من المسلمين ‪-‬أو من المؤمنين‪ -‬كنز آل كسرى الذي في‬
‫البيض‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد وقع المر تماما ً كما قال صلى الله عليه وسلم فإنه لم‬
‫يأت بعد كسرى كسرى غيره‪ ،‬ولما هدمت دولة القياصرة فلم‬
‫تقم لهم دولة بعد ذلك وإلى يومنا هذا‪.‬‬
‫فأي دليل أعظم من هذا الدليل على أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يحدث بالوحي الذي ل يعلمه إل الله‪ ،‬فإنه لم يكن يتصور‬
‫أحد أن دولة الكاسرة التي استمرت نحو ألف عام أن يكون‬
‫سقوطها وزوالها بأيدي المسلمين‪ ،‬وأن الكاسرة ل يستطيعون‪،‬‬
‫وإلى قيام الساعة أن يعيدوا ملكهم مرة ثانية‪.‬‬
‫إخباره صلى الله عليه وسلم بفساد بعض أحوال المسلمين‬
‫وقتالهم بعضهم بعضا ً بعد فتح فارس والروم‪:‬‬
‫قال مسلم رحمه الله‪ :‬حدثنا عمرو بن سواد العامري أخبرنا عبد‬
‫الله بن وهب أخبرني عمرو بن العاص حدثه عن عبد الله بن‬
‫عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‪:‬‬
‫إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟‬
‫قال عبد الرحمن بن عوف‪ :‬نقول كما أمرنا الله‪.‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬أو غير ذلك تتنافسون ثم‬
‫تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون أو نحو ذلك‪ ،‬ثم تنطلقون‬
‫في مساكن المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض" ‪-‬‬
‫مسلم ‪.4/2274‬‬
‫قلت‪ :‬وللسف فقد حدث ما أخبر به الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وقتل المهاجرين والنصار بعضهم بعضا ً في الجمل‬
‫وصفين!! فإنا لله وإنا إليه راجعون‪.‬‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بفتح القسطنطينية‪:‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل يذهب الليل والنهار حتى تعبد‬
‫اللت والعزى"‬

‫‪67‬‬
‫و‬
‫فقالت عائشة‪ :‬يا رسول الله إن كنت لظن حين أنزل الله (هُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن كُل ِّهِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ق لِيُظهَِره ُ ع َلى الدِّي ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ح ِّ‬ ‫سول َ ُ ْ‬
‫ه بِالهُدَى وَدِي ِ‬ ‫ل َر ُ‬‫س َ‬ ‫ال ّذِي أْر َ‬
‫ن)‪-‬سورة التوبة آية ‪ 33‬أن ذلك تاما!!ً‪.‬‬ ‫شرِكُو َ‬
‫م ْ‬‫وَلَوْ كَرِه َ ال ْ ُ‬
‫قال‪ :‬إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ‪ -‬رواه مسلم‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪ :‬إن الله زوى (أي جمع وضم) لي‬
‫الرض فرأيت مشارقها ومغاربها‪ ،‬وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى‬
‫لي منها ‪ -‬رواه مسلم‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪" :‬ليبلغن هذا المر ما بلغ الليل‬
‫والنهار‪ ،‬ول يترك الله بيت مدر ول وبر إل أدخله الله هذا الدين‬
‫بعز عزيز‪ ،‬أو بذل ذليل عزا ً يعز الله به السلم‪ ،‬وذل ً يذل به‬
‫الكفر"‪.‬‬
‫وعن أبي قبيل قال‪ :‬كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص‪ ،‬وسئل‬
‫أي المدينتين تفتح أول ً القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله‬
‫بصندوق له خلق قال‪ :‬فأخرج منه كتابا ً قال‪ :‬فقال عبد الله‪ :‬بينما‬
‫نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب‪ ،‬إذ سئل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬أي المدينتين تفتح أولً‬
‫أقسطنطينية أو رومية؟‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬مدينة هرقل تفتح أول ً ‪-‬‬
‫يعني قسطنطينية ‪ -‬رواه أحمد والدارمي وغيرهما وصححه‬
‫اللباني في السلسلة الصحيحة‪.‬‬
‫فتح بيت المقدس‪:‬‬
‫فتح بيت المقدس فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪( :‬اعدد‬
‫ستا ً بين يدي الساعة) وذكر منها (فتح بيت المقدس) ‪ -‬رواه‬
‫البخاري‪.‬‬
‫وهذا الشرط قد حدث في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه‬
‫سنة ‪36‬هـ‪.‬‬
‫طاعون عمواس‪:‬‬
‫طاعون عمواس وهي بلدة في فلسطين ‪ ،‬قال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪( :‬اعدد ستا ً بين يدي الساعة) وذكر منها (ثم موتان‬
‫يأخذ فيكم كقصاص الغنم) رواه البخاري ‪ ،‬قال ابن حجر ‪" :‬إن‬
‫هذه الية ظهرت في طاعون عمواس في خلفة عمر وكان ذلك‬
‫بعد فتح بيت المقدس" أهـ ‪ .‬وكان ذلك عام ‪18‬هـ وبلغ عدد من‬
‫مات فيه خمسة وعشرين ألفا ً من المسلمين‪.‬‬
‫استفاضة المال والستغناء عن الصدقة‪:‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل تقوم الساعة حتى يكثر فيكم‬
‫المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبله منه صدقه ‪ ،‬ويدعى‬
‫إليه الرجل فيقول ‪ :‬ل أرب لي فيه" ‪ -‬رواه البخاري‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫وهذا تحقق كثير منه في عهد الصحابة رضي الله عنهم بسبب ما‬
‫وقع من الفتوح‪ ،‬ثم فاض المال في عهد عمر بن عبد العزيز‬
‫رحمه الله‪ ،‬فكان الرجل يعرض المال للصدقة فل يجد من يقبله‪،‬‬
‫وسيكثر المال في آخر الزمان في زمن المهدي وعيسى عليه‬
‫السلم إن شاء الله‪.‬‬
‫ظهور الفتن‪:‬‬
‫ظهور الفتن ‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن بين يدي الساعة‬
‫فتنا ً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ً ويمسي كافراً‬
‫ويمسي مؤمنا ً ويصبح كافراً"‪ -‬رواه أحمد وأبو داود وصححه‬
‫اللباني في صحيح الجامع‪.‬‬
‫وقد حدث كثير من الفتن من عهد الصحابة رضي الله عنهم حتى‬
‫الن وأعظم الفتن جاءت من الشرق كما قال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وهو مستقبل المشرق ‪" :‬أل إن الفتنة ها هنا أل إن‬
‫الفتنه هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان ‪ -‬رواه البخاري‪.‬‬
‫ومن الفتن التي حدثت‪ :‬مقتل عثمان رضي الله عنه‪ ،‬وموقعة‬
‫الجمل وصفين‪ ،‬وظهور الخوارج‪ ،‬وموقعة الحرة ‪ ،‬وفتنة القول‬
‫بخلق القرآن‪.‬‬
‫ظهور مدعي النبوة‪:‬‬
‫ظهور مدعي النبوة ‪ ،‬فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل‬
‫تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلثين كلهم‬
‫يزعم أنه رسول الله" ‪ -‬رواه مسلم‬
‫وممن ظهر من هؤلء الثلثين ‪ :‬مسيلمة الكذاب في زمن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم والسود العنسي في اليمن وقتله الصحابة‪،‬‬
‫وظهرت سجاح فادعت النبوة ثم رجعت إلى السلم‪ ،‬وظهر‬
‫طليحة بن خويلد السدي ثم رجع إلى السلم‪ ،‬ثم ظهر المختار‪،‬‬
‫ومنهم الحارث الكذاب ظهر في خلفة عبد الملك بن مروان‪،‬‬
‫وخرج في خلفة بني العباس جماعة‪.‬‬
‫وظهر في العصر الحديث ميرزا أحمد القادياني بالهند‪ ،‬ول يزال‬
‫يظهر هؤلء الكذابون حتى يظهر آخرهم العور الدجال كما قال‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬وإنه والله ل تقوم الساعة حتى يخرج‬
‫ثلثون كذابا ً آخرهم العور الكذاب" ‪ -‬رواه أحمد‬
‫ومن هؤلء الكذابون أربع نسوة ‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"في أمتي كذابون ودجالون ستة وعشرون منهم أربع نسوة وإني‬
‫خاتم النبيين ل نبي بعدي" ‪ -‬رواه أحمد وصححه اللباني في‬
‫صحيح الجامع الصغير‪.‬‬
‫ظهور نار الحجاز‪:‬‬

‫‪69‬‬
‫ظهور نار الحجاز‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪ ":‬ل تقوم الساعة حتى تخرج نار من‬
‫أرض الحجاز تضيء أعناق البل ببصرى" ‪ -‬رواه البخاري‪.‬‬
‫وقد ظهرت هذه النار في منتصف القرن السابع الهجري في عام‬
‫‪ 654‬هـ‪ ،‬وكانت نارا ً عظيمة أفاض العلماء ممن عاصر ظهورها‬
‫ومن بعدهم بوصفها‪ ،‬قال النووي ‪ :‬خرجت في زماننا نار في‬
‫المدينة سنة أربع وخمسين وست مائة وكانت نارا ً عظيمة جداً‬
‫من جنب المدينة الشرقي وراء الحرة‪ ،‬وتواتر العلم بها عند جميع‬
‫الشام وسائر البلدان وأخبرني من حضرها من أهل المدينة‪.‬‬
‫ونقل ابن كثير أن غير واحد من العراب ممن كان بحاضرة‬
‫بصرى شاهدوا أعناق البل في ضوء هذه النار التي ظهرت من‬
‫أرض الحجاز‪ ،‬وذكر القرطبي في التذكرة أن هذه النار رئيت من‬
‫مكة ومن جبال بصرى‪.‬‬
‫فساد الخلق وضياع المانة‪:‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫ضيعت المانة فانتظر الساعة"‪.‬‬‫عليه وسلم ‪" :‬إذا ُ‬
‫قال ‪ :‬كيف إضاعتها يا رسول الله ؟‬
‫قال ‪ :‬إذا أسند المر إلى غير أهله فانتظر الساعة ‪ -‬رواه البخاري‬
‫ومن مظاهر تضييع المانة إسناد أمور الناس من إمارة وخلفة‬
‫وقضاء ووظائف إلى غير أهلها القادرين على تسييرها‪.‬‬
‫كثرة الشرطة وأعوان الظلمة‪:‬‬
‫فقد روى المام أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬يكون في هذه المة في آخر‬
‫الزمان رجال‪-‬أو قال‪-‬يخرج رجال من هذه المة في آخر الزمان‬
‫معهم سياط كأنها أذناب البقر ‪ ،‬يغدون في سخط الله ويروحون‬
‫في غضبه"‪.‬‬
‫وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ":‬صنفان من أهل النار لم‬
‫أرهما‪ ،‬قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون الناس"‬
‫انتشار الزنا‪:‬‬
‫ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن من أشراط الساعة ـ فذكر منها ـ‬
‫ويظهر الزنا"‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬والذي نفسي بيده ل تفنى هذه المة حتى يقوم‬
‫الرجل إلى المرأة فيفترشها في الطريق فيكون خيارهم يومئذ‬

‫‪70‬‬
‫من يقول لو واريتها وراء هذا الحائط" ‪ -‬رواه أبو يعلي وقال‬
‫الهيثمي‪ :‬ورجاله رجال الصحيح‪.‬‬
‫قال القرطبي ‪" :‬في هذا الحديث علم من أعلم النبوة إذا أخبر‬
‫عن أمور ستقع فوقعت خصوصا ً في هذه الزمان" أ هـ‪ ،‬فإذا كان‬
‫هذا في زمن القرطبي فهو في زمننا هذا أكثر ظهوراً‪.‬‬
‫الربا‪:‬‬
‫فعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أنه قال ‪" :‬بين يدي الساعة يظهر الربا"‪ -‬رواه الطبراني في‬
‫الترغيب والترهيب وقال المنذري رواته رواة الصحيح‪ .‬وهذا‬
‫الحديث ينطبق على كثير من المسلمين في هذا الزمن‪.‬‬
‫ظهور المعازف واستحللها‪:‬‬
‫فعن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ"‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬ومتى ذلك يا رسول الله ؟‬
‫قال‪" :‬إذا ظهرت المعازف والقينات" ‪ -‬رواه ابن ماجه ‪ ،‬وقال‬
‫اللباني صحيح‪ .‬وهذه العلمة قد وقع شيء كثير منها في السابق‬
‫وهي إلى الن أكثر ظهوراً‪.‬‬
‫كثرة شرب الخمر واستحللها‪:‬‬
‫فقد روى المام مسلم عن أنس رضي الله عنه قال ‪ :‬سمعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬من أشراط الساعة ـ‬
‫وذكر منها ـ ويشرب الخمر‪.‬‬
‫وروى المام أحمد عن عباده بن الصامت قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لتستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم‬
‫يسمونها إياه"‬
‫ارتفاع السافل‪:‬‬
‫فيكون أمر الناس بيد السفهاء والراذل‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي‬
‫الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‪" :‬إنها‬
‫ستأتي على الناس سنون خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها‬
‫الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها المين وينطق فيها‬
‫الرويبضة‪ ،‬قال‪ :‬السفيه يتكلم في أمر العامة" ‪ -‬رواه أحمد وقال‬
‫أحمد شاكر ‪ :‬إسناده حسن‪.‬‬
‫أن تكون التحية للمعرفة فقط‪:‬‬
‫فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وآله وسلم‪" :‬إن من أشراط الساعة أن يسلم الرجل على‬
‫الرجل ل يسلم عليه إل للمعرفة" ‪ -‬رواه أحمد‪ ،‬وقال أحمد‬
‫شاكر‪ :‬إسناده حسن‪.‬‬
‫ظهور الكاسيات العاريات‪:‬‬

‫‪71‬‬
‫فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال‪ :‬سمعت رسول الله‬
‫صلى الله عليه وآله وسلم يقول‪" :‬سيكون في آخر أمتي رجال‬
‫يركبون على سرج كأشباه الرحال ينزلون على أبواب المساجد‪،‬‬
‫نساؤهم كاسيات عاريات رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف‪،‬‬
‫العنوهن فإنهن ملعونات" ‪ -‬رواه أحمد وقال أحمد شاكر ‪ :‬إسناده‬
‫صحيح‪.‬‬
‫ومعنى كاسيات عاريات أي‪ :‬كاسية جسدها ولكنها تشد خمارها‬
‫وتضيق ثيابها حتى تظهر تفاصيل جسمها‪ ،‬أو تكشف بعض‬
‫جسدها‪ ،‬وهذا حادث‪.‬‬
‫كثرة الكذب وعدم التثبت في نقل الخبار‪:‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وآله وسلم‪":‬سيكون في آخر الزمان دجالون كذابون‬
‫يأتونكم من الحاديث ما لم تسمعوا أنتم ول آباؤكم ‪ ،‬فإياكم‬
‫وإياهم ل يضلونكم ول يفتنونكم" ‪ -‬رواه مسلم‪.‬‬
‫كثرة شهادة الزور وكتمان شهادة الحق‪:‬‬
‫فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وآله وسلم‪" :‬إن بين يدي الساعة شهادة الزور وكتمان‬
‫شهادة الحق" ‪ -‬رواه أحمد وقال أحمد شاكر‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫النفاق في العلئق وقطعية الرحام‪:‬‬
‫للحديث‪" :‬إذا الناس أظهروا العلم وضيعوا العمل‪ ،‬وتحابوا‬
‫باللسن وتباغضوا بالقلوب وتقاطعوا في الرحام لعنهم الله عند‬
‫ذلك فأصمهم وأعمى أبصارهم"‪ -‬ابن أبي الدنيا‪.‬‬
‫زخرفة المساجد والتباهي بها‪:‬‬
‫فقد روى المام أحمد عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪":‬ل تقوم الساعة حتى يتباهى الناس‬
‫في المساجد"‪.‬‬
‫التطاول في البنيان‪:‬‬
‫ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قال لجبريل عندما سأل عن وقت قيام الساعة‪:‬‬
‫"ولكن سأحدثك عن أشراطها ـ فذكر منها ـ وإذا تطاول رعاء‬
‫البهائم في البنيان فذاك من أشراطها"‪ ،‬وقد ظهر هذا في زماننا‬
‫جليا ً فتطاول الناس في البنيان وتفاخروا‪.‬‬
‫كثرة التجارة وفشوها بين الناس‪:‬‬
‫كثرة التجارة وفشوها بين الناس حتى تشارك المرأة فيها‪ ،‬فعن‬
‫عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و‬
‫آله وسلم قال‪" :‬بين يدي الساعة تسليم الخاصة وفشو التجارة‬

‫‪72‬‬
‫حتى تشارك المرأة زوجها في التجارة"‪ -‬رواه أحمد وقال أحمد‬
‫شاكر‪ :‬إسناده صحيح‪ ،‬وهذا الشرط واقع حادث‪.‬‬
‫كثرة الزلزل‪:‬‬
‫كثرة الزلزل‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وآله وسلم‪" :‬ل تقوم الساعة حتى تكثر‬
‫الزلزل" ‪ -‬رواه البخاري‪.‬‬
‫ذهاب بركة الوقات‪:‬‬
‫للحديث‪" :‬ل تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة‬
‫كالشهر‪ ،‬والشهر كالجمعة‪ ،‬وتكون الجمعة كاليوم‪ ،‬ويكون اليوم‬
‫كالساعة‪ ،‬وتكون الساعة كالضرمة بالنار"‪ -‬أخرجه الترمذي‪.‬‬
‫تداعى المم على أمة السلم‪:‬‬
‫وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا قائلً‪" :‬يوشك‬
‫ة على‬‫م من كل أفق كما تداعى الكل ُ‬ ‫أن تداعى عليكم الم ُ‬
‫قصعتها‪،‬‬
‫قال‪ :‬قلنا يا رسول الله أمن قلت بنا يومئذٍ؟‬
‫قال‪ :‬أنتم يومئذ ٍ كثيٌر ولكن تكونون غثاءً كغثاء السيل ينتزع‬
‫المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن‪،‬‬
‫قلنا وما الوهن؟‬
‫قال‪ :‬حب الدنيا وكراهية الموت" رواه أحمد في كتاب باقي‬
‫مسند النصار‪.‬‬
‫صدقت يا سيدي يا رسول الله فأصبحت المة السلمية الن‬
‫مطمعا ً لكل لئيم بعدما ترك المسلمون الجهاد و تكالبوا على‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫إخباره صلى الله عليه وسلم بأن خلفة النبوة ثلثون سنة‪:‬‬
‫عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬خلفة النبوة ثلثون سنة‪ ،‬ثم‬
‫يؤتي الله الملك من يشاء‪ .‬وفي رواية‪ :‬ثم تكون ملكًا‪ .‬أخرجه أبو‬
‫داود‪.‬‬
‫وقد وقع ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد كانت‬
‫خلفة أبي بكر رضي الله عنه سنتين وثلثة أشهر‪ ،‬وخلفة عمر‬
‫بن الخطاب رضي الله عنه عشر سنين وستة أشهر‪ ،‬وخلفة‬
‫عثمان بن عفان رضي الله عنه اثنتي عشرة سنة‪ ،‬وخلفة علي‬
‫بن أبي طالب رضي الله عنه أربع سنين وتسعة أشهر‪ ،‬يضاف‬
‫إليها ستة أشهر وهي مدة خلفة الحسن بن علي رضي الله‬
‫عنهما‪ ،‬فتصير ثلثين سنة؛ لن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫كانت في ربيع الول سنة إحدى عشر‪ ،‬وتنازل الحسن لمعاوية‬

‫‪73‬‬
‫رضي الله عنهما كان في ربيع الول سنة إحدى وأربعون من‬
‫الهجرة النبوية‪.‬‬
‫شفي وطال عمره كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال له‪" :‬لعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويستضر‬
‫بك آخرون"؛ وذلك أن سعدًا مرض بمكة‪ ،‬وكان يكره أن يموت‬
‫بالرض التي هاجر منها‪ ،‬واشتد مرضه حتى أشفى (أي أشرف‬
‫على الموت) فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده‪ ،‬ولم‬
‫يكن لسعد إل بنت‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله أوصي بمالي كله؟ قال‪:‬‬
‫ل‪ ،‬إلى أن قال‪ :‬فالشطر‪ ،‬قال‪ :‬ل‪ ،‬فقلت‪ :‬الثلث‪ ،‬قال‪ :‬الثلث‬
‫والثلث كثير‪ ،‬ثم قال له صلى الله عليه وسلم‪ :‬لعلك تخلف –أي‬
‫تعيش‪ -‬حتى ينتفع بك أقوام ويستضر بك آخرون"‪ ،‬فشفاه الله‬
‫سا‬
‫من ذلك المرض‪ ،‬وفتح الله العراق على يديه‪ ،‬وهدى الله به نا ً‬
‫من الكفار جاهدهم وقتل منهم وسبى‪ ،‬وكانت المدة التي عاش‬
‫فيها بعد ذلك المرض نحو خمسين سنة‪ .‬أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫إخباره صلى الله عليه وسلم الزبير بأنه سيقاتل عليًا‪:‬‬
‫لما دنا علي وأصحابه من طلحة والزبير ودنت الصفوف بعضها‬
‫من بعض‪ ،‬خرج علي رضي الله عنه وهو على بغلة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فنادى‪ :‬ادعوا لي الزبير بن العوام؛ فإني‬
‫علي‪ ،‬فدُعي له الزبير‪ ،‬فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابهما‪ ،‬فقال‬
‫علي‪ :‬يا زبير أنشدتك بالله أتذكر يوم مر بك رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ونحن في مكان كذا وكذا؟‬
‫فقال‪ :‬يا زبير تحب عليًا؟‬
‫فقلت‪ :‬أل أحب ابن خالي وابن عمي وعلى ديني‬
‫فقال‪ :‬يا علي أتحبه؟‬
‫فقلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أل أحب ابن عمتي وعلى ديني‬
‫فقال‪ :‬يا زبير‪ ،‬أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم‬
‫قال‪ :‬بلى‪ ،‬والله لقد نسيته منذ سمعته من قول رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ثم ذكرته الن‪ ،‬والله ل أقاتلك‪،‬‬
‫فرجع الزبير على دابته يشق الصفوف‪ ،‬فعرض له ابنه عبد الله‬
‫بن الزبير فقال‪ :‬مالك؟ فقال‪ :‬ذكرني علي حديثًا سمعته من‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول‪ :‬لتقاتلنه وأنت له‬
‫ظالم‪ ،‬فل أقاتله‬
‫قال‪ :‬وللقتال جئت! وإنما جئت تصلح بين الناس ويصله الله هذا‬
‫المر‬
‫قال‪ :‬قد حلفت أل أقاتله‬

‫‪74‬‬
‫قال‪ :‬فأعتق غلمك جرجس وقف حتى تصلح بين الناس‪ ،‬فأعتق‬
‫غلمه ووقف‪ ،‬فلما اختلف الناس ذهب على فرسه ‪ -‬صحيح‪،‬‬
‫أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي‪ ،‬والبيهقي في الدلئل‪.‬‬
‫إخباره صلى الله عليه وسلم أن عماًرا تقتله الفئة الباغية‪:‬‬
‫عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال لعمار‪ ":‬تقتلك الفئة الباغية"‪ .‬أخرجه الشيخان‪.‬‬
‫ومعلوم أن عماًرا رضي الله عنه كان في جيش علي يوم صفين‪،‬‬
‫وقتله أصحاب معاوية من أهل الشام‪ ،‬وكان الذي قتله رجل يقال‬
‫له أبو الفادية رجل من غوغاء الناس‪ ،‬وقيل‪ :‬قتله اثنان‪ :‬هذا‬
‫ويسار بن أزيهر الجهني من قضاعة‪.‬‬
‫إخباره صلى الله عليه وسلم أن آخر شربة لعمار مذقة لبن‪:‬‬
‫عن مولة لعمار رضي الله عنه قالت‪ :‬اشتكى عمار شكوى أرق‬
‫منها؟ فغشي عليه فأفاق ونحن نبكي حوله‪ ،‬فقال‪ :‬ما تبكون؟‬
‫أتخشون أن أموت على فراشي؟ أخبرني حبيبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أنه تقتلني الفئة الباغية‪ ،‬وأن آخر زادي من الدنيا مذقة‬
‫لبن‪.‬‬
‫وعن أبي البختري قال‪ :‬قال عمار يوم صفين‪ :‬ائتوني بشربة لبن‪،‬‬
‫فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬آخر شربة تشربها م‬
‫الدنيا شربة لبن"‪ ،‬فشربها ثم تقدم فقتل ‪ -‬أخرجه أحمد في‬
‫المسند‪ ،‬والحاكم في المستدرك‪.‬‬
‫إخباره صلى الله عليه وسلم عن مروق مارقة أثناء فرقة‪:‬‬
‫عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬تمرق مارقة عند فرقة المسلمين تقتلها أولى‬
‫الطائفتين بالحق" ‪ -‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫وهذه الفرقة هي الخوارج‪ ،‬وقد ظهرت أثناء القتال بين علي‬
‫ومعاوية رضي الله عنهما وقتلها أقرب الطائفتين إلى الحق‪ ،‬وهو‬
‫علي رضي الله عنه ومن معه‪.‬‬
‫إخباره صلى الله عليه وسلم عن أول أهله لحوقًا به‪:‬‬
‫عن عائشة رضي الله عنها قالت‪ :‬أقبلت فاطمة رضي الله عنها‬
‫تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬مرحبًا بابنتي‪ ،‬ثم أجلسها عن‬
‫يمينه أو عن شماله‪ ،‬ثم أسر إليها حديثًا فبكت‬
‫فقلت‪ :‬استخصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث ل ِ َ‬
‫م‬
‫تبكين؟‬
‫ثم أسر إليها حديثًا فضحكت‬
‫حا أقرب من حزن‪ ،‬فسألتها عما قال‬ ‫فقلت‪ :‬ما رأيت كاليوم فر ً‬
‫لها‬

‫‪75‬‬
‫فقالت‪ :‬ما كنت لفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫حتى إذا قبض سألتها فقالت‪ :‬إنه أسر إلي‪ :‬أن جبريل عليه‬
‫السلم كان يعارضني بالقرآن كل سنة مرة‪ ،‬وإنه عارضني به‬
‫العام مرتين‪ ،‬ول أراه إل حضر أجلي‪ ،‬وإنك أول أهل بيتي لحوقًا‬
‫بي‪ ،‬ونعم السلف أنا لك‪ ،‬فبكيت لذلك‪ ،‬ثم قال‪ :‬أل ترضين أن‬
‫تكوني سيدة نساء هذه المة أو نساء المؤمنين؟ فضحكت‪.‬‬
‫ول جدال أنها كانت أول أهله لحوقًا به صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫واختلف في مدة مكثا بعده؛ فقيل‪ :‬مكثت شهرين‪ ،‬وقيل‪ :‬ثلثة‬
‫أشهر‪ ،‬وقيل‪ :‬ستة أشهر‪ ،‬وقيل‪ :‬ثمانية أشهر‪ ،‬وأصح الروايات‪:‬‬
‫أنها ستة أشهر‪.‬‬
‫إخباره صلى الله عليه وسلم عن أسرع أزواجه لحوقًا به‪:‬‬
‫عن عائشة رضي الله عنها قالت‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬أسرعكن لحوقًا بي أطولكن يدًا"‪ .‬قالت‪ :‬فكن يتطاولن‬
‫أيهن أطول يدًا‪ ،‬قالت‪ :‬فكانت زينب أطولنا يدًا لنها كانت تعمل‬
‫بيدها وتتصدق‪ .‬صحيح‪ ،‬أخرجه مسلم وغيره‪.‬‬
‫إخباره صلى الله عليه وسلم أم ورقة بأنها شهيدة‪:‬‬
‫عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث رضي الله عنها‪ ،‬وكان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة‬
‫وكانت قد جمعت القرآن وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫حين غزا بدًرا‬
‫قالت‪ :‬تأذن لي فأخرج معك أداوي جرحاكم وأمرض مرضاكم‬
‫لعل الله تعالى يهدي لي الشهادة؟‬
‫قال‪ :‬إن الله تعالى مهد لك الشهادة‪ ،‬فكان يسميها الشهيدة‬
‫وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرها أن تؤم أهل دارها‬
‫وأنها غمتها جارية لها وغلم كانت قد دبرتهما فقتلها في إمارة‬
‫عمر فقيل‪ :‬إن أم ورقة قتلتها جاريتها وغلمها وأنهما هربا‪ ،‬فأتي‬
‫بهما فصلبهما فكانا أول مصلوبين في المدينة‪ ،‬فقال عمر رضي‬
‫الله عنه‪ :‬صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول‪:‬‬
‫انطلقوا نزور الشهيدة‪ .‬أخرجه المام أحمد والبيهقي‪.‬‬
‫إخباره صلى الله عليه وسلم عن موقع الفتن‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪":‬اليمان يمان‪ ،‬والفتنة ها هنا‪ ،‬ها هنا يطلع قرن الشيطان" ‪-‬‬
‫أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وقد وقع المر كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ فخرجت‬
‫الفتنة من العراق ومن نجد وما حولهما‪.‬‬
‫إخباره صلى الله عليه وسلم عن الغزوة الولى في البحر‪:‬‬

‫‪76‬‬
‫عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان‬
‫يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه‪ ،‬وكانت تحت عبادة بن‬
‫ما فأطعمته ثم جلست تفلي رأسه‪ ،‬فنام‬ ‫الصامت‪ ،‬فدخل عليها يو ً‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫فقلت‪ :‬ما يضحكك يا رسول الله؟‬
‫قال‪" :‬ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون‬
‫ثبج هذا البحر (أي ظهره أو وسطه)‪ ،‬ملوكًا على السرة‪ ،‬أو مثل‬
‫الملوك على السرة"‬
‫فقلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬ادع الله أن يجعلني منهم‪ ،‬فدعا لها‪ ،‬ثم‬
‫وضع رأسه فنام‪ ،‬ثم استيقظ وهو يضحك‬
‫قالت‪ :‬فقلت‪ :‬ما يضحكك يا رسول الله؟‬
‫قال‪" :‬ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله‪ ،‬كما قال‬
‫في الولى‬
‫قالت‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬ادع الله أن يجعلني منهم‬
‫فقال‪ :‬أنت من الولين‬
‫قال‪ :‬فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمان معاوية‬
‫فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت‪ .‬أخرجه‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وقد وقعت هذه الغزوة سنة سبع وعشرين في زمان عثمان‬
‫رضي الله عنه بقيادة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما‪.‬‬
‫مقتل الحسين‪:‬‬
‫وذلك يم عاشوراء سنة إحدى وستين‪ .‬عن عائشة رضي الله عنها‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬يا عائشة إن جبريل أخبرني‬
‫أن ابني الحسين مقتول في أرض الطف وإن أمتي ستفترق‬
‫بعدي"‪ .‬حسن‪ ،‬أخرجه الطبراني‪.‬‬
‫عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬رأيت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم نصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم يلتقطه‬
‫ويتتبعه فيها‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬ما هذا؟‬
‫قال‪" :‬دم الحسين وأصحابه لم أزل أتبعه منذ اليوم"‪.‬‬
‫قال عمار بن أبي عمار الراوي عن ابن عباس‪ :‬فحفظنا ذلك‬
‫اليوم فوجدناه قتل ذلك اليوم‪ ،‬قلت‪ :‬يعني العاشر من محرم‬
‫(عاشوراء) سنة إحدى وستين‪.‬‬
‫ولية اثنا عشر خليفة كلهم من قريش‪:‬‬
‫عن جابر بن سمرة قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول‪ :‬يكون اثنا عشر خليفة‪ ،‬ثم قال كلمة لم أسمعها‬
‫فقلت لبي‪ :‬ما قال؟ قال‪ :‬كلهم من قريش‪.‬‬
‫أخرجه البخاري‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫إلى هذه اللحظة المدينة لم يدخلها الطاعون‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬على أنقاب المدينة ملئكة‪ ،‬ل يدخلها الطاعون ول‬
‫الدجال‪ .‬أخرجه الشيخان‪.‬‬
‫وقد وقع ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فحتى الن لم‬
‫نسمع بدخول الطاعون المدينة‪.‬‬
‫وصول مساكن المدينة إلى أهاب‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬تبلغ المساكن أهاب أو يهاب‪ ،‬قال زهير‪ :‬قلت‬
‫لسهيل‪ ،‬أحد الرواة‪ :‬فكم ذاك من المدينة؟ قال‪ :‬كذا وكذا ميلً‪.‬‬
‫صحيح‪ ،‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫وقد وصلت مساكن المدينة أبعد من المدينة عددًا من الميال‪.‬‬
‫ظهور التتار‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬ل تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوًزا وكرمان من العاجم‪،‬‬
‫حمر الوجوه فطس النوف صغار العين‪ ،‬وجوههم المجان‬
‫جن وهو الترس‪ ،‬والمطرقة التي قد‬ ‫م َ‬
‫المطرقة (المجان‪ :‬جمع ِ‬
‫عوليت بطراق وهو الجلد الذي يغشاه‪ ،‬وقيل‪ :‬التي يطرق بعضها‬
‫على بعض‪ ،‬كالنعل المطرق المخصوفة)‪ ،‬نعالهم الشعر ( أي‬
‫يصنعون من الشعر حبال ً و يصنعون منها نعالً)‪.‬‬
‫أخرجه البخاري‪.‬‬
‫وقد جاء التتار (المغول) إلى بلد السلم في القرن السابع‬
‫الهجري‪ ،‬فاجتاحوا ديار السلم وقتلوا مئات اللوف وهدموا‬
‫البيوت والقصور‪ ،‬وأذاعوا الفسق في كل مكان‪ ،‬وقتلوا المراء‬
‫والسلطين‪ ،‬وأزالوا الخلفة العباسية خلفة الظهور‪ ،‬وخرجوا من‬
‫بلد إلى بلد ليقضوا على العلم والنور‪ ،‬ثم كانت هزيمتهم على يد‬
‫المسلمين تحت قيادة سلطان مصر قطز‪.‬‬
‫وبلغ البناء سل ًعا‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبي ذر‪ :‬إذا بلغ البناء سلعًا‬
‫فاخرج منها‪ ،‬فلما بلغ البناء سلعًا خرج أبو ذر رضي الله عنه إلى‬
‫الربذة (على بعد أميال من المدينة) استجابة لم سول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬ل أنه خرج مطرودًا منفيًا من جانب عثمان‬
‫رضي الله عنه كما يزعم الرافضة والمستشرقون اعتمادًا على‬
‫روايات باطلة وأخبار واهية وفهم سقيم وسوء نية وفساد طوية‪.‬‬
‫وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج من المدينة إذا بلغ‬
‫البناء سلعًا لما كان يخشى عليه ولما كان يعلم من حاله من‬
‫مبالغة في الزهد وأخذ بالعزيمة وجبر الناس عليها‪ ،‬وتم المر كما‬

‫‪78‬‬
‫أخبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعندما زادت الموال في عصر‬
‫عثمان رضي الله عنه‪ ،‬وسارع الناس إلى جمع الثروات وبناء‬
‫المساكن وشراء الراضي‪ ،‬خرج أبو ذر يطالبهم بإنفاق أموالهم‬
‫والكتفاء بما يسد حاجتهم منها‪ ،‬واستغل عبد الله بن سبأ‬
‫اليهودي‪ ،‬كعادة اليهود‪ ،‬هذا ا لرأي استغلل ً مدمًرا؛ فأشعل نار‬
‫الفتنة بين الصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬ووقعت الفتنة الكبرى‪.‬‬
‫أخرجه الطبري في تاريخه‪ ،‬وساقها الذهبي في سير أعلم‬
‫النبلء‪ ،‬وقال المحقق‪ :‬رجاله ثقات‪.‬‬
‫أبو ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده‪ ،‬ووقع المر كما‬
‫حكى سيد البشر‪:‬‬
‫عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪ :‬لما سار رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم إلى تبوك جعل ل يزال الرجل يتخلف‬
‫فيقولون‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬تخلف فلن‪ ،‬فيقول‪ :‬دعوه‪ ،‬إن يك فيه‬
‫خير فسيلحقه الله بكم‪ ،‬وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه‪،‬‬
‫حتى قيل‪ :‬يا رسول الله! تلف أبو ذر وأبطأ به بعيره‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫دعوه‪ ،‬إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم‪ ،‬وإن يك غير ذلك فقد‬
‫أراحكم الله منه‪ ،‬فتلوم أبو ذر بعيره فلما أبطأ عليه أخذ متاعه‬
‫فجعله على ظهره‪ ،‬ثم خرج يتبع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ماشيًا‪ ،‬ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض‬
‫منازله ونظر ناظر من المسلمين فقال‪ :‬يا رسول الله! إن هذا‬
‫الرجل ماشي على الطريق‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬كن أبا ذر‪ ،‬فلما تأمله القوم قالوا‪ :‬يا رسول الله! هو والله‬
‫أبو ذر‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬يرحم الله أبا ذر‪،‬‬
‫يمشي وحده‪ ،‬ويموت وحده‪ ،‬ويبعث وحده‪ .‬قال‪ :‬فضرب الدهر‬
‫ضربه (أي مرت اليام) وسار أبو ذر إلى الربذة‪ ،‬فلما حضره‬
‫الموت أوصى امرأته وغلمه فقال‪ :‬إذا مت فاغسلني وكفناني‬
‫من الليل ثم ضعاني على قارعة الطريق‪ ،‬فأول ركب يمرون بكم‬
‫فقول‪ :‬هذا أبو ذر‪ ،‬فلما مات فعلوا به كذلك‪ ،‬فاطلع ركب فما‬
‫علموا به حتى كادت ركابهم تطأ سريره‪ ،‬فإذا ابن مسعود في‬
‫رهط من أهل الكوفة فقال‪ :‬ما هذا؟ فقيل‪ :‬جنازة أبي ذر‪،‬‬
‫فاستهل ابن مسعود يبكي‪ ،‬وقال‪ :‬صدق رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ :‬يرحم الله أبا ذر‪ ،‬يمشي وحده‪ ،‬ويموت وحده‪،‬‬
‫ويبعث وحده‪ .‬فنزل فوليه بنفسه حتى أجنه (دفنه وأقبره)‪.‬‬
‫حسن‪ :‬أخرجه ابن إسحاق‪ ،‬وإسناده حسن كما قال ابن كثير في‬
‫البداية‪.‬‬
‫عثمان تصيبه البلوى‪:‬‬

‫‪79‬‬
‫عن أبي موسى رضي الله عنه قال‪ :‬توضأت في بيتي ثم خرجت‬
‫فقلت‪ :‬لكونن اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فجئت‬
‫المسجد فسألت عنه فقالوا‪ :‬خرج وتوجه هاهنا‪ ،‬فخرجت في‬
‫أثره حتى جئت بئر أريس‪ ،‬وما بها من جريد‪ ،‬فمكثت عند بابها‬
‫حتى علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قضى حاجته‬
‫وجلس‪ ،‬فجئته فسلمت عليه‪ ،‬فإذا هو قد جلس على قف بئر‬
‫أريس فتوسطه ثم دلى رجليه في البئر وكشف عن ساقيه‪،‬‬
‫فرجعت إلى الباب وقلت‪ :‬لكونن بواب رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فلم أنشب أن دق الباب‪ ،‬فقلت‪ :‬من هذا؟ قال‪ :‬أبو‬
‫بكر‪ ،‬قلت‪ :‬على رسلك‪ ،‬وذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فقلت‪ :‬يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن‪ ،‬فقال‪ :‬ائذن له وبشره‬
‫بالجنة‪ ،‬قال‪ :‬فخرجت مسرع ًا حتى قلت لبي بكر‪ :‬ادخل ورسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة‪ ،‬قال‪ :‬فدخل حتى جلس‬
‫إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم في القف على يمينه ودلى‬
‫رجليه وكشف عن ساقيه كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثم رجعت وقد كنت تركت أخي يتوضأ‪ ،‬وقد كان قال لي‪ :‬أنا‬
‫على إثرك‪ ،‬فقلت‪ :‬إن يرد الله بفلن خيًرا يأت به‪ .‬قال‪ :‬فسمعت‬
‫تحريك الباب فقلت‪ :‬من هذا؟ قال‪ :‬عمر‪ ،‬قلت‪ :‬على رسلك‪،‬‬
‫قال‪ :‬وجئت النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه وأخبرته‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ائذن له وبشره بالجنة‪ ،‬قال‪ :‬فجئت وأذنت له وقلت له‪:‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة‪ ،‬قال‪ :‬فدخل‬
‫حتى جس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على يساره‬
‫وكشف عن ساقيه ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وأبو بكر‪ ،‬قال‪ :‬ثم رجعت فقلت‪ :‬إن يرد الله‬
‫بفلن خيًرا يأت به‪ ،‬يريد أخاه‪ ،‬فإذا تحريك الباب‪ ،‬فقلت‪ :‬من؟‬
‫قال‪ :‬عثمان بن عفان‪ ،‬قلت‪ :‬على رسلك‪ ،‬وذهبت إلى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فقلت‪ :‬هذا عثمان يستأذن‪ ،‬فقال‪ :‬ائذن له‬
‫وبشره بالجنة على بلوى تصيبه‪ ،‬قال‪ :‬فجئت فقلت‪ :‬رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يأذن لك ويبشرك بالجنة على بلوى أو بلء‬
‫يصيبك‪ ،‬فدخل وهو يقول‪ :‬الله المستعان‪ ،‬فلم يجد في القف‬
‫سا فجلس وجاههم من شق البئر وكشف عن ساقيه ودلهما‬ ‫مجل ً‬
‫في البئر كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأبو بكر‬
‫وعمر رضي الله عنهما‪ .‬أخرجه الشيخان‪.‬‬
‫قال سعد بن المسيب‪ :‬فأولتها قبورهم؛ اجتمعت وانفرد عثمان‪.‬‬
‫وهذا البلء الذي أصاب عثمان رضي الله عنه هو ما وقع من قتله‬
‫وحصره ومنع الماء عنه‪ ،‬على يد رعاع أهل المصار ومن دبر هذه‬
‫صا عبد الله بن سبأ‬
‫المكيدة وخطط لها وأشعلها من اليهود خصو ً‬

‫‪80‬‬
‫اليهودي المعروف بابن السوداء لعنه الله‪ ،‬وبعد أن قتلوه ألقوه‬
‫على الطريق أياًما ل يصلى عليه ول يلتفت إليه‪ ،‬حتى غُسل بعد‬
‫صلي عليه ودُفن بحش كوكب‪ ،‬بستان في طريق البقيع‪.‬‬ ‫ذلك و ُ‬
‫وقد بلغ هؤلء القتلة الخونة الفجرة من الخسة والدناءة والوقاحة‬
‫ما ل يخطر على بال؛ حين قتلوه‪ ،‬رضي الله عنه‪ ،‬وهو يقرأ‬
‫القرآن‪ ،‬فتقدم أحدهم عليه فركل المصحف برجله‪.‬‬
‫ضا‪:‬‬
‫قتل المسلمين بعضهم بع ً‬
‫عن أبي موسى قال‪ :‬حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫جا‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬ما الهرج؟‬ ‫"إن بين الساعة لهر ً‬
‫قال‪ :‬القتل القتل‪ ،‬فقال بعض المسلمين‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إنا نقتل‬
‫الن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا‪ ،‬فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬ليس بقتل المشركين ولكن بقتل بعضكم‬
‫ضا‪ ،‬حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته"‪.‬صحيح‪:‬‬ ‫بع ً‬
‫أخرجه ابن ماجه‪.‬‬
‫وفي رواية‪" :‬إذا تواجه المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في‬
‫النار"‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول الله! هذا القاتل‪ ،‬فما بال المقتول؟ قال‪:‬‬
‫"إنه أراد قتل صاحبه"‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫هيمنة المة السلمية على العالم‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن الله زوى لي الرض‬
‫فرأيت مشارقها ومغاربها‪ ،‬وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي‬
‫منها"‪ .‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫وقد حدث هذا في أيام الصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬قبل نهاية‬
‫القرن الهجري الول؛ حيث سيطر المسلمون على قارات العالم‬
‫الثلث‪ :‬آسيا وأفريقيا وأوروبا‪ ،‬وزالت إمبراطورتا الفرس والروم‪.‬‬
‫أخذ المة السلمية بأخذ القرون قبلها‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬ل تقوم الساعة حتى تأخذ‬
‫أمتي بأخذ القرون قبلها شبًرا بشبر وذراع ًا بذراع‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول‬
‫الله! كفارس والروم؟ قال‪ :‬ومن الناس إل أولئك"‪ .‬رواه البخاري‬
‫عن أبي هريرة‪.‬‬
‫وقد سارت المة على مناهج الشرق الملحد والغرب الكافر‪،‬‬
‫وجربت الشرق مرات وجربت الغرب مئات المرات‪ ،‬وأبت أن‬
‫تسير على منهج الله تعالى مرة واحدة‪.‬‬
‫تبرج النساء‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬صنفان من أهل النار لم‬
‫أرهما بعد‪ ،‬قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس‪،‬‬
‫ونساء كاسيات عاريات مميلت مائلت‪ ،‬رؤوسهن كأسنمة البخت‬

‫‪81‬‬
‫المائلة‪ ،‬ل يدخلن الجنة ول يجدن ريحها‪ ،‬وإن ريحها ليوجد من‬
‫مسيرة كذا وكذا"‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬
‫أذناب البقر‪ :‬ذيول‪.‬‬
‫كاسيات عاريات‪ :‬كاسيات من نعمة الله عاريات عن شكرها‪ ،‬أو‬
‫كاسيات بعض العضاء عاريات البعض الخر‪ ،‬أو كاسيات في‬
‫الظاهر عاريات في الحقيقة لشفافية الثياب‪.‬‬
‫مميلت مائلت‪ :‬أي يمشين المشية الميلء ذات التبختر‬
‫والكبرياء‪ ،‬ويعلمن غيرهن هذا الصنيع‪.‬‬
‫رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة‪ :‬يعظمن ويكبرن رؤوسهن‬
‫كأسنمة البل‪.‬‬
‫ظهور أقوام يغيرون شعرهم باللون السود‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬يكون في آخر الزمان‬
‫قوم يخضبون بالسواد كحواصل الحمام ل يريحون رائحة الجنة"‪.‬‬
‫حديث صحيح‪ :‬رواه أبو داود والنسائي عن ابن عباس‪.‬‬
‫أي أن هؤلء القوم يغيرون شعرهم وشيبهم بالسواد كما يفعل‬
‫في عصرنا‪.‬‬
‫إنكار السنة النبوية المطهرة‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬يوشك أن يقعد الرجل‬
‫متكئًا على أريكته‪ ،‬يحدث بحديث من حديثي‪ ،‬فيقول‪ :‬بيننا وبينكم‬
‫كتاب الله‪ ،‬فما وجدنا فيه من حلل استحللناه‪ ،‬وما وجدنا فيه من‬
‫حرام حرمناه"‪ .‬أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه اللباني‪.‬‬
‫ظهرت في هذه اليام جماعة يسمون أنفسهم القرآنيون‪،‬‬
‫يقرءون القرآن الكريم وينكرون السنة النبوية بالكلية‪ ،‬والحق‬
‫أنهم منكرون للقرآن الكريم قبل إنكار السنة؛ فمنكر السنة منكر‬
‫للقرآن بل ريب؛ إذ كيف يصلي وكم صلة يصليها‪ ،‬وما أركان‬
‫الصلة‪ ،‬وما سننها ومبطلتها؟ وكيف يزكي وكيف يصوم وكيف‬
‫يحج؟ وأنكر بعض المعاصرين السنة القولية‪ ،‬وأقر السنة العملية‪.‬‬
‫وأنكر بعض المعاصرين ممن ليس لهم اختصاص بالسنة أحاديث‬
‫الشفاعة‪ ،‬وأولوا اليات القرآنية الصريحة في الشفاعة‪ ،‬والبعض‬
‫الن يتكئ على أريكته وينفخ أوداجه ثم يضعف أحاديث الشيخين‬
‫البخاري ومسلم التي أجمعت المة على صحتها‪.‬‬
‫قوله صلى الله عليه وسلم إن البراء لو أقسم على الله لبره‪:‬‬
‫عن أنس رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫خلِقين)‬‫وسلم‪ :‬كم من ضعيف مستضعِّف ذي طمرين (أي ثوبين َ‬
‫لو أقسم على الله لبَّره‪ ،‬منهم البراء بن مالك"‪ .‬حسن‪ :‬رواه‬
‫الترمذي والحاكم والبيهقي‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫وإن البراء لقي زحفًا من المشركين فقالوا‪ :‬يا براء إن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬لو أقسمت على الله لبَّرك‪ ،‬فأقسم‬
‫منحوا‬ ‫على ربك‪ ،‬قال‪ :‬أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم‪ ،‬ف ُ‬
‫أكتافهم‪ ،‬ثم التقوا على قنطرة السوس‪ ،‬فأوجعوا في المسلمين‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬أقسم يا براء على ربك‬
‫قال‪ :‬أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم‪ ،‬وألحقني بنبيك‪ ،‬ثم‬
‫حملوا فانهزم الفرس وقُتل البراء شهيدًا‪ .‬وكان قتل البراء شهيدًا‬
‫يوم تستر في عهد عمر رضي الله عنه‪.‬‬
‫إشارته صلى الله عليه وسلم إلى أن الخليفة من بعده أبو بكر ثم‬
‫عمر‪ ،‬وإشارته إلى قصر خلفة الصديق وطول خلفة الفاروق‪:‬‬
‫عن حذيفة بن اليمان قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬اقتدوا بالذين من بعدي‪ ،‬أبي بكر وعمر رضي الله‬
‫عنهما"‪ .‬حسن‪ ،‬أخرجه الترمذي‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬بينا أنا نائم رأيتني على قليب‪ ،‬فنزعت منها ما شاء‬
‫الله‪ ،‬ثم أخذها ابن أبي قحافة‪ ،‬فنزع منها ذنوبًا أو ذنوبين‪ ،‬وفي‬
‫نزعه ضعف والله يغفر له‪ ،‬ثم أخذها ابن الخطاب فاستحالت‬
‫غْربًا (أي الدلو العظيمة‪ ،‬وهذا تمثيل معناه أن الفتوحات كانت‬
‫في زمن عمر أكثر)‪ ،‬فلم أر عبقريًا (العبقري هو سيد القوم‬
‫وكبيرهم) من الناس يفري فريه (يعمل عمله ويقطع قطعه)‪،‬‬
‫حتى ضرب الناس بعطن (العطن‪ :‬مبارك البل نحو الماء)‪.‬‬
‫أخرجه البخاري‪.‬‬
‫إخباره صلى الله عليه وسلم عن قتل مسيلمة الكذاب‪:‬‬
‫عن ابن عباس قال‪ :‬قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم المدينة‪ ،‬فجعل يقول‪ :‬إن جعل لي محمد‬
‫المر من بعده تبعته‪ ،‬وقدمها في بشر كثير من قومه‪ ،‬فأقبل‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس‪،‬‬
‫وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم قطعة جريد حتى وقف على‬
‫مسيلمة في أصحابه‪ ،‬فقال‪" :‬إن سألتني هذه القطعة ما‬
‫أعطيتكها‪ ،‬ولن تعدو أمر الله فيك‪ ،‬ولئن أدبرت ليعقرنك الله‪،‬‬
‫وإني أراك الذي أريت فيه ما أريت وهذا ثابت بن قي يجيبك‬
‫عني‪ ،‬ثم انصرف‪.‬‬
‫قال ابن عباس‪ :‬فسألت عن قول النبي صلى الله عليه وسلم "‬
‫إنك الذي أريت فيه ما أريت "‪ ،‬فأخبرني أبو هريرة أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين‬
‫من ذهب‪ ،‬فأهمني شأنهما‪ ،‬فأوحي إلي في المنام أن أنفخهما‬
‫فنفختهما فطارا‪ ،‬فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي‪ ،‬فهذان هما‬

‫‪83‬‬
‫أحدهما العنسي صاحب صنعاء‪ ،‬والخر مسيلمة الكذاب صاحب‬
‫اليمامة"‪ .‬أخرجه البخاري‪ ،‬ومسلم في الرؤية‪.‬‬
‫إسلم أهل اليمن قبل أهل الشام‪:‬‬
‫عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال‪ :‬نظر رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قِبَل اليمن (أي تجاهها وناحيتها) فقال‪ :‬اللهم أقبل‬
‫بقلوبهم‪ ،‬ثم نظر قِبَل الشام فقال‪ :‬اللهم أقبل بقلوبهم‪ ،‬ثم نظر‬
‫مدان‪،‬‬‫قِبَل العراق فقال‪ :‬وبارك لنا في صاعنا ومدنا (الصاع‪ُ :‬‬
‫والمد حفنة بيد الرجل المتوسط)‬
‫قال ابن كثير‪ :‬وهكذا وقع المر‪ ،‬أسلم أهل اليمن قبل أهل‬
‫الشام‪ ،‬ثم كان الخير والبركة قِبَل العراق‪ ،‬ووعد أهل الشام‬
‫بالدوام على الهداية والقيام بنصرة الدين إلى آخر المر‪.‬‬
‫إعلمه صلى الله عليه وسلم بمواقيت الحج‪:‬‬
‫عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬وقت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم لهل المدينة ذا الحليفة (موضع بينه وبين مكة ‪450‬‬
‫كيلو متر يقع في شمالها)‪ ،‬ولهل الشام الجحفة (موضع غي‬
‫الشمال الغربي من مكة بينه وبينها ‪ 187‬كيلومتر‪ ،‬وهي قرية من‬
‫رابغ‪ ،‬ورابغ بينها وبين مكة ‪ 204‬كيلومتر‪ ،‬وقد صارت رابغ ميقات‬
‫جحفة)‪،‬‬ ‫أهل مصر والشام ومن يمر عليها‪ ،‬بعد ذهاب معالم ُ‬
‫ولهل نجد قرن المنازل (جبل شرقي مكة يطل على عرفات‪،‬‬
‫بينه وبين مكة ‪ 94‬كيلومتر)‪ ،‬ولهل اليمن يلملم (جبل يقع جنوب‬
‫مكة‪ ،‬بينه وبينها ‪ 54‬كيلومتر)‪ ،‬ولهل العراق ذات عرق (موضع في‬
‫الشمال الشرقي لمكة‪ ،‬بينه وبينها ‪ 94‬كيلومتر)‪ ،‬وقال‪" :‬هن لهن‬
‫ولمن أتى عليهن من غير أهلهن"‪ .‬أخرجه الشيخان‪.‬‬
‫ولم تكن هذه البلد قد فتحت كلها بعد‪ ،‬ثم مرت اليام وفتحت‬
‫هذه البلد في عهد الصديق والفاروق رضي الله عنهما‪.‬‬
‫أصابه العمى كما قال النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫عن زيد بن أرقم‪ ،‬رضي الله عنه‪ ،‬أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫دخل عليه يعوده من مرض كان به‪ ،‬فقال‪" :‬ليس عليك من‬
‫مرضك هذا بأس‪ ،‬ولكن كيف بك إذا عمرت بعدي فعميت؟" قال‪:‬‬
‫إذ ًا أصبر وأحتسب‪ ،‬قال‪" :‬إذ ًا تدخل الجنة بغير حساب"‪ ،‬فعمي‬
‫بعد ممات النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬أخرجه أبو داود‪ ،‬وأحمد‪،‬‬
‫والحاكم‪ ،‬وابن عساكر في تاريخه واللفظ له‪ ،‬والبيهقي في دلئل‬
‫النبوة‪.‬‬
‫وعنه قال‪ :‬رمدت عيني‪ ،‬فعادني النبي صلى الله عليه وسلم ثم‬
‫قال‪" :‬يا زيد‪ ،‬لو أن عينك لما بها كيف كنت تصنع؟" قال‪ :‬كنت‬
‫أصبر وأحتسب‪ ،‬قال‪" :‬لو أن عينك لما بها ثم صبرت واحتسبت‬
‫كان ثوابك الجنة"‪ .‬أخرجه البخاري في الدب‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫كثرة عدد النصارى‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل تقوم الساعة حتى‬
‫تكون الروم أكثر أهل الرض"‪ .‬صحيح‪ :‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫ونحن الن في العقد الول من القرن الحادي والعشرين‪،‬‬
‫والنصارى يبلغون أكثر من ثلث سكان العالم‪ ،‬ول تبلغ أمة من‬
‫المم عدد أمة الروم‪ .‬أما المسلمون فعددهم الن مليار وثلث‪،‬‬
‫وهذا يزيد قليل عن خمس سكان العالم‪.‬‬
‫الحديث في المساجد في الدنيا‪:‬‬
‫عن الحسن البصري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫"يأتي على الناس زمان يكون حديثهم في مساجدهم في أمر‬
‫دنياهم فل تجالسوهم فليس لله فيهم حاجة"‪ .‬أخرجه البيهقي في‬
‫الشعب عن الحسن مرسلً‪.‬‬
‫وهذا كثير في المساجد الن سيما من خدم المسجد والمسئولين‬
‫عن إدارته يحولون المساجد إلى مجلس للدنيا والطعام‬
‫والشراب‪.‬‬
‫مقاطعة العالم للعراق‪:‬‬
‫عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"منعت العراق درهمها وقفيزها‪ ،‬ومنعت الشام مديها ودينارها‪،‬‬
‫ومنعت مصر إردبها ودينارها‪ .‬وعدتم من حيث بدأتم‪ ،‬وعدتم من‬
‫حيث بدأتم‪ ،‬وعدتم من حيث بدأتم"‪ .‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫سا عند جابر بن عبد الله فقال‪:‬‬ ‫وعن أبي نضيرة قال‪ :‬كنا جلو ً‬
‫يوشك أهل العراق أن ل يجيء إليهم قفيز (مكيال العراق) ول‬
‫درهم‪ ،‬قلنا‪ :‬من أين؟ قال‪ :‬من قِبَل العجم (غير العرب)‪ ،‬يمنعون‬
‫ذلك‪ ،‬ثم قال‪ :‬يوشك أهل الشام أن ل يجيء إليهم دينار ول مدى‪،‬‬
‫قلنا‪ :‬من أين ذلك؟ قال‪ :‬من قِبَل الروم (النصارى)‪ ،‬ثم أسكت‬
‫هنية‪ .‬ثم قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يكون في‬
‫آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا‪ .‬ل يعده عددا"‪ .‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫أما قطع المعونات عن العراق فهذا حدث منذ احتلل العراق‬
‫للكويت سنة ‪1991‬م‪ ،‬وأما قطع الموال من بلد الشام (سوريا‪-‬‬
‫لبنان‪ -‬فلسطين‪ -‬الردن) فلم يحدث بعد والن تستعد أمريكا‬
‫لتنفيذ المقاطعة ضد سوريا‪.‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫‪ .12‬إخباره صلى الله عليه وسلم عن المغيبات (‪)3‬‬
‫ثالثًا‪ :‬نبوءات أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم في المستقبل‬
‫لم يتحقق بعد‪:‬‬
‫ظهور السلم‪:‬‬

‫‪85‬‬
‫في الحديث الذي رواه المام أحمد من حديث حذيفـة بن اليمان‬
‫وهو حديث صحيح أن النبي قال‪" :‬تكون النبوة فيكم ما شاء الله‬
‫أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها‪ ،‬ثم تكون خلفة على‬
‫منهاج النبوة‪ ،‬فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون‪ ،‬ثم يرفعها الله‬
‫إذا شاء أن يرفعها‪ ،‬ثم تكون ملكا ً عاضاً‪ ،‬فتكون فيكم ما شاء الله‬
‫أن تكون‪ ،‬ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا ً جبرياً‬
‫فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن‬
‫يرفعها‪ ،‬ثم تكون خلفة على منهاج النبوة" ‪ -‬رواه أحمد في‬
‫المسند (‪ )273 /4‬وصححه اللباني في الصحيحة رقم ‪. 5‬‬
‫وفى الحديث الذي رواه مسلم من حديث ثوبان أن الصادق‬
‫المصدوق قال‪" :‬إن الله تعالى زوى لي الرض فرأيت مشارقها‬
‫ومغاربها‪ ،‬وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها"‪.‬‬
‫الرسول وهو في أحلك الزمـات والوقات وهو يُطـارد‪ ،‬وأصحابه‬
‫ن هذا المر حتى‬ ‫ت‪" :‬والله لَيُت ِ َّ‬
‫م َّ‬ ‫مهاجرون يقول لخباب بن الر ّ‬
‫يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ل يخاف إل الله والذئب‬
‫على غنمه"‪.‬‬
‫قبض العلم وظهور الجهل‪:‬‬
‫فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت‬
‫الجهل" ‪ -‬رواه البخاري ومسلم‪ ،‬وقبض العلم بقبض العلماء‪ ،‬قال‬
‫النووي رحمه الله‪( :‬هذا الحديث يبين أن المراد بقبض العلم في‬
‫الحاديث السابقة المطلقة ليس هو محوه من صدور حفاظه‬
‫ولكن معناه أن يموت حملته ويتخذ الناس جهال ً يحكمون‬
‫بحهالتهم فيضلون ويضلون)‪.‬‬
‫وقال الذهبي رحمه الله‪ :‬وما أوتوا من العلم إل قليلً‪ ،‬وأما اليوم‬
‫فما بقي من العلوم القليلة إل القليل‪ ،‬في أناس قليل‪ ،‬ما أقل‬
‫من يعمل منهم بذلك القليل فحسبنا الله ونعم الوكيل‬
‫وهذا في زمان الذهبي رحمه الله فما بالك بزماننا هذا ؟ فإنه‬
‫كلما بعد الزمان من عهد النبوة قل العلم وكثر الجهل ول يزال‬
‫يقبض العلم حتى ل يعرف من السلم إل اسمه كما قال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل تقوم الساعة حتى ل يقال في الرض‬
‫الله الله" ‪ -‬رواه مسلم‪.‬‬

‫كثرة القتل‪:‬‬
‫فقد روى المام البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ل تقوم الساعة حتى‬
‫يكثر الهرج" قالوا ‪ :‬وما الهرج يا رسول الله قال‪ :‬القتل القتل"‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫وروى المام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ":‬والذي نفسي بيده ل تذهب‬
‫الدنيا حتى يأتي على الناس يوم ل يدري القاتل فيم قتل ول‬
‫المقتول فيم قتل"‬
‫فقيل ‪ :‬كيف يكون ذلك ؟‬
‫قال ‪" :‬الهرج القاتل والمقتول في النار"‪.‬‬
‫ذهاب الصالحين‪:‬‬
‫فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وآله وسلم ‪" :‬ل تقوم الساعة حتى يأخذ الله‬
‫شريطته من أهل الرض ‪ ،‬فيبقى عجاجة ل يعرفون معروفا ً ول‬
‫ينكرون منكراً" ‪ -‬رواه أحمد وقال أحمد شاكر‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫صدق رؤيا المؤمن‪:‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وآله وسلم‪" :‬إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب"‬
‫‪ -‬رواه مسلم‪.‬‬
‫كثرة النساء‪:‬‬
‫فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وآله وسلم‪" :‬من أشراط الساعة ـ وذكر منها ـ وتكثر‬
‫النساء ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد" ‪-‬‬
‫رواه البخاري‪.‬‬
‫كثرة موت الفجأة‪:‬‬
‫فعن أنس رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم‪" :‬إن من أمارات الساعة أن يظهر موت الفجأة" ‪-‬‬
‫رواه الطبراني في الصغير والوسط وقال اللباني‪ :‬حسن‪.‬‬
‫وقوع التناكر بين الناس‪:‬‬
‫فعن حذيفة رضي الله عنه قال‪ :‬سئل رسول الله صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم عن الساعة فقال‪ ":‬علمها عند ربي ل يجليها لوقتها إل‬
‫هو‪ ،‬ولكن أخبركم بمشاريطها وما يكون بين يديها ـ وذكر منها ـ‬
‫ويلقى بين الناس التناكر فل يكاد أحد يعرف أحد" ‪ -‬رواه أحمد‬
‫وقال الهيثمي‪ :‬رجاله رجال الصحيح‪.‬‬
‫عودة أرض العرب مروجا ً وأنهاراً‪:‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وآله وسلم‪" :‬ل تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً‬
‫وأنهاراً" ‪ -‬رواه مسلم‪.‬‬
‫كثرة المطر وقلة النبات‪:‬‬

‫‪87‬‬
‫فعن أنس رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم‪" :‬ل تقوم الساعة حتى يمطر الناس مطرا ً عاما ً ول‬
‫تنبت الرض شيئًا ‪ -‬رواه أحمد ‪ ،‬وقال الهيثمي ‪ :‬رجاله ثقات‪.‬‬
‫حسر الفرات عن جبل من ذهب‪:‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وآله وسلم‪" :‬ل تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل‬
‫من ذهب يقتتل الناس عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون ‪،‬‬
‫ويقول كل رجل منهم‪ :‬لعلي أكون أنا الذي أنجو"‪ -‬رواه البخاري‪.‬‬
‫أولى العلمات الصغرى المصاحبة للكبرى التي بدأت في‬
‫الظهور‪ ..‬هي انحسار نهر الفرات عن جبل الذهب‪ ..‬ستظهر هذه‬
‫العلمة قرب ظهور المهدي‪ ..‬وبالفعل بدأ نهر الفرات في‬
‫انخفاض منسوب مياهه‪ ..‬قال صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل تقوم‬
‫الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقبل الناس‬
‫عليه‪ ..‬فيقتتل من كل مائة تسعة وتسعون‪ ..‬ويقول كل رجل‬
‫منهم لعلي أكون أنا الذي أنجو "‪ ..‬وتلك فتنة شديدة ومقتلة‬
‫عظيمة‪ ..‬قتال دائر بين الرجال من أجل أخذ الذهب‪ ..‬ول يصل‬
‫إليه أحد‪ ..‬ومن حضر تلك العلمة فل يأخذ من الذهب شيئا ً كما‬
‫أمر النبي صلى الله عليه وسلم‪" :..‬يوشك الفرات أن يحسر عن‬
‫جبل من ذهب فمن حضره فل يأخذ منه شيء"‪.‬‬
‫كلم السباع والجمادات النس‪:‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي الله عنه في قصة الراعي الذي تكلم معه‬
‫الذئب ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره‬
‫بذلك فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ثم قال‪" :‬إنها أمارة من أمارات بين يدي الساعة‪ ،‬قد أوشك‬
‫الرجل أن يخرج فل يرجع حتى تحدثه نعله وسوطه ما أحدث‬
‫أهله بعده"‪ -‬رواه أحمد‪ ،‬وقال أحمد شاكر صحيح‪.‬‬
‫هذه العلمة قد ظهرت من عهد النبي صلى الله عليه وسلم! في‬
‫الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬جاء ذئب‬
‫إلى راعي الغنم فأخذ منه شاه فطلبه الراعي حتى انتزعها منه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فصعد الذئب على تل فأقص– جلس على أسته واستذفر–‬
‫أدخل ذنبه بين فخذيه‪ -‬فقال‪ :‬عمدت إلى رزق رزقنيه الله عز‬
‫وجل وانتزعته مني‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬تالله إن رأيت كاليوم ذئباً‬
‫يتكلم! قال الذئب‪ :‬أعجب من هذا رجل في النخلت بين الحرتين‬
‫يخبركم بما مضى وبما هو كائن بعدكم‪ .‬وكان الرجل يهوديا ً فجاء‬
‫الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وخبره‪ ..‬فصدقه النبي‬
‫عليه الصلة والسلم‪ ..‬ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم‪":‬‬

‫‪88‬‬
‫إنها أمارة من إمارات بين يدي الساعة قد أوشك الرجل أن‬
‫يخرج حتى تحدثه نعله وسوطه ما أحدث أهله بعده "‪..‬‬
‫كثرة الروم وقتالهم للمسلمين‪:‬‬
‫فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وآله وسلم‪" :‬اعدد ستا ً بين يدي الساعة‪ ،‬فذكر منها‪:‬‬
‫"ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الصفر فيغدرون فيأتونكم تحت‬
‫ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً"‪ -‬رواه البخاري‪.‬‬
‫وجاء في وصف هذا القتال أنه عظيم شديد فعن عبد الله بن‬
‫مسعود رضي الله عنه أنه قال‪ :‬إن الساعة ل تقوم‪ ،‬حتى ل‬
‫يقسم ميراث‪ ،‬ول يفرح بغنيمة‪ ،‬ثم قال بيده هكذا ‪-‬ونحاها نحو‬
‫الشام فقال‪ :‬عدو يجمعون لهل السلم ويجمع لهم أهل السلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الروم تعني؟‬
‫قال‪ :‬نعم وتكون عند ذلكم القتال ردة شديدة فيشترط‬
‫المسلمون شرطة للموت ل ترجع إل غالبة فيقتتلون حتى يحجز‬
‫بينهم الليل فيفيء هؤلء وهؤلء كل غير غالب‪ ،‬وتفنى الشرطة‪،‬‬
‫ثم يشترط المسلمون شرطة للموت ل ترجع إل غالبة‪ ،‬فيقتتلون‬
‫حتى يحجز بينهم الليل فيفيء هؤلء وهؤلء كل غير غالب‪ ،‬وتفنى‬
‫الشرطة‪ ،‬ثم يشترط المسلمون شرطة للموت ل ترجع إل غالبة‬
‫فيقتتلون حتى يمسوا‪ ،‬فيفيء هؤلء وهؤلء كل غير غالب وتفنى‬
‫الشرطة‪ ،‬فإذا كان يوم الرابع نهد إليهم بقية أهل السلم فيجعل‬
‫الله الدبرة عليهم فيقتلون مقتلة – إما قال ل يرى مثلها‪ ،‬وإما‬
‫قال لم ير مثلها – حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم‪ ،‬فما يخلفهم‬
‫حتى يخر ميتا ً فيتعاد بنو الب كانوا مائة فل يجدونه بقي منهم إل‬
‫الرجل الواحد فبأي غنيمة يفرح؟ أو أي ميراث يقاسم؟ فبينما هم‬
‫كذلك إذ سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك فجاءهم الصريخ‪ :‬إن‬
‫الدجال قد خلفم في ذراريهم ‪ ،‬فيرفضون ما في أيديهم ويقبلون‬
‫فيبعثون عشرة فوارس طليعة‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم ‪" :‬إني لعرف أسمائهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم‬
‫هم خير فوارس على ظهر الرض يومئذ ‪ ،‬أو من خير فوارس‬
‫على ظهر الرض يومئذ"‪ -‬رواه مسلم‪.‬‬
‫قتال اليهود‪:‬‬
‫فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وآله وسلم‪" :‬ل تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود‬
‫فيقتلهم المسلمون‪ ،‬حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر‪،‬‬
‫فيقول الحجر أو الشجر‪ :‬يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي‬
‫فتعال فاقتله‪ ،‬إل الغرقد فإنه من شجر اليهود ‪ -‬متفق عليه‪.‬‬
‫ظهور المهدي المنتظر‪:‬‬

‫‪89‬‬
‫اعلم أن المحدثين متفقون على صحة حديث خروج المهدي فقد‬
‫صرح الحافظ ابن حجر بثبوته والحافظ السيوطي بل قال إنه‬
‫متواتر تواتًرا معنويًا وأكثر الئمة الذين ألفوا في الحديث أو خلق‬
‫كثير منهم وضعوا ترجمة لخروجه بل أفرد عدة منهم التأليف في‬
‫أخباره كالحافظ نعيم بن حماد والسيوطي‪ ،‬ول عبرة بطعن أناس‬
‫ليسوا من المحدثين في ذلك‪ .‬فإن عدد من روى حديث المهدي‬
‫‪ 38‬نفسا منهم ‪ 33‬صحابة و ‪ 5‬تابعيون‪ ،‬ومن جملة ما ورد في‬
‫المهدي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ن ع َبْد ِ الل ّهِ قَاَل‪ :‬قَا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صلى‬ ‫سول اللهِ َ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫جابِرِ ب ْ ِ‬ ‫سعِيد ٍ وَ َ‬ ‫ن أبِي َ‬ ‫عَ َ ْ‬
‫ل وَلَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ما َ‬ ‫م ال َ‬ ‫س ُ‬ ‫ة ي َ ْق ِ‬ ‫خلِي َف ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫ما ِ‬ ‫َ‬
‫خرِ ال ّز َ‬ ‫ن فِي آ ِ‬ ‫م‪ ":‬يَكُو ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ه ع َليْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫يَعُدُّه ُ ‪ -‬رواه مسلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫م يَبْقَ‬ ‫ل‪" :‬لَوْ ل َ ْ‬ ‫م قَا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫سل ّ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫ُ‬ ‫صل ّى الل ّ‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫الن‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ه‬
‫َ‬
‫ن ع َبْد ِ الل‬ ‫عَ ْ‬
‫م‬ ‫م ث ُ َّ‬ ‫ك اليَوْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ه ذَل ِ َ‬ ‫ل الل ُ‬‫ّ‬ ‫حدِيثِهِ لطوَّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل َزائِدَة ُ فِي َ‬ ‫م قَا َ‬ ‫ن الد ّنْيَا إ ِل يَوْ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫م ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ئ ا ْ‬ ‫ل بَيْتِي يُوَاط ِ ُ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫منِّي أوْ ِ‬ ‫جًل ِ‬ ‫ث فِيهِ َر ُ‬ ‫حتَّى يَبْعَ َ‬ ‫اتَّفَقُوا َ‬
‫ث فِطْر ي َ ُ َ‬ ‫اسمي واسم أَبيه اس َ‬
‫ض‬‫مَل اْلْر َ‬ ‫ٍ ْ‬ ‫حدِي ِ‬ ‫م أبِي َزاد َ فِي َ‬ ‫َ ْ ُ ِ ِ ْ ُ‬ ‫ْ ِ‬
‫ن‪:‬‬ ‫سفْيَا َ‬ ‫ث ُ‬ ‫حدِي ِ‬ ‫ل فِي َ‬ ‫جوًْرا"‪ .‬وَقَا َ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫ت ظل ً‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ملِئ َ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫َ‬
‫سطا وَعَد ْل ك َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫ن أه ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ب َر ُ‬ ‫ك الْعََر َ‬ ‫مل ِ َ‬ ‫حتَّى ي َ ْ‬ ‫ضي الدُّنْيَا َ‬ ‫ب أوْ َل تَن ْ َق ِ‬ ‫" َل تَذْهَ ُ‬
‫مي"‪ .‬رواه أَبُو دَاوُد‪.‬‬ ‫س ِ‬ ‫ها ْ‬ ‫م ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ئ ا ْ‬ ‫بَيْتِي يُوَاط ِ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ع َلَيْهِ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪ :‬قَا َ‬ ‫ي قَا َ‬ ‫خدْرِ ِ ّ‬ ‫سعِيد ٍ ال ْ ُ‬ ‫ن أبِي َ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَل اْلْر َ‬
‫ض‬ ‫ف يَ ْ‬ ‫جبْهَةِ أقْنَى اْلن ْ ِ‬ ‫جلَى ال ْ َ‬ ‫منِّي أ ْ‬ ‫مهْدِيُّ ِ‬ ‫سل ّم‪" َ:‬ال ْ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن"‪ -‬رواه أبو‬ ‫سنِي َ‬ ‫سبْعَ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫جوًْرا وَظُل ْ ً‬ ‫ت َ‬ ‫ملِئ َ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫سطًا وَعَدًْل ك َ َ‬ ‫قِ ْ‬
‫داود‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‪:‬‬ ‫سل َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل النَّب ِ ُّ‬ ‫ل‪ :‬قَا َ‬ ‫خدْرِيَّ قَا َ‬ ‫سعِيد ٍ ال ْ ُ‬ ‫ن أبِي َ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬ ‫ن طَا َ‬ ‫ُ‬
‫ش‬‫مُره ُ ع َا َ‬ ‫صَر ع ُ ْ‬ ‫مُره ُ أوْ قَ ُ‬ ‫ل عُ ْ‬ ‫مهْدِيُّ فَإ ِ ْ‬ ‫متِي ال ْ َ‬ ‫ن أ َّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫"يَكُو ُ‬
‫سطًا وَعَدًْل‬ ‫سنِين ي َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض قِ ْ‬ ‫مَل اْلْر َ‬ ‫سعَ ِ َ ْ‬ ‫ن أوْ ت ِ ْ‬ ‫سنِي َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن أوْ ث َ َ‬ ‫سنِي َ‬ ‫سبْعَ ِ‬ ‫َ‬
‫ماءُ قَطَرهَا" ‪ -‬رواه أحمد‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫مطُِر ال ّ‬
‫َ‬ ‫ض نَبَات َ َها وَت ُ ْ‬ ‫ج الْر ُ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫وَت ُ ْ‬
‫ل‪ ":‬ت ُمَلُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫م قَا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫سعِيد ٍ أ َّ‬ ‫ن أبِي َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ك سبعا أوَ‬ ‫َ‬
‫مل ِ ُ َ ْ ً ْ‬ ‫عتَْرتِي ي َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ج َر ُ‬ ‫خُر ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫جوًْرا ث ُ َّ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫ض ظُل ْ ً‬ ‫اْلْر ُ‬
‫سطًا وَعَدًْل" ‪ -‬رواه أحمد‪.‬‬ ‫ض قِ ْ‬ ‫َ‬ ‫مَل ُ اْلَْر‬ ‫سعًا فَي َ ْ‬ ‫تِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ع َلَي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪ :‬قَا َ‬ ‫ي قَا َ‬ ‫خدْرِ ِ ّ‬ ‫سعِيد ٍ ال ْ ُ‬ ‫ن أبِي َ‬ ‫عَ ْ‬
‫حتَّى ت َمتَل ِ َ َ‬ ‫َ‬
‫ل ث ُ َّ‬
‫م‬ ‫ما وَعُدْوَانًا قَا َ‬ ‫ض ظُل ْ ً‬ ‫ئ اْلْر ُ‬ ‫ْ‬ ‫ة َ‬ ‫ساع َ ُ‬ ‫م ال َّ‬ ‫م‪َ" :‬ل تَقُو ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫سطًا وَعَدًْل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ملَؤُهَا قِ ْ‬ ‫ل بَيْتِي ي َ ْ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عتَْرتِي أوْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ج َر ُ‬ ‫خُر ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما وَعُدْوَانًا ‪ -‬رواه أحمد‪.‬‬ ‫ت ظُل ْ ً‬ ‫ملِئ َ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫كَ َ‬
‫َ‬
‫ه ع َلَيْهِ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪ ":‬قَا َ‬ ‫ي قَا َ‬ ‫خدْرِ ِ ّ‬ ‫سعِيد ٍ ال ْ ُ‬ ‫ن أبِي َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ختَِل ٍ‬ ‫متِي ع َلَى ا ْ‬ ‫ث فِي أ َّ‬ ‫ي يُبْعَ ُ‬ ‫مهْد ِ ِ ّ‬ ‫م بِال ْ َ‬ ‫شُرك ُ ْ‬ ‫م‪" :‬أب َ ّ ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫جوًْرا‬ ‫ت َ‬ ‫ملِئ َ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫سطًا وَعَدًْل ك َ َ‬ ‫ض قِ ْ‬ ‫مَل اْلْر َ‬ ‫ل فَي َ ْ‬ ‫س وََزَلزِ َ‬ ‫ِ‬ ‫النَّا‬
‫َْ‬
‫ل‬ ‫ما َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ض يَقْ ِ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫ساك ِ ُ‬ ‫ماءِ وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫ساك ِ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ضى ع َن ْ ُ‬ ‫ما يَْر َ‬ ‫وَظُل ْ ً‬

‫‪90‬‬
‫س قَا َ‬
‫ل‬ ‫سويَّةِ بَي ْ َ َ‬ ‫ل بِال َّ‬ ‫حا؟ قَا َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ل لَ‬ ‫حا فَقَا َ‬
‫ن الن ّا ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حا ً‬ ‫ص َ‬ ‫ما ِ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه َر ُ‬
‫ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫حا ً‬
‫ُ‬
‫ص َ‬ ‫ِ‬
‫م‬
‫سعُهُ ْ‬ ‫م ِغنًى َوي َ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه ع َليْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مد ٍ َ‬ ‫َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫مةِ ُ‬ ‫َ‬ ‫بأ ّ‬ ‫ه قُلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫مل الل ُ‬ ‫َ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫ْ‬
‫ما‬ ‫ة فَ َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫حا َ‬ ‫ل َ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ه فِي َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫منَادِيًا فَيُنَادِي فَيَقُو ُ‬
‫َ‬ ‫مَر ُ‬ ‫حتَّى يَأ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫عَدْل ُ ُ‬
‫ل‬‫ن فَقُ ْ‬ ‫خازِ َ‬ ‫ن يَعْنِي ال ْ َ‬ ‫سدَّا َ‬ ‫ت ال َّ‬ ‫ل ائ ْ ِ‬ ‫ل فَيَقُو ُ‬ ‫ج ٌ‬ ‫س إ ِ ّل َر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن النَّا‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫يَقُو ُ‬
‫حتَّى إِذ َا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ث َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ه ا ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ماًل فَيَقُو ُ‬ ‫ن تُعْطِيَنِي َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫مُر َ‬ ‫مهْدِيَّ يَأ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ه إ ِ َّ‬ ‫لَ ُ‬
‫سا‬ ‫مد ٍ نَفْ ً‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫مةِ ُ‬ ‫شعَ أ ُ َّ‬ ‫ج َ‬ ‫تأ ْ‬
‫َ‬
‫ل كُن ْ ُ‬ ‫م فَيَقُو ُ‬ ‫جرِهِ وَأبَْرَزه ُ نَد ِ َ‬
‫َ‬
‫ح ْ‬ ‫ه فِي ِ‬ ‫جعَل َ ُ‬ ‫َ‬
‫ه إِنَّا لَ‬ ‫ل ل َُ‬ ‫ه فَيُقَا ُ‬ ‫ل فَيَُرد ّه ُ فَل يَقْب َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫م قَا َ‬ ‫َ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫سعَهُ ْ‬ ‫ما وَ ِ‬ ‫جَز ع َنِّي َ‬ ‫أوَع َ َ‬
‫ك سبع سنِين أَو ث َمان سنِي َ‬ ‫َ‬ ‫ن أْ ُ‬
‫ن أوْ‬ ‫ن كَذَل ِ َ َ ْ َ ِ َ ْ َ ِ ِ َ‬ ‫شيْئًا أع ْطَيْنَاه ُ فَيَكُو ُ‬ ‫خذ ُ َ‬
‫خيَْر فِي‬ ‫م َل َ‬ ‫ل ث ُ َّ‬ ‫ش بَعْدَهُ أَوْ قَا َ‬ ‫ْ‬
‫خيَْر فِي العَي ْ ِ‬ ‫م َل َ‬ ‫ن ث ُ َّ‬ ‫سنِي َ‬ ‫سعَ ِ‬ ‫تِ ْ‬
‫حيَاةِ بَعْدَه ُ ‪ -.‬رواه أحمد‪.‬‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫سعِيد ٍ ال ْ ُ‬ ‫عَ َ‬
‫حد َ ٌ‬
‫ث‬ ‫ن بَعْد َ نَبِي ِّنَا َ‬ ‫ن يَكُو َ‬ ‫شينَا أ ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ي قَا َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫خدْر‬ ‫ن أبِي َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫متِي‬ ‫ن فِي أ ّ‬ ‫م فقَال‪" :‬إ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه ع َليْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ي اللهِ َ‬ ‫سألنَا نَب ِ ّ‬ ‫فَ َ‬
‫ُ‬ ‫سعًا َزيْد ٌ ال َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ك قَا َ‬ ‫شا ّ‬ ‫سبْعًا أوْ ت ِ ْ‬ ‫سا أوْ َ‬ ‫م ً‬ ‫خ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ج يَعِي ُ‬ ‫خُر ُ‬ ‫مهْدِيَّ ي َ ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫مهْدِيُّ‬ ‫ل يَا َ‬ ‫ل فَيَقُو ُ‬ ‫ج ٌ‬ ‫جيءُ إِلَيْهِ َر ُ‬ ‫ل فَي َ ِ‬ ‫ن قَا َ‬ ‫سنِي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ك قَا َ‬ ‫ما ذ َا َ‬ ‫قُلْنَا َو َ‬
‫َ‬ ‫أَعْطِنِي أ عْطِنِي قَا َ‬
‫مل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ح ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ستَطَاع َ أ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫وبِهِ َ‬ ‫ه فِي ث َ ْ‬ ‫حثِي ل َ ُ‬ ‫ل فَي َ ْ‬
‫ن‪.‬‬‫س ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ث َ‬ ‫حدِي ٌ‬ ‫‪ -‬رواه الترمذي وقال‪ :‬هَذ َا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي أ َ َّ‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫م قَا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫صل ّى الل ّ‬ ‫َ‬ ‫ن النَّب ِ َّ‬
‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫خدْر‬ ‫سعِيد ٍ ال ْ ُ‬ ‫ن أبِي َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ُ‬
‫سعٌ فَتَنْعَ ُ‬
‫م‬ ‫سبْعٌ وَإ ِ ّل فَت ِ ْ‬ ‫صَر فَ َ‬ ‫ن قُ ِ‬ ‫مهْدِيُّ إ ِ ْ‬ ‫متِي ال ْ َ‬ ‫ن فِي أ َّ‬ ‫"يَكُو ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فِيهِ أ ُ َّ‬
‫منْهُ ْ‬
‫م‬ ‫خُر ِ‬ ‫ط تُؤْتَى أكُلَهَا وََل تَد َّ ِ‬ ‫مثْلَهَا قَ ّ‬ ‫موا ِ‬ ‫م يَنْعَ ُ‬ ‫ة لَ ْ‬ ‫م ً‬ ‫متِي ن ِ ْع َ‬
‫مهْدِيُّ‬ ‫ل يَا َ‬ ‫ل فَيَقُو ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫م الَّر ُ‬ ‫س فَيَقُو ُ‬ ‫مئِذ ٍ كُدُو ٌ‬ ‫ل يَوْ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫شيْئًا وَال ْ َ‬ ‫َ‬
‫خذ ْ"‪ -‬رواه ابن ماجه‪.‬‬ ‫ل ُ‬ ‫أَعْطِنِي فَيَقُو ُ‬
‫عن أبي سعيد الخدري ‪-‬رضي الله تعالى عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول‬
‫َ‬
‫الله ‪-‬صل ّى الله عليه وسلم‪":-‬ل تقوم الساعة حتى تمل الرض‬
‫ظلما وجورا وعدوانا‪ ،‬ثم يخرج من أهل بيتي من يملها قسطا‬
‫وعدل كما ملئت ظلما وعدوانا"‪ -‬رواه الحاكم وقال‪:‬هذا حديث‬
‫صحيح على شرط الشيخين‪ ،‬ولم يخرجاه وأقره الذهبي‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫م‪" :‬ل تقوم الساعة حتى‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سو‬ ‫قال َر ُ‬
‫يملك رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم‬
‫ما وجوًرا"‪ -‬رواه ابن‬ ‫أبي يمل الرض قسطًا وعدل ً كما ملئت ظل ً‬
‫حبان‪.‬‬
‫فالمهدي عليه السلم اسمه محمد بن عبد الله وهو حسني أو‬
‫حسني من ولد فاطمة رضي الله عنها‪ ،‬وقد ورد في الثر أنه‬
‫يسير معه في أول أمره ملك ينادي" يا أيها الناس هذا خليفة الله‬
‫المهدي فاتبعوه "‪ ،‬وورد في الثر أيضا أن المهدي أول ما يخرج‬
‫يخرج من المدينة ويخرج معه ألف من الملئكة يمدونه وينتظره‬
‫في مكة ثلثمائة من الولياء هم أول من يبايعه ثم يخرج جيش‬

‫‪91‬‬
‫لغزوه فيخسف الله به الرض فيما بين مكة والمدينة‪ ،‬بعد ذلك‬
‫يأتي إلى بر الشام‪.‬‬
‫والمهدي رجل طويل القامة آدم ‪-‬أي أسمر – وجهه كالكوكب‬
‫الدري في الحسن والوضاءة‪ ،‬أجلى الجبهة‪ ،‬أقنى النف‪ ،‬أكحل‬
‫العينين واسعهما‪ ،‬أزج‪ -‬أي دقيق الحاجبين طويلهما‪ -‬أبلج‪ -‬أي‬
‫مفروق الحاجبين غير مقرونهما – في خده اليمن خال أسود‪،‬‬
‫كث اللحية‪ ،‬براق الثنايا‪.‬‬
‫يولد بالمدينة المنورة وينشأ بها ثم يأتي إلى مكة فيبايعه الولياء‬
‫ثم يأتي إلى بر الشام وأما وقت ظهوره فلم يعينه الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم فنحن ل نعين ولكن له علمات على ظهوره‬
‫ما وجوًرا‪.‬‬
‫وأكبرها أن تمتل الرض ظل ً‬
‫ظهور الدجال‪:‬‬
‫هو أعظم فتنة تمر بالبشر قال رسول الله صلى الله عليه و‬
‫سلم‪" :‬ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أكبر من الدجال" ‪-‬‬
‫رواه مسلم‪.‬‬
‫علمات خروجه‪:‬‬
‫أ‪ -‬قلة العرب‪ :‬روى أحمد ومسلم والترمذي عن أم شريك‪ :‬أنها‬
‫سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول‪" :‬ليفرن الناس من‬
‫الدجال في الجبال" قالت أم شريك‪ :‬يا رسول الله فأين العرب‬
‫يومئذ؟‪.‬‬
‫قال‪ :‬هم قليل‪.‬‬
‫ب_ الملحمة وفتح القسطنطينية‪ :‬روى أحمد وأبو داود عن معاذ‬
‫بن جبل رضي الله عنه‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه و سلم‬
‫قال‪" :‬عمران بيت المقدس خراب يثرب‪ ،‬وخراب يثرب خروج‬
‫الملحمة‪ ،‬وخروج الملحمة فتح القسطنطينية‪ ،‬وفتح القسطنطينية‬
‫خروج الدجال"‪.‬‬
‫ج_ الفتوحات‪ :‬روى أحمد ومسلم وابن ماجة عن جابر بن سمرة‬
‫عن نافع بن عتيبة رضي الله عنهما؛ قال‪ :‬كنا مع الرسول صلى‬
‫الله عليه و سلم في غزوة‪ ،‬قال‪ :‬فأتى النبي صلى الله عليه و‬
‫م من قبل المغرب عليهم ثياب الصوف‪ ،‬فوافقوه عند‬ ‫سلم قو ٌ‬
‫أكمةٍ‪ ،‬فإنهم لقيام ورسول الله صلى الله عليه و سلم قاعد‪،‬‬
‫قال‪ :‬فقلت لي نفسي‪ :‬ائتهم‪ ،‬فقم بينهم وبينه ل يغتالونه‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثم قلت‪ :‬لعله نجي معهم‪ ،‬فأتيهم‪ ،‬فقمت بينهم وبينه‬
‫قال‪ :‬فحفظت منه أربع كلمات أعدهن في يدي قال‪" :‬تغزون‬
‫جزيرة العرب‪ ،‬فيفتحها الله عز وجل‪ ،‬ثم فارس‪ ،‬فيفتحها الله عز‬
‫وجل‪ ،‬ثم تغزون الروم‪ ،‬فيفتحها الله‪ ،‬ثم تغزون الدجال فيفتحه‬
‫الله"‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫د‪ -‬انحباس القطر والنبات‪ :‬ستكون بين يدي الدجال ثلث سنوات‬
‫عجاف‪ ،‬يلقى الناس فيها شدة وكرباً؛ فل مطر‪ ،‬ول نبات‪ ،‬يفزع‬
‫الناس فيها للتسبيح والتحميد والتهليل‪ ،‬حتى يجزئ عنهم بدل‬
‫الطعام والشراب‪ ،‬فبينما هم كذلك؛ إذ تناهى لسماعهم أن إلهاً‬
‫ظهر ومعه جبال الخبز وأنهار الماء‪ ،‬فمن أعترف به رباً؛ أطعمه‬
‫وسقاه‪ ،‬ومن كذبه؛ منعه الطعام والشراب‪ ،‬فالمعصوم عندها من‬
‫عصمه الله وتذكر لحظتها وصايا المصطفى صلى الله عليه و‬
‫سلم‪" :‬لن تروا ربكم حتى تموتوا‪ ،‬وأنتم ترون هذا الفاك الدجال‬
‫ولم تموتوا بعد"‪.‬‬
‫مكان خروجه‪:‬‬
‫روى أحمد والترمذي والحاكم وابن ماجة عن أبي بكر الصديق‬
‫رضي الله عنه؛ قال‪ :‬حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فقال‪" :‬إن الدجال يخرج من أرض بالمشرق‪ ،‬يقال لها‪ :‬خرسان‪،‬‬
‫مطرقة"‪.‬‬ ‫يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان ال ُ‬
‫وأول ظهور أمره واشتهاره والله أعلم يكون بين الشام والعراق؛‬
‫ففي رواية مسلم عن نواس بن سمعان‪" :‬إنه خارج خلة بين‬
‫الشام والعراق"‪.‬‬
‫أتباعه‪:‬‬
‫أ‪ -‬اليهود‪ :‬روى أحمد ومسلم عن أنس بن مالك‪ :‬أن الرسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم قال‪" :‬يتبع الدجال من يهود أصبهان‬
‫سبعون ألفاً‪ ،‬عليهم الطيالسة"‪.‬‬
‫ب‪ -‬الكفار والمنافقين‪ :‬روى الشيخان والنسائي عن أنس بن‬
‫مالك رضي الله عنه؛ قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬ليس من بلد إل سيطؤه الدجال؛ إل مكة والمدينة‪،‬‬
‫وليس نُقب من أنقابها إل عليها الملئكة حافين تحرسها‪ ،‬فينزل‬
‫بالسبخة‪ ،‬فترجف المدينة بأهلها ثلث رجفات‪ ،‬يخرج إليه منها كل‬
‫كافر ومنافق"‪.‬‬
‫ج_ جهلة العراب‪ :‬ودليل ذلك ما رواه ابن ماجه وابن خزيمة‬
‫والحاكم والضياء عن أبي أمامة‪ ،‬وفيه‪ . . ." :‬وإن من الفتنة أن‬
‫يقول العرابي‪ :‬أرأيت إن يبعث لك أباك وأمك؛ أتشهد أني ربك؟‬
‫فيقول‪ :‬نعم فيمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه‪ ،‬فيقولن‪:‬‬
‫يابني! اتبعه؛ فإنه ربك‪.‬‬
‫د‪ -‬من وجوههم كالمجان المطرقة‪ ،‬ولعلهم الترك‪ :‬عن أحمد‬
‫والترمذي والحاكم وابن ماجه عن أبي بكر الصديق رضي الله‬
‫عنه‪ :‬إن الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها خرسان‪ ،‬يتبعه‬
‫أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة‪.‬‬
‫هلكه‪:‬‬

‫‪93‬‬
‫أ‪ -‬في بلد الشام حرسها الله‪ :‬روى أحمد ومسلم عن أبي هريرة‪:‬‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال‪ :‬يأتي المسيح من قبل‬
‫المشرق‪ ،‬وهمته المدينة‪ ،‬حتى ينزل دُبُر أحد‪ ،‬ثم تصرف الملئكة‬
‫وجهه قبل الشام‪ ،‬وهناك يهلك‪.‬‬
‫ب‪ -‬قاتله هو عيسى بن مريم عليهما السلم‪ :‬روى الترمذي عن‬
‫مجمع بن جارية النصاري؛ قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم يقول‪" :‬يقتل ابن مريم الدجال بباب لد " ولن يسلط‬
‫عليه أحد إل عيسى بن مريم عليه السلم"‪.‬‬
‫صفاته الخلقية‪:‬‬
‫أ‪ -‬أعور العين أو العينين‪ :‬روى الشيخان عن عبد الله بن عمر‬
‫رضي الله عنهما؛ قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"إن الله ل يخفي عليكم‪ ،‬إن الله تعلى ليس بأعور‪ ،‬وإن المسيح‬
‫الدجال أعور عين اليمنى‪ ،‬كأن عينه عنبة طافية"‪.‬‬
‫ب‪ -‬مكتوب بين عينيه كافر‪ :‬روى الشيخان عن أنس؛ قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه و سلم‪" :‬ما من نبي إل أنذر أمته‬
‫العور الكذاب‪ ،‬أل إنه أعور‪ ،‬وإن ربكم ليس بأعور‪ ،‬ومكتوب بين‬
‫عينيه ‪ -‬ك ف ر"‪.‬‬
‫د‪ -‬قصير‪ ،‬أفحج‪ ،‬جعد‪ ،‬أعور‪ ،‬عينه ليست بناتئة ول جحراء‪ :‬روى‬
‫أحمد وأبو داود عن عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم قال‪" :‬إني حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن ل‬
‫تعقلوا أن المسيح الدجال‪ :‬قصير‪ ،‬أفحج‪ ،‬جعد‪ ،‬أعور‪ ،‬مطموس‬
‫العين‪ ،‬ليست بنائتة ول جحراء‪ ،‬فإن ألبس عليكم؛ فاعلموا أن‬
‫ربكم ليس بأعور‪ ،‬وأنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا‪.‬‬
‫هـ_ هجان‪ ،‬أزهر‪ ،‬كأن رأسه أصلة‪ :‬روى أحمد وابن حبان عن ابن‬
‫عباس‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال‪" :‬الدجال‪:‬‬
‫أعور‪ ،‬هجان‪ ،‬أزهر ( وفي رواية أقمر )؛ كأن رأسه أصلة‪ ،‬أشبه‬
‫الناس بعبد العزى بن قطن‪ ،‬فإما هلك الهلك؛ فإن ربكم تعالى‬
‫ليس بأعور"‬
‫أعماله‪:‬‬
‫أ ‪ -‬يدعي اللوهية للحديث‪" :‬معه جنة ونار فناره جنة وجنته نار" ‪-‬‬
‫رواه مسلم‪.‬‬
‫ب‪ -‬تسخر له الجن والسماء والرض زيادة في الفتنة للحديث‪:‬‬
‫يقول للعرابي‪ :‬أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك؟‬
‫فيقول‪ :‬نعم‪ ،‬فيتمثل له الشيطان في صورة أبيه وأمه فيقولن‪ :‬يا‬
‫بني اتبعه فإنه ربك‪ ،‬فيأتي على القوم فيدعوهم فيردون عليه‬
‫قوله فينصرف عنهم‪ :‬فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من‬
‫أموالهم" ‪ -‬رواه مسلم‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫جـ‪ -‬أن يهبه الله إمكانية القتل ودعوة المقتول إلى الستواء‬
‫فيستوي زيادة في الفتنة للحديث‪ :‬ثم يدعو رجل ممتلئا شبابا‬
‫فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين‪ ،‬ثم يقول له‪ :‬قم فيستوي‬
‫قائما" ‪ -‬رواه مسلم‪.‬‬
‫د‪ -‬ومكوثه في الرض أربعون للحديث‪ :‬قلنا‪ :‬يا رسول الله وكم‬
‫لبثه في الرض؟ قال‪" :‬أربعون يوما" ‪ -‬رواه مسلم‪.‬‬
‫هـ‪ -‬للنجاة منه‪ :‬أن تقرأ فواتح سورة الكهف للحديث‪" :‬فمن‬
‫أدركه منكم فليقرأ عليه بفواتح الكهف فإنها جواركم من فتنته"‪-‬‬
‫رواه مسلم‪.‬‬
‫نزول عيسى بن مريم عليه السلم‪:‬‬
‫للحديث‪" :‬والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم‬
‫حكما عدل فيكسر الصليب‪ ،‬ويقتل الخنزير ويضع الجزية"‪ -‬رواه‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬
‫هلك الدجال على يد المسيح عليه السلم للحديث‪" :‬فيطلبه‬
‫حتى يدركه بباب لُد ّ فيقتله" ‪ -‬رواه مسلم‪.‬‬
‫مكوثه أربعين سنة‪ :‬للحديث‪" :‬ينزل عيسى بن مريم فيمكث في‬
‫الناس أربعين سنة ‪ -‬رواه الطبراني وابن عساكر‪.‬‬
‫"ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ويدفن في الحجرة الشريفة‬
‫فيكون قبره رابعا"‪ -‬رواه البخاري في تاريخه‪.‬‬
‫يعيش الناس في خير عظيم وأمان يسع الجميع‪ :‬قال ابن‬
‫مسعود‪ :‬يقول الرجل لغنمه ودوابه اذهبوا فارعوا وتمر الماشية‬
‫بين الزروع ل تأكل منه سنبلة والحيات والعقارب ل تؤذي أحدًا‬
‫والسبع على أبواب الدور ل يؤذي أحدًا ويأخذ الرجل المد من‬
‫القمح فيبذره بل حرث فيجيء منها سبعمائة مد‪.‬‬
‫يأجوج ومأجوج‪:‬‬
‫من ك ُ ِّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ب‬ ‫حد َ ٍ‬
‫ل َ‬ ‫ج وَهُم ِّ‬ ‫جو ُ‬ ‫مأ ُ‬ ‫ج وَ َ‬ ‫جو ُ‬ ‫ت يَأ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫حتى إِذ َا فُت ِ َ‬ ‫قال تعالى‪َ ) :‬‬
‫ن)‪ -‬سورة النبياء آية ‪. 96‬‬ ‫سلُو َ‬
‫يَن ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‬‫سدُو َ‬ ‫مفْ ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫جو َ‬ ‫مأ ُ‬ ‫ج وَ َ‬‫جو َ‬ ‫ن يَأ ُ‬ ‫ن إ ِ َّ‬
‫ِ‬ ‫و قال تعالى‪( :‬قَالُوا يَا ذ َا الْقَْرنَي ْ‬
‫سدّاً)‪-‬‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫م َ‬ ‫ل بَيْنَنَا َوبَيْنَهُ ْ‬‫جعَ َ‬ ‫خْرجا ً ع َلَى أن ت َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫ض فَهَ ْ‬
‫ل نَ ْ‬ ‫فِي الْر ِ‬
‫سورة الكهف آية ‪.94‬‬
‫الفتن تتوالى‪ ،‬وما أن يخرج المسلمون من فتنه ويحمدوا الله‬
‫على الخلص منها؛ إذا هم بفتنة جديدة ل تقل خطرا ً عن سابقتها‪.‬‬
‫فها هم قد انتهوا من الدجال‪ ،‬وقد قتله الله على يدي عيسى بن‬
‫م وهو‬ ‫مريم عليه السلم‪ ،‬وقد أحاط بعيسى عليه السلم قو ٌ‬
‫يحدثهم عن درجاتهم في الجنة‪ ،‬وقد عصمهم الله من الفتنة‬
‫الدجال‪ ،‬وقد أبلغنا رسول الله صلى الله عليه و سلم‪" :‬أن من‬
‫نجا من فتنته؛ فقد نجا"‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫وما زالوا يحفرون في السد حتى يخرقونه فيخرجون إلى الناس‬
‫وعيسى عليه السلم يحدث المؤمنين عن منازلهم في الجنة‬
‫وفجأة يطلب إليهم عيسى بوحي من السماء أن يحصنوا أنفسهم‬
‫بالطور؛ فقد أخرج الله عبادا ً ل قبل لحدهم بقتالهم‪ ،‬وهم يأجوج‬
‫ومأجوج‪ .‬ول تقل فتنتهم عن فتنة الدجال الذي يدعي اللوهية‪،‬‬
‫وهم يدعون قدرتهم على قتل من في السماء تعالى الله عن‬
‫قولهم علوا ً كبيراً‪.‬‬
‫من البشر من ذرية آدم‪:‬‬
‫يأجوج ومأجوج من البشر من ذرية آدم؛ خلفا ً لمن قال غير ذلك‪،‬‬
‫وذلك لما روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري‪ -‬واللفظ‬
‫للبخاري‪-‬؛ قال‪ :‬قال النبي صلى الله عليه و سلم‪" :‬يقول الله عز‬
‫وجل يوم القيامة‪ :‬يا آدم‬
‫فيقول‪ :‬لبيك ربنا وسعديك‬
‫فينادى بصوت‪ :‬إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا ً إلى النار‬
‫قال‪ :‬يارب! وما بعث النار؟‬
‫قال‪ :‬من كل ألف‪ -‬أراه قال‪ -‬تسع مئة وتسعة وتسعين؛ فحينئذ‬
‫تضع الحامل حملها‪ ،‬ويشيب الوليد‪ ،‬وترى الناس سكارى وما هم‬
‫بسكارى ولكن عذاب الله شديد‪.‬‬
‫فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم فقال النبي صلى‬
‫الله عليه و سلم‪ :‬من يأجوج ومأجوج تسع مئة وتسعة وتسعين‬
‫ومنكم واحد‪ ،‬ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور‬
‫البيض‪ ،‬أو كشعرة البيضاء في جنب الثور السود‪ ،‬وإني لرجو أن‬
‫تكونوا ربع أهل أهل الجنة"‪.‬‬
‫يخرجون على الناس بمشيئة الله تعالى‪:‬‬
‫روى أحمد وأبو داود والحاكم وابن حبان عن أبي هريرة؛ قال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن يأجوج ومأجوج‬
‫يحفرون كل يوم‪ ،‬حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس؛ قال الذي‬
‫عليهم‪ :‬ارجعوا؛ فسنحفُره غداً‪ ،‬فيعيده الله أشد ما كان‪ ،‬حتى إذا‬
‫بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس؛ حفرو‪ ،‬حتى إذا‬
‫كادوا يرون شعاع الشمس؛ قال الذي عليهم‪ :‬ارجعوا؛‬
‫فستحفرونه غدا ً إن شاء الله تعالى‪ ،‬واستثنوا‪ ،‬فيعودون إليه وهو‬
‫كهيئته حين تركوه‪ ،‬فيحفرونه‪ ،‬ويخرجون على الناس‪ ،‬فينشفون‬
‫الماء‪ ،‬ويتحصن الناس منهم في حصونهم‪ ،‬فيرمون بسهامهم إلى‬
‫السماء‪ ،‬فترجع عليها الدم الذي أجفظ فيقولون‪ :‬قهرنا أهل‬
‫الرض وعلونا أهل السماء‪ ،‬فيبعث الله نغفا ً في أقفائهم فيقتلهم‬
‫بها‪.‬‬
‫كيف يقتلهم الله عز وجل‪:‬‬

‫‪96‬‬
‫فيرسل عليه النغف في رقابهم وفي رواية دودا كالنغف في‬
‫أعناقهم (ويكون في أنوف البل والغنم) فيصبحون موتى كموت‬
‫نفس واحدة ل يسمع لهم حس"‪ -.‬رواه مسلم‪.‬‬
‫أي يرسل عليهم النغف‪ ،‬فيأخذ بأعناقهم‪ ،‬فيموتون موت الجراد‪،‬‬
‫يركب بعضهم بعضا ً الدواب ترعي لحومهم وتسمن عليها ففي‬
‫حديث أبي سعيد الخدري وفيه‪ . . ." :‬فيحرج الناس‪ ،‬ويُخلون‬
‫ي إل لحومهم‪ ،‬فتشكر عليها‬ ‫سبيل مواشيهم‪ ،‬فما يكون لهم رع ٌ‬
‫كأحسن ما شكرت على نبات قط"‪.‬‬
‫مقتلهم عند جبل بيت المقدس‪:‬‬
‫ففي حديث النواس بن سمعان وفيه‪ . . ." :‬ثم يسيرون حتى‬
‫ينتهوا إلى جبل الخمر‪ ،‬وهو جبل بيت المقدس"‪.‬‬
‫أسلحتهم وقود للمسلمين‪:‬‬
‫روى ابن ماجه والترمذي نحوه عن النواس‪ :‬سيوقد المسلمون‬
‫من قسي يأجوج ومأجوج ونشابهم وأترستهم سبع سنين‪.‬‬
‫المطر الغزير لزالة آثارهم‪:‬‬
‫ففي حديث النواس‪ ،‬وفيه‪ . . ." :‬ثم يهبط نبي الله عيسى‬
‫وأصحابه الرض‪ ،‬فل يجدون في الرض موضع شبر؛ إل مله‬
‫مهم ونتنهم(دسمهم ورائحتهم الكريهة)‪ ،‬فيرغب نبي الله‬ ‫زه ُ‬
‫عيسى وأصحابه إلى الله‪ ،‬فيرسل الله طيرا ً كأعناق البخت( نوع‬
‫من الجمال)‪ ،‬فتحملهم‪ ،‬فتطرحهم حيث يشاء الله‪ ،‬ثم يرسل الله‬
‫مطرا ً ل يُكن منه بيت مدر(هو الطين الصلب) ول وبر‪ ،‬فيغسل‬
‫الرض‪ ،‬حتى يجعلها كالزلفة(المرآة في صفائها ونظافتها)"‪.‬‬
‫طيب العيش وبركته بعد الخلص منهم‪:‬‬
‫ففي حديث النواس‪ ،‬وفيه‪ . . .":‬ثم يقال للرض‪ :‬أنبتي ثمرتك‪،‬‬
‫وردي بركتك؛ فيومئذ تأكل العصابة (الجماعة) من الرمانة‪،‬‬
‫ويستظلون بقحفها‪ ،‬ويبارك في الرسل (اللبن)‪ ،‬حتى إن‬
‫اللقحة(قريبة العهد بالولدة) من البل لتكفي الفئام(الجماعة‬
‫الكثيرة) من الناس‪ ،‬واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس‪،‬‬
‫واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ(الجماعة من القارب) من‬
‫الناس‪.‬‬
‫دابة الرض‪:‬‬
‫َ‬ ‫م َ ْ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫ن الْر ِ‬ ‫م دَاب َّ ً‬
‫ة ِّ‬ ‫جنَا لَهُ ْ‬
‫خَر ْ‬
‫مأ ْ‬ ‫ل ع َلَيْهِ ْ‬
‫قال تعالى‪( :‬وَإِذ َا وَقَعَ الْقَوْ ُ‬
‫ن) ‪ -‬سورة النمل آية ‪ 82‬و‬ ‫س كَانُوا بِآيَاتِنَا َل يُوقِنُو َ‬ ‫ن النَّا َ‬ ‫م أ َ َّ‬ ‫تُكَل ِّ ُ‬
‫مهُ ْ‬
‫هي دابة تخرج من الرض؛ تكلم الناس‪ ،‬وتسمهم على‬
‫خراطيمهم؛ لقد أصبحت الساعة قريبا ً جدا ً منهم؛ فقد بدأ أيضاً‬
‫في هذا الوقت تغير العالم العلوي بطلوع الشمس من مغربها‪.‬‬
‫هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس وتركهم أوامر‬

‫‪97‬‬
‫الله وتبديلهم الدين الحق‪ ،‬يُخرج الله لهم دابة من الرض‪ -‬قيل‪:‬‬
‫من مكة‪ ،-‬فتكلم الناس‪.‬‬
‫اليمان عند خروجها ل ينفع‪:‬‬
‫والدابة أحد ثلث آيات ل ينفع اليمان عند معاينتها‪ ،‬بل ينفع‬
‫اليمان من أدركته واحدة ً من الثلث مؤمنا ً عامل ً روى مسلم‬
‫والترمذي عن أبي هريرة؛ قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫و سلم ‪" :‬ثلث إذا خرجن ل ينفع نفسا ً إيمانها لم تكن آمنت من‬
‫ل أو كسبت في إيمانها خيراً‪ :‬طلوع الشمس من مغربها‪،‬‬ ‫قب ُ‬
‫والدجال‪ ،‬ودابة الرض"‬
‫وقت خروجها‪:‬‬
‫تخرج الدابة عل الناس ضحى وفي وقت طلوع الشمس من‬
‫مغربها‪ ،‬وأيهما كانت قبل الخرى؛ فالخرى في أثرها قريبا ً‬
‫وسمها للناس على خراطيمهم‬
‫روى أحمد والبخاري وغيرهما عن أبي أمامة يرفعه للنبي صلى‬
‫الله عليه و سلم؛ قال‪ " :‬تخرج الدابة‪ ،‬فتسم الناس على‬
‫خراطيمهم‪ ،‬ثم يعمرن فيكم‪ ،‬حتى يشتري الرجل الدابة‪ ،‬فيقال‪:‬‬
‫ممن اشتريت‪ ،‬فيقول‪ :‬من رجل المخاطم " وأما طبيعة هذا‬
‫الوسم‪ ،‬وكيف يكون؛ فل أعلم بذلك حديثا ً صحيحاً‪.‬‬
‫طلوع الشمس من مغربها‪:‬‬
‫للحديث‪":‬ل تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا‬
‫طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون فذاك حين ل ينفع نفسا إيمانها‬
‫لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً"‪-‬رواه البخاري‪.‬‬
‫خروج نار من اليمن‪:‬‬
‫نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم للحديث‪:‬‬
‫"ستخرج نار من حضرموت‪ ،‬أو من بحر حضرموت‪ ،‬قبل القيامة‬
‫تحشر الناس"‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال‪ :‬عليكم بالشام ‪ -‬أخرجه‬
‫الترمذي‪.‬‬
‫وقد روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه‪ :‬أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم قال‪" :‬يحشُر الناس على ثلث طرائق‬
‫راغبين وراهبين‪ ،‬واثنان على بعير‪ ،‬وثلثة على بعير‪ ،‬وأربعة على‬
‫بعير‪ ،‬وعشرة على بعير‪،‬ويحشر بقيتهم النار؛ تقيل معهم حيث‬
‫قالوا‪ ،‬وتبيت معهم حيث باتوا‪ ،‬وتصبح معهم حيث أصبحوا‪،‬‬
‫وتمسي معهم حيث أمسوا"‪.‬‬
‫المراجع‪/‬‬
‫معجزات الرسول صلى الله عليه و سلم‪ -‬ألف معجزة من‬
‫معجزات الرسول للدكتور مصطفى مراد‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫‪----------------‬‬
‫‪ .13‬معجزاته صلى الله عليه وسلم في أنواع الجمادات‬
‫حنين الجذع شوقا ً إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وشفقاً‬
‫من فراقه‪:‬‬
‫عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما‪ -‬أن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة‪ ،‬فقالت‬
‫امرأة من النصار‪ -‬أو رجل‪ -‬يا رسول الله‪ ،‬أل نجعل لك منبراً؟‬
‫قال‪ :‬إن شئتم‪.‬‬
‫فجعلوا له منبرا ً فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر‪ ،‬فصاحت‬
‫النخلة صياح الصبي‪ ،‬ثم نزل النبي صلى الله عليه و سلم فضمه‬
‫إليه‪ ،‬يئن أنين الصبي الذي يسكن قال‪" :‬كانت تبكي على ما‬
‫كانت تسمع من الذكر عندها"‪ -‬رواه البخاري‪.‬‬
‫وفي رواية أخرى عن جابر رضي الله عنه قال‪ :‬كان المسجد‬
‫مسقوفا ً على جذوع من نخل‪ ،‬فكان النبي إذا خطب يقوم إلى‬
‫جذع منها‪ ،‬فلما صنع له المنبر فكان عليه فسمعنا لذلك الجذع‬
‫صوتا ً كصوت العشار (جمع عشراء‪ ،‬وهى الناقة التي أتى عليها‬
‫عشرة أشهر من حملها)‪ ،‬حتى جاء النبي فوضع يده عليها‪،‬‬
‫فسكنت‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬
‫وفى رواية من حديث ابن عباس‪ -‬رضي الله عنهما‪ -‬قال صلى‬
‫ن إلى يوم القيامة"‪ -‬رواه‬‫الله عليه و سلم‪" :‬ولو لم أحتضنه لح َ‬
‫المام أحمد في مسنده‪ ،‬وابن ماجه‪ .‬وكان الحسن البصري رحمه‬
‫الله إذا حدث بحديث حنين الجذع يقول يا معشر المسلمين‬
‫الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا ً إلى‬
‫لقائه فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه‪.‬‬
‫عذق النخلة ينزل منها ويمشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫جاء إعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬بما‬
‫أعرف أنك رسول الله؟‬
‫قال‪ :‬أرأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني‬
‫رسول الله؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فدعا العذق فجعل العذق ينزل من النخلة حتى سقط في‬
‫الرض‪ ،‬فجعل ينقز حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ثم قال له‪ :‬ارجع‪ ،‬فرجع حتى عاد إلى مكانه‪.‬‬
‫فقال‪ :‬أشهد أنك رسول الله‪ ،‬وآمن ‪ -‬صحيح‪ ،‬رواه البيهقي في‬
‫الدلئل‪ ،‬والحاكم في المستدرك‪.‬‬
‫انقياد الشجر لرسول الله صلى الله عليه و سلم‪:‬‬

‫‪99‬‬
‫عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال‪ :‬سرنا مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم حتى نزلنا واديًا أفيح (أي واسعًا) فذهب‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فاتبعته بإداوة من‬
‫ماء فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير شيئًا يستتر‬
‫به فإذا شجرتان بشاطئ الوادي (أي جانبه) فانطلق رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها‬
‫فقال‪" :‬انقادي علي بإذن الله" فانقادت معه كالبعير المخشوش‬
‫(هو الذي يجعل في أنفه خشاش وهو عود يجعل في أنف البعير‬
‫إذا كان صعبًا ويشد فيه حبل ليذل وينقاد وقد يتمانع لصعوبته فإذا‬
‫اشتد عليه وآلمه انقاد شيئًا) الذي يصانع قائده حتى أتى الشجرة‬
‫الخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال‪" :‬انقادي علي بإذن الله‬
‫فانقادت معه كذلك حتى إذا كان بالمنصف (هو نصف المسافة)‬
‫مما بينهما لم بينهما (يعني جمعهما) فقال‪ :‬التئما علي بإذن الله‬
‫فالتأمتا قال جابر‪ :‬فخرجت أحضر (أي أعدو وأسعى سعيًا شديدًا)‬
‫مخافة أن يحس رسول الله صلى الله عليه و سلم بقربي فيبتعد‬
‫فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة فإذا أنا برسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم مقبل ً وإذا الشجرتان قد افترقتا فقامت‬
‫كل واحدة منهما على ساق فرأيت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وقف وقفة فقال برأسه هكذا؟ وأشار أبو إسماعيل برأسه‬
‫يمينًا وشمال ً ثم أقبل فلما انتهى إلي قال‪ :‬يا جابر هل رأيت‬
‫مقامي؟ قلت‪ :‬نعم يا رسول الله قال‪" :‬فانطلق إلى الشجرتين‬
‫فاقطع من كل واحدة منهما غصنًا فأقبل بهما حتى إذا قمت‬
‫مقامي فأرسل غصنًا عن يمينك وغصنًا عن يسارك"‪ .‬قال جابر‪:‬‬
‫فقمت فأخذت حجًرا فكسرته وحسرته (أي أحددته بحيث صار‬
‫مما يمكن قطع الغصان به) فانذلق لي (أي صار حادًا) فأتيت‬
‫الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنًا ثم أقبلت أجرهما‬
‫حتى قمت مقام رسول الله صلى الله عليه و سلم أرسلت غصنًا‬
‫عن يميني وغصنًا عن يساري ثم لحقته فقلت‪ :‬قد فعلت يا‬
‫رسول الله فعم ذاك؟ قال‪ :‬إني مررت بقبرين يعذبان فأحببت‬
‫بشفاعتي أن يرفه عنهما (أي يخفف) ما دام الغصنان رطبين"‪-‬‬
‫رواه مسلم‪.‬‬
‫عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال‪ :‬كنا مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه و سلم في سفر فأقبل أعرابي فلما دنا منه قال‬
‫له رسول الله صلى الله عليه و سلم‪ :‬أين تريد؟‪.‬‬
‫قال‪ :‬إلى أهلي‪.‬‬
‫قال‪ :‬هل لك في خير؟‬
‫قال‪ :‬وما هو؟‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫قال‪ :‬تشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأن محمدًا عبده‬
‫ورسوله‬
‫قال‪ :‬ومن يشهد على ما تقول؟‬
‫قال‪ :‬هذه السلمة (شجرة من أشجار البادية)‪.‬‬
‫فدعاها رسول الله صلى الله عليه و سلم وهي بشاطئ الوادي‬
‫فأقبلت تخد (تشق) الرض خدًا حتى قامت بين يديه فأشهدها‬
‫ثلثًا فشهدت ثلثًا أنه كما قال ثم رجعت إلى منبتها ورجع‬
‫العرابي إلى قومه وقال‪ :‬إن اتبعوني آتك بهم وإل رجعت فكنت‬
‫معك‪ .‬رواه الطبراني في الكبير وأبو يعلى والبزار ورجال‬
‫الطبراني رجال الصحيح‪.‬‬
‫تسليم الحجر عليه صلى الله عليه و سلم‪:‬‬
‫عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫ي قبل‬ ‫الله عليه و سلم‪" :‬إني لعرف حجًرا بمكة كان يسلم عل ّ‬
‫أن أبعث إني لعرفه الن"‪ .‬رواه أحمد ومسلم والترمذي‪.‬‬
‫قال المام النووي معلقًا على هذا الحديث‪ :‬فيه معجزة له صلى‬
‫الله عليه وسلم وفي هذا إثبات التمييز في بعض الجمادات وهو‬
‫خ ْ‬
‫شيَةِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما يَهْب ِ ُ‬
‫ط ِ‬ ‫منْهَا ل َ َ‬ ‫موافق لقوله تعالى في الحجارة‪( :‬وَإ ِ َّ‬
‫ن ِ‬
‫شيءٍ إلَّ‬
‫من َ ْ ِ‬ ‫اللّهِ)‪ -‬سورة البقرة آية ‪ . 74‬وقوله تعالى‪( :‬وَإِن ِّ‬
‫مدَه)‪ -‬سورة السراء آية ‪.44‬‬‫ح ْ‬
‫ح بِ َ‬
‫سب ِّ ُ‬
‫يُ َ‬
‫تسبيح الطعام بحضرته صلى الله عليه و سلم‪:‬‬
‫عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪ :‬كنا نعد اليات بركة‬
‫وأنتم تعدونها تخويفًا كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم‬
‫في سفر فقال الماء فقال‪ :‬اطلبوا فضلة من ماء فجاءوا بإناء فيه‬
‫ماء قليل فأدخل يده في الناء ثم قال‪" :‬حي على الطهور‬
‫المبارك والبركة من الله"‪ .‬فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع‬
‫رسول الله ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل‪ .‬أخرجه‬
‫البخاري في صحيحه‪.‬‬
‫الشجرة تنتقل من مكانها ثم ترجع‪:‬‬
‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬جاء جبريل إلى رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزين قد خضب‬
‫بالدماء (أي ملت الدماء رأسه) من ضربة بعض أهل مكة فقال‬
‫له‪ :‬مالك؟‬
‫قال‪ :‬فعل بي هؤلء وفعلوا‪.‬‬
‫فقال له جبريل‪ :‬أتحب أن أريك آية؟‬
‫فقال‪ :‬نعم‬
‫قال‪ :‬فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال‪ :‬ادع تلك الشجرة‪،‬‬
‫فدعاها‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫قال‪ :‬فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه‬
‫فقال‪ :‬مرها فلترجع‪ ،‬فأمرها‪ ،‬فرجعت إلى مكانها‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬حسبي (أي يكفيني‬
‫اطمئنانًا) ‪ -‬صحيح‪ ،‬أخرجه أحمد في مسنده‪ ،‬ورواه ابن ماجة في‬
‫سننه‪.‬‬
‫الربعون نخلة تثمر في عام زرعها‪:‬‬
‫عن بريدة رضي الله عنه قال‪ :‬جاء سلمان الفارسي إلى رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة بمائدة عليها رطب‪،‬‬
‫فوضعها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يا‬
‫سلمان‪ ،‬ما هذا؟‬
‫فقال‪ :‬صدقة عليك وعلى أصحابك‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ارفعها؛ فإنا ل نأكل الصدقة‪،‬‬
‫قال‪ :‬فرفعها‪ ،‬فجاء الغد بمثله‪ ،‬فوضعه بين يدي رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ما هذا يا سلمان؟‬
‫فقال‪ :‬هدية لك‪،‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحابه‪ :‬ابسطوا (يعني‬
‫ابسطوا أيديكم وكلوا)‪.‬‬
‫ثم نظر إلى الخاتم على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فآمن به‪ ،‬وكان لليهود‪ ،‬فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ما على أن يغرس نخل ً فيعمل سلمان فيه حتى‬ ‫بكذا وكذا دره ً‬
‫تُطعِم‪ ،‬فغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم النخيل إل نخلة‬
‫واحدة غرسها عمر‪ ،‬فحملت النخل من عامها ولم تحمل النخلة‬
‫التي زرعها عمر‪،‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬ما شأن هذه النخلة؟‬
‫فقال عمر‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أنا غرستها‪،‬‬
‫فنزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرسها‪ ،‬فحملت من‬
‫عامها‪ -‬حسن‪ ،‬أخرجه أحمد‪ ،‬والترمذي في الشمائل‪ ،‬وابن حبان‪،‬‬
‫والحاكم‪.‬‬
‫وفي هذا الحديث أربعون معجزة؛ لن كل نخلة تثمر في عامها‬
‫معجزة وحدها؛ فالنخلة ل تثمر إل بعد سبع سنوات على القل‪.‬‬
‫تسبيح الحصى‪:‬‬
‫عن أبي ذر رضي الله عنه قال‪ :‬كنت رجل ً ألتمس خلوات النبي‬
‫ما‬
‫الله صلى الله عليه وسلم لسمع منه أو لخذ عنه‪ ،‬فهجرت يو ً‬
‫من اليام‪ ،‬فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من بيته‪،‬‬
‫فسألت عنه الخادم فأخبرني أنه في بيت‪ ،‬فأتيته وهو جالس ليس‬
‫عنده أحد من الناس‪ ،‬وكأني حينئذ أرى أنه في وحي‪ ،‬فسلمت‬

‫‪102‬‬
‫عليه‪ ،‬فرد علي السلم ثم قال‪ :‬ما جاء بك؟ فقلت‪ :‬جاء بي الله‬
‫ورسوله‪ ،‬فأمرني أن أجلس‪ ،‬فجلست إلى جنبه ل أسأله عن‬
‫شيء ل يذكره لي‪ ،‬فمكثت غير كثير فجاء أبو بكر يمشي مسرع ًا‬
‫فسلم عليه فرد السلم ثم قال‪ :‬ما جاء بك؟ قال‪ :‬جاء بي الله‬
‫ورسوله‪.‬‬
‫فأشار بيده أن أجلس فجلس إلى ربوة مقابل النبي صلى الله‬
‫سا‪،‬‬‫عليه وسلم بينه وبينها الطريق‪ ،‬حتى إذا استوى أبو بكر جال ً‬
‫فأشار بيده‪ ،‬فجلس إلى جنبي عن يميني‪ ،‬ثم جاء عمر ففعل مثل‬
‫ذلك‪ ،‬وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك‪،‬‬
‫وجلس إلى جنب أبي بكر على تلك الربوة‪ ،‬ثم جاء عثمان فسلم‬
‫فرد السلم وقال‪ :‬ما جاء بك؟ قال‪ :‬جاء بي الله ورسوله‪ ،‬فأشار‬
‫إليه بيده‪ ،‬فقعد إلى الربوة‪ ،‬ثم أشار بيده فقعد إلى جنب عمر‪،‬‬
‫فتكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة لم أفقه أولها غير أنه‬
‫قال‪ :‬قليل ما يبقين‪ ،‬ثم قبض على حصيات سبع أو تسع أو قريب‬
‫من ذلك‪ ،‬فسبحن في يده حتى سمع لهن حنين كحنين النخل في‬
‫كف النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ثم ناولهن أبا بكر وجاوزني‬
‫فسبحن في كف أبي بكر‪ ،‬ثم أخذهن منه فوضعهن في الرض‬
‫فخرسن فصرن حصى‪ ،‬ثم ناولهن عمر فسبحن في كفه كما‬
‫سبحن في كف أبي بكر‪ ،‬ثم أخذهن فوضعهن في الرض‬
‫فخرسن‪ ،‬ثم ناولهن عثمان فسبحن في كفه نحو ما سبحن في‬
‫كف أبي بكر وعمر‪ ،‬ثم أخذهن فوضعهن في الرض فخرسن‪.‬‬
‫حسن‪ :‬أخرجه البيهقي في الدلئل‪ ،‬ورواه السيوطي في‬
‫الخصائص الكبرى‪ ،‬وعزاه للبزار والطبراني في الوسط وأبي‬
‫نعيم‪.‬‬
‫أنطق الله عز وجل الشجرة له‪:‬‬
‫عن معن قال‪ :‬سمعت أبي قال‪ :‬سألت مسروقًا‪ :‬من آذن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا القرآن؟ فقال‪ :‬حدثني‬
‫أبوك‪ ،‬يعني ابن مسعود‪ :‬أنه آذنته بهم شجرة‪.‬‬
‫وكان ذلك ليلة الجن عندما غاب النبي صلى الله عليه وسلم عن‬
‫أصحابه‪ ،‬وجاءه داعي الجن فذهب معهم‪ ،‬وقرأ عليهم القرآن‪،‬‬
‫وآمنوا به واتبعوا النور الذي أنزل معه‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫من آذن النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬أي أعلمه بحضور الجن‪.‬‬
‫‪ .14‬إفحام النبي صلى الله عليه وسلم لهل الكتاب‬
‫كان أهل الكتاب كثيًرا ما يسألون رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم عن أشياء على سبيل المتحان والتعجيز وليس على سبيل‬
‫الهداية والنصياع للحق فسألوه عن أشياء كثيرة فكان رسول‬

‫‪103‬‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يورد الجواب على وجهه ويأتي به على‬
‫نصه كما هو معروف لديهم ومقرر في كتبهم‪.‬‬
‫وقد علموا أنه صلى الله عليه وسلم أمي ل يقرأ ول يكتب ول‬
‫اشتغل بمدارسة ولم يتلق العلم على أيديهم ومع هذا لم يحك‬
‫عن واحد من اليهود والنصارى على شدة عداوتهم له وحرصهم‬
‫على تكذيبه وكثرة سؤالهم له وتعنتهم في ذلك أنه أنكر على‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم جوابه أو كذبه بل أكثرهم صرح‬
‫بصحة نبوته وصدق مقالته والمكابر منهم اعترف بعناده وحسده‬
‫لرسول الله صلى الله عليه و سلم‪.‬‬
‫وها هي بعض النماذج التي سئل فيها رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فأجاب بما طابق الحق المقرر عند أهل الكتاب‪.‬‬
‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬بلغ عبد الله بن سلم‬
‫مقدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة فأتاه فقال‪ :‬إني‬
‫سائلك عن ثلث ل يعلمهن إل نبي‬
‫قال‪ :‬ما أول أشراط الساعة (العلمات التي تتقدمها)؟ وما أول‬
‫طعام يأكله أهل الجنة؟ ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه (أي‬
‫يجيء يشبهه) ومن أي شيء ينزع إلى أخواله؟‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم‪ :‬خبرني بهن آنفًا جبريل‬
‫قال فقال عبد الله‪ :‬ذاك عدو اليهود من الملئكة‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬أما أول أشراط الساعة‬
‫فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب‬
‫وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت‬
‫وأما الشبه في الولد فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه‬
‫كان الشبه له وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها‬
‫قال‪ :‬أشهد أنك رسول الله‬
‫ثم قال‪ :‬يا رسول الله إن اليهود قوم بهت (أي يكذبون على‬
‫الناس) إن علموا بإسلمي قبل أن تسألهم بهتوني عندك فجاءت‬
‫اليهود ودخل عبد الله البيت فقال رسول الله صلى الله عليه و‬
‫سلم‪ :‬أي رجل فيكم عبد الله بن سلم؟‬
‫قالوا‪ :‬أعلمن وابن أعلمنا وأخبرنا وابن أخبرنا‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم‪ :‬أفرأيتم إن أسلم عبد‬
‫الله؟‬
‫قالوا‪ :‬أعاذه الله من ذلك‪ ,‬فخرج عبد الله إليهم فقال‪ :‬أشهد أن‬
‫ل إله إل الله وأشهد أن محمدًا رسول الله‪ .‬فقالوا‪ :‬شرنا وابن‬
‫شرنا ووقعوا فيه ‪ -‬رواه البخاري‪.‬‬
‫ما عند رسول الله صلى‬ ‫عن ثوبان رضي الله عنه قال‪ :‬كنت قائ ً‬
‫الله عليه و سلم فجاء حبر من أحبار اليهود ‪ -‬أي عالم من‬

‫‪104‬‬
‫علمائهم فقال‪ :‬السلم عليك يا محمد‪ .‬فدفعته دفعة كاد يصرع‬
‫منها فقال‪ :‬لم تدفعني؟‬
‫فقلت‪ :‬أل تقول يا رسول الله‬
‫فقال اليهودي‪ :‬إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم‪ :‬إن اسمي محمد الذي‬
‫سماني به أهلي‬
‫فقال اليهودي‪ :‬جئت أسألك‬
‫فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم‪ :‬أينفعك شيء إن‬
‫حدثتك؟‬
‫قال‪ :‬أسمع بأذني‪ .‬فنكت رسول الله صلى الله عليه و سلم بعود‬
‫معه (أي يخط بالعود في الرض ويؤثر به فيها) فقال‪ :‬سل‬
‫فقال اليهودي‪ :‬أين يكون الناس يوم تبدل الرض غير الرض‬
‫والسماوات؟‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم‪ :‬هم في الظلمة دون‬
‫الجسر ‪ -‬المراد به‪ :‬الصراط‬
‫قال‪ :‬فمن أول الناس إجازة ‪ -‬المقصود‪ :‬الجواز والعبور؟‬
‫قال صلى الله عليه و سلم‪ :‬فقراء المهاجرين‬
‫قال اليهودي‪ :‬فما تحفتهم (وهي ما يهدى إلى الرجل ويخص به)‬
‫حين يدخلون الجنة؟‬
‫قال‪ :‬زيادة كبد النون ‪ -‬أي الحوت‬
‫قال‪ :‬فما غذاؤهم على إثرها؟‬
‫قال‪ :‬ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها‬
‫قال‪ :‬فما شرابهم عليه‬
‫قال‪ :‬عينا فيها تسمى سلسبيل‬
‫قال‪ :‬صدقت‪.‬‬
‫قال‪ :‬أردت أن أسألك عن شيء ل يعلمه أحد من أهل الرض إل‬
‫نبي أو رجل أو رجلن‪.‬‬
‫قال‪ :‬ينفعك إن حدثتك‪.‬‬
‫قال‪ :‬أسمع بأذني‪.‬‬
‫قال‪ :‬جئت أسألك عن الولد‪.‬‬
‫قال‪ :‬ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعل مني‬
‫الرجل مني المرأة أذكر بإذن الله وإذا عل مني المرأة مني‬
‫الرجل أنثا بإذن الله تعالى‪.‬‬
‫فقال اليهودي‪ :‬لقد صدقت وإنك لنبي‪ .‬ثم انصرف‪.‬‬
‫فذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬لقد سألني عن‬
‫الذي سألني عنه ومالي علم بشيء منه حتى أتاني الله عز وجل‬
‫به"‪ -‬في صحيح مسلم‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫من كتاب ألف معجزة من معجزات الرسول للدكتور (مصطفى‬
‫مراد)‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪ .15‬بركة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أفاق جابر برش الوضوء النبوي عليه‪:‬‬
‫عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال‪ :‬عادني رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأبو بكر رضي الله عنه في بني سلمة‪،‬‬
‫فوجدني ل أعقل‪ ،‬فدعا بماء فتوضأ فرش منه علي‪ ،‬فأفقت‪،‬‬
‫صيك ُ ُ‬
‫م‬ ‫فقلت‪ :‬كيف أصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزلت‪( :‬يُو ِ‬
‫ح ِّ ُ‬ ‫َ‬
‫ن)– سورة النساء‪ :‬من‬ ‫ظ النثَيَي ْ ِ‬ ‫م لِلذَّكَرِ ِ‬
‫مث ْ ُ‬
‫ل َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه فِي أوْلَدِك ُ ْ‬
‫الية ‪ - 11‬أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫بصق في عين علي رضي الله عنه فبرأت‪:‬‬
‫في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‬
‫يوم خيبر‪" :‬لعطين هذه الراية غدًا رجل ً يحب الله ورسوله و‬
‫يحبه الله ورسوله‪ ،‬يفتح الله على يديه‪ ،‬فبات الناس يدركون أيهم‬
‫يُعطاها‪ ،‬فلما أصبح الناس‪ ،‬غدوا على رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم كلهم يرجو أن يُعطاها‪ ،‬فقال‪ :‬أين علي بن أبي طالب؟‬
‫ُ‬
‫فقالوا‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬هو يشتكي عينيه‪ ،‬قال‪ :‬فأرسلوا إليه‪ ،‬فأتي‬
‫به‪ ،‬فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له‪،‬‬
‫فبرأ حتى كان لم يكن به وجع‪ ،‬فأعطاه الراية‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول‬
‫الله! أقاتلهم‪ ،‬حتى يكونوا مثلنا؟ قال‪ :‬انفذ على رسلك حتى تنزل‬
‫بساحتهم‪ ،‬ثم ادعهم إلى السلم‪ ،‬وأخبرهم بما يجب عليهم من‬
‫حق الله فيه‪ ،‬فو الله لن يهدي الله بك رجل ً واحدًا خير من أن‬
‫يكون لك حمر النعم"‪ .‬صحيح‪ ،‬أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫بركة مسحه صلى الله عليه وسلم على رأس حنظلة بن خديم‪:‬‬
‫قال والد حنظلة بن خديم لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫مت عليه (أي‬ ‫س ِّ‬
‫بأبي وأمي‪ ،‬أنا رجل ذو سن‪ ،‬وهذا ابني حنظلة ف َ‬
‫ادع الله له)‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬يا غلم‪ ،‬فأخذ‬
‫بيده فمسح رأسه‪ ،‬وقال له‪ :‬بورك فيه‪ ،‬أو قال‪ :‬بارك الله فيك‪،‬‬
‫ورأيت حنظلة يؤتى بالشاة الوارم ضرعها والبعير والنسان به‬
‫الورم‪ ،‬فيتفل في يده ويمسح بصلعته ويقول‪ :‬بسم الله على أثر‬
‫يد رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فيمسحه‪ ،‬فيذهب عنه‪.‬‬
‫أخرجه أحمد والبخاري وابن سعد والطبراني والبيهقي‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫الثر النبوي سبب في عدم نسيان أبي هريرة رضي الله عنه‪:‬‬
‫قال أبو هريرة رضي الله عنه‪ :‬إنكم تقولون‪ :‬أكثر أبو هريرة عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم والله الموعد‪ ،‬وإنكم تقولون‪ :‬ما بال‬
‫المهاجرين والنصار ل يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه‬

‫‪106‬‬
‫وسلم بهذه الحاديث؟ وإن أصحابي من المهاجرين كانت تشغلهم‬
‫صفقاتهم في السواق‪ ،‬وإن أصحابي من النصار كانت تشغلهم‬
‫أرضهم والقيام عليها‪ ،‬وإني كنت امرأ مسكينًا‪ ،‬وكنت أكثر‬
‫مجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أحضر إذا غابوا‪،‬‬
‫ما‬‫وأحفظ إذا نسوا‪ ،‬وإن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا يو ً‬
‫فقال‪ :‬من يبسط ثيابه حتى أفرغ من حديثي ثم يقبضه إليه‪ ،‬فإنه‬
‫ل ينسى شيئًا سمعه مني أبدًا‪،‬‬
‫قال‪ :‬فبسطت ثوبي أو قال‪ :‬نمرتي‪ ،‬ثم حدثنا فقبضته إلي‪ ،‬فو‬
‫الله ما نسيت شيئًا سمعته منه‪ ،‬وأيم الله‪ ،‬لول أنه في كتاب الله‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ما أنَزلْنَا ِ‬ ‫ن َ‬‫مو َ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬
‫ن يَكْت ُ ُ‬ ‫ما حدثتكم بشيء أبدًا‪ ،‬ثم تل (إ ِ ّ‬
‫ُ‬
‫ب أولَـئ ِ َ‬
‫م‬
‫ك يَلعَنُهُ ُ‬ ‫س فِي الْكِتَا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما بَيَّن ّاه ُ لِلن ّا ِ‬
‫من بَعْد ِ َ‬ ‫ت وَالْهُدَى ِ‬
‫َّ‬
‫الْبَي ِّنَا ِ‬
‫ن )– سورة البقرة‪ :‬الية ‪ .159‬صحيح‪ ،‬أخرجه‬ ‫عنُو َ‬ ‫ه وَيَلْعَنُهُ ُ‬
‫م الل ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫مسلم‪ ،‬والبيهقي في الدلئل‪.‬‬
‫ظهور آثار النبوة في عمرو بن أخطب‪:‬‬
‫عن أبي زيد عمرو بن أخطب النصاري رضي الله عنه قال‪ :‬قال‬
‫لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬ادن مني‪ ،‬قال‪ :‬فمسح‬
‫بيده على رأسي ولحيتي ثم قال‪ :‬اللهم جمله‪ ،‬وأدم جماله‪ .‬قال‪:‬‬
‫فبلغ بضعًا ومائة سنة‪ ،‬وما في لحيته بياض إل نبذ يسير‪ ،‬ولقد‬
‫كان منبسط الوجه ولم يتقبَّض وجهه حتى مات‪ .‬حسن‪ ،‬أخرجه‬
‫المام أحمد‪ ،‬والترمذي‪ ،‬وحسنه البيهقي وقال‪ :‬هذا إسناد صحيح‬
‫موصول‪.‬‬
‫تفل النبي صلى الله عليه وسلم في يد الصحابي فاجتمعت‬
‫وبرأت‪:‬‬
‫عن خبيب بن أساف رضي الله عنه قال‪ :‬أتيت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم أنا ورجل من قومي في بعض مغازيه فقلنا‪ :‬إنا‬
‫نشتهي أن نشهد معك مشهدًا‪ ،‬قال‪ :‬أسلمتم؟ قلنا‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فإنا‬
‫ل نستعين بالمشركين على المشركين‪ ،‬قال‪ :‬فأسلمنا‪ ،‬وشهدت‬
‫مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابتني ضربة على عاتقي‬
‫فجافتني‪ ،‬فتعلقت يدي‪ ،‬فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فتفل فيها وألزقها‪ ،‬فالتأمت وبرأت‪ ،‬وقتلت الذي ضربني‪ ،‬ثم‬
‫تزوجت ابنة الذي قتلته وضربني‪ ،‬فكانت تقول‪ :‬ل عدمت رجلً‬
‫شحك هذا الوشاح‪ ،‬فأقول‪ :‬ل عدمت رجل ً أعجل أباك إلى النار‪.‬‬ ‫و َّ‬
‫حسن‪ ،‬أخرجه البيهقي في الدلئل‪ ،‬ورواه المام أحمد‪.‬‬
‫ُرزقا عشرة أولد ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫لما تزوجت أم سليم أبا طلحة النصاري ُرزقت بمولود محبوب‪،‬‬
‫كان أبوه يحبه حبًا شديدًا‪ ،‬فمرض الطفل‪ ،‬فمات وكان أبوه في‬
‫عمله‪ ،‬فلما رجع سأل عن ولده‪ ،‬فقالت له زوجته‪ :‬هو أسكن ما‬

‫‪107‬‬
‫كان‪ ،‬ووضعت العشاء‪ ،‬ثم تطيبت ولبست له خير لباس لها‪،‬‬
‫فقضى حاجته‬
‫ما أعاروا‬ ‫فلما كان آخر الليل قالت له‪ :‬أبا طلحة‪ ،‬أرأيت لو أن قو ً‬
‫ما عارية (أمانة ووديعة) فسألوهم إياها أكان لهم أن يمنعوهم؟‬ ‫قو ً‬
‫قال‪ :‬ل‬
‫قالت‪ :‬فإن الله عز وجل كان أعارك ابنك عارية‪ ،‬ثم قبضه إليه‪،‬‬
‫فاحتسب واصبر‪....‬‬
‫فاسترجع (قال‪ :‬إنا لله وإنا إليه راجعون)‪ ،‬وذهب إلى رسول الله‬
‫حا فأخبره‬
‫صلى الله عليه وسلم صبا ً‬
‫فقال‪ :‬بارك الله لكما في غابر ليلتكما (سالف ليلتكما)‪ ،‬فحملت‪،‬‬
‫ثم جئ بالمولود إلى النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فأخذ النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بعض التمر فمضغهن ثم جمع بزاقه ثم فغر‬
‫مظ‬ ‫فاه وأوجره إليه‪ ،‬فجعل يحنك الصبي‪ ،‬وجعل الصبي يتل َّ‬
‫مه‪ ،‬فسماه عبد الله‪ ،‬فما كان في المدينة‬ ‫قالت‪ :‬يا رسول الله س ِّ‬
‫شاب أفضل منه‪ ،‬وخرج منه رجل (جمع راجل ضد الفارس‪ ،‬أي‬
‫يجاهدون في سبيل الله على أرجلهم) كثير‪ ،‬واستشهد عبد الله‬
‫بفارس‪.‬‬
‫وفي رواية‪ :‬رزق أبو طلحة بعشرة أولد كلهم يحفظون القرآن‪.‬‬
‫صحيح‪ ،‬رواه مطول ً أبو داود الطيالسي‪ ،‬ورواه البخاري‪ ،‬ومسلم‪،‬‬
‫وأحمد وابن حبان‪ ،‬والبيهقي‪.‬‬
‫برأ ببصاق النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫عن يزيد بن أبي عبيد قال‪ :‬رأيت أثر ضربة في ساق سلمة بن‬
‫الكوع فقلت‪ :‬ما هذه الضربة؟ قال‪ :‬ضربة أصابتني يوم خيبر‪،‬‬
‫فقال الناس‪ :‬أصيب سلمة‪ ،‬فأتيت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فنفث فيها ثلث نفثات‪ ،‬فما اشتكيت منها حتى الساعة‪.‬‬
‫صحيح‪ ،‬أخرجه البخاري‪.‬‬
‫برأ بمسح النبي صلى الله عليه وسلم رجله‪:‬‬
‫عن البراء رضي الله عنه أن عبد الله بن عتيك لما قتل أبا رافع‬
‫ونزل من درجة بيته سقط إلى الرض فانكسر ساقه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فحدثت النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬ابسط رجلك‪،‬‬
‫فبسطتها‪ ،‬فمسحها فكأنما لم أشكها قط‪ .‬صحيح‪ ،‬أخرجه‬
‫البخاري‪.‬‬
‫‪ .16‬الجذع يحن إليه!!‬
‫الجذع يحن إليه!!‬
‫د‪ .‬لطف الله بن مل عبد العظيم خوجه‬
‫‪ -‬قصة‪:‬‬

‫‪108‬‬
‫ن الجذع‪ ،‬وسمع الناس له صوتا كصوت العشار‪ ،‬حتى تصدع‬ ‫فح ّ‬
‫وانشق‪ ،‬حتى جاء فوضع يده عليه فسكت‪ ،‬وكثر بكاء الناس لما‬
‫رأوا به‪ ،‬فقال‪( :‬إن هذا بكى لما فقد من الذكر‪ ،‬والذي نفسي‬
‫بيده‪ ،‬لو لم ألتزمه‪ ،‬لم يزل هكذا إلى يوم القيامة)‪ ،‬فأمر به‬
‫فدفن تحت المنبر‪.‬‬
‫‪ -‬محبة مفترضة‪:‬‬
‫من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم محبته‪ ،‬وقد ورد المر بها‬
‫في القرآن‪ ،‬قال الله تعالى‪:‬‬
‫‪{ -‬قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم‬
‫وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها‬
‫أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي‬
‫الله بأمره والله ل يهدي القوم الفاسقين}‪.‬‬
‫وموضع الشاهد‪ :‬ما في الية من الوعيد‪ ،‬لمن كانت محبته‬
‫لشيء‪ ،‬أكثر من محبته لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫في كلمتين هما‪:‬‬
‫أول‪ :‬قوله‪{ :‬فتربصوا حتى يأتي الله بأمره}‪ .‬والتربص هنا‬
‫للعقوبة‪ ،‬ول تكون العقوبة إل لترك واجب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬قوله‪{ :‬والله ل يهدي القوم الفاسقين}‪ .‬فقد وصفهم‬
‫بالفسق‪ ،‬وذلك ل يكون إل بفعل كبيرة فما فوقها‪ ،‬من كفر‬
‫وشرك‪ ،‬ل في صغيرة‪.‬‬
‫فمن قدم شيئا من المحبوبات على محبة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فهو فاسق‪ ،‬متربص ببلية تنزل عليه‪.‬‬
‫وقد اقترنت محبته صلى الله عليه وسلم بمحبة الله تعالى‪ ،‬وذلك‬
‫يفيد التعظيم‪ ،‬كاقتران طاعته بطاعة الله تعالى‪.‬‬
‫وثمة نصوص نبوية صريحة‪ ،‬في وجوب تقديم محبته عليه الصلة‬
‫والسلم على كل المحبوبات الدنيوية‪:‬‬
‫‪ -‬النص الول‪:‬‬
‫كان النبي آخذا بيد عمر بن الخطاب‪ ،‬فقال له عمر‪:‬‬
‫‪( -‬يا رسول الله! لنت أحب إلي من كل شيء إل من نفسي‪.‬‬
‫‪ -‬فقال النبي‪ :‬ل‪ ،‬والذي نفسي بيده‪ ،‬حتى أكون أحب إليك من‬
‫نفسك‪.‬‬
‫‪ -‬فقال له عمر‪ :‬فإنه الن والله لنت أحب إلي من نفسي‪.‬‬
‫‪ -‬فقال النبي‪ :‬الن يا عمر)‪[ .‬البخاري‪ ،‬اليمان والنذور‪ ،‬باب كيف‬
‫كانت يمين النبي]‪.‬‬
‫النفي المؤكد بالقسم يدل على وجوب تقديم محبته عليه الصلة‬
‫والسلم على النفس‪..‬‬

‫‪109‬‬
‫مُره بتأخير محبة النفس‪ ،‬وتقديم هذه المحبة النبوية عليها‪ ،‬مع‬ ‫َ‬
‫فأ ْ‬
‫كون محبة النفس جبلة في النسان‪ ،‬يقدمها على كل شيء‪ ،‬ول‬
‫يلم على ذلك في أصل المر‪ ،‬إل إذا تجاوز بها إل محظور‪ :‬دليل‬
‫وجوب‪ ،‬ل استحباب‪.‬‬
‫إذ ل يؤمر النسان بترك فطرة فطر عليها‪ ،‬وليست مذمومة في‬
‫أصلها‪ ،‬إل إذا قادته إل محظور‪ .‬وتقديم محبة النفس على محبة‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬تقود إلى فعل المحظورات‪ ،‬كما هو‬
‫مجرب‪ ،‬فلذا وجب التقديم‪.‬‬
‫أمر ثان‪ :‬النفس هالكة‪ ،‬لول فضل الله تعالى على الناس بهذا‬
‫النبي‪ ،‬فهو سبب نجاتها‪ ،‬فمحبته أحق بالتقديم‪.‬‬
‫‪ -‬النص الثاني‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪( :‬ل يؤمن أحدكم حتى‬
‫أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) البخاري‪،‬‬
‫اليمان‪.‬‬
‫هذا نص في وجوب أن يكون عليه الصلة والسلم أحب إلى‬
‫المرء من كل شيء دنيوي‪ ،‬وذلك لمور‪:‬‬
‫‪ -‬كونه نفى حصول اليمان إل بكونه أحب شيء‪ ،‬واليمان واجب‪،‬‬
‫وما تعلق به فهو واجب‪.‬‬
‫‪ -‬ثم إن الخطاب جاء في حق العيان في قوله‪( :‬أحدكم)‪ ،‬فكل‬
‫مؤمن مخاطب بهذه المحبة‪.‬‬
‫‪ -‬ثم إنه أتى بصيغة التفضيل‪( :‬أحب)‪ ،‬وهو صريح في تقديم‬
‫محبته مطلقا على كل شيء دنيوي‪.‬‬
‫وهذه المحبة الواجبة من فرط فيها فهو آثم مذنب‪ ،‬ومن قدم‬
‫عليه محبة‪ :‬الباء‪ ،‬أو البناء‪ ،‬أو الخوان‪ ،‬أو الزواج‪ ،‬أو شيء من‬
‫متاع الدنيا‪ ،‬فهو آثم فاسق‪ ،‬مستحق للعقوبة‪ ،‬فقوله‪( :‬ل يؤمن‬
‫أحدكم‪ )..‬نفي لليمان الواجب‪ ،‬بمعنى أن من فعل ذلك فقد‬
‫نقص إيمانه‪ ،‬نقصا يستحق به الثم والعقوبة‪ .‬فالشارع ل ينفي‬
‫واجبا‪ ،‬ثبت وجوبه‪ ،‬إل لترك واجب فيه‪.‬‬
‫واليمان واجب‪ ،‬ول ينفى بقوله‪( :‬ل يؤمن‪ ) ..‬إل لترك واجب فيه‪،‬‬
‫كالصلة ل تنفى إل لترك واجب فيها‪ ،‬كقوله‪( :‬ل صلة لمن ل‬
‫وضوء له)‪[ .‬رواه أحمد]‬
‫والثم والعقوبة متفاوت بحسب نوع التقديم‪:‬‬
‫‪ -‬فتارة يكون كفرا‪ ،‬وذلك في حالين‪:‬‬
‫‪ -‬الول‪ :‬إذا كان التقديم مطلقا‪ ،‬فل يتعارض شيء مع محبة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم إل قدم ذلك الشيء‪ ،‬وهكذا في كل شيء‪،‬‬
‫فهذا يعبد هواه‪ ،‬ول يعبد الله تعالى في شيء‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫‪ -‬الثاني‪ :‬إذا كان التقديم في بعض الحوال‪ ،‬لكن في أمور كفرية‪،‬‬
‫ينقض بها أصل دينه‪ ،‬فيقدم محبة المور الكفرية على محبة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كمن نصر الكافرين على المسلمين‪.‬‬
‫‪ -‬وتارة يكون كبيرة‪ ،‬وذلك إذا قدم محبة الكبائر على محبة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فشرب الخمر وزنا‪ ،‬ولم يطع النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم في نهيه عنها‪ ،‬فهذا قدم محبة هذه الكبائر‪.‬‬
‫‪ -‬وتارة صغيرة‪ ،‬وذلك إذا فعل الصغائر‪ ،‬فقدم حبها على حبه‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم وطاعته‪.‬‬
‫‪ -‬عبودية ل إلهية‪:‬‬
‫وليس فوق محبة النبي صلى الله عليه إل محبة الله تعالى‪ ،‬فإن‬
‫محبة الله تعالى هي أعلى المحبوبات وأوجبها على الطلق‪ ،‬ول‬
‫يجوز أن يساوى بينه تعالى وبين غيره في المحبة‪ ،‬حتى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فإن محبته وإن كانت عظيمة مقدمة على‬
‫المحبوبات الدنيوية‪ ،‬لكنها تبقى في مرتبة البشرية‪ ،‬ل تبلغ مرتبة‬
‫اللوهية‪ ،‬فلله تعالى محبة تخصه تسمى محبة‪ :‬التأله‪ ،‬والخلة‪.‬‬
‫ويقال كذلك‪ :‬المحبة الذاتية‪ .‬فل يجب شيء لذاته إل الله تعالى‪.‬‬
‫ومن هنا يفهم خطأ من بالغ في محبة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬حتى جعله كمحبة الله تعالى‪ ،‬فنسب إليه خصائص الخالق‬
‫سبحانه‪:‬‬
‫‪ -‬من علم الغيب‪.‬‬
‫‪ -‬وتدبير الخلق‪.‬‬
‫‪ -‬ونسبة إجابة الدعوات إليه‪.‬‬
‫‪ -‬ودعاؤه والستغاثة به من دون الله تعالى‪ ،‬في قضاء الحوائج‪،‬‬
‫وتفريج الكربات‪.‬‬
‫‪ -‬وسؤاله شيئا ل يقدر عليه إل الله تعالى‪.‬‬
‫فإن محبة النبي صلى الله عليه وسلم وإن اقترنت بمحبة الله‬
‫تعالى‪ ،‬إل أنها كاقتران طاعته بطاعته‪ ،‬أما المحبة اللهية فشيء‬
‫وراء المحبة البشرية‪ ،‬وما أرسل النبي صلى الله عليه إل ليعلق‬
‫القلوب بالله تعالى‪ ،‬ويخلص الناس محبتهم لله تعالى فل يشركوا‬
‫فيها معه غيره‪ ،‬وهذه هي العبودية‪ ،‬التي قال تعالى فيها‪:‬‬
‫‪{ -‬وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون}‪ ،‬أي ليخلصوا المحبة‬
‫والخضوع والطاعة لله تعالى‪.‬‬
‫وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المسلك غاية‬
‫التحذير‪ ،‬وحرص على منع كل ذريعة تفضي إلى مساواته بالله‬
‫تعالى في المحبة‪ ،‬فقال عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫‪( -‬ل تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم‪ ،‬فإنما أنا‬
‫عبده فقولوا عبد الله ورسوله)‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫ومعنى الثر‪ :‬ل تبالغوا في مدحي‪ ،‬وتغلوا كغلو النصارى في‬
‫عيسى عليه السلم‪.‬‬
‫فإن النصارى زعموا فيه أنه إله‪ ،‬وأنه ابن الله تعالى‪{:‬كبرت‬
‫كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إل كذبا}‪ ،‬فقد خشي النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم من هذا المسلك‪ ،‬فنهى عن المبالغة في‬
‫مدحه‪.‬‬
‫وقد وقع ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬حيث غل فيه أناس‬
‫حتى جعلوه في مرتبة اللوهية والربوبية‪:‬‬
‫‪ -‬فنسبوا إليه ما ل يليق إل بالخالق‪ ،‬وصنعوا به كما صنع النصارى‬
‫بالمسيح‪ ،‬غير أنهم لم يقولوا‪ :‬هو ابن الله‪ .‬لكنهم نسبوا إليه‪:‬‬
‫التصريف‪ ،‬وعلم الغيب‪ ،‬وإجابة الدعاء‪ .‬وهذا إنزال له في مرتبة‬
‫اللوهية‪ ،‬وإن لم يقولوا‪ :‬إنه الله‪ .‬فإن العبرة بالمعاني والحقائق‪.‬‬
‫‪ -‬كما أنهم ابتدعوا له عيدًا‪ ،‬يحتفلون فيه بمولده صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬كابتداع النصارى عيد الميلد للسيد المسيح عليه السلم‪،‬‬
‫ولم يفعله ولم يأمر به عليه السلم‪ ،‬كما لم يفعله النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ولم يأمر في حق نفسه الشريفة‪.‬‬
‫لقد اتبع طائفة من المسلمين سنن اليهود والنصارى حذو القذة‬
‫بالقذة‪ ،‬حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه‪ ،‬كما أخبر الصادق‬
‫المصدوق صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫نعم النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق‪ ،‬وسيد ولد آدم‪،‬‬
‫وخليل الله تعالى‪ ،‬وأعلى الناس منزلة يوم القيامة‪ ،‬وفي الجنة‪،‬‬
‫وهو إمام النبياء والمرسلين‪ ،‬ل يبلغ مقامه نبي مرسل‪ ،‬ول ملك‬
‫مقرب‪ ،‬غير أنه تحت سقف العبودية‪ ،‬دون مرتبة اللوهية‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫‪( -‬إنما أنا عبده‪ ،‬فقولوا عبد الله ورسوله)‪.‬‬
‫تقرير على هذه الحقيقة‪ ،‬ولجم وإبطال لدعاوى فريقين‪:‬‬
‫‪ -‬الول‪ :‬الغالي‪ ،‬الذي رفعه عن مرتبة العبودية‪ ،‬وذلك بقوله‪:‬‬
‫(فقولوا عبد الله)‪.‬‬
‫‪ -‬والثاني‪ :‬الجافي‪ ،‬الذي عامله كسائر الناس‪ ،‬فلم يميزه بالمرتبة‬
‫العالية‪ ،‬وذلك بقوله‪( :‬ورسوله)‪.‬‬
‫قال الله تعالى‪{:‬قل ل أملك لنفسي نفعا ول ضرا إل ما شاء الله‬
‫ولو كنت أعلم الغيب لستكثرت من الخير وما مسني السوء إن‬
‫أنا إل نذير وبشير لقوم يؤمنون}‪.‬‬
‫وتقديم محبته صلى الله عليه وسلم على كل شيء له أربعة‬
‫أسباب‪ ،‬الثنان الولن منها على سبيل الوجوب‪ ،‬والخران على‬
‫سبيل الستحباب‪:‬‬
‫‪ -‬الول‪ :‬أمر الله تعالى به‪ ،‬حيث تقدمت الدلة الدالة على هذا‪،‬‬
‫وهذا السبب وحده يكفي في الوجوب‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫‪ -‬الثاني‪ :‬منته صلى الله عليه وسلم على أمته‪ ،‬إذا هداهم الله به‪،‬‬
‫ودلهم على طريق السعادة والنجاة من شقاء الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ما‪ ،‬وشجاعة‪ ،‬وإحسانًا‪ ،‬ومروءة‪،‬‬ ‫خلقي‪ :‬كر ً‬ ‫‪ -‬الثالث‪ :‬كماله ال ُ‬
‫حا‪ .‬بالضافة‬ ‫ما‪ ،‬ورحمة‪ ،‬وعفوا وصف ً‬ ‫وصدقًا‪ ،‬وعدلً‪ ،‬وأمانة‪ ،‬وحل ً‬
‫إلى العلم والفقه والبصيرة‪ ،‬وأية واحدة من هذه السجايا توجب‬
‫محبة من تحلى بها‪ ،‬فكيف بمن اجتمعت فيه على أكمل وجه‪،‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬وإنك لعلى خلق عظيم}‪.‬‬
‫خلقي‪ .‬فقد كان جميلً‪ ،‬منيًرا كالشمس‪ ،‬طيب‬ ‫‪ -‬الرابع‪ :‬كماله ال َ‬
‫الرائحة‪ ،‬عرقه كالمسك‪ ،‬معتدل القوام‪ ،‬حسن الشعر‪ ،‬جميل‬
‫العين‪ ،‬أبيض البشرة‪ .‬فله أوصاف الجمال‪ ،‬فمن رآه أحبه‪.‬‬
‫‪ -‬الشوق إلى النبي‪:‬‬
‫وعلمات المحبة متعددة‪ ،‬هي‪ :‬اليمان به‪ ،‬وتوقيره‪ ،‬ونصرته‪،‬‬
‫وطاعته‪.‬‬
‫ثم إن منها كذلك‪ :‬الشوق والطرب عند ذكره‪ ،‬وتمني رؤيته‪،‬‬
‫والجلوس إليه‪ ،‬ولو كان ذلك ل يحصل إل بإنفاق كل المال‪ ،‬وما‬
‫عرف عن الصادقين من المؤمنين إل مثل هذا الشعور الصادق‪،‬‬
‫وهذه آثارهم‪:‬‬
‫‪ -1‬سأل رجل فقال‪ " :‬متى الساعة؟‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ ( :‬وما أعددت لها)؟‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬ل شيء‪ ،‬إل أني أحب الله ورسوله‪.‬‬
‫‪ -‬فقال‪( :‬أنت مع من أحببت)‪.‬‬
‫‪ -‬قال أنس‪ :‬فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي‪ :‬أنت مع من‬
‫أحببت‪.‬‬
‫‪ -‬قال أنس‪ :‬فأنا أحب النبي وأبا بكر وعمر‪ ،‬وأرجو أن أكون معهم‬
‫بحبي إياهم‪ ،‬وإن لم أعمل أعمالهم" [البخاري‪ ،‬الدب‪ ،‬باب علمة‬
‫الحب في الله دون قول أنس]‪.‬‬
‫‪ -2‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ( :‬والذي نفس محمد‬
‫بيده! ليأتين على أحدكم يوم ول يراني‪ .‬ثم لن يراني أحب إليه‬
‫من أهله وماله معهم ) [رواه مسلم في الفضائل‪ ،‬باب‪ :‬فضل‬
‫النظر إليه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وتمنيه ‪.]4/1836‬‬
‫‪ -3‬وجاء أن امرأة قتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أحد مع رسول‬
‫الله فقالت‪:‬‬
‫‪" -‬ما فعل رسول الله؟‪.‬‬
‫‪ -‬قالوا‪ :‬خيًرا‪ ،‬هو بحمد الله كما تحبين‪.‬‬
‫‪ -‬فلما رأته قالت‪ :‬كل مصيبة بعدك جلل"‪[ .‬الروض النف‬
‫للسهيلي ‪ ،6/25‬الشفا ‪]2/22‬‬
‫‪ -4‬ولما احتضر بلل قالت امرأته‪ " :‬واحزناه‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫‪ -‬فقال‪ :‬واطرباه‪ ،‬غدًا نلقى الحبة ‪ ..‬محمدًا وحزبه"‪[ .‬سير أعلم‬
‫النبلء ‪ ،1/359‬الشفا ‪.]2/23‬‬
‫‪ -5‬ولما أخرج أهل مكة زيد بن الدثنة من الحرم ليقتلوه‪ ،‬قال له‬
‫أبو سفيان‪:‬‬
‫‪ " -‬أنشدك الله يا زيد!‪ ،‬أتحب أن محمدًا الن عندنا مكانك‬
‫يضرب عنقه‪ ،‬وأنك في أهلك"؟‪.‬‬
‫‪ -‬فقال زيد‪" :‬والله ما أحب أن محمدًا الن في مكانه الذي هو‬
‫فيه تصيبه شوكة‪ ،‬وإني جالس في أهلي"‪.‬‬
‫‪ -‬فقال أبو سفيان‪" :‬ما رأيت من الناس أحدًا يحب أحدًا كحب‬
‫أصحاب محمد محمدًا"‪[ .‬السيرة النبوية الصحيحة للعمري ‪،2/400‬‬
‫سيرة ابن هشام ‪ ،3/160‬الروض النف ‪ ،6/166‬الشفا ‪.]2/23‬‬
‫‪ -6‬وكان خالد بن معدان ل يأوي إلى فراشه إل وهو يذكر من‬
‫شوقه إلى رسول الله وإلى أصحابه‪ ،‬ويسميهم ويقول‪" :‬هم‬
‫أصلي وفصلي‪ ،‬وإليهم يحن قلبي‪ ،‬طال شوقي إليهم‪ ،‬فعجل رب‬
‫قبضي إليك"‪ ،‬حتى يغلبه النوم‪[ .‬سير أعلم النبلء ‪ ،4/539‬الحلية‬
‫‪ ،5/210‬الشفا ‪.]2/21‬‬
‫‪ -7‬وقد كانت الجمادات فضل ً عن المؤمنين تشتاق إلى رسول‬
‫الله وتحبه وكذا البهائم‪:‬‬
‫‪ -‬فقد كان عليه السلم يخطب إلى جذع نخلة‪ ،‬فلما صنع له‬
‫ن الجذع‪ ،‬وسمع الناس له صوتا كصوت‬ ‫المنبر‪ ،‬تحول إليه‪ ،‬فح ّ‬
‫العشار‪ ،‬حتى تصدع وانشق‪ ،‬حتى جاء رسول الله فوضع يده‬
‫عليه فسكت‪ ،‬وكثر بكاء الناس لما رأوا به‪ ،‬فقال النبي‪( :‬إن هذا‬
‫بكى لما فقد من الذكر‪ ،‬والذي نفسي بيده‪ ،‬لو لم ألتزمه‪ ،‬لم يزل‬
‫هكذا إلى يوم القيامة)‪ ،‬فأمر به فدفن تحت المنبر‪.‬‬
‫‪ -‬وكان الحسن البصري إذا حدث بهذا بكى وقال‪" :‬يا عباد الله!‬
‫الخشبة تحن إلى رسول الله شوقًا إليه بمكانه فأنتم أحق أن‬
‫تشتاقوا إلى لقائه"‪[ .‬بتصرف‪ ،‬وأصله مروي في صحيح البخاري‪،‬‬
‫في المناقب‪ ،‬باب‪ :‬علمات النبوة قبل السلم ‪ ،3/1314‬انظر الشفا‬
‫‪ ،1/304‬صحيح الجامع ‪.]2256‬‬
‫‪ -8‬وقد كان الطعام يسبح في يده والشجر والجبل والحجر يسلم‬
‫عليه‪ [ .‬الشفا ‪ ،1/306‬وأثر التسبيح عند البخاري‪ ،‬في المناقب‪،‬‬
‫باب‪ :‬علمات النبوة قبل السلم ‪ ،3/1312‬وأثر تسليم الحجر في‬
‫مسلم‪ ،‬الفضائل‪ ،‬باب‪ :‬فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وتسليم الحجر عليه قبل النبوة ‪]4/1782‬‬
‫‪ -9‬لما قدم عمر الشام‪ ،‬سأله المسلمون أن يسأل بلل ً يؤذن‬
‫ما كان أكثر باكيًا من يومئذ‪،‬‬ ‫ما‪ ،‬فلم ير يو ً‬
‫لهم‪ ،‬فسأله‪ ،‬فأذن يو ً‬
‫ذكًرا منهم للنبي صلى الله عليه وسلم‪[ .‬سير أعلم النبلء ‪]1/357‬‬

‫‪114‬‬
‫‪ -10‬عن أبي بن كعب قال‪ " :‬كان رسول الله إذا ذهب ربع الليل‬
‫قام فقال‪":‬أيها الناس اذكروا الله‪ ،‬اذكروا الله‪ ،‬جاءت الراجفة‬
‫تتبعها الرادفة‪ ،‬جاء الموت بما فيه‪ ،‬جاء الموت بما فيه"‪.‬‬
‫‪ -‬فقلت‪ :‬يا رسول الله! إني أكثر الصلة عليك‪ ،‬فكم أجعل لك‬
‫من صلتي؟‪ .‬قال‪ :‬ما شئت‪.‬‬
‫‪ -‬قلت‪ :‬الربع؟‪ ،‬قال‪ :‬ما شئت‪ ،‬وإن زدت فهو خير‪.‬‬
‫‪ -‬قلت النصف؟‪ ،‬قال‪ :‬ما شئت‪ ،‬وإن زدت فهو خير‪.‬‬
‫‪ -‬قلت‪ :‬الثلثين؟‪ ،‬قال‪ :‬ما شئت‪ ،‬وإن زدت فهو خير‪.‬‬
‫مك‪ ،‬ويغفر لك‬ ‫‪ -‬قال‪ :‬أجعل لك صلتي كلها‪ ،‬قال‪ :‬إذا تكفى ه َ‬
‫ذنبك"‪[ .‬رواه الترمذي‪ ،‬صفة القيامة‪ ،‬وأحمد ‪]5/136‬؛ لن من صلى‬
‫على النبي صلى الله عليه بها عشًرا‪ ،‬ومن صلى الله عليه كفاه‬
‫همه وغفر ذنبه‪[ .‬انظر جلء الفهام لبن القيم ص ‪.]46‬‬
‫كثير من الصالحين يرون النبي صلى الله عليه وسلم في المنام‪،‬‬
‫بعضهم كان يراه في كل ليلة‪ ،‬فإذا ما لم يره في ليلة اتهم نفسه‬
‫بالنفاق‪ ،‬ورؤيته في المنام صلى الله عليه دليل على تعلق القلب‬
‫به‪ ،‬واشتغال اللسان بالصلة عليه‪ ،‬والعين بالنظر في سنته‪،‬‬
‫والذن في سماع حديثه‪.‬‬
‫أما أولئك الذين‪:‬‬
‫‪ -‬ل يصلون عليه حتى إذا ذكر‪.‬‬
‫‪ -‬ول يسمعون لحديثه ولو تلي‪.‬‬
‫‪ -‬ول ينظرون في سنته‪ ،‬ولو مر بهم كتاب حديث‪.‬‬
‫فإنه لن يكون له في قلوبهم‪ :‬ذكر‪ ،‬ول شوق‪.‬‬
‫فأنى لهم أن يروه في المنام‪ ،‬ولو لمرة‪ ،‬فهل لهم أن يتهموا‬
‫أنفسهم بالنفاق؟!‪..‬‬
‫‪000000000000000‬‬
‫القوم في معجزات النبي الكرم‪..‬‬ ‫‪ -1 .17‬القول‬
‫المقدمة‬
‫القول القوم في معجزات النبي الكرم‬
‫وما أظهره الله على يديه من اليات وشرفه به من الخصائص‬
‫والكرامات‬
‫أبو يوسف محمد زايد‬
‫الحمد لله والصلة‪ ،‬والسلم على رسول الله‪..‬‬
‫أصل هذا المؤلف من كتاب "الشفا بتعريف حقوق المصطفى"‬
‫للقاضي عياض رحمه الله‪ ،‬الباب الرابع؛ وكان عملي فيه كما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪-1‬تخريج اليات القرآنيـة وكتابتـها مشـكولة بالضبط التام‪.‬‬
‫‪ -2‬تخريج الحاديث وتدوينها كاملة اللفظ‪ ،‬كلما أمكنني ذلك‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫‪ -3‬إضافة فوائد كثيرة مـن كتب عدة في السيرة والتاريـخ‪..‬‬
‫‪ -4‬وقفات مع نخبة طيبـة مــن العلماء حول بعض القصص‪.‬‬
‫‪ -5‬إلباس الكتاب حلـة ترتــاح لها عين القارئ الكريم‪...‬‬
‫ويشتمل هذا الكتاب على مقدمـة و ‪ 28‬فصــلً‪ ،‬وخاتمة‪...‬‬
‫والفصول كما وردت في المصفى من كتاب الشفا بتعريف حقوق‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ هي‪:‬‬
‫‪ -1‬في أن الله تعالى قادر على خلق المعرفة في قلوب عباده‪.‬‬
‫‪ -2‬في معنى تسمية من جاءت به النبياء معجزة‪.‬‬
‫‪ -3‬في إعجاز القرآن ـ الوجه الول‪ :‬حسن تأليفه‪ ،‬والتئام كلمه‪،‬‬
‫وفصاحته‪.‬‬
‫‪ -4‬في إعجاز القرآن ـ الوجه الثاني‪ :‬النظم والسلوب‪.‬‬
‫‪ -5‬في إعجاز القرآن ـ الوجه الثالث‪ :‬ما انطوى عليه من الخبار‬
‫بالمغيبات‪.‬‬
‫‪ -6‬في إعجاز القرآن ـ الوجه الرابع‪ :‬ما أنبأ به من أخبار القرون‬
‫السالفة‪ ،‬والمم البائدة‪ ،‬والشرائع الداثرة‪.‬‬
‫‪ -7‬هذه الوجوه الربعة من العجاز ل نزاع فيها ول مرية‪.‬‬
‫‪ -8‬من وجوه العجاز‪ :‬الروعة التي تلحق قلوب سامعيه‬
‫وأسماعهم عند سماعه‪ ،‬والهيبة التي تعتريهم عند تلوته‪.‬‬
‫ة ل تعدم ما بقيت‬ ‫ة باقي ً‬
‫‪ -9‬ومن وجوه إعجازه المعدودة كونه آي ً‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫‪ -10‬في وجوه أخرى للعجاز‪.‬‬
‫‪ -11‬في انشقاق القمر وحبس الشمس‪.‬‬
‫‪ -12‬في نبع الماء من بين أصابعه و تكثيره بركة‪.‬‬
‫‪ -13‬ومما يشبه هذا من معجزاته‪.‬‬
‫‪ -14‬ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه‪.‬‬
‫‪ -15‬في كلم الشجرة وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته‪.‬‬
‫‪ -16‬في قصة حنين الجذع‪.‬‬
‫‪ -17‬ومثل هذا في سائر الجمادات‪.‬‬
‫‪ -18‬في اليات في ضروب الحيوانات‪.‬‬
‫‪ -19‬في إحياء الموتى و كلمهم‪ ،‬و كلم الصبيان والمراضع و‬
‫شهادتهم لهم بالنبوة‪.‬‬
‫‪ -20‬في إبراء المرضى وذوي العاهات‪.‬‬
‫‪ -21‬في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -22‬في كرامته صلى الله عليه وسلم وانقلب العيان له فيما‬
‫لمسه أو باشره‪.‬‬
‫‪ -23‬فيما أطلع عليه من الغيوب وما يكون‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫‪ -24‬في عصمة الله تعالى له صلى الله عليه وسلم مـن‬
‫النـــاس‪.‬‬
‫‪ -25‬من معجزاته الباهرة ما جمعه الله له صلى الله عليه وسلم‬
‫من المعارف والعلوم‪.‬‬
‫‪ -26‬من خصائصه صلى الله عليه وسلم وكراماته وباهر آياته‬
‫أنباؤه مع الملئكة والجن‪.‬‬
‫‪ -27‬مــن دلئــل نـبـوتـه وعـلمـــات رسالـتـه صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫‪ -28‬فـيـمـا ظـهـر مـن اليـات عـنـد مـولـده صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫الخاتمة‪ -‬معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم أظهر من سائر‬
‫معجزات الرسل عليهم السلم‪.‬‬
‫ة‬
‫مــــ ُ‬
‫دّ َ‬ ‫اَلْـ ُ‬
‫مـقَـ ِ‬
‫قال القاضي أبو الفضل‪ :‬حسب المتأمل أن يحقق أن كتابنا‬
‫هذا لم نجمعه لمنكر نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ول لطاعن‬
‫في معجزاته‪ ،‬فنحتاج إلى نصب البراهين عليها‪ ،‬وتحصين حوزتها‪،‬‬
‫حتى ل يتوصل المطاعن إليها‪ ،‬ونذكر شروط المعجز والتحدي‬
‫وحده‪ ،‬وفساد قول من أبطل نسخ الشرائع‪ ،‬ورده‪ ،‬بل ألفناه‬
‫لهل ملته‪ ،‬الملبين لدعوته‪ ،‬المصدقين لنبوته‪ ،‬ليكون تأكيدا ً في‬
‫محبتهم له‪ ،‬ومنماة ً لعمالهم‪ ،‬وليزدادوا إيمانا ً مع إيمانهم‪.‬‬
‫وبنيتنا أن نثبت في هذا الباب أمهات معجزاته‪ ،‬ومشاهير آياته‪،‬‬
‫لتدل على عظيم قدره عند ربه‪ .‬وأتينا منها بالمحقق والصحيح‬
‫السناد‪ ،‬وأكثره مما بلغ القطع‪ ،‬أو كاد‪ ،‬وأضفنا إليها بعض ما وقع‬
‫في مشاهير كتب الئمة‪ .‬وإذا تأمل المتأمل المنصف ما قدمناه‬
‫من جميل أثره‪ ،‬وحميد سيره‪ ،‬وبراعة علمه‪ ،‬ورجاحة عقله‬
‫وحلمه‪ ،‬وجملة كماله‪ ،‬وجميع خصاله‪ ،‬وشاهد حاله‪ ،‬وصواب‬
‫مقاله ـ لم يمتر في صحة نبوته‪ ،‬وصدق دعوته‪ .‬وقد كفى هذا غير‬
‫واحد في إسلمه واليمان به‪.‬‬
‫‪-‬فروينا عن الترمذي‪ ،‬وابن قانع وغيرهما بأسانيدهم ـ أن عبد الله‬
‫بن سلم‪ ،‬قال‪( :‬لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫المدينة جئته لنظر إليه‪ ،‬فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه‬
‫ليس بوجه كذاب)‪ .‬حدثنا به القاضي الشهيد أبو علي رحمه الله‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبو الحسين الصيرفي‪ ،‬و أبو الفضل بن خيرون عن‬
‫أبي يعلى البغدادي‪ ،‬عن أبي علي السنجي‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن‬
‫الترمذي‪ ،‬حدثنا محمد بن بشار‪ ،‬حدثنا عبد الوهاب الثقفي‪،‬‬
‫ومحمد بن جعفر‪ ،‬وابن أبي عدي‪ ،‬ويحيى بن سعيد‪ ،‬عن عوف بن‬

‫‪117‬‬
‫أبي جميلة العرابي‪ ،‬عن زرارة ابن أوفى‪ ،‬عن عبد الله بن‬
‫سلم‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫قلت‪ * :‬رواه ابن ماجه في السنن‪ ،‬والتبريزي في مشكاة‬
‫المصابيح‪ ،‬والمنذري في الترغيب والترهيب‪ ،‬ولفظه في سنن‬
‫الترمذي‪ :‬لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة‬
‫إنجفل الناس إليه وقيل قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم‪..‬‬
‫قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم‪..‬قدم رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ..‬فجئت في الناس لنظر إليه فلما استثبت وجه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه‬
‫كذاب‪ .‬وكان أول شيء تكلم به أن قال‪" :‬أيها الناس‪ :‬أفشوا‬
‫السلم‪ ،‬وأطعموا الطعام‪ ،‬وصلوا والناس نيام‪ ،‬تدخلون الجنة‬
‫بسلم"‪ .‬قال أبو عيسى هذا حديث صحيح‪.‬‬
‫** وقال الشيخ اللباني‪ :‬صحيح سند الحديث حدثنا محمد بن‬
‫بشار حدثنا عبد الوهاب الثقفي ومحمد بن جعفر وبن أبي عدى‬
‫ويحيى بن سعيد عن عوف بن أبي جميلة العرابي عن زرارة بن‬
‫أوفى عن عبد الله بن سلم قال‪...‬‬
‫‪-‬وعن أبي رمثة التيمي‪ :‬أتيت النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومعي‬
‫ابن لي‪ ،‬فأريته‪ ،‬فلما رأيته قلت‪ :‬هذا نبي الله‪.‬‬
‫قلت‪:‬‬
‫* رواه المام الترمذي في الشمائل ‪ -‬باب ما جاء في خضاب‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعي ابن لي قال‪ :‬فأريته‬
‫فقلت لما رأيته‪ :‬هذا نبي الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبان‬
‫(وفي رواية‪ :‬بردان) أخضران وله شعر قد عله الشيب وشيبه‬
‫أحمر‪.‬‬
‫* وفي رواية أخرى‪ :‬أتيت النبي صلى الله عليه وسلم مع ابن لي‬
‫فقال‪" :‬ابنك هذا؟" فقلت‪ :‬نعم أشهد به‪ ..‬قال‪" :‬ل يجني عليك‬
‫ول تجني عليه"‪ .‬قال‪ :‬ورأيت الشيب أحمر‪.‬‬
‫قال أبو عيسى‪ :‬هذا أحسن شيء روي في هذا الباب وأفسر لن‬
‫الروايات الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الشيب‪..‬‬
‫وأبو رمثة اسمه رفاعة بن يثربي التيمي‪.‬‬
‫ضمادا ً لما وفد عليه‪ ،‬فقال له النبي‬
‫‪-‬وروى مسلم وغيره أن ِ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن الحمد لله نحمده ونستعينه‪ ،‬من يهده‬
‫الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل‬
‫الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأن محمدا ً عبده ورسوله" قال له‪ :‬أعد‬
‫علي كلماتك هؤلء‪ ،‬فلقد بلغن قاموس البحر هات يدك أبايعك‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫قلت‪ :‬رواه مسلم في كتاب الجمعة‪ ،‬باب تخفيف الصلة‬
‫والخطبة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن المثنى‪.‬‬
‫كلهما عن عبد العلى‪ .‬قال ابن المثنى‪ :‬حدثني عبد العلى (وهو‬
‫أبو همام) حدثنا داود عن عمرو بن سعيد‪ ،‬عن سعيد بن جبير‪،‬‬
‫عن ابن عباس؛ أن ضمادًا قدم مكة‪ .‬كان من أزد شنوءة‪ .‬وكان‬
‫يرقي من هذه الريح‪ .‬فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون‪ :‬إن‬
‫محمدًا مجنون‪ .‬فقال‪ :‬لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه‬
‫على يدي‪ .‬قال فلقيه‪ .‬فقال‪ :‬يا محمد! إني أرقي من هذه الريح‪.‬‬
‫وإن الله يشفي على يدي من يشاء‪ .‬فهل لك؟ فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن الحمد لله‪ .‬نحمده ونستعينه‪ ،‬من يهده‬
‫الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪ .‬وأشهد أن ل إله إل‬
‫الله وحده ل شريك له‪ .‬وأن محمدًا عبده ورسوله‪ .‬أما بعد"‪ .‬قال‬
‫فقال‪ :‬أعد علي كلماتك هؤلء‪ .‬فأعادهن عليه رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ .‬ثلث مرات‪ .‬قال‪ ،‬فقال‪ :‬لقد سمعت قول‬
‫الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء‪ .‬فما سمعت مثل كلمات‬
‫هؤلء‪ .‬ولقد بلغن ناعوس البحر‪ .‬قال‪ ،‬فقال‪ :‬هات يدك أبايعك‬
‫على السلم‪ .‬قال فبايعه‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬وعلى قومك"‪ .‬قال‪ :‬وعلى قومي‪ .‬قال فبعث رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم سرية فمروا بقومه‪ .‬فقال صاحب السرية‬
‫للجيش‪ :‬هل أصبتم من هؤلء شيئًا؟ فقال رجل من القوم‪ :‬أصبت‬
‫منهم مطهرة‪ .‬فقال‪ :‬ردوها‪ .‬فإن هؤلء قوم ضماد‪.‬‬
‫‪-‬وقال جامع بن شداد‪ :‬كان رجل منا يقال له طارق‪ ،‬فأخبر أنه‬
‫رأى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة‪ ،‬فقال‪ :‬هل معكم شيء‬
‫تبيعونه؟ قلنا‪ :‬هذا البعير‪ .‬قال‪ :‬بكم؟ قلنا‪ :‬بكذا و كذا وسقا ً من‬
‫تمر‪ ،‬فأخذ بخطامه‪ ،‬وسار إلى المدينة‪ ،‬فقلنا‪ :‬بعنا من رجل ل‬
‫ندري من هو‪،‬ومعنا ظعينة‪ ،‬فقالت‪ :‬أنا ضامنة لثمن البعير‪ ،‬رأيت‬
‫وجه رجل مثل القمر ليلة البدر ل يخيس فيكم‪.‬‬
‫فأصبحنا‪ ،‬فجاء رجل بتمر فقال‪ :‬أنا رسول رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم إليكم‪ ،‬يأمركم أن تأكلوا من هذا التمر‪ ،‬وتكتالوا حتى‬
‫تستوفوا‪ .‬ففعلنا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬جامع بن شداد‪ ،‬هو أبو صخرة السدي المحاربي‪ ،‬أخرج له‬
‫النسائي وأبو داود – توفي رحمه الله عام ‪118‬هـ‪ .‬والحديث أخرجه‬
‫البيهقي‪ ،‬والحاكم‪ ،‬والدارقطني وهو عند هذا الخير‪:‬‬
‫حدثنا أبو عبيد القاسم بن إسماعيل نا أحمد بن محمد بن يحيى‬
‫بن سعيد القطان نا ابن نمير عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد نا‬
‫أبو صخرة جامع بن شداد عن طارق بن عبد الله المحاربي قال‪:‬‬
‫رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرة بسوق ذي‬

‫‪119‬‬
‫المجاز وأنا في تباعة لي هكذا قال أبيعها فمر وعليه حلة حمراء‬
‫وهو ينادي بأعلى صوته‪" :‬يا أيها الناس قولوا ل إله إل الله‬
‫تفلحوا"‪ ..‬ورجل يتبعه بالحجارة وقد أدمى كعبيه وعرقوبيه وهو‬
‫يقول‪ :‬يا أيها الناس ل تطيعوه فإنه كذاب‪ ..‬قلت‪ :‬من هذا؟ فقالوا‬
‫هذا غلم بني عبد المطلب‪..‬قلت‪ :‬من هذا الذي يتبعه يرميه؟‬
‫قالوا هذا عمه عبد العزى‪.‬وهو أبو لهب‪ ...‬فلما ظهر السلم‬
‫وقدم المدينة أقبلنا في ركب من الربذة وجنوب الربذة حتى نزلنا‬
‫قريبًا من المدينة ومعنا ظعينة لنا قال‪ :‬فبينا نحن قعود إذ أتانا‬
‫رجل عليه ثوبان أبيضان فسلم فرددنا عليه‪ ،‬فقال‪ :‬من أين أقبل‬
‫القوم؟ قلنا من الربذة وجنوب الربذة‪ ..‬قال ومعنا جمل أحمر‪.‬‬
‫قال‪ :‬تبيعوني جملكم‪ ..‬قلنا نعم‪.‬قال‪ :‬بكم؟ قلنا بكذا وكذا صاع ًا‬
‫من تمر‪..‬قال‪ :‬فما استوضعنا شيئًا‪ ،‬وقال‪ :‬قد أخذته‪ ..‬ثم أخذ‬
‫برأس الجمل حتى دخل المدينة فتوارى عنا‪ ،‬فتلومنا بيننا‪ :‬وقلنا‪:‬‬
‫أعطيتم جملكم من ل تعرفونه‪ .‬فقالت الظعينة‪:‬ل تلوموا‪ ،‬فقد‬
‫رأيت وجه رجل ما كان ليحقركم‪.‬ما رأيت وجه رجل أشبه بالقمر‬
‫ليلة البدر من وجهه‪ ..‬فلما كان العشاء أتانا رجل‪ ،‬فقال‪ :‬السلم‬
‫عليكم‪ .‬أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم‪ ،‬وأنه‬
‫أمركم أن تأكلوا من هذا حتى تشبعوا وتكتالوا حتى تستوفوا‪..‬‬
‫قال‪ :‬فأكلنا حتى شبعنا واكتلنا حتى استوفينا‪ .‬فلما كان من الغد‬
‫دخلنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على‬
‫المنبر يخطب الناس وهو يقول‪ :‬يد المعطي العليا وابدأ بمن‬
‫تعول أمك وأباك وأختك وأخاك وأدناك أدناك‪ ...‬فقام رجل من‬
‫النصار‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله هؤلء بنو ثعلبة بن يربوع الذين‬
‫قتلوا فلنًا في الجاهلية‪ ،‬فخذ لنا بثأرنا فرفع يديه حتى رأينا بياض‬
‫إبطيه‪ ،‬فقال‪ :‬أل ل يجني والد على ولده‪.‬‬
‫‪-‬وفي خبر الجلندي ملك عمان ـ لما بلغه أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم يدعوه إلى السلم ـ قال الجلندي‪ :‬والله‪ ،‬لقد‬
‫دلني على هذا النبي المي أنه ل يأمر بخير إل كان أول آخذ به‪ ،‬و‬
‫ل ينهى عن شيء إل كان أول تارك له‪ ،‬و أنه يغلب فل يبطر‬
‫ويغلب فل يضجر‪ ،‬ويفي بالعهد‪ ،‬وينجز الموعود‪ ،‬وأشهد أنه نبي‪.‬‬
‫قلت‪:‬‬
‫* ذكر ابن حجر في فتح الباري قصة " الجلندي" قال‪:‬‬
‫وقال الرشاطي عمان في اليمن سميت بعمان بن سبأ ينسب‬
‫إليها الجلندي رئيس أهل عمان ذكر وثيمة أن عمرو بن العاص‬
‫قدم عليه من عند النبي صلى الله عليه وسلم فصدقه‪ ..‬وذكر‬
‫غيره أن الذي آمن على يد عمرو بن العاص ولدا الجلندي عياذ‬
‫وجيفر وكان ذلك بعد خيبر ذكره أبو عمرو انتهى‪ ..‬وروى‬

‫‪120‬‬
‫الطبراني من حديث المسور بن مخرمة قال بعث رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم أرسله إلى الملوك فذكر الحديث‪ ..‬وفيه‬
‫وبعث عمرو بن العاص إلى جيفر وعياذ ابني الجلندى ملك‬
‫عمان‪ ..‬وفيه فرجعوا جميعًا قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم إل عمرا فإنه توفي وعمرو بالبحرين وفي هذا إشعار‬
‫بقرب عمان من البحرين وبقرب البعث إلى الملوك من وفاته‬
‫صلى الله عليه وسلم فلعلها كانت بعد حنين فتصحفت‪.‬‬
‫* وقال ابن الجوزي في المنتظم‪ :‬وفي هذه السنة ـ أي السنة‬
‫العاشرة ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن‬
‫العاص بعد رجوعه من الحج ليام بقين من ذي الحجة إلى جيفر‬
‫وعبد ابني الجلندي بعمان يدعوهما إلى السلم‪.‬‬
‫وكتب معه كتابًا إليهما وختم الكتاب قال عمرو‪ :‬فلما قدمت‬
‫عمان عمدت إلى عبد وكان أحلم الرجلين وأسهلهما خلقًا فقلت‪:‬‬
‫إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك وإلى أخيك‬
‫فقال أخي المقدم بالسّر والملك‪ :‬وأنا أوصلك إليه حتى تقرأ‬
‫ما ببابه ثم إنه دعاني فدخلت عليه فدفعت إليه‬ ‫كتابك فمكثت أيا ً‬
‫ما ففض خاتمه وقرأه حتى انتهى إلى آخره ثم دفعه‬ ‫الكتاب مختو ً‬
‫ت أخاه أرق منه فقال‪ :‬دعني يومي‬ ‫إلى أخيه فقرأه إل أني رأي َ‬
‫ي غدا فلما كان الغد رجعت إليه فقال‪ :‬إني فكرت‬ ‫هذا وارجع إل ّ‬
‫فيما دعوتني إليه فإذا أنا أضعف العرب إن ملكت رجًل ما في‬
‫ي‬
‫يدي قلت‪ :‬فإني خارج غدًا فلما أيقن بمخرجي أصبح فأرسل إل ّ‬
‫فدخلت عليه فأجاب إلى السلم هو وأخوه جميعًا وصدقا بالنبي‬
‫ي وبين الصدقة وبين الحكم فيما‬ ‫صلى الله عليه وسلم وخليا بين ِ‬
‫بينهم وكانا لي عونًا على من خالفني فأخذت الصدقة من‬
‫ما بينهم حتى بلغنا‬
‫أغنيائهم فرددتها في فقرائهم ولم أزل مقي ً‬
‫وفاة النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وذكر الواقدي إن هذا كان في سنة ثمان‪ .‬قال المؤلف‪ :‬وما‬
‫ذكرناه أصح‪ .‬وقال ابن مسعود‪ :‬هذا آخر بعث النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم إلى الملوك‪.‬‬
‫** ونص كتاب رسول الله إلى ملكي عمان‪ ،‬كما أورده الشيخ‬
‫أحمد بن محمد القسطلني في المواهب اللدنية بالمنح‬
‫المحمدية‪ ،‬هو‪ :‬بسم الله الرحمن الرحيم‪ .‬من محمد عبد الله‬
‫جلَنْدي‪ :‬السلم على من اتبع‬ ‫جيْفَر وعبْد ابنَي ال ُ‬
‫ورسوله‪ ،‬إلى َ‬
‫الهدى‪ ،‬أما بعد‪:‬أسلما تسلما‪ ،‬فإني رسول الله إلى الناس‬
‫كافة‪،‬لُنذر من كان حيا ويحقّ القول على الكافرين‪ ،‬وإنكما إن‬
‫أقررتما بالسلم وليتكما‪ ،‬وإن أبيتما أن تقرا بالسلم فإن ملككما‬
‫زائل عنكما‪ ،‬وخيلي تحل بساحتكما‪،‬وتظهر نبوتي على ملككما‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫ضيءُ وَلَوْ ل َ ْ‬
‫م‬ ‫‪-‬وقال نفطويه ـ في قوله تعالى‪(:‬يَكَاد ُ َزيْتُهَا ي ُ ِ‬
‫ه نَاٌر) (النور‪ :)35 :‬هذا مثل ضربه الله تعالى لنبيه صلى‬ ‫س ُ‬‫س ْ‬
‫م َ‬
‫تَ ْ‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬يقول‪ :‬يكاد منظره يدل على نبوته وإن لم يتل‬
‫قرآنا ً كما قال ابن رواحة‪:‬‬
‫لكان منظره ينبيك بالخبر‬ ‫لو لم تكن فيه آيات مبينة‬
‫ن نأخذ في ذكر النبوة والوحي والرسالة‪ ،‬وبعده في‬ ‫نأ ْ‬‫وقد آ َ‬
‫معجزة القرآن‪ ،‬وما فيه من برهان ودللة‬
‫‪00000000000000‬‬
‫‪ .18‬وانشق القمر‬
‫الكاتب‪ :‬د‪ .‬جمال الحسيني أبو فرحة‬
‫يقول تعالى‪" :‬اقتربت الساعة وانشق القمر‪ .‬وإن يروا آية‬
‫يعرضوا ويقولوا سحر مستمر" القمر‪ .2:1 :‬وكثيًرا ما كانت هذه‬
‫الية محل للطعن من غير المسلمين‪ ،‬والتأويل من بعض‬
‫المسلمين؛ بحجة أن هذه المعجزة لو وقعت لسجلها تاريخ المم‬
‫الخرى‪.‬‬
‫وجواب ذلك‪ :‬أن هذا هو ما حدث بالفعل؛ فقد سجلتها كتب بعض‬
‫مؤرخي الهند‪ ،‬وأرخت بها لبناء بعض البنية؛ ففي المقالة الحادية‬
‫ضا‪.‬‬
‫عشرة من تاريخ فرشته أن أهل مليبار من إقليم الهند رأوه أي ً‬
‫وقد نقل ابن تيمية عن بعض المسافرين أنه ذكر أنه وجد في بلد‬
‫ما مكتوبًا عليه‪ ( :‬بني ليلة انشق القمر )‪.‬‬
‫الهند بناءً قدي ً‬
‫ثم إن انشقاق القمر لم يكن أحد من أمم أهل الرض يترصده‬
‫وينتظره‪ ،‬وكان في ليل‪ ،‬وفي زمان البرد‪ ،‬ولفترة وجيزة؛ فقلما‬
‫يراه أحد‪.‬‬
‫ثم إنه قد يحول بين الرائي والقمر في بعض الماكن سحاب‬
‫كثيف؛ فل يرى هذه المعجزة‪ ،‬هذا بالضافة إلى اختلف مطالع‬
‫القمر؛ فهو ل يرى لكل أهل الدنيا مرة واحدة‪.‬‬
‫ومن ثمة فإنه من المتوقع أل يكون رآه إل عدد محدود من أهل‬
‫الرض متفرقين في بلدان شتى‪ ،‬ربما حمل معظم المؤرخين‬
‫روايتهم على تخطئة البصار‪ ،‬أو على نوع من الخسوف‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك أن وصفه تعالى لنشقاق القمر بأنه (آية) ‪" :‬وإن‬
‫يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر "؛ يمنع أي محاولة لتأويل‬
‫هذه المعجزة‪.‬‬
‫ثم إن نزول القرآن على العرب وتحديه لهم وفيه هذه القصة مع‬
‫عدم اعتراض أحد منهم عليه ليؤكد حدوثها كما ذكرت الية‬
‫الكريمة‪.‬‬
‫أما في عصرنا الراهن فنجد في موقع وكالة ناسا الفضائية‬
‫المريكية على شبكة (النترنت)‬

‫‪122‬‬
‫‪ http://antwrp.gsfc.nasa.gov/apod/ap021029.html‬صورة لصدع طولي رهيب‬
‫على سطح القمر يظهر بوضوح من الصورة في أعلى المقال‬
‫يمتد لمئات الكيلومترات‪ ،‬عبارة عن حزام من الصخور المتحولة‪،‬‬
‫وكاتب المقال يتساءل‪:‬‬
‫‪?What could cause a long indentation on the Moon‬‬
‫أي ما الذي يمكن أن يحدث شقًا بهذا الطول في القمر؟‬
‫والكيفية التي طرح بها السؤال تبين بجلء حيرة العلماء في‬
‫ق‪ ،‬وهو ما ينم عن حدث عظيم تعرض له‬ ‫تفسير تكون هذا الش ٍ‬
‫القمر ترك هذا الثر المحيّر‪ ،‬ولو كان سببه زلزال عاديًا أو بركانًا‬
‫لما استغلق على العلماء فهمه كل هذه المدة إذ أنه اكتشف منذ‬
‫أكثر من ‪ 200‬عام كما يذكر موقع وكالة ناسا‪.‬‬
‫والطريف في المر أن هؤلء العلماء ليسوا مسلمين ول علم لهم‬
‫بنسبة هذه المعجزة لنبينا – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬؛ فصدق الله‬
‫العظيم القائل في كتابه الكريم‪" :‬ويرى الذين أوتوا العلم الذي‬
‫أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد "‬
‫سبأ ‪. 6:‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪ .19‬القول القوم في معجزات النبي الكرم(‪..)2‬‬
‫معجزة القرآن‬
‫الفصل الول‪:‬‬
‫في أن الله تعالى قادر على خلق المعرفة في قلوب عباده‪:‬‬
‫‪-‬اعلم أن الله جل اسمه قادر على خلق المعرفة في قلوب‬
‫عباده‪ ،‬والعلم بذاته وأسمائه وصفاته وجميع تكليفاته ابتداء دون‬
‫واسطة لو شاء‪ ،‬كما حكي عن سنته في بعض النبياء‪ ،‬وذكره‬
‫َّ‬ ‫بعض أهل التفسير في قوله تعالى‪( :‬وما كَان لِب َ َ‬
‫ه‬
‫ه الل ُ‬ ‫م ُ‬‫شرٍ أن يُكَل ِّ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شاءُ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ي بِإِذ ْنِهِ َ‬
‫ح َ‬ ‫ً‬
‫سول فَيُو ِ‬ ‫س َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫ب أوْ يُْر ِ‬
‫جا ٍ‬
‫ح َ‬‫من وََراء ِ‬ ‫حيا ً أوْ ِ‬‫إ ِ ّل وَ ْ‬
‫م) (الشورى‪.)51 :‬‬ ‫حكِي ٌ‬
‫ي َ‬ ‫إِن َّ ُ‬
‫ه عَل ِ ٌّ‬
‫وجائز أن يوصل إليهم جميع ذلك بواسطة تبلغهم كلمه‪ ،‬وتكون‬
‫تلك الواسطة‪ ،‬إما من غير البشر‪ ،‬كالملئكة مع النبياء أو من‬
‫جنسهم‪ ،‬كالنبياء مع المم‪ ،‬ول مانع لهذا من دليل العقل‪.‬‬
‫وإذا جاز هذا ولم يستحل‪ ،‬وجاءت الرسل بما دل على صدقهم‬
‫من معجزاته وجب تصديقهم في جميع ما أتوا به‪ ،‬لن المعجزة‬
‫مع التحدي من النبي صلى الله عليه وسلم قائم مقام قول الله‪:‬‬
‫صدق عبدي فأطيعوه واتبعوه‪ ،‬وشاهد على صدقه فيما يقوله‪ ،‬و‬
‫هذا كاف‪.‬‬
‫والتطويل فيه خارج عن العرض‪ ،‬فمن أراد تتبعه وجده مستوفي‬
‫في مصنفات أئمتنا رحمهم الله‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫فالنبوة في لغة من همز مأخوذة من النبأ‪ ،‬وهو الخبر‪ ،‬وقد ل‬
‫تهمز على هذا التأويل تسهيل ً‬
‫والمعنى أن الله تعالى أطلعه على غيبه‪ ،‬وأعلمه أنه نبيه‪ ،‬فيكون‬
‫نبي منبأ فعيل بمعنى مفعول‪ ،‬أو يكون مخبرا ً عما بعثه الله تعالى‬
‫به‪ ،‬ومنبئا ً بما أطلعه الله عليه فعيل بمعنى فاعل‪ ،‬ويكون عند من‬
‫لم يهمزه من النبوة‪ ،‬وهو ما ارتفع من الرض‪ ،‬ومعناه أن له رتبة‬
‫شريفة‪ ،‬ومكانة نبيهة عند موله منيفة فالوصفان في حقه‬
‫مؤتلفان‪ .‬وأما الرسول فهو المرسل‪ ،‬ولم يأت فعول بمعنى‬
‫مفعل في اللغة إل نادراً‪ .‬وإرساله أمر الله بالبلغ إلى من أرسله‬
‫إليه‪ ،‬واشتقاقه من التتابع‪ ،‬ومنه قولهم‪ :‬جاء الناس أرسالً‪ ،‬إذا‬
‫اتبع بعضهم بعضاً‪ ،‬فكأنه ألزم تكرير التبليغ‪ ،‬أو ألزمت المة‬
‫اتباعه‪.‬‬
‫واختلف العلماء‪ :‬هل النبي والرسول بمعنى‪ ،‬أو بمعنيين؟ فقيل‪:‬‬
‫هما سواء‪ ،‬وأصله من النباء وهو العلم‪ ،‬واستدلوا بقوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬
‫منَّى أَلْقَى‬ ‫َ‬ ‫ي إ ِ ّل إِذ َا ت َ‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ل وََل نَب‬‫ٍ‬ ‫سو‬ ‫من َّر ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫من قَبْل ِ َ‬ ‫سلْنَا ِ‬
‫َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫(وَ َ‬
‫َّ‬ ‫ن ث ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ال َّ‬
‫م الل ُ‬
‫ه‬ ‫حك ِ ُ‬
‫م يُ ْ‬ ‫شيْطا ُ‬ ‫ما يُلقِي ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫خ الل ُ‬ ‫منِي ّتِهِ فَيَن َ‬
‫س ُ‬ ‫ن فِي أ ْ‬ ‫شيْطا ُ‬
‫َ‬
‫م) (الحج‪ ،))52 :‬فقد أثبت لهما معا ً الرسال‪،‬‬ ‫حكِي ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَلِي ٌ‬‫آيَاتِهِ وَالل ّ ُ‬
‫قال‪ :‬و ل يكون النبي إل رسول ً ول الرسول إل نبياً‪.‬‬
‫و قيل‪ :‬هما مفترقان من وجه‪ ،‬إذ قد اجتمعا في النبوة التي هي‬
‫الطلع على الغيب والعلم بخواص النبوة أو الرفعة لمعرفة‬
‫ذلك‪ ،‬وحوز درجتها‪ ،‬وافترقا في زيادة الرسالة للرسول‪ ،‬وهو‬
‫المر بالنذار والعلم كما قلنا‪ .‬وحجتهم من الية نفسها التفريق‬
‫بين السمين‪ ،‬ولو كانا شيئا ً واحدا ً لما حسن تكرارهما في الكلم‬
‫البليغ‪ ،‬قالوا‪ :‬والمعنى‪ :‬ما أرسلنا من رسول إلى أمة أو نبي ليس‬
‫بمرسل إلى أحد‪.‬‬
‫وقد ذهب بعضهم إلى أن الرسول من جاء بشرع مبتدإ‪ ،‬ومن لم‬
‫يأت به نبي غير رسول‪ ،‬وإن أمر بالبلغ والنذار‪ .‬والصحيح‪،‬‬
‫والذي عليه الجماع الغفير‪ ،‬أن كل رسول نبي‪ ،‬وليس كل نبي‬
‫رسولً‪.‬‬
‫وأول الرسل آدم‪ ،‬وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم‪ .‬وفي‬
‫حديث أبي ذر رضي الله عنه‪ :‬إن النبياء مائة ألف وأربعة‬
‫وعشرون ألف نبي‪ .‬وذكر أن الرسل‪ ،‬منهم ثلثمائة وثلثة عشر‪،‬‬
‫أولهم آدم عليه السلم‪.‬‬
‫فقد بان لك معنى النبوة والرسالة‪ ،‬وليستا عند المحققين ذاتاً‬
‫للنبي‪ ،‬ول وصف ذات‪ ،‬خلفا ً للكرامية‪ ،‬وفي تطويل لهم‪ ،‬وتهويل‪،‬‬
‫ليس عليه تعويل‪.‬‬
‫قلت‪:‬‬

‫‪124‬‬
‫* حديث أبي ذر رضي الله عنه‪ ،‬أخرجه البيهقي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو الحسن علي بن الفضل بن‬
‫إدريس السامري ببغداد ثنا الحسن بن عرفة العبدي حدثني يحيى‬
‫بن سعيد السعيدي البصري ثنا عبد الملك بن جريج عن عطاء‬
‫عن عبيد بن عمير عن أبي ذر قال دخلت على رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وهو في المسجد فذكر الحديث إلى أن قال‬
‫فقلت يا رسول الله كم النبيون قال مائة ألف نبي وأربعة‬
‫وعشرون ألف نبي قلت كم المرسلون منهم قال ثلثمائة وثلثة‬
‫عشر تفرد به يحيى بن سعيد السعيدي‪.‬‬
‫وأما الوحي فأصله السراع‪ ،‬فلما كان النبي يتلقى ما يأتيه من‬
‫جل سمي وحياً‪ ،‬وسميت أنواع اللهامات وحياً‪ ،‬تشبيهاً‬ ‫ربه بِعَ َ‬
‫بالوحي إلى النبي‪ ،‬وسمي الخط وحياً‪ ،‬لسرعة حركة يد كاتبه‪،‬‬
‫ووحي الحاجب واللحظ سرعة إشارتهما ومنه قوله تعالى‪:‬‬
‫شيّاً) (مريم‪ ،)11 :‬أي أومأ‬ ‫(فَأَوحى إلَيه َ‬
‫حوا بُكَْرة ً وَع َ ِ‬ ‫سب ِّ ُ‬‫م أن َ‬ ‫ِ ِْ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫ورمز‪ .‬و قيل‪ :‬كتب‪ ،‬ومنه قولهم‪ :‬الوحا‪ ،‬الوحا‪ ،‬أي السرعة‪.‬‬
‫وقيل أصل الوحي السر ولخفاء‪ ،‬ومنه سمي اللهام وحياً‪ ،‬ومنه‪:‬‬
‫وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم‪ ،‬أي يوسوسون في‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سى) (القصص‪ ،)7 :‬أي‬ ‫مو َ‬ ‫مِ ُ‬‫حيْنَا إِلَى أ ّ‬ ‫صدروهم‪ ،‬ومنه قوله‪( :‬وَأوْ َ‬
‫ألقي في قلبها‪.‬‬
‫َّ َّ‬ ‫َ‬
‫ه إ ِل‬ ‫ه الل ُ‬ ‫شرٍ أن يُكَل ِّ َ‬
‫م ُ‬ ‫ن لِب َ َ‬‫ما كَا َ‬ ‫وقد قيل ذلك في قوله تعالى‪(:‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شاءُ إِن َّ ُ‬
‫ه‬ ‫ما ي َ َ‬
‫ي بِإِذ ْنِهِ َ‬
‫ح َ‬‫سول ً فَيُو ِ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫س َ‬
‫ب أوْ يُْر ِ‬ ‫جا ٍ‬ ‫ح َ‬
‫من وََراء ِ‬ ‫حيا ً أوْ ِ‬ ‫وَ ْ‬
‫م) (الشورى‪ ،)51 :‬أي ما يلقيه في قلبه دون واسطة‪.‬‬ ‫حكِي ٌ‬ ‫ي َ‬ ‫عَل ِ ٌّ‬

‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫في معنى تسمية من جاءت به النبياء معجزة‪:‬‬
‫اعلم أن تسميتنا ما جاءت به النبياء معجزة‪ ،‬هو أن الخلق عجزوا‬
‫عن التيان بمثلها‪ ،‬وهي على ضربين‪ :‬ضرب هو من نوع قدره‬
‫البشر‪ ،‬فعجزوا عنه‪ ،‬فتعجيزهم عنه فعل لله دل على صدق نبيه‪،‬‬
‫كصرفهم عن تمني الموت‪ .‬وتعجيزهم عن التيان بمثل القرآن‬
‫على رأي بعضهم‪ ،‬ونحوه‪.‬‬
‫وضرب هو خارج عن قدرته‪ ،‬فلم يقدروا على التيان بمثله‪،‬‬
‫كإحياء الموتى‪ ،‬وقلب العصا حية‪ ،‬وإخراج ناقة من صخرة‪ ،‬وكلم‬
‫شجرة‪ ،‬ونبع الماء من الصابع‪ ،‬وانشقاق القمر‪ ،‬مما ل يمكن أن‬
‫يفعله أحد‪ ،‬إل الله‪ ،‬فكون ذلك على يد النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم من فعل الله تعالى و تحديه من يكذبه أن يأتي بمثله‬
‫تعجيز له‬

‫‪125‬‬
‫و اعلم أن المعجزات التي ظهرت على يد نبينا صلى الله عليه‬
‫وسلم دل ئل نبوته و براهين صدقه ـ من هذين النوعين معا ً ـ و‬
‫ة‪ ،‬و أظهرهم برهاناً‪ ،‬كما‬ ‫هو أكثر الرسل معجرةً‪ ،‬وأبهرهم آي ً‬
‫ً‬
‫سنبينه‪ ،‬وهي ـ في كثرتها ـ ل يحيط بها ضبط‪ ،‬فإن واحدا منها ـ و‬
‫هو القرآن ـ ل يحصى عدد معجزاته بألف ول ألفين‪ ،‬ول أكثر‪ ،‬لن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قد تحدى بسورة منه فعجز عنها‪.‬‬
‫قال أهل العلم‪( :‬إنا أعطيناك الكوثر)‪ .‬فكل آية أو آيات منه‬
‫بعددها وقدرها معجزة‪ ،‬ثم فيها نفسها معجزات على ما سنفصله‬
‫فيما انطوى عليه من المعجزات‪.‬‬
‫ثم معجزاته صلى الله عليه وسلم على قسمين‪:‬‬
‫قسم منها علم قطعاً‪ ،:‬ونقل إلينا متواترا ً كالقرآن‪،‬فل مرية‪ ،‬ول‬
‫خلف‪ ،‬بمجيء النبي صلى الله عليه وسلم به‪ ،‬وظهوره من قبله‪،‬‬
‫واستدلله بحجته‪ ،‬وإن أنكر هذا معاند جاحد‪ ،‬فهو كإنكاره وجود‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم في الدنيا‪ .‬وإنما جاء اعتراض‬
‫الجاحدين في الحجة به‪ ،‬فهو في نفسه وجميع ما تضمنه من‬
‫معجز معلوم ضرورة ووجه إعجازه معلوم ضرورة ً ونظراً‪ ،‬كما‬
‫سنشرحه‪.‬‬
‫قال بعض أئمتنا‪ :‬ويجري هذا المجرى على الجملة أنه قد جرى‬
‫على يديه صلى الله عليه وسلم آيات وخوارق عادات إن لم يبلغ‬
‫واحد منها معينا ً القطع فيبلغه جميعها‪ ،‬فل مرية في جريان‬
‫معانيها على يديه‪ ،‬ول يختلف مؤمن ول كافر ـ أنه جرت على يديه‬
‫عجائب‪ ،‬وإنما خلف المعاند في كونها من قبل الله‪.‬‬
‫وقد قدمنا كونها من قبل الله‪ ،‬وأن ذلك بمثابة قوله‪ :‬صدقت‪.‬‬
‫فقد علم وقوع مثل هذا أيضا ً من نبينا ضرورة ً لتفاق معانيها‪ ،‬كما‬
‫يعلم ضرورة جود حاتم‪ ،‬وشجاعة عنترة‪ ،‬وحلم أحنف‪ ،‬لتفاق‬
‫الخبار الواردة عن كل واحد منهم على كرم هذا‪ ،‬وشجاعة هذا‪،‬‬
‫وحلم هذا‪ ،‬وإن كان كل خبر بنفسه ل يوجب العلم‪ ،‬ول يقطع‬
‫بصحته‪.‬‬
‫والقسم الثاني‪ :‬ما لم يبلغ مبلغ الضرورة والقطع‪ ،‬وهو على‬
‫نوعين‪ :‬نوع مشتهر منتشر‪ ،‬رواه العدد‪ ،‬وشاع الخبر به عند‬
‫المحدثين والرواة ونقلة السير والخبار‪ ،‬كنبع الماء من بين‬
‫الصابع‪ ،‬وتكثير الطعام‪.‬‬
‫ونوع منه اختص به الواحد والثنان‪ ،‬ورواه العدد اليسير‪ ،‬ولم‬
‫يشتهر اشتهار غيره‪ ،‬لكنه إذا جمع إلى مثله اتفقا في المعنى‪،‬‬
‫واجتمعا على التيان بالمعجز‪ ،‬كما قدمناه‪.‬‬
‫‪-‬قال القاضي أبو الفضل‪ :‬وأنا أقول صدعا ً بالحق‪ :‬إن كثيرا ً من‬
‫هذه اليات المأثورة عنه صلى الله عليه وسلم معلومة بالقطع‪:‬‬

‫‪126‬‬
‫* أما انشقاق القمر فالقرآن نص بوقوعه‪ ،‬وأخبر عن وجوده‪ ،‬ول‬
‫يعدل عن ظاهر إل بدليل‪ ،‬وجاء برفع احتماله صحيح الخبار من‬
‫منا خلف أخرق منحل ع ُرى الدين‪ ،‬ول‬ ‫طرق كثيرة‪ ،‬ول يُوهِن عز َ‬
‫يلتفت إلى سخافة مبتدع يلقي الشك على قلوب ضعفاء‬
‫المؤمنين‪ ،‬بل نرغم بهذا أنفه‪ ،‬وننبذ بالعراء سخفه‪.‬‬
‫وكذلك قصة نبع الماء‪ ،‬وتكثير الطعام ـ رواها الثقات والعدد‬
‫الكثير عن الجماء الغفير‪ ،‬عن العدد الكثير من الصحابة‪.‬‬
‫‪-‬ومنها ما رواه الكافة عن الكافة متصل ً عمن حدث بها من جملة‬
‫الصحابة وإخبارهم أن ذلك كان في موطن اجتماع الكثير منهم‬
‫في يوم الخندق‪ ،‬وفي غزوة بواط‪ ،‬وعمرة الحديبية‪ ،‬وغزوة‬
‫تبوك‪ ،‬وأمثالها من محافل المسلمين ومجمع العساكر‪ ،‬ولم يؤثر‬
‫عن أحد من الصحابة مخالفة للراوي فيما حكاه‪ ،‬ول إنكار لما ذكر‬
‫عنهم أنهم رأوه كما رآه‪ ،‬فسكوت الساكت منهم كنطق الناطق‪،‬‬
‫إذ هم المنزهون عن السكوت على باطل‪ ،‬والمداهنة في كذب‪،‬‬
‫وليس هناك رغبة أو رهبة تمنعهم‪ ،‬ولو كان ما سمعوه منكراً‬
‫عندهم وغير معروف لديهم لنكروه‪ ،‬كما أنكر بعضهم على بعض‬
‫أشياء رواها من السنن والسير وحروف القرآن‪ .‬وخطأ بعضهم‬
‫بعضاً‪ ،‬ووهمه في ذلك‪ ،‬مما هو معلوم‪ ،‬فهذا النوع كله يلحق‬
‫بالقطعي من معجزاته لما بيناه‪.‬‬
‫وأيضا ً فإن أمثال الخبار التي ل أصل لها‪ ،‬وبنيت على باطل‪ ،‬ل بد‬
‫بعد مرور الزمان وتداول الناس وأهل البحث من انكشاف‬
‫ضعفها‪ ،‬وخمول ذكرها‪ ،‬كما يشاهد في كثير من الخبار الكاذبة‪،‬‬
‫والراجيف الطارئة‪ .‬وأعلم نبينا هذه الواردة من طريق الحاد ل‬
‫تزداد مع مرور الزمان إل ظهوراً‪ ،‬ومع تداول الفرق‪ ،‬وكثرة طعن‬
‫العدو‪ ،‬وحرصه على توهينها‪ ،‬وتضعيف أصلها‪ ،‬واجتهاد الملحد‬
‫على إطفاء نورها‪ ،‬إل قوة وقبولً‪ ،‬وللطاعنين عليها إل حسرة‬
‫وغليلً‪.‬‬
‫وكذلك إخباره عن الغيوب‪ ،‬وإنباؤه بما يكون وكان معلوم من‬
‫آياته على الجملة بالضرورة‪.‬‬
‫وهذا حق ل غطاء عليه‪ ،‬وقد قال به من أئمتنا القاضي‪ ،‬والستاذ‬
‫أبو بكر وغيرهما‪ ،‬رحمهم الله‪ ،‬وما عندي أوجب قول القائل‪ :‬إن‬
‫هذه القصص المشهورة من باب خبر الواحد إل قلة مطالعته‬
‫للخبار وروايتها‪ ،‬وشغله بغير ذلك من المعارف‪ ،‬وإل فمن اعتنى‬
‫بطرق النقل‪ ،‬وطالع الحاديث والسير لم يْرتب في صحة هذه‬
‫القصص المشهورة على الوجه الذي ذكرناه‪ .‬ول يبعد أن يحصل‬
‫العلم يالتواتر عند واحد ول يحصل عند آخر‪ ،‬فإن أكثر الناس‬
‫يعلمون ـ بالخبر ـ كون بغداد موجودة ‪ ،‬وأنها مدينة عظيمة‪ ،‬ودار‬

‫‪127‬‬
‫المامة والخلفة‪ ،‬وآحاد من الناس ل يعلمون اسمها‪ ،‬فضل ً عن‬
‫وصفها‪ ،‬وهكذا يعلم الفقهاء من أصحاب مالك بالضرورة وتواتر‬
‫النقل عنه ـ أن مذهبه إيجاب قراءة أم القرآن في الصلة‬
‫للمنفرد والمام‪ ،‬وإجزاء النية في أول ليلة من رمضان عما‬
‫سواه‪ ،‬وأن الشافعي يرى تجديد النية كل ليلة‪ ،‬والقتصار في‬
‫المسح على بعض الرأس‪ ،‬وأن مذهبهما القصاص في القتل‬
‫بالمحدد وغيره‪ ،‬وإيجاب النية في الوضوء‪ ،‬واشتراط الولي في‬
‫النكاح‪ ،‬وأن أبا حنيفة يخالفهما في هذه المسائل‪ ،‬وغيرهم ممن‬
‫لم يشتغل بمذاهبهم ول روى أقوالهم ل يعرف هذا من مذاهبهم‬
‫فضل ً عمن سواه‪.‬‬
‫وعند ذكرنا آحاد هذه المعجزات نزيد الكلم فيها بيانا ً إن شاء الله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫في إعجاز القرآن‪:‬‬
‫الوجه الول‪ :‬حسن تأليفه‪ ،‬والتئام كلمه‪ ،‬وفصاحته‬
‫‪-‬قال القاضي أبو الفضل رحمه الله‪:‬‬
‫منطوٍ على وجوه‬ ‫اعلم ـ وفقنا الله وإياك ـ أن كتاب الله العزيز ُ‬
‫من العجاز كثيرة‪ ،‬وتحصيلها من جهة ضبط أنواعها في أربعة‬
‫وجوه‪:‬‬
‫أولها‪ :‬حسن تأليفه‪ ،‬والتئام كلمه‪ ،‬وفصاحته‪ ،‬ووجوه إيجازه‪،‬‬
‫وبلغته الخارقة عادة العرب‪ ،‬وذلك أنهم كانوا أرباب هذا الشأن‪،‬‬
‫و فرسان الكلم‪ ،‬قد خصوا من البلغة و الحكم بما لم يخص به‬
‫غيرهم من المم‪ ،‬وأوتوا من ذرابة اللسان ما لم يؤت إنسان‪،‬‬
‫ومن فضل الخطاب ما يقيد اللباب جعل الله لهم ذلك طبعاً‬
‫وخلقة‪ ،‬وفيهم غريزة وقوة‪ ،‬يأتون منه على البديهة بالعجب‪،‬‬
‫ويدلون به إلى كل سبب‪ ،‬فيخطبون‬
‫بديها ً في المقامات وشديد الخطب‪ ،‬و يرتجزون به بين الطعن‬
‫والضرب‪ ،‬ويمدحون ويقدحون‪ ،‬ويتوسلون ويتوصلون‪ ،‬ويرفعون‬
‫ويضعون‪ ،‬فيأتون من ذلك بالسحر الحلل‪ ،‬ويطوقون من‬
‫أوصافهم أجمل من سمط اللل‪ ،‬فيخدعون اللباب‪ ،‬ويذللون‬
‫حن‪ ،‬ويهيجون الدِّمن ويجرئون الجبان‪،‬‬ ‫الصعاب‪ ،‬ويذهبون ال َ‬
‫ويبسطون يد الجعد البنان‪ ،‬ويصيرون الناقص كامل ً ويتركون‬
‫النبيه خاملً‪.‬‬
‫منهم البدوي ذو اللفظ الجزل‪ ،‬والقول الفصل‪ ،‬والكلم الفخم‪،‬‬
‫والطبع الجوهري‪ ،‬والمنزع القوي‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫ومنهم الحضري ذو البلغة البارعة‪ ،‬واللفاظ الناصعة‪ ،‬والكلمات‬
‫الجامعة‪ ،‬والطبع السهل‪ ،‬والتصرف في القول القليل الكُلفة‪،‬‬
‫الكثير الرونق‪ ،‬الرقيق الحاشية‪.‬‬
‫و كل البابين لهما في البلغة الحجة البالغة‪ ،‬والقوة الدامغة‪،‬‬
‫والقدح الفالج‪ ،‬والمهيع الناهج‪ ،‬ل يشكون أن الكلم طوع‬
‫مرادهم‪ ،‬والبلغة ملك قيادهم‪ ،‬قد حوَوا فنونها واستنبطوا عيونها‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ً‬
‫ودخلوا من كل باب من أبوابها‪ ،‬وعلوا صرحا لبلوغ أسبابها‪،‬‬
‫فقالوا في الخطير والمهين‪ ،‬وتفننوا في الغث والسمين‪ ،‬وتقاولوا‬
‫في القل والكثر‪ ،‬وتساجلوا في النظم والنثر‪ ،‬فما راعهم إل‬
‫ن‬ ‫م ْ‬‫ن يَدَيْهِ وََل ِ‬ ‫من بَي ْ ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫رسول كريم‪ ،‬بكتاب عزيز ((َل يَأْتِيهِ الْبَاط ِ ُ‬
‫ميدٍ) (فصلت‪ ،)42 :‬أحمكت آياته‪ ،‬و‬ ‫ح ِ‬ ‫حكِيم ٍ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ل ِّ‬ ‫خلْفِهِ تَنزِي ٌ‬ ‫َ‬
‫فصلت كلماته وبهرت بلغته العقول‪ ،‬وظهرت فصاحته على كل‬
‫مقول‪ ،‬وتظافر إيجازه وإعجازه‪ ،‬وتظاهرت حقيقته ومجازه‪،‬‬
‫وتبارت في الحسن مطالعه ومقاطعه‪ ،‬وحوت كل البيان جوامعه‬
‫وبدائعه‪ ،‬واعتدل مع إيجازه حسن نظمه‪ ،‬وانطبق على كثرة‬
‫فوائده مختار لفظه‪ ،‬وهم أفسح ما كانوا في الباب مجالً‪ ،‬وأشهر‬
‫في الخطابة رجالً‪ ،‬وأكثر في السجع والشعر سجالً‪ ،‬وأوسع في‬
‫الغريب واللغة مقالً‪ ،‬بلغتهم التي بها يتحاورون‪ ،‬ومنازعهم التي‬
‫عنها يتناضلون‪ ،‬صارخا ً بهم في كل حين‪ ،‬ومقرعا ً لهم بضعاً‬
‫َ‬
‫ن افْتََراه ُ قُ ْ‬
‫ل‬ ‫م يَقُولُو َ‬ ‫وعشرين عاما ً على رؤوس المل أجمعين‪((:‬أ ْ‬
‫ْ‬
‫ن اللّهِ إِن كُنت ُ ْ‬
‫م‬ ‫من دُو ِ‬ ‫ستَطَعْتُم ِّ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مثْلِهِ وَادْع ُوا ْ َ‬ ‫سوَرةٍ ِّ‬ ‫فَأتُوا ْ ب ِ ُ‬
‫ن) (يونس‪.)38 :‬‬ ‫صادِقِي َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مثْلِهِ‬‫من ِّ‬ ‫سوَرةٍ ِّ‬ ‫ما ن َ ّزلنَا ع َلى ع َبْدِنَا فَأتُوا ب ِ ُ‬ ‫م ّ‬‫ب ِّ‬ ‫م فِي َري ْ ٍ‬ ‫((وَإِن كنت ُ ْ‬
‫ن) (البقرة ‪* )23‬‬ ‫صادِقِي َ‬ ‫م ََ‬ ‫ن كُنْت ُ ْ‬ ‫ن اللّهِ إ ِ ْ‬ ‫من دُو ِ‬ ‫شهَدَاءكُم ِّ‬ ‫وَادْع ُوا ْ ُ‬
‫َ‬
‫م تَفْعَلُوا ْ وَلَن تَفْعَلُوا ْ فَاتَّقُوا ْ النَّاَر ال ّتِي وَقُودُهَا النَّا ُ‬
‫س‬ ‫(فَإِن ل ّ ْ‬
‫ن) (البقرة‪.)24 :‬‬ ‫َ‬ ‫ت لِلْكَافِرِي‬ ‫عد َّ ْ‬ ‫جاَرة ُ أ ُ ِ‬ ‫ح َ‬‫وَال ْ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ل هَـذ َا الْقُْرآ ِ‬ ‫مث ْ ِ‬‫ن ع َلَى أن يَأتُوا ْ ب ِ ِ‬ ‫ج ُّ‬‫س وَال ْ ِ‬ ‫ت الِن ُ‬ ‫معَ ِ‬ ‫جت َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ّ‬
‫و ( ْقُل لئ ِ ِ‬
‫ض ظَهِيراً) (السراء‪.)88 :‬‬ ‫م لِبَعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ن بَعْ ُ‬ ‫و كَا َ‬ ‫ْ‬ ‫مثْلِهِ وَل َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫ل َ يَأتُو َ‬
‫ت وَادْع ُواْ‬ ‫ل فَأتُوا ْ بِعَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مفْتََريَا ٍ‬ ‫مثْلِهِ ُ‬ ‫سوَرٍ ِّ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ن افْتََراه ُ قُ ْ‬ ‫م يَقُولُو َ‬ ‫و (أ ْ‬
‫ن) (هود‪ .)13 :‬وذلك أن‬ ‫صادِقِي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن اللّهِ إِن كُنت ُ ْ‬ ‫من دُو ِ‬ ‫ستَطَعْتُم ِّ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫المفتري أسهل ووضع الباطل والمختلق على الختيار أقرب‪،‬‬
‫واللفظ إذا تبع المعنى الصحيح كان أصعب‪ ،‬ولهذا قيل‪ :‬فلن‬
‫يكتب كما يقال له‪ ،‬وفلن يكتب كما يريد‪.‬‬
‫و للول على الثاني فضل‪ ،‬و بينهما شأو بعيد‪.‬‬
‫فلم يزل يقرعهم أشد التقريع‪ ،‬ويوبخهم غاية التوبيخ‪ ،‬ويسفه‬
‫ويشتت نظامهم‪ ،‬ويذم آلهتهم‬ ‫أحلمهم‪ ،‬ويحط أعلمهم‪،‬‬
‫وآباءهم‪ ،‬ويستبيح أرضهم وديارهم وأموالهم‪ ،‬وهم في كل هذا‬

‫‪129‬‬
‫ناكصون عن معارضتيه‪ ،‬محجمون عن مماثلته‪ ،‬يخادعون أنفسهم‬
‫َ‬
‫ن هَذ َا إ ِ ّل‬ ‫بالتشغيب و التكذيب‪ ،‬والغراء بالفتراء‪ ،‬وقولهم‪(:‬إ ِ ْ‬
‫ن هَذ َا‬ ‫مٌّر) (القمر‪ ،)2 :‬و(إ ِ ْ‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫حٌر ُّ‬ ‫س ْ‬ ‫حٌر يُؤْثَُر) (المدّثر‪ ،)24 :‬و( ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ِ‬
‫ن) (النعام‪،)25 :‬‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ساطِيُر الوَّلِي‬ ‫ك افْتََراهُ) (الفرقان‪ ،)4 :‬و (َأ َ‬ ‫إَِّل إِفْ ٌ‬
‫َ‬
‫م‬‫ف بَل ل ّعَنَهُ ُ‬ ‫والمباهتة والرضا بالدنية‪ ،‬كقولهم‪( :‬وَقَالُوا ْ قُلُوبُنَا غُل ْ ٌ‬
‫َ‬
‫ن) (البقرة‪.)88 :‬‬ ‫منُو َ‬ ‫ما يُؤ ْ ِ‬ ‫م فَقَلِيل ً َّ‬ ‫الل ّه بِكُفْرِه ِ ْ‬
‫َ‬
‫من بَيْنِنَا‬ ‫ما تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذ َانِنَا وَقٌْر وَ ِ‬ ‫م َّ‬ ‫(وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أكِنَّةٍ ِّ‬
‫َ َ َ‬
‫ن‬ ‫ل ال ّذِي َ‬ ‫ن) (فصلت ‪( .)5‬وَقا‬
‫َ‬
‫ملُو َ‬ ‫ل إِنَّنَا ع َا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫ب فَاع ْ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ك ِ‬ ‫وَبَيْن ِ َ‬
‫ن) (فصلت‪:‬‬ ‫م تَغْلِبُو َ‬ ‫ن وَالْغَوْا فِيهِ لَعَل ّك ُ ْ‬ ‫معُوا لِهَذ َا الْقُْرآ ِ‬ ‫س َ‬ ‫كَفَُروا َل ت َ ْ‬
‫م آيَاتُنَا قَالُوا ْ قَدْ‬ ‫‪ ))26‬والدعاء مع العجز بقولهم‪((:‬وَإِذ َا تُتْلَى ع َلَيْهِ ْ‬
‫َ َ‬
‫ساطِيُر الوَّلِي َ‬
‫ن)‬ ‫ن هَـذ َا إِل ّ أ َ‬ ‫ل هَـذ َا إ ِ ْ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫شاء لَقُلْنَا ِ‬ ‫معْنَا لَوْ ن َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫(النفال‪)31 :‬‬
‫وقد قال لهم الله‪( :‬وَلن تَفْعَلوا ) (البقرة‪ ،)24 :‬فما فعلوا ول‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قدروا‪ .‬ومن تعاطى ذلك من سخفائهم ـ كمسيلمة ـ كشف عواره‬
‫جميعهم‪ ،‬وسلبهم الله ما ألفوه‪ ،‬من فصيح كلمهم‪ ،‬وإل فلم يخف‬
‫على أهل الميز منهم أنه ليس من نمط فصاحتهم‪ ،‬ول جنس‬
‫بلغتهم‪ ،‬بل ولوا عنه مدبرين‪ ،‬وأتوا مذعنين من بين مهتد و بين‬
‫مفتون‪.‬‬
‫ولهذا لما سمع الوليد بن المغيرة من النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫ن وَإِيت َ َاء ذِي ال َقُْربَى َويَنْهَى ع َ ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬
‫ل وَال ِ ْ‬ ‫مُر بِالْعَد ْ ِ‬ ‫ه يَأ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫(إ ِ َّ‬
‫ن) (النحل‪. )90 :‬‬ ‫م تَذ َك ُّرو َ‬ ‫م لَعَل ّك ُ ْ‬ ‫ي يَعِظُك ُ ْ‬ ‫منكَرِ وَالْبَغْ ِ‬ ‫شاء وَال ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫الْفَ ْ‬
‫قال‪ :‬والله‪ ،‬إن له لحلوة‪ ،‬وإن عليه لطلوةً‪ ،‬وإن أسفله لمغدق‪،‬‬
‫وإن أعله لمثمر‪ ،‬ما يقول هذا بشر‪.‬‬
‫‪-‬وذكر أبو عبيد أن أعرابيا ً سمع رجل ً يقرأ‪:‬‬
‫ن) (الحجر‪ )94 :‬فسجد‪ ،‬و‬ ‫َ‬ ‫شرِكِي‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ض عَ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫مُر وَأَع ْر‬ ‫ما تُؤ ْ َ‬ ‫صدَع ْ ب ِ َ‬ ‫(فَا ْ‬
‫سواْ‬ ‫َ‬ ‫قال‪ :‬سجدت لفصاحته‪ .‬وسمع آخر رجل ً يقرأ‪(( :‬فَل َ َّ‬
‫ستَيْأ ُ‬ ‫ما ا ْ‬
‫جيّا ً ) (يوسف‪)80 :‬‬ ‫صوا ْ ن َ ِ‬ ‫خل َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫فقال‪ :‬أشهد أن مخلوقا ً ل يقدر على مثل هذا الكلم‪.‬‬
‫‪-‬وحكي أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كان يوما ً نائما ً في‬
‫المسجد فإذا هو بقائم على رأسه يتشهد شهادة الحق‪،‬‬
‫واستخبره‪ ،‬فأعلمه أنه من بطارقة الروم ممن يحسن كلم‬
‫العرب وغيرها‪ ،‬وأنه سمع رجل ً من أسرى المسلمين يقرأ آية من‬
‫كتابكم فتأملتها‪ ،‬فإذا هي قد جمع فيها ما أنزل على عيسى ابن‬
‫َّ‬
‫ه‬
‫من يُطِِع الل َ‬ ‫الدنيا والخرة‪ ،‬وهي قوله تعالى‪( :‬وَ َ‬ ‫مريم من أحوال‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن) (النور‪)52 :‬‬ ‫م الْفَائُِزو َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه وَيَتَّقْهِ فَأوْلَئ ِ َ‬ ‫ش الل ّ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ه وَي َ ْ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وََر ُ‬

‫‪130‬‬
‫‪-‬وحكى الصمعي أنه سمع كلم جارية‪ ،‬فقال لها‪ :‬قاتلك الله ما‬
‫حيْنَا‬ ‫َ‬
‫ة بعد قول الله تعالى‪( :‬وَأوْ َ‬ ‫أفصحك! فقالت‪ :‬أو يعد هذا فصاح ً‬
‫م ِ وََل‬ ‫َ‬ ‫إلَى أ ُم موسى أ َ َ‬
‫ت ع َلَيْهِ فَألْقِيهِ فِي الْي َ ّ‬ ‫خفْ ِ‬ ‫ضعِيهِ فَإِذ َا ِ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ ُ َ‬ ‫ِ‬
‫ن)‬ ‫ي‬‫ِ‬
‫ُ ْ َ َ‬‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫ُ ِ َ‬‫م‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫عل‬
‫ِ‬ ‫جا‬ ‫و‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ِّ َ ّ ُ ِ ْ ِ َ َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫را‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫زن‬ ‫ح‬
‫َ َ ْ َ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ت ِ‬
‫ف‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(القصص‪ ،)7 :‬فجمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين‪ ،‬وخبرين‪ ،‬و‬
‫بشارتين‪.‬‬
‫فهذا نوع من إعجازه منفرد بذاته‪ ،‬غير مضاف إلى غيره على‬
‫التحقيق والصحيح من القولين‪.‬‬
‫وكون القرآن من قِبَل النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأنه أتى به‬
‫معلوم ضرورة‪ ،‬وكونه متحديا ً به معلوم ضرورة‪ ،‬وعجز العرب‬
‫عن التيان به معلوم ضرورة‪ ،‬وكونه في فصاحته خارقا ً للعادة‬
‫معلوم ضرورة للعالِمين بالفصاحة ووجوه البلغة‪ ،‬وسبيل من‬
‫ليس من أهلها علم ذلك بعجز المفكرين من أهلها عن معارضته‬
‫واعتراف المفسرين بإعجاز بلغته‪.‬‬
‫ُ‬
‫حيَاة ٌ يَا ْ أول ِ ْ‬
‫ي‬ ‫ص َ‬ ‫صا ِ‬ ‫م فِي ال ْ ِق َ‬ ‫تأملت قوله تعالى‪(:‬وَلَك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫وأنت إذا‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن) (البقرة‪.) 179 :‬‬ ‫م تَت ّقُو َ‬ ‫ب لعَلك ُ ْ‬ ‫اللْبَا ِ‬
‫ب)‬ ‫ن قَرِي ٍ‬ ‫مكَا ٍ‬ ‫من َّ‬ ‫خذ ُوا ِ‬ ‫ت وَأ ُ ِ‬ ‫وقوله‪( :‬وَلَوْ تََرى إِذ ْ فَزِع ُوا فََل فَوْ َ‬
‫(سبأ‪.))51 :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه عَدَاوَة ٌ كَأن َّ ُ‬
‫ه‬ ‫ك وَبَيْن َ ُ‬ ‫ن فَإِذ َا ال ّذِي بَيْن َ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫وقوله‪(:‬إدْفَعْ بِال ّتِي ه ِ َ‬
‫م) (فصلت‪.)34 :‬‬ ‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ي َ‬ ‫وَل ِ ٌّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ماء‬ ‫ض ال ْ َ‬ ‫ماء أقْلِعِي وَِغي َ َ‬ ‫س َ‬ ‫ك وَيَا َ‬ ‫ماء ِ‬ ‫ض ابْلَعِي َ‬ ‫ل يَا أْر ُ‬ ‫و قوله‪(:‬وَقِي َ‬
‫ن)‬ ‫ل بُعْدا ً ل ِّلْقَوْم ِ الظ ّال ِ ِ‬ ‫ي وَقِي َ‬ ‫ت ع َلَى ال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫وَقُ ِ‬
‫مي َ‬ ‫جود ِ ِ ّ‬ ‫ستَوَ ْ‬ ‫مُر وَا ْ‬ ‫ي ال ْ‬ ‫ض َ‬
‫(هود‪)44 :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منْهُم‬ ‫صبا ً وَ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫سلْنَا ع َلَيْهِ َ‬ ‫ن أْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫منْهُم َّ‬ ‫خذ ْنَا بِذ َنبِهِ فَ ِ‬ ‫و قوله (فَكُّل ً أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن أَ َ‬
‫ن أغَْرقْنَا‬ ‫م ْ‬ ‫منْهُم َّ‬ ‫ض وَ ِ‬ ‫سفْنَا بِهِ اْلْر َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫منْهُم َّ‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫صي ْ َ‬ ‫ه ال َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫خذ َت ْ‬ ‫م ْ‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫ن) (العنكبوت‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫م يَظْل ِ ُ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫م وَلَكِن كَانُوا أن ُف َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ه لِيَظْل ِ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ما كَا َ‬ ‫وَ َ‬
‫‪.)40‬‬
‫وأشباهها من الي‪ ،‬بل أكثر القرآن حققت ما بينته من إيجار‬
‫ألفاظها‪ ،‬وكثرة معانيه‪ ،‬وديباجة عبارتها‪ ،‬وحسن تأليف حروفها‪،‬‬
‫وتلؤم كلمها‪ ،‬وأن تحت كل لفظة منها جمل ً كثيرة‪ ،‬وفصول ً جمة‪،‬‬
‫وعلوما ً زواخر‪ ،‬ملئت الدواوين من بعض ما استفيد منها‪ ،‬وكثرت‬
‫المقالت في المستنبطات عنها‪.‬‬
‫ثم هو في سرده القصص الطوال‪ ،‬وأخبار القرون السوالف‪ ،‬التي‬
‫يضعف في عادة الفصحاء عندها الكلم ويذهب ماء البيان ـ آية‬
‫لمتأمله‪ ،‬من ربط الكلم بعضه ببعض‪ ،‬والتئام سرده‪ ،‬وتناصف‬
‫وجوهه‪ ،‬كقصة يوسف على طولها‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫ثم إذا ترددت قصصه اختلفت العبارات عنها على كثرة ترددها‬
‫حتى تكاد كل واحدة تنسي في البيان صاحبتها‪ ،‬وتناصف في‬
‫الحسن وجه مقابلتها‪ ،‬ول نفور للنفوس من ترديدها‪ ،‬ول معاداة‬
‫لمعادها‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪:‬‬
‫في إعجاز القرآن ـ الوجه الثاني‪ :‬النظم والسلوب‪:‬‬
‫الوجه الثاني من إعجازه صورة نظمه العجيب‪ ،‬والسلوب‬
‫الغريب المخالف لساليب كلم العرب ومناهج نظمها ونثرها‬
‫الذي جاء عليه‪ ،‬ووقفت مقاطع آية‪ ،‬وانتهت فواصل كلماته إليه‪،‬‬
‫ولم يوجد قبله ول بعده نظير له‪ ،‬ول استطاع أحد مماثلة شيء‬
‫منه‪ ،‬بل حارت فيه عقولهم‪ ،‬وتدلهت دونه أحلمهم‪ ،‬ولم يهتدوا‬
‫إلى مثله في جنس كلمهم من نثر أو نظم‪ ،‬أو سجع أو رجز‪ ،‬أو‬
‫شعر‪.‬‬
‫ولما سمع كلمه صلى الله عليه وسلم الوليد بن المغيرة‪ ،‬وقرأ‬
‫عليه القرآن ـ رقّ‪ ،‬فجاءه أبو جهل منكرا ً عليه ـ قال‪ :‬والله ما‬
‫منكم أحد أعلم بالشعار مني‪ ،‬والله ما يشبه الذي يقول شيئا ً من‬
‫هذا‪.‬‬
‫قلت‪:‬‬
‫أخرج اللباني قصة الوليد بن المغيرة‪ ،‬في صحيح السيرة‪ ،‬باب‬
‫مجادلة المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم وإقامة‬
‫الحجة الدامغة عليهم واعترافهم في أنفسهم بالحق وإن أظهروا‬
‫المخالفة عنادا وحسدا وبغيا وجحودا‪.....‬قال‪:‬‬
‫روى إسحاق بن راهويه بسنده عن ابن عباس‪ :‬أن الوليد بن‬
‫المغيرة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه‬
‫القرآن فكأنه رق له‪ ..‬فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال‪ :‬يا عم إن‬
‫قومك يريدون أن يجمعوا لك مال‪ .‬قال‪ :‬لم؟ قال‪ :‬ليعطوكه فإنك‬
‫أتيت محمدا لتعرض ما قبله‪ .‬قال‪ :‬قد علمت قريش أني من‬
‫أكثرها مال‪ .‬قال‪ :‬فقل فيه قول ً يبلغ قومك أنك منكر له‪ .‬قال‪:‬‬
‫وماذا أقول؟ فو الله ما منكم رجل أعرف بالشعار مني‪ ،‬ول أعلم‬
‫برجزه ول بقصيده مني‪ ،‬ول بأشعار الجن‪ ...‬والله ما يشبه الذي‬
‫يقول شيئا من هذا‪ ...‬و والله إن لقوله الذي يقوله لحلوة وإن‬
‫عليه لطلوة وإنه لمثمر أعله مغدق أسفله وإنه ليعلو ول يعلى‬
‫وإنه ليحطم ما تحته‪ .‬قال‪ :‬ل يرضى عنك قومك حتى تقول فيه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فدعني حتى أفكر فيه‪.‬‬
‫فلما فكر قال‪ :‬إن هذا إل سحر يؤثر‪ ،‬يأثره عن غيره‪ .‬فنزلت‪:‬‬
‫مدُودا ً َ* َوبَنِي َ‬
‫ن‬ ‫مال ً َّ‬
‫م ْ‬ ‫ت لَ ُ‬
‫ه َ‬ ‫جعَل ْ ُ‬ ‫حيدا ً * وَ َ‬ ‫ت وَ ِ‬ ‫خلَقْ ُ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫(دَْرنِي وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه كَا َ‬
‫ن‬ ‫ن أزِيد َ * ك َ ّل إِن َّ ُ‬ ‫معُ أ ْ‬ ‫م يَط ْ َ‬ ‫مهِيدا ً * ث ُ َّ‬
‫ه تَ ْ‬‫ت لَ ُ‬ ‫شهُودا ً * وَ َ‬
‫م َّهد ُّ‬ ‫ُ‬

‫‪132‬‬
‫ه فَكََّر وَقَدََّر *فَقُت ِ َ‬ ‫لياتنا ع َنيداً* ُ‬
‫ف قَدََّر *‬ ‫ل كَي ْ َ‬ ‫صعُودا ً * إِن َّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫سأْرهِقُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ َِ‬
‫ستَكْبََر‬ ‫َ‬ ‫سَر * ث ُ َّ‬ ‫م نَظََر * ث ُ َّ‬ ‫ف قَدََّر * ث ُ َّ‬ ‫ل كَي ْ َ‬ ‫م قُت ِ َ‬ ‫ث ُ َّ‬
‫م أدْبََر وَا ْ‬ ‫س وَب َ َ‬ ‫َ‬ ‫م ع َب َ‬
‫صلِيهِ‬ ‫سأ ْ‬
‫ُ‬
‫شرِ * َ‬ ‫ل الْب َ َ‬ ‫ن هَذ َا إَِّل قَوْ ُ‬ ‫حٌر يُؤ ْثَُر * إ ِ ْ‬ ‫س ْ‬
‫َ‬
‫ن هَذ َا إ ِ ّل ِ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫*فَقَا َ‬
‫ة ل ِّلْب َ َ‬ ‫َ‬
‫شرِ *‬ ‫ح ٌ‬ ‫سقَُر * َل تُبْقِي وََل تَذَُر * لَوَّا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك َ‬ ‫ما أدَْرا َ‬ ‫سقََر * وَ َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ة عَ َ‬ ‫َ‬
‫جعَلنَا‬ ‫ما َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ملئِك ً‬ ‫ب َالن ّارِ إ ِل َ‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬ ‫جعَلنَا أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ش ََر * َو َ‬ ‫سعَ َ‬ ‫ع َليْهَا ت ِ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب وَيَْزدَادَ‬ ‫ن أوتُوا الْكِتَا َ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫ستَيْقِ َ‬ ‫ن كَفَُروا لِي َ ْ‬ ‫ة ل ِّل ّذِي َ‬ ‫م إ ِ ّل فِتْن َ ً‬ ‫ع َدَّتَهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫منُو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ب وَال ُ‬ ‫ن أوتُوا الكِتَا َ‬ ‫ب الذِي َ‬ ‫مانا وَل يَْرتَا َ‬ ‫من ُ َوا إِي َ‬ ‫نآ َ‬ ‫الذِي َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ه بِهَذ َا‬ ‫ماذ َا أَراد َ الل ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ض وَالْكَافُِرو َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫ن فِي قُلُوبِهِم َّ‬ ‫َ‬ ‫ل ال ّذِي‬ ‫وَلِيَقُو َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫جنُودَ‬ ‫م ُ‬ ‫ما يَعْل َ ُ‬ ‫شاءُ وَ َ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫شاءُ وَيَهْدِي َ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ه ََ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫ك يُ ِ‬ ‫مثَل ً كَذَل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شرِ *) المدثر‪ ./‬هكذا رواه‬ ‫ْ‬
‫ي إ ِل ذِكَْرى لِلب َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ما ه ِ َ‬ ‫ك إ ِل هُوَ وَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َرب ِّ َ‬
‫البيهقي عن الحاكم عن إسحاق‪.‬‬
‫قلت[ اللباني]‪ :‬وفي ذلك قال الله تعالى إخبارا عن جهلهم وقلة‬
‫ْ‬ ‫ل قَالُوا ْ أ َضغَا ُ َ‬
‫عٌر فَلْيَأتِنَا بِآيَةٍ‬ ‫شا ِ‬ ‫و َ‬ ‫ل هُ َ‬ ‫ل افْتََراه ُ ب َ ْ‬ ‫حلَم ٍ ب َ ِ‬ ‫ثأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫عقلهم (ب َ ْ‬
‫َ‬ ‫كَ ُ‬
‫ن) (النبياء‪ )5 :‬فحاروا ماذا يقولون فيه؟ فكل‬ ‫ل الوَّلُو َ‬ ‫س َ‬ ‫ما أْر ِ‬ ‫َ‬
‫شيء يقولونه باطل لن من خرج عن الحق مهما قاله أخطأ‪...‬‬
‫ضلُّوا ْ فَلَ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫مثَا َ‬ ‫ضربُوا ْ ل َ َ َ‬
‫ك ال ْ‬ ‫ف َ َ‬ ‫قال الله تعالى‪( :‬انظُْر كَي ْ َ‬
‫سبِيلً) (السراء‪)48 :‬‬ ‫ن َ‬ ‫ستَطِيعْو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫قلت‪:‬‬
‫أورد الشيخ أحمد بن محمد القسطلني القصة في المواهب‬
‫اللدنية بالمنح المحمدية قال‪:‬‬
‫عن عكرمة في قصة الوليد بن المغيرة‪ ،‬وكان زعيم قريش في‬
‫الفصاحة‪ ،‬أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬اقرأ علي‪ ...‬فقرأ‬
‫ن وَإِيتَاء ذِي الْقُْربَى وَيَنْهَى‬ ‫ن الل ّه يأ ْ‬
‫ِ‬ ‫سا‬ ‫ح َ‬ ‫ل وَال ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫مُر بِالْعَد ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫عليه‪( :‬إ ِ َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن) (النحل‪)90 :‬‬ ‫م تَذ َك ُّرو َ‬ ‫م لَعَل ّك ُ ْ‬ ‫ي يَعِظُك ُ ْ‬ ‫منكَرِ وَالْبَغْ ِ‬ ‫شاء وَال ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن الْفَ ْ‬ ‫عَ ِ‬
‫قال‪ :‬أعد‪ ...‬فأعاد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال[ الوليد]‪:‬والله إن‬
‫له لحلوة وإن عليه لطلوة وإن أعله لمثمر وإن أسفله لمغدق‬
‫وما يقول هذا بشر‪ ،‬ثم قال لقومه والله ما فيكم رجل أعلم‬
‫بالشعار مني‪ ،‬ول أعلم برجزه ول أشعار الجن فو الله ما يشبه‬
‫الذي يقول شيئا من هذا‪ ..‬والله إن لقوله الذي يقول لحلوة وإن‬
‫عليه لطلوة وإنه لمثمر أعله مغدق أسفله وإنه ليعلو ول يعلى‪.‬‬
‫ش عند حضور الموسم‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫‪ -‬وفي خبره الخرـ حين جمع قري ً‬
‫إن وفود العرب ترد فأجمعوا فيه رأيا ً ل يكذب بعضكم بعضاً‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬نقول كاهن‪ .‬قال‪ :‬والله ما هو بكاهن‪ .‬ما هو بزمزمته ول‬
‫سجعه‪.‬قالوا‪ :‬مجنون‪ :‬قال‪ :‬ما هو بمجنون‪ ،‬ول بخنقه ول‬
‫وسوسته‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫قالوا‪ :‬فنقول شاعر‪ .‬قال‪ :‬ما هو بشاعر‪ .‬قد عرفنا الشعر كله‪،‬‬
‫رجزه‪ ،‬وهزجه‪ ،‬وقريضه‪ ،‬و مبسوطه‪ ،‬ومقبوضه‪ ،‬ما هو بشاعر‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬فنقول ساحر‪ .‬قال‪ :‬ما هو بساحر‪ ،‬ول نفثه ول عقده‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬فما نقول‪ :‬قال‪ :‬ما أنتم بقائلين من هذا شيئاً‪ ،‬إل وأنا‬
‫أعرف أنه باطل‪ ،‬وإن أقرب القول أنه ساحر‪ ،‬فإنه سحر يفرق‬
‫بين المرء وابنه‪ ،‬والمرء وأخيه‪ ،‬والمرء وزوجه‪ ،‬والمرء وعشيرته‪.‬‬
‫فتفرقوا وجلسوا على السبل يحذرون الناس‪ ،‬فأنزل الله تعالى‬
‫مدُودا ً *‬ ‫م َْ‬‫مال ً َّ‬ ‫ه َ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫جعَل ْ ُ‬ ‫حيدا ً *وَ َ‬ ‫ت وَ ِ‬ ‫خلَقْ ُ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫في الوليد‪( :‬ذَْرنِي وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه كَا َ‬
‫ن‬ ‫ن أزِيد َ * ك َ ّل إِن َّ ُ‬ ‫معُ أ ْ‬ ‫م يَط ْ َ‬ ‫مهِيدا ً * ث ُ َّ‬ ‫ه تَ ْ‬‫ت لَ ُ‬ ‫مهَّد ُّ‬‫شهُودا ً *وَ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫وَبَنِي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫ف قَد َّر *‬ ‫ل كَي ْ َ‬ ‫ه فَك َّر وَقَد َّر * فَقُت ِ َ‬ ‫صعُودا * إِن ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫سأْرهِقُ ُ‬ ‫ِليَاتِنَا ع َنِيدا * َ‬
‫ستَكْبََر‬ ‫َ‬ ‫سَر * ث ُ َّ‬ ‫م نَظََر * ث ُ َّ‬ ‫ف قَدََّر * ث ُ َّ‬ ‫ل كَي ْ َ‬‫م قُت ِ َ‬‫ث ُ َّ‬
‫م أدْبََر وَا ْ‬ ‫س وَب َ َ‬ ‫َ‬ ‫م ع َب َ‬
‫شر* ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صلِيهِ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ل الْب َ َ ِ َ‬ ‫ن هَذ َا إ ِ ّل قَوْ ُ‬ ‫حٌر يُؤْثَُر * إ ِ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ن هَذ َا إ ِ ّل ِ‬ ‫* فَقَا َ‬
‫ل إِ ْ‬
‫سقََر *) ‪(-‬المدثر)‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪-‬وقال عتبة بن ربيعة حين سمع القرآن‪ :‬يا قوم‪ ،‬قد علمتم أني‬
‫لم أترك شيئا ً إل وقد علمته وقرأته وقلته‪ ،‬والله لقد سمعت‬
‫قولً‪ ..‬والله ما سمعت مثله قط‪ ،‬ما هو بالشعر‪ ،‬ول بالسحر‪ ،‬ول‬
‫بالكهانة‪- .‬وقال النضر بن الحارث نحوه‪.‬‬
‫قلت‪:‬‬
‫* أخرج اللباني قصة عتبة بن ربيعة‪ ،‬في صحيح السيرة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وروى المام عبد بن حميد في (مسنده) بسنده عن جابر بن‬
‫ما فقالوا‪ :‬انظروا أعلمكم‬ ‫عبد الله قال‪ :‬اجتمعت قريش يو ً‬
‫بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا‬
‫وشتت أمرنا وعاب ديننا فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه؟ فقالوا‪:‬‬
‫ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة‪ .‬فقالوا‪ :‬أنت يا أبا الوليد فأتاه‬
‫عتبة فقال‪ :‬يا محمد أنت خير أم عبد الله؟ فسكت رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬أنت خير أم عبد المطلب؟ فسكت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬ثم قال‪ :‬إن كنت تزعم أن‬
‫هؤلء خير منك فقد عبدوا اللهة التي عبت وإن كنت تزعم أنك‬
‫خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك إنا والله ما رأينا سخلة قط‬
‫أشأم على قومك منك فرقت جماعتنا وشتت أمرنا وعبت ديننا‬
‫وفضحتنا في العرب حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحًرا‬
‫وأن في قريش كاهنا والله ما ننتظر إل مثل صيحة الحبلى أن‬
‫يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى‪ .‬أيها الرجل إن كان‬
‫إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجل ً واحدًا وإن‬
‫كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشًرا‪.‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪( :‬فرغت؟)‪ .‬قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪( :‬بسم الله الرحمن‬

‫‪134‬‬
‫ه‬
‫ت آيَات ُ ُ‬ ‫صل َ ْ‬ ‫ب فُ ِّ‬ ‫حيم ِ *كِتَا ٌ‬ ‫ن الَّر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن الَّر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِّ‬ ‫الرحيم‪ .‬حم * تَنزِي ٌ‬
‫م َل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م فَهُ ْ‬ ‫ض أكْثَُرهُ ْ‬ ‫شيرا ً وَنَذِيرا ً فَأعَْر َ‬ ‫ن * بَ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫قُْرآنا ً عََربِيّا ً ل ِّقَوْم ٍ يَعْل َ ُ‬
‫ما تَدْع ُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذ َانِنَا وَقٌْر‬ ‫َ‬
‫م َّ‬ ‫ن *وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أكِنَّةٍ ِّ‬ ‫معُو َ‬ ‫س َ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن * قُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫من بَيْنِنَا َوبَيْن ِ َ‬
‫شٌر‬ ‫ما أنَا ب َ َ‬ ‫ل إِن ّ َ‬ ‫ملو َ‬ ‫ل إِن ّنَا ع َا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب فَاع ْ َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ك ِ‬ ‫وَ ِ‬
‫َ‬
‫ستَغْفُِروهُ‬ ‫موا إِلَيْهِ وَا ْ‬ ‫ستَقِي ُ‬ ‫حد ٌ فَا ْ‬ ‫ه وَا ِ‬ ‫م إِل َ ٌ‬ ‫ما إِلَهُك ُ ْ‬ ‫ي أن َّ ََ‬ ‫حى إِل َ َّ‬ ‫م يُو َ‬ ‫مثْلُك ُ ْ‬ ‫ِّ‬
‫م‬
‫خَرةِ هُ ْ‬ ‫ن الَّزكَاة َ وَهُم بِاْل ِ‬ ‫ن َل يُؤ ْتُو َ‬ ‫ن * ال ّذِي َ‬ ‫شرِكِي َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ل ِّل ْ ُ‬ ‫وَوَي ْ ٌ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫منُو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫جٌر غَيُْر َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ت لَهُ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ملُوا ال َّ‬ ‫منُوا وَع َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫نآ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّذِي‬ ‫ن * إ ِ َّ‬ ‫كَافُِرو َ‬
‫َ‬ ‫* قُ ْ َ‬
‫ن لَ ُ‬
‫ه‬ ‫جعَلُو َ‬ ‫ن وَت َ ْ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ض فِي ي َ ْ‬ ‫خلَقَ اْلْر َ‬ ‫ن بِال ّذِي َ‬ ‫م لَتَكْفُُرو َ‬ ‫ل أئِنَّك ُ ْ‬
‫ك‬‫من فَوْقِهَا وَبَاَر َ‬ ‫ي ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل فِيهَا َروَا ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ن *وَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب الْعَال َ ِ‬ ‫ك َر ُّ‬ ‫أَندَادا ً ذَل ِ َ‬
‫سوَاء ل ِّل َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ستَوَى‬ ‫ما ْ‬ ‫ن * ث ُ َّ‬ ‫سائِلِي َ‬ ‫فِيهَا وَقَدََّر فِيهَا أقْوَات َ َها فِي أْربَعَةِ أيَّام ٍ َ‬
‫ض اِئْتِيَا طَوْعا ً أَوْ كَْرها ً قَالَتَا‬ ‫ِ‬ ‫ل ل َ َها وَلِْلَْر‬ ‫ن فَقَا َ‬ ‫خا ٌ‬ ‫ي دُ َ‬ ‫ماء وَه ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫إِلَى ال َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حى فِي ك ُ ِّ‬
‫ل‬ ‫ن وَأوْ َ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫ت فِي يَوْ َ‬ ‫ماوَا ٍ‬ ‫س َ‬ ‫سبْعَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ضاهُ َّ‬ ‫ن * فَقَ َ‬ ‫أتَيْنَا طَائِعِي َ‬
‫حفْظا ً ذَل ِ َ‬ ‫مَرهَا وََزيَّنَّا ال َّ‬ ‫َ‬
‫ك تَقْدِيُر‬ ‫ح وَ ِ‬ ‫صابِي َ‬ ‫م َ‬ ‫ماء الدُّنْيَا ب ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ماء أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عقَةِ‬ ‫صا ِ‬‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ة ِّ‬ ‫عقَ ً‬ ‫صا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ل أنذَْرتُك ْ‬ ‫ضوا فَقُ ْ‬ ‫ن أعَْر ُ‬ ‫الْعَزِيزِ العَلِيم ِ * فَإ ِ ْ‬ ‫ْ‬
‫مود َ *) [ فصلت‪ .] 13 - 1 :‬فقال عتبة‪ :‬حسبك ما عندك غير‬ ‫ع َاد ٍ وَث َ ُ‬
‫هذا؟ قال‪( :‬ل)‪ .‬فرجع إلى قريش فقالوا‪ :‬ما وراءك؟ قال‪ :‬ما‬
‫تركت شيئًا أرى أنكم تكلمونه إل كلمته‪ .‬قالوا‪ :‬فهل أجابك؟‬
‫فقال‪ :‬نعم‪ .‬ثم قال‪ :‬ل والذي نصبها بينة ما فهمت شيئًا مما قال‬
‫غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود‪ .‬قالوا‪ :‬ويلك‬
‫يكلمك الرجل بالعربية ل تدري ما قال؟ قال‪ :‬ل والله ما فهمت‬
‫شيئًا مما قال غير ذكر الصاعقة‪.‬‬
‫وقد رواه البيهقي وغيره عن الحاكم بسنده عن الجلح به وفيه‬
‫كلم وزاد‪ :‬وإن كنت إنما بك الرياسة عقدنا ألويتنا لك فكنت‬
‫رأسا ما بقيت‪ .‬وعنده أنه لما قال‪(_:‬فإن أعرضوا فقل أنذرتكم‬
‫صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) أمسك عتبة على فيه وناشده‬
‫الرحم أن يكف عنه ولم يخرج إلى أهله واحتبس عنهم‪ .‬فقال أبو‬
‫جهل‪ :‬والله يا معشر قريش ما نرى عتبة إل صبا إلى محمد‬
‫وأعجبه كلمه وما ذاك إل من حاجة أصابته انطلقوا بنا إليه‪ .‬فأتوه‬
‫فقال أبو جهل‪ :‬والله يا عتبة ما جئنا إل أنك صبوت إلى محمد‬
‫وأعجبك أمره فإن كان بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك‬
‫عن محمد‪ .‬فغضب وأقسم بالله ل يكلم محمدًا أبدًا وقال‪ :‬لقد‬
‫علمتم أني من أكثر قريش مال ً ولكني أتيته ‪ -‬وقص عليهم القصة‬
‫‪ -‬فأجابني بشيء ‪ -‬والله ما هو بسحر ول بشعر ول كهانة ‪ -‬قرأ‪:‬‬
‫(بسم الله الرحمن الرحيم‪ .‬حم‪ .‬تنزيل من الرحمن الرحيم‪...‬حتى‬
‫بلغ‪ :‬فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود)‬
‫فأمسكت بفيه وناشدته الرحم أن يكف وقد علمتم أن محمدًا إذا‬
‫قال شيئًا لم يكذب فخفت أن ينزل عليكم العذاب‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫ثم روى البيهقي بسنده عن المغيرة بن شعبة قال‪ :‬إن أول يوم‬
‫عرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أمشي أنا وأبو جهل‬
‫بن هشام في بعض أزقة مكة إذ لقينا رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبي جهل‪( :‬يا أبا‬
‫الحكم هلم إلى الله وإلى رسوله أدعوك إلى الله)‪ .‬فقال أبو‬
‫جهل‪ :‬يا محمد هل أنت منته عن سب آلهتنا؟ هل تريد إل أن‬
‫نشهد أنك قد بلغت؟ فنحن نشهد أن قد بلغت فو الله لو أني‬
‫أعلم أن ما تقول حق لتبعتك‪ .‬فانصرف رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وأقبل علي فقال‪ :‬والله إني لعلم أن ما يقول حق‬
‫ولكن يمنعني شيء إن بني قصي قالوا‪ :‬فينا الحجابة‪ .‬فقلنا‪ :‬نعم‪.‬‬
‫ثم قالوا‪ :‬فينا السقاية‪ .‬فقلنا‪ :‬نعم‪ .‬ثم قالوا‪ :‬فينا الندوة‪ .‬فقلنا‪:‬‬
‫نعم‪ .‬ثم قالوا‪ :‬فينا اللواء‪ .‬فقلنا‪ :‬نعم‪ .‬ثم أطعموا وأطعمنا حتى‬
‫إذا تحاكت الركب قالوا‪ :‬منا نبي والله ل أفعل‪ .‬وهذا القول منه ‪-‬‬
‫ك‬ ‫لعنه الله ‪ -‬كما قال تعالى مخبرا عنه وعن أضرابه‪( :‬وَإِذ َا َرأَوْ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ضل ّنَا‬ ‫سول ً * إِن كَاد َ لَي ُ ِ‬‫ه َر ُ‬ ‫ك إ ِ ّل هُُزوا ً أَهَذ َا ال ّذِي بَعَ َ‬
‫ث الل ّ ُ‬ ‫خذ ُون َ‬‫إِن يَت َّ ِ‬
‫َ‬
‫ن الْعَذ َا َ‬
‫ب‬ ‫ن يََروْ َ‬
‫حي َ‬
‫ن ِ‬
‫مو َ‬‫ف يَعْل َ ُ‬‫سوْ َ‬‫صبَْرنَا ع َلَيْهَا وَ َ‬‫ن آلِهَتِنَا لَوَْل أن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫سبِيلً) (الفرقان ‪.)42 -41‬‬ ‫ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫َ‬
‫ل َ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫صف أخاه أنيساً‪ ،‬فقال‪ :‬والله ما‬ ‫َ َ‬ ‫وو‬ ‫ذر‬ ‫أبي‬ ‫إسلم‬ ‫حديث‬ ‫‪-‬وفي‬
‫ً‬
‫سمعت بأشعر من أخي أنيس‪ ،‬لقد ناقض اثني عشر شاعرا في‬
‫الجاهلية‪ ،‬أنا أحدهم‪ ،‬وإنه انطلق إلى مكة‪ ،‬وجاء إ لى أبي ذر‬
‫بخبر النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬قلت‪ :‬فما يقول الناس؟ قال‪:‬‬
‫يقولون‪ :‬شاعر‪ :‬كاهن‪ ،‬ساحر‪ ،‬لقد سمعت قول الكهنة فما هو‬
‫بقولهم‪ ،‬ولقد وضعته على أقراء الشعر فلم يلتئم‪ ،‬وما يلتئم على‬
‫لسان أحد بعدي أنه شعر‪ ،‬وإنه لصادق‪ ،‬وإنهم لكاذبون‪- .‬والخبار‬
‫في هذا صحيحة كثيرة‪.‬‬
‫قلت‪:‬‬
‫حديث إسلم أبي ذر رضي الله عنه رواه مسلم‪،‬وأحمد‪،‬‬
‫والبيهقي‪ ،‬وهو في صحيح مسلم‪ -‬كتاب فضائل الصحابة‪-‬‬
‫حدثنا هداب بن خالد الزدي‪ .‬حدثنا سليمان بن المغيرة‪ .‬أخبرنا‬
‫حميد بن هلل عن عبد الله بن الصامت‪ .‬قال‪ :‬قال أبو ذر‪ :‬خرجنا‬
‫من قومنا غفار‪ .‬وكانوا يحلون الشهر الحرام‪ .‬فخرجت أنا وأخي‬
‫أنيس وأمنا‪ .‬فنزلنا على خال لنا‪ .‬فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا‪.‬‬
‫فحسدنا قومه فقالوا‪ :‬إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم‬
‫أنيس‪ .‬فجاء خالنا فنثا علينا الذي قيل له‪ .‬فقلت‪ :‬أما ما مضى من‬
‫معروفك فقد كدرته‪ ،‬ول جماع لك فيما بعد‪ .‬فقربنا صرمتنا‪.‬‬
‫فاحتملنا عليها‪ .‬وتغطى خالنا ثوبه فجعل يبكي‪ .‬فانطلقنا حتى‬
‫نزلنا بحضرة مكة‪ .‬فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها‪ .‬فأتيا‬

‫‪136‬‬
‫الكاهن‪ .‬فخير أنيسا‪ .‬فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها‪.‬قال‪ :‬وقد‬
‫صليت‪ ،‬يا ابن أخي! قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بثلث سنين‪ .‬قلت‪ :‬لمن؟ قال‪ :‬لله‪ .‬قلت‪ :‬فأين توجه؟‬
‫قال‪ :‬أتوجه حيث يوجهني ربي‪ .‬أصلي عشاء حتى إذا كان من‬
‫آخر الليل ألقيت كأني خفاء‪ .‬حتى تعلوني الشمس‪.‬‬
‫فقال أنيس‪ :‬إن لي حاجة بمكة فاكفني‪ .‬فانطلق أنيس حتى أتى‬
‫مكة‪ .‬فراث علي‪ .‬ثم جاء فقلت‪ :‬ما صنعت؟ قال‪ :‬لقيت رجل‬
‫بمكة على دينك‪ .‬يزعم أن الله أرسله‪ .‬قلت‪ :‬فما يقول الناس؟‬
‫قال‪ :‬يقولون‪ :‬شاعر‪ ،‬كاهن‪ ،‬ساحر‪ .‬وكان أنيس أحد الشعراء‪.‬‬
‫قال أنيس‪ :‬لقد سمعت قول الكهنة‪ .‬فما هو بقولهم‪ .‬ولقد وضعت‬
‫قوله على أقراء الشعر‪ .‬فما يلتئم على لسان أحد بعدي؛ أنه‬
‫شعر‪ .‬والله! إنه لصادق‪ .‬وإنهم لكاذبون‪(...‬الحديث)‬
‫‪-‬والعجاز بكل واحد من النوعين‪ :‬اليجاز والبلغة بذاتها‪ ،‬أو‬
‫السلوب الغريب بذاته‪ ،‬كل واحد منهما نوع إعجازه على‬
‫التحقيق‪ ،‬لم تقدر العرب على التيان بواحد منهما‪ ،‬إذا كل واحد‬
‫خارج عن قدرتها‪ ،‬مباين لفصاحتها و كلمها‪ ،‬وإلى هذا ذهب غير‬
‫واحد من أئمة المحققين‪.‬‬
‫و ذهب بعض المحققين المقتدى بهم إلى أن العجاز في مجموع‬
‫البلغة والسلوب‪ ،‬وأتى على ذلك بقول تمجه السماع‪ ،‬وتنفر منه‬
‫القلوب‪ .‬والصحيح ما قدمناه‪ ،‬و العلم بهذا كله ضرورة قطعاً‪.‬‬
‫ومن تفنن في علوم البلغة‪ ،‬وأرهف خاطره ولسانه أدب هذه‬
‫الصناعة لم يخف عليه ما قلناه‪.‬‬
‫‪-‬وقد اختلف أئمة أهل السنة في وجه عجزهم عنه‪ ،‬فأكثرهم‬
‫يقول‪ :‬إنه ما جمع في قوة جزالته‪ ،‬ونصاعة ألفاظه‪ ،‬وحسن‬
‫نظمه‪ ،‬وإيجازه‪ ،‬وبديع تأليفه وأسلوبه ل يصح أن يكون في مقدور‬
‫البشر‪ ،‬وأنه من باب الخوارق الممتنعة عن إقدار الخلق عليها‪،‬‬
‫كإحياء الموتى‪ ،‬وقلب العصا‪ ،‬وتسبيح الحصى‪.‬‬
‫وذهب الشيخ أبو الحسن إلى أن مما يمكن أن يدخل مثله تحت‬
‫مقدور البشر‪ ،‬ويقدرهم الله عليه‪ ،‬ولكنه لم يكن هذا ول يكون‪،‬‬
‫جزهم عنه‪.‬‬ ‫ه هذا‪ ،‬و ع َّ‬
‫فمنعَهم الل ُ‬
‫‪-‬وقال به جماعة من أصحابه‪.‬‬
‫‪-‬وعلى الطريقين فعجز العرب عنه ثابت‪ ،‬وإقامة الحجة عليهم‬
‫بما يصح أن يكون في مقدور البشر‪ ،‬وتحديهم بأن يأتوا بمثله‬
‫قاطع‪ ،‬وهو أبلغ في التعجيز‪ ،‬وأحرى بالتقريع‪ ،‬والحتجاج بمجيء‬
‫بشر مثلهم بشيء ليس من قدرة البشر لزم‪ ،‬وهو أبهر آية‪،‬‬
‫وأقمع دللة‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫وعلى كل حال فما أتوا في ذلك بمقال‪ ،‬بل صبروا على الجلء‪،‬‬
‫صغار والذل‪ ،‬وكانوا من شموخ النف‪،‬‬ ‫والقتل‪ ،‬وتجرعوا كاسات ال َّ‬
‫وإباية الضيم‪ ،‬بحيث ل يؤثرون ذلك اختياراً‪ ،‬ول يرضونه إل‬
‫اضطراراً‪ ،‬وإل فالمعارضة لو كانت من قدرهم‪ ،‬الشغل بها أهون‬
‫عليهم وأسرع بالنجح وقطع العذر وإفحام الخصم لديهم‪ ،‬وهم‬
‫ممن لهم قدرة على الكلم‪ ،‬وقدوة في المعرفة به لجميع النام‪،‬‬
‫وما منهم إل من جهد جهده‪ ،‬واستنفد ما عنده في إخفاء ظهوره‪،‬‬
‫ة من بنات شفاههم‪ ،‬ول أتوا‬ ‫وإطفاء نوره‪ ،‬فما جلوا في ذلك خبيئ ً‬
‫بنطفة من معين مياههم‪ ،‬مع طول المد‪ ،‬و كثرة العدد‪ ،‬وتظاهر‬
‫الوالد وما ولد‪ ،‬بل أبلسوا فما نبسوا‪ ،‬ومنعوا فانقطعوا‪ ،‬فهذان‬
‫نوعان من إعجازه‪.‬‬
‫الفصل الخامس‬
‫في إعجاز القرآن‪:‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬ما انطوى عليه من الخبار بالمغيبات‬
‫‪-‬الوجه الثالث من العجاز ما انطوى عليه من الخبار بالمغيبات‪،‬‬
‫وما لم يكن ولم يقع‪ ،‬فوجد‪ ،‬كما ورد وعلى الوجه الذي أخبر به‪،‬‬
‫َ‬
‫ن) (الفتح‬ ‫منِي َ‬ ‫هآ ِ‬ ‫شاء الل ّ ُ‬ ‫م إِن َ‬ ‫حَرا َ‬ ‫جد َ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫خل ُ َّ‬ ‫كقوله تعالى‪( :‬لَتَد ْ ُ‬
‫‪)27‬‬
‫ن) (الروم‪.)3 :‬‬ ‫سيَغْلِبُو َ‬ ‫م َ‬ ‫من بَعْد ِ غَلَبِهِ ْ‬ ‫وقوله تعالى‪(:‬وَهُم ِّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫قّ لِيُظْهَِرهُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ه بِالهُدَى وَدِي ِ‬
‫سول َ ُ ْ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫س َ‬ ‫وقوله تعالى‪(:‬هُوَ ال ّذِي أْر َ‬
‫ن) (التوبة‪)33 :‬‬ ‫شرِكُو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن كُل ِّهِ وَلَوْ كَرِ َه َ ال ْ َ ُ‬ ‫دّي ِ‬‫ع َلَى ال ِ‬
‫ت‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ملُوا ال َّ‬ ‫م وَع َ ِ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫منُوا ِ‬ ‫َ‬ ‫نآ‬ ‫َ‬ ‫ه ال ّذِي‬ ‫ُ‬ ‫وقوله تعالى‪(( :‬وَعَد َ الل ّ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مكِّن َ َّ‬‫م وَلَي ُ َ‬ ‫من قَبْلِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ف ال ّذِي َ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫ِ‬ ‫خلِفَنَّهُم فِي اْلَْر‬ ‫لَي َ ْ‬
‫ست َ ْ‬
‫مناً‬ ‫خوفه َ‬ ‫َ‬
‫مأ ْ‬ ‫من بَعْد ِ َ ْ ِ ِ ْ‬ ‫دّلَنَّهُم ِّ‬ ‫م وَلَيُب َ ِ‬ ‫ضى لَهُ ْ‬ ‫م ال ّذِي اْرت َ َ‬ ‫م دِينَهُ ُ‬ ‫لَهُ ْ‬
‫ك فَأوْلَئ ِ َ‬‫ُ‬
‫م‬
‫ك هُ ُ‬ ‫من كَفََر بَعْد َ ذَل ِ َ‬ ‫شيْئا ً وَ َ‬ ‫ن بِي َ‬ ‫شرِكُو َ‬ ‫يَعْبُدُونَنِي َل ي ُ ْ‬
‫ن) (النور‪)55 :‬‬ ‫سقُو َ‬ ‫الْفَا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫خلُو َ‬ ‫س يَد ْ ُ‬ ‫ت النَّا َ‬ ‫ح (‪ )1‬وََرأي ْ َ‬ ‫ه وَالْفَت ْ ُ‬ ‫صُر الل ّ ِ‬ ‫جاء ن َ ْ‬ ‫‪-‬وقوله تعالى‪(:‬إِذ َا َ‬
‫واباً‬ ‫َ َ‬
‫ن ت َ َّ‬ ‫ه كَا َ‬ ‫ستَغْفِْره ُ إِن َّ ُ‬ ‫ك وَا ْ‬ ‫مد ِ َرب ِّ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫سب ِّ ْ‬ ‫ن الل ّهِ أفْوَاجا ً (‪ )2‬فَ َ‬ ‫فِي دِي ِ‬
‫(‪(– )3‬النصر)‬
‫فكان جميع هذا‪ ،‬كما قال‪...‬فغلبت الروم فارس في بضع سنين‪،‬‬
‫ودخل الناس في السلم أفواجاً‪ ،‬فما مات صلى الله عليه وسلم‬
‫وفي بلد العرب كلها موضع لم يدخله السلم‪.‬واستخلف الله‬
‫المؤمنين في الرض‪ ،‬ومكَّن فيها دينهم‪ ،‬و ملكهم إياها من أقصى‬
‫المشارق إلى أقصى المغارب‪ ،‬كما قال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"زويت إلى الرض‪ ،‬فأريت مشارقها و مغاربها‪ ،‬و سيبلغ ملك‬
‫أمتي ما زوي لي منها‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫قلت‪ :‬أخرج هذا الحديث ابن ماجه في السنن؛ واللباني في‬
‫صحيح السيرة‪ ،‬ولفظه‪:‬‬
‫" زويت لي الرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها وأعطيت‬
‫الكنزين الصفر أو الحمر والبيض‪( ،‬يعني الذهب والفضة) وقيل‬
‫لي إن ملكك إلى حيث زوي لك‪ ..‬وإني سألت الله عز وجل ثلثا‪:‬‬
‫أن ل يسلط على أمتي جوعا فيهلكهم به عامة‪ ،‬وأن ل يلبسهم‬
‫شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض‪ ،‬وإنه قيل لي إذا قضيت قضاء فل‬
‫مرد له وإني لن أسلط على أمتك جوعا فيهلكهم فيه ولن أجمع‬
‫عليهم من بين أقطارها حتى يفني بعضهم بعضا ويقتل بعضهم‬
‫بعضا وإذا وضع السيف في أمتي فلن يرفع عنهم إلى يوم‬
‫القيامة‪ ..‬وإن مما أتخوف على أمتي أئمة مضلين‪ ..‬وستعبد قبائل‬
‫من أمتي الوثان‪ ،‬وستلحق قبائل من أمتي بالمشركين‪ ..‬وإن بين‬
‫يدي الساعة دجالين كذابين قريبا من ثلثين كلهم يزعم أنه نبي‪،‬‬
‫ولن تزال طائفة من أمتي على الحق منصورين ل يضرهم من‬
‫خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل"‪ ..‬قال أبو الحسن لما فرغ‬
‫أبو عبد الله من هذا الحديث قال ما أهوله‪..‬‬
‫قال الشيخ اللباني‪ :‬صحيح‪ ..‬سند الحديث‪ :‬حدثنا هشام بن عمار‬
‫ثنا محمد بن شعيب بن شابور ثنا سعيد بن بشير عن قتادة أنه‬
‫حدثهم عن أبي قلبة الجرمي عبد الله بن زيد عن أبي أسماء‬
‫الرحبي عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪( ...:‬الحديث)‪.‬‬
‫ن) (الحجر‪،)9 :‬‬ ‫حافِظُو َ‬ ‫ه لَ َ‬‫ن نََّزلْنَا الذِّكَْر وَإِنَّا ل َ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫‪-‬وقوله‪(( :‬إِنَّا ن َ ْ‬
‫فكان كذلك‪ ،‬ل يكاد يعد من سعى في تغييره وتبديل محكمه من‬
‫الملحدة والمعطلة‪ ،‬ل سيما القرامطة‪ ،‬فأجمعوا كيدهم وحولهم‬
‫وقوتهم‪ ،‬اليوم نيفا ً على خمسمائة عام‪ ،‬فما قدروا على إطفاء‬
‫شيء من نوره‪ ،‬ول تغيير كلمة من كلمه‪ ،‬ول تشكيك المسلمين‬
‫في حرف من حروفه‪ ،‬و الحمد لله‪.‬‬
‫ُ‬
‫ن الدُّبَُر) (القمر‪)45 :‬‬ ‫معُ وَيُوَل ّو َ‬ ‫ج ْ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫سيُهَْز ُ‬ ‫ومنه قوله‪َ ( :‬‬
‫َ‬
‫م‬‫م ع َلَيْهِ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬‫م َويَن ُ‬ ‫خزِه ِ ْ‬ ‫م َوي ُ ْ‬‫ه بِأيْدِيك ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫م يُعَذِّبْهُ ُ‬ ‫‪-‬وقوله‪(:‬قَاتِلُوهُ ْ‬
‫ن) (التوبة ‪)14‬‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫صدُوَر قَوْم ٍ ُّ‬ ‫ف ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ق لِيُظْهَِره ُ ع َلَى‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ح ِّ‬ ‫ه بِالهُدَى وَدِي ِ‬
‫سول َ ُ ْ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫س َ‬ ‫وقوله‪(:‬هُوَ ال ّذِي أْر َ‬
‫ُ‬
‫ن) (التوبة ‪)33‬‬ ‫شرِكُو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن كُل ِّهِ وَلَوْ كَرِه َ ال ْ ُ‬ ‫الدِّي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م لَ‬ ‫م الدُبَاَر ث ُ َّ‬ ‫م يُوَل ّوك ُ ُ‬ ‫م إِل ّ أذ ًى وَإِن يُقَاتِلُوك ُ ْ‬ ‫ضُّروك ُ ْ‬ ‫وقوله‪( :‬لَن ي َ ُ‬
‫ن) (آل عمران‪.)111 :‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫يُن َ‬
‫فكان كل ذلك‪.‬وما فيه من كشف أسرار المنافقين واليهود‪،‬‬
‫ومقالهم وكذبهم في حلفهم‪ ،‬وتقريعهم بذلك‪،‬‬

‫‪139‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫سبُهُ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ما نَقُو ُ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ذّبُنَا الل ّ ُ‬ ‫م لَوَْل يُعَ ِ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ن فِي أنفُ ِ‬ ‫كقوله‪(:‬وَيَقُولُو َ‬
‫صيُر) (المجادلة ‪)8‬‬ ‫م ِ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫صلَوْن َ َها فَبِئ ْ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫جهَن َّ ُ‬ ‫َ‬
‫ن لَنَا‬ ‫َ‬
‫ن لَوْ كَا َ‬ ‫ك يَقُولُو َ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫ما ل َ يُبْدُو َ‬ ‫سهِم َّ‬ ‫ن فِي أن ُف ِ‬ ‫خفُو َ‬ ‫وقوله‪( :‬ي ُ ْ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م لبََرَز الذِي َ‬ ‫م فِي بُيُوتِك ُ ْ‬ ‫ما قُتِلنَا هَاهُنَا قُل لوْ كُنت ُ ْ‬ ‫يءٌ َّ‬ ‫ش ْ‬ ‫مرِ َ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫صدُورِك ْ‬ ‫ما فِي ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ي الل ُ‬ ‫م وَلِيَبْتَل ِ َ‬ ‫جعِهِ ْ‬ ‫ضا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل إِلى َ‬ ‫َ‬ ‫م القَت ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ب ع َليْهِ ُ‬ ‫َ‬ ‫كت ِ َ‬ ‫ُ‬
‫صدُورِ) (آل عمران‪:‬‬ ‫ت ال ُّ‬ ‫م بِذ َا ِ‬ ‫ه عَلِي ٌ‬ ‫م وَالل ّ ُ‬ ‫ما فِي قُلُوبِك ُ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ح َ‬ ‫م َّ‬ ‫وَلِي ُ َ‬
‫‪.)154‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫خرِي َ‬ ‫ن لِقَوْم ٍ آ َ‬ ‫ماع ُو َ‬ ‫س َّ‬ ‫ب َ‬ ‫ن لِلْكَذ ِ ِ‬ ‫ماع ُو َ‬ ‫س َّ‬ ‫ن هِادُوا ْ َ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫م َ‬ ‫وقوله‪ِ (:‬‬
‫م هَـذ َا‬ ‫ن أوتِيت ُ ْ‬
‫ُ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫ضعِهِ يَقُولُو َ‬ ‫موَا ِ‬ ‫من بَعْد ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن الْكَل ِ َ‬ ‫حّرِفُو َ‬ ‫ك يُ َ‬ ‫م يَأْتُو َ‬ ‫لَ ْ‬
‫َ‬
‫ك لَ ُ‬
‫ه‬ ‫مل ِ َ‬ ‫ه فَلَن ت َ ْ‬ ‫ه فِتْنَت َ ُ‬ ‫من يُرِد ِ الل ّ ُ‬ ‫حذَُروا ْ وَ َ‬ ‫م تُؤ ْتَوْه ُ فَا ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫خذ ُوه ُ وَإِن ل ّ‬ ‫فَ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م فِي‬ ‫م لَهُ ْ‬ ‫ه أن يُطَهَِّر قُلُوبَهُ ْ‬ ‫م يُرِد ِ الل ّ ُ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ك ال ّذِي َ‬ ‫شيْئا ً أوْلَـئ ِ َ‬ ‫ن اللّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫م) (المائدة ‪)41‬‬ ‫ب عَظِي ٌ‬ ‫خَرةِ عَذ َا ٌ‬ ‫م فِي ال ِ‬ ‫خْزيٌ وَل َ َهُ ْ‬ ‫الدُّنْيَا ِ‬
‫ن‬ ‫ضعِهِ وَيَقُولُو َ‬ ‫موَا ِ‬ ‫م ع َن َّ‬ ‫ن الْكَل ِ َ‬ ‫حّرِفُو َ‬ ‫ن هَادُوا ْ ي ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّذِي‬ ‫م َ‬ ‫وقوله‪ِّ ( :‬‬
‫م وَطَعْنا ً فِي)‬ ‫َ‬
‫سنَتِهِ ْ‬ ‫عنَا لَيّا ً بِأل ْ ِ‬ ‫مٍع وََرا ِ‬ ‫س َ‬‫م ْ‬ ‫معْ غَيَْر ُ‬ ‫س َ‬ ‫صيْنَا وَا ْ‬ ‫معْنَا وَع َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫(النساء‪.)46 :‬‬
‫وقد قال مبديا‪ ،‬ما قد ّره الله واعتقده المؤمنون يوم بدر‪( :‬وَإِذْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ت ال َّ‬ ‫ن أ َ َّ‬ ‫يعِدك ُم الل ّه إحدى الطَّائِفَتِي َ‬
‫شوْكَةِ‬ ‫ن غَيَْر ذ َا ِ‬ ‫م وَتَوَدُّو َ‬ ‫ن أنَّهَا لَك ُ ْ‬ ‫َ ْ ِ‬ ‫ُ ِ ْ َ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫ماتِهِ وَيَقْطَعَ دَابَِر‬ ‫حقَّ بِكَل ِ َ‬ ‫حقَّ ال َ‬ ‫ه أن ي ُ ِ‬ ‫م َويُرِيد ُ الل ّ ُ‬ ‫ن لَك ُ ْ‬ ‫تَكُو ُ‬
‫ن) (النفال‪)7 :‬‬ ‫الْكَافِرِي َ‬
‫ن) (الحجر‪.)95 :‬‬ ‫ستَهْزِئِي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫ومنه قوله تعالى‪( :‬إِنَّا كَفَيْنَا َ‬
‫ولما نزلت بشر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أصحابه بأن‬
‫الله كفاه إياهم‪ ،‬وكان المستهزئون نفرا ً بمكة ينفرون الناس عنه‬
‫و يؤذونه فهلكوا‪.‬‬
‫س ) (المائدة‪.)67 :‬‬ ‫م َ َ‬ ‫م َ‬ ‫وقوله (وَالل ّ ُ‬
‫ن الن ّا ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ه ي َ ْع ِ‬
‫فكان كذلك على كثرة من رام ضره‪ ،‬وقصد قتله‪ ،‬والخبار بذلك‬
‫معروفة صحيحة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ذكر ابن كثير في التفسير أسماء هؤلء المستهزئين كما‬
‫رواه ابن إسحاق‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قوله تعالى‪{ :‬وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين}‬
‫أي بلغ ما أنزل إليك من ربك‪ ,‬ول تلتفت إلى المشركين الذين‬
‫يريدون أن يصدوك عن آيات الله {ودّوا لو تدهن فيدهنون} ول‬
‫تخفهم فإن لله كافيك إياهم وحافظك منهم‪ ,‬كقوله تعالى‪{ :‬يا‬
‫أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت‬
‫رسالته والله يعصمك من الناس}‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار‪ :‬حدثنا يحيى بن محمد بن السكن‪,‬‬
‫حدثنا إسحاق بن إدريس‪ ,‬حدثنا عون بن كهمس عن يزيد بن‬
‫درهم‪ ,‬عن أنس قال‪ :‬سمعت أنسا ً يقول في هذه الية‪{ ,‬إنا‬

‫‪140‬‬
‫كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها ً آخر} قال‪ :‬مر‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فغمزه بعضهم فجاء جبريل‪,‬‬
‫أحسبه قال‪ :‬فغمزهم‪ ,‬فوقع في أجسادهم كهيئة الطعنة فماتوا‪.‬‬
‫قال محمد بن إسحاق‪ :‬كان عظماء المستهزئين كما حدثني يزيد‬
‫بن رومان عن عروة بن الزبير خمسة نفر‪ ,‬وكانوا ذوي أسنان‬
‫وشرف في قومهم من بني أسد بن عبد العزى بن قصي السود‬
‫بن المطلب أبي زمعة‪ ,‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فيما بلغني قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫«اللهم أعم بصره‪ ,‬وأثكله ولده»‪ .‬ومن بني زهرة السود بن عبد‬
‫يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة‪ ,‬ومن بني مخزوم الوليد‬
‫بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم‪ ,‬ومن بني سهم ابن‬
‫عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي العاص بن وائل بن هشام بن‬
‫سعيد بن سعد‪ ,‬ومن خزاعة الحارث بن الطلطلة بن عمرو بن‬
‫الحارث بن عبد بن ـ عمرو بن ملكان ـ‪ .‬فلما تمادوا في الشر‬
‫وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الستهزاء أنزل الله‬
‫تعالى‪{ :‬فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك‬
‫المستهزئين‪ ...‬إلى قوله }فسوف يعلمون}‪.‬‬
‫وقال ابن إسحاق‪ :‬فحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير أو‬
‫غيره من العلماء أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وهو يطوف بالبيت‪ ,‬فقام وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫إلى جنبه‪ ,‬فمر به السود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه‪,‬‬
‫ح‬‫فاستسقى بطنه‪ ,‬ومر به الوليد بن المغيرة‪ ,‬فأشار إلى أثر جر ٍ‬
‫بأسفل كعب رجله‪ ,‬وكان أصابه قبل ذلك بسنتين‪ ,‬وهو يجز‬
‫إزاره‪ ,‬وذلك أنه مر برجل من خزاعة يريش نبل ً له‪ ,‬فتعلق سهم‬
‫من نبله بإزاره فخدش رجله ذلك الخدش‪ ,‬وليس بشيء‪ ,‬فانتفض‬
‫به فقتله‪ ,‬ومر به العاص بن وائل‪ ,‬فأشار إلى أخمص قدمه فخرج‬
‫على حمار له يريد الطائف‪ ,‬فربض على شبرقة فدخلت في‬
‫أخمص قدمه فقتلته‪ ,‬ومر به الحارث بن الطلطلة فأشار إلى‬
‫رأسه فامتخط قيحا ً فقتله‪.‬‬
‫قال محمد بن إسحاق‪ :‬حدثني محمد بن أبي محمد عن رجل‪ ,‬عن‬
‫ابن عباس قال‪ :‬كان رأسهم الوليد بن المغيرة وهو الذي جمعهم‪,‬‬
‫وهكذا روي عن سعيد بن جبير وعكرمة نحو سياق محمد بن‬
‫إسحاق به‪ ,‬عن يزيد عن عروة بطوله‪ ,‬إل أن سعيدا ً يقول‪:‬‬
‫الحارث بن غيطلة‪ ,‬وعكرمة يقول الحارث بن قيس‪ .‬قال‬
‫الزهري‪ :‬وصدقا هو الحارث بن قيس‪ ,‬وأمه غيطلة‪ ,‬وكذا روي‬
‫عن مجاهد ومقسم وقتادة وغير واحد أنهم كانوا خمسة‪ .‬وقال‬
‫الشعبي‪ :‬كانوا سبعة‪ ,‬والمشهور الول‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫الفصل السادس‪:‬‬
‫في إعجاز القرآن‪:‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة‪ ،‬والمم‬
‫البائدة‪ ،‬والشرائع الداثرة‪:‬‬
‫الوجه الرابع ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة‪ ،‬والمم البائدة‪،‬‬
‫والشرائع الداثرة‪ ،‬مما كان ل يعلم منه القصة الواحدة إل الفذ‬
‫من أخبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلم ذلك‪ ،‬فيورده‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم على وجهه‪ ،‬ويأتي به على نصه‪،‬‬
‫فيعترف العالم بذلك بصحته وصدقه‪ ،‬وأن مثله لم ينله بتعليم‪.‬‬
‫وقد علموا أنه صلى الله عليه وسلم أمي ل يقرأ ول يكتب‪ ،‬ول‬
‫اشتغل بمدارسة ول مثافنة‪ ،‬ولم يغب عنهم‪ ،‬ول جهل حاله أحد‬
‫منهم‪.‬‬
‫وقد كان أهل الكتاب كثيراما يسألونه ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬ ‫ً‬
‫عن هذا‪ ،‬فينزل عليه من القرآن ما يتلو عليهم منه ذكراً‪ ،‬كقصص‬
‫النبياء مع قومهم‪ ،‬وخبر موسى والخضر‪ ،‬ويوسف وإخوته‪،‬‬
‫وأصحاب الكهف‪ ،‬وذي القرنين‪ ،‬ولقمان وابنه‪ ،‬وأشباه ذلك من‬
‫النبياء والقصص‪ ،‬وبدء الخلق وما في التوراة‪ ،‬والنجيل‪،‬‬
‫والزبور‪ ،‬وصحف إبراهيم وموسى‪ ،‬مما صدقه فيه العلماء بها‪،‬‬
‫ولم يقدروا على تكذيب ما ذكر منها‪ ،‬بل أذعنوا لذلك‪ ،‬فمن‬
‫موفق آمن بما سبق له من خير‪ ،‬ومن شقي معاند حاسد‪ ،‬ومع‬
‫هذا لم يحك عن واحد من النصارى واليهود على شدة عداوتهم‬
‫له‪ ،‬وحرصهم على تكذيبه‪ ،‬وطول احتجاجه عليهم بما في كتبهم‪،‬‬
‫وتقريعهم بما انطوت عليه مصاحفهم‪ ،‬وكثرة سؤالهم له صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وتعنيتهم إياه ـ عن أخبار أنبيائهم‪ ،‬وأسرار‬
‫علومهم‪ ،‬ومستودعات سيرهم‪ ،‬وإعلمه لهم بمكتوم شرائعهم‬
‫ومضمنات كتبهم‪ ،‬مثل سؤالهم عن الروح‪ ،‬وذي القرنين‪،‬‬
‫وأصحاب الكهف‪ ،‬وعيسى‪ ،‬وحكم الرجم وما حرم إسرائيل على‬
‫نفسه‪ ،‬وما حرم عليهم من النعام‪ ،‬ومن طيبات أحلت لهم‬
‫فحرمت عليهم ببغيهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ماء‬ ‫شدَّاء ع َلَى الْكُفّارِ ُر َ‬
‫ح َ‬ ‫هأ ِ‬ ‫معَ ُ‬‫ن َ‬‫ه وَال ّذِي َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫مد ٌ َّر ُ‬ ‫ح َّ‬ ‫وقوله‪ُّ ( :‬‬
‫م َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ماهُ ْ‬‫سي َ‬‫ضوَانا ً ِ‬ ‫ن الل ّهِ وَرِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ضل ً ِّ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫جدا ً يَبْتَغُو َ‬ ‫س َّ‬‫م ُرك ّعا ً ُ‬ ‫م تََراهُ ْ‬ ‫بَيْنَهُ ْ‬
‫َ‬
‫م فِي‬ ‫مثَلُهُ ْ‬ ‫م فِي التَّوَْراةِ وَ َ‬ ‫مثَلُهُ ْ‬‫ك َ‬ ‫جود ِ ذَل ِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن أثَرِ ال ُّ‬ ‫م ْ‬ ‫جوهِهِم ِّ‬ ‫فِي وُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫سوقِ ِ‬‫ستَوَى ع َلَى ُ‬ ‫ظ فَا ْ‬ ‫ستَغْل َ َ‬ ‫شطْأهُ فَآَزَره ُ فَا ْ‬ ‫ج َ‬ ‫خَر َ‬ ‫ل كََزْرٍع أ ْ‬ ‫جي ِ‬ ‫اْلِن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ملُوا‬‫منُوا وَع َ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ه ال ّذِي َ‬ ‫م الْكُفَّاَر وَعَد َ الل ّ ُ‬ ‫ظ بِهِ ُ‬ ‫ب الُّزَّراع َ لِيَغِي َ‬ ‫ج ُ‬ ‫يُعْ ِ‬
‫جرا ً عَظِيماً) (الفتح‪ )29 :‬وغير ذلك من‬ ‫َ‬ ‫منْهُم َّ‬ ‫ال َّ‬
‫مغْفَِرة ً وَأ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬
‫أمورهم التي نزل فيها القرآن‪ ،‬فأجابهم وعرفهم بما أوحى إليه‬
‫من ذلك أنه أنكر ذلك أو كذبه‪ ،‬بل أكثرهم صرح بصحة نبوته‪،‬‬

‫‪142‬‬
‫وصدق مقالته‪ ،‬واعترف بعناده وحسدهم إياه‪ ،‬كأهل بجران‪ ،‬وابن‬
‫صوريا‪ ،‬وابني أخطب وغيرهم‪.‬‬
‫ومن باهت في ذلك بعض المباهتة‪ ،‬وادعى أن فيما عندهم من‬
‫ة ـ دعي إلى إقامة حجته‪ ،‬وكشف دعوته‪،‬‬ ‫ذلك لما حكاه مخالف ً‬
‫فقيل له‪( :‬قُ ْ ْ‬
‫ن‬‫م ِ‬ ‫ن َ (‪ )93‬فَ َ‬ ‫صادِقِي َ‬‫م َ‬ ‫ل فَأتُوا ْ بِالتَّوَْراةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنت ُ ْ‬
‫ن (‪.)94‬‬ ‫مو َ‬ ‫م الظ ّال ِ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ك فَأُوْلَـئ ِ َ‬ ‫من بَعْد ِ ذَل ِ َ‬ ‫ب ِ‬ ‫افْتََرىَ ع َلَى اللّهِ الْكَذ ِ َ‬
‫(آل عمران )‬
‫فقرع ووبَّخ‪ ،‬ودعا إلى إحضار ممكن غير ممتنع‪ ،‬فمن معترف بما‬
‫جحده‪ ،‬ومتواقح يلقي على فضيحته من كتابه يده‪ .‬و لم يؤثر أن‬
‫واحدا ً منهم أظهر خلف قوله من كتبه‪ ،‬ول أبدى صحيحا ً ول‬
‫م‬‫جاءك ُ ْ‬ ‫ب قَد ْ َ‬ ‫ل الْكِتَا ِ‬ ‫سقيما ً من صفحه‪ ،‬قال الله تعالى‪( :‬يَا أَهْ َ‬
‫ب وَيَعْفُو ع َن‬ ‫ن الْكِتَا ِ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫خفُو َ‬ ‫م تُ ْ‬‫ما كُنت ُ ْ‬ ‫م َّ‬‫م كَثِيرا ً ِّ‬ ‫ن لَك ُ ْ‬
‫سولُنَا يُبَي ِّ ُ‬
‫َر ُ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ب ُّ‬ ‫ّ‬ ‫جاءكُم ِّ‬ ‫كَثِيرٍ قَد ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ه َ‬‫ن (‪ )ُ 15‬يَهْدِي بِهِ الل ُ‬ ‫مبِي ٌ‬ ‫ن اللهِ نُوٌر وَكِتَا ٌ‬ ‫م َ‬
‫ت إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الظ ّل ُ َ‬ ‫م ِ‬‫جهُم ِّ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫سلَم ِ وَي ُ ْ‬ ‫ل ال َّ‬ ‫سب ُ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ضوَان َ ُ‬ ‫اتَّبَعَ رِ ْ‬
‫ستَقِيم ٍ (‪- )16‬المائدة‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُّ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫م إِلَى ِ‬ ‫وَيَهْدِيهِ ْ‬

‫الفصل السابع‪:‬‬
‫هذه الوجــوه الربعـة مـن العجـاز ل نـزاع فيها ول مريــة‪:‬‬
‫هذه الوجوه الربعة من إعجازه بينة ل نزاع فيها ول مرية‪.‬‬
‫ومن الوجوه البينة في إعجازه من غير هذه الوجوه آي وردت‬
‫بتعجيز قوم في قضايا‪ ،‬وإعلمهم أنهم ل يفعلونها فما فعلوا ول‬
‫م الدَّاُر ال َ ِ‬
‫خَرةُ‬ ‫ت لَك ُ ُ‬ ‫ل إِن كَان َ ْ‬ ‫قدروا على ذلك‪ ،‬كقوله لليهود‪( :‬قُ ْ‬
‫ن)‬
‫صادِقِي َ‬ ‫م َ‬ ‫ت إِن كُنت ُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫منَّوُا ْ ال ْ َ ْ‬ ‫س فَت َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ن النَّا‬
‫من دُو ِ‬ ‫ة ِّ‬
‫ص ً‬ ‫عند َ اللّهِ َ‬
‫خال ِ َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ه عَلِي ٌ‬ ‫م وَالل ّ ُ‬ ‫ت أيْدِيهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ما قَد َّ َ‬ ‫منَّوْه ُ أبَدا ً ب ِ َ‬
‫(البقرة‪( )94 :‬وَلَن يَت َ َ‬ ‫َ‬
‫ن) (البقرة‪)95 :‬‬ ‫بِالظ ّالِمي َ‬
‫‪-‬قال أبو إسحاق الزجاج‪ :‬في هذه الية أعظم حجة وأظهر دللة‬
‫ت)‪ ،‬وأعلمهم أنهم‬ ‫مو َ‬‫منَّوُا ْ ال ْ َ ْ‬ ‫على صحة الرسالة‪ ،‬لنه قال‪( :‬فَت َ َ‬
‫منَّوْه ُ أَبَداً)‪ ،‬فلم يتمنه واحدا ً منهم‪.‬‬ ‫(لَن يَت َ َ‬
‫‪-‬وعن النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬والذي نفسي بيده ل يقولها‬
‫رجل منهم إل غص بريقه‪ .‬يعني يموت مكانه‪.‬‬
‫فصرفهم الله عن تمنيه وجزعهم‪ ،‬ليظهر صدق رسوله‪ ،‬وصحة ما‬
‫أوحي إليه‪ ،‬إذا لم يتمنه أحد منهم‪ ،‬وكانوا على تكذيبه أحرص لو‬
‫قدروا‪ ،‬ولكن الله يفعل ما يريد‪ ،‬فظهرت بذلك معجزته‪ ،‬وبانت‬
‫حجته‪.‬‬
‫‪-‬قال أبو محمد الصيلي‪ :‬من أعجب أمرهم أنه ل يوجد منهم‬
‫جماعة‪ ،‬ول واحد‪ ،‬من يوم أمر الله بذلك نبيه صلى الله عليه‬

‫‪143‬‬
‫وسلم ـ يقدم عليه‪ ،‬ول يجيب إليه‪ .‬وهذا موجود مشاهد لمن أراد‬
‫أن يمتحنه منهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قال السيوطي في الدر المنثور‪:‬‬
‫وأخرج البيهقي في الدلئل عن ابن عباس في هذه الية قال‪ :‬قل‬
‫لهم يا محمد {إن كانت لكم الدار الخرة} يعني الجنة كما زعتم‬
‫{خالصة من دون الناس} يعني المؤمنين {فتمنوا الموت إن‬
‫كنتم صادقين} إنها لكم خالصة من دون المؤمنين فقال لهم‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬إن كنتم في مقالتكم‬
‫صادقين قولوا اللهم أمتنا‪ ،‬فوالذي نفسي بيده ل يقولها رجل‬
‫منكم إل غص بريقه فمات مكانه‪ ،‬فأبوا أن يفعلوا وكرهوا ما قال‬
‫لهم‪ ،‬فنزل {ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم} يعني عملته‬
‫أيديهم {والله عليم بالظالمين} أنهم لن يتمنوه‪ ،‬فقال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم عند نزول هذه الية‪ :‬والله ل يتمنونه‬
‫أبدا"‪.‬‬
‫وأخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في‬
‫قوله {فتمنوا الموت} أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب‬
‫فأبوا ذلك‪ ،‬ولو تمنوه يوم قال ذلك ما بقي على وجه الرض‬
‫يهودي إل مات‪.‬‬
‫وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله (قل إن لكم الدار‬
‫الخرة) يعني الجنة {خالصة} خاصة {فتمنوا الموت} فاسألوا‬
‫الموت {ولن يتمونه أبدا} لنهم يعلمون أنهم كاذبون {بما‬
‫قدمت} قال‪ :‬أسلفت‪.‬‬
‫وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو نعيم في الدلئل‬
‫عن ابن عباس قال‪ :‬لو تمنى اليهود الموت لماتوا‪.‬‬
‫وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال‪ :‬لو تمنوا‬
‫الموت لشرق أحدهم بريقه‪.‬‬
‫وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن مردويه‬
‫وأبو نعيم عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا‪ ،‬ولرأوا مقاعدهم من‬
‫النار"‪.‬‬
‫وكذلك آية المباهلة من هذا المعنى‪ ،‬حيث وفد عليه أساقفة‬
‫نجران وأبوْا السلم‪ ،‬فأنزل الله تعالى عليه آية المباهلة بقوله‪:‬‬
‫ل ت َ َعالَوْا ْ نَد ْ ُ‬
‫ع‬ ‫ن الْعِلْم ِ فَقُ ْ‬
‫م َ‬
‫ك ِ‬ ‫جاء َ‬ ‫ما َ‬ ‫من بَعْد ِ َ‬‫ك فِيهِ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫حآ َّ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬‫(فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م نَبْتَهِ ْ‬
‫ل‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م ث ُ َّ‬ ‫سنَا وأنفُ َ‬ ‫م وَأنفُ َ‬‫ساءك ُ ْ‬ ‫ساءنَا وَن ِ َ‬ ‫أبْنَاءنَا وَأ َبْنَاءك ُ ْ‬
‫م وَن ِ َ‬
‫ن) (آل عمران‪.)61 :‬‬ ‫ة اللّهِ ع َلَى الْكَاذِبِي َ‬ ‫جعَل ل ّعْن َ َ‬ ‫فَن َ ْ‬

‫‪144‬‬
‫فامتنعوا منها‪ ،‬ورضوا بأداء الجزية‪ ،‬وذلك أن العاقب عظيمهم‬
‫قال لهم‪ :‬قد علمتم أنه نبي‪ ،‬وأنه ما لعن قوما ً نبي قط فبقي‬
‫كبيرهم ول صغيرهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قال ابن كثير عند تفسير هذه الية الكريمة‪:‬‬
‫قال تعالى آمرا ً رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬أن يباهل من‬
‫جك فيه من‬ ‫عاند الحق في أمر عيسى بعد ظهور البيان {فمن حا ّ‬
‫بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا‬
‫ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم} أي نحضرهم في حال المباهلة {ثم‬
‫نبتهل} أي نلتعن {فنجعل لعنة الله على الكاذبين} أي منا أو‬
‫منكم‪.‬‬
‫وكان سبب نزول هذه المباهلة وما قبلها من أول السورة إلى‬
‫هنا في وفد نجران‪ ,‬أن النصارى لما قدموا فجعلوا يحاجون في‬
‫عيسى ويزعمون فيه ما يزعمون من البنوة واللهية‪ ,‬فأنزل الله‬
‫صدر هذه السورة ردا ً عليهم‪ ,‬قال ابن إسحاق في سيرته‬
‫المشهورة وغيره‪ :‬قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وفد نصارى نجران ستون راكباً‪ ,‬فيهم أربعة عشر رجل ً من‬
‫أشرافهم يؤول أمرهم إليهم وهم‪ :‬العاقب واسمه عبد المسيح‪,‬‬
‫والسيد وهو اليهم‪ ,‬وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل‪,‬‬
‫وأويس بن الحارث‪ ,‬وزيد‪ ,‬وقيس‪ ,‬ويزيد ونبيه‪ ,‬وخويلد‪ ,‬وعمرو‪,‬‬
‫حنّس‪ ,‬وأمر هؤلء يؤول إلى ثلثة منهم وهم‬ ‫وخالد‪ ,‬وعبد الله‪ ,‬وي ُ َ‬
‫العاقب‪ ,‬وكان أمير القوم وذا رأيهم وصاحب مشورتهم‪ ,‬والذي ل‬
‫يصدرون إل عن رأيه‪ ,‬والسيد وكان عالمهم وصاحب رحلهم‬
‫ومجتمعهم‪ ,‬وأبو حارثة بن علقمة وكان أسقفهم وحبرهم‬
‫وإمامهم وصاحب مدارسهم‪ ,‬وكان رجل ً من العرب من بني بكر‬
‫بن وائل‪ ,‬ولكنه تنصر فعظمته الروم وملوكها وشرفوه‪ ,‬وبنوا له‬
‫الكنائس وأخدموه لما يعلمونه من صلبته في دينهم‪ ,‬وقد كان‬
‫يعرف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفته وشأنه مما‬
‫علمه من الكتب المتقدمة‪ ,‬ولكن حمله جهله على الستمرار في‬
‫النصرانية لما يرى من تعظيمه فيها وجاهه عند أهلها‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق‪ :‬وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير‪ ,‬قال‪ :‬قدموا‬
‫على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة‪ ,‬فدخلوا عليه‬
‫مسجده حين صلى العصر‪ ,‬عليهم ثياب الحبرات جبب وأردية في‬
‫جمال رجال بني الحارث بن كعب‪ ,‬قال‪ :‬يقول من رآهم من‬
‫أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬ما رأينا بعدهم وفدا ً مثلهم‪:‬‬
‫وقد حانت صلتهم فقاموا في مسجد رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ,‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪«:‬دعوهم» فصلوا‬
‫إلى المشرق‪ ,‬قال‪ :‬فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم‬

‫‪145‬‬
‫أبو حارثة بن علقمة‪ ,‬والعاقب عبد المسيح‪ ,‬والسيد اليهم وهم‬
‫من النصرانية على دين الملك مع اختلف أمرهم يقولون‪ :‬هو‬
‫الله‪ ,‬ويقولون‪ :‬هو ولد الله‪ ,‬ويقولون‪ :‬هو ثالث ثلثة‪ ,‬تعالى الله‬
‫عن قولهم علوا ً كبيراً‪ .‬وكذلك قول النصرانية‪ ,‬فهم يحتجون في‬
‫قولهم هو الله‪ ,‬بأنه كان يحيى الموتى ويبرىء الكمه والبرص‬
‫والسقام‪ ,‬ويخبر بالغيوب‪ ,‬ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ‬
‫فيه فيكون طيراً‪ ,‬وذلك كله بأمر الله‪ .‬وليجعله الله آية للناس‪,‬‬
‫ويحتجون على قولهم بأنه ابن الله يقولون‪ :‬لم يكن له أب يعلم‪,‬‬
‫وقد تكلم في المهد بشيء لم يسمعه أحد من بني آدم قبله‪,‬‬
‫ويحتجون على قولهم بأنه ثالث ثلثة بقول الله تعالى‪ :‬فعلنا‬
‫وأمرنا وخلقنا وقضينا فيقولون لو كان واحدا ً ما قال إل فعلت‬
‫وأمرت وقضيت وخلقت‪ ,‬ولكنه هو وعيسى ومريم ـ تعالى الله‬
‫وتقدس وتنزه عما يقول الظالمون والجاحدون علوا ً كبيرا ً ـ وفي‬
‫كل ذلك من قولهم‪ :‬قد نزل القرآن‪ ,‬فلما كلمه الحبران‪ ,‬قال‬
‫لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم‪« :‬أسلما» قال‪ :‬قد أسلمنا‪,‬‬
‫قال‪« :‬إنكما لم تسلما فأسلما»‪ .‬قال‪ :‬بلى قد أسلمنا قبلك‪ .‬قال‪:‬‬
‫«كذبتما يمنعكما من السلم دعاؤكما لله ولدا ً وعبادتكما الصليب‬
‫وأكلكما الخنزير»‪ .‬قال‪ :‬فمن أبوه يا محمد؟ فصمت رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم عنهما فلم يجبهما‪ ,‬فأنزل الله في ذلك من‬
‫قولهم واختلف أمرهم صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين‬
‫آية منها‪ ,‬ثم تكلم ابن إسحاق على تفسيرها إلى أن قال‪ :‬فلما‬
‫أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من الله والفصل‬
‫من القضاء بينه وبينهم وأمر بما أمر به من ملعنتهم إن ردوا‬
‫ذلك عليه دعاهم إلى ذلك‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا أبا القاسم‪ ,‬دعنا ننظر في‬
‫أمرنا ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه‪ ,‬ثم انصرفوا‬
‫عنه‪ ,‬ثم خلوا بالعاقب‪ ,‬وكان ذا رأيهم فقالوا‪ :‬يا عبد المسيح ماذا‬
‫ترى؟ فقال‪ :‬والله يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمدا ً لنبي‬
‫مرسل‪ ,‬ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم‪ ,‬ولقد علمتم أنه‬
‫ما لعن قوم نبيا ً قط‪ ,‬فبقي كبيرهم ول نبت صغيرهم‪ ,‬وإنه‬
‫للستئصال منكم إن فعلتم‪ ,‬فإن كنتم أبيتم إل إلف دينكم‬
‫والقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم‪ ,‬فوادعوا‬
‫الرجل وانصرفوا إلى بلدكم‪ ,‬فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فقالوا‪ :‬يا أبا القاسم‪ ,‬قد رأينا أل نلعنك ونتركك على دينك‬
‫ونرجع على ديننا ولكن ابعث معنا رجل ً من أصحابك ترضاه لنا‬
‫يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها في أموالنا‪ ,‬فإنكم عندنا رضا‪,‬‬
‫قال محمد بن جعفر‪ :‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫«ائتوني العشية أبعث معكم القوي المين» فكان عمر بن‬

‫‪146‬‬
‫الخطاب رضي الله عنه يقول‪ :‬ما أحببت المارة قط حبي إياها‬
‫يومئذ‪ ,‬رجاء أن أكون صاحبها‪ ,‬فرحت إلى الظهر مهجراً‪ ,‬فلما‬
‫صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر‪ ,‬سلم ثم نظر عن‬
‫يمينه وشماله‪ ,‬فجعلت أتطاول له ليراني فلم يزل يلتمس ببصره‬
‫حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح فدعاه‪ ,‬فقال‪« :‬اخرج معهم فاقض‬
‫بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه»‪ .‬قال عمر‪ :‬فذهب بها أبو عبيدة‬
‫رضي الله عنه‪.‬‬
‫وقد روى ابن مردويه من طريق محمد بن إسحاق‪ ,‬عن عاصم بن‬
‫عمر بن قتادة‪ ,‬عن محمود بن لبيد‪ ,‬عن رافع بن خديج‪ :‬أن وفد‬
‫أهل نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فذكر‬
‫نحوه‪ ,‬إل أنه قال في الشراف‪ :‬كانوا اثني عشر‪ ,‬وذكر بقيته‬
‫بأطول من هذا السياق‪ ,‬وزيادات أخرى‪.‬‬

‫وقال البخاري‪ :‬حدثنا عباس بن الحسين‪ ,‬حدثنا يحيى بن آدم‪ ,‬عن‬


‫إسرائيل‪ ,‬عن أبي إسحاق‪ ,‬عن صلة بن زفر‪ ,‬عن حذيفة رضي‬
‫الله عنه‪ ,‬قال‪ :‬جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلعناه‪ ,‬قال‪ :‬فقال‪ :‬أحدهما‬
‫لصاحبه‪ :‬ل تفعل فو الله لئن كان نبيا ً فلعناه ل نفلح نحن ول‬
‫عقبنا من بعدنا‪ ,‬قال‪ :‬إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجل ً أميناً‬
‫ول تبعث معنا إل أميناً‪ ,‬فقال‪« :‬لبعثن معكم رجل ً أمينا ً حق‬
‫أمين» فاستشرف لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ ,‬فقال‪ « :‬قم يا أبا عبيدة بن الجراح» فلما قام‪ ,‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪« :‬هذا أمين هذه المة» رواه البخاري‬
‫ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق عن أبي‬
‫إسحاق السبيعي عن صلة‪ ,‬عن حذيفة‪ ,‬بنحوه وقد رواه أحمد‬
‫والنسائي وابن ماجه من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق‪ ,‬عن‬
‫صلة‪ ,‬عن ابن مسعود بنحوه‪.‬‬
‫وقال البخاري‪ :‬حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن خالد‪ ,‬عن أبي‬
‫قلبة‪ ,‬عن أنس‪ ,‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬قال‪:‬‬
‫«لكل أمة أمين‪ ,‬وأمين هذه المة أبو عبيدة بن الجراح» وقال‬
‫المام أحمد‪ :‬حدثنا إسماعيل بن يزيد الرقي أبو يزيد‪ ,‬حدثنا فرات‬
‫عن عبد الكريم بن مالك الجزري‪ ,‬عن عكرمة‪ ,‬عن ابن عباس‪,‬‬
‫قال‪ :‬قال أبو جهل قبحه الله‪ ,‬إن رأيت محمدا ً يصلي عند الكعبة‬
‫لَتينه حتى أطأ على رقبته‪ ,‬قال‪ :‬فقال‪« :‬لو فعل لخذته الملئكة‬
‫عياناً‪ ,‬ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من‬
‫النار‪ ,‬ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫لرجعوا ل يجدون مال ً ول أهلً»‪ ,‬وقد رواه الترمذي والنسائي من‬

‫‪147‬‬
‫حديث عبد الرزاق‪ ,‬عن معمر‪ ,‬عن عبد الكريم به‪ ,‬وقال‬
‫الترمذي‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫وقد روى البيهقي في دلئل النبوة قصة وفد نجران مطولة جداً‪,‬‬
‫ولنذكره فإن فيه فوائد كثيرة‪ ,‬وفيه غرابة‪ ,‬وفيه مناسبة لهذا‬
‫المقام‪ ,‬قال البيهقي‪ :‬حدثنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد محمد‬
‫بن موسى بن الفضل‪ ,‬قال‪ :‬حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب‪,‬‬
‫حدثنا أحمد بن عبد الجبار‪ ,‬حدثنا يونس بن بكير‪ ,‬عن سلمة بن‬
‫عبد يسوع‪ ,‬عن أبيه‪ ,‬عن جده‪ ,‬قال يونس ـ وكان نصرانيا ً فأسلم‬
‫ـ‪ :‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬كتب إلى أهل نجران‬
‫قبل أن ينزل عليه(طـس) سليمان‪« :‬باسم إله إبراهيم وإسحاق‬
‫ويعقوب‪ ,‬من محمد النبي رسول الله إلى أسقف نجران وأهل‬
‫نجران أسلم أنتم‪ ,‬فإني أحمد إليكم إله إبراهيم وإسحاق‬
‫ويعقوب‪ .‬أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد‪,‬‬
‫وأدعوكم إلى ولية الله من ولية العباد‪ ,‬فإن أبيتم فالجزية‪ ,‬فإن‬
‫أبيتم فقد آذنتكم بحرب‪ ,‬والسلم»‪ .‬فلما أتى السقف الكتاب‬
‫وقرأه فظع به‪ ,‬وذعره ذعرا ً شديداً‪ ,‬وبعث إلى رجل من أهل‬
‫نجران يقال له شرحبيل بن وداعة‪ ,‬وكان من همدان‪ ,‬ولم يكن‬
‫أحد يدعى إذا نزلت معضلة قبله ل اليهم ول السيد ول العاقب‪,‬‬
‫فدفع السقف كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى‬
‫شرحبيل فقرأه‪ ,‬فقال السقف‪ :‬يا أبا مريم ما رأيك؟ فقال‬
‫شرحبيل‪ :‬قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من‬
‫النبوة‪ ,‬فما يؤمن أن يكون هذا هو ذاك الرجل‪ ,‬ليس لي في أمر‬
‫النبوة رأي‪ ,‬ولو كان في أمر من أمور الدنيا لشرت عليك فيه‬
‫برأيي واجتهدت لك‪ ,‬فقال السقف‪ :‬تنح فاجلس‪ ,‬فتنحى شرحبيل‬
‫فجلس ناحية‪ ,‬فبعث السقف إلى رجل من أهل نجران يقال له‬
‫عبد الله بن شرحبيل‪ ,‬وهو من ذي أصبح من حمير‪ ,‬فأقرأه‬
‫الكتاب وسأله عن الرأي فيه فقال له مثل قول شرحبيل‪ ,‬فقال‬
‫له السقف‪ :‬تنح فاجلس‪ ,‬فتنحى عبد الله فجلس ناحية‪ ,‬فبعث‬
‫السقف إلى رجل من أهل نجران يقال له جبار بن فيض من بني‬
‫الحارث بن كعب أحد بني الحماس‪ ,‬فأقرأه الكتاب‪ ,‬وسأله عن‬
‫الرأي فيه؟ فقال له مثل قول شرحبيل وعبد الله‪ ,‬فأمره‬
‫السقف‪ ,‬فتنحى فجلس ناحية‪ ,‬فلما اجتمع الرأي منهم على تلك‬
‫المقالة جميعاً‪ ,‬أمر السقف بالناقوس فضرب به‪ ,‬ورفعت النيران‬
‫والمسوح في الصوامع‪ ,‬وكذلك كانوا يفعلون إذا فزعوا بالنهار‪,‬‬
‫وإذا كان فزعهم ليل ً ضربوا بالناقوس ورفعت النيران في‬
‫الصوامع‪ ,‬فاجتمعوا حين ضرب بالناقوس ورفعت المسوح‪ ,‬أهل‬
‫الوادي أعله وأسفله‪ .‬وطول الوادي مسيرة يوم للراكب السريع‪,‬‬

‫‪148‬‬
‫وفيه ثلث وسبعون قرية وعشرون ومائة ألف مقاتل‪ ,‬فقرأ‬
‫عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وسألهم عن‬
‫الرأي فيه‪ ,‬فاجتمع رأي أهل الرأي منهم على أن يبعثوا شرحبيل‬
‫بن وداعة الهمداني وعبد الله بن شرحبيل الصبحي وجبار بن‬
‫فيض الحارثي‪ ,‬فيأتونهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم‪,‬‬
‫فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدنية وضعوا ثياب السفر عنهم‪,‬‬
‫ولبسوا حلل ً لهم يجرونها من حبرة وخواتيم الذهب‪ ,‬ثم انطلقوا‬
‫حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه‪ ,‬فلم‬
‫يرد عليهم‪ ,‬وتصدوا لكلمه نهارا ً طويلً‪ ,‬فلم يكلمهم وعليهم تلك‬
‫الحلل وخواتيم الذهب‪ ,‬فانطلقوا يتبعون عثمان بن عفان وعبد‬
‫الرحمن بن عوف‪ ,‬وكانا معرفة لهم‪ ,‬فوجدوهما في ناس من‬
‫المهاجرين والنصار في مجلس‪ ,‬فقالوا‪ :‬يا عثمان ويا عبد‬
‫الرحمن‪ ,‬إن نبيكم كتب إلينا كتابا ً فأقبلنا مجيبين له‪ ,‬فأتيناه‬
‫فسلمنا عليه فلم يرد سلمنا‪ ,‬وتصدينا لكلمه نهارا ً طويلً‪ ,‬فأعيانا‬
‫أن يكلمنا‪ ,‬فما الرأي منكما‪ ,‬أترون أن نرجع؟ فقال لعلي بن أبي‬
‫طالب وهو في القوم‪ :‬ما ترى يا أبا الحسن في هؤلء القوم؟‬
‫فقال علي لعثمان وعبد الرحمن‪ :‬أرى أن يضعوا حللهم هذه‬
‫وخواتيمهم‪ ,‬ويلبسوا ثياب سفرهم ثم يعودون إليه‪ ,‬ففعلوا‬
‫فسلموا عليه فرد سلمهم‪ ,‬ثم قال‪« :‬والذي بعثني بالحق‪ ,‬لقد‬
‫أتوني المرة الولى وإن إبليس لمعهم»‪ .‬ثم سألهم‪ ,‬فلم تزل به‬
‫وبهم المسألة حتى قالوا له‪ :‬ما تقول في عيسى‪ ,‬فإنا نرجع إلى‬
‫قومنا ونحن نصارى‪ ,‬يسرنا إن كنت نبيا ً أن نسمع ما تقول فيه؟‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪« :‬ما عندي فيه شيء‬
‫يومي هذا‪ ,‬فأقيموا حتى أخبركم بما يقول لي ربي في عيسى»‬
‫عند َ اللّهِ‬ ‫سى ِ‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫مث َ َ‬
‫ن َ‬‫فأصبح الغد وقد أنزل الله هذه الَية {إ ِ َّ‬
‫ك‬‫من َّرب ِّ َ‬ ‫حقُّ ِ‬ ‫ن * ال ْ َ‬ ‫ه كُن فَيَكُو ُ‬ ‫ل لَ ُ‬‫م قَا َ‬ ‫ب ث ِ َّ‬‫من تَُرا ٍ‬ ‫ه ِ‬ ‫خل َ َق ُ‬ ‫م َ‬ ‫كَ َ‬
‫مث َ ِ‬
‫ل آد َ َ‬
‫ن‬‫م َ‬
‫ك ِ‬ ‫جاء َ‬ ‫ما َ‬ ‫من بَعْد ِ َ‬ ‫ك فِيهِ ِ‬ ‫ج َ‬‫حآ َّ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن * فَ َ‬ ‫متَرِي َ‬‫م ْ‬ ‫من ال ْ ُ‬ ‫فَل َ تَكُن ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سنَا‬ ‫م وَأنفُ َ‬ ‫ساءك ُ ْ‬ ‫ساءنَا وَن ِ َ‬ ‫ل تَعَالَوْا ْ نَدْع ُ أبْنَاءنَا َ وَأبْنَاءك ُ ْ‬
‫م وَن ِ َ‬ ‫الْعِلْم ِ فَقُ ْ‬
‫َ‬
‫ن *(آل‬ ‫ة اللّهِ ع َلَى الْكَاذِبِي َ‬ ‫جعَل ل ّعْن َ َ‬ ‫ل فَن َ ْ‬‫م نَبْتَهِ ْ‬ ‫م ث ُ َّ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫وأنفُ َ‬
‫عمران) } فأبوا أن يقروا بذلك‪ ,‬فلما أصبح رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم الغد بعد ما أخبرهم الخبر‪ ,‬أقبل مشتمل ً على الحسن‬
‫والحسين في خميل له‪ ,‬وفاطمة تمشي عند ظهره للملعنة‪ ,‬وله‬
‫يومئذ عدة نسوة‪ ,‬فقال شرحبيل لصاحبيه‪ :‬لقد علمتما أن الوادي‬
‫إذا اجتمع أعله وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إل عن رأيي‪ ,‬وإني‬
‫والله أرى أمرا ً ثقيلً‪ ,‬والله لئن كان هذا الرجل ملكا ً مبعوثا ً فكنا‬
‫أول العرب طعنا ً في عينيه وردا ً عليه أمره‪ ,‬ل يذهب لنا من‬
‫صدره ول من صدور أصحابه حتى يصيبونا بجائحة‪ ,‬وإنا لدنى‬

‫‪149‬‬
‫العرب منهم جواراً‪ ,‬ولئن كان هذا الرجل نبيا ً مرسل ً فلعناه‪ ,‬ل‬
‫يبقى منا على وجه الرض شعر ول ظفر إل هلك‪ ,‬فقال له‬
‫صاحباه‪ :‬فما الرأي يا أبا مريم؟ فقال‪ :‬أرى أن أحكمه‪ ,‬فإني أرى‬
‫رجل ً ل يحكم شططا ً أبداً‪ ,‬فقال‪ :‬له‪ :‬أنت وذاك‪ ,‬قال‪ :‬فلقي‬
‫شرحبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فقال له‪ :‬إني قد‬
‫رأيت خيرا ً من ملعنتك‪ .‬فقال‪ :‬وما هو؟ فقال‪ :‬حكمك اليوم إلى‬
‫الليل وليلتك إلى الصباح‪ ,‬فمهما حكمت فينا فهو جائز‪ ,‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪« :‬لعل وراءك أحدا ً يثرب‬
‫عليك»؟ فقال شرحبيل‪ :‬سل صاحبي‪ ,‬فسألهما فقال‪ :‬ما يرد‬
‫الوادي ول يصدر إل عن رأي شرحبيل‪ .‬فرجع رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فلم يلعنهم حتى إذا كان من الغد أتوه‪ ,‬فكتب‬
‫لهم هذا الكتاب‪« :‬بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما كتب النبي‬
‫محمد رسول الله لنجران ـ إن كان عليهم حكمه ـ في كل ثمرة‬
‫وكل صفراء وبيضاء وسوداء ورقيق فاضل عليهم‪ ,‬وترك ذلك كله‬
‫لهم على ألفي حلة‪ ,‬في كل رجب ألف حلة‪ ,‬وفي كل صفر ألف‬
‫حلة» وذكر تمام الشروط وبقية السياق‪.‬‬
‫والغرض أن وفودهم كان في سنة تسع‪ ,‬لن الزهري قال‪ :‬كان‬
‫أهل نجران أول من أدى الجزية إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ,‬وآية الجزية إنما أنزلت بعد الفتح‪ ,‬وهي قوله تعالى‪:‬‬
‫{قاتلوا الذين ل يؤمنون بالله ول باليوم الخر} الية‪ ,‬وقال أبو‬
‫بكر بن مردويه‪ :‬حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا أحمد بن داود‬
‫المكي‪ ,‬حدثنا بشر بن مهران حدثنا محمد بن دينار‪ ,‬عن داود بن‬
‫أبي هند‪ ,‬عن الشعبي‪ ,‬عن جابر‪ ,‬قال‪ :‬قدم على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم العاقب والطيب‪ ,‬فدعاهما إلى الملعنة فواعداه على‬
‫أن يلعناه الغداة‪ ,‬قال‪ :‬فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم‪,‬‬
‫فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين‪ ,‬ثم أرسل إليهما‪ ,‬فأبيا‬
‫أن يجيبا وأقرا له بالخراج‪ ,‬قال‪ :‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪« :‬والذي بعثني بالحق لو قال‪ :‬ل‪ ,‬لمطر عليهم الوادي‬
‫ناراً» قال جابر‪ ,‬وفيهم نزلت {ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا‬
‫ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم} قال جابر {أنفسنا وأنفسكم}‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب {وأبناءنا}‬
‫الحسن والحسين {ونساءنا} فاطمة‪ .‬وهكذا رواه الحاكم في‬
‫مستدركه عن علي بن عيسى‪ ,‬عن أحمد بن محمد الزهري‪ ,‬عن‬
‫علي بن حجر‪ ,‬عن علي بن مسهر‪ ,‬عن داود بن أبي هند به‬
‫بمعناه‪ ,‬ثم قال‪ :‬صحيح على شرط مسلم‪ ,‬ولم يخرجاه هكذا قال‬
‫وقد رواه أبو داود الطيالسي‪ ,‬عن شعبة‪ ,‬عن المغيرة عن‬
‫الشعبي مرسلً‪ ,‬وهذا أصح‪ ,‬وقد روي عن ابن عباس والبراء نحو‬

‫‪150‬‬
‫ذلك‪ ,‬ثم قال الله تعالى‪{ :‬إن هذا لهو القصص الحق} أي هذا‬
‫الذي قصصناه عليك يا محمد في شأن عيسى هو الحق الذي ل‬
‫معدل عنه ول محيد {وما من إله إل الله‪ ,‬وإن الله لهو العزيز‬
‫الحكيم * { فإن تولوا} أي عن هذا إلى غيره {فإن الله عليم‬
‫بالمفسدين} أي من عدل عن الحق إلى الباطل فهو المفسد‬
‫والله عليم به‪ ,‬وسيجزيه على ذلك شر الجزاء وهو القادر الذي ل‬
‫يفوته شيء سبحانه وبحمده ونعوذ به من حلول نقمته‪ ...‬اهـ‬
‫ما نََّزلْنَا ع َلَى ع َبْدِنَا فَأْتُواْ‬ ‫م َّ‬ ‫ب ِّ‬ ‫م فِي َري ْ ٍ‬ ‫ومثله قوله‪(( :‬وَإِن كُنت ُ ْ‬
‫ن‬
‫صادِقِي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن كُنْت ُ ْ‬ ‫ن اللّهِ إ ِ ْ‬ ‫من دُو َ ِ‬ ‫شهَدَاءكُم ِّ‬ ‫مثْلِهِ وَادْع ُوا ْ ُ‬ ‫من ِّ‬ ‫سوَرةٍ ِّ‬ ‫بِ ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م تَفْعَلوا وَلن تَفْعَلوا فَات ّقُوا الن ّاَر التِي وَقُودُهَا الن ّا ُ‬
‫س‬ ‫* فَإِن ل ْ‬
‫ُ‬
‫ن) (البقرة ‪.)24-23‬‬ ‫ت لِلْكَافِرِي َ‬ ‫عد َّ ْ‬ ‫جاَرة ُ أ ِ‬ ‫وَال ْ ِ‬
‫ح َ‬
‫فأخبرهم أنهم ل يفعلون‪ ،‬كما كان‪.‬‬
‫وهذه الية أدخل في باب الخبار عن الغيب‪ ،‬ولكن فيها من‬
‫التعجيز ما في التي قبلها‪.‬‬
‫الفصل الثامن‬
‫من وجوه العجاز‪:‬الروعة التي تلحق قلوب سامعيه وأسماعهم‬
‫عند سماعه‪،‬‬
‫والهيبة التي تعتريهم عند تلوته‪.‬‬
‫ومنها الروعة التي تلحق قلوب سامعيه وأسماعهم عند سماعه‪،‬‬
‫والهيبة التي تعتريهم عند تلوته لقوة حاله‪ ،‬وإنافة خطره‪ ،‬وهي‬
‫ما‬‫على المكذبين به أعظم‪ ،‬حتى كانوا يستثقلون سماعه‪(،‬وَ َ‬
‫م إِل َّ نُفُوراً) (السراء‪ ،)41 :‬كما قال تعالى‪ ،‬و يودون‬ ‫يَزِيدُهُ ْ‬
‫انقطاعه لكراهتهم له‪.‬‬
‫و لهذا قال‪ :‬إن القرآن صعب مستصعب على من كرهه‪ ،‬وهو‬
‫الحكم‪ ،‬وأما المؤمن فل تزال روعته به‪ ،‬وهيبته إياه‪،‬مع تلوته ـ‬
‫توليه انجذاباً‪ ،‬وتكسبه هشاشة‪ ،‬لميل قلبه إليه‪ ،‬وتصديقه به‪ ،‬قال‬
‫شابِها ً َّ‬ ‫ث كِتَابا ً ُّ‬ ‫تعالى‪( :‬الل َّه نَز َ َ‬
‫ه‬ ‫شعُِّر ِ‬
‫من َْ ُ‬ ‫ي تَقْ َ‬ ‫مثَان ِ َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫حدِي ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ُ َّ‬
‫م إِلَى ذِكْرِ اللهِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وبُهُ ْ‬ ‫م وَقُل‬ ‫ْ‬ ‫جلودُهُ‬ ‫ن ُ‬ ‫ُ‬ ‫م ث ُ َّ‬
‫م تَلِي‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّه‬ ‫شوْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬ ‫جلُود ُ ال ّذِي‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن هَادٍ)‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل ُ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ضل ِ ْ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫شاءُ وَ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذَل ِك هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ َ‬
‫(الزمر‪)23 :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫صدِّعا ً ِّ‬ ‫مت َ َ‬ ‫شعا ً ُّ‬ ‫خا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ل َّرأي ْ َت َ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫جب َ‬ ‫ن ع َلَى َ‬ ‫و أنَزلْنَا هَذ َا الْقُْرآ َ‬ ‫ْ‬ ‫وقال‪( :‬ل َ‬
‫َ‬ ‫شيَةِ اللَّهِ وتِل ْ َ َ‬
‫ن) (الحشر‪:‬‬ ‫م يَتَفَك ُّرو َ‬ ‫س لَعَل ّهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ضربُهَا لِلن ّا ِ‬ ‫ل نَ ْ ِ‬ ‫مثَا ُ‬ ‫ك اْل ْ‬ ‫َ‬ ‫خ ْ‬ ‫َ‬
‫‪)21‬‬
‫ويدل على أن هذا شيء خص به ـ أنه يعتري من ل يفهم معانيه‪،‬‬
‫ول يعلم تفاسيره‪ ،‬كما روي عن نصراني ـ أنه مر بقارئ ـ فوقف‬
‫يبكي‪ ،‬فقيل له‪ :‬مم بكيت؟ قال‪ :‬للشجا والنظم‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫ة قبل السلم وبعده‪ ،‬فمنهم من‬ ‫وهذه الروعة قد اعترت جماع ً‬
‫أسلم لها لول وهلة وآمن به‪ ،‬ومنهم من كفر‪.‬‬
‫‪-‬فحكي في الصحيح‪ ،‬عن جبير بن مطعم‪ ،‬قال‪ :‬سمعت النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور‪ ،‬فلما بلغ هذه‬
‫خلَقُوا‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن غَيْرِ َ‬ ‫َ‬
‫ن (‪ )35‬أ ْ‬ ‫خالِقُو َ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫يءٍ أ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫خلِقُوا ِ‬ ‫م ُ‬ ‫الية‪(:‬أ ْ‬
‫خزائ ِن رب َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫كأ ْ‬ ‫م َ َ ُ َ ِّ‬ ‫عندَهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن (‪ )36‬أ ْ‬ ‫ض بَل ّل يُوقِنُو َ‬ ‫ت وَاْلْر َ‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال َّ‬
‫ن (‪ - ))37‬كاد قلبي أن يطير للسلم‪.‬‬ ‫صيْطُِرو َ‬ ‫م َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫هُ ُ‬
‫‪-‬وفي رواية‪ :‬و ذلك أول ما وقر اليمان في قلبي‪.‬‬
‫‪-‬وعن عتبية بن ربيعة أنه كلم النبي صلى الله عليه وسلم فيما‬
‫ن‬‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن الَّر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِّ‬ ‫جاء به من خلف قومه‪ ،‬فتل عليهم‪(:‬حم * تَنزِي ٌ‬
‫شيراً‬ ‫ن * بَ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ه قُْرآنا ً عََربِيّا ً ل ِّقَوْم ٍ يَعْل َ ُ‬ ‫ت آيَات ُ ُ‬ ‫صل َ ْ‬ ‫ب فُ ِّ‬ ‫حيم ِ * كِتَا ٌ‬ ‫الَّر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أكِنَّةٍ‬ ‫معُو َ‬ ‫س َ‬ ‫م َل ي َ ْ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫ض أكْثَُرهُ ْ‬ ‫وَنَذِيرا ً فَأعَْر َ‬
‫ل إِنَّنَا‬ ‫م ْ‬ ‫ب فَاع ْ َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ك ِ‬ ‫من بَيْنِنَا وَبَيْن ِ َ‬ ‫ما تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذ َانِنَا وَقٌْر وَ ِ‬ ‫م َّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حدٌ‬ ‫ه وَا ِ‬ ‫م إِل َ ٌ‬ ‫ما َ إِلَهُك ُ ْ‬ ‫ي أن َّ َ‬ ‫حى إِل َ َّ‬ ‫م يُو َ‬ ‫مثْلُك ُ ْ‬ ‫شٌر ِّ‬ ‫ما أنَا ب َ َ‬ ‫ل إِن َّ َ‬ ‫ن * قُ ْ‬ ‫ملُو َ‬ ‫ع َا ِ‬
‫ن‬ ‫ن َل يُؤْتُو َ‬ ‫ن * ال ّذِي َ‬ ‫شرِكِي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ل ِّل ْ ُ‬ ‫ستَغْفُِروه ُ وَوَي ْ ٌ‬ ‫موا إِلَيْهِ وَا ْ‬ ‫ستَقِي ُ‬ ‫فَا ْ‬
‫َ‬
‫ملُوا‬ ‫منُوا وَع َ ِ‬ ‫َ‬ ‫نآ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّذِي‬ ‫ن * إ ِ َّ‬ ‫م كَافُِرو َ‬ ‫ْ‬ ‫خَرةِ هُ‬ ‫الَّزكَاة َ وَهُم بِاْل ِ‬
‫َ‬ ‫صال ِحات لَهم أ َجر غَير ممنون * قُ ْ َ‬
‫خلَقَ‬ ‫ن بِال ّذِي َ‬ ‫م لَتَكْفُُرو َ‬ ‫ل أئِنَّك ُ ْ‬ ‫ال َّ َ ِ ُ ْ ْ ٌ ْ ُ َ ْ ُ ٍ‬
‫ل‬‫جعَ َ‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال ْ َعال َ ِ‬ ‫ك َر ُّ‬ ‫ه أَندَادا ً ذَل ِ َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫جعَلُو َ‬ ‫ن وَت َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫مي ْ‬ ‫ض فِي يَوْ َ‬ ‫اْلْر َ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك فِيهَا وَقَدََّر فِيهَا أقْوَات َ َها فِي أْربَعَةِ‬ ‫من فَوْقِهَا وَبَاَر َ‬ ‫ي ِ‬ ‫س َ‬ ‫فِيهَا َروَا ِ‬
‫ل ل َ َها‬ ‫ستَوَى إِلَى ال َّ‬ ‫سوَاء ل ِّل َّ‬ ‫َ‬
‫ن فَقَا َ‬ ‫خا ٌ‬ ‫ي دُ َ‬ ‫ماء وَه ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ن *ث ُ َّ‬ ‫سائِلِي َ‬ ‫أيَّام ٍ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وَلِْلَْر‬
‫ع‬
‫سب ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ضاهُ َّ‬ ‫ن * فَقَ َ‬ ‫ض اِئْتِيَا طَوْعا ً أوْ كَْرها ً قَالَتَا أتَيْنَا طَائِعِي َ‬ ‫ِ‬
‫ماء‬ ‫مَرهَا وََزيَّنَّا ال َّ‬ ‫َ‬ ‫حى فِي ك ُ ِّ‬ ‫َ‬
‫س َ‬ ‫ماء أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن وَأوْ َ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ت فِي ي َ ْ‬ ‫ماوَا ٍ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ضوا‬ ‫ن أعَْر ُ‬ ‫حفْظا ذَل ِك تَقْدِيُر العَزِيزِ العَلِيم ِ *فَإ ِ ْ‬ ‫ح وَ ِ‬ ‫صابِي َ‬ ‫م َ‬ ‫الد ّنْيَا ب ِ َ‬
‫فَقُ ْ َ‬
‫مود َ *)(سورة فصلت‪1 :‬‬ ‫عقَةِ ع َاد ٍ وَث َ ُ‬ ‫صا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ة ِّ‬ ‫عقَ ً‬ ‫صا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل أنذَْرتُك ُ ْ‬
‫– ‪.)13‬‬
‫فأمسك عتبة بيده على في النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وناشده‬
‫الرحم أن يكف‪.‬‬
‫‪-‬وفي رواية‪ :‬فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ وعتبة مصغ‬
‫ملق يديه خلف ظهره‪ ،‬معتمد عليهما‪ ،‬حتى انتهى إلى السجدة‪،‬‬
‫فسجد النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقام عتبة ل يدري بما‬
‫يراجعه‪ ،‬ورجع إلى أهله‪ ،‬ولم يخرج إلى قومه حتى أتوه‪ ،‬فاعتذر‬
‫لهم‪ ،‬وقال‪ :‬والله لقد كلمني بكلم والله ما سمعت أذناي بمثله‬
‫قط فما دريت ما أقول له‪.‬‬
‫‪-‬وقد حكي عن غير واحد ممن رام معارضته أنه اعترته روعة‬
‫وهيبة كف بها عن ذلك‪.‬‬
‫فحكي أن ابن المقفع طلب ذلك ورامه‪ ،‬وشرع فيه‪ ،‬فمر بصبي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ماء‬ ‫ض ال ْ َ‬ ‫ماء أقْلِعِي وَِغي َ‬ ‫س َ‬ ‫ك وَيَا َ‬ ‫ماء ِ‬ ‫ض ابْلَعِي َ‬ ‫ل يَا أْر ُ‬ ‫يقرأ‪( :‬وَقِي َ‬

‫‪152‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬
‫مي َ‬ ‫ل بُعْدا ً ل ِّلْقَوْم ِ الظ ّال ِ ِ‬‫ي وَقِي َ‬ ‫ت ع َلَى ال ْ ُ‬
‫جود ِ ِ ّ‬ ‫ستَوَ ْ‬
‫مُر وَا ْ‬‫ي ال ْ‬ ‫ض َ‬‫وَقُ ِ‬
‫(هود‪ )44 :‬ـ فرجع فمحا ما عمل‪ ،‬وقال‪ :‬أشهد أن هذا ل يعارض‪،‬‬
‫وما هو من كلم البشر‪ ،‬وكان من أفصح أهل وقته‪.‬‬
‫‪-‬وكان يحيى بن حكم الغزال بليغ الندلس في زمنه‪ ،‬فحكي أنه‬
‫رام شيئا ً من هذا فنظر في سورة الخلص ليحذو على مثالها‪،‬‬
‫وينسج ـ بزعمه ـ على منوالها ـ قال‪ :‬فاعترتني خشية ورقة‬
‫حملتني على التوبة والنابة‪.‬‬
‫الفصل التاسع‪:‬‬
‫ة ل تعدم ما بقيت‬ ‫ة باقي ً‬ ‫ومن وجوه إعجازه المعدودة كونه آي ً‬
‫الدنيا‬
‫ة ل تعدم ما بقيت‬ ‫ة باقي ً‬ ‫‪-‬ومن وجوه إعجازه المعدودة كونه آي ً‬
‫ن نََّزلْنَا الذِّكَْر وَإِنَّا ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ح ُ‬‫الدنيا مع تكفل الله بحفظه‪ ،‬فقال‪( :‬إِنَّا ن َ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن يَدَيْهِ وََل ِ‬ ‫من بَي ْ ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن) (الحجر‪ )9 :‬وقال‪َ( :‬ل يَأْتِيهِ الْبَاط ِ ُ‬ ‫حافِظُو َ‬‫لَ َ‬
‫ميدٍ) (فصلت‪)42 :‬‬ ‫ح ِ‬ ‫حكِيم ٍ َ‬‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫خلْفِهِ تَنزِي ٌ‬
‫ل ِّ‬ ‫َ‬
‫‪-‬وسائر معجزات النبياء انقضت بانقضاء أوقاتها‪ ،‬فلم يبق إل‬
‫خبرها‪ ،‬والقرآن العزيز‪ ،‬الباهرة آياته‪ ،‬الظاهرة معجزاته على ما‬
‫ة لول‬ ‫كان عليه اليوم ـ مدة خمسمائة عام و خمس و ثلثين سن ً‬
‫نزوله إلى وقتنا هذا ـ حجته قاهرة‪ ،‬ومعارضته ممتنعة‪ ،‬والعصار‬
‫كلها طافحة بأهل البيان‪ ،‬وحملة علم اللسان‪ ،‬وأئمة البلغة‪،‬‬
‫وفرسان الكلم‪ ،‬وجهابذة البراعة‪ ،‬والملحد فيهم كثير‪ ،‬والمعادي‬
‫للشرع عتيد‪،‬فما منهم من أتى بشيء يؤثر في معارضته‪ ،‬ول ألف‬
‫كلمتين في مناقضته‪ ،‬ول قدر فيه على مطعن صحيح‪ ،‬ول قدح‬
‫المتكلف من ذهنه في ذلك إل بزند شحيح‪ ،‬بل المأثور عن كل‬
‫من رام ذلك إلقاؤه في العجز بيديه والنكوص على عقبيه‪.‬‬
‫الفصل العاشر‪:‬‬
‫في وجوه أخرى للعجاز‬
‫ة من المة ومقلدي المة في إعجازه وجوها ً كثيرةً‪،‬‬ ‫وقد عد َّ جماع ٌ‬
‫منها أن قارئه ل يمله‪ ،‬وسامعه ل يمجه‪ ،‬بل النكباب على تلوته‬
‫ة‪ ،‬ل يزال غضا ً طرياً‪ ،‬وغيره‬ ‫يزيد حلوةً‪ ،‬وترديده يوجب له محب ً‬
‫من الكلم ـ و لو بلغ في الحسن والبلغة مبلغه ـ يمل مع الترديد‪،‬‬
‫ويعادى إذا أعيد‪ ،‬وكتابنا يستلذ به في الخلوات‪ ،‬ويونس بتلوته‬
‫في الزمات‪ ،‬وسواه من الكتب ل يوجد فيها ذلك‪ ،‬حتى أحدث‬
‫أصحابها لحونا ً وطرقا ً يستجلبون بتلك اللحون تنشيطهم على‬
‫قراء تها‪.‬‬
‫ولهذا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن بأنه ل‬
‫يخلق على كثرة الرد‪ ،‬ول تنقضي عبره‪ ،‬ول تفنى عجائبه‪ ،‬هو‬
‫الفصل ليس بالهزل‪ ،‬ل يشبع منه العلماء‪ ،‬ول تزيغ به الهواء‪ ،‬ول‬

‫‪153‬‬
‫سمعته أن قالوا‪(:‬‬ ‫تلتبس به اللسنة‪ ،‬هو الذي لم تنته الجن حين‬
‫بِهِ وَلَن ن ُّ ْ‬
‫شرِ َ‬
‫ك بَِرب ِّنَا‬ ‫منَّا‬‫شد ِ فَآ َ‬‫جبا ً * يَهْدِي إِلَى الُّر ْ‬ ‫معْنَا قُْرآنا ً ع َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫إِنَّا َ‬
‫حداً*) الجن ‪.) 2 ،1‬‬ ‫َ‬
‫أ َ‬
‫قلت‪ :‬الحديث رواه الترمذي ؛ولفظه‪:‬‬
‫مررت في المسجد فإذا الناس يخوضون في الحاديث‪ ،‬فدخلت‬
‫على علي‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬أل ترى أن الناس قد خاضوا‬
‫في الحاديث‪ .‬قال‪ :‬وقد فعلوها؟ قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬أما إني قد‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪ :‬أل إنها ستكون‬
‫فتنة‪ ...‬فقلت‪ :‬ما المخرج منها‪ ،‬يا رسول الله؟ قال‪ :‬كتاب الله‬
‫فيه نبأ ما كان قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم‪ ،‬وهو الفصل‬
‫ليس بالهزل‪ ..‬من تركه من جبار قصمه الله‪ ،‬ومن ابتغى الهدى‬
‫في غيره أضله الله‪ ،‬وهو حبل الله المتين‪،‬وهو الذكر الحكيم‪ ،‬وهو‬
‫الصراط المستقيم‪ ،‬هو الذي ل تزيغ به الهواء‪ ،‬ول تلتبس به‬
‫اللسنة‪ ،‬ول يشبع منه العلماء‪،‬ول يخلق على كثرة الرد‪ ،‬ول‬
‫تنقضي عجائبه‪ ...‬هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا {إنا‬
‫سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد}‪..‬من قال به صدق‪ ،‬ومن‬
‫عمل به أجر‪ ،‬ومن حكم به عدل‪ ،‬ومن دعا إليه هدى إلى صراط‬
‫مستقيم‪...‬‬
‫خذها إليك يا أعور‪.‬‬
‫قال أبو عيسى هذا حديث ل نعرفه إل من هذا الوجه وإسناده‬
‫مجهول‪ ،‬وفي الحرث مقال‪.‬‬
‫وقال اللباني‪(:‬ضعيف)‪.‬‬
‫ة ول محمد‬ ‫ومنها جمعه لعلوم ومعارف لم تعهد العرب عام ً‬
‫صلى الله عليه وسلم قبل نبوته خاصة‪ ،‬بمعرفتها‪ ،‬ول القيام بها‪،‬‬
‫ول يحيط بها أحد من علماء المم‪ ،‬ول يشتمل عليها كتاب من‬
‫كتبهم‪ ،‬فجمع فيه من بيان علم الشرائع‪ ،‬والتنبيه على طرق‬
‫الحجج العقليات‪ ،‬والرد على فرق المم‪ ،‬ببراهين قوية‪ ،‬وأدلة بينة‬
‫سهلة اللفاظ‪ ،‬موجزة المقاصد‪ ،‬رام المتخذلقون بعد ـ أن ينصبوا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خل َ َقَ‬ ‫س ال ّذِي َ‬ ‫ة مثلها فلم يقدروا عليها؛ كقوله تعالى‪( :‬أوَلَي ْ َ‬ ‫أدل ً‬
‫خ ّلقُ‬ ‫مثْلَهُم بَلَى وَهُوَ ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خلُقَ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ض بِقَادِرٍ ع َلَى أ ْ‬ ‫ت وَاْلْر َ‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال َّ‬
‫م) (يس‪) 81 :‬‬ ‫ُ‬ ‫الْعَلِي‬
‫م)‬‫ق عَلِي ٌ‬ ‫خل ٍ‬
‫ل َ ْ‬ ‫مَّرةٍ وَهُوَ بِك ُ ِّ‬ ‫ل َ‬ ‫شأَهَا أَوَّ َ‬ ‫حيِيهَا الَّذِي أَن َ‬ ‫وقوله‪( :‬قُ ْ‬
‫ل يُ ْ‬
‫(يس‪.) 79 :‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ن اللهِ َر ِّ‬ ‫حا َ‬ ‫سدَتَا فَ ُ‬
‫سب ْ َ‬ ‫ه لَفَ َ‬ ‫ة إ ِ ّل الل ّ ُ‬
‫ما آلِهَ ٌ‬
‫ن فِيهِ َ‬ ‫وقوله‪( :‬لَوْ كَا َ‬
‫ن) (النبياء‪.) 22 :‬‬ ‫صفُو َ‬ ‫ما ي َ ِ‬ ‫ش ع َ َّ‬ ‫ْ‬
‫العَْر ِ‬
‫إلى ما حواه من علوم السير‪ ،‬وأنباء المم‪ ،‬والمواعظ‪ ،‬والحكم‪،‬‬
‫وأخبار الدار الخرة‪ ،‬ومحاسن الداب والشيم‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫يءٍ)‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫ب ِ‬‫‪-‬قال الله ـ جل اسمه ـ‪( :‬ما فََّرطْنَا فِي الكِتَا ِ‬
‫(النعام‪) 38 :‬‬
‫ة‬
‫م ً‬‫ح َ‬‫يءٍ وَهُدًى وََر ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ب تِبْيَانا ً ل ِّك ُ ِّ‬‫ك الْكِتَا َ‬ ‫‪-‬وقال‪( :‬وَنََّزلْنَا ع َلَي ْ َ‬
‫ن) (النحل‪.) 89 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫شَرى لِل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫وَب ُ ْ‬
‫ل وَلَئِن‬ ‫مث َ ٍ‬‫ل َ‬‫من ك ُ ِّ‬ ‫ن ِ‬ ‫س فِي هَذ َا الْقُْرآ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضَربْنَا لِلنَّا‬ ‫‪-‬وقال‪( :‬وَلَقَد ْ َ‬
‫ن الَّذين كَفَروا إ َ‬
‫ن) (الروم‪.) 58 :‬‬ ‫مبْطِلُو َ‬ ‫م إ ِ ّل ُ‬ ‫ن أنت ُ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫جئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُول َ َّ‬‫ِ‬
‫‪-‬وقال صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن الله أنزل هذا القرآن آمراً‬
‫ة‪ ،‬ومثل ً مضروباً‪ ،‬فيه نبؤكم‪ ،‬وخبر ما كان‬ ‫ة خالي ً‬ ‫وزاجراً‪ ،‬وسن ً‬
‫قبلكم‪ ،‬ونبأ ما بعدكم‪ ،‬وحكم ما بينكم‪ ،‬ل يخلقه طول الرد‪ ،‬و ل‬
‫تنقضي عجائبه‪ ،‬هو الحق ليس بالهزل‪ ،‬من قال به صدق‪ ،‬ومن‬
‫حكم به عدل‪ ،‬ومن خاصم به فلج‪ ،‬ومن قسم به أقسط‪ ،‬ومن‬
‫عمل به أجر‪ ،‬ومن تمسك به هدي إلى صراط مستقيم‪ ،‬ومن‬
‫طلب الهدى من غيره أضله الله‪ ،‬ومن حكم بغيره قصمه الله‪ ،‬هو‬
‫الذكر الحكيم‪ ،‬والنور المبين‪ ،‬والصراط المستقيم‪ ،‬وحبل الله‬
‫المتين‪ ،‬والشفاء النافع‪ ،‬عصمة لمن تمسك به‪ ،‬ونجاة لمن اتبعه‪،‬‬
‫ل يعوج فيقوم‪ ،‬ول يزيغ فيستعتب‪ ،‬ول تنقضي عجائبه‪ ،‬ول يخلق‬
‫على كثرة الرد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرجه الترمذي في سننه‪ ،‬والسيوطي في الجامع الصغير؛‬
‫من حديث علي رفعه‪ ،‬وقد سبق‪ ،‬وضعفه اللباني‪.‬‬
‫ن‪ ،‬فيه نبأ‬ ‫‪-‬ونحوه عن ابن مسعود‪ ،‬وقال فيه‪ :‬ول يختلف ول يتشا ّ‬
‫الولين والخرين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لعله أشار إلى الحديث الذي أخرجه المنذري في الترغيب‬
‫والترهيب‬
‫عن عبد الله يعني ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪" :‬إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا مأدبته ما‬
‫استطعتم إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين والشفاء النافع‬
‫عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه ل يزيغ فيستعتب ول يعوج‬
‫فيقوم ول تنقضي عجائبه ول يخلق من كثرة الرد اتلوه فإن الله‬
‫يأجركم على تلوته كل حرف عشر حسنات أما إني ل أقول الم‬
‫حرف ولكن ألف حرف ولم حرف وميم حرف‪.‬‬
‫وهذا ضعفه اللباني‪ ،‬لكنه صحح طرفه الخير الذي رواه‬
‫الترمذي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن بشار أخبرنا أبو بكر الحنفي أخبرنا الضحاك بن‬
‫عثمان عن أيوب بن موسى‪ ،‬قال‪ :‬سمعت محمد بن كعب‬
‫القرظي يقول‪ :‬سمعت عبد اللّه بن مسعود يقول‪ :‬قال رسول‬
‫اللّه صلى الله عليه وسلم‪" :‬من قرأن حرفا من كتاب اللّه فله به‬
‫حسنة والحسنة بعشر أمثالها ل أقول آلم حرف‪ ،‬ولكن ألف حرف‬

‫‪155‬‬
‫وميم حرف"‪ .‬هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه‪.‬‬
‫سمعت قتيبة بن سعيد‪ ،‬يقول‪ :‬بلغني أن محمد بن كعب القرظي‬
‫ولد في حياة النبي صلى اللّه عليه وسلم‪ ،‬ويروي هذا الحديث‬
‫من غير هذا الوجه عن ابن مسعود رواه أبو الحوص عن عبد اللّه‬
‫بن مسعود‪ ،‬ورفعه بعضهم‪ ،‬ووقفه بعضهم عن ابن مسعود‪،‬‬
‫ومحمد بن كعب القرظي يكنى أبا حمزة‪.‬‬
‫قال الشيخ اللباني‪ :‬صحيح‪ .‬سند الحديث‪ :‬حدثنا محمد بن بشار‬
‫حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا الضحاك بن عثمان عن أيوب بن‬
‫موسى قال سمعت محمد بن كعب القرظي قال سمعت عبد‬
‫الله بن مسعود يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ورواه الدارمي قال‪ :‬حدثنا أبو عامر قبيصة انا سفيان عن عطاء‬
‫بن السائب عن أبي الحوص عن عبد الله قال‪ :‬تعلموا هذا‬
‫القرآن فإنكم تؤجرون بتلوته بكل حرف عشر حسنات أما اني ل‬
‫أقول بألم ولكن بألف ولم وميم بكل حرف عشر حسنات‪.‬‬
‫ورواه الحاكم في المستدرك قال‪ :‬حدثنا أبو الوليد حسان بن‬
‫محمد القرشي الفقيه ثنا مسدد بن قطن بن إبراهيم ثنا داود بن‬
‫رشيد ثنا صالح بن عمر أنبأ إبراهيم الهجري عن أبي الحوص عن‬
‫عبد الله رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا من مأدبته ما استطعتم‬
‫إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين والشفاء النافع عصمة لمن‬
‫تمسك به ونجاة لمن تبعه ل يزيغ فيستعتب ول يعوج فيقوم ول‬
‫تنقضي عجائبه ول يخلق من كثرة الرد اتلوه فإن الله يأجركم‬
‫على تلوته كل حرف عشر حسنات أما إني ل أقول ألم حرف‬
‫ولكن ألف ولم وميم"‪ .‬هذا حديث صحيح السناد ولم يخرجاه‬
‫بصالح بن عمر‪.‬‬
‫‪-‬وفي الحديث‪ :‬قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم‪ :‬إني‬
‫منزل عليك توراة حديثة‪ ،‬تفتح بها أعينا ً عمياً‪ ،‬وآذانا ً صماً‪ ،‬وقلوباً‬
‫غلفاً‪ ،‬فيها ينابيع العلم‪ ،‬وفهم الحكمة‪ ،‬وربيع القلوب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرجه ابن أبي شيبة قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية عن هشام عن‬
‫العمش عن مالك بن الحارث عن مغيث بن سمي قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬أنزلت علي توراة محدثة‪،‬‬
‫فيها نور الحكمة وينابيع العلم‪ ،‬لتفتح بها أعينًا عميًا‪ ،‬وقلوبًا غلفًا‪،‬‬
‫ما‪ ،‬وهي أحدث الكتب بالرحمن‪.‬‬ ‫وآذنًا ص ً‬
‫وأخرجه الدارمي قال‪:‬حدثنا عمرو بن عاصم ثنا حماد بن سلمة‬
‫عن عاصم بن بهدلة عن مغيث عن كعب قال‪:‬عليكم بالقرآن فإنه‬
‫فهم العقل ونور الحكمة وينابيع العلم وأحدث الكتب بالرحمن‬

‫‪156‬‬
‫عهدًا‪ ،‬وقال في التوراة يا محمد إني منزل عليك توراة حديثة‬
‫ما وقلوبًا غلفًا‪..‬‬ ‫تفتح فيها أعينًا عميًا وآذانًا ص ً‬
‫وعن كعب‪ :‬عليكم بالقرآن‪ ،‬فإنه فهم العقول‪ ،‬ونور الحكمة‪.‬‬
‫ل أَكْثََر‬
‫سَرائِي َ‬ ‫ص ع َلَى بَنِي إ ِ ْ‬ ‫ن يَقُ ُّ‬ ‫ن هَذ َا الْقُْرآ َ‬ ‫‪-‬وقال الله تعالى‪( :‬إ ِ َّ‬
‫َ‬
‫ن) (النمل‪.) 76 :‬‬ ‫ختَلِفُو َ‬
‫م فِيهِ ي َ ْ‬‫ال ّذِي هُ ْ‬
‫ن) (آل عمران‪:‬‬ ‫عظ َ ٌ‬
‫ة ل ِّل ْ ُ‬
‫متَّقِي َ‬ ‫موْ ِ‬‫س وَهُدًى وَ َ‬ ‫ن لِلن ّا ِ‬
‫‪-‬وقال‪(:‬هَـذ َا بَيَا ٌ ّ َ‬
‫‪.) 138‬‬
‫فجمع فيه مع وجازة ألفاظه‪ ،‬وجوامع كلمة أضعاف ما في الكتب‬
‫قبله التي ألفاظها على الضعف منه مرات‪.‬‬
‫ومنها جمعه فيه بين الدليل ومدلوله‪ ،‬وذلك أنه احتج بنظم‬
‫القرآن‪ ،‬وحسن رصفه وإيجازه وبلغته‪ ،‬وأثناء هذه البلغة أمره‬
‫ونهيه‪ ،‬ووعده ووعيده‪ ،‬فالتالي له يفهم موضع الحجة والتكليف‬
‫معا ً من كلم واحد وسورة منفردة‪.‬‬
‫‪-‬ومنها أن جعله في حيز المنظوم الذي لم يعهد‪ ،‬ولم يكن في‬
‫حيز المنثور‪ ،‬لن المنظوم أسهل على النفوس‪ ،‬وأوعى للقلوب‪،‬‬
‫وأسمع في الذان‪ ،‬وأحلى على الفهام‪ ،‬فالناس إليه أميل‪،‬‬
‫والهواء إليه أسرع‪.‬‬
‫‪-‬ومنها تيسيره تعالى حفظه لمتعلميه‪ ،‬وتقريبه على متحفظيه‪،‬‬
‫مدَّكِرٍ)‬
‫من ُّ‬ ‫ل ِ‬‫ن لِلذِّكْرِ فَهَ ْ‬ ‫سْرنَا الْقُْرآ َ‬ ‫قال الله تعالى‪ (:‬وَلَقَد ْ ي َ َّ‬
‫(القمر‪ )...17 :‬وسائر المم ل يحفظ كتبها الواحد منهم‪ ،‬فكيف‬
‫الجماء على مرور السنين عليهم‪ .‬والقرآن ميسر حفظه للغلمان‬
‫في أقرب مدة‪.‬‬
‫‪-‬ومنها مشاكلة بعض أجزائه بعضاً‪ ،‬وحسن ائتلف أنواعها‪ ،‬والتئام‬
‫أقسامها‪ ،‬وحسن التخلص من قصة إلى أخرى‪ ،‬والخروج من باب‬
‫إلى غيره على اختلف معانيه‪ ،‬وانقسام السورة الواحدة إلى أمر‬
‫ونهي‪ ،‬وخبر واستخبار‪ ،‬ووعد ووعيد‪ ،‬وإثبات نبوة‪ ،‬وتوحيد وتفريد‪،‬‬
‫وترغيب وترهيب‪ ،‬إلى غير ذلك من فوائده‪ ،‬دون خلل يتخلل‬
‫فصوله‪.‬‬
‫والكلم الفصيح إذا اعتوره مثل هذا ضعفت قوته‪ ،‬ولنت جزالته‪،‬‬
‫وقل رونقه‪ ،‬وتقلقت ألفاظه‪.‬‬
‫ن ذِي الذِّكْرِ (‪ ،)1‬وما جمع‬ ‫فتأمل أول سورة (ص) –( ص وَالْقُْرآ ِ‬
‫فيها من أخبار الكفار وشقاقهم وتقريعهم بإهلك القرون من‬
‫قبلهم‪ ،‬وما ذكر من تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وتعجبهم مما أتى به‪ ،‬والخبر عن اجتماع ملئهم على الكفر وما‬
‫ظهر من الحسد في كلمهم‪ ،‬و تعجيزهم و توهينهم‪ ،‬ووعيدهم‬
‫بخزي الدنيا والخرة‪ ،‬وتكذيب المم قبلهم‪ ،‬وإهلك الله لهم‪،‬‬
‫ووعيد هؤلء مثل مصابهم‪ ،‬و تصبير النبي على أذاهم وتسليته‬

‫‪157‬‬
‫بكل ما تقدم ذكره‪ ،‬ثم أخذ في ذكر داود و قصص النبياء‪ ،‬كل‬
‫هذا في أوجز كلم وأحسن نظام‪.‬‬
‫‪-‬ومنه الجملة الكثيرة التي انطوت عليها الكلمات القليلة‪ ،‬وهذا‬
‫كله وكثير مما ذكرنا أنه ذكر في إعجاز القرآن‪ ،‬إلى وجوه كثيرة‬
‫ذكرها الئمة لم نذكرها‪ ،‬إذ أكثرها داخل في باب بلغته‪ ،‬فل يجب‬
‫أن يعد فنا ً منفردا ً في إعجازه‪ ،‬إل في باب تفضيل فنون البلغة‪،‬‬
‫وكذلك كثير مما قدمنا ذكره عنهم يعد في خواصه وفضائله‪ ،‬ل‬
‫إعجازه‪.‬‬
‫وحقيقة العجاز الوجوه الربعة التي ذكرنا‪ ،‬فليعتمد عليها‪ ،‬وما‬
‫بعدها من خواص القرآن وعجائبه التي ل تنقضي‪ .‬والله ولي‬
‫التوفيق‪.‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪ .20‬القول القوم في معجزات النبي الكرم(‪..)3‬‬
‫انشقاق القمر‪ ,‬نبع الماء من بين أصابعه‬
‫الفصل الحادي عشر‪:‬‬
‫في انشقاق القمر وحبس الشمس‬
‫ة‬ ‫شقَّ ال ْ َق َ‬
‫مُر(‪ )1‬وَأن يََروْا آي َ ً‬ ‫ة وَان َ‬ ‫ت ال َّ‬
‫ساع َ ُ‬ ‫قال الله تعالى‪( :‬اقْتََرب َ ِ‬
‫مٌّر(‪ - )2‬القمر‪.‬‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬‫حٌر ُّ‬ ‫س ْ‬‫ضوا وَيَقُولُوا ِ‬
‫يُعْرِ ُ‬
‫‪-‬أخبر تعالى بوقوع انشقاقه بلفظ الماضي‪ ،‬وإعراض الكفرة عن‬
‫آياته‪ ،‬وأجمع المفسرون وأهل السنة على وقوعه‪.‬‬
‫‪-‬أخبرنا الحسين بن محمد الحافظ من كتابه‪ ،‬حدثنا القاضي سراج‬
‫بن عبد الله‪ ،‬حدثنا الصيلي‪ ،‬حدثنا المروزي‪ ،‬حدثنا الفربري‪،‬‬
‫حدثنا البخاري‪ ،‬حدثنا مسدد‪ ،‬حدثنا يحي‪ ،‬عن شعبة‪ ،‬و سفيان‪،‬‬
‫عن العمش‪ ،‬عن إبراهيم‪ ،‬عن أبي معمر‪ ،‬عن ابن مسعود رضي‬
‫الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فرقتين‪ :‬فرقة فوق الجبل‪ ،‬و فرقة دونه‪ ،‬فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪":‬اشهدوا"‬
‫‪-‬وفي رواية مجاهد‪ :‬ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫‪-‬وفي بعض طرق العمش‪ :‬ونحن بمنى‪.‬‬
‫‪-‬ورواه أيضا ً ـ عن ابن مسعود ـ السود‪ ،‬وقال‪ :‬حتى رأيت الجبل‬
‫بين فرجتي القمر‪.‬‬
‫‪-‬ورواه عنه مسروق ـ أنه كأن بمكة ـ و زاد‪ :‬فقال كفار قريش‪:‬‬
‫سحركم ابن أبي كبشة!‬
‫فقال رجل منهم‪ :‬أن محمدا ً أن كأن سحر القمر فإنه ل يبلغ من‬
‫سحره أن يسحر الرض كلها‪ ،‬فاسألوا من يأتيكم من بلد آخر‪:‬‬
‫هل رأوا هذا؟ فأتوا‪ ،‬فسألوهم فأخبروهم أنهم رأوا مثل ذلك‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫‪-‬وحكى السمرقندي عن الضحاك نحوه‪ ،‬وقال‪ :‬فقال أبو جهل‪:‬‬
‫هذا سحر‪ ،‬فابعثوا إلى أهل الفاق حتى تنظروا‪ :‬أرأوا ذلك أم ل؟‬
‫فأخبر أهل الفاق أنهم رأوه منشقاً‪ ،‬فقالوا ـ يعني الكفار‪ :‬هذا‬
‫سحر مستمر‪.‬‬
‫‪-‬ورواه أيضا ً ـ عن ابن مسعود ـ علقمة‪ ،‬فهؤلء أربعة عن عبد‬
‫الله‪.‬‬
‫‪-‬وقد رواه غير ابن مسعود‪ ،‬كما رواه ابن مسعود‪ ،‬منهم أنس‪،‬‬
‫وابن عباس وابن عمر‪ ،‬وحذيفة‪ ،‬وعلي‪ ،‬وجبير بن مطعم‪ ،‬فقال‬
‫علي ـ من رواية أبي حذيفة الرحبي‪ :‬انشق القمر و نحن مع‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪-‬وعن أنس‪ :‬سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم‬
‫آية‪ ،‬فأراهم انشقاق القمر فرقتين حتى رأوا حراء بينهم‪ .‬رواه‬
‫عن أنس قتادة‪.‬‬
‫‪-‬وفي رواية معمر وغيره‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عنه‪ :‬أراهم القمر مرتين‬
‫مُر(‪()1‬سورة القمر‬ ‫شقَّ الْقَ َ‬‫ة وَان َ‬ ‫ت ال َّ‬
‫ساع َ ُ‬ ‫انشقاقه‪ ،‬فنزلت‪(:‬اقْتََرب َ ِ‬
‫‪.)1‬‬
‫‪-‬ورواه عن جبير بن مطعم ابنه محمد و ابن ابنه جبير بن محمد‪.‬‬
‫‪-‬ورواه عن ابن عباس عبيد الله بن عبد الله بن عتبة‪- .‬ورواه عن‬
‫ابن عمر مجاهد‪ ،‬ورواه عن حذيفة أبو عبد الرحمن السلمي‬
‫ومسلم بن أبي عمر أن الزدي‬
‫وأكثر طرق هذه الحاديث صحيحة‪ ،‬والية مصرحة‪ ،‬ول يلتفت إلى‬
‫خف على أهل الرض‪ ،‬إذ‬ ‫اعتراض مخذول‪ ،‬بأنه لو كأن هذا لم ي ْ‬
‫هو شيء ظاهر لجميعهم‪ ،‬إذ لم ينقل لنا عن أهل الرض أنهم‬
‫رصدوه تلك الليلة فلم يروه انشق‪ ،‬ولو نقل إلينا عمن ل يجوز‬
‫تمالؤهم ـ لكثرتهم ـ على الكذب‪ ،‬لما كانت علينا به حجة‪ ،‬إذ‬
‫ليس القمر في حد واحد لجميع أهل الرض‪ ،‬فقد يطلع على قوم‬
‫قبل أن يطلع على آخرين‪ ،‬وقد يكون من قوم بضد ما هو من‬
‫مقابليهم من أقطار الرض‪ ،‬أو يحول بين قوم و بينه سحاب أو‬
‫جبال‪ ،‬ولهذا نجد الكسوفات في بعض البلد دون بعض‪ ،‬وفي‬
‫بعضها جزئية‪ ،‬وفي بعضها كلية‪ ،‬وفي بعضها ل يعرفها إل‬
‫ك تَقْدِيُر الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)(النعام‪.)96 :‬‬‫المدعوون لعلمها‪(،‬ذَل ِ َ‬
‫وآية القمر كانت ليلً‪ ،‬والعادة من الناس بالليل الهدوء والسكون‬
‫وإيجاف البواب‪ ،‬وقطع التصرف‪ ،‬ول يكاد يعرف من أمور‬
‫السماء شيئاً‪ ،‬إل من رصد ذلك‪ ،‬واهتبل به‬
‫ولذلك ما يكون الكسوف القمري كثيرا ً في البلد‪ ،‬وأكثرهم ل‬
‫يعلم به حتى ينجز‪ ،‬وكثيرا ً ما يحدث الثقات بعجائب يشاهدونها‬

‫‪159‬‬
‫من أنوار ونجوم طوالع عظام تظهر في الحيان بالليل في‬
‫السماء‪ ،‬ول علم عند أحد منها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬حديث انشقاق القمر في الصحيحين روى البخاري ـ في‬
‫كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب انشقاق القمرـ قال‪:‬‬
‫‪ -1‬حدثني عبد الله بن عبد الوهاب‪ :‬حدثنا بشر بن المفضل‪ :‬حدثنا‬
‫سعيد بن أبي عروبة‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس بن مالك رضي الله‬
‫عنه‪ :‬أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن‬
‫يريهم آية‪ ،‬فأراهم القمر شقين‪ ،‬حتى رأوا حراء بينهما‪.‬‬
‫‪ -2‬حدثنا عبدان‪ ،‬عن أبي حمزة‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن إبراهيم‪ ،‬عن‬
‫أبي معمر‪ ،‬عن عبد الله رضي الله عنه قال‪ :‬انشق القمر ونحن‬
‫مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى‪ ،‬فقال‪(:‬اشهدوا)‪ .‬وذهبت‬
‫فرقة نحو الجبل‪.‬‬
‫وقال أبو الضحى‪ ،‬عن مسروق‪ ،‬عن عبد الله‪ :‬انشق بمكة‪ ،‬وتابعه‬
‫محمد بن مسلم‪ ،‬عن ابن نجيح‪ ،‬عن مجاهد‪ ،‬عن أبي معمر‪ ،‬عن‬
‫عبد الله‪.‬‬
‫‪ -3‬حدثنا عثمان بن صالح‪ :‬حدثنا بكر بن مضر قال‪ :‬حدثني جعفر‬
‫ابن ربيعة‪ ،‬عن عراك بن مالك‪ ،‬عن عبيد الله بن عبد الله بن‬
‫عتبة بن مسعود‪ ،‬عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما‪ :‬أن‬
‫القمر انشق على زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -4‬حدثنا عمر بن حفص‪ :‬حدثنا أبي‪ :‬حدثنا العمش‪ :‬حدثنا‬
‫إبراهيم‪ ،‬عن أبي معمر‪ ،‬عن عبد الله رضي الله عنهما قال‪:‬‬
‫انشق القمر‪.‬‬
‫‪-5‬حدثنا مسدد‪ :‬حدثنا يحيى‪ ،‬عن شعبة‪ ،‬وسفيان‪ ،‬عن العمش‪،‬‬
‫عن إبراهيم‪ ،‬عن أبي معمر‪ ،‬عن ابن مسعود قال‪:‬انشق القمر‬
‫على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين‪ :‬فرقة فوق‬
‫الجبل‪ ،‬وفرقة دونه‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪(:‬اشهدوا)‪.‬‬
‫‪ -6‬حدثنا علي بن عبد الله‪ :‬حدثنا سفيان‪ :‬أخبرنا ابن أبي نجيح‪،‬‬
‫عن مجاهد‪ ،‬عن أبي معمر‪ ،‬عن عبد الله قال‪:‬انشق القمر ونحن‬
‫مع النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فصار فرقتين‪ ،‬فقال‬
‫لنا‪(:‬اشهدوا‪ ..‬اشهدوا)‪.‬‬
‫وروى مسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم‪ ،‬باب‬
‫انشقاق القمر قال‪:‬‬
‫‪ -1‬حدثنا عمرو الناقد وزهير بن حرب‪ .‬قال‪ :‬حدثنا سفيأن بن‬
‫عيينة عن ابن أبي نجيح‪ ،‬عن مجاهد‪ ،‬عن أبي معمر‪ ،‬عن عبد الله‬
‫قال‪:‬‬

‫‪160‬‬
‫انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشقتين‪.‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬اشهدوا"‪.‬‬
‫‪ )-2‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق بن إبراهيم‪.‬‬
‫جميعا عن أبي معاوية‪ .‬ح وحدثنا عمر بن حفص بن غياث‪ .‬حدثنا‬
‫أبي‪ .‬كلهما عن العمش‪ .‬ح وحدثنا منجاب بن حارث‬
‫التميمي(واللفظ له)‪ .‬أخبرنا ابن مسهر عن العمش‪ ،‬عن‬
‫إبراهيم‪ ،‬عن أبي معمر‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود‪ .‬قال‪:‬‬
‫بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى‪ ،‬إذا انفلق‬
‫القمر فلقتين‪ .‬فكانت فلقة وراء الجبل‪ ،‬وفلقة دونه‪ .‬فقال لنا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬اشهدوا"‪.‬‬
‫‪ -3‬حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري‪ .‬حدثنا أبي‪ .‬حدثنا شعبة عن‬
‫العمش‪ ،‬عن إبراهيم‪ ،‬عن أبي معمر‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود‬
‫قال‪:‬‬
‫انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقتين‪.‬‬
‫فستر الجبل فلقة‪ .‬وكانت فلقة فوق الجبل‪ .‬فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬اللهم! اشهد"‪.‬‬
‫‪ -4‬حدثنا عبيد الله بن معاذ‪ .‬حدثنا أبي‪ .‬حدثنا شعبة عن العمش‪،‬‬
‫عن مجاهد‪ ،‬عن ابن عمر‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬مثل‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪-5‬وحدثنيه بشر بن خالد‪ .‬أخبرنا محمد بن جعفر‪ .‬ح وحدثنا محمد‬
‫بن بشار‪ .‬حدثنا ابن أبي عدي‪ .‬كلهما عن شعبة‪ .‬بإسناد ابن معاذ‬
‫عن شعبة‪ .‬نحو حديثه‪ .‬غير أن في حديث ابن أبي عدي‪ :‬فقال‪:‬‬
‫"اشهدوا‪ .‬اشهدوا"‪.‬‬
‫‪ -6‬حدثني زهير بن حرب وعبد بن حميد‪ .‬قال‪ :‬حدثنا يونس بن‬
‫محمد‪ .‬حدثنا شيبان‪ .‬حدثنا قتادة عن أنس أن أهل مكة سألوا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية‪ .‬فأراهم انشقاق‬
‫القمر‪ ،‬مرتين‪.‬‬
‫‪ -7‬وحدثنيه محمد بن رافع‪ .‬حدثنا عبد الرزاق‪ .‬أخبرنا معمر عن‬
‫قتادة‪ ،‬عن أنس‪ .‬بمعنى حديث شيبان‪.‬‬
‫‪ -8‬وحدثنا محمد بن المثنى‪ .‬حدثنا محمد بن جعفر وأبو داود‪ .‬ح‬
‫وحدثنا ابن بشار‪ .‬حدثنا يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر وأبو‬
‫داود‪ .‬كلهم عن شعبة‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس‪ .‬قال‪ :‬انشق القمر‬
‫فرقتين‪.‬‬
‫وفي حديث أبي داود‪ :‬انشق القمر على عهد رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -9‬حدثنا موسى بن قريش التميمي‪ .‬حدثنا إسحاق بن بكر بن‬
‫مضر‪ .‬حدثني أبي‪ .‬حدثنا جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك‪ ،‬عن‬

‫‪161‬‬
‫عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود‪ ،‬عن ابن عباس قال‪:‬‬
‫أن القمر انشق على زمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪...‬‬
‫قال ابن حجر العسقلني في فتح الباري‪:‬‬
‫* قوله باب انشقاق القمر‪ ،‬أي في زمن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم على سبيل المعجزة له وقد ترجم بمعنى ذلك في علمات‬
‫النبوة‪ ،‬قال‪ :‬باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم آية فأراهم انشقاق القمر ـ‬
‫* قوله عن أنس زاد في الرواية التي في علمات النبوة أنه‬
‫حدثهم (حدثني عبد الله بن محمد‪ :‬حدثنا يونس‪ :‬حدثنا شيبان‪،‬‬
‫عن قتادة‪ ،‬عن أنس بن مالك‪ .‬وقال لي خليفة‪ :‬حدثنا يزيد بن‬
‫زريع‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس بن مالك رضي الله عنه‬
‫أنه حدثهم‪ :‬أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أن يريهم آية‪ ،‬فأراهم انشقاق القمر‪).‬‬
‫‪ -‬قوله أن أهل مكة هذا من مراسيل الصحابة لن أنسا لم يدرك‬
‫ضا‬
‫هذه القصة وقد جاءت هذه القصة من حديث بن عباس وهو أي ً‬
‫ممن لم يشاهدها ومن حديث بن مسعود وجبير بن مطعم‬
‫وحذيفة وهؤلء شاهدوها ولم أر في شيء من طرقه أن ذلك‬
‫كأن عقب سؤال المشركين إل في حديث أنس فلعله سمعه من‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ثم وجدت في بعض طرق حديث بن‬
‫عباس بيان صورة السؤال وهو وأن كأن لم يدرك القصة لكن في‬
‫بعض طرقه ما يشعر بأنه حمل الحديث عن بن مسعود كما‬
‫سأذكره فاخرج أبو نعيم في الدلئل من وجه ضعيف عن بن‬
‫عباس قال اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم منهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام والعاص بن‬
‫وائل والسود بن المطلب والنضر بن الحارث ونظرائهم فقالوا‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم أن كنت صادقا فشق لنا القمر‬
‫فرقتين فسأل ربه فانشق‪.‬‬
‫شقتين بكسر المعجمة أي نصفين وتقدم في العلمات‬ ‫‪-‬قوله‪ِ :‬‬
‫من طريق سعيد وشيبأن عن قتادة بدون هذه اللفظة‪.‬‬
‫*وأخرجه مسلم من الوجه الذي أخرجه منه البخاري من حديث‬
‫سعيد عن قتادة بلفظ فأراهم انشقاق القمر مرتين‬
‫وأخرجه من طريق معمر عن قتادة قال بمعنى حديث شيبان‪..‬‬
‫ضا‪..‬‬
‫قلت وهو في مصنف عبد الرزاق عن معمر بلفظ مرتين أي ً‬
‫وكذلك أخرجه المامان أحمد وإسحاق في مسنديهما عن عبد‬
‫الرزاق‪ ..‬وقد اتفق الشيخان عليه من رواية شعبة عن قتادة‬
‫بلفظ فرقتين قال البيهقي قد حفظ ثلثة من أصحاب قتادة عنه‬
‫مرتين قلت لكن اختلف عن كل منهم في هذه اللفظة ولم‬

‫‪162‬‬
‫يختلف على شعبة وهو أحفظهم ولم يقع في شيء من طرق‬
‫حديث بن مسعود بلفظ مرتين إنما فيه فرقتين أو فلقتين بالراء‬
‫أو اللم وكذا في حديث بن عمر فلقتين وفي حديث جبير بن‬
‫مطعم فرقتين وفي لفظ عنه فانشق باثنتين وفي رواية عن بن‬
‫عباس عند أبي نعيم في الدلئل فصار قمرين وفي لفظ شقتين‬
‫وعند الطبراني من حديثه حتى رأوا شقيه ووقع في نظم السيرة‬
‫لشيخنا الحافظ أبي الفضل وانشق مرتين بالجماع ول أعرف من‬
‫جزم من علماء الحديث بتعدد النشقاق في زمنه صلى الله عليه‬
‫وسلم ولم يتعرض لذلك أحد من شراح الصحيحين‪ ..‬وتكلم بن‬
‫القيم على هذه الرواية فقال المرات يراد بها الفعال تارة‬
‫والعيان أخرى والول أكثر ومن الثاني انشق القمر مرتين وقد‬
‫خفي على بعض الناس فادعى أن انشقاق القمر وقع مرتين وهذا‬
‫مما يعلم أهل الحديث والسير أنه غلط فإنه لم يقع إل مرة‬
‫واحدة وقد قال العماد بن كثير في الرواية التي فيها مرتين نظر‬
‫ولعل قائلها أراد فرقتين قلت وهذا الذي ل يتجه غيره جمعًا بين‬
‫الروايات ثم راجعت نظم شيخنا فوجدته يحتمل التأويل المذكور‬
‫ولفظه فصار فرقتين فرقة علت وفرقة للطود منه نزلت وذاك‬
‫مرتين بالجماع والنص والتواتر السماع فجمع بين قوله فرقتين‬
‫وبين قوله مرتين فيمكن أن يتعلق قوله بالجماع بأصل النشقاق‬
‫ل بالتعدد مع أن في نقل الجماع في نفس النشقاق نظًرا‬
‫سيأتي بيانه‪.‬‬
‫حراء على يسار‬ ‫حراء بينهما أي بين الفرقتين‪ ،‬و ِ‬
‫‪-‬قوله حتى رأوا ِ‬
‫السائر من مكة إلى منى‪.‬‬
‫* قوله عن أبي حمزة بالمهملة والزاي هو محمد بن ميمون‬
‫السكري المروزي قوله عن العمش عن إبراهيم وقع في رواية‬
‫السرخسي والكشميهني في آخر الباب من وجه آخر عن‬
‫العمش حدثنا إبراهيم قوله عن أبي معمر هذا هو المحفوظ‬
‫ووقع في رواية سعد أن بن يحيى ويحيى بن عيسى الرملي عن‬
‫العمش عن إبراهيم عن علقمة أخرجه بن مردويه ولبي نعيم‬
‫نحوه من طريق غريبة عن شعبة عن العمش والمحفوظ عن‬
‫شعبة كما سيأتي في التفسير عن العمش عن إبراهيم عن أبي‬
‫معمر وهو المشهور وقد أخرجه مسلم من طريق أخرى عن‬
‫شعبة عن العمش عن مجاهد عن بن عمر وسيأتي للمصنف‬
‫معلقا أن مجاهدًا رواه عن أبي معمر عن بن مسعود فالله اعلم‬
‫هل عند مجاهد فيه إسنادان أو قول من قال بن عمر وهم من‬
‫أبي معمر‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫* قوله عن عبد الله هو بن مسعود‪ ،‬قوله انشق القمر ونحن مع‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بمنى في رواية مسلم من طريق‬
‫علي بن مسهر عن العمش بينما نحن مع النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بمنى إذ انفلق القمر وهذا ل يعارض قول أنس أن ذلك‬
‫كأن بمكة لنه لم يصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كأن‬
‫ليلتئذ بمكة وعلى تقدير تصريحه فهي من جملة مكة فل تعارض‪..‬‬
‫وقد وقع عند الطبراني من طريق زر بن حبيش عن بن مسعود‬
‫قال انشق القمر بمكة فرأيته فرقتين وهو محمول على ما‬
‫ذكرته‪ ..‬وكذا وقع في غير هذه الرواية وقد وقع عند بن مردويه‬
‫بيأن المراد فاخرج من وجه آخر عن بن مسعود قال انشق القمر‬
‫على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمكة قبل أن‬
‫نصير إلى المدينة فوضح أن مراده بذكر مكة الشارة إلى أن‬
‫ذلك وقع قبل الهجرة ويجوز أن ذلك وقع وهم ليلتئذ بمنى‪.‬‬
‫‪-‬قوله فقال‪ :‬اشهدوا أي اضبطوا هذا القدر بالمشاهدة‪ ..‬قوله‬
‫وقال أبو الضحى الخ يحتمل أن يكون معطوفًا على قوله عن‬
‫إبراهيم فأن أبا الضحى من شيوخ العمش فيكون للعمش فيه‬
‫إسنادان ويحتمل أن يكون معلقًا وهو المعتمد فقد وصله أبو داود‬
‫الطيالسي عن أبي عوانة ورويناه في فوائد أبي طاهر الذهلي‬
‫من وجه آخر عن أبي عوانة وأخرجه أبو نعيم في الدلئل من‬
‫طريق هشيم كلهما عن مغيرة عن أبي الضحى بهذا السناد‬
‫بلفظ انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‪..‬‬
‫فقالت كفار قريش‪ :‬هذا سحر سحركم بن أبي كبشة‪ ،‬فانظروا‬
‫إلى السفار فأن أخبروكم أنهم رأوا مثل ما رأيتم فقد صدق‪..‬‬
‫قال فما قدم عليهم أحد إل أخبرهم بذلك‪ ...‬لفظ هشيم وعند أبي‬
‫عوانة انشق القمر بمكة نحوه‪ ،‬وفيه فأن محمدًا ل يستطيع أن‬
‫يسحر الناس كلهم‪.‬‬
‫* قوله وتابعه محمد بن مسلم هو الطائفي وابن أبي نجيح اسمه‬
‫عبد الله واسم أبيه بتحتانية ثم مهملة خفيفة ومراده انه تابع‬
‫إبراهيم في روايته عن أبي معمر في قوله أن ذلك كأن بمكة ل‬
‫في جميع سياق الحديث والجمع بين قول بن مسعود تارة بمنى‬
‫وتارة بمكة إما باعتبار التعدد أن ثبت‪ ,‬وإما بالحمل على أنه كأن‬
‫بمنى ومن قال أنه كأن بمكة ل ينافيه لن من كأن بمنى كأن‬
‫بمكة من غير عكس ويؤيده أن الرواية التي فيها بمنى قال فيها‬
‫ونحن بمنى والرواية التي فيها بمكة لم يقل فيها ونحن وإنما قال‬
‫انشق القمر بمكة يعني أن النشقاق كأن وهم بمكة قبل أن‬
‫يهاجروا إلى المدينة وبهذا يندفع دعوى الداودي أن بين الخبرين‬
‫تضادًا والله أعلم‪ ...‬وابن أبي نجيح رواه عن مجاهد عن أبي‬

‫‪164‬‬
‫معمر و هذه الطريق وصلها عبد الرزاق في مصنفه ومن طريقه‬
‫البيهقي في الدلئل عن بن عيينة ومحمد بن مسلم جميعًا عن بن‬
‫أبي نجيح بهذا السناد بلفظ رأيت القمر منشقًا شقتين شقة على‬
‫أبي قبيس وشقة على السويداء‪ ،‬والسويداء بالمهملة والتصغير‬
‫ناحية خارج مكة عندها جبل‪ ..‬وقول بن مسعود على أبي قبيس‬
‫يحتمل أن يكون رآه كذلك وهو بمنى كأن يكون على مكان‬
‫مرتفع بحيث رأى طرف جبل أبي قبيس ويحتمل أن يكون القمر‬
‫استمر منشقًا حتى رجع بن مسعود من منى إلى مكة فرآه كذلك‬
‫وفيه بعد‪ ،‬والذي يقتضيه غالب الروايات أن النشقاق كأن قرب‬
‫غروبه ويؤيد ذلك إسنادهم الرؤية إلى جهة الجبل ويحتمل أن‬
‫يكون النشقاق وقع أول طلوعه فأن في بعض الروايات أن ذلك‬
‫كأن ليلة البدر أو التعبير بأبي قبيس من تغيير بعض الرواة لن‬
‫الغرض ثبوت رؤيته منشقًا إحدى الشقتين على جبل والخرى‬
‫على جبل آخر ول يغاير ذلك قول الراوي الخر رأيت الجبل بينهما‬
‫أي بين الفرقتين لنه إذا ذهبت فرقة عن يمين الجبل وفرقة عن‬
‫يساره مثل صدق أنه بينهما وأي جبل آخر كأن من جهة يمينه أو‬
‫يساره صدق انه عليه أيضا وسيأتي في تفسير سورة القمر من‬
‫وجه آخر عن مجاهد بلفظ آخر وهو قوله انشق القمر ونحن مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ " :‬اشهدوا‪ ..‬اشهدوا"‬
‫وليس فيه تعيين مكان وأخرجه بن مردويه من رواية بن جريح‬
‫عن مجاهد بلفظ آخر وهو قوله انشق القمر قال الله تعالى‪:‬‬
‫(اقتربت الساعة وانشق القمر) يقول كما شققت القمر كذلك‬
‫أقيم الساعة‪.‬‬
‫قوله في حديث بن عباس أن القمر انشق على زمان رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم هكذا أورده مختصًرا وعند أبي نعيم من‬
‫وجه آخر انشق القمر فلقتين قال بن مسعود لقد رأيت جبل‬
‫حراء من بين فلقتي القمر وهذا يوافق الرواية الولى في ذكر‬
‫حراء وقد أنكر جمهور الفلسفة انشقاق القمر متمسكين بأن‬
‫اليات العلوية ل يتهيأ فيها النخراق واللتئام وكذا قالوا في فتح‬
‫أبواب السماء ليلة السراء إلى غير ذلك من إنكارهم ما يكون‬
‫يوم القيامة من تكوير الشمس وغير ذلك وجواب هؤلء أن كانوا‬
‫كفاًرا أن يناظروا أول ً على ثبوت دين السلم ثم يشركوا مع‬
‫غيرهم ممن أنكر ذلك من المسلمين ومتى سلم المسلم بعض‬
‫ذلك دون بعض ألزم التناقض ول سبيل إلى إنكار ما ثبت في‬
‫القرآن من النخراق واللتئام في القيامة فيستلزم جواز وقوع‬
‫ذلك معجزة لنبي الله صلى الله عليه وسلم وقد أجاب القدماء‬
‫عن ذلك فقال أبو إسحاق الزجاج في معاني القران‪( :‬أنكر بعض‬

‫‪165‬‬
‫المبتدعة الموافقين لمخالفي الملة انشقاق القمر ول إنكار‬
‫للعقل فيه؛ لن القمر مخلوق لله يفعل فيه ما يشاء كما يكوره‬
‫يوم البعث ويفنيه وأما قول بعضهم لو وقع لجاء متواتًرا واشترك‬
‫أهل الرض في معرفته ولما اختص بها أهل مكة فجوابه أن ذلك‬
‫وقع ليل وأكثر الناس نيام والبواب مغلقة وقل من يراصد السماء‬
‫إل النادر وقد يقع بالمشاهدة في العادة أن ينكسف القمر وتبدو‬
‫الكواكب العظام وغير ذلك في الليل ول يشاهدها إل الحاد‬
‫فكذلك النشقاق كأن آية وقعت في الليل لقوم سألوا واقترحوا‬
‫فلم يتأهب غيرهم لها ويحتمل أن يكون القمر ليلتئذ كان في‬
‫بعض المنازل التي تظهر لبعض أهل الفاق دون بعض كما يظهر‬
‫الكسوف لقوم دون قوم وقال الخطابي انشقاق القمر آية‬
‫عظيمة ل يكاد يعدلها شيء من آيات النبياء وذلك أنه ظهر في‬
‫جا من جملة طباع ما في هذا العالم المركب‬ ‫ملكوت السماء خار ً‬
‫من الطبائع فليس مما يطمع في الوصول إليه بحيلة فلذلك صار‬
‫البرهان به أظهر وقد أنكر ذلك بعضهم فقال لو وقع ذلك لم يجز‬
‫أن يخفى أمره على عوام الناس لنه أمر صدر عن حس‬
‫ومشاهدة فالناس فيه شركاء والدواعي متوفرة على رؤية كل‬
‫غريب ونقل ما لم يعهد فلو كان لذلك أصل لخلد في كتب أهل‬
‫التيسير والتنجيم إذ ل يجوز إطباقهم على تركه وإغفاله مع جللة‬
‫شأنه ووضوح أمره والجواب عن ذلك أن هذه القصة خرجت عن‬
‫بقية المور التي ذكروها لنه شيء طلبه خاص من الناس فوقع‬
‫ليل لن القمر ل سلطان له بالنهار ومن شأن الليل أن يكون أكثر‬
‫ما ومستكنين بالبنية والبارز بالصحراء منهم إذا كان‬ ‫الناس فيه نيا ً‬
‫يقظان يحتمل أنه كان في ذلك الوقت مشغول ً بما يلهيه من‬
‫سمر وغيره ومن المستبعد أن يقصدوا إلى مراصد مركز القمر‬
‫ناظرين إليه ل يغفلون عنه فقد يجوز أنه وقع ولم يشعر به أكثر‬
‫الناس وإنما رآه من تصدى لرؤيته ممن اقترح وقوعه ولعل ذلك‬
‫إنما كان في قدر اللحظة التي هي مدرك البصر ثم أبدى حكمة‬
‫بالغة في كون المعجزات المحمدية لم يبلغ شيء منها مبلغ‬
‫التواتر الذي ل نزاع فيه إل القرآن بما حاصله أن معجزة كل نبي‬
‫كانت إذا وقعت عامة أعقبت هلك من كذب به من قومه‬
‫للشتراك في إدراكها بالحس والنبي صلى الله عليه وسلم بعث‬
‫رحمة فكانت معجزته التي تحدى بها عقلية فاختص بها القوم‬
‫الذين بعث منهم لما أوتوه من فضل العقول وزيادة الفهام ولو‬
‫ما لعوجل من كذب به كما عوجل من قبلهم‪ .‬وذكر‬ ‫كان إدراكها عا ً‬
‫أبو نعيم في الدلئل نحو ما ذكره الخطابي‪ ,‬وزاد ول سيما إذا‬
‫وقعت الية في بلدة كان عامة أهلها يومئذ الكفار الذين‬

‫‪166‬‬
‫يعتقدون أنها سحر ويجتهدون في إطفاء نور الله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهو جيد بالنسبة إلى من سأل عن الحكمة في قلة من‬
‫نقل ذلك من الصحابة وأما من سأل عن السبب في كون أهل‬
‫التنجيم لم يذكروه فجوابه أنه لم ينقل عن أحد منهم أنه نفاه‬
‫وهذا كاف فإن الحجة فيمن أثبت ل فيمن يوجد عنه صريح النفي‬
‫حتى أن من وجد عنه صريح النفي يقدم عليه من وجد منه صريح‬
‫الثبات‪.‬‬
‫وقال بن عبد البر‪ :‬قد روى هذا الحديث جماعة كثيرة من‬
‫الصحابة وروى ذلك عنهم أمثالهم من التابعين ثم نقله عنهم‬
‫الجمع الغفير إلى أن انتهى إلينا ويؤيد ذلك بالية الكريمة فلم‬
‫يبق لستبعاد من استبعد وقوعه عذر‪ ،‬ثم أجاب بنحو جواب‬
‫الخطابي وقال‪ :‬وقد يطلع على قوم قبل طلوعه على آخرين‬
‫ضا فإن زمن النشقاق لم يطل ولم تتوفر الدواعي على‬ ‫وأي ً‬
‫العتناء بالنظر إليه ومع ذلك فقد بعث أهل مكة إلى آفاق مكة‬
‫يسألون عن ذلك فجاءت السفار وأخبروا بأنهم عاينوا ذلك‪ ،‬وذلك‬
‫لن المسافرين في الليل غالبًا يكونون سائرين في ضوء القمر‬
‫ول يخفى عليهم ذلك‪.‬‬
‫وقال القرطبي‪ :‬الموانع من مشاهدة ذلك إذا لم يحصل القصد‬
‫إليه غير منحصرة ويحتمل أن يكون الله صرف جميع أهل الرض‬
‫غير أهل مكة وما حولها عن اللتفات إلى القمر في تلك الساعة‬
‫ليختص بمشاهدته أهل مكة كما اختصوا بمشاهدة أكثر اليات‬
‫ونقلوها إلى غيرهم اهـ‪ .‬وفي كلمه نظر لن أحدا لم ينقل أن‬
‫أحدا من أهل الفاق غير أهل مكة ذكروا أنهم رصدوا القمر في‬
‫تلك الليلة المعينة فلم يشاهدوا انشقاقه‪ ،‬فلو نقل ذلك لكان‬
‫الجواب الذي أبداه القرطبي جيدًا‪ ،‬ولكن لم ينقل عن أحد من‬
‫أهل الرض شيء من ذلك‪ ،‬فالقتصار حينئذ على الجواب الذي‬
‫ذكره الخطابي ومن تبعه أوضح والله اعلم‪.‬‬
‫شقَّ الْقَ َ‬
‫مُر‬ ‫ة وَان َ‬ ‫ت ال َّ‬
‫ساع َ ُ‬ ‫وأما الية فالمراد بها قوله تعالى‪(:‬اقْتََرب َ ِ‬
‫*)(القمر‪ )1:‬لكن ذهب بعض أهل العلم من القدماء أن المراد‬
‫بقوله‪(:‬وانشق القمر) أي سينشق كما قال تعالى‪(:‬أتى أمر الله)‬
‫أي سيأتي والنكتة في ذلك إرادة المبالغة في تحقق وقوع ذلك‬
‫فنزل منزلة الواقع‪ ..‬والذي ذهب إليه الجمهور أصح كما جزم به‬
‫بن مسعود وحذيفة وغيرهما ويؤيده قوله تعالى بعد ذلك‪(:‬وَأن‬
‫مّر *)(القمر‪ )2:‬فإن ذلك‬ ‫ست َ ِ‬ ‫حٌر ُّ‬
‫م ْ‬ ‫ضوا َويَقُولُوا ِ‬
‫س ْ‬ ‫ر ُ‬
‫ة يُعْ ِ‬
‫يََروْا آي َ ً‬
‫ظاهر في أن المراد بقوله‪(:‬وانشق القمر) وقوع انشقاقه لن‬
‫لكفار ل يقولون ذلك يوم القيامة‪ .‬وإذا تبين أن قولهم ذلك إنما‬

‫‪167‬‬
‫هو في الدنيا تبين وقوع النشقاق وأنه المراد بالية التي زعموا‬
‫حا في حديث بن مسعود كما بيناه قبل‪.‬‬ ‫أنها سحر ووقع ذلك صري ً‬
‫ونقل البيهقي في أوائل البعث والنشور عن الحليمي أن من‬
‫الناس من يقول أن المارد بقوله تعالى‪(:‬وانشق القمر) أي‬
‫سينشق‪ .‬قال الحليمي‪ :‬فإن كان كذلك فقد وقع في عصرنا‬
‫فشاهدت الهلل ببخارى في الليلة الثالثة منشقًا نصفين عرض‬
‫كل واحد منهما كعرض ليلة أربع أو خمس ثم اتصل فصار في‬
‫شكل أترجة إلى أن غاب‪ ..‬قال‪ :‬وأخبرني بعض من أثق به أنه‬
‫شاهد ذلك في ليلة أخرى اهـ‪ .‬ولقد عجبت من البيهقي كيف أقر‬
‫هذا مع إيراده حديث بن مسعود المصرح بأن المراد بقوله‬
‫تعالى‪(:‬وانشق القمر) أن ذلك وقع في زمن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فإنه ساقه هكذا من طريق بن مسعود في هذه‬
‫الية‪(:‬اقتربت الساعة وانشق القمر) قال لقد انشق على عهد‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ساق حديث بن مسعود‪..‬‬
‫قال القاضي عياض‪-:‬وخرج الطحاوي ـ في مشكل الحديث‪ ،‬عن‬
‫أسماء بنت عميس من طريقين ـ أن النبي صلى الله عليه و‬
‫سلم كان يوحي إليه‪ ،‬ورأسه في حجر علي فلم يصل العصر‬
‫حتى غربت الشمس‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬أصليت‬
‫يا علي؟ قال‪:‬ل‪ .‬فقال‪ :‬اللهم إنه كأن في طاعتك و طاعة‬
‫رسولك فاردد عليه الشمس‪.‬‬
‫قالت أسماء‪ :‬فرأيتها غربت‪ ،‬ثم طلعت بعد ما غربت‪ ،‬ووقفت‬
‫على الجبال والرض‪ ،‬وذلك بالصهباء في خيبر‪ .‬قال وهذان‬
‫الحديثان ثابتان ورواتهما ثقات‪.‬‬
‫‪-‬وحكى الطحاوي أن أحمد بن صالح كأن يقول‪ :‬ل ينبغي لمن‬
‫يكون سبيله العلم المتخلف عن حفظ حديث أسماء‪ ،‬لنه من‬
‫علمات النبوة‪.‬‬
‫‪-‬وروى يونس بن بكير في زيادة المغازي في روايته عن ابن‬
‫إسحاق‪ :‬لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأخبر‬
‫قومه بالرفقة والعلمة التي في العير قالوا‪ :‬متى تجيء؟ قال‪:‬‬
‫يوم الربعاء‪ ،‬فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينظرون وقد‬
‫ولى النهار ولم تجيء؟ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فزيد له في النهار ساعة‪ ،‬وحبست عليه الشمس‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬قال الشيخ محمد بن أحمد القسطلني في المواهب‬
‫اللدنية بالمنح المحمدية‪:‬‬
‫قال بعضهم هذا الحديث ليس بصحيح وأن أوهم القاضي عياض‬
‫له في الشفا عن الطحاوي من طريقين‪ ،‬فقد ذكره ابن الجوزي‬
‫في الموضوعات وقال‪ :‬إنه موضوع بل شك وفي سنده أحمد بن‬

‫‪168‬‬
‫داود وهو متروك الحديث كذاب‪ ،.‬كما قال الدارقطني‪ ،‬وقال ابن‬
‫حبان‪ :‬كان يضع الحديث‪.‬‬
‫قال ابن الجوزي‪ :‬وقد روى هذا الحديث ابن شاهين فذكره ثم‬
‫قال‪ :‬حديث باطل‪ ،‬قال‪ :‬ومن تغفل واضعه أنه نظر إلى صورة‬
‫فضيلة‪ ،‬ولم يلمح عدم الفائدة فيها‪ ،‬فإن صلة العصر بغيبوبة‬
‫الشمس تصير قضاء‪ ,‬ورجوع الشمس ل يعيدها أداء‪..‬اهـ‬
‫وقد أفرد ابن تيمية تصنيفًا مفردًا في الرد على الروافض ذكر‬
‫فيه الحديث بطرقه ورجاله وأنه موضوع‪ ،‬والعجب من القاضي‬
‫مع جللة قدره وعلو خطره في علوم الحديث كيف سكت عنه‬
‫موهما صحته‪ ،‬ناقل ثبوته‪ ،‬موثقًا رجاله‪ ..‬اهـ‬
‫وقال شيخنا ك قال أحمد‪ :‬ل أصل له‪ .‬وتبعه ابن الجوزي فأورده‬
‫في الموضوعات‪ ..‬ولكن قد صححه الطحاوي والقاضي عياض‪،‬‬
‫وأخرجه ابن منده وابن شاهين من حديث أسماء بنت عميس‪،‬‬
‫وابن مردويه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪ ..‬اهـ‬
‫ورواه الطبراني في معجمه الكبير بإسناد حسن كما حكاه شيخ‬
‫السلم ابن العراقي في شرح التقريب عن أسماء بنت عميس‬
‫ولفظه‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر‬
‫بالصهباء ثم أرسل عليا ًَ في حاجة فرجع وقد صلى النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم العصر‪ ،‬فوضع صلى الله عليه وسلم رأسه في‬
‫ي ونام‪ ،‬فلم يحركه حتى غابت الشمس‪ ،‬فقال صلى الله‬ ‫حجر عل ّ‬
‫عليه وسلم‪ " :‬اللهم أن عبدك عليًا احتبس بنفسه على نبيه فرد‬
‫عليه الشمس‪....‬قالت أسماء‪ :‬فطلعت علبه الشمس حتى وقعت‬
‫ي فتوضأ وصلى العصر ثم‬ ‫على الجبال وعلى الرض‪ ،‬وقام عل ّ‬
‫غابت‪،‬وذلك بالصهباء‪.‬‬
‫وفي لفظ آخر‪ :‬كان صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي‬
‫ً‬
‫ي‪ ،‬فقال له‬ ‫يغشى عليه‪ ،‬فأنزل الله عليه يوما َ وهو في حجر عل ّ‬
‫ي؟" فقال‪ :‬ل‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ " :‬صليت العصر يا عل ّ‬
‫يا رسول الله‪ ...‬فدعا الله فرد عليه الشمس حتى صلى‬
‫العصر‪..‬قالت أسماء‪ :‬فرأيت الشمس طلعت بعدما غابت حبن‬
‫ردت حتى صلى العصر‪.‬‬
‫قال‪ :‬وروى الطبراني أيضا ً في معجمه الوسط بإسناد حسن عن‬
‫جابر‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الشمس فتأخرت‬
‫ساعة من نهار‪.‬‬
‫وروى يونس بن بكير في زيادة المغازي في روايته عن ابن‬
‫إسحاق‪ ،‬مما ذكره القاضي عياض‪ :‬لما أسري بالنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وأخبر قومه بالرفقة والعلمة التي في العير‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫متى تجيء؟ قال‪ :‬يوم الربعاء‪ ..‬فلما كان ذلك اليوم أشرفت‬

‫‪169‬‬
‫قريش ينتظرون‪ ،‬وقد ولى النهار‪ ،‬ولم تجيء‪...‬فدعا رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه‬
‫الشمس‪.‬اهـ‪.‬‬
‫وهذا يعارضه قوله في الحديث‪ :‬لم تحبس الشمس على أحد إل‬
‫ليوشع بن نون‪ ،‬يعني حين قاتل الجبارين يوم الجمعة‪..‬فلما‬
‫أدبرت الشمس خاف أن تعيب قبل أن يفرغ منهم ويدخل‬
‫السبت فل يحل له قتالهم‪ ،‬فدعا الله تعالى فرد عليه الشمس‬
‫حتى فرغ من قتالهم‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن كثير‪:‬فيه أن هذا كأن من خصائص يوشع‪ ،‬فيدل‬
‫على ضعف الحديث الذي رويناه أن الشمس رجعت حتى صلى‬
‫ي بن أبي طالب‪...‬وقد صححه أحمد بن صالح المصري‪ ،‬ولكنه‬ ‫عل ّ‬
‫منكر‪.‬ليس في شيء من الصحاح والحسان‪.‬وهو مما تتوفر‬
‫الدواعي على نقله‪ ,‬وتفردت بنقله امرأة من أهل البيت مجهولة‬
‫ل يعرف حالها‪.‬اهـ‬
‫ويحتمل الجمع‪ :‬بأن المعنى لم تحبس الشمس على أحد من‬
‫النبياء غيري إل ليوشع‪ ...‬والله أعلم‪.‬‬
‫وكذا روي حبس الشمس لنبينا صلى الله عليه وسلم أيضا ً يوم‬
‫الخندق‪ ،‬حين شغل عن صلة العصر‪ ،‬فيكون حبس الشمس‬
‫مخصوصا ً بنبينا ‪ r‬وبيوشع‪ ،‬كما ذكره القاضي عياض في الكمال‪،‬‬
‫وعزاه لمشكل الثار‪ ،‬ونقله النووي في شرح مسلم في باب حل‬
‫الغنائم عن عياض‪ ،‬وكذا الحافظ ابن حجر في باب الذان في‬
‫تخريج أحاديث الرافعي ومغلطاي في الزهر الباسم‪،‬‬
‫وذكروه‪..‬وتعقب‪ :‬بأن الثابت في الصحيح وغيره‪ :‬أنه صلى الله‬
‫عليه وسلم صلى العصر في وقعة الخندق بعدما غربت‬
‫الشمس‪ ..‬وذكر البغوي في تفسيره أنها حبست لسليمان عليه‬
‫ي) ونوزع فيه بعدم ذكر الشمس‬ ‫السلم أيضاً‪ ،‬لقوله ‪(:‬ردوها عل َّ‬
‫في الية‪ ..‬فالمراد‪ :‬الصافنات الجياد‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫قال القاضي عياض‪ :‬واختلف في حبس الشمس المذكور هنا‪،‬‬
‫فقيل‪ :‬ردت على أدراجها‪ ،‬وقيل‪ :‬وقفت ولم ترد‪ ،‬وقيل‪ :‬بطء‬
‫حركتها‪ ...‬قال‪ :‬وكل ذلك من معجزات النبوة‪...‬اهـ‪...‬‬
‫وقفة مع ابن حجر العسقلني‬
‫البخاري حدثنا محمد بن العلء‪ :‬حدثنا ابن المبارك‪ ،‬عن معمر‪،‬‬
‫عن همام ابن منبه‪ ،‬عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪(:‬غزا نبي من النبياء‪ ،‬فقال‬
‫لقومه‪ :‬ل يتبعني رجل ملك بضع امرأة‪ ،‬وهو يريد أن يبني بها ولم‬
‫يبن بها‪ ،‬ول أحد بنى بيوتًا ولم يرفع سقوفها‪ ،‬ول أحد اشترى غنما‬
‫أو خلفات‪ ،‬وهو ينتظر ولدها‪ ،‬فغزا‪ ،‬فدنا من القرية صلة العصر‪،‬‬

‫‪170‬‬
‫أو قريبًا من ذلك‪ ،‬فقال للشمس‪ :‬إنك مأمورة وأنا مأمور‪ ،‬اللهم‬
‫احبسها علينا‪ ،‬فحبست حتى فتح الله عليه‪ ،‬فجمع الغنائم فجاءت‬
‫‪ -‬يعني النار ‪ -‬لتأكلها فلم تطعمها‪ ،‬فقال‪ :‬أن فيكم غلولً‪،‬‬
‫فليبايعني من كل قبيلة رجل‪ ،‬فلزقت يد رجل بيده‪ ،‬فقال‪ :‬فيكم‬
‫الغلول‪ ،‬فلتبايعني قبيلتك‪ ،‬فلزقت يد رجلين أو ثلثة بيده‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫فيكم الغلول‪ ،‬فجاءوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب‪،‬‬
‫فوضعوها‪ ،‬فجاءت النار فأكلتها‪ ،‬ثم أحل الله لنا الغنائم‪ ،‬رأى‬
‫ضعفنا وعجزنا‪ ،‬فأحلها لنا)‪.‬‬
‫قوله عن بن المبارك كذا في جميع الروايات لكن قال أبو نعيم‬
‫في المستخرج أخرجه البخاري عن محمد بن العلء عن بن‬
‫المبارك أو غيره وهذا الشك إنما هو من أبي نعيم فقد أخرجه‬
‫السماعيلي عن أبي يعلى عن محمد بن العلء عن بن المبارك‬
‫وحده به قوله غزا نبي من النبياء أي أراد أن يغزو وهذا النبي هو‬
‫يوشع بن نون كما رواه الحاكم من طريق كعب الحبار وبين‬
‫تسمية القرية كما سيأتي وقد ورد أصله من طريق مرفوعة‬
‫صحيحة أخرجها أحمد من طريق هشام عن محمد بن سيرين عن‬
‫أبي هريرة قال‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬أن‬
‫الشمس لم تحبس لبشر إل ليوشع بن نون ليالي سار إلى بيت‬
‫المقدس‪ ...‬وأغرب بن بطال فقال في باب استئذان الرجل‬
‫المام في هذا المعنى حديث لداود عليه الصلة والسلم أنه قال‬
‫في غزوة خرج إليها ل يتبعني من ملك بضع امرأة ولم يبن بها أو‬
‫بنى داًرا ولم يسكنها ولم أقف على ما ذكره مسندًا لكن أخرج‬
‫الخطيب في ذم النجوم له من طريق أبي حذيفة والبخاري في‬
‫المبتدأ له بإسناد له عن علي قال سأل قوم يوشع منه أن‬
‫يطلعهم على بدء الخلق وآجالهم فأراهم ذلك في ماء من غمامة‬
‫أمطرها الله عليهم فكان أحدهم يعلم متى يموت فبقوا على ذلك‬
‫إلى أن قاتلهم داود على الكفر فاخرجوا إلى داود من لم يحضر‬
‫أجله فكان يقتل من أصحاب داود ول يقتل منهم فشكى إلى الله‬
‫ودعاه فحبست عليهم الشمس فزيد في النهار فاختلطت الزيادة‬
‫بالليل والنهار فاختلط عليهم حسابهم قلت وإسناده ضعيف جدًا‬
‫وحديث أبي هريرة المشار إليه عند أحمد أولى فإن رجال إسناده‬
‫محتج بهم في الصحيح فالمعتمد أنها لم تحبس إل ليوشع ول‬
‫يعارضه ما ذكره بن إسحاق في المبتدأ من طريق يحيى بن‬
‫عروة بن الزبير عن أبيه أن الله لما أمر موسى بالمسير ببني‬
‫إسرائيل أمره أن يحمل تابوت يوسف فلم يدل عليه حتى كاد‬
‫الفجر أن يطلع وكأن وعد بني إسرائيل أن يسير بهم إذا طلع‬
‫الفجر فدعا ربه أن يؤخر الطلوع حتى فرغ من أمر يوسف ففعل‬

‫‪171‬‬
‫لن الحصر إنما وقع في حق يوشع بطلوع الشمس فل ينفي أن‬
‫يحبس طلوع الفجر لغيره وقد اشتهر حبس الشمس ليوشع حتى‬
‫قال أبو تمام في قصيدة فو الله ل أدري أحلم نائم ألمت بنا أم‬
‫كان في الركب يوشع ول يعارضه أيضا ما ذكره يونس بن بكير‬
‫في زياداته في مغازي بن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫شا صبيحة السراء أنه رأى العير التي لهم وإنها‬‫لما أخبر قري ً‬
‫تقدم مع شروق الشمس فدعا الله فحبست الشمس حتى دخلت‬
‫العير وهذا منقطع لكن وقع في الوسط للطبراني من حديث‬
‫جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الشمس فتأخرت ساعة‬
‫من نهار وإسناده حسن ووجه الجمع أن الحصر محمول على ما‬
‫مضى للنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم فلم تحبس الشمس‬
‫إل ليوشع وليس فيه نفي أنها تحبس بعد ذلك لنبينا صلى الله‬
‫عليه وسلم وروى الطحاوي والطبراني في الكبير والحاكم‬
‫والبيهقي في الدلئل عن أسماء بنت عميس أنه صلى الله عليه‬
‫وسلم دعا لما نام على ركبة علي ففاتته صلة العصر فردت‬
‫الشمس حتى صلى علي ثم غربت وهذا أبلغ في المعجزة وقد‬
‫أخطأ بن الجوزي بإيراده له في الموضوعات وكذا بن تيمية في‬
‫كتاب الرد على الروافض في زعم وضعه والله أعلم‪...‬وأما ما‬
‫حكى عياض أن الشمس ردت للنبي صلى الله عليه وسلم يوم‬
‫الخندق لما شغلوا عن صلة العصر حتى غربت الشمس فردها‬
‫الله عليه حتى صلى العصر كذا قال وعزاه للطحاوي والذي رأيته‬
‫في مشكل الثار للطحاوي ما قدمت ذكره من حديث أسماء؛‬
‫ضا أنها‬
‫فإن ثبت ما قال فهذه قصة ثالثة والله أعلم وجاء أي ً‬
‫حبست لموسى لما حمل تابوت يوسف كما تقدم قريبًا وجاء‬
‫ضا أنها حبست لسليمان بن داود عليهما السلم وهو فيما ذكره‬ ‫أي ً‬
‫الثعلبي ثم البغوي عن بن عباس قال‪ :‬قال لي علي ما بلغك في‬
‫قول الله تعالى حكاية عن سليمان عليه الصلة والسلم ردوها‬
‫سا عرضها فغابت‬ ‫علي فقلت قال لي كعب كانت أربعة عشر فر ً‬
‫الشمس قبل أن يصلي العصر فأمر بردها فضرب سوقها‬
‫ما لنه‬‫وأعناقها بالسيف فقتلها فسلبه الله ملكه أربعة عشر يو ً‬
‫ظلم الخيل بقتلها فقال علي كذب كعب وإنما أراد سليمان جهاد‬
‫عدوه فتشاغل بعرض الخيل حتى غابت الشمس فقال للملئكة‬
‫الموكلين بالشمس بإذن الله لهم ردوها علي فردوها عليه حتى‬
‫صلى العصر في وقتها وأن أنبياء الله ل يظلمون ول يأمرون‬
‫بالظلم قلت أورد هذا الثر جماعة ساكتين عليه جازمين بقولهم‬
‫قال بن عباس قلت لعلي وهذا ل يثبت عن بن عباس ول عن‬
‫غيره والثابت عن جمهور أهل العلم بالتفسير من الصحابة ومن‬

‫‪172‬‬
‫بعدهم أن الضمير المؤنث في قوله ردوها للخيل والله أعلم قوله‬
‫بضع امرأة بضم الموحدة وسكون المعجمة البضع يطلق على‬
‫ضا‬
‫الفرج والتزويج والجماع والمعاني الثلثة لئقة هنا ويطلق أي ً‬
‫على المهر وعلى الطلق وقال الجوهري قال بن السكيت البضع‬
‫النكاح يقال ملك فلن بضع فلنة قوله ولما يبن بها أي ولم يدخل‬
‫عليها لكن التعبير بلما يشعر بتوقع ذلك قاله الزمخشري في‬
‫قوله تعلى‪( :‬ولما يدخل اليمان في قلوبكم) ووقع في رواية‬
‫سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عند النسائي وابن عوانة وابن‬
‫حبان ل ينبغي لرجل بنى داًرا ولم يسكنها أو تزوج امرأة ولم‬
‫يدخل بها وفي التقييد بعدم الدخول ما يفهم أن المر بعد الدخول‬
‫بخلف ذلك فل يخفى فرق بين المرين وإن كان بعد الدخول‬
‫ربما استمر تعلق القلب لكن ليس هو كما قبل الدخول غالبا‬
‫قوله ولم يرفع سقوفها في صحيح مسلم ومسند أحمد ولما يرفع‬
‫سقفها وهو بضم القاف والفاء لتوافق هذه الرواية ووهم من‬
‫ضبط بالسكان وتكلف في توجيه الضمير المؤنث للسقف قوله‬
‫أو خلفات بفتح المعجمة وكسر اللم بعدها فاء خفيفة جمع خلفة‬
‫وهي الحامل من النوق وقد يطلق على غير النوق وفي قوله‬
‫ما أو خلفات للتنويع ويكون قد حذف وصف الغنم بالحمل‬ ‫غن ً‬
‫لدللة الثاني عليه أو هو على إطلقه لن الغنم يقل صبرها‬
‫فيخشى عليها الضياع بخلف النوق فل يخشى عليها إل مع الحمل‬
‫ما بغير صفة أو‬ ‫ويحتمل أن يكون قوله أو للشك أي هل قال غن ً‬
‫خلفات أي بصفة أنها حوامل كذا قال بعض الشراح والمعتمد أنها‬
‫للتنويع فقد وقع في رواية أبي يعلى عن محمد بن العلء ول رجل‬
‫له غنم أو بقر أو خلفات قوله وهو ينتظر ولدها بكسر الواو وهو‬
‫مصدر ولد ولدًا وولدة قوله فغزا أي بمن تبعه ممن لم يتصف‬
‫بتلك الصفة قوله فدنا من القرية هي أريحا بفتح الهمزة وكسر‬
‫الراء بعدها تحتانية ساكنة ومهملة مع القصر سماها الحاكم في‬
‫روايته عن كعب‪ ,‬وفي رواية مسلم فأدنى للقرية أي قرب‬
‫جيوشه لها قوله فقال للشمس انك مأمورة في رواية سعيد بن‬
‫المسيب فلقي العدو عند غيبوبة الشمس وبين الحاكم في روايته‬
‫عن كعب سبب ذلك فإنه قال أنه وصل إلى القرية وقت عصر‬
‫يوم الجمعة فكادت الشمس أن تغرب ويدخل الليل وبهذا يتبين‬
‫معنى قوله وأنا مأمور والفرق بين المأمورين أن أمر الجمادات‬
‫أمر تسخير وأمر العقلء أمر تكليف وخطابه للشمس يحتمل أن‬
‫يكون على حقيقته وأن الله تعالى خلق فيها تمييًزا وإدراكًا كما‬
‫سيأتي البحث فيه في الفتن في سجودها تحت العرش‬
‫واستئذانها من أن تطلع ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل‬

‫‪173‬‬
‫استحضاره في النفس لما تقرر أنه ل يمكن تحولها عن عادتها إل‬
‫بخرق العادة وهو نحو قول الشاعر‪:‬‬
‫شكى إلي جملي طول السرى‬
‫ومن ثم قال اللهم احبسها‪ ,‬ويؤيد الحتمال الثاني أن في رواية‬
‫سعيد بن المسيب فقال اللهم أنها مأمورة وإني مأمور فاحبسها‬
‫علي حتى تقضي بيني وبينهم فحبسها الله عليه‪ ,‬قوله اللهم‬
‫احبسها علينا في رواية أحمد اللهم احبسها علي شيئًا وهو‬
‫منصوب نصب المصدر أي قدر ما تنقضي حاجتنا من فتح البلد‬
‫قال عياض اختلف في حبس الشمس هنا فقيل ردت على‬
‫أدراجها وقيل وقفت وقيل بطئت حركتها وكل ذلك محتمل‪,‬‬
‫والثالث أرجح عند بن بطال وغيره ووقع في ترجمة هارون بن‬
‫يوسف الرمادي أن ذلك كان في رابع عشر حزيران وحينئذ يكون‬
‫النهار في غاية الطول قوله فحبست حتى فتح الله عليه‪.‬‬
‫في رواية أبي يعلى فواقع القوم فظفر قوله فجمع الغنائم‬
‫فجاءت يعني النار في رواية عبد الرزاق عند أحمد ومسلم‬
‫فجمعوا ما غنموا فأقبلت النار زاد في رواية سعيد بن المسيب‬
‫وكانوا إذا غنموا غنيمة بعث الله عليها النار فتأكلها قوله فلم‬
‫ما وهو بطريق المبالغة قوله فقال أن‬ ‫تطعمها أي لم تذق لها طع ً‬
‫فيكم غلول ً هو السرقة من الغنيمة كما تقدم قوله فليبايعني من‬
‫كل قبيلة رجل فلزقت فيه حذف يظهر من سياق الكلم أي‬
‫فبايعوه فلزقت‪ .‬قوله‪ :‬فلزقت يد رجلين أو ثلثة في رواية أبي‬
‫يعلى فلزقت يد رجل أو رجلين وفي رواية سعيد بن المسيب‬
‫رجلن بالجزم قال بن المنير جعل الله علمة الغلول إلزاق يد‬
‫الغال وفيه تنبيه على أنها يد عليها حق يطلب أن يتخلص منه أو‬
‫أنها يد ينبغي أن يضرب عليها ويحبس صاحبها حتى يؤدي الحق‬
‫إلى المام وهو من جنس شهادة اليد على صاحبها يوم القيامة‬
‫قوله فيكم الغلول زاد في رواية سعيد بن المسيب فقال أجل‬
‫غللنا قوله‪ :‬فجاءوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب فوضعوها‬
‫فجاءت النار فآكلتها ثم أحل الله لنا الغنائم في رواية النسائي‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك أن الله أطعمنا‬
‫الغنائم رحمة رحمناها وتخفيفًا خففه عنا قوله رأى ضعفنا وعجزنا‬
‫فأحلها لنا في رواية سعيد بن المسيب لما رأى من ضعفنا وفيه‬
‫أشعار بأن إظهار العجز بين يدي الله تعالى يستوجب ثبوت‬
‫الفضل وفيه اختصاص هذه المة بحل الغنيمة وكان ابتداء ذلك‬
‫من غزوة بدر وفيها نزل قوله تعالى‪( :‬فكلوا مما غنمتم حللً‬
‫طيباً)‪ ,‬فأحل الله لهم الغنيمة وقد ثبت ذلك في الصحيح من‬
‫حديث بن عباس وقد قدمت في أوائل فرض الخمس أن أول‬

‫‪174‬‬
‫غنيمة خمست غنيمة السرية التي خرج فيها عبد الله بن جحش‬
‫وذلك قبل بدر بشهرين ويمكن الجمع بما ذكر بن سعد أنه صلى‬
‫الله عليه وسلم أخر غنيمة تلك السرية حتى رجع من بدر‬
‫فقسمها مع غنائم بدر قال المهلب في هذا الحديث أن فتن الدنيا‬
‫تدعو النفس إلى الهلع ومحبة البقاء لن من ملك بضع امرأة ولم‬
‫يدخل بها أو دخل بها وكان على قرب من ذلك فإن قلبه متعلق‬
‫بالرجوع إليها ويجد الشيطان السبيل إلى شغل قلبه عما هو عليه‬
‫من الطاعة وكذلك غير المرأة من أحوال الدنيا وهو كما قال لكن‬
‫تقدم ما يعكر على إلحاقه بما بعد الدخول وأن لم يطل بما قبله‬
‫ويدل على التعميم في المور الدنيوية ما وقع في رواية سعيد بن‬
‫المسيب من الزيادة أو له حاجة في الرجوع وفيه أن المور‬
‫المهمة ل ينبغي أن تفوض إل لحازم فارغ البال لها لن من له‬
‫تعلق ربما ضعفت عزيمته وقلت رغبته في الطاعة والقلب إذا‬
‫تفرق ضعف فعل الجوارح وإذا اجتمع قوي وفيه أن من مضى‬
‫كانوا يغزون ويأخذون أموال أعدائهم وأسلبهم لكن ل يتصرفون‬
‫فيها بل يجمعونها وعلمة قبول غزوهم ذلك أن تنزل النار من‬
‫السماء فتأكلها وعلمة عدم قبوله أن ل تنزل ومن أسباب عدم‬
‫القبول أن يقع فيهم الغلول وقد من الله على هذه المة ورحمها‬
‫لشرف نبيها عنده فأحل لهم الغنيمة وستر عليهم الغلول فطوى‬
‫عنهم فضيحة أمر عدم القبول فلله الحمد على نعمه تترى ودخل‬
‫في عموم أكل النار الغنيمة والسبى وفيه بعد لن مقتضاه إهلك‬
‫الذرية ومن لم يقاتل من النساء ويمكن أن يستثنوا من ذلك‬
‫ويلزم استثناؤهم من تحريم الغنائم عليهم ويؤيده إنهم كانت لهم‬
‫عبيد وإماء فلو لم يجز لهم السبي لما كان لهم أرقاء ويشكل‬
‫على الحصر أنه كان السارق يسترق كما في قصة يوسف ولم أر‬
‫من صرح بذلك وفيه معاقبة الجماعة بفعل سفهائها وفيه أن‬
‫أحكام النبياء قد تكون بحسب المر الباطن كما في هذه القصة‬
‫وقد تكون بحسب المر الظاهر كما في حديث إنكم تختصمون‬
‫إلي الحديث واستدل به بن بطال على جواز إحراق أموال‬
‫المشركين وتعقب بأن ذلك كان في تلك الشريعة وقد نسخ بحل‬
‫الغنائم لهذه المة وأجيب عنه بأنه ل يخفى عليه ذلك ولكنه‬
‫استنبط من إحراق الغنيمة بأكل النار جواز إحراق أموات الكفار‬
‫إذا لم يوجد السبيل إلى أخذها غنيمة وهو ظاهر لن هذا القدر لم‬
‫يرد التصريح بنسخه فهو محتمل على أن شرع من قبلنا شرع لنا‬
‫ضا على أن قتال آخر النهار أفضل‬ ‫ما لم يرد ناسخه واستدل به أي ً‬
‫من أوله وفيه نظر لن ذلك في هذه القصة إنما وقع اتفاقا كما‬
‫تقدم نعم في قصة النعمان بن مقرن مع المغيرة بن شعبة في‬

‫‪175‬‬
‫قتال الفرس التصريح باستحباب القتال حين تزول الشمس‬
‫وتهب الرياح فالستدلل به يغنى عن هذا‪.‬‬
‫الفصل الثاني عشر‪:‬‬
‫في نبع الماء من بين أصابعه وتكثيره بركة‬
‫‪-‬أما الحاديث في هذا فكثيرة جداً‪.‬‬
‫‪-‬روى حديث نبع الماء من أصابعه صلى الله عليه وسلم جماعة‬
‫من الصحابة‪ ،‬منهم أنس‪ ،‬وجابر‪ ،‬وابن مسعود‪:‬‬
‫حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر الفقيه بقراءتي عليه‪ ،‬حدثنا‬
‫القاضي عيسى بن سهل‪ ،‬حدثنا أبو القاسم حاتم بن محمد‪ ،‬حدثنا‬
‫أبو عمر بن الفخار‪ ،‬حدثنا أبو عيسى‪ ،‬حدثنا يحيى‪ ،‬حدثنا مالك‪،‬‬
‫عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة‪ ،‬عن أنس بن مالك رضي‬
‫الله عنه‪ :‬رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬و حانت صلة‬
‫العصر‪ ،‬فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه‪ ،‬فأتى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم بوضوء‪ ،‬فوضع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم في ذلك الناء يده‪ ،‬و أمر الناس أن يتوضئوا منه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه‪ ،‬فتوضأ حتى توضئوا من‬
‫عند آخرهم‪.‬‬
‫‪-‬ورواه أيضا ً ـ عن أنس ـ قتادة‪ ،‬و قال‪ :‬بإناء فيه ماء يغمر أصابعه‬
‫أو ل يكاد يغمر‪- .‬قال‪ :‬كم كنتم؟ قال‪ :‬كنا زهاء ثلثمائة‪.‬‬
‫‪-‬وفي رواية عنه‪ :‬و هم بالزوراء عند السوق‪.‬‬
‫‪-‬ورواه أيضا ً حميد‪ ،‬و ثابت و الحسن‪ ،‬عن أنس‪.‬‬
‫‪-‬وفي رواية حميد‪ :‬قلت‪ :‬كم كانوا؟ قال‪ :‬ثمانين‪.‬‬
‫‪-‬ونحوه عن ثابت عنه‪.‬‬
‫‪-‬وعنه أيضاً‪ :‬وهم نحو من سبعين رجلً‪.‬‬
‫قلت‪ :‬متفق عليه‪.‬‬
‫*رواه البخاري في كتاب الوضوء باب التماس الماء إذا حضرت‬
‫الصلة‬
‫حدثنا عبد الله بن يوسف قال‪ :‬أخبرنا مالك‪ ،‬عن إسحاق بن عبد‬
‫الله بن أبي طلحة‪ ،‬عن أنس بن مالك أنه قال‪ :‬رأيت رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وحانت صلة العصر‪ ،‬فالتمس الناس‬
‫الوضوء فلم يجدوه‪ ،‬فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫بوضوء‪ ،‬فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الناء‬
‫يده‪ ،‬وأمر الناس أن يتوضئوا منه‪ ،‬قال‪ :‬فرأيت الماء ينبع من‬
‫تحت أصابعه‪ ،‬حتى توضئوا من عند آخرهم‪.‬‬
‫*ورواه مسلم في كتاب الفضائل باب في معجزات النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‬

‫‪176‬‬
‫‪ _1‬وحدثني أبو الربيع‪ ،‬سليمان بن داود العتكي‪ .‬حدثنا حماد (يعني‬
‫ابن زيد)‪ .‬حدثنا ثابت عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫دعا بماء فأتي بقدح رحراح‪ .‬فجعل القوم يتوضئون‪ .‬فحزرت ما‬
‫بين الستين إلى الثمانين‪ .‬قال‪ :‬فجعلت أنظر إلى الماء ينبع من‬
‫بين أصابعه‪.‬‬
‫‪ _2‬وحدثني إسحاق بن موسى النصاري‪ .‬حدثنا معن‪ .‬حدثنا مالك‪.‬‬
‫ح وحدثني أبو الطاهر‪ .‬أخبرنا ابن وهب عن مالك بن أنس‪ ،‬عن‬
‫إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة‪ ،‬عن أنس بن مالك؛ أنه قال‪:‬‬
‫رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وحانت صلة العصر‪،‬‬
‫فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه‪ .‬فأتي رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم بوضوء‪ .‬فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في‬
‫ذلك الناء يده‪ .‬وأمر الناس أن يتوضئوا منه‪ .‬قال‪ :‬فرأيت الماء‬
‫ينبع من تحت أصابعه‪ .‬فتوضأ الناس حتى توضؤا من عند آخرهم‪.‬‬
‫‪ 3‬حدثني أبو غسان المسمعي‪ .‬حدثنا معاذ (يعني ابن هشام)‪.‬‬
‫حدثني أبي عن قتادة‪ .‬حدثنا أنس بن مالك؛ أن نبي الله وأصحابه‬
‫بالزوراء (قال‪ :‬والزوراء بالمدينة عند السوق والمسجد فيما ثمه)‬
‫دعا بقدح فيه ماء‪ .‬فوضع كفه فيه‪ .‬فجعل ينبع من بين أصابعه‪.‬‬
‫فتوضأ جميع أصحابه‪ .‬قال قلت‪ :‬كم كانوا يا أبا حمزة؟ قال‪ :‬كانوا‬
‫زهاء الثلثمائة‪.‬‬
‫‪_4‬وحدثنا محمد بن المثنى‪ .‬حدثنا محمد بن جعفر‪ .‬حدثنا سعيد‬
‫عن قتادة‪ ،‬عن أنس؛‬
‫أن النبي كان بالزوراء‪ .‬فأتي بإناء ماء ل يغمر أصابعه‪ .‬أو قدر ما‬
‫يواري أصابعه‪ .‬ثم ذكر نحو حديث هشام‪.‬‬
‫وأما ابن مسعود ففي الصحيح من رواية علقمة‪ :‬بينما نحن مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وليس معنا ماء‪ ،‬فقال لنا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬اطلبوا من معه فضل ماء‪،‬‬
‫فأتى بماء فصبه في إناء‪ ،‬ثم وضع كفه فيه‪ ،‬فجعل الماء ينبع من‬
‫بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه البخاري في كتاب المناقب‪ ،‬حدثني محمد بن المثنى‪:‬‬
‫حدثنا أبو أحمد الزبيري‪ :‬حدثنا إسرائيل‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن إبراهيم‪،‬‬
‫عن علقمة‪ ،‬عن عبد الله قال‪:‬‬
‫كنا نعد اليات بركة‪ ،‬وأنتم تعدونها تخويفًا‪ ،‬كنا مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في سفر‪ ،‬فقل الماء‪ ،‬فقال‪(:‬اطلبوا فضلة‬
‫من ماء)‪ .‬فجاءوا بإناء فيه ماء قليل‪ ،‬فأدخل يده في الناء ثم‬
‫قال‪(:‬حي على الطهور المبارك‪ ،‬والبركة من الله)‪ .‬فلقد رأيت‬
‫الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولقد‬
‫كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫‪-‬وفي الصحيح عن سالم بن أبي الجعد‪ ،‬عن جابر رضي الله‬
‫عنه‪ :‬عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بين يديه ركوة‪ ،‬فتوضأ منها‪ ،‬وأقبل الناس نحوه‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫ليس عندنا ماء إل ما في ركوتك‪ ،‬فوضع النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يده في الركوة‪ ،‬فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال‬
‫العيون‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬فقلت‪ :‬كم كنتم؟ قالوا‪ :‬لو كنا مائة ألف لكفانا‪ ،‬كنا خمس‬
‫عشرة مائة‪.‬‬
‫‪-‬وروي مثله عن أنس‪ ،‬عن جابر‪ ،‬وفيه أنه كأن بالحديبية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه البخاري في كتاب المناقب ‪ 1‬وفي كتاب المغازي ‪2‬‬
‫قال‪:‬‬
‫‪-1‬حدثنا موسى بن إسماعيل‪ :‬حدثنا عبد العزيز بن مسلم‪ :‬حدثنا‬
‫حصين‪ ،‬عن سالم بن أبي الجعد‪ ،‬عن جابر بن عبد اله رضي الله‬
‫عنهما قال‪ :‬عطش الناس يوم الحديبية‪ ،‬والنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بين يديه ركوة فتوضأ‪ ،‬فجهش الناس نحوه‪ ،‬فقال‪(:‬ما‬
‫لكم)‪ .‬قالوا‪ :‬ليس عندنا ماء نتوضأ ول نشرب إل ما بين يديك‪،‬‬
‫فوضع يده في الركوة‪ ،‬فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال‬
‫العيون‪ ،‬فشربنا وتوضأنا‪ .‬قلت‪ :‬كم كنتم؟ قال‪ :‬لو كنا مائة ألف‬
‫لكفانا‪ ،‬كنا خمس عشرة مائة‪.‬‬
‫‪-2‬حدثنا يوسف بن عيسى‪ :‬حدثنا ابن فضيل‪ :‬حدثنا حصين‪ ،‬عن‬
‫سالم‪ ،‬عن جابر رضي الله عنه قال‪ :‬عطش الناس يوم الحديبية‪،‬‬
‫ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة فتوضأ منها‪ ،‬ثم‬
‫أقبل الناس نحوه‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪(:‬ما‬
‫لكم)‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول الله ليس عندنا ماء نتوضأ به ول نشرب إل‬
‫ما في ركوتك‪ ،‬قال‪ :‬فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في‬
‫الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فشربنا وتوضأنا‪ ،‬فقلت لجابر‪ :‬كم كنتم يومئذ؟ قال‪ :‬لو كنا مائة‬
‫ألف لكفانا‪ ،‬كنا خمس عشرة مائة‬
‫‪ -‬حدثنا الصلت بن محمد‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ،‬عن سعيد‪ ،‬عن‬
‫قتادة‪ :‬قلت لسعيد بن المسيب‪ :‬بلغني أن جابر بن عبد الله كان‬
‫يقول‪ :‬كانوا أربع عشرة مائة‪ ،‬فقال لي سعيد‪ :‬حدثني جابر‪ :‬كانوا‬
‫خمس عشرة مائة‪ ،‬الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم يوم‬
‫الحديبية‪ .‬قال أبو داود‪ :‬حدثنا قرة‪ ،‬عن قتادة‪ .‬تابعه بن بشار‪:‬‬
‫حدثنا أبو داود‪ :‬حدثنا شعبة‪.‬‬
‫وأخرج مسلم طرفه الخير في كتاب المارة قال‪:‬‬
‫حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير‪ .‬قال‪ :‬حدثنا عبد الله بن‬
‫إدريس‪ .‬ح وحدثنا رفاعة بن الهيثم‪ .‬حدثنا خالد (يعني الطحان)‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫كلهما يقول‪ :‬عن حصين‪ ،‬عن سالم بن أبي الجعد‪ ،‬عن جابر‪.‬‬
‫قال‪:‬لو كنا مائة ألف لكفانا‪ .‬كنا خمس عشرة مائة‪.‬‬
‫‪-‬وفي رواية الوليد بن عبادة الصامت عن جابر‪ ،‬في حديث‬
‫مسلم الطويل في ذكر غزوة بواط‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬يا جابر‪ ،‬ناد الوضوء‪...‬‬
‫و ذكر الحديث بطوله‪ ،‬وأنه لم يجد إل قطرة في عزلء شجب‪،‬‬
‫فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فغمزه وتكلم بشيء ل‬
‫أدري ما هو‪ ،‬وقال‪ :‬ناد بجفنة الركب‪ ،‬فأتيت بها‪ ،‬فوضعتها بين‬
‫يديه‪ ،‬وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بسط يده في الجفنة‪،‬‬
‫وفرق أصابعه‪ ،‬وصب جابر عليه‪ ،‬وقال‪ :‬بسم الله‪ ،‬كما أمره صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬قال‪ :‬فرأيت الماء يفور من بين أصابعه‪ ،‬ثم‬
‫فارت الجفنة واستدارت حتى امتلت‪ ،‬وأمر الناس بالستقاء‪،‬‬
‫فاستقوا حتى رووا‪ .‬فقلت‪ :‬هل بقي أحد له حاجة؟ فرفع رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة وهي ملئ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الطرف الذي أشار إليه من الحديث الذي رواه مسلم في‬
‫كتاب الزهد والرقائق‪ ،‬هو‪:‬‬
‫قال جابر‪ :‬ـ فأتينا العسكر‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬يا جابر! ناد بوضوء" فقلت‪ :‬أل وضوء؟ أل وضوء؟ أل‬
‫وضوء؟ قال‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول الله! ما وجدت في الركب من‬
‫قطرة‪ .‬وكان رجل من النصار يبرد لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم الماء‪ ،‬في أشجاب له‪ ،‬على حمارة من جريد‪ .‬قال فقال‬
‫لي‪" :‬انطلق إلى فلن بن فلن النصاري‪ ،‬فانظر هل في أشجابه‬
‫من شئ؟" قال فانطلقت إليه فنظرت فيها فلم أجد فيها إل‬
‫قطرة في عزلء شجب منها‪ ،‬لو أني أفرغه لشربه يابسه‪ .‬فأتيت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت‪ :‬يا رسول الله! إني لم‬
‫أجد فيها إل قطرة في عزلء شجب منها‪ .‬لو أني أفرغه لشربه‬
‫يابسه‪ .‬قال‪" :‬اذهب فأتني به" فأتيته به‪ .‬فأخذه بيده فجعل يتكلم‬
‫بشيء ل أدري ما هو‪ .‬ويغمزه بيديه‪ .‬ثم أعطانيه فقال‪" :‬يا جابر!‬
‫ناد بجفنة" فقلت‪ :‬يا جفنة الركب! فأتيت بها تحمل‪ .‬فوضعتها بين‬
‫يديه‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في الجفنة‬
‫هكذا‪ .‬فبسطها وفرق بين أصابعه‪ .‬ثم وضعها في قعر الجفنة‪.‬‬
‫وقال "خذ‪ .‬يا جابر! فصب علي‪ .‬وقل‪ :‬باسم الله"‪ ,‬فصببت عليه‬
‫وقلت‪ :‬باسم الله‪ .‬فرأيت الماء يفور من بين أصابع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬ثم فارت الجفنة ودارت حتى امتلت‪.‬‬
‫فقال‪" :‬يا جابر! ناد من كأن له حاجة بماء" قال فأتى الناس‬
‫فاستقوا حتى رووا‪ .‬قال فقلت‪ :‬هل بقي أحد له حاجة‪ .‬فرفع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة وهي ملى‪....‬‬

‫‪179‬‬
‫‪-‬وعن الشعبي‪ :‬أتي النبي صلى الله عليه وسلم في بعض‬
‫أسفاره بإداوة ماء‪ ،‬وقيل‪ :‬ما معنا يا رسول الله ماء غيرها‪،‬‬
‫فسكبها في ركوة‪ ،‬ووضع إصبعه وسطها‪ ،‬وغمسها في الماء‪،‬‬
‫وجعل الناس يجيئون ويتوضئون ثم يقومون‪.‬‬
‫قال الترمذي وفي الباب‪ ،‬عن عمران بن حصين‪...‬‬
‫قلت‪ :‬قول الترمذي هذا أورده بعد حديث أنس حدثنا إسحاق بن‬
‫موسى النصاري حدثنا معن حدثنا مالك بن أنس عن إسحاق بن‬
‫عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال رأيت رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وحانت صلة العصر والتمس الناس‬
‫الوضوء فلم يجدوه فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫بوضوء فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في ذلك‬
‫الناء وأمر الناس أن يتوضئوا منه‪ ..‬قال فرأيت الماء ينبع من‬
‫تحت أصابعه فتوضأ الناس حتى توضئوا من عند آخرهم قال أبو‬
‫عيسى وفي الباب عن عمران بن حصين وبن مسعود وجابر‬
‫وزياد بن الحارث الصدائي وحديث أنس حديث حسن صحيح‪..‬‬
‫قال القاضي عياض‪ -‬ومثل هذا في هذه المواطن الحفلة‬
‫والجموع الكثيرة ل تتطرق التهمة إلى المحدث به‪ ،‬لنهم كانوا‬
‫أسرع شيء إلى تكذيبه‪ ،‬لما جبلت عليه النفوس من ذلك‪ ،‬ولنهم‬
‫كانوا ممن ل يسكت على باطل‪ ،‬فهؤلء قد رووا هذا‪ ،‬وأشاعوه‪،‬‬
‫ونسبوا حضور الجماء الغفير له‪ ،‬ولم ينكر أحد من الناس عليهم‬
‫ما حدثوا به عنهم أنهم فعلوا وشاهدوه‪ ،‬فصار كتصديق جميعهم‬
‫له‪.‬‬
‫الفصل الثالث عشر‪:‬‬
‫ومما يشبه هذا من معجزاته‪.‬‬
‫ومما يشبه هذا من معجزاته تفجير الماء ببركته‪ ،‬وانبعاثه بمسه‬
‫ودعوته فيما روى مالك في الموطأ عن معاذ بن جبل في قصة‬
‫غزوة تبوك‪ ،‬وأنهم وردوا العين وهي تبض بشيء من ماء مثل‬
‫الشراك‪ ،‬فغرفوا من العين بأيديهم حتى اجتمع في شيء‪ ،‬ثم‬
‫غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وجهه ويديه‪ ،‬وأعاده‬
‫فيها‪ ،‬فجرت بماء كثير‪ ،‬فاستقى الناس‪.‬‬
‫‪-‬قال ـ في حديث ابن إسحاق‪ :‬فانخرق من الماء ما له حس‬
‫كحس الصواعق‪ .‬ثم قال‪ :‬يوشك يا معاذ‪ ،‬أن طالت بك حياة أن‬
‫ترى ها هنا قد مليء جناناً‪.‬‬
‫قلت‪ :‬حديث الموطأ رواه مالك في كتاب قصر الصلة في‬
‫السفر‪ ،‬باب الجمع بين الصلتين في الحضر والسفر؛ وهو‪:‬‬
‫* وحدثني عن مالك عن أبي الزبير المكي عن أبي الطفيل‬
‫عامر بن واثلة أن معاذ بن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله‬

‫‪180‬‬
‫صلى الله عليه وسلم عام تبوك فكان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال فأخر‬
‫ما ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا ثم دخل ثم‬ ‫الصلة يو ً‬
‫خرج فصلى المغرب والعشاء جميعًا ثم قال‪ :‬إنكم ستأتون غدًا‬
‫أن شاء الله عين تبوك وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار‪ ،‬فمن‬
‫جاءها فل يمس من مائها شيئا حتى آتي‪ ...‬فجئناها وقد سبقنا‬
‫إليها رجلن والعين تبض بشيء من ماء؛ فسألهما رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬هل مسستما من مائها شيئا؟ فقال نعم‪..‬‬
‫فسبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وقال لهما ما شاء الله‬
‫أن يقول؛ ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلً‪ ,‬قليل ً حتى اجتمع في‬
‫شيء‪ ..‬ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وجهه‬
‫ويديه ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير فأستقى الناس ثم‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬يوشك يا معاذ أن طالت‬
‫بك حياة أن ترى ما ههنا قد ملئ جنانا"‪..‬‬
‫ورواه مسلم في كتاب الفضائل قال‪:‬حدثنا عبد الله بن عبد‬
‫الرحمن الدارمي‪ .‬حدثنا أبو علي الحنفي‪ .‬حدثنا مالك (وهو ابن‬
‫أنس) عن أبي الزبير المكي؛ أن أبا الطفيل عامر بن واثلة‬
‫أخبره‪ .‬أن معاذ بن جبل أخبره‪.‬‬
‫قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك‪.‬‬
‫فكان يجمع الصلة‪ .‬فصلى الظهر والعصر جميعًا‪ .‬والمغرب‬
‫ما أخر الصلة‪ .‬ثم خرج فصلى‬ ‫والعشاء جميعًا‪ .‬حتى إذا كان يو ً‬
‫الظهر والعصر جميعًا‪ .‬ثم دخل ثم خرج بعد ذلك‪ .‬فصلى المغرب‬
‫والعشاء جميعًا‪ .‬ثم قال‪" :‬إنكم ستأتون غدًا‪ ،‬إن شاء الله‪ ،‬عين‬
‫تبوك‪ .‬وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار‪ .‬فمن جاءها منكم فل‬
‫يمس من مائها شيئا حتى آتي" فجئناها وقد سبقنا إليها رجلن‪.‬‬
‫والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء‪ .‬قال فسألهما رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬هل مسستما من مائها شيئًا؟" قال‪:‬‬
‫نعم‪ .‬فسبهما النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقال لهما ما شاء الله‬
‫أن يقول‪ .‬قال ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلً‪ ,‬قليلً‪ .‬حتى‬
‫اجتمع في شيء‪ .‬قال وغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فيه يده ووجهه‪ .‬ثم أعاده فيها‪ .‬فجرت العين بماء منهمر‪ .‬أو قال‬
‫غزير ‪ -‬شك أبو علي أيهما قال ‪ -‬حتى استقى الناس‪ .‬ثم قال‪:‬‬
‫"يوشك يا معاذ! أن طالت بك حياة‪ ،‬أن ترى ما ههنا قد ملئ‬
‫جنانا"‪.‬‬
‫‪-‬وفي حديث البراء‪ ،‬ومسلمة بن الكوع ـ وحديثه أتم ـ في قصة‬
‫الحديبية‪ ،‬وهم أربع عشرة مائة‪ ،‬وبئرها ل تروي خمسين شاة‪،‬‬

‫‪181‬‬
‫فنزحناها فلم نترك فيها قطرة‪ ،‬فقعد رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم على جباها‪.‬‬
‫قال البراء‪ ،‬و أتي بدلو منها‪ ،‬فبصق فدعا‪.‬‬
‫وقال سلمة‪ :‬فإما دعا‪ ،‬وإما بصق فيها‪ ،‬فجاشت‪ ،‬فأرووا أنفسهم‬
‫وركابهم‪.‬‬
‫‪-‬وفي غير هاتين الروايتين ـ في هذه القصة ـ من طريق ابن‬
‫شهاب‪ ،‬في الحديبية‪:‬‬
‫فأخرج سهما ً من كنانته‪ ،‬فوضع في قعر قليب ليس فيه ماء؟‬
‫فروي الناس حتى ضربوا بعطن‪.‬‬
‫قلت‪ :‬حديث البراء‪ ،‬رواه البخاري في كتاب المناقب قال‪:‬‬
‫حدثنا مالك بن إسماعيل‪ :‬حدثنا إسرائيل‪ ،‬عن أبي إسحاق‪ ،‬عن‬
‫البراء رضي الله عنه قال‪:‬‬
‫كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة‪ ،‬والحديبية بئر‪ ،‬فنزحناها حتى‬
‫لم نترك فيها قطرة‪ ،‬فجلس النبي صلى الله عليه وسلم على‬
‫شفير البئر فدعا بماء‪ ،‬فمضمض ومج في البئر‪ ،‬فمكثنا غير بعيد‪،‬‬
‫ثم استقينا حتى روينا‪ ،‬وروت أو صدرت ركائبنا‪.‬‬
‫وفي كتاب المغازي قال‪:‬‬
‫‪ -1‬حدثنا عبيد الله بن موسى‪ ،‬عن إسرائيل‪ ،‬عن أبي إسحاق‪،‬‬
‫عن البراء رضي الله عنه قال‪ :‬تعدون أنتم الفتح فتح مكة‪ ،‬وقد‬
‫كأن فتح مكة فتحا‪ ،‬ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية‪،‬‬
‫كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة‪ ،‬والحديبية‬
‫بئر‪ ،‬فنزحناها فلم نترك فيها قطرة‪ ،‬فبلغ ذلك النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فأتاها‪ ،‬فجلس على شفيرها‪ ،‬ثم دعا بإناء من ماء‬
‫فتوضأ‪ ،‬ثم مضمض ودعا ثم صبه فيها‪ ،‬فتركناها غير بعيد‪ ،‬ثم إنها‬
‫أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا‪.‬‬
‫‪ -2‬حدثني فضل بن يعقوب‪ :‬حدثنا الحسن بن محمد بن أعين أبو‬
‫علي الحراني‪ :‬حدثنا زهير‪ :‬حدثنا أبو إسحاق قال‪ :‬أنبانا البراء بن‬
‫عازب رضي الله عنهما‪ :‬أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يوم الحديبية ألفا وأربعمائة أو أكثر‪ ،‬فنزلوا على بئر‬
‫فنزحوها‪ ،‬فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فأتى البئر‬
‫وقعد على شفيرها‪ ،‬ثم قال‪(:‬ائتوني بدلو من مائها)‪ .‬فأتي به‪،‬‬
‫فبصق فدعا ثم قال‪(:‬دعوها ساعة)‪ .‬فأرووا أنفسهم وركابهم‬
‫حتى ارتحلوا‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪ :‬والحديبية بئر يشير إلى أن المكان المعروف‬
‫بالحديبية سمى ببئر كانت هنالك هذا اسمها ثم عرف المكان كله‬
‫بذلك‪ ...‬قوله فنزحناها كذا للكثر ووقع في شرح بن التين‬
‫فنزفناها بالفاء بدل الحاء المهملة قال والنزف والنزح واحد وهو‬

‫‪182‬‬
‫أخذ الماء شيئا بعد شيء إلى أن ل يبقى منه شيء قوله فلم‬
‫نترك فيها قطرة في رواية فوجدنا الناس قد نزحوها قوله فجلس‬
‫على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء في رواية زهير ثم قال‪ :‬ائتوني‬
‫بدلو من مائها قوله ثم مضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير‬
‫بعيد في رواية زهير فبصق فدعا ثم قال دعوها ساعة قوله ثم‬
‫أنها أصدرتنا (أي رجعتنا) يعني أنهم رجعوا عنها وقد رووا وفي‬
‫رواية زهير فأرووا أنفسهم وركابهم والركاب البل التي يسار‬
‫عليها‪...‬‬
‫أما الحديث الذي ورد فيه فأخرج سهما ً من كنانته‪ :‬فرواه‬
‫البخاري‪ .‬في كتاب الشروط‪ ،‬باب‪ :‬الشروط في الجهاد‪،‬‬
‫والمصالحة مع أهل الحرب‪ ،‬وكتابة الشروط‪ .‬قال‪:‬‬
‫‪ -‬حدثني عبد الله بن محمد‪ :‬حدثنا عبد الرزاق‪ :‬أخبرنا معمر‬
‫قال‪ :‬أخبرني الزهري قال‪ :‬أخبري عروة بن الزبير‪ ،‬عن المسور‬
‫بن مخرمة ومروان‪ ،‬يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية‪ ،‬حتى كانوا‬
‫ببعض الطريق‪ ،‬قال النبي صلى الله عليه وسلم‪( :‬أن خالد بن‬
‫الوليد بالغميم‪ ،‬في خيل لقريش طليعة‪ ،‬فخذوا ذات اليمين)‪ .‬فو‬
‫الله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش‪ ،‬فانطلق يركض‬
‫نذيًرا لقريش‪ ،‬وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان‬
‫بالثنية التي يهبط عليهم منها‪ ،‬بركت به راحلته‪ ،‬فقال الناس‪ :‬حل‬
‫حل‪ ،‬فألحت‪ ،‬فقالوا خلت القصواء‪ ،‬هلت القصواء‪ ،‬فقال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪(:‬ما خلت القصواء‪ ،‬وما ذاك لها بخلق‪،‬‬
‫ولكن حبسها حابس الفيل)‪ .‬ثم قال‪(:‬والذي نفسي بيده‪ ،‬ل‬
‫يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إل أعطيتهم إياها)‪ .‬ثم‬
‫زجرها فوثبت‪ ،‬قال‪ :‬فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على‬
‫ضا‪ ،‬فلم يلبثه الناس حتى‬‫ثمد قليل الماء‪ ،‬يتبرضه الناس تبر ً‬
‫نزحوه‪ ،‬وشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش‪،‬‬
‫فانتزع سهما من كنانته‪ ،‬ثم أمرهم أن يجعلوه فيه‪ ،‬فو الله مازال‬
‫يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه‪(.،‬الحديث)‪.‬‬
‫وأخرجه أحمد في المسند قال‪ ...:‬حتى نزل بأقصى الحديبية على‬
‫ضا فلم يلبثه الناس أن‬ ‫ثمد قليل الماء إنما يتبرضه الناس تبر ً‬
‫نزحوه فشكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش‬
‫فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يج حتى نزل بأقصى‬
‫ضا فلم يلبثه‬‫الحديبية على ثمد قليل الماء إنما يتبرضه الناس تبر ً‬
‫الناس أن نزحوه فشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه قال‬

‫‪183‬‬
‫فو الله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه علوه فيه قال‬
‫فو الله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه‪.‬‬
‫وقال ابن أبي شيبة‪ :‬وهذه من معجزات الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم في تكثير المياه ونبعها من الرض والشياء ومن بين‬
‫أصابعه‪ ....‬قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‪( :‬أترون أن‬
‫نمضي لوجهنا‪ ،‬ومن صدنا عن البيت قاتلناه‪ ،‬ألم ترون أن نخالف‬
‫هؤلء إلى من تركوا وراءهم‪ ،‬فإن أتبعنا منهم عنق قطعة الله‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول الله! المر أمرك‪ ،‬والرأي رأيك‪ ..،‬فتيامنوا في‬
‫هذا الفعل‪ ،‬فلم يشعر به خالد ول الخيل التي معه حتى جاوز بهم‬
‫فترة الجيش وأوفت به ناقته على ثنية تهبط على غائط القوم‬
‫يقال له بلدح‪ ،‬فبركت فقال‪ :‬حل حل‪ ،‬فلم تنبعث‪ ،‬فقالوا‪ :‬خلت‬
‫القصواء‪ ،‬قال‪ :‬إنها والله ما خلت‪ ،‬ول هو لها بخلق‪ ،‬ولكن حبسها‬
‫حابس الفيل‪ ،‬أنا والله ل يدعوني اليوم إلى خطة يعظمون فيها‬
‫حرمة ول يدعوني فيها إلى صلة إل أجبتهم إليها)‪ ،‬ثم زجرها‬
‫فوثبت‪ ،‬فرجع من حيث جاء عوده على بدئه‪ ،‬حتى نزل بالناس‬
‫على ثمد من ثماد الحديبية ظنون قليل الماء يتربض الناس ماءها‬
‫ضا‪ ،‬فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلة الماء‪،‬‬ ‫تبر ً‬
‫فانتزع سهما من كنانته فأمر رجل ً فغرزه في جوف القليب‪،‬‬
‫فجاش بالماء حتى ضرب الناس عنه بعطن‪..‬‬
‫‪-‬وعن أبي قتادة ـ وذكر أن الناس شكوا إلى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم العطش في بعض أسفاره‪ ،‬فدعا بالميضأة‬
‫ضبْنِه‪ ،‬ثم التقم فمها‪ ،‬فالله أعلم ـ نفث فيها أم ل‪،‬‬
‫فجعلها في َ‬
‫فشرب الناس حتى رووا وملئوا كل إناء معهم‪ ،‬فخيل إلي أنها‬
‫كما أخذها مني‪ ،‬وكانوا اثنين وسبعين رجلً‪.‬‬
‫‪-‬وروى مثله عمران بن حصين‪.‬‬
‫‪-‬وذكر الطبري حديث أبي قتادة على غير ما ذكره أهل الصحيح ـ‬
‫وأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بهم ممدا ً لهل مؤتة عندما‬
‫بلغه قتل المراء‪:‬‬
‫وذكر حديثا ً طويل ً فيه معجزات وآيات للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وفيه إعلمهم أنهم يفقدون الماء في غد‪.‬‬
‫وذكر حديث الميضأة‪ ،‬قال‪ :‬والقوم زهاء ثلثمائة‪.‬‬
‫وفي كتاب مسلم أنه قال لبي قتادة‪ :‬احفظ علي ميضأتك‪ ،‬فإنه‬
‫سيكون لها نبأ‪ ..‬و ذكر نحوه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلة قال‪:‬‬
‫*وحدثنا شيبان بن فروخ‪ .‬حدثنا سليمان (يعني ابن المغيرة)‬
‫حدثنا ثابت عن عبد الله بن رباح‪ ،‬عن أبي قتادة؛ قال‪ :‬خطبنا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪:‬‬

‫‪184‬‬
‫"إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم‪ .‬وتأتون الماء‪ ،‬إن شاء الله‪،‬‬
‫غدًا"‪ .‬فانطلق الناس ل يلوي أحد على أحد‪ .‬قال أبو قتادة‪ :‬فبينما‬
‫صلى الله عليه وسلم يسير حتى إبهار الليل وأنا إلى جنبه‪ .‬قال‪:‬‬
‫فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فمال عن راحلته‪.‬‬
‫فأتيته فدعمته‪ .‬من غير أن أوقظه‪ .‬حتى اعتدل على راحلته‪ .‬قال‬
‫ثم سار حتى تهور الليل مال عن راحلته‪ .‬قال فدعمته من غير أن‬
‫أوقظه‪ .‬حتى اعتدل على راحلته‪ .‬قال ثم سار حتى إذا كان من‬
‫آخر السحر مال ميلة‪ .‬هي أشد من الميلتين الوليين‪ .‬حتى كاد‬
‫ينجفل‪ .‬فأتيته فدعمته‪ .‬فرفع رأسه فقال‪" :‬من هذا " قلت‪ :‬أبو‬
‫قتادة‪ .‬قال‪" :‬متى كان هذا مسيرك منى؟" قلت‪ :‬ما زال هذا‬
‫مسيري منذ الليلة‪ .‬قال‪" :‬حفظك الله بما حفظت به نبيه" ثم‬
‫قال‪" :‬هل ترانا نخفى على الناس؟" ثم قال‪" :‬هل ترى من‬
‫أحد؟" قلت‪ :‬هذا راكب‪ .‬ثم قلت‪ :‬هذا راكب آخر‪ .‬حتى اجتمعنا‬
‫فكنا سبعة ركب‪ .‬قال فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫عن الطريق‪ .‬فوضع رأسه‪ .‬ثم قال‪" :‬احفظوا علينا صلتنا"‪ .‬فكأن‬
‫أول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم والشمس في‬
‫ظهره‪ .‬قال فقمنا فزعين‪ .‬ثم قال‪" :‬اركبوا" فركبنا‪ .‬فسرنا‪ .‬حتى‬
‫إذا ارتفعت الشمس نزل‪ .‬ثم دعا بميضأة كانت معي فيها شئ‬
‫من ماء‪ .‬قال فتوضأنا منها وضوءا دون وضوء‪ .‬قال وبقي فيها‬
‫شئ من ماء‪ .‬ثم قال لبى قتادة‪" :‬احفظ علينا ميضأتك‪ .‬فسيكون‬
‫لها نبأ"‪ ,‬ثم أذن بلل بالصلة‪ .‬فصلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ركعتين‪ .‬ثم صلى الغداة فصنع كما كأن يصنع كل يوم‪ .‬قال‬
‫وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبنا معه‪ .‬قال فجعل‬
‫بعضنا يهمس إلى بعض‪ :‬ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلتنا؟‬
‫ثم قال‪" :‬أما لكم في أسوة؟ "ثم قال‪ :‬ليس في النوم تفريط‪.‬‬
‫إنما التفريط على من لم يصل الصلة حتى يجيء وقت الصلة‬
‫الخرى‪ .‬فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها‪ .‬فإذا كان الغد‬
‫فليصلها عند وقتها" ثم قال‪" :‬ما ترون الناس صنعوا؟" قال‪ :‬ثم‬
‫قال‪" :‬أصبح الناس فقدوا نبيهم‪ .‬فقال أبو بكر وعمر‪ :‬رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم بعدكم‪ .‬لم يكن ليخلفكم‪ .‬وقال الناس‪ :‬إن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيديكم‪ .‬فإن يطيعوا أبا بكر‬
‫وعمر يرشدوا"‪.‬‬
‫قال فانتهينا إلى الناس حين امتد النهار وحمي كل شئ‪ .‬وهم‬
‫يقولون‪ :‬يا رسول الله! هلكنا‪ .‬عطشنا‪ .‬فقال‪" :‬ل هلك عليكم" ثم‬
‫قال‪" :‬أطلقوا لي غمري" قال ودعا بالميضأة‪ .‬فجعل رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يصب وأبو قتادة يسقيهم‪ .‬فلم يعد أن رأى‬
‫الناس ماء في الميضأة تكابوا عليها‪ .‬فقال رسول الله صلى الله‬

‫‪185‬‬
‫عليه وسلم‪" :‬أحسنوا المل‪ .‬كلكم سيروى"‪ ,‬قال ففعلوا‪ .‬فجعل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب وأسقيهم‪ .‬حتى ما بقي‬
‫غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬قال ثم صب‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي‪" :‬اشرب"‪ .‬فقلت‪ :‬ل‬
‫أشرب حتى تشرب يا رسول الله! قال‪" :‬أن ساقي القوم آخرهم‬
‫شربًا" قال فشربت‪ .‬وشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫قال فأتي الناس الماء جامين رواء‪.‬‬
‫قال فقال عبد الله بن رباح‪ :‬إني لحدث هذا الحديث في مسجد‬
‫الجامع‪ .‬إذا قال عمران بن حصين‪ :‬انظر أيها الفتى كيف تحدث‪.‬‬
‫فإني أحد الركب تلك الليلة‪ .‬قال قلت‪ :‬فأنت أعلم بالحديث‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ممن أنت؟ قلت‪ :‬من النصار‪ .‬قال‪ :‬حدث فأنتم أعلم‬
‫بحديثكم‪ .‬قال فحدثت القوم‪ .‬فقال عمران‪ :‬لقد شهدت تلك‬
‫الليلة وما شعرت أن أحدًا حفظه كما حفظته‪.‬‬
‫‪-‬ومن ذلك حديث عمران بن حصين حين أصاب النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وأصحابه عطش في بعض أسفارهم‪ ،‬فوجه رجلين‬
‫من أصحابه‪ ،‬وأعلمهما أنهما يجدان امرأة ً بمكان كذا معها بعير‬
‫عليه مزادتان‪ ...‬الحديث‪ ،‬فوجداها وأتيا بها إلى النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فجعل في إناء من مزادتيها‪ ،‬وقال فيه ما شاء الله‬
‫أن يقول‪ ،‬ثم أعاد الماء في المزادتين‪ ،‬ثم فتحت عزاليهما‪ ،‬وأمر‬
‫الناس فملئوا أسقيتهم حتى لم يدعوا شيئا ً إل ملئوه‪.‬‬
‫قال عمران‪ :‬و تخيل إلي أنهما لم تزدادا إل امتلءً‪ ،‬ثم أمر فجمع‬
‫للمرأة من الزواد حتى مل ثوبها‪ .‬وقال‪ :‬اذهبي‪ ،‬فإنا لم نأخذ من‬
‫مائك شيئاً‪ ،‬و لكن الله سقانا‪ ...‬الحديث بطوله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه الشيخان‪ ،‬وهو عند مسلم في كتاب المساجد ومواضع‬
‫الصلة قال‪:‬‬
‫وحدثني أحمد بن سعيد بن صخر الدارمي‪ .‬حدثنا عبيد الله بن‬
‫عبد المجيد‪ .‬حدثنا سلم بن زرير العطاردي‪ .‬قال‪ :‬سمعت أبا رجاء‬
‫العطاردي عن عمران بن حصين‪ .‬قال‪:‬‬
‫كنت مع نبي الله صلى الله عليه وسلم في مسير له‪ .‬فأدلجنا‬
‫ليلتنا‪ .‬حتى إذا كان في وجه الصبح عرسنا‪ .‬فغلبتنا أعيننا حتى‬
‫بزغت الشمس‪ .‬قال فكان أول من استيقظ منا أبو بكر‪ .‬وكنا ل‬
‫نوقظ نبي الله صلى الله عليه وسلم من منامه إذا نام حتى‬
‫يستيقظ‪ .‬ثم استيقظ عمر‪ .‬فقام عند نبي الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ .‬فجعل يكبر ويرفع صوته بالتكبير‪ .‬حتى استيقظ رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فلما رفع رأسه ورأى الشمس قد‬
‫بزغت قال‪ " :‬ارتحلوا " فسار بنا‪ .‬حتى إذا ابيضت الشمس نزل‬
‫فصلى بنا الغداة‪ .‬فاعتزل رجل من القوم لم يصل معنا‪ .‬فلما‬

‫‪186‬‬
‫انصرف قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬يا فلن! ما‬
‫منعك أن تصلي معنا؟ " قال‪ :‬يا نبي الله! أصابتني جنابة‪ .‬فأمره‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فتيمم بالصعيد‪ .‬فصلى‪ .‬ثم‬
‫شا‬‫عجلني‪ ،‬في ركب بين يديه‪ ،‬نطلب الماء‪ .‬وقد عطشنا عط ً‬
‫شديدًا‪ .‬فبينما نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين‬
‫مزادتين‪ .‬فقلنا لها‪ :‬أين الماء؟ قالت‪ :‬أيهاه‪ .‬أيهاه‪ .‬ل ماء لكم‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬فكم بين أهلك وبين الماء؟ قالت‪ :‬مسيرة يوم وليلة‪ .‬قلنا‪:‬‬
‫انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬قالت‪ :‬وما رسول‬
‫الله؟ فلم نملكها من أمرها شيئا حتى انطلقنا بها‪ .‬فاستقبلنا بها‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فسألها فأخبرته مثل الذي‬
‫أخبرتنا‪ .‬وأخبرته أنها موتمة‪ .‬لها صبيان أيتام‪ .‬فأمر بروايتها‪.‬‬
‫فأنيخت‪ .‬فمج في العزلوين العلياوين‪ .‬ثم بعث براويتها‪ .‬فشربنا‪.‬‬
‫ونحن أربعون رجل عطاش‪ .‬حتى روينا‪ .‬وملنا كل قربة معنا‬
‫وإداوة‪ .‬وغسلنا صاحبنا‪ .‬غير أنا لم نسق بعيًرا‪ .‬وهي تكاد تنضرج‬
‫من الماء (يعني المزادتين) ثم قال‪" :‬هاتوا ما كأن عندكم"‬
‫فجمعنا لها من كسر وتمر‪ .‬وصر لها صرة‪ .‬فقال لها‪" :‬اذهبي‬
‫فأطعمي هذا عيالك‪ .‬واعلمي أنا لم نرزأ من مائك"‪ .‬فلما أتت‬
‫أهلها قالت‪ :‬لقد لقيت أسحر البشر‪ .‬أو إنه لنبي كما زعم‪ .‬كأن‬
‫من أمره ذيت وذيت‪ .‬فهدي الله ذاك الصرم بتلك المرأة‪.‬‬
‫فأسلمت وأسلموا‪.‬‬
‫‪ -‬ورواه البيهقي في باب التطهر في أواني المشركين إذا لم‬
‫يعلم نجاسة قال‪:‬‬
‫أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن بشر أن رحمه‬
‫الله تعالى ببغداد أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن‬
‫منصور ثنا عبد الرزاق أنبأ معمر عن عوف عن أبي رجاء‬
‫العطاردي عن عمران بن حصين قال سرى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم في سفر هو وأصحابه فأصابه عطش شديد فأقبل‬
‫رجلن من أصحابه أحسبه عليًا والزبير أو غيرهما قال إنكما‬
‫ستجدان بمكان كذا وكذا امرأة معها بعير عليه مزادتان فأتياني‬
‫بها فأتيا المرأة فوجداها قد ركبت بين مزادتين على البعير فقال‬
‫أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ومن رسول الله‬
‫هذا الصابي‪ .‬قال‪ :‬هو الذي تعنين وهو رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم حقا فجاءا بها فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فجعل في إناء من مزادتيها ثم قال فيه ما شاء الله أن يقول ثم‬
‫أعاد الماء في المزادتين ثم أمر بعزلء المزادتين ففتحت ثم أمر‬
‫الناس فملئوا آنيتهم وأسقيتهم فلم يدعوا يومئذ إناء ول سقاء إل‬
‫ملئوه قال عمران فكان يخيل إلي أنها لم تزدد إل امتلء قال‬

‫‪187‬‬
‫فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بثوبها فبسطت ثم أمر أصحابه‬
‫فجاءوا من زادهم حتى ملئوا لها ثوبها ثم قال لها‪ :‬اذهبي فإنا لم‬
‫نأخذ من مائك شيئًا ولكن الله سقانا‪ ...‬قال فجاءت أهلها‬
‫فأخبرتهم فقالت جئتكم من أسحر الناس أو إنه لرسول الله حقا‬
‫قال فجاء أهل ذلك الحواء حتى أسلموا كلهم‪.‬‬
‫مخرج في الصحيحين من حديث عوف بن أبي جميلة وفيه فكان‬
‫آخر ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الذي أصابته‬
‫الجنابة إناء من ماء فقال اذهب فأفرغه عليك وهي قائمة تنظر‬
‫ما يفعل بمائها‪.‬‬
‫‪-‬وعن سلمة بن الكوع‪ :‬قال نبي الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬هل‬
‫من وضوء؟ فجاء رجل بإداوة فيها نطفة فأفرغها في قدح‬
‫ة أربع عشرة مائة‪ ...‬الحديث بطوله ‪.‬‬ ‫فتوضأنا كلنا نُدَغْفِقُه دغْفق ً‬
‫قلت‪ :‬رواه مسلم عن إياس بن سلمة عن أبيه؛ في كتاب‬
‫اللقطة‪ ،‬باب استحباب خلط الزواد إذا قلت‪ ،‬والمؤاساة فيها؛‬
‫قال‪:‬‬
‫حدثني أحمد بن يوسف الزدي‪ .‬حدثنا النضر(يعني ابن محمد‬
‫اليمامي)‪ .‬حدثنا عكرمة(وهو ابن عمار)‪ .‬حدثنا إياس بن سلمة‬
‫عن أبيه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة‪ .‬فأصابنا‬
‫جهد‪ .‬حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا‪ .‬فأمر نبي الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فجمعنا مزاودنا‪ .‬فبسطنا له نطعا‪ .‬فاجتمع زاد القوم‬
‫على النطع‪ .‬قال‪ :‬فتطاولت لحرزه كم هو؟ فحزرته كربضة‬
‫العنز‪ .‬ونحن أربع عشرة مائة‪ .‬قال‪ :‬فأكلنا حتى شبعنا جميعًا‪ .‬ثم‬
‫حشونا جربنا‪ .‬فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم (فهل من‬
‫وضوء؟) قال‪ :‬فجاء رجل بإداوة له‪ ،‬فيها نطفة‪ .‬فأفرغها في قدح‪.‬‬
‫فتوضأنا كلنا‪ .‬ندغفقه دغفقة‪ .‬أربع عشرة مائة‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثم جاء بعد ذلك ثمانية فقالوا‪ :‬هل من طهور؟ فقال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم (فرغ الوضوء)‪.‬‬
‫َّ‬
‫ن ع َبْد ِ اللهِ‪ ،‬باب إباحة‬ ‫جابِرِ ب ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ورواه ابن خزيمة في صحيحه ع َ ْ‬
‫الوضوء من فضل وضوء المتوضىء؛ قال‪:‬‬
‫سوَدُ‬ ‫َ‬ ‫ح َّ‬ ‫أخبرنا ال ْ َ‬
‫ميْدٍ‪ ،‬أخبرنا ال ْ‬ ‫َ‬ ‫ح‬
‫ن ُ‬ ‫ُ‬ ‫مدٍ‪ ،‬أخبرنا ع َبِيدَة ُ ب ْ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫ن بْ‬
‫ُ‬ ‫س‬
‫ح َ‬
‫سافَْرنَا‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ن ع َبْد ِ اللَّهِ‪ ،‬قَا َ‬ ‫جابِرِ ب ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن نُبَيٍْح الْعَنَزِ ِ ّ‬
‫ي‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫س‪ ،‬ع َ َ ْ‬ ‫ن قَي ْ ٍ‬ ‫بْ ُ‬
‫ل‬‫صلةُ‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫ت ال َّ‬ ‫ضَر ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فَ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫معَ َر ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ما فِي القَوْم ِ طهُوٌر؟ قَا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم‪ :‬أ َ‬ ‫َر ُ‬
‫ضأَ‬‫ح فَتَوَ َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ه فِي قَد َ‬ ‫صب َّ ُ‬‫ل‪ :‬فَ َ‬ ‫ماءٍ فِي إِدَاوَةٍ‪ ،‬قَا َ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ِ‬‫ل بِفَ ْ‬ ‫ج ٌ‬
‫َ‬
‫جاءَ َر ُ‬ ‫فَ َ‬
‫قي َّ َ‬
‫ة‬ ‫م أن الْقَو َ‬ ‫ل‪ :‬ث ُ َ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قَا َ‬ ‫سو ُ‬
‫م أتَوْا ب َ ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫َر ُ‬
‫ّ ُ َّ‬ ‫م َّ‬ ‫الط ّهُورِ‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫َ‬
‫سول اللهِ صلى الله عليه‬ ‫م َر ُ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫حوا بِهِ‪ ،‬فَ َ‬
‫س ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ل‪ :‬ت َ َ‬

‫‪188‬‬
‫ُ َ‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه‬ ‫سو‬ ‫ب َر ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫م‪ ،‬فَ َ‬ ‫ْ‬ ‫سلِك ُ‬‫ل‪ :‬ع َلَى رِ ْ‬ ‫وسلم‪ ،‬فَقَا َ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫سبِغُوا الطهُوَر‪،‬‬ ‫ل‪ :‬أ ْ‬ ‫م قَا َ‬ ‫ماءِ‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫جوْ ِ‬
‫َ‬
‫ح فِي َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وسلم يَدَه ُ فِي الْقَد َ‬
‫َ‬
‫ل‪( :‬وَكان قَدْ‬ ‫صرِي‪ ،‬قَا َ‬ ‫َ‬ ‫ب بَ‬‫ن ع َبْد ِ الل ّهِ‪ :‬وَال ّذِي أذْهَ َ‬ ‫جابُِر ب ْ ُ‬‫ل َ‬‫فَقَا َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ صلى‬ ‫سو ِ‬ ‫صابِِع َر ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫ِ‬ ‫ن بَي ْ‬
‫م ْ‬ ‫ماءَ يَنْبُعُ ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫صُرهُ) لَقَد ْ َرأي ْ ُ‬ ‫ب بَ َ‬‫ذَهَ َ‬
‫َ‬ ‫حتَّى تَوَ َّ‬
‫ل ع َبِيدَةُ‪:‬‬ ‫ن قَا َ‬
‫معُو َ‬ ‫ج َ‬‫ضئُوا أ ْ‬ ‫م يَْرفَعْ يَدَه ُ َ‬ ‫الله عليه وسلم فَل َ ْ‬
‫ن أَوْ ِزيَادَةً‪.‬‬ ‫مائَتَي ْ ِ‬ ‫ل‪ :‬كُنَّا ِ‬ ‫ه قَا َ‬ ‫سبْت ُ ُ‬‫ح ِ‬ ‫سوَدُ‪َ :‬‬ ‫قَا َ َ‬
‫ل ال ْ‬
‫‪-‬وفي حديث عمر ـ في جيش العسرة‪ :‬وذكر ما أصابهم من‬
‫العطش‪ ،‬حتى أن الرجل لينحر بعيره‪ ،‬فيعصر فرثه فيشربه‪،‬‬
‫فرغب أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء‪ ،‬فرفع‬
‫يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماء فانسكبت‪ ،‬فملئوا ما معهم‬
‫من آنية‪ ،‬ولم تجاوز العسكر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرجه ابن خزيمة في صحيحه باب ذكر الدليل على أن‬
‫الماء إذا خالطه فرث ما يؤكل لحمه لم ينجس‪.‬‬
‫‪ -‬أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا يونس بن عبد العلى أخبرنا بن‬
‫وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلل عن عتبة‬
‫بن أبي عتبة عن نافع بن جبير عن عبد الله بن عباس أنه قيل‬
‫لعمر بن الخطاب حدثنا من شأن ساعة العسرة فقال عمر‬
‫خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزل ً أصابنا فيه عطش‬
‫حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس‬
‫الماء فل يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع حتى أن الرجل ينحر‬
‫بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده فقال أبو‬
‫بكر الصديق‪ :‬يا رسول الله إن الله قد عودك في الدعاء خيًرا‬
‫فادع لنا‪..‬فقال‪ :‬أتحب ذلك؟ قال نعم‪ ..‬فرفع يده فلم يرجعهما‬
‫حتى قالت السماء فأظلمت ثم سكبت فملئوا ما معهم ثم ذهبنا‬
‫ننظر فلم نجدها جازت العسكر‪ ...‬قال أبو بكر فلو كان ماء‬
‫سا لم يجز للمرء أن يجعله على كبده فينجس‬ ‫الفرث إذا عصر نج ً‬
‫بعض بدنه وهو غير واجد لماء طاهر يغسل موضع النجس منه‪,‬‬
‫فأما شرب الماء النجس عند خوف التلف إن لم يشرب ذلك‬
‫الماء فجائز إحياء النفس بشرب ماء نجس إذ الله عز وجل قد‬
‫أباح عند الضطرار إحياء النفس بأكل الميتة والدم ولحم الخنزير‬
‫إذا خيف التلف إن لم يأكل ذلك والميتة والدم ولحم الخنزير‬
‫نجس محرم على المستغني عنه مباح للمضطر إليه لحياء‬
‫النفس بأكله فكذلك جائز للمضطر إلى الماء النجس أن يحيي‬
‫نفسه بشرب ماء نجس إذا خاف التلف على نفسه بترك شربه‬
‫سا على بعض بدنه والعلم محيط أنه أن لم‬ ‫فأما أن يجعل ماء نج ً‬
‫يجعل ذلك الماء النجس على بدنه لم يخفف التلف على نفسه‬
‫ول كان في إمساس ذلك الماء النجس بعض بدنه إحياء نفسه‬

‫‪189‬‬
‫بذلك ول عنده ماء طاهر يغسل ما نجس من بدنه بذلك الماء‬
‫فهذا غير جائز ول واسع لحد فعله‪.‬‬
‫ورواه ابن سعد في طبقات‪...‬ومنه‪:‬‬
‫أن الرجلين والثلثة كانوا يتعاقبون على بعير واحد وأصابهم‬
‫عطش شديد حتى جعلوا ينحرون إبلهم لينفضوا أكراشها ويشربوا‬
‫ماءها‪.‬‬
‫‪-‬وعن عمر بن شعيب ـ أن أبا طالب قال للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وهو رديفه بذي المجاز‪ :‬عطشت وليس عندي ماء‪ ،‬فنزل‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وضرب بقدمه الرض‪ ،‬فخرج الماء‪،‬‬
‫فقال‪ :‬اشرب‪.‬‬
‫والحديث في هذا الباب كثير‪ ،‬ومنه الجابة بدعاء الستسقاء وما‬
‫جانسه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أشار القاضي عياض رحمه الله إلى الحديث المتفق عليه‬
‫والذي رواه البخاري في كتاب الستسقاء باب‪ :‬الستسقاء في‬
‫المسجد الجامع‪.‬قال‪:‬‬
‫* حدثنا محمد قال‪ :‬أخبرنا أبو ضمرة أنس بن عياض قال‪:‬حدثنا‬
‫شريك بن عبد الله بن أبي نمر‪ :‬أنه سمع أنس بن مالك يذكر‪:‬‬
‫أن رجل دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر‪ ،‬ورسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قائم يخطب‪ ،‬فاستقبل رسول الله صلى‬
‫ما‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬هلكت المواشي‪،‬‬ ‫الله عليه وسلم قائ ً‬
‫وانقطعت السبل‪ ،‬فادع الله يغيثنا‪ .‬قال‪ :‬فرفع رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم يديه فقال‪(:‬اللهم اسقينا‪ ،‬اللهم اسقنا‪ ،‬اللهم‬
‫اسقنا)‪ .‬قال أنس‪ :‬ل والله‪ ،‬ما نرى في السماء من سحاب‪ ،‬ول‬
‫قزعة‪ ،‬ول شيئًا‪ ،‬وما بيننا وبين سلع من بيت ول دار‪ .‬قال‪:‬‬
‫فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس‪ ،‬فلما توسطت السماء‬
‫انتشرت ثم أمطرت‪ .‬قال‪ :‬والله ما رأينا الشمس ستًا‪ .‬ثم دخل‬
‫رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة‪ ،‬ورسول الله صلى الله‬
‫ما‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله‪،‬‬ ‫عليه وسلم قائم يخطب‪ ،‬فاستقبله قائ ً‬
‫هلكت الموال‪ ،‬وانقطعت السبل‪ ،‬فادع الله يمسكها‪ .‬قال‪ :‬فرفع‬
‫رسول الله يديه‪ ،‬ثم قال‪(:‬اللهم حولينا ول علينا‪ ،‬اللهم على‬
‫الكام والجبال‪ ،‬والجام والظراب‪ ،‬والودية ومنابت الشجر)‪ .‬قال‪:‬‬
‫فانقطعت‪ ،‬وخرجنا نمشي في الشمس‪.‬‬
‫سا‪ :‬أهو الرجل الول؟ قال‪ :‬ل أدري‪.‬‬ ‫قال شريك‪ :‬فسألت أن ً‬
‫وفي باب‪ :‬الستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة‪.‬‬
‫* حدثنا قتيبة بن سعيد قال‪ :‬حدثنا إسماعيل بن جعفر‪ ،‬عن‬
‫شريك‪ ،‬عن أنس بن مالك‪:‬‬

‫‪190‬‬
‫أن رجل ً دخل المسجد يوم الجمعة‪ ،‬من باب كان نحو دار القضاء‪،‬‬
‫ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب‪ ،‬فاستقبل رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قائما‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬هلكت‬
‫الموال وانقطعت السبل‪ ،‬فادع الله يغثنا‪ .‬فرفع رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم يديه‪ ،‬ثم قال‪(:‬اللهم أغثنا‪ ،‬اللهم أغثنا‪ ،‬اللهم‬
‫أغثنا)‪ .‬قال أنس‪ :‬ول والله‪ ،‬ما نرى في السماء من سحاب‪ ،‬ول‬
‫قزعة‪ ،‬وما بيننا وبين سلع من بيت ول دار‪ .‬قال‪ :‬فطلعت من‬
‫ورائه سحابة مثل الترس‪ ،‬فلما توسطت السماء انتشرت ثم‬
‫أمطرت‪ .‬فل والله ما رأينا الشمس ستًا‪ .‬ثم دخل رجل من ذلك‬
‫الباب في الجمعة ‪ -‬يعني الثانية ‪ -‬ورسول الله صلى الله عليه‬
‫ما‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬هلكت‬ ‫وسلم قائم يخطب‪ ،‬فاستقبله قائ ً‬
‫الموال‪ ،‬وانقطعت السبل‪ ،‬فادع الله يمسكها عنا‪ .‬قال‪ :‬فرفع‬
‫رسول الله يديه‪ ،‬ثم قال‪(:‬اللهم حولينا ول علينا‪ ،‬اللهم على‬
‫الكام والظراب‪ ،‬وبطون الودية ومنابت الشجر)‪ .‬قال‪ :‬فأقلعت‪،‬‬
‫وخرجنا نمشي في الشمس‪.‬‬
‫سا بن مالك‪ :‬أهو الرجل الول؟ فقال‪ :‬ل‬ ‫قال شريك‪ :‬فسألت أن ً‬
‫أدري‪.‬‬
‫وفي باب‪ :‬الستسقاء على المنبر‪.‬‬
‫* حدثنا مسدد قال‪ :‬حدثنا أبو عوانة‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس قال‪:‬‬
‫بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة‪ ،‬إذا‬
‫جاءه رجل فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬قحط المطر‪ ،‬فادع الله أن‬
‫يسقينا‪ .‬فدعا‪ ،‬فمطرنا‪ ،‬فما كدنا أن نصل إلى منازلنا‪ ،‬فما زلنا‬
‫نمطر إلى الجمعة المقبلة‪ .‬قال‪ :‬فقام ذلك الرجل أو غيره‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬ادع الله أن يصرفه عنا‪ .‬فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪(:‬اللهم حولينا ول علينا)‪ .‬قال‪ :‬فلقد رأيت‬
‫السحاب يتقطع يمينًا وشمالً‪ ،‬يمطرون ول يمطر أهل المدينة‪.‬‬
‫وأخرجه مسلم في كتاب صلة الستسقاء باب الدعاء في‬
‫الستسقاء‪.‬قال‪:‬‬
‫* حدثنا يحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر(قال‬
‫يحيى‪ :‬أخبرنا‪ .‬وقال الخرون‪ :‬حدثنا إسماعل بن جعفر) عن‬
‫شريك بن أبي نمر‪ ،‬عن أنس بن مالك‬
‫أن رجل دخل المسجد يوم جمعة‪ .‬من باب كأن نحو دار القضاء‪.‬‬
‫ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب‪ .‬فاستقبل رسول‬
‫ما‪ .‬ثم قال‪ :‬يا رسول الله! هلكت‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم قائ ً‬
‫الموال وانقطعت السبل‪ .‬فادع الله يغثنا‪ .‬قال‪ :‬فرفع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يديه‪ .‬ثم قال‪ " :‬اللهم أغثنا‪ ...‬اللهم أغثنا‪...‬‬
‫اللهم أغثنا "‪ .‬قال أنس‪ :‬ول والله! ما نرى في السماء من‬

‫‪191‬‬
‫سحاب ول قزعة‪ .‬وما بيننا وبين سلع من بيت ول دار‪ .‬قال‬
‫فطلعت من و رائه سحابة مثل الترس‪ .‬فلما توسطت السماء‬
‫انتشرت‪ .‬ثم أمطرت‪ .‬قال‪ :‬فل والله! ما رأينا الشمس ستًا‪ .‬قال‪:‬‬
‫ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة‪ .‬ورسول الله‬
‫ما‪ .‬فقال‪ :‬يا‬
‫صلى الله عليه وسلم قائم يخطب‪ .‬فاستقبله قائ ً‬
‫رسول الله! هلكت الموال وانقطعت السبل‪ .‬فادع الله يمسكها‬
‫عنا‪ .‬قال‪ :‬فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه‪ .‬ثم قال‪:‬‬
‫"اللهم حولنا ول علينا‪ ...‬اللهم على الكام والظراب‪ ،‬وبطون‬
‫الودية‪ ،‬ومنابت الشجر" فانقلعت‪ .‬وخرجنا نمشى في الشمس‪.‬‬
‫قال شريك‪ :‬فسألت أنس بن مالك‪ :‬أهو الرجل الول؟ قال‪ :‬ل‬
‫أدرى‪.‬‬
‫* وحدثنا داود بن رشيد‪ .‬حدثنا الوليد بن مسلم عن الوزاعي‪.‬‬
‫حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك‪.‬‬
‫قال‪ :‬أصابت الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على المنبر‬
‫يوم الجمعة‪ .‬إذ قام أعرابي فقال‪ :‬يا رسول الله! هلك المال‬
‫وجاع العيال‪ .‬وساق الحديث بمعناه‪ .‬وفيه قال‪" :‬اللهم حوالينا ول‬
‫علينا" قال‪ :‬فما يشير بيده إلى ناحية إل تفرجت‪ .‬حتى رأيت‬
‫المدينة في مثل الجوبة‪ .‬وسال وادي قناة شهًرا‪ .‬ولم يجيء أحدًا‬
‫من ناحية إل أخبر بجود‪.‬‬
‫* وحدثني عبد العلى بن حماد ومحمد بن أبي بكر المقدمي‪.‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا معتمر‪ .‬حدثنا عبيد الله عن ثابت البناني‪ ،‬عن أنس بن‬
‫مالك‪ .‬قال‪:‬‬
‫كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة‪ .‬فقام إليه‬
‫الناس فصاحوا‪ .‬وقالوا‪ :‬يا نبي الله! قحط المطر‪ ،‬واحمر الشجر‪،‬‬
‫وهلكت البهائم وساق الحديث‪ .‬وفيه من رواية عبد العلى‪:‬‬
‫فتقشعت عن المدينة‪ .‬فجعلت تمطر حواليها‪ .‬وما تمطر بالمدينة‬
‫قطرة‪ .‬فنظرت إلى المدينة وإنها لفي مثل الكليل‪.‬‬
‫* وحدثناه أبو كريب‪ .‬حدثنا أبو أسامة عن سليمان بن المغيرة‪،‬‬
‫عن ثابت‪ ،‬عن أنس‪ ،‬بنحوه‪ .‬وزاد‪ :‬فألف الله بين السحاب‪ .‬ومكثنا‬
‫حتى رأيت الرجل الشديد تهمه نفسه أن يأتي أهله‪.‬‬
‫* وحدثنا هارون بن سعيد اليلي‪ .‬حدثنا ابن وهب‪.‬حدثني أسامة؛‬
‫أن حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك حدثه؛ أنه سمع أنس بن‬
‫مالك يقول‪:‬‬
‫جاء إعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة‪،‬‬
‫وهو على المنبر وإقتص الحديث‪ .‬وزاد‪ :‬فرأيت السحاب يتمزق‬
‫كأنه الملء حين تطوى‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫* وحدثنا يحيى بن يحيى‪ .‬أخبرنا جعفر بن سليمان عن ثابت‬
‫البناني‪ ،‬عن أنس‪ .‬قال‪ :‬قال أنس‪ :‬أصابنا ونحن مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم مطر‪ .‬قال‪ :‬فحسر رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ثوبه‪ .‬حتى أصابه من المطر‪ .‬فقلنا‪ :‬يا رسول الله! لم‬
‫صنعت هذا؟ قال‪" :‬لنه حديث عهد بربه تعالى"‪.‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫‪ .21‬البرق بين العلم الحديث والكلم النبوي الشريف‬
‫البرق بين العلم الحديث والكلم النبوي الشريف‬
‫‪Lightning Between Science and Prophet Speech‬‬
‫بقلم المهندس عبد الدائم الكحيل‬
‫ملخص البحث‬
‫يتضمن هذا البحث كشفا ً جديدا ً في العجاز العلمي في السن ّةَ‬
‫النبويَّة المطهَّرة‪ ،‬وذلك في حديث المرور على الصراط يوم‬
‫القيامة‪ ،‬فأسرع ُ الناس يمّر كالبرق‪ ،‬وآخرهم يزحف زحفاً‪ .‬هذا‬
‫الحديث الشريف ينطوي على معجزة علمية في قول الرسول‬
‫الكريم عليه صلوات الله وسلمه‪( :‬ألم تروا إلى البرق كيف يمُّر‬
‫ويرجع في طرفة عين؟) [رواه مسلم]‪ .‬ومن خلل البحث في‬
‫المعنى اللغوي الذي يحمله هذا الحديث العظيم‪ ،‬ومقارنة ذلك‬
‫بآخر ما وصل إليه العلم في مجال هندسة البرق‪ ،‬تبيَّن لنا‬
‫التطابق التام والكامل بين الكلم النبوي الشريف‪ ،‬وبين ما كشفه‬
‫العلماء مؤخرا ً من عمليات معقدة ودقيقة جدا ً تحدث في ومضة‬
‫البرق‪.‬‬
‫فقد بينت التجارب الجديدة أن أي ومضة برق ليست مستمرة‬
‫كما نراها‪ ،‬بل تتألف من عدة أطوار‪ ،‬أهمها طور المرور وطور‬
‫ر" ‪Stepped‬‬ ‫الرجوع‪ ،‬أي ما يسميه العلماء اليوم بـ "القائد الما ّ‬
‫‪Leader‬وهو الشعاع الذي يمر ويخطو من الغيمة باتجاه الرض‪،‬‬
‫و"الضربة الراجعة" ‪Return Stroke‬وهي الشرارة التي ترجع باتجاه‬
‫الغيمة‪ .‬أي أن شعاع البرق يمّر ثم يرجع خلل زمن غير مدرك‬
‫بالعين‪ ،‬وهذا الزمن يقدر وسطيا ً بعشرات الجزاء من اللف من‬
‫الثانية‪.‬‬
‫وفي هذا البحث سوف نرى بأن الرسول العظم صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم قد تحدّث بدقة بالغة عن هذه الطوار والمراحل بل‬
‫ل هذا في ما ل يتجاوز عدة كلمات‪ ،‬بل إن‬ ‫وحدَّد زمنها أيضاً! وك ّ‬
‫الحديث الذي سنتناوله بالدراسة والتحليل العلمي‪ ،‬يؤكد أن‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم هو أول من تحدَّث عن سرعة‬
‫البرق بوضوح كامل‪ ،‬وهو أول من تحدَّث عن اللية الهندسية‬

‫‪193‬‬
‫الدقيقة للعمليات الفيزيائية التي تحدث في البرق‪ ،‬وأول من حدّد‬
‫زمن هذه العمليات التي ل تدركها أعيننا‪.‬‬
‫مقدمة‬
‫ن علينا بهذا النبي‬‫الحمد لله الذي أكرمنا بنعمة اليمان‪ ،‬وم َّ‬
‫الكريم عليه وعلى آله الصلة والسلم وبعد‪:‬‬
‫فإن الحديث عن ظاهرة البرق ظل مرتبطا ً بالخرافات والساطير‬
‫للف السنين‪ ،‬وفي الزمن الذي عاش فيه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬أي في القرن السابع الميلدي لم يكن لحد علم‬
‫بالعمليات الدقيقة التي تحدث داخل البرق‪ .‬ولكن الذي ل ينطق‬
‫عن الهوى والذي أرسله الله رحمة للعالمين حدثنا عن هذه‬
‫العمليات بكلمات قليلة في قوله عليه الصلة والسلم‪( :‬ألم تروا‬
‫إلى البرق كيف يمُّر ويرجع في طرفة عين؟) [رواه مسلم]‪ .‬ففي‬
‫هذه الكلمات معجزة علمية شديدة الوضوح‪ ،‬خصوصا ً إذا علمنا‬
‫أن العلماء يستخدمون نفس الكلمة النبوية من خلل تعبيرهم عن‬
‫طوري المرور والرجوع‪ ،‬وأن هذين الطورين يستغرقان مدة من‬
‫الزمن تساوي تماما ً الزمن اللزم لطرفة العين!‬
‫ت معه رحلة في عالم‬ ‫ت بتأمل الحديث الشريف‪ ،‬وبدأ ُ‬ ‫لقد بدأ ُ‬
‫المكتشفات العلمية وآخر ما توصل إليه العلماء من حقائق يقينية‬
‫َ‬
‫ثابتة حول هذه الظاهرة الجميلة والمخيفة‪ .‬هذه الظاهرة ظل ّت‬
‫مستعصية الفهم أمام العلماء لقرون طويلة‪ ،‬وبالرغم من التطور‬
‫العلمي والتقني الذي نراه اليوم‪ ،‬إل أن اللية الدقيقة لحدوث‬
‫البرق لم تزل غامضة (‪ .)1‬ولكن في السنوات القليلة الماضية‬
‫استطاع العلماء فهم الخطوط العريضة لهندسة البرق والعمليات‬
‫الفيزيائية الساسية التي تحدث خلله‪.‬‬
‫ومن خلل هذا البحث سوف نثبت أن النسان ل يمكنه أبدا ً أن‬
‫يلحظ بالعين المجردة هذه الطوار‪ ،‬والسبب هو أن الزمن اللزم‬
‫لكل طور يقاس بأجزاء من اللف من الثانية‪ ،‬وبالطبع ل تستطيع‬
‫العين أن تحلّل المعلومات القادمة إليها خلل زمن كهذا‪ ،‬وهذا‬
‫يثبت أن الرسول الكريم يحدثنا عن أشياء لم نتمكَّن من رؤيتها‬
‫إل بأجهزة التصوير المتطورة والتي تلتقط أكثر من ألف صورة‬
‫في كل ثانية(‪.)2‬‬
‫ل اتفاق من قبل‬ ‫هنالك عمليات تحدث داخل البرق وهي مح ّ‬
‫جميع العلماء‪ ،‬ويمكن رؤيتها اليوم بفضل هذه الكاميرات الرقمية‬
‫المتطورة‪ ،‬كما يمكن اعتبار هذه العمليات كحقائق يقينية ل ش ّ‬
‫ك‬
‫فيها‪ .‬وعلى الرغم من التطور التقني الكبير لهذه الجهزة تبقى‬
‫المراحل الدقيقة للبرق لغزا ً محيرا ً للعلماء‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫ففي ظل الظروف السائدة داخل شعاع البرق ل يمكن لي جهاز‬
‫أن يتحمل ضخامة الحرارة والتوتر العالي جداً‪ .‬فدرجة الحرارة‬
‫تصل إلى ‪ 30‬ألف درجة مئوية‪ ،‬أي خمسة أضعاف حرارة سطح‬
‫الشمس! ويصل التوتر الكهربائي إلى مليين الفولتات‪ ،‬وبالتالي‬
‫تُعتبر دراسة البرق من أصعب أنواع الدراسة وأكثرها تعقيداً‪ ،‬لن‬
‫زمن المراحل التي تشكل ومضة البرق من مرتبة المايكرو ثانية‪،‬‬
‫أي جزء من المليون من الثانية‪ ،‬وهذه صعبة الدراك‪.‬‬
‫سوف نرى معجزة نبوية أيضا ً في هذا الحديث تتمثل في إشارة‬
‫الرسول العظم عليه الصلة والسلم إلى سرعة البرق وأنه‬
‫يستغرق زمنا ً ليمر‪ ،‬وليس كما كان العتقاد السائد أن البرق‬
‫حح‬ ‫يقطع أي مسافة دون الحاجة إلى زمن بل بلمح البصر‪ .‬فص َّ‬
‫هذا النبي الكريم المعتقد الخاطئ بكل صراحة ووضوح‪.‬‬
‫إنه بحق حديث يفيض بالمعجزات‪ ،‬ولو كان هذا الحديث من‬
‫اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه أو أصحابه إذن‬
‫ل على أن كل كلمة‬ ‫لمتزج بخرافات وأساطير عصره‪ ،‬وهذا يد ّ‬
‫ي من عند خالق البرق‬ ‫نطق بها سيد البشر وخير الخلق هي وح ٌ‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬وأن الله أعطى الرسول الكريم القرآن وأعطاه‬
‫مثله معه‪ ،‬والمعجزة التي سنراها في هذا البحث تثبت أن‬
‫الرسول على حق وأن السلم دين علم وليس كما يدعي أعداؤه‬
‫أنه دين تخلف وأساطير!‬
‫وسوف نرى أيضا ً التطابق الكامل بين ما جاء به محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم في القرن السابع الميلدي‪ ،‬وبين ما توصل إليه‬
‫العلماء في القرن الحادي والعشرين‪ .‬وأن هذا الحديث الشريف‬
‫هو من دلئل نبوّة المصطفى عليه الصلة والسلم‪ ،‬وأنه حقا ً كما‬
‫َ‬
‫ي‬
‫ح ٌ‬‫ن هُوَ إ ِ ّل وَ ْ‬
‫ن ال ْ َهوَى * إ ِ ْ‬
‫ما يَنْطِقُ ع َ ِ‬
‫وصفه الله تعالى بقوله‪(:‬وَ َ‬
‫حى) [النجم‪.]4-3 :‬‬‫يُو َ‬
‫حقائق تاريخية‬
‫ظلت ظاهرة البرق حدثا ً مخيفا ً ومحيِّرا ً للعلماء على مدى قرون‬
‫طويلة‪ ،‬ونُسجت الساطير الكثيرة حول منشأ البرق وتأثيراته‪،‬‬
‫فكل حضارة كانت تنظر إلى هذه الظاهرة على أنها حدث‬
‫مقدس يرتبط باللهة‪ ،‬وكل حضارة كانت تحاول إعطاء تفسير‬
‫لهذا الحدث المرعب‪ .‬ففي الميثولوجيا الغريقية مثل ً كان البرق‬
‫هو سلح الله زيوس‪ ،‬الذي استخدمه لقتل أعدائه(‪ .)3‬على حد‬
‫زعمهم المفترى‪.‬‬
‫ثم جاء العصر الحديث عندما قام العلماء بتجارب متعددة منذ‬
‫منتصف القرن السابع عشر الميلدي وحتى يومنا هذا‪ ،‬أي على‬
‫مدى أكثر من قرنين ونصف‪ ،‬قام خللها العلماء بآلف التجارب‬

‫‪195‬‬
‫في سبيل فهم هذه الظاهرة المحيرة‪ ،‬والتي ل تزال التفاصيل‬
‫الدقيقة مجهولة تماما ً بالنسبة لنا حتى الن‪.‬‬
‫ففي النصف الثاني من القرن الثامن عشر قام بنيامين فرانكلين‬
‫‪ Benjamin Franklin‬بأول تجربة علمية منظّمة أثبت من خللها‬
‫الطبيعة الكهربائية للبرق‪ ،‬وأن البرق ما هو إل شرارة كهربائية‬
‫ناتجة عن التقاء شحنتين كهربائيتين متعاكستين‪ .‬فقد قام هذا‬
‫العالم بربط سلك من الحرير إلى طائرة ورقية وأرسله عالياً‬
‫أثناء وجود غيوم كثيفة وممطرة‪ ،‬أي أثناء وجود عاصفة رعدية‪،‬‬
‫وربط نهاية السلك بقضيب معدني وغلفه بعازل من الشمع لكي‬
‫ل تتسبب الشرارة القوية بقتله‪.‬‬
‫وقد نجحت التجربة‪ ،‬وعندما قَّرب القضيب من الرض انطلقت‬
‫شرارة قوية تشبه شرارة البرق‪ ،‬فأثبت بذلك هوية البرق‬
‫الكهربائية وآلية حدوثه‪ ،‬ولكن النتائج التي حصل عليها كانت‬
‫متواضعة جدا ً ولم يستطع إدراك العمليات الدقيقة التي تسبب‬
‫هذه الشرارة القوية‪.‬‬
‫أما الفيزيائي السويدي رتشمان ‪ ,G. W. Richmann‬والذي قام بتجربة‬
‫أثبت فيها أن الغيوم الرعدية تحوي شحنات كهربائية‪ ،‬وقد قُتِل‬
‫بسبب صدمة البرق التي تعرض لها أثناء قيامه بالتجارب‪.‬‬
‫واستمرت التجارب‪ ،‬ولكن المعرفة بالبرق بقيت متواضعة حتى‬
‫نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين‪ ،‬عندما أصبح‬
‫التصوير الفوتوغرافي ممكناً‪ ،‬عندها أصبح بإمكان العلماء التقاط‬
‫صور لومضات البرق ومن ثم تحليلها ومعرفة بعض تفاصيلها التي‬
‫ل تدركها عين النسان‪.‬‬
‫ولكن أجهزة التصوير كانت بطيئة وبقيت العمليات الدقيقة التي‬
‫ترافق ظاهرة البرق مجهولة حتى الستينات من القرن العشرين‪،‬‬
‫حيث تطورت التجارب وازداد الهتمام بها لتجنب صدمات البرق‬
‫التي تتعرض لها المراكب الفضائية والطائرات والمنشآت‬
‫الصناعية‪ .‬وقد أمكن استخدام التصوير السريع والمراكب‬
‫الفضائية والرادارات والحاسوب لمعالجة ودراسة البيانات التي‬
‫قدمتها مختبرات مراقبة البرق (‪.)4‬‬
‫وقد استطاع العلماء أخيرا ً بفضل التصوير فائق السرعة‬
‫والمعالجة الرقمية للبيانات أن يثبتوا أن ومضة البرق الواحدة قد‬
‫تتألف من عدة ضربات‪ ،‬وكل ضربة تتألف من عدة مراحل أو‬
‫أطوار‪ .‬وقد تم قياس الزمنة لكل مرحلة بدقة كبيرة‪ ،‬ورؤية هذه‬
‫المراحل‪ ،‬ولم يتحقق هذا إل في نهاية القرن العشرين‪ ،‬وبداية‬
‫القرن الحادي والعشرين‪.‬‬
‫أنواع البرق‬

‫‪196‬‬
‫قبل البدء بالتعرف على أسرار البرق وتفاصيله الدقيقة نود أن‬
‫نعّرِف القارئ الكريم بأهم أنواع البرق والتي قد ل تخطر بباله‪،‬‬
‫لبيان مدى تعقيد هذه الظاهرة والتنوع الكبير في ضربات البرق‪،‬‬
‫فالبرق يمكن أن يضرب في أي مكان على الرض أو في‬
‫السماء‪.‬‬
‫يحدث البرق على عدة أنواع حسب مكان وجود الشحنتين‬
‫الموجبة والسالبة‪ .‬وقد دلّت الحصائيات الحديثة أنه في كل ثانية‬
‫هنالك مئة ضربة برق على سطح الكرة الرضية (‪.)Uman,1984‬‬
‫وجميع هذه الضربات متشابهة من حيث آلية الحدوث وزمنه‪.‬‬
‫أكثر النواع شيوعا ً وأهمية هو البرق الناتج من التقاء شحنتين‬
‫متعاكستين بين الغيمة والرض‪ .‬فغالبا ً ما تكون الغيمة ذات شحنة‬
‫سالبة عند الجهة القريبة من الرض‪ ،‬أما سطح الرض فيكون ذا‬
‫شحنة موجبة‪ ،‬ويسمي العلماء هذا النوع "غيمة‪-‬أرض" أي ‪Cloud-‬‬
‫‪Ground‬واختصارا ً يرمز لهذا النوع بالحرفين ‪.CG‬‬
‫أما النوع الثاني فهو ما يحدث بين الغيمة وغيمة أخرى‪ ،‬وبما أن‬
‫الوسط الذي تتجمع فيه الغيوم يمتلئ بالحقول الكهربائية فإن‬
‫احتمال تلمس الشحنات المتعاكسة والتقائها كبير جداً‪ ،‬ولذلك‬
‫فإن هذا النوع يمثل ثلثة أرباع ضربات البرق‪ ،‬والتي تقدر كما‬
‫قلنا بمئة ضربة في كل ثانية وذلك في مختلف أنحاء العالم‪.‬‬
‫ويعرف هذا النوع ببرق "غيمة‪-‬غيمة" أي ‪Cloud-Cloud‬ويرمز له‬
‫بالحرفين ‪.CC‬‬
‫أما النوع الثالث فهو ما يحدث بين الغيمة والهواء‪ .‬حيث تكون‬
‫ملة بشحنة كهربائية‪ ،‬والهواء المحيط بها من أحد‬ ‫الغيمة مح ّ‬
‫جوانبها يحمل شحنة معاكسة‪ .‬ويعرف هذا النوع بـ "غيمة‪-‬هواء"‬
‫أي ‪Cloud-Air‬ويرمز له بالرمز ‪.CA‬‬
‫البرق من الفضاء‬
‫البرق بين الغيمة وطبقات الجو العليا‪ ،‬ويحدث هذا البرق بين‬
‫الطبقات العليا في الغيوم وبين طبقة اليونوسفير والتي تحوي‬
‫حقل ً كهربائياً‪ ،‬وقد أمكن رؤية برق كهذا بواسطة أجهزة التصوير‬
‫المثبتة على القمار الصطناعية (‪.)5‬‬
‫وهنالك أنواع أخرى كثيرة نذكر منها ما يحدث داخل الغيمة ذاتها‪،‬‬
‫وإذا علمنا بأن أية غيمة تحمل شحنة موجبة في أحد طرفيها‪ ،‬فل‬
‫بد أن تحمل شحنة سالبة في طرفها المقابل‪ ،‬وهكذا وفي‬
‫ظروف العواصف الرعدية يحدث التلمس ويتحقق البرق الذي‬
‫يضيء الرض ولكنه ل يصل إليها‪.‬‬
‫هنالك أيضا ً البرق الناتج بين غيمة وهدف على الرض‪ ،‬مثل‬
‫شجرة أو بيت أو عمود كهرباء‪ .‬وفي جميع هذه النواع تتم‬

‫‪197‬‬
‫المراحل ذاتها‪ ،‬بنفس المرور والرجوع لشعاع البرق‪ ،‬وبنفس‬
‫السرعة ونفس الزمن‪.‬‬
‫كما أن العلماء يعددون أنواعا ً ل يمكن إحصاؤها من البرق‪ ،‬مثل‬
‫كرة البرق‪ ،‬والبرق الصيفي‪ ،‬وهو ما يحدث في أشهر الصيف‪،‬‬
‫والبرق الموجب والبرق السالب‪ ،‬والبرق الصفائحي‪ ،‬وغير ذلك‬
‫كثير(‪ .)6‬كما أن العلماء رصدوا ضربات برق على بعض الكواكب‬
‫مثل المشتري وكانت أشد بمئة مرة من تلك الضربات على‬
‫الرض [‪.]2‬‬
‫الغيوم الرعدية‬
‫إن البرق ل يحدث في أية غيوم‪ ،‬بل هنالك غيوم محددة يسميها‬
‫العلماء بالغيوم الرعدية‪ ،‬وهي البيئة المناسبة لحدوث البرق‪ ،‬وقد‬
‫تكون هنالك غيمة واحدة أو عدة غيوم وهو الغلب‪ .‬وهذه الغيوم‬
‫تكون عادة ممتلئة بالحقول الكهربائية بسبب الرياح التي تسوق‬
‫جزيئات بخار الماء وتدفعه للعلى وتسبب احتكاك هذه الجزيئات‬
‫بعضها ببعض مما يولد هذه الحقول الكهربائية‪ .‬فنجد أن الغيمة‬
‫تتجمع فيها بنفس الوقت شحنات سالبة وأخرى موجبة‪ ،‬وغالبا ً ما‬
‫ترتفع الشحنات الموجبة للعلى وتبقى السالبة في أسفل الغيمة‬
‫من الجهة القريبة من الرض‪.‬‬
‫إن ضربات البرق ما هي إل تفريغ للكهرباء الموجودة على‬
‫الغيوم‪ ،‬فلذلك يعمل البرق كصمام أمان‪ ،‬لن هذه الشحنات‬
‫العملقة إذا زادت كثيرا ً فإنها تؤدي إلى تكهرب الجو بكامله؛‬
‫تماما ً مثل البطارية إذا ظللنا نشحنها فإنها ستنفجر في النهاية‪.‬‬
‫فسبحان الله!‬
‫حقائق وأرقام‬
‫ولكي نأخذ فكرة أوسع عن البرق الذي يحدث على الرض نتأمل‬
‫هذه الحصائيات (‪:)7‬‬
‫ـ في كل ثانية هنالك مئة ومضة برق في العالم‪.‬‬
‫ـ وفي كل يوم هنالك ‪ 8,6‬مليون ضربة برق‪.‬‬
‫ـ وفي سنة واحدة يحدث في الوليات المتحدة المريكية فقط ‪20‬‬
‫مليون ضربة برق‪.‬‬
‫ـ كل ومضة برق تولد توترا ً يتراوح من ‪ 100‬مليون وحتى ‪1000‬‬
‫مليون فولت‪.‬‬
‫ـ كل ومضة برق تنتج تيارا ً من ‪ 10‬آلف أمبير وحتى ‪ 200‬ألف‬
‫أمبير‪.‬‬
‫ـ إذا نظرنا للكرة الرضية في أية لحظة نرى فيها ‪ 2000‬عاصفة‬
‫رعدية تحدث في نفس اللحظة‪.‬‬
‫العمليات الدقيقة داخل البرق‬

‫‪198‬‬
‫نعلم من قوانين الكهرباء أنه عندما تلتقي الشحنات المتعاكسة‬
‫ينتج عنها ومضة أو شرارة كهربائية‪ ،‬وهذا ما يحدث في البرق‪.‬‬
‫فالغيوم تتكون نتيجة تجمع جزيئات البخار المرتفع من الرض‪،‬‬
‫ملة بشحنات كهربائية موجبة وسالبة‬ ‫هذه الجزيئات تكون مح َّ‬
‫نتيجة تفاعلها واحتكاكها واصطدامها‪ ،‬وكما قلنا غالبا ً ما تكون‬
‫الشحنات السالبة في أسفل الغيمة من الجهة القريبة من‬
‫الرض‪ ،‬وذلك بسبب تأثير الجاذبية التي تقوم بدورها في توزيع‬
‫الشحنات‪ ،‬وتكون الشحنة الموجبة في أعلى الغيمة‪ ،‬وهذا يحدث‬
‫في ما يسمى بالغيوم الرعدية التي تسبب البرق دائماً‪.‬‬
‫إن الشحنة الكهربائية أو ما يسمى بالكهرباء الساكنة هي تماماً‬
‫س به عندما نلمس قبضة الباب بعد احتكاك أقدامنا‬ ‫ما نح ّ‬
‫س بلدغة‬ ‫بالسجادة‪ ،‬أو عندما نلمس شاشة الكومبيوتر أحيانا ً فنح ّ‬
‫كهرباء خفيفة‪ ،‬وما هي إل عبارة عن شرارة برق مصغرة!‬
‫وعندما نجري تلمسا ً بين سلكين كهربائيين أحدهما موجب‬
‫والخر سالب فإننا نرى شرارة تتولد بينهما‪.‬‬
‫عندما يكون هنالك زيادة في عدد اللكترونات ذات الشحنة‬
‫السالبة فهذا يعني وجود حقل كهربائي سالب‪ ،‬أما عند زيادة عدد‬
‫البروتونات الموجبة فهذا يعني وجود شحنة أو حقل كهربائي‬
‫موجب‪.‬‬
‫وعندما تتجمع كميات مناسبة من اللكترونات في أسفل الغيمة‬
‫تنتقل هذه الشحنات السالبة بواسطة الهواء الرطب الموجود بين‬
‫الغيمة وسطح الرض‪ ،‬وتقترب من سطح الرض ذي الشحنة‬
‫الموجبة‪ ،‬ينطلق شعاع البرق القادم من الغيمة وتتشكل قناة‬
‫دقيقة جدا ً في قاعدة الغيمة‪ .‬وبسبب وجود حقل كهربائي بين‬
‫الغيمة والرض ينطلق ما يسميه العلماء الشعاع "القائد ‪"Leader‬‬
‫باتجاه الرض‪ ،‬وهذا الشعاع الذي يمّر ويخطو بخطوات متتالية هو‬
‫أول مرحلة من مراحل البرق‪ .‬وعندما يصل هذا القائد إلى الرض‬
‫وبفعل الحقل السالب الذي يحيط به يجذب إليه الشحنات‬
‫الموجبة الموجودة بالقرب من سطح الرض‪ ،‬وتتحرك هذه‬
‫الشحنات الموجبة باتجاه الشعاع القائد وتصطدم به على ارتفاع‬
‫عشرات المتار عن سطح الرض‪ ،‬وتتشكل قناة اتصال بين‬
‫الغيمة والرض‪.‬‬
‫وعندها تنهار عازلية الهواء ويصبح ناقل ً للكهرباء ويتولد تيار‬
‫كهربائي قوي ينير على شكل ومضة باتجاه العلى‪ ،‬ويدعى طور‬
‫الرجوع ‪ ، Return Stroke‬وهذه الضربة الراجعة هي ما نراه فعل ً لن‬
‫معظم الضوء يتولد عنها‪ .‬وهذه الضربة الراجعة تستغرق أقل من‬
‫‪ 100‬مايكرو ثانية وتُنتج التيار الراجع والذي يقدر ب ‪ 30‬ألف أمبير‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫وبعد ذلك تمر فترة توقف مدتها من ‪ 20‬وحتى ‪ 50‬ميلي ثانية ثم‬
‫تتكرر العملية من جديد باستخدام نفس القناة التي تم تأسيسها‬
‫من قبل‪ ،‬وهكذا عدة ضربات‪ .‬وقد تكون ومضة البرق مفردة أو‬
‫متعددة حسب كمية الشحنات المتوفرة بين الغيمة والرض‪،‬‬
‫وحسب الظروف الجوية السائدة‪ .‬وقد يصل عددها إلى عشر‬
‫ضربات متتالية وسريعة ولكننا نراها ومضة برق واحدة ول ندرك‬
‫مرور ورجوع البرق بأعيننا (‪.)8‬‬
‫قد يحدث العكس أحياناً‪ ،‬فتأتي الشحنة الموجبة من الغيمة باتجاه‬
‫الشحنة السالبة للرض‪ ،‬وتتولد الومضة الموجبة وهذه تكون‬
‫وحيدة وعنيفة ول يتبعها ضربات أخرى‪.‬‬
‫في أقل من نصف ثانية تحدث ‪ 4-3‬ضربات برق كلها نراها في‬
‫ومضة برق واحدة‪ .‬ويمكن أن يصل التيار الناتج من الضربة‬
‫الراجعة إلى ‪ 200‬ألف أمبير‪ ،‬وتسير الضربة الراجعة بسرعة تصل‬
‫إلى نصف سرعة الضوء (‪.)9‬‬
‫البرق خطوة خطوة‬
‫ً‬
‫لكي نسهل رؤية ما يحدث تماما في البرق نستعين بالرسوم‬
‫التوضيحية (‪ .)10‬وهذه الرسوم هي تقريب لما يحدث‪ ،‬والواقع أن‬
‫ضخامة وسرعة العمليات الخاطفة في شرارة البرق ل يمكن‬
‫إدراكها أبداً‪.‬‬
‫‪ -1‬يبدأ البرق بالخطوة الولى المتمثلة بانطلق شعاع يسميه‬
‫العلماء بالقائد‪Leader ،‬وهذا الشعاع ل ينزل دفعة واحدة‪ ،‬بل يمّر‬
‫مرورا ً على شكل خطوات‪ .‬وغالبا ً ما تكون شحنة هذا الشعاع‬
‫سالبة أما شحنة الرض فهي موجبة‪.‬‬
‫* الخطوة الولى‪ :‬تبدأ شحنة سالبة دقيقة تدعى القائد الماّر‬
‫بالنطلق من الغيمة باتجاه الرض على خطوات طول كل منها‬
‫‪ 50‬مترا ً بزمن ‪ 1‬مايكرو ثانية‪ ،‬ويتفرع هذا الشعاع إلى عدة فروع‬
‫ويحمل بحدود ‪ 100‬مليون فولت‪ ،‬ويأخذ فترة توقف بين الخطوة‬
‫والخرى مقدارها ‪ 50‬مايكرو ثانية‪ ،‬ويبقى يتقدم حتى يجد هدفاً‬
‫ليصطدم به‪ ،‬وإل فيرجع ويعيد الكرة‪ .‬ويتألف الشعاع الواحد من‬
‫عشرة آلف خطوة!!‬
‫‪ -2‬ثم تأتي الخطوة الثانية ليصل هذا الشعاع إلى هدفه على‬
‫الرض ويصطدم مع شحنتها الموجبة‪ ،‬ويحدث التصادم عادة فوق‬
‫سطح الرض على ارتفاع عشرات المتار‪.‬‬
‫* الخطوة الثانية‪ :‬حالما يصل الشعاع القائد إلى الرض يبدأ‬
‫بجذب الشحنة الموجبة على سطح الرض‪ ،‬وبسبب الشحنة‬
‫الضخمة التي يحملها هذا الشعاع فإنه يؤسس قناة من الرض‬

‫‪200‬‬
‫للغيمة والتي ستجري داخلها الشحنات‪ ،‬ويحدث اللقاء بين‬
‫الشحنتين على ارتفاع ‪ 100-30‬متر فوق سطح الرض‪.‬‬
‫‪ -3‬أما الخطوة الثالثة ففيها يبدأ تدفق الشحنة السالبة من الغيمة‬
‫باتجاه الرض‪ ،‬وذلك على طول القناة التي أسسها الشعاع‬
‫القائد‪.‬‬
‫* الخطوة الثالثة‪ :‬وفيها تبدأ الشحنة السالبة بالتدفق إلى الرض‪،‬‬
‫وتجذب إليها الشحنة الموجبة من الرض‪.‬‬
‫‪ -4‬فيما بعد تتم أهم خطوة وهي الضربة الراجعة من الرض‬
‫باتجاه الغيمة‪ ،‬ومع أننا نظن بأن البرق يتجه من الغيمة إلى‬
‫الرض‪ ،‬إل أن الحقيقة هي أن الشعاع يتجه من الرض راجعاً‬
‫باتجاه الغيمة‪ ،‬ولكن سرعة العملية تجعلنا نرى العكس‪.‬‬
‫* الخطوة الرابعة‪ :‬تبدأ الضربة الراجعة على شكل موجه موجبة‬
‫بسرعة أكثر من ‪ 100‬ألف كيلو متر في الثانية‪ ،‬بالتوجه نحو العلى‬
‫وينتج تيار كهربائي الذي يستغرق ‪ 1‬مايكرو ثانية للوصول إلى ‪30‬‬
‫ألف أمبير وسطياً‪ ،‬وتنتج هذا البرق الراجع أكثر من ‪ %99‬من‬
‫إضاءة البرق وهو ما نراه فعل ً أي نرى رجوع البرق من الرض‬
‫باتجاه العلى‪.‬‬
‫‪ -5‬وأخيرا ً تنتهي ضربة البرق بصعود الشعاع الراجع إلى الغيمة‪،‬‬
‫وتكون هنالك فترة توقف تقدر بعشرات الجزاء من اللف من‬
‫الثانية‪ ،‬ثم ترجع الضربة لتتكرر من جديد بنفس الخطوات‪ ،‬وهكذا‬
‫يمكن أن تتكرر ضربة البرق عددا ً من المرات لتعطي ومضة‬
‫واحدة‪ .‬وقد تم تسجيل ‪ 47‬ضربة برق في ومضة واحدة‪ ،‬إن‬
‫الزمن الفاصل بين الضربات هو عشرات الجزاء من اللف من‬
‫الثانية(‪.)11‬‬
‫* الخطوة الخامسة‪ :‬بعد عودة الشعاع الراجع هنالك فترة توقف‬
‫‪ 50-20‬ميلي ثانية‪ ،‬فإذا توفرت شحنات كافية في الغيمة فإن هذه‬
‫الضربة ترجع وتتكرر وتستخدم نفس القناة التي تم تأسيسها من‬
‫قبل‪.‬‬
‫والن وبعدما رأينا نتائج وأبحاث وتجارب استمرت قرنين ونصف‬
‫من الزمن‪ ،‬وبعدما رأينا علماء أفنوا حياتهم ومنهم من مات في‬
‫سبيل معرفة هوية البرق وأطواره ومراحله‪ ،‬وكم من الموال قد‬
‫صرفت في سبيل التعرف على ضربة برق ل يتجاوز زمنها طرفة‬
‫العين! نأتي بعد هذه الحقائق العلمية لنرى الحقائق النبوية‪،‬‬
‫ي الذي علّم العلماء‪،‬‬
‫ونعيش رحلة ممتعة مع كلم النبي الم ّ‬
‫ونقارن ونتدبر‪ ،‬ونتساءل‪ :‬أليس هذا الحديث الشريف يطابق‬
‫ويوافق مئة بالمئة ما توصل إليه العلماء اليوم؟!‬
‫حديث يفيض بالمعجزات‬

‫‪201‬‬
‫تحدث الرسول العظم عليه صلوات الله وسلمه عن يوم‬
‫القيامة ومرور الناس على الصراط‪ ،‬وعن سرعة مرور كل منهم‬
‫حسب عمله في الدنيا‪ .‬فأحسنُهم عمل ً هو أسرع ُهم مرورا ً على‬
‫الصراط‪ ،‬وهذا هو سيدنا أبو هريرة رضي الله تعالى عنه يقول‬
‫على لسان سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم‪( :‬فيمُّر‬
‫أوَّلكم كالبرق)! فيقول أبو هريرة‪ :‬بأبي أنت وأمي أيّ شيء كمّر‬
‫البرق؟ قال عليه الصلة والسلم‪(:‬ألم تروا إلى البرق كيف يمُّر‬
‫ويرجع في طرفة عين؟)[رواه مسلم] (‪.)12‬‬
‫الشارة الولى‬
‫الواضح من خلل هذا الحديث أن الصحابي راوي الحديث رضوان‬
‫الله عليه استغرب من تعبير الرسول الكريم صلى الله عليه‬
‫وسلم حول مرور البرق وحركته وسرعته‪ .‬فقد كانوا يظنون أن‬
‫البرق والضوء ل يحتاج إلى زمن ليمّر! بل لم يكن أحد يتخيل أن‬
‫للضوء سرعة! فقد كانوا يعتقدون أن الضوء يسير بلمح البصر‪،‬‬
‫ولذلك قال هذا الصحابي الجليل‪( :‬بأبي أنت وأمي أي شيء كمّرِ‬
‫البرق؟)! فقد تعجب من قوله عليه الصلة والسلم (كمّر البرق)‬
‫إذ لم يكن يتصوّر أن البرق يمّر ويتحرك ويسير!!‬
‫وهذه هي أول إشارة نلمسها في الحديث الشريف إلى أن البرق‬
‫يسير بسرعة محددة‪ .‬ففي قوله صلى الله عليه وسلم‪( :‬فيمُّر‬
‫أوَّلكم كالبرق)‪ ،‬إشارة واضحة جدا ً إلى وجود زمن لمرور وتحرك‬
‫البرق! وكما قلنا كان العتقاد السائد وحتى زمن قريب هو أن‬
‫البرق والضوء ل يحتاجان لزمن ليمّرا‪ .‬ولكن الحقائق العلمية‬
‫التي رأيناها في هذا البحث تثبت أن البرق يمّر ويخطو ويتحرك‪.‬‬
‫وكما رأينا تسير الضربة الراجعة بسرعة أكثر من مئة ألف كيلو‬
‫متر في الثانية‪ .‬ومع أننا ل ندرك هذه السرعة بأبصارنا إل أن‬
‫الصادق المصدوق عليه الصلة والسلم حدثنا عنها وأشار إليها‬
‫في قوله (كيف يمُّر ويرجع)‪.‬‬
‫الشارة الثانية في هذا الحديث الشريف‬
‫وتتضمن آلية مرور البرق ورجوعه في قوله عليه الصلة‬
‫والسلم‪( :‬ألم تروا إلى البرق كيف يمُّر ويرجع في طرفة‬
‫عين؟)‪،‬وهذا ما كشفه العلم مؤخراً‪ .‬فقد انتهى العلماء كما‬
‫شاهدنا من خلل الحقائق الواردة إلى أن البرق ما هو إل شرارة‬
‫كهربائية ضخمة‪ ،‬هذه الشرارة تحدث نتيجة تلمس الشحنة‬
‫الكهربائية السالبة الموجودة في الغيمة مع الشحنة الكهربائية‬
‫الموجبة الموجودة في الرض‪ ،‬وأن هنالك طورين رئيسيين ل‬
‫يمكن لومضة البرق أن تحدث من دونهما أبداً‪ ،‬وهما طور المرور‬
‫وطور الرجوع‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫وتأمل معي هذه المصطلحات العلمية‪ ،‬فكلمة "‪ "Step‬التي‬
‫يستخدمها العلماء للتعبير عن المرحلة الولى تعني "يخطو أو‬
‫يمر"‪ ،‬وكذلك كلمة "‪ "Return‬والتي يستخدمها العلماء للتعبير عن‬
‫طور الرجوع تعني "يرجع"‪ ،‬بما يتطابق مع التعابير النبوية‬
‫الشريفة!! وهذا يدل على دقة الكلم النبوي الشريف ومطابقته‬
‫للحقائق العلمية بشكل كامل‪ .‬ولكن ماذا يعني أن يستخدم‬
‫العلماء اليوم التعابير النبوية ذاتها؟‬
‫إنه يعني شيئا ً واحدا ً أل وهو أن الرسول الكريم حدثنا عن حقائق‬
‫يقينية وكأننا نراها‪ ،‬وذلك قبل أن يراها علماء عصرنا هذا‪ .‬ويدل‬
‫أيضا ً على إعجاز غيبي في كلم هذا النبي المي عليه الصلة‬
‫والسلم‪ .‬فم الذي أخبره بأن العلماء بعده بأربعة عشر قرناً‬
‫سيستخدمون هذه الكلمات؟؟ ولو كان الرسول العظم كما‬
‫َ‬
‫يدَّعون أنه تعل ّم هذه العلوم من علماء عصره‪ ،‬إذن لجاءنا‬
‫بالساطير والخرافات السائدة والتي كان يعتقد بها علماء ذلك‬
‫الزمان!!‬
‫الشارة الثالثة‬
‫هنالك إشارة رائعة في الحديث النبوي إلى الزمن اللزم لحدوث‬
‫البرق‪ ،‬فقد حدده الرسول العظم عليه وآله الصلة والسلم‬
‫بطرفة عين! والعمل الذي قمت به ببساطة أنني بحثت في‬
‫اكتشافات العلماء وقياساتهم الحديثة للزمن الذي تستغرقه‬
‫موجة البرق ذهابا ً وإيابا ً أي كم يستغرق البرق ليمّر ويرجع؟‬
‫فوجدت بأن الزمن هو أجزاء قليلة من الثانية‪ ،‬ويختلف هذا‬
‫الزمن من مكان لخر ومن وقت لخر‪ ،‬ومتوسط زمن البرق هو‬
‫عشرات الجزاء من اللف من الثانية (‪.)13‬‬
‫وبدأت أتساءل‪ :‬هل هنالك علقة بين الزمن اللزم لضربة البرق‪،‬‬
‫وبين الزمن اللزم لطرفة العين؟ وإذا كانت الزمنة متساوية إذن‬
‫يكون الحديث الشريف قد حدَّد زمن ضربة البرق قبل العلماء‬
‫بأربعة عشر قرناً‪ .‬وكانت المفاجأة وهي أنني عندما بحثت عن‬
‫زمن طرفة العين والمدَّة التي تبقى فيها العين مغلقة خلل هذه‬
‫ت بأن الزمن هو أيضا ً عشرات الجزاء من اللف‬ ‫الطرفة‪ ،‬وجد ُ‬
‫من الثانية!!! وهو نفس الزمن اللزم لضربة البرق (‪.)14‬‬
‫ت بأن زمن ضربة البرق يختلف من غيمة لخرى حسب‬ ‫ووجد ُ‬
‫بعدها عن الرض وحسب الظروف الجوية المحيطة‪ ،‬ولكن هذا‬
‫الزمن يبقى مقدرا ً بعدة عشرات من الميلي ثانية‪ ،‬وكذلك الزمن‬
‫اللزم لطرفة العين يختلف من إنسان لخر حسب الحالة‬
‫النفسية والفيزيولوجية‪ ،‬ولكنه أيضا ً يبقى مقدرا ً بعدة عشرات‬
‫من الميلي ثانية‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫وسبحان الله! ما هذه الدقة في تحديد الزمنة؟ أعطانا رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم الزمن والمجال الذي يتراوح ضمنه هذا‬
‫الزمن‪ ،‬فهل بعد هذا العجاز كلم لحد بأن أحاديث الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم ليست معجزة من الناحية العلمية‬
‫والكونية؟‬
‫رد ّ على شبهة‬
‫وقد يدعي بعضهم أن الرسول الكريم لم يأت بشيء جديد! فأي‬
‫بدوي يعيش في الصحراء ويراقب ظواهر الطبيعة يمكن أن يرى‬
‫مرور البرق ورجوعه! وهذا الكلم غير منطقي وغير علمي‪،‬‬
‫ولكي ل ندع مجال ً لكل من يعتقد بذلك ليشكك بإعجاز هذا‬
‫الحديث‪ ،‬فإننا نتوجه للعلماء بسؤال‪ :‬هل يمكن ملحظة عمليات‬
‫البرق هذه بالعين البشرية؟‬
‫وطبعا ً نجد الجواب بالنفي‪ ،‬فالعين ل يمكن أبدا أن تلحظ‬
‫ً‬
‫الحداث التي تتم في أجزاء من اللف من الثانية‪ ،‬فعلى الرغم‬
‫من أننا نرى وميض البرق يبدو وكأنه مستمر‪ ،‬إل أن الدراسة‬
‫الدقيقة أظهرت وجود عمليات ومراحل متتالية تتم خلل زمن‬
‫قصير جدا ً ل يمكن إدراكه بالعين‪.‬‬
‫وهذه دراسة حول البرق يقول صاحبها بالحرف الواحد (‪:)15‬‬
‫"‪A single flash is usually composed of many distinct luminous events (strokes) that‬‬
‫‪."often occur in such rapid succession that the human eye cannot resolve them‬‬
‫ومعنى هذا الكلم‪":‬الومضة الواحدة تتألف عادة من أطوار‬
‫متعددة النارة‪ ،‬ولكنها تحدث بتعاقب سريع ل يمكن للعين‬
‫البشرية أن تحلّله"‪.‬‬
‫ويمكن القول‪ :‬إن أية محاولة لنقد هذا الحديث الشريف أو‬
‫التقليل من أهميته العلمية لن تنجح‪ ،‬وذلك لنه شديد الوضوح‪.‬‬
‫ولكي ندفع أي شك في ذلك فسوف نلجأ إلى اللغة العربية‬
‫ونبحث عن المعنى المباشر لكلمتي (يمّر) و(يرجع)‪ ،‬لندرك بما ل‬
‫يقبل الشك أن ما تعنيه هاتين الكلمتين مطابق تماما ً لما رأيناه‬
‫في هذا البحث‪.‬‬
‫المعنى المباشر للكلمتين‬
‫َ‬
‫مًّرا أي اجتاز‪ .‬و‬ ‫مُّر َ‬‫مَّر علـيه وبه ي َ ُ‬
‫جاء في لسان العرب‪" :‬مرر‪َ :‬‬
‫مَّر‬
‫ب‪ ،‬واستمّر مثله‪ .‬قال ابن سيده‪َ :‬‬ ‫مروراً‪ :‬ذَهَ َ‬ ‫مًّرا و ُ‬ ‫مُّر َ‬ ‫مَّر ي َ ُ‬‫َ‬
‫مرورا ً جاء وذهب"‪ .‬وجاء في القاموس المحيط معنى‬ ‫مًّرا و ُ‬ ‫مُّر َ‬ ‫يَ ُ‬
‫مَّرهُ‪ ،‬ومّر به‪ :‬جاَز عليه‪.‬‬ ‫ب‪َ .‬‬‫مروراً‪ :‬جاَز وذَهَ َ‬ ‫مّرا ً و ُ‬‫مَّر َ‬‫(مّر)‪َ " :‬‬
‫ضى على طَريقَةٍ واحدَةٍ"‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫مَّر‪َ :‬‬‫ست َ َ‬ ‫وا ْ‬

‫‪204‬‬
‫ع‬
‫ج ُ‬
‫جعَ يَْر ِ‬
‫جعَ) فنجد معناها في القاموس المحيط‪َ" :‬ر َ‬ ‫أما كلمة (َر َ‬
‫جعاً‪ ،‬ورجع الشيء َ‬
‫صَرفَه وَردَّه‪ ،‬الَّرجيعُ من الكلمِ‪:‬‬ ‫ُرجوعا ً و َ‬
‫مْر ِ‬
‫م‪ :‬عاوَدَه"‪.‬‬ ‫جعَه الكل َ‬
‫حبِه‪ ،‬ورا َ‬
‫مْردود ُ إلى صا ِ‬ ‫ال َ‬
‫ونلحظ المعنى الواضح لمرور البرق‪ ،‬أي ذهابه ثم رجوعه أي‬
‫ردّه ومعاودته وسلوكه للطريق ذاتها‪ ،‬أي استخدام نفس القناة‬
‫التي تم تأسيسها من قبل‪ .‬وفي كلتا الكلمتين نلحظ إشارة‬
‫للتكرار والمعاودة‪ ،‬وهذا ما يحدث تماما ً في ومضة البرق من‬
‫تعدد لضربات البرق وتكرارها ورجوعها ومعاودتها المراحل ذاتها‪.‬‬
‫الشارة الرابعة‬
‫في قول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم (ألم تروا)‪ ،‬معجزة‬
‫علمية أيضاً‪ ،‬ففي عصر الصحابة وهم المعنيون بالحديث‪ ،‬فإنهم‬
‫لم يدركوا هذا المعنى العلمي لمرور البرق ورجوعه‪ ،‬بسبب عدم‬
‫وجود وسائل لقياس زمن البرق في عصرهم‪ .‬ولكنهم صدَّقوا كل‬
‫كلمة يقولها نبيّهم وقدوتهم وأسوتهم محمد عليه وآله الصلة‬
‫والسلم‪ .‬وبما أننا استطعنا اليوم رؤية مرور البرق ورجوعه‪ ،‬أي‬
‫تحقّق قولُه صلى الله عليه وسلم‪( :‬ألم تروا إلى البرق كيف يمُّر‬
‫ويرجع؟)‪ ،‬أل تظن معي أن الحديث النبوي الشريف يخاطب‬
‫علماء هذا العصر!؟‬
‫كذلك في تشبيه الرسول الكريم عليه الصلة والسلم للبرق‬
‫بطرفة العين كل الدقة العلمية‪ ،‬وليس غريبا ً أن نجد أن العلماء‬
‫اليوم يستخدمون التعبير النبوي ذاته!! وهذه إحدى الدراسات عن‬
‫البرق والرعد يصف مؤلفها ضربة البرق وما تحدثه من تسخين‬
‫وتمدد وتقلص للهواء (‪:)16‬‬
‫‪A lightning strike can heat the air in a fraction of a second. When air is heated that‬‬
‫‪quickly, it expands violently and then contracts, like an explosion that happens in the‬‬
‫‪.blink of an eye‬‬
‫وهذا يعني‪:‬‬
‫"ضربة البرق تسخن الهواء في جزء من الثانية‪ .‬عندما يسخن‬
‫الهواء بسرعة‪ ،‬يتمدد بعنف ثم يتقلص‪ ،‬مثل انفجار يحدث في‬
‫طرفة عين"‪.‬‬
‫إذن علماء عصر الفضاء والذرة والكومبيوتر يستخدمون التشبيه‬
‫النبوي ذاته‪ ،‬أل يعني ذلك أن العلم النبوي أعظم وأكبر من علوم‬
‫البشر؟ أل يعني هذا أن الكلم الذي جاء به رسول الله ل يمكن‬
‫أن يكون من عنده‪ ،‬بل هو من عند الله تعالى؟ أكرمه بالمعجزات‬
‫في كلمه أثناء حياته وبعد موته وإلى يوم القيامة‪ ،‬لتكون أحاديث‬
‫الرسول الكريم شاهدة على صدق رسالته للناس جميعاً‪.‬‬
‫نتائج البحث ووجوه العجاز‬

‫‪205‬‬
‫لنلخص أهم النتائج التي توصلنا إليها في هذا البحث والتي تمثل‬
‫معجزات علمية في مجال هندسة الكهرباء والبرق‪ ،‬جميعها في‬
‫كلمات ل يتجاوز عددها السطر الواحد‪:‬‬
‫من الحديث الشريف إشارة واضحة لتحرك البرق ومروره‬ ‫‪ -1‬تض ّ‬
‫وأنه يسير بسرعة محددة‪ ،‬وليس كما كان يُظن ويعتقد بأن البرق‬
‫يسير بلمح البصر ول وجود لي زمن‪.‬‬
‫من الحديث إشارة إلى أطوار البرق التي اكتشفها العلماء‬ ‫‪ -2‬تض ّ‬
‫حديثاً‪ ،‬وأن البرق يحدث على مراحل وليس كما كان يعتقد أنه‬
‫يحدث دفعة واحدة‪ ،‬أي أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم‬
‫حدد المراحل الساسية التي يحدث خللها البرق‪ ،‬ومن دونها ل‬
‫يمكن لضربة البرق أن تحدث أبداً‪.‬‬
‫‪ -3‬حدّد الحديث الشريف اسم كل مرحلة (يمّر ويرجع)‪ ،‬باسمها‬
‫الحقيقي والفعلي‪ ،‬وبما يتناسب مع السم العلمي لها‪ .‬أيضاً‬
‫حح ما‬ ‫الرسول الكريم هو أول من تحدث عن رجوع البرق وص ّ‬
‫نتوهمه من أننا نرى ومضة واحدة‪ ،‬والحقيقة أن هنالك عدة‬
‫ضربات راجعة‪.‬‬
‫‪ -4‬حدّد الحديث النبوي زمن ضربة البرق الواحدة بطرفة عين‪،‬‬
‫وقد رأينا كيف تساوى هذان الزمنان‪ ،‬أي أن التشبيه النبوي‬
‫للبرق بطرفة عين هو تشبيه دقيق جدا ً من الناحية العلمية‪.‬‬
‫خاتمة‬
‫وفي ختام هذا البحث ل بد ّ من الجابة عن سؤال قد يخطر ببال‬
‫من يقرأ هذا البحث للمرة الولى‪ :‬إذا كان هذا الحديث يتضمن‬
‫كل هذه الدقة العلمية والتفاصيل حول عملية البرق المعقدة‪،‬‬
‫فلماذا لم يكتشف علماء المسلمين هذه المراحل؟ بل على‬
‫العكس فإننا نرى بأن علماء الغرب وهم من غير المسلمين‬
‫يكتشفون هذه العمليات وهم لم يقرءوا هذا الحديث ولم يطلعوا‬
‫عليه؟‬
‫والجواب ببساطة أن المسلمين يصدّقوا كل ما جاء به محمد‬
‫عليه الصلة والسلم‪ ،‬ولكن غير المسلم هو من سيستفيد من‬
‫هذه الحقائق وهذه المعجزات لتكون برهانا ً ملموسا ً له على‬
‫صدق رسالة السلم‪ .‬فالنبي عليه الصلة والسلم عندما يخاطب‬
‫الملحدين بحقائق علمية هم من سيكتشفها فإن هذا قمة التفوق‬
‫والقناع بأن الرسول على حق!‬
‫والشيء المعجز حقا ً أ‪ ،‬الرسول العظم استخدم هذه المعجزة‬
‫العلمية أثناء الحديث عن القيامة التي ينكرها الملحدون‪ ،‬وكأنه‬
‫يريد أن يخاطبهم بلغة العلم التي يفهمونها جيدا ً ويؤكد لهم‪ :‬كما‬
‫أنهم رأوا حقيقة مرور البرق ورجوعه وهي حقيقة يقينية‪ ،‬فكذلك‬

‫‪206‬‬
‫سوف يرون حقيقة يوم القيامة والمرور على الصراط‪ .‬أليس‬
‫السلم يخاطب أعداءه بلغة العلم؟‬
‫أما المؤمن يزداد إيمانا ً عندما يرى هذه المعجزة النبوية‪ ،‬وإذا لم‬
‫تتيسر له رؤية هذه المعجزة أو غيرها فلن يختل إيمانه أبداً! بينما‬
‫الملحد ل تقنعه إل البراهين العلمية المادية‪ ،‬وما هذا الحديث إل‬
‫واحد منها‪ ،‬فهل تقتنع برسالة السلم يا صديقي الملحد؟! أم أنك‬
‫ستفتش كعادتك عن حجج واهية لتنقُد هذه المعجزة وتقلل من‬
‫شأنها؟‬
‫شكر ودعاء‬
‫نسأل الله تعالى أن يجعل في هذا البحث الخير والهداية والقناع‬
‫ك برسالة السلم وبنبوّة خاتم النبيين عليه الصلة‬ ‫لكل من يش ّ‬
‫ت انتباهنا لهذا‬ ‫والسلم‪ ،‬وأن يجزي الله خير الجزاء من لَفَ َ‬
‫الحديث الخ الكريم أبو همام حفظه الله وجعل ذلك في ميزانه‬
‫يوم القيامة‪ .‬وكذلك الخ الستاذ فراس مدير موقع موسوعة‬
‫العجاز العلمي لجهوده المباركة في تعريف الناس بمعجزات‬
‫ل من‬ ‫ل وسنَّة نبيّه عليه الصلة والسلم‪ ،‬وك ّ‬ ‫كتاب الله عّز وج ّ‬
‫يساهم في إعلء شأن هذا الدين الحنيف‪.‬‬
‫ب لكتاب الله وسنّة رسوله أن يتأمل أقوال‬ ‫وندعو كل مؤمن مح ّ‬
‫َ‬
‫الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ويتفك ّر في إعجازها‬
‫العلمي واللغوي والغيبي‪ ،‬فنحن أمام بحر يزخر بالعجائب‬
‫والسرار! والكنوز النبوية لم يُستخرج منها إل القليل‪ ،‬وهنالك‬
‫الكثير والكثير من الحاديث التي لم تُدرس بعد‪ ،‬وهي بانتظار من‬
‫ل حسب‬ ‫يستخرج إعجازها‪ .‬وأن نتعاون على البر والتقوى‪ ،‬ك ٌّ‬
‫ل وعل عسى أن نكون جميعاً‬ ‫اختصاصه‪ ،‬لنصل إلى مرضاة الله ج َّ‬
‫م كَانُوا‬‫من هؤلء الذين مدحهم الله في كتابه بقوله تعالى‪( :‬إِنَّهُ ْ‬
‫ت َويَدْع ُونَنَا َرغَبًا وََرهَبًا وَكَانُوا لَنَا‬ ‫خيَْرا ِ‬ ‫ن فِي ال ْ َ‬ ‫سارِعُو َ‬ ‫يُ َ‬
‫ن)[النبياء‪.]90 :‬‬ ‫شعِي َ‬‫خا ِ‬ ‫َ‬
‫وأخيراً‬
‫نتذكر قول الحقّ تعالى عن أولئك المشكّكين بكتاب الله وسنّة‬
‫رسول الله‪ ،‬والذين دأبوا على نقد أيّة معجزة نبوية تصادفهم‪،‬‬
‫وأنهم لن يحصدوا أية نتيجة من محاولتهم لطفاء نور الحق‪،‬‬
‫منها هذا الكلم النبوي‬ ‫مل المعجزات التي تض ّ‬ ‫وندعوهم لتأ ّ‬
‫ن‬
‫الشريف‪ ،‬وأن يستيقنوا بصدق كلم الله تعالى القائل‪( :‬يُرِيدُو َ‬
‫أ َن يطْفئُوا نور اللَّه بأَفْواههم ويأْبى الل َّ َ َ‬
‫م نُوَره ُ وَلَوْ كَرِ َ‬
‫ه‬ ‫ه إ ِ ّل أ ْ‬
‫ن يُت ِ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ِ َ ِ ِ ْ ََ َ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ ُ ِ‬
‫َ‬
‫قّ لِيُظْهَِرهُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫سول َ ُ ْ‬
‫ه بِالهُدَى وَدِي ِ‬ ‫ل َر ُ‬‫س َ‬ ‫ن * هُوَ ال ّذِي أْر َ‬ ‫الْكَافُِرو َ‬
‫ن)[التوبة‪.]33-32 :‬‬ ‫شرِكُو َ‬ ‫ن كُل ِّهِ وَلَوْ كَرِه َ ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫دّي ِ‬ ‫ع َلَى ال ِ‬
‫بقلم المهندس‪ :‬عبد الدائم الكحيل‬

‫‪207‬‬
‫باحث في إعجاز القرآن الكريم‬
‫‪newmiracle7@hotmail.com‬‬
‫ــــــــــــــــ‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫(‪ )1‬يعترف العلماء اليوم بأنهم ل يزالون يجهلون الكثير عن‬
‫العمليات الفيزيائية التي تحدث داخل البرق والعواصف الرعدية‪،‬‬
‫انظر مثل ً هذا البحث العلمي على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.aldis.at/research/index.html‬‬
‫عن البرق‪ :‬إننا لم نستطع‬ ‫(‪ )2‬جاء في إحدى الدراسات الحديثة‬
‫رؤية أطوار البرق إل عام ‪ 2000‬عندما تمكنّا من تصنيع آلة تصوير‬
‫تستطيع التقاط ‪ 1000‬صورة في الثانية الواحدة‪ .‬انظر المقالة‬
‫على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.aldis.at/research/projects.html‬‬
‫حول علقة البرق بأساطير‬ ‫(‪ )3‬يمكن مراجعة المقالت الواردة‬
‫الغريق على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.crystalinks.com/greekmythology.html‬‬
‫شيقة ومبسطة على موقع‬ ‫(‪)4‬يرجى الطلع على سلسلة مقالت‬
‫وكالة ناسا حول مبادئ البرق‪ ،‬وذلك على الرابطين‪:‬‬
‫‪/http://thunder.nsstc.nasa.gov/primer‬‬
‫‪http://thunder.nsstc.nasa.gov/shuttle.html‬‬
‫(‪ )5‬يمكن مراجعة هذه المعلومات من على هذا الرابط‪:‬‬
‫‪http://earthobservatory.nasa.gov/Study/aces/index.html‬‬
‫(‪ )6‬انظر مقالة موسعة حول أنواع البرق على الرابط‪:‬‬
‫‪http://en.wikipedia.org/wiki/Lightning‬‬
‫(‪ )7‬هذه الحقائق واردة على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.srh.noaa.gov/mlb/ltgcenter/ltg_facts.html‬‬
‫تشكله‬ ‫(‪ )8‬يمكن مراجعة هذا المسرد المطوّل حول البرق وآلية‬
‫على أحد المواقع المتخصصة في دراسات البرق والحماية منه‬
‫على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.lightningeliminators.com/Lightning%20101/lightning_glossary.htm‬‬
‫(‪ )9‬المعلومات من على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.educ.uvic.ca/Faculty/mroth/438/LIGHTENING/JASONS/Formation5.htm‬‬
‫‪l‬‬
‫(‪ )10‬يمكن مطالعة المبادئ المبسطة للبرق الواردة على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.srh.noaa.gov/srh/jetstream/lightning/lightning_max.htm‬‬
‫(‪ )11‬مقالة حول البرق متوفرة على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.fma-research.com/Q&A.htm‬‬
‫(‪ )12‬روى المام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله‬
‫عنه في وصف الصراط ومرور الناس عليه يوم القيامة قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪( :‬وترسل المانة والرحم‬

‫‪208‬‬
‫فتقومان على جنبتي الصراط يمينا وشمالً‪ ،‬فيمر أولكم كالبرق)‪،‬‬
‫قال‪ :‬قلت بأبي أنت وأمي‪ ،‬أي شيء كالبرق؟ قال‪( :‬الم تروا إلى‬
‫البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟ ثم كمر الريح‪ ،‬ثم كمر‬
‫الطير وشد الرحال‪ ،‬تجري بهم أعمالهم‪ ،‬ونبيكم قائم على‬
‫الصراط يقول رب سل ِّم سل ِّم‪ ،‬حتى تعجز أعمال العباد‪ ،‬حتى‬
‫يجيء الرجل فل يستطيع السير إل زحفا) [رواه مسلم]‪.‬‬
‫(‪)13‬يحدد العلماء الزمن المنقضي بين ضربة البرق ورجوعها‬
‫بعشرات الميلي ثانية على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.lightningeliminators.com/Lightning%20101/lightning_glossary.htm‬‬
‫وانظر أيضا ً هذا البحث‪:‬‬
‫‪http://www.fma-research.com/Q&A.htm‬‬
‫بحث حول قياس مدة ومضات البرق وجاء فيه أن القياسات‬
‫الحديثة تظهر مدة ومضة البرق (التردد العالي جداً) يستمر‬
‫لعشرات قليلة من الميلي ثانية‪ ،‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.pa.op.dlr.de/eulinox/publications/finalrep/Thery1/Final_Report_Thery1a.h‬‬
‫‪tml‬‬
‫حقائق عن البرق وفيها أن البرق بجميع أطواره الذهاب والياب‬
‫يستغرق عدة عشرات من الميلي ثانية‪ .‬على الرابط‪:‬‬
‫‪http://home.earthlink.net/~jimlux/lfacts.htm‬‬
‫المنقضي خلل طرفة العين‬ ‫(‪ )14‬في بحث موسع يحدد الزمن‬
‫ميلي ثانية‪ .‬على الرابط‪:‬‬ ‫وسطيا ً ‪50-30‬‬
‫‪http://www.freepatentsonline.com/4059348.html‬‬
‫ميلي‬ ‫‪25‬‬ ‫وفي دراسة إحصائية فإن الزمن اللزم لطرفة عين هو‬
‫ثانية حسب الحصائيات‪ ،‬وذلك على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.csgnetwork.com/timemath.html‬‬
‫(‪ )15‬مقالة بعنوان "ما هو البرق" على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.srh.noaa.gov/mlb/ltgcenter/whatis.html‬‬
‫وجاء في إحدى المقالت "ل تستطيع العين التمييز بين الضربات‬
‫المتتالية للبرق"‪ ،‬المقالة على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.lightningeliminators.com/Lightning%20101/lightning_glossary.htm‬‬
‫(‪ )16‬يمكن مراجعة هذه المقالة على الرابط‪:‬‬
‫‪http://weathereye.kgan.com/cadet/lightning/glossary.html#thunder‬‬
‫المراجع من المقالت والبحاث الجديدة على النترنت‬
‫يمكنك عزيزي القارئ الرجوع مباشرة إلى هذه المقالت‬
‫والبحاث المفيدة حول موضوع البرق‪ ،‬وأحدث ما وصل إليه‬
‫العلماء من معلومات حول هذه الظاهرة‪ ،‬وذلك من خلل‬
‫الروابط المذكورة‪:‬‬
‫‪ -1‬مجموعة شيقة من المقالت على موقع وكالة الفضاء‬
‫المريكية ناسا حول مبادئ البرق‪ .‬هذه السلسلة متوفرة على‬
‫الرابط‪/http://thunder.msfc.nasa.gov :‬‬

‫‪209‬‬
:‫ مقالة عن البرق على الرابط‬-2
http://www.crystalinks.com/lightning.html
:‫ "أسرار صدمة البرق" على الرابط‬:‫ مقالة بعنوان‬-3
http://www.nytimes.com/library/national/science/071800sci-environ-lightning.html
:‫ مقالة بعنوان "درس في البرق" على الرابط‬-4
http://www.srh.noaa.gov/abq/preparedness/ffwxwk.htm#Lightning%20-
%20Frequently%20Asked%20Questions
‫ مقالة بعنوان "ماذا يحدث عندما يلتقي البرق والنسان" على‬-5
:‫موقع وكالة ناسا على الرابط‬
http://science.nasa.gov/newhome/headlines/essd18jun99_1.htm
‫من البرق على‬ ‫ مقالة بعنوان "آلية الرعد" على موقع السلمة‬-6
:‫الرابط‬
http://www.lightningsafety.com/nlsi_info/thunder.html
‫العواصف الرعدية‬ ‫ مقالة بعنوان "الشحنات الموجودة في‬-7
:‫والبرق" على الرابط‬
http://www.ce-mag.com/archive/02/09/mrstatic.html
:‫ مقالة بعنوان "علم البرق" على موقع الفضاء‬-8
http://www.space.com/scienceastronomy/lightning_backgrounder.html
:‫ دراسة حول تأثيرات البرق على موقع السلمة من البرق‬-9
http://www.lightningsafety.com/nlsi_lhm/effect.html
:‫ معلومات مهمة حول البرق على الرابط‬-10
http://hyperphysics.phy-astr.gsu.edu/hbase/electric/lightning2.html#c2
‫ كذلك يمكن مراجعة المقالت المنشورة حول البرق ومراحل‬-11
:‫تشكله على الروابط التالية‬
http://science.msfc.nasa.gov/newhome/headlines/essd24may99_1.htm
http://wwwghcc.msfc.nasa.gov/overview/lightning.html
http://science.msfc.nasa.gov/newhome/headlines/essd16jun99_1.htm
http://earthobservatory.nasa.gov/Study/aces/index.html
http://www.thomson.ece.ufl.edu/lightning/SGEB17.html
http://www.physicstoday.org/pt/vol-54/iss-11/p41.html
http://home.earthlink.net/~jimlux/lfacts.htm
http://hyperphysics.phy-astr.gsu.edu/hbase/electric/ligseq.html
:‫المراجع من الكتب‬
‫كما يمكن الرجوع لكتاب "البرق" للكاتب المعروف مارتن‬
‫ والذي يعتبر من المراجع الساسية في هذا العلم والصادر‬،‫يومان‬
:1984 ‫عام‬
.Martin A. Uman, Lightning, Dover Publications, Inc. New York, 1984
‫ والصادر‬Dean R. Koontz ‫وكذلك كتاب "البرق" لمؤلفه دين كونتز‬
.2003 ‫عام‬
---------------------
‫تكثير‬. .)4(‫ القول القوم في معجزات النبي الكرم‬.22
‫ كلم الشجرة وشهادتها بالنبوة‬،‫الطعام ببركته‬

210
‫الفصل الرابع عشر‪:‬‬
‫ومـن معجـزاته تكثـيـر الطعـام ببـركته ودعائـه‬
‫حدثنا القاضي الشهيد أبو علي رحمه الله‪ ،‬حدثنا العذري‪ ،‬حدثنا‬
‫الرازي‪ ،‬حدثنا الجلودي‪ ،‬حدثنا ابن سفيان‪ ،‬حدثنا مسلم بن‬
‫الحجاج‪ ،‬حدثنا سلمة بن شبيب‪ ،‬حدثنا الحسن بن أعين‪ ،‬حدثنا‬
‫معقل‪ ،‬عن أبي الزبير‪ ،‬عن جابر ـ أن رجل ً أتى النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم يستطعمه‪ ،‬فأطعمه شطر وسق شعير‪ ،‬فما زال يأكل‬
‫منه وامرأته وضيفه حتى كالَه‪ ،‬فأتى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فأخبره‪ ،‬فقال‪" :‬لو لم تكِلْه لكَلتم منه ولقام بكم"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه مسلم في كتاب الفضائل قال‪:‬‬
‫حدثني سلمة بن شبيب‪ .‬حدثنا الحسن بن أعين‪ .‬حدثنا معقل عن‬
‫أبي الزبير‪ ،‬عن جابر؛‬
‫أن رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه‪ .‬فأطعمه‬
‫شطر وسق شعير‪ .‬فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما‪.‬‬
‫حتى كاله‪ .‬فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪" :‬لو لم تكله‬
‫لكلتم منه‪ ،‬ولقام لكم"‪.‬‬
‫‪-‬ومن ذلك حديث أبي طلحة المشهور‪ ،‬وإطعامه صلى الله عليه‬
‫وسلم ثمانين أو سبعين رجل ً من أقراص من شعير جاء بها أنس‬
‫تحت يده‪ ،‬أي إبطه‪ ،‬فأمر بها ففُتِّت‪ ،‬و قال فيهما ما شاء الله أن‬
‫يقول‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أشار إلى حديث أنس المتفق عليه والذي رواه البخاري‬
‫في كتاب اليمان والنذور‬
‫حدثنا قتيبة‪ ،‬عن مالك‪ ،‬عن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة‪ :‬أنه‬
‫سمع أنس بن مالك قال‪ :‬قال أبو طلحة لم سليم‪:‬‬
‫لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفاً‪،‬‬
‫أعرف فيه الجوع‪ ،‬فهل عندك من شيء؟ فقالت‪ :‬نعم‪ ،‬فأخرجت‬
‫أقراصا ً من شعير‪ ،‬ثم أخذت خمارا ً لها‪ ،‬فلفت الخبز ببعضه‪ ،‬ثم‬
‫أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فذهبت فوجدت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس‪،‬‬
‫فقمت عليهم‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أأرسلك‬
‫أبو طلحة)‪ .‬فقلت‪ :‬نعم‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫لمن معه‪( :‬قوموا)‪ .‬فانطلقوا وانطلقت بين أيديهم‪ ،‬حتى جئت أبا‬
‫طلحة فأخبرته‪ ،‬فقال أبو طلحة‪ :‬يا أم سليم‪ ،‬قد جاء رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم والناس‪ ،‬وليس عندنا من الطعام ما‬
‫نطعمهم‪ ،‬فقالت‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ ،‬فانطلق أبو طلحة حتى‬
‫لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فأقبل رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وأبو طلحة حتى دخل‪ ،‬فقال رسول الله صلى‬

‫‪211‬‬
‫مي يا أم سليم ما عندك)‪ .‬فأتت بذلك الخبز‪،‬‬ ‫الله عليه وسلم‪( :‬هل ِّ‬
‫قال‪ :‬فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك الخبز ففت‪،‬‬
‫وعصرت أم سليم عكَّة لها فأدمته‪ ،‬ثم قال فيه رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول‪ ،‬ثم قال‪( :‬ائذن لعشرة)‪.‬‬
‫فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا‪ ،‬ثم خرجوا‪ ،‬ثم قال‪( :‬ائذن لعشرة)‪.‬‬
‫فأذن لهم‪ ،‬فأكل القوم كلهم وشبعوا‪ ،‬والقوم سبعون أو ثمانون‬
‫رجلً‪...‬‬
‫ومسلم في كتاب الشربة قال‪:‬‬
‫حدثنا يحيى بن يحيى‪ .‬قال‪ :‬قرأت على مالك بن أنس عن إسحاق‬
‫بن عبد الله ابن أبي طلحة؛ أنه سمع أنس بن مالك يقول‪ :‬قال‬
‫أبو طلحة لم سليم‪:‬‬
‫قد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفًا‪.‬‬
‫أعرف فيه الجوع‪ .‬فهل عندك من شيء؟ فقالت‪ :‬نعم‪ .‬فأخرجت‬
‫صا من شعير‪ :‬ثم أخذت خماًرا لها‪ .‬فلفت الخبز ببعضه‪ ،‬ثم‬ ‫أقرا ً‬
‫دسته تحت ثوبي‪ .‬وردتني ببعضه‪ .‬ثم أرسلتني إلى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬قال فذهبت به فوجدت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم جالسا في المسجد‪ .‬ومعه الناس‪ .‬فقمت عليهم‪.‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪( :‬أرسلك أبو طلحة؟)‬
‫قال فقلت‪ :‬نعم‪ .‬فقال (ألطعام؟) فقلت‪ :‬نعم‪ .‬فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم لمن معه‪( :‬قوموا) قال فانطلق وانطلقت‬
‫بين أيديهم‪ .‬حتى جئت أبا طلحة‪ .‬فأخبرته‪ .‬فقال أبو طلحة‪ :‬يا أم‬
‫سليم! قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس‪ .‬وليس‬
‫عندنا ما نطعمهم‪ .‬فقالت‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬قال فانطلق أبو‬
‫طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم معه حتى دخل‪ .‬فقال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪( :‬هلمي‪ .‬ما عندك‪ .‬يا أم سليم!)‬
‫فأتت بذلك الخبز‪ .‬فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ففت‪ .‬وعصرت عليه أم سليم عكة لها فأدمته‪ .‬ثم قال فيه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول‪ .‬ثم قال‪:‬‬
‫(ائذن لعشرة) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا‪ .‬ثم خرجوا‪ .‬ثم قال‪:‬‬
‫(ائذن لعشرة) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا‪ .‬ثم قال‪:‬‬
‫(ائذن لعشرة) حتى أكل القوم كلهم وشبعوا‪ .‬والقوم سبعون‬
‫رجل ً أو ثمانون‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‪ .‬حدثنا عبد الله بن نمير‪ .‬ح وحدثنا‬
‫ابن نمير (واللفظ له)‪ .‬حدثنا أبي‪ .‬حدثنا سعد بن سعيد‪ .‬حدثني‬
‫أنس ابن مالك قال‪:‬‬

‫‪212‬‬
‫بعثني أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لدعوه‪.‬‬
‫ما‪ .‬قال فأقبلت ورسول الله صلى الله عليه‬ ‫وقد جعل طعا ً‬
‫وسلم مع الناس‪ .‬فنظر إلي فاستحييت فقلت‪ :‬أجب أبا طلحة‪.‬‬
‫فقال للناس‪( :‬قوموا) فقال أبو طلحة‪ :‬يا رسول الله! إنما صنعت‬
‫لك شيئًا‪ .‬قال فمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا‬
‫فيها بالبركة‪ .‬ثم قال‪( :‬أدخل نفًرا من أصحابي‪ ،‬عشرة) وقال‪:‬‬
‫(كلوا) وأخرج لهم شيئًا من بين أصابعه‪ .‬فأكلوا حتى شبعوا‪.‬‬
‫فخرجوا‪ .‬فقال‪( :‬أدخل عشرة) فأكلوا حتى شبعوا‪ .‬فما زال‬
‫يدخل عشرة ويخرج عشرة حتى لم يبق منهم أحد إل دخل‪ ،‬فأكل‬
‫حتى شبع‪ .‬ثم هيأها‪ .‬فإذا هي مثلها حين أكلوا منها‪.‬‬
‫‪ -‬وحدثني سعيد بن يحيى الموي‪ .‬حدثني أبي‪ .‬حدثنا سعد بن‬
‫سعيد‪ .‬قال‪ :‬سمعت أنس ابن مالك قال‪ :‬بعثني أبو طلحة إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬وساق الحديث بنحو حديث‬
‫ابن نمير‪ .‬غير أنه قال في آخره‪ :‬ثم أخذ ما بقي فجمعه‪ .‬ثم دعا‬
‫فيه بالبركة‪ .‬قال فعاد كما كان‪ .‬فقال‪( :‬دونكم هذا)‪.‬‬
‫‪ -‬وحدثني عمرو الناقد‪ .‬حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي‪ .‬حدثنا‬
‫عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بن عمير‪ ،‬عن عبد الرحمن بن‬
‫أبي ليلى‪ ،‬عن أنس بن مالك‪ .‬قال‪ :‬أمر أبو طلحة أم سليم أن‬
‫ما لنفسه خاصة‪ .‬ثم‬ ‫تصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعا ً‬
‫أرسلني إليه‪ .‬وساق الحديث‪ .‬وقال فيه‪:‬‬
‫فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده وسمى عليه‪ .‬ثم قال‪:‬‬
‫(ائذن لعشرة) فأذن لهم فدخلوا‪ .‬فقال‪( :‬كلوا وسموا الله)‬
‫فأكلوا‪ .‬حتى فعل ذلك بثمانين رجلً‪ .‬ثم أكل النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بعد ذلك وأهل البيت‪ .‬وتركوا سؤًرا‪.‬‬
‫‪ -‬وحدثنا عبد بن حميد‪ .‬حدثنا عبد الله بن مسلمة‪ .‬حدثنا عبد‬
‫العزيز بن محمد عن عمرو بن يحيى‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أنس بن‬
‫مالك‪ ،‬بهذه القصة‪ ،‬في طعام أبي طلحة‪ ،‬عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ .‬وقال فيه‪:‬‬
‫فقام أبو طلحة على الباب‪ .‬حتى أتى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فقال له‪ :‬يا رسول الله! إنما كان شيء يسير‪ .‬قال‪:‬‬
‫(هلمه‪ .‬فإن الله سيجعل فيه البركة)‪.‬‬
‫‪ -‬وحدثنا عبد بن حميد‪ .‬حدثنا خالد بن مخلد البجلي‪ .‬حدثني محمد‬
‫بن موسى‪ .‬حدثني عبد الله ابن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس‬
‫بن مالك‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬بهذا الحديث‪ .‬وقال‬
‫فيه‪ :‬ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل أهل البيت‪.‬‬
‫وأفضلوا ما أبلغوا جيرانهم‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫‪ -‬وحدثنا الحسن بن علي الحلواني‪ .‬حدثنا وهب بن جرير‪ .‬حدثنا‬
‫أبي‪ .‬قال‪ :‬سمعت جرير ابن زيد يحدث عن عمرو بن عبد الله بن‬
‫أبي طلحة‪ ،‬عن أنس بن مالك‪ .‬قال‪:‬‬
‫رأى أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في‬
‫المسجد‪ .‬يتقلب ظهًرا لبطن‪ .‬فأتى أم سليم فقال‪ :‬إني رأيت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا في المسجد‪ .‬يتقلب‬
‫ظهًرا لبطن‪ .‬وأظنه جائ ًعا‪ .‬وساق الحديث‪ .‬وقال فيه‪ :‬ثم أكل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة وأم سليم وأنس بن‬
‫مالك‪ .‬وفضلت فضلة‪ .‬فأهديناه لجيراننا‪.‬‬
‫‪ -‬وحدثني حرملة بن يحيى التجيبي‪ .‬حدثنا عبد الله بن وهب‪.‬‬
‫أخبرني أسامة؛ أن يعقوب ابن عبد الله بن أبي طلحة النصاري‬
‫حدثه؛ أنه سمع أنس بن مالك يقول‪:‬‬
‫سا مع‬ ‫ما‪ .‬فوجدته جال ً‬
‫جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم يو ً‬
‫أصحابه يحدثهم‪ ،‬وقد عصب بطنه بعصابة ‪ -‬قال أسامة‪ :‬وأنا أشك‬
‫‪ -‬على حجر‪ .‬فقلت لبعض أصحابه‪ :‬لم عصب رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم بطنه؟ فقالوا‪ :‬من الجوع‪ .‬فذهبت إلى أبي‬
‫طلحة‪ ،‬وهو زوج أم سليم بنت ملحان‪ .‬فقلت‪ :‬يا أبتاه! قد رأيت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عصب بطنه بعصابة‪ .‬فسألت‬
‫بعض أصحابه فقالوا‪ :‬من الجوع‪ .‬فدخل أبو طلحة على أمي‪.‬‬
‫فقال‪ :‬هل من شيء؟ فقالت‪ :‬نعم‪ .‬عندس كسر من خبز‬
‫وتمرات‪ .‬فإن جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده‬
‫أشبعناه‪ .‬وإن جاء آخر معه قل عنهم‪ .‬ثم ذكر سائر الحديث‬
‫بقصته‪.‬‬
‫‪ -‬وحدثني حجاج بن الشاعر‪ .‬حدثنا يونس بن محمد‪ .‬حدثنا حرب‬
‫بن ميمون عن النضر بن أنس‪ ،‬عن أنس بن مالك‪ ،‬عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬في طعام أبي طلحة‪ ،‬نحو حديثهم‪.‬‬
‫‪-‬وحديث جابر في إطعامه صلى الله عليه وسلم يوم الخندق‬
‫ألف رجل من صاع شعير وعناق‪.‬‬
‫وقال جابر‪ :‬فأقسم بالله لكلوا حتى تركوه وانحرفوا‪ ،‬وإن برمتنا‬
‫لتغط كما هي‪ ،‬وإن عجيننا ليخبز‪.‬‬
‫وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق في العجين‬
‫والبرمة‪ ،‬وبارك‪.‬‬
‫رواه عن جابر سعيد بن ميناء‪ ،‬وأيمن‪.‬‬
‫قلت‪ :‬حديث جابر متفق عليه‪ ،‬رواه البخاري في كتاب المغازي؛‬
‫قال‪:‬‬
‫‪-‬حدثنا خلد بن يحيى‪ :‬حدثنا عبد الواحد بن أيمن‪ ،‬عن أبيه قال‪:‬‬
‫أتيت جابًرا رضي الله عنه فقال‪ :‬إنا يوم الخندق نحفر‪ ،‬فعرضت‬

‫‪214‬‬
‫كدية شديدة‪ ،‬فجاءوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا‪ :‬هذه‬
‫كدية عرضت في الخندق‪ ،‬فقال‪( :‬أنا نازل)‪ .‬ثم قام وبطنه‬
‫معصوب بحجر‪ ،‬ولبثنا ثلثة أيام ل نذوق ذواقا‪ ،‬فأخذ النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم المعول فضرب الكدية‪ ،‬فعاد كثيبا أهيل‪ ،‬أو أهيم‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬ائذن لي إلى البيت‪ ،‬فقلت لمرأتي‪ :‬رأيت‬
‫بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئًا ما كان في ذلك صبر‪ ،‬فعندك‬
‫شيء؟ قالت‪ :‬عندي شعير وعناق‪ ،‬فذبحت العناق‪ ،‬وطحنت‬
‫الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة‪ ،‬ثم جئت النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم والعجين قد انكسر‪ ،‬والبرمة بين الثافي قد كادت‬
‫تنضج‪ ،‬فقلت‪ :‬طعم لي‪ ،‬فقم أنت يا رسول ورجل أو رجلن‪،‬‬
‫قال‪( :‬كم هو)‪ .‬فذكرت له‪ ،‬قال‪( :‬كثير طيب‪ ،‬قال‪ :‬قل لها‪ :‬ل‬
‫تنزع البرمة‪ ،‬ول الخبز من التنور حتى آتي‪ ،‬فقال‪ :‬قوموا)‪ .‬فقام‬
‫المهاجرون والنصار‪ ،‬فلما دخل على امرأته قال‪ :‬ويحك جاء‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والنصار ومن معهم‪،‬‬
‫قالت‪ :‬هل سألك؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪( :‬ادخلوا ول تضاغطوا)‪.‬‬
‫فجعل يكسر الخبز‪ ،‬ويجعل عليه اللحم‪ ،‬ويخمر البرمة والتنور إذا‬
‫أخذ منه‪ ،‬ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع‪ ،‬فلم يزل يكسر الخبز‪،‬‬
‫ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية‪ ،‬قال‪( :‬كلي هذا وأهدي‪ ،‬فإن‬
‫الناس أصابتهم مجاعة)‪.‬‬
‫‪ -‬حدثني عمرو بن علي‪ :‬حدثنا أبو عاصم‪ :‬أخبرنا حنظلة بن أبي‬
‫سفيان‪ :‬أخبرنا سعيد بن ميناء قال‪ :‬سمعت جابر بن عبد الله‬
‫رضي الله عنهما قال‪ :‬لما حفر الخندق رأيت بالنبي صلى الله‬
‫صا شديدًا‪ ،‬فانكفأت إلى امرأتي‪ ،‬فقلت‪ :‬هل‬ ‫عليه وسلم خم ً‬
‫عندك شيء؟ فإني رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫صا شديدًا‪ ،‬فأخرجت إلى جرابًا فيه صاع من شعير‪ ،‬ولنا بهيمة‬ ‫خم ً‬
‫داجن فذبحتها‪ ،‬وطحنت الشعير‪ ،‬ففرغت إلى فراغي‪ ،‬وقطعتها‬
‫في برمتها‪ ،‬ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪..‬‬
‫فقالت‪ :‬ل تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم وبمن‬
‫معه‪ ،‬فجئته فساررته‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا وطحنا‬
‫صاع ًا من شعير كان عندنا‪ ،‬فتعال أنت ونفر معك‪ ،‬فصاح النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال‪( :‬يا أهل الخندق إن جابًرا قد صنع‬
‫سوًرا‪ ،‬فحي هل بكم)‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫(ل تنزلن برمتكم‪ ،‬ول تخبزن عجينتكم حتى أجيء)‪ .‬فجئت وجاء‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس حتى جئت‬
‫امرأتي‪ ،‬فقالت‪ :‬بك وبك‪ ،‬فقلت‪ :‬قد فعلت الذي قلت‪ ،‬فأخرجت‬
‫له عجينًا فبصق فيه وبارك‪ ،‬ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك‪ ،‬ثم‬
‫قال‪( :‬ادع خابزة فلتخبز معي‪ ،‬واقدحي من برمتكم ول تنزلوها)‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫وهم ألف‪ ،‬فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا‪ ،‬إن برمتنا‬
‫لتغط كما هي‪ ،‬وإن عجيننا ليخبز كما هو‪...‬‬
‫ورواه مسلم في كتاب الشربة قٌال‪:‬‬
‫حدثني حجاج بن الشاعر‪ .‬حدثني الضحاك بن مخلد‪ ،‬من رقعة‬
‫عارض لي بها‪ ،‬ثم قرأه علي‪ .‬قال‪ :‬أخبرناه حنظلة بن أبي‬
‫سفيان‪ .‬حدثنا سعيد بن ميناء‪ .‬قال‪ :‬سمعت جابر بن عبد الله‬
‫يقول‪:‬‬
‫لما حفر الخندق رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫صا‪ .‬فانكفأت إلى امرأتي‪ .‬فقلت لها‪ :‬هل عندك شيء؟ فإني‬ ‫خم ً‬
‫صا شديدًا‪ .‬فأخرجت‬ ‫رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خم ً‬
‫لي جرابًا فيه صاع من شعير‪ .‬ولنا بهيمة داجن‪ .‬قال فذبحتها‬
‫وطحنت‪ .‬ففرغت إلى فراغي‪ .‬فقطعتها في برمتها‪ .‬ثم وليت إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ..‬فقالت‪ :‬ل تفضحني برسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ومن معه‪ .‬قال فجئته فساررته‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬يا رسول الله! إنا قد ذبحنا بهيمة لنا‪ .‬وطحنت صاع ًا من‬
‫شعير كان عندنا‪ .‬فتعال أنت في نفر معك‪ .‬فصاح رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وقال‪( :‬يا أهل الخندق! إن جابًرا قد صنع‬
‫لكم سوًرا‪ .‬فحيهل بكم) وقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪(:‬ل تنزلن برمتكم ول تخبرن عجينتكم‪ ،‬حتى أجئ) فجئت‬
‫وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس‪ .‬حتى جئت‬
‫امرأتي‪ .‬فقالت‪ :‬بك‪ .‬وبك‪ .‬فقلت‪ :‬قد فعلت الذي قلت لي‪.‬‬
‫فأخرجت له عجينتنا فبصق فيها وبارك‪ .‬ثم عمد إلى برمتنا فبصق‬
‫فيها وبارك‪ .‬ثم قال‪( :‬ادعي خابزة فلتخبز معك‪ .‬واقدحي من‬
‫برمتكم ول تنزلوها) وهم ألف‪ .‬فأقسم بالله لكلوا حتى تركوه‬
‫وانحرفوا‪ .‬وإن برمتنا لتغط كما هي‪ .‬وإن عجينتنا ‪ -‬أو كما قال‬
‫الضحاك ‪ -‬لتخبز كما هو‪...‬‬
‫‪-‬وعن ثابت مثله‪ ،‬عن رجل من النصار وامرأته‪ ،‬ولم يسمهما‪،‬‬
‫قال‪ :‬و جيء بمثل الكف‪ ،‬فجعل رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يبسطها في الناء ويقول ما شاء الله‪ ،‬فأكل منه من في‬
‫البيت والحجرة والدار‪ ،‬وكان ذلك قد امتل ممن قدم معه صلى‬
‫الله عليه وسلم لذلك‪ ،‬وبقي بعد ما شبعوا مثل ما كان في الناء‬
‫‪.‬‬
‫وحديث أبي أيوب أنه صنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ولبي بكر من الطعام زهاء ما يكفيهما‪ ،‬فقال له النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪( :‬ادع ثلثين من أشراف النصار) فدعاهم فأكلوا حتى‬
‫تركوا‪ ،‬ثم قال‪( :‬ادع ستين) فكان مثل ذلك‪ ،‬ثم قال‪( :‬ادع‬
‫سبعين) فأكلوا حتى تركوا‪ ،‬وما خرج منهم أحد حتى أسلم وبايع‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫قال أبو أيوب‪ :‬فأكل من طعامي مائة وثمانون رجلً‪.‬‬
‫قلت‪:‬أورده البيهقي في دلئل النبوة؛ ورواه الطبراني في‬
‫معجمه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ل‪،‬‬ ‫سَرائِي َ‬ ‫حاقُ بن أبِي إ ِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫حد ّثَنَا إ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‪َ ،‬‬ ‫خطاب ِ ُّ‬ ‫م بن ع َب ّاد ٍ ال َ‬ ‫َ‬ ‫س ُ‬ ‫حدَّثَنَا الْقَا ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أبِي‬ ‫حد ّثَنَا أبُو الوَْردِ‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫جَريْرِيُّ‪َ ،‬‬ ‫سعِيد ٌ ال ُ‬ ‫حد ّثَنَا َ‬ ‫حد ّثَنَا ع َبْد ُ الع ْلى‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ي صلى الله‬ ‫ت ل ِ َلنَّب ِ ِ ّ‬ ‫صنَعْ ُ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫ب‪ ،‬قَا َ‬ ‫ن أبِي أيُّو َ‬ ‫ي‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫م ِّ‬ ‫ضَر ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫مد ٍ ال ْ َ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ه‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫ما ب ِ ِ‬ ‫ما‪ ،‬فَأتَيْتُهُ َ‬ ‫فيهُ َ‬ ‫ما يَك ْ ِ‬ ‫ما قَدَْر َ‬ ‫عليه وسلم وَ َأبِي بَكْرٍ ط َعا ً‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ب فَادْع ُ لِي ثَلثِي َ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم‪ :‬اذْهَ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫لِي َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَ ْ‬
‫يءٌ أزِيدُهُ‪،‬‬ ‫ش ْ‬ ‫عنْدِي َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ت‪َ :‬‬ ‫ك‪ ،‬قُل ْ ُ‬ ‫ي ذَل ِ َ‬ ‫شقَّ ع َل َ َّ‬ ‫صارِ‪ ،‬فَ َ‬ ‫ف الن ْ َ‬ ‫شَرا ِ‬
‫شرا ِ َ‬ ‫ل‪ :‬اذْهَب فَادع ُ لِي ثَلثِين م َ‬ ‫َ‬
‫صارِ‪،‬‬ ‫ف الن ْ َ‬ ‫نأ ْ َ‬ ‫َ ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ت‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫فَكَأنِّي تَغَفَّل ْ ُ‬
‫َ‬
‫شهِدُوا‬ ‫م َ‬ ‫صدَُروا‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫حتَّى َ‬ ‫موا‪ ،‬فَأكَلُوا َ‬ ‫ل‪ :‬اطْعَ ُ‬ ‫جاءُوا‪ ،‬فَقَا َ‬
‫َ‬
‫م فَ َ‬ ‫فَدَع َْوتُهُ ْ‬
‫َ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫َ‬
‫جوا‪،‬‬ ‫خُر ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫لأ ْ‬ ‫م بَايَعُوه ُ قَب ْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ه َر ُ‬ ‫أن َّ ُ‬
‫ل أَبُو‬ ‫صارِ‪ ،‬قَا َ‬ ‫ف الن ْ َ‬
‫شرا ِ َ‬
‫نأ ْ َ‬
‫ل‪ :‬اذْهَب فَادع ُ لِي ستِين م َ‬
‫ِ ّ َ ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫م قَا َ‬ ‫ث ُ َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫م‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫ل‪ :‬فَدَع َْوتُهُ ْ‬ ‫ن‪ ،‬قَا َ‬ ‫َ‬ ‫منِّي بِالث ّلثِي‬ ‫جوَد ُ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ستِّي‬ ‫ب‪ :‬وَالل ّهِ لنَا ب ِ ِ‬ ‫أيُّو َ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫صدَُروا‪،‬‬ ‫حتَّى َ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم ‪ :‬تَوَقَّفُوا‪ ،‬فَأكَلُوا َ‬ ‫سو‬ ‫َر ُ‬
‫م بَاي َ ُعوه ُ قَب ْ َ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ث ُ َّ‬
‫ل‬ ‫ه َر ُ‬ ‫شهِدُوا أن ّ ُ‬
‫صارِ‪ ،‬قَا َ‬ ‫َ‬ ‫جوا‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ن الن ْ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ن ِ‬ ‫َ‬ ‫سعِي‬ ‫ب فَادْع ُ لِي ت ِ ْ‬ ‫ل‪ :‬اذْهَ ْ‬ ‫م قَا َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫م فَأَكَلُوا‬ ‫ل‪ :‬فَدَع َْوتُهُ ْ‬ ‫ن‪ ،‬قَا َ‬ ‫الث ّلثِي َ‬
‫منِّي ب َ‬
‫ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫َ‬ ‫ستِّي‬ ‫ن وَال ِّ‬ ‫َ‬ ‫سعِي‬ ‫جوَد ُ بِالت ِّ ْ‬
‫َ‬
‫فَلَنَا أ ْ‬
‫ل اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ث ُ َّ‬
‫م‬ ‫سو ُ‬ ‫ه َر ُ‬
‫َ‬
‫شهِدُوا أن َّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫صدَُروا‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫حتَّى‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جل‬ ‫ن َر ُ‬ ‫مانُو َ‬ ‫ة َوث َ َ‬ ‫مائ َ ٌ‬ ‫مي ذَل ِك ِ‬ ‫ن طعَا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫جوا‪ ،‬فَأك َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫لأ ْ‬ ‫بَايَعُوه ُ قَب ْ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫صار‪...‬‬ ‫ن الن ْ َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫كُل ّهُ ْ‬
‫‪-‬وعن سمرة بن جندب‪ :‬أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقصعة‬
‫فيها لحم‪ ،‬فتعاقبوها من غدوة حتى الليل‪ ،‬يقوم قوم ويقعد‬
‫آخرون‪.‬‬
‫قلت رواه البيهقي في دلئل النبوة؛ والنسائي في‬
‫َ‬ ‫مد ُ بن ب َ َّ‬
‫خبََرنَا‬ ‫شارٍ أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫حدَّثَنَا ُ‬ ‫سننه؛والترمذي في جامعه‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫ة‬
‫مَر َ‬ ‫س ُ‬ ‫ي ع َن أبي العلءِ ع َن َ‬ ‫ن التَّيم ُّ‬ ‫ما ُ‬ ‫سلِي َ‬ ‫خبََرنَا ُ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ن هَاُرو َ‬ ‫يزيد ُ ب ُ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ب قَا َ‬ ‫جند ُ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫ب ِ‬
‫ل من قَصعةٍ من‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم نتداو ُ‬ ‫‪" -‬كنَّا مع النَّب ّ‬
‫مدُّ؟‬ ‫م عشرة ٌ وتقعُد ُ عشرةٌ‪ .‬قلنَا فما كَانَت ت ُ َ‬ ‫غُدْوَةٍ حتَّى الليل تقو ُ‬
‫مد ُّ إل من ههنا وأشاَر بيدهِ إِلى‬ ‫ب ما كَانَت ت ُ َ‬ ‫ي شيءٍ تعج ُ‬ ‫ل من أ ِ ّ‬ ‫قَا َ‬
‫ح‪.‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن َ‬ ‫س ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ث َ‬ ‫حدِي ٌ‬ ‫ماءِ"‪ .‬هَذ َا َ‬ ‫س َ‬ ‫ال َّ‬
‫‪-‬ومن ذلك حديث عبد الرحمن بن أبي بكر‪ :‬كنا مع النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ثلثين ومائة‪ ،‬وذكر في الحديث أنه عجن صاع‬
‫من طعام‪ ،‬وصنعت شاة‪ ،‬فشوي سواد بطنها قال‪ :‬وأيم الله‪ ،‬ما‬
‫من الثلثين ومائة إل وقد حز له حزة ً من سواد بطنها ثم جعل منا‬

‫‪217‬‬
‫قصعتين‪ ،‬فأكلنا منها أجمعون‪ ،‬وفضل في القصعتين‪ ،‬فحملته‬
‫على البعير‪.‬‬
‫قلت‪ :‬حديث متغف عليه؛ رواه البخاري في كتاب الهبة وفضلها‪،‬‬
‫قال‪:‬‬
‫حدثنا أبو النعمان‪ :‬حدثنا المعتمر بن سليمان‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي‬
‫عثمان‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال‪:‬‬
‫كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلثين ومائة‪ ،‬فقال النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪( :‬هل مع أحد منكم طعام)‪ .‬فإذا مع رجل صاع‬
‫من طعام أو نحوه‪ ،‬فعجن‪ ،‬ثم جاء رجل مشرك‪ ،‬مشعان طويل‪،‬‬
‫بغنم يسوقها‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪( :‬بيعا أم عطية‪،‬‬
‫أو قال‪ :‬أم هبة)‪ .‬قال‪ :‬ل‪ ،‬بل بيع‪ ،‬فاشترى منه شاة‪ ،‬فصنعت‪،‬‬
‫وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بسواد البطن أن يشوى‪ ،‬وأيم‬
‫الله‪ ،‬ما في الثلثين والمائة إل قد حز النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم له حزة من سواد بطنها‪ ،‬إن كان شاهدًا أعطاها إياه‪ ،‬وإن‬
‫كان غائبًا خبأ له‪ ،‬فجعل منها قصعتين‪ ،‬فأكلوا أجمعون وشبعنا‪،‬‬
‫ففضلت القصعتان‪ ،‬فحملناه على البعير‪ ،‬أو كما قال‪.‬‬
‫وروا ه مسلم في كتاب الشربة قال‪:‬‬
‫مَر الْبَكَْراوِيّ َو‬ ‫ن عُ َ‬ ‫مد ُ ب ْ ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫معَاذ ٍ الْعَنْبَرِيّ وَ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ه بْ ُ‬ ‫وحدّثنا ع ُبَيْد ُ الل ّ ِ‬
‫ن (وَاللّفْ ُ‬
‫ظ‬ ‫ما َ‬ ‫سلَي ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ميعا ً ع َ‬ ‫ن ع َبْد ِ الَع ْل َ‬
‫مرِ بَ ْ ِ‬ ‫معْت َ ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ى‪َ .‬‬ ‫َ‬ ‫مد ُ ب ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ث‬‫حد ّ َ‬ ‫ن (وَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن أبِي ع ُث ْ َ‬ ‫حدّثَنَا أبِي ع َ ْ‬ ‫مُر‪َ .‬‬ ‫معْت َ ِ‬ ‫ْ‬
‫حدّثَنَا ال ُ‬ ‫معَاذٍ)‪َ .‬‬ ‫ن ُ‬
‫َ‬ ‫َلِب ْ ِ‬
‫ي صلى‬ ‫معَ النّب ِ ّ‬ ‫ل‪ :‬كُنّا َ‬ ‫ن أبِي بَكْرٍ‪ .‬قَا َ‬ ‫ن بْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ع َبْد ِ الّر ْ‬ ‫أيْضاً)‪ ،‬ع َ ْ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫ل النّب ِ ّ‬ ‫ة‪ .‬فَقَا َ‬ ‫مائ َ ً‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫الله عليه وسلم ثَلَثِي َ‬
‫ل مع أ َحد منك ُم طَعام؟" فَإذ َا مع رجل صاع ٌ من طَعام أوَ‬
‫َ ٍ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ِ َ َ َ ُ ٍ َ‬ ‫َ ٌ‬ ‫"هَ ْ َ َ َ ٍ ِ ْ ْ‬
‫سوقُهَا‪.‬‬ ‫ل‪ ،‬بِغَنَم ٍ ي َ ُ‬ ‫ن طَوِي ٌ‬ ‫ش َعا ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫شرِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪ُ ،‬‬ ‫ج ٌ‬ ‫جاءَ َر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫ج َ‬ ‫حوُهُ‪ .‬فَعُ ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ة أوْ قَا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فَقَا َ‬
‫لأ ْ‬ ‫م عَطِي ّ ٌ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم‪" :‬أبَيْعٌ أ ْ‬ ‫ل النّب ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ل‪ :‬لَ‪ .‬ب َ ْ‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫مَر َر ُ‬ ‫ت‪ .‬وَأ َ‬ ‫صنِعَ ْ‬ ‫شاةً‪ .‬فَ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫شتََرىَ ِ‬ ‫ل بَيْعٌ‪ .‬فَا ْ‬ ‫ة؟" فَقَا َ‬ ‫هِب َ ٌ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ‬
‫م‬‫ل‪ :‬وَاي ْ ُ‬ ‫شوَىَ‪ .‬قَا َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫سوَاد ِ البَط ِ‬ ‫اللّهِ صلى الله عليه وسلم ب ِ َ‬
‫ل اللّهِ صلى الله عليه‬ ‫سو ُ‬ ‫ه َر ُ‬ ‫حّز ل َ ُ‬ ‫مائَةٍ إِل ّ َ‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫ن الثّلَثِي َ‬ ‫م َ‬ ‫ما ِ‬ ‫اللّهِ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫شاهِداً‪ ،‬أع ْطَاهُ‪ .‬وَإ ِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن كَا َ‬ ‫سوَاد ِ بَطْنِهَا‪ .‬إ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫حّزة ً ِ‬ ‫حّزة ً ُ‬ ‫وسلم ُ‬
‫َ‬
‫ه‪.‬‬‫خبَأ ل َ ُ‬ ‫ن غَائِباً‪َ ،‬‬ ‫كَا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل فِي‬ ‫ض َ‬ ‫شبِعْنَا‪ .‬وَفَ َ‬ ‫ن‪ .‬وَ َ‬ ‫معُو َ‬ ‫ج َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫منْهُ َ‬ ‫ن‪ .‬فَأكَلْنَا ِ‬ ‫صعَتَي ْ ِ‬ ‫ل قَ ْ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫قَا َ‬
‫َ‬
‫ل‪.‬‬ ‫ما قَا َ‬ ‫ه ع َلَى الْبَعِيرِ‪ .‬أوْ ك َ َ‬ ‫ملْت ُ ُ‬‫ح َ‬ ‫ن‪ .‬فَ َ‬ ‫صعَتَي ْ ِ‬ ‫الْقَ ْ‬
‫‪-‬ومن ذلك حديث عبد الرحمن بن أبي عمرة النصاري‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫ومثله لسلمة بن الكوع‪ ،‬وأبي هريرة وعمر بن الخطاب رضي‬
‫الله عنه‪ ،‬فذكروا مخمصة أصابت الناس مع النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم في بعض مغازيه‪ ،‬فدعا ببقية الزواد‪ ،‬فجاء الرجل بالحثية‬
‫من الطعام‪ ،‬وفوق ذلك‪ ،‬وأعلهم الذي أتى بالصاع من التمر‪،‬‬

‫‪218‬‬
‫فجمعه على نطع‪ .‬قال سلمة‪ :‬فحزرته كربضة العنز‪ ،‬ثم دعا‬
‫الناس بأوعيتهم‪ ،‬فما بقي في الجيش وعاء إل ملئوه وبقي منه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه مسلم في كتاب اليمان قال‪:‬‬
‫حدثنا سهل بن عمان وأبو كريب محمد بن العلء‪ ،‬جميعا عن أبي‬
‫معاوية‪ .‬قال أبو كريب‪ :‬حدثنا أبو معاوية عن العمش‪ ،‬عن أبي‬
‫صالح‪ ،‬عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد (شك العمش) قال‪ :‬لما‬
‫كان غزوة تبوك‪ ،‬أصاب الناس مجاعة‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫يا رسول الله! لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا‪ .‬فقال‬
‫رسول الله‪ :‬صلى الله عليه وسلم "افعلوا" قال فجاء عمر‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا رسول الله! إن فعلت قل الظهر‪ .‬ولكن ادعهم بفضل‬
‫أزوادهم‪ .‬وادع الله لهم عليها بالبركة‪ .‬لعل الله أن يجعل في‬
‫ذلك‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬نعم" قال فدعا‬
‫بنطع فبسطه‪ .‬ثم دعا بفضل أزوادهم‪ .‬قال فجعل الرجل يجيء‬
‫بكف ذرة‪ .‬قال ويجيء الخر بكف تمر‪ .‬قال ويجيء الخر‬
‫بكسرة‪ .‬حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير‪ .‬قال فدعا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة‪ .‬ثم قال‪" :‬خذوا في‬
‫أوعيتكم" قال فأخذوا في أوعيتهم‪ .‬حتى ما تركوا في العسكر‬
‫وعاء إل ملوه‪ .‬قال فأكلوا حتى شبعوا‪ .‬وفضلت فضلة‪ .‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬أشهد أن ل إله إل الله‪ ،‬وأني‬
‫رسول الله‪ .‬ل يلقى الله بهما عبد‪ ،‬غير شاك‪ ،‬فيحجب عن‬
‫الجنة"‪.‬‬
‫‪-‬وعن أبي هريرة‪ :‬أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أدعو له‬
‫أهل الصفة‪ ،‬فتتبعتهم حتى جمعتهم‪ ،‬فوضعت بين أيدينا صفحة‪،‬‬
‫فأكلنا ما شئنا‪ ،‬وفرغنا وهي مثلها حين وضعت إل أن فيها أثر‬
‫الصابع‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه أبو نعيم‪ ،‬والطبراني‪ ،‬وابن أبي شيبة في مسنده قال‪:‬‬
‫ل‪ ،‬ع َن أُنيس ب َ‬
‫ن‬‫حاقَ ب ْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫حيَى‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫ن أبِي ي َ ْ‬ ‫ْ َْ ِ ْ ِ‬ ‫عي َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫نإ ْ‬ ‫م بْ ُ‬‫حات ِ ُ‬ ‫حدَّثَنَا َ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ صلى الله‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫ج ع َل َّ‬ ‫ن أبِي هَُريَْرةَ‪ ،‬قَا َ‬ ‫َ‬
‫ي َر ُ‬ ‫خَر َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫سالِمٍ‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫َ‬
‫صفّةِ ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ما‪ ،‬فَقَا َ‬
‫ب ال ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬ ‫حابَك‪ ،‬يَعَنْي أ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ل‪ :‬ادْع ُ لِي أ ْ‬ ‫عليه وسلم يَوْ ً‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫جئْنَا بَا َ‬ ‫م‪ ،‬فَ ِ‬ ‫معْتُهُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫حتَّى َ‬ ‫م َ‬ ‫جل ً أوقِظُهُ ْ‬ ‫جلً‪َ ،‬ر ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جعَلْت أتَّبِعُهُ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫ن لَنَا‪ ،‬قَا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل أبُو‬ ‫ستَأذ َنَّا فَأذ ِ َ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم فَا ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫مدَّيْ َ‬ ‫َ‬
‫شعِيرٍ‪،‬‬ ‫صنِيعٌ قَدُْر ُ‬ ‫ة فِيهَا َ‬ ‫حفَ ٌ‬ ‫ص ْ‬‫ن أيْدِينَا َ‬ ‫ت بَي ْ َ‬ ‫ضعَ ْ‬ ‫هَُريَْرةَ‪ :‬وَوُ ِ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ه صلى الله عليه وسلم يَدَه ُ ع َلَيْهَا‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ضعَ َر ُ‬ ‫ل‪ :‬فَوَ َ‬ ‫قَا َ‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫ف‪ ،‬ع َنَّا أيْدِيَنَا‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫شئْنَا‪ ،‬ث ُ َّ‬ ‫َ‬
‫سم ِ اللهِ‪ ،‬فَأكَلْنَا‬
‫ل َر ُ‬ ‫م َر َ‬ ‫ما ِ‬ ‫َ‬ ‫خذ ُوا ب ِ ْ‬ ‫ُ‬
‫َ َّ‬ ‫ت ال َّ‬
‫س‬
‫ة‪ :‬وَالذِي نَفْ ُ‬ ‫حفَ ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫ضعَ ْ‬ ‫ن وُ ِ‬ ‫حي َ‬ ‫اللهِ صلى الله عليه وسلم ِ‬
‫َ‬
‫قي َ‬
‫ل‬ ‫ه‪ ،‬فَ ِ‬ ‫يءٍ تََروْن َ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫م غَيُْر َ‬ ‫مد ٍ طَعَا ٌ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬
‫ل ُ‬ ‫سى فِي آ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫مد ٍ بِيَدِهِ‪َ ،‬‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬

‫‪219‬‬
‫مثْلَهَا ِ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫ضعَ ْ‬‫ن وُ ِ‬
‫حي َ‬ ‫ل‪ِ :‬‬ ‫ن فََرغْت ُ ْ‬
‫م‪ ،‬قَا َ‬ ‫حي َ‬ ‫م كَان َ ْ‬
‫ت ِ‬ ‫لبِي هَُريَْرةَ‪ :‬قَدُْر ك َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫إلَّ‪ ،‬أ َ َّ‬
‫صابِِع‪..‬‬‫ن فِيهَا أثََر ال َ‬
‫‪-‬وعن علي بن أبي طالب‪ ،‬رضي الله عنه‪ :‬جمع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب‪ ،‬وكانوا أربعين‪ ،‬منهم‬
‫قوم يأكلون الجذعة‪ ،‬و يشربون الفرق‪ ،‬فصنع لهم مدا ً من طعام‬
‫فأكلوا حتى شبعوا‪ ،‬وبقي كما هو ثم دعا بعس‪ ،‬فشربوا حتى‬
‫رووا‪ ،‬وبقي كأنه لم يشرب منه‪.‬‬
‫قلت‪:‬رواه المام أحمد في (مسنده) قال‪:‬‬
‫عن علي قال‪ :‬جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أو‪ :‬دعا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بني عبد المطلب فيهم‬
‫رهط كلهم يأكل لجذعة ويشرب الفرق قال‪ :‬فصنع لهم مدا من‬
‫طعام فأكلوا حتى شبعوا قال‪ :‬وبقي الطعام كما هو كأنه لم‬
‫يمس ثم دعا بغمر فشربوا حتى رووا وبقي الشراب كأنه لم‬
‫يمس أو لم يشرب فقال‪( :‬يا بني عبد المطلب إني بعثت لكم‬
‫خاصة وإلى الناس بعامة وقد رأيتم من هذه الية ما رأيتم فأيكم‬
‫يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي؟)‪ .‬قال‪ :‬فلم يقم إليه أحد‬
‫قال‪ :‬فقمت إليه وكنت أصغر القوم قال‪ :‬فقال‪( :‬اجلس) قال‬
‫ثلث مرات كل ذلك أقوم إليه فيقول لي‪( :‬اجلس) حتى كان في‬
‫الثالثة ضرب بيده على يدي‪....‬‬
‫‪-‬وقال أنس‪ :‬إن النبي صلى الله عليه وسلم حين ابتنى بزينب‬
‫أمره أن يدعو له قوما ً سماهم‪ ،‬وكل من لقيت‪ ،‬حتى امتل البيت‬
‫والحجرة‪ ،‬وقدم إليهم توًرا‪ ،‬فيه قدر مد من تمر جعل حيساً‪،‬‬
‫فوضعه قدامه‪ ،‬وغمس ثلث أصابعه وجعل القوم يتغدون‬
‫ويخرجون‪ ،‬وبقي التور نحوا ً مما كان‪ ،‬وكان القوم أحداً‪ ،‬أو اثنين‬
‫وسبعين‪.‬‬
‫‪-‬وفي رواية أخرى في هذه القصة أو مثلها‪ ،‬إن القوم كانوا زهاء‬
‫ثلثمائة‪ ،‬وأنهم أكلوا حتى شبعوا‪ .‬وقال لي‪ :‬ارفع‪ ،‬فل أدري حين‬
‫وضعت كانت أكثر أم حين رفعت‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه البخاري في كتاب النكاح‪ ،‬باب‪ :‬الهدية للعروس؛ قال‬
‫‪ -‬وقال إبراهيم‪ :‬عن أبي عثمان‪ ،‬واسمه الجعد‪ ،‬عن أنس بن‬
‫مالك قال‪:‬‬
‫مر بنا في مسجد بني رفاعة‪ ،‬فسمعته يقول‪ :‬كان النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم إذا مر بجنبات أم سليم دخل عليها فسلم عليها‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬كان النبي صلى الله عليه وسلم عروسا بزينب‪ ،‬فقالت‬
‫لي أم سليم‪ :‬لو أهدينا لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية‪،‬‬
‫فقلت لها‪ :‬افعلي‪ ،‬فعمدت إلى تمر وسمن وأقط‪ ،‬فاتخذت حيسة‬
‫في برمة‪ ،‬فأرسلت بها معي إليه‪ ،‬فانطلقت بها إليه‪ ،‬فقال لي‪:‬‬

‫‪220‬‬
‫(ضعها)‪ .‬ثم أمرني فقال‪( :‬ادع لي رجال ‪ -‬سماهم ‪ -‬ادع لي من‬
‫لقيت)‪ .‬قال‪ :‬ففعلت الذي أمرني‪ ،‬فرجعت فإذا البيت غاص‬
‫بأهله‪ ،‬فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع يديه على تلك‬
‫الحيسة وتكلم بها ما شاء الله‪ ،‬ثم جعل يدعو عشرة‪ ,‬عشرة‬
‫يأكلون منه‪ ،‬ويقول لهم‪( :‬اذكروا اسم الله‪ ،‬وليأكل كل رجل مما‬
‫يليه)‪ .‬قال‪ :‬حتى تصدعوا كلهم عنها‪ ،‬فخرج منهم من خرج‪ ،‬وبقي‬
‫نفر يتحدثون‪ ،‬قال‪ :‬وجعلت أغتم‪ ،‬ثم خرج النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم نحو الحجرات وخرجت في إثره‪ ،‬فقلت‪ :‬إنهم قد ذهبوا‪،‬‬
‫فرجع فدخل البيت‪ ،‬وأرخى الستر وإني لفي الحجرة‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬
‫(يا أيها الذين أمنوا ل تدخلوا بيوت النبي إل أن يؤذن لكم إلى‬
‫طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعتيم فادخلوا فإذا طعمتم‬
‫فانتشروا ول مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي‬
‫فيستحيي منكم والله ل يستحيي من الحق)‪.‬‬
‫قال أبو عثمان‪ :‬قال أنس‪ :‬إنه خدم رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم عشر سنين‪.‬‬
‫وأخرجه مسلم في كتاب النكاح‪ ،‬باب زواج زينب بنت جحش‬
‫ونزول الحجاب‪ ،‬وإثبات وليمة العرس؛ قال‪:‬‬
‫حدثنا قتيبة بن سعيد‪ .‬حدثنا جعفر (يعني ابن سليمان) عن الجعد‬
‫أبي عثمان‪ ،‬عن أنس بن مالك‪ .‬قال‪:‬‬
‫تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بأهله‪ .‬قال‪:‬‬
‫سا فجعلته في تور‪ .‬فقالت‪ :‬يا أنس!‬ ‫فصنعت أمي أم سليم حي ً‬
‫اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل بعثت‬
‫بهذا إليك أمي‪ .‬وهي تقرئك السلم‪ .‬وتقول‪ :‬إن هذا لك منا قليل‪،‬‬
‫يا رسول الله! قال‪ :‬فذهبت بها إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ .‬فقلت‪ :‬إن أمي تقرئك السلم وتقول‪ :‬إن هذا لك منا‬
‫قليل‪ ،‬يا رسول الله! فقال "ضعه" ثم قال‪ " :‬اذهب فادع لي فلنا‬
‫وفلنا وفلنا‪ .‬ومن لقيت" وسمى رجالً‪ .‬قال‪ :‬فدعوت من سمى‬
‫ومن لقيت‪ :‬قال‪ :‬قلت لنس‪ :‬عدد كم كانوا؟ قال‪ :‬زهاء ثلثمائة‪.‬‬
‫وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬يا أنس‪ ..‬هات‬
‫التور" قال‪ :‬فدخلوا حتى امتلت الصفة والحجرة‪ .‬فقال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ليتحلق عشرة عشرة وليأكل كل‬
‫إنسان مما يليه" قال‪ :‬فأكلوا حتى شبعوا‪ .‬قال‪ :‬فخرجت طائفة‬
‫ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم‪ .‬فقال لي‪" :‬يا أنس ارفع" قال‪:‬‬
‫فرفعت‪ .‬فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت‪ .‬قال‪:‬‬
‫وجلس طوائف منهم يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس‪ ،‬وزوجته‬
‫مولية وجهها إلى الحائط‪ .‬فثقلوا على رسول الله صلى الله عليه‬

‫‪221‬‬
‫وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم على‬
‫نسائه‪ .‬ثم رجع‪ .‬فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد‬
‫رجع ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه‪ .‬قال‪ :‬فابتدروا الباب فخرجوا كلهم‪.‬‬
‫وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أرخى الستر ودخل‪.‬‬
‫وأنا جالس في الحجرة‪ .‬فلم يلبث إل يسيرا حتى خرج علي‪.‬‬
‫وأنزلت هذه الية‪ .‬فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وقرأهن على الناس‪( :‬يا أيها الذين آمنوا ل تدخلوا بيوت النبي إل‬
‫أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا‬
‫فإذا طعمتم فانتشروا ول مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي‬
‫النبي)؛ إلى آخر الية‪ .‬قال الجعد‪ :‬قال أنس ابن مالك‪ :‬أنا أحدث‬
‫الناس عهدًا بهذه اليات‪ .‬وحجبن نساء النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫‪ -‬وحدثني محمد بن رافع‪ .‬حدثنا عبد الرزاق‪ .‬حدثنا معمر عن أبي‬
‫عثمان‪ ،‬عن أنس‪ .‬قال‪:‬‬
‫لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب أهدت له أم سليم‬
‫سا في تور من حجارة‪ .‬فقال أنس‪ :‬فقال رسول الله صلى‬ ‫حي ً‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬اذهب فادع لي من لقيت من المسلمين"‬
‫فدعوت له من لقيت‪ .‬فجعلوا يدخلون عليه فيأكلون ويخرجون‪.‬‬
‫ووضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على الطعام فدعا فيه‪.‬‬
‫وقال فيه ما شاء الله أن يقول ولم أدع أحدًا لقيته إل دعوته‪.‬‬
‫فأكلوا حتى شبعوا‪ .‬وخرجوا‪ .‬وبقي طائفة منهم فأطالوا عليه‬
‫الحديث‪ .‬فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يستحي منهم أن‬
‫يقول لهم شيئًا‪ .‬فخرج وتركهم في البيت‪ .‬فأنزل الله عز وجل‪:‬‬
‫{يا أيها الذين آمنوا ل تدخلوا بيوت النبي إل أن يؤذن لكم إلى‬
‫ما) {ولكن‬ ‫طعام غيرناظرين إناه} (قال قتادة‪ :‬غير متحينين طعا ً‬
‫إذا دعيتم فادخلوا}‪ .‬حتى بلغ‪{ :‬ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن}‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي إ ِ ّل‬ ‫ت النَّب ِ ِ ّ‬ ‫خلُوا بُيُو َ‬ ‫منُوا َل تَد ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫والية الكريمة هي‪( :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫خلُوا‬ ‫َ‬
‫م فَاد ْ ُ‬ ‫عيت ُ ْ‬‫ن إِذ َا د ُ ِ‬ ‫ن إِنَاه ُ وَلَك ِ ْ‬ ‫م إِلَى طَعَام ٍ غَيَْر نَا ْظِرِي َ‬ ‫ن لَك ُ ْ‬ ‫أن يُؤْذ َ َ‬
‫ن يُؤْذِي‬ ‫م كَا َ‬ ‫ن ذَلِك ُ ْ‬ ‫ث إ ِ َّ‬ ‫حدِي ٍ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫َ‬ ‫سي‬‫ستَأن ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫شُروا وََل َ ُ‬ ‫م فَانت َ ِ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫فَإِذ َا طَعِ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬‫موهُ َّ‬ ‫سألْت ُ ُ‬ ‫ق وَإِذ َا َ‬ ‫ح ِّ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬‫حيِي ِ‬ ‫ه َل ي َ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫م وَالل ّ ُ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫حيِي ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ي فَي َ ْ‬ ‫النَّب ِ َّ‬
‫م وَقُلُوبِهِ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م أطْهَُر لِقُلُوبِك ُ ْ‬ ‫ب ذَلِك ُ ْ‬ ‫جا ٍَ‬ ‫ح َ‬ ‫من وََراء ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫سألُوهُ َّ‬ ‫متَاعا ً فَا ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من بَعْدِهِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ج ُ‬‫حوا أْزوَا َ‬ ‫ل اللهِ وَل أن تَنك ِ ُ‬ ‫م أن تُؤْذ ُوا َر ُ‬ ‫ن لك ْ‬ ‫ما كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫أَبَدا ً إ ِ َّ‬
‫ه عَظِيماً) (الحزاب‪)53 :‬‬ ‫عند َ الل ّ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م كَا َ‬ ‫ن ذَلِك ُ ْ‬
‫‪-‬و في حديث جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن علي رضي الله عنه‬
‫ـ أن فاطمة طبخت قدرا ً لغذائها ووجهت عليا ً إلى النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ليتغدى معهما‪ ،‬فأمر فغرفت منها لجميع نسائه‬

‫‪222‬‬
‫ة‪ ،‬ثم له صلى الله عليه وسلم ولعلي‪ ،‬ثم لها‪ ،‬ثم‬ ‫ة صفح ً‬
‫صفح ً‬
‫رفعت القدر‪ ،‬وإنها لتفيض‪ ،‬قال‪ :‬فأكلنا منها ما شاء الله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرجه ابن سعد في طبقاته‬
‫‪-‬وأمر عمر بن الخطاب أن يزود أربعمائة راكب من أحمس‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬ما هي إل أصوع‪ .‬قال‪ :‬اذهب‪ ،‬فذهب‬
‫فزودهم منه‪ ،‬و كان قدر الفصيل الرابض‪ ،‬من التمر‪ ،‬وبقي بحاله‪.‬‬
‫‪-‬من رواية دكين الحمسي‪ ،‬و من رواية جرير‪.‬‬
‫‪-‬ومثله من رواية النعمان بن مقرن الخبر بعينه‪ ،‬إل أنه قال‪:‬‬
‫أربعمائة راكب من مزينة‪.‬‬
‫قلت رواه عبد الله بن المام أحمد في مستد أبيه قال‪:‬‬
‫حدثني أبي حدثنا وكيع حدثنا اسماعيل عن قيس عن دكين بن‬
‫سعيد الخثعمي قال‪:‬‬
‫‪-‬أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربعون وأربعمائة‬
‫نسأله الطعام فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر‪ :‬قم‬
‫فأعطهم‪..‬قال‪ :‬يا رسول الله ما عندي إل ما يقيظني والصبية؛‬
‫قال وكيع والقيظ في كلم العرب أربعة أشهر؛ قال‪ :‬قم فأعطهم‬
‫قال عمر يا رسول الله سمعًا وطاعة‪ .‬قال‪ :‬فقام عمر وقمنا معه‬
‫فصعد بنا إلى غرفة له فأخرج المفتاح من حجزته ففتح الباب‬
‫قال دكين فإذا في الغرفة من التمر شبيه بالفصيل الرابض قال‬
‫شأنكم قال فأخذ كل رجل منا حاجته ما شاء قال ثم التفت وإني‬
‫لمن آخرهم وكأنا لم نرزأ منه تمرة‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يعلى بن عبيد حدثنا إسماعيل‬
‫عن قيس عن دكين بن سعيد المزني قال‪:‬‬
‫‪-‬أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين راكبُا وأربعمائة‬
‫نسأله الطعام فقال لعمر‪ :‬اذهب فأعطهم‪ ,‬فقال يا رسول الله ما‬
‫بقي إل آصع من تمر ما أرى أن يقيظني قال‪ :‬اذهب فأعطهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬سمعًا وطاعة قال‪ :‬فأخرج عمر المفتاح من حجزته ففتح‬
‫الباب فإذا شبه الفصيل الرابض من تمر فقال‪ :‬لتأخذوا فأخذ كل‬
‫رجل منا ما أحب ثم التفت وكنت من آخر القوم وكأنا لم نرزأ‬
‫تمرة‪.‬‬
‫‪-‬ومن ذلك حديث جابر في دين أبيه بعد موته‪ ،‬وقد كان بذل‬
‫لغرماء أبيه أصل ماله‪ ،‬فلم يقبلوه‪ ،‬ولم يكن في تمرها سنين‬
‫كفاف دينهم‪ ،‬فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أمره‬
‫بجدها‪ ،‬وجعلها بيادر في أصولها‪ ،‬فمشى فيها‪ ،‬ودعا‪ ،‬فأوفى منه‬
‫جابر غرماء أبيه‪ ،‬وفضل مثل ما كانوا يجدون كل سنة‪.‬‬
‫‪-‬وفي رواية مثل ما أعطاهم‪ ،‬قال‪ :‬وكان الغرماء يهود‪ ،‬فعجبوا‬
‫من ذلك‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫قلت رواه البخاري في كتاب الستقراض وأداء الديون والحجر‬
‫والتفليس؛ باب‪ :‬إذا قضى دون حقه أو حلله فهو جائز‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا عبدان‪ :‬أخبرنا عبد الله‪ :‬أخبرنا يونس‪ ،‬عن الزهري قال‪:‬‬
‫حدثني ابن كعب بن مالك‪ :‬أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما‬
‫أخبره‪ :‬أن أباه قتل يوم أحد شهيدًا وعليه دين‪ ،‬فاشتد الغرماء‬
‫في حقوقهم‪ ،‬فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فسألهم أن‬
‫يقبلوا تمر حائطي ويحللوا أبي فأبوا‪ ،‬فلم يعطهم النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم حائطي‪ ،‬وقال‪( :‬سنغدوا عليك)‪ .‬فغدا علينا حين‬
‫أصبح‪ ،‬فطاف في النخل ودعا في ثمرها بالبركة‪ ،‬فجددتها‬
‫فقضيتهم‪ ،‬وبقي لنا من تمرها‪.‬‬
‫وفي باب‪ :‬إذا قاص أو جازفه في الدين تمًرا بتمر أو غيره‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا إبراهيم بن المنذر‪ :‬حدثنا أنس‪ ،‬عن هشام‪ ،‬عن وهب بن‬
‫كيسان‪ ،‬عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه أخبره‪ :‬أن أباه‬
‫توفي وترك عليه ثلثين وسقًا لرجل من اليهود‪ ،‬فاستنظره جابر‬
‫فأبى أن ينظره‪ ،‬فكلم جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ليشفع له إليه‪ ،‬فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلم‬
‫اليهودي ليأخذ ثمر نخله بالذي له فأبى‪ ،‬فدخل رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم النخل فمشى فيها‪ ،‬ثم قال لجابر‪( :‬جد له‪،‬‬
‫فأوف له الذي له)‪ .‬فجده بعد ما رجع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فأوفاه ثلثين وسقًا‪ ،‬وفضلت له سبعة عشر وسقًا‪ ،‬فجاء‬
‫جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره بالذي كان‪،‬‬
‫فوجده يصلي العصر‪ ،‬فلما انصرف أخبره بالفضل‪ ،‬فقال‪( :‬أخبر‬
‫ذلك ابن الخطاب)‪ .‬فذهب جابر إلى عمر فأخبره‪ ،‬فقال له عمر‪:‬‬
‫لقد علمت حين مشى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ليباركن فيها‪.‬‬
‫‪-‬وقال أبو هريرة رضي الله عنه‪ :‬أصاب الناس مخمصة‪ .‬فقال لي‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪( :‬هل من شيء) قلت‪ :‬نعم‪،‬‬
‫شيء من التمر في المزود‪ .‬قال‪( :‬فأتني به)‪ ،‬فأدخل يده فأخرج‬
‫قبضة‪ ،‬فبسطها ودعا بالبركة‪ ،‬ثم قال‪ :‬ادع عشرة فأكلوا حتى‬
‫شبعوا‪ ،‬ثم عشرة كذلك‪ ،‬حتى أطعم الجيش كلهم وشبعوا‪ .‬قال‪:‬‬
‫(خذ ما جئت به‪ ،‬وأدخل يدك‪ ،‬واقبض منه ول تكبه)‪ ،‬فقبضت على‬
‫أكثر مما جئت به‪ ،‬فأكلت منه وأطعمت حياة رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وأبي بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬إلى أن قتل عثمان‪ ،‬فانتهب‬
‫مني‪ ،‬فذهب‪.‬‬
‫‪-‬وفي رواية‪ :‬فقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا من وسق في‬
‫سبيل الله‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫‪-‬وذكرت مثل هذه الحكاية في غزوة تبوك‪ ،‬وأن التمر كان بضع‬
‫عشرة تمرة‪.‬‬
‫قلت رواه البيهقي في دلئل النبوة قال‪:‬‬
‫باب ما جاء في مزود أبي هريرة رضي الله عنه وما ظهر فيه‬
‫ببركة دعاء النبي من آثار النبوة‪.‬‬
‫أخبرنا أبو الحسن محمد بن أبي المعروف (السفرائيني) الفقيه‬
‫أنبأنا بشر ابن أحمد بن بشر حدثنا أحمد بن الحسين بن نصر‬
‫الحذاء حدثنا علي بن المديني حدثنا حماد بن زيد حدثنا المهاجر‬
‫مولى آل أبي بكرة عن أبي العالية عن أبي هريرة قال‪:‬‬
‫أتيت رسول الله بتمرات فقلت ادع لي فيهن بالبركة قال‬
‫فقبضهن ثم دعا فيهن بالبركة ثم قال‪ :‬خذهن فاجعلهن في مزود‪.‬‬
‫أو قال‪ :‬في مزودك‪ ,‬فإذا أردت أن تأخذ منهن فأدخل يدك فخذ‬
‫ول تنثرهن نثًرا‪ .‬قال فحملت من ذلك التمر كذا وكذا وسقًا في‬
‫سبيل الله وكنا نأكل ونطعم وكان المزود معلقا بحقوي ل يفارق‬
‫حقوي فلما قتل عثمان انقطع‪.‬‬
‫أخبرنا أبو الفتح هلل بن محمد بن جعفر الحفار أنبأنا الحسين‬
‫بن يحيى بن عباس القطان حدثنا حفص بن عمرو حدثنا سهيل‬
‫بن زياد أبو زياد حدثنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن‬
‫أبي هريرة قال‪ :‬كان رسول الله في غزوة فأصابهم عوز من‬
‫الطعام فقال‪ :‬يا أبا هريرة عندك شيء؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬شيء من‬
‫تمر في مزود لي؛ قال‪ :‬جيىء به‪ ..‬قال فجئت بالمزود؛ قال‪:‬‬
‫هات نط ًعا‪ ...‬فجئت بالنطع فبسطته‪ ،‬فأدخل يده فقبض على‬
‫التمر فإذا هو إحدى وعشرون تمرة ثم قال‪ :‬بسم الله‪...‬فجعل‬
‫يضع كل تمرة ويسمى حتى أتى على التمر فقال به هكذا فجمعه‬
‫فقال‪ :‬ادع فلنا وأصحابه‪ ...‬فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا؛ ثم قال‪:‬‬
‫ادع فلنا وأصحابه‪ ..‬فأكلوا وشبعوا وخرجوا؛ ثم قال‪ :‬ادع فلنا‬
‫وأصحابه‪ ..‬فأكلوا وشبعوا وخرجوا؛ وفضل تمر‪ .‬قال فقال لي‪:‬‬
‫اقعد‪ ..‬فقعدت‪ .‬فأكل وأكلت‪..‬‬
‫قال وفضل تمر فأخذه فأدخله في المزود فقال لي‪ :‬يا أبا هريرة‬
‫إذا أردت شيئًا فأدخل يدك فخذ ول تكفأ فيكفأ عليك‪ ..‬قال فما‬
‫كنت أريد تمًرا إل أدخلت يدي‪ ...‬فأخذت منه خمسين وسقًا في‬
‫سبيل الله وكان معلقًا خلف رجلي فوقع في زمان عثمان بن‬
‫عفان رضي الله عنه فذهب‪.‬‬
‫وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنبأنا أبو سهل بن زياد‬
‫القطان حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا احمد بن عبدة‬
‫حدثنا سهل بن أسلم (ح)‬

‫‪225‬‬
‫وأنبأنا أبو الحسن علي بن محمد المقري أنبأنا الحسن بن محمد‬
‫ابن إسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي حدثنا ابن الخطاب‬
‫حدثنا سهل ابن اسلم العذري عن زيد بن أبي منصور عن أبيه‬
‫عن أبي هريرة قال‪ :‬أصبت بثلث مصائب في السلم لم أصب‬
‫بمثلهن‪ :‬بموت النبي وكنت صويحبه‪ ،‬وقتل عثمان‪ ،‬والمزود‪...‬‬
‫قالوا‪ :‬وما المزود يا أبا هريرة؟ قال كنا ُ مع رسول الله في سفر‬
‫فقال‪ :‬يا أبا هريرة أمعك شيء؟ قال‪ :‬قلت تمًرا في مزود معي؛‬
‫قال‪ :‬جىء به فأخرجت منه تمًرا فأتيته قال فمسه فدعا فيه ثم‬
‫قال‪ :‬ادع عشرة‪...‬فدعوت عشرة‪ .‬فأكلوا حتى شبعوا‪ ..‬ثم كذلك‬
‫حتى أكل الجيش كله وبقي من تمر المزود قال‪ :‬يا أبا هريرة إذا‬
‫أردت أن تأخذ منه شيئا فأدخل يدك ول تكبه‪ ...‬قال فأكلت منه‬
‫حياة النبي‪ ،‬وأكلت منه حياة أبي بكر كلها‪ ،‬وأكلت منه حياة عمر‬
‫كلها‪ ،‬وأكلت منه حياة عثمان كلها‪ ..‬فلما قتل عثمان انتهب ما‬
‫في بيتي وانتهب المزود أل أخبركم أكلت أكلت منه أكثر من‬
‫مائتي وسق‪ .‬لفظ حديث المقرئ‬
‫ورواه الترمذي‪.‬‬
‫أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بتمرات فقلت‪ :‬يا رسول الله‬
‫ادع الله فيهن بالبركة‪ .‬فضمهن ثم دعا لي فيهن بالبركة فقال‪":‬‬
‫خذهن وأجعلهن في مزودك هذا أو في هذا المزود كلما أردت أن‬
‫تأخذ منه شيئا فأدخل فيه يدك فخذه ول تنثره نثًرا"‪...‬‬
‫فقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا من وسق في سبيل الله‪..‬‬
‫فكنا نأكل منه ونطعم وكان ل يفارق حقوي حتى كان يوم قتل‬
‫عثمان فإنه انقطع‪..‬‬
‫قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وقد روي‬
‫هذا الحديث من غير هذا الوجه عن أبي هريرة‪.‬‬
‫وقال الشيخ اللباني‪ :‬حسن السناد‪ ..‬وسند الحديث‪ :‬حدثنا‬
‫عمران بن موسى القزاز حدثنا حماد بن زيد حدثنا المهاجر عن‬
‫أبي العالية الرياحي عن أبي هريرة قال‬
‫‪-‬ومنه أيضا ً حديث أبي هريرة حين أصابه الجوع‪ ،‬فاستتبعه النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فوجد لبنا ً في قدح قد أهدي إليه وأمره أن‬
‫يدعو أهل الصفة‪.‬قال‪ :‬فقلت‪:‬ما هذا اللبن فيهم؟ كنت أحق أن‬
‫أصيب منه شربة أتقوى بها فدعوتهم‪.‬وذكر أمر النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم أن يسقيهم‪ ،‬فجعلت أعطي الرجل فيشرب حتى‬
‫يروى‪ ،‬ثم يأخذه الخر حتى روي جميعهم‪ .‬قال‪ :‬فأخذ النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم القدح‪ ،‬وقال‪ :‬بقيت أنا وأنت‪ ،‬اقعد فاشرب‪،‬‬
‫فشربت‪ ،‬ثم قال‪ :‬اشرب‪ ،‬وما زال يقولها وأشرب حتى قلت‪ :‬ل‪،‬‬

‫‪226‬‬
‫و الذي بعثك بالحق‪ ،‬ما أجد له مسلكا ً ‪،‬فأخذ القدح فحمد الله و‬
‫سمى وشرب الفضلة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه البخاري في كتاب الرقاق قال‪:‬‬
‫حدثني أبو نعيم بنحو من نصف هذا الحديث‪ :‬حدثنا عمر بن ذر‪:‬‬
‫حدثنا مجاهد‪ :‬أن أبا هريرة كان يقول‪ :‬آلله الذي ل إله إل هو‪ ،‬إن‬
‫كنت لعتمد بكبدي على الرض من الجوع‪ ،‬وإن كنت لشد الحجر‬
‫على بطني من الجوع‪ ،‬ولقد قعدت يوما ً على طريقهم الذي‬
‫يخرجون منه‪ ،‬فمر أبو بكر‪ ،‬فسألته عن آية من كتاب الله‪ ،‬ما‬
‫سألته إل ليشبعني‪ ،‬فمر ولم يفعل‪ ،‬ثم مر بي عمر‪ ،‬فسألته عن‬
‫آية من كتاب الله‪ ،‬ما سألته إل ليشبعني‪ ،‬فمر ولم يفعل‪ ،‬ثم مر‬
‫بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فتبسم حين رآني‪ ،‬وعرف‬
‫ما في نفسي وما في وجهي‪ ،‬ثم قال‪( :‬يا أبا هر)‪ .‬قلت‪ :‬لبيك يا‬
‫رسول الله‪ ،‬قال‪( :‬الحق)‪ .‬ومضى فاتَّبعته‪ ،‬فدخل‪ ،‬فأستأذن‪،‬‬
‫فأذن لي‪ ،‬فدخل‪ ،‬فوجد لبنا ً في قدح‪ ،‬فقال‪( :‬من أين هذا اللبن)‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬أهداه لك فلن أو فلنة‪ ،‬قال‪( :‬أبا هر)‪ .‬قلت‪ :‬لبيك يا‬
‫رسول الله‪ ،‬قال‪( :‬الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي)‪ .‬قال‪:‬‬
‫وأهل الصفة أضياف السلم‪ ،‬ل يأوون على أهل ول مال ول على‬
‫أحد‪ ،‬إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً‪ ،‬وإذا أتته‬
‫هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها‪ ،‬فساءني ذلك‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬وما هذا اللبن في أهل الصفة‪ ،‬كنت أحق أنا أن أصيب من‬
‫هذا اللبن شربة أتقوى بها‪ ،‬فإذا جاء أمرني‪ ،‬فكنت أنا أعطيهم‪،‬‬
‫وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن‪ ،‬ولم يكن من طاعة الله‬
‫وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بد‪ ،‬فأتيتهم فدعوتهم‬
‫فأقبلوا‪ ،‬فاستأذنوا فأذن لهم‪ ،‬وأخذوا مجالسهم من البيت‪ ،‬قال‪:‬‬
‫(يا أبا هر)‪ .‬قلت‪ :‬لبيك يا رسول الله‪ ،‬قال‪( :‬خذ فأعطهم)‪ .‬قال‪:‬‬
‫فأخذت القدح‪ ،‬فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى‪ ،‬ثم يرد‬
‫علي القدح‪ ،‬فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى‪ ،‬ثم يرد علي‬
‫القدح فيشرب حتى يروى‪ ،‬ثم يرد علي القدح‪ ،‬حتى انتهيت إلى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم‪ ،‬فأخذ القدح‬
‫ي فتبسم‪ ،‬فقال‪( :‬أبا هر)‪ .‬قلت‪ :‬لبيك‬ ‫فوضعه على يده‪ ،‬فنظر إل َّ‬
‫يا رسول الله‪ ،‬قال‪( :‬بقيت أنا وأنت)‪ .‬قلت‪ :‬صدقت يا رسول‬
‫الله‪ ،‬قال‪( :‬اقعد فاشرب)‪ .‬فقعدت فشربت‪ ،‬فقال‪( :‬اشرب)‪.‬‬
‫فشربت‪ ،‬فما زال يقول‪( :‬اشرب)‪ .‬حتى قلت‪ :‬ل والذي بعثك‬
‫بالحق‪ ،‬ما أجد له مسلكاً‪ ،‬قال‪( :‬فأرني)‪ .‬فأعطيته القدح‪ ،‬فحمد‬
‫الله وسمى وشرب الفضلة‪...‬‬
‫‪-‬وفي حديث خالد بن عبد العزى أنه أجزر النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم شاةً‪ ،‬وكان عيال خالد كثيرا ً يذبح الشاة فل تُبِد ُّ عيالَه‬

‫‪227‬‬
‫عظما ً عظماً‪ ،‬وإن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من هذه‬
‫الشاة وجعل فضلتها في دلو خالد‪ ،‬ودعا له بالبركة‪ ،‬فنثر ذلك‬
‫لعياله‪ ،‬فأكلوا وأفضلوا ـ ذكر خبره الدولبي‪.‬‬
‫‪-‬وفي حديث الجري في إنكاح النبي صلى الله عليه وسلم لعلي‬
‫فاطمة ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلل ً بقصعة من‬
‫أربعة أمداد أو خمسة‪ ،‬ويذبح جزورا ً ليوليمتها ـ قال‪ :‬فأتيته بذلك‬
‫ة يأكلون منها حتى‬ ‫ة ُرفق ً‬
‫فطعن في رأسها‪ ،‬ثم أدخل الناس ُرفق ً‬
‫فرغوا‪ ،‬وبقيت منها فضلة‪ ،‬فبَّرك فيها‪ ،‬وأمر بحملها إلى أزواجه‪،‬‬
‫وقال‪ :‬كلن وأطعمن من غشيكن‪.‬‬
‫‪-‬وفي حديث أنس‪ :‬تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فصنعت أمي أم سليم حيساً‪ ،‬فجعلته في تور‪ ،‬فذهبت به إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬ضعه‪ ،‬وادع لي فلنا ً و‬
‫فلناً‪ ،‬ومن لقيت‪.‬‬
‫فدعوتهم‪ ،‬ولم أدع أحدا ً لقيته إل دعوته‪ ،‬وذكر أنهم كانوا زهاء‬
‫ثلثمائة حتى ملئوا الصفة والحجرة‪ ،‬فقال لهم النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ :‬تحلقوا عشرة عشرة‪ ،‬ووضع النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يده على الطعام‪ ،‬فدعا فيه‪ ،‬وقال ما شاء الله أن يقول‪،‬‬
‫فأكلوا حتى شبعوا كلهم‪ ،‬فقال لي‪( :‬ارفع)‪ .‬فما أدري حين‬
‫وضعت كانت أكثر أم حين رفعت‪.‬‬
‫قلت‪ :‬متفق عليه‪ ،‬وقد سبق‪ ...‬كما أخرجه أصحاب السنن‪ ،‬وهذه‬
‫رواية الترمذي‪:‬‬
‫***تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بأهله قال‬
‫سا فجعلته في تور فقالت‪ :‬يا أنس‬ ‫فصنعت أمي أم سليم حي ً‬
‫أذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل‪ :‬بعثت‬
‫إليك بها أمي‪ ،‬وهي تقرئك السلم‪ ،‬وتقول إن هذا لك منا لك‬
‫قليل يا رسول الله‪..‬قال فذهبت بها إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فقلت‪ :‬إن أمي تقرئك السلم‪ ،‬وتقول إن هذا منا لك‬
‫قليل‪ ..‬فقال‪( :‬ضعه)‪ ،‬ثم قال‪(:‬اذهب فأدع لي فلنًا وفلنًا وفلنًا‬
‫ومن لقيت)‪ ..‬فسمى رجالً‪.‬‬
‫قال‪ :‬فدعوت من سمى ومن لقيت‪ ...‬قال قلت لنس عددكم كم‬
‫كانوا قال زهاء ثلثمائة قال وقال لي رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬يا أنس هات التور‪ ...‬قال فدخلوا حتى امتلت الصفة‬
‫والحجرة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬ليتحلق‬
‫عشرة عشرة وليأكل كل إنسان مما يليه‪ ..‬قال فأكلوا حتى‬
‫شبعوا‪..‬قال‪ :‬فخرجت طائفة ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم‪..‬‬
‫قال فقال لي‪ :‬يا أنس ارفع‪ ...‬قال‪ :‬فرفعت فما أدري حين‬
‫وضعت كان أكثر أم حين رفعت‪ ..‬قال‪ :‬وجلس منهم طوائف‬

‫‪228‬‬
‫يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم جالس وزوجته مولية وجهها إلى‬
‫الحائط فثقلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم على نسائه ثم رجع‬
‫فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجع ظنوا أنهم‬
‫قد ثقلوا عليه قال فابتدروا الباب فخرجوا كلهم‪ ..‬وجاء رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم حتى أرخى الستر ودخل؛ وأنا جالس‬
‫في الحجرة فلم يلبث إل يسيًرا حتى خرج علي‪ ..‬وأنزلت هذه‬
‫اليات فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأهن على‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ن لَك ُ ْ‬ ‫ي إ ِ ّل أن يُؤْذ َ َ‬ ‫ت النَّب ِ ِ ّ‬ ‫خلُوا بُيُو َ‬ ‫منُوا َل تَد ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫الناس (يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫م‬
‫مت ُ ْ‬ ‫خلُوا فَإِذ َا طَعِ ْ‬ ‫م فَاد ْ ُ‬ ‫عيت ُ ْ‬ ‫ن إِذ َا د ُ ِ‬ ‫ن إِنَاه ُ وَلَك ِ ْ‬ ‫إِلَى طَعَام ٍ غَيَْر نَاظ ِْرِي َ‬
‫ن يُؤْذِي النَّب ِ َّ‬
‫ي‬ ‫م كَا َ‬ ‫ن ذَلِك ُ ْ‬ ‫ث إ ِ َّ‬ ‫حدِي ٍ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫سي َ‬ ‫ستَأن ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شُروا وََل ُ‬ ‫فَانت َ ِ‬
‫متَاعاً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫موهُ َّ‬ ‫سألْت ُ ُ‬‫ق وَإِذ َا َ‬ ‫ح ِّ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫حيِي ِ‬ ‫ست َ ْ‬‫ه َل ي َ ْ‬ ‫م وَالل ّ ُ‬ ‫منك ُ ْ‬‫حيِي ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫فَي َ ْ‬
‫م وَقُلُوبِهِ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما كَا َ‬
‫ن‬ ‫ن َو َ‬ ‫م أطْهَُر لِقُلُوبِك ُ ْ‬ ‫ب ذَلِك ُ ْ‬ ‫جا ٍ‬ ‫َ‬
‫ح َ‬ ‫من وََراء ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫سألُوهُ َّ‬ ‫فَا ْ‬
‫َ‬
‫من بَعْدِهِ أبَدا ً إ ِ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ه ِ‬ ‫ج ُ‬‫حوا أْزوَا َ‬ ‫ل الل ّهِ وََل أن تَنك ِ ُ‬ ‫سو َ‬ ‫م أن تُؤْذ ُوا َر ُ‬ ‫لَك ُ ْ‬
‫َ‬
‫عند َ الل ّهِ عَظِيماً) (الحزاب‪ ...)53 :‬قال الجعد قال‬ ‫ن ِ‬ ‫م كَا َ‬ ‫ذَلِك ُ ْ‬
‫أنس‪ :‬أنا أحدث الناس عهدًا بهذه اليات وحجبن نساء رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح‬
‫والجعد هو بن عثمان ويقال هو بن دينار ويكنى أبا عثمان بصري‬
‫وهو ثقة عند أهل الحديث روى عنه يونس بن عبيد وشعبة وحماد‬
‫بن زيد‪ .‬قال الترمذي‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫‪-‬وأكثر أحاديث هذه الفصول الثلثة في الصحيح‪ .‬وقد اجتمع على‬
‫معنى حديث هذا الفصل بضعة عشر من الصحابة‪ ،‬رواه عنهم‬
‫أضعافهم من التابعين‪ ،‬ثم من ل ينعد بعدهم‪.‬‬
‫وأكثرها في قصص مشهورة‪ ،‬ومجامع مشهودة‪ ،‬ول يمكن‬
‫التحدث عنها إل بالحق‪ ،‬ول يسكت الحاضر لها على ما أنكر منها‪.‬‬
‫الفصل الخامس عشر‪:‬‬
‫في كلم الشجرة وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته‬
‫قال القاضي عياض* حدثنا أحمد بن محمد بن غلون الشيخ‬
‫الصالح فيما أجاز فيه عن أبي عمر الطلمنكي‪ ،‬عن أبي بكر بن‬
‫المهندس‪ ،‬عن أبي القاسم البغوي‪ ،‬حدثنا أحمد بن عمران‬
‫الخنسي‪ ،‬حدثنا أبو حيان التيمي ـ وكان صدوقاً‪،‬عن مجاهد‪،‬عن‬
‫ابن عمر‪ ،‬قال‪ :‬كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في‬
‫سفره‪ ،‬فدنا منه أعرابي‪ ،‬فقال‪:‬يا أعرابي‪ ،‬أين تريد؟ قال‪ :‬إلى‬
‫أهلي‪ .‬قال‪ :‬هل لك إلى خير؟ قال‪ :‬وما هو؟ قال‪ :‬تشهد أن ل إله‬
‫إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأن محمدا ً عبده ورسوله ـ قال‪ :‬من‬

‫‪229‬‬
‫يشهد لك على ما تقول؟ قال‪ :‬هذه الشجرة السمرة‪ ،‬وهي‬
‫بشاطئ الوادي‪ ،‬وادع ُها فإنها تجيبك‪.‬‬
‫فأقبلت تخد الرض حتى قامت بين يديه‪ ،‬فاستشهدها ثلثاً‪،‬‬
‫فشهدت أنه كما قال‪ ،‬ثم رجعت إلى مكانها‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه صلى الله عليه‬ ‫ه بِهِ نَبِي َّ ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ما أكَْر َ‬ ‫قلت‪ :‬رواه الدارمي ‪ -‬باب َ‬
‫ن‪:‬‬ ‫جرِ بِهِ وَالْبَهَائِم ِ وَال ْ ِ‬ ‫مان ال َّ‬
‫ج ِّ‬ ‫ش َ‬ ‫ن إِي َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وسلم ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ح َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ح َّ‬ ‫‪ -‬أَ ْ‬
‫ن‬
‫حي ّا َ‬ ‫حد ّثَنَا أبُو َ‬ ‫ل َ‬ ‫ضي ْ َ ٍ‬ ‫ن فُ َ‬ ‫مد ُ ب ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫حد ّثَنَا ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ن طرِي ٍ‬ ‫مد ُ ب ْ ُ‬ ‫م َ‬‫خبََرنَا ُ‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه‬ ‫سو ِ‬ ‫معَ َر ُ‬ ‫ل‪ :‬كُنَّا َ‬ ‫مَر قَا َ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ن اب ْ‬ ‫ِ‬ ‫ن ع َطَاءٍ ع َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سول اللهِ‬ ‫ه َر ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ه قَا َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ما دَنَا ِ‬ ‫ى فَل َ َّ‬ ‫ل أعَْراب ِ ٌّ‬ ‫سفَرٍ فَأقْب َ َ‬ ‫وسلم فِي َ‬
‫ل‬‫ل « هَ ْ‬ ‫ل إِلى أهْلِى‪ .‬قَا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن تُرِيد ُ »‪ .‬قَا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ « :‬أي ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حدَه ُ لَ‬ ‫ه وَ ْ‬ ‫ه إِل ّ الل ّ ُ‬ ‫ن ل َ إِل َ َ‬ ‫شهَد ُ أ ْ‬ ‫ل « تَ ْ‬ ‫ما هُوَ قَا َ‬ ‫ل َو َ‬ ‫خيْرٍ »‪ .‬قَا َ‬ ‫ك فِى َ‬ ‫لَ َ‬
‫ما‬ ‫شهَد ُ ع َلَى َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َوَ َ‬ ‫ه »‪ .‬فَقَا َ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫مدا ً ع َبْدُه ُ وََر ُ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ه وَأ َ َّ‬ ‫ك لَ ُ‬‫شرِي َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه‬ ‫سو ُ‬ ‫ة »‪ .‬فَدَع َاهَا َر ُ‬ ‫م ُ‬ ‫سل َ َ‬‫ل « هَذِهِ ال َّ‬ ‫ل قَا َ‬ ‫تَقُو ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫م ْ‬ ‫حتَّى قَا َ‬ ‫خدًّا َ‬ ‫ض َ‬ ‫خد ُّ الْر َ‬ ‫ت تُ ُ‬ ‫ئ الْوَادِى فَأقْبَل َ ْ‬ ‫شاط ِ ِ‬ ‫ى بِ َ‬ ‫وسلم وَه ِ َ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫جعَ ْ‬ ‫م َر َ‬ ‫ل ث ُ َّ‬ ‫ما قَا َ‬ ‫ه كَ َ‬ ‫ت ثَلَثا ً أن َّ ُ‬ ‫شهِد َ ْ‬ ‫شهَدَهَا ثَلَثا ً فَ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ن يَدَيْهِ فَا ْ‬ ‫بَي ْ َ‬
‫َ‬
‫ن اتَّبَعُونِى أتَيْت ُ َ‬ ‫جعَ الَعَْراب ِ ُّ‬
‫م‬
‫ك بِهِ ْ‬ ‫ل إِ ِ‬ ‫مهِ وَقَا َ‬ ‫و ِ‬ ‫ى إِلَى قَ ْ‬ ‫منْبَتِهَا وََر َ‬ ‫إِلَى َ‬
‫َ‬
‫ك‪..‬‬ ‫معَ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ت فَكُن ْ ُ‬ ‫جعْ ُ‬ ‫وَإِل ّ َر َ‬
‫‪-‬وعن بريدة‪ :‬سأل أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم آية‪ ،‬فقال‬
‫له‪ :‬قل لتلك الشجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك‪.‬‬
‫قال‪ :‬فمالت الشجرة عن يمينها وشمالها وبين يديها وخلفها‪،‬‬
‫فتقطعت عروقها‪ ،‬ثم جاءت تخد الرض تجر مغبرة ً حتى وقفت‬
‫بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقالت‪ :‬السلم‬
‫عليك يا رسول الله‪.‬‬
‫قال العرابي‪ :‬مرها فلترجع إلى منبتها‪ ،‬فرجعت‪ ،‬فدلت عروقها‬
‫فاستوت‪.‬‬
‫فقال العرابي‪ :‬ائذن لي أسجد لك‪.‬‬
‫قال‪ :‬لو أمرت أحدا ً أن يسجد لحد لمرت المرأة أن تسجد‬
‫لزوجها‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأذن لي أن أقبل يديك ورجليك‪ ،‬فأذن له‪.‬‬
‫مراً‬ ‫تآ ِ‬ ‫وقفة مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬لَوْ كُن ْ ُ‬
‫جهَا"‪:‬‬ ‫أ َحدا ً أ َن يسجد ِل َحد‪َ ،‬ل َمرت ال ْ َ‬
‫جد َ لَِزوْ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫مْرأة َ أ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ْ َ ْ ُ َ َ ٍ‬ ‫َ‬
‫رواه أبو داود ‪ -‬في كتاب النكاح‪ ،‬باب في حق الزوج على‬
‫المرأة؛ قال‪:‬‬
‫ـ حدثنا عمرو بن عون‪ ،‬أخبرنا إسحاق بن يوسف الزرق‪ ،‬عن‬
‫شريك‪ ،‬عن حصين‪ ،‬عن الشعبي عن قيس بن سعد قال‪:‬‬
‫ن لهم‪ ،‬فقلت‪ :‬رسول اللّه‬ ‫أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبا ٍ‬
‫أحقُّ أن يسجد له‪ ،‬قال‪ :‬فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم‬

‫‪230‬‬
‫ن لهم‪ ،‬فأنت يا‬ ‫فقلت‪ :‬إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبا ٍ‬
‫رسول اللّه أحق أن نسجد لك‪ ،‬قال‪" :‬أرأيت لو مررت بقبري‬
‫أكنت تسجد له؟" قال‪ :‬قلت‪ :‬ل‪ ،‬قال‪" :‬فل تفعلوا‪ ،‬لو كنت آمراً‬
‫ن؛ لما‬‫أحدا ً أن يسجد لحد ٍ لمرت النساء أن يسجدن لزواجه َّ‬
‫ق"‪.‬‬ ‫جعل اللّه لهم عليه َّ‬
‫ن من الح ِ ّ‬
‫ورواه ابن ماجه ‪ -‬في كتاب النكاح باب حق الزوج على المرأة؛‬
‫قال‪:‬‬
‫‪ -‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‪ .‬حدثنا عفان‪ .‬حدثنا حماد بن‬
‫سلمة‪ ،‬عن علي بن زيد ابن جدعان‪ ،‬عن سعيد بن المسيب‪ ،‬عن‬
‫عائشة؛‬
‫‪ -‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪(( :‬لو أمرت أحدا أن‬
‫يسجد لحد‪ ،‬لمرت المرأة أن تسجد لزوجها‪ .‬ولو أن رجل ً أمر‬
‫امرأة أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود‪ ،‬ومن جبل أسود‬
‫إلى جبل أحمر‪ ،‬لكان نولها أن تفعل))‪.‬‬
‫في الزوائد‪ :‬في إسناده علي بن زيد‪ ،‬وهو ضعيف‪ .‬لكن للحديث‬
‫طرق أخر‪ .‬وله شاهدان من حديث طلق بن علي‪ .‬رواه الترمذي‬
‫والنسائي‪ .‬ومن حديث أم سلمة‪ ،‬رواه الترمذي وابن ماجة‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا أزهر بن مروان‪ .‬حدثنا حماد بن زيد‪ ،‬عن أيوب‪ ،‬عن‬
‫القاسم الشيباني‪ ،‬عن عبد الله بن أبي أوفى؛ قال‪:‬‬
‫‪ -‬لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫قال‪((:‬ما هذا يا معاذ؟)) قال‪ :‬أتيت الشام فوافقتهم يسجدون‬
‫لساقفتهم وبطارقتهم‪ .‬فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك‪.‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪(( :‬فل تفعلوا‪ .‬فإني لو‬
‫كنت آمرا أحد أن يسجد لغير الله‪ ،‬لمرت المرأة أن تسجد‬
‫لزوجها‪ ...‬والذي نفس محمد بيده! ل تؤدي المرأة حق ربها حتى‬
‫تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها‪ ،‬وهي على قتب لم تمنعه))‪.‬‬
‫في الزوائد‪ :‬رواه ابن حبان في صحيحه‪ .‬قال السندي‪ :‬كأنه يريد‬
‫أنه صحيح السناد‪.‬‬
‫ورواه الدارمي ‪-‬في كتاب الصلة باب النهي ان يسجد لحد؛ قال‪:‬‬
‫‪ -‬أخبرنا عمرو بن عون ثنا إسحاق الزرق عن شريك عن حصين‬
‫عن الشعبي عن قيس بن سعد قال أتيت الحيرة فرأيتهم‬
‫يسجدون لمرزبان لهم فقلت‪ :‬يا رسول الله أل نسجد لك‪،‬‬
‫فقال‪ ":‬لو أمرت أحدا لمرت النساء ان يسجدن لزواجهن لما‬
‫جعل الله عليهن من حقهم"‪.‬‬
‫‪ -‬أخبرنا محمد بن يزيد الحزام ثنا حبان بن علي عن صالح بن‬
‫حبان عن أبي بريدة عن أبيه قال جاء أعرابي إلى النبي صلى‬

‫‪231‬‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله ائذن لي فلسجد لك؛ قال‪:‬‬
‫(لو كنت آمرا أحدا يسجد لحد لمرت المرأة تسجد لزوجها)‬
‫ورواه الترمذي ‪ -‬في أبواب مختلفة في النكاح باب ما جاء في‬
‫حق الزوج على المرأة‪ .‬قال‪:‬‬
‫‪ -‬حدثنا محمود بن غيلن‪ .‬أخبرنا النضر بن شميل‪ .‬أخبرنا محمد‬
‫بن عمرو‪ ،‬عن أبي سلمة‪ ،‬عن أبي هريرة‪،‬‬
‫‪ -‬عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قال‪" :‬لو كنت آمرا أحدا أن‬
‫يسجد لحد‪ ،‬لمرت المرأة أن تسجد لزوجها"‪.‬‬
‫وفي الباب عن معاذ بن جبل وسراقة بن مالك بن جعشم‬
‫وعائشة وابن عباس وعبد الله بن أبي أوفى وطلق بن علي وأم‬
‫سلمة وأنس وابن عمر‪ .‬حديث أبي هريرة حديث حسن غريب‬
‫من هذا الوجه‪ ،‬من حديث محمد بن عمرو‪ ،‬عن أبي سلمة‪ ،‬عن‬
‫أبي هريرة‪.‬‬
‫ورواه البيهقي ‪ -‬ما جاء في عظم حق الزوج على المرأة؛ قال‪:‬‬
‫‪ -‬أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى‬
‫البزاز نا أحمد بن منصور المروزي ثنا النضر بن شميل أنا محمد‬
‫بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‬
‫قال‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪( :‬لو كنت آمرا أحد‬
‫أن يسجد لحد لمرت المرأة أن تسجد لزوجها لما عظم الله من‬
‫حقه عليها)‪.‬‬
‫‪ -‬أخبرنا محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنا أبو بكر محمد‬
‫الحسين القطان نا أحمد بن يوسف السلمي نا عبد الرحمن بن‬
‫أي بكر النخعي حدثني أبي نا حصين بن عبد الرحمن السلمي‬
‫عن عامر الشعبي عن قيس قال قدمت الحيرة فرأيت أهلها‬
‫يسجدون لمرزبان لهم فقلت نحن كنا أحق أن نسجد لرسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فلما قدمت عليه أخبرته بالذي رأيت قلت‬
‫نحن كنا أحق أن نسجد لك فقال‪ :‬ل تفعلوا أرأيت لو مررت‬
‫بقبري أكنت ساجدًا قلت‪ :‬ل قال‪ :‬فل تفعلوا فإني لو كنت آمرا‬
‫أحدا أن يسجد لحد لمرت النساء أن يسجدن لزواجهن لما جعل‬
‫الله من حقهم عليهن‪...‬‬
‫رواه غيره عن شريك فقال عن قيس بن سعد‪.‬‬
‫ورواه الحاكم ‪ -‬في كتاب النكاح‬
‫حدثنا محمد بن صالح بن هانئ حدثنا الفضل بن محمد بن‬
‫المسيب حدثنا عمرو بن عون حدثنا شريك عن حصين عن‬
‫الشعبي عن قيس بن سعد رضى الله تعالى عنه قال‪ :‬أتيت‬
‫الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فقلت‪ :‬رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم أحق أن يسجد له فأتيت رسول الله صلى الله‬

‫‪232‬‬
‫عليه وسلم فقلت أني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان‬
‫لهم فأنت رسول الله أحق أن يسجد لك قال‪ :‬أرأيت لو مررت‬
‫بقبري أكنت تسجد له؟ قلت‪ :‬ل‪ ..‬قال‪( :‬فل تفعلوا لو كنت آمرا‬
‫أحدا أن يسجد لحد لمرت النساء أن يسجدن لزواجهن لما جعل‬
‫لله لهم عليهن من حق)‪ .‬هذا حديث صحيح السناد ولم يخرجاه‪.‬‬
‫ورواه ابن أبي شيبة ‪ -‬في كتاب النكاح؛ قال‪:‬‬
‫حدثنا أبو معاوية عن العمش عن أبي ظبيان قال‪ :‬لما قدم معاذ‬
‫من اليمن قال‪ :‬يا رسول الله! رأينا قوما يسجد بعضهم لبعض‬
‫أفل نسجد لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬ل! إنه‬
‫ل يسجد أحد لحد ولو كنت آمرا أحدًا يسجد لحد لمرت النساء‬
‫يسجدن لزواجهن "‪ .‬حدثنا ابن نمير قال نا العمش عن أبي‬
‫ظبيان عن رجل من النصار عن معاذ ابن جبل بمثل حديث أبي‬
‫معاوية‪.‬‬
‫ورواه أحمد ‪ -‬في مسند النصار حدثنا عبد الله حدثني أبي في‬
‫سنة ثمان وعشرين ومائتين حدثنا وكيع حدثنا العمش عن أبي‬
‫ظبيان عن معاذ بن جبل‪-:‬أنه لما رجع من اليمن قال‪ :‬يا رسول‬
‫الله رأيت رجال ً باليمن يسجد بعضهم لبعضهم أفل نسجد لك‬
‫قال‪( :‬لو كنت آمًرا بشًرا يسجد لبشر لمرت المرأة أن تسجد‬
‫لزوجها)‪.‬‬
‫وفي مسند أم المؤمنين عائشة‬
‫حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الصمد وعفان قال حدثنا‬
‫حماد قال عفان أنبأنا المعني عن علي بن زيد عن سعيد عن‬
‫عائشة‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في نفر من‬
‫المهاجرين والنصار فجاء بعير فسجد له فقال أصحابه‪ :‬يا رسول‬
‫الله تسجد لك البهائم والشجر فنحن أحق أن نسجد لك فقال‪:‬‬
‫(أعبدوا ربكم‪ ،‬وأكرموا أخاكم‪ ،‬ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد لحد‬
‫لمرت المرأة أن تسجد لزوجها ولو أمرها أن تنقل من جبل‬
‫أصفر إلى جبل أسود ومن جبل أسود إلى جبل أبيض كان ينبغي‬
‫لها أن تفعله)‪.‬‬
‫‪-‬وفي الصحيح في حديث جابر بن عبد الله الطويل‪ :‬ذهب رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته‪ ،‬فلم ير شيئا ً يستتر به‪،‬‬
‫فإذا بشجرتين في شاطئ الوادي‪ ،‬فانطلق رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم إلى إحداهما‪ ،‬فأخذ بغصن من أغصانها‪ ،‬فقال‪ :‬انقادي‬
‫علي بإذن الله‪ ،‬فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع‬
‫قائده‪.‬‬
‫وذكر أنه فعل بالخرى مثل ذلك‪ ،‬حتى إذا كان بالمصنف بينهما‬
‫قال‪ :‬التئما علي بإذن الله‪ ،‬فالتأمتا‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫‪-‬رواية أخرى‪ :‬فقال‪( :‬يا جابر‪ ،‬قل لهذه الشجرة‪ :‬يقول لك رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬الحقي بصاحبتك حتى أجلس‬
‫حقت بصاحبتها فجلس خلفهما‪،‬‬ ‫حفت حتى ل ِ‬
‫خلفكما) ففعلت‪ ،‬فز َ‬
‫ضر‪ ،‬وجلست أحدث نفسي‪ ،‬فالتفت فإذا برسول الله‬ ‫فخرجت أح ِ‬
‫صلى الله عليه وسلم مقبل ً والشجرتان قد افترقتا‪ ،‬فقامت كل‬
‫واحدة منهما على ساق‪ ،‬فوقف رسول الله صلى الله عليه‬
‫ة‪ ،‬فقال برأسه هكذا يمينا ً وشمالً‪.‬‬
‫وسلم وقف ً‬
‫قلت‪ :‬رواه مسلم في كتاب الزهد قال‪:‬‬
‫سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديًا أفيح‪.‬‬
‫فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته‪ .‬فاتبعته‬
‫بإداوة من ماء‪ .‬فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير‬
‫شيئا يستتر به‪ .‬فإذا شجرتان بشاطئ الوادي‪ .‬فانطلق رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من‬
‫أغصانها‪ .‬فقال‪" :‬انقادي علي بإذن الله" فانقادت معه كالبعير‬
‫المخشوش‪ ،‬الذي يصانع قائده‪ .‬حتى أتى الشجرة الخرى‪ .‬فأخذ‬
‫بغصن من أغصانها‪ .‬فقال "انقادي علي بإذن الله" فانقادت معه‬
‫كذلك‪ .‬حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما‪ ،‬لم بينهما (يعني‬
‫جمعهما) فقال‪" :‬التئما علي بإذن الله" فالتأمتا‪ .‬قال جابر‪:‬‬
‫فخرجت أحضر مخافة أن يحش رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بقربي فيبتعد (وقال محمد بن عباد‪ :‬فيتبعد) فجلست‬
‫أحدث نفسي‪ .‬فحانت مني لفتة‪ ،‬فإذا أنا برسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم مقبلً‪ .‬وإذا الشجرتان قد افترقتا‪ .‬فقامت كل واحدة‬
‫منهما على ساق‪ .‬فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف‬
‫وقفة‪ .‬فقال برأسه هكذا (وأشار أبو إسماعيل برأسه يمينًا‬
‫وشمالً) ثم أقبل‪ .‬فلما انتهى إلي قال "يا جابر! هل رأيت‬
‫مقامي؟" قلت‪ :‬نعم‪ .‬يا رسول الله! قال‪" :‬فانطلق إلى‬
‫الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصنا‪ .‬فأقبل بهما‪ .‬حتى‬
‫إذا قمت مقامي فأرسل غصنًا عن يمينك وغصنا عن يسارك"‪.‬‬
‫قال جابر‪ :‬فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحسرته‪ .‬فانذلق لي‪.‬‬
‫فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا‪ .‬ثم أقبلت‬
‫أجرهما حتى قمت مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري‪ .‬ثم لحقته فقلت‪ :‬قد‬
‫فعلت‪ .‬يا رسول الله! فعم ذاك؟ قال "إني مررت بقبرين يعذبان‪.‬‬
‫فأحببت‪ ،‬بشفاعتي‪ ،‬أن يرفه عنهما‪ ،‬ما دام الغصنان رطبين"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرج هذا الحديث كل من البيهقي في السنن الكبرى‬
‫ودلئل النبوة‪ ،‬وابن كثير في البداية والنهاية‪ ،‬والتبريزي في‬
‫المشكاة‪...‬وغيرهم‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫‪-‬وروى أسامة بن زيد نحوه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم في بعض مغازيه‪ :‬هل يعني مكانا ً لحاجة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت‪ :‬إن الوادي ما فيه موضع بالناس‪.‬‬
‫فقال‪ :‬هل ترى من نخل أو حجارة؟ قلت‪ :‬أرى نخلت متقاربات‪.‬‬
‫قال‪ :‬انطلق وقل لهن‪ :‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يأمركن أن تأتين لمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقل‬
‫للحجارة مثل ذلك‪.‬فقلت ذلك لهن‪ ،‬فو الذي بعثه بالحق‪ ،‬لقد‬
‫رأيت النخلت يتقاربن حتى اجتمعن والحجارة يتعاقدن حتى‬
‫صرن زكاما ً خلقهن‪ .‬فلما قضى حاجته قال لي‪ :‬قل لهن يفترقن‪،‬‬
‫فو الذي نفسي بيده لرأيتهن و لحجارة يفترقن حتى عدن إلى‬
‫مواضعهن‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه البيهقي في دلئل النبوة قال‪:‬‬
‫أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن الغفاري ببغداد حدثنا‬
‫عثمان ابن أحمد بن السماك حدثنا أبو علي حنبل بن إسحاق بن‬
‫حنبل حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا عبد الرحيم بن جماد عن‬
‫معاوية بن يحيى الصدفي أنبأنا الزهري عن خارجة بن زيد قال‪:‬‬
‫قال أسامة بن زيد‪:‬‬
‫(‪....‬ثم قال‪ :‬يا أسيم أنظر هل ترى من خمر لمخرج رسول‬
‫الله‪ ...‬فقلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬قد دحس الناس الوادي فما فيه‬
‫موضع‪ .‬فقال‪ :‬انظر هل ترى من نخل أو حجارة‪ ...‬فقلت‪ :‬يا‬
‫رسول الله‪ ،‬قد رأيت نخلت متقاربات ورجما من حجارة‪ .‬قال‪:‬‬
‫انطلق إلى النخلت فقل لهن أن رسول الله يأمركن أن تدانين‬
‫لمخرج رسول الله وقل للحجارة مثل ذلك‪ ..‬قال فأتيتهن فقلت‬
‫ذاك لهن فو الذي بعثك بالحق نبيا لقد جعلت أنظر إلى النخلت‬
‫يخددن الرض خدًا حتى اجتمعن وأنظر إلى الحجارة يتقافزن‬
‫ما خلف النخلت فأتيته فقلت ذاك له قال خذ‬ ‫حتى صرن رج ً‬
‫الداوة وانطلق فلما قضى حاجته وانصرف قال يا أسيم عد إلى‬
‫النخلت والحجارة فقل لهن إن رسول الله يأمركن أن ترجعن‬
‫إلى مواضعكن‪.‬‬
‫‪-‬وقال يعلى بن سيابة‪ :‬كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في‬
‫مسير‪ ...‬وذكر نحوا ً من هذين الحديثين‪ ،‬وذكر‪ :‬فأمر وديتين‬
‫فانضمتا‪ .‬و في رواية‪ :‬أشاءتين‪.‬‬
‫‪-‬وعن غيلن بن سلمة الثقفي مثله‪ :‬في شجرتين‪.‬‬
‫قلت أورده البيهقي في دلئل النبوة قال‪:‬‬
‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قال حدثنا‬
‫العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس‬
‫بن بكير عن العمش عن المنهال بن عمرو عن يعلي بن مرة‬

‫‪235‬‬
‫عن أبيه قال‪ :‬سافرت مع رسول الله سفًرا فرأيت منه أشياء‬
‫عجبا نزلنا منزل ً فقال انطلق إلى هاتين الشاءتين فقل أن‬
‫رسول الله يقول لكما أن تجتمعا فانطلقت فقلت لهما ذلك‬
‫فانتزعت كل واحدة منهما من أصلها فنزلت كل واحدة إلى‬
‫صاحبتها فالتقتا جميعًا فقضى رسول الله حاجته من ورائهما ثم‬
‫قال‪ :‬انطلق فقل لهما فلتعد كل واحدة إلى مكانها فأتيتهما فقلت‬
‫لهما ذلك فنزلت كل واحدة حتى عادت إلى مكانها‪.‬‬
‫‪-‬وعن ابن مسعود‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله في‬
‫غزاة حنين‪.‬‬
‫قلت أورده البيهقي في دلئل النبوة قال‪:‬‬
‫وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو بكر بن إسحاق أنبأنا‬
‫الحسن بن علي بن زياد حدثنا أبو حمه حدثنا أبو قرة عن زمعة‬
‫عن زياد عن أبي الزبير أنه سمع يونس بن خباب الكوفي يحدث‬
‫أنه سمع أبا عبيدة يحدث عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم أنه كان في سفر إلى مكة فذهب إلى الغائط‬
‫فكان يبعد حتى ل يراه أحد قال فلم يجد شيئًا يتوارى به فبصر‬
‫بشجرتين فذكر قصة الشجرتين‪...‬‬
‫‪-‬وعن يعلى بن مرة ـ وهو ابن سيابة ـ أيضاً‪ ،‬وذكر أشياء رآها من‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فذكر أن طلحة أو سمرةً‬
‫جاءت فأطافت به‪ ،‬ثم رجعت إلى منبتها‪ ،‬فقال رسول صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ :‬إنها استأذنت أن تسلم علي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرجه التبريزي في مشكاة المصابيح‪ ،‬وأحمد في المسند‪،‬‬
‫والبيهقي في دلئل النبوة قال‪:‬‬
‫أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد أنبأنا إسماعيل بن‬
‫محمد الصفار حدثنا أحمد بن منصور الرمادي حدثنا عبد الرزاق‬
‫أنبأنا معمر عن عطاء بن السائب عن عبد الله بن السائب عن‬
‫عبد الله بن حفص عن يعلى بن مرة الثقفي قال‪ :‬ثم سرنا حتى‬
‫نزلنا منزل فنام النبي فجاءت شجرة تشق الرض حتى غشيتة ثم‬
‫رجعت إلى مكانها فلما استيقظ رسول الله ذكرت له فقال‪ :‬هي‬
‫شجرة استأذنت ربها في أن تسلم على رسول الله فأذن لها‪.‬‬
‫ت النب َّ‬
‫ي‬ ‫‪-‬وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‪ :‬آذن ِ‬
‫ٌُ‬
‫ة استمعوا له ـ شجرة ُ‪.‬‬ ‫صلى الله عليه وسلم بالجن ليل َ‬
‫قلت‪ :‬أخرج البخاري في كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب ذكر‬
‫الجن‪.‬وقول الله تعالى‪{ :‬قل أوحي إلي أنه استمع نفر من‬
‫الجن} ‪/‬الجن‪./1 :‬قال‪:‬‬
‫* ‪ -‬حدثني عبيد بن سعيد‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ :‬حدثنا مسعر‪ ،‬عن‬
‫معن ابن عبد الرحمن قال‪ :‬سمعت أبي قال‪ :‬سألت مسروقًا‪:‬‬

‫‪236‬‬
‫من آذن النبي صلى الله عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا‬
‫القرآن؟ فقال‪ :‬حدثني أبوك‪ ،‬يعني عبد الله‪ :‬أنه آذنت بهم شجرة‪.‬‬
‫**‪ -‬حدثنا موسى بن إسماعيل‪ :‬حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد‬
‫قال‪ :‬أخبرني جدي‪ ،‬عن أبي هريرة رضي الله عنه‪ :‬أنه كان يحمل‬
‫مع النبي صلى الله عليه وسلم إداوة لوضوئه وحاجته‪ ،‬فبينما هو‬
‫يتبعه بها‪ ،‬فقال‪( :‬من هذا)‪ .‬فقال‪ :‬أنا أبو هريرة‪ ،‬فقال‪( :‬أبغني‬
‫أحجاًرا أستنفض بها‪ ،‬ول تأتيني بعظم ول بروثة)‪ .‬فأتيته بأحجار‬
‫أحملها في طرف ثوبي‪ ،‬حتى وضعت إلى جنبه‪ ،‬ثم انصرفت‪،‬‬
‫حتى إذا فرغ مشيت‪ ،‬فقلت‪ :‬ما بال العظم والروثة؟ قال‪( :‬هما‬
‫من طعام الجن‪ ،‬وإنه أتاني وفد جن نصيبين‪ ،‬ونعم الجن‪،‬‬
‫فسألوني الزاد‪ ،‬فدعوت الله لهم أن ل يمروا بعظم ول بروثة إل‬
‫ما)‪.‬‬
‫وجدوا عليها طعا ً‬
‫قال ابن حجر العسقلني‬
‫قوله باب ذكر الجن‪ ..‬وقول الله عز وجل‪( :‬قل أوحي إلي انه‬
‫استمع نفر من الجن) الية يريد تفسير هذه الية وقد أنكر بن‬
‫عباس أنهم اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم في‬
‫الصلة من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال‬
‫ما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على الجن ول رآهم الحديث‬
‫وحديث أبي هريرة في هذا الباب وإن كان ظاهًرا في اجتماع‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بالجن وحديثه معهم لكنه ليس فيه‬
‫انه قرأ عليهم ول أنهم الجن الذين استمعوا القرآن لن في‬
‫حديث أبي هريرة أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلتئذ‬
‫وأبو هريرة إنما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في السنة‬
‫السابعة المدينة وقصة استماع الجن للقران كان بمكة قبل‬
‫الهجرة وحديث بن عباس صريح في ذلك فيجمع بين ما نفاه وما‬
‫أثبته غيره بتعدد وفود الجن على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فأما ما وقع في مكة فكان لستماع القرآن والرجوع إلى قومهم‬
‫منذرين كما وقع في القران وإما في المدينة فللسؤال عن‬
‫الحكام وذلك بين في الحديثين المذكورين ويحتمل أن يكون‬
‫القدوم الثاني كان أيضا بمكة وهو الذي يدل عليه حديث بن‬
‫مسعود كما سنذكره وإما حديث أبي هريرة فليس فيه تصريح‬
‫بأن ذلك وقع بالمدينة ويحتمل تعدد القدوم بمكة مرتين وبالمدينة‬
‫ضا قال البهيقي حديث بن عباس حكى ما وقع في أول المر‬ ‫أي ً‬
‫عندما علم الجن بحاله صلى الله عليه وسلم وفي ذلك الوقت‬
‫لم يقرأ عليهم ولم يرهم ثم أتاه داعي الجن مرة أخرى فذهب‬
‫معه وقرأ عليهم القرآن كما حكاه عبد الله بن مسعود انتهى‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫وأشار بذلك إلى ما أخرجه أحمد والحاكم من طريق زر بن‬
‫حبيش عن عبد الله بن مسعود قال هبطوا على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخل فلما سمعوه قالوا أنصتوا‬
‫وكانوا سبعة أحدهم زوبعة قلت وهذا يوافق حديث بن عباس‬
‫وأخرج مسلم من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن‬
‫علقمة قال قلت لعبد الله بن مسعود هل صحب أحد منكم‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن قال ل ولكنا فقدناه‬
‫ذات ليلة فقلنا اغتيل استطير فبتنا شر ليلة فلما كان عند السحر‬
‫إذا نحن به يجيء من قبل حراء فذكرنا له فقال أتاني داعي الجن‬
‫فأتيتهم فقرأت عليهم فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم‪.‬‬
‫وقول بن مسعود في هذا الحديث أنه لم يكن مع النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم أصح مما رواه الزهري أخبرني أبو عثمان بن شيبة‬
‫الخزاعي أنه سمع بن مسعود يقول‪ :‬أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال لصحابه وهو بمكة‪ " :‬من أحب منكم ان ينظر‬
‫الليلة اثر الجن فليفعل" قال فلم يحضر منهم أحد غيري فلما كنا‬
‫بأعلى مكة خط لي برجله خطا ثم أمرني أن أجلس فيه ثم‬
‫انطلق ثم قرأ القرآن فغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى‬
‫ما أسمع صوته ثم انطلقوا وفرغ منهم مع الفجر فانطلق الحديث‬
‫قال البهيقي يحتمل أن يكون قوله في الصحيح ما صحبه منا أحد‬
‫أراد به في حال إقرائه القرآن لكن قوله في الصحيح أنهم فقدوه‬
‫يدل على إنهم لم يعلموا بخروجه إل أن يحمل على أن الذي‬
‫فقده غير الذي خرج معه فالله أعلم‪.‬‬
‫ولرواية الزهري متابع من طريق موسى بن علي بن رباح عن‬
‫أبيه عن بن مسعود قال‪ :‬استتبعني النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فقال‪" :‬إن نفًرا من الجن خمسة عشر بني إخوة وبني عم‬
‫يأتونني الليلة فأقرأ عليهم القرآن" فانطلقت معه إلى المكان‬
‫الذي أراد فخط لي خطا فذكر الحديث نحوه أخرجه الدارقطني‬
‫وابن مردويه وغيرهما وأخرج بن مردويه من طريق أبي الجوزاء‬
‫عن بن مسعود نحوه مختصًرا وذكر بن إسحاق أن استماع الجن‬
‫كان بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف لما خرج‬
‫إليها يدعو ثقيفًا إلى نصره وذلك بعد موت أبي طالب وكان ذلك‬
‫في سنة عشر من المبعث كما جزم بن سعد بأن خروجه إلى‬
‫الطائف كان في شوال وسوق عكاظ التي أشار إليها بن عباس‬
‫كانت تقام في ذي القعدة وقول بن عباس في حديثه وهو يصلي‬
‫بأصحابه لم يضبط ممن كان معه في تلك السفرة غير زيد بن‬
‫حارثة فلعل بعض الصحابة تلقاه لما رجع والله أعلم‪.‬‬

‫‪238‬‬
‫وقول من قال أن وفود الجن كان بعد رجوعه صلى الله عليه‬
‫وسلم من الطائف ليس صريحا في أولية قدوم بعضهم والذي‬
‫يظهر من سياق الحديث الذي فيه المبالغة في رمي الشهب‬
‫لحراسة السماء من استراق الجن السمع دال على أن ذلك كان‬
‫قبل المبعث النبوي وإنزال الوحي إلى الرض فكشفوا ذلك إلى‬
‫أن وقفوا على السبب ولذلك لم يقيد الترجمة بقدوم ول وفادة‬
‫ثم لما انتشرت الدعوة وأسلم من أسلم قدموا فسمعوا فأسلموا‬
‫وكان ذلك بين الهجرتين ثم تعدد مجيئهم حتى في المدينة‪.‬‬
‫قوله حدثني عبيد الله بن سعيد هو أبو قدامة السرخسي وهو‬
‫بالتصغير مشهور بكنيته وفي طبقته عبد الله بن سعيد مكبر وهو‬
‫أبو سعيد الشج قوله عن معن بن عبد الرحمن أي بن عبد الله‬
‫بن مسعود وهو كوفي ثقة ما له في البخاري إل هذا الموضع‬
‫قوله من آذن بالمد أي أعلم قوله انه آذنت بهم شجرة في رواية‬
‫إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي أسامة بهذا السناد آذنت‬
‫بهم سمرة بفتح المهملة وضم الميم‪.‬‬
‫قوله في حديث أبي هريرة أخبرني جدي هو سعيد بن عمرو بن‬
‫سعيد بن العاص قوله أبغني قال بن التين هو موصول من الثلثي‬
‫تقول بغيت الشيء طلبته وأبغيتك الشيء أعنتك على طلبه قوله‬
‫أحجاًرا أستنفض بها تقدم شرح ذلك في كتاب الطهارة قوله وأنه‬
‫أتاني وفد جن نصيبين يحتمل أن يكون خبًرا عما وقع في تلك‬
‫الليلة ويحتمل أن يكون خبًرا عما مضى قبل ذلك ونصيبين بلدة‬
‫مشهورة بالجزيرة ووقع في كلم بن التين إنها بالشام وفيه تجوز‬
‫فان الجزيرة بين الشام والعراق ويجوز صرف نصيبين وتركه‬
‫قوله فسألوني الزاد أي مما يفضل عن النس وقد يتعلق به من‬
‫يقول إن الشياء قبل الشرع على الحظر حتى ترد الباحة ويجاب‬
‫عنه بمنع الدللة على ذلك بل ل حكم قبل الشرع على الصحيح‬
‫قوله فدعوت الله لهم أن ل يمروا بعظم ول روثة إل وجدوا عليها‬
‫ما قال بن التين‬ ‫ما‪ .‬في رواية السرخسي إل وجدوا عليها طعا ً‬‫طع ً‬
‫ما‬
‫يحتمل أن يجعل الله ذلك عليها ويحتمل أن يذيقهم منها طعا ً‬
‫وفي حديث بن مسعود عند مسلم أن البعر زاد دوابهم ول ينافي‬
‫ذلك حديث الباب ل مكان حمل الطعام فيه على طعام الدواب‪.‬‬
‫وروى مسلم في كتاب الصلة‪ ،‬باب الجهر بالقراءة في الصبح‬
‫والقراءة على الجن قال‪:‬‬
‫*حدثنا شيبان بن فروخ‪ .‬حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر‪ ،‬عن‬
‫سعيد بن جبير‪ ،‬عن ابن عباس؛ قال‪ :‬ما قرأ رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم على الجن وما رآهم‪ .‬انطلق رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء‪ .‬وأرسلت عليهم‬
‫الشهب‪ .‬فرجعت الشياطين إلى قومهم‪ .‬فقالوا‪ :‬مالكم؟ قالوا‪:‬‬
‫حيل بيننا وبين خبر السماء‪ .‬وأرسلت علينا الشهب‪ .‬قالوا‪ :‬ما ذاك‬
‫إل من شيء حدث‪ .‬فاضربوا مشارق الرض ومغاربها‪ .‬فانظروا‬
‫ما هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء‪ .‬فانطلقوا يضربون‬
‫مشارق الرض ومغاربها‪ .‬فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة (وهو‬
‫بنخل‪ ،‬عامدين إلى سوق عكاظ‪ .‬وهو يصلي بأصحابه صلة‬
‫الفجر) فلما سمعوا القرآن استمعوا له‪ .‬وقالوا‪ :‬هذا الذي حال‬
‫بيننا وبين خبر السماء‪ .‬فرجعوا إلى قومهم فقالوا‪ :‬يا قومنا! إنا‬
‫سمعنا قرآنا عجبًا يهدي إلى الرشد فآمنا به‪ .‬ولن نشرك بربنا‬
‫أحدًا‪ .‬فأنزل الله عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫{قل أوحي إلى أنه استمع نفر من الجن} [‪/72‬الجن‪ /‬الية‪.]1-‬‬
‫**حدثنا محمد بن المثنى‪ .‬حدثنا عبد العلى عن داود‪ ،‬عن‬
‫عامر‪ ،‬قال‪ :‬سألت علقمة‪ :‬هل كان ابن مسعود شهد مع رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال فقال علقمة‪ :‬أنا‬
‫سألت ابن مسعود‪ .‬فقلت‪ :‬هل شهد أحد منكم مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال‪ :‬ل‪ .‬ولكنا كنا مع رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة‪ .‬ففقدناه‪ .‬فالتمسناه في‬
‫الودية والشعاب‪ .‬فقلنا‪ :‬استطير أو اغتيل‪ .‬قال فبتنا بشر ليلة‬
‫بات بها قوم‪ .‬فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء‪ .‬قال فقلنا‪ :‬يا‬
‫رسول الله! فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات بها‬
‫قوم‪ .‬فقال‪" :‬أتاني داعي الجن‪ .‬فذهبت معه‪ .‬فقرأت عليهم‬
‫القرآن"‪ .‬قال فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم‪ .‬وسألوه‬
‫الزاد‪ .‬فقال‪" :‬لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم‪،‬‬
‫أوفر ما يكون لحما‪ .‬وكل بعرة علف لدوابكم"‪ .‬فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬فل تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم"‪.‬‬
‫**وحدثنيه علي بن حجر السعدي‪ .‬حدثنا إسماعيل بن إبراهيم‬
‫عن داود‪ ،‬بهذا السناد‪ ،‬إلى قوله‪ :‬وآثار نيرانهم‪ .‬قال الشعبي‪:‬‬
‫وسألوه الزاد‪ .‬وكانوا من جن الجزيرة‪ .‬إلى آخر الحديث من قول‬
‫الشعبي‪ .‬مفصل من حديث عبد الله‪.‬‬
‫**وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة‪ .‬حدثنا عبد الله بن إدريس عن‬
‫داود‪ ،‬عن الشعبي‪ ،‬عن علقمة‪ ،‬عن عبد الله‪ ،‬عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ .‬إلى قوله‪ :‬وآثار نيرانهم‪ .‬ولم يذكر ما بعده‪.‬‬
‫**حدثنا يحيى بن يحيى‪ .‬أخبرنا خالد بن عبد الله عن خالد‪ ،‬عن‬
‫أبي معشر‪ ،‬عن إبراهيم‪ ،‬عن علقمة‪ ،‬عن عبد الله‪ .‬قال‪:‬لم أكن‬
‫ليلة الجن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ .‬ووددت أني‬
‫كنت معه‪.‬‬

‫‪240‬‬
‫**حدثنا سعيد بن محمد الجرمي وعبيد الله بن سعيد‪ .‬قال‪:‬‬
‫حدثنا أبو أسامة عن مسعر‪ ،‬عن معن؛ قال‪ :‬سمعت أبي‬
‫قال‪:‬سألت مسروقًا‪ :‬من آذن النبي صلى الله عليه وسلم بالجن‬
‫ليلة استمعوا القرآن؟ فقال‪ :‬حدثني أبوك (يعني ابن مسعود) أنه‬
‫آذنته بهم شجرة‪.‬‬
‫قال النووي‬
‫قوله‪( :‬سوق عكاظ) هو بضم العين وبالظاء المعجمة يصرف ول‬
‫يصرف‪ ،‬والسوق تؤنث وتذكر لغتان‪ ،‬قيل‪ :‬سميت بذلك لقيام‬
‫الناس فيها على سوقهم‪ .‬قوله‪( :‬عن ابن عباس رضي الله عنهما‬
‫قال‪ :‬ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن وما‬
‫ي‬‫رآهم) وذكر بعده حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النب ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪( :‬أتاني داعي الجن فذهبت معه‬
‫فقرأت عليهم القرآن) قال العلماء‪ :‬هما قضيتان‪ ،‬فحديث ابن‬
‫عباس في أول المر وأول النبوة حين أتوا فسمعوا قراءة قل‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫أوحي‪ ،‬واختلف المفسرون هل علم النب ّ‬
‫استماعهم حال استماعهم بوحي أوحي إليه أم لم يعلم بهم إل‬
‫بعد ذلك؟ وأما حديث ابن مسعود فقضية أخرى جرت بعد ذلك‬
‫بزمان الله أعلم بقدره وكان بعد اشتهار السلم‪ .‬قوله‪( :‬وقد‬
‫حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت الشهب عليهم)‬
‫ظاهر هذا الكلم أن هذا حدث بعد نبوة نبينا صلى الله عليه‬
‫وسلم ولم يكن قبلها‪ ،‬ولهذا أنكرته الشياطين وارتاعت له‬
‫وضربوا مشارق الرض ومغاربها ليعرفوا خبره‪ ،‬ولهذا كانت‬
‫الكهانة فاشية في العرب‪ ،‬حتى قطع بين الشياطين وبين صعود‬
‫السماء واستراق السمع كما أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا‪:‬‬
‫{وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا ً شديدا ً وشهباً‪ ،‬وأنا كنا‬
‫نقعد منها مقاعد للسمع‪ ،‬فمن يستمع الَن يجد له شهابا ً رصداً}‬
‫وقد جاءت أشعار العرب باستغرابهم رميها لكونهم لم يعهدوه‬
‫قبل النبوة وكان رميها من دلئل النبوة‪ .‬وقال جماعة من العلماء‪:‬‬
‫ما زالت الشهب منذ كانت الدنيا وهو قول ابن عباس والزهري‬
‫وغيرهما وقد جاء ذلك في أشعار العرب‪ .‬وروى فيه ابن عباس‬
‫رضي الله عنهما حديثا ً قيل للزهري فقد قال الله تعالى‪{ :‬فمن‬
‫يستمع الن يجد له شهابا ً رصداً} فقال‪ :‬كانت الشهب قليلة‬
‫فغلظ أمرها وكثرت حين بعث نبينًا صلى الله عليه وسلم وقال‬
‫المفسرون نحو هذا وذكروا أن الرمي بها وحراسة السماء كانت‬
‫موجودة قبل النبوة ومعلومة‪ ،‬ولكن إنما كانت تقع عند حدوث‬
‫أمر عظيم من عذاب ينزل بأهل الرض أو إرسال رسول إليهم‪،‬‬
‫وعليه تأولوا قوله تعالى‪{ :‬وأنا ل ندري أشر أريد بمن في الرض‬

‫‪241‬‬
‫أم أراد بهم ربهم رشداً} وقيل‪ :‬كانت الشهب قبل مرئية‬
‫ومعلومة‪ ،‬لكن رجم الشياطين وإحراقهم لم يكن إل بعد نبوة نبينا‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬واختلفوا في إعراب قوله تعالى‪:‬‬
‫{رجوماً} وفي معناه فقيل هو مصدر فتكون الكواكب هي‬
‫الراجمة المحرقة بشهبها ل بأنفسها‪ .‬وقيل‪ :‬هو اسم فتكون هي‬
‫بأنفسها التي يرجم بها ويكون رجوم جمع رجم بفتح الراء والله‬
‫أعلم‪ .‬قوله‪( :‬فاضربوا مشارق الرض ومغاربها) معناه سيروا فيها‬
‫كلها‪ .‬ومنه قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل يخرج الرجلن يضربان‬
‫الغائط كاشفين عن عوراتهما يتحدثان فإن الله تعالى يمقت على‬
‫ذلك" قوله‪( :‬فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة وهو بنخل) هكذا‬
‫وقع في مسلم بنخل بالخاء المعجمة وصوابه بنخلة بالهاء وهو‬
‫موضع معروف هناك‪ ،‬كذا جاء صوابه في صحيح البخاري‪،‬‬
‫ويحتمل أنه يقال فيه نخل ونخلة‪ ،‬وأما تهامة فبكسر التاء وهو‬
‫اسم لكل ما نزل عن نجد من بلد الحجاز ومكة من تعامة‪ .‬قال‬
‫ابن فارس في المجمل‪ :‬سميت تهامة من التهم بفتح التاء والهاء‬
‫وهو شدة الحر وركود الريح‪ .‬وقال صاحب المطالع‪ :‬سميت بذلك‬
‫لتغير هوائها يقال تهم الدهن إذا تغير‪ .‬وذكر الحازمي أنه يقال في‬
‫أرض تهامة تهائم‪ .‬قوله‪( :‬وهو يصلي بأصحابه صلة الصبح فلما‬
‫سمعوا القرآن قالوا هذا الذي حال بيننا وبين السماء) فيه الجهر‬
‫بالقراءة في الصبح‪ ،‬وفيه إثبات صلة الجماعة وأنها مشروعة في‬
‫السفر‪ ،‬وأنها كانت مشروعة من أول النبوة‪ .‬قال المام أبو عبد‬
‫الله المازري‪ :‬ظاهر الحديث أنهم آمنوا عند سماع القرآن‪ ،‬ول بد‬
‫لمن آمن عند سماعه أن يعلم حقيقة العجاز وشروط المعجزة‪،‬‬
‫وبعد ذلك يقع له العلم بصدق الرسول‪ ،‬فيكون الجن علموا ذلك‬
‫من كتب الرسل المتقدمين قبلهم على أنه هو النبي الصادق‬
‫المبشر به‪ ،‬واتفق العلماء على أن الجن يعذبون في الخرة على‬
‫المعاصي‪ ،‬قال الله تعالى‪{ :‬لملن جهنم من الجنة والناس‬
‫أجمعين} واختلفوا في أن مؤمنهم ومطيعهم هل يدخل الجنة‬
‫وينعم بها ثوابا ً ومجازاة له على طاعته أم ل يدخلون؟ بل يكون‬
‫ثوابهم أن ينجوا من النار ثم يقال‪ :‬كونوا ترابا ً كالبهائم‪ .‬وهذا‬
‫مذهب ابن أبي سليم وجماعة‪ ،‬والصحيح أنهم يدخلونها وينعمون‬
‫فيها بالكل والشرب وغيرهما‪ ،‬وهذا قول الحسن البصري‬
‫والضحاك ومالك بن أنس وابن أبي ليلى وغيرهم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬سألت ابن مسعود هل شهد أحد منكم مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال‪ :‬ل) هذا صريح في إبطال‬
‫الحديث المروي في سنن أبي داود وغيره المذكور فيه الوضوء‬
‫بالنبيذ‪ ،‬وحضور ابن مسعود معه صلى الله عليه وسلم ليلة‬

‫‪242‬‬
‫الجن‪ ،‬فإن هذا الحديث صحيح وحديث النبيذ ضعيف باتفاق‬
‫المحدثين‪ ،‬ومداره على زيد مولى عمرو بن حريث وهو مجهول‪.‬‬
‫قوله‪( :‬استطير أو اغتيل) معنى استطير طارت به الجن‪ ،‬ومعنى‬
‫اغتيل قتل سراً‪ ،‬والغيلة بكسر الغين هي القتل في خفية‪ .‬قال‬
‫الدارقطني‪ :‬انتهى حديث ابن مسعود عند قوله‪ :‬فأرانا آثارهم‬
‫وآثار نيرانهم وما بعده من قول الشعبي‪ ،‬كذا رواه أصحاب داود‬
‫الراوي عن الشعبي وابن علية وابن زريع وابن أبي زائدة وابن‬
‫إدريس وغيرهم‪ ،‬هكذا قاله الدارقطني وغيره‪ .‬ومعنى قوله أنه‬
‫من كلم الشعبي أنه ليس مرويا ً عن ابن مسعود بهذا الحديث‬
‫ي صلى الله‬ ‫وإل فالشعبي ل يقول هذا الكلم إل بتوقيف عن النب ّ‬
‫عليه وسلم والله أعلم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه) قال بعض العلماء‪ ،‬هذا‬
‫لمؤمنيهم‪ ،‬وأما غيرهم فجاء في حديث آخر أن طعامهم ما لم‬
‫يذكر اسم الله عليه‪ .‬قوله‪( :‬وددت أني كنت معه) فيه الحرص‬
‫على مصاحبة أهل الفضل في أسفارهم ومهماتهم ومشاهدهم‬
‫ومجالسهم مطلقا ً والتأسف على فوات ذلك‪ .‬قوله‪( :‬آذنت بهم‬
‫شجرة) هذا دليل على أن الله تعالى يجعل فيما يشاء من الجماد‬
‫تمييزاً‪ ،‬ونظيره قوله الله تعالى‪{ :‬وإن منها لما يهبط من خشية‬
‫الله} وقوله تعالى‪{ :‬وإن من شيء إل يسبح بحمده ولكن ل‬
‫تفقهون تسبيحهم} وقوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إني لعرف‬
‫حجرا ً بمكة كان يسلم علي" وحديث الشجرتين اللتين أتتاه صلى‬
‫الله عليه وسلم وقد ذكره مسلم في آخر الكتاب‪ ،‬وحديث حنين‬
‫الجذع وتسبيح الطعام وفرار حجر موسى بثوبه ورجعان حراء‬
‫وأحد والله أعلم…‪..‬‬
‫‪-‬وعن مجاهد‪ ،‬عن ابن مسعود في هذا الحديث‪ :‬إن الجن قالوا‪:‬‬
‫من يشهد لك؟ قال‪ :‬هذه الشجرة‪ .‬تعالى يا شجرة‪ ،‬فجاءت تجر‬
‫عروقها لها قعاقع‪...‬‬
‫‪-‬وذكر مثل الحديث الول أو نحوه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قال البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬باب ذكر إسلم الجن وما‬
‫ظهر في ذلك من آيات المصطفى صلى الله عليه وسلم‬
‫ن‬
‫م ُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ج ِّ‬‫ن ال ْ َ ِ‬ ‫م َ‬‫ك نَفَرا ً ِّ‬ ‫صَرفْنَا إِلَي ْ َ‬ ‫قال الله عز وجل (وَإِذ ْ َ‬
‫َ‬
‫مهِم‬‫و ِ‬‫ي وَل ّوْا إِلَى قَ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ما قُ ِ‬ ‫صتُوا فَل َ َّ‬ ‫ضُروه ُ قَالُوا أن ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن فَل َ َّ‬ ‫الْقُْرآ َ‬
‫سى‬ ‫مو َ‬ ‫من بَعْد ِ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫معْنَا كِتَابا ً أُنزِ َ‬ ‫س ِ‬ ‫منَا إِنَّا َ‬ ‫ن * قَالُوا يَا قَوْ َ‬ ‫منذِرِي َ‬ ‫ُّ‬
‫ستَقِيم ٍ * يَا‬ ‫ق ُّ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫ح ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫صدِّقا ً ل ِّ َ‬
‫ق وَإِلى طرِي ٍ‬ ‫ن يَدَيْهِ ي َ َهْدِي إِلى ال َ ِ‬ ‫ما بَي ْ َ‬
‫َ‬
‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫جْركم‬ ‫م وَي ُ ِ‬ ‫ُ‬
‫من ذُنُوبِك ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫منُوا بِهِ يَغْفِْر لكم ِّ‬ ‫ّ‬
‫ي اللهِ وَآ ِ‬ ‫ع َ‬‫جيبُوا دَا ِ‬ ‫منَا أ ِ‬ ‫قَوْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جزٍ فِي‬ ‫معْ ِ‬ ‫س بِ ُ‬ ‫ي الل ّهِ فَلَي ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ب دَا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫من ّل ي ُ ِ‬ ‫ب ألِيم ٍ * َو َ‬ ‫ن عَذ َا ٍ‬ ‫م ْ‬
‫ِّ‬

‫‪243‬‬
‫ن *)‬ ‫مبِي ٍ‬ ‫ل ُّ‬ ‫ضَل ٍ‬ ‫ك فِي َ‬ ‫من دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئ ِ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫س لَ ُ‬ ‫ض وَلَي ْ َ‬ ‫الْر ِ‬
‫َْ‬
‫الحقاف ‪)32-29‬‬
‫ن فَقَالُوا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ج ِّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫معَ نَفٌَر ِّ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ها ْ‬ ‫ي أن َّ ُ‬ ‫ي إِل َ َّ‬ ‫ح َ‬ ‫ل أو ِ‬ ‫وفي موضع آخر (قُ ْ‬
‫ك بَِربِّنَا‬ ‫شرِ َ‬ ‫منَّا بِهِ وَلَن ن ُّ ْ‬ ‫شد ِ فَآ َ‬ ‫جبا ً * يَهْدِي إِلَى الُّر ْ‬ ‫معْنَا قُْرآنا ً ع َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫إِنَّا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه كَا َ‬
‫ن‬ ‫ة وََل وَ َلَدا ً * وَأن َّ ُ‬ ‫حب َ ً‬ ‫صا ِ‬ ‫خذ َ َ‬ ‫ما ات َّ َ‬ ‫جد َُّ َرب ِّنَا َ‬ ‫ه تَعَالَى َ‬ ‫حدا ً * وَأن َّ ُ‬ ‫أ َ‬
‫س‬‫ل اْلِن ُ‬ ‫شطَطا ً * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن ل ّن تَقُو َ‬ ‫سفِيهُنَا ع َلَى الل ّهِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫يَقُو ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫جا ٍ‬ ‫ن بِرِ َ‬ ‫س ي َ ُعوذ ُو َ‬ ‫ِ‬ ‫ن اْلِن‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ل ِّ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ن رِ َ‬ ‫ه كَا َ‬ ‫ُ‬ ‫ن ع َلَى الل ّهِ كَذِبا ً (*وَأن َّ‬ ‫ج ُّ‬ ‫ِ‬ ‫وَال ْ‬
‫َ‬
‫ث‬‫م أَن ل ّن يَبْعَ َ‬ ‫ما ظَنَنت ُ ْ‬ ‫م ظَنُّوا ك َ َ‬
‫َ‬
‫م َرهَقا ً * وَأنَّهُ ْ‬ ‫ن فََزادُوهُ ْ‬ ‫ج ِّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م ََ‬ ‫ِّ‬
‫شدِيداً‬ ‫حَرسا ً َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت َ‬ ‫ملِئ َ ْ‬ ‫جدْنَاهَا ُ‬ ‫ماء فَوَ َ‬ ‫س َ‬ ‫سنَا ال َّ‬ ‫م ْ‬ ‫حدا ً * وَأنَّا ل َ َ‬ ‫هأ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫جد ْ ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫مِع اْل َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫مِع فَ َ‬ ‫س ْ‬ ‫عد َ لِل َّ‬ ‫مقَا ِ‬ ‫منْهَا َ‬ ‫شهُبا ً * وَأنَّا كُنَّا نَقْعُد ُ ِ‬ ‫وَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫صدا ً * وَأنَّا َل نَدْرِي أ َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫م أَراد َ بِهِ ْ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫من فِي الْر ِ‬ ‫شٌّر أرِيد َ ب ِ َ‬ ‫ش َهابا ً َّر َ‬ ‫ِ‬
‫ك كُنَّا طََرائِقَ قِدَدا ً *‬ ‫َ‬
‫ن ذَل ِ َ‬ ‫منَّا دُو َ‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫حو َ‬ ‫صال ِ ُ‬ ‫منَّا ال َّ‬ ‫شدا ً * وَأنَّا ِ‬ ‫م َر َ‬ ‫َربُّهُ ْ‬
‫َ‬
‫جَزه ُ هََربا ً (* وَأنَّا ل َ َّ‬ ‫َ‬
‫وأَنَّا ظَنَنَّا أن ل ّن نُّعجَز الل ّه فِي اْل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ض وَلَن نُّعْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫خسا ً وََل َرهَقاً‬ ‫ف بَ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫َ‬
‫من بَِربِّهِ فَل ي َ َ‬ ‫من يُؤْ ِ‬ ‫من ّا بِهِ فَ َ‬ ‫َ‬ ‫معْنَا الهُدَى آ َ‬ ‫ْ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫م فَأوْلَئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حَّروْا‬ ‫ك تَ َ‬
‫َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫سطُو َ‬ ‫منَّا الْقَا ِ‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫منَّا ال ْ ُ‬ ‫*وَأنَّا ِ‬
‫موا ع َلَى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ستَقَا ُ‬ ‫حطَبا ً * وَأل ّوِ ا ْ‬ ‫م َ‬ ‫جهَن َّ َ‬ ‫ن فَكَانُوا ل ِ َ‬ ‫سطُو َ‬ ‫ما الْقَا ِ‬ ‫شدا ً * وَأ َّ‬ ‫َر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َن ذِكْرِ‬ ‫َّ‬
‫ضع‬ ‫من يُعْرِ ْ‬ ‫م فِ َيهِ وَ َ‬ ‫ماء غَدَقا ً * لِنَفْتِنَهُ ْ‬ ‫سقَيْنَاهُم َّ‬ ‫الط ّرِيقَةِ َل ْ‬
‫معَ الل ِ‬
‫ه‬ ‫جد َ لِل ّهِ فََل تَدْع ُوا َ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫صعَدا ً * وَأ َ َّ‬ ‫ه عَذ َابا ً َ‬ ‫سلُك ْ ُ‬ ‫َربِّهِ ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ع َلَيْهِ لِبَدا ً (الجن‬ ‫م ع َبْد ُ الل ّهِ يَدْع ُوه ُ كَادُوا يَكُونُو َ‬ ‫ما قَا َ‬ ‫ه ل َ َّ‬ ‫حدا ً * وَأن َّ ُ‬ ‫أ َ‬
‫‪) 19-1‬‬
‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن‬
‫يعقوب قال حدثني يحيى بن محمد بن يحيى وأخبرنا أبو الحسن‬
‫علي بن أحمد بن عبدان قال حدثنا أحمد بن عبيد الصفار قال‬
‫حدثنا إسماعيل القاضي قال حدثنا مسدد قال حدثنا أبو عوانة‬
‫عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ما قرأ‬
‫رسول الله على الجن وما رآهم انطلق رسول الله في طائفة‬
‫من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين‬
‫وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى‬
‫قومهم فقالوا ما لكم قالوا حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت‬
‫علينا الشهب قالوا ما حال بينكم وبين خبر السماء إل شيء حدث‬
‫فاضربوا مشارق الرض ومغاربها وانظروا ما هذا الذي حال‬
‫بينكم وبين خبر السماء فانطلقوا يضربون مشارق الرض‬
‫ومغاربها يبتغون ما هذا الذي حال بينهم وبين خبر السماء‬
‫فانصرف أولئك النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله‬
‫وهو بنخلة عامدًا إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلة‬
‫الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا هذا والله الذي حال‬
‫بينكم وبين خبر السماء فهنالك حين رجعوا إلى قومهم قالوا يا‬

‫‪244‬‬
‫قومنا (إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك‬
‫بربنا أحدا) فأنزل الله عز وجل على نبيه (قل أوحى إلي أنه‬
‫استمع نفر من الجن) وإنما أوحي إليه قول الجن‬
‫رواه البخاري في الصحيح عن مسدد‪.‬‬
‫ورواه مسلم عن شيبان بن فروخ عن أبي عوانة‬
‫وهذا الذي حكاه عبد الله بن عباس إنما هو في أول ما سمعت‬
‫الجن قراءة النبي وعلمت بحاله وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم‬
‫ولم يرهم كما حكاه ثم أتاه داعي الجن مرة أخرى فذهب معه‬
‫وقرأ عليهم القرآن كما حكاه عبد الله بن مسعود ورأى آثارهم‬
‫وآثار نيرانهم والله أعلم‬
‫وعبد الله بن مسعود حفظ القصتين جميعًا فرواهما‪.‬‬
‫أما القصة الولى ففيما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو‬
‫علي الحافظ قال أخبرنا عبدان الهواري قال حدثنا أبو بكر بن‬
‫أبي شيبة قال حدثنا أبو أحمد الزبيري قال حدثنا سفيان عن‬
‫عاصم عن زر عن عبد الله قال هبطوا على النبي وهو يقرأ‬
‫القرآن ببطن نخلة فلما سمعوه قالوا أنصتوا قالوا صه وكانوا‬
‫سبعة أحدهم زوبعة فأنزل الله تبارك و تعالى‪( :‬وإذ صرفنا إليك‬
‫نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا الية‬
‫إلى ضلل مبين)‬
‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن‬
‫يعقوب إملء قال حدثنا أبو عمرو المستملي قال حدثنا أبو‬
‫قدامة عبيد الله ابن سعيد قال حدثنا أبو أسامة عن مسعر عن‬
‫معن قال سمعت أبي قال سألت مسروقًا من آذن النبي ليلة‬
‫استمعوا القرآن فقال حدثني أبوك يعني ابن مسعود أنه آذنته‬
‫بهم شجرة‪.‬‬
‫رواه البخاري ومسلم في الصحيح عن أبي قدامة‬
‫وأما القصة الخرى ففيما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا‬
‫أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني‬
‫أبي قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال حدثنا داود عن الشعبي‬
‫وابن أبي زايدة قال أخبرنا داود عن الشعبي عن علقمة قال‪:‬‬
‫قلت لعبد الله بن مسعود هل صحب رسول الله ليلة الجن منكم‬
‫أحد فقال ما صحبه منا أحد ولكنا فقدناه ذات ليلة بمكة فقلنا‬
‫اغتيل استطير ما فعل قال فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فلما كان‬
‫في وجه الصبح أو قال في السحر إذا نحن يجيء من قبل حراء‬
‫فقلنا يا رسول الله فذكروا الذي كانوا فيه فقال إنه أتاني داعي‬
‫الجن فأتيتهم فقرأت عليهم قال فانطلق فأرانا آثارهم وآثار‬
‫نيرانهم‬

‫‪245‬‬
‫قال وقال الشعبي سألوه الزاد وقال ابن أبي زائدة قال عامر‬
‫سألوه ليلتئذ الزاد وكانوا من جن الجزيرة فقال‪( :‬كل عظم ذكر‬
‫اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان لحما وكل بعرة أو‬
‫روثة علف لدوابكم قال فل تستنجوا بهما فإنهما زاد إخوانكم من‬
‫الجن)‪.‬‬
‫رواه مسلم في الصحيح عن علي بن حجر عن إسماعيل بن‬
‫علية والحاديث الصحاح تدل على أن عبد الله بن مسعود لم يكن‬
‫مع النبي ليلة الجن وإنما كان معه حين انطلق به وبغيره ويريهم‬
‫آثار الجن وآثار نيرانهم‬
‫وقد روي من أوجه آخر أنه كان معه ليلتئذ منها ما حدثنا أبو عبد‬
‫الله الحافظ قال حدثنا أبو الحسين عبيد الله بن محمد بن البلخي‬
‫ببغداد من أصل كتابه قال حدثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل‬
‫السلمي قال حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح قال حدثني الليث‬
‫بن سعد قال حدثني يونس بن زيد عن ابن شهاب قال أخبرني‬
‫أبو عثمان بن سنة الخزاعي وكان رجل ً من أهل الشام أنه سمع‬
‫عبد الله بن مسعود يقول إن رسول الله قال لصحابه وهو بمكة‬
‫من أحب منكم أن يحضر الليلة أمر الجن فليفعل فلم يحضر‬
‫منهم أحد غيري فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة خط لي برجله‬
‫خطا ثم أمرني أن أجلس فيه ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن‬
‫فغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ثم‬
‫انطلقوا فطفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين حتى بقي‬
‫منهم رهط وفزع رسول الله مع الفجر فانطلق فبرز ثم أتاني‬
‫فقال‪( :‬ما فعل الرهط؟) فقلت هم أولئك يا رسول الله فأخذ‬
‫عظما وروثا فأعطاهم إياه زادا ثم نهى أن يستطيب أحد بعظم أو‬
‫بروث‪.‬‬
‫قلت‪ :‬يحتمل قوله في الحديث الصحيح ما صحبه منا أحد أراد به‬
‫في حال ذهابه لقراءة القرآن عليهم إل أن ما روي في هذا‬
‫الحديث من إعلمه أصحابه بخروجه إليهم يخالف ما روي في‬
‫الحديث الصحيح من فقدانهم إياه حتى قيل اغتيل استطير إل أن‬
‫يكون المراد بمن فقده غير الذي علم بخروجه والله أعلم‪.‬‬
‫وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي وأبو نصر بن قتادة قال أخبرنا‬
‫أبو محمد يحيى بن منصور القاضي قال حدثنا أبو عبد الله محمد‬
‫بن إبراهيم البوسنجي قال حدثنا روح بن صلح قال حدثنا موسى‬
‫بن علي بن رباح عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال استتبعني‬
‫رسول الله فقال‪" :‬إن نفًرا من الجن خمسة عشر بني أخوة‬
‫وبني عم يأتونني الليل فأقرأ عليهم القرآن فانطلقت معه إلى‬
‫المكان الذي أراد فخط لي خطا وأجلسني فيه وقال لي ل تخرج‬

‫‪246‬‬
‫من هذا فبت فيه حتى أتاني رسول الله مع السحر في يده عظم‬
‫حائل وروثة وحممة فقال لي إذا ذهبت إلى الخلء فل تستنجي‬
‫بشيء من هؤلء قال فلما أصبحت قلت لعلمن علمي حيث كان‬
‫رسول الله قال فذهبت فرأيت موضع مبرك ستين بعيرا أخبرنا‬
‫أبو الحسين بن بشران قال أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار‬
‫قال حدثنا محمد بن عبد الملك الواسطي قال حدثنا يزيد هو ابن‬
‫هارون قال حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي أن ابن‬
‫مسعود أبصر زطا في بعض الطريق فقال ما هؤلء قالوا هؤلء‬
‫الزط قال ما رأيت شبههم إل الجن ليلة الجن وكانوا مستنفرين‬
‫ضا‪.‬‬
‫يتبع بعضهم بع ً‬
‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في آخرين قالوا حدثنا أبو العباس هو‬
‫الصم قال حدثنا العباس بن محمد الدوري قال حدثنا عثمان بن‬
‫عمر عن مستمر بن الريان عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن‬
‫مسعود قال انطلقت مع النبي ليلة الجن حتى إذا أتى الحجون‬
‫فخط علي خطا ثم تقدم إليهم فازدحموا عليه فقال سيد لهم‬
‫يقال له وردان إني أنا أرحلهم عنك فقال إني لن يجيرني من الله‬
‫أحد‪.‬‬
‫أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي رحمه الله‬
‫قال أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان قال حدثنا أبو‬
‫الزهر أحمد بن الزهر قال حدثنا مروان بن محمد قال حدثنا‬
‫زهير بن محمد عن محمد ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال‬
‫لما قرأ رسول الله الرحمن على الناس سكتوا فلم يقولوا شيئا‬
‫فقال رسول الله‪ :‬للجن كانوا أحسن جوابًا منكم لما قرأت عليهم‬
‫(فبأي آلء ربكما تكذبان) قالوا ول بشيء من آلئك ربنا نكذب‪.‬‬
‫وحدثنا المام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان قال أخبرنا‬
‫أبو الحسن محمد بن عبد الله الدقاق قال حدثنا محمد بن‬
‫إبراهيم البوسنجي قال حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال‬
‫حدثنا الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد العنبري عن محمد بن‬
‫المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قرأ رسول الله سورة الرحمن‬
‫حتى ختمها ثم قال‪ :‬ما لي أراكم سكوتا للجن كانوا أحسن منكم‬
‫ردا ما قرأت عليهم هذه الية من مرة (فبأي آلء ربكما تكذبان)‬
‫إل قالوا ول بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد"‪.‬‬
‫أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال أخبرنا أبو جعفر الرزاز قال‬
‫حدثنا أحمد بن الخليل البرجلني قال حدثنا أبو النضر هاشم بن‬
‫القاسم قال حدثنا المسعودي عن قتادة عن أبي المليح الهذلي‬
‫أنه كتب إلى أبي عبيدة بن عبد الله ابن مسعود أين قرأ رسول‬
‫الله على الجن فكتب إليه أنه قرأ عليهم بشعب يقال له الحجون‬

‫‪247‬‬
‫أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله الديب قال أخبرنا أبو بكر‬
‫السماعيلي قال أخبرني الحسن هو ابن سفيان قال حدثني‬
‫سويد بن سعيد قال حدثنا عمرو بن يحيى عن جده سعيد بن‬
‫عمرو قال كان أبو هريرة يتبع رسول الله بإداوة لوضوئه وحاجته‬
‫فأدركه يوما فقال‪ :‬من هذا؟ قال أنا أبو هريرة قال‪ :‬إئتني بأحجار‬
‫استنجي بها ول تأتني بعظم ول روثة فأتيته بأحجار في ثوبي‬
‫فوضعتها إلى جنبه حتى إذا فرغ وقام اتبعته فقلت يا رسول الله‬
‫ما بال العظم والروثة فقال أتاني وفد جن نصيبين فسألوني الزاد‬
‫ما‪.‬‬
‫فدعوت الله لهم أن ل يمروا بروثة ول بعظم إل وجدوا طعا ً‬
‫رواه البخاري في الصحيح عن موسى بن إسماعيل عن عمرو‪.‬‬
‫*قال القاضي أبو الفضل‪ :‬فهذا ابن عمر‪ ،‬وبريدة‪ ،‬وجابر‪ ،‬وابن‬
‫مسعود‪ ،‬ويعلى بن مرة‪ ،‬وأسامة بن زيد‪ ،‬وأنس بن مالك‪ ،‬وعلي‬
‫بن أبي طالب‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وغيرهم ـ وقد اتفقوا على هذه‬
‫القصة نفسها أو معناها‪ .‬وقد رواها عنهم من التابعين أضعافهم‪،‬‬
‫فصارت في انتشارها من القوة حيث هي‪.‬‬
‫‪-‬وذكر ابن فورك أنه صلى الله عليه وسلم سار في غزوة‬
‫الطائف ليلً‪ ،‬و هو وسن‪ ،‬فاعترضته سدرة‪ ،‬فانفرجت له نصفين‬
‫حتى جاز بينهما‪ ،‬وبقيت على ساقين إلى وقتنا هذا‪ ،‬وهي هناك‬
‫معروفة معظمة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ذكره الماوردي في أعلم النبوة قال‪:‬‬
‫و من آياته صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫أنه مر في غزوة الطائف في كثيف من طلح فمشى و هو وسن‬
‫من النوم فاعترضته سدرة فانفرجت السدرة له بنصفين فمر‬
‫بين نصفيها و بقيت السدرة منفرجة على ساقين إلى قريب من‬
‫أعصارنا هذه و كانت معروفة بذلك في مكانها يتبرك بها كل مار‬
‫و يسمونها سدرة النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪-‬ومن ذلك حديث أنس رضي الله عنه ـ أن جبريل عليه السلم‬
‫قال للنبي صلى الله عليه وسلم ـ ورآه حزيناً‪ :‬أتحب أن أريك‬
‫آية؟ قال‪ :‬نعم فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى‬
‫شجرة من وراء الوادي‪ ،‬فقال‪ :‬ادع تلك الشجرة‪ ،‬فجاءت تمشي‬
‫حتى قا مت بين يديه‪ .‬قال‪ :‬مرها فلترجع‪ ،‬فعادت إلى مكانها‪.‬‬
‫‪-‬وعن علي نحو هذا‪ ،‬ولم يذكر فيها جبريل‪ ،‬قال‪ :‬اللهم أرني آية ل‬
‫أبالي من كذبني بعدها‪ ،‬فدعا شجرة‪ ...‬وذكر مثله‪.‬‬
‫‪-‬وحزنه صلى الله عليه وسلم لتكذيب قومه و طلبه الية لهم ل‬
‫له‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫‪-‬وذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أرى ركانة‬
‫مثل هذه الية في شجرة دعاها فأتت حتى وقفت بين يديه‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬ارجعي‪ ،‬فرجعت‪.‬‬
‫‪-‬وعن الحسن أنه صلى الله عليه وسلم شكا إلى ربه من قومه‬
‫وأنهم يخوفونه‪ ،‬وسأله آية يعلم بها أل مخافة عليه‪ ،‬فأوحى إليه‬
‫ائت وادي كذا فيه شجرة‪ ،‬فادع غصنًا منها يأتك‪ .‬ففعل‪ ،‬فجاء‬
‫يخط الرض خطًا حتى انتصب بين يديه‪ ،‬فحبسه ما شاء الله‪ ،‬ثم‬
‫قال له‪ :‬ارجع كما جئت‪ ،‬فرجع‪ ،‬فقال‪ :‬يا رب‪ ،‬علمت أن ل‬
‫مخافة علي" ‪.‬‬
‫ونحو منه عن عمر‪ ،‬وقال فيه‪ :‬أرني آية ل أبالي من كذبني‬
‫بعدها‪ ...‬وذكر نحوه‪.‬‬
‫قلت‪:‬رواه البيهقي‪،‬والدارمي؛ وابن ماجه قال‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن طريف ثنا أبو معاوية عن العمش عن أبي‬
‫سفيان عن أنس قال‪ :‬جاء جبريل عليه السلم ذات يوم إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس حزين‪ ،‬قد خضب‬
‫بالدماء‪ ،‬قد ضربه بعض أهل مكة‪ ...‬فقال مالك؟ فقال‪ :‬فعل بي‬
‫هؤلء وفعلوا‪ ...‬قال‪ :‬أتحب أن أريك آية؟ قال‪ :‬نعم أرني‪ ..‬فنظر‬
‫إلى شجرة من وراء الوادي‪ ،‬قال‪ :‬ادع تلك الشجرة‪ ..‬فدعاها‬
‫فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه‪ ..‬قال‪ :‬قل لها فلترجع‪ .‬فقال‬
‫لها فرجعت حتى عادت إلى مكانها فقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم حسبي‪ ...‬قال الشيخ اللباني‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫‪-‬وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم‬
‫قال لعرابي‪ :‬أرأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد‬
‫أني رسول الله؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فدعاه فجعل ينقر حتى أتاه‪ .‬فقال‪:‬‬
‫ارجع‪ ،‬فعاد إلى مكانه‪.‬‬
‫وخرجه الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه الترمذي قال‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا محمد بن سعيد حدثنا شريك عن‬
‫سماك عن أبي ظبيان عن بن عباس قال جاء أعرابي إلى رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فقال بم أعرف أنك نبي؟!‬
‫قال‪" :‬إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني رسول‬
‫الله؟ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل ينزل من‬
‫النخلة حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال‪:‬‬
‫"ارجع" فعاد فأسلم العرابي‪...‬‬
‫قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب صحيح؛ وقال الشيخ‬
‫اللباني‪ :‬صحيح‬
‫‪---------------------‬‬

‫‪249‬‬
‫‪ .23‬القول القوم في معجزات النبي الكرم(‪ )5‬حنين‬
‫الجذع وما شابهها‬
‫الفصل السادس عشر‪:‬‬
‫في قصة حـنـيـن الـجـذع‬
‫* ويعضد هذه الخبار حديث أنين الجذع‪ ،‬وهو في نفسه مشهور‬
‫منتشر‪ ،‬والخبر به متواتر‪ ،‬قد خرجه أهل الصحيح‪ ،‬ورواه من‬
‫الصحابة بضعة عشر‪ ،‬منهم أبي بن كعب‪ ،‬وجابر بن عبد الله‪،‬‬
‫وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر‪ ،‬وعبد الله بن عباس‪ ،‬وسهل‬
‫بن سعد‪ ،‬وأبو سعيد الخدري وبريدة‪ ،‬وأم سلمة‪ ،‬والمطلب بن‬
‫أبي وداعة‪ ،‬كلهم يحدث بمعنى هذا الحديث‪ .‬قال الترمذي‪:‬‬
‫وحديث أنس صحيح‪.‬‬
‫‪-‬قال جابر بن عبد الله‪ :‬كان المسجد مسقوفا ً على جذوع نخل‪،‬‬
‫فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها‪،‬‬
‫فلما صنع له المنبر سمعنا لذلك الجذع صوتا ً كصوت العشار‪.‬‬
‫‪-‬وفي رواية أنس‪ :‬حتى ارتج المسجد بخواره‪.‬‬
‫‪-‬وفي رواية سهل‪ :‬وكثر بكاء الناس لما رأوا به‪.‬‬
‫‪-‬وفي رواية المطلب وأبي‪ :‬حتى تصدع وانشق‪ ،‬حتى جاء النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فوضع يده عليه فسكت‪.‬‬
‫زاد غيره‪ :‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن هذا بكى لما‬
‫فقد من الذكر"‪.‬‬
‫وزاد غيره‪ :‬والذي نفسي بيده‪ :‬لو لم التزمه لم يزل هكذا إلى‬
‫يوم القيامة‪ .‬تحزنا ً على رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فأمر‬
‫به صلى الله عليه وسلم فدفن تحت المنبر‪.‬كذا في حديث‬
‫المطلب‪ ،‬وسهل بن سعد‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬عن أنس‪.‬‬
‫‪-‬وفي بعض الروايات عن سهل‪ :‬فدفنت تحت منبره‪ ،‬أو جعلت‬
‫في السقف‪.‬‬
‫‪-‬وفي حديث أبي‪ :‬فكان إذا صلى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫إليه‪ ،‬فلما هدم المسجد أخذه أبي‪ ،‬فكان عنده إلى أن أكلته‬
‫الرض‪ ،‬وعاد رفاتاً‪.‬‬
‫‪-‬وذكر السفرايني أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه إلى‬
‫نفسه‪ ،‬فجاء يخرق الرض‪ ،‬فالتزمه‪ ،‬ثم أمره فعاد إلى مكانه‪.‬‬
‫‪-‬وفي حديث بريده‪ :‬فقال رسول الله النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬إن شئت أدرك إلى الحائط الذي كنت فيه تنبت لك‬
‫عروقك‪ ،‬ويكمل خلقك‪ ،‬ويجدد لك خوص وثمرة‪ ،‬وإن شئت‬
‫أغرسك في الجنة‪ ،‬فيأكل أولياء الله من ثمرك"‪ .‬ثم أصغى له‬
‫صلى الله عليه وسلم يسمع ما يقول‪ .‬فقال‪ :‬تغرسني في الجنة‪،‬‬
‫فيأكل مني أولياء الله‪ ،‬و أكون في مكان ل أبلى فيه‪ .‬فسمعه من‬

‫‪250‬‬
‫يليه‪ .‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬قد فعلت ثم قال‪ :‬اختار‬
‫دار البقاء على دار الفناء‪.‬‬
‫فكان الحسن إذا حدث بهذا بكى‪ ،‬وقال‪ :‬يا عباد الله‪ ،‬الخشبة‬
‫تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا ً إليه لمكانه‪،‬‬
‫فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه‪ .‬رواه ـ عن جابر ـ حفص بن‬
‫عبيد الله و يقال‪ :‬عبيد الله بن حفص‪ ،‬و يمن‪ ،‬وبو نضرة‪ ،‬و بن‬
‫المسيب‪ ،‬وسعيد بن أبي كرب‪ ،‬وكريب‪ ،‬وأبو صالح‪.‬‬
‫ورواه عن أنس بن مالك الحسن‪ ،‬وثابت‪ ،‬وإسحاق بن أبي طلحة‪.‬‬
‫ورواه عن ابن عمر‪ :‬نافع‪ ،‬وأبو حية‪ ،‬ورواه أبو نضرة‪ ،‬وأبو‬
‫الوداك‪ ،‬عن أبي سعيد‪ ،‬وعمار بن أبي عمار‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬وأبو‬
‫حازم‪ ،‬وعباس بن سهل‪ ،‬عن سهل بن سعد‪ ،‬وكثير بن زيد عن‬
‫المطلب‪ ،‬وعبد الله بن بريدة عن أبيه‪ ،‬والطفيل بن أبي عن أبيه‪.‬‬
‫‪-‬قال القاضي أبو الفضل‪ :‬فهذا حديث كما تراه خرجه أهل‬
‫الصحة‪ ،‬ورواه من الصحابة من ذكرنا‪ ،‬وغيرهم من التابعين‬
‫ضعفهم‪ ،‬إلى من لم نذكره‪ ،‬وبمن دون هذا العدد يقع العلم لمن‬
‫اعتنى بهذا الباب‪ .‬والله المثبت على الصواب‪.‬‬
‫وقفة مع ما روي في أنين جذع النخلة لما تحول عنه رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم إلى المنبر‪:‬‬
‫البخاري‬
‫في كتاب الجمعة باب‪ :‬الخطبة على المنبر‪:‬‬
‫‪ -‬حدثنا سعيد بن أبي مريم قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر قال‪:‬‬
‫أخبرني يحيى بن سعيد قال‪ :‬أخبرني ابن أنس‪ :‬أنه سمع جابر بن‬
‫عبد الله قال‪ :‬كان جذع يقوم إليه النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فلما وضع له المنبر‪ ،‬سمعنا للجذع مثل أصوات العشار‪ ،‬حتى‬
‫نزل النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه‪.‬قال سليمان‪،‬‬
‫عن يحيى‪ :‬أخبرني حفص بن عبيد الله بن أنس‪ :‬أنه سمع جابًرا‪.‬‬
‫وفي كتاب المناقب‬
‫‪-‬حدثنا محمد بن المثنى‪ :‬حدثنا يحيى بن كثير أبو غسان‪ :‬حدثنا أبو‬
‫حفص‪ ،‬واسمه عمر بن العلء‪ ،‬أخو أبي عمرو بن العلء‪ ،‬قال‪:‬‬
‫سمعت نافعًا‪ ،‬عن ابن عمر رضي الله عنهما‪:‬كان النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يخطب إلى جذع‪ ،‬فلما اتخذ المنبر تحول إليه‬
‫فحن الجذع‪ ،‬فأتاه يمسح يده عليه‪.‬وقال عبد الحميد‪ :‬أخبرنا‬
‫عثمان بن عمر‪ :‬أخبرنا معاذ بن العلء‪ ،‬عن نافع بهذا‪ .‬ورواه أبو‬
‫عاصم‪ ،‬عن ابن أبي رواد‪ ،‬عن نافع‪ ،‬عن ابن عمر‪ ،‬عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا أبو نعيم‪ :‬حدثنا عبد الواحد بن أيمن قال‪ :‬سمعت أبي‪،‬‬
‫عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما‪ :‬أن النبي صلى الله عليه‬

‫‪251‬‬
‫وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة‪ ،‬فقالت امرأة‬
‫من النصار‪ ،‬أو رجل‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أل نجعل لك منبًرا؟ قال‪(:‬إن‬
‫شئتم)‪ .‬فجعلوا له منبًرا‪ ،‬فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر‪،‬‬
‫فصاحت النخلة صياح الصبي‪ ،‬ثم نزل النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فضمها إليه‪ ،‬تئن أنين الصبي الذي يسكن‪ .‬قال‪(:‬كانت‬
‫تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها)‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا إسماعيل قال‪ :‬حدثني أخي‪ ،‬عن سليمان بن بلل‪ ،‬عن‬
‫يحيى بن سعيد قال‪ :‬أخبرني حفص بن عبيد الله بن أنس بن‬
‫مالك‪ :‬أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول‪ :‬كان‬
‫المسجد مسقوفًا على جذوع من نخل‪ ،‬فكان النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها‪ ،‬فلما صنع له المنبر‬
‫وكان عليه‪ ،‬فسمعنا لذلك الجذع صوتًا كصوت العشار‪ ،‬حتى جاء‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها فسكنت‪.‬‬
‫مسلم‬
‫ذكر العواد التي عمل منها المنبر ولم يذكر جذع النخلة‪:‬‬
‫حدثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد‪ .‬كلهما عن عبد العزيز‪.‬‬
‫قال يحيى‪ :‬أخبرنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه؛ أن نفًرا‬
‫جاءوا إلى سهل بن سعد‪ .‬قد تماروا في المنبر‪ .‬من أي عود هو؟‬
‫فقال‪:‬‬
‫أما والله! إني لعرف من أي عود هو‪ .‬ومن عمله‪ .‬ورأيت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أول يوم جلس عليه‪ .‬قال فقلت له‪ :‬يا‬
‫أبا عباس! فحدثنا‪ .‬قال‪ :‬أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫إلى امرأة (قال أبو حازم‪ :‬إنه ليسميها يومئذ) "انظري غلمك‬
‫النجار‪ .‬يعمل لي أعوادًا أكلم الناس عليها"‪ .‬فعمل هذه الثلث‬
‫درجات‪ .‬ثم أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فوضعت‬
‫هذا الموضع‪ .‬فهي من طرفاء [؟؟] الغابة‪ .‬ولقد رأيت رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قام عليه فكبر وكبر الناس وراءه‪ .‬وهو‬
‫على المنبر‪ .‬ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر‪.‬‬
‫ثم عاد حتى فرغ من آخر صلته‪ .‬ثم أقبل على الناس فقال‪" :‬يا‬
‫أيها الناس! إني صنعت هذا لتأتموا بي‪ .‬ولتعلموا صلتي"‪.‬‬
‫حدثنا قتيبة بن سعيد‪ .‬حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد‬
‫بن عبد الله بن عبد القارئ القرشي‪ .‬حدثني أبو حازم؛ أن رجالً‬
‫أتوا سهل بن سعد‪ .‬ح قال وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن‬
‫حرب وابن أبي عمر‪ .‬قالوا‪ :‬حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي حازم؛‬
‫قال‪ :‬أتوا سهل بن سعد فسألوه‪ :‬من أي شيء منبر النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ؟ وساقوا الحديث‪ .‬نحو حديث ابن أبي حازم‬
‫الترمذي‬

‫‪252‬‬
‫في أبواب الجمعة باب ما جاء في الخطبة على المنبر‪:‬‬
‫‪ -‬حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الفلس أخبرنا عثمان بن عمر‬
‫ويحيى بن كثير أبو غسان العنبري قال حدثنا معاذ بن العلء عن‬
‫نافع عن ابن عمر‪" :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب‬
‫إلى جذع‪ ،‬فلما اتخذ المنبر حن الجذع حتى أتاه فالتزمه‬
‫فسكن"‪.‬وفي الباب عن أنس وجابر وسهل بن سعد وأبي بن‬
‫كعب وابن عباس وأم سلمة‪.‬‬
‫قال أبو عيسى‪ :‬حديث ابن عمر حديث حسن غريب صحيح‪.‬ومعاذ‬
‫بن العلء هو بصري أخو أبي عمرو بن العلء‪.‬‬
‫وفي أبواب المناقب‬
‫‪ -‬حدثنا محمود بن غيلن أخبرنا عمر بن يونس عن عكرمة بن‬
‫عمار عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك‬
‫"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب إلى لزق جذع‬
‫واتخذوا له منبرا فخطب عليه فحن الجذع حنين الناقة فنزل‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فمسه فسكت"‪ .‬وفي الباب عن أبي‬
‫وجابر وابن عمر وسهل بن سعد وابن عباس وأم سلمة‪ .‬حديث‬
‫ب من هذا الوجه‬‫ح غري ٌ‬
‫ن صحي ٌ‬‫ث حس ٌ‬ ‫أنس هذا حدي ٌ‬
‫النسائي‬
‫في باب مقام المام في الخطبة مقام المام في الخطبة‪:‬‬
‫‪ -‬أخبرنا عمرو بن سواد بن السود قال أنبأنا ابن وهب قال ابن‬
‫جريج أن أبا الزبير أخبره أنه سمع جابر بن عبد الله يقول‪-:‬كان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يستند إلى جذع‬
‫نخلة من سواري المسجد فلما صنع المنبر واستوي عليه‬
‫اضطربت تلك السارية كحنين الناقة حتى نزل إليها رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فاعتنقها فسكتت‪..‬‬
‫الدارمي‬
‫في مجموعة أبواب في المقدمة باب ما أكرم النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بحنين المنبر‪:‬‬
‫أخبرنا عثمان بن عمر أنا معاذ بن العلء عن نافع عن ابن عمر‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع فلما‬
‫اتخذ المنبر حن الجذع حتى أتاه فمسحه‪.‬‬
‫أخبرنا محمد بن حميد ثنا تميم بن عبد المؤمن ثنا صالح بن‬
‫حيان حدثني ابن بريدة عن أبيه قال‪ :‬كان النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم إذا خطب قام فأطال القيام فكان يشق عليه قيامه فأتي‬
‫بجذع نخلة فحفر له وأقيم إلى جنبه قائما للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب فطال القيام‬
‫عليه استند إليه فاتكأ عليه فبصر به رجل كان ورد المدينة فرآه‬

‫‪253‬‬
‫قائما إلى جنب ذلك الجذع‪ ،‬فقال لمن يليه من الناس لو أعلم أن‬
‫سا يقوم عليه‬‫محمدًا يحمدني في شيء يرفق به لصنعت له مجل ً‬
‫فإن شاء جلس ما شاء وإن شاء قام فبلغ ذلك النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فقال ائتوني به فأتوه به فأمر أن يصنع له هذه‬
‫المراقي الثلث أو الربع هي الن في منبر المدينة فوجد النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم في ذلك راحة فلما فارق النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم الجذع وعمد إلى هذه التي صنعت له جزع الجذع‬
‫فحن كما تحن الناقة حين فارقه النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فزعم بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم حين‬
‫سمع حنين الجذع رجع إليه فوضع يده عليه‪ ،‬وقال‪" :‬اختر أن‬
‫أغرسك في المكان الذي كنت فيه فتكون كما كنت وإن شئت أن‬
‫أغرسك في الجنة فتشرب من أنهارها وعيونها فيحسن نبتك‬
‫وتثمر فيأكل أولياء الله من ثمرتك ونخلك فعلت"‪ ..‬فزعم أنه‬
‫سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول له‪ :‬نعم قد‬
‫فعلت مرتين فسأل النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬اختار أن‬
‫أغرسه في الجنة‪.‬‬
‫أخبرنا محمد بن كثير عن سليمان بن كثير عن الزهري عن‬
‫سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله النصاري قال‪ :‬كان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم إلى جذع قبل أن يجعل‬
‫المنبر فلما جعل المنبر حن ذلك الجذع حتى سمعنا حنينه فوضع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليه فسكن‪.‬‬
‫حدثنا محمد بن كثير ثنا سليمان بن كثير عن يحيى بن سعيد‬
‫عن حفص بن عبيد الله عن جابر بن عبد الله قال‪ :‬كان النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يخطب إلى خشبة فلما صنع المنبر فجلس‬
‫عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حنت حنين العشار حتى‬
‫وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليها فسكنت‪.‬‬
‫أخبرنا فروة ثنا يحيى بن زكريا عن أبيه عن أبي إسحاق عن‬
‫سعيد بن أبي كريب عن جابر بن عبد الله قال حنت الخشبة‬
‫حنين الناقة الخلوج‪.‬‬
‫أخبرنا زكريا بن عدي عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن‬
‫محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال‪ :‬كان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جذع ويخطب إليه‬
‫شا‪ ،‬فقال له رجل من أصحابه‪ :‬أل نجعل لك‬ ‫إذ كان المسجد عري ً‬
‫عريشا تقوم عليه يراك الناس يوم الجمعة وتسمع من خطبتك‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ...‬فصنع له الثلث درجات هن اللواتي على المنبر‪ .‬فلما‬
‫صنع المنبر ووضع في موضعه الذي وضعه فيه رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪ :‬فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم‬

‫‪254‬‬
‫يريد المنبر مر عليه فلما جاوزه خار الجذع حتى تصدع وانشق‬
‫فرجع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسحه بيده حتى‬
‫سكن ثم رجع إلى المنبر قال‪ :‬فكان إذا صلى صلى إليه فلما‬
‫هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب فلم يزل عنده حتى‬
‫بلي فأكلته الرضة وعاد رفاتًا‬
‫حدثنا عبيد الله بن سعيد ثنا أبو أسامة عن مجالد عن أبي‬
‫الوداك عن أبي سعيد قال‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يخطب إلى لزق جذع فأتاه رجل رومي‪ ،‬فقال اصنع لك‬
‫منبًرا تخطب عليه فصنع له منبرا هذا الذي ترون قال‪ :‬فلما قام‬
‫عليه النبي صلى الله عليه وسلم يخطب حن الجذع حنين الناقة‬
‫إلى ولدها فنزل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمه‬
‫إليه فسكن فأمر به أن يحفر له ويدفن‪.‬‬
‫أخبرنا مسلم بن إبراهيم ثنا الصعق قال‪ :‬سمعت الحسن يقول‬
‫لما أن قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جعل يسند‬
‫ظهره إلى خشبة ويحدث الناس فكثروا حوله فأراد النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم أن يسمعهم‪ ،‬فقال ابنوا لي شيئا ارتفع عليه‬
‫قالوا كيف يا نبي الله قال عريش كعريش موسى فلما أن بنوا له‬
‫قال الحسن حنت والله الخشبة قال الحسن سبحان الله هل‬
‫تبتغي قلوب قوم سمعوا قال أبو محمد يعني هذا‪.‬‬
‫أخبرنا الحجاج بن منهال ثنا حماد بن سلمة عن عمار بن أبي‬
‫عمار عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان‬
‫يخطب إلى جذع قبل أن يتخذ المنبر فلما اتخذ المنبر وتحول إليه‬
‫حن الجذع فاحتضنه فسكن‪ ،‬وقال‪ :‬لو لم احتضنه لحن إلى يوم‬
‫القيامة‪.‬‬
‫أخبرنا الحجاج بن منهال ثنا حماد عن ثابت عن أنس بمثله‬
‫أخبرنا عبد الله بن يزيد ثنا المسعودي عن أبي حازم عن سهل‬
‫بن سعد قال حنت الخشبة التي كان يقوم عندها فقام رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم إليها ووضع يده عليها فسكنت‪.‬‬
‫أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي خلف ثنا عمر بن يونس ثنا‬
‫عكرمة بن عمار ثنا إسحاق بن أبي طلحة حدثنا أنس بن مالك أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة فيسند ظهره‬
‫إلى جذع منصوب في المسجد فيخطب الناس فجاءه رومي‪،‬‬
‫فقال أل أصنع لك شيئًا تقعد عليه وكأنك قائم فصنع له منبًرا له‬
‫درجتان ويقعد على الثالثة فلما قعد نبي الله صلى الله عليه‬
‫وسلم على ذلك المنبر خار الجذع كخوار الثور حتى ارتج المسجد‬
‫حزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل إليه رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فالتزمه وهو يخور فلما‬

‫‪255‬‬
‫التزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم سكن‪ ،‬ثم قال‪" :‬أما‬
‫والذي نفس محمد بيده لو لم التزمه لما زال هكذا إلى يوم‬
‫القيامة حزنا على رسول الله" صلى الله عليه وسلم فأمر به‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن‪.‬‬
‫وفي كتاب الصلة باب مقام المام إذا خطب‬
‫أخبرنا محمد بن كثير عن سليمان بن كثير عن الزهري عن‬
‫سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله قال‪ :‬كان رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يقوم إلى جذع قبل أن يجعل المنبر فلما‬
‫جعل المنبر حن ذلك الجزع حتى سمعنا حنينه فوضع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يده عليه فسكن‪.‬‬

‫حدثنا حجاج بن منهال ثنا حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار‬


‫عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى‬
‫جذع قبل أن يتخذ المنبر فلما اتخذ المنبر تحول إليه حن الجذع‬
‫فاحتضنه فسكن‪ ،‬وقال‪ :‬لو لم احتضنه لحن إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫حدثنا حجاج ثنا حماد عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم مثله‬
‫حدثنا عبد الله بن يزيد ثنا المسعودي عن أبي حازم عن سهل‬
‫بن سعد قال لما كثر الناس بالمدينة جعل الرجل يجيء والقوم‬
‫يجيؤون فل يكادون يسمعون كلم رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم حتى يرجعوا من عنده‪ ،‬فقال له الناس يا رسول الله إن‬
‫الناس قد كثروا وإن الجائي يجيء فل يكاد يسمع كلمك قال‪:‬‬
‫فما شئتم فأرسل إلى غلم لمرأة من النصار نجار وإلى طرفاء‬
‫الغابة فجعلوا له مرقاتين أو ثلثا فكان رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يجلس عليه ويخطب عليه فلما فعلوا ذلك حنت‬
‫الخشبة التي كان يقوم عندها فقام رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم إليها فوضع يده عليها فسكنت****‬
‫ابن ماجه‬
‫في كتاب لقامة الصلة والسنة فيها‪ ،‬باب ما جاء في بدء شأن‬
‫المنبر‬
‫‪ -‬حدثنا إسماعيل بن عبد الله الرقي‪ .‬حدثنا عبيد الله بن عمرو‬
‫الرقي‪ ،‬عن عبد الله ابن محمد بن غقيل‪ ،‬عن الطفيل بن أبي بن‬
‫كعب‪ ،‬عن أبيه؛ قال‪ -:‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫شا‪ .‬وكان يخطب إلى ذلك‬ ‫يصلي إلى جذع إذ كان المسجد عري ً‬
‫الجذع‪ .‬فقال رجل من أصحابه‪ :‬هل لك أن نجعل لك شيئًا تقوم‬
‫عليه يوم الجمعة حتى يراك الناس وتسمعهم خطبتك؟ قال(نعم)‬
‫فصنع ثلث درجات‪ .‬فهي التي أعلى المنبر‪ .‬فلما وضع المنبر‪،‬‬

‫‪256‬‬
‫وضعوه في موضعه الذي هو فيه‪ .‬فلما أراد رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أن يقوم إلى المنبر‪ ،‬مر إلى الجذع الذي كان يخطب‬
‫إليه‪ .‬فلما جاوز الجذع‪ ،‬خار حتى تصدع وانشق‪ .‬فنزل رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم لما سمع صوت الجذع‪ .‬فمسحه بيده حتى‬
‫سكن‪ .‬ثم رجع إلى المنبر‪ .‬فكان إذا صلى‪ ،‬صلى إليه‪ .‬فلما هدم‬
‫المسجد وغير‪ ،‬أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب‪ .‬وكان عنده في بيته‬
‫حتى بلى‪ .‬فأكلته الرضة وعاد رفاتًا‪.‬‬

‫‪ -‬حدثنا أبو بكر بن خلد الباهلي‪ .‬حدثنا بهز بن أسد‪ .‬حدثنا حماد‬
‫بن سلمة‪ ،‬عن عمار بن أبي عمار‪ ،‬عن ابن عباس؛ وعن ثابت‪،‬‬
‫عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع‪.‬‬
‫فلما اتخذ المنبر ذهب إلى المنبر‪ .‬فحن الجذع فأتاه فاحتضنه‬
‫فسكن‪ .‬فقال‪( :‬لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة)‪.‬‬
‫في الزوائد‪ :‬إسناده صحيح ورجاله ثقات‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا أحمد بن ثابت الجحدري‪ .‬حدثنا سفيان بن عيينة‪ ،‬عن‬
‫أبي حازم؛ قال‪ -:‬اختلف الناس في منبر رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم من أي شيء هو؟ فأتوا سهل بن سعد فسألوه‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ما بقي أحد من الناس أعلم به مني‪ .‬هو من أثل الغابة‪.‬‬
‫عمله فلن مولى فلنة‪ ،‬نجار‪ .‬فجاء به‪ .‬فقام عليه حينما وضع‪.‬‬
‫فاستقبل وقام الناس خلفه‪ .‬فقرأ ثم ركع ثم رفع رأسه فرجع‬
‫القهقري حتى سجد بالرض‪ .‬ثم عاد إلى المنبر فقرأ ثم ركع‬
‫فقام ثم رجع القهقرى حتى سجد بالرض‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا أبو بشر‪ ،‬بكر بن خلف‪ .‬حدثنا ابن أبي عدي‪ ،‬عن سليمان‬
‫التيمي‪ ،‬عن أبي نضرة‪ ،‬عن جابر بن عبد الله؛ قال‪:‬‬
‫‪ -‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم إلى أصل شجرة‬
‫‪-‬أو قال إلى جذع‪ -‬ثم اتخذ منبرا‪ .‬قال فحن الجذع‪ .‬قال جابر‬
‫حتى سمعه أهل المسجد حتى أتاه رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فمسحه فسكن‪ .‬فقال بعضهم‪ :‬لو لم يأته لحن إلى يوم‬
‫القيامة‪.‬‬
‫في الزوائد‪ :‬إسناده صحيح وابن عدي ثقة‪ .‬وقال‪ :‬وقد أخرجه‬
‫النسائي عن جابر بسند آخر‪.‬‬
‫البيهقي‬
‫باب مقام المام في الخطبة‬
‫أخبرنا أبو القاسم عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤذن‬
‫أنبأ أبو بكر محمد بن أحمد بن خنب البخاري أنبأ أبو إسماعيل‬
‫محمد بن إسماعيل الترمذي ثنا أيوب بن سليمان بن بلل حدثني‬
‫أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان يعني بن بلل قال‪ :‬قال يحيى‬

‫‪257‬‬
‫يعني بن سعيد‪ :‬أخبرني حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك‬
‫النصاري أنه سمع جابر بن عبد الله يقول‪ :‬كان المسجد في‬
‫زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسقوفًا على جذوع من‬
‫نخل فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى‬
‫جذع فلما صنع المنبر كان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتا‬
‫كصوت العشار حتى جاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فوضع يده عليها فسكنت رواه البخاري في الصحيح عن‬
‫إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه أبي بكر‪.‬‬
‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا‬
‫جعفر بن محمد وإسماعيل بن قتيبة قال‪ :‬ثنا يحيى بن يحيى أنبأ‬
‫عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه أن نفرا جاءوا إلى سهل بن‬
‫سعد قد تماروا في المنبر من أي عود هو فقال‪ :‬أما والله إني‬
‫لعرف من أي عود هو ومن عمله ورأيت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أول يوم جلس عليه‪ ..‬قال فقلت له يا أبا عباس‬
‫فحدثنا فقال‪ :‬أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة‬
‫نقال أبو حازم إنه لسماها يومئذ‪" ..‬انظري غلمك النجار يعمل‬
‫لي أعوادًا لكلم الناس عليها"‪ ..‬فعمل هذه الثلث درجات ثم أمر‬
‫بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعت هذا الموضع؛‬
‫فهي من طرفاء الغابة ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قام عليه فكبر وكبر الناس وراءه وهو على المنبر يعني‬
‫ثم ركع ثم رفع فنزل القهقري حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد‬
‫حتى فرغ من آخر صلته ثم أقبل على الناس فقال‪ :‬يا أيها الناس‬
‫إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلتي رواه مسلم في‬
‫الصحيح عن يحيى بن يحيى‪.‬‬
‫أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران أنبأ‬
‫إسماعيل بن محمد الصفار قال ثنا الحسن بن الفضل بن السمح‬
‫ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ح وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبا‬
‫أبو علي حامد بن محمد الهروي ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو‬
‫نعيم ثنا عبد الواحد بن أيمن حدثني أبي عن جابر أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة‬
‫فقالت امرأة من النصار أو رجل يا رسول الله أل تجعل لك‬
‫منبًرا قال‪ :‬إن شئتم فاجعلوه‪ ..‬فجعلوا له منبًرا فلما كان يوم‬
‫الجمعة ذهب إلى المنبر فصاحت النخلة صياح الصبي فنزل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمها إليه كانت تئن أنين‬
‫الصبي الذي يسكت قال‪ :‬كانت تبكي على ما كانت تسمع من‬
‫الذكر عندها‪ ..‬لفظ حديث أبي عبد الله رواه البخاري في الصحيح‬
‫عن أبي نعيم‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني أبو أحمد الحافظ أنبأ‬
‫أبو الجهم محمد بن الحسين القرشي ثنا شعيب بن عمرو‬
‫الضبعي ثنا أبو عاصم ثنا بن أبي رواد حدثني نافع عن عبد الله‬
‫بن عمر أن تميم الداري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫لما أسن وثقل أل نتخذ لك منبًرا تحمل أو تجمع أو كلمة تشبهها‬
‫عظامك فاتخذ له مرقاتين أو ثلثة فجلس عليها قال فصعد النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فحن جذع كان في المسجد كان رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يستند إليه فنزل النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فاحتضنه فقال له شيئًا ل أدرى ما هو ثم صعد‬
‫المنبر وكانت أساطين المسجد جذوعا وسقائفه جريدًا قال‬
‫البخاري روى أبو عاصم عن بن أبي رواد فذكره‪.‬‬
‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي‬
‫قال ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري‬
‫ثنا عثمان بن عمر ثنا معاذ بن العلء عن نافع عن بن عمر أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع فلما‬
‫اتخذ المنبر حن الجذع فأتاه فالتزمه صلى الله عليه وسلم رواه‬
‫البخاري في الصحيح فقال وقال عبد الحميد أنبأ عثمان بن عمر‪.‬‬
‫البيهقي في دلئل النبوة‬
‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو علي الحسين بن علي‬
‫الحافظ قال أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن قال حدثنا‬
‫تميم ابن المنتصر‬
‫ح وحدثنا منصور بن عبد الوهاب بن أحمد الصوفي قال أخبرنا‬
‫أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان البخاري قال أخبرنا أبو‬
‫إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا أيوب بن‬
‫سليمان بن بلل قال حدثني أبو بكر بن أبي أويس قال حدثني‬
‫سليمان بن بلل عن سعد بن سعيد بن قيس عن عباس بن سهل‬
‫بن سعد عن أبيه أن رسول الله كان يقوم الجمعة إذا خطب إلى‬
‫خشبة ذات فرضتين قال أراها من دوم كانت في مصله وكان‬
‫يتكئ إليها فقال له أصحابه يا رسول الله إن الناس قد كثروا فلو‬
‫اتخذت شيئًا تقوم عليه إذا خطبت يراك الناس فقال‪ :‬ما شئتم‬
‫قال سهل ولم يكن بالمدينة إل نجار واحد قال فذهبت أنا وذلك‬
‫النجار إلى الغابة فقطعنا هذا المنبر من أثلة قال‪ :‬فقام رسول‬
‫الله فحنت الخشبة فقال رسول الله‪" :‬أل تعجبون من حنين هذه‬
‫الخشبة" فأقبل الناس عليها فرقوا من حنينها حتى كثر بكاؤهم‬
‫فنزل رسول الله فأتاها فوضع يده عليها فسكنت فأمر رسول‬
‫الله بها فدفنت تحت منبره أو جعلت في السقف‪.‬‬
‫ابن خزيمة‬

‫‪259‬‬
‫باب ذكر أن موضع قيام النبي صلى الله عليه وسلم في‬
‫الخطبة كان قبل اتخاذه المنبر والدليل على أن الخطبة على‬
‫الرض جائزة من غير صعود المنبر يوم الجمعة والعلة التي لها‬
‫أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتخاذ المنبر إذ هو أحرى أن‬
‫يسمع الناس خطبة المام إذا كثروا إذا خطب على المنبر‪.‬‬
‫أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا علي بن خشرم أخبرنا عيسى يعني بن‬
‫يونس عن المبارك وهو بن فضالة عن الحسن عن أنس بن مالك‬
‫قال‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم يوم الجمعة‬
‫يسند ظهره إلى سارية من خشب أو جذع أو نخلة شك المبارك‬
‫فلما كثر الناس قال‪ :‬ابنوا لي منبًرا‪ ..‬فبنوا له المنبر‪ ،‬فتحول إليه‬
‫حنت الخشبة حنين الواله فما زالت حتى نزل رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم من المنبر فأتاها فاحتضنها فسكنت قال أبو بكر‬
‫الواله يريد بها المرأة إذا مات لها ولد‪.‬‬
‫باب ذكر العلة التي لها حن الجذع عند قيام النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم على المنبر وصفة منبر النبي صلى الله عليه وسلم وعدد‬
‫درجه والستناد إلى شيء إذا خطب على الرض‬
‫أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا محمد بن بشار ثنا عمر بن يونس نا‬
‫عكرمة بن عمار نا إسحاق بن أبي طلحة ثنا أنس بن مالك أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة فيسند‬
‫ظهره إلى جذع منصوب في المسجد فيخطب‪ ..‬فجاء رومي‬
‫فقال أل نصنع لك شيئا تقعد وكأنك قائم فصنع له منبًرا له‬
‫درجتان ويقعد على الثالثة فلما قعد نبي الله صلى الله عليه‬
‫وسلم على المنبر خار الجذع خوار الثور حتى ارتج المسجد‬
‫بخواره حزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل إليه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فألتزمه وهو يخور‬
‫فلما التزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت ثم قال‪:‬‬
‫"والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه ما زال هكذا حتى تقوم الساعة‬
‫حزنا على رسول الله"‪ .‬صلى الله عليه وسلم‪ ...‬فأمر به رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فدفن يعني الجذع وفي خبر جابر‬
‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن هذا بكى لما فقد من‬
‫الذكر"‪.‬‬
‫ابن ابي شيبة‬
‫حدثنا الحسن بن موسى قال ثنا حماد بن سلمة عن فرقد‬
‫السبخي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع‪ ،‬فلما اتخذ المنبر تحول‬
‫إليه‪ ،‬فحن الجذع حتى أخذه فاحتضنه فسكن فقال‪ " :‬لو لم‬
‫أحتضنه لحن إلى يوم القيامة "‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫حدثنا ابن عيينة عن أبي حازم قال أتوا سهل بن سعد فقالوا‪:‬‬
‫من أي شئ منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال‪ :‬ما‬
‫بقي أحد من الناس أعلم به مني‪ ،‬قال‪ :‬هو من أثل الغابة‪ ،‬وعمله‬
‫فلن مولى فلنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وكان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يستند إلى جذع في المسجد‬
‫يصلي إليه إذا خطب‪ ،‬فلما اتخذ المنبر فقعد عليه حن الجذع‪،‬‬
‫قال‪ :‬فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوطده‪ ،‬وليس في‬
‫حديث أبي حازم‪ :‬حتى سكن‪.‬‬
‫حدثنا وكيع عن عبد الواحد عن أبيه عن جابر قال‪ :‬كان رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع نخلة‪ ،‬فقالت له‬
‫امرأة من النصار‪ :‬يا رسول الله! إن لي غلما نجارا‪ ،‬أفل آمره‬
‫يصنع لك منبرا؟ قال‪ " :‬بلى‪ ،‬فاتخذ منبرا‪ ،‬فلما كان يوم الجمعة‬
‫خطب على المنبر‪ ،‬قال‪ :‬فإن الجذع الذي كان يقوم عليه كأنين‬
‫الصبي‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬إن هذا بكى لما فقد‬
‫من الذكر‬
‫أحمد حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الرزاق أنبأنا ابن جريج‬
‫وروح حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد‬
‫الله يقول‪-:‬كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يستند‬
‫إلى جذع نخلة من سواري المسجد فلما صنع له منبره استوى‬
‫عليه اضطربت تلك السارية كحنين الناقة حتى سمعها أهل‬
‫المسجد حتى نزل إليها فاعتنقها فسكنت وقال روح فسكتت‪...‬‬
‫وقال ابن بكر فاضطربت تلك السارية وقال روح اضطربت‬
‫كحنين‪.‬‬
‫حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عفان أخبرنا حماد عن عمار بن‬
‫أبي عمار عن ابن عباس أن‪-:‬رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫كان يخطب إلى جذع قبل أن يتخذ المنبر فلما اتخذ المنبر وتحول‬
‫ن‬
‫اليه حن عليه فأتاه فاحتضنه فسكن قال‪ :‬ولو لم أحتضنه لح ّ‬
‫إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عفان حدثنا حماد عن ثابت عن‬
‫أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله‪.‬‬
‫الطبراني‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ماد ُ بن‬ ‫ح َّ‬‫حدَّثَنَا َ‬
‫حدَّثَنِي أبِي‪َ ،‬‬ ‫ل‪َ ،‬‬ ‫حنْب َ ٍ‬‫مد َ بن َ‬ ‫ح َ‬ ‫حدَّثَنَا ع َبْد ُ الل ّهِ بن أ ْ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫س بن‬ ‫ن العَبَّا ِ‬ ‫مرِيُّ‪ ،‬ع َ ِ‬ ‫مَر الْعُ َ‬ ‫حدَّثَنَا ع َبْد ُ الل ّهِ بن ع ُ َ‬ ‫ط‪َ ،‬‬ ‫خيَّا ُ‬ ‫خالِد ٍ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الن ّب ِ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم كا َ‬ ‫ن أبِيهِ ‪ ,‬أ ّ‬ ‫سعْدٍ‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫ل بن َ‬ ‫سهْ ِ‬ ‫َ‬
‫وَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س قد ْ كثُُروا‪ ،‬فل ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الن ّا َ‬ ‫َ‬ ‫ل‪" :‬إ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫س‪ ،‬قا َ‬ ‫َ‬
‫ما كثَُر الن ّا ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جذٍْع‪ ،‬فل ّ‬ ‫َ‬
‫ستَنِد ُ إِلى ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منْبَرِ‬‫ن ال ْ ِ‬ ‫عيدَا َ‬ ‫ب أبِي فَقَطَعَ ِ‬ ‫س‪ :‬فَذَهَ َ‬ ‫ل ع َبَّا ٌ‬ ‫ه"‪ ،‬قَا َ‬ ‫منْبٌَر أقْعُد ُ ع َلَي ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫كَا َ‬
‫ملَهَا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ستَعْ َ‬ ‫ملَهَا أوِ ا ْ‬ ‫ن الْغَابَةِ‪ ،‬فَل أدْرِي ع َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬

‫‪261‬‬
‫الفصل السابع عشر‬
‫ومـثـل هـذا فـي سـائـر الـجـمـادات‬
‫‪ * J‬حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عيسى التميمي‪ ،‬حدثنا‬
‫القاضي أبو عبد الله محمد بن المرابط‪ ،‬حدثنا المهلب‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫الحسن القابسي‪ ،‬حدثنا المروزي‪ ،‬حدثنا الفربري‪ ،‬حدثنا البخاري‪،‬‬
‫حدثنا محمد بن المثنى‪ ،‬حدثنا أبو أحمد الزبيري‪ ،‬حدثنا إسرائيل‪،‬‬
‫عن منصور‪ ،‬عن إبراهيم‪،‬عن علقمة‪ ،‬عن ابن مسعود‪ ،‬قال‪ :‬لقد‬
‫كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل‪.‬‬
‫‪-‬وفي غير هذه الرواية عن ابن مسعود‪ :‬كنا نأكل مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم الطعام و نحن نسمع تسبيحه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬روى البخاري حديث ابن مسعود في كتاب المناقب قال‪:‬‬
‫حدثني محمد بن المثنى‪ :‬حدثنا أبو أحمد الزبيري‪ :‬حدثنا‬
‫إسرائيل‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن إبراهيم‪ ،‬عن علقمة‪ ،‬عن عبد الله‬
‫قال‪:‬‬
‫كنا نعد اليات بركة‪ ،‬وأنتم تعدونها تخويفا‪ ،‬كنا مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في سفر‪ ،‬فقل الماء‪ ،‬فقال‪( :‬اطلبوا‬
‫فضلة من ماء)‪ .‬فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل‪ ،‬فأدخل يده في الناء‬
‫ثم قال‪( :‬حي على الطهور المبارك‪ ،‬والبركة من الله)‪ .‬فلقد‬
‫رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل‪.‬‬
‫قال ابن حجر‬
‫قوله‪ :‬ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل أي في عهد‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم غالبا ووقع ذلك عند‬
‫السماعيلي صريحا أخرجه عن الحسن بن سفيان عن بندار عن‬
‫أبي أحمد الزبيري في هذا الحديث كنا نأكل مع النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيح الطعام وله شاهد أورده‬
‫البيهقي في الدلئل من طريق قيس بن أبي حازم قال كان أبو‬
‫الدرداء وسليمان إذا كتب أحدهما إلى الخر قال له بآية الصحفة‬
‫وذلك أنهما بينا هما يأكلن في صحفة إذا سبحت وما فيها‪..‬‬
‫وأخرجه‪:‬‬
‫الترمذي حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا‬
‫إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال‬
‫إنكم تعدون اليات عذابا وإنا كنا نعدها على عهد رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم بركة لقد كنا نأكل الطعام مع النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ونحن نسمع تسبيح الطعام قال وأتي النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم بإناء فوضع يده فيه فجعل الماء ينبع من بين‬

‫‪262‬‬
‫أصابعه فقال النبي صلى الله عليه وسلم حي على الوضوء‬
‫المبارك والبركة من السماء حتى توضأنا كلنا قال أبو عيسى هذا‬
‫حديث حسن صحيح‬
‫قال الترمذي‪ :‬حسن صحيح‬
‫أحمد حدثنا عبد الله حدثني أبي قال‪ :‬حدثنا الوليد بن القاسم بن‬
‫الوليد حدثنا إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد‬
‫الله قال وسمع عبد الله بخسف قال‪:‬‬
‫‪ -‬كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نعد اليات بركة وأنتم‬
‫تعدونها تخويفا إنا بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وليس معنا ماء فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫اطلبوا من معه يعني ماء ففعلنا فأتي بماء فصبه في اناء ثم وضع‬
‫كفيه فيه فجعل الماء يخرج من بين أصابعه ثم قال‪ :‬حي على‬
‫الطهور المبارك والبركة من الله فملت بطني منه واستسقى‬
‫الناس قال عبد الله‪ :‬قد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل‪.‬‬
‫‪ -‬وقال أنس‪ :‬أخذ النبي صلى الله عليه وسلم كفا من حصى‪،‬‬
‫فسبحن في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا‬
‫التسبيح‪ ،‬ثم صبهن في يد أبي بكر رضي الله عنه فسبحن‪ ،‬ثم‬
‫في أيدينا فما سبحن‪.‬‬
‫‪-‬وروى مثله أبو ذر‪ ،‬وذكر أنهن سبحن في كف عمر وعثمان‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قال ابن حجر العسقلني في فتح الباري‪:‬‬
‫قلت وقد اشتهر تسبيح الحصي ففي حديث أبي ذر قال تناول‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع حصيات فسبحن في يده‬
‫حتى سمعت لهن حنينا ثم وضعهن في يد أبي بكر فسبحن ثم‬
‫وضعهن في يد عمر فسبحن ثم وضعهن في يد عثمان فسبحن‬
‫أخرجه البزار والطبراني في الوسط وفي رواية الطبراني فسمع‬
‫تسبيحهن من في الحلقة وفيه ثم دفعهن إلينا فلم يسبحن مع‬
‫أحد منا‬
‫قال البيهقي في الدلئل كذا رواه صالح بن أبي الخضر ولم يكن‬
‫بالحافظ عن الزهري عن سويد بن يزيد السلمي عن أبي ذر‬
‫والمحفوظ ما رواه شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال ذكر‬
‫الوليد بن سويد أن رجل من بني سليم كان كبير السن ممن‬
‫أدرك أبا ذر بالربذة ذكر له عن أبي ذر بهذا‬
‫فائدة ذكر بن الحاجب عن بعض الشيعة أن انشقاق القمر‬
‫وتسبيح الحصي وحنين الجذع وتسليم الغزالة مما نقل آحاد مع‬
‫توفر الدواعي على نقله ومع ذلك لم يكذب رواتها وأجاب بأنه‬
‫استغنى عن نقلها تواتر بالقرآن وأجاب غيره بمنع نقلها آحادا‬
‫وعلى تسليمه فمجموعها يفيد القطع كما تقدم في أول هذا‬

‫‪263‬‬
‫الفصل والذي أقول إنها كلها مشتهرة عند الناس وأما من حيث‬
‫الرواية فليست على حد سواء فإن حنين الجذع وانشقاق القمر‬
‫نقل كل منهما نقل مستفيضا يفيد القطع عند من يطلع على‬
‫طرق ذلك من أئمة الحديث دون غيرهم ممن ل ممارسة له في‬
‫ذلك وأما تسبيح الحصي فليست له إل هذه الطريق الواحدة مع‬
‫ضعفها‪...‬‬
‫قلت‪ :‬وحديث أبي ذر أورده اللباني في كتاب ظلل الجنة في‬
‫تخريج السنة؛ وصححه‪ -‬وهو‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن عوف ثنا عبد الحميد بن إبراهيم ثنا عبدالله بن‬
‫سالم عن الزبيدي حدثني حميد أن عبد الرحمن بن أبي عوف‬
‫حدثه أنه سمع عبد ربه أنه سمع عاصم بن حميد يقول إن أبا ذر‬
‫قال إني انطلقت ألتمس رسول الله صلى الله عليه وسلم في‬
‫بعض حوائط المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد‬
‫فأقبل إليه أبو ذر حتى سلم على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال أبو ذر وحصيات موضوعة بين يديه فأخذهن في يده فسبحن‬
‫في يده ثم وضعهن في الرض فسكتن ثم أخذهن فوضعهن في‬
‫يد أبي بكر فسبحن في يده ثم أخذهن فوضعهن في الرض‬
‫فخرسن ثم أخذهن فوضعهن في يد عمر فسبحن في يده ثم‬
‫أخذهن فوضعهن في الرض فخرسن ثم أخذهن فوضعهن في يد‬
‫عثمان فسبحن ثم أخذهن فوضعهن في الرض فخرسن‪.‬‬
‫‪-‬وقال علي كنا بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫فخرج إلى بعض نواحيها ما استقبله شجرة ول جبل إل قال له‪:‬‬
‫السلم عليك يا رسول الله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه الترمذي من حديث الوليد بن أبي ثور عن السدي‬
‫عن عبادة بن أبي يزيد عن علي بن أبي طالب قال كنت مع‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما‬
‫استقبله جبل ول شجر إل وهو يقول السلم عليك يا رسول الله‬
‫وقال الترمذي حديث حسن غريب‪ ...‬وصححه اللباني في "‬
‫صحيح الترغيب والترهيب "‬
‫و أخرجه التبريزي في مشكاة المصابيح‬
‫وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال كنت مع النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما‬
‫استقبله جبل ول شجر إل وهو يقول السلم عليك يا رسول الله‪.‬‬
‫رواه الترمذي والدارمي‪.‬‬
‫ى صلى الله عليه وسلم‬ ‫َ‬ ‫ولفظه في مسند الدارمي كُنَّا َ‬
‫معَ الن ّب ِ ِ ّ‬ ‫ب َ‬
‫جبَال وال َّ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫حيهَا فَ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫مك ّ َ‬
‫جرِ‬‫ش َ‬ ‫َ‬
‫َ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫مَرْرنَا بَي ْ‬ ‫َ‬ ‫ض نَوَا ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ه فِى بَعْ‬ ‫ُ‬ ‫معَ‬
‫َ‬ ‫جنَا‬‫خَر ْ‬ ‫ِ َ‬
‫سول اللهِ‪.‬‬ ‫ك يَا َر ُ‬ ‫َ‬
‫م ع َلي ْ َ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫ل ال َّ‬
‫ل إِل ّ قَا َ‬ ‫جَرةٍ وَل َ َ‬
‫جب َ ٍ‬ ‫ش َ‬ ‫مَّر ب ِ َ‬
‫م نَ ُ‬ ‫َ‬
‫فَل ْ‬

‫‪264‬‬
‫‪-‬وعن جابر بن سمرة عنه صلى الله عليه وسلم‪ :‬إني لعرف‬
‫حجرا ً بمكة كان يسلم علي‪ .‬قيل‪ :‬إنه الحجر السود‪.‬‬
‫قلت أخرجه السيوطي في الجامع الصغير (إني لعرف حجرا‬
‫بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث‌)‪.‬‬
‫تخريج السيوطي‪( :‬حم م ت) عن جابر بن سمرة‪.‬‬
‫اللباني‪ :‬في صحيح الجامع‪‌.‬‬
‫مسلم‬
‫وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‪ .‬حدثنا يحيى بن أبي بكير عن‬
‫إبراهيم بن طهمان‪ .‬حدثني سماك بن حرب عن جابر بن سمرة‪.‬‬
‫قال‪:‬‬
‫قال رسول الله ص صلى الله عليه وسلم "إني لعرف حجرا‬
‫بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث‪ .‬إني لعرفه الن"‪.‬‬
‫الترمذي‬
‫حدثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلن قال أخبرنا أبو داود‬
‫الطيالسي أخبرنا سليمان ابن معاذ الضبي عن سماك بن حرب‬
‫عن جابر بن سمرة قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫‪ " -‬إن بمكة حجرا كان يسلم علي ليالي بعثت إني ل أعرفه الن‬
‫ب‪.‬‬
‫ن غري ٌ‬
‫ث حس ٌ‬
‫"‪ .‬هذا حدي ٌ‬
‫ابن حبان‬
‫أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي حدثنا محمد بن‬
‫إسماعيل حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان عن‬
‫سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ :‬إني لعرف حجرا بمكة كان يسلم علي إذا‬
‫بعثت إني لعرفه الن‪.‬‬
‫الدارمي‬
‫حدثنا محمد بن سعيد أنا يحيى بن أبي بكر العبدي عن إبراهيم‬
‫بن طهمان عن سماك عن جابر بن سمرة قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬إني لعرف حجرا بمكة كان يسلم علي‬
‫قبل أن أبعث إني لعرفه الن‪.‬‬
‫حدثنا فروة ثنا الوليد بن أبي ثور الهمداني عن إسماعيل‬
‫السدي عن عباد أبي يزيد عن علي بن أبي طالب قال كنا مع‬
‫النبي‬
‫قلت أخرجه السيوطي في الجامع الصغير‪( :‬إني لعرف حجرا‬
‫بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث‌)‪.‬‬
‫تخريج السيوطي‪( :‬حم م ت) عن جابر بن سمرة‪.‬‬
‫اللباني‪ :‬في صحيح الجامع‪‌.‬‬
‫مسلم‬

‫‪265‬‬
‫وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‪ .‬حدثنا يحيى بن أبي بكير عن‬
‫إبراهيم بن طهمان‪ .‬حدثني سماك بن حرب عن جابر بن سمرة‪.‬‬
‫قال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني لعرف حجرا بمكة‬
‫كان يسلم علي قبل أن أبعث‪ .‬إني لعرفه الن"‪.‬‬
‫الترمذي‬
‫حدثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلن قال أخبرنا أبو داود‬
‫الطيالسي أخبرنا سليمان ابن معاذ الضبي عن سماك بن حرب‬
‫عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫‪ " -‬إن بمكة حجرا كان يسلم علي ليالي بعثت إني ل أعرفه الن‬
‫ب‪.‬‬
‫ن غري ٌ‬
‫ث حس ٌ‬‫"‪ .‬هذا حدي ٌ‬
‫ابن حبان‬
‫أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي حدثنا محمد بن‬
‫إسماعيل حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان عن‬
‫سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم إني لعرف حجرا بمكة كان يسلم علي إذا‬
‫بعثت إني لعرفه الن‬
‫الدارمي‬
‫حدثنا محمد بن سعيد أنا يحيى بن أبي بكر العبدي عن إبراهيم‬
‫بن طهمان عن سماك عن جابر بن سمرة قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬إني لعرف حجرا بمكة كان يسلم علي‬
‫قبل أن أبعث اني لعرفه الن‬
‫حدثنا فروة ثنا الوليد بن أبي ثور الهمداني عن إسماعيل‬
‫السدي عن عباد أبي يزيد عن علي بن أبي طالب قال كنا مع‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا معه في بعض نواحيها‬
‫فمررنا بين الجبال والشجر فلم نمر بشجرة ول جبل إل قال‬
‫السلم عليك يا رسول الله‬
‫أحمد‬
‫‪ -‬حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا‬
‫إبراهيم بن طهمان حدثني سماك عن جابر بن سمرة قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪-:‬إني لعرف حجرا بمكة كان‬
‫يسلم علي قبل أن أبعث إني لعرفه الن‪.‬‬
‫أبو يعلى‬
‫حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا أبو داود قال حدثني‬
‫سليمان بن معاذ حدثنا سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن بمكة حجرا كان يسلم‬
‫علي ليالي بعثت وإني لعرفه إذا مررت عليه‬

‫‪266‬‬
‫أحمد‬
‫‪ -‬حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا‬
‫إبراهيم بن طهمان حدثني سماك عن جابر بن سمرة قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪-:‬إني لعرف حجرا بمكة كان‬
‫يسلم علي قبل أن أبعث إني لعرفه الن‪.‬‬
‫أبو يعلى‬
‫حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا أبو داود قال حدثني‬
‫سليمان بن معاذ حدثنا سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن بمكة حجرا كان يسلم‬
‫علي ليالي بعثت وإني لعرفه إذا مررت عليه‬
‫‪-‬وعن عائشة رضي الله عنها‪ :‬لما استقبلني جبريل عليه السلم‬
‫بالرسالة جعلت ل أمر بحجر ول شجر إل قال‪ :‬السلم عليك‬
‫يارسول الله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أورد البيهقي نحوه في دلئل النبوة قال‪:‬‬
‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن‬
‫يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير‬
‫عن ابن إسحاق قال حدثني عبد الملك بن عبد الله بن أبي‬
‫سفيان بن العلء بن جارية الثقفي وكان واعية عن بعض أهل‬
‫العلم أن رسول الله حين أراد الله عز وجل كرامته وابتدأه ل يمر‬
‫بحجر ول شجر إل سلم عليه وسمع منه فيلتفت رسول الله خلفه‬
‫وعن يمينه وعن شماله ول يرى إل الشجر وما حوله من الحجارة‬
‫وهي تحييه بتحية النبوة السلم عليك يا رسول الله‬
‫وقال ابن إسحاق حدثني عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان‬
‫بن العلء بن جارية الثقفي وكان داعية عن بعض أهل العلم أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد الله كرامته وابتدأه‬
‫بالنبوة كان إذا خرج لحاجة أبعد حتى يحسر الثوب عنه ويفضي‬
‫إلى شعاب مكة وبطون أوديتها فل يمر بحجر ول شجر إل قال‬
‫السلم عليك يا رسول الله قال فيلتفت حوله عن يمينه وعن‬
‫شماله وخلفه فل يرى إل الشجر والحجارة فمكث كذلك يرى‬
‫ويسمع ما شاء الله أن يمكث ثم جاءه جبريل عليه السلم بما‬
‫جاء من كرامة الله وهو بحراء في رمضان‬
‫و ذكر مثله الماوردي في أعلم النبوة قال‪:‬‬
‫روت برة بنت أبي تحراه‪ :‬أن الله تعالى لما أراد كرامة رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم بالنبوة كان ل يمر بشجر و ل حجر إل‬
‫قال‪ :‬السلم عليك يا رسول الله فكان يلتفت عن يمينه و شماله‬
‫و خلفه فل يرى أحدا فاحتمل أن يكون ذلك قبل رؤيا المنام‬

‫‪267‬‬
‫فيكون كالهتوف الخارجة عن أعلم الوحي إلى إعجاز النبوة و‬
‫احتمل أن يكون بعد الرؤيا فيكون تصديقا لها و تحقيقا لصحتها‪..‬‬
‫‪-‬وعن جابر بن عبد الله‪ :‬لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يمر بحجر ول شجر إل سجد له‪.‬‬
‫ذكر مثله الماوردي في أعلم النبوة قال‬
‫ومن آياته صلى الله عليه وسلم‪ :‬ما رواه جابر بن عبد الله قال‪:‬‬
‫كان في رسول الله صلى الله عليه وسلم خصال لم يكن يمر‬
‫في طريق فيتبعه أحد إل عرف أنه قد سلكه من طيب عرفه و‬
‫لم يكن يمر بحجر ول شجر إل سجد له‪..‬‬
‫‪-‬وفي حديث العباس‪ ،‬إذا اشتمل عليه النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وعلى بنيه‪ ،‬بملءة‪ ،‬ودعا لهم بالستر من النار كستره‬
‫إياهم بملءته‪ ،‬فأمنت أسكفة الباب و حوائط البيت‪ :‬آمين آمين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرجه أبو نعيم في دلئل النبوة قال‪:‬‬
‫عن أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه قال لقي رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه‬
‫فقال ل ترم من منزلك غدا أنت وبنوك فإن لي فيكم حاجة قال‬
‫فجمعهم العباس في بيت فأتاهم رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فقال السلم عليكم كيف أصبحتم؟! قالوا بخير نحمد الله‬
‫بأبينا أنت وأمنا يا رسول الله قال‪ :‬تقاربوا يزحف بعضكم إلى‬
‫بعض‪ .‬حتى إذا اكتنفوا اشتمل عليهم بملته إذا ثم قال اللهم هذا‬
‫العباس عمي وهؤلء أهل بيتي استرهم من النار كستري إياهم‬
‫بملتي فقال هذه قال فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت آمين‬
‫آمين آمين ثلثا‬
‫‪-‬وعن جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ :‬مرض النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فأتاه جبريل بطبق فيه رمان وعنب فأكل منه النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬فسبح‪.‬‬
‫قلت‪:‬قال صاحب المواهب اللدنية‪ :‬قال السيوطي لم أجده في‬
‫كتب الحديث÷ ونقله عن عياض الحافظ أبو الفضل في فتح‬
‫الباري‪.‬‬
‫‪-‬وعن أنس‪ :‬صعد النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وأبو بكر‪ ،‬وعمر‪،‬‬
‫حداً‪ ،‬فرجف بهم‪ ،‬فقال‪ :‬اثبت أحد‪ ،‬فإنما عليك نبي و‬ ‫وعثمان‪ ،‬أ ُ‬
‫صديق‪ ،‬و شهيدان‪.‬‬
‫‪- J‬ومثله عن أبي هريرة في حراء‪ ،‬وزاد معه‪ :‬علي وطلحة‪،‬‬
‫والزبير‪ ،‬وقال‪ :‬فإنما عليك نبي‪ ،‬أو صديق‪،‬أو شهيد‪.‬‬
‫‪- J‬والخبر في حراء أيضا ً عن عثمان‪ ،‬قال‪ :‬ومعه عشر من‬
‫أصحابه أنا فيهم‪.‬‬
‫وزاد عبد الرحمن وسعداً‪ ،‬قال‪ :‬ونسيت الثنين‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫‪-‬وفي حديث سعيد بن زيد أيضا ً مثله‪ ،‬و زاد عشرة‪ ،‬وزاد نفسه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة‬
‫حدثني محمد بن بشار‪ :‬حدثنا يحيى‪ ،‬عن سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ :‬أن‬
‫أنس بن مالك رضي الله عنه حدثهم‪:‬‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدا‪ ،‬وأبو بكر وعمر‬
‫وعثمان‪ ،‬فرجف بهم‪ ،‬فقال‪( :‬اثبت أحد‪ ،‬فإنما عليك نبي وصديق‪،‬‬
‫وشهيدان)‪.‬‬
‫حدثنا مسدد‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ :‬حدثنا سعيد بن أبي عروبة‪.‬‬
‫وقال لي خليفة‪ :‬حدثنا محمد بن سواء‪ ،‬وكهمس بن المنهال قال‪:‬‬
‫حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس بن مالك رضي الله عنه‬
‫قال‪:‬صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحدا‪ ،‬ومعه أبو بكر وعمر‬
‫وعثمان‪ ،‬فرجف بهم‪ ،‬فضربه برجله وقال‪( :‬اثبت أحد‪ ،‬فما عليك‬
‫إل نبي‪ ،‬أو صديق‪ ،‬أو شهيدان)‬
‫وأخرجه أحمد في المسند‬
‫حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا شعبة‬
‫حدثنا قتادة أن أنس بن مالك حدثهم‪:‬‬
‫‪-‬أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدا فتبعه أبو بكر‬
‫وعمر وعثمان فرجف بهم الجبل فقال اسكن عليك نبي وصديق‬
‫وشهيدان‪.‬‬
‫حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا علي بن عاصم قال حصين‪:‬‬
‫أخبرنا عن هلل ابن يساف عن عبد الله بن ظالم المازني قال‪:‬‬
‫‪-‬لما خرج معاوية من الكوفة استعمل المغيرة بن شعبة قال‪:‬‬
‫فأقام خطباء يقعون في علي قال‪ :‬وأنا إلى جنب سعيد بن زيد‬
‫بن عمرو بن نفيل قال‪ :‬فغضب فقام فأخذ بيدي فتبعته فقال‪ :‬أل‬
‫ترى إلى هذا الرجل الظالم لنفسه الذي يأمر بلعن رجل من أهل‬
‫الجنة فأشهد على التسعة أنهم في الجنة ولو شهدت على‬
‫العاشر لم آثم قال‪ :‬قلت‪ :‬وما ذاك قال‪ :‬قال رسول صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ :‬اثبت حراء فإنه ليس عليك إل نبي أو صديق أو شهيد‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬من هم فقال‪ :‬رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن‬
‫عوف وسعد بن مالك قال‪ :‬ثم سكت قال‪ :‬قلت‪ :‬ومن العاشر‬
‫قال‪ :‬قال‪ :‬أنا‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا زائدة‬
‫حدثنا حصين بن عبد الرحمن عن هلل بن يساف عن عبد الله‬
‫بن ظالم التيمي عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال‪-:‬أشهد‬
‫أن عليا رضي الله عنه من أهل الجنة قلت‪ :‬وما ذاك قال‪ :‬هو في‬
‫التسعة ولو شئت أن أسمي العاشر سميته قال‪ :‬اهتز حراء فقال‬

‫‪269‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬اثبت حراء فإنه ليس عليك إل‬
‫نبي أو صديق أو شهيد قال‪ :‬رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وأبو بكر وعمر وعلي وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن‬
‫عوف وسعد وأنا يعني سعيدا نفسه‪...‬‬
‫و النسائي في سننه‬
‫أخبرني زياد بن أيوب قال حدثنا سعيد بن عامر عن يحيى بن‬
‫أبي الحجاج عن سعيد الجريري عن ثمامة بن حزن القشيري‬
‫قال‪:‬‬
‫‪-‬شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان فقال أنشدكم بالله‬
‫وبالسلم هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان‬
‫على ثبير ثبير مكة ومعه أبو بكر وعمر وأنا فتحرك الجبل فركضه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله وقال اسكن ثبير فإنما‬
‫عليك نبي وصديق وشهيدان قالوا اللهم نعم قال الله أكبر شهدوا‬
‫لي ورب الكعبة يعني أني شهيد‪.‬‬
‫‪-‬أخبرنا عمران بن بكار ابن راشد قال حدثنا خطاب بن عثمان‬
‫قال حدثنا عيسى بن يونس حدثني أبي عن أبي إسحاق عن أبي‬
‫سلمة بن عبد الرحمن‪-:‬أن عثمان أشرف عليهم حين حصروه‬
‫فقال أنشد بالله رجل سمع من رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول يوم الجبل حين اهتز فركله برجله وقال اسكن فإنه‬
‫ليس عليك إل نبي أو صديق أو شهيدان وأنا معه فانتشد له‬
‫رجال‪.‬‬

‫والترمذي في سننه‬
‫حدثنا محمد بن بشار أخبرنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن أبي‬
‫عروبة عن قتادة أن أنس ابن مالك حدثهم‪:‬‬
‫‪" -‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد أحدا وأبو بكر‬
‫وعمر وعثمان فرجف بهم فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ن‬‫ث حس ٌ‬ ‫اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديقٌ وشهيدان"‪ .‬هذا حدي ٌ‬
‫ح‪.‬‬
‫صحي ٌ‬
‫‪ -‬حدثنا قتيبة أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل بن أبي‬
‫صالح عن أبيه عن أبي هريرة‪:‬‬
‫‪" -‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو‬
‫بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬اهدأ فما عليك إل نبي أو صديقٌ أو‬
‫شهيدٌ"‪ .‬وفي الباب عن عثمان وسعيد بن زيد وابن عباس وسهل‬
‫ح‪.‬‬
‫ث صحي ٌ‬ ‫بن سعد وأنس بن مالك وبريدة السلمي‪ .‬هذا حدي ٌ‬

‫‪270‬‬
‫‪ -‬حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أخبرنا عبد الله بن جعفر‬
‫الرقي أخبرنا عبيد الله بن عمرو عن زيد هو ابن أبي أنيسة عن‬
‫أبي إسحاق عن أبي عبد الرحمن السلمي قال‪" :‬لما حصر عثمان‬
‫أشرف عليهم فوق داره ثم قال أذكركم بالله هل تعلمون أن‬
‫حراء حين انتفض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اثبت‬
‫حراء فليس عليك إل نبي أو صديقٌ أو شهيدٌ؟ قالوا نعم‪.....‬‬
‫وابن حبان في صحيحه‬
‫اخبرنا أبو خليفة حدثنا علي بن المديني حدثنا عبد الرزاق أخبرنا‬
‫معمر عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن أحدا ارتج وعليه النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان رضى الله تعالى‬
‫عنهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم اثبت أحد فما عليك إل‬
‫نبي وصديق وشهيدان قال معمر وسمعت قتادة يحدث بمثله‬
‫أخبرنا أبو خليفة حدثا علي بن المديني حدثنا يزيد بن زريع‬
‫حدثني سعيد بن أبي عروبة حدثنا قتادة عن أنس بن مالك أن‬
‫نبي الله صلى الله عليه وسلم صعد أحدا فتبعه أبو بكر وعمر‬
‫وعثمان رضى الله تعالى عنهم فرجف بهم فضربه نبي الله‬
‫صلى الله عليه وسلم برجله وقال اثبت أحد فما عليك إل نبي‬
‫وصديق وشهيدان‬
‫وأبو يعلى في مسنده‬
‫حدثنا زكريا بن يحيى حدثنا خالد عن سعيد عن قتادة عن أنس أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على أحد وأبو بكر وعمر‬
‫وعثمان فرجف بهما فضربه برجله وقال اثبت أحد نبي وصديق‬
‫وشهيدان‬
‫** قال ابن حجر العسقلني‬
‫قوله حدثنا يحيى هو بن سعيد القطان وسعيد هو بن أبي عروبة‬
‫قوله صعد أحدا هو الجبل المعروف بالمدينة ووقع في رواية‬
‫لمسلم ولبي يعلى من وجه آخر عن سعيد حراء والول أصح‬
‫ولول اتحاد المخرج لجوزت تعدد القصة ثم ظهر لي أن الختلف‬
‫فيه من سعيد فاني وجدته في مسند الحارث بن أبي أسامة عن‬
‫روح بن عبادة عن سعيد فقال فيه أحدا أو حراء بالشك وقد‬
‫أخرجه أحمد من حديث بريدة بلفظ حراء وإسناده صحيح‬
‫وأخرجه أبو يعلى من حديث سهل بن سعد بلفظ أحد وإسناده‬
‫صحيح فقوي احتمال تعدد القصة وتقدم في أواخر الوقف من‬
‫حديث عثمان أيضا نحوه وفيه حراء وأخرج مسلم من حديث أبي‬
‫هريرة ما يؤيد تعدد القصة فذكر انه كان على حراء ومعه‬
‫المذكورون هنا وزاد معهم غيرهم والله اعلم قوله وأبو بكر وعمر‬
‫قال بن التين انما رفع أبو بكر عطفا على الضمير المرفوع الذي‬

‫‪271‬‬
‫في صعد وهو جائز اتفاقا لوجود الحائل وهو قوله أحدا وهو‬
‫بخلف قوله التي في آخر الباب كنت وأبو بكر وعمر وقوله اثبت‬
‫وقع في مناقب عمر فضربه برجله وقال اثبت بلفظ المر من‬
‫الثبات وهو الستقرار واحد منادى ونداؤه وخطابه يحتمل المجاز‬
‫وحمله على الحقيقة أولى وقد تقدم شيء منه في قوله أحد جبل‬
‫يحبنا ونحبه ويؤيده ما وقع في مناقب عمر انه ضربه برجله وقال‬
‫اثبت قوله فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان في رواية يزيد بن‬
‫زريع عن سعيد التية في مناقب عمر فما عليك إل نبي أو صديق‬
‫أو شهيد و أو فيها للتنويع و شهيد للجنس‬
‫صعد أحدا فتبعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم الجبل فقال‬
‫اسكن عليك نبي وصديق وشهيدان‪.‬‬
‫‪-‬وقد روي أنه حين طلبته قريش قال له ثبير‪ :‬اهبط يا رسول‬
‫الله‪ ،‬فإني أخاف أن يقتلوك على ظهري فيعذبني الله‪ .‬فقال‬
‫ي يا رسول الله‪.‬‬ ‫حراء‪ :‬إل ّ‬
‫قلت‪ :‬قال الشيخ أحمد بن محمد القسطلني في المواهب‬
‫اللدنية‪ :‬وهو‪ ،‬أي هذا الحديث مروي في الهجرة من‬
‫السيرة‪...‬قال السهيلي في حديث الهجرة‪ :‬وأحسب أن ثورا ً ناداه‬
‫أيضاً‪ ،‬لما قال له ثبير‪ :‬اهبط عني‪...‬‬
‫‪-‬وروى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫حقَّ قَدْرِهِ)(النعام‪(،)91 :‬الزمر‪:‬‬ ‫ه َ‬‫ما قَدَُروا ْ الل ّ َ‬ ‫قرأ على المنبر‪(( :‬وَ َ‬
‫‪ )67‬ثم قال‪ :‬يمجد الجبار نفسه‪ ،‬أنا الجبار‪ ،‬أنا الجبار‪ ،‬أنا الكبير‬
‫المتعال‪ ،‬فرجف المنبر حتى قلنا‪ :‬ليخرن عنه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرجه البيهقي في السماء والصفات‪.‬‬
‫‪-‬وعن ابن عباس‪ :‬كان حول البيت ستون وثلثمائة صنم مثبته‬
‫الرجل بالرصاص بالحجارة‪ ،‬فلما دخل رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم المسجد عام الفتح جعل يشير بقضيب في يده إليها‬
‫ن‬ ‫ن الْبَاط ِ َ‬
‫ل كَا َ‬ ‫حقُّ وََزهَقَ الْبَاط ِ ُ‬
‫ل إ ِ َّ‬ ‫جاء ال ْ َ‬ ‫ول يمسها ويقول‪َ ( :‬‬
‫َزهُوقاً)(السراء‪ ،))81 :‬فما أشار إلى وجه صنم إل وقع لقفاه‪ ،‬ول‬
‫لقفاه إل وقع لوجهه‪ ،‬حتى ما بقي منها صنم‪.‬‬
‫جاء‬‫‪-‬ومثله في حديث ابن مسعود‪ ،‬وقال‪ :‬فجعل يطعنها ويقول‪َ ( :‬‬
‫ما يُعِيدُ)(سبأ‪)49 :‬‬ ‫ل َو َ‬‫ما يُبْدِئُ الْبَاط ِ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫حقُّ وَ َ‬
‫قلت رواه البخاري في المظالم‪ ،‬والمغازي‪ ،‬والتفسير‬
‫‪-1‬حدثنا علي بن عبد الله‪ :‬حدثنا سفيان‪ :‬حدثنا ابن أبي نجيح‪ ،‬عن‬
‫مجاهد‪ ،‬عن أبي معمر‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‬
‫قال‪:‬‬

‫‪272‬‬
‫دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة‪ ،‬وحول الكعبة ثلثمائة‬
‫وستون نصبا‪ ،‬فجعل يطعنها بعود في يده‪ ،‬وجعل يقول‪{ :‬وَقُ ْ‬
‫ل‬
‫ن َزهُوقاً}(السراء‪)81 :‬‬ ‫ل كَا َ‬ ‫ن الْبَاط ِ َ‬ ‫ل إ ِ َّ‬‫حقُّ وََزهَقَ الْبَاط ِ ُ‬ ‫جاء ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫‪-2‬حدثنا صدقة بن الفضل‪ :‬أخبرنا ابن عيينة‪ ،‬عن ابن أبي نجيح‪،‬‬
‫عن مجاهد‪ ،‬عن أبي معمر‪ ،‬عن عبد الله رضي الله عنه قال‪:‬‬
‫دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح‪ ،‬وحول البيت‬
‫ستون وثلثمائة نصب‪ ،‬فجعل يطعنها بعود في يده ويقول‪{ :‬وَقُ ْ‬
‫ل‬
‫ن َزهُوقا ً }(السراء‪)81 :‬‬
‫ل كَا َ‬ ‫ن الْبَاط ِ َ‬ ‫ل إ ِ َّ‬ ‫حقُّ وََزهَقَ الْبَاط ِ ُ‬ ‫جاء ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ما يُعِيدُ}(سبأ‪.)49 :‬‬‫ل وَ َ‬ ‫ما يُبْدِئُ الْبَاط ِ ُ‬ ‫حقُّ وَ َ‬‫جاء ال ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫{قُ ْ‬
‫‪-3‬باب‪{ :‬وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} ‪/‬‬
‫‪./81‬‬
‫يزهق‪ :‬يهلك‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا الحميدي‪ :‬حدثنا سفيان‪ ،‬عن ابن أبي نجيح‪ ،‬عن مجاهد‪،‬‬
‫عن أبي معمر‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪:‬‬
‫دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة‪ ،‬وحول البيت ستون‬
‫وثلثمائة نصب‪ ،‬فجعل يطعنها بعود في يده ويقول‪{ :‬جاء الحق‬
‫وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا}‪{ .‬جاء الحق وما يبدئ‬
‫الباطل وما يعيد}‪.‬‬
‫قال ابن حجر‬
‫قوله ستون وثلثمائة نصب بضم النون والمهملة وقد تسكن‬
‫بعدها موحدة هي واحدة النصاب وهو ما ينصب للعبادة من دون‬
‫الله تعالى ووقع في رواية بن أبي شيبة عن بن عيينة صنما بدل‬
‫نصبا ويطلق النصب ويراد به الحجارة التي كانوا يذبحون عليها‬
‫للصنام وليست مرادة هنا وتطلق النصاب على أعلم الطريق‬
‫وليست مرادة هنا ول في الية قوله فجعل بطعنها بضم العين‬
‫وبفتحها والول أشهر قوله بعود في يده ويقول جاء الحق في‬
‫حديث أبي هريرة عند مسلم يطعن في عينيه بسية القوس وفي‬
‫حديث بن عمر عند الفاكهي وصححه بن حبان فيسقط الصنم ول‬
‫يمسه وللفاكهى والطبراني من حديث بن عباس فلم يبق وثن‬
‫استقبله إل سقط على قفاه مع أنها كانت ثابتة بالرض وقد شد‬
‫لهم إبليس أقدامها بالرصاص وفعل النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ذلك لذلل الصنام وعابديها ولظهار أنها ل تنفع ول تضر ول تدفع‬
‫عن نفسها شيئًا‪.‬‬
‫قوله الزلم هي السهام التي كانوا يستقسمون بها الخير والشر‬
‫وعند بن أبي شيبة من حديث جابر نحو حديث بن مسعود وفيه‬
‫فأمر بها فكبت لوجوهها وفيه نحو حديث بن عباس وزاد قاتلهم‬
‫الله ما كان إبراهيم يستقسم بالزلم ثم دعا بزعفران فلطخ تلك‬

‫‪273‬‬
‫التماثيل وفي الحديث كراهية الصلة في المكان الذي فيه صور‬
‫لكونها مظنة الشرك وكان غالب كفر المم من جهة الصور‪...‬‬
‫وقال‬
‫ل كَا َ‬
‫ن‬ ‫ْ‬
‫ن البَاط ِ َ‬‫َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ْ‬
‫حقُّ وََزهَقَ البَاط ِ ُ‬ ‫ْ‬
‫جاء ال َ‬ ‫قوله باب‪( :‬وَقُ ْ‬
‫ل َ‬
‫َزهُوقاً)(السراء‪)81 :‬يزهق يهلك قال أبو عبيدة في قوله تزهق‬
‫أنفسهم وهم كارهون أي تخرج وتموت وتهلك ويقال زهق ما‬
‫عندك أي ذهب كله وروى بن أبي حاتم من طريق على بن أبي‬
‫طلحة عن بن عباس إن الباطل كان زهوقا أي ذاهبا ومن طريق‬
‫سعيد عن قتادة زهق الباطل أي هلك قوله عن بن أبي نجيح كذا‬
‫لهم وفي بعض النسخ حدثنا بن أبي نجيح قوله دخل رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة عند مسلم‬
‫والنسائي أن ذلك كان في فتح مكة وأوله في قصة فتح مكة إلى‬
‫أن قال فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طاف‬
‫بالبيت فجعل يمر بتلك الصنام فجعل يطعنها بسية القوس‬
‫ويقول جاء الحق وزهق الباطل الحديث بطوله وقد تقدم شرح‬
‫ذلك مستوفى في غزوة الفتح بحمد الله تعالى وقوله وحول‬
‫البيت ستون وثلثمائة نصب كذا للكثر هنا بغير ألف وكذا وقع‬
‫في رواية سعيد بن منصور لكن بلفظ صنم والوجه نصبه على‬
‫التمييز إذ لو كان مرفوعا لكان صفة والواحد ل يقع صفة للجمع‬
‫ويحتمل أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف والجملة صفة أو هو‬
‫منصوب لكنه كتب بغير ألف على بعض اللغات‪.‬‬
‫ورواه مسلم في الجهاد والسير‬
‫‪-1‬باب فتح مكة‬
‫حدثنا شيبان بن فروخ‪ .‬حدثنا سليمان بن المغيرة‪ .‬حدثنا ثابت‬
‫البناني عن عبدالله بن رباح‪ ،‬عن أبي هريرة‪ .‬قال‪ :‬فأتى‪ -‬النبي ‪-‬‬
‫على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه‪ .‬قال‪ :‬وفي يد رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قوس‪ .‬وهو آخذ بسية القوس‪ .‬فلما‬
‫أتى على الصنم جعل يطعنه في عينه ويقول (جاء الحق وزهق‬
‫الباطل)‪.‬‬
‫‪-2‬باب إزالة الصنام من حول الكعبة‬
‫حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو بن الناقد وابن أبي‬
‫عمر(واللفظ لبن أبي شيبة) قالوا‪ :‬حدثنا سفيان بن عيينة عن‬
‫ابن أبي نجيح‪ ،‬عن مجاهد‪ ،‬عن أبي معمر‪ ،‬عن عبدالله‪ .‬قال‪:‬‬
‫دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة‪ .‬وحول الكعبة ثلثمائة‬
‫وستون نصبا‪ .‬فجعل يطعنها بعود كان بيده‪ .‬ويقول (جاء الحق‬
‫وزهق الباطل‪ .‬إن الباطل كان زهوقا) [ السراء ‪( .]81‬جاء الحق‬

‫‪274‬‬
‫وما يبدئ الباطل وما يعيد) [سبأ ‪ .]49‬زاد ابن أبي عمر‪ :‬يوم‬
‫الفتح‪.‬‬
‫‪ - 3‬وحدثناه حسن بن علي الحلواني وعبد بن حميد‪ .‬كلهما عن‬
‫عبدالرزاق‪ .‬أخبرنا الثوري عن ابن أبي نجيح‪ ،‬بهذا السناد‪ ،‬إلى‬
‫قوله‪ :‬زهوقا‪ .‬ولم يذكر الية الخرى‪ .‬وقال‪(:‬بدل نصبا) صنما‪.‬‬
‫قال النووي‬
‫فأتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه فجعل يطعنه بسية‬
‫قوسه السية بكسر السين وتخفيف الياء المفتوحة المنعطف من‬
‫طرفي القوس‪ ،‬وقوله يطعن بضم العين على المشهور ويجوز‬
‫فتحها في لغة‪ ،‬وهذا الفعل إذلل للصنام ولعابديها وإظهار لكونها‬
‫ل تضر ول تنفع ول تدفع عن نفسها كما قال الله تعالى‪{ :‬وإن‬
‫يسبلهم الذباب شيئا ً ل يستنقذوه منه}‪.‬‬
‫قوله‪(:‬جعل يطعن في عينه ويقول جاء الحق وزهق الباطل)‬
‫وقال في الرواية التي بعد هذه‪(:‬وحول الكعبة ثلثمائة وستون‬
‫نصبا ً فجعل يطعنها بعود كان في يده ويقول‪( :‬جاء الحق وزهق‬
‫الباطل إن الباطل كان زهوقاً)‪(،‬جاء الحق وما يبدئ الباطل وما‬
‫يعيد)‪ .‬النصب الصنم وفي هذا استحباب قراءة هاتين الَيتين عند‬
‫إزالة المنكر‪ .‬قوله‪( :‬ثم قال بيديه إحداهما على الخرى‬
‫احصدوهم حصداً)‬
‫وروى هذا الحديث‪:‬‬
‫أحمد‬
‫حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن‬
‫مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود‪:‬‬
‫‪-‬دخل النبي صلى الله عليه وسلم وحول الكعبة ستون وثلثمائة‬
‫نصب فجعل يطعنها بعود كان بيده ويقول‪( :‬جاء الحق وما يبدئ‬
‫الباطل وما يعيد) (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان‬
‫زهوقا)‪.‬‬
‫الترمذي‬
‫حدثنا ابن أبي عمر‪ ،‬اخبرنا سفيان‪ ،‬عن ابن أبي نجيح عن مجاهد‬
‫عن أبي معمر عن ابن مسعود قال‪:‬‬
‫‪" -‬دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح وحول‬
‫الكعبة ثلثمائة وستون نصبا‪ ،‬فجعل النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يطعنها بمخصرة في يده‪ ،‬وربما قال بعود‪ ،‬ويقول‪( :‬جاء الحق‬
‫وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)‪( ،‬جاء الحق وما يبدئ‬
‫الباطل وما يعيد)"‪ .‬هذا حديث حسن صحيح‪ .‬وفيه عن ابن عمر‪.‬‬
‫ابن حبان‬
‫‪-1‬ذكر وصف عدد الصنام التي كانت حول الكعبة ذلك اليوم‬

‫‪275‬‬
‫أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال حدثنا أبو خيثمة قال حدثنا‬
‫سفيان عن بن أبى نجيح عن مجاهد عن أبى معمر عن عبد الله‬
‫قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد وحوله ثلث مائة‬
‫وستون صنما فجعل يطعنها بعود كان معه ويقول { جاء الحق‬
‫وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا }‬
‫‪-2‬وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استلم الحجر‬
‫وطاف بالبيت وفي يده قوس وهو آخذ القوس وكان إلى جنب‬
‫البيت صنم كانوا يعبدونه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يطعن في جنبه بالقوس ويقول (جاء الحق وزهق الباطل) فلما‬
‫قضى طوافه أتى الصفا فعل حيث ينظر إلى البيت فجعل صلى‬
‫الله عليه وسلم يرفع يده وجعل يحمد الله ويذكر ما شاء أن‬
‫يذكره‬
‫ابن أبي شيبة‬
‫قال‪ :‬فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استلم‬
‫الحجر وطاف بالبيت‪ ،‬فأتى على صنم إلى جنب البيت يعبدونه‪،‬‬
‫وفي يده قوس وهو آخذ بسية القوس‪ ،‬فجعل يطعن بها في عينه‬
‫ويقول‪(* :‬جاء الحق وزهق الباطل) * حتى إذا فرغ من طوافه‬
‫أتى الصفا فعلها حيث ينظر إلى البيت فرفع يديه وجعل يحمد‬
‫الله ويذكره ويدعو بما شاء أن يدعو‬
‫البيهقي‬
‫‪-1‬وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل إلى الحجر‬
‫فاستلمه فطاف بالبيت فأتى إلى صنم إلى جنب البيت كانوا‬
‫يعبدونه قال وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس‬
‫وهو خذ بسية القوس فلما أتى على الصنم جعل يطعن في عينه‬
‫ويقول (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا فلما فرغ‬
‫من طوافه أتى الصفا فعل عليه حتى نظر إلى البيت فرفع يديه‬
‫وجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو رواه مسلم في‬
‫الصحيح عن شيبان بن فروخ وأخرجه من حديث بهز بن أسد عن‬
‫سليمان بن المغيرة وذكر اللفظة التي زادها أبو داود‬
‫‪-2‬أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو الحسن علي بن محمد بن‬
‫سختويه ثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا بن أبي‬
‫نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود قال دخل‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وحول البيت ثلثمائة‬
‫وستون نصبا فجعل يطعنها بعود بيده ويقول( جاء الحق وما يبدئ‬
‫الباطل وما يعيد) (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان‬
‫زهوقا) رواه البخاري في الصحيح عن الحميدي وغيره ورواه‬
‫مسلم عن جماعة عن سفيان‬

‫‪276‬‬
‫ابن خزيمة‬
‫ثنا عبد الله بن هاشم ثنا بهز يعني بن أسد ثنا سليمان بن‬
‫المغيرة عن ثابت قال ثنا عبد الله بن رباح قال وفدت وفود إلى‬
‫معاوية أنا فيهم وأبو هريرة وذاك في رمضان فذكر حديث طويل‬
‫من فتح مكة وقال فقال أبو هريرة أل أعلمكم بحديث من‬
‫حديثكم يا معشر النصار فذكر فتح مكة قال وأقبل رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فدخل مكة فذكر الحديث بطوله وقال‬
‫فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحجر فاستلمه‬
‫وطاف بالبيت في يده قوس أخذ بسية القوس فأتى في طوافه‬
‫صنما في جنبة البيت يعبدونه فجعل يطعن بها في عينيه ويقول‬
‫{جاء الحق وزهق الباطل} ثم أتى الصفا فعله حيث ينظر إلي‬
‫البيت فرفع يديه فجعل يذكر الله بما شاء أن يذكره ويدعوه‬
‫والنصار تحته ثم ذكر باقي الحديث ثناه الربيع بن سليمان ثنا‬
‫سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح بنحوه‬
‫وقال فرفع يديه فجعل يحمد الله ويدعوه بما شاء الله‪...‬‬
‫أبو يعلى‬
‫أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي حدثنا أبو‬
‫خيثمة زهير بن حرب حدثنا سفيان بن عيينة عن بن أبي نجيح‬
‫عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود قال دخل‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم المسجد وحول الكعبة ثلث مائة‬
‫وستون صنما فجعل يطعنها بعود كان معه ويقول { جاء الحق‬
‫وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا }‬
‫‪-‬ومن ذلك حديثه مع الراهب في ابتداء أمره‪ ،‬إذ خرج تاجرا ً مع‬
‫عمه‪ ،‬وكان الراهب ل يخرج لحد‪ ،‬فخرج يتخللهم‪ ،‬حتى أخذ بيد‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال‪ :‬هذا سيد العالمين‪،‬‬
‫يبعثه الله رحمة للعالمين‪.‬‬
‫فقال له أشياخ من قريش‪ :‬ما علمك‪ ،‬فقال‪ :‬إنه لم يبق شجر ول‬
‫حجر إل خر ساجدا ً له‪ ،‬ول تسجد إل لنبي‪ ...‬و ذكر القصة‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬فأقبل صلى الله عليه وسلم وعليه غمامة تظلله‪ ،‬فلما دنا‬
‫من القوم وجدهم سبقوه إلى فيء الشجرة‪ ،‬فلما جلس مال‬
‫الفيء إليه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه الترمذي في جامعه قال‪:‬‬
‫حدثنا الفضل بن سهل أبو العباس العرج البغدادي حدثنا عبد‬
‫الرحمن بن غزوان أبو نوح أخبرنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي‬
‫بكر بن أبي موسى عن أبيه قالخرج أبو طالب إلى الشام وخرج‬
‫معه النبي صل صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش فلما‬
‫أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب‬

‫‪277‬‬
‫وكانوا قبل ذلك يمرون به فل يخرج إليهم ول يلتفت قال فهم‬
‫يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال هذا سيد العالمين هذا رسول‬
‫رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين فقال له أشياخ من قريش‬
‫ما علمك فقال إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ول‬
‫حجر إل خر ساجدا ول يسجدان إل لنبي وإني أعرفه بخاتم النبوة‬
‫أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة ثم رجع فصنع لهم طعاما‬
‫فلما أتاهم به وكان هو في رعية البل قال أرسلوا إليه فأقبل‬
‫وعليه غمامة تظله فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فئ‬
‫الشجرة فلما جلس مال فئ الشجرة عليه فقال انظروا إلى فئ‬
‫الشجرة مال عليه قال فبينما هو قائم عليهم وهو يناشدهم أن ل‬
‫يذهبوا به إلى الروم فإن الروم إذا رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه‬
‫فألتفت فإذا بسبعة قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم فقال ما جاء‬
‫بكم قالوا جئنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق‬
‫إل بعث إليه بأناس وإنا قد أخبرنا خبره بعثنا إلى طريقك هذا‬
‫فقال هل خلفكم أحد هو خير منكم قالوا إنما اخترنا خيرة لك‬
‫لطريقك هذا قال أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع‬
‫أحد من الناس رده قالوا ل قال فبايعوه وأقاموا معه قال‬
‫أنشدكم الله أيكم وليه قالوا أبو طالب فلم يزل يناشده حتى رده‬
‫أبو طالب وبعث معه أبو بكر بلل وزوده الراهب من الكعك‬
‫والزيت قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب ل نعرفه إل من‬
‫هذا الوجه‪ ...‬قال الشيخ اللباني‪ :‬صحيح‪ ،‬لكن ذكر بلل فيه‬
‫منكر‪.‬‬
‫وأخرجه التبريزي في مشكاته‬
‫عن أبي موسى قال خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش فلما أشرفوا على‬
‫الراهب هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل‬
‫ذلك يمرون به فل يخرج إليهم قال فهم يحلون رحالهم فجعل‬
‫يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين يبعثه الله‬
‫رحمة للعالمين فقال له أشياخ من قريش ما علمك فقال إنكم‬
‫حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ول حجر إل خر ساجدا ول‬
‫يسجدان إل لنبي وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف‬
‫كتفه مثل التفاحة ثم رجع فصنع لهم طعاما فلما أتاهم به وكان‬
‫هو في رعية البل فقال أرسلوا إليه فأقبل وعليه غمامة تظله‬
‫فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة فلما‬
‫جلس مال فيء الشجرة عليه فقال انظروا إلى فيء الشجرة‬

‫‪278‬‬
‫مال عليه فقال أنشدكم بالله أيكم وليه قالوا أبو طالب فلم يزل‬
‫يناشده حتى رده أبو طالب وبعث معه أبو بكر بلل وزوده الراهب‬
‫من الكعك والزيت‪(.‬علق الشيخ أن ذكر بلل في الحديث خطأ إذ‬
‫لم يكن خلق بعد)‬
‫وأورده اللباني في صحيح السيرة قال‪:‬‬
‫خروجه صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب إلى الشام‬
‫وقصته مع بحيرى الراهب روى الحافظ أبو بكر الخرائطي من‬
‫طريق يونس بن أبي إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه‬
‫قال‪ :‬خرج أبو طالب إلى الشام ومعه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم في أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب ‪-‬‬
‫يعني‪ :‬بحيرى ‪ -‬هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب وكانوا‬
‫قبل ذلك يمرون به فل يخرج ول يلتفت إليهم‪ .‬قال‪ :‬فنزل وهم‬
‫يحلون رحالهم فجعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فقال‪ :‬هذا سيد العالمين(وفي رواية البيهقي زيادة‪:‬‬
‫هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين)‪ .‬فقال له‬
‫أشياخ من قريش‪ :‬وما علمك؟ فقال‪ :‬إنكم حين أشرفتم من‬
‫العقبة لم يبق شجر ول حجر إل خر ساجدا ول يسجدون إل لنبي‬
‫وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه‪ .‬ثم رجع‬
‫فصنع لهم طعاما فلما أتاهم به ‪ -‬وكان هو في رعية البل ‪ -‬فقال‪:‬‬
‫أرسلوا إليه‪ .‬فأقبل وغمامة تظله فلما دنا من القوم قال‪ :‬انظروا‬
‫إليه عليه غمامة فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء‬
‫الشجرة فلما جلس مال فيء الشجرة عليه قال‪ :‬انظروا إلى‬
‫فيء الشجرة مال عليه‪ .‬قال‪ :‬فبينما هو قائم عليهم وهو‬
‫ينشدهم أل يذهبوا به إلى الروم فإن الروم إن رأوه عرفوه‬
‫بالصفة فقتلوه فالتفت فإذا هو بسبعة نفر من الروم قد أقبلوا‬
‫قال‪ :‬فاستقبلهم فقال‪ :‬ما جاء بكم؟ قالوا‪ :‬جئنا أن هذا النبي‬
‫خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إل بعث إليه ناس وإنا أخبرنا‬
‫خبره إلى طريقك هذه‪ .‬قال‪ :‬فهل خلفكم أحد هو خير منكم؟‬
‫قالوا‪ :‬ل إنما أخبرنا خبره إلى طريقك هذه‪ .‬قال‪ :‬أفرأيتم أمرا‬
‫أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده؟ فقالوا‪ :‬ل‪.‬‬
‫قال‪ :‬فبايعوه وأقاموا معه عنده قال‪ :‬فقال الراهب‪ :‬أنشدكم‬
‫الله أيكم وليه؟ قالوا‪ :‬أبو طالب‪ .‬فلم يزل يناشده حتى رده‬
‫وبعث معه أبو بكر بلل وزوده الراهب من الكعك والزيت‪ .‬وهكذا‬
‫رواه الترمذي والحاكم والبيهقي وابن عساكر وغير واحد من‬
‫الحفاظ وقال الترمذي‪( :‬حسن غريب ل نعرفه إل من هذا‬
‫الوجه)‪ .‬قلت‪ :‬فيه من الغرائب أنه من مرسلت الصحابة فإن أبا‬
‫موسى الشعري إنما قدم في سنة خيبر سنة سبع من الهجرة‬

‫‪279‬‬
‫فهو مرسل فإن هذه القصة كانت ولرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم من العمر فيما ذكره بعضهم ثنتا عشرة سنة ولعل أبا‬
‫موسى تلقاه من النبي صلى الله عليه وسلم فيكون أبلغ أو من‬
‫بعض كبار الصحابة رضي الله عنهم أو كان هذا مشهورا مذكورا‬
‫أخذه من طريق الستفاضة‬
‫‪---------------------‬‬
‫‪ .24‬القول القوم في معجزات النبي الكرم(‪ ..)6‬في‬
‫اليات في ضروب الحيوانات‬
‫الفصل الثامن عشر‪:‬‬
‫فـي اليـات في ضـروب الحيوانات‪.‬‬
‫حدثنا سراج بن عبد الملك‪ ،‬حدثنا أبو الحسن الحافظ‪ ،‬حدثنا أبي‪،‬‬
‫حدثنا القاضي يونس‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو الفضل الصلقي‪ ،‬حدثنا ثابت‬
‫بن قاسم بن ثابت‪ ،‬من أبيه وجده‪ ،‬قال حدثنا أبو العلء أحمد بن‬
‫عمران‪ ،‬حدثنا محمد بن فضيل‪ ،‬حدثنا يونس بن عمرو حدثنا‬
‫مجاهد عن عائشة رضي الله عنها‪ ،‬قالت‪ :‬كان عندنا داجن‪ ،‬فإذا‬
‫كان عندنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قر وثبت مكانه‪ ،‬فلم‬
‫يجيء ولم يذهب‪ ،‬وإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫جاء وذهب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه أحمد‪.‬‬
‫حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو نعيم قال حدثنا يونس عن‬
‫مجاهد قال قالت عائشة‪:‬‬
‫‪-‬كان لل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحش فإذا خرج‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب واشتد وأقبل وأدبر فإذا‬
‫أحس برسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل ربض فلم‬
‫يترمرم مادام رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت كراهية‬
‫أن يؤذيه‪.‬‬
‫وأخرجه أبو يعلى‪ ،‬ولفظه‪ :‬حدثنا يحيى بن أيوب حدثنا شعيب بن‬
‫حرب حدثنا يونس بن أبي إسحاق حدثنا مجاهد عن عائشة قالت‬
‫كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحش فكان يقبل ويدبر‬
‫فإذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربض فلم يترمرم‬
‫كراهية أن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪-‬وروى عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في‬
‫محفل من أصحابه إذ جاء أعرابي قد صاد ضباً‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا؟‬
‫قالوا‪ :‬نبي الله‪ .‬فقال‪ :‬واللت والعزى‪ ،‬ل آمنت بك أو يؤمن هذا‬
‫الضب‪ ،‬وطرحه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬يا ضب‪ ،‬فأجابه بلسان مبين يسمعه القوم‬
‫جميعاً‪ :‬لبيك وسعديك يا زين من وافى القيامة‪.‬قال‪ :‬من تعبد؟‬

‫‪280‬‬
‫قال‪ :‬الذي في السماء عرشه‪ ،‬وفي الرض سلطانه‪ ،‬وفي البحر‬
‫سبيله‪ ،‬وفي الجنة رحمته‪ ،‬وفي النار عقابه‪ .‬قال‪ :‬فمن أنا؟ قال‪:‬‬
‫رسول الله رب العالمين‪ ،‬وخاتم النبيين‪ ،‬وقد أفلح من صدقك‪،‬‬
‫وخاب من كذبك‪.‬فأسلم العرابي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرجه البيهقي باب ما جاء في شهادة الضب لنبينا‬
‫بالرسالة وما ظهر في ذلك من دللت النبوة‪.‬‬
‫أخبرنا أبو منصور أحمد بن علي الدامغاني من ساكني قرية‬
‫نامين من بيهق قراءة عليه من أصل كتابه حدثنا أبو أحمد عبد‬
‫الله بن عدي الحافظ في شعبان سنة اثنتين وستين وثلثمائة‬
‫بجرجان حدثنا محمد بن علي بن الوليد السلمي حدثنا محمد بن‬
‫عبد العلى حدثنا معمر بن سليمان حدثنا كهمس عن داود بن‬
‫أبي هند عن عامر عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله‬
‫عنه‪ ,‬أن رسول الله كان في محفل من أصحابه إذ جاء أعرابي‬
‫من بني سليم قد صاد ضبًا وجعله في كمه ليذهب به إلى رحله‬
‫فيشويه ويأكله فلما رأى الجماعة قال‪ :‬ما هذا قالوا‪ :‬هذا الذي‬
‫يذكر أنه نبي‪ ,‬فجاء حتى شق الناس فقال‪ :‬واللت والعزى ما‬
‫اشتملت النساء على ذي لهجة أبغض إلي منك ول أمقت ولول أن‬
‫يسميني قومي عجول ً لعجلت عليك فقتلتك فسررت بقتلك‬
‫السود والحمر والبيض وغيرهم‪ ,‬فقال عمر بن الخطاب‪ :‬يا‬
‫رسول الله دعني فأقوم فأقتله‪ .‬قال‪ :‬يا عمر أما علمت أن‬
‫الحليم كاد أن يكون نبيا؟ ثم أقبل على العرابي فقال‪ :‬ما حملك‬
‫على أن قلت ما قلت وقلت غير الحق ولم تكرمني في مجلسي‬
‫ضا استخفافا برسول الله واللت والعزى ل‬ ‫قال‪ :‬وتكلمني أي ً‬
‫آمنت بك أو يؤمن بك هذا الضب وأخرج الضب من كمه وطرحه‬
‫بين يدي رسول الله فقال رسول الله‪ :‬يا ضب! فأجابه الضب‬
‫بلسان عربي مبين يسمعه القوم جميعًا‪ :‬لبيك وسعديك يا زين‬
‫من وافي القيامة‪ .‬قال‪ :‬من تعبد يا ضب؟ قال الذي في السماء‬
‫عرشه وفي الرض سلطانه وفي البحر سبيله وفي الجنة رحمته‬
‫وفي النار عقابه قال‪ :‬فمن أنا يا ضب؟ قال رسول رب العالمين‬
‫وخاتم النبيين وقد أفلح من صدقك وقد خاب من كذبك‪ ,‬قال‬
‫العرابي‪ :‬ل أتبع أثًرا بعد عين والله لقد جئتك وما على ظهر‬
‫الرض أبغض إلي منك وإنك اليوم أحب إلي من والدي ومن‬
‫عيني ومني وإنني لحبك بداخلي وخارجي وسري وعلنيتي أشهد‬
‫أن ل إله إل الله وأنك رسول الله‪ .‬فقال رسول الله‪ :‬الحمد لله‬
‫الذي هداك بي إن هذا الدين يعلو ول يعلى ول يقبل إل بصلة ول‬
‫تقبل الصلة إل بقرآن‪ .‬قال فعلمني فعلمه(قل هو الله أحد) قال‬
‫زدني فما سمعت في البسيط ول في الرجز أحسن من هذا قال‪:‬‬

‫‪281‬‬
‫يا أعرابي إن هذا كلم الله ليس بشعر إنك إن قرأت(قل هو الله‬
‫أحد) مرة كان لك كأجر من قرأ ثلث القرآن وإن قرأت مرتين‬
‫كان لك كأجر من قرأ ثلثي القرآن وإذا قرأتها ثلث مرات كان‬
‫لك كأجر من قرأ القرآن كله‪ .‬قال العرابي‪ :‬نعم الله إلها يقبل‬
‫اليسير ويعطى الجزيل‪ .‬فقال له رسول الله‪ :‬ألك مال؟ قال‬
‫فقال‪ :‬ما في بني سليم قاطبة رجل هو أفقر مني فقال رسول‬
‫الله لصحابه‪ :‬أعطوه فأعطوه حتى أبطروه‪ ,‬فقام عبد الرحمن‬
‫بن عوف فقال‪ :‬يا رسول الله إن له عندي ناقة عشراء دون‬
‫البختية وفوق العرى تلحق ول تلحق أهديت إلي يوم تبوك‬
‫أتقرب بها إلى الله عز وجل وأدفعها إلى العرابي‪ ,‬فقال رسول‬
‫الله‪ :‬قد وصفت ناقتك فأصف ما لك عند الله يوم القيامة‪ ,‬قال‪:‬‬
‫نعم قال‪ :‬لك كناقة من درة جوفاء قوائمها من زبرجد أخضر‬
‫وعنقها من زبرجد أصفر عليها هودج وعلى الهودج السندس‬
‫والستبرق وتمر بك على الصراط كالبرق الخاطف يغبطك بها‬
‫كل من رآك يوم القيامة‪ ,‬فقال عبد الرحمن‪ :‬قد رضيت فخرج‬
‫العرابي فلقيه ألف أعرابي من بني سليم على ألف دابة معهم‬
‫ألف سيف وألف رمح فقال لهم‪ :‬أين تريدون؟ فقالوا‪ :‬نذهب إلى‬
‫هذا الذي سفه آلهتنا فنقتله‪ ,‬قال‪ :‬ل تفعلوا أنا أشهد أن ل إله إل‬
‫الله وأن محمدًا رسول الله فحدثهم الحديث فقالوا بأجمعهم ل‬
‫إله إل الله محمد رسول الله ثم دخلوا فقيل للنبي فتلقاهم بل‬
‫رداء فنزلوا عن ركابهم يقبلون حيث وافوا منه وهم يقولون ل إله‬
‫إل الله محمد رسول الله ثم قالوا‪ :‬يا رسول الله مرنا بأمرك‬
‫قال‪ :‬كونوا تحت راية خالد بن الوليد‪ .‬فلم يؤمن من العرب ول‬
‫غيرهم ألف غيرهم‪.‬‬
‫قلت قد أخرجه شيخنا أبو عبد الله الحافظ في المعجزات‬
‫بالجازة عن أبي أحمد بن عدي الحافظ فقال كتب إلي أبو عبد‬
‫الله بن عدي الحافظ يذكر أن محمد بن علي بن الوليد السلمي‬
‫حدثهم فذكره وزاد في آخره قال أبو أحمد أنبأنا محمد بن علي‬
‫السلمي كان ابن عبد العلى يحدث بهذا مقطوع ًا وحدثنا بطوله‬
‫من أصل كتابه مع رعيف الوراق‪.‬‬
‫قلت وروى ذلك في حديث عائشة وأبي هريرة وما ذكرناه هو‬
‫أمثل السناد فيه والله أعلم‬
‫‪-‬ومن ذلك قصة كلم الذئب المشهورة عن أبي سعيد الخذري‪:‬‬
‫بينا راع يرعى غنما ً له عرض الذئب لشاة منها‪ ،‬فأخذها الراعي‬
‫منه‪ ،‬فأقعى الذئب‪ ،‬وقال للراعي‪ :‬أل تتقي الله! حلت بيني وبين‬
‫رزقي! قال الراعي‪ :‬العجب من ذئب يتكلم بكلم النس! فقال‬
‫الذئب‪:‬أل أخبرك بأعجب من ذلك؟ رسول الله بين الحرتين‬

‫‪282‬‬
‫يحدث الناس بأنباء ما قد سبق‪.‬فأتى الراعي النبي الله فأخبره‪،‬‬
‫فقال النبي‪ :‬قم فحدثهم‪ ،‬ثم قال‪ :‬صدق‪ .‬والحديث فيه قصة‪،‬‬
‫وفي بعضه طول‪.‬‬
‫‪-‬وروي حديث الذئب عن أبي هريرة‪.‬‬
‫‪-‬وفي بعض الطرق عن أبي هريرة رضي الله عنه‪ ،‬فقال الذئب‪:‬‬
‫أنت أعجب! واقفا ً على غنمك‪ ،‬وتركت نبيا ً لم يبعث الله نبيا ً قط‬
‫أعظم منه عنده قدراً‪ ،‬قد فتحت له أبواب الجنة‪ ،‬وأشرف أهلها‬
‫على أصحابه‪ ،‬ينظرون قتالهم‪ ،‬وما بينك وبينه إل هذا الشعب‪،‬‬
‫فتصير من جنود الله‪ .‬قال الراعي‪ :‬من لي بغنمي؟ قال الذئب‪:‬‬
‫أنا أرعاها حتى ترجع‪ .‬فأسلم الرجل إليه غنمه ومضى‪ .‬وذكر‬
‫قصته وإسلمه ووجوده النبي صلى الله عليه وسلم يقاتل‪ ،‬فقال‬
‫له النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬عد إلى غنمك تجدها بوفرها‪.‬‬
‫فوجدها كذلك‪ ،‬وذبح للذئب شاة منها‪.‬‬
‫‪-‬وعن أهبان بن أوس‪ :‬وأنه كان صاحب القصة‪ ،‬والمحدث بها‬
‫ومكلم الذئب‪.‬‬
‫‪-‬وعن سلمة بن عمرو بن الكوع‪ :‬وأنه كان صاحب هذه القصة‬
‫أيضاً‪ ،‬وسبب إسلمه بمثل حديث أبي سعيد‪.‬‬
‫‪-‬وقد روى ابن وهب مثل أنه جرى لبي سفيان بن حرب‪،‬‬
‫وصفوان بن أمية‪ ،‬مع ذئب وجداه أخذ ظبياً‪ ،‬فدخل الظبي الحرم‪،‬‬
‫فانصرف الذئب‪ ،‬فعجبا من ذلك فقال الذئب‪ :‬أعجب من ذلك‬
‫محمد بن عبد الله بالمدينة يدعوكم إلى الجنة و تدعونه إلى‬
‫النار‪ .‬فقال أبو سفيان‪ :‬و الت و العزى‪ ،‬لئن ذكرت هذا بمكة‬
‫لتتركنها خلوفاً‪.‬‬
‫‪-‬وقد روي مثل هذا الخبر‪ ،‬و أنه جرى لبي جهل وأصحابه‪.‬‬
‫‪-‬وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما‪ ،‬عن رجل أتى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وآمن به وهو على بعض حصون خيبر‪،‬‬
‫وكان في غنم يرعاها لهم‪ ،‬فقال يا رسول الله‪ ،‬كيف بالغنم؟‬
‫قال‪ :‬أحصب وجوهها‪ ،‬فإن الله سيؤدي عنك أمانتك‪ ،‬ويردها إلى‬
‫أهلها‪.‬‬
‫ففعل‪ ،‬فسارت كل شاة حتى دخلت إلى أهلها‪.‬‬
‫قال البيهقي في دلئل النبوة‪:‬‬
‫باب ما في كلم الذئب وشهادته لنبينا بالرسالة وما ظهر في‬
‫ذلك من دللت النبوة‪.‬‬
‫أخبرنا أبو محمد جناح بن نذير بن جناح القاضي بالكوفة قال أبو‬
‫جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني حدثنا أحمد بن حازم بن‬
‫أبي غرزة حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا القاسم بن الفضل‬
‫الحداني عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال‪ :‬بينما راع يرعى‬

‫‪283‬‬
‫بالحرة إذ عرض ذئب لشاة من شياهه فحال الراعي بين الذئب‬
‫والشاة فأقعى الذئب على ذنبه ثم قال للراعي‪ :‬أل تتقي الله‬
‫تحول بيني وبين رزق ساقه الله إلي؟ فقال الراعي‪ :‬العجب من‬
‫الذئب مقع على ذنبه يتكلم بكلم النس‪ ..‬فقال الذئب‪ :‬أل أحدثك‬
‫بأعجب مني؟ رسول الله بين الحرتين يحدث الناس بأنباء ما قد‬
‫سبق… فساق الراعي شاة حتى أتى المدينة فزوى إلى زاوية‬
‫من زواياها ثم دخل على النبي فحدثه بحديث الذئب‪ ..‬فخرج‬
‫رسول الله إلى الناس فقال للراعى‪ :‬قم فأخبرهم‪ ..‬قال فأخبر‬
‫الناس بما قال الذئب؛ فقال رسول الله‪ :‬صدق الراعي‪ ،‬أل إنه‬
‫من أشراط الساعة كلم السباع للنس‪ ،‬والذي نفسي بيده ل‬
‫تقوم الساعة حتى تكلم السباع النس‪ ،‬ويكلم الرجل شراك نعله‪،‬‬
‫وعذبة سوطه‪ ،‬ويخبره فأخذه بما أحدث أهله بعده‪..‬‬
‫وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قال حدثنا‬
‫أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا‬
‫يونس بن بكير عن القاسم بن الفضل حدثنا أبو نضرة العبدي عن‬
‫أبي سعيد الخدري فذكره بنحوه‪.‬‬
‫هذا إسناد صحيح وله شاهد من وجه آخر عن أبي سعيد الخدري‬
‫رضي الله عنه‪.‬‬
‫أخبرنا أبو القاسم عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤذن‬
‫أنبأنا أبو بكر محمد بن المؤمل بن الحسن حدثنا الفضل بن‬
‫محمد بن المسيب حدثنا النفيلي قال قرأت على معقل بن عبد‬
‫الله بن شهر بن حوشب عن أبي سعيد الخدري قال‪ :‬بينا أعرابي‬
‫في بعض نواحي المدينة في غنم له إذ عدا عليها الذئب فأخذ‬
‫شاة من غنمه فأدركه العرابي فأخذها وانطلق الذئب يمشي ثم‬
‫رجع الذئب مستذفًرا بذنبه مستقبل العرابي ثم قال‪ :‬ويحك أل‬
‫تحرج تنزع رزقًَا رزقنيه الله؟ فطفق العرابي بين يديه‪ ..‬فقال‪:‬‬
‫العجب من ذئب يتكلم‪ ..‬قال الذئب‪ :‬والله إنك لتدع ما هو أعجب‬
‫من هذا‪ ..‬قال‪ :‬وما أعجب من هذا؟ قال‪ :‬نبي الله في النخلت‬
‫يحدث الناس عن أنباء ما قد سبق وما يكون بعد ذلك‪ ...‬فساق‬
‫العرابي غنمه حتى ألجى إلى بعض المدينة وسعى إلى النبي‬
‫حتى ضرب عليه بابه فأذن له فحدثه العرابي فصدقه ثم قال إذا‬
‫صليت بالناس الصلة فأحضرني‪ ..‬فلما صلى رسول الله قال‪:‬‬
‫أين صاحب الغنم؟ فقام العرابي‪ .‬فقال له النبي‪ :‬حدث بما رأيت‬
‫وبما سمعت‪ ..‬فحدث العرابي بما سمع وبما رأى‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫والذي نفس محمد بيده ل تقوم الساعة حتى يخرج أحدكم من‬
‫أهله فتخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أحدث أهله بعده‪.‬‬

‫‪284‬‬
‫قال عبد الحميد بن بهرام الفزاري عن شهر بن حوشب أخبرنا‬
‫أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قال حدثنا أبو‬
‫العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس‬
‫بن بكير عن عبد الحميد بن بهرام الفزاري حدثنا شهر بن حوشب‬
‫عن أبي سعيد أنه قال‪ :‬بينا رجل من أسلم في غنم له‪ ..‬فذكر‬
‫الحديث بنحو من معناه‪ .‬وقال فيه‪ :‬فقال الذئب‪:‬مم تعجب؟‬
‫فقال‪ :‬أعجب من مخاطبتك إياي‪ ..‬فقال الذئب‪ :‬أعجب من ذلك‬
‫رسول الله بين الحرتين في النخلت يحدث الناس بما قد خل‬
‫ويحدث بما هو آت وأنت ها هنا تتبع غنمك‪..‬‬
‫وروى عبد الله بن عامر السلمي عن ربيعة بن أوس عن أنس‬
‫بن عمرو عن أهبان بن أوس كنت في غنم لي فكلمه الذئب‬
‫فأتى النبي فأسلم‪..‬‬
‫أخبرنا أبو بكر الفارسي حدثنا أبو إسحاق الصبهاني حدثنا أبو‬
‫أحمد ابن فارس حدثنا محمد بن إسماعيل حدثني أبو طلحة حدثنا‬
‫سفين بن حمزة السلمي سمع عبد الله بن عامر السلمي قال‬
‫محمد إسناده ليس بالقوي قلت قد مضى ما يقويه‪.‬‬
‫وأخبرنا أبو سعد الماليني أنبأنا أبو أحمد بن عدي الحافظ حدثنا‬
‫عبد الله بن أبي داود السجستاني أحد حفاظ عصره وعلماء‬
‫دهره فل يقول مثل هذا في ولد مكلم الذئب إل عن معرفة وفي‬
‫إشهار ذلك في ولده قوة الحديث‪.‬‬
‫أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمى قال سمعت الحسين بن أحمد‬
‫الرازي يقول سمعت أبا سليمان المغربي يقول خرجت من بعض‬
‫البلدان على حمار فجعل يجذبني عن الطريق فضربت رأسه‬
‫ضربات فرفع رأسه إلي وقال اضرب يا أبا سليمان فإنما على‬
‫دماغك هو ذا تضرب قلت له كلمك كلما يفهم فقال كما تكلمني‬
‫وأكلمك‪...‬‬
‫‪-‬وعن عباس بن مرداس لما تعجب من كلم ضمار صنمه‪،‬‬
‫وإنشاده الشعر الذي ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فإذا‬
‫طائر سقط‪ ،‬فقال‪ :‬يا عباس‪ ،‬أتعجب من كلم ضمار‪ ،‬ول تعجب‬
‫من نفسك؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى‬
‫السلم وأنت جالس‪ ،‬فكان سبب إسلمه‪.‬‬
‫ذكره البيهقي في دلئل النبوة سبب إسلم مازن الطائي‪.‬‬
‫أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل‬
‫القطان ببغداد قال أخبرنا أبو جعفر محمد بن يحيى بن عمر بن‬
‫علي بن حرب الطائي سنة ثمان وثلثين وثلث مائة قال حدثنا‬
‫جدي أبو علي بن حرب بن محمد بن علي بن حيان بن مازن‬
‫الوافد على رسول الله قال لقيت أبا المنذر هشام بن محمد‬

‫‪285‬‬
‫الكلبي فقال لي ممن الرجل فقلت من طيء ثم قال لي ثم‬
‫ممن قلت من ولد نبهان قال ثم ممن قلت من ولد خطامة فقال‬
‫لي لعلك من ولد السادن قلت نعم فأكرمني وأدناني وقربني ثم‬
‫قال لي كنت لقيت شيوخا من شيوخ طيء المتقدمين فسألتهم‬
‫عن قصة مازن وسبب إسلمه ووفوده على رسول الله وإقطاعه‬
‫أرض عمان وذلك بمن الله وفضله فكان مازن بأرض عمان‬
‫بقرية تدعى سمايل وكان يسدن الصنام لهله وكان له صنم‬
‫يقال له باجر قال مازن فعترت ذات يوم عتيرة وهي الذبيحة‬
‫فسمعت صوتا من الصنم يقول يا مازن أقبل إلي أقبل تسمع ما‬
‫ل يجهل هذا نبي مرسل جاء بحق منزل فآمن به كي تعدل عن‬
‫حر ناب تشعل وقودها بالجندل قال مازن فقلت إن هذا والله‬
‫لعجب ثم عترت بعد أيام عتيرة أخرى فسمعت صوتا أبين من‬
‫الول وهو يقول‪ :‬يا مازن اسمع تسر ظهر خير وبطن شر بعث‬
‫نبي من مضر بدين الله الكبر فدع نحيتا من حجر تسلم من حر‬
‫سقر قال مازن فقلت إن هذا والله لعجب وإنه لخير يراد بي‬
‫وقدم علينا رجل من أهل الحجاز فقلنا ما الخبر وراءك قال خرج‬
‫رجل بتهامة يقول لمن أتاه أجيبوا داعي الله عز وجل يقال له‬
‫أحمد قال فقلت هذا والله نبأ ما سمعت فثرت إلى الصنم‬
‫فكسرته أجذاذ ًا وشددت راحلتي ورحلت حتى أتيت رسول الله‬
‫فشرح لي السلم فأسلمت وأنشأت أقول‪:‬‬
‫ربا نطيف به ضل بتضلل‬ ‫كسرت باجر أجذاذا وكان لنا‬
‫ولم يكن دينه مني على بال‬ ‫بالهاشمي هدانا من ضللتنا‬
‫إني لمن قال ديني ناجر قالي‬ ‫يا راكبًا بلغا عمرا وإخوته‬
‫يعني بعمرو إخوته بني خطامة قال مازن فقلت يا رسول الله‬
‫إني امرؤ مولع بالطرب وشرب الخمر والهلوك من النساء‬
‫وألحت علينا السنون فأذهبن الموال وأهزلن الذراري والرجال‬
‫وليس لي ولد فادع الله أن يذهب عني ما أجد ويأتيني بالحيا‬
‫ويهب لي ولدا فقال النبي‪ :‬اللهم أبدله بالطرب قراءة القرآن‬
‫وبالحرام الحلل وآته بالحيا وهب له ولدا‪ .‬قال مازن ‪:‬فأذهب الله‬
‫عني كلما كنت أجد وأخصبت عمان وتزوجت أربع حرائر ووهب‬
‫الله لي حيان بن مازن وأنشأت أقول‪:‬‬
‫تجوب الفيافي من‬ ‫إليك رســـول الله خبت مطيتي‬
‫عمان إلى العرج‬
‫فيغفر لي ربي‬ ‫لتشفع لي يا خير من وطيء الحصا‬
‫فأرجع بالفلـــج‬
‫فل رأيهم رأيي ول‬ ‫إلى معشر خالفت فــي الله دينهم‬
‫شرجهم شرجي‬

‫‪286‬‬
‫شبابي حتى آذن‬ ‫وكنت أمرءا بالزعب والخمر مولعا‬
‫الجسم بالنهــج‬
‫فلله ما صومـي ولله‬ ‫فأصبحت همي في جهاد ونيـــة‬
‫مــا حجي‬
‫قال مازن فلما رجعت إلى قومي أنبوني وشتموني وأمروا‬
‫شاعرهم فهجاني فقلت إن هجوتهم فإنما أهجو نفسي فتركتهم‬
‫وأنشأت أقول‪:‬‬
‫وشتمنا عندكم يا قومنا لئن‬ ‫وشتمكم عندنا مــــر مذاقته‬
‫وكلكم أبدا في عيبنا‬ ‫ل ينشب الدهر أن يثبت معايبكم‬
‫فطــن‬
‫قال أبو جعفر إلى ههنا حفظت وأخذته من أصل جدي كأنه‬
‫يريد الباقي‬
‫في حربنا مبلغ في‬ ‫فشعرنا مفحم عنكم وشاعركـم‬
‫شتمنا لسن‬
‫وفي صدوركم البغضاء‬ ‫ما في الصدور عليكم فاعلموا وغر‬
‫والحن‬
‫فحدثنا موادنا من أهل عمان عن سلفهم أن مازنا لما تنحى عن‬
‫قومه أتى موضعا فابتنى مسجدا يتعبد فيه فهو ل يأتيه مظلوم‬
‫يتعبد فيه ثلثا ثم يدعو محقا على من ظلمه يعني إل استجيب‬
‫وفي أصل السماع فيكاد أن يعافى من البرص فالمسجد يدعى‬
‫مبرصا إلى اليوم قال أبو المنذر قال مازن ثم إن القوم ندموا أو‬
‫كنت القيم بأمورهم فقالوا ما عسانا أن نصنع به فجاءني منهم‬
‫أرفلة عظيمة فقالوا يا ابن عم عبنا عليك أمرا فنهيناك عنه فإذ‬
‫أبيت فنحن تاركوك ارجع معنا فرجعت معهم فأسلموا بعد كلهم‬
‫هكذا أخبرنا به غالبا وقد ذكره شيخنا أبو عبد الله الحافظ رحمه‬
‫الله عن أبي أحمد بن أبي الحسن عن عبد الرحمن بن محمد‬
‫الحنظلي عن علي بن حرب عن أبي المنذر هشام بن محمد عن‬
‫أبيه عن عبد الله العماني عن مازن بن الغضوية قال كنت أسدن‬
‫صنما بالسمال قرية بعمان فعترنا ذات يوم عنده عتيرة وهي‬
‫الذبيحة فذكر الحديث بمعنى ما روينا وزاد بيتا بعد قوله وكنت‬
‫امرءا فقال‪:‬‬
‫وبالعهر إحصانا وحصن لي‬ ‫فبدلني بالخمر خوفا وخشية‬
‫فرجي‬
‫وقد روي في معنى ما روينا عن مازن أخبار كثيرة منها‪:‬‬
‫* حديث عمرو بن جبلة فيما سمع من جوف الصنم يا عصام يا‬
‫عصام جاء السلم وذهبت الصنام‪.‬‬

‫‪287‬‬
‫* حديث طارق من بني هند بن حرام يا طارق يا طارق بعث‬
‫النبي الصادق‪.‬‬
‫* حديث ابن دقشة فيما أخبر به رئيه فنظر إلى ذباب بن الحارث‬
‫وقال يا ذباب يا ذباب اسمع العجب العجاب بعث محمد بالكتاب‬
‫يدعو بمكة ول يجاب‪.‬‬
‫* حديث عمرو بن مرة الغطفاني فيما رأى من النور الساطع في‬
‫الكعبة في نومه ثم ما سمع من الصوت أقبل حق فسطع ودمر‬
‫باطل فانقمع‪.‬‬
‫* حديث العباس بن مرداس فيما سمع من الصوت‪.‬‬
‫* حديث خالد بن سطيح حين أتته تابعته فقالت جاء الحق القائم‬
‫والخير الدايم وغير ذلك مما يطول بسياق جميعه الكتاب وبالله‬
‫التوفيع‪.‬‬
‫‪-‬وعن أنس رضي الله عنه‪ :‬دخل النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫حائط أنصاري وأبو بكر وعمر ورجل من النصار رضي الله عنهم‬
‫وفي الحائط غنم فسجدت له‪ .‬فقال أبو بكر‪ :‬نحن أحق بالسجود‬
‫لك منها‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ذكره ابن كثير في البداية والنهاية‪ ،‬ولفظه‪ " :‬دخل النبي‬
‫حائطا ً للنصار ومعه أبو بكر وعمر ورجل من النصار‪،‬وفي‬
‫الحائط غنم فسجدت له‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬كنا نحن‬
‫أحق بالسجودلك من هذه الغنم‪ ،‬فقال‪ :‬إنه لينبغي أن يسجد أحد‬
‫لحد‪ ،‬ولو كان ينبغي لحد أن يسجد لحد ‪,‬لمرت المرأة أن‬
‫تسجد لزوجها‪(..‬غريب وفي إسناده من ل يعرف)‬
‫‪-‬وعن أبي هريرة رضي الله عنه‪:‬دخل النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم حائطاً‪ ،‬فجاء بعير فسجد له‪ ،‬وذكر مثله‪.‬‬
‫‪-‬ومثله في الجمل‪ ،‬عن ثعلبة بن مالك‪ ،‬وجابر بن عبد الله‪ ،‬ويعلى‬
‫بن مرة وعبد الله بن جعفر‪ ،‬قال‪ :‬وكان ل يدخل أحد الحائط إل‬
‫شد عليه الجمل‪ ،‬فلما دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫دعاه‪ ،‬فوضع مشفره على الرض وبرك بين يديه‪ ،‬فخطمه‪،‬‬
‫وقال‪ :‬ما بين السماء والرض شيء إل يعلم أني رسول الله إل‬
‫عاصي الجن والنس‪.‬‬
‫‪-‬ومثله عن عبد الله بن أبي أوفى‪.‬‬
‫‪-‬وفي خبر آخر في حديث الجمل أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫سألهم عن شأنه‪ ،‬فاخبروه أنهم أرادوا ذبحه‪.‬‬
‫‪-‬وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم‪ :‬إنه شكا‬
‫كثرة العمل‪ ،‬وقلة العلف من صغره فقالوا‪ :‬نعم‪.‬‬
‫وقفة مع ابن كثير فيما روي في قصة البعير‬
‫باب ما يتعلق بالحيوانات من دلئل النبوة‪:‬‬

‫‪288‬‬
‫قصة البعير الناد وسجوده له وشكواه إليه‪.‬‬
‫‪-1‬رواية أنس بن مالك‬
‫* قال المام أحمد حدثنا حسين ثنا خلف عن خليفة عن حفص‬
‫هو ابن عمر عن عمه أنس بن مالك قال كان أهل بيت من‬
‫النصار لهم جمل يسنون عليه وأنه استصعب عليهم فمنعهم‬
‫ظهره وأن النصار جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فقالوا‪ :‬إنه كان لنا جمل نسني عليه وأنه استصعب علينا ومنعنا‬
‫ظهره وقد عطش الزرع والنخل فقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم لصحابه‪ :‬قوموا‪..‬فقاموا فدخل الحائط والجمل في‬
‫ناحيته فمشى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه فقالت النصار‪:‬‬
‫يا رسول الله إنه قد صار مثل الكلب وإنا نخاف عليك صولته‬
‫فقال‪" :‬ليس علي منه بأس"‪ .‬فلما نظر الجمل إلى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم أقبل نحوه حتى خر ساجدًا بين يديه فأخذ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته أذل ما كانت قط حتى‬
‫أدخله في العمل فقال له أصحابه يا رسول الله هذه بهيمة ل‬
‫تعقل تسجد لك ونحن أحق أن نسجد لك فقال‪" :‬ل يصلح لبشر‬
‫أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لمرت المرأة أن‬
‫تسجد لزوجها من عظم حقه عليها والذي نفسي بيده لو كان من‬
‫قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تتفجر بالقيح والصديد ثم استقبلته‬
‫فلحسته ما أدت حقه" وهذا إسناد جيد وقد روى النسائي بعضه‬
‫من حديث خلف ابن خليفة به‪.‬‬
‫‪-2‬رواية جابر في ذلك‬
‫قال المام أحمد حدثنا مصعب بن سلم سمعته من أبي مرتين‬
‫ثنا الجلح عن الذيال بن حرملة عن جابر بن عبد الله قال أقبلنا‬
‫مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر حتى إذا دفعنا إلى‬
‫حائط من حيطان بني النجار إذا فيه جمل ل يدخل الحائط أحد إل‬
‫شد عليه قال فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فجاء حتى أتى الحائط فدعا البعير فجاء واضعا مشفره إلى‬
‫الرض حتى برك بين يديه قال فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫ما" فخطمه ودفعه إلى صاحبه قال ثم التفت‬ ‫وسلم‪" :‬هاتوا خطا ً‬
‫إلى الناس فقال‪" :‬إنه ليس شيء بين السماء والرض إل يعلم‬
‫أني رسول الله إل عاصي الجن والنس"‪ .‬تفرد به المام أحمد‬
‫وسيأتي عن جابر من وجه أخر بسياق آخر إن شاء الله وبه الثقة‬
‫‪-3‬رواية ابن عباس‬
‫قال الحافظ أبو القاسم الطبراني ثنا بشر بن موسى ثنا يزيد‬
‫بن مهران أخو خالد الجيار ثنا أبو بكر بن عياش عن الجلح عن‬
‫الذيال بن حرملة عن ابن عباس قال جاء قوم إلى رسول الله‬

‫‪289‬‬
‫فقالوا‪ :‬يا رسول الله إن لنا بعيًرا قد ند في حائط فجاء إليه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬تعال فجاء مطأطئا‬
‫رأسه حتى خطمه وأعطاه أصحابه فقال له أبو بكر الصديق يا‬
‫رسول الله كأنه علم أنك نبي فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬ما بين لبتيها أحد إل يعلم أني نبي الله إل كفرة الجن‬
‫والنس"‪ ...‬وهذا من هذا الوجه عن ابن عباس غريب جدا‬
‫والشبه رواية المام أحمد عن جابر اللهم إل أن يكون الجلح قد‬
‫رواه عن الذيال عن جابر وعن ابن عباس والله أعلم‪.‬‬
‫‪ 4-‬طريق اخرى عن ابن عباس‬
‫قال الحافظ أبو القاسم الطبراني ثنا العباس بن الفضل‬
‫السفاطي ثنا أبو عون الزيادي ثنا أبو عزة الدباغ عن أبي يزيد‬
‫المديني عن عكرمة عن ابن عباس أن رجل من النصار كان له‬
‫فحلن فاغتلما فأدخلهما حائطا فسد عليهما الباب ثم جاء إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يدعو له والنبي قاعد‬
‫معه نفر من النصار فقال يا نبي الله إني جئت في حاجة فان‬
‫فحلين لي اغتلما وإني أدخلتهما حائطًا وسددت عليهما الباب‬
‫فأحب أن تدعو لي أن يسخرهما الله لي فقال لصحابه‪ :‬قوموا‬
‫معنا فذهب حتى أتى الباب فقال‪ :‬افتح‪ ,‬فأشفق الرجل على‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬افتح‪ ,‬ففتح الباب فإذا أحد‬
‫الفحلين قريبًا من الباب فلما رأى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم سجد له‪ ..‬فقال رسول الله‪ :‬ائت بشيء أشد رأسه‬
‫وأمكنك منه‪ .‬فجاء بخطام فشد رأسه وأمكنه منه ثم مشى إلى‬
‫أقصى الحائط إلى الفحل الخر فلما رآه وقع له ساجدًا فقال‬
‫للرجل‪ :‬ائتني بشيء أشد رأسه فشد رأسه وأمكنه منه فقال‪:‬‬
‫اذهب فإنهما ل يعصيانك فلما رأى أصحاب رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ذلك قالوا يا رسول الله هذان فحلن سجدا لك أفل‬
‫نسجد لك قال‪" :‬ل آمر أحدا أن يسجد لحد ولو أمرت أحدا أن‬
‫يسجد لحد لمرت المرأة أن تسجد لزوجها"‪ .‬وهذا إسناد غريب‬
‫ومتن غريب‪.‬‬
‫ورواه الفقيه أبو محمد عبد الله بن حامد في كتابه دلئل النبوة‬
‫عن أحمد بن حمدان السحري عن عمر بن محمد بن بجير‬
‫البحتري عن بشر بن آدم عن محمد بن عون أبي عون الزيادي‬
‫به وقد رواه أيضا من طريق مكي بن إبراهيم عن قائد أبي‬
‫الورقاء عن عبد الله بن ابي أوفى عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بنحو ما تقدم عن ابن عباس‪.‬‬
‫‪ -5‬رواية أبي هريرة‬

‫‪290‬‬
‫قال أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه أخبرنا أحمد بن حمدان‬
‫أنا عمر بن محمد بن بجير حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير‬
‫عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة قال انطلقنا مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ناحية فأشرفنا إلى حائط‬
‫فاذا نحن بناضح فلما أقبل الناضح رفع رأسه فبصر برسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فوضع جرانه على الرض فقال أصحاب‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن أحق أن نسجد لك من‬
‫هذه البهيمة فقال‪" :‬سبحان الله أدون الله ما ينبغي لحد أن‬
‫يسجد لحد دون الله ولو أمرت أحد أن يسجد لشيء من دون‬
‫الله لمرت المرأة أن تسجد لزوجها"‪.‬‬
‫‪ -6‬رواية عبد الله بن جعفر في ذلك‬
‫قال المام أحمد حدثنا يزيد ثنا مهدي بن ميمون عن محمد بن‬
‫أبي يعقوب عن الحسن بن سعد عن عبد الله بن جعفر ح وثنا‬
‫بهز وعفان قال ثنا مهدي ثنا محمد بن أبي يعقوب عن الحسن بن‬
‫سعد مولى الحسن بن علي عن عبد الله بن جعفر قال أردفني‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه فأسر إلي حديثا‬
‫ل أخبر به أحدًا أبدًا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب‬
‫ما استتر به في حاجته هدف أو حائش نخل فدخل يوما حائطًا‬
‫من حيطان النصار فإذا جمل قد أتاه فجرجر وذرفت عيناه وقال‬
‫بهز وعفان فلما رأى رسول الله حن وذرفت عيناه فمسح رسول‬
‫الله سراته وذفراه فسكن فقال‪ :‬من صاحب الجمل؟ فجاء فتى‬
‫من النصار فقال هو لي يا رسول الله فقال‪" :‬أما تتقي الله في‬
‫هذه البهيمة التي ملككها الله لك إنه شكا إلى أنك تجيعه وتدئبه"‪.‬‬
‫وقد رواه مسلم من حديث مهدي بن ميمون به‪.‬‬
‫‪ -7‬رواية عائشة أم المؤمنين في ذلك‬
‫قال المام أحمد ثنا عبد الصمد وعفان قال ثنا حماد هو ابن‬
‫سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في نفر من المهاجرين‬
‫والنصار فجاء بعير فسجد له فقال أصحابه يا رسول الله تسجد‬
‫لك البهائم والشجر فنحن أحق أن نسجد لك فقال‪" :‬اعبدوا ربكم‬
‫وأكرموا أخاكم ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد لحد لمرت المرأة‬
‫أن تسجد لزوجها ولو أمرها أن تنقل من جبل أصفر إلى جبل‬
‫اسود ومن جبل أسود إلى جبل ابيض كان ينبغي لها أن تفعله"‪...‬‬
‫وهذا السناد على شرط السنن وإنما روى ابن ماجه عن أبي بكر‬
‫بن أبي شيبة عن عفان عن حماد به "لو أمرت أحدا أن يسجد‬
‫لحد لمرت المرأة أن تسجد لزوجها"‪ ...‬إلى آخره‪.‬‬
‫‪ -8‬رواية يعلى بن مرة الثقفي أو هي قصة أخرى‬

‫‪291‬‬
‫قال المام أحمد ثنا أبو سلمة الخزاعي ثنا حماد بن سلمة عن‬
‫عاصم بن بهدلة عن حسين عن أبي جبيرة عن يعلى بن سيابة‬
‫قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير له فأراد أن‬
‫يقضي حاجته فأمر وديتين فانضمت إحداهما إلى الخرى ثم‬
‫أمرهما فرجعتا إلى منابتهما وجاء بعير فضرب بجرانه إلى الرض‬
‫ثم جرجر حتى ابتل ما حوله فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬أتدرون ما يقول البعير إنه يزعم أن صاحبه يريد نحره‪.‬‬
‫فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬أواهبه أنت‬
‫لي؟ فقال‪ :‬يا رسول الله مالي مال أحب إلي منه‪ .‬فقال‪:‬‬
‫استوص به معروفًا‪ .‬فقال‪ :‬ل جرم ل أكرم مال لي كرامته يا‬
‫رسول الله قال وأتى على قبر يعذب صاحبه فقال إنه يعذب في‬
‫غير كبير فأمر بجريدة فوضعت على قبره وقال عسى أن يخفف‬
‫عنه ما دامت رطبة‪.‬‬
‫‪ -9‬طريق أخرى عنه‬
‫قال المام احمد ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن عطاء بن السائب‬
‫عن عبد الله بن جعفر عن يعلى بن مرة الثقفي قال ثلثة أشياء‬
‫رأيتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا نحن نسير معه‬
‫إذ مررنا ببعير يسنى عليه فلما رآه البعير جرجر ووضع جرانه‬
‫فوقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬أين صاحب هذا‬
‫البعير؟ فجاء فقال‪ :‬بعنيه فقال‪ :‬ل بل أهبه لك فقال‪ :‬ل بل بعنيه‬
‫قال ل بل نهبه لك إنه لهل بيت مالهم معيشة غيره قال‪ :‬أما إذ‬
‫ذكرت هذا من أمره فإنه شكى لي كثرة العمل وقلة العلف‬
‫فأحسنوا إليه‪ ...‬قال ثم سرنا فنزلنا منزل فنام رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فجاءت شجرة تشق الرض حتى غشيته ثم‬
‫رجعت إلى مكانها فلما استيقظ ذكرت له فقال‪ :‬هي شجرة‬
‫استأذنت ربها عز وجل في أن تسلم على رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فأذن لها قال ثم سرنا فمررنا بماء فأتته امرأة بابن‬
‫لها به جنة فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنخره فقال‪ :‬اخرج‬
‫إني محمد رسول الله قال ثم سرنا فلما رجعنا من سفرنا مررنا‬
‫بذلك الماء فأتته امرأة بجزر ولبن فأمرها أن ترد الجزر وأمر‬
‫أصحابه فشربوا من اللبن فسألها عن الصبي فقالت والذي بعثك‬
‫بالحق ما رأينا منه ريبا بعدك‪.‬‬
‫‪ -10‬طريق أخرى عنه‬
‫قال المام أحمد ثنا عبد الله بن نمير ثنا عثمان بن حكيم‬
‫أخبرني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن يعلى بن مرة قال لقد‬
‫رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثًا ما رآها أحد قبلي ول‬
‫يراها أحد بعدي لقد خرجت معه في سفر حتى إذا كنا ببعض‬

‫‪292‬‬
‫الطريق مررنا بامرأة جالسة معها صبي لها فقالت يا رسول الله‬
‫هذا صبي أصابه بلء وأصابنا منه بلء يؤخذ في اليوم ما أدري كم‬
‫مرة قال‪ :‬ناولينيه‪ .‬فرفعته إليه فجعلته بينه وبين واسطة الرحل‬
‫ثم فغر فاه فنفث فيه ثلثا وقال‪ :‬بسم الله أنا عبد الله اخسأ‬
‫عدو الله‪ ,‬ثم ناولها إياه فقال‪ :‬القينا في الرجعة في هذا المكان‬
‫فأخبرينا ما فعل"‪ .‬قال فذهبنا ورجعنا فوجدناها في ذلك المكان‬
‫معها شياه ثلث فقال‪ :‬ما فعل صبيك فقالت والذي بعثك بالحق‬
‫ما حسسنا منه شيئًا حتى الساعة فاجترر هذه الغنم قال‪ :‬انزل‬
‫فخذ منها واحدة ورد البقية قال‪ :‬وخرجت ذات يوم إلى الجبانة‬
‫حتى إذا برزنا قال‪ :‬ويحك انظر هل ترى من شيء يواريني"‪.‬‬
‫قلت ما أرى شيئا يواريك إل شجرة ما أراها تواريك قال فما‬
‫بقربها قلت‪ :‬شجرة مثلها أو قريب منها قال‪ :‬فاذهب إليهما فقل‬
‫إن رسول الله يأمركما أن تجتمعا بإذن الله قال فاجتمعتا فبرز‬
‫لحاجته ثم رجع فقال اذهب إليهما فقل لهما إن رسول الله‬
‫يأمركما أن ترجع كل واحدة منكما إلى مكانها فرجعت قال وكنت‬
‫معه جالسا ذات يوم إذ جاء جمل نجيب حتى صوى بجرانه بين‬
‫يديه ثم ذرفت عيناه فقال‪ :‬ويحك انظر لمن هذا الجمل إن له‬
‫لشئنًا قال فخرجت ألتمس صاحبه فوجدته لرجل من النصار‬
‫فدعوته إليه فقال‪ :‬ما شأن الجمل هذا؟‪ .‬فقال‪ :‬وما شأنه؟ قال ل‬
‫أدري والله ما شأنه عملنا عليه ونضحنا عليه حتى عجز عن‬
‫السقاية فائتمرنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه قال‪ :‬فل تفعل‬
‫هبه لي أو بعنيه قال بل هو لك يا رسول الله‪ .‬فوسمه بسمة‬
‫الصدقة ثم بعث به‪.‬‬
‫‪ -12‬طريق أخرى عنه‬
‫قال المام أحمد ثنا وكيع ثنا العمش بن المنهال عن عمرو عن‬
‫يعلى بن مرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتته امرأة بابن‬
‫لها قد أصابه لمم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬اخرج‬
‫عدو الله أنا رسول الله قال فبرأ فأهدت إليه كبشين وشيئًا من‬
‫أقط وشيئًا من سمن قال فقال رسول الله‪ :‬خذ القط والسمن‬
‫وأحد الكبشين ورد عليها الخر" ثم ذكر قصة الشجرتين كما‬
‫تقدم وقال أحمد ثنا أسود ثنا أبو بكر بن عياش عن حبيب بن أبي‬
‫عمرة عن المنهال بن عمرو عن يعلى قال ما أظن أن أحدا من‬
‫الناس رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إل دون ما رأيت‬
‫فذكر أمر الصبي والنخلتين وأمر البعير إل أنه قال‪ :‬ما لبعيرك‬
‫يشكوك زعم أنك سانيه حتى إذا كبر تريد نحره قال‪ :‬صدقت‬
‫والذي بعثك بالحق قد أردت ذلك والذي بعثك بالحق ل أفعل‪.‬‬
‫‪ -13‬طريق أخرى عنه‬

‫‪293‬‬
‫روى البيهقي عن الحاكم وغيره عن الصم ثنا عباس بن محمد‬
‫الدوري ثنا حمدان بن الصبهاني ثنا يزيد عن عمرو بن عبد الله‬
‫بن يعلى بن مرة عن أبيه عن جده قال رأيت من رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ثلثة أشياء ما رآها أحد قبلي كنت معه في‬
‫ما أشد‬ ‫طريق مكة فمر بامرأة معها ابن لها به لمم ما رأيت لم ً‬
‫منه فقالت‪ :‬يا رسول الله ابني هذا كما ترى فقال‪ :‬إن شئت‬
‫دعوت له فدعا له ثم مضى فمر على بعير ناد جرانه يرغو فقال‪:‬‬
‫علي بصاحب هذا البعير‪ .‬فجيء به فقال‪ :‬هذا يقول نتجت عندهم‬
‫فاستعملوني حتى إذا كبرت عندهم ارادوا أن ينحروني قال‪ :‬ثم‬
‫مضى ورأى شجرتين متفرقتين فقال لي‪ :‬اذهب فمرهما‬
‫فليجتمعا لي قال‪ :‬فاجتمعتا فقضى حاجته قال‪ :‬ثم مضى فلما‬
‫انصرف مر على الصبي وهو يلعب مع الغلمان وقد ذهب ما به‬
‫وهيأت أمه أكبشا فأهدت له كبشين وقالت‪ :‬ما عاد إليه شيء من‬
‫اللمم فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬ما من شيء إل ويعلم‬
‫أني رسول الله إل كفرة أو فسقة الجن والنس"‪.‬‬
‫فهذه طرق جيدة متعددة تفيد غلبة الظن أو القطع عند‬
‫المتبحرين أن يعلى بن مرة حدث بهذه القصة في الجملة وقد‬
‫تفرد بهذا كله المام أحمد دون أصحاب الكتب الستة ولم يرو‬
‫أحد منهم شيئًا سوى ابن ماجه فإنه روى عن يعقوب بن حميد بن‬
‫كاسب عن يحيى بن سليم عن خيثم عن يونس ابن خباب عن‬
‫يعلى بن مرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب‬
‫إلى الغائط أبعد‪ .‬وقد اعتنى الحافظ أبو نعيم بحديث البعير في‬
‫كتابه دلئل النبوة وطرقه من وجوه كثيرة ثم أورد حديث عبد‬
‫الله بن قرط اليماني قال جيء رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫بست زود فجعلن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ وقد قدمت الحديث في‬
‫حجة الوداع قلت قد أسلفنا عن جابر بن عبد الله نحو قصة‬
‫الشجرتين وذكرنا آنفا عن غير واحد من الصحابة نحوًا من حديث‬
‫الجمل لكن بسياق يشبه أن يكون غير هذا فالله أعلم وسيأتي‬
‫حديث الصبي الذي كان يصرع ودعاؤه عليه السلم له وبرؤه في‬
‫الحال من طرق أخرى وقد روى الحافظ البيهقي عن أبي عبد‬
‫الله الحاكم وغيره عن أبي العباس الصم عن أحمد بن عبد‬
‫الجبار عن يونس بن بكير عن إسماعيل بن عبد الملك عن أبي‬
‫الزبير عن جابر قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫في سفر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد البراز‬
‫تباعد حتى ل يراه أحد فنزلنا منزل بفلة من الرض ليس فيها‬
‫علم ول شجر فقال لي‪ :‬يا جابر خذ الداوة وانطلق بنا فملت‬
‫الداوة ماء وانطلقنا فمشينا حتى ل نكاد نرى فإذا شجرتان بينهما‬

‫‪294‬‬
‫أذرع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬يا جابر انطلق فقل‬
‫لهذه الشجرة يقول لك رسول الله الحقي بصاحبتك حتى أجلس‬
‫خلفكما ففعلت فرجعت فلحقت بصاحبتها فجلس خلفها حتى‬
‫قضى حاجته ثم رجعنا فركبنا رواحلنا فسرنا كأنما على رؤسنا‬
‫الطير تظلنا وإذا نحن بامرأة قد عرضت لرسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فقالت‪ :‬يا رسول الله إن ابني هذا يأخذه الشيطان‬
‫كل يوم ثلث مرات ل يدعه فوقف رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فتناوله فجعله بينه وبين مقدمة الرحل فقال‪ :‬اخسأ عدو‬
‫الله أنا رسول الله وأعاد ذلك ثلث مرات ثم ناولها إياه فلما‬
‫رجعنا وكنا بذلك الماء عرضت لنا تلك المرأة ومعها كبشان‬
‫تقودهما والصبي تحمله فقالت‪ :‬يا رسول الله أقبل مني هديتي‬
‫فو الذي بعثك بالحق إن عاد إليه بعد‪ .‬فقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ :‬خدوا أحدهما وردوا الخر قال ثم سرنا ورسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم بيننا فجاء جمل ناد فلما كان بين‬
‫السماطين خر ساجدصا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫يا أيها الناس من صاحب هذا الجمل فقال فتية من النصار‪ :‬هو‬
‫لنا يا رسول الله قال‪ :‬فما شأنه؟ قالوا‪ :‬سنونا عليه منذ عشرين‬
‫سنة فلما كبرت سنه وكانت عليه شحيمة أردنا نحره لنقسمه بين‬
‫غلمتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬تبيعونه؟ قالوا‪ :‬يا‬
‫رسول الله هو لك‪ .‬قال‪ :‬فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله قالوا‪ :‬يا‬
‫رسول الله نحن أحق أن نسجد لك من البهائم‪ .‬فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل ينبغي لبشر أن يسجد لبشر ولو كان‬
‫ذلك كان النساء لزواجهن‪..‬وهذا إسناد جيد رجاله ثقات وقد روى‬
‫أبو داود وابن ماجه من حديث إسماعيل بن عبد الملك بن أبي‬
‫الصفراء عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله كان إذا ذهب‬
‫المذهب أبعد‪ .‬ثم قال البيهقي وحدثنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو‬
‫بكر بن إسحاق أنا الحسين بن علي بن زياد ثنا أبو حمنة ثنا أبو‬
‫قرة عن زياد هو ابن سعد عن أبي الزبير أنه سمع يونس بن‬
‫خباب الكوفي يحدث أنه سمع أبا عبيدة يحدث عن عبد الله بن‬
‫مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في سفر إلى‬
‫مكة فذهب إلى الغائط وكان يبعد حتى ل يراه أحد قال فلم يجد‬
‫شيئا يتوارى به فبصر بشجرتين فذكر قصة الشجرتين وقصة‬
‫الجمل بنحو من حديث جابر قال البيهقي وحديث جابر أصح قال‬
‫وهذه الرواية ينفرد بها زمعة ابن صالح عن زياد أظنه ابن سعد‬
‫ضا محفوظًا ول ينافي حديث‬ ‫عن أبي الزبير قلت وقد يكون هذا أي ً‬
‫جابر ويعلى بن مرو بل يشهد لهما ويكون هذا الحديث عن أبي‬
‫الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي عن جابر وعن يونس بن‬

‫‪295‬‬
‫خباب عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه والله أعلم‬
‫وروى البيهقي من حديث معاوية بن يحيى الصيرفي وهو ضعيف‬
‫عن الزهري عن خارجة ابن زيد عن أسامة بن زيد حديثًا طويلً‬
‫نحو سياق حديث يعلى بن مرة وجابر بن عبد الله وفيه قصة‬
‫الصبي الذي كان يصرع ومجيء أمه بشاة مشوية فقال‪ :‬ناوليني‬
‫الذراع فناولته ثم قال‪ :‬ناوليني الذراع فناولته ثم قال‪ :‬ناوليني‬
‫الذراع فقلت كم للشاة من ذراع؟ فقال‪ :‬والذي نفسي بيده لو‬
‫سكت لناولتيني ما دعوت ثم ذكر قصة النخلت واجتماعهما‬
‫ما خلف النخلت‬ ‫وانتقال الحجارة معهما حتى صارت الحجارة رج ً‬
‫وليس في سياقه قصة البعير فلهذا لم يورده بلفظه وإسناده‬
‫وبالله المستعان وقد روى الحافظ ابن عساكر ترجمة غيلن بن‬
‫سلمة الثقفي بسنده إلى يعلى بن منصور الرازي عن شبيب بن‬
‫شيبة عن بشر بن عاصم عن غيلن بن سلمة قال خرجنا مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأينا عجبًا فذكر قصة‬
‫الشجرتين واستتاره بهما عند الخلء وقصة الصبي الذي كان‬
‫يصرع وقوله‪ :‬بسم الله أنا رسول الله اخرج عدو الله‪ .‬فعوفي ثم‬
‫ذكر قصة البعيرين النادين وأنهما سجدا له بنحو ما تقدم في‬
‫البعير الواحد فلعل هذه قصة أخرى والله أعلم‪.‬‬
‫وقد ذكرنا فيما سلف حديث جابر وقصة جمله الذي كان قد أعيي‬
‫وذلك مرجعهم من تبوك وتأخره في أخريات القوم فلحقه النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فدعا له وضربه فسار سيًرا لم يسر مثله‬
‫حتى جعل يتقدم أمام الناس وذكرنا شراءه عليه السلم منه‬
‫وفي ثمنه اختلف كثير وقع من الرواة ل يضر أصل القصة كما‬
‫بيناه وتقدم حديث أنس في ركوبه عليه السلم على فرس أبي‬
‫طلحة حين سمع صوتًا بالمدينة فركب ذلك الفرس وكان يبطئ‬
‫وركب الفرسان نحو ذلك الصوت فوجدوا رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قد رجع بعد ما كان كشف ذلك المر فلم يجد له‬
‫حقيقة وكان قد ركبه عريًا ل شيء عليه وهو متقلد سيفًا فرجع‬
‫وهو يقول لن تراعوا لن تراعوا ما وجدنا من شيء وإن وجدناه‬
‫لبحًرا أي لسابقًا وكان ذلك الفرس يبطأ قبل تلك الليلة فكان بعد‬
‫ذلك ل يجارى ول يكشف له غبار وذلك كله ببركته عليه الصلة‬
‫والسلم‪.‬‬
‫‪-14‬حديث آخر غريب في قصة البعير‬
‫قال الشيخ أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه في كتابه دلئل‬
‫النبوة وهو مجلد كبير حافل كثير الفوائد أخبرني أبو علي‬
‫الفوارسي حدثنا أبو سعيد عن عبد العزيز بن شهلن القواس‬
‫حدثنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن خالد الراسبي حدثنا عبد‬

‫‪296‬‬
‫الرحمن بن علي البصري حدثنا سلمة ابن سعيد بن زياد بن أبي‬
‫هند الرازي حدثني أبي عن أبيه عن جده حدثنا غنيم بن أوس‬
‫يعني الرازي قال كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫إذ أقبل بعير يعدو حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فزعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬أيها البعير‬
‫اسكن فان تك صادقا فلك صدقك وإن تك كاذبا فعليك كذبك مع‬
‫أن الله تعالى قد أمن عائذنا ول يخاف لئذنا قلنا يا رسول الله‪:‬‬
‫ما يقول هذا البعير؟ قال‪ :‬هذا بعير هم أهله بنحره فهرب منهم‬
‫فاستغاث بنبيكم فبينا نحن كذلك إذ أقبل أصحابه يتعادون فلما‬
‫نظر إليهم البعير عاد إلى هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فقالوا‪ :‬يا رسول الله هذا بعيرنا هرب منا منذ ثلثة أيام فلم نلقه‬
‫إل بين يديك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬يشكو مر‬
‫الشكاية‪ .‬فقالوا يا رسول الله‪ :‬ما يقول قال‪ :‬يقول إنه ربي في‬
‫إبلكم جوارا وكنتم تحملون عليه في الصيف إلى موضع الكل فإذا‬
‫كان الشتاء رحلتم إلى موضع الدفء فقالوا‪ :‬قد كان ذلك يا‬
‫رسول الله فقال‪ :‬ما جزاء العبد الصالح من مواليه قالوا‪ :‬يا‬
‫رسول الله فإنا ل نبيعه ول ننحره قال فقد استغاث فلم تغيثوه‬
‫وأنا أولى بالرحمة منكم لن الله نزع الرحمة من قلوب‬
‫المنافقين وأسكنها في قلوب المؤمنين فاشتراه النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بمائة درهم ثم قال‪ :‬أيها البعير انطلق فأنت حر لوجه‬
‫الله‪ .‬فرغا على هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‬
‫رسول الله‪ :‬آمين ثم رغا الثانية فقال آمين ثم رغا الثلثة فقال‬
‫آمين ثم رغا الرابعة فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فقلنا يا رسول الله ما يقول هذا البعير قال يقول جزاك الله أيها‬
‫النبي عن السلم والقرآن خيرا قلت آمين قال سكن الله رعب‬
‫أمتك يوم القيامة كما سكنت رعبي قلت آمين قال حقن الله‬
‫دماء أمتك من أعدائها كما حقنت دمي قلت آمين قال ل جعل‬
‫الله بأسها بينها فبكيت وقلت هذه خصال سألت ربي فأعطانيها‬
‫ومنعني واحدة وأخبرني جبريل عن الله أن فناء أمتك بالسيف‬
‫فجرى القلم بما هو كائن" قلت هذا الحديث غريب جدا لم أر‬
‫أحدا من هؤلء المصنفين في الدلئل أورده سوى هذا المصنف‬
‫وفيه غرابة ونكارة في إسناده ومتنه أيضا والله أعلم…‬
‫‪ -‬وقد روي في قصة الضباء وكلمها النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وتعريفها له بنفسها‪ ،‬ومبادرة العشب إليها في الرعي وتجنب‬
‫الوحوش عنها‪ ،‬وندائهم لها‪ :‬إنك لمحمد‪ ،‬وإنها لم تأكل ولم‬
‫تشرب بعد موته حتى ماتت‪.‬‬
‫ذكره السفرايني‪.‬‬

‫‪297‬‬
‫‪ -‬وروى ابن وهب‪ ،‬أن حمام مكة أظلت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يوم فتحها‪ ،‬فدعا لها بالبركة‪.‬‬
‫‪ -‬وروي عن أنس‪ ،‬وزيد بن أرقم‪ ،‬والمغيرة بن شعبة ـ أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬أمر الله ليلة الغار شجرة‪ ،‬فثبتت‬
‫تجاه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته‪ ،‬وأمر حمامتين فوقفتا‬
‫بفم الغار‪.‬‬
‫‪ -‬وفي حديث آخر‪ :‬وأن العنكبوت نسجت على بابه‪ ،‬فلما أتى‬
‫الطالبون له‪ ،‬ورأوا ذلك قالوا‪ :‬لو كان فيه أحد لم تكن الحمامتان‬
‫ببابه والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع كلمهم‪ ،‬فانصرفوا‪.‬‬
‫ذكر هذا أبو نعيم في دلئل النبوة ثنا أبو مصعب قال أدركت أنس‬
‫بن مالك وزيد بن أرقم والمغيرة فسمعتهم يتحدثون أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال أمر الله شجرة فنبتت في وجه النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فسترته وأمر الله العنكبوت فنسجت في‬
‫وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته وأمر الله حمامتين‬
‫وحشيتين فوقعنا بفم الغار وأقبل فتيان قريش من كل بطن رجل‬
‫بعصيهم وسيوفهم وهراواهم قد حتى إذا كانوا من النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قدر أربعين ذراع ًا فعجل بعضهم فنظر في الغار‬
‫يرى فيه أحدًا فرأى حمامتين بفم الغار فرجع إلى أصحابه فقالوا‬
‫ما لك لم تنظر في الغار قال رأيت حمامتين بفم الغار فعرفت‬
‫أن ليس فيه أحد فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال‪:‬‬
‫فعرف أن الله قد درأ عنه بهما فسمت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم عليهن وفرض جزاءهن وانحدرن في الحرم‪.‬‬
‫‪ -‬وعن عبد الله بن قرط‪ :‬قرب إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بدنات خمس أو سبع‪ ،‬لينحرها يوم عيد‪ ،‬فازدلفن إليه بأيهن‬
‫يبدأ‪.‬‬
‫‪ -‬وعن أم سلمة‪ :‬كان النبي صلى الله عليه وسلم في صحراء‪،‬‬
‫فنادته ظبية‪ ،‬يا رسول الله‪ ،‬قال‪ :‬ما حاجتك؟ قالت‪ :‬صادني هذا‬
‫العرابي‪ ،‬ولي خفشان في ذلك الجبل‪ ،‬فأطلقني حتى أذهب‬
‫فأرضعهما وأرجع‪.‬‬
‫قال‪ :‬وتفعلين؟ قالت‪ :‬نعم‪ .‬فأطلقها‪ ،‬فذهبت ورجعت‪ ،‬فأوثقها‪،‬‬
‫فانتبه العرابي وقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬ألك حاجة؟ قال‪ :‬تطلق هذه‬
‫الظبية فأطلقها فخرجت تعدو في الصحراء‪ ،‬وتقول‪ :‬أشهد أن ل‬
‫إله إل الله‪ ،‬وأنك رسول الله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرجه البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬باب ما جاء في كلم‬
‫الظبية التي فجعت بخشفها وشهادتها لنبينا بالرسالة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي‬
‫بن دحيم الشيباني حدثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة الغفاري‬

‫‪298‬‬
‫حدثنا علي بن قادم حدثنا أبو العلء خالد بن طهمان عن عطية‬
‫عن أبي سعيد قال مر رسول الله بظبية مربوطة إلى خباء‬
‫فقالت يا رسول الله حلني حتى أذهب فأرضع خشفي ثم ارجع‬
‫فتربطني فقال رسول الله صيد قوم وربيطة قوم قال فأخذ‬
‫عليها فحلفت له فحلها فما مكثت إل قليل حتى جاءت وقد‬
‫نفضت ما في ضرعها فربطها رسول الله ثم أتى خباء أصحابها‬
‫فاستوهبها منهم فوهبوها له فحلها ثم قال رسول الله لو علمت‬
‫البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينًا أبدا وروى من‬
‫وجه آخر ضعيف‪.‬‬
‫أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن القاضي أنبأنا أبو علي حامد بن‬
‫محمد الهوري حدثنا بشر بن موسى حدثنا أبو حفص عمرو بن‬
‫علي حدثنا يعلى بن إبراهيم الغزال حدثنا الهيثم بن حماد عن أبي‬
‫كثير عن زيد ابن أرقم قال كنت مع النبي في بعض سكك‬
‫المدينة فمررنا بخباء أعرابي فإذا ظبية مشدودة إلى الخباء‬
‫فقالت يا رسول الله إن هذا العرابي اصطادني ولي خشفان في‬
‫البرية وقد تعقد اللبن في أخلفي فل هو يذبحني فاستريح ول‬
‫يدعني فأرجع إلى خشفي في البرية فقال لها رسول الله‪ :‬إن‬
‫تركتك ترجعين قالت نعم وإل عذبني الله عذاب العشار فأطلقها‬
‫رسول الله فلم تلبث أن جاءت تلمظ فشدها رسول الله إلى‬
‫الخباء وأقبل العرابي ومعه قربة فقال له رسول الله‪ :‬أتبيعنيها؟‬
‫قال هي لك يا رسول الله‪ .‬فأطلقها رسول الله‪.‬‬
‫قال زيد بن أرقم‪ :‬فأنا والله رأيتها تسيح في البرية وتقول‪ :‬ل إله‬
‫إل الله محمد رسول الله‪.‬‬
‫قال الهيثمي في مجمع الزوائد‪.‬‬

‫عن أنس بن مالك قال‪ :‬مر رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلمعلى قوم قد صادوا ظبية فشدوها إلى عمود فسطاط‬
‫فقالت‪ :‬يا رسول الله إني وضعت ولدين خشفين فاستأذن لي أن‬
‫أرضعهما ثم أعود‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬خلوا‬
‫عنها حتى تأتي خشفيها فترضعهما وتأتي إليكما"‪ .‬قالوا‪ :‬ومن لنا‬
‫بذلك يا رسول الله؟ قال‪" :‬أنا"‪ .‬فأطلقوها فذهبت فأرضعت ثم‬
‫رجعت إليهم فأوثقوها‪ .‬قال‪" :‬تبيعوها"‪ .‬قال‪ :‬يا رسول الله هي‬
‫لك‪ ،‬فخلوا عنها فأطلقوها فذهبت‪.‬‬

‫‪299‬‬
‫رواه الطبراني في الوسط وفيه صالح المري وهو ضعيف‪.‬‬
‫وعن أم سلمة قالت‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في‬
‫الصحراء فإذا مناد يناديه‪ :‬يا رسول الله فالتفت فلم ير أحدا ً ثم‬
‫التفت فإذا ظبية موثوقة فقالت‪ :‬ادن مني يا رسول الله‪ ،‬فدنا‬
‫منها فقال‪" :‬حاجتك؟"‪ .‬فقالت‪ :‬إن لي خشفين في هذا الجبل‬
‫فخلني حتى أذهب فأرضعهما ثم أرجع إليك‪ .‬قال‪" :‬وتفعلين؟"‪.‬‬
‫قالت‪ :‬عذبني الله عذاب العشار إن لم أفعل‪ .‬فأطلقها فذهبت‬
‫فأرضعت خشفيها ثم رجعت فأوثقها‪ ،‬وانتبه العرابي فقال‪ :‬ألك‬
‫حاجة يا رسول الله؟ قال‪" :‬نعم تطلق هذه"‪ .‬فأطلقها فخرجت‬
‫تعدو وهي تقول‪ :‬أشهد أن ل إله إل الله وأنك رسول الله‪.‬‬
‫رواه الطبراني وفيه أغلب بن تميم وهو ضعيف‪.‬‬
‫‪ - J‬ومن هذا الباب ماروي من تسخير السد لسفينة مولى رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬إذا وجهه إلى معاذ باليمن فلقي‬
‫السد فعرفه أنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه‬
‫كتابه‪ ،‬فهمهم وتنحى عن الطريق‪ ،‬وذكر في منصرفه مثل ذلك‪.‬‬
‫‪ - J‬وفي رواية أخرى عنه ـ أن سفينة تكسرت به‪ ،‬فخرج إلى‬
‫جزيرة فإذا السد‪ ،‬فقلت له‪ :‬أنا مولى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فجعل يغمزني بمنكبه حتى أقامني على الطريق‪.‬‬
‫ذكره البيهقي في دلئل النبوة قال‪:‬‬
‫باب ما جاء في تسخير الله عز وجل السد لسفينة مولى‬
‫رسول الله كرامة لرسول الله وما روي في معناه‬
‫أخبرنا أبو زكرياء يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي‬
‫أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن عبد الوهاب‬
‫أنبأنا جعفر بن عون أنبأنا أسامة بن زيد عن محمد بن عمرو عن‬
‫محمد بن المنكدر عن سفينه مولى رسول الله قال‬
‫ركبت سفينة في البحر فانكسرت فركبت لوحا منها فاخرجني‬
‫إلى أجمة فيها أسد إذ أقبل السد فلما رأيته قلت يا أبا الحارث‬
‫أنا سفينة مولى رسول الله فأقبل نحوي حتى ضربني بمنكبه ثم‬
‫مشى معى حتى أقامني على الطريق قال ثم همهم ساعة‬
‫وضربني بذنبه فرأيت أنه يودعني‬
‫وأخبرني أبو نصر بن قتادة حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن‬
‫زكريا حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي حدثنا‬
‫يوسف بن عدي حدثنا عبد الله بن وهب عن أسامة بن زيد أن‬
‫محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان حدثه عن محمد بن‬
‫المنكدر‬
‫أن سفينة مولى رسول الله قال ركبت البحر فانكسرت بي‬
‫سفينتي التي كنت فيها فركبت لوحا من ألواحها فطرحني اللوح‬

‫‪300‬‬
‫إلى أجمه فيها السد فدخلت فخرج إلي السد فأقبل إلي فقلت‬
‫يا أبا الحارث أنا مولى رسول‬
‫الله فطأطأ رأسه وأقبل إلي يدفعني بمنكبيه فأخرجني من‬
‫الجمة ووقفني على الطريق ثم همهم فظننت أنه يودعني فكان‬
‫هذا آخر عهدي به‬
‫أخبرنا أبو الحسين بن بشران العبد ببغداد أنبأنا إسماعيل بن‬
‫محمد الصفار حدثنا أحمد بن منصور حدثنا عبد الرزاق أنبأنا‬
‫معمر عن الحجبي عن ابن المنكدر‬
‫أن سفينة مولى رسول الله أخطأ الجيش بأرض الروم أو أسر‬
‫في أرض الروم فانطلق هاربا يلتمس الجيش فإذا هو بالسد‬
‫فقال له يا أبا الحارث إني مولى رسول الله كان من أمري كيت‬
‫وكيت فأقبل السد يبصبصه حتى قام إلى جنبه كلما سمع صوتا‬
‫أهوى إليه ثم أقبل يمشي إلى جنبه فلم يزل كذلك حتى بلغ‬
‫الجيش ثم رجع السد والله تعالى هو أعلم‬
‫باب ما جاء في معجزة أخرى ظهرت له في موله سفينة‬
‫وبذلك سمي سفينة‬
‫أخبرنا أبو منصور الظفري محمد بن أحمد العلوي رحمه الله‬
‫أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم حدثنا أحمد بن حازم بن‬
‫أبي غرزة حدثنا عبيد الله بن موسى وأبو نعيم عن حشرج بن‬
‫نباتة قال حدثنا سعيد بن جمهان عن سفينة قال قلت لسفينة ما‬
‫اسمك قال ما أنا بمخبركم ثم قال سماني رسول الله سفينة‬
‫قلت ولم سماك سفينة قال خرج رسول الله ومعه أصحابه فثقل‬
‫عليهم متاعهم فقال لي رسول الله ابسط كساءك فبسطته‬
‫فجعلوا فيه متاعهم فحملوه علي فقال رسول الله احمل فإنما‬
‫أنت سفينة فلو حملت من يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلثة أو‬
‫أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة ما ثقل علي إل أن يخفو‬
‫‪ - J‬وأخذ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأذن شاة لقوم من عبد‬
‫القيس بين إصبعه‪ ،‬ثم خلها فصار لها ميسماً‪ ،‬وبقي ذلك الثر‬
‫وفي نسلها بعد‪.‬‬
‫‪ - J‬وما روي عن إبراهيم بن حماد بسنده من كلم الحمار الذي‬
‫أصابه بخيبر‪ ،‬وقال له‪ :‬اسمي يزيد بن شهاب‪.‬فسماه النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يعفورا‪ ،‬وأنه كان يوجهه إلى دور أصحابه‪،‬‬
‫فيضرب عليهم الباب برأسه‪ ،‬ويستدعيهم‪ ،‬وأن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم لما مات‪ ،‬تردى في بئر جزعا ً وحزناً‪ ،‬فمات‪.‬‬
‫قال ابن كثير في البداية والنهاية فأما ما ذكره القاضي عياض بن‬
‫موسى السبتي في كتابه الشفا وذكره قبل إمام الحرمين في‬
‫كتابه الكبير في أصول الدين وغيرهما انه كان لرسول الله صلى‬

‫‪301‬‬
‫الله عليه وسلم حمار يسمى زياد بن شهاب وأن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم كان يبعثه ليطلب له بعض أصحابه فيجيء‬
‫إلى باب أحدهم فيقعقعه فيعلم أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يطلبه وأنه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه سللة‬
‫سبعين حمارا كل منها ركبه نبي وأنه لما توفي رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ذهب فتردى في بئر فمات فهو حديث ل يعرف‬
‫له إسناد بالكلية وقد أنكره غير واحد من الحفاظ منهم عبد‬
‫الرحمن بن أبي حاتم وأبوه رحمهما الله وقد سمعت شيخنا‬
‫الحافظ أبا الحجاج المزي رحمه الله ينكره غير مرة إنكارا شديدا‬
‫وقال الحافظ ابو نعيم في كتاب دلئل النبوة ثنا أبو بكر أحمد بن‬
‫محمد بن موسى العنبري ثنا أحمد بن محمد بن يوسف ثنا‬
‫ابراهيم ابن سويد الجذوعي حدثني عبد الله بن أذين الطائي عن‬
‫ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال أتى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر حمار اسود فوقف بين يديه‬
‫فقال من أنت قال أنا عمرو بن فلن كنا سبعة إخوة كلنا ركبنا‬
‫النبياء وأنا أصغرهم وكنت لك فملكني رجل من اليهود فكنت إذا‬
‫ذكرتك كبوت به فيوجعني ضربا فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فأنت يعفور هذا حديث غريب جدا‬
‫‪ -‬وحديث الناقة التي شهدت عند النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫لصاحبها أنه ما سرقها‪ ،‬وأنها ملكه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرجه الحاكم في المستدرك‬
‫حدثني أبو محمد الحسن بن إبراهيم السلمي الفارسي من‬
‫أصل كتابه حدثنا جعفر بن درستويه حدثنا اليمان بن سعيد‬
‫المصيصي حدثنا يحيى بن عبد الله المصري حدثنا عبد الرزاق‬
‫عن معمر عن الزهري عن سالم عن عبد الله بن عمر قال كنا‬
‫جلوسا حول رسول الله صلى الله عليه وسلمإذ دخل أعرابي‬
‫جهوري بدوي يماني على ناقة حمراء فأناخ بباب المسجد فدخل‬
‫فسلم ثم قعد فلما قضى نحبه قالوا يا رسول الله إن الناقة التي‬
‫تحت العرابي سرقة قال أثم بينة قالوا نعم يا رسول الله قال يا‬
‫علي خذ حق الله من العرابي إن قامت عليه البينة وإن لم تقم‬
‫فرده إلي قال فأطرق العرابي ساعة فقال له النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قم يا أعرابي لمر الله وإل فادل بحجتك فقالت‬
‫الناقة من خلف الباب والذي بعثك بالكرامة يا رسول الله إن هذا‬
‫ما سرقني ول ملكني أحد سواه فقال له النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يا أعرابي بالذي أنطقها بعذرك ما الذي قلت قال قلت‬
‫اللهم إنك لست برب استحدثناك ول معك إله أعانك على خلقنا‬
‫ول معك رب فنشك في ربوبيتك أنت ربنا كما نقول وفوق ما‬

‫‪302‬‬
‫يقول القائلون أسألك أن تصلي على محمد وأن تبرئني ببراءتي‬
‫فقال له النبي صلى الله عليه وسلم والذي بعثني بالكرامة يا‬
‫أعرابي لقد رأيت الملئكة يبتدرون أفواه الزقة يكتبون مقالتك‬
‫فأكثر الصلة علي رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات ويحيى بن‬
‫عبد الله المصري هذا لست أعرفه بعدالة ول جرح‪.‬‬
‫‪ -‬وفي العنز‪ :‬التي أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في‬
‫عسكره‪ ،‬وقد أصابهم عطش‪ ،‬ونزلوا على غير ماء‪ ،‬وهم زهاء‬
‫ثلثمائة‪ ،‬فحلبها رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فأروى الجند‪،‬‬
‫ثم قال لرافع‪ :‬أملكها وما أراك‪ .‬فربطها فوجدها قد انطلقت‪.‬‬
‫رواه ابن قانع و غيره‪ ،‬وفيه‪ :‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬إن الذي جاء بها هو الذي ذهب بها ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرج البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫باب ما جاء في الشاة التي ظهرت فحلبت فأروت ثم ذهبت‬
‫فلم توجد‬
‫أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد أنبأنا اسماعيل بن محمد‬
‫الصفار حدثنا محمد بن الفرج الزرق حدثنا عصمة بن سليمان‬
‫الخزاز حدثنا خلف ابن خليفة عن أبي هاشم الرماني عن نافع‬
‫وكانت له صحبة من رسول الله قال‬
‫كنا مع رسول الله في سفر لنا كنا أربعمائة رجل فنزلنا في‬
‫موضع ليس فيه ماء فشق ذلك على أصحابه فقالوا رسول الله‬
‫أعلم قال فجاءت شويهة لها قرنان فقامت بين يدي رسول الله‬
‫فحلبها فشرب حتى روي وسقي أصحابه حتى رووا ثم قال يا‬
‫نافع أملكها الليلة وما أراك تملكها قال فاخذتها فوتدت لها وتدا‬
‫ثم قمت في بعض الليل فلم أر الشاة ورأيت الحبل مطروحا‬
‫فجئت النبي فاخبرته من قبل أن يسألني فقال يا نافع ذهب بها‬
‫الذي جاء بها‬
‫وفي كتاب محمد بن سعد أنبأنا خلف بن الوليد أبو الوليد الزدي‬
‫حدثنا خلف بن خليفة عن آبان بن بشير عن شيخ من أهل‬
‫البصرة عن نافع فذكره‬
‫أخبرنا أبو سعد الماليني أنبأنا أبو أحمد بن عدي حدثنا العباس بن‬
‫محمد بن العباس حدثنا أحمد بن سعيد بن أبي مريم حدثنا أبو‬
‫حفص الرياحي حدثنا عامر بن أبي عامر الخزاز عن ابيه عن‬
‫الحسن بن سعد يعني مولى أبي بكر قال‬
‫قال رسول الله احلب لي العنز قال وعهدي بذلك الموضع ل‬
‫عنز فيه قال فاتيت بعنز حافل قال فاحتلبتها واحتفظت بالعنز‬
‫واوصيت بها قال فاشتغلنا بالرحلة ففقدت العنز فقلت يا رسول‬
‫الله فقدت العنز قال فقال إن لها ربا‬

‫‪303‬‬
‫أخبرنا الستاذ ابو بكر محمد بن الحسن بن فورك أنبأنا عبد الله‬
‫بن جعفر الصبهاني حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود‬
‫الطيالسي حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن ابنه خباب أنها أتت‬
‫رسول الله بشاة فاعتقلها وحلبها النبي وقال ائتني بأعظم إناء‬
‫لكم فأتيناه بجفنة العجين فحلب فيها حتى ملها ثم قال اشربوا‬
‫وجيرانكم‬
‫‪ - J‬وقالصلى الله عليه وسلم ‪ :‬لفرسه وقد قام إلى الصلة في‬
‫بعض أسفاره‪ :‬ل تبرح‪ ،‬بارك الله فيك حتى نفرغ من صلتنا‬
‫وجعله قبلته‪ ،‬فما حرك عضوا ً حتى صلى صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪-‬ويلتحق بهذا ما رواه الواقدي ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫لما وجه رسله إلى الملوك‪ ،‬فخرج ستة نفر منهم في يوم واحد‪،‬‬
‫فأصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعثه إليهم ‪.‬‬
‫والحديث في هذا الباب كثير‪ ،‬وقد جئنا منه بالمشهور‪ ،‬وما وقع‬
‫في كتب الئمة‪.‬‬
‫الفصل التاسع عشر‬
‫في إحياء الموتى و كلمهم‪ ،‬وكلم الصبيان و المراضع و شهادتهم‬
‫لهم بالنبوة صلى الله عليه وسلم‬
‫حدثنا أبوالوليد هشام بن أحمد الفقيه بقراءتي عليه‪ ،‬القاضي أبو‬
‫الوليد محمد بن رشد‪ ،‬والقاضي أبو عبد الله محمد بن عيسى‬
‫التميمي‪ ،‬و غيره واحد سماعا ً و إذاناً‪ ،‬قالوا‪ :‬حدثنا أبو علي‬
‫الحافظ قال‪ :‬حدثنا أبو عمر الحافظ‪ ،‬حدثنا أبو زيد عبد الرحمن‬
‫بن يحي‪ ،‬حدثنا أحمد بن سعيد‪ ،‬حدثنا ابن العرابي‪...‬‬
‫حدثنا أبو داود‪ ،‬حدثنا و هب بن بقية‪ ،‬عن خالد ـ هو الطحان‪ ،‬عن‬
‫محمد بن عمرو‪ ،‬عن أبي سلمة‪ ،‬عن أبي هريرة رضي الله عنه ـ‬
‫أن يهودية أهدت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر شاة مصلية‬
‫سمتها‪ ،‬فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها‪ ،‬و أكل‬
‫القوم‪ ،‬فقال‪ :‬ارفعوا أيديكم‪ ،‬فإنما أخبرتني أنها مسمومة‪.‬‬
‫فمات بشر بن البراء‪ ..‬وقال لليهودية‪ :‬ما حملك على ما صنعت؟‬
‫قالت‪ :‬إن كنت نبيا ً لم يضرك الذي صنعت‪ ،‬و إن كنت ملكا ً أرحت‬
‫الناس منك‪ .‬قال‪ :‬فأمر بها فقتلت‪.‬‬
‫‪-‬وقد روى هذا الحديث أنس‪ ،‬وفيه‪ :‬قالت‪ :‬أردت قتلك‪ .‬فقال‪:‬‬
‫ماكان الله ليسلطك على ذلك‪.‬‬
‫فقالوا‪ :‬نقتلها؟ قال‪ :‬ل‪.‬‬
‫‪-‬وكذالك روى عن أبي هريرة ـ من غير وهب‪ ،‬قال‪ :‬فما عرض‬
‫لها‪.‬‬
‫‪-‬ورواه أيضا ً جابر بن عبد الله‪ ،‬وفيه‪ :‬أخبرني هذه الذراع قال‪ :‬و‬
‫لم يعاقبها‪.‬‬

‫‪304‬‬
‫مني أنها مسمومة‪.‬‬ ‫‪-‬وفي رواية الحسن‪ :‬أن فخذها تُكَل ِّ ُ‬
‫‪-‬وفي رواية أبي سلمة بن عبدالرحمن قالت‪ :‬إني مسمومة‪.‬‬
‫‪-‬وكذلك ذكر الخبر ابن إسحاق‪ ،‬و قال فيه‪ :‬فتجاوزعنها‪.‬‬
‫‪-‬وفي الحديث الخر‪ ،‬عن أنس‪ ،‬قال‪ :‬فما زلت أعرفها في لهوات‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪-‬وفي حديث أبي هريرة ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال ـ في وجعه الذي مات فيه‪ :‬ما زالت أكلة خيبر تعادُّني‪ ،‬فالن‬
‫أوان قطعت أبهري‪.‬‬
‫‪-‬وحكى ابن إسحاق‪ :‬إن كان المسلمون ليرون أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم مات شهيدا ً مع ما أكرمه الله به من النبوة‪.‬‬
‫‪-‬وقال ابن سحنون‪ :‬أجمع أهل الحديث أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قتل اليهودية التي سمته‪.‬‬
‫‪-‬و قد ذكرنا اختلف الروايات في ذلك عن أبي هريرة‪ ،‬وأنس‪،‬‬
‫وجابر‪.‬‬
‫‪-‬وفي رواية ابن عباس رضي الله عنهما ـ أنه دفعها لولياء بشر‬
‫بن البراء فقتلوها‪.‬‬
‫‪-‬وكذلك قد اختلف في قتله للذي سحره‪ ،‬قال الواقدي‪ :‬وعفوه‬
‫عنه أثبت عندنا‪.‬‬
‫‪-‬وروى الحديث البزار‪ ،‬عن أبي سعيد‪ ،‬فذكر مثله‪ ،‬إل أنه قال‬
‫في آخره‪ :‬فبسط يده وقال‪ :‬كلوا بسم الله‪ ،‬فأكلنا‪ ،‬وذكر اسم‬
‫الله‪ ،‬فلم تضر منا أحداً‪.‬‬
‫*قال القاضي أبو الفضل‪ :‬وقد خرج حديث الشاة المسمومة أهل‬
‫الصحيح‪ ،‬وخرجه الئمة‪ ،‬وهو حديث مشهور‪.‬‬
‫‪-‬واختلف أئمة النظر في هذا الباب‪ ،‬فمن قائل يقول‪ :‬هو كلم‬
‫يخلقه الله تعالى في الشاة الميتة أو الحجر أو الشجر وحروف‬
‫وأصوات يحدثها الله ويسمعها منها دون تغيير أشكالها‪ ،‬و نقلها‬
‫عن هيئتها‪.‬‬
‫وهو مذهب الشيخ أبي الحسن‪ ،‬والقاضي أبي بكر رحمهما الله‪.‬‬
‫وآخرون ذهبوا إلى إيجاد الحياة بها‪ ،‬ثم الكلم بعده‪- .‬وحكي هذا‬
‫أيضا ً عن شيخنا أبي الحسن‪ ،‬وكل محتمل‪ ،‬والله أعلم‪ ،‬إذ لم‬
‫نجعل الحياة شرطا ً لوجود الحروف والصوات‪ ،‬إذ ل يستحيل‬
‫وجودها مع عدم الحياة بمجردها‪.‬‬

‫فأما إذا كانت عبارة عن الكلم النفسي فل بد من شرط الحياة‬


‫لها‪ ،‬إذ ل يوجد كلم النفس إل من حي‪ ،‬خلفا ً للجبائي من بين‬
‫سائر متكلمي الفرق في إحالة وجود الكلم اللفظي والحروف‬

‫‪305‬‬
‫والصوات إل من حي مركب على تركيب من يصح منه النطق‬
‫بالحروف والصوات‪.‬‬
‫والتزم ذلك في الحصى‪ ،‬والجذع‪ ،‬والذراع‪ ،‬وقال‪ :‬إن الله خلق‬
‫فيها حياة‪ ،‬وخرق لها فما ً ـ ولساناً‪ ،‬وآلة أمكنها بها من الكلم‪.‬‬
‫وهذا لو كان لكان نقله والتهمم به آكد من التهمم بنقل تسبيحه‬
‫والرواية شيئا ً من‬ ‫أو حنينه‪ ،‬ولم ينقل أحد من أهل السير‬
‫ذلك‪ ،‬فدل على سقوط دعواه‪ ،‬مع أنه ل ضرورة إليه في النظر‪،‬‬
‫والموفق الله‪.‬‬
‫وقفة مع حديث الشاة المسمومة‬
‫البخاري في كتاب الهبة‬
‫حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب‪ :‬حدثنا خالد بن الحارث‪ :‬حدثنا‬
‫شعبة‪ ،‬عن هشام بن زيد‪ ،‬عن أنس بن مالك رضي الله عنه‪:‬أن‬
‫يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل‬
‫منها‪ ،‬فجيء بها‪ ،‬فقيل‪ :‬أل نقتلها؟ قال‪(:‬ل)‪ .‬فما زلت أعرفها في‬
‫لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫باب‪ :‬الشاة التي سمت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر‪.‬‬
‫رواه عروة‪ ،‬عن عائشه‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا عبد الله بن يوسف‪ :‬حدثنا الليث‪ :‬حدثني سعيد‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم‪.‬‬
‫وروى في كتاب الطب؛ وفي أبواب الجزية والموادعة‪...‬‬
‫‪ -‬حدثنا عبد الله بن يوسف‪ :‬حدثنا الليث قال‪ :‬حدثني سعيد‪ ،‬عن‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه قال‪:‬‬
‫لما فتحت خيبر أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها‬
‫سم‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم(اجمعوا إلي من كان ها‬
‫هنا من يهود)‪ .‬فجمعوا له‪ ،‬فقال‪(:‬إني سائلكم عن شيء فهل‬
‫أنتم صادقي عنه)‪ .‬فقالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال لهم النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم (من أبوكم)‪ .‬قالوا‪ :‬فلن‪ ،‬فقال‪(:‬كذبتم‪ ،‬بل أبوكم فلن)‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬صدقت‪ ،‬قال‪(:‬فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألت عنه)‪.‬‬
‫فقالوا‪ :‬نعم يا أبا القاسم‪ ،‬وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في‬
‫أبينا‪ ،‬فقال لهم‪(:‬من أهل النار؟)‪ .‬قالوا‪ :‬نكون فيها يسيرا‪ ،‬ثم‬
‫تخلفونا فيها‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪(:‬اخسؤوا فيها‪،‬‬
‫والله ل نخلفكم فيها أبدا)‪ .‬ثم قال‪(:‬هل أنتم صادقي عن شيء‬
‫إن سألتكم عنه)‪ .‬فقالوا‪ :‬نعم يا أبا القاسم‪ ،‬قال‪(:‬هل جعلتم في‬
‫هذه الشاة سما)‪ .‬قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪(:‬ما حملكم على ذلك)‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫أردنا إن كنت كاذبا نستريح‪ ،‬وإن كنت نبيا لم يضرك‪.‬‬
‫قال ابن حجر‬

‫‪306‬‬
‫حديث أنس أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة‬
‫مسمومة فأكل منها الحديث وسيأتي شرحه في غزوة خيبر من‬
‫المغازي واسم اليهودية المذكورة زينب وقد اختلف في اسلمها‬
‫كما سيأتي‬
‫قوله فأكل منها فجيء بها زاد مسلم وأحمد في روايته من‬
‫الوجه المذكور هنا فأكل منه فقال أنها جعلت فيه سما وزاد‬
‫مسلم بعد قوله فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فسألها عن ذلك فقالت أردت لقتلك قال ما كان الله ليسلطك‬
‫علي قوله فقيل أل نقتلها في رواية أحمد ومسلم فقالوا يا‬
‫رسول الله "أل نقتلها؟ "‬
‫قوله في لهوات بفتح اللم جمع لهاة وهي سقف الفم أو اللحمة‬
‫المشرفة على الحلق وقيل هي أقصى الحلق وقيل ما يبدو من‬
‫الفم عند التبسم‬
‫وقال‬
‫قوله باب الشاة التي سمت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر‬
‫أي جعل فيها السم والسم مثلث السين قوله رواه عروة عن‬
‫عائشة لعله يشير إلى الحديث الذي ذكره في الوفاة النبوية من‬
‫هذا الوجه معلقا أيضا وسيأتي ذكره هناك‬
‫قوله حدثني سعيد هو بن أبي سعيد المقبري قوله لما فتحت‬
‫خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم‬
‫هكذا أورده مختصرا وقد سبق مطول في أواخر الجزية فذكر هذا‬
‫الطرف وزاد فقال النبي صلى الله عليه وسلم اجمعوا لي من‬
‫كان هاهنا من يهود فذكر الحديث وسيأتي شرح ما يتعلق بذلك‬
‫في كتاب الطب قال بن إسحاق لما اطمأن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بعد فتح خيبر أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلم بن‬
‫مشكم شاة مشوية وكانت سألت أي عضو من الشاة أحب اليه‬
‫قيل لها الذراع فأكثرت فيها من السم فلما تناول الذراع لك منها‬
‫مضغة ولم يسغها وأكل معه بشر بن البراء فأساغ لقمته فذكر‬
‫القصة وأنه صفح عنها وأن بشر بن البراء مات منها وروى‬
‫البيهقي من طريق سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن‬
‫المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة أن امرأة من اليهود أهدت‬
‫لرسول اللهصلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فأكل فقال‬
‫لصحابه أمسكوا فإنها مسمومة وقال لها ما حملك على ذلك‬
‫قالت أردت إن كنت نبيا فيطلعك الله وإن كنت كاذبا فأريح‬
‫الناس منك قال فما عرض لها ومن طريق أبي نضرة عن جابر‬
‫نحوه فقال فلم يعاقبها وروى عبد الرزاق في مصنفه عن معمر‬
‫عن الزهري عن أبي بن كعب مثله وزاد فاحتجم على الكاهل‬

‫‪307‬‬
‫قال قال الزهري فأسلمت فتركها قال معمر والناس يقولون‬
‫قتلها وأخرج بن سعد عن شيخه الواقدي بأسانيد متعددة له هذه‬
‫القصة مطولة وفي آخره قال فدفعها إلى ولة بشر بن البراء‬
‫فقتلوها قال الواقدي وهو الثبت وأخرج أبو داود من طريق يونس‬
‫عن الزهري عن جابر نحو رواية معمر عنه وهذا منقطع لن‬
‫الزهري لم يسمع من جابر ومن طريق محمد بن عمرو عن أبي‬
‫سلمة نحوه مرسل قال البيهقي وصله حماد بن سلمة عن محمد‬
‫بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال البيهقي يحتمل أن‬
‫يكون تركها أول ثم لما مات بشر بن البراء من الكلة قتلها وبذلك‬
‫أجاب السهيلي وزاد إنه كان تركها لنه كان ل ينتقم لنفسه ثم‬
‫قتلها ببشر قصاصا قلت ويحتمل أن يكون تركها لكونها أسلمت‬
‫وإنما أخر قتلها حتى مات بشر لن بموته تحقق وجوب القصاص‬
‫بشرطه ووافق موسى بن عقبة على تسميتها زينب بنت الحارث‬
‫وأخرج الواقدي بسند له عن الزهري أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال لها ما حملك على ما فعلت قالت قتلت أبي وعمي‬
‫وزوجي وأخي قال فسألت إبراهيم بن جعفر فقال عمها يسار‬
‫وكان من أجبن الناس وهو الذي أنزل من الرف وأخوها زبير‬
‫وزوجها سلم بن مشكم ووقع في سنن أبي داود أخت مرحب‬
‫وبه جزم السهيلي وعند البيهقي في الدلئل بنت أخي مرحب‬
‫ولم ينفرد الزهري بدعواه أنها أسلمت فقد جزم بذلك سليمان‬
‫التيمي في مغازيه ولفظه بعد قولها وإن كنت كاذبا أرحت الناس‬
‫منك وقد استبان لي الن أنك صادق وأنا أشهدك ومن حضر أني‬
‫على دينك وأن ل إله إل الله وأن محمدا عبده ورسوله قال‬
‫فانصرف عنها حين أسلمت‪....‬‬
‫وقال‪ :‬قوله باب ما يذكر في سم النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫الضافة فيه إلى المفعول قوله رواه عروة عن عائشة كأنه يشير‬
‫إلى ما علقه في الوفاة النبوية آخر المغازي فقال قال يونس عن‬
‫بن شهاب قال عروة قالت عائشة كان النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه يا عائشة ما أزال أجد ألم‬
‫الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك‬
‫السم‪ ..‬وقد ذكرت هناك من وصله وهو البزار وغيره‪ ...‬وقوله‬
‫أجد ألم الطعام أي اللم الناشىء عن ذلك الكل ل أن الطعام‬
‫نفسه بقي إلى تلك الغاية وأخرج الحاكم من حديث أم مبشر نحو‬
‫حديث عائشة ثم ذكر حديث أبي هريرة في قصة الشاة‬
‫المسمومة التي أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وقد‬
‫تقدم ذكره في غزوة خيبر وأنه أخرجه مختصرا وفي أواخر‬
‫الجزية مطول‬

‫‪308‬‬
‫قوله أهديت بضم أوله على البناء للمجهول تقدم في الهبة من‬
‫رواية هشام بن زيد عن أنس أن يهودية أتت النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجىء بها الحديث فعرف‬
‫أن التي أهدت الشاة المذكورة امرأة وقدمت في المغازي أنها‬
‫زينب بنت الحارث امرأة سلم بن مشكم أخرجه بن إسحاق بغير‬
‫إسناد وأورده بن سعد من طرق عن بن عباس بسند ضعيف‬
‫ووقع في مرسل الزهري أنها أكثرت السم في الكتف والذراع‬
‫لنه بلغها أن ذلك كان أحب أعضاء الشاة إليه وفيه فتناول رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم الكتف فنهش منها وفيه فلما ازدرد‬
‫لقمته قال إن الشاة تخبرني يعني أنها مسمومة وبينت هناك‬
‫الختلف هل قتلها النبي صلى الله عليه وسلم أو تركها ووقع في‬
‫حديث أنس المشار إليه فقيل ال تقتلها قال ل قال فما زلت‬
‫أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم كيفية‬
‫الجمع بين الختلف المذكور ومن المستغرب قول محمد بن‬
‫سحنون أجمع أهل الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قتلها قوله اجمعوا لي لم أقف على تعيين المأمور بذلك قوله أني‬
‫سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقوني عنه كذا وقع في هذا‬
‫الحديث في ثلثة مواضع قال بن التين ووقع في بعض النسخ‬
‫صادقي بتشديد الياء بغير نون وهو الصواب في العربية لن أصله‬
‫صادقوني فحذفت النون للضافة فاجتمع حرفا علة سبق الول‬
‫بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت ومثله وما أنتم بمصرخي وفي‬
‫حديث بدء الوحي أو مخرجي هم انتهى وإنكاره الرواية من جهة‬
‫العربية ليس بجيد فقد وجهها غيره قال بن مالك مقتضى الدليل‬
‫أن تصحب نون الوقاية اسم الفاعل وأفعل التفضيل والسماء‬
‫المعربة المضافة إلى ياء المتكلم لتقيها خفاء العراب فلما‬
‫منعت ذلك كانت كأصل متروك فنبهوا عليه في بعض السماء‬
‫المعربة المشابهة للفعل كقول الشاعر وليس الموافيني ليرتد‬
‫خائبا فإن له أضعاف ما كان أمل ومنه في الحديث غير الدجال‬
‫أخوفني عليكم والصل فيه أخوف مخوفاتي عليكم فحذف‬
‫المضاف إلى الياء وأقيمت هي مقامه فاتصل أخوف بها مقرونة‬
‫بالنون وذلك أن أفعل التفضيل شبيه بفعل التعجب وحاصل كلمه‬
‫أن النون الباقية هي نون الوقاية ونون الجمع حذفت كما تدل‬
‫عليه الرواية الخرى بلفظ صادقي ويمكن تخريجه أيضا على أن‬
‫النون الباقية هي نون الجمع فإن بعض النحاة أجاز في الجمع‬
‫المذكر السالم أن يعرب بالحركات على النون مع الواو ويحتمل‬
‫أن تكون الياء في محل نصب بناء على أن مفعول اسم الفاعل‬
‫إذا كان ضميرا بارزا متصل به كان في محل نصب وتكون النون‬

‫‪309‬‬
‫على هذا أيضا نون الجمع قوله من أبوكم قالوا أبونا فلن فقال‬
‫رسول اللهصلى الله عليه وسلم كذبتم بل أبوكم فلن فقالوا‬
‫صدقت وبررت بكسر الراء الولى وحكى فتحها وهو من البر‬
‫قوله نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها بضم اللم مخففا أي‬
‫تدخلون فتقيمون في المكان الذي كنا فيه وضبطه الكرماني‬
‫بتشديد اللم وقد أخرج الطبري من طريق عكرمة قال خاصمت‬
‫اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقالوا لن‬
‫ندخل النار إل أربعين ليلة وسيخلفنا إليها قوم آخرون يعنون‬
‫محمدا وأصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده‬
‫على رءوسهم بل أنتم خالدون يخلدون ل مخلفكم فيها أحد‬
‫معْدُودَة ً قُ ْ‬
‫ل‬ ‫سنَا النَّاُر إِل َّ أَيَّاما ً َّ‬ ‫م َّ‬ ‫فأنزل الله تعالى _((وَقَالُوا ْ لَن ت َ َ‬
‫َ‬ ‫أَت َّ َ‬
‫ن ع َلَى اللّهِ‬ ‫م تَقُولُو َ‬ ‫ه عَهْدَه ُ أ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫خل ِ َ‬‫عند َ اللّهِ عَهْدا ً فَلَن ي ُ ْ‬ ‫م ِ‬‫خذ ْت ُ ْ‬
‫ه فَأُوْلَـئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫خطِيـئَت ُ ُ‬ ‫ت بِهِ َ‬ ‫حاط َ ْ‬
‫ما ل َ تعل َمون * بلَى من ك َسب سيئ َ ً َ‬
‫ة وَأ َ‬ ‫َ َ َ ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ن) (البقرة‪)81 - 80 :‬ومن طريق بن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خالِدُو َ‬ ‫م فِيهَا َ‬ ‫ب الن ّارِ هُ ْ‬
‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫أ ْ‬
‫إسحاق عن سيف بن سليم عن مجاهد عن بن عباس أن اليهود‬
‫كانوا يقولون هذه الدنيا سبعة آلف سنة وإنما نعذب بكل ألف‬
‫سنة يوما في النار وإنما هي سبعة أيام فنزلت وهذا سند حسن‬
‫وأخرج الطبري أيضا من وجه آخر عن عكرمة قال اجتمعت يهود‬
‫تخاصم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا لن تصيبنا النار فذكر‬
‫نحوه وزاد فقال النبيصلى الله عليه وسلم كذبتم بل أنتم خالدون‬
‫مخلدون ل نخلفكم فيها أبدا إن شاء الله تعالى فنزل القرآن‬
‫تصديقا للنبي صلى الله عليه وسلم ومن طريق عبد الرحمن بن‬
‫زيد بن أسلم حدثني أبي زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال ليهود أنشدكم الله من أهل النار الذين ذكرهم‬
‫الله في التوراة قالوا إن الله غضب علينا غضبة فنمكث في النار‬
‫أربعين يوما ثم نخرج فتخلفوننا فيها فقال كذبتهم والله ل نخلفكم‬
‫فيها أبدا فنزل القرآن تصديقا له وهذان خبران مرسلن يقوي‬
‫أحدهما الخر ويستفاد منهما تعيين مقدار اليام المعدودة‬
‫المذكورة في الية وكذا في حديث أبي هريرة حيث قال فيه أياما‬
‫يسيرة وأخرج الطبري أيضا من رواية قتادة وغيره أن حكمة‬
‫العدد المذكور وهو الربعون أنها المدة التي عبدوا فيها العجل‬
‫قوله اخسئوا فيها هو زجر لهم بالطرد والبعاد أو دعاء عليهم‬
‫بذلك قوله والله ل نخلفكم فيها أبدا أي ل تخرجون منها ول نقيم‬
‫بعدكم فيها لن من يدخل النار من عصاة المسلمين يخرج منها‬
‫فل يتصور أنه يخلف غيره أصل قوله أردنا إن كنت كاذبا في رواية‬
‫المستملي والسرخسي إن كنت كذابا قوله وإن كنت نبيا لم‬
‫يضرك يعني على الوجه المعهود من السم المذكور وفي حديث‬

‫‪310‬‬
‫أنس المشار إليه فقالت أردت لقتلك فقال ما كان الله ليسلطك‬
‫على ذلك وفي رواية سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن‬
‫المسيب عن أبي هريرة في نحو هذه القصة فقالت أردت أن‬
‫أعلم إن كنت نبيا فسيطلعك الله عليه وإن كنت كاذبا فأريح‬
‫الناس منك أخرجه البيهقي وأخرج نحوه موصول عن جابر‬
‫وأخرجه بن سعد بسند صحيح عن بن عباس ووقع عند بن سعد‬
‫عن الواقدي بأسانيده المتعددة أنها قالت قتلت أبي وزوجي‬
‫وعمي وأخي ونلت من قومي ما نلت فقلت إن كان نبيا‬
‫فسيخبره الذراع وإن كان ملكا استرحنا منه وفي الحديث إخباره‬
‫صلى الله عليه وسلم عن الغيب وتكليم الجماد له ومعاندة اليهود‬
‫لعترافهم بصدقه فيما أخبر به عن اسم أبيهم وبما وقع منهم من‬
‫دسيسة السم ومع ذلك فعاندوا واستمروا على تكذيبه وفيه قتل‬
‫من قتل بالسم قصاصا وعن الحنفية إنما تجب فيه الدية ومحل‬
‫ذلك إذا استكرهه عليه اتفاقا وأما إذا دسه عليه فأكله ففيه‬
‫اختلف للعلماء فإن ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قتل اليهودية‬
‫ببشر بن البراء ففيه حجة لمن يقول بالقصاص في ذلك والله‬
‫أعلم وفيه أن الشياء كالسموم وغيرها ل تؤثر بذواتها بل بإذن‬
‫الله لن السم أثر في بشر فقيل إنه مات في الحال وقيل إنه‬
‫بعد حول ووقع في مرسل الزهري في مغازي موسى بن عقبة‬
‫أن لونه صار في الحال كالطيلسان يعني أصفر شديد الصفرة‬
‫وأما قول أنس فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فاللهوات جمع لهاة ويجمع أيضا على لهى بضم‬
‫أوله والقصر منون ولهيان وزن إنسان وقد تقدم بيانها فيما مضى‬
‫في الطب في الكلم على العذرة وهل اللحمة المعلقة في أصل‬
‫الحنك وقيل هي ما بين منقطع اللسان إلى منقطع أصل الفم‬
‫وهذا هو الذي يوافق الجمع المذكور ومراد أنس أنه صلى الله‬
‫عليه وسلم كان يعتريه المرض من تلك الكلة أحيانا وهو موافق‬
‫لقوله في حديث عائشة ما أزال أجد ألم الطعام ووقع في مغازي‬
‫موسى بن عقبة عن الزهري مرسل ما زلت أجد من الكلة التي‬
‫أكلت بخيبر عدادا حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري ومثله في‬
‫الرواية المذكورة عند بن سعد والعداد بكسر المهملة والتخفيف‬
‫ما يعتاد والبهر عرق في الظهر تقدم بيانه في الوفاة النبوية‬
‫ويحتمل أن يكون أنس أراد أنه يعرف ذلك في اللهوات بتغير‬
‫لونها أو بنتوء فيها أو تحفير قاله القرطبي‪...‬‬
‫مسلم في كتاب السلم باب السم‬
‫حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي‪ .‬حدثنا خالد بن الحارث‪ .‬حدثنا‬
‫شعبة عن هشام بن زيد‪ ،‬عن أنس؛‬

‫‪311‬‬
‫أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة‬
‫مسمومة‪ .‬فأكل منها‪ .‬فجيء بها إلى رسول الله ص‪ .‬فسألها عن‬
‫ذلك؟ فقالت‪ :‬أردت لقتلك‪ .‬قال" ما كان الله ليسلطك على‬
‫ذاك" قال أو قال "علي" قال قالوا‪ :‬أل نقتلها؟ قال "ل" قال‪ :‬فما‬
‫زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال النووي‬
‫قوله‪(:‬أن يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة‬
‫مسمومة فأكل منها فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فسألها عن ذاك قالت أردت لقتلك‪ ،‬قال‪ :‬وما كان الله‬
‫ليسلطك على ذاك قال أو قال علي‪ ،‬قالوا‪ :‬أل نقتلها؟ قال‪ :‬ل‪،‬‬
‫قال‪ :‬فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم)‪ .‬وفي الرواية الخرى‪(:‬جعلت سما ً في لحم)‪ .‬أما السم‬
‫فبفتح السين وضمها وكسرها ثلث لغات الفتح أفصح جمعه‬
‫سمام وسموم‪ .‬وأما اللهوات فبفتح اللم والهاء جمع لهات بفتح‬
‫اللم وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أصل الحنك قاله‬
‫الصمعي‪ .‬وقيل اللحمات اللواتي في سقف أقصى الفم‪.‬‬
‫وقوله‪(:‬ما زلت أعرفها) أي العلمة كأنه بقي للسم علمة وأثر‬
‫من سواد أو غيره‪ .‬وقولهم‪(:‬أل نقتلها) هي بالنون في أكثر النسخ‬
‫وفي بعضها بتاء الخطاب‪ .‬وقوله صلى الله عليه وسلم "ما كان‬
‫الله ليسلطك على ذاك أو قال علي" فيه بيان عصمته صلى الله‬
‫عليه وسلم من الناس كلهم كما قال الله تعالى‪{ :‬والله يعصمك‬
‫من الناس} وهي معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في‬
‫سلمته من السم المهلك لغيره وفي إعلم الله تعالى له بأنها‬
‫مسمومة وكلم عضو منه له فقد جاء في غير مسلم أنه صلى‬
‫الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلمإن الذراع تخبرني أنها‬
‫مسمومة وهذه المرأة اليهودية الفاعلة للسم اسمها زينب بنت‬
‫الحارث أخت مرحب اليهودي روينا تسميتها هذه في مغازي‬
‫موسى بن عقبة ودلئل النبوة للبيهقي قال القاضي عياض‪:‬‬
‫واختلف الَثار والعلماء هل قتلها النبي صلى الله عليه وسلم أم‬
‫ل؟ فوقع في صحيح مسلم أنهم قالوا‪ :‬أل نقتلها؟ قال‪ :‬ل‪ .‬ومثله‬
‫عن أبي هريرة وجابر‪ .‬وعن جابر من رواية أبي سلمة أنه صلى‬
‫الله عليه وسلم قتلها‪ .‬وفي رواية ابن عباس أنه صلى الله عليه‬
‫وسلم دفعها إلى أولياء بشر بن البراء بن معرور وكان أكل منها‬
‫فمات بها فقتلوها‪ .‬وقال ابن سحنون‪ :‬أجمع أهل الحديث أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلها‪ .‬قال القاضي‪ :‬وجه الجمع‬
‫بين هذه الروايات والقاويل أنه لم يقتلها أول ً حين اطلع على‬
‫سمها وقيل له اقتلها فقال ل فلما مات بشر بن البراء من ذلك‬

‫‪312‬‬
‫سلمها لوليائه فقتلوها قصاصاً‪ ،‬فيصح قولهم لم يقتلها أي في‬
‫الحال‪ ،‬ويصح قولهم قتلها أي بعد ذلك والله أعلم‪....‬‬
‫وروى هذا الحديث‬
‫ً‬
‫أبو داود في أول كتاب الديات باب فيمن سقى رجل ً سما أو‬
‫أطعمه فمات‪ ،‬أيقاد منه؟‬
‫‪ -1‬حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي‪ ،‬ثنا خالد بن الحارث‪ ،‬ثنا شعبة‪،‬‬
‫عن هشام بن زيد‪ ،‬عن أنس بن مالك‬
‫أن امرأة يهودية أتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بشاةٍ‬
‫مسمومة‪ ،‬فأكل منها‪ ،‬فجيء بها إلى رسول اللّه صلى الله عليه‬
‫وسلم فسألها عن ذلك فقالت‪ :‬أردت لقتلك‪ ،‬فقال‪" :‬ما كان اللّه‬
‫ي" قال‪ :‬فقالوا‪ :‬أل نقتلها؟ قال‪:‬‬ ‫ليسلطك على ذلك" أو قال‪" :‬عل َّ‬
‫"ل" فما زلت أعرفها في لهوات رسول اللّه صلى الله عليه‬
‫وسلم‬
‫‪ -2‬حدثنا داود بن رشيد‪ ،‬ثنا عباد بن العوام‪ ،‬ح وثنا هارون بن عبد‬
‫اللّه‪ ،‬ثنا سعيد بن سليمان‪ ،‬ثنا عباد‪ ،‬عن سفيان بن حسين‪ ،‬عن‬
‫الزهري‪ ،‬عن سعيد وأبي سلمة‪ ،‬قال هارون‪ :‬عن أبي هريرةأن‬
‫امرأة من اليهود أهدت إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم شاةً‬
‫مسمومة قال‪ :‬فما عرض لها النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو‬
‫داود‪ :‬هذه أخت مرحب اليهودية التي سمت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‬
‫‪-3‬حدثنا سليمان بن داود المهري‪ ،‬ثنا ابن وهب قال‪ :‬أخبرني‬
‫يونس‪ ،‬عن ابن شهاب قال‪:‬‬
‫مت شاة‬ ‫كان جابر بن عبد اللّه يحدِّث أن يهودية من أهل خيبر س َّ‬
‫مصليَّة ثم أهدتها لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فأخذ رسول‬
‫ط من‬ ‫اللّه صلى الله عليه وسلم الذِّراع فأكل منها‪ ،‬وأكل ره ٌ‬
‫أصحابه معه‪ ،‬ثم قال لهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"ارفعوا أيديكم" وأرسل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى‬
‫اليهودية فدعاها‪ ،‬فقال لها‪" :‬أسممت هذه الشاة؟" قالت‬
‫اليهودية‪ :‬من أخبرك؟ قال‪" :‬أخبرتني هذه في يدي" للذراع‪،‬‬
‫قالت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪" :‬فما أردت إلى ذلك" قالت‪ :‬قلت‪ :‬إن كان نَبيّاً‬
‫فلن يضَّره‪ ،‬وإن لم يكن نبيّا ً استرحنا منه‪ ،‬فعفا عنها رسول‬
‫اللّهصلى الله عليه وسلم ولم يعاقبها‪ ،‬وتوفي بعض أصحابه الذين‬
‫أكلوا من الشاة‪ ،‬واحتجم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على‬
‫كاهله من أجل الذي أكل من الشاة‪ ،‬حجمه أبو هند بالقَْرن‬
‫والشفرة‪ ،‬وهو مولًى لبني بياضة من النصار‪.‬‬
‫‪ -4‬حدثنا وهب بن بقية‪ ،‬ثنا خالد‪ ،‬عن محمد بن عمرو‪ ،‬عن أبي‬
‫سلمة‬

‫‪313‬‬
‫أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أهدت له يهودية بخيبر شاةً‬
‫مصلية‪ ،‬نحو حديث جابر قال‪ :‬فمات بشر بن البراء بن معرور‬
‫النصاريُّ‪ ،‬فأرسل إلى اليهودية "ما حملك على الّذي صنعت؟"‬
‫فذكر نحو حديث جابر‪ ،‬فأمر بها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‬
‫فقتلت‪ ،‬ولم يذكر أمر الحجامة‪.‬‬
‫‪ -5‬وثنا وهب بن بقية في موضع آخر‪ ،‬عن خالد‪ ،‬عن محمد بن‬
‫عمرو‪ ،‬عن أبي سلمة‪ ،‬ولم يذكر أبا هريرة قال‪:‬‬
‫كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ول يأكل‬
‫الصدقة‪ ،‬زاد‪ :‬فأهدت له يهودية بخيبر شاة ً مصلية سمتها‪ ،‬فأكل‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم منها وأكل القوم فقال‪" :‬ارفعوا‬
‫ة" فمات بشر بن البراء بن‬ ‫أيديكم فإِنها أخبرتني أنها مسموم ٌ‬
‫معرور النصاري‪ ،‬فأرسل إلى اليهودية‪" :‬ما حملك على الذي‬
‫صنعت؟" قالت‪ :‬إن كنت نبيّا ً لم يضَّرك الذي صنعت‪ ،‬وإن كنت‬
‫ملكا ً أرحت الناس منك‪ ،‬فأمر بها رسول اللّه صلى الله عليه‬
‫وسلم فقتلت‪ ،‬ثم قال في وجعه الذي مات فيه‪" :‬ما زلت أجد‬
‫من الكلة التي أكلت بخيبر‪ ،‬فهذا أوان قطعت أبهري"‪.‬‬
‫‪ -6‬حدثنا مخلد بن خالد‪ ،‬قال‪ :‬ثنا عبد الرزاق‪ ،‬أخبرنا معمر‪ ،‬عن‬
‫الزهري‪ ،‬عن ابن كعب بن مالك‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫شر قالت للنبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي‬ ‫مب ّ ِ‬ ‫أن أ َّ‬
‫م ُ‬
‫مات فيه‪ :‬ما يتهم بك يارسول اللّه؟ فإِني ل أتهم بابني شيئا ً إل‬
‫الشاة المسمومة التي أكل معك بخيبر‪ ،‬وقال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬وأنا ل أتهم بنفسي إل ذلك‪ ،‬فهذا أوان قطع‬
‫أبهري"‪.‬‬
‫قال أبو داود‪ :‬وربما حدّث عبد الرزاق بهذا الحديث مرسل ً عن‬
‫معمر‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم وربما حدث‬
‫به عن الزهري‪ ،‬عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك‪ ،‬وذكر عبد‬
‫دّثهم بالحديث مرة مرسل ً فيكتبونه‬ ‫الرزاق أن معمرا ً كان يح ِ‬
‫ل صحيح عندنا‪ ،‬قال عبد‬ ‫ويحدِّثهم مرة به فيسنده فيكتبونه‪ ،‬وك ٌّ‬
‫الرزاق‪ :‬فلما قدم ابن المبارك على معمر أسند له معمر أحاديث‬
‫كان يوقفها‪.‬‬
‫‪ -7‬حدثنا أحمد بن حنبل‪ ،‬ثنا إبراهيم بن خالد‪ ،‬ثنا رباح‪ ،‬عن معمر‪،‬‬
‫عن الزهري‪ ،‬عن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالك‪،‬‬
‫م ِ مبشر‪ ،‬قال أبو سعيد بن العرابي‪ :‬كذا قال عن أمه‪،‬‬ ‫عن أمه أ ّ‬
‫شر‪:‬‬‫والصواب عن أبيه‪ ،‬عن أم مب ّ‬
‫دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر معنى حديث مخلد‬
‫بن خالد [نحو حديث جابر قال‪ :‬فمات بشر بن البراء بن معرور؛‬
‫فأرسل إلى اليهودية فقال‪" :‬ما حملك على الذي صنعت؟" فذكر‬

‫‪314‬‬
‫نحو حديث جابر؛ فأمر بها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‬
‫فقتلت‪ ،‬ولم يذكر الحجامة]‪.‬‬
‫أبن ماجه في كتاب الطب‬
‫حدثنا يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي‪ .‬حدثنا‬
‫بقية‪ .‬حدثنا أبو بكر العنسي عن يزيد بن أبي حبيب‪ ،‬ومحمد بن‬
‫يزيد‪ ،‬المصريين‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا نافع عن ابن عمر قال‪ :‬قالت أم‬
‫سلمة‪ :‬يا رسول الله! ل يزال يصيبك‪ ،‬كل عام‪ ،‬وجع من الشاة‬
‫المسمومة التي أكلت‪ .‬قال‪((:‬ما أصابني شيء منها‪ ،‬إل وهو‬
‫مكتوب علي‪ ،‬وآدم في طينته))‪.‬في الزوائد‪ :‬في إسناده أبو بكر‬
‫العنسي‪ ،‬وهو ضعيف‬
‫الدارمي في مجموعة ابواب في المقدمة باب ما أكرم النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم من كلم الموتى‬
‫‪ -1‬أخبرنا جعفر بن عون أنا محمد بن عمر الليثي عن أبي سلمة‬
‫قال‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الهدية ول يقبل‬
‫الصدقة فأهدت له امرأة من يهود خيبر شاة مصلية فتناول منها‬
‫وتناول منها بشر بن البراء ثم رفع النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يده‪ ،‬ثم قال إن هذه تخبرني انها مسمومة فمات بشر بن البراء‬
‫فأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم ما حملك على ما‬
‫صنعت فقالت إن كنت نبيا لم يضرك شيء وإن كنت ملكا أرحت‬
‫الناس منك‪ ،‬فقال في مرضه‪ :‬ما زلت من الكلة التي أكلت‬
‫بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري‬
‫‪ -2‬أخبرنا الحكم بن نافع أنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري‬
‫قال‪ :‬كان جابر بن عبد الله يحدث ان يهودية من أهل خيبر سمت‬
‫شاة مصلية ثم أهدتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم منها الذراع فأكل منها وأكل الرهط‬
‫من أصحابه معه‪ ،‬ثم قال لهم النبيصلى الله عليه وسلم ارفعوا‬
‫أيديكم وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليهودية فدعاها‪،‬‬
‫فقال لها‪ :‬أسممت هذا الشاة؟ فقالت‪ :‬نعم ومن أخبرك‪ ،‬فقال‬
‫النبيصلى الله عليه وسلم أخبرتني هذه في يدي الذراع فقالت‬
‫نعم قال‪ :‬فماذا أردت إلى ذلك قالت قلت‪ :‬إن كان نبيا لم يضره‬
‫وإن لم يكن نبيا استرحنا منه فعفا عنها رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ولم يعاقبها وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من‬
‫الشاة واحتجم النبي صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل‬
‫الذي أكل من الشاة حجمه أبو هند مولى بني بياضة بالقرن‬
‫والشفرة وهو من بني ثمامة وهم حي من النصار‬
‫الحاكم في المستدرك كتاب معرفة الصحابة‬

‫‪315‬‬
‫‪ -1‬أخبرنا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني‬
‫أبي ثنا إبراهيم بن خالد ثنا رباح عن معمر عن الزهري عن عبد‬
‫الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه عن أم مبشر‬
‫رضى الله تعالى عنها قالت دخلت على رسول اللهصلى الله‬
‫عليه وسلمفي وجعه الذي قبض فيه فقلت بأبي أنت يا رسول‬
‫الله ما تتهم بنفسك فإني ل اتهم بابني إل الطعام الذي أكله معك‬
‫بخيبر وكان ابنها بشر بن البراء بن معرور مات قبل النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ل‬
‫أتهم غيرها هذا أوان انقطاع أبهري هذا صحيح على شرط‬
‫الشيخين ولم يخرجاه‬
‫‪ -2‬حدثنا محمد بن صالح بن هانئ ثنا السري بن خزيمة ثنا عبد‬
‫العزيز بن داود الحراني ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو‬
‫الليثي عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه أن‬
‫امرأة يهودية دعت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابا له على‬
‫شاة مصلية فلما قعدوا يأكلون أخذ رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم لقمة فوضعها ثم قال لهم أمسكوا إن هذه الشاة مسمومة‬
‫فقال لليهودية ويلك لي شيء سممتني قالت أردت أن أعلم إن‬
‫كنت نبيا فإنه ل يضرك وإن كان غير ذلك أن أريح الناس منك‬
‫وأكل منها بشر بن البراء فمات فقتلها رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه‬
‫الحاكم في كتاب الطعمة‬
‫حدثنا أبو أحمد بكر بن محمد الصيرفي بمرو ثنا أبو قلبة‬
‫الرقاشي ثنا أبو عتاب سهل بن حماد ثنا عبد الملك بن أبي نضرة‬
‫عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضى الله تعالى عنه أن يهودية‬
‫أهدت شاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سميطا فلما‬
‫بسط القوم أيديهم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم كفوا‬
‫أيديكم فإن عضوا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة قال فأرسل‬
‫إلى صاحبتها فقال أسممت طعامك هذا قالت نعم أحببت إن‬
‫كنت كاذبا أن أريح الناس منك وإن كنت صادقا علمت أن الله‬
‫سيطلعك عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذكروا‬
‫اسم الله وكلوا فأكلنا فلم يضر أحدا منا شيئا هذا حديث صحيح‬
‫السناد ولم يخرجاه‬
‫البيهقي في كتاب الجراح باب من سقى رجل سما‬
‫‪ -1‬أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو النضر الفقيه ثنا عثمان‬
‫بن سعيد الدارمي ثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي ثنا خالد‬
‫بن الحارث ثنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس أن امرأة يهودية‬
‫أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء‬

‫‪316‬‬
‫بها فقبل أل نقلتها قال ل قال فما زلت أعرفها في لهوات رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ -2‬وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب‬
‫ثنا أحمد بن سلمة ومحمد بن النضر ومحمد بن إسماعيل قال بن‬
‫النضر أنبأ وقال الخران حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي ثنا خالد‬
‫بن الحارث فذكره بمثل إسناده إل أنه قال فجيء بها إلى رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك فقالت أردت لقتلك‬
‫فقال ما كان الله ليسلطك على ذلك أو قال علي قالوا أل نقتلها‬
‫قال ل ثم ذكر باقي الحديث رواه البخاري في الصحيح عن‬
‫الحجبي ورواه مسلم عن يحيى بن حبيب بن عربي‬
‫‪ -3‬أخبرنا أبو علي الروذباري أنبأ أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود ثنا‬
‫داود بن رشيد ثنا عباد بن العوام قال وثنا هارون بن عبد الله ثنا‬
‫سعيد بن سليمان ثنا عباد عن سفيان بن حسين عن الزهري عن‬
‫سعيد وأبي سلمة قال هارون عن أبي هريرة أن امرأة من اليهود‬
‫أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة قال فما‬
‫عرض لها النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ -4‬أخبرنا أبو علي الروذباري أنبأ أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود ثنا‬
‫سليمان بن داود المهري ثنا بن وهب أخبرني يونس عن بن‬
‫شهاب قال كان جابر بن عبد الله يحدث أن يهودية من أهل خيبر‬
‫سمت شاة مصلية ثم أهدتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع فأكل منها وأكل‬
‫رهط من أصحابه معه ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ارفعوا أيديكم وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫إلى اليهودية فدعاها فقال لها أسممت هذا الشاة قالت اليهودية‬
‫من أخبرك قال أخبرتني هذه في يدي للذراع قالت نعم قال فما‬
‫أردت إلى ذلك قالت قلت إن كان نبيا فلن يضره وإن لم يكن نبيا‬
‫استرحنا منه فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم‬
‫يعاقبها وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة وأحتجم‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذي أكل‬
‫من الشاة حجمه أبو هند بالقرن والشفرة وهو مولى لبني بياضة‬
‫من النصار‬
‫‪ -5‬وأخبرنا أبو علي الروذباري أنبأ أبو بكر ثنا أبو داود ثنا وهب بن‬
‫بقية ثنا خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية نحو‬
‫حديث جابر قال فمات بشر بن البراء بن معرور فأرسل إلى‬
‫اليهودية ما حملك على الذي صنعت فذكر نحو حديث جابر قال‬

‫‪317‬‬
‫فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت ولم يذكر أمر‬
‫الحجامة‬
‫‪ -6‬وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا محمد بن صالح بن هانئ ثنا‬
‫السري بن خزيمة ثنا عبد العزيز بن داود الحراني ثنا حماد بن‬
‫سلمة عن محمد بن عمرو الليثي عن أبي سلمة عن أبي هريرة‬
‫أن امرأة يهودية دعت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابا له‬
‫على شاة مصلية فلما قعدوا يأكلون أخذ رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم لقمة فوضعها ثم قال لهم أمسكوا إن هذا الشاة‬
‫مسمومة فقال لليهودية ويلك لي شيء سممتني قالت أردت أن‬
‫أعلم إن كنت نبيا فإنه ل يضرك وإن كان غير ذلك أن أريح الناس‬
‫منك فأكل منها بشر بن البراء فمات فقتلها رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‬
‫‪ -7‬أخبرنا أبو الحسن بن عبدان أنبأ أحمد بن عبيد ثنا إسماعيل بن‬
‫إسحاق الثقفي ثنا أبو همام الوليد بن شجاع قال عباد بن العوام‬
‫عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلمقتلها يعني التي سمته‬
‫‪ -8‬أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الحارث الصبهاني أنبأ علي‬
‫بن عمر الحافظ ثنا أحمد بن إسحاق بن بهلول ثنا أبي ثنا بن أبي‬
‫فديك عن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن جده أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر أتي بشاة مسمومة مصلية‬
‫أهدتها له امرأة يهودية فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫هو وبشر بن البراء فمرضا مرضا شديدا عنها ثم إن بشرا توفي‬
‫فلما توفي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهودية‬
‫فأتى بها فقال ويحك ماذا أطعمتينا قالت أطعمتك السم عرفت‬
‫إن كنت نبيا أن ذلك ل يضرك وإن الله سيبلغ فيك أمره وإن كنت‬
‫على غير ذلك فأحببت أن أريح الناس منك فأمر بها رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فصلبت‬
‫‪ -9‬وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو عبد الله بن بطة الصبهاني‬
‫ثنا الحسن بن الجهم ثنا الحسين بن الفرج ثنا الواقدي أنبأ يحيى‬
‫بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة عن جده‬
‫محمد بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر‬
‫بها فصلبت بعد أن قتلها قال الواقدي الثبت عندنا أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قتلها وأمر بلحم الشاة فأحرق قال الشيخ‬
‫اختلفت الروايات في قتلها ورواية أنس بن مالك أصحها ويحتمل‬
‫أنه صلى الله عليه وسلم في البتداء لم يعاقبها حين لم يمت‬
‫أحد من أصحابه مما أكل فلما مات بشر بن البراء أمر بقتلها‬
‫فأدى كل واحد من الرواة ما شاهد والله أعلم‪.‬‬

‫‪318‬‬
‫البيهقي في كتاب الضحايا‬
‫‪-1‬وحدثنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أنبأ أبو سهل أحمد بن محمد‬
‫بن عبد الله بن زياد القطان ثنا محمد بن غالب ثنا أبو حذيفة ثنا‬
‫سفيان عن برد عن عطاء عن جابر بن عبد الله رضى الله تعالى‬
‫عنه قال كنا نغزو فنأكل في أوعية المشركين ونشرب في‬
‫أسقيتهم قال الشافعي في رواية حرملة أهدت للنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم يهودية شاة محنوذة سمتها في ذراعها فأكل منها هو‬
‫يعني وغيره وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زالت‬
‫أوان‬ ‫الكلة التي أكلت من الشاة تعادني حتى كان هذا‬
‫قطعت أبهري‪..‬‬
‫‪ -2‬أخبرنا أبو علي الروذباري أنبأ محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا‬
‫يحيى بن حبيب بن عربي ثنا خالد بن الحارث ثنا شعبة عن هشام‬
‫بن زيد عن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه أن امرأة يهودية‬
‫أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها‬
‫فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك‬
‫فقالت أردت لقتلك قال ما كان الله ليسلطك على ذلك أو قال‬
‫علي قال فقالوا أل نقتلها قال ل قال فما زلت أعرفها في لهوات‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم في الصحيح عن‬
‫يحيى بن حبيب ورواه البخاري عن الحجبي عن خالد وروينا فيه‬
‫حديث جابر وغيره في كتاب الجراح‬
‫‪ -3‬حدثنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو بكر محمد بن أحمد بن‬
‫يحيى الشفر ثنا يوسف بن موسى المروروذي ثنا أحمد بن صالح‬
‫ثنا عنبسة ثنا يونس عن بن شهاب قال قال عروة كانت عائشة‬
‫رضى الله تعالى عنها تقول كان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول في مرضه الذي توفي فيه يا عائشة أني أجد ألم‬
‫الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم‬
‫أخرجه البخاري في الصحيح فقال وقال يونس‬
‫الدارقطني في كتاب الحدود والديات‬
‫نا أحمد بن إسحاق بن بهلول نا أبي نا ابن أبي فديك عن يحيى‬
‫بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن جده أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يوم خيبر أتى بشاة مسمومة مصلية أهدتها له امرأة‬
‫يهودية فأكل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وبشر بن‬
‫البراء فمرضا مرضا شديدا عنها ثم إن بشرا توفي فلما توفي‬
‫بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهودية فأتى بها‪،‬‬
‫فقال ويحك ماذا أطعمتنا قالت أطعمتك السم عرفت إن كنت‬
‫نبيا أن ذلك ل يضرك فإن الله تعالى سيبلغ منك أمره وإن كنت‬

‫‪319‬‬
‫على غير ذلك فأحببت أن أريح الناس منك فأمر بها رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فصلبت‬
‫أحمد في مسند أهل البيت‬
‫حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا سريج حدثنا عباد عن هلل عن‬
‫عكرمة عن ابن عباس أن امرأة من اليهود أهدت لرسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فأرسل اليها فقال‪ :‬ما‬
‫حملك على ما صنعت قالت‪ :‬أحببت أو أردت إن كنت نبيا فإن‬
‫الله سيطلعك عليه وإن لم تكن نبيا أريح الناس منك قال‪ :‬وكان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد من ذلك شيئا احتجم‬
‫قال‪ :‬فسافر مرة فلما أحرم وجد من ذلك شيئا فاحتجم‪.‬‬
‫وذكره الشيخ محمد الغزالي في فقه السيرة قال‪ :‬فلما اطمأن‬
‫بها المقام أهدت امرأة سلم بن مشكم للرسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم شاة مسمومة وأكثرت من السم في ذراع الشاة لما‬
‫عرفته أن الرسول يؤثرها وقد تناول النبي مضغة منها فلكها ثم‬
‫لفظها وهو يقول‪ :‬إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم وكان معه‬
‫بشر بن البراء فأساغ اللحم وازدرده فجيء بالمرأة الجانية‬
‫فاعترفت بما صنعت وقالت‪ :‬بلغت من قومي ما ل يخفى عليك‬
‫فقلت إن كان ملكا استرحت منه وإن كان نبيا فسيخبر فتجاوز‬
‫عنها النبي ثم مات بشر بعد ما سرى السم في جسمه فقيل‪:‬‬
‫اقتص له منها وقيل بل أسلمت وعفا عنها‪...‬‬
‫وقفة مع الصحيحين في كون النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫سحره اليهودي لبيد بن العصم‬
‫البخاري في كتاب بدء الخلق؛ وفي كتاب الدب؛ وفي كتاب‬
‫الجزية؛ وفي كتاب الدعوات وفي كتاب الطب باب‪ :‬السحر‪.‬‬
‫ن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر‬ ‫وقول الله تعالى‪{ :‬ولك َّ‬
‫وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد‬
‫حتى يقول إنما نحن فتنة فل تكفر فيتعلمون منها ما يفّرِقون به‬
‫بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إل بإذن الله‬
‫ن اشتراه ما له‬ ‫م ِ‬‫ويتعلمون ما يضُّرهم ول ينفعهم ولقد علموا ل َ َ‬
‫في الخرة من خلق} ‪/‬البقرة‪./102 :‬وقوله تعالى‪{ :‬ول يفلح‬
‫الساحر حيث أتى} ‪/‬طه‪./69:‬وقوله‪{ :‬أفتأتون السحر وأنتم‬
‫تبصرون} ‪/‬النبياء‪./3:‬وقوله‪{ :‬يُخيَّل إليه من سحرهم أنها تسعى}‬
‫‪/‬طه‪./66:‬‬
‫وقوله‪{ :‬ومن شّرِ الن َّ َّفاثات في العقد} ‪/‬الفلق‪ :/4:‬والنَّفَّاثات‪:‬‬
‫مون‪.‬‬ ‫حرون} ‪/‬المؤمنون‪ :/89 :‬تُعَ َّ ْ‬ ‫س َ‬
‫السواحر‪{ .‬ت ُ ْ‬
‫‪ -‬حدثنا إبراهيم بن موسى‪ :‬أخبرنا عيسى بن يونس‪ ،‬عن هشام‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن عائشة رضي الله عنها قالت‪:‬‬

‫‪320‬‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني ُزَريق‪ ،‬يقال‬ ‫سحر رسو َ‬
‫له لبيد بن العصم‪ ،‬حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله‪ ،‬حتى إذا كان ذات يوم أو‬
‫ت‬
‫شعَْر ِ‬‫ذات ليلة وهو عندي‪ ،‬لكنه دعا ودعا‪ ،‬ثم قال‪(:‬يا عائشة‪ ،‬أ َ‬
‫أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه‪ ،‬أتاني رجلن‪ ،‬فقعد أحدهما عند‬
‫رأسي‪ ،‬والخر عند رجلي‪ ،‬فقال أحدهما لصاحبه‪ :‬ما وجع الرجل؟‬
‫فقال‪ :‬مطبوب‪ ،‬قال‪ :‬من طبَّه؟ قال‪ :‬لبيد بن العصم‪ ،‬قال‪ :‬في‬
‫ف طَلْع نخلة ذ َكَر‪ .‬قال‪:‬‬ ‫ج ِّ‬ ‫مشاطة‪ ،‬و ُ‬ ‫مشط و ُ‬ ‫أي شيء؟ قال‪ :‬في ُ‬
‫وأين هو؟ قال‪ :‬في بئر ذَْروان)‪ .‬فأتاها رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم في ناس من أصحابه‪ ،‬فجاء فقال‪(:‬يا عائشة‪ ،‬كأن ماءها‬
‫حنَّاء‪ ،‬أو كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين)‪ .‬قلت‪ :‬يا‬ ‫نُقاعة ال ِ‬
‫رسول الله‪ :‬أفل استخرجته؟ قال‪(:‬قد عافاني الله‪ ،‬فكرهت أن‬
‫أثَوَِّر على الناس فيه شراً)‪ .‬فأمر بها فدُفنت‪.‬تابعه أبو أسامة وأبو‬
‫ضمرة وابن أبي الزناد‪ ،‬عن هشام‪.‬وقال الليث وابن ع ُيَينة‪ ،‬عن‬
‫مشاقة)‪.‬‬ ‫مشط و ُ‬ ‫هشام‪(:‬في ُ‬
‫مشاقة‪ :‬من‬ ‫مشاطة‪ :‬ما يخرج من الشعر إذا مشط‪ ،‬وال ُ‬ ‫يقال‪ :‬ال ُ‬
‫مشاقة الكَتَّان‪.‬‬ ‫ُ‬
‫باب‪ :‬هل يُستخرج السحر‪.‬‬
‫ب‪ ،‬أو‪ :‬يُؤخذ‬ ‫وقال قتادة‪ :‬قلت لسعيد بن المسيَّب‪ :‬رجل به ط ِ ٌّ‬
‫شُر؟ قال‪ :‬ل بأس به‪ ،‬إنما يريدون به‬ ‫ل عنه أو يُن َ ّ ِ‬‫ح ُّ‬
‫عن امرأته‪ ،‬أي ُ َ‬
‫ه عنه‪.‬‬‫الصلح‪ ،‬فأما ما ينفع الناس فلم يُن ْ َ‬
‫‪ -‬حدثني عبد الله بن محمد قال‪ :‬سمعت ابن ع ُيَينة يقول‪ :‬أول‬
‫جَريج يقول‪ :‬حدثني آل عروة‪ ،‬عن عروة‪،‬‬ ‫من حدثنا به ابن ُ‬
‫فسألت هشاما ً عنه‪ ،‬فحدثنا عن أبيه‪ ،‬عن عائشة رضي الله عنها‬
‫قالت‪:‬‬
‫حَر‪ ،‬حتى كان يرى أنه‬ ‫س ِ‬ ‫كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ُ‬
‫يأتي النساء ول يأتيهن‪ ،‬قال سفيان‪ :‬وهذا أشد ما يكون من‬
‫ت أن الله قد أفتاني‬ ‫م ِ‬ ‫السحر‪ ،‬إذا كان كذا‪ ،‬فقال‪(:‬يا عائشة‪ ،‬أعَل ِ ْ‬
‫فيما استفتيته فيه‪ ،‬أتاني رجلن‪ ،‬فقعد أحدهما عند رأسي‪ ،‬والخر‬
‫ي‪ ،‬فقال الذي عند رأسي للخر‪ :‬ما بال الرجل؟ قال‪:‬‬ ‫عند رجل َّ‬
‫مطبوب‪ ،‬قال‪ :‬ومن طبَّه؟ قال‪ :‬لبيد بن أعصم ‪ -‬رجل من بني‬
‫مشط‬ ‫ُزَريق حليف ليهود كان منافقا ً ‪ -‬قال‪ :‬وفيم؟ قال‪ :‬في ُ‬
‫ف طلعةٍ ذ َكَرٍ‪ ،‬تحت َرعوفة في‬ ‫ج ِّ‬ ‫مشاقة‪ ،‬قال‪ :‬وأين؟ قال‪ :‬في ُ‬ ‫و ُ‬
‫بئر ذروان)‪ .‬قالت‪ :‬فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى‬
‫استخرجه‪ ،‬فقال‪(:‬هذه البئر التي أريتها‪ ،‬وكأن ماءها نقاعة الحنَّاء‪،‬‬
‫وكأن نخلها رؤوس الشياطين)‪ .‬قال‪ :‬فاستخرج‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت‪:‬‬

‫‪321‬‬
‫شرت ‪ -‬فقال‪(:‬أما والله فقد شفاني الله‪ ،‬وأكره أن‬ ‫أفل؟ ‪ -‬أي تن َّ‬
‫أثير على أحد من الناس شراً)‪.‬‬
‫باب‪ :‬السحر‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا عبيد بن إسماعيل‪ :‬حدثنا أبو أسامة‪ ،‬عن هشام‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن عائشة قالت‪:‬‬
‫سحر النبي صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليخيل إليه أنه يفعل‬ ‫ُ‬
‫الشيء وما فعله‪ ،‬حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي‪ ،‬دعا الله‬
‫ت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما‬ ‫شعَْر ِ‬‫ودعاه‪ ،‬ثم قال‪(:‬أ َ‬
‫استفتيته فيه)‪ .‬قلت‪ :‬وما ذاك يا رسول الله؟ قال‪(:‬جاءني رجلن‪،‬‬
‫ي‪ ،‬ثم قال أحدهما‬ ‫فجلس أحدهما عند رأسي‪ ،‬والخر عند رجل َّ‬
‫لصاحبه‪ :‬ما وجع الرجل؟ قال‪ :‬مطبوب‪ ،‬قال‪ :‬ومن طبَّه؟ قال‪:‬‬
‫لبيد بن العصم اليهودي من بني ُزَريق‪ ،‬قال‪ :‬في ماذا؟ قال‪ :‬في‬
‫ف طَلْعَةٍ ذ َكَر‪ ،‬قال‪ :‬فأين هو؟ قال‪ :‬في بئر‬ ‫ج ِّ‬‫مشاطة و ُ‬ ‫مشط و ُ‬ ‫ُ‬
‫ذي أروان)‪ .‬قال‪ :‬فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في أناس‬
‫من أصحابه إلى البئر‪ ،‬فنظر إليها وعليها نخل‪ ،‬ثم رجع إلى‬
‫عائشة فقال‪(:‬والله لكأن ماءها نقاعة الحنَّاء‪ ،‬ولكأن نخلها رؤوس‬
‫الشياطين)‪ .‬قلت‪ :‬يا رسول الله أفأخرجته؟ قال‪(:‬ل‪ ،‬أما أنا فقد‬
‫عافاني الله وشفاني‪ ،‬وخشيت أن أثوِّر على الناس منه شراً)‪.‬‬
‫أمر بها فدُفنت‪.‬‬
‫البخاري كتاب الدعوات باب‪ :‬تكرير الدعاء‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا إبراهيم بن منذر‪ :‬حدثنا أنس بن عياض‪ ،‬عن هشام‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن عائشة رضي الله عنها‪:‬‬
‫ب‪ ،‬حتى أنه ليخيل إليه‬ ‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ط ُ َّ‬
‫أنه قد صنع الشيء وما صنعه‪ ،‬وإنه دعا ربه‪ ،‬ثم قال‪(:‬أشعرت أن‬
‫الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه)‪ .‬فقالت عائشة‪ :‬فما ذاك يا‬
‫رسول الله؟ قال‪(:‬جاءني رجلن‪ ،‬فجلس أحدهما عند رأسي‪،‬‬
‫والخر عند رجلي‪ ،‬فقال أحدهما لصاحبه‪ :‬ما وجع الرجل؟ قال‪:‬‬
‫مطبوب‪ ،‬قال‪ :‬من طبَّه؟ قال‪ :‬لبيد بن العصم‪ ،‬قال‪ :‬في ماذا؟‬
‫قال‪ :‬في مشط ومشاطة وجف طلعة‪ ،‬قال‪ :‬فأين هو؟ قال‪ :‬في‬
‫ذروان)‪ .‬وذروان بئر في بني زريق‪ ،‬قالت‪ :‬فأتاها رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى عائشة‪ ،‬فقال‪(:‬والله لكأن‬
‫ماءها نقاعة الحناء‪ ،‬ولكأن نخلها رؤوس الشياطين)‪ .‬قالت‪ :‬فأتى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرها عن البئر‪ ،‬فقلت‪ :‬يا‬
‫رسول الله فهل أخرجته؟ قال‪(:‬أما أنا فقد شفاني الله‪ ،‬وكرهت‬
‫أن أثير على الناس شراً)‪.‬‬

‫‪322‬‬
‫زاد عيسى بن يونس والليث بن سعد‪ ،‬عن هشام‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫عائشة قالت‪ :‬سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فدعا‬
‫ودعا‪ ،‬وساق الحديث‪.‬‬
‫مسلم في كتاب السلم ؛ باب السحر‬
‫حدثنا أبو كريب‪ .‬حدثنا ابن نمير عن هشام‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫عائشة‪ .‬قالت‪:‬‬
‫سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي من يهود بني‬
‫زريق‪ .‬يقال له‪ :‬لبيد بن العصم‪ .‬قالت‪ :‬حتى كان رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء‪ ،‬وما يفعله‪.‬‬
‫حتى إذا كان ذات يوم‪ ،‬أو ذات ليلة‪ ،‬دعا رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ .‬ثم دعا‪ .‬ثم دعا‪ .‬ثم قال "يا عائشة! أشعرت أن الله‬
‫أفتاني فيما استفتيته فيه؟ جاءني رجلن فقعد أحدهما عند رأسي‬
‫والخر عند رجلي‪ .‬فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي‪ ،‬أو‬
‫الذي عند رجلي للذي عند رأسي‪ :‬ما وجع الرجل؟ قال‪ :‬مطبوب‪.‬‬
‫قال‪ :‬من طبه؟ قال‪ :‬لبيد بن العصم‪ .‬قال‪ :‬في آي شيء؟ قال‪:‬‬
‫في مشط ومشاطه‪ .‬قال وجب طلعة ذكر‪ .‬قال‪ :‬فأين هو؟ قال‪:‬‬
‫في بئر ذي أروان"‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من‬
‫أصحابه‪ .‬ثم قال "يا عائشة! والله! لكأن ماءها نقاعة الحناء‪.‬‬
‫ولكأن نخلها رؤوس الشياطين"‪.‬‬
‫قالت فقلت‪ :‬يا رسول الله! أفل أحرقته؟ قال "ل‪ .‬أما أنا فقد‬
‫عافاني الله‪ .‬وكرهت أن أثير على الناس شرا‪ .‬فأمرت بها‬
‫فدفنت"‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ .‬حدثنا أو أسامة‪ .‬حدثنا هشام عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫عائشة‪ .‬قالت‪:‬‬
‫سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬وساق أبو كريب الحديث‬
‫بقصته‪ ،‬نحو حديث ابن نمير‪ .‬وقال فيه‪ :‬فذهب رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم إلى البئر‪ .‬فنظر إليها وعليها نخل‪ .‬وقالت‪ :‬قلت‪:‬‬
‫يا رسول الله! فأخرجه‪ .‬ولم يقل‪ :‬أفل أحرقته؟ ولم يذكر"‬
‫فأمرت بها فدفنت"‪.‬‬
‫‪- J‬وروى وكيع ـ رفعه عن فهد بن عطية ـ أن النبي صلى الله‬
‫ب لم يتكلم قط‪،‬فقال‪ :‬من أنا؟‬ ‫ي بصبي قد ش َّ‬ ‫ُ‬
‫عليه وسلم أت ِ َ‬
‫فقال رسول الله‪.‬‬
‫‪ J‬وروي عن معرض بن معيقيب‪ :‬رأيت من النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم عجباً‪ ،‬جيء بصبي يوم وُلِد‪ ...‬فذكر مثله‪.‬‬

‫‪323‬‬
‫وهو حديث مبارك اليمامة‪ ،‬ويُعرف بحديث شاصونه‪ :‬اسم راويه‪،‬‬
‫وفيه‪ :‬فقال له صلى الله عليه وسلم ‪ :‬صدقت بارك الله فيك‪ .‬ثم‬
‫ب‪ ،‬فكان يسمى مبارك اليمامة‪.‬‬ ‫إن الغلم لم يتكلم بعدها حتى ش َّ‬
‫وكانت هذه القصة بمكة في حجة الوداع‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرجه البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫باب ما جاء في شهادة الرضيع والبكم لنبينا بالرسالة إن صحت‬
‫فيه الرواية‬
‫أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان حدثنا أحمد بن عبيد‬
‫الصفار حدثنا محمد بن يونس الكديمي حدثنا شاصونة بن عبيد‬
‫أبو محمد اليمامي وانصرفنا من عدن بقرية يقال لها لحردة قال‬
‫حدثني معرض بن عبد الله بن معرض بن معيقيب اليماني عن‬
‫أبيه عن جده قال حججت حجة الوداع فدخلت دارا بمكة فرأيت‬
‫فيها رسول الله ووجهه مثل داره القمر وسمعت منه عجبا جاءه‬
‫رجل بغلم يوم ولد فقال له رسول الله يا غلم من أنا قال أنت‬
‫رسول الله قال صدقت بارك الله فيك ثم أن الغلم لم يتكلم بعد‬
‫ذلك حتى شب قال قال أبي فكنا نسميه مبارك اليمامة‪.‬‬
‫قال شاصونة بن عبيد وقد كنت أمر على معمر فلم أسمع منه‬
‫واخبرنا أبو سعد عبد الملك بن أبي عثمان الزاهد أنبأنا أبو‬
‫الحسين محمد بن أحمد بن جميع الغساني بثغر صيدا أنبأنا‬
‫العباس بن محبوب بن عثمان بن عبيد ابو الفضل حدثنا أبي حدثنا‬
‫جدي شاصونة بن عبيد قال حدثنا معرض بن عبد الله بن معيقيب‬
‫عن أبيه عن جسده قال حججت حجة الوداع فدخلت دارا بمكة‬
‫فرأيت فيها رسول الله ووجهه كدارة القمر فسمعت منه عجبا‬
‫أتاه رجل من أهل اليمامة بغلم يوم ولد وقد لفه في خرقة فقال‬
‫له رسول الله يا غلم من أنا فقال أنت رسول الله فقال له بارك‬
‫الله فيك ثم أن الغلم لم يتكلم بعدها‬
‫ورواه أبو الفضل أحمد بن خلف بن محمد المقرىء القزويني‬
‫عن أبي الفضل العباس بن محبوب بن شاصونه ذكره شيخنا أبو‬
‫عبد الله الحافظ عن أبي الحسن عن ابن العباس الوراق عن‬
‫أحمد بن خلف قال ابو عبد الله وقد أخبرني الثقة من أصحابنا‬
‫عن أبي عمر الزاهد قال لما دخلت اليمن دخلت حردة فسألت‬
‫عن هذا الحديث فوجدت فيها لشاصونة أعقابا وحملت إلى قبره‬
‫فزرته‪.‬‬
‫قلت ولهذا الحديث أصل من حديث الكوفيين باسناد مرسل‬
‫بخلفه في وقت الكلم‬
‫أخبرنا أبو القاسم زيد بن أبي هاشم العلوي بالكوفة أنبأنا أبو‬
‫جعفر محمد بن علي بن دحيم حدثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي‬

‫‪324‬‬
‫أنبأنا وكيع بن الجراح عن العمش عن شمر بن عطية عن بعض‬
‫أشياخه أن النبي أتي بصبي قد شب لم يتكلم قط قال من أنا‬
‫قال أنت رسول الله‪.‬‬
‫وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب‬
‫حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن العمش عن‬
‫شمر بن عطية عن بعض أشياخه قال جاءت امرأة بابن لها إلى‬
‫رسول الله قد تحرك فقالت يا رسول الله إن ابني هذا لم يتكلم‬
‫منذ ولد فقال رسول الله ادنيه فأدنته منه فقال من أنا فقال أنت‬
‫رسول الله‪.‬‬
‫‪- J‬وعن الحسن‪ :‬أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فذكر أنه‬
‫طرح بنية له في وادي كذا‪ ،‬فانطلق معه إلى الوادي‪ ،‬وناداها‬
‫باسمها‪ :‬يا فلنة‪ ،‬أجيبي بإذن الله فخرجت وهي تقول‪ :‬لبييك‬
‫وسعديك! فقال لها‪ :‬إن أبويك قد أسلما‪ ،‬فإن أحببت أن أردك‬
‫عليهما؟ قالت‪ :‬ل حاجة لي فيهما‪ ،‬و جدت الله خيرا منهما‪.‬‬
‫‪- J‬وعن أنس أن شابا ً من النصار توفي وله أم عجوز عمياء‪،‬‬
‫فسجيناه‪ ،‬وعزيناها‪ ،‬فقالت‪ :‬مات ابني؟ قلنا‪ :‬نعم‪ .‬قالت‪ :‬اللهم‬
‫إن كنت تعلم أني هاجرت إليك وإلى نبيك رجاء أن تعينني على‬
‫كل شدة فل تحملن علي هذه المصيبة‪ .‬فما برحنا أن كشف‬
‫الثوب عن وجهه‪ ،‬فطعم وطعمنا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرجه البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫باب ما جاء في المهاجرة إلى النبي التي أحيا الله تعالى بدعائها‬
‫ولدها بعد ما مات وما جاء في الكرامات التي ظهرت على العلء‬
‫بن الحضرمي وأصحابه‬
‫أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنبأنا أبو عمرو بن مطر حدثنا أبو‬
‫العباس بن أبي الدميك ببغداد(ح)‬
‫وأنبأنا أبو سعد الماليني أنبأنا أبو أحمد بن عدي الحافظ حدثنا‬
‫محمد بن طاهر بن أبي الدميك حدثنا عبيد بن عائشة حدثنا صالح‬
‫المري حدثنا ثابت عن أنس قال عدنا شابا من النصار وعنده أم‬
‫له عجوز عمياء قال فما برحنا أن فاض يعني مات ومددنا على‬
‫وجهه الثوب وقلنا لمه يا هذه احتسبي مصابك عند الله قالت‬
‫أمات ابني قلت نعم قالت اللهم إن كنت تعلم إني هاجرت إليك‬
‫وإلى نبيك رجاء أن تعينني عند كل شديدة فل تحمل علي هذه‬
‫المصيبة اليوم قال أنس فو الله ما برحت حتى كشف الثوب عن‬
‫وجهه وطعم وطعمنا معه‪.‬‬
‫وأخبرنا أبو الحسين بن بشران أنبأنا الحسين بن صفوان حدثنا‬
‫عبد الله بن أبي الدنيا حدثنا خالد بن خداس بن عجلن المهلبي‬
‫وإسماعيل بن إبراهيم بن بسام قال حدثنا صالح المري عن ثابت‬

‫‪325‬‬
‫البناني عن أنس بن مالك قال عدت شابا من النصار فما كان‬
‫بأسرع من أن مات فأغمضناه ومددنا عليه الثوب قال بعضنا لمه‬
‫احتسبيه قالت وقد مات قلنا نعم قالت أحق ما تقولون قلنا نعم‬
‫فمدت يديها إلى السماء وقالت اللهم إني آمنت بك وهاجرت إلى‬
‫رسولك فإذا نزلت بي شديدة دعوتك ففرجتها فأسألك اللهم ل‬
‫تحمل علي هذه المصيبة اليوم قال فكشف الثوب عن وجهه فما‬
‫برحنا حتى أكلنا وأكل معنا‬
‫صالح بن بشير المري من صالحي أهل البصرة وقصاصهم تفرد‬
‫بأحاديث مناكير عن ثابت وغيره وقد روى حذيفة هذا من وجه‬
‫آخر مرسل بين ابن عوف وأنس بن مالك‬
‫أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي حدثنا أبو‬
‫أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق الحافظ حدثنا أبو‬
‫الليث سهل بن معاذ التميمي بدمشق حدثنا أبو حمزة إدريس بن‬
‫يونس حدثنا محمد بن يزيد بن سلمة حدثنا عيسى بن يونس عن‬
‫عبدالله بن عون عن أنس قال أدركت في هذه المة ثلثا لو كانوا‬
‫في بني إسرائيل لما تقاسمتها المم لكان عجبا قلن ما هن يا أبا‬
‫حمزة قال كنا في الصفة عند رسول الله فأتته امرأة مهاجرة‬
‫ومعها ابن لها قد بلغ فأضاف المرأة إلى النساء وأضاف ابنها إلينا‬
‫فلم يلبث أن أصابه وباء المدينة فمرض أياما ثم قبض فغمضه‬
‫النبي وأمر بجهازه فلما أردنا أن نغسله قال يا أنس ائت أمه‬
‫فأعلمها قال فأعلمتها فجاءت حتى جلست عند قدميه فأخذت‬
‫بهما ثم قالت اللهم إني أسلمت لك طوعا وخلعت الوثان زهدا‬
‫وهاجرت إليك رغبة اللهم ل تشمت بي عبدة الوثان ول تحملني‬
‫من هذه المصيبة ما ل طاقة لي بحملها قال فو الله ما تقضى‬
‫كلمها حتى حرك قدميه وألقى الثوب عن وجهه وعاش حتى‬
‫قبض الله رسول وحتى هلكت أمه‪...‬‬

‫‪-‬وروي عن عبد الله بن عبيد الله النصاري‪ :‬كنت فيمن دفن ثابت‬
‫بن قيس بن شماس‪ ،‬وكان قتل باليمامة‪ ،‬فسمعناه حين أدخلناه‬
‫القبر يقول‪ :‬محمد رسول الله‪ ،‬أبو بكر الصديق‪ ،‬عمر الشهيد‪،‬‬
‫عثمان البر الرحيم‪ ،‬فنظرنا فإذا هو ميت‪.‬‬
‫‪-‬وذكر عن النعمان بن بشير أن زيد بن خارجة خر ميتا ً في بعض‬
‫أزقة المدينة‪ ،‬فرفع وسجي إذ سمعوه بين العشاءين والنساء‬
‫يصرخن حوله يقول‪ :‬أنصتوا‪،‬أنصتوا‪ ،‬فحسر عن وجهه‪،‬فقال‪:‬‬
‫محمد رسول الله‪ ،‬النبي المي‪ ،‬وخاتم النبيين‪ ،‬كان ذلك في‬
‫الكتاب الول‪ ،‬ثم قال صدق‪ ،‬صدق‪ ،‬وذكر أبا بكر‪ ،‬وعمر‪،‬‬

‫‪326‬‬
‫وعثمان‪ ،‬ثم قال‪ :‬السلم عليك يا رسول الله‪،‬ورحمة الله و‬
‫بركاته‪ ،‬ثم عاد ميتا ً كما كان‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرج البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫باب ما جاء في شهادة الميت لرسول الله بالرسالة والقائمين‬
‫بعده بالخلفة والرواية في ذلك صحيحة ثابتة وفي ذلك دللة‬
‫ظاهرة من دللت النبوة‬
‫أخبرنا أبو صالح بن أبي طاهر العنبري أنبأنا جدي يحيى بن‬
‫منصور القاضي حدثنا أبو علي محمد بن عمر وكشمرد أنبأنا‬
‫القعنبي حدثنا سليمان بن بلل عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن‬
‫المسيب أن زيد بن خارجة النصاري ثم من بني الحارث بن‬
‫الخزرج توفي زمن عثمان بن عفان فسجى في ثوبه ثم أنهم‬
‫سمعوا جلجلة في صدره ثم تكلم ثم قال أحمد أحمد في الكتاب‬
‫الول صدق صدق أبو بكر الصديق الضعيف في نفسه القوي في‬
‫أمر الله في الكتاب الول صدق صدق عمر بن الخطاب القوي‬
‫المين في الكتاب الول صدق صدق عثمان بن عفان على‬
‫منهاجهم مضت أربع وبقيت اثنتان أتت الفتن وأكل الشديد‬
‫الضعيف وقامت الساعة وسيأتيكم من جيشكم خبر بئر أريس‬
‫وما بئر أريس‬
‫قال يحيى قال سعيد ثم هلك رجل من خطمة فسجى بثوبه‬
‫فسمع جلجلة في صدره ثم تكلم فقال ان أخا بني الحارث بن‬
‫الخزرج صدق صدق‬
‫وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه‬
‫أنبأنا قريش بن الحسن حدثنا القعنبي فذكره بإسناده نحوه وهذا‬
‫إسناد صحيح وله شواهد‬
‫أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد أنبأنا ابو علي الحسين بن‬
‫صفوان حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن‬
‫ابن يونس حدثنا عبد الله بن إدريس عن إسماعيل ابن أبي خالد‬
‫قال جاءنا يزيد بن النعمان بن بشير إلى حلقة القاسم ابن عبد‬
‫الرحمن بكتاب أبيه النعمان بن بشير بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫من النعمان بن بشير إلى أم عبد الله بنت أبي هاشم سلم عليك‬
‫فإني أحمد إليك الله الذي ل إله إل هو فإنك كتبت إلي لكتب‬
‫إليك بشأن زيد بن خارجة وأنه كان من شأنه أنه أخذه وجع في‬
‫حلقه وهو يومئذ من أصح أهل المدينة فتوفي بين صلة الولى‬
‫وصلة العصر فأضجعناه لظهره وغشيناه بردين وكساء فأتاني‬
‫آت في مقامي وأنا أسبح بعد العصر فقال ان زيدا قد تكلم بعد‬
‫وفاته فانصرفت إليه مسرعا وقد حضره قوم من النصار وهو‬
‫يقول أو يقال على لسان الوسط أجلد القوم الذي كان ل يبالي‬

‫‪327‬‬
‫في الله عز وجل لومة لئم كان ل يأمر الناس أن يأكل قويهم‬
‫ضعيفهم عبد الله أمير المؤمنين صدق صدق كان ذلك في‬
‫الكتاب الول قال ثم قال عثمان أمير المؤمنين وهو يعافي الناس‬
‫من ذنوب كثيرة خلت ليلتان وهي أربع ثم اختلف الناس وأكل‬
‫بعضهم بعضا فل نظام وأبيحت الحماء ثم ارعوى المؤمنون‬
‫وقالوا كتاب الله وقدره أيها الناس أقبلوا على أميركم واسمعوا‬
‫وأطيعوا فمن تولى فل يعهدن ذما كان أمر الله قدرا مقدورا الله‬
‫أكبر هذه الجنة وهذه النار هؤلء والنبيون والصديقون سلم عليك‬
‫يا عبد الله بن رواحه هل احسست لي خارجة لبيه وسعدا اللذين‬
‫قتل يوم أحد(كل إنها لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى‬
‫فجمع فأوعى) ثم خفض صوته فسألت الرهط عما سبقني من‬
‫كلمه فقالوا سمعناه يقول انصتوا انصتوا فنظر بعضنا إلى بعض‬
‫فإذا الصوت من تحت الثياب فكشفنا عن وجهه فقال هذا أحمد‬
‫رسول الله سلم عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ثم قال‬
‫أبو بكر الصديق المين خليفة رسول الله كان ضعيفا في جسمه‬
‫قويا في أمر الله صدق صدق وكان في الكتاب الول‬
‫وأخبرنا أبو نصر بن قتادة أنبأنا أبو عمرو بن نجيد حدثنا علي بن‬
‫الحسين بن الجنيد حدثنا المعافى بن سليمان حدثنا زهير يعني‬
‫ابن معاوية أنبأنا إسماعيل بن أبي خالد فذكره باسناده ومعناه‬
‫زاد في وسط الحديث وكان ذلك على تمام سنتين خلتا من إمارة‬
‫عثمان وقال في آخره فأما قوله خلت ليلتان وبقي أربع فالسنتان‬
‫اللتان خلتا من إمارة عثمان قال فلم أزل أحفظ العدة الربع‬
‫البواقي وأتوقع ما هو كائن فيهن فكان فيهن انتزاء أهل العراق‬
‫وخلفهم وارجاف المرجفين وطعنهم على أميرهم الوليد بن‬
‫عقبة والسلم ورحمة الله‬
‫قلت هذا إسناد صحيح وروى ذلك أيضا عن حبيب بن سالم عن‬
‫النعمان بن بشير وذكر فيه بئر أريس كما ذكر في رواية ابن‬
‫المسيب والمر فيها أن النبي اتخذ خاتما فكان في يده ثم كان‬
‫في يد أبي بكر من بعده ثم كان في يد عمر ثم كان في يد‬
‫عثمان حتى وقع في بئر أريس بعد ما مضى من خلفته ست‬
‫سنين فعند ذلك تغيرت عمال وظهرت أسباب الفتن كما قيل‬
‫على لسان زيد بن خارجة قال البخاري في كتاب التاريخ زيد بن‬
‫خارجة الخزرجي النصاري شهد بدرا توفي في زمن عثمان هو‬
‫الذي تكلم بعد الموت‬
‫أخبرناه أبو بكر الفارسي أنبأنا أبو إسحاق الصبهاني حدثنا أبو‬
‫أحمد بن فارس حدثنا محمد بن إسماعيل فذكره وقد روي في‬
‫التكلم بعد الموت عن جماعة بأسانيد صحيحة‬

‫‪328‬‬
‫أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنبأنا الحسين بن صفوان حدثنا‬
‫ابن أبي الدنيا حدثنا خلف بن هشام البزار حدثنا خالد الطحان‬
‫عن حصين عن عبد الله بن عبيد النصاري أن رجل من قتلى‬
‫مسيلمة تكلم فقال محمد رسول الله أبو بكر الصديق عثمان‬
‫المين الرحيم ل أدري أيش قال لعمر‬
‫وقد أنبأنا أبو سعيد بن أبي عمر وحدثنا أبو العباس محمد بن‬
‫يعقوب حدثنا يحيى بن أبي طالب أنبأنا علي بن عاصم أنبأنا‬
‫حصين بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبيد النصاري قال بينما‬
‫هم يصورون القتلى يوم صفين أو يوم الجمل إذ تكلم رجل من‬
‫النصار من القتلى فقال محمد رسول الله أبو بكر الصديق عمر‬
‫الشهيد عثمان الرحيم ثم سكت خالد الطحان احفظ من علي بن‬
‫عاصم وأوثق والله أعلم‪.‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫‪ .25‬القول القوم في معجزات النبي الكرم(‪ ..)7‬إبراء‬
‫المرضى‬
‫الفصل العشرون‪:‬‬
‫في إبراء المرضى وذوي العاهات‪.‬‬
‫أخبرنا أبو الحسن علي بن مشرف فيما أجازنيه و قرأته على‬
‫غيره‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو إسحاق الحبال‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو محمد بن‬
‫النحاس‪ ،‬حدثنا ابن الورد‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن ابن هشام‪ ،‬عن زباد‬
‫البكائي‪ ،‬عن محمد بن إسحاق‪ ،‬حدثنا ابن شهاب‪ ،‬وعاصم بن‬
‫عمر بن قتادة وجماعة ذكرهم بقضية أحد بطولها‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وقالوا‪:‬قال سعد بن أبي وقاص‪:‬إن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ليناولني السهم ل نصل له‪ ،‬فيقول‪ :‬ارم به‪ .‬وقد رمى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ عن قوسه حتى اندقت‪،‬‬
‫قلت‪ :‬قال ابن إسحاق‪ :‬وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله‬
‫ومعه لواؤه حتى قتل وكان الذي قتله ابن قمئة الليثي وهو يظن‬
‫أنه رسول الله فرجع إلى قريش فقال قتلت محمدًا… فلما قتل‬
‫مصعب أعطى رسول الله اللواء علي بن أبي طالب‪..‬‬
‫قال ابن أسحاق وقد قتل علي بن أبي طالب طلحة بن أبي‬
‫طلحة وهو يحمل لواء قريش والحكم بن الخنس بن شريق وعبد‬
‫الله بن حميد بن زهير وأبا أمية بن أبي حذيفة بن أبي المغيرة‬
‫وأخذ اللواء بعد طلحة أبو سعد بن أبي طلحة فقال سعد بن أبي‬
‫وقاص رميته فأصبت حنجرته فاندلع لسانه اندلع لسان الكلب‪..‬‬
‫قال ابن إسحاق فحدثني صالح بن كيسان عن بعض آل سعد عن‬
‫سعد بن أبي وقاص أنه رمى يوم أحد دون رسول الله؛ قال سعد‬

‫‪329‬‬
‫فلقد رأيت رسول الله يناولني النبل ويقول‪ :‬إرم فداك أبي‬
‫وأمي‪ ..‬حتى أنه ليناولني السهم ما له من نصل فأرمي به‪.‬‬
‫أخبرنا أبو علي الروذباري وأبو عبد الله الحسين بن عمرو بن‬
‫برهان البغدادي بها في آخرين قالوا أخبرنا اسماعيل بن محمد‬
‫الصفار قال حدثنا الحسن بن عرفة قال حدثنا مروان بن معاوية‬
‫عن هاشم بن هاشم الزهري قال سمعت سعيد بن المسيب‬
‫يقول سمعت سعد بن أبي وقاص يقول‪ :‬نثل لي رسول الله‪...‬‬
‫قال الحسن بن عرفة يعني نفض كنانته يوم أحد وقال‪ :‬إرم فداك‬
‫أبي وأمي"‪ .‬رواه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن محمد عن‬
‫مروان بن معاوية‪...‬‬
‫البخاري‪ :‬حدثني عبد الله بن محمد‪ :‬حدثنا مروان بن معاوية‪:‬‬
‫حدثنا هاشم بن هاشم السعدي قال‪ :‬سمعت سعيد بن المسيب‬
‫يقول‪ :‬سعد بن أبي وقاص يقول‪ :‬نثل لي النبي صلى الله عليه‬
‫وسلمكنانته يوم أحد‪ ،‬فقال‪(:‬أرم فداك أبي وأمي)‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا مسدد‪ :‬حدثنا يحيى‪ ،‬عن يحيى بن سعيد قال‪ :‬سمعت‬
‫سعيد ابن المسيب قال‪ :‬سمعت سعدًا يقول‪ :‬جمع لي النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا قتيبة‪ :‬حدثنا ليث‪ ،‬عن يحيى‪ ،‬عن ابن المسيب أنه قال‪:‬‬
‫قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه‪ :‬لقد جمع لي رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يوم أحد أبويه كليهما‪ ،‬يريد حين قال‪(:‬فداك‬
‫أبي وأمي) وهو يقاتل‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا أبو نعيم‪ :‬حدثنا مسعر‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن شداد قال‪:‬‬
‫سمعت عليًا رضي الله عنه يقول‪ :‬ما سمعت النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم يجمع أبويه لحد غير سعد‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا يسرة بن صفوإن‪ :‬حدثنا إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عبد الله‬
‫ابن شداد‪ ،‬عن علي رضي الله عنه قال‪ :‬ما سـمعت النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم جمـع أبويه لحد إل لسعد بن مالك‪ ،‬فإني سمعته‬
‫يقول يوم أحد‪(:‬يا سعد ارم‪ ،‬فداك أبي وأمي)‪.‬‬
‫مسلم حدثنا منصور بن أبي مزاحم‪ .‬حدثنا إبراهيم(يعني ابن‬
‫سعد) عن أبيه‪ ،‬عن عبد الله بن شداد‪ .‬قال‪ :‬سمعت عليا يقول‪:‬‬
‫ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لحد‪ ،‬غير سعد‬
‫بن مالك‪ .‬فإنه جعل يقول له‪ ،‬يوم أحد‪" :‬ارم‪ .‬فداك أبي وأمي!"‪.‬‬
‫حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب‪ .‬حدثنا سليمان(يعني ابن‬
‫بلل) عن يحيى(وهو ابن سعيد) عن سعيد‪ ،‬عن سعد بن أبي‬
‫وقاص قال‪:‬لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه‬
‫يوم أحد‪.‬‬

‫‪330‬‬
‫حدثنا محمد بن عباد‪ .‬حدثنا حاتم(يعني ابن إسماعيل) عن بكير‬
‫بن مسمار‪ ،‬عن عامر بن سعد‪ ،‬عن أبيه؛‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه يوم أحد‪ .‬قال‪ :‬كان‬
‫رجل من المشركين قد أحرق المسلمين‪ .‬فقال له النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬ارم‪ .‬فداك أبي وأمي!" قال فنزعت له بسهم‬
‫ليس فيه نصل‪ .‬فأصبت جنبه فسقط‪ .‬فانكشفت عورته‪ .‬فضحك‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬حتى نظرت إلى نواجذه‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪:‬‬
‫نثل بفتح النون والمثلثة أي‪ :‬نفض وزنًا ومعنى والكنانة جعبة‬
‫السهام وتكون غالبًا من جلود وقوله في الرواية الثالثة‪ :‬كلهما‬
‫كذا لبي ذر وأبي الوقت ولغيرهما كليهما وهما جائزان‪ ,‬وقوله‪:‬‬
‫"ارم فداك أبي وأمي" هو تفسير لما في الروايتين الخريين من‬
‫قوله جمع لي أبويه ورأيت في هذا الحديث زيادة من وجه آخر‬
‫مرسل أخرجها بن عائذ عن الوليد بن مسلم عن يحيى بن حمزة‬
‫قال قال سعد رميت بسهم فرد علي النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫سهمي أعرفه حتى واليت بين ثمانية أو تسعة كل ذلك يرده علي‬
‫فقلت هذا سهم دم فجعلته في كنانتي ل يفارقني‪ ,‬وعند الحاكم‬
‫لهذه القصة بيان سبب فأخرج من طريق يونس بن بكير وهو في‬
‫المغازي روايته من طريق عائشة بنت سعد عن أبيها قال جال‬
‫الناس يوم أحد تلك الجولة تنحيت فقلت أذود عن نفسي فأما أن‬
‫أنجو وإما أن استشهد فإذا رجل محمر وجهه وقد كاد المشركون‬
‫أن يركبوه فمل يده من الحصى فرماهم وإذا بيني وبينه المقداد‬
‫فأردت أن أسأله عن الرجل فقال لي‪ :‬يا سعد هذا رسول الله‬
‫يدعوك‪ .‬فقمت وكأنه لم يصبني شيء من الذى وأجلسني أمامه‬
‫فجعلت أرمي‪ .‬فذكر الحديث الحديث السادس أورده من وجهين‬
‫قوله عن سعد هو بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وابن‬
‫شداد هو عبد الله كما في الرواية الثانية وأبوه صحابي جليل‬
‫ويسرة بفتح التحتانية والمهملة وإبراهيم هو بن سعد بن إبراهيم‬
‫المذكور قوله وغير سعد أي بن أبي وقاص وهو بن مالك كما في‬
‫الرواية الثانية وقوله فيها إل لسعد بن مالك في رواية‬
‫الكشميهني غير سعد بن مالك‪..‬‬
‫‪ -‬وأصيب يومئذ عين قتادة ـ يعني ابن النعمان ـ حتى وقعت على‬
‫وجنته‪ ،‬فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فكانت أحسن‬
‫عينيه‪.‬‬
‫‪-‬وروى قصة قتادة عاصم بن عمر بن قتادة‪ ،‬و يزيد بن عياض بن‬
‫عمر بن قتادة‪.‬‬
‫ورواها أبو سعيد الخدري عن قتادة‪.‬‬

‫‪331‬‬
‫أخرجه أبو نعيم في دلئل النبوة‬
‫أخبرنا أبو نصر سهل بن محمد النيسابوري أنا أبو عبد الرحمن‬
‫الشاذياخي أنا أبو بكر الجوزقي ثنا أبو العباس الدغولي أنا أبو‬
‫بكر هو ابن أبي خيثمة ثنا مالك ابن إسماعيل ثنا ابن الغسيل ثنا‬
‫عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان عن جده قتادة أنه أصيب‬
‫عينه يوم بدر فسالت حدقته على وجنته فأراد القوم أن يقطعوها‬
‫فقالوا‪ :‬تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم تستشيره في‬
‫ذلك فجاء نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فأدناه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فرفع حدقته حتى وضعها‬
‫موضعها ثم غمزها براحته وقال‪" :‬اللهم اكسه جمال" فمات وما‬
‫يدري من لقيه أي عينيه أصيبت‪.‬‬
‫كما أخرجه البيهقي في دلئل النبوة‬
‫أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد الماليني قال أخبرنا أبو أحمد عبد‬
‫الله ابن عدي الحافظ قال أخبرنا أبو يعلي قال أخبرنا يحيى‬
‫الحماني قال أخبرنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل عن‬
‫عاصم بن عمر بن قتادة عن أبيه عن قتادة بن النعمان أنه‬
‫أصيبت عينه يوم بدر فسالت حدقته على وجنته فأرادوا أن‬
‫يقطعوها فسألوا رسول الله فقال‪( :‬ل) فدعا به فغمز حدقته‬
‫براحته فكان ل يدري أي عينيه أصيبت‪.‬‬
‫قال اللباني‪ :‬صحيح بتعدد طرقه عن عاصم بن عمر بن قتادة‬
‫عن أبيه عن جده قتادة ابن النعمان أنه أصيبت عينه يوم بدر‬
‫فسالت حدقته على وجنته فأرادوا أن يقطعوها فسألوا النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال‪(:‬ل) فدعا به فغمز عينيه براحته‪...‬‬
‫فكان ل يدري أي عينيه أصيبت‪.‬‬
‫‪-‬وبصق على أثر سهم في وجه أبي قتادة في يوم ذي قرد‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فما ضرب عل َّ‬
‫ي ول قاح‪.‬‬
‫أخرج البيهقي في دلئل النبوة قال‪" :‬ما هذا بوجهك يا أبا قتادة؟"‬
‫قال قلت بأبي وأمي سهم أصابني والذي أكرمك بما أكرمك لقد‬
‫ظننت أني نزعته‪ .‬قال‪":‬ادن مني يا أبا قتادة" قال‪ :‬فدنوت منه‬
‫قال فنزع النصل نزع ًا رفيقًا ثم بزق فيه رسول الله ووضع راحته‬
‫عليه فوالذي أكرم محمدًا بالنبوة ما ضرب علي ساعة قط ول‬
‫قرح علي‪..‬‬
‫‪-‬وروى النسائي‪ ،‬عن عثمان بن حنيف ـ أن أعمى قال‪ :‬يا رسول‬
‫الله‪ ،‬ادعو الله أن يكشف لي عن بصري‪.‬‬
‫قال‪" :‬فانطلق فتوضأ‪ :‬ثم صلى ركعتين‪ ،‬ثم قل‪ ،‬اللهم إني أسألك‬
‫وأتوجه إليك بنبي محمد نبي الرحمة‪ ،‬يا محمد‪ ،‬إني أتوجه بك إلى‬
‫ربك أن يكشف عن بصري‪ ،‬اللهم شفعه في"‪.‬‬

‫‪332‬‬
‫قال‪ :‬فرجع و قد كشف الله عن بصره‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرج هذا الحديث كل من‪:‬‬
‫* ابن ماجه‬
‫حدثنا أحمد بن منصور بن يسار ثنا عثمان بن عمر ثنا شعبة عن‬
‫أبي جعفر المدني عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن‬
‫حنيف أن رجل ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فقال‪ :‬ادع الله لي أن يعافيني‪ .‬فقال‪" :‬إن شئت أخرت لك وهو‬
‫خير وإن شئت دعوت" فقال‪ :‬ادعو‪ .‬فأمره أن يتوضأ فيحسن‬
‫وضوءه ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء‪" :‬اللهم إني أسألك‬
‫وأتوجه إليك بمحمد نبي الرحمة يا محمد إني قد توجهت بك إلى‬
‫ربي في حاجتي هذه لتقضى اللهم فشفعه في" قال أبو إسحاق‪:‬‬
‫هذا حديث صحيح‪.‬‬
‫* الترمذي‬
‫حدثنا محمود بن غيلن حدثنا عثمان بن عمر حدثنا شعبة عن‬
‫أبي جعفر عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف أن‬
‫رجل ً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬ادع الله‬
‫أن يعافيني‪ .‬قال‪ :‬إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك‪.‬‬
‫قال‪ :‬فادعه قال‪ :‬فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا‬
‫الدعاء اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة‬
‫إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي اللهم‬
‫فشفعه في قال هذا حديث حسن صحيح غريب ل نعرفه إل من‬
‫هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو الخطمي وعثمان بن حنيف‬
‫هو أخو سهل بن حنيف‪.‬‬

‫* الحاكم‬
‫أخبرنا أحمد بن سلمان الفقيه ثنا الحسن بن مكرم ثنا عثمان بن‬
‫عمرو ثنا شعبة وأخبرنا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد بن‬
‫حنبل حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي جعفر‬
‫المدني قال‪ :‬سمعت عمارة بن خزيمة يحدث عن عثمان بن‬
‫حنيف رضى الله تعالى عنه أن رجل ً ضريًرا أتى النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فقال‪ :‬ادع الله تعالى أن يعافيني قال‪ :‬إن شئت‬
‫أخرت ذلك وإن شئت دعوت‪ .‬قال‪ :‬فادعه‪ .‬قال‪ :‬فأمره أن يتوضأ‬
‫فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء "اللهم أسألك‬
‫وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمن يا‬
‫محمد إني أتوجه بك إلى ربك في حاجتي هذه فتقضيها لي اللهم‬
‫شفعه في وشفعني فيه" هذا حديث صحيح السناد ولم يخرجاه‪.‬‬
‫* ابن خزيمة‬

‫‪333‬‬
‫حدثنا محمد بن بشار وأبو موسى قال حدثنا عثمان بن عمر نا‬
‫شعبة عن أبي جعفر المدني قال سمعت عمارة بن خزيمة يحدث‬
‫عن عثمان بن حنيف أن رجل ً ضريًرا أتى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فقال‪ :‬ادع الله أن يعافيني‪ .‬قال‪ :‬إن شئت أخرت ذلك وهو‬
‫خير وإن شئت دعوت قال أبو موسى قال‪ :‬فادعه وقال فأمره أن‬
‫يتوضأ قال بندار فيحسن وقال ويصلي ركعتين ويدعوا بهذا الدعاء‬
‫اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد‬
‫إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضي لي اللهم‬
‫شفعه في زاد أبو موسى وشفعني فيه قال‪ :‬ثم كأنه شك بعد في‬
‫وشفعني فيه‪.‬‬
‫* أحمد‬
‫‪ -‬حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عثمان بن عمر أنبأنا شعبة عن‬
‫أبي جعفر قال سمعت عمارة بن خزيمة يحدث عن عثمان بن‬
‫حنيف‪-:‬أن رجل ً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فقال‪ :‬ادع الله أن يعافيني‪ .‬قال‪ :‬إن شئت دعوت لك وإن شئت‬
‫أخرت ذاك فهو خير فقال‪ :‬ادعه فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه‬
‫فيصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء اللهم إني أسألك وأتوجه إليك‬
‫بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في‬
‫حاجتي هذه فتقضي لي اللهم شفعه ف َّ‬
‫ي‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا روح قال حدثنا شعبة عن أبي‬
‫جعفر المديني قال سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث عن‬
‫عثمان بن حنيف‪-:‬أن رجل ً ضريًرا أتى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فقال‪ :‬يا نبي الله ادع الله أن يعافيني فقال‪ :‬إن شئت أخرت ذلك‬
‫فهو أفضل لخرتك وإن شئت دعوت لك‪ .‬قال‪ :‬ل بل ادع الله لي‪.‬‬
‫فأمره أن يتوضأ وأن يصلي ركعتين وأن يدعو بهذا الدعاء اللهم‬
‫إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي‬
‫الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضي‬
‫وتشفعني فيه وتشفعه في‪ .‬قال‪ :‬فكان يقول هذا مراًرا ثم قال‬
‫بعد أحسب أن فيها أن تشفعني فيه قال ففعل الرجل فبرأ‪.‬‬
‫* المنذري‬
‫عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه أن أعمى أتى إلى رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول الله ادع الله أن‬
‫يكشف لي عن بصري قال‪ :‬أو أدعك قال يا رسول الله إنه قد‬
‫شق علي ذهاب بصري قال‪ ":‬فانطلق فتوضأ ثم صل ركعتين ثم‬
‫قل اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيي محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه إلى ربي بك أن يكشف لي‬

‫‪334‬‬
‫عن بصري اللهم شفعه في وشفعني في نفسي" فرجع وقد‬
‫كشف الله عن بصره‪..‬‬
‫‪-‬وروي أن ابن ملعب السنة أصابه استسقاء‪ ،‬فبعث إلى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فأخذ بيده حثوة من الرض‪ ،‬فتفل عليها‬
‫ثم أعطاها رسوله‪ ،‬فأخذها متعجباً‪ ،‬يرى أنه قد هزىء به‪ ،‬فأتاه‬
‫بها‪ ،‬وهو على شفا‪ ،‬فشربها‪ ،‬فشفاه الله‪.‬‬
‫‪-‬وذكر العقيلي عن حبيب بن فديك‪ ،‬ويقال فريك ـ أن أباه ابيضت‬
‫عيناه‪ ،‬فكان ل يبصر بهما شيئاً‪ ،‬فنفث رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم في عينيه‪ ،‬فأبصر‪ ،‬فرأيته يدخل الخيط في البرة‪ ،‬وهو ابن‬
‫ثمانين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرجه البيهقي في دلئل النبوة باب ما جاء في نفثه في‬
‫عينين كانتا مبيضتين ل يبصر صاحبهما بهما حتى أبصر‪.‬‬
‫أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنبأنا أحمد بن عبيد حدثنا‬
‫إسماعيل ابن الفضل حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة حدثنا‬
‫محمد بن بشر حدثنا عبد العزيز بن عمر قال حدثني رجل من‬
‫بني سلمان بن سعد عن أمه أن خالها حبيب بن فويك حدثها أن‬
‫أباه خرج إلى رسول الله وعيناه مبيضتان ل يبصر بهما شيئًا‬
‫فسأله‪ :‬ما أصابك؟ فقال‪ :‬كنت أمرىء جملي فوقعت رجلي على‬
‫بيض فأصيب بصري فنفث رسول الله في عينه فأبصر فرأيته‬
‫يدخل الخيط في البرة وإنه لبن ثمانين وأن عينيه لمبيضتان‪.‬‬
‫حد في نحره‪ ،‬فبصق رسول الله‬ ‫ُ‬
‫‪-‬وُرمي كلثوم بن الحصين يوم أ ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فيه فبرأ‪.‬‬
‫‪-‬وتفل على شجة عبد الله بن أنيس فلم تمد‪.‬‬
‫‪-‬وتفل في عيني علي يوم خيبر‪ ،‬و كان رمداً‪ ،‬فأصبح بارئاً‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرجه أبو نعيم في دلئل النبوة قال‪:‬‬
‫عن أبي حازم قال أخبرني سهل بن سعد أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قال يوم خيبر‪ ":‬لعطين هذه الراية غدا رجل‬
‫يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" فبات‬
‫الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجوا أن يعطاها فقال‪:‬‬
‫أين علي بن أبي طالب فقالوا‪ :‬يا رسول الله يشتكي عينه‪ .‬قال‪:‬‬
‫فأرسلوا إليه‪ .‬فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫في عينه ودعا له فبرأ حتى لم يكن به وجع فأعطاه الراية وقال‪:‬‬
‫"انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى السلم‬
‫وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه‪ ،‬فوالله لن يهدي الله‬
‫بك رجل واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم"‪...‬قال المام‬
‫رحمه الله قوله يدوكون أي يتفكرون والدوك في اللغة الختلط‬

‫‪335‬‬
‫والمدو كحجر يدق به والمداك عبد حجر العطار على رسلك أي‬
‫سكونك والرسل الرفق وحمر النعم البل الحمر وهي عزيزة عند‬
‫العرب‪.‬‬
‫وروى البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫باب ما جاء في بعث السرايا إلى حصون خيبر وإخبار النبي‬
‫بفتحها على يدي علي بن أبي طالب رضي الله عنه ودعائه له‬
‫وما ظهر ذلك من آثار النبوة ودللت الصدق‪.‬‬
‫أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو عبد‬
‫الله بن يعقوب قال حدثنا محمد بن نعيم قال حدثنا قتيبة بن‬
‫سعيد قال حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن السكندراني عن أبي‬
‫حازم قال أخبرنا سهل بن سعد أن رسول الله قال يوم خيبر‪" :‬‬
‫لعطين هذه الراية غدا رجل يفتح الله على يديه يحب الله‬
‫ورسوله ويحبه الله ورسوله" قال‪ :‬فبات الناس يدوكون ليلتهم‬
‫أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله كلهم‬
‫يرجوأن يعطاها فقال‪ :‬أين علي بن أبي طالب؟ فقال هو يا‬
‫رسول الله يشتكي عينيه قال‪ :‬فأرسلوا إليه فأتى به فبصق‬
‫رسول الله في عينيه ودعا له فبرأ حتى كان لم يكن به وجع‬
‫فأعطاه الراية فقال علي رضي الله عنه‪ :‬يا رسول الله أقاتلهم‬
‫حتى يكونوا مثلنا قال‪" :‬انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم‬
‫ادعهم إلى السلم وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه‬
‫فوالله لن يهدي الله بك رجل واحدا خير لك من أن يكون لك‬
‫حمر النعم"‪.‬‬
‫رواه البخاري ومسلم في الصحيح عن قتيبة بن سعيد‬
‫أخبرنا أبو طاهر الفقيه قال أخبرنا أبو محمد حاجب بن أحمد‬
‫الطوسي قال حدثنا عبد الرحيم بن منيب قال حدثنا جرير بن عبد‬
‫الحميد قال أخبرنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله‪ ":‬لعطين الراية غدا رجل يحب الله‬
‫ورسوله يفتح الله عليه" قال عمر‪ :‬فما أحببت المارة قط حتى‬
‫يومئذ فدعا عليًا فبعث ثم قال‪" :‬اذهب فقاتل حتى يفتح الله‬
‫عليك ول تلتفت" قال علي‪ :‬على ما أقاتل الناس؟ قال‪" :‬قاتلهم‬
‫حتى يشهدوا وأن ل إله إل الله وأن محمدا عبده ورسوله فإذا‬
‫فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إل بحقها وحسابهم‬
‫على الله"‪.‬‬
‫أخرجه مسلم من وجه آخر عن سهيل بن أبي صالح‬
‫أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله الديب قال أخبرنا أبو بكر‬
‫السماعيلي قال أخبرنا الحسن بن سفيان وأخبرنا أبو عبد الله‬
‫الحافظ قال أخبرني أبو بكر ابن عبد الله قال أخبرنا الحسن بن‬

‫‪336‬‬
‫سفيان قال‪ :‬حدثنا قتيبة قال حدثنا حاتم بن إسماعيل عن يزيد‬
‫بن أبي عبيد عن سلمة هو ابن الكوع قال كان علي قد تخلف‬
‫عن النبي في خيبر وكان رمدًا فقال‪ :‬أنا أتخلف عن النبي فخرج‬
‫علي فلحق بالنبي فلما كان مساء الليلة التي فتحها الله في‬
‫صباحها قال رسول الله‪" :‬لعطين الراية غدا أو ليأخذن الراية‬
‫غدا رجل يحبه الله ورسوله أو قال يفتح الله عليه" فإذا نحن‬
‫بعلي وما نرجوه فقالوا‪ :‬هذا علي فأعطاه رسول الله الراية ففتح‬
‫الله عليه‪.‬‬
‫‪-‬ونفث علي ضربة بساق سلمة بن الكوع يوم خيبر فبرئت‪ ،‬وفي‬
‫رجل زيد بن معاذ حين أصابها السيف إلى الكعب‪ ،‬حين قتل ابن‬
‫الشرف‪ ،‬فبرئت‪ .‬وعلى ساق علي ابن الحكم يوم الخندق إذا‬
‫انكسرت‪ ،‬فبرىء مكانه‪ ،‬وما نزل عن فرسه‪.‬‬
‫البيهقي باب ما جاء في نفث رسول الله في جرح سلمة بن‬
‫الكوع يوم خيبر وبروه من ذلك‪:‬‬
‫أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قال أخبرنا أبو سهل‬
‫أحمد ابن محمد بن عبد الله بن زياد النحوي قال حدثنا إسماعيل‬
‫بن محمد الفسوي القاضي قال حدثنا مكي بن إبراهيم(ح)‬
‫وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي‬
‫قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثنا أبي قال حدثنا‬
‫مكي قال حدثنا يزيد بن أبي عبيد قال‪ :‬رأيت أثر ضربة في ساق‬
‫سلمة فقلت‪ :‬يا أبا مسلم ما هذه الضربة قال هذه ضربة‬
‫أصابتني يوم خيبر فقال‪ :‬الناس أصيب سلمة قال‪ :‬فأتيت رسول‬
‫الله فنفث فيه ثلث نفثات معًا فما اشتكيت منها حتى الساعة‪.‬‬
‫لفظ حديث القاضي رواه البخاري عن مكي بن إبراهيم‪.‬‬
‫‪-‬واشتكى علي بن أبي طالب‪ ،‬فجعل يدعو‪ ،‬فقال النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬اشفه‪ ،‬أو عافه"‪ ،‬ثم ضرب برجله‪ ،‬فما اشتكى‬
‫ذلك الوجع بعد‪.‬‬
‫‪-‬وقطع أبو جهل يوم بدر يَد معوذ بن عفراء‪ ،‬فجاء يحمل يده‪،‬‬
‫فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وألصقها فلصقت‪.‬‬
‫رواه ابن وهب‪.‬‬
‫‪-‬ومن روايته أيضا ً أن خبيب بن يساف أصيب يوم بدر مع رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم بضربة على عاتقه حتى مال شقه‪،‬‬
‫فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬و نفث عليه حتى صح‪.‬‬
‫أخرج أبو نعيم في دلئل النبوة‬
‫ثنا خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب عن أبيه عن جده رضي الله‬
‫عنه قال‪ :‬أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجل من قومي‬
‫في بعض مغازيه فقلنا‪ :‬إنا نشتهي أن نشهد معك مشهدًا قال‪:‬‬

‫‪337‬‬
‫أسلمتم؟ قلنا‪ :‬ل‪ .‬قال‪" :‬فإنا ل نستعين بالمشركين على‬
‫المشركين" قال فأسلمنا وشهدت مع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وأصابتني ضربة على عاتقي فجافتني فتعلقت يدي فأتيت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفل عليها وألزقها فالتأمت‬
‫وبرأت وقتلت الذي ضربني ثم تزوجت ابنة الذي قتلته وضربني‬
‫وكانت تقول‪ :‬ل عدمت رجل ً وشحك هذا الوشاح فأقول‪ :‬ل‬
‫عدمت رجل ً عجل أباك إلى النار‪ .‬قال المام رحمه الله‪ :‬جافتني‬
‫هذا أي بلغت جوفي يقال طعنة جائفة إذا وصلت إلى الجوف‬
‫والتفل فوق النفث وهو أن يرمي بريقه أي رمى بريقه على‬
‫الجراحة فالتأمت أي انضم بعضها الى بعض ول عدمت دعاء‬
‫وقولها‪ :‬وشحك أي أثر بجسدك هذا الثر يعني أثر الضربة على‬
‫عاتقه‪.‬‬
‫‪-‬وأتته امرأة من خثعم‪ ،‬معها صبي به بلء ل يتكلم‪ ،‬فأتي بماء‬
‫فمضمض فاه‪ ،‬وغسل يديه‪ ،‬ثم أعطاها إياه وأمرها بسقيه ومسه‬
‫به‪ ،‬فبرأ الغلم‪ ،‬وعقل عقل ً يفضل عقول الناس‪.‬‬
‫‪-‬وعن ابن عباس‪ :‬جاءت امرأة بابن لها به جنون‪ ،‬فمسح صدره‪،‬‬
‫فثعَّ ثعَّة فخرج من جوفه مثل الجرو السود‪ ،‬فشفي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرج البيهقي في دلئل النبوة قال‪:‬‬
‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد محمد بن موسى بن‬
‫الفضل قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن‬
‫عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن إسماعيل بن عبد الملك عن‬
‫أبي الزبير عن جابر قال‪ :‬خرجت مع رسول الله في سفر… ثم‬
‫رجعنا فركبنا رواحلنا فسرنا كأنما علينا الطير يظلنا فإذا نحن‬
‫بامرأة قد عرضت لرسول الله معها صبي تحمله فقالت يا رسول‬
‫الله‪ :‬إن ابنى هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلث مرات ل يدعه‪.‬‬
‫فوقف رسول الله فتناوله فجعله بينه وبين مقدمة الرحل فقال‬
‫رسول الله‪ :‬إخسأ عدو الله أنا رسول الله‪ .‬قال‪ :‬فأعاد رسول‬
‫الله ذلك ثلث مرات ثم ناولها إياه فلما رجعنا فكنا بذلك الماء‬
‫عرضت لنا المرأة معها كبشان تقودهما والصبي تحمله فقالت‪ :‬يا‬
‫رسول الله أقبل مني هديتي فو الذي بعثك بالحق إن عاد إليه‪.‬‬
‫فقال رسول الله‪ :‬خذوا أحدهما منها وردوا الخر‪..‬‬
‫وأتت امرأة فقالت‪ :‬إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين يأخذه‬
‫في كل يوم مرتين فقال رسول الله‪ :‬أدنيه فأدنته منه فتفل في‬
‫فيه وقال‪ :‬أخرج عدو الله أنا رسول الله ثم قال لها رسول الله‪:‬‬
‫إذا رجعنا فأعلمينا ما صنع فلما رجع رسول الله استقبله ومعه‬
‫كبشان وأقط وسمن فقال لي رسول الله‪ :‬خذ هذا الكبش فأخذ‬
‫منه ما أراد فقالت‪ :‬والذي أكرمك ما رأينا به شيئًا منذ فارقتنا‪.‬‬

‫‪338‬‬
‫أخبرنا أبو القاسم زيد بن أبي هاشم العلوى بالكوفة أنبأنا أبو‬
‫جعفر محمد بن علي بن دحيم حدثنا إبراهيم بن عبد الله أنبانا‬
‫وكيع عن العمش عن المنهال بن عمرو عن يعلي بن مرة قال‬
‫رأيت من النبي عجبًا خرجت معه في سفر فنزلنا منزل ً فأتته‬
‫امرأة بصبي لها به لمم فقال رسول الله‪ :‬أخرج عدو الله أنا‬
‫رسول الله‪ .‬قال‪ :‬فبرأ فلما رجعنا جاءت أم الغلم بكبشين‬
‫وشيء من أقط وسمن فقال النبي‪ :‬يا يعلى خذ أحد الكبشين‬
‫ورد عليها الخر وخذ السمن والقط قال ففعلت‪...‬‬
‫‪-‬وانكفأت القدر على ذراع محمد بن حاطب وهو طفل‪ ،‬فمسح‬
‫عليه ودعا له‪ ،‬وتفل فيه فبرأ لحينه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرجه أبو نعيم في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وأخبرنا أبو الشيخ ثنا الفضل بن العباس بن مهران ثنا بشار بن‬
‫موسى الخفاف ثنا عبد الرحمن بن عثمان الحاطبي حدثتني أمي‬
‫عن محمد بن حاطب عن أمه أم جميل بنت المجلل قالت‪:‬‬
‫أقبلت بك من أرض الحبشة حتى إذا كنت من المدينة على ليلة‬
‫خا ففني الحطب فخرجت أطلبه وتركتك‬ ‫أو ليلتين طبخت لك طبي ً‬
‫فتناولت القدر فانكفأت على ذراعك فلما قدمت المدينة أتيت‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فقلت‪ :‬يا رسول الله هذا محمد بن‬
‫حاطب وهو أول من سمي بك فتفل في فيك ومسح على رأسك‬
‫ودعا لك بالبركة وجعل يتفل على يدك ويقول‪ :‬أذهب البأس رب‬
‫ما‪.‬‬
‫الناس وأشف أنت الشافي ل شفاء إل شفاؤك ل يغادر سق ً‬
‫فما قمت من عنده حتى برأت‪ ,‬فقلت لمي‪ :‬من هذا الرجل؟‬
‫قالت‪ :‬النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪-‬وكانت في كف شرحبيل الجعفي سلعة تمنعه القبض على‬
‫السيف وعنان الدابة‪ ،‬فشكاها للنبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فما‬
‫زال يطحنها بكفه حتى رفعها‪ ،‬ولم يبقى لها أثر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرج البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬باب ما جاء في نفثه في‬
‫كف شرحبيل الجعفي ووضع كفه على السلعة التي كانت بكفه‬
‫حتى ذهبت‪.‬‬
‫أخبرنا أبو بكر الفارسي أنبأنا أبو إسحاق الصبهاني أنبأنا أبو‬
‫أحمد بن فارس حدثنا محمد بن إسماعيل قال قال لي علي‬
‫حدثنا يونس بن محمد المؤدب حدثنا حماد بن زيد حدثنا مخلد بن‬
‫عقبة بن عبد الرحمن ابن شرحبيل الجعفي عن جده عبد الرحمن‬
‫عن أبيه قال‪ :‬أتيت رسول الله وبكفي سلعة فقلت‪ :‬يا رسول‬
‫الله هذه السلعة قد آذتني تحول بيني وبين قائم السيف أن‬
‫أقبض عليه عنان الدابة فقال‪ :‬أدن مني فدنوت منه فقال لي‪:‬‬
‫افتح كفك ففتحتها ثم قال‪ :‬اقبضها فقبضتها ثم قال‪ :‬ادن منى‬

‫‪339‬‬
‫فدنوت منه فقال‪ :‬افتحها ففتحتها فنفث في كفي ووضع كفه‬
‫على السلعة فما زال يطحنها بكفه حتى رفعها عنها وما أدري أين‬
‫أثرها‪.‬‬
‫ً‬
‫‪-‬وسألته جارية طعاما‪ ،‬وهو يأكل‪ ،‬فناولها من بين يديه‪ ،‬وكانت‬
‫قليلة الحياء‪ ،‬فقالت‪ :‬إنما أريد من الذي في فيك‪ ،‬فناولها ما في‬
‫فيه‪ ،‬ولم يكن يسأل شيئا ً فيمنعه‪.‬‬
‫فلما استقر في جوفها ألقي عليها من الحياء ما لم تكن امرأة‬
‫بالمدينة أشد حياء منها‪.‬‬
‫الفصل الحادي والعشرون‪:‬‬
‫في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫* وهذا باب واسع جداً‪ ،‬وإجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫لجماعة بما دعا لهم وعليهم متواتر على الجملة‪ ،‬معلوم ضرورةً‪.‬‬
‫‪-‬وقد جاء في حديث حذيفة رضي الله عنه‪ :‬كان رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم إذا دعا لرجل أدركت الدعوة ولدَه ووَلد َ ولدِه‪.‬‬
‫‪-‬حدثنا أبو محمد العتابي بقراءتي عليه‪ ،‬حدثنا أبو القاسم حاتم بن‬
‫محمد‪ ،‬حدثنا أبو الحسن القابسي‪ ،‬حدثنا أبو زيد المروزي‪ ،‬حدثنا‬
‫محمد بن يوسف‪ ،‬حدثنا محمد بن إسماعيل‪ ،‬حدثنا عبد الله بن‬
‫أبي السود‪ ،‬حدثنا حرمي‪ ،‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬قالت أمي‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬خادمك أنس‪ ،‬ادع‬
‫الله له‪ .‬قال‪ :‬اللهم أكثر ماله وولده‪ ،‬و بارك له فيما آتيته‪.‬‬
‫ومن رواية عكرمة‪ :‬قال أنس‪ :‬فوالله إن مالي لكثير‪ ،‬وإن ولدي‬
‫وولد ولدي ليعادّون اليوم على نحو المائة‪.‬‬
‫وفي رواية‪ :‬وما أعلم أحدا ً أصاب من رخاء العيش ما أصبت‪،‬‬
‫ة من ولدي‪ ،‬ل أقول سقطا ً ول ولد‬ ‫ولقد دفنت بيدي هاتين مائ ً‬
‫ولد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه الشيخان‪.‬‬
‫البخاري باب‪ :‬من زار قوما فلم يفطر عندهم‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا محمد بن المثنى قال‪ :‬حدثني خالد هو ابن الحارث‪:‬‬
‫حدثنا حميد‪ ،‬عن أنس رضي الله عنه‪ :‬دخل النبي صلى الله عليه‬
‫وسلمعلى أم سليم‪ ،‬فأتته بتمر وسمن‪ ،‬قال‪(:‬أعيدوا سمنكم في‬
‫سقائه‪ ،‬وتمركم في وعائه‪ ،‬فإني صائم)‪ .‬ثم قام إلى ناحية من‬
‫البيت فصلى غير المكتوبة‪ ،‬فدعا لم سليم وأهل بيتها‪ ،‬فقالت أم‬
‫سليم‪ :‬يا رسول الله إن لي خويصة‪ ،‬قال‪(:‬ما هي)‪ .‬قالت‪ :‬خادمك‬
‫أنس‪ ،‬فما ترك خير آخرة ول دنيا إل دعا لي به‪ ،‬قال‪(:‬اللهم ارزقه‬
‫مال‪ ،‬وولدا‪ ،‬وبارك له)‪ .‬فإني لمن أكثر النصار مال‪ .‬وحدثتني‬
‫ابنتي أمينة‪ :‬أنه دفن لصلبي مقدم حجاج البصرة بضع وعشرون‬
‫ومائة‪.‬‬

‫‪340‬‬
‫حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا يحيى قال‪ :‬حدثني حميد‪ :‬سمع أنسا‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫مسلم في كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب من فضائل أنس بن‬
‫مالك‪ ،‬رضي الله عنه‬
‫حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار‪ .‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪.‬‬
‫حدثنا شعبة‪ .‬سمعت قتادة يحدث عن أنس‪ ،‬عن أم سليم؛ أنها‬
‫قالت‪:‬يا رسول الله! خادمك أنس‪ .‬ادع الله له‪ .‬فقال‪" :‬اللهم!‬
‫أكثر ماله وولده‪ .‬وبارك له فيما أعطيته"‪.‬‬
‫حدثنا محمد بن بشار‪ .‬حدثنا محمد بن جعفر‪ .‬حدثنا شعبة عن‬
‫هشام بن يزيد‪ .‬سمعت أنس بن مالك يقول‪ ،‬مثل ذلك‪ .‬وحدثني‬
‫زهير بن حرب‪ .‬حدثنا هاشم بن القاسم‪ .‬حدثنا سليمان عن ثابت‪،‬‬
‫عن أنس‪ .‬قال‪ :‬دخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا‪ .‬وما هو إل‬
‫أنا وأمي وأم حرام‪ ،‬خالتي‪ .‬فقالت أمي‪ :‬يا رسول الله! خويدمك‪.‬‬
‫ادع الله له‪ .‬قال فدعا لي بكل خير‪ .‬وكان في آخر ما دعا لي به‬
‫أن قال‪" :‬اللهم! أكثر ماله وولده‪ .‬وبارك له فيه"‪.‬‬
‫حدثني أبو معن الرقاشي‪ .‬حدثنا عمر بن يونس‪ .‬حدثنا عكرمة‪.‬‬
‫حدثنا إسحاق‪ .‬حدثنا أنس قال‪:‬جاءت بي أمي‪ ،‬أم أنس إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬وقد أزرتني بنصف خمارها‬
‫وردتني بنصفه‪ .‬فقالت‪ :‬يا رسول الله! هذا أنيس‪ ،‬ابني‪ .‬أتيتك به‬
‫يخدمك‪ .‬فادع الله له‪ .‬فقال‪" :‬اللهم! أكثر ماله وولده"‪.‬قال أنس‪:‬‬
‫فوالله! إن مالي لكثير‪ .‬وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو‬
‫المائة‪ ،‬اليوم‪.‬‬
‫حدثنا قتيبة بن سعيد‪ .‬حدثنا جعفر(يعني ابن سليمان) عن‬
‫الجعد‪ ،‬أبي عثمان‪ .‬قال‪ :‬حدثنا أنس بن مالك قال‪ :‬مر رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فسمعت أمي‪ ،‬أم سليم صوته‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬بأبي وأمي! يا رسول الله! أنيس‪ .‬فدعا لي رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ثلث دعوات‪ .‬قد رأيت منها اثنتين في‬
‫الدنيا‪ .‬وأنا أرجو الثالثة في الخرة‪.‬‬
‫‪ -‬ومنه دعاؤه لعبد الرحمن بن عوف بالبركة‪ ،‬قال عبد الرحمن‪:‬‬
‫فلو رفعت حجرا ً لرجوت أن أصيب تحته ذهباً‪ ،‬وفتح الله عليه‪،‬‬
‫ومات فحفر الذهب من تركته بالفؤوس حتى مجلت فيه اليدي‪،‬‬
‫وأخذت كل زوجة ثمانين ألفا ً وكن أربعاً‪ .‬وقيل مائة ألف‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫بل صولحت إحداهن‪ ،‬لنه طلقها في مرضه على نيف وثمانين‬
‫ألفاً‪ ،‬وأوصى بخمسين ألفا ً بعد صدقاته الفاشية في حياته‪،‬‬
‫وعوارفه العظيمة‪ :‬أعتق يوما ً ثلثين عبداً‪ ،‬وتصدق مرة ً بعير فيها‬
‫سبعمائة بعير‪ ،‬وردت عليه تحمل من كل شيء‪ ،‬فتصدق بها وبما‬
‫عليها‪ ،‬وبأقتابها وأحلسها‪.‬‬

‫‪341‬‬
‫قلت‪ :‬قال ابن كثير في البداية والنهاية‪:‬‬
‫عبد الرحمن بن عوف ابن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة‬
‫ما على‬ ‫بن كلب بن مرة أبو محمد القرشي الزهري أسلم قدي ً‬
‫يدي أبي بكر وهاجر إلى الحبشة وإلى المدينة وآخى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد ابن الربيع وشهد بدًرا وما‬
‫بعدها وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه الى بني‬
‫كلب وأرخى له عذته بين كتفية لتكون إمارة عليه للمارة وهو‬
‫أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الثمانية السابقين إلى‬
‫السلم وأحد الستة أصحاب الشورى ثم أحد الثلثة الذين انتهت‬
‫إليهم منهم كما ذكرنا ثم كان هو الذي اجتهد في تقديم عثمان‬
‫رضي الله عنه وقد تقاول هو وخالد بن الوليد في بعض الغزوات‬
‫فأغلظ له خالد في المقال فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬لتسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيد ه لو أنفق‬
‫أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ول نصيفه"‪ .‬وهو في‬
‫الصحيح‪ ..‬وقال معمر عن الزهري تصدق عبد الرحمن بن عوف‬
‫على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بشطر ماله أربعة آلف ثم‬
‫ثم تصدق بأربعين ألفًا ثم تصدق بأربعين الف دينار ثم حمل على‬
‫خمسمائة فرس في سبيل الله ثم حمل على خمسمائة راحلة‬
‫في سبيل الله وكان عامة ماله من التجارة فأما الحديث الذي‬
‫قال عبد بن حميد في مسنده ثنا يحيى بن إسحاق ثنا عمارة بن‬
‫زاذان عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن‬
‫عوف لما هاجر آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين‬
‫عثمان بن عفان فقال له‪ :‬ان لي حائطين فاختر أيهما شئت‬
‫فقال‪ :‬بارك الله لك في حائطيك ما لهذا أسلمت‪ .‬دلني على‬
‫السوق قال‪ :‬فدله فكان يشتري السمنة وألقيطة والهاب فجمع‬
‫فتزوج فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪" :‬بارك الله لك‬
‫أولم ولو بشاة"‪.‬‬
‫قال‪ :‬فكثر ماله حتى قدمت له سبعمائة راحله تحمل البر وتحمل‬
‫الدقيق والطعام قال‪ :‬فلما دخلت المدينة سمع لهل المدينة رجه‬
‫فقالت عائشة‪ :‬ما هذه الرجه؟ فقيل لها‪ :‬عير قدمت بعبد‬
‫الرحمن بن عوف سبعمائة تحمل البر والدقيق والطعام فقالت‬
‫عائشة‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬يدخل‬
‫عبد الرحمن بن عوف الجنة حبوًا"‪ .‬فلما بلغ عبد الرحمن ذلك‬
‫قال‪ :‬أشهدك يا أمة أنها بأحمالها وأحلسها أاقتابها في سبيل الله‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ثنا عبد الصمد بن حسان ثنا عمارة هو ابن‬
‫زاذان عن ثابت عن أنس قال‪ :‬بينما عائشة في بيتها إذ سمعت‬
‫صوتًا في المدينة قالت‪ :‬ماهذا؟ قالوا‪ :‬عير لعبد الرحمن بن عوف‬

‫‪342‬‬
‫قدمت من الشام تحمل كل شيء قال‪ :‬وكانت سبعمائة بعير‬
‫قال‪ :‬فارتجت المدينة من الصوت فقالت عائشة‪ :‬سمعت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬قد رأيت عبد الرحمن ابن‬
‫عوف يدخل الجنة حبوًا"‪ .‬فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف قال‪:‬‬
‫ما فجعلها فأقتابها وأحمالها في سبيل‬ ‫لئن استطعت لدخلها قائ ً‬
‫الله‪ .‬فقد تفرد به عمارة بن زاذان الصيدلني وهو ضعيف وأما‬
‫قوله في سياق عبد بن حميد أنه آخى بينه وبين عثمان بن عفان‬
‫فغلط محض مخالف لما في صحيح البخاري من أن الذي آخى‬
‫بينه وبينه إنما هو سعد بن الربيع النصاري رضي الله عنهما وثبت‬
‫في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى وراءه‬
‫الركعة الثانية من صلة الفجر في بعض السفار وهذه منقبة‬
‫عظيمة ل تبارى ولما حضرته الوفاة أوصى لكل رجل ممن بقي‬
‫من أهل بدر بأربعمائة دينار وكانوا مائة فأخذوها حتى عثمان‬
‫وعلي وقال علي‪ :‬اذهب يا ابن عوف فقد أدركت صفوها وسبقت‬
‫زيفها وأوصى لكل امرأة من أمهات المؤمنين بمبلغ كثير حتى‬
‫كانت عائشة تقول‪ :‬سقاه الله من السلسبيل وأعتق خلقًا من‬
‫مماليكه ثم ترك بعد ذلك كله مال ً جزيل ً من ذلك ذهب قطع‬
‫الفؤس حتى مجلت أيدي الرجال وترك ألف بعير ومائة فرس‬
‫وثلثة آلف شاة ترعى بالبقيع وكان نساؤه أربعًا فصولحت‬
‫إحداهن من ربع الثمن بثمانين ألفًا ولما مات صلى عليه عثمان‬
‫بن عفان وحمل في جنازته سعد بن أبي وقاص ودفن بالبقيع عن‬
‫خمس وسبعين سنة وكان أبيض مشربًا حمرة حسن الوجه دقيق‬
‫البشرة أعين أهدب الشفار أقنى له جمة ضخم الكفين غليظ‬
‫الصابع ليغير شيبة رضي الله عنه‪.‬‬
‫‪-‬ودعا لمعاوية بالتمكين في البلد‪ ،‬فنال الخلفة‪.‬‬
‫ولسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن يجيب الله دعوته فما‬
‫دعا على أحد إل استجيب له‪.‬‬
‫أخرج الحاكم في المستدرك‪.‬‬
‫حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا‬
‫يونس بن بكير عن إسحاق عن عثمان بن عبد الرحمن عن‬
‫عائشة بنت سعد عن أبيها سعد بن أبي وقاص رضى الله تعالى‬
‫عنه قال‪ :‬لما جال الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫تلك الجولة يوم أحد تنحيت فقلت‪ :‬أذود عن نفسي فأما أن‬
‫أستشهد وإما أن أنجو حتى ألقى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فبينا أنا كذلك إذا برجل مخمر وجهه ما أدري من هو فأقبل‬
‫المشركون حتى قلت قد ركبوه مل يده من الحصي ثم رمى به‬
‫في وجوههم فنكبوا على أعقابهم القهقري حتى يأتوا الجبل‬

‫‪343‬‬
‫ففعل ذلك مراًرا ول أدري من هو وبيني وبينه المقداد بن السود‬
‫فبينا أنا أريد أن أسأل المقداد عنه إذ قال المقداد يا سعد هذا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك فقلت وأين هو فأشار‬
‫لي المقداد إليه فقمت ولكأنه لم يصبني شيء من الذى فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬أين كنت اليوم يا سعد فقلت‬
‫حيث رأيت رسول الله فأجلسني أمامه فجعلت أرمي وأقول‬
‫اللهم سهمك فارم به عدوك ورسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول‪ :‬اللهم استجب لسعد اللهم سدد لسعد رميته إيها سعد‬
‫فداك أبي وأمي فما من سهم أرمي به إل وقال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ :‬اللهم سدد رميته وأجب دعوته إيها سعد حتى‬
‫إذا فرغت من كنانتي نثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما‬
‫ما نضيًا قال‪ :‬وهو الذي قد ريش وكان أشد‬ ‫في كنانته فنبلني سه ً‬
‫من غيره‪ ...‬قال الزهري إن السهام التي رمى بها سعد يومئذ‬
‫كانت ألف سهم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم‬
‫يخرجاه‪.‬‬
‫وأخرجه مختصًرا من طريق أخرى قال‪:‬‬
‫وحدثنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق ثنا العباس بن الفضل‬
‫السفاطي ثنا إبراهيم بن يحيى الشجري عن أبيه حدثني موسى‬
‫بن عقبة حدثني إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم‬
‫عن سعد بن أبي وقاص قال‪ :‬قال لي رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬اللهم سدد رميته وأجب دعوته هذا حديث تفرد به يحيى‬
‫بن هانئ بن خالد الشجري وهو شيخ ثقة من أهل المدينة…‬
‫وذكره اللباني في ظلل الجنه في تخريج السن‪،‬‬
‫ثنا الحسن بن علي ثنا جعفر بن عوف عن إسماعيل عن قيس‬
‫عن سعد قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬اللهم سدد‬
‫رميته وأجب دعوته…‬
‫* دعا الرسول المين واستجاب رب العالمين‬
‫فكان سعد رضي الله عنه كلما رمى عدوا أصابه‪ ،‬ومتى دعا الله‬
‫أجابه‪ ،‬وكان الصحابة رضي الله عنهم يرون أن ذلك بسبب دعوة‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ -‬له‪(:‬اللهم سدد رميته‪ ،‬وأجب‬
‫دعوته)‪.‬‬
‫ويروى أنه سمع رجل ً يسب صحابة رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬طلحة وعليا والزبير رضي الله عنهم‪ ،‬فنهاه فلم ينته‪...‬‬
‫فقال له‪(:‬إذن أدعو عليك) فقال الرجل‪(:‬أراك تتهددني كأنك‬
‫نبي‪ )..‬فانصرف سعد رضي الله عنه فأسبغ الوضوء وصلى‬
‫ركعتين‪ ،‬ثم رفع يديه ودعا‪( :‬اللهم إن كنت تعلم أن هذا الرجل‬
‫ما سبقت لهم منك الحسنى‪ ،‬وأنه قد أسخطك سبُّه‬ ‫قد سب أقوا ً‬

‫‪344‬‬
‫إياهم‪ ،‬فاجعله آية وعبرة) فلم يمض إل وقت قصير حتى ندّت‬
‫ناقة ل يردها راد ول يصدها صاد فخرجت من إحدى الدور‪ ،‬وما‬
‫أن دخلت في زحام الناس حتى هاجمت الرجل فأخذته بين‬
‫قوائمها‪ ،‬وما زالت ت َّ‬
‫خبطه حتى قتلته‪...‬‬
‫مر سعد بن أبي وقاص ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬ما شاء الله‪ ...‬وبسط‬ ‫وع َّ‬
‫الله له في الرزق فكان ذا مال كثير وخير وفير؛ لكنه حين‬
‫أحس بقرب أجله دعا بجبة غليظة من صوف بالية وقال‪(:‬كفنوني‬
‫بها فإني لقيت بها المشركين يوم بدر وإني أريد أن ألقى بها الله‬
‫ضا) وكان رأسه بحجر ابنه‪ ،‬فبكى؛ فقال له‪( :‬ما يبكيك‬ ‫عز وجل أي ً‬
‫يا بني؟ إن الله ل يعذبني أبدًا‪ ،‬وإني من أهل الجنة) فقد كان‬
‫إيمانه بصدق بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيًرا‬
‫وكانت وفاته سنة خمس وخمسين (‪ )55‬من الهجرة النبوية وكان‬
‫آخر المهاجرين وفاة‪ ،‬ودفن في البقيع‪...‬‬
‫‪-‬ودعا بعز السلم بعمر رضي الله عنه‪ ،‬أو بأبي جهل‪ ،‬فاستجيب‬
‫له في عمر‪.‬‬
‫‪-‬قال ابن مسعود رضي الله عنه‪ :‬ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر‪.‬‬
‫ابن ماجه حدثنا محمد بن عبيد أبو عبيد المديني ثنا عبد الملك بن‬
‫الماجشون حدثني الزنجي بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه‬
‫عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم‬
‫أعز السلم بعمر بن الخطاب خاصة‪.‬‬
‫قال الشيخ اللباني‪ :‬صحيح دون قوله خاصة‪.‬‬
‫الترمذي حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن رافع قال حدثنا أبو‬
‫عامر العقدي حدثنا خارجة بن عبد الله النصاري عن نافع عن بن‬
‫عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬اللهم أعز‬
‫السلم بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب‬
‫قال وكان أحبهما إليه عمر‪ ,‬قال أبو عيسى هذا حديث حسن‬
‫صحيح غريب من حديث بن عمر‪ ..‬قال الشيخ اللباني‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫التبريزي وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪ :‬اللهم أعز السلم بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب‬
‫فأصبح عمر فغدا على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم ثم‬
‫صلى في المسجد ظاهًرا‪ .‬رواه أحمد والترمذي‪.‬‬
‫حدثنا عبيد الله بن فضالة ثنا عيسى بن منصور النيسابوري حدثنا‬
‫عيسى بن إبراهيم العسقلني حدثنا سليمان بن أبي سليمان‬
‫المديني عن الزهري عن سالم عن أبيه قال قال‪ :‬رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬اللهم أعز السلم بعمر بن الخطاب أو‬
‫بالوليد بن المغيرة"‪ .‬قال‪ :‬فجعل الله الدعوة لعمر خاصة في‬
‫نفسه وفي الوليد بن المغيرة في ابنه خالد بن الوليد قال ابن‬

‫‪345‬‬
‫عمر والله ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أبا‬
‫جهل‪.‬‬
‫قال الشيخ اللباني‪:‬‬
‫حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫(اللهم أعز السلم بأحب هذين الرجلين إليك‪ :‬بأبي جهل أو بعمر‬
‫بن الخطاب)‪ .‬قال‪ :‬فكان أحبهما إليه عمر‪ .‬أخرجه الترمذي‬
‫وقال‪(:‬حديث حسن صحيح)؛ وابن سعد‪ ،‬والحاكم‪ ،‬وأحمد‪ ..‬وقال‬
‫الحاكم‪(:‬صحيح السناد) ووافقه الذهبي وهو عنده من طريقين‬
‫آخرين عن نافع عنه‪ .‬ثم رواه هو وابن ماجه من حديث عائشة‬
‫ضا من حديث ابن مسعود وابن سعد من حديث عثمان بن‬ ‫وهو أي ً‬
‫الرقم وسعيد بن المسيب والحسن البصري مرسلً‪ .‬وعن ابن‬
‫عباس قال‪ :‬أول من جهر بالسلم عمر بن الخطاب‪ .‬رواه‬
‫الطبراني وإسناده حسن كما في(المجمع)‪ .‬وعن عمر أنه أتى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول الله إني ل أدع‬
‫سا جلسته في الكفر إل أعلنت فيه السلم‪ .‬فأتى المسجد‬ ‫مجل ً‬
‫وفيه بطون قريش متحلقة فجعل يعلن السلم ويشهد أن ل إله‬
‫إل الله وأن محمدا رسول الله‪.‬‬
‫قال الشيخ اللباني في صحيح السيرة‪ :‬إسلم عمر بن الخطاب‬
‫قال ابن إسحاق‪ :‬ولما قدم عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي‬
‫ربيعة على قريش ولم يدركوا ما طلبوا من أصحاب رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وردهم النجاشي بما يكرهون وأسلم عمر‬
‫بن الخطاب وكان رجل ً ذا شكيمة ل يرام ما وراء ظهره امتنع به‬
‫شا‪ .‬فكان عبد الله‬ ‫أصحاب رسول الله وبحمزة حتى غاظوا قري ً‬
‫بن مسعود يقول‪ :‬ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة حتى‬
‫شا حتى صلى عند الكعبة‬ ‫أسلم عمر فلما أسلم عمر قاتل قري ً‬
‫وصلينا معه‪ .‬قلت‪ :‬وثبت في(صحيح البخاري) عن ابن مسعود‬
‫أنه قال‪ :‬ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر بن الخطاب‪ .‬وقال زياد‬
‫البكائي‪ :‬حدثني مسعر بن كدام عن سعد بن إبراهيم قال‪ :‬قال‬
‫حا وإن هجرته كانت نصًرا وإن‬ ‫ابن مسعود‪ :‬إن إسلم عمر كان فت ً‬
‫إمارته كانت رحمة ولقد كنا وما نصلي عند الكعبة حتى أسلم‬
‫شا حتى صلى عند الكعبة وصلينا‬ ‫عمر فلما أسلم عمر قاتل قري ً‬
‫معه‪.‬‬
‫روى البخاري في كتاب فضائل الصحابة‪.‬‬
‫حدثنا محمد بن المثنى‪ :‬حدثنا يحيى‪ ،‬عن إسماعيل‪ :‬حدثنا قيس‬
‫قال‪ :‬قال عبد الله‪ :‬ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر‪.‬‬
‫وأخرج ابن حبان في صحيحه كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم‬
‫عن مناقب الصحابة رجالهم ونسائهم‪...‬‬

‫‪346‬‬
‫‪ -1‬ذكر البيان بأن المسلمين كانوا في عزة لم يكونوا في مثلها‬
‫عند إسلم عمر رضى الله تعالى عنه‪.‬‬
‫* أخبرنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف حدثنا عثمان‬
‫بن كرامة حدثنا أبو أسامة حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس‬
‫بن حازم قال سمعت عبد الله بن مسعود يقول ما زلنا أعزة منذ‬
‫أسلم عمر‪.‬‬
‫‪ -2‬ذكر البيان بأن عز المسلمين بإسلم عمر كان ذلك بدعاء‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫* أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا عبد الرحمن بن معرف حدثنا‬
‫زيد بن الحباب حدثنا خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن‬
‫ثابت قال سمعت نافعًا يذكر عن بن عمر قال قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ":‬اللهم أعز الدين بأحب هذين الرجلين‬
‫إليك بأبي جهل بن هشام أو عمر بن الخطاب" فكان أحبهما إليه‬
‫عمر بن الخطاب‪.‬‬
‫‪ -3‬ذكر خبر قد يوهم بعض الناس أنه مضاد لخبر بن عمر الذي‬
‫ذكرناه‪:‬‬
‫* أخبرنا عمرو بن عمر بن عبد العزيز بنصيبين حدثنا عبد الله بن‬
‫عيسى الفروي حدثنا عبد الملك بن الماجشون حدثني مسلم بن‬
‫خالد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬اللهم أعز السلم بعمر بن الخطاب خاصة‬
‫‪ -4‬ذكر استبشار أهل السماء بإسلم عمر بن الخطاب رضى الله‬
‫تعالى عنه‬
‫* أخبرنا الحسن بن سفيان من كتابه حدثنا محمد بن عقبة‬
‫السدوسي حدثنا عبد الله بن خراش حدثنا العوام بن حوشب عن‬
‫مجاهد عن بن عباس قال لما أسلم عمر أتى جبريل صلوات الله‬
‫عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يا محمد لقد استبشر‬
‫أهل السماء بإسلم عمر‪.‬‬
‫‪ -5‬ذكر إثبات الجنة لعمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه‪:‬‬
‫* أخبرنا عبد الله بن قحطبة حدثنا محمد بن الصباح أخبرنا يحيى‬
‫بن اليمان عن مسعر عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن‬
‫سبرة عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬عمر بن الخطاب من أهل الجنة"‪.‬‬
‫‪--‬وأصاب الناس في بعض مغازيه عطش‪ ،‬فسأله عمر الدعاء‪،‬‬
‫فدعا‪ ،‬فجاءت سحابة‪ ،‬فسقتهم حاجتهم ثم أقلعت‪.‬‬
‫قلت‪ :‬جاء في فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي رحمه الله‪:‬‬
‫قيل لعمر بن الخطاب حدثنا عن شأن ساعة العسرة فقال عمر‬
‫خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزل ً أصابنا فيه عطش‬

‫‪347‬‬
‫حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى أن الرجل لينحر بعيره فيعصر‬
‫فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده فقال أبو بكر الصديق‪ :‬يا‬
‫رسول الله إن الله قد عودك في الدعاء خيرا فادع له‪ .‬فقال‪:‬‬
‫(أتحب ذلك؟) قال نعم فرفع يديه إلى السماء فلم يرجعهما حتى‬
‫قالت السماء فأظلت ثم سكبت فملوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر‬
‫فلم نجدها جازت العسكر‪.‬‬
‫وأخرج البيهقي في دلئل النبوة‬
‫أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد قال أخبرنا أبو محمد‬
‫دعلج بن أحمد بن دعلج قال حدثنا ابن خزيمة قال حدثنا يونس‬
‫بن عبد العلى قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرنا عمرو بن الحارث‬
‫عن سعد بن أبي هلل عن عتبة بن أبي عتبة عن نافع بن جبير‬
‫عن عبد الله بن عباس إنه قيل لعمر بن الخطاب‪ :‬حدثنا من شأن‬
‫ساعة العسرة فقال عمر‪ :‬خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا‬
‫منزل ً أصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى إن‬
‫كان الرجل ليذهب يلتمس الرجل فل يرجع حتى يظن أن رقبته‬
‫ستنقطع حتى إن كان الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه‬
‫ويجعل ما بقي على كبده فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه‪:‬‬
‫يا رسول الله إن الله عز وجل قد عودك في الدعاء خيرا ً فادع‬
‫الله لنا قال‪ :‬أتحب ذلك؟ قال نعم فرفع يديه فلم يرجعهما حتى‬
‫قالت السماء فأظلت ثم سكبت فملوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر‬
‫فلم نجدها جاوزت العسكر‪.‬‬
‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن‬
‫يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس عن ابن‬
‫إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة قال أصبح الناس ول ماء‬
‫معهم فشكوا ذلك إلى رسول الله فدعا الله فأرسل سحابة‬
‫فأمطرت حتى ارتوى الناس واحتملوا حاجتهم من الماء‬
‫‪-‬ودعا في الستسقاء‪ ،‬فسقوا‪ ،‬ثم شكوا إليه المطر‪ ،‬فدعا‪،‬‬
‫فصحوا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬يشير القاضي عياض رحمه الله إلى الحديث المتفق‬
‫عليه‪ ..‬وهذه وقفة في رياض الصحيحين‪:‬‬
‫روى البخاري في كتاب الستسقاء‪:‬‬
‫‪ -1‬باب‪ :‬الستسقاء في المسجد الجامع‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا محمد قال‪ :‬أخبرنا أبو ضمرة أنس بن عياض قال‪:‬حدثنا‬
‫شريك بن عبد الله بن أبي نمر‪ :‬أنه سمع أنس بن مالك يذكر‪:‬‬
‫أن رجل دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر‪ ،‬ورسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قائم يخطب‪ ،‬فاستقبل رسول الله صلى‬
‫ما‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬هلكت المواشي‪،‬‬ ‫الله عليه وسلم قائ ً‬

‫‪348‬‬
‫وانقطعت السبل‪ ،‬فادع الله يغيثنا‪ .‬قال‪ :‬فرفع رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلميديه فقال‪(:‬اللهم اسقينا‪ ،‬اللهم اسقنا‪ ،‬اللهم‬
‫اسقنا)‪ .‬قال أنس‪ :‬ل والله‪ ،‬ما نرى في السماء من سحاب‪ ،‬ول‬
‫قزعة‪ ،‬ول شيئًا‪ ،‬وما بيننا وبين سلع من بيت ول دار‪ .‬قال‪:‬‬
‫فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس‪ ،‬فلما توسطت السماء‬
‫انتشرت ثم أمطرت‪ .‬قال‪ :‬والله ما رأينا الشمس ستًا‪ .‬ثم دخل‬
‫رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة‪ ،‬ورسول الله صلى الله‬
‫ما‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله‪،‬‬ ‫عليه وسلم قائم يخطب‪ ،‬فاستقبله قائ ً‬
‫هلكت الموال‪ ،‬وانقطعت السبل‪ ،‬فادع الله يمسكها‪ .‬قال‪ :‬فرفع‬
‫رسول الله يديه‪ ،‬ثم قال‪(:‬اللهم حولينا ول علينا‪ ،‬اللهم على‬
‫الكام والجبال‪ ،‬والجام والظراب‪ ،‬والودية ومنابت الشجر)‪ .‬قال‪:‬‬
‫فانقطعت‪ ،‬وخرجنا نمشي في الشمس‪.‬قال شريك‪ :‬فسألت‬
‫أنسا‪ :‬أهو الرجل الول؟ قال‪ :‬ل أدري‪.‬‬
‫‪ -2‬باب‪ :‬الستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا قتيبة بن سعيد قال‪ :‬حدثنا إسماعيل بن جعفر‪ ،‬عن‬
‫شريك‪ ،‬عن أنس بن مالك‪:‬‬
‫أن رجل دخل المسجد يوم الجمعة‪ ،‬من باب كان نحو دار القضاء‪،‬‬
‫ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب‪ ،‬فاستقبل رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قائما‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬هلكت‬
‫الموال وانقطعت السبل‪ ،‬فادع الله يغثنا‪ .‬فرفع رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم يديه‪ ،‬ثم قال‪(:‬اللهم أغثنا‪ ،‬اللهم أغثنا‪ ،‬اللهم‬
‫أغثنا)‪ .‬قال أنس‪ :‬ول والله‪ ،‬ما نرى في السماء من سحاب‪ ،‬ول‬
‫قزعة‪ ،‬وما بيننا وبين سلع من بيت ول دار‪ .‬قال‪ :‬فطلعت من‬
‫ورائه سحابة مثل الترس‪ ،‬فلما توسطت السماء انتشرت ثم‬
‫أمطرت‪ .‬فل والله ما رأينا الشمس ستا‪ .‬ثم دخل رجل من ذلك‬
‫الباب في الجمعة ‪ -‬يعني الثانية ‪ -‬ورسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قائم يخطب‪ ،‬فاستقبله قائما‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬هلكت‬
‫الموال‪ ،‬وانقطعت السبل‪ ،‬فادع الله يمسكها عنا‪ .‬قال‪ :‬فرفع‬
‫رسول الله يديه‪ ،‬ثم قال‪(:‬اللهم حولينا ول علينا‪ ،‬اللهم على‬
‫الكام والظراب‪ ،‬وبطون الودية ومنابت الشجر)‪ .‬قال‪ :‬فأقلعت‪،‬‬
‫سا بن مالك‪:‬‬ ‫وخرجنا نمشي في الشمس‪.‬قال شريك‪ :‬فسألت أن ً‬
‫أهو الرجل الول؟ فقال‪ :‬ل أدري‪.‬‬
‫‪ -3‬باب‪ :‬الستسقاء على المنبر‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا مسدد قال‪ :‬حدثنا أبو عوانة‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس‬
‫قال‪:‬بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة‪،‬‬
‫إذا جاءه رجل فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬قحط المطر‪ ،‬فادع الله أن‬
‫يسقينا‪ .‬فدعا‪ ،‬فمطرنا‪ ،‬فما كدنا أن نصل إلى منازلنا‪ ،‬فما زلنا‬

‫‪349‬‬
‫نمطر إلى الجمعة المقبلة‪ .‬قال‪ :‬فقام ذلك الرجل أو غيره‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬ادع الله أن يصرفه عنا‪ .‬فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪(:‬اللهم حولينا ول علينا)‪ .‬قال‪ :‬فلقد رأيت‬
‫السحاب يتقطع يمينا وشمال‪ ،‬يمطرون ول يمطر أهل المدينة‪.‬‬
‫‪ - 4‬باب‪ :‬من اكتفى بصلة الجمعة في الستسقاء‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا عبد الله بن مسلمة‪ ،‬عن مالك‪ ،‬عن شريك بن عبد الله‪،‬‬
‫عن أنس قال‪:‬جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫هلكت المواشي‪ ،‬وتقطعت السبل‪ .‬فدعا‪ ،‬فمطرنا من الجمعة‬
‫إلى الجمعة‪ ،‬ثم جاء فقال‪ :‬تهدمت البيوت‪ ،‬وتقطعت السبل‪،‬‬
‫وهلكت المواشي فادع الله يمسكها‪ .‬فقام صلى الله عليه وسلم‬
‫فقال‪(:‬اللهم على الكام والظراب‪ ،‬والودية ومنابت الشجر)‪.‬‬
‫فانجابت عن المدينة انجياب الثوب‪.‬‬
‫‪ -5‬باب‪ :‬الدعاء إذا انقطعت السبل من كثرة المطر‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا إسماعيل قال‪ :‬حدثني مالك‪ ،‬عن شريك بن عبد الله بن‬
‫أبي نمر‪ ،‬عن أنس بن مالك قال‪:‬جاء رجل إلى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬هلكت المواشي‪،‬‬
‫وانقطعت السبل‪ ،‬فادع الله‪ .‬فدعا رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فمطروا من الجمعة إلى الجمعة‪ ،‬فجاء رجل إلى رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬تهدمت البيوت‪،‬‬
‫وتقطعت السبل‪ ،‬وهلكت المواشي‪ .‬فقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪(:‬اللهم على رؤس الجبال والكام‪ ،‬وبطون الودية‪،‬‬
‫ومنابت الشجر)‪ .‬فانجابت عن المدينة انجياب الثوب‪.‬‬
‫‪ -6‬باب‪ :‬الدعاء إذا كثر المطر‪ :‬حولينا ول علينا‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا محمد بن أبي بكر‪ :‬حدثنا معتمر‪ ،‬عن عبيد الله‪ ،‬عن‬
‫ثابت‪ ،‬عن أنس قال‪:‬كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم‬
‫الجمعة‪ ،‬فقام الناس فصاحوا‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬قحط‬
‫المطر‪ ،‬واحمرت الشجر‪ ،‬وهلكت البهائم‪ ،‬فادع الله أن يسقينا‪.‬‬
‫فقال‪(:‬اللهم اسقنا)‪ .‬مرتين‪ ،‬وأيم الله‪ ،‬ما نرى في السماء قزعة‬
‫من سحاب‪ ،‬فنشأت سحابة وأمطرت‪ ،‬ونزل عن المنبر فصلى‪،‬‬
‫فلما انصرف‪ ،‬لم تزل تمطر إلى الجمعة التي تليها‪ ،‬فلما قام‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يخطب صاحوا إليه‪ :‬تهدمت البيوت‪،‬‬
‫وانقطعت السبل‪ ،‬فادع الله يحبسها عنا‪ .‬فتبسم النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ثم قال‪(:‬اللهم حولينا ول علينا)‪ .‬فكشطت المدينة‪،‬‬
‫فجعلت تمطر حولها‪ ،‬ول تمطر بالمدينة قطرة‪ ،‬فنظرت إلى‬
‫المدينة وإنها لفي مثل الكليل‪.‬‬
‫مسلم في كتاب الستسقاء؛ باب الدعاء في الستسقاء‪.‬‬

‫‪350‬‬
‫‪-‬حدثنا يحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر(قال‬
‫يحيى‪ :‬أخبرنا‪ .‬وقال الخرون‪ :‬حدثنا إسماعل بن جعفر) عن‬
‫شريك بن أبي نمر‪ ،‬عن أنس بن مالك؛ أن رجل ً دخل المسجد‬
‫يوم جمعة‪ .‬من باب كان نحو دار القضاء‪ .‬ورسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قائم يخطب‪ .‬فاستقبل رسول الله صلى الله عليه‬
‫ما‪ .‬ثم قال‪ :‬يا رسول الله! هلكت الموال وانقطعت‬ ‫وسلم قائ ً‬
‫السبل‪ .‬فادع الله يغثنا‪ .‬قال‪ :‬فرفع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يديه‪ .‬ثم قال‪" :‬اللهم! أغثنا‪ .‬اللهم! أغثنا‪ .‬اللهم! أغثنا"‪.‬‬
‫قال أنس‪ :‬ول والله! ما نرى في السماء من سحاب ول قزعة‪.‬‬
‫وما بيننا وبين سلع من بيت ول دار‪ .‬قال فطلعت من ورائه‬
‫سحابة مثل الترس‪ .‬فلما توسطت السماء انتشرت‪ .‬ثم أمطرت‪.‬‬
‫قال‪ :‬فل والله! ما رأينا الشمس سبتا‪ .‬قال‪ :‬ثم دخل رجل من‬
‫ذلك الباب في الجمعة المقبلة‪ .‬ورسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قائم يخطب‪ .‬فاستقبله قائما‪ .‬فقال‪ :‬يا رسول الله! هلكت‬
‫الموال وانقطعت السبل‪ .‬فادع الله يمسكها عنا‪ .‬قال‪ :‬فرفع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه‪ .‬ثم قال‪" :‬اللهم! حولنا ول‬
‫علينا‪ .‬اللهم! على الكام والظراب‪ ،‬وبطون الودية‪ ،‬ومنابت‬
‫الشجر" فانقلعت‪ .‬وخرجنا نمشى في الشمس‪ .‬قال شريك‪:‬‬
‫فسألت أنس بن مالك‪ :‬أهو الرجل الول؟ قال‪ :‬ل أدرى‪.‬‬
‫‪ -‬وحدثنا داود بن رشيد‪ .‬حدثنا الوليد بن مسلم عن الوزاعي‪.‬‬
‫حدثني إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك‪ .‬قال‪:‬‬
‫أصابت الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فبينا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على المنبر يوم‬
‫الجمعة‪ .‬إذ قام أعرابي فقال‪ :‬يا رسول الله! هلك المال وجاع‬
‫العيال‪ .‬وساق الحديث بمعناه‪ .‬وفيه قال‪" :‬اللهم! حوالينا ول‬
‫علينا" قال‪ :‬فما يشير بيده إلى ناحية إل تفرجت‪ .‬حتى رأيت‬
‫المدينة في مثل الجوبة‪ .‬وسال وادى قناة شهًرا‪ .‬ولم يجيء أحدا‬
‫من ناحية إل أخبر بجود‪.‬‬
‫‪ -‬وحدثني عبدالعلى بن حماد ومحمد بن أبي بكر المقدمي‪ .‬قال‪:‬‬
‫حدثنا معتمر‪ .‬حدثنا عبيدالله عن ثابت البناني‪ ،‬عن أنس بن مالك‪.‬‬
‫قال‪ :‬كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة‪ .‬فقام‬
‫إليه الناس فصاحوا‪ .‬وقالوا‪ :‬يا نبي الله! قحط المطر‪ ،‬واحمر‬
‫الشجر‪ ،‬وهلكت البهائم وساق الحديث‪ .‬وفيه من رواية عبد‬
‫العلى‪ :‬فتقشعت عن المدينة‪ .‬فجعلت تمطر حواليها‪ .‬وما تمطر‬
‫بالمدينة قطرة‪ .‬فنظرت إلى المدينة وإنها لفي مثل الكليل‪.‬‬

‫‪351‬‬
‫‪ -‬وحدثناه أبو كريب‪ .‬حدثنا أبو أسامة عن سليمان بن المغيرة‪،‬‬
‫عن ثابت‪ ،‬عن أنس‪ ،‬بنحوه‪ .‬وزاد‪ :‬فألف الله بين السحاب‪ .‬ومكثنا‬
‫حتى رأيت الرجل الشديد تهمه نفسه أن يأتي أهله‪.‬‬
‫‪ -‬وحدثنا هارون بن سعيد اليلي‪ .‬حدثنا ابن وهب‪.‬حدثني أسامة؛‬
‫أن حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك حدثه؛ أنه سمع أنس بن‬
‫مالك يقول‪ :‬جاء إعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يوم الجمعة‪ ،‬وهو على المنبر وإقتص الحديث‪ .‬وزاد‪ :‬فرأيت‬
‫السحاب يتمزق كأنه الملء حين تطوى‪.‬‬
‫وأخرج ابن حبان في كتاب إقامة الصلة والسنة فيها (باب ما‬
‫جاء في صلة الستسقاء)‪:‬‬
‫‪ -7‬حدثنا أحمد بن الزهر‪ .‬حدثنا أبو النضر‪ .‬حدثنا أبو عقيل‪ ،‬عن‬
‫عمر بن حمزة‪ .‬حدثنا سالم‪ ،‬عن أبيه؛‪ -‬قال‪ :‬ربما ذكرت قول‬
‫الشاعر وأنا أنظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫على المنبر‪ .‬فما نزل حتى جيش كل ميزاب بالمدينة‪ .‬فأذكر قول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫وأبيض يستسقى الغمام بوجهه **** ثمال اليتامى‪ ،‬عصمة‬
‫للرامل‬
‫وهو قول أبي طالب‪.‬‬
‫‪ -‬وقال لبي قتادة‪ :‬أفلح وجهك‪ ،‬اللهم بارك له في شعره وبشره‪،‬‬
‫ة‪ ،‬وكأنه ابن خمس عشرة سنة‪.‬‬ ‫فمات و هو ابن سبعين سن ً‬
‫أخرج البيهقس في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ذكر موسى بن عقبة أن عيينة بن بدر الفزاري أغار على سرح‬
‫رسول الله وأهل المدينة بالغابات أو قريب منها ويقال أن‬
‫مسعدة الفزاري كان رئيس القوم فخرج رسول الله معه‬
‫المسلمون يطلبونهم وأسرع نفر منهم ثمانية أميرهم سعد بن‬
‫زيد أخو بني عبد الشهل فأدركوا القوم فاعتنق أبو قتادة مسعدة‬
‫فقتله الله عز وجل بيد أبي قتادة وأخذ أبو قتادة بردة له حمراء‬
‫كانت عليه فسجاها على مسعدة حين قتله ثم نفذوا في أثر‬
‫السرح ومر رسول الله ومن معه من المسلمين على قتيل أبي‬
‫قتادة فلما رأوا رداء أبي قتادة على القتيل ظنوا أنه أبو قتادة‬
‫فاسترجع أحدهم وقال هذا أبو قتادة قتيل ً فقال رسول الله‪ :‬بل‬
‫هو قتيل أبي قتادة جعل عليه رداءه لتعرفوه فخلوا عن قتيله‬
‫وسلبه‪...‬‬
‫ثم إن فوارس النبي أدركوا العدو والسرح فاقتتلوا قتال ً شديدًا‬
‫فاستنقذوا السرح وهزم الله العدو ويقال قتل أبو قتادة قرفة‬
‫امرأة مسعدة وقتل يومئذ من المسلمين الجدع محرز بن نضلة‬

‫‪352‬‬
‫قتله أو بار فشد عكاشة بن محصن فقتل أوباًرا وابنه عمًرا ويقال‬
‫كانا رديفين‪..‬‬
‫وأخبرناه أبو الحسن بن الفضل القطان قال أخبرنا أبو بكر بن‬
‫عتاب قال حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة الجوهري قال‬
‫حدثنا ابن أبي أويس قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة‬
‫عن عمه موسى بن عقبة فذكره ومعناه ذكره أبو السود عن‬
‫عروة في شأن أبي قتادة وقتله مسعدة وقتل الخرم أوبار محرز‬
‫بن نضلة الجدع وقتل عكاشة بن محصن أوبارا وابنه‬
‫وأخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو جعفر البغدادي قال‬
‫حدثنا أبو علثة قال حدثنا أبي قال حدثنا ابن لهيعة قال حدثنا أبو‬
‫السود عن عروة فذكره ولم يذكره ولم يذكر سعد بن زيد‪.‬‬
‫وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو أحمد علي بن محمد‬
‫بن عبد الله بن حبيب الزرقي بمرو قال حدثنا سيف بن قيس بن‬
‫ريحان المروزي قال حدثنا عكرمة بن قتادة بن عبد الله بن‬
‫عكرمة بن عبد الله بن أبي قتادة النصاري قال حدثنا أبي عن‬
‫أبيه عن عبد الله بن أبي قتادة أن أبا قتادة اشترى فرسه من‬
‫دواب دخلت المدينة فلقيه مسعدة الفزاري فقال يا أبا قتادة ما‬
‫هذا الفرس فقال أبو قتادة فرس أردت أن اربطها مع رسول الله‬
‫فقال ما أهون قتلكم وأشد جرأتكم قال أبو قتادة أما أني أسأل‬
‫الله عز وجل أن ألقينيك وأنا عليها قال آمين‪.‬‬
‫فبينا أبو قتادة ذات يوم يعلف فرسه تمًرا في طرف بردته إذ‬
‫رفعت رأسها وصرت أذنها فقال أحلف بالله لقد حست بريح خيل‬
‫فقالت له أمه‪ :‬والله يا بني ما كنا نرام في الجاهلية فكيف حين‬
‫ضا رأسها وصرت أذنيها‬ ‫جاء الله بمحمد ثم رفعت الفرس أي ً‬
‫فقال‪ :‬أحلف بالله لقد حست بريح خيل فوضع عليها سرجها‬
‫فأسرجها وأخذ سلحه ثم نهض حتى أتى مكانًا يقال له الزوراء‬
‫فلقيه رجل من الصحابة فقال له‪ :‬يا أبا قتادة تسوط دابتك وقد‬
‫أخذت اللقاح وقد ذهب النبي في طلبها وأصحابه فقال‪ :‬أين؟‬
‫سا عند‬‫فأشار له نحو الثنية فإذا بالنبي في نفر من أصحابه جلو ً‬
‫دباب فقمع دابته ثم خلها فمر بالنبي فقال له‪ :‬امض يا أبا قتادة‬
‫صحبك الله‪.‬‬
‫قال أبو قتادة فخرجت فإذا بإنسان يحاكني فلم أنشب أن هجمنا‬
‫على العسكر فقال لي‪ :‬يأبا قتادة ما تقول أما القوم فل طاقة لنا‬
‫بهم فقال أبو قتادة‪ :‬تقول إني واقف حتى يأتي النبي أريد أن‬
‫تشد في ناحية وأشد في ناحية فوثب أبو قتادة فشق القوم‬
‫ورمي بسهم فوقع في جبهته قال أبو قتادة‪ :‬فترعت فدحه وأنا‬
‫أظن أني قد نزعت الحديدة ومضيت على وجهي فلم أنشب أن‬

‫‪353‬‬
‫طلع علي فارس على فرس فاره وأداة كليلة على وجهه مغفر‬
‫له فاثبتني ولم أثبته قال‪ :‬لقد لقانيك الله يأبا قتادة وكشف عن‬
‫وجهه فإذا مسعدة الفزاري فقال أيما أحب إليك مجالدة أو‬
‫مطاعنة أو مصارعة قال فقلت ذاك إلى الله عز وجل وإليك قال‬
‫فقال صراع فأحال رجله عن دابته وأحلت رجلي عن دابتي ثم‬
‫علقت دابتي وسلحي إلى شيء وعلق دابته وسلحه إلى شيء‬
‫ثم تواثبنا فلم أنشب أن رزق الله عز وجل الظفر عليه فإذا أنا‬
‫على صدره فوالله إني لمن أهم الناس من رجل متأبط قد‬
‫عالجت منه ما عالجت أن أقوم فآخذ سيفي أن يقوم فيأخذ‬
‫سيفه وأنا بين عسكرين ل أمن أن يهجم علي أحدهما إذا شيء‬
‫يمس رأسي فإذا نحن قد تعالجنا حتى بلغنا سلح مسعدة‬
‫فضربت بيدي إلى سيفه فلما رأى أن السيف قد وقع بيدي قال‬
‫يا أبا قتادة استحيني قال‪ :‬قلت ل والله أو ترد أمك الهاوية قال يا‬
‫أبا قتادة فمن للصبية قال قلت النار قال ثم قتلته ثم أدرجته في‬
‫بردي ثم أخذت ثيابه فلبستها وآخذت سلحه ثم استويت على‬
‫فرسه وكانت فرسي نفذت حين تعالجنا فرجعت راجعة إلى‬
‫العسكر قال فعر قبوها ثم مضيت على وجهي فلم أنشب أنا‬
‫سا قال‬‫حتى أشرفت على ابن أخيه وهو في سبعة عشر فار ً‬
‫فألحت لهم فوقفوا فلما أن دنوت منهم حملت عليهم حملة‬
‫فطعنت ابن أخيه طعنة دققت صلبه قال واكشف من معه قال‬
‫وخشيت اللقاح برمحي‪.‬‬
‫قال وأقبل النبي ومن معه من أصحابه فلما نظر إليهم العسكر‬
‫فروا قال فلما انتهوا إلى موضع العسكر إذا بفرس أبي قتادة قد‬
‫عرقبت قال فقال الرجل من الصحابة يا رسول الله عرقبت‬
‫فرس أبي قتادة قال فوقف عليها رسول الله فقال ويح أمك رب‬
‫عدو لك في الحرب مرتين قال ثم أقبل رسول الله وأصحابه‬
‫حتى إذا انتهوا إلى الموضع الذي تعالجنا فيه إذا هم بأبي قتادة‬
‫فيما يرون سجي في ثيابه قال فقال رجل من الصحابة‪ :‬يا رسول‬
‫الله استشهد أبو قتادة قال فقال رسول الله‪ :‬رحم الله أبا قتادة‬
‫على آثار القوم يرتجز فدخلهم الشيطان أنهم ينظرون إلى فرس‬
‫قد عرقبت وينظرون إلى مسجى على ثيابي قال فخرج عمر بن‬
‫الخطاب أو أبو بكر الصديق يسعى حتى كشف الثوب فإذا هو‬
‫مسعدة فقال الله أكبر صدق الله ورسوله مسعدة يا رسول الله‬
‫فكبر الناس ولم ينشب أن طلع عليكم أبو قتادة يحوش اللقاح‬
‫فقال النبي‪ :‬أفلح وجهك أبا قتادة أبو قتادة سيد الفرسان بارك‬
‫الله فيك يأبا قتادة وفي ولدك وفي ولد ولدك واحسب عكرمة‬
‫قال وفي ولد ولد ولدك ما هذا بوجهك يا أبا قتادة قال‪ :‬قلت‪:‬‬

‫‪354‬‬
‫بأبي وأمي سهم أصابني والذي أكرمك بما أكرمك لقد ظننت أني‬
‫نزعته قال‪ :‬ادن مني يا أبا قتادة قال فدنوت منه قال فنزع‬
‫النصل نزعا رفيقا ثم بزق فيه رسول الله ووضع راحته عليه‬
‫فوالذي أكرم محمدا بالنبوة ما ضرب علي ساعة قط ول قرح‬
‫علي‪..‬‬
‫‪-‬وقال للنابغة‪ :‬ل يفضض الله فاك‪ ...‬فما سقطت له سن‪ .‬وفي‬
‫رواية‪ :‬فكان أحسن الناس ثغراً‪ ،‬إذا سقطت له سن نبتت له‬
‫أخرى‪ ،‬وعاش عشرين ومائة سنة‪ ،‬وقيل‪ :‬أكثر من هذا‪.‬‬
‫البيهقي في دلئل النبوة باب ما جاء في دعائه لنابغة وإجابة الله‬
‫تعالى له فيما دعاه به‪:‬‬
‫أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد بن عبدان أنبأنا أبو بكر محمد‬
‫بن المؤمل حدثنا جعفر بن محمد بن سوار حدثنا إسماعيل بن‬
‫عبد الله بن خالد السكري الرقي قال حدثنا يعلى بن الشدق‬
‫قال سمعت النابغة نابغة بني جعدة يقول أنشدت رسول الله هذا‬
‫الشعر فأعجبه‪:‬‬
‫وإنا لنرجو فوق ذلك مظهـر‬ ‫بلغنا السماء مجدنا وثراءنــا‬
‫فقال لي إلي أين المظهر يا أبا ليلى قال قلت إلى الجنة قال‬
‫كذلك إن شاء الله‬
‫بوادر تحمي صفوه أن‬ ‫فل خير في حلم إذا لم تكن له‬
‫يكـدرا‬
‫حليم إذا ما أورد المر‬ ‫ول خير في جهل إذا لم يكن له‬
‫أصدرا‬
‫فقال النبي‪ :‬أجدت ل يفضض فوك …قال يعلى فلقد رأيته ولقد‬
‫أتى عليه نيف ومائة سنة وما ذهب له سن‪.‬‬
‫‪ -‬ودعا لبن عباس‪ :‬اللهم فقهه في الدين‪ ،‬وعمله التأويل‪ ،‬فسمي‬
‫بعد الحبر وترجمان القرآن‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرج البخاري‪:‬‬
‫‪ -1‬باب‪ :‬قول النبي صلى الله عليه وسلم‪(:‬اللهم علمه الكتاب)‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا أبو معمر قال‪ :‬حدثنا عبد الوارث قال‪ :‬حدثنا خالد‪ ،‬عن‬
‫عكرمة‪ ،‬عن ابن عباس قال‪ :‬ضمني رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وقال‪(:‬اللهم علمه الكتاب)‪.‬‬
‫‪ -2‬وضع الماء عند الخلء‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا عبد الله بن محمد قال‪ :‬حدثنا هاشم بن القاسم قال‪:‬‬
‫حدثنا ورقاء‪ ،‬عن عبيد الله بن أبي يزيد‪ ،‬عن ابن عباس‪ :‬أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم دخل الخلء‪ ،‬فوضعت له وضوءًا‪ ،‬قال‪(:‬من‬
‫وضع هذا)‪ .‬فأخبر‪ ،‬فقال‪(:‬اللهم فقهه في الدين)‪.‬‬
‫ومسلم‬

‫‪355‬‬
‫باب من فضائل عبدالله بن عباس‪ ،‬رضي الله عنهما‪:‬‬
‫‪ -‬حدثنا زهير بن حرب وأبو بكر بن النضر‪ .‬قال‪ :‬حدثنا هاشم بن‬
‫القاسم‪ .‬حدثنا ورقاء بن عمر اليشكري‪ .‬قال‪ :‬سمعت عبيدالله‬
‫بن أبي يزيد يحدث عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أتى الخلء‪ .‬فوضعت له وضوءًا‪ .‬فلما خرج قال‪" :‬من وضع‬
‫هذا؟" ‪ -‬في رواية زهير قالوا وفي رواية أبي بكر ‪ -‬قلت‪ :‬ابن‬
‫عباس‪ .‬قال‪" :‬اللهم! فقهه"‪.‬‬
‫والحاكم حدثنا علي بن حمشاذ العدل ثنا هشام بن علي‬
‫السدوسي ثنا سليمان بن حرب وأبو سلمة قال ثنا حماد بن‬
‫سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن بن‬
‫عباس رضى الله تعالى عنهما قال كان رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم في بيت ميمونة فوضعت له وضوءا فقالت له ميمونة‬
‫وضع لك عبد الله بن العباس وضوءا فقال‪( :‬اللهم فقهه في‬
‫الدين وعلمه التأويل) هذا حديث صحيح السناد ولم يخرجاه‪.‬‬
‫وأحمد حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا حسن بن موسى حدثنا‬
‫زهير بن خيثمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن‬
‫جبير عن ابن عباس أن‪-:‬رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع‬
‫يده على كتفي أو على منكبي شك سعيد ثم قال‪( :‬اللهم فقهه‬
‫في الدين وعلمه التأويل)‪.‬‬
‫وابن حبان أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‬
‫حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن عبد الله بن‬
‫عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال كنت في‬
‫بيت ميمونة بنت الحارث فوضعت لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم طهورا فقال من وضع هذا قالت ميمونة عبد الله فقال‬
‫صلى الله عليه وسلم (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأول)‬
‫قال ابن حجر‪:‬‬
‫وقد أخرج أحمد من طريق عمرو بن دينار عن كريب عن بن‬
‫عباس في قيامه خلف النبيصلى الله عليه وسلم في صلة الليل‬
‫وفيه فقال لي‪ :‬ما بالك أجعلك حذائي فتخلفني فقلت أو ينبغي‬
‫لحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول الله فدعا لي أن يزيدني الله‬
‫فهما وعلما‪.‬‬
‫والمراد بالكتاب القرآن لن العرف الشرعي عليه والمراد‬
‫بالتعليم ما هو أعم من حفظه والتفهم فيه ووقع في رواية مسدد‬
‫الحكمة بدل الكتاب وذكر السماعيلي أن ذلك هو الثابت في‬
‫الطرق كلها عن خالد الحذاء كذا قال وفيه نظر لن المصنف‬
‫ضا فيحمل‬ ‫ضا من حديث وهيب عن خالد بلفظ الكتاب أي ً‬ ‫أخرجه أي ً‬
‫ضا القرآن فيكون بعضهم رواه بالمعنى‬ ‫على أن المراد بالحكمة أي ً‬

‫‪356‬‬
‫وللنسائي والترمذي من طريق عطاء عن بن عباس قال دعا لي‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أوتي الحكمة مرتين‬
‫فيحتمل تعدد الواقعة فيكون المراد بالكتاب القرآن وبالحكمة‬
‫السنة ويؤيده أن في رواية عبيد الله بن أبي يزيد التي قدمناها‬
‫عند الشيخين‪ :‬اللهم فقهه في الدين لكن لم يقع عند مسلم في‬
‫الدين وذكر الحميدي في الجمع أن أبا مسعود ذكره في أطراف‬
‫الصحيحين بلفظ اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل قال‬
‫الحميدي وهذه الزيادة ليست في الصحيحين قلت وهو كما قال‬
‫نعم هي في رواية سعيد بن جبير التي قدمناها عند أحمد وابن‬
‫حبان والطبراني ورواها بن سعد من وجه آخر عن عكرمة مرسل‬
‫وأخرج البغوي في معجم الصحابة من طريق زيد بن أسلم عن‬
‫بن عمر كان عمر يدعو بن عباس ويقربه ويقول إني رأيت‬
‫ما فمسح رأسك وقال‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاك يو ً‬
‫اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ووقع في بعض نسخ بن‬
‫ماجة من طريق عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء في حديث‬
‫الباب بلفظ اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب وهذه الزيادة‬
‫مستغربة من هذا الوجه فقد رواه الترمذي والسماعيلي وغيرهما‬
‫من طريق عبد الوهاب بدونها وقد وجدتها عند بن سعد من وجه‬
‫آخر عن طاوس عن بن عباس قال دعاني رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فمسح على ناصيتي وقال‪( :‬اللهم علمه الحكمة‬
‫وتأويل الكتاب) وقد رواه أحمد عن هشيم عن خالد في حديث‬
‫الباب بلغظ مسح على رأسي وهذه الدعوة مما تحقق إجابة‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فيها لما علم من حال بن عباس في‬
‫معرفة التفسير والفقه في الدين رضي الله تعالى عنه واختلف‬
‫الشراح في المراد بالحكمة هنا فقيل القرآن كما تقدم وقيل‬
‫العمل به وقيل السنة وقيل الصابة في القول وقيل الخشية‬
‫وقيل الفهم عن الله وقيل العقل وقيل ما يشهد العقل بصحته‬
‫وقيل نور يفرق به بين اللهام والوسواس وقيل سرعه الجواب‬
‫مع الصابة وبعض هذه القوال ذكرها بعض أهل التفسير في‬
‫تفسير قوله تعالى‪(:‬ولقد آتينا لقمان الحكمة) والقرب أن المراد‬
‫بها في حديث بن عباس الفهم في القرآن‪...‬‬
‫‪-‬ودعا لعبد الله بن جعفر بالبركة في صفقة يمينه‪ ،‬فما اشترى‬
‫شيئا ً إل ربح فيه‪.‬‬
‫‪ -‬ودعا للمقداد بالبركة‪ ،‬فكانت عنده غرائز المال‪.‬‬
‫‪--‬ودعا بمثله لعروة بن أبي الجعد‪ ،‬فقال‪ :‬فلقد كنت أقوم‬
‫بالكناسة‪ ،‬فما أرجع حتى أربح أربعين ألفاً‪ .‬وقال البخاري في‬
‫حديث‪ :‬فكان لو اشترى التراب ربح فيه‪.‬‬

‫‪357‬‬
‫وروي مثل هذا لغرقدة أيضاً‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وأخرج البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫باب ما جاء في دعائه لعروة البارقي في البركة في بيعه‬
‫وطهورها بعده في ذلك وكذلك في تجارة عبد الله بن جعفر بن‬
‫أبي طالب‪:‬‬
‫حدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الصبهاني أنبأنا أبو سعيد‬
‫أحمد بن محمد بن زياد حدثنا سعدان بن نصر حدثنا سفيان عن‬
‫شبيب بن غرقدة سمع قومه يحدثون عن عروة البارقي أن النبي‬
‫أعطاه ديناًرا ليشتري له شاة أضحية فاشترى به شاتين فباع‬
‫إحداهما بدينار وأتى النبي بشاة ودينار فدعا النبي بالبركة في‬
‫بيعه فكان لو اشترى التراب ربح فيه‪.‬‬
‫أخبرنا أبو منصور المظفر بن محمد العلوي أنبأنا أبو جعفر بن‬
‫دحيم حدثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة حدثنا الفضل بن دكين‬
‫حدثنا فطر بن خليفة عن أبيه زعم أنه سمع عمرو بن حريث قال‬
‫انطلق بي أبي إلى رسول الله وأنا غلم شاب فمر النبي على‬
‫عبدالله بن جعفر وهو يبيع شيئا يلعب به فدعا له النبي قال اللهم‬
‫بارك له في تجارته‪...‬‬
‫وروى ابن ماجه في سننه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا سفيان بن عيينة عن شبيب بن‬
‫غرقدة عن عروة البارقي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه‬
‫دينارا يشتري له شاة فاشترى له شاتين فباع إحداهما بدينار‬
‫فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بدينار وشاة فدعا له رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم بالبركة قال فكان لو اشترى التراب‬
‫لربح فيه حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي ثنا حبان بن هلل ثنا‬
‫سعيد بن يزيد عن الزبير بن الخريت عن أبي لبيد لمازة بن زبار‬
‫عن عروة بن أبي الجعد البارقي قال قدم جلب فأعطاني النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم دينارا فذكر نحوه‪.‬‬
‫قال الشيخ اللباني‪ :‬صحيح‬
‫‪ -‬وندت له ناقة‪ ،‬فدعا فجاءه بها إعصار ريح‪ ،،‬حتى ردها عليه‪.‬‬
‫‪ -‬ودعا لم أبي هريرة فأسلمت‪.‬‬
‫قلت أخرج البهقي في دلئل النبوة باب ما جاء في دعائه لم‬
‫أبي هريرة بالهداية وإجابة الله تعالى له فيها‪:‬‬
‫حدثنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن‬
‫عبد الله الدقاق ببغداد حدثنا عبد الملك بن محمد بن عبد الله‬
‫الرقاشي حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي حدثنا عكرمة بن‬
‫عمار قال حدثنا أبو كثير الغبري قال قال أبو هريرة‪ :‬ما على وجه‬
‫الرض مؤمن ول مؤمنة إل وهو يحبني قال قلت‪ :‬وما علمك بذلك‬

‫‪358‬‬
‫يا أبا هريرة؟ قال إني كنت أدعو أمي إلى السلم فتأبي وإني‬
‫دعوتها ذات يوم فاسمعتني في رسول الله ما أكره فجئت إلى‬
‫رسول الله فقلت يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى السلم‬
‫فتأبي علي وأنا دعوتها فأسمعتني فيك ما أكره فادع الله يا‬
‫رسول الله أن يهدي أم أبي هريرة إلى السلم فدعا لها رسول‬
‫الله فرجعت إلى أمي أبشرها بدعوة رسول اللهِ فلما كنت على‬
‫الباب إذا الباب مغلق فدفعت الباب فسمعت حسي فلبست‬
‫ثيابها وجعلت على رأسها خمارا وقالت‪ :‬ارفق يا أبا هريرة‬
‫ففتحت لي فلما دخلت قالت أشهد أن ل إله إل الله وأن محمدًا‬
‫رسول الله قال فرجعت إلى رسول الله وأنا أبكي من الفرح كما‬
‫كنت أبكي من الحزن وجعلت أقول‪ :‬أبشر يا رسول الله قد‬
‫استجاب الله دعوتك وهدى الله أم أبي هريرة إلى السلم فقلت‬
‫ادع الله أن يجببني وأمي إلى عبادة المؤمنين ويحببهم إلينا قال‬
‫فقال رسول الله‪( :‬اللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلى عباده‬
‫المؤمنين وحببهم إليهما) فما على الرض مؤمن ول مؤمنة إل‬
‫وهو يحبني وأحبه‪.‬‬
‫رواه مسلم في الصحيح عن عمرو الناقد عن عمر بن يونس عن‬
‫عكرمة بن عمار وذكر فيه غسلها‪..‬‬
‫‪--‬ودعا لعلي أن يكفى الحر والقر‪ ،‬فكان يلبس في الشتاء ثياب‬
‫الصيف‪ ،‬وفي الصيف ثياب الشتاء‪ ،‬ول يصيبه حر ول برد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرج البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي‬
‫قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد‬
‫الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن عبد الرحمن بن‬
‫أبي ليلى عن المنهال بن عمرو والحكم عن عبد الرحمن بن أبي‬
‫ليلى قال كان علي يلبس في الحر والشتاء العباء المخشم‬
‫التخين وما يبالي الحر فأتاني أصحابي فقالوا إنا قد رأينا من أمير‬
‫المؤمنين شيئًا فهل رأيته فقلت‪ :‬وما هو قالوا رأيناه يخرج إلينا‬
‫في الحر الشديد في العباء المحشو التخين وما يبالي الحر‬
‫ويخرج علينا في البرد الشديد في الثوبين الخفيفين وما يبالي‬
‫البرد فهل سمعت في ذلك شيئا فقلت ل فقالوا سل لنا أباك عن‬
‫ذلك فإنه يسمر معه فأتيته فسألته فقال ما سمعت في ذلك شيئا‬
‫فدخل على علي رضي الله عنه فسمر معه ثم سأله عن ذلك‬
‫فقال أو ما شهدت معنا خيبر فقلت بلى قال فما رأيت رسول‬
‫الله حين دعا أبا بكر فعقد له وبعثه إلى القوم فانطلق فلقي‬
‫القوم ثم جاء بالناس وقد هزموا فقال بلى ثم قال ثم بعث إلى‬
‫عمر فعقد له ثم بعثه إلى القوم فانطلق فلقي القوم فقاتلهم ثم‬

‫‪359‬‬
‫رجع وقد هزم فقال رسول الله عند ذلك‪(:‬لعطين الراية اليوم‬
‫رجل ً يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله يفتح الله عليه غير‬
‫فرار) فدعاني فأعطاني الراية ثم قال‪ :‬اللهم أكفه الحر والبرد‬
‫فما وجدت بعد ذلك بردًا ول حًرا‪.‬‬
‫‪ -‬ودعا الله لفاطمة ابنته أل يجيعها‪ ،‬قالت‪ :‬فما جعت بعد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرج البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫باب ما جاء في دعائه لبنته فاطمة عليهما السلم وما ظهر فيه‬
‫من الجابة‬
‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ رحمه الله قال أنبأنا أبو جعفر احمد‬
‫بن عبيد الحافظ بهمذان حدثنا ابراهيم بن الحسين الكيساني‬
‫حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة القناد حدثنا مسهر بن عبد الملك‬
‫بن سلع الهمداني عن عتبة أبي معاذ البصري عن عكرمة عن‬
‫عمران بن حصين قال‬
‫كنت مع رسول الله إذ أقبلت فاطمة رضي الله عنها وقفت بين‬
‫يديه فنظر إليها وقد ذهب الدم من وجهها وغلبت الصفرة على‬
‫وجهها من شدة الجوع فنظر اليها رسول الله فقال‪ :‬إدني يا‬
‫فاطمة ثم إدني يا فاطمة‪ .‬فدنت حتى قامت بين يديه فرفع يده‬
‫فوضعها على صدرها في موضع القلدة وفرج بين أصابعه ثم‬
‫قال‪( :‬اللهم مشبع الجاعة ورافع الوضيعة ارفع فاطمة بنت‬
‫محمد) قال عمران فنظرت إليها وقد ذهبت الصفرة من وجهها‬
‫وغلب الدم كما كانت الصفرة غلبت على الدم قال عمران‬
‫فلقيتها بعد فسألتها فقالت ما جعت بعد ذلك يا عمران والشبه‬
‫أنه إنما رآها قبل نزول آية الحجاب والله أعلم‪.‬‬
‫ة لقومه‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم نور له فسطع‬ ‫‪-‬وسأله الطفيل بن عمرو آي ً‬
‫نور بين عينيه‪ ،‬فقال‪ :‬أخاف أن يقولوا مثله‪ ،‬فتحول إلى طرف‬
‫سوطه‪ ،‬فكان يضيء في الليلة المظلمة‪ ،‬فسمي ذا النور‪.‬‬
‫حدثنا المام أبو عثمان رحمه الله إملءً قال أخبرنا أبو علي زاهر‬
‫بن أحمد الفقيه قال أخبرنا أبو لبابه الميهني حدثنا عمار بن‬
‫الحسن حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق بن يسار‬
‫قال كان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث أنه قدم مكة ورسول‬
‫الله بها فمشى إليه رجال قريش وكان الطفيل رجل ً شريفاً‬
‫شاعرا ً لبيبا ً فقالوا له إنك قدمت بلدنا وهذا الرجل الذي بين‬
‫أظهرنا فرق جماعتنا وشتت أمرنا وإنما قوله كالسحر يفرق بين‬
‫المرء وبين أبيه وبين الرجل وبين أخيه وبين الرجل وبين زوجته‬
‫وأنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا فل تكلمنه ول‬
‫تسمعن منه قال فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن ل أسمع منه‬

‫‪360‬‬
‫شيئا ً ول أكلمه حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد‬
‫كرسفا ً فرقا ً من أن يبلغني شيء من قوله‬
‫قال فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله قائم يصلي عند‬
‫الكعبة فقمت قريبا ً منه فأبى الله إل أن يسمعني بعض قوله‬
‫فسمعت كلما ً حسنا ً فقلت في نفسي‪ :‬واثكل أماه والله إني‬
‫ي الحسن من القبيح فما يمنعني‬ ‫لرجل لبيب شاعر ما يخفي عل ّ‬
‫من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول فإن كان الذي يأتي به‬
‫حسنا ً قبلت وإن كان قبيحا ً تركت‪ .‬قال‪ :‬فمكثت حتى انصرف‬
‫رسول الله إلى بيته فتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت‪:‬‬
‫يا محمد إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا فوالله ما برحوا‬
‫يخوفوني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئل أسمع قولك ثم‬
‫أبى الله عز وجل إل أن يسمعينه فسمعت قول ً حسنا ً فاعرض‬
‫ي القرآن‬‫ي السلم وتل عل ّ‬ ‫ي أمرك قال فعرض رسول الله عل ّ‬ ‫عل ّ‬
‫فل والله ما سمعت قول ً قط أحسن منه ول أمرا ً أعدل منه‬
‫فأسلمت وشهدت شهادة الحق وقلت يا نبي الله إني امرؤ مطاع‬
‫في قومي وإني راجع إليهم فداعيهم إلى السلم فادع الله أن‬
‫يجعل لي آية تكون لي عونا ً عليهم فيما أدعوهم إليه فقال‪ :‬اللهم‬
‫ة‪...‬‬
‫أجعل له آي ً‬
‫قال فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية يقال كذا وكذا‬
‫تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح قال قلت‪:‬‬
‫اللهم في غير وجهي إني أخشى أن يظنوا أنها مثلة وقعت في‬
‫وجهي لفراق دينهم قال فتحول فوقع في رأس سوطي كالقنديل‬
‫المعلق وأنا أهبط إليهم من الثنية حتى جئتهم فأصبحت فيهم‪..‬‬
‫فلما نزلت أتاني أبي وكان شيخا ً كبيرا ً فقلت إليك عني يا أبت‬
‫فلست منك ولست مني قال‪ :‬لم يا بني؟ قلت‪ :‬أسلمت وتابعت‬
‫دين محمد قال‪ :‬يا بني فديني دينك قال‪ :‬قلت‪ :‬فاذهب يا أبت‬
‫فاغتسل وطهر ثيابك ثم تعال حتى أعلمك ما علمت قال‪ :‬فذهب‬
‫فاغتسل وطهر ثيابه ثم جاء فعرضت عليه السلم فأسلم‪ ,‬ثم‬
‫اتتني صاحبتي فقلت لها‪ :‬إليك عني فلست منك ولست مني‪.‬‬
‫قالت‪ :‬لم بأبي أنت وأمي؟ قلت‪ :‬فرق السلم بيني وبينك‬
‫أسلمت وتابعت دين محمد قالت فديني دينك قال قلت‪ :‬فاذهبي‬
‫إلى حني ذي الشرى فتطهري منه وكان ذو الشرى صنما ً لدوس‬
‫ى حوله وبه وشل من ماء يهبط من جبل إليه‬ ‫وكان الحنى حم ً‬
‫قالت‪ :‬بأبي وأمي أتخشى على الصبية من ذي الشرى شيئا ً قال‬
‫قلت‪ :‬ل أنا ضامن لك قال‪ :‬فذهبت واغتسلت ثم جاءت فعرضت‬
‫عليها السلم فأسلمت ثم دعوت دوسا ً إلى السلم فأبطأوا‬
‫ي فجئت رسول الله فقلت‪ :‬يا نبي الله إنه قد غلبني على‬ ‫عل ّ‬

‫‪361‬‬
‫دوس الزنا فادع الله عليهم فقال‪ :‬اللهم أهد دوسا ً ثم قال‪ :‬ارجع‬
‫إلى قومك فادعهم إلى الله وأرفق بهم‪ .‬فرجعت إليهم فلم أزل‬
‫بأرض دوس أدعوهم إلى الله ثم قدمت على رسول الله بمن‬
‫أسلم معي من قومي ورسول الله بخيبر فنزلت المدينة بسبعين‬
‫أو ثمانين بيتا ً من دوس ثم لحقنا برسول الله بخيبر فأسهم لنا مع‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫‪-‬ودعا على مضر فأقحطوا‪ ،‬حتى استعطفته قريش‪ ،‬فدعا لهم‬
‫فسقوا‪.‬‬
‫البخاري في كتاب الستسقاء‪:‬‬
‫‪ -‬حدثنا قتيبة ‪ -‬حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن‪ ،‬عن أبي الزناد‪ ،‬عن‬
‫العرج‪ ،‬عن أبي هريرة‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا‬
‫رفع رأسه من الركعة الخرة يقول‪(:‬اللهم أنج عياش بن أبي‬
‫ربيعة‪ ،‬اللهم أنج سلمة بن هشام‪ ،‬اللهم أنج الوليد بن الوليد‪،‬‬
‫اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين‪ ،‬اللهم اشدد وطأتك على‬
‫مضر‪ ،‬اللهم اجعلها سنين كسني يوسف)‪..‬‬
‫‪ -‬حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال‪ :‬حدثنا جرير‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن‬
‫أبي الضحى‪ ،‬عن مسروق قال‪ :‬كنا عند عبد الله‪ ،‬فقال‪ :‬إن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدباًرا‪ ،‬قال‪(:‬اللهم سبع‬
‫كسبع يوسف)‪ .‬فأخذتهم سنة حصت كل شيء‪ ،‬حتى أكلوا الجلود‬
‫والميتة والجيف‪ ،‬وينظر أحدهم إلى السماء فيرى الدخان من‬
‫الجوع‪ .‬فأتاه أبو سفيان فقال‪ :‬يا محمد‪ ،‬إنك تأمر بطاعة الله‬
‫وبصلة الرحم‪ ،‬وإن قومك قد هلكوا‪ ،‬فادع الله لهم‪ ،‬قال الله‬
‫شى النَّا َ‬
‫س‬ ‫ن * يَغْ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ن ُّ‬
‫مبِي‬ ‫ماء بِد ُ َ‬
‫خا ٍ‬ ‫م تَأْتِي ال َّ‬
‫س َ‬ ‫ب يَوْ َ‬‫تعالى‪{ :‬فَاْرتَقِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ن * أنَّىَ لَهُ ُ‬ ‫منُو َ‬‫مؤْ ِ‬ ‫ب َ إِنَّا ُ‬‫ف ع َنَّا الْعَذ َا َ‬ ‫ش ْ‬ ‫م * َربَّنَا اك ْ ِ‬ ‫ب ألِي ٌ‬‫هَذ َا عَذ َا ٌ‬
‫م‬‫معَل ّ ٌ‬
‫ه وَقَالُوا ُ‬ ‫م تَوَل ّوْا ع َن ْ ُ‬ ‫ن * ث ُ َّ‬ ‫مبِي ٌ‬‫ل ُّ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاءهُ ْ‬ ‫الذِّكَْرى وَقَد ْ َ‬
‫ش‬
‫م نَبْط ِ ُ‬‫ن * يَوْ َ‬ ‫م ع َائِدُو َ‬ ‫ب قَلِيل ً إِنَّك ُ ْ‬ ‫شفُو الْعَذ َا ِ‬ ‫ن*إِنَّا كَا ِ‬‫جنُو ٌ‬‫م ْ‬‫َّ‬
‫ن *}(الدخان ‪ .()16 - 10‬فالبطشة يوم‬ ‫مو َ‬ ‫ة الْكُبَْرى إِنَّا ُ‬
‫منت َ ِق ُ‬ ‫ش َ‬‫الْبَط ْ َ‬
‫بدر‪ ،‬وقد مضت الدخان‪ ،‬والبطشة واللزام وآية الروم‪.‬‬
‫مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلة‪:‬‬
‫حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى‪ .‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪.‬‬
‫أخبرني يونس بن يزيد‪ ،‬عن ابن شهاب‪ .‬قال‪ :‬أخبرني سعيد بن‬
‫المسيب وأبو سلمة بن عبدالرحمن بن عوف؛ أنهما سمعا أبا‬
‫هريرة يقول‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪ ،‬حين‬
‫يفرغ من صلة الفجر من القراءة‪ ،‬ويكبر‪ ،‬ويرفع رأسه‪" :‬سمع‬
‫الله لمن حمده‪ .‬ربنا ولك الحمد" ثم يقول‪ ،‬وهو قائم "اللهم! أنج‬
‫الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة‪.‬‬
‫والمستضعفين من المؤمنين‪ .‬اللهم! اشدد وطأتك على مضر‪.‬‬

‫‪362‬‬
‫واجعلها عليهم كسني يوسف‪ .‬اللهم! العن لحيان ورعل وذكوان‬
‫وعصية‪ .‬عصت الله ورسوله" ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل‪:‬‬
‫شيءٌ أَو يتوب ع َلَيه َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫م أوْ يُعَذَّبَهُ ْ‬
‫م فَإِنَّهُ ْ‬ ‫ِْ ْ‬ ‫ْ َُ َ‬ ‫مرِ َ ْ‬‫ن ال ْ‬
‫م َ‬ ‫س لَ َ‬
‫ك ِ‬ ‫{(لَي ْ َ‬
‫ن)(آل عمران‪.)128 :‬‬ ‫ظَال ِ ُ‬
‫مو َ‬
‫وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد‪ .‬قال‪ :‬حدثنا ابن‬
‫عيينة عن الزهري‪ ،‬عن سعيد بن المسيب‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوله‪":‬واجعلها عليهم كسني‬
‫يوسف" ولم يذكر ما بعده‪.‬‬
‫وحدثنا محمد بن مهران الرازي‪ .‬حدثنا الوليد بن مسلم‪ .‬حدثنا‬
‫الوزاعي عن يحيى بن أبي كثير‪ ،‬عن أبي سلمة؛ أن أبا هريرة‬
‫حدثهم؛ أن النبيصلى الله عليه وسلم قنت بعد الركعة‪ ،‬في صلة‪،‬‬
‫شهًرا‪ .‬إذا قال‪" :‬سمع الله لمن حمده" يقول في قنوته "اللهم!‬
‫أنج الوليد بن الوليد‪ .‬اللهم! نج سلمة بن هشام‪ .‬اللهم! نج عياش‬
‫بن أبي ربيعة‪ .‬اللهم! نج المستضعفين من المؤمنين‪ .‬اللهم!‬
‫اشدد وطأتك على مضر‪ .‬اللهم! اجعلها عليهم سنين كسني‬
‫يوسف"‪.‬‬
‫قال أبو هريرة‪ :‬ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك‬
‫الدعاء بعد‪ .‬فقلت‪ :‬أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد‬
‫ترك الدعاء لهم‪ .‬قال فقيل‪ :‬وما تراهم قد قدموا؟‪.‬‬
‫‪--‬ودعا على كسرى حين مزق كتابه أن يمزق الله ملكه‪ ،‬فلم‬
‫تبق له باقية‪ ،‬ول بقيت لفارس رياسة في أقطار الدنيا‪.‬‬
‫قلت‪:‬أخرج اللباني في السلسة الصحيحة؛ وقال(صحيح)‪:‬‬
‫بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة‬
‫السهمي إلى كسرى يدعوه إلى السلم وكتب معه كتابًا قال عبد‬
‫الله فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقريء‬
‫عليه ثم أخذه فمزقه فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪ :‬اللهم مزق ملكه‪ .‬وكتب كسرى إلى باذان عامله‬
‫على اليمن أن ابعث من عندك رجلين جلدين إلى هذا الرجل‬
‫الذي بالحجاز فليأتياني بخبره فبعث باذان قهرمان ورجل آخر‬
‫وكتب معهما كتابًا فقدما المدينة فدفعا كتاب باذان إلى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ودعاهما إلى السلم وفرائصهما ترعد وقال ارجعا عني يومكما‬
‫هذا حتى تأتياني الغد فأخبركما بما أريد فجاءاه من الغد فقال‬
‫لهما‪ ...‬فذكره‪.‬‬
‫وقال الشيخ محمد الغزالي في فقه السيرة‪:‬‬
‫كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وبعث الكتاب‬
‫مع عبدالله بن حذافة السهمي فيه‪{ :‬بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫‪363‬‬
‫من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلم على من‬
‫اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن ل إله إل الله وأني‬
‫رسول الله إلى الناس كافة لينذر من كان حيا أسلم تسلم فإن‬
‫أبيت فعليك إثم المجوس} (صحيح) (ويروى أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم لما بلغه ما صنع كسرى أبرويز بكتابه قال‪(:‬مزق‬
‫الله ملكه)‬
‫وروى البيهقي في دلئل النبوة باب ما جاء في بعث رسول الله‬
‫إلى كسرى ابن هرمز وكتابه إليه ودعائه عنده تمزيق كتابه عليه‬
‫وأجابه الله تعالى دعاءه وتصديقه قوله في هلكه وهلك جنوده‬
‫وفتح كنوزه‪:‬‬
‫أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان قال أخبرنا أحمد بن‬
‫عبيد الصفار قال حدثنا عبيد بن شريك قال حدثنا يحيى(ح)‬
‫وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أنبأنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه‬
‫قال أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان قال حدثنا يحيى بن بكير‬
‫قال حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال حدثنا عبيد الله‬
‫بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن عباس أخبره أن رسول الله‬
‫بعث بكتابه إلى كسرى وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين‬
‫يدفعه عظيم البحرين إلى كسرى فلما قرأه كسرى مزقه‬
‫فحسبت أن ابن المسيب قال فدعا عليهم رسول الله أن يمزقوا‬
‫كل ممزق‪..‬‬
‫رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن بكير وفي كتابي عن أبي‬
‫عبد الله الحافظ فيما لم أجد نسخة سماعي وقد أنبأني به إجازة‬
‫أن أبا جعفر محمد بن صالح بن هاني أخبرهم قال حدثنا أبو بكر‬
‫محمد بن النضر الجارودي قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا‬
‫أحمد بن صالح قال حدثنا ابن وهب قال أنبأنا يونس عن ابن‬
‫شهاب قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد القارئ أن رسول رسول‬
‫الله قام ذات يومي على المنبر خطيبًا فحمد الله وأثنى عليه‬
‫وتشهد ثم قال‪ :‬أما بعد فإني أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك‬
‫العاجم فل تختلفوا علي كما اختلفت بنو إسرائيل على عيسى‬
‫بن مريم‪ ...‬فقال المهاجرون‪ :‬يا رسول الله‪..‬والله ل نختلف عليك‬
‫أبدا على شيء‪ ،‬فمرنا وأبعثنا‪ ..‬فبعث شجاع بن وهب إلى‬
‫كسرى فخرج حتى قدم على كسرى وهو بالمدائن فاستأذن عليه‬
‫فأما كسرى بإيوائه أن يزين له ثم أذن لعظماء فارس ثم أذن‬
‫لشجاع فلما دخل عليه أمر كسرى بكتاب رسول الله أن يقبض‬
‫منه قال شجاع ل حتى أدفعه أنا كما أمرني رسول الله فقال‬
‫كسرى أذنه فدنا فناوله الكتاب ثم دعا كاتبًا له من أهل الحيرة‬
‫فقرأه فإذا فيه من محمد عبد الله ورسوله إلى كسرى عظيم‬

‫‪364‬‬
‫فارس فأغضبه حين بدأ رسول الله بنفسه وصاح وغضب ومزق‬
‫الكتاب قبل أن يعلم ما فيه وأمر بشجاع بن وهب فأخرج فلما‬
‫رأى ذلك قعد على راحلته ثم سار ثم قال‪ :‬والله ما أبالي على‬
‫أي الطريقين أكون إذا أديت كتاب رسول الله فلما ذهب عن‬
‫كسرى سورة غضبه بعث إلى شجاع أن يدخل عليه فالتمس فلم‬
‫يوجد فطلب إلى الحيرة فسبق فلما قدم شجاع على النبي‬
‫أخبره بما كان من أمر كسرى وتمزيقه كتاب رسول الله قال‬
‫رسول الله‪(:‬مزق كسرى ملكه)‪.‬‬
‫اتفق هذا المرسل والموصول قبله في تمزيقه كتابه في هذا أن‬
‫النبي أخبر عن تمزيقه ملكه وفي الول أنه دعا عليهم واختلفت‬
‫الروايتين فيمن يدفع كتابه إلى كسرى والرواية الولى موصولة‬
‫فهي أولى والله أعلم‪.‬‬
‫‪ -‬ودعا على صبي قطع عليه الصلة أن يقطع ا لله أثره‪ ،‬فأقعد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرج البيهقي في دلئل النبوة باب صلة النبي بتبوك‬
‫ودعائه على من مر بين يديه وما ظهر في ذلك من آثار النبوة‪:‬‬
‫‪ -‬أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد الروذباري قال أخبرنا أبو بكر‬
‫بن داسة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن سليمان النباري‬
‫قال حدثنا وكيع عن سعيد بن عبد العزيز عن مولى ليزيد بن‬
‫نمران عن يزيد ابن نمران قال‪ :‬رأيت رجل ً بتبوك مقعدا ً فقال‬
‫مررت بين يدي النبي وأنا على حمار وهو يصلي فقال‪( :‬اللهم‬
‫اقطع أثره) فما مشيت عليها بعد‬
‫** قال أبو داود وحدثنا كثير بن عبيد قال حدثنا ابن حيوة عن‬
‫سعيد بإسناده ومعناه زاد فقال‪( :‬قطع صلتنا قطع الله أثره)‪.‬‬
‫أخبرنا أبو علي الروذباري قال أخبرنا أبو بكر بن داسة قال حدثنا‬
‫أبو داود قال حدثنا أحمد بن سعيد الهمذاني وسليمان بن داود‬
‫قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرنا معاوية عن سعيد بن غزوان عن‬
‫أبيه أنه نزل بتبوك وهو حاج فإذا رجل مقعد فسألته عن أمره‬
‫فقال سأحدثكم حديثا ً فل تحدث به ما سمعت أني حي أن رسول‬
‫الله نزل بتبوك إلى نخلة فقال هذه قبلتنا ثم صلى إليها قال‬
‫فأقبلت وأنا غلم أسعى حتى مررت بينه وبينها فقال‪ :‬قطع‬
‫صلتنا قطع الله أثره‪ ..‬قال فما قمت عليهما إلى يومي هذا‪.‬‬
‫أبو داود حدثنا محمد بن سليمان النباري ثنا وكيع عن سعيد بن‬
‫عبد العزيز عن مولى ليزيد بن نمران عن يزيد بن نمران قال‬
‫رأيت رجل بتبوك مقعدا فقال مررت بين يدي النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وأنا على حمار وهو يصلي فقال‪( :‬اللهم اقطع أثره)‬
‫فما مشيت عليها بعد قال الشيخ اللباني‪ :‬ضعيف‪.‬‬

‫‪365‬‬
‫حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني ح ثنا سليمان بن داود قال ثنا بن‬
‫وهب أخبرني معاوية عن سعيد بن غزوان عن أبيه أنه نزل بتبوك‬
‫وهو حاج فإذا رجل مقعد فسأله عن أمره فقال له سأحدثك‬
‫حديثا فل تحدث به ما سمعت أني حي أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم نزل بتبوك إلى نخلة فقال هذه قبلتنا ثم صلى إليها‬
‫فأقبلت وأنا غلم أسعى حتى مررت بينه وبينها فقال‪( :‬قطع‬
‫صلتنا قطع الله أثره) فما قمت عليها إلى يومي هذا‬
‫قال الشيخ اللباني‪ :‬ضعيف‪.‬‬
‫‪ -‬وقال لرجل يأكل بشماله‪ :‬كل بيمينك فقال‪ :‬ل أستطيع‪ .‬فقال‪:‬‬
‫ل استطعت‪ .‬فلم يرفعها إلى فيه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه مسام في كتاب الشربة باب‪ :‬آداب الطعام والشراب‬
‫وأحكامهما‪.‬‬
‫حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‪ .‬حدثنا زيد بن الحباب عن عكرمة بن‬
‫عمار‪ .‬حدثني إياس بن سلمة بن الكوع؛ أن أباه حدثه؛ أن رجلً‬
‫أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله‪ .‬فقال‪( :‬كل‬
‫بيمينك) قال‪ :‬ل أستطيع‪ .‬قال‪(:‬ل استطعت) ما منعه إل الكبر‪.‬‬
‫قال‪ :‬فما رفعها إلى فيه‪.‬‬

‫‪-‬وقال لعتبة بن أبي لهب‪ :‬اللهم سلط عليه كلبا ً من كلبك‪ ،‬فأكله‬
‫السد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرج البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان قال أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار‬
‫قال حدثنا تمتام قال حدثنا عباس بن الفضل الزرق قال حدثنا‬
‫السود ابن شيبان قال حدثنا أبو نوفل بن أبي عقرب عن أبيه‬
‫قال‪ :‬كان لهب ابن أبي لهب يسب النبي ويدعو عليه قال فقال‬
‫النبي‪( :‬اللهم سلط عليه كلبك)‪ .‬قال‪ :‬وكان أبو لهب يحمل البز‬
‫إلى الشام ويبعث بولده مع غلمانه ووكلئه ويقول إن ابني أخاف‬
‫عليه دعوة محمد فيعاهدوه قال وكانوا إذا نزل المنزل ألزقوه‬
‫إلى الحائط وغطوا عليه الثياب والمتاع قال ففعلوا ذلك به زمانا‬
‫فجاء سبع فنشله فقتله فبلغ ذلك أبا لهب فقال‪ :‬ألم أقل لكم إني‬
‫أخاف عليه دعوة محمد؟‬
‫كذا قال عباس بن الفضل وليس بالقوي‪.‬‬
‫لهب بن أبي لهب وأهل المغازي يقولون عتبة بن أبي لهب وقال‬
‫بعضهم عتيبة‬
‫وفيما أخبرنا أبو عبد الله قراءة عليه قال كانت أم كلثوم يعني‬
‫ابنة رسول الله في الجاهلية تحت عتيبة بن أبي لهب وكانت رقية‬
‫تحت أخيه عتبة بن أبي لهب فلما أنزل الله عز وجل‪(:‬تبت يدا‬

‫‪366‬‬
‫أبي لهب) قال أبو لهب لبنيه عتيبة وعتبة‪ :‬رأسي ورؤوسكما‬
‫حرام إن لم تطلقا ابنتي محمد وسأل النبي عتبة طلق رقية‬
‫وسألته رقية ذلك وقالت له أم كلثوم بنت حرب ابن أمية وهي‬
‫حمالة الحطب طلقها يا بني فإنها قد صبت فطلقها وطلق عتيبة‬
‫أم كلثوم وجاء النبي حين فارق أم كلثوم فقال‪ :‬كفرت بدينك‬
‫وفارقت ابنتك ل تحبني ول أحبك ثم تسلط على رسول الله‬
‫فشق قميصه فقال رسول الله‪ :‬أما إني أسأل الله أن يسلط‬
‫عليه كلبه فخرج نفر من قريش حتى نزلوا في مكان من الشام‬
‫يقال له الزرقاء ليل ً فأطاف بهم السد تلك الليلة فجعل عتيبة‬
‫يقول يا ويل أمي هو والله آكلي كما دعا محمد علي قتلني ابن‬
‫أبي كبشة وهو بمكة وأنا بالشام فعوى عليه السد من بين القوم‬
‫وأخذ برأسه فضغمه ضغمة فذبحه‬
‫قال أبو عبد الله فحدثنا بجميع ذلك محمد بن إسماعيل الحافظ‬
‫قال حدثنا الثقفي قال حدثنا أحمد بن المقدام قال حدثنا زهير بن‬
‫العلء العبدي عن ابن أبي عروبة عن قتادة قال زهير وحدثنا‬
‫هشام بن عروة عن أبيه أن السد لما طاف بهم تلك الليلة‬
‫انصرف عنهم فناموا وجعل عتيبة في وسطهم فأقبل السد‬
‫يتخطاهم حتى أخذ براس عتيبة ففدغه وتزوج عثمان بن عفان‬
‫رقية فتوفيت عنده ولم تلد له وتزوج أبو العاص بن الربيع زينب‬
‫فولدت له أمامة‪.‬‬
‫وأخرج في السنن‪:‬‬
‫أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا أبو الحسن الكارزي ثنا علي‬
‫بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد في قوله والكلب العقور قال بلغني‬
‫عن سفيان بن عيينة أنه قال معناه كل سبع يعقر ولم يخص به‬
‫الكلب قال أبو عبيد قد يجوز في الكلم أن يقال للسبع كلب أل‬
‫ترى أنهم يروون في المغازي أن عتبة بن أبي لهب كان شديد‬
‫الذى للنبي صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬اللهم سلط عليه كلبا‬
‫من كلبك فخرج عتبة إلى الشام مع أصحابه فنزل منزل‬
‫فطرقهم السد فتخطى إليه من بين أصحابه فقتله فصار السد‬
‫ههنا قد لزمه اسم الكلب قال ومن ذلك قوله تعالى‪(.):‬وما‬
‫علمتم من الجوارح مكلبين) فهذا اسم مشتق من الكلب ثم دخل‬
‫فيه صيد الفهد والصقر والبازي فلهذا قيل لكل جارح أو عاقر من‬
‫السباع كلب عقور‪...‬‬
‫‪-‬وقال لمرأة‪ :‬أكلك السد‪ .‬فأكلها‪.‬‬
‫‪--‬وحديثه المشهور‪ ،‬من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله‬
‫عنه‪ ،‬في دعائه على قريش حين وضعوا السل على رقبته وهو‬

‫‪367‬‬
‫ساجد مع الفرث والدم‪ ،‬وسماهم‪ .‬قال‪ :‬فلقد رأيتهم قتلوا يوم‬
‫بدر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرج البيهقي في دلئل النبوة‬
‫أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك رحمه الله قال أخبرنا‬
‫عبد الله بن جعفر بن أحمد الصبهاني قال حدثنا يونس بن حبيب‬
‫قال حدثنا أبو داود قال حدثنا شعبة قال حدثنا أبو إسحاق قال‬
‫سمعت عمرو بن ميمون يحدث عن عبدالله قال بينما رسول الله‬
‫ساجد وحوله ناس من قريش وثم سل بعير فقالوا من يأخذ سل‬
‫هذا الجزور أو البعير فيقذفه على ظهره فجاء عقبة بن أبي‬
‫معيط فقذفه على ظهر النبي فلم يرفع رأسه حتى جاءت فاطمة‬
‫فأخذته من ظهره ودعت على من صنع ذلك قال عبد الله فما‬
‫رأيت رسول الله دعا عليهم إل يومئذ فقال‪( :‬اللهم عليك المل‬
‫من قريش اللهم عليك أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة‬
‫بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف أو أبي بن خلف)‬
‫شك شعبة قال عبد الله فقد رأيتهم قتلوا يوم بدر وألقوا في‬
‫القليب أو قال في بئر غير أن أبي بن خلف أو أمية بن خلف كان‬
‫رجل ً بادنا فتقطع قبل أن يبلغ به البئر‪..‬‬
‫أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث شعبة بن الحجاج‬
‫أخبرنا أبو محمد جناح بن نذير بن جناح القاضي بالكوفة قال‬
‫حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم قال حدثنا أحمد بن حازم‬
‫بن أبي غرزة قال أخبرنا جعفر بن عون العمري قال أخبرنا‬
‫سفيان بن سعيد الثوري عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون‬
‫عن عبد الله قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في ظل‬
‫الكعبة فقال أبو جهل وناس من قريش وقد نحرت جزور في‬
‫ناحية مكة فبعثوا فجاءوا من سلها فطرحوه بين كتفي النبي قال‬
‫فجاءت فاطمة فطرحته عنه قال فلما انصرف وكان يستحث ثلثا‬
‫قال‪( :‬اللهم عليك بقريش ثلثا بأبي جهل بن هشام وبعتبة بن‬
‫ربيعة وبشيبة بن ربيعة وبالوليد ابن عتبة وبأمية بن خلف وبعقبة‬
‫بن أبي معيط قال عبد الله) ثم لقد رأيتهم في قليب بدر قال أبو‬
‫إسحاق ونسيت السابع‪.‬‬
‫رواه البخاري ومسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة عن‬
‫جعفر بن عون‬
‫وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو الوليد حسان بن‬
‫محمد بن أحمد الفقيه قال حدثنا أبو أحمد إسماعيل بن موسى‬
‫بن إبراهيم الحاسب قال حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان قال‬
‫حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن زكريا عن أبي إسحاق عن‬
‫عمرو بن ميمون الودي عن عبد الله قال بينما رسول الله يصلي‬

‫‪368‬‬
‫عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس وقد نحرت جزور‬
‫بالمس فقال أبو جهل أيكم يقوم إلى سل جزور فيأخذه فيضعه‬
‫على كتفي محمد إذا سجد فانبعث أشقى القوم فأخذه فلما‬
‫سجد النبي وضعه بين كتفيه قال فاستضحكوا وجعل بعضهم‬
‫يميل إلى بعض وأنا قائم أنظر لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر‬
‫رسول الله والنبي ساجد ما يرفع رأسه حتى انطلق إنسان فأخبر‬
‫فاطمة فجاءت وهي جويرية فطرحت عنه ثم أقبلت عليهم‬
‫تسبهم فلما قضى النبي صلته رفع صوته ثم دعا عليهم وكان إذا‬
‫دعا دعا ثلثا وإذا سأل سأل ثلثًا ثم قال النبي‪( :‬اللهم عليك‬
‫بقريش) ثلث مرات فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك‬
‫وخافوا دعوته ثم قال‪( :‬اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة‬
‫بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة‬
‫بن أبي معيط) وذكر السابع ولم أحفظه فوالذي بعث محمدًا‬
‫بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى‬
‫قليب بدر‬
‫رواه مسلم في الصحيح عن عبد الله بن عمر بن أبان‪.‬‬
‫‪--‬ودعا على الحكم بن أبي العاص‪ ،‬وكان يختلج بوجهه‪ ،‬ويغمز‬
‫عند النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أي ل‪ ،‬فرآه‪ ،‬فقال‪ :‬كذلك كن‪،‬‬
‫فلم يزل يختلج إلى أن مات‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرج البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي وأبو سعيد بن أبي‬
‫عمرو قالوا حدثنا العباس محمد بن يعقوب حدثنا إبراهيم بن‬
‫سليمان حدثنا ضرار ابن صرد حدثنا عائذ بن حبيب إسماعيل بن‬
‫أبي خالد عن عبد الله المزني قال سمعت عبدالرحمن بن أبي‬
‫بكر يقول كان فلن يجلس إلى النبي فإذا تكلم النبي بشيء‬
‫اختلج بوجهه فقال له النبي‪( :‬كن كذلك) فلم يزل يختلج حتى‬
‫مات‪..‬‬
‫ض‪ ،‬ثم‬ ‫‪--‬ودعا على محلم بن جثامة فمات لسبع‪ ،‬فلفظتْه الر ُ‬
‫صدّين‪ ،‬ورجموا عليه‬‫وُرِيَ فلفظتْه مرات‪ ،‬فألقوه بين ُ‬
‫بالحجارة‪.‬والصد‪ :‬جانب الوادي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرج البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫باب ما ظهر على من أرتد ععن السلم في وقت النبي ومات‬
‫على ردته من النكال ثم من قتل من شهد بالحق من ذلك وما‬
‫في كل واحد منهما من دلئل النبوة‬
‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن‬
‫يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني قال حدثنا أبو النصر قال‬
‫حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن انس بن مالك قال كان‬

‫‪369‬‬
‫منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب‬
‫لرسول الله فانطلق هاربًا حتى لحق بأهل الكتاب قال فرفعوه‬
‫قالوا هذا كان يكتب لمحمد فأعجبوا به فما لبث أن قصم الله‬
‫عنقه فحفروا له فواروه فأصبحت الرض قد نبذته على وجهها‬
‫فتركوه منبوذ ًا‪.‬‬
‫رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن رافع عن أبي النضر زاد‬
‫فيه غيره عن سليمان مراًرا‪.‬‬
‫أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله البسطامي قال أخبرنا أبو‬
‫بكر أحمد ابن إبراهيم السماعيلي قال أخبرنا أبو يعلى قال حدثنا‬
‫جعفر بن مهران قال حدثنا عبد الوراث عن عبد العزيز عن أنس‬
‫قال كان رجل ً نصرانيًا فأسلم على عهد رسول الله وقرأ البقرة‬
‫وآل عمران قال فكان يكتب للنبي قال فعاد نصرانيًا وكان يقول‬
‫ما أرى يحسن محمدًا إل ما كنت أكتب له فأماته الله عز وجل‬
‫فأقبروه فأصبح قد لفظته الرض قالوا هذا عمل محمد وأصحابه‬
‫أنه لما لم يرض دينهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه قال فحفروا له‬
‫فأعمقوا في الرض ما أستطاعوا فأصبح وقد لفظته الرض‬
‫فعلموا أنه ليس من الناس وأنه من الله عز وجل‪.‬‬
‫رواه البخاري في الصحيح عن أبي معمر عن الوارث ورواه‬
‫حميد الطويل عن أنس بن مالك بمعناه يزيد وينقص ومما زاد‬
‫فقال نبي الله ل تقبله الرض فذكر أن أبا طلحة أتى الرض التي‬
‫مات فيها فوجده منبوذ ًا فقال ما بال هذا قالوا دفناه مراًرا فلم‬
‫تقبله الرض‪..‬‬
‫‪ -‬وجحده رجل بيع فرس ـ وهي التي شهد فيها خزيمة للنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فرد الفرس بعد النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم على الرجل‪ ،‬وقال‪ :‬اللهم إن كان كاذبا ً فل تبارك له فيها‪.‬‬
‫ة‪.‬‬
‫فأصبحت شاصية برجلها‪ ،‬أي رافع ً‬
‫وهذا الباب أكثر من أن يحاط به‪.‬‬
‫‪-----------------------‬‬
‫‪ .26‬المعجزات النبوية بين الغلة والمقصرين‬
‫المعجزات النبوية بين الغلة والمقصرين‬
‫الدكتور يوسف القرضاوي‬
‫الناس في قضية المعجزات المحمدية المادية أصناف ثلثة‪:‬‬
‫فالصنف الول‪:‬‬
‫يبالغ في الثبات‪ ،‬وسنده في ذلك ما حوته الكتب‪ ،‬أيًا كانت هذه‬
‫الكتب‪ :‬سواء كانت للمتقدمين أو المتأخرين‪ ،‬وسواء كانت تعنى‬
‫بتمحيص الروايات أم ل تعنى‪ ،‬وسواء وافق ذلك الصول أم‬
‫خالفها‪ ،‬وسواء قبله المحققون من العلماء أم رفضوه‪ .‬المهم أن‬

‫‪370‬‬
‫يروى ذلك في كتاب وإن لم يعرف صاحبه‪ ،‬أو يذكر في قصيدة‬
‫من قصائد المدائح النبوية‪ ،‬أو في قصة "مولد" التي يُتلى بعضها‬
‫في شهر ربيع الول من كل عام‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬
‫وهذه عقلية عامية ل تستحق أن تناقش‪ ،‬فالكتب فيها الغث‬
‫والسمين‪ ،‬والمقبول والمردود‪ ،‬والصحيح والمختلق الموضوع‪.‬‬
‫وقد ابتليت ثقافتنا الدينية بهؤلء المؤلفين الذين يتتبعون‬
‫"الغرائب" و"يحشون" بها بطون الكتب‪ ،‬وإن خالفت صحيح‬
‫المنقول‪ ،‬وصريح المعقول‪.‬‬
‫وبعض المؤلفين‪ ،‬ل يعنى بصحة ما يروي من هذه المور‪ ،‬على‬
‫أساس أنها ل يترتب عليها حكم شرعي‪ ،‬من تحليل أو تحريم أو‬
‫غير ذلك‪ .‬ولهذا إذا رووا في الحلل والحرام تشددوا في السانيد‪،‬‬
‫ونقدوا الرواة‪ ،‬ومحصوا المرويات‪ .‬فأما إذا رووا في الفضائل‬
‫والترغيب والترهيب‪ .‬ومثلها المعجزات ونحوها‪ ،‬تساهلوا‬
‫وتسامحوا‪.‬‬
‫ومؤلفون آخرون‪ ،‬كانوا يذكرون الروايات بأسانيدها فلن عن‬
‫فلن عن فلن‪ ،‬ولكنهم ل يذكرون قيمة هذه السانيد‪ :‬أهي‬
‫صحيحة أم غير صحيحة؟ وما قيمة رواتها‪ :‬أهم ثقات مقبولون أم‬
‫ضعاف مجروحون‪ ،‬أم كذابون مردودون؟ معتمدين على أنهم إذا‬
‫ذكروا السند فقد أبرءوا أنفسهم من التبعة‪ ،‬وخلوا من العهدة‪.‬‬
‫حا وكافيًا بالنسبة للعلماء في العصور الولى‪،‬‬ ‫غير أن هذا كان صال ً‬
‫أما في العصور المتأخرة ‪-‬وفي عصرنا خاصة‪ -‬فلم يعد يعني ذكر‬
‫السند شيئًا‪ .‬وأصبح الناس يعتمدون على النقل من الكتب‪ ،‬دون‬
‫أي نظر إلى السند‪.‬‬
‫وهذا هو موقف جمهرة الكتاب والمؤلفين في عصرنا‪ ،‬حين‬
‫ينقلون من تاريخ الطبري‪ ،‬أو طبقات ابن سعد أو غيرها‪.‬‬
‫والصنف الثاني‪:‬‬
‫يبالغ في النفي والنكار للمعجزات واليات الحسية الكونية‪،‬‬
‫وعمدته في ذلك‪ :‬أن معجزة محمد صلى الله عليه وسلم هي‬
‫القرآن الكريم وهو الذي وقع به التحدي‪ :‬أن يأتوا بمثله‪ ،‬أو بعشر‬
‫سور مثله‪ ،‬أو بسورة من مثله‪.‬‬
‫ولما طلب المشركون من الرسول بعض اليات الكونية تصديقًا‬
‫له‪ ،‬نزلت آيات القرآن تحمل الرفض القاطع لجابة طلباتهم‪ .‬كما‬
‫في قوله تعالى‪{ :‬وقالوا‪ :‬لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الرض‬
‫ينبوع ًا‪ .‬أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر النهار خللها‬
‫تفجيًرا‪ .‬أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفًا أو تأتي بالله‬
‫والملئكة قبيلً‪ .‬أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقي في‬

‫‪371‬‬
‫السماء‪ .‬ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابًا نقرؤه‪ ،‬قل‪:‬‬
‫سبحان ربي‪ ،‬هل كنت إل بشًرا رسولً؟} (السراء‪.)93 - 90 :‬‬
‫وفي موضع آخر‪ ،‬ذكر المانع من إرسال اليات الكونية التي‬
‫يقترحونها فقال‪{ :‬وما منعنا أن نرسل باليات إل أن كذب بها‬
‫الولون‪ ،‬وآتينا ثمود الناقة مبصرة‪ ،‬فظلموا بها‪ ،‬وما نرسل باليات‬
‫إل تخويفًا} (السراء‪.)59 :‬‬
‫وفي سورة أخرى‪ ،‬رد على طلب اليات بأن القرآن وحده كاف‬
‫كل الكفاية ليكون آية لمحمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى‪:‬‬
‫{أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم؟ إن في ذلك‬
‫لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون} (العنكبوت‪.)51 :‬‬
‫وقد اقتضت الحكمة اللهية أن تكون معجزة محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم معجزة عقلية أدبية‪ ،‬ل حسية مادية‪ ،‬وذلك لتكون‬
‫أليق بالبشرية بعد أن تجاوزت مراحل طفولتها‪ ،‬ولتكون أليق‬
‫بطبيعة الرسالة الخاتمة الخالدة‪ .‬فالمعجزات الحسية تنتهي‬
‫بمجرد وقوعها‪ .‬أما العقلية فتبقى‪.‬‬
‫وقد أيد ذلك ما جاء في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪" :‬ما من النبياء من نبي إل وقد أعطى من اليات ما‬
‫ي‪،‬‬
‫مثله آمن عليه البشر‪ ،‬وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إل ّ‬
‫فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة"‪.‬‬
‫ويبدو لي أن مما دفع هذا الصنف إلى هذا الموقف أمرين‪:‬‬
‫أولً‪ :‬افتتان الناس في عصرنا بالعلوم الكونية‪ ،‬القائمة على ثبات‬
‫السباب‪ ،‬ولزوم تأثيرها في مسبباتها‪ ،‬حتى ظن بعض الناس أنه‬
‫لزوم عقلي ل يتخلف في حال‪ ،‬فالنار ل بد أن تحرق‪ ،‬والسكين ل‬
‫بد أن تقطع‪ ،‬والجماد ل يمكن أن ينقلب إلى حيوان‪ ،‬والميت ل‬
‫يمكن أن يرجع إلى الحياة‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬غلو الصنف الول في إثبات الخوارق‪ ،‬بالحق والباطل‪،‬‬
‫إلى حد يكاد يلغي قانون السباب والسنن‪ ،‬التي أقام الله عليها‬
‫هذا العالم‪ .‬وكثيًرا ما يقاوم الغلو بغلو مثله‪.‬‬
‫الصنف الثالث‪:‬‬
‫هنا يظهر الرأي الوسط بين المبالغين في الثبات‪ ،‬والمغالين في‬
‫النكار‪ .‬وهو الرأي الذي أرجحه وأتبناه‪.‬‬
‫وخلصة هذا الرأي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن القرآن الكريم هو الية الكبرى والمعجزة الولى لرسولنا‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي تحدى به العرب خاصة‪،‬‬
‫والخلق عامة‪ .‬وبه تميزت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم على‬
‫غيرها من النبوات السابقة‪ ،‬فالدليل على صدق نبوته هو نفس‬

‫‪372‬‬
‫موضوع رسالته؛ وهو كتابه المعجز بهدايته وبعلومه‪ ،‬وبإعجازه‬
‫اللفظي والمعنوي‪ ،‬وبإتيانه بالغيب‪ :‬ماضيه وحاضره ومستقبله‪.‬‬
‫‪ -2‬أن الله تعالى أكرم خاتم رسله بآيات كونية جمة‪ ،‬وخوارق‬
‫حسية عديدة‪ ،‬ولكن لم يقصد بها التحدي‪ ،‬أعني إقامة الحجة‪.‬‬
‫ما من الله له‪ ،‬أو‬
‫بها على صدق نبوته ورسالته‪ .‬بل كانت تكري ً‬
‫رحمة منه تعالى به‪ ،‬وتأييدًا له‪ ،‬وعناية به وبمن آمن معه في‬
‫الشدائد؛ فلم تحدث هذه الخوارق استجابة لطلب الكافرين‪ ،‬بل‬
‫رحمة وكرامة من الله لرسوله والمؤمنين‪ ،‬وذلك مثل "السراء"‬
‫الذي ثبت بصريح القرآن‪ ،‬والمعراج الذي أشار إليه القرآن‪،‬‬
‫وجاءت به الحاديث الصحيحة‪ ،‬ونزول الملئكة تثبيتًا ونصرة للذين‬
‫آمنوا في غزوة بدر‪ ،‬وإنزال المطار لسقائهم فيها وتطهيرهم‪،‬‬
‫وتثبيت أقدامهم‪ ،‬على حين لم يصب المشركين من ذلك شيء‬
‫وهم بالقرب منهم‪ .‬وحماية الله لرسوله وصاحبه في الغار يوم‬
‫الهجرة‪ ،‬رغم وصول المشركين إليه‪ ،‬حتى لو نظر أحدهم تحت‬
‫قدميه لرآهما‪ ،‬وغير ذلك مما هو ثابت بنص القرآن الكريم‪.‬‬
‫ومثل ذلك إشباع العدد الكثير من الطعام القليل في غزوة‬
‫الحزاب‪ ،‬وفي غزوة تبوك‪.‬‬
‫‪ -3‬إننا ل نثبت من هذا النوع من الخوارق إل ما نطق به القرآن‪،‬‬
‫أو جاءت به السنة الصحيحة الثابتة‪ .‬وما عدا ذلك مما انتفخت به‬
‫بطون الكتب‪ ،‬فل نقبله‪ ،‬ول نعبأ به‪.‬‬
‫فمن الصحيح الثابت‪:‬‬
‫(أ) ما رواه جماعة من الصحابة من حنين الجذع الذي كان‬
‫يخطب عليه صلى الله عليه وسلم أول المر‪ ،‬فلما صنع له‬
‫المنبر‪ ،‬وقام عليه للخطبة‪ ،‬سمع للجذع صوت كحنين الناقة إلى‬
‫ولدها‪ .‬فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه فسكت‪.‬‬
‫قال العلمة تاج الدين السبكي‪ :‬حنين الجذع متواتر؛ لنه ورد عن‬
‫جماعة من الصحابة‪ ،‬إلى نحو العشرين‪ ،‬من طرق صحيحة كثيرة‬
‫تفيد القطع بوقوعه‪ .‬وكذلك قال القاضي عياض في الشفاء‪ :‬إنه‬
‫متواتر‪.‬‬
‫(ب) ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب السنن‬
‫والمسانيد عن جماعة من الصحابة‪ ،‬من إفاضة الماء بغير الطرق‬
‫المعتادة‪ ،‬وذلك في غزواته وأسفاره صلى الله عليه وسلم مثل‬
‫غزوة الحديبية‪ ،‬وغزوة تبوك وغيرهما‪.‬‬
‫روى الشيخان عن أنس‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه‬
‫كانوا بالزوراء فدعا بقدح فيه ماء‪ ،‬فوضع كفه فيه‪ ،‬فجعل الماء‬
‫ينبع من بين أصابعه‪ ،‬وأطراف أصابعه‪ ،‬فتوضأ أصحابه به جميعًا‪.‬‬

‫‪373‬‬
‫وروى البخاري عن البراء بن عازب أنهم كانوا مع النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم يوم الحديبية أربع عشرة مائة (أي ‪ ،)1400‬وأنهم نزحوا‬
‫بئر الحديبية فلم يتركوا فيها قطرة‪ ،‬فبلغ ذلك النبي صلى الله‬
‫عليه وسالم فأتاها‪ ،‬فجلس على شفيرها‪ ،‬ثم دعا بإناء من ماء‪،‬‬
‫فتوضأ‪ ،‬ثم تمضمض ودعا‪ ،‬ثم صبه فيها‪ .‬قال‪ :‬فتركناها غير بعيد‪،‬‬
‫ثم إنها أصدرتنا (سقتنا وروتنا) ماشيتنا نحن وركابنا‪.‬‬
‫والحاديث في إجراء الماء له صلى الله عليه وسلم كثيرة‬
‫مستفيضة‪ ،‬ومروية بأصح الطرق‪.‬‬
‫(جـ) ما حفلت به كتب السنة من استجابة الله تعالى لدعاء النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم في مواضع يصعب حصرها‪ ،‬مثل دعائه‬
‫بإنزال المطر‪ .‬ودعائه يوم بدر بالنصر‪ ،‬ودعائه لبن عباس بالفقه‬
‫في الدين‪ ،‬ودعائه لنس بكثرة الولد‪ ،‬وطول العمر‪ ،‬ودعائه على‬
‫بعض من آذاه‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫(د) ما صح من النباء بمغيبات وقت كما أخبر بها صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬بعضها في حياته‪ ،‬وبعضها بعد وفاته‪ ،‬مثل فتح بلد اليمن‬
‫وبصرى وفارس‪ ،‬وقوله لعمار‪" :‬تقتلك الفئة الباغية" وقوله عن‬
‫الحسن‪" :‬إن ابني هذا سيد‪ ،‬وسيصلح الله به بين فئتين من‬
‫المسلمين"‪ ...‬إلخ‪ .‬ومثل إخباره بفتح القسطنطينية وغيرها‪.‬‬
‫‪ -4‬أما ما لم يصح من الخوارق واليات‪ ،‬فل نثبته ول نقيم له وزنًا‪،‬‬
‫وإن شاع ذكره بين الناس‪.‬‬
‫ونكتفي هنا بما اشتهر من أن النبي صلى الله عليه وسلم حين‬
‫اختفى في الغار عند الهجرة من المدينة‪ ،‬جاءت حمامتان فباضتا‬
‫على فم الغار كما أن شجرة نبتت ونمت فغطت مدخل الغار‪.‬‬
‫فهذا ما لم يجئ به حديث صحيح‪ ،‬ول حسن‪ ،‬ول ضعيف‪ .‬أما نسج‬
‫العنكبوت على الغار فقد جاءت به رواية حسنها بعض العلماء‪،‬‬
‫وضعفها آخرون‪.‬‬
‫وظاهر القرآن يدل على أن الله تعالى أيد رسوله يوم الهجرة‬
‫بجنود غير مرئية كما قال تعالى‪{ :‬فأنزل الله سكينته عليه وأيده‬
‫بجنود لم تروها} والعنكبوت والحمام جنود مرئية ول شك والنصر‬
‫بجنود غير مشاهدة ول محسة أدل على القهر اللهي والعجز‬
‫البشري‪ .‬وإنما اشتهرت هذه الخوارق بين جمهور المسلمين‬
‫بسبب المدائح النبوية‪ ،‬للمتأخرين وبخاصة مثل "البردة"‬
‫للبوصيري التي يقول فيها‪:‬‬
‫ظنوا الحمام‪ ،‬وظنوا العنكبوت على**** خير البرية لم تنسج‬
‫ولم تحم‬
‫وقاية الله أغنت عن مضاعفة من **** الدروع وعن عال من‬
‫الطم‬

‫‪374‬‬
‫فهذا هو موقفنا من الخوارق والمعجزات النبوية المنسوبة إلى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪ .27‬القول القوم في معجزات النبي الكرم(‪ ..)8‬في‬
‫كرامته وبركاته‬
‫الفصل الثاني والعشرون‪:‬‬
‫في كرامته وبركاته وانقلب العيان له فيما لمسه أو باشره‬
‫‪ -‬أخبرنا أحمد بن محمد‪ ،‬حدثنا أبو ذر الهروي‪ ،‬إجازة‪ ،‬حدثنا‬
‫القاضي أبو علي سماعاً‪ ،‬والقاضي أبو عبد الله بن عبد الرحمن‬
‫وغيرهما‪ ،‬فقالوا‪ :‬حدثنا أبو الوليد القاضي‪ ،‬حدثنا أبو ذر‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫إسحاق‪ ،‬وأبو الهيثم‪ :‬قالوا‪ :‬حدثنا الفربري‪ ،‬حدثنا البخاري‪ ،‬حدثنا‬
‫يزيد بن زريع‪ ،‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس بن مالك رضي‬
‫الله عنه ـ أن أهل المدينة فزعوا مرةً‪ ،‬فركب رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فرسا ً لبي طلحة كان يقطُف‪ ،‬أو به قِطاف‪.‬‬
‫وقال غيره‪ :‬يبطأ‪ ،‬فلما رجع قال‪ :‬وجدنا فرسك بحرا ً فكان بعد ل‬
‫يجارى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬روى البيهقي في دلئل النبوة‪:‬‬
‫أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي حدثنا أبو بكر محمد بن‬
‫جعفر النباري حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر حدثنا حسين بن‬
‫محمد حدثنا جرير بن حازم عن محمد بن سيرين عن أنس بن‬
‫سا لبي طلحة بطيئًا ثم‬ ‫مالك قال‪ :‬فزع الناس فركب النبي فر ً‬
‫خرج يركض وحده فركب الناس يركضون خلفه فقال‪ :‬لن تراعوا‬
‫إنه لبحر‪ ...‬قال فو الله ما سبق بعد ذلك اليوم‪...‬‬
‫وأخرج البخاري في صحيحه‪:‬‬
‫ـ باب‪ :‬السرعة والركض في الفزع‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا الفضل بن سهل‪ :‬حدثنا حسين بن محمد‪ :‬حدثنا جرير‬
‫بن حازم‪ ،‬عن محمد‪ ،‬عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬فزع‬
‫سا لبي‬‫الناس‪ ،‬فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فر ً‬
‫طلحة بطيئًا‪ ،‬ثم خرج يركض وحده‪ ،‬فركب الناس يركضون خلفه‪،‬‬
‫فقال‪( :‬لم تراعوا‪ ،‬إنه لبحر)‪ .‬فما سبق بعد ذلك اليوم‪.‬‬
‫ـ باب‪ :‬إذا فزعوا بالليل‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا قتيبة بن سعيد‪ :‬حدثنا حماد‪ ،‬عن ثابت‪ ،‬عن أنس رضي‬
‫الله عنه قال‪:‬‬
‫كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس‪ ،‬وأجود‬
‫الناس‪ ،‬وأشجع الناس‪ ،‬قال‪ :‬وقد فزع أهل المدينة ليلة‪ ،‬سمعوا‬
‫صوتا‪ ،‬قال‪ :‬فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم على فرس لبي‬
‫طلحة عري‪ ،‬وهو متلقد سيفه‪ ،‬فقال‪(:‬لم تراعوا لم تراعوا)‪ .‬ثم‬

‫‪375‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪(:‬وجدته بحرا)‪ .‬يعني‬
‫الفرس‪.‬‬
‫‪ -‬باب‪ :‬من استعار من الناس الفرس‪.‬‬
‫سا يقول‪:‬‬‫‪ -‬حدثنا آدم‪ :‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن قتادة قال‪ :‬سمعت أن ً‬
‫سا‬‫كان فزع بالمدينة‪ ،‬فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فر ً‬
‫من أبي طلحة يقال له المندوب فركب‪ ،‬فلما رجع قال‪(:‬ما رأينا‬
‫من شيء‪ ،‬وإن وجدناه لبحًرا)‪.‬‬
‫‪ -‬باب‪ :‬الشجاعة في الحرب والجبن‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا أحمد بن عبد الملك بن واقد‪ :‬حدثنا حماد بن زيد‪ ،‬عن‬
‫ثابت‪ ،‬عن أنس رضي الله عنه قال‪ :‬كان النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس‪ ،‬ولقد فزع أهل‬
‫المدينة‪ ،‬فكان النبي صلى الله عليه وسلم سبقهم على فرس‪،‬‬
‫وقال‪(:‬وجدناه بحرا)‪.‬‬
‫ـ باب‪ :‬اسم الفرس والحمار‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا محمد بن بشار‪ :‬حدثنا غندر‪ :‬حدثنا شعبة‪ :‬سمعت قتادة‪،‬‬
‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬كان فزع بالمدينة‪،‬‬
‫فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لنا يقال له مندوب‪،‬‬
‫فقال‪(:‬ما رأينا منفزع‪ ،‬وإن وجدناه لبحرا)‪.‬‬
‫ـ باب‪ :‬الركوب على الدابة الصعبة والفحولة من الخيل‪.‬‬
‫وقال راشد بن سعد‪ :‬كان السلف يستحبون الفحولة‪ ،‬لنها أجرى‬
‫وأجسر‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا أحمد بن محمد‪ :‬أخبرنا عبد الله‪ :‬أخبرنا شعبة‪ ،‬عن‬
‫قتادة‪ :‬سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪ :‬كان بالمدينة‬
‫فزع‪ ،‬فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لبي طلحة يقال‬
‫له مندوب‪ ،‬فركبه‪ ،‬وقال‪(:‬ما رأينا من فزع‪ ،‬وإن وجدناه لبحرا)‪.‬‬
‫ـ باب‪ :‬ركوب الفرس العري‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا عمرو بن عون‪ :‬حدثنا حماد‪ ،‬عن ثابت‪ ،‬عن أنس رضي‬
‫الله عنه‪ :‬استقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم على فرس عري‪،‬‬
‫ما عليه سرج‪ ،‬في عنقه سيف‪.‬‬
‫‪ -‬باب‪ :‬الفرس القطوف‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا عبد العلى بن حماد‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ :‬حدثنا سعيد‪،‬‬
‫عن قتادة‪ ،‬عن أنس بن مالك رضي الله عنه‪ :‬أن أهل المدينة‬
‫فزعوا مرة‪ ،‬فركب النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لبي‬
‫طلحة كان يقطف‪ ،‬أو كان فيه قطاف‪ ،‬فلما رجع قال‪(:‬وجدنا‬
‫فرسكم هذا بحرا)‪ .‬فكان بعد ذلك ل يجارى‪.‬‬
‫باب‪ :‬الحمائل وتعليق السيف بالعنق‪.‬‬

‫‪376‬‬
‫‪ -‬حدثنا سليمان بن حرب‪ :‬حدثنا حماد بن زيد‪ ،‬عن ثابت‪ ،‬عن‬
‫أنس رضي الله عنه قال‪:‬‬
‫كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس‪ ،‬وأشجع الناس‪،‬‬
‫ولقد فرغ أهل المدينة ليلة‪ ،‬فخرجوا نحو الصوت‪ ،‬فاستقبلهم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم وقد استبرأ الخبر‪ ،‬وهو على فرس‬
‫لبي طلحة عري‪ ،‬وفي عنقه السيف‪ ،‬وهو يقول‪(:‬لم تراعوا‪ ،‬لم‬
‫تراعوا)‪ .‬ثم قال‪(:‬وجدناه بحرا)‪ .‬أو قال‪(:‬إنه لبحر)‪.‬‬
‫ـ باب‪ :‬مبادرة المام عند الفزع‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا مسدد‪ :‬حدثنا يحيى‪ ،‬عن شعبة‪ ،‬حدثني قتادة‪ ،‬عن أنس‬
‫بن مالك رضي الله عنه قال‪:‬‬
‫كان بالمدينة فزع‪ ،‬فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فرسا لبي طلحة‪ ،‬فقال‪(:‬ما رأينا من شيء‪ ،‬وإن وجدناه لبحرا)‪.‬‬
‫‪ -‬باب‪ :‬المعاريض مندوحة عن الكذب‪.‬‬
‫شعبة قال‪ :‬حدثني قتادة‪ ،‬عن‬ ‫‪ -‬حدثنا مسدَّد‪ :‬حدثنا يحيى‪ ،‬عن ُ‬
‫أنس بن مالك قال‪:‬‬
‫كان بالمدينة فزع‪ ،‬فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فرسا ً لبي طلحة‪ ،‬فقال‪(:‬ما رأينا من شيء‪ ،‬وإن وجدناه لبحراً)‪.‬‬
‫باب‪ :‬حسن الخلق والسخاء‪ ،‬وما يكره من البخل‬
‫ماد‪ ،‬هو ابن زيد‪ ،‬عن ثابت‪ ،‬عن‬ ‫‪ -‬حدثنا عمرو بن عون‪ :‬حدثنا ح َّ‬
‫أنس قال‪:‬‬
‫كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس‪ ،‬وأجود الناس‪،‬‬
‫وأشجع الناس‪ ،‬ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة‪ ،‬فانطلق الناس‬
‫قبل الصوت‪ ،‬فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق‬
‫الناس إلى الصوت‪ ،‬وهو يقول‪(:‬لم تراعوا لم تراعوا)‪ .‬وهو على‬
‫فرس لبي طلحة عري ما عليه سرج‪ ،‬في عنقه سيف‪،‬‬
‫فقال‪(:‬لقد وجدته بحراً‪ .‬أو‪ :‬إنه لبحر)‪.‬‬
‫‪ -‬ونخس جمل جابر‪ ،‬وكان قد أعيا‪ ،‬فنشط حتى كان ما يملك‬
‫زمامه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرج البخاري في قصة جمل جابر بن عبد الله أحاديث‪،‬‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ -1‬باب‪ :‬الشفاعة في وضع الدين‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا موسى‪ :‬حدثنا أبو عوانة‪ ،‬عن مغيرة‪ ،‬عن عامر‪ ،‬عن‬
‫جابر رضي الله عنه قال‪:‬‬
‫غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم على ناضح لنا فأزحف‬
‫الجمل‪ ،‬فتخلف علي‪ ،‬فوكزه النبي صلى الله عليه وسلم من‬
‫خلفه‪ ،‬قال‪(:‬بعينه ولك ظهره إلى المدينة)‪ .‬فلما دنونا استأذنت‪،‬‬
‫قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إني حديث عهد بعرس‪ ،‬قال صلى الله عليه‬

‫‪377‬‬
‫وسلم‪(:‬فما تزوجت بكرا أم ثيبا)‪ .‬قلت‪ :‬ثيبا‪ ،‬أصيب عبد الله‬
‫وترك جواري صغارا‪ ،‬فتزوجت ثيبا تعلمهن وتؤدبهن‪ ،‬ثم قال‪(:‬ائت‬
‫أهلك)‪ .‬فقدمت فأخبرت خالي بيع الجمل فلمني‪ ،‬فأخبرته بإعياء‬
‫الجمل‪ ،‬وبالذي كان من النبي صلى الله عليه وسلم ووكزه إياه‪،‬‬
‫فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم غدوت إليه بالجمل‪،‬‬
‫فأعطاني ثمن الجمل والجمل‪ ،‬وسهمي مع القوم‪.‬‬
‫‪ -2‬باب‪ :‬إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا أبو نعيم‪ :‬حدثنا زكرياء قال‪ :‬سمعت عامرا يقول‪ :‬حدثني‬
‫جابر رضي الله عنه‪ :‬أنه كان يسير على جمل له قد أعيا‪ ،‬فمر‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فضربه‪ ،‬فدعا له فسار بسير ليس‬
‫يسير مثله‪ ،‬ثم قال‪(:‬بعنيه بوقية)‪ .‬قلت‪ :‬ل‪ ،‬ثم قال‪(:‬بعينه بوقية)‪.‬‬
‫فبعته‪ ،‬فاستثنيت حملنه إلى أهلي‪ ،‬فلما قدمنا أتيته بالجمل‬
‫ونقدني ثمنه‪ ،‬ثم انصرفت‪ ،‬فأرسل على إثري قال‪(:‬ما كنت لخذ‬
‫جملك‪ ،‬فخذ جملك‪ ،‬فهو مالك)‪.‬‬
‫‪ -3‬باب‪ :‬استئذان الرجل المام‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا إسحاق بن إبراهيم‪ :‬أخبرنا جرير‪ ،‬عن المغيرة‪ ،‬عن‬
‫الشعبي‪ ،‬عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال‪ :‬غزوت مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬فتلحق بي النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وأنا على ناضح لنا قد أعيا‪ ،‬فل يكاد يسير‪ ،‬فقال‬
‫لي‪(:‬ما لبعيرك)‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬عيي‪ ،‬قال‪ :‬فتخلف رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فزجره ودعا له‪ ،‬فما زال بين يدي البل قدامها‬
‫يسير‪ ،‬فقال لي‪(:‬كيف ترى بعيرك)‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬بخير‪ ،‬قد أصابته‬
‫بركتك‪ ،‬قال‪(:‬أفتبيعنيه)‪ .‬قال‪ :‬فاستحييت‪ ،‬ولم يكن لنا ناضح‬
‫غيره‪ ،‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪(:‬فبعنيه)‪ .‬فبعته إياه على أن لي‬
‫فقار ظهره حتى أبلغ المدينة‪ ،‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إني‬
‫عروس‪ ،‬فاستأذنته فأذن لي‪ ،‬فتقدمت الناس إلى المدينة حتى‬
‫أتيت المدينة‪ ،‬فلقيني خالي‪ ،‬فسألني عن البعير‪ ،‬فأخبرته بما‬
‫صنعت فيه‪ ،‬فلمني‪ ،‬قال‪ :‬وقد كان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال لي حين استأذنته‪(:‬هل تزوجت بكرا أم ثيبا)‪ .‬فقلت‪:‬‬
‫تزوجت ثيبا‪ ،‬فقال‪(:‬هل تزوجت بكرا تلعبها وتلعبك)‪ .‬قلت‪ :‬يا‬
‫رسول الله‪ ،‬توفي والدي‪ ،‬أو استشهد‪ ،‬ولي أخوات صغار‪،‬‬
‫فكرهت أن أتزوج مثلهن فل تؤدبهن ول تقوم عليهن‪ ،‬فتزوجت‬
‫ثيبا لتقوم عليهن وتؤدبهن‪ ،‬قال‪ :‬فلما قدم رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم المدينة‪ ،‬غدوت عليه بالبعير‪ ،‬فأعطاني ثمنه ورده‬
‫علي‪.‬‬
‫وأخرج مسلم في صحيحه‪:‬‬
‫باب بيع البعير واستثناء ركوبه‪.‬‬

‫‪378‬‬
‫* حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير‪ .‬حدثنا أبي‪ .‬حدثنا زكريا عن‬
‫عامر‪ .‬حدثني جابر بن عبد الله؛ أنه كان يسير على جمل له قد‬
‫أعيا‪ .‬فأراد أن يسيبه‪ .‬قال‪ :‬فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فدعا لي وضربه‪ .‬فسار سيرا لم يسر مثله‪ .‬قال‪( :‬بعنيه بوقية)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ل‪ .‬ثم قال(بعنيه)‪ .‬فبعته بوقية‪ .‬واستثنيت عليه حملنه إلى‬
‫أهلي‪ .‬فلما بلغت أتيته بالجمل‪ .‬فنقدني ثمنه‪ .‬ثم رجعت‪ .‬فأرسل‬
‫في أثري‪ .‬فقال(أتراني ماكستك لخذ جملك؟ خذ جملك‬
‫ودراهمك‪ .‬فهو لك)‪.‬‬
‫* حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم(قال إسحاق‪:‬‬
‫أخبرنا‪ .‬وقال عثمان‪ :‬حدثنا جرير) عن مغيرة‪ ،‬عن الشعبي‪ ،‬عن‬
‫جابر بن عبد الله‪ .‬قال‪ :‬غزوت مع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فتلحق بي‪ .‬وتحتي ناضح لي قد أعيا ول يكاد يسير‪ .‬قال‪:‬‬
‫فقال لي(ما لبعيرك؟) قال قلت‪ :‬عليل‪ .‬قال‪ :‬فتخلف رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فزجره ودعا له‪ .‬فما زال بين يدي البل‬
‫قدامها يسير‪ .‬قال‪ :‬فقال لي(كيف ترى بعيرك؟) قال قلت‪ :‬بخير‪.‬‬
‫قد أصابته بركتك‪ .‬قال‪(:‬أفتبيعنيه؟) فاستحييت‪ .‬ولم يكن لنا ناضح‬
‫غيره‪ .‬قال فقلت‪ :‬نعم‪ .‬فبعته أياه‪ .‬على أن لي فقار ظهره حتى‬
‫أبلغ المدينة‪ .‬قال فقلت له‪ :‬يا رسول الله! إني عروس‬
‫فاستأذنته‪ .‬فأذن لي‪ .‬فتقدمت الناس إلى المدينة‪ .‬حتى انتهيت‪.‬‬
‫فلقيني خالي فسألني عن البعير‪ .‬فأخبرته بما صنعت فيه‪ .‬فلمني‬
‫فيه‪ .‬قال‪ :‬وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي‬
‫حين استأذنته‪(:‬ما تزوجت؟ أبكرا أم ثيبا؟) فقلت له‪ :‬تزوجت ثيبا‪.‬‬
‫قال(أفل تزوجت بكرا تلعبك وتلعبها؟) فقلت له‪ :‬يا رسول الله!‬
‫توفي والدي(أو استشهد) ولي أخوات صغار‪ .‬فكرهت أن أتزوج‬
‫إليهن مثلهن‪ .‬فل تؤدبهن ول تقوم عليهن‪ .‬فتزوجت ثيبا لتقوم‬
‫عليهن وتؤدبهن‪ .‬قال‪ :‬فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫المدينة‪ ،‬غدوت إليه بالبعير‪ ،‬فأعطاني ثمنه‪ ،‬ورده علي‪.‬‬
‫* حدثنا عثمان بن أبي شيبة‪ .‬حدثنا جرير عن العمش‪ ،‬عن سالم‬
‫بن أبي الجعد‪ ،‬عن جابر‪ .‬قال‪ :‬أقبلنا من مكة إلى المدينة مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فاعتل جملي‪ .‬وساق الحديث‬
‫بقصته‪ .‬وفيه‪ :‬ثم قال لي(بعني جملك هذا)‪ .‬قال قلت‪ :‬ل‪ .‬بل هو‬
‫لك‪ .‬قال(ل‪ .‬بل بعنيه)‪ .‬قال قلت‪ :‬ل‪ .‬بل هو لك‪ .‬يا رسول الله!‬
‫قال(ل‪ .‬بل بعنيه)‪ .‬قال قلت‪ :‬فإن لرجل علي أوقية ذهب‪ .‬فهو‬
‫لك بها‪ .‬قال(قد أخذته‪ .‬فتبلغ عليه إلى المدينة)‪ .‬قال‪ :‬فلما قدمت‬
‫المدينة‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلل(أعطه أوقية‬
‫من ذهب‪ .‬وزده)‪ .‬قال‪ :‬فأعطاني أوقية من ذهب‪ .‬وزادني‬

‫‪379‬‬
‫قيراطا‪ .‬قال فقلت‪ :‬ل تفارقني زيادة رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ .‬قال‪ :‬فكان في كيس لي‪ .‬فأخذه أهل الشام يوم الحرة‪.‬‬
‫* حدثنا أبو كامل الجحدري‪ .‬حدثنا عبد الواحد بن زياد‪ .‬حدثني‬
‫الجريري عن أبي نضرة‪ ،‬عن جابر بن عبد الله‪ .‬قال‪ :‬كنا مع النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم في سفر‪ .‬فتخلف ناصحي‪ .‬وساق الحديث‪.‬‬
‫وقال فيه‪ :‬فنخسه رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬ثم قال‬
‫لي(اركب باسم الله) وزاد أيضا‪ :‬قال‪ :‬فما زال يزيدني‬
‫ويقول(والله يغفر لك)‪.‬‬
‫* وحدثني أبو الربيع العتكي‪ .‬حدثنا حماد‪ .‬حدثنا أيوب عن أبي‬
‫الزبير‪ ،‬عن جابر‪ .‬قال‪ :‬لما أتى على النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وقد أعيا بعيري‪ ،‬قال‪ :‬فنخسه فوثب‪ .‬فكنت بعد ذلك أحبس‬
‫خطامه لسمع حديثه‪ ،‬فما أقدر عليه‪ .‬فلحقني النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فقال(بعنيه)‪ .‬فبعته منه بخمس أواق‪ .‬قال قلت‪ :‬على‬
‫أن لي ظهره إلى المدينة‪ .‬قال(ولك ظهره إلى المدينة)‪ .‬قال‪:‬‬
‫فلما قدمت إلى المدينة أتيته به‪ ،‬فزادني وقية‪ ،‬ثم وهبه لي‪.‬‬
‫* حدثنا عقبة بن مكرم العمى‪ .‬حدثنا يعقوب بن إسحاق‪ .‬حدثنا‬
‫بشير بن عقبة عن أبي المتوكل الناجي‪ ،‬عن جابر بن عبد الله‪.‬‬
‫قال‪ :‬سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض‬
‫أسفاره‪(.‬أظنه قال غازيا)‪ .‬واقتص الحديث وزاد فيه‪ :‬قال(يا‬
‫جابر! أتوفيت الثمن؟) قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال(لك الثمن ولك الجمل‪ .‬لك‬
‫الثمن ولك الجمل)‪.‬‬
‫* حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري‪ .‬حدثنا أبي‪ .‬حدثنا شعبة عن‬
‫محارب؛ أنه سمع جابر بن عبد الله يقول‪ :‬اشترى مني رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم بعيًرا بوقيتين ودرهم أو درهمين‪ .‬قال‪:‬‬
‫فلما قدم صراًرا أمر ببقرة فذبحت‪ .‬فأكلوا منها‪ .‬فلما قدم‬
‫المدينة أمرني أن آتي المسجد فأصلي ركعتين‪ .‬ووزن لي ثمن‬
‫البعير فأرجح لي‪.‬‬
‫* حدثني يحيى بن حبيب الحارثي‪ .‬حدثنا خالد بن الحارث‪ .‬حدثنا‬
‫شعبة‪ .‬أخبرنا محارب عن جابر‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بهذه القصة‪ .‬غير أنه قال‪ :‬فاشتراه مني بثمن قد سماه‪ .‬ولم‬
‫يذكر الوقيتين والدرهم والدرهمين‪ .‬وقال‪ :‬أمر ببقرة فنحرت‪ ،‬ثم‬
‫قسم لحمها‪.‬‬
‫* حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‪ .‬حدثنا ابن أبي زائدة عن ابن جريج‪،‬‬
‫عن عطاء‪ ،‬عن جابر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له‪(:‬قد‬
‫أخذت جملك بأربعة دنانير‪ .‬ولك ظهره إلى المدينة)‪.‬‬

‫‪380‬‬
‫‪ -‬وصنع مثل ذلك بفرس لجعيل الشجعي‪ ،‬خفقها بمخفقة معه‪،‬‬
‫وبَّرك عليها‪ ،‬فلم يملك رأسها نشاطاً‪ ،‬وباع من بطنها باثني‬
‫عشرألفاً‪.‬‬
‫قلت‪ :‬روى البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أخبرنا أبو بكر القاضي حدثنا محمد بن حامد الهروي حدثنا علي‬
‫بن عبد العزيز حدثنا محمد بن عبد الله الرقاشي حدثنا رافع بن‬
‫سلمة بن زياد قال حدثني عبد الله بن أبي الجعد الشجعي عن‬
‫جعيل الشجعي قال غزوت مع النبي في بعض غزواته وأنا على‬
‫فرس لي جعفاء ضعيفة قال فكنت في أخريات الناس فلحقني‬
‫رسول الله فقال(سر يا صاحب الفرس) فقلت يا رسول الله‬
‫جعفاء ضعيفة قال فرفع رسول الله مخفقة معه فضربها بها‬
‫وقال(اللهم بارك له فيها) قال فلقد رأيتني ما أمسك رأسه إن‬
‫تقدم الناس قال فلقد بعت من بطنها باثني عشر ألفا‬
‫جا ل يساير ‪.‬‬ ‫‪ -‬وركب حمارا ً قطوفا ً لسعد بن عبادة فرده همل ً‬
‫‪ -‬وكانت شعرات من شعره في قلنسوة خالد بن الوليد‪ ،‬فلم‬
‫يشهد بها قتال ً إل رزق النصر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬روى البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫باب ما جاء في قلنسوة خالد بن الوليد واسنتصاره بما جعل فيها‬
‫من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫حدثنا أبو عبد الله الحافظ حدثني علي بن عيسى الجبري أنبأنا‬
‫أحمد بن نجدة حدثنا سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثنا عبد‬
‫الحميد بن جعفر عن أبيه أن خالد بن الوليد فقد قلنسوة له يوم‬
‫اليرموك فقال اطلبوها فلم يجدوها ثم طلبوها فوجدوها فإذا هي‬
‫قلنسوة خلقة فقال خالد اعتمر رسول الله فحلق رأسه فابتدر‬
‫الناس جوانب شعره فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه‬
‫القلنسوة فلم أشهد قتال ً وهي معي إل رزقت النصر‪..‬‬
‫‪ -‬وفي الصحيح ـ عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ـ أنها‬
‫أخرجت جبة طيالسة‪ ،‬و قالت‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يلبسها‪ ،‬فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه مسلم في صحيحه؛ قال‪:‬‬
‫حدثنا يحيى بن يحيى‪ .‬أخبرنا خالد بن عبد الله عن عبد الملك‪،‬‬
‫عن عبد الله‪ ،‬مولى أسماء بنت أبي بكر‪ .‬وكان خال ولد عطاء‪.‬‬
‫قال‪:‬‬
‫أرسلتني أسماء إلى عبد الله بن عمر‪ .‬فقالت‪ :‬بلغني أنك تحرم‬
‫أشياء ثلثة‪ :‬العلم في الثوب‪ ،‬وميثرة الرجوان‪ ،‬وصوم رجب كله‪.‬‬
‫فقال لي عبدالله‪ :‬أما ما ذكرت من رجب‪ ،‬فكيف بمن يصوم‬
‫البد‪ .‬وأما ما ذكرت من العلم في الثوب‪ ،‬فإني سمعت عمر بن‬

‫‪381‬‬
‫الخطاب يقول‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول(إنما يلبس الحرير من ل خلق له) فخفت أن يكون العلم‬
‫منه‪ .‬وأما ميثرة الرجوان‪ ،‬فهذه ميثرة عبد الله‪ ،‬فإذا هي‬
‫أرجوان‪.‬‬
‫فرجعت إلى أسماء فخبرتها فقالت‪ :‬هذه جبة رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ .‬فأخرجت إلى جبة طيالسة كسروانية‪ .‬لها لبنة‬
‫ديباج‪ .‬وفرجيها مكفوفين بالديباج‪ .‬فقالت‪ :‬هذه كانت عند عائشة‬
‫حتى قبضت‪ .‬فلما قبضت قبضتها‪ .‬وكان النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يلبسها‪ .‬فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها‪.‬‬
‫‪ -‬وحدثنا القاضي أبو علي‪ ،‬عن شيخه أبي القاسم بن المأمون‪:‬‬
‫قال‪ :‬وكانت عندنا قصعة من قصاع النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فكنا نجعل فيها الماء للمرضى‪ ،‬فيستشفون بها‪.‬‬
‫‪ -‬وأخذ جهجاه الغفاري القضيب من يد عثمان رضي الله عنه‬
‫ليكسره على ركبته‪ ،‬فصاح الناس به‪ ،‬فأخذته فيها الكلة فقطعها‪،‬‬
‫ومات قبل الحول‪.‬‬
‫قلت‪:‬‬
‫قال ابن حجر رحمه الله في الصابة‪:‬‬
‫جهجاه بن سعيد وقيل بن قيس وقيل بن مسعود الغفاري شهد‬
‫بيعة الرضوان بالحديبية وروى الشيخان من حديث جابر كنا في‬
‫غزاة بني المصطلق فكسع رجل من المهاجرين رجل ً من النصار‬
‫الحديث في نزول قوله تعالى {ليخرجن العز منها الذل} فذكر‬
‫بن عبد البر أن المهاجري هو جهجاه وأن النصاري هو سنان‬
‫وذكر الواقدي أنه شهد غزوة المريسيع فتنازع هو وسنان بن‬
‫وبرة حتى تداعيا بالقبائل وكان جهجاه أجيرا لعمر بن الخطاب‬
‫فذكر القصة وقد تقدم له ذكر في ترجمة جعال وروى بن أبي‬
‫شيبة من طريق عبيد الغر عن عطاء بن يسار عن جهجاه‬
‫الغفاري أنه قدم في نفر من قومه يريدون السلم فحضروا مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فلما أن سلم قال‬
‫ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فذكر الحديث في شربه قبل أن‬
‫يسلم حلب سبع شياه فلما أسلم لم يستتم حلب شاة الحديث‬
‫غريب تفرد به موسى بن عبيدة عن عبيد وقد أشار إليه الترمذي‬
‫في الترجمة وعاش جهجاه إلى خلفة عثمان فروى الباوردي من‬
‫طريق الوليد بن مسلم عن مالك وغيره عن نافع عن بن عمر‬
‫قال قدم جهجاه الغفاري إلى عثمان وهو على المنبر فأخذ عصاه‬
‫فكسرها فما حال على جهجاه الحول حتى أرسل الله في يده‬
‫الكلة فمات منها ورواه بن السكن من طريق سليمان بن بلل‬
‫وعبد الله بن إدريس عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر‬

‫‪382‬‬
‫مثله ورواه من طريق فليح بن سليمان عن عمته وأبيها وعمها‬
‫أنهما حضرا عثمان قال فقام إليه جهجاه بن سعيد الغفاري حتى‬
‫أخذ القضيب من يده فوضعها على ركبته فكسرها فصاح به‬
‫الناس ونزل عثمان فدخل داره ورمى الله الغفاري في ركبته‬
‫فلم يحل عليه الحول حتى مات ورويناه في المحامليات من‬
‫طريق حماد بن زيد عن يزيد بن حازم عن سليمان بن يسار أن‬
‫جهجاه الغفاري نحو الول وقال بن السكن مات بعد عثمان بأقل‬
‫من سنة‪.‬‬
‫‪ -‬وسكب من فضل و ضوئه في بئر قباء فما نزفت بعد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬روى البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫باب ما ظهر في البئر التي كانت بقباء من بركته صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسن العلوي اخبرنا أبو حامد‬
‫الشرقي حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله قال حدثني أبي قال‬
‫حدثنا إبراهيم بن طهمان عن يحيى بن سعيد أنه حدثه أن أنس‬
‫بن مالك أتاهم بقباء فسألهم عن بئر هناك قال فدللته عليها‬
‫فقال لقد كانت هذه وإن الرجل لينضح على حماره فينزح‬
‫فنستخرجها له فجاء رسول الله وأمر بذنوب فسقي فإما أن‬
‫يكون توضأ منه أو تفل فيه ثم أمر به فأعيد في البئر قال فما‬
‫نزحت بعد‪...‬‬
‫‪ -‬وبزق في بئر كانت في دار أنس‪ ،‬فلم يكن بالمدينة أعذب منها‪.‬‬
‫‪ -‬ومر على ماء‪ ،‬فسأل عنه‪ ،‬فقيل له‪ :‬اسمه بيسان‪ ،‬وماؤه ملح‪،‬‬
‫فقال‪ :‬بل هو نعمان وماؤه طيب فطاب‪.‬‬
‫‪ -‬وأتي بدلو من ماء زمزم‪ ،‬فمج فيه‪ ،‬فصارت أطيب من المسك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬روى البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي وأبو سعيد بن أبي‬
‫عمرو قالوا أنبأنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا الحسن بن‬
‫علي بن عفان حدثنا أبو أسامة عن مسعر عن عبد الجبار بن‬
‫وائل الحضرمي عن أبيه قال رأيت النبي تمضمض من دلو مج‬
‫فيه مسكًا أو أطيب من مسك قال أبو أسامة يقول في ذلك‬
‫الماء استنثر خارجا منه‪...‬‬
‫‪ -‬وأعطى الحسن والحسين لسانه فمصاه‪ ،‬وكان يبكيان عطشاً‬
‫فسكتا‪.‬‬
‫‪-‬وكان لم مالك عكة تهدي فيها للنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫سمناً‪ ،‬فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أل تعصرها‪ ،‬ثم دفعها‬
‫إليها‪ ،‬فإذا هي مملوءة سمناً‪ ،‬فيأتيها بنوها يسألونها الدم‪ ،‬وليس‬

‫‪383‬‬
‫عندهم شيء‪ ،‬فتعمد إليها‪ ،‬فتجد فيها سمناً‪ ،‬فكانت تقيم أدمها‬
‫حتى عصرتها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثني سلمة بن شبيب‪ .‬حدثنا الحسن بن أعين‪ .‬حدثنا معقل عن‬
‫أبي الزبير‪ ،‬عن جابر؛‬
‫أن أم مالك كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة لها‬
‫سمنًا‪ .‬فيأتيها بنوها فيسألون الدم‪ .‬وليس عندهم شيء‪ .‬فتعمد‬
‫إلى الذي كانت تهدي فيه للنبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬فتجد فيه‬
‫سمنا‪ .‬فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرته‪ .‬فأتت النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فقال "عصرتيها؟" قالت‪ :‬نعم‪ .‬قال "لو تركتيها‬
‫ما زال قائما"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وذكر البيهقي في دلئل النبوة قصتين غير هذه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪ -1‬أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن‬
‫يعقوب حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا علي بن نجيح‬
‫القطان حدثنا خلف بن خليفة عن أبي هاشم الرماني عن يوسف‬
‫بن خالد عن أوس بن خالد عن أم أوس البهزية قالت سليت‬
‫سمنا لي فجعلته في عكة وأهديته إلى النبي فقبله وترك في‬
‫العكة قليل ً ونفخ فيه ودعا بالبركة ثم قال ردوا عليها عكتها‬
‫فردوها عليها وهي مملوءة سمنًا فظننت أن النبي لم يقبلها‬
‫فجاءت ولها صراخ قالت يا رسول الله إنما سليته لك لتأكله‬
‫فعلم أنه قد استجيب له فقال اذهبوا فقولوا لها فلتأكل سمنها‬
‫وتدعو بالبركة فأكلت بقية عمر النبي وولية أبي بكر رضي الله‬
‫عنه وولية عمر رضي الله عنه وولية عثمان رضي الله عنه حتى‬
‫كان من أمر علي رضي الله عنه ومعاوية ما كان‪.‬‬
‫‪-2‬باب فيما ظهر من الكرامات على أم شريك في هجرتها إلى‬
‫رسول الله وما ظهر من دللت النبوة في العكة التي أهدتها له‪.‬‬
‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب‬
‫حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن عبد العلى‬
‫عن أبي المساور القرشي عن محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي‬
‫هريرة قال كانت امرأة من دوس يقال لها أم شريك أسلمت في‬
‫رمضان فأقبلت تطلب من يصحبها إلى رسول الله فلقيت رجلً‬
‫من اليهود فقال ما لك يا أم شريك قالت أطلب رجل ً يصحبني‬
‫إلى رسول الله ‪.‬قال فتعالى فأنا أصحبك قالت‪ :‬فانتظرني حتى‬
‫امل سقاي ماء قال معي ماء ل تريدين ماء فانطلقت معهم‬
‫فساروا يومهم حتى أمسوا فنزل اليهودي ووضع سفرته فتعشى‬
‫فقال‪ :‬يا أم شريك تعالى إلى العشاء فقالت‪ :‬اسقني من الماء‬
‫فإني عطشى ول أستطيع أن أكل حتى أشرب فقال‪ :‬ل أسقيك‬

‫‪384‬‬
‫حتى تهودي فقالت‪ :‬ل جزاك الله خيًرا غربتني ومنعتني أحمل ماء‬
‫فقال‪ :‬ل والله ل أسقيك من قطرة حتى تهودين فقالت‪ :‬ل والله‬
‫ل أتهود أبدًا بعد إذ هداني الله للسلم فأقبلت إلى بعيرها فعقلته‬
‫ووضعت رأسها على ركبته فنامت قالت فما أيقظني إل برد دلو‬
‫قد وقع على جبيني فرفعت رأسي فنظرت إلى ماء أشد بياضا‬
‫من اللبن وأحلى من العسل فشربت حتى رويت ثم نضحت على‬
‫سقاء حتى ابتل ثم ملته ثم رفع بين يدي وأنا أنظر حتى توارى‬
‫مني في السماء فلما أصبحت جاء اليهودي فقال يا أم شريك‬
‫قلت والله قد سقاني الله فقال من أين أنزل عليك من السماء‬
‫قلت‪ :‬نعم والله لقد أنزل الله عز وجل علي من السماء ثم رفع‬
‫بين يدي حتى توارى عني في السماء ثم أقبلت حتى دخلت على‬
‫رسول الله فقصت عليه القصة فخطب رسول الله إليها نفسها‬
‫فقالت يا رسول الله لست أرضى نفسي لك ولكن بضعي لك‬
‫فزوجني من شئت فزوجها زيدًا وأمر لها بثلثين صاع ًا وقال كلوا‬
‫ول تكيلوا وكان معها عكة سمن هدية لرسول الله فقالت لجارية‬
‫لها بلغي هذه العكة رسول الله قولي أم شريك تقرئك السلم‬
‫وقولي هذه عكة سمن أهديناها لك فانطلقت بها فأخذوها‬
‫ففرغوها وقال لها رسول الله(علقوها ول توكوها) فعلقوها في‬
‫مكانها فدخلت أم شريك فنظرت إليها مملوءة سمنا فقالت يا‬
‫فلنة أليس أمرتك أن تنطلقي بهذه العكة إلى رسول الله فقالت‬
‫قد والله انطلقت بها كما قلت ثم أقبلت بها أصوبها ما يقطر منها‬
‫شيء ولكنه قال(علقوها ول توكوها) فعلقتها في مكانها وقد‬
‫أوكتها أم شريك حين رأتها مملوءة فأكلوا منها حتى فنيت ثم‬
‫كالوا الشعير فوجدوه ثلثين صاعا لم ينقص منه شيء‪ ...‬والله‬
‫أعلم‬
‫‪-‬وكان يتفل في أفواه الصبيان المراضع فيجزئهم ريقه إلى الليل‪.‬‬
‫‪-‬ومن ذلك بركة يده فيما لمسه وغرسه‪ ،‬ولسلمان رضي الله‬
‫عنه حين كاتبه مواليه على ثلثمائة ودية يغرسها لهم‪ ،‬كلها تعلق‬
‫وتطعم وعلى أربعين أوقية من ذهب‪ ،‬فقام صلى الله عليه‬
‫وسلم وغرسها له بيده إل واحدة غرسها غيره‪ ،‬فأخذت كلها إلى‬
‫تلك الواحدة‪ ،‬فقلعها النبي صلى الله عليه وسلم وردها‪ ،‬فأخذت‪.‬‬
‫باب ما ظهر في النخل التي غرسها النبي لسلمان الفارسي‬
‫رضي الله عنه وأطعمت من سنته من آثار النبوة واستبرائه عند‬
‫قدومه عليه وما وصف له من حاله‪.‬‬
‫أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أنبأنا أبو بكر بن إسحاق أنبأنا‬
‫موسى ابن إسحاق القاضي حدثنا عبد الله بن أبي شيبة حدثنا‬
‫زيد بن الحباب عن الحسين بن واقد حدثنا عبد الله بن بريدة عن‬

‫‪385‬‬
‫أبيه أن سلمان لما قدم المدينة أتى رسول الله بهدية على طبق‬
‫فوضعها بين يديه فقال ما هذا يا سلمان قال صدقة عليك وعلى‬
‫أصحابك قال‪ :‬إني ل آكل الصدقة فرفعها ثم جاءه من الغد بمثلها‬
‫فوضعها بين يديه فقال ما هذا قال هدية لك قال فقال رسول‬
‫الله لصحابه كلوا قالوا لمن أنت قال لقوم قال فاطلب إليهم أن‬
‫يكاتبوك قال فكاتبوني على كذا وكذا نخلة اغرسها لهم ويقوم‬
‫عليها سلمان حتى تطعم قال فجاء النبي فغرس النخل كله إل‬
‫نخلة واحدة غرسها عمر فأطعم نخله من سنته إل تلك النخلة‬
‫فقال رسول الله من غرسها قالوا عمر فغرسها رسول الله بيده‬
‫فحملت من عامها‪..‬‬
‫وروينا عن ابن عثمان عن سلمان أنه قال فجعل يغرس إل‬
‫واحدة غرستها بيدي فعلقن جميعا إل واحدة‪...‬‬
‫‪-‬وفي كتاب البزار‪ :‬فأطعم النخل من عامه إل الواحدة‪ ،‬فقلعها‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وغرسها فأطعمت من عامها‪.‬‬
‫وقفة مع قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه‪ ،‬في مسند البزار‬
‫*حدثنا موسى بن عبد الله الخزاعي قال أخبرنا بكر بن سليمان‬
‫قال أخبرنا محمد بن إسحاق وأخبرنا عمرو بن علي قال أخبرنا‬
‫عبد الله بن هارون بن أبي عيسى عن أبيه عن بن إسحاق أنه‬
‫سمع عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن عبد الله‬
‫بن عباس قال حدثني سلمان الفارسي حديثه من فيه قال كنت‬
‫رجل ً فارسيًا من أهل أصفهان من قرية منها يقال حيى وكان أبي‬
‫دهقان قريته وكنت أحب خلق الله إليه لم يزل به حبه إياي حتى‬
‫حبسني في بيته كما تحبس الجارية فاجتهدت في المجوسية حتى‬
‫كنت قاطن النار أوقدها ل أتركها تخبو ساعة وكانت لبي ضيعة‬
‫ما فقال لي يا بني‪ :‬إني قد شغلت هذا اليوم‬‫عظيمة فشغل يو ً‬
‫عن ضيعتي أذهب إليها فطالعها وأمرني فيها ببعض ما يريد ثم‬
‫قال لي‪ :‬ل تحبس علي فإنك إن احتبست علي كنت أهم إلي من‬
‫ضيعتي وشغلتني عن كل شيء‪ ..‬فخرجت أريد ضيعته أسير إليها‬
‫فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم‬
‫يصلون‪ ،‬وكنت ل أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته‪،‬‬
‫فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون؛ فلما رأيتهم‬
‫أعجبتني صلتهم ورغبت في أمرهم‪ ..‬وقلت هذا والله خير من‬
‫الدين الذي نحن عليه‪ .‬فما برحت من عندهم حتى غربت‬
‫الشمس وتركت ضيعة أبي؛ ثم قلت لهم‪ :‬أين أصل هذا الدين؟‬
‫قالوا رجل بالشام ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وقد‬
‫شغلته عن عمله فقال‪ :‬أي بني أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك‬
‫ما عهدت‪ :‬قال قلت‪:‬إني مررت بناس يصلون في كنيسة لهم‬

‫‪386‬‬
‫فدخلت إليهم فما زلت عندهم وهم يصلون حتى غربت‬
‫الشمس‪ ..‬فقال‪ :‬أي بني‪ ،‬ليس في ذلك الدين خير‪ ..‬دينك ودين‬
‫آبائك خير منه‪ ...‬ثم حبسني في بيته وبعثت إلى النصارى‪ .‬فقلت‪:‬‬
‫إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني بهم‪ .‬فقدم عليهم ركب‬
‫من الشام تجار من النصارى‪ ،‬فأخبروني بهم‪ .‬فقلت لهم‪ :‬إذا‬
‫قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلدهم فأذنوني بهم‪ .‬فلما‬
‫أرادوا الرجعة إلى بلدهم أخبروني بهم فألقيت الحديد من رجلي‬
‫ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام؛فلما قدمتها قلت‪:‬من أفضل‬
‫هذا الدين علما؟ قالوا السقف في الكنيسة‪ ..‬فجئته فقلت له‪:‬‬
‫إني قد رغبت في هذا الدين فأحببت أن أكون معك أخدمك في‬
‫كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك‪ ..‬قال‪ :‬فدخل فدخلت معه‬
‫وكان رجل سوء يأمر بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه شيئا‬
‫منها اكتنزه لنفسه‪ ،‬فلم يعط إنسانا منها شيئا‪ ،‬حتى جمع قلل‬
‫من ذهب وورق‪ ..‬وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع؛ ثم مات‬
‫فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه‪ .‬فقلت لهم‪ :‬إن هذا كان رجل‬
‫سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها‪ ،‬فإذا جئتموه بها أكتنزها‬
‫لنفسه فلم يعط إنسانا أو لم يعط المساكين منها شيئا‪ .‬قالوا وما‬
‫علمك بذاك؟ قلت لهم‪ :‬فأنا أدلكم على كنزه‪ .‬قالوا‪ :‬فدلنا عليه‪.‬‬
‫فدللتهم عليه‪ ،‬فاستخرجوا ذهبًا وورقًا‪ ..‬فلما رأوها قالوا‪ :‬والله ل‬
‫تدفنوه أبدًا‪ ...‬فصلبوه ثم رجموه بالحجارة‪ .‬وكان ثم رجل آخر‬
‫فجعلوه مكانه‪ .‬قال يقول سلمان‪ :‬فما رأيت رجل ً يصلي الخمس‬
‫أفضل منه‪ ،‬ول أزهد في الدنيا ول أرغب في الخرة ول أدأب ليل‬
‫ونهارا ً منه‪ ..‬فأحببته حبا لم أحبه شيئا قط؛ فما زلت معه زمانا ثم‬
‫حضرته الوفاة فقلت له يا فلن إني قد كنت معك فأحببتك حبا‬
‫لم أحبه شيئا قبلك‪ ،‬وقد حضرك ما ترى من أمر الله فإلي من‬
‫توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال‪ :‬أي بني والله ما أعلم أحدًا على‬
‫ما كنت عليه لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا كثيًرا مما كانوا عليه‬
‫إل رجل بالموصل وهو فلن وهو على ما كنت عليه فالحق به‪...‬‬
‫فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل فقلت له‪ :‬يا فلن إن‬
‫فلنا أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره‪..‬‬
‫فقال‪ :‬فأقم عندي‪ .‬فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر‬
‫صاحبه فلم يلبث أن مات‪ .‬فلما حضرته الوفاة‪ ،‬قلت له‪ :‬يا فلن‬
‫إن فلنا أوصاني إليك وأمرني فألحق بك وقد حضر من أمر الله‬
‫ما ترى فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال‪ :‬أي بني والله ما‬
‫أعلم رجل على مثل ما كنا عليه إل رجل بنصيبين وهو فلن‬
‫فالحق به‪ ...‬فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فجئته‬
‫فأخبرته بما أمرني به صاحبه فقال‪ :‬أقم عندي فأقمت عنده‬

‫‪387‬‬
‫فوجدته على أمر صاحبيه فأقمت مع خير رجل فو الله ما لبث أن‬
‫نزل به الموت فلما حضر قلت له‪ :‬يا فلن إن فلنا أوصى بي إلى‬
‫فلن‪،‬وأوصى بي فلن إليك‪ ،‬فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟‬
‫قال يا بني‪ :‬ما أعلم بقي أحد على ما آمرك أن تأتيه إل رجل‬
‫بعمورية من أرض الروم على مثل ما نحن عليه فإنه على أمرنا‪..‬‬
‫فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية فأخبرته خبري فقال‪:‬‬
‫أقم عندي فأقمت عند خير رجل على هدى أصحابه وأمرهم‬
‫واكتسبت حتى كانت لي بقيرات وغنيمة ثم نزل به أمر الله‪..‬‬
‫فلما حضر قلت له‪ :‬يا فلن إني كنت مع فلن فأوصى بي إلى‬
‫فلن ثم أوصى فلن إلى فلن ثم أوصاني فلن إلى فلن ثم‬
‫أوصى بي فلن إليك فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال‬
‫والله ما أعلم أصلح لك على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن‬
‫تأتيه ولكن قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم يخرج‬
‫بأرض العرب مهاجرا إلى أرض بين حرتين به علمات ل تخفى‬
‫يأكل الهدية ول يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة فإن‬
‫استطعت أن تلحق بتلك البلد فافعل‪ ..‬ثم مات وغيب‪ ....‬فمكثت‬
‫بعمورية ما شاء الله أن أمكث ثم مر بي نفر من كلب تجار‬
‫فقلت لهم تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه‬
‫وغنيمتي هذه قالوا نعم فأعطيتهم وحملوني معهم حتى إذا قدموا‬
‫بي وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل يهودي كنت عنده‬
‫فرأيت النخل فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم‬
‫يحق في نفسي فبينا أنا عنده قدم عليه ابن عم له من بني‬
‫قريظة فابتاعني منه فحملني إلى المدينة فو الله ما هو إل رأيتها‬
‫عرفتها بصفة صاحبي لي فأقمت بها‪ ...‬فبعث الله رسوله وأقام‬
‫بمكة ما أقام ما أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق؛ ثم‬
‫هاجر إلى المدينة فو الله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل له‬
‫فيه بعض العمل؛ وسيدي جالس تحتي إذ أقبل ابن عم له حتى‬
‫وقف عليه فقال‪ :‬قاتل الله بني قيلة والله إنهم الن لمجتمعون‬
‫عند رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي فلما سمعته‬
‫أخذني يعني الفرح حتى ظننت أني سأسقط على سيدي ونزلت‬
‫عن النخلة وجعلت أقول لبن عمه ذلك‪ :‬ماذا تقول؟ ماذا تقول؟‬
‫فغضب سيدي فلكمني لكمه شديدة ثم قال لي‪ :‬مالك ولهذا؟‬
‫أقبل على عملك‪ ...‬قلت ل شيء‪ ،‬إنما أردت أن أستفتيه عما‬
‫قال‪ .‬وقد كان عندي شيء قد جمعته فلما أمسيت أخذته ثم‬
‫ذهبت إلى رسول الله وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له إنه قد‬
‫بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذووا حاجة وهذا‬
‫شيء كان عندي صدقة فرأيتكم أحق به من غيركم‪ .‬قال‪ :‬وقربته‬

‫‪388‬‬
‫إليه فقال رسول الله لصحابه كلوا وأمسك هو فلم يأكل منه‪.‬‬
‫فقلت في نفسي‪ :‬هذه واحدة‪ ..‬ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا‬
‫فتحول رسول الله إلى المدينة ثم جئت به فقلت له إني قد‬
‫رأيتك ل تأكل الصدقة‪ ،‬وهذه هديه أكرمتك بها‪ ..‬فأكل رسول الله‬
‫منها وأمر أصحابه فأكلوا‪ .‬وقال قلت في نفسي‪ :‬هاتان اثنتان‪ .‬ثم‬
‫جئت رسول الله وهو ببقيع الغرقد قد اتبع جنازة رجل من‬
‫أصحابه وهو جالس فسلمت عليه ثم استدبرت أنظر إلى ظهره‬
‫هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي؛ فلما رآني رسول الله‬
‫استدبرته عرف أني استثبت في شيء وصف لي فألقى رداءه‬
‫عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته‪ ،‬فأكببت عليه أقبله‬
‫وأبكي‪ ...‬فقال رسول الله‪ :‬تحول فتحولت‪ ،‬فجلست بين يديه‪،‬‬
‫فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا بن عباس‪ ،‬فأعجب رسول‬
‫الله أن يسمع ذلك أصحابه‪ ...‬ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع‬
‫رسول الله بدر وأحد‪ ..‬ثم قال رسول الله‪ :‬كاتب يا سلمان‪.‬‬
‫فكاتبت صاحبي على ثلثمائة نخلة أحييها له وأربعين أوقية‪..‬‬
‫فقال رسول الله لصحابه‪:‬أعينوا أخاكم‪ ..‬فأعانوني في النخل‪،‬‬
‫الرجل بثلثين‪ ،‬والرجل بعشرين‪ ،‬والرجل بخمس عشرة‪ ،‬والرجل‬
‫بعشر‪ ،‬والرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلثمائة‪ ...‬فقال‬
‫لي رسول الله‪ :‬اذهب يا سلمان‪ ،‬فإذا فرغت فأذني أكون معك‬
‫أنا أضعها بيدي‪ ..‬ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت‬
‫جئته فأخبرته فخرج رسول الله معي إليها فجعلنا نقرب له الودي‬
‫ويضعه رسول الله بيده حتى فرغنا فو الذي نفس سلمان بيده ما‬
‫مات منها نخلة واحدة فأديت النخل وبقي على المال فأتى‬
‫رسول الله بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن قال‪:‬‬
‫ما فعل الفارسي المكاتب؟ فدعيت له فقال‪:‬خذ هذه فأدِّ بها ما‬
‫عليك يا سليمان‪ ..‬فقلت‪ :‬وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟‬
‫قال‪ :‬خذها فإن الله سيؤدي بها عنك‪ ..‬فوزنت له منها؛ فو الذي‬
‫نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم وعتق سلمان‬
‫وشهدت مع رسول الله الخندق ثم لم يفتني معه مشهد‪..‬‬
‫وأعطاه مثل بيضة الدجاجة من ذهب بعد أن أدارها على لسانه‪،‬‬
‫فوزن منها لمواليه أربعين أوقية وبقي عنده مثل ما أعطاهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬جاء في دلئل النبوة للبيهقي‪:‬‬
‫عن سلمان قال‪ :‬ثم جئت رسول الله وهو يتبع جنازة وعلي‬
‫شملتان لي وهو في أصحابه فاستدرت به لنظر إلى الخاتم في‬
‫ظهره فلما رآني رسول الله استدبرته عرف أني أستثبت شيئًا‬
‫قد وصف لي فوضع رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم بين‬
‫كتفيه كما وصف لي صاحبي فأكببت عليه أقبله وأبكي فقال‬

‫‪389‬‬
‫تحول يا سلمان هكذا فتحولت فجلست بين يديه وأحب أن يسمع‬
‫أصحابه حديثي عنه فحدثته يا ابن عباس كما حدثتك فلما فرغت‬
‫قال رسول الله كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبي على ثلثمائة‬
‫نخلة أحييها وأربعين أوقية وأعانني أصحاب رسول الله بالنخل‬
‫ثلثين ودية وعشرين ودية وعشر كل رجل منهم على قدر ما‬
‫عنده فقال لي رسول الله فقر لها فإذا فرغت فآذني حتى أكون‬
‫أنا الذي أضعها بيدي ففقرتها وأعانني أصحابي يقول حفرت لها‬
‫حيث توضع حتى فرغنا منها ثم جئت رسول الله فقلت يا رسول‬
‫الله قد فرغنا منها فخرج معي حتى جاءها وكنا نحمل إليه الودي‬
‫ويضعه بيده ويسوى عليها فو الذي بعثه بالحق ما ماتت منها ودية‬
‫واحدة وبقيت علي الدراهم فأتاه رجل من بعض المعادن بمثل‬
‫البيضة من الذهب فقال رسول الله‪ :‬أين الفارسي المسلم‬
‫المكاتب فدعيت له فقال‪ :‬خذ هذه يا سلمان فأدها مما عليك‬
‫فقلت يا رسول الله وأين تقع هذه مما علي قال‪ :‬فإن الله تعالى‬
‫سيؤدي بها عنك فو الذي نفس سلمان بيده لوزنت لهم منها‬
‫أربعين أوقية فأديتها إليهم وعتق سلمان وكان الرق قد حبسني‬
‫حتى فاتني مع رسول الله بدر وأحد ثم عتقت فشهدت الخندق‬
‫ثم لم يفتني معه مشهد‪..‬‬
‫وقال أعطاني النبي مثل هذه من ذهب وحلق شريك بإصبعه‬
‫السبابة على البهام مثل الدرهم قال فلو وضع أحد في كفة‬
‫ووضعت في أخرى لرجحت به في فكاك رقبته‪....‬‬
‫وقال لما أعطاني رسول الله ذلك الذهب فقال اقض به عنك‬
‫فقلت يا رسول الله وأين تقع هذه مما علي فقلبها رسول الله‬
‫على لسانه ثم قذفها إلي ثم قال‪ :‬انطلق بها فإن الله تعالى‬
‫سيؤدي بها عنك‪ ...‬فانطلقت فوزنت لهم منها حتى أوفيتهم منها‬
‫أربعين أوقية‪.‬‬
‫‪-‬وفي حديث حنش بن عقيل‪ :‬سقاني رسول الله صلى الله عليه‬
‫ة من سويق شرب أولها وشربت آخرها‪ ،‬فما برحت‬ ‫وسلم شرب ً‬
‫أجد شبعها إذا جعت‪ ،‬وريها إذا عطشت‪ ،‬وبردها إذا ظمئت‪.‬‬
‫‪-‬وأعطى قتادة بن النعمان‪ ،‬وصلى معه العشاء في ليلة مظلمة‬
‫مطيرة ـ عرجوناً‪ ،‬وقال‪ :‬انطلق به‪ ،‬فإنه سيضيء لك من بين‬
‫يديك عشرا ً ومن خلفك عشراً‪ ،‬فإذا دخلت بيتك فسترى سواداً‬
‫فاضربه حتى يخرج‪ ،‬فإنه الشيطان‪.‬فانطلق فأضاء له العرجون‬
‫حتى دخل بيته‪ ،‬ووجد السواد فضربه حتى خرج‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه المام أحمد‬
‫حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يونس وسريج قال حدثنا فليح‬
‫عن سعيد بن الحرث عن أبي سلمة قال‪:‬‬

‫‪390‬‬
‫‪-‬كان أبو هريرة يحدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫قال‪( :‬إن في الجمعة ساعة ل يوافقها مسلم وهو في صلة‬
‫يسأل الله خيرا إل آتاه إياه)‪ ..‬قال وقللها أبو هريرة بيده‪ .‬قال‬
‫فلما توفي أبو هريرة قلت والله لو جئت أبا سعيد فسألته عن‬
‫هذه الساعة أن يكون عنده منها علم فأتيته فأجده يقوم عراجين‬
‫فقلت يا أبا سعيد ما هذه العراجين التي أراك تقوم قال هذه‬
‫عراجين جعل الله لنا فيها بركة كان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يحبها يتخصر بها فكنا نقومها ونأتيه بها فرأى بصاقًا في‬
‫قبلة المسجد وفي يده عرجون من تلك العراجين فحكه وقال‪:‬‬
‫(إذا كان أحدكم في صلته فل يبصق أمامه فإن ربه أمامه‬
‫وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فإن لم)‪ ..‬قال سريج لم يجد‬
‫مبصقا ففي ثوبه أو نعله‪ ..‬قال ثم هاجت السماء من تلك الليلة‬
‫فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم لصلة العشاء الخرة‬
‫برقت برقة فرأى قتادة بن النعمان فقال‪:‬ما السرى يا قتادة؟‬
‫قال علمت يا رسول الله إن شاهد الصلة قليل فأحببت أن‬
‫أشهدها قال‪ :‬فإذا صليت فاثبت حتى أمر بك‪ ..‬فلما انصرف‬
‫أعطاه العرجون وقال‪ :‬خذها فسيضيء أمامك عشًرا وخلفك‬
‫عشرا فإذا دخلت البيت وتراءيت سوادا في زاوية البيت فاضربه‬
‫قبل أن يتكلم فإنه شيطان‪..‬قال ففعل فنحن نحب هذه العراجين‬
‫لذلك‪ ...‬قال قلت‪ :‬يا أبا سعيد إن أبا هريرة حدثنا عن الساعة‬
‫التي في الجمعة فهل عندك منها علم فقال سألت النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم عنها فقال‪ :‬إني كنت قد أعلمتها ثم أنسيتها كما‬
‫أنسيت ليلة القدر وقال ثم خرجت من عنده فدخلت على عبد‬
‫الله بن سلم‪.‬‬
‫‪-‬ومنها دفعه لعكاشة جدل حطب‪ ،‬وقال‪ :‬اضرب به حين انكسر‬
‫سيفه يوم بدر‪ ،‬فعاد في يده سيفا ً صارماً‪ ،‬طويل القامة‪ ،‬أبيض‪،‬‬
‫شديد المتن‪ ،‬فقاتل به‪ ،‬ثم لم يزل عنده يشهد به المواقف إلى‬
‫أن استشهد في قتال أهل الردة‪ .‬وكان هذا السيف يسمى العون‬
‫‪.‬‬
‫قلت‪ :‬روى البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أخبرنا أبو عبد الله قال أخبرنا أبو العباس قال أخبرنا أحمد قال‬
‫أخبرنا يونس عن ابن إسحاق في تسمية من شهد بدرا قال‬
‫وعكاشة بن محصن وهو الذي قاتل بسيفه يوم بدر حتى انقطع‬
‫في يده فأتى رسول الله فأعطاه جذل ً من حطب وقال‪ :‬قاتل بها‬
‫يا عكاشة‪ .‬فلما أخذه من يد رسول الله هزه فعاد سيفًا في يده‬
‫طويل القامة شديد المتن أبيض الحديدة فقاتل بها حتى فتح الله‬
‫تعالى على رسوله ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول‬

‫‪391‬‬
‫الله حتى قتل يعني في قتال أهل الردة وهو عنده وكان ذلك‬
‫السيف يسمى القوي‪..‬‬
‫وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو عبد الله محمد بن‬
‫أحمد الصبهاني قال أخبرنا الحسن بن الجهم قال أخبرنا الحسين‬
‫بن الفرج قال أخبرنا الواقدي قال فحدثني عمر بن عثمان‬
‫الجحشي عن أبيه عن عمته قالت قال عكاشة بن محصن انقطع‬
‫سيفي يوم بدر فأعطاني رسول الله عودًا فإذا هو سيف أبيض‬
‫طويل وقاتلت حتى هزم الله المشركين فلم يزل عنده حتى‬
‫هلك‪.‬‬
‫‪-‬ودفع لعبد الله بن جحش يوم أحد‪ ،‬وقد ذهب سيفه ـ عسيب‬
‫نخل‪ ،‬فرجع في يده سيفاً‪.‬‬
‫قلت‪ :‬روى البيهقي في دلئل النبوة ن قال‪:‬‬
‫أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد قال أخبرنا إسماعيل بن‬
‫محمد الصفار قال حدثنا أحمد بن منصور قال حدثنا عبد الرزاق‬
‫قال أخبرنا معمر عن سعيد بن عبد الرحمن الجحشي قال أخبرنا‬
‫أشياخنا أن عبد الله ابن جحش جاء إلى النبي يوم أحد وقد ذهب‬
‫سيفه فأعطاه النبي عسيبًا من نخل فرجع في يد عبد الله سيفًا‪.‬‬
‫‪-‬ومنه بركته في درور الشياه الحوائل باللبن الكثير‪ ،‬كقصة شاة‬
‫أم معبد‪ ،‬وأعنز معاوية بن ثور‪ ،‬وشاة أنس‪ ،‬وغنم حليمة مرضعته‬
‫وشارفها‪ ،‬وشاة عبد الله بن مسعود‪ ،‬وكانت لم ينز عليها فحل‪،‬‬
‫وشاة المقداد‪.‬‬
‫وقفة مع حديث أم معبد في صفة رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم؛ في دلئل النبوة للبيهقي‪:‬‬
‫أخبرنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة من أصل‬
‫كتابه قال أخبرنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن محمد بن مطر‬
‫قال حدثنا أبو زيد عبد الواحد بن يوسف بن أيوب بن الحكم بن‬
‫أيوب بن سليمان ابن ثابت بن يسار الخزاعي الكعبي بقديد إملء‬
‫قال حدثني عمي سليمان بن الحكم عن جدي أيوب بن الحكم‬
‫الخزاعي عن حزام بن هشام عن أبيه هشام عن جده حبيش بن‬
‫خالد صاحب رسول الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪...‬‬
‫ح‪ .‬وحدثنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي قال‬
‫أخبرنا أبو عمرو بن مطرف قال حدثنا محمد بن محمد بن‬
‫سليمان بن الحكم ابن أيوب بن سليمان بن ثابت بن يسار‬
‫الخزاعي بقديد يعرف بأبي عبد الله ابن أبي هشام القافة قال‬
‫حدثنا أبي محمد بن سليمان قال حدثنا عمي أيوب بن الحكم عن‬
‫حزام بن هشام عن أبيه هشام عن جده حبيش بن خالد قتيل‬
‫البطحاء يوم فتح مكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪...‬‬

‫‪392‬‬
‫ح‪ .‬وأخبرنا أبو نصر بن قتادة أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال حدثنا‬
‫أبو جعفر محمد بن موسى بن عيسى الحلواني قال حدثنا مكرم‬
‫بن محرز ابن مهدي قال حدثني أبي محرز بن مهدي عن حزام‬
‫بن هشام عن حبيش بن خالد عن أبيه عن جده حبيش بن خالد‬
‫صاحب رسول الله قتيل البطحاء يوم الفتح وهو أخو عاتكة بنت‬
‫خالد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخرج من مكة‬
‫مهاجرا ً إلى المدينة هو وأبو بكر ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة‬
‫ودليلهما الليثي عبد الله بن الريقط مروا على خيمة أم معبد‬
‫الخزاعية وكانت برزة جلدة تحتبي بفناء القبة ثم تسقي وتطعم‬
‫فسألوها لحما ً وتمرا ً ليشتروه منها فلم يصيبوا عندها شيئا ً من‬
‫ذلك وكان القوم مرملين مسنتين فقالت والله لو كان عندنا‬
‫شيء ما أعوزناكم نحرها فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫إلى شاة في كسر الخيمة فقال‪ :‬ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت‬
‫شاة خلفها الجهد عن الغنم‪ ..‬قال‪ :‬أبها من لبن وقال أبو زيد‬
‫قال‪ :‬هل بها من لبن؟ قالت‪ :‬هي أجهد من ذلك‪..‬قال‪ :‬أتأذنين لي‬
‫أن أحلبها؟ قالت بأبي وأمي إن رأيت بها حلبا ً فاحلبها‪ ..‬فدعا بها‬
‫رسول الله فمسح بيده ضرعها وسمى الله تعالى ودعا لها في‬
‫شاتها فتفاجت عليه ودرت واجترت ودعا بإناء يربض الرهط‬
‫فحلب فيه ثجا ً حتى عله البهاء ثم سقاها حتى رويت وسقى‬
‫أصحابه حتى رووا ثم شرب آخرهم رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ثم أراضوا ثم حلب فيه ثانيا ً بعد بدء حتى مل الناء ثم‬
‫غادره عندها ثم بايعها وارتحل عنها‪ ...‬فقل ما لبثت حتى جاءها‬
‫زوجها أبو معبد يسوق أعنزا ً يتساوكن هزل ً ضحا ً مخهن قليل‬
‫وقال أبو زيد ضحا ً مخهن قليل فلما رأى أبو معبد اللبن عجب‬
‫وقال‪ :‬من أين لك هذا اللبن يا أم معبد والشاء عازب حيال ول‬
‫حلوب في البيت؟ فقالت‪ :‬ل والله إل أنه مر بنا رجل مبارك من‬
‫حاله كذا وكذا قال‪ :‬صفيه لي يا أم معبد‪ ..‬قالت‪ :‬رأيت رجلً‬
‫ظاهر الوضاءة‪،‬أبلج الوجه‪ ،‬حسن الخلق‪ ،‬لم تعبه نحلة‪،‬ولم تزر‬
‫به صعلة‪،‬وسيم قسيم‪...‬وقال محمد بن موسى‪ :‬وسيما ً قسيماً‬
‫في عينه دعج‪ ،‬وفي أشفاره غطف‪ ،‬وفي صوته صهل‪ ،‬وفي عنقه‬
‫سطع‪،‬وفي لحيته كثاثة‪ ،‬أزج أقرن‪،‬إن صمت فعليه الوقار‪ ،‬وإن‬
‫تكلم سما وعله البهاء‪ ،‬أجمل الناس‪ ،‬وأبهاه من بعيد‪ ،‬وأحله‬
‫وأحسنه من قريب‪،‬حلو المنطق‪،‬فصل ل نزر ول هزر كأن منطقه‬
‫خرزات نظم ينحدرن‪ ،‬ربعة ل يأس من طول‪ ،‬ول تقتحمه عين‬
‫من قصر‪،‬غصنا ً بين غصنين فهو أنضر الثلثة منظرا ً وأحسنهم‬
‫قدراً‪ ،‬له رفقاء يحفون به‪،‬إن قال أنصتوا لقوله‪ ،‬وإن أمر تبادروا‬
‫إلى أمره‪ ،‬محفود محشود ل عابس ول مفند‪...‬‬

‫‪393‬‬
‫فقال أبو معبد هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما‬
‫ذكر بمكة ولقد هممت أن أصحبه ولفعلن إن وجدت إلى ذلك‬
‫سبيل ً فأصبح صوت بمكة عاليا ً يسمعون الصوت ول يدرون من‬
‫صاحبه وهو يقول‪:‬‬
‫رفيقين قال خيمتي أم‬ ‫جزى الله رب الناس خير جزائه‬
‫معبـد‬
‫فقد فاز من أمسى رفيق‬ ‫هما نزلها بالهدى واهتدت بـه‬
‫محمد‬
‫به من فعال ل تجارى‬ ‫فيا لقصي ما زوى الله عنكــم‬
‫وسؤدد‬
‫ومقعدها للمؤمنين بمرصــد‬ ‫ليهن بني كعب مقــام فتاتهم‬
‫فإنكم إن تسألوا الشاة‬ ‫سلوا أختكم عن شاتها وإنائهـا‬
‫تشهد‬
‫له بصريح ضرة الشاة مزبد‬ ‫دعاها بشاة حائــل فتحلبـت‬
‫يرددها في مصدر ثم مــورد‬ ‫فغادرها رهنا ً لديها بحالــب‬
‫فلما سمع حسان بن ثابت النصاري شاعر رسول الله شبب‬
‫يجاوب الهاتف وهو يقول‬
‫وقدس من يسري إليهم‬ ‫لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم‬
‫ويغتدي‬
‫وحـل على قـوم بنـور‬ ‫ترحـل عن قوم فضلت عقولهم‬
‫مجدد‬
‫وأرشدهم مـن يتبع الحق‬ ‫هداهم بــه بعد الضللة ربهم‬
‫يرشد‬
‫عمى وهـداة يهتـدون‬ ‫وهل يستوي ضلل قوم تسفهوا‬
‫بمهتـد‬
‫ركاب هدى حـلت عليهم‬ ‫وقد نزلت منه على أهل يثرب‬
‫بأسعد‬
‫ويتلو كتـاب الله في كـل‬ ‫نبي يرى ما ل يرى الناس حوله‬
‫مسجد‬
‫فتصديقها في اليوم أو في‬ ‫وإن قال في يوم مقالة غائــب‬
‫ضحا الغد‬
‫بصحبته من يسعد الله يسعــد‬ ‫ليهن أبا بكر سعادة جـــده‬
‫ومقعـدها للمؤمنين‬ ‫ليهـن بني كعب مقـام فتاتهم‬
‫بمرصـــد‬
‫لفظ حديث أبي نصر بن قتادة قال أبو نصر قال أبو عمرو بن‬
‫مطرف قال أبو جعفر بن محمد بن موسى سألت مكرما ً عن‬

‫‪394‬‬
‫اسم أم معبد فقال اسمها عاتكة بنت خالد وكنيتها أم معبد وأبو‬
‫معبد اسمه أكثم بن أبي الجون ويقال له عبد العزى‪.‬‬
‫وحدثنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد‬
‫ابن عمرو الحمسي قال حدثنا الحسين بن حميد بن الربيع‬
‫الخزاز قال حدثنا سليمان بن الحكم بن أيوب بن سليمان بن‬
‫ثابت بن يسار الخزاعي قال حدثنا أخي أيوب بن الحكم وسالم‬
‫بن محمد الخزاعي جميعا ً عن حزام بن هشام فذكره بإسناده‬
‫نحوه بنقصان بيتين من شعر حسان في آخره وقد ذكرهما في‬
‫موضع آخر‪.‬‬
‫ورواه يعقوب بن سفيان الفسوي عن مكرم بن محرز دون‬
‫الشعار‪.‬‬
‫أخبرنا أبو الحسين بن الفضل قال أخبرنا عبد الله بن جعفر بن‬
‫درستويه قال حدثنا يعقوب بن سفيان قال حدثنا أبو القاسم‬
‫مكرم بن محرز بن المهدي بن عبد الرحمن بن عمرو الخزاعي‬
‫قال حدثني أبي محرز بن المهدي فذكره‪.‬‬
‫وحدثنا أبو عبد الله الحافظ إملء قال حدثنا أبو زكريا يحيى بن‬
‫محمد العنبري قال حدثنا الحسين بن محمد بن زياد وجعفر بن‬
‫محمد بن سوار ح قال وأخبرني عبد الله بن محمد الدورقي في‬
‫آخرين قالوا حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة المام ح قال‬
‫وأخبرني مخلد بن جعفر قال حدثنا محمد بن جرير قالوا حدثنا‬
‫مكرم بن محرز‪.‬‬
‫قال أبو عبد الله الحافظ ثم سمعت الشيخ الصالح أبا بكر أحمد‬
‫بن جعفر القطيعي يقول حدثنا مكرم بن محرز عن آبائه فذكر‬
‫الحديث بطوله فقلت لشيخنا أبي بكر سمعه الشيخ من مكرم‬
‫فقال أي والله حج بي أبي وأنا ابن سبع سنين فأدخلني على‬
‫مكرم بن محرز‪.‬‬
‫وبلغني عن أبي محمد القتيبي رحمه الله أنه قال في تفسير ما‬
‫عسى يشكل من ألفاظ هذا الحديث‪.‬‬
‫قوله‪ :‬برزة يريد أنها خل لها سن فهي تبرز ليست بمنزلة‬
‫الصغيرة المحجوبة‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬مرملين يريد قد نفد زادهم‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬مشتين يريد داخلين في الشتاء ويروي مسنتين أي‬
‫داخلين في السنة وهي الجدب والمجاعة‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬كسر الخيمة يريد جانبا ً منها‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬فتفاجت يريد فتحت ما بين رجليها للحلب‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬دعا بإناء يربض الرهط أي يرويهم حتى يثقلوا فيربضوا‬
‫والرهط ما بين الثلثة إلى العشرة‪.‬‬

‫‪395‬‬
‫وقوله‪ :‬ثجا يريد سيل‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬حتى عله البهاء يريد عل الناء بها اللبن وهو وبيص‬
‫رغوته يريد أنه ملها‪.‬‬
‫قوله‪ :‬فشربوا حتى أراضوا يريد شربوا حتى رووا فنقعوا بالري‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬تشاركن هزل ً أي عمهن الهزال فليس فيهن منقيه ول‬
‫ذات طرق وهو من الشتراك‪.‬‬
‫قوله‪ :‬والشاء عازب أي بعيد في المرعى‪.‬‬
‫وقولها‪ :‬ظاهر الوضاءة‪ ,‬قال غير القتيبي تريد ظاهر الجمال‪.‬‬
‫قال القتيبي‪ :‬وقولها أبلج الوجه تريد مشرق الوجه مضيئة‪.‬‬
‫وقولها‪ :‬لم تعبه نحلة فالنحل الدقة والضمير‪.‬‬
‫وقولها‪ :‬ولم تزريه صقلة فالصقل منقطع الضلع والصقلة‬
‫الخاصرة تريد أنه ضرب ليس بمنتفخ ول ناحل ويروي لم تعبه‬
‫ثجلة ولم تزريه صعلة‪.‬‬
‫والثجلة‪ :‬عظم البطن واسترخاء أسفله‪.‬‬
‫والصعلة‪ :‬صغر الرأس والوسيم الحسن الوضيء وكذلك القسيم‬
‫والدعج السواد في العين وغيره‪.‬‬
‫وقولها‪ :‬في أشفاره عطف‪ ,‬قال القتيبي‪ :‬سألت عنه الرياشي‬
‫فقال‪ :‬ل أعرف العطف وأحسبه غطف بالغين معجمة وهو أن‬
‫تطول الشفار ثم تنعطف والعطف أيضا ً إن كان هو المحفوظ‬
‫شبيه بذلك وهو انعطاف الشفار وروى وفي أشفاره وطف وهو‬
‫الطول‪.‬‬
‫وقولها‪ :‬في صوته صهل ويروي صحل أي كالبحة وهو أن ل يكون‬
‫حاداً‪.‬‬
‫وقولها‪ :‬في عنقه سطع أي طول إن تكلم سما تريد عل برأسه‬
‫أو يده‪.‬‬
‫وقولها‪ :‬في وصف منطقه فصل ل نزر ول هذر تريد أنه وسط‬
‫ليس بقليل ول كثير‪.‬‬
‫وقولها‪ :‬ل يأس من طول يحتمل أن يكون معناه إنه ليس‬
‫بالطويل الذي يؤيس مباريه عن مطاولته ويحتمل أن يكون‬
‫تصحيفا ً وأحسبه ل بائن من طول‪.‬‬
‫وقولها‪ :‬ل تقتحمه عين من قصر ل تحتقره ول تزدريه‪.‬‬
‫محفود‪ :‬أي مخدوم محشود هو من قولك حشدت لفلن في كذا‬
‫إذا أردت أنك أعددت له وجمعت‪.‬‬
‫وقال‪ :‬غيره المحشود المحفوف وحشده أصحابه أطافوا به‪.‬‬
‫وقولها‪:‬ل عابس تريد ل عابس الوجه ول معتد من العداء وهو‬
‫الظلم‬

‫‪396‬‬
‫وقول‪ :‬الهاتف فتحلبت له بصريح والصريح الخالص والضرة لحم‬
‫الضرع فغادرها رهنا ً لديها لحالب يريد أنه خلف الشاة عندها‬
‫مرتهنة بأن تدر‪..‬‬
‫غنم حليمة السعدية في دلئل النبوة للبيهقي‬
‫وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس قال حدثنا‬
‫أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير قال حدثنا ابن‬
‫إسحاق قال حدثني جهم بن أبي جهم مولى لمرأة من بني تميم‬
‫كانت عند الحارث بن حاطب فكان يقال مولى الحارث بن‬
‫حاطب قال حدثني من سمع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب‬
‫يقول حدثت عن حليمة بنت الحارث أم رسول الله التي أرضعته‬
‫أنها قالت قدمت مكة في نسوة من بني سعد بن بكر ألتمس بها‬
‫الرضعاء وفي سنة شهباء فقدمت على أتان لي قمراء كانت‬
‫أذمت بالركب ومعي صبي لنا وشارف لنا والله ما تبض بقطرة‬
‫وما ننام ليلنا ذلك أجمع مع صبينا ذاك ما يجد في ثديي ما يغنيه‬
‫ول في شارفنا ما يغذيه فقدمنا مكة فو الله ما علمت منا امرأة‬
‫إل وقد عرض عليها رسول الله فتأباه إذا قيل إنه يتيم تركناه قلنا‬
‫ماذا عسى أن تصنع إلينا أمه إنما نرجو المعروف من أب الوليد‬
‫وأما أمه فماذا عسى أن تصنع إلينا فو الله ما بقي من صواحبي‬
‫امرأة إل أخذت رضيعا ً غيري فلما لم أجد رضيعا ً غيره قلت‬
‫لزوجي الحارث بن عبد العزى والله إني لكره أن أرجع من بين‬
‫صواحبي ليس معي رضيع لنطلقن إلى ذلك اليتيم فلخذنه‬
‫فقال‪ :‬ل عليك فذهبت فأخذته فو الله ما أخذته إل أني لم أجد‬
‫غيره فما هو إل أن أخذته فجئت به إلى رحلي فأقبل عليه ثدياي‬
‫بما شاء من لبن فشرب حتى روي وشرب أخوه حتى روي وقام‬
‫صاحبي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل فحلب ما شرب وشربت‬
‫حتى روينا فبتنا بخير ليلة فقال صاحبي يا حليمة والله إني لراك‬
‫قد أخذت نسمة مباركة ألم تري ما بتنا به الليلة من الخير‬
‫والبركة حين أخذناه فلم يزل الله عز وجل يزيدنا خيرا ً حتى‬
‫خرجنا راجعين إلى بلدنا فو الله لقطعت أتاني بالركب حتى ما‬
‫يتعلق بها حمار حتى إن صواحباتي يقلن ويلك يا ابنة أبي ذؤيب‬
‫أهذه أتانك التي خرجت عليها معنا فأقول نعم والله إنها لهي‬
‫فيقلن والله إن لها لشأنا حتى قدمنا أرض بني سعد وما أعلم‬
‫أرضا ً من أرض الله تعالى أجدب منها فإن كانت غنمي لتسرح ثم‬
‫تروح شباعا ً لبنا ً فنحلب ما شئنا وما حولنا أحد تبض له شاة‬
‫بقطرة لبن وإن أغنامهم لتروح جياعا ً حتى إنهم ليقولون‬
‫لرعيانهم ويحكم انظروا حيث تسرح غنم ابنة أبي ذؤيب فاسرحوا‬
‫معهم فيسرحون مع غنمي حيث تسرح فيريحون أغنامهم جياعاً‬

‫‪397‬‬
‫ما فيها قطرة لبن وتروح غنمي شباعا ً لبنا ً نحلب ما شئنا فلم‬
‫يزل الله تعالى يرينا البركة ونتعرفها‪....‬‬
‫شاة ابن مسعود في دلئل النبوة للبيهقي‬
‫‪ -1‬حدثنا أبو بكر بن فورك رحمه الله تعالى قال أخبرنا عبد الله‬
‫بن جعفر قال حدثنا يونس بن حبيب قال حدثنا أبو داود قال حدثنا‬
‫حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال‬
‫ما لعقبة بن أبي معيط بمكة فأتى علي‬ ‫ما يافعًا أرعى غن ً‬
‫كنت غل ً‬
‫رسول الله وأبو بكر وقد فرا من المشركين فقال‪ :‬يا غلم عندك‬
‫لبن تسقينا قلت إني مؤتمن ولست بساقيكما فقال هل عندك‬
‫من جذعة لم ينـز عليها الفحل بعد قلت نعم فأتيتهما بها فأعتقلها‬
‫أبو بكر وأخذ رسول الله الضرع فدعا فحفل الضرع وأتاه أبو بكر‬
‫بصخرة منقعرة فحلب فيها ثم شرب هو وأبو بكر ثم سقاني ثم‬
‫قال للضرع أقلص فقلص فلما كان بعد أتيت رسول الله فقلت‬
‫علمني من هذا المقول الطيب يعني القرآن فقال رسول الله‪:‬‬
‫إنك غلم معلم فأخذت من فيه سبعين سورة ما ينازعني فيها‬
‫أحد‪...‬‬
‫‪ -2‬أخبرنا أبو علي الروذباري وأبو عبد الله الحسين بن عمر بن‬
‫برهان الغزال وأبو الحسين بن الفضل القطان وأبو محمد عبد‬
‫الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري قالوا أخبرنا إسماعيل بن‬
‫محمد الصفار قال حدثنا الحسن ابن عرفة قال حدثنا أبو بكر بن‬
‫عياش عن عاصم بن أبي النجود عن زر ابن حبيش عن عبد الله‬
‫بن مسعود قال كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط فمر بي‬
‫رسول الله وأبو بكر رضي الله عنه فقال لي‪ :‬يا غلم هل من‬
‫لبن؟ قال قلت نعم ولكني مؤتمن قال فهل من شاة لم ينز عليها‬
‫الفحل قال فأتيته بشاة فمسح ضرعها فنزل لبن فحلبه في إناء‬
‫فشرب وسقى أبا بكر قال ثم قال للضرع اقلص فقلص قال ثم‬
‫أتيته بعد هذا فقلت يا رسول الله علمني من هذا القول قال‬
‫فمسح رأسي وقال‪ :‬يرحمك الله فإنك غليم معلم‪...‬‬
‫‪-‬ومن ذلك تزويده أصحابه سقاء ماء بعد أن أوكأه‪ ،‬ودعا فيه‪،‬‬
‫فلما حضرتم الصلة نزلوا فحلوه‪ ،‬فإذا به لبن طيب وزبدة في‬
‫فمه ـ من رواية حماد بن سلمة‪.‬‬
‫‪-‬ومسح على رأس عمير بن سعد‪ ،‬وبَّرك‪ ،‬فمات وهو ابن ثمانين‪،‬‬
‫فما شاب‪.‬‬
‫‪-‬وروي مثل هذه القصص عن غير واحد‪ ،‬منهم السائب بن يزيد‪،‬‬
‫ومدلوك‪.‬‬
‫روى البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬

‫‪398‬‬
‫‪ *-1‬وأخبرنا أبو الحسين بن بشران أنبأنا أبو أحمد حمزة بن‬
‫محمد بن العباس حدثنا محمد بن غالب حدثنا موسى بن مسعود‬
‫أنبأنا عكرمة بن عمار حدثنا عطاء مولى السائب قال كان رأس‬
‫السائب أسود من هذا المكان ووصف بيده أنه كان أسود الهامة‬
‫إلى مقدم رأسه وكان سائره مؤخره ولحيته وعارضاه أبيض‬
‫فقلت يا مولي ما رأيت أحدًا أعجب شعًرا منك قال وما تدري يا‬
‫بني لم ذلك إن رسول الله مر بي وأنا مع الصبيان فقال‪ :‬من‬
‫أنت؟ قلت السائب بن يزيد أخو النمر فمسح يده على رأسي‬
‫وقال‪( :‬بارك الله فيك) فهو ل يشيب أبدًا‪.‬‬
‫‪*-2‬ويذكر عن أبي سفيان واسمه مدلوك أنه ذهب إلى النبي‬
‫فأسلم ودعا له النبي ومسح رأسه بيده ودعا له بالبركة فكان‬
‫مقدم رأس أبي سفيان أسود ما مسته يد النبي وسائره أبيض‬
‫ذكره البخاري في التاريخ عن سليمان بن عبد الرحمن عن مطر‬
‫بن العلء الفزاري عن عمته وقطفة موله لهم قالت سمعنا أبا‬
‫سفيان فذكره‪.‬‬
‫وأخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال أنبأنا أبو الفضل محمد بن‬
‫إبراهيم حدثنا الحسين بن محمد بن زياد القباني قال ذكر علي‬
‫بن حجر فيما كتب به إلينا قال أنبأنا فطر بن العلء الفزاري قال‬
‫حدثتني عمتي آمنة بنت أبي الشعثاء عن مدلوك أبي سفيان‪.‬‬
‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن‬
‫عمرو الحمسي حدثنا الحسين بن حميد بن الربيع حدثنا الفضل‬
‫بن عون المسعودي أبو حمزة قال حدثتني أم عبد الله بنت‬
‫حمزة بن عبد الله عن جدتها وكانت أم ولد عبد الله بن عتبة‬
‫قالت قلت لسيدي عبد الله بن عتبة إيش تذكر عن النبي أذكر‬
‫إني غلم خماسي أو سداسي أجلسني النبي في حجره ودعا لي‬
‫ولولدي بالبركة قالت جدتي فنحن نعرف ذلك أنا ل نهرم‪.‬‬
‫‪-‬وكان يوجد لعتبة بن فرقد طيب يغلب طيب نسائه‪ ،‬لن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم مسح بيده على بطنه وظهره‪.‬‬
‫روى البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ورويناه عن حصين بن عبد الرحمن عن أم عاصم امرأة عتبة بن‬
‫فرقد أن عتبة بن فرقد كان ل يزيد على أن يدهن رأسه ولحيته‬
‫حا فسألته فذكر عتبة أن النبي فيما شكا إليه أخذ‬ ‫وكان أطيبنا ري ً‬
‫إزار عتبة فوضعه على فرجه ثم بسط يديه ونفث فيهما ومسح‬
‫إحداهما على ظهره والخرى على بطنه قال فهذه الريح من‬
‫ذلك‪..‬‬
‫م عن وجه عائذ بن عمرو‪ ،‬وكان خرج يوم حنين‪،‬‬ ‫ت الد َّ َ‬
‫‪ -‬وسل َ‬
‫ودعا له‪ ،‬فكانت له غرة كغرة الفرس‪.‬‬

‫‪399‬‬
‫‪ -‬ومسح على رأس قيس بن زيد الجذامى‪ ،‬ودعا له‪ ،‬فهلك وهو‬
‫ابن مائة سنة‪ ،‬ورأسه أبيض وموضع كف النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وما مرت يده عليه من شعره أسود‪ ،‬كان يدعى الغر‪.‬‬
‫‪ -‬وروي مثل هذه الحكاية لعمرو بن ثعلبة الجهني‪.‬‬
‫ه آخر‪ ،‬فما زال على وجهه نور‪.‬‬ ‫‪ -‬ومسح وج َ‬
‫قلت‪ :‬لعل القاضي عياض رحمه الله يشير إلى أبي زيد‬
‫النصاري‪،‬‬
‫قال البيهقي* أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أحمد‬
‫بن هارون بن إبراهيم الفقيه حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل‬
‫قال حدثني أبي حدثنا حرمي بن عمارة حدثنا عزرة بن ثابت‬
‫حدثنا علباء بن أحمر قال حدثني أبو زيد النصاري قال قال لي‬
‫رسول الله‪( :‬أدن مني) قال فمسح بيده على رأسي ولحيتي ثم‬
‫قال(اللهم جمله وأدم جماله) قال فبلغ بضعا ومائة سنة وما في‬
‫لحيته بياض إل نبذ يسير ولقد كان منبسط الوجه ولم يتقبض‬
‫وجهه حتى مات‪.‬‬
‫‪ -‬ومسح وجه قتادة بن ملحان‪ ،‬فكان لوجهه بريق حتى كان ينظر‬
‫في وجهه كما ينظر في المرأة‪.‬‬
‫قال البيهقي‬
‫باب ما روي في شأن قتادة بن ملحان وما ظهر على وجهه ببركة‬
‫مسح النبي إياه من النور‬
‫أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أنبأنا أحمد بن عبيد‬
‫الصفار حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن معين‬
‫وهريم بن عبد العلى قال حدثنا معتمر بن سليمان(ح)‬
‫وحدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثنا أبي حدثنا عارم‬
‫حدثنا معتمر وهذا لفظ حديث بن معين قال سمعت أبي يحدث‬
‫عن أبي العلء قال كنت عند قتادة بن ملحان في مرضه قال نراه‬
‫الذي مات فيه قال فمر رجل في مؤخر الدار قال فرأيته في‬
‫وجه قتادة قال كان رسول الله مسح وجهه قال وكنت قلما رأيته‬
‫إل رأيته كأن على وجهه الدهان‪.‬‬
‫‪ -‬ووضع يده على رأس حنظلة بن حزيم‪ ،‬وبَّرك عليه‪ ،‬فكان‬
‫حنظلة يؤتي بالرجل قد ورم وجهه‪ ،‬والشاة قد ورم ضرعها‪،‬‬
‫فيوضع على موضع كف النبي صلى الله عليه وسلم فيذهب‬
‫الورم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬روى البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أنبأني أبو عبد الرحمن السلمي أن أبا عبد الله عبيد الله بن‬
‫محمد العكبري أخبرهم حدثنا أبو القاسم البغوي حدثنا هارون بن‬
‫عبد الله أبو موسى حدثنا محمد بن سهل بن مروان حدثنا الذيال‬

‫‪400‬‬
‫بن عبيد بن حنظلة بن حذيم بن حنيفة قال سمعت جدي حنظلة‬
‫يحدث أبي وأعمامه أن حنيفة جمع بنيه فذكر الحديث في وصيته‬
‫وقدومه على النبي ومعه حذيم وحنظلة وفي آخره قال بأبي أنت‬
‫وأمي أنا رجل ذو سن وهذا ابني حنظلة فسمت عليه فقال‬
‫النبي‪ :‬يا غلم فأخذ بيده فمسح رأسه وقال له‪ :‬بورك فيك أو قال‬
‫بارك الله فيك‪ .‬ورأيت حنظلة يؤتى بالشاة الوارم ضرعها والبعير‬
‫والنسان به الورم فيتفل في يده ويمسح بصلعته ويقول‪ :‬بسم‬
‫الله على أثر يد رسول الله‪ .‬فيمسحه فيذهب عنه‪...‬‬
‫‪ -‬ونضح في وجه زينب بنت أم سلمة نضحة من ماء‪ ،‬فما يعرف‬
‫كان في وجه امرأة من الجمال ما بها‪.‬‬
‫‪ -‬ومسح على رأس صبي به عاهة‪ ،‬فبرأ‪ ،‬واستوى شعره‪ ،‬وعلى‬
‫غير واحد من الصبيان والمرضى والمجانين‪ ،‬فبرءوا‪.‬‬
‫ج فيها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫‪ -‬وأتاه رجل به أدرة‪ ،‬فأمره أن ينضحها بماء من عين م ّ‬
‫ففعل‪ ،‬فبرأ‪.‬‬
‫‪ -‬وعن طاوس‪ :‬لم يؤت النبي صلى الله عليه وسلم بأحد به‬
‫مس‪ ،‬فصك في صدره إل ذهب‪ ...‬والمس‪ :‬الجنون‪.‬‬
‫قلت‪ :‬روى البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫* أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ في الفوائد أنبأنا أبو الحسن‬
‫محمد بن أحمد بن تميم الصم ببغداد حدثنا ابن العباس الكابلي‬
‫حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن فرقد السبخي عن سعيد‬
‫بن جبير عن ابن عباس أن امرأة جاءت بابن لها فقالت يا رسول‬
‫الله إن بابني هذا جنونًا وإنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا فيفسد‬
‫علينا قال فمسح رسول الله رأسه ودعا له فثع ثعة فخرج من‬
‫جوفه مثل الجرو السود فسعى‪.‬‬
‫* أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قال حدثنا‬
‫العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس‬
‫بن بكير عن العمش عن المنهال بن عمرو عن يعلي بن مرة‬
‫عن أبيه قال‪...‬وأتت امرأة فقالت إن ابني هذا به لمم منذ سبع‬
‫سنين يأخذه في كل يوم مرتين فقال رسول الله‪ :‬أدنيه فأدنته‬
‫منه فتفل في فيه وقال أخرج‪ :‬عدو الله أنا رسول الله ثم قال‬
‫لها رسول الله إذا رجعنا فأعلمينا ما صنع فلما رجع رسول الله‬
‫استقبله ومعه كبشان وأقط وسمن فقال لي رسول الله خذ هذا‬
‫الكبش فأخذ منه ما أراد فقالت والذي أكرمك ما رأينا به شيئا‬
‫منذ فارقتنا‪.‬‬
‫* أخبرنا أبو القاسم زيد بن أبي هاشم العلوى بالكوفة أنبأنا أبو‬
‫جعفر محمد بن علي بن دحيم حدثنا إبراهيم بن عبد الله أنبانا‬
‫وكيع عن العمش عن المنهال بن عمرو عن يعلي بن مرة قال‬

‫‪401‬‬
‫رأيت من النبي عجبا خرجت معه في سفر فنزلنا منزل فأتته‬
‫امرأة بصبي لها به لمم فقال رسول الله‪ :‬أخرج عدو الله أنا‬
‫رسول الله قال فبرأ فلما رجعنا جاءت أم الغلم بكبشين وشيء‬
‫من أقط وسمن فقال النبي‪ :‬يا يعلى خذ أحد الكبشين ورد عليها‬
‫الخر وخذ السمن والقط‪ .‬قال‪ :‬ففعلت‪.‬‬
‫هذا أصح والول وهم قاله البخاري يعني روايته عن أبيه وهم إنما‬
‫هو عن يعلى نفسه وهم فيه وكيع مرة ورواه على الصحة مرة‬
‫قلت‪ :‬وقد وافقه فيما زعم البخاري أنه وهم يونس بن بكير‬
‫فيحتمل أن يكون الوهم من العمش والله أعلم‪.‬‬
‫* أخبرنا أبو الفتح هلل بن محمد بن جعفر الحفار ببغداد أنبأنا‬
‫الحسين ابن يحيى بن عياش حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح‬
‫حدثنا عبيده بن حميد قال حدثنا يزيد بن أبي زياد عن سليمان‬
‫بن عمرو بن الحوص عن أمه قالت‪ :‬رأيت رسول الله عند جمرة‬
‫العقبة راكبا ً ووراءه رجل يستره من رمي الناس فقال‪( :‬يا أيها‬
‫الناس ل يقتل بعضكم بعضا ً ومن رمى جمرة العقبة فليرمها‬
‫بمثل حصى الخذف) قالت ورأيت بين أصابعه حجرا ً قالت فرمي‬
‫ورمى الناس قالت‪ :‬ثم انصرف فجاءت امرأة ومعها ابن لها به‬
‫مس قالت‪ :‬يا نبي الله ابني هذا فأمرها النبي فدخلت بعض‬
‫الخبية فجاءت بتور من حجارة فيه ماء فأخذه بيده فمج فيه ودعا‬
‫فيه وأعاده فيه ثم أمرها فقال اسقيه واغسليه فيه قال فتبعتها‬
‫فقلت هيني لي من هذا الماء فقالت خذي منه فأخذت منه حفنة‬
‫فسقيته ابني عبد الله فعاش فكان من بره ما شاء الله أن يكون‬
‫قالت‪ :‬ولقيت المرأة فزعمت أن ابنها برىء وأنه غلم ل غلم‬
‫خير منه‪.‬‬
‫* قال ثم سرنا فمررنا بماء فأنت امرأة بابن لها به جنة فأخذ‬
‫النبي بمنخره ثم قال اخرج أني محمد أني رسول الله قال ثم‬
‫سرنا فلما رجعنا من مسيرنا مررنا بذلك الماء فأتته المرأة بجزر‬
‫ولبن فأمر لها أن ترد الجزر وأمر أصحابه فشربوا اللبن فسألها‬
‫عن الصبي فقالت والذي بعثك بالحق ما رأينا منه ريبا بعدك‪.‬‬
‫*** أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن الغفاري ببغداد حدثنا‬
‫عثمان ابن أحمد بن السماك حدثنا أبو علي حنبل بن إسحاق بن‬
‫حنبل حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا عبد الرحيم بن جماد عن‬
‫معاوية بن يحيى الصدفي أنبأنا الزهري عن خارجة بن زيد قال‪:‬‬
‫قال أسامة بن زيد خرجنا مع رسول الله إلى الحجة التى حجها‬
‫حتى إذا كنا ببطن الروحاء نظر إلى امرأة تؤمه فحبس راحلته‬
‫فلما دنت منه قالت يا رسول الله هذا ابني والذي بعثك بالحق ما‬
‫أفاق من يوم ولدته إلى يومه هذا قال فأخذه رسول الله منها‬

‫‪402‬‬
‫فوضعه فيما بين صدره وواسطة الرحل ثم تفل في فيه وقال‬
‫أخرج يا عدو الله فإني رسول الله قال ثم ناولها إياه وقال خذيه‬
‫فل بأس عليه قال أسامة فلما قضي رسول الله حجته انصرف‬
‫حتى إذا نزل بطن الروحاء أتته تلك المرأة بشاة قد شوتها‬
‫فقالت‪ :‬يا رسول الله أنا أم الصبي الذي لقيتك به في مبتدئك‬
‫قال وكيف هو قال فقالت والذي بعثك بالحق ما رابنى منه شىء‬
‫بعد‪...‬‬
‫وأخرج أبو نعيم في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫* ثم سرنا فإذا امرأة قد عرضت لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فقالت يا رسول الله إن ابني يصاب فأخذه النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فتفل في فيه فقال‪ :‬أخسأ عدو الله أنا محمد ثم‬
‫سرنا فلما رجعنا إذا هي تهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وقالت يا رسول الله ما عرض له منذ فارقتنا‪.‬‬
‫* عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قد جاءت امرأة‬
‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن مقبلون إلى مكة في‬
‫عمرة وقالت يا رسول الله إن ابني قد أفسده الشيطان والله ما‬
‫يدعه ساعة قال‪" :‬ارفعيه إلي" فجعل رأسه بين فخذيه وواسطة‬
‫الرحل ثم فتح فمه فبزق فيه وقال‪ :‬أنا رسول الله فاخرج عدو‬
‫الله ودفعه إليها وقال‪ :‬قد برأ ابنك فجيئينا عليه إذا رجعنا إلى هذا‬
‫المنزل إن شاء الله فلما رجع أقبلت إليه بثلثة أكبش يسوقهن‬
‫الغلم فقال لها‪ :‬كيف فعل ابنك؟ قالت‪ :‬هو هذا يا رسول الله قد‬
‫برأ وقد أهدى لك ثلثة أكبش قال‪ :‬يا بلل خذ منها واحدا واترك‬
‫لها اثنين‪.‬‬
‫* فصل حدثنا أبو رجاء بندار بن محمد أنا أبو أحمد محمد بن علي‬
‫المكفوف ثنا أبو بكر عبد الله بن محمد القباب ثنا أبو بكر بن أبي‬
‫عاصم ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا محمد بن علي عن أبي‬
‫جناب عن عبد الله بن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن‬
‫أبي بن كعب رضي الله عنه قال جاء أعرابي إلى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال إن لي أخا وبه وجع قال‪( :‬وما‬
‫وجعه)؟ قال‪ :‬به لمم قال فأتني به فوضعه بين يديه فعوذه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بفاتحة الكتاب وأربع آيات من‬
‫أول سورة البقرة وهاتين اليتين (وإلهكم إله واحد) وآية الكرسي‬
‫وثلث آيات من آخر سورة البقرة وآيه من آل عمران (شهد الله)‬
‫وآية من العراف (إن ربكم الله الذي خلق السموات والرض)‬
‫وآخر سورة المؤمنين وآيه من سورة الجن (وأنه تعالى جد ربنا)‬
‫وعشر آيات من أول الصافات وثلث آيات من آخر سورة الحشر‬

‫‪403‬‬
‫و(قل هو الله أحد) والمعوذتين فقام الرجل كأنه لم يشتك شيئا‬
‫قط قال المام رحمه الله قال أهل اللغة اللمم الجنون‪.‬‬
‫ج في دلو من بئر‪ ،‬ثم صب فيها‪ ،‬ففاح منها ريح المسك‪..‬‬ ‫‪ -‬وم َّ‬
‫‪ -‬وأخذ قبضة من تراب يوم حنين‪ ،‬ورمى بها في وجوه الكفار‪،‬‬
‫وقال‪ :‬شاهت الوجوه‪ ،‬فانصرفوا يمسحون القذى عن أعينهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه مسلم في كتاب الجهاد والسير‪ ،‬باب في غزوة حنين‪،‬‬
‫حدثنا زهير بن حرب‪ .‬حدثنا عمر بن يونس الحنفي‪ .‬حدثنا‬
‫عكرمة بن عمار‪ .‬حدثني إياس بن سلمة‪ .‬حدثني أبي‪ .‬قال‪ :‬غزونا‬
‫مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا‪ .‬فلما واجهنا العدو‬
‫تقدمت‪ .‬فأعلو ثنية‪ .‬فاستقبلني رجل من العدو‪ .‬فأرميه بسهم‪.‬‬
‫فتوارى عني‪ .‬فلما دريت ما صنع‪ .‬ونظرت إلى القوم فإذا هم قد‬
‫طلعوا من ثنية أخرى‪ .‬فالتقوا هم وصحابة النبي صلى الله عليه‬
‫ما‪.‬‬
‫وسلم‪ .‬فولى صحابة النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬وأرجع منهز ً‬
‫وعلى بردتان‪ .‬متزرا بإحداهما‪ .‬مرتديا بالخرى‪ .‬فاستطلق إزاري‪.‬‬
‫فجمعتهما جميعا‪ .‬ومررت‪ ،‬على رسول الله صلى الله عليه‬
‫ما‪ .‬وهو على بغلته الشهباء‪ .‬فقال رسول الله صلى‬ ‫وسلم‪ ،‬منهز ً‬
‫الله عليه وسلم (لقد رأى ابن الكوع فزع ًا) فلما غشوا رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة‪ ،‬ثم قبض قبضة من‬
‫تراب من الرض‪ .‬ثم استقبل به وجوههم‪ .‬فقال‪( :‬شاهت الوجوه)‬
‫فما خلف الله منهم إنسانًا إل مل عينيه ترابًا‪ ،‬بتلك القبضة‪ .‬فولوا‬
‫مدبرين‪ .‬فهزمهم الله عز وجل‪ .‬وقسم رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين‪...‬‬
‫‪ -‬وشكا إليه أبو هريرة رضي الله عنه النسيان‪ ،‬فأمره ببسط‬
‫ثوبه‪ ،‬وغرف بيده فيه‪ ،‬ثم أمره بضمه‪ ،‬ففعل‪ ،‬فما نسي شيئاً‬
‫بعد‪.‬‬
‫أخرجه البخاري كتاب العتصام بالكتاب والسنَّة باب‪ :‬الحجة على‬
‫من قال‪ :‬إن أحكام النبي كانت ظاهرة‪ ،‬وما كان يغيب بعضهم‬
‫من مشاهد النبي صلى الله عليه وسلم وأمور السلم‪.‬‬
‫حدثنا علي‪ :‬حدثنا سفيان‪ :‬حدثني الُزهري‪ :‬أنه سمعه من العرج‬
‫يقول‪ :‬أخبرني أبو هريرة قال‪ :‬إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر‬
‫الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والله الموعد‪،‬‬
‫إني كنت امرأ مسكيناً‪ ،‬ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫على ملء بطني‪ ،‬وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالسواق‪،‬‬
‫وكانت النصار يشغلهم القيام على أموالهم‪ ،‬فشهدت من رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم‪ ،‬وقال‪(:‬من يبسط رداءه‬
‫حتى أقضي مقالتي‪ ،‬ثم يقبضه‪ ،‬فلن ينسى شيئا ً سمعه مني)‪.‬‬

‫‪404‬‬
‫ي‪ ،‬فو الذي بعثه بالحق‪ ،‬ما نسيت شيئاً‬ ‫فبسطت بردة كانت عل َّ‬
‫سمعته منه‪..‬‬
‫‪-‬وما يروى عنه في هذا كثير‪.‬‬
‫‪-‬وضرب صدر جرير بن عبد الله‪ ،‬ودعا له‪ ،‬وكان ذكر له أنه ل‬
‫يثبت على الخيل‪ ،‬فصار من أفرس العرب و أثبتهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬روى البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب‬
‫الحافظ حدثنا محمد بن عبد الوهاب الفرآء أنبأنا يعلى بن عبيد‬
‫حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ح ـ وأنبأنا أبو النضر الفقيه حدثنا‬
‫عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا عمرو بن عون الواسطي حدثنا‬
‫خالد عن إسماعيل عن قيس عن جرير قال‪ ،‬قال لي رسول الله‪:‬‬
‫(أل تريحني من ذي الخلصة؟) فقلت‪ :‬يا رسول الله إني كفل ل‬
‫أثبت على الخيل‪ ..‬قال‪ ،‬فضرب النبي في صدري ثم قال‪( :‬اللهم‬
‫ثبته وأجعله هاديا ً مهدياً)‪.‬‬
‫‪ -‬ومسح على رأس عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وهو صغير‪،‬‬
‫وكان دميماً‪ ،‬ودعا له بالبركة‪ ،‬ففرع الرجال‪ ،‬طول ً وتماماً‬
‫‪-----------------------‬‬
‫‪ -9 .28‬القول القوم في معجزات النبي الكرم(‪)9‬‬
‫[اطلعه على الغيبيات]‬
‫لفصل الثالث والعشرون‪:‬‬

‫فيما أطلع عليه من الغيوب وما يكون‬

‫ومن ذلك ما أطلع عليه من الغيوب وما يكون‪ .‬والحاديث في هذا‬


‫الباب بحر ل يدرك قعره‪ ،‬ول ينزف غمره‪ .‬وهذه المعجزة من‬
‫جملة معجزاته المعلومة على القطع الواصل إلينا خبرها على‬
‫التواتر‪ ،‬لكثرة رواتها‪ ،‬واتفاق معانيها على الطلع على الغيب‪:‬‬

‫*حدثنا المام أبو بكر محمد بن الوليد الفهري إجازة‪ ،‬وقرأته على‬
‫غيره‪ :‬قال أبو بكر‪ :‬حدثنا أبو علي التستري‪ ،‬حدثنا أبو عمر‬
‫الهاشمي‪ ،‬حدثنا اللؤلؤي‪ ،‬حدثنا أبو داود‪ ،‬حدثنا عثمان بن أبي‬
‫شيبة‪ ،‬حدثنا جرير‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن أبي وائل‪ ،‬عن حذيفة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قام فينا رسول الله مقاماً‪ ،‬فما ترك شيئا ً يكون في مقامه ذلك‬
‫إلى قيام الساعة إل حدثه‪ ،‬حفظه من حفظه‪ ،‬ونسيه من نسيه‪،‬‬
‫قد علمه أصحابي هؤلء‪ ،‬وإنه ليكون منه الشيء فأعرفه فأذكره‬
‫كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه‪ ،‬ثم إذا رآه عرفه‪ .‬ثم‬
‫قال حذيفة‪ :‬ما أدري‪ ،‬أنسي أصحابي أم تناسوه‪ ،‬والله ما ترك‬

‫‪405‬‬
‫رسول الله من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه‬
‫ثلثمائة فصاعدا ً إل قد سماه لنا باسمه‪ ،‬واسم أبيه‪ ،‬وقبيلته‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه البخاري في كتاب القدر‪.‬باب‪{ :‬وكان أمر الله قدراً‬
‫مقدوراً} ‪/‬الحزاب‪-./38 :‬‬

‫حدثنا موسى بن مسعود‪ :‬حدثنا سفيان‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن أبي‬


‫وائل‪ ،‬عن حذيفة رضي الله عنه قال‪ :‬لقد خطبنا النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم خطبة‪ ،‬ما ترك فيها شيئا ً إلى قيام الساعة إل ذكره‪،‬‬
‫علمه من علمه وجهله من جهله‪ ،‬إن كنت لرى الشيء قد‬
‫نسيت‪ ،‬فأعرفه كما يعرف الرجل الرجل إذا غاب عنه فرآه‬
‫فعرفه‪.‬‬

‫وأخرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة باب إخبار النبي‬


‫فيما يكون إلى قيام الساعة وحدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق‬
‫بن إبراهيم (قال عثمان‪ :‬حدثنا‪ .‬وقال إسحاق‪ :‬أخبرنا) جرير عن‬
‫العمش‪ ،‬عن شقيق‪ ،‬ما ترك شيئًا قال‪:‬‬

‫ما‪ ,‬ما ترك شيئًا‬


‫قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقا ً‬
‫يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة‪ ،‬إل حدث به‪ ,‬حفظه من‬
‫حفظه ونسيه من نسيه‪ ,‬قد علمه أصحابي هؤلء‪ .‬وإنه ليكون منه‬
‫الشيء قد نسيته فأراه فأذكره‪ .‬كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا‬
‫غاب عنه‪ .‬ثم إذا رآه عرفه‪.‬‬

‫‪-‬وقال أبو ذر‪ :‬لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما‬
‫يحرك طائر جناحيه في السماء‪ ،‬إل ذكرنا منه علماً‪.‬‬

‫قلت‪ :‬أخرجه اللباني في السلسلة الصحيحة؛‬

‫عن أبي ذر قال تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما‬
‫طائر يقلب جناحيه في الهواء إل وهو يذكرنا منه علما قال فقال‬
‫صلى الله عليه وسلم فذكره‪.‬‬

‫وله شاهد من رواية عمرو عن المطلب مرفوع ًا بلفظ (ما تركت‬


‫شيئًا مما أمركم الله به إل قد أمرتكم به وما تركت شيئا مما‬
‫نهاكم عنه إل قد نهيتكم عنه)‪ .‬وإسناده مرسل حسن‬

‫‪ -‬وقد خرج أهل الصحيح والئمة ما أعلم به أصحابه صلى الله‬


‫عليه وسلم مما وعدهم به من الظهور على أعدائه‪ ،‬وفتح مكة‬

‫‪406‬‬
‫وبيت المقدس‪ ،‬واليمن‪ ،‬والشام‪ ،‬والعراق‪ ،‬وظهور المن‪ ،‬حتى‬
‫تظعن المرأة من الحيرة إلى مكة ل تخاف إل الله‪.‬‬

‫قلت‪ :‬روى مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة‪ ،‬باب ما‬


‫يكون من فتوحات المسلمين قبل الدجال‪:‬‬

‫حدثنا قتيبة بن سعيد‪ .‬حدثنا جرير عن عبد الملك بن عمير‪ ،‬عن‬


‫جابر بن سمرة‪ ،‬عن نافع بن عتبة‪ .‬قال‪ :‬كنا مع رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم في غزوة‪ .‬قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قوم من قبل المغرب‪ .‬عليهم ثياب الصوف‪ .‬فوافقوه عند أكمة‪.‬‬
‫فإنهم لقيام ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد‪ .‬قال فقالت‬
‫لي نفسي‪ :‬ائتهم فقم بينهم وبينه‪ .‬ل يغتالونه‪ .‬قال‪ :‬ثم قلت‪ :‬لعله‬
‫نجي معهم‪ .‬فأتيتهم فقمت بينهم وبينه‪ .‬قال فحفظت منه أربع‬
‫كلمات‪ .‬أعدهن في يدي‪ .‬قال‪" :‬تغزون جزيرة العرب‪ ،‬فيفتحها‬
‫الله‪ .‬ثم فارس‪ ،‬فيفتحها الله‪ .‬ثم تغزون الروم‪ ،‬فيفتحها الله‪ .‬ثم‬
‫تغزون الدجال‪ ،‬فيفتحه الله"‪.‬‬

‫قال‪ :‬فقال نافع‪ :‬يا جابر! ل نرى الدجال يخرج حتى تفتح الروم‪.‬‬

‫وأخرج السيوطي في الجامع الصغير‪ ..‬عن جابر بن سمرة‪.‬أن‬


‫النبي صلى الله عليه وسلم قال‪( :‬لتخرجن الظعينة من المدينة‬
‫حتى تدخل الحيرة ل تخاف أحدًا)‪ .‬ضعفه اللباني في تحقيقه‪.‬‬

‫‪ -‬وأن المدينة ستغزى‪ ،‬وتفتح خيبر على يدي علي في غد يومه‪.‬‬


‫وما يفتح الله على أمته من الدنيا‪ .‬ويؤتون من زهرتها‪ .‬وقسمتهم‬
‫كنوز كسرى وقيصر‪.‬وما يحدث بينهم من الفتون والختلف‬
‫والهواء‪.‬‬

‫قلت‪ :‬روى البيهقي في دلئل النبوة قال‪:‬‬

‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه‬
‫قال قرئ على عبد الملك بن محمد وأنا أسمع قال حدثنا معاذ بن‬
‫فضالة حدثنا هشام بن أبي عبد الله عن يحيى بن أبي كثير عن‬
‫هلل بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسارعن أبي سعيد الخدري‬
‫قال جلس رسول الله على المنبر ذات يوم فقال‪( :‬إن مما‬
‫أتخوف عليكم ما يفتح الله عليكم من زهرة الدنيا وزينتها) فقال‬
‫رجل يا رسول الله ويأتي الخير بالشر فلم يرد عليه قلنا يا فلن‬
‫ك فرأيت أنه ينزل عليه‬ ‫ما شأنك سألت رسول الله فلم يرد علي ِ‬
‫الوحي قال فمسح الرحضاء عن ظهره فقال أين السائل كأنه‬

‫‪407‬‬
‫حمده وقال أنه ل يأتي الخير بالشر وأنه مما ينبت الربيع ما يقتل‬
‫أو يلم إل آكلة الخضر أكلت حتى إذا امتلت خاصرتها استقبلت‬
‫مطلع الشمس فثلطت وبالت ورتعت وإن هذا المال حلو خضر‬
‫فمن أخذه بحقه بورك له فيه ونعم صاحب المال من أعطى منه‬
‫المسكين واليتيم وابن السبيل أو كما قال رسول الله والذي يأخذ‬
‫بإشراف نفس كان كالذي يأكل ول يشبع فيكون عليه حسرة يوم‬
‫القيامة ورب متخوض في مال الله ومال رسوله له النار يوم‬
‫القيامة‪..‬‬

‫رواه البخاري في الصحيح عن معاذ بن فضالة‪ ،‬ورواه مسلم من‬


‫وجه آخر عن هشام‬

‫‪-‬وسلوك سبيل من قبلهم‪ ،‬وافتراقهم على ثلث وسبعين فرقة‪،‬‬


‫الناجية منها واحدة‪.‬‬

‫قلت‪ :‬أخرج الشيخان‬

‫البخاري في كتاب النبياء‪ ،‬باب‪ :‬ما ذكر عن بني إسرائيل‪.‬حدثنا‬


‫سعيد بن أبي مريم‪ :‬حدثنا أبو غسان قال‪ :‬حدثني زيد بن أسلم‪،‬‬
‫عن عطاء بن يسار‪ ،‬عن أبي سعيد رضي الله عنه‪:‬‬

‫أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪( :‬لتتبعن سنن من قبلكم‬
‫شبرا بشبر‪ ،‬وذراعا بذراع‪ ،‬حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه)‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬اليهود والنصارى؟ قال‪( :‬فمن)‪.‬‬

‫مسلم في كتاب العلم‪ ،‬باب اتباع سنن اليهود والنصارى‪:‬‬

‫* حدثني سويد بن سعيد‪ .‬حدثنا حفص بن ميسرة‪ .‬حدثني زيد بن‬


‫أسلم عن عطاء بن يسار‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬لتتبعن سنن الذين من‬
‫قبلكم‪ .‬شبرا بشبر‪ ،‬وذراعا بذراع‪ .‬حتى لو دخلوا في جحر ضب‬
‫لتبعتموهم" قلنا‪ :‬يا رسول الله! آليهود والنصارى؟ قال "فمن؟"‪.‬‬

‫قلت‪ :‬أخرجه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه إلى البيهقي‪،‬‬


‫وصححه اللباني في تحقيقه‪:‬‬

‫عن عوف بن مالك‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫(افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة‬
‫وسبعون في النار وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة‬

‫‪408‬‬
‫فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة والذي نفس محمد‬
‫بيده لتفترقن أمتي على ثلث وسبعين فرقة فواحدة في الجنة‬
‫واثنتان وسبعون في النار‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وروى حديث الفتراق‬


‫* الترمذي في أبواب اليمان ‪ ،‬باب افتراق هذه المة‬

‫‪ -1‬حدثنا الحسين بن حريث أبو عمار‪ ،‬أخبرنا الفضل بن موسى‪،‬‬


‫عن محمد بن عمرو‪ ،‬عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول‬
‫اللّه صلى الله عليه وسلم قال‪" -:‬تفرقت اليهود على إحدى‬
‫وسبعين فرقة‪ ،‬أو اثنتين وسبعين فرقى والنصارى مثل ذلك‪،‬‬
‫وتفترق أمتي إلى ثلث وسبعين فرقة"‪.‬‬

‫وفي الباب عن سعد وعبد اللّه بن عمرو وعوف بن مالك‪ .‬حديث‬


‫أبي هريرة حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫‪ -2‬حدثنا محمود بن غيلن أخبرنا أبو داود الحفري‪ ،‬عن سفيان‬


‫عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الفريقي‪ ،‬عن عبد اللّه بن يزيد‬
‫عن عبد اللّه بن عمرو قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" -:‬ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل‬
‫بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمة علنية لكان في أمتي من‬
‫يصنع ذلك‪ .‬وان بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة‪،‬‬
‫وتفترق أمتي على ثلث وسبعين ملة كلهم في النار إل ملة‬
‫واحدة"‪ ،‬قال من هي يا رسول اللّه؟ قال‪ :‬ما أنا عليه وأصحابي"‪.‬‬
‫هذا حديث حسن غريب‪.‬‬
‫سنة‬‫* أبو داود في أول كتاب السنة ‪ -‬باب شرح ال ُّ‬

‫‪1‬ـ حدثنا وهب بن بقية‪ ،‬عن خالد‪ ،‬عن محمد بن عمرو‪ ،‬عن أبي‬
‫سلمة‪ ،‬عن أبي هريرة قال‪:‬‬

‫قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‪" :‬افترقت اليهود على‬
‫ة‪ ،‬وتفرقت النصارى على إحدى أو‬ ‫إحدى أو ثنتين وسبعين فرق ً‬
‫ة"‪.‬‬‫ث وسبعين فرق ً‬
‫ة‪ ،‬وتفترق أمتي على ثل ٍ‬
‫ثنتين وسبعين فرق ً‬
‫‪2‬ـ حدثنا أحمد بن حنبل‪ ،‬ومحمد بن يحيى قال‪ :‬ثنا أبو المغيرة‪ ،‬ثنا‬
‫صفوان‪ ،‬ح وثنا عمرو بن عثمان‪ ،‬حدثنا بقية قال‪ :‬حدثني صفوان‬
‫نحوه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أزهر بن عبد اللّه الحرازي‪ ،‬عن أبي عامر‬
‫الهوزني‪ ،‬عن معاوية بن أبي سفيان أنه قام فينا فقال‪ :‬أل إن‬
‫ن من‬‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال‪" :‬أل إ َّ‬

‫‪409‬‬
‫ة‪ ،‬وإ َّ‬
‫ن هذه‬ ‫قبلكم منن أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين مل ً‬
‫ث وسبعين‪ :‬ثنتان وسبعون في النار‪،‬‬ ‫الملة ستفترق على ثل ٍ‬
‫وواحدة ٌ في الجنة‪ ،‬وهي الجماعة"‪.‬‬

‫م‬
‫زاد ابن يحيى وعمرو في حديثهما‪" :‬وإنه سيخرج من أمتي أقوا ٌ‬
‫تجارى بهم تلك الهواء كما يتجارى الكلب لصاحبه" وقال عمرو‪:‬‬
‫"الكلب بصاحبه‪ ،‬ل يبقى منه عرقٌ ول مفص ٌ‬
‫ل إل دخله"‪.‬‬
‫* الحاكم في المستدرك‬

‫أخبرنا أبو العباس قاسم بن القاسم السياري بمرو ثنا أبو‬


‫الموجه حدثنا أبو عمار ثنا الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو‬
‫عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪" :‬افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو اثنتين‬
‫وسبعين فرقة والنصارى مثل ذلك وتفترق أمتي على ثلث‬
‫وسبعين فرقة"‪ ..‬هذا حديث كثر في الصول وقد روي عن سعد‬
‫بن أبي وقاص وعبد الله بن عمرو وعوف بن مالك عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم مثله وقد احتج مسلم بمحمد بن عمرو‬
‫عن أبي سلمة عن أبي هريرة واتفقا جميعا على الحتجاج‬
‫بالفضل بن موسى وهو ثقة‪.‬‬

‫سيَر‬ ‫* الدارمي في باب ال ِّ‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ع َبْد ِ الل ّهِ‬ ‫حدَّثَنِى أْزهَُر ب ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ْوا ُ‬ ‫حدَّثَنَا َ‬
‫ص َف َ‬ ‫خبََرنَا أبُو الْمغِيَرةِ َ‬ ‫‪ -‬أَ ْ‬
‫ن‬ ‫ح ٍ ْ‬ ‫مرٍ ع َبْد ِ الل ّهِ ب ْ ُ‬ ‫ال ْحرازىُ ع َ َ‬
‫ة بْ ِ‬‫معَاوِي َ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ى عَ ْ‬ ‫ى ال َهوَْزن ِ ِ ّ‬‫نل َ ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ن أبِى ع َا ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ َ ِ ّ‬
‫َ‬
‫م فِينَا فَقَال‪َ:‬‬ ‫ل الله صلى الله عليه وسلم قَا َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫سفْيَا َ‬ ‫أبِى ُ‬
‫َ‬ ‫ن من قَبلَك ُم م َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫سبْعِي َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ب افْتََرقُوا ع َلى ثِنْتَي ْ ِ‬ ‫ل الْكِتَا ِ‬
‫ن أه ْ ِ‬ ‫« َأل َ إ ِ َّ َ ْ ْ ْ ِ ْ‬
‫ن‬‫سبْعُو َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ن اثْنَتَا ِ‬ ‫سبْعِي َ‬ ‫ث وَ َ‬‫ستَفْتَرِقُ ع َلَى ثَل َ ٍ‬ ‫ة َ‬ ‫م َ‬‫ن هَذِهِ ال ُ َّ‬ ‫ة وَإ ِ َّ‬ ‫مل ّ ً‬
‫ِ‬
‫جن ّةَِ‬ ‫ْ‬
‫حدَة ٌ فِى ال َ‬ ‫َ‬
‫فِى الن ّارِ وَوَا ِ‬
‫*التبريزي في مشكاة المصابيح‬

‫وعن عبد الله بن عمرو قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل‬
‫بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمه علنية لكان في أمتي من‬
‫يصنع ذلك وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة‬
‫وتفترق أمتي على ثلث وسبعين ملة كلهم في النار إل ملة‬
‫واحدة قالوا ومن هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي‪.‬‬
‫رواه الترمذي‪ ( .‬صحيح )‪.‬‬

‫‪410‬‬
‫* أحمد في المسند‬

‫حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو المغيرة قال ثنا صفوان قال‬
‫حدثني أزهر بن عبد الله الهوزني قال أبو المغيرة في موضع آخر‬
‫الحرازي عن أبي عامر عبد الله بن لحي قال‪ :‬حججنا مع معاوية‬
‫بن أبي سفيان فلما قدمنا مكة قام حين صلى صلة الظهر فقال‪:‬‬
‫إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬إن أهل الكتابين‬
‫افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه المة‬
‫ستفترق على ثلث وسبعين ملة يعني الهواء كلها في النار إل‬
‫واحدة وهي الجماعة وأنه سيخرج في أمتي أقوام تجاري بهم‬
‫تلك الهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه ل يبقى منه عرق ول‬
‫مفصل إل دخله والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به‬
‫نبيكم صلى الله عليه وسلم لغيركم من الناس أحرى أن ل يقوم‬
‫به"‪.‬‬

‫تعليق شعيب الرنؤوط‪ :‬إسناده حسن وحديث افتراق المة منه‬


‫صحيح بشواهد‪.‬‬

‫*ابن ماجه في باب افتراق المم‬

‫مدُ‬‫ح َّ‬
‫م َ‬
‫شرٍ‪ .‬حدّثنا ُ‬ ‫ن بِ ْ‬ ‫ح َّ‬
‫مد ُ ب ْ ُ‬ ‫م َ‬
‫ة‪ .‬حدّثنا ُ‬ ‫شيْي َ َ‬‫ن أَبِي َ‬ ‫َ‬
‫‪ -1‬حدّثنا أبُو بَكْرِ ب ْ ُ‬
‫ل الله‬‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬‫ل‪ :‬قَا َ‬ ‫ن أَبِي هَُريَْرةَ؛ قَا َ‬ ‫ة‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫م َ‬‫سل َ َ‬
‫ن أبِي َ‬
‫بن ع َمرو ع َ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ ٍ‬ ‫ْ ُ‬
‫ة‪.‬‬‫ن فِْرقَ ً‬‫سبَعْي ِ َ‬
‫حدَى وَ َ‬ ‫ت الْيَهُودُع َلَى إ ِ ْ‬‫صلى الله عليه وسلم‪(( :‬تَفََّرقَ ِ‬
‫ة))‪.‬‬‫ن فِْرقَ ُ‬
‫سبْعِي َ‬ ‫ث وَ َ‬ ‫متِي ع َلَى ثَل َ ٍ‬ ‫وَتَفْتَرِقُ أ ُ َّ‬

‫ي‪.‬‬‫مص ُّ‬ ‫ح ْ‬‫ن دِينَارٍ ال ْ ِ‬ ‫ن كَثِيرِ ب ْ ِ‬ ‫سعِيد ِ ب ْ ِ‬‫ن َ‬ ‫ن بْ ِ‬‫ما َ‬ ‫ن ع ُث ْ َ‬ ‫مُرو ب ْ ُ‬ ‫‪ -2‬حدّثنا ع َ ْ‬
‫ن‬
‫شد ِ ب ْ ِ‬ ‫ن َرا ِ‬ ‫مرٍو ع َ ْ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ن بْ ُ‬ ‫ْوا ُ‬‫صف َ‬‫ف‪ .‬حدّثنا َ‬ ‫س َ‬ ‫ن يُو ُ‬ ‫حدّثنا ع َبَّاد ُ ب ْ ُ‬
‫ل الله صلى الله عليه‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪ :‬قَا َ‬ ‫ك؛ قَا َ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ف بْ ِ‬ ‫ن ع َوْ ِ‬ ‫سعْدٍ‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫َ‬
‫حدَة ٌ فِي‬ ‫ة‪ .‬فَوَا ِ‬ ‫ن فِْرقَ ً‬ ‫سبَعْي ِ َ‬‫حدَى وَ َ‬ ‫َ‬
‫ت اليُهُود ُ ع َلى إ ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫وسلم‪((:‬افْتََرقَ ِ‬
‫ن‬‫سبْعِي َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫صاَرى ع َلَى ثِنْتَيْي‬ ‫ت الن َّ َ‬ ‫ن فِي النَّارِ‪ ,‬وَافْتََرقَ ِ‬ ‫سبْعُو َ‬ ‫جنَّة‪ .‬وَ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َِّ‬
‫جنَّةِ‪ .‬وَالذِي نَفْ ُ‬
‫س‬ ‫حدَة ٌ فِي ال ْ َ‬ ‫ن فِي النَّارِ‪ ،‬وَوَا ِ‬ ‫سبْعُو َ‬ ‫حدَى وَ َ‬ ‫ة‪ .‬فَإ ِ ْ‬ ‫فِْرقَ ً‬
‫ُ‬
‫حدَة ٌ فِي‬ ‫ة‪ .‬وَا ِ‬ ‫ن فِْرقَ ُ‬ ‫سبْعِي َ‬ ‫ث وَ َ‬ ‫متِي ع َلَى ثَل َ ٍ‬ ‫ن أ َّ‬ ‫مد ٍ بِيَدِه! لَتَفْتَرِقَ َّ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫م؟ قَال‪َ:‬‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل اللهِ! َ‬ ‫سو َ‬ ‫ل‪ :‬يَا َر ُ‬ ‫َ‬
‫ن فِي الن ّارِ))‪.‬قِي َ‬ ‫سبْعُو َ‬ ‫جن ّةِ وَ َ‬‫َ‬ ‫ال َ‬ ‫ْ‬
‫ة))‪.‬‬ ‫ماع ُ‬ ‫ج َ‬‫((ال ْ َ‬
‫في الزوائد‪ :‬إسناده حديث عوف بن مالك فيه مقال‪ .‬وراشد بن‬
‫سعد‪ ،‬قال فيه أبو حاتم‪ :‬صدوق‪ .‬وعباد ابن يوسف لم يخرج له‬
‫ل ابن‬‫أحد سوى ابن ماجة‪ .‬وليس له عنده سوى هذا الحدي‪ .‬قَا َ‬

‫‪411‬‬
‫عديّ‪ :‬روى أحاديث تفرد بها‪ .‬وذكر ابن حبان في الثقات‪ .‬وباقي‬
‫رجال السناد ثقات‪.‬‬
‫َ‬
‫مرٍو‪،‬‬
‫سلِمٍ‪ .‬حدّثنا أبُو ع َ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن ُ‬ ‫مارٍ‪ .‬حدّثنا الْوَلِيد ُ ب ْ ُ‬ ‫ن ع َ َّ‬‫م بْ ُ‬‫شا ُ‬ ‫‪ -3‬حدّثنا ه ِ َ‬
‫ل الله صلى الله‬ ‫سو َ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪ :‬قَا َ‬ ‫ك؛ قَا َ‬ ‫مال ِ ِ‬‫ن َ‬ ‫س اب ْ ِ‬ ‫ن أن َ ِ‬‫حدّثنا قَتَادّة ُ ع َ ْ‬
‫ن‬
‫سبَعْي ِ َ‬ ‫حدَى وَ َ‬ ‫ت ع َلَى إ ِ ْ‬ ‫ل افْتََرقَ ِ‬ ‫سَرائِي َ‬ ‫ن بَنِي إ ِ ْ‬ ‫عليه وسلم‪(( :‬إ َّ‬
‫ُ ُّ‬ ‫َ‬ ‫ن أ ُ َّ‬
‫ة‪ .‬وإ ِ َّ‬
‫ة‪ .‬كلهَا فِي‬ ‫ن فِْرقَ ً‬ ‫سبْعِي َ‬
‫ن وَ َ‬ ‫ستَفْتَرقُ ع َلى ثِنْتَي ْ ِ‬ ‫متِي َ‬ ‫فِْرقَ ً‬
‫َ‬
‫ة))‪ .‬في الزوائد‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫ماع َ ُ‬‫ج َ‬‫حدَةً‪ .‬وَهَي ال ْ َ‬ ‫النَّارِ‪ ،‬إل ّ وَا ِ‬
‫رجاله ثقات‪.‬‬

‫*الهيثمي في مجمع الزوائد‬

‫عن أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"تفترق أمتي على ثلث وسبعين فرقة كلهن في النار إل واحدة"‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬وما تلك الفرقة؟ قال‪" :‬ما أنا عليه" رواه الطبراني في‬
‫الصغير وفيه عبد الله بن سفيان قال العقيلي‪ :‬ل يتابع على حديثه‬
‫هذا وقد ذكره ابن حبان في الثقات‪ -‬وأنها ستكون لهم أنماط‪،‬‬

‫قلت‪ :‬أخرج البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬

‫أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أبو القاسم‬


‫سليمان بن أحمد الطبراني قال حدثنا محمد بن الحسن بن‬
‫كيسان حدثنا أبو حذيفة حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر عن‬
‫جابر قال‪ :‬قال لي رسول الله‪ :‬هل لك من أنماط؟ قلت يا‬
‫رسول الله وأني فقال‪ :‬إنها ستكون لكم أنماط‪ .‬فأنا أقول اليوم‬
‫لمرأتي نحي عنك أنماطك فتقول‪ :‬ألم يقل رسول الله إنها‬
‫ستكون لكم أنماط بعدي فأتركها‪.‬‬

‫قال وأخبرنا سليمان حدثنا ابن حنبل يعني عبد الله بن أحمد قال‬
‫حدثنا أبي قال حدثنا ابن مهران حدثنا سفيان فذكره بإسناده‬
‫ومعناه إل أنه قال أنى تكون لي أنماط‪.‬‬

‫أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث عبد الرحمن بن‬


‫مهدي‪.‬‬

‫‪ -‬ويغدو أحدهم في حلة ويروح في أخرى‪ ،‬وتوضع بين يديه‬


‫صحفة وترفع أخرى‪ ،‬ويسترون بيوتهم كما تستر الكعبة‪ .‬ثم قال‬
‫آخر الحديث‪ :‬وأنتم اليوم خير منكم يومئذ‪،‬‬

‫‪412‬‬
‫قلت‪ :‬روى الترمذي في السنن قال‪:‬‬

‫حدثنا هناد حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني‬


‫يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي حدثني من سمع علي‬
‫بن أبي طالب يقول‪ :‬إنا لجلوس مع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم في المسجد إذ طلع مصعب بن عمير ما عليه إل بردة له‬
‫مرقوعة بفرو فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى‬
‫للذي كان فيه من النعمة والذي هو اليوم فيه ثم قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم كيف بكم إذا غدًا أحدكم في حلة وراح في‬
‫حلة ووضعت بين يديه صحفة ورفعت أخرى وسترتم بيوتكم كما‬
‫تستر الكعبة قالوا‪ :‬يا رسول الله نحن يومئذ خير منا اليوم نتفرغ‬
‫للعبادة ونكفى المؤنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"لنتم اليوم خير منكم يومئذ" قال أبو عيسى هذا حديث حسن‬
‫ويزيد بن زياد هو بن ميسرة وهو مدني وقد روى عنه مالك بن‬
‫أنس وغير واحد من أهل العلم ويزيد بن زياد الدمشقي الذي‬
‫روى عن الزهري روى عنه وكيع ومروان بن معاوية ويزيد بن أبي‬
‫زياد كوفي‪..‬‬

‫وأخرج اللباني في صحيح الترغيب والترهيب وقال‪(:‬صحيح‬


‫لغيره)‬

‫وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال نظر رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم إلى الجوع في وجوه أصحابه فقال‪:‬‬
‫"أبشروا فإنه سيأتي عليكم زمان يغدى على أحدكم بالقصعة من‬
‫الثريد ويراح عليه بمثلها" قالوا يا رسول الله نحن يومئذ خير‬
‫قال‪" :‬بل أنتم اليوم خير منكم يومئذ" رواه البزار بإسناد جيد‪.‬‬

‫‪-‬وأنهم إذا مشوا المطيطاء وخدمتهم بنات فارس والروم رد الله‬


‫بأسهم بينهم وسلط شرارهم على خيارهم‪ .‬وقتالهم الترك‬
‫والخزر والروم‪،‬‬

‫قلت‪ :‬أخرج البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬

‫أخبرنا أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو بكر القطان حدثنا أحمد بن‬
‫يوسف حدثنا محمد بن يوسف قال ذكر سفيان عن يحيى بن‬
‫سعيد عن أبي موسى يحنس قال‪ :‬قال رسول الله‪" :‬إذا مشت‬
‫أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم سلك بعضهم على‬
‫بعض"‪...‬‬

‫‪413‬‬
‫وأخبرنا أبو الحسن المقري أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق‬
‫حدثنا يوسف بن يعقوب حدثنا أبو الربيع حدثنا زيد بن الحباب‬
‫حدثنا موسى بن عبيده حدثنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن‬
‫النبي بمثله والله تعالى أعلم الصواب‪.‬‬

‫‪ -‬وذهاب كسرى وفارس حتى ل كسرى ول فارس بعده‪ ،‬وذهاب‬


‫قيصر حتى ل قيصر بعده‪.‬‬

‫قلت‪ :‬روى مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة‪ ،‬قال‪:‬‬

‫*حدثنا عمرو الناقد وابن أبي عمر (واللفظ لبن أبي عمر)‪ .‬قال‪:‬‬
‫حدثنا سفيان عن الزهري‪ ،‬عن سعيد بن المسيب‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪":‬قد مات‬
‫كسرى فل كسرى بعده‪ .‬وإذا هلك قيصر فل قيصر بعده‪ .‬والذي‬
‫نفسي بيده! لتنفقن كنوزهما في سبيل الله"‪.‬‬

‫*حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق‪ .‬حدثنا معمر عن همام‬


‫بن منبه‪ ،‬قال‪ :‬هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ .‬فذكر أحاديث منها‪ :‬وقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬هلك كسرى ثم ل يكون كسرى بعده‪ .‬وقيصر ليهلكن ثم‬
‫ل يكون قيصر بعده‪ .‬ولتقسمن كنوزهما في سبيل الله"‪.‬‬

‫*حدثنا قتيبة بن سعيد‪ .‬حدثنا جرير عن عبد الملك بن عمير‪ ،‬عن‬


‫جابر بن سمرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إذا‬
‫هلك كسرى فل كسرى بعده" فذكر بمثل حديث أبي هريرة‬
‫سواء‪.‬‬

‫*حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو كامل الجحدري‪ .‬قال‪ :‬حدثنا أبو‬


‫عوانة عن سماك بن حرب‪ ،‬عن جابر بن سمرة‪ .‬قال‪ :‬سمعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬لتفتحن عصابة من‬
‫المسلمين‪ ،‬أو من المؤمنين‪ ،‬كنز آل كسرى الذي في‬
‫البيض"‪...‬قال قتيبة‪ :‬من المسلمين‪ .‬ولم يشك‪.‬‬

‫‪ -‬وذكر أن الروم ذات قرون إلى آخر الدهر‪ .‬وبذهاب المثل‬


‫فالمثل من الناس‪ ،‬وتقارب الزمان‪ ،‬وقبض العلم‪ ،‬وظهور الفتن‪،‬‬
‫والهرج‪.‬‬

‫قلت‪ :‬روى الشيخان في صحيحيهما‪،‬‬

‫‪414‬‬
‫البخاري في كتاب العلم‪ .‬باب‪ :‬كيف يقبض العلم‪.‬‬

‫وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم‪ :‬انظر ما كان من‬
‫حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه‪ ،‬فإني خفت‬
‫دروس العلم وذهاب العلماء‪ ،‬ول تقبل إل حديث النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ولتفشوا العلم‪ ،‬ولتجلسوا حتى يعلم من ل يعلم‪،‬‬
‫فإن العلم ل يهلك حتى يكون سًرا‪.‬‬

‫حدثنا العلء بن عبد الجبار قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز بن مسلم‪ ،‬عن‬
‫عبد الله بن دينار‪ :‬بذلك‪ ،‬يعني حديث عمر بن عبد العزيز‪ ،‬إلى‬
‫قوله‪ :‬ذهاب العلماء‪.‬‬

‫‪ -‬حدثنا إسماعيل بن أويس قال‪ :‬حدثني مالك‪ ،‬عن هشام بن‬


‫عروة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال‪ :‬سمعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪( :‬إن الله ل يقبض العلم‬
‫انتزاع ًا ينتزعه من العباد‪ ،‬ولكن يقبض العلم بقبض العلماء‪ ،‬حتى‬
‫سا جهالً‪ ،‬فسئلوا‪ ،‬فأفتوا بغير‬
‫ما‪ ،‬اتخذ الناس رؤو ً‬
‫إذا لم يبق عال ً‬
‫علم‪ ،‬فضلوا وأضلوا)‪.‬‬

‫قال الفربري‪ :‬حدثنا عباس قال‪ :‬حدثنا قتيبة‪ :‬حدثنا جرير‪ ،‬عن‬
‫هشام نحوه‪.‬‬
‫ومسلم في كتاب العلم باب رفع العلم وقبضه‪ ،‬وظهور الجهل‬
‫والفتن‪ ،‬في آخر الزمان‪.‬‬

‫*حدثنا شيبان بن فروخ‪ .‬حدثنا عبد الوارث‪ .‬حدثنا أبو التياح‪.‬‬


‫حدثني أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬من أشراط الساعة أن يرفع العلم‪ ،‬ويثبت الجهل‪،‬‬
‫ويشرب الخمر‪ ،‬ويظهر الزنى"‪.‬‬

‫*حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار‪ .‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪.‬‬


‫حدثنا شعبة‪ .‬سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك‪ .‬قال‪ :‬أل‬
‫أحدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬ل‬
‫يحدثكم أحد‪ ،‬بعدي‪ ،‬سمعه منه‪" :‬إن من أشراط الساعة أن يرفع‬
‫العلم‪ ،‬ويظهر الجهل‪ ،‬ويفشو الزنى‪ ،‬ويشرب الخمر‪ ،‬ويذهب‬
‫الرجال‪ ،‬وتبقى النساء‪ ،‬حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد"‪.‬‬

‫*حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير‪ .‬حدثنا وكيع وأبي‪ .‬قال‪:‬‬


‫حدثنا العمش‪ .‬ح وحدثني أبو سعيد الشج (واللفظ له)‪ .‬حدثنا‬
‫وكيع‪ .‬حدثنا العمش عن أبي وائل قال‪ :‬كنت جالسا مع عبد الله‬

‫‪415‬‬
‫وأبي موسى‪ .‬فقال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن‬
‫ما‪ .‬يرفع فيها العلم‪ ،‬وينزل فيها الجهل‪ ،‬ويكثر‬
‫بين يدي الساعة أيا ً‬
‫فيها الهرج‪ .‬والهرج القتل"‪.‬‬

‫*حدثني حرملة بن يحيى‪ .‬أخبرنا ابن وهب‪ .‬أخبرني يونس عن‬


‫ابن شهاب‪ .‬حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف؛ أن أبا هريرة‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يتقارب الزمان‪،‬‬
‫ويقبض العلم‪ ،‬وتظهر الفتن‪ ،‬ويلقى الشح‪ ،‬ويكثر الهرج" قالوا‪:‬‬
‫وما الهرج؟ قال "القتل"‪.‬‬

‫*حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‪ .‬حدثنا عبد العلى عن معمر‪ ،‬عن‬
‫الزهري‪ ،‬عن سعيد‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪" :‬يتقارب الزمان‪ ،‬وينقص العلم" ثم ذكر مثل‬
‫حديثهما‪.‬‬

‫*حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر‪ .‬قالوا حدثنا إسماعيل‬


‫(يعنون ابن جعفر) عن العلء‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي هريرة‪ .‬ح وحدثنا‬
‫ابن نمير وأبو كريب وعمرو الناقد‪ .‬قالوا‪ :‬حدثنا إسحاق بن‬
‫سليمان‪ ،‬عن حنظلة‪ ،‬عن سالم‪ ،‬عن أبي هريرة‪ .‬ح وحدثنا محمد‬
‫بن رافع‪ .‬حدثنا عبد الرزاق‪ .‬حدثنا معمر عن همام بن منبه‪ ،‬عن‬
‫أبي هريرة‪ .‬ح وحدثني أبو الطاهر‪ .‬أخبرنا ابن وهب عن عمرو بن‬
‫الحارث‪ ،‬عن أبي يونس‪ ،‬عن أبي هريرة‪ .‬كلهم قال‪ :‬عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬بمثل حديث الزهري عن حميد‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة‪ .‬غير أنهم لم يذكروا "ويلقى الشح"‪.‬‬

‫*حدثنا قتيبة بن سعيد‪ .‬حدثنا جرير عن هشام بن عروة‪ ،‬عن‬


‫أبيه‪ .‬سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول‪ :‬سمعت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬إن الله ل يقبض العلم انتزاعا‬
‫ينتزعه من الناس‪ .‬ولكن يقبض العلم بقبض العلماء‪ .‬حتى إذا لم‬
‫سا جهالً‪ ،‬فسئلوا فأفتوا بغير علم‪.‬‬
‫ما‪ ،‬اتخذ الناس رؤ ً‬
‫يترك عال ً‬
‫فضلوا وأضلوا"‪.‬‬

‫*حدثنا محمد بن المثنى‪ .‬حدثنا عبد الله بن حمران عن عبد‬


‫الحميد بن جعفر‪ .‬أخبرني أبي‪ ،‬جعفر عن عمر بن الحكم‪ ،‬عن‬
‫عبد الله بن عمرو بن العاص‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫بمثل حديث هشام بن عروة‪.‬‬

‫‪416‬‬
‫حدثنا حرملة بن يحيى التجيبي‪ .‬أخبرنا عبد الله بن وهب‪ .‬حدثني‬
‫أبو شريح؛ أن أبا السود حدثه عن عروة بن الزبير‪ .‬قال‪ :‬قالت‬
‫لي عائشة‪ :‬يا ابن أختي! بلغني أن عبد الله بن عمرو مار بنا إلى‬
‫الحج‪ .‬فالقه فسائله‪ .‬فإنه قد حمل عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم علما كثيًرا‪ .‬قال فلقيته فساءلته عن أشياء يذكرها عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬قال عروة‪ :‬فكان فيما ذكر؛ أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬إن الله ل ينتزع العلم من‬
‫الناس انتزاع ًا‪ .‬ولكن يقبض العلماء فيرفع العلم معهم‪ .‬ويبقى في‬
‫سا جهالً‪ .‬يفتونهم بغير علم‪ .‬فيضلون ويضلون"‪.‬‬ ‫الناس رؤ ً‬
‫قال عروة‪ :‬فلما حدثت عائشة بذلك‪ ،‬أعظمت ذلك وأنكرته‪.‬‬
‫قالت‪ :‬أحدثك أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟‬

‫قال عروة‪ :‬حتى إذا كان قابل‪ ،‬قالت له‪ :‬إن ابن عمرو قد قدم‪.‬‬
‫فالقه‪ .‬ثم فاتحه حتى تسأله عن الحديث الذي ذكره لك في‬
‫العلم‪ .‬قال فلقيته فساءلته‪ .‬فذكره لي نحو ما حدثني به‪ ،‬في‬
‫مرته الولى‪ .‬قال عروة‪ :‬فلما أخبرتها بذلك‪ .‬قالت‪ :‬ما أحسبه إل‬
‫قد صدق‪ .‬أراه لم يزد فيه شيئا ولم ينقص‪.‬‬

‫‪ -‬وقال‪[ :‬ويل للعرب من شر قد اقترب]‪.‬‬

‫قلت‪ :‬متفق عليه‪،‬‬

‫رواه البخاري في كتاب النبياء‪ ،‬وفي كتاب المناقب‪ ،‬وفي كتاب‬


‫الفتن‪:‬‬

‫حدثنا يحيى بن بكير‪ :‬حدثنا الليث‪ ،‬عن عقيل‪ ،‬عن ابن شهاب‪ ،‬عن‬
‫عروة بن الزبير‪ :‬أن زينب بنت أبي سلمة حدثته‪ ،‬عن أم حبيبة‬
‫بنت أبي سفيان‪ ،‬عن زينب بنت جحش رضي الله عنهن‪:‬أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزع ًا يقول‪( :‬ل إله إل الله‪ ،‬ويل‬
‫للعرب من شر اقترب‪ ،‬فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل‬
‫هذه)‪ .‬وحلق بإصبعه البهام والتي تليها‪ ،‬قالت زينب بنت جحش‪:‬‬
‫فقلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أنهلك وفينا الصالحون؟ قال‪( :‬نعم‪ ،‬إذا كثر‬
‫الخبث)‪.‬‬

‫ومسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة‪:‬‬

‫حدثنا عمرو الناقد‪ .‬حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري‪ ،‬عن‬


‫عروة‪ ،‬عن زينب بنت أم سلمة‪ ،‬عن أم حبيبة‪ ،‬عن زينب بنت‬

‫‪417‬‬
‫جحش؛أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ من نومه وهو‬
‫يقول‪" :‬ل إله إل الله‪ .‬ويل للعرب من شر قد اقترب‪ .‬فتح اليوم‬
‫من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه" وعقد سفيان بيده عشرة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال‪" :‬نعم‪ .‬إذا كثر‬
‫الخبث"‪.‬‬

‫وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وسعيد بن عمرو الشعثي وزهير‬


‫بن حرب وابن أبي عمر‪ .‬قالوا‪ :‬حدثنا سفيان عن الزهري‪ ،‬بهذا‬
‫السناد‪ .‬وزادوا في السناد عن سفيان‪ ،‬فقالوا‪ :‬عن زينب بنت أم‬
‫سلمة‪ ،‬عن حبيبة‪ ،‬عن أم حبيبة‪ ،‬عن زينب بنت جحش‪ .‬حدثني‬
‫حرملة بن يحيى‪ .‬أخبرنا ابن وهب‪ .‬أخبرني يونس عن ابن شهاب‪.‬‬
‫أخبرني عروة بن الزبير؛ أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته؛ أن أم‬
‫حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها؛ أن زينب بنت جحش‪ ،‬زوج النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قالت‪:‬خرج رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يوما فزع ًا‪ ،‬محمًرا وجهه‪ ،‬يقول‪" :‬ل إله إل الله‪ .‬ويل‬
‫للعرب من شر قد اقترب‪ .‬فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج‬
‫مثل هذه" وحلق بإصبعه البهام‪ ،‬والتي تليها‪ .‬قالت فقلت‪ :‬يا‬
‫رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال‪" :‬نعم‪ .‬إذا كثر الخبث"‪.‬‬

‫‪-‬وأنه زويت له الرض فأري مشارقها ومغاربها‪ ،‬وسيبلغ ملك‬


‫أمته ما زوي له منها‪.‬وكذلك كان‪ ،‬امتدت في المشارق والمغارب‬
‫مما بين أرض الهند أقصى المشرق إلى بحر طنجة حيث ل‬
‫عمارة وراءه‪ ،‬وذلك ما لم تملكه أمة من المم‪ ،‬ولم تمتد في‬
‫الجنوب ول في الشمال مثل ذلك‪.‬‬

‫قلت رواه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة باب هلك‬


‫هذه المة بعضهم ببعض‪:‬‬

‫حدثنا أبو الربيع العتكي وقتيبة بن سعيد‪ .‬كلهما عن حماد بن‬


‫زيد (واللفظ لقتيبة)‪ .‬حدثنا حماد عن أيوب‪ ،‬عن أبي قلبة‪ ،‬عن‬
‫أبي أسماء‪ ،‬عن ثوبان‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬إن الله زوى لي الرض‪ .‬فرأيت مشارقها ومغاربها‪ .‬وإن‬
‫أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها‪ .‬وأعطيت الكنزين الحمر‬
‫والبيض‪ .‬وإني سألت ربي لمتي أن ل يهلكها بسنة عامة‪ .‬وأن ل‬
‫يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم‪ .‬فيستبيح بيضتهم‪ .‬وإن ربي‬
‫قال‪ :‬يا محمد! إني إذا قضيت قضاء فإنه ل يرد‪ .‬وإني أعطيتك‬
‫لمتك أن ل أهلكهم بسنة عامة‪ .‬وأن ل أسلط عليهم عدوا من‬
‫سوى أنفسهم‪ .‬يستبيح بيضتهم‪ .‬ولو اجتمع عليهم من بأقطارها ‪-‬‬

‫‪418‬‬
‫أو قال من بين أقطارها ‪ -‬حتى يكون بعضهم يهلك بعضا‪ ،‬ويسبي‬
‫بعضهم بعضا"‪.‬‬

‫وأخرجه ابن ماجه في سننه‪ ،‬قال‪:‬‬

‫حدثنا هشام بن عمار ثنا محمد بن شعيب بن شابور ثنا سعيد بن‬
‫بشير عن قتادة أنه حدثهم عن أبي قلبة الجرمي عبد الله بن زيد‬
‫عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬زويت لي‬
‫الرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها وأعطيت الكنزين الصفر أو‬
‫الحمر والبيض يعني الذهب والفضة وقيل لي إن ملكك إلى‬
‫حيث زوي لك وإني سألت الله عز وجل ثلثا أن ل يسلط على‬
‫أمتي جوعا فيهلكهم به عامة وأن ل يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم‬
‫بأس بعض وإنه قيل لي إذا قضيت قضاء فل مرد له وإني لن‬
‫أسلط على أمتك جوعا فيهلكهم فيه ولن أجمع عليهم من بين‬
‫أقطارها حتى يفني بعضهم بعضا ويقتل بعضهم بعضا وإذا وضع‬
‫السيف في أمتي فلن يرفع عنهم إلى يوم القيامة وإن مما‬
‫أتخوف على أمتي أئمة مضلين وستعبد قبائل من أمتي الوثان‬
‫وستلحق قبائل من أمتي بالمشركين وإن بين يدي الساعة‬
‫دجالين كذابين قريبا من ثلثين كلهم يزعم أنه نبي ولن تزال‬
‫طائفة من أمتي على الحق منصورين ل يضرهم من خالفهم حتى‬
‫يأتي أمر الله عز وجل" قال أبو الحسن لما فرغ أبو عبد الله من‬
‫هذا الحديث قال ما أهوله‪ ...‬قال الشيخ اللباني‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪-‬وقوله‪ :‬ل يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم‬
‫الساعة ـ ذهب ابن المديني إلى أنهم العرب‪ ،‬لنهم المختصون‬
‫بالسقي بالغرب ـ وهي الدلو‪ .‬و غيره يذهب إلى أنهم أهل‬
‫المغرب‪ ،‬و قد ورد الغرب كذا في الحديث بمعناه‪.‬‬

‫قلت‪ :‬رواه مسلم في كتاب المارة‪ ،‬باب قوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪( :‬ل تزال ظائفة من أمتي ظاهرين على الحق ل يضرهم‬
‫من خالفهم)‪.‬‬

‫* حدثنا يحيى بن يحيى‪ .‬أخبرنا هشيم عن داود بن أبي هند‪ ،‬عن‬


‫أبي عثمان‪ ،‬عن سعد بن أبي وقاص‪ .‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪( :‬ل يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى‬
‫تقوم الساعة)‪.‬‬

‫‪419‬‬
‫وأخرجه اللباني في السلسلة الصحيحة‪ ،‬قال‪( :‬ل يزال أهل‬
‫الغرب ظاهرين حتى تقوم الساعة)‪ ( .‬صحيح )‪ .‬قال أبو نعيم‬
‫حديث ثابت مشهور‪ ( .‬المراد بأهل الغرب في هذا الحديث أهل‬
‫الشام )‪.‬‬

‫وفي حديث آخر‪ ،‬من رواية أبي أمامة‪( :‬ل تزال طائفة من أمتي‬
‫ظاهرين على الحق‪ ،‬قاهرين لعدوهم‪ ،‬حتى يأتيهم أمر الله وهم‬
‫كذلك‪ .‬قيل‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬وأين هم‪ ،‬قال‪ :‬بيت المقدس)‪.‬‬

‫قلت‪ :‬رواه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة‪،‬باب قوله‪:‬‬


‫(ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ل يضرهم من‬
‫خالفهم)‬

‫* حدثنا سعيد بن منصور وأبو الربيع العتكي وقتيبة بن سعيد‪.‬‬


‫قالوا‪ :‬حدثنا حماد (وهو ابن زيد) عن أيوب‪ .‬عن أبي قلبة‪ ،‬عن‬
‫أبي أسماء‪ ،‬عن ثوبان‪ .‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪( :‬ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق‪ .‬ل يضرهم‬
‫من خذلهم‪ .‬حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)‪ .‬وليس في حديث‬
‫قتيبة (وهم كذلك)‪.‬‬

‫* وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‪ .‬حدثنا وكيع‪ .‬ح وحدثنا ابن نمير‪.‬‬
‫حدثنا وكيع وعبدة‪ .‬كلهما عن إسماعيل بن أبي خالد‪ .‬ح وحدثنا‬
‫ابن أبي عمر (واللفظ له)‪ .‬حدثنا مروان (يعني الفزاري) عن‬
‫إسماعيل‪ ،‬عن قيس‪ ،‬عن المغيرة‪ .‬قال‪ :‬سمعت رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يقول‪( :‬لن يزال قوم من أمتي ظاهرين‬
‫على الناس‪ ،‬حتى يأتيهم أمر الله‪ ،‬وهم ظاهرون)‪.‬‬

‫* وحدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار‪ .‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن‬


‫جعفر‪ .‬حدثنا شعبة عن سماك بن حرب‪ ،‬عن جابر بن سمرة‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال (لن يبرح هذا الدين قائما‪،‬‬
‫يقاتل عليه عصابة من المسلمين‪ ،‬حتى تقوم الساعة)‪.‬‬

‫* حدثني هارون بن عبد الله وحجاج بن الشاعر‪ .‬قال‪ :‬حدثنا حجاج‬


‫بن محمد‪ .‬قال‪ :‬قال ابن جريج‪ :‬أخبرني أبو الزبير؛ أنه سمع جابر‬
‫بن عبد الله يقول‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول‪( :‬ل تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق‪ ،‬ظاهرين إلى‬
‫يوم القيامة)‪.‬‬

‫‪420‬‬
‫* حدثنا منصور بن أبي مزاحم‪ .‬حدثنا يحيى بن حمزة عن عبد‬
‫الرحمن بن يزيد بن جابر؛ أن عمير بن هانئ حدثه‪ .‬قال‪ :‬سمعت‬
‫معاوية على المنبر يقول‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول‪( :‬ل تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله‪ ،‬ل يضرهم‬
‫من خذلهم أو خالفهم‪ ،‬حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على‬
‫الناس)‪.‬‬

‫* وحدثني إسحاق بن منصور‪ .‬أخبرنا كثير بن هشام‪ .‬حدثنا جعفر‬


‫(وهو ابن برقان) حدثنا يزيد بن الصم‪ .‬قال‪ :‬سمعت معاوية ابن‬
‫أبي سفيان ذكر حديثا رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬لم‬
‫أسمعه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم على منبره وحديثا‬
‫غيره‪ .‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪( :‬من يرد الله‬
‫به خيرا يفقهه في الدين‪ .‬ول تزال عصابة من المسلمين يقاتلون‬
‫على الحق ظاهرين على من ناوأهم‪ ،‬إلى يوم القيامة)‪.‬‬

‫* حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب‪ .‬حدثنا عمي عبد الله بن‬
‫وهب‪ .‬حدثنا عمرو بن الحارث‪ .‬حدثني يزيد أبي حبيب‪ .‬حدثني‬
‫عبد الرحمن بن شماسة المهري‪ .‬قال‪ :‬كنت عند مسلمة بن‬
‫مخلد‪ ،‬وعنده عبد الله بن عمرو بن العاص‪ .‬فقال عبد الله‪ :‬ل‬
‫تقوم الساعة إل على شرار الخلق‪ .‬هم شر من أهل الجاهلية‪ .‬ل‬
‫يدعون الله بشيء إل رده عليهم‪.‬‬

‫فبينما هم على ذلك أقبل عقبة بن عامر‪ .‬فقال له مسلمة‪ :‬يا‬


‫عقبة! اسمع ما يقول عبد الله‪ .‬فقال عقبة‪ :‬هو أعلم‪ .‬وأما أنا‬
‫فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪( :‬ل تزال عصابة‬
‫من أمتي يقاتلون على أمر الله‪ ،‬قاهرين لعدوهم‪ ،‬ل يضرهم من‬
‫خالفهم‪ ،‬حتى تأتيهم الساعة‪ ،‬وهم على ذلك)‪ .‬فقال عبد الله‪:‬‬
‫أجل‪ .‬ثم يبعث الله ريحا كريح المسك‪ .‬مسها مس الحرير‪ .‬فل‬
‫تترك نفسا في قلبه مثقال حبة من اليمان إل قبضته‪ .‬ثم يبقى‬
‫شرار الناس‪ ،‬عليهم تقوم الساعة‬

‫وروى البخاري في كتاب العتصام بالكتاب والسنَّة‪.‬باب‪ :‬قول‬


‫النبي صلى الله عليه وسلم‪( :‬ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين‬
‫على الحق)‪ .‬وهم أهل العلم‪.‬‬

‫* ‪ -‬حدثنا عبيد الله بن موسى‪ ،‬عن إسماعيل‪ ،‬عن قيس‪ ،‬عن‬


‫المغيرة بن شعبة‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪( :‬ل تزال‬
‫طائفة من أمتي ظاهرين‪ ،‬حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون)‪.‬‬

‫‪421‬‬
‫‪ -‬وأخبر بملك بني أمية‪ ،‬وولية معاوية‪ ،‬ووصاه‪ ،‬واتخاذ بني أمية‬
‫مال الله دُول‪ ،‬وخروج ولد العباس بالرايات السود‪ ،‬وملكهم‬
‫أضعاف ما ملكوا‪ ،‬وخروج المهدي‪.‬‬

‫ي‪.‬‬
‫جا َء في المهد ِ ّ‬
‫ما َ‬
‫ب َ‬
‫وقفة مع المام الترمذي وما روى في بَا ُ‬
‫ي أخبرنا أبي أخبرنا‬ ‫مد ٍ القرش ُّ‬‫ح َّ‬
‫م َ‬
‫ن ُ‬ ‫طب ُ‬ ‫ن أسبا َ‬‫حدَّثَنَا ع ُبيد ُ ب ُ‬‫‪َ -‬‬
‫سفيا ُ َ‬
‫ة عن زِّرٍ عن عبد ِ اللهِ قال‪- :‬‬
‫ن بَهدل َ‬ ‫ن الث ّوريُّ َ عن عاصم ِ ب ِ‬ ‫ُ‬
‫ب الدُّنيا حتَّى يمل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ل الل ّه صلى الله عليه وسلم‪( :‬ل تَذه ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قَا َ‬
‫ه اسمي)‪.‬‬ ‫ئ اسم ُ‬‫ل بيتي يُواط ُ‬ ‫ل من أه ِ‬ ‫ب رج ٌ‬ ‫العر َ‬
‫ة وأبي هَُريَرةَ‪ .‬هذا‬ ‫سل َ َ‬
‫م َ‬ ‫مِ َ‬
‫ي وأبي سعيد ٍ وأ ّ‬
‫ب عن ع َل ٍ ّ‬ ‫وفي البا ِ‬
‫ح‪.‬‬
‫ن صحي ٌ‬ ‫حس ٌ‬
‫َ‬
‫ة عن‬‫ن ع ُيين َ‬
‫نب ُ‬ ‫ن العلءِ العط ّاُر أخبرنا ُ‬
‫سفيا ُ‬ ‫حدَّثَنَا عبد ُ الجبَّارِ ب ُ‬
‫‪َ -‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬ ‫عاصم ٍ عن زِّرٍ عن عبد ِ اللهِ عن النَّب ّ‬
‫ه اسمي)‪.‬‬‫ئ اسم ُ‬ ‫ل بيتي يُواط ُ‬ ‫ل من أه ِ‬ ‫(يَلي رج ٌ‬

‫م يبقَ من‬
‫م أخبرنا أبو صالٍح عن أبي هَُريَرة َ قال لو ل ْ‬ ‫قال عاص ٌ‬
‫ي‪.‬‬ ‫َ‬
‫م حت ّى بَل ِ َ‬ ‫ه ذل َ‬
‫ك اليو َ‬ ‫الدُّنيا إل َّ يوما لطوَّ َ‬
‫ل الل ُ‬ ‫ً‬

‫ح‪.‬‬
‫حي ٌ‬
‫ص ِ‬
‫ن َ‬
‫س ٌ‬
‫ح َ‬
‫ث َ‬
‫حدِي ٌ‬
‫هذا َ‬
‫ة قال‬
‫شعب ُ‬ ‫ن جعفرٍ أخبرنا ُ‬ ‫ح َّ‬ ‫حدَّثَنَا ُ‬ ‫مد ُ بن ب َّ‬‫ح َّ‬ ‫حدَّثَنَا ُ‬
‫مد ُ ب ُ‬ ‫م َ‬ ‫شارٍ َ‬ ‫ُ‬ ‫م َ‬ ‫‪َ -‬‬
‫ث عن‬ ‫ق النَّاجي يُحدِّ ُ‬
‫صدِّي ِ‬
‫ت أبا ال ِّ‬ ‫ي قال سمع ُ‬ ‫ت زيدا ً العم َّ‬ ‫سمع ُ‬
‫ي قال‪:‬‬ ‫خدر ِ ّ‬
‫أبي سعيد ٍ ال ُ‬

‫ي الله صلى الله عليه‬ ‫ث فسأَلنَا نَب َّ‬ ‫ن بعد َ نَبي ِّنا حد ٌ‬ ‫ن يكو َ‬ ‫خشينا أ ْ‬ ‫‪َ (-‬‬
‫ش خمسا ً أو سبعا ً أو‬ ‫ُ‬
‫ن في أ َّ‬ ‫وسلم فقال‪ :‬إ َّ‬
‫ج يعي ُ‬ ‫يّ يَخُر ُ‬
‫متي المهد ِ‬
‫ك قال (سنيَن قال فَيجيءُ‬ ‫ك ‪ -‬قال قُلنا وما ذا َ‬ ‫ُ‬ ‫شا ّ‬ ‫تسعا ً ‪ -‬زيد ال َّ‬
‫ه في‬
‫حثي ل ُ‬ ‫ل يا مهديُّ أعطني أعطني قال فَي َ ْ‬ ‫ل فيقو ُ‬ ‫إليهِ الَّرج ُ‬
‫ه)‪.‬‬ ‫مل ُ‬‫ن يَح ِ‬ ‫ثوبِهِ ما استطاع َ أ ْ‬
‫ن‪.‬‬
‫ث حس ٌ‬
‫هذا حدي ٌ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫وقد ُروِيَ من غيرِ وجهٍ عن أبي سعيد ٍ عن النَّب ّ‬
‫ن‬ ‫ن عمرو ويقا ُ‬
‫ل بكُر ب ُ‬ ‫ه بكُر ب ُ‬ ‫ق النَّاج ُّ‬
‫ي اسم ُ‬ ‫دّي ِ‬
‫ص ِ‬
‫وسلم وأبو ال ِّ‬
‫س‪.‬‬
‫قي ٍ‬

‫‪422‬‬
‫‪ -‬وما ينال أهل بيته وتقتيلهم وتشريدهم‪ ،‬وقتل علي‪ ،‬وأن أشقاها‬
‫الذي يخضب هذه من هذه‪ ،‬أي لحيته من رأسه‪ ،‬وأنه قسيم النار‪،‬‬
‫يدخل أولياؤه النار‪ ،‬فكان فيمن عاداه الخوارج والناصبة‪ ،‬وطائفة‬
‫ممن ينسب إليه من الروافض كفروه‪.‬‬

‫قلت‪ :‬قال ابن كثير في البداية والنهاية‬

‫أخباره صلى الله عليه وسلم بمقتل علي بن أبي طالب فكان‬
‫كما أخبر‪.‬‬

‫‪...‬قال المام أحمد ثنا علي بن بحر ثنا عيسى بن يونس ثنا محمد‬
‫بن إسحاق حدثني زيد بن محمد بن خيثم المحاربي عن محمد بن‬
‫كعب بن خيثم عن عمار بن ياسر قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم لعلي حين ولى غزوة العثيرة‪ :‬يا أبا تراب‪ -‬لما يرى‬
‫عليه من التراب ‪ -‬أل أحدثك بأشقى الناس رجلين قلنا بلى يا‬
‫رسول الله قال‪ :‬أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك يا‬
‫علي على هذه يعني قرنه حتى يبل هذه يعني لحيته‪.‬‬

‫وروى البيهقي عن الحاكم عن الصم عن الحسن بن مكرم عن‬


‫أبي النضر عن محمد بن راشد عن عبد الله بن محمد بن عقيل‬
‫عن فضالة النصاري وكان أبوه من أهل بدر قال خرجت مع أبي‬
‫عائدًا لعلي بن أبي طالب في مرض أصابه فقتل منه قال فقال‬
‫أبي ما يقيمك بمنزلك هذا فلو أصابك أجلك لم يكن إل أعراب‬
‫جهينة تحملك إلى المدينة فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلوا‬
‫عليك فقال علي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي‬
‫أن ل أموت حتى تخضب هذه يعني لحيته من دم هذه يعني هامته‬
‫فقتل وقتل أبو فضالة مع علي يوم صفين‪.‬‬

‫وقال أبو داود الطيالسي ثنا شريك عن عثمان بن المغيرة عن‬


‫زيد بن وهب قال جاء رأس الخوارج إلى علي فقال له اتق الله‬
‫فإنك ميت فقال ل والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ولكن مقتول‬
‫من ضربة على هذه تخضب هذه وأشار بيده إلى لحيته عهد‬
‫معهود وقضاء مقضي وقد خاب من افترى‪.‬‬

‫وقد روى البيهقي بإسناد صحيح عن زيد بن اسلم عن أبي سنان‬


‫المدركي عن علي في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بقتله‬
‫وروى من حديث هيثم عن إسماعيل بن سالم عن أبي إدريس‬
‫الزدي عن علي قال إن ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه‬

‫‪423‬‬
‫وسلم أن المة ستغدر بك بعدي ثم ساقه من طريق قطر بن‬
‫خليفة وعبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة بن‬
‫يزيد الحمامي قال سمعت عليا يقول‪ :‬إنه لعهد النبي المي إلي‬
‫إن المة ستغدر بك بعدي‪ ..‬قال البخاري ثعلبة هذا فيه نظر ول‬
‫يتابع على حديثه هذا‪.‬‬

‫وروى البيهقي عن الحاكم عن الصم عن محمد بن إسحاق‬


‫الصنعاني عن أبي الجوب الحوص بن خباب عن عمار بن زريق‬
‫عن العمش عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة بن يزيد قال قال‬
‫علي والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذه للحيته‬
‫من رأسه فما يحبس أشقاها فقال عبد الله بن سبيع والله يا أمير‬
‫المؤمنين لو أن رجل ً فعل ذلك لثرنا عشيرته فقال أنشدك بالله‬
‫أن ل تقتل بي غير قاتلي قالوا يا أمير المؤمنين أل تستخلف قال‬
‫ولكن أترككم كما ترككم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا‬
‫فما تقول لربك إذا تركتنا همل قال أقول اللهم استخلفني فيهم‬
‫ما بدا لك ثم قبضتني وتركتك فيهم فإن شئت أصلحتهم وإن‬
‫شئت أفسدتهم وهكذا روى البيهقي هذا وهو موقوف وفيه غرابة‬
‫من حيث اللفظ ومن حيث المعنى ثم المشهور عن علي أنه لما‬
‫طعنه عبد الرحمن بن ملجم الخارجي وهو خارج لصلة الصبح‬
‫عند السدة فبقي علي يومين من طعنته وحبس ابن ملجم‬
‫الخارجي وأوصى علي إلى ابنه الحسن بن علي‪ ..‬وأمره أن‬
‫يركب في الجنود وقال له ل يجر علي كما تجر الجارية فلما مات‬
‫قتل عبد الرحمن بن ملجم قودًا وقيل حدا والله أعلم ثم ركب‬
‫الحسين بن علي في الجنود وسار إلى معاوية‪.‬‬

‫‪ -‬وقال‪ :‬يقتل عثمان وهو يقرأ في المصحف وأن الله عسى أن‬
‫يلبسه قميصاً‪،‬وأنهم يريدون خلعه‪،‬وأنه سيقطر دمه على قوله‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه)(البقرة ‪.) 137‬‬ ‫سيَكْفِيكَهُ ُ‬
‫ق فَ َ‬
‫شقَا ٍ‬
‫تعالى‪( :‬فِي ِ‬
‫قال ابن كثير في البداية والنهاية‬
‫* صفة قتل عثمان رضي الله عنه‬

‫وقال خليفة بن خياط حدثنا ابن علية ثا ابن عوف عن الحسن‬


‫قال أنبأني رباب قال‪ :‬بعثني عثمان فدعوت له الشتر‪ .‬فقال‪ :‬ما‬
‫يريد الناس؟ قال‪ :‬ثلث ليس من إحداهن بد‪ .‬قال‪:‬ما هن؟ قال‪:‬‬
‫يخيـرونك بين أن تخلع لهم أمرهم فتقول هذا أمركم فاختاروا من‬
‫شئتم‪ ،‬وبين أن تقتص من نفسك فأن أبيت فإن القوم قاتلوك‪...‬‬
‫فقال‪ :‬أما أن أخلع لهم أمرهم فما كنت لخلع سربال ً سربلنيه‬

‫‪424‬‬
‫الله‪ ،‬وأما أن اقتص لهم من نفسي فو الله لئن قتلتموني ل‬
‫تحابون بعدي‪ ،‬ول تصلون بعدي جميعًا‪ ،‬ول تقاتلون بعدي جميعًا‬
‫عدوًا أبدًا‪ ...‬قال‪ :‬وجاء رويجل كأنه ذئب فاطلع من باب ورجع‬
‫وجاء محمد بن أبي بكر في ثلثة عشر رجًل فأخذ بلحيته فعال بها‬
‫حتى سمعت وقع أضراسه‪ ..‬فقال‪ :‬ما أغنى عنك معاوية‪ ،‬وما‬
‫أغنى عنك ابن عامر‪ ،‬وما أغنت عنك كتبك‪ ..‬قال‪ :‬اسل لحيتي يا‬
‫ابن أخي‪ .‬قال‪:‬فأنا رأيته استعدي رجل ً من القوم بعينه يعني أشار‬
‫إليه فقام إليه بمشقص فوجى به رأسه‪ ..‬قلت‪ :‬ثم مه؟ قال ثم‬
‫تعاوروا عليه حتى قتلوه‪..‬‬

‫قال سيف بن عمر التميمي رحمه الله عن العيص بن القاسم‬


‫عن رجل عن خنساء مولة أسامة بن زيد وكانت تكون مع نائلة‬
‫بنت الفرافصة امرأة عثمان أنها كانت في الدار ودخل محمد بن‬
‫أبي بكر وأخذ بلحيته وأهوى بمشاقص معه فبحأ بها في حلقه‬
‫فقال مهل يا ابن أخي فو الله لقد أخذت مأخذا ما كان أبوك‬
‫ما فاستقبله القوم على باب‬ ‫ليأخذ به فتركه وانصرف مستحييا ناد ً‬
‫الصفة فردهم طويًل حتى غلبوه فدخلوا وخرج محمد راجعًا فأتاه‬
‫رجل بيده جريدة يقدمهم حتى قام على عثمان فضرب بها رأسه‬
‫فشجه فقطر دمه على المصحف حتى لطخه ثم تعاوروا عليه‬
‫فأتاه رجل فضربه على الثدي بالسيف ووثبت نائلة بنت‬
‫الفرافصة الكلبية فصاحت وألقت نفسها عليه وقالت‪ :‬يا بنت‬
‫شيبة أيقتل أمير المؤمنين وأخذت السيف فقطع الرجل يدها‬
‫وانتهبوا متاع الدار ومر رجل على عثمان ورأسه مع المصحف‬
‫فضرب رأسه برجله ونحاه عن المصحف وقال ما رأيت كاليوم‬
‫وجه كافر أحسن ول مضجع كافر أكرم قال والله ما تركوا في‬
‫داره شيئًا حتى القداح إل ذهبوا به‪...‬‬

‫وروى الحافظ ابن عساكر أن عثمان لما عزم على أهل الدار في‬
‫النصراف ولم يبق عنده سوى أهله تسوروا عليه الدار وأحرقوا‬
‫الباب ودخلوا عليه وليس فيهم أحد من الصحابة ول أبنائهم إل‬
‫محمد بن أبي بكر وسبقه بعضهم فضربوه حتى غشى عليه‬
‫وصاح النسوة فانزعروا وخرجوا ودخل محمد بن أبي بكر وهو‬
‫يظن أنه قد قتل فلما رآه قد أفاق قال‪:‬على أي دين أنت يا‬
‫نعثل؟ قال‪ :‬على دين السلم‪ ،‬ولست بنعثل ولكني أمير‬
‫المؤمنين‪ ..‬فقال‪ :‬غيرت كتاب الله‪ .‬فقال‪ :‬كتاب الله بيني‬
‫وبينكم‪ .‬فتقدم إليه وأخذ بلحيته وقال‪ :‬إنا ل يقبل منا يوم القيامة‬
‫أن نقول ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل وشطحه‬

‫‪425‬‬
‫بيده من البيت إلى باب الدار وهو يقول‪ :‬يا ابن أخي ما كان أبوك‬
‫ليأخذ بلحيتي‪ ...‬وجاء رجل من كندة من أهل مصر يلقب حمارا‬
‫ويكنى بأبي رومان وقال قتادة أسمه رومان وقال غيره كان‬
‫أزرق أشقر وقيل كان أسمه سودان بن رومان المرادي وعن ابن‬
‫عمر قال كان اسم الذي قتل عثمان أسود بن حمران ضربه‬
‫بحربة وبيده السيف صلتا قال ثم جاء فضربه به في صدره حتى‬
‫أقعصه ثم وضع ذباب السيف في بطنه واتكى عليه وتحامل حتى‬
‫قتله‪ ...‬وقامت نائلة دونه فقطع السيف أصابعها رضي الله‬
‫عنها‪.‬ويروى أن محمد بن أبي بكر طعنه بمشاقص في أذنه حتى‬
‫دخلت حلقه والصحيح أن الذي فعل ذلك غيره وأنه استحى ورجع‬
‫حين قال له عثمان‪ :‬لقد أخذت بلحية كان أبوك يكرمها‪ ..‬فتذمم‬
‫من ذلك وغطى وجهه ورجع وحاجز دونه فلم يفد (وكان أمر الله‬
‫قدرا مقدوًرا) (وكان ذلك في الكتاب مسطوًرا)…‬

‫وروى ابن عساكر عن ابن عون أن كنانة بن بشر ضرب جبينه‬


‫ومقدم رأسه بعمود حديد فخر لجنبيه وضربه سودان بن حمران‬
‫المرادي بعد ما خر لجنبه فقتله وأما عمرو بن الحمق فوثب على‬
‫عثمان فجلس على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات وقال‬
‫أما ثلث منهن فلله وست لما كان في صدري عليه‪.‬‬

‫وقال الطبراني حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة البغدادي‬


‫وإسحاق بن داود الصواف التستري قال ثنا محمد بن خالد بن‬
‫خداش ثنا مسلم بن قتيبة ثنا مبارك عن الحسن قال حدثني‬
‫سياف عثمان أن رجل ً من النصار دخل على عثمان فقال ارجع يا‬
‫ابن أخي فلست بقاتلي قال وكيف علمت ذلك قال لنه أتى بك‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يوم سابعك فحنكك ودعا لك بالبركة‬
‫ثم دخل عليه رجل آخر من النصار فقال له مثل ذلك سواء ثم‬
‫دخل محمد بن أبي بكر فقال أنت قاتلي قال وما يدريك يا نعثل‬
‫قال لنه أتى بك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم سابعك‬
‫ليحنكك ويدعو لك بالبركة فحربت على رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال فوثب على صدره وقبض على لحيته ووجأه‬
‫بمشاقص كانت في يده هذا حديث غريب جدا وفيه نكارة وثبت‬
‫من غير وجه أن أول قطرة من دمه سقطت على قوله تعالى‪:‬‬
‫( فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم) ويروى أنه كان قد وصل‬
‫ضا حين دخلوا عليه وليس ببعيد فأنه كان قد‬‫إليها في التلوة أي ً‬
‫وضع المصحف يقرأ فيه القرآن‪.‬‬

‫‪426‬‬
‫‪-J‬وأن الفتن ل تظهر ما دام عمر حياً‪ .‬وبمحاربة الزبير لعلي‪،‬‬
‫وبنباح كلب الحوأب على بعض أزواجه‪ ،‬وأنه يقتل حولها قتلى‬
‫كثير‪ ،‬وتنجو بعد ما كادت‪ ،‬فنبحت على عائشة عند خروجها إلى‬
‫البصرة‪...‬‬

‫قلت‪ :‬قال ابن كثير في البداية والنهاية‪.‬‬

‫‪...‬وقال المام أحمد حدثنا يحيى بن إسماعيل ثنا قيس قال لما‬
‫أقبلت عائشة يعني في مسيرها إلى وقعة الجمل وبلغت مياه‬
‫بني عامر ليل ً نبحت الكلب فقالت أي ماء هذا قالوا ماء الحوأب‬
‫فقالت ما أظنني إل راجعة فقال بعض من كان معها بل تقدمين‬
‫فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم قالت إن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال لنا ذات يوم‪ :‬كيف بإحداكن تنبح عليها‬
‫كلب الحوأب‪.‬‬

‫ورواه أبو نعيم بن حماد في الملحم عن يزيد بن هارون عن أبي‬


‫خالد عن قيس بن أبي حازم به ثم رواه أحمد عن غندر عن‬
‫شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم أن‬
‫عائشة لما أتت على الحوأب فسمعت نباح الكلب فقالت ما‬
‫أظنني إل راجعة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا‪:‬‬
‫أيتكن ينبح عليها كلب الحوأب‪ ..‬فقال لها الزبير ترجعين عسى‬
‫الله أن يصلح بك بين الناس وهذا إسناد على شرط الصحيحين‬
‫ولم يخرجوه‪.‬‬

‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ثنا محمد بن عثمان بن كرامة ثنا‬
‫عبيد الله بن موسى عن عصام بن قدامة البجلي عن عكرمة عن‬
‫ابن عباس قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬ليت‬
‫شعري أيتكن صاحبة الجمل الديب تسير حتى تنبحها كلب‬
‫الحوأب يقتل عن يمينها وعن يسارها خلق كثير ثم قال ل نعلمه‬
‫يروى عن ابن عباس إل بهذا السناد‪..‬‬

‫‪ -‬وأن عمارا ً تقلته الفئة الباغية‪ ،‬فقتله أصحاب معاوية‪.‬‬

‫قلت‪ :‬روى مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة‪.‬‬

‫*حدثني محمد بن عمرو بن جبلة‪ .‬حدثنا محمد بن جعفر‪ .‬ح‬


‫وحدثنا عقبة بن مكرم العمي وأبو بكر بن نافع (قال عقبة‪ :‬حدثنا‪.‬‬
‫وقال أبو بكر‪ :‬أخبرنا) غندر‪ .‬حدثنا شعبة قال‪ :‬سمعت خالدًا‬
‫يحدث عن سعيد بن أبي الحسن‪ ،‬عن أمه‪ ،‬عن أم سلمة؛ أن‬

‫‪427‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار "تقتلك الفئة‬
‫الباغية"‪.‬‬

‫*وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‪ .‬حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن‬


‫ابن عون‪ ،‬عن الحسن‪ ،‬عن أمه‪ ،‬عن أم سلمة‪ ،‬قالت‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬تقتل عمارا الفئة الباغية"‪.‬‬

‫‪ -‬وقال لعبد الله بن الزبير‪ :‬ويل للناس منك‪ ،‬وويل لك من‬


‫الناس‪.‬‬
‫َ‬
‫د‬
‫م ِ‬ ‫ح َّ‬‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫حدَّثَنَا ع َبْد ُ الل ّهِ ب ْ ُ‬ ‫قلت‪ :‬رواه الدارقطني في سننه‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫حدَّثَنَا‬ ‫جاهِد ٍ َ‬ ‫م َ‬‫ن ُ‬ ‫ى بْ ُ‬ ‫حدَّثَنَا عَل ِ ُّ‬‫ميْد ٍ َ‬‫ح َ‬‫ن ُ‬ ‫مد ُ ب ْ ُ‬‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫حدَّثَنَا ُ‬ ‫ن ع َبْد ِ الْعَزِيزِ َ‬ ‫بْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫ماءَ بِن ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬
‫ل َ‬ ‫ل الُّزبَيْرِ قَا َ‬ ‫موْلَى آ ِ‬ ‫مد ٍ َ‬ ‫ح َّ‬‫م َ‬ ‫ى أبُو ُ‬ ‫ح النُّوب ِ ُّ‬ ‫َربَا ٌ‬
‫م فَدَفَ َ‬
‫ع‬ ‫ج َ‬ ‫حت َ َ‬ ‫ن الن ّبِي صلى الله عليه وسلم ا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ج إِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫جا‬‫َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ْ‬
‫ل لِل َ‬ ‫أَبِى بَكْرٍتَقُو ُ‬
‫َ‬ ‫ه إِلَى ابْنِى فَ َ‬
‫ه فَأتَا ُ‬
‫ه‬ ‫شرِب َ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫دَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل ع َلَيْهِ ال َّ‬
‫ن‬
‫تأ ْ‬ ‫ل كَرِهْ ُ‬ ‫ت‪ .)).‬قَا َ‬ ‫صنَعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫خبََره ُ فَقَا َ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫جبْرِي ُ‬ ‫ِ‬
‫سكَ‬ ‫م َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مك‪ .‬فقَال الن ّبِي صلى الله عليه وسلم « ل ت َ َ‬ ‫ب دَ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫أ ُ‬
‫ل لَ َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ك وَوَي ْ ٌ‬ ‫ل لِلنَّاس ِ‬
‫من ْ َ‬ ‫ل‪( :‬وَي ْ ٌ‬‫سهِ وَقَا َ‬ ‫ح ع َلَى َرأ ِ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫النَّاُر‪.)).‬وَ َ‬
‫س‪).‬‬ ‫َ‬
‫الن ّا ِ‬
‫‪-‬وقال في قزمان ـ و قد أبلى مع المسلمين‪ :‬إنه من أهل النار‪...‬‬
‫فقتل نفسه‪.‬‬

‫قلت‪ :‬رواه البخاري في كتاب المغازي‪،‬‬

‫‪-1‬باب‪ :‬العمال بالخواتيم‪ ،‬وما يخاف منها‪.‬‬

‫‪ -‬حدثنا علي بن عيَّاش اللهاني الحمصي‪ :‬حدثنا أبو غسان قال‪:‬‬


‫حدثني أبو حازم‪ ،‬عن سهل بن سعد الساعدي قال‪ :‬نظر النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم إلى رجل يقاتل المشركين‪ ،‬وكان من‬
‫أعظم المسلمين غناء عنهم‪ ،‬فقال‪( :‬من أحب أن ينظر إلى رجل‬
‫من أهل النار فلينظر إلى هذا)‪ .‬فتبعه رجل‪ ،‬فلم يزل على ذلك‬
‫حتى جرح‪ ،‬فاستعجل الموت‪ ،‬فقال بذبابة سيفه فوضعه بين‬
‫ثدييه‪ ،‬فتحامل عليه حتى خرج من بين كتفيه‪ ،‬فقال النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪( :‬إن العبد ليعمل‪ ،‬فيما يرى الناس‪ ،‬عمل أهل‬
‫الجنة وإنه لمن أهل النار‪ ،‬ويعمل‪ ،‬فيما يرى الناس‪ ،‬عمل أهل‬
‫النار وهو من أهل الجنة‪ ،‬وإنما العمال بخواتيمها)‬

‫‪428‬‬
‫‪-2‬وفي باب‪ :‬العمل بالخواتيم‪.‬‬

‫‪ -‬حدثنا سعيد بن أبي مريم‪ :‬حدثنا أبو غسان‪ :‬حدثني أبو حازم‪،‬‬
‫عن سهل‪:‬‬

‫أن رجل ً من أعظم المسلمين غناء عن المسلمين‪ ،‬في غزوة‬


‫غزاها مع النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فنظر النبي صلى الله‬
‫ب أن ينظر إلى رجل من أهل النار‬ ‫عليه وسلم فقال‪( :‬من أح َّ‬
‫فلينظر إلى هذا)‪ .‬فاتَّبعه رجل من القوم‪ ،‬وهو على تلك الحال‬
‫من أشد الناس على المشركين‪ ،‬حتى جرح‪ ،‬فاستعجل الموت‪،‬‬
‫فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه‪ ،‬فأقبل‬
‫الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسرعاً‪ ،‬فقال‪ :‬أشهد أنك‬
‫ت لفلن‪( :‬من أحب أن‬ ‫رسول الله‪ ،‬فقال‪( :‬وما ذاك)‪ .‬قال‪ :‬قل َ‬
‫ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه)‪ .‬وكان من أعظمنا غناء‬
‫عن المسلمين‪ ،‬فعرفت أنه ل يموت على ذلك‪ ،‬فلما جرح‬
‫استعجل الموت فقتل نفسه‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عند ذلك‪( :‬إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة‪،‬‬
‫ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار‪ ،‬العمال بالخواتيم)‪.‬‬
‫وأخرجه التبريزي في مشكاة المصابيح‬

‫* عن أبي هريرة قال شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه‬


‫وسلم حنينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل ممن‬
‫معه يدعي السلم هذا من أهل النار فلما حضر القتال قاتل‬
‫الرجل من أشد القتال وكثرت به الجراح فجاء رجل فقال يا‬
‫رسول الله أرأيت الذي تحدثت أنه من أهل النار قد قاتل في‬
‫سبيل الله من أشد القتال فكثرت به الجراح فقال‪" :‬أما إنه من‬
‫أهل النار" فكاد بعض الناس يرتاب فبينما هو على ذلك إذ وجد‬
‫الرجل ألم الجراح فأهوى بيده إلى كنانته فانتزع سهما فانتحر بها‬
‫فاشتد رجال من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فقالوا يا رسول الله صدق الله حديثك قد انتحر فلن وقتل‬
‫نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬الله أكبر أشهد‬
‫أني عبد الله ورسوله يا بلل قم فأذن ل يدخل الجنة إل مؤمن‬
‫وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر"‪.‬‬

‫‪-‬وقال ـ في جماعة فيهم أبو هريرة‪ ،‬وسمرة بن جندب‪ ،‬وحذيفة‪:‬‬


‫آخركم موتا ً في النار فكان بعضهم يسأل عن بعض‪ ،‬فكان سمرة‬
‫آخرهم موتاً‪ ،‬هرم وخرف‪ ،‬فاصطلى بالنار فاحترق فيها‪.‬‬
‫وقفة مع البيهقي في قصة سمرة بن جندب‬

‫‪429‬‬
‫باب ما روي في إخباره نفرا من أصحابه بأن آخرهم موتا في‬
‫النار‪:‬‬

‫أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد أخبرنا عبد الله بن‬
‫جعفر حدثنا يعقوب بن سفيان حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي‬
‫حدثنا شعبة عن أبي مسلمة عن أبي نضرة عن أبي هريرة أن‬
‫النبي قال لعشرة في بيت من أصحابه آخركم موتًا في النار فيهم‬
‫سمرة بن جندب‬

‫قال أبو نضرة فكان سمرة آخرهم موتًا رواته ثقات إل أن أبا‬
‫نضرة العبدي لم يثبت له عن أبي هريرة سماع فالله أعلم وروي‬
‫من وجه آخر موصول عن أبي هريرة‪.‬‬

‫أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار‬


‫حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا محمد بن أبي بكر‬
‫حدثنا إسماعيل بن حكيم حدثنا يونس بن عبيد عن الحسن عن‬
‫أنس بن حكيم الضبي قال كنت أمر بالمدينة فألقى أبا هريرة فل‬
‫يبدأ بشيء يسألني حتى يسألني عن سمرة فإذا أخبرته بحياته‬
‫وصحته فرح فقال إنا كنا عشرة في بيت وإن رسول الله قام‬
‫فينا فنظر في وجوهنا وأخذ بعضادتي الباب ثم قال آخركم موتًا‬
‫في النار‪.‬‬

‫فقد مات منا ثمانية ولم يبق غيري وغيره فليس شيء أحب إلي‬
‫من أن أكون ذقت الموت‬

‫وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا‬


‫يعقوب بن سفيان حدثنا الحجاج بن المنهال حدثنا حماد بن علي‬
‫بن زيد عن أوس بن خالد قال كنت إذا قدمت على أبي محذورة‬
‫سألني عن سمرة وإذا قدمت على سمرة سألني عن أبي‬
‫محذورة فقلت لبي محذورة مالك إذا قدمت عليك سألتني عن‬
‫سمرة وإذا قدمت على سمرة سألني عنك فقال إني كنت أنا‬
‫وسمرة وأبو هريرة في بيت فجاء النبي فقال‪" :‬آخركم موتًا في‬
‫النار" فمات أبو هريرة ثم مات أبو محذورة ثم سمرة‪.‬‬

‫وروي من وجه أخر ذكر فيه عبد الله بن عمرو بدل أبي محذورة‬
‫والول أصح‪.‬‬

‫‪430‬‬
‫أخبرنا أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان‬
‫حدثنا أحمد بن يوسف حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر قال سمعت‬
‫ابن طاووس وغيره يقولون قال النبي لبي هريرة ولسمرة بن‬
‫جندب ولرجل آخر آخركم موتا في النار فمات الرجل قبلهم‬
‫وبقي أبو هريرة بالمدينة فكان إذا أراد الرجل أن يغيط أبا هريرة‬
‫يقول مات سمرة بن جندب يعني فإذا سمعه غشي عليه وصعق‬
‫ومات أبو هريرة قبل سمرة فقتل سمرة بشًرا كثيًرا‪.‬‬

‫هذا مرسل وهو يؤكد ما قبله‪.‬‬

‫أخبرنا أبو الحسين بن الفضل أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا‬


‫يعقوب بن سفيان حدثنا سليمان بن حرب حدثنا عامر بن أبي‬
‫عامر قال كنا في مجلس يونس بن عبيد في أصحاب الخز فقالوا‬
‫ما في الرض بقعة نشفت من الدم ما نشفت هذه يعنون دار‬
‫المارة قتل فيها سبعون ألفا فجاء يونس فقلت له يا أبا عبد الله‬
‫يقولون كذا وكذا قال نعم من بين قتيل وقطيع قيل له ومن فعل‬
‫ذلك يا أبا عبد الله قال زياد وابن زياد وسمرة قيل لم قال كان‬
‫والله قدرا لم يكن عنها مرحل‪.‬‬

‫أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو عمرو بن السماك حدثنا‬


‫حنبل ابن إسحاق قال حدثنا أبو عبد الله يريد أحمد بن حنبل‬
‫حدثنا عبد الصمد ابن عبد الوارث حدثنا أبو هلل حدثنا عبد الله‬
‫بن صبيح عن محمد بن سيرين قال كان سمرة ما علمت عظيم‬
‫المانة صدوق الحديث يحب السلم وأهله‪.‬‬

‫قلت بهذا وبصحبة رسول الله نرجو له بعد تحقيق قول رسول‬
‫الله‪.‬‬

‫وقد قال بعض أهل العلم إن سمرة مات في الحريق فصدق‬


‫بذلك قول رسول الله ويحتمل أن يورد النار بذنوبه ثم ينجو‬
‫بإيمانه فيخرج منها بشفاعة الشافعين والله أعلم‪.‬‬

‫وبلغني عن هلل بن العلء الرقي أن عبد الله بن معاوية حدثهم‬


‫عن رجل قد سماه أن سمرة استجمر فغفل عنه أهله حتى‬
‫أخذته النار‪.‬‬

‫‪-‬وقال في حنظلة الغسيل‪ :‬سلوا زوجته عنه‪ ،‬فإني رأيت‬


‫الملئكة تغسله فسألوها فقالت‪ :‬إنه خرج جنباً‪ ،‬وأعجله الحال‬

‫‪431‬‬
‫عن الغسل‪ .‬قال أبو سعيد رضي الله عنه‪ :‬ووجدنا رأسه يقطر‬
‫ماء ‪.‬‬

‫قلت‪ :‬قال ابن إسحاق وقد كان حنظلة بن أبي عمر التقي هو‬
‫وأبو سفيان بن حرب فلما استعله حنظلة رآه شداد بن السود‬
‫وكان يقال له ابن شعوب قد عل أبا سفيان فضربه شداد فقتله‪.‬‬

‫قال ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله‬


‫قال‪" :‬إن صاحبكم لتغسله الملئكة" يعني حنظلة فسلوا أهله ما‬
‫شأنه فسئلت صاحبته فقالت خرج وهو جنب حين سمع الهائعة‬
‫فقال رسول الله لذلك غسلته الملئكة"‪.‬‬

‫‪-‬وقال‪ :‬الخلفة في قريش‪ .‬ولن يزال هذا المر في قريش ما‬


‫أقاموا الدين‪.‬‬

‫قلت‪ :‬أخرجه السيوطي في الجامع الصغير عن عتبة بن عبد‪.‬‬

‫(الخلفة في قريش والحكم في النصار والدعوة في الحبشة‬


‫والجهاد والهجرة في المسلمين والمهاجرين بعد)‪.‬‬

‫*تخريج السيوطي‪( :‬حم‪ ..‬طب)‪.‬‬

‫*تحقيق اللباني‪( :‬صحيح)‪.‬‬

‫‪-‬وقال‪ :‬يكون في ثقيف كذاب ومبير فرأوهما‪ :‬الحجاج‪ ،‬والمختار‪.‬‬

‫ف كذَّا ٌ‬
‫ب ومبيٌر‪.‬‬ ‫جاءَ في ثَقي ٍ‬
‫ما َ‬
‫ب َ‬
‫نبا ُ‬
‫ب الفت ِ‬
‫أبوا ُ‬
‫ك عن‬ ‫ن موسى عن َ‬
‫شري ٍ‬ ‫لب ُ‬ ‫جرٍ أخبرنا الفض ُ‬ ‫ح ْ‬
‫ن ُ‬‫يب ُ‬‫حدَّثَنَا ع َل ُّ‬
‫‪َ -‬‬
‫ُ َّ‬ ‫ن عمر قال‪ - :‬قَا َ‬
‫سول الله صلى‬‫ل َر ُ‬ ‫ن ع ُصم ٍ عن اب ِ‬ ‫عبد ِ اللهِ ب ِ‬
‫ف كذَّا ٌ‬
‫ب مبيٌر)‪.‬‬ ‫الله عليه وسلم (في ثقي ٍ‬
‫ت أبي بكرٍ‪.‬‬
‫ب عن أسماءَ بن ِ‬
‫وفي البا ِ‬
‫ث‬‫حدِي ٌ‬ ‫ك نحو هذا َ‬ ‫شري ٌ‬ ‫ن واقد ٍ أخبرنا َ‬‫نب ُ‬ ‫ِ‬ ‫حدَّثَنَا عبد ُ الَّرح َ‬
‫م‬ ‫‪َ -‬‬
‫َ‬
‫ك‪.‬‬
‫شري ٍ‬ ‫ث َ‬ ‫ه إل ّ من حدي ِ‬ ‫ن عمر ل نعرف ُ‬ ‫ث اب ِ‬‫ب من حدي ِ‬ ‫ن غَرِي ٌ‬ ‫س ٌ‬ ‫ح َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ل عبد ُ اللهِ ب ُ‬ ‫ل يقو ُ‬ ‫ن ع ُصمٍ‪ ،‬وإسرائي ُ‬ ‫ل‪ :‬عبد ُ اللهِ ب ُ‬ ‫ك يقو ُ‬ ‫وشري ٌ‬
‫ن‬
‫جب ُ‬ ‫مبيُر الح َّ‬
‫جا ُ‬ ‫ن أبي ع ُبيد ٍ وال ُ‬
‫ب المختاُر ب ُ‬ ‫ل الكذَّا ُ‬ ‫ة ويقا ُ‬ ‫م َ‬‫ع ُص َ‬
‫ف‬‫يُوس َ‬

‫‪432‬‬
‫‪-‬وأن مسيلمة يعقره الله‪.‬‬

‫قلت‪ :‬أخرج أبو نعيم في دلئل النبوة‪،‬قال‪ :‬أخبرنا محمد بن أحمد‬


‫أنا أحمد بن موسى ثنا أحمد بن محمد بن زياد ثنا عبد الكريم بن‬
‫الهيثم ثنا أبو اليمان ثنا شعيب عن عبد الله بن أبي حسين ثنا‬
‫نافع بن جبير بن مطعم عن ابن عباس رضي الله عنه قال قدم‬
‫مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فجعل يقول إن جعل لي محمد المر من بعده تبعته وقدمها في‬
‫بشر كثير من قومه فأقبل إليه النبي صلى الله عليه وسلم ومع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بن شماس وفي‬
‫يد النبي صلى الله عليه وسلم قطعة جريدة حتى وقف على‬
‫مسيلمة في أصحابه فقال له لو سألتني مثل هذه القطعة ما‬
‫أعطيتكها ولن نعدوا أمر الله فيك ولئن أدبرت ليعقرنك الله عز‬
‫وجل وإني لراك الذي رأيت فيك ما رأيت وهذا ثابت يجيبك عني‬
‫ثم انصرف عنه قال عبد الله ابن عباس فسألت عن قول رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم إنك أري الذي أريت فيه ما رأيت‪...‬‬

‫فأخبرنا أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬بينا أنا‬
‫نائم أريت في يدي سوار من ذهب فأهمني شأنهما فأوحي إلي‬
‫في المنام أن انفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما كذابين بعدي‬
‫فكان أحدهما العنسي صاحب صنعاء والخر مسيلمة صاحب‬
‫اليمامة"‪.‬‬

‫قال المام رحمه الله قوله ولن نعدوا أمر الله فيك أي لن نتجاوز‬
‫وقوله ليعقرنك الله أي ليقتلنك الله ويهلكنك تعالى وقوله وإني‬
‫لراك الذي رأيت فيك ما رأيت أي رأيت في المنام فيك ما رأيت‬
‫يعني ما ذكر من أمر السوارين ونفخهما فأما مسيلمة فقتل في‬
‫خلفة أبي بكر رضي الله عنه وكان يدعي النبوة وأما العنسي‬
‫فهو السود الكذاب تنبأ أيضا فقتل بعد وفاة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫‪-‬وإن فاطمة أول أهله لحوقا ً به‪.‬‬

‫قلت‪ :‬أخرج أبو نعيم في دلئل النبوة‪،‬قال‪ :‬أخبرنا أحمد بن‬


‫موسي ثنا عبد الله بن جعفر ثنا أحمد بن يونس ثنا يعقوب بن‬
‫إبراهيم بن سعد ثنا أبي عن أبيه أن عروة حدثه أن عائشة رضي‬
‫الله عنها حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا ابنته‬
‫فاطمة في مرضه الذي توفي فيه فسارها فبكت ثم سارها‬

‫‪433‬‬
‫فضحكت قالت عائشة فقلت لفاطمة ما هذا الذي سارك به‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكيت ثم سارك فضحكت قال‬
‫سارني فأخبرني بموته فبكيت لذلك ثم سارني فأخبرني أني أول‬
‫من يتبعه من أهله فضحكت‪...‬‬

‫‪-‬وأنذر بالردة‪ ،‬وبأن الخلفة بعده ثلثون سنة‪ ،‬ثم تكون ملكاً‪،‬‬
‫فكانت ذلك بمدة الحسن بن علي‪.‬‬

‫خلفةِ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫جا َء في ال ِ‬
‫ما َ‬
‫ب َ‬
‫قلت‪ :‬روى الترمذي في بَا ُ‬
‫ج‬
‫حشَر ُ‬ ‫ن أخبرنا َ‬ ‫ن النُّعما ِ‬
‫حب ُ‬‫سري ُ‬
‫ن منيٍع أخبرنا ُ‬ ‫حدَّثَنَا أحمد ُ ب ُ‬
‫‪َ -‬‬
‫ة قال‪ - :‬قَا َ‬
‫ل‬ ‫حدَّثَني َ‬
‫سفين ُ‬ ‫ن قال َ‬ ‫جمها َ‬
‫ن ُ‬‫عن سعيد ِ ب ِ‬ ‫ة‬
‫ن نُبات َ‬‫ب ُ‬
‫َ‬
‫ن سن َ ً‬
‫ة‬ ‫متي ثلثو َ‬‫ة في أ َّ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم‪( :‬الخلف ُ‬ ‫سو ُ‬‫َر ُ‬
‫ك)‪.‬‬‫ك بعد َ ذل َ‬‫م مل ٌ‬ ‫ث ُ َّ‬

‫ة‪ ،‬ثم‬
‫ة وخلف ً‬
‫ة‪ ،‬ثم يكون رحم ً‬ ‫‪-‬وقال‪ :‬إن هذا المر بدا نبوة ورحم ً‬
‫يكون ملكا ً عضوضاً‪ ،‬ثم يكون عتوا ً وجبروتا ً وفسادا ً في المة‪.‬‬

‫أخبرنا أبو بكر بن فورك رحمه الله أخبرنا عبد الله بن جعفر‬
‫حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا جرير بن حازم عن‬
‫ليث عن عبد الرحمن بن سابط عن أبي ثعلبة الخشني عن أبي‬
‫عبيدة بن الجراح ومعاذ ابن جبل عن النبي قال‪ :‬إن الله بدأ هذه‬
‫المة نبوة ورحمة وكائنا خلفة ورحمة وكائنا ملكا عضوضا وكائنا‬
‫عزة وجبرية وفسادًا في المة يستحلون الفروج والخمور والحرير‬
‫وينصرون على ذلك ويرزقون أبدًا حتى يلقوا الله عز وجل‪...‬‬

‫‪-‬وأخبر بشأن أويس القرني‬

‫قلت‪ :‬روى مسلم في باب من فضائل أويس القرني‪ ،‬رضي الله‬


‫عنه؛ قال‪:‬‬

‫** حدثني زهير بن حرب‪ .‬حدثنا هاشم بن القاسم‪ .‬حدثنا‬


‫سليمان بن المغيرة‪ .‬حدثني سعيد الجريري عن أبي نضرة‪ ،‬عن‬
‫أسير بن جابر؛ أن أهل الكوفة وفدوا إلى عمر‪ .‬وفيهم رجل ممن‬
‫كان يسخر بأويس‪ .‬فقال عمر‪ :‬هل ههنا أحد من القرنيين؟ فجاء‬
‫ذلك الرجل‪ .‬فقال عمر‪ :‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد‬
‫قال "إن رجل يأتيكم من اليمن يقال له أويس‪ .‬ل يدع باليمن غير‬
‫أم له‪ .‬قد كان به بياض‪ .‬فدعا الله فأذهبه عنه‪ .‬إل موضع الدينار‬
‫أو الدرهم‪ .‬فمن لقيه منكم فليستغفر لكم"‪.‬‬

‫‪434‬‬
‫* حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى‪ .‬قال‪ :‬حدثنا عفان بن‬
‫مسلم‪ .‬حدثنا حماد (وهو ابن سلمة) عن سعيد الجريري‪ ،‬بهذا‬
‫السناد‪ ،‬عن عمر بن الخطاب قال‪ :‬إني سمعت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم يقول‪" :‬إن خير التابعين رجل يقال له أويس‪ .‬وله‬
‫والدة‪ .‬وكان به بياض‪ .‬فمروه فليستغفر لكم"‪.‬‬

‫* حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ومحمد بن المثنى ومحمد‬


‫بن بشار (قال إسحاق‪ :‬أخبرنا‪ .‬وقال الخران‪ :‬حدثنا) ‪ -‬واللفظ‬
‫لبن المثنى ‪ -‬حدثنا معاذ بن هشام‪ .‬حدثني أبي عن قتادة‪ ،‬عن‬
‫زرارة بن أوفى‪ ،‬عن أسير بن جابر‪ ،‬قال‪ :‬كان عمر بن الخطاب‪،‬‬
‫إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن‪ ،‬سألهم‪ :‬أفيكم أويس بن عامر؟‬
‫حتى أتى على أويس‪ .‬فقال‪ :‬أنت أويس بن عامر؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬من مراد ثم من قرن؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فكان بك برص‬
‫فبرأت منه إل موضع درهم؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬لك والدة؟ قال‪:‬‬
‫نعم‪ .‬قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬يأتي‬
‫عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد‪ ،‬ثم من‬
‫قرن‪ .‬كان به برص فبرأ منه إل موضع درهم‪ .‬له والدة هو بها بر‪.‬‬
‫لو أقسم على الله لبره‪ .‬فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل"‪.‬‬
‫فاستغفر لي‪ .‬فاستغفر له‪ .‬فقال له عمر‪ :‬أين تريد؟ قال‪ :‬الكوفة‪.‬‬
‫قال‪ :‬أل أكتب لك إلى عاملها؟ قال‪ :‬أكون في غبراء الناس أحب‬
‫إلي‪ .‬قال‪ :‬فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم‪.‬‬
‫فوافق عمر‪ .‬فسأله عن أويس‪ .‬قال‪ :‬تركته رث البيت قليل‬
‫المتاع‪ .‬قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫"يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم‬
‫من قرن‪ .‬كان به برص فبرأ منه‪ .‬إل موضع درهم‪ .‬له والدة هو بها‬
‫بر‪ .‬لو أقسم على الله لبره‪ .‬فإن استطعت أن يستغفر لك‬
‫فافعل" فأتى أويسا فقال‪ :‬استغفر لي‪ .‬قال‪ :‬أنت أحدث عهدا‬
‫بسفر صالح‪ .‬فاستغفر لي‪ .‬قال‪ :‬استغفر لي‪ .‬قال‪ :‬أنت أحدث‬
‫عهدا بسفر صالح‪ .‬فاستغفر لي‪ .‬قال‪ :‬لقيت عمر؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫فاستغفر له‪ .‬ففطن له الناس‪ .‬فانطلق على وجهه‪ .‬قال أسير‪:‬‬
‫وكسوته بردة‪ .‬فكان كلما رآه إنسان قال‪ :‬من أين لويس هذه‬
‫البردة ؟‬
‫وقال البيهقي بعد ذكر ما رواه مسلم في شأن أويس‬

‫وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب‬
‫حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا هدبة حدثنا مبارك بن فضالة‬
‫حدثنا أبو الصفر عن صعصعة بن معاوية وهو عم الحنف أن عمر‬

‫‪435‬‬
‫بن الخطاب قال حدثنا رسول الله‪" :‬أنه سيكون في التابعين‬
‫رجل من قرن يقال له أويس بن عامر يخرج به وضح فيدعو الله‬
‫أن يذهبه عنه فيذهبه فيقول اللهم دع لي في جسدي منه ما أذكر‬
‫به نعمك علي فيدع له في جسده ما يذكر به نعمة عليه فمن‬
‫أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له فليستغفر"‪...‬‬

‫حدثنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب‬
‫حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا أبو نعيم حدثنا شريك عن‬
‫يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال لما كان يوم‬
‫صفين نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي فيكم أويس‬
‫القرني قالوا نعم فضرب دابته حتى دخل معهم ثم قال سمعت‬
‫رسول الله يقول خير التابعين أويس القرني‪.‬‬

‫*أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو زكريا يحيى بن محمد‬
‫العنبري حدثنا محمد بن عبد السلم حدثنا إسحاق بن إبراهيم‬
‫أخبرنا عبد الوهاب الثقفي حدثنا خالد الخذاء عن عبد الله بن‬
‫شقيق عن عبد الله بن أبي الجدعاء أنه سمع رسول الله يقول‪:‬‬
‫"يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني نعيم"‪.‬‬

‫قال الثقفي وقال هشام بن حسان كان الحسن يقول إنه أويس‬
‫القرني‪..‬‬

‫‪ -‬وبأمراء يؤخرون الصلة عن وقتها‪،‬‬

‫قلت‪ :‬روى مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلة‪ ،‬باب‬


‫الندب إلى وضع اليدي على الركب في الركوع‪ ،‬ونسخ التطبيق‪.‬‬

‫* حدثنا محمد بن العلء الهمداني‪ ،‬أبو كريب‪ .‬قال حدثنا أبو‬


‫معاوية عن العمش‪ ،‬عن إبراهيم‪ ،‬عن السود وعلقمة‪ .‬قال‪ :‬أتينا‬
‫عبد الله بن مسعود في داره‪ .‬فقال‪ :‬أصلى هؤلء خلفكم؟ فقلنا‪:‬‬
‫ل‪ .‬قال‪ :‬فقوموا فصلوا‪ .‬فلم يأمرنا بأذان ول إقامة‪ .‬قال وذهبنا‬
‫لنقوم خلفه‪ .‬فأخذ بأيدينا فجعل أحدنا عن يمينه والخر عن‬
‫شماله‪ .‬قال فلما ركع وضعنا أيدينا على ركبنا‪ .‬قال فضرب أيدينا‬
‫وطبق بين كفيه‪ .‬ثم أدخلهما بين فخذيه‪ .‬قال فلما صلى قال‪ :‬إنه‬
‫ستكون عليكم أمراء يؤخرون الصلة عن ميقاتها‪ .‬ويخنقونها إلى‬
‫شرق الموتى‪ .‬فإذا رأيتموهم قد فعلوا ذلك‪ ،‬فصلوا الصلة‬
‫لميقاتها‪ .‬واجعلوا صلتكم معهم سبحة‪ ...‬وإذا كنتم ثلثة فصلوا‬
‫جميعا‪ .‬وإذا كنتم أكثر من ذلك‪ ،‬فليؤمكم أحدكم‪ .‬وإذا ركع أحدكم‬

‫‪436‬‬
‫فليفرش ذراعيه على فخذيه‪ .‬وليجنأ‪ .‬وليطبق بين كفيه‪ .‬فلكأني‬
‫أنظر إلى اختلف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فأراهم‪.‬‬

‫وفي باب كراهية تأخير الصلة عن وقتها المختار‪ ،‬وما يفعله‬


‫المأموم إذا أخرها المام‪:‬‬

‫حدثنا خلف بن هشام‪ .‬حدثنا حماد بن زيد‪ .‬ح قال وحدثني أبو‬
‫الربيع الزهراني وأبو كامل الجحدري‪ .‬قال‪ :‬حدثنا حماد عن أبي‬
‫عمران الجوني‪ ،‬عن عبد الله بن الصامت‪ ،‬عن أبي ذر؛ قال‪:‬‬

‫قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬كيف أنت إذا كانت‬
‫عليك أمراء يؤخرون الصلة عن وقتها‪ ،‬أو يميتون الصلة عن‬
‫وقتها؟" قال قلت‪ :‬فما تأمرني؟ قال‪" :‬صل الصلة لوقتها‪ .‬فإن‬
‫أدركتها معهم فصل‪ .‬فإنها لك نافلة"‪ .‬ولم يذكر خلف‪ :‬عن وقتها‪.‬‬

‫حدثنا يحيى بن يحيى‪ .‬أخبرنا جعفر بن سليمان عن أبي عمران‬


‫الجوني‪ ،‬عن عبد الله بن الصامت‪ ،‬عن أبي ذر؛ قال‪ :‬قال لي‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬يا أبا ذر! إنه سيكون بعدي‬
‫أمراء يميتون الصلة‪ .‬فصل الصلة لوقتها‪ .‬فإن صليت لوقتها‬
‫كانت لك نافلة‪ .‬وإل كنت قد أحرزت صلتك"‪.‬‬

‫وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‪ .‬حدثنا عبد الله بن إدريس عن‬
‫شعبة‪ ،‬عن أبي عمران‪ ،‬عن عبد الله بن الصامت‪ ،‬عن أبي ذر؛‬
‫قال‪ :‬إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع‪ .‬وإن كان عبدا مجدع‬
‫الطراف‪ .‬وأن أصلي الصلة لوقتها‪" .‬فإن أدركت القوم وقد‬
‫صلوا كنت قد أحرزت صلتك‪ .‬وإل كانت لك نافلة"‪.‬‬

‫وحدثني يحيى بن حبيب الحارثي‪ .‬حدثنا خالد بن الحارث‪ .‬حدثنا‬


‫شعبة عن بديل‪ .‬قال‪ :‬سمعت أبا العالية يحدث عن عبدالله بن‬
‫الصامت‪ ،‬عن أبي ذر؛ قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وضرب فخذي "كيف أنت إذا بقيت في قوم يؤخرون‬
‫الصلة عن وقتها؟" قال‪ :‬قال‪ :‬ما تأمر؟ قال‪" :‬صل الصلة‬
‫لوقتها‪ .‬ثم اذهب لحاجتك‪ .‬فإن أقيمت الصلة وأنت في المسجد‪،‬‬
‫فصل"‪.‬‬

‫وحدثني زهير بن حرب‪ .‬حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب‪،‬‬


‫عن أبي العالية البراء؛ قال‪ :‬أخر ابن زياد الصلة‪ .‬فجاءني عبد‬
‫الله بن الصامت‪ .‬فألقيت له كرسيا‪ .‬فجلس عليه‪ .‬فذكرت له‬

‫‪437‬‬
‫صنيع ابن زياد‪ .‬فعض على شفته وضرب فخذي‪ .‬وقال‪ :‬إني‬
‫سألت أبا ذر كما سألتني‪ .‬فضرب فخذي كما ضربت فخذك‪.‬‬
‫وقال‪ :‬إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني‪.‬‬
‫فضرب فخذي كما ضربت فخذك وقال‪" :‬صل الصلة لوقتها‪ .‬فإن‬
‫أدركتك الصلة معهم فصل‪ .‬ول تقل‪ :‬إني قد صليت فل أصلي"‪.‬‬

‫وحدثنا عاصم بن النضر التيمي‪ .‬حدثنا خالد بن الحارث‪ .‬حدثنا‬


‫شعبة عن أبي نعامة عن عبد الله بن الصامت‪ ،‬عن أبي ذر؛ قال‪:‬‬
‫قال "كيف أنتم" أو قال "كيف أنت إذا بقيت في قوم يؤخرون‬
‫الصلة عن وقتها‪ .‬فصل الصلة لوقتها‪ .‬ثم إن أقيمت الصلة‬
‫فصل معهم‪ .‬فإنها زيادة خير"‪.‬‬

‫وحدثني أبو غسان المسمعي‪ .‬حدثنا معاذ (وهو ابن هشام)‬


‫حدثني أبي عن مطر‪ ،‬عن أبي العالية البراء؛ قال قلت لعبد الله‬
‫بن الصامت‪ :‬نصلي يوم الجمعة خلف أمراء‪ ،‬فيؤخرون الصلة‪.‬‬
‫قال فضرب فخذي ضربة أوجعتني‪ .‬وقال‪ :‬سألت أبا ذر عن ذلك‪.‬‬
‫فضرب فخذي‪ .‬وقال‪ :‬سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫عن ذلك‪ .‬فقال‪" :‬صلوا الصلة لوقتها واجعلوا‪ .‬صلتكم معهم‬
‫نافلة"‪ .‬قال وقال عبد الله‪ :‬ذكر لي أن نبي الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ,‬وسيكون في أمته ثلثون كذابا ً فيهم أربع نسوة‪.‬‬

‫قلت‪ :‬روى مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة باب ل تقوم‬


‫الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل‪ ،‬فيتمنى أن يكون مكان‬
‫الميت‪ ،‬من البلء‪.‬‬

‫*حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة (قال يحيى‪ :‬أخبرنا‪.‬‬
‫وقال أبو بكر‪ :‬حدثنا) أبو الحوص‪ .‬ح وحدثنا أبو كامل الجحدري‪.‬‬
‫حدثنا أبو عوانة‪ .‬كلهما عن سماك‪ ،‬عن جابر بن سمرة قال‪:‬‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن بين يدي‬
‫الساعة كذابين"‪.‬‬

‫وزاد في حديث أبي الحوص‪ :‬قال فقلت له‪ :‬آنت سمعت هذا من‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬

‫*وحدثني ابن المثنى وابن بشار‪ .‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪.‬‬


‫حدثنا شعبة عن سماك‪ ،‬بهذا السناد‪ ،‬مثله‪ .‬قال سماك‪ :‬وسمعت‬
‫أخي يقول‪ :‬قال جابر‪ :‬فاحذروهم‪.‬‬

‫‪438‬‬
‫*حدثني زهير بن حرب وإسحاق بن منصور (قال إسحاق‪:‬‬
‫أخبرنا‪ .‬وقال زهير‪ :‬حدثنا) عبد الرحمن ‪ -‬وهو ابن مهدي ‪ -‬عن‬
‫مالك‪ ،‬عن أبي الزناد‪ ،‬عن العرج‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬ل تقوم الساعة حتى يبعث دجالون‬
‫كذابون قريب من ثلثين‪ .‬كلهم يزعم أنه رسول الله"‪.‬‬

‫*حدثنا محمد بن رافع‪ .‬حدثنا عبد الرزاق‪ .‬أخبرنا معمر عن همام‬


‫بن منبه‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬بمثله‪.‬‬
‫غير أنه قال‪ :‬ينبعث‬

‫وأخرجه السيوطي في الجامع الصغير وعزاه إلى أحمد ومسلم‬


‫وأبي داود والترمذي والبيهقي‪ ،‬وقال اللباني في تحقيقه‪:‬‬
‫(صحيح)‬

‫عن ثوبان‪.‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬إن الله‬
‫زوى لي الرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن ملك أمتي سيبلغ‬
‫ما زوي لي منها وإني أعطيت الكنزين الحمر والبيض وإني‬
‫سألت ربي لمتي أن ل يهلكوا بسنة عامة ول يسلط عليهم عدوا‬
‫من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي عز وجل قال يا‬
‫محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه ل يرد وإني أعطيتك لمتك أن ل‬
‫أهلكهم بسنة عامة وأن ل أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم‬
‫فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها حتى يكون‬
‫بعضهم يفني بعضا وإنما أخاف على أمتي الئمة المضلين وإذا‬
‫وضع في أمتي السيف لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة ول تقوم‬
‫الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين حتى تعبد قبائل‬
‫من أمتي الوثان وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلثون كلهم‬
‫يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين ل نبي بعدي ول تزال طائفة من‬
‫أمتي على الحق ظاهرين ل يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر‬
‫الله"‪.‬‬

‫‪-‬وفي حديث آخر‪ :‬ثلثون دجال ً كذاباً‪ ،‬آخرهم الدجال الكذاب‪،‬‬


‫كلهم يكذب على الله و رسوله‪.‬‬

‫قلت‪ :‬أخرج السيوطي في الجامع الصغير‪...‬عن ابن عمر‪.‬أن‬


‫رسول الله قال‪" :‬إن بين يدي الساعة ثلثين دجاًل كذابًا"‪.‬‬

‫تخريج السيوطي‪( :‬حم) تحقيق اللباني‪( :‬صحيح)‪.‬‬

‫‪439‬‬
‫‪-‬وقال‪ :‬يوشك أن يكثر فيكم العجم‪ ،‬يأكلون فيئكم‪ ،‬ويضربون‬
‫رقابكم‪ .‬ول تقوم الساعة حتى يسوق الناس بعصاه رجل من‬
‫قحطان‪.‬‬

‫قلت‪ :‬روى البخاري في كتاب الفتن‪.‬باب‪ :‬تغيير الزمان حتى تُعبد‬


‫الوثان؛ وفي كتاب المناقب‪.‬‬

‫* حدثنا عبد العزيز بن عبد الله‪ :‬حدثني سليمان‪ ،‬عن ثور‪ ،‬عن‬
‫أبي الغيث‪ ،‬عن أبي هريرة‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪( :‬ل تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان‪ ،‬يسوق‬
‫الناس بعصاه)‪.‬‬

‫وأخرج مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة‪ ،‬باب ل تقوم‬


‫الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل‪ ،‬فيتمنى أن يكون مكان‬
‫الميت‪ ،‬من البلء‪.‬‬

‫*وحدثنا قتيبة بن سعيد‪ .‬أخبرنا عبد العزيز (يعني ابن محمد)‬


‫عن ثور بن زيد‪ ،‬عن أبي الغيث‪ ،‬عن أبي هريرة؛ أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬ل تقوم الساعة حتى يخرج رجل من‬
‫قحطان يسوق الناس بعصاه"‪.‬‬

‫*حدثنا محمد بن بشار العبدي‪ .‬حدثنا عبد الكبير بن عبد المجيد‪،‬‬


‫أبو بكر الحنفي‪ .‬حدثنا عبد الحميد بن جعفر قال‪ :‬سمعت عمر بن‬
‫الحكم يحدث عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬ل تذهب اليام والليالي‪ ،‬حتى يملك رجل يقال له‬
‫الجهجاه"‪.‬‬

‫قال ابن حجر عند شرح الحديث في كتاب المناقب‬

‫قوله ل تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان لم أقف على‬


‫اسمه ولكن جوز القرطبي أن يكون جهجاه الذي وقع ذكره في‬
‫مسلم من طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ ل تذهب اليام‬
‫والليالي حتى يملك رجل يقال له جهجاه أخرجه عقب حديث‬
‫القحطاني قوله يسوق الناس بعصاه هو كناية عن الملك شبهه‬
‫بالراعي وشبه الناس بالغنم ونكتة التشبيه التصرف الذي يملكه‬
‫الراعي في الغنم وهذا الحديث يدخل في علمات النبوة من‬
‫جملة ما أخبر به صلى الله عليه وسلم قبل وقوعه ولم يقع بعد‬
‫وقد روى نعيم بن حماد في الفتن من طريق أرطاة بن المنذر‬
‫أحد التابعين من أهل الشام أن القحطاني يخرج بعد المهدي‬

‫‪440‬‬
‫ويسير على سيرة المهدي وأخرج أيضا من طريق عبد الرحمن‬
‫بن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده مرفوع ًا "يكون بعد‬
‫المهدي القحطاني والذي بعثني بالحق ما هو دونه" وهذا الثاني‬
‫مع كونه مرفوع ًا ضعيف السناد والول مع كونه موقوفًا أصلح‬
‫إسنادًا منه فإن ثبت ذلك فهو في زمن عيسى بن مريم لما تقدم‬
‫أن عيسى عليه السلم إذا نزل يجد المهدي إمام المسلمين وفي‬
‫رواية أرطاة بن المنذر أن القحطاني يعيش في الملك عشرين‬
‫سنة واستشكل ذلك كيف يكون في زمن عيسى يسوق الناس‬
‫بعصاه والمر إنما هو لعيسى ويجاب بجواز أن يقيمه عيسى نائبا‬
‫عنه في أمور مهمة عامة وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الفتن إن‬
‫شاء الله تعالى‪.‬‬

‫وقال عند شرح الحديث في كتاب الفتن‪:‬‬

‫قوله حدثنا عبد العزيز بن عبد الله هو الويسي وسليمان هو بن‬


‫بلل وثور هو بن زيد وأبو الغيث هو سالم والسند كله مدنيون‬
‫قوله حتى يخرج رجل من قحطان تقدم شرحه في أوائل مناقب‬
‫قريش قال القرطبي في التذكرة قوله يسوق الناس بعصاه كناية‬
‫عن غلبته عليهم وانقيادهم له ولم يرد نفس العصا لكن في‬
‫ذكرها إشارة إلى خشونته عليهم وعسفه بهم قال وقد قيل انه‬
‫يسوقهم بعصاه حقيقة كما تساق البل والماشية لشدة عنفه‬
‫وعدوانه قال ولعله جهجاه المذكور في الحديث الخر وأصل‬
‫الجهجاه الصياح وهي صفة تناسب ذكر العصا قلت ويرد هذا‬
‫الحتمال إطلق كونه من قحطان فظاهره انه من الحرار‬
‫وتقييده في جهجاه بأنه من الموالي ما تقدم انه يكون بعد‬
‫المهدي وعلى سيرته وانه ليس دونه ثم وجدت في كتاب التيجان‬
‫لبن هشام ما يعرف منه إن ثبت اسم القحطاني وسيرته وزمانه‬
‫فذكر أن عمران بن عامر كان ملكا متوجا وكان كاهنا معمرا وانه‬
‫قال لخيه عمرو بن عامر المعروف بمزيقيا لما حضرته الوفاة إن‬
‫بلدكم ستخرب وإن لله في أهل اليمن سخطتين ورحمتين‬
‫فالسخطة الولى هدم سد مأرب وتخرب البلد بسببه والثانية‬
‫غلبة الحبشة على أرض اليمن والرحمة الولى بعثة نبي من‬
‫تهامة اسمه محمد يرسل بالرحمة ويغلب أهل الشرك والثانية إذا‬
‫خرب بيت الله يبعث الله رجل يقال له شعيب بن صالح فيهلك‬
‫من خربه ويخرجهم حتى ل يكون بالدنيا إيمان إل بأرض اليمن‬
‫انتهى‪...‬‬

‫‪441‬‬
‫‪-‬وقال‪ :‬خيركم قرني‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ .‬ثم يأتي‬
‫بعد كذلك قوم يشهدون ول يستشهدون‪ ،‬ويخونون ول يؤتمنون‪،‬‬
‫وينذرون ول يوفون‪ ،‬ويظهر فيهم السمن‪.‬‬

‫قلت‪ :‬رواه البخاري في كتاب الشهادات باب‪ :‬ل يشهد على‬


‫شهادة جور إذا أشهد‪..‬‬

‫*‪ -‬حدثنا آدم‪ :‬حدثنا شعبة‪ :‬حدثنا أبو جمرة قال‪ :‬سمعت زهدم بن‬
‫مضرب قال‪ :‬سمعت عمران بن حصين رضي الله عنهما قال‪:‬‬
‫قال النبي صلى الله عليه وسلم‪( :‬خيركم قرني‪ ،‬ثم الذين‬
‫يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم)‪ .‬قال عمران‪ :‬ل أدري‪ ،‬أذكر النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم بعد قرنه قرنين أو ثلثة‪ ،‬قال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪( :‬إن بعدكم قوما يخونون ول يؤتمنون‪ ،‬ويشهدون ول‬
‫يستشهدون‪ ،‬وينذرون ول يفون‪ ،‬ويظهر فيهم السمن)‪.‬‬

‫*‪ -‬حدثنا محمد بن كثير‪ :‬أخبرنا سفيان‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن إبراهيم‪،‬‬
‫عن عبيدة‪ ،‬عن عبد الله رضي الله عنه‪،‬عن النبي قال‪( :‬خير‬
‫الناس قرني‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم يجيء أقوام‪:‬‬
‫تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته)‪.‬‬

‫قال إبراهيم‪ :‬وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد‪.‬‬

‫وفي كتاب فضائل الصحابة باب‪ :‬فضائل أصحاب النبي ‪-‬صلى‬


‫الله عليه وسلم‪ -‬ورضي الله عنهم‪.‬‬

‫*‪ -‬حدثنا إسحاق‪ :‬حدثنا النضر‪ :‬أخبرنا شعبة‪ ،‬عن أبي جمرة‪:‬‬
‫سمعت زهدم بن مضرب‪ :‬سمعت عمران بن حصين رضي الله‬
‫عنهما يقول‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪( :‬خير أمتي‬
‫قرني‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم ‪ -‬قال عمران‪ :‬فل أدري‬
‫أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلثا ‪ -‬ثم إن بعدكم قوما يشهدون ول‬
‫يستشهدون‪ ،‬ويخونون ول يؤتمنون‪ ،‬وينذرون ول يوفون‪ ،‬ويظهر‬
‫فيهم السمن)‪.‬‬

‫* ‪ -‬حدثنا محمد بن كثير‪ :‬أخبرنا سفيان‪ ،‬عن منصور‪ ،‬عن‬


‫إبراهيم‪ ،‬عن عبيدة‪ ،‬عن عبد الله رضي الله عنه‪ :‬أن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪( :‬خير الناس قرني‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم‬
‫الذين يلونهم‪ ،‬ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه‪ ،‬ويمينه‬
‫شهادته)‪.‬‬

‫‪442‬‬
‫قال إبراهيم‪ :‬وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار‪.‬‬

‫*‪ -‬وفي كتاب الرقاق‪ .‬باب‪ :‬ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس‬
‫فيها‪.‬حدثني محمد بن بشار‪:‬‬

‫*‪-‬حدثنا غندر محمد بن جعفر‪ :‬حدثنا ُ‬


‫شعبة قال‪ :‬سمعت أبا حمزة‬
‫ضرب قال‪ :‬سمعت عمران بن حصين‬ ‫قال‪ :‬حدثني زهدم بن م َّ‬
‫رضي الله عنهما‪،‬‬

‫عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪( :‬خيركم قرني‪ ،‬ثم الذين‬
‫يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم ‪ -‬قال عمران‪ :‬فما أدري‪ :‬قال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بعد قوله مرتين أو ثلثا ً ‪ -‬ثم يكون بعدهم‬
‫قوم يشهدون ول يستشهدون ويخونون ول يؤتمنون‪ ،‬وينذرون ول‬
‫من)‪.‬‬
‫س َ‬
‫يفون‪ ،‬ويظهر فيهم ال ِّ‬
‫* ‪ -‬حدثنا عبدان‪ ،‬عن أبي حمزة‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن إبراهيم‪ ،‬عن‬
‫عبيدة‪ ،‬عن عبد الله رضي الله عنه‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪( :‬خير الناس قرني‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم الذين‬
‫يلونهم‪ ،‬ثم يجيء من بعدهم قوم‪ :‬تسبق شهادتهم أيمانهم‪،‬‬
‫وأيمانهم شهادتهم)‪.‬‬

‫وفي كتاب اليمان والنذور باب‪ :‬إثم من ل يفي بالنذر‪.‬‬

‫*‪ -‬حدثنا مسدد‪ ،‬عن يحيى‪ ،‬عن شعبة قال‪ :‬حدثني أبو جمرة‪:‬‬
‫حدثنا زهدم بن مضّرِب قال‪ :‬سمعت عمران بن حصين يحدث‪،‬‬

‫عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪( :‬خيركم قرني‪ ،‬ثم الذين‬
‫يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم ‪ -‬قال عمران‪ :‬ل أدري‪ :‬ذكر ثنتين أو ثلثاً‬
‫بعد قرنه ‪ -‬ثم يجيء قوم‪ ،‬ينذرون ول يفون‪ ،‬ويخونون ول‬
‫يؤتمنون‪ ،‬ويشهدون ول يستشهدون‪ ،‬ويظهر فيهم السمن)‪.‬‬

‫وأخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى‬


‫عنهم باب فضل الصحابة‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم‬

‫*‪-‬حدثنا قتيبة بن سعيد وهناد بن السري‪ .‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحوص‬


‫عن منصور‪ ،‬عن إبراهيم بن يزيد‪ ،‬عن عبيدة السلماني‪ ،‬عن‬
‫عبدالله‪ .‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خير أمتي‬
‫القرن الذين يلوني‪ .‬ثم الذين يلونهم‪ .‬ثم الذين يلونهم‪ .‬ثم يجئ‬

‫‪443‬‬
‫قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه‪ .‬ويمينه شهادته" لم يذكر هناد‬
‫القرن في حديثه‪ .‬وقال قتيبة "ثم يجئ أقوام"‪.‬‬

‫*‪ -‬حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي‬


‫(قال إسحاق‪ :‬أخبرنا‪ .‬وقال عثمان‪ :‬حدثنا) جرير عن منصور‪ ،‬عن‬
‫إبراهيم‪ ،‬عن عبيدة‪ ،‬عن عبد الله قال‪ :‬سئل رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ :‬أي الناس خير؟ قال "قرني‪ .‬ثم الذين يلونهم‪.‬‬
‫ثم الذين يلونهم‪ .‬ثم يجئ قوم تبدر شهادة أحدهم يمينه‪ ،‬وتبدر‬
‫يمينه شهادته"‪ .‬قال إبراهيم‪ :‬كانوا ينهوننا‪ ،‬ونحن غلمان‪ ،‬عن‬
‫العهد والشهادات‪.‬‬

‫*‪ -‬وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار‪ .‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن‬
‫جعفر‪ .‬حدثنا شعبة‪ .‬ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار‪ .‬قال‪:‬‬
‫حدثنا عبد الرحمن‪ .‬حدثنا سفيان‪ .‬كلهما عن منصور‪ .‬بإسناد أبي‬
‫الحوص وجرير‪ .‬بمعنى حديثهما‪ .‬وليس في حديثهما‪ :‬سئل رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫*‪ -‬وحدثني الحسن بن علي الحلواني‪ .‬حدثنا أزهر بن سعد‬


‫السمان عن ابن عون‪ ،‬عن إبراهيم‪ ،‬عن عبيدة‪ ،‬عن عبد الله‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال "خير الناس قرني‪ .‬ثم الذين‬
‫يلونهم‪ .‬ثم الذين يلونهم" فل أدري في الثالثة أو في الرابعة قال‬
‫"ثم يتخلف من بعدهم خلف‪ .‬تسبق شهادة أحدهم يمينه‪ ،‬ويمينه‬
‫شهادته"‪.‬‬

‫*‪ -‬حدثني يعقوب بن إبراهيم‪ .‬حدثنا هشيم عن أبي بشر‪ .‬ح‬


‫وحدثني إسماعيل بن سالم‪ .‬أخبرنا هشيم‪ .‬أخبرنا أبو بشر عن‬
‫عبد الله بن شقيق‪ ،‬عن أبي هريرة‪ .‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم "خير أمتي القرن الذين بعثت فيهم‪ .‬ثم الذين‬
‫يلونهم"‪ .‬والله أعلم أذكر الثالث أم ل‪ .‬قال "ثم يخلف قوم يحبون‬
‫السمانة‪ .‬يشهدون قبل أن يستشهدوا"‪.‬‬

‫*‪ -‬حدثنا محمد بن بشار‪ .‬حدثنا محمد بن جعفر‪ .‬ح وحدثني أبو‬
‫بكر بن نافع‪ .‬حدثنا غندر عن شعبة‪ .‬ح وحدثني حجاج بن الشاعر‪.‬‬
‫حدثنا أبو الوليد‪ .‬حدثنا أبو عوانة كلهما عن أبي بشر‪ ،‬بهذا‬
‫السناد‪ ،‬مثله‪ .‬غير أن في حديث شعبة‪ :‬قال أبو هريرة‪ :‬فل أدري‬
‫مرتين أو ثلثة‪.‬‬

‫‪444‬‬
‫*‪ -‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار‪.‬‬
‫جميعا عن غندر‪ .‬قال ابن المثنى‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ .‬حدثنا‬
‫شعبة‪ .‬سمعت أبا جمرة‪ .‬حدثني زهدم بن مضرب‪ .‬سمعت‬
‫عمران بن حصين يحدث؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال "إن خيركم قرني‪ .‬ثم الذين يلونهم‪ .‬ثم الذين يلونهم‪ .‬ثم‬
‫الذين يلونهم"‪ .‬قال عمران‪ :‬فل أدري أقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم بعد قرنه‪ ،‬مرتين أو ثلثة‪" .‬ثم يكون بعدهم قوم‬
‫يشهدون ول يستشهدون‪ .‬ويخونون ول يتمنون‪ .‬وينذرون ول‬
‫يوفون ويظهر فيهم السمن"‪.‬‬

‫*‪ -‬حدثني محمد بن حاتم‪ .‬حدثنا يحيى بن سعيد‪ .‬ح وحدثنا عبد‬
‫الرحمن بن بشر العبدي‪ .‬حدثنا بهز‪ .‬ح وحدثني محمد بن رافع‪.‬‬
‫حدثنا شبابة‪ .‬كلهم عن شعبة‪ ،‬بهذا السناد‪ .‬وفي حديثهم‪ :‬قال‪ :‬ل‬
‫أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلثة‪ .‬وفي حديث شبابة قال‪:‬‬
‫سمعت زهدم بن مضرب‪ ،‬وجاءني في حاجة على فرس‪،‬‬
‫فحدثني؛ أنه سمع عمران بن حصين‪ .‬وفي حديث يحيى وشبابة‬
‫"ينذرون ول يفون"‪ .‬وفي حديث بهز "يوفون" كما قال ابن جعفر‪.‬‬

‫*‪ -‬وحدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عبد الملك الموي‪ .‬قال‪:‬‬


‫حدثنا أبو عوانة‪ .‬ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار‪ .‬قال‪:‬‬
‫حدثنا معاذ بن هشام‪ .‬حدثنا أبي‪ .‬كلهما عن قتادة‪ ،‬عن زرارة بن‬
‫أوفى‪ ،‬عن عمران بن حصين‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫بهذا الحديث "خير هذه المة القرن الذين بعثت فيهم‪ .‬ثم الذين‬
‫يلونهم"‪ .‬زاد في حديث أبي عوانة قال‪ :‬والله أعلم‪ .‬أذكر الثالث‬
‫أم ل‪ .‬بمثل حديث زهدم عن عمران‪ .‬وزاد في حديث هشام عن‬
‫قتادة "ويحلفون ول يستحلفون"‪.‬‬

‫*‪ -‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وشجاع بن مخلد (واللفظ لبي‬
‫بكر) قال‪ :‬حدثنا حسين (وهو ابن علي الجعفي) عن زائدة‪ ،‬عن‬
‫السدي‪ ،‬عن عبد الله البهي‪ ،‬عن عائشة‪ .‬قالت‪:‬‬

‫سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬أي الناس خير؟ قال‬
‫"القرن الذي أنا فيه‪ .‬ثم الثاني‪ .‬ثم الثالث"‪.‬‬

‫‪-‬وقال‪ :‬ل يأتي زمان إل والذي بعده شر منه‪.‬‬

‫قلت‪ :‬أخرجه البخاري في كتاب الفتن باب‪ :‬ل يأتي زمان إل الذي‬
‫بعده شر منه‪.‬‬

‫‪445‬‬
‫‪ -‬حدثنا محمد بن يوسف‪ :‬حدثنا سفيان‪ ،‬عن الزبير‬ ‫•‬
‫بن عدي قال‪ :‬أتينا أنس بن مالك‪ ،‬فشكونا إليه ما يلقون من‬
‫الحجاج‪ ،‬فقال‪ :‬اصبروا‪ ،‬فإنه ل يأتي عليكم زمان إل والذي بعده‬
‫شر منه‪ ،‬حتى تلقوا ربكم‪ ،‬سمعته من نبيكم صلى الله عليه‬
‫وسلم‬

‫ط‬
‫جاءَ في أشَرا ِ‬
‫ما َ‬
‫ب َ‬
‫ن بَا ُ‬
‫ب الفت ِ‬
‫ورواه الترمذي في أبوا ُ‬ ‫•‬
‫ال َّ‬
‫ساعةِ‪.‬‬
‫سفيا َ َ‬ ‫مد ُ بن ب َّ‬
‫ن الث ّور ِ ّ‬
‫ي‬ ‫ن سعيد ٍ عن ُ‬‫شارٍ أخبرنا يحيى ب ُ‬ ‫ُ‬ ‫ح َّ‬ ‫حدَّثَنَا ُ‬
‫م َ‬ ‫َ‬
‫ك قال‬
‫َّ َّ‬
‫ن مال ٍ‬
‫سب ِ‬‫ي قال‪ - :‬دَخلنا على أن ِ‬ ‫ن ع َد ٍ ّ‬ ‫عن الُّزبيرِ ب ِ‬
‫ن عام ٍ إل والذي‬ ‫شكونَا إليهِ ما نَلقَى من الح َّ‬
‫جاِج فقال (ما م ْ‬ ‫فَ َ‬
‫ت هذا من نبيِّكُم صلى الله‬ ‫ه حتَّى تَلقَوا َربَّكُم)‪ .‬سمع ُ‬ ‫بعده ُ شٌّر من ُ‬
‫عليه وسلم‪.‬‬

‫ح‪.‬‬
‫حي ٌ‬
‫ص ِ‬
‫ن َ‬
‫س ٌ‬
‫ح َ‬
‫ث َ‬
‫حدِي ٌ‬
‫هذا َ‬
‫وذكره السيوطي في الجامع الصغير وعزاه إلى أحمد والبخاري‬
‫والبيهقي من رواية أنس‪ .‬ومتنه‪" :‬ل يأتي عليكم عام ول يوم إل‬
‫والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم"‪.‬‬

‫قال اللباني في صحيح الجامع‪( :‬صحيح)‬

‫‪-‬وقال‪ :‬هلك أمتي على يدي أغيلمة من قريش‪.‬قال أبو هريرة‬


‫راويه‪ :‬لو شئت سميتهم لكم‪ :‬بنو فلن وبنو فلن‪.‬‬

‫قلت‪ :‬رواه البخاري في كتاب الفتن باب‪ :‬قول النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪( :‬هلك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء)‪.‬‬

‫*‪ -‬حدثنا موسى بن إسماعيل‪ :‬حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد بن‬


‫عمرو بن سعيد قال‪ :‬أخبرني جدي قال‪ :‬كنت جالسا ً مع أبي‬
‫هريرة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة‪ ،‬ومعنا‬
‫مروان‪ ،‬قال أبو هريرة‪ :‬سمعت الصادق المصدوق يقول‪( :‬هلكة‬
‫أمتي على يدي غلمة من قريش)‪ .‬فقال مروان‪ :‬لعنة الله عليهم‬
‫غلمة‪ .‬فقال أبو هريرة‪ :‬لو شئت أن أقول‪ :‬بني فلن وبني فلن‬
‫لفعلت‪ .‬فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام‪،‬‬
‫فإذا رآهم غلمانا ً أحداثا ً قال لنا‪ :‬عسى هؤلء أن يكونوا منهم؟‬
‫قلنا‪ :‬أنت أعلم‪.‬‬

‫‪446‬‬
‫وفي كتاب المناقب باب‪ :‬علمات النبوة في السلم‪.‬حدثني‬
‫محمد بن عبد الرحيم‪ :‬حدثنا أبو معمر إسماعيل ابن إبراهيم‪:‬‬
‫حدثنا أبو أسامة‪ :‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن أبي التياح‪ ،‬عن أبي زرعة‪ ،‬عن‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪( :‬يهلك الناس هذا الحي من قريش)‪ .‬قالوا‪ :‬فما تأمرنا؟‬
‫قال‪( :‬لو أن الناس اعتزلوهم)‪.‬‬

‫قال محمود‪ :‬حدثنا أبو داود‪ :‬أخبرنا شعبة‪ ،‬عن أبي التياح‪ :‬سمعت‬
‫أبا زرعة‪.‬‬

‫* ‪ -‬حدثنا أحمد بن محمد المكي‪ :‬حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد‬


‫الموي‪ ،‬عن جده قال‪ :‬كنت مع مروان وأبي هريرة‪ ،‬فسمعت أبا‬
‫هريرة يقول‪ :‬سمعت الصادق المصدوق يقول‪( :‬هلك أمتي على‬
‫يدي غلمة من قريش)‪ .‬فقال مروان‪ :‬غلمة؟ قال أبو هريرة‪ :‬إن‬
‫شئت أن أسميهم بني فلن وبني فلن‪.‬‬

‫وأخبر بظهور القدرية و الرافضة‪.‬وسب آخر هذه المة أولها‪.‬وقلة‬


‫النصار حتى يكونوا كالملح في الطعام‪ ،‬فلم يزل أمرهم يتبدد‬
‫حتى لم يبق لهم جماعة‪ .‬وأنهم سيقلون بعده أثرةً‪.‬‬

‫‪-‬وأخبر بشأن الخوارج وصفتهم‪ ،‬والمخدج الذي فيهم‪ ،‬وأن‬


‫سيماهم التحليق‪.‬‬

‫‪-‬و يُرى رعاء الغنم رؤوس الناس‪ ،‬و العراة الحفاة يتبارون في‬
‫البنيان‪ .‬وأن تلد المة ربتها‪.‬‬

‫مسلم في كتاب اليمان باب السلم واليمان والحسان‪ ...‬وهو‬


‫طرف من حديث جبريل‪ ،‬من رواية عبد الله بن عمر‪ ،‬عن أبيه‬
‫رضي الله عنهما‪.‬‬

‫* قال‪ :‬فأخبرني عن الساعة‪ .‬قال‪" :‬ما المسؤول عنها بأعلم من‬


‫السائل" قال‪ :‬فأخبرني عن أمارتها‪ .‬قال‪" :‬أن تلد المة ربتها‪.‬‬
‫وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء‪ ،‬يتطاولون في البنيان"‪.‬‬
‫قال ثم انطلق‪ .‬فلبثت مليا‪ .‬ثم قال لي‪" :‬يا عمر! أتدري من‬
‫السائل؟" قلت‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬قال‪" :‬فإنه جبريل أتاكم‬
‫يعلمكم دينكم"‪.‬‬

‫ومن رواية أبي هريرة رضي الله عنه‬

‫‪447‬‬
‫‪ ."-1‬قال‪ :‬يا رسول الله! متى الساعة؟ قال‪" :‬ما المسؤول عنها‬
‫بأعلم من السائل‪ .‬ولكن سأحدثك عن أشرا طها إذا ولدت المة‬
‫ربها فذاك من أشراطها‪ .‬وإذا كانت العراة الحفاة رؤوس الناس‬
‫فذاك من أشراطها‪ .‬وإذا تطاول رعاء البهم في البنيان فذاك من‬
‫أشراطها‪ .‬في خمس ل يعلمهن إل الله" ثم تل صلى الله عليه‬
‫وسلم‪{ :‬إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في‬
‫الرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري بأي أرض‬
‫تموت إن الله عليم خبير}‪ -31[ .‬سورة لقمان‪ ،‬آية ‪]34‬‬

‫قال ثم أدبر الرجل‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫"ردوا على الرجل" فأخذوا ليردوه فلم يروا شيئا‪ .‬فقال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم "هذا جبريل‪ .‬جاء ليعلم الناس دينهم‬

‫‪ -2‬قال‪ :‬يا رسول الله! متى تقوم الساعة؟ قال" ما المسئول‬


‫عنها بأعلم من السائل‪ .‬وسأحدثك عن أشراطها‪ .‬إذا رأيت المرأة‬
‫تلد ربها فذاك من أشراطها‪ .‬وإذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم‬
‫ملوك الرض فذاك من أشراطها‪ .‬وإذا رأيت رعاء البهم يتطاولون‬
‫في البنيان فذاك من أشراطها‪ .‬في خمس من الغيب ل يعلمهن‬
‫إل الله‪ .‬ثم قرأ‪{ :‬إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم‬
‫ما في الرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس‬
‫بأي أرض تموت إن الله عليم خبير}‪ /31[ .‬سورة لقمان‪ ،‬آية ‪]34‬‬

‫قال ثم قام الرجل‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫"ردوه على" فالتمس فلم يجدوه‪ .‬فقال رسول الله ‪:‬هذا جبريل‪.‬‬
‫جاء ليعلم الناس دينهم‪.‬‬
‫وأخرجه أبو داود في سننه‪ ،‬باب القدر‬

‫قال‪ :‬فأخبرني عن الساعة؟ قال‪" :‬ما المسئول عنها بأعلم من‬


‫السائل" قال‪ :‬فأخبرني عن أمارتها قال‪" :‬أن تلد المة ربتها‪ ،‬وأن‬
‫ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان" قال‪:‬‬
‫ثم انطلق فلبثت ثلثاً‪ ،‬ثم قال‪" :‬يا عمر‪ ،‬هل تدري من السائل؟"‬
‫قلت‪ :‬اللّه ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪" :‬فإِنه جبريل أتاكم يعلمكم‬
‫دينكم"‪.‬‬
‫والنسائي في سننه باب نعت السلم‪:‬‬

‫من رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه‬

‫‪448‬‬
‫‪...‬قال فأخبرني عن الساعة قال‪ :‬ما المسؤول عنها بأعلم بها من‬
‫السائل‪ ،‬قال‪ :‬فأخبرني عن إماراتها‪ ،‬قال‪ :‬أن تلد المة ربتها‪ ،‬وأن‬
‫ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان‪ .‬قال‬
‫عمر‪ :‬فلبثت ثلثا ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬يا‬
‫عمر‪ ،‬هل تدري من السائل قلت‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ :‬فإنه‬
‫جبريل عليه السلم‪ ،‬أتاكم ليعلمكم أمر دينكم‬

‫ومن رواية أبي ذر رضي الله عنه‪ :‬قال‪ :‬يا محمد‪ ،‬أخبرني متى‬
‫الساعة؟ قال‪ :‬فنكس فلم يجبه شيئًا‪ ،‬ثم أعاد فلم يجبه شيئا‪ ،‬ثم‬
‫أعاد فلم يجبه شيئا‪ ،‬ورفع رأسه فقال‪ :‬ما المسئول عنها بأعلم‬
‫من السائل‪ ،‬ولكن لها علمات تعرف بها إذا رأيت الرعاء البهم‬
‫يتطاولون في البنيان ورأيت الحفاة العراة ملوك الرض ورأيت‬
‫المرأة تلد ربها‪ ،‬خمس ل يعلمها إل الله {إن الله عنده علم‬
‫الساعة } إلى قوله {إن الله عليم خبير} ثم قال‪ :‬ل‪ ،‬والذي بعث‬
‫محمدا بالحق هاديا وبشيرا‪ ،‬ما كنت أعلم به من رجل منكم‪ ،‬وإنه‬
‫لجبريل عليه السلم نزل في صورة دحية الكلبي‪.‬‬

‫‪-‬وأن قريشا ً والحزاب ل يغزونه أبداً‪ ،‬وأنه هو يغزوهم‪.‬‬

‫قلت‪ :‬رواه البخاري في كتاب المغازي ـ باب غزوة الخندق‪ ،‬وهي‬


‫الحزاب‬

‫‪ -1‬حدثنا أبو نعيم‪ :‬حدثنا سفيان‪ ،‬عن أبي إسحاق‪ ،‬عن سليمان بن‬
‫صرد قال‪ :‬قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحزاب‪:‬‬
‫(نغزوهم ول يغزوننا)‪.‬‬

‫‪ -2‬حدثني عبد الله بن محمد‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم‪ :‬حدثنا إسرائيل‪:‬‬


‫سمعت أبا إسحاق يقول‪ :‬سمعت سليمان بن صرد يقول‪ :‬سمعت‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يقول‪ ،:‬حين أجلى الحزاب عنه‪:‬‬
‫(الن نغزوهم ول يغزوننا‪ ،‬نخن نسير إليهم)‪.‬‬
‫وقال البيهقي في دلئل النبوة‬

‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن‬
‫يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس عن ابن‬
‫إسحاق قال فلما انصرف أهل الخندق عن الخندق قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا‪" :‬لن تغزوكم قريش بعد‬
‫عامكم هذا ولكنكم تغزوهم فلم تغزوهم قريش بعد ذلك وكان‬
‫هو يغزوهم حتى فتح الله عليه مكة"‪...‬‬

‫‪449‬‬
‫‪-‬أخبر بالموتان الذي يكون بعد فتح بيت المقدس‪.‬‬

‫قلت‪ :‬رواه البخاري في أبواب الجزية والموادعة باب‪ :‬ما يحذر‬


‫من الغدر‪.‬‬

‫وقوله تعالى‪{ :‬وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله} الية‬


‫‪/‬النفال‪./62 :‬‬

‫‪ -‬حدثنا الحميدي‪ :‬حدثنا الوليد بن مسلم‪ :‬حدثنا عبد الله بن‬


‫العلء ابن زبر قال‪ :‬سمعت بسر بن عبيد الله‪ :‬أنه سمع أبا‬
‫إدريس قال‪ :‬سمعت عوف بن مالك قال‪ :‬أتيت النبيصلى الله‬
‫عليه وسلمفي غزوة تبوك‪ ،‬وهو في قبة من أدم‪ ،‬فقال‪( :‬اعدد‬
‫ستا بين يدي الساعة‪ :‬موتي‪ ،‬ثم فتح بيت المقدس‪ ،‬ثم موتان‬
‫يأخذ فيكم كقعاص الغنم‪ ،‬ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل‬
‫مائة دينار فيظل ساخطا‪ ،‬ثم فتنة ل يبقى بيت من العرب إل‬
‫دخلته‪ ،‬ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الصفر‪ ،‬فيغدرون فيأتونكم‬
‫تحت ثمانين غاية‪ ،‬تحت كل غاية اثنا عشر ألفا)‪.‬‬

‫‪-‬ما وعد من سكنى البصرة‪ ،‬وأنهم يغزون في البحر كالملوك‬


‫على السراة‪...‬‬

‫‪-‬وأن الدين لو كان منوطا ً بالثريا لناله رجال من أبناء فارس‪.‬‬

‫قلت‪ :‬روى البخاري في كتاب التفسير باب‪ :‬قوله‪{ :‬وآخرين منهم‬


‫لما يلحقوا بهم}‬

‫وقرأ عمر‪ :‬فامضوا إلى ذكر الله‪.‬‬

‫*‪ -‬حدثني عبد العزيز بن عبد الله قال‪ :‬حدثني سليمان بن بلل‪،‬‬
‫عن ثور‪ ،‬عن أبي الغيث‪ ،‬عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬كنا‬
‫جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة‬
‫الجمعة‪{ :‬وآخرين منهم لما يلحقوا بهم}‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬من هم يا‬
‫رسول الله؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلثًا‪ ،‬وفينا سلمان الفارسي‪،‬‬
‫وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫(لو كان اليمان عند الثريا‪ ،‬لناله رجال‪ ،‬أو رجل‪ ،‬من هؤلء)‪.‬‬

‫حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب‪ :‬حدثنا عبد العزيز‪ :‬أخبرني ثور‪،‬‬
‫عن أبي الغيث‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫(لناله رجال من هؤلء)‪.‬‬

‫‪450‬‬
‫و مسلم في كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم باب‬
‫فضل فارس‬

‫* حدثني محمد بن رافع وعبد بن حميد (قال عبد‪ :‬أخبرنا‪ .‬وقال‬


‫ابن رافع‪ :‬حدثنا) عبد الرزاق‪ .‬أخبرنا معمر عن جعفر الجزري‪،‬‬
‫عن يزيد بن الصم‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم "لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من‬
‫فارس ‪ -‬أو قال ‪ -‬من أبناء فارس‪ .‬حتى يتناوله"‪.‬‬

‫* حدثنا قتيبة بن سعيد‪ .‬حدثنا عبد العزيز (يعني ابن محمد) عن‬
‫ثور‪ ،‬عن أبي الغيث‪ ،‬عن أبي هريرة قال‪ :‬كنا جلوسا عند النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬إذ نزلت عليه سورة الجمعة‪ .‬فلما قرأ‪:‬‬
‫{وآخرين منهم لما يلحقوا بهم} قال رجل‪ :‬من هؤلء؟ يا رسول‬
‫الله! فلم يراجعه النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬حتى سأله مرة أو‬
‫مرتين أو ثلثا‪ .‬قال وفينا سلمان الفارسي‪ .‬قال فوضع النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يده على سلمان‪ ،‬ثم قال‪" :‬لو كان اليمان‬
‫عند الثريا‪ ،‬لناله رجال من هؤلء"‪.‬‬

‫وهاجت ريح في غزاة‪ ،‬فقال‪ :‬هاجت لموت منافق‪ ،‬فلما رجعوا‬


‫إلى ا لمدينة وجدوا ذلك‪.‬‬

‫قلت‪ :‬رواه مسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم‬

‫حدثني أبو كريب‪ ،‬محمد بن العلء‪ .‬حدثنا حفص (يعني ابن غياث)‬
‫عن العمش‪ ،‬عن أبي سفيان‪ ،‬عن جابر؛ أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قدم من سفر‪ .‬فلما كان قرب المدينة هاجت‬
‫ريح شديدة تكاد أن تدفن الراكب‪ .‬فزعم أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪" :‬بعثت هذه الريح لموت منافق" فلما قدم‬
‫المدينة‪ ،‬فإذا منافق عظيم‪ ،‬من المنافقين‪ ،‬قد مات‪.‬‬

‫‪-‬قال لقوم من جلسائه‪ :‬ضرس أحدكم في النار أعظم من أحد‪.‬‬

‫قال أبو هريرة‪ :‬فذهب القوم ـ يعني ماتوا‪ ،‬و بقيت أنا ورجل‪،‬‬
‫فقتل مرتدا ً يوم اليمامة‪.‬‬

‫قلت‪:‬روى مسلم‪ ،‬والترمذي ‪,‬وأحمد‪،‬والحاكم حديث أبي هريرة ؛‬


‫وعزاه السيوطي في الجامع الصغير إلى البزار من رواية ثوبان‪،‬‬
‫لكن فيه "ضرس الكافر"‬
‫مسلم‬

‫‪451‬‬
‫*حدثني سريج بن يونس‪ .‬حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن‬
‫الحسن بن صالح‪ ،‬عن هارون بن سعد‪ ،‬عن أبي حازم‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"ضرس‬
‫الكافر‪ ،‬أو ناب الكافر‪ ،‬مثل أحد‪ .‬وغلظ جلده مسيرة ثلث"‪.‬‬
‫الترمذي‬
‫* باب ما جاء في عظم أهل النار‬

‫‪ -1‬حدثنا علي بن حجر‪ ،‬أخبرنا محمد بن عمار حدثني جدي محمد‬


‫بن عمار وصالح مولى التوأمة عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" -‬ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد‬
‫وفخذه مثل البيضاء ومقعده من النار مسيرة ثلث مثل الربذة "‪،‬‬
‫قوله مثل الربذة يعنى به كما بين المدينة والربذة‪ .‬والبيضاء جبل‪.‬‬
‫هذا حديث حسن غريب‪.‬‬

‫‪-2‬حدثنا أبو كريب‪ ،‬أخبرنا مصعب بن المقدام‪ ،‬عن فضيل ابن‬


‫غزوان عن أبي حازم‪ ،‬عن أبي هريرة رفعه قال‪" -:‬ضرس الكافر‬
‫مثل أحد"‪ .‬هذا حديث حسن‪ .‬وأبو حازم هو الشجعي واسمه‬
‫سلمان مولى عزة الشجعية‪.‬‬

‫‪-3‬حدثنا العباس بن محمد الدوري‪ ،‬أخبرنا عبيد اللّه بن موسى‪،‬‬


‫أخبرنا شيبان عن العمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن‬
‫النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‪" -:‬أن غلظ جلد الكافر اثنان‬
‫وأربعين ذراع ًا‪ ،‬وأن ضرسه مثل أحد‪ ،‬وأن مجلسه من جهنم ما‬
‫بين مكة والمدينة"‪ .‬هذا حديث حسن غريب صحيح من حديث‬
‫العمش‪.‬‬
‫أحمد‬

‫*حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسن ثنا عبد الرحمن بن عبد الله‬
‫بن دينار عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬ضرس الكافر مثل أحد وفخذه‬
‫مثل البيضاء ومقعده من النار كما بين قديد إلى مكة وكثافة‬
‫جلده اثنان وأربعون ذراعا بذراع الجبار"‪.‬‬
‫الحاكم‬

‫‪-1‬أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا يحيى بن محمد بن‬
‫يحيى ثنا مسدد ثنا بشر بن المفضل ثنا عبد الرحمن بن إسحاق‬
‫عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه قال‪:‬‬

‫‪452‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ضرس الكافر يوم‬
‫القيامة مثل أحد وعرض جلده سبعون ذراعا عضده مثل البيضاء‬
‫وفخذه مثل ورقان ومقعده من النار ما بيني وبين الربذة" هذا‬
‫حديث صحيح السناد ولم يخرجاه بهذه السياقة إنما اتفقا على‬
‫ذكر ضرس الكافر فقط‪...‬‬

‫‪-2‬حدثنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق أنبأ محمد بن سليمان بن‬


‫الحارث ثنا عبيد الله بن موسى أنبأ شيبان عن العمش عن أبي‬
‫صالح عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬إن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعا بذراع‬
‫الجبار وضرسه مثل أحد "‪.‬‬

‫هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه قال الشيخ‬
‫أبو بكر رضى الله تعالى عنه معنى قوله بذراع الجبار أي جبار‬
‫من جبابرة الدميين ممن كان في القرون الولى ممن كان‬
‫أعظم خلقًا وأطول أعضاء وذراع ًا من الناس‪.‬‬

‫‪-3‬حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر ثنا عبد‬
‫الله بن وهب أخبرني عمرو عن الحارث عن أبي هلل عن سعيد‬
‫بن أبي سعيد المقبري أنه سمع أبا هريرة رضى الله تعالى عنه‬
‫يقول‪ :‬إن ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد ورأسه مثل البيضاء‬
‫وفخذه مثل ورقان وغلظ جلده سبعون ذراع ًا وإن مجلسه في‬
‫النار كما بين المدينة والربذة‪ ,‬قال أبو هريرة وكان يقال بطنه‬
‫مثل بطن أضم‪ .‬هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم‬
‫يخرجاه لتوقيفه على أبي هريرة رضى الله تعالى عنه‪...‬‬
‫* السيوطي‬

‫‪...‬عن ثوبان‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬ضرس‬
‫الكافر مثل أحد وغلظ جلده أربعون ذراعا بذراع الجبار"‪.‬‬

‫تخريج السيوطي‪( :‬البزار)‪.‬‬

‫تحقيق اللباني‪( :‬صحيح) ‪.‬‬

‫‪-‬وأعلم بالذي غل خرزا ً من خرز يهود‪ ،‬فوجدت في رحله‪ .‬وبالذي‬


‫غل الشملة‪ ،‬وحيث هي‪.‬‬

‫قلت‪:‬أخرج البيهقي في دلئل النبوة‪،‬قال‪:‬‬

‫‪453‬‬
‫باب ما جاء في الرجل الذي كان قد غل في سبيل الله عز وجل‬
‫وإخبار النبي بذلك‬

‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن‬
‫يعقوب قال حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى قال حدثنا مسدد قال‬
‫حدثنا يحيى بن سعيد وبشر بن المفضل عن يحيى بن سعيد عن‬
‫محمد بن يحيى بن حبان عن أبي عمرة عن زيد بن خالد الجهني‬
‫أن رجل من أصحاب النبي توفي يوم خيبر فذكروا لرسول الله‬
‫فقال‪" :‬صلوا على صاحبكم" فتغيرت وجوه الناس لذلك فزعم‬
‫زيد أن رسول الله قال‪ :‬إن صاحبكم قد غل في سبيل الله‬
‫ففتشنا متاعه فوجدنا خرًزا من خرز اليهود ل يساوي درهمين‪.‬‬

‫وروى البخاري في كتاب المغازي‪ ،‬باب غزوة خيبر‪:‬‬

‫حدثنا عبد الله بن محمد‪ :‬حدثنا معاوية بن عمرو‪ :‬حدثنا أبو‬


‫إسحاق‪ ،‬عن مالك بن أنس قال‪ :‬حدثني ثور قال‪ :‬حدثني سالم‬
‫مولى بن مطيع‪ :‬أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول‪ :‬افتتحنا‬
‫خيبر‪ ،‬ولم نغنم ذهبا أو فضة‪ ،‬إنما غنمنا البقر والبل والمتاع‬
‫والحوائط‪ ،‬ثم انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى‬
‫وادي القرى‪ ،‬ومعه عبد له يقال له مدعم‪ ،‬أهداه له أحد بني‬
‫الضباب‪ ،‬فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫إذ جاءه سهم عائر‪ ،‬حتى أصاب ذلك العبد‪ ،‬فقال الناس‪ :‬هنيئا له‬
‫الشهادة‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪( :‬بل‪ ،‬والذي‬
‫نفسي بيده‪ ،‬إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم‪ ،‬لم‬
‫تصبها المقاسم‪ ،‬لتشتعل عليه ناًرا) فجاء رجل حين سمع ذلك‬
‫من النبي صلى الله عليه وسلم بشراك أو بشراكين‪ ،‬فقال‪ :‬هذا‬
‫شيء كنت أصبته‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫(شراك‪ - ،‬أو شراكان ‪ -‬من نار)‪.‬‬

‫وناقته حين ضلت‪ ،‬وكيف تعلقت بالشجرة بخطامها‪.‬‬

‫قلت‪ :‬روى البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬

‫باب سبب تسمية غزوة تبوك بالعسرة وما ظهر بدعاء النبي في‬
‫بقية الزواد وفي الماء وإخباره عن قول المنافقين في غيبته ثم‬
‫بموضع ناقته من آثار النبوة‪.‬‬

‫‪ ...‬ثم إن رسول الله سار حتى إذا كان ببعض الطريق ضلت‬
‫ناقته فخرج بعض أصحابه في طلبها وعند رسول الله عمارة بن‬

‫‪454‬‬
‫حزم النصاري وكان في رحلة زيد وكان منافقا ً فقال زيد ليس‬
‫محمد يزعم أنه نبي ويخبركم خبر السماء وهو ل يدري أمر ناقته‬
‫فقال رسول الله وعمارة بن حزم عنده‪" :‬إن رجل ً قال هذا محمد‬
‫يخبركم أنه نبي ويخبركم بأمر السماء وهو ل يدري أين ناقته‬
‫وإني والله ما أعلم إل ما علمني الله وقد دلني الله عليها هي في‬
‫الوادي قد حبستها الشجرة بزمامها فانطلقوا" فجاءوا بها فرجع‬
‫عمارة إلى رحله فحدثهم عما جاء رسول الله من خبر الرجل‬
‫فقال رجل ممن كان في رحل عمارة إنما قال زيد والله هذه‬
‫المقالة قبل أن تأتي فأقبل عمارة على زيد يجأ في عنقه ويقول‬
‫أن في رحلي لداهية وما أدري اخرج عني يا عدو الله فل تصحبني‬
‫فقال بعض الناس إن زيدا ً تاب وقال بعض الناس لم يزل مصراً‬
‫حتى هلك‪.‬‬

‫*وقال‬

‫باب غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع وما ظهر فيها‬
‫من آثار النبوة‬

‫‪...‬وفقدت راحلة رسول الله من بين البل فسعى لها الرجال‬


‫يلتمسونها فقال رجل من المنافقين كان في رفقة من النصار‬
‫أين يسعى هؤلء قال أصحابه يلتمسون راحلة رسول الله حلت‬
‫وفي رواية عروة ضلت فقال المنافق أفل يحدثه الله بمكان‬
‫راحلته فأنكر عليه أصحابه ما قال وقالوا قاتلك الله نافقت فلم‬
‫خرجت وهذا في نفسك قال خرجت لصيب عرضا من الدنيا‬
‫ولعمري إن محمدًا ليحدثنا ما هو أعظم من شأن الناقة فسبه‬
‫أصحابه وقالوا والله ما نكون منك بسبيل ولو علمنا أن هذا في‬
‫نفسك ما صحبتنا ساعة فمكث المنافق شيئا ثم قام وتركهم‬
‫فعمد لرسول الله يسمع الحديث فوجد الله قد حدثه حديثه فقال‬
‫رسول الله والمنافق يسمع‪" :‬إن رجل من المنافقين شمت أن‬
‫حلت أو ضلت ناقة رسول الله وقال أفل يحدثه الله بمكان ناقته‬
‫وإن الله عز وجل قد أخبرني بمكانها ول يعلم الغيب إل الله وهي‬
‫في الشعب المقابل لكم وقد تعلق زمامها بشجرة" فعمدوا إليها‬
‫فجاؤوا بها وأقبل المنافق سريعا حتى أتى النفر الذين قال‬
‫عندهم ما قال فإذا هم جلوس مكانهم لم يقم منهم أحد من‬
‫مجلسه فقال أنشدكم بالله هل أتى أحد منكم محمدًا فأخبره‬
‫بالذي قلت قالوا اللهم ل ول قمنا من مجلسنا هذا بعد قال فإني‬
‫وجدت عند القوم حديثي وقال والله لكأني لم أسلم إل اليوم وإن‬
‫كنت لفي شك من شأنه فأشهد أنه رسول الله قال أصحابه‬

‫‪455‬‬
‫فاذهب إلى رسول الله فليستغفر لك فزعموا أنه ذهب إلى‬
‫رسول الله فاعترف بذنبه واستغفر له رسول الله‪ ..‬يزعمون أنه‬
‫ابن اللصيب وفي رواية عروة بن اللصيت أو ابن اللصيت ولم‬
‫يزل زعموا فشل حتى مات…‬

‫‪-‬وبشأن كتاب حاطب إلى أهل مكة‪.‬‬


‫وقفة مع الشيخين وقصة حاطب بن أبي بلتعة‪:‬‬
‫البخاري في كتاب المغازي‬

‫‪-1‬باب‪ :‬فضل من شهد بدرا‪.‬‬

‫حدثني إسحاق بن إبراهيم‪ :‬أخبرنا عبد الله بن إدريس قال‪:‬‬


‫سمعت حصين بن عبد الرحمن‪ ،‬عن سعد بن عبيدة‪ ،‬عن أبي عبد‬
‫الرحمن السلمي‪،‬عن علي رضي الله عنه قال‪ :‬بعثني الرسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام‪،‬‬
‫وكلنا فارس‪ ،‬قال‪( :‬انطلقوا حتى تأتو روضة خاخ‪ ،‬فإن بها امرأة‬
‫من المشركين‪ ،‬معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى‬
‫المشركين)‪ .‬فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقلنا‪ :‬الكتاب‪ ،‬فقالت‪ :‬ما معنا كتاب‪،‬‬
‫فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابا‪ ،‬فقلنا‪ :‬ما كذب رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬لتخرجن الكتاب أو لنجردنك‪ ،‬فلما رأت الجد‬
‫أهوت إلى حجزتها‪ ،‬وهي محتجزة بكساء‪ ،‬فأخرجته‪ ،‬فانطلقنا بها‬
‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال عمر‪ :‬يا رسول الله‪،‬‬
‫قد خان الله ورسوله والمؤمنين‪ ،‬فدعني فلضرب عنقه‪ .‬فقال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪( :‬ما حملك على ما صنعت)‪ .‬قال‬
‫حاطب‪ :‬والله ما بي أن ل أكون مؤمنا بالله ورسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن‬
‫أهلي ومالي‪ ،‬وليس أحد من أصحابك إل له هناك من عشيرته من‬
‫يدفع الله به عن أهله وماله‪ .‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫(صدق‪ ،‬ول تقولوا له إل خيًرا)‪ .‬فقال عمر إنه قد خان الله‬
‫ورسوله والمؤمنين‪ ،‬فدعني فلضرب عنقه‪ .‬فقال‪( :‬أليس من‬
‫أهل بدر؟ فقال‪ :‬لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال‪ :‬اعملوا ما‬
‫شئتم‪ ،‬فقد وجبت لكم الجنة‪ ،‬أو فقد غفرت لكم)‪ .‬فدمعت عينا‬
‫عمر‪ ،‬وقال‪ :‬الله ورسوله أعلم‪.‬‬
‫‪-----------------------‬‬
‫‪ -10 .29‬القول القوم في معجزات النبي الكرم(‪)10‬‬
‫الفصل الرابع والعشرون‪:‬‬
‫في عصمة الله تعالى له صلى الله عليه وسلم مـن النـــاس‪.‬‬

‫‪456‬‬
‫ك وَإِن‬ ‫من َّرب ِّ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل إِلَي ْ َ‬ ‫ما أُنزِ َ‬ ‫ل بَل ِّغْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫* قال الله تعالى‪( :‬يَا أيُّهَا الَّر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه لَ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫س إ ِ َّ‬‫ن الن ّا ِ‬
‫م َ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َ‬‫ص ُ‬‫ه يَعْ ِ‬ ‫ه وَالل ّ ُ‬ ‫سالَت َ ُ‬ ‫ت رِ َ‬ ‫ما بَل ّغْ َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫م تَفْعَ ْ‬‫لّ ْ‬
‫َ‬
‫ن) (المائدة‪) 67 :‬‬ ‫م الْكَافِرِي َ‬ ‫يَهْدِي الْقَوْ َ‬
‫مدِ َرب ِّ َ‬
‫ك‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫سب ِّ ْ‬
‫ك بِأع ْيُنِنَا وَ َ‬ ‫ك فَإِن َّ َ‬ ‫حكْم ِ َرب ِّ َ‬ ‫صبِْر ل ِ ُ‬ ‫‪-‬وقال تعالى‪( :‬وَا ْ‬
‫م) (الطور‪) 48 :‬‬ ‫ن تَقُو ُ‬ ‫حي َ‬ ‫ِ‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫من دُونِهِ وَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫خوِّفُون َك بِالذِي َ‬ ‫ف ع َبْدَه ُ وَي ُ َ‬ ‫ه بِكَا ٍ‬ ‫س الل ّ ُ‬ ‫(ألَي ْ َ‬ ‫َ‬
‫‪-‬وقال‪:‬‬
‫ن هَادٍ) (الزمر‪.)36 :‬‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫َ‬
‫ما ل ُ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ل الل ُ‬‫ّ‬ ‫ضل ِ ِ‬
‫يُ ْ‬
‫وقيل‪ :‬بكاف محمدا ً صلى الله عليه وسلم أعداءه المشركين‪ .‬و‬
‫قيل غير هذا‪.‬‬
‫ن) (الحجر‪.) 95 :‬‬ ‫زئِي َ‬ ‫ستَهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ك ال ُ‬ ‫َ‬
‫وقال تعالى‪( :‬إِن ّا كَفَيْنَا َ‬
‫َ‬ ‫ك أوْ يَقْتُلُو َ‬ ‫َ‬ ‫ن كَفَُروا ْ لِيُثْبِتُو َ‬ ‫َ َ‬
‫جو َ‬
‫ك‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ك أوْ ي ُ ْ‬ ‫ك ال ّذِي َ‬ ‫مكُُر ب ِ‬ ‫وقال‪( :‬وَإِذ ْ ي َ ْ‬
‫ن) (النفال‪.) 30 :‬‬ ‫ماكِرِي َ‬ ‫خيُْر ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه وَالل ّ ُ‬ ‫مكُُر الل ّ ُ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫مكُُرو َ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫‪-‬أخبرنا القاضي الشهيد أبو علي الصدفي بقراءتي عليه‪ ،‬والفقيه‬
‫الحافظ أبو بكر محمد عبد الله المعافري قال‪ :‬حدثنا أبو الحسن‬
‫الصيرفي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو يعلى البغدادي‪ ،‬حدثنا أبو علي السنجي‪،‬‬
‫حدثنا أبو العباس المروزي‪ ،‬حدثنا أبو عيسى الحافظ‪ ،‬حدثنا عبد‬
‫بن حميد‪ ،‬حدثنا مسلم بن إبراهيم‪ ،‬حدثنا الحارث بن عبيد‪ ،‬عن‬
‫سعيد الجريري‪ ،‬عن عبد الله بن شفيق‪ ،‬عن عائشة رضي الله‬
‫عنها‪ ،‬قالت‪ :‬كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت‬
‫س) ـ فأخرج رسول الله صلى‬ ‫م َ َ‬ ‫م َ‬ ‫هذه الية‪( :‬وَالل ّ ُ‬
‫ن الن ّا ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫ص ُ‬‫ه يَعْ ِ‬
‫الله عليه وسلم رأسه من القبة‪ ،‬فقال لهم‪" :‬يا أيها الناس‪،‬‬
‫انصرفوا‪ ،‬فقد عصمني ربي عز وجل"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه الترمذي في سننه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا عبد بن حميد حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا الحرث بن عبيد‬
‫عن سعيد الجريري عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت كان‬
‫النبي‪ :‬صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الية {والله‬
‫يعصمك من الناس} فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫رأسه من القبة فقال لهم‪" :‬يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني‬
‫الله"‪ ..‬حدثنا نصر بن علي حدثنا مسلم بن إبراهيم بهذا السناد‬
‫نحوه؛ قال أبو عيسى هذا حديث غريب وروى بعضهم هذا‬
‫الحديث عن الجريري عن عبد الله بن شقيق قال كان النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يحرس ولم يذكروا فيه عن عائشة‬
‫وقال الشيخ اللباني‪ :‬حسن‪ ،‬وأخرجه في السلسلة الصحيحة‪.‬‬
‫‪-‬وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل منزل ً اختار‬
‫له أصحابه شجرة يقيل تحتها‪ ،‬فأتاه أعرابي فاخترط سيفه ثم‬
‫قال‪ :‬من يمنعك مني؟ فقال‪ :‬الله عز وجل‪ ..‬فرعدت يد‬

‫‪457‬‬
‫العرابي‪ ،‬وسقط سيفه‪ ،‬وضرب برأسه الشجرة حتى سال‬
‫دماغه‪ ،‬فنزلت الية‪.‬‬
‫قلت‪:‬متفق عليه‪.‬‬
‫‪ -‬رواه البخاري في كتاب المغازي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا أبو اليمان‪ :‬حدثنا شعيب‪ ،‬عن الزهري قال‪ :‬حدثني سنان‬
‫وأبو سلمة‪ :‬أن جابرا أخبر‪ :‬أنه غزا مع رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قبل نجد‪.‬‬
‫حدثنا إسماعيل قال‪ :‬حدثني أخي‪ ،‬عن سليمان‪ ،‬عن محمد بن‬
‫أبي عتيق‪ ،‬عن ابن شهاب‪ ،‬عن سنان بن أبي سنان الدؤلي‪ ،‬عن‬
‫جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أخبره‪ :‬أنه غزا مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قبل نجد‪ ،‬فلما قفل رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قفل معه‪ ،‬فأدركتهم القائلة في واد كثير العصاه‪،‬‬
‫فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس في‬
‫العضاه يستظلون بالشجر‪ ،‬ونزل رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم تحت سمرة فعلق بها سيفه‪ .‬قال جابر‪ :‬فنمنا نومة‪ ،‬ثم إذا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فجئناه‪ ،‬فإذا عنده‬
‫أعرابي جالس‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪( :‬أن هذا‬
‫اخترط سيفي وأنا نائم‪ ،‬فاستيقظت وهو في يده صلتا‪ ،‬فقال لي‪:‬‬
‫من يمنعك مني؟ قلت‪ :‬الله‪ ،‬فها هو ذا جالس)‪ .‬ثم لم يعاقبه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪-‬و مسلم في كتاب الفضائل‬
‫حدثنا عبد بن حميد‪ .‬أخبرنا عبد الرزاق‪ .‬أخبرنا معمر عن‬
‫الزهري‪ ،‬عن أبي سلمة‪ ،‬عن جابر‪ .‬ح وحدثني أبو عمران‪ ،‬محمد‬
‫بن جعفر بن زياد (واللفظ له)‪ .‬أخبرنا إبراهيم (يعني ابن سعد)‬
‫عن الزهري‪ ،‬عن سنان بن أبي سنان الدؤلي‪ ،‬عن جابر بن عبد‬
‫الله‪ .‬قال‪ :‬غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة قبل‬
‫نجد‪ .‬فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في واد كثير‬
‫العضاه‪ .‬فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة‪.‬‬
‫فعلق سيفه بغصن من أغصانها‪ .‬قال‪ :‬وتفرق الناس في الوادي‬
‫يستظلون بالشجر‪ .‬قال‪ :‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ " :‬إن رجل أتاني وأنا نائم‪ .‬فأخذ السيف فاستيقظت وهو‬
‫قائم على رأسي‪ .‬فلم أشعر إل والسيف صلتا في يده‪ .‬فقال لي‪:‬‬
‫من يمنعك مني؟ قال قلت‪ :‬الله‪ .‬ثم قال في الثانية‪ :‬من يمنعك‬
‫مني؟ قال قلت‪ :‬الله‪ ...‬قال فشام السيف‪ .‬فها هو ذا جالس"‪ .‬ثم‬
‫لم يعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬وحدثني عبد الله‬
‫بن عبد الرحمن الدارمي وأبو بكر بن إسحاق‪ .‬قال‪ :‬أخبرنا أبو‬
‫اليمان‪ .‬أخبرنا شعيب عن الزهري‪ .‬حدثني سنان بن أبي سنان‬

‫‪458‬‬
‫الدؤلي وأبو سلمة بن عبد الرحمن؛ أن جابر بن عبد الله‬
‫النصاري‪ ،‬وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫أخبرهما؛ أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة قبل نجد‪.‬‬
‫فلما قفل النبي صلى الله عليه وسلم قفل معه‪ .‬فأدركتهم القائلة‬
‫ما‪ .‬ثم ذكر نحو حديث إبراهيم بن سعد ومعمر‪.‬‬ ‫يو ً‬
‫حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‪ .‬حدثنا عفان‪ .‬حدثنا أبان بن يزيد‪.‬‬
‫حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة‪ ،‬عن جابر‪ .‬قال‪ :‬أقبلنا مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬حتى إذا كنا بذات الرقاع‪.‬‬
‫بمعنى حديث الزهري‪ .‬ولم يذكر‪ :‬ثم لم يعرض له رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -‬وقد رويت هذه القصة في الصحيح‪ ،‬وأن غورث بن الحارث‬
‫صاحب هذه القصة‪ ،‬وأن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عنه‬
‫فرجع إلى قومه‪ ،‬وقال‪ :‬جئتكم من عند خير الناس‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرج البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫باب عصمة الله عز وجل رسوله عما هم به غورث بن الحارث‬
‫من قتله وكيفية صلته في الخوف‪:‬‬
‫أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري‬
‫ببغداد قال أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار قال حدثنا أحمد بن‬
‫منصور الرمادي قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن‬
‫الزهري عن أبي سلمة عن جابر أن النبي نزل منزل ً وتفرق‬
‫الناس في العضاة يستظلون تحتها وعلق النبي سلحه بشجرة‬
‫فجاء أعرابي فاستل السيف ثم أقبل إلى النبي فقال‪ :‬من يحول‬
‫بيني وبينك؟ فقال النبي‪ :‬الله‪ .‬من يهزمك مني؟ حتى قالها ثلثًا‬
‫والنبي يقول‪ :‬الله‪ ,‬قال فشام العرابي السيف وجاء فجلس عند‬
‫النبي فدعا النبي أصحابه فأخبرهم خبر العرابي وهو جالس إلى‬
‫جنبه لم يعاقبه…‬
‫قال وكان قتادة يذكر نحو هذا ويذكر أن قوما من العرب أرادوا‬
‫منُواْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫أن يفتكوا بالنبي فأرسلوا هذا العرابي ويتلو (يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫م قَوم أَن يبسطُوا ْ إلَيك ُ َ‬
‫م‬
‫م أيْدِيَهُ ْ‬ ‫ِ ْ ْ‬ ‫َْ ُ‬ ‫م إِذ ْ هَ َّ ْ ٌ‬ ‫ت اللّهِ ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫اذ ْكُُروا ْ نِعْ َ‬
‫َ‬ ‫فَك َ َّ َ‬
‫ن)‬
‫منُو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ه وَع َلَى اللّهِ فَلْيَتَوَك ّ ِ‬
‫م وَاتَّقُوا ْ الل ّ َ‬ ‫م ع َنك ُ ْ‬‫ف أيْدِيَهُ ْ‬
‫(المائدة‪.) 11 :‬‬
‫رواه البخاري في الصحيح عن محمود‬
‫ورواه مسلم عن عبد بن حميد كلهما عن عبد الرزاق دون قول‬
‫قتادة‬
‫قال البخاري وقال إبان حدثنا يحيى بن أبي كثير فذكر الحديث‬
‫الذي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا عبد الله بن محمد‬
‫الكعبي قال حدثنا إسماعيل بن قتيبة قال حدثنا أبو بكر بن أبي‬

‫‪459‬‬
‫شيبة قال حدثنا عفان قال حدثنا أبان قال حدثنا يحيى بن أبي‬
‫كثير عن أبي سلمة عن جابر قال أقبلنا مع رسول الله حتى إذا‬
‫كنا بذات الرقاع قال كنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها‬
‫لرسول الله قال فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله‬
‫معلق بشجرة فأخذ سيف نبي الله فاخترطه فقال لرسول الله‪:‬‬
‫أتخافني؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فمن يمنعك مني؟ قال‪ :‬الله يمنعني‬
‫منك‪ .‬قال فتهدده أصحاب رسول الله فأغمد السيف وعلقه قال‬
‫فنودي بالصلة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة‬
‫الخرى ركعتين قال فكانت لرسول الله أربع ركعات وللقوم‬
‫ركعتان‪ .‬رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة‪.‬‬
‫قال البخاري قال مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر اسم‬
‫الرجل غورث بن الحارث وقاتل فيها محارب خصفة‪.‬‬
‫أخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو العباس محمد بن‬
‫أحمد بن محبوب قال حدثنا محمد بن معاذ قال حدثنا أبو النعمان‬
‫محمد بن الفضل عارم (ح)‪.‬‬
‫وأخبرنا أبو عمرو الديب قال أخبرنا أبو بكر السماعيلي قال‬
‫أخبرنا محمد بن يحيى المروزي قال حدثنا عاصم هو ابن علي‬
‫قال حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سليمان بن قيس عن جابر‬
‫قال قاتل رسول الله محارب خصفة بنخل فرأوا من المسلمين‬
‫غرة فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث حتى قام على‬
‫رأس رسول الله بالسيف فقال‪ :‬من يمنعك مني؟ قال‪ :‬الله قال‬
‫فسقط السيف من يده قال فأخذ رسول الله السيف فقال‪ :‬من‬
‫يمنعك مني؟ قال كن خير آخذ‪ .‬قال‪ :‬تشهد أن ل إله إل الله وإني‬
‫رسول الله‪ .‬قال‪ :‬ل ولكن أعاهدك على أن ل أقاتلك ول أكون مع‬
‫قوم يقاتلونك‪ .‬فخلى سبيله فأتى أصحابه وقال جئتكم من عند‬
‫خير الناس‪ ...‬ثم ذكر صلة الخوف وأنه صلى أربع ركعات لكل‬
‫طائفة ركعتين هذا لفظ حديث عاصم‪ ..‬وفي رواية عارم قال‬
‫العرابي أعاهدك أن ل أقاتلك ول أكون مع قوم يقاتلونك قال‬
‫فخلى رسول الله يعني عنه فجاء إلى قومه فقال جئتكم من عند‬
‫خير الناس‪..‬‬
‫‪ -‬وقد حكيت مثل هذه الحكاية‪ ،‬وأنها جرت له يوم بدر‪ ،‬وقد انفرد‬
‫من أصحابه لقضاء حاجته‪ ،‬فتبعه رجل من المنافقين‪ ...‬و ذكر‬
‫مثله‪.‬‬
‫‪ -‬وقد روي أنه وقع له مثلها في غزوة غطفان بذي أمر‪ ،‬مع رجل‬
‫اسمه دعثور بن الحارث‪ ،‬وأن الرجل أسلم‪ ،‬فلما رجع إلى قومه‬
‫الذين أغروه ـ وكان سيدهم وأشجعهم ـ قالوا له‪ :‬أين ما كنت‬
‫تقول‪ ،‬وقد أمكنك؟ فقال‪ :‬إني نظرت إلى رجل أبيض طويل دفع‬

‫‪460‬‬
‫في صدري‪ ،‬فوقعت لظهري‪ ،‬وسقط السيف‪ ،‬فعرفت أنه ملك‪،‬‬
‫وأسلمت‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قال البيهقي في دلئل النبوة قال‪:‬‬
‫قال الواقدي حدثني محمد بن زياد بن أبي هنيدة قال أخبرنا زيد‬
‫ابن أبي عتاب قال الواقدي وأخبرنا الضحاك بن عثمان قال‬
‫وحدثني عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر عن عبد الله بن أبي‬
‫بكر وزاد بعضهم على بعض في الحديث وغيرهم قد حدثني أيضا‬
‫قالوا بلغ رسول الله أن جمعا من غطفان من بني ثعلبة بن‬
‫محارب بذي أمر قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف‬
‫رسول الله معهم رجل منهم يقال له دعثور بن الحارث بن‬
‫محارب فندب رسول الله المسلمين فخرج في أربعمائة رجل‬
‫وخمسين رجل ً ومعهم أفراس فذكر الحديث في مسيره إلى أن‬
‫قال وهربت منه العراب فوق ذرى من الجبال ونزل رسول الله‬
‫ذا أمر وعسكر به فأصابهم مطر كثير فذهب رسول الله لحاجته‬
‫فأصابه ذلك المطر فبل ثوبه وقد جعل رسول الله وادي ذي أمر‬
‫بينه وبين أصحابه ثم نزع ثيابه فنشرها لتجف وألقاها على شجرة‬
‫ثم اضطجع تحتها والعراب ينظرون إلى كل ما يفعل رسول الله‬
‫فقالت العراب لدعثور وكان سيدها وأشجعها قد أمكنك محمد‬
‫وقد انفرد من أصحابه حيث إن غوث بأصحابه لم يغث حتى تقتله‬
‫ما ثم أقبل مشتمًل على السيف‬ ‫فاختار سيفا من سيوفهم صار ً‬
‫حتى قام على رأس رسول الله بالسيف مشهوًرا فقال‪ :‬يا محمد‬
‫من يمنعك مني اليوم؟ قال‪ :‬الله عز وجل‪ ,‬ودفع جبريل في‬
‫صدره فوقع السيف من يده فأخذه رسول الله وقام على رأسه‬
‫فقال‪ :‬من يمنعك مني؟ قال‪ :‬ل أحد وأنا أشهد أن ل إله إل الله‬
‫وأن محمدًا رسول الله ل أكثر عليك جمعًا أبدًا‪ .‬فأعطاه رسول‬
‫الله سيفه ثم أدبر ثم أقبل بوجهه ثم قال‪ :‬والله لنت خير مني‪,‬‬
‫قال رسول الله‪ :‬أنا أحق بذلك منك‪ .‬فأتى قومه فقالوا‪ :‬أين ما‬
‫كنت تقول وقد أمكنك والسيف في يدك؟ قال‪ :‬قد كان والله ذلك‬
‫رأيي ولكن نظرت إلى رجل أبيض طويل فدفع في صدري‬
‫فوقعت لظهري فعرفت أنه ملك وشهدت أن محمدًا رسول الله‬
‫والله ل أكثر عليه وجعل يدعو قومه إلى السلم ونزلت هذه الية‬
‫(يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن‬
‫يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم) الية قال وكانت غيبته‬
‫إحدى عشرة ليلة واستخلف على المدينة عثمان بن عفان‪..‬‬
‫كذا قال الواقدي وقد روي في غزوة ذات الرقاع قصة أخرى‬
‫في العرابي الذي قام على رأسه بالسيف وقال من يمنعك مني‬

‫‪461‬‬
‫فإن كان الواقدي قد حفظ ما ذكر في هذه الغزوة فكأنهما‬
‫قصتان والله أعلم‪..‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م إِذ ْ هَ َّ‬
‫م‬ ‫ت اللّهِ ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫منُوا ْ اذ ْكُُروا ْ نِعْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫وفيه نزلت (يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫قَوم أَن يبسطُوا ْ إلَيك ُم أَيديهم فَك َ َّ َ‬
‫م وَاتَّقُوا ْ الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫م ع َنك ُ ْ‬ ‫ف أيْدِيَهُ ْ‬ ‫ِ ْ ْ ْ َُِ ْ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ْ ٌ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن) (المائدة‪.) 11 :‬‬ ‫منُو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ل ال ُ‬ ‫وَع َلَى اللهِ فَليَتَوَك ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫قلت‪ :‬قال القرطبي‪:‬‬
‫قال جماعة‪ :‬نزلت بسبب فعل العرابي في غزوة ذات الرقاع‬
‫حين اخترط سيف النبي صلى الله عليه وسلم وقال‪ :‬من‬
‫يعصمك مني يا محمد؟‪ ..‬وفي البخاري‪ :‬أن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم دعا الناس فاجتمعوا وهو جالس عند النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ولم يعاقبه‪ .‬وذكر الواقدي وابن أبي حاتم أنه‬
‫أسلم‪ .‬وذكر قوم أنه ضرب برأسه في ساق شجرة حتى مات‪.‬‬
‫وفي البخاري في غزوة ذات الرقاع أن اسم الرجل غورث بن‬
‫الحارث (بالغين منقوطة مفتوحة وسكون الواو بعدها راء وثاء‬
‫مثلثة) وقد ضم بعضهم الغين‪ ،‬والول صح‪ .‬وذكر أبو حاتم محمد‬
‫بن إدريس الرازي‪ ،‬وأبو عبد الله محمد بن عمر الواقدي أن‬
‫اسمه دعثور بن الحارث‪ ،‬وذكر أنه أسلم كما تقدم‪ .‬وذكر محمد‬
‫بن إسحاق أن اسمه عمرو بن جحاش وهو أخو بني النضير‪ .‬وذكر‬
‫بعضهم أن قصة عمرو بن جحاش في غير هذه القصة‪ .‬والله‬
‫أعلم‪ .‬وقال قتادة ومجاهد وغيرهما‪ :‬نزلت في قوم من اليهود‬
‫جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية فهموا بقتله‬
‫صلى الله عليه وسلم فعصمه الله منهم‪ .‬قال القشيري‪ :‬وقد‬
‫تنزل الية في قصة ثم ينزل ذكرها مرة أخرى لدكار ما سبق‪.‬‬
‫"أن يبسطوا إليكم أيديهم" أي بالسوء‪" .‬فكف أيديهم عنكم" أي‬
‫منعهم‪.‬‬
‫‪-‬وفي رواية الخطابي أن غورث بن الحارث المحاربي أراد أن‬
‫يفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فلم يشعر به إل وهو قائم‬
‫على رأسه منتضيا ً سيفه‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم اكفنيه بما شئت‪ ،‬فانكب‬
‫من وجهه من زلخة زلخها بين كتفيه ونذر سيفه من يده‪ .‬الزلخة‪:‬‬
‫وجع الظهر‪ .‬وقيل في قصته غير هذا‪ ،‬وذكر فيه نزلت‪( :‬يَا أَيُّهَا‬
‫سطُواْ‬ ‫م قَو َ‬ ‫َ‬
‫م أن يَب ْ ُ‬ ‫م إِذ ْ هَ َّ ْ ٌ‬ ‫ت اللّهِ ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫منُوا ْ اذ ْكُُروا ْ نِعْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ال ّذِي‬
‫َ‬ ‫إلَيك ُم أَيديهم فَك َ َّ َ‬
‫ه وَع َلَى اللّهِ فَلْيَتَوَك ّ ِ‬
‫ل‬ ‫م وَاتَّقُوا ْ الل ّ َ‬ ‫م ع َنك ُ ْ‬ ‫ف أيْدِيَهُ ْ‬ ‫ِ ْ ْ ْ َُِ ْ‬
‫ن) (المائدة‪.)11 :‬‬ ‫منُو َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ح‬
‫جنَا َ‬ ‫قلت‪ :‬قال القرطبي عند تفسيره لقول الله تعالى‪ (:‬وََل ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع َلَيك ُم إن كَان بك ُ َ‬
‫ضعُوا‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ضى أ ْ‬ ‫مْر َ‬ ‫م َ‬ ‫مطَرٍ أوْ كُنْت ُ ْ‬ ‫ن ََ‬ ‫م ْ‬ ‫م أذ ًى ِ‬ ‫َ ِ ْ‬ ‫ْ ْ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مهِينًا)‬ ‫ن عَذ َابًا ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ه أعَد َّ لِلْكَافِ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إ ِ َّ‬ ‫حذَْرك ُ ْ‬ ‫خذ ُوا ِ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫حتَك ُ ْ‬ ‫سل ِ َ‬‫أ ْ‬
‫(النساء ‪.)102‬‬

‫‪462‬‬
‫قيل‪ :‬نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم يوم بطن نخلة لما‬
‫ما مطيًرا‬ ‫انهزم المشركون وغنم المسلمون؛ وذلك أنه كان يو ً‬
‫وخرج النبي صلى الله عليه وسلم لقضاء حاجته واضعًا سلحه‪،‬‬
‫فرآه الكفار منقطعًا عن أصحابه فقصده غورث بن الحارث‬
‫فانحدر عليه من الجبل بسيفه‪ ،‬فقال‪ :‬من يمنعك مني اليوم؟‬
‫فقال‪( :‬الله) ثم قال‪( :‬اللهم اكفني الغورث بما شئت)‪ .‬فأهوى‬
‫بالسيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه‪ ،‬فانكب‬
‫لوجهه لزلقة زلقها‪ .‬وذكر الواقدي أن جبريل عليه السلم دفعه‬
‫في صدره ‪ ،...‬وسقط السيف من يده فأخذه النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وقال‪( :‬من يمنعك مني يا غورث )؟ فقال‪ :‬ل أحد‪.‬‬
‫فقال‪( :‬تشهد لي بالحق وأعطيك سيفك)؟ قال‪ :‬ل؛ ولكن أشهد‬
‫أل أقاتلك بعد هذا ول أعين عليك عدوًا؛ فدفع إليه السيف‪.‬‬
‫ً‬
‫‪-‬وقيل‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاف قريشا‪ ،‬فلما‬
‫نزلت هذه الية استلقى‪ ،‬ثم قال‪ :‬من شاء فليخذلني‪.‬‬
‫‪-‬وذكر عبد بن حميد‪ ،‬قال‪ :‬كانت حمالة الحطب تضع العضاه ـ‬
‫وهي جمر ـ على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فكأنما يطؤها كثيبا ً أهيل‪.‬‬
‫َ‬
‫ب‬‫ت يَدَا أبِي لَهَ ٍ‬
‫‪-‬وذكر ابن إسحاق عنها أنها لما بلغها نزول‪( :‬تَب َّ ْ‬
‫ب) (المسد‪ ،)1 :‬وذكرها بما ذكرها الله مع زوجها من الذم ـ‬ ‫وَت َ َّ‬
‫أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد‬
‫ومعه أبو بكر‪ ،‬وفي يدها فهر من الحجارة‪ .‬فلما وقفت عليهما لم‬
‫تر إل أبا بكر‪ ،‬وأخذ الله تعالى ببصرها عن نبيه صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فقالت‪ :‬يا أبا بكر أين صاحبك؟ فقد بلغني أنه يهجوني‪،‬‬
‫والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه‪.‬‬
‫قلت " قال القرطبي عند تفسيره لسورة المسد‪:‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬تبت يدا أبي لهب" في الصحيحين وغيرهما (واللفظ‬
‫لمسلم) عن ابن عباس قال‪ :‬لما نزلت "وأنذر عشيرتك القربين"‬
‫[الشعراء‪ ]214 :‬ورهطك منهم المخلصين‪ ،‬خرج رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم حتى صعد الصفا‪ ،‬فهتف‪ :‬يا صباحاه! فقالوا‪ :‬من‬
‫هذا الذي يهتف؟ قالوا محمد‪ .‬فاجتمعوا إليه‪ .‬فقال‪( :‬يا بني فلن‪،‬‬
‫يا بني فلن‪ ،‬يا بني فلن‪ ،‬يا بني عبد مناف‪ ،‬يا بني عبد المطلب)‬
‫فاجتمعوا إليه‪ .‬فقال‪( :‬أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيل تخرج بسفح‬
‫هذا الجبل أكنتم مصدقي)؟ قالوا‪ :‬ما جربنا عليك كذبا‪ .‬قال‪:‬‬
‫(فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد)‪ .‬فقال أبو لهب‪ :‬تبا لك‪،‬‬
‫أوما جمعتنا إل لهذا؟ ثم قام‪ ،‬فنزلت هذه السورة‪" :‬تبت يدا أبي‬
‫لهب وقد تب" كذا قرأ العمش إلى آخر السورة‪ .‬زاد الحميدي‬
‫وغيره‪ :‬فلما سمعت امرأته ما نزل في زوجها وفيها من القرآن‪،‬‬

‫‪463‬‬
‫أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد‬
‫عند الكعبة‪ ،‬ومعه أبو بكر رضي الله عنه‪ ،‬وفي يدها فهر من‬
‫حجارة‪ ،‬فلما وقفت عليه أخذ الله بصرها عن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬فل ترى إل أبا بكر‪ .‬فقالت‪ :‬يا أبا بكر‪ ،‬إن‬
‫صاحبك قد بلغني أنه يهجوني‪ ،‬والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر‬
‫ما عصينا***وأمره أبينا***ودينه‬ ‫فاه‪ ،‬والله إني لشاعرة‪ :‬مذم ً‬
‫قلينا‪ ,‬ثم انصرفت‪ .‬فقال أبو بكر‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أما تراها رأتك؟‬
‫قال‪( :‬ما رأتني‪ ،‬لقد أخذ الله بصرها عني)‪ .‬وكانت قريش إنما‬
‫ما؛ يسبونه‪ ،‬وكان‬ ‫تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم مذم ً‬
‫يقول‪( :‬أل تعجبون لما صرف الله عني من أذى قريش‪ ،‬يسبون‬
‫ويهجون مذمما وأنا محمد)‪.‬‬
‫وقال البيهقي في دلئل النبوة‪:‬‬
‫باب قول الله عز وجل (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين‬
‫الذين ل يؤمنون بالخرة حجابًا مستوًرا) وما جاء في تحقيق ذلك‪:‬‬
‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه‬
‫قال أخبرنا بشر بن موسى قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان‬
‫قال حدثنا الوليد بن كثير عن ابن تدرس عن أسماء بنت أبي بكر‬
‫قالت لما نزلت (تبت يدا أبي لهب) أقبلت العوراء أم جميل بنت‬
‫ما أبينا‪ ,‬ودينه‬‫حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول‪ :‬مذم ً‬
‫قلينا‪ ,‬وأمره عصينا‪ ..‬والنبي جالس في المسجد ومعه أبو بكر‬
‫رضي الله عنه فلما رآها أبو بكر قال‪ :‬يا رسول الله قد أقبلت‬
‫وأنا أخاف أن تراك‪ .‬قال النبي‪" :‬إنها لن تراني"‪ ,‬وقرأ قرآنًا‬
‫فاعتصم به كما قال وقرأ (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين‬
‫الذين ل يؤمنون بالخرة حجابًا مستوًرا) فوقفت على أبي بكر‬
‫ولم تر رسول الله فقالت‪ :‬يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك‬
‫هجاني‪ ,‬فقال‪ :‬ل ورب هذا البيت ما هجاك قال فولت وهي تقول‬
‫قد علمت قريش أني ابنة سيدها‪...‬‬
‫أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان قال حدثنا أحمد بن‬
‫عبيد الصفار قال حدثنا أبو حصين محمد بن الحسين قال حدثنا‬
‫منجاب هو ابن الحارث قال حدثنا ابن مسهر عن سعيد بن كثير‬
‫عن أبيه قال حدثني أسماء بنت أبي بكر أن أم جميل دخلت على‬
‫أبي بكر وعنده رسول الله فقالت يا ابن أبي قحافة ما شأن‬
‫صاحبك ينشد في الشعر فقال والله ما صاحبي بشاعر وما يدري‬
‫ما الشعر فقالت‪ :‬أليس قد قال في جيدها حبل من مسد فما‬
‫يدريه ما في جيدي فقال النبي‪" :‬قل لها ترين عندي أحدا فإنها‬
‫لن تراني" قال جعل بيني وبينها حجاب‪ ,‬فسألها أبو بكر فقالت‪:‬‬
‫أتهزأ بي يا ابن أبي قحافة والله ما أرى عندك أحدًا‪..‬‬

‫‪464‬‬
‫‪-‬وعن الحكم بن أبي العاصي‪ :‬تواعدنا على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم حتى إذا رأيناه سمعنا صوتا ً خلفنا ما ظننا أنه بقي بتهامة‬
‫أحد‪ ،‬فوقعنا مغشيا ً علينا‪ ،‬فما أفقنا حتى قضى صلته ورجع إلى‬
‫أهله‪.‬‬
‫ثم تواعدنا ليلة أخرى‪ ،‬فجئنا حتى إذا رأيناه جاءت الصفا‬
‫والمروة‪ ،‬فحالت بيننا وبينه‪.‬‬
‫‪-‬وعن عمر رضي الله عنه‪ :‬تواعدت أنا وأبو جهم بن حذيفة ليلة‬
‫قتْل رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فجئنا منزله‪ ،‬فسمعنا له‪،‬‬
‫ة * كَذَّب َ ْ‬
‫ت‬ ‫حاقَّ ُ‬ ‫ما ال ْ َ‬‫ك َ‬ ‫ما أَدَْرا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ة*و‬ ‫حاقَّ ُ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫حاقَّ ُ‬
‫ة*‬ ‫فافتح وقرأ‪ ( :‬ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مود ُ فَأهْلِكُوا بِالط ّاِغيَةِ * وَأ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مود ُ وَع َاد ٌ بِالْقَارِعَةِ * فَأ َّ‬
‫ما ع َا ٌد‬ ‫ما ث َ ُ‬ ‫ثَ ُ‬
‫َ‬ ‫س َّ‬ ‫ُ‬
‫ة أي َّ ٍ‬
‫ام‬ ‫ل َوث َ َ‬
‫مانِي َ َ‬ ‫سبْعَ لَيَا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خَرهَا ع َلَيْهِ ْ‬ ‫صرٍ عَاتِيَةٍ * َ‬ ‫َ‬ ‫صْر‬‫َ‬ ‫ريٍح‬ ‫ِ‬ ‫فَأهْلِكُوا ب ِ‬
‫خاوِيَةٍ * فَهَ ْ‬
‫ل‬ ‫ل َ‬ ‫حسوما ً فَترى الْقَوم فيها صرع َى كَأَنَه َ‬
‫خ ٍ‬‫جاُز ن َ ْ‬ ‫م أع ْ َ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫ْ َ ِ َ َ ْ‬ ‫ََ‬ ‫ُ ُ‬
‫من بَاقِيَةٍ *(الحاقة‪.).‬‬ ‫تََرى لهُم ِّ‬‫َ‬
‫ج‪،‬وفرا هاربين‪ ،‬فكانت‬ ‫فضرب أبو جهم على عضد عمر‪ ،‬وقال‪ :‬ان ُ‬
‫من مقدمات إسلم عمر رضي الله عنه‪.‬‬
‫‪-‬ومنه العبرة المشهورة‪ ،‬والكفاية التامة عندما أخافته قريش‪،‬‬
‫وأجمعت على قتله وبيتوه‪ ،‬فخرج عليهم من بيته‪ ،‬فقام على‬
‫ب على‬ ‫رؤوسهم‪ ،‬وقد ضرب الله تعالى على أبصارهم‪ ،‬وذر الترا َ‬
‫رؤوسهم‪ ،‬وخلص منهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬روى البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أخبرنا أبو عبد الرحمن بن محبور الدهان قال أخبرنا الحسين بن‬
‫محمد بن هارون قال أخبرنا أحمد بن محمد بن نصر اللباد قال‬
‫حدثنا يوسف بن بلل قال حدثنا محمد بن مروان عن الكلبي عن‬
‫أبي صالح عن ابن عباس في قوله عز وجل (وجعلنا من بين‬
‫أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا) قال كفار قريش سدا غطاء‬
‫فأغشيناهم يقول ألبسنا أبصارهم وغشيناهم‪...‬‬
‫وقال‪ :‬أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن‬
‫يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس عن ابن‬
‫إسحاق قال وأقام رسول الله ينتظر أمر الله حتى إذا اجتمعت‬
‫قريش فمكرت به وأرادوا به ما أرادوا أتاه جبريل عليه السلم‬
‫فأمره أن ل يبيت في مكانه الذي كان يبيت فيه دعا رسول الله‬
‫علي بن أبي طالب فأمره أن يبيت على فراشه ويتسجى ببرد له‬
‫أخضر ففعل ثم خرج رسول الله على القوم وهم على بابه وخرج‬
‫معه بحفنة من تراب فجعل يذرها على رؤوسهم وأخذ الله عز‬
‫حكِيم ِ * إِن َّ َ‬
‫ك‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫وجل بأبصارهم عن نبيه وهو يقرأ ( يس * وَالْقُْرآ ِ‬
‫حيم ِ *‬ ‫ل الْعَزِيزِ الَّر ِ‬ ‫ستَقِيم ٍ * تَنزِي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُّ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫ن * ع َلَى ِ‬ ‫سلِي َ‬‫مْر َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫لَ ِ‬
‫ل ع َلَى‬ ‫حقَّ الْقَوْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن * لَقَد ْ َ‬ ‫م غَافِلُو َ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫ما أنذَِر آبَاؤُهُ ْ‬ ‫وما ً َّ‬ ‫لِتُنذَِر قَ ْ‬

‫‪465‬‬
‫ي إِلَى‬ ‫أَكْثَرهم فَهم َل يؤ ْمنون * إنَا جعلْنا في أَع ْناقه َ‬
‫م أغْلَل ً فَهِ َ‬‫َ ِ ِ ْ‬ ‫ِّ َ َ َ ِ‬ ‫ُ ِ ُ َ‬ ‫ِ ِ ْ ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬‫خل ِفهِ ْ‬‫ن َ‬‫م ْ‬‫سدّا وَ ِ‬
‫م َ‬ ‫ن أيْدِيهِ ْ‬
‫من بَي ْ ِ‬‫جعَلنَا ِ‬‫ن * وَ َ‬ ‫حو َ‬ ‫م ُ‬
‫م ْق َ‬ ‫ن فَهُم ّ‬‫الذْقَا َِ‬
‫ن *) وروي عن عكرمة ما يؤكد‬ ‫صُرو َ‬‫م ل َ يُب ْ ِ‬ ‫م فَهُ ْ‬‫شيْنَاهُ ْ‬‫سدّا ً فَأغْ َ‬ ‫َ‬
‫هذا‪...‬‬
‫‪-‬وحمايته عن رؤيتهم في الغار بما هيأ الله له من اليات‪ ،‬ومن‬
‫العنكبوت الذي نسج عليه‪ ،‬حتى قال أمية بن خلف ـ حين قالوا‪:‬‬
‫تدخل الغار‪ :‬ما أربكم فيه‪ ،‬وعليه من نسج العنكبوت ما أرى أنه‬
‫قبل أن يولد محمد‪ .‬ووقفت حمامتان على فم الغار‪ ،‬فقالت‬
‫قريش‪ :‬لو كان فيه أحد لما كانت هناك الحمام‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرج البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الهاشمي ببغداد‬
‫قال حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال حدثنا أحمد بن محمد بن‬
‫عيسى البري قال حدثنا مسلم بن إبراهيم ح وأخبرنا أبو بكر‬
‫أحمد بن الحسن القاضي وأبو صادق محمد بن أحمد العطار قال‬
‫حدثنا أبو العباس الصم قال حدثنا محمد بن علي الوراق قال‬
‫حدثنا مسلم قال حدثنا عون بن عمرو القيسي قال‪ :‬سمعت أبا‬
‫مصعب المكي قال أدركت أنس بن مالك وزيد بن أرقم والمغيرة‬
‫بن شعبة فسمعتهم يتحدثون أن النبي ليلة الغار أمر الله عز‬
‫وجل بشجرة فنبتت في وجه النبي فسترته وأمر الله العنكبوت‬
‫فنسجت في وجه النبي فسترته وأمر الله حمامتين وحشيتين‬
‫فوقفتا بفم الغار وأقبل فتيان قريش من كل بطن رجل بعصيهم‬
‫وهراويهم وسيوفهم حتى إذا كانوا من النبي بقدر أربعين ذراع ًا‬
‫فجعل رجل منهم لينظر في الغار فرأى حمامتين بفم الغار فرجع‬
‫إلى أصحابه فقالوا له ما لك لم تنظر في الغار فقال رأيت‬
‫حمامتين بفم الغار فعلمت أنه ليس فيه أحد فسمع النبي ما قال‬
‫فعرف أن الله عز وجل قد درأ عنه بهما فدعاهن النبي فسمت‬
‫عليهن وفرض جزاءهن وانحدرن في الحرم‪..‬‬
‫‪-‬وقصته مع سراقة بن مالك بن جعشم حين الهجرة‪ ،‬وقد جعلت‬
‫قريش فيه وفي أبي بكر الجعائل‪ ،‬فأنذر به‪ ،‬فركب فرسه واتبعه‬
‫حتى إذا قرب منه دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫فساخت قوائم فرسه‪ ،‬فخر عنها‪ ،‬واستقسم بالزلم‪ ،‬فخرج له‬
‫ما يكره‪ .‬ثم ركب ودنا حتى سمع قراءة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وهو ل يلفت‪ ،‬وأبو بكر رضي الله عنه يلتفت فقال للنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬أتينا‪ .‬فقال‪ :‬ل تحزن إن الله معنا‪،‬‬
‫فساخت ثانية إلى ركبتها وخر عنها‪ ،‬فزجرها فنهضت ولقوئمها‬
‫مثل الدخان‪ ،‬فناداهم بالمان‪ ،‬فكتب له النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أماناً‪ ،‬كتبه ابن فهيرة‪ ،‬وقيل أبو بكر‪ ،‬وأخبرهم بالخبار‪،‬‬

‫‪466‬‬
‫وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أل يترك أحدا ً يلحق بهم‪.‬‬
‫فانصرف يقول للناس‪ :‬كفيتم ما ها هنا‪ .‬وقيل‪ :‬بل قال لهما‪:‬‬
‫أراكما دعوتما علي‪ ،‬فادعوا لي‪ .‬فنجا‪ ،‬ووقَع في نفسه ظهور‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قلت‪ :‬قال أبو نعيم في دلئل النبوة‪:‬‬
‫ثم قلت قد نال الرحيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا أحد غير سراقة بن مالك بن‬
‫جعشم على فرس له فقلت هذا الطلب قلد لحقنا يا رسول الله‬
‫فقال‪" :‬ل تحزن إن الله معنا" فلما دنا منا فكان بيننا وبينه قيد‬
‫رمحين أو ثلثة قلت هذا الطلب يا رسول الله قد لحقنا وبكيت‬
‫قال لم تبكي قلت أما والله ما على نفسي أبكي يا رسول الله‬
‫ولكن أبكي عليك فقال رسول الله‪" :‬اللهم اكفناه بما شئت"‬
‫فساخت فرسه في الرض إلى بطنها فوثب عنها ثم قال يا محمد‬
‫قد علمت أن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه فو الله‬
‫لعمين على من ورائي من الطلب وهذه كنانتي خذ سهما منها‬
‫فإنك ستمر على إبلي وغنمي بمكان كذا وكذا فخذ منها حاجتك‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل حاجة لنا في إبلك"‪...‬‬
‫فانطلق راجعا إلى أصحابه‪.‬‬
‫قال المام رحمه الله الرحل للناقة بمنزلة السرج للفرس أظهرنا‬
‫دخلنا في وقت الظهر وقائم الظهر وقت الزوال أنفض ما حولي‬
‫أي أنظر هل أرى أحد اعتقل شاة أي أمسك رجلها وكثبة من لبن‬
‫أي كثرة رويت ملت هذا الطلب أي الطالب يقع على الواحد‬
‫والجمع فساخت فرسه أي دخل يداها ورجلها في الرض لعمين‬
‫لخفين‪..‬‬
‫وقال ابن كثير في البداية والنهاية‪:‬‬
‫قال ابن شهاب فأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي وهو ابن‬
‫أخي سراقة أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن مالك ابن جعشم‬
‫يقول‪ :‬جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره‬
‫فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج إذ أقبل‬
‫رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال‪ :‬يا سراقة إني‬
‫رأيت آنفا أسودة بالساحل أراها محمدًا وأصحابه‪ ,‬قال سراقة‪:‬‬
‫فعرفت أنهم هم فقلت له‪ :‬إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلنًا‬
‫وفلنًا انطلقوا بأعيننا ثم لبثت في المجلس ساعة ثم قمت‬
‫فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي وهي من وراء أكمة‬
‫فتحبسها علي وأخذت رمحي فخرجت من ظهر البيت فخططت‬
‫بزجه الرض وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها فدفعتها‬

‫‪467‬‬
‫ففرت بي حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها‬
‫فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الزلم‬
‫فاستقسمت بها أضرهم أم ل فخرج الذي أكره فركبت فرسي‬
‫وعصبت الزلم فجعل فرسي يقرب بي حتى إذا سمعت قراءة‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ل يلتفت‪ ,‬وأبو بكر يكثر‬
‫اللتفات ساخت يدا فرسي في الرض حتى بلغتا الركبتين‬
‫فخررت عنها فأهويت ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها‬
‫فلما استوت قائمة إذا لثر يديها غبار ساطع في السماء مثل‬
‫الدخان فاستقسمت الزلم فخرج الذي اكره فناديتهم بالمان‬
‫فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت‬
‫ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فقلت له‪ :‬إن قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم‬
‫أخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم‬
‫يرداني ولم يسألني إل أن قال أخف عنا فسألته أن يكتب لي‬
‫كتاب أمن فأمر عامر ابن فهيره فكتب لي رقعة من أدم ثم‬
‫مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وقد روى محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبد الرحمن بن‬
‫مالك بن جعشم عن أبيه عن عمه سراقة فذكر هذه القصة إل‬
‫أنه ذكر أنه استقسم بالزلم أول ما خرج من منزله فخرج‬
‫السهم الذي يكره ل يضره وذكر أنه عثر به فرسه أربع مرات‬
‫وكل ذلك يستقسم بالزلم ويخرج الذي يكره ل يضره حتى‬
‫ناداهم بالمان وسأل أن يكتب له كتابا يكون أمارة ما بينه وبين‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فكتب لي كتابا في عظم‬
‫أو رقعة أو خرقة وذكر أنه جاء به إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وهو بالجعرانة مرجعه من الطائف فقال له يوم وفاء‬
‫وبر أدنه فدنوت منه وأسلمت قال ابن هشام هو عبد الرحمن بن‬
‫الحارث بن مالك بن جعشم وهذا الذي قاله جيد‪.‬‬
‫ولما رجع سراقة جعل ل يلقى أحدا من الطلب إل رده وقال‬
‫كفيتم هذا الوجه فلما ظهر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قد وصل إلى المدينة جعل سراقة يقص على الناس ما رأى وما‬
‫شاهد من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما كان من قضية‬
‫جواده واشتهر هذا عنه فخاف رؤساء قريش معرته وخشوا أن‬
‫يكون ذلك سببًا لسلم كثير منهم وكان سراقة أمير بني مدلج‬
‫ورئيسهم فكتب أبو جهل لعنه الله إليهم‪.‬‬
‫بني مدلج إني أخاف سفيهكم * سراقــة مستغو لنصر محمد‬
‫* فيصبح شتى بعد عز وسؤدد‬ ‫عليكم به أل يفرق جمعكـم‬
‫قال فقال سراقة بن مالك يجيب أبا جهل في قوله هذا‪:‬‬

‫‪468‬‬
‫أبا حكم والله لو كنت شاهدا * لمر جوادي إذ تسوخ قوائمه‬
‫عجيب ولم تشكك بأن محمدا * رسول وبرهان فمن ذا‬
‫يقاومه‬
‫عليك فكف القوم عنه فإنني * أخال لنا يوما ستبدو معالمه‬
‫* وإن جميع الناس طرا مسالمه‬ ‫بأمر تود النصر فيه فإنهم‬
‫وذكر هذا الشعر الموي في مغازيه بسنده عن أبي إسحاق وقد‬
‫رواه أبو نعيم بسنده من طريق زياد عن ابن إسحاق وزاد في‬
‫شعر أبي جهل أبياتا تتضمن كفًرا بليغًا‬
‫و قال الصفدي في الوافي بالوفيات‬
‫سراقة المدلجي الصحابي سراقة بن مالك‪ ،‬هو الذي يسأل عن‬
‫متعة الحج أللبد هي? توفي في حدود الربعين للهجرة‪ .‬نقلت من‬
‫خط الشيخ فتح الدين محمد بن سيد الناس بعدما حدثني به قال‪:‬‬
‫سراقة بن مالك بن جعشم الكناني يكنى أبو سفيان روى عنه‬
‫من الصحابة ابن عباس وجابر‪ ،‬وروى عنه سعيد بن المسيب‬
‫وابنه محمد بن سراقة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬مات سراقة سنة أربع وعشرين في خلفة عثمان‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫مات بعد عثمان‪ .‬عن أبي عمر رحمه الله تعالى‪ .‬انتهى‪ .‬وقال‬
‫الشيخ شمس الدين في سنة أربع وعشرين‪ :‬وفيها توفي سراقة‬
‫بن مالك المدلجي الذي ساخت قوائم فرسه‪ .‬ثم أسلم وحسن‬
‫إسلمه‪ .‬ثم ذكره في من مات في خلفة علي بن أبي طالب‬
‫مجملً‪ ،‬وهي حدود الربعين‪ .‬قلت‪ :‬وروى لسراقة البخاري‬
‫والربعة‪...‬‬
‫‪-‬وفي خبر آخر‪ :‬أن راعيا ً عرف خبرهما‪ ،‬فخرج يشتد‪ ،‬يعلم‬
‫قريشاً‪ ،‬فلما ورد مكة ضرب على قلبه‪ ،‬فما يدري ما يصنع‪،‬‬
‫وأنسي ما خرج له حتى رجع إلى موضعه‪.‬‬
‫‪-‬وجاءه ـ فيما ذكر ابن إسحاق وغيره ـ أبو جهل‪ ،‬بصخرة وهو‬
‫ساجد‪ ،‬وقريش ينظرون‪ ،‬ليطرحها عليه‪ ،‬فلزقت بيده‪ ،‬وبست‬
‫يداه إلى عنقه‪ ،‬وأقبل يرجع القهقرى إلى خلفه‪ ،‬ثم سأله أن‬
‫يدعو له‪ ،‬ففعل‪ ,‬فانطلقت يداه‪ ،‬وكان قد تواعد مع قريش بذلك‪،‬‬
‫وحلف لئن رآه ليدمغنه‪ ،‬فسألوه عن شأنه‪ ،‬فذكر أنه عرض لي‬
‫دونه فحل‪ ،‬ما رأيت مثله قط‪ ،‬هم بي أن يأكلني‪ .‬فقال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬ذاك جبريل‪ ،‬لو دنا لخذه‪.‬‬
‫قلت‪:‬روى البيهقي في دلئل النبوة‪:‬‬
‫وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن‬
‫يعقوب قال‪ :‬قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن‬
‫بكير عن ابن إسحاق قال حدثني شيخ من أهل مصر قديم منذ‬
‫بضع وأربعين سنة عن عكرمة عن ابن عباس في قصة طويلة‬

‫‪469‬‬
‫جرت بين مشركي مكة وبين رسول الله فلما قام عنهم رسول‬
‫الله قال أبو جهل بن هشام يا معشر قريش إن محمدًا قد أبى إل‬
‫ما ترون من عيب ديننا وشتم آبائنا وتسفيه أحلمنا وسب آلهتنا‬
‫وإني أعاهد الله لجلسن له غدا بحجر فإذا سجد في صلته‬
‫فضحت به رأسه فليصنع بعد ذلك أبو عبد مناف ما بدا لهم‬
‫فلما أصبح أبو جهل أخذ حجًرا ثم جلس لرسول الله ينتظر وغدا‬
‫رسول الله كما يغدو وكانت قبلته الشام فكان إذا صلى صلى بين‬
‫الركنين السود واليماني وجعل الكعبة بينه وبين الشام فقام‬
‫رسول الله ثمة يصلي وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم‬
‫ينظرون فلما سجد رسول الله احتمل أبو جهل الحجر ثم أقبل‬
‫نحوه حتى إذا دنا منه رجع منتها منتقعا لونه مرعوبًا قد يبست‬
‫يداه على حجره حتى قذف الحجر من يده وقامت إليه رجال من‬
‫قريش فقالوا‪ :‬مالك يا أبا الحكم فقال قمت إليه لفعل ما قلت‬
‫لكم البارحة فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من البل والله‬
‫ما رأيت مثل هامته ول قصرته ول أنيابه لفحل قط فهم أن‬
‫يأكلني‪..‬‬
‫‪-‬وذكر السمرقندي أن رجل ً من بني المغيرة أتى النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ليقتله‪ ،‬فطمس الله على بصره‪ ،‬فلم ير النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وسمع قوله‪ ،‬فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى‬
‫نادوه‪.‬‬
‫َ‬
‫جعَلْنَا فِي أع ْنَاقِهِ ْ‬
‫م‬ ‫‪-‬وذكر أن في هاتين القصتين‪ ،‬نزلت‪ ( :‬إِنَّا َ‬
‫َ‬ ‫ي إِلَى الَذْقَا‬ ‫أَغْلَل ً فَه‬
‫م‬
‫ن أيْدِيهِ ْ‬‫من بَي ْ ِ‬‫جعَلْنَا ِ‬
‫ن ( ‪ ) 8‬وَ َ‬ ‫حو َ‬‫م ُ‬ ‫ن فَهُم ُّ‬
‫مقْ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ن (‪ – )9‬يس‪.‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل َ يُب ْ ِ‬
‫م فَهُ ْ‬ ‫سدّا ً فَأَغ ْ َ‬
‫شيْنَاهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫خلْفِهِ ْ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫سدّا ً َو ِ‬
‫َ‬
‫قلت‪:‬ذكره القرطبي في تفسيره " الجامع لحكام القرآن " قال‪:‬‬
‫"إنا جعلنا في أعناقهم أغلل"‪ .‬قيل‪ :‬نزلت في أبي جهل بن هشام‬
‫وصاحبيه المخزوميين؛ وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى محمدًا‬
‫يصلي ليرضخن رأسه بحجر؛ فلما رآه ذهب فرفع حجًرا ليرميه‪،‬‬
‫فلما أومأ إليه رجعت يده إلى عنقه‪ ،‬والتصق الحجر بيده؛ قاله‬
‫ابن عباس وعكرمة وغيرهما؛ فهو على هذا تمثيل أي هو بمنزلة‬
‫من علت يده إلى عنقه‪ ،‬فلما عاد إلى أصحابه أخبرهم بما رأى‪،‬‬
‫فقال الرجل الثاني وهو الوليد بن المغيرة‪ :‬أنا أرضخ رأسه‪ .‬فأتاه‬
‫وهو يصلي على حالته ليرميه بالحجر فأعمى الله بصره فجعل‬
‫يسمع صوته ول يراه‪ ،‬فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه‬
‫فقال‪ :‬والله ما رأيته ولقد سمعت صوته‪ .‬فقال الثالث‪ :‬والله‬
‫لشدخن أنا رأسه‪ .‬ثم أخذ الحجر وانطلق فرجع القهقرى ينكص‬
‫على عقبيه حتى خر على قفاه مغشيا عليه‪ .‬فقيل له‪ :‬ما شأنك؟‬
‫قال شأني عظيم رأيت الرجل فلما دنوت منه‪ ،‬وإذا فحل يخطر‬

‫‪470‬‬
‫بذنبه ما رأيت فحل قط أعظم منه حال بيني وبينه‪ ،‬فو اللت‬
‫والعزى لو دنوت منه لكلني‪ .‬فأنزل الله تعالى‪" :‬إنا جعلنا في‬
‫أعناقهم أغلل ً فهي إلى الذقان فهم مقمحون"‪.‬‬
‫‪ -‬ومن ذلك ما ذكره ابن إسحاق‪ ،‬وغيره في قصته‪ ،‬إذ خرج إلى‬
‫بني قريظة‪ ،‬في أصحابه‪ ،‬فجلس إلى جدار بعض آطامهم‪،‬‬
‫فانبعث عمرو بن جحاش أحدهم ليطرح عليه رحى‪ ،‬فقام النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فانصرف إلى المدينة وأعلمهم بقصتهم‪.‬‬
‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن‬
‫يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير‬
‫عن ابن إسحاق قال ثم خرج رسول الله إلى بني النضير‬
‫يستعينهم في ذينك القتيلين من بني عامر الذين قتلهما عمرو بن‬
‫أمية الضمري فيما حدثني يزيد بن رومان وكان بين بني النضير‬
‫وبني عامر عقد وحلف فلما أتاهم رسول الله يستعينهم في الدية‬
‫قالوا نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت مما استعنت بنا‬
‫عليه ثم خل بعضهم ببعض فقالوا إنكم لن تجدوا الرجل على مثل‬
‫حاله هذه ورسول الله إلى جانب جدار من بيوتهم قاعد فقالوا‬
‫من رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيقتله بها‬
‫فيريحنا منه فانتدب لذلك منهم عمرو بن جحاش بن كعب فقال‬
‫أنا لذلك فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ورسول الله في نفر‬
‫من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم فأتاه‬
‫الخبر من السماء بما أراد القوم فقام وقال لصحابه ل تبرحوا‬
‫فخرج راجعا إلى المدينة‪ ,‬فلما استبطأ النبي أصحابه قاموا في‬
‫طلبه فلقوا رجًل مقبًل من المدينة فسألوه عنه فقال رأيته داخًل‬
‫المدينة فأقبل أصحاب رسول الله حتى انتهوا إليه فأخبرهم الخبر‬
‫بما أرادت يهود من الغدر وأمر رسول الله بحربهم والسير إليهم‬
‫فسار بالناس حتى نزل بهم‪...‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬‫منُوا ْ اذ ْكُُروا ْ نِعْ َ‬
‫نآ َ‬‫‪ -‬وقد قيل‪ :‬أن قوله تعالى‪( :‬يَا أي ُّ َها ال ّذِي َ‬
‫َ‬ ‫م فَك َ َّ‬ ‫م قَوم أَن يبسطُوا ْ إلَيك ُ َ‬
‫م ع َنك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ف أيْدِيَهُ ْ‬ ‫م أيْدِيَهُ ْ‬ ‫ِ ْ ْ‬ ‫َْ ُ‬ ‫م إِذ ْ هَ َّ ْ ٌ‬ ‫ع َلَيْك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن) (المائدة‪ ) 11 :‬في هذه‬ ‫منُو َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه وَع َلَى اللّهِ فَلْيَتَوَك ّ ِ‬
‫وَاتَّقُوا ْ الل ّ َ‬
‫القصة نزلت‪.‬‬
‫‪-‬وحكى السمرقندي أنه خرج إلى بني النضير يستعين في عقل‬
‫الكلبيين اللذين قتلهما عمرو بن أمية‪ ،‬فقال له حيي بن أخطب‪:‬‬
‫اجلس يا أبا القاسم حتى نطعمك ونعطيك ما سألتنا‪ .‬فجلس‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما‪،‬‬
‫وتوامر حيي معهم على قتله‪ ،‬فأعلم جبريل عليه السلم النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بذلك‪ ،‬فقام كأنه يريد حاجته حتى دخل‬
‫المدينة‪.‬‬

‫‪471‬‬
‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ رحمه الله قال أخبرنا أبو جعفر محمد‬
‫بن عبد الله البغدادي قال حدثنا أبو علثة محمد بن عمرو بن‬
‫خالد قال أخبرنا أبي قال أخبرنا ابن لهيعة قال حدثنا أبو السود‬
‫عن عروة (ح) وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد قال‬
‫أخبرنا أبو بكر محمد ابن عبد الله بن عتاب قال أخبرنا القاسم‬
‫بن عبد الله بن المغيرة قال أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس قال‬
‫أنبأنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى ابن عقبة‬
‫قال هذا حديث رسول الله حين خرج إلى بني النضير يستعينهم‬
‫في عقل الكلبيين وكانوا زعموا قد دسوا إلى قريش حين نزلوا‬
‫بأحد لقتال رسول الله فحضوهم على القتال ودلوهم على العورة‬
‫فلما كلمهم رسول الله في عقل الكلبيين قالوا اجلس يا أبا‬
‫القاسم حتى تطعم وترجع بحاجتك ونقوم فنتشاور ونصلح أمرنا‬
‫فيما جئتنا له فجلس رسول الله ومن معه من أصحابه في ظل‬
‫جدار ينتظرون أن يصلحوا أمرهم فلما خلوا والشيطان معهم‬
‫ائتمروا بقتل رسول الله فقالوا لن تجدوه أقرب منه الن‬
‫فاستريحوا منه تأمنوا في دياركم ويرفع عنكم البلء فقال رجل‬
‫منهم إن شئتم ظهرت فوق البيت الذي هو تحته فدليت عليه‬
‫حجرا فقتلته وأوحى الله عز وجل إليه فأخبره بما ائتمروا به من‬
‫شأنهم فعصمه الله عز وجل وقام رسول الله كأنه يريد أن‬
‫يقضي حاجة وترك أصحابه في مجلسهم وانتظره أعداء الله‬
‫فراث عليهم فأقبل رجل من المدينة فسألوه عنه فقال لقيته قد‬
‫دخل أزقة المدينة فقالوا لصحابه عجل أبو القاسم أن يقيم أمرنا‬
‫في حاجته التي جاء لها ثم قام أصحاب رسول الله فرجعوا ونزل‬
‫القرآن والله أعلم بالذي أراد أعداء الله فقال عز وجل (يا أيها‬
‫الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم‬
‫أيديهم) إلى قوله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) فلما أظهر الله‬
‫عز وجل رسوله على ما أرادوا به وعلى خيانتهم أمر الله عز‬
‫وجل رسوله بإجلئهم وإخراجهم من ديارهم‪..‬‬
‫‪ -‬وذكر أهل التفسير والحديث‪ ،‬عن أبي هريرة رضي الله عنه ـ‬
‫أن أبا جهل وعد قريشا ً لئن رأى محمدا ً يصلي ليطأن رقبته‪ .‬فلما‬
‫صلى النبي صلى الله عليه وسلم أعلموه‪ ،‬فأقبل‪ ،‬فلما قرب منه‬
‫ولى هاربا ً ناكصا ً على عقبيه‪ ،‬متقيا ً بيديه‪ ،‬فسئل فقال‪ :‬لما دنوت‬
‫منه أشرفت على خندق مملوء نارا ً كدت أهوي فيه‪ ،‬وأبصرت‬
‫هول ً عظيماً‪ ،‬وخفق أجنحة قد ملت الرض‪.‬فقال النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ :‬تلك الملئكة‪ ،‬لو دنا لختطفته عضوا ً عضواً‪.‬‬

‫‪472‬‬
‫قلت‪ :‬روى مسلم قصة أبي جهل حين أراد ان ينفذ فعلته‬
‫الشنيعة التي أقسم بمعبوداته الباطلة لئن رأى رسول الله‬
‫ساجدًا ليطأن رقبته‪ ،‬قال‪:‬‬
‫باب قوله تعالى‪( :‬إن النسان ليطغى* أن رآه استغنى)‪.‬‬
‫حدثنا عبيد الله بن معاذ ومحمد بن عبد العلى القيسي‪ .‬قال‪:‬‬
‫حدثنا المعتمر عن أبيه‪ .‬حدثني نعيم بن أبي هند عن أبي حازم‪،‬‬
‫عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال أبو جهل‪ :‬هل يعفر محمد وجهه بين‬
‫أظهركم؟ قال فقيل‪ :‬نعم‪ .‬فقال‪ :‬واللت والعزى! لئن رأيته يفعل‬
‫ذلك لطأن على رقبته‪ .‬أو لعفرن وجهه في التراب‪ .‬قال فأتى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي‪ .‬زعم ليطأ على‬
‫رقبته‪ .‬قال فما فجئهم منه إل وهو ينكص على عقبيه ويتقي‬
‫بيديه‪ .‬قال فقيل له‪ :‬مالك؟ فقال‪ :‬إن بيني وبينه لخندقا من نار‬
‫وهول وأجنحة‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬لو دنا‬
‫مني لختطفته الملئكة عضوا عضوا"‪.‬‬
‫قال فأنزل الله عز وجل ‪ -‬ل ندري في حديث أبي هريرة‪ ،‬أو‬
‫شيء بلغه ‪{ :-‬كل إن النسان ليطغى* أن رآه استغنى* إن إلى‬
‫ربك الرجعى* أرأيت الذي ينهى* عبدا إذا صلى* أرأيت إن كان‬
‫على الهدى* أو أمر بالتقوى* أرأيت إن كذب وتولى (يعني أبا‬
‫جهل) * ألم يعلم بأن الله يرى* كل لئن لم ينته لنسفعا بالناصية*‬
‫ناصية كاذبة خاطئة* فليدع ناديه* سندع الزبانية* كل ل تطعه} [‬
‫‪/ 96‬العلق ‪.]19 - 6/‬‬
‫زاد عبيد الله في حديثه قال‪ :‬وأمره بما أمره به‪.‬وزاد ابن عبد‬
‫العلى‪ :‬فليدع ناديه‪ .‬يعني قومه‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫سا َ‬ ‫ن اْلِن َ‬ ‫ثم أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم‪( :‬ك َ ّل إ ِ َّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن إِلَى َرب ِّ َ‬ ‫َ‬
‫ت الذِي‬ ‫جعَى * أَرأي ْ َ‬ ‫ك الُّر ْ‬ ‫ستَغْنَى *إ ِ َّ‬ ‫لَيَطْغَى * أن َّرآه ُ ا ْ‬
‫مَر‬ ‫ينهى * ع َبدا ً إذ َا صلَّى * أ َرأَيت إن كَان ع َلَى الْهدى * أَو أ َ‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َُ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َِ‬ ‫ََْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه يََرى * كل‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م بِأ َّ‬‫م يَعْل َ ْ‬‫ب وَتَوَل ّى * أل َ ْ‬ ‫ت إِن كَذ ّ َ‬ ‫بِالتَّق َْوَى * أَرأي ْ َ‬
‫خاطِئَةٍ * فَلْيَدْع ُ نَادِيَه‬ ‫صيَةٍ كَاذِبَةٍ َ‬ ‫صيَةِ * نَا ِ‬ ‫سفَعا ً بِالنَّا ِ‬ ‫م يَنتَهِ لَن َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫لَئِن ل ّ‬
‫َ‬
‫ب * (‪ .‬سورة العلق‬ ‫جد ْ وَاقْتَرِ ْ‬ ‫س ُ‬
‫ه وَا ْ‬ ‫ة * ك َ ّل َل تُطِعْ ُ‬ ‫سنَدْع ُ الَّزبَانِي َ َ‬‫* َ‬
‫‪.)19-6‬‬
‫‪ -‬وروي أن شيبة بن عثمان الحجبي أدركه يوم حنين‪ ،‬وكان حمزة‬
‫قد قتل أباه وعمه‪ ،‬فقال‪ :‬اليوم أدرك ثأري من محمد‪.‬فلما اختلط‬
‫الناس أتاه من خلفه‪ ،‬ورفع سيفه ليصبه عليه‪ ،‬قال‪ :‬فلما دنوت‬
‫منه ارتفع إلي شواظ من نار أسرع من البرق‪ ،‬فوليت هارباً‪،‬‬
‫وأحس بي النبي صلى الله عليه وسلم فدعاني‪ ،‬فوضع يده على‬
‫صدري‪ ،‬وهو أبغض الخلق إلي‪ ،‬فما رفعها إل وهو أحب الخلق‬

‫‪473‬‬
‫إلي‪ .‬وقال لي‪ :‬ادن فقاتل‪ ...‬فتقدمت أمامه أضرب بسيفي وأقيه‬
‫بنفسي‪ ،‬ولو لقيت أبي تلك الساعة لوقعت به دونه ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قال البيهقي في دلئل النبوة‪:‬‬
‫اخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو محمد أحمد بن عبد الله‬
‫المزني قال حدثنا يوسف بن موسى قال حدثنا هشام بن خالد‬
‫قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن‬
‫أبي بكر الهذلي عن عكرمة مولى ابن عباس عن شيبة بن عثمان‬
‫قال لما رأيت رسول الله يوم حنين قد عرى ذكرت أبي وعمي‬
‫ي وحمزة إياهما فقلت اليوم أدرك ثأري من محمد قال‬ ‫وقتل عل ّ‬
‫فذهب لجئه عن يمينه فإذا أنا بالعباس بن عبد المطلب قايم‬
‫عليه درع بيضاء كأنها فضة يكشف عنها العجاج فقلت عمه ولن‬
‫يخذله قال ثم جئته عن يساره فإذا أنا بأبي سفيان بن الحارث بن‬
‫عبد المطلب فقلت ابن عمه ولن يخذله قال ثم جئته من خلفه‬
‫فلم يبق إل أن أسوره سورة بالسيف إذ رفع لي شواظ من نار‬
‫بيني وبينه كأنه برق فخفت تمحشني فوضعت يدي على بصري‬
‫ومشيت القهقري والتفت رسول الله وقال‪ :‬يا شيب يا شيب أدن‬
‫مني اللهم أذهب عنه الشيطان قال فرفعت إليه بصري ولهو‬
‫أحب إلي من سمعي وبصري وقال يا شيب قاتل الكفار‪..‬‬
‫وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ومحمد بن موسى بن الفضل‬
‫قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا العباس بن‬
‫محمد قال حدثنا محمد بن بكير الحضرمي قال حدثنا أيوب بن‬
‫جابر عن صدقة بن سعيد عن مصعب بن شيبة عن أبيه قال‬
‫خرجت مع رسول الله يوم حنين والله ما أخرجني إسلم ول‬
‫معرفة به ولكن أنفت أن تظهر هوازن على قريش فقلت وأنا‬
‫واقف معه يا رسول الله إني أرى خيل ً بلقا ً قال يا شيبة إنه ل‬
‫يراها إل كافر فضرب يده على صدري ثم قال‪" :‬اللهم اهد ِ شيبة"‬
‫ثم ضربها الثانية ثم قال‪" :‬اللهم اهد ِ شيبة" ثم ضربها الثالثة‬
‫فقال‪" :‬اللهم اهد ِ شيبة" فو الله ما رفع يده من صدري في‬
‫ي منه‪...‬‬
‫الثالثة حتى ما كان أحد من خلق الله أحب إل ّ‬
‫‪ -‬وعن فضالة بن عمرو‪ :‬أردت قتل النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عام الفتح‪ ،‬وهو يطوف بالبيت‪ ،‬فلما دنوت منه قال‪ :‬أفضالة؟‬
‫قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬ما كنت تحدث به نفسك؟ قلت‪ :‬ل شيء‪.‬‬
‫فضحك واستغفر لي‪ ،‬ووضع يده على صدري‪ ،‬فسكن قلبي‪ ،‬فو‬
‫الله ما رفعها حتى ما خلق الله شيئا ً أحب إلي منه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لعل القاضي عياض رحمه الله أراد فضالة بن عمير الذي‬
‫ذكره ابن كثير في البداية والنهاية‪ ،‬قال‪:‬‬

‫‪474‬‬
‫وحدثني يعني بعض أهل العلم أن فضالة بن عمير بن الملوح‬
‫يعني الليثي أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف‬
‫بالبيت عام الفتح فلما دنا منه قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬أفضالة؟ قال نعم فضالة يا رسول الله‪ ..‬قال‪" :‬ماذا كنت‬
‫تحدث به نفسك؟" قال‪ :‬ل شيء‪ ،‬كنت أذكر الله‪ .‬قال فضحك‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال‪ :‬استغفر الله‪ ..‬ثم وضع يده‬
‫على صدره فسكن قلبه فكان فضالة يقول‪ :‬والله ما رفع يده عن‬
‫صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه‪ ..‬قال فضالة‬
‫فرجعت إلى أهلي فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها فقالت‪ :‬هلم‬
‫إلى الحديث‪ ..‬فقال‪ :‬ل وانبعث فضالة يقول‪:‬‬
‫يأبى عليك الله‬ ‫*‬ ‫قالت هلم إلى الحديث فقلت ل‬
‫والســـلم‬
‫بالفتح يوم تكسر الصنــام‬ ‫*‬ ‫أو مـــا رأيت محمدا وقبيله‬
‫والشرك يغشى وجهه‬ ‫*‬ ‫لرأيت ديـن الله أضحى بينا‬
‫الظلم‬
‫‪ -‬ومن مشهور ذلك خبر عامر بن الطفيل‪ ،‬وأربد بن قيس ـ حين‬
‫وفدا على النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكان عامر قال له‪ :‬أنا‬
‫أشغل عنك وجه محمد فاضربه أنت‪ .‬فلم يره فعل شيئاً‪ ،‬فلما‬
‫كلمه في ذلك قال له‪ :‬والله ما هممت أن أضربه إل وجدتك بيني‬
‫و بينه‪ ،‬أفأضربك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قال ابن كثير في البداية والنهاية‪:‬‬
‫وفد بني عامر وقصة عامر بن الطفيل واربد بن مقيس‬
‫قال ابن إسحاق وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وفد بني عامر بن الطفيل وأربد بن مقيس ابن جزء بن جعفر بن‬
‫خالد وجبار بن سلمى بن مالك بن جعفر وكان هؤلء الثلثة‬
‫رؤساء القوم وشياطينهم وقدم عامر بن الطفيل عدو الله على‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد الغدر به وقد قال له‬
‫قومه يا أبا عامر إن الناس قد أسلموا فأسلم‪ ,‬قال‪ :‬والله لقد‬
‫كنت آليت أل أنتهي حتى تتبع العرب عقبي فأنا أتبع عقب هذا‬
‫الفتى من قريش ثم قال لربد إن قدمنا على الرجل فإني‬
‫سأشغل عنك وجهه فإذا فعلت ذلك فأعله بالسيف فلما قدموا‬
‫على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر بن الطفيل يا‬
‫محمد خالني قال ل والله حتى تؤمن بالله وحده قال يا محمد‬
‫خالني قال وجعل يكلمه وينتظر من أربد ما كان أمره به فجعل‬
‫أربد ل يحير شيئًا فلما رأى عامر ما يصنع أربد قال يا محمد‬
‫خالني قال ل حتى تؤمن بالله وحده ل شريك له فلما أبى عليه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أما والله لملنها عليك خيلً‬

‫‪475‬‬
‫ورجاًل فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬اللهم‬
‫اكفني عامر بن الطفيل" فلما خرجوا من عند رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قال عامر بن الطفيل لربد أين ما كنت أمرتك به‬
‫والله ما كان على ظهر الرض رجل أخوف على نفسي منك وأيم‬
‫الله ل أخافك بعد اليوم أبدًا قال ل أبالك ل تعجل علي والله ما‬
‫هممت بالذي أمرتني به إل دخلت بيني وبين الرجل حتى ما أرى‬
‫غيرك أفأضربك بالسيف‪ ,‬وخرجوا راجعين إلى بلدهم حتى إذا‬
‫كانوا ببعض الطريق بعث الله عز وجل على عامر بن الطفيل‬
‫الطاعون في عنقه فقتله الله في بيت امرأة من بني سلول‬
‫فجعل يقول يا بني عامر أغدة كغدة البكر في بيت امرأة من بني‬
‫سلول قال ابن هشام ويقال أغدة كغدة البل وموت في بيت‬
‫سلولية وروى الحافظ البيهقي من طريق الزبير بن بكار حدثتني‬
‫فاطمة بنت عبد العزيز بن موءلة عن أبيها عن جدها موءلة بن‬
‫جميل قال أتى عامر بن الطفيل رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ,‬فقال له‪ :‬يا عامر أسلم‪ .‬فقال‪ :‬أسلم على أن لي الوبر‬
‫ولك المدر قال ل ثم قال‪ :‬أسلم فقال أسلم على أن لي الوبر‬
‫ولك المدر قال ل فولى وهو يقول والله يا محمد لملنها عليك‬
‫سا‪ .‬فقال رسول‬ ‫خيل ً جردًا ورجاًل مردًا ولربطن بكل نخلة فر ً‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬اللهم اكفني عامًرا وأهد قومه"‬
‫فخرج حتى إذا كان بظهر المدينة صادف امرأة من قومه يقال‬
‫لها سلولية فنزل عن فرسه ونام في بيتها فأخذته غدة في حلقه‬
‫فوثب على فرسه وأخذ رمحه وأقبل يجول وهو يقول غدة كغدة‬
‫البكر وموت في بيت سلولية فلم تزل تلك حاله حتى سقط عن‬
‫فرسه ميتًا‪.‬‬
‫وذكر الحافظ أبو عمر بن عبد البر في الستيعاب في أسماء‬
‫الصحابة موءلة هذا فقال هو موءلة بن كثيف الضبابي الكلبي‬
‫العامري من بني عامر بن صعصعة أتى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وهو ابن عشرين سنة فاسلم وعاش في السلم مائة‬
‫سنة وكان يدعى ذا اللسانين من فصاحته روى عنه ابنه عبد‬
‫العزيز وهو الذي روى قصة عامر بن الطفيل غدة كغدة البعير‬
‫وموت في بيت سلولية‪.‬‬
‫قال الزبير بن بكار حدثتني ظميا بنت عبد العزيز بن موءلة بن‬
‫كثيف بن جميل بن خالد بن عمرو بن معاوية وهو الضباب بن‬
‫كلب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة قالت حدثني أبي عن أبيه‬
‫عن موءلة أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسلم وهو‬
‫ابن عشرين سنة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح‬
‫يمينه وساق أبله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصدقها‬

‫‪476‬‬
‫بنت لبون ثم صحب أبا هريرة بعد رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وعاش في السلم مائة سنة وكان يسمى ذا اللسانين من‬
‫فصاحته قلت والظاهر أن قصة عامر بن الطفيل متقدمة على‬
‫الفتح وإن كان ابن إسحاق والبيهقي قد ذكرها بعد الفتح وذلك‬
‫لما رواه الحافظ البيهقي عن الحاكم عن الصم أنبأنا محمد بن‬
‫إسحاق أنبأنا معاوية بن عمرو ثنا أبو إسحاق الفزاري عن‬
‫الوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس في‬
‫قصة بئر معونة وقتل عامر بن الطفيل حرام بن ملحان خال‬
‫أنس بن مالك وغدره بأصحاب بئر معونة حتى قتلوا عن آخرهم‬
‫سوى عمرو بن أمية كما تقدم قال الوزاعي قال يحيى فمكث‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على عامر بن الطفيل‬
‫حا‪" :‬اللهم اكفني عامر بن الطفيل بما شئت وابعث‬ ‫ثلثين صبا ً‬
‫عليه ما يقتله"‪ .‬فبعث الله عليه الطاعون وروى عن همام عن‬
‫إسحاق ابن عبد الله عن أنس في قصة ابن ملحان قال وكان‬
‫عامر بن الطفيل قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فقال‪ :‬أخيرك بين ثلث خصال‪ :‬يكون لك أهل السهل ويكون لي‬
‫أهل الوبر وأكون خليفتك من بعدك أو أغزوك بغطفان بألف‬
‫أشقر وألف شقراء‪ ,‬قال فطعن في بيت امرأة فقال غدة كغدة‬
‫البعير وموت في بيت امرأة من بني فلن ائتوني بفرسي فركب‬
‫فمات على ظهر فرسه‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ثم خرج أصحابه حين رأوه حتى قدموا أرض بني‬
‫عامر شاتين فلما قدموا أتاهم قومهم فقالوا وما وراءك يا أربد‬
‫قال ل شيء والله لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت لو أنه عندي‬
‫الن فأرميه بالنبل حتى أقتله الن فخرج بعد مقالته بيوم أو‬
‫يومين معه جمل له يبيعه فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة‬
‫خا لبيد بن ربيعة‬‫فأحرقتهما قال ابن إسحاق وكان أربد بن قيس أ ً‬
‫لمه فقال لبيد يبكي أربد‬
‫ل والد مشفق ول‬ ‫*‬ ‫ما أن تعرى المنون مـــن أحد‬
‫ولــــد‬
‫أرهب نوء السماك‬ ‫*‬ ‫أخشى على أربــد الحتوف ول‬
‫والســد‬
‫قمنا وقام النساء في كبــــد‬ ‫*‬ ‫فعين هل بكيت أربــــد إذ‬
‫أو يقصدوا في الحكوم‬ ‫*‬ ‫إن يشغبوا ل يبـــال شغبهم‬
‫يقتصـد‬
‫مر لصيق الحشاء والكبـــد‬ ‫*‬ ‫حلو أريب وفي حلوتــــه‬
‫ألوت ريــاح الشتاء‬ ‫*‬ ‫وعين هل بكيت أربـــد إذ‬
‫بالعضد‬

‫‪477‬‬
‫حتى تجلت غوابر‬ ‫*‬ ‫وأصبحت لقحـــا مصرمة‬
‫المــــدد‬
‫* ذو نهمة في العــــل‬ ‫أشجع من ليث غابة لحـــم‬
‫ومنتقد‬
‫ليلة تمسي الجياد كالفــــدد‬ ‫*‬ ‫ل تبلغ العين كــــل نهمتها‬
‫* مثل الظباء البكار‬ ‫الباعث النــــوح في مآتمه‬
‫بالجــــرد‬
‫* رس يـوم الكريهـة‬ ‫فجعني البرق والصواعق بالفــا‬
‫النجـــد‬
‫* جــــاء نكيبا وإن يعد‬ ‫والحارب الجابــر الحريب إذا‬
‫يعـد‬
‫ينبت غيث الربيع ذو‬ ‫*‬ ‫يعفو على الجهد والسؤال كمـا‬
‫الرصــد‬
‫قــــل وإن كثروا من العدد‬ ‫*‬ ‫كــــل بني حرة مصيرهم‬
‫* أمروا يوما فهم للهلك‬ ‫إن يغبطــوا يهبطــوا وإن‬
‫والنفــد‬
‫وقد روى ابن إسحاق عن لبيد أشعارا كثيرة في رثاء أخيه لمه‬
‫أربد بن قيس تركناها اختصارا واكتفاء بما أوردناه والله الموفق‬
‫للصواب‪.‬‬
‫قال ابن هشام وذكر زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن‬
‫عباس قال فانزل الله عز وجل في عامر وأربد قوله تعالى‪( :‬الله‬
‫يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الرحام وما تزداد وكل شيء‬
‫عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال سواء منكم‬
‫من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب‬
‫بالنهار له معقبات من بين يده ومن خلفه يحفظونه من أمر‬
‫الله ) يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم ثم ذكر أربد وقتله‪،‬‬
‫فقال الله تعالى‪ ( :‬وإذا أراد الله بقوم سوءًا فل مرد له ومالهم‬
‫من دونه من وال هو الذي يريكم البرق خوفًا وطمعًا وينشىء‬
‫السحاب الثقال ويسبح الرعد بحمده والملئكة من خيفته ويرسل‬
‫الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد‬
‫المحال)‪.‬‬
‫‪ ...‬وقد وقع لنا إسناد ما علقه ابن هشام رحمه الله فروينا من‬
‫طريق الحافظ أبي القاسم سليمان بن احمد الطبراني في‬
‫معجمه الكبير حيث قال حدثنا مسعدة بن سعد العطار حدثنا‬
‫إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثني عبد العزيز بن عمران حدثني‬
‫عبد الرحمن وعبد الله ابنا زيد بن أسلم عن أبيهما عن عطاء بن‬
‫يسار عن ابن عباس أن أربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر‬

‫‪478‬‬
‫بن كلب وعامر بن الطفيل بن مالك قدما المدينة على رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فانتهيا إليه وهو جالس فجلسا بين‬
‫يديه فقال عامر بن الطفيل‪ :‬يا محمد ما تجعل لي إن أسلمت‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬مالك ما للمسلمين‬
‫وعليك ما عليهم‪ .‬قال عامر‪ :‬أتجعل لي المر إن أسلمت من‬
‫بعدك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬ليس ذلك لك‬
‫ول لقومك ولكن لك أعنة الخيل‪ .‬قال‪ :‬أنا الن في أعنة خيل نجد‬
‫اجعل لي الوبر ولك المدر قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬ل‪...‬فلما قفا من عنده قال عامر أما والله لملنها عليك‬
‫خيل ً ورجاًل‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬يمنعك الله‪.‬‬
‫فلما خرج أربد وعامر قال عامر يا أربد أنا اشغل محمدًا بالحديث‬
‫فاضربه بالسيف فان الناس إذا قتلت محمدًا لم يزيدوا على أن‬
‫يرضوا بالدية ويكرهوا الحرب فسنعطيهم الدية قال أربد أفعل‬
‫فأقبل راجعين إليه‪ ,‬فقال عامر يا محمد قم معي أكلمك فقام‬
‫معه رسول الله صلى الله عليه وسلم فخليا إلى الجدار ووقف‬
‫معه رسول الله يكلمه وسل أربد السيف فلما وضع يده على‬
‫السيف يبست يده على قائم السيف فلم يستطع سل السيف‬
‫فأبطأ أربد على عامر بالضرب فالتفت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فرأى أربد وما ينصع فانصرف عنهما فلما خرج أربد‬
‫وعامر من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كانا‬
‫بالحرة حرة وإرقم نزل فخرج إليهما سعد بن معاذ وأسيد بن‬
‫الحضير فقال اشخصا يا عدوا الله لعنكما الله‪ ,‬فقال عامر‪ :‬من‬
‫هذا يا سعد قال أسيد بن حضير الكتائب فخرجا حتى غذا كانا‬
‫بالرقم أرسل الله على أربد صاعقة فقتلته وخرج عامر حتى إذا‬
‫كان بالحرة أرسل الله قرحة فأخذته فأدركه الليل في بيت امرأة‬
‫من بني سلول فجعل يمس قرحته في حلقه ويقول غدة كغدة‬
‫الجمل في بيت سلولية يرغب عن أن يموت في بيتها ثم ركب‬
‫فرسه فأحضرها حتى مات عليه راجعًا فأنزل الله فيهما‪( :‬الله‬
‫يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الرحام وما تزداد) إلى قوله‬
‫(له معقبات من بين يديه ومن خلفه) يعني محمدًا صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ,‬ثم ذكر أربد وما قتله به فقال (ويرسل الصواعق‬
‫فيصيب بها من يشاء) الية وفي هذا السياق دللة على ما تقدم‬
‫من قصة عامر وأربد وذلك لذكر سعد بن معاذ فيه والله أعلم‪..‬‬
‫‪ -‬ومن عصمته له تعالى أن كثيرا ً من اليهود والكهنة أنذروا به‬
‫وعينوه لقريش‪ ،‬وأخبرهم بسطوته بهم‪ ،‬وحضوهم عل قتله‪،‬‬
‫فعصمه الله تعالى حتى بلغ فيه أمره‪.‬‬

‫‪479‬‬
‫ومن ذلك نصره بالرعب أمامه مسيرة شهر‪ ،‬كما قال صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬حديث "" نصرت بالرعب "" رواه الشيخان‬
‫‪-1‬البخاري في كتب وأبواب متفرقة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫* في كتاب التيمم‬
‫حدثنا محمد بن سنان قال‪ :‬حدثنا هشيم (ح)‪ .‬قال‪ :‬وحدثني سعيد‬
‫بن النضر قال‪ :‬أخبرنا هشيم قال‪ :‬أخبرنا سيار قال‪ :‬حدثنا يزيد‪،‬‬
‫هو ابن صهيب الفقير‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا جابر بن عبد الله‪ :‬أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪( :‬أعطيت خمسا‪ ،‬لم يعطهن أحد‬
‫قبلي‪ :‬نصرت بالرعب مسيرة شهر‪ ،‬وجعلت لي الرض مسجدا‬
‫وطهورا‪ ،‬فأيما رجل من أمتي أدركته الصلة فليصل‪ ،‬وأحلت لي‬
‫المغانم ولم تحل لحد قبلي‪ ،‬وأعطيت الشفاعة‪ ،‬وكان النبي‬
‫يبعث إلى قومه خاصة‪ ،‬وبعثت إلى الناس عامة)‪.‬‬
‫* في أبواب المساجد‬
‫باب‪ :‬قول النبي صلى الله عليه وسلم ‪( :‬جعلت لي الرض‬
‫مسجدا وطهورا)‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا محمد بن سنان قال‪ :‬حدثنا هشيم قال‪ :‬حدثنا سيار‪ ،‬هو‬
‫أبو الحكم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد الفقير قال‪ :‬حدثنا جابر بن عبد الله‬
‫قال‪:‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪( :‬أعطيت خمسا‪ ،‬لم‬
‫يعطهن أحد من النبياء قبلي‪ :‬نصرت بالرعب مسيرة شهر‪،‬‬
‫وجعلت لي الرض مسجدا وطهورا‪ ،‬وأيما رجل من أمتي أدركته‬
‫الصلة فليصل‪ ،‬وأحلت لي الغنائم‪ ،‬وكان النبي يبعث إلى قومه‬
‫خاصة‪ ،‬وبعثت إلى الناس كافة‪ ،‬وأعطيت الشفاعة)‪.‬‬
‫* في كتاب الجهاد والسير‬
‫باب‪ :‬قول النبي صلى الله عليه وسلم‪( :‬نصرت بالرعب مسيرة‬
‫شهر)‪.‬‬
‫وقوله جل وعز‪{ :‬سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما‬
‫أشركوا بالله }‪/‬آل عمران‪ ./151 :‬قاله جابر‪ ،‬عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا يحيى بن بكير‪ :‬حدثنا الليث‪ ،‬عن عقيل‪ ،‬عن ابن شهاب‪،‬‬
‫عن سعيد بن المسيب‪ ،‬عن أبي هريرة رضي الله عنه‪ :‬أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال‪( :‬بعثت بجوامع الكلم‪ ،‬ونصرت‬
‫بالرعب‪ ،‬فبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الرض فوضعت في‬
‫يدي)‪.‬‬
‫قال أبو هريرة‪ :‬وقد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم‬
‫تنتثلوها‪.‬‬
‫* في كتاب التعبير‬

‫‪480‬‬
‫باب‪ :‬رؤيا الليل‪.‬رواه سمرة‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا أحمد بن المقدام العجلي‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الرحمن‬
‫الطفاوي‪ :‬حدثنا أيوب‪ ،‬عن محمد‪ ،‬عن أبي هريرة قال‪:‬‬
‫قال النبي صلى الله عليه وسلم‪( :‬أعطيت مفاتيح الكلم‪ ،‬ونصرت‬
‫بالرعب‪ ،‬وبينما أنا نائم البارحة إذ أتيت بمفاتيح خزائن الرض‬
‫حتى وضعت في يدي)‪.‬قال أبو هريرة‪ :‬فذهب رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وأنتم تنتقلونها‪.‬‬
‫* في كتاب العتصام بالكتاب والسنة‬
‫ت بجوامع الكلم)‪.‬‬ ‫باب‪ :‬قول النبي صلى الله عليه وسلم ‪( :‬بُعِث ُ‬
‫‪ -‬حدثنا عبد العزيز بن عبد الله‪ :‬حدثنا إبراهيم بن سعد‪ ،‬عن ابن‬
‫شهاب‪ ،‬عن سعيد بن المسيَّب‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬أن رسول الله‬
‫ت بجوامع الكلم‪ ،‬ونصرت‬ ‫صلى الله عليه وسلم قال‪(:‬بُعِث ُ‬
‫ضعت‬ ‫بالرعب‪ ،‬وبينا أنا نائم رأيتني أتيت بمفاتيح خزائن الرض فوُ ِ‬
‫في يدي)‪ .‬قال أبو هريرة‪ :‬فقد ذهب رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وأنتم تَلْغَثونها‪ ،‬أو تَْرغَثونها‪ ،‬أو كلمة تشبهها‪.‬‬
‫‪-2‬مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلة‪.‬‬
‫حدثنا يحيى بن يحيى‪ .‬أخبرنا هشيم عن سيار‪ ،‬عن يزيد الفقير‪،‬‬
‫عن جابر بن عبدالله النصاري؛ قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي‪ .‬كان كل نبي‬
‫يبعث إلى قومه خاصة‪ ،‬وبعثت إلى كل أحمر وأسود‪ .‬وأحلت لي‬
‫الغنائم‪ ،‬ولم تحل لحد قبلي‪ .‬وجعلت لي الرض طيبة طهورا‬
‫ومسجدا‪ .‬فأيما رجل أدركته الصلة صلى حيث كان‪ .‬ونصرت‬
‫بالرعب بين يدي مسيرة شهر‪ .‬وأعطيت الشفاعة"‪.‬‬
‫وأخرجه ابن حبان في كتاب الصلة‪ ،‬و الترمذي في أبواب السي‪،‬‬
‫و النسائي في كتاب الجهاد‪ ،‬و البيهقي في كتاب الصلة‪ ،‬و‬
‫الحاكم في كتاب التفسير‪ ،‬و أحمد في مسند‪ ،‬و الدارمي في‬
‫كتاب السير‪ ...‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪----------------------0‬‬
‫‪ .30‬القول القوم في معجزات النبي الكرم(‪)11‬‬
‫الفصل الخامس العشرون‪:‬‬
‫من معجزاته الباهرة ما جمعه الله له من المعارف والعلوم‪.‬‬
‫ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله له من المعارف والعلوم‪ ،‬و‬
‫خصه به من الطلع على جميع مصالح الدنيا والدين‪ ،‬ومعرفته‬
‫بأمور شرائعه‪ ،‬وقوانين دينه‪ ،‬وسياسة عباده‪ ،‬ومصالح أمته‪ ،‬وما‬
‫كان في المم قبله‪ ،‬وقصص النبياء والرسل والجبابرة والقرون‬
‫الماضية من لدن آدم إلى زمنه‪ ،‬وحفظ شرائعهم وكتبهم‪ ،‬ووعي‬
‫سيرهم‪ ،‬وسرد أنبائهم‪ ،‬وأيام الله فيهم‪ ،‬وصفات أعيانهم واختلف‬

‫‪481‬‬
‫آرائهم‪ ،‬والمعرفة بمددهم وأعمارهم‪ ،‬وحكم حكمائهم‪ ،‬ومحاجة‬
‫كل أمة من الكفرة‪ ،‬ومعارضة كل فرقة من الكتابيين بما في‬
‫كتبهم‪ ،‬وإعلمهم بأسرارها ومخبآت علومها‪ ،‬وإخبارهم بما كتموا‬
‫من ذلك وغيروه‪.‬إلى الحتواء على لغات العرب‪ ،‬وغريب ألفاظ‬
‫فرقها‪ ،‬والحاطة بضروب فصاحتها‪ ،‬والحفظ ليامها وأمثالها‪،‬‬
‫حكَمها ومعاني أشعارها‪ ،‬والتخصيص بجوامع كلمها‪ .‬إلى‬ ‫و ِ‬
‫المعرفة بضرب المثال الصحيحة‪ ،‬والحكم البينة لتقريب التفهيم‬
‫للغامض‪ ،‬والتبيين للمشكل‪ ،‬إلى تمهيد قواعد الشرع الذي ل‬
‫تناقض فيه ول تخاذل‪ ،‬مع اشتمال شريعته على محاسن الخلق‬
‫ومحامد الداب وكل شيء مستحسن مفضل‪ ،‬لم ينكر منه ملحد‬
‫ذو عقل سليم شيئا ً إل من جهة الخذلن‪.‬بل كل جاحد له وكافر‬
‫من الجاهلية به إذا سمع ما يدعو إليه صوبه‪ ،‬واستحسنه دون‬
‫طلب إقامة برهان عليه‪ .‬ثم ما أحل لهم من الطيبات‪ ،‬وحرم‬
‫عليهم من الخبائث‪،‬وصان به أنفسهم وأعراضهم وأموالهم من‬
‫المعاقبات والحدود عاجلً‪ ،‬والتخويف بالنار آجل ً مما ل يعلم علمه‬
‫ول يقوم به ول ببعضه إل من مارس الدرس والعكوف على‬
‫الكتب‪ ،‬ومثافنة بعض هذا إلى الحتواء على ضروب العلوم‪،‬‬
‫وفنون المعارف‪ ،‬كالطب‪ ،‬والعبارة‪ ،‬والفرائض‪ ،‬والحساب‪،‬‬
‫والنسب‪ ،‬وغير ذلك من العلوم مما اتخذ أهل هذه المعارف كلمه‬
‫صلى الله عليه وسلم فيها قدوة وأصول ً في علمهم‪،‬‬
‫‪-‬كقوله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬الرؤيا لول عابر‪ .‬وهي على‬
‫رجل طائر"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬روى هذا الحديث كل من‪:‬‬
‫أبو داود‪.‬‬
‫حدثنا أحمد بن حنبل ثنا هشيم أخبرنا يعلى بن عطاء عن وكيع‬
‫بن عدس عن عمه أبي رزين قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ":‬الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت‬
‫قال وأحسبه قال ول يقصها إل على واد أو ذي رأي"‪..‬‬
‫قال الشيخ اللباني‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫ابن ماجه‬
‫حدثنا أبو بكر ثنا هشيم عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس‬
‫العقيلي عن عمه أبي رزين أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول‪ " :‬الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت قال‬
‫والرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة قال وأحسبه قال‬
‫ل يقصها إل على واد أو ذي رأي "‪.‬‬
‫قال الشيخ اللباني‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫الترمذي‬

‫‪482‬‬
‫حدثنا محمود بن غيلن حدثنا أبو داود قال أنبأنا شعبة قال‬
‫أخبرني يعلى بن عطاء قال سمعت وكيع بن عدس عن أبي رزين‬
‫العقيلي قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ":‬رؤيا‬
‫المؤمن جزء من أربعين جزءًا من النبوة وهي على رجل طائر ما‬
‫لم يتحدث بها فإذا تحدث بها سقطت قال وأحسبه قال ول يحدث‬
‫بها إل لبيبا أو حبيبا"‪.‬‬
‫قال الشيخ اللباني‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫‪-‬وقوله‪" :‬الرؤيا ثلث‪ :‬رؤيا حق‪ ،‬و رؤيا يحدث بها الرجل نفسه‪ ،‬و‬
‫رؤيا تخزين من الشيطان"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬متفق عليه‬
‫رواه البخاري في كتاب التعبير‪ .‬باب‪ :‬القيد في المنام‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا عبد الله بن صبَّاح‪ :‬حدثنا معتمر‪ :‬سمعت عوفاً‪ :‬حدثنا‬
‫محمد بن سيرين‪ :‬أنه سمع أبا هريرة يقول‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪( :‬إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن‬
‫تكذب‪ ،‬ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا ً من النبوة)‪ .‬وما‬
‫كان من النبوة فإنه ل يكذب‪ .‬قال محمد‪ :‬وأنا أقول هذه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وكان يقال‪ :‬الرؤيا ثلث‪ :‬حديث النفس‪ ،‬وتخويف الشيطان‪،‬‬
‫صه على أحد وليقم‬ ‫وبشرى من الله‪ ،‬فمن رأى شيئا ً يكرهه فل يق َّ‬
‫ل في النوم‪ ،‬وكان يعجبهم القيد‪،‬‬ ‫فليصل‪ ،‬قال‪ :‬وكان يكره الغُ َّ‬
‫ويقال‪ :‬القيد ثبات في الدين‪.‬‬
‫وروى قتادة‪ ،‬ويونس‪ ،‬وهشام‪ ،‬وأبو هلل‪ ،‬عن ابن سيرين‪ ،‬عن‬
‫أبي هريرة‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأدرجه بعضهم كله‬
‫في الحديث‪ ،‬وحديث عوف أبين‪ .‬وقال يونس‪ :‬ل أحسبه إل عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم في القيد‪.‬قال أبو عبد الله‪ :‬ل تكون‬
‫الغلل إل في العناق‪.‬‬
‫ورواه مسلم في كتاب الرؤيا‬
‫حدثنا محمد بن أبي عمر المكي‪ .‬حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن‬
‫أيوب السختياني‪ ،‬عن محمد بن سيرين‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬قال‪" :‬إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا‬
‫المسلم تكذب‪ .‬وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا‪ .‬ورؤيا المسلم‬
‫جزء من خمسة وأربعين جزءًا من النبوة والرؤيا ثلثة‪ :‬فرؤيا‬
‫الصالحة بشرى من الله‪ .‬ورؤيا تحزين من الشيطان‪ .‬ورؤيا مما‬
‫يحدث المرء نفسه‪ .‬فإن رأى أحدكم ما يكره‪ ،‬فليقم فليصل‪ .‬ول‬
‫يحدث بها الناس"‪ .‬قال‪" :‬وأحب القيد أكره الغل‪ .‬والقيد ثبات في‬
‫الدين" فل أدري هو في الحديث أم قاله ابن سيرين‪.‬‬
‫‪-‬وقوله‪ :‬إذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه البخاري في كتاب التعبير‪ .‬باب‪ :‬القيد في المنام‪.‬‬

‫‪483‬‬
‫‪ -‬حدثنا عبد الله بن صبَّاح‪ :‬حدثنا معتمر‪ :‬سمعت عوفاً‪ :‬حدثنا‬
‫محمد بن سيرين‪ :‬أنه سمع أبا هريرة يقول‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪( :‬إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن‬
‫تكذب)‪.‬‬
‫ورواه مسلم في كتاب الرؤيا‪.‬‬
‫حدثنا محمد بن أبي عمر المكي‪ .‬حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن‬
‫أيوب السختياني‪ ،‬عن محمد بن سيرين‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬قال‪" :‬إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا‬
‫المسلم تكذب)‪.‬‬
‫‪-‬وقوله‪ :‬أصل كل داء البردة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قال العجلوني في كشف الخفا‬
‫رواه أبو نعيم والمستغفري والدارقطني في العلل بسند فيه‬
‫مام بن نَجيح ضعفه الدارقطني ووثقه ابن معين وغيره عن أنس‬ ‫ت َ َّ‬
‫رفعه‪ ،‬وفي رواية عند المستغفري كما في النجم أصل كل داء‬
‫ضا عن ابن عباس مرفوعا مثله‪ ،‬ومن حديث‬ ‫البََردة‪ ،‬ولبي نعيم أي ً‬
‫عمر بن الحرث عن أبي سعيد رفعه أصل كل داء من البردة‪،‬‬
‫ومفرداته ضعيفة‪ ،‬وقال الدارقطني كغيره الشبه بالصواب أنه‬
‫من قول الحسن البصري‪ ،‬وحكاه في الفائق من كلم ابن‬
‫مسعود‪ ،‬قال الدارقطني المحدثون يروونه بسكون الراء‪ ،‬ولذلك‬
‫م إليه بعضهم 'والحُّر' والصواب فتحها بمعنى التخمة لنها‬ ‫ض َّ‬
‫تبرارة الشهوة‪ ،‬أو لنها ثقيلة على المعدة بطيئة الذهاب من برد‬
‫ضا عن أبي هريرة رفعه‪:‬‬ ‫إذا ثبت وسكن‪ ،‬وقد أورد أبو نعيم أي ً‬
‫استدفئوا من الحر والبرد‪ ،‬وكذلك المستغفري مع ما رواه عن‬
‫أنس أيضا مرفوع ًا‪ :‬إن الملئكة لتفرح بارتفاع البرد عن أمتي‪،‬‬
‫ضا كما مر أصل كلء البرد‪ ،‬وهما ضعيفان‪ ،‬وذلك منهما‬ ‫وروى أي ً‬
‫دليل على المحدثين الذين رووه بالسكون‪.‬‬
‫‪-‬وما روي عنه في حديث أبي هريرة رضي الله عنه من قوله‪:‬‬
‫المعدة حوض البدن‪ ،‬والعروق إليها واردة‪ ...‬وإن كان هذا حديثا ً ل‬
‫نصححه وكونه موضوعا ً تكلم عليه الدارقطني‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قال العجلوني في كشف الخفا‬
‫‪...‬وللطبراني في الوسط عن أبي هريرة مرفوع ًا‪ :‬المعدة حوض‬
‫البدن‪ ،‬والعروق إليها واردة‪ ،‬فإذا صحت المعدة صدرت العروق‬
‫بالصحة‪ ،‬وإذا فسدت المعدة صدرت العروق بالسقم‪ .‬وذكره‬
‫الدارقطني في العلل‪ ،‬وقال اختلف فيه على الزهري‪ ،‬ثم قال ل‬
‫يصح ول يعرف من كلم النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من‬
‫كلم عبد الملك بن سعيد بن الحرث‪.‬ومثله في الللئ‪ ،‬وزاد‪ :‬ولم‬

‫‪484‬‬
‫يرو هذا مسندًا عن إبراهيم ابن جريج وكان طبيبًا‪ ،‬فجعل له‬
‫إسناد‪ ،‬ولم يسند غير هذا الحديث انتهى‪.‬‬
‫وقال السيوطي في اللليء المصنوعة‪:‬‬
‫حدثنا عبد اللّه بن الحسن الحراني حدثنا يحيى بن عبد اللهّ‬
‫البابلتي حدثنا إبراهيم عن جريج الرهاوي عن زيد بن أبي أنيسة‬
‫عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول اللّه‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪" :‬المعدة حوض البدن والعروق إليها واردة‬
‫فإذا صحت المعدة صدرت العروق بالصحة وإذا سقمت المعدة‬
‫صدرت العروق بالسقم" قال العقيلي باطل ل أصل له وإنما‬
‫يروي عن ابن أبحر قال الدارقطني تفرد برفعه ابن جريج ولم‬
‫يسنده غيره وكان طبيبا ً فجعل له إسناداً‪ .‬قال الزدي إبراهيم‬
‫متروك قلت أخرجه الطبراني في الوسط وابن السني وأبو نعيم‬
‫في الطب والبهيقي في شعب اليمان وقال إسناده ضعيف وقال‬
‫في الميزان هذا حديث منكر وإبراهيم ليس بعمدة قال في‬
‫اللسان إبراهيم ذكره ابن حبان في الثقات وقال روى عنه‬
‫البابلتي خبرا ً منكرا ً قال وقد جزم الدارقطني بأن إبراهيم‬
‫المنفرد به وقد بين العقيلي أمره بيانا ً شافيا ً وأخرج من طريق‬
‫أبي داود الحراني أن هذا الشيخ لم يكتب له بهذا أصًل وكان‬
‫يقول كتبت عن ابن أبي وضاع كتابي فقيل له من كنت تجالس‬
‫فقال فلن الطيب كان يقرب منزلي فكتب إليه ثم أخرج من‬
‫طريق الحميدي عن سفيان عن ابن عبد الملك بن أبحر عن أبيه‬
‫قال المعدة حوض البدن الحديث مقطوع قال العقيلي هذا أولى‬
‫واللّه أعلم‪...‬‬
‫‪ -‬وقوله‪ :‬خير ما تداويتم به السعوط واللدود‪ ،‬والحجامة‪،‬‬
‫والمشي‪...‬‬
‫جاءَ في‬ ‫ما َ‬ ‫ب َ‬ ‫قلت‪ :‬رواه الترمذي في سننه ـ أبواب الطب‪ ،‬بَا ُ‬
‫ط وغيرِهِ‪.‬‬ ‫سعو ِ‬ ‫ال َّ‬
‫ماد ٍ أخبرنا‬ ‫ح َّ‬ ‫ن َ‬ ‫ُ‬ ‫نب‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ن مدُّويةِ أخبرنا عبد ُ الَّرح‬ ‫ُ‬ ‫ح َّ‬
‫مد ُ ب‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫حدَّثَنَا‬‫‪َ -‬‬
‫ُ َّ‬
‫سول اللهِ‬
‫َّ‬
‫ل َر ُ‬ ‫س قال‪ :‬قا َ‬ ‫ن ع َبَّا ٍ‬ ‫ة عن اب ِ‬ ‫م َ‬ ‫عكْرِ َ‬ ‫ن منصورٍ عن ِ‬ ‫عبَّاد ُ ب ُ‬
‫ط واللدُو ُد‬ ‫سعو ُ‬ ‫م بهِ ال َّ‬ ‫ن خيَر ما تَدَاويت ُ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪( :‬إ َّ‬
‫ُ ْ َّ‬
‫سول اللهِ صلى الله عليه‬ ‫ما اشتَكَى َر ُ‬ ‫ي) فل َّ‬ ‫ة والمش ُّ‬ ‫والحجام ُ‬
‫ُّ‬
‫م) قال فلُدُّوا كلهُم غيَر‬ ‫ما فرغُوا قال (لُدُّوهُ ْ‬ ‫ه فل َّ‬ ‫وسلم لدَّهُ أصحاب ُ‬
‫س‪.‬‬ ‫العَبَّا ِ‬
‫عبَّاد ُ ب ُ‬
‫ن‬
‫ُ َّ‬
‫ن أخبرنا‬ ‫ن هارو َ‬ ‫ُ‬ ‫ن يحيى أخبرنا يزيد ُ ب‬ ‫ُ‬ ‫مد ُ ب‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫حدَّثَنَا‬
‫‪َ -‬‬
‫سول اللهِ صلى‬ ‫ل َر ُ‬ ‫س قال‪ :‬قا َ‬
‫َ‬ ‫ن ع َبَّا ٍ‬‫ة عن اب ِ‬ ‫م َ‬ ‫عكْرِ َ‬ ‫منصورٍ عن ِ‬
‫سعو ُ‬
‫ط‬ ‫ن خيَر ما تَدَاويتُم بهِ الل ّدود ُ وال َّ‬ ‫الله عليه وسلم‪( :‬إ َّ‬
‫صَر‬‫ه يجلُو الب َ‬ ‫مد ُ فإن َّ ُ‬ ‫م بهِ الث ِ‬ ‫حلت ُ ْ‬
‫ي وخيَر ما اكت َ َ‬ ‫ة والمش ُّ‬ ‫والحجام ُ‬

‫‪485‬‬
‫ُ َ‬ ‫ت ال َّ‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم ل ُ‬
‫ه‬ ‫سو‬‫ن َر ُ‬‫شعَر) قال‪ :‬وكا َ‬ ‫ويُنب ُ‬
‫ن‪.‬‬‫ل عي ٍ‬ ‫ل بها عند َ النَّوم ِ ثلثا ً في ك ِّ‬‫ة يكتح ُ‬ ‫مكحل ٌ‬
‫ن منصورٍ‪.‬‬ ‫ث عبَّاد ُ ب ُ‬ ‫ب هو حدي ُ‬ ‫ن غَرِي ٌ‬
‫س ٌ‬
‫ح َ‬ ‫ث َ‬ ‫حدِي ٌ‬‫هذا َ‬
‫قال الشيخ اللباني‪ :‬ضعيف‪.‬‬
‫‪ ...-‬وخير الحجامة يوم سبع عشرة‪ ،‬وتسع عشرة‪ ،‬وإحدى‬
‫وعشرين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه أبو داود في سننه‪:‬‬
‫حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي‬
‫عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى‬
‫وعشرين كان شفاء من كل داء"‪..‬‬
‫قال الشيخ اللباني‪ :‬حسن‪.‬‬
‫‪ ...-‬وفي العود الهندي سبعة أشفية‪ ،‬منها ذات الجنب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬متفق عليه‪.‬‬
‫ب‪.‬‬‫جن ْ ِ‬
‫* رواه البخاري في كتاب الطب‪ ،‬باب‪ :‬ذات ال َ‬
‫‪ -‬حدثني محمد‪ :‬أخبرنا عتَّاب بن بشير‪ ،‬عن إسحاق‪ ،‬عن‬
‫الُزهري قال‪ :‬أخبرني عبيد الله بن عبد الله‪ :‬أن أم قيس بنت‬
‫صن‪ ،‬وكانت من المهاجرات الول اللتي بايعن رسول الله‬ ‫ح َ‬
‫م ْ‬‫ِ‬
‫َ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهي أخت ع ُك ّاشة بن محصن‪ ،‬أخبرته‪:‬‬
‫أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها قد علقت‬
‫ن بهذه‬ ‫ن أولدك َّ‬ ‫عليه من العذرة‪ ،‬فقال‪( :‬اتقوا الله‪ ،‬على ما تَدْغَْر َ‬
‫العلق‪ ،‬عليكم بهذا العود الهندي‪ ،‬فإن فيه سبعة أشفية‪ ،‬منها‬
‫سط‪ .‬قال‪ :‬وهي لغة‪.‬‬ ‫ست‪ ،‬يعني القُ ْ‬ ‫ذات الجنب)‪ .‬يريد الك ُ ْ‬
‫* وأخرجه مسلم في كتاب الطب‪ -‬باب التداوي بالعود الهندي‪،‬‬
‫وهو الكست‪.‬‬
‫حدثني حرملة بن يحيى‪ .‬أخبرنا ابن وهب‪ .‬أخبرني يونس بن‬
‫يزيد؛ أن ابن شهاب أخبره قال‪ :‬أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن‬
‫عتبة بن مسعد؛ أن أم قيس بنت محسن ‪ -‬وكانت من المهاجرات‬
‫الول اللتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهي أخت‬
‫عكاشة بن محصن‪ ،‬أحد بني أسد بن خزيمة ‪ -‬قال‪ :‬أخبرتني أنها‬
‫أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها لم يبلغ أن يأكل‬
‫الطعام وقد أعلقت عليه من العذرة (قال يونس‪ :‬أعلقت غمزت‬
‫فهي تخاف أن يكون به عذرة" قالت‪ :‬فقال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪":‬علمه تدغرن أولدكن بهذا العلق؟ عليكم بهذا‬
‫العود الهندي (يعني به الكست) فإن فبه سبعة أشفية‪ .‬منها ذات‬
‫الجنب"‪..‬‬

‫‪486‬‬
‫‪-‬وقوله‪" :‬ما مل ابن آدم وعاء شرا ً من بطن‪ ،‬فإن كان ل بد فثلث‬
‫للطعام‪ ،‬و ثلث للشراب‪ ،‬و ثلث للنفس"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه ابن ماجة‪،‬وأحمد‪ ،‬والحاكم‪،‬و الترمذي وهذا لفظه‪:‬‬
‫حدثنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك أخبرنا إسماعيل‬
‫بن عياش حدثني أبو سلمة الحمصي وحبيب بن صالح عن يحيى‬
‫بن جابر الطائي عن مقدام بن معدي كرب قال سمعت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقول‪" :‬ما مل آدمي وعاء شًرا من‬
‫بطن بحسب بن آدم أكلت يقمن صلبه فإن كان ل محالة فثلث‬
‫لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"‪ ,‬حدثنا الحسن بن عرفة‬
‫حدثنا إسماعيل بن عياش نحوه وقال المقدام بن معدي كرب‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه سمعت النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح‪...‬وقال‬
‫الشيخ اللباني‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫‪-‬وقوله ـ وقد سئل عن سبأ‪ :‬أرجل هو أم امرأة‪ ،‬أم أرض؟ فقال‪:‬‬
‫رجل ولد عشرة‪ :‬تيامن منهم ستة و تشاءم أربعة‪ ...‬الحديث‬
‫بطوله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ذكره البغوي في تفسيره‪ ،‬عند قوله تعالى حكاية عن‬
‫ح ْ‬ ‫ث غَير بعِيد فَقَا َ َ‬
‫جئْت ُ َ‬
‫ك‬ ‫ط بِهِ وَ ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م تُ ِ‬ ‫ت بِ َ‬
‫حط ُ‬
‫لأ َ‬ ‫مك َ َ ْ َ َ ٍ‬ ‫الهدهد‪ ( :‬فَ َ‬
‫ن (النمل ‪ ،)22‬قال‪ :‬قرأ أبو عمرو‪ ،‬البزي عن ابن‬ ‫سبَإ ٍ بِنَبَإ ٍ يَقِي ٍ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ِ‬
‫كثير من سبأ و لسبأ في سورة سبأ‪ ،‬مفتوحة الهمزة‪ ،‬وقرأ‬
‫القواص عن ابن كثير ساكنة بل همزة‪ ،‬وقرأ الخرون بالجراء‪،‬‬
‫فمن لم يجره جعله اسم البلد‪ ،‬ومن أجراه جعله اسم رجل‪ ،‬فقد‬
‫جاء في الحديث "أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن سبأ‬
‫فقال‪" :‬كان رجل ً له عشرة من البنين تيامن منهم ستة وتشاءم‬
‫أربعة"‪.‬‬
‫‪ -‬وكذلك جوابه في نسب قضاعة‪ ،‬وغير ذلك مما اضطرت العرب‬
‫على شغلها بالنسب إلى سؤاله عما اختلفوا فيه من ذلك‪.‬‬
‫‪-‬وقوله‪ :‬حمير رأس العرب ونابها‪ .‬ومذحج هامتها وغلصمتها‪.‬‬
‫والزذ كاهلها وجمجمتها‪ ،‬وهمدان غاربها وذروتها‪.‬‬
‫‪-‬وقوله‪" :‬إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات‬
‫والرض"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه البخاري في كتاب التفسير‪ ،‬باب‪ :‬قوله‪{ :‬إن عدة‬
‫الشهور عند الله اثنا عشر شهًرا في كتاب الله يوم خلق‬
‫السماوات والرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم}‪ ,‬وأخرجه‬
‫مسلم في كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات باب‬
‫تغليظ تحريم الدماء والعراض والموال‪:‬‬

‫‪487‬‬
‫‪ -‬حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب‪ :‬حدثنا حماد بن زيد‪ ،‬عن أيوب‪،‬‬
‫عن محمد‪ ،‬عن ابن أبي بكرة‪ ،‬عن أبي بكرة‪ ،‬عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪( :‬إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله‬
‫السماوات والرض‪ ،‬السنة اثنا عشر شهًرا‪ ،‬منها أربعة حرم‪ ،‬ثلث‬
‫متواليات‪ :‬ذو القعدة وذو الحجة والمحرم‪ ،‬ورجب مضر الذي بين‬
‫جمادى وشعبان)‪.‬‬
‫‪-‬وقوله في الحوض‪ :‬زواياه سواء‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه مسلم في كتاب الفضائل باب إثبات حوض نبينا صلى‬
‫الله عليه وسلم وصفاته‪:‬‬
‫* وحدثنا داود بن عمرو الضبي‪ .‬حدثنا نافع بن عمر الجمحي عن‬
‫ابن أبي مليكة‪ .‬قال‪ :‬قال عبد الله بن عمرو بن العاص‪ :‬قال‪:‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬حوضي مسيرة شهر‪.‬‬
‫وزواياه سواء‪ .‬وماؤه أبيض من الورق‪ .‬وريحه أطيب من‬
‫المسك‪ ..‬وكيزانه كنجوم السماء‪ .‬فمن شرب منه فل يظمأ بعده‬
‫أبدا"‪.‬‬
‫‪-‬وقوله ـ في حديث الذكر‪" :‬وإن الحسنة بعشر أمثالها‪ ،‬فتلك مائة‬
‫وخمسون على باللسان‪ ،‬وألف وخمسمائة في الميزان"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لعل القاضي عياض رحمه الله جمع هنا بين طرفين من‬
‫حديثين‪:‬‬
‫‪ -1‬الحسنة بعشر أمثالها‪...‬‬
‫رواه البخاري في كتب وأبواب متفرقة‪ ،‬منها‪:‬في باب‪ :‬حسن‬
‫إسلم المرء‪.‬‬
‫* قال مالك‪ :‬أخبرني زيد بن أسلم‪ :‬أن عطاء بن يسار أخبره‪ :‬أن‬
‫أبا سعيد الخدري أخبره‪ :‬أنه سمع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول‪( :‬إذا أسلم العبد فحسن إسلمه‪ ،‬يكفر الله عنه كل‬
‫سيئة كان زلفها‪ ،‬وكان بعد ذلك القصاص‪ :‬الحسنة بعشر أمثالها‬
‫إلى سبعمائة ضعف‪ ،‬والسيئة بمثلها إل أن يتجاوز الله عنها)‪.‬‬
‫* حدثنا إسحاق بن منصور قال‪ :‬حدثنا عبد الرزاق قال‪ :‬أخبرنا‬
‫معمر‪ ،‬عن همام‪ ،‬عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪(:‬إذا أحسن أحدكم إسلمه‪ :‬فكل حسنة يعملها‬
‫تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف‪ ،‬وكل سيئة يعملها‬
‫تكتب له بمثلها)‪.‬‬
‫ورواه مسلم في جملة أحاديث‪ ،‬منها‪ :‬في باب "إذا هم العبد‬
‫بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب"‪:‬‬
‫*وحدثنا محمد بن رافع‪ .‬حدثنا عبد الرزاق‪ .‬أخبرنا معمر عن‬
‫همام بن منبه؛ قال‪:‬هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها قال‪ :‬قال رسول الله‬

‫‪488‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬قال الله عز وجل‪ :‬إذا تحدث عبدي بأن‬
‫يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعملها‪ .‬فإذا عملها فأنا‬
‫أكتبها بعشر أمثالها‪ .‬وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما‬
‫لم يعملها‪ .‬فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها"‪ .‬وقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ " :‬قالت الملئكة‪ :‬رب ذاك عبدك يريد أن‬
‫يعمل سيئة (وهو أبصر به) فقال‪ :‬ارقبوه‪ .‬فإن عملها فاكتبوها له‬
‫بمثلها‪ .‬وإن تركها فاكتبوها له حسنة‪ .‬إنما تركها من جراي"‪ .‬وقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أحسن أحدكم إسلمه‬
‫فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف‪ .‬وكل‬
‫سيئة تكتب بمثلها حتى يلقى الله"‪.‬‬
‫م إل دخل‬ ‫‪ -2‬خصلتان أو خلتان ل يحافظ عليهما عبد مسل ٌ‬
‫الجنة‪...‬‬
‫رواه أبو داود ـ حدثنا حفص بن عمر‪ ،‬ثنا شعبة‪ ،‬عن عطاء بن‬
‫السائب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عبد اللّه بن عمرو‪ ،‬عن النبي صلى الله‬
‫م‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬خصلتان أو خلتان ل يحافظ عليهما عبد مسل ٌ‬
‫ل‪ ،‬يسبح في دبر‬ ‫إل دخل الجنة‪ ،‬هما يسيٌر‪ ،‬ومن يعمل بهما قلي ٌ‬
‫كل صلةٍ عشراً‪ ،‬ويحمد عشراً‪ ،‬ويكبر عشراً‪ ،‬فذلك خمسون‬
‫ف وخمسمائةٍ في الميزان‪ ،‬ويكبر أربعا ً وثلثين‬ ‫ة باللسان‪ ،‬وأل ٌ‬ ‫ومائ ٌ‬
‫إذا أخذ مضجعه‪ ،‬ويحمد ثلثا ً وثلثين‪ ،‬ويسبح ثلثا ً وثلثين‪ ،‬فذلك‬
‫ة باللسان‪ ،‬وألف في الميزان" فلقد رأيت رسول اللّه صلى‬ ‫مائ ٌ‬
‫الله عليه وسلم يعقدها بيده‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول اللّه‪ ،‬كيف هما‬
‫يسير ومن يعمل بهما قليل؟ قال‪" :‬يأتي أحدكم يعني الشيطان‬
‫ة‬
‫في منامه فينومه قبل أن يقوله‪ ،‬ويأتيه في صلته فيذكره حاج ً‬
‫قبل أن يقولها"‪.‬‬
‫حدَّثَنَا إسماعيل بْن علية‪ ،‬و‬ ‫حدَّثَنَا أبو كريب‪َ .‬‬ ‫وأخرجه ابن ماجه َ‬
‫مد بْن فضيل‪ ،‬وأبو يحيى التيمي‪ ،‬وأبو الجلح‪ ،‬ع َن عطاء بْن‬ ‫ح َّ‬‫م َ‬
‫ُ‬
‫َّ‬ ‫السائب‪ ،‬ع َن أبيه‪ ،‬ع َن ع َبْد اللّه بْن عمرو؛ قَا َ‬
‫ه‬
‫سول الل ِ‬ ‫ل‪ - :‬قال َر ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪( :‬خصلتان ل يحصيهما رجل مسلم إل دخل‬
‫الجنة‪ .‬وهما يسير‪ .‬ومن يعمل بهما قليل‪ .‬يسبح الله في دبر كل‬
‫َ‬
‫سول الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫صلة عشراً‪ .‬ويكبر عشراً‪ .‬ويحمد عشراً) فرأيت َر ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده‪( :‬فذلك خمسون ومائة‬
‫باللسان‪ .‬وألف وخمسمائة في الميزان‪ .‬وإذا أوى إلى فراشه‬
‫سبح وحمد وكبر مائة‪ .‬فتلك مائة باللسان‪ ،‬وألف في الميزان‪.‬‬
‫فأيكم يعمل في اليوم ألفين وخمسمائة سيئة) قالوا‪ :‬وكيف ل‬
‫يحصيهما؟ قال‪(( :‬يأتي أحدكم الشيطان‪ ،‬وهو في الصلة‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫اذكر كذا وكذا‪ .‬حتى ينفك العبد ل يعقل‪ .‬ويأتيه وهو في مضجعه‪،‬‬
‫فل يزال ينومه حتى ينام))‪.‬‬

‫‪489‬‬
‫ورواه البخاري في الدب المفرد‬
‫* عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪( :‬خلتان ل يحصيهما رجل مسلم إل دخل الجنة‬
‫وهما يسير ومن يعمل بهما قليل) قيل‪ :‬وما هما يا رسول الله؟‬
‫قال‪( :‬يكبر أحدكم في دبر كل صلة عشًرا ويحمد عشًرا ويسبح‬
‫عشًرا فذلك خمسون و مائة على اللسان وألف وخمسمائة في‬
‫الميزان) فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعدهن بيده (وإذا‬
‫أوى إلى فراشه سبحه وحمده وكبره فتلك مائة على اللسان‬
‫وألف في الميزان فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين‬
‫وخمسمائة سيئة؟) قيل‪ :‬يا رسول الله كيف ل يحصيهما؟ قال‪:‬‬
‫(يأتي أحدكم الشيطان في صلته فيذكره حاجة كذا وكذا فل‬
‫يذكره)‪.‬‬
‫مام هذا‪.‬‬ ‫‪ -‬وقوله ـ وهو بموضع ـ‪ :‬نعم موضع الح َّ‬
‫قلت‪ :‬قال العجلوني في كشف الخفا‪ :‬نعم البيت الحمام فإنه‬
‫يذهب بالوسخ ويذكر الخرة‪.‬‬
‫رواه ابن منيع بسند ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه‪ .‬وتقدم‬
‫في حرف الباء من رواية ابن عدي عن ابن عباس بئس البيت‬
‫الحمام ترفع فيه الصوات وتكشف فيه العورات وهما محمولن‬
‫على حالتين على فرض صحة بئس البيت الحمام وإل فقد نقل‬
‫في الميزان عن الدارقطني أنه قال فيه بن أحمد القيراطي‬
‫البزار متروك كذاب وأن ابن عدي خرج الحديث فقال يسرق‬
‫صا‪.‬‬ ‫الحديث ثم ساق له هذا الخبر‪ .‬كذا في شرح المناوي ملخ ً‬
‫‪ -‬وقوله‪ :‬ما بين المشرق والمغرب قبلة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه النسائي‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬وابن أبي شيبة‪،‬‬
‫ق‬‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ال َ‬ ‫ما بَي َ‬ ‫ن َ‬ ‫جاءَ أ َ َّ‬ ‫ما َ‬ ‫ب َ‬ ‫والحاكم‪ ...‬والترمذي في بَا ُ‬
‫ة‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ب قِبْل َ ٌ‬ ‫مغْرِ ِ‬ ‫وَال َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مرٍو ع َن‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫مد ِ ب ِ‬ ‫ح َّ‬‫م َ‬ ‫خبََرنا أبِي ع َن ُ‬ ‫شرٍ أ ْ‬ ‫معْ َ‬ ‫ن أبِي َ‬ ‫مد ُ ب ُ‬ ‫ح َّ‬‫م َ‬ ‫حدَّثَنَا ُ‬ ‫‪َ -‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل الله صلى الله عليه‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪ :‬قَا َ‬ ‫ة ع َن أبِي هَُريَْرة َ قَا َ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ َ‬
‫أبِي َ‬
‫ة"‪.‬‬ ‫ب قِبْل َ ٌ‬ ‫مغْرِ ِ‬ ‫ق وَال َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ما بَي َ‬ ‫وسلم‪َ " -‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‪.‬‬ ‫مثْل َ ُ‬
‫شرٍ‪ِ :‬‬ ‫معْ َ‬ ‫ن أبِي َ‬ ‫مد ُ ب ُ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬‫خبََرنا ُ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ُ‬ ‫حيَى ب ُ‬ ‫حدَّثَنَا ي َ ْ‬ ‫‪َ -‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جهٍ‪.‬‬ ‫ن غَيرِ وَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ث أبِي هَُريَْرة َ قَد ْ ُروِيَ ع َن ْ ُ‬ ‫سى‪ :‬حدي ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ل أبُو ِ‬ ‫قَا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫م ُ‬
‫س ُ‬‫حفْظِهِ‪ ،‬وَا ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن قِب َ ِ‬ ‫م ْ‬‫شرٍ ِ‬ ‫معْ َ‬ ‫ل العِلم ِ في أبِي َ‬ ‫ض أه ِ‬ ‫م بَعْ ُ‬ ‫وَقَد ْ تَكَل ّ َ‬
‫شيئاً‪ .‬وَقَد ْ َروَى‬ ‫َ‬
‫ه َ‬ ‫مدٌ‪ :‬ل َ أْروِي ع َن ْ ُ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫شم ٍ قَا َ‬ ‫مولَى بَنِي هَا ِ‬ ‫ح َ ْ‬ ‫جي ٌ‬ ‫نَ ِ‬
‫ي ع َن‬ ‫خرِم ِ ّ‬ ‫م ْ‬‫جعْفَرٍ ال َ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫ث ع َبد ِ الله ب‬ ‫مدُ‪ :‬وَحدي ُ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫س قَا َ‬ ‫ه النَّا ُ‬ ‫ع َن ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ح َّ‬
‫ي ع َن أبِي هَُريَْرة َ ع َن‬ ‫مقْبُر ِ ّ‬ ‫سعيد ٍ ال َ‬ ‫ي ع َن َ‬ ‫خنَس ِ ّ‬ ‫مد ٍ ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫نب ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ع ُث ْ َ‬
‫ب‬‫مغْرِ ِ‬ ‫ق وَال َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ما بَي َ‬ ‫ل‪َ " :‬‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم قَا َ‬ ‫النَّب ِ ِ ّ‬

‫‪490‬‬
‫خرم ُ َ‬
‫ه من وَلَد ِ المسورِ‬ ‫ي لن َّ ُ‬ ‫م ْ ِ ّ‬ ‫جعْفَرٍ ال َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل ع َبد ُ الله ب ُ‬ ‫ما قِي َ‬ ‫ة" وَإِن َّ َ‬ ‫قِبْل َ ٌ‬
‫ح‪...‬‬‫صحي ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫س ٌ‬‫ح َ‬ ‫ث َ‬ ‫حدِي ٌ‬ ‫سى‪ :‬هَذ َا َ‬ ‫عي َ‬ ‫ل أَبُو ِ‬ ‫ة‪ .‬قَا َ‬ ‫م َ‬ ‫خَر َ‬ ‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫ب ِ‬
‫ب النَّب‬ ‫حد من أ َ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حا‬
‫ص َ‬‫ْ‬ ‫وَقَد ْ ُروِيَ ع َن غَيرِ وَا ِ ٍ ِ ْ‬
‫ب وَع َل ُّ‬
‫ي‬ ‫خط ّا ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫مُر ب ُ‬ ‫م عُ َ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫ة" ِ‬ ‫ب قِبْل َ ٌ‬ ‫مغْرِ ِ‬ ‫ق وَال َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ما بَي َ‬ ‫" َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س‪.‬‬ ‫ن ع َبَّا ٍ‬ ‫ب وَاب ِ‬ ‫ن أبِي طال ٍ‬ ‫ب ُ‬
‫شرِقَ ع َن‬ ‫م ْ‬ ‫ك وَال َ‬ ‫مين ِ َ‬ ‫ب ع َن ي َ ِ‬ ‫مغْرِ َ‬ ‫ت ال َ‬ ‫جعَل ْ َ‬ ‫مَر‪ :‬إِذ َا َ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ل اب ُ‬ ‫وَقَا َ‬
‫ما‬
‫ك‪َ :‬‬ ‫مبَاَر ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ل اب ُ‬ ‫ة‪.‬وَقَا َ‬ ‫ت القِبْل َ َ‬ ‫ستَقْبَل ْ َ‬ ‫ة إِذ َا ا ْ‬ ‫ما قِبْل َ ٌ‬ ‫ما بَيْنَهُ َ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫سارِ َ‬ ‫يَ َ‬
‫ختَاَر ع َبد ُ الله‬ ‫ق‪.‬وَا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬
‫شرِ ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ة‪.‬هَذ َا له ِ‬ ‫ب قِبْل ٌ‬ ‫مغْرِ ِ‬ ‫ق وَال َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫بَي َ‬
‫مروٍ‪..‬‬ ‫َ‬
‫ل َ‬ ‫سُر له ِ‬ ‫ك التَيَا ُ‬ ‫مبَاَر ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ب ِ‬
‫‪-‬وقوله لعيينة‪ ،‬أو القرع‪ :‬أنا أفرس بالخيل منك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد‬
‫وعن عمرو بن عبسة قال‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يعرض يوما ً خيل ً وعنده عيينه بن حصن بن بدر الفزاري‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬أنا أفرس بالخيل‬
‫منك"‪ .‬فقال عيينة‪ :‬وأنا أفرس بالرجال منك‪ ،‬فقال له النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬وكيف ذاك؟"‪ .‬قال‪ :‬خير أم على‬
‫عواتقهم‪ ،‬جاعلي رماحهم على مناسج خيولهم‪ ،‬لبسي البرد من‬
‫أهل نجد‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬كذبت‪ ،‬بل‬
‫خير الرجال رجال أهل اليمن‪ ،‬واليمان يمان إلى لخم وجذام‬
‫وعاملة‪ ،‬ومأكول حمير خير من أكلها‪ ،‬وحضرموت خير من بني‬
‫الحارث‪ ،‬وقبيلة خير من قبيلة‪ ،‬وقبيلة شبيلة‪ ،‬والله ل أبالي أن‬
‫يهلك الحارثان كلهما‪ ،‬لعن الله الملوك الربعة‪ :‬جمداء ومخوساء‬
‫ومشرحاء وأبضعة وأختهم العمّرد"‬
‫مل‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫‪-‬وقوله لكتابه‪ :‬ضع القلم على أذنك‪ ،‬فإنه أذكر لل ُ‬
‫قلت‪ :‬رواه الترمذي‪:‬‬
‫حدثنا قتيبة حدثنا عبيد الله بن الحرث عن عنبسة عن محمد بن‬
‫زاذان عن أم سعد عن زيد بن ثابت قال دخلت على رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وبين يديه كاتب فسمعته يقول‪ :‬ضع القلم‬
‫على أذنك فإنه أذكر للمملي‪ ..‬قال أبو عيسى هذا حديث غريب ل‬
‫نعرفه إل من هذا الوجه وهو إسناد ضعيف وعنبسة بن عبد‬
‫الرحمن ومحمد بن زاذان يضعفان في الحديث‪ ..‬قال الشيخ‬
‫اللباني‪ :‬موضوع‪.‬‬
‫عن زيد بن ثابت قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وبين يديه كاتب فسمعته يقول‪ :‬ضع القلم على أذنك فإنه أذكر‬
‫للمآل‪ .‬رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب وفي إسناده ضعف‪.‬‬

‫‪491‬‬
‫وذكره السيوطي في اللليء المصنوعة قال‪ :‬قلت ورد من‬
‫حديث أخرجه ابن عساكر أنبأنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء بن‬
‫أبي منصور أنبأنا أبو الفتح منصور أنبأنا الحسين بن علي بن‬
‫القاسم طاهر بن محمود قال أنبأنا أبو بكر المقري حدثنا طاهر‬
‫محمد البزار الدمشقي حدثنا هشام بن عمار حدثنا عثمان بن‬
‫عمرو حدثنا أبو مسعدة النصاري عن عمرو بن الزهري عن‬
‫حميد عن أنس قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‬
‫لكاتبه‪" :‬إذا كتبت فضع قلمك على أذنك فإنه أذكر لك"‪ ،‬وقال‬
‫الديلمي أنبأنا عبدوس عن ابن بلل أنبأنا أبو صالح القاضي عن‬
‫محمد بن هشام عن إبراهيم بن محمد القرشي عن إبراهيم بن‬
‫زكريا الواسطي عن عمرو بن أبي زهير عن حميد عن أنس قال‪:‬‬
‫قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‪" :‬إذا كتبت فضع القلم‬
‫خلف أذنك فإنه أذكر لك" واللّه أعلم‪ .‬هذا مع أنه صلى الله عليه‬
‫وسلم كان ل يكتب‪ ،‬ولكنه أوتي علم كل شيء‪ ،‬حتى قد وردت‬
‫آثار بمعرفته حروف الخط وحسن تصويرها‪:‬‬
‫‪-‬كقوله‪" :‬ل تمدوا بسم الله الرحمن الرحيم"‪.‬رواه ابن شعبان‬
‫من طريق ابن عباس‪.‬‬
‫‪ -‬وقوله في الحديث الخر الذي يروى عن معاوية أنه كان يكتب‬
‫بين يديه صلى الله عليه وسلم فقال له‪ :‬ألق الدواة‪ ،‬وحرف‬
‫القلم‪ ،‬وأقم الباء‪ ،‬وفرق السين‪ ،‬ول تعور الميم‪ ،‬وحسن الله‪،‬‬
‫ومد الرحمن‪ ،‬وجود الرحيم"‪.‬‬
‫وهذا‪ ،‬وإن لم تصح الرواية أنه صلى الله عليه وسلم كتب فل‬
‫يبعد أن يرزق علم هذا ويمنع القراءة والكتابة‪ .‬وأما علمه صلى‬
‫الله عليه وسلم بلغات العرب‪ ،‬وحفظه معاني أشعارها‪ ،‬فأمر‬
‫مشهور‪ ،‬قد نبهنا على بعضه أول الكتاب‪.‬‬
‫وكذلك حفظه لكثير من لغات المم‪ ،‬كقوله في الحديث‪ :‬سنه‪،‬‬
‫سنه‪ ..‬وهي حسنة بالحبشية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه حدثنا حبان بن موسى‪ :‬أخبرنا عبد الله‪ ،‬عن خالد بن‬
‫سعيد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت‪ :‬أتيت‬
‫رسول البخاري في كتاب الجهاد والسير باب‪ :‬من تكلم بالفارسية‬
‫والرطانة‪.‬رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي وعلي‬
‫وقميص أصفر‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪( :‬سنه‬
‫سنه)‪ .‬قال عبد الله‪ :‬وهي بالحبشية حسنة‪ ،‬قالت‪ :‬فذهبت ألعب‬
‫بخاتم النبوة‪ ،‬فزبرني أبي‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪( :‬دعها)‪ .‬ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪( :‬أبلي‬
‫وأخلقي‪ ،‬ثم أبلي وأخلقي‪ ،‬ثم أبلي وأخلقي)‪ .‬قال عبد الله‪:‬‬
‫فبقيت حتى ذكر‪.‬‬

‫‪492‬‬
‫وأخرجه أبو داود في كتاب اللباس باب فيما يُدْعى لمن لبس‬
‫ثوبا ً جديدا ً داود بلفظ‪ :‬سناه سناه‪.‬‬
‫ـ‪،‬حدثنا إسحاق بن الجراح الذني‪ ،‬ثنا أبو النضر‪ ،‬ثنا إسحاق بن‬
‫سعيد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص أن‬
‫ي بكسوة فيها خميصة‬ ‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أت َ‬
‫صغيرة فقال‪" :‬من ترون أحقُّ بهذه؟" فسكت القوم فقال‪:‬‬
‫خلِقي"‬ ‫م ِ خالدٍ" فأتي بها فألبسها إياها ثم قال‪" :‬أبلي وأ َ ْ‬ ‫"ائتوني بأ ّ‬
‫مرتين‪ ،‬وجعل ينظر إلى علم في الخميصة أحمر أو أصفر ويقول‪:‬‬
‫م خالدٍ" وسناه في كلم الحبشة‪ :‬الحسن‪.‬‬ ‫"سناه سناه يا أ َّ‬
‫‪ -‬وقوله‪ :‬ويكثر الهرج وهو القتل بها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه البخاري في كتاب الفتن كتاب الفتن‪.‬باب‪ :‬ظهور‬
‫الفتن‪.‬حدثنا عياش بن الوليد‪ :‬أخبرنا عبد العلى‪ :‬حدثنا معمر‪ ،‬عن‬
‫الُزهري‪ ،‬عن سعيد‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه‬
‫ح‪ ،‬وتظهر‬ ‫ش ُّ‬ ‫وسلم قال‪( :‬يتقارب الزمان‪ ،‬وينقص العلم‪ ،‬ويلقى ال ُّ‬
‫الفتن‪ ،‬ويكثر الهرج)‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أيُّما هو؟ قال‪( :‬القتل‬
‫القتل)‪ .‬وقال شعيب‪ ،‬عن يونس‪ ،‬والليث‪ ،‬وابن أخي الُزهري‪ ،‬عن‬
‫الُزهري‪ ،‬عن حميد‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‬
‫وأخرجه مسلم في كتاب العلم باب رفع العلم وقبضه‪ ،‬وظهور‬
‫الجهل والفتن‪ ،‬في آخر الزمان حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير‪.‬‬
‫حدثنا وكيع وأبي‪ .‬قال‪ :‬حدثنا العمش‪ .‬ح وحدثني أبو سعيد الشج‬
‫(واللفظ له)‪ .‬حدثنا وكيع‪ .‬حدثنا العمش عن أبي وائل قال‪ :‬كنت‬
‫سا مع عبد الله وأبي موسى‪ .‬فقال‪ :‬قال رسول الله صلى‬ ‫جال ً‬
‫ما‪ .‬يرفع فيها العلم‪،‬‬ ‫الله عليه وسلم‪" :‬إن بين يدي الساعة أيا ً‬
‫وينزل فيها لجهل‪ ،‬ويكثر فيها الهرج‪ .‬والهرج القتل"‪...‬‬
‫ب دَْرد َ أي وجع البطن‬ ‫شكَن ْ َ‬ ‫‪ -‬وقوله ـ في حديث أبي هريرة‪ :‬أ َ ْ‬
‫بالفارسية‪.‬‬
‫ن‪ .‬حدّثنا ذُؤ َادُ‬ ‫سكِي ٍ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫سرِيُّ ب ْ ُ‬ ‫سافِرٍ‪ .‬حدّثنا ال َّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫جعْفَُر ب ْ ُ‬ ‫حدّثنا َ‬
‫جَر النَّب ِ ُّ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫ل‪ :‬هَ َّ‬ ‫ن أبِي هَُريَْرةَ؛ قَا َ‬ ‫جاهِدٍ‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ث‪ ،‬ع َ ْ‬ ‫ن لَي ْ ٍ‬ ‫ة عَ ْ‬ ‫ن ع ُلْب َ َ‬ ‫بْ ُ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ت‪ .‬فَالْتَفَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫جل َ ْ‬
‫مض َ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫صل ّي ْ ُ‬ ‫ت‪ .‬فَ َ‬ ‫جْر ُ‬ ‫صلى الله عليه وسلم فَهَ َّ‬
‫ت‪:‬‬ ‫ت دَْردْ؟)) قُل ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫شك َ َ‬‫ل‪(( :‬ا ِ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم فَقَا َ‬ ‫إِلَى النَّب ِ ُّ‬
‫شفَاءً))‪.‬‬ ‫ن فِي الصلةِ ِ‬ ‫ل‪ ،‬فَإ ِ َّ‬ ‫ص ِّ‬ ‫م فَ َ‬ ‫ل ((ق ْ‬ ‫ل اللهِ! قَا َ‬ ‫سو َ‬ ‫م‪ .‬يَا َر ُ‬ ‫نَعَ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ َّ‬ ‫َ‬
‫صرٍ‪ .‬حدّثنا أبُو‬ ‫ن نَ ْ‬‫م بْ ُ‬ ‫ن‪ .‬حدّثنا إِبَْراهِي ُ‬ ‫ن القَطا ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬‫حدّثنا أبُو ال ْ َ‬
‫ت دَْردْ‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫شك َ َ‬ ‫ل فِيهِ‪ :‬ا ِ‬ ‫حوَهُ‪ ،‬وَفَا َ‬ ‫ة‪ .‬فَذ َكََر ن َ ْ‬ ‫ن ع ُلْب َ َ‬ ‫ة‪ .‬حدّثنا ذؤ َاد ُ ب ْ ُ‬ ‫م َ‬‫سل َ َ‬‫َ‬
‫َ‬
‫سي ّةِ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫شتَكِي بَطن َك‪ ،‬بِالفَارِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫يَعْنِي ت َ ْ‬
‫ستَعْدَوا ع َلَيْهِ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫قَا َ َ‬
‫ل لهْلَهِ‪ .‬فَا ْ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ث بِهِ َر ُ‬ ‫حد َّ َ‬ ‫ه‪َ :‬‬ ‫ل أبُو ع َبْد ِ الل ِ‬

‫‪493‬‬
‫ن أبي سليم‪ .‬وقد ضعفه‬ ‫في الزوائد‪ :‬في إسناده ليث‪ ،‬وهو اب ْ ِ‬
‫ل الفيروز‬ ‫الجمهور‪ .‬جاء في هامش الطبعة الهندية ما يأتي‪ :‬قَا َ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم بالفارسية))‪:‬‬ ‫آبادي في ((باب تكلم النب ّ‬
‫ما صح شيء‪ .‬ثم قال‪ :‬قلت رجال هذا الحديث كلهم مأمونون‪ ،‬إل‬
‫ن حبان‪ :‬منكر الحديث جدا‪،‬‬ ‫ل اب ْ ِ‬ ‫ن علبة فإنه ضعيف‪ .‬قَا َ‬ ‫ذ ُؤاد ب ْ ُ‬
‫ن الثقات مال أصل له‪ ،‬ومن الضعفاء مال يعرف‪ .‬كما‬ ‫يروي ع َ ْ‬
‫ذكره في التهذيب‪.‬‬
‫‪ -‬إلى غير ذلك مما ل يعلم بعض هذا ول يقوم به و ا ببعضه إل‬
‫من مارس الدرس و العكوف على الكتب ومثافنة أهلها عمره‪.‬‬
‫وهو رجل كما قال الله تعالى‪ :‬أمي‪ ،‬لم يكتب ولم يقرأ‪ ،‬ول عرف‬
‫بصحبه من هذه صفته‪ ،‬ول نشأ بين قوم لهم علم ول قراءة‬
‫لشيء من هذه المور‪ ،‬ول عرف هو ـ قبل بشيء منها‪ ،‬قال الله‬
‫ك إِذاً‬ ‫ُ‬
‫مين ِ َ‬
‫ه بِي َ ِ‬ ‫خط ّ ُ‬ ‫ب وََل ت َ ُ‬ ‫من كِتَا ٍ‬ ‫من قَبْلِهِ ِ‬ ‫ت تَتْلُو ِ‬ ‫ما كُن َ‬ ‫َتعالى‪( :‬وَ َ‬
‫ن) (العنكبوت‪ ) 48:‬إنما كانت غاية معارف العرب‬ ‫مبْطِلُو َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ّلْرتَا َ‬
‫النسب وأخبار أوائلها‪ ،‬والشعر‪ ،‬والبيان‪ ،‬وإنما حصل ذلك لهم بعد‬
‫التفرغ علم ذلك‪ ،‬والشتغال بطلبه‪ ،‬ومباحثة أهله عنه‪ .‬وهذا الفن‬
‫نقطة من بحر علمه صلى الله عليه وسلم‪ .‬ول سبيل إلى جحد‬
‫الملحد لشيء مما ذكرناه‪ ،‬ول وجد الكفرة حيلة في دفع ما‬
‫َ َ‬
‫ساطِيُر‬ ‫ن هَذ َا إِل ّ أ َ‬ ‫نصصناه إل قولهم الذي حكاه الله عنهم‪(:‬إ ِ ْ‬
‫شٌر) فرد الله عز وجل قولَهم‬ ‫ه بَ َ‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ما يُعَل ِّ‬
‫َ‬ ‫ن) (النعام ‪ )25‬و(إَن‬ ‫َ‬ ‫الَوَّلِي‬
‫َ‬ ‫بقوله‪( :‬ولَقَد نعل َ َ‬
‫ن ال ّذِي‬ ‫سا ُ‬ ‫شٌر ل ِّ َ‬ ‫ه بَ َ‬ ‫م ُ‬‫ما يُعَل ِّ ُ‬ ‫ن إِن َّ َ‬ ‫م يَقُولُو َ‬ ‫م أنَّهُ ْ‬ ‫َ ْ َْ ُ‬
‫َ‬
‫ن) (النحل‪ ) 103 :‬ثم‬ ‫مبِي ٌ‬ ‫ي ُّ‬ ‫ن عََرب ِ ٌّ‬ ‫سا ٌ‬ ‫ي وَهَـذ َا ل ِ َ‬ ‫م ٌّ‬‫ج ِ‬‫ن إِلَيْهِ أع ْ َ‬ ‫حدُو َ‬ ‫يُل ْ ِ‬
‫ما قالوه مكابرة العيان‪ ،‬فإن الذي نسبوا تعليمه إليه إما سلمان‪،‬‬
‫أو العبد الرومي‪ ،‬وسلمان إنما عرفه بعد الهجرة‪ ،‬ونزول الكثير‬
‫من القرآن‪ ،‬وظهور ما ل ينعد من اليات‪.‬وأما الرومي فكان أسلم‬
‫وكان يقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬و اختلف في‬
‫اسمه‪ .‬قيل‪ :‬بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس عنده عند‬
‫ُ‬
‫المروة‪ ،‬وكلهما أعجمي اللسان‪ ،‬وهم الفُصحاء الل ّد‪ ،‬والخطباء‬
‫ُ‬
‫سن‪ ،‬قد عجزوا عن معارضة ما أتى به‪ ،‬والتيان بمثله‪ ،‬بل عن‬ ‫الل ّ ْ‬
‫فهم رصفه‪ ،‬وصورة تأليفه ونظمه‪ ،‬فكيف بأعجمي ألكن! نعم‪،‬‬
‫وقد كان سلمان‪ ،‬أو بلعام الرومي‪ ،‬أو يعيش‪ ،‬أو جبر‪ ،‬أو يسار ـ‬
‫على اختلفهم في اسمه ـ بين أظهرهم يكلمونه مدى أعمارهم‪،‬‬
‫فهل حكي عن واحد منهم شيء من مثل ما كان يجيء به محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم؟ وهل عرف واحد منهم بمعرفة شيء من‬
‫ذلك؟ وما منع العدو حينئذ على كثرة عدده‪ ،‬ودؤوب طلبه‪،‬وقوة‬
‫حسده ‪-‬أن يجلس إلى هذا فيأخذ عليه أيضا ً ما يعارض به ويتعلم‬
‫منه ما يحتج به على شغبه‪ ،‬كفعل النضر بن الحارث بما كان‬

‫‪494‬‬
‫يمخرق به من أخبار كتبه‪ .‬ول غاب للنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عن قومه‪ ،‬ول كثرت اختلفاته إلى بلد أهل الكتاب‪ ،‬فيقال‪ :‬إنه‬
‫استمد منهم‪ ،‬بل لم يزل بين أظهرهم يرعى في صغره وشبابه‪،‬‬
‫على عادة أبنائهم‪ ،‬ثم لم يخرج عن بلدهم إلى سفرة أو‬
‫سفرتين‪ ،‬لم يطل فيهما مكثه مدة يحتمل فيها تعليم القليل‪،‬‬
‫فكيف الكثير‪ ،‬بل كان في سفره في صحبة قومه ورفاقة‬
‫عشيرته‪ ،‬لم يغب عنهم‪ ،‬ول خالف حاله مدة مقامه بمكة من‬
‫تعليم و اختلف إلى حبر أو قس‪ ،‬أو منجم أو كاهن‪ ،‬بل لو كان‬
‫هذا بعد كله لكان مجيء ما أتى به من معجز القرآن قاطعا ً لكل‬
‫عذر‪ ،‬ومدحضا ً لكل حجة‪ ،‬ومجليا ً لكل أمر‪.‬‬
‫الفصل السادس والعشرون‪:‬‬
‫من خصائصه وكراماته وباهر آياته أنباؤه مع الملئكة والجن‪.‬‬
‫ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكراماته‪ ،‬وباهر آياته أنباؤه‬
‫مع الملئكة والجن‪ ،‬وإمداد الله له بالملئكة‪ ،‬وطاعة الجن له‪،‬‬
‫ورؤية كثير من أصحابه لهم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ما وَإِن‬ ‫ت قُلوبُك ُ َ‬ ‫صغَ ْ‬ ‫*قال الله تعالى‪( :‬إ ِ َن تَتُوبَا إِلى اللهِ فَقَد ْ َ‬
‫ن‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ح ال ْ ُ‬ ‫صال ِ ُ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫جبْرِي ُ‬ ‫موَْله ُ وَ ِ‬ ‫ه هُوَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫تَظَاهََرا ع َلَيْهِ فَإ ِ َّ‬
‫ك ظَهِيٌر) (التحريم‪.)4 :‬‬ ‫ة بَعْد َ ذَل ِ َ‬ ‫مَلئِك َ ُ‬‫وَال ْ َ‬
‫منُواْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫م فَثَبِّتُوا ْ ال ّذِي َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫ملئِكَةِ أنِّي َ‬ ‫ك إِلَى ال ْ َ‬ ‫حي َرب ُّ َ‬
‫َ‬
‫‪-‬وقال‪( :‬إِذ ْ يُو ِ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ق‬‫ضرِبُوا ْ فَوْقَ الع ْنَا ِ‬ ‫ب فَا ْ‬ ‫ن كَفَُروا ْ الَّرع ْ َ‬ ‫ب ال ّذِي َ‬ ‫سألْقِي فِي قُلُو ِ‬ ‫َ‬
‫ن) (النفال‪.)12 :‬‬ ‫َ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫ضرِبُوا ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ل بَنَا ٍ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫وَا ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ف ِّ‬ ‫مدُّكُم بِأل ْ ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫م أنِّي ُ‬ ‫ب لَك ُ ْ‬ ‫جا َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م فَا ْ‬ ‫ن َربَّك ُ ْ‬ ‫ستَغِيثُو َ‬ ‫‪-‬وقال‪( :‬إِذ ْ ت َ ْ‬
‫َ‬
‫م‬‫ن بِهِ قُلُوبُك ُ ْ‬ ‫مئ ِ َّ‬ ‫شَرى وَلِتَط ْ َ‬ ‫ه إِل ّ ب ُ ْ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫جعَل َ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن * وَ َ‬ ‫مْردِفِي َ‬ ‫ملئِكَةِ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫م) (سورة النفال ‪9‬‬ ‫حكِي ٌ‬ ‫ه ع َزِيٌز َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫عند ِ اللّهِ إ ِ َّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صُر إِل ّ ِ‬ ‫ما الن َّ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫– ‪.)10‬‬
‫ما‬‫ن فَل َ َّ‬ ‫ن الْقُْرآ َ‬ ‫معُو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ج ِّ‬‫ن َال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك نَفَرا ً ِّ‬ ‫صَرفْنَا إِلَي ْ َ‬ ‫‪-‬وقال‪( :‬وَإِذ ْ َ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫منذِرِي َ‬ ‫مهِم ُّ‬ ‫ي وَل ّوْا إِلَى قَوْ ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ما قُ ِ‬ ‫صتُوا فَل َ َّ‬ ‫ضُروه ُ قَالُوا أن ِ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫(الحقاف‪.)29 :‬‬
‫‪* -‬حدثنا سفيان بن العاص الفقيه بسماعي عليه‪ ،‬حدثنا أبو الليث‬
‫السمرقندي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الغافر الفارسي‪ ،‬حدثنا أبو أحمد‬
‫الجلودي‪ ،‬حدثنا ابن سفيان‪ ،‬حدثنا مسلم‪ ،‬حدثنا عبيد الله بن‬
‫معاذ‪ ،‬حدثنا أبي حدثنا شعبة‪ ،‬عن سليمان الشيباني‪ ،‬سمع زر بن‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ت َرب ِّ ِ‬ ‫ن آيَا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حبيش‪ ،‬عن عبد الله في قوله تعالى‪(:‬لَقَد ْ َرأى ِ‬
‫الْكُبَْرى) (النجم‪ ) 18 :‬ـ قال‪ :‬رأى جبريل عليه السلم في صورته‪،‬‬
‫له ستمائة جناح‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قال القرطبي في تفسيره‪ :‬وقال ابن مسعود وأبو هريرة‬
‫في تفسير قوله تعالى‪" :‬ولقد رآه نزلة أخرى" أنه جبريل‪ .‬ثبت‬

‫‪495‬‬
‫هذا أيضا في صحيح مسلم‪ .‬وقال ابن مسعود‪ :‬قال النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪( :‬رأيت جبريل بالفق العلى له ستمائة جناح‬
‫يتناثر من ريشه الدر والياقوت) ذكره المهدوي‪.‬‬
‫والحديث في صحيح مسلم هو‪:‬‬
‫*حدثني أبو الربيع الزهراني‪ .‬حدثنا عباد (وهو ابن العوام) حدثنا‬
‫الشيباني قال‪ :‬سألت زر بن حبيش عن قول الله عز وجل‪:‬‬
‫{فكان قاب قوسين أو أدني} [‪/53‬النجم‪ /‬الية‪ ]9-‬قال‪ :‬أخبرني‬
‫ابن مسعود؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له‬
‫ستمائة جناح‪.‬‬
‫* حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة‪ .‬حدثنا حفص بن غياث عن‬
‫الشيباني‪ ،‬عن زر‪ ،‬عن عبد الله؛ قال‪{ :‬ما كذب الفؤاد ما رأى}‬
‫[‪/53‬النجم‪ /‬الية‪ ]11-‬قال‪ :‬رأى جبريل عليه السلم له ستمائة‬
‫جناح‪.‬‬
‫* حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري‪ .‬حدثنا أبي‪ .‬حدثنا شعبة عن‬
‫سليمان الشيباني‪ .‬سمع زر بن حبيش عن عبد الله؛ قال‪{ :‬لقد‬
‫رأى من آيات ربه الكبرى} [‪ /53‬النجم‪ /‬الية ‪ ]18‬قال‪ :‬رأى جبريل‬
‫في صورته‪ ،‬له ستمائة جناح‪.‬‬
‫‪- -‬والخبر في محادثته مع جبريل وإسرافيل وغيرهما من‬
‫الملئكة‪ ،‬وما شاهده من كثرتهم وعظم صور بعضهم ليلة‬
‫السراء مشهور‪.‬‬
‫‪ -‬وقد رآهم بحضرته جماعة من أصحابه في مواطن مختلفة‪،‬‬
‫فرأى أصحابه جبريل عليه السلم في صورة رجل يسأله عن‬
‫السلم واليمان‪...‬‬
‫‪ -‬قلت‪ :‬أشار القاضي عياض رحمه الله إلى حديث جبريل‪ ,‬وهو‬
‫كما عند مسلم‪:‬‬
‫عن عبد الله بن عمر‪ .‬حدثني أبي عمر بن الخطاب‪ ،‬قال‪ :‬بينما‬
‫نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم‪ ،‬إذ طلع‬
‫علينا رجل شديد بياض الثياب‪ .‬شديد سواد الشعر‪ .‬ل يرى عليه‬
‫أثر السفر‪ .‬ول يعرفه منا أحد‪ .‬حتى جلس إلى النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ .‬فاسند ركبتيه إلى ركبتيه‪ .‬ووضع كفيه على فخذيه‪.‬‬
‫وقال‪ :‬يا محمد! أخبرني عن السلم‪ .‬فقال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬السلم أن تشهد أن ل إله إل الله وأن محمدا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬وتقيم الصلة‪ .‬وتؤتي الزكاة‪.‬‬
‫وتصوم رمضان‪ .‬وتحج البيت‪ ،‬إن استطعت إليه سبيل" قال‪:‬‬
‫صدقت‪ .‬قال فعجبنا له‪ .‬يسأله ويصدقه‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني عن‬
‫اليمان‪ .‬قال‪" :‬أن تؤمن بالله‪ ،‬وملئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم‬
‫الخر‪ .‬وتؤمن بالقدر خيره وشره" قال‪ :‬صدقت‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني‬

‫‪496‬‬
‫عن الحسان‪ .‬قال‪" :‬أن تعبد الله كأنك تراه‪ .‬فإن لم تكن تراه‪،‬‬
‫فإنه يراك"‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني عن الساعة‪ .‬قال‪" :‬ما المسؤول عنها‬
‫بأعلم من السائل" قال‪ :‬فأخبرني عن أمارتها‪ .‬قال‪" :‬أن تلد المة‬
‫ربتها‪ .‬وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء‪ ،‬يتطاولون في‬
‫البنيان"‪ .‬قال ثم انطلق‪ .‬فلبثت مليا‪ .‬ثم قال لي‪" :‬يا عمر! أتدري‬
‫من السائل؟" قلت‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬قال‪" :‬فإنه جبريل أتاكم‬
‫يعلمكم دينكم"‪.‬‬
‫‪ -‬ورأى ابن عباس‪ ،‬وأسامة بن زيد‪ ،‬وغيرهما عنده جبريل في‬
‫صورة دحية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومنهم أم سلمة رضي الله عنها كما ثبت في صحيح‬
‫مسلم‪:‬‬
‫باب من فضائل أم سلمة‪ ،‬أم المؤمنين‪ ،‬رضي الله عنها‬
‫حدثني عبد العلى بن حماد ومحمد بن عبد العلى القيسي‪.‬‬
‫كلهما عن المعتمر‪ .‬قال ابن حماد‪ :‬حدثنا معتمر بن سليمان‬
‫قال‪ :‬سمعت أبي‪ .‬حدثنا أبو عثمان عن سلمان‪ .‬قال‪ :‬ل تكونن‪،‬‬
‫إن استطعت‪ ،‬أول من يدخل السوق ول آخر من يخرج منها‪ .‬فإنها‬
‫معركة الشيطان‪ ،‬وبها ينصب رايته‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأنبئت أن جبريل عليه السلم أتى نبي الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وعنده أم سلمة‪ .‬قال فجعل يتحدث ثم قام‪ .‬فقال نبي الله‬
‫صلى الله عليه وسلم لم سلمة‪" :‬من هذا؟" أو كما قال‪ .‬قالت‪:‬‬
‫هذا دحية‪ .‬قال فقالت أم سلمة‪ :‬ايم الله! ما حسبته إل إياه‪ .‬حتى‬
‫سمعت خطبة نبي الله صلى الله عليه وسلم يخبر خبرنا‪ .‬أو‬
‫كما قال‪ .‬قال فقلت لبي عثمان‪ :‬ممن سمعت هذا؟ قال‪ :‬من‬
‫أسامة بن زيد‪.‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪ :‬رأيت جبريل عليه السلم‪ .‬فإذا‬
‫أقرب من رأيت به شبها دحية"‪( .‬وفي رواية ابن رمح) "دحية بن‬
‫خليفة"‪.‬‬
‫وقفة مع البيهقي في دلئل النبوة‬
‫باب ما جاء في رؤية من رأى جبريل عليه السلم يوم بني‬
‫قريظة‬
‫* أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو قال أخبرنا الحسن بن محمد بن‬
‫إسحاق السفرئيني قال حدثنا محمد بن أيوب قال أخبرنا موسى‬
‫بن إسماعيل قال حدثنا جرير بن حازم قال حدثنا حميد بن هلل‬
‫عن أنس قال رأيت الغبار ساطعا في سكة بني غنم موكب‬
‫جبريل عليه السلم حين سار رسول الله إلى بني قريظة‪.‬‬
‫*وأخبرنا أبو سعيد احمد بن محمد الماليني قال أخبرنا أبو أحمد‬
‫بن عدي الحافظ قال أخبرنا محمد بن عبدة قال حدثنا محمد بن‬

‫‪497‬‬
‫أبي بكر المقدمي قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثني أبي عن‬
‫حميد بن هلل عن أنس قال كأني أنظر إلى الغبار ساطعا في‬
‫موكب جبريل حين سار إلى بني قريظة في سكة بني غنم‪.‬‬
‫رواه البخاري في الصحيح عن موسى بن إسماعيل عن جرير بن‬
‫حازم‪.‬‬
‫وذكرنا عن مغازي موسى بن عقبة وغيره أن رسول الله خرج‬
‫في أثر فمر على مجلس بني غنم فسألهم مر عليكم فارس آنفا‬
‫قالوا مر علينا دحية الكلبي على فرس أبيض تحته نمط أو قطيفة‬
‫من ديباج عليه اللمة فذكروا أن رسول الله قال ذاك جبريل‬
‫وكان يشبه دحية الكلبي بجبريل عليه السلم‪.‬‬
‫*وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان قال أخبرنا أحمد بن عبيد‬
‫الصفار قال أخبرنا احمد بن علي الحزاز قال حدثنا عبد الواحد هو‬
‫ابن غياث قال حدثنا حماد هو ابن سلمة قال حدثنا هشام بن‬
‫عروة عن أبيه عن عائشة إن النبي لما فرغ من الحزاب دخل‬
‫مغتسل ليغتسل فجاءه جبريل فقال يا محمد قد وضعتم أسلحتكم‬
‫وما وضعنا أسلحتنا انهض إلى بني قريظة فقالت عائشة‪ :‬يا‬
‫رسول الله لقد رأيته من خلل الباب قد عصب رأسه التراب‪.‬‬
‫*أخبرنا أبو صالح منصور بن عبد الوهاب البزاز قال أخبرنا أبو‬
‫عمرو بن أبي جعفر قال أخبرنا الحسن بن سفيان قال حدثنا‬
‫عبيد الله بن عمر القواريري قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي‬
‫عن عبد الله بن عمر عن أخيه عبيد الله عن القاسم بن محمد‬
‫عن عائشة أن رجًل أتى النبي على برزون وعليه عمامة طرفها‬
‫بين كتفيه فسألت النبي فقال‪ :‬رأيتيه ذاك جبريل عليه السلم"‪.‬‬
‫رواه ابن وهب عن عبد الله عن عبد الرحمن بن القاسم عن‬
‫أبيه عن عائشة وروى في ذلك أيضا عن الشعبي عن أبي سلمة‬
‫عن عائشة قد أخرجناه في الفضائل‪.‬‬
‫باب ما جاء في رؤية أم سلمة زوج النبي جبريل عليه السلم‪:‬‬
‫* أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن‬
‫يعقوب قال حدثنا أبو بكر بن إسحاق وعبد الله بن محمد قال‬
‫حدثنا محمد بن عبد العلى قال حدثنا المعتمر بن سليمان قال‬
‫سمعت أبي قال حدثنا أبو عثمان النهدي عن سلمان قال‪ :‬ل‬
‫تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ول آخر من يخرج منها‬
‫فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته أو كما قال وثبت أن‬
‫جبريل عليه السلم أتى النبي وعنده أم سلمة قال فجعل يتحدث‬
‫ثم قام فقال نبي الله لم سلمة‪" :‬من هذا"؟ أو كما قالت‪ ,‬قلت‪:‬‬
‫هذا دحية الكلبي قال فقالت أم سلمة ما حسبته إل إياه حتى‬

‫‪498‬‬
‫سمعت خطبة النبي يخبر جبريل أو كما قال فقلت لبي عثمان‬
‫ممن سمعت هذا قال من أسامة‪.‬‬

‫رواه البخاري في الصحيح عن عباس بن الوليد عن المعتمر‪.‬‬


‫ورواه مسلم عن محمد بن عبد العلى‬
‫باب ما جاء في رؤية عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن كان‬
‫معه من الصحابة في مجلس النبي جبريل عليه السلم‪.‬‬
‫* أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو‬
‫بكر بن إسحاق الفقيه قال أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال‬
‫حدثني أبي قال قرأت على يحيى بن سعيد عن عثمان بن غياث‬
‫قال حدثنا عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر وحميد بن عبد‬
‫الرحمن قال لقينا عبد الله بن عمر فذكرنا له القدر وما يقولون‬
‫فيه فقال إذا رجعتم إليهم فقولوا لهم إن ابن عمر منكم بريء‬
‫وأنتم منه براء ثلث مرات ثم قال أخبرني عمر بن الخطاب أنهم‬
‫بينما هم جلوس عند رسول الله جاءه رجل حسن الوجه حسن‬
‫الشعر عليه ثياب بياض فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقالوا ما‬
‫نعرف هذا ول هذا صاحب سفر ثم قال يا رسول الله آتيك قال‪:‬‬
‫نعم قال فجاء فوضع ركبتيه على ركبتيه ويديه على فخذيه‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫ما السلم؟ قال‪" :‬السلم شهادة أن ل إله إل الله وحده وأن‬
‫محمدًا رسول الله وتقيم الصلة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان‬
‫وتحج البيت" قال‪ :‬فما اليمان؟ قال‪" :‬أن تؤمن بالله وملئكته‬
‫والجنة والنار والبعث بعد الموت والقدر كله" قال‪ :‬فما‬
‫الحسان؟ قال‪" :‬أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه‬
‫يراك" قال‪ :‬فمتى الساعة؟ قال‪" :‬ما المسؤول عنها بأعلم من‬
‫السائل" قال‪ :‬فما أشراطها؟ قال‪" :‬أن ترى الحفاة العراة رعاء‬
‫الشاء يتطاولون في البنيان وولدت الماء أربابهن" ثم قال‪ :‬علي‬
‫بالرجل فطلبوه فلم يروا شيئًا فلبث يومين أو ثلثًا ثم قال‪ :‬يا ابن‬
‫الخطاب أتدري من السائل عن كذا وكذا؟" قال الله ورسوله‬
‫أعلم‪ .‬قال‪" :‬ذاك جبريل جاءكم يعلمكم دينكم"‪ .‬وذكر الحديث‪.‬‬
‫رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن حاتم عن يحيى بن سعيد‬
‫وأخرجه من حديث كهمس بن الحسن عن ابن بريده قال فيه‬
‫بينما نحن عند رسول الله ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد‬
‫سواد الشعر ل يرى عليه أثر السفر ول يعرفه فينا أحد حتى‬
‫جلس إلى النبي وقال في كل ما نجيبه به صدقت قال‪ :‬فعجبنا له‬
‫ما بارًزا‬
‫يسأله ويصدقه‪ .‬رواه أبو هريرة قال كان رسول الله يو ً‬
‫للناس فأتاه رجل فقال‪ :‬يا رسول الله ما اليمان؟ وقال في‬
‫آخره ثم أدبر الرجل فقال‪ :‬ردوا علي الرجل‪ ,‬فأخذوا ليردوا فلم‬

‫‪499‬‬
‫يروا شيئًا فقال رسول الله‪ :‬هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيح‪.‬‬
‫باب ما جاء في رؤية حارثة بن النعمان جبريل عليه السلم‬
‫سا في المقاعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫جال ً‬
‫*حدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الصبهاني رحمه الله قال‬
‫أخبرنا أبو سعيد بن العرابي حدثنا أحمد بن منصور الرمادي‬
‫حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري قال أخبرني عبد‬
‫الله بن عامر بن ربيعة عن حارثة بن النعمان قال مررت على‬
‫رسول الله ومعه جبريل عليه السلم جالس في المقاعد‬
‫فسلمت عليه ومررت فلما رجعنا وانصرف رسول الله قال لي‪:‬‬
‫"هل رأيت الذي كان معي" قلت‪ :‬نعم قال‪" :‬فإنه جبريل وقد رد‬
‫عليك السلم"‬
‫باب ما جاء في رؤية عبد الله بن عباس جبريل عليه السلم‪.‬‬
‫*أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي المقرئ قال أخبرنا‬
‫الحسن ابن محمد بن إسحاق قال حدثنا يوسف بن يعقوب‬
‫القاضي قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن سلمة‬
‫قال حدثنا عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال كنت مع أبي‬
‫عند رسول الله ومعه رجل يناجيه فكان كالمعرض عني فلما‬
‫خرجنا قال يا بني ألم تر أن ابن عمك كان كالمعرض عني عن‬
‫أبيه عن أبي فرك فقلت يا أباه إنه كان عنده رجل يناجيه فرجع‬
‫إلى رسول الله فقال يا رسول الله قلت لعبد الله كذا وكذا‬
‫فقال‪ :‬إنه كان عندك رجل تناجيه ويناجيك فهل كان عندك أحد‬
‫فقال رسول الله‪ :‬وهل رأيته يا عبد الله؟ قلت‪ :‬نعم قال‪ :‬ذاك‬
‫جبريل عليه السلم هو الذي كان يشغلني عنك"‪.‬‬
‫باب ما جاء في رؤية النصاري جبريل عليه السلم وحديثه معه‬
‫* أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي وأبو سعيد بن أبي‬
‫عمرو قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا العباس‬
‫بن محمد الدوري قال حدثنا محمد بن عبد الوهاب قال حدثنا‬
‫يعقوب القمي عن جعفر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‬
‫عاد رسول الله رجل ً من النصار فلما دنا من منزله سمعه يتكلم‬
‫في الداخل فلما استأذن عليه دخل فلم ير أحدًا قال له رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬سمعتك تكلم غيرك قال‪ :‬يا رسول‬
‫ما بكلم الناس مما بي من الحمى‬ ‫الله لقد دخلت الداخل اغتما ً‬
‫فدخل علي داخل ما رأيت رجل ً قط بعدك أكرم مجل ً‬
‫سا ول‬
‫أحسن حديثًا منه قال‪ :‬ذلك جبريل وأن منكم لرجاًل لو أن أحدكم‬
‫يقسم على الله لبره"‪.‬‬

‫‪500‬‬
‫وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد قال حدثنا‬
‫إبراهيم بن هاشم قال حدثنا محمد بن عبد الوهاب قال حدثنا‬
‫يعقوب القمي عن جعفر بن المغيرة فذكره بإسناده مثله‪.‬‬
‫باب ما جاء في رؤية محمد بن مسلمة النصاري البدري جبريل‬
‫عليه السلم‪.‬‬
‫* أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن علي بن المؤمل أخبرنا أبو‬
‫أحمد بن إسحاق الحافظ قال أخبرنا أبو عروبة الحسين بن أبي‬
‫معشر السلمي قال حدثنا محمد بن المثني قال حدثنا عباد بن‬
‫موسى قال حدثنا يونس عن الحسن عن محمد بن مسلمة قال‬
‫مررت فإذا رسول الله على الصفا واضعًا خده على خد رجل قال‬
‫فذهبت فلم ألبث أن ناداني رسول الله قال فقمت له فقال‪ :‬يا‬
‫محمد ما منعك أن تسلم؟ قال محمد بن مسلمة‪ :‬يا رسول الله‬
‫رأيتك فعلت بهذا الرجل شيئًا ما فعلته بأحد من الناس فكرهت‬
‫أن أقطع عليك حديثك فمن كان يا رسول الله يكلمك؟ قال‪:‬‬
‫جبريل قال محمد بن مسلمة لم يسلم أما أنه لو سلم لرددنا‬
‫عليه السلم قال‪ :‬وما قال لك يا رسول الله؟ قال‪" :‬ما زال‬
‫جبريل يوصيني بالجار حتى كنت أنتظر متى يأمرني فأورثه"‪.‬‬
‫باب ما جاء في رؤية حذيفة بن اليمان الملك الذي روى أنه‬
‫استأذن ربه في التسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫*أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد‬
‫بن يعقوب قال حدثنا الحسن بن علي بن عفان قال حدثنا زيد بن‬
‫الحباب قال حدثني إسرائيل ح وأخبرنا أبو نصر بن قتادة قال‬
‫أخبرنا أبو علي الرفاء قال حدثنا محمد بن صالح الشج قال حدثنا‬
‫عبد الله بن عبد العزيز قال حدثنا إسرائيل بن يونس عن ميسرة‬
‫بن حبيب النهري عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن‬
‫حذيفة بن اليمان قال صلى رسول الله العشاء ثم خرج فتبعته‬
‫فإذا عارض قد عرض له فقال لي‪( :‬يا حذيفة هل رأيت العارض‬
‫الذي عرض لي) قلت نعم قال (ذاك ملك من الملئكة أستأذن‬
‫ربه يسلم علي ويبشرني بالحسن والحسين أنهما سيدا شباب‬
‫أهل الجنة وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة) لفظ حديث أبي‬
‫عبد الله الحافظ وقد أخرجته في كتاب الفضائل بطوله‪.‬‬
‫زاد ابن قتادة لم يهبط إلى الرض قبلها يعني الملك وروينا في‬
‫قصة الحزاب أن حذيفة رأى جماعة من الملئكة في الليلة التي‬
‫بعثه فيها رسول الله طليعة‪.‬‬
‫باب ما جاء في رؤية عمران بن حصين الملئكة وتسليمهم عليه‬
‫وذهابهم عنه حين اكتوى وعودهم إليه بعد ما تركه‪.‬‬

‫‪501‬‬
‫* أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو بكر بن‬
‫إسحاق الفقيه قال أخبرنا محمد بن أيوب قال أخبرنا مسلم بن‬
‫إبراهيم قال حدثنا إسماعيل بن مسلم العبدي قال حدثنا محمد‬
‫بن واسع عن مطرف ابن عبد الله بن الشخير قال‪ :‬قال لي‬
‫عمران بن حصين ذات يوم إذا أصبحت فأغد علي فلما أصبحت‬
‫غدوت عليه فقال لي‪ :‬ما غدا بك؟ قلت‪ :‬الميعاد‪ .‬قال‪ :‬أحدثك‬
‫حديثين أما إحداهما فأكتمه علي وأما الخر فل أبالي أن تفشيه‬
‫علي‪..‬‬
‫فأما الذي تكتم علي فإن الذي كان أنقطع قد رجع يعني تسليم‬
‫الملئكة‬
‫والخر تمتعنا مع رسول الله قال فيها رجل برأيه ما شاء‪ .‬أخرجه‬
‫مسلم في الصحيح من حديث إسماعيل بن مسلم‪.‬‬
‫* أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا عبد الله بن إسحاق بن‬
‫الخراساني قال حدثنا عبد الله بن الحسن الهاشمي قال حدثنا‬
‫شبابة قال حدثنا شعبة ح حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن‬
‫فورك رحمه الله قال أخبرنا عبد الله بن جعفر قال حدثنا يونس‬
‫بن حبيب قال حدثنا أبو داود قال حدثنا شعبة قال أخبرني حميد‬
‫بن هلل العدوي قال سمعت مطرف بن عبد الله بن الشخير‬
‫يحدث عن عمران بن حصين قال‪ :‬قال لي‪ :‬أل أحدثك حديثا لعل‬
‫الله أن ينفعك به؟ أن رسول الله جمع بين حج وعمرة ثم لم ينه‬
‫عنه ولم ينزل قرآنا يحرمه وأنه قد كان يسلم علي فلما اكتويت‬
‫أنقطع عني فلما تركت عاد إلي يعني الملئكة‪.‬‬
‫وفي رواية شبابة وأنه كان يسلم علي حتى اكتويت فلما اكتويت‬
‫رفع عني ذلك فلما تركت ذلك عاد إلي يعني تسليم الملئكة‪.‬‬
‫أخرجه مسلم في الصحيح عن حديث شعبة‪.‬‬
‫*أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس بن يعقوب‬
‫قال حدثنا العباس بن محمد الدوري قال حدثنا هارون بن‬
‫معروف قال حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن قتادة عن مطرف‬
‫بن عبد الله بن الشخير قال‪ :‬قال لنا عمر‪ :‬أن ابن حصين بعد أن‬
‫اكتوى وكان يأتيه آت ينبهه‬
‫للصلة فلما اكتوى أمسك عنه فلما سقطت عنه آثار المكاوي‬
‫ي‪ ,‬وذكر‬ ‫عاد إليه فقال لهم‪ :‬أعلموا أن الذي كان يأتيني قد عاد إل ّ‬
‫الحديث ورواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال فيه وأعلم أنه‬
‫قد سلم علي فإن عشت فأكتم علي وإن مت فحدث أن شئت‪.‬‬
‫*أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو حامد أحمد بن علي‬
‫المقرئ قال حدثنا أبو عيسى الترمذي في التاريخ قال حدثنا عبد‬
‫الله ابن أبي زياد الكوفي قال حدثنا سيار قال حدثنا حماد بن زيد‬

‫‪502‬‬
‫عن ثابت عن غزالة قالت كان عمران بن حصين يأمرنا أن نكنس‬
‫الدار ونسمع السلم عليكم ول نرى أحدا قال أبو عيسى يعني‬
‫هذا تسليم الملئكة‪.‬‬
‫*وفي حديث يوسف بن يعقوب القاضي عن سليمان بن حرب‬
‫عن حماد ابن سلمة عن عمار بن أبي عمار أن حمزة بن عبد‬
‫المطلب قال يا رسول الله أرني جبريل عليه السلم في صورته‬
‫فقال‪( :‬أنك ل تستطيع أن تراه) قال بلى فأرينه قال (فاقعد)‬
‫فقعد فنزل جبريل عليه السلم على خشبة كانت في الكعبة‬
‫يلقي المشركون عليها ثيابهم إذا طافوا فقال النبي (أرفع طرفك‬
‫فأنظر) فرفع طرفه فرأى قدميه مثل الزبرجد كالزرع الخضر‬
‫فخر مغشيًا عليه‪.‬‬
‫هكذا روي هذا عن عمار بن أبي عمار وهو مرسل‬
‫باب في رؤية أسيد بن الحضير وغيره السكينة والملئكة التي‬
‫نزلت عند قراءة القرآن‬
‫*أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق قال‬
‫أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان قال حدثنا عمرو بن خالد‬
‫الحراني قال حدثنا زهير قال حدثنا أبو إسحاق عن البراء قال‬
‫كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين‬
‫فتغشته سحابة فجعلت تدنو وتدنو وجعل فرسه ينفر فلما أصبح‬
‫أتى النبي فذكر ذلك فقال‪( :‬تلك السكينة تنزلت من للقرآن)‪.‬‬
‫وأخبرنا أبو عبد الله قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب قال‬
‫حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى قال حدثنا يحيى بن يحيى قال‬
‫أخبرنا أبو خيثمة وهو زهير بن معاوية عن أبن إسحاق عن البراء‬
‫فذكره بمثله‪.‬‬
‫رواه البخاري في الصحيح عن عمرو بن خالد ورواه مسلم عن‬
‫يحيى ابن يحيى‬
‫*وأخبرنا أبو بكر بن فورك رحمه الله أخبرنا عبد الله بن جعفر‬
‫الصبهاني قال حدثنا يونس بن حبيب قال حدثنا أبو داود قال‬
‫حدثنا شعبة عن أبي إسحاق سمع البراء يقول بينما رجل يقرأ‬
‫سورة الكهف ليلة إذ رأى دابته تركض أو قال فرسه تركض فنظر‬
‫فإذ مثل الضبابة أو مثل الغمامة فذكر ذلك لرسول الله فقال‪:‬‬
‫(تلك السكينة تنزلت للقرآن أو تنزلت عند القرآن)‪.‬‬
‫رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن مثنى عن أبي داود‪.‬‬
‫*أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان قال أخبرنا أحمد بن‬
‫عبيد الصفار قال حدثنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان قال حدثنا ابن‬
‫بكير قال حدثنا الليث عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن‬
‫الحارث عن أسيد بن حضير قال بينما هو يقرأ من الليل سورة‬

‫‪503‬‬
‫البقرة وفرسه مربوط إذ جالت الفرس فسكت فسكنت فقرأ‬
‫فجالت الفرس فسكت فسكنت ثم قرأ فجالت الفرس فسكت‬
‫فسكنت فأنصرف وكان أبنه قريبا منه فأشفق أن تصيبه فلما‬
‫أخبره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها فلما أصبح حدث‬
‫رسول الله فقال بينما أنا اقرأ البارحة والفرس مربوطة إذ جالت‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اقرأ ابن الحضير اقرأ‬
‫ابن الحضير) ثلث مرات فقرأت فجالت فسكت فسكنت فقال‬
‫رسول الله (اقرأ ابن الحضير) فاشفقت يا رسول الله إن تطأ‬
‫يحيى وكان قريبًا فانصرفت إليه فرفعت رأسي إلى السماء فإذا‬
‫هو مثل الظلة فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى ل‬
‫أراها قال رسول الله (وتدري ما ذلك) قال‪ :‬قلت ل يا رسول الله‬
‫قال‪( :‬تلك الملئكة أتت لصوتك ولو قرأت لصبح الناس ينظرون‬
‫ضا هذا الحديث عبد الله بن‬ ‫إليها ل تتوارى منهم) قال وحدثنا أي ً‬
‫خباب عن أبي سعيد الخدري عن أسيد بن الحضير‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في الصحاح فقال وقال الليث وأخرجه مسلم‬
‫من حديث إبراهيم بن سعد عن يزيد بن الهاد عن عبد الله بن‬
‫خباب‪.‬‬
‫وروي ذلك أيضا من حديث الزهري عن ابن كعب بن مالك عن‬
‫أسيد ومن حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد‪.‬‬
‫باب سماع الصحابي قراءة من أسمعه قرآنه وأخفاه شخصه‬
‫والحمد لله وحده‬
‫*أخبرنا أبو نصر بن قتادة قال أخبرنا أبو منصور النصروي قال‬
‫حدثنا أحمد بن نجدة قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا أبو‬
‫الحوص عن أبي الحسن التيمي قال سمعت رجل ً يقول كنت‬
‫أسير مع رسول الله في ليلة ظلماء فسمع رجل ً يقرأ (قل يا أيها‬
‫الكافرون) فقال رسول الله (أما هذا فقد برىء من الشرك)‪.‬‬
‫وسرنا فسمعنا رجًل يقرأ (قل هو الله أحد) فقال‪( :‬أما هذا فقد‬
‫غفر له) فكففت راحلتي لنظر من هو فنظرت يمينًا وشمال ً فما‬
‫رأيت أحدًا‪.‬‬
‫باب سماع عوف بن مالك وغيره صوت الملك الذي أتى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بالشفاعة‪.‬‬
‫* أخبرنا أبو بكر بن فورك رحمه الله قال أخبرنا عبد الله بن‬
‫جعفر قال حدثنا يونس بن حبيب قال حدثنا أبو داود قال حدثنا‬
‫همام عن قتادة عن أبي المليح عن عوف بن مالك الشجعي قال‬
‫كنا مع النبي في سفر فعرسنا وافترش كل رجل منا ذراع راحلته‬
‫ثم انتبهت بعض الليل وإذا ليس بين يدي راحلة رسول الله أحد‬
‫فانطلقت فإذا أنا بمعاذ بن جبل وعبد الله بن قيس قائمان فقلت‬

‫‪504‬‬
‫لهما هل رأيتما رسول الله فقال ل وأنا أسمع صوتا فإذا مثل هزيز‬
‫الرحا وأتانا رسول الله فقال‪" :‬أنه أتاني آت من ربي فخيرني بين‬
‫أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة فأخترت الشفاعة"‬
‫فقلنا نناشدك الله والصحبة لما جعلتنا من أهل شفاعتك فقال‬
‫رسول الله‪ " :‬أنتم من أهل شفاعتي" وجعل الرجل يجيء‬
‫فيقول‪ :‬يا رسول الله اجعلني من أهل شفاعتك‪ ,‬فيقول‪ :‬أنت من‬
‫أهل شفاعتي فلما أضبوا عليه قال رسول الله‪" :‬اللهم أني‬
‫أشهدك أن شفاعتي لمن مات من أمتي ل يشرك بالله شيئًا"‪.‬‬
‫‪ -‬ورأى سعد عن يمينه يساره جبريل وميكائيل في صورة رجلين‬
‫عليهما ثياب بيض‪.‬‬
‫‪-‬ومثله غير واحد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬روى مسلم في باب في قتال جبريل وميكائيل عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬يوم أحد‪.‬‬
‫* حدثنا أو بكر بن أبي شيبة‪ .‬حدثنا محمد بن بشر وأبو أسامة‬
‫عن مسعر‪ ،‬عن سعد بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ .‬قال‪ :‬رأيت‬
‫عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله‪ ،‬يوم‬
‫أحد‪ ،‬رجلين عليهما ثياب بياض‪ .‬ما رأيتهما قبل ول بعد‪ .‬يعني‬
‫جبريل وميكائيل عليهما السلم‪.‬‬
‫* وحدثني إسحاق بن منصور‪ .‬أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث‪.‬‬
‫حدثنا إبراهيم بن سعد‪ .‬حدثنا سعد عن أبيه‪ ،‬عن سعد بن أبي‬
‫وقاص‪ ،‬قال‪ :‬لقد رأيت يوم أحد‪ ،‬عن يمين رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وعن يساره‪ ،‬رجلين عليهما ثياب بيض‪ .‬يقاتلن عنه‬
‫كأشد القتال‪ .‬ما رأيتهما قبل ول بعد‪.‬‬
‫‪-‬وسمع بعضهم زجر الملئكة خيْلَها يوم بدر‪.‬‬
‫‪-‬وبعضهم رأى تطاير الرؤوس من الكفار‪ ،‬ول يرون الضارب‪.‬‬
‫‪-‬ورأى أبو سفيان بن الحارث يومئذ رجال ً بيضا ً على خيْل بُلق بين‬
‫السماء والرض‪ ،‬ما يقوم لها شيء‪.‬‬
‫قال البيهقي في دلئل النبوة‬
‫باب التقاء الجمعين ونزول الملئكة وما ظهر في رمي النبي‬
‫بالقبضة وإلقاء الله تعالى الرعب في قلوبهم من آثار النبوة‪:‬‬
‫* أخبرنا أبو زكريا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي‬
‫قال حدثنا أحمد بن محمد بن عبدوس الطرايفي قال حدثنا‬
‫عثمان بن سعيد الدارمي قال حدثنا عبد الله بن صالح قال‬
‫حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‬
‫في قوله عز وجل (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين) قال أقبلت‬
‫عير أهل مكة تريد الشام فبلغ أهل المدينة ذلك فخرجوا ومعهم‬
‫رسول الله يريدون العير فبلغ ذلك أهل مكة فأسرعوا السير إليها‬

‫‪505‬‬
‫لكيل يغلب عليها النبي وأصحابه فسبقت العير رسول الله وكان‬
‫الله عز وجل وعدهم إحدى الطائفتين وكانوا أن يلقوا العير أحب‬
‫إليهم وأيسر شوكة وأحضر مغنما فلما سبقت البعير وفاتت سار‬
‫رسول الله بالمسلمين يريد القوم فكره القوم مسيرهم لشوكة‬
‫القوم فنزل النبي والمسلمون وبينهم وبين الماء رملة دعصة‬
‫فأصاب المسلمين ضعف شديد وألقى الشيطان في قلوبهم‬
‫الغيظ يوسوسهم تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله وقد‬
‫غلبكم المشركون على الماء وأنتم كذا فأمطر الله عليهم مطًرا‬
‫شديدًا فشرب المسلمون وتطهروا فأذهب الله عنهم رجز‬
‫الشيطان وصار الرمل كدا ذكر كلمة أخبر أنه أصابه المطر‬
‫ومشى الناس عليه والدواب فساروا إلى القوم ومد الله تعالى‬
‫نبيه والمؤمنين بألف من الملئكة فكان جبريل عليه السلم في‬
‫خمسمائة من الملئكة مجنبة وميكائيل في خمسمائة مجنبة وجاء‬
‫إبليس في جند من الشياطين معه راية في صورة رجال من بني‬
‫مدلج والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم فقال‬
‫الشيطان للمشركين ل غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم‬
‫فلما اصطف القوم قال أبو جهل اللهم أولنا بالحق فانصره ورفع‬
‫رسول الله يده فقال‪" :‬يارب إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في‬
‫الرض أبدًا" فقال له جبريل خذ قبضة من التراب فأخذ قبضة من‬
‫تراب فرمى بها وجوههم فما من المشركين من أحد إل أصاب‬
‫عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة فولوا مدبرين وأقبل‬
‫جبريل عليه السلم إلى إبليس فلما رآه وكانت يده في يد رجل‬
‫من المشركين انتزع إبليس يده ثم ولى مدبًرا وشيعته فقال‬
‫الرجل يا سراقة ألم تزعم أنك لنا جار قال (إني أرى ما ل ترون‬
‫إني أخاف الله والله شديد العقاب) وذلك حين رأى الملئكة‪...‬‬
‫*أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني محمد بن أحمد‬
‫الصبهاني قال حدثنا الحسن بن الجهم قال حدثنا الحسين بن‬
‫الفرج قال حدثنا الواقدي قال فحدثني موسى بن يعقوب الزمعي‬
‫عن عمه قال سمعت أبا بكر ابن سليمان بن أبي حثمة قال‬
‫سمعت مروان بن الحكم يسأل حكيم بن حزام عن يوم بدر‬
‫فجعل الشيخ يكره ذلك حتى ألح عليه فقال حكيم التقينا فاقتتلنا‬
‫فسمعت صوتا وقع من السماء إلى الرض مثل وقع الحصى في‬
‫الطست وقبض النبي القبضة فرمى بها فانهزمنا‪.‬‬
‫قال الواقدي فحدثنا أبو إسحاق بن محمد عن الرحمن بن محمد‬
‫بن عبد عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال سمعت نوفل بن‬
‫معاوية الديلي يقول انهزمنا يوم بدر ونحن نسمع كوقع الحصا في‬

‫‪506‬‬
‫الطساس في أيدينا ومن خلفنا وكان ذلك من أشد الرعب‬
‫علينا‪...‬‬
‫* أخبرنا أحمد بن عبدان قال أخبرنا أحمد بن عبيد قال حدثنا زياد‬
‫بن الخليل التستري قال حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثني‬
‫عباس يعني ابن أبي سلمة عن موسى بن يعقوب عن يزيد بن‬
‫عبد الله عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن حكيم بن‬
‫حزام قال سمعنا صوتًا من السماء وقع إلى الرض كأنه صوت‬
‫حصاة في طست فرمى رسول الله تلك الحصاة يوم بدر فما‬
‫بقي منا أحد يزيد بن عبد الله هذا هو ابن وهب بن زمعة عم‬
‫موسى ابن يعقوب‪.‬‬
‫أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن‬
‫يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس عن ابن‬
‫إسحاق قال حدثنا يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال‬
‫حدثني الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن‬
‫قتادة وعبد الله بن أبي بكر وغيرهم من علمائنا فذكر الحديث‬
‫في يوم بدر إلى أن قال فكان رسول الله في العريش هو وأبو‬
‫بكر وما معهما غيرهما وقد تدانا القوم بعضهم من بعضهم فجعل‬
‫رسول الله يناشد ربه ما وعده من نصره ويقول‪" :‬اللهم إنك أن‬
‫تهلك هذه العصابة اليوم ل تعبد" وأبو بكر يقول بعض مناشدتك‬
‫لربك يا رسول الله فإن الله موفيك ما وعدك من نصره وخفق‬
‫رسول الله خفقة ثم هب فقال رسول الله‪" :‬أبشر يا أبا بكر أتاك‬
‫نصر الله هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع"‬
‫يعني الغبار ثم خرج رسول الله فعبأ أصحابه وهيأهم وقال ل‬
‫يعجلن رجل بقتال حتى نؤذنه فإذا أكثبوكم القوم يقول اقتربوا‬
‫منكم فانضحوهم عنكم بالنبل ثم تزاحم الناس فلما تدانا بعضهم‬
‫من بعض خرج رسول الله فأخذ حفنة من حصباء ثم استقبل بها‬
‫شا فنفخ بها في وجوههم وقال شاهت الوجوه يقول قبحت‬ ‫قري ً‬
‫الوجوه ثم قال رسول الله احملوا يا معشر المسلمين فحمل‬
‫المسلمون وهزم الله قريشا وقتل من قتل من أشرافهم وأسر‬
‫من أسر منهم‪...‬‬
‫* أخبرنا أبو علي الروذباري قال أخبرنا عبد الله بن عمر بن أحمد‬
‫بن شوذب الواسطي بها قال حضرت أحمد بن سنان مع أبي‬
‫وجدي في المجلس وهو يحدث وأنا أسمع قال حدثنا يزيد بن‬
‫هارون قال‪ :‬قال محمد بن إسحاق قال عبد الله بن أبي بكر قال‬
‫حدثني بعض بني ساعدة عن أبي أسيد مالك بن ربيعة وكان شهد‬
‫يوم بدر قال بعد أن ذهب بصره قال لو كنت معكم ببدر الن‬
‫ومعي بصري لريتكم الشعب الذي خرجت منه الملئكة‪...‬‬

‫‪507‬‬
‫‪-‬وقد كانت الملئكة تصافح عمران بن الحصين‪.‬‬
‫قال البيهقي في دلئل النبوة‪:‬‬
‫* أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس بن يعقوب‬
‫قال حدثنا العباس بن محمد الدوري قال حدثنا هارون بن‬
‫معروف قال حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن قتادة عن مطرف‬
‫بن عبد الله بن الشخير قال‪ :‬قال لنا عمر أن ابن حصين بعد أن‬
‫اكتوى وكان يأتيه آت ينبهه للصلة فلما اكتوى أمسك عنه فلما‬
‫سقطت عنه آثار المكاوي عاد أليه فقال لهم أعلموا أن الذي كان‬
‫يأتيني قد عاد ألي وذكر الحديث ورواه سعيد بن أبي عروبة عن‬
‫قتادة قال فيه وأعلم أنه قد سلم علي فإن عشت فأكتم علي‬
‫وإن مت فحدث أن شئت‪.‬‬
‫* أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو حامد أحمد بن علي‬
‫المقرئ قال حدثنا أبو عيسى الترمذي في التاريخ قال حدثنا عبد‬
‫الله ابن أبي زياد الكوفي قال حدثنا سيار قال حدثنا حماد بن زيد‬
‫عن ثابت عن غزالة قالت كان عمران بن حصين يأمرنا أن نكنس‬
‫الدار ونسمع السلم عليكم ول نرى أحدًا قال أبو عيسى يعني‬
‫هذا تسليم الملئكة‪.‬‬
‫‪-‬وأرى النبي صلى الله عليه وسلم لحمزة جبريل في الكعبة‪،‬‬
‫فخر مغشيا ً عليه‪.‬‬
‫قال البيهقي في دلئل النبوة‪:‬‬
‫* وفي حديث يوسف بن يعقوب القاضي عن سليمان بن حرب‬
‫عن حماد ابن سلمة عن عمار بن أبي عمار أن حمزة بن عبد‬
‫المطلب قال يا رسول الله أرني جبريل عليه السلم في صورته‬
‫فقال‪( :‬أنك ل تستطيع أن تراه) قال بلى فأرينه قال‪( :‬فاقعد)‬
‫فقعد فنزل جبريل عليه السلم على خشبة كانت في الكعبة‬
‫يلقي المشركون عليها ثيابهم إذا طافوا فقال النبي (أرفع طرفك‬
‫فأنظر) فرفع طرفه فرأى قدميه مثل الزبرجد كالزرع الخضر‬
‫فخر مغشيا عليه‪ ..‬هكذا روي هذا عن عمار بن أبي عمار وهو‬
‫مرسل‪.‬‬
‫‪-‬ورأى عبد الله بن مسعود الجن ليلة الجن‪ ،‬و سمع كلمهم‪،‬‬
‫وشبههم برجال الزط‪.‬‬
‫قلت‪:‬روى الترمذي في سننه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن بشار حدثنا بن أبي عدي عن جعفر بن ميمون‬
‫عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي عثمان عن بن مسعود قال‪:‬‬
‫صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ثم انصرف فأخذ‬
‫بيد عبد الله بن مسعود حتى خرج به إلى بطحاء مكة فأجلسه ثم‬
‫خط عليه خطا ثم قال‪ :‬ل تبرحن خطك فإنه سينتهي إليك رجال‬

‫‪508‬‬
‫فل تكلمهم فإنهم ل يكلمونك‪ ,‬قال‪ :‬ثم مضى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم حيث أراد فبينا أنا جالس في خطي إذ أتاني‬
‫رجال كأنهم الزط أشعارهم وأجسامهم ل أرى عورة ول أرى‬
‫قشرا وينتهون إلي ل يجاوزون الخط ثم يصدرون إلى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان من آخر الليل لكن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قد جاءني وأنا جالس فقال‪ :‬لقد أراني‬
‫منذ الليلة ثم دخل علي في خطي فتوسد فخذي فرقد وكان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رقد نفخ فبينا أنا قاعد‬
‫ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوسد فخذي إذا أنا برجال‬
‫عليهم ثياب بيض الله أعلم ما بهم من الجمال فانتهوا إلي فجلس‬
‫طائفة منهم عند رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائفة‬
‫منهم عند رجليه ثم قالوا بينهم‪ :‬ما رأينا عبدًا قط أوتي مثل ما‬
‫أوتي هذا النبي إن عينيه تنامان وقلبه يقظان اضربوا له مثًل مثل‬
‫سيد بنى قصًرا ثم جعل مأدبة فدعا الناس إلى طعامه وشرابه‬
‫فمن أجابه أكل من طعامه وشرب من شرابه ومن لم يجبه‬
‫عاقبه أو قال عذبه ثم ارتفعوا واستيقظ رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم عند ذلك فقال‪ :‬سمعت ما قال هؤلء وهل تدري من‬
‫هؤلء؟ قلت الله ورسوله أعلم‪ .‬قال‪ :‬هم الملئكة‪ ...‬فتدري ما‬
‫المثل الذي ضربوا؟ قلت الله ورسوله أعلم‪..‬قال‪ :‬المثل الذي‬
‫ضربوا الرحمن تبارك وتعالى بنى الجنة ودعا إليها عباده فمن‬
‫أجابه دخل الجنة ومن لم يجبه عاقبه أو عذبه‪.‬‬

‫قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه‬
‫وأبو تميمة هو الهجيمي واسمه طريف بن مجالد وأبو عثمان‬
‫النهدي اسمه عبد الرحمن بن مل وسليمان التيمي قد روى هذا‬
‫الحديث عنه معتمر وهو سليمان بن طرخان ولم يكن تيميًا وإنما‬
‫كان ينزل بني تيم فنسب إليهم قال علي قال يحيى بن سعيد ما‬
‫رأيت أخوف لله تعالى من سليمان التيمي‬
‫قال الشيخ اللباني‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫‪-‬وذكر ابن سعد أن مصعب بن عمير لما قتل يوم أحد أخذ الراية‬
‫ملك على صورته‪ ،‬فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول له‪:‬‬
‫تقدم يا مصعب فقال له الملك‪ :‬لست بمصعب‪ ،‬فعلم أنه ملك‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق‪:‬‬
‫وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ومعه لواؤه حتى قتل‪ ،‬فكان الذي أصابه ابن قميئة الليثي‪ ،‬وهو‬
‫يظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فرجع إلى قريش‬

‫‪509‬‬
‫فقال‪ :‬قد قتلت محمداً‪ ،‬فلما قتل مصعب أعطى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب اللواء‪،‬‬
‫‪-‬وقد ذكر غير واحد من المصنفين عن عمر بن الخطاب رضي‬
‫الله عنه ـ أنه قال‪ :‬بينا نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم إذ أقبل شيخ بيده عصا‪ ،‬فسلم على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فرد عليه‪ ،‬وقال صلى الله عليه وسلم‪ :‬نغمة الجن‪ .‬من‬
‫أنت؟ قال أنا هامة بن الهيم بن لقس بن إبليس‪ ،‬فذكر أنه لقي‬
‫حا ومن بعده‪ ...‬في حديث طويل‪ ،‬وأن صلى الله عليه وسلم‬ ‫نو ً‬
‫علمه سورا ً من القرآن‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرجه البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫باب ما روي في قدوم هامة بن هيم بن لقيس بن إبليس على‬
‫النبي وإسلمه‪:‬‬
‫أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن داود العلوي رحمه الله‬
‫أنبأنا أبو نصر محمد بن حمدويه بن سهل الغازي المروزي حدثنا‬
‫عبد الله بن حماد الملي حدثنا محمد بن أبي معشر أخبرني أبي‬
‫عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال‪ :‬قال عمر رضي الله عنه‪:‬‬
‫بينا نحن قعود مع النبي على جبل من جبال تهامة إذ أقبل شيخ‬
‫بيده عصا فسلم على النبي فرد عليه السلم ثم قال‪ :‬نغمة جن‬
‫وغمعمتهم من أنت? قال أنا هامة بن هيم بن لقيس بن إبليس‪,‬‬
‫قال رسول الله‪ :‬فما بينك وبين إبليس إل أبوان فكم أتى عليك‬
‫من الدهور? قال أفنيت الدنيا عمرها إل قليل ً ليالي قتل قابيل‬
‫هابيل كنت غلما ً ابن أعوام أفهم الكلم وأمر بالكام وآمر بفساد‬
‫الطعام وقطيعة الرحام فقال رسول الله (بئس عمل الشيخ‬
‫المقوسم والشاب المتلوم) قال ذرني من الترداد أني تايب إلى‬
‫الله عز وجل إني كنت مع نوح في مسجده مع من آمن به من‬
‫قومه فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى وأبكاني‬
‫وقال ل جرم أني على ذلك من النادمين وأعوذ بالله أن أكون من‬
‫الجاهلين قال قلت يا نوح إني ممن اشترك في دم السعيد‬
‫الشهيد هابيل بن آدم فهل تجد لي عند ربك توبة ? قال يا هام هم‬
‫بالخير وأفعله قبل الحسرة والندامة إني قرأت فيما أنزل الله عز‬
‫وجل إنه ليس من عبد تاب إلى الله عز وجل بالغ أمره ما بلغ إل‬
‫تاب الله عليه قم فتوضأ وأسجد لله سجدتين قال ففعلت من‬
‫ساعتي ما أمرني به فناداني أرفع رأسك فقد نزلت توبتك من‬
‫السماء قال فخررت لله ساجدا ً جزلً‪...‬وكنت مع هود في‬
‫مسجده مع من آمن من قومه فلم أزل أعاتبه على دعوته على‬
‫قومه حتى بكى عليهم وأبكاني فقال ل جرم أني أنا على ذلك من‬
‫النادمين وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين‪ ...‬وكنت مع صالح في‬

‫‪510‬‬
‫مسجده مع من آمن به من قومه فلم أزل أعاتبه على دعوته‬
‫على قومه حتى بكى عليهم وأبكاني فقال أنا على ذلك من‬
‫النادمين وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين‪ ...‬وكنت زوار‬
‫يعقوب‪...‬وكنت مع يوسف بالمكان المين وكنت ألقي إلياس في‬
‫الدوية وأنا ألقاه الن‪ ...‬وإني لقيت موسى بن عمران فعلمني‬
‫من التوراة‪ ...‬وقال إن لقيت عيسى يعني ابن مريم فأقرئه عن‬
‫موسى السلم وأن عيسى قال‪ :‬إن لقيت محمدا ً فأقرئه مني‬
‫السلم قال فأرسل رسول الله عينيه فبكى ثم قال‪ :‬وعلى‬
‫عيسى السلم ما دامت الدنيا وعليك السلم يا هام بأدائك‬
‫المانة‪ .‬قال يا رسول الله أفعل بي ما فعل موسى إنه علمني‬
‫من التوراة فعلمه رسول الله إذا وقعت الواقعة والمرسلت و‬
‫(عم يتساءلون) و (إذا الشمس كورت) والمعوذتين و (قل هو‬
‫الله أحد) وقال أرفع إلينا حاجتك يا هامة ول تدع زيارتنا قال فقال‬
‫عمر فقبض رسول الله ولم ينعه إلينا فلسنا ندري أحي أم ميت‪.‬‬
‫قلت أبو معشر المدني قد روى عنه الكبار إل أن أهل العلم‬
‫بالحديث يضعفونه‬
‫وقد روي هذا الحديث من وجه آخر أقوى منه والله أعلم‪.‬‬
‫‪-‬وذكر الواقدي قتل خالد عند هدمه العزى للسوداء التي خرجت‬
‫له ناشرة شعرها عريانة‪ ،‬فجَّز لها بسيفه وأعلم النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فقال له‪ :‬تلك العزى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬روى البيهقي في دلئل النبوة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫باب ما جاء في بعثة خالد بن الوليد إلى نخلة كانت بها العزى وما‬
‫ظهر في ذلك من الثار‪:‬‬
‫أخبرنا محمد بن أبي بكر الفقيه قال أخبرنا محمد بن أبي جعفر‬
‫قال أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال حدثنا أبو كريب قال‬
‫حدثنا محمد ابن فضيل قال حدثنا الوليد بن جميع عن أبي‬
‫الطفيل قال لما فتح رسول الله مكة بعث خالد بن الوليد إلى‬
‫نخلة وكانت بها العزى فأتاها خالد ابن الوليد وكانت على ثلث‬
‫سمرات فقطع السمرات وهدم البيت الذي كان عليها ثم أتى‬
‫النبي فأخبره فقال‪ :‬ارجع فإنك لم تصنع شيئا ً فرجع خالد فلما‬
‫نظرت إليه السدنة وهم حجابها امعنوا في الجبل وهم يقولون يا‬
‫عزى خبلية يا عزى عورية وإل فموتي برغم قال فأتاها خالد فإذا‬
‫امرأة عريانة ناشرة شعرها تحثو التراب على رأسها فعممها‬
‫بالسيف حتى قتلها ثم رجع إلى النبي فأخبره فقال تلك العزى‪.‬‬
‫‪ -‬وقال صلى الله عليه وسلم‪ :‬إن شيطانا ً تفلت البارحة ليقطع‬
‫علي صلتي‪ ،‬فأمكنني الله منه‪ ،‬فأخذته فأردت أن أربطه إلى‬
‫سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم‪ ،‬فذكرت‬

‫‪511‬‬
‫َ‬
‫ملْكا ً ّل يَنبَغِي‬
‫ب لِي ُ‬ ‫ب اغ ْ ِ‬
‫فْر لِي وَهَ ْ‬ ‫ل َر ِّ‬ ‫دعوة أخي سليمان‪ (:‬قَا َ‬
‫ِل َحد من بعدي إن َ َ َ‬
‫ب) (صـ‪ .) 35 :‬فرده الله خاسئاً‪.‬‬ ‫ت الْوَهَّا ُ‬‫ك أن َ‬ ‫َ ٍ ِّ ْ َ ْ ِ ِ ّ‬
‫قلت‪ :‬رواه البخاري في كتاب التفسير باب‪ :‬قول الله تعالى‪:‬‬
‫{ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب} ‪/‬ص‪ ./30 :‬الراجع‬
‫المنيب‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا محمد بن بشار‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر‪ :‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن‬
‫محمد بن زياد‪ ،‬عن أبي هريرة رضي الله عنه‪ ،‬عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪( :‬إن عفريتا من الجن تفلت البارحة ليقطع علي‬
‫صلتي‪ ،‬فأمكنني الله منه فأخذته‪ ،‬فأردت أن أربطه على سارية‬
‫من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم‪ ،‬فذكرت دعوة أخي‬
‫سليمان‪{ :‬رب اغفر لي وهب لي ملكا ل ينبغي لحد من بعدي}‪.‬‬
‫فرددته خاسئا)‪.‬‬
‫{عفريت} متمرد من إنس أو جان‪ ،‬مثل زبنية جماعتها الزبانية‪.‬‬
‫وفي باب‪ :‬قوله‪{ :‬هب لي ملكا ل ينبغي لحد من بعدي إنك أنت‬
‫الوهاب} ‪./35/‬‬
‫‪ -‬حدثنا إسحاق بن إبراهيم‪ :‬حدثنا روح ومحمد بن جعفر‪ ،‬عن‬
‫شعبة‪ ،‬عن محمد بن زياد‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪:‬‬
‫(إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة‪ ،‬أو كلمة نحوها‪ ،‬ليقطع‬
‫علي الصلة‪ ،‬فأمكنني الله منه‪ ،‬وأردت أن أربطه إلى سارية من‬
‫سواري المسجد‪ ،‬حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم‪ ،‬فذكرت قول‬
‫أخي سليمان‪{ :‬رب اغفر لي ملكا ل ينبغي لحد من بعدي})‪.‬‬
‫قال روح‪ :‬فرده خاسئًا‪.‬‬
‫وفي كتاب أبواب المساجد‪ .‬باب‪ :‬السير أو الغريم يربط في‬
‫المسجد‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا إسحق بن إبراهيم قال‪ :‬أخبرنا روح ومحمد بن جعفر‪،‬‬
‫عن شعبة‪ ،‬عن محمد بن زياد‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ :‬قال‪( :‬إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة ‪-‬‬
‫أو كلمة نحوها ‪ -‬ليقطع علي الصلة‪ ،‬فأمكنني الله منه‪ ،‬فأردت‬
‫أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد‪ ،‬حتى تصبحوا وتنظروا‬
‫إليه كلكم‪ ،‬فذكرت قول أخي سليمان‪{ :‬رب اغفر لي وهب لي‬
‫ملكا ل ينبغي لحد من بعدي})‪ .‬قال روح‪ :‬فرده خاسئًا‪.‬‬
‫وفي كتاب بدء الخلق باب‪ :‬صفة إبليس وجنوده‪ .‬حدثنا محمود‪:‬‬
‫حدثنا شبابة‪ :‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن محمد بن زياد‪ ،‬عن أبي هريرة‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬أنه صلى صلة‪،‬‬
‫فقال‪( :‬إن الشيطان عرض لي‪ ،‬فشد علي‪ ،‬يقطع الصلة علي‪،‬‬
‫فأمكنني الله منه)‪ .‬فذكره‪.‬‬

‫‪512‬‬
‫ورواه مسلم في كتاب كتاب المساجد ومواضع الصلة‪ ،‬باب‬
‫جواز لعن الشيطان في أثناء الصلة‪ ،‬والتعوذ منه‪ ،‬وجواز العمل‬
‫القليل في الصلة‪:‬‬
‫حدثنا إسحاق بن إبراهيم وإسحاق بن منصور‪ .‬قال‪ :‬أخبرنا‬
‫النضر بن شميل‪ .‬أخبرنا شعبة‪ .‬حدثنا محمد (وهو ابن زياد) قال‪:‬‬
‫سمعت أبا هريرة يقول‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫"إن عفريتا من الجن جعل يفتك علي البارحة‪ .‬ليقطع علي‬
‫ه‪ .‬فلقد هممت أن أربطه إلى‬ ‫الصلة‪ .‬وإن الله أمكنني منه فذَع َت ُّ ُ‬
‫جنب سارية من سواري المسجد‪ .‬حتى تصبحوا تنظرون إليه‪.‬‬
‫أجمعون (أو كلكم) ثم ذكرت قول أخي سليمان‪( :‬رب اغفر لي‬
‫وهب لي مالكا ل ينبغي لحد من بعدي)‪ .‬فرده الله خاسئًا"‪.‬‬
‫وقال ابن منصور‪ :‬شعبة عن محمد بن زياد‪.‬‬
‫حدثنا محمد بن بشار‪ .‬حدثنا محمد (هو ابن جعفر) ح قال‬
‫وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة‪ .‬حدثنا شبابة‪ .‬كلهما عن شعبة‪ ،‬في‬
‫هذا السناد‪ .‬وليس في حديث ابن جعفر قوله‪ :‬فذعته‪ .‬وأما ابن‬
‫أبي شيبة فقال في روايته‪ :‬فذعته [ما الفرق؟؟ مراجعة الكتاب‪:‬‬
‫لعله بالدال؟؟]‪.‬‬
‫حدثنا محمد بن سلمة المرادي‪ .‬حدثنا عبد الله بن وهب عن‬
‫معاوية بن صالح‪ .‬يقول‪ :‬حدثني ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس‬
‫الخولني‪ ،‬عن أبي الدرداء؛ قال‪ :‬قام رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فسمعناه يقول "أعوذ بالله منك" ثم قال‪" :‬ألعنك بلعنة‬
‫الله" ثلثًا‪ .‬وبسط يده كأنه يتناول شيئًا‪ .‬فلما فرغ من الصلة‬
‫قلنا‪ :‬يا رسول الله! قد سمعناك تقول في الصلة شيئًا لم‬
‫نسمعك تقوله قبل ذلك‪ .‬ورأيناك بسطت يدك‪ .‬قال‪" :‬إن عدو‬
‫الله‪ ،‬إبليس‪ ،‬جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي‪ .‬فقلت‪ :‬أعوذ‬
‫بالله منك‪ .‬ثلث مرات‪ .‬ثم قلت‪ :‬ألعنك بلعنة الله التامة‪ .‬فلم‬
‫يستأخر‪ .‬ثلث مرات‪ .‬ثم أردت أخذه‪ .‬والله! لول دعوة أخينا‬
‫سليمان لصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة"‪...‬‬
‫وهذا باب واسع‪.‬‬
‫الفصل السابع والعشرون‪:‬‬
‫من دلئل نبوته وعلمات رسالته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -‬ومن دلئل نبوته وعلمات رسالته ما ترادفت به الخبار عن‬
‫الرهبان والحبار وعلماء أهل الكتاب‪ ،‬من صفته وصفة أمته‪،‬‬
‫واسمه وعلماته‪ ،‬وذكر الخاتم الذي بين كتفيه‪ ،‬وما وجد من ذلك‬
‫في أشعار الموحدين المتقدمين‪ ،‬من شعر تبع‪ ،‬والوس بن‬
‫الحارثة‪ ،‬وكعب ابن لؤي‪ ،‬وسفيان بن مجاشع‪ ،‬وقس بن ساعدة‪.‬‬

‫‪513‬‬
‫وما ذكر عن سيف بن ذي يزن وغيرهم‪ ،‬وعرف به من أمره زيد‬
‫بن عمرو بن نفيل‪ ،‬وورقة بن نوفل‪ ،‬وعثكلن الحميري‪ ،‬وعلماء‬
‫يهود‪ ،‬وشامول عالمهم صاحب تبع ـ من صفته وخبره‪.‬‬
‫ما أُلفي من ذلك في التوراة والنجيل مما قد جمعه العلماء‬
‫وبينوه‪ ،‬ونقله عنهما ثقاه من أسلم منهم‪ ،‬مثل ابن سلم‪ ،‬وابني‬
‫سعية‪ ،‬وابن يامين‪ ،‬ومخيريق‪ ،‬وكعب‪ ،‬وأشباههم ممن أسلم من‬
‫علماء يهود‪ ،‬وبحيرا‪ ،‬ونصطور الحبشة‪ ،‬وصاحب بصرى‪ ،‬وضغاطر‪،‬‬
‫وأسقف الشام‪ ،‬والجارود‪ ،‬وسلمان‪ ،‬والنجاشي‪ ،‬ونصارى الحبشة‪،‬‬
‫وأساقف نجران‪ ،‬وغيرهم ممن أسلم من علماء النصارى‪.‬وقد‬
‫اعترف بذلك هرقل‪ ،‬وصاحب رومة عالما النصارى‪ ،‬ورئيساهم‪،‬‬
‫ومقوقس صاحب مصر‪ ،‬والشيخ صاحبه‪ ،‬وابن صوريا‪ ،‬وابن‬
‫أخطب‪ ،‬وأخوه‪ ،‬وكعب بن أسد‪ ،‬والزبير بن باطيا‪ ،‬وغيرهم من‬
‫علماء اليهود‪ ،‬ممن حمله الحسد والنفاسة على البقاء على‬
‫الشقاء‪.‬‬
‫والخبار في هذا كثيرة ل تنحصر‪ .‬وقد قرع أسماع اليهود‬
‫والنصارى بما ذكر أنه في كتبهم من صفته وصفة أصحابه‪ ،‬واحتج‬
‫عليهم بما انطوت عليه من ذلك صحفهم‪ ،‬وذمهم بتحريف ذلك‬
‫وكتمانه‪ ،‬وليهم ألسنتهم ببيان أمره‪ ،‬ودعوتهم إلى المباهلة على‬
‫الكاذب‪ ،‬فما منهم إل من نفر عن معارضته‪ ،‬وإبداء ما ألزمهم من‬
‫كتبهم إظهاره‪ .‬ولو وجدوا خلف قوله لكان إظهاره أهون عليهم‬
‫من بذل النفوس والموال وتخريب الديار ونبذ القتال‪ ،‬وقد قال‬
‫لهم‪(:‬قُ ْ ْ‬
‫ن) (آل عمران‪:‬‬ ‫صادِقِي َ‬ ‫ل فَأتُوا ْ بِالتَّوَْراةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنت ُ ْ‬
‫م َ‬
‫‪) 93‬إلى ما أنذر به الكهان‪ ،‬مثل شافع بن كليب‪ ،‬وشق‪ ،‬وسطيح‪،‬‬
‫وسراد بن قارب‪ ،‬وخنافر‪ ،‬وأفعى بحران وجذل بن جذل الكندي‪،‬‬
‫وابن خلصة الدوسي‪ ،‬وسعدى بنت كريز‪ ،‬وفاطمة بنت النعمان‪،‬‬
‫ومن ل ينعد كثرة‪ .‬إلى ما ظهر على ألسنة الصنام من نبوته‪،‬‬
‫وحلول وقت رسالته‪ ،‬وسمع من هواتف الجان‪ ،‬ومن ذبائح‬
‫النصب‪ ،‬وأجواف الصور‪ ،‬وما وجد من اسم النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم والشهادة له بالرسالة مكتوبا ً في الحجارة والقبور بالخط‬
‫القديم ما أكثره مشهور‪ ،‬وإسلم من أسلم بسبب ذلك معلوم‬
‫مذكور‪.‬‬
‫الفصل الثامن والعشرون‪:‬‬
‫فيما ظهر من اليات عند مولده صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪-‬ومن ذلك ما ظهر من اليات عند مولده‪ ،‬وما حكته أمه ومن‬
‫حضره من العجائب‪ ،‬وكونه رافعا ً رأسه عندما وضعته شاخصاً‬
‫ببصره إلى السماء‪ ،‬وما رأته من النور الذي خرج معه ولدته‪ ،‬وما‬
‫رأته إذ ذاك أم عثمان بن أبي العاص من تدلي النجوم‪ ،‬وظهور‬

‫‪514‬‬
‫النور عند ولدته‪ ،‬حتى ما تنظر إل النور‪ .‬وقول الشفاء أم عبد‬
‫الرحمن بن عوف‪ :‬لما سقط فـيـمـا ظـهـر مـن اليـات عند‬
‫مولده صلى الله عليه وسلم على يدي واستهل سمعت قائلً‬
‫يقول‪ :‬حمك الله‪ ،‬وأضاء لي ما بين المشرق والمغرب حتى‬
‫نظرت إلى قصور الروم‪.‬‬
‫ضئراه من بركته‪ ،‬ودرور لبنها له‪،‬‬ ‫‪-‬وما تعرفت به حليمة وزوجها ِ‬
‫ولبن شارفها وخصب غنمه‪ ،‬و سرعة شبابه وحسن نشأته‪ .‬وما‬
‫جرى من العجائب ليلة مولده‪ ،‬من ارتجاج إيوان كسرى‪ ،‬وسقوط‬
‫شرفاته‪ ،‬وغيض بحيرة طبرية‪ ،‬وخمود نار فارس‪ ،‬وكان لها ألف‬
‫عام لم تخمد‪ .‬وأنه كان إذا أكل مع عمه أبي طالب وآله وهو‬
‫صغير شبِعوا و َروَوْا‪ ،‬فإذا غاب فأكلوا في غيبته لم يشبعوا‪.‬‬
‫‪-‬وكان سائر ولد أبي طالب يصبحون شعثا ً و يصبح فيما ظهر من‬
‫اليات عند مولده صلى الله عليه وسلم قيل ً هينا ً كحيلً‪.‬‬
‫‪-‬قالت أم أيمن حاضنته‪ :‬ما رأيته فيما ظهر من اليات عند‬
‫ط ول عطشا ً صغيراً‬ ‫مولده صلى الله عليه وسلم شكا جوعا ً ق ّ‬
‫ول كبيراً‪.‬‬
‫‪-‬ومن ذلك حراسة السماء بالشهب‪ ،‬وقطع رصد الشياطين‪،‬‬
‫ومنعهم استراق السمع‪.‬‬
‫‪-‬وما نشأ عليه من بُغض الصنام‪ ،‬والعفة عن أمور الجاهلية‪ ،‬وما‬
‫خصه الله به من ذلك وحماه حتى في ستره في الخبر المشهور‬
‫عند بناء الكعبة‪ ،‬إذ أخذ إزاره ليجعله على عاتقه‪ ،‬ليحمل عليه‬
‫الحجارة وتعرى‪ ،‬فسقط إلى الرض حتى رد إزاره عليه‪.‬‬
‫فقال له عمه‪ :‬ما بالك؟ فقال‪ :‬إني قد نهيت عن التعري‪.‬‬
‫‪-‬ومن ذلك إظلل الله له بالغمام في سفره‪.‬‬
‫‪-‬وفي رواية أن خديجة ونساءها رأينه لما قدم‪ ،‬وما كان يظلنه‪،‬‬
‫فذكرت ذلك لميسرة‪ ،‬فأخبرها أنه رأى ذلك منذ خرج معه في‬
‫سفره‪.‬‬
‫‪-‬وقد روي أن حليمة رأت غمامة تظله‪ ،‬وهو عندها‪.‬‬
‫‪-‬وروي ذلك عن أخيه من الرضاعة‪.‬‬
‫‪-‬ومن ذلك أنه نزل في بعض أسفاره قبل مبعثه تحت شجرة‬
‫يابسة‪ ،‬فاعشوشب ما حولها وأينعت هي فأشرقت وتدلت عليه‬
‫أغضانها بمحضر من رآه‪.‬‬
‫‪-‬وميْل فيء الشجرة إليه في الخبر الخر حتى أظلته‪.‬‬
‫‪-‬وما ذكر من أنه كان ل ظل لشخصيته في شمس ول قمر‪ ،‬لنه‬
‫كان نوراً‪.‬‬
‫وأن الذباب كان ل يقع على جسده ول ثيابه‪.‬‬

‫‪515‬‬
‫ومن ذلك تحبيب الخلوة إليه حتى أوحي إليه‪ ،‬ثم إعلمه بموته‬
‫ودنو أجله‪ ،‬وأن قبره في المدينة وفي بيته‪ ،‬وأن بين بيته ومنبره‬
‫روضة من رياض الجنة‪ ،‬وتخيير الله له عند موته‪ ،‬وما اشتمل‬
‫عليه حديث الوفاة من كراماته‪ ،‬تشريفه‪ ،‬وصلة الملئكة على‬
‫جسده على ما رويناه في بعضها‪ .‬و استئذان ملك الموت عليه‪ ،‬و‬
‫لم يستأذن على غيره قبله‪ .‬و نداؤهم الذي سمعوه أل ينزعوا‬
‫القميص عنه عند غسله‪ .‬وما روي من تعزية الخضر والملئكة‬
‫أهل بيته عند موته‪ .‬إلى ما ظهر على أصحابه من كرامته وبركته‬
‫في حياته وموته‪ ،‬كاستسقاء عمر بعمه‪ ،‬وتبرك غير واحد بذريته‪.‬‬
‫‪------------------------‬‬
‫‪ .31‬القول القوم في معجزات النبي الكرم(الخـاتمة)‬
‫معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم أظهر من سائر معجزات‬
‫الرسل عليهم السلم‪:‬‬
‫* قال القاضي أبو الفضل‪ :‬قد أتينا في هذا الباب على نكت من‬
‫معجزاته واضحة‪ ،‬وجمل من علمات نبوته مقنعة‪ ،‬في واحد منها‬
‫الكفاية والغنية‪ ،‬وتركنا الكثير سوى ما ذكرنا‪ ،‬واقتصرنا من‬
‫الحاديث الطوال على عين الغرض وفص المقصد‪ ،‬ومن كثير‬
‫الحاديث وغريبها على ما صح واشتهر إل يسيرا ً من غريبه مما‬
‫ذكره مشاهير الئمة‪ ،‬وحذفنا السناد في جمهورها‪ ،‬طلباً‬
‫للختصار‪ .‬وبحسب هذا الباب لو تقصي أن يكون ديوانا ً جامعاً‬
‫يشتمل على مجلدات عدة‪ .‬ومعجزات نبينا صلى الله عليه وسلم‬
‫أظهر من سائر معجزات الرسل بوجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬كثرتها‪ ،‬وأنه لم يؤت نبي معجزة ً إل وعند نبينا مثلها‪ ،‬أو‬
‫ما هو أبلغ منها‪ .‬وقد نبه الناس على ذلك‪ ،‬فإن أردته فتأمل‬
‫فصول هذا الباب‪ ،‬ومعجزات من تقدم من النبياء ـ تقف على‬
‫ذلك إن شاء الله تعالى‪ .‬وأما كونها كثيرة فهذا القرآن‪ ،‬وكله‬
‫معجز‪ ،‬وأقل ما يقع العجاز فيه عند بعض أئمة المحققين سورة‪:‬‬
‫ك الْكَوْثََر)‪ ،‬أو آية في قدرها‪.‬‬ ‫(إِنَّا أَع ْطَيْنَا َ‬
‫وذهب بعضهم إلى أن كل آية منه كيف كانت معجزة‪ .‬وزاد‬
‫آخرون أن كل جملة منتظمة منه معجزة‪ ،‬وإن كانت من كلمة أو‬
‫كلمتين‪.‬والحق ما ذكرناه أولً‪ ،‬لقوله تعالى‪( :‬قُ ْ ْ‬
‫سوَرةٍ‬ ‫ل فَأتُوا ْ ب ِ ُ‬
‫مثْلِهِ)‪( ،‬يونس‪ )38 :‬فهو أقل ما تحداهم به‪ ،‬مع ما ينصر هذا من‬ ‫ِّ‬
‫نظر وتحقيق يطول بسطه‪ .‬وإذا كان هذا ففي القرآن من‬
‫الكلمات نحو من سبعة وسبعين ألف كلمة ونيف على عدد‬
‫حْر *‬
‫ك وَان ْ َ‬‫ل لَِرب ِّ َ‬‫ص ِّ‬ ‫بعضهم‪ ،‬وعدد كلمات‪( :‬إِنَّا أَع ْطَيْنَا َ‬
‫ك الْكَوْثََر * فَ َ‬
‫ك هُوَ اْلَبْتَُر *) عشر كلمات‪ ،‬فتجزؤ القرآن على نسبة‬ ‫شانِئ َ َ‬
‫ن َ‬ ‫إ ِ َّ‬
‫ك الْكَوْثََر) أزيد من سبعة آلف جزء‪ ،‬كل واحد‬ ‫َ‬
‫عدد (إِنَّا أع ْطَيْنَا َ‬

‫‪516‬‬
‫منها معجز في نفسه‪ .‬ثم إعجازه ـ كما تقدم ـ بوجهين‪ :‬طريق‬
‫بلغته‪ ،‬وطريق نظمه‪ ،‬فصار في كل جزء من هذا العدد‬
‫معجزتان‪ ،‬فتضاعف العدد من هذا الوجه‪ .‬ثم فيه وجوه إعجاز‬
‫أخر من الخبار بعلوم الغيب‪ ،‬فقد يكون في السورة الواحدة من‬
‫هذه التجزئة الخبر عن أشياء من الغيب‪ ،‬كل خبر منها بنفسه‬
‫معجز‪ ،‬فتضاعف العدد كرة أخرى‪ .‬ثم وجوه العجاز الخر التي‬
‫ذكرناها توجب التضعيف‪ ،‬هذا في حق القرآن‪ ،‬فل يكاد يأخذ العد‬
‫معجزاته‪ ،‬ول يحوي الحصر براهينه‪.‬‬
‫ثم الحاديث الواردة‪ ،‬والخبار الصادرة عنه صلى الله عليه‬
‫وسلم في هذه البواب وعما دل على أمره مما أشرنا إلى جمله‬
‫يبلغ نحوا ً من هذا‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬وضوح معجزاته صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فإن‬
‫معجزات الرسل كانت بقدر همم أهل زمانهم‪ ،‬وبحسب الفن‬
‫الذي سما فيه قرنه‪.‬فلما كان موسى غاية علم أهله السحر بعث‬
‫إليهم موسى بمعجزة تُشبه ما يدعون قدرتهم عليه‪ ،‬فجاءهم منها‬
‫ما خرق عادتهم‪ ،‬ولم يكن في قدرتهم‪ ،‬وأبطل سحرهم‪ .‬وكذلك‬
‫زمن عيسى أغنى ما كان الطب‪ ،‬وأوفر ما كان أهله‪ ،‬فجاءهم‬
‫أمر ل يقدرون عليه‪ ،‬وأتاهم ما لم يحتسبوه من إحياء الميت‪،‬‬
‫وإبراء الكمه والبرص دون معالجة ول طب‪ .‬وهكذا سائر‬
‫معجزات النبياء‪.‬‬
‫ثم إن الله تعالى بعث محمدا ً صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وجملة‬
‫معارف العرب وعلومها أربعة‪ :‬البلغة‪ ،‬والشعر‪ ،‬والخبر‪ ،‬والكهانة‪،‬‬
‫فأنزل عليه القرآن الخارق لهذه الربعة فصول من الفصاحة‪،‬‬
‫واليجاز‪ ،‬والبلغة الخارجة عن نمط كلمهم‪ ،‬ومن النظم الغريب‪،‬‬
‫والسلوب العجيب الذي لم يهتدوا في المنظوم إلى طريقه‪ ،‬ل‬
‫علموا في أساليب الوزان منهجه‪ ،‬ومن الخبار عن الكوائن‬
‫والحوادث والسرار والمخبآت والضمائر‪ ،‬فتوجد على ما كانت‪،‬‬
‫ويعترف المخبر عنها بصحة ذلك وصدقه‪ ،‬وإن كان أ'عدى العدو‪.‬‬
‫فأبطل الكهانة التي تصدق مرة ً وتكذيب عشراً‪ ،‬ثم اجتثها من‬
‫أصلها برجم الشهب‪ ،‬ورصد النجوم‪ .‬وجاء من الخبار عن القرون‬
‫السالفة‪ ،‬وأنباء النبياء‪ ،‬والمم البائدة‪ ،‬والحوادث الماضية ـ ما‬
‫يعجز من تفرغ لهذا العلم عن بعضه على الوجوه التي بسطناها‬
‫و بينا المعجز فيها‪ .‬ثم بقيت هذه المعجزة الجامعة لهذه الوجوه‬
‫ة إلى‬‫إلى الفصول الخر التي ذكرناها في معجزات القرآن ثابت ً‬
‫يوم القيامة بينة الحجة لكل أمة تأتي‪ ،‬ل يخفى وجوه ذلك على‬
‫من نظر فيه‪ ،‬وتأمل وجوه إعجازه‪.‬‬

‫‪517‬‬
‫إلى ما أخبر به من الغيوب على هذه السبيل‪ ،‬فل يمر عصر ول‬
‫زمن إل يظهر فيه صدقه بظهور مخبره على ما أخبر‪ ،‬فيتجدد‬
‫اليمان‪ ،‬ويتظاهر البرهان‪ ،‬وليس الخبر كالعيان كما قيل‪.‬‬
‫وللمشاهدة زيادة في اليقين‪ ،‬والنفس أشد طمأنينة إلى عين‬
‫اليقين منها إلى علم اليقين‪ ،‬وإن كان كل عندها حقاً‪.‬‬
‫وسائر معجزات الرسل انقرضت بانقراضهم‪ ،‬وع ُدمت بعدم‬
‫ذواتها‪ ،‬ومعجزة نبينا صلى الله عليه وسلم ل تبيد ول تنقطع‪،‬‬
‫وآياته تتجدد ول تضمحل‪ ،‬ولهذا أشار صلى الله عليه وسلم‬
‫بقوله فيما حدثنا القاضي الشهيد أبو علي‪ ،‬حدثنا القاضي أبو‬
‫الوليد‪ ،‬حدثنا أبو ذر‪ ،‬حدثنا أبو محمد‪ ،‬وأبو إسحاق‪ ،‬وأبو الهيثم‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬حدثنا الفربري‪ ،‬حدثنا عبد العزيز بن عبد الله‪ ،‬حدثنا الليث‪،‬‬
‫عن سعيد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي هريرة رضي الله عنه‪ ،‬عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬ما من النبياء نبي إل أعطي من‬
‫اليات ما مثله آمن عليه البشر‪ ،‬وإنما كان الذي أوتيت وحياً‬
‫أوحاه الله إلي‪ ،‬فأرجو أني أكثرهم تابعا ً يوم القيامة"‪ .‬هذا معنى‬
‫الحديث عن بعضهم‪ ،‬وهو الظاهر والصحيح إن شاء الله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن‪ ،‬باب‪ :‬كيف نزول‬
‫الوحي‪ ،‬وأول ما نزل‪.‬‬
‫‪ -‬حدثنا عبد الله ين يوسف‪ :‬حدثنا الليث‪ :‬حدثنا سعيد المقبري‪،‬‬
‫عن أبيه‪،‬عن أبي هريرة قال‪ :‬قال النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫(ما من النبياء نبي إل أعطي ما مثله آمن عليه البشر‪ ،‬وإنما كان‬
‫الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي‪ ،‬فأرجو أن أكون أكثرهم تاب ًعا يوم‬
‫القيامة)‪.‬‬
‫ت‬‫كتاب العتصام‪ ،‬باب‪ :‬قول النبي صلى الله عليه وسلم‪( :‬بُعِث ُ‬
‫بجوامع الكلم)‪ - .‬حدثنا عبد العزيز بن عبد الله‪ :‬حدثنا الليث‪ ،‬عن‬
‫سعيد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪( :‬ما من النبياء نب ٌ َ‬
‫ي من اليات ما مثله أومن‪ ،‬أو‬ ‫ي إل ّ أعط ِ َ‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫آمن‪ ،‬عليه البشر‪ ،‬وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إل َّ‬
‫ي‪،‬‬
‫فأرجو أنِّي أكثرهم تابعا ً يوم القيامة)‪.‬‬
‫وأخرجه مسلم في كتاب اليمان‪ ،‬باب وجوب اليمان برسالة نبينا‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ونسخ الملل حدثنا‬
‫قتيبة بن سعيد‪ .‬حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬ما من‬
‫النبياء من نبي إل قد أعطي من اليات ما مثله آمن عليه البشر‪.‬‬
‫وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحى الله إلي‪ .‬فأرجو أن أكون‬
‫أكثرهم تابعا يوم القيامة"‪.‬‬

‫‪518‬‬
‫وذهب غير واحد من العلماء في تأويل هذا الحديث وظهور‬
‫معجزة نبينا صلى الله عليه وسلم إلى معنى آخر من ظهورها‬
‫بكونها وحيا ً وكلما ً ل يمكن التخييل فيه‪ ،‬ول التحيل عليه‪ ،‬ول‬
‫التشيبه‪ ،‬فإن غيرها من معجزات الرسل قد رام المعاندون لها‬
‫بأشياء طمعوا في التخييل بها على الضعفاء كإلقاء السحرة‬
‫شبه هذا مما يخيله الساحر‪ ،‬أو يتحيل فيه‪.‬‬ ‫حبالهم وعصيهم و ِ‬
‫والقرآن كلم ليس للحيلة ول للسحر‪ ،‬ول التخييل فيه عمل‪،‬‬
‫فكان من هذا الوجه عندهم أظهر من غيره من المعجزات‪ ،‬كما ل‬
‫يتم لشاعر ول لخطيب أن يكون شاعرا ً أو خطيبا ً بضرب من‬
‫الحيل والتمويه‪.‬‬
‫والتأويل الول أخلص وأرضى‪ .‬وفي هذا التأويل الثاني ما يغمض‬
‫صرفة‪،‬‬ ‫عليه الجفن‪ ،‬ويغضى‪ .‬ووجه ثالث على مذهب من قال بال َّ‬
‫وأن المعارضة كانت في مقدور البشر‪ ،‬فصرفوا عنها‪ ،‬أو على‬
‫أحد مذهبي أهل السنة من أن التيان بمثله من جنس مقدورهم‪،‬‬
‫ولكن لم يكن ذلك قبل‪ ،‬ول يكون بعد‪ ،‬لن الله تعالى لم يقدرهم‪،‬‬
‫ول يقدرهم عليه‪ .‬وبين المذهبين فرق بين‪ ،‬وعليهما جميعاً‪،‬‬
‫ك العرب التيان بما في مقدورهم‪ ،‬أو ما هو من جنس‬ ‫فتَتْر ُ‬
‫مقدورهم‪ ،‬ورضاهم بالبلء والجلء‪ ،‬والسباء والذلل‪ ،‬وتغيير‬
‫والتقريع والتوبيخ‪ ،‬والتعجيز‬ ‫الحال‪ ،‬وسلب النفوس والموال‪،‬‬
‫والتهديد والوعيد أبين آية للعجز عن التيان بمثله‪ ،‬والنكول عن‬
‫معارضته وأنهم منعوا عن شيء هو من جنس مقدورهم‪ .‬وإلى‬
‫هذا ذهب المام أبو المعالي الجويني وغيره‪ ،‬قال‪ :‬وهذا عندنا أبلغ‬
‫ة‬
‫في خرق العادة بالفعال البديعة في أنفسها‪ ،‬كقلب العصا حي ً‬
‫ونحوها‪ ،‬فإنه قد يسبق إلى بال الناظر بدارا ً أن ذلك من‬
‫اختصاص صاحب ذلك بمزية معرفة في ذلك الفن‪ ،‬وفضل علم‬
‫إلى أن يرد ذلك صحيح النظر‪.‬وأما التحدي للخلئق مئين من‬
‫السنين بكلم من جنس كلمهم ليأتوا بمثله فلم يأتوا‪ ،‬فلم يبق‬
‫بعد توفر الدواعي على المعارضة ثم عدمها إل منع الله الخلق‬
‫عنها بمثابة ما لو قال نبي‪ :‬آيتي أن يمنع الله القيام عن الناس‬
‫مع مقدرتهم عليه‪ ،‬وارتفاع الزمانة عنهم‪ ،‬فكان ذلك‪ ،‬وعجزهم‬
‫الله تعالى عن القيام ـ لكان ذلك من أبهر آية‪ ،‬وأظهر دللة‪ .‬و‬
‫بالله التوفيق‪.‬‬
‫وقد غاب عن بعض العلماء وجه ظهور آيته على سائر آيات‬
‫النبياء‪ ،‬حتى احتاج للعذر عن ذلك بدقة أفهام العرب‪ ،‬وذكاء‬
‫ألبابها‪ ،‬ووفور عقولها‪ ،‬وأنهم أدركوا المعجزة فيه بفطنتهم‪،‬‬
‫وجاءهم من ذلك بحسب إدراكهم‪ ،‬وغيرهم من القبط و بني‬
‫إسرائيل وغيرهم لم يكونوا بهذه السبيل‪ ،‬بل كانوا من الغباوة‬

‫‪519‬‬
‫وقلة الفطنة بحيث جوز عليهم فرعون أنه ربهم‪ ،‬وجوز عليهم‬
‫السامري ذلك في العجل بعد إيمانهم‪ ،‬وعبدوا المسيح مع‬
‫م)‬‫ه لَهُ ْ‬ ‫صلَبُوه ُ وَلَـكِن ُ‬
‫شب ِّ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ما قَتَلُوه ُ وَ َ‬
‫أجماعهم على صلبه‪(،‬وَ َ‬
‫(النساء ‪ ،)157‬فجاءتهم من اليات الظاهرة البينة للبصار بقدر‬
‫ن لَ َ‬
‫ك‬ ‫م َ‬ ‫غلظ أفهامهم ما ل يشكون فيه‪ ،‬ومع هذا فقالوا (لَن نُّؤ ْ ِ‬
‫َ‬
‫جهَْرةً) (البقرة‪ )55 :‬ولم يصبروا على المن‬ ‫ه َ‬ ‫حتَّى نََرى الل ّ َ‬ ‫َ‬
‫والسلوى‪ ،‬واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير‪.‬‬
‫والعرب على جاهليتها أكثرها يعترف بالصانع‪ ،‬وإنما كانت تتقرب‬
‫بالصنام إلى الله زلفى‪ .‬ومنهم من آمن بالله وحده من قبل‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم بدليل عقله و صفاء لبِّه‪ .‬ولما‬
‫جاءهم الرسول بكتاب الله فهموا حكمته‪ ،‬وتبينوا بفضل إدراكهم‬
‫لول وهلة معجزته‪ ،‬فآمنوا به‪ ،‬وازدادوا كل يوم إيماناً‪ ،‬ورفضوا‬
‫الدنيا كلها في صحبته‪ ،‬وهجروا ديارهم وأموالهم‪ ،‬وقتلوا آباءهم‬
‫وأبناءهم في نصرته‪ ،‬وأتى في معنى هذا بما يلوح له رونق‪،‬‬
‫ويعجب منه زبرج لو احتيج إليه وحقق‪ ،‬لكنا قدمنا من بيان‬
‫معجزة نبينا صلى الله عليه وسلم وظهورها ما يغنى عن ركوب‬
‫بطون هذه المسالك وظهورها‪ .‬وبالله أستعين ـ وهو حسبي‪،‬‬
‫ونعم الوكيل‪...‬‬
‫معَ ال َّ‬ ‫َ‬
‫ن)‬‫شاهِدِي َ‬ ‫ل فَاكْتُبْنَا َ‬
‫سو َ‬ ‫ت وَاتَّبَعْنَا الَّر ُ‬
‫ما أنَزل َ ْ‬ ‫منَّا ب ِ َ‬
‫(َربَّنَا آ َ‬
‫تم بحمد الله وكرمه‬
‫وكان الفراغ منه يوم ‪ 18‬ذي الحجة ‪1426‬‬
‫أبو يوسف محمد زايـد‪.‬‬
‫‪---------------------------‬‬
‫‪ -32‬تعدد مصاحف القرآن‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫يقولون‪ :‬لم تعددت المصاحف ؛ أليس فى ذلك دليل على‬
‫الختلف المؤذن بالتحريف ؟ الرد على الشبهة‪ :‬وهى وثيقة‬
‫الصلة بالشبهة السابقة ونقول لهم‪:‬‬
‫التعدد الذى عندنا‪:‬‬
‫بدأ جمع القرآن فى " المصحف " فى عهد أبى بكر رضى الله‬
‫عنه وكان هذا جمعًا لما كتب فى حضرة رسول الله كما تقدم‪.‬‬
‫جمع فى عهد أبى بكر فى مصاحف أربعةأو‬ ‫ثم كان نسخ ما ُ‬
‫سبعة فى عهد عثمان رضى الله عنه ‪ ،‬فالجمع الول كان بمعنى‬
‫ضم الوثائق الخطية فى حياة النبى وترتيب سورها سورة بعد‬
‫أخرى ‪ ،‬دون إعادة كتابتها من جديد‪.‬‬
‫وكان الجمع الثانى هو إعادة كتابة الوثائق النبوية فى مصحف‬
‫نقل ً أمينًا لها دون أن يمسها أدنى تغيير أو تبديل‪.‬‬

‫‪520‬‬
‫ومن " المصحف المام " الذى تم نسخه من الوثائق النبوية‬
‫مطابقًا لها ‪ ،‬ثم نسخ مصاحف أربعة ‪ ،‬أو سبعة وزعت على‬
‫المصار السلمية فى ذلك الوقت‪.‬‬
‫الحجاز البصرة الكوفة الشام‪ .‬وهذه المصاحف كانت أشبه ما‬
‫تكون بالصورة الضوئية للوثائق الحديثة عندما يتم تصويرها‬
‫فيتوغرافيًا ‪ ،‬شديدة الوضوح‪ .‬ووجه الشبه هو التطابق التام بين‬
‫المصحف " الم " والمصاحف التى نسخت منه ‪ ،‬وأصل هذه‬
‫المصاحف كلها هو " الوثائق الخطية النبوية "‪.‬‬
‫هذا لون من ألوان تعدد المصحف عندنا ‪ ،‬وهو أول تعدد ظهر فى‬
‫ب‬‫تاريخ القرآن‪ .‬لكنه تعدد أوراق ل تعدد كلم ؛ فالكلم الذى كُت ِ َ‬
‫فى جميع المصاحف كلم واحد ‪ ،‬مثل الكتاب الذى تُطبع منه‬
‫مئات النسخ أو آلفها ‪ ،‬فإن كل نسخة منه تكرار حرفى للنسخ‬
‫الخرى‪.‬‬
‫أما اللون الثانى من تعدد المصاحف عندنا فهو مصاحف الفراد‬
‫التى كتبت بعد جمع القرآن لول مرة فى عهد أبى بكر ‪ ،‬أو كتبت‬
‫قبله ‪ ،‬قيل‪:‬إن عثمان جمع هذه المصاحف وحرقها‪ .‬وقيل إنه لم‬
‫يحرقها بل استبعد غير الصحيح منها‪ .‬ومنها مصحف ابن مسعود‬
‫لخلف غير كبير بينه وبين المصحف المام‪.‬‬
‫ثم تعددت نسخ المصحف بعد ذلك ‪ ،‬باتساع القطار السلمية ‪،‬‬
‫ومع هذا التعدد فإن النصوص الموحى بها من الله عز وجل‬
‫واحدة فى جميع المصاحف فى العالم السلمى كله‪.‬‬
‫أما ما استحدث من إضافات فهى إجراءات خارجية ل صلة لها‬
‫بالنصوص المنزلة‪ .‬وكل المصاحف كانت تكرارا ً لمصحف عثمان ‪،‬‬
‫الذى جمع عليه المة ‪ ،‬وأعدم أو استبعد ما عداه من مصاحف‬
‫الفراد ‪ ،‬لن العمل الفردى عرضة للخطأ والسهو أو النسيان‪.‬‬
‫" وإذا كان إعدام هذه المخطوطات الفردية يبدو فيه شىء من‬
‫القسوة فى الوقت الذى لم يوجد فيه بالفعل أى تحريف على‬
‫الطلق ‪ ،‬فإنه يدل مع ذلك على أن عثمان كان بعيد النظر ‪،‬‬
‫وعميقًا فى إدراك حقيقة المور ‪ ،‬ويرجع فضل تمتع المسلمين‬
‫اليوم بوحدة كتابهم واستقراره إلى هذا العمل المجيد من جانب‬
‫عثمان‪.‬‬
‫ومهما أضيف إلى المصحف العثمانى من علمات خارجية ابتكرها‬
‫أبو السود الدؤلى وأتباعه ‪ ،‬ونصر بن عاصم ويحيى بن يعمر ‪،‬‬
‫والحسن البصرى ‪ ،‬والخليل بن أحمد فإن النص (اللهى) باق كما‬
‫هو على الدوام ‪ ،‬يتحدى فعل الزمن ‪ ،‬ووجود بعض الحروف‬
‫الزائدة (لحكمة) أو الكلمات المدغمة التى اقتصرت على كتابة‬
‫المصحف فى جميع نسخ القرآن إلى اليوم ‪ ،‬المطبوع منها‬

‫‪521‬‬
‫والمخطوط ‪ ،‬يُعد شهادة بليغة على المانة التى انتقل بها البناء‬
‫القرآنى من جيل إلى جيل ‪ ،‬حتى وصل إلينا بهذا الكمال المنقطع‬
‫النظير (‪.)1‬‬
‫فإن قالوا‪ :‬إن بعض المصاحف تختلف فى عدد سور القرآن من‬
‫أربع عشرة ومائة سورة ‪ ،‬إلى اثنتى عشرة ومائة سورة ‪ ،‬إلى‬
‫ست عشرة ومائة سورة (‪.)2‬‬
‫دّ آيات القرآن كله ‪ ،‬وفى كلماته‬ ‫وكذلك تختلف المصاحف فى ع ِ‬
‫وعدد حروفه‪ .‬فكيف تقولون إن تعدد المصاحف عندكم كائن‬
‫على صورة واحدة‪ .‬وإن كل مصحف تكرار لما عداه من مصاحف‬
‫؟ إن قالوا هذا قلنا لهم ‪ ،‬إن الختلف فى هذه العداد كلها ل‬
‫يخرج " المصاحف " عن الوحدة والتطابق التام بينها ؛ لن‬
‫النصوص الموحى بها من الله عز وجل إلى خاتم رسله واحدة‬
‫فى جميع المصاحف ‪ ،‬فمثل ً من قال إن عدد سور القرآن ثلث‬
‫عشرة ومائة سورة اعتبر سورة النفال وسورة التوبة سورة‬
‫واحدة ؛ لنهما لم يفصل بينهما ب " بسم الله الرحمن الرحيم " ‪،‬‬
‫جعْل آيتين‬‫وكذلك الختلف فى عدد آيات القرآن الكريم مرجعه َ‬
‫آية واحدة ‪ ،‬وهكذا‪ .‬وسواء عدت اليتان آية واحدة ‪ ،‬أو عدتا آيتين‬
‫فنصهما موجود فى المصحف الشريف‪ .‬والختلف فى العدد ل‬
‫مساس فيه بالمعدود ‪ ،‬وهو النصوص التى نزل بها الوحى المين‪.‬‬
‫فالنصوص مسطورة فى المصحف ‪ ،‬أما تعدادها فأمر اعتبارى‬
‫خارج عنها ‪ ،‬ووصف عارض طارئ عليها‪ .‬فالصابة والخطأ فيه ل‬
‫ينعكس بأى حال على حقيقة النصوص المذكورة فى المصحف‬
‫وإن قالوا‪ :‬إن الشيعة يقولون إن عثمان رضى الله عنه حذف من‬
‫القرآن شيئًا يتعلق بعلى بن أبى طالب رضى الله عنه ‪ ،‬وبعضهم‬
‫يذكر سورة باسم " سورة النورين " كانت مما نزل فى القرآن‬
‫واستبعدها عثمان عند جمع المصحف‪ .‬وهذا يُعد تعديل ً فى‬
‫النصوص الموحى بها فكيف تقولون إن القرآن لم يمس ‪ ،‬وإن‬
‫ما ؟‪.‬‬
‫المصاحف متطابقة تما ً‬
‫إن قالوا ذلك وهم قد قالوه فعل ً فإننا نقول لهم‪ :‬إن كان هذا‬
‫القول قد حدث من بعض الشيعة فالشيعة كان منهم غلة دخلء‬
‫على التشيع ‪ ،‬وقد انقرضوا من الوجود الن‪.‬‬
‫ومما يدفع هذه الفرية عن عثمان رضى الله عنه ‪ ،‬أن التشيع فى‬
‫خلفته كان خافتًا ‪ ،‬بل وفى دور النشأة ‪ ،‬وعلى يد عبد الله بن‬
‫سبأ ‪ ،‬الذى كان المسلمون يطلقون عليه‪ :‬ابن السوداء وهو‬
‫يهودى حاقد على السلم‪ .‬ومولد التشيع كان بعد حادثة التحكيم‬
‫ى رضى الله عنه ومعاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه‪.‬‬ ‫بين عل ّ‬

‫‪522‬‬
‫ى رضى الله عنه لم يكن‬ ‫ومعنى هذا أن الحاجة إلى غمط حق عل ّ‬
‫لها وجود فى خلفة عثمان‪ .‬فما الذى يحمل عثمان إذن على‬
‫حفاظ القرآن من‬ ‫غمط حقه وهب أن ذلك حدث منه فهل كان ُ‬
‫الصحابة سيتركونه يعبث بكتاب الله ‪ ،‬والهم من هذا أن عليًا‬
‫نفسه رضى الله عنه أثنى على ما قام به عثمان من جمع القرآن‬
‫‪ ،‬وكذلك كل أصحاب رسول الله الذين كانوا أحياء فى خلفة‬
‫عثمان (‪.)3‬‬
‫ومهما يكن من أمر ‪ ،‬فإن هذا المصحف (العثمانى) هو الوحيد‬
‫المتداول فى العالم السلمى بما فيه من فرق الشيعة ‪ ،‬منذ‬
‫أربعة عشر قرنًا من الزمان ‪ ،‬ونذكر هنا رأى الشيعة المامية‬
‫(أهم فرق الشيعة) كما ورد بكتاب أبى جعفر " الم "‪:‬‬
‫إن اعتقادنا فى جملة القرآن ‪ ،‬الذى أوحى الله تعالى به إلى نبيه‬
‫محمد هو كل ما تحويه دفتا المصحف المتداول بين الناس ل‬
‫أكثر‪ ،‬وعدد السور المتعارف عليه بين المسلمين هو ‪ 114‬سورة‪.‬‬
‫أما عندنا " أى الشيعة " فسورة الضحى والشرح تكونان سورة‬
‫ضا سورتا النفال‬ ‫واحدة ‪ ،‬وكذلك سورتا الفيل وقريش ‪ ،‬وأي ً‬
‫والتوبة‪.‬‬
‫أما من ينسب إلينا أن القرآن أكثر من ذلك فهو كاذب (‪.)4‬‬
‫فماذا يقول خصوم القرآن بعد هذا البيان ؟ إن الختلف بين‬
‫مصاحف السنة والشيعة هو فى تعداد السور فحسب ‪ ،‬يدمج‬
‫بعض السور فى بعض عند الشيعة ‪ ،‬مع اعتماد كل النصوص‬
‫الموحى بها فى مصاحف الفريقين‪ .‬وهذا ل يضير فى قضية‬
‫اليمان ‪ ،‬ول فى وحدة المصحف فى العالم السلمى‪.‬‬
‫(‪ )1‬مدخل إلى القرآن الكريم (‪ )51-50‬د‪ .‬محمد عبد الله دراز‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬البرهان فى علوم القرآن (‪ )1/249‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬مدخل إلى القرآن الكريم (‪ )36‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬
‫(‪ )4‬مدخل إلى القرآن الكريم (‪ )39‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬
‫تاريخ النشر في الموقع‪ 20/10/1424 :‬هـ الموافق ‪ 12/14/2003‬م‬
‫‪--------------------‬‬
‫‪ -33‬تعدد قراءات القرآن‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫مقدمة‪ :‬تعدد القراءات أل يدل على الختلف فيه ‪ ،‬وهو نوع من‬
‫التحريف ؟ القراءات‪ :‬جمع قراءة ‪ ،‬وقراءات القرآن مصطلح‬
‫خاص ل يراد به المعنى اللغوى المطلق ‪ ،‬الذى يفهم من اطلع‬
‫أى قارئ على أى مكتوب ‪ ،‬بل لها فى علوم القرآن معنى خاص‬
‫من إضافة كلمة قراءة أو قراءات للقرآن الكريم‪ ،‬فإضافة "‬

‫‪523‬‬
‫قراءة " أو "قراءات " إلى القرآن تخصص معنى القراءة أو‬
‫القراءات من ذلك المعنى اللغوى العام ‪ ،‬فالمعنى اللغوى العام‬
‫يطلق ويراد منه قراءة أى مكتوب ‪ ،‬سواء كان صحيفة أو كتابًا ‪،‬‬
‫أو حتى القرآن نفسه إذا قرأه قارئ من المصحف أو تله بلسانه‬
‫من ذاكرته الحافظة لما يقرؤه من القرآن ومنه قول الفقهاء‪:‬‬
‫القراءة فى الركعتين الوليين من المغرب والعشاء تكون جهًرا ‪،‬‬
‫سنة من سنن الصلة ‪ ،‬ويسجد‬ ‫فإن أسَّر فيهما المصلى فقد ترك ُ‬
‫لهما سجود السهو إن أسر ساهيًا‪ .‬فقراءة القرآن هنا معنى لغوى‬
‫عام ‪ ،‬ل ينطبق عليه ما نحن فيه الن من مصطلح‪ :‬قراءات‬
‫القرآن‪ .‬وقد وضع العلماء تعريفًا للقراءات القرآنية يحدد المراد‬
‫منها تحديدًا دقيقًا‪ .‬فقالوا فى تعريفها‪:‬‬
‫" اختلف ألفاظ الوحى فى الحروف أو كيفيتها من تخفيف‬
‫وتشديد وغيرهما (البرهان فى علوم القرآن (‪.))1/318‬‬
‫وقد عرفها بعض العلماء فقال‪:‬‬
‫" القراءات‪ :‬هى النطق بألفاظ القرآن كما نطقها النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪( "..‬القراءات القرآنية تاريخ وتعريف)‪.‬‬
‫ومما تجب ملحظته أن القراءات القرآنية وحى من عند الله عَّز‬
‫ن ‪ ،‬ولنضرب لذلك بعض المثلة‪:‬‬ ‫وجل ‪ ،‬فهى إذن قرآ ً‬
‫م )(‪ .)1‬هذه قراءة‬ ‫سك ُ ْ‬‫قوله تعالى‪( :‬لقد جاءكم رسول من أن ْ ُف ِ‬
‫حفص عن عاصم ‪ ،‬أو القراءة العامة التى كُتب المصحف فى‬
‫خلفة عثمان بن عفان رضى الله عنه عليها ‪ ،‬والشاهد فى الية‬
‫سكُم" بضم الفاء وكسر السين ‪ ،‬وهى جمع‪ " :‬نَفْس "‬ ‫كلمة "أنفُ ِ‬
‫بسكون الفاء ‪ ،‬ومعناها‪ :‬لقد جاءكم رسول ليس غريبًا عليكم‬
‫تعرفونه كما تعرفون أنفسكم لنه منكم نسبًا ومولدًا ونشأة ‪،‬‬
‫وبيئة ‪ ،‬ولغة‪.‬‬
‫َ‬
‫م " بفتح الفاء‬ ‫سك ُ ْ‬
‫وقرأ غير عاصم‪ " :‬لقد جاءكم رسول من أنْفَ ِ‬
‫وكسر السين ‪ ،‬ومعناها‪ :‬لقد جاءكم رسول من أزكاكم وأطهركم‪.‬‬
‫و" أنْفَس " هنا أفعل تفضيل من النفاسة‪ .‬فكلمة " أنفسكم "‬
‫كما ترى قرئت على وجهين من حيث النطق‪.‬‬
‫وهذا هو معنى القراءة والقراءات القرآنية‪.‬‬
‫مع ملحظة مهمة ينبغى أن نستحضرها فى أذهاننا ونحن نتصدى‬
‫فيما يأتى للرد على الشبهة التى سيوردها خصوم القرآن من‬
‫مدخل‪ :‬تعدد قراءات القرآن أن هذه القراءات ل تشمل كل‬
‫كلمات القرآن ‪ ،‬بل لها كلمات فى الية دون كلمات الية‬
‫الخرى ‪ ،‬وقد رأينا فى الية السابقة أن كلمات الية لم تشملها‬
‫القراءات ‪ ،‬بل كانت فى كلمة واحدة هى " أنفسكم "‪.‬‬

‫‪524‬‬
‫وهذا هو شأن القراءات فى جميع القرآن ‪ ،‬كما ينبغى أن‬
‫ما أن كثيًرا من اليات خلت من تعدد القراءات خلوًّا‬ ‫نستحضر دائ ً‬
‫ما‪.‬‬‫تا ًّ‬
‫ومثال آخر ‪ ،‬قوله تعالى‪:‬‬
‫" مالك يوم الدين " والشاهد فى الية كلمة " مالك " ‪ ،‬وفيها‬
‫قراءتان‪:‬‬
‫ك " وهى قراءة حفص وآخرين‪" .‬‬ ‫مل ِ َ‬
‫" مالك " اسم فاعل من " َ‬
‫ملِك " صفة لسم فاعل ‪ ،‬وهى قراءة‪:‬‬ ‫َ‬
‫نافع وآخرين‪.‬‬
‫ومعنى الولى " مالك " القاضى المتصرف فى شئون يوم الدين‪،‬‬
‫وهو يوم القيامة‪.‬‬
‫ملِك " فهو أعم من معنى " مالك " أى من بيده المر‬ ‫أما معنى " َ‬
‫والنهى ومقاليد كل شىء‪ .‬ما ظهر منها وما خفى‪.‬‬
‫وكل المعنيين لئق بالله تعالى ‪ ،‬وهما مدح لله عز وجل‪.‬‬
‫ولما كانت هذه الكلمة تحتمل القراءتين كتبت فى الرسم هكذا‬
‫"ملك " بحذف اللف بعد حرف الميم ‪ ،‬مع وضع شرطة صغيرة‬
‫رأسية بين الميم واللم ‪ ،‬ليصلح رسمها للنطق بالقراءتين‪.‬‬
‫ومثال ثالث هو قوله تعالى‪:‬‬
‫(يوم يُكشف عن ساق )(‪.)2‬‬
‫شف " وفيها قراءتان الولى قراءة‬ ‫والشاهد فى الية كلمة " يُك َ‬
‫جمهور القراء ‪ ،‬وهى " يُكشف " بضم الياء وسكون الكاف ‪،‬‬
‫وفتح الشين‪ .‬بالبناء للمفعول ‪ ،‬والثانية قراءة ابن عباس "‬
‫ف " بفتح التاء وسكون الكاف ‪ ،‬وكسر الشين ‪ ،‬بالبناء‬ ‫ش ُ‬‫تَك ْ ِ‬
‫للفاعل ‪ ،‬وهو الساعة ‪ ،‬أى يوم تكشف الساعة عن سياق‪ .‬قرأها‬
‫بالتاء ‪ ،‬والبناء للمعلوم ‪ ،‬وقرأها الجمهور بالياء والبناء للمجهول‪.‬‬
‫والعبارة كناية عن الشدة ‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫كشفت لهم ساقها * * * وبدا من الشر البراح (‪.)3‬‬
‫هذه نماذج سقناها من القراءات القرآنية تمهيدًا لذكر الحقائق‬
‫التية‪:‬‬
‫‪ -‬إن القراءات القرآنية وحى من عند الله عز وجل‪.‬‬
‫‪ -‬إنها ل تدخل كل كلمات القرآن ‪ ،‬بل لها كلمات محصورة وردت‬
‫فيها ‪ ،‬وقد أحصاها العلماء وبينوا وجوه القراءات فيها‪.‬‬
‫‪ -‬إن الكلمة التى تقرأ على وجهين أو أكثر يكون لكل قراءة‬
‫معنى مقبول يزيد المعنى ويثريه‪.‬‬
‫‪ -‬إن القراءات القرآنية ل تؤدى إلى خلل فى آيات الكتاب‬
‫العزيز ‪ ،‬وكلم الله الذى أنزله على خاتم رسله عليهم الصلة‬
‫والسلم‪.‬‬

‫‪525‬‬
‫ومع هذا فإن خصوم السلم يتخذون من تعدد قراءات بعض‬
‫كلمات القرآن وسيلة للطعن فيه ‪ ،‬ويرون أن هذه القراءات ما‬
‫هى إل تحريفات لحقت بالقرآن بعد العصر النبوى‪.‬‬
‫وكأنهم يريدون أن يقولوا للمسلمين ‪ ،‬إنكم تتهمون الكتاب‬
‫المقدس بعهديه (التوراة والنجيل) بالتحريف والتغيير والتبديل ‪،‬‬
‫وكتابكم المقدس (القرآن) حافل بالتحريفات والتغييرات‬
‫والتبديلت ‪ ،‬التى تسمونها قراءات ؟ وهذا ما قالوه فعل ً ‪ ،‬وأثاروا‬
‫حوله لغطًا كثيًرا ‪ ،‬وبخاصة جيش المبشرين والمستشرقين ‪،‬‬
‫الذين تحالفوا إل قليل ً منهم على تشويه حقائق السلم ‪ ،‬وفى‬
‫مقدمتها القرآن الكريم‪.‬‬
‫ونكتفى بما أثاره واحد منهم قبل الرد على هذه الشبهة التى‬
‫يطنطنون حولها كثيًرا ‪ ،‬ذلكم الواحد هو المستشرق اليهودى‬
‫المجرى المسمى‪ " :‬جولد زيهر " الحقود على السلم وكل ما‬
‫يتصل به من قيم ومبادئ‪.‬‬
‫إن هذا الرجل لهو أشد خطًرا من القس زويمر زعيم جيش‬
‫المبشرين الحاقدين على السلم فى عهد الحتلل النجليزى‬
‫للهند ومصر‪.‬‬
‫أوهام جولد زيهر حول القراءات القرآنية‪:‬‬
‫المحاولة التى قام بها جولد زيهر هى إخراج القراءات القرآنية‬
‫من كونها وحيًا من عند الله ‪ ،‬نزل به الروح المين إلى كونها‬
‫تخيلت توهمها علماء المسلمين ‪ ،‬وساعدهم على تجسيد هذا‬
‫التوهم طبيعة الخط العربى ؛ لنه كان فى الفترة التى ظهرت‬
‫فيها القراءات غير منقوط ول مشكول ‪ ،‬وهذا ساعد على نطق‬
‫الياء ثاء فى مثل " تقولون " أو " تفعلون " ! فمنهم من قرأ‬
‫بالتاء " تقولون " ومنهم من قرأ بالياء " يقولون "‪.‬‬
‫ما ‪ ،‬أما من حيث الشكل أى‬ ‫هذا من حيث النقط وجودًا وعد ً‬
‫ضبط الحروف بالفتح أو الضم مثل ً ‪ ،‬وأرجع إلى هذا السبب قوله‬
‫تعالى‪( :‬وهو الذى أرسل الرياح بُشًرا‪.)4()..‬‬
‫فقد قرأ عاصم‪ " :‬بُشرا " بضم الباء وقرأها الكسائى وحمزة‪" :‬‬
‫شرا " بالنون المفتوحة بدل ً من الباء المضمومة عند عاصم‪.‬‬ ‫نَ ْ‬
‫شرا " بالنون المضمومة والشين المضمومة ‪،‬‬ ‫وقرأ الباقون‪ " :‬ن ُ ُ‬
‫بينما كانت الشين فى القراءات الخرى ساكنة (‪.)5‬‬
‫وفى هذا يقول جولد زيهر نقل ً عن الترجمة العربية لكتابه الذى‬
‫ذكر فيه هذا الكلم (‪:)6‬‬
‫" والقسم الكبر من هذه القراءات يرجع السبب فى ظهوره إلى‬
‫خاصية الخط العربى ‪ ،‬فإن من خصائصه أن الرسم الواحد‬
‫للكلمة قد يقرأ بأشكال مختلفة تبعًا للنقط فوق الحروف أو تحتها‬

‫‪526‬‬
‫‪ ،‬كما أن عدم وجود الحركات النحوية ‪ ،‬وفقدان الشكل (أى‬
‫الحركات) فى الخط العربى يمكن أن يجعل للكلمة حالت‬
‫مختلفة من ناحية موقعها من العراب‪ .‬فهذه التكميلت للرسم‬
‫الكتابى ثم هذه الختلفات فى الحركات والشكل ‪ ،‬كل ذلك كان‬
‫السبب الول لظهور حركة القراءات ‪ ،‬فيما أهمل نقطه أو شكله‬
‫من القرآن "‪.‬‬
‫إن المتأمل فى هذا الكلم ‪ ،‬الذى نقلناه عن جولد زيهر ‪ ،‬يدرك‬
‫أن الرجل يريد أن يقول فى دهاء وخبث‪.‬‬
‫إن هذه القراءات تحريفات معترف بها لدى المسلمين خاصتهم‬
‫وعامتهم ‪ ،‬وأن النصوص اللهية المنزلة على رسولهم أصابها‬
‫بعض الضياع إنه لم يقل صراحة بالتحريف وإنما وضع المبررات‬
‫لوجود التحريف فى القرآن الحكيم‪.‬‬
‫ثم أخذ بعد ذلك يورد أمثلة من القراءات وينسبها إلى السببين‬
‫اللذين تقدم ذكرهما ‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪ -‬تجرد المصحف من النقط فى أول عهده‪.‬‬
‫‪ -‬تجرد كلماته من ضبط الحروف‪.‬‬
‫فإلى السبب الول نسب قوله تعالى‪:‬‬
‫(ونادى أصحاب العراف رجال ً يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى‬
‫عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون)(‪.)7‬‬
‫والشاهد فى كلمة " تستكبرون " وهى قراءة الجمهور‪ .‬وقد‬
‫قارنها جولد زيهر بقراءة شاذة " تستكثرون " بإبدال الباء ثاء ‪،‬‬
‫يريد أن يقول‪ :‬إن الكلمة كانت فى الصل " يستكبرون " غير‬
‫منقوطة الحروف الول والثالث والخامس فاختُلِف فى قراءتها‪:‬‬
‫فمنهم من قرأ الخامس " باء " والول تاء فنطق‪ :‬تستكبرون ‪،‬‬
‫ومنهم من قرأ الخامس " ثاء " فنطق " تستكثرون‪.‬‬
‫هذا هو سبب هاتين القراءتين عنده‪.‬‬
‫وكذلك قوله تعالى‪(:‬وما كان استغفار إبراهيم لبيه إل عن موعدة‬
‫وعدها إياه‪.)8()..‬‬
‫والشاهد فى كلمة " إياه " ضمير نصب منفصل للمفرد الغائب‬
‫الذكر‪.‬‬
‫ثم قارنها بقراءة شاذة لحماد الراوية هكذا " اباه " بإبدال الياء‬
‫من " إياه " باء " اباه " أى وعدها إبراهيم عليه السلم أباه ؟ (‪.)9‬‬
‫أما اختلف القراءات للسبب الثانى ‪ ،‬وهو تجرد كلمات المصحف‬
‫عن الضبط بالحركات ‪ ،‬فمن أمثلته عنده قوله تعالى‪:‬‬
‫عنْدَه ُ علم الكتاب )(‪.)10‬‬
‫ن ِ‬‫م ْ‬
‫(و َ‬
‫ه‬
‫عنْد ِ ِ‬
‫ن ِ‬‫م ْ‬‫عنْدِه " " َ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ن عنْدَه ُ " " ِ‬
‫م ْ‬
‫وقارن بين قراءاتها الثلث‪َ " :‬‬
‫"؟!‬

‫‪527‬‬
‫هذا هو منهجه فى إخراج القراءات القرآنية من كونها وحيًا من‬
‫ما كان سببها نقص الخط العربى الذى‬ ‫عند الله ‪ ،‬إلى كونها أوها ً‬
‫كتب به المصحف أول ً عن تحقيق اللفاظ من حيث حروفها ومن‬
‫حيث كيفية النطق بها‪ .‬واقتفى أثره كثير من المبشرين‬
‫والمستشرقين‪.‬‬
‫الرد على هذه الشبهة‪:‬‬
‫لقد حظى كتاب الله العزيز بعناية منقطعة النظير ‪ ،‬فى حياة‬
‫النبى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وبعد وفاته‪.‬‬
‫ومن الحقائق الراسخة رسوخ الجبال أن طريق تَلَقِّى القرآن كان‬
‫هو السماع الصوتى‪.‬‬
‫‪ -‬سماع صوتى من جبريل لمحمد عليهما السلم‪.‬‬
‫‪ -‬وسماع صوتى من الرسول إلى كتبة الوحى أول ً وإلى‬
‫المسلمين عامة‪.‬‬
‫‪ -‬وسماع صوتى من كتبة الوحى إلى الذين سمعوه منهم من‬
‫عامة المسلمين‪.‬‬
‫‪ -‬وسماع صوتى حتى الن من حفظة القرآن المتقنين إلى من‬
‫يتعلمونه منهم من أفراد المسلمين‪.‬‬
‫هذا هو الصل منذ بدأ القرآن ينزل إلى هذه اللحظة وإلى يوم‬
‫الدين ‪ ،‬فى تلقى القرآن من مرسل إلى مستقبل‪.‬‬
‫وليست كتابة القرآن فى مصاحف هى الصل ‪ ،‬ولن تكون‪.‬‬
‫القرآن يجب أن يُسمع بوعى قبل أن يقرأ من المصحف ‪ ،‬ول‬
‫يزال متعلم القرآن فى أشد الحاجة إلى سماع القرآن من شيوخ‬
‫حافظين متقنين ‪ ،‬وفى القرآن عبارات أو كلمات مستحيل أن‬
‫يتوصل أحد إلى نطقها الصحيح عن مجرد القراءة فى المصحف ‪،‬‬
‫ما وأشهرا‪.‬‬‫ولو ظل يتعلمها وحده أيا ً‬
‫وبهذا تهوى الفكار التى أرجع إليها جولد زيهر نشأة القراءات إلى‬
‫الحضيض ‪ ،‬ول يكون لها أى وزن فى البحث العلمى المقبول ؛‬
‫لن المسلمين من جيل الصحابة ومن تبعهم بإحسان لم يتعلموا‬
‫القرآن عن طريق الخط العربى من القراءة فى المصاحف ‪،‬‬
‫وإنما تعلموه سماع ًا واعيًا ملفوظًا كما خرج من فم محمد صلى‬
‫خا أجلء حفظوه وتلوه‬ ‫الله عليه وسلم ‪ ،‬ثم قيض الله لكتابه شيو ً‬
‫ضا طريًا كما كان صاحب الرسالة يحفظه ويتلوه كما سمعه من‬ ‫غ ً‬
‫جبريل أمين الوحى‪.‬‬
‫أجل‪ ..‬كان سيكون لفكار جولد زيهر وجه من الحتمال لو كان‬
‫المسلمون يأخذون القراءة قراءة من مصاحف‪.‬‬
‫أما وقد علمنا أن طريق تلقى القرآن هو السماع الموثق ‪ ،‬فإن‬
‫أفكار جولد زيهر تذهب هباء فى يوم ريح عاصف‪.‬‬

‫‪528‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إن القراءات الصحيحة مسموعة من جبريل لرسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ومسموعة من محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم لكتبة الوحى ‪ ،‬ومسموعة من محمد ومن كتبة الوحى‬
‫لعموم المسلمين فى صدر السلم الول ‪ ،‬ثم شيوخ القرآن فى‬
‫تعاقب الجيال حتى يرث الله الرض ومن عليها‪.‬‬

‫لقد سمع المسلمون من محمد المعصوم عن الخطأ فى التبليغ "‬


‫فتبينوا " و " فتثبتوا " فى قوله تعالى‪:‬‬
‫(يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا )(‪ )11‬بالباء والياء‬
‫والنون‪.‬‬
‫وسمعوها منه " فتثبتوا " بالتاء والثاء والباء والتاء وكل القراءتين‬
‫قرآن موحى به من عند الله‪ .‬وليس كما توهم جولد زيهر‪ ،‬إنهما‬
‫قراءتان ناشئتان عن الضطراب الحاصل من خلو كلمات‬
‫المصحف من النقط والشكل فى أول أمره ؟‪.‬‬
‫والقراءتان ‪ ،‬وإن اختلف لفظاهما ‪ ،‬فإن بين معنييهما علقة وثيقة‬
‫‪ ،‬كعلقة ضوء الشمس بقرصها‪:‬‬
‫لن التبين ‪ ،‬وهو المصدر المتصيد من " فتبينوا " هى التفحص‬
‫والتعقب فى الخبر الذى يذيعه الفاسق بين الناس ‪ ،‬وهذا البَين‬
‫هو الطريق الموصل للتثبت‪ .‬فالتثبت هو ثمرة التبين‪ .‬ومن تبيَّن‬
‫فقد تثبت‪ .‬ومن تثبت فقد تبين‪.‬‬
‫فما أروع هذه القراءات ‪ ،‬ورب السماوات والرض وما فيهما وما‬
‫بينهما ‪ ،‬إن قراءات القرآن لهى وجه شديد الشراق من وجوه‬
‫إعجاز القرآن ‪ ،‬وإن كره الحاقدون‪.‬‬
‫وكما سمع المسلمون من فم محمد ‪ ،‬الذى ل ينطق عن الهوى‬
‫صلى الله عليه وسلم فى الية السابقة‪ " :‬فتبينوا " و " فتثبتوا "‬
‫ل " فى قوله تعالى‪:‬‬ ‫ص ُ‬‫صل " و " نُف ِّ‬ ‫سمعوا منه كذلك ‪ " ،‬يُفَ ِّ‬
‫(ما خلق الله ذلك إل بالحق يفصل اليات لقوم يعلمون )(‪.)12‬‬
‫و " نفصل اليات " وفاعل الفصل فى القراءتين واحد هو الله عز‬
‫وجل‪:‬‬
‫وقد اختلف التعبير عن الفاعل فى القراءتين ‪ ،‬فهو فى القراءة‬
‫صل " ضمير مستتر عائد على الله عز وجل فى قوله‪:‬‬ ‫الولى " يفَ ِّ‬
‫(ما خلق الله ذلك إل بالحق)أى يفصل هو اليات‪ .‬فالفاعل هنا‬
‫مفرد لعوده على مفرد " الله "‪.‬‬
‫وفى القراءة الثانية ع ُب ِّر عن الفاعل بضمير الجمع للمتكلم‬
‫صل" أى نفصل نحن‪.‬‬ ‫"نُفَ ِّ‬
‫والله واحد أحد ‪ ،‬ولكن النون فى " نفصل " لها معنى فى اللغة‬
‫العربية هو التعظيم إذا كان المراد منها فردًا ل جماعة‪ .‬ووجه‬

‫‪529‬‬
‫ما لشأنه ‪،‬‬‫ة تنزيل الفرد منزلة " الجماعة " تعظي ً‬‫التعظيم بلغ ً‬
‫وإجلل ً لقدره‪.‬‬
‫وفى هاتين القراءتين تكثير للمعنى ‪ ،‬وهو وصف ملزم لكل‬
‫القراءات‪.‬‬
‫وللبلغيين إضافة حسنة فى قراءة " نفصل " بعد قوله‪ " :‬ما‬
‫خلق الله‪ " ..‬هى النتقال من الغيبة فى " ما خلق الله " إلى‬
‫المتكلم فى " نفصل " للشعار بعظمة التفصيل وروعته‪.‬‬
‫وبعد‪ :‬إن إرجاع القراءات القرآنية لطبيعة الخط العربى الذى كان‬
‫فى أول أمره خاليًا من النقط والشكل ‪ ،‬كما توهم " جولد زيهر "‬
‫ومن بعده " آثر جيفرى " فى المقدمة التى كتبها لكتاب‬
‫المصاحف ‪ ،‬لبى داود السجستانى ‪ ،‬وتابعهما المستشرق " جان‬
‫بيرك " ‪ ،‬إن هذه النظرية مجرد وَهْم ٍ سانده جهل هؤلء الدعياء‬
‫على الفكر السلمى‪ ،‬مبدؤه ومنتهاه الحقد على السلم‬
‫والتطاول على القرآن ‪ ،‬لحاجات فى نفوس " اليعاقيب "‪.‬‬
‫وقد قدمنا فى إيجاز ما أبطل هذه الوهام ‪ ،‬وبقى علينا فى الرد‬
‫على هذه الشبهة أن نذكر فى إيجاز كذلك جهود علمائنا فى‬
‫تمحيص القراءات ‪ ،‬وكيف وضعوا الضوابط الدقيقة لمعرفة‬
‫القراءات الصحيحة ‪ ،‬من غيرها مما كان شائعًا وقت جمع القرآن‬
‫فى عهد عثمان بن عفان " رضى الله عنه "‪.‬‬
‫تمحيص القراءات‪:‬‬
‫وضع العلماء القدمون ضوابط محكمة للقراءات الصحيحة التى‬
‫هى وحى من عند الله‪ .‬وتلك الضوابط هى‪:‬‬
‫‪ -1‬صحة السند ‪ ،‬الذى يؤكد سماع القراءة عن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ -2‬موافقة القراءة لرسم المصحف الشريف ‪ ،‬الذى أجمعت عليه‬
‫المة فى خلفة عثمان رضى الله عنه مع ملحظة أن الصحابة‬
‫الذين نسخوا القرآن فى المصحف من الوثائق النبوية فى خلفة‬
‫عثمان ‪ ،‬نقلوه كما هو مكتوب فى الوثائق النبوية بل تغيير أو‬
‫تبديل‪ .‬ورسم المصحف الذى بين أيدينا الن سنة نبوية ؛ لن‬
‫النبى صلى الله عليه وسلم أقر تلك الوثيقة ‪ ،‬واحتفظ بها فى‬
‫بيته حتى آخر يوم فى حياته الطيبة‪.‬‬
‫ولذلك أجمع أئمة المذاهب الفقهية على تحريم كتابة المصحف‬
‫فى أى زمن من الزمان ‪ ،‬على غير الرسم المعروف بالرسم‬
‫العثمانى للمصحف الشريف‪ .‬ونقل هذا الجماع عنهم كثير من‬
‫علماء تاريخ القرآن (‪.)13‬‬
‫‪ -3‬أن تكون القراءة موافقة لوجه من وجوه تراكيب اللغة العربية‬
‫؛ لن الله أنزل كتابه باللسان العربى المبين‪.‬‬

‫‪530‬‬
‫‪ -4‬أن يكون معنى القراءة غير خارج عن قيم السلم ومقاصده‬
‫الصول والفروع‪.‬‬
‫فإذا تخلف شرط من هذه الشروط فل تكون القراءة مقبولة ول‬
‫يعتد بها‪.‬‬
‫وعمل ً بهذه الضوابط تميزت القراءات الصحيحة من القراءات‬
‫غير الصحيحة ‪ ،‬أو ما يسمى بالقراءات الشاذة ‪ ،‬أو الباطلة‪.‬‬
‫ولم يكتف علماؤنا بهذا ‪ ،‬بل وضعوا مصنفات عديدة حصروا فيها‬
‫القراءات الصحيحة ‪ ،‬ووجهوها كلها من حيث اللغة ‪ ،‬ومن حيث‬
‫المعنى‪.‬‬
‫كما جمع العلمة ابن جنى القراءات الشاذة ‪ ،‬حاصًرا لها ‪ ،‬واجتهد‬
‫ما أفرغ ما ملك من طاقاته فيه ‪ ،‬وأخرجها فى‬ ‫أن يقومها تقوي ً‬
‫جزءين كبيرين‪.‬‬
‫أما ذو النورين عثمان بن عفان رضى الله عنه ‪ ،‬حين أمر بنسخ‬
‫الوثائق النبوية فى المصاحف ‪ ،‬فقد أراد منه هدفين ‪ ،‬ننقل‬
‫ما طيبًا للمرحوم الدكتور‪ /‬محمد عبد الله دراز‬
‫للقارئ الكريم كل ً‬
‫فى بيانهما‪:‬‬
‫" وفى رأينا أن نشر المصحف بعناية عثمان كان يستهدف‬
‫أمرين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬إضفاء صفة الشرعية على القراءات المختلفة ‪ ،‬التى‬
‫كانت تدخل فى إطار النص المدون يعنى المصحف ولها أصل‬
‫نبوى مجمع عليه ‪ ،‬وحمايتها فيه منعًا لوقوع أى شجار بين‬
‫المسلمين بشأنها ‪ ،‬لن عثمان كان يعتبر التمارى (أى الجدال)‬
‫فى القرآن نوعًا من الكفر‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬استبعاد ما ل يتطابق تطابقًا مطلقًا مع النص الصلى‬
‫(الوثائق النبوية) وقاية للمسلمين من الوقوع فى انشقاق خطير‬
‫فيما بينهم ‪ ،‬وحماية للنص ذاته من أى تحريف ‪ ،‬نتيجة إدخال‬
‫بعض العبارات المختلف عليها نوعًا ما ‪ ،‬أو أى شروح يكون‬
‫الفراد قد أضافوها إلى مصاحفهم " (‪.)14‬‬
‫هذه هى عناية المسلمين من الرعيل الول بالقرآن الكريم وتعدد‬
‫قراءاته ‪ ،‬وحماية كتاب الله من كل دخيل على نصوص الوحى‬
‫اللهى‪.‬‬
‫هذا ‪ ،‬وإذا كان جولد زيهر ‪ ،‬وآثر جيفرى المبشر النجليزى ‪،‬‬
‫وجان بيرك قد أجهدوا أنفسهم فى أن يتخذوا من قراءات القرآن‬
‫منفذ ًا للنقضاض عليه ‪ ،‬والتشكيك فيه ‪ ،‬فإن غيرهم من‬
‫المستشرقين شهدوا للقرآن بالحق ‪ ،‬ونختم ردنا على هذه‬
‫الشبهة بمستشرق نزيه ‪ ،‬أثنى على القرآن وقال إنه النص اللهى‬

‫‪531‬‬
‫الوحيد ‪ ،‬الذى سلم من كل تحريف وتبديل ‪ ،‬ل فى جمعه ‪ ،‬و فى‬
‫تعدد مصاحفه ‪ ،‬ول فى تعدد قراءاته‪.‬‬
‫قال المستشرق لوبلوا‪ [ :‬إن القرآن هو اليوم الكتاب الربانى‬
‫الوحيد ‪ ،‬الذى ليس فيه أى تغيير يذكر ]‪.‬‬
‫ومن قبله قال مستشرق آخر (د‪ .‬موير) كلما طيبا ً فى الثناء على‬
‫القرآن ‪ ،‬وهو‪ [ :‬إن المصحف الذى جمعه عثمان ‪ ،‬قد تواتر‬
‫انتقاله من يد ليد ‪ ،‬حتى وصل إلينا بدون أى تحريف ‪ ،‬ولقد حفظ‬
‫بعناية شديدة ‪ ،‬بحيث لم يطرأ عليه أى تغيير يذكر ‪ ،‬بل نستطيع‬
‫أن نقول إنه لم يطرأ عليه أى تغييرعلى الطلق فى النسخ التى‬
‫ل حصر لها ‪ ،‬المتداولة فى البلد السلمية الواسعة ‪ ،‬فلم يوجد‬
‫إل قرآن واحد لجميع الفرق السلمية المتنازعة وهذا الستعمال‬
‫الجماعى لنفس النص المقبول من الجميع حتى اليوم حجة‬
‫منزل‪ ،‬الموجود معنا والذى يرجع إلى‬ ‫ودليل على صحة النص ال ُ‬
‫عهد الخليفة عثمان بن عفان رضى الله عنه الذى مات مقتول(‬
‫‪.)15‬‬
‫(‪ )1‬التوبة‪.128 :‬‬
‫(‪ )2‬القلم‪.42 :‬‬
‫(‪ )3‬معانى القرآن للقراء (‪.)3/177‬‬
‫(‪ )4‬الفرقان‪.48 :‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬رسم المصحف (‪ )29‬للدكتور ‪ /‬عبد الفتاح شلبى ‪،‬‬
‫مكتبة وهبة‪.‬‬
‫(‪ )6‬المذاهب السلمية (ص ‪ ، )4‬ترجمة د‪ .‬محمد يوسف موسى‪.‬‬
‫(‪ )7‬العراف‪.48 :‬‬
‫(‪ )8‬التوبة‪.114 :‬‬
‫(‪ )9‬رسم المصحف (‪ ، )30‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬
‫(‪ )10‬الرعد‪.43 :‬‬
‫(‪ )11‬الحجرات‪.6 :‬‬
‫(‪ )12‬يونس‪.5 :‬‬
‫(‪ )13‬ينظر‪ :‬البرهان فى علوم القرآن ‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬
‫(‪ " )14‬مدخل إلى القرآن الكريم " (ص ‪ )43‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬
‫(‪ )15‬حياة محمد ‪ :‬تأليف ‪ w.MUIR‬نقل عن (مدخل إلى القرآن‬
‫الكريم)‪.‬‬
‫‪----------------‬‬
‫‪ -34‬الكلم العجمى‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫‪532‬‬
‫جاء فى سورة الشعراء‪(:‬نزل به الروح المين * على قلبك لتكون‬
‫من المنذرين * بلسان عربى مبين) (‪ .)1‬وجاء فى سورة‬
‫الزمر‪(:‬قرآنا عربيا ً غير ذى عوج ) (‪ .)2‬وجاء فى سورة الدخان‪:‬‬
‫(فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون) (‪ .)3‬وجاء فى سورة‬
‫النحل‪( :‬ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذى‬
‫يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربى مبين) (‪.)4‬‬
‫ونحن نسأل‪ " :‬كيف يكون القرآن عربيًّا مبينًا ‪ ،‬وبه كلمات‬
‫أعجمية كثيرة ‪ ،‬من فارسية ‪ ،‬وآشورية ‪ ،‬وسريانية ‪ ،‬وعبرية ‪،‬‬
‫ويونانية ‪ ،‬ومصرية ‪ ،‬وحبشية ‪ ،‬وغيرها ؟ "‪.‬‬
‫هذا نص الشبهة الواردة فى هذا الصدد ‪ ،‬وتأكيدا لهذه الشبهة‬
‫ذكروا الكلمات العجمية حسب زعمهم التى وردت فى القرآن‬
‫الكريم وهى‪:‬‬
‫آدم أباريق إبراهيم أرائك استبرق إنجيل تابوت توراة جهنم حبر‬
‫حور زكاة زنجبيل سبت سجيل سرادق سكينة سورة صراط‬
‫طاغوت عدن فرعون فردوس ماعون مشكاة مقاليد ماروت‬
‫هاروت الله‪.‬‬
‫الرد على هذه الشبهة‪:‬‬
‫هذه هى شبهتهم الواهية ‪ ،‬التى بنوا عليها دعوى ضخمة ‪ ،‬ولكنها‬
‫جوفاء ‪ ،‬وهى نفى أن يكون القرآن عربيًّا مثلهم كمثل الذى يهم‬
‫أن يعبر أحد المحيطات على قارب من بوص ‪ ،‬ل يلبث أن تتقاذفه‬
‫المواج ‪ ،‬فإذا هو غارق ل محالة‪.‬‬
‫ولن نطيل الوقوف أمام هذه الشبهة ‪ ،‬لنها منهارة من أساسها‬
‫بآفة الوهن الذى بنيت عليه‪ .‬ونكتفى فى الرد عليها بالتى‪:‬‬
‫‪ -‬إن وجود مفردات غير عربية الصل فى القرآن أمر أقر به‬
‫علماء المسلمين قديما ً وحديثاً‪ .‬ومن أنكره منهم مثل المام‬
‫الشافعى كان لنكاره وجه مقبول سنذكره فيما يأتى إن شاء‬
‫الله‪.‬‬
‫‪ -‬ونحن من اليسير علينا أن نذكر كلمات أخرى وردت فى القرآن‬
‫سأَة بمعنى عصى فى سورة " سبأ "‬ ‫من ْ َ‬
‫غير عربية الصل ‪ ،‬مثل‪ِ :‬‬
‫ومثل " اليم " بمعنى النهر فى سورة " القصص " وغيرها‪.‬‬
‫‪ -‬إن كل ما فى القرآن من كلمات غير عربية الصل إنما هى‬
‫كلمات مفردات ‪ ،‬أسماء أعلم مثل‪ " :‬إبراهيم ‪ ،‬يعقوب ‪ ،‬إسحاق‬
‫‪ ،‬فرعون " ‪ ،‬وهذه أعلم أشخاص ‪ ،‬أو صفات ‪ ،‬مثل‪ ":‬طاغوت ‪،‬‬
‫حبر" ‪ ،‬إذا سلمنا أن كلمة " طاغوت " أعجمية‪.‬‬
‫ما من تراكيب غير عربية ‪ ،‬فليس فيه جملة‬ ‫‪ -‬إن القرآن يخلو تما ً‬
‫واحدة إسمية ‪ ،‬أو فعلية من غير اللغة العربية‪.‬‬

‫‪533‬‬
‫‪ -‬إن وجود مفردات أجنبية فى أى لغة سواء كانت اللغة العربية‬
‫أو غير العربية ل يخرج تلك اللغة عن أصالتها ‪ ،‬ومن المعروف أن‬
‫السماء ل تترجم إلى اللغة التى تستعملها حتى الن‪ .‬فالمتحدث‬
‫بالنجليزية إذا احتاج إلى ذكر اسم من لغة غير لغته ‪ ،‬يذكره‬
‫برسمه ونطقه فى لغته الصلية ومن هذا ما نسمعه الن فى‬
‫نشرات الخبار باللغات الجنبية فى مصر ‪ ،‬فإنها تنطق السماء‬
‫العربية نُطقا ً عربيَّا‪ .‬ول يقال‪:‬‬
‫إن نشرة الخبار ليست باللغة الفرنسية أو النجليزية مثل ً ‪،‬‬
‫لمجرد أن بعض المفردات فيها نطقت بلغة أخرى‪.‬‬
‫والمؤلفات العلمية والدبية الحديثة ‪ ،‬التى تكتب باللغة العربية‬
‫ويكثر فيها مؤلفوها من ذكر السماء الجنبية والمصادر التى نقلوا‬
‫عنها ‪ ،‬ويرسمونها بالحرف الجنبية والنطق الجنبى ل يقال‪ :‬إنها‬
‫مكتوبة بغير اللغة العربية ‪ ،‬لمجرد أن بعض الكلمات الجنبية‬
‫وردت فيها ‪ ،‬والعكس صحيح‪.‬‬
‫ًّ‬
‫ومثيرو هذه الشبهة يعرفون ذلك كما يعرفون أنفسهم فكان حريا‬
‫بهم أل يتمادوا فى هذه اللغو الساقط إما احتراما ً لنفسهم ‪ ،‬وإما‬
‫خجل ً من ذكر ما يثير الضحك منهم‪.‬‬
‫‪ -‬إنهم مسرفون فى نسبة بعض هذه المفردات التى ذكروها‬
‫وعزوها إلى غير العربية‪:‬‬
‫فالزكاة والسكينة ‪ ،‬وآدم والحور ‪ ،‬والسبت والسورة ‪ ،‬ومقاليد ‪،‬‬
‫وعدن والله ‪ ،‬كل هذه مفردات عربية أصيلة لها جذور لغُوية‬
‫عريقة فى اللغة العربية‪ .‬وقد ورد فى المعاجم العربية ‪ ،‬وكتب‬
‫فقه اللغة وغيرها تأصيل هذه الكلمات عربيَّا فمثلً‪:‬‬
‫ك‪ .‬وأصل هذه المادة هى الطهر‬ ‫الزكاة من زكا يزكو فهو زا ٍ‬
‫والنماء‪.‬‬
‫وكذلك السكينة ‪ ،‬بمعنى الثبات والقرار ‪ ،‬ضد الضطراب لها جذر‬
‫لغوى عميق فى اللغة العربية‪ .‬يقال‪:‬‬
‫سكن بمعنى أقام ‪ ،‬ويتفرع عنه‪ :‬يسكن ‪ ،‬ساكن ‪ ،‬مسكن ‪،‬‬
‫أسكن‪.‬‬
‫‪ -‬إن هذه المفردات غير العربية التى وردت فى القرآن الكريم ‪،‬‬
‫وإن لم تكن عربية فى أصل الوضع اللغوى فهى عربية باستعمال‬
‫العرب لها قبل عصر نزول القرآن وفيه‪ ..‬وكانت سائغة‬
‫ومستعملة بكثرة فى اللسان العربى قبيل نزول القرآن وبهذا‬
‫ت عربية نطقاً‬‫فارقت أصلها غير العربى ‪ ،‬وعُد َّ ْ‬ ‫الستعمال‬
‫ًّ‬
‫واستعمال ً وخطا‪.‬‬
‫إذن فورودها فى القرآن مع قلتها وندرتها إذا ما قيست بعدد‬
‫كلمات القرآن ل يخرج القرآن عن كونه " بلسان عربى مبين "‬

‫‪534‬‬
‫ومن أكذب الدعاءات أن يقال‪ :‬إن لفظ الجللة " الله " عبرى أو‬
‫سريانى وإن القرآن أخذه عن هاتين اللغتين‪ .‬إذ ليس لهذا اللفظ‬
‫الجليل " الله " وجود فى غير العربية‪:‬‬
‫فالعبرية مثل ً تطلق على " الله " عدة إطلقات ‪ ،‬مثل ايل ‪،‬‬
‫الوهيم ‪ ،‬وأدوناى ‪ ،‬ويهوا أو يهوفا‪ .‬فأين هذه اللفاظ من كلمة "‬
‫الله " فى اللغة العربية وفى اللغةاليونانية التى ترجمت منها‬
‫الناجيل إلى اللغة العربية حيث نجد الله فيها " الوى " وقد‬
‫وردت فى بعض الناجيل يذكرها عيسى عليه السلم مستغيثاً‬
‫بربه هكذا " الوى الوى " وترجمتها إلهى إلهى‪.‬‬
‫إن نفى عروبة القرآن بناء على هذه الشبهة الواهية أشبه ما‬
‫يكون بمشهد خرافى فى أدب اللمعقول‪.‬‬
‫(‪ )1‬الشعراء‪.195-193 :‬‬
‫(‪ )2‬الزمر‪.28 :‬‬
‫(‪ )3‬الدخان‪.58 :‬‬
‫(‪ )4‬النحل‪.103 :‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫‪ -35‬الكلم العاطل‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫يدعى المشكِّكُون أنه جاء فى فواتح ‪ 29‬سورة بالقرآن الكريم‬


‫حروف عاطلة ‪ ،‬ل يُفهم معناها نذكرها فيما يلى مع ذكر المواضع‬
‫التى وردت فيها‪:‬‬
‫الحروف‪:‬السورة الر‪ :‬يونس ‪ ،‬هود ‪ ،‬يوسف ‪ ،‬إبراهيم ‪ ،‬الحجر‬
‫الم‪ :‬البقرة ‪ ،‬آل عمران ‪ ،‬العنكبوت ‪ ،‬الروم ‪ ،‬لقمان ‪ ،‬السجدة‬
‫المر‪ :‬الرعد المص‪ :‬العراف حم‪ :‬غافر‪ ،‬فصلت ‪ ،‬الزخرف ‪،‬‬
‫الدخان ‪ ،‬الجاثية ‪ ،‬الحقاف حم عسق‪ :‬الشورى ص‪ :‬ص طس‪:‬‬
‫النمل طسم‪ :‬الشعراء ‪ ،‬القصص طه‪ :‬طه ق‪ :‬ق كهيعص‪ :‬مريم‬
‫ن‪ :‬القلم يس‪ :‬يس ونحن نسأل‪ " :‬إن كانت هذه الحروف ل‬
‫يعلمها إل الله (كما يقولون) فما فائدتها لنا ‪ ،‬إن الله ل يوحى إل‬
‫بالكلم الواضح فكلم الله بلغ وبيان وهدى للناس "‪.‬‬
‫الرد على هذه الشبهة‪:‬‬
‫أطلقوا على هذه الحروف وصف " الكلم العاطل " والكلم‬
‫العاطل هو " اللغو " الذى ل معنى له قط‪.‬‬
‫أما هذه الحروف ‪ ،‬التى أُفتتحت بها بعض سور القرآن ‪ ،‬فقد‬
‫فهمت منها المة ‪ ،‬التى أُنزل عليها القرآن بلغتها العريقة ‪ ،‬أكثر‬
‫من عشرين معنى(‪ ، )1‬وما تزال الدراسات القرآنية الحديثة‬
‫تضيف جديدا ً إلى تلك المعانى التى رصدها القدمون فلو كانت "‬

‫‪535‬‬
‫عاطلة " كما يدعى خصوم السلم ‪ ،‬ما فهم منها أحد معنى‬
‫واحداً‪.‬‬
‫ولو جارينا جدل ً هؤلء المتحاملين على كتاب الله العزيز من أن‬
‫هذه " الحروف " عاطلة من المعانى ‪ ،‬لوجدنا شططا ً فى‬
‫اتهامهم القرآن كله بأنه " كلم عاطل " لنها ل تتجاوز ثمانى‬
‫وعشرين آية ‪ ،‬باستبعاد " طه" و" يس " لنهما اسمان للنبى‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬حذف منهما أداة النداء والتقدير‪ :‬يا " طه‬
‫" يا " يس " بدليل ذكر الضمير العائد عليه هكذا‪:‬‬
‫(ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) (‪ )2‬و (إنك لمن المرسلين) (‪.)3‬‬
‫وباستبعاد هاتين السورتين من السور التسع والعشرين تُصبح‬
‫هذه السور سبعا ً وعشرين سورة ‪ ،‬منها سورة الشورى ‪ ،‬التى‬
‫ذكرت فيها هذه الحروف المقطعة مرتين هكذا‪:‬‬
‫"حم ‪ ،‬عسق " فيكون عدد اليات موضوع هذه الملحظة ثمانى‬
‫وعشرين آية فى القرآن كله ‪ ،‬وعدد آيات القرآن الكريم ‪ 6236‬آية‪.‬‬
‫ن وعشرين آية على ‪ 6208‬آية ؟‪.‬‬ ‫فكيف ينطبق وصف ثما ٍ‬
‫ت من هذه " الحروف " نختار منها ما يأتى‬ ‫والمعانى التى فُهم ْ‬
‫فى الرد على هؤلء الخصوم‪.‬‬
‫الرأىالول‪:‬‬
‫يرى بعض العلماء القدامى أن هذه الفواتح ‪ ،‬مثل‪ :‬الم ‪ ،‬و الر ‪،‬‬
‫والمص "‪ .‬تشير إلى إعجاز القرآن ‪ ،‬بأنه مؤلف من الحروف‬
‫التى عرفها العرب ‪ ،‬وصاغوا منها مفرداتهم ‪ ،‬وصاغوا من‬
‫مفرداتهم تراكيبهم‪.‬‬
‫وأن القرآن لم يغير من أصول اللغة ومادتها شيئا ً ‪ ،‬ومع ذلك كان‬
‫القرآن معجزا ً ؛ ل لنه نزل بلغة تغاير لغتهم ‪ ،‬ولكن لنه نزل‬
‫بعلم الله عز وجل ‪ ،‬كما يتفوق صانع على صانع آخر فى حذقه‬
‫ومهارته فى صنعته مع أن المادة التى استخدمها الصانعان فى "‬
‫حجة عنهم‪.‬‬ ‫النموذج المصنوع " واحدة وفى هذا قطع لل ُ‬
‫ويؤيد هذا قوله سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫(أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من‬
‫استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين * فإلم يستجيبوا لكم‬
‫فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن ل إله إل هو فهل أنتم‬
‫مسلمون ) (‪.)4‬‬
‫يعنى أن اللغة واحدة ‪ ،‬وإنما كان القرآن معجزا ً لمر واحد هو أنه‬
‫كلم الله ‪ ،‬نازل وفق علم الله وصنعه ‪ ،‬الذى ل يرقى إليه‬
‫مخلوق‪.‬‬
‫الرأى الثانى‪:‬‬

‫‪536‬‬
‫مقطعة " التى بدئت بها بعض سور القرآن‬ ‫إن هذه الحروف " ال ُ‬
‫إنما هى أدوات صوتية مثيرة لنتباه السامعين ‪ ،‬يقصد بها تفريغ‬
‫القلوب من الشواغل الصارفة لها عن السماع من أول وهلة‪.‬‬
‫فمثل ً " الم " فى مطلع سورة البقرة ‪ ،‬وهى تنطق هكذا‪.‬‬
‫" ألف لم ميم " تستغرق مسافة من الزمن بقدر ما يتسع لتسعة‬
‫أصوات ‪ ،‬يتخللها المد مد الصوت عندما تقرع السمع تهيؤه ‪،‬‬
‫وتجذبه لعقبى الكلم قبل أن يسمع السامع قوله تعالى بعد هذه‬
‫الصوات التسعة‪:‬‬
‫(ذلك الكتاب ل ريب فيه هدى للمتقين ) (‪.)5‬‬
‫وإثارة النتباه بمثل هذه المداخل سمة من سمات البيان العالى ‪،‬‬
‫ولذلك يطلق بعض الدارسين على هذه " الحروف " فى فواتح‬
‫السور عبارة " قرع عصى " (‪ )6‬وهى وسيلة كانت تستعمل فى‬
‫إيقاظ النائم ‪ ،‬وتنبيه الغافل‪ .‬وهى كناية لطيفة ‪ ،‬وتطبيقها على‬
‫هذه " الحروف " غير مستنكر‪ .‬لن الله عز وجل دعا الناس‬
‫لسماع كلمه ‪ ،‬وتدبر معانيه ‪ ،‬وفى ذلك يقول سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫(وإذا قُرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) (‪.)7‬‬
‫الرأى الثالث‪:‬‬
‫ويرى المام الزمخشرى أن فى هذه " الحروف " سًّرا دقيقا ً من‬
‫أسرار العجاز القرآنى المفحم ‪ ،‬وخلصة رأيه نعرضها فى التى‪:‬‬
‫" واعلم أنك إذا تأملت ما أورده الله عز سلطانه فى الفواتح من‬
‫هذه السماء يقصد الحروف وجدتها نصف حروف المعجم ‪ ،‬أربعة‬
‫عشر سواء ‪ ،‬وهى‪ :‬اللف واللم والميم والصاد ‪ ،‬والراء والكاف‬
‫والهاء ‪ ،‬والياء والعين والطاء والسين والحاء ‪ ،‬والقاف والنون ‪،‬‬
‫فى تسع وعشرين سورة ‪ ،‬على حذو حروف المعجم "‪.‬‬
‫ثم إذا نظرت فى هذه الربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف‬
‫أجناس الحروف ‪ ،‬بيان ذلك أن فيها‪:‬‬
‫من المهموسة نصفها‪:‬‬
‫" الصاد ‪ ،‬والكاف ‪ ،‬والهاء والسين والخاء "‪.‬‬
‫ومن المجهورة نصفها‪:‬‬
‫اللف واللم والميم ‪ ،‬والراء والعين والطاء ‪ ،‬والقاف والياء‬
‫والنون‪.‬‬
‫ومن الشديدة نصفها‪:‬‬
‫" اللف والكاف ‪ ،‬والطاء والقاف "‪.‬‬
‫ومن الرخوة نصفها‪:‬‬
‫" اللم والميم ‪ ،‬والراء والصاد ‪ ،‬والهاء والعين ‪ ،‬والسين والحاء‬
‫والياء والنون "‪.‬‬
‫ومن المطبقة نصفها‪:‬‬

‫‪537‬‬
‫" الصاد والطاء "‪.‬‬
‫ومن المنفتحة نصفها‪:‬‬
‫" اللف واللم ‪ ،‬والميم والراء ‪ ،‬والكاف ‪ ،‬والهاء والعين والسين‬
‫والحاء ‪ ،‬والقاف والياء والنون "‪.‬‬
‫ومن المستعلية نصفها‪:‬‬
‫" القاف والصاد ‪ ،‬والطاء "‪.‬‬
‫ومن المنخفضة نصفها‪:‬‬
‫" اللف واللم والميم ‪ ،‬والراء والكاف والهاء ‪ ،‬والياء ‪ ،‬والعين‬
‫والسين ‪ ،‬والحاء والنون "‪.‬‬
‫ومن حروف القلقلة نصفها‪ " :‬القاف والطاء " (‪.)8‬‬
‫يريد أن يقول‪ :‬إن هذه الحروف المذكورة يلحظ فيها ملحظان‬
‫إعجازيان‪:‬‬
‫الول‪ :‬من حيث عدد البجدية العربية ‪ ،‬وهى ثمانية وعشرون‬
‫حرفاً‪ .‬فإن هذه الحروف المذكورة فى فواتح السور تعادل نصف‬
‫حروف البجدية ‪ ،‬يعنى أن المذكور منها أربعة عشر حرفا ً والذى‬
‫لم يذكر مثلها أربعة عشر حرفا‪:‬‬
‫‪ 28 = 14+14‬حرفا ً هى مجموع البجدية العربية‪.‬‬
‫الثانى‪ :‬من حيث صفات الحروف وهى‪:‬‬
‫الهمس فى مقابلة الجهارة‪.‬‬
‫الشدة فى مقابلة الرخاوة‪.‬‬
‫النطباق فى مقابلة النفتاح‪.‬‬
‫والستعلء فى مقابلة النخفاض‪.‬‬
‫والقلقلة فى مقابلة غيرها‪.‬‬
‫نجد هذه الحروف المذكورة فى الفواتح القرآنية لبعض سور‬
‫القرآن تعادل نصف أحرف كل صفة من الصفات السبع‬
‫المذكورة‪ .‬وهذا النتصاف مع ما يلحظ فيه من التناسب الدقيق‬
‫بين المذكور والمتروك ‪ ،‬ل يوجد إل فى كلم الله المنزل على‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم ‪ .‬وهو ذو مغزى إعجازى مذهل‬
‫معقباً‬‫لذوى اللباب ‪ ،‬لذلك نرى المام جار الله الزمخشرى يقول ُ‬
‫على هذا الصنع الحكيم‪:‬‬
‫" فسبحان الذى دقت فى كل شىء حكمته‪ .‬وهو المطابق‬
‫للطائف التنزيل واختصاراته‪ .‬فكأن الله عز اسمه عدد على‬
‫العرب اللفاظ التى منها تراكيب كلمهم ‪ ،‬إشارة إلى ما ذكرت‬
‫حجة إياهم (‪.)9‬‬‫من التبكيت لهم ‪ ،‬وإلزام ال ُ‬
‫ثم أخذ المام الزمخشرى ‪ ،‬يذكر فى إسهاب الدقائق والسرار‬
‫واللطائف ‪ ،‬التى تستشف من هذه " الحروف " التى بدئت بها‬
‫بعض سور القرآن ‪ ،‬وتابعه فى ذلك السيد الشريف فى حاشيته‬

‫‪538‬‬
‫التى وضعها على الكشاف ‪ ،‬والمطبوعة بأسفل تفسير‬
‫الزمخشرى‪ .‬وذكر ما قاله الرجلن هنا يخرج بنا عن سبيل القصد‬
‫الذى نتوخاه فى هذه الرسالة‪ .‬ونوصى القراء الكرام بالطلع‬
‫عليه فى المواضع المشار إليها فى الهوامش المذكورة وبقى أمٌر‬
‫م فى الرد على هذه الشبهة التى أثارها خصوم السلم ‪ ،‬وهى‬ ‫مه ٌّ‬
‫شبهة وصف القرآن بالكلم العاطل‪ .‬نذكره فى إيجاز فى التى‪:‬‬
‫لو كانت هذه " الحروف " من الكلم العاطل لما تركها العرب‬
‫المعارضون للدعوة فى عصر نزول القرآن ‪ ،‬وهم المشهود لهم‬
‫بالفصاحة والبلغة ‪ ،‬والمهارة فى البيان إنشاءً ونقدا ً ؛ فعلى‬
‫قدرما طعنوا فى القرآن لم يثبت عنهم أنهم عابوا هذه " الفواتح‬
‫" وهم أهل الذكر " الختصاص " فى هذا المجال‪ .‬وأين يكون "‬
‫الخواجات " الذين يتصدون الن لنقد القرآن من أولئك الذين‬
‫كانوا أعلم الناس بمزايا الكلم وعيوبه ؟!‬
‫وقد ذكر القرآن نفسه مطاعنهم فى القرآن ‪ ،‬ولم يذكر بينها أنهم‬
‫أخذوا على القرآن أىَّ مأخذ ‪ ،‬ل فى مفرداته ول فى جمله ‪ ،‬ول‬
‫َ‬
‫فى تراكيبه‪ .‬بل على العكس سل ّموا له بالتفوق فى هذا الجانب ‪،‬‬
‫وبعض العرب غير المسلمين امتدحوا هذا النظم القرآنى ورفعوه‬
‫فوق كلم النس والجن‪.‬‬
‫ولشدة تأثيره على النفوس اكتفوا بالتواصى بينهم على عدم‬
‫سماعه ‪ ،‬والشوشرة عليه‪.‬‬
‫والطاعنون الجدد فى القرآن ل قدرة لهم على فهم تراكيب اللغة‬
‫العربية ‪ ،‬ول على صوغ تراكيبها صوغا ً سليما ً ‪ ،‬والشرط فيمن‬
‫يتصدى لنقد شىء أن تكون خبرته وتجربته أقوى من الشىء‬
‫الذى ينقده‪ .‬وهذا الشرط منعدم أصل ً عندهم‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر للوقوف على هذه المعانى‪ :‬التفسير الكبير " للفخر‬
‫الرازى‪ .‬تفسير سورة البقرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬طه‪.2 :‬‬
‫(‪ )3‬يس‪.3 :‬‬
‫(‪ )4‬هود‪.14-13 :‬‬
‫(‪ )5‬البقرة‪.2 :‬‬
‫(‪ )6‬يعنى الضرب بالعصى على الرض لتنبيه المراد تنبيهه‪.‬‬
‫(‪ )7‬العراف‪.204 :‬‬
‫(‪ )8‬الكشاف (ج ‪ 1‬ص ‪.)103 -100‬‬
‫(‪ )9‬الكشاف‪( :‬ج ‪ 1‬ص ‪.)103‬‬
‫‪------------------------‬‬
‫‪ -36‬الكلم المتناقض أ‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫‪539‬‬
‫" جاء فى سورة النساء‪( :‬أفل يتدبرون القرآن ولو كان من عند‬
‫غير الله لوجدوا فيه اختلفا كثيراً) (‪.)1‬‬
‫ولكننا نجد فيه التناقض الكثير مثل‪:‬‬
‫كلم الله ل يتبدل‪ :‬كلم الله يتبدل (ل تبديل لكلمات الله ) (‪:)2‬‬
‫(وإذا بدلنا آية مكان آية‪( )3( )..‬ل مبدل لكلماته ) (‪( :)4‬ما ننسخ‬
‫من آية أو ننسها نأت بخير منها ) (‪( )5‬إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له‬
‫لحافظون ) (‪( :)6‬يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) (‬
‫‪ )7‬هذه طريقتهم فى عرض هذه الشبهة يقابلون بين بعض اليات‬
‫على اعتبار تصورهم ‪ ،‬وهو أن كل آية تناقض معنى الية المقابلة‬
‫لها ‪ ،‬على غرار ما ترى فى هذا الجدول الذى وضعوه لبيان‬
‫التناقض فى القرآن حسب زعمهم‪.‬‬
‫الرد على هذه الشبهة‪:‬‬
‫الصورة الولى للتناقض الموهوم بين آية يونس‪( :‬ل تبديل‬
‫لكلمات الله) وآية النحل (وإذا بدلنا آية مكان آية‪ )..‬ل وجود لها‬
‫ما‪.‬‬
‫إل فى أوهامهم ويبدو أنهم يجهلون معنى التناقض تما ً‬
‫فالتناقض من أحكام العقل ‪ ،‬ويكون بين أمرين كليين ل يجتمعان‬
‫أبدا ً فى الوجود فى محل واحد ‪ ،‬ول يرتفعان أبدا ً عن ذلك المحل‬
‫‪ ،‬بل ل بد من وجود أحدهما وانتفاء الخر ‪ ،‬مثل الموت والحياة‪.‬‬
‫فالنسان يكون إما حيًّا وإما ميتا ول يرتفعان عنه فى وقت واحد ‪،‬‬
‫ومحال أن يكون حيًّا و ميتا ً فى آن واحد ؛ لن النقيضين ل‬
‫يجتمعان فى محل واحد‪.‬‬
‫ومحال أن يكون إنسان ما ل حى ول ميت فى آن واحد وليس‬
‫فى القرآن كله صورة ما من صور التناقض العقلى إل ما يدعيه‬
‫الجهلء أو المعاندون‪ .‬والعثور على التناقض بين اليتين المشار‬
‫إليهما محال محال ؛ لن قوله تعالى فى سورة يونس (ل تبديل‬
‫لكلمات الله) معناه ل تبديل لقضاء الله الذى يقضيه فى شئون‬
‫الكائنات ‪ ،‬ويتسع معنى التبديل هنا ليشمل سنن الله وقوانينه‬
‫الكونية‪ .‬ومنها القوانين الكيميائية ‪ ،‬والفيزيائية وما ينتج عنها من‬
‫تفاعلت بين عناصرالموجودات ‪،‬أو تغييرات تطرأ عليها‪ .‬كتسخين‬
‫الحديد أو المعادن وتمددها بالحرارة ‪ ،‬وتجمدها وانكماشها‬
‫ل‪.‬‬‫بالبرودة‪ .‬هذه هى كلمات الله عّز وج ّ‬
‫وقد عبر عنها القرآن فى مواضع أخرى ب‪ ..‬السنن وهى القوانين‬
‫التى تخضع لها جميع الكائنات ‪ ،‬النسان والحيوان والنبات‬
‫والجمادات‪ .‬إن كل شئ فى الوجود ‪ ،‬يجرى ويتفاعل وفق السنن‬
‫اللهية أو كلماته الكلية ‪ ،‬التى ليس فى مقدور قوة فى الوجود‬
‫أن تغيرها أو تعطل مفعولها فى الكون‪.‬‬

‫‪540‬‬
‫ذلك هو المقصود به ب " كلمات الله " ‪ ،‬التى ل نجد لها تبديل ً ‪،‬‬
‫ول نجد لها تحويلً‪.‬‬
‫ومن هذه الكلمات أو القوانين والسنن اللهية النافذة طوعا ً أو‬
‫كرها ً قوله تعالى‪( :‬كل نفس ذائقة الموت) (‪ .)8‬فهل فى مقدور‬
‫أحد مهما كان أن يعطل هذه السنة اللهية فيوقف " سيف المنايا‬
‫" ويهب كل الحياء خلودا ً فى هذه الحياة الدنيا ؟ فكلمات الله‬
‫إذن هى عبارة عن قضائه فى الكائنات وقوانينه المطردة فى‬
‫الموجودات وسننه النافذة فى المخلوقات‪.‬‬
‫ول تناقض فى العقل ول فى النقل ول فى الواقع المحسوس بين‬
‫مدلول آية‪( :‬ل تبديل لكلمات الله) وآية‪:‬‬
‫(وإذا بدلنا آية مكان آية‪.)..‬‬
‫لن معنى هذه الية‪ :‬إذا رفعنا آية ‪ ،‬أى وقفنا الحكم بها ‪ ،‬ووضعنا‬
‫آية مكانها ‪ ،‬أى وضعنا الحكم بمضمونها مكان الحكم بمضون‬
‫الولى‪ .‬قال جهلة المشركين‪ :‬إنما أنت مفتِرٍ (‪.)9‬‬
‫فلكل من اليتين معنى فى محل غير معنى ومحل الخرى‪.‬‬
‫فالية فى سورة يونس (ل تبديل لكلمات الله) والية فى سورة‬
‫النحل‪( :‬وإذا بدلنا آية مكان آية‪ )..‬لكل منهما مقام خاص ‪ ،‬ولكن‬
‫هؤلء الحقدة جعلوا الكلمات بمعنى اليات ‪ ،‬أو جعلوا اليات‬
‫بمعنى الكلمات زورا ً وبهتانا ً ‪ ،‬ليوهموا الناس أن فى القرآن‬
‫تناقضاً‪ .‬وهيهات هيهات لما يتوهمون‪.‬‬
‫أما اليتان (ل مبدل لكلماته) و(ما ننسخ من آية أو ننسها نأت‬
‫بخير منها أو مثلها) وقد تقدم ذكرهما فى الجدول السابق‪.‬‬
‫هاتان اليتان بريئتان من التناقض براءة قرص الشمس من اللون‬
‫السود‪:‬‬
‫فآية الكهف (ل مبدل لكلماته) معناها ل مغير لسننه وقوانينه فى‬
‫الكائنات‪ .‬وهذا هو ما عليه المحققون من أهل العلم ويؤيده‬
‫الواقع المحسوس والعلم المدروس‪.‬‬
‫وحتى لو كان المراد من " كلماتـه " آياته المنـزلة فى الكتاب‬
‫العـزيز " القرآن " فإنه ـ كذلك ـ ل مبدل لها من الخلق فهى‬
‫باقية محفوظة كما أنزلها الله عز وجل ‪ ،‬إلى أن يرث الله الرض‬
‫ومن عليها (‪.)10‬‬
‫أما آية البقرة‪( :‬ما ننسخ من آية ) فالمراد من الية فيها المعجزة‬
‫‪ ،‬التى يجريها الله على أيدى رسله‪.‬‬
‫ونسخها رفعها بعد وقوعها‪ .‬وليس المراد الية من القرآن ‪ ،‬وهذا‬
‫ما عليه المحققون من أهل التأويل‪.‬‬
‫بدليل قوله تعالى فى نفس الية‪( :‬ألم تعلم أن الله على كل‬
‫شىء قدير )‪.‬‬

‫‪541‬‬
‫ويكون الله عز وجل قد أخبر عباده عن تأييده رسله بالمعجزات‬
‫وتتابع تلك المعجزات ؛ لنها من صنع الله ‪ ،‬والله على كل شىء‬
‫قدير‪.‬‬
‫فاليتان ـ كما ترى ـ لكل منهما مقام خاص بها ‪ ،‬وليس بينهما‬
‫أدنى تعارض ‪ ،‬فضل ً عن أن يكون بينهما تناقض‪.‬‬
‫أما اليتان الخيرتان الواردتان فى الجدول ‪ ،‬وهما آية الحجر‪( :‬إنا‬
‫نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وآية الرعد‪( :‬يمحو الله ما‬
‫يشاء ويثبت) فل تعارض بينهما كذلك ؛ لن الية الولى إخبار من‬
‫الله بأنه حافظ للقرآن من التبديل والتحريف والتغيير ‪ ،‬ومن كل‬
‫آفات الضياع وقد صدق إخباره تعالى ‪ ،‬فظل القرآن محفوظا ً من‬
‫كل ما يمسه مما مس كتب الرسل السابقين عليه فى الوجود‬
‫الزمنى ‪ ،‬ومن أشهرها التوراة وملحقاتها‪ .‬والنجيل الذى أنزله‬
‫الله على عيسى عليه السلم‪.‬‬
‫أما الية الثانية‪( :‬يمحو الله ما يشاء ويثبت) فهى إخبار من الله‬
‫بأنه هو وحده المتصرف فى شئون العباد دون أن يحد من تصرفه‬
‫أحد‪ .‬فإرادته ماضية ‪ ،‬وقضاؤه نافذ ‪ ،‬يحيى ويميت ‪ ،‬يغنى ويفقر ‪،‬‬
‫شقِى ‪ ،‬يعطى ويمنع ‪ ،‬ل راد لقضائه ‪ ،‬ول‬ ‫سعِد وي ُ ْ‬
‫ض ‪ ،‬يُ ْ‬ ‫يُص ُّ‬
‫ح وي ُ ْ‬
‫مرِ ُ‬
‫معقب على حكمه (ل يُسأل عما يفعل وهم يُسـألون ) (‪ .)11‬فأين‬
‫التناقـض المزعوم بين هاتين اليتين يا ترى ؟ التناقض كان‬
‫سيكون لو ألغت آية معنى الخرى‪ .‬أما ومعنى اليتين كل منهما‬
‫ق متوازٍ غير طريق الخرى ‪ ،‬فإن القول بوجود‬ ‫يسير فى طري ٍ‬
‫تناقض بينهما ضرب من الخبل والهذيان المحموم ‪ ،‬ولكن ماذا‬
‫نقول حينما يتكلم الحقد والحسد ‪ ،‬ويتوارى العقل وراء دياجير‬
‫الجهالة الحاقدة ؟ نكتفى بهذا الرد الموجز المفحم ‪ ،‬على ما ورد‬
‫فى الجدول المتقدم ذكره‪.‬‬
‫وهناك شبه أخرى يمكن سردها بإيجاز‪:‬‬
‫‪ -1‬إنهـم توهـموا تناقضـا ً بين قوله تعالى‪( :‬يدبر المر من السماء‬
‫إلى الرض ثم يعرج إليه فى يوم كان مقداره ألف سنة مما‬
‫تعدون ) (‪ .)12‬وبين قوله تعالى‪( :‬تعرج الملئكة والروح إليه فى‬
‫يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) (‪ .)13‬وفى عبارة شديدة‬
‫اليجاز نرد على هذه الشبهة الفرعية ‪ ،‬التى تصيدوها من اختلف‬
‫زمن العروج إلى السماء ‪ ،‬فهو فى آية السجدة ألف سنة وهو‬
‫فى آية المعارج خمسون ألف سنة ‪ ،‬ومع هذا الفـارق العظيم‬
‫فإن اليتين خاليتان من التناقض‪ .‬ولماذا ؟ لنهما عروجان ل‬
‫عروج واحد ‪ ،‬وعارجان ل عارج واحد‪.‬‬
‫فالعارج فى آية السـجدة المر ‪ ،‬والعـروج عروج المر ‪ ،‬والعارج‬
‫فى آية المعارج هم الملئكة والعروج هو عروج الملئكة‪.‬‬

‫‪542‬‬
‫اختلف العـارج والعـروج فى اليتين‪ .‬فاختلف الزمن فيهما قصـراً‬
‫أو طولً‪ .‬وشرط التناقض ـ لو كانوا يعلمون ـ هو اتحاد المقام‪.‬‬
‫ضا‪ :‬إن بين قوله تعالى‪( :‬ثلة من الولين وقليل من‬ ‫‪ -2‬وقالوا أي ً‬
‫الخرين) (‪ .)14‬وقـوله تعالى‪( :‬ثلة من الولين وثلة من الخرين )‬
‫(‪ )15‬تناقضا‪ .‬وشـاهد التنـاقض عندهم أن الله قال فى الية (‬
‫‪()13‬وقليل من الخـرين (وقال فى الية (‪( )40‬وثلة من الخرين)‬
‫إذ كيف قال أولً‪( :‬ثلة من الولين * وقـليل من الخرين) ثم قال‬
‫ثانيا ً (ثلة من الولين * وثلة من الخرين (ولو كان لديهم نية فى‬
‫النصاف ‪ ،‬ومعرفة الحق ناصعا ً ونظروا فى المقامين اللذين ورد‬
‫فيهما هذا الختلف لوصلوا إلى الحق من أقصر طريق‪.‬‬
‫ولكنهم يبحثون عن العيوب ولو كلفهم ذلك إلغاء عقولهم‪.‬‬
‫هذا الختلف سببه اختلف مقام الكلم ؛ لن الله عز وجل قسم‬
‫الناس فى سـورة الواقعة ‪ ،‬يوم القـيامة ثلثة أقسام‪ .‬فقال‪:‬‬
‫(وكنتم أزواجا ً ثلثة)‪:‬‬
‫*السابقون السابقون‪* .‬وأصحاب الميمنـة‪ * .‬وأصحاب المشئمة‪.‬‬
‫ثم بين مصير كل قسـم من هـذه القسام فالسابقون السابقـون‬
‫لهم منزلة‪ " :‬المقربون فى جنات النعيم ثم بيَّن أن الذين يتبوأون‬
‫هذه المنزلة فريقان‪:‬‬
‫كـثيرون من السـابقين الوليـن ‪ ،‬وقلــيلون من الجيال‬
‫المتأخـرين وذلك لن السابقين الولين بلغوا درجات عالية من‬
‫اليمان وعمل الباقيات الصالحات‪ .‬ولم يشاركهم من الجيال‬
‫المتأخرة عن زمنهم إل قليل‪.‬‬
‫أما أصحاب اليمين أو الميمنة فبلؤهم فى السلم أدنى من بلء‬
‫السابقين الولين‪ .‬لذلك كانت درجاتهم فى الجنة أدنى من‬
‫درجات السابقين الولين ويشاركهم فى هذه المنزلة كثير من‬
‫الجيال اللحقة بهم ؛ لن فرصة العمل بما جعلهم أصحاب اليمين‬
‫‪ ،‬متاحة فى كل زمان‪.‬‬
‫ويمكن أن نمثل للسابقين الولين بأصحاب رسول الله(ولصحاب‬
‫اليمين) بالتابعين ‪ ،‬الذين أدركوا الصحابة ولم يدركوا صاحب‬
‫الرسالة‪ .‬واذا صح هذا التمثيل ‪ ،‬ول أظنه إل صحيحا ً ‪ ،‬صح أن‬
‫نقول‪:‬‬
‫إن قليل ً منا ‪ ،‬بل وقليل جدا ً ‪ ،‬من يسير فى حياته سيرة أصحاب‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كثيرا ً منا من يمكن أن‬
‫يسير سيرة التابعين رضى الله عنهم‪.‬‬
‫وعلى هذا فل تناقض أبدا ً بين اليتين‪:‬‬
‫(ثلة من الولين * وقليل من الخرين)‪.‬‬
‫و(ثلة من الولين * وثلة من الخرين)‪.‬‬

‫‪543‬‬
‫ضا‪ :‬إن فى القرآن آية تنهى عن النفـاق ‪ ،‬وآية أخـرى‬ ‫‪ -3‬وقالوا أي ً‬
‫تُكره الناس على النفاق أما الية التى تنهى عن النفاق ـ عندهم ـ‬
‫فهى قوله تعالى(‪ :‬وبشر المنافقين بأن لهم عذابًا أليما) (‪.)16‬‬
‫وأما الية التى تُكره الناس على النفـاق ـ عندهم ـ فهى قوله‬
‫تعالى‪( :‬وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن‬
‫الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفـروا من قـبل‬
‫قاتلهـم الله أَنَّى يؤفكـون ) (‪.)17‬‬
‫من المحال أن يفهم من له أدنى حظ من عقل أو تمييز أن فى‬
‫الية الولى نهيا ً ‪ ،‬وأن فى الية الثانية إكراها ً ويبدو بكل وضوح‬
‫أن مثيرى هذه الشبهات فى أشد الحاجة إلى من يعلمهم القراءة‬
‫والكتابة على منهج‪ :‬وزن وخزن وزرع‪.‬‬
‫ويبدو بكل وضوح أنهم أعجميو اللسان ‪ ،‬ل يجيدون إل الرطانة‬
‫والتهتهة ؛ لنهم جهلة باللغة العربية ‪ ،‬لغة التنزيل المعجز‪ .‬ومع‬
‫صبُون أنفسهم لنقد القرآن ‪ ،‬الذى أعجز النس‬ ‫هذه المخازى يُن َ َّ‬
‫والجن‪.‬‬
‫ل نهى فى الية الولى ‪ ،‬لن النهى فى لغة التنزيل له أسلوب‬
‫لغوى معروف ‪ ،‬هو دخول " ل " الناهية على الفعل المضارع‬
‫مثل‪ :‬ل تفعل كذا‪.‬‬
‫ويقـوم مقامه أسلوب آخر هو‪ :‬إياك أن تفعل ‪ ،‬جام ًعا بين التحذير‬
‫والنهى ‪ ،‬ول إكـراه فى الية الثانيـة‪.‬‬
‫وقد جهل هؤلء الحقدة أن الكراه من صفات الفعال ل من‬
‫صفات القـوال أما كان الحرى بهم أن يستحيوا من ارتكاب هذه‬
‫الحماقات الفاضحة‪.‬‬
‫إن الية الولى‪( :‬وبشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما) تحمل‬
‫إنذارا ً ووعيداً‪ .‬أما النهـى فل وجـود له فـيها والية الثانية تسـجل‬
‫عن طريق " الخبر " انحراف اليهود والنصارى فى العقيدة ‪،‬‬
‫وكفرهم بعقيدة التوحيد ‪ ،‬وهى الساس الذى قامت عليه‬
‫رسالت الله عز وجل‪.‬‬
‫وليس فى هذه الية نفاق أصل ً ‪ ،‬ولكن فيها رمز إلى أن اليهود‬
‫والنصارى حين نسبوا " البنية " لله لم يكونوا على ثقة بما‬
‫يقولون ‪ ،‬ومع هذا فإنهم ظلوا فى خداع أنفسهم‪.‬‬
‫وكيف يكون الـقرآن قد أكرههـم على هذا النـفاق " المودرن "‬
‫وهو فى الوقت نفسه يدعو عليهم بالهلك بقبح إشراكهم بالله‪:‬‬
‫(قاتلهم الله)‪.‬‬
‫(‪ )1‬النساء‪.82 :‬‬
‫(‪ )2‬يونس‪.64 :‬‬
‫(‪ )3‬النحل‪.101 :‬‬

‫‪544‬‬
‫(‪ )4‬الكهف‪.27 :‬‬
‫(‪ )5‬البقرة‪.106 :‬‬
‫(‪ )6‬الحجر‪.9 :‬‬
‫(‪ )7‬الرعد‪.39 :‬‬
‫(‪ )8‬آل عمران‪.185 :‬‬
‫(‪ )9‬انظر تفسير فتح القدير (ج ‪ )10( )2/232‬تفسير فتح القدير (ج ‪3‬‬
‫ـ ص ‪.)333‬‬
‫(‪ )11‬النبياء‪.23 :‬‬
‫(‪ )12‬السجدة‪.5 :‬‬
‫(‪ )13‬المعارج‪.4 :‬‬
‫(‪ )14‬الواقعة‪ 13 :‬ـ ‪.14‬‬
‫(‪ )15‬الواقعة‪ 39 :‬ـ ‪.40‬‬
‫(‪ )16‬النساء‪.138 :‬‬
‫(‪ )17‬التوبة‪.30 :‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫‪ -37‬الكلم المفكك‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫جاء فى سورة السراء‪( :‬وقرآنًا فرقناه لتقرأه على الناس على‬


‫مكث ونزلناه تنزيل ) (‪( .)1‬وقرآنا فرقناه) ‪ :‬نزلناه مفرقا ً منجما ً "‬
‫فإنه نزل فى تضاعيف عشرين سنة " (لتقرأه على الناس على‬
‫مكث)‪:‬‬
‫على مهل وتؤدة‪ .‬فإنه أيسر للحفظ وأعون على الفهم (ونزلناه‬
‫تنزيل) حسب الحوادث ‪ ،‬بعد هذه المقدمة قالوا‪:‬‬
‫" كيف يكون القرآن وحيا ً ‪ ،‬وهو متقطع مفرق يأتى بعضه فى‬
‫وقت ‪ ،‬ويتأخر بعضه إلى وقت آخر ‪ ،‬لقد كان محمد يرتبك عندما‬
‫كان العرب أو اليهود أو النصارى يسألونه‪ .‬وأحيانا ً كان يحتج بأن‬
‫جبريل تأخر‪.‬‬
‫الرد على هذه الشبهة‪:‬‬
‫ً‬
‫إنهم يستبعدون أن يكون القرآن وحيا لنه لم ينزل مرة واحدة‪.‬‬
‫فنزوله مفرقا ً على مدى ثلث وعشرين سنة ينفى عنه كونه وحياً‬
‫من عند الله ‪ ،‬هذه واحدة ويثبت أنه كلم مفكك ‪ ،‬وهذه ثانية‬
‫ونقول لهم على وفق طريقتهم‪:‬‬
‫ونحن نسأل‪:‬‬
‫َ‬
‫من أين لكم هذا الدليل ؟ أنَزل عليكم وحى من الله قال لكم‬
‫فيه‪ :‬إن كل وحى من عندى يكون نزوله دفعة واحدة‪ .‬وكل ما‬

‫‪545‬‬
‫خالف هذا ل يكون وحيا ً ؟ ! هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين‪ .‬هذا‬
‫عن الولى‪.‬‬
‫أما عن الثانية ‪ ،‬فمن يجاريكم من العقلء على هذا المعيار الذى‬
‫وضعتموه لمعرفة الكلم المفكك الذى تتهمون كلم رب العالمين‬
‫به ؟ إن الكلم المفكك عند العقلء هو الكلم الذى ل يناسب‬
‫بعضه بعضا ً ‪ ،‬لمن حيث المفردات والتراكيب ول من حيث‬
‫المعانى والدللت‪ .‬وهذا معيار عام ل يخص كلما ً دون كلم ‪،‬‬
‫فمن الناس من يكتب كتابا ً فى سنة ‪ ،‬أو خمس ‪ ،‬أو عشر ‪ ،‬ويأتى‬
‫ما كتبه آية فى الجودة والتقان‪ .‬ولو قدر لنسان أن يكتب كتاباً‬
‫من مائة صفحة فى ساعة أو ساعتين أو ثلث لجاء كتابه "‬
‫تخاليط " يصد عنه الناس‪.‬‬
‫والقرآن ‪ ،‬الذى نزل مفرقا ً فى ثلث وعشرين سنة ‪ ،‬ليس له‬
‫مثيل ولحتى مقارب فى إحكام نسجه ‪ ،‬وتآلف نظمه وصحة‬
‫معناه وصفاء عباراته ‪ ،‬وسلمة لغته من كل عيب أو قصور‪.‬‬
‫كتاب قطع عمرا ً من الدهر يقترب من اللف ونصف اللف من‬
‫السنين ‪ ،‬ومع هذا فهو كتاب كل عصر سام فوق كل كلم قيل‬
‫بعده أو قبله أو فى عصر نزوله و معانيه تكشف للناس فى كل‬
‫عصر سبقا ً فى ميادين المعرفة يذهل ويدهش‪ .‬وكفاه فضل ً سبقه‬
‫للحضارات الحديثة فى مختلف ميادين المعرفة العلوية والرضية‬
‫وما بين السماء والرض ‪ ،‬وما فى أعماق النهار والبحار‬
‫والمحيطات ‪ ،‬وما فى أعماق الرض‪.‬‬
‫وكل هذا وفاء بالوعد اللهى ‪ ،‬الذى ورد فى القرآن‪(:‬سنريهم‬
‫آياتنا فى الفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) (‪.)2‬‬
‫إن القرآن الذى تفترون عليه هو كتاب الوجود كله ‪ ،‬كم حاول‬
‫الحاقدون قبلكم ومعكم أن يحدثوا فيه شرخا ً فأعياهم ‪ ،‬وبقى هو‬
‫كلمة الله العليا السابحة فى الفاق يتحدى تعاقب الدهور‬
‫والعصور ‪ ،‬وهو المنارة الشامخة يتلل ضوؤها ماحيا ً حيالك‬
‫الظلم‪( .‬الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له‬
‫عوجا * قيما ً لينذر بأسا شديدا ً من لدنه ويبشر المؤمنين الذين‬
‫يعملون الصالحات أن لهم أجرا ً حسنا ً * ماكثين فيها أبدا ً * وينذر‬
‫الذين قالوا اتخذ الله ولدا * مالهم به من علم ول لبائهم كبرت‬
‫كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إل كذبا ) (‪.)3‬‬
‫(‪ )1‬السراء‪.106 :‬‬
‫(‪ )2‬فصلت‪.53 :‬‬
‫(‪ )3‬الكهف‪.5 -1 :‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫‪ -38‬الكلم المكرر‬

‫‪546‬‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫هذه الشبهة من الشبهات التى أكثروا اللغو حولها‪ .‬واتخذوها‬


‫كذلك منفذا ً للطعن فى القرآن الكريم بأنه ليس وحيا ً من عند‬
‫الله‪.‬‬
‫وركزوا كل التركيز على تكرار القصص فى القرآن وذكروا بعض‬
‫القصص الذى تكرر ‪ ،‬مع الشارة إلى مواضعه فى سور القرآن ‪،‬‬
‫كما ذكروا تكرار بعض العبارات والجمل‪.‬‬
‫ولغوا لغوا ً كثيرا ً ‪ ،‬حول تكرار قصة آدم فى القرآن ‪ ،‬وقالوا إنها‬
‫تكررت خمس مرات‪ .‬ونحن نقول بل تكررت سبع مرات‪.‬‬
‫كما فعلوا الشىء نفسه مع التكرار الوارد فى سورة " الرحمن "‬
‫حذف منه المكرر لم يبق منه إل ما يمل‬ ‫وادعوا أن القرآن إذا ُ‬
‫كراسة واحدة‪.‬‬
‫لذلك فإننا فى الرد عليهم سنقف وقفة متأنية ‪ ،‬نلقنهم فيها درساً‬
‫بليغا ً حول التكرار الوارد فى القرآن المحفوظ وبخاصة فى‬
‫سورة الرحمن ‪ ،‬وتكرار قصة آدم (فى مواضع سبعة‪ .‬لنقيم‬
‫الحجة لله‪.‬‬
‫* الرد على هذه الشبهة‪:‬‬
‫يقع التكرار فى القرآن الكريم على وجوه‪:‬‬
‫مرة يكون المكرر أداة تؤدى وظيفة فى الجملة بعد أن تستوفى‬
‫ركنيها الساسيين‪.‬‬
‫وأخرى تتكرر كلمة مع أختها لداع ‪ ،‬بحيث تفيد معنى ل يمكن‬
‫الحصول عليه بدونها‪.‬‬
‫فاصلة تكرر فى سورة واحدة على نمط واحد‪.‬‬
‫قصة تتكرر فى مواضع متعددة مع اختلف فى طرق الصياغة‬
‫وعرض الفكرة‪.‬‬
‫بعض الوامر والنواهى والرشادات والنصح مما يقرر حكماً‬
‫شرعيًّا أو يحث على فضيلة أو ينهى عن رذيلة أو يرغب فى خير‬
‫أو ينفر من شر‪.‬‬
‫وتكرار القرآن فى جميع المواضع التى ذكرناها ‪ ،‬والتى لم نذكرها‬
‫مما يلحظ عليها سمة التكرار‪ .‬فى هذا كله يباين التكرار القرآنى‬
‫ما يقع فى غيره من الساليب لن التكرار وهو فن قولى‬
‫معروف‪ .‬قد ل يسلم السلوب معه من القلق والضطراب فيكون‬
‫هدفا ً للنقد والطعن‪ .‬لن التكرار رخصة فى السلوب إذا صح هذا‬
‫التعبير والرخص يجب أن تؤتى فى حذر ويقظة‪.‬‬
‫* وظيفة التكرار فى القرآن‪:‬‬

‫‪547‬‬
‫مع هذه المزالق كلها جاء التكرار فى القرآن الكريم محكماً‪ .‬وقد‬
‫ورد فيه كثيرا ً فليس فيه موضع قد أخذ عليه دَع ْ دعاوى المغالين‬
‫فإن بينهم وبين القرآن تارات ؛ فهم له أعداء وإذا أحسنا الفهم‬
‫لكتاب الله فإن التكرار فيه مع سلمته من المآخذ والعيوب يؤدى‬
‫وظيفتين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬من الناحية الدينية‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬من الناحية الدبية‪.‬‬
‫فالناحية الدينية باعتبار أن القرآن كتاب هداية وإرشاد وتشريع ل‬
‫يخلو منها فن من فنونه ‪ ،‬وأهم ما يؤديه التكرار من الناحية‬
‫الدينية هو تقرير المكرر وتوكيده وإظهار العناية به ليكون فى‬
‫السلوك أمثل وللعتقاد أبين‪.‬‬
‫أما الناحية الدبية فإن دور التكرار فيها متعدد وإن كان الهدف‬
‫منه فى جميع مواضعه يؤدى إلى تأكيد المعانى وإبرازها فى‬
‫معرض الوضوح والبيان‪ .‬وليكن حديثنا عنه على حسب المنهج‬
‫الذى أثبتناه فى صدر هذا البحث‪.‬‬
‫* تكرار الداة‪:‬‬
‫ومن أمثلتها قوله تعالى‪( :‬ثم إن ربك للذين هاجروا من بعدما‬
‫حيِم) (‪.)1‬‬ ‫فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور ر ِ‬
‫(ثم إن ربك للذيِن عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك‬
‫وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ) (‪.)2‬‬
‫ن " فيهما‪ .‬وهذا الظاهر‬ ‫والظاهر من النظر فى اليتين تكرار " إ َّ‬
‫ن " الولى‪ .‬ولم يطلب إل خبرها‪ .‬وهو فى‬ ‫يقتضى الكتفاء ب " إ َّ‬
‫الموضعين أعنى الخبر " لغفور رحيم " لكن هذا الظاهر خولف‬
‫ن " مرة أخرى‪.‬ولهذه المخالفة سبب‪.‬‬ ‫وأعيدت " إ َّ‬
‫ن " الولى وخبرها‪ .‬وهذا‬ ‫وهذا السبب هو طول الفصل بين " إ َّ‬
‫ن " وهو‬ ‫أمر يُشعِر بتنافيه مع الغرض المسوقة من أجله " إ َّ‬
‫التوكيد‪ .‬لهذا اقتضت البلغة إعادتها لتلحظ النسبة بين الركنين‬
‫على ما حقها أن تكون عليه من التوكيد‪.‬‬
‫على أن هناك وظيفة أخرى هى‪ :‬لو أن قارئا ً تل هاتين اليتين‬
‫ن " ثم تلهما بتكرارها مرة أخرى لظهر‬ ‫دون أن يكرر فيهما " إ َّ‬
‫له الفرق بين الحالتين‪ :‬قلق وضعف فى الولى ‪ ،‬وتناسق وقوة‬
‫فى الثانية‪.‬‬
‫ومن أجل هذا الطول كررت فى قول الشاعر (‪:)3‬‬
‫ً‬
‫م يقول‬ ‫ه لَكَرِي ُ‬ ‫ل هَذا َ إن َّ ُ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫موَاثِيقُ عَهْدِهِ *** ع َلَى ِ‬ ‫وإن امرأ طَال َ ْ‬
‫ت َ‬
‫ن " وكان بين اسمها‬ ‫ابن الثير رائيا ً هذا الرأى‪ .." :‬فإذا وردت " إ َّ‬
‫وخبرها فسحة طويلة من الكلم‪.‬‬

‫‪548‬‬
‫ن " أحسن فى حكم البلغة والفصاحة كالذى تقدّم من‬ ‫فإعادة " إ َّ‬
‫اليات " (‪.)4‬‬
‫* تكرار الكلمة مع أختها‪:‬‬
‫ومن أمثلتها قوله تعالى‪( :‬أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم فى‬
‫الخرة هم الخسرون) (‪.)5‬‬
‫فقد تكررت " هم " مرتين ‪ ،‬الولى مبتدأ خبرها‪ " :‬الخسرون "‪.‬‬
‫م‬
‫والثانية ضمير فصل جئ به لتأكيد النسبة بين الطرفين وهى‪ :‬هُ ْ‬
‫الولى بالخسرية‪.‬‬
‫وكذلك قوله تعالى‪(:‬أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الغلل فِى‬
‫أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) (‪.)6‬‬
‫تكررت هنا " أولئك " ثلث مرات‪ .‬ولم تجد لهذه الكلمة المكررة‬
‫مع ما جاورها إل حسنا ً وروعة‪ .‬فالولى والثانية‪ :‬تسجلن حكماً‬
‫ما على منكرى البعث‪ :‬كفرهم بربهم وكون الغلل فى‬ ‫عا ًّ‬
‫أعناقهم‪.‬‬
‫والثالثة‪ :‬بيان لمصيرهم المهين‪ .‬ودخولهم النار‪ .‬ومصاحبتهم لها‬
‫على وجه الخلود الذى ل يعقبه خروج منها‪.‬‬
‫ولو أسقطت(أَولئك (من الموضعين الثانى والثالث لرك المعنى‬
‫واضطرب‪ .‬فتصبح الواو الداخلة على‪(:‬الغلل فى أعناقهم (‪ .‬واو‬
‫حال‪ .‬وتصبح الواو الداخلة على‪(:‬أَصحاب النار هم فيها خالدون‬
‫(عاطفة عطفا ً يرك معه المعنى‪.‬‬
‫لذلك حسن موضع التكرار فى الية لما فيه من صحة المعنى‬
‫وتقويته‪ .‬وتأكيد النسبة فى المواضع الثلثة للتسجيل عليهم بسوء‬
‫المصير‪.‬‬
‫*** * تكرار الفاصلة‪:‬‬
‫سبق أن ذكرنا فى مبحث الفواصل بسوء المصير من تكرار‬
‫الفاصلة مرتين بدءا ً وثلث مرات نهاية‪ .‬وقد وجهنا أسلوب‬
‫التكرار فى تلك الصور‪ .‬ولكنَّا هنا أمام فاصلة لم تقف فى‬
‫تكرارها عند حد المرات الثلث‪.‬‬
‫بل تعدت ذلك بكثير‪ .‬لذلك آثرنا أن نبحثها هنا إذ هى بهذا الموضع‬
‫أنسب (‪.)7‬‬
‫ونعتمد فى دراستنا لتكرار الفاصلة على ثلث سور هى‪" :‬‬
‫الرحمن القمر المرسلت "‪ .‬وهى السور التى برزت فيها هذه‬
‫الظاهرة السلوبية‪ .‬بشكل لم يرد فى غيرها ‪ ،‬كما ورد فيها‪.‬‬
‫فقد تكررت‪(:‬فبِأى آلء ربكما تكذبان ) (‪ )8‬فى " الرحمن "‪.‬‬
‫وتكررت (فكيف كان عذابى ونذر) (‪ )9‬فى " القمر "‪ .‬وتكررت‪:‬‬
‫(ويل يومئذ للمكذبين) (‪ )10‬فى " المرسلت "‪.‬‬
‫* تكرار الفاصلة فى " القمر "‪:‬‬

‫‪549‬‬
‫ولهذا التكرار فى المواضع الثلثة أسباب ومقتضيات‪ .‬ففى سورة‬
‫القمر " نجد العبارة المكررة وهى‪( :‬فكيف كان عذابى ونذر(قد‬
‫صاحبت فى كل موضع من مواضع تكرارها قصة عجيبة الشأن ‪،‬‬
‫وكان أول موضع ذ ُكِرت فيه عقب قصة قوم نوح‪ .‬وبعد أن صوَّر‬
‫القرآن مظاهر الصراع بينهم وبين نوح عليه السلم ثم انتصار‬
‫َ‬
‫من‬‫الله لنوح عليهم‪ .‬حيث سل ّط عليهم الطوفان‪ .‬فأغرقهم إل َ‬
‫آمن وعصمه الله‪.‬‬
‫جى نوحا ً وتابعيه‪ .‬ولكن تبقى هذه القصة موضع‬ ‫ونجد أن الله ن َّ‬
‫عظة وادكار‪ ،‬ولتلفت إليها النظار وللتهويل من شأنها جاء قوله‬
‫مصدَّرا ً باسم الستفهام "‬ ‫تعالى عقبها‪( :‬فكيف كان عذابى ونذر( ُ‬
‫كيف " للتعجيب مما كان ‪ ،‬ولقد مهَّد لهذا التعجيب بالية السابقة‬
‫عليه‪ .‬وهى قوله تعالى‪( :‬ولقد تركناها آية فهل من مدكِر) (‪.)11‬‬
‫والموضع الثانى لذكرها حين قص علينا القرآن قصة عاد وعتوها‬
‫عن أمر الله وفى " عاد " هذه نجد العبارة اكتنفت القصة بدءاً‬
‫ى ونذر *ِإنا أرسلنا‬ ‫ونهاية‪ .‬قال تعالى‪( :‬كذبت عاد ُ فكيف كان عذاب ِ‬
‫س مستمر * تنزع الناس كأنهم‬ ‫ح ٍ‬ ‫عليهم ريحا ً صرصرا ً فى يوم ِ ن ْ‬
‫أعجاز نخل منقعر * فكيف كان عذابى ونذر ) (‪.)12‬‬
‫وتكرار العبارة هكذا فى البداية والنهاية إخراج لها مخرج‬
‫صورت فى عبارات‬ ‫الهتمام‪ .‬مع ملحظة أن أحداث القصة هنا ُ‬
‫قصيرة ولكنها محكمة وافية‪ ..‬ولم يسلك هذا المسلك فى قصة‬
‫نوح أعنى قصر العبارات والسبب فيما يبدو لى أن إهلك قوم‬
‫نوح كان بالغراق فى الماء‪ .‬وهى وسيلة كثيرا ً ما تكون سبب‬
‫هلك‪ .‬فقد كانت سبب هلك فرعون وملئه‪ ..‬أما أن يكون الهلك‬
‫بالريح فذلك أمر يدعو إلى التأمل والتفكر‪.‬‬
‫ولعل مما يقوى رأينا هذا‪ .‬أن هذه القصة قصة عاد وردت فى‬
‫موضع آخر من القرآن يتفق مع هذا الموضوع من حيث الفكرة ‪،‬‬
‫ويختلف معه قليل ً من حيث طريقة العرض وزيادة التفصيل‪.‬‬
‫جاء فى سورة الحاقة‪( :‬وأما عاد فأهلكوا بريح صرصرٍ عاتية*‬
‫حسوما ً فترى القوم فيها‬ ‫ل وثمانية أيام ُ‬ ‫سخرها عليهم سبع ليا ٍ‬
‫صرع َى كأنهم أعجاز نخل خاوية * فهل ترى لهم من باقية) (‪.)13‬‬
‫فإرسال الريح هكذا سبع ليال وثمانية أيام حسوما ً مدعاة للعظة‬
‫والعتبار‪.‬‬
‫ومثله‪( :‬وفى عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم * ما تذر من شئ‬
‫أتت عليه إل جعلته كالرميم) (‪.)14‬‬
‫من أشد منا‬ ‫(فأما عاد فاستكبروا فى الرض بغير الحق وقالوا َ‬
‫قوة أولم يروا أن الله الذى خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا‬
‫بآياتنا يجحدون * فأرسلنا عليهم ريحا ً صرصرا ً فى أيام نحسات‬

‫‪550‬‬
‫لنذيقهم عذاب الخزى فى الحياة الدنيا ولعذاب الخرة أخزى وهم‬
‫ل ينصرون ) (‪.)15‬‬
‫فقد بطرت " عاد " نعم ربها عليها‪ .‬وغرها ما فيه من أسباب‬
‫التمكين فى الرض وقوة البطش أن تبارز ربها ومولى نعمها‬
‫بالمعاصى ‪ ،‬فأهلكها الله بما ل قبل لها به‪ .‬وفى كل موضع يذكر‬
‫القرآن فيه قصة هؤلء ‪ ،‬تأتى عباراته قوية هادرة واعظة زاجرة‪..‬‬
‫جاء فى موضع آخر‪( :‬ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات‬
‫العماد * التى لم يُخلق مثلها فى البلد ) (‪ )16‬وكانت عاقبتها‬
‫خسرا ً وهلكا ً مع من طغى فى الرض بغير الحق‪( :‬فصب عليهم‬
‫ربك سوط عذاب * إن ربك لبالمرصاد) (‪.)17‬‬
‫أما الموضع الخير الذى ذكرت فيه هذه العبارة‪( :‬فكيف كان‬
‫عذابى ونذر (فحين قص الله علينا قصة " ثمود " ‪ ،‬وقد جاءت‬
‫فيها كذلك مهيئة لتلقى صورة العقاب بعد التشويق إليها عند‬
‫السامع‪ .‬ولفت نظره إليها‪( :‬فكيف كان عذابى ونذر* إنا أرسلنا‬
‫عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر) (‪.)18‬‬
‫ومن هنا ندرك شدة اقتضاء المقام لهذا التكرار‪ .‬فليست إحدى‬
‫العبارات فى موضع بمغنية عن أختها فى الموضع الخر‪ .‬إنما هو‬
‫اتساق عجيب تطلبه المقام من الناحيتين‪ :‬الدينية والدبية‪.‬‬
‫من الناحية الدينية حيث تحمل المومنين على التذكر والعتبار‬
‫عقب كل قصة من هذه القصص ‪ ،‬ومن الناحية الدبية لن‬
‫العبارة‪( :‬فكيف كان عذابى ونذر(تأتى عقب كل قصة أيضا ً لفتة‬
‫أنظار المشاهدين إلى " كنه " النهاية وختام أحداث القصة‪.‬‬
‫وقد مهد القرآن لهذا التكرار حيث لم يأت إل بعد خمس عشرة‬
‫آية تنتهى كلها بفاصلة واحدة تتحد نهاياتها بحرف " الراء " مع‬
‫التزام تحريك ما قبلها‪ .‬وذلك هو نهج فواصل السورة كلها‪ .‬وقد‬
‫أشاع هذا النسق الشاجى نوعا ً من الحساس القوى بجو النذار‪.‬‬
‫والسورة فوق كل هذا مكية النزول والموضوع‪.‬‬
‫كما أن الطابع القصصى هو السائد فى هذه السورة‪ .‬فبعد أن‬
‫صور القرآن الكريم موقف أهل مكة من الدعوة الجديدة‪ .‬وبَيَّن‬
‫ضلل مسلكهم‪ .‬وقد كان الرسول (حريصا ً على هدايتهم فى‬
‫وقت هم فيه أشد ما يكونون إعراضا ً عنه‪ .‬لهذا اقتضى الموقف‬
‫عبَر الماضين ليكون فى ذلك تسلية للرسول(ومن‬ ‫العام سوق ِ‬
‫اتبعه وزجر لمن عارضه وصد عنه‪.‬‬
‫وما دام هذا هو طابع السورة فإن أسس التربية خاصة تربية‬
‫المم تستدعى تأكيد الحقائق بكل وسيلة ومنها التكرار الذى‬
‫لمسناه فى سورتنا هذه ؛ حتى لكأنه أصيل فيها وليس بمكرر‪.‬‬
‫* تكرار آخر فى سورة " القمر "‪:‬‬

‫‪551‬‬
‫وفى هذه السورة " القمر " مظهر آخر من مظاهر التكرار ‪ ،‬هو‬
‫قوله تعالى‪(:‬ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) (‪ .)19‬حيث‬
‫ورد فى السورة أربع مرات ‪ ،‬وهذه دعوة صالحة للتأمل فيما‬
‫يسوقه الله من قصص‪.‬‬
‫وقد اشتملت هذه الية‪( :‬ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من‬
‫مدكر (على خبر واستفهام ‪ ،‬والخبر تمهيد للستفهام الذى فيها‬
‫ولفت النظر إليه‪.‬‬
‫*** * التكرار فى سورة " الرحمن "‪:‬‬
‫أما التكرار الوارد فى " الرحمن " فى قوله تعالى‪( :‬فبأى آلء‬
‫ربكما تكذبان(حيث تكررت الية فيها إحدى وثلثين مرة فله‬
‫أسبابه كذلك‪ .‬ويمكن أن نسجل هذه الملحظات‪:‬‬
‫أولً‪ :‬إن هذا التكرار الوارد فى سورة " الرحمن " هو أكثر صور‬
‫التكرار الوارد فى القرآن على الطلق‪.‬‬
‫مهِّد َ له تمهيدا ً رائعاً‪.‬حيث‬
‫ثانياً‪ :‬إنه أى التكرار فى هذا الموضع قد ُ‬
‫جاء بعد اثنتى عشرة آية متحدة الفواصل‪ .‬وقد تكررت فى هذا‬
‫التمهيد كلمة " الميزان " ثلث مرات متتابعة دونما نبو أو ملل‪:‬‬
‫(والسماء رفعها ووضع الميزان * أل تطغوا فى الميزان * وأقيموا‬
‫الوزن بالقسط ول تخسروا الميزان ) (‪.)20‬‬
‫وهذا التمهيد قد أشاع كذلك لحنا ً صوتيًّا عذبا ً كان بمثابة مقدمة‬
‫طبيعية لتلئم صور التكرار ولتألفها النفس وتأنس بها فل تهجم‬
‫عليها هجوما ً ؛ لن القرآن قد راعى فى فواصل المقدمة‬
‫التمهيدية ما انبنت عليه فواصل الية المكررة‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬إن الطابع الغالب على هذه السورة هو طابع تعداد النعم‬
‫على الثَقَلين‪ :‬النس والجن ‪ ،‬وبعد كل نعمة أو نِعَم يعددها الله‬
‫تأتى هذه العبارة‪( :‬فبأى آلء ربكما تكذبان(‪.‬‬
‫علّة التكرار الذى حفلت به‬ ‫وعلى هذا الساس يمكن بيسر فهم ِ‬
‫سورة الرحمن أنه تذكير وتقرير لنعمه‪.‬‬
‫وأنها من الظهور بمكان فل يمكن إنكارها أو التكذيب بها‪.‬‬
‫" فتكرار الفاصلة فى الرحمن‪ ..‬يفيد تعداد النِّعَم والفصل بين كل‬
‫نعمة وأخرى لن الله سبحانه عدَّد فى السورة نعماءه وذكَّرعباده‬
‫بآلئه‪ .‬ونبههم على قدرها وقدرته عليها ولطفه فيها‪ .‬وجعلها‬
‫فاصلة بين كل نعمة لتعرف موضع ما أسداه إليهم منها‪ .‬ثم فيها‬
‫إلى ذلك معنى التبكيت والتقريع والتوبيخ ؛ لن تعداد النِعَم واللء‬
‫من الرحمن تبكيت لمن أنكرها كما يبكت منكر أيادى المنعَم‬
‫عليه من الناس بتعديدها" (‪ .)21‬ولقائل أن يسأل‪ :‬إن هذه‬
‫الفاصلة قد تكررت بعدما هو ليس بنعمة من وعيد وتهديد‪ .‬فكيف‬

‫‪552‬‬
‫يستقيم التوجيه إذن بعد هذه اليات (يرسل عليكما شواظ من‬
‫نار ونحاس فل تنتصران * فبأى آلء ربكما تكذبان) (‪.)22‬‬
‫(يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصى والقدام * فبأى‬
‫آلء ربكما تكذبان) (‪.)23‬‬
‫(هذه جهنم التى يكذب بها المجرمون * يطوفون بينها وبين حميم‬
‫آن * فبأى آلء ربكما تكذبان) (‪.)24‬‬
‫وظاهر هذه اليات بلء وانتقام وليس بنعم‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬ولكن المتأمل يدرك أن فى النذار والوعيد وبيان مآل‬
‫الضالين عصمة للنسان من الوقوع فيما وقعوا فيه فيكون‬
‫مصيره مصيرهم‪.‬‬
‫ومن هذا العتبار يتبين أن هذه المواضع مندرجة تحت النعم ‪ ،‬لن‬
‫النعمة نوعان‪ :‬إيصال الخير‪ .‬ودفع الشر‪ .‬والسورة اشتملت على‬
‫كل النوعين فلذلك كررت الفاصلة‪.‬‬
‫* التكرار فى سورة " المرسلت "‪:‬‬
‫بقى التكرار الوارد فى سورة " المرسلت"‪ .‬وقد صنع ما صنع‬
‫فى نظيريه فى " القمر " و " الرحمن " من التقديم له بتمهيد‪..‬‬
‫وله مثلهما هدف عام اقتضاه‪.‬‬
‫بيد أن التمهيد يختلف عما سبق فى " القمر و " الرحمن "‪ .‬فقد‬
‫رأينا فيهما اتحاد الفاصلة فى الحروف الخيرة مع التزام نهج‬
‫معين فيما قبله‪ .‬أما هنا فإن المر يختلف‪.‬‬
‫(‪)1‬النحل‪.110 :‬‬
‫(‪ )2‬النحل‪.119 :‬‬
‫(‪ )3‬ديوان الحماسة‪ 2/105 :‬ولم ينسب لقائل معين‪.‬‬
‫(‪ )4‬المثل السائر (ج ‪ 3‬ص ‪ )7‬تحقيق د‪ /‬بدوى طبانة ود‪ /‬الحوفى‪.‬‬
‫(‪ )5‬النمل‪.5 :‬‬
‫(‪ )6‬الرعد‪.5 :‬‬
‫(‪ )7‬انظر كتابنا‪ :‬خصائص التعبير فى القرآن الكريم وسماته‬
‫البلغية (مبحث الفواصل) مكتبة وهبة بالقاهرة (‪ )8‬وردت ‪31‬‬
‫مرة‪.‬‬
‫(‪ )9‬وردت ‪ 4‬مرات‪.‬‬
‫(‪ )10‬وردت ‪ 10‬مرات (‪ )11‬القمر‪.15 :‬‬
‫(‪ )12‬القمر‪.21 18 :‬‬
‫(‪ )13‬الحاقة‪.8 6 :‬‬
‫(‪ )14‬الذاريات‪.42 41 :‬‬
‫(‪ )15‬فصلت‪.16 15 :‬‬
‫(‪ )16‬الفجر‪.8 6 :‬‬
‫(‪ )17‬الفجر ‪ )18( .14 13‬القمر‪.31 30 :‬‬

‫‪553‬‬
‫‪.40 ،‬‬ ‫‪32، 22‬‬
‫(‪ )19‬القمر‪، 17 :‬‬
‫(‪ )20‬الرحمن‪.9-7 :‬‬
‫(‪ )21‬خزانة الدب للحموى‪ :‬ص ‪.145-144‬‬
‫(‪ )22‬الرحمن‪.36 – 35 :‬‬
‫(‪ )23‬الرحمن‪.42-41 :‬‬
‫(‪ )24‬الرحمن‪.45-43 :‬‬
‫‪-------------------------‬‬
‫‪ -39‬الكلم المنسوخ‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫النسخ فى اللغة هو الزالة والمحو ‪ ،‬يقال‪ :‬نسخت الشمس الظ َّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬
‫‪ ،‬يعنى أزالته ومحته ‪ ،‬وأحلت الضوء محله‪.‬‬
‫ثم تطورت هذه الدللة فأصبح النسخ يطلق على الكتابة ‪ ،‬سواء‬
‫كانت نقل ً عن مكتوب ‪ ،‬أو ابتدأها الكاتب بل نقل‪.‬‬
‫والنُّساخ أو الوراقون هم جماعة من محترفى الكتابة كانوا‬
‫ينسخون كتب العلماء (ينقلون ما كتب فيها فى أوراق جديدة فى‬
‫عدة نسخ ‪ ،‬مثل طبع الكتب الن)‪.‬‬
‫أما النسخ فى الشرع فله عدة تعريفات أو ضوابط ‪ ،‬يمكن‬
‫التعبيرعنها بالعبارة التية‪:‬‬
‫َ‬
‫حكْم ٍ أفَادَه نص شرعى سابق من‬ ‫" النسخ هو وقْ ُ‬
‫ف العمل ب‬
‫ِ ُ ٍ‬
‫القرآن أو من السنة ‪ ،‬وإحلل حكم آخر محله أفاده نص شرعى‬
‫آخر لحق من الكتاب أو السنة ‪ ،‬لِحكمة قصدها الشرع ‪ ،‬مع‬
‫صحة العمل بحكم النص السابق ‪ ،‬قبل ورود النص اللحق (‪)1‬‬
‫والنسخ موجود بقلة فى القرآن الكريم ‪ ،‬مثل نسخ حبس‬
‫الزانيات فى البيوت حتى الموت ‪ ،‬وإحلل الحكم بالجلد مائة ‪،‬‬
‫والرجم حتى الموت محل ذلك الحبس (‪.)2‬‬
‫ً‬
‫النسخ و وروده فى القرآن ‪ ،‬على أن القرآن ليس وحيا من عند‬
‫الله‪ .‬ونذكر هنا عبارة لهم صوَّروا فيها هذه الشبهة‪:‬‬
‫" القرآن وحده من دون سائر الكتب الدينية ‪ ،‬يتميز بوجود‬
‫الناسخ والمنسوخ فيه ‪ ،‬مع أن كلم الله الحقيقى ل يجوز فيه‬
‫الناسخ والمنسوخ ؛ لن الناسخ والمنسوخ فى كلم الله هو ضد‬
‫حكمته وصدقه وعلمه ‪ ،‬فالنسان القصير النظر هو الذى يضع‬
‫قوانين ويغيرها ويبدلها بحسب ما يبدو له من أحوال وظروف‪.‬‬
‫لكن الله يعلم بكل شئ قبل حدوثه‪ .‬فكيف يقال إن الله يغير‬
‫كلمه ويبدله وينسخه ويزيله ؟ ليس الله إنسانا ً فيكذب ‪ ،‬ول ابن‬
‫إنسان فيندم ؟!‬
‫* الرد على هذه الشبهة‪:‬‬

‫‪554‬‬
‫نحن ل ننكر أن فى القرآن نسخا ً ‪ ،‬فالنسخ موجود فى القرآن‬
‫بين ندرة من اليات ‪ ،‬وبعض العلماء المسلمين يحصرها فيما يقل‬
‫عن أصابع اليد الواحدة ‪ ،‬وبعضهم ينفى نفيا ً قاطعا ً ورود النسخ‬
‫فى القرآن (‪.)3‬‬
‫أما جمهور الفقهاء ‪ ،‬وعلماء الصول فيقرونه بل حرج ‪ ،‬وقد‬
‫خصصوا للنسخ فصول ً مسهبة فى مؤلفاتهم فى أصول الفقه ‪،‬‬
‫قل من لم يذكره منهم قدماء ومحدثين‪ .‬والذى ننكره كذلك أن‬
‫يكون وجود النسخ فى القرآن عيبا ً أو قدحا ً فى كونه كتابا ً منزلً‬
‫من عند الله‪ .‬ذلك ظن الذين كفروا ‪ ،‬فويل للذين كفروا من‬
‫النار‪.‬‬
‫إن الناسخ والمنسوخ فى القرآن ‪ ،‬كان إحدى السمات التربوية‬
‫والتشريعية ‪ ،‬فى فترة نزول القرآن ‪ ،‬الذى ظل يربى المة ‪،‬‬
‫وينتقل بها من طور إلى طور ‪ ،‬وفق إرادة الله الحكيم ‪ ،‬الذى‬
‫يعلم المفسد من المصلح ‪ ،‬وهو العزيز الحكيم‪.‬‬
‫أما ما ذكرتموه من آيات القرآن ‪ ،‬ساخرين من مبدأ الناسخ‬
‫والمنسوخ فيه فتعالوا اسمعوا اليات التى ذكرتموها فى جداول‬
‫المنسوخ والناسخ وهى قسمان‪:‬‬
‫أحدهما فيه نسخ فعل ً (منسوخ وناسخ)‪.‬‬
‫وثانيهما ل ناسخ فيه ول منسوخ فيه ‪ ،‬ونحن نلتمس لكم العذر‬
‫فى هذا " الخلط " لنكم سرتم فى طريق ل تعرفون كيفية‬
‫السير فيه‪.‬‬
‫القسم الول‪ :‬ما فيه نسخ‪:‬‬
‫من اليات التى فيها نسخ ‪ ،‬وذكروها فى جدول الناسخ والمنسوخ‬
‫اليتان التاليتان‪( :‬واللتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا‬
‫عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن فى البيوت حتى‬
‫يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيل ) (‪.)4‬‬
‫ثم قوله تعالى‪( :‬الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة‬
‫جلدة ول تأخذكم بهما رأفة فى دين الله ‪.)5( ) 000‬‬
‫هاتان اليتان فيهما نسخ فعل ً ‪ ،‬والمنسوخ هو حكم الحبس فى‬
‫ن حكما ً آخر‪.‬‬‫ن ‪ ،‬أو يجعل الله لَهُ َّ‬
‫مت ْ َ‬
‫البيوت للزانيات حتى ي َ ُ‬
‫وكان ذلك فى أول السلم‪ .‬فهذا الحكم حكم حبس الزانية فى‬
‫البيت ‪ ،‬حين شرعه الله عز وجل أومأ فى الية نفسها إلى أنه‬
‫حكم مؤقت ‪ ،‬له زمان محدد فى علم الله أزلً‪ .‬والدليل على أن‬
‫هذا الحكم كان فى علم الله مؤقتا ً ‪ ،‬وأنه سيحل حكم آخر محله‬
‫فى الزمن الذى قدره الله عز وجل هو قوله‪( :‬أو يجعل الله لهن‬
‫سبيل ً (‪ .‬هذا هو الحكم المنسوخ الن وإن كانت الية التى تضمنته‬
‫باقية قرآنا ً يتلى إلى يوم القيامة‪.‬‬

‫‪555‬‬
‫أما الناسخ فهو قوله تعالى فى سورة "النور" فى الية التى‬
‫تقدمت ‪ ،‬وبين الله أن حكم الزانية والزانى هو مائة جلدة ‪ ،‬وهذا‬
‫ما فى جميع الزناة‪ .‬بل فى الزانية والزانى غير‬ ‫الحكم ليس عا ّ‬
‫المحصنين‪ .‬أما المحصنان ‪ ،‬وهما اللذان سبق لهما الزواج فقد‬
‫بينت السنة قوليًّا وعمليًّا أن حكمهما الرجم حتى الموت‪.‬‬
‫وليس فى ذلك غرابة ‪ ،‬فتطور الحكام التشريعية ‪ ،‬ووقف العمل‬
‫بحكم سابق ‪ ،‬وإحلل حكم آخر لحق محله مما اقتضاه منهج‬
‫التربية فى السلم‪.‬‬
‫ول نزاع فى أن حكم الجلد فى غير المحصنين ‪ ،‬والرجم فى‬
‫الزناة المحصنين ‪ ،‬أحسم للمر ‪ ،‬وأقطع لمادة الفساد‪.‬‬
‫وليس معنى هذا أن الله حين أنزل عقوبة حبس الزانيات لم يكن‬
‫يعلم أنه سينزل حكما ً آخر يحل محله ‪ ،‬وهو الجلد والرجم حاشا‬
‫لله‪.‬‬
‫ما أن‬ ‫والنسخ بوجه عام مما يناسب حكمة الله وحسن تدبيره ‪ ،‬أ َّ‬
‫يكون فيه مساس بكمال الله‪ .‬فهذا ل يتصوره إل مرضى العقول‬
‫أو المعاندين للحق البلج الذى أنزله الله وهذا النسخ كان معمولً‬
‫به فى الشرائع السابقة على شريعة السلم‪.‬‬
‫ومن أقطع الدلة على ذلك ما حكاه الله عن عيسى عليه السلم‬
‫حّرِم عليكم) (‬ ‫فى قوله لبنى إسرائيل‪( :‬ولحل لكم بعض الذى ُ‬
‫‪.)6‬‬
‫وفى أناجيل النصارى طائفة من الحكام التى ذكروها وفيها نسخ‬
‫لحكام كان معمول ً بها فى العهد القديم‪.‬‬
‫ومثيروهذه الشبهات ضد القرآن يعرفون جيدا ً وقوع النسخ بين‬
‫بعض مسائل العهد القديم والعهد الجديد‪.‬‬
‫ومع هذا يدعون بإصرار أن التوراة والناجيل الن متطابقان تمام‬
‫النطباق (‪.)7‬‬
‫ومن هذا القسم أيضا ً اليتان التيتان‪:‬‬
‫(يا أيها النبى حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون‬
‫صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا ً من الذين‬
‫كفروا بأنهم قوم ل يفقهون) (‪.)8‬‬
‫وقوله تعالى‪( :‬الن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ً فإن‬
‫يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا‬
‫ألفين بإذن الله والله مع الصابرين) (‪.)9‬‬
‫واليتان فيهما نسخ واضح‪ .‬فالية الولى توجب مواجهة المؤمنين‬
‫لعدوهم بنسبة (‪ ، )10 :1‬والية الثانية توجب مواجهة المؤمنين‬
‫للعدو بنسبة (‪.)2 :1‬‬

‫‪556‬‬
‫وهذا التطور التشريعى قد بين الله الحكمة التشريعية فيه ‪ ،‬وهى‬
‫التخفيف على جماعة المؤمنين فى العباء القتالية فما الذى يراه‬
‫عيبا ً فيه خصوم السلم ؟ لو كان هؤلء الحسدة طلب حق‬
‫مخلصين لهتدوا إليه من أقصر طريق ‪ ،‬لن الله عزوجل لم يدع‬
‫مجال ً لريبة يرتابها مرتاب فى هاتين اليتين‪ .‬لكنهم يبحثون عن "‬
‫العورات " فى دين أكمله الله وأتم النعمة فيه ‪ ،‬ثم ارتضاه‬
‫للناس ديناً‪.‬‬
‫وقد قال الله فى أمثالهم‪:‬‬
‫(ولو نزلنا عليك كتابا ً فى قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين‬
‫كفروا إن هذا إل سحر مبين) (‪.)10‬‬
‫ومن هذا القسم أيضا ً اليتان التيتان‪:‬‬
‫ة لزواجهم متاعا ً إلى‬ ‫(والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ً وصي ً‬
‫الحول غير إخراج‪.)11( )...‬‬
‫وقوله تعالى‪(:‬والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ً يتربصن‬
‫بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً‪.)12( )...‬‬
‫أجل ‪ ،‬هاتان اليتان فيهما نسخ ؛ لن موضوعهما واحد ‪ ،‬هو عدة‬
‫المتوفى عنها زوجها‪.‬‬
‫الية الولى‪ :‬حددت العدة بعام كامل‪.‬‬
‫والية الثانية‪ :‬حددت العدة بأربعة أشهر وعشر ليال‪.‬‬
‫والمنسوخ حكما ً ل تلوة هو الية الولى ‪ ،‬وإن كان ترتيبها فى‬
‫السورة بعد الية الثانية‪.‬‬
‫والناسخ هو الية الثانية ‪ ،‬التى حددت عدة المتوفى عنها زوجها‬
‫بأربعة أشهر وعشر ليال ‪ ،‬وإن كان ترتيبها فى السورة قبل الية‬
‫المنسوخ حكمها‪.‬‬
‫وحكمة التشريع من هذا النسخ ظاهرة هى التخفيف ‪ ،‬فقد‬
‫استبعدت الية الناسخة من مدة العدة المنصوص عليها فى الية‬
‫المنسوخ حكمها ثمانية أشهر تقريبا ً ‪ ،‬والمعروف أن النتقال من‬
‫الشد إلى الخف ‪ ،‬أدعى لمتثال المر ‪ ،‬وطاعة المحكوم به‪..‬‬
‫وفيه بيان لرحمة الله عز وجل لعباده‪ .‬وهو هدف تربوى عظيم‬
‫عند أولى اللباب‪.‬‬
‫القسم الثانى‪:‬‬
‫أما القسم الثانى ‪ ،‬فقد ذكروا فيه آيات على أن فيها نسخا ً وهى‬
‫ل نسخ فيها ‪ ،‬وإنما كانوا فيها حاطبى ليل ‪ ،‬ل يفرقون بين‬
‫الحطب ‪ ،‬وبين الثعابين ‪ ،‬وكفى بذلك حماقة‪.‬‬
‫وها نحن نعرض نموذجين مما حسبوه نسخا ً ‪ ،‬وهو أبعد ما يكون‬
‫عن النسخ‪.‬‬
‫النموذج الول‪:‬‬

‫‪557‬‬
‫(ل إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى) (‪.)13‬‬
‫(قاتلوا الذين ل يؤمنون بالله ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم‬
‫الله ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى‬
‫يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) (‪.)14‬‬
‫زعموا أن بين هاتين اليتين تناسخا ً ‪ ،‬إحدى اليتين تمنع الكراه‬
‫فى الدين ‪ ،‬والخرى تأمر بالقتال والكراه فى الدين وهذا خطأ‬
‫فاحش ‪ ،‬لن قوله تعالى (ل إكراه فى الدين) سلوك دائم إلى‬
‫يوم القيامة‪.‬‬
‫والية الثانية لم ولن تنسخ هذا المبدأ السلمى العظيم ؛ لن‬
‫موضوع هذه الية " قاتلوا " غير موضوع الية الولى‪( :‬ل إكراه‬
‫فى الدين)‪.‬‬
‫لن قوله تعالى‪( :‬قاتلوا الذين ل يؤمنون بالله ول باليوم الخر) له‬
‫سبب نزول خاص‪ .‬فقد كان اليهود قد نقضوا العهود التى أبرمها‬
‫معهم المسلمون‪ .‬وتآمروا مع أعداء المسلمين للقضاء على‬
‫الدولة السلمية فى المدينة ‪ ،‬وأصبح وجودهم فيها خطرا ً على‬
‫أمنها واستقرارها‪ .‬فأمر الله المسلمين بقتالهم حتى يكفوا عن‬
‫أذاهم بالخضوع لسلطان الدولة ‪ ،‬ويعطوا الجزية فى غير‬
‫استعلء‪.‬‬
‫أجل‪ :‬إن هذه الية لم تأمر بقتال اليهود لدخالهم فى السلم‪.‬‬
‫ولو كان المر كذلك ما جعل الله إعطاءهم الجزية سببا ً فى‬
‫الكف عن قتالهم ‪ ،‬ولستمر المر بقتالهم سواء أعطوا الجزية أم‬
‫لم يعطوها ‪ ،‬حتى يُسلموا أو يُقتلوا وهذا غير مراد ولم يثبت فى‬
‫تاريخ السلم أنه قاتل غير المسلمين لجبارهم على اعتناق‬
‫السلم‪.‬‬
‫ومثيرو هذه الشبهات يعلمون جيدا ً أن السلم أقر اليهود بعد‬
‫الهجرة إلى المدينة على عقائدهم ‪ ،‬وكفل لهم حرية ممارسة‬
‫شعائرهم ‪ ،‬فلما نقضوا العهود ‪ ،‬وأظهروا خبث نياتهم قاتلهم‬
‫المسلمون وأجلوهم عن المدينة‪.‬‬
‫ميًّا مع نصارى تغلب‬‫سل ْ ِ‬
‫ويعلمون كذلك أن النبى (عقد صلحا ً ِ‬
‫ونجران ‪ ،‬وكانوا يعيشون فى شبه الجزيرة العربية ‪ ،‬ثم أقرهم‬
‫عقائدهم النصرانية وكفل لهم حرياتهم الجتماعية والدينية‪.‬‬
‫وفعل ذلك مع بعض نصارى الشام‪ .‬هذه الوقائع كلها تعلن عن‬
‫سماحة السلم ‪ ،‬ورحابة صدره ‪ ،‬وأنه لم يضق بمخالفيه فى‬
‫الدين والعتقاد‪.‬‬
‫فكيف ساغ لهؤلء الخصوم أن يفتروا على السلم ما هو برئ‬
‫منه ؟ إنه الحقد والحسد‪ .‬ول شىء غيرهما ‪ ،‬إل أن يكون العناد‪.‬‬
‫النموذج الثانى‪:‬‬

‫‪558‬‬
‫(يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس‬
‫وإثمهما أكبر من نفعهما) (‪.)15‬‬
‫(إنما الخمر والميسر والنصاب والزلم رجس من عمل‬
‫الشيطان فاجتنبوه) (‪.)16‬‬
‫واليتان ل ناسخ ول منسوخ فيهما‪ .‬بل إن فى الية الثانية توكيداً‬
‫لما فى الية الولى ‪ ،‬فقد جاء فى الية الولى‪ " :‬فيهما إثم كبير‬
‫ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما " ثم أكدت الية الثانية‬
‫هذا المعنى‪( :‬رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه)فأين النسخ‬
‫إذن ؟‪.‬‬
‫أما المنافع فى الخمر والميسر ‪ ،‬فهى‪ :‬أثمان بيع الخمر ‪ ،‬وعائد‬
‫التجارة فيها ‪ ،‬وحيازة الموال فى لعب الميسر " القمار " وهى‬
‫منافع خبيثة لم يقرها الشرع من أول المر ‪ ،‬ولكنه هادنها قليلً‬
‫لما كان فيها من قيمة فى حياة النسان قبل السلم ‪ ،‬ثم أخذ‬
‫القرآن يخطو نحو تحريمها خطوات حكيمة قبل أن يحرمها‬
‫تحريما ً حاسما ً ‪ ،‬حتى ل يضر بمصالح الناس‪.‬‬
‫وبعد أن تدرج فى تضئيل دورها فى حياة الناس القتصادية وسد‬
‫تل‬ ‫منافذ رواجها ‪ ،‬ونبه الناس على أن حسم المر بتحريمها آ ٍ‬
‫محالة وأخذوا يتحولون إلى أنشطة اقتصادية أخرى ‪ ،‬جاءت آية‬
‫التحريم النهائى فى سورة المائدة هذه‪( :‬رجس من عمل‬
‫الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) هذه هى حقيقة النسخ‬
‫وحكمته التشريعية ‪ ،‬وقيمته التربوية ومع هذا فإنه نادر فى‬
‫القرآن‪.‬‬
‫(‪ )1‬هذا التعريف راعينا فيه جمع ما تفرق فى غيره من تعريفات‬
‫الصوليين مع مراعاة الدقائق والوضوح‪.‬‬
‫(‪ )2‬الجلد ورد فى القرآن كما سيأتى‪ .‬أما الرجم فقد ورد قوليا‬
‫وعمليا فى السنة ‪ ،‬فخصصت الجلد بغير المحصنين‪.‬‬
‫(‪ )3‬منهم الدكتور عبد المتعال الجبرى وله فيه مؤلف خاص‬
‫نشرته مكتبة وهبة بالقاهرة ‪ ،‬والدكتور محمد البهى ومنهم الشيخ‬
‫محمد الغزالى‪.‬‬
‫(‪ )4‬النساء‪.15 :‬‬
‫(‪ )5‬النور‪.2 :‬‬
‫(‪ )6‬آل عمران‪.50 :‬‬
‫(‪ )7‬انظر كتابنا " السلم فى مواجهة الستشراق العالمى "‬
‫طبعة دار الوفاء‪.‬‬
‫(‪)8‬النفال‪.65 :‬‬
‫(‪)9‬النفال‪.66 :‬‬
‫(‪ )10‬النعام‪.7 :‬‬

‫‪559‬‬
‫(‪)11‬البقرة‪ )12( 240 :‬البقرة‪.234:‬‬
‫(‪ )13‬البقرة‪.256 :‬‬
‫(‪ )14‬التوبة‪.29 :‬‬
‫(‪ )15‬البقرة‪.219 :‬‬
‫(‪ )16‬المائدة‪.90 :‬‬
‫‪---------------‬‬
‫‪ -40‬الكلم الغريب‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫فى القرآن كثير من الكلمات الغريبة ‪ ،‬وهاكم بعضا ً منها‪ :‬فاكه ً‬


‫ة‬
‫وأبًّا ‪ ،‬غسلين ‪ ،‬حنانا ‪ ،‬أوَّاه ‪ ،‬الرقيم ‪ ،‬كللة ‪ ،‬مبلسون ‪ ،‬أخبتوا ‪،‬‬
‫حنين ‪ ،‬حصحص ‪ ،‬يتفيؤا ‪ ،‬سربا ‪ ،‬المسجور ‪ ،‬قمطـرير ‪ ،‬عسعس‬
‫‪ ،‬سجيل ‪ ،‬الناقور ‪ ،‬فاقرة ‪ ،‬استبرق ‪ ،‬مدهامتان‪..‬‬
‫ونحـن نسـأل‪ :‬أليسـت هــذه اللفـاظ الغريبة مخـالفة للسـليم‬
‫من النشاء‪ ..‬؟!‬
‫* الرد على هذه الشبهة‪:‬‬
‫ل وجود فى القرآن لكلمة واحدة من الغريب حقًا ‪ ،‬كما يعرفه‬
‫اللغويون والنقاد‪.‬‬
‫فالغريب ـ الذى يعد عيبا ً فى الكلم ‪ ،‬وإذا وجد فيه سلب عنه‬
‫وصف الفصاحـة والبلغـة ـ هو ما ليس له معنى يفـهم منـه على‬
‫جهة الحتمال أو القطع ‪ ،‬وما ليس له وجود فى المعاجم اللغوية‬
‫ول أصل فى جذورها‪.‬‬
‫والغريب بهذا المعنى ليس له وجود فى القرآن الكريم ‪ ،‬ول يحتج‬
‫علينا بوجود اللفاظ التى استعـملت فى القرآن من غير اللغة‬
‫العربية مثل‪ :‬إستبرق ‪ ،‬وسندس ‪ ،‬واليم ‪ ،‬لن هذه اللفاظ كانت‬
‫مأنوسة الستعمال عند العرب حتى قبل نزول القرآن ‪ ،‬وشائعة‬
‫شيوعا ً ظاهرا ً فى محادثاتهم اليومية وكتاباتهم الدورية‪.‬‬
‫وهى مفردات وليست تراكيب‪ .‬بل أسماء مفردة لشخاص أو‬
‫أماكن أو معادن أو آلت‪.‬‬
‫ثم إنها وإن لم تكن عربية الصل ‪ ،‬فهى ـ بالجماع ـ عربية‬
‫السـتعمال‪ .‬ومعـانيها كانت ـ وما تزال ـ معـروفة فى القـرآن ‪،‬‬
‫وفى الستعمال العام‪.‬‬
‫ً‬
‫ومنها الكلمات التى ذكروها مما هو ليس عربيي ّا ‪ ،‬مثل‪:‬غسلين ‪،‬‬
‫ومعناها‪ :‬الصديد ‪ ،‬أى صديد أهل النار ‪ ،‬وما يسيل من أجسادهم‬
‫من أثر الحـريق ‪ ،‬ولما كان يسيل من كل أجسامهم شبه بالماء‬
‫سل به الدران‪ .‬أما بناؤه على‪ :‬فعلين فظاهر أنه‬ ‫الذى يُغ َ‬
‫للمبالغة‪ .‬ومثل‪ " :‬قمطريرا " ومعناها‪ :‬طويل ً ‪ ،‬أو شديداً‪ .‬ومثل‪:‬‬

‫‪560‬‬
‫" إستبرق " ومعناهـا‪ :‬الديباج‪ .‬وهكذا كل ما فى القرآن من لغة‬
‫غير عربية الصل فهى عربية الستعمال بألفاظها ومعانيها‪.‬‬
‫وكانت العرب تلوكها بألسنتها قبل نزول القرآن‪.‬‬
‫واستعـارة اللغات من بعضـها من سنن الجـتماع البشرى ودليل‬
‫على حيوية اللغة‪ .‬وهذه الظاهرة فاشية جدا ً فى اللغات حتى فى‬
‫العصر الحديث‪ .‬ويسميها اللغويون بـ " التقارض " بين اللغات ‪،‬‬
‫سواء كانت لغات سامية أو غيرها كالنجليزية واللمانية‬
‫والفرنسية وفى اللغة السبانية كلمات مستعملة الن من اللغة‬
‫العربية‪.‬‬
‫أما مااقترضته اللغة العربية من غيرها من اللغات القديمة أو ما‬
‫له وجود حتى الن فقد اهتم به العلماء المسلمون ونصوا عليه‬
‫كلمة كلمة ‪ ،‬وأسـموه بـ " المعـَّرب " مثل كتاب العلمة‬
‫الجواليقى ‪ ،‬وقد يسـمونه بـ " الدخيل " هذا بالنسبة لما ذكروه‬
‫من الكلمات غير العربية الصل ‪ ،‬التى وردت فى القرآن الكريم‪.‬‬
‫أما بقية الكلمات فهى عربية الصل والستعمال ولكن مثيرى‬
‫هذه الشبهات قوم يجهلون فكلمة " حنان " لها جذر لغوى‬
‫ن ‪ ،‬بمعنى‪ .‬رق قلبه ومال إلى العطف على‬ ‫عربى ‪ ،‬يقال‪ :‬ح َّ‬
‫الخرين‪ .‬والمضارع‪ :‬يحن والمصدر‪ :‬الحنان والحنين ‪ ،‬وقد‬
‫يستعملن استعمال السماء‪.‬‬
‫ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫حننت إلى ريَّا ونفسك باعـدت * مزارك من رياء ونفساكما معا‬
‫وأما " أوَّاه " فهو اسـم فاعـل من " التـأوُّه " على صيغـة‬
‫المبالغة " فعَّال "‪.‬‬
‫وكذلك " حصحص " ومعناه‪ :‬ظهر وتبيَّن‪.‬‬
‫ومنه قـول الشــاعر العـربى القديم‪:‬‬
‫خداشا ً فإنـه * كذوب إذا ما حصحص الحق كاذب‬ ‫مبْلغٌ عنى ِ‬
‫من ُ‬
‫أما الناقـور فهو اسـم من " النقر " كالفاروق من الفراق‪.‬‬
‫وحتى لو جارينا هؤلء الحاقدين ‪ ،‬وسلمنا لهم جدل ً بأن هذه‬
‫الكلمات غريبة ؛ لنها غير عربية ‪ ،‬فإنها كلمات من " المعَّرب "‬
‫الذى عَّربه العرب واستعملوه بكثرة فصار عربيا ً بالستعمال‪.‬‬
‫ومعانيه معروفة عند العرب قبل نزول القرآن‪ .‬وما أكثر الكلمات‬
‫التى دخلت اللغة العربية ‪ ،‬وهجر أصلها وصارت عربية‪.‬‬
‫فهى إذن ـ ليست غريبة ‪ ،‬لن الغريب ما ليس له معنى أصل ً ‪،‬‬
‫ول وجود له فى المعاجم اللغوية ‪ ،‬التى دونت فيها ألفاظ اللغة‪.‬‬
‫* * * قد يقـال‪ :‬كيف تنكـرون " الغريب " فى القرآن ‪ ،‬وهو‬
‫موجود باعتراف العلماء ‪ ،‬مثل المام محمد بن مسلم بن قتيبة‬
‫العالم السنى ‪ ،‬فقد وضع كتابا ً فى " غريب القرآن " وأورده على‬

‫‪561‬‬
‫وفق ما جاء فى سور القرآن سورة سورة ؟ وكذلك صنع‬
‫السجستانى وتفسيره لغريب القرآن مشهور‪.‬‬
‫ومثله الراغب الصفهانى فى كتابه " المفردات " فى شرح‬
‫غريب القرآن‪.‬‬
‫ثم المام جلل الدين السيوطى ‪ ،‬العالم الموسوعى ‪ ،‬فله كتاب‬
‫يحمل اسم " مبهمات القرآن "‪.‬‬
‫أل يُعد ذلك اعترافا ً صـريحا ً من هؤلء الئمة الفذاذ بورود الغريب‬
‫فى القرآن الكريم ؟ ومن العلماء المحدثين الشيخ حسنين‬
‫مخلوف ‪ ،‬مفتى الديار المصـرية فى النصف الول من القـرن‬
‫العشـرين ‪ ،‬وكتـابه " كلمات القرآن ل يجهله أحد "‪.‬‬
‫كما أن جميع مفسرى القرآن قاموا بشرح ما رأوه غريبا ً فى‬
‫القرآن‪ .‬فكيف يسوغ القول ـ الن ـ بإنكار وجود الغريب فى‬
‫القرآن أمام هذه الحقائق التى ل تغيب عن أحد ؟ من حق غير‬
‫الملم بفقه هذه القضية ـ قضية الغريب ـ أن يسألوا هذا‬
‫السؤال ‪ ،‬ومن واجبنا أن نجيب عليه إجابة شافية وافية بعون الله‬
‫وتوفيقه‪.‬‬
‫والجـواب‪:‬‬
‫هذا السؤال جدير بأن نستقصى جوانب الجابة عليه لوجاهته‬
‫وأهميته‪ .‬فنقول مستمدين الهداية والتوفيق من الله العلى‬
‫الحكيم‪.‬‬
‫فأولً‪ :‬إن الغـريب الذى نسـب فى كـتب العـلماء ـ رضى الله‬
‫عنهم ـ إلى القرآن ‪ ،‬إنما هو غريب نسبى وليس غريبا ً مطلقاً‪.‬‬
‫فالقرآن فى عصر الرسالة ‪ ،‬وعصر الخلفاء الراشدين كان‬
‫مفهوما ً لجميع أصحاب رسول‪ .‬صلى الله عليه وسلم ولم يرد فى‬
‫رواية صحيحة أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غاب‬
‫عنهم فهم ألفاظ القرآن من حيث الدللة اللغوية البحتة ‪ ،‬وكل ما‬
‫وردت به الرواية أن بعضهم سأل عن واحد من بضعة ألفاظ ل‬
‫غير‪ .‬وهى روايات مفتقرة إلى توثيق ‪ ،‬وقرائن الحوال ترجح‬
‫عدم وقوعها ‪ ،‬واللفاظ المسئول عنها هى‪:‬‬
‫غسلين ‪ ،‬قسورة ‪ ،‬أبَّا ‪ ،‬فاطر ‪ ،‬أوَّاه ‪ ،‬حنان‪ .‬وقد نسبوا الجهل‬
‫بمعانى هذه الكلمات إما إلى عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ‬
‫‪ ،‬وإما إلى ابن عباس رضى الله عنهما ‪ ،‬وكل الرجلين أكبر من‬
‫هذه التهامات‪.‬‬
‫ومما يضعف إسناد الجهل إلى عمر رضى الله عنه ‪ ،‬بمعنى كلمة‬
‫" أبًّا " أن عمر كما تقـول الرواية سأل عن معـناها فى خـلفته ‪،‬‬
‫مع أن سـورة " عبس " التى وردت فيها هذه الكلمة من أوائل ما‬
‫ل أن يظل عمر جاهل بمعنى "‬ ‫نزل بمكة قبل الهجرة ‪ ،‬فهل يُعقَ ُ‬

‫‪562‬‬
‫أبًّا " طوال هذه المدة (قرابة ربع قرن) ؟ أما ابن عباس رضى‬
‫الله عنه فإن صحت الرواية عنه أنه سأل عن معانى " غسلين "‬
‫و " فاطر " فإنه يحتمل أنه سأل عنها فى حداثة سنه‪ .‬ومعروف‬
‫أن ابن عباس كان معروفا ً بـ " ترجمان القرآن " ومعنى هذا أنه‬
‫كان متمكنا ً من الفقه بمعانى القرآن ‪ ،‬وقد ورد أن الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم دعا له قائلً‪:‬‬
‫[اللهم فقهه فى الدين ‪ ،‬وعلمه التأويل]‪.‬‬
‫هذا فيما يتعلق بشأن الروايات الواردة فى هذا الشأن‪.‬‬
‫أما فيما يتعـلق بالمؤلفات قديما ً وحديثا ً حول ما سمى بـ " غريب‬
‫القرآن " فنقول‪:‬‬
‫إن أول مؤلف وضع فى بيان غريب القرآن هو كتاب " غريب‬
‫القرآن " لبن قتيبة (فى القرن الثالث الهجرى) وهذا يرجح أن‬
‫ابن قتيبة ‪ ،‬لم يكتب هذا الكتاب للمسلمين العرب ‪ ،‬بل كان‬
‫القصد منه هو أبناء الشعوب غير العربية التى دخلت فى‬
‫السلم ‪ ،‬وكانوا يتحدثون لغات غير اللغة العربية‪.‬‬
‫أما مسلموالقرنين الول والثانى الهجريين ‪ ،‬والنصف الول من‬
‫القرن الثالث ‪ ،‬فلم يكن فيها ـ فيما نعـلم ـ كتب حول بيان غريب‬
‫القرآن ‪ ،‬سوى تفســير عبـد الله بن عباس ـ رضى الله عنه ـ ‪،‬‬
‫وكتاب " مجازات القرآن " لبى عبيدة معمر بن المثنى (م ‪210‬هـ)‬
‫وهما أعنى تفـسير ابن عباس ‪ ،‬ومجازات أبى عبيدة ‪ ،‬ليسا من‬
‫كتب الغريب ‪ ،‬بل هما‪ :‬محاولتان مبكرتان لتفسير القرآن الكريم‬
‫مفردات وتراكيب (‪.)1‬‬
‫ولما تقادم الزمن على نزول القرآن ‪ ،‬وضعف المحصول اللغوى‬
‫عند الجيال اللحقة ‪ ،‬قام بعض العلماء المتأخرين ـ مثل‪ :‬الراغب‬
‫الصفهانى ‪ ،‬صاحب كتاب " مفردات القرآن " ‪ ،‬وجـلل الدين‬
‫السيوطى ‪ ،‬صاحب كتاب " مبهمات القرآن " ـ بوضع كتب تقرب‬
‫كتاب الله إلى الفهم ‪ ،‬وتقدم بيان بعض المفردات التى غابت‬
‫معانيها واستعمالتها عن الجيال المتأخرة‪.‬‬
‫وهذا يسلمنا إلى حـقيقة لحـت فى الفق من قبل ‪ ،‬نعيد ذكرها‬
‫هنا فى التى‪:‬‬
‫إن ما يطلق عليه " غريب القرآن " فى بعض المؤلفات التراثية‬
‫ومنها كتب علوم القرآن ‪ ،‬وما تناوله مفسرو القرآن الكريم فى‬
‫تفاسيرهم ‪ ،‬هو غريب نسبى ل مطلق ‪ ،‬غريب نسبى باعتبار أنه‬
‫مستعار من لغات أخرى غير اللغة العربية ‪ ،‬أو من لهجات عربية‬
‫غير لهجة قريش التى بها نزل القرآن وغريب نسبى باعتبار‬
‫البيئات التى دخلها السلم ‪ ،‬وأبناؤها دخلء على اللغة العربية ‪،‬‬
‫ت يتحدثون بها قبل دخولهم فى السلم ‪ ،‬وظلت تلك‬ ‫لن لهم لغا ٍ‬

‫‪563‬‬
‫اللغـات سائدة فيهم بعد دخولهم فى السلم وغريب نسبى‬
‫باعتبار الزمان ‪ ،‬حتى فى البيئات العربية ‪ ،‬لن الجيال المتأخرة‬
‫زمنا ً ضعفت صلتهـم باللغة العربية الفصحى مفردات وتراكيب‪.‬‬
‫وكل هذه الطوائف كانت ‪ ،‬وما تزال ‪ ،‬فى أمس الحاجة إلى ما‬
‫يعينهم على فهـم القرآن ‪ ،‬وتذوق معانيه ‪ ،‬والمدخل الرئيس‬
‫لتذوق معانى القرآن هو فهم معانى مفرداته ‪ ،‬وبعض أساليبه‪.‬‬
‫والغريب النسبى بكل العتبارات المتقدمة غريب فصيح سائغ ‪،‬‬
‫وليس غريبا ً عديم المعنى ‪ ،‬أو ل وجود له فى معاجم اللغة‬
‫ومصادرها ‪ ،‬وهذا موضع إجماع بين علماء اللغة والبيان ‪ ،‬فى كل‬
‫عصر ومصر‪.‬‬
‫ول وزن لقول من يزعم غير هذا من الكارهين لما أنزل الله على‬
‫خاتم أنبيائه ورسله‪.‬‬
‫مسائل ابن الزرق بقى أمر مهم ‪ ،‬له كبير صلة بموضوع "‬
‫الغريب " فى القرآن ذلك المر هو ما عرف فى كتب القدمين بـ‬
‫" مسائل ابن الزرق " ونوجز القول عنها هنا إيجازا ً يكشف عن‬
‫دورها فى النتصارللحق ‪ ،‬فى مواجهة مثيرى هذه الشبهات‬
‫ومسائل ابن الزرق مسطـورة فى كثير من كتب التراث مثـل‬
‫ابن النبارى فى كتابه " الوقف " والطبرانى فى كتابه " المعجم‬
‫الكبير " والمبرد فى كتابه " الكامل "‪ .‬وجـلل الدين السـيوطى‬
‫فى كتابه " التقان فى علوم القرآن " وغيرهم‪.‬‬
‫ولهذه المسائل قصة إيجازها‪ :‬أن عبد الله بن عباس كان جالساً‬
‫بجوار الكعبة يفسر القرآن الكريم ‪ ،‬فأبصره رجلن هما‪ :‬نافع بن‬
‫الزرق ‪ ،‬ونجدة بن عويمر ‪ ،‬فقال نافع لنجدة " قم بنا إلى هذا‬
‫الذى يجترئ على القرآن ويفسره بما ل علم له به‪ .‬فقاما إليه‬
‫فقال له‪:‬‬
‫إنَّا نريد أن نسألك عن أشياء فى كتاب الله ‪ ،‬فتفسرها لنا ‪،‬‬
‫وتأتينا بما يصادقه من كلم العرب‪ .‬فإن الله أنزل القرآن بلسان‬
‫عربى مبين‪.‬‬
‫فقال ابن عباس‪ :‬سلنى عما بدا لكما‪ .‬ثم أخذا يسألنه وهو‬
‫يجيب بل توقف ‪ ،‬مستشهدا ً فى إجاباته على كل كلمة ‪ " ،‬قرآنية‬
‫" سأله عنها بما يحفظه من الشعر العربى المأثور عن شعراء‬
‫الجاهلية ‪ ،‬ليبين للسائلين أن القرآن نزل بلسان عربى مبين‪.‬‬
‫وكان المام جلل الدين السيوطى قد جمع هذه المسائل وذكر‬
‫ن وثمانين كلمة ‪ ،‬وقد حرص على ذكر إجابات ابن‬ ‫منها مائة وثما ٍ‬
‫عباس عليها رضى الله عنه ‪ ،‬وقال‪ :‬إنه أهمل نحو أربع عشرة‬
‫كلمة من مجموع ما سئل عنه ابن عباس (‪.)2‬‬

‫‪564‬‬
‫وها نحن أولء نورد نماذج منها ‪ ،‬قبل التعليق عليها ‪ ،‬ولماذا أشرنا‬
‫إليها فى مواجهة هذه الشبهة التى تزعم أن ألفاظ الكتاب العزيز‬
‫" غريبة " وغير مفهومة‪.‬‬
‫النموذج الول‪ " :‬عزين " قال نافع بن الزرق لبن عباس‪:‬‬
‫أخبرنى عن قوله تعالى‪( :‬عن اليمين وعن الشمال عزين) (‪.)3‬‬
‫قال ابن عباس‪ :‬عزين‪ :‬الحلق من الرفاق‪ .‬فسأله نافع‪ :‬وهل‬
‫تعرف العرب ذلك ؟ فقال ابن عباس‪ :‬نعم ‪ ،‬أما سمعت قول‬
‫عبيد بن البرص‪:‬‬
‫فجاءوا يُهرعون إليه حتى يكونوا حول منسره عزينا يعنى‬
‫جماعات يلتفون حول الرسول(‪ ،‬وهو مشتق من العتزاء ‪ ،‬أى‬
‫ينضم بعضهم إلى بعض ‪ ،‬قال الراغب فى المفردات‪ :‬العزين‪:‬‬
‫الجماعة المنتسب بعضها إلى بعض (‪.)4‬‬
‫النموذج الثانى‪ " :‬الوسيلة " قال نافع‪ :‬أخبرنى عن قوله تعالى‪:‬‬
‫(وابتغوا إليه الوسيلة) (‪ .)5‬قال ابن عباس‪ :‬الوسيلة‪ :‬الحاجة ‪،‬‬
‫قال نافع‪ :‬وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال ابن عباس‪ :‬نعم ‪ ،‬أما‬
‫سمعـت قـول عنتــرة‪:‬‬
‫إن الرجال لهم إليك وسيلة أن يأخذوك تكحلى وتخضبى يعنى‪:‬‬
‫اطلبوا من الله حاجاتكم‪ .‬واستعمال الوسيلة فى معنى الحاجة‬
‫كما فسرها ابن عباس فيها إلماح أن طريق قضاء الحوائج يكون‬
‫إلى الله ؛ لن معنى الوسيلة‪ :‬الطريق الموصل إلى الغايات‪.‬‬
‫ة ومنهاجا ً " وسأله نافع عن الشرعة‬ ‫النموذج الثالث‪ " :‬شرع ً‬
‫ة ومنهاجا ً ) (‪.)6‬‬ ‫والمنهاج فى قوله تعالى‪( :‬لكل جعلنا منكم شرع ً‬
‫فقال ابن عباس‪ :‬الشرعة‪ :‬الدين ‪ ،‬والمنهاج‪ :‬الطريق ‪ ،‬واستشهد‬
‫بقول أبى سفيان الحارث بن عبد المطلب‪:‬‬
‫لقد نطق المأمون بالصدق والهدى وبين للسلم دينا ً ومنهجاً‪.‬‬
‫النموذج الرابع‪ " :‬ريشا ً " وسأله نافع عن كلمة " ريشا ً " فى‬
‫قوله تعالى‪( :‬يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسا ً يوارى سوءاتكم‬
‫وريشا ً ولباس التقوى ذلك خير‪.)7( ) ..‬‬
‫ففسره ابن عباس بالمال ‪ ،‬واستشهد بقول الشاعر‪:‬‬
‫فريشى بخير طـالما قد بريتنى وخير الموالى من يريش ول يبرى‬
‫النموذج الخامس‪ " :‬كَبد " وسأله نافع عن كلمة " كَبد " فى قوله‬
‫تعالى‪( :‬لقد خلقنا النسان فى كبد ) (‪.)8‬‬
‫فقال ابن عباس‪ :‬فى اعتدال واستقامة‪ .‬ثم استشهد بقول لَبِيد‬
‫بن ربيعة‪:‬‬
‫يا عين هل بكيت أربد إذ قمنا وقام الخصوم فى كبد وهكذا نهج‬
‫ابن عباس فى المسائل الـ (‪ )188‬التى وجهت إليه ‪ ،‬يجيب عنها‬
‫بسرعة مذهلة ‪ ،‬وذاكرة حافـظة لشعار العـرب ‪ ،‬وسـرعة بديهة‬

‫‪565‬‬
‫فى استحضار الشواهـد الموافقة لفظا ً ومعنى للكلمات القرآنية ‪،‬‬
‫التى سئل عنها (‪.)9‬‬
‫وهذا يؤكد لنا حقيقتين أمام هذه الشبهات التى أثارها الحاقدون‬
‫ضد القرآن الكريم‪.‬‬
‫الولى‪ :‬كذب الدعاءات التى نسبت لبن عباس الجهل ببعض‬
‫معانى كلمات القرآن‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن القرآن كله ل غريب فيه بمعنى الغريب الذى يعاب‬
‫الكلم من أجله ‪ ،‬وأن نسبة الغريب إليه فى كتابات السلف ‪،‬‬
‫تعنى الغريب النسبى ل الغريب المطلق ‪ ،‬وقد تقدم توضيح‬
‫المراد من الغريب النسبى فى هذا المبحث ‪ ،‬باعتبار الزمان ‪،‬‬
‫وباعتبار البيئة والمكان ‪ ،‬وأن ما وضعه القدماء من مؤلفات‬
‫تشرح غريب القرآن إنما كان المقصود به إما أبناء الشعوب التى‬
‫دخلت السلم من غير العرب‪ .‬وإما للجيال السلمية المتأخرة‬
‫زمنا ‪ ،‬التى غابت عنها معانى بعض اللفاظ‪.‬‬
‫وقد يضاف إلى هذا كله اللفاظ المشتركة والمترادفة‬
‫والمتضادة‪ ،‬والحتمالية المعنى‪.‬‬
‫أما أن يكون فى القرآن غريب ل معنى له وغير مأنوس‬
‫الستعمال‪ .‬فهذا محال ‪ ،‬محال‪ ..‬والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫(‪ )1‬هذا وقد ظهرت مؤلفات أخرى فى هذا الموضوع مثل "‬
‫معانى القرآن " للفراء ‪ ،‬وغيره من القدمين‪.‬‬
‫وهى ليست من كتب الغريب‪ ،‬بل لها مجالت بحث أخرى‬
‫كالقراءات‪.‬‬
‫(‪ )2‬التقان فى علوم القرآن‪ .‬فصل ما يجب على المفسر لكتاب‬
‫الله‪.‬‬
‫(‪ )3‬المعارج‪.37 :‬‬
‫(‪ )4‬ومنه قول العامة " عزوة " أى جماعة انظر حرفى العين‬
‫والزاى فى كتاب الراغب‪.‬‬
‫(‪ )5‬المائدة‪.35 :‬‬
‫(‪ )6‬المائدة‪.48:‬‬
‫(‪ )7‬العراف ‪ )8( 26‬البلد‪.4 :‬‬
‫(‪ )9‬انظر " العجاز البيانى للقرآن‪ .‬د‪/‬عائشة عبد الرحمن (بنت‬
‫الشاطئ) ط‪ :‬دار المعارف بالقاهرة‪.‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫‪ -41‬الكلم المنقول عن غيره دعوى أن القرآن مقتبس‬
‫من التوراة‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫‪566‬‬
‫الشبهة التى تمسكوا بها وُُرود ُ مواضع بينها تشابه فى كل من‬
‫التوراة والقرآن الكريم‪ .‬ومن أبرزها الجانب القصصى‪ .‬وبعض‬
‫المواضع التشريعية تمسكوا بها ‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن القرآن مقتبس من‬
‫التوراة ‪ ،‬وبعضهم يضيف إلى هذا أن القرآن اقتبس مواضع أخرى‬
‫من " الناجيل "‪.‬‬
‫* الرد على هذه الشبهة‪:‬‬
‫ً‬
‫كيف يتحقق القتباس عموما ؟ القتباس عملية فكرية لها ثلثة‬
‫أركان‪:‬‬
‫مقتَبَس منه‪.‬‬ ‫الول‪ :‬الشخص ال ُ‬
‫مقتَبِس (اسم فاعل)‪.‬‬ ‫الثانى‪ :‬الشخص ال ُ‬
‫سة نفسها (اسم مفعول)‪.‬‬ ‫مقتَب َ َ‬‫الثالث‪ :‬المادة ال ُ‬
‫والشخص المقُتَبَس منه سابق إلى الفكرة ‪ ،‬التى هى موضوع‬
‫سة فلها طريقتان عند الشخص‬ ‫القتباس ‪ ،‬أما المادة المقُتَب َ َ‬
‫مقِتَبس ‪ ،‬إحداهما‪ :‬أن يأخذ المقتبس الفكرة بلفظها ومعناها‬ ‫ال ُ‬
‫كلها أو بعضها‪ .‬والثانية‪:‬‬
‫أن يأخذها بمعناها كلها أو بعضها كذلك ويعبر عنها بكلم من‬
‫عنده‪.‬‬
‫والمقتبس فى عملية القتباس أسير المقتبس منه قطعا ً ودائر‬
‫فى فلكه ؛ إذ ل طريق له إلى معرفة ما اقتبس إل ما ذكره‬
‫المقتبس منه‪ .‬فهو أصل ‪ ،‬والمقتبس فرع ل محالة‪.‬‬
‫وعلى هذا فإن المقتبس لبد له وهو يزاول عملية القتباس من‬
‫موقفين ل ثالث لهما‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يأخذ الفكرة كلها بلفظها ومعناها أو بمعناها فقط‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬أن يأخذ جزءً من الفكرة باللفظ والمعنى أو بالمعنى‬
‫فقط‪.‬‬
‫ويمتنع على المقتبس أن يزيد فى الفكرة المقتبسة أية زيادة غير‬
‫موجودة فى الصل ؛ لننا قلنا‪ :‬إن المقتبس ل طريق له لمعرفة‬
‫ما اقتبس إل ما ورد عند المقتبس منه ‪ ،‬فكيف يزيد على الفكرة‬
‫والحال أنه ل صلة له بمصادرها الولى إل عن طريق المقتبس‬
‫منه‪.‬‬
‫إذا جرى القتباس على هذا النهج صدقت دعوى من يقول إن‬
‫فلنا ً اقتبس منى كذا‪.‬‬
‫أما إذا تشابه ما كتبه اثنان ‪ ،‬أحدهما سابق والثانى لحق ‪،‬‬
‫واختلف ما كتبه الثانى عما كتبه الول مثل‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تكون الفكرة عند الثانى أبسط وأحكم ووجدنا فيها مالم‬
‫نجده عند الول‪.‬‬

‫‪567‬‬
‫‪ -2‬أو أن يصحح الثانى أخطاء وردت عند الول ‪ ،‬أو يعرض الوقائع‬
‫عرضا ً يختلف عن سابقه‪.‬‬
‫فى هذه الحال ل تصدق دعوى من يقول إن فلنا قد اقتبس منى‬
‫كذا‪.‬‬
‫وَرد ُّ هذه الدعوى مقبول من المدعى عليه ‪ ،‬لن المقتبس‬
‫ما) لما لم يدر فى فلك المقتبس منه (فرضاً) بل زاد عليه‬ ‫(اتها ً‬
‫وخالفه فيما ذكر من وقائع فإن معنى ذلك أن الثانى تخطى ما‬
‫كتبه الول حتى وصل إلى مصدر الوقائع نفسها واستقى منها ما‬
‫استقى‪ .‬فهو إذن ليس مقتبسا ً وإنما مؤسس حقائق تلقاها من‬
‫مصدرها الصيل ولم ينقلها عن ناقل أو وسيط‪.‬‬
‫وسوف نطبق هذه السس التى تحكم عملية القتباس على ما‬
‫ادعاه القوم هنا وننظر‪:‬‬
‫هل القرآن عندما اقتبس كما يدعون من التوراة كان خاضعاً‬
‫لشرطى عملية القتباس وهما‪ :‬نقل الفكرة كلها ‪ ،‬أو القتصار‬
‫على نقل جزء منها فيكون بذلك دائرا ً فى فلك التوراة ‪ ،‬وتصدق‬
‫حينئذ دعوى القوم بأن القرآن (معظمه) مقتبس من التوراة ؟ أم‬
‫أن القرآن لم يقف عند حدود ما ذكرته التوراة فى مواضع‬
‫التشابه بينهما ؟ بل‪:‬‬
‫‪ 1‬عرض الوقائع عرضا ً يختلف عن عرض التوراة لها‪.‬‬
‫‪ 2‬أضاف جديدا ً لم تعرفه التوراة فى المواضع المشتركة بينهما‪.‬‬
‫‪ 3‬صحح أخطاء " خطيرة " وردت فى التوراة فى مواضع متعددة‪.‬‬
‫‪ 4‬انفرد بذكر " مادة " خاصة به ليس لها مصدر سواه‪.‬‬
‫‪ 5‬فى حالة اختلفه مع التوراة حول واقعة يكون الصحيح هو ما‬
‫ذكره القرآن‪ .‬والباطل ما جاء فى التوراة بشهادة العقل والعلم‬
‫إذا كان الحتمال الول هو الواقع فالقرآن مقتبس من التوراة‪..‬‬
‫أما إذا كان الواقع هو الحتمال الثانى فدعوى القتباس باطلة‬
‫ويكون للقرآن فى هذه الحالة سلطانه الخاص به فى استقاء‬
‫الحقائق ‪ ،‬وعرضها فل اقتباس ل من توراة ول من إنجيل ول من‬
‫غيرهما‪.‬‬
‫ل أظن أن القارئ يختلف معنا فى هذه السس التى قدمناها‬
‫لصحة التهام بالقتباس عموماً‪.‬‬
‫وما علينا بعد ذلك إل أن نستعرض بعض صور التشابه بين التوراة‬
‫والقرآن ‪ ،‬ونطبق عليها تلك السس المتقدمة تاركين الحرية‬
‫التامة للقارئ سواء كان مسلما ً أو غير مسلم فى الحكم على ما‬
‫سوف تسفر عنه المقارنة أنحن على صواب فى نفى القتباس‬
‫عن القرآن ؟‪.‬‬

‫‪568‬‬
‫والمسألة بعد ذلك ليست مسألة اختلف فى الرأى يصبح فيها‬
‫كل فريق موصوفا ً بالسلمة ‪ ،‬وأنه على الحق أو شعبة من حق‪.‬‬
‫وإنما المسألة مسألة مصير أبدى من ورائه عقيدة صحيحة توجب‬
‫النجاة لصاحبها يوم ل ينفع مال ول بنون إل من أتى الله بقلب‬
‫سليم‪.‬‬
‫أو عقيدة فاسدة تحل قومها دار البوار يوم يقدم الله إلى ما‬
‫عملوا من عمل فيجعله هباءً منثوراً‪.‬‬
‫الصورة الولى من التشابه بين التوراة والقرآن‪ .‬لقطة من قصة‬
‫يوسف عليه السلم مع امرأة العزيز تبدأ هذه اللقطة من بدء‬
‫مراودة امرأة عزيز مصر ليوسف (عليه السلم) ليفعل بها‬
‫الفحشاء وتنتهى بقرار وضع يوسف فى السجن‪ .‬واللقطة كما‬
‫جاءت فى المصدرين هى‪:‬‬
‫أولً‪ :‬نصوصها فى التوراة‪ " )1( :‬وحدث بعد هذه المور أن امرأة‬
‫سيده رفعت عينها إلى يوسف وقالت‪ :‬اضطجع معى ‪ ،‬فأبى وقال‬
‫لمرأة سيده‪ :‬هو ذا سيدى ل يعرف معى ما فى البيت وكل ما له‬
‫قد دفعه إلى يدى ‪ ،‬ليس هو فى هذا البيت أعظم منى‪ .‬ولم‬
‫يمسك عنى شيئا غيرك لنك امرأته‪ .‬فكيف أصنع هذا الشر‬
‫ما فيوما‬ ‫العظيم ‪ ،‬وأخطئ إلى الله ‪ ،‬وكانت إذ كلمت يوسف يو ً‬
‫أنه لم يسمع لها أن يضطجع بجانبها ليكون معها‪..‬‬
‫ثم حدث نحو هذا الوقت أنه دخل البيت ليعمل عمله ولم يكن‬
‫إنسان من أهل البيت هناك فى البيت فأمسكته بثوبه قائلة‬
‫اضطجع معى فترك ثوبه فى يدها وخرج إلى خارج ‪ ،‬وكان لما‬
‫رأت أنه ترك ثوبه فى يدها ‪ ،‬وهرب إلى خارج أنها نادت أهل بيتها‬
‫وكلمتهم قائلة‪:‬‬
‫ى ليضطجع‬ ‫" انظروا قد جاء إلينا برجل عبرانى ليداعبنا دخل إل ّ‬
‫معى فصرخت بصوت عظيم ‪ ،‬وكان لما سمع أنى رفعت صوتى‬
‫ت‬‫ضعَ ْ‬‫وصرخت أنه ترك ثوبه بجانبى وهرب وخرج إلى خارج‪ .‬فَوَ َ‬
‫ثوبه بجانبها حتى جاء سيده إلى بيته فكلمته بمثل هذا الكلم‬
‫ى العبد العبرانى الذى جئت به إلينا ليداعبنى وكان‬ ‫قائلة دخل إل َّ‬
‫لما رفعت صوتى وصرخت أنه ترك ثوبه بجانبى وهرب إلى خارج‬
‫فكان لما سمع سيده كلم امرأته الذى كلمته به قائلة بحسب‬
‫هذا الكلم صنع بى عبدك أن غضبه حمى‪..‬‬
‫فأخذ سيدُه يوسف ووضعه فى بيت السجن المكان الذى كان‬
‫أسرى الملك محبوسين فيه "‪.‬‬
‫ه التى هوَ فى بيتها عن نفسه‬ ‫نصوص القرآن المين (وََراوَدَت ْ ُ‬
‫ن‬
‫ه ربى أحس َ‬ ‫ت هيت لك قال معاذ الله إن ُ‬ ‫ب وقال ْ‬‫ت البوا َ‬ ‫وغلّق ِ‬
‫م بها لول أن رأى‬ ‫ت به وَهَ َّ‬ ‫ح الظالمون *ولقد هَ َّ‬
‫م ْ‬ ‫ه ليُفل ُ‬‫مثواى إن ُ‬

‫‪569‬‬
‫ه السوءَ والفحشاء إنه من عبادنا‬ ‫ف عن ُ‬ ‫برهان ربه كذلك لنصر َ‬
‫المخلَصين * واستبقا الباب وقدت قميصه من دُبرٍ وألفيا سيدها‬
‫ك سوءًا إل أن يُسجن أو‬ ‫لدى الباب قالت ما جزاءُ من أراد بأهل َ‬
‫ب أليم * قال هى راودتنى عن نفسى وشهد شاهد ٌ من أهلها‬ ‫عذا ُ‬
‫صه قُد من قُبُل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان‬ ‫إن كان قمي َ‬
‫قميصه قُد من دُبرٍ فكذبت وهو من الصادقين * فلما رأى قميصه‬
‫ن إن كيدكن عظيم * يوسف أعرض‬ ‫قُد من دُبرٍ قال إنه من كيدك ُ َّ‬
‫ت من الخاطئ‪ )2( ...‬ثم بدا لهم‬ ‫ك إنك كن ِ‬ ‫عن هذا واستغفرى لذنب ِ‬
‫ه حتى حين ) (‪.)3‬‬ ‫من بعد مارأوا اليات لَي َ ْ‬
‫سجنُن َّ ُ‬
‫تلك هى نصوص الواقعة فى المصدرين‪:‬‬
‫وأدعو القارئ أن يقرأ النصين مرات قراءة متأنية فاحصة‪ .‬وأن‬
‫يجتهد بنفسه فى التعرف على الفروق فى المصدرين قبل أن‬
‫يسترسل معنا فيما نستخلصه من تلك الفروق‪ .‬ثم يكمل ما يراه‬
‫من نقص لدينا أو لديه فقد يدرك هو ما لم ندركه ‪ ،‬وقد ندرك‬
‫ب قارئ أوعى من كاتب‪..‬‬ ‫نحن ما لم يدركه ور َّ‬
‫الفروق كما نراها التوراة‪ :‬القرآن المين المراودة حدثت مراًرا‬
‫ونُصح يوسف لمرأة سيده كان قبل المرة الخيرة‪ :‬المراودة‬
‫حدثت مرة واحدة اقترنت بعزم المرأة على يوسف لينفذ رغبتها‪.‬‬
‫تخلو من الشارة إلى تغليق البواب وتقول إن يوسف ترك ثوبه‬
‫بجانبها وهرب وانتظرت هى قدوم زوجها وقصت عليه القصة بعد‬
‫أن أعلمت بها أهل بيتها‪ :.‬يشير إلى تغليق البواب وأن يوسف‬
‫ت ثوبه من الخلف وحين وصل إلى الباب فوجئا‬ ‫هم بالخروج فَقَد َّ ْ‬
‫بالعزيز يدخل عليهما فبادرت المرأة بالشكوى فى الحال‪.‬‬
‫لم يكن يوسف موجودا ً حين دخل العزيز ولم يدافع يوسف عن‬
‫نفسه لدى العزيز‪ :.‬يوسف كان موجودا ً حين قدم العزيز ‪ ،‬وقد‬
‫دافع عن نفسه بعد وشاية المرأة ‪ ،‬وقال هى راودتنى عن‬
‫نفسى‪.‬‬
‫تخلو من حديث الشاهد وتقول إن العزيز حمى غضبه على‬
‫يوسف بعد سماع المرأة‪ :‬يذكر تفصيل ً شهادة الشاهد كما يذكر‬
‫اقتناع العزيز بتلك الشهادة ولومه لمرأته وتذكيرها بخطئها‪.‬‬
‫وتثبيت يوسف على العفة والطهارة‪.‬‬
‫تقول إن العزيز فى الحال أمر بوضع يوسف فى السجن ولم‬
‫يعرض أمره على رجال حاشيته‪.‬‬
‫يشير إلى أن القرار بسجن يوسف كان بعد مداولة بين العزيز‬
‫وحاشيته‪.‬‬
‫ن امرأة العزيز على مراودتها‬ ‫م َ‬‫تخلو من حديث النسوة اللتى ل ُ ْ‬
‫فتاها عن نفسه ‪ ،‬وهى فجوة هائلة فى نص التوراة‪.‬‬

‫‪570‬‬
‫يذكر حديث النسوة بالتفصيل كما يذكر موقف امرأة العزيز‬
‫منهن ودعوتها إياهن ملتمسة أعذارها لديهن ومصرة على أن‬
‫ينفذ رغبتها هذه ستة فروق بارزة بين ما يورده القرآن المين ‪،‬‬
‫وما ذكرته التوراة‪ .‬والنظر الفاحص فى المصدرين يرينا أنهما لم‬
‫يتفقا إل فى " أصل " الواقعة من حيث هى واقعة وكفى ‪،‬‬
‫ويختلفان بعد هذا فى كل شىء‪.‬‬
‫على أن القرآن قام هنا بعملين جليلى الشأن‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬أنه أورد جديدا ً لم تعرفه التوراة ومن أبرز هذا الجديد‪:‬‬
‫(‪ )1‬حديث النسوة وموقف المرأة منهن‪.‬‬
‫(‪ )2‬شهادة الشاهد الذى هو من أهل امرأة العزيز‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬تصحيح أخطاء وقعت فيها التوراة ومن أبرزها‪:‬‬
‫(‪ )1‬لم يترك يوسف ثوبه لدى المرأة بل كان لبسا ً إياه ولكن‬
‫قطع من الخلف‪.‬‬
‫(‪ )2‬غياب يوسف حين حضر العزيز وإسقاطها دفاعه عن نفسه‪.‬‬
‫اعتراض وجوابه‪:‬‬
‫قد يقول قائل‪ :‬لماذا تفترض أن الخطأ هو ما فى التوراة ‪ ،‬وأن‬
‫الصواب هو ما فى القرآن ؟! أليس ذلك تحيزا ً منك للقرآن ؛ لنه‬
‫كتاب المسلمين وأنت مسلم ؟ ولماذا تفترض العكس ؟ وإذا لم‬
‫تفترض أنت العكس فقد يقول به غيرك ‪ ،‬وماتراه أنت ل يصادر‬
‫ما يراه الخرون‪ .‬هذا العتراض وارد فى مجال البحث‪ .‬وإذن‬
‫فلبد من إيضاح‪.‬‬
‫والجواب‪:‬‬
‫لم نتحيز للقرآن لنه قرآن‪ .‬ولنا فى هذا الحكم داعيان‪:‬‬
‫الول‪ :‬لم يرد فى القرآن ‪ -‬قط ‪ -‬ما هو خلف الحق ؛ لنه ل يأتيه‬
‫الباطل من بين يديه ول من خلفه تنزيل من حكيم حميد‪ .‬وقد‬
‫ثبتت هذه الحقيقة فى كل مجالت البحوث التى أجريت على "‬
‫مفاهيم " القرآن العظيم فى كل العصور‪ .‬وهذا الداعى وحده‬
‫ف فى تأييد ما ذهبنا إليه‪.‬‬
‫كا ٍ‬
‫الثانى‪ :‬وهو منتزع من الواقعة نفسها موضوع المقارنة وإليك‬
‫البيان‪ :‬كل من التوراة والقرآن متفقان على " عفة يوسف‬
‫"وإعراضه عن الفحشاء‪ .‬ثم اختلفا بعد ذلك‪:‬‬
‫فالتوراة تقول‪ :‬إن يوسف ترك ثوبه كله لدى المرأة وهرب‬
‫والقرآن يقول‪ :‬إنه لم يترك الثوب بل أمسكته المرأة من الخلف‬
‫ولما لم يتوقف يوسف عليه السلم اقتطعت قطعة منه وبقيت‬
‫ظاهرة فى ثوبه‪.‬‬
‫فأى الروايتين أليق بعفة يوسف المتفق عليها بين المصدرين ؟!‬
‫أن يترك ثوبه كله ؟! أم أن يُخرق ثوبه من الخلف ؟!‬

‫‪571‬‬
‫إذا سلمنا برواية التوراة فيوسف ليس " عفيفا ً " والمرأة على‬
‫حق فى دعواها ؛ لن يوسف ل يخلع ثوبه هكذا سليما ً إل إذا كان‬
‫هو الراغب وهى البية‪.‬‬
‫ول يقال إن المرأة هى التى أخلعته ثوبه ؛ لن يوسف رجل ‪،‬‬
‫وهى امرأة فكيف تتغلب عليه وتخلع ثوبه بكل سهولة ‪ ،‬ثم لما‬
‫يمتنع تحتفظ هى بالثوب كدليل مادى على جنايته المشينة ؟!‬
‫وهل خرج يوسف " عريانًا " وترك ثوبه لدى غريمته‪..‬؟!‬
‫والخلصة أن رواية التوراة فيها إدانة صريحة ليوسف وهذا يتنافى‬
‫مع العفة التى وافقت فيها القرآن المين‪.‬‬
‫أما رواية القرآن فهى إدانة صريحة لمرأة العزيز ‪ ،‬وبراءة كاملة‬
‫ليوسف عليه السلم ‪.‬‬
‫لقد دعته المرأة إلى نفسها ففر منها‪ .‬فأدركته وأمسكته من‬
‫الخلف وهو ما يزال فارا ً هاربا ً من وجهها فتعرض ثوبه لعمليتى‬
‫جذب عنيفتين إحداهما إلى الخلف بفعل المرأة والثانية إلى‬
‫المام بحركة يوسف فانقطع ثوبه من الخلف‪.‬‬
‫وهذا يتفق تماما ً مع العفة المشهود بها ليوسف فى المصدرين‬
‫ولهذا قلنا‪ :‬إن القرآن صحح هذا الخطأ الوارد فى التوراة‪.‬‬
‫‪ ..‬فهل القرآن مقتبس من التوراة ؟!‬
‫فهل تنطبق على القرآن أسس القتباس أم هو ذو سلطان خاص‬
‫به فيما يقول ويقرر ؟‪.‬‬
‫المقتبس ل بد من أن ينقل الفكرة كلها أو بعضها‪ .‬وها نحن قد‬
‫رأينا القرآن يتجاوز هذه السس فيأتى بجديد لم يذكر فيما‬
‫سواه ‪ ،‬ويصحح خطأ وقع فيه ما سواه‪.‬‬
‫ك وصياغة ‪ ،‬وإنما هو اختلف‬ ‫حب ْ ٍ‬
‫فليس الختلف فيها اختلف َ‬
‫يشمل الصول والفروع‪ .‬هذا بالضافة إلى إحكام البناء وعفة‬
‫اللفاظ وشرف المعانى (‪.)4‬‬
‫إن الذى روته التوراة هنا ل يصلح ولن يصلح أن يكون أساساً‬
‫للذى ذكره القرآن‪ .‬وإنما أساس القرآن هو الوحى الصادق‬
‫المين‪ .‬ذلك هو مصدر القرآن " الوضىء " وسيظل ذلك هو‬
‫مصدره تتساقط بين يديه دعاوى الباطل ومفتريات المفترين فى‬
‫كل عصر ومصر‪.‬‬
‫الصورة الثانية من صور التشابه بين التوراة والقرآن قصة هابيل‬
‫وقابيل ابنى آدم نصوص التوراة‪:‬‬
‫" حدث من بعد أيام أن قابين قدم من أثمار الرض قربانا للرب ‪،‬‬
‫وقدم هابيل أيضا من أبكار غنمه ‪ ،‬ومن سمانها ‪ ،‬فنظر الرب إلى‬
‫هابيل وقربانه ولكن إلى قابين‪ .‬وقربانه لم ينظر‪ .‬فاغتاظ قابين‬
‫جدا ً وسقط وجهه‪ .‬فقال الرب لقابين لماذا اغتظت ولماذا سقط‬

‫‪572‬‬
‫وجهك ؟ إن أحسنت أفل رفع ؟؟‪ .‬وإن لم تحسن فعند الباب‬
‫خطية رابضة وإليك اشتياقها ‪ ،‬وأنت تسود عليها‪ .‬وكلم قابين‬
‫هابيل أخاه‪ .‬وحدث إذ كانا فى الحقل أن قابين قام على هابيل‬
‫أخيه وقتله‪ .‬فقال الرب لقابين أين هابيل أخوك فقال ل أعلم‬
‫ى‬
‫أحارس أنا لخى ؟ فقال ماذا فعلت ؟ صوت دم أخيك صارخ إل َّ‬
‫من الرض‪ .‬فالن ملعون أنت من الرض التى فتحت فاها لتقبل‬
‫دم أخيك من يدك متى عملت الرض ؟؟ تعود تعطيك قوتها‪ .‬تائهاً‬
‫وهاربا ً تكون فى الرض فقال قابين للرب‪ :‬ذنبى أعظم من أن‬
‫يحتمل أنك قد طردتنى اليوم على وجه الرض ‪ ،‬ومن وجهك‬
‫أختفى وأكون تائها ً وهاربا ً فى الرض فيكون كل من وجدنى‬
‫يقتلنى فقال له الرب‪:‬‬
‫لذلك كل من قتل قابين فسبعة أضعاف ينتقم منه‪ .‬وجعل الرب‬
‫لقابين علمة لكى ل يقتله كل من وجده‪.‬‬
‫فخرج قابين من لدن الرب وسكن فى أرض نود شرقى عدن " (‬
‫‪.)5‬‬
‫نصوص القرآن المين (واتل عليهم نبأ ابنى آدم بالحق إذ قربا‬
‫قربانا ً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الخر قال لقتلنك قال‬
‫ى يدك لتقتلنى ما أنا‬ ‫ل الله من المتقين * لئن بسطت إل َّ‬ ‫إنما يتقب ُ‬
‫ب العالمين * إنى أريد‬ ‫ف الله ر َّ‬
‫ط يدى إليك لقتلك إنى أخا ُ‬‫بباس ٍ‬
‫أن تبوء بإثمى وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء‬
‫ه قتل أخيه فقتله فأصبح من‬ ‫الظالمين* فطوعت له نفس ُ‬
‫ه كيف يوارى‬ ‫ري َ ُ‬
‫الخاسرين * فبعث الله غرابًا يبحث فى الرض لي ُ ِ‬
‫سوءة أخيه * قال ياويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب‬
‫فأوارىَ سوءة أخى فأصبح من النادمين * من أجل ذلك كتبنا‬
‫على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا ً بغير نفس أو فساد ٍ فى‬
‫الرض فكأنما قتل الناس جميعا ً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس‬
‫جميعا ً ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا ً منهم بعد ذلك فى‬
‫الرض لمسرفون ) (‪.)6‬‬
‫الفروق بين المصدرين اتفق المصدران حول نقطتين اثنتين ل‬
‫ثالث لهما واختلفا فيما عداهما‪ .‬اتفقا فى‪ :‬مسألة القربان‪ .‬وفى‬
‫قتل أحد الخوين للخر‪ .‬أما فيما عدا هاتين النقطتين فإن ما ورد‬
‫فى القرآن يختلف تماما ً عما ورد فى التوراة ‪ ،‬وذلك على النحو‬
‫التى‪:‬‬
‫التوارة‪/‬القرآن المين تسمى أحد الخوين بقابين وهو " القاتل "‬
‫والثانى " هابيل " كما تصف القربانين وتحدد نوعهما‪ /.‬ليسميهما‬
‫ويكتفى ببنوتهما لدم كما اكتفى بذكر القربانين ولم يحددهما‪.‬‬

‫‪573‬‬
‫تروى حوارا ً بين قابين والرب بعد قتله أخاه ‪،‬وتعلن غضب الرب‬
‫على قابين وطرده من وجه الرب إلى أرض بعيدة‪ /.‬ل يذكر حواراً‬
‫حدث بين القاتل وبين الله ‪ ،‬ول يذكر أن القاتل طرده الله من‬
‫وجهه إلى أرض بعيدة ‪ ،‬إذ ليس على الله بعيد‪.‬‬
‫التوراة تخلو من أى حوار بين الخوين‪ /.‬يذكر الحديث الذى دار‬
‫بين ابنى آدم ويفصل القول عما صدر من القتيل قبل قتله‬
‫ً‬
‫وتهديده لخيه بأنه سيكون من أصحاب النار إذا قتله ظلما‪..‬‬
‫م تبين مصير جثة القتيل ؟! ‪/‬‬ ‫ل مقابل فى التوراة لهذه الرواية ول ْ‬
‫يذكر مسألة الغراب ‪ ،‬الذى بعثه الله لٍِيُرى القاتل كيف يتصرف‬
‫فى جثة أخيه ‪ ،‬ويوارى عورته‪.‬‬
‫تنسب الندم إلى " قابين " القاتل لما هدده الله بحرمانه من‬
‫خيرات الرض ‪ ،‬ول تجعله يشعر بشناعة ذنبه‪ /.‬يصرح بندم "‬
‫القاتل " بعد دفنه أخيه وإدراكه فداحة جريمته‪.‬‬
‫ل هدف لذكر القصة فى التوراة إل مجرد التاريخ‪ .‬فهى معلومات‬
‫ذهنية خالية من روح التربية والتوجيه‪.‬‬
‫‪/‬يجعل من هذه القصة هدفا ً تربويا ً ويبنى شريعة القصاص العادل‬
‫عليها‪ .‬ويلوم بنى إسرائيل على إفسادهم فى الرض بعد مجىء‬
‫رسل الله إليهم‪.‬‬
‫أضف إلى هذه ما تحتوى عليه التوراة من سوء مخاطبة " قابين"‬
‫الرب ‪ ،‬فترى فى العبارة التى فوق الخط‪ " :‬أحارس أنا لخى "‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫فيها فظاظة لوصدرت من إنسان لبيه لعد عاقًّا جافًّا فظ ّا غليظا‬
‫فكيف تصدر من " مربوب " إلى " ربه " وخالقه‪..‬؟!‬
‫ولكن هكذا تنهج التوراة فل هى تعرف " قدر الرب " ول من تنقل‬
‫عنه حوارا ً مع الرب‪.‬‬
‫ول غرابة فى هذا فالتوراة تذكر أن موسى أمر ربه بأن يرجع عن‬
‫غضبه على بنى إسرائيل ‪ ،‬بل تهديده إياه سبحانه بالستقالة من‬
‫النبوة إذا هو لم يستجب لمره‪.‬‬
‫ه علينا القرآن وهو الحق من أمر ابنى آدم‬ ‫والواقع أن ما ق َّ‬
‫ص ُ‬
‫مختلف تماما ً عما ورد فى التوراة فى هذا الشأن‪.‬‬
‫فكيف يقال‪ :‬إن القرآن اقتبس هذه الحداث من التوراة وصاغها‬
‫فى قالب البلغة العربية ؟!‬
‫إن الختلف ليس فى الصياغة ‪ ،‬بل هو اختلف أصيل كما قد‬
‫رأيت من جدول الفروق المتقدم‪.‬‬
‫والحاكم هنا هو العقل فإذا قيل‪ :‬إن هذه القصة مقتبسة من‬
‫التوراة قال العقل‪:‬‬
‫* فمن أين أتى القرآن بكلم الشقيق الذى قتل مع أخيه ‪ ،‬وهو‬
‫غير موجود فى نص التوراة التى يُدعى أنها مصدر القرآن ؟!‬

‫‪574‬‬
‫* ومن أين أتى القرآن بقصة الغراب الذى جاء ليُرى القاتل كيف‬
‫مدَّعى أصالتها‬ ‫يوارى سوءة أخيه وهى غير واردة فى التوراة ال ُ‬
‫للقرآن ‌‌؟!‬
‫* ولماذا أهمل القرآن الحوار الذى تورده التوراة بين " الرب "‬
‫وقابين القاتل وهذا الحوار هو هيكل القصة كلها فى التوراة ؟!‬
‫إن فاقد الشىء ل يعطيه أبدا ً ‪ ،‬وهذا هو حكم العقل‪ .‬والحقائق‬
‫الواردة فى القرآن غير موجودة فى التوراة قطعا ً فكيف تعطى‬
‫التوراة شيئا ً هى لم تعرف عنه شيئا ً قط‪..‬؟!‬
‫ل‪ ..‬إن القرآن له مصدره الخاص به الذى استمد منه الوقائع على‬
‫وجهها الصحيح ‪ ،‬ومجرد التشابه بينه وبين التوراة فى " أصل‬
‫الواقعة " ل يؤثر فى استقلل القرآن أبداً‪.‬‬
‫الصورة الثالثة من صورالتشابه بين التوراة والقرآن مقارنة بين‬
‫بعض التشريعات المحرمات من النساء قاَرنَّا فيما سبق بين‬
‫بعض المسائل التاريخية التى وردت فى كل من التوراة والقرآن‬
‫المين‪ .‬وأثبتنا بأقطع الدلة أن القرآن له سلطانه الخاص به فيما‬
‫يقول ويقرر ‪ ،‬ورددنا دعوى أن القرآن مقتبس من التوراة‪ .‬وبَيَّنَّا‬
‫حكم العقل فى هذه الدعوى كما أقمنا من الواقع " المحكى "‬
‫أدلة على ذلك‪.‬‬
‫ونريد هنا أن نقارن بين بعض المسائل التشريعية فى‬
‫المصدرين ؛ لنهم يقولون‪ :‬إن المسائل والحكام التشريعية التى‬
‫فى القرآن ل مصدر لها سوى القتباس من التوراة‪.‬‬
‫وقد اخترنا نص المحرمات من النساء فى التوراة لنقابله بنص‬
‫المحرمات من النساء فى القرآن الحكيم ليظهر الحق‪.‬‬
‫النص فى المصدرين أولً‪ :‬فى التوراة‪:‬‬
‫" عورة أبيك وعورة أمك ل تكشف‪ .‬إنها أمك ل تكشف عورتها‪.‬‬
‫عورة امرأة أبيك ل تكشف‪ .‬إنها عورة أبيك‪ .‬عورة أختك بنت‬
‫أبيك أو بنت أمك المولودة فى البيت ‪ ،‬أو المولودة خارجا ً ل‬
‫تكشف عورتها‪.‬‬
‫عورة ابنة ابنك أو ابنة بنتك ل تكشف عورتها إنها عورتك‪ .‬عورة‬
‫بنت امرأة أبيك المولودة من أبيك ل تكشف عورتها إنها أختك‪.‬‬
‫عورة أخت أبيك ل تكشف إنها قريبة أبيك‪ .‬عورة أخت أمك ل‬
‫تكشف إنها قريبة أمك عورة أخى أبيك ل تكشف ‪ ،‬إلى امرأته ل‬
‫تقرب إنها عمتك‪ .‬عورة كنتك ل تكشف‪ .‬إنها امرأة ابنك ل تكشف‬
‫عورتها‪.‬‬
‫عورة امرأة أخيك ل تكشف إنها عورة أخيك‪ .‬عورة امرأة ‪ ،‬وبنتها‬
‫ل تكشف ‪ ،‬ول تأخذ ابنة ابنتها أو ابنة بنتها لتكشف عورتها إنهما‬

‫‪575‬‬
‫قريبتاها‪ .‬إنه رذيلة‪ .‬ول تأخذ امرأة على أختها للضر لتكشف‬
‫عورتها معها فى حياتها (‪.)7‬‬
‫ثانياً‪ :‬فى القرآن الحكيم‪:‬‬
‫(ول تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إل ماقد سلف إنه كان‬
‫فاحشة ومقتًا وساء سبيل * حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم‬
‫وأخواتكم وعماتكم وخالتكم وبنات الخ وبنات الخت وأمهاتكم‬
‫اللتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم‬
‫اللتى فى حجوركم من نسائكم اللتى دخلتم بهن فإن لم تكونوا‬
‫دخلتم بهن فل جناح عليكم وحلئل أبنائكم الذين من أصلبكم‬
‫وأن تجمعوا بين الختين إل ما قد سلف إن الله كان غفورا ً رحيما‬
‫والمحصنات من النساء‪.)8( ) ..‬‬
‫هذان هما النصان فى المصدرين‪ .‬نص التوراة ‪ ،‬ونص القرآن‬
‫الحكيم‪ .‬فما هى أهم الفروق بينهما ياترى ؟!‬
‫وقبل إجراء المقارنة نفترض صحة النص التوراتى وخلوه من‬
‫التحريف إذ ل مانع أن يكون هذا النص فعل ً مترجما ً عن نص‬
‫أصلى تشريعى خل مترجمه من إرادة تحريفه‪.‬‬
‫والمهم هو أن نعرف هل يمكن أن يكون نص التوراة هذا أصلً‬
‫اقتبس منه القرآن الحكيم فكرة المحرمات من النساء ‪ ،‬علماً‬
‫بأن النص التوراتى قابل إلى حد كبير لجراء دراسات نقدية‬
‫عليه ‪ ،‬ولكن هذا ل يعنينا هنا‪.‬‬
‫الفروق بين المصدرين‪:‬‬
‫التوراة‪:‬‬
‫‪ -1‬ل تقيم شأنًا للنسب من جهة الرضاعة‪.‬‬
‫‪ -2‬تحرم نكاح امرأة العم وتدعوها عمة‪.‬‬
‫‪ -3‬تحرم نكاح امرأة الخ لخيه‪.‬‬
‫‪ -4‬ل تذكر حرمة النساء المتزوجات من رجال آخرين زواجهم‬
‫قائم‪.‬‬
‫‪ -5‬تجعل التحريم غالبا ً للقرابة من جهة غير الزوج مثل قرابة‬
‫الب الم العم ‪ 000‬وهكذا‪.‬‬
‫القرآن المين‪:‬‬
‫‪ -1‬يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب‪.‬‬
‫‪ -2‬ل يحرم نكاح امرأة العم ول يدعوها عمة‪.‬‬
‫‪ -3‬ل يحرم نكاح امرأة الخ لخيه إذا طلقها أو مات عنها أخوه‪.‬‬
‫‪ -4‬يحرم نكاح المتزوجات فعل ً من آخرين زواجا ً قائما ً ويطلق‬
‫عليهن وصف المحصنات من النساء‪.‬‬
‫‪ -5‬يجعل التحريم لقرابة الزوج ممن حرمت عليه‪ .‬أو قرابة زوجته‬
‫أحياناً‪.‬‬

‫‪576‬‬
‫هذه الفروق الواضحة ل تؤهل النص التوراتى لن يكون أص ً‬
‫ل‬
‫للنص القرآنى ‪ ،‬علميًّا ‪ ،‬وعقليًّا ‪ ،‬فللنص القرآنى سلطانه الخاص‬
‫ومصدره المتميز عما ورد فى التوراة‪ .‬وإل لما كان بين النصين‬
‫فروق من هذا النوع المذكور‪.‬‬
‫وقفة مع ما تقدم‪:‬‬
‫نكتفى بما تقدم من التوراة وإن كانت التوراة مصدرا ً ثََرا ً لمثل‬
‫هذه المقارنات ‪ ،‬ولو أرخينا عنان القلم لما وقفنا عند حد قريب‬
‫ولتضاعف هذا الحجم مئات المرات‪ .‬ومع هذا فما من مقارنة‬
‫تجرى بين التوراة وبين القرآن إل وهى دليل جديد على نفى أن‬
‫يكون القرآن مقتبسا ً من كتاب سابق عليه ‪ ،‬فالقرآن وحى أمين‬
‫حفظ كلمات الله كما أنزلت على خاتم النبيين (وقد رأينا فى‬
‫المقارنات الثلث المتقدمة أن القرآن فوق ما يأتى به من جديد‬
‫ليس معروفا ً فى سواه إنه يصحح أخطاء وقعت فيما سواه وهذا‬
‫ص الله بها القرآن فى قوله تعالى‪:‬‬ ‫خ َّ‬ ‫هو معنى " الهيمنة " التى َ‬
‫(مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه ) (‪.)9‬‬
‫فالمور التى لم يلحقها تحريف فى التوراة جاء القرآن مصدقا ً لها‬
‫أو هو مصدق لكل من التوراة والنجيل بالصفة التى أنزلها الله‬
‫عليهما قبل التحريف والتبديل‪.‬‬
‫صا صحيحاً‬ ‫حرفت ‪ ،‬وتعقبها القرآن فقصها ق ًّ‬ ‫أما المور التى ُ‬
‫أمينا ً ‪ ،‬وصحح ما ألحقوه بهما من أخطاء ‪ ،‬فذلك هو سلطان "‬
‫الهيمنة " المشهود للقرآن بها من منزل الكتاب على رسله‪.‬‬
‫فالقرآن هو كلمة الله " الخيرة " المعقبة على كل ما سواها ‪،‬‬
‫وليس وراءها معقب يتلوها ؛ لن الوجود النسانى ليس فى حاجة‬
‫مع وجود القرآن إلى غير القرآن‪.‬‬
‫كما أن الكون ليس فى حاجة مع الشمس إلى شمس أخرى‬
‫تمده بالضوء والطاقة بعد وفاء الشمس بهما‪.‬‬
‫ضا حيث يختلف عن‬ ‫ولنأخذ صورة مقارنة من العهد الجديد أي ً‬
‫العهد القديم وذلك لن نص النجيل الذى سندرسه يقابله من‬
‫القرآن نصان كل منهما فى سورة مما يصعب معه وضع النص‬
‫النجيلى فى جدول مقابل بالنصين القرآنيين‪ .‬ولهذا فإننا سنهمل‬
‫نظام الجدول هنا ونكتفى بعرض النصوص ‪ ،‬والموازنة بينها‬
‫والموضوع الذى سنخضعه للمقارنة هنا هو بشارة زكريا عليه‬
‫السلم بابنه يحى عليه السلم وذلك على النحو التى‪:‬‬
‫الصورة الرابعة من النجيل والقرآن بشارة زكريا ب " يحيى‬
‫" (عليهما السلم) النص النجيلى‪:‬‬
‫" لم يكن لهما يعنى زكريا وامرأته ولد‪ .‬إذ كانت اليصابات يعنى‬
‫امرأة زكريا عاقراً‪.‬وكان كلهما متقدمين فى أيامهما فبينما هو‬

‫‪577‬‬
‫يكهن فى نوبة غرفته أمام الله حسب عادة الكهنوت أصابته‬
‫القرعة أن يدخل إلى هيكل الرب ويبخر ‪ ،‬وكان كل جمهور‬
‫الشعب يصلى خارجا ً وقت البخور‪ .‬فظهر له ملك الرب واقفاً‬
‫عن يمين مذبح البخور‪ .‬فلما رآه زكريا اضطرب ووقع عليه‬
‫خوف‪ .‬فقال له الملك‪ :‬لتخف يا زكريا ؛ لن طلبتك قد سمعت‬
‫وامرأتك اليصابات ستلد لك ولدا ً وتسميه يوحنا ‪ ،‬ويكون لك فرح‬
‫وابتهاج‪ .‬وكثيرون سيفخرون بولدته ؛ لنه يكون عظيما ً أمام‬
‫الرب‪ .‬وخمرا ً ومسكرا ً ل يشرب ‪ ،‬ومن بطن أمه يمتلئ بروح‬
‫القدس ويرد كثيرين من بنى إسرائيل إلى الرب إلههم ‪ ،‬ويتقدم‬
‫أمامه بروح إيليا وقوته ليرد قلوب الباء إلى البناء‪.‬والعصاة إلى‬
‫فكر البرار ‪ ،‬لكى يهئ للرب شعبا ً مستعدًّا‪ .‬فقال زكريا للملك‪:‬‬
‫كيف أعلم هذا و أنا شيخ وامرأتى متقدمة فى أيامها‪..‬؟!‬
‫فأجاب الملك وقال‪ :‬أنا جبرائيل الواقف قدام الله‪ .‬وأرسلت‬
‫لكلمك وأبشرك بهذا‪ .‬وها أنت تكون صامتا ً ول تقدر أن تتكلم‬
‫إلى اليوم الذى يكون فيه هذا لنك لم تصدق كلمى الذى سيتم‬
‫فى وقته‪ .‬وكان الشعب منتظرين زكريا ومتعجبين من إبطائه فى‬
‫الهيكل‪ .‬فلما خرج لم يستطع أن يكلمهم ففهموا أنه قد رأى رؤيا‬
‫فى الهيكل‪ .‬فكان يومئ إليهم‪ .‬وبقى صامتاً‪.)10( "..‬‬
‫النصوص القرآنية‪:‬‬
‫(‪ )1‬سورة آل عمران‪:‬‬
‫ة إنك‬ ‫ة طيب ً‬ ‫ه قال رب هب لى من لدُنك ذري ً‬ ‫ك دعا زكريا رب َّ ُ‬
‫(هنال ِ َ‬
‫سميعُ الدعاء * فنادته الملئكة وهو قائم يصلى فى المحراب أن‬
‫الله يُبشرك بيحيى مصدقا ً بكلمةٍ من الله وسيدا ً وحصورا ً ونبيًّا‬
‫م وقد بلغنى الكبر‬ ‫من الصالحين * قال رب أنى يكون لى غل ٌ‬
‫ب اجعل لى‬ ‫ل ما يشاء * قال ر ِّ‬ ‫ك الله يفع ُ‬‫وامرأتى عاقر قال كذل ِ َ‬
‫ة أيام إل رمزا ً واذكر ربك كثيراً‬ ‫س ثلث َ‬‫آية قال آيتك أل تُكلم النا َ‬
‫وسبح بالعشى والبكار) (‪.)11‬‬
‫(‪ )2‬سورة مريم‪:‬‬
‫(ذكر رحمة ربك عبده زكريا * إذ نادى ربَّه نداءً خفيًّا * قال رب‬
‫ب‬‫إنى وهن العظم منى واشتعل الرأس شيبا ً ولم أكن بدعائك ر ِّ‬
‫شقيًّا * وإنى خفت الموالى من ورائى وكانت امرأتى عاقرا ً فهب‬
‫ب رضيًّا‬ ‫لى من لدنك وليًّا * يرثنى ويرث من آل يعقوب واجعله ر ِّ‬
‫* يا زكريا إنا نبشرك بغلم اسمه يحيى لم نجعل له من قبل‬
‫ت امرأتى عاقرا ً وقد‬ ‫ً‬
‫سميًّا * قال رب أنَّى يكون لى غلم وكان ً‬
‫ن وقد‬ ‫ى هي ٌ‬ ‫ك هو عل َّ‬ ‫ك قال رب َ‬‫بلغت من الكبر عتيًّا * قال كذل َ‬
‫خلقتك من قبل ولم تك شيئا * قال رب اجعل لى آية قال آيتك‬
‫أل تكلم الناس ثلث ليال سويًّا * فخرج على قومه من المحراب‬

‫‪578‬‬
‫فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيًّا * يا يحيى خذ الكتاب بقوة‬
‫وآتيناه الحكم صبيًّا * وحنانا ً من لدنَّا وزكاة ً وكان تقيًّا * وبراً‬
‫بوالديه ولم يكن جبارا ً عصيًّا * وسلم عليه يوم ولد ويوم يموت‬
‫ويوم يبعث حيًّا) (‪.)12‬‬
‫ذلك هو نص النجيل‪ .‬وذان هما نصا القرآن المين‪ .‬والقضية التى‬
‫نناقشها هنا هى دعوى " الحاقدين " أن القرآن مقتبس من‬
‫الناجيل كما ادعوا قبل أنه مقتبس من التوراة‪.‬‬
‫وندعو القارئ أن يراجع النص النجيلى مرات ‪ ،‬وأن يتلو النصوص‬
‫القرآنية مرات ‪ ،‬ويسأل نفسه هذا السؤال‪:‬‬
‫هل من الممكن علميًّا وعقليًّا أن يكون النص النجيلى مصدًرا لما‬
‫ورد فى القرآن المين ؟!‬
‫إن المقارنة بين هذه النصوص تسفر عن انفراد النصوص‬
‫القرآنية بدقائق ل وجود لها فى النص النجيلى‪.‬‬
‫ومن أبرز تلك الدقائق ما يلى‪:‬‬
‫أولً‪ :‬فى سورة آل عمران‪:‬‬
‫(أ) تقدم على قصة البشارة فى" آل عمران" قصة نذر امرأة‬
‫عمران ما فى بطنها لله محرراً‪ .‬وهذا لم يرد فى النص النجيلى‪.‬‬
‫(ب) الخبار بأنها ولدت أنثى " مريم " وكانت ترجو المولود ذكرا‬
‫وهذا لم يأت فى النص النجيلى‪.‬‬
‫(ج) كفالة زكريا للمولودة "مريم " ووجود رزقها عندها دون أن‬
‫يعرف مصدره والله سبحانه وتعالى أعلم سؤاله إياها عن‬
‫مصدره‪ .‬وهذا بدوره لم يرد فى النص النجيلى‪.‬‬
‫(د) القرآن يربط بين قصة الدعاء بمولود لزكريا وبين قصة‬
‫مولودة امرأة عمران‪ .‬وهذا ل وجود له فى النص النجيلى‪.‬‬
‫(ه) دعاء زكريا منصوص عليه فى القرآن وليس له ذكر فى‬
‫النص النجيلى‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬فى سورة مريم‪:‬‬
‫(أ) ما رتبه زكريا على هبة الله له وليًّا ‪ ،‬وهو أن يرثه ويرث من‬
‫آل يعقوب‪ .‬ولم يرد هذا فى النص النجيلى‪.‬‬
‫(ب) السبب الذى حمل زكريا على دعاء ربه وهو خوفه الموالى‬
‫من ورائه والنص النجيلى يخلو من هذا‪.‬‬
‫(ج) كون زكريا أوحى لقومه بأن يسبحوا بكرة وعشيًّا‪ .‬ول وجود‬
‫لهذا فى النص النجيلى‪.‬‬
‫(د) الثناء على المولود " يحيى " من أنه بار بوالديه عليه سلم‬
‫الله يوم ولدته ويوم موته ويوم بعثه حيًّا ورد فى القرآن ول‬
‫مقابل له فى النص النجيلى‪.‬‬

‫‪579‬‬
‫هذا كله جديد خاص بالقرآن ل ذكر له فى سواه‪ .‬وهذا يعنى أن‬
‫القرآن قد صور الواقعة المقصوصة تصويرا ً أمينًا كاملً‪.‬‬
‫وهذه هى المهمة الولى التى تعقب بها القرآن المهيمن ما ورد‬
‫فى النجيل المذكور‪.‬‬
‫وبقيت مهمة جليلة ثانية قام بها القرآن المهيمن نحو النص‬
‫النجيلى ‪ ،‬كما قام بمثلها نحو النصوص التوراتية المتقدمة‪ .‬وتلك‬
‫المهمة هى‪ :‬تصحيح الخطاء التى وردت فى النص النجيلى‪.‬‬
‫ومن ذلك‪:‬‬
‫(أ‌) النص النجيلى يجعل الصمت الذى قام بزكريا عقوبة له من‬
‫الملك‪.‬‬
‫فصحح القرآن هذه الواقعة ‪ ،‬وجعل الصمت استجابة لدعاء زكريا‬
‫ربه‪ .‬وقد حرص على هذا النصان القرآنيان معاً‪ .‬ففى آل عمران‬
‫(قال رب اجعل لى آية قال آيتك أل تكلم الناس ثلثة أيام إل‬
‫رمزاً(وفى مريم‪( :‬قال رب اجعل لى آية قال آيتك أل تكلم الناس‬
‫ثلث ليال سويا (‪.‬‬
‫فالصمت فكان تكريما لزكريا عليه السلم من الله ‪ ،‬وليس‬
‫عقوبة من الملك ‪ ،‬وقد انساق بعض مفسرى القرآن الكريم‬
‫وراء هذا التحريف النجيلى فقال‪ :‬إن الصمت كان عقوبة‬
‫لزكريا ‪ ،‬ولكن من الله ل من الملك‪.‬‬
‫وها نحن نرفض هذا كله سواء كان القائل به مسلما أو‬
‫غيرمسلم‪.‬‬
‫فما هو الذنب الذى ارتكبه زكريا حتى يعاقب من الله أو حتى من‬
‫الملك ؟!‬
‫هل إقراره بكبر سنه وعقر امرأته هو الذنب ؟!‬
‫لقد وقع هذا من إبراهيم عليه السلم حين بشر بإسحق ‪ ،‬ووقع‬
‫من سارة حين بشرت به فلم يعاقب الله منهما أحداً‪.‬‬
‫ت بحملها بعيسى ولم‬ ‫وقد وقع هذا من " مريم " حين ب ُ ّ ِ‬
‫شَر ْ‬
‫يعاقبها الله عليه‪ .‬فما السر فى ترك إبراهيم وسارة ومريم بل‬
‫عقوبة وإنزالها بزكريا وحده مع أن الذى صدر منه صدر مثله‬
‫تماما ً من غيره‪.‬‬
‫أفى المسألة محاباة‪..‬؟! كل‪ ..‬فالله ل يحابى أحداً‪.‬‬
‫إن أكبر دليل على نفى هذا القول هو خلو النصوص القرآنية‬
‫منه ‪ ،‬وليس هذا تعصبا ً منا للقرآن‪ .‬وإنما هو الحق ‪ ،‬والمسلك‬
‫الكريم اللئق بمنزلة الرسل عند ربهم‪.‬‬
‫إن الصمت الذى حل بزكريا كان بالنسبة لتكليم الناس ‪ ،‬ومع هذا‬
‫فقد ظل لسانه يلج بحمد الله وتسبيحه فى العشى والبكار كما‬
‫نص القرآن المين‪.‬‬

‫‪580‬‬
‫(ب) النص النجيلى يحدد مدة الصمت بخروج زكريا من الهيكل‬
‫إلى يوم أن ولد يحيى‪.‬‬
‫ن صححه القرآن المهيمن فجعل مدته ثلثة أيام‬ ‫وهذا خطأ ثا ٍ‬
‫بلياليهن بعد الخروج من المحراب‪.‬‬
‫(ج) النص النجيلى يجعل البشارة على لسان ملك واحد ‪ ،‬بينما‬
‫النصان القرآنيان يجعلنها على لسان جمع من الملئكة‪( :‬فنادته‬
‫الملئكة وهو قائم يصلى فى المحراب ) (‪.)13‬‬
‫(يا زكريا إنا نبشرك بغلم‪.)14( ) ..‬‬
‫وهذا خطأ ثالث وقع فيه النص النجيلى فصححه القرآن المين‪.‬‬
‫(د) النص النجيلى يجعل التسمبة ب " يحيى " يوحنا من اختيار‬
‫زكريا بيد أن الملك قد تنبأ بها‪.‬‬
‫وهذا خطأ رابع صححه القرآن المين فجعل التسمية من وحى‬
‫الله إلى زكريا‪ ..( :‬اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ) (‪.)15‬‬
‫(ه) النص النجيلى يقول‪ " :‬إن زكريا حين جاءه الملك وقع عليه‬
‫خوف واضطراب "‪.‬‬
‫وقد خل النص القرآنى من هذا‪ ..‬فدل خلوه منه على أنه لم يقع‪.‬‬
‫صهِ للوقائع المناظرة لهذه‬ ‫ذلك أن القرآن الحكيم ع َوَّدَنَا فى قَ ِّ‬
‫ص عليها‬‫الواقعة أن يسجلها إذا حدثت ول يهملها ‪ ،‬بدليل أنه قد ن َ َّ‬
‫فى واقعة السحرة مع موسى عليه السلم فقال‪( :‬فأوجس فى‬
‫نفسه خيفة موسى ) (‪ .)16‬وقال فى شأنه كذلك عند انقلب‬
‫ُ َ‬
‫مدبِرا ً ولم‬‫ن وَل ّى ُ‬
‫جا ّ‬‫العصى حية لول مرة‪( :‬فلما رآها تهتز كأنها َ‬
‫ب ) (‪ .)17‬وحكاها عن إبراهيم عليه السلم حين جاءته‬ ‫يُعَقِّ ْ‬
‫الملئكة تبشره فقال حكاية عن إبراهيم لضيوفه‪( :‬إنا منكم‬
‫وجلون ) (‪ .)18‬وحكاها عن مريم حين جاءها الملك‪( :‬قالت إنى‬
‫أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ) (‪.)19‬‬
‫ص القرآن على ذكر هذا النفعال (الخوف ‪ ،‬إذا حدث) يدل‬ ‫حْر ُ‬ ‫و ِ‬
‫على أن خلوه منه بالنسبة لزكريا دليل على أنه لم يقع منه خوف‬
‫قط ‪ ،‬وهذا " الخلو "يعتبر تصحيحا ً لما ورد فى النجيل من نسبة‬
‫حدث إلى زكريا هو فى الواقع لم يصدر منه‪.‬‬
‫فهذه خمسة أخطاء قام بتصحيحها القرآن المين نحو نصوص‬
‫النجيل المذكورة هنا فى المقارنة‪ .‬وبهذا نقول‪:‬‬
‫إن القرآن أدى هنا فى تعقبه للنص النجيلى مهمتين جليلتين‪:‬‬
‫الولى‪ :‬تصوير الواقعة المقصوصة تصويرا ً أمينا ً كاملً‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬تصحيح الخطاء الواردة فى النص النجيلى المقارن‪.‬‬
‫وقفة أخيرة مع دعوى القتباس‪:‬‬
‫موضوع الدعوى كما يروج لها المبشرون أن القرآن اقتبس من‬
‫صهِ التاريخى‪.‬‬ ‫ص ِ‬ ‫الكتاب المقدس كل قَ َ‬

‫‪581‬‬
‫والواقعة التى هى موضوع دعوى القتباس هنا هى حادثة تاريخية‬
‫دينية محددة ببشارة زكريا عليه السلم بيحيى عبد الله ورسوله‬
‫ووثائق تسجيلها هما‪ :‬النجيل ‪ ،‬ثم القرآن المين‪.‬‬
‫ضا بعد زمن‬ ‫وصلة النجيل بالواقعة المقصوصة أنه سجلها فر ً‬
‫وقوعها بقليل ؛ لن عيسى كان معاصرا ً ليحيى عليهما السلم‬
‫وصلة القرآن المين بها أنه سجلها بعد حدوثها بزمن طويل "‬
‫حوالى سبعمائة سنة "‪.‬‬
‫وقرب النجيل من وقوع الحادثة المقصوصة ‪ ،‬وبُعد القرآن‬
‫الزمنى عنها يقتضى إذا سلمنا جدل ً بدعوى القتباس المطروحة‬
‫أن يأتى القتباس على إحدى صورتين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬أن يقتبس القرآن جزءًا مما ورد من القصة الكلية فى‬
‫النجيل‪ .‬وتظل القصة فيه ناقصة عما هى عليه فى المصدر‬
‫المقتبس منه (النجيل) على حسب زعمهم‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬أن يقتبس القرآن القصة كلها كما هى فى النجيل بل‬
‫نقص ول زيادة ‪ ،‬سواء أخذها بألفاظها أو صاغها فى أسلوب جديد‬
‫(البلغة العربية كما يدعون) ‪ ،‬بشرط أن يتقيد بالمعانى الواردة‬
‫فى المصدر المقتبس منه ؛ لن الفرض قائم (حتى الن) على أن‬
‫القرآن لم يكن له مصدر يستقى منه الواقعة غير النجيل‬
‫المقتبس منه‪.‬‬
‫ومحظور على القرآن عمل بهذه القيود التى تكتنف قضية‬
‫القتباس للوقائع التاريخية من مصدرها الوحد أن يأتى بجديد أو‬
‫يضيف إلى الواقعة ما ليس فى مصدرها الوحد‪.‬‬
‫فماذا صنع القرآن إذن ؟ هل اقتبس من النجيل جزءًا من‬
‫الواقعة ؟ أم الواقعة كلها ؟!‬
‫دائرا ً فى فلك النجيل دورة ناقصة أو دورة كاملة ؟!‬
‫لو كان القرآن قد فعل هذا‪ :‬اقتبس جزءا ً من الواقعة كلها ‪ ،‬وَ ل َ ْ‬
‫و‬
‫مع صياغة جديدة لم تغير من المعنى شيئا ؛ لكان لدعوى‬
‫القتباس هذه ما يؤيدها من الواقع القرآنى نفسه‪ .‬ولما تردد فى‬
‫تصديقها أحد‪.‬‬
‫ولكننا قد رأينا القرآن لم يفعل شيئًا مما تقدم‪ .‬لم يقتبس جزءاً‬
‫من الواقعة ول الواقعة كلها‪.‬‬
‫وإنما صورها تصويرا ً أمينا ً رائعاً‪ .‬سجل كل حقائقها ‪ ،‬والتقط‬
‫بعدساته كل دقائقها‪ .‬وعرضها عرضا ً جديدا ً نقيًّا صافيا ً ‪ ،‬وربط‬
‫بينها وبين وقائع كانت كالسبب الموحد لها فى بناء محكم وعرض‬
‫أمين‪.‬‬
‫ولم يقف القرآن عند هذا الحد‪ ..‬بل قام بإضافة الكثير جدًّا من‬
‫الجديد الذى لم يعرفه النجيل‪ .‬وصحح كثيرا ً من الخطاء التى‬

‫‪582‬‬
‫وردت فيه بفعل التحريف والتزوير‪ .‬إما بالنص وإما بالسكوت‪.‬‬
‫وهذا ل يتأتى من مقتبس ليس له مصدر سوى ما اقتبس منه‪.‬‬
‫وإنما يتأتى ممن له مصدره ووسائله وسلطانه المتفوق ‪ ،‬بحيث‬
‫يتخطى كل الحواجز ‪ ،‬ويسجل الواقعة من " مسرحها " كما رآها‬
‫هو ‪ ،‬وعقلها هو ‪ ،‬وسجلها هو‪ .‬وكان هذا هو القرآن‪.‬‬
‫إن المصدر الوحيد للقرآن هو الوحى الصادق المين‪ ..‬وليس ما‬
‫سجله الحبار والكهان ‪ ،‬والفريسيون ‪ ،‬والكتبة فى توراة أو‬
‫أناجيل‪.‬‬
‫إن مقاصد القرآن وتوجيهاته وكل محتوياته ليس فى التوراة ول‬
‫فى النجيل منها شىء يذكر‪ .‬وفاقد الشىء ل يعطيه‪ .‬هذا هو‬
‫حكم العقل والعلم ‪ ،‬ومن لم يخضع لموازين الحق من عقل‬
‫وعلم ونقل فقد ظلم نفسه‪.‬‬
‫(‪ )1‬سفر التكوين الصحاح (‪ )39‬الفقرات (‪.)19 7‬‬
‫(‪ )2‬لم نذكرالنص القرآنى الخاص بحديث النسوه إذ ل مقابل له‬
‫فى التوراة‪.‬‬
‫(‪ )3‬يوسف‪ 29-23 :‬ثم آية ‪.35‬‬
‫(‪ )4‬تأمل عبارة التوراة " اضطجع معى " تجدها مبتذلة فاضحة‬
‫تكاد تجسم معناها تجسيماً‪ .‬ثم تأمل عبارة القرآن (و راودته التى‬
‫هو فى بيتها عن نفسه (تجدها كناية لطيفة شريفة بعيدة عن‬
‫التبذل والسفاف‪.‬‬
‫واللفاظ أوعية المعانى والمعانى ظلل اللفاظ‪..‬‬
‫(‪ )5‬سفر التكوين (‪ )6( )16-3-4‬المائدة‪.32-27 :‬‬
‫(‪ )7‬سفر اللويين (‪.)18 7 18‬‬
‫(‪ )8‬النساء‪.24-22 :‬‬
‫(‪ )9‬المائدة‪.48 :‬‬
‫(‪ )10‬إنجيل لوقا (‪ )22 -7‬الصحاح الول‪.‬‬
‫(‪ )11‬آل عمران‪ .41-38 :‬وراجع قبله اليات من ‪ 37-35‬للهمية (‪)12‬‬
‫مريم‪ )13( 15 - 8 :‬آل عمران‪.39 :‬‬
‫(‪ )14‬مريم‪.7:‬‬
‫(‪ )15‬مريم‪.7:‬‬
‫(‪ )16‬طه‪.67 :‬‬
‫(‪ )17‬القصص‪.31 :‬‬
‫(‪ )18‬الحجر‪.52 :‬‬
‫(‪ )19‬مريم‪.18 :‬‬
‫‪ -42‬رفع المعطوف على المنصوب‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫‪583‬‬
‫منشأ هذه الشبهة‪:‬‬
‫(إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله‬
‫واليوم الخر وعمل صالحا ً فل خوف عليهم ول هم يحزنون ) (‪.)1‬‬
‫هذه الية هى منشأ هذه الشبهة عندهم ‪ ،‬لنهم نظروا فيما بعد "‬
‫الواو " فى " الصابئون " وقارنوا بينه وبين " الذين آمنوا " الواقع‬
‫بعد " إن " وهى حرف ناسخ ينصب " المبتدأ " ويرفع " الخبر "‬
‫واسم " إن " هنا هو " الذين " وهو مبنى لنه اسم موصول‪.‬‬
‫وقد عطف عليه " الذين هادوا " أما " الصابئون " فجاءت‬
‫مرفوعة ب"الواو" لنها جمع مذكر سالم وجاء بعدها " النصارى‬
‫"‪.‬‬
‫وكل من " الذين " فى الموضعين السابقين على " الصابئون "‬
‫وكذلك " النصارى " إعرابها تقديرى ل يظهر ل فى الخط ول فى‬
‫النطق ‪ ،‬وذلك لن السم الموصول " الذين " من المبنيات على‬
‫حالة واحدة ‪ ،‬أما "النصارى" فهو اسم مقصور ‪ ،‬يتعذر ظهور‬
‫حركة العراب عليه ‪ ،‬وهى هنا الفتحة ‪ ،‬و " الراء " مفتوحة‬
‫أصالة ‪ ،‬ومحال أن تظهر فتحتان على موضع واحد‪ .‬سواء كانت‬
‫ح وضم ٍ ‪ ،‬أو متجانستين ‪ ،‬كفتحتين‬‫الحركتان مختلفتين ‪ ،‬كفت ٍ‬
‫وضمتين‪.‬‬
‫وخصوم القرآن نظروا فى نظم هذه الية الحكيمة وقالوا إن فيها‬
‫خطأ لغويا ً (نحوياً) ؛ لن " الصابئون " معطوفة على منصوب "‬
‫إن الذين آمنوا " فكان حقها أن تنصب ‪ ،‬فيقال " والصابئين "‬
‫لكنها جاءت مرفوعة ب " الواو " هكذا " والصابئون " وهدفهم‬
‫من تصيد هذه الشبهات إثبات‪:‬‬
‫‪ -‬أن فى القرأن تحريفا ً لمخالفته بدهيات القواعد النحوية‪.‬‬
‫‪ -‬أو هو ليس من عند الله ‪ ،‬لن ما كان من عند الله ل يكون فيه‬
‫خطأ‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫للنحاة والمفسرين فى توجيه رفع " الصابئون " فى هذه الية‬
‫عدة آراء ‪ ،‬منها ما هو قوى مشهود له فى الستعمال اللغوى عند‬
‫العرب الخلص ‪ ،‬ومنها ما هو دون ذلك ‪ ،‬وقد بلغت فى جملتها‬
‫تسعة توجهات نذكر منها ما يلى‪:‬‬
‫الول‪ :‬ما قاله جمهور نحاة البصرة ‪ ،‬الخليل وسيبويه وأتباعهما ‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬إن " الصابئون " مرفوع على أنه " مبتدأ " وخبره محذوف‬
‫يدل عليه خبر ما قبله " إن الذين آمنوا " قالوا‪ :‬والنية فيه التأخير‬
‫‪ ،‬أى تأخير " والصابئون " إلى ما بعد " والنصارى "‪ .‬وتقدير‬
‫النظم والمعنى عندهم‪ " :‬إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى‬

‫‪584‬‬
‫من آمن منهم بالله واليوم الخر فل خوف عليهم ول هم يحزنون‬
‫والصابئون كذلك " (‪.)2‬‬
‫ومن شواهد هذا الحذف عند العرب قول الشاعر‪:‬‬
‫نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأى مختلف فقد حذف‬
‫الخبر من المبتدأ الول ‪ ،‬وتقديره " راضون " لدللة الثانى عليه "‬
‫راض "‪.‬‬
‫والمعنى‪ :‬نحن بما عندنا راضون ‪ ،‬وأنت بما عندك راض‪.‬‬
‫وقول الخر‪:‬‬
‫ومن بك أمسى بالمدينة رحله فإنى وقيَّار بها لغريب والتقدير‪:‬‬
‫فإنى لغريب وقيار كذلك‪.‬‬
‫وقول الشاعر‪:‬‬
‫وإل فاعلموا أنَّا وأنتم بغاة ما بقينا فى شقاق الشاعر يصف‬
‫الفريقين أنهم " بغاة " إن استمروا فى الشقاق ‪ ،‬والتقدير‪:‬‬
‫اعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك‪.‬‬
‫وهكذا ورد فى الستعمال اللغوى عند العرب ‪ ،‬أن الجملة‬
‫السمية المؤكدة ب " إن " يجوز أن يذكر فيها مبتدأ آخر غير‬
‫اسم " إن " وأن يذكر خبر واحد يكون لسم " إن " ويحذف خبر‬
‫المبتدأ الثانى لدللة خبر اسم "إن " عليه ‪ ،‬أو يحذف خبر اسم "‬
‫إن " ويكون الخبر المذكور للمبتدأ الثانى دليل ً على خبر اسم "‬
‫إن " المحذوف ونظم الية التى كانت منشأ الشبهة عندهم ل‬
‫يخرج عن هذه الساليب الفصيحة ‪ ،‬التى عرفناها فى البيات‬
‫الشعرية الثلثة ‪ ،‬وهى لشعراء فصحاء يستشهد بكلمهم‪.‬‬
‫الثانى‪ :‬أن " إن " فى قوله تعالى‪ " :‬إن الذين آمنوا " ليست هى‬
‫ن " الناسخة ‪ ،‬التى تنصب المبتدأ وترفع الخبر ‪ ،‬بل هى‬ ‫" إ َّ‬
‫بمعنى‪ :‬نعم ‪ ،‬يعنى حرف جواب ‪ ،‬فل تعمل فى الجملة السمية‬
‫ل نصبا ً ‪ ،‬ول رفعا ً ‪ ،‬وعلى هذا فالذى بعدها مرفوع المحل ‪ ،‬لن "‬
‫الذين " اسم موصول ‪ ،‬وهو مبنى فى محل رفع ‪ ،‬وكذلك "‬
‫الصابئون " فإنه مرفوع لفظا ً ‪ ،‬وعلمة رفعه " الواو " لنه جمع‬
‫مذكر سالم ‪ ،‬مفرده " صابئ "‪.‬‬
‫وقد استعملها العرب كذلك‪ .‬قال قيس بن الرقيات‪:‬‬
‫ب قد‬‫ه ويقلن شي ٌ‬ ‫برز الغوانى من الشباب يلمننى ‪ ،‬وآلو مهن َّ ْ‬
‫ه (‪ )3‬أى فقلت‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫ت ‪ ،‬فقلت إن َّ ْ‬‫علك وقد كبر َ‬
‫وعلى هذا فإن كل من " الذين " و " الصابئون " والنصارى ‪،‬‬
‫أسماء مرفوعة إما محل ً ‪ ،‬وهما‪ :‬الذين " فهى مبنية فى محل‬
‫رفع ‪ ،‬والنصارى مرفوعة بضمة مقدرة لنها اسم مقصور ل تظهر‬
‫على آخره حركات ‪ ،‬وإما لفظا ً مثل‪ " :‬الصابئون " فهى مرفوعة‬
‫لفظا ً بواو الجماعة‪.‬‬

‫‪585‬‬
‫وعليه كما كان فى المذهب الول فل خطأ فى الية كما زعم‬
‫خصوم القرآن‪.‬‬
‫أما المفسرون فقد اختار الزمخشرى منهم المذهب الول المعزو‬
‫إلى جمهور علماء البصرة ‪ ،‬ومن شيوخهم الخليل وسيبويه ‪،‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫" والصابئون " رفع على البتداء ‪ ،‬وخبره محذوف والنية به (‪)4‬‬
‫التأخير عما فى حيز إن من اسمها وخبرها كأنه قيل‪:‬‬
‫" إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كذا ‪ ،‬والصابئون‬
‫كذلك " (‪.)5‬‬
‫وقال المام الشوكانى‪:‬‬
‫" والصابئون " مرتفع على البتداء ‪ ،‬وخبره محذوف والتقدير‪ :‬إن‬
‫الذين آمنوا والذين هادوا من آمن منهم بالله واليوم الخر وعمل‬
‫صالحا ً فل خوف عليهم ول هم يحزنون والصابئون والنصارى‬
‫كذلك " (‪.)6‬‬
‫وقد ألمح المام الشوكانى إلى إضافة جديدة خالف بها كل من‬
‫الخليل وسيبويه والزمخشرى ؛ لن هؤلء جعلوا " الصابئون"‬
‫ً‬
‫مقدما من تأخير كما تقدم ‪ ،‬أما هو فجعله قارا ّ فى موضعه غير‬
‫مقدم من تأخير بدليل قوله‪:‬‬
‫" والصابئون والنصارى كذلك " وهذه إضافة حسنة ومقبولة‪.‬‬
‫جعْل " النصارى " مرفوعة عطفا ً على " الصابئون "‬ ‫وعليه يمكن َ‬
‫ول حاجة إلى جعلها منصوبة عطفا ً على " إن الذين آمنوا " ‪،‬‬
‫والواقع أن هذا المذهب على جملته الذى ذهب إليه جمهور علماء‬
‫البصرة ‪ ،‬وتابعهم فيه المام الشوكانى هو أقوى ما أورده النحاة‬
‫فى توجيه رفع " الصابئون " فى هذه الية الكريمة‪ .‬أما بقية‬
‫الراء ‪ ،‬فهى دون ذلك بكثير (‪.)7‬‬
‫هذا هو توجيه رفع " الصابئون " عند جمهور النحاة والمفسرين ‪،‬‬
‫أما توجيهه بلغة فهو ما يأتى‪:‬‬
‫إن مخالفة إعراب " الصابئون " عما قبلها سواء كانت مقدمة من‬
‫تأخير على رأى الجمهور أو غير مقدمة على رأى المام‬
‫الشوكانى وآخرين (‪ )8‬وعما بعدها إن قدرنا " والنصارى "‬
‫معطوفا ً على " إن الذين آمنوا والذين هادوا ‪ ،‬بأن هذه المخالفة‬
‫لمحة بلغية رائعة ؛ تشير إلى وجود فرق كبير بين هذه الطوائف‬
‫الربع‪:‬‬
‫‪ -‬الذين آمنوا‪.‬‬
‫‪ -‬الذين هادوا‪.‬‬
‫‪ -‬النصارى‪.‬‬
‫‪ -‬الصابئون‪.‬‬

‫‪586‬‬
‫فالطوائف الثلث الولى يربط بينها رابط قوى هو أن كل طائفة‬
‫منها لها كتاب ورسول من عند الله عز وجل‪.‬‬
‫فالذين آمنوا لهم كتاب هو القرآن ‪ ،‬ورسول هو محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬
‫والذين هادوا لهم كتاب هو التوراة ‪ ،‬ولهم رسول هو موسى عليه‬
‫السلم‪.‬‬
‫والنصارى لهم كتاب هو النجيل ‪ ،‬ولهم رسول هو عيسى عليه‬
‫السلم‪.‬‬
‫أما الصابئون ‪ ،‬فليس لهم كتاب ول رسول ‪ ،‬وهم على ضلل‬
‫مطبق ل ذرة من هداية فيه‪.‬‬
‫والمقام الذى تتحدث عنه الية هو فتح باب القبول عند الله لكل‬
‫من آمن إيمانا ً صحيحا ً صادقا ً وداوم على عمل الصالحات‪.‬‬
‫فاليمان يمحو ما قبله ول ينظر الله إلى ماضيهم الذى كانوا عليه‬
‫ص ‪ ،‬والية بدأت بالذين آمنوا ليستمروا على‬ ‫من كفر ومعا ٍ‬
‫إيمانهم الذى هم فيه ‪ ،‬ويلتزموا بعمل الصالحات والله سيجزيهم‬
‫خير الجزاء على إيمانهم المستمر ‪ ،‬وصلحهم الدائم (‪.)9‬‬
‫ثم ثنت بالذين هادوا ‪ ،‬يعنى‪ :‬اليهود ‪ ،‬وهم كانوا فى عصر نزول‬
‫القرآن قد غالوا فى دينهم ‪ ،‬وحادوا عن الحق ‪ ،‬وغيَّروا وبدَّلوا‬
‫فيما أنزله الله على أنبيائهم فوعدهم الله إذا آمنوا إيمانا ً صحيحاً‬
‫صادقا ً ‪ ،‬وتابوا إلى الله من كل ما ابتدعوه فى عقائدهم واتبعوا‬
‫ن من‬ ‫ما أنزل الله على خاتم رسله ؛ بأنهم سيكونون فى أم ٍ‬
‫عذاب الله ‪ ،‬ل خوف عليهم ول هم يحزنون‪.‬‬
‫وكذلك النصارى حيث جعلوا لله صاحبة وولدا وغالوا كثيرا ً فى‬
‫دينهم ‪ ،‬إذا آمنوا إيمانا ً صحيحا ً صادقا ً ‪ ،‬وبرئوا من عقائدهم التى‬
‫ابتدعوها ‪ ،‬وأصلحوا شأنهم ‪ ،‬وآمنوا بما أنزله الله على خاتم‬
‫رسله ‪ ،‬ولزموا العمل الصالح ‪ ،‬كان سعيهم عند الله مشكورا ً ‪،‬‬
‫ووقاهم الله عز وجل من الخوف والحزن يوم يقوم الناس لرب‬
‫العالمين‪.‬‬
‫ثم زاد الله فى ترغيب هذه الفرق الثلث فيما عنده بأن يجعل‬
‫هذا الفضل للصابئين الذين خرجوا عن جميع الرسالت‬
‫السماوية ‪ ،‬وإذا كان الله يقبل منهم إيمانهم إذا آمنوا ‪ ،‬ويثيبهم‬
‫على عمل الصالحات‪.‬‬
‫فإن الذين آمنوا واليهود والنصارى أولى بالقبول عند الله ‪ ،‬إذا‬
‫آمنوا وعملوا الصالحات‪.‬‬
‫ومن أجل هذا خولف إعراب و " الصابئون " ليلفت الذهان عند‬
‫قراءة هذه الية أو سماعها إلى الوقوف أمام هذه المخالفة ‪،‬‬

‫‪587‬‬
‫وليتساءل القارئ أو السامع ما سبب هذه المخالفة ‪ ،‬ثم يقوده‬
‫هذا التساؤل إلى الحصول على هذا المعنى الذى تقدم‪.‬‬
‫فهذه المخالفة أشبه ما تكون بالنبر الصوتى فى بعض الكلمات ‪،‬‬
‫التى يراد لفت النظار إليها عند السامعين ؛ قالوا‪ :‬والواو فى "‬
‫والصابئون " ليست لعطف المفردات على نظائرها ‪ ،‬وإنما هى‬
‫لعطف " الجمل " و" الواو " التى تعطف جملة على أخرى ل‬
‫تعمل فى مفردات الجملة المعطوفة ‪ ،‬ل رفعا ً ول نصبا ً ول جرا‪ً.‬‬
‫بل تربط بين الجملتين المعطوفة والمعطوف عليها فى المعنى‬
‫دون الحركات العرابية‪.‬‬
‫ولهذه الية نظائر فى مخالفة إعرابها لما قبلها اتخذ منها خصوم‬
‫القرآن منشأ لشبهات مماثلة وسيأتى الحديث عنها كل فى‬
‫موضعه إذا شاء الله تعالى‪.‬‬
‫والخلصة‪:‬‬
‫إن هذه الية‪( :‬إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى‬
‫من آمن بالله واليوم الخر (تخلو من أى خطأ نحوى أو غير‬
‫نحوى‪ .‬بل هى فى غاية الصحة والعجاز ‪ ،‬وقد بينا وجوه صحتها ‪،‬‬
‫والمعانى البيانية التى ألمح إليها رفع " الصابئون " وهؤلء الذين‬
‫يلحدون فى آيات الله ل دراية لهم بالنحو ول بالصرف ول بالبلغة‬
‫‪ ،‬وليسوا هم طلب حق ‪ ،‬ول باحثين عنه ‪ ،‬والذى سيطر على كل‬
‫تفكيرهم هو البحث " عن العورات " فى كتاب ل عورات فيه بل‬
‫هو أنقى وأبلغ وأفصح وأصح ‪ ،‬وأصدق بيان فى الكون كله ‪ ،‬ول‬
‫يأتوننا بمثل إل جئناهم بالحق وما هم بسابقين‪.‬‬
‫(‪ )1‬المائدة‪.69 :‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الدر المصون للسمين الحلبى (‪.)4/354‬‬
‫(‪ )3‬البيتان فى ديوانه (‪ )66‬والكتاب لسيبويه (‪.)1/475‬‬
‫(‪ )4‬الضمير فى " به " عائد على " الصابئون " يعنى أن حقه أن‬
‫يذكر بعد النصارى ‪ ،‬ولكنه قُدِّم من تأخير‪.‬‬
‫(‪ )5‬الكشاف (‪.)1/630‬‬
‫(‪ )6‬فتح القدير (‪.)2/71‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬تفاصيل هذه الراء وشواهدها ومناقشتها فى " الدر‬
‫المصون " للسمين الحلبى (‪ )4/352‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )8‬انظر‪ :‬المصدر السابق (‪.)4/360‬‬
‫(‪ )9‬بعض العلماء يفسر " الذين آمنوا " فى الية بأنهم المنافقون‬
‫لنهم غير مؤمنين فى الباطن‪ .‬والصوب ما أثبتناه ‪ ،‬وهو أن‬
‫المراد هم الذين آمنوا فعل ً ‪ ،‬ويكون المطلوب منهم أمرين ثباتهم‬
‫على هذا اليمان‪.‬‬

‫‪588‬‬
‫منوا‬
‫ثم إدامة عمل الصالحات‪ .‬كما فى قوله تعالى‪(:‬يا أيها الذين آ َ‬
‫منوا بالله ورسوله (النساء‪.136 :‬‬ ‫آ ِ‬
‫أى‪ :‬دوموا على إيمانكم‪.‬‬
‫‪-------------------------‬‬
‫‪ -43‬نصب المعطوف على المرفوع‬

‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬


‫وتكلموا على هذه الشبهة فى آيتين‪:‬‬
‫الولى‪:‬‬
‫هو قوله تعالى‪( :‬لكن الراسخون فى العلم منهم والمؤمنون‬
‫يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ‪ ،‬والمقيمين الصلة‬
‫والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الخر أولئك سنؤتيهم‬
‫أجرا ً عظيما ً ) (‪.)1‬‬
‫نظروا فى هذه الية‪ ،‬فوقعت أعينهم على كلمة " المقيمين "‬
‫فقارنوا بينها وبين ما قبلها‪ " :‬الراسخون " ـ " المؤمنون " وبين‬
‫ما بعدها " المؤتون " ـ " المؤمنون " فوجدوا ما قبلها وما بعدها‬
‫مرفوعا ً بـ " الواو " لنه جمع مذكر سالم ؛ أما " المقيمين "‬
‫فوجدوها منصوبة بـ " الياء " لنها كذلك جمع مذكر سالم‪.‬حقه أن‬
‫يرفع بـ " الواو " ينصب ويجر بـ " الياء "‪ .‬وسرعان ما صاحوا‬
‫وقالوا إن فى القرآن خطأ نحويا ً من نوع جديد ‪ ،‬هو " عطف‬
‫المنصوب على المرفوع ‪ ،‬أو نصب المعطوف على المرفوع "‪.‬‬
‫ثم علقوا قائلين‪:‬‬
‫" وكان يجب أن يرفع المعطوف على المرفوع فيقول‪" :‬‬
‫والمقيمون الصلة " ‪ ،‬هذا هو مبلغهم من الجهل ‪ ،‬أو حظهم من‬
‫العناد وكراهية ما أنزل الله على خاتم رسله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫هذه الية وردت فى سياق الحديث عن اليهود تنصف من استحق‬
‫النصاف منهم ‪ ،‬بعد أن ذم الله تعالى من عاند منهم ‪ ،‬وحاد عن‬
‫الحق ‪ ،‬فى اليات التى سبقت هذه الية‪.‬‬
‫ومجىء " المقيمين " بالياء خلفا ً لنسق ما قبله وما بعده لفت‬
‫أنظار النحاة والمفسرين والقراء ‪ ،‬فأكثروا القول فى توجيهه ـ‬
‫مع إجماعهم على صحته‪.‬‬
‫وقد اختلفت أراؤهم فيه وها نحن نقتصر على ذكر ما قل ودل‬
‫منها فى الرد على هؤلء الكارهين لما أنزل الله على خاتم رسله‬
‫صلى الله عليه وسلم ولن نذكر كل ما قيل توخيا ً لليجاز المفهم‪.‬‬

‫‪589‬‬
‫وأشهر الراء فيها أن " المقيمين " منصوب على الختصاص‬
‫المراد منه المدح فى هذا الموضع بدللة المقام ؛ لن المؤدين‬
‫للصلة بكامل ما يجب لها من طهارة ومبادرة وخشوع وتمكن ‪،‬‬
‫جديرون بأن يُمدحوا من الله والناس‪.‬‬
‫يقول المام الزمخشرى‪:‬‬
‫ب على المدح ‪ ،‬لبيان فضل الصلة وهو باب‬ ‫ص َ‬
‫" و " المقيمين " ن ُ ِ‬
‫ً‬
‫واسع ول يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنا فى خط المصحف‬
‫‪ ،‬وربما التفت إليه من لم ينظر فى الكتاب ‪ ،‬ولم يعرف مذاهب‬
‫العرب ‪ ،‬وما لهم فى النصب على الختصاص من الفتنان " (‪.)2‬‬
‫الزمخشرى أوجز كلمه فى الوجه الذى نُصب عليه " المقيمين "‬
‫وهو الختصاص مع إرادة المدح (‪.)2‬‬
‫الختصاص هو مخالفة إعراب كلمة لعراب ما قبلها بقصد المدح‬
‫كما فى هذه الية ‪ ،‬أو الذم‪ .‬ويسمى الختصاص والقطع‪.‬‬
‫ومع إيجازه فى عبارته كان حكيما ً فيها ‪ ،‬ومن الطريف فى كلمه‬
‫إشارته إلى خطأ من يقول إن نصب " المقيمين " لحن فى خط‬
‫المصحف ـ ل سمح الله ـ ثم وصفه بالجهل بمذاهب العرب فى‬
‫البيان ‪ ،‬والتفنن فى الساليب ‪ ،‬وكأنه ـ رحمه الله ـ يتصدى للرد‬
‫على هؤلء الطاعنين فى القرآن ‪ ،‬الذين نرد عليهم فى هذه‬
‫الرسالة‪.‬‬
‫والرأى الذى اقتصر عليه المام الزمخشرى هو المشهور عند‬
‫النحاة والمفسرين والقراء‪.‬‬
‫وقد سبق الزمخشرى فى هذا التوجيه شيخ النحاة سيبويه وأبو‬
‫البقاء العكبرى (‪.)4‬‬
‫وهذا الختصاص أو القطع بيان لفضل الصلة التى جعلها الله‬
‫على الناس كتابا ً موقوتا ً ‪ ،‬وأمر عباده بإقامتها والمحافظة عليها‬
‫فى كثير من آيات الكتاب العزيز ومثَّلها رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ كما فى صحيحى البخارى ومسلم ـ بالنهر ‪ ،‬الذى يستحم‬
‫فيه المكلف فى اليوم خمس مرات ‪ ،‬فيزيل كل ما علق بجسمه‬
‫من الدران والوساخ ‪ ،‬وكذلك الصلوات الخمس فإنها تمحو‬
‫الخطايا ‪ ،‬وتزيل المعاصى كما يزيل الماء أدران الجسام‪.‬‬
‫أما الراء الخرى فكثيرة ‪ ،‬ولكنها ل تبلغ من القوة والشيوع ما‬
‫بلغه هذا الرأى ‪ ،‬وهو النصب على الختصاص أو القطع‪.‬‬
‫وقد أوردوا عليه شواهد عدة من الشعر العربى المحتج به لغوياً‬
‫ونحوياً‪ .‬ومن ذلك ما أورده سيبويه‪:‬‬
‫َ‬
‫شعْثا ً مراضيع مثل الثعالى ومنها قول‬ ‫لو ُ‬ ‫ويـأوى إلى نسـوة ع ُط ّ ٍ‬
‫الخرنق بنت هفان‪:‬‬

‫‪590‬‬
‫م العـداة وآفـة الجْزر النازلين بكل‬ ‫س ُّ‬
‫ن قومى الذين همو ً‬ ‫ل يبعد ْ‬
‫ُ‬
‫ك والطيبون معاقد الْزر (‪ )5‬والشاهد فى هذه البيات ‪،‬‬ ‫معتــر ٍ‬
‫شعثا " فى البيتين الوليين وهو معطوف على مجرور "‬ ‫نصب " ُ‬
‫َ‬
‫ل "‪.‬‬‫ع ُط ّ ٍ‬
‫والشاهد فى البيتين الخرين نصب " النازلين " وهو معطوف‬
‫م العداة "‪.‬‬‫على مرفوع ‪ ،‬وهو " س ُّ‬
‫هذا ‪ ،‬وقد قلنا من قبل إن القرآن غير مفتقر إلى شواهد من‬
‫خارجه على صحة أساليبه ‪ ،‬ومع هذا فإن ورود هذه الشواهد‬
‫نرحب به ول نقلل من شأنه ‪ ،‬ومنهم من جعل " المقيمين "‬
‫مجرورا ً ل منصوبا ً ‪ ،‬وقال إن جره لنه معطوف على الضمير‬
‫المجرور محل ً فى " منهم " والمعنى على هذا‪:‬‬
‫لكن الراسخون منهم والمقيمين الصلة‪.‬‬
‫وبعضهم قال إنه مجرور بالعطف على الكاف فى " أنزل إليك "‬
‫وبعضهم قال إنه مجرور بالعطف على " ما " فى " بما أنزل إليك‬
‫"‪.‬‬
‫أو هو مجرور بالعطف على " الكاف " فى " قبلك " (‪.)6‬‬
‫والخلصة‪:‬‬
‫إن الذى ينبغى الركون إليه ـ لقوته ـ هو الرأى الول ‪ ،‬المنسوب‬
‫إلى سيبويه وأبى البقاء العكبرى والزمخشرى وابن عطية ‪ ،‬أما‬
‫ما عداه من آراء فل تخلو من التكلف أو الضعف‪.‬‬
‫أما النصب على الختصاص فل مناص من قبوله ؛ لنه أسلوب‬
‫شائع فى الستعمال اللغوى العربى ‪ ،‬وفيه من البلغة أمر زائد‬
‫على مجرد التوجيه النحوى ‪ ،‬الذى ل يتجاوز بيان عامل النصب أو‬
‫الجر‪.‬‬
‫الثانية‪:‬‬
‫قوله تعالى‪ ..( :‬والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين فى‬
‫البأساء والضراء وحين البأس ) (‪.)7‬‬
‫وشاهدهم على هذه الشبهة هو قوله سبحانه‪ " :‬والصابرين فى‬
‫البأساء والضراء وحين البأس " لنه جاء منصوبا ً بـ " الياء " بعد‬
‫قوله تعالى‪ " :‬والموفون بعهدهم إذا عاهدوا "‪.‬‬
‫وكان يجب أن يرفع المعطوف ـ يعنى‪ :‬الصابرين ـ على المرفوع‬
‫ـ يعنى‪ :‬الموفون ـ فيقول‪ :‬والموفون والصابرون "‪ ،‬هذا قولهم‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫يُحسن بنا أول ً أن نذكر هذه الية بتمامها لننظر فيها نظرة ُ‬
‫جملية‬
‫قبل مواجهة ما آثاره الخصوم حولها‪:‬‬

‫‪591‬‬
‫(‪( )1‬ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن‬
‫البر من آمن بالله واليوم الخر والملئكة والكتاب والنبيين)‪.‬‬
‫(‪( )2‬وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن‬
‫السبيل والسائلين وفى الرقاب)‪.‬‬
‫(‪( )3‬وأقام الصلة وآتى الزكاة)‪.‬‬
‫(‪( )4‬والموفون بعهدهم إذا عاهدوا)‪.‬‬
‫(‪( )5‬والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين‬
‫صدقوا وأولئك هم المتقون)‪.‬‬
‫ترى أننا وزعنا كلمات هذه السورة على وحدات كل وحدة منها‬
‫تضم معانى وقيما ً متجانسة‪.‬‬
‫الوحدة الولى‪ :‬قيم إيمانية تنتظم تحت مفهوم العقيدة وهى‪:‬‬
‫اليمان بالله ‪ ،‬وباليوم الخر ‪ ،‬وبالملئكة ‪ ،‬وبالوحى ‪ ،‬ثم بالنبياء‬
‫والرسل صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫والوحدة الثانية‪ :‬تنتظم عناصرها تحت مبدأ " النفاق المالى الحر‬
‫(غير الزكاة) ويبين الله فيها الصفات التى تتحقق فى المنفق‬
‫عليه ‪ ،‬وهم‪:‬‬
‫‪ -‬ذوو القربى من النسب‪.‬‬
‫‪ -‬اليتامى مهما تباعدت صلتهم عن المنفق‪.‬‬
‫‪ -‬المساكين ‪ ،‬الذين ليس لهم مصدر رزق كسبى ‪ ،‬إما لعدم وجود‬
‫عمل ‪ ،‬أو لعجز عنه‪.‬‬
‫‪ -‬الغرباء الذين تعوزهم الحاجة فى السفر ‪ ،‬وليس معهم مال‬
‫وإن كانوا أغنياء فى بلدهم‪.‬‬
‫‪ -‬المحتاجون ـ حقا ً ـ الذين يستعطفون الناس لسد حاجتهم فى‬
‫غير معصية‪.‬‬
‫‪ -‬عتق الرقاب من الرق ‪ ،‬إما تطوعا ً ‪ ،‬أو كاتب السيد عبده على‬
‫مقدار من المال ليصير حراً‪.‬‬
‫والوحدة الثالثة‪ :‬يندرج عنصراها‪ :‬الصلة والزكاة تحت ركنين‬
‫عمليين من أركان السلم ‪ ،‬والزكاة إنفاق واجب ‪ ،‬وليس حراً‪.‬‬
‫والوحدة الرابعة‪ :‬هى حسن المعاملة مع الناس بوفاء الوعد‬
‫العهد‪.‬‬
‫والوحدة الخامسة‪ :‬تنتظم عناصرها تحت مبدأ الصبر الجميل فى‬
‫كل عمل خير يؤديه المكلف ‪ ،‬وبخاصة فى الشدائد والمحن‬
‫وملقاة العدو‪.‬‬
‫أما الوحدة السادسة‪ :‬فهى بيان فضل هؤلء المذكورين فى‬
‫الية ‪ ،‬وبخاصة ما ذكر قبل الفاصلة مباشرة ‪ ،‬ومنزلتهم عند الله‪:‬‬
‫" أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون "‪.‬‬

‫‪592‬‬
‫وإذا تأملت هذه الوحدات ‪ ،‬وعناصرها المندرجة تحتها ‪ ،‬وجدت أن‬
‫أشدها وقعا ً على النفس ‪ ،‬وأكثرها أعباء ‪ ،‬وأشقها كلفة ‪ ،‬هى‬
‫الصبر فى المحن والشدائد والخطار ‪ ،‬وبخاصة فى ملقاة‬
‫العدو ‪ ،‬والتعرض لزحفه وسلحه ‪ ،‬وقد يفضى بالنسان إما إلى‬
‫حدوث عاهات مؤلمة فى الجسم ‪ ،‬وإما إلى الموت‪ .‬فالمقاتل‬
‫فى ساحات الكر والفر إنما يصارع الموت ‪ ،‬ومقدمات الموت‪.‬‬
‫ولهذا جاء إعراب " الصابرين " مخالفا ً لعراب ما قبلها ‪ ،‬ليلفت‬
‫الله أذهان العباد إلى أهمية الصبر فى هذه المجالت ‪ ،‬وهذا‬
‫العراب المخالف لما قبله يفيد مع تركيز النتباه ‪ ،‬وتوفير العناية‬
‫مل هذا الخلق العظيم ‪ ،‬يفيد أمرا ً آخر مبهجا ً للنفوس ‪ ،‬هو‬ ‫بتأ ُّ‬
‫مدح هؤلء الصابرين شديدى العزيمة ‪ ،‬قويى الحتمال‪.‬‬
‫فانظر إلى نفائس هذه المعانى ‪ ،‬التى دل عليها نصب "‬
‫الصابرين " مع كون ما قبله مرفوعاً‪ .‬إنها بلغة القرآن المعجز ‪،‬‬
‫وعبقرية اللغة العربية لغة التنزيل الحكيم‪.‬‬
‫وهذا العراب المخالف لعراب ما قبله ‪ ،‬هو الذى يسميه النحاة‬
‫واللغويون بـ " القطع " كما تقدم فى نظيريه فى هذه الدراسة ‪،‬‬
‫إما للمدح كما فى هذه الية ‪ ،‬وآية النساء " والمقيمين الصلة "‬
‫وقد تقدمت‪.‬‬
‫وإما بقصد الذم ‪ ،‬كما فى قوله تعالى فى سورة المسد "‬
‫ة الحطب " أى امرأة أبى لهب التى كانت تحمل‬ ‫وامرأته حمال َ‬
‫الشوك وتنثره فى طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫لتؤذيه‪ .‬لن كلمة " حمالة " جاءت منصوبة بعد رفع ما قبلها ‪،‬‬
‫وهى " امرأتُه " فهذا قطع كذلك ‪ ،‬القصد منه الذم ‪ ،‬أى‪ :‬أذم أو‬
‫ألعن حمالة الحطب‪.‬‬
‫وأيا ً كان القطع للمدح أو الذم ‪ ،‬فإنه من أرقى الساليب‬
‫البلغية ‪ ،‬يحتوى على فضيلة اليجاز وهى أن تكون المعانى أكثر‬
‫وأوفر من اللفاظ التى تدل عليها ‪ ،‬أو المستعملة فيها ‪ ،‬لن كل‬
‫كلمة قُطِعَ إعرابها عما قبلها نابت هذه الكلمة مناب ثلثة قيم‬
‫بيانية ‪ ،‬رامزة إلى وجودها فى المقام ‪ ،‬وإن كانت محذوفة وهى‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الكلم الذى عمل العراب المخالف فى الكلمة المقطوع‬
‫إعرابها عن إعراب ما قبلها ‪ ،‬وهو فى " الصابرين " أمدح أو‬
‫أخص الصابرين بالمدح‪ .‬وفى آية " المسد " أذم أو ألعن‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إفادة المدح أو الذم بغير اللفاظ التى تدل عليهما‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ فضيلة اليجاز البيانى المفعم بالمعانى السرة والدللت‬
‫الساحرة‪ .‬فسبحان من هذا كلمه ‌‌!‬
‫والخلصة‪:‬‬

‫‪593‬‬
‫بعد هذا البيان الموجز ‪ ،‬وإن طال ‪ ،‬ل أرانا فى حاجة إلى ذكر‬
‫توجيهات النحاة والمفسرين وعلماء القراءات واللغويين ‪ ،‬لمجئ‬
‫" الصابرين " منصوبا ً بعد مرفوع فى هذه الية ‪ ،‬لن توجيهاتهم ـ‬
‫هنا ـ مثل توجيهاتهم هناك ‪ ،‬ولسنا فى حاجة كذلك إلى‬
‫الستشهاد بالمأثور عن العرب الذين يحتج بكلمهم على قواعد‬
‫اللغة ‪ ،‬وطرائق استعمالتها ‪ ،‬لسنا فى حاجة إلى ذلك ‪ ،‬وإن كان‬
‫حجة فى نفسه ‪ ،‬غير مفتقر لقامة‬ ‫مفيدا ً ‪ ،‬لن القرآن الكريم ُ‬
‫الدليل من خارجه على صحة شىء فيه ‪ ،‬فهو النموذج الممتاز‬
‫العلى للغة العربية ‪ ،‬قواعدها ‪ ،‬ونحوها ‪ ،‬وصرفها ‪ ،‬وبيانها ‪،‬‬
‫وبلغتها‪ .‬وحسبنا فى هذه الية المعانى التى أمطنا عنها اللثام‬
‫فى مجىء " الصابرين " منصوبا ً بعد مرفوع‪.‬‬
‫(‪ )1‬النساء‪.162 :‬‬
‫(‪ )2‬الكشاف (‪.)1/582‬‬
‫(‪ )3‬الكتاب (‪.)1/248‬‬
‫(‪ )4‬إملء ما من به الرحمن (‪.)1/202‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬فى هذه الشواهد الدر المصون (‪.)4/154‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬الدر المصون (‪.)4/155‬‬
‫(‪ )7‬البقرة‪.177 :‬‬
‫‪----------------------0‬‬
‫‪ -44‬نصب الفاعل‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫وتكلموا على هذه الشبهة فى آيتين‪:‬‬


‫الولى‪:‬‬
‫هو قوله تعالى‪( :‬لكن الراسخون فى العلم منهم والمؤمنون‬
‫يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ‪ ،‬والمقيمين الصلة‬
‫والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الخر أولئك سنؤتيهم‬
‫أجرا ً عظيما ً ) (‪.)1‬‬
‫نظروا فى هذه الية‪ ،‬فوقعت أعينهم على كلمة " المقيمين "‬
‫فقارنوا بينها وبين ما قبلها‪ " :‬الراسخون " ـ " المؤمنون " وبين‬
‫ما بعدها " المؤتون " ـ " المؤمنون " فوجدوا ما قبلها وما بعدها‬
‫مرفوعا ً بـ " الواو " لنه جمع مذكر سالم ؛ أما " المقيمين "‬
‫فوجدوها منصوبة بـ " الياء " لنها كذلك جمع مذكر سالم‪.‬حقه أن‬
‫يرفع بـ " الواو " ينصب ويجر بـ " الياء "‪ .‬وسرعان ما صاحوا‬
‫وقالوا إن فى القرآن خطأ نحويا ً من نوع جديد ‪ ،‬هو " عطف‬
‫المنصوب على المرفوع ‪ ،‬أو نصب المعطوف على المرفوع "‪.‬‬
‫ثم علقوا قائلين‪:‬‬

‫‪594‬‬
‫" وكان يجب أن يرفع المعطوف على المرفوع فيقول‪" :‬‬
‫والمقيمون الصلة " ‪ ،‬هذا هو مبلغهم من الجهل ‪ ،‬أو حظهم من‬
‫العناد وكراهية ما أنزل الله على خاتم رسله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫هذه الية وردت فى سياق الحديث عن اليهود تنصف من استحق‬
‫النصاف منهم ‪ ،‬بعد أن ذم الله تعالى من عاند منهم ‪ ،‬وحاد عن‬
‫الحق ‪ ،‬فى اليات التى سبقت هذه الية‪.‬‬
‫ومجىء " المقيمين " بالياء خلفا ً لنسق ما قبله وما بعده لفت‬
‫أنظار النحاة والمفسرين والقراء ‪ ،‬فأكثروا القول فى توجيهه ـ‬
‫مع إجماعهم على صحته‪.‬‬
‫وقد اختلفت أراؤهم فيه وها نحن نقتصر على ذكر ما قل ودل‬
‫منها فى الرد على هؤلء الكارهين لما أنزل الله على خاتم رسله‬
‫صلى الله عليه وسلم ولن نذكر كل ما قيل توخيا ً لليجاز المفهم‪.‬‬
‫وأشهر الراء فيها أن " المقيمين " منصوب على الختصاص‬
‫المراد منه المدح فى هذا الموضع بدللة المقام ؛ لن المؤدين‬
‫للصلة بكامل ما يجب لها من طهارة ومبادرة وخشوع وتمكن ‪،‬‬
‫جديرون بأن يُمدحوا من الله والناس‪.‬‬
‫يقول المام الزمخشرى‪:‬‬
‫ب على المدح ‪ ،‬لبيان فضل الصلة وهو باب‬ ‫ص َ‬
‫" و " المقيمين " ن ُ ِ‬
‫واسع ول يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنا ً فى خط المصحف‬
‫‪ ،‬وربما التفت إليه من لم ينظر فى الكتاب ‪ ،‬ولم يعرف مذاهب‬
‫العرب ‪ ،‬وما لهم فى النصب على الختصاص من الفتنان " (‪.)2‬‬
‫الزمخشرى أوجز كلمه فى الوجه الذى نُصب عليه " المقيمين "‬
‫وهو الختصاص مع إرادة المدح (‪.)2‬‬
‫الختصاص هو مخالفة إعراب كلمة لعراب ما قبلها بقصد المدح‬
‫كما فى هذه الية ‪ ،‬أو الذم‪ .‬ويسمى الختصاص والقطع‪.‬‬
‫ومع إيجازه فى عبارته كان حكيما ً فيها ‪ ،‬ومن الطريف فى كلمه‬
‫إشارته إلى خطأ من يقول إن نصب " المقيمين " لحن فى خط‬
‫المصحف ـ ل سمح الله ـ ثم وصفه بالجهل بمذاهب العرب فى‬
‫البيان ‪ ،‬والتفنن فى الساليب ‪ ،‬وكأنه ـ رحمه الله ـ يتصدى للرد‬
‫على هؤلء الطاعنين فى القرآن ‪ ،‬الذين نرد عليهم فى هذه‬
‫الرسالة‪.‬‬
‫والرأى الذى اقتصر عليه المام الزمخشرى هو المشهور عند‬
‫النحاة والمفسرين والقراء‪.‬‬

‫‪595‬‬
‫وقد سبق الزمخشرى فى هذا التوجيه شيخ النحاة سيبويه وأبو‬
‫البقاء العكبرى (‪.)4‬‬
‫وهذا الختصاص أو القطع بيان لفضل الصلة التى جعلها الله‬
‫على الناس كتابا ً موقوتا ً ‪ ،‬وأمر عباده بإقامتها والمحافظة عليها‬
‫فى كثير من آيات الكتاب العزيز ومثَّلها رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ كما فى صحيحى البخارى ومسلم ـ بالنهر ‪ ،‬الذى يستحم‬
‫فيه المكلف فى اليوم خمس مرات ‪ ،‬فيزيل كل ما علق بجسمه‬
‫من الدران والوساخ ‪ ،‬وكذلك الصلوات الخمس فإنها تمحو‬
‫الخطايا ‪ ،‬وتزيل المعاصى كما يزيل الماء أدران الجسام‪.‬‬
‫أما الراء الخرى فكثيرة ‪ ،‬ولكنها ل تبلغ من القوة والشيوع ما‬
‫بلغه هذا الرأى ‪ ،‬وهو النصب على الختصاص أو القطع‪.‬‬
‫وقد أوردوا عليه شواهد عدة من الشعر العربى المحتج به لغوياً‬
‫ونحوياً‪ .‬ومن ذلك ما أورده سيبويه‪:‬‬
‫َ‬
‫شعْثا ً مراضيع مثل الثعالى ومنها قول‬ ‫لو ُ‬ ‫ويـأوى إلى نسـوة ع ُط ّ ٍ‬
‫الخرنق بنت هفان‪:‬‬
‫س ُّ‬
‫م العـداة وآفـة الجْزر النازلين بكل‬ ‫ن قومى الذين همو ً‬ ‫ل يبعد ْ‬
‫ُ‬
‫ك والطيبون معاقد الْزر (‪ )5‬والشاهد فى هذه البيات ‪،‬‬ ‫معتــر ٍ‬
‫شعثا " فى البيتين الوليين وهو معطوف على مجرور "‬ ‫نصب " ُ‬
‫َ‬
‫ل "‪.‬‬‫ع ُط ّ ٍ‬
‫والشاهد فى البيتين الخرين نصب " النازلين " وهو معطوف‬
‫م العداة "‪.‬‬ ‫على مرفوع ‪ ،‬وهو " س ُّ‬
‫هذا ‪ ،‬وقد قلنا من قبل إن القرآن غير مفتقر إلى شواهد من‬
‫خارجه على صحة أساليبه ‪ ،‬ومع هذا فإن ورود هذه الشواهد‬
‫نرحب به ول نقلل من شأنه ‪ ،‬ومنهم من جعل " المقيمين "‬
‫مجرورا ً ل منصوبا ً ‪ ،‬وقال إن جره لنه معطوف على الضمير‬
‫المجرور محل ً فى " منهم " والمعنى على هذا‪:‬‬
‫لكن الراسخون منهم والمقيمين الصلة‪.‬‬
‫وبعضهم قال إنه مجرور بالعطف على الكاف فى " أنزل إليك "‬
‫وبعضهم قال إنه مجرور بالعطف على " ما " فى " بما أنزل إليك‬
‫"‪.‬‬
‫أو هو مجرور بالعطف على " الكاف " فى " قبلك " (‪.)6‬‬
‫والخلصة‪:‬‬
‫إن الذى ينبغى الركون إليه ـ لقوته ـ هو الرأى الول ‪ ،‬المنسوب‬
‫إلى سيبويه وأبى البقاء العكبرى والزمخشرى وابن عطية ‪ ،‬أما‬
‫ما عداه من آراء فل تخلو من التكلف أو الضعف‪.‬‬
‫أما النصب على الختصاص فل مناص من قبوله ؛ لنه أسلوب‬
‫شائع فى الستعمال اللغوى العربى ‪ ،‬وفيه من البلغة أمر زائد‬

‫‪596‬‬
‫على مجرد التوجيه النحوى ‪ ،‬الذى ل يتجاوز بيان عامل النصب أو‬
‫الجر‪.‬‬
‫الثانية‪:‬‬
‫قوله تعالى‪ ..( :‬والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين فى‬
‫البأساء والضراء وحين البأس ) (‪.)7‬‬
‫وشاهدهم على هذه الشبهة هو قوله سبحانه‪ " :‬والصابرين فى‬
‫البأساء والضراء وحين البأس " لنه جاء منصوبا ً بـ " الياء " بعد‬
‫قوله تعالى‪ " :‬والموفون بعهدهم إذا عاهدوا "‪.‬‬
‫وكان يجب أن يرفع المعطوف ـ يعنى‪ :‬الصابرين ـ على المرفوع‬
‫ـ يعنى‪ :‬الموفون ـ فيقول‪ :‬والموفون والصابرون "‪ ،‬هذا قولهم‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫جملية‬‫يُحسن بنا أول ً أن نذكر هذه الية بتمامها لننظر فيها نظرة ُ‬
‫قبل مواجهة ما آثاره الخصوم حولها‪:‬‬
‫(‪( )1‬ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن‬
‫البر من آمن بالله واليوم الخر والملئكة والكتاب والنبيين)‪.‬‬
‫(‪( )2‬وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن‬
‫السبيل والسائلين وفى الرقاب)‪.‬‬
‫(‪( )3‬وأقام الصلة وآتى الزكاة)‪.‬‬
‫(‪( )4‬والموفون بعهدهم إذا عاهدوا)‪.‬‬
‫(‪( )5‬والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين‬
‫صدقوا وأولئك هم المتقون)‪.‬‬
‫ترى أننا وزعنا كلمات هذه السورة على وحدات كل وحدة منها‬
‫تضم معانى وقيما ً متجانسة‪.‬‬
‫الوحدة الولى‪ :‬قيم إيمانية تنتظم تحت مفهوم العقيدة وهى‪:‬‬
‫اليمان بالله ‪ ،‬وباليوم الخر ‪ ،‬وبالملئكة ‪ ،‬وبالوحى ‪ ،‬ثم بالنبياء‬
‫والرسل صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫والوحدة الثانية‪ :‬تنتظم عناصرها تحت مبدأ " النفاق المالى الحر‬
‫(غير الزكاة) ويبين الله فيها الصفات التى تتحقق فى المنفق‬
‫عليه ‪ ،‬وهم‪:‬‬
‫‪ -‬ذوو القربى من النسب‪.‬‬
‫‪ -‬اليتامى مهما تباعدت صلتهم عن المنفق‪.‬‬
‫‪ -‬المساكين ‪ ،‬الذين ليس لهم مصدر رزق كسبى ‪ ،‬إما لعدم وجود‬
‫عمل ‪ ،‬أو لعجز عنه‪.‬‬
‫‪ -‬الغرباء الذين تعوزهم الحاجة فى السفر ‪ ،‬وليس معهم مال‬
‫وإن كانوا أغنياء فى بلدهم‪.‬‬

‫‪597‬‬
‫‪ -‬المحتاجون ـ حقا ً ـ الذين يستعطفون الناس لسد حاجتهم فى‬
‫غير معصية‪.‬‬
‫‪ -‬عتق الرقاب من الرق ‪ ،‬إما تطوعا ً ‪ ،‬أو كاتب السيد عبده على‬
‫مقدار من المال ليصير حراً‪.‬‬
‫والوحدة الثالثة‪ :‬يندرج عنصراها‪ :‬الصلة والزكاة تحت ركنين‬
‫عمليين من أركان السلم ‪ ،‬والزكاة إنفاق واجب ‪ ،‬وليس حراً‪.‬‬
‫والوحدة الرابعة‪ :‬هى حسن المعاملة مع الناس بوفاء الوعد‬
‫العهد‪.‬‬
‫والوحدة الخامسة‪ :‬تنتظم عناصرها تحت مبدأ الصبر الجميل فى‬
‫كل عمل خير يؤديه المكلف ‪ ،‬وبخاصة فى الشدائد والمحن‬
‫وملقاة العدو‪.‬‬
‫أما الوحدة السادسة‪ :‬فهى بيان فضل هؤلء المذكورين فى‬
‫الية ‪ ،‬وبخاصة ما ذكر قبل الفاصلة مباشرة ‪ ،‬ومنزلتهم عند الله‪:‬‬
‫" أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون "‪.‬‬
‫وإذا تأملت هذه الوحدات ‪ ،‬وعناصرها المندرجة تحتها ‪ ،‬وجدت أن‬
‫أشدها وقعا ً على النفس ‪ ،‬وأكثرها أعباء ‪ ،‬وأشقها كلفة ‪ ،‬هى‬
‫الصبر فى المحن والشدائد والخطار ‪ ،‬وبخاصة فى ملقاة‬
‫العدو ‪ ،‬والتعرض لزحفه وسلحه ‪ ،‬وقد يفضى بالنسان إما إلى‬
‫حدوث عاهات مؤلمة فى الجسم ‪ ،‬وإما إلى الموت‪ .‬فالمقاتل‬
‫فى ساحات الكر والفر إنما يصارع الموت ‪ ،‬ومقدمات الموت‪.‬‬
‫ولهذا جاء إعراب " الصابرين " مخالفا ً لعراب ما قبلها ‪ ،‬ليلفت‬
‫الله أذهان العباد إلى أهمية الصبر فى هذه المجالت ‪ ،‬وهذا‬
‫العراب المخالف لما قبله يفيد مع تركيز النتباه ‪ ،‬وتوفير العناية‬
‫مل هذا الخلق العظيم ‪ ،‬يفيد أمرا ً آخر مبهجا ً للنفوس ‪ ،‬هو‬ ‫بتأ ُّ‬
‫مدح هؤلء الصابرين شديدى العزيمة ‪ ،‬قويى الحتمال‪.‬‬
‫فانظر إلى نفائس هذه المعانى ‪ ،‬التى دل عليها نصب "‬
‫الصابرين " مع كون ما قبله مرفوعاً‪ .‬إنها بلغة القرآن المعجز ‪،‬‬
‫وعبقرية اللغة العربية لغة التنزيل الحكيم‪.‬‬
‫وهذا العراب المخالف لعراب ما قبله ‪ ،‬هو الذى يسميه النحاة‬
‫واللغويون بـ " القطع " كما تقدم فى نظيريه فى هذه الدراسة ‪،‬‬
‫إما للمدح كما فى هذه الية ‪ ،‬وآية النساء " والمقيمين الصلة "‬
‫وقد تقدمت‪.‬‬
‫وإما بقصد الذم ‪ ،‬كما فى قوله تعالى فى سورة المسد "‬
‫ة الحطب " أى امرأة أبى لهب التى كانت تحمل‬ ‫وامرأته حمال َ‬
‫الشوك وتنثره فى طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫لتؤذيه‪ .‬لن كلمة " حمالة " جاءت منصوبة بعد رفع ما قبلها ‪،‬‬

‫‪598‬‬
‫وهى " امرأتُه " فهذا قطع كذلك ‪ ،‬القصد منه الذم ‪ ،‬أى‪ :‬أذم أو‬
‫ألعن حمالة الحطب‪.‬‬
‫وأيا ً كان القطع للمدح أو الذم ‪ ،‬فإنه من أرقى الساليب‬
‫البلغية ‪ ،‬يحتوى على فضيلة اليجاز وهى أن تكون المعانى أكثر‬
‫وأوفر من اللفاظ التى تدل عليها ‪ ،‬أو المستعملة فيها ‪ ،‬لن كل‬
‫كلمة قُطِعَ إعرابها عما قبلها نابت هذه الكلمة مناب ثلثة قيم‬
‫بيانية ‪ ،‬رامزة إلى وجودها فى المقام ‪ ،‬وإن كانت محذوفة وهى‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الكلم الذى عمل العراب المخالف فى الكلمة المقطوع‬
‫إعرابها عن إعراب ما قبلها ‪ ،‬وهو فى " الصابرين " أمدح أو‬
‫أخص الصابرين بالمدح‪ .‬وفى آية " المسد " أذم أو ألعن‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إفادة المدح أو الذم بغير اللفاظ التى تدل عليهما‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ فضيلة اليجاز البيانى المفعم بالمعانى السرة والدللت‬
‫الساحرة‪ .‬فسبحان من هذا كلمه ‌‌!‬
‫والخلصة‪:‬‬
‫بعد هذا البيان الموجز ‪ ،‬وإن طال ‪ ،‬ل أرانا فى حاجة إلى ذكر‬
‫توجيهات النحاة والمفسرين وعلماء القراءات واللغويين ‪ ،‬لمجئ‬
‫" الصابرين " منصوبا ً بعد مرفوع فى هذه الية ‪ ،‬لن توجيهاتهم ـ‬
‫هنا ـ مثل توجيهاتهم هناك ‪ ،‬ولسنا فى حاجة كذلك إلى‬
‫الستشهاد بالمأثور عن العرب الذين يحتج بكلمهم على قواعد‬
‫اللغة ‪ ،‬وطرائق استعمالتها ‪ ،‬لسنا فى حاجة إلى ذلك ‪ ،‬وإن كان‬
‫حجة فى نفسه ‪ ،‬غير مفتقر لقامة‬ ‫مفيدا ً ‪ ،‬لن القرآن الكريم ُ‬
‫الدليل من خارجه على صحة شىء فيه ‪ ،‬فهو النموذج الممتاز‬
‫العلى للغة العربية ‪ ،‬قواعدها ‪ ،‬ونحوها ‪ ،‬وصرفها ‪ ،‬وبيانها ‪،‬‬
‫وبلغتها‪ .‬وحسبنا فى هذه الية المعانى التى أمطنا عنها اللثام‬
‫فى مجىء " الصابرين " منصوبا ً بعد مرفوع‪.‬‬
‫(‪ )1‬النساء‪.162 :‬‬
‫(‪ )2‬الكشاف (‪.)1/582‬‬
‫(‪ )3‬الكتاب (‪.)1/248‬‬
‫(‪ )4‬إملء ما من به الرحمن (‪.)1/202‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬فى هذه الشواهد الدر المصون (‪.)4/154‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬الدر المصون (‪.)4/155‬‬
‫(‪ )7‬البقرة‪.177 :‬‬
‫‪-----------------------‬‬
‫‪ -45‬تذكير خبر السم المؤنث‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫الشبهة‪:‬‬

‫‪599‬‬
‫هو قوله تعالى‪( :‬ول تفسدوا فى الرض بعد إصلحها وادعوه‬
‫خوفا ً وطمعا ً إن رحمة الله قريب من المحسنين ) (‪.)1‬‬
‫وموضع الشاهد عند المعترضين فى الية الكريمة هو كلمة "‬
‫قريب " وهى " خبر " اسم " إن " " رحمة "‪.‬‬
‫ً‬
‫وحين نظروا فى نظم هذه الية توهموا كذلك أن فيها خطأ نحوياً‬
‫منشؤه عدم التطابق بين المبتدأ " رحمة " والخبر " قريب " فى‬
‫التأنيث ‪ ،‬لن المبتدأ " رحمت " مؤنث‪ .‬أما الخبر " قريب " فهو‬
‫فى الية مذكر قالوا‪:‬‬
‫وكان يجب أن يتبع خبر " إن " اسمها فى التأنيث فيقال‪ :‬قريبة‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫ذكر علماؤنا فى توجيه هذا " التذكير " الحاصل بحذف علمة‬
‫التأنيث من الخبر ‪ ،‬عدة وجوه ‪ ،‬ل نريد أن نطيل بذكرها كلها ‪،‬‬
‫لذلك نكتفى بما يرد كيد هؤلء الطاعنين فى نحورهم‪.‬‬
‫‪ -‬بعضهم يجعل " رحمة الله " فى معنى الغفران [ أو الرضوان ]‬
‫فلذلك جاء الخبر " قريب " مذكراً‪.‬‬
‫وقد اختار هذا الرأى النضر بن شميل والزجاج (‪.)2‬‬
‫* ومنهم من جعل " قريب " صفة لخبر محذوف مذكر تقديره‪:‬‬
‫شىء أو أمر قريب ‪ ،‬ودليل هذا الحذف هو تذكير " قريب "‪.‬‬
‫* ومنهم من جعله من باب النسب ‪ ،‬أى ذات قرب ‪ ،‬كقولهم فى‬
‫حائض‪ :‬ذات حيض‪.‬‬
‫* ومنهم من جعل " قريب " مصدرا ً مستعمل ً استعمال السماء‬
‫مثل النقيق ‪ ،‬وهو صوت الضفادع‪ .‬والضغيب وهو صوت الرنب‪.‬‬
‫والمصدر يُلتزم فيه الفراد وإن جرى على جمع ‪ ،‬والتذكير وإن‬
‫جرى على مؤنث كما فى هذه الية الكريمة‪.‬‬
‫* ويرى آخرون أن تأنيث " رحمة " لما كان تأنيثا ً مجازيا ً ل حقيقياً‬
‫جاز فى الستعمال اللغوى تأنيث خبره وصفته ‪ ،‬وجاز تذكيرهما‬
‫على حد ٍ سواء‪ .‬سواء كان فى ضرورة الشعر ‪ ،‬أو فى النثر‪.‬‬
‫وقال الحلبى تلميذ أبى حيان ‪ ،‬وهما من الئمة العلم فى النحو‪:‬‬
‫" وهذا يجئ على مذهب ابن كيسان ‪ ،‬فإنه ل يقصر ذلك على‬
‫ضرورة الشعر ‪ ،‬بل يجيزه فى السعة " (‪.)3‬‬
‫وقال الفراء‪ " :‬قريبة وبعيدة إما أن يراد بهما قرابة النسب أو‬
‫عدمها فيؤنثها العرب ليس إل ‪ ،‬كقولهم‪:‬‬
‫فلنة قريبة منى أى فى النسب وبعيدة منى أى فى النسب‪ .‬أما‬
‫إذا أريد بها القرب المكانى أو الزمانى فإنه يجوز الوجهان ؛ لن‬
‫قريبا ً وبعيدا ً قائم مقام المكان أو الزمان ‪ ،‬فتقول‪:‬‬

‫‪600‬‬
‫فلنة قريبة وقريب ‪ ،‬وبعيدة وبعيد ‪ ،‬والتقدير هى فى مكان قريب‬
‫وبعيد‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫عشية ل عفراء منك قريبة فتدنو ول عفراء منك بعيد " (‪ )4‬يعنى‬
‫أن الشاعر جمع بين الوجهين التأنيث والتذكير والموصوف مؤنث‬
‫؛ لن " قريب " و " بعيد " أريد بهما القرب فى المكان والبعد‬
‫فيه‪.‬‬
‫ً‬
‫والية الكريمة ليس القرب المذكور فيها مرادا به قرب النسب‬
‫فيلزم تأنيثه ‪ ،‬وإنما المراد قرب الزمان ‪ ،‬والعرب تجيز فيه‬
‫الوجهين‪ :‬التأنيث والتذكير‪.‬‬
‫حجة فى‬ ‫ولمرئ القيس ‪ ،‬وهو من شعراء الجاهلية ‪ ،‬وشعرهم ُ‬
‫إثبات اللغة ‪ ،‬بيت نحا فيه هذا المنحى ؛ فقال‪:‬‬
‫له الويل إن أمسى ول أم سالم قريب ‪ ،‬ول البسباسة ابنته‬
‫يُشكرا (‪ )5‬والشاهد فى البيت تذكير " قريب " مع جريانه على‬
‫مؤنث " أم سالم " وهو نظير " قريب " فى الية الكريمة‪.‬‬
‫والخلصة‪:‬‬
‫رأينا فى الرد على هذه الشبهة أن القرآن الكريم لم يخرج عن‬
‫سنن البيان العربى حين ذكَّر " قريب " فى الية ‪ ،‬وهى مجراة‬
‫على مؤنث مجازى غير حقيقى " رحمة الله "‪.‬‬
‫وكان أصح وأثبت ما ذكرناه فى الرد على خصوم القرآن ‪ ،‬هو ما‬
‫قاله الفراء رحمه الله ‪ ،‬من أن العرب كانوا يفرقون بين القرب‬
‫والبعد من النسب وبين القرب والبعد فى المكان والزمان‪:‬‬
‫فالول‪ :‬يلتزم فيه تأنيث ما جرى خبرا ً أو صفة لمؤنث‪.‬‬
‫أما الثانى‪ :‬وهو القرب والبعد فى المكان والزمان فإنهم يجيزون‬
‫فيه الوجهين‪ :‬التأنيث والتذكير ‪ ،‬وقد ذكر رحمه الله بعض‬
‫حجة فى إثبات اللغة ‪ ،‬وطرائق‬ ‫الشواهد الشعرية لشعراء هم ُ‬
‫استعمالتها‪ .‬وبهذا تظهر براءة القرآن الناصعة مما حاول خصومه‬
‫إلصاقه به من خطأ‪.‬‬
‫(‪ )1‬العراف‪.56 :‬‬
‫(‪ )2‬وعلى هذا يكون التذكير قرينة على صحة حمل " رحمة الله "‬
‫على غفران الله ‪ ،‬أو رضوانه‪ .‬انظر‪:‬‬
‫معانى القرآن للزجاح (‪.)2/380‬‬
‫(‪ )3‬يعنى فى النثر دون اشتراط ضرورة تدعو إليه‪ .‬انظر‪ :‬الدرر‬
‫المصون (‪.)5/345‬‬
‫(‪ )4‬معانى القرآن (‪ )2/382‬والبيت لعروة بن حزام‪ .‬وقد أورده‬
‫للغرض نفسه أبو حيان فى البحر (‪.)4/313‬‬
‫(‪ )5‬الدر المصون‪ .‬الشاهد رقم (‪.)562‬‬
‫‪------------------‬‬

‫‪601‬‬
‫‪ -46‬تأنيث العدد ‪ ،‬وجمع المعدود‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫منشأ هذه الشبهة‪:‬‬


‫هو قوله تعالى‪( :‬وقطعناهم اثنتى عشرة أسباطا ً أمما ً وأوحينا‬
‫إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرِب بعصاك الحجر‬
‫فانبجست منه اثنتا عشرة عينا ً قد علم كل أناس مشربهم‪( ) ..‬‬
‫‪.)1‬‬
‫وشاهدهم على اللغط بهذه الشبهة هو قوله عز وجل " اثنتى‬
‫عشرة أسباطا ً أمما ً " والصواب الذى توهموه عبروا عنه بقولهم‪:‬‬
‫" كان يجب أن يُذ َكَّر العدد ‪ ،‬ويأتى بمفرد المعدود فيقول‪ :‬اثنى‬
‫عشر سبطا "‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫جه النحاة تأنيث العدد فى الية بأن السبط فى بنى إسرائيل‬ ‫و َّ‬
‫كالقبيلة عند العرب‪ .‬يعنى أنه أراد بالسباط القبائل ‪ ،‬ولذلك أنث‬
‫جزئى العدد المركب ‪ ،‬وهما‪ :‬اثنتى ‪ ،‬وعشرة (‪.)2‬‬
‫هذا وجه ‪ ،‬ووجه آخر هو تأويل السبط بالجماعة أو الفرقة أو‬
‫الطائفة‪.‬‬
‫أما جمع أسباط ‪ ،‬وكان حقه أن يفرد فقد روعى فيه المعنى دون‬
‫اللفظ ‪ ،‬ومراعاة المعنى دون اللفظ ‪ ،‬أو اللفظ دون المعنى كثير‬
‫الورود فى النظم القرآنى ‪ ،‬ويبدو أن هؤلء الطاعنين فى سلمة‬
‫القرآن من كل خطأ يجهلون هذه الساليب فى القرآن خاصة ‪،‬‬
‫وفى اللغة العربية عامة ‪ ،‬ويتشبثون بظواهر العبارات حبا ً فى‬
‫ترويج ما يريدون ترويجه من الشبهات الواهية وكان العرب‬
‫النازل بلغتهم القرآن يذ ِكّرون عدد المؤنث مراعاة للفظ‬
‫فيقولون‪ :‬ثلثة أنفس ‪ ،‬أى رجال ويقولون عشر أبطن‪.‬‬
‫ففى الول " ثلثة أنفس " ذكَّروا العدد نظرا ً للمعنى ؛ لن‬
‫المعدود مذكر " رجال " وفى الثانى أنثوا العدد " عشر أبطن "‬
‫لن المعدود هو القبيلة أى عشر قبائل‪ .‬وهذا باب واسع ل تحصر‬
‫شواهده (‪.)3‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أما جمع المعدود الذى فى الية " أسباطا أمما فله نظائر فى‬
‫الستعمال المأثور الوارد عن العرب ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫سودا ً كخافية الغراب السحم فقد‬ ‫فيها اثنتان وأربعون حلوبة ُ‬
‫ً‬
‫سودا " وهو جمع‬ ‫وصف الشاعر " حلوبة " وهى مفرد ‪ ،‬بقوله " ُ‬
‫سوداء‪.‬‬
‫َّ‬
‫ولهذه‪ ..‬الشواهد نظائر من المأثور عن العرب الخلص‪.‬‬

‫‪602‬‬
‫والخلصة‪:‬‬
‫فقد طاحت هذه الشبهة ‪ ،‬وانمحت آثارها ‪ ،‬كما طاحت نظائرها‬
‫من قبل‪ .‬ومن الدلئل القوية على صحة تأنيث العدد ‪ ،‬فوق ما‬
‫تقدم ‪ ،‬أن بعض النحاة أضاف إلى بدلية " أمما " من " أسباطا "‬
‫أن " أمما " وقعت نعتا ً ل " أسباطا " و " أمما ً " مؤنثة لفظاً‪.‬‬
‫وسواء كانت " أمما ً " بدل ً من " أسباطا ً " أو كانت نعتا ً له‪ .‬فإن‬
‫الذى ل نزاع فيه أن المؤنث ل يبدل من المذكر ‪ ،‬ول يقع نعتا ً له‪.‬‬
‫وهذا دليل قاطع على أن المراد من " أسباطا ً " وإن كان مذكَّراً‬
‫فى اللفظ ‪ ،‬معنى مؤنث ل محالة‪ .‬ولذلك أنث النظم القرآنى‬
‫جزئى العدد المركب " اثنتى عشرة "‪.‬‬
‫أما جمع المعدود " أسباطا ً أمما ً " وإن وجهه النحاة توجيهاً‬
‫صائبا ً ‪ ،‬فقد بقى فى مجيئه جمعا ً ملمح بلغى دقيق ذلك الملمح‬
‫نوضحه فى التى‪:‬‬
‫َّ‬
‫بدأت الية الكريمة بهذا الفعل " قطعناهم " بتشديد " الطاء "‬
‫على وزن " فَعَّل " وهذا التشديد يفيد التكثير ‪ ،‬أى كثرة التقطيع‬
‫والتفريق‪ .‬وهذا يناسبه بلغة جمع " أسباطا ً أمما ً " ل إفرادهما ‪،‬‬
‫والمعانى البلغية من هذا النوع تزال من أجلها كل الموانع‬
‫والسدود‪ .‬ولغة القرآن وبلغته أوسع من قواعد اللغة وفنونها‬
‫البلغية‪.‬‬
‫(‪ )1‬راف‪.160 :‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الدر المصون (‪.)5/485‬‬
‫(‪ )3‬ومما رجح التأنيث فى الية إبدال " أمما " من " أسباطا "‬
‫مما يؤكد أن السباط معناها هنا مؤنث بمعنى قبائل أو جماعات‪.‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪ -47‬جمع الضمير العائد على المثنى‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫منشأ هذه الشبهة‪:‬‬


‫هو قوله تعالى‪( :‬هذان خصمان اختصموا فى ربهم فالذين كفروا‬
‫قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم ) (‪.)1‬‬
‫يقولون‪:‬‬
‫كان يجب أن يثنى الضمير العائد على المثنى ‪ ،‬فيقول‪ " :‬خصمان‬
‫اختصما فى ربهما " !‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫أشرنا من قبل إلى طريقتين من طرق التعبير اللغوى الفصيح ‪،‬‬
‫وهما‪:‬‬

‫‪603‬‬
‫‪ -‬طريقة مراعاة اللفظ‪.‬‬
‫‪ -‬وطريقة مراعاة المعنى فحيث جمع القرآن الضمير العائد على‬
‫المثنى ‪ ،‬فهو من استعمالت الطريقة الثانية ‪ ،‬التى يراعى فيها‬
‫جانب المعنى على جانب اللفظ‪.‬‬
‫وينبغى أن نعرف أن المثنى نوعان‪:‬‬
‫‪ -‬مثنى حقيقى ‪ ،‬ومثاله من القرآن الكريم قوله تعالى‪( :‬قال‬
‫رجلن من الذين يخافون أنعم الله عليهما ) (‪.)2‬‬
‫ف " رجلن " مثنى حقيقى ؛ لن واحده فرد فى الوجود ؛ أو ذات‬
‫ف أو استؤنف الحديث‬ ‫ص َ‬‫واحدة ؛ هذا هو المثنى الحقيقى‪ .‬وإذا وُ ِ‬
‫عنه وجب تثنية الضمير العائد عليه‪.‬‬
‫* أما النوع الثانى من المثنى ‪ ،‬فهو المثنى اللفظى ومثاله من‬
‫القرآن قوله تعالى‪( :‬مثل الفريقين كالعمى والصم والبصير‬
‫والسميع ) (‪.)3‬‬
‫وهذا النوع من المثنى ضابطه أن واحده جمع فرد من عدة‬
‫أفراد ‪ ،‬وليس فردا ً واحداً‪.‬‬
‫والنوع الول (المثنى الحقيقى) يسمى مثنى لفظا ً ومعنى‪.‬‬
‫أما الثانى (المثنى غير الحقيقى) فيسمى مثنى فى اللفظ ‪،‬‬
‫وجمعا ً فى المعنى‪ .‬وفى وصفه أو استئناف الحديث عنه يجوز أن‬
‫يراعى فيه جانب اللفظ ‪ ،‬أو جانب المعنى‪.‬‬
‫ومنه ما ورد فى آية " الحج "‪ " :‬هذان خصمان " لما كان معناه‬
‫جمعا ً روعى فيه جانب المعنى فقال عز وجل‪ " :‬اختصموا فى‬
‫ربهم " ومعروف أن مفرد الخصمين خصم ‪ ،‬وهو اسم جنس‬
‫يندرج تحته ‪ -‬هنا ‪ -‬أفراد كثيرون وبهذا نزل القرآن فى هذه‬
‫الية ‪ ،‬فتحدث عن الخصمين بضمير " الجمع " الذى هو " واو‬
‫الجماعة " " اختصموا " ثم بضمير الجماعة " هم " فى قوله‬
‫تعالى‪ " :‬فى ربهم "‪.‬‬
‫ونظيره فى القرآن قوله تعالى‪:‬‬
‫(وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ) (‪ .)4‬أعاد الضمير جمعا ً "‬
‫اقتتلوا " هذا فى جملة الخبر ‪ ،‬مع أن المبتدأ مثنى " طائفتان "‬
‫وذلك لن هذا اللفظ مثنى غير حقيقى ‪ ،‬بل هو مثنى فى اللفظ ‪،‬‬
‫جمع فى المعنى‪.‬‬
‫وفى هذه الية راعى النظم القرآنى المعجز المعنى فى جملة‬
‫الخبر وحدها " اقتتلوا " ثم راعى اللفظ فى بقية الية هكذا‪:‬‬
‫(فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الخرى فقاتلوا التى‬
‫تبغى حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما (‪.‬‬
‫وكل المنهجين فصيح صحيح بليغ‪.‬‬

‫‪604‬‬
‫والذى سوَّغ مراعاة المعنى فى " اقتتلوا " وقوعه بعد جمٍع ‪ ،‬هو‬
‫" المؤمنين " ‪ ،‬وليس فوق ذلك درجة من الصحة والصابة ‪ ،‬وإن‬
‫كره الحاقدون‪.‬‬
‫والخلصة‪:‬‬
‫أن " اختصموا " و " فى ربهم " الذوق السليم يشهد أن "‬
‫اختصموا " أبلغ من اختصما ‪ ،‬وأن " ربهم " أبلغ من ربهما‪.‬‬
‫لن " اختصموا " يفيد تبادل الخصومة بين جميع أفراد ال "‬
‫خصمان " من أول وهلة ‪ ،‬وكذلك " ربهم ؛ إن ضمير الجمع فيه "‬
‫هم " يفيد من أول وهلة ربوبية الله لكل فرد منهم‪.‬‬
‫والختصام هو الحدث الرئيسى فى هذه الواقعة‪ .‬فعُبِّر عنه بهذا‬
‫اللفظ الفخم " اختصموا " ومحال أن يستقيم لو قيل بعده " فى‬
‫ربهما " فسبحان من هذا كلمه ‪ ،‬الذى ل يأتيه الباطل من بين‬
‫يديه ول من خلفه ‪ ،‬تنزيل من حكيم حميد‪.‬‬
‫(‪ )1‬الحج‪.19 :‬‬
‫(‪ )2‬المائدة‪.23 :‬‬
‫(‪ )3‬هود‪.24 :‬‬
‫(‪ )4‬الحجرات‪.9 :‬‬
‫‪------------------‬‬
‫‪ -48‬التيان باسم الموصول العائد على الجمع مفرداً‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫منشأ هذه الشبهة‪:‬‬


‫ومنشأ هذه الشبهة ‪ -‬عندهم ‪ -‬قوله تعالى‪( :‬كالذين من قبلكم‬
‫كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموال ً وأولدا ً فاستمتعوا بخلقهم‬
‫فاستمتعتم بخلقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلقهم ‪،‬‬
‫وخضتم كالذى خاضوا أولئك حبطت أعمالهم فى الدنيا والخرة‬
‫وأولئك هم الخاسرون ) (‪.)1‬‬
‫والشاهد ‪ -‬عندهم ‪ -‬فى الية هو قوله تعالى‪ " :‬وخضتم كالذى‬
‫خاضوا " وآثرنا ذكر الية بتمامها لن الرد على هذه الشبهة‬
‫يقتضى النظر فى الية كلها ل فى الجزء الذى استشهدوا به‬
‫وحده‪.‬‬
‫وكان تعليقهم على قوله عز وجل‪( :‬وخضتم كالذى خاضوا (هو‬
‫قولهم‪ " :‬وكان يجب أن يجمع اسم الموصول العائد على ضمير‬
‫الجمع فيقول‪( :‬خضتم كالذين خاضوا (!‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬

‫‪605‬‬
‫هذه الية ‪ -‬بتمامها ‪ -‬وردت فى سياق الحديث عن المنافقين ؛‬
‫لن ما قبلها هو قوله عز وجل‪( :‬وعد الله المنافقين والمنافقات‬
‫والكفار نار جهنم خالدين فيها هى حسبهم ولعنهم الله ولهم‬
‫عذاب مقيم ) (‪.)2‬‬
‫والية مسوقة لتهديد المنافقين والكفار ‪ ،‬لعلهم يقلعون عما هم‬
‫فيه من نفاق وكفر‪.‬‬
‫وقد أدير الحديث فيها على تشبيه المخاطبين (المنافقين‬
‫والكفار) بالمم الغابرة ‪ ،‬كانت أشد منهم قوة ‪ ،‬وأكثر مال ً وولدا ‪،‬‬
‫وانغمسوا فى شهواتهم الفانية ‪ ،‬فسار المنافقون والكفار‬
‫سيرتهم فركنوا إلى متع الحياة الدنيا الفانية ‪ ،‬ولم يبتغوا ما عند‬
‫الله ‪ ،‬وأن المنافقين والكفار فعلوا كل ما فعله من قبلهم من‬
‫المعاصى والسيئات‪.‬‬
‫ثم بين الله عز وجل أنهم الخاسرون فى الدنيا والخرة فالذى‬
‫معنا فى الية فريقان‪:‬‬
‫‪ -‬فريق سابق فى الزمن ‪ ،‬لم يكن موجودا ً فى عصر نزول‬
‫القرآن‪.‬‬
‫‪ -‬فريق كان حاضرا ً فى عصر نزول القرآن ‪ ،‬وهم الذين خاطبهم‬
‫الله فى هذه الية الكريمة‪ .‬وليس فى هذه الية فريق ثالث‬
‫تحدثت عنه الية‪.‬‬
‫ومن هذا يتضح أن تعقيب خصوم القرآن على هذه الية ‪ ،‬بأن‬
‫الصواب أن يقال‪ " :‬وخضتم كالذين خاضوا " فاسد من كل‬
‫الوجوه ؛ لن معنا فى الية فريقان ل ثلثة ‪ ،‬ولو قيل‪ " :‬خضتم‬
‫كالذين خاضوا " لنفكت رابطة الكلم ‪ ،‬ولبرز فى النظم طرف‬
‫ثالث ل وجود له فى سياق الية‪.‬‬
‫بيان ذلك‪:‬‬
‫أن المقارنة جرت فى الية بين الفريقين " المنافقين والكفار " و‬
‫" المم الغابرة "‪ .‬ودارت المقارنة على هذا المنهج‪:‬‬
‫‪ -‬فاستمتعوا بخلقهم‪.‬‬
‫‪ -‬فاستمتعتم بخلقكم‪.‬‬
‫‪ -‬كما استمتع الذين من قبلكم بخلقهم‪.‬‬
‫‪ -‬وخضتم كالذى خاضوا‪.‬‬
‫والمعنى‪ :‬وخضتم خوضا ً مثل خوضهم (‪.)3‬‬
‫فالذى فى الية اسم موصول مفرد ‪ ،‬يعود على المصدر المفهوم‬
‫من الفعل الماضى " خضتم " فشبه الله عز وجل خوض‬
‫المنافقين بخوض الذين من قبلهم‪ .‬وهذا هو النسق الذى دارت‬
‫عليه المقارنة فى الية تشبيه سلوك اللحقين بسلوك السابقين‬
‫من المم الغابرة ‪ ،‬التى عتت عن أمر ربها وعصت رسله‪.‬‬

‫‪606‬‬
‫واختار المام الشوكانى أن المعنى‪ " :‬كالخوض الذى خاضوا " (‪)4‬‬
‫‪ ،‬ومن قبله قال المام الزمخشرى‪:‬‬
‫" وخاضوا فخضتم كالذى خاضوا " (‪.)5‬‬
‫هذا هو الحق فى هذه العبارة ‪ ،‬ل كما قال خصوم القرآن‬
‫الكارهون لما أنزل الله عز وجل‪.‬‬
‫(‪ )1‬التوبة‪.69 :‬‬
‫(‪ )2‬التوبة‪.68 :‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬الدر المصون (‪.)6/84‬‬
‫(‪ )4‬فتح القدير (‪.)2/433‬‬
‫(‪ )5‬الكشاف (‪.)2/201‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪ -49‬جزم الفعل المعطوف على المنصوب‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫منشأ هذه الشبهة‪:‬‬


‫هو قوله تعالى‪( :‬وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتى أحدكم‬
‫ب لول أخرتنى إلى أجل قريب فأصدَّق وأكن من‬ ‫الموت فيقول ر ِّ‬
‫الصالحين ) (‪.)1‬‬
‫وشاهد هذه الشبهة ‪ -‬عندهم ‪ -‬هو قوله تعالى‪ " :‬وأكن " لنه‬
‫محذوف الواو ساكن النون ‪ ،‬وهو فعل معتل الوسط بالواو‬
‫(أجوف) ول يحذف الواو منه إل إذا سكن آخره ‪ ،‬ول يسكن آخره‬
‫إل إذا كان مجزوما ً ‪ ،‬ويجزم المضارع إذا دخل عليه جازم أو‬
‫عطف على مجزوم‪.‬‬
‫ولما لم يدخل على الفعل ‪ -‬هنا ‪ -‬جازم ‪ ،‬ولم يتقدم عليه مجزوم‬
‫يصح جزمه بالعطف عليه ‪ ،‬ساغ لخصوم القرآن أن يقولوا إن هذا‬
‫الفعل " أكن " جزم مع أن المعطوف عليه منصوب ‪ ،‬وهو الفعل‬
‫" فأصدق " وعلقوا على هذا فقالوا‪ " :‬كان يجب أن ينصب الفعل‬
‫المعطوف على المنصوب فيقال‪ " :‬فأصدق وأكون "‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫لفتت هذه الية أنظار النحاة والمفسرين ‪ ،‬وقد اختلفت‬
‫توجيهاتهم لورود الفعل المجزوم مردوفا ً على الفعل المنصوب ‪،‬‬
‫مع اتفاقهم جميعا ً على صحة هذا التركيب نحويا ً لن نظم القرآن‬
‫مشهود له بالصحة من ألد خصومه الذين بلغوا الذروة فى‬
‫الفصاحة والبلغة ‪ ،‬وهم مشركو العرب ‪ ،‬حيث لم يُرو عنهم أنهم‬
‫طعنوا فى القرآن فى صحة أساليبه ‪ ،‬وضروب تراكيبه ‪،‬‬
‫والتسليم له بالسمو والرفعة فى هذا المجال‪.‬‬

‫‪607‬‬
‫فعلى كثرة ما اتهموه بأنه سحر ‪ ،‬أو شعر ‪ ،‬أو أساطير الولين‬
‫تملى على النبى صلى الله عليه وسلم بكرة وأصيل لم يذكروا ‪-‬‬
‫قط ‪ -‬أن به أخطاء لغوية ‪ ،‬أو نحوية أو صرفية أو بيانية ‪ ،‬بل على‬
‫العكس من ذلك نراهم أثنوا عليه على لسان الوليد بن المغيرة ‪،‬‬
‫لما سمع من النبى صلى الله عليه وسلم اليات الولى من‬
‫سورة " فصلت " حين نفى عنه كل عيب أو نقص فى أساليبه‬
‫ونظمه المحكم البديع ولو كان ما يؤخذه خصوم القرآن ‪ -‬الن ‪-‬‬
‫من الشبهات التى نعرض لها ‪ -‬هنا ‪ -‬حقا ً لبادروا بإعلنها ‪،‬‬
‫ولتخذوها حربا ً ضروسا ً ضده‪ .‬وسكوتهم المطبق عن ذكر عيوب‬
‫من هذا القبيل تسليم منهم له بالسلمة من جميع الخطاء ‪،‬‬
‫وهذه هى عقيدة المة وكل العقلء المنصفين ‪ ،‬وقد أشرنا من‬
‫قبل إلى أن القرآن أوسع من قواعد اللغة وأسمى من أساليب‬
‫البيان المعروفة عند البشر فإذا ورد فيه شىء على غير قاعدة‬
‫نحوية أو صرفية معروفة لدى الناس ‪ ،‬فليس معناه أن القرآن قد‬
‫أخطأ أو سها‪ .‬لن القرآن نفسه مصدر من مصادر إثبات اللغة‬
‫فى نفسها وفى طرق استعمالتها‪.‬‬
‫فما جاء منه على ما نعرفه أو نألفه من القواعد فل مشاحنة فيه‪.‬‬
‫وما جاء على غير ذلك وجب اليمان بصحته ‪ ،‬وعلينا أن نجتهد فى‬
‫التماس العلة فيه ‪ ،‬فإن أدركناها فالحمد لله وإل فوضنا المر‬
‫فيها لله ‪ ،‬كما هو فى بعض المتشابهات القرآنية من اللفاظ‬
‫والمعانى ‪ ،‬كما قال عز وجل‪( :‬هو الذى أنزل عليك الكتاب منه‬
‫آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين فى‬
‫قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما‬
‫يعلم تأويله إل الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من‬
‫عند ربنا وما يذكر إل أولو اللباب ) (‪.)2‬‬
‫وبعد هذه الوقفة الكاشفة الشافية نعود إلى ما قاله النحاة‬
‫والمفسرون فى توجيه مجىء الفعل المجزوم مردوفا ً على‬
‫الفعل المنصوب فى الية الكريمة ‪ ،‬التى اتخذ منها الذين فى‬
‫قلوبهم زيغ وسيلة للطعن فى القرآن ‪ ،‬ابتغاء الفتنة‪:‬‬
‫جه المام الزمخشرى مجئ الفعل " وأكن " مجزوما ً مردوفاً‬ ‫و ّ‬
‫على الفعل المنصوب " فأصدق " بأن قوله تعالى " لول أخرتنى‪..‬‬
‫" فى محل جزم لتضمنه معنى الشرط ‪ ،‬فكأنه قيل‪ :‬إن أخرتنى‬
‫أصدقْ وأكن من الصالحين (‪.)3‬‬
‫وكذلك قال ابن عطية (‪ ، )4‬وأبو على الفارسى (‪.)5‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫لم تكن هذه القراءة هى الوحيدة فى جزم الفعل " أكن " فقد‬
‫قرأه أبو عمرو " وأكون " بالنصب عطفا ً على " فأصدق "‪.‬‬

‫‪608‬‬
‫ونرى أن التوجيه بأن هذا الفعل مجزوم على تضمن عبارة‬
‫التمنى " لول أخرتنى إلى أجل قريب " أو على الشرط المقدر‬
‫ب‪ " -‬إن أخرتنى " هو توجيه سديد ‪ ،‬وقد سبق إلى القول به‬
‫علمان من أئمة النحو ‪ ،‬هما الخليل وسيبويه (‪.)6‬‬
‫والذى سوَّغ إيثار عبارة التمنى " لول أخرتنى " على الشرط‬
‫الصريح " إن أخرتنى " أن قائل هذه العبارة يقولها فى ساعة‬
‫يملكه فيها اليأس من التأخير وهى ساعة حضور الموت ‪،‬‬
‫والتمنى كما نعلم يستعمل فى طلب المحال أو المتعذر ‪ ،‬أما‬
‫الشرط فيستعمل فى المور التى ل استحالة فيها ول تعذر‪.‬‬
‫فهو إذن من تبادل الصيغ وإحلل بعضها محل بعض لداع بلغى‪.‬‬
‫وقرينة إرادة الشرط من عبارة التمنى هو جزم الفعل " أكن "‬
‫وسره البلغى أن من حضرته الوفاة وهو مقصر فى طاعة الله‬
‫تدفعه شدة الحاجة التى نزلت به إلى طمٍع من نوع ما ‪ ،‬مما هو‬
‫مستحيل أو متعذر الوقوع‪ .‬ومما تقدم يظهر لنا استقامة العبارة‬
‫القرآنية وبُعْدها عن كل خلل ‪ ،‬ووفاؤها بالمعنى المراد نحواً‬
‫وبياناً‪.‬‬
‫(‪ )1‬المنافقون‪.10 :‬‬
‫(‪ )2‬آل عمران‪.7 :‬‬
‫(‪ )3‬الكشاف (‪.)4/112‬‬
‫(‪ )4‬المحرر الوجيز (‪.)16/23‬‬
‫(‪ )5‬الحجة فى القراءات (‪.)4/386‬‬
‫(‪ )6‬حاشية الشهاب على البيضاوى (‪.)8/200‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫ل الضمير العائد على المفرد جمعاً‬ ‫ع ُ‬‫ج ْ‬
‫‪َ -50‬‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫منشأ هذه الشبهة‪:‬‬


‫هو قوله تعالى‪( :‬مثلهم كمثل الذى استوقد نارا ً فلما أضاءت ما‬
‫حوله ذهب الله بنورهم وتركهم فى ظلمات ل يبصرون ) (‪.)1‬‬
‫ذكروا هذه الية ‪ ،‬ووقفوا عند قوله تعالى‪( :‬الذى استوقد ناراً‬
‫فلما أضاءت ما حوله ) (ذهب الله بنورهم (وعلقوا عليه قائلين‪:‬‬
‫وكان يجب أن يجعل الضمير العائد على المفرد مفردا ً ‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫" استوقد ـ ذهب الله بنوره " !‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫هذه الية مضروبة مثل ً لبيان حال المنافقين فى تذبذب أحوالهم‬
‫وتقلبهم فى مواقفهم ‪ ،‬وانتهازهم الفرص السانحة لتحقيق‬

‫‪609‬‬
‫أغراضهم الدنيوية‪ .‬وعدم ثباتهم على مبدأ خلقى قويم ‪ ،‬وقد‬
‫تقدم على هذه الية آية أخرى تصف سعيهم الضال ‪ ،‬وإيثارهم‬
‫منافع الدنيا العاجلة الفانية ‪ ،‬على ما عند الله ـ عز وجل ـ مقضياً‬
‫عليهم بالخسران المبين ‪ ،‬وهى قوله تعالى‪( :‬أولئك الذين اشتروا‬
‫الضللة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ) (‪.)2‬‬
‫ثم استأنف القرآن الحديث عنهم فى‪( :‬مثلهم كمثل الذى استوقد‬
‫نارا ً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم فى ظلمات‬
‫ل يبصرون (‪.‬‬
‫والمثل ـ بفتح الثاء ـ هو الشأن والقصة الغريبة التى يكون عليها‬
‫ل الله حالهم وشأنهم‬ ‫مث َّ َ‬ ‫المتحدث عنه ‪ ،‬وهو ـ هنا ـ المنافقون ‪َ ،‬‬
‫الذى هم عليه ‪ ،‬وقصتهم الغريبة الراسخة فى طباعهم بمثل‬
‫رجل ‪ ،‬أو فريق من الناس طلب إيقاد نارٍ للنتفاع بها فى تحقيق‬
‫الرؤية ‪ ،‬وإبصار الطريق للسير فيه ‪ ،‬فلما أضاءت النار ما حوله‬
‫وفرح بها سرعان ما أطفاها الله فأظلمت عليه الدنيا ‪ ،‬فوقع فى‬
‫حيرة وارتباك‪.‬‬
‫ً‬
‫وجمع الضمير فى " بنورهم " ليس عائدا على " الذى " المفرد‬
‫جه النحاة جمع الضمير‬ ‫المذكور فى (كالذى استوقد نارا ً (‪ ،‬وقد و َّ‬
‫بعد " الذى " فقالوا‪ :‬إن الذى ليس بمعنى المفرد ‪ ،‬بل هو بمعنى‬
‫" الذين " وذكروا أن " الذى " فى الستعمال اللغوى له معنيان‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن يكون بمعنى المفرد ‪ ،‬وهو الغالب والكثير فيه‪.‬‬
‫والثانى‪ :‬أن يكون بمعنى الجمع ‪ ،‬ويُفَّرق بينهما بالقرائن ‪ ،‬ففى‬
‫الية التى معنا‪ " :‬الذى " بمعنى الفريق أو الفوج الذى استوقد‬
‫النار‪.‬‬
‫هذا رأى فى توجيه رد الضمير جمعا ً على " الذى " وقد عبروا‬
‫عن هذا بقولهم‪ :‬أراد بالذى جنس المستوقد ‪ ،‬ل فردا ً معينا ً (‪.)3‬‬
‫ويرى المام الزمخشرى أن " الذى " هو ـ هنا ـ "الذين " حذفت‬
‫منه " النون " لستطالته ‪ ،‬وهو مثل " وخضتم كالذى خاضوا "‬
‫وليس فى الكلم تشبيه الجماعة بالواحد على هذا التأويل ‪ ،‬وأن‬
‫المشبه هو حال المنافقين ‪ ،‬بحال الذى استوقد ناراً‪ .‬تشبيه معنى‬
‫مركب بمعنى مركب ‪ ،‬وليس تشبيه ذوات المنافقين بذات الذى‬
‫استوقد نارا ً ‪ ،‬فهذا غير مقصود ‪ ،‬وإنما المقصود هو تشبيه قصة‬
‫المنافقين المضروب لها المثل ‪ ،‬بقصة المستوقد للنار ‪ ،‬وأن وجه‬
‫الشبه بين القصتين هو‪ " :‬فبقوا خابطين فى ظلم ‪ ،‬متحيرين‬
‫متحسرين على فوت الضوء ‪ ،‬خائبين بعد الكدح فى إحياء النار‬
‫" (‪.)4‬‬
‫ويقول المام الشوكانى‪:‬‬

‫‪610‬‬
‫و " الذى " موضوع موضع الذين ‪ ،‬أى كمثل الذين استوقدوا ‪،‬‬
‫وذلك موجود فى كلم العرب ‪ ،‬كقول الشاعر‪:‬‬
‫م القوم ‪ ،‬كل القوم ‪ ،‬يا أم خالد‬ ‫وإن الذى حانت بفلج دماؤهم ه ُ‬
‫َ‬
‫ومنه " وخضتم كالذى خاضوا " و " والذى جاء بالصدق وصد ّق به‬
‫‪ ،‬أولئك هم المتقون " (‪.)5‬‬
‫والخلصة‪:‬‬
‫ً‬
‫بعد هذا العرض لئمة النحاة والمفسرين يتضح جليا أن‬
‫الستعمال القرآنى فى " مثلهم كمثل الذى استوقد نارا ً فلما‬
‫أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم " استعمال عربى فصيح فى‬
‫غاية الفصاحة ‪ ،‬وله شواهد فى كلم العرب المحتج بكلمهم ‪،‬‬
‫وإن كان القرآن غنيا ً عن الستشهاد من خارجه على عروبته‬
‫وسلمته من كل خطأ ؛ لنه من أصح مصادر اللغة العربية ‪ ،‬ومع‬
‫هذا فإن ما قاله الئمة العلم يحيل شبهة هؤلء المتطاولين على‬
‫كتاب الله العزيز هباءً منثورا ً ‪ ،‬هذا هو دور النحو فى إبطال هذه‬
‫الشبهة ‪ ،‬وللبلغة دور مهم فى الرد عليهم نلخصه فى التى‪:‬‬
‫إن المثل فى الية مسوق أساسا ً لتمثيل شأن المنافقين ‪ ،‬أما‬
‫قوله تعالى‪ " :‬كمثل الذى استوقد نارا ً " ‪ ،‬فأمر عارض اقتضاه‬
‫مقام الحديث عن تمثيل حال المنافقين فهو أشبه ما يكون‬
‫بالجملة العتراضية ‪ ،‬لول أنها مشبه به ‪ ،‬ولما أدت الدور المراد‬
‫منها تحول الحديث إلى الصل المسوق من أجله الكلم ‪ ،‬وبدأ‬
‫معُ الضمير‬ ‫هذا التحول من قوله تعالى‪ " :‬ذهب الله بنورهم " فَ َ‬
‫ج ْ‬
‫فى " بنورهم " منظور فيه إلى نظيره فى " مثلهم " فكان ضمير‬
‫الجمع فى " بنورهم " مطابقا ً أصالة لمقام الحديث أما " الذى‬
‫استوقد نارا ً " فصار مسكوتا ً عنه بعد آداء دوره المراد منه‪.‬‬
‫وعلى هذا فإن التوجيه البلغى لجمع الضمير فى " بنورهم "‬
‫يغنى عن التوجيهات التى أبداها النحاة والمفسرون إذ ل معول‬
‫فى التوجيه البلغى على اعتبار " الذى " بمعنى الذين ‪ ،‬أو هو "‬
‫الذين " حذف منه النون‪.‬‬
‫ومحال أن يستقيم ما قاله مثيرو هذه الشبهة أن الصواب هو‬
‫إفراد الضمير فى " نورهم " لنه لو قيل‪:‬‬
‫ذهب الله بنوره وتركه فى ظلمات ل يبصر ‪ ،‬لتحول الكلم إلى‬
‫غير المنافقين المضروب لهم المثل ‪ ،‬ولزالت كل الروابط بين‬
‫صدر الية وعجزها‪ .‬وهذا ل يقول به عاقل‪.‬‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.17 :‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪.16 :‬‬
‫(‪)3‬انظر‪ :‬أنوار التنزيل للمام البيضاوى (‪ )1/30‬وحاشية الشهاب‬
‫على البيضاوى (‪.)1/365‬‬

‫‪611‬‬
‫(‪ )4‬الكشاف (‪.)1/199‬‬
‫(‪ )5‬فتح القدير (‪.)1/55‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫‪ -51‬التيان بجمع كثرة فى موضع جمع القلة‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫منشأ هذه الشبهة‪:‬‬


‫هو قوله تعالى‪( :‬وقالوا لن تمسنا النار إل أياما ً معدودة قل‬
‫اتخذتم عند الله عهدا ً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله‬
‫ما ل تعلمون ) (‪.)1‬‬
‫أخذوا من هذه الية كلمة " معدودة " وتوهموا أن القرآن أخطأ‬
‫فيها ؛ لنها ـ عندهم ـ جمع كثرة ‪ ،‬والمقام الذى استعملت فيه‬
‫يتطلب جمع القلة ‪ ،‬ثم علقوا قائلين‪:‬‬
‫" وكان يجب أن يجمعها جمع قلة ‪ ،‬حيث إنهم أرادوا القلة ‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬أياما ً معدودات "‪.‬‬
‫هكذا عبروا عن جهلهم ‪ ،‬وهم يحسبون ـ أو ل يحسبون ـ أنهم‬
‫العلماء الفذاذ الذين يعلمون ما لم يعلمه أحد ـ حتى الله ـ من‬
‫شئون اللغة والبيان ‪ ،‬وهم ـ بحق ـ ل يكادون يفقهون حديثاً‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫هذه الية نزلت تحكى قول ً قاله اليهود ‪ ،‬يكشف عن الغرور الذى‬
‫مل أنفسهم ‪ ،‬فقد زعموا أنهم إذا دخلوا النار ‪ ،‬فإنها ل تمسهم إل‬
‫مسا ً خفيفا ً ‪ ،‬وأنهم لن يُخلدوا فيها ‪ ،‬بل يقضون عدة أيام‪.‬‬
‫وهذا تطاول منهم ‪ ،‬لن شئون الخرة ل يعلمها إل الله‪.‬‬
‫حجة البالغة له عليهم وحصر مصدر‬ ‫لذلك كذَّبهم الله ‪ ،‬وألزمهم ال ُ‬
‫هذا الذى ادعوه فى أمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن يكون عندهم من الله عهد بما قالوا ‪ ،‬والله ل يخلف‬
‫عهده ‪ ،‬وهم فى الواقع ل عهد عندهم من الله يحدد فيه مدة‬
‫مكثهم فى النار ‪ ،‬ودرجة العذاب الذى سيصيبهم فيها‪.‬‬
‫م يفترون على الله عز وجل ‪ ،‬وماداموا ليس عندهم‬ ‫الثانى‪ :‬أو هُ ْ‬
‫عهد من الله ‪ ،‬فهم ـ إذا ً ـ كاذبون والذين يفترون على الله‬
‫الكذب ل يفلحون‪.‬‬
‫أما مسألة الكثرة والقلة ‪ ،‬التى بنى عليها هؤلء الكارهون لما‬
‫أنزل الله على خاتم رسله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فل اعتبار لها‬
‫هنا ‪ ،‬وهم وإن حفظوا شيئا ً فقد غابت عنهم أشياء‪ .‬ولذلك‬
‫أوقعهم جهلهم فيما حاولوا أن يفروا منه ؛ لنهم قالوا إن معدودة‬
‫‪ ،‬جمع كثرة ‪ ،‬واستعمال جمع الكثرة ـ هنا ـ خطأ ؟ ؛ لن اليهود‬

‫‪612‬‬
‫أرادوا جمع القلة ـ أى أنهم يمكثون فى النار أياما ً قليلة‪ .‬فجاء‬
‫ف بالمعنى الذى كانوا يقصدونه ‪ ،‬وكان‬ ‫تعبير القرآن غير وا ٍ‬
‫الواجب على القرآن أن يقول‪ :‬أياما ً معدودات ‪ ،‬بدل ً من (أياماً‬
‫معدودة (هذا هو قولهم ‪ ،‬وهو محض الخطأ لو كانوا يعلمون‬
‫وذلك للعتبارات التية‪:‬‬
‫فأولً‪ :‬لن " معدودة " ليست جمعا ً بل مفردًا ‪ ،‬ليست جمع كثرة‬
‫ول جمع قلة‪ .‬وهؤلء " العباقرة " جعلوها جمع كثرة ‪ ،‬بسبب‬
‫جهلهم باللغة العربية ‪ ،‬لغة العجاز‪.‬‬
‫وثانياً‪ :‬أن " معدودات " التى يقولون إنها الصواب وكان حق‬
‫القرآن أن يعبر بها بدل ً من " معدودة " ظانين أن " معدودات "‬
‫جمع قلة‪ .‬وهى ليست جمع قلة كما توهموا ‪ ،‬فهى على وزن "‬
‫مفعولت " وهذا الوزن ليس من أوزان جموع القلة (‪ )2‬بل من‬
‫أوزان جموع الكثرة ول ينفعهم قولهم إن اليهود أرادوا القلة ‪ ،‬لن‬
‫هذه القلة يدل عليها سياق الكلم ل المفردات المستعملة فى‬
‫التركيب‪.‬‬
‫وثالثاً‪ :‬إن هذا التعبير ل ينظر فيه إلى جانب قلة أو كثرة ‪ ،‬ولكن‬
‫ينظر فيه من جانب آخر ليس عند هؤلء الدعياء شرف التصاف‬
‫به ؛ لنهم دخلء على لغة العجاز والتنزيل‪.‬‬
‫هذا الجانب هو‪ :‬معاملة غير العاقل معاملة العاقل أو عدم‬
‫معاملته (‪.)3‬‬
‫ووصف اليام بـ " معدودة " فى ما حكاه الله عن اليهود هو‬
‫وصف لها بما هو لئق بها ‪ ،‬لن اليام ل تعقل فأجرى عليها‬
‫الوصف الذى لغير العقلء ‪ ،‬وما جاء على الصل فل يسأل عنه ‪،‬‬
‫ولكنهم لجهلهم المركب بلغة العجاز حسبوا الصواب خطأ ‪،‬‬
‫والخطأ صواباً‪ .‬لنهم زجوا بأنفسهم فيما ل ناقة لهم فيه ول‬
‫جمل‪.‬‬
‫أما معاملة غير العاقل معاملة العاقل ‪ ،‬فلها دواٍع بلغية ل يعرف‬
‫عنها مثيرو هذه الشبهات كثيرا ً ول قليلً‪.‬‬
‫وهى فى النظم القرآنى من الكثرة بمكان ‪ ،‬ول يعامل غير‬
‫العاقل معاملة العاقل إل بتنزيله منزلة العاقل لداع بلغى يقتضى‬
‫ذلك التنزيل‪.‬‬
‫وإذا كان القرآن قد عبَّر فى وصف " أياما ً " فى آية البقرة هذه بـ‬
‫" معدودة " وهو وصف غير العاقل جارٍ على الصل ‪ ،‬فإنه عبَّر‬
‫عن وصفها بـ " معدودات " فى موضع آخر ‪ ،‬هو قوله تعالى‪:‬‬
‫(ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إل أياما ً معدودات وغرهم فى‬
‫دينهم ما كانوا يفترون ) (‪.)4‬‬

‫‪613‬‬
‫فكان ينبغى أن يسأل هؤلء عن اختلف التعبير فى الموضعين‬
‫بدل أن يخط ِّئوا الصواب وهم جاهلون‪.‬‬
‫وها نحن نضع بين أيديهم الحق ناصع البياض‪.‬‬
‫فى آية البقرة جاء وصف " أياما ً " ـ " معدودة " بصيغة الفراد ‪،‬‬
‫وليس جمع كثرة كما زعموا‪.‬‬
‫وفى آية آل عمران جاء وصف " أياما ً " ـ " معدودات " جمعا ً ل‬
‫إفراداً‪.‬‬
‫فلماذا ـ إذا ً ـ اختلفت صيغة الوصف ‪ ،‬والموصوف واحد ‪ ،‬هو "‬
‫أياما ً " ؟ إذا قارنَّا بين اليتين وجدنا آية البقرة مبنية على اليجاز‬
‫هكذا‪:‬‬
‫" وقالوا لن تمسنا النار إل أياما ً معدودة‪." ..‬‬
‫ووجدنا آية آل عمران مبنية على الطناب هكذا‪:‬‬
‫" ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إل أياما ً معدودات "‪.‬‬
‫وازن بين صدر آية البقرة " وقالوا "‪.‬‬
‫وبين صدر آية آل عمران " ذلك بأنهم قالوا "‪.‬‬
‫تجد أن جملة " ذلك بأنهم " هذه العبارة اشتملت على اسم‬
‫الشارة الموضوع للبعيد ‪ ،‬الرابط بين الكلمين السابق عليه ‪،‬‬
‫واللحق به‪.‬‬
‫ثم تجد " الباء " الداخلة على " إن " فى " بأنهم "‪.‬‬
‫ثم " إن " التى تفيد التوكيد ‪ ،‬ثم ضمير الجماعة " هم "‪.‬‬
‫هذه الدوات لم يقابلها فى آية البقرة ‪ ،‬إل واو العطف " وقالوا "‬
‫إذا ً المقامان مختلفان ‪ ،‬أحدهما إيجاز ‪ ،‬والثانى إطناب‪.‬‬
‫وهذا يبين بكل قوة ووضوح لماذا كان " معدودة "‪ .‬فى آية البقرة‬
‫؟ و " معدودات " فى آية آل عمران كان وصف " أياما ً " فى آية‬
‫البقرة " معدودة " لن المقام فيها مقام إيجاز كما تقدم فناسب‬
‫هذا المقام اليجازى أن يكون الوصف موجزا ً هكذا " معدودة "‪.‬‬
‫وكان الوصف فى آية آل عمران مطنبا ً " معدودات " بزيادة "‬
‫اللف " ليناسب مقام الية الطنابى كما تقدم (‪.)5‬‬
‫فانظر إلى هذه الدقائق واللطائف البيانية المعجزة التى عميت‬
‫عنها مدارك " الخواجات " المتعالمين‪.‬‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.80 :‬‬
‫(‪ )2‬أوزان جموع القلة هى‪ :‬فِعْلَة ـ أفْعَال ـ أفعُل ـ أفْعِلَة‪.‬‬
‫(‪ )3‬غير العاقل هو ماعدا النسان من مخلوقات الله الرضية‪.‬‬
‫(‪ )4‬آل عمران‪.24 :‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ملك التأويل ‪ ،‬القاطع لذوى اللحاد والتعطيل فى‬
‫توجيه المتشابه من آى التنزيل (‪ )1/281‬للعلمة أحمد بن الزبير‬
‫القرناطى‪ .‬دار النهضة العربية‪.‬‬

‫‪614‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫‪ -52‬التيان بجمع قلة فى موضع جمع الكثرة‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫منشأ هذه الشبهة‪:‬‬


‫أما منشأ هذه الشبهة فهو قوله تعالى‪( :‬يا أيها الذين آمنوا كتب‬
‫عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون *‬
‫أياما ً معدودات ) (‪.)1‬‬
‫والشاهد ـ عندهم ـ هو قوله عز وجل " معدودات " لنهم يفهمون‬
‫جهل ـ أن " معدودات " جمع قلة ‪ ،‬وأن " معدودة " جمع كثرة ‪،‬‬
‫وأيام الصيام فى شهر رمضان ثلثون يوماً‪ .‬فهى أيام كثيرة‬
‫يناسبها جمع الكثرة عندهم وهو " معدودة " ولكن القرآن أخطأ‬
‫فوضع كلمة جمع قلة عندهم ‪ ،‬موضع " معدودة " وهى جمع كثرة‬
‫عندهم كما تقدم‪ .‬ثم عقبوا على هذا فقالوا " وكان يجب أن‬
‫يجمعها جمع كثرة ‪ ،‬حيث أن المراد جمع كثرة ‪ ،‬عدته ثلثون يوماً‬
‫‪ ،‬فيقول‪ " :‬أياما ً معدودة "‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫سبق أن عدوا الربعين جمع قلة ‪ ،‬وهنا جزموا بأن الثلثين يوماً‬
‫الرمضانية ‪ ،‬أو التسعة والعشرين يوما ً جمع كثرة ‪ ،‬وأن القرآن‬
‫أخطأ مرة أخرى حين عبَّر عنها بجمع القلة " معدودات " أليست‬
‫هذه نادرة من نوادر الدهر ؟ كيف تكون الربعون أقل من‬
‫الثلثين أو التسعة والعشرين ؟ هل هذا يصدر عن عاقل على‬
‫وجه الرض ؟ وما عدوه خطأ ً فى هذه الية ‪ ،‬وهو قوله تعالى‪" :‬‬
‫معدودات " فهو عين الصواب لغة وبيانا ً ‪ ،‬وقد أشرنا من قبل إلى‬
‫أن معاملة غير العاقل معاملة العاقل أسلوب بلغى رفيع‬
‫المستوى ‪ ،‬وهو عند البلغيين استعارة ‪ ،‬شبه فيها غير العاقل‬
‫بالعاقل لداٍع بلغى ‪ ،‬يراعيه البليغ فى كلمه‪.‬‬
‫وكلمة " معدودات " فى وصف أيام الصيام أتى بها القرآن‬
‫لخصوصية بيانية ‪ ،‬هى تعظيم شأن تلك اليام ‪ ،‬حتى لكأنها لرفعة‬
‫منزلتها عند الله عز وجل صارت من ذوى العقول ‪ ،‬وهى أوقات‬
‫ل روح فيها كالحياء العاقلين‪.‬‬
‫فليس المدار فيها اعتبار قلة ‪ ،‬أو كثرة ‪ ،‬بل المراد التنويه بفضلها‬
‫‪ ،‬وعلو منزلتها عند الله تعالى‪.‬‬
‫أما القلة فتفهم من سياق الكلم ‪ ،‬الذى حدد أيام الصيام بالشهر‬
‫الواحد‪:‬‬

‫‪615‬‬
‫(شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من‬
‫الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) (‪.)2‬‬
‫ولهذا التنزيل مواضع أخرى كثيرة فى القرآن الكريم وحسبنا من‬
‫القلدة ما أحاط بالعنق‪.‬‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.184-183 :‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪.185 :‬‬
‫‪------------------------‬‬
‫علَم ٍ يجب إفراده‬‫ع اسم ِ َ‬
‫م ُ‬
‫ج ْ‬‫‪َ -53‬‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫منشأ هذه الشبهة‪:‬‬


‫هو قوله تعالى‪( :‬وإن إلياس لمن المرسلين * إذ ْ قال لقومه أل‬
‫تتقون * أتدعون بعل ً وتذرون أحسن الخالقين * الله ربكم ورب‬
‫آبائكم الولين * فكذبوه فإنهم لمحضرون * إل عباد الله‬
‫المخلصين * وتركنا عليه فى الخرين * سلم على إلياسين ) (‪.)1‬‬
‫موضع الشاهد على الشبهة عندهم هو " إلياسين " ولكنهم ـ‬
‫لسوء قصدهم ـ اتبعوا طريقة حذف مزرية فى هذه اليات ‪،‬‬
‫وكان يكفيهم بدل هذه الحذوفات أن يقتصروا على " إلياسين "‬
‫وحدها ‪ ،‬وقد يكون الداعى إلى ذكر ما ذكروا هو أن يقولوا إن‬
‫القرآن تحدث عن " إلياس " والضمائر العائدة عليه حديث‬
‫المفرد ‪ ،‬ثم عاد فجمع " إلياس " وهو علم مفرد ‪ ،‬جمع المذكر‬
‫السالم المجرور بـ " الياء " ‪ ،‬هكذا " إلياسين " ‪ ،‬ثم علقوا على‬
‫هذا الذى فهموه بقولهم‪:‬‬
‫" فلماذا قال " إلياسين " بالجمع عن " إلياس " المفرد ؟ فمن‬
‫الخطأ لغويا ً تغيير اسم العَلَم حبا ً فى السجع المتكلف‪.‬‬
‫وجاء فى سورة " التين " (والتين والزيتون * وطور سينين *‬
‫وهذا البلد المين ) (‪.)2‬‬
‫فلماذا قال سينين بالجمع عن سيناء ؟ فمن الخطأ لغويا ً تغيير‬
‫م حبا ً فى السجع المتكلف " هذا قولهم ‪ ،‬ذكرناه‬ ‫اسم العَل َ َ‬
‫بالحرف الواحد‪ .‬وكما يرى القارئ الكريم أن هذه الشبهة‬
‫شبهتان‪ :‬إحداهما فى " إلياسين " ‪ ،‬والثانية فى " سينين " وإن‬
‫كان المقصود لهم من الشبهتين واحداً‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫عرض المفسرون واللغويون عدة توجيهات لمجىء إلياس على‬
‫إلياسين ‪ ،‬فالمام الزمخشرى قال مرة إن زيادة الياء والنون‬
‫ربما كان له معنى فى اللغة السريانية ‪ ،‬وقال مرة إن إلياسين‬

‫‪616‬‬
‫لغة فى إلياس ‪ ،‬كما أن إدريسين لغة فى إدريس ‪ ،‬وعلى هذا‬
‫فإن " إلياسين " ليس جمعاً‪ .‬وإذا كان جمعا ً فإن المراد إلياس‬
‫مضموما ً إليه من آمن به من قومه ‪ ،‬كما قالوا الخبيبون‬
‫والمهلبون ‪ ،‬فى الخبيب والمهلب أى تسمية التباع اسم المتبوع‬
‫(‪.)3‬‬
‫ويقوى هذا قراءة نافع وابن عامر وعلى‪ :‬آل ياسين ‪ ،‬وياسين ‪،‬‬
‫وأن " ياسين " هو أبو " إيليا " واحد (‪ )4‬من أنبياء بنى إسرائيل‪.‬‬
‫ويرى هذا الرأى آخرون غير من تقدم ذكرهم (‪.)5‬‬
‫ويرى باحث حديث أن " إلياس " هو " إيليا " أحد أنبياء بنى‬
‫إسرائيل ‪ ،‬المذكور فى سفر الملوك الول بهذا السم " إيليا " (‬
‫‪.)6‬‬
‫وأن أصله فى اللغة العبرية " إلياهو " أى " إيل ‪ +‬ى ‪ +‬ياهو‪:‬‬
‫أى إيلى ياهو ‪ ،‬أو يهو‪ .‬ومعناه‪ :‬الله إلهى أو الله ربى‪.‬‬
‫وأن مجيئه فى القرآن مرتين (إلياس) فى حالة المنع من‬
‫الصرف للعلمية والعجمة‪ .‬أما فى سورة الصافات فكان مجيئه‬
‫مصروفا ً هكذا " إلياسين " ‪ ،‬وأن علمة صرفه هى " التنوين " أما‬
‫" الياء " فتولد عن إشباع الكسرة تحت " السين " أى أن أصله‬
‫فى حالة الصرف " إلياسن " فلما أشبعت الكسرة صار "‬
‫إلياسين " وأن المقتضى لصرفه هنا هو رؤوس الى‪.‬‬
‫هذا فيما يختص بالشبهة الولى‪ .‬أما الشبهة الثانية وهى " طور‬
‫سنين " فالرد عليها فى التى‪:‬‬
‫ليست " سينين " جمعا ً كما توهم مثيرو هذه الشبهات ‪ ،‬الذين‬
‫يقفون عند ظواهر الكلمات فإن وجدوا فيها ما يشبع رغبتهم فى‬
‫التشفى من القرآن والتحامل عليه ملوا الدنيا ضجيجا ً ‪ ،‬وإن لم‬
‫يجدوا ملت قلوبهم الحسرة ‪ ،‬ورجعوا خائبين‪ ..‬نعم ليست "‬
‫سينين " جمعا ً كما زعموا ‪ ،‬بل هى لغة فى "سيناء" بكسر السين‬
‫سيناء ‪،‬‬
‫سيناء " بفتح السين لغة فيها‪ .‬وبهاتين اللغتين‪ِ :‬‬ ‫‪ ،‬كما أن " َ‬
‫سيناء بالفتح وردت القراءات ‪ ،‬فهى إذن فى القرآن‬ ‫بالكسر ‪ ،‬و َ‬
‫لها ثلثة لغات‪:‬‬
‫سيناء بكسر السين‪.‬‬ ‫‪ِ -‬‬
‫سيناء بفتح السين‪.‬‬ ‫‪َ -‬‬
‫سنيين ‪ ،‬بكسر السين وياءين ونونين‪.‬‬ ‫‪-‬و ِ‬
‫كما أن البلد الحرام لها فى القرآن عدة أسماء(‪:)7‬‬
‫‪ -‬مكــــة ‪ -‬بكــــة ‪ -‬أم القــرى ‪ -‬البلد المين‪.‬‬
‫(‪ )1‬الصافات‪.130-123 :‬‬
‫(‪ )2‬التين‪.3-1 :‬‬
‫(‪ )3‬الكشاف (‪.)3/352‬‬

‫‪617‬‬
‫(‪ )4‬الدر المصون (‪.)9/328‬‬
‫(‪ )5‬معانى القرآن للفراء (‪ )2/391‬وعلل القراءات (‪.)579‬‬
‫(‪ )6‬الصحاح (‪ )16‬الفقرات (‪.)33-31‬‬
‫ً‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬من إعجاز القرآن ‪ ،‬العلم العجمى مفسرا بالقرآن (‬
‫‪ )2/167‬للستاذ رؤوف سعد‪.‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫‪ -54‬التيان بالموصول بدل المصدر‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫منشأ هذه الشبهة‪:‬‬


‫هو قوله تعالى‪( :‬ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق‬
‫والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الخر والملئكة والكتاب‬
‫والنبيين‪ )1(..‬وموضع الشاهد على الشبهة ـ عندهم ـ هو قوله عز‬
‫وجل‪:‬‬
‫" من آمن بالله " وعلقوا عليه فقالوا‪ " :‬والصواب أن يقال‪ :‬ولكن‬
‫البر أن تؤمنوا بالله ‪ ،‬لن البر هو اليمان ل المؤمن "‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫قالوا فى العنوان الذى وضعوه العبارة التية‪:‬‬
‫" أتى باسم الفاعل بدل المصدر "‪.‬‬
‫يقصدون قوله تعالى‪ " :‬ولكن البر من آمن بالله "‪.‬‬
‫وليس فى هذا القول اسم فاعل على الطلق‪ :‬فل " البر " اسم‬
‫فاعل ؟ ول " من " اسم فاعل ؟ ول " آمن " اسم فاعل ؟ ول "‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫الله " اسم فاعل ؟ وهم ـ قطعا ً ـ يقصدون " من آمن " و " َ‬
‫" هذا اسم موصول ‪ ،‬وصلته " آمن " أى الذى آمن فمن أين أتوا‬
‫باسم الفاعل الموضوع موضع المصدر فى الية يا ترى ؟ إنهم‬
‫أتوا به من دائرة جهلهم الواسعة ببدهيات اللغة ‪ ،‬التى هم أميون‬
‫فيها ‪ ،‬ومع هذا ينصبُّون أنفسهم قضاة على كتاب الله العزيز‬
‫ذروة البيان المعجز ‪ ،‬الذى ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من‬
‫خلفه ‪ ،‬وكان يجب عليهم أن يلتحقوا بمدارس أولية يتعلمون فيها‬
‫" فك الخط " إذا أرادوا أن يبحثوا لنفسهم عن مكان مناسب‬
‫لوضاعهم‪ .‬ولهذا الخطأ الشنيع عدلنا عن عنوانهم إلى العنوان‬
‫الذى وضعناه لهذه الشبهة " التيان بالموصول بدل المصدر "‪.‬‬
‫هذا ‪ ،‬وللعلماء فى توجيه وقوع " من آمن " خبرا ً عن " البر "‬
‫وهو خلف الصل ؛ لن البر معنى ذهنى و " من آمن " ذات ‪،‬‬
‫والذوات ل يخبر بها عن " المعانى الذهنية " ‪ ،‬للعلماء فى هذه‬
‫المسألة ستة توجيهات نذكر منها أقواها فى التى‪:‬‬

‫‪618‬‬
‫المام الزمخشرى أورد فيها ثلثة توجيهات‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن فى الكلم مضافا ً محذوفا ً ‪ ،‬والتقدير‪ .‬ولكن البر بر من‬
‫آمن‪ .‬وهذا التوجيه اشتهر بين جمهور العلماء ‪ ،‬وردده كثير منهم‪.‬‬
‫الثانى‪ :‬تأويل " البر " بـ " ذو البر " يعنى أن فى الكلم حذف‬
‫مضاف لكن تقديره قبل " البر " أما التوجيه الول فكان تقدير‬
‫المضاف المحذوف قبل " من آمن " وهذا المضاف خبر " البر "‬
‫الذى هو اسم " ليس "‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يكون المصدر ‪ ،‬وهو " البر " موضوع موضع اسم‬
‫الفاعل للمبالغة ‪ ،‬كما فى قول الخنساء تصف فرس أخيها صخر‪.‬‬
‫ترتع ما رتعت حتى إذا ادَّكرت فإنما هى إقبال وإدبار فإقبال‬
‫وإدبار مصدران حل محل اسم الفاعل ‪ ،‬والتقدير ؛ هى مقبلة‬
‫مدبرة‪.‬‬
‫وقد سبق الزمخشرى إلى الرأى الول‪ .‬ولكن البر بُّر من آمن ‪،‬‬
‫شيخ النحاة سيبويه‪ .‬وقد اختار سيبويه هذا الرأى ورجحه لعتبار‬
‫قوى فحواه‪.‬‬
‫أن السابق عليه هو نفى كون البر هو تولية وجوه المخاطبين نحو‬
‫المشرق والمغرب‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬والذى يستدرك ينبغى أن يكون من جنس ما وقع عليه‬
‫النفى ‪ ،‬وهو ـ هنا ـ البر (‪ )3‬يريد شيخ النحاة أن يقول‪:‬‬
‫إن " لكن " أداة استدراك فى المعنى ‪ ،‬وإن طرفى الستدراك‬
‫ينبغى أن يكونا متجانسين ‪ ،‬والستدراك‪:‬‬
‫إما إثبات بعد نفى ‪ ،‬أو نفى بعد إثبات ‪ ،‬فمثل ً قوله تعالى‪( :‬ولو‬
‫أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء‬
‫والرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون (‪ )4‬ما قبل أداة‬
‫الستدراك " لكن " هو اليمان والتقوى ‪ ،‬وما بعدها هو التكذيب ‪،‬‬
‫فبين ما قبلها وما بعد تجانس ظاهر ‪ ،‬لنهما سلوكيات قلبية‬
‫وخلقية‪.‬‬
‫وكذلك ما قبل لكن فى الية موضوع الدراسة هو البر الظاهرى‬
‫المنفى ‪ ،‬وما بعدها ينبغى أن يكون هو البر الحقيقى المثبت‪.‬‬
‫وهذه لمحة طيبة من شيخ النحاة ‪ ،‬ولها صلة وثيقة بالتوجيه‬
‫البلغى لهذه المسألة ‪ ،‬سنعرضها فى الخلصة إن شاء الله‪.‬‬
‫ومن الراء التى طرحت فى هذا الصدد أن " البر " وقع موقع‬
‫اسم الفاعل لرادة المبالغة على وزان قول العرب " رجل عدل‬
‫" حيث عدلوا عن رجل عادل ‪ ،‬إلى الخبار عنه بالمصدر ‪ ،‬على‬
‫اعتبار أن هذا الرجل لما كان كثير العدل صار كأنه العدل نفسه ‪،‬‬
‫ل فرق بينهما‪ .‬وهذا رأى نحاة الكوفة‪.‬‬
‫أما الفراء فقد جعل " من آمن " واقعا ً موقع اليمان وقال‪:‬‬

‫‪619‬‬
‫والعرب تجعل السم خبرا ً للفعل ‪ ،‬واستشهد على هذا بقول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحى ولكنما الفتيان كل فتى نَدِى‬
‫حيث جعل الشاعر نبات اللحية خبرا ً عن الفتيان‪.‬‬
‫والمعنى‪ :‬لعمرك ما الفتوة أن تنبت اللحى‪.‬‬
‫نكتفى بهذا القدر ـ مما ذكره النحاة ‪ ،‬ويكاد يجمع عليه‬
‫المفسرون ـ فى توجيه وقوع " من آمن " خبرا ً عن البر ‪ ،‬مع‬
‫تسليم الكافة بصحة الستعمال اللغوى فيه ‪ ،‬واجتهادهم هذا كان‬
‫محاولة لفهم هذا الستعمال‪.‬‬
‫والخلصة‪:‬‬
‫من خلل النقول التى تقدمت عن النحاة واللغويين والمفسرين ‪،‬‬
‫بطلت هذه الشبهة ولم يبق لها أثر ‪ ،‬فل غرابة فى وضع " من‬
‫آمن " خبرا ً عن " البر " سواء أخذنا بتوجيه شيخ النحاة سيبويه ؛‬
‫أن فى الكلم حذف مضاف تقديره " ولكن البر بر من آمن " أو‬
‫أخذنا بالتوجيه الذى أجاز وقوع المصدر موقع اسم الفاعل أو‬
‫الفاعل‪ ..‬فهذه كلها أساليب عربية فصيحة مستعملة ‪ ،‬ومن‬
‫شواهدها فى القرآن كذلك قوله تعالى‪ " :‬وأنت حل بهذا البلد "‬
‫ل " أى مقيم بهذا‬ ‫فوقع المصدر " حل " موقع اسم الفاعل " حا ٌّ‬
‫البلد‪.‬‬
‫فإذا ولينا وجوهنا شطر البلغة بعد النحو واللغة ‪ ،‬والبلغة أوسع‬
‫خطى منهما ‪ ،‬فإننا نلمح فى التعبير القرآنى " ولكن البر من آمن‬
‫" معنى لطيفا ً دقيقا ً ذا مغزى كبير لن " من آمن " يدل على‬
‫ل " فى تلك‬ ‫ذوات تمكن اليمان فى قلوبها‪ .‬فاليمان " حا ٌّ‬
‫القلوب ‪ ،‬ولو كان قد قيل‪ " :‬ولكن البر اليمان " لكان هذا‬
‫اليمان مجرد فكرة ل محل لها ‪ ،‬بل هى مفصولة عن الذوات‪.‬‬
‫يعنى إيمان نظرى ل عملى‪ .‬وهذا ليس بسديد ‪ ،‬لكن لما جعل‬
‫هذا وصفا ً للذوات المدلول عليها بـ " من " التحم اليمان‬
‫بالمؤمن ‪ ،‬والمؤمن باليمان ‪ ،‬فتحول إلى إيمان عملى متمكن‬
‫فى القلوب ‪ ،‬فى مقابلة اليمان الشكلى الذى لم يرضه القرآن ‪،‬‬
‫وهو توجه الوجوه نحو المشرق والمغرب‪ .‬وهذا ما ألمح إليه‬
‫سيبويه من قبل‪.‬‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.177 :‬‬
‫(‪ )2‬الكشاف (‪.)1/330‬‬
‫(‪ )3‬الكتاب (‪.)1/108‬‬
‫(‪ )4‬العراف‪.96 :‬‬
‫‪----------------‬‬
‫‪ -55‬وضع الفعل المضارع موضع الماضى‬

‫‪620‬‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫منشأ هذه الشبهة‪:‬‬


‫هو قوله عز وجل‪( :‬إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من‬
‫تراب ثم قال له كن فيكون) (‪.)1‬‬
‫ذكروا هذه الية ‪ ،‬ثم قالوا فى تصويب الخطأ الذى توهموه فيها‪:‬‬
‫" كان يجب أن يعتبر المقام الذى يقتضى صيغة الماضى ‪ ،‬ل‬
‫ن فكان " ؟!‬‫المضارع فيقول‪ " :‬قال له ك ُ ْ‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫ن فيكون " فأوجز‬‫جه المفسرون والنحاة قوله تعالى " ك ُ ْ‬ ‫و َّ‬
‫الزمخشرى القول فيها فقال‪ :‬هى حكاية حال ماضية (‪.)2‬‬
‫وقد أخذ هذه العبارة عن الزمخشرى المام البيضاوى ولم يزد‬
‫عليها (‪.)3‬‬
‫وهى عبارة تحتاج إلى بيان ما هى حكاية الحال الماضية ؟ يريد‬
‫المامان أن المضارع " يكون " دللته فى الية أن الله عز وجل‬
‫يصور للمخاطبين ترتيب الحداث ساعة حدوثها فى الزمن الذى‬
‫خلق الله فيه آدم ‪ ،‬وفائدته نقل أذهانهم إلى تلك اللحظة كأنهم‬
‫يعاينونها بأبصارهم‪.‬‬
‫وهذه هى دللة المضارع إذا وضع موضع الماضى عند علماء‬
‫المعانى ‪ ،‬هى بعث الماضى وتصويره فى صورة الذى يحدث فى‬
‫الحال‪.‬‬
‫ومن أمثلته عندهم قول الشاعر يحكى صراع ًا حدث بينه وبين‬
‫ضبُع ‪ ،‬وهو حيوان مفترس‪.‬‬ ‫ال َّ‬
‫فأضربها بل دهش فخـَّرت صريعًا لليدين ‪ ،‬وللجران (‪ )4‬الشاعر‬
‫ضرب الضبع فى الماضى ‪ ،‬فلما حكى صراعه معها للناس عبَّر‬
‫عن الماضى " فضربتها " بالمضارع " فأضربها " والدللة البلغية‬
‫للعدول عن الماضى إلى المضارع هى استحضار صورة الحدث‬
‫الذى وقع فى الماضى ‪ ،‬كأنه يحدث الن فى زمن التكلم‪.‬‬
‫هذا ما أراده الشيخان‪ :‬الزمخشرى والبيضاوى من عبارة " حكاية‬
‫حال ماضية " ليبينا سر العدول عن " فكان " إلى " فيكون " فى‬
‫الية الكريمة ‪ ،‬التى ادعى مثيرو هذه الشبهات أن فيها خطأً‬
‫نحويًا ‪ ،‬وهم عن معرفة الصواب والخطأ بمعزل‪.‬‬
‫وقال بعض المفسرين اللغويين فى توجيه " فيكون "‪:‬‬
‫" يجوز أن يكون على بابه من الستقبال ‪ ،‬والمعنى‪ :‬فيكون كما‬
‫يأمر الله فيكون ‪ ،‬حكاية للحال التى يكون عليها آدم حين خلقه‬
‫الله ‪ ،‬ويجوز أن يكون " فيكون " بمعنى كان ‪ ،‬وعلى هذا أكثر‬

‫‪621‬‬
‫المفكرين والنحويين ‪ ،‬وبهذا فسره ابن عباس رضى الله عنه " (‬
‫‪.)5‬‬
‫ونعيد السؤال مرة أخرى‪:‬‬
‫لماذا عُدِل عن معنى الماضى إلى لفظ المضارع ومعناه ؟‬
‫الجواب على هذا السؤال هو ما قدمناه فى توضيح عبارة المام‬
‫الزمخشرى ‪ ،‬التى تناقلها عنه النحاة والمفسرون وهو إيثار‬
‫المضارع على الماضى لستحضار صورة الحدث فى الذهن ‪،‬‬
‫وكأن البصار تراه الن‪.‬‬
‫هذه خلصة أمينة ووافية لما قاله العلماء فى توجيه " فيكون "‬
‫ما جوابًا للمر ‪ ،‬ول ماضيًا‪.‬‬
‫مضارع ًا مرفوع ًا ل مجزو ً‬
‫والخلصة‪:‬‬
‫بعد عرض توجيهات المفسرين والنحاة ‪ ،‬يطيب لنا أن نستكشف‬
‫إسهامات البلغة فى تأصيل التعبير القرآنى " ثم قال له كن‬
‫فيكون " الذى اعتبره مثيرو هذه الشبهات معيبًا بالخطأ النحوى ‪،‬‬
‫والنحو وإن كان أساس البلغة ‪ ،‬وجذورها العميقة ‪ ،‬التى أثمرت‬
‫كل اليحاءات البلغية ‪ ،‬فإن هناك حقيقة يجب الوقوف عليها ‪،‬‬
‫وهى أن البلغة تبدأ من حيث ينتهى النحو ‪ ،‬فالنحو ـ ومعه‬
‫الصرف ـ يهتم باستقامة الساليب وصحتها ‪ ،‬أما البلغة فتنظر‬
‫فى الساليب ‪ ،‬وتغوص وراء ما فيها من المعانى الخبيئة ‪،‬‬
‫والسرار الدفينة وتبحث عن اليحاءات الكامنة وراء كل لفظ‬
‫وجملة وتركيب ‪ ،‬أو تبحث عن معنى المعنى ل معنى اللفظ ‪ ،‬أو‬
‫المعانى الثانية الخفية غير المباشرة الظاهرة‪.‬‬
‫وإذا كان ما قدمناه من توجيهات كافيًا فى إزالة هذه الشبهة التى‬
‫توهمها هؤلء " الخواجات " فإن دور البلغة فى تأصيل هذا‬
‫التعبير القرآنى مساير لتوجيهات النحاة والمفسرين‪.‬‬
‫إن هذا التعبير " كن فيكون " هو الواجب بلغة وبيانًا وإعجاًزا‬
‫ما أما لوقيل " كن فكان " لخل هذا التعبير من ثلثة أرباع‬ ‫ونظ ً‬
‫الحسن الذى هو فيه ‪ ،‬وذلك للعتبارات التية‪:‬‬
‫فأولً‪ :‬دللة الماضى الصل فيها النقطاع عن الوجود المستمر ‪،‬‬
‫ولذلك يعبر عنه النحويون بأنه‪ :‬ما دل على حدث وقع وانقطع‬
‫قبل زمن التكلم‪.‬‬
‫وهذا غير مراد فى حكاية الله كيفية خلقه لدم ‪ ،‬لنه لو قيل‪ :‬كن‬
‫فكان لصدق هذا التعبير عن وجوده لحظة واحدة من الزمن ‪ ،‬ولو‬
‫كان قد مات لحظة خلقه‪.‬‬
‫ن أنجب‬ ‫م ْ‬‫أما " كن فيكون " فدللتها استمرار وجوده حتى أنجب َ‬
‫من ذكور وإناث ‪ ،‬وما بث منهما من آباء البشر وأمهاته ‪ ،‬كما قال‬
‫عز وجل‪:‬‬

‫‪622‬‬
‫(وبث منهما رجال ً كثيًرا ونساءً ) (‪.)6‬‬
‫لن دللة المضارع تبدأ من الحال ‪ ،‬وتستمر فى الستقبال‪.‬‬
‫وثانياً‪ :‬أن هذا التعبير " كن فيكون " يؤذن بتقدير مسند إليه قيل‬
‫" فيكون " أى " فهو يكون " وفى هذا تكرار إسناد " الكينونة "‬
‫لدم‪:‬‬
‫مرة يجعل " يكون " خبًرا عن ضمير آدم " هو " ومرة بإسناد‬
‫فعل الجملة الخبرية " يكون " إلى ضمير آدم المستكن فى‬
‫الفعل وجوبًا ‪ ،‬على أنه فاعل له‪ .‬وتكرار السناد من أقوى‬
‫أساليب التوكيد فى البلغة العربية‪.‬‬
‫وثالثاً‪ :‬فى الفعل المضارع " يكون " تناسب آسر لرءوس اليات‬
‫(الفواصل) لن ما قبله كلها فواصل مبنية على حرف المد إما‬
‫الياء ‪ ،‬وهو الكثر ‪ ،‬وإما الواو مع النون ‪ ،‬وهو كثير ‪ ،‬أو مع الميم‪.‬‬
‫وكذلك ما بعدها ‪ ،‬والتناسق الصوتى فى النظم القرآنى المعجز ‪،‬‬
‫وجه من وجوه إعجازه ‪ ،‬التى باين بها كلم البشر والجن ‪ ،‬وجعل‬
‫لتلوته حلوة جذابة للسماع ‪ ،‬كما جذبت معانيه القلوب ‪،‬‬
‫وأسرت العقول ‪ ،‬واستولت على ألباب أولى اللباب‪.‬‬
‫(‪ )1‬آل عمران‪.59 :‬‬
‫(‪ )2‬الكشاف (‪.)1/433‬‬
‫(‪ )3‬أنوار التنزيل (‪.)1/162‬‬
‫(‪ )4‬يعنى سقطت على الرض على جنبها‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬الدر المصون (‪.)221-3/220‬‬
‫(‪ )6‬النساء‪.1 :‬‬
‫‪------------------‬‬
‫‪ -56‬عدم التيان بجواب " ل َّ‬
‫ما "‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫منشأ هذه الشبهة‪:‬‬


‫هو قوله تعالى‪( :‬فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه فى غيابة‬
‫الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم ل يشعرون ) (‪.)1‬‬
‫وموطن الشاهد عندهم هو قوله جل شأنه‪( :‬فلما ذهبوا به‬
‫وأجمعوا أن يجعلوه فى غيابة الجب وأوحينا إليه‪.( ..‬‬
‫بحثوا عن جواب " لما " فلم يجدوه ‪ ،‬فرموا القرآن بالخطأ ؛ لنه‬
‫لم يذكر جواب " لما " ثم قالوا‪:‬‬
‫" فأين جواب لما ؟ ولو حذفت الواو التى قبل لما لستقام‬
‫المعنى "‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬

‫‪623‬‬
‫قلنا إن هذه الشبهة تتعلق بفن الحذف ‪ ،‬وهو مبحث بلغى أكثر‬
‫منه نحويًّا‪.‬‬
‫إن كل محذوف عندهم غلط شنيع ‪ ،‬وكل حذف خلط فظيع‬
‫والناس ـ كما قيل فى المثل ـ أعداء ما جهلوا‪.‬‬
‫يقول المام عبد القاهر الجرجانى ـ شيخ البلغيين ـ فى وصف‬
‫الحذف البلغى ‪ ،‬وروائع ثماره ‪ ،‬وبديع آثاره‪:‬‬
‫" هو بحث دقيق المسلك ‪ ،‬لطيف المأخذ ‪ ،‬عجيب المر‪ ،‬شبيه‬
‫بالسحر ‪ ،‬فإنك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر‪ ،‬والصمت عن‬
‫الفادة أزيد للفادة‪ ،‬وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق ‪ ،‬وأتم ما‬
‫تكون بيانا ً إذا لم تُبن " (‪.)2‬‬
‫هذه هى منزلة الحذف فى البيان العربى ‪ ،‬السارى فى أعطاف‬
‫الكلم سريان النسيم فى الرياض الفيحاء ‪ ،‬وقد شاع شيوعا ً ل‬
‫حصر له فى القرآن الكريم ‪ ،‬إذ لم تكد تخلو منه سورة من‬
‫سوره ‪ ،‬ول آية من آياته والمعانى التى يدل عليها الحذف فى‬
‫القرآن تكاد تعادل ربع معانى القرآن كله‪ .‬وهو منهج واسع وحكيم‬
‫من مناهج اللغة العربية ل مثيل له‪.‬‬
‫ولذلك نجد العلمة اللغوى العظيم ابن جنى ‪ ،‬يسميه فى كتابه‬
‫ما طريفًا ‪ ،‬هو‪ :‬شجاعة العربية "‪.‬‬ ‫"الخصائص" اس ً‬
‫وينتمى الحذف البلغى إلى فن بلغى حصر بعض العلماء البلغة‬
‫فيه ‪ ،‬وهو " فن اليجاز " أى قلة اللفاظ مع كثرة المعانى‪.‬‬
‫وله مقامات يتألق فيها ‪ ،‬ومقتضيات يوفى بأغراضها‪.‬‬
‫ومن مقاماته الحذف الوارد فى آية سورة " يوسف " التى رآها‬
‫من عشا بصره ‪ ،‬وغلظ قفاه ‪ ،‬وضل عقله خطأ ينبغى أن‬
‫يصوَّب ‪ ،‬ولحنًا يجب أن يقوَّم‪.‬‬
‫إن حذف جواب " لما " هنا المراد منه تهويل وتفظيع ما حدث‬
‫من إخوة يوسف ليوسف ‪ ،‬بعد أن أذن لهم أبوهم بالذهاب به إلى‬
‫الصحراء ‪ ،‬وقد روى عنهم أنهم أخذوا يؤذونه بالقول والفعل وهم‬
‫فى الطريق إلى المكان الذى قصدوه ‪ ،‬حتى كادوا يقتلونه ‪،‬‬
‫والدليل على هذا قوله تعالى حكاية عن أحد إخوته‪:‬‬
‫ل لكم‬‫(قال قائل منهم ل تقتلوا يوسف وألقوه فى غيابة الجب يخ ُ‬
‫وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما ً صالحين ) (‪.)3‬‬
‫فالنهى عن القتل ل يكون إل عند العزم عليه ومباشرة أسبابه‪.‬‬
‫لذلك حذف جواب " لما " لتذهب النفس فى تصوره كل مذهب ‪،‬‬
‫وحذف هذا الجواب فيه دللة على طول ما حدث منهم ‪ ،‬وعلى‬
‫غرابته وبشاعته ‪ ،‬لذلك قدره المام الزمخشرى فقال‪:‬‬

‫‪624‬‬
‫" فعلوا به ما فعلوا من الذى‪ ..‬وأظهروا له العداوة وأخذوا‬
‫يهينونه ويضربونه ‪ ،‬وإذا استغاث بواحد منهم لم يغثه إل بالهانة‬
‫والضرب‪.)4( " ..‬‬
‫وسار على هذا النهج المام البيضاوى (‪.)5‬‬
‫وذهب غيرهما فى تقدير الجواب مذاهب أخرى ‪ ،‬والذى أتاح لهم‬
‫هذا الختلف فى تقدير الجواب المحذوف هو الحذف نفسه (‪.)6‬‬
‫أما اقتراح مثيرى الشبهة أن يحذف " الواو " فى " وأوحينا "‬
‫ليستقيم المعنى فخطأ جسيم ؛ لن " أوحينا " ليس هو جواب "‬
‫لما " وإنما هو معطوف على الجواب المقدر لن جواب " ل َّ‬
‫ما "‬
‫هو ما حدث ليوسف من إخوته بمجرد خروجهم به من عند أبيهم‬
‫وبعدهم عنه قليلً‪.‬‬
‫ودليل ذلك هو العطف بالفاء فى " فلما " لنها تفيد الفورية‬
‫والترتيب‪.‬‬
‫(‪ )1‬يوسف‪.15 :‬‬
‫(‪ )2‬دلئل العجاز (‪ )146‬تحقيق الشيخ محمد محمد شاكر‪.‬‬
‫(‪ )3‬يوسف‪.9 :‬‬
‫(‪ )4‬الكشاف (‪.)307-3/306‬‬
‫(‪ )5‬أنوار التنزيل (‪.)1/387‬‬
‫(‪ )6‬الدر المصون (‪.)6/453‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫‪ -57‬التيان بتركيب أدى إلى اضطراب المعنى‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫منشأ هذه الشبهة‪:‬‬


‫هو قوله تعالى‪( :‬إنا أرسلناك شاهدًا ومبشًرا ونذيًرا لتؤمنوا بالله‬
‫ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيل ً ) (‪.)1‬‬
‫وموطن هذه الشبهة ـ عندهم ـ هو الضمائر الثلثة فى‪:‬‬
‫" تعزروه " ـ " توقروه " ـ " تسبحوه "‪.‬‬
‫ذكروا هذا ‪ ،‬ثم قالوا‪:‬‬
‫" وهنا ترى اضطرابا ً فى المعنى ‪ ،‬بسبب اللتفات من خطاب‬
‫محمد إلى خطاب غيره ‪ ،‬ولن الضمير المنصوب فى قوله "‬
‫وتعزروه وتوقروه " عائد على الرسول المذكور آخًرا‪.‬‬
‫وفى قوله " وتسبحوه " عائد على اسم الجللة المذكور أولً‪ .‬هذا‬
‫ما يقتضيه المعنى ‪ ،‬وليس فى اللفظ ما يعينه تعيينًا يزيل اللبس‪.‬‬
‫فإن كان القول‪ :‬وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيل ً عائدًا‬
‫على الرسول يكون كفًرا لن التسبيح لله فقط ‪ ،‬وإن كان القول‬

‫‪625‬‬
‫" وتعزروه وتوقروه وتسبحوه " عائدًا على الله يكون كفًرا ؛ لن‬
‫الله سبحانه وتعالى ل يحتاج لمن يعزره ويقويه "‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫لقد أطالوا ـ على خلف عادتهم ـ فى بيان هذه الشبهة كما ترى‪.‬‬
‫والسبب أنهم أرادوا أن يضيقوا علينا الخناق أو يسدوا علينا‬
‫الطريق ليحكموا علينا قبضتهم ‪ ،‬على رأى المثل العامى " حل ِّق‬
‫ش " بيان ذلك أنهم يقولون لنا‪:‬‬ ‫حو ْ‬
‫ُ‬
‫إذا جعلتم الضمائر الثلثة عائدة على الرسول فقد كفرتم لن‬
‫الرسول بشر ‪ ،‬والبشر ل يجوز أن يسبحهم أحد ‪ ،‬لن التسبيح ل‬
‫يكون إل لله‪.‬‬
‫وإذا جعلتم الضمائر الثلثة عائدة على الله فقد كفرتم لن الله‬
‫غنى عن خلقه ل يحتاج منهم إلى تقوية ول خلفه‪ .‬فأين ـ إذن ـ‬
‫أنتم تذهبون ؟ ونقول لهؤلء الكارهين لما أنزل الله على خاتم‬
‫رسله‪:‬‬
‫نحن ـ المسلمين ـ ل نسبح أحدا ً غير الله ‪ ،‬ول نعبد أحدا ً غير‬
‫الله ‪ ،‬ول نرفع حاجاتنا إلى أحد ٍ غير الله ‪ ،‬ول نطلب غفران ذنوبنا‬
‫من أحد ٍ غير الله ‪ ،‬ول نقدم كشف حساباتنا إلى أحد غير الله ‪،‬‬
‫ول نرجو ول نخاف أحدا ً غير الله‪ .‬والكتاب الذى أنزله الله على‬
‫ف فيه ول دوران ‪ ،‬ول قلق ول اضطراب ‪ ،‬ل فى‬ ‫خاتم رسله ل ل َّ‬
‫مبانيه ‪ ،‬ول فى معانيه ‪ ،‬ول فى مقاصده وقيمه ‪ ،‬فمن توَّهم فيه‬
‫اضطرابا ً فالضطراب فى عقله هو ‪ ،‬وفى فهمه هو ل يتعداه إلى‬
‫كتاب الله ‪ ،‬ول إلى المؤمنين به‪.‬‬
‫والية التى وصفوا تركيبها بأنه أدى إلى اضطراب المعنى المؤدى‬
‫إلى الكفر ‪ ،‬أجلى من الشمس فى رائعة النهار ومرجع الضمائر‬
‫الثلثة ‪ ،‬التى اتخذوا منها منشأ ً لهذه الشبهة محددة ـ عقلً‬
‫وشرعا ً ـ دون أى التواء‪.‬‬
‫فالضمير فى " وتسبحوه " عائد على الله قطعا ً دون أدنى شك‪.‬‬
‫لن التسبيح عبادة ‪ ،‬ولم يؤذن الله لعباده أن يعبدوا أحدا ً غيره‪:‬‬
‫(وقضى ربك أل تعبدوا إل إياه ) (‪.)2‬‬
‫(اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) (‪.)3‬‬
‫(يعبدوننى ل يشركون بى شيئا ً ) (‪.)4‬‬
‫أما مرجع الضمير فى " وتعزروه " فهو الرسول (دون خلط أو‬
‫تشويش‪.‬‬
‫وأما الضمير فى " وتوقروه " فل مانع ل عقل ً ‪ ،‬ول شرعا ً أن‬
‫يكون عائدا ً على الله ‪ ،‬لن توقير الله هو إكباره وتعظيمه ‪ ،‬وقد‬

‫‪626‬‬
‫قال نوح لقومه موبخا ً لهم (ما لكم ل ترجون لله وقارا ً وقد‬
‫خلقكم أطوارا ً ) (‪.)5‬‬
‫ويجوز أن يكون عائدا ً على الرسول ‪ ،‬وتوقيره هو احترامه وإنزاله‬
‫منزلته من التكريم والطاعة‪.‬‬
‫هذا هو بيان ما توهموه من لبس ‪ ،‬دون الرجوع إلى ما قاله‬
‫النحاة أو المفسرون فالمسألة ل تحتاج إلى أكثر مما أوجزناه‪.‬‬
‫والخلصة‪:‬‬
‫القرآن خطاب للعقلء الذكياء ‪ ،‬وليس خطابا ً للمتغابين أو الغبياء‬
‫‪ ،‬وفى النسان حاسة كثيرا ً ما يعوِّل عليها القرآن فى خطابه ‪،‬‬
‫تستجلى خفايا معانيه ‪ ،‬وتدرك روائع إيماءاته ودقائق أسراره‪.‬‬
‫تلك الحاسة هى الخصائص العقلية ‪ ،‬والملكات الذهنية أو الذوقية‬
‫المثقفة‪.‬‬
‫فمثل ً قوله تعالى‪( :‬وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فل تعضلوهن‬
‫أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ) (‪.)6‬‬
‫ترى الخطاب فيها واحدا ً " طلقتم ـ تعضلوهن " والنظرة العجلى‬
‫تحسب أن المخاطب فى الموضعين صنف واحد من الرجال لكن‬
‫العقل ـ بمعونة الشرع ـ سرعان ما يفرق بين الذين خوطبوا بـ "‬
‫طلقتم " والذين خوطبوا بـ " تعضلوهن " فالمخاطب الول هم‬
‫الزواج الذين يطلقون زوجاتهم ‪ ،‬والمخاطب الثانى هم أولياء‬
‫أمور المطلقات ‪ ،‬يقول لهم القرآن إذا أراد الزوج المطلق طلقاً‬
‫رجعيا ً فى العدة أو بعد العدة أن يعيد زوجته إليه بالمراجعة أو‬
‫العقد الجديد وكانت الزوجة راغبة فى ذلك ‪ ،‬فعلى أولياء أمرها‬
‫أل يقفوا فى طريقها‪.‬‬
‫فالذى فَّرق بين مرجعى الضميرين ـ هنا ـ العقل ‪ ،‬بمعونة الشرع‬
‫‪ ،‬وهذه الية شبيهة بالية التى أثيرت حولها الشبهات ‪ ،‬التى فرغنا‬
‫من الرد عليها‪ .‬ولو كان نظر مثيرى هذه الشبهات وقع على آية‬
‫البقرة هذه ‪ ،‬لقالوا إن فيها تركيبا ً أدى إلى اضطراب المعنى ‪،‬‬
‫ول وجود لضطراب إل فى أوهامهم‪.‬‬
‫(‪ )1‬الفتح‪.9-8 :‬‬
‫(‪ )2‬السراء‪.23 :‬‬
‫(‪ )3‬العراف‪.73 ، 65 ، 59 :‬‬
‫(‪ )4‬النور‪.55 :‬‬
‫(‪ )5‬نوح‪.14 ، 13 :‬‬
‫(‪ )6‬البقرة‪.232 :‬‬
‫‪------------------------‬‬
‫ف الممنوع من الصرف‬ ‫صْر ُ‬ ‫‪َ -58‬‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫‪627‬‬
‫منشأ هذه الشبهة‪:‬‬
‫هو آيتان من سورة واحدة‪.‬‬
‫إحداهما قوله تعالى‪( :‬إنا اعتدنا للكافرين سلسل ً وأغلل ً وسعيراً)‬
‫(‪.)1‬‬
‫والثانية‪( :‬ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا) (‬
‫‪.)2‬‬
‫وشاهدهم فى الية الولى كلمة " سلسل " ذكروها ثم قالوا‪:‬‬
‫ن لمتناعها عن‬ ‫فلماذا قال " سلسل " بالتنوين مع أنها ل تُنَوَّ ُ‬
‫الصرف ؟ وقالوا عن الية الثانية‪ :‬لماذا آتى بها ؟ " بالتنوين مع‬
‫ن ؛ لمتناعها عن الصرف ‪ ،‬لنها على وزن مصابيح ؟‬ ‫أنها ل تُنَوَّ ُ‬
‫هذا قولهم ‪ ،‬وهو مبلغ علمهم أو مبلغ جهلهم وافترائهم لنهم ـ‬
‫كما تقدم مرات ـ يحفظون شيئا ً وتغيب عنهم أشياء ‪ ،‬وما‬
‫ن لهم ‪ ،‬وكان الصمت استر لهم لو كانوا‬ ‫حفظوه ليس بمغ ٍ‬
‫يحترمون أنفسهم‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫فى هذه الشبهة افتراء وجهل‪:‬‬
‫أما الفتراء فهو قولهم إن الكلمتين سلسل وقواريرا تقرآن بـ "‬
‫التنوين " والتنوين‪ :‬نون ساكنة فى آخر الكلمة المصروفة تنطق‬
‫فى الوصل دون الوقف ‪ ،‬ول تكتب ‪ ،‬يعنى ل صورة لها فى‬
‫الكتابة والخط‪.‬‬
‫وهذا افتراء منهم ؛ لن الكلمتين فى قراءة حفص عن عاصم‬
‫وغيرهما ل تنونان ‪ ،‬وإنما يوقف عليهما بالفتح ل غير ول يلتفت‬
‫إلى " اللف " الذى فى آخر كل منهما هكذا " سلسل " ـ "‬
‫قواريرا "‪.‬‬
‫وللقراء فى هاتين الكلمتين مذاهب ‪ ،‬وبها نزل القرآن فقد قرأ‬
‫نافع وابن كثير والكسائى وأبو جعفر " قواريرا ً " بالتنوين‬
‫مصروفة منونة فى الموضعين معا ً " قواريرا ً " و " سلسل ً "‪.‬‬
‫وقرأ الباقون ‪ ،‬ومنهم حفص عن عاصم " سلسل " و " قواريرا "‬
‫بدون تنوين على المنع من الصرف وعلة المنع من الصرف هى‬
‫صيغة منتهى الجموع والذين قرأوهما بالتنوين (مصروفتين) لهم‬
‫سند فى ذلك‪.‬‬
‫ووجه صرف الكلمتين أن بعض العرب كانت تصرف كل الكلم ‪،‬‬
‫وليس فى لهجتهم كلم مصروف وكلم غير مصروف‪ .‬بل هو كله‬
‫مصروف ‪ ،‬والقرآن نزل أصل ً بلغة قريش ‪ ،‬ثم بلهجات القبائل‬
‫العربية الخرى (‪.)3‬‬

‫‪628‬‬
‫(‪ )1‬النسان‪.4 :‬‬
‫(‪ )2‬النسان‪.15 :‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬التوجيهات النحوية والصرفية للقراءات (‪)1/598‬‬
‫للدكتور‪:‬على محمد فاخر‪.‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪ -59‬التيان بتوضيح الواضح‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫منشأ هذه الشبهة‪:‬‬


‫هو قوله جل ثناؤه‪:‬‬
‫(‪ ..‬فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من‬
‫الهدى فمن لم يجد فصيام ثلثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجعتم‬
‫تلك عشرة كاملة‪.)1( ) ..‬‬
‫موطن الشاهد على هذه الشبهة عندهم هو قوله تعالى‪ " :‬تلك‬
‫عشرة كاملة " بعد قوله عز شأنه‪ " :‬فصيام ثلثة أيام فى الحج‬
‫وسبعة إذا رجعتم " وفى تصوير هذه الشبهة قالوا‪:‬‬
‫" فلماذا لم يقل‪ :‬تلك عشرة ؟ مع حذف كلمة " كاملة " تلفياً‬
‫ن الذى يظن أن العشرة تسعة " ؟!‬ ‫م ْ‬
‫ليضاح الواضح ؟ لنه َ‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫من اليات الكونية لله حركة القمر فى رحلته الشهرية حيث‬
‫يظهر ضعيفا ً نحيفا ً فى أولى لياليه ‪ ،‬حتى ل يكاد يراه أحد إل‬
‫بأجهزة الرصيد الحساسة ‪ ،‬ثم ينمو ويكبر ليلة وراء ليلة ‪ ،‬وفى‬
‫كل ليلة تالية تصحبها ظاهرتان فى تطور القمر‪:‬‬
‫الظاهرة الولى‪ :‬إطالة مكثه بعد غروب الشمس ‪ ،‬فهو فى أولى‬
‫لياليه ل يمكث إل لحيظات فى شكله الضعيف النحيف‪.‬‬
‫أما الظاهرة الثانية‪ :‬فهى تطور حجمه من الضعف والنحافة إلى‬
‫القوة والضخامة‪.‬‬
‫أما فى الليالى التالية فتزيد مدة مكثه بعد غروب الشمس ‪،‬‬
‫ويكبر حجمه ‪ ،‬ليلة تلو ليلة‪.‬‬
‫وفى ليلة الخامس عشر من بدء ولدته تصل الظاهرتان إلى‬
‫أقصى درجة لهما‪.‬‬
‫فيمتد مكثه طول الليل ‪ ،‬منيرا ً فى الوجود‪.‬‬
‫ويكتمل قرصه فيمل الدائرة المخصصة له ويكتمل نوره ‪%100‬‬
‫ويحيل الليل المظلم إلى نور قوى هادئ فيه منافع للناس ‪،‬‬
‫جب الناظرين ‪ ،‬ويتغنى بجماله الشعراء ‪ ،‬ويشبهون به كل ما‬ ‫ويُع ِ‬
‫يرونه‪:‬‬

‫‪629‬‬
‫* حسنا ً جميلً‪.‬‬
‫* بهيا ً ساحراً‪.‬‬
‫* رفيع الشأن شامخاً‪.‬‬
‫حتى العامة من الناس ـ غير الشعراء المرهفى الحس ـ يفتنون‬
‫به ‪ ،‬ويعبرون عن بهائه وسحره‪ .‬ويمجدون بوصفه كل جميل ‪،‬‬
‫فيقولون‪ " :‬قمر أربع عشرة " أى قمر الليلة التى يرون فيها‬
‫القمر يوم الرابع عشر ‪ ،‬التى سيعقبها اليوم الخامس عشر من‬
‫الشهر ‪ ،‬والقمر فى هذه الليلة يبلغ كمال شبابه ونضجه‪.‬‬
‫ومنذ فجر الحياة كان القمر ‪ ،‬وبخاصة فى ليلة كماله مبعث‬
‫العجاب والبهارة والبتهاج فى نفس كل من يراه ‪ ،‬ولم يشذ عن‬
‫هذا الحساس أحد ‪ ،‬فإن رأيت من يذم القمر فى ليلة كماله‬
‫فاعلم أنه رجل مريض الحس ‪ ،‬فاسد الذوق ‪ ،‬غريب الطوار‪.‬‬
‫والساليب البيانية شأنها شأن القمر ‪ ،‬فى تدرج أنماطها وتفاوت‬
‫درجاتها‪:‬‬
‫فمنها الحديث اليومى العادى ‪ ،‬الذى يخلو من الخصائص الفنية‬
‫ومنها المتوسط الدرجة ‪ ،‬الذى ل يمدح ول يذم‪.‬‬
‫ومنها البيان العالى المؤثر فى النفوس ‪ ،‬الممتع للعواطف‬
‫المثرى للفكر‪.‬‬
‫ومنها البيان العلى ‪ ،‬المعصوم من النقد ‪ ،‬الذى يحس الناس‬
‫برونقه وإحكامه وجماله وكماله وجلله ‪ ،‬وهو القرآن المعجز‬
‫العظيم‪.‬‬
‫ومن أساليب هذا البيان العلى الذى ل يضارعه بيان ‪ ،‬أسلوب‬
‫التوكيد كما فى قوله تعالى (تلك عشرة كاملة (‪.‬‬
‫ونبدأ بأقوال الئمة فى بيان قيمة " تلك عشرة كاملة " فى تقوية‬
‫السلوب وتوفير العناية بالمعنى ‪ ،‬نبدأ بما قاله المام‬
‫الزمخشرى‪:‬‬
‫" فإن قلت‪ :‬ما فائدة الفذلكة " ؟ قلت‪ :‬الواو قد تجئ للباحة فى‬
‫نحو قولك‪ :‬جالسى الحسن ‪ ،‬وابن سيرين ‪ ،‬أل ترى أنه لو‬
‫ت (‪ )2‬نفياً‬‫جالسهما جميعا ً ‪ ،‬أو واحدا ً منهما كان ممتثل ً ‪ ،‬فَفُذْلِك َ ْ‬
‫لتوهم الباحة‪.‬‬
‫وأيضا ً ففائدة الفذلكة فى كل حساب أن يُعْلَم العدد جملة كما‬
‫عُلِم تفصيل ً ليحاط به من جهتين فيتأكد العلم به‪.‬‬
‫وفى أمثال العرب‪:‬‬
‫" علمان خير من علم "‪.‬‬
‫وكذلك " كاملة " تأكيد آخر ‪ ،‬وفيه زيادة توصية بصيامها ‪ ،‬وأل‬
‫يتهاون بها ‪ ،‬ول ينقص من عددها‪.‬‬
‫وقيل " كاملة فى وقوعها بدل ً من الهدى " (‪.)3‬‬

‫‪630‬‬
‫يعنى أن فى هذه العبارة توكيدين‪:‬‬
‫الول فى‪ :‬تلك عشرة "‪.‬‬
‫والثانى فى " كاملة "‪.‬‬
‫وقد بين المام ـ رحمه الله ـ المعانى التى أفادها هذا التركيب‬
‫ولنا إضافة على ما قاله سنوضحها فى الخلصة التى تعودنا على‬
‫جعلها خاتمة كل مبحث‪.‬‬
‫ويتابع المام البيضاوى ما قاله المام الزمخشرى ويضيف إليه‬
‫جديدا ً فيقول‪ " :‬تلك عشرة " فذلكة الحساب ‪ ،‬وفائدتها أل يتوهم‬
‫متوهم أن " الواو " ـ أى فى " وسبعة إذا رجعتم " ـ كقولك‬
‫جالسى الحسن وابن سيرين ‪ ،‬وأن يعلم العدد جملة كما علم‬
‫تفصيلً‪..‬‬
‫و " كاملة " صفة مؤكدة تفيد المبالغة فى المحافظة على العدد ‪،‬‬
‫أو مبينة كمال العشرة ‪ ،‬فإنه أول عدد كامل إذ به تنتهى الحاد‬
‫وتتم مراتبها " (‪.)4‬‬
‫ت بيدى "‬ ‫وحذا المام الشوكانى حذوهما ‪ ،‬ثم قال‪ :‬إنه مثل " كتب ُ‬
‫والكتابة ل تكون إل باليد (‪.)5‬‬
‫ويسوق غيرهم شواهد من الشعر العربى على تأصيل هذا‬
‫السلوب فى لغة العرب ‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫جتان أى‪ :‬سنتان‪.‬‬ ‫م عشرين شهرا ً وأربعــة فذلـك ِ‬
‫ح ّ‬ ‫ت إليه ُ‬‫فسر ُ‬
‫وقول الخر‪:‬‬
‫ن حسبى وست حين يدركنى العشاء فذلك تسعة‬ ‫ثلث بالغداة فهُ َّ‬
‫شرب المرء بعد الِرى داء (‪ )6‬والخلصة‪:‬‬ ‫فى اليوم ربى و ُ‬
‫لقد أصاب الئمة فى الشارة إلى معنى جملة " تلك عشرة‬
‫كاملة " وبخاصة فى قولهم إنها أفادت دفع توهم من يحسب أن‬
‫" الواو " بمعنى " أو " تفيد الباحة ‪ ،‬فليس ببعيد أن يفهم بعض‬
‫الناس أن المتمتع بالعمرة إلى الحج كفارته الصيام‪:‬‬
‫فإن صام فى الحج فيكفيه ثلثة أيام ‪ ،‬ومن لم يصم حتى رجع‬
‫إلى بلده فعليه صيام سبعة أيام ‪ ،‬وأن يفهم الكتفاء بالثلثة فى‬
‫الحج للتخفيف على المحرمين بالحج ويؤدون مناسكه ‪ ،‬أما بعد‬
‫الرجوع إلى الوطن فل داعى للتخفيف ‪ ،‬لنه غير مشغول‬
‫بالمناسك ‪ ،‬وليس غريبا ً عن بلده‪ .‬ليس ببعيد أن يقع هذا الفهم‬
‫فى أذهان بعض الناس حتى الفقهاء المجتهدين‪.‬‬
‫لذلك كان قوله تعالى‪ " :‬تلك عشرة " واصفا ً لها بأنها " كاملة "‬
‫دافعا ً لذلك الفهم‪.‬‬
‫وبذكر " كاملة " تحوَّل قوله تعالى‪ " :‬تلك عشرة " إلى نص‬
‫محكم غير قابل للحتمال أو التأويل‪.‬‬

‫‪631‬‬
‫أما من حيث البلغة والبيان ‪ ،‬فإن كلمة " كاملة " وصفا ً لـ " تلك‬
‫عشرة " تفيد تعظيم هذه اليام العشرة وكمال فضلها عند الله‬
‫عز وجل‪.‬‬
‫ً‬
‫بدليل أنه أشار إليها باسم الشارة الموضوع للبعيد ‪ ،‬تنويها ببعد‬
‫منزلتها ‪ ،‬وكان يمكن أن يقال هذه عشرة كاملة ‪ ،‬وهذه اسم‬
‫إشارة للقريب سواء كان قربا ً حسيا ً أو قربا ً معنويًّا‪.‬‬
‫هذه المعانى والدقائق والسرار ما كانت لتُفهَم لول وجود تلك‬
‫العبارة ‪ ،‬التى عدَّها مثيرو الشبهات عيبا ً من عيوب الكلم‪.‬‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.196 :‬‬
‫(‪ )2‬الفذلكة مصطلح فنى معناه‪ :‬إجمال المعنى فى عبارة موجزة‬
‫بعد بسطه فى عبارة طويلة‪.‬‬
‫(‪ )3‬الكشاف (‪.)1/345‬‬
‫(‪ )4‬نوار التنزيل (‪.)1/111‬‬
‫(‪ )5‬فتح القدير (‪.)1/227‬‬
‫(‪ )6‬الدر المصون (‪.)2/320‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫‪ -60‬اللتفات من المخاطب إلى الغائب قبل تمام‬
‫المعنى‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫منشأ هذه الشبهة‪:‬‬


‫هو قوله تعالى‪( :‬هو الذى يسيركم فى البر والبحر حتى إذا كنتم‬
‫فى الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف‬
‫وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله‬
‫مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين ) (‬
‫‪.)1‬‬
‫وشاهدهم فى الية هو قوله تعالى‪ " :‬حتى إذا كنتم فى الفلك‬
‫وجرين بهم "‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫هذه الشبهة المثارة هنا على هذه الية ‪ ،‬ليست لها صلة ‪ ،‬ل من‬
‫قريب ‪ ،‬ول من بعيد ‪ ،‬بالنحو والصرف بل هى مسألة بلغية‬
‫صرفة ‪ ،‬والبلغة ـ عموما ً ـ لها عنصران كبيران ‪ ،‬أحدهما خارجى‬
‫عن شخصية البليغ ‪ ،‬والثانى ممتزج بشخصيته‪.‬‬
‫العنصر الول الخارجى‪:‬‬

‫‪632‬‬
‫هو مجموعة القواعد والصول التى تكوِّن علوم البلغة باعتبارها‬
‫علما ً راقيا ً من علوم اللسان ؛ لن لكل علم أو فن أصوله ومبادئه‬
‫الخاصة به‪.‬‬
‫ُّ‬
‫وهذه القواعد والصول يمكن تَعَلمها وإتقانها لكل راغب صادق‬
‫الرغبة فيها‪.‬‬
‫العنصر الثانى الذاتى‪:‬‬
‫الممتزج بذات البليغ ‪ ،‬والذى يجرى فيه مجرى الروح فى الجسد‬
‫هو الحساس المرهف بالجمال الفنى ‪ ،‬والقدرة على التذوق ‪،‬‬
‫والخبرة بالساليب إنشاءً ودراسة ونقدا ً وتقويماً‪ .‬وليس بلزم أن‬
‫يكون العارف بالقواعد والصول البلغية ‪ ،‬ليس بلزم أن يكون‬
‫بليغاً‪.‬‬
‫يقول المام الزمخشرى البليغ الذواقة ‪ ،‬فى اللتفات من‬
‫الخطاب إلى الغيبة‪:‬‬
‫" فإن قلت ما فائدة صرف الكلم من الخطاب إلى الغيبة قلت‪:‬‬
‫المبالغة ‪ ،‬كأنه يذكر حالهم لغيرهم ليعجبَّهم منها ‪ ،‬ويستدعى‬
‫منهم النكار والتقبيح " (‪.)2‬‬
‫هذه العبارة فى حاجة إلى إيضاح ‪ ،‬هو التى‪:‬‬
‫هؤلء الذين تحدث الله عنهم فى هذه الية ‪ ،‬أنعم الله عليهم‬
‫بالتسيير فى البر والبحر ‪ ،‬وامتحنهم بالريح العاصف بعد أن‬
‫أقلعت بهم الفلك تمخر عباب الماء ‪ ،‬فتوجهوا إلى الله يطلبون‬
‫منه النجاء ‪ ،‬واعدين الله إذا أنجاهم أن يشكروه ويعرفوا فضله‪.‬‬
‫فلما أنجاهم نسوا ما وعدوا الله به ‪ ،‬وعادوا إلى معصيته كما قال‬
‫ربنا عز وجل‪:‬‬
‫(فلما أنجاهم إذا هم يبغون فى الرض بغير الحق‪.)3( ) ..‬‬
‫وكانت فائدة اللتفات عن خطابهم المباشر " كنتم فى الفلك "‬
‫إلى حكاية حالتهم العجيبة إلى غيرهم ‪ ،‬لكى يستثير سخطهم‬
‫عليهم ‪ ،‬ويقبِّحوا سوء صنيعهم مع الله‪.‬‬
‫والخلصة‪:‬‬
‫ما قاله المام الزمخشرى فى هذه الية لمحة طيبة ‪ ،‬ومعنى‬
‫لطيف دل عليه هذا اللتفات من المخاطب إلى الغائب ‪ ،‬وقد‬
‫تناقله عنه المفسرون من بعده‪.‬‬
‫حا بلغيا ً آخر ‪،‬‬
‫أما البلغيون ـ بعد الزمخشرى ـ فقد أضافوا ملم ً‬
‫يساير ما فهمه المام الزمخشرى ول ينافره ‪ ،‬فقد قالوا‪:‬‬
‫" إن السر فى اللتفات من الخطاب إلى الغيبة ‪ ،‬أن " الغيبة "‬
‫تناسب الفعل " جرين " فهم كانوا على الشاطئ والفلك ترسو‬
‫إلى جنبه ‪ ،‬وأخذ الناس يركبون الفلك ‪ ،‬حتى إذا تكاملوا على‬
‫ظهره ‪ ،‬وأقلعت آخذة فى السير السريع (الجرى) غابوا عن‬

‫‪633‬‬
‫النظار ‪ ،‬فهم ليسوا حاضرين حتى يُخاطَبُوا‪ .‬ولكنهم غائبون‬
‫غائبون فجرى الحديث عنهم مجرى الحديث عن الغائب "‪.‬‬
‫إن كلتا اللمحتين البلغيتين تنبثقان من هذا التعبير " وجرين بهم‬
‫" ول تنافر واحدة منهما الخرى‪.‬‬
‫هذا ما لم يكن مثيرو هذه الشبهات أهل ً لفهمه لبلدة حسهم ‪،‬‬
‫وفساد ذوقهم‪.‬‬
‫واللتفات ـ عامة ـ فن عريق من فنون البيان فى البلغة‬
‫العربية ‪ ،‬طرقه الشعراء فى الجاهلية ‪ ،‬وشاع فى كلمهم ‪،‬‬
‫ووردت منه نماذج وصور فى الذكر الحكيم ‪ ،‬وفى أحاديث خاتم‬
‫النبيين ‪ ،‬وأسراره ل تحصر ‪ ،‬ودللته ل تنضب ‪ ،‬وكفاه فضل ً أنه‬
‫يروِّح عن مشاعر السامعين وينتقل بهم من لون إلى لون ‪ ،‬فى‬
‫معرض جذاب ‪ ،‬ل يقدره حق قدره إل من ُرزق حسن الفهم ‪،‬‬
‫والقدرة على التذوق لمرامى الكلم‪.‬‬
‫(‪ )1‬يونس‪.22 :‬‬
‫(‪ )2‬الكشاف (‪.)2/231‬‬
‫(‪ )3‬يونس‪.23 :‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫‪ -61‬التيان بفاعلين لفعل واحد‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫منشأ هذه الشبهة‪:‬‬


‫هو قوله تعالى‪( :‬لهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا هل‬
‫هذا إل بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون ) (‪.)2‬‬
‫وشاهدهم فى هذه الية هو الجمع بين‪ " :‬وأسروا " ‪ " ،‬الذين‬
‫ظلموا " لنهم جزموا بأن " الواو " فى " أسروا " فاعل ‪ ،‬كما‬
‫جزموا بأن " الذين " فى " الذين ظلموا " فاعل كذلك‪.‬‬
‫ولما كان كل فعل ل يتطلب إل فاعل ً واحدا ً ‪ ،‬صاحوا بأعلى صوت‬
‫قائلين‪:‬‬
‫إن القرآن أخطأ فجعل للفعل الواحد فاعلين ؟!‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫قال شيخ المفسرين البيانيين المام جار الله محمود بن عمر‬
‫الزمخشرى يقول‪ " :‬أبدل الذين ظلموا من " واو " " وأسروا "‬
‫إشعاًرا بأنهم الموسومون بالظلم الفاحش فيما أسروا به‪.‬‬
‫أو جاء على لغة من قال‪ :‬أكلونى البراغيث‪.‬‬
‫أو هو منصوب المحل على الذم‪.‬‬
‫أو هو مبتدأ خبره " وأسروا النجوى " قُدِّم عليه والمعنى‪:‬‬

‫‪634‬‬
‫هؤلء أسروا النجوى‪ .‬فوضع المظهر موضع المضمر تسجيل ً على‬
‫فعلهم بأنه ظلم (‪.)3‬‬
‫ذكر المام ـ رحمه الله ـ فى توجيه هذا التركيب أربعة آراء كلها‬
‫صحيح فصيح‪:‬‬
‫الول‪ :‬إن " الذين ظلموا " بدل كل من كل من معنى " الواو "‬
‫فى " أسروا " لنه واو جماعة معناه الجمع‪.‬‬
‫الثانى‪ :‬إنه جاء على لغة بعض القبائل العربية ‪ ،‬التى تجمع بين‬
‫الضمير إذا وقع فاعل ً وبين ما يفسره‪.‬‬
‫وعليه جاء الحديث الشريف‪ [ :‬يتعاقبون فيكم ملئكة بالليل ‪،‬‬
‫وملئكة بالنهار ] (‪.)4‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يكون فى محل نصب على الذم ‪ ،‬على تقدير فعل‬
‫محذوف هو‪ :‬أذم أو أخص الذين ظلموا بالذم‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن يكون هو المبتدأ ‪ ،‬وما قبله خبر عنه ‪ ،‬أى الذين ظلموا‬
‫أسروا النجوى‪.‬‬
‫أما الذى اقتضى تقديم خبره عليه " أسروا النجوى " فهو‬
‫التسجيل عليهم بقبح ظلمهم وفحوشته‪ .‬وهذا كله كلم طيب فى‬
‫غاية النفاسة‪.‬‬
‫ويردد المام الشوكانى ما قاله المام جار الله ـ رحمه الله ـ‬
‫ويضيف إلى ما قاله جديدا ً ‪ ،‬ومن هذا الجديد‪:‬‬
‫" إن الذين ظلموا " فاعل لفعل محذوف تقديره‪ :‬يقول الذين‬
‫ظلموا‪.‬‬
‫ثم يورد على لغة " أكلونى البراغيث " آية أخرى من كتاب الله ‪،‬‬
‫هى قوله عز وجل‪( :‬ثم عموا وصموا كثير منهم ) (‪.)5‬‬
‫معَ فى الية بين الضمير ‪ ،‬وهو " الواو " فى " عموا " و‬ ‫ج ِ‬
‫فقد ُ‬
‫"صموا " وبين السم الظاهر " كثير "‪.‬‬
‫كما ذكر قول الشاعر‪:‬‬
‫ولكن ديافى أبـوه وأمــه بحوران يعصرن السليط أقاربـه (‪)6‬‬
‫مع الشاعر ‪ ،‬وهو عربى فصيح يحتج‬ ‫ج َ‬
‫والشاهد فى البيت حيث َ‬
‫بكلمه بين نون النسوة فى " يعصرن " وهو فاعل لـ " يعصر "‬
‫وبين السم الظاهر " أقاربه " وليس فى الكلم إل فعل واحد‬
‫يكفى فيه فاعل واحد (‪.)7‬‬
‫وفى المسألة مذاهب أخرى ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫* إن " الذين ظلموا " هى الفاعل ‪ ،‬أما " الواو " فهى علمة جمع‬
‫الفاعل ل غير ‪ ،‬وأن العرب كانت تفعل ذلك حتى فى المثنى ‪،‬‬
‫فيقولون‪:‬‬
‫قاما أخواك‪ .‬كما استشهد من ذهب هذا المذهب بقول الشاعر‪:‬‬

‫‪635‬‬
‫يلوموننى فى اشتراء النخيـل قومى ‪ ،‬فكلهمو يعـزل حيث جمع‬
‫بين " الواو " فى " يلوموننى " وبين السم الظاهر فى " قومى"‬
‫(‪.)8‬‬
‫هذا ما قاله المفسرون وبعض النحاة فى هذا التركيب وتخريجه‬
‫على عدة وجوه من الصحة‪ .‬دون أن يكون عندهم علم بأن بعضاً‬
‫من الناس ‪ ،‬سيأتون ويقولون مثل ما قال مثيرو هذه الشبهات ‪،‬‬
‫مع جهلهم المركب بلغة التنزيل وخصائصها التعبيرية والبيانية ‪،‬‬
‫وهم فيها عوام أو أشباه عوام‪.‬‬
‫والخلصة‪:‬‬
‫ما تقدم من الرد على هذه الشبهة يريك إلى أى مدىً تعسف‬
‫هؤلء المغالون فى التحامل على القرآن ‪ ،‬المسرفون فى إظهار‬
‫الحقد عليه والطعن فيه ‪ ،‬إنهم مثل الذى يريد أن يعبر محيطاً‬
‫بقارب مصنوع من " البوص " ‪ ،‬دون أن يكون لهم رادع من‬
‫أنفسهم يحفظون به ماء وجوههم إن كان فى وجوههم ماء‪.‬‬
‫وقبل أن نودع الحديث فى الرد عليهم على ما أثاروه حول الية‬
‫نضيف إلى ما ذكره الئمة إضافتين من حيث التوجيه البلغى‪:‬‬
‫إحداهما‪ :‬إن فى أساليب علم المعانى ‪ ،‬وهو أحد علوم البلغة‬
‫الثلثة (المعانى ـ البيان ـ البديع) أسلوبا ً ل يعرف عنه مثيرو هذه‬
‫الشبهات شيئا ً ‪ ،‬هو ما يسميه البلغيون بـ " الستئناف البيانى "‪.‬‬
‫وضابط هذا السلوب أن تتقدم جملة من الكلم تثير فى ذهن‬
‫السامع تساؤل ً لطيفا ً يدب فى نفسه أو يسرى سريان الماء فى‬
‫العود الخضر ‪ ،‬فتأتى جملة أخرى تجيب على ذلك التساؤل ‪،‬‬
‫الذى ليس له صورة فى الكلم‪ .‬بل هو يبرق كالشعاع فى ذهن‬
‫السامع ومن أمثلته فى القرآن‪:‬‬
‫(وقضينا إليه ذلك المر أن دابر هؤلء مقطوع ُ مصبحين ) (‪.)9‬‬
‫فجملة " أن دابر هؤلء مقطوع مصبحين " جواب على سؤال‬
‫تقديره‪ :‬ما هو ذلك المر الذى قضاه الله (‪.)10‬‬
‫ومثله قوله تعالى‪( :‬فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك‬
‫على شجرة الخلد وملك ل يبلى ) (‪.)11‬‬
‫فجملة " فوسوس إليه الشيطان " أثارت فى النفس تساؤلً‬
‫لطيفا ً " ماذا قال الشيطان لدم ؟ فكان الجواب‪:‬‬
‫(قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك ل يبلى (‪.‬‬
‫هذا هو الستئناف البيانى عند البلغيين وهو ـ مرة أخرى ـ‪:‬‬
‫" تنزيل جملة منزلة جواب على سؤال تضمنته الجملة التى قبلها‬
‫"‪.‬‬
‫والية التى معنا‪( :‬وأسروا النجوى الذين ظلموا (جرت على نسق‬
‫الستئناف البيانى الذى عرفته ‪ ،‬لن جملة (وأسروا النجوى (تثير‬

‫‪636‬‬
‫ن هم الذين (أسروا النجوى (؟‬ ‫م ْ‬
‫فى النفس التساؤل نفسه‪َ :‬‬
‫فكان الجواب‪:‬‬
‫(الذين ظلموا (‪.‬‬
‫ل يقال‪ :‬إن هذا السؤال ل يقتضى المقام إثارته لن مرجع‬
‫الضمير ‪ ،‬وهو " الواو " فى " أسروا " مذكور قبله فى قوله‬
‫تعالى‪:‬‬
‫(اقترب للناس حسابهم وهم فى غفلة معرضون * ما يأتيكم من‬
‫ذكر من ربهم محدث إل استمعوه وهم يلعبون * لهية قلوبهم‪) ..‬‬
‫(‪.)12‬‬
‫لنا نقول‪ :‬إن الوقائع المذكورة فى مطلع السورة ‪ ،‬وقائع عامة ‪،‬‬
‫هى أحوال للناس جميعا ً ‪ ،‬إل من عصمه الله‪.‬‬
‫أما إسرار النجوى ‪ ،‬فهى واقعة خاصة وقعت من مشركى العرب‬
‫‪ ،‬فليس " الناس " قبلها هم فاعليها ‪ ،‬بل فاعلوها هم الذين‬
‫قالوا‪:‬‬
‫(??? هل هذا إل بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون ) (‬
‫‪.)13‬‬
‫وعلى هذا فإن " الذين ظلموا ليس فاعل لـ " أسروا " وإنما‬
‫فاعل " أسروا " الواو‪.‬‬
‫أما " الذين ظلموا " فواقعه فى كلم جديد ‪ ،‬هو خبر عن جلة‬
‫السؤال‪ :‬من هم الذين أسروا النجوى ؟ وهذا وجه آخر يرد به‬
‫على مثيرى هذه الشبهة المتعالمين وهم جاهلون‪.‬‬
‫أما الضافة الثانية ‪ ،‬فهى أسلوب آخر من أساليب البلغة العربية‬
‫‪ ،‬مفتاح العجاز المفحم‪.‬‬
‫ذلك السلوب تحدث عنه شيخ البلغيين بل منازع المام عبد‬
‫القاهر الجرجانى ‪ ،‬وأسماه‪:‬‬
‫" الضمار على شريطة التفسير " (‪.)14‬‬
‫وضابط هذا السلوب هو أن تأتى بالضمير أول ً ثم تفسره بعد‬
‫ذلك بذكر مرجعه‪ .‬ومن أمثلته شعًرا قول الشاعر‪:‬‬
‫هى الدنيا تقول بملء فيهـــا حذار حذار من بطشى وفتكـى ول‬
‫م منى ابتســــام فقولى مضحك والفعل مبكــى وتخريج‬ ‫يغُررك ُ‬
‫الية " وأسروا النجوى الذين ظلموا " على هذا السلوب سائع‬
‫رائع‪.‬‬
‫فقد أتى بالضمير أول ً " وأسروا " ثم فسره ثانيا ً هكذا " الذين‬
‫ظلموا "‪.‬‬
‫وبلغة هذا السلوب هى تحريك الشعور ‪ ،‬وتشويق النفس إلى‬
‫عقبى الكلم كيف تكون ‪ ،‬فيتمكن المعنى المسوق من أجله‬

‫‪637‬‬
‫الكلم فى النفوس كل التمكن ؛ لن النفس إذا ظفرت بالشىء‬
‫بعد انتظاره استقر ذلك الشىء فيها‪.‬‬
‫م منها مثيرو هذه الشبهات ؛ لنهم‬ ‫هذه الخصائص البيانية محرو ٌ‬
‫يجهلونها‪ .‬والناس ـ كما جاء فى المثل ـ أعداء ما جهلوا‪.‬‬
‫(‪ )1‬ليست هذه عبارتهم ‪ ،‬بل هى تعبير بديل من عندنا عنها‪ .‬أما‬
‫عبارتهم فهى " أتى بضمير فاعل مع وجود فاعل " وهى خطأ ـ‬
‫كما ترى ـ لنه ل مانع من التيان بضمير فاعل عائد على الفاعل‬
‫خلقه‪.‬‬‫فى الكلم الفصيح مثل‪ :‬جاء صديقى الكريم ُ‬
‫(‪ )2‬النبياء‪.3 :‬‬
‫(‪ )3‬الكشاف (‪.)2/562‬‬
‫(‪ )4‬رواه الشيخان‪ :‬البخارى ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )5‬المائدة‪.71 :‬‬
‫(‪ )6‬دياف وحوران‪ :‬موضعان‪ .‬والسليط‪ :‬الزيت‪.‬‬
‫(‪ )7‬فتح القدير (‪.)470-3/469‬‬
‫(‪ )8‬الدر المصون (‪.)133-8/132‬‬
‫(‪ )9‬الحجر‪.66 :‬‬
‫(‪ )10‬انظر‪ :‬اليضاح للخطيب القزوينى‪ :‬مبحث الفصل والوصل‪.‬‬
‫(‪ )11‬طـه‪.120 :‬‬
‫(‪ )12‬النبياء‪.3-1 :‬‬
‫(‪ )13‬النبياء‪.3 :‬‬
‫(‪ )14‬دلئل العجاز (‪ )163‬تحقيق الشيخ العلمة محمود محمد‬
‫شاكر ‪ ،‬مكتبة الخانجى ‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫‪ -62‬التيان بالضمير العائد على المثنى مفردًا‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫منشأ هذه الشبهة‪:‬‬


‫هو قوله تعالى‪( :‬يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق‬
‫أن يُرضوه إن كانوا مؤمنين ) (‪.)1‬‬
‫ذكروا هذه الية ‪ ،‬ولفت نظرهم ذكر الله ‪ ،‬ثم ذكر رسوله‬
‫معطوفا ً عليه‪ ،‬ثم إيقاع الفعل " يُرضى " على الضمير المفرد‪،‬‬
‫وهو " الهاء " فى " يُرضوه " وهو شاهدهم فى هذه الشبهة ‪ ،‬ثم‬
‫قالوا‪:‬‬
‫ن الضمير العائد على الثنين ‪ ،‬اسم الجللة ورسوله‬ ‫" فلماذا لم يث ِ ّ‬
‫فيقول‪ :‬أن يُرضوهما " ؟!‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬

‫‪638‬‬
‫هذه الية ‪ ،‬والتركيب الذى حسبوه أو عاندوا وقالوا إنه خطأ‬
‫لغوى نحوى ‪ ،‬إنما هى لمحة قرآنية تتعلق بعقيدة توحيد الله عز‬
‫وجل‪.‬‬
‫ً‬
‫ومثيرو هذه الشبهات ‪ ،‬ل يعرفون عن حقيقة " التوحيد " شيئا ‪،‬‬
‫وضوابطهم فيه مثل الغربال إذا وضع فيه سائل ل يبقى فيه منه‬
‫شىء‪.‬‬
‫وقد فات هؤلء أمر عظيم ‪ ،‬ترتب عليه جهل شنيع ذلك أنهم لم‬
‫يعرفوا أصل ً ‪ ،‬أو لم يستحضروا فى أذهانهم وهم يسطرون هذه‬
‫الشبهة ‪ ،‬متى يُثنَّى المعدود ‪ ،‬ومتى يجمع ‪ ،‬ومتى يظل مفرداً‪.‬‬
‫وهى من البديهات ‪ ،‬بيان ذلك‪ :‬أن هناك شرطا ً موضوعيًّا فى‬
‫تثنية المعدود وجمعه ذلك الشرط هو‪:‬‬
‫التجانس بين الفراد فى الواقع ‪ ،‬فقَلَم يثنى فيقال‪ :‬قلمان ويجمع‬
‫فيقال أقلم‪.‬‬
‫لكن حمارا ً ـ مثل ً ـ ل يثنى مع القلم ول يجمع ‪ ،‬لنك لو ثنيت‬
‫القلم والحمار ‪ ،‬فقلت قلمان ‪ ،‬أو حماران ‪ ،‬وأنت تريد قلماً‬
‫وحمارا ً لم يفهم أحد ٌ من العقلء ما تريد‪.‬‬
‫وحتى الرجل والمرأة ‪ ،‬وهما فردان بينهما تجانس من جهة ‪،‬‬
‫واختلف من جهة أخرى‪ .‬فإنك ل تستطيع أن تثنيهما فتقول‪:‬‬
‫رجلن ‪ ،‬أو تقول‪ :‬امرأتان ‪ ،‬وأنت تريد رجل ً وامرأة‪ .‬هذا ل يجوز‬
‫عند العقلء ‪ ،‬ول يجوز فى الواقع الذى يحسه الناس ويحترمونه‪.‬‬
‫هذا التمهيد ضرورى جدًّا لبيان لماذا ورد فى القرآن " أن يُرضوه‬
‫" دون أن يُرضوهما كما اقترح مثيرو هذه الشبهات ؟ وذلك لنه‬
‫ى شىء فى‬ ‫ليس بين الله ‪ ،‬وبين رسوله ‪ ،‬ول بين الله وبين أ ِ ّ‬
‫الوجود تجانس من أى نوع من النواع‪.‬‬
‫فالله هو الفرد الصمد ‪ ،‬الواحد الحد ‪ ،‬الذى لم يلد فليس له‬
‫ولد ‪ ،‬ولم يولد فليس له أم ول أب‪ .‬هو الخالق البارئ المصوِّر ‪،‬‬
‫ليس له كفوا ً أحد ‪ ،‬وليس كمثله شىء فى الوجود وغيره ‪ ،‬هو‬
‫المخلوق المبروء المصوَّر (اسم مفعول)‪.‬‬
‫ى‪ .‬ل فى ذاته ول مع أحدٍ‬ ‫مع ول يُثن َّ‬
‫من أجل هذا ؛ فإن الله ل يُج َ‬
‫من خلقه‪.‬‬
‫وعلى هذا جرى بيان القرآن المعجز ‪ ،‬فلم يقل كما يقترح هؤلء‬
‫الغافلون‪:‬‬
‫والله ورسوله أحق أن يُرضوهما‪ .‬لن الله ليس فردا ً من جنس‬
‫الفراد الذين ينتمى إليهم رسوله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫بل هو فرد ل مثيل له فى الوجود أبدا ً ‪ ،‬فل يكون مع غيره ثانى‬
‫اثنين ‪ ،‬أو ثالث ثلثة ‪ ،‬تعالى الله عما يقولون ع ُلُوًّا كبيًرا‪.‬‬

‫‪639‬‬
‫فالخطأ كل الخطأ هو ما توهمه مثيرو هذه الشبهات‪ .‬أما ما عليه‬
‫النظم القرآنى الحكيم ‪ ،‬فهو ليس كل الصواب فحسب ولكنه‬
‫َ‬
‫ن أحسن‬ ‫جلَى معارضه ‪ ،‬وآلق آفاقه و َ‬
‫م ْ‬ ‫العجاز المفحم ‪ ،‬فى أ ْ‬
‫من الله حديثاً‪.‬‬
‫التوحيد فى القرآن عقيدة متمكنة فى الواقع الخارجى مستقرة‬
‫كل الستقرار فى قلوب المؤمنين‪.‬‬
‫وهو ـ كذلك ـ عقيدة فى البيان القرآنى ‪ ،‬فلم يأت الله فى لغة‬
‫القرآن إل واحدا ً أحدًا ‪ ،‬ليس اثنين ‪ ،‬وليس ثلثة (ذلك ظن الذين‬
‫كفروا فويل للذين كفروا من النار ) (‪ )2‬وليس ما لفت أنظار‬
‫مثيرى هذه الشبهات فى الية المتقدمة هو الوحيد فى القرآن ‪،‬‬
‫بل له نظائر عميت عنها أبصارهم وبصائرهم‪:‬‬
‫ففى الية الثالثة من سورة التوبة نفسها ‪ ،‬ورد قوله تعالى‪:‬‬
‫(‪ ..‬أن الله برئ من المشركين ورسوله‪.)3( ) ..‬‬
‫لم يقل‪ :‬إن الله ورسوله بريئان من المشركين ‪ ،‬لن وصف الله‬
‫بالبراءة من المشركين ‪ ،‬وصف توحيدى تابع للواحد الحد ‪ ،‬الذى‬
‫ليس له مثيل فى كل الوجود‪.‬‬
‫ولذلك قال‪ " :‬أن الله برئ من المشركين ورسوله " أى ورسوله‬
‫برئ منهم ‪ ،‬والذى دل على هذا ‪ ،‬ما ذكره فى جانب الله أولً‪.‬‬
‫كما تقول‪ :‬محمد (من أُولى العزم من الرسل ‪ ،‬وموسى عليه‬
‫السلم ‪ ،‬أى وموسى من أُولى العزم من الرسل‪.‬‬
‫تثبت الوصف المحذوف لموسى ‪ ،‬استنادا ً إلى ذكر ذلك الوصف‬
‫خبرا ً عن محمد ‪ ،‬عليهما الصلة والسلم‪.‬‬
‫هذا ما يفهمه العقلء من بليغ الكلم‪.‬‬
‫وفى سورة التوبة نفسها ـ كذلك ـ ورد قوله تعالى‪( :‬ولو أنهم‬
‫رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من‬
‫فضله ورسوله إنَّا إلى الله راغبون ) (‪.)4‬‬
‫روعيت عقيدة التوحيد فى النظم القرآنى المعجز المفحم فى‬
‫ثلثة مواطن‪:‬‬
‫الول‪ " :‬ما آتاهم الله ورسوله " حيث عطف رسوله على اسم‬
‫الجللة ‪ ،‬دون عود ضمير مثنى‪.‬‬
‫الثانى‪ " :‬حسبنا الله " دون عطف رسوله على اسم الجللة‪ .‬لن‬
‫الحسب ل يكون إل لله‪.‬‬
‫الثالث‪ " :‬سيؤتينا الله من فضله ورسوله " دون أن يُثَنِّى فيقول‪:‬‬
‫من فضلهما‪.‬‬
‫وإنما عُطِف " رسوله " بعد تمام الجملة الولى‪.‬‬
‫ثم حذف من جملة " ورسوله " ما دل عليه الكلم السابق ‪ ،‬أى‪:‬‬
‫وسيؤتينا رسوله من فضله‪.‬‬

‫‪640‬‬
‫هذا هو التوحيد فى القرآن ‪ ،‬دقة وإحكام ‪ ،‬ومبالغة فى تنزيه الله‬
‫عن المساوى والمثيل والكفء حتى فى اللفظ توحيد نقى ‪،‬‬
‫خالص ‪ ،‬مبرأ عن الشبهات المعنوية ومبرأ عن الشبهات اللفظية‪.‬‬
‫ولم يرد فى القرآن الحكيم اسم يكون ثانيا ً لله ‪ ،‬ول اسم يكون‬
‫ثالثا ً لله ‪ ،‬ل فى المعانى ‪ ،‬ول فى اللفاظ وذلك هو التوحيد‬
‫الخالص‪ .‬رسالة كل الرسل والنبياء‪.‬‬
‫والخلصة‪:‬‬
‫أن فى الية أسلوب اليجاز البليغ لن معناها الذى لم يهتدوا إليه‬
‫حذف "‬ ‫هو‪ " :‬والله أحق أن يُرضوه ورسوله أحق أن يرضوه " ف ُ‬
‫أحق أن يرضوه " من الول ‪ ،‬لدللة الثانى " ورسوله أحق أن‬
‫يرضوه " عليه‪.‬‬
‫وهذا فن بلغى يطلقون عليه‪ " :‬الحتباك " وهو نوعان‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن يحذف كلم من جملة أولى ويذكر ما يدل عليه فى‬
‫جملة ثانية جاءت بعدها مباشرة‪ .‬مثل الية التى اتخذوها منشأ‬
‫لهذه الشبهة‪.‬‬
‫والثانى‪ :‬أن يحذف من جملة ثانية كلم يدل عليه ما ذكر فى‬
‫الجملة التى قبلها ‪ ،‬ومثاله قوله تعالى‪( :‬ألم يروا أنا جعلنا الليل‬
‫ليسكنوا فيه والنهار مبصراً‪.)5( ) ..‬‬
‫والمعنى‪ :‬والنهار مبصرا ً ليسعوا فيه ‪ ،‬فحذف لن " ليسكنوا "‬
‫دليل قوى عليه‪.‬‬
‫وقد تلحظ حذفا ً من الول ـ كذلك ـ لدللة الثانى عليه ‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫مظلما ً ‪ ،‬أى جعلنا الليل مظلما ً ‪ ،‬وحذف لن ما فى الثانى ‪ ،‬وهو‬
‫" مبصرا ً " دليل ً عليه‪.‬‬
‫(‪ )1‬التوبة‪.62 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة ص‪.27 :‬‬
‫(‪ )3‬التوبة‪.3 :‬‬
‫(‪ )4‬سورة‪.59 :‬‬
‫(‪ )5‬النمل‪.86 :‬‬
‫‪------------------‬‬
‫‪ -63‬التيان بالجمع مكان المثنى أ‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫منشأ هذه الشبهة‪:‬‬


‫هو قوله تعالى‪( :‬إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن‬
‫تظاهرا عليه فإن الله هو موله وجبريل وصالح المؤمنين ) (‪.)1‬‬
‫والشاهد فى الية عندهم هو " قلوبكما " حيث جاء المضاف‬
‫(قلوب) جمعا ‪ ،‬والمضاف إليه " كما " مثنى‪ .‬والمتحدث عنه فى‬

‫‪641‬‬
‫قوله تعالى‪ " :‬تتوبا " مثنى كذلك‪ .‬وقد علقوا على هذا فقالوا‪" :‬‬
‫لماذا لم يقل‪:‬‬
‫قلباكما " لنه ليس للثنين أكثر من قلبين " ؟!‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫العرب كانوا يستثقلون اجتماع تثنيين فى كلمة واحدة ‪ ،‬فيعدلون‬
‫عن التثنية إلى الجمع ‪ ،‬لن أول الجمع عندهم الثنان‪.‬‬
‫ومما قاله أئمة اللغة والنحو فى جمع " قلوب " فى الية قولهم‪:‬‬
‫و " قلوبكما " من أفصح الكلم حيث أوقع الجمع موقع المثنى ‪،‬‬
‫استثقال ً لمجئ تثنتين لوقيل " قلباكما " (‪.)2‬‬
‫ومثل هذه الية قوله تعالى‪:‬‬
‫(والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) (‪.)3‬‬
‫سنة‬‫فقد أوقع الجمع " أيدى " موقع المثنى‪ :‬يدى‪ .‬جريا ً على ُ‬
‫العرب فى كلمهم ‪ ،‬والقرآن بلغتهم نزل ول يُفهم من هذا أن‬
‫الجمع حل محل التثنية لصلح اللفظ فحسب ‪ ،‬وإن كان إصلح‬
‫اللفظ وإحلل الخفيف منه محل الثقيل سببًا مقبول ً كافيًا فى‬
‫توجيه هذا الستعمال بيد أننا لو أنعمنا النظر ‪ ،‬وأعملنا الفكر‬
‫ن أخرى غير إصلح اللفظ ‪ ،‬هذه المعانى يومئ إليها‬ ‫لظفرنا بمعا ٍ‬
‫برفق مجىء الجمع فىمقام التثنية‪.‬‬
‫وسيأتى البيان بعد قليل‪.‬‬
‫والخلصة(‪:)4‬‬
‫اتضح لنا مما تقدم أن قوله تعالى " قلوبكما " من أفصح الكلم ‪،‬‬
‫وليس صحيحا ً فحسب ‪ ،‬ولكن ضآلة حظ مثيرى هذه الشبهات‬
‫من اللغة العربية ‪ ،‬هى التى جعلتهم يهرفون بما ل يعرفون ‪،‬‬
‫ويتعالمون وهم أميون‪.‬‬
‫أما ما يعود على المعنى من وضع الجمع موضع التثنية فوق‬
‫إصلح اللفظ كما تقدم ‪ ،‬فبيانه فيما يأتى‪:‬‬
‫ولنبدأ بآية المائدة ‪ ،‬نجد أن لجمع اليدى دللة على الجمع فعل ً ‪،‬‬
‫وذلك من جهتين‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أن المراد من " السارق " و " السارقة " ليس فردين ‪،‬‬
‫بل نوعين‪:‬‬
‫* الذى يسرق من الرجال ‪ ،‬سواء كان واحدا ً أو اثنين أو ثلثة أو‬
‫أربعة أو ألف وهكذا ؛ لن المراد النوع ل الفرد‪.‬‬
‫* التى تسرق من النساء ‪ ،‬ل على سبيل الفردية (امرأة) واحدة‬
‫ولكن كل من ينطبق عليها وصف السرقة‪.‬‬
‫فالسارقون ل يحصرون فى عدد معين ‪ ،‬من عصر نزول القرآن‬
‫إلى يوم القيامة‪.‬‬

‫‪642‬‬
‫والسارقات ل يحصرن فى عدد محدد ‪ ،‬بل هن جمع ل يعلمه إل‬
‫الله‪.‬‬
‫فأنت ترى أن اللفظ فى " السارق " و " السارقة " وإن كان‬
‫مفردا ً ‪ ،‬فهو من حيث المعنى جمع ل حصر له فى النوعين معا‪ً:‬‬
‫الذكور والناث‪.‬‬
‫الجهة الثانية‪ :‬إن السارق أو السارقة قد تتكرر منهما السرقة ‪،‬‬
‫فيقام عليهما الحد مرة أخرى بقدر مرات السرقة‪.‬‬
‫وعلى كل الوضعين (الجهة الولى والجهة الثانية) تكون كلمة‪" :‬‬
‫أيدى " جمعا‪ .‬مضافة إلى الضمير " هما " فيها دللة ملحوظة‬
‫على الجمع كما رأيت‪ .‬وهذا ما ل يهتدى إليه أمثال مثيرى هذه‬
‫الشبهات‪.‬‬
‫أما آية " التحريم " فقد فسرها العلماء تفسيرين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن " صغت " بمعنى‪ :‬زاغت وأثمت ‪ ،‬وهذا تفسير ابن‬
‫عباس رضى الله عنه (‪.)5‬‬
‫وعلى هذا يكون مجىء القلبين جمعا ً فيه تهويل وتفظيع لما حدث‬
‫من زوجتى النبى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬من إفشاء سره عليه‬
‫السلم‪ ،‬لن فى ذلك ما يؤذيه صلى الله عليه وسلم (‪.)6‬‬
‫أما التفسير الثانى فهو قريب من الول ‪ ،‬وهو‪ " :‬إن صغت "‬
‫بمعنى زاغت أى مالت عن الحق والصواب (‪ )7‬وتوجيهه توجيه‬
‫التفسير الول‪.‬‬
‫وفى اليتين معنى لطيف غاية فى الطرافة والروعة والعجاز‬
‫وهو مراعاة اللفظ والمعنى معاً‪.‬‬
‫مراعاة اللفظ فى تثنية المضاف إليه ‪ ،‬وهو " هما " فى " أيديهما‬
‫" و"كما" فى " قلوبكما "‪.‬‬
‫ثم مراعاة المعنى فى جمع اليدى والقلوب‪.‬‬
‫فتثنية الضمير المضاف إليه فيهما جاءت حمل ً على اللفظ فى‪:‬‬
‫"السارق والسارقة "‪.‬‬
‫وجمع اليدى والقلوب جاء حمل ً على المعنى المفهوم من‬
‫إيحاءات المقام على وجه الحقيقة فى جمع اليدى‪.‬‬
‫والمفهوم من المقام على وجه التنزيل التهويلى فى جمع‬
‫القلوب‪.‬‬
‫أجل‪ :‬إن القرآن ل تنتهى عجائبه ‪ ،‬ول تجف ينابيعه ‪ ،‬لنه تنزيل‬
‫من حكيم حميد‪.‬‬
‫(‪ )1‬التحريم‪.4 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المصون (‪.)10/366‬‬
‫(‪ )3‬المائدة‪.38 :‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬المصدر نفسه (‪.)4/262‬‬

‫‪643‬‬
‫(‪ )5‬فتح القدير للمام الشوكانى (‪.)5/301‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪:‬القصة بتمامها فى كتاب من كتب التفسير‪ :‬تفسير‬
‫سورة " التحريم " ؛ وليكن السابق ـ مثلً‪.‬‬
‫(‪ )7‬الدر المصون (‪.)10/265‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫ب المضاف إليه !‬ ‫‪ -64‬ص ُ‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫منشأ هذه الشبهة‪:‬‬


‫هو قوله تعالى‪( :‬ولئن أذقناه نعماء بعد ضراءَ مسته ليقولن ذهب‬
‫السيئات عنى إنه لفرح فخور ) (‪.)1‬‬
‫وشاهدهم فى هذه الية هى كلمة " ضراءَ " وهى مضاف إليه ‪،‬‬
‫والمضاف هو كلمة " بعد " وقد رأوا فتحة بعد " الراء " فوق‬
‫الهمزة من كلمة " ضراءَ " فأملى عليهم جهلهم أن القرآن أخطأ‬
‫فنصب المضاف ‪ ،‬وهو من حقه أن يُجر ؟!‬
‫ثم قالوا‪( :‬وكان يجب أن يجر المضاف إليه فيقول‪ " :‬بَعْد َ ضراءِ‬
‫")‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫المضاف إليه فى الية " ضراءَ " مجرور ل منصوب ‪ ،‬وهو ممنوع‬
‫من الصرف ‪ ،‬والمانع له من الصرف ألف التأنيث الممدودة‪.‬‬
‫وتلميذ العدادى يعرفون أن الممنوع من الصرف يُجر بالفتحة‬
‫نيابة عن الكسرة‪.‬‬
‫ولذلك وضعت الفتحة فوق الهمزة بعد الراء‪ .‬فهذه الفتحة علمة‬
‫جر ل علمة نصب‪ .‬والممنوع من الصرف ل يجر بالفتحة إل فى‬
‫حالتين‪:‬‬
‫أن يكون مضافا ً ‪ ،‬أو معرفا ً باللف واللم‪.‬‬
‫و " ضراء " فى الية ليست مضافا ً ‪ ،‬ول معرفة باللف واللم‪.‬‬
‫وفى جر الممنوع من الصرف يقول ابن مالك‪:‬‬
‫وجر بالفتحة ما ل ينصـرف ما لم يضف أو يك بعد أل ردف (‪)1‬‬
‫هود‪.10 :‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫‪ -65‬هل تناقض القرآن فى مادة خلق النسان‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫يعطى القرآن معلومات مختلفة عن خلق النسان‪ ..‬من ماء مهين‬


‫(المرسلت‪ )20 :‬من ماء (النبياء‪..)30 :‬‬

‫‪644‬‬
‫من نطفة (يس‪ ..)77 :‬من طين (السجدة‪ ..)7 :‬من علق (العلق‪:‬‬
‫‪ ..)2‬من حمأ مسنون (الحجر‪..)26 :‬‬
‫ولم يك شيئًا (مريم‪.)67 :‬‬
‫حا فى نفس الوقت ؟ (انتهى)‪.‬‬ ‫فكيف يكون كل ذلك صحي ً‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫ليس هناك أدنى تناقض بل ول حتى شبهة تناقض بين ما جاء فى‬
‫القرآن الكريم من معلومات عن خلق النسان‪ ..‬وحتى يتضح ذلك‬
‫‪ ،‬يلزم أن يكون هناك منهج علمى فى رؤية هذه المعلومات ‪،‬‬
‫التى جاءت فى عديد من آيات القرآن الكريم‪ ..‬وهذا المنهج‬
‫العلمى يستلزم جمع هذه اليات‪ ..‬والنظر إليها فى تكاملها‪..‬‬
‫مع التمييز بين مرحلة خلق الله للنسان الول آدم ـ عليه السلم‬
‫ـ ومرحلة الخلق لسللة آدم ‪ ،‬التى توالت وتكاثرت بعد خلق حواء‬
‫‪ ،‬واقترانها بآدم ‪ ،‬وحدوث التناسل عن طريق هذا القتران‬
‫والزواج‪..‬‬
‫* لقد خلق الله ـ سبحانه وتعالى ـ النسان الول ـ آدم ـ فأوجده‬
‫بعد أن لم يكن موجودًا‪ ..‬أى أنه قد أصبح " شيئًا " بعد أن لم يكن‬
‫" شيئًا " موجودًا‪.‬‬
‫وإنما كان وجوده فقط فى العلم اللهى‪ ..‬وهذا هو معنى الية‬
‫الكريمة (أو ل يذكر النسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئًا ) (‬
‫‪.)1‬‬
‫* أما مراحل خلق الله ـ سبحانه وتعالى ـ لدم‪ ..‬فلقد بدأت بـ‬
‫[ التراب ] الذى أضيف إليه [ الماء ] فصار [ طينًا ] ثم تحول هذا‬
‫الطين إلى [ حمأ ] أى أسود منتنًا ‪ ،‬لنه تغير والمتغير هو‬
‫[ المسنون ]‪ ..‬فلما يبس هذا الطين من غير أن تمسه النار‬
‫سمى [ صلصال ً ] لن الصلصال هو الطين اليابس من غير أن‬
‫ل ‪ ،‬أى يُصوِّت ‪ ،‬من يبسه أى‬ ‫تمسه نار ‪ ،‬وسمى صلصال ً لنه يص ّ‬
‫له صوت ورنين‪.‬‬
‫وبعد مراحل الخلق هذه ـ التراب‪ ..‬فالماء‪ ..‬فالطين‪ ..‬فالحمأ‬
‫المسنون‪ ..‬فالصلصال ـ نفخ الله سبحانه وتعالى فى " مادة "‬
‫الخلق هذه من روحه ‪ ،‬فغدا هذا المخلوق " إنسانًا " هو آدم عليه‬
‫السلم‪.‬‬
‫* وعن هذه المراحل تعبر اليات القرآنية ‪ ،‬فتصور تكامل‬
‫المراحل ـ وليس التعارض المتوهم والموهوم ـ فتقول هذه الية‬
‫الكريمة‪( :‬إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ) (‬
‫‪ .)2‬فبالتراب كانت البداية (الذى أحسن كل شىء خلقه وبدأ خلق‬
‫النسان من طين ) (‪ .)3‬وذلك عندما أضيف الماء إلى التراب‬

‫‪645‬‬
‫(فاستفتهم أهم أشد خلقًا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين‬
‫لزب ) (‪ )4‬وذلك عندما زالت قوة الماء عن الطين ‪ ،‬فأصبح "‬
‫لزبًا " أى جامدًا‪.‬‬
‫* وفى مرحلة تغير الطين ‪ ،‬واسوداد لونه ‪ ،‬ونتن رائحته ‪ ،‬سمى [‬
‫حمأ ً مسنونًا ] ‪ ،‬لن الحمأ هو الطين السود المنتن‪ ..‬والمسنون‬
‫سنَّه) هو الذى لم يتغير‪ ..‬وعن هذه‬ ‫هو المتغير‪ ..‬بينما الذى (لم يَت َ َ‬
‫المرحلة عبرت اليات‪( :‬ولقد خلقنا النسان من صلصال من حمأ‬
‫مسنون * والجان خلقناه من قبل من نار السموم * وإذ قال ربك‬
‫للملئكة إنى خالق بشًرا من صلصال من حمأ مسنون * فإذا‬
‫سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين * فسجد‬
‫الملئكة كلهم أجمعون * إل إبليس أبى أن يكون مع الساجدين *‬
‫قال يا إبليس مالك أل تكون مع الساجدين * قال لم أكن لسجد‬
‫لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون * قال فاخرج منها‬
‫فإنك رجيم * وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين ) (‪.)5‬‬
‫تلك هى مراحل خلق النسان الول ‪ ،‬توالت فيها وتتابعت‬
‫وتكاملت معانى المصطلحات‪ :‬التراب‪ ..‬والماء‪..‬‬
‫والطين‪ ..‬والحمأ المسنون‪ ..‬والصلصال‪ ..‬دونما أية شبهة‬
‫للتعارض أو التناقض‪.‬‬
‫* وكذلك الحال والمنهاج مع المصطلحات التى وردت باليات‬
‫القرآنية التى تحدثت عن خلق سللة آدم ـ عليه السلم ـ‪.‬‬
‫فكما تدرج خلق النسان الول آدم من التراب إلى الطين‪ ..‬إلى‬
‫الحمأ المسنون‪ ..‬إلى الصلصال‪ ..‬حتى نفخ الله فيه من روحه‪..‬‬
‫كذلك تدرج خلق السللة والذرية بدءا ً من [ النطفة ] ـ التى هى‬
‫ى ]‪ ..‬إلى [ العَلَقَة‬‫الماء الصافى ـ ويُعَبَُّر بها عن ماء الرجل [ المن ّ‬
‫] التى هى الدم الجامد ‪ ،‬الذى يكون منه الولد ‪ ،‬لنه يعلق ويتعلق‬
‫بجدار الرحم إلى [ المضغة ] وهى قطعة اللحم التى لم تنضج ‪،‬‬
‫والمماثلة لما يمضغ بالفم‪..‬‬
‫إلى [ العظام ]‪ ..‬إلى [ اللحم ] الذى يكسو العظام‪ ..‬إلى‬
‫[ الخلق الخر ] الذى أصبح بقدرة الله فى أحسن تقويم (‪.)6‬‬
‫ومن اليات التى تحدثت عن توالى وتكامل هذه المراحل فى‬
‫خلق وتكوين نسل النسان الول وسللته ‪ ،‬قول الله سبحانه‬
‫وتعالى‪( :‬يا أيها الناس إن كنتم فى ريب من البعث فإنا خلقناكم‬
‫من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير‬
‫مخلقة لنبين لكم ونقر فى الرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم‬
‫نخرجكم طفل ً ثم لتبلغوا أشدّكم ومنكم من يتوفى ومنكم من‬
‫يرد إلى أرذل العمر لكيل يعلم من بعد علم شيئًا ) (‪.)7‬‬

‫‪646‬‬
‫وقوله سبحانه‪( :‬ولقد خلقنا النسان من سللة من طين * ثم‬
‫جعلناه نطفة فى قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا‬
‫ما ثم‬‫ما فكسونا العظام لح ً‬ ‫العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظا ً‬
‫أنشأناه خلقًا آخر * فتبارك الله أحسن الخالقين ) (‪.)8‬‬
‫* وإذا كانت [ النطفة ] هى ماء الرجل‪ ..‬فإنها عندما تختلط بماء‬
‫المرأة ‪ ،‬توصف بأنها [ أمشاج ] ـ أى مختلطة ـ كما جاء فى قوله‬
‫تعالى‪( :‬إنا خلقنا النسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعًا‬
‫بصيًرا ) (‪.)9‬‬
‫* كما توصف هذه [ النطفة ] بأنها [ ماء مهين ] لقلته وضعفه‪..‬‬
‫وإلى ذلك تشير اليات الكريمة‪( :‬الذى أحسن كل شىء خلقه‬
‫وبدأ خلق النسان من طين * ثم جعل نسله من سللة من ماء‬
‫مهين ) (‪( .)10‬ألم نخلقكم من ماء مهين * فجعلناه فى قرار‬
‫مكين * إلى قَدَرٍ معلوم * فقدرنا فنعم القادرون ) (‪.)11‬‬
‫* وكذلك ‪ ،‬وصفت [ النطفة ] ـ أى ماء الرجل ـ بأنه [ دافق ]‬
‫م َّ‬
‫م‬ ‫لتدفقه واندفاعه‪ ..‬كما جاء فى الية الكريمة (فلينظر النسان ِ‬
‫خلق * خلق من ماء دافق * يخرج من بين الصلب والترائب ) (‬
‫‪.)12‬‬
‫هكذا عبر القرآن الكريم عن مراحل الخلق‪ ..‬خلق النسان‬
‫الول‪ ..‬وخلق سللت وذريات هذا النسان‪..‬‬
‫وهكذا قامت مراحل الخلق ‪ ،‬ومصطلحات هذه المراحل ‪ ،‬شواهد‬
‫على العجاز العلمى للقرآن الكريم‪.‬‬
‫عندما جاء العلم الحديث ليصدق على هذه المراحل ومصطلحاتها‬
‫‪ ،‬حتى لقد انبهر بذلك علماء عظام فاهتدوا إلى السلم‪.‬‬
‫فكيف يجوز ـ بعد ذلك ومعه ـ أن يتحدث إنسان عن وجود‬
‫تناقضات بين هذه المصطلحات‪ ..‬لقد صدق الله العظيم إذ يقول‪:‬‬
‫(أفل يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه‬
‫اختلفًا كثيًرا ) (‪.)13‬‬
‫(‪ )1‬مريم‪.67 :‬‬
‫(‪ )2‬آل عمران‪.59 :‬‬
‫(‪ )3‬السجدة‪.7 :‬‬
‫(‪ )4‬الصافات‪.11 :‬‬
‫(‪ )5‬الحجر‪26 :‬ـ ‪ .35‬انظر معانى المصطلحات الواردة فى هذه‬
‫اليات فى‪ :‬الراغب الصفهانى أبو القاسم الحسين بن محمد‬
‫[ المفردات فى غريب القرآن ] طبعة دار التحرير ـ القاهرة ـ‬
‫سنة ‪1991‬م و[ لسان العرب ] ـ لبن منظور ـ طبعة دار المعارف ـ‬
‫القاهرة‪.‬‬

‫‪647‬‬
‫(‪ )6‬انظر فى معانى هذه المصطلحات [ المفردات فى غريب‬
‫القرآن ] ـ مصدر سابق ـ‪.‬‬
‫(‪ )7‬الحج‪.5 :‬‬
‫(‪ )8‬المؤمنون‪12 :‬ـ ‪.14‬‬
‫(‪ )9‬النسان‪.2 :‬‬
‫(‪ )10‬السجدة‪7 :‬ـ ‪.8‬‬
‫(‪ )11‬المرسلت‪20 :‬ـ ‪.23‬‬
‫(‪ )12‬الطارق‪5 :‬ـ ‪.7‬‬
‫(‪ )13‬النساء‪.82 :‬‬
‫‪-----------------------‬‬
‫‪ -66‬حول موقف القرآن من الشرك بالله‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫يوضح القرآن أن الله ل يغفر أن يشرك به (سورة النساء آية‪:‬‬


‫‪ .)48‬ومع ذلك فقد غفر الله لبراهيم ـ عليه السلم ـ بل جعله نبيّا‬
‫رغم أنه عبد النجوم والشمس والقمر (النعام‪76 :‬ـ ‪ .)78‬فما‬
‫الجابة ؟ (انتهى)‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫الشرك محبط للعمل‪( :‬قل أفغير الله تأمرونى أعبد أيها‬
‫الجاهلون * ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت‬
‫ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من‬
‫الشاكرين ) (‪( )1‬إن الله ل يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك‬
‫ما ) (‪.)2‬‬
‫ما عظي ً‬‫لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إث ً‬
‫والنبياء والرسل هم صفوة الله من خلقه ‪ ،‬يصطفيهم‬
‫ويستخلصهم ‪ ،‬ويصنعهم على عينه ‪ ،‬وينزههم حتى قبل البعثة‬
‫لهم والوحى إليهم عن المور التى تخل بجدارتهم للنبوة‬
‫والرسالة‪ ..‬ومن ذلك الشرك ‪ ،‬الذى لو حدث منهم واقترفوه‬
‫لكان مبرًرا لغيرهم أن يقترفه ويقع فيه‪ ..‬ولذلك ‪ ،‬لم يرد فى‬
‫القرآن الكريم ما يقطع بشرك أحد من النبياء والرسل قبل‬
‫بعثته‪ ..‬بمن فى ذلك أبو النبياء وخليل الرحمن إبراهيم ـ عليه‬
‫السلم ـ‪.‬‬
‫أما اليات التى يشير إليها السؤال‪ ..‬وهى قول الله سبحانه‬
‫ما آلهة إنى أراك‬ ‫وتعالى‪( :‬وإذ قال إبراهيم لبيه آزر أتتخذ أصنا ً‬
‫وقومك فى ضلل مبين * وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات‬
‫والرض وليكون من الموقنين * فلما جن عليه الليل رأى كوكبًا‬
‫قال هذا ربى فلما أفل قال ل أحب الفلين * فلما رأى القمر‬

‫‪648‬‬
‫بازغًا قال هذا ربى فلما أفل قال لئن لم يهدنى ربى لكونن من‬
‫القوم الضالين * فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربى هذا أكبر‬
‫فلما أفلت قال يا قوم إنى برئ مما تشركون * إنى وجهت‬
‫وجهى للذى فطر السموات والرض حنيفًا وما أنا من المشركين‬
‫جونى فى الله وقد هدان ول أخاف ما‬ ‫جه قومه قال أتحا ّ‬‫* وحا ّ‬
‫ما أفل‬‫تشركون به إل أن يشاء ربى شيئًا وسع ربى كل شىء عل ً‬
‫تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ول تخافون أنكم أشركتم‬
‫بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانًا فأى الفريقين أحق بالمن إن‬
‫كنتم تعلمون * الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم‬
‫المن وهم مهتدون * وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع‬
‫درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ) (‪.)3‬‬
‫أما هذه اليات ‪ ،‬فليس فيها دليل على أن إبراهيم ـ عليه السلم‬
‫ـ قد مر بمرحلة شرك ‪ ،‬وحاشا لله أن يقع فى ذلك‪ ،‬وإنما هى‬
‫تحكى كيف آتى الله إبراهيم الحجة على قومه‪ ..‬حجة التوحيد ‪،‬‬
‫ودحض الشرك‪..‬‬
‫فهى حجاج وحوار يسلم فيه إبراهيم جدل ً ـ كشأن الحوار ـ بما‬
‫يشركون ‪ ،‬لينقض هذا الشرك ‪ ،‬ويقيم الحجة على تهاوى ما به‬
‫يحتجون ‪ ،‬وعلى صدق التوحيد المركوز فى فطرته‪ ..‬ليخلص من‬
‫هذا الحوار والحجاج والحتجاج إلى أن الخيار الوحيد المتبقى ـ‬
‫بعد هذه الخيارات التى سقطت ـ هو التوحيد‪..‬‬
‫فهو حوار التدرج من توحيد الفطرة إلى التوحيد القائم على‬
‫المنطق والبرهان والستدلل ‪ ،‬الذى فند دعاوى وحجج الخصوم‪..‬‬
‫والستدلل اليقينى (وليكون من الموقنين (وليس فيه انتقال من‬
‫الشرك إلى التوحيد‪.‬‬
‫تلك هى الحقيقة التى رجحها المفسرون‪.‬‬
‫* فالقرطبى ‪ ،‬أبو عبد الله محمد بن أحمد النصارى [‪671‬هـ‬
‫‪1273‬م] يقول فى تفسيره [ الجامع لحكام القرآن ] ـ مورد الراء‬
‫المختلفة حول هذا الموضوع‪:‬‬
‫قوله تعالى‪( :‬هذا ربى (اختلف فى معناه على أقوال ‪ ،‬فقيل‪ :‬كان‬
‫مهلة النظر وحال الطفوليّة وقبل قيام الحجة ‪ ،‬وفى‬ ‫هذا منه فى ُ‬
‫تلك الحال ل يكون كفر ول إيمان‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬هذا ل يصح ‪ ،‬وقالوا‪ :‬غير جائز أن يكون لله تعالى‬
‫حد وبه‬ ‫رسول يأتى عليه وقت من الوقات إل وهو لله تعالى مو ِّ‬
‫عارف ‪ ،‬ومن كل معبود سواه برئ‪ .‬قالوا‪ :‬وكيف يصح أن يتوهم‬
‫ل ‪ ،‬وأراه ملكوته‬ ‫هذا على من عصمه الله وأتاه رشده من قب ُ‬
‫ليكون من الموقنين ‪ ،‬ول يجوز أن يوصف بالخلو من المعرفة ‪،‬‬
‫بل عرف الرب أول النظر‪ ..‬وقد أخبر الله تعالى عن إبراهيم أنه‬

‫‪649‬‬
‫ى أن نعبد الصنام ) (‪ )4‬وقال عز وجل‪( :‬إذ‬ ‫قال‪( :‬واجنبنى وبن ّ‬
‫جاء ربه بقلب سليم ) (‪ )5‬أى لم يشرك قط‪ ..‬لقد قال‪( :‬هذا ربى‬
‫(على قول قومه ‪ ،‬لنهم كانوا يعبدون الصنام والشمس والقمر‪.‬‬
‫ونظير هذا قوله تعالى‪( :‬أين شركائى ) (‪ .)6‬وهو جل وعل واحد ل‬
‫شريك له ‪ ،‬والمعنى‪ :‬أين شركائى على قولكم‪..‬‬
‫حجة على قومه ‪ ،‬فأظهر‬ ‫وقيل‪ :‬إنما قال‪( :‬هذا ربى (لتقرير ال ُ‬
‫َ‬
‫حجة ‪ ،‬وقال‪ :‬ما تَغَي َّر ل يجوز‬ ‫موافقتهم ‪ ،‬فلما أفل النجم قّرر ال ُ‬
‫أن يكون ربًّا ‪ ،‬وكانوا يعظمون النجوم ويعبدونها ويحكمون بها‪.‬‬
‫ومن أحسن ما قيل فى هذا ما صح عن ابن عباس أنه قال فى‬
‫قوله ـ عز وجل ـ‪( :‬نور على نور ) (‪ )7‬قال‪ :‬كذلك قلب المؤمن‬
‫يعرف الله عز وجل ويستدل عليه بقلبه ‪ ،‬فإذا عرفه ازداد نوًرا‬
‫على نور ‪ ،‬وكذلك إبراهيم ـ عليه السلم ـ ‪ ،‬عرف الله عز وجل‬
‫بقلبه واستدل عليه بدلئله ‪ ،‬فعلم أن له ربًّا وخالقًا‪.‬‬
‫فلما عَّرفه الله عز وجل بنفسه ازداد معرفة فقال‪( :‬أتحاجونى‬
‫فى الله وقد هدان (‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو على معنى الستفهام والتوبيخ ‪ ،‬منكًرا لفعلهم ‪،‬‬
‫والمعنى‪ :‬أهذا ربى ‪ ،‬أو مثل هذا يكون ربًّا ؟! فحذف الهمزة‪.‬‬
‫وفى التنزيل‪( " :‬أفإن مت فهم الخالدون ) (‪ .)8‬أى أفهم‬
‫الخالدون ؟‪.)9( " ..‬‬
‫ضا الزمخشرى ‪ ،‬أبو القاسم جار الله محمود‬ ‫* ومع هذا الرأى أي ً‬
‫بن عمر الخوارزمى [‪ 467‬ـ ‪538‬هـ ‪ 1075‬ـ ‪1144‬م ] ‪ ،‬صاحب تفسير‬
‫[ الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون القاويل فى وجوه التأويل ]‬
‫الذى يقول فى تفسير هذه اليات‪:‬‬
‫" وكان أبوه آزر وقومه يعبدون الصنام والشمس والقمر‬
‫والكواكب ‪ ،‬فأراد أن ينبههم على الخطأ فى دينهم ‪ ،‬وأن يرشدهم‬
‫إلى طريق النظر والستدلل ‪ ،‬ويعّرِفهم أن النظر الصحيح مؤدٍّ‬
‫إلى أن شيئًا منها ل يصح أن يكون إلها ‪ ،‬لقيام دليل الحدوث‬
‫حدِثًا أحدثها وصان ًعا صنعها ومدبًرا دبر طلوعها‬ ‫م ْ‬ ‫فيها ‪ ،‬وأن وراءها ُ‬
‫وأفولها وانتقالها ومسيرها وسائر أحوالها "‪.‬‬
‫(هذا ربى (‪ :‬قول من ينصف خصمه مع علمه بأنه مبطل ‪،‬‬
‫فيحكى قوله كما هو غير متعصب لمذهبه ‪ ،‬لن ذلك أدعى إلى‬
‫شغَب ‪ ،‬ثم يكُّر عليه بعد حكايته فيبطله‬ ‫الحق وأنجى من ال َّ‬
‫حجة‪.‬‬
‫بال ُ‬
‫(ل أحب الفلين (‪ :‬ل أحب عبادة الرباب المتغيرين من حال إلى‬
‫حال ‪ ،‬المنتقلين من مكان إلى مكان ‪ ،‬المحتجبين بستر ‪ ،‬فإن‬
‫جرام‪.‬‬ ‫ذلك من صفات ال ْ‬

‫‪650‬‬
‫(لئن لم يهدنى ربى (‪ :‬تنبيه لقومه على أن من اتخذ القمر إلها‬
‫وهو نظير الكواكب فى الفول فهو ضال ‪ ،‬وأن الهداية إلى الحق‬
‫بتوفيق الله ولطفه‪..‬‬
‫(إنى وجهت وجهى للذى فطر السموات والرض (أى للذى دلت‬
‫هذه المحدثات عليه وعلى أنه مبتدئها ومبدعها (‪.)10‬‬
‫ضا من المحدثين ـ الشيخ عبد الوهاب النجار‬ ‫* وعلى هذا الرأى أي ً‬
‫[ ‪1278‬ـ ‪1360‬هـ ‪1862،‬ـ ‪1941‬م] ـ صاحب [ قصص النبياء ] ـ الذى‬
‫يقول‪ " :‬لقد أتى إبراهيم فى الحتجاج لدينه وتزييف دين قومه‬
‫بطريقة التدرج فى اللزام أو التدرج فى تكوين العقيدة‪.)11( " ..‬‬
‫وذلك هو موقف إبراهيم الخليل ـ عليه السلم ـ من الشرك‪ ..‬لقد‬
‫عصمه الله منه‪ ..‬وإنما هى طريقة فى الجدال يتدرج بها مع‬
‫قومه ‪ ،‬من منطلقاتهم ليصل إلى هدم هذه المنطلقات ‪ ،‬وإلى‬
‫إقامة الدليل العقلى على عقيدة التوحيد الفطرية المركوزة فى‬
‫القلوب‪.‬‬
‫(‪ )1‬الزمر‪64 :‬ـ ‪.66‬‬
‫(‪ )2‬النساء‪.48 :‬‬
‫(‪ )3‬النعام‪74 :‬ـ ‪.83‬‬
‫(‪ )4‬إبراهيم‪.35 :‬‬
‫(‪ )5‬الصافات‪.84 :‬‬
‫(‪ )6‬القصص‪.74 :‬‬
‫(‪ )7‬النور‪.35 :‬‬
‫(‪ )8‬النبياء‪.34 :‬‬
‫(‪ [ )9‬الجامع لحكام القرآن ] ج ‪ 7‬ص ‪ ، 26 ، 25‬طبعة دار الكاتب‬
‫العربى للطباعة والنشر ـ القاهرة ‪1387‬هـ ‪1967‬م‪.‬‬
‫(‪ [ )10‬الكشاف ] ج ‪ 2‬ص ‪ 31 ، 30‬طبعة دار الفكر ـ بيروت ـ بدون‬
‫تاريخ ـ وهى طبعة مصورة عن طبعة طهران " انتشارات أفتاب ـ‬
‫تهران " وهى الخرى بدون تاريخ للطبع‪.‬‬
‫(‪ [ )11‬قصص النبياء ] ص ‪ 80‬طبعة دار إحياء التراث العربى ـ‬
‫بيروت ـ لبنان ـ بدون تاريخ للطبع‪.‬‬
‫‪------------------------‬‬
‫‪ -67‬حول عصيان إبليس وهو من الملئكة الذين ل‬
‫يعصون الله‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫يؤكد القرآن أنه ل يمكن للملئكة أن تعصى الله [ التحريم‪] 6 :‬‬
‫ومع ذلك فقد عصى إبليس الذى كان من الملئكة ‪ ،‬كما فى الية‬
‫[ البقرة‪ ] 34 :‬فأيهما صحيح ؟‪( .‬انتهى)‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬

‫‪651‬‬
‫الملئكة مخلوقات مجبولة على طاعة الله وعبادته والتسبيح له‬
‫وبه‪ ..‬فهم ل يعصون الله سبحانه وتعالى‪(:‬يا أيها الذين آمنوا قوا‬
‫أنفسكم وأهليكم ناًرا وقودها الناس والحجارة عليها ملئكة غلظ‬
‫شداد ل يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) (‪.)1‬‬
‫ومع تقرير هذه الية أن هؤلء الملئكة القائمين على النار [ ل‬
‫يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ] يقرر القرآن الكريم‬
‫أن إبليس ـ وهو من الملئكة ـ فى قمة العصيان والعصاة‪( :‬وإذ‬
‫قلنا للملئكة اسجدوا لدم فسجدوا إل إبليس أبى واستكبر وكان‬
‫من الكافرين ) (‪.)2‬‬
‫وهناك إمكانية للجمع بين معانى اليتين ‪ ،‬وذلك بأن نقول‪ :‬إن‬
‫عموم الملئكة ل يعصون الله ـ سبحانه وتعالى ـ فهم مفطورون‬
‫ومجبولون على الطاعة‪ ..‬لكن هذا ل ينفى وجود صنف هم الجن ـ‬
‫ومنهم إبليس ‪ ،‬شملهم القرآن تحت اسم الملئكة ـ كما وصف‬
‫جنَّة ـ لخفائهم واستتارهم ـ وهذا الصنف من‬ ‫ضا بأنهم ِ‬‫الملئكة أي ً‬
‫الجن ‪ ،‬منهم الطائعون ومنهم العصاة‪..‬‬
‫وفى تفسير المام محمد عبده [‪ 1265‬ـ ‪1323‬هـ ‪ 1849،‬ـ ‪1905‬م] لية‬
‫[ لبقرة‪ ] 34 :‬يقول‪:‬‬
‫" أى سجدوا إل إبليس ‪ ،‬وهو فرد من أفراد الملئكة ‪ ،‬كما يفهم‬
‫من الية وأمثالها فى القصة ‪ ،‬إل آية الكهف فإنها ناطقة بأنه كان‬
‫من الجن‪ ..‬وليس عندنا دليل على أن بين الملئكة والجن فصلً‬
‫جوهريًا يميز أحدهما عن الخر ‪ ،‬وإنما هو اختلف أصناف ‪ ،‬عندما‬
‫تختلف أوصاف‪ .‬فالظاهر أن الجن صنف من الملئكة‪ .‬وقد أطلق‬
‫القرآن لفظ الجنَّة على الملئكة ‪ ،‬على رأى جمهور المفسرين‬
‫فى قوله تعالى‪( :‬وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) (‪ .)3‬وعلى‬
‫الشياطين فى آخر سورة الناس " (‪.)4‬‬
‫ضا عند القرطبى ـ فى تفسيره [ الجامع‬ ‫ونحن نجد هذا الرأى أي ً‬
‫لحكام القرآن ] فيقول‪:‬‬
‫سبْط من الملئكة ‪ ،‬خلقوا من‬ ‫" وقال سعيد بن جبير‪ :‬إن الجن ِ‬
‫خلق سائر الملئكة من نور‪ ..‬والملئكة قد‬ ‫نار ‪ ،‬وإبليس منهم ‪ ،‬و ُ‬
‫تسمى جنا لستتارها‪ .‬وفى التنزيل‪( :‬وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا‬
‫) (‪ )5‬وقال الشاعر أعشى قيس ـ فى ذكر سليمان ـ عليه‬
‫السلم‪:‬‬
‫ما لديه يعملون بل أجر (‪.)6‬‬ ‫ن الملئكة تسعة قيا ً‬ ‫خر من ج ّ‬ ‫س َّ‬
‫و َ‬
‫فل تناقض إذ ًا بين كون الملئكة ل يعصون الله‪ ..‬وبين عصيان‬
‫إبليس‪ ..‬وهو من الجن ‪ ،‬الذين أطلق عليهم اسم الملئكة ـ فهو‬
‫مثله كمثل الجن هؤلء منهم الطائعون ومنهم العصاة‪.‬‬
‫(‪ )1‬التحريم‪.6 :‬‬

‫‪652‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪.34 :‬‬
‫(‪ )3‬الصافات‪.158 :‬‬
‫(‪ [ )4‬العمال الكاملة للمام محمد عبده ] ج ‪ 4‬ص ‪ ، 133‬دراسة‬
‫وتحقيق‪ .‬د‪ .‬محمد عمارة ‪ ،‬طبعة دار الشروق‪ .‬القاهرة ‪1414‬هـ‬
‫‪1993‬م‪.‬‬
‫(‪ )5‬الصافات‪.158 :‬‬
‫(‪ [ )6‬الجامع لحكام القرآن ] ج ‪ 1‬ص ‪ 295 ، 294‬مصدر سابق‪.‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫‪ -68‬حول عصيان البشر‪ :‬مع أنهم من المخلوقات‬
‫الطائعة القانتة لله‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫كل المخلوقات فى السموات والرض طائعة وقانتة لله تعالى‬


‫[ الروم‪ ] 26 :‬ومع ذلك نجد حالت كثيرة من عدم الطاعة من‬
‫جانب البشر مثلً‪ [ :‬الحاقة‪( .] 10 :‬انتهى)‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫كل المخلوقات فى السموات والرض ‪ ،‬طائعة وقانتة لله ـ‬
‫سبحانه وتعالى ـ (وله من فى السموات والرض كل له قانتون )‬
‫(‪.)1‬‬
‫فهم قانتون لله ‪ ،‬أى خاضعون ومطيعون لرادته ـ سبحانه وتعالى‬
‫ـ ومع ذلك يشهد الواقع ‪ ،‬وتحكى اليات القرآنية الكثير من‬
‫حالت العصيان وعدم الطاعة من جانب البشر وذلك من مثل‬
‫قوله سبحانه‪:‬‬
‫(وجاء فرعون ومن قَبْلَه والمؤتفكات بالخاطئة * فعصوا رسول‬
‫ربهم فأخذهم أخذة رابية ) (‪.)2‬‬
‫ففى هذه الية وحدها إشارات إلى عصيان فرعون‪ ..‬وعصيان من‬
‫سبقه من المؤتفكات ـ أى قُرى قوم لوط ـ الذين أخذهم الله‬
‫أخذة رابية ‪ ،‬أى زائدة فى الشدة على غيرها‪.‬‬
‫بل إن تاريخ النسان هو صراع بين أهل العصيان‪ ..‬حتى أن‬
‫المأثور النبوى الشريف قد تحدث عن أن كل بنى آدم خطاء ‪،‬‬
‫وخير الخطائين التوابون‪.‬‬
‫فكيف يتسق شيوع العصيان فى البشر ‪ ،‬مع الية القرآنية التى‬
‫تحدثت عن أن كل من فى السموات والرض قانتون ـ أى‬
‫خاضعون ومطيعون ـ لله سبحانه وتعالى ؟‪..‬‬

‫‪653‬‬
‫إن مفتاح الجابة عن هذا التساؤل ‪ ،‬هو فهم أنواع الرادة اللهية‬
‫والقضاء اللهى‪ ..‬فالله سبحانه ل يريد العصيان ‪ ،‬ول يقضى‬
‫بالشر‪ ..‬لكن إرادته وقضاءه نوعان‪:‬‬
‫َ‬
‫خي ّرة‪ ..‬وذلك‬ ‫م َ‬
‫‪ 1‬ـ إرادة وقضاء تكوينى وحتمى للمخلوقات غير ال ُ‬
‫مثل القضاء الذى تتحدث عنه الية‪:‬‬
‫(فقضاهن سبع سموات فى يومين وأوحى فى كل سماء أمرها )‬
‫(‪.)3‬‬
‫(وإذا قضى أمًرا فإنما يقول له كن فيكون ) (‪.)4‬‬
‫ففى هذا اللون من المر اللهى والقضاء الربانى تكون‬
‫المخلوقات غير المختارة مجبولة على القنوت والطاعة والخضوع‬
‫لله سبحانه وتعالى‪..‬‬
‫‪ 2‬ـ إرادة وقضاء معهما تخيير‪..‬وذلك خاص بالنسان‬
‫خيَّر‪..‬المكلف‪ ..‬المسئول والذى له ـ بسبب هذا التخيير‬ ‫م َ‬‫ال ُ‬
‫والحرية ـ حساب وجزاء‪.‬‬
‫وإلى مثل هذا تشير اليتان‪( :‬وقضى ربك أل تعبدوا إل إياه‬
‫وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلهما فل‬
‫ما * واخفض لهما‬ ‫تقل لهما أف ول تنهرهما وقل لهما قول ً كري ً‬
‫جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا ) (‬
‫‪.)5‬‬
‫فنحن هنا أمام قضاء إلهى ‪ ،‬شاء الله سبحانه وتعالى أن يترك‬
‫للنسان المخير إزاءه حرية الطاعة والعصيان ليتميز الخبيث من‬
‫الطيب ‪ ،‬وليكون الجزاء وفق العمل والرادة والختيار‪ ..‬فالنسان‬
‫خيَّر ‪ ،‬الذى هداه الله النجدين ‪ ،‬له قدرات واستطاعات‬ ‫م َ‬‫ال ُ‬
‫الطاعة والعصيان‪ ..‬ولذلك كان من جنس النسان المؤمن‬
‫والكافر ‪ ،‬والمطيع والعاصى ومن يبتغى وجه الله ومن يبتغى غير‬
‫دين الله‪ ..‬بينما المخلوقات غير المختارة مجبولة على الطاعة‬
‫والخضوع (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من فى السموات‬
‫والرض طوع ًا وكرهًا وإليه يرجعون ) (‪ ، )6‬وقوله تعالى‪( :‬ولله‬
‫يسجد من فى السموات والرض طوع ًا وكرهًا ) (‪ ، )7‬وقوله‬
‫سبحانه وتعالى‪( :‬ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها‬
‫وللرض ائتيا طوع ًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين ) (‪.)8‬‬
‫ففى مخلوقات الله مخلوقات مجبولة على الطاعة والخضوع‪..‬‬
‫وفى هذه المخلوقات مخيرون ‪ ،‬منهم من يطيع ومنهم من يختار‬
‫العصيان ‪ ،‬فيبتغى غير دين الله !‪.‬‬
‫(‪ )1‬الروم‪.26 :‬‬
‫(‪ )2‬الحاقة‪ 9 :‬ـ ‪.10‬‬
‫(‪ )3‬فصلت‪.12 :‬‬

‫‪654‬‬
‫(‪ )4‬البقرة‪.117 :‬‬
‫(‪ )5‬السراء‪23 :‬ـ ‪.24‬‬
‫(‪ )6‬آل عمران‪.83 :‬‬
‫(‪ )7‬الرعد‪.15 :‬‬
‫(‪ )8‬فصلت‪.11 :‬‬
‫‪---------------‬‬
‫‪ -69‬حول مدة خلق السموات والرض‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫توضح كثير من سور القرآن أن السموات والرض قد خلقت فى‬


‫ستة أيام‪ .‬وهنا مشكلتان‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أنه من الثابت علميًا أن خلق السموات والرض قد‬
‫استغرق بليين السنين‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أنه فى التعبير القرآنى نفسه كانت مدة الخلق ثمانية أيام‬
‫بدل ً من ستة [ فصلت‪9 :‬ـ ‪.] 12‬‬
‫فكيف يمكن التوفيق بين هذه اليات ؟‪( .‬انتهى)‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫فى كثير من السور القرآنية تتحدث آيات كثيرة عن خلق الله‬
‫سبحانه وتعالى السموات والرض وتقدير ما فيهما فى ستة أيام‪..‬‬
‫ومن هذه اليات‪:‬‬
‫(إن ربكم الله الذى خلق السموات والرض فى ستة أيام ) (‪.)1‬‬
‫(وهو الذى خلق السموات والرض فى ستة أيام ) (‪.)2‬‬
‫(الذى خلق السموات والرض وما بينهما فى ستة أيام ) (‪.)3‬‬
‫(الله الذى خلق السموات والرض وما بينهما فى ستة أيام ) (‪.)4‬‬
‫(ولقد خلقنا السموات والرض وما بينهما فى ستة أيام ) (‪.)5‬‬
‫(هو الذى خلق السموات والرض فى ستة أيام ) (‪.)6‬‬
‫* وليس هناك تعارض بين تحديد زمن الخلق للسموات والرض‬
‫فى ستة أيام ‪ ،‬وبين ما يراه العلم من استغراق ذلك الخلق‬
‫بليين السنين ‪ ،‬ذلك أن المدى الزمنى " لليوم " عند الله ‪،‬‬
‫سبحانه وتعالى ليس هو المدى الزمنى " لليوم " فى العرف‬
‫والتقويم الذى تعارف عليه النسان فى هذه الحياة الدنيا‪ .‬وفى‬
‫القرآن الكريم آيات شاهدة على ذلك منها‪:‬‬
‫(أو كالذى مر على قرية وهى خاوية على عروشها قال أنى يحيى‬
‫هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت‬
‫ما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى‬ ‫قال لبثت يو ً‬
‫طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس‬

‫‪655‬‬
‫وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له‬
‫قال أعلم أن الله على كل شىء قدير ) (‪.)7‬‬
‫فبعض اليوم ‪ ،‬فى حساب النسان ـ هنا ـ بلغ مائة عام‪ ..‬أى قرابة‬
‫ما‬
‫‪ 37000‬يوم ! وكذلك الحال فى قصة أهل الكهف‪ ..‬فما حسبوه يو ً‬
‫أو بعض يوم قد بلغ ثلثمائة عام بالتقويم الشمسى وثلثمائة‬
‫وتسعة أعوام بالتقويم القمرى‪( ..‬قال قائل منهم كم لبثتم قالوا‬
‫ما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم ) (‪( ، )8‬ولبثوا‬ ‫لبثنا يو ً‬
‫فى كهفهم ثلث مائة سنين وازدادوا تسعًا * قل الله أعلم بما‬
‫لبثوا له غيب السموات والرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه‬
‫من ولى ول يشرك فى حكمه أحدا ) (‪.)9‬‬
‫* وكذلك الحال يوم ينفخ فى الصور ـ يوم البعث ـ يحسب بعض‬
‫ل‪ ..‬بينما‬
‫المجرمين أن مكثهم فى الدنيا لم يتجاوز عشر ليا ٍ‬
‫يحسب آخرون منهم أن مكثهم لم يتعد اليوم الواحد‪( :‬يوم ينفخ‬
‫فى الصور ونحشر المجرمين يوميئذ زرقا * يتخافتون بينهم إن‬
‫لبثتم إل عشرا * نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن‬
‫لبثتم إل يوما ) (‪.)10‬‬
‫* أما عند الله ‪ ،‬سبحانه وتعالى فإن لمصطلح " اليوم " مدى ل‬
‫يعلم حقيقة طوله وأمده إل هو‪( :‬ويستعجلونك بالعذاب ولن‬
‫ما عند ربك كألف سنة مما تعدون ) (‪.)11‬‬ ‫يخلف الله وعده وإن يو ً‬
‫والية ل تحدده بألف سنة مما نعد نحن فى تقويمنا‪ ..‬وإنما‬
‫تستخدم أداة التشبيه ـ الكاف ـ (كأَلْف) ليظل المدى غير معلوم‬
‫لنا فى هذه الحياة‪ ..‬وغير ممكن التحديد بوحداتنا نحن فى‬
‫القياس الزمنى‪.‬‬
‫فيوم الدين ـ الجزاء ـ‪ ..‬وأيام الله‪ ..‬واليام الستة التى خلق الله‬
‫فيها السموات والرض‪ ..‬مداها ـ بمقاييس أيامنا نحن ـ ل يعلمها‬
‫إل الله ‪ ،‬سبحانه وتعالى‪..‬‬
‫* ثم إن ما اكتشفه العلم من سرعات للصوت‪ ..‬وسرعات‬
‫للضوء‪ ..‬وزمن للضوء ـ سنة ضوئية ـ يجعل تفاوت واختلف‬
‫المفاهيم والمقاييس لمصطلح " اليوم " أمًرا مقرًرا ومألوفًا‪.‬‬
‫هذا عن المشكلة الولى من مشكلتى السؤال‪..‬‬
‫أما المشكلة الثانية ـ من مشكلتى السؤال ـ والخاصة بحديث‬
‫بعض اليات القرآنية عن أن الخلق للسموات والرض قد يفهم‬
‫على أنه قد استغرق ثمانية أيام ‪ ،‬وليس ستة أيام‪ ..‬وهى آيام‬
‫سورة فصلت‪( :‬قل أئنكم لتكفرون بالذى خلق الرض فى يومين‬
‫وتجعلون له أندادًا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسى من‬
‫فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين‬
‫* ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللرض ائتيا طوع ًا‬

‫‪656‬‬
‫أو كرهًا قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سموات فى يومين‬
‫وأوحى فى كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظًا‬
‫ذلك تقدير العزيز العليم ) (‪.)12‬‬
‫هذه " المشكلة " ل وجود لها !‪ ..‬فليس هناك تناقض ول تفاوت‬
‫بين المدة الزمنية التى جاءت فى هذه اليات وبين اليات الخرى‬
‫التى ورد فيها تحديد اليام الستة‪..‬‬
‫ففى هذه اليات ـ من سورة فصلت ـ نجد أن الله سبحانه‬
‫وتعالى يخبرنا بأنه‪( :‬خلق الرض فى يومين (‪.‬‬
‫ثم (جعل فيها رواسى من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها‬
‫(فى تمام (أربعة أيام (‪ ..‬أى فى يومين آخرين يضافان إلى‬
‫اليومين اللذين خلق فيهما الرض ‪ ،‬فيكون المجموع أربعة أيام‪..‬‬
‫وليس واردًا أن يكون خلق الرواسى وتقدير القوات قد استغرق‬
‫أربعة أيام‪..‬‬
‫ولعل الشبهة ـ التى جاءت فى السؤال ـ قد أتت من هنا‪ ..‬أى من‬
‫توهم إضافة أربعة إلى اليومين اللذين خلقت فيهما الرض ‪،‬‬
‫فيكون المجموع ستة‪ ..‬وإذا أضيف إليها اليومان اللذان خلقت‬
‫فيهما السماء (فقضاهن سبع سموات فى يومين (يكون المجموع‬
‫ثمانية أيام ‪ ،‬وليس ستة أيام‪ ..‬لكن إزالة هذه الشبهة متحققة‬
‫بإزالة هذا الوهم‪ ..‬فالرض خلقت فى يومين‪ ..‬وخلق الرواسى‬
‫وتقدير القوات قد استغرق ما تمم اليومين أربعة أيام‪ ..‬أى‬
‫استغرق هو الخر يومين‪ ..‬ثم استغرق خلق السموات السبع‬
‫يومين‪ ..‬فكان المجموع ستة أيام من أيام الله ‪ ،‬سبحانه وتعالى‪..‬‬
‫ولقد نبه المفسرون على هذه الحقيقة ـ المزيلة لهذا الوهم ـ‬
‫فقال القرطبى‪( " :‬فى أربعة أيام (‪ .‬ومثاله قول القائل‪ :‬خرجت‬
‫من البصرة إلى بغداد فى عشرة أيام وإلى الكوفة فى خمسة‬
‫ما " (‪.)13‬‬
‫ما ‪ ،‬أى فى تتمة خمسة عشر يو ً‬ ‫عشر يو ً‬
‫وقال الزمخشرى‪:‬‬
‫" (فى أربعة أيام (فذلكة (‪ )14‬لمدة خلق الله الرض وما فيها ‪،‬‬
‫كأنه قال‪ :‬كل ذلك فى أربعة أيام كاملة مستوية بل زيادة ول‬
‫نقصان‪ ..‬وقال الزجاج‪ :‬فى تتمة أربعة أيام ‪ ،‬يريد بالتتمة اليومين‬
‫" (‪.)15‬‬
‫فهذه اليات ـ من سورة فصلت ـ تؤكد هى الخرى ـ على أن‬
‫خلق السموات والرض إنما تم فى ستة أيام‪ ..‬ومن ثم فل‬
‫تناقض بين آيات القرآن ول تفاوت فى مدة الخلق اللهى‬
‫للسموات والرض‪ ..‬وحاشا أن يكون شىء من ذلك فى الذكر‬
‫الحكيم‪.‬‬
‫(‪ )1‬العراف‪ ، 54 :‬يونس‪.3 :‬‬

‫‪657‬‬
‫(‪ )2‬هود‪.7 :‬‬
‫(‪ )3‬الفرقان‪.59 :‬‬
‫(‪ )4‬السجدة‪.4 :‬‬
‫(‪ )5‬ق‪.38 :‬‬
‫(‪ )6‬الحديد‪.4 :‬‬
‫(‪ )7‬البقرة‪.259 :‬‬
‫(‪ )8‬الكهف‪.19 :‬‬
‫(‪ )9‬الكهف‪25 :‬ـ ‪.26‬‬
‫(‪ )10‬طه‪102 :‬ـ ‪.104‬‬
‫(‪ )11‬الحج‪.47 :‬‬
‫(‪ )12‬فصلت‪9 :‬ـ ‪.12‬‬
‫(‪ [ )13‬الجامع لحكام القرآن ] ج ‪ 15‬ص ‪ 343‬ـ مصدر سابق‪.‬‬
‫(‪ )14‬الفذلكة‪ :‬جملة ما فصل وخلصته‪.‬‬
‫(‪ [ )15‬الكشاف ] ج ‪ 3‬ص ‪ 444‬ـ مصدر سابق‪.‬‬
‫‪----------------‬‬
‫‪ -70‬حول خلف القرآن للكتاب المقدس فى أسماء‬
‫بعض الشخصيات التاريخية‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫يعطى القرآن أسماء لبعض الشخصيات التاريخية مخالفة‬


‫لسمائهم حسب الكتاب المقدس الذى سبق القرآن بعدة قرون‪.‬‬
‫فمثل ً والد إبراهيم ـ عليه السلم ـ كان اسمهم ‪ Teral‬أو " تارح " ‪،‬‬
‫ومع ذلك يسميه القرآن آزر‪ .‬واسم الذى كان يوسف ـ عليه‬
‫السلم ـ فى بيته ‪ Potiphar‬أما السم المعطى له فى القرآن فهو "‬
‫عزيز " [ يوسف‪(.] 30 :‬انتهى)‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫أولً‪ :‬ل يصح أن نجعل من الكتاب المقدس حجة على القرآن‬
‫ومرجعية له‪ ..‬لن الثابت ـ حتى فى الدراسات التى قام بها كثير‬
‫من علماء اليهود والنصارى أن هذا الكتاب المقدس قد أعيدت‬
‫كتابته ‪ ،‬وأصابه التحريف‪..‬‬
‫كما أن ترجماته قد أدخلت عليه تغييرات وتصحيفات وخاصة فى‬
‫أسماء الماكن والشخاص‪..‬‬
‫وثانيًا‪ :‬لن القرآن قد تمتع بمستوى من الحفظ والتوثيق والتواتر‬
‫فى النقل جعله الوحى الوحيد الصحيح على ظهر هذا الكوكب‬
‫الذى نعيش عليه‪ ..‬فهو الحاكم والمرجع لكل ما عداه من‬
‫النصوص الدينية الخرى‪..‬‬

‫‪658‬‬
‫وفى هذا الطار‪ ..‬ومن هذا المنطلق نناقش الشبهات التى يثيرها‬
‫هذا السؤال‪ ..‬فنقول‪:‬‬
‫* بالنسبة لسم والد الخليل إبراهيم ـ عليه السلم ـ ل تختلف‬
‫معظم المصادر السلمية ـ سواء منها تفاسير القرآن ‪ ،‬أو قصص‬
‫النبياء على أن " آزر " ليس اسم والد إبراهيم‪ ..‬وعلى أن اسمه‬
‫" تارح " ومن العلماء من يرى أن " آزر " اسم صنم ‪ ،‬وأن الية‬
‫خطاب استنكارى لعبادة والد إبراهيم لهذا الصنم ‪ ،‬تقدم المفعول‬
‫فى هذا الخطاب‪ ..‬والمعنى أتتخذ آزر إلها ومعبودًا ؟‪..‬‬
‫ومن العلماء من يرى أن " آزر " لقب أطلق على " تارح " بعد‬
‫ما فى ذلك التاريخ‪..‬‬ ‫أن عمل فى حاشية الملك الذى كان حاك ً‬
‫ونحن نقرأ ـ حول هذه القضية ـ فى تفسير القرطبى‪:‬‬
‫َ‬
‫" قوله تعالى‪( :‬وإذ قال إبراهيم لبيه آزر) تكل ّم العلماء فى هذا ‪،‬‬
‫فقال أبو بكر محمد بن محمد بن الحسن الجوينى الشافعى‬
‫الشعرى فى النكت من التفسير له‪ :‬وليس بين الناس اختلف‬
‫فى أن اسم والد إبراهيم تارح‪ .‬والذى فى القرآن يدل على أن‬
‫اسمه آزر‪ ..‬وقيل‪ :‬آزر اسم صنم كأنه قال‪ :‬وإذا قال إبراهيم لبيه‬
‫ما آلهة‪..‬‬
‫أتتخذ آزر إلها ‪ ،‬أتتخذ أصنا ً‬
‫ت ـ [ أى القرطبى ] ما ادعاه من التفاق ليس عليه وفاق‪.‬‬ ‫قل ُ‬
‫فقد قال محمد بن إسحاق والكلبى والضحاك‪:‬‬
‫إن آزر أبو إبراهيم ـ عليه السلم ـ وهو تارح ‪ ،‬مثل إسرائيل‬
‫ت‪ :‬فيكون له اسمان‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬آزر لقب ‪ ،‬وتارح‬ ‫ويعقوب‪ .‬قل ُ‬
‫اسم‪ .‬وحكاه الثعلبى عن ابن إسحاق القشيرى‪ .‬ويجوز أن يكون‬
‫العكس‪ ..‬وقال الجوهرى‪ :‬آزر اسم أعجمى ‪ ،‬وهو مشتق من آزر‬
‫فلن فلنًا إذا عاونه ‪ ،‬فهو مؤازٌر قومه على عبادة الصنام‪ ..‬وقال‬
‫ما‪..‬‬
‫ن‪ :‬آزر اسم صنم ‪ ،‬أى أتتخذ آزر إلها‪ .‬أتتخذ أصنا ً‬ ‫مجاهد ويما ٍ‬
‫وقال الثعلبى فى كتاب العرائس‪ :‬إن اسم أبى إبراهيم الذى‬
‫ما على خزانة آلهته‬ ‫سماه به أبوه تارح ‪ ،‬فلما صار مع النمرود قي ِّ ً‬
‫سماه آزر‪ .‬وقال مجاهد إن آزر ليس باسم أبيه وإنما هو اسم‬
‫صنم ‪ ،‬وهو إبراهيم ابن تارح بن ناخور بن ساروع ابن أرغو بن‬
‫فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح ـ عليه‬
‫السلم ـ " (‪.)1‬‬
‫ونفس التفسيرات الموضحة لهذه الشبهة نجدها فى [ قصص‬
‫النبياء ]‪:‬‬
‫" قال السيد المرتضى الزبيدى ـ فى " ص ‪ 12‬ج ‪ 2‬تاج العروس "‪:‬‬
‫روى عن مجاهد فى قوله تعالى‪:‬‬

‫‪659‬‬
‫ما) قال‪ :‬لم يكن بأبيه ‪ ،‬ولكن آزر اسم صنم ‪،‬‬ ‫(آزر أتتخذ أصنا ً‬
‫ب على إضمار الفعل والتلوة كأنه قال‪ " :‬وإذ قال‬ ‫ص ٌ‬
‫فموضعه ن َ ْ‬
‫ما آلهة "‪.‬‬
‫إبراهيم أتتخذ آزر إلها ‪ ،‬أى أتتخذ أصنا ً‬
‫وقال الصغانى‪ " :‬التقدير أتتخذ آزر إلها "‪.‬‬
‫وقد نقل شيخ العروبة المرحوم أحمد زكى باشا عبارة تاج‬
‫العروس السابقة فى أول كتابه " تكملة كتاب الصنام لبن‬
‫الكلبى "‪.‬‬
‫وهذا القول الذى قاله مجاهد أولى القوال عندى بالقبول‪ .‬وعلى‬
‫ذلك يكون والد إبراهيم لم يذكر باسم العَلَمى فى القرآن الكريم‪.‬‬
‫ومما يستأنس له بأن " آزر " اسم إله أننا نجد فى اللهة القديمة‬
‫عند المصريين الله " أوزوريس " ومعناه الله القوى المعين ‪،‬‬
‫ضا فى أسماء اللهة‪( " ..‬‬ ‫وقد كانت المم السالفة يقلد بعضهم بع ً‬
‫‪.)2‬‬
‫فليست هناك مشكلة ‪ ،‬إذن ‪ ،‬حول هذا الموضوع‪.‬‬
‫أما الشبهة الثانية فى هذا السؤال ‪ ،‬والخاصة باسم الذى اشترى‬
‫وآوى يوسف ـ عليه السلم ـ فى بيته ‪ ،‬والذى أطلق عليه القرآن‬
‫الكريم اسم " عزيز " بينما سماه الكتاب المقدس ‪ ..Potiphar‬فإنها‬
‫ل تمثل ‪ ،‬هى الخرى ‪ ،‬مشكلة من المشكلت‪.‬‬
‫ذلك أن منصب هذا الذى آوى يوسف كان " رئاسة الشرطة "‪..‬‬
‫واسمه " فوطيفار "‪ ..‬ولقبه " العزيز " فل تناقض بين أسماء‬
‫التعريف به هذه‪ ..‬ولقد تناولت ذلك المصادر السلمية‪ ..‬ففى‬
‫[ قصص النبياء ]‪:‬‬
‫" وكان سيده رئيس شرطة المدينة ‪ ،‬واسمه " فوطيفار " ‪،‬‬
‫ويعبر عن منصبه فى العبرية بـ " سرها طباحيم " ‪ ،‬أى رئيس‬
‫الشرطة‪.)3( " ..‬‬
‫وفى تفسير القرطبى‪:‬‬
‫" قال الضحاك‪ :‬هذا الذى اشتراه ملك مصر ‪ ،‬ولقبه العزيز‪..‬‬
‫واسمه قطفير‪ .‬وقال ابن إسحاق‪ :‬إطفير‪.‬‬
‫اشتراه لمرأته‪ ..‬وقال ابن عباس‪ :‬إنما اشتراه قطفير وزير ملك‬
‫مصر‪ ..‬وكان هذا العزيز الذى اشترى يوسف على خزائن الملك‪..‬‬
‫" (‪.)4‬‬
‫أما الخلفات والختلفات الطفيفة فى نطق السم فهى واردة ‪،‬‬
‫بسبب النقل من لغة إلى لغة‪ ..‬ومن لهجة إلى لهجة‪ ..‬وبسبب‬
‫النسخ للمخطوطات‪ .‬والتصحيف والتحريف‪ ..‬فل مشكلة‪ ، ..‬إذن ‪،‬‬
‫حول هذه السماء‪.‬‬
‫(‪ [ )1‬الجامع لحكام القرآن ] ج ‪ 7‬ص ‪ 23 ، 22‬ـ مصدر سابق‪.‬‬
‫(‪ [ )2‬قصص النبياء ] ص ‪ 72‬ـ مرجع سابق‪.‬‬

‫‪660‬‬
‫(‪ )3‬المرجع السابق ص ‪.122‬‬
‫(‪ [ )4‬الجامع لحكام القرآن ] ج ‪ 9‬ص ‪ 158‬ـ مصدر سابق ـ‪.‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫‪ -71‬حول تسمية القرآن الكريم مريم " أخت هارون "‬
‫واختلفه فى ذلك مع الكتاب‬
‫المقدس‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫يسمى القرآن والدة المسيح ـ عليه السلم ـ باسم " أخت هارون‬
‫" [ مريم‪ ] 28 :‬ولعل محمدًا صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬خلط بين‬
‫خا‬
‫مريم أم المسيح ‪ ،‬ومريم أخرى كانت أختًا لهارون الذى كان أ ً‬
‫لموسى ـ عليه السلم ـ ومعاصًرا له ‪ ،‬ول يوجد مثل هذا التناقض‬
‫فى الكتاب المقدس‪( .‬انتهى)‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫يتحدث القرآن الكريم عن مريم ـ أم المسيح ـ عليهما السلم ـ ‪،‬‬
‫باسم " أخت هارون "‪ ..‬وذلك فى سورة مريم ‪ ،‬فيقول مخاطبًا‬
‫سوْءٍ وما‬
‫إياها فى الية‪( :28 :‬يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ َ‬
‫كانت أمك بغيًّا (‪ ..‬وليس لهذه التسمية ذكر فى النجيل‪.‬‬
‫بل الثابت ـ فى القرآن والناجيل ـ أن مريم هى ابنة عمران‬
‫(ومريم ابنة عمران التى أحصنت فرجها ) (‪.)1‬‬
‫وعمران هذا هو من نسل داود ـ عليه السلم ـ أى من سبط‬
‫ونسل " يهوذا " ‪ ،‬وليس من سبط ونسل " هارون " سبط "‬
‫اللويين " فكيف دعاها القرآن " أخت هارون " ؟‪.‬‬
‫هذا هو التساؤل والعتراض الذى يورده البعض شبهة على‬
‫القرآن الكريم‪ ..‬والحقيقة التى تفهم من السياق القرآنى ‪ ،‬أن‬
‫تسمية مريم بـ " أخت هارون " ‪ ،‬ليست تسمية قرآنية وإنما هى‬
‫حكاية لما قاله قومها لها ‪ ،‬وما خاطبوها ونادوها به عندما حملت‬
‫بعيسى ـ عليه السلم ـ عندما استنكروا ذلك الحمل ‪ ،‬واتهموها‬
‫فى عرضها وشرفها وعفافها‪ ..‬فقالوا لها‪( :‬يا مريم لقد جئت شيئًا‬
‫سوْء وما كانت أمك‬ ‫فريًّا * يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ َ‬
‫بغيًا ) (‪.)2‬‬
‫فلماذا نسبها قومها إلى هارون ؟‪.‬‬
‫يختلف المفسرون فى التعليل‪ ..‬فمنهم من يقول إن هارون ـ‬
‫المشار إليه ـ كان رجل ً فاسقًا‪ ،‬اشتهر بفسقه‪ ،‬فنسبها قومها إليه‪،‬‬
‫إعلنًا عن إدانتهم لها‪.‬‬

‫‪661‬‬
‫حا ‪،‬‬‫ومن المفسرين من يقول إن هارون هذا كان رجل ً صال ً‬
‫مشهوًرا بالصلح والعفة‪ ..‬فنسبها قومها إليه سخرية منها ‪،‬‬
‫ضا بما فعلت ‪ ،‬واستهزاء بدعواها الصلح‬ ‫ما عليها ‪ ،‬وتعري ً‬‫وتهك ً‬
‫والتقوى والتبتل فى العبادة بينما هى ـ فى زعمهم ـ قد حملت‬
‫حا‪..‬‬‫سفا ً‬
‫وقيل‪ :‬إنه كان لها أخ من أبيها اسمه هارون وكان من ع ُبّاد‬
‫وصلحاء بنى إسرائيل ـ فنسبوها إليه ـ‪ ..‬واسم هارون من‬
‫السماء الشائعة فى بنى إسرائيل (‪.)3‬‬
‫والشاهد ـ من كل ذلك ـ أن هذه التسمية لمريم بـ " أخت هارون‬
‫" ‪ ،‬ليست خبًرا قرآنيًا ‪ ،‬وإنما هى حكاية من القرآن الكريم لما‬
‫قاله قومها‪ ..‬وهذه الحتمالت التى ذكرها المفسرون ‪ ،‬تعليلً‬
‫لهذه التسمية هى اجتهادات مستندة إلى تراث من التاريخ‬
‫والقصص والمأثورات‪.‬‬
‫(‪ )1‬التحريم‪.12 :‬‬
‫(‪ )2‬مريم‪.28 ،27 :‬‬
‫(‪ )3‬انظر فى ذلك [ قصص النبياء ] ص ‪ 384 ، 383‬ـ مرجع سابق ـ‬
‫و [ الجامع لحكام القرآن ] ج ‪ 11‬ص ‪ 101 ، 100‬ـ مصدر سابق ـ‪ .‬و‬
‫[ الكشاف ] ج ‪ 2‬ص ‪ 508‬ـ مصدر سابق ـ‪.‬‬
‫‪------------------‬‬
‫‪ -72‬حول خلف القرآن للكتاب المقدس فى عصر‬
‫نمرود‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫حسب قول القرآن والمفسرين ألقى نمرود بإبراهيم فى النار‬


‫[ النبياء‪68 :‬ـ ‪ ] 69‬وليس من المعقول أن يكون نمرود حيًّا فى‬
‫زمن إبراهيم ـ عليه السلم ـ [الكتاب المقدس ـ سفر التكوين ‪:8‬‬
‫‪22 :10 ، 11 ، 10‬ـ ‪13 :11 ، 25‬ـ ‪( .] 26‬انتهى)‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫فى قصص القرآن الكريم عن إبراهيم الخليل ـ عليه السلم ـ‬
‫مشاهد عديدة‪ ..‬منها معجزة نجاته من التحريق بالنار ‪ ،‬بعد أن‬
‫حطم أصنام قومه التى يعبدونها‪( :‬قالوا حّرقوه وانصروا آلهتكم‬
‫ما على إبراهيم *‬‫إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كونى بردًا وسل ً‬
‫وأرادوا به كيدًا فجعلناهم الخسرين ) (‪.)1‬‬
‫جة إبراهيم للملك ـ فى سورة البقرة‪( :‬ألم تر‬ ‫ويحكى القرآن مح ّ‬
‫ج إبراهيم فى ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم‬ ‫إلى الذى حا ّ‬
‫ربى الذى يحيى ويميت قال أنا أحيى وأميت قال إبراهيم فإن‬

‫‪662‬‬
‫الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذى‬
‫كفر والله ل يهدى القوم الظالمين ) (‪.)2‬‬
‫والقرآن الكريم لم يسم الملك الذى حاج إبراهيم فى ربه ؛ لن‬
‫جة ‪ ،‬والعبرة منها‪..‬‬ ‫قصد القرآن من القصص هو مضمون المحا ّ‬
‫واسم الملك ل يقدم ول يؤخر فى المضمون والعِبرة‪ .‬أما تسمية‬
‫جه إبراهيم ـ بـ " النّمروذ " والختلف فى‬ ‫هذا الملك ـ الذى حا ّ‬
‫نطق اسمه‪ .‬ومدة ملكه‪ ..‬فجميعها قصص تاريخى ‪ ،‬أورده‬
‫المفسرون‪..‬‬
‫فهو غير ملزم للقرآن الكريم (‪ ..)3‬ومن ثم ل يصح أن يورد ذلك‬
‫كشبهة تثار ضد القرآن‪ ..‬فليس لدينا فى التاريخ الموثق‬
‫ج إبراهيم‬ ‫والمحقق ما يثبت أو ينفى أن اسم الملك الذى حا ّ‬
‫الخليل فى ربه هو " النّمروذ "‪ .‬وإنما هو قصص تاريخى يحتاج‬
‫إلى تحقيق‪..‬‬
‫ت العهد القديم ‪ ،‬فى المواضع التى جاء ذكرها فى‬ ‫ولقد راجع ُ‬
‫السؤال [سفر التكوين الصحاح ‪ 11 ، 10 :8‬والصحاح ‪22 :10‬ـ ‪25‬‬
‫والصحاح ‪13 :11‬ـ ‪ ]26‬وهى تحكى عن قبائل نوح ‪ ،‬ومواليد ابنه‬
‫سام ‪ ،‬فلم أجد فيها ذكر الملك " النّمروذ "‪.‬‬
‫وفى [ دائرة المعارف السلمية ] التى كتبها المستشرقون ـ وقد‬
‫حرر مادة " إبراهيم " فيها " ج‪ .‬إيزبرغ " ـ يأتى ذكر الملك نمروذ‬
‫فى قصة إبراهيم دون اعتراض‪ ..‬وفى أثنائها إشارات إلى مصادر‬
‫عبرية أشارت إلى النمروذ ـ منها [ دللة الحائرين ـ لموسى بن‬
‫ميمون ـ الفصل ‪ ..] 29‬ومنها " سفر هياشار " فصل نوح‪..‬‬
‫وتأتى الشارة إلى " نمرود " الملك فى سفر التكوين ـ بالعهد‬
‫القديم ـ الصحاح ‪8 :10‬ـ ‪ 11‬باعتباره " الذى ابتدأ يكون جباًرا فى‬
‫الرض "‪..‬‬
‫وبه كان يُضرب المثل فى التجبر‪ " ..‬وكان ابتداء مملكته بابل‬
‫وأرك وأكد ّ وكلنة من أرض شنغار‪ .‬من تلك الرض خرج أشور‬
‫وبنى نينوى‪ " ..‬إلخ‪ ..‬إلخ‪..‬‬
‫وأخيًرا‪ ..‬فليس هناك ما يمنع تكرار لسم " نمروذ " لكثر من‬
‫ملك فى أكثر من عصر وتاريخ‪ ..‬ويبقى أن الشبهة ـ إذ ًا كانت‬
‫هناك شبهة ـ خاصة بالقصص التاريخى‪ ..‬ول علقة لها بالقرآن‬
‫الكريم‪..‬‬
‫(‪ )1‬النبياء‪68 :‬ـ ‪.70‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪.258 :‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬القرطبى [ الجامع لحكام القرآن ] ج ‪ 3‬ص ‪283‬ـ ‪ 285‬ـ‬
‫مصدر سابق ـ والزمخشرى [ الكشاف ] ج ‪ 1‬ص ‪387‬ـ ‪ 389‬ـ مصدر‬
‫سابق ـ‪.‬‬

‫‪663‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫‪ -73‬حول السكندر ذى القرنين‪ ..‬وهل كان عبدًا‬
‫حا ؟ أم من عبدة الوثان ؟‬‫صال ً‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫يمدح القرآن السكندر الكبر (ذو القرنين) كعبد صالح يؤمن بالله‬
‫[الكهف‪87 :‬ـ ‪ .]88‬ولكن جميع مؤرخى الغريق يجمعون على أنه‬
‫كان من عبدة الوثان‪ .‬فكيف يصح ذلك ؟‪( .‬انتهى)‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫فى القرآن الكريم ـ بسورة الكهف‪83 :‬ـ ‪ 98‬حكاية ذى القرنين‪:‬‬
‫مكّنَّا‬‫(ويسألونك عن ذى القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكًرا * إنا َ‬
‫له فى الرض وآتيناه من كل شىء سببًا ) (‪ )1‬إلى آخر اليات‪.‬‬
‫وخلل هذه اليات يتبدى عدل " ذو القرنين " فيقول‪( :‬قال أما‬
‫من ظلم فسوف نعذبه ثم يُرد إلى ربه فيعذبه عذابًا نكرا * وأما‬
‫حا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا‬ ‫من آمن وعمل صال ً‬
‫يسرا ) (‪.)2‬‬
‫تلك هى تسمية القرآن الكريم لهذا الملك " ذو القرنين "‪.‬‬
‫أما أن ذا القرنين هذا هو السكندر الكبر المقدونى [‪356‬ـ ‪324‬ق‪.‬م]‬
‫فذلك قصص لم يخضع لتحقيق تاريخى‪ ..‬بل إن المفسرين الذين‬
‫أوردوا هذا القصص قد شككوا فى صدقه وصحته‪..‬‬
‫فابن إسحاق [‪151‬هـ ‪768‬م] ـ مثل ً ـ يروى عن " من يسوق‬
‫الحاديث عن العاجم فيما توارثوا من علم ذى القرنين " أنه كان‬
‫من أهل مصر ‪ ،‬وأن اسمه " مرزبان بن مردية اليونانى "‪.‬‬
‫أما الذى سماه " السكندر " فهو ابن هشام [‪213‬هـ ‪828‬م] ـ الذى‬
‫لخص وحفظ [ السيرة ] ـ لبن إسحاق ـ‪ ..‬وهو يحدد أنه السكندر‬
‫الذى بنى مدينة السكندرية ‪ ،‬فنسبت إليه‪.‬‬
‫وكذلك جاءت الروايات القائلة إن " ذو القرنين " هو السكندر‬
‫منبِّه " [‪34‬ـ ‪114‬هـ ‪654‬ـ ‪732‬م] (‪ )3‬وهو‬
‫المقدونى عن " وهب بن ُ‬
‫مصدر لرواية الكثير من السرائيليات والقصص الخرافى‪.‬‬
‫ولقد شكك ابن إسحاق ـ وهو الذى تميز بوعى ملحوظ فى تدوين‬
‫ونقد القصص التاريخى ـ شكك فيما روى من هذا القصص ـ الذى‬
‫دار حول تسمية ذى القرنين بالسكندر ‪ ،‬أو غيره من السماء‪..‬‬
‫ضا فى صدق ما نسب للرسول صلى الله عليه وسلم‬ ‫وشكك أي ً‬
‫حول هذا الموضوع‪ ..‬وذلك عندما قال ابن إسحاق‪:‬‬
‫" فالله أعلم أى ذلك كان ؟‪ ..‬أقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ذلك أم ل ؟ "‪.‬‬

‫‪664‬‬
‫ويثنى القرطبى على شك وتشكيك ابن إسحاق هذا ‪ ،‬عندما‬
‫يورده ‪ ،‬ثم يقول‪ " :‬والحق ما قال "‪ ..‬أى أن الحق هو شك‬
‫وتشكيك ابن إسحاق فى هذا القصص ‪ ،‬الذى لم يخضع للتحقيق‬
‫والتمحيص وإن يكن موقف ابن إسحاق هذا ‪ ،‬وكذلك القرطبى ‪،‬‬
‫هو لون من التحقيق والتمحيص‪.‬‬
‫فليس هناك ‪ ،‬إذ ًا ما يشهد على أن السكندر الكبر المقدونى ـ‬
‫الملك الوثنى ـ هو ذو القرنين ‪ ،‬العادل ‪ ،‬والموحد لله‪..‬‬
‫(‪ )1‬الكهف‪83 :‬ـ ‪.84‬‬
‫(‪ )2‬الكهف‪87 :‬ـ ‪.88‬‬
‫(‪ )3‬القرطبى [ الجامع لحكام القرآن ] ج ‪ 11‬ص ‪ 50‬ـ مصدر‬
‫سابق‪.‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪ -73‬حول غروب الشمس فى عين حمئة ومخالفة ذلك‬
‫للحقائق العلمية‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫تغرب الشمس فى عين حمئة ‪ ،‬حسب القرآن [ الكهف‪] 86 :‬‬


‫وهذا مخالف للعلم الثابت‪ .‬فكيف يقال إن القرآن ل يتناقض مع‬
‫الحقائق العلمية الثابتة ؟ (انتهى)‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫فى حكاية القرآن الكريم لنبأ " ذو القرنين " حديث عن أنه إبان‬
‫رحلته‪( :‬حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب فى عين حمئة‬
‫ما‪.)1( ) ..‬‬
‫ووجد عندها قو ً‬
‫والعين الحمئة ‪ ،‬هى عين الماء ذات الحمأ ‪ ،‬أى ذات الطين‬
‫السود المنتن‪.‬‬
‫ولما كان العلم الثابت قد قطعت حقائقه بأن الرض كروية ‪،‬‬
‫وأنها تدور حول نفسها وحول الشمس ‪ ،‬فإن غروب الشمس‬
‫ليس اختفاء فى عين أو غير عين ‪ ،‬حمئة أو غير حمئة‪ ..‬والسؤال‪:‬‬
‫هل هناك تعارض بين حقائق هذا العلم الثابت وبين النص القرآنى‬
‫؟‪.‬‬
‫ليس هناك أدنى تعارض ـ ول حتى شبهة تعارض ـ بين النص‬
‫القرآنى وبين الحقائق العلمية‪ ..‬ذلك أن حديث القرآن هنا هو عن‬
‫الرؤية البصرية للقوم الذين ذهب إليهم ذو القرنين ‪ ،‬فمنتهى أفق‬
‫بصرهم قد جعلهم يرون اختفاء الشمس ـ غروبها ـ فى هذه‬
‫البحيرة ـ العين الحمئة ـ‪ ..‬وذلك مثل من يجلس منا على شاطئ‬

‫‪665‬‬
‫البحر عند غروب الشمس ‪ ،‬فإن أفق بصره يجعله يرى قرص‬
‫الشمس يغوص ـ رويدًا رويدًا ـ فى قلب ماء البحر‪.‬‬
‫فالحكاية هنا عما يحسبه الرائى غروبًا فى العين الحمئة ‪ ،‬أو فى‬
‫البحر المحيط‪ ..‬وليست الحكاية عن إخبار القرآن بالحقيقة‬
‫العلمية الخاصة بدوران الرض حول الشمس ‪ ،‬وعن ماذا يعنيه‬
‫العلم فى مسألة الغروب‪.‬‬
‫وقد نقل القفال ‪ ،‬أبو بكر الشاشى محمد بن أحمد بن الحسين‬
‫بن عمر [‪429‬ـ ‪507‬هـ ‪1037/‬ـ ‪1114‬م] عن بعض العلماء تفسيًرا لهذه‬
‫الرؤية ‪ ،‬متسقًا مع الحقيقة العلمية ‪ ،‬فقال‪ " :‬ليس المراد أنه‬
‫[ أى ذو القرنين ] انتهى إلى الشمس مشرقًا ومغربًا حتى وصل‬
‫سها‪ ..‬فهى أعظم من أن تدخل فى عين من عيون‬ ‫جْرمها وم َّ‬ ‫إلى ِ‬
‫الرض ‪ ،‬بل هى أكبر من الرض أضعافًا مضاعفة‪ .‬وإنما المراد‬
‫أنه انتهى إلى آخر العمارة [ أى البقاع المعمورة والمأهولة ] من‬
‫جهة المغرب ومن جهة المشرق ‪ ،‬فوجدها فى رأى العين تغرب‬
‫فى عين حمئة ‪ ،‬كما أنا نشاهدها فى الرض الملساء كأنها تدخل‬
‫فى الرض ‪ ،‬ولهذا قال‪( :‬وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من‬
‫سهم وتلصقهم‬ ‫سترا ) (‪ .)2‬ولم يرد أنها تطلع عليهم بأن تما ّ‬ ‫دونها ِ‬
‫‪ ،‬بل أراد أنهم أول من تطلع عليهم‪.)3( " ..‬‬
‫فالوصف هو لرؤية العين ‪ ،‬وثقافة الرائى‪ ..‬وليس للحقيقة‬
‫العلمية الخاصة بالشمس فى علقتها بالرض ودورانها ‪ ،‬وحقيقة‬
‫المعنى العلمى للشروق والغروب‪.‬‬
‫فل تناقض بين النص القرآنى وبين الثابت من حقائق العلوم‪..‬‬
‫(‪ )1‬الكهف‪.86 :‬‬
‫(‪ )2‬الكهف‪.90 :‬‬
‫(‪ )3‬القرطبى [ الجامع لحكام القرآن ] ج ‪ 11‬ص ‪ 50 ، 49‬ـ مصدر‬
‫سابق ـ‪.‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫‪ -74‬حول حفظ الله للذكر وهل الذكر هو كل القرآن ؟‬
‫أم بعض القرآن؟‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫هناك من ل يؤمنون بأن القرآن قد حفظ ‪ ،‬كما تقول الية‬


‫الكريمة‪( :‬إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)‪ ،‬ويقولون‪ :‬قد‬
‫يكون الذكر جزءً ا من القرآن ‪ ،‬وليس كله‪ .‬ويستدلون بكلم لعمر‬
‫بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ بأنه أقسم على أن هناك آية فى‬
‫القرآن تتحدث عن الرجم ـ وهذه الية غير موجودة ـ وأن غنمه‬
‫أكلت ورقة من القرآن كانت بيد عائشة رضى الله عنها (انتهى)‪.‬‬

‫‪666‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫وفى الجواب عن هذه الشبهة نسأل‪:‬‬
‫لماذا بعث الله ـ سبحانه وتعالى ـ الرسل ‪ ،‬وأنزل الكتب ؟‪.‬‬
‫لقد كان ذلك رعاية من الله لخلقه‪ ..‬ولطفًا بهم‪ ..‬وحتى يكون‬
‫حسابه لهم ـ كى ل يتساوى المحسن والمسىء ـ وجزاؤه إياهم‬
‫صا‪( ..‬وإن من أمة إل خل فيها نذير ) (‬ ‫على أفعالهم عدل ً إلهيًا خال ً‬
‫‪( )1‬وما كنا معذبين حتى نبعث رسول ً ) (‪.)2‬‬
‫(لئل يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) (‪.)3‬‬
‫وقبل ختم النبوة والرسالة ‪ ،‬كانت مهمة حفظ كتب الرسالت‬
‫والشرائع موكولة إلى أمم هذه الرسالت كجزء من التكليف لهم‬
‫والختبار لستقامتهم فى هذا التكليف‪( :‬إنا أنزلنا التوراة فيها‬
‫هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون‬
‫والحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فل‬
‫تخشوا الناس واخشون ول تشتروا بآياتى ثمنًا قليل ً ومن لم يحكم‬
‫بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) (‪.)4‬لكنهم فرطوا فى القيام‬
‫بتكليف الحفظ للكتب بالنسيان حينًا وبالتحريف والخفاء حينًا‬
‫آخر‪( :‬فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون‬
‫م عن مواضعه ونسوا حظًا مما ذكروا به ول تزال تطلع على‬ ‫الكَل ِ َ‬
‫خائنة منهم إل قليل ً منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب‬
‫المحسنين * ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا‬
‫حظًا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم‬
‫القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون * يا أهل الكتاب قد‬
‫جاءكم رسولنا يبين لكم كثيًرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو‬
‫عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدى به الله من‬
‫اتبع رضوانه سبل السلم ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه‬
‫ويهديهم إلى صراط مستقيم ) (‪.)5‬‬
‫وعندما كانوا يحرفون هذه الكتب ‪ ،‬أو ينسون بعضها ويخفون‬
‫البعض الخر ‪ ،‬كان الله يبعث رسول ً جديدًا بكتاب جديد‪..‬‬
‫أما عندما أراد الله ـ سبحانه وتعالى ـ مع بلوغ النسانية سن‬
‫الرشد ـ ختم النبوات والرسالت بنبوة ورسالة محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فكان لبد لحفظ كتاب الشريعة الخاتمة من حافظ‬
‫ل يجوز عليه الهمال ‪ ،‬ول يتأتى منه التحريف ‪ ،‬ول يليق به‬
‫النسيان‪ ..‬أى كان لبد من الحفظ المعصوم الدائم للكتاب‬
‫المعجز الخالد‪ .‬لن ترك حفظ الكتاب الخاتم للبشر ‪ ،‬الذين يجوز‬
‫عليهم الهمال والتحريف والنسيان معناه طروء وحدوث التحريف‬

‫‪667‬‬
‫والضياع لهذا الكتاب ‪ ،‬حيث ل وحى سيأتى ول رسول سيبعث ول‬
‫كتاب سينزل‪..‬‬
‫ضا ـ سيضل الناس ول رعاية لهم ‪ ،‬ول‬ ‫المر الذى لو حدث ـ افترا ً‬
‫حجة عليهم ‪ ،‬تجعل من حسابهم وجزائهم عدل ً إلهيًا مناسبًا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ولذلك ‪ ،‬انتقلت مهمة حفظ الوحى الخاتم ـ القرآن الكريم ـ فى‬
‫الرسالة الخاتمة إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ الذى ل يتخلف‬
‫حفظه أبدًا ‪ ،‬بعد أن كانت هذه المهمة فى الرسالت السابقة ‪،‬‬
‫استحفاظًا من الله للناس ‪ ،‬أى طلبًا منه لهم أن يحفظوا ما أنزل‬
‫عليهم من الكتاب‪ .‬فكان الوعد اللهى المؤكد‪( :‬إنا نحن نزلنا‬
‫الذكر وإنا له لحافظون ) (‪.)6‬‬
‫ولذلك هيأ الله لتدوين القرآن الكريم من كتبة الوحى ما لم يتهيأ‬
‫لكتاب سابق‪ ..‬وجعل جمعه وعدًا إلهيًا وإنجاًزا ربانيًا‪( :‬ل تحرك به‬
‫لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع‬
‫قرآنه * ثم إن علينا بيانه ) (‪ .)7‬فكان الحفظ للقرآن ـ كل القرآن‬
‫ـ وعدًا إلهيًّا‪ .‬وإنجاًزا ربانيًا ‪ ،‬وذلك حتى تستمر حجة الله على‬
‫عباده ‪ ،‬ويكون حسابه لهم عدل ً خال ً‬
‫صا‪.‬‬
‫ولم يقل أحد ‪ ،‬ول جائز فى العقل ـ فضل ً عن النقل ـ أن يقال‪:‬‬
‫إن الذكر ‪ ،‬الذى تعهد الله بحفظه ‪ ،‬هو بعض القرآن ‪ ،‬وليس كل‬
‫القرآن‪ ..‬لن ضياع أى جزء من القرآن إنما يعنى تخلف رعاية‬
‫حجته على عباده‪ ..‬ثم إن القرآن ل يقف‬ ‫الله لخلقه ‪ ،‬وسقوط ُ‬
‫بالحفظ عندما يطلق عليه الذكر ‪ ،‬فضل ً عن أن مصطلح الذكر‬
‫إنما يشمل كل القرآن‪ ..‬تشهد على ذلك اليات الكثيرة فى كتاب‬
‫الله‪ ..‬فالمراد بالذكر القرآن‪ ..‬كل القرآن‪ ..‬والكتاب‪ ..‬كل الكتاب‬
‫ـ وليس بعضه ـ بدليل قول الله سبحانه وتعالى‪( :‬فاسألوا أهل‬
‫الذكر ) (‪ ، )8‬أى أهل الكتب السابقة‪ ..‬والله يشير إلى القرآن‬
‫والتنزيل ـ أى كل ما نزل به الوحى ـ بلفظ الذكر (أو عجبتم أن‬
‫جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ) (‪( ، )9‬وقالوا يا‬
‫أيها الذى نُزِل عليه الذكر إنك لمجنون ) (‪( ، )10‬وأنزلنا إليك‬
‫الذكر لتبين للناس ما نُّزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) (‪( ، )11‬وهذا‬
‫ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون ) (‪( ، )12‬إن هو إل ذكر‬
‫وقرآن مبين ) (‪( ، )13‬وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم‬
‫لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون * وما هو إل ذكر‬
‫للعالمين ) (‪.)14‬‬
‫والذكر هو كل ما جاء به الوحى ‪ ،‬فالوحى هو الذكر (فاستمسك‬
‫بالذى أوحى إليك إنك على صراط مستقيم * وإنه لذكر لك‬
‫ولقومك وسوف تُسألون ) (‪ .)15‬بل إن سياق آية (إنا نحن نزلنا‬
‫الذكر (شاهد على أن الذكر والقرآن والكتاب هو الوحى (آلر تلك‬

‫‪668‬‬
‫آيات الكتاب وقرآن مبين ) (وما أهلكنا من قرية إل ولها كتاب‬
‫معلوم)‪( ،‬وقالوا يا أيها الذى نُزل عليه الذكر إنك لمجنون (‪( ،‬إنا‬
‫نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) (‪.)16‬‬
‫ثم إن القرآن الكريم يؤكد أن الحفظ ‪ ،‬ونفى الشك والريبة إنما‬
‫هو لكل القرآن ولجميع التنزيل ‪ ،‬وليس لبعض القرآن‪( :‬ذلك‬
‫الكتاب ل ريب فيه هدى للمتقين ) (‪( )17‬تنزيل الكتاب ل ريب فيه‬
‫من رب العالمين ) (‪( )18‬ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق ) (‪)19‬‬
‫(نزل عليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه ) (‪( )20‬إنا أنزلنا‬
‫إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس ) (‪( )21‬وأنزلنا إليك الكتاب‬
‫بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه ) (‪( .)22‬ما‬
‫فرطنا فى الكتاب من شىء ) (‪ ..)23‬ولو ضاع شىء من هذا‬
‫الكتاب أى القرآن والتنزيل لحدث التفريط الذى تنفيه هذه الية ‪،‬‬
‫ولنتفت حجة الله على البشر (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه‬
‫واتقوا لعلكم ترحمون * أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على‬
‫طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين * أو تقولوا لو أنا‬
‫أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم‬
‫وهدى ورحمة ) (‪ ..)24‬فحجة الله على الناس ـ بعد ختم الوحى‬
‫القرآن الكريم ـ تنتفى وتسقط إذا حدث جهل بشىء مما أنزل‬
‫فى الكتاب ـ القرآن ـ‪( :‬وما أهلكنا من قرية إل ولها كتاب‬
‫معلوم ) (‪ )25‬ولو أن القرآن ضاع منه شىء لتخلف وعد الله‬
‫بتنزيل تبيان كل شىء فيه ‪ ،‬لتتم شهادة الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم على أمته‪( :‬ويوم نبعث فى كل أمة شهيدًا عليهم من‬
‫أنفسهم وجئنا بك شهيدًا على هؤلء ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا‬
‫لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) (‪.)26‬‬
‫وختم النبوة والرسالة ‪ ،‬يعنى انتفاء بعث رسول جديد ‪ ،‬ونزول‬
‫حجة الله على عباده لبد من بقاء‬ ‫كتاب جديد‪ ..‬وحتى تقوم ُ‬
‫القرآن كله محفوظًا ‪ ،‬ليكون قيّما على الناس ‪ ،‬أى دائم القيام‬
‫على هدايتهم وإرشادهم‪:‬‬
‫(الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا *‬
‫سا شديدًا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون‬ ‫قيما لينذر بأ ً‬
‫الصالحات أن لهم أجًرا حسنًا ) (‪.)27‬‬
‫وإذا كان الكتاب هو كل القرآن ‪ ،‬فلقد وعد الله سبحانه بأن‬
‫يحفظه ويورثه للذين اصطفاهم من عباده ‪ ،‬بعد أن أنزله على‬
‫المصطفى من رسله ‪ ،‬وجمعه وقرأه‪( :‬والذى أوحينا إليك من‬
‫الكتاب هو الحق مصدقًا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير *‬
‫ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه‬

‫‪669‬‬
‫ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل‬
‫الكبير ) (‪.)28‬‬
‫ومن صفات القرآن ـ كل القرآن ـ أنه كتاب عزيز ‪ ،‬أى منيع ‪،‬‬
‫محفوظ من العبث به وفيه‪ ..‬وأنه ممتنع عن البطال ‪ ،‬ل يأتيه‬
‫الباطل من بينه يديه ول من خلفه ‪ ،‬بأى حال من الحوال‪( :‬إن‬
‫الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز * ل يأتيه الباطل‬
‫من بين يديه ول من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) (‪.)29‬‬
‫والذكر فى هذه الية هو كل الكتاب ‪ ،‬العزيز على أى عبث به‬
‫وفيه‪..‬‬
‫ى حكيم ‪ ،‬فوق‬ ‫ومن صفات القرآن ـ كل القرآن ـ أنه كتاب عل ّ‬
‫تطاول المتطاولين ‪ ،‬بشًرا كانوا أو أزمنة ودهوًرا‪( :‬إن جعلناه‬
‫قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون * وإنه فى أم الكتاب لدينا لعلى‬
‫حكيم ) (‪.)30‬‬
‫ومن صفات القرآن ـ كل القرآن ـ أنه فى كتاب مكنون‪ :‬أى‬
‫مصون ومحفوظ عن اللعب والعبث والتحريف (إنه لقرآن كريم *‬
‫فى كتاب مكنون ) (‪.)31‬‬
‫ولقد صدّق التاريخ على هذا الحفظ اللهى لهذا القرآن المجيد‪..‬‬
‫ومن يقرأ تاريخ التوراة ـ حتى ذلك الذى كتبه علماء اليهودية ـ‬
‫يعلم ما أصابها بعد سنوات من نزولها‪ ..‬وكيف أعيدت كتابة‬
‫أسفارها على النحو الذى صنعه " عزرا " وغيره من الحبار ‪ ،‬فى‬
‫صورة مليئة بالتحريف‪ ..‬ومن يتأمل تناقضات الناجيل ـ حتى‬
‫الشهيرة منها ـ والفروق الجوهرية بينها وبين غير الشهيرة ـ من‬
‫مثل أناجيل " مخطوطات نجع حمادى " ‪ ،‬و " مخطوطات البحر‬
‫الميت " ‪ " ،‬إنجيل برنابا " يعلم ما أصاب النجيل بعد سنوات‬
‫معدودة من بعثة المسيح ـ عليه السلم ـ لكن‪ ..‬ها هو القرآن‬
‫الكريم كما نزل به الروح المين على قلب الصادق المين ‪ ،‬لم‬
‫يتغير فيه حرف ول رسم ول حركة ول غُنّة ول مد ّ وقد مضى على‬
‫نزوله أكثر من أربعة عشر قرنًا مرت فيها أمته بأطوار من‬
‫التراجع والنحطاط ‪ ،‬وفقدت فيها الذاكرة السلمية مليين‬
‫المخطوطات التى أبادتها غزوات الطغاة ‪ ،‬واندثرت فيها مذاهب‬
‫وفلسفات‪ ..‬وظل القرآن الكريم عزيًزا منيعًا محفوظًا بحفظ الله‬
‫خير الحافظين‪ ..‬فالتاريخ ـ هو الخر ـ قد غدا شاهدًا على هذا‬
‫الحفظ اللهى لكل القرآن الكريم‪..‬‬
‫فبرهان العقل ـ المتعلق بختم الرسالة‪ ..‬وختم الوحى ـ يجعل‬
‫حفظ القرآن ـ كل القرآن ـ لقامة الحجة على الناس ـ ضرورة‬
‫عقلية‪.‬‬

‫‪670‬‬
‫وكذلك النقل المتكرر فى القرآن ـ بلفظ القرآن‪ ..‬والكتاب‪..‬‬
‫والتنزيل‪ ..‬والذكر‪ ..‬ـ شاهد هو الخر على الحفظ اللهى لكل‬
‫حرف وكل كلمة وكل آية وكل سورة من هذا القرآن الكريم‪..‬‬
‫فهو وحى الله الخاتم‪..‬‬
‫تعهد سبحانه وتعالى بجمعه وحفظه ‪ ،‬وحجة خالدة ‪ ،‬كى ل يكون‬
‫للناس على الله حجة إذا ما ضاع شىء من هذا التنزيل العزيز‬
‫المنيع الحكيم‪.‬‬
‫ً‬
‫أما بعض المرويات التى يفهم منها البعض شك ّا فى حفظ كل ما‬
‫نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن‪ ..‬فإن‬
‫منطق العقل ‪ ،‬ومنهاج البحث العلمى ‪ ،‬وقواعد نقد النصوص‬
‫والمرويات ‪ ،‬التى اتفق عليها العلماء والعقلء من كل الحضارات‬
‫والفلسفات والنساق الفكرية‪ ..‬كلها تؤكد على ضرورة الموازنة‬
‫بين المتعارض والمتناقض من الروايات‪ ..‬والخذ بالمصدر الوثق‬
‫عند تعذر الجمع بين المرويات‪ ..‬فإذا كان لدينا ـ على نحو ما‬
‫قدمنا ـ شهادة العقل الصريح على أن حفظ القرآن ـ كل القرآن‬
‫ـ هو ضرورة عقلية ‪ ،‬تقتضيها حقيقة ختم النبوة والرسالة‬
‫واكتمال الوحى‪ ..‬وإذا كانت شهادة العقل الصريح هذه مدعومة‬
‫بنصوص آيات القرآن الكريم ‪ ،‬أى بالمصدر المعجز ‪ ،‬قطعى‬
‫الدللة والثبوت‪ ..‬فهل يكون عاقل ً من يترك شهادة العقل‬
‫الصريح ‪ ،‬والنقل المعجز الصحيح ‪ ،‬ويلتفت إلى رواية من روايات‬
‫يعلم الله من رواها ؟ ولماذا رواها ؟‪.‬‬
‫إن منطق البحث العلمى ‪ ،‬الذى أجمع عليه كل عقلء الدنيا ‪ ،‬فى‬
‫التعامل مع النصوص ‪ ،‬قد حسم هذه القضية التى نرجو أن تكون‬
‫هذه الجابة حاسمة للشبهة المثارة حولها‪ ..‬والله من وراء القصد‬
‫‪ ،‬منه نلتمس الهداية والحكمة والرشاد‪..‬‬
‫(‪ )1‬فاطر‪.24 :‬‬
‫(‪ )2‬السراء‪.15 :‬‬
‫(‪ )3‬النساء‪.165 :‬‬
‫(‪ )4‬المائدة‪.44 :‬‬
‫(‪ )5‬المائدة‪13 :‬ـ ‪.16‬‬
‫(‪ )6‬الحجر‪.9 :‬‬
‫(‪ )7‬القيامة‪16 :‬ـ ‪.19‬‬
‫(‪ )8‬النبياء‪.7 :‬‬
‫(‪ )9‬العراف‪.69 :‬‬
‫(‪ )10‬الحجر‪.6 :‬‬
‫(‪ )11‬النحل‪.44 :‬‬
‫(‪ )12‬النبياء‪.50 :‬‬

‫‪671‬‬
‫(‪ )13‬يس‪.69 :‬‬
‫(‪ )14‬القلم‪51 :‬ـ ‪.52‬‬
‫(‪ )15‬الزخرف‪43 :‬ـ ‪.44‬‬
‫(‪ )16‬الحجر‪.9 ،6 ،4 ،1 :‬‬
‫(‪ )17‬البقرة‪.2 :‬‬
‫(‪ )18‬السجدة‪.2 :‬‬
‫(‪ )19‬البقرة‪.176 :‬‬
‫(‪ )20‬آل عمران‪.3 :‬‬
‫(‪ )21‬النساء‪.105 :‬‬
‫(‪ )22‬المائدة‪.48 :‬‬
‫(‪ )23‬النعام‪.38 :‬‬
‫(‪ )24‬النعام‪155 :‬ـ ‪.157‬‬
‫(‪ )25‬الحجر‪.4 :‬‬
‫(‪ )26‬النحل‪.89 :‬‬
‫(‪ )27‬الكهف‪1 :‬ـ ‪.2‬‬
‫(‪ )28‬فاطر‪31 :‬ـ ‪.32‬‬
‫(‪ )29‬فصلت‪41 :‬ـ ‪.42‬‬
‫(‪ )30‬الزخرف‪3 :‬ـ ‪.4‬‬
‫(‪ )31‬الواقعة‪77 :‬ـ ‪.78‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫‪ -75‬حول تاريخية أو خلود أحكام القرآن الكريم‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫هناك ـ بالنسبة للقرآن الكريم ـ من يعتبرون أنه غير صالح لكل‬


‫زمان ‪ ،‬وأنه وقتى ‪ ،‬أى أنه جاء لوقت قد مضى ‪ ،‬ول يتلءم مع‬
‫العصر الحالى ‪ ،‬وأنه يجب أن تتغير تفسيراته بما يناسب هذا‬
‫الوقت‪ .‬وعلى سبيل المثال‪:‬‬
‫ـ إرث المرأة (للذكر مثل حظ النثيين) يقولون‪ :‬إن هذه الية قد‬
‫جاءت لزمن معين ويجب أن تتغير ‪ ،‬بحيث يتساوى الرجل‬
‫والمرأة فى الرث‪.‬‬
‫ـ وكذلك المر بالنسبة لشهادة المرأة حيث يطالبون بمساواة‬
‫الرجل بالمرأة من حيث الشهادة‪( ..‬انتهى)‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫أما القول بتاريخية ـ أو تاريخانية ـ ووقتية أحكام القرآن الكريم‪..‬‬
‫بمعنى " أنها غير صالحة لكل زمان "‪ ..‬فإن لنا عليها ملحظات‬
‫نسوقها فى عدد من النقاط‪:‬‬

‫‪672‬‬
‫أولها‪ :‬أن هذه الدعوى ليست جديدة ‪ ،‬فلقد سبق وتبناها فلسفة‬
‫التنوير الغربى الوضعى العلمانى ‪ ،‬بالنسبة للتوراة والنجيل‪..‬‬
‫فرأوا أن قصصها مجرد رموز ‪ ،‬بل ورأوا أن الدين والتدين إنما‬
‫يمثل " مرحلة تاريخية " فى عمر التطور النسانى ‪ ،‬مثلت مرحلة‬
‫طفولة العقل البشرى ‪ ،‬ثم تلتها ـ على طريق النضج ـ مرحلة "‬
‫الميتافيزيقا " ‪ ،‬التى توارت هى الخرى لحساب المرحلة‬
‫ما إل إذا كان نابعًا من الواقع ‪ ،‬ول ترى‬‫الوضعية ‪ ،‬التى ل ترى عل ً‬
‫سبل ً للعلم والمعرفة إل العقل والتجارب الحسية‪ ..‬وما عدا ذلك ـ‬
‫مثَّل مرحلة تاريخية‬
‫من الدين وأحكام شرائعه ـ فهى " إيمان " َ‬
‫حا لعصر العلم الوضعى ـ‬ ‫على درب التطور العقلى ‪ ،‬ولم يعد صال ً‬
‫اللهم إل لحكم العامة والسيطرة على نزعاتهم وغرائزهم !‪.‬‬
‫هكذا بدأت وتبلورت نزعة " تاريخية وتاريخانية " النصوص الدينية‬
‫فى فكر التنوير الغربى العلمانى والنهضة الوروبية الحديثة‪..‬‬
‫وإذا كان هذا القول قد جاز ‪ ،‬ووجد له بعض المبررات ـ فى‬
‫الغرب ـ بالنسبة لكتب رسالت خاصة بقوم بعينهم ـ بنى إسرائيل‬
‫ـ الذين جاءتهم اليهودية والمسيحية ‪ ،‬ونزلت لهم التوراة والنجيل‬
‫ـ‪ ..‬ولزمان معين‪..‬‬
‫وبتفاصيل تشريعات ـ وخاصة فى التوراة ـ تجاوزها تطور الواقع ‪،‬‬
‫فإن دعوى تاريخية النص الدينى ل مكان لها ول ضرورة تستدعيها‬
‫بالنسبة للقرآن الكريم‪..‬‬
‫ذلك أن القرآن هو كتاب الشريعة الخاتمة ‪ ،‬والرسالة التى ختمت‬
‫بها النبوات والرسالت ‪ ،‬فلو طبقنا عليه قاعدة تاريخية النصوص‬
‫الدينية لحدث " فراغ " فى المرجعية الدينية ‪ ،‬إذ ل رسالة بعد‬
‫رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ول وحى بعد القرآن‪ ..‬وإذا‬
‫حدث هذا " الفراغ " فى المرجعية والحجة اللهية على الناس ‪،‬‬
‫زالت حجة الله على العباد فى الحساب والجزاء ‪ ،‬إذ سيقولون‪:‬‬
‫يا ربنا ‪ ،‬لقد أنزلت علينا كتابًا نسخه التطور ‪ ،‬فماذا كان علينا أن‬
‫نطبق ‪ ،‬بعد أن تجاوز الواقع المتطور آيات وأحكام الكتاب الذى‬
‫أنزلته لهدايتنا ؟!‪.‬‬
‫وثانى هذه النقاط‪ :‬أن التاريخية والتاريخانية ـ أى وقتية الحكام ـ‬
‫ل يقول بها أحد فى أحكام العبادات‪..‬‬
‫وإنما يقول بها أصحابها فى آيات وأحكام المعاملت‪ .‬وهم‬
‫يخطئون إذا ظنوا أن هناك حاجة إليها فى أحكام المعاملت التى‬
‫جاء بها القرآن الكريم ذلك أن القرآن الكريم ـ فى المعاملت ـ‬
‫قد وقف عند " فلسفة " و " كليات " و " قواعد " و " نظريات "‬
‫صل فى تشريع المعاملت‪..‬‬ ‫التشريع ‪ ،‬أكثر مما ف ّ‬

‫‪673‬‬
‫فهو قد فصل فى المور الثوابت ‪ ،‬التى ل تتغير بتغير الزمان‬
‫والمكان ‪ ،‬مثل منظومة القيم والخلق ‪ ،‬والقواعد الشرعية التى‬
‫تستنبط منها الحكام التفصيلية ‪ ،‬والحدود المتعلقة بالحفاظ على‬
‫المقاصد الكلية للشريعة‪ ..‬ونزل تفصيل أحكام المعاملت لعلم‬
‫الفقه ‪ ،‬الذى هو اجتهاد محكوم بثوابت الشريعة اللهية ‪ ،‬ذلك‬
‫ما وأبدًا ‪ ،‬عبر‬
‫حتى يظل هذا الفقه ـ فقه المعاملت ـ متطوًرا دائ ً‬
‫الزمان والمكان ‪ ،‬ليواكب تغير الواقع ومستجدات الحداث ‪ ،‬فى‬
‫إطار كليات الشريعة وقواعدها ومبادئها ‪ ،‬التى تحفظ على‬
‫ما وأبدًا‪..‬‬
‫أحكامه المتطورة إسلميتها ‪ ،‬دائ ً‬
‫وهذه " الصيغة السلمية " الفريدة التى جاءت بالنص اللهى‬
‫الثابت ـ أى الشريعة التى هى وضع إلهى ثابت ـ تحفظ إسلمية‬
‫ما وأبدًا‪ ..‬بينما وكلت أمر المتغيرات‬ ‫وإلهية المرجعية والمصدر دائ ً‬
‫إلى الفقه المتجدد والمتطور ـ والفقه هو علم الفروع ـ‪ ..‬هذه "‬
‫الصيغة السلمية " هى التى وازنت بين ثبات النص وتطور‬
‫التفسير البشرى للنص اللهى الثابت‪ ..‬وجمعت بين ثبات "‬
‫الوضع اللهى " وتطور " الجتهاد الفقهى "‪ ..‬أى جمعت بين ثبات‬
‫المرجعية والنص ‪ ،‬وبين تطور الجتهاد الفقهى المواكب‬
‫لمتغيرات الواقع عبر الزمان والمكان‪..‬‬
‫ثالث هذه النقاط‪ :‬تتعلق بالمثلة التى سيقت وتساق من قبل‬
‫دعاة تاريخية وتاريخانية النصوص الدينية ‪ ،‬للتدليل على ضرورة‬
‫تطبيق هذه التاريخانية ـ فى زعمهم ـ على أحكام القرآن الكريم‬
‫فى المعاملت‪..‬‬
‫ونحن عندما ننظر فى هذه المثلة ـ وهى هنا ـ‪ " :‬ميراث المرأة‬
‫وشهادتها " نزداد يقينًا بخطأ دعوى تطبيق هذه التاريخانية على‬
‫القرآن الكريم ‪ ،‬وعلى الحكام التشريعية الواردة فيه‪ ..‬فليس‬
‫حا أن توريث المرأة فى السلم قد جانب النصاف لها ‪،‬‬ ‫صحي ً‬
‫حا للزمان الماضى دون الزمان المعاصر‬ ‫حتى يكون حكمه صال ً‬
‫ما‬
‫والمستقبل‪ ..‬فالنثى ـ فى السلم ـ ل ترث نصف الذكر دائ ً‬
‫وأبدًا‪ ..‬والقرآن لم يقل يوصيكم الله فى الوارثين للذكر مثل حظ‬
‫النثيين‪.‬‬
‫وإنما جعل ذلك فى حالة بعينها هى حالة " الولد " ‪ ،‬وليس فى‬
‫مطلق وكل الوارثين‪( :‬يوصيكم الله فى أولدكم للذكر مثل حظ‬
‫ما للميراث فإن القرآن قد‬ ‫النثيين ) (‪ .)1‬أما عندما كان التقعيد عا ً‬
‫ما هو لفظ " النصيب " لكل الذكور والناث على‬ ‫استخدم لفظًا عا ً‬
‫حد سواء‪( :‬للرجال نصيب مما ترك الوالدان والقربون وللنساء‬
‫ل منه أو كثر نصيبًا‬‫نصيب مما ترك الوالدان والقربون مما ق َّ‬
‫ضا ) (‪.)2‬‬
‫مفرو ً‬

‫‪674‬‬
‫ومعايير التفاوت فى أنصبة الميراث ل علقة لها بالجنس ـ ذكورة‬
‫أو أنوثة ـ على الطلق ـ على غير ما يحسب ويظن الكثيرون ـ‬
‫إن لم يكن الكثرون ! وإنما معايير هذا التفاوت ثلثة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ درجة القرابة‪ .‬فكلما كان الوارث أقرب إلى الموّرث زاد‬
‫نصيبه فى الميراث‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وموقع الجيل الوارث فى تسلسل الجيال وتلك حكمة إلهية‬
‫بالغة فى فلسفة السلم للميراث ـ وكلما كان الوارث صغيًرا من‬
‫جيل يستقبل الحياة وأعباءها ‪ ،‬وأمامه المسئوليات المتنامية ‪،‬‬
‫كان نصيبه من الميراث أكبر‪ ..‬فابن المتوفى يرث أكثر من أب‬
‫المتوفى ـ وكلهما ذكر ـ وبنت المتوفى ترث أكثر من أمه ـ‬
‫وكلتاهما أنثى‪ ..‬بل إن بنت المتوفى ترث أكثر من أبيه‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ والعامل الثالث فى تفاوت أنصبة الميراث هو العبء المالى‬
‫الذى يتحمله ويكلف به الوارث طبقًا للشريعة السلمية‪ ..‬فإذا‬
‫اتفقت وتساوت درجة القرابة‪ ..‬وموقع الجيل الوارث ـ مثل مركز‬
‫الولد ـ أولد المورث ـ مع تفاوت العبء المالى بين الولد الذكر‬
‫ـ المكلف بإعالة زوجة وأسرة وأولد ـ وبين البنت ـ التى سيعولها‬
‫هى وأولدها زوج ذكر ـ هنا يكون للذكر مثل حظ النثيين‪ ..‬وهو‬
‫تقسيم ليس فيه أية شبهة لظلم النثى‪..‬‬
‫بل ربما كان فيه تمييز وامتياز لها ‪ ،‬احتياطًا لستضعافها‪..‬‬
‫وهذه الحقائق فى المواريث السلمية ـ التى يجهلها ويتجاهلها‬
‫دعاة تاريخية آيات الميراث ـ هى التى جعلت المرأة ـ فى‬
‫الجداول الجمالية لحالت الميراث السلمى ـ ترث مثل الرجل ‪،‬‬
‫أو أكثر من الرجل ‪ ،‬أو ترث ول يرث الرجل فى أكثر من ثلثين‬
‫حالة من حالت الميراث السلمى‪ ،‬بينما هى ترث نصف ما يرث‬
‫الذكر فى أربع حالت فقط (‪.! )3‬‬
‫وكذلك الحال مع " شهادة المرأة "‪ ..‬ففى المور والميادين التى‬
‫تقل فيها خبرة المرأة عن الرجل ‪ ،‬تكون شهادتها أقل من‬
‫شهادته‪ ..‬وحتى ل تهدر شهادتها كلية فى هذه الميادين ‪ ،‬سمح‬
‫القرآن بشهادتها ‪ ،‬على أن تُدعم بشهادة واحدة من بنات‬
‫جنسها ‪ ،‬تذكرها بما تنساه من وقائع الشهادة‪ ..‬أما الميادين التى‬
‫تختص بالمرأة ‪ ،‬والتى تكون خبرتها فيها أكثر ‪ ،‬فإن شهادتها فيها‬
‫تكون أعلى ‪ ،‬وأحيانًا ضعف شهادة الرجل‪ ..‬بل إن شهادتها تعتمد‬
‫حيث ل تعتمد شهادة الرجل فى بعض هذه الميادين‪.‬‬
‫والذين يظنون أن آية سورة البقرة‪( :‬يا أيها الذين آمنوا إذا‬
‫تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل‬
‫ول يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذى عليه‬
‫الحق وليتق الله ربه ول يبخس منه شيئًا فإن كان الذى عليه‬

‫‪675‬‬
‫الحق سفيهًا أو ضعيفًا أو ل يستطيع أن يمل هو فليملل وليه‬
‫بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين‬
‫فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما‬
‫فتذكر إحداهما الخرى ول يأب الشهداء إذا ما دعوا ول تسأموا‬
‫أن تكتبوه صغيًرا أو كبيًرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم‬
‫للشهادة وأدنى أل ترتابوا إل أن تكون تجارة حاضرة تديرونها‬
‫بينكم فليس عليكم جناح أل تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ول يضار‬
‫كاتب ول شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم‬
‫الله والله بكل شىء عليم * وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبًا‬
‫ضا فليؤدِّ الذى اؤتمن أمانته‬ ‫فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بع ً‬
‫وليتق الله ربه ول تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله‬
‫بما تعملون عليم ) (‪.)4‬‬
‫الذين يظنون أن هذه الية ـ ‪282‬ـ تجعل شهادة المرأة نصف‬
‫شهادة الرجل بإطلق ‪ ،‬وفى كل الحالت مخطئون وواهمون‪..‬‬
‫فهذه الية تتحدث عن دَين خاص‪ ..‬فى وقت خاص ‪ ،‬يحتاج إلى‬
‫كاتب خاص ‪ ،‬وإملء خاص ‪ ،‬وإشهاد خاص‪..‬‬
‫وهذه الية ـ فى نصها ـ استثناء‪ ..( :‬إل أن تكون تجارة حاضرة‬
‫تديرونها بينكم فليس عليكم جناح أل تكتبوها)‪.‬‬
‫ثم إنها تستثنى من هذه الحالة الخاصة الشهاد على البيوع ‪ ،‬فل‬
‫تقيدها بما قيدت به حالة هذا الدين الخاص‪ ..‬ثم إنها تتحدث ‪،‬‬
‫مخاطبة ‪ ،‬لصاحب الدين ‪ ،‬الذى يريد أن يستوثق لدينه الخاص‬
‫هذا بأعلى درجات الستيثاق‪ ..‬ول تخاطب الحاكم ـ القاضى ـ‬
‫الذى له أن يحكم بالبينة واليمين ‪ ،‬بصرف النظر عن جنس‬
‫الشاهد وعدد الشهود الذين تقوم بهم البينة‪ ..‬فللحاكم ـ القاضى‬
‫ـ أن يحكم بشهادة رجلين‪ ..‬أو امرأتين‪ ..‬أو رجل وامرأة‪ ..‬أو رجل‬
‫واحد‪ ..‬أو امرأة واحدة‪ ..‬طالما قامت البينة بهذه الشهادة‪..‬‬
‫ومن يرد الستزادة من الفقه السلمى فى هذه القضية ـ التى‬
‫يجهلها الكثيرون ـ فعليه أن يرجع إلى آراء شيخ السلم ابن تيمية‬
‫[ ‪661‬ـ ‪728‬هـ‪1263/‬ـ ‪1328‬م] وتلميذه العظيم ابن قيم الجوزية [‪691‬ـ‬
‫‪751‬هـ‪1262/‬ـ ‪1350‬م] فى كتابه [ الطرق الحكمية فى السياسة‬
‫الشرعية ] (‪ ..)5‬ففيه ـ وفق نص ابن تيمية ـ أن ماجاء عن‬
‫شهادة المرأة فى آية سورة البقرة ‪ ،‬ليس حصًرا لطرق الشهادة‬
‫وطرق الحكم التى يحكم بها الحاكم ‪ ،‬وإنما ذكر لنوعين من‬
‫البينات فى الطرق التى يحفظ بها النسان حقه‪..‬‬
‫فالية نصيحة لهم وتعليم وإرشاد لما يحفظون به حقوقهم ‪ ،‬وما‬
‫تحفظ به الحقوق شىء وما يحكم به الحاكم شىء ‪ ،‬فإن طرق‬
‫الحكم أوسع من الشاهدين والمرأتين‪.‬‬

‫‪676‬‬
‫ولقد قال المام أحمد بن حنبل [‪164‬ـ ‪241‬هـ‪780/‬ـ ‪855‬م] إن شهادة‬
‫الرجل تعدل شهادة امرأتين فيما هو أكثر خبرة فيه ‪ ،‬وأن شهادة‬
‫المرأة تعدل شهادة رجلين فيما هى أكثر خبرة فيه من الرجل‪..‬‬
‫فالباب مفتوح أمام الخبرة التى هى معيار درجة الشهادة ‪ ،‬فإذا‬
‫تخلفت خبرة الرجل فى الميدان تراجع مستوى شهادته فيه‪..‬‬
‫وإذا تقدمت وزادت خبرة المرأة فى الميدان ارتفع مستوى‬
‫شهادتها فيه‪ ..‬وليس هناك فى الفقه السلمى تعميم وإطلق فى‬
‫هذا الموضوع ‪ ،‬إذ الشهادة سبيل للبينة التى يحكم الحاكم ـ‬
‫القاضى ـ بناء عليها ‪ ،‬بصرف النظر عن جنس الشهود وعددهم‪.‬‬
‫ولو فقه الداعون إلى تاريخية وتاريخانية آيات الحكام فى القرآن‬
‫حقيقة هذه الحكام التى توهموا الحاجة إلى تجاوزها ـ فقالوا‬
‫بتاريخية ووقتية معانى نصوصها القرآنية ـ لدركوا أن وقوف‬
‫النص القرآنى عند كليات وفلسفات وقواعد ونظريات التشريع ‪،‬‬
‫مع ترك تفصيلت التشريع لجتهادات الفقهاء ‪ ،‬هو الذى جعل‬
‫أحكام القرآن الكريم فى المعاملت ـ فضل ً عن العبادات‪ ..‬والقيم‬
‫والخلق ـ صالحة لكل زمان ومكان ‪ ،‬فكانت شريعته آخر وخاتم‬
‫الشرائع السماوية ‪ ،‬دونما حاجة إلى هذه " التاريخية " التى‬
‫استعاروها من الفكر الغربى ‪ ،‬دونما إدراك لخصوصية النص‬
‫السلمى ‪ ،‬وتميز مسيرة الفقه السلمى والحضارة السلمية‪..‬‬
‫ولو أنهم فقهوا حقيقة المثلة التى توهموها دواعى لهذه‬
‫التاريخية ـ من مثل ميراث المرأة‪..‬‬
‫وشهادتها ـ لكفونا مئونة هذا الجهد فى كشف هذه الشبهات!‪..‬‬
‫(‪ )1‬النساء‪.11 :‬‬
‫(‪ )2‬النساء‪.7 :‬‬
‫(‪ )3‬لمزيد من التفاصيل ‪ ،‬أنظر‪ :‬د‪ .‬محمد عمارة [ هل السلم هو‬
‫الحل ؟ ] طبعة دار الشروق‪ .‬القاهرة ‪1998‬م‪ .‬ود‪ .‬صلح سلطان‬
‫[ميراث المرأة وقضية المساواة] طبعة دار نهضة مصر‪.‬القاهرة‬
‫‪1999‬م‪.‬‬
‫(‪ )4‬البقرة‪282 :‬ـ ‪.283‬‬
‫(‪ )5‬ص ‪103‬ـ ‪ .104‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬جميل غازى ‪ ،‬طبعة القاهرة ‪1977‬م‪.‬‬
‫‪-----------------------‬‬
‫‪-76‬جمع القرآن الكريم‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫اتخذ المعترضون من وقائع جمع القرآن وليجة يتسللون من‬


‫خللها للنيل من القرآن ‪ ،‬وإيقاع التشكيك فى كونه وحيًا من عند‬
‫الله عز وجل ‪.‬‬

‫‪677‬‬
‫والواقع أن الذى ألجأهم إلى التسلل من هذه " الوليجة " وهى‬
‫وقائع جمع القرآن أمران رئيسيان ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬محاولتهم نزع الثقة عن القرآن وخلخلة اليمان به حتى ل‬
‫يظل هو النص اللهى الوحيد المصون من كل تغيير أو تبديل ‪ ،‬أو‬
‫زيادة أو نقص ‪.‬‬
‫الثانى ‪ :‬تبرير ما لدى أهل الكتاب (اليهود والنصارى) من نقد وجه‬
‫إلى الكتاب المقدس بكل عهديه ‪:‬‬
‫القديم (التوراة) والجديد (الناجيل) ليقطعوا الطريق على ناقدى‬
‫الكتاب المقدس من المسلمين ‪ ،‬ومن غير المسلمين ‪.‬‬
‫ومواطن الشبهة عندهم فى وقائع جمع القرآن والمراحل التى‬
‫مَّر بها ‪ ،‬هى ‪:‬‬
‫أن القرآن لم يُدوَّن ولم يكتب فى مصحف أو مصاحف كما هو‬
‫الشأن الن ‪ ،‬إل بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم أما فى‬
‫حياته ‪ ،‬فلم يكن مجموعا ً فى مصحف ‪ .‬وأن جمعه مًّر بعدة‬
‫مراحل ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬فى خلفة أبى بكر ‪ -‬رضى الله عنه ‪ -‬وهو جمع ابتدائى‬
‫غير موثق تمام التوثيق كما يزعمون ؟ ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬فى خلفة عثمان بن عفان رضى الله عنه وقد كان‬
‫الجمع فى هذه المرحلة قابل ً لدخال كثير من الضافات التى‬
‫افتقر إليها تدوين القرآن فيما بعد ‪ .‬لن القرآن لم يكن فيهما‬
‫مضبوطًا مشكول ً ‪.‬‬
‫ت بالنص القرآنى وأبرزها ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫الثالثة ‪ :‬الضافات التى أل ْ ِ‬
‫حقَ ْ‬
‫* نَقْط حروفه لتمييز بعضها من بعض ‪ ،‬مثل تمييز الخاء من‬
‫الجيم والحاء ‪ ،‬وتمييز الجيم من الخاء والحاء ‪ ،‬وتمييز التاء بوضع‬
‫نقطتين فوقها عن كل من الياء والباء والنون والثاء ‪.‬‬
‫مدُ‬ ‫‪ -1‬ضبط كلماته بالضم والفتح والكسر والجزم ‪ ،‬مثل ‪ " :‬ال ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫مين " وهذا أمر طارئ على جمع القرآن فى‬ ‫لِل ّهِ َر ِّ‬
‫ب الْعَال َ ِ‬
‫مرحلتيه السابقتين ‪.‬‬
‫‪ -2‬علمات الوقف‪:‬مثل ‪:‬ج صلى ل قلى م ‪ -3 00 00‬وضع الدوائر‬
‫المرقوم فيها أرقام اليات فى كل سورة ‪.‬‬
‫إن كل هذه الضافات لم تكن موجودة فى العصر النبوى ‪ ،‬بل ول‬
‫فى عهد الخلفاء الراشدين ‪.‬‬
‫يذكرون هذا كله ليصوروا أن الشبهة التى لوحظت فى جمع‬
‫المصحف الحاوى للقرآن الكريم ‪ ،‬تزرع الشكوك والريوب (جمع‬
‫ريب) فى وحدة القرآن واستقراره وسلمته من التحريف ‪ .‬فعلم‬
‫إذن يصر المسلمون على اتهام التوراة التى بيد اليهود الن أنها ل‬
‫تمثل حقيقة التوراة التى أنزلها الله على موسى عليه السلم ؟‬

‫‪678‬‬
‫أو لماذا يطلقون هذا الوصف على مجموعة " الناجيل " ‪ :‬التى‬
‫بيد النصارى الن ؟ الرد على هذه الشبهة ‪:‬‬
‫ن تأخير تدوين القرآن عن حياة النبى صلى الله عليه وسلم‬ ‫إ ًّ‬
‫وجمعه فى مصحف فى خلفة أبى بكر رضى الله عنه ‪ ،‬لمساس‬
‫له مطلقًا بوحدة القرآن وصلة كل كلمة بالوحى اللهى ؛ لن‬
‫القرآن قبل جمعه فى مصاحف كان محفوظًا كما أنزله الله على‬
‫خاتم المرسلين ‪.‬‬
‫والعرب قبل السلم ‪ ،‬وفى صدر السلم المبكر كانوا ذوى‬
‫ملكات فى الحفظ لم يماثلهم فيها شعب أو أمة ‪ ،‬من قبلهم أو‬
‫معاصرة لهم ‪ ،‬ومن يعرف الكتابة والقراءة فيهم قليلون فكانوا‬
‫يحفظون عن ظهر قلب ما يريدون حفظه من منثور الكلم‬
‫ومنظومه ‪.‬‬
‫وروعة نظم القرآن ‪ ،‬ونقاء ألفاظه ‪ ،‬وحلوة جرسه ‪ ،‬وشرف‬
‫معانيه ‪ ،‬هذه الخصائص والسمات فاجأت العرب بما لم يكونوا‬
‫يعرفون ‪ ،‬فوقع من أنفسهم موقع السحر فى شدة تأثيره على‬
‫العقول والمشاعر ‪ ،‬فاشتد اهتمامهم به ‪ ،‬وبخاصة الذين كانوا من‬
‫السابقين إلى اليمان به ‪ ،‬وكانوا يترقبون كل جديد ينزل به‬
‫الوحى المين ‪ ،‬يجمعون بين حفظه والعمل به ‪.‬‬
‫وكان النبى صلى الله عليه وسلم كلما نزل عليه شئ من الوحى‬
‫يأمر كُتًّاب الوحى بكتابته فوًرا ‪ ،‬سماع ًا من فمه الطاهر ثم ينشر‬
‫ما نزل من الوحى بين الناس ‪.‬‬
‫وقد ساعد على سهولة حفظه أمران ‪:‬‬
‫ما) أى مفرقًا على مدى ثلث وعشرين سنة ؛‬ ‫من َ َّ‬
‫ج ً‬ ‫الول ‪ :‬نزوله ( ُ‬
‫لنه لم ينزل دفعة واحدة كما كان الشأن فى الوحى إلى الرسل‬
‫السابقين ‪.‬‬
‫مفََّرقًا هو ارتباطه بتربية المة ‪،‬‬
‫والسبب فى نزول القرآن ُ‬
‫والترقى بها فى مجال التربية طوًرا بعد طور ومعالجة ما كان‬
‫يجد من مشكلت الحياة ‪ ،‬ومواكبة حركة بناء الدعوة من أول‬
‫شعاع فيها إلى نهاية المطاف ‪.‬‬
‫الثانى ‪ :‬خصائص النظم القرآنى فى صفاء مفرداته ‪ ،‬وإحكام‬
‫تراكيبه ‪ ،‬واليقاع الصوتى لدائه متلوًّا باللسان ‪ ،‬مسموع ًا‬
‫بالذان ‪ ،‬وما يصاحب ذلك من إمتاع وإقناع ‪ ،‬كل ذلك أضفى على‬
‫آيات القرآن خاصية الجذب إليه ‪ ،‬والميل الشديد إلى القبال‬
‫ل من‬ ‫عليه ‪ ،‬بحيث يجذب قارئه وسامعه واقعًا فى أسره غير ملو ٍ‬
‫طول الصحبة معه ‪.‬‬
‫ما فى الحساس بهذه‬ ‫مه ًّ‬
‫وتؤدى فواصل اليات فى القرآن دوًرا ُ ِ‬
‫الخصائص ‪ .‬ولنذكر لهذا " مثل ً " من سور القرآن الكريم ‪:‬‬

‫‪679‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم (والعاديات ضبحا * فالموريات قدحا *‬
‫حا * فأثرن به نقعًا * فوسطن به جمعًا * إن‬ ‫فالمغيرات صب ً‬
‫النسان لربه لكنود * وإنه على ذلك لشهيد * وإنه لحب الخير‬
‫حصل ما فى الصدور‬ ‫لشديد * أفل يعلم إذا بُعثر ما فى القبور * و ُ‬
‫* إن ربهم بهم يومئذ لخبير)(‪. )1‬‬
‫عدد آيات هذه السورة [ العاديات ] إحدى عشرة آية ‪ ،‬وقد‬
‫وزعت من حيث الفواصل ‪ ،‬وهى الكلمات الواقعة فى نهايات‬
‫اليات ‪ ،‬على أربعة محاور ‪ ،‬هى ‪ :‬الثلث اليات الولى ‪ ،‬وكل‬
‫فاصلة فيها تنتهى بحرف الحاء ‪ :‬ضبحا قدحا صبحا ‪.‬‬
‫واليتان الرابعة والخامسة ‪ ،‬كل فاصلة فيهما انتهت بحرف العين‬
‫معا ‪.‬‬
‫ج ْ‬
‫‪ :‬نقعا َ‬
‫واليات السادسة والسابعة والثامنة ‪ ،‬انتهت فواصلها بحرف‬
‫الدال ‪ :‬لكنود لشهيد لشديد ‪.‬‬
‫أما اليات التاسعة ‪ ،‬والعاشرة ‪ ،‬والحادية عشرة ‪ ،‬فقد انتهت‬
‫فواصلها بحرف الراء ‪ :‬القبور الصدور لخبير ‪.‬‬
‫مع ملحظة أن حروف الفواصل فى هذه السورة ماعدا اليات‬
‫الثلث الولى مسبوقة بحرف " مد " هو " الواو " فى ‪ " :‬لكنود "‬
‫و " الياء " فى ‪ " :‬لشهيد لشديد " ‪.‬‬
‫ثم " الواو " فى ‪ " :‬القبور الصدور ثم " الياء " فى ‪ " :‬لخبير "‬
‫وحروف المد تساعد على " تطرية " الصوت وحلوته فى السمع‬
‫‪ .‬لذلك صاحبت حروف المد كلمات " الفواصل " فى القرآن كله‬
‫تقريبًا ‪ ،‬وأضفت عليها طابعًا غنائيًا من طراز فريد (‪ )2‬جذب‬
‫السماع ‪ ،‬وحرك المشاعر للقبال على القرآن بشدة أسره إياهم‬
‫عن طريق السماع ‪ ،‬ليكون ذلك وسيلة للقبال على فقه معانيه ‪،‬‬
‫ثم اليمان به ‪.‬‬
‫ومن سمات سهولة الحفظ فى هذه السورة أمران ‪:‬‬
‫أنها سورة قصيرة ‪ ،‬حيث لم تتجاوز آياتها إحدى عشرة آية ‪.‬‬
‫قصر آياتها ‪ ،‬فمنها ما تألف من كلمتين ‪ ،‬وهى اليات الثلث‬
‫الولى ‪ .‬ومنها ما تألف من ثلث كلمات ‪ ،‬وهى اليتان الرابعة‬
‫والخامسة ‪ .‬ومنها ما تألف من أربع كلمات ‪ ،‬وهى اليات ‪:‬‬
‫السادسة والسابعة والثامنة ‪ .‬وآيتان فحسب كلماتها خمس ‪،‬‬
‫وهما العاشرة والحادية عشرة ‪ .‬وآية واحدة كلماتها سبع ‪ ،‬هى‬
‫الية التاسعة ‪.‬‬
‫ونظام " عقد المعانى " فى السورة رائع كروعة نظمها ‪ .‬فاليات‬
‫ل المجاهدين فى سبيل الله ‪.‬‬ ‫خي ْ ِ‬
‫م جليل ب ِ َ‬ ‫الثلث الولى قَ َ‬
‫س ٌ‬

‫‪680‬‬
‫واليتان الرابعة والخامسة استطراد مكمل لمعانى المقسم به ‪،‬‬
‫شدة إغارتها التى تثير غبار الرض ‪ ،‬وسرعة عَدْوِهٍَا ومفاجأتها‬
‫العدوّ فى الغارة عليه ‪.‬‬
‫ثم يأتى المقسم عليه فى الية السادسة ‪ " :‬إن النسان لربه‬
‫لكنود " ‪ :‬عاص لله ‪ ،‬كفور بإنعامه عليه وفى الية السابعة إلماح‬
‫إلى علم النسان بأنه عاق لربه ‪ ،‬شهيد على كفرانه نعمته ‪.‬‬
‫وفى الية الثامنة تقبيح لمعصية النسان لربه ‪ ،‬وإيثار حطام الدنيا‬
‫على شكر المنعم ‪.‬‬
‫أما اليات الثلث الخيرة من (‪ )9‬إلى (‪ )11‬فهى إنذار للنسان‬
‫الكفور بنعم ربه إليه ‪.‬‬
‫وهذه السمات ‪ ،‬ليست وقفًا كلها على سورة " والعاديات " بل‬
‫هى مع غيرها ‪ ،‬سمات عامة للقرآن كله ‪ ،‬وبهذا صار القرآن‬
‫سهل الحفظ لمن حاوله وصدق فى طلبه وسلك الطريق الحق‬
‫الموصل إليه (‪ )3‬إن الحفظ كان العلقة الولى بين المسلمين‬
‫وبين كتاب ربهم وكان الحفظ له وسيلة واحدة ضرورية يعتمد‬
‫عليها ‪ ،‬هى السماع ‪ .‬وهكذا وصل إلينا القرآن ‪ ،‬من بداية نزوله‬
‫إلى نهايته ‪.‬‬
‫وأول سماع فى حفظ القرآن كان من جبريل عليه السلم الذى‬
‫وصفه الله بالمين ‪.‬‬
‫وأول سامع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬سمع القرآن‬
‫كله مرات من جبريل ‪.‬‬
‫مع كان هو عليه الصلة والسلم بعد سماعه القرآن‬ ‫س ِّ‬
‫م َ‬
‫وثانى ُ‬
‫من جبريل ‪.‬‬
‫ب الوحى ‪ ،‬سمعوه من النبى عليه‬ ‫أما ثانى سامع للقرآن فهم كُتَّا ُ‬
‫الصلة والسلم فور سماعه القرآن من جبريل ؛ لنه كان إذا نزل‬
‫ب الوحى‬‫الوحى ‪ ،‬وفرغ من تلقى ما أنزله الله إليه دعا كُتَّا َ‬
‫فأملى على مسامعهم ما نزل فيقومون بكتابته على الفور ‪.‬‬
‫ثم يشيع عن طريق السماع ل الكتابة ما نزل من القرآن بين‬
‫المؤمنين ‪ ،‬إما من فم الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬أو من‬
‫أفواه كتاب الوحى ‪.‬‬
‫سر الله تعالى لحفظ القرآن واستمرار حفظه كما أنزله لله‬ ‫وقد ي َّ‬
‫‪ ،‬أوثق الطرق وأعلها قدًرا فكان صلى الله عليه وسلم يقرؤه‬
‫على جبريل فى كل عام مرة فى شهر رمضان المعظم ‪ .‬ثم فى‬
‫م عرض القرآن تلوة على جبريل‬ ‫العام الذى لقى فيه ربه ت َ َّ‬
‫مرتين ‪ .‬زيادة فى التثبت والتوثيق ‪.‬‬
‫وفى هذه الفترة (فترة حياة النبى) لم يكن للقراء مرجع سوى‬
‫المحفوظ فى صدر النبى عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وهو الصل الذى‬

‫‪681‬‬
‫يُرجع إليه عند التنازع ‪ ،‬أما ما كان مكتوبًا فى الرقاع والورق فلم‬
‫يكن مما يرجع إليه الناس ‪ ،‬مع صحته وصوابه ‪.‬‬
‫وكذلك فى عهدى الشيخين أبى بكر وعمر رضى الله عنهما كان‬
‫العتماد على الحفظ فى الصدور هو المعول عليه دون الكتابة ؛‬
‫لنها كانت مفرقة ‪ ،‬ولم تكن مجموعة ‪.‬‬
‫وكانت حظوظ الصحابة ‪ ،‬من حفظ القرآن متفاوتة ‪ ،‬فكان منهم‬
‫من يحفظ القدر اليسير ‪ ،‬ومنهم من يحفظ القدر الكثير ‪ ،‬ومنهم‬
‫من يحفظ القرآن كله ‪ .‬وهم جمع كثيرون مات منهم فى موقعة‬
‫اليمامة فى خلفة أبى بكر سبعون حافظًا للقرآن ‪ ،‬وكانوا‬
‫يسمون حفظة القرآن ب " القَُّراء " ‪.‬‬
‫ول يقدح فى ذلك أن بعض الروايات تذهب إلى أن الذين حفظوا‬
‫القرآن كله من الصحابة كانوا أربعة أو سبعة ‪ ،‬وقد وردت بعض‬
‫هذه الروايات فى صحيحى البخارى ومسلم لن ما ورد فيهما له‬
‫توجيه خاص ‪ ،‬هو أنهم حفظوا القرآن كله وعرضوا حفظهم على‬
‫رسول الله تلوة عليه فأقرهم على حفظهم ‪ ،‬وليس معناه أنهم‬
‫هم الوحيدون الذين حفظوا القرآن من الصحابة (‪. )4‬‬
‫أول جمع للقرآن الكريم لم يجمع القرآن فى مصحف فى حياة‬
‫النبى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ول فى صدر خلفة أبى بكر رضى‬
‫الله عنه ‪ ،‬وكان حفظه كما أنزل الله فى الصدور هو المتبع ‪.‬‬
‫وفى هذه الثناء كان القرآن مكتوبًا فى رقاع متفرقًا ‪ .‬هذه‬
‫الرقاع وغيرها التى كتب فيها القرآن إملء من فم النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬ظلت كما هى لم يطرأ عليها أى تغيير من أى‬
‫نوع ‪.‬‬
‫حفّاظِه دعت الحاجة إلى جمع ما كتب‬ ‫َ‬ ‫ولما قتل سبعون رجل ً من ُ‬
‫مفرقًا فى مصحف واحد فى منتصف خلفة أبى بكر باقتراح من‬
‫عمر رضى الله عنهما ‪.‬‬
‫وبعد وفاة أبى بكر تسلم المصحف عمر بن الخطاب ‪ ،‬وبعد وفاته‬
‫ظل المصحف فى حوزة ابنته أم المؤمنين حفصة رضى الله عنها‬
‫(‪. )5‬‬
‫وفى هذه الفترة كان حفظ القرآن فى الصدور هو المتبع كذلك ‪.‬‬
‫ح َّفاظه من الصحابة بعد انتقال النبى عليه الصلة‬ ‫وانضم إلى ُ‬
‫والسلم إلى الرفيق العلى ‪ ،‬التابعون من الطبقة الولى ‪،‬‬
‫وكانت علقتهم بكتاب الله هى الحفظ بتفاوت حظوظهم فيه قلة‬
‫وكثرة ‪ ،‬وحفظًا للقرآن كله ‪ ،‬وممن اشتهر منهم بحفظ القرآن‬
‫كله التابعى الكبير الحسن البصرى رضى الله عنه وآخرون ‪.‬‬
‫كان هذا أول جمع للقرآن ‪ ،‬والذى تم فيه هو جمع الوثائق التى‬
‫كتبها كتبة الوحى فى حضرة رسول الله ‪ ،‬بمعنى تنسيق وثائق‬

‫‪682‬‬
‫كل سورة مرتبة آياتها على نسق نزولها ‪ ،‬ول معنى لهذا الجمع إل‬
‫ما ذكرناه ‪ ،‬وإطلق وصف المصحف عليه إطلق مجازى صرف ‪.‬‬
‫والقصد منه أن يكون مرجعًا موثوقًا به عند اختلف الحفاظ ‪.‬‬
‫ومما يجب التنبيه إليه مرات أن الجمع فى هذه المرحلة لم يضف‬
‫شيئًا أو يحذفه من تلك الوثائق الخطية ‪ ،‬التى تم تدوينها فى حياة‬
‫النبى عليه الصلة والسلم إملءً منه على كتبة وحيه المناء‬
‫الصادقين ‪.‬‬
‫مرحلة الجمع الثانية (‪ )6‬كانت هذه المرحلة فى خلفة عثمان بن‬
‫عفان رضى الله عنه وكان حافظًا للقرآن كله كما ورد فى‬
‫الروايات الصحيحة ‪ .‬والسبب الرئيسى فى اللجوء إلى هذا الجمع‬
‫فى هذه المرحلة هو اختلف الناس وتعصبهم لبعض القراءات ‪،‬‬
‫إلى حد الفتخار بقراءة على قراءة أخرى ‪ ،‬وشيوع بعض‬
‫القراءات غير الصحيحة وهذا ما حمل حذيفة بن اليمان على أن‬
‫يفزع إلى أمير المؤمنين عثمان ابن عفان ‪ ،‬ويهيب به أن يدرك‬
‫المة قبل أن تتفرق حول القرآن كما تفرق اليهود والنصارى‬
‫حول أسفارهم المقدسة ‪ .‬فنهض رضى الله عنه للقيام بجمع‬
‫القرآن فى " مصحف " يجمع الناس حول أداء واحد متضمنًا‬
‫الصلحية للقراءات الخرى الصحيحة ‪ ،‬وندب لهذه المهمة الجليلة‬
‫رجل ً من النصار (زيد بن ثابت) وثلثة من قريش ‪ :‬عبد الله بن‬
‫الزبير ‪ ،‬سعد بن أبى وقاص ‪ ،‬وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام‬
‫‪ .‬وزيد بن ثابت هذا كان هو رئيس الفريق الذى ندبه عثمان رضى‬
‫الله عنه لهذه المهمة الجليلة؛ لنه أى زيد بن ثابت قد تحققت‬
‫فيه مؤهلت أربعة للقيام بهذه المسئولية وهى ‪:‬‬
‫كان من كتبة الوحى فى الفترة المدنية ‪.‬‬
‫كان حافظًا متقنًا للقرآن سماع ًا مباشًرا من فم رسول الله ‪.‬‬
‫كان هو الوحيد الذى حضر العرضة الخيرة للقرآن من النبى عليه‬
‫الصلة والسلم على جبريل عليه السلم كان هو الذى جمع‬
‫القرآن فى خلفة أبى بكر رضى الله عنه ‪.‬‬
‫منهج الجمع فى هذه المرحلة وقد تم الجمع فى هذه المرحلة‬
‫على منهج دقيق وحكيم للغاية قوامه أمران ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬المصحف الذى تم تنسيقه فى خلفة أبى بكر رضى الله‬
‫عنه ‪ ،‬وقد تقدم أن مكوّنات هذا المصحف هى الوثائق الخطية‬
‫التى سجلها كتبة الوحى فى حضرة النبى عليه صلى الله عليه‬
‫وسلم سماع ًا مباشًرا منه ‪.‬‬
‫فكان ل يُقبل شئ فى مرحلة الجمع الثانى ليس له وجود فى‬
‫تلك الوثائق التى أقرها النبى عليه الصلة والسلم ‪.‬‬

‫‪683‬‬
‫الثانى ‪ :‬أن تكون الية أو اليات محفوظة حفظًا مطابقًا لما فى‬
‫مصحف أبى بكر عند رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم على القل ‪ .‬فل يكفى حفظ الرجل الواحد ‪ ،‬ول يكفى‬
‫وجودها فى مصحف أبى بكر ‪ ،‬بل لبد من المرين م ًعا ‪:‬‬
‫‪ -1‬وجودها فى مصحف أبى بكر ‪.‬‬
‫‪ -2‬ثم سماعها من حافظين ‪ ،‬أى شاهدين ‪ ،‬وقد استثنى من هذا‬
‫الشرط أبو خزيمة النصارى ‪ ،‬حيث قام حفظه مقام حفظ‬
‫رجلين فى آية واحدة لم توجد محفوظة إل عند أبى خزيمة ‪،‬‬
‫وذلك لن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل شهادته بشهادة‬
‫رجلين عدلين ‪.‬‬
‫قام هذا الفريق ‪ ،‬وفق هذا المنهج المحكم ‪ ،‬بنسخ القرآن ‪،‬لول‬
‫مرة ‪ ،‬فى مصحف واحد ‪ ،‬وقد أجمع عليه جميع أصحاب رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ولم يعارض عثمان منهم أحدًا ‪ ،‬حتى‬
‫عبد الله بن مسعود ‪ ،‬وكان له مصحف خاص كتبه لنفسه ‪ ،‬لم‬
‫يعترض على المصحف "الجماعى" الذى دعا إلى كتابته عثمان‬
‫رضى الله عنه ‪ ،‬ثم تلقت المة هذا العمل الجليل بالرضا والقبول‬
‫‪ ،‬فى جميع القطار والعصور ونسخ من مصحف عثمان ‪ ،‬الذى‬
‫سمى " المصحف المام " بضعة مصاحف ‪ ،‬أرسل كل مصحف‬
‫منها إلى قطر من أقطار السلم ‪ ،‬مثل الكوفة والح جاز ‪ ،‬وبقى‬
‫المصحف الم فى حوزة عثمان رضى الله عنه ‪ ،‬ثم عمد عثمان‬
‫إلى كل ماعدا " المصحف المام " من مصاحف الفراد المخالفة‬
‫أدنى مخالفة للمصحف المام ‪ ،‬ومنها مصحف الصحابى الجليل‬
‫ابن مسعود وأمر بحرقها أو استبعادها ؛ لنها كانت تحتوى على‬
‫قراءات غير صحيحة ‪ ،‬وبعضها كان يُدخل بعض عبارات تفسيرية‬
‫فى صلب اليات أو فى أواخرها ‪.‬‬
‫الفرق بين الجمعين من نافلة القول ‪ ،‬أن نعيد ما سبق ذكره ‪،‬‬
‫من أن أصل الجمعين اللذين حدثا فى خلفتى أبى بكر وعثمان‬
‫رضى الله عنهما كان واحدًا ‪ ،‬هو الوثائق الخطية التى حررت فى‬
‫حضرة النبى صلى الله عليه وسلم إملءً من فمه الطاهر على‬
‫كتبة الوحى ‪ ،‬ثم تلوتهاعليه وإقرارها كما تليت عليه هذه الوثائق‬
‫لم تدخل عليها أية تعديلت ‪ ،‬وهى التى نراها الن فى المصحف‬
‫الشريف المتداول بين المسلمين ‪.‬‬
‫وكان الهدف من الجمع الول فى خلفة أبى بكر رضى الله عنه‬
‫هو جمع تلك الوثائق المتفرقة فى مكان واحد منسقة السور‬
‫واليات ‪ ،‬دون نقلها فى مصحف حقيقى جامع لها ‪ .‬فهذا الجمع‬
‫بلغة العصر مشروع جمع ل جمع حقيقى فى الواقع ‪.‬‬

‫‪684‬‬
‫ولهذا عبَّر عنه أحد العلماء بأنه أشبه ما يكون بأوراق وجدت‬
‫متفرقة فى بيت النبى فربطت بخيط واحد ‪ ،‬مانع لها من التفرق‬
‫مرة أخرى ‪.‬‬
‫خا ونقل ً لما‬
‫أما الجمع فى خلفة عثمان رضى الله عنه فكان نس ً‬
‫فى الوثائق الخطية ‪ ،‬التى حررت فى حياة النبى عليه الصلة‬
‫والسلم وأقرها بعد تلوتها عليه ‪ ،‬وجمعها فى مصحف واحد فى‬
‫مكان واحد ‪ .‬وإذا شبهنا الوثائق الولى بقصاصات ورقية مسطر‬
‫عليها كلم ‪ ،‬كان الجمع فى خلفة عثمان هو نسخ ذلك الكلم‬
‫المفرق فى القصاصات فى دفتر واحد ‪.‬‬
‫أما الهدف من الجمع فى خلفة عثمان فكان من أجل المور‬
‫التية ‪:‬‬
‫‪ -1‬توحيد المصحف الجماعى واستبعاد مصاحف الفراد لنها لم‬
‫تسلم من الخلل ‪ .‬وقد تم ذلك على خير وجه ‪.‬‬
‫‪ -2‬القضاء على القراءات غير الصحيحة ‪ ،‬وجمع الناس على‬
‫القراءات الصحيحة ‪ ،‬التى قرأ بها النبى عليه الصلة والسلم فى‬
‫العرضة الخيرة على جبريل فى العام الذى توفى فيه ‪.‬‬
‫‪ -3‬حماية المة من التفرق حول كتاب ربها ‪ .‬والقضاء على‬
‫التعصب لقراءة بعض القراء على قراءة قراء آخرين ‪.‬‬
‫حفَّاظ مجودين‬ ‫وفى جميع الزمنة فإن القرآن يؤخذ سماع ًا من ُ‬
‫متقنين ‪ ،‬ول يؤخذ عن طريق القراءة من المصحف ؛ لن الحفظ‬
‫من المصحف عرضة لكثير من الخطاء ‪ ،‬فالسماع هو الصل فى‬
‫تلقى القرآن وحفظه ‪ .‬لن اللسان يحكى ما تسمعه الذن ‪ ،‬لذلك‬
‫نزل القرآن ملفوظًا ليسمع ولم ينزل مطبوع ًا ليُقرأ فالفرق بين‬
‫الجمعين حاصل من وجهين ‪:‬‬
‫الوجه الول ‪ :‬جمع أبى بكر رضى الله عنه كان تنسيقًا للوثائق‬
‫الخطية التى حررت فى حياة النبى عليه الصلة والسلم على‬
‫صورتها الولى حسب ترتيب النزول سوًرا وآيات ‪.‬‬
‫وجمع عثمان رضى الله عنه كان نقل ً جديدًا لما هو مسطور فى‬
‫الوثائق الخطية فى كتاب جديد ‪ ،‬أطلق عليه " المصحف المام "‬
‫‪.‬‬
‫أما الوجه الثانى فهو من حيث الهدف من الجمع وهو فى جمع‬
‫أبى بكر كان حفظ الوثائق النبوية المفرقة فى نسق واحد‬
‫ما بعضها إلى بعض ‪ ،‬منسقة فيه السور واليات كما هى‬ ‫مضمو ً‬
‫فى الوثائق ‪ ،‬لتكون مرجعًا حافظًا ليات الذكر الحكيم ‪.‬‬
‫وهو فى جمع عثمان ‪ ،‬جمع المة على القراءات الصحيحة التى‬
‫قرأها النبى صلى الله عليه وسلم فى العرضة الخيرة على‬
‫جبريل عليه السلم ‪.‬‬

‫‪685‬‬
‫أما المتون (النصوص) التى نزل بها الوحى المين فظلت على‬
‫صورتها الولى ‪ ،‬التى حررت بها فى حياة النبى عليه الصلة‬
‫والسلم ‪.‬‬
‫خل على رسم اليات ول نطقها‬ ‫فالجمعان البكرى والعثمانى لم يُد ْ ِِ‬
‫أى تعديل أو تغيير أو تبديل ‪ ،‬وفى كل الماكن والعصور واكب‬
‫حفظ القرآن تدوينه فى المصاحف ‪ ،‬وبقى السماع هو الوسيلة‬
‫الوحيدة لحفظ القرآن على مدى العصورحتى الن وإلى يوم‬
‫الدين‪.‬‬
‫فذلكة سريعة ‪:‬‬
‫العرض الذى قدمناه لتدوين القرآن يظهر من خلله الحقائق‬
‫التية ‪:‬‬
‫‪ -1‬إن تدوين متون القرآن (نصوصه) تم منذ فجر أول سورة‬
‫نزلت بل أول آية من القرآن ‪ ،‬وكان كلما نزل نجم من القرآن‬
‫أمله عليه الصلة والسلم على كاتب الوحى فدونه سماع ًا منه‬
‫لتوه ‪ ،‬ولم يلق عليه الصلة والسلم ربه إل والقرآن كله مدون‬
‫فى الرقاع وما أشبهها من وسائل التسجيل ‪ .‬وهذا هو الجمع‬
‫الول للقرآن وإن لم يذكر فى كتب المصنفين إل نادًرا ‪.‬‬
‫‪ -2‬إن هذا التدوين أو الجمع المبكر للقرآن كان وما يزال هو‬
‫الصل الثابت الذى قامت على أساسه كل المصاحف فيما بعد ‪،‬‬
‫حتى عصرنا الحالى ‪.‬‬
‫‪ -‬إن الفترة النبوية التى سبقت جمع القرآن فى خلفة أبى بكر‬
‫رضى الله عنه ‪ ،‬لم تكن فترة إهمال للقرآن ‪ ،‬كما يزعم بعض‬
‫خصوم القرآن من المبشرين والمستشرقين والملحدين بل‬
‫العكس هو الصحيح ‪ ،‬كانت فترة عناية شديدة بالقرآن (‪. )7‬‬
‫اعتمدوا فيها على ركيزتين بالغتى الهمية ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬السماع من الحفظة المتقنين لحفظ القرآن وتلوته ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬الحفظ المتقن فى الصدور ‪.‬‬
‫والسماع والحفظ هما أقدم الوسائل لحفظ وتلوة كتاب الله‬
‫العزيز ‪ .‬وسيظلن هكذا إلى يوم الدين ‪.‬‬
‫‪ -‬إن القرآن منذ أول آية نزلت منه ‪ ،‬حتى اكتمل وحيه لم تمر‬
‫عليه لحظة وهو غائب عن المسلمين ‪ ،‬أو المسلمون غائبون عنه‬
‫ما لهم ملزمة الروح للجسد ‪.‬‬ ‫‪ ،‬بل كان ملز ً‬
‫إن تاريخ القرآن واضح كل الوضوح ‪ ،‬ومعروف كل المعرفة ‪ ،‬لم‬
‫تمر عليه فترات غموض ‪ ،‬أو فترات اضطراب ‪ ،‬كما هو الشأن‬
‫فى عهدى الكتاب المقدس (‪ )8‬التوراة والنجيل ‪ .‬وما خضعا له‬
‫من أوضاع ل يمكن قياسها على تاريخ القرآن ‪ ،‬فليس لخصوم‬
‫القرآن أى سبب معقول أو مقبول فى اتخاذهم مراحل جمع‬

‫‪686‬‬
‫القرآن منافذ للطعن فيه ‪ ،‬أو مبرًرا يبررون به ما اعترى كتابهم‬
‫المقدس من آفات تاريخية ‪ ،‬وغموض شديد العتام صاحب وما‬
‫يزال يصاحب ‪ ،‬واقعيات التوراة والناجيل نشأة ‪ ،‬وتدوينًا ‪،‬‬
‫واختلفًا واسع المدى ‪ ،‬فى الجوهر والعراض التى قامت به ‪.‬‬
‫وقد بقى علينا من عناصر شبهاتهم حول جمع القرآن ومراحله ما‬
‫سبقت الشارة إليه من قبل ‪ ،‬وهى ‪ :‬النقط والضبط وعلمات‬
‫الوقف ‪.‬‬
‫المراد بالنَقْط هو وضع النُّقط فوق الحروف أو تحتها مثل نقطة‬
‫النون ونقطة الباء ‪.‬‬
‫أما الضبط فهو وضع الحركات الربع ‪ :‬الضمة والفتحة والكسرة‬
‫والسكون فوق الحروف أو تحتها حسب النطق الصوتى للكلمة ‪.‬‬
‫حسبما تقتضيه قواعد النحو والصرف ‪.‬‬
‫أما علمات الوقف فهى كالنقط والضبط توضع فوق نهاية الكلمة‬
‫التى يجوز الوقف عليها أو وصلها بما بعدها ‪ .‬وهذه النواع الثلثة‬
‫يُلحظ فيها ملحظان عا َّ‬
‫مان ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أنها ل تمس جسم الكلمة من قريب أو من بعيد ول تغير‬
‫من هيكل الرسم العثمانى للكلمات ‪ ،‬بل هى زيادة إضافية‬
‫خارجة عن " متون " (أصول) الكلمات ‪.‬‬
‫الثانى ‪ :‬أنها كلها أدوات أو علمات اجتلبت لخدمة النص‬
‫القرآنى ‪ ،‬ولتلوته صوتيًا تلوة متقنة أو بعبارة أخرى ‪:‬‬
‫هى وسائل إيضاح اصطلحية متفق عليها تعين قارئ القرآن على‬
‫ما ‪ ،‬وليست هى من عناصر التنزيل ‪ ،‬ولو‬ ‫أدائه أداء صوتيًا محك ً‬
‫جرد المصحف منها ما نقص كلم الله شيئًا ‪ .‬وقد كان كتاب الله‬
‫قبل إدخال هذه العلمات هو هو كتاب الله ‪ ،‬إذن فليست هى‬
‫تغييًرا أو تبديل ً أو تحريفًا أدخل على كتاب الله فأضاع معالمه ‪،‬‬
‫كما يزعم خصوم القرآن الموتورون ‪.‬‬
‫فالنقط أضيفت إلى رسم المصحف للتمييز بين الحروف‬
‫المتماثلة كالجيم والحاء والخاء ‪ ،‬والباء والتاء والثاء والنون‬
‫والسين والشين ‪ ،‬والطاء والظاء والفاء والقاف والعين والغين ‪،‬‬
‫والصاد والضاد ‪.‬‬
‫وقبل إضافة النقط إلى الحروف كان السماع قائما ً مقامها ‪ ،‬لن‬
‫حفاظ القرآن المتقنين المجوِّدين ليسوا فى حاجة إلى هذه‬
‫ضا طريًا كما أنزله الله‬‫العلمات ‪ ،‬لنهم يحفظون كتاب ربهم غ ً‬
‫ما غير الحفاظ ممن ل يستغنون عن النظر‬ ‫على خاتم رسله ‪ ،‬أ َّ‬
‫فى المصحف فهذه العلمات النقطية والضبطية والوقفية‬
‫ترشدهم إلى التلوة المثلى ‪ ،‬وتقدم لهم خدمات جليلة فى النظر‬

‫‪687‬‬
‫فى المصحف ؛ لنها كما قلنا من قبل وسائل إيضاح لقراء‬
‫المصحف الشريف ‪.‬‬
‫فمثل ً نقط الحروف وقاية من الوقوع فى أخطاء ل حصر لها ‪،‬‬
‫ولنأخذ لذلك مثال ً واحدًا هو قوله تعالى ‪( :‬كمثل جنة بربوة)(‪. )9‬‬
‫لو تركت " جنة " بغير نقط ول ضبط لوقع القارئ غير الحافظ‬
‫فى أخطاء كثيرة ؛ لنها تصلح أن تنطق على عدة احتمالت ‪،‬‬
‫حتة خيَّة جيَّة حبة جبَّة ‪.‬‬
‫جنة ِ‬‫حنَّة خبَّة ُ‬
‫حبَّة حية ِ‬
‫مثل ‪َ :‬‬
‫ضبطت كلماتها اتضح المراد منها‬ ‫ولكن لما نقطت حروفها ‪ ،‬و ُ‬
‫وتحدد تحديدًا دقيقًا ‪ ،‬طاردًا كل الحتمالت غير المرادة ‪.‬‬
‫وأول من نقط حروف المصحف جماعة من التابعين كان‬
‫أشهرهم أبوالسود الدؤلى ‪ ،‬ونصر بن عاصم الليثى ‪ ،‬ويحيى بن‬
‫مر ‪ ،‬والخليل ابن أحمد ‪ ،‬وكلهم من كبار التابعين (‪. )10‬‬ ‫يَعْ ُ‬
‫والخلصة ‪ :‬أن نقط حروف الكلمات القرآنية ‪ ،‬وضبط كلمات‬
‫آياته ليس من التنزيل ‪ ،‬وأنه حدث فى عصر كبار التابعين ‪،‬‬
‫وإلحاق ذلك بالمصحف ليس تحريفًا ول تعديل ً لكلم القرآن ‪.‬‬
‫وهو من البدع الحسنة وقد أجازه العلماء لن فيه تيسيًرا على‬
‫قَُّراء كتاب الله العزيز ‪ ،‬وإعانة لهم على تلوته تلوة متقنة‬
‫محكمة ‪ ،‬وهو من المصالح المرسلة ‪ ،‬التى سكت الشرع عنها‬
‫فلم يأمر بها ولم ينه عنها ‪.‬‬
‫وتحقيق المصلحة يقوم مقام المر بها ‪ ،‬ووقوع المضرة يقوم‬
‫مقام النهى عنها ‪.‬‬
‫وهذه سمة من سمات مرونة الشريعة السلمية العادلة‬
‫الرحيمة‪ .‬أما علمات الوقف فلها أدوار إيجابية فى إرشاد قراء‬
‫القرآن وتوجيههم إلى كيفية التعامل مع الجمل والتراكيب‬
‫القرآنية حين تُتلى فى صلة أو فى غير صلة ‪.‬‬
‫والواقع أن كل هذه المضافات إلى رسم كلمات المصحف فوق‬
‫أنها والله سبحانه وتعالى أعلم وسائل إيضاح كما تقدم ‪ ،‬اجتلبت‬
‫من أجل خدمة النص القرآنى ‪ ،‬تؤدى فى الوقت نفسه خدمة‬
‫جليلة لمعانى المفردات والتراكيب القرآنية ‪ .‬وقد أشرنا من قبل‬
‫إلى مهمات النقط فوق أو تحت الحروف ‪ ،‬وعلمات الضبط‬
‫الربع ‪ :‬الفتحة والضمة والكسرة والسكون ‪ ،‬فوق أو تحت رسم‬
‫الكلمات ‪.‬‬
‫ونسوق الن تمثيل ً سريعًا للمهام الجليلة التى تؤديها علمات‬
‫ف عليها أو ل‬ ‫الوقف ‪ ،‬التى توضع فوق نهايات الكلمات التى يُوْقَ ُ‬
‫يُوقف ‪:‬‬
‫قوله تعالى‪(:‬وإن يمسسك الله بضر فل كاشف له إل هوصلى ‪،‬‬
‫وإن يمسسك بخير فهو على كل شىء قدير)(‪. )11‬‬

‫‪688‬‬
‫نرى العلمة (صلى) فوق حرف الواو فى كلمة " هو " وهى ترمز‬
‫إلى أن الوقف على هذه الكلمة " هو " جائز ووصلها بما بعدها‬
‫وهو " وإن يمسسك " جائز كذلك إل أن الوصل ‪ ،‬وهو هنا تلوة‬
‫الية كلها دفعة واحدة بل توقف ‪ ،‬أولى من الوقف ‪.‬‬
‫والسبب فى جواز الوقف والوصل هنا أن كل ً من الكلمين معناه‬
‫تام يحسن السكوت عليه ‪ ،‬وكذلك يحسن وصله بما بعده لنهما‬
‫كلمان بينهما تناسب وثيق ‪ ،‬ومن حيث البناء التركيبى ‪ ،‬هما‬
‫ن " ‪ ،‬وفِعْل الشرط فيهما فعل مضارع ‪ ،‬وهما فعل‬ ‫شرط " إ ْ‬
‫واحد تكرر فى شرطى الكلمين " يمسسك " والفاعل هو " الله‬
‫" فيهما ‪ .‬الول اسم ظاهر ‪ ،‬والثانى ضمير عائد عليه ‪ ،‬أما كون‬
‫الوصل أولى من الوقف ‪ ،‬فلن التناسب بين الكلمين أقوى من‬
‫التباين لفظًا ومعنى ‪ ،‬مع ملحظة أن جواز الوقف يتيح لقارئ‬
‫القرآن نفحة من راحة الصمت ‪ ،‬ثم يبدأ رحلة التلوة بعدها وقوله‬
‫تعالى ‪(:‬قل ربى أعلم بعدتهم ما يعلمهم إل قليل قلى فل تمار‬
‫فيهم إل مراءً ظاهًرا)(‪. )12‬‬
‫علمة الوقف (قلى) موضوعة فوق اللم الثانية من كلمة "قليل"‬
‫وترمز إلى جواز الوصل والوقف على كلمة " قليل " وأن الوقف‬
‫عليها أولى من وصلها بما بعدها ‪ ،‬وفى الوقف راحة لنفس‬
‫القارئ كما تقدم وجواز الوقف لتمام المعنى فى الجزء الول من‬
‫الية ‪.‬‬
‫وجواز الوصل ‪ ،‬فلن الجزء الثانى من الكلم مفرع ومرتب على‬
‫الجزء الول (‪. )13‬‬
‫أما كون الوقف على كلمة " قليل " أولى فى هذه الية فلن ما‬
‫قبلها جملتان خبريتان ‪ ،‬وهما واقعتان مقول القول لقوله تعالى ‪:‬‬
‫(قل ربى ‪.)..‬‬
‫أما جملة " فل تمار فيهم " فهى جملة إنشائية (‪ )14‬فيها نهى عن‬
‫الجدال فى شأن أهل الكهف كم كان عددهم والكلم النشائى‬
‫مباين للكلم الخبرى ‪ .‬إذن فالكلمان غير متجانسين ‪ .‬هذه واحدة‬
‫‪.‬‬
‫أما الثانية فإن " فل تمار فيهم إل مراء ظاهًرا ول تستفت فيهم‬
‫منهم أحدًا " ‪ ،‬غير داخل فى مقول القول الذى أشرنا إليه قبل ً ‪.‬‬
‫وهذان الملحظان أحدثا تباعدًا ما بين الكلمين لذلك كان الوقف‬
‫حا إلى ذلك التباين بين الكلمين ‪ .‬والوقف هو القطع‬ ‫أولى ‪ ،‬إلما ً‬
‫بين كلمين بالسكوت لحظة بين نهاية الكلم الول‪ ،‬وبداية الكلم‬
‫الثانى ‪ ،‬وله شأن عظيم فى تلوة القرآن الكريم ‪ ،‬من حيث‬
‫اللفاظ (الداء الصوتى) ومن حيث تذوق المعانى وخدمتها ‪،‬‬
‫وقوله تعالى ‪( :‬وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات‬

‫‪689‬‬
‫اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم فى فجوة منهج‬
‫ذلك من آيات الله)(‪. )15‬‬
‫علمة الوقف (ج) موضوعة فوق " الهاء " نهاية كلمة " منه "‬
‫وترمز إلى جواز الوقف على " منه " وعلى جواز وصله بما بعده‬
‫" ذلك من آيات الله " وهذا الجواز مستوى الطرفين ‪ ،‬ل يترجح‬
‫فيه الوقف على الوصل‪ ،‬ول الوصل على الوقف‪ .‬وهذا راجع إلى‬
‫المعنى المدلول عليه بجزئى الكلم ‪ ،‬جزء ما بعد " منه " وجزء‬
‫ما قبله ‪.‬‬
‫وذلك لن ما قبل " منه " كلم خبرى ل إنشائى وكذلك ما بعدها "‬
‫ذلك من آيات الله ‪ " ..‬فهما إذن متجانسان ‪.‬‬
‫والوقف مناسب جدًا لطول الكلم قبل كلمة " منه " وفى الوقف‬
‫راحة للنفس ‪ ،‬والراحة تساعد على إتقان التلوة ‪.‬‬
‫والوصل مناسب جدًا من حيث المعنى ؛ لن قوله تعالى ‪ " :‬ذلك‬
‫من آيات الله " تركيب واقع موقع " الخبر " عما ذكره الله عز‬
‫وجل من أوضاع أهل الكهف فى طلوع الشمس وغروبها عنهم ‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪( :‬الذين تتوفاهم الملئكة طيبينل يقولون سلم‬
‫عليكم ادخلوا الجنة ‪. )16()..‬‬
‫علمة الوقف (ل) موضوعة على " النون " نهاية كلمة "طيبين"‬
‫ترمز إلى أن الوقف على " طيبين " ممنوع والسبب فى هذا‬
‫المنع أن جملة " يقولون " وهى التالية لكلمة "طيبين" حال من "‬
‫الملئكة " وهم فاعل " تتوفاهم " ‪.‬‬
‫أما " طيبين " فهى حال من الضمير المنصوب على المفعولية‬
‫للفعل " تتوفاهم " وهو ضمير الجماعة الغائبين " هم " ولو جاز‬
‫الوقف على " طيبين " لحدث فاصل زمنى بين جملة الحال "‬
‫يقولون " وبين صاحب الحال " الملئكة " ولم تدع إلى هذا الفعل‬
‫ضرورة بيانية ‪.‬‬
‫لذلك كان الوقف على " طيبين " ممنوع ًا لئل يؤدى إلى قطع‬
‫"الحال" وهو وصف ‪ ،‬عن صاحبه " الملئكة " وهو الموصوف ‪.‬‬
‫وهذا ل يجوز بلغة ؛ فمنع الوقف هنا كان سببه الوفاء بحق‬
‫المعنى ‪ ،‬ومجىء الحال هنا جملة فعلية فعلها مضارع يفيد وقوع‬
‫الحدث بالحال والستقبال مراعاة لمقتضى الحال ؛ لن الملئكة‬
‫تقول هذا الكلم لمن تتوفاهم من الصالحين فى كل وقت لن‬
‫الموت لم ولن يتوقف ‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪( :‬إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولدم له ما‬
‫فى السماوات وما فى الرض وكفى بالله وكيل )(‪. )17‬‬

‫‪690‬‬
‫علمة الوقف (م) موضوعة على حرف الدال من كلمة " ولد "‬
‫للدللة على لزوم الوقف على هذه الكلمة " ولد " وامتناع وصلها‬
‫بما بعدها وهو ‪ " :‬له ما فى السماوات وما فى الرض " ‪.‬‬
‫ما لن هذا الوقف سيترتب عليه صحة‬ ‫وإنما كان الوقف ‪ ،‬هنا لز ً‬
‫المعنى وليمتنع إيهام غير صحته أما وصله بما بعده فيترتب عليه‬
‫إيهام فساد المعنى ‪.‬‬
‫بيان ذلك أن الوصل لو حدث لوهم أن قوله تعالى ‪ " :‬له ما فى‬
‫السماوات وما فى الرض " وصف ل " الولد " المنفى ‪ ،‬أى ليس‬
‫لله ولد ‪ ،‬له ما فى السماوات والرض ‪ ،‬وهذا ل يمنع أن يكون‬
‫لله سبحانه ولد ولكن ليس له ما فى السماوات والرض ؟! وهذا‬
‫باطل قطعًا ‪.‬‬
‫أما عندما يقف القارئ على كلمة " ولد " ثم يستأنف التلوة من‬
‫" له ما فى السماوات وما فى الرض " فيمتنع أن يكون هذا‬
‫الوصف للولد المنفى ‪ ،‬ويتعين أن يكون لله عز وجل ‪ ،‬وهذا ناتج‬
‫عن قطع التلوة عند " ولد " أى بالفاصل الزمنى بين تلوة ما‬
‫قبل علمة الوقف " ل " وما بعدها حتى آخر الية ‪.‬‬
‫فأنت ترى أن الوقف هنا يؤدى خدمة جليلة للمعنى المراد من‬
‫الية الكريمة ‪ .‬ومثله قوله تعالى ‪(:‬الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه‬
‫كما يعرفون أبناءهمم الذين خسروا أنفسهم فهم ل يؤمنون )(‪)18‬‬
‫‪.‬‬
‫علمة الوقف (م) موضوعة فوق الميم من كلمة " همم " للدللة‬
‫على لزوم الوقف عليها ‪ ،‬وامتناع وصلها بما بعدها ‪ ،‬وهو " الذين‬
‫خسروا أنفسهم " ‪.‬‬
‫وسر ذلك اللزوم ؛ أن الوصل يوهم معنى فاسدًا غير مراد ‪ ،‬لنه‬
‫سيترتب عليه أن يكون قوله تعالى ‪:‬‬
‫" الذين خسروا أنفسهم " وصفًا ل " أبناءهم " وهذا غير مراد ‪،‬‬
‫بل المراد ما هو أعم من "أبناءهم" وهم الذين خسروا أنفسهم‬
‫فى كل زمان ومكان ‪ .‬فهو حكم عام فى الذين خسروا أنفسهم ‪،‬‬
‫صا بأبناء الذين آتاهم الله الكتاب ‪.‬‬
‫وليس خا ً‬
‫هذه هى علمات الوقف ‪ ،‬وتلك هى نماذج من المعانى الحكيمة‬
‫التى تؤديها ‪ ،‬أو جاءت رامزة إليها ‪ ،‬وبقيت حقيقة مهمة ‪ ،‬لبد‬
‫من الشارة إليها ‪.‬‬
‫خل على‬ ‫ُ‬
‫إن خصوم القرآن يعتبرون علمات الوقف تعديل ً أد ْ ِ‬
‫القرآن ‪ ،‬بعد عصر النزول وعصر الخلفاء الراشدين ‪.‬‬
‫وهذا وهم كبير وقعوا فيه ‪ ،‬لن هذه العلمات وغيرها ليست هى‬
‫التى أوجدت المعانى التى أشرنا إلى نماذج منها ‪ ،‬فهذه المعانى‬
‫التى يدل عليها الوقف سواء كان جائز الطرفين ‪ ،‬أو الوقف أولى‬

‫‪691‬‬
‫من الوصل أو الوصل أولى من الوقف ‪ ،‬أو الوقف اللزم أو‬
‫الوقف الممنوع ‪ .‬هذه المعانى من حقائق التنزيل وكانت‬
‫ملحوظة منذ كان القرآن ينزل ‪ ،‬وكان حفاظ القرآن وتالوه من‬
‫أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يطبقونها فى تلوتهم‬
‫للقرآن ‪ ،‬قبل أن يُدوَّن القرآن فى " المصحف " هذا هو الحق‬
‫الذى ينبغى أن يكون معروفًا للجميع ‪ ،‬أما وضع هذه العلمات فى‬
‫عصر التابعين فجاءت عونًا لغير العارفين بآداب تلوة القرآن ‪،‬‬
‫دون أن تكون بشكلها جزءا من التنزيل (‪. )19‬‬
‫تنسيق المصحف ‪:‬‬
‫نعنى ب ‪ :‬تنسيق المصحف " الفواصل بين سوره ب ‪ " :‬بسم‬
‫الله الرحمن الرحيم " وترقيم آيات كل سورة داخل دوائر فاصلة‬
‫بين اليات ‪ ،‬ووضع خطوط رأسية تحت مواضع السجود فى آيات‬
‫القرآن ‪ ،‬ثم اللقاب التى أطلقت على مقادير محددة من اليات‬
‫مثل ‪:‬‬
‫الربع الحزب الجزء ‪ .‬لن هذه العمال إجراءات بشرية خالصة‬
‫ضع بعضها‬ ‫حق بعضها بسطور المصحف ‪ ،‬وهو ترقيم اليات وَوُ ِ‬ ‫أُل ْ ِ‬
‫تحتها ‪ ،‬كعلمات السجود فى أثناء التلوة ‪.‬‬
‫أما ماعدا هذين فهى إجراءات اعتبارية عقلية ‪ ،‬تدل عليها عبارات‬
‫سور اليات وليس فى هذا مطعن‬ ‫موضوعة خارج إطار أو ُ‬
‫لطاعن ؛ لنّا َ نقول كما قلنا فى نظائره من قبل إنها وسائل‬
‫إيضاح وتوجيه لقَّراء القرآن الكريم توضع خارج كلمات الوحى ل‬
‫فى متونها ‪ ،‬وتؤدى خدمة جليلة للنص المقدس مقروءا ً أو متْلُوًّا ‪.‬‬
‫ول يدعى مسلم أنها لها قداسة النص اللهى ‪ ،‬أو أنها نازلة من‬
‫السماء بطريق الوحى المين ‪.‬‬
‫والمستشرقون الذين يشاركون المبشرين (‪ )20‬فى تَصيُّد التهم‬
‫للقرآن ‪ ،‬ينهجون هذا النهج " التنسيقى " فى أعمالهم العلمية‬
‫والفكرية‪ ،‬وبخاصة فى تحقيق النصوص فيضعون الهوامش‬
‫والملحق والفهارس الفنية لكل ما يقومون بتحقيقه من نصوص‬
‫التراث ‪ .‬ولهم مهارة فائقة فى هذا المجال ‪ ،‬ولم نر واحدًا منهم‬
‫ينسب هذه العمال الضافية إلى مؤلف النص نفسه ‪ ،‬كما لم نر‬
‫أحدًا منهم عد َّ هذه الضافات تعديل ً أو تحريفًا أو تغييًرا للنص‬
‫الذى قام هو بتحقيقه وخدمته ‪.‬‬
‫بل إنه يعد هذه العمال الضافية وسائل إيضاح للنص المحقق ‪.‬‬
‫وتيسيرات مهمة للقراء ‪.‬‬
‫وهذا هو الشأن فى عمل السلف رضى الله عنهم فى تنسيق‬
‫المصحف الشريف ‪ ،‬وهو تنسيق ل مساس له ب " قدسية اليات‬

‫‪692‬‬
‫ت بها بين‬‫م ْ‬ ‫س َ‬‫" لنها وضعت فى المصحف على الصورة التى ُر ِ‬
‫يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫تاريخ القرآن (‪ )21‬هذا هو تاريخ القرآن ‪ ،‬منذ نزلت أول سورة‬
‫منه ‪ ،‬إلى آخر آية نزلت منه ‪ ،‬كان كتابًا محفوظا فى الصدور ‪،‬‬
‫متلوًّا باللسنة ‪ ،‬مسطوًرا على الرقاع ‪ ،‬ثم مجموع ًا فى‬
‫مصاحف ‪ ،‬لم يخضع لعوامل محو وقرض‪ ،‬ول آفات ضياع ‪،‬‬
‫ل فلم يضل عنها أو يغب ‪ ،‬ولم‬ ‫وضعته المة فى " أعينها " منذ نََز َ‬
‫تضل هى عنه أو تغب ‪ ،‬تعرف مصادره وموارده ‪ ،‬على مدى‬
‫عمره الطويل ‪ ،‬تعرفه كما تعرف أبناءها ‪ ،‬بل زيغ ول اشتباه ‪.‬‬
‫م بمعالم‬ ‫مل ِ ٌّ‬‫هذا هو تاريخ القرآن ‪ ،‬وضعناه وضعًا موجًزا ‪ ،‬لكنه ُ‬
‫الرحلة ‪ ،‬كاشفًا عن أسرارها ‪ .‬وضعناه لنقول لخصوم القرآن‬
‫والسلم ‪:‬‬
‫هل فى تاريخ القرآن ما يدعو إلى الرتياب فيه ‪ ،‬أو نزع الثقة عنه‬
‫؟ وهل أصاب آياته المحكمة خلل أو اضطراب ؟ وهل رأيتموه‬
‫غاب لحظة عن المة‪ ،‬أو المة غابت عنه لحظة؟ وهل رأيتم فيه‬
‫جهل ً بمصدره ونشأته وتطور مراحل جمعه وتدوينه ؟ أو رأيتم فى‬
‫آياته تغييًرا أو تبديل ً تلك هى بضاعتنا عرضناها فى سوق العرض‬
‫والطلب غير خائفين أن يظهر فيها غش أو رداءة ‪ ،‬أو تصاب ببوار‬
‫أو كساد من منافس يناصبها العداء ‪.‬‬
‫هذا هو ما عندنا ‪ .‬فما هو الذى عندكم من تاريخ الكتاب المقدس‬
‫بعهديه (‪. )22‬‬
‫القديم (التوراة) التى بين أيدى اليهود الن ‪ ،‬والجديد (الناجيل)‬
‫التى بين أيدى النصارى الن ‪.‬‬
‫ما الذى تعرض له الكتاب المقدس فى تاريخه الول المقابل‬
‫لفترة تاريخ القرآن ‪ ،‬التى فرغنا من عرضها تعالوا معنا نفحص‬
‫تلك الفترة من تاريخ الكتاب المقدس فى رحلته المبكرة ‪:‬‬
‫مولد التوراة وتطورها ‪:‬‬
‫يضطرب أهل الكتاب عامة ‪ ،‬واليهود خاصة حول تاريخ التوراة‬
‫(مولدها وتطورها) اضطرابًا واسع المدى ويختلفون حولها اختلفًا‬
‫يذهبون فيه من النقيض إلى النقيض ‪ ،‬ولهذا عرضوا لتاريخ‬
‫القرآن بالطعن والتجريح ليكون هو والتوراة سواسية فى فقد‬
‫الثقة بهما ‪ ،‬أو على القل ليُحرجوا المسلمين بأنهم ل يملكون‬
‫قرآنًا مصونًا من كل ما يمس قدسيته وسلمته من التحريف‬
‫والتبديل ‪ .‬وقد عرضنا من قبل تاريخ القرآن ‪ ،‬وها نحن نعرض‬
‫تاريخ التوراة حسبما هو فى كتابات أهل الكتاب أنفسهم ‪ ،‬مقارنًا‬
‫بما سبق من حقائق تاريخ القرآن المين ‪.‬‬

‫‪693‬‬
‫الكتاب المقدس بعهديه ‪ :‬القديم والجديد تتعلق به آفتان قاتلتان‬
‫منذ وجد ‪ ،‬وإلى هذه اللحظة التى نعيش فيها ‪:‬‬
‫آفة تتعلق بتاريخه متى ولد ‪ ،‬وعلى يد من ولد ‪ ،‬وكيف ولد ‪ ،‬ثم‬
‫ما هو محتوى الكتاب المقدس ؟ وهل هو كلم الله ‪ ،‬أم كلم‬
‫آخرين ؟ (‪. )23‬‬
‫والمهم فى الموضوع أن هذا الغموض فى تاريخ الكتاب المقدس‬
‫لم يثره المسلمون ‪ ،‬بل أعلنه أهل الكتاب أنفسهم يهودًا أو‬
‫نصارى ممن اتسموا بالشجاعة ‪ ،‬وحرية الرأى ‪ ،‬والعتراف‬
‫الخالص بصعوبة المشكلت التى أحاطت بالكتاب المقدس ‪ ،‬مع‬
‫الشارة إلى استعصائها على الحلول ‪ ،‬مع بقاء اليهودية‬
‫والنصرانية كما هما ‪.‬ومعنى العهد عند أهل الكتاب هو " الميثاق "‬
‫والعهد القديم عندهم هو ميثاق أخذه الله على اليهود فى عصر‬
‫موسى عليه السلم ‪ ،‬والعهد الجديد ميثاق أخذه فى عصر عيسى‬
‫عليه السلم(‪ )24‬والمشكلتان اللتان أحاطتا بالكتاب المقدس‬
‫يمكن إيجازهما فى التى ‪:‬‬
‫‪ -‬مشكلة أو أزمة تحقيق النصوص المقدسة ‪ ،‬التى تمثل حقيقة‬
‫العهدين ‪.‬‬
‫‪ -‬مشكلة أو أزمة المحتوى ‪ ،‬أى المعانى والغراض التى تضمنتها‬
‫كتب (أى أسفار) العهدين ‪ ،‬وفصولهما المسماة عندهم‬
‫ب"الصحاحات " ‪.‬‬
‫والذى يدخل معنا فى عناصر هذه الدراسة هو المشكلة أو الزمة‬
‫الولى ؛ لنها هى المتعلقة بتاريخ الكتاب المقدس دون الثانية ‪.‬‬
‫ن ولدت التوراة ‪:‬‬ ‫م ْ‬‫متى ؟ وعلى يد َ‬
‫هذا السؤال هو المفتاح المفضى بنا إلى إيجاز ما قيل فى الجابة‬
‫‪.‬‬
‫وهو تساؤل صعب ‪ ،‬ونتائجه خطيرة جدًا ‪ ،‬وقد تردد منذ زمن‬
‫قديم ‪ .‬وما يزال يتردد ‪ ،‬وبصورة ملحة ‪ ،‬دون أن يظفر بجواب‬
‫يحسن السكوت عليه ‪.‬‬
‫وممن أثار هذا التساؤل فى العصر الحديث وول ديورانت‬
‫المريكى الجنسية ‪ ،‬المسيحى العقيدة ‪ ،‬وكان مما قال ‪:‬‬
‫" كيف كُتبت هذه السفار (يعنى التوراة) ومتى كُتبت ؟ ذلك‬
‫سؤال برئ ل ضير فيه ‪ ،‬ولكنه سؤال كُتب فيه خمسون ألف‬
‫مجلد ‪ ،‬ويجب أن نفرغ منه هنا فى فقرة واحدة ‪ ،‬نتركه بعدها‬
‫من غير جواب ؟! (‪ )25‬فقد ذهب كثير من الباحثين إلى أن خروج‬
‫موسى من مصر كان فى حوالى ‪ 1210‬قبل ميلد السيد المسيح ‪،‬‬
‫وأن تلميذه يوشع بن نون الذى خلفه فى بنى إسرائيل (اليهود)‬
‫مات عام ‪ 1130‬قبل الميلد ‪ .‬ومن هذا التاريخ ظلت التوراة التى‬

‫‪694‬‬
‫أنزلها الله على موسى عليه السلم مجهولة حتى عام ‪ 444‬قبل‬
‫الميلد ‪ ،‬أى قرابة سبعة قرون (‪700‬سنة) فى هذا العام ‪)444( .‬‬
‫فقط عرف اليهود أن لهم كتابًا اسمه التوراة ولكن كيف عرفوه‬
‫بعد هذه الزمان الطويلة ؟ وول ديورانت يضع فى الجابة على‬
‫هذا السؤال طريقتين إحداهما تنافى الخرى ‪.‬‬
‫الطريقة الولى ‪:‬‬
‫أن اليهود هالهم ما حل بشعبهم من كفر ‪ ،‬وعبادة آلهة غير الله ‪،‬‬
‫وانصرافهم عن عبادة إله بنى إسرائيل " يهوه " وأن " الكاهن‬
‫خلقيا " أبلغ ملك بنى إسرائيل " يوشيا " أنه وجد فى ملفات‬
‫ما قضى فيه موسى عليه السلم فى جميع‬ ‫الهيكل ملفًا ضخ ً‬
‫المشكلت ‪ ،‬فدعا الملك " يوشيا" كبار الكهنة وتل عليهم سفر "‬
‫الشريعة " المعثور عليه فى الملفات ‪ ،‬وأمر الشعب بطاعة ما‬
‫ورد فى هذا السفر ؟ ويعلق وول ديورانت على السفر فيقول‪:‬‬
‫"ل يدرى أحد ما هو هذا السفر؟ وماذا كان مسطوًرا فيه ؟ وهل‬
‫هو أول مولد للتوراة فىحياة اليهود " ؟ ‪.‬‬
‫الطريقة الثانية ‪:‬‬
‫أن بنى إسرائيل بعد عودتهم من السبى البابلى شعروا أنهم فى‬
‫حاجة ماسة إلى إدارة دينية تهىء لهم الوحدة القومية والنظام‬
‫العام ‪ ،‬فشرع الكهنة فى وضع قواعد حكم دينى يعتمد على‬
‫المأثور من أقوال الكهنة القدماء وعلى أوامر الله ؟ فدعا عزرا ‪،‬‬
‫وهو من كبار الكهان ‪ ،‬علماء اليهود للجتماع وأخذ يقرأ عليهم هو‬
‫وسبعة من الكهان سفر شريعة موسى ولما فرغوا من قراءته‬
‫أقسم الكهان والزعماء والشعب على أن يطيعوا هذه الشرائع ‪،‬‬
‫ويتخذوها دستوًرا لهم إلى أبد البدين (‪. )26‬‬
‫هذا ما ذكره ديورانت نقل ً عن مصادر اليهود ‪ ،‬وكل منهما ل يصلح‬
‫مصدًرا حقيقيًا للتوراة التى أنزلها الله على موسى ؛ لن الرواية‬
‫الولى ل تفيد أكثر من نسبة الملف الذى عثر عليه " خلقيا " إلى‬
‫أقوال موسى وأحكامه فى القضاء بين الخصوم ‪.‬‬
‫ولن الرواية الثانية تنسب صراحة أن النظام الذى وضعه‬
‫الكهان ‪ ،‬بعد قراءتهم السفر كان خليطًا من أقوال كهانهم‬
‫القدماء ‪ ،‬ومن أوامر الله ؟!‬
‫(‪ )1‬العاديات ‪. 11-1 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة " والعاديات " من قصار السور التى قد بدأ بها الوحى‬
‫فى مكة ‪ ،‬قبل الهجرة ‪ ،‬ويرى بعض الباحثين أن القرآن بدأ بهذه‬
‫السور ذات الطبيعة الغنائية فى مكة ‪ ،‬لجذب أهل مكة إليه عن‬
‫طريق السمع أول ً ‪ ،‬ثم لتدبر معانيه ثانيًا‪.‬‬

‫‪695‬‬
‫(‪ )3‬انظر تفسير سورة " والعاديات " فى أى تفسير شئت من‬
‫التفاسير المتداولة ‪ :‬الكشاف روح المعانى التفسير الواضح‬
‫للدكتور حجازى ‪ ،‬أو فى غيرها ‪.‬‬
‫(‪ )4‬ينظر ‪ :‬البرهان فى علوم القرآن للمام الزركشى (‪ )1/241‬وما‬
‫بعدها ‪.‬‬
‫(‪ )5‬هو مصحف فرد ل متعدد ‪ ،‬فلم يكن متداول ً بين أيدى‬
‫المسلمين ‪ ،‬لن حفظ القرآن فى الصدور كان هو المرجع ‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر ‪ :‬جمع القرآن فى خلفة عثمان فى " البرهان فى علوم‬
‫القرآن " و " التقان فى علوم القرآن والول للمام الزركشى ‪،‬‬
‫والثانى للمام جلل الدين السيوطى (‪ )7‬لن القرآن لو كان جمع‬
‫فى مصحف من أول المر ‪ ،‬لتكل الناس على المصحف‬
‫المكتوب ‪ ،‬وقل اهتمامهم بحفظه ‪.‬‬
‫(‪ )8‬سيأتى حديث مفصل عما تعرض له الكتاب المقدس بعهديه‬
‫القديم والجديد من أوضاع وآفات شديدة الخطورة ‪.‬‬
‫(‪ )9‬البقرة ‪. 265 :‬‬
‫(‪ )10‬المقنع لبى عمرو الدانى ص ‪ 129‬تحقيق محمد الصادق‬
‫قمحاوى ‪.‬‬
‫(‪ )11‬النعام ‪. 17 :‬‬
‫(‪ )12‬الكهف ‪. 22 :‬‬
‫(‪ )13‬التفريع هو تولد كلم من كلم آخر ‪ ،‬وتأتى الفاء دليل ً على‬
‫هذا التفريع كما فى الية الكريمة ‪.‬‬
‫(‪ )14‬الكلم كله قسمان ‪ :‬خبر ‪ ،‬وإنشاء ‪ ،‬فكل كلم أخبرت فيه‬
‫غيرك بأمر قد حدث قبل زمن التكلم أو بعده مثل ‪ :‬حضر فلن‬
‫أمس ‪ ،‬أو سيحضر غدًا هو كلم خبرى ‪ ،‬أما إذا طلبت شيئًا لم‬
‫يكن حاصل ً فى زمن التكلم مثل ‪ :‬أطع والديك فهو كلم إنشائى ‪.‬‬
‫(‪ )15‬الكهف ‪. 17 :‬‬
‫(‪ )16‬النحل ‪ )17( 32 :‬النساء ‪. 171 :‬‬
‫(‪ )18‬النعام ‪. 20 :‬‬
‫(‪ )19‬هى مثل علمات العراب كالفتحة والضمة والكسرة‬
‫والسكون ‪ .‬لم تُوجد هى أحكام العراب ‪ ،‬وإنما هى مجرد رموز‬
‫دالة عليها ‪.‬‬
‫(‪ )20‬المبشرون هم الذين يريدون فتنة عامة الناس بما يكتبونه‬
‫عن السلم ‪ ،‬وهم أساتذة المستشرقين ‪ .‬أما المستشرقون‬
‫فيقصدون فتنة المثقفين والطبقات العليا ‪ ،‬ويصورون السلم فى‬
‫غير صورته إل قليل ً منهم تجدهم منصفين للسلم ‪.‬‬
‫(‪ )21‬نقصد بتاريخ القرآن رحلته عبر تاريخه المبكر ‪ ،‬إلى أن تم‬
‫جمعه فى المصاحف ‪ ،‬وما لحق بهذا الجمع من رموز‬

‫‪696‬‬
‫واصطلحات لتيسير تلوته مجودًا ‪ ،‬ولسهولة الحاطة بما فيه من‬
‫اللفاظ والمعانى ‪.‬‬
‫(‪ )22‬اليهود يؤمنون بالعهد القديم وحده ‪ ،‬ويكفرون بالعهد الجديد‬
‫(الناجيل) أما النصارى فيعتبرون العهد القديم شطًرا من الكتاب‬
‫المقدس ‪ ،‬ويؤمنون بالعهدين معًا ‪.‬‬
‫(‪ )23‬نقصد بتاريخ القرآن رحلته عبر تاريخه المبكر ‪ ،‬إلى أن تم‬
‫جمعه فى المصاحف ‪ ،‬وما لحق بهذا الجمع من رموز‬
‫واصطلحات لتيسير تلوته مجودًا ‪ ،‬ولسهولة الحاطة بما فيه من‬
‫اللفاظ والمعانى ‪.‬‬
‫(‪ )24‬نقصد بتاريخ القرآن رحلته عبر تاريخه المبكر ‪ ،‬إلى أن تم‬
‫جمعه فى المصاحف ‪ ،‬وما لحق بهذا الجمع من رموز‬
‫واصطلحات لتيسير تلوته مجودًا ‪ ،‬ولسهولة الحاطة بما فيه من‬
‫اللفاظ والمعانى ‪.‬‬
‫(‪ )25‬قصة الحضارة (ج ‪ 2‬ص ‪ )367 :‬ترجمة محمد بدران ‪.‬‬
‫(‪ )26‬قصة الحضارة (ج ‪ 2‬ص ‪. )356‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫‪ -77‬حول عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم وموقف‬
‫القرآن من العصمة‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫هناك من ل يعترفون بأن الرسول معصوم عن الخطأ ‪ ،‬ويقدمون‬


‫الدلة على ذلك بسورة [ عبس وتولى ] وكذلك عندما جامل‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬زوجاته ‪ ،‬ونزلت الية الكريمة‬
‫التى تنهاه عن ذلك (انتهى)‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫إن عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وكذلك عصمة كل‬
‫الرسل ‪ -‬عليهم السلم ‪ -‬يجب أن تفهم فى نطاق مكانة‬
‫حى إليه‪ ..‬أى أنه ‪-‬‬‫الرسول‪ ..‬ومهمة الرسالة‪ ..‬فالرسول‪ :‬بشر يُو َ‬
‫مع بشريته ‪ -‬له خصوصية التصال بالسماء ‪ ،‬بواسطة الوحى‪..‬‬
‫ولذلك فإن هذه المهمة تقتضى صفات يصنعها الله على عينه‬
‫فيمن يصطفيه ‪ ،‬كى تكون هناك مناسبة بين هذه الصفات وبين‬
‫هذه المكانة والمهام الخاصة الموكولة إلى صاحبها‪.‬‬
‫والرسول مكلف بتبليغ الرسالة ‪ ،‬والدعوة إليها ‪ ،‬والجهاد فى‬
‫سبيل إقامتها وتطبيقها‪ ..‬وله على الناس طاعة هى جزء من‬
‫طاعة الله ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪( -‬أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) (‪)1‬‬
‫(قل أطيعوا الله والرسول ) (‪( )2‬من يطع الرسول فقد أطاع الله‬

‫‪697‬‬
‫) (‪( )3‬قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ) (‪ )4‬ولذلك‬
‫كانت عصمة الرسل فيما يبلغونه عن الله ضرورة من ضرورات‬
‫صدقهم والثقة فى هذا البلغ اللهى الذى اختيروا ليقوموا به بين‬
‫سل‬ ‫الناس‪ ..‬وبداهة العقل ‪ -‬فضل ً عن النقل ‪ -‬تحكم بأن ُ‬
‫مْر ِ‬
‫الرسالة إذا لم يتخير الرسول الذى يضفى الصدق على رسالته ‪،‬‬
‫كان عابثًا‪ ..‬وهو ما يستحيل على الله ‪ ،‬الذى يصطفى من الناس‬
‫رسل ً تؤهلهم العصمة لضفاء الثقة والصدق على البلغ اللهى‪..‬‬
‫حجة على الناس بصدق هذا الذى يبلغون‪.‬‬ ‫وال ُ‬
‫وفى التعبير عن إجماع المة على ضرورة العصمة للرسول فيما‬
‫يبلغ عن الله ‪ ،‬يقول المام محمد عبده عن عصمة الرسل ‪ -‬كل‬
‫الرسل ‪ .." :-‬ومن لوازم ذلك بالضرورة‪ :‬وجوب العتقاد بعلو‬
‫فطرتهم ‪ ،‬وصحة عقولهم ‪ ،‬وصدقهم فى أقوالهم ‪ ،‬وأمانتهم فى‬
‫تبليغ ما عهد إليهم أن يبلغوه ‪ ،‬وعصمتهم من كل ما يشوه‬
‫السيرة البشرية ‪ ،‬وسلمة أبدانهم مما تنبو عنه البصار وتنفر منه‬
‫الذواق السليمة ‪ ،‬وأنهم منزهون عما يضاد شيئًا من هذه‬
‫الصفات ‪ ،‬وأن أرواحهم ممدودة من الجلل اللهى بما ل يمكن‬
‫معه لنفس إنسانية أن تسطو عليها سطوة روحانية‪ ..‬إن من‬
‫حكمة الصانع الحكيم ‪ -‬الذى أقام النسان على قاعدة الرشاد‬
‫والتعليم ‪ -‬أن يجعل من مراتب النفس البشرية مرتبة يُعد ُّ لها ‪،‬‬
‫ن يصطفيه من خلقه ‪ ،‬وهو أعلم حيث‬ ‫م ْ‬
‫بمحض فضله ‪ ،‬بعض َ‬
‫يجعل رسالته ‪ ،‬يميزهم بالفطرة السليمة ‪ ،‬ويبلغ بأرواحهم من‬
‫الكمال ما يليقون معه للستشراق بأنوار علمه ‪ ،‬والمانة على‬
‫مكنون سره ‪ ،‬مما لو انكشف لغيرهم انكشافه لهم لفاضت له‬
‫نفسه ‪ ،‬أو ذهبت بعقله جللته وعظمته ‪ ،‬فيشرفون على الغيب‬
‫بإذنه ‪ ،‬ويعلمون ما سيكون من شأن الناس فيه ‪ ،‬ويكونون فى‬
‫مراتبهم العلوية على نسبة من العالمين ‪ ،‬نهاية الشاهد وبداية‬
‫الغائب ‪ ،‬فهم فى الدنيا كأنهم ليسو من أهلها ‪ ،‬هم وفد الخرة‬
‫فى لباس من ليس من سكانها‪ ..‬أما فيما عدا ذلك ‪ [ -‬أى‬
‫التصال بالسماء والتبليغ عنها ] ‪ -‬فهم بشر يعتريهم ما يعترى‬
‫سائر أفراده ‪ ،‬يأكلون ويشربون وينامون ويسهون وينسون فيما‬
‫ل علقة له بتبليغ الحكام ‪ ،‬ويمرضون وتمتد إليهم أيدى الظلمة ‪،‬‬
‫وينالهم الضطهاد ‪ ،‬وقد يقتلون " (‪.)5‬‬
‫فالعصمة ‪ -‬كالمعجزة ‪ -‬ضرورة من ضرورات صدق الرسالة ‪،‬‬
‫ومن مقتضيات حكمة من أرسل الرسل ‪ -‬عليهم السلم ‪..-‬‬
‫وإذا كان الرسول ‪ -‬كبشر ‪ -‬يجوز على جسده ما يجوز على‬
‫أجساد البشر‪ ..‬وإذا كان الرسول كمجتهد قد كان يمارس الجتهاد‬
‫والشورى وإعمال العقل والفكر والختيار بين البدائل فى مناطق‬

‫‪698‬‬
‫وميادين الجتهاد التى لم ينزل فيها وحى إلهى‪ ..‬فإنه معصوم فى‬
‫مناطق وميادين التبليغ عن الله ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬لنه لو جاز‬
‫عليه الخطأ أو السهو أو مجانبة الحق والصواب أو اختيار غير‬
‫الولى فى مناطق وميادين التبليغ عن الله لتطرق الشك إلى‬
‫صلب الرسالة والوحى والبلغ ‪ ،‬بل وإلى حكمة من اصطفاه‬
‫حجة على الناس‪ ..‬كذلك كانت العصمة صفة‬ ‫وأرسله ليكون ُ‬
‫أصيلة وشرطًا ضروريًا من شروط رسالة جميع الرسل ‪ -‬عليهم‬
‫السلم ‪ ..-‬فالرسول فى هذا النطاق ‪ -‬نطاق التبليغ عن الله ‪-‬‬
‫(وما ينطق عن الهوى * إن هو إل وحى يوحى ) (‪ .)6‬وبلغة ما هو‬
‫بقول بشر ‪ ،‬ولذلك كانت طاعته فيه طاعة لله ‪ ،‬وبغير العصمة ل‬
‫يتأتى له هذا المقام‪.‬‬
‫أما اجتهادات الرسول صلى الله عليه وسلم فيما ل وحى فيه ‪،‬‬
‫والتى هى ثمرة لعماله لعقله وقدراته وملكاته البشرية ‪ ،‬فلقد‬
‫كانت تصادف الصواب والولى ‪ ،‬كما كان يجوز عليها غير ذلك‪..‬‬
‫ومن هنا رأينا كيف كان الصحابة ‪ ،‬رضوان الله عليهم فى كثير‬
‫من المواطن وبإزاء كثير من مواقف وقرارات وآراء واجتهادات‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم يسألونه ‪ -‬قبل الدلء بمساهماتهم‬
‫سنة والسيرة‪:‬‬ ‫فى الرأى ‪ -‬هذا السؤال الذى شاع فى ال ُّ‬
‫" يا رسول الله ‪ ،‬أهو الوحى ؟ أم الرأى والمشورة ؟‪ " ..‬فإن‬
‫قال‪ :‬إنه الوحى‪ .‬كان منهم السمع والطاعة له ‪ ،‬لن طاعته هنا‬
‫هى طاعة لله‪ ..‬وهم يسلمون الوجه لله حتى ولو خفيت الحكمة‬
‫من هذا المر عن عقولهم ‪ ،‬لن علم الله ‪ -‬مصدر الوحى ‪-‬‬
‫مطلق وكلى ومحيط ‪ ،‬بينما علمهم نسبى ‪ ،‬قد تخفى عليه‬
‫الحكمة التى ل يعلمها إل الله‪ ..‬أما إن قال لهم الرسول ‪ -‬جوابًا‬
‫عن سؤالهم ‪ :-‬إنه الرأى والمشورة‪ ..‬فإنهم يجتهدون ‪،‬‬
‫ويشيرون ‪ ،‬ويصوبون‪ ..‬لنه صلى الله عليه وسلم هنا ليس‬
‫ما ‪ ،‬وإنما هو واحد من المقدمين فى الشورى والجتهاد‪..‬‬ ‫معصو ً‬
‫ووقائع نزوله عن اجتهاده إلى اجتهادات الصحابة كثيرة ومتناثرة‬
‫فى كتب السنة ومصادر السيرة النبوية ‪ -‬فى مكان القتال يوم‬
‫غزوة بدر‪ ..‬وفى الموقف من أسراها‪ ..‬وفى مكان القتال يوم‬
‫موقعة أُحد‪ ..‬وفى مصالحة بعض الحزاب يوم الخندق‪ ..‬إلخ‪..‬‬
‫إلخ‪.‬‬
‫ولن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أراد الله له أن يكون‬
‫القدوة والسوة للمة (لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة‬
‫لمن كان يرجو الله واليوم الخر وذكر الله كثيًرا ) (‪.)7‬‬
‫وحتى ل يقتدى الناس باجتهاد نبوى لم يصادف الولى ‪ ،‬كان نزول‬
‫الوحى لتصويب اجتهاداته التى لم تصادف الولى ‪ ،‬بل وعتابه ‪-‬‬

‫‪699‬‬
‫أحيانًا ‪ -‬على بعض هذه الجتهادات والختيارات من مثل‪( :‬عبس‬
‫وتولى * أن جاءه العمى * وما يدريك لعله يزكى * أو يذكر‬
‫فتنفعه الذكرى * أما من استغنى * فأنت له تصدى * وما عليك‬
‫أل يزكى * وأما من جاءك يسعى * وهو يخشى * فأنت عنه تلهى‬
‫) (‪ .)8‬ومن مثل‪( :‬يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى‬
‫مرضاة أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة‬
‫أيمانكم والله مولكم وهو العليم الحكيم * وإذ أسر النبى إلى‬
‫بعض أزواجه حديثًا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عّرف بعضه‬
‫وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأنى‬
‫العليم الخبير ) (‪ .)9‬ومن مثل‪( :‬ما كان لنبى أن يكون له أسرى‬
‫حتى يثخن فى الرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الخرة‬
‫والله عزيز حكيم * لول كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم‬
‫عذاب عظيم ) (‪.)10‬‬
‫وغيرها من مواطن التصويب اللهى للجتهادات النبوية فيما لم‬
‫يسبق فيه وحى ‪ ،‬وذلك حتى ل يتأسى الناس بهذه الجتهادات‬
‫المخالفة للولى‪.‬‬
‫فالعصمة للرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فيما يبلغ عن الله‬
‫شرط لزم لتحقيق الصدق والثقة فى البلغ اللهى ‪ ،‬وبدونها ل‬
‫يكون هناك فارق بين الرسول وغيره من الحكماء والمصلحين ‪،‬‬
‫ومن ثم ل يكون هناك فارق بين الوحى المعصوم والمعجز وبين‬
‫الفلسفات والبداعات البشرية التى يجوز عليها الخطأ‬
‫والصواب‪ ..‬فبدون العصمة تصبح الرسالة والوحى والبلغ قول‬
‫بشر ‪ ،‬بينما هى ‪ -‬بالعصمة ‪ -‬قول الله ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬الذى‬
‫مبَل ِّغ هى‬
‫بلغه وبينه المعصوم ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ ..-‬فعصمة ال ُ‬
‫ضا ‪ -‬الشرط لنفى العبث‬ ‫الشرط لعصمة البلغ‪ ..‬بل إنها ‪ -‬أي ً‬
‫وثبوت الحكمة لمن اصطفى الرسول وبعثه وأوحى إليه بهذا‬
‫البلغ‪.‬‬
‫(‪ )1‬النساء‪.59 :‬‬
‫(‪ )2‬آل عمران‪.32 :‬‬
‫(‪ )3‬النساء‪.80 :‬‬
‫(‪ )4‬آل عمران‪.31 :‬‬
‫(‪ [ )5‬العمال الكاملة للمام محمد عبده ] ج ‪ 2‬ص ‪،420 ، 416 ، 415‬‬
‫‪ .421‬دراسة وتحقيق‪ :‬د‪.‬‬
‫محمد عمارة‪ .‬طبعة القاهرة سنة ‪1993‬م‪.‬‬
‫(‪ )6‬النجم‪.4-3 :‬‬
‫(‪ )7‬الحزاب‪.21 :‬‬
‫(‪ )8‬عبس‪.10-1 :‬‬

‫‪700‬‬
‫(‪ )9‬التحريم‪.3-1 :‬‬
‫(‪ )10‬النفال‪.68-67 :‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫‪ -78‬دعوى‪ :‬خلو الكتب السابقة من البشارة برسول‬
‫السلم‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫زعموا أن محمدا ً صلى الله عليه وسلم ليس برسول‪ .‬وبنوا هذا‬
‫الزعم على أربع شعب هى‪:‬‬
‫‪ -1‬إن العهد والنبوة والكتاب محصورة فى نسل إسحق ل‬
‫إسماعيل‪.‬؟!‬
‫ً‬
‫‪ -2‬إن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يأت بمعجزات‪.‬؟!‬
‫‪ -3‬إن القرآن من نوادر العمال النسانية ‪ ،‬فليس هو معجزا ً (‬
‫‪.)1‬؟!‬
‫‪ -4‬إن الكتب السابقة ‪ -‬التوراة وملحقاتها والناجيل ‪ -‬خلت من‬
‫البشارة برسول السلم‪.‬؟!‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫ولكن قبل أن نواجهها مواجهة مباشرة أريد أن أقدم كلمة موجزة‬
‫بين يدى هذه المواجهة ‪ ،‬رأيت أن تقديمها من أوجب الواجبات‬
‫فى هذا المجال‪.‬‬
‫وجود " البشارات " وعدمها سواء‪..‬؟ أجل‪ :‬إن وجود البشارات‬
‫وعدمها فى الكتب المشار إليها آنفا سواء ‪ ،‬وجودها مثل عدمها ‪،‬‬
‫وعدمها مثل وجودها‪ .‬فرسالة رسول السلم صلى الله عليه‬
‫وسلم ليست فى حاجة إلى دليل يقام عليها من خارجها ‪ ،‬بحيث‬
‫إذا لم يوجد ذلك الدليل " الخارجى " بطلت ‪ -‬ل سمح الله ‪ -‬تلك‬
‫الرسالة ؛ فهى رسالة دليلها فيها ‪ ،‬ووجود البشارات بها فى كتب‬
‫متقدمة ‪ -‬زمنا ‪ -‬عليها ل يضيف إليها جديدا ً ‪ ،‬وعدم وجود تلك‬
‫البشارات ل ينال منها شيئا ً قط‪.‬‬
‫فهى حقيقة قائمة بذاتها لها سلطانها الغنىعما سواها‪ .‬ودليلها‬
‫قائم خالد صالح للفحص فى كل زمان ومكان ‪ ،‬باق بقاء رسالته‬
‫أبد الدهر أشرق ولم يغب ‪ ،‬ظهر ولم يختف ‪ ،‬قوى ولم يضعف‪.‬‬
‫عل ولم يهبط ‪ ،‬إنه دليل صدق النبياء كلهم‪ .‬فكل النبياء مضوا‬
‫ولم يبق من أدلة صدقهم إل ما جاء فى هذا الدليل " القرآن‬
‫العظيم " حيث شهد لهم بالصدق والوفاء وأنهم رسل الله‬
‫المكرمون‪..‬‬

‫‪701‬‬
‫فل يظنن أحد ُ أننا حين نتحدث عن بشارات الكتب السابقة‬
‫برسول السلم إنما نتلمس أدلة نحن فى حاجة إليها لثبات‬
‫صدق رسول السلم فى دعواه الرسالة‪ .‬فرسول السلم ليس‬
‫فى حاجة إلى " تلك البشارات " حتى ولو سلم لنا الخصوم‬
‫بوجودها فله من أدلة الصدق ما لم يحظ به رسول غيره‪.‬‬
‫وستعالج البشارة به صلى الله عليه وسلم على قسمين‪:‬‬
‫‪ -1‬بشاراته صلى الله عليه وسلم فى التوراة‪.‬‬
‫‪ -2‬بشاراته صلى الله عليه وسلم فى النجيل‪.‬‬
‫أولً‪ :‬البشارات فى التوراة تعددت البشارات برسول السلم فى‬
‫التوراة وملحقاتها ‪ ،‬ولكن اليهود أزالوا عنها كل معنى صريح ‪،‬‬
‫وصيروها نصوصا ً احتمالية تسمح لهم بصرفها عنه صلى الله عليه‬
‫وسلم ومع هذا فقد بقيت بعد تعديلها وتحريفها قوية الدللة على‬
‫معناها " الصلى " من حملها على رسول السلم صلى الله عليه‬
‫وسلم لن حملها على غيره متعذر أو متعسر أو محال‪.‬‬
‫محى " عنوانها " ولكن صاحب‬ ‫فهى أشبه ما تكون برسالة مغلقة ُ‬
‫الرسالة قادر ‪ -‬بعد فضها ‪ -‬أن يثبت اختصاصها به ‪ ،‬لن الكلم "‬
‫الداخلى " الذى فيها يقطع بأنها " له " دون سواه ؛ لما فيها من‬
‫" قرائن " وبينات واضحة ونعرض ‪ -‬فيما يلى ‪ -‬بعضا ً منها‪:‬‬
‫" وهذه هى البركة التى بارك بها موسى رجل الله بنى إسرائيل‬
‫قبل موته "‪.‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫" جاء الرب من سيناء ‪ ،‬وأشرق لهم من ساعير ‪ ،‬وتلل من جبل‬
‫فاران " (‪ .)2‬فى هذا النص إشارة إلى ثلث نبوات‪:‬‬
‫الولى‪ :‬نبوة موسى عليه السلم التى تلقاها على جبل سيناء‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬نبوة عيسى عليه السلم وساعير هى قرية مجاورة لبيت‬
‫المقدس ‪ ،‬حيث تلقى عيسى عليه السلم أمر رسالته‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وجبل فاران هو المكان‬
‫الذى تلقى فيه ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ -‬أول ما نزل عليه من‬
‫الوحى وفاران هى مكة المكرمة مولد ومنشأ ومبعث محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وهذه العبارة ‪ -‬مرة أخرى ‪ -‬تضمنت خبرا ً وبشارتين‪:‬‬
‫فالخبر هو تذكير موسى بفضل الله عليه حيث أرسله إليهم‬
‫رسولً‪.‬‬
‫والبشارتان‪:‬‬
‫الولى‪ :‬خاصة بعيسى عليه السلم‪ .‬والثانية خاصة بمحمد صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬

‫‪702‬‬
‫وموقف اليهود منهما النفى‪ :‬فل الولى بشارة بعيسى ابن مريم‬
‫ول الثانية بشارة برسول السلم‪.‬‬
‫أما موقف النصارى فإن النفى ‪ -‬عندهم ‪ -‬خاص ببشارة رسول‬
‫السلم‪ .‬ولهم فى ذلك مغالطات عجيبة ‪ ،‬حيث قالوا إن " فاران‬
‫" هى " إيلت " وليست مكة‪ .‬وأجمع على هذا " الباطل " واضعو‬
‫َ‬
‫موا‬‫سل ّ ُ‬
‫كتاب‪ :‬قاموس الكتاب المقدس‪ .‬وهدفهم منه واضح إذ لو َ‬
‫بأن " فاران " هى مكة المكرمة ‪ ،‬للزمهم إما التصديق برسالة‬
‫رسول السلم ‪ ،‬وهذا عندهم قطع الرقاب أسهل عليهم من‬
‫الذعان له‪ ..‬؟! ‪ ،‬أو يلزمهم مخالفة كتابهم المقدس ‪ ،‬ولم يقتصر‬
‫ورود ذكر " فاران " على هذا الموضع من كتب العهد القديم ‪،‬‬
‫فقد ورد فى قصة إسماعيل عليه السلم مع أمه هاجر حيث‬
‫تقول التوراة‪ :‬إن إبراهيم عليه السلم استجاب لسارة بعد ولدة‬
‫هاجر ابنها إسماعيل وطردها هى وابنها فنزلت وسكنت فى "‬
‫برية فاران " (‪ .)3‬على أنه يلزم من دعوى واضعى قاموس‬
‫الكتاب المقدس من تفسيرهم فاران بإيلت أن الكذب باعترافهم‬
‫وارد فى التوراة‪ .‬لنه لم يبعث نبى من " إيلت " حتى تكون‬
‫البشارة صادقة‪ .‬ومستحيل أن يكون هو عيسى عليه السلم ؛ لن‬
‫العبارة تتحدث عن بدء الرسالت وعيسى تلقى النجيل بساعير‬
‫وليس بإيلت‪.‬‬
‫فليست " فاران " إل " مكة المكرمة " وباعتراف الكثير منهم ‪،‬‬
‫وجبل فاران هو جبل " النور " الذى به غار حراء ‪ ،‬الذى تلقى فيه‬
‫رسول السلم صلى الله عليه وسلم بدء الوحى‪.‬‬
‫وهجرة إسماعيل وأمه هاجر إلى مكة المكرمة " فاران " أشهر‬
‫من الشمس‪.‬‬
‫وترتيب الحداث الثلثة فى العبارة المذكورة‪:‬‬
‫جاء من سيناء وأشرق من ساعير وتلل من فاران‪ .‬هذا الترتيب‬
‫الزمنى دليل ثالث على أن " تلل من جبل فاران " تبشير قطعى‬
‫برسول السلم صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وفى بعض " النسخ " كانت العبارة‪ " :‬واستعلن من جبل فاران "‬
‫بدل " تلل "‪.‬‬
‫وأيا ً كان اللفظ فإن " تلل " و " استعلن " أقوى دللة من " جاء‬
‫" و " أشرق " وقوة الدللة هنا ترجع إلى " المدلولت " الثلثة‪.‬‬
‫فالشراق جزء من مفهوم " المجئ " وهكذا كانت رسالة عيسى‬
‫بالنسبة لرسالة موسى (عليهما السلم)‪.‬‬
‫أما تلل واستعلن فهذا هو واقع السلم ‪ ،‬رسول ورسالة وأمة ‪،‬‬
‫إلى أن يرث الله الرض ومن عليها‪.‬‬

‫‪703‬‬
‫هذه المغالطة (فاران هى إيلت) لها مثيل حيث تزعم التوراة أن‬
‫هاجرأم إسماعيل عندما أجهدها العطش هى وابنها إسماعيل بعد‬
‫أن طردا من وجه " سارة " طلبت الماء فلم تجده إل بعد أن لقيا‬
‫ملك " الرب " فى المكان المعروف الن " ببئر سبع " ؟! وأنها‬
‫سميت بذلك لذلك‪..‬؟! وكما كذبت فاران دعوى " إيلت " كذَّبت‬
‫؟ وستظل فاران ‪ -‬مكة‬ ‫" زمزم الطهور " دعوى " بئر سبع " ‌‬
‫المكرمة ‪ -‬وزمزم الطهور " عملقين " تتحطم على صخورهما‬
‫كل مزاعم الحقد والهوى‪.‬‬
‫ويجئ نص آخر فى التوراة ل محمل له إل البشارة برسول‬
‫السلم صلى الله عليه وسلم مهما غالط المغالطون‪.‬‬
‫وهو قول الله لموسى حسب ما تروى التوراة‪:‬‬
‫" أقيم لهم نبيا ً من وسط إخوتهم مثلك ‪ ،‬وأجعل كلمى فى فمه‬
‫فيكلمهم بكل ما أوصيه به ‪ ،‬ويكون أن النسان الذى ل يسمع‬
‫لكلمى الذى يتكلم به باسمى أنا أطالبه " (‪.)4‬‬
‫حدث هذا حسب روايات التوراة وعدا ً من الله لموسى فى آخر‬
‫عهده بالرسالة ‪ ،‬وكان يهمه أمر بنى إسرائيل من بعده ‪ ،‬فأعلمه‬
‫الله ‪ -‬حسب هذه الرواية التوراتية ‪ -‬أنه سيبعث فيهم رسول مثل‬
‫موسى عليه السلم‪.‬‬
‫ولقوة دللة النص على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فقد‬
‫وقف أهل الكتابين ‪ -‬اليهود والنصارى ‪ -‬موقفين مختلفين هدفهما‬
‫واحد ‪ ،‬وهو أن النص ليس بشارة برسول السلم‪.‬‬
‫أما اليهود فلهم فيه رأيان‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن العبارة نفسها ليست خبرا ً بل هى نفى ‪ ،‬ويقدرون قبل‬
‫الفعل " أقيم " همزة استفهام يكون الستفهام معها " إنكاريا ً "‬
‫وتقدير النص عندهم هكذا " أأقيم لهم نبيا ً من وسط إخوتهم‬
‫مثلك‪..‬؟‌‌!‬
‫بطلن هذا الرأى وهذا الرأى باطل ولن نذهب فى بيان بطلنه‬
‫إلى أكثر من كلم التوراة نفسها‪ .‬وذلك ؛ لنه لو كان النص كما‬
‫ذكروا بهمزة استفهام إنكارى محذوفة هى فى قوة المذكور لكان‬
‫الكلم نفيا ً فعلً‪ ..‬ولو كان الكلم نفيا ً لما صح أن يعطف عليه‬
‫قوله بعد ذلك‪:‬‬
‫" ويكون أن النسان الذى ل يسمع لكلمى الذى يتكلم به باسمى‬
‫أنا أطالبه " ؟! فهذا المقطع إثبات قطعا ً فهو مرتب على إقامة‬
‫النبى الذى وعد به المقطع الذى قبله‪ .‬فدل هذا " العطف " على‬
‫أن المقطع السابق وعد خبرى ثابت ل نفى‪ .‬ويترتب على ذلك‬
‫بطلن القول الذاهب إلى تقدير الستفهام‪..‬؟!‬

‫‪704‬‬
‫الثانى‪ :‬وقد أحس اليهود ببطلن القول بالستفهام فاحتاطوا‬
‫للمر وقالوا ل مانع أن يكون النص خبرا ً ووعدا ً مثبتا ً ‪ ،‬ولكنه ليس‬
‫المقصود به عيسى ابن مريم عليه السلم ول محمد بن عبد الله‬
‫رسول السلم صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬بل المراد به نبى من‬
‫أنبياء إسرائيل يوشع بن نون فتى موسى ‪ ،‬أو صموئيل‪..‬؟!‬
‫موقف النصارى‪:‬‬
‫أما النصارى فيحملون البشارة فى النص على عيسى عليه‬
‫السلم وينفون أن يكون المراد بها رسول السلم صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وقد علمنا قبل أن اليهود ينفون أن تكون لعيسى‬
‫عليه السلم‪.‬‬
‫وللنصارى مغالطات عجيبة فى ذلك إذ يقولون إن النبى الموعود‬
‫به ليس من بنى إسماعيل بل من بنى إسرائيل‪ .‬ومحمد‬
‫إسماعيلى فكيف يرسل الله إلى بنى إسرائيل رجل ً ليس‬
‫منهم‪.‬؟! كما قالوا إن موسى أتى بمعجزات ومحمد لم يأت‬
‫بمعجزات فكيف يكون مثله‪ .‬وقد رددنا على هذه الفرية فيما‬
‫تقدم‪.‬‬
‫الحق الذى ل جدال فيه‪:‬‬
‫والواقع أن كل ما ذهب إليه اليهود والنصارى باطل‪ .‬باطل‪ .‬ولن‬
‫نذهب فى بيان بطلنه إلى أبعد من دللة النص المتنازع عليه‬
‫نفسه‪ .‬أما الحق الذى ل جدال فيه فإن هذا النص ليس له محمل‬
‫مقبول إل البشارة برسول السلم صلى الله عليه وسلم وإليكم‬
‫البيان‪:‬‬
‫إن النص المتنازع عليه يقيد البشارة بالنبى الموعود به فيه‬
‫بشرطين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنه من وسط إخوة بنى إسرائيل‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬أنه مثل موسى عليه السلم صاحب شريعة وجهاد‬
‫لعداء الله وهذان الشرطان ل وجود لهما ل فى يوشع بن نون ‪،‬‬
‫ول فى صموئيل كما يدعى اليهود فى أحد قوليهم‪.‬‬
‫ول فى عيسى عليه السلم كما يدعى النصارى‪.‬‬
‫أما انتفاء الشرط الول فلن يوشع وصموئيل وعيسى من بنى‬
‫إسرائيل وليسو من وسط إخوة بنى إسرائيل‪.‬‬
‫ولو كان المراد واحدا ً منهم لقال فى الوعد‪ :‬أقيم لهم نبياً‬
‫منهم‪ ..‬؟! هذا هو منهج الوحى فى مثل هذه المور كما قال فى‬
‫شأن النبى صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫(هو الذى بعث فى الميين رسول ً منهم‪ .)5( ) ...‬وكما جاء على‬
‫لسان إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلم) (ربنا وابعث فيهم‬
‫رسول ً منهم‪.)6( ) ...‬‬

‫‪705‬‬
‫وأما انتفاء الشرط الثانى ‪ ،‬فلن‪ :‬ل صموئيل ول يوشع ول عيسى‬
‫ابن مريم كانوا مثل " موسى " عليه السلم‪.‬‬
‫فموسى كان صاحب شريعة ‪ ،‬ويوشع وصموئيل وعيسى وجميع‬
‫الرسل الذين جاءوا بعد موسى عليه السلم من بنى إسرائيل لم‬
‫يكن واحدا ً منهم صاحب شريعة ‪ ،‬وإنما كانوا على شريعة‬
‫موسىعليه السلم‪.‬‬
‫ً‬
‫وحتى عيسى ما جاء بشريعة ولكن جاء متمما ومعدل ً فشريعة‬
‫موسى هى الصل‪ .‬إن عيسى كان مذكرا ً لبنى إسرائيل ومجدداً‬
‫الدعوة إلى الله على هدى من شريعة موسى عليه السلم !!‬
‫فالمثلية بين هؤلء ‪ -‬وهى أحد شرطى البشارة ‪ -‬وبين موسى‬
‫عليه السلم ل وجود لها‪ .‬؟!‬
‫الشرطان متحققان فى رسول السلم صلى الله عليه وسلم‬
‫وبنفس القوة والوضوح اللذين انتفى الشرطان بهما عمن ذكروا‬
‫من النبياء ثبت ذلك الشرطان لمحمد بن عبد الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪:‬‬
‫فهو من نسل إسماعيل ‪ ،‬وإسماعيل أخو إسحق ‪ ،‬الذى هو أبو‬
‫يعقوب المسمى إسرائيل‪ .‬فهو من وسط إخوة بنى إسرائيل ‪-‬‬
‫بنو عمومتهم ‪ -‬وليس من إسرائيل نفسها‪ .‬وبهذا تحقق الشرط‬
‫الول من شرطى البشارة‪:‬‬
‫ومحمد ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ -‬صاحب شريعة جليلة الشأن لها‬
‫سلطانها الخاص بها ‪ -‬جمعت فأوعت ‪ -‬مثلما كان موسى ‪ -‬أكبر‬
‫رسل بنى إسرائيل ‪ -‬صاحب شريعة مستقلة كانت لها منزلتها‬
‫التى لم تضارع فيما قبل من بدء عهد الرسالت إلى مبعث‬
‫عيسى عليه السلم‪.‬‬
‫وبهذا يتحقق الشرط الثانى من شرطى البشارة وهو " المثليه "‬
‫بين موسى ومحمد (عليهما صلوات الله وسلمه) ‪ ،‬فعلى القارئ‬
‫أن يتأمل ثم يحكم‪.‬‬
‫فى المزامير المنسوبة إلى داود عليه السلم وردت كثير من‬
‫العبارات التى ل يصح حمل معناها إل على رسول السلم‪ .‬ومن‬
‫ذلك قول داود كما تروى التوراة‪:‬‬
‫" أنت أبرع جمال ً من بنى البشر‪ .‬انسكبت النعمة على شفتيك‪،‬‬
‫لذلك باركك الله إلى البد‪ .‬تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار ‪،‬‬
‫جللك وبهاؤك‪ .‬وبجللك اقتحم‪ .‬اركب من أجل الحق والدعة‪..‬‬
‫بتلك المسنونة فى قلب أعداء الملك ‪ -‬يعنى الله ‪ -‬شعوب تحتك‬
‫يسقطون‪ ..‬من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن البتهاج أكثر‬
‫من رفقائك " (‪.)7‬‬

‫‪706‬‬
‫اسمعى يانيت وأميلى أذنك ‪ ،‬وانسى شعبك وبيت أبيك ‪ ،‬فيشتهى‬
‫الملك الملك حسنك ؛ لنه هو سيدك فاسجدى له‪ .‬وبنت صور‬
‫أغنى الشعوب تترضى وجهك بهدية‪ .‬كلها مجد ابنة الملك فى‬
‫خدرها‪ .‬منسوجة بذهب ملبسها مطرزة ‪ ،‬تحضر إلى الملك فى‬
‫إثرها عذارى صاحباتها مقدمات إليك يحضرن بفرح وابتهاج‬
‫يدخلن إلى قصر الملك‪ .‬عوضا ً عن آبائك يكون بنوك نقيمهم‬
‫رؤساء فى كل الرض اذكر اسمك فى كل دور فدور من أجل‬
‫ذلك تحمدك الشعوب إلى الدهر والبد " وقفة مع هذا الكلم فى‬
‫المقطع الول (أ) ل تنطبق الوصاف التى ذكرها داود إل على‬
‫رسول السلم صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فهو الذى قاتل بسيفه فى سبيل الله وسقطت أمامه شعوب‬
‫عظيمة كالفرس والروم‪.‬‬
‫وهو الممسوح بالبركة أكثر من رفقائه النبياء ؛ لنه خاتم‬
‫النبيين ‪ ،‬ورسالته عامة خالدة (وما أرسلناك إل رحمة للعالمين )‬
‫(‪.)8‬‬
‫ولم يترك رسول هدى وبيانا مثلما ترك رسول السلم فى‬
‫القرآن الحكيم ‪ ،‬وفى أحاديثه وتوجيهاته ‪ ،‬التى بلغت مئات اللف‬
‫‪ ،‬وتعددت المصادر التى سجلتها ‪ ،‬وفيها من روائع البيان ‪ ،‬وصفاء‬
‫اللفاظ ‪ ،‬وشرف المعانى ما ليس فى غيرها‪.‬‬
‫أما المقطع الثانى (ب) فهو أوصاف للكعبة الشريفة‪ .‬فهى التى‬
‫تترضاها المم بالهدايا‪ .‬وهى ذات الملبس المنسوجة بالذهب‬
‫والمطرزة ‪ ،‬وهى التى يذكر اسمها فى كل دور فدور وتأتيها‬
‫قوافل" الحجيج " رجال ً ونساءً من كل مكان فيدخل الجميع فى "‬
‫قصر الملك " ويحمدها الناس إلى البد ؛ لن الرسالة المرتبطة‬
‫بها رسالة عامة‪ :‬لكل شعوب الرض النس والجن‪ .‬بل والملئكة‪.‬‬
‫وفى مواسم الحج يأتيها القاصدون من جميع بقاع الرض‬
‫مسلمين ‪ ،‬ورعايا مسلمين من بلد ليست مسلمة‪.‬‬
‫خالدة‪ :‬لم ينته العمل بها بوفاة رسولها ‪ ،‬كما هو الحال فيما‬
‫تقدم‪ .‬وإنما هى دين الله إلى البد البيد‪.‬‬
‫وأشعيا وسفره من أطول أسفار العهد القديم ملئ بالشارات‬
‫الواضحة التى تبشر برسول السلم صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ولول‬
‫المنهج الذى أخذنا به هنا وهو عدم التطويل لذكرنا من ذلك‬
‫الكثير ؛ ولذا فإننا نكتفى بهذا المقطع لدللته القوية على ما‬
‫نقول‪:‬‬
‫" قومى استنيرى ؛ لنه قد جاء نورك ‪ ،‬ومجد الرب أشرق عليك‪..‬‬
‫لنه ها هى الظلمة تغطى الرض والظلم الدامس المم‪ .‬أما‬

‫‪707‬‬
‫عليك فيشرق الرب ‪ ،‬ومجده عليك يرى‪ .‬فتسير المم فى‬
‫نورك ‪ ،‬والملوك فى ضياء إشراقك‪.‬‬
‫ارفعى عينيك حواليك وانظرى‪ .‬قد اجتمعوا كلهم جاءوا إليك‪.‬‬
‫يأتى بنوك من بعيد ‪ ،‬وتحمل بناتك على اليدى ‪ ،‬حينئذ تنظرين‬
‫وتنيرين ويخفق قلبك ويتسع ؛ لنه تحول إليك ثروة البحر ‪ ،‬ويأتى‬
‫إليك غنى المم تغطيك كثرة الجمال بكران مديان ‪ ،‬وعيفة كلها‬
‫تأتى من شبا‪ .‬تحمل ذهبا ولبانا ‪ ،‬وتبشر بتسابيح الرب‪ .‬كل غنم‬
‫قيدار تجتمع إليك‪ .‬كباش نبايوت تخدمك تصعد مقبولة على‬
‫مذبحى ‪ ،‬وأزين بيت جمالى‪.‬‬
‫من هؤلء الطائرون كسحاب وكالحمام إلى بيوتها‪ .‬إن الجزائر‬
‫تنتظرنى وسفن ترشيش فى الول لتأتى من بعيد ‪ ،‬وفضتهم‬
‫وذهبهم معهم ل سم الرب إلهك … (‪.)9‬‬
‫وبنو الغريب يبنون أسوارك ‪ ،‬وملوكهم يخدمونك‪ ..‬وتفتح أبوابك‬
‫دائما نهارا ً وليل ً ل تغلق ‪ ،‬ليؤتى إليك بغنى المم وتقاد ملوكهم‪...‬‬
‫(‪.)10‬‬
‫دللة هذه النصوص‪:‬‬
‫بل أدنى ريب فإن هذا الكلم المنسوب إلى أشعيا وصف لمكة‬
‫المكرمة وكعبتها الشامخة‪.‬‬
‫فالمقطع الول إنما هو حديث عن موسم الحج المبارك فيه‬
‫يجتمع بنوها حولها من كل مكان وفيه لمحة قوية جدا ًُ إلى نحر‬
‫الهدى صبيحة العيد‪ .‬ألم يشر النص إلى غنم قيدار ‪ ،‬وقيدار‬
‫هوولد إسماعيل عليه السلم الذى تشعبت منه قبائل العرب‪ .‬ثم‬
‫ألم ينص على المذبح الذى تنحر عليه الذبائح ؟ كما أشار النص‬
‫ثلث إشارات تعد من أوضح الدلة على أن المراد بهذا النص مكة‬
‫المكرمة‪ .‬وتلك الشارات هى طرق حضور الحجاج إليها‪ .‬ففى‬
‫القديم كانت وسائل النقل‪ :‬ركوب الجمال‪ .‬ثم السفن‪ .‬أما فى‬
‫العصر الحديث فقد جدت وسيلة النقل الجوى " الطائرات "‬
‫وبشارة أشعيا تضمنت هذه الوسائل الثلث على النحو التى‪:‬‬
‫‪ -1‬الجمال ‪ ،‬قال فيها‪ :‬تغطيك كثرة الجمال‪.‬؟!‬
‫‪ -2‬السفن ‪ ،‬قال فيها‪ :‬وسفن ترشيش تأتى ببنيك من بعيد ؟!‬
‫‪ -3‬النقل الجوى ‪ ،‬وفيه يقول‪ :‬من هؤلء الطائرون كسحاب‬
‫وكالحمام إلى بيوتها‪ .‬؟!!‬
‫أليس هذا أوضح من الشمس فى كبد السماء‪.‬‬
‫على أن النص ملئ بعد ذلك بالدقائق والسرار ‪ ،‬ومنها أن مكة‬
‫مفتوحة البواب ليل ً ونهارا ً لكل قادم فى حج أو عمرة‪ ..‬؟!‬
‫ومنها أن خيرات المم تجبى إليها من كل مكان ‪ ،‬والقرآن يقرر‬
‫هذا المعنى فى قول الله تعالى‪:‬‬

‫‪708‬‬
‫(أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شىء ) (‪.)11‬‬
‫ومنها أن بنى الغريب (يعنى غير العرب) يبنون أسوارها‪ .‬وكم من‬
‫اليدى العاملة الن ‪ ،‬وذوى الخبرات يعملون فيها ويشيدون‬
‫قلعها فوق الرض وتحت الرض ومنها أنه ما من عاصمة من‬
‫عواصم العالم إل دخلت فى محنة من أهلها أو من غير أهلها إل‬
‫هذه " العاصمة المقدسة " فظلت بمأمن من غارات الغائرين‬
‫وكيد الكائدين ‪ ،‬ومثلها المدينة المنورة‪.‬‬
‫ن الله بها عليها‪ .‬أليس البترول من‬ ‫م َّ‬
‫ومنها كثرة الثروات التى َ‬
‫ثروات البحر العظمى التى تفجرت أرض الحجاز وشبه الجزيرة‬
‫منه عيونا ً دفاقة بمعدل لم تصل إليه أمة من المم‪ .‬أضف إلى‬
‫ذلك سبائك الذهب والفضة‪.‬‬
‫والحديث عن مكة المكرمة حديث عن رسول السلم ؛ لن‬
‫مجدها لم يأت إل على يدى بعثته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫هذه الحقائق ل تقبل الجدل‪ .‬ومع هذا فإن أهل الكتاب (وخاصة‬
‫اليهود) يحملون هذه الوصاف على مدينة " صهيون " ولهذا‬
‫فإنهم عمدوا إلى النص وعدلوه ليصلح لهذا الزعم‪.‬‬
‫ولكننا نضع المر بين يدى المنصفين من كل ملة‪ .‬أهذه الوصاف‬
‫يمكن أن تطلق على مدينة " صهيون "‪.‬‬
‫لقد خرب " بيت الرب " فى القدس مرارا ً وتعرض لعمال‬
‫شنيعة على كل العصور‪ .‬أما الكعبة الشريفة والمسجد الحرام‬
‫فلم يصل أحد إليهما بسوء ‪ ،‬ثم أين ثروات البحر والبر التى تجبى‬
‫إلى تلك المدينة وأهلها (إلى الن) يعيشون عالة على صدقات‬
‫المم‪.‬‬
‫جوّا ً ‪ ،‬وهل أبوابها‬
‫وأين هى المواكب التى تأتى إليها برا ً وبحرا ً و َ‬
‫مفتوحة ليل ً ونهارا ً ‪ ،‬وأين هم بنوها الذين اجتمعوا حولها‪.‬‬
‫وما صلة غنم قيدار وكباش مدين بها‪ .‬وأين هو التسبيح الذى‬
‫يشق عنان السماء منها‪ ..‬وأين‪ ..‬وأين‪..‬؟‌ إن هذه المغالطات ل‬
‫تثبت أمام قوة الحق ‪ ،‬ونحن يكفينا أن نقيم هذه الدلة من كتبهم‬
‫على صدق الدعوى ‪ ،‬ول يهمنا أن يذعن القوم لما نقول فحسبك‬
‫من خصمك أن تثبت باطل ما يدعيه أمام الحق الذى تدافع عنه‪.‬‬
‫والفاصل بيننا ـ فى النهاية ـ هو الله الذى ل يُبدل القول لديه‪.‬‬
‫وتنسب التوراة إلى نبى يدعى " حبقوق " من أنبياء العهد القديم‬
‫‪ ،‬وله سفر صغير قوامه ثلثة إصحاحات‪.‬‬
‫تنسب إليه التوراة نصوصا ً كان يصلى بها‪ .‬تضمنها الصحاح‬
‫الثالث من سفره‪ .‬وهذا الصحاح يكاد يكون كله بشارة برسول‬
‫السلم صلى الله عليه وسلم‪ .‬وإليكم مقاطع منه‪ " :‬الله جاء من‬
‫تيمان ‪ ،‬والقدوس من جبل فاران ـ سله ـ جلله غطى‬

‫‪709‬‬
‫السماوات‪ .‬والرض امتلت من تسبيحه وكان لمعان كالنور له‬
‫من يديه شعاع ‪ ،‬وهناك استتار قدرته‪.‬‬
‫قدامه ذهب الوبأ‪ .‬وعند رجليه خرجت الحمى‪ .‬وقف وقاس‬
‫الرض ‪ ،‬نظر فرجف المم ودكت الجبال الدهرية ‪ ،‬وخسفت آكام‬
‫القوم‪.‬‬
‫مسالك الزل يسخط دست المم ‪ ،‬خرجت لخلص شعبك ‪000‬‬
‫سحقت رأس بيت الشرير معريا ً الساس حتى العنق ‪ 000‬سلكت‬
‫البحر بخيلك‪.)12(..‬‬
‫دللت هذه الشارات‪:‬‬
‫ل يستطيع عاقل عالم بتاريخ الرسالت ومعانى التراكيب أن‬
‫يصرف هذه النصوص على غير البشارة برسول السلم صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ .‬فالجهتان المذكورتان فى مطلع هذا المقطع‬
‫وهما‪ :‬تيمان‪ :‬يعنى اليمن ‪ ،‬وجبل فاران‪ :‬يعنى جبل النور الذى‬
‫بمكة المكرمة التى هى فاران‪ .‬هاتان الجهتان عربيتان‪ .‬وهما رمز‬
‫لشبه الجزيرة العربية التى كانت مسرحا ً أوليا ً لرسالة محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فليس المراد إذن نبيا ً من بنى إسرائيل ؛ لنه معلوم أن رسل‬
‫بنى إسرائيل كانت تأتى من جهة الشام شمالً‪ .‬ل من جهة بلد‬
‫العرب‪ .‬وهذه البشارة أتت مؤكدة للبشـارة المماثلة ‪ ،‬التى تقدم‬
‫ذكرها من سفر التثنية ‪ ،‬وقد ذكرت أن الله‪ :‬تلل أو استعلن من‬
‫جبل فاران‪.‬‬
‫بيد أن بشارة التثنية شملت الخبار بمقدم موسىعليه السلم‬
‫والتبشير بعيسى عليه السلم وبمحمد صلى الله عليه وسلم أما‬
‫بشـارة حبقوق فهى خاصة برسول السلم صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ .‬ولو لم يكن فى كلم حبقوق إل هذا " التحديد " لكان ذلك‬
‫كافيا ً فى اختصاص بشارته برسول السلم صلى الله عليه وسلم‬
‫ومع هذا فقد اشتمل كلم حبقوق على دلئل أخرى ذات مغزى‪:‬‬
‫منها‪ :‬الشارة إلى كثرة التسبيح حتى امتلت منه الرض‪ ..‬؟!‬
‫ومنها‪ :‬دكه صلى الله عليه وسلم لعروش الظلم والطغيان وقهر‬
‫الممالك الجائرة‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن خيل جيوشه ركبت البحر ‪ ،‬وهذا لم يحدث إل فى ظل‬
‫رسالة السلم‪.‬‬
‫على أن كلم حبقوق ملئ بالرمز والشارات مما يفيدنا فى هذا‬
‫المجال ولكننا نتجاوزه لمرين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن فى الشارات الصريحة غناء عنها‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬عدم التطويل ـ هنا ـ كما اتفقنا‪.‬‬

‫‪710‬‬
‫بشاراته صلى الله عليه وسلم فى العهد الجديد أسفار العهد‬
‫الجديد (الناجيل والرسائل) حافلة بالنصوص التى يتعين أن تكون‬
‫" بشارات " برسول السلم صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫تلك البشـارات تعـلن أحيانا ً فى صورة الوعـد بملكوت الله أو‬
‫ملكوت السماوات‪ .‬وأحيانا أخـرى بالـروح القـدس‪ .‬ومرات‬
‫باسـم المعـزى أو الفارقليط ‪ ،‬وهى كلمة يونانية سيأتى فيما بعد‬
‫معناها ‪ ،‬تلك هى صورة البشارات فى الناجيل فى صيغها‬
‫المعروفة الن‪.‬‬
‫ففى إنجيل متى وردت هذه العبارة مسـندة إلى يحيى عليه‬
‫السلم المسمى فى الناجيل‪ :‬يوحنا المعمدان‪.‬‬
‫وفيها يقول‪ " :‬توبوا ؛ لنه قد اقترب ملكوت السماوات " (‪.)13‬‬
‫فمن هو ملكوت السماوات الذى بشر به يحيى ؟! هل هو عيسى‬
‫عليه السلم ـ كما يقول النصارى‪..‬؟!‬
‫هذا احتمال‪ ..‬ولكن متَّى نفسه يدفعه حيث روى عن عيسى عليه‬
‫السلم نفس العبارة‪ " :‬توبوا ؛ لنه قد اقترب ملكوت السماوات‬
‫" (‪.)14‬‬
‫فلـو كان المراد بملكـوت السماوات ـ هذه ـ عيسى عليه السلم‬
‫لما وردت هذه " البشارة " على لسان عيسى ؛ إذ كيف يبشر‬
‫بنفسه ‪ ،‬وهو قائم موجود ‪ ،‬والبشـارة ل تكون إل بشئ محـبوب‬
‫سيأتى ‪ ،‬كما أن النذار ـ قسيمه ـ ل يكون إل بشىء " مكروه "‬
‫قد يقع‪ .‬فكلهما‪ :‬التبشير والنذار ـ أمران مستقبلن‪.‬‬
‫إن ورود هذه العبارة عن عيسى نفسه تخصيص لذلك العموم‬
‫المستفاد من عبارة يحيى عليهما السلم‪.‬‬
‫فدل ذلك على أن المراد بملكوت السماوات رسول آخر غير‬
‫عيسى‪ .‬ولم يأت بعد عيسى ـ باعتراف الجميع ـ رسول غير‬
‫رسول السلم صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فدل ذلك على أنه هو المراد بملكوت السماوات فى عبارة‬
‫عيسى عليه السلمـ قول ً واحدا ً ـ وباحتمال أرجح فى عبارة يحيى‬
‫‪،‬إذ ل مانع عندنا ـ أن يكون يحيى عليه السلم قد بشر بها بعيسى‬
‫عليه السلم‪.‬‬
‫أما بشارة عيسى فل موضع لها إل الحمل ـ القطعى ـ على‬
‫رسول السلم صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫متَّى‬
‫وفى صيغة الصلة التى علمها المسيح لتلميذه ـ كما يروى َ‬
‫متَّى فى هذا "‬ ‫نفسه ـ بشارة أخرى بنبى السـلم‪ .‬وهذا هو نص َ‬
‫فصلوا أنتم هكذا‪ :‬أبانا الذى فى السماوات ليتقدس اسمك ليأت‬
‫ملكوتك " (‪.)15‬‬
‫ووردت هذه الصيغة فى إنجيل لوقا هكذا‪:‬‬

‫‪711‬‬
‫" متى صليتم فقـولوا‪ :‬أبانا الذى فى السماوات ليتقـدس اسمك‬
‫ليأت ملكوتك‪.)16( " ..‬‬
‫ويذكر لوقا أن المسيح جمع تلميذه ‪ ،‬وعلمهم كيف يقهرون‬
‫الشياطين ‪ ،‬ويشفـون المراض ثم قال‪ " :‬وأرسلهم ليكرزوا ـ أى‬
‫يبشروا ـ بملكوت الله " (‪.)17‬‬
‫أما مرقس فيسند هذه البشارة إلى المسيح نفسه إذ يقول‪" :‬‬
‫جاء يسوع إلى الجبل يكرز ببشارة ملكوت الله ويقول‪ :‬قد كمل‬
‫الزمان واقترب ملكوت الله " (‪.)18‬‬
‫فهـؤلء ثلثة من التلمذة يتفقـون على أن يحيى وعيسى (عليهما‬
‫السلم) قد بشرا بملكوت الله الذى اقترب‪.‬‬
‫فمن المراد بملكوت الله إذا لم يكن هو رسول السلم صلى الله‬
‫عليه وسلم ؟ وأكاد أجزم بأن عبارة " المسيح ‪ ،‬قد كمل الزمان‬
‫" ل تعنى سوى انتهاء عصر الرسالت الموقوتة وإقبال الرسالة‬
‫الخالدة‪!..‬‬
‫ـ ‪ 3‬ـ أما يوحنا صاحب رابع الناجيل‪ .‬فإنه يذكر هذه البشارات فى‬
‫مواضع متعددة من إنجيله‪ .‬ومن ذلك ما يرويه عن المسيح عليه‬
‫السلم " الذى ل يحبنى ل يحفظ كلمى ‪ ،‬والكلم الذى تسمعونه‬
‫ليس لى بل للب الذى أرسلنى‪ .‬بهذا كلمتكم وأنا عندكم‪ .‬وأما‬
‫المعزى (اسم فاعل من الفعل المضعف العين عزى) (‪ )19‬الروح‬
‫القدس ‪ ،‬الذى سيرسله الب باسمى فهو يعلمكم كل شىء‬
‫ويذكركم بما قلته لكم " (‪.)20‬‬
‫كما يروى يوحنا قول المسيح ـ التى ـ مع تلميذه‪ " :‬إنه خير لكم‬
‫أن انطلق‪ .‬إن لم أنطلق ل يأتيكم المعزى ‪ ،‬ولكن إن ذهبت‬
‫أرسله إليكم‪ .‬ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية ‪ ،‬وعلى بر‬
‫وعلى دينونة " (‪.)21‬‬
‫ويروى كذلك قول المسيح لتلميذه‪ " :‬وأما إذا جاء ذاك روح‬
‫الحق ‪ ،‬فهو يرشدكم إلى جميع الحق ؛ لنه ل يتكلم من نفسه‪.‬‬
‫بل كل ما يسمع يتكلم به ‪ ،‬ويخبركم بأمور آتية "‪ ..‬؟! (‪.)22‬‬
‫فمن هو المعزى أو روح القدس أو روح الحق الذى بشر به‬
‫المسيح عليه السلم حسبما يروى يوحنا‪..‬؟!‬
‫إن المسيح يقول‪:‬‬
‫معَّرِى أو الروح القدس ل يأتى إل بعد ذهاب المسيح ‪،‬‬ ‫إن ذلك ال ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل منه‬ ‫ج ّ‬ ‫والمسيح ـ نفسه ـ يُقـُّر بأن ذلك ال ُ‬
‫معَّرِى أو الروح أ َ‬
‫شأنا ‪ ،‬وأعم نفعا ً وأبقى أثرا ً ‪ ،‬ولذلك قال لتلميذه‪ :‬خير لكم أن‬
‫معَّرِى‪.‬‬‫أنطلق‪ .‬إن لم أنطلق ل يأتيكم ال ُ‬
‫وكلمة " خير " أفعل تفضيل بمعنى أكثر خيرا ً لكم ذهابى ليأتيكم‬
‫معَـَّزى " مسـاويا للمسيح فى الدرجة لكانا‬ ‫المعزى ولو كان " ال ُ‬

‫‪712‬‬
‫مستويين فى الخيرية ولما ساغ للمسيح أن يقول خير لكم أن‬
‫أنطلق‪.‬‬
‫ومن باب أولى لو كان " المعَّزى " أقل فضل ً من المسيح‪ .‬فعبارة‬
‫مساو‬
‫ٍ‬ ‫المسيح دليل قاطع على أنه بشر بمن هو أفضل منه ‪ ،‬ل‬
‫له ول أقل‪.‬‬
‫معََّرى أو الروح بأوصـاف ليست‬
‫ثم يصف المسيح ذلك ال ُ‬
‫موجـودة فى المسيح نفسه عليه السلم‪ .‬ومن تلك الوصاف‪:‬‬
‫أـ إنه يعلم الناس كل شىء‪.‬وهذا معناه شمول رسالته لكل‬
‫مقومات الصلح فى الدنيا والدين‪ .‬وذلك هو السلم‪.‬‬
‫ب ـ إنه يبكت العالم على خطية‪ .‬والشاهد هنا كلمة " العالم "‬
‫وهذا معناه شمول السلم لكل أجـناس البشر ‪ ،‬عربا وعجما ً ‪،‬‬
‫فى كل زمان ومكان‪ .‬ولم توصف شريعة بهذين الوصفين إل‬
‫السلم‪.‬‬
‫جـ ـ إنه يخـبر بأمور آتية ‪ ،‬ويذكـر بما مضى‪ .‬وقد تحقق هذا فى‬
‫رسالة محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فأخبر بأمور آتية لم يخبر بها من سبقه أو أخبروا ولكن ليس على‬
‫وجه التفصيل والتأكيد الذى كان على يديه صلى الله عليه وسلم‬
‫فكم فى القرآن من أمور أخبر بها قبل أن تقع فوقعت كما أخبر ‪،‬‬
‫وكم فيه من الخبار بما سيكون فى الحياة الخرة من أوصاف‬
‫الجنة ‪ ،‬والنار ‪ ،‬والبعث ‪ ،‬وعلمات الساعة ‪ ،‬وتخاصم أهل النار ‪،‬‬
‫وحوار أصحاب الجنة مع " رجال العراف " ‪ ،‬وندم من باعوا‬
‫دينهم بدنياهم‪.‬‬
‫إلخ‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫وذكر بما مضى من أحوال المم ‪ ،‬وقيام الحضارات ثم سقوطها‬
‫وأحوال المرسلين وما بلغوا به أقوامهم والشهادة لهم بالصدق‬
‫والمانة والخلص والوفاء ‪ ،‬ومسلك بعض القوام من رسلهم‬
‫والصراع الذى دار بين المحقين وأهل الباطل ‪ ،‬وعاقبة بعض‬
‫المكذبين‪ ..‬إلخ‪..‬إلخ‪.‬‬
‫ثم استوعبت رسالته الحياة كلها فأرست قواعد العتقاد الصحيح‬
‫وسنت طرق العبادة المثمرة ‪ ،‬ووضعت أصول التشريع فى كل‬
‫ما هو متعلق بالحياة عاجلها وآجلها ‪ ،‬ووضحت العلقة السليمة‬
‫بين المخلوق والخالق ‪ ،‬وبين الناس بعضهم بعضاً‪ .‬وحررت‬
‫العقول ‪ ،‬وطهرت القلوب ورسمت طريق الهدى لكل نفس‬
‫ولكل جماعة ولكل أمة‪ .‬أى أنها أرشدت إلى كل شىء‪ .‬وعلمت‬
‫كل شىء مما يحتاج تعلمه إلى وحى وتوقيف‪!..‬‬
‫ذلك هو السلم ‪ ،‬ول شىء غير السلم‪.‬‬

‫‪713‬‬
‫وشهدت ـ فيما شهدت ـ للمسيح عليه السلم بأنه رسول كريم‬
‫أمين أدى رسالته وبشر وأنذر بنى إسرائيل‪.‬‬
‫وأنه عبده ورسوله (ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذى فيه‬
‫يمترون ) (‪.)23‬‬
‫وشهادة رسول السلم لعيسى عليه السلم منصوص عليها فى‬
‫بشارات عيسى نفسه به (صلى الله عليه وسلم)‪ .‬فاسمع إلى‬
‫يوحنا وهو يروى عن المسيح عليه السلم قوله التى‪ " .‬ومتى‬
‫جاء المعَّزى الذى سأرسله " أنا " إليكم من الب روح الحق من‬
‫عند الب ينبثق فهـو يشهـد لى‪ ..‬وتشهـدون أنتم أيضا ً لنكم معى‬
‫من البتداء " (‪.)24‬‬
‫روح القـدس هذا ‪ ،‬أو المعَّزى ‪ ،‬أو روح الحق ل يمكن أن يكون‬
‫عيسى ؛ لن عـيسى لم يبشر بنفسـه ‪ ،‬وهو كان موجودا ً ساعة‬
‫قال هذا ول يمكن أن يكون المراد به نبيا ً بعد عيسى غير محمد‬
‫(صلى الله عليه وسلم) لننا متفقون على أن عيسى لم يأت‬
‫بعده نبى قبل رسول السلم صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فتعين أن يكون روح القدس ‪ ،‬أو المعَّزى ‪ ،‬أو روح الحق تبشيرا‬
‫بمحمد صلى الله عليه وسلم إذ فيه تجتمع تلك الوصاف ‪ ،‬كما‬
‫يتحقق فيه معنى " الفضلية " إذ هو خاتم النبيين ‪ ،‬الذى جاء‬
‫بشريعة خالدة عامة ‪ ،‬وعلى هذا حملنا قبل قول عيسى‪ :‬خير لكم‬
‫معَّزِى " وهذا إقرار من‬ ‫أن أنطلق‪ .‬إن لم أنطلق ل يأتيكم ال ُ‬
‫شر وكفى بذلك شواهد‪.‬‬ ‫مب َ ّ ِ‬‫عيسى بأن المبشر به أفضل من ال ُ‬
‫أما البشارة باسم " الفارقليط " فقد خلت منها الترجمات‬
‫العربية المعاصرة للكتاب المقـدس‪ .‬ومعـلوم أن الكتاب‬
‫المقدس خضع للترجمات وطبعات متعددة ؛ لدرجة أن الترجمات‬
‫العربية لتختلف من نسخة إلى أخرى اختلفا بيناً‪.‬‬
‫وتحت يدى ـ الن ـ نسختان من الطبعـات العربية كلتاهما خاليتان‬
‫من كلمة الفارقليط ‪ ،‬وموضوع مكانها كلمة المعزى‪.‬‬
‫بيد أننى وجدت أن ابن القيم ‪ ،‬وابن تيمية ‪ ،‬كل منهما قد نقل‬
‫عن نسخ خطية كانت معاصرة لهما نصوصا ً فيها التصريح باسم"‬
‫الفارقليط " كما أن الشيخ رحمت الله الهندى (رحمه الله) نقل‬
‫فى كتابه " إظهار الحق " نصوصا ً " عن ترجمات عربية ترجع إلى‬
‫أعوام‪ 1821 :‬ـ ‪ 1831‬ـ ‪1844‬م وتمت فى لندن معنى " الفارقليط "‪:‬‬
‫كلمة يونانية معناها واحد مما يأتى‪:‬‬
‫الحامد ـ الحماد ـ المحمود ـ الحمد‪.‬‬
‫أو معناها كل ما تقدم‪ .‬فمعنى " فارقليط " يدور حول الحمد‬
‫وجميع مشتقاته المشار إليها‪.‬‬

‫‪714‬‬
‫وكل واحد منها يصح إطلقه على رسول السلم صلى الله عليه‬
‫ماد والمحمود والحمد ‪ ،‬والمحمد‪.‬‬ ‫وسلم فهو الحامد والح ّ‬
‫وفى الطبعات ـ اللندنية ـ المتقدم ذكرها ورد النص هكذا‪ " :‬إن‬
‫كنتم تحبوننى فاحفظوا وصاياى‪ .‬وأنا أطلب من الب فيعطيكم‬
‫فارقليط آخر ‪ ،‬ليثبت معكم إلى البد "‪.‬‬
‫" الفارقليط " روح القـدس الذى يرسله الب باسمى هو يعلمكم‬
‫كل شىء ‪ ،‬وهو يذكركم كل ما قلته لكم " (‪.)25‬‬
‫ومقارنة هذين النصـين بالنص المقابل لهما الذى نقلناه آنفا عن‬
‫إنجيل يوحنا من الطبعات العربية الحديثة تريك أن الطبعات‬
‫الحديـثة حـذفت كلمة " الفارقليط " ووضعت مكانها كلمة "‬
‫المعزى " كما تريك أن الطبعات الحديثة حذفت جملة‪ " :‬ليثبت‬
‫معـكم إلى البد " وهو نص على خلود السلم على أنهم عادوا‬
‫واعترفوا بأن كلمة " المعزى " التى فى الطبعات الحديثة للكتاب‬
‫المقـدس أصلها مترجـم عن كلمة يونانية لفظا ً ومعنى وهى "‬
‫باراكليتس " ومعناها المعزى ‪ ،‬وليست " فارقليط " أو " بارقليط‬
‫" التى معناها الحماد والحامد ‪ 000‬والتى يتمسك بها‬
‫المسلمون‪ ..‬؟!‬
‫وهذه المحاولت مردودة لسببين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬ليس نحن ـ المسلمين ـ الذين قاموا بعمل بالطبعات‬
‫القديمة التى فيها " الفارقليط " وإنما طبعها النصارى قديماً‪.‬‬
‫فعملهم حجة على الطبعات الحديثة وهم غير متهمين فى عملهم‬
‫هذا‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬ولو كانت الكلمة " هى‪ :‬الباراكليتس " فلماذا خلت منها‬
‫الطبعات القديمة والنسخ المخطوطة ؟!‬
‫بل ولماذا خلت منها الطبعات الحديثة‪..‬؟!‬
‫وأيا كان المدار‪ :‬فارقليط ‪ ،‬أو باراكليتس ‪ ،‬أو المعزى ‪ ،‬أو الروح‬
‫القدس فنحن ل نعول على الكلمة نفسها بقدر ما نعول على‬
‫الوصاف التى أجريت عليها‪ .‬مثل يعلمكم كل شىء ـ يمكث‬
‫معكم إلى البد‪.‬‬
‫فهـذه الوصـاف هى لرسـول السـلم صلى الله عليه وسلم‬
‫ومهما اجتهدتم فى صرفها عنه فلن تنصرف‪.‬‬
‫ولهم " شبهة " أخرى يحلو لهم تردادها وهى‪ :‬محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم عربى الجنس واللسان ‪ ،‬فكيف يرسله الله إلى أمم‬
‫وأجناس غير عربية‪ ..‬وكيف يكلف الله الناس برسالة ل يعرفون‬
‫لغتها ول عهد لهم بالتحدث معها‪ .‬وكيف يستطيعون أن يفهموا‬
‫القرآن ‪ ،‬وتوجيهات رسول السلم ‪ ،‬وهما باللغة العربية‪.‬؟‌‌!‬
‫رد الشبهة نرد عليها من طريقين‪:‬‬

‫‪715‬‬
‫الول‪ :‬وهو مستمد من واقـع القـوم أنفسهم‪ .‬فهم يدعون تبعاً‬
‫لما قال " بولس " أن عيسى عليه السلم مرسل لخلص العالم‬
‫كله‪ .‬وأنه أمر حوارييه أن يكرزوا كل العالم برسالة الخلص ‪،‬‬
‫وفى أيامنا هذه كثرت المنشورات التى تقول‪ :‬المسيح مخلص‬
‫العالم‪ .‬وهنا نسأل القوم سؤالً‪ :‬أية لغة كانت لغة المسيـح عليه‬
‫السلم وحوارييه ؟! هل هى العبرانية أم اليونانية ؟! وأيا كان‬
‫الجواب فإن المسيح كان يتكلم لغة واحدة‪ .‬وأوحى إليه النجيل‬
‫بلغة واحدة‪ ..‬فعلى أى أساس إذن قلتم‪ :‬إنه منقذ لكل العالم ؟!‬
‫هل كل العالم كان وما يزال يعرف لغة المسيح ؟! أم أن العالم‬
‫أيام المسيح كان يتكلم بعدة لغات‪ ..‬والن يتكلم بمئات‬
‫اللغات‪..‬؟!‬
‫فإن كنتم قد ادعيتم أن المسيح هو منقذ كل العالم مع تسليمكم‬
‫بأنه كان يتكلم بلغة واحدة فلماذا تنكرون على رسول السلم أن‬
‫يكون مرسل ً لكل العالم‪.‬؟! وما الفرق بين رسول السلم صلى‬
‫الله عليه وسلم والمسيح عليه السلم حتى تحظروا عليه ما‬
‫استبحتموه للمسيح ؟! أهذا عدل‪ ..‬أهذا إنصاف !!‬
‫وإن تنازلتم عن عالمية المسيح فأنتم مدينون‪..‬؟!‬
‫الثانى‪ :‬وهو مستمد من طبيعة السلم‪ .‬ومن تاريخه الطويل‬
‫الحافل بكل عجيب‪.‬‬
‫نعم‪ :‬إن محمدا ً صلى الله عليه وسلم عربى اللسان ‪ ،‬والجنس ‪،‬‬
‫والقرآن العظيم الذى جاء به عربى اللسان ‪ ،‬عالمى التوجيه‬
‫والتشريع والسلطان‪ .‬ووحدة اللغة فى السلم مثل وحدة‬
‫العقيدة فيه‪ .‬ولم يحل دون انتشار السلم بين المم والشعوب‬
‫غير العربية أن لغة رسالته عربية ورسوله عربى ورواده الوائل‬
‫عرب‪ .‬هذه العتبارات لم تحل دون نشر السلم لجميع شعوب‬
‫الرض باختلف لغاتها وعقائدهـا وأجناسها‪.‬‬
‫وكان سلوك الدعوة إلى السلم حكيما ‪ ،‬وهذه أبرز ملمحه‪.‬‬
‫أولً‪ :‬إن صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم أرسل رسله‬
‫يحملون رسائله وكتبه إلى كل رؤساء القبائل وملوك المم‬
‫والشعوب ‪ ،‬وقد بدأت هذه الطريقة بعد وقوع صلح الحديبية ‪،‬‬
‫وكل حامل رسالة أو كتاب إلى رئيس أو ملك كان على علم بلغة‬
‫من هم المبعوث إليهم‪.‬‬
‫فقد أرسل النبى صلى الله عليه وسلم إلى هرقل دحية بن خليفة‬
‫الكلبى‪.‬‬
‫وأرسل إلى المقوقس عظيم القبـط بمصـر حاطب بن أبى‬
‫بلتعة‪ .‬وأرسل إلى كسرى عبد الله بن حذافة السهمى‪.‬‬

‫‪716‬‬
‫وأرسل إلى الحارث بن أبى شمر الغسانى شجاع بن ذهب‬
‫السدى‪ .‬وكان هؤلء الرسل عالمين بلغات من أرسلوا إليهم‪.‬‬
‫كما كان صلى الله عليه وسلم يحتفظ بمترجمين يترجمون له ما‬
‫يرد من رسائل لغتها غير العربية‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬إن الملوك والرؤساء كان لديهم مترجمون ـ كذلك ـ‬
‫يترجمون لهم ما يرد من رسول السلم أو يقومون بالترجمة من‬
‫العربية إلى غيرها ‪ ،‬ومن غير العربية إلى العربية فى حالة ما إذا‬
‫كان " المرسل " وفدا ً يحمل رسائل شفوية للتبليغ‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬إن اليهود وكثيرا ً من النصارى كانوا يعرفون اللسان‬
‫العربى ‪ ،‬ومن النصارى من هم عـرب خلص كنصـارى نجـران ‪،‬‬
‫كما أن العجم من الفرس والروم كان من بينهم عرب يعايشونهم‬
‫ويقيمون بينهم‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬كان صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم يحض أصحابه‬
‫على تعلم لغات المم ومما يروى عنه ـ عليه الصلة السلم ـ‬
‫قوله‪ :‬من تعلم لغة قوم أمن غوائلهم‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬لما اجتازت الدعوة مرحلة الدعوة بالرسالة والكتاب‬
‫والوفد ‪ ،‬والبعث ‪ ،‬ودخلت فى مرحلة الفتح كان الجنود‬
‫المسلمون ينشرون اللغة العربية كما ينشرون السلم نفسه‪.‬‬
‫وما من أرض حل بها السلم إل وقد حلت بها اللغة العربية‬
‫تعضده ‪ ،‬وتؤازره فى انسجام عجيب ‪ ،‬فقضت اللغة العربية على‬
‫لغات المم والشعوب وحلت هى محلها‪ .‬قضت على القبطية فى‬
‫مصر وعلى الفارسية فى الشام وعلى البربرية فى شمال غرب‬
‫أفريقيا كما قضت على السريانية وغيرها من اللغات ‪ ،‬وأصبحت‬
‫هى لغة الحياة والدارة والكتابة والنشر والتأليف‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬قام العرب المسلمون بترجمة ما دعت إليه المصلحة‬
‫من تراث المم المفتوحة ‪ ،‬ففتحوا نوافذ الفكر ‪ ،‬والثقافة ‪،‬‬
‫والمعرفة لمن ل يعرف غير العربية من العرب المسلمين‪ .‬كما‬
‫ترجموا من الفكر السلمى ما يصلح ضرورة لغير العرب من‬
‫المسلمين فنقلوه من العربية إلى غير العربية وفاءً بحق الدعوة‬
‫والتبليغ‪.‬‬
‫سابعاً‪ :‬أقبل غير العرب من الذين دخلوا السلم على تعلم‬
‫العربية وتركوا لغاتهم الصلية وأصبحوا عربى اللسان واللغة‪.‬‬
‫ومن هـؤلء أعلم ل يحصون كان لهم فضل عظيم فى إنماء‬
‫الفكر السلمى منهم اللغويون ‪ ،‬والنحويون ‪ ،‬والبيانيون ‪،‬‬
‫والفقـهاء ‪ ،‬والصوليون ‪ ،‬والمفسرون ‪ ،‬والمحدثون ‪ ،‬والمتكلمون‬
‫‪ ،‬والفلسفة ‪ ،‬والمناطـقة ‪ ،‬والرياضيون ‪ ،‬والطباء ‪ ،‬والفلكيون ‪،‬‬
‫بل والشعراء والدباء والرحالة والجغرافيون ‪ ،‬وغيرهم ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬

‫‪717‬‬
‫إن كل مجال من مجـالت النشـاط العلمى فى السلم نبغ فيه‬
‫كثير من غير العرب بعد تعلمهم اللغة العربية التى كانوا فيها مثل‬
‫أنجب وأحذق وأمهر أبنائها‪ .‬ولو رحنا نحصى هؤلء لضاق بنا‬
‫السهل والوعر ‪ ،‬فلتكن الشارة إليهم نائبا ً عن ذلك التفصيل غير‬
‫المستطاع‪.‬‬
‫إن وحدة اللغة فى السلم لم تحل دون نشر السلم ‪ ،‬فلم يمض‬
‫طويل من الزمن حتى بلغت الدعوة مشارق الرض ومغاربها‪.‬‬
‫وصلت إلى الهند والصين فى أقصى الشرق ‪ ،‬وإلى شواطئ‬
‫المحيط الطلسى فى أقصى الغرب وإلى بلد النوبة جنوبا ً وإلى‬
‫جبال البرانس جنوبى فرنسا شمالً‪ .‬وتوطدت فى قلب الكون‪:‬‬
‫الحجاز واليمن والشام وفارس وبلد ما بين النهرين وما وراء‬
‫النهرين ومصر وجنوب الوادى ‪ ،‬وتركت اللغة العربية الواحدة‬
‫آثارها فى كل قطر أشرقت فيه شمس السلم ‪ ،‬وحتى ما فارقه‬
‫السلم ـ كأسبانيا ـ ما تزال حضارة السلم وآثار العربية تغزو‬
‫كل بيت فيها‪ .‬وكما استوعب السلم مناهج الصلح فى كل‬
‫مجالت الحياة النسـانية استوعـبت شقيقته الكبرى " اللغة‬
‫العربية " كل أنماط التعبير ووسعت بسلطانها كل وسائل‬
‫التسجيل والتدوين‪ ..‬وامتلكت ناصية البيان الرائع الجميل ‪ ،‬فهى‬
‫لغة علم ‪ ،‬ولغة فن ومشاعر ‪ ،‬ووجدان‪ .‬وقانون وسلم وحرب ‪،‬‬
‫ودين ودنيا‪.‬‬
‫إن أكثر من ألف مليون مسلم ينتشرون فى ربوع الرض الن لم‬
‫يعجز الكثير منهم من غير العرب عن حفظ كتاب الله " القرآن‬
‫العظيم " ويتلونه كما أنزل بلسان عربى فصيح‪ .‬فإذا عاد إلى‬
‫حديثه اليومى لجأ إلى لغة أمه وأبيه وبيئته‪.‬‬
‫ومسلم غير عربى استطاع أن يحفظ أو يقرأ القرآن بلغته العربية‬
‫الفصحى لهو قادر ـ لو أدى المسلمون العرب واجبهم نحو لغة‬
‫التنزيل ـ أن يقرأ بها كتب الحديث ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والتشريع ‪ ،‬والنحو ‪،‬‬
‫والصرف ‪ ،‬والبلغة ‪ ،‬والدب وسائر العلوم والفنون‪.‬‬
‫ولكنه ذنب العـرب المسـلمين ل ذنب اللغة‪ .‬فهى مطواعة لمن‬
‫يريد أن يتقنها إن وجد معلما ً مخلصاً‪ .‬والمل كبير ـ الن ـ فى أن‬
‫يلتقى كل المسلمين على لغة واحدة ‪ ،‬كما التقوا على عقيدة‬
‫واحدة‪.‬‬
‫إن رسـول السـلم صلى الله عليه وسلم عالمى الدعوة وإن‬
‫كان عربى اللسان والجنس‪.‬‬
‫وإن السلم الحنيف عالمى التوجيه والسلطان وإن كانت لغة‬
‫تنزيله عربية ورسوله عربيا ً ‪ ،‬ورواده الوائل عرباً‪.‬‬

‫‪718‬‬
‫(‪ )1‬رددنا على هذه الدعاءات فى " السلم فى مواجهة‬
‫الستشراق فى العالم " مرجع سبق ذكره‪.‬‬
‫(‪ )2‬سفر التثنية‪ :‬الصحاح (‪ )33‬الفقرات (‪.)2-1‬‬
‫(‪ )3‬سفر التكوين (‪.)21 - 21‬‬
‫(‪ )4‬سفر التثنية‪ :‬الصحاح (‪ )18‬الفقرات (‪.)19 - 18‬‬
‫؟ أى‬ ‫ويكون المعنى عليه‪ :‬كيف أقيم لهم نبيا ً من وسط إخوتهم ‌‬
‫ل أفعل هذا‪.‬‬
‫(‪ )5‬الجمعة‪.2 :‬‬
‫(‪ )6‬البقرة‪.129 :‬‬
‫(‪ )7‬المزمور (‪ )45‬الفقرات (‪ )17 - 2‬مع الحذف اليسير‪ )8( .‬النبياء‪:‬‬
‫‪.107‬‬
‫(‪ )9‬مكان النقط هنا كلم لم نذكره هو " قدوس إسرائيل لنه‬
‫مجدك " ؟! وهذا مقطع مضاف بكل تأكيد والهدف منه صرف‬
‫الكلم عن معناه الظاهر!!‬
‫(‪ )10‬سفر أشعياء الصحاح (‪ )60‬الفقرات (‪ )12-4‬مع حذف يسير‪.‬‬
‫(‪ )11‬القصص‪.57 :‬‬
‫(‪ 3( )12‬ـ ‪ 3‬ـ ‪ )15‬مع الحذف‪.‬‬
‫(‪ )13‬الصحاح (‪ )3‬الفقرة (‪.)2‬‬
‫(‪ )14‬الصحاح (‪ )4‬الفقرة (‪.)17‬‬
‫(‪ )15‬الصحاح (‪ )6‬الفقرة (‪9‬ـ ‪.)10‬‬
‫(‪ )16‬الصحـاح (‪ )11‬الفقـرة (‪.)2‬‬
‫(‪ )17‬الصحاح (‪ )9‬الفقرة (‪.)2‬‬
‫(‪ )18‬الصحاح (‪ )1‬الفقرة (‪ 14‬ـ ‪.)15‬‬
‫(‪ )19‬هذا إيضاح وليس من النص‪.‬‬
‫(‪ )20‬الصحاح (‪ )14‬الفقرات (‪ 24‬ـ ‪.)26‬‬
‫(‪ )21‬الصحاح (‪ )16‬الفقرتان (‪ 7‬ـ ‪.)8‬‬
‫(‪ )22‬الصحاح (‪ )16‬الفقرة (‪.)13‬‬
‫(‪ )23‬مريم‪.34 :‬‬
‫(‪ )24‬الصحاح (‪ )15‬فقرتا (‪ 26‬ـ ‪.)27‬‬
‫(‪ )25‬انظر كتاب " إظهار الحق " ص ‪ 528‬للشيخ رحمت الله‬
‫الهندى تحقيق الدكتور أحمد حجازى السقا‪ .‬نشر دار التراث‪.‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫‪ -79‬قوم النبى محمد صلى الله عليه وسلم زناة من‬
‫أصحاب الجحيم‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫‪719‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫ما ذنب النبى محمد صلى الله عليه وسلم أن يقع قومه ومن‬
‫أرسل إليهم فى خطيئة الزنا أو أن يكونوا من أصحاب الجحيم ؟‬
‫مادام هو صلوات الله وسلمه عليه قد برئ من هذه الخطيئة‬
‫ولسيما فى مرحلة ما قبل النبوة ‪ ،‬وكانت مرحلة الشباب التى‬
‫يمكن أن تكون إغراء له ولمثاله أن يقعوا فى هذه الخطيئة ؛‬
‫لسيما وأن المجتمع الجاهلى كان يشجع على ذلك وكان الزنا‬
‫فيه من المور العادية التى يمارسها أهل الجاهلية شبانًا وشيبًا‬
‫ضا‪ .‬وكان للزنا فيه بيوت قائمة يعترف المجتمع بها ‪ ،‬وتُعلق‬ ‫أي ً‬
‫على أبوابها علمات يعرفها بها الباحثون عن الخطيئة ‪ ،‬وتعرف‬
‫بيوت البغايا باسم أصحاب الرايات‪.‬‬
‫ومع هذا العتراف العلنى من المجتمع الجاهلى بهذه الخطيئة ‪،‬‬
‫ومع أن ممارستها للشباب وحتى للشيب لم تكن مما يكره‬
‫المجتمع أو يعيب من يمارسونه ؛ فإن محمدًا صلى الله عليه‬
‫وسلم لم يقع فيها أبدًا بل شهدت كل كتب السير والتواريخ له‬
‫صلى الله عليه وسلم بالطهارة والعفة وغيرهما من الفضائل‬
‫الشخصية التى يزدان بها الرجال وتحسب فى موازين تقويمهم‬
‫وتقديرهم ‪ ،‬وأرسله الله سبحانه ليغير هذا المنكر‪.‬‬
‫هذه واحدة والثانية‪ :‬أن الرسالة التى دعا بها ودعا إليها محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم حّرمت الزنا تحريما ً قاطعا ً وحملت آياتها‬
‫فى القرآن الكريم عقابا ً شديدا ً للزانى والزانية يبدأ بعقوبة بدنية‬
‫هى أن يجلد كل منهما مائة جلدة قاسية يتم تنفيذها علنا ً بحيث‬
‫يشهدها الناس لتكون عبرة وزجرا ً لهم عن التورط فيها كما تقول‬
‫الية الكريمة‪(:‬الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة‬
‫ول تأخذكم بهما رأفة فى دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم‬
‫الخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) (‪.)1‬‬
‫فإذا كان الزانيان محصنين أى كل منهما متزوج ارتفعت العقوبة‬
‫إلى حد ّ العدام رميا ً بالحجارة حتى الموت‪.‬‬
‫ول تقف العقوبة عند ذلك بل نرى أن رسالة محمد صلى الله‬
‫ن يمارسون هذه الخطيئة فى مرتبة دونية من‬ ‫م ْ‬‫عليه وسلم تضع َ‬
‫البشر حتى لكأنهم صنف منحط وشاذ عن بقية الطهار السوياء‬
‫فتقول الية الكريمة عنهم‪( :‬الزانى ل ينكح إل زانية أو مشركة‬
‫ن أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) (‬ ‫والزانية ل ينكحها إل زا ٍ‬
‫‪.)2‬‬
‫من الذى يحمل المسئولية عن الخطيئة ؟ فإذا كان محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم قد طهر من هذه الخطيئة فى المجتمع الذى كان‬
‫يراها عادية ومألوفة ‪ ،‬ثم كانت رسالته صلى الله عليه وسلم‬

‫‪720‬‬
‫تحرمها التحريم القاطع والصريح ‪ ،‬وتضع مرتكبيها فى مرتبة‬
‫النحطاط والشذوذ عن السوياء من البشر‪..‬‬
‫م يُعَيّر محمد صلى الله عليه وسلم بأن بعض قومه زناة ؟‬ ‫فل ِ َ‬
‫ً‬
‫وهل يصح فى منطق العقلء أن يعيبوا إنسانا بما فى غيره من‬
‫العيوب ؟ وأن يحملوه أوزار الخرين وخطاياهم ؟‪.‬‬
‫وهنا يكون للمسألة وجه آخر يجب التنويه إليه وهو خاص‬
‫بالمسئولية عن الخطيئة أهى فردية خاصة بمن يرتكبونها ؟ أم أن‬
‫آخرين يمكن أن يحملوها نيابة عنهم ويؤدون كفارتها ؟ !‬
‫أن السلم يمتاز بأمرين مهمين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬أن الخطيئة فردية يتحمل من وقع فيها وحده عقوبتها ول‬
‫يجوز أن يحملها عنه أو حتى يشاركه فى حملها غيره وصريح‬
‫آيات القرآن يقول‪( :‬ل يكلف الله نفسا ً إل وسعها لها ما كسبت‬
‫وعليه ما اكتسبت) (‪ .)3‬ثم‪( :‬ول تكسب كل نفس إل عليها ول تزر‬
‫وازرة وزر أخرى) (‪ .)4‬وورد هذا النص فى آيات كثيرة‪.‬‬
‫أما المر الثانى‪ :‬فيما أقره السلم فى مسألة الخطيئة فهو أنها‬
‫ل تورث ‪ ،‬ول تنقل من مخطئ ليتحمل عنه وزره آخر حتى ولو‬
‫بين الباء وأبنائهم وفى هذا يقول القرآن الكريم‪(:‬واتقوا يوما ً ل‬
‫تجزى نفس عن نفس شيئا ً ) (‪.)5‬‬
‫(هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت ) (‪.)6‬‬
‫(ليجزى الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب) (‪.)7‬‬
‫(يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها ) (‪.)8‬‬
‫(ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم ل يظلمون ) (‪.)9‬‬
‫(كل نفس بما كسبت رهينة) (‪.)10‬‬
‫وغير هذا كثير مما يؤكد ما أقَّره السلم من أن الخطايا فردية‬
‫وأنها ل تورث ول يجزى فيها والد عن ولده ‪ ،‬ول مولود هو جاز‬
‫عن والده شيئاً‪.‬‬
‫وما دام المر فل أن فلم يلم محمد صلى الله عليه وسلم ول‬
‫يعاب شخصه أو تعاب رسالته بأن بعض أهله أو حتى كلهم زناة‬
‫مارسوا الخطيئة التى كان يعترف بها مجتمعه ول يجزى فيها شيئاً‬
‫أو ينقص الشرف والمروءة أو يعاب بها عندهم من يمارسها‪.‬‬
‫وحسب محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يقع أبدا ً فى هذه‬
‫الخطيئة ل قبل زواجه ول بعده ‪ ،‬ثم كانت رسالته دعوة كبرى‬
‫إلى التعفف والتطهر وإلى تصريف الشهوة البشرية فى‬
‫المصرف الحلل الذى حض السلم عليه وهو النكاح الشرعى‬
‫الحلل ‪ ،‬ودعا المسلمين إلى عدم المغالة فى المهور تيسيراً‬
‫على الراغبين فى الحلل ‪ ،‬حتى كان الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم يزوج الرجل بأقل وأيسر ما يملك من المال ‪ ،‬وأثر عنه‬

‫‪721‬‬
‫صلى الله عليه وسلم أن شابا ً جاءه يرغب إليه فى الزواج وما‬
‫كان معه ما يفى بالمراد فقال له صلى الله عليه وسلم‪ [ :‬التمس‬
‫ولو خاتما ً من حديد ] (‪.)11‬‬
‫أكثر من هذا أنه صلى الله عليه وسلم كان يزوج بعض الصحابة‬
‫بما يحفظ من القرآن الكريم‪.‬‬
‫لهذا لم تقع خطايا الزنا فى المجتمع فى العهد النبوى كله إل فى‬
‫ندرة نادرة ‪ ،‬ربما لن الحق سبحانه شاء أن تقع وأن يقام فيها‬
‫الحد الشرعى ليسترشد بها المجتمع فى مستقبل اليام ؛‬
‫كتشريع تم تطبيقه فى حالت محددة يكون هاديا ً ودليل ً فى‬
‫القضاء والحكم‪.‬‬
‫هذا عن اتهام محمد صلى الله عليه وسلم بأن أهله زناة ‪ ،‬وهو‬
‫كما أوضحنا اتهام متهافت ل ينال من مقام النبوة ول يرتقى إلى‬
‫أقدام صاحبها صلى الله عليه وسلم‪ .‬وقد أتينا عليه بما تستريح‬
‫إليه ضمائر العقلء وبصائر ذوى القلوب النقية‪.‬‬
‫أما عن اتهامه صلى الله عليه وسلم بأن أهله من أصحاب‬
‫الجحيم ‪ ،‬فهى شهادة لجلل التشريع الذى أنزله الحق ‪ -‬على‬
‫محمد فأكمل به الدين وأتم به النعمة‪.‬‬
‫بل إن ما يعيبون به محمدا ً صلى الله عليه وسلم من أن أهله من‬
‫أصحاب الجحيم ليس أبدا ً عيبًا فى منطق العقلء ذوى النصفة‬
‫والرشد ؛ بل إنه وسام تكريم لمحمد صلى الله عليه وسلم‬
‫ولرسالته الكاملة والخاتمة فى أن التشريع الذى نزلت به سوَّى‬
‫بين من هم أقرباء محمد صلى الله عليه وسلم وبين من هم‬
‫غرباء عنه فى جميع الحكام ثوابا ً وعقوبة‪.‬‬
‫بل إن التشريع الذى نزل على محمد صلى الله عليه وسلم نص‬
‫صراحة على التزام العدل خاصة حين يكون أحد أطرافه ذا قربى‬
‫فقال القرآن‪(:‬ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين‬
‫ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) (‬
‫‪ .)12‬وقوله‪( :‬وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ) (‪.)13‬‬
‫أما فى السنة النبوية فحديث المرأة المخزومية ـ من بنى مخزوم‬
‫ذوى الشرف والمكانة ـ التى ارتكبت جريمة السرقة وهى جريمة‬
‫عقوبتها حد ّ السرقة وهو قطع يد السارق كما تنص عليه آيات‬
‫القرآن ‪ ،‬وشغل بأمرها مجتمع المدينة لئل يطبق عليها الحدّ‬
‫فتقطع يدها وهى ذات الشرف والمكانة فسعوا لدى أسامة بن‬
‫ب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أن يشفع لها لدى‬ ‫زيد – ح ِّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلم رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فقال‪ [ :‬أتشفع فى حد من حدود الله ؟ ثم قام‬
‫فخطب فقال‪ :‬يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا‬

‫‪722‬‬
‫إذا سرق فيهم الشريف تركوه ‪ ،‬وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا‬
‫عليه الحد ‪ ،‬وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع‬
‫محمد يدها ] (‪.)14‬‬
‫وعليه فكون بعض آل محمد وذوى قرباه من أصحاب الجحيم‬
‫كأبى لهب عمه الذى نزلت فيه سورة المسد‪:‬‬
‫(تبت يدا أبى لهب وتب ) (‪ )15‬وغيره ممن كان نصيًرا لهم مع‬
‫بقائه على شركه‪..‬‬
‫كون هؤلء من أصحاب الجحيم لنهم بقوا على شركهم ولم‬
‫تنفعهم قرابتهم لمحمد صلى الله عليه وسلم هو فى الواقع‬
‫شهادة تقدير تعطى لمحمد ورسالته التى سوَّت فى العدل بين‬
‫القريب وبين الغريب ‪ ،‬ولم تجعل لعامل القرابة أدنى تأثير فى‬
‫النحياز ضد الحق لصالح القريب على الغريب‪ .‬وما قاله‬
‫المبطلون هو فى الحق وسام وليس باتهام‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على النبى العظيم‪.‬‬
‫(‪ )1‬النور‪.2 :‬‬
‫(‪ )2‬النور‪.3 :‬‬
‫(‪ )3‬البقرة‪.286 :‬‬
‫(‪ )4‬النعام‪.164 :‬‬
‫(‪ )5‬البقرة ‪.48‬‬
‫(‪ )6‬يونس‪.30 :‬‬
‫(‪ )7‬إبراهيم‪.51 :‬‬
‫(‪ )8‬النحل‪.111 :‬‬
‫(‪ )9‬الجاثية‪.22 :‬‬
‫(‪ )10‬المدثر‪.38 :‬‬
‫(‪ )11‬رواة البخارى [ كتاب النكاح ]‪.‬‬
‫(‪ )12‬التوبة‪.113 :‬‬
‫(‪ )13‬النعام‪.152 :‬‬
‫(‪ )14‬رواة البخارى [ كتاب أحاديث النبياء ]‪.‬‬
‫(‪ )15‬المسد‪.1 :‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫‪ -80‬مات النبى صلى الله عليه وسلم بالسم‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫حين تصاب القلوب بالعمى بسبب ما يغشاها من الحقد‬
‫والكراهية يدفعها حقدها إلى تشويه الخصم بما يعيب ‪ ،‬وبما ل‬

‫‪723‬‬
‫يعيب ‪ ،‬واتهامه بما ل يصلح أن يكون تهمة ‪ ،‬حتى إنك لترى من‬
‫يعيب إنسانا ً مثل ً بأن عينيه واسعتان أو أنه أبيض اللون طويل‬
‫القامة ‪ ،‬أو مثل ً قد أصيب بالحمى ومات بها ‪ ،‬أو أن فلنا ً من‬
‫الناس قد ضربه وأسال دمه ؛ فهذا كأن أو أن تعيب الورد بأن‬
‫لونه أحمر مثل ً ؛ وغير ذلك مما يستهجنه العقلء ويرفضونه‬
‫سا وعجًزا‪.‬‬
‫ويرونه إفل ً‬
‫أن محمدا ً صلى الله عليه وسلم قدمت له امرأة من نساء اليهود‬
‫شاة مسمومة فأكل منها فمات صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وينقلون عن تفسير البيضاوى‪:‬‬
‫أنه لما فتحت خيبر واطمأن الناس سألت زينب بنت الحارس ‪-‬‬
‫وهى امرأة سلم بن مشكم (اليهودى) ‪ -‬عن أى الشاة أحب إلى‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فقيل لها‪ :‬إنه يحب الذراع لنه‬
‫أبعدها عن الذى فعمدت إلى عنزة لها فذبحتها ثم عمدت إلى‬
‫مت به الشاة ‪ ،‬وذهبت بها جارية‬ ‫م ل يلبث أن يقتل لساعته فس َّ‬ ‫س ّ‬
‫لها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت له‪ :‬يا محمد هذه‬
‫هدية أهديها إليك‪.‬‬
‫وتناول محمد الذراع فنهش منها‪ ..‬فقال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع والكتف تخبرنى بأنها مسمومة ؛‬
‫ثم سار إلى اليهودية فسألها لم فعلت ذلك ؟ قالت‪ :‬نلت من‬
‫قومى ما نلت … وكان ذلك بعد فتح " خيبر " أحد أكبر حصون‬
‫اليهود فى المدينة وأنه صلى الله عليه وسلم قد عفا عنها‪.‬‬
‫ثم يفصحون عن تفسير البيضاوى‪:‬‬
‫أنه صلى الله عليه وسلم لما اقترب موته قال لعائشة ـ رضى‬
‫الله عنها ـ يا عائشة هذا أوان انقطاع أبهرى (‪.)1‬‬
‫فليس فى موته صلى الله عليه وسلم بعد سنوات متأثًرا بذلك‬
‫سم إل أن جمع الله له بين الحسنيين ‪ ،‬أنه لم يسلط عليه من‬ ‫ال ُّ‬
‫ضا كتب له النجاة من كيد‬ ‫يقتله مباشرة وعصمه من الناس وأي ً‬
‫الكائدين وكذلك كتب له الشهادة ليكتب مع الشهداء عند ربهم‬
‫وما أعظم أجر الشهيد‪.‬‬
‫ضا‪ ..‬ل شك أن عدم موته بالسم فور أكله للشاة المسمومة‬ ‫وأي ً‬
‫ما من‬ ‫وحياته بعد ذلك سنوات يُعد معجزة من معجزاته ‪ ،‬وع َل َ ً‬
‫أعلم نبوته يبرهن على صدقه ‪ ،‬وعلى أنه رسول من عند الله‬
‫حقًا ويقينًا‪.‬‬
‫وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يموت فى الجل الذى أجله له‬
‫رغم تأثره بالسم من لحظة أكله للشاة المسمومة حتى موته بعد‬
‫ذلك بسنوات‪.‬‬
‫(‪ )1‬البهران عرقان متصلن بالقلب وإذا قطعا كانت الوفاة‪.‬‬

‫‪724‬‬
‫‪-----------------------‬‬
‫‪ -81‬تعدد زوجات النبى محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫قالوا إنه صلى الله عليه وسلم‪:‬‬


‫* تزوج زوجة ابنه بالتبنى (زيد بن حارثة)‪.‬‬
‫* أباح لنفسه الزواج من أى امرأة تهبه نفسها (الخلصة أنه‬
‫شهوانى)‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫الثابت المشهور من سيرته صلى الله عليه وسلم أنه لم يتزوج‬
‫إل بعد أن بلغ الخامسة والعشرين من العمر‪.‬‬
‫والثابت كذلك أن الزواج المبكر كان من أعراف المجتمع‬
‫عًّزا‬‫الجاهلى رغبة فى الستكثار من البنين خاصة ليكونوا للقبيلة ِ‬
‫ومنعة بين القبائل‪.‬‬
‫ومن الثابت كذلك فى سيرته الشخصية صلى الله عليه وسلم‬
‫اشتهاره بالستقامة والتعفف عن الفاحشة والتصريف الشائن‬
‫الحرام للشهوة ‪ ،‬رغم امتلء المجتمع الجاهلى بشرائح من‬
‫الزانيات اللتى كانت لهن بيوت يستقبلن فيها الزناة ويضعن‬
‫عليها " رايات " ليعرفها طلب المتع المحرمة‪.‬‬
‫ومع هذا كله ـ مع توفر أسباب النحراف والسقوط فى الفاحشة‬
‫فى مجتمع مكة ـ لم يُعَرف عن الرسول محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم إل التعفف والطهارة بين جميع قرنائه ؛ ذلك لن عين‬
‫السماء كانت تحرسه وتصرف عنه كيد الشيطان‪.‬‬
‫ويُْروَى فى ذلك أن بعض أترابه الشباب أخذوه ذات يوم إلى أحد‬
‫شاه الله بالنوم فما أفاق منه إل حين‬ ‫مواقع المعازف واللهو فغ َّ‬
‫أيقظه أترابه للعودة إلى دورهم‪.‬‬
‫هذه واحدة‪..‬‬
‫أما الثانية فهى أنه حين بلغ الخامسة والعشرين ورغب فى‬
‫الزواج لم يبحث عن " البكر " التى تكون أحظى للقبول وأولى‬
‫للباحثين عن مجرد المتعة‪ .‬وإنما تزوج امرأة تكبره بحوالى‬
‫ما ‪ ،‬ثم إنها ليست بكًرا بل هى ثيب ‪ ،‬ولها أولد‬ ‫خمسة عشر عا ً‬
‫كبار أعمار أحدهم يقترب من العشرين ؛ وهى السيدة خديجة‬
‫وفوق هذا كله فمشهور أنها هى التى اختارته بعد ما لمست‬
‫بنفسها ـ من خلل مباشرته لتجارتها ـ من أمانته وعفته وطيب‬
‫شمائله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫‪725‬‬
‫والثالثة أنه صلى الله عليه وسلم بعد زواجه منها دامت عشرته‬
‫بها طيلة حياتها ولم يتزوج عليها حتى مضت عن دنياه إلى رحاب‬
‫الله‪ .‬وقضى معها ‪ -‬رضى الله عنها ‪ -‬زهرة شبابه وكان له منها‬
‫أولده جميعًا إل إبراهيم الذى كانت أمه السيدة " مارية "‬
‫القبطية‪.‬‬
‫والرابعة أنه صلى الله عليه وسلم عاش عمره بعد وفاتها ‪ -‬رضى‬
‫الله عنها ‪ -‬محبًّا لها يحفظ لها أطيب الذكريات ويعدد مآثرها وهى‬
‫مآثر لها خصوص فى حياته وفى نجاح دعوته فيقول فى بعض ما‬
‫قال عنها‪ [ :‬صدقتنى إذ كذبنى الناس وأعانتنى بمالها ]‪ .‬بل كان‬
‫صلى الله عليه وسلم ل يكف عن الثناء عليها والوفاء لذكراها‬
‫والترحيب بمن كن من صديقاتها ‪ ،‬حتى أثار ذلك غيرة السيدة‬
‫عائشة ‪ -‬رضى الله عنها‪.‬‬
‫أما تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم فكان كشأن غيره من‬
‫النبياء له أسبابه منها‪:‬‬
‫مُر محمد صلى الله عليه وسلم فى أول زواج له‬ ‫أولً‪ :‬كان ع ُ ْ‬
‫صلى الله عليه وسلم بعد وفاة خديجة تجاوز الخمسين وهى‬
‫ن التى تنطفىء فيها جذوة الشهوة وتنام الغرائز الحسية‬ ‫الس ّ‬
‫بدنيًّا ‪ ،‬وتقل فيها الحاجة الجنسية إلى النثى وتعلو فيها الحاجة‬
‫إلى من يؤنس الوحشة ويقوم بأمر الولد والبنات اللتى تركتهم‬
‫خديجة ‪ -‬رضى الله عنها ‪.-‬‬
‫وفيما يلى بيان هذا الزواج وظروفه‪.‬‬
‫الزوجة الولى‪ :‬سودة بنت زمعة‪ :‬كان رحيل السيدة خديجة ‪-‬‬
‫رضى الله عنها ‪ -‬مثير أحزان كبرى فى بيت النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم وفى محيط الصحابة ‪ -‬رضوان الله عليهم ‪ -‬إشفاقًا عليه‬
‫من الوحدة وافتقاد من يرعى شئونه وشئون أولده‪ .‬ثم تصادف‬
‫فقدانه صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب نصيره وظهيره‬
‫ى العام الذى رحل فيه نصيراه خديجة وأبو طالب عام‬ ‫م َ‬‫س ِّ‬
‫و ُ‬
‫الحزن‪.‬‬
‫فى هذا المناخ‪ ..‬مناخ الحزن والوحدة وافتقاد من يرعى شئون‬
‫الرسول وشئون أولده سعت إلى بيت الرسول واحدة من‬
‫المسلمات تُسمى خولة بنت حكيم السلمية وقالت‪ :‬له يا رسول‬
‫الله كأنى أراك قد دخلتك خلّة لفقد خديجة فأجاب صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ [ :‬أجل كانت أم العيال وربة البيت ] ‪ ،‬فقالت يا‬
‫رسول الله‪ :‬أل أخطب عليك ؟‪.‬‬
‫فقال الرسول صلى الله عليه وسلم‪ :‬ولكن – من بعد خديخة ؟!‬
‫فذكرت له عائشة بنت أبى بكر فقال الرسول‪:‬‬

‫‪726‬‬
‫لكنها ما تزال صغيره فقالت‪ :‬تخطبها اليوم ثم تنتظر حتى تنضج‪..‬‬
‫قال الرسول ولكن من للبيت ومن لبنات الرسول يخدمهن ؟‬
‫فقالت خولة‪ :‬إنها سودة بنت زمعة ‪ ،‬وعرض المر على سودة‬
‫ووالدها‪ :‬فتم الزواج ودخل بها صلى الله عليه وسلم بمكة‪.‬‬
‫وهنا تجدر الشارة إلى أن سودة هذه كانت زوجة للسكران بن‬
‫عمرو وتوفى عنها زوجها بمكة فلما حلّت تزوجها الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم وكانت أول امرأة تزوجها صلى الله عليه وسلم‬
‫بعد خديجة ‪ ،‬وكان ذلك فى رمضان سنة عشر من النبوة‪.‬‬
‫وعجب المجتمع المكى لهذا الزواج لن " سودة " هذه ليست‬
‫بذات جمال ول حسب ول تصلح أن تكون خلفًا لم المؤمنين‬
‫خديجة التى كانت عند زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بها‬
‫جميلة وضيئة وحسيبة تطمح إليها النظار‪.‬‬
‫وهنا أقول للمرجفين الحاقدين‪ :‬هذه هى الزوجة الولى للرسول‬
‫بعد خديجة ‪ ،‬فهى مؤمنة هاجرت الهجرة الولى مع من فّروا‬
‫ل الرسول زواجها حماية لها وجبًرا‬ ‫بدينهم إلى الحبشة وقد قَب ِ َ‬
‫لخاطرها بعد وفاة زوجها إثر عودتهما من الحبشة‪.‬‬
‫وليس الزواج بها سعاَر شهوة للرسول ولكنه كان جبًرا لخاطر‬
‫امرأة مؤمنة خرجت مع زوجها من أهل الهجرة الولى إلى‬
‫الحبشة ولما عادا توفى زوجها وتركها امرأة تحتاج هى وبنوها‬
‫إلى من يرعاهم‪.‬‬
‫الزوجة الثانية بعد خديجة‪ :‬عائشة بنت أبى بكر الذى يقول عنه‬
‫ى فى‬ ‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪ " :‬إن من آمن الناس عل ّ‬
‫ماله وصحبته أبا بكر ‪ ،‬ولو كنت متخذ ًا خليل ً لتخذت أبا بكر‬
‫خليل ً ‪ ،‬ولكن أخوة السلم‪."..‬‬
‫ومعروف من هو أبو بكر الذى قال عنه الرسول صلى الله عليه‬
‫ل قط ما نفعنى‬ ‫وسلم متحدثا ً عن عطائه للدعوة " ما نفعنى ما ٌ‬
‫مال أبى بكر " ‪ ،‬وأم عائشة هى أم رومان بنت عامر الكنانى من‬
‫الصحابيات الجليلت ‪ ،‬ولما توفيت نزل رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم إلى قبرها واستغفرلها وقال‪ " :‬اللهم لم يخف عليك‬
‫ما لقيت أم رومان فيك وفى رسولك صلى الله عليه وسلم " ‪،‬‬
‫وقال عنها يوم وفاتها‪:‬‬
‫" من سّره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم‬
‫رومان " ولم يدهش مكة نبأ المصاهرة بين أعز صاحبين ؛ بل‬
‫استقبلته كما تستقبل أمًرا متوقعا ً ؛ ولذا لم يجد أى رجل من‬
‫المشركين فى هذا الزواج أى مطعن ‪ -‬وهم الذين لم يتركوا‬
‫مجال ً للطعن إل سلكوه ولو كان زوًرا وافتراء‪.‬‬

‫‪727‬‬
‫وتجدر الشارة هنا إلى أن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫ما ليس بدعا ول غريبًا لن هذا‬ ‫بفتاة بينه وبينها قرابة خمسين عا ً‬
‫المر كان مألوفًا فى ذلك المجتمع‪ .‬لكن المستشرقين ومن‬
‫تحمل قلوبهم الحقد من بعض أهل الكتاب ‪ -‬على محمد صلى‬
‫ما للرسول وتشهيًرا‬ ‫الله عليه وسلم ‪ -‬جعلوا من هذا الزواج اتها ً‬
‫به بأنه رجل شهوانى غافلين بل عامدين إلى تجاهل ما كان واقعًا‬
‫فى ذلك المجتمع من زواج الكبار بالصغيرات كما فى هذه‬
‫النماذج‪:‬‬
‫‪ -‬فقد تزوج عبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم من‬
‫هالة بنت عم آمنة التى تزوجها أصغر أبنائه عبد الله ـ والد‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -‬وتزوج عمر بن الخطاب ابنة على بن أبى طالب وهو أكبر سنًّا‬
‫من أبيها‪.‬‬
‫ـ وعرض عمر على أبى بكر أن يتزوج ابنته الشابة " حفصة "‬
‫وبينهما من فارق السن مثل الذى بين المصطفى صلى الله عليه‬
‫وسلم وبين " عائشة " (‪.)1‬‬
‫كان هذا واقع المجتمع الذى تزوج فيه الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم بعائشة‪ .‬لكن المستشرقين والممتلئة قلوبهم حقدًا من‬
‫بعض أهل الكتاب لم تَر أعينهم إل زواج محمد بعائشة والتى‬
‫جعلوها حدث الحداث ‪ -‬على حد مقولتهم ‪ -‬أن يتزوج الرجل‬
‫الكهل بالطفلة الغريرة العذراء (‪.)2‬‬
‫قاتل الله الهوى حين يعمى البصار والبصائر !‬
‫الزوجة الثالثة‪ :‬حفصة بنت عمر الرملة الشابة‪:‬‬
‫توفى عنها زوجها حنيس بن حذافة السهمى وهو صحابى جليل‬
‫من أصحاب الهجرتين ‪ -‬إلى الحبشة ثم إلى المدينة ‪ -‬ذلك بعد‬
‫جراحة أصابته فى غزوة أُحد حيث فارق الحياة وأصبحت حفصة‬
‫بنت عمر بن الخطاب أرملة وهى شابة‪.‬‬
‫ملها مثار ألم دائم لبيها عمر بن الخطاب الذى كان‬ ‫وكان تر ّ‬
‫ما بعد يوم‪..‬‬ ‫يحزنه أن يرى جمال ابنته وحيويتها تخبو يو ً‬
‫وبمشاعر البوة الحانية وطبيعة المجتمع الذى ل يتردد فيه الرجل‬
‫من أن يخطب لبنته من يراه أهل ً لها‪..‬‬
‫بهذه المشاعر تحدث عمر إلى الصديق " أبى بكر " يعرض عليه‬
‫الزواج من حفصة لكن أبا بكر يلتزم الصمت ول يرد باليجاب أو‬
‫بالسلب‪.‬‬
‫فيتركه عمر ويمضى إلى ذى النورين عثمان بن عفان فيعرض‬
‫عليه الزواج من حفصة فيفاجئه عثمان بالرفض‪..‬‬

‫‪728‬‬
‫فتضيق به الدنيا ويمضى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫يخبره بما حدث فيكون رد الرسول صلى الله عليه وسلم عليه‬
‫ة خيٌر من عثمان ويتزوج عثمان خيًرا من‬ ‫هو قوله‪ [ :‬يتزوج حفص َ‬
‫حفصة ] (‪.)3‬‬
‫وأدركها عمر ‪ -‬رضى الله عنه ‪ -‬بفطرته إذ معنى قول الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم فيما استشعره عمر هو أن من سيتزوج‬
‫ابنته حفصة هو الرسول نفسه وسيتزوج عثمان إحدى بنات‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وانطلق عمر إلى حفصة والدنيا ل تكاد تسعه من الفرحة وارتياح‬
‫القلب إلى أن الله قد فّرج كرب ابنته‪.‬‬
‫الزوجة الرابعة‪ :‬أم سلمة بنت زاد الراكب‪:‬‬
‫من المهاجرين الولين إلى الحبشة وكان زوجها (أبو سلمة) عبد‬
‫الله ابن عبد السد المخزومى أول من هاجر إلى يثرب (المدينة)‬
‫من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم‪ .‬جاءت إلى بيت النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم كزوجة بعد وفاة " أم المساكين زينب بنت‬
‫خزيمة الهللية " بزمن غير قصير‪.‬‬
‫سليلة بيت كريم ‪ ،‬فأبوها أحد أجواد قريش المعروفين بلقب زاد‬
‫الراكب ؛ إذ كان ل يرافقه أحد فى سفر إل كفاه زاده‪.‬‬
‫وزوجها الذى مات عنها صحابى من بنى مخزوم ابن عمة‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة ذو‬
‫الهجرتين إلى الحبشة ثم إلى المدينة‪ .‬وكانت هى و زوجها من‬
‫السابقين إلى السلم‪ .‬وكانت هجرتهما إلى المدينة م ًعا وقد‬
‫حدث لها ولطفلها أحداث أليمة ومثيرة ذكرتها كتب السير‪ .‬رضى‬
‫الله عن أم سلمة‪..‬‬
‫ول نامت أعين المرجفين‪.‬‬
‫الزوجة الخامسة‪ :‬زينب بنت جحش‪:‬‬
‫لم أَر امرأة قط خيًرا فى الدين من زينب ‪ ،‬وأتقى لله وأصدق‬
‫حديثًا وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد تبديل إل لنفسها فى‬
‫العمل الذى تتصدق وتتقرب به إلى الله عز وجل ؟ (‪.)4‬‬
‫هكذا تحدثت أم المؤمنين عائشة ‪ -‬رضى الله عنها– عن " ضّرتها‬
‫" زينب بنت جحش‪ .‬أما المبطلون الحاقدون من بعض أهل‬
‫الكتاب فقالوا‪:‬‬
‫جب محمد صلى الله عليه وسلم ـ وحاشا له ‪ -‬بزوجة متبناه "‬ ‫ُ‬
‫أع ْ ِ‬
‫زيد بن حارثة " فطلقها منه وتزوجها‪.‬‬
‫ويرد الدكتور هيكل فى كتابه " حياة محمد " (‪ )5‬صلى الله عليه‬
‫وسلم على هذا فيقول‪ :‬إنها شهوة التبشير المكشوف تارة‬
‫والتبشير باسم العلم تارة أخرى ‪ ،‬والخصومة القديمة للسلم‬

‫‪729‬‬
‫تأصلت فى النفوس منذ الحروب الصليبية هى التى تملى على‬
‫هؤلء جميعًا ما يكتبون‪.‬‬
‫والحق الذى كنا نود أن يلتفت إليه المبطلون الحاقدون على‬
‫السلم ورسوله صلى الله عليه وسلم‪ ..‬هو أن زواج محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم من زوجة ابنه بالتبنى زيد بن حارثة إنما كان‬
‫لحكمة تشريعية أرادها السلم لبطال هذه العادة ـ عادة التبنى ـ‬
‫التى هى فى الحقيقة تزييف لحقائق المور كان لها فى واقع‬
‫الناس والحياة آثار غير حميدة‪.‬‬
‫ولن هذه العادة كانت قد تأصلت فى مجتمع الجاهلية اختارت‬
‫السماء بيت النبوة بل نبى الرسالة الخاتمة نفسه صلى الله عليه‬
‫وسلم ليتم على يديه وفى بيته العلن العلمى عن إبطال هذه‬
‫العادة‪.‬‬
‫وتجدر الشارة هنا إلى مجموعة اليات القرآنية التى جاءت إعلناً‬
‫عن هذا الحكم المخالف لعادات الجاهلية وتفسيًرا للتشريع‬
‫الجديد فى هذه ـ المسألة و فى موضوع الزواج بزينب حيث‬
‫تقول‪:‬‬
‫(ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم‬
‫النبيين) (‪.)6‬‬
‫(ادعوهم لبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم‬
‫فإخوانكم فى الدين ومواليكم ) (‪.)7‬‬
‫(وإذ تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك‬
‫واتق الله وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله‬
‫أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطًرا زوجناكها لكيل يكون‬
‫على المؤمنين حرج فى أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطًرا‬
‫وكان أمر الله مفعولً) (‪.)8‬‬
‫مرة أخرى نذكر بأن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من‬
‫زينب لم تكن وراءه أبدًا شهوة أو رغبة جنسية وإنما كان أمًرا‬
‫من قدر الله وإرادته لبطال عادة التبنى من خلل تشريع يتردد‬
‫صداه بأقوى قوة فى المجتمع الجاهلى الذى كانت عادة التبنى‬
‫أصل ً من أصوله وتقليدًا مستقًرا فيه ‪ ،‬فكان السبيل لبطالها أن‬
‫يتم التغيير فى بيت النبوة وعلى يد الرسول نفسه صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫وقد فطنت السيدة " زينب بنت جحش " نفسها إلى هذا المر‬
‫فكانت تباهى به ضراتها وتقول لهن‪:‬‬
‫موات " (‪.)9‬‬‫" زوجكن أهاليكن وزوجنى ربى من فوق سبع س َ‬

‫‪730‬‬
‫أما لماذا كان زيد بن حارثة نفسه يتردد على الرسول معربًا عن‬
‫رغبته فى تطليق زينب ؛ فلم يكن ‪ -‬كما زعم المرجفون ‪ -‬أنه‬
‫شعر أن الرسول يرغب فيها فأراد أن يتنازل عنها له‪..‬‬
‫ولكن لن حياته معها لم تكن على الوفاق أو التواد المرغوب‬
‫فيه ؛ ذلك أن زينب بنت جحش لم تنس أبدًا ـ وهى الحسيبة‬
‫جا لرجل كان رقيقًا عند‬ ‫ضا أنها أصبحت زو ً‬‫الشريفة والجميلة أي ً‬
‫ى للرسول صلى الله‬ ‫بعض أهلها وأنه ـ عند الزواج بها ـ كان مول ً‬
‫عليه وسلم أعتقه بعد ما اشتراه ممن أسره من قريش وباعه‬
‫بمكة‪.‬‬
‫فهو ـ وإن تبناه محمد وبات يسمى زيد بن محمد فى عرف‬
‫المجتمع المكى كله ‪ ،‬لكنه عند العروس الحسيبة الشريفة‬
‫والجميلة أيضا ما يزال ـ كما كان بالمس ‪ -‬السير الرقيق الذى ل‬
‫حلم من تكون فى مثل حالها من الحسب والجمال وليس‬ ‫يمثل ُ‬
‫هذا بغريب بل إنه من طبائع الشياء‪.‬‬
‫ومن ثم لم تتوهج سعادتها بهذا الزواج ‪ ،‬وانعكس الحال على زيد‬
‫بن حارثة فانطفأ فى نفسه توهج السعادة هو الخر ‪ ،‬وبات مهيأ‬
‫النفس لفراقها بل لقد ذهب زيد إلى الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم يشكو زينب إليه كما جاء فى البخارى من حديث أنس‬
‫قال‪ :‬جاء زيد يشكو إلى الرسول فجعل صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول له‪ [ :‬أمسك عليك زوجك واتق الله ] (‪ )10‬قال أنس‪ :‬لو‬
‫ما شيئًا لكتم هذا الحديث‪.‬‬
‫كان النبى كات ً‬
‫لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول له كما حكته الية‪:‬‬
‫أمسك عليك زوجك ول تسارع بتطليقها‪.‬‬
‫وزينب بنت جحش هى بنت عمة الرسول صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫كما سبقت الشارة – وهو الذى زوجها لموله " زيد " ولو كانت‬
‫به رغبة فيها لختارها لنفسه ؛ وخاصة أنه رآها كثيرا ً قبل فرض‬
‫الحجاب ‪ ،‬وكان النساء فى المجتمع الجاهلى غير محجبات فما‬
‫كان يمنعه – إذ ًا – من أن يتزوجها من البداية ؟! ؛ ولكنه لم‬
‫يفعل‪.‬‬
‫فالمر كله ليس من عمل الرادة البشرية لهم جميعًا‪ :‬ل لزينب‬
‫ول لزيد ول لمحمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ولكنه أمر قدرى‬
‫شاءته إرادة الله لعلن حكم وتشريع جديدين فى قضية إبطال‬
‫عادة " التبنى " التى كانت سائدة فى المجتمع آنذاك‪.‬‬
‫يؤكد هذا ويدل عليه مجموع اليات الكريمة التى تعلقت‬
‫بالموضوع فى سورة الحزاب‪.‬‬
‫أما الجملة التى وردت فى قوله تعالى‪(:‬وتخفى فى نفسك ما‬
‫الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) (‪ .)11‬فإن ما‬

‫‪731‬‬
‫أخفاه النبى صلى الله عليه وسلم هو كتم ما كان الله قد أخبره‬
‫جا له ؛ لكنه لم يصرح به‬ ‫ما ما ـ ستكون زو ً‬
‫به من أن زينب ـ يو ً‬
‫خشية أن يقول الناس‪ :‬إنه تزوج زوجة ابنه بالتبنى (‪.)12‬‬
‫الزوجة السادسة‪ :‬جويرية بنت الحارث الخزاعية‪:‬‬
‫الميرة الحسناء التى لم تكن امرأة أعظم بركة على قومها منها‬
‫فقد أعتق الرسول صلى الله عليه وسلم بعد زواجه بها أهل مائة‬
‫بيت من بنى المصطلق (التى هى منهم)‪.‬‬
‫كانت ممن وقع فى السر بعد هزيمة بنى المصطلق من اليهود‬
‫فى الغزوة المسماة باسمهم‪ .‬وكاتبها من وقعت فى أسره على‬
‫مال فذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لها‪ " :‬أو‬
‫خير من ذلك ؟‪.‬‬
‫قالت‪ :‬وما هو ؟ قال‪ :‬أقضى عنك كتابتك وأتزوجك‪.‬‬
‫قالت‪ :‬وقد أفاقت من مشاعر الهوان والحزن‪ :‬نعم يا رسول‬
‫الله‪.‬‬
‫قال‪ :‬قد فعلت " (‪.)13‬‬
‫وذاع الخبر بين المسلمين‪ :‬أن رسول صلى الله عليه وسلم قد‬
‫تزوج بنت الحارث بن ضرار زعيم بنى المصطلق وقائدهم فى‬
‫هذه الغزوة‪..‬‬
‫معنى هذا أن جميع من بأيديهم من أسرى بنى المصطلق قد‬
‫أصبحوا بعد هذا الزواج كأنهم أصهار رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫وإذا تيار من الوفاء والمجاملة من المسلمين للرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم تجسد فى إطلق المسلمين لكل من بأيديهم من‬
‫أسرى بنى المصطلق وهم يقولون‪ :‬أصهار رسول الله ‪ ،‬فل‬
‫نبقيهم أسرى‪.‬‬
‫ومع أن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه السيرة بنت‬
‫سيد قومها والذى جاءته ضارعة مذعورة مما يمكن أن تتعرض له‬
‫من الذل من بعد عزة‪ ..‬فإذا هو يرحمها بالزواج ‪ ،‬ثم يتيح لها‬
‫الفرصة لن تعلن إسلمها وبذا تصبح واحدة من أمهات المؤمنين‪.‬‬
‫ويقولون‪ :‬إنه نظر إليها‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬أما أنه نظر إليها فهذا ل يعيبه ـ وربما كان نظره إليها‬
‫ضارعة مذعورة – هو الذى حرك فى نفسه صلى الله عليه وسلم‬
‫عاطفة الرحمة التى كان يأمر بها بمن فى مثل حالتها ويقول‪:‬‬
‫[ ارحموا عزيز قوم ذل ] ‪ ،‬فرحمها وخيرها فاختارت ما يحميها‬
‫من هوان السر ومذلة العزة من الناس‪.‬‬
‫على أن النظر شرع ًا مأذون به عند القدام على الزواج ‪ -‬كما‬
‫فى هذه الحالة ‪ -‬وكما أمر به صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه‬

‫‪732‬‬
‫عند رغبته فى الزواج ‪ -‬قائل ً له‪ [ :‬انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم‬
‫بينكما ] (‪.)14‬‬
‫وقد توفيت فى دولة بنى أمية وصلى عليها عبد الملك بن مروان‬
‫وهى فى السبعين من العمر ‪ -‬رضى الله عنها‪.‬‬
‫ى ـ عقيلة بنى النضير‪:‬‬‫حي ّ‬
‫الزوجة السابعة‪ :‬صفية بنت ُ‬
‫إحدى السبايا اللتى وقعن فى السر بعد هزيمة يهود بنى النضير‬
‫أمام المسلمين فى الوقعة المسماة بهذا السم ‪ ،‬كانت من‬
‫نصيب النبى صلى الله عليه وسلم فأعتقها وتزوجها‪ :‬فماذا فى‬
‫ذلك ؟ ولم يكن عتقه إياها وتزوجها بدع ًا فى ذلك ؛ وإنما كان‬
‫موقفًا جانب النسانية فيه هو الغلب والسبق‪.‬‬
‫فلم يكن هذا الموقف إعجابًا بصفية وجمالها ؛ ولكنه موقف‬
‫النسانية النبيلة التى يعبر عنها السلوك النبيل بالعفو عند‬
‫المقدرة والرحمة والرفق بمن أوقعتهن ظروف الهزيمة فى‬
‫الحرب فى حالة الستضعاف والمذلة ل سيما وقد أسلمن‬
‫وحسن إسلمهن‪.‬‬
‫ى " بنت الحارس عقيلة بنى‬ ‫حي ّ‬‫فقد فعل ذلك مع " صفية بنت ُ‬
‫النضير (اليهود) أمام المسلمين فى الموقعة المعروفة باسم‬
‫(غزوة بنى قريظة) بعد انهزام الحزاب وردّهم مدحورين من‬
‫وقعة الخندق‪.‬‬
‫الزوجة الثامنة‪ :‬أم حبيبة بنت أبى سفيان نجدة نبوية لمسلمة فى‬
‫محنة‪:‬‬
‫إنها أم حبيبة " رملة " بنت أبى سفيان كبير مشركى مكة وأشد‬
‫أهلها خصومة لمحمد صلوات الله وسلمه عليه‪.‬‬
‫جا لعبيد الله بن جحش وخرجا م ًعا مهاجرين بإسلمهما‬ ‫كانت زو ً‬
‫فى الهجرة الولى إلى الحبشة ‪ ،‬وكما هو معروف أن الحبشة‬
‫فى عهد النجاشى كانت هى المهجر المن للفارين بدينهم من‬
‫المسلمين حتى يخلصوا من بطش المشركين بهم وعدوانهم‬
‫عليهم ؛ فإذا هم يجدون فى – ظل النجاشى – رعاية وعناية لما‬
‫كان يتمتع به من حس إيمانى جعله يرحب بأتباع النبى الجديد‬
‫الذى تم التبشير بمقدمه فى كتبهم على لسان عيسى بن مريم–‬
‫عليه السلم – كما تحدث القرآن عن ذلك فى صورة الصف فى‬
‫قوله‪(:‬وإذ قال عيسى بن مريم يا بنى إسرائيل إنى رسول الله‬
‫إليكم مصدقًا لما بين يدى من التوراة ومبشًرا برسول يأتى من‬
‫بعدى اسمه أحمد) (‪.)15‬‬
‫لكن أم حبيبة بنت أبى سفيان كانت وحدها التى تعرضت لمحنة‬
‫قاسية لم يتعرض لمثلها أحد من هؤلء المهاجرين الوائل إلى‬
‫الحبشة ؛ ذلك أن زوجها عبيد الله بن جحش قد أعلن ارتداده عن‬

‫‪733‬‬
‫السلم ودخوله فى النصرانية وما أصعب وأدق حال امرأة باتت‬
‫فى محنة مضاعفة‪ :‬محنتها فى زوجها الذى ارتد وخان‪..‬‬
‫ومحنتها السابقة مع أبيها الذى فارقته مغاضبة إياه فى مكة منذ‬
‫دخلت فى دين الله (السلم)‪..‬‬
‫وفوق هاتين المحنتين كانت محنة الغتراب حيث ل أهل ول وطن‬
‫ثم كانت محنة حملها بالوليدة التى كانت تنتظرها والتى رزقت‬
‫بها من بعد وأسمتها " حبيبة "‪ ..‬كان هذا كله أكبر من عزم هذه‬
‫المسلمة الممتحنة من كل ناحية والمبتلة بالب الغاضب والزوج‬
‫الخائن !!‬
‫لكن عين الله ثم عين محمد صلى الله عليه وسلم سخرت لها‬
‫سر العين ويهون الخطب ‪،‬‬ ‫من لطف الرعاية وسخائها ما ي ّ‬
‫وعادت بنت أبى سفيان تحمل كنية جديدة ‪ ،‬وبدل أن كانت " أم‬
‫حبيبة " أصبحت " أم المؤمنين " وزوج سيد المسلمين ‪ -‬صلوات‬
‫الله وسلمه عليه‪.‬‬
‫والحق أقول‪ :‬لقد كان نجاشى الحبشة من خلّص النصارى فأكرم‬
‫وفادة المهاجرين عامة وأم المؤمنين بنت أبى سفيان بصفة‬
‫خاصة‪ .‬فأنفذ فى أمرها مما بعث به إليه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أن يخطبها له‪.‬‬
‫وكانت خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم لم حبيبة بنت أبى‬
‫سفيان نعم النقاذ والنجدة لهذه المسلمة المبتلة فى الغربة ؛‬
‫عوضتها عن الزوج الخائن برعاية سيد البشر صلى الله عليه‬
‫وسلم ؛ وعوضتها عن غضب الب " أبى سفيان " برعاية الزوج‬
‫الحانى الكريم صلوات الله عليه‪.‬‬
‫كما كانت هذه الخطبة فى مردودها السياسى ـ لطمة كبيرة‬
‫لرأس الكفر فى مكة أبى سفيان بن حرب الذى كان تعقيبه على‬
‫زواج محمد لبنته هو قوله‪ " :‬إن هذا الفحل ل يجدع أنفه " ؛‬
‫كناية عن العتراف بأن محمدًا لن تنال منه اليام ولن يقوى أهل‬
‫مكة ‪ -‬وهو على رأسهم ‪ -‬على هزيمته والخلص منه لنه ينتقل‬
‫كل يوم من نصر إلى نصر‪.‬‬
‫كان هذا العتراف من أبى سفيان بخطر محمد وقوته كأنه‬
‫استشفاف لستر الغيب أو كما يقول المعاصرون‪:‬‬
‫تنبؤ بالمستقبل القريب وتمام الفتح‪.‬‬
‫فما لبث أن قبل أبو سفيان دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫إياه إلى السلم وشهد أل إله إل الله وأن محمدًا رسول الله‪.‬‬
‫وتقدم أحد الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله‬
‫قائلً‪ " :‬إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فهل جعلت له ما يحل‬
‫عقدته ويسكن حقده وغيظه ‪ ،‬فقال صلوات الله وسلمه عليه‬

‫‪734‬‬
‫فى ضمن إعلنه التاريخى الحضارى العظيم لهل مكة عند‬
‫استسلمهم وخضوعهم بين يديه‪:‬‬
‫* من دخل داره فهو آمن‪.‬‬
‫* ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن‪.‬‬
‫* ومن دخل دار أبى سفيان فهو آمن "(‪.)16‬‬
‫وانتصر السلم وارتفع لواء التوحيد ودخل الناس فى دين الله‬
‫جا‪ .‬وفى مناخ النصر العظيم‪ ..‬كانت هى سيدة غمرتها‬ ‫أفوا ً‬
‫السعادة الكبرى بانتصار الزوج ونجاة الب والهل من شر كان‬
‫يوشك أن يحيط بهم‪.‬‬
‫تلكم هى أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبى سفيان التى أحاطتها‬
‫النجدة النبوية من خيانة الزوج وبلء الغربة ووضعتها فى أعز‬
‫مكان من بيت النبوة‪.‬‬
‫الزوجة التاسعة‪ :‬ميمونة بنت الحارث الهللية أرملة يسعدها أن‬
‫يكون لها رجل‪:‬‬
‫آخر أمهات المؤمنين‪ ..‬توفى عنها زوجها أبو رهم بن عبد العّزى‬
‫العامرى ؛ فانتهت ولية أمرها إلى زوج أختها العباس الذى زوجها‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ حيث بنى بها الرسول ـ فى "‬
‫سرف " قرب " التنعيم" على مقربة من مكة حيث يكون بدء‬
‫الحرام للمعتمرين من أهل مكة والمقيمين بها‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنه لما جاءها الخاطب بالبشرى قفزت من فوق بعيرها‬
‫وقالت‪ :‬البعير وما عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬إنها هى التى وهبت نفسها للنبى والتى نزل فيها قوله‬
‫تعالى‪( :‬وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبى إن أراد النبى أن‬
‫يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين‪.)17( )..‬‬
‫كانت آخر آمهات المؤمنين وآخر زوجاته صلوات الله وسلمه‬
‫عليه‪.‬‬
‫(‪ )1‬تراجم لسيدات بيت النبوة للدكتورة بنت الشاطئ‪ :‬ص ‪250‬‬
‫وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬المصدر السابق‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر سيدات بيت النبوة للدكتورة بنت الشاطىء ص ‪)4( 324‬‬
‫صحيح مسلم كتاب الفضائل‪.‬‬
‫(‪ )5‬حياة محمد ص ‪.29‬‬
‫(‪ )6‬الحزاب‪.40 :‬‬
‫(‪ )7‬الحزاب‪.5 :‬‬
‫(‪ )8‬الحزاب‪.37 :‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخارى (كتال التوحيد ‪.)6108‬‬
‫(‪ )10‬رواه االبخارى (كتاب التوحيد)‪.‬‬

‫‪735‬‬
‫(‪ )11‬الحزاب‪.37 :‬‬
‫(‪ )12‬انظر فتح البارى ‪ 371 / 8‬عن سيدات بيت النبوة لبنت‬
‫الشاطئ ص ‪.354‬‬
‫(‪ )13‬رواه البخارى‪ :‬فتح البارى _ كتال النكاح باب ‪.14‬‬
‫(‪ )14‬رواه البخارى‪ :‬فتح البارى ـ كتاب النكاح باب ‪.36‬‬
‫(‪ )15‬الصف‪.6 :‬‬
‫(‪ )16‬رواه البخارى – فتح البارى – " كتاب المغازى "‪.‬‬
‫(‪ )17‬الحزاب‪.50 :‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫‪ -82‬محاولة النبى محمد صلى الله عليه وسلم النتحار‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫الحق الذى يجب أن يقال‪ ..‬أن هذه الرواية التى استندتم إليها ـ يا‬
‫خصوم السلم ـ ليست صحيحة رغم ورودها فى صحيح البخارى‬
‫ـ رضى الله عنه ـ ؛ لنه أوردها ل على أنها واقعة صحيحة ‪ ،‬ولكن‬
‫أوردها تحت عنوان " البلغات " يعنى أنه بلغه هذا الخبر مجرد‬
‫بلغ ‪ ،‬ومعروف أن البلغات فى مصطلح علماء الحديث‪ :‬إنما هى‬
‫مجرد أخبار وليست أحاديث صحيحة السند أو المتن (‪.)1‬‬
‫وقد علق المام ابن حجر العسقلنى فى فتح البارى (‪ )2‬بقوله‪:‬‬
‫" إن القائل بلغنا كذا هو الزهرى ‪ ،‬وعنه حكى البخارى هذا‬
‫البلغ ‪ ،‬وليس هذا البلغ موصول ً برسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وقال الكرمانى‪ :‬وهذا هو الظاهر "‪.‬‬
‫هذا هو الصواب ‪ ،‬وحاش أن يقدم رسول الله ـ وهو إمام‬
‫المؤمنين ـ على النتحار ‪ ،‬أو حتى على مجرد التفكير فيه‪.‬‬
‫ل فإن محمدا ً صلى الله عليه وسلم كان بشرا ً من البشر‬ ‫وعلى ك ٍ‬
‫ولم يكن ملكا ً ول مدعيًا لللوهية‪.‬‬
‫والجانب البشرى فيه يعتبر ميزة كان صلى الله عليه وسلم‬
‫يعتنى بها ‪ ،‬وقد قال القرآن الكريم فى ذلك‪(:‬قل سبحان ربى هل‬
‫كنت إل بشرا ً رسولً) (‪.)3‬‬
‫ومن ثم فإذا أصابه بعض الحزن أو الحساس بمشاعر ما نسميه‬
‫‪ -‬فى علوم عصرنا ‪ -‬بالحباط أو الضيق فهذا أمر عادى ل غبار‬
‫عليه ؛ لنه من أعراض بشريته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وحين فتر (تأخر) الوحى بعد أن تعلق به الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم كان يذهب إلى المكان الذى كان ينزل عليه الوحى فيه‬
‫ب للمكان الذى جمع بينه وبين‬ ‫يستشرف لقاء جبريل ‪ ،‬فهو مح ّ‬

‫‪736‬‬
‫حبيبه بشىء من بعض السكن والطمأنينة ‪ ،‬فماذا فى ذلك أيها‬
‫الظالمون دائما ً لمحمد صلى الله عليه وسلم فى كل ما يأتى وما‬
‫يدع ؟ وإذا كان أعداء محمد صلى الله عليه وسلم يستندون إلى‬
‫الية الكريمة‪( :‬فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا‬
‫الحديث أسفاً) (‪.)4‬‬
‫فالية ل تشير أبدا ً إلى معنى النتحار ‪ ،‬ولكنها تعبير أدبى عن‬
‫حزن النبى محمد صلى الله عليه وسلم بسبب صدود قومه عن‬
‫السلم ‪ ،‬وإعراضهم عن اليمان بالقرآن العظيم ؛ فتصور كيف‬
‫كان اهتمام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بدعوة الناس‬
‫إلى الله ‪ ،‬وحرصه الشديد على إخراج الكافرين من الظلمات‬
‫إلى النور‪.‬‬
‫وهذا خاطر طبيعى للنبى النسان البشر الذى يعلن القرآن على‬
‫لسانه صلى الله عليه وسلم اعترافه واعتزازه بأنه بشر فى قوله‬
‫‪ -‬ردا ً على ما طلبه منه بعض المشركين‪( :-‬وقالوا لن نؤمن لك‬
‫حتى تفجر لنا من الرض ينبوعا ً * أو تكون لك جنة من نخيل‬
‫وعنب فتفجر النهار خللها تفجيرا ً * أو تسقط السماء كما‬
‫زعمت علينا كسفا ً أوتأتى بالله والملئكة قبيل ً * أو يكون لك بيت‬
‫من زخرف أو ترقى فى السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل‬
‫علينا كتابا نقرؤه)‪ .‬فكان رده‪(:‬سبحان ربى) متعجبا ً مما طلبوه‬
‫ومؤكدا ً أنه بشٌر ل يملك تنفيذ مطلبهم‪(:‬هل كنت إل بشرا ً رسولً)‬
‫(‪.)5‬‬
‫أما قولهم على محمد صلى الله عليه وسلم أنه ليست له معجزة‬
‫فهو قول يعبر عن الجهل والحمق جميعاً‪.‬‬
‫حيث ثبت فى صحيح الخبار معجزات حسية تمثل معجزة‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬كما جاءت الرسل بالمعجزات‬
‫من عند ربها ؛ منها نبع الماء من بين أصابعه ‪ ،‬ومنها سماع حنين‬
‫الجذع أمام الناس يوم الجمعة ‪ ،‬ومنها تكثير الطعام حتى يكفى‬
‫الجم الغفير ‪ ،‬وله معجزة دائمة هى معجزة الرسالة وهى القرآن‬
‫ظ ‪ ،‬ووعد ببيانه ؛ لذا يظهر‬‫حفِ َ‬
‫الكريم الذى وعد الله بحفظه فَ ُ‬
‫بيانه فى كل جيل بما يكتشفه النسان ويعرفه‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر صحيح البخارى ج ‪ 9‬ص ‪ ، 38‬طبعة التعاون‪.‬‬
‫(‪ )2‬فتح البارى ج ‪ 12‬ص ‪.376‬‬
‫(‪ )3‬السراء‪.93 :‬‬
‫(‪ )4‬الشعراء‪.3 :‬‬
‫(‪ )5‬السراء‪.93 :‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫‪ -83‬ولدة النبى محمد صلى الله عليه وسلم عادية‬

‫‪737‬‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫لن ولدة السيد المسيح ـ عليه السلم ـ تمت على هبة من الله‬
‫تبارك وتعالى للسيدة العذراء مريم ـ عليها السلم ـ وليس من‬
‫خلل الزواج بينها وبين رجل‪ .‬فبعض أهل الكتاب (النصارى منهم‬
‫خاصة) يتصورون أن كل نبى ل بد أن يولد بمثل هذه الطريقة‪.‬‬
‫وإذا كانت ولدة محمد صلى الله عليه وسلم مثل غيره من‬
‫مليين خلق الله فإن هذا عندهم مما يعيبونه به صلى الله عليه‬
‫وسلم ويطعنون فى صحة نبوته‪.‬‬
‫‪ -1‬فلم يدركوا أن بشرية محمد صلى الله عليه وسلم هى واحدة‬
‫من القسمات التى شاركه فيها كل رسل الله تعالى منذ نوح‬
‫وإبراهيم وغيرهما من بقية رسل الله إلى موسى ـ عليه السلم ـ‬
‫الذين ولدوا جميعا ً من الزواج بين رجل وامرأة‪ .‬ولم يولد من غير‬
‫الزواج بين امرأة ورجل إل عيسى ـ عليه السلم ـ وكان هذا‬
‫خصوصية له لم تحدث مع أى نبى قبله ‪ ،‬ولم تحدث كذلك مع‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬كانت ولدة محمد صلى الله عليه وسلم إعلنا ً لكونه بشرا ً من‬
‫البشر يولد كما يولد البشر ويجرى عليه من الحوال فى أكله‬
‫وشربه ‪ ،‬وفى نومه وصحوه ‪ ،‬وفى رضاه وغضبه وغير ذلك مما‬
‫يجرى على البشر كالزواج والصحة والمرض والموت أيضاً‪.‬‬
‫‪ -3‬كان محمد صلى الله عليه وسلم يعتز بهذه البشرية ويراها‬
‫سبيله إلى فهم الطبيعة البشرية وإدراك خصائصها وصفاتها‬
‫فيتعامل معها بما يناسبـها ‪ ،‬وقد اعتبر القرآن ذلك ميزة له فى‬
‫قوله تعالى‪( :‬لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم‬
‫حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم) (‪.)1‬‬
‫كما أعلن محمد صلى الله عليه وسلم اعتزازه بهذه البشرية‬
‫وعجزها حين أعلن قومه أنهم لن يؤمنوا به إل إذا فجر لهم ينابيع‬
‫الماء من الرض ‪ ،‬أو أن يكون له بيت من زخرف ‪ ،‬أو أن يروه‬
‫يرقى فى السماء وينزل عليهم كتابا ً يقرأونه ‪ ،‬فكان رده صلى‬
‫الله عليه وسلم كما حكاه القرآن‪( :‬قل سبحان ربى هل كنت إل‬
‫بشرا ً رسولً) (‪.)2‬‬
‫‪ -4‬لقد قرر القرآن قاعدة كون الرسل من جنس من يرسلون‬
‫إليهم ؛ بمعنى أن يكون المرسلون إلى الناس بشرا ً من جنسهم ‪،‬‬
‫ولو كان أهل الرض من جنس غير البشر لكانت رسل الله إليهم‬
‫من نفس جنسهم وذلك فى قوله تعالى‪( :‬قل لو كان فى الرض‬

‫‪738‬‬
‫ملئكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا ً رسول ً ) (‬
‫‪.)3‬‬
‫وعلى المعنى نفسه جاءت دعوة إبراهيم عليه السلم‪(:‬ربنا‬
‫وابعث فيهم رسول منهم يتلو عليهم آياتك ) (‪ .)4‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫(كما أرسلنا فيكم رسول ً منكم يتلو عليكم آياتنا ) (‪ .)5‬وقوله‬
‫ن الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسول من‬ ‫م ّ‬‫تعالى (لقد َ‬
‫أنفسهم ) (‪ .)6‬وقوله تعالى (فأرسلنا فيهم رسول منهم أن اعبدوا‬
‫الله‪ .)7( ) ..‬وقوله تعالى (هو الذى بعث فى الميين رسول‬
‫منهم ) (‪.)8‬‬
‫وغير هذا كثير مما أكده القرآن وهو المنطق والحكمة التى‬
‫اقتضتها مشيئته ـ تعالى ـ لما هو من خصائص الرسالت التى‬
‫توجب أن يكون المرسل إلى الناس من جنسهم حتى يحسن‬
‫إبلغهم بما كلفه الله بإبلغه إليهم وحتى يستأنسوا به ويفهموا‬
‫عنه‪.‬‬
‫ومن هنا تكون " بشرية الرسول " بمعنى أن يجرى عليه ما‬
‫يجرى على الناس من البلء والموت ومن الصحة والمرض‬
‫وغيرها من الصفات البشرية فيكون ذلك أدعى لنجاح البلغ عن‬
‫الله‪.‬‬
‫(‪ )1‬التوبة‪.128 :‬‬
‫(‪ )2‬السراء‪.93 :‬‬
‫(‪ )3‬السراء‪.95 :‬‬
‫(‪ )4‬البقرة‪.195 :‬‬
‫(‪ )5‬البقرة ‪.151‬‬
‫(‪ )6‬آل عمران‪.164 :‬‬
‫(‪ )7‬المؤمنون‪.32 :‬‬
‫(‪ )8‬الجمعة‪.2 :‬‬
‫‪------------------‬‬
‫‪ -84‬يحتاج محمد صلى الله عليه وسلم إلى الصلة عليه‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫الحق أن الصلة على محمد صلى الله عليه وسلم من ربه ومن‬
‫المؤمنين ليست دليل حاجة بل هى مظهر تكريم واعتزاز وتقدير‬
‫له من الحق سبحانه وتقدير له من أتباعه ‪ ،‬وليست كما يزعم‬
‫الظالمون لسد حاجته عند ربه لن ربه قد غفر له ما تقدم من‬
‫ذنبه وما تأخر‪.‬‬

‫‪739‬‬
‫لن أى مقارنة منصفة بين ما كان عليه صلى الله عليه وسلم‬
‫وبين غيره من أنبياء الله ورسله ترتفع به ليس فقط إلى مقام‬
‫العصمة ؛ بل إلى مقام الكمال الذى أتم به الله الرسالت ‪ ،‬وأتم‬
‫به التنزيل ‪ ،‬وأتم به النعمة ‪ ،‬فلم تعد البشرية بعد رسالته صلى‬
‫الله عليه وسلم بحاجة إلى رسل ورسالت‪.‬‬
‫لذلك فإن رسالته صلى الله عليه وسلم وهى الخاتمة والكاملة‬
‫حملت كل احتياجات البشرية وما يلزمها من تشريعات ونظم‬
‫ومعاملت وما ينبغى أن تكون عليه من أخلق وحضارة مما‬
‫افتقدت مثل كماله كل الرسالت السابقة‪.‬‬
‫وحسب رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أنها جاءت رحمة‬
‫عامة للبشرية كلها كما قال القرآن‪( :‬وما أرسلناك إل رحمة‬
‫للعالمين) (‪ .)1‬فلم تكن كما جاء ما قبلها رسالة خاصة بقوم‬
‫رسولهم كما قال تعالى‪(:‬وإلى عاد أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا‬
‫الله ) (‪.)2‬‬
‫حا قال يا قوم اعبدوا الله ) (‪.)3‬‬ ‫(وإلى ثمود أخاهم صال ً‬
‫(وإلى مدين أخاهم شعيبًا قال يا قوم اعبدوا الله ) (‪.)4‬‬
‫وهكذا كل رسول كان مرسل ً إلى قومه‪..‬‬
‫لت كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى العالمين وإلى‬
‫الناس كافة كما جاء فى قوله تعالى‪:‬‬
‫(وما أرسلناك إل رحمة للعالمين) (‪( ،)5‬وما أرسلناك إل كافة‬
‫للناس بشيرا ً ونذيراً) (‪.)6‬‬
‫ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم كانت فوق كونها عالمية فقد‬
‫كانت هى الخاتمة والكاملة التى ـ كما أشرنا ـ تفى باحتياجات‬
‫البشر جميعا ً وتقوم بتقنين وتنظيم شئونهم المادية والمعنوية عبر‬
‫الزمان والمكان بكل ما فيه خيرهم فى الدنيا والخرة‪.‬‬
‫وفى هذا قال الله تعالى‪(:‬ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن‬
‫رسول الله وخاتم النبيين) (‪.)7‬‬
‫وقال فى وصفه لكمال الدين برسالة محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم (السلم)‪( :‬اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى‬
‫ورضيت لكم السلم دينا) (‪.)8‬‬
‫إن عموم رسالة محمد إلى العالمين ‪ ،‬وبإعتبارها الرسالة الكاملة‬
‫والخاتمة ؛ يعنى امتداد دورها واستمرار وجودها إلى أن يرث الله‬
‫الرض ومن عليها مصداقا ً لقوله تعالى‪( :‬هو الذى أرسل رسوله‬
‫بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) (‪.)9‬‬
‫(‪ )1‬النبياء‪.107 :‬‬
‫(‪ )2‬العراف‪.65 :‬‬
‫(‪ )3‬العراف‪.72 :‬‬

‫‪740‬‬
‫(‪ )4‬العراف‪.85 :‬‬
‫(‪ )5‬النبياء‪.107 :‬‬
‫(‪ )6‬سبأ‪.28 :‬‬
‫(‪ )7‬الحزاب‪.40 :‬‬
‫(‪ )8‬المائدة‪.3 :‬‬
‫(‪ )9‬التوبة‪ 33 :‬ـ الفتح‪ 28 :‬ـ والصف‪.9 :‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫مى فكيف علّم القرآن‬ ‫ُ‬
‫‪ -85‬محمد صلى الله عليه وسلم أ ّ‬
‫؟‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫والمى إما أن يكون المراد به من ل يعرف القراءة والكتابة أخذ ًا‬
‫من " المية " ‪ ،‬وإما أن يكون المراد به من ليس من اليهود أخذ ًا‬
‫من " الممية " حسب المصطلح اليهودى الذى يطلقونه على من‬
‫ليس من جنسهم‪.‬‬
‫فإذا تعاملنا مع هذه المقولة علمنا أن المراد بها من ل يعرف‬
‫القراءة والكتابة فليس هذا مما يعاب به الرسول ‪ ،‬بل لعله أن‬
‫يكون تأكيدًا ودليل ً قويًا على أن ما نزل عليه من القرآن إنما هو‬
‫وحى أُوحى إليه من الله لم يقرأه فى كتاب ولم ينقله عن أحد‬
‫ول تعلمه من غيره‪ .‬بهذا يكون التهام شهادة له ل عليه (‪.‬‬
‫حا فى قوله‪:‬‬ ‫وقد رد القرآن على هذه المقولة ردًا صري ً‬
‫(وقالوا أساطير الولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرة وأصيل * قل‬
‫سر فى السموات والرض إنه كان غفوًرا‬ ‫أنزله الذى يعلم ال ّ‬
‫ما ) (‪.)1‬‬
‫رحي ً‬
‫وحسب النبى المى الذى ل يعرف القراءة ول الكتابة أن يكون‬
‫الكتاب الذى أنزل عليه معجًزا لمشركى العرب وهم أهل‬
‫الفصاحة والبلغة ؛ بل ومتحديًا أن يأتوا بمثله أو حتى بسورة من‬
‫مثله‪.‬‬
‫كفاه بهذا دليل ً على صدق رسالته وأن ما جاء به ـ كما قال بعض‬
‫كبارهم ـ " ليس من سجع الكهان ول من الشعر ول من قول‬
‫البشر "‪.‬‬
‫مى " على معنى أنه‬ ‫ُ‬
‫أما إذا تعاملنا مع مقولتهم عن محمد(أنه " أ ّ‬
‫من المميين ـ أى من غير اليهود ـ فما هذا مما يعيبه‪ .‬بل إنه‬
‫لشرف له أنه من المميين أى أنه من غير اليهود‪.‬‬

‫‪741‬‬
‫ذلك لن اعتداد اليهود بالتعالى على من عداهم من " المميين "‬
‫واعتبار أنفسهم وحدهم هم الرقى والعظم وأنهم هم شعب الله‬
‫المختار ـ كما يزعمون‪.‬‬
‫ما مع ما جاء به محمد (من المساواة‬ ‫كل هذا مما يتنافى تما ً‬
‫الكاملة بين بنى البشر رغم اختلف شعوبهم وألوانهم وألسنتهم‬
‫على نحو ما ذكره القرآن ؛ الذى اعتبر اختلف الجناس واللوان‬
‫واللسنة هو لمجرد التعارف والتمايز ؛ لكنه ـ أبدًا ـ ل يعطى تميًزا‬
‫لجنس على جنس ‪ ،‬فليس فى السلم ـ كما يزعم اليهود ـ أنهم‬
‫شعب الله المختار‪.‬‬
‫ولكن التمايز والتكريم فى منظور السلم ؛ إنما هو بالتقوى‬
‫والصلح كما فى الية الكريمة‪( :‬يا أيها الناس إنا خلقناكم من‬
‫ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله‬
‫اتقاكم ) (‪.)2‬‬
‫(‪ )1‬الفرقان‪.6-5 :‬‬
‫(‪ )2‬الحجرات‪.13 :‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫‪ -86‬محمد صلى الله عليه وسلم يحّرم ما أحل الله‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫استند الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم فى توجيه هذا‬
‫التهام إلى ما جاء فى مفتتح سورة التحريم من قوله تعالى‪( :‬يا‬
‫ل الله لك تبتغى مرضاة أزواجك والله‬ ‫أيها النبى لم تحّرم ما أح ّ‬
‫غفور رحيم ) (‪.)1‬‬
‫وهذه الية وآيات بعدها تشير إلى أمر حدث فى بيت النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم عاتبته نساؤه وتظاهرن عليه بدوافع الغيرة‬
‫المعروفة عن النساء عامة إذ كان صلى الله عليه وسلم قد دخل‬
‫ما ل يوجد فى بيوتهن ‪ ،‬فأسر إلى‬ ‫عند إحداهن وأكل عندها طعا ً‬
‫إحداهن بالمر فأخبرت به أخريات فعاتبنه فحّرم صلى الله عليه‬
‫وسلم تناول هذا الطعام على نفسه ابتغاء مرضاتهن‪.‬‬
‫والواقعة صحيحة لكن اتهام الرسول بأنه يحّرم ما أحل الله هو‬
‫تصيّد للعبارة وحمل لها على ما لم ترد له‪..‬‬
‫فمطلع الية (لم تحرم ما أحل الله لك (هو فقط من باب "‬
‫المشاكلة " لما قاله النبى لنسائه ترضية لهن ؛ والنداء القرآنى‬
‫ما له صلى الله عليه وسلم بتحريم ما أحل الله ؛ ولكنه‬ ‫ليس اتها ً‬
‫من باب العتاب له من ربه سبحانه الذى يعلم تبارك وتعالى أنه‬

‫‪742‬‬
‫صلى الله عليه وسلم يستحيل عليه أن يحّرم شيئًا أو أمًرا أو‬
‫عمل ً أحلّه الله ؛ ولكنه يشدد على نفسه لصالح مرضاة زوجاته‬
‫من خلقه العالى الكريم‪.‬‬
‫ولقد شهد الله للرسول بتمام تبليغ الرسالة فقال‪(:‬ولو تقوّل‬
‫علينا بعض القاويل * لخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين‬
‫* فما منكم من أحد عنه حاجزين ) (‪.)2‬‬
‫وعليه فالقول بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم يحّرم ما أحل‬
‫الله من المستحيلت على مقام نبوته التى زكاها الله تبارك‬
‫وتعالى وقد دفع عنه مثل ذلك بقوله‪( :‬وما ينطق عن الهوى * إن‬
‫هو إل وحى يوحى) (‪.)3‬‬
‫فمقولة بعضهم أنه يحّرم هو تحميل اللفظ على غير ما جاء فيه ‪،‬‬
‫وما هو إل وعد أو عهد منه صلى الله عليه وسلم لبعض نسائه‬
‫فهو بمثابة يمين له كفارته ول صلة له بتحريم ما أحل الله‪.‬‬
‫(‪ )1‬التحريم‪.1 :‬‬
‫(‪ )2‬الحاقة‪.47 -44 :‬‬
‫(‪ )3‬النجم‪.4 -3 :‬‬
‫‪------------------------‬‬
‫‪ -87‬محمد صلى الله عليه وسلم يعظم الحجر السود‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫إنهم فى هذه المقولة ـ يريدون أن يتهموه بأنه كان يعظم الحجر‬
‫السود ـ بل ويعظم الكعبة كلها بالطواف حولها وهى حجر ل‬
‫يختلف فى زعمهم عن الحجار التى كانت تصنع منها الوثان فى‬
‫الجاهلية وكأن المر سواء !!‬
‫وحقيقة المر أن من بعض ما استبقاه السلم من أحوال‬
‫السابقين ما كان فيه من تعاون على خير أو أمر بمعروف ونهى‬
‫عن منكر ‪ ،‬من ذلك ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم على‬
‫حلف كان فى الجاهلية يسمى " حلف الفضول " وهو عمل‬
‫إنسانى كريم كان يتم من خلله التعاون على نصرة المظلوم ‪،‬‬
‫وفداء السير ‪ ،‬وإعانة الغارمين ‪ ،‬وحماية الغريب من ظلم أهل‬
‫مكة وهكذا‪..‬‬
‫وقد أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الحلف وقال‪:‬‬
‫لو دعيت إلى مثله لجبت‪.‬‬

‫‪743‬‬
‫ضا كان مما استبقاه السلم من فضائل السابقين مما ورثوه‬ ‫وأي ً‬
‫عن إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬تعظيمهم للبيت الحرام وطوافهم‬
‫به ؛ بل وتقبيلهم للحجر السود‪.‬‬
‫وهناك بعض مرويات تقول إن هذا الحجر من أحجار الجنة‪.‬‬
‫وهنا فقط ل يكون أمامنا إل ما ثبت من أن الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم كان يقبل الحجر السود عند طوافه بالبيت ‪ ،‬وهو ما‬
‫تنطق به الرواية عن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ أنه قال‬
‫عن تقبيله لهذا الحجر‪( :‬والله إنى لعلم أنك حجر ل تضر ول تنفع‬
‫‪ ،‬ولول أنى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك)‪.‬‬
‫وهنا نقول‪:‬‬
‫من المستحيل أن يكون تقبيل الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫للحجر السود من باب المجاراة أو المشاكلة لعبدة الصنام فيما‬
‫كانوا يفعلون‪.‬‬
‫ضا أن يكون صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك ‪ -‬أى‬ ‫ومستحيل أي ً‬
‫تقبيل الحجر السود ‪ -‬دون وحى أو إلهام وجهه صلى الله عليه‬
‫وسلم إلى تقبيل الحجر بعيدًا بعيدًا عن أى شبهة وثنية أو مجاراة‬
‫لعبدة الصنام‪.‬‬
‫ولنه صلى الله عليه وسلم قال‪[ :‬خذوا عنى مناسككم] فقد‬
‫أصبح تقبيل الحجر السود من بعض مناسك الحجاج والعمار‬
‫للبيت الحرام‪.‬‬
‫كما أن تعظيم الحجر السود هو امتثال لوامر الله الذى أمر‬
‫بتعظيم هذا الحجر بالذات ‪ ،‬وهو سبحانه الذى أمر برجم حجر‬
‫آخر كمنسك من مناسك الحج فالمر بالنسبة للتعظيم أو الرجم‬
‫ل يعدو كونه إقراًرا بالعبودية لله تعالى وامتثال ً لوامره عز وجل‬
‫ما لحكامه‪.‬‬ ‫واستسل ً‬
‫‪----------------------‬‬
‫‪ -88‬كاد محمد صلى الله عليه وسلم أن يفتن‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫أخذوا ذلك من فهم مغلوط ليات سورة السراء‪(:‬وإن كادوا‬
‫ليفتنونك عن الذى أوحينا إليك لتفترى علينا غيره وإذ ًا لتخذوك‬
‫خليل * ولول أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئًا قليل ً * إذ ًا‬
‫لذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم ل تجد لك علينا نصيًرا )‬
‫(‪.)1‬‬

‫‪744‬‬
‫بعض ما قيل فى سبب نزول هذه الية أن وفد ثقيف قالوا‬
‫جلنا سنة حتى نقبض ما يهدى‬ ‫للرسول صلى الله عليه وسلم أ ّ‬
‫م‬
‫للهتنا من (الصنام) فإذا قبضنا ذلك كسرناها وأسلمنا ‪ ،‬فهَ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم بقبول ذلك فنزلت الية‪.‬‬
‫قوله تعالى‪ " :‬كدت تركن إليهم " أى هممت أو قاربت أن تميل‬
‫لقبول ما عرضوه عليك لول تثبيت الله لك بالرشد والعصمة ‪ ،‬ولو‬
‫فعلت لعذبناك ضعف عذاب الحياة وعذاب الممات ؛ يعنى‪:‬‬
‫قاربت أن تستجيب لما عرضوه لكنك بتثبيت الله لم تفعل‬
‫لعصمة الله لك‪.‬‬
‫م‬
‫م على مقربة من الثقافة السلمية يعرفون أن " اله ّ‬ ‫ن هُ ْ‬
‫م ْ‬
‫وكل َ‬
‫" أى المقاربة لشىء دون القيام به أو الوقوع فيه ل يعتبر معصية‬
‫ول جزاء عليه وهو مما وضع عن المة وجاء به ما صح عن النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم قوله‪:‬‬
‫(وضع عن أمتى ما حدثت به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به) ‪،‬‬
‫وعليه‪ ..‬فإنه ل إثم ول شىء يؤخذ على محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم فى ذلك‪.‬‬
‫(‪ )1‬السراء‪.75-73 :‬‬
‫‪-----------------------‬‬
‫‪ -89‬قاتل محمد صلى الله عليه وسلم فى الشهر‬
‫الحرام‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫وذلك لما ورد فى آيات سورة البقرة‪:‬‬
‫ل فيه قل قتال فيه كبير وص ٌّ‬
‫د‬ ‫(يسألونك عن الشهر الحرام قتا ٍ‬
‫عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر‬
‫عند الله والفتنة أكبر من القتل ول يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم‬
‫عن دينكم إن استطاعوا ) (‪.)1‬‬
‫والمسلمون جميعا ً وعلى رأسهم إمامهم ورسولهم محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم هم أحفظ الناس لحرمة الشهر الحرم وعدم‬
‫القتال فيها واعتبار القتال فيها حدثًا كبيًرا أو كأنه كبيرة من‬
‫الكبائر‪..‬‬
‫لكن ما الذى يفعله المسلمون إذا ما ووجهوا من أعدائهم من‬
‫المشركين بالقتال والعدوان على النفس والموال والعراض ‪،‬‬
‫ليس هذا فحسب بل ماذا يفعل المسلمون إذا فوجئوا بمن‬

‫‪745‬‬
‫يخرجهم من المسجد الحرام وهم أهله وهم أولى به من‬
‫غيرهم ؟!‬
‫إن قانون " الدفع الحضارى " الذى يقره القرآن الكريم لحماية‬
‫الكون من إفساد المتجبرين والظلمة ‪ ،‬ثم لحماية بيوت العبادة‬
‫ضا ‪ ،‬والذى عبرت عنه اليتان‬ ‫للمسلمين والنصارى واليهود أي ً‬
‫الكريمتان‪( :‬ولول دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الرض)‬
‫(‪ .)2‬وقوله‪( :‬ولول دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع‬
‫وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيًرا ولينصرن الله‬
‫من ينصره إن الله لقوى عزيز) (‪ .)3‬هذا القانون القرآنى ـ وليس‬
‫قانون من ضربك على خدك اليمن فأدر له خدك اليسر ـ هو‬
‫وحده الذى يحمى الكون والناس من إفساد المتجبرين وظلم‬
‫الظالمين‪.‬‬
‫وذلك على أساس أن من يمكن الله لهم فى الرض بما يمنحهم‬
‫من القوة والثروة والعلم يجب ‪ -‬وبحسب القانون القرآنى ‪ -‬أن‬
‫يكونوا صالحين وأخياًرا ؛ بمعنى‪ :‬أن يستخدموا قوتهم وثروتهم‬
‫وعلمهم ل فى الطغيان والتجبر ولكن فى حماية القيم النبيلة‬
‫التى تحمى بها العدل والحق وتمكن لكل ما هو خير ‪ ،‬وتنفى كل‬
‫ما هو شر حتى تنعم البشرية بالمن والستقرار ‪ ،‬وتعتدل أمور‬
‫الحياة والناس‪.‬‬
‫وهذا ما جاءت الية التالية لليتين السابقتين لتقره حيث يقول‪:‬‬
‫(الذين إن مكناهم فى الرض أقاموا الصلة وآتوا الزكاة وأمروا‬
‫بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة المور) (‪.)4‬‬
‫ولن إقرار حقوق عباد الله فى أرض الله وحماية المستضعفين‬
‫من بطش المتجبرين ل يقل حرمة عند الله من حرمة الشهر‬
‫الحرم فقد أبيح القتال فيها لمن ظُلموا من المسلمين ومن فُتنوا‬
‫ما وعدوانًا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫فى دينهم وأخرجوا من ديارهم ظل ً‬
‫وهذا ما تقرره الية‪(:‬يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل‬
‫قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام‬
‫وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ول يزالون‬
‫يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ) (‪.)5‬‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.217 :‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪.251 :‬‬
‫(‪ )3‬الحج‪.40 :‬‬
‫(‪ )4‬الحج‪.41 :‬‬
‫(‪ )5‬البقرة‪.217 :‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫‪ -90‬محمد صلى الله عليه وسلم مذنب كما فى القرآن‬

‫‪746‬‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫أخذوها من فهمهم الخاطئ فى مفتتح سورة " الفتح "‪( :‬ليغفر‬
‫لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك‬
‫ما) (‪ .)1‬فقالوا‪ :‬كتاب محمد يعترف عليه ويصفه‬ ‫صراطًا مستقي ً‬
‫بأنه مذنب !!‬
‫وسيرة محمد سيد الخلق وخاتم النبياء صلى الله عليه وسلم‬
‫كتاب كبير مفتوح استوفى فيه كُتَّاب سيرته كل شىء فى حياته‪.‬‬
‫فى صحوه ونومه وفى حربه وسلمه ‪ ،‬وفى عبادته وصلواته ‪ ،‬فى‬
‫حياته مع الناس بل وفى حياته بين أهله فى بيته‪.‬‬
‫ليس هذا فحسب بل إن صحابته حين كانوا يروون عنه حديثًا أو‬
‫يذكرون له عمل ً يصفونه صلى الله عليه وسلم وصفًا بالغ الدقة‬
‫وبالغ التحديد لكافة التفاصيل حتى ليقول أحدهم‪ :‬قال صلى الله‬
‫عليه وسلم كذا وكان متكئا ً فجلس ‪ ،‬أو قال كذا وقد امتل وجهه‬
‫بالسرور وهذا ما يمكن وصفه بلغة عصرنا‪ :‬إنه تسجيل دقيق‬
‫لحياته صلى الله عليه وسلم بالصوت والصورة‪..‬‬
‫ثم جاء القرآن الكريم فسجل له شمائله الكريمة فقال عنه‪ :‬إنه‬
‫الرحمة المهداة إلى عباد الله‪( :‬وما أرسلناك إل رحمة للعالمين)‬
‫(‪ .)2‬ووصفه بأنه الرؤوف الرحيم بمن أرسل إليهم‪(:‬لقد جاءكم‬
‫رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين‬
‫رؤوف رحيم) (‪ .)3‬ثم لخص القرآن مجمل شمائله صلى الله‬
‫عليه وسلم فى قوله‪( :‬وإنك لعلى خلق عظيم) (‪.)4‬‬
‫أكثر من هذا أن تكفل القرآن بإذاعة حتى ما هو من خلجات‬
‫الرسول وحديث نفسه الذى بينه وبين الله مما ل يطلع الناس‬
‫عليه على نحو ما جاء فى سورة الحزاب فى أمر الزواج بزينب‬
‫بنت جحش والذى كان القصد التشريعى فيه إبطال عادة التبنى‬
‫من قوله تعالى‪(:‬وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس‬
‫والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكى ل‬
‫يكون على المؤمنين حرج فى أزواج أدعيائهم إذ قضوا منهن‬
‫وطًرا و كان أمر الله مفعولً) (‪.)5‬‬
‫أقول‪ :‬مع أن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم هى كتاب مفتوح‬
‫لم يخف التاريخ منه شيئا ً بل وتدخل القرآن ليكشف حتى ما‬
‫يحدث به نفسه صلى الله عليه وسلم مما ل يطلع عليه الناس ‪،‬‬
‫ة ول ذنبًا فى قول أو عمل‪.‬‬ ‫ولم يذكر له صلى الله عليه وسلم ذل ً‬
‫أفبعد هذا ل يتورع ظالموه من أن يقولوا أنه " مذنب " ؟ !!!‬

‫‪747‬‬
‫ولو كان هؤلء الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم على‬
‫شىء من سلمة النظر وصفاء القلوب لنتبهوا إلى بقية سورة‬
‫الفتح ‪ ،‬والتى كانت كلها تثبيتا ً للمؤمنين وللرسول وتبشيًرا لهم‬
‫بالتأييد والنصر‪ ..‬لو كان محمد صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كما‬
‫ادعيتم – من المذنبين والعاصين لكان من المستحيل أن يجعله‬
‫الله تعالى ممن يؤيدهم بنوره ويتم عليهم نعمته ويهديهم صراطًا‬
‫مستقيما ً ؛ لن النصر يكون للصالحين ل للمذنبين‪.‬‬
‫ونقف أمام الذنب فى منطوق الية‪(:‬ليغفر لك الله ما تقدم من‬
‫ذنبك وما تأخر (فالذنب هنا ليس مما تعارف عليه الناس من‬
‫الخطأ والثام ؛ لن سنة الله تبارك وتعالى هى عصمة جميع‬
‫أنبيائه وفى قمتهم خاتمهم صلى الله عليه وسلم‪ .‬وهذا مما‬
‫يعرفه ويقره ويقرره أتباع كل الرسالت إل قتلة النبياء ومحّرفى‬
‫الكلم عن مواضعه من اليهود الذين خاضوا فى رسل الله وأنبيائه‬
‫بما هو معروف‪.‬‬
‫فالذنب هو ما يمكن اعتباره ذنبا ً على مستوى مقام نبوته صلى‬
‫الله عليه وسلم ذنبًا مما تقدره الحكمة اللهية ـ ل ما تحدده‬
‫أعراف الناس‪.‬‬
‫ومع هذا كله فإن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة‬
‫كانت محل تقدير قومه وإكبارهم له لما اشتهر به صلى الله عليه‬
‫وسلم من العفة والطهر والتميز عن جميع أترابه من الشباب‬
‫حتى كان معروفًا بينهم بالصادق المين‪.‬‬
‫أفبعد هذا ل يستحى الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم‬
‫والحاقدون عليه من أهل الكتاب أن يقولوا‪:‬‬
‫إنه مذنب ؟!!‬
‫(كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إل كذبا) (‪.)6‬‬
‫(‪ )1‬الفتح‪.2 :‬‬
‫(‪ )2‬النبياء ‪.117‬‬
‫(‪ )3‬التوبة‪.128 :‬‬
‫(‪ )4‬القلم‪.5 :‬‬
‫(‪ )5‬الحزاب‪.37 :‬‬
‫(‪ )6‬الكهف‪.5 :‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫‪ -91‬تعلّم محمد صلى الله عليه وسلم من غيره‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬

‫‪748‬‬
‫وهى من أسوأ المفتريات على محمد صلى الله عليه وسلم الذى‬
‫قال ربه عز وجل عنه‪( :‬وما ينطق عن الهوى * إن هو إل وحى‬
‫يوحى ) (‪.)1‬‬
‫لكن الحقد حين يتمكن من قلوب الحاقدين يدفعهم إلى المنكر‬
‫ل ل يقبله‬ ‫من القول ومن الزور ‪ ،‬حتى إنهم ليتجرأون على قو ٍ‬
‫عقل عاقل ‪ ،‬ول يجرؤ على مثله إل المفترون‪.‬‬
‫فى هذه المقولة زعموا أنه حين كان ينزل عليه الوحى باليات‬
‫التى أثبت العلم الحديث المعاصر أنها من أبرز آيات العجاز‬
‫العلمى فى القرآن فيما تتصل بمراحل خلق النسان من سللة‬
‫من طين ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلّقة وغير‬
‫مخلقة ثم يكون إنشاؤه خلقًا آخر‪..‬‬
‫ن هذا خلقه‪(:‬تبارك الله أحسن‬ ‫م ْ‬‫حا َ‬‫زعموا أن كاتب وحيه قال ماد ً‬
‫الخالقين ) (‪.)2‬‬
‫ثم أفرطوا فى زعمهم فقالوا إن محمدًا صلى الله عليه وسلم‬
‫ى‪ ..‬؟! وهنا لبد من وقفة‪:‬‬ ‫قال له‪ :‬اكتبها فهكذا نزلت عل ّ‬
‫فأولً‪ :‬مما هو ثابت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا‬
‫نزل عليه الوحى يأخذ العرق يتصبب من جسده ويكون فى غيبة‬
‫عمن حوله‪ ..‬فإذا انقضى الوحى أخذ فى ذكر وتلوة ما نزل عليه‬
‫من القرآن ‪ ،‬وهذا ما تقرره كل كتب السيرة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬معنى ما سبق أنه صلى الله عليه وسلم ل يأخذ فى الملء‬
‫على كاتب وحيه إل بعد اكتمال نزول الوحى واكتمال نزول اليات‬
‫المتعلقة بمراحل خلق النسان فى سورة " المؤمنون "‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬وبهذا يتضح كذب المقولة أن كاتب وحيه صلى الله عليه‬
‫وسلم هو الذى أملها عليه وأنه أمر بإثباتها‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬أن لفظة " تبارك الله " تكررت فى القرآن الكريم تسع‬
‫مرات ‪ ،‬تلتقى جميعها فى مواضع يكون الحديث فيها عن قدرة‬
‫الخالق فيما خلق من مثل قوله تعالى‪:‬‬
‫(أل له الخلق والمر تبارك الله رب العالمين ) (‪.)3‬‬
‫(تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيًرا) (‪.)4‬‬
‫جا وقمًرا‬ ‫(تبارك الذى جعل فى السماء بروجا وجعل فيها سرا ً‬
‫منيًرا) (‪.)5‬‬
‫(تبارك الذى له ملك السموات والرض وما بينهما ) (‪.)6‬‬
‫(تبارك الذى بيده الملك وهو على كل شىء قدير ) (‪.)7‬‬
‫فلماذا تعلم محمد صلى الله عليه وسلم من كاتب وحيه آية "‬
‫المؤمنون " دون غيرها مما جاء فى بقية السور ؟!!‬
‫(‪ )1‬النجم‪3 :‬ـ ‪.4‬‬
‫(‪ )2‬المؤمنون‪.14 :‬‬

‫‪749‬‬
‫(‪ )3‬العراف‪.55 :‬‬
‫(‪ )4‬الفرقان‪.1 :‬‬
‫(‪ )5‬الفرقان‪.61 :‬‬
‫(‪ )6‬الزخرف‪.85 :‬‬
‫(‪ )7‬الملك‪.1 :‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫‪ -92‬الشيطان يوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم يستندون فى هذه‬
‫المقولة إلى أكذوبة كانت قد تناقلتها بعض كتب التفسير من أنه‬
‫صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى الصلة بالناس سورة "‬
‫النجم‪ :‬فلما وصل صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى‪:‬‬
‫(أفرأيتم اللت والعزى* ومناة الثالثة الخرى) (‪ )1‬؛ تقول‬
‫الكذوبة‪:‬‬
‫إنه صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬ـ حسب زعمهم ـ تلك الغرانيق (‬
‫‪ )2‬العلى وإن شفاعتهن لترتجى‪.‬‬
‫ثم استمر صلى الله عليه وسلم فى القراءة ثم سجد وسجد كل‬
‫من كانوا خلفه من المسلمين وأضافت الروايات أنه سجد معهم‬
‫من كان وراءهم من المشركين !!‬
‫وذاعت الكذوبة التى عرفت بقصة " الغرانيق " وقال ـ من تكون‬
‫أذاعتها فى صالحهم ـ‪ :‬إن محمدا ً أثنى على آلهتنا وتراجع عما‬
‫كان يوجهه إليها من السباب‪ .‬وإن مشركى مكة سيصالحونه‬
‫وسيدفعون عن المؤمنين به ما كانوا يوقعونه بهم من العذاب‪.‬‬
‫وانتشرت هذه المقولة حتى ذكرها عدد من المفسرين حيث‬
‫ذكروا أن المشركين سجدوا كما سجد محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم وقالوا له‪ :‬ما ذكرت آلهتنا بخير قبل اليوم ولكن هذا الكلم‬
‫باطل ل أصل له‪.‬‬
‫وننقل هنا عن المام ابن كثير فى تفسيره اليات التى اعتبرها‬
‫المرتكز الذى استند إليه الظالمون للسلم ورسوله وهى فى‬
‫سورة الحج حيث تقول‪:‬‬
‫(وما أرسلنا من قبلك من رسول ول نبى إل إذا تمنى ألقى‬
‫الشيطان فى أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله‬
‫آياته والله عليم حكيم) (‪ )3‬وبعد ذكره لليتين السابقتين يقول‪" :‬‬
‫ذكر كثير من المفسرين هنا قصة " الغرانيق وما كان من رجوع‬

‫‪750‬‬
‫كثير ممن هاجروا إلى الحبشة " ظنًّا منهم أن مشركى مكة قد‬
‫أسلموا‪.‬‬
‫ثم أضاف ابن كثير يقول‪ :‬ولكنها ‪ -‬أى قصة " الغرانيق " ‪ -‬من‬
‫طرق كثيرة مرسلة ولم أرها مسندة من وجه صحيح ‪ ،‬ثم قال‬
‫ابن كثير‪ )4( :‬عن ابن أبى حاتم بسنده إلى سعيد بن جبير قال‪" :‬‬
‫قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة " سورة النجم " فلما‬
‫بلغ هذا الموضع‪( .‬أفرأيتم اللت والعّزى * ومناة الثالثة الخرى (‪.‬‬
‫قال بن جبير‪ :‬فألقى الشيطان على لسانه‪ :‬تلك الغرانيق العل‬
‫وإن شفاعتهن لترتجى‪.‬‬
‫فقال المشركون‪ :‬ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم‪ ..‬فأنزل الله هذه‬
‫الية‪( :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول ول نبى إل إذا تمنى ألقى‬
‫الشيطان فى أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله‬
‫آياته والله عزيز حكيم(ليقرر العصمة والصون لكلمه سبحانه من‬
‫وسوسة الشيطان‪.‬‬
‫وربما قيل هنا‪ :‬إذا كان الله تعالى ينسخ ما يلقى الشيطان‬
‫ويحكم آياته فلماذا لم يمنع الشيطان أصل ً من إلقاء ما يلقيه من‬
‫الوساوس فى أمنيات النبياء والجواب عنه قد جاء فى اليتين‬
‫اللتين بعد هذه الية مباشرة‪:‬‬
‫أولً‪ :‬ليجعل ما يلقيه الشيطان فتنة للذين فى قلوبهم مرض من‬
‫المنافقين والقاسية قلوبهم من الكفار وهو ما جاء فى الية‬
‫الولى منهما‪(:‬ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين فى قلوبهم‬
‫مرض) (‪.)5‬‬
‫ثانياً‪ :‬لميز المؤمنين من الكفار والمنافقين فيزداد المؤمنون‬
‫إيمانا على إيمانهم ؛ وهو ما جاء فى الية الثانية‪(:‬وليعلم الذين‬
‫أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن‬
‫الله لهادى الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ) (‪.)6‬‬
‫ما وحديثًا قصة الغرانيق‪ .‬ومن القدماء‬ ‫هذا‪ :‬وقد أبطل العلماء قدي ً‬
‫المام الفخر الرازى الذى قال ما ملخصه (‪:)7‬‬
‫" قصة الغرانيق باطلة عند أهل التحقيق وقد استدلوا على‬
‫بطلنها بالقرآن والسنة والمعقول ؛ أما القرآن فمن وجوه‪ :‬منها‬
‫قوله تعالى‪(:‬ولو تقول علينا بعض القاويل * لخذنا منه باليمين *‬
‫ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين) (‪.)8‬‬
‫وقوله سبحانه‪(:‬وما ينطق عن الهوى * إن هو إل وحى يوحى(‪( .‬‬
‫‪ )9‬وقوله سبحانه حكاية عن رسوله صلى الله عليه وسلم‪(:‬قل ما‬
‫ى)(‬ ‫يكون لى أن أبدله من تلقاء نفسى إن أتبع إل ما يوحى إل ّ‬
‫‪.)10‬‬
‫وأما بطلنها بالسنة فيقول المام البيهقى‪:‬‬

‫‪751‬‬
‫روى المام البخارى فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم‬
‫قرأ سورة " النجم " فسجد وسجد فيها المسلمون والمشركون‬
‫والنس والجن وليس فيها حديث " الغرانيق " وقد روى هذا‬
‫الحديث من طرق كثيرة ليس فيها ألبتة حديث الغرانيق‪.‬‬
‫فأما بطلن قصة " الغرانيق " بالمعقول فمن وجوه منها‪:‬‬
‫أ ـ أن من جوّز تعظيم الرسول للصنام فقد كفر لن من المعلوم‬
‫بالضرورة أن أعظم سعيه صلى الله عليه وسلم كان لنفى‬
‫الصنام وتحريم عبادتها ؛ فكيف يجوز عقل ً أن يثنى عليها ؟ ب ـ‬
‫ومنها‪ :‬أننا لو جوّزنا ذلك لرتفع المان عن شرعـه صلى الله عليه‬
‫وسلم فإنه ل فرق ‪ -‬فى منطق العقل ‪ -‬بين النقصان فى نقل‬
‫وحى الله وبين الزيادة فيه‪.‬‬
‫(‪ )1‬النجم‪.20- 19 :‬‬
‫(‪ )2‬المراد بالغرانيق‪ :‬الصنام ؛ وكان المشركون يسمونها بذلك‬
‫تشبيهًا لها بالطيور البيض التى ترتفع فى السماء‪.‬‬
‫(‪ )3‬الحج‪.52 :‬‬
‫(‪ )4‬عن‪ :‬التفسير الوسيط للقرآن لشيخ الزهر د‪ .‬طنطاوى ج ‪9‬‬
‫ص ‪ 325‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )5‬الحج‪.53 :‬‬
‫(‪ )6‬الحج‪.54 :‬‬
‫(‪ )7‬التفسير السابق‪ :‬ص ‪.321‬‬
‫(‪ )8‬الحاقة‪ 44 :‬ـ ‪.47‬‬
‫(‪ )9‬النجم‪.4 -3 :‬‬
‫(‪ )10‬يونس‪.15 :‬‬
‫‪----------------‬‬
‫‪ -93‬حول الستغناء بالقرآن عن السنة وعلقة السنة‬
‫بالقرآن‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫ن يكتفون بالقرآن الكريم‪ ..‬ويشككون فى صحة الحاديث‬ ‫م ْ‬
‫هناك َ‬
‫‪ ،‬ويظهرون التناقضات بينها ‪ ،‬ويذكرون الحديث الذى ينص على‬
‫عدم زيارة المرأة للقبول ‪ ،‬والحديث الذى يقول (فى معناه) أن‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم قال إننى قد أمرتكم بعدم زيارة‬
‫القبور من قبل ‪ ،‬والن أسمح لكم بزيارة القبور‪ ..‬فيشيرون إلى‬
‫ذلك بأنه تناقض‪ ..‬ويدللون على ذلك بأن المة قد فقدت الكثير‬
‫من الحاديث النبوية عبر الزمان ‪ ،‬أو أن هذه الحاديث قد حرفت‬
‫عن معانيها الصحيحة‪( ..‬انتهى)‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬

‫‪752‬‬
‫فى بداية الجواب عن شبهة هؤلء الذين يشككون فى الحاديث‬
‫النبوية‪ .‬ننبه على مستوى جهل كل الذين يثيرون مثل هذه‬
‫الشبهات حول الحديث النبوى الشريف‪ ..‬ذلك أن التدرج والتطور‬
‫فى التشريع الذى يمثله حديث النهى عن زيارة القبور ثم‬
‫إباحتها‪ ..‬هذا التدرج والتطور فى التشريع ل علقة له بالتناقض‬
‫بأى وجه من الوجوه ‪ ،‬أو أى حال من الحوال‪.‬‬
‫ثم إن التشكيك فى بعض الحاديث النبوية ‪ ،‬والقول بوجود‬
‫تناقضات بين بعض هذه الحاديث ‪ ،‬أو بينها وبين آيات قرآنية‪ ..‬بل‬
‫والتشكيك فى مجمل الحاديث النبوية ‪ ،‬والدعوة إلى إهدار‬
‫السنة النبوية والكتفاء بالقرآن الكريم‪ ..‬إن هذه الدعوة قديمة‬
‫وجديدة ‪ ،‬بل ومتجددة‪ ..‬وكما حذ ّر رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم من الكذب عليه‪ ..‬فلقد حذ ّر من إنكار سنته ‪ ،‬ومن الخروج‬
‫عليها‪.‬‬
‫ونحن بإزاء هذه الشبهة نواجه بلونين من الغلو‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬يهدر كل السنة النبوية ‪ ،‬اكتفاء بالقرآن الكريم‪ ..‬ويرى‬
‫أن السلم هو القرآن وحده‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬يرى فى كل المرويات المنسوبة للرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم سنة نبوية ‪ ،‬يكفر المتوقف فيها ‪ ،‬دونما فحص وبحث‬
‫وتمحيص لمستويات " الرواية " و " الدراية " فى هذه المرويات‪.‬‬
‫ودونما تمييز بين التوقف إزاء الراوى وبين إنكار ما ثبت عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪..‬‬
‫وبين هذين الغلوين يقف علماء السنة النبوية ‪ ،‬الذين وضعوا‬
‫علوم الضبط للرواية ‪ ،‬وحددوا مستويات المرويات ‪ ،‬بناء على‬
‫مستويات الثقة فى الرواة‪ ..‬ثم لم يكتفوا ـ فى فرز المرويات ـ‬
‫بعلم " الرواية " والجرح والتعديل للرجال ـ الرواة ـ وإنما‬
‫ضا لهذه المرويات التى رواها‬ ‫اشترطوا سلمة " الدراية " أي ً‬
‫العدول الضابطون عن أمثالهم حتى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫أى أن هؤلء العلماء بالسنة قد اشترطوا " نقد المتن والنص‬
‫والمضمون " بعد أن اشترطوا " نقد الرواية والرواة " وذلك حتى‬
‫يسلم المتن والمضمون من " الشذوذ والعلة القادحة " ‪ ،‬فل‬
‫يكون فيه تعارض حقيقى مع حديث هو أقوى منه سندًا ‪ ،‬وألصق‬
‫منه بمقاصد الشريعة وعقائد السلم ‪ ،‬ومن باب أولى أل يكون‬
‫ضا حقيقيًّا مع محكم القرآن الكريم‪..‬‬ ‫ضا تناق ً‬
‫الثر المروى متناق ً‬
‫ولو أننا طبقنا هذا المنهاج العلمى المحكم ‪ ،‬الذى هو خلصة‬
‫علوم السنة النبوية ومصطلح الحديث ‪ ،‬لما كانت هناك هذه‬
‫المشكلة ـ القديمة‪..‬‬

‫‪753‬‬
‫المتجددة ـ‪ ..‬ولكن المشكلة ـ مشكلة الغلو ‪ ،‬بأنواعه ودرجاته ـ‬
‫إنما تأتى من الغفلة أو التغافل عن تطبيق قواعد هذا المنهج‬
‫الذى أبدعته المة السلمية ‪ ،‬والذى سبقت به حضارتنا كل‬
‫الحضارات فى ميدان " النقد الخارجى والداخلى للنصوص‬
‫والمرويات "‪ ..‬وهذه الغفلة إنما تتجلى فى تركيز البعض على "‬
‫الرواية " مع إهمال " الدراية " أو العكس‪ ..‬وفى عدم تمييز‬
‫البعض بين مستويات المرويات ‪ ،‬كأن يطلب من الحاديث ظنية‬
‫الثبوت ما هو من اختصاص النصوص قطعية الثبوت‪ ..‬أو من مثل‬
‫تحكيم " الهوى " أو " العقل غير الصريح " فى المرويات‬
‫الصحيحة ‪ ،‬الخالية متونها ومضامينها من الشذوذ والعلة القادحة‪..‬‬
‫ضا آفة الذين ل يميزون بين التوقف إزاء " الرواية‬ ‫وهناك أي ً‬
‫والرواة " ـ وهم بشر غير معصومين ‪ ،‬وفيهم وفى تعديلهم‬
‫وقبول مروياتهم اختلف الفقهاء وعلماء الحديث والمحدثون ـ‬
‫وبين التوقف إزاء " السنة " ‪ ،‬التى ثبتت صحة روايتها ودرايتها‬
‫عن المعصوم صلى الله عليه وسلم‪ ..‬فتوقف العلماء‬
‫المتخصصين ـ وليس الهواة أو المتطفلين ـ إزاء " الرواية والرواة‬
‫" شىء ‪ ،‬والتوقف إزاء " السنة " التى صحت وسلمت من‬
‫الشذوذ والعلل القادحة شىء آخر‪ ..‬والول حق من حقوق علماء‬
‫هذا الفن ‪ ،‬أما الثانى فهو تكذيب للمعصوم صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ ،‬والعياذ بالله‪..‬‬
‫أما الذين يقولون إننا ل حاجة لنا إلى السنة النبوية ‪ ،‬اكتفاء بالبلغ‬
‫القرآنى ‪ ،‬الذى لم يفرط فى شىء‪..‬‬
‫فإننا نقول لهم ما قاله القدمون ـ من أسلفنا ـ للقدمين ـ من‬
‫أسلفهم ـ‪:‬‬
‫إن السنة النبوية هى البيان النبوى للبلغ القرآنى ‪ ،‬وهى التطبيق‬
‫العملى لليات القرآنية ‪ ،‬التى أشارت إلى فرائض وعبادات‬
‫وتكاليف وشعائر ومناسك ومعاملت السلم‪ ..‬وهذا التطبيق‬
‫العملى ‪ ،‬الذى حوّل القرآن إلى حياة معيشة ‪ ،‬ودولة وأمة‬
‫ومجتمع ونظام وحضارة ‪ ،‬أى الذى " أقام الدين " ‪ ،‬قد بدأ‬
‫بتطبيقات الرسول صلى الله عليه وسلم للبلغ القرآنى ‪ ،‬ليس‬
‫ما بفريضة إلهية نص‬ ‫تطوع ًا ول تزيّدًا من الرسول ‪ ،‬وإنما كان قيا ً‬
‫عليها القرآن الكريم (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل‬
‫إليهم ولعلهم يتفكرون ) (‪.)1‬‬
‫فالتطبيقات النبوية للقرآن ـ التى هى السنة العملية والبيان‬
‫صل ـ هى ضرورة قرآنية ‪،‬‬ ‫القولى الشارح والمفسر والمف ّ‬
‫وليست تزيّدًا على القرآن الكريم‪ ..‬هى مقتضيات قرآنية ‪،‬‬
‫اقتضاها القرآن‪ ..‬ويستحيل أن نستغنى عنها بالقرآن‪ ..‬وتأسيًا‬

‫‪754‬‬
‫ما بفريضة طاعته ـ التى‬ ‫بالرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وقيا ً‬
‫نص عليها القرآن الكريم‪( :‬قل أطيعوا الله والرسول ) (‪)2‬‬
‫(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) (‪( )3‬من يطع الرسول فقد أطاع‬
‫الله ) (‪( )4‬قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ) (‪)5‬‬
‫(إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) (‪ .)6‬تأسيًا بالرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬وطاعة له ‪ ،‬كان تطبيق المة ـ فى جيل‬
‫الصحابة ومن بعده ـ لهذه العبادات والمعاملت‪ ..‬فالسنة النبوية ‪،‬‬
‫التى بدأ تدوينها فى العهد النبوى ‪ ،‬والتى اكتمل تدوينها وتمحيصها‬
‫فى عصر التابعين وتابعيهم ‪ ،‬ليست إل التدوين للتطبيقات التى‬
‫جسدت البلغ القرآنى دينًا ودنيا فى العبادات والمعاملت‪.‬‬
‫َ‬
‫ب السنة النبوية ‪ ،‬وليست هى‬ ‫فالقرآن الكريم هو الذى تَطَل ّ َ‬
‫بالمر الزائد الذى يغنى عنه ويستغنى دونه القرآن الكريم‪.‬‬
‫أما العلقة الطبيعية بين البلغ اللهى ـ القرآن ـ وبين التطبيق‬
‫النبوى لهذا البلغ اللهى ـ السنة النبوية ـ فهى أشبه ما تكون‬
‫بالعلقة بين " الدستور " وبين " القانون "‪ .‬فالدستور هو مصدر‬
‫ومرجع القانون‪..‬‬
‫حجة ول دستورية‬ ‫والقانون هو تفصيل وتطبيق الدستور ‪ ،‬ول ُ‬
‫لقانون يخالف أو يناقض الدستور‪ ..‬ول غناء ول اكتفاء بالدستور‬
‫عن القانون‪.‬‬
‫إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ليس مجرد مبلّغ فقط ‪،‬‬
‫وإنما هو مبلّغ ‪ ،‬ومبين للبلغ ‪ ،‬ومطبق له ‪ ،‬ومقيم للدين ‪ ،‬تحوّل‬
‫القرآن على يديه إلى حياة عملية ـ أى إلى سنة وطريقة يحياها‬
‫المسلمون‪.‬‬
‫وإذا كان بيان القرآن وتفسيره وتفصيله هو فريضة إسلمية دائمة‬
‫وقائمة على المة إلى يوم الدين‪..‬‬
‫فإن هذه الفريضة قد أقامها ـ أول من أقامها ـ حامل البلغ ‪،‬‬
‫ومنجز البيان ‪ ،‬ومقيم السلم ـ عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫والذين يتصورون أن الرسول صلى الله عليه وسلم مجرد مبل ِّغ‬
‫إنما يضعونه فى صورة أدنى من صورتهم هم ‪ ،‬عندما ينكرون‬
‫عليه البيان النبوى للبلغ القرآنى ‪ ،‬بينما يمارسون هم القيام بهذا‬
‫البيان والتفسير والتطبيق للقرآن الكريم !‪ ..‬وهذا " مذهب "‬
‫يستعيذ المؤمن بالله منه ومن أهله ومن الشيطان الرجيم !‪.‬‬
‫(‪ )1‬النحل‪.44 :‬‬
‫(‪ )2‬آل عمران‪.32 :‬‬
‫(‪ )3‬النساء‪.59 :‬‬
‫(‪ )4‬النساء‪.80 :‬‬
‫(‪ )5‬آل عمران‪.31 :‬‬

‫‪755‬‬
‫(‪ )6‬الفتح‪.10 :‬‬
‫‪------------------‬‬
‫‪ -94‬حول تناقض النقل ‪ -‬القرآن ‪ -‬مع العقل‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫ن يقيمون التناقض بين " العقل " و " النقل " ‪ ،‬ويدعون‬ ‫م ْ‬‫هناك َ‬
‫أن الثقافة السلمية نقلية ل عقلية ‪ ،‬ويعتقدون أن جميع علماء‬
‫المة بدون استثناء غير مؤهلين ‪ ،‬لنهم اعتمدوا على النقل وليس‬
‫التفكير‪..‬‬
‫وأنه يجب التفكير فى كل أمور الدين ‪ ،‬الصل قبل الفرع‪ ..‬وإلغاء‬
‫كل الساسيات الموجودة التى تعتبرها المة من المسلمات ‪،‬‬
‫والبحث من جديد عن الحقيقة ‪ ،‬معتمدين على العقل فقط‪..‬‬
‫(انتهى)‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن القول بالعتماد على العقل فقط ‪ -‬أى دون النقل ‪ ،‬الذى هو‬
‫الوحى اللهى ‪ ،‬فى بلغه القرآنى وبيانه النبوى ‪ ..-‬واستخدام‬
‫العقل وحده أداة لعادة النظر فى كل ما تعتبره المة من‬
‫المسلمات‪ ..‬هو قول يحتاج إلى ضبط‪ ..‬وإلى تصويب‪ ..‬ويمكن أن‬
‫يتم ذلك من خلل إشارات إلى عدد من الحقائق‪:‬‬
‫أولها‪ :‬أن مقام العقل فى السلم هو مكان عال وفريد ‪ ،‬ول‬
‫نظير له فى الشرائع السابقة على الشريعة السلمية الخاتمة‪..‬‬
‫فالعقل فى السلم هو مناط التكليف بكل فرائض وأحكام‬
‫السلم‪ ..‬أى شرط التدين بدين السلم‪.‬‬
‫وثانيتها‪ :‬أن النقل السلمى ‪ -‬وخاصة معجزته القرآنية ‪ -‬هو‬
‫ما فى فهمها وفى التصديق‬ ‫معجزة عقلية ‪ ،‬قد ارتضت العقل حك ً‬
‫ضا فى‬ ‫بها ‪ ،‬وفى التمييز بين المحكم والمتشابه فى آياتها ‪ ،‬وأي ً‬
‫تفسير هذه اليات‪ ..‬فليس للقرآن كهنوت يحتكر تفسيره ‪ ،‬وإنما‬
‫هو ثمرة لنظر عقول العلماء المفسرين‪ ..‬وعلى حين كانت‬
‫معجزات الرسالت السابقة معجزات مادية ‪ ،‬تدهش العقول ‪،‬‬
‫فتشلها عن التفكير والتعقل ‪ ،‬جاءت معجزة السلم ‪ -‬القرآن‬
‫الكريم ‪ -‬معجزة عقلية ‪ ،‬تستنفر العقل كى يتعقل ويتفكر‬
‫ويتدبر ‪ ،‬وتحتكم إليه باعتباره القاضى فى تفسير آياتها‪ ..‬فكان‬
‫النقل السلمى سبيل ً لتنمية العقلنية السلمية‪ ..‬وكان هذا‬
‫التطور فى طبيعة المعجزة متناسبًا ومتسقًا مع مرحلة النضج‬
‫التى بلغتها النسانية ‪ ،‬ومع ختم السماء سلسلة الرسالت‬
‫والوحى إلى النبياء والرسل وأمم الرسالت‪..‬‬
‫وثالثتها‪ :‬أن العقل ‪ -‬فى السلم ‪ -‬هو سبيل اليمان بوجود الله‬
‫ووحدانيته وصفاته‪ ..‬لن اليمان بالله سابق على التصديق‬

‫‪756‬‬
‫بالرسول وبالكتاب الذى جاء به الرسول ‪ ،‬لنه شرط لهما ‪،‬‬
‫ومقدم عليهما ‪ ،‬فالتصديق بالكتاب ‪ -‬النقل ‪ -‬متوقف على صدق‬
‫الرسول الذى أتى به ‪ ،‬والتصديق بالرسول متوقف على وجود‬
‫الله الذى أرسل هذا الرسول وأوحى إليه‪ ..‬والعقل هو سبيل‬
‫اليمان بوجود الله ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬وذلك عن طريق تأمل‬
‫وتدبر بديع نظام وانتظام المصنوعات الشاهدة على وجود الصانع‬
‫المبدع لنظام وانتظام هذه المصنوعات‪ ..‬فالعقل ‪ -‬فى السلم ‪-‬‬
‫هو أداة اليمان بجوهر الدين ‪ -‬اللوهية ‪ -‬وبعبارة المام محمد‬
‫عبده‪ .." :‬فأول أساس وضع عليه السلم هو النظر العقلى ‪،‬‬
‫والنظر عنده هو وسيلة اليمان الصحيح ‪ ،‬فقد أقامك منه على‬
‫حجة ‪ ،‬وقاضاك إلى العقل ‪ ،‬ومن قاضاك إلى حاكم فقد‬ ‫سبيل ال ُ‬
‫أذعن إلى سلطته‪.)1( " ..‬‬
‫وذلك على حين كان العقل غريبًا ومستبعدًا من سبل اليمان فى‬
‫حقب الرسالت السابقة على السلم‪..‬‬
‫حقب المعجزات المدهشة للعقول ‪ ،‬عندما كانت النسانية فى‬
‫مراحل الطفولة " خرافًا ضالة " ‪ ،‬تؤمن بما يُلقى إلى قلبها ‪،‬‬
‫دون إعمال عقل ‪ ،‬لن اليمان ل يحتاج إلى إعمال عقل‪ ..‬وفق‬
‫عبارة القديس والفيلسوف النصرانى " أنسيلم " [‪1109-1033‬م]‪.‬‬
‫ورابعتها‪ :‬أن المقابلة بين " العقل " و " النقل " هى أثر من آثار‬
‫الثنائيات المتناقضة التى تميزت بها المسيرة الفكرية للحضارة‬
‫هوتًا كنسيًا ‪ -‬نقل ً ‪ -‬ل عقلنيًا ‪ ،‬فجاءت‬
‫الغربية ‪ ،‬تلك التى عرفت ل ُ‬
‫عقلنيتها ‪ ،‬فى عصر النهضة والتنوير الوضعى العلمانى ‪ ،‬ثورة‬
‫ضا له‪ ..‬أما فى السلم ‪ ،‬والمسيرة‬ ‫على النقل اللعقلنى ونق ً‬
‫الفكرية لحضارته وأمته ‪ -‬وخاصة فى عصر الزدهار والبداع ‪-‬‬
‫فإن النقل لم يكن أبدًا مقابل ً للعقل ‪ ،‬لن المقابل للعقل هو‬
‫الجنون ‪ ،‬وليس النقل‪ ..‬ولن النقل السلمى ‪ -‬القرآن الكريم ‪-‬‬
‫هو مصدر العقلنية المؤمنة ‪ ،‬والباعث عليها ‪ ،‬والداعى لستخدام‬
‫العقل والتفكر والتدبر فى آيات الله المنظورة والمسطورة‬
‫جميعًا‪ ..‬وآيات القرآن التى تحض على العقل والتعقل تبلغ تسعًا‬
‫ُ‬
‫وأربعين آية‪ ..‬واليات التى تتحدث عن " الل ّب " ‪ -‬بمعنى عقل‬
‫وجوهر النسان ‪ -‬هى ست عشرة آية‪ .‬كما يتحدث القرآن عن "‬
‫النُّهى " ‪ -‬بمعنى العقل ‪ -‬فى آيتين‪ ..‬وعن الفكر والتفكر فى‬
‫ثمانية عشر موضعًا‪ ..‬وعن الفقه والتفقه ‪ -‬بمعنى العقل والتعقل‬
‫‪ -‬فى عشرين موضعًا‪ ..‬وعن " التدبر " فى أربع آيات‪ ..‬وعن "‬
‫العتبار " فى سبع آيات‪ ..‬وعن " الحكمة " فى تسع عشرة آية‪..‬‬
‫وعن " القلب " كأداة للفقه والعقل ‪ -‬فى مائة واثنين وثلثين‬
‫موضعًا‪ ..‬ناهيك عن آيات العلم والتعلم والعلماء التى تبلغ فى‬

‫‪757‬‬
‫القرآن أكثر من ثمانمائة آية‪ ..‬فالنقل السلمى ‪ -‬أى الشرع‬
‫اللهى ‪ -‬هو الداعى للتعقل والتدبر والتفقه والتعلّم‪ ..‬والعقل‬
‫النسانى هو أداة فقه الشرع ‪ ،‬وشرط ومناط التدين بهذا الشرع‬
‫اللهى‪ ..‬ولذلك ل أثر للشرع بدون العقل ‪ ،‬كما أنه ل غنى للعقل‬
‫عن الشرع ‪ ،‬وخاصة فيما ل يستقل العقل بإدراكه من أمور‬
‫الغيب وأحكام الدين‪.‬‬
‫ذلك أن العقل ‪ ،‬مهما بلغ من العظمة والتألق فى الحكمة‬
‫والبداع ‪ ،‬هو ملكة من ملكات النسان ‪ ،‬وكل ملكات النسان ‪-‬‬
‫بالخبرة التاريخية والمعاصرة ‪ -‬هى نسبة الدراك والقدرات ‪،‬‬
‫تجهل اليوم ما تعلمه غدًا ‪ ،‬وما يقصر عنه عقل الواحد يبلغه عقل‬
‫الخر‪ ..‬وإذا كانت ميادين عالم الشهادة ‪ -‬النفس والكون‪..‬‬
‫أى الدنيا‪ ..‬مفتوحة على مصاريعها أمام العقل وأمام التجربة ‪-‬‬
‫بالنسبة للنسان ‪ -‬فإن هناك ميادين ‪ -‬وخاصة فى معارف عالم‬
‫الغيب ‪ -‬سبيل معرفتها النقل ‪ -‬أى الوحى ‪ -‬والوجدان ‪ -‬القلب‬
‫واللهام ‪ -‬فالهدايات التى يهتدى بها النسان هى " العقل " و "‬
‫النقل " و " التجربة " و " الوجدان "‪ ..‬وليست العقل وحده دون‬
‫سواه‪ ..‬وبتنوع الهدايات وسبل المعرفة النسانية ‪ ،‬مع تنوع‬
‫مصادر المعرفة النسانية ‪ -‬الوحى وآيات الله المسطورة ‪ ،‬مع‬
‫الكون وآيات الله المنظورة ‪ -‬تتكامل وتتوازن المعرفة النسانية‬
‫‪ -‬وهذه هى نظرية المعرفة السلمية ‪ -‬بينما يختل توازن هذه‬
‫المعرفة إذا هى وقفت ‪ -‬فى المصادر ‪ -‬عند الكون وعالم‬
‫الشهادة وحده ‪ -‬وفى الوسائل وإدراك المعرفة عند العقل‬
‫وحده ‪ ،‬أو العقل والتجربة وحدهما ‪ ،‬دون النقل والوجدان‪ ..‬ولقد‬
‫عبر عن هذا التكامل والتوازن فى ‪ -‬نظرية المعرفة السلمية‬
‫المام محمد عبده عندما تحدث ‪ -‬فى تفسيره لية (اهدنا‬
‫الصراط المستقيم)‪ -‬من سورة الفاتحة ‪ -‬عن " الهدايات الربع "‬
‫‪ -‬العقل ‪ ،‬والنقل ‪ ،‬والتجربة ‪ ،‬والوجدان كما عبر عن التلزم‬
‫الضرورى بين العقل والنقل ‪ ،‬لتكامل المعرفة السلمية عندما‬
‫قال‪ .." :‬فالعقل هو ينبوع اليقين فى اليمان بالله ‪ ،‬وعلمه‬
‫وقدرته ‪ ،‬والتصديق بالرسالة‪ ..‬أما النقل ‪ ،‬فهو الينبوع فيما بعد‬
‫ذلك من علم الغيب ‪ ،‬كأحوال الخرة والعبادات‪ ..‬والقرآن ‪ -‬وهو‬
‫م الناس إلى النظر فيه بعقولهم‪..‬‬ ‫المعجز الخارق ‪ -‬دعا السل ُ‬
‫فهو معجزة ع ُرضت على العقل ‪ ،‬وعرفته القاضى فيها ‪،‬‬
‫وأطلقت له حق النظر فى أنحائها ‪ ،‬ونشر ما انطوى فى أثنائها‪..‬‬
‫وإذا قدّرنا عقل البشر قدره ‪ ،‬وجدنا غاية ما ينتهى إليه كماله إنما‬
‫هو الوصول إلى معرفة عوارض بعض الكائنات التى تقع تحت‬
‫الدراك النسانى‪ ..‬أما الوصول إلى كنه حقيقته فمما ل تبلغه‬

‫‪758‬‬
‫قوته‪ ..‬ومن أحوال الحياة الخرى ما ل يمكن لعقل بشرى أن‬
‫معين يستعين به‬ ‫جا إلى ُ‬‫يصل إليه وحده‪ ..‬لهذا كان العقل محتا ً‬
‫فى وسائل السعادة فى الدنيا والخرة‪.)2( " ..‬‬
‫فالسلم ل يعرف ‪ -‬على الطلق ‪ -‬هذه الثنائية المتناقضة بين‬
‫العقل والنقل‪ ..‬وصريح المعقول ل يمكن أن يتعارض مع صحيح‬
‫المنقول‪ ..‬ولقد عبر المام محمد عبده عن ما قد يتوهمه البعض‬
‫ضا عندما صاغ حقيقة هذه القضية فقال‪ " :‬لقد تقرر بين‬ ‫تعار ً‬
‫المسلمين أن الدين إن جاء بشىء قد يعلو على الفهم ‪ ،‬فل‬
‫يمكن أن يأتى بما يستحيل عند العقل‪ ..)3( " ..‬ففارق بين ما‬
‫يعلو على إدراك العقل ‪ ،‬من بعض أمور الدين ‪ ،‬وبين ما يستحيل‬
‫فى العقل الذى برئ ويبرأ منه الدين‪.‬‬
‫ومن بين علماء السلم الذين عبروا ‪ -‬بصدق وعبقرية ‪ -‬عن‬
‫حجة السلم ‪ -‬أبو‬ ‫تكامل العقل والنقل ‪ -‬الحكمة والشريعة ‪ُ -‬‬
‫حامد الغزالى عندما قال‪ " :‬إن أهل السنة قد تحققوا أن ل‬
‫معاندة بين الشرع المنقول والحق المعقول ‪ ،‬وعرفوا أن من‬
‫ظن وجوب الجمود على التقليد واتباع الظواهر ‪ ،‬ما أُتوا به إل‬
‫من ضعف العقول وقلة البصائر‪ .‬وأن من تغلغل فى تصرف‬
‫العقل حتى صادموا به قواطع الشرع ‪ ،‬ما أُتوا به إل من خبث‬
‫الضمائر‪ .‬فميل أولئك إلى التفريط ‪ ،‬وميل هؤلء إلى الفراط ‪،‬‬
‫وكلهما بعيد عن الحزم والحتياط‪ ..‬فمثال العقل‪ :‬البصر السليم‬
‫عن الفات والذاء ‪ ،‬ومثال القرآن‪ :‬الشمس المنتشرة الضياء ‪،‬‬
‫خلِق أن يكون طالب الهتداء المستغنى إذا استغنى بأحدهما‬ ‫فأ ْ‬
‫عن الخر فى غمار الغبياء ‪ ،‬فل فرق بينه وبين العميان‪ .‬فالعقل‬
‫مع الشرع نور على نور‪.)4( " ..‬‬
‫وهذه العلقة بين العقل والنقل ‪ -‬علقة التكامل والتآخى ‪ -‬هى‬
‫التى أكد عليها أبو الوليد ابن رشد [‪654-520‬هجرية‪1198-1126/‬م]‬
‫عندما قال‪ .." :‬فإنا ‪ -‬معشر المسلمين ‪ -‬نعلم على القطع ‪ ،‬أنه ل‬
‫يؤدى النظر البرهانى إلى مخالفة ما ورد به الشرع ‪ ،‬فإن الحق ل‬
‫يضاد الحق ‪ ،‬بل يوافقه ويشهد له‪ ..‬فالحكمة هى صاحبة الشريعة‬
‫‪ ،‬والخت الرضيعة‪ ..‬وهما المصطحبتان بالطبع ‪ ،‬المتحابتان‬
‫بالجوهر والغريزة‪.)5( " ..‬‬
‫فالباب مفتوح على مصراعيه أمام العقل فى سائر ميادين عالم‬
‫الشهادة‪ .‬وهو سبيل الفقه والفهم والتكليف فى الشرع والدين‪..‬‬
‫لكن لبد من مؤازرة الشرع والنقل للعقل فيما ل يستقل العقل‬
‫بإدراكه من أخبار عالم الغيب والحكم والعلل من وراء بعض‬
‫أحكام العبادات فى الدين‪ ..‬وما قد يبدو من تعارض ‪ -‬عند البعض‬
‫‪ -‬أحيانًا بين العقل والنقل ‪ ،‬فهو تعارض بين العقل وبين " ظاهر‬

‫‪759‬‬
‫" النقل وليس حقيقة معنى النقل أو مرجعه إلى تخلف " صحة "‬
‫النقل‪ ..‬أو تخلف " صراحة " العقل‪ ..‬أو وجود ما يعلو على‬
‫الفهم ‪ ،‬ل ما يتعارض مع العقل‪ ..‬فالعقل مع الشرع ‪ -‬كما قال‬
‫حجة السلم الغزالى ‪ " -‬نور على نور "‪ ..‬وما الحديث عن‬ ‫ُ‬
‫ً‬
‫التعارض بينهما إل أثر من آثار الغلو فى أحدهما ‪ ،‬تفريطا أو‬
‫إفراطًا‪.‬‬
‫وإذا كانت البداهة والخبرة البشرية ‪ -‬وحتى الحكمة الفلسفية ‪-‬‬
‫تقول‪ :‬إن من مبادئ الدين والشرائع ما ل يستقل العقل بإدراك‬
‫كنهه وحقيقة جوهره ‪ ،‬فكيف يجوز لعاقل أن يدعو إلى تحكيم‬
‫العقل وحده فى كل أساسيات الدين ؟! لقد قال الفيلسوف‬
‫الفقيه أبو الوليد ابن رشد وهو الذى احترم عقلنيته المتألقة‬
‫الوروبيون والمسلمون جميعًا‪ .‬قال عن رأى الفلسفة القدماء‬
‫فى مبادئ الشرائع التى ل يستقل العقل بإدراكها‪ " :‬إن الحكماء‬
‫من الفلسفة ليس يجوز عندهم التكلم ول الجدل فى مبادئ‬
‫الشرائع مثل‪ :‬هل الله تعالى موجود ؟ وهل السعادة موجودة ؟‬
‫وهل الفضائل موجودة ؟‪ .‬وفاعل ذلك عندهم محتاج إلى الدب‬
‫الشديد ‪ ،‬ولذلك وجب قتل الزنادقة‪ ..‬فيجب على كل إنسان أن‬
‫يسلم بمبادئ الشرائع ‪ ،‬لن مبادئها أمور إلهية تفوق العقول‬
‫النسانية ‪ ،‬وكيفية وجودها هو أمر معجز عن إدراك العقول‬
‫النسانية ‪ ،‬فلبد أن يعترف بها مع جهل أسبابها‪.)6( " ..‬‬
‫كّم العقل فيما ل يستقل العقل بإدراكه من‬ ‫فليس هناك عاقل يح ِ‬
‫مبادئ الشرائع والمعجزات ‪ ،‬وكنه وجوهر وحقائق المغيبات‪.‬‬
‫وليس هناك عاقل يغفل أو يتغافل عن مكانة ودور العقل فى دين‬
‫السلم‪.‬‬
‫وإدراك وظيفة العقل‪ ..‬وميدان عمله‪ ..‬وحدود قدراته ‪ ،‬هو لب‬
‫الحترام للعقل ‪ ،‬وليس فيه انتقاص من سلطانه ‪ ،‬الذى تألق فى‬
‫دين السلم وفكر المسلمين‪.‬‬
‫(‪ [ )1‬العمال الكاملة للمام محمد عبده ] ج ‪ 3‬ص ‪.301‬‬
‫(‪ )2‬المصدر السابق ج ‪ 3‬ص ‪.397 ، 379 ، 325‬‬
‫(‪ [ )3‬العمال الكاملة ] ج ‪ 3‬ص ‪.257‬‬
‫(‪ [ )4‬القتصاد فى العتقاد ] ص ‪ .3 ،2‬طبعة القاهرة‪ .‬مكتبة صبيح‬
‫بدون تاريخ‪.‬‬
‫(‪ [ )5‬فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من التصال ] ص‬
‫‪ .67 ،32 ،31‬دراسة وتحقيق د‪ .‬محمد عمارة‪ .‬طبعة دار المعارف‪.‬‬
‫القاهرة سنة ‪1999‬م‪.‬‬
‫(‪ [ )6‬تهافت التهافت ] ص ‪ ، 125 ، 122 ، 121‬طبعة القاهرة سنة‬
‫‪1903‬م‪.‬‬

‫‪760‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫‪ -95‬السلم انتشر بالسيف ‪ ،‬ويحبذ العنف‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫وهى من أكثر الشبه انتشاًرا ‪ ،‬ونرد عليها بالتفصيل حتى نوضح‬
‫المر حولها‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يقول الله تعالى مخاطبا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم‪( :‬وما‬
‫أرسلناك إل رحمة للعالمين) (‪.)1‬‬
‫إن هذا البيان القرآنى بإطاره الواسع الكبير ‪ ،‬الذى يشمل‬
‫المكان كله فل يختص بمكان دون مكان ‪ ،‬والزمان بأطواره‬
‫المختلفة وأجياله المتعاقبة فل يختص بزمان دون زمان ‪،‬‬
‫والحالت كلها سلمها وحربها فل يختص بحالة دون حالة ‪ ،‬والناس‬
‫أجمعين مؤمنهم وكافرهم عربهم وعجمهم فل يختص بفئة دون‬
‫فئة ؛ ليجعل النسان مشدوها متأمل ً فى عظمة التوصيف‬
‫القرآنى لحقيقة نبوة سيد الولين والخرين ‪( ،‬وما أرسلناك إل‬
‫رحمة للعالمين) رحمة عامة شاملة ‪ ،‬تجلت مظاهرها فى كل‬
‫موقف لرسول الله صلى الله عليه وسلم تجاه الكون والناس‬
‫من حوله‪.‬‬
‫والجهاد فى السلم حرب مشروعة عند كل العقلء من بنى‬
‫البشر ‪ ،‬وهى من أنقى أنواع الحروب من جميع الجهات‪:‬‬
‫‪ -1‬من ناحية الهدف‪.‬‬
‫‪ -2‬من ناحية السلوب‪.‬‬
‫‪ -3‬من ناحية الشروط والضوابط‪.‬‬
‫‪ -4‬من ناحية النهاء واليقاف‪.‬‬
‫‪ -5‬من ناحية الثار أو ما يترتب على هذه الحرب من نتائج‪.‬‬
‫وهذا المر واضح تمام الوضوح فى جانبى التنظير والتطبيق فى‬
‫دين السلم وعند المسلمين‪.‬‬
‫وبالرغم من الوضوح الشديد لهذه الحقيقة ‪ ،‬إل أن التعصب‬
‫والتجاهل بحقيقة الدين السلمى الحنيف ‪ ،‬والصرار على جعله‬
‫طرفا ً فى الصراع وموضوعا ً للمحاربة ‪ ،‬أحدث لبسا ً شديدا ً فى‬
‫هذا المفهوم ـ مفهوم الجهاد ـ عند المسلمين ‪ ،‬حتى شاع أن‬
‫السلم قد انتشر بالسيف ‪ ،‬وأنه يدعو إلى الحرب وإلى العنف ‪،‬‬
‫ويكفى فى الرد على هذه الحالة من الفتراء ‪ ،‬ما أمر الله به من‬
‫العدل والنصاف ‪ ،‬وعدم خلط الوراق ‪ ،‬والبحث عن الحقيقة كما‬
‫هى ‪ ،‬وعدم الفتراء على الخرين ‪ ،‬حيث قال سبحانه فى كتابه‬
‫ن الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم‬ ‫سو َ‬‫م تَلب ِ ُ‬
‫العزيز‪( :‬ل ِ َ‬
‫تعلمون ) (‪.)2‬‬

‫‪761‬‬
‫ولقد فطن لبطلن هذا الدعاء كاتب غربى كبير هو توماس‬
‫كارليل ‪ ،‬حيث قال فى كتابه " البطال وعبادة البطولة " ما‬
‫ترجمته‪ " :‬إن اتهامه ـ أى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫بالتعويل على السيف فى حمل الناس على الستجابة لدعوته‬
‫سخف غير مفهوم ؛ إذ ليس مما يجوز فى الفهم أن يشهر رجل‬
‫فرد سيفه ليقتل به الناس ‪ ،‬أو يستجيبوا له ‪ ،‬فإذا آمن به من‬
‫يقدرون على حرب خصومهم ‪ ،‬فقد آمنوا به طائعين مصدقين ‪،‬‬
‫وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها " (‪.)3‬‬
‫ويقول المؤرخ الفرنسى غوستاف لوبون فى كتابه " حضارة‬
‫العرب " وهو يتحدث عن سر انتشار السلم فى عهده صلى الله‬
‫عليه وسلم وفى عصور الفتوحات من بعده ـ‪ " :‬قد أثبت التاريخ‬
‫أن الديان ل تفرض بالقوة ‪ ،‬ولم ينتشر السلم إذن بالسيف بل‬
‫انتشر بالدعوة وحدها ‪ ،‬وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التى‬
‫قهرت العرب مؤخرا ً كالترك والمغول ‪ ،‬وبلغ القرآن من النتشار‬
‫فى الهند ـ التى لم يكن العرب فيها غير عابرى سبيل ـ ما زاد‬
‫عدد المسلمين إلى خمسين مليون نفس فيها‪ ..‬ولم يكن السلم‬
‫أقل انتشارا ً فى الصين التى لم يفتح العرب أى جزء منها قط ‪،‬‬
‫وسترى فى فصل آخر سرعة الدعوة فيها ‪ ،‬ويزيد عدد مسلميها‬
‫على عشرين مليونا فى الوقت الحاضر " (‪.)4‬‬
‫هذا وقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلثة عشر‬
‫عاما ً ‪ ،‬يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ‪ ،‬وقد كان نتاج‬
‫هذه المرحلة أن دخل فى السلم خيار المسلمين من الشراف‬
‫وغيرهم ‪ ،‬وكان الداخلون أغلبهم من الفقراء ‪ ،‬ولم يكن لدى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ثروة عظيمة يغرى بها هؤلء‬
‫الداخلين ‪ ،‬ولم يكن إل الدعوة ‪ ،‬والدعوة وحدها ‪ ،‬ولم يقف المر‬
‫مل المسلمون ـ لسيما الفقراء والعبيد ومن‬ ‫عند هذا الحد بل تح َّ‬
‫ل عصبية له منهم ـ من صنوف العذاب وألوان البلء ما تعجز‬
‫الجبال الرواسى عن تحمله ‪ ،‬فما صرفهم ذلك عن دينهم وما‬
‫تزعزعت عقيدتهم ‪ ،‬بل زادهم ذلك صلبة فى الحق ‪ ،‬وصمدوا‬
‫صمود البطال مع قلتهم وفقرهم ‪ ،‬وما سمعنا أن أحدا ً منهم ارت ّ‬
‫د‬
‫سخطا ً عن دينه ‪ ،‬أو أغرته مغريات المشركين فى النكوص عنه ‪،‬‬
‫وإنما كانوا كالذهب البريز ل تزيده النار إل صفاء ونقاء ‪،‬‬
‫وسنتكلم هنا على الجانبين التنظيرى والتطبيقى ‪ ،‬ونقصد‬
‫بالتنظيرى ما ورد فى مصادر السلم (الكتاب والسنة) ‪ ،‬ونعنى‬
‫بالتطبيقى ما حدث عبر القرون ابتداء من الحروب التى شارك‬
‫فيها النبى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وانتهاء بعصرنا الحاضر ‪ ،‬ثم‬
‫نختم ببيان هذه النقاط الخمسة التى ذكرناها سابقاً‪.‬‬

‫‪762‬‬
‫أولً‪ :‬الجانب التنظيرى ورد فى القرآن الكريم وفى السنة النبوية‬
‫آيات وأحاديث تبين شأن الجهاد فى السلم ‪ ،‬ويرى المطالع لهذه‬
‫اليات والحاديث ‪ ،‬أن المجاهد فى سبيل الله ‪ ،‬هو ذلك الفارس‬
‫النبيل الخلقى المدرب على أخلق الفروسية العالية الراقية ؛‬
‫حتى يستطيع أن يمتثل إلى الوامر والنواهى الربانية التى تأمره‬
‫بضبط النفس قبل المعركة وأثناء المعركة وبعد المعركة ‪ ،‬فقبل‬
‫المعركة يجب عليه أن يحرر نفسه من كل الطماع ‪ ،‬وأل يخرج‬
‫مقاتل من أجل أى مصلحة شخصية ‪ ،‬سواء كانت تلك المصلحة‬
‫من أجل نفسه أو من أجل الطائفة التى ينتمى إليها ‪ ،‬أو من أجل‬
‫أى عرض دنيوى آخر ‪ ،‬وينبغى أن يتقيد بالشروط التى أحل الله‬
‫فيها الجهاد ‪ ،‬وأن يجعل ذلك لوجه الله تعالى ‪ ،‬ومعنى هذا أنه‬
‫سوف يلتزم بأوامر الله ‪ ،‬ويستعد لنهاء الحرب فورا ً ‪ ،‬إذا ما‬
‫فقدت الحرب شرطا ً من شروط حلها أو سببا ً من أسباب‬
‫استمرارها ‪ ،‬وسواء أكان ذلك الفارس منتصرا ً ‪ ،‬أو أصابه الذى‬
‫من عدوه ‪ ،‬فإن الله يأمره بضبط النفس ‪ ،‬وعدم تركها للنتقام ‪،‬‬
‫والتأكيد على اللتزام بالمعانى العليا ‪ ،‬وكذلك الحال بعد القتال ‪،‬‬
‫فإنه يجب عليه أن يجاهد نفسه الجهاد الكبر ؛ حتى ل يتحول‬
‫ص مؤذ ٍ لمجتمعه أو لجماعته أو‬
‫الفارس المجاهد إلى شخ ٍ‬
‫للخرين ‪ ،‬وبالرغم من أن لفظة الجهاد إذا أطلقت انصرف الذهن‬
‫إلى معنى القتال فى سبيل الله‪ .‬إل أن الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم قد أسماه بالجهاد الصغر ‪ ،‬وسمى الجهاد المستمر بعد‬
‫القتال بالجهاد الكبر ؛ لن القتال يستمر ساعات أو أيام ‪ ،‬وما‬
‫بعد القتال يستغرق عمر النسان كله‪.‬‬
‫وفيما يلى نورد اليات القرآنية والحاديث النبوية التى تحدثت عن‬
‫هذه القضية ‪ ،‬ثم بعد ذلك نستخرج منها الهداف والشروط‬
‫والضوابط والساليب ‪ ،‬ونعرف منها متى تنتهى الحرب ‪ ،‬والثار‬
‫المترتبة على ذلك‪:‬‬
‫أولً‪ :‬القرآن الكريم‪:‬‬
‫‪( -1‬وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ول تعتدوا إن الله ل‬
‫يحب المعتدين * واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث‬
‫أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ول تقاتلوهم عند المسجد‬
‫الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء‬
‫الكافرين) (‪.)5‬‬
‫‪( -2‬فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم * وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة‬
‫ويكون الدين لله فإن انتهوا فل عدوان إل على الظالمين) (‪.)6‬‬

‫‪763‬‬
‫‪( -3‬كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا ً وهو‬
‫خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا ً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم ل‬
‫تعلمون ) (‪.)7‬‬
‫‪( -4‬يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد‬
‫عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر‬
‫عند الله والفتنة أكبر من القتل ) (‪.)8‬‬
‫‪( -5‬وكأين من نبى قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم‬
‫فى سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ) (‬
‫‪.)9‬‬
‫ُ‬
‫‪( -6‬ول تحسبن الذين قُتِلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند‬
‫ربهم يُْرَزقُون ) (‪.)10‬‬
‫‪( -7‬فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا فى سبيلى وقاتلوا‬
‫وقتلوا لكفرن عنهم سيئاتهم ) (‪.)11‬‬
‫‪( -8‬فليقاتل فى سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالخرة‬
‫ومن يقاتل فى سبيل الله فيُقتل أو يَغِلب فسوف نؤتيه أجرا‬
‫عظيما ً ) (‪.)12‬‬
‫‪( -9‬وما لكم ل تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال‬
‫والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية‬
‫الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك‬
‫نصيرا ً ) (‪.)13‬‬
‫‪( -10‬فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل‬
‫الله لكم عليهم سبيل ً ) (‪.)14‬‬
‫‪( -11‬وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات‬
‫الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر‬
‫الكافرين * ليحق الحق ويبطل الباطل ولوكره المجرمون ) (‪.)15‬‬
‫‪( -12‬فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله‬
‫رمى ) (‪.)16‬‬
‫‪( -13‬وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا‬
‫فإن الله بما يعملون بصير) (‪.)17‬‬
‫‪( 14‬ول تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس‬
‫ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط) (‪.)18‬‬
‫‪( -15‬وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع‬
‫العليم ) (‪.)19‬‬
‫‪( -16‬يا أيها النبى قل لمن فى أيديكم من السرى إن يعلم الله‬
‫فى قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا ً مما أخذ منكم ويغفر لكم والله‬
‫غفور رحيم ) (‪.)20‬‬

‫‪764‬‬
‫‪( -17‬فإن تابوا وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله‬
‫غفور رحيم * وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى‬
‫يسمع كلم الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم ل يعلمون ) (‪.)21‬‬
‫‪( -18‬إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم‬
‫الجنة يقاتلون فى سبيل الله فَيَقتُلُون وَيُقتَلُون ) (‪.)22‬‬
‫ُ‬
‫موا وإن الله على نصرهم لقدير‬ ‫ن للذين يُقَاتَلُون بأنهم ظُل ِ ُ‬ ‫‪( -19‬أذ ِ َ‬
‫جوا من ديارهم بغير حق إل أن يقولوا َربُّنَا الله) (‪.)23‬‬ ‫* الذين أ ُ ْ‬
‫خرِ ُ‬
‫ثانياً‪ :‬الحاديث النبوية الشريفة‪:‬‬
‫‪ -1‬عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ عن النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪ " :‬تكفل الله لمن جاهد فى سبيله ل يخرجه من بيته‬
‫إل جهاد فى سبيله وتصديق كلمته بأن يدخله الجنة أو يرجعه إلى‬
‫مسكنه الذى خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة " (‪.)24‬‬
‫‪ -2‬عن وهب بن منبه ‪ ،‬قال‪ :‬سألت جابرا ً عن شأن ثقيف إذ‬
‫بايعت ‪ ،‬قال‪ :‬اشترطت على النبى صلى الله عليه وسلم أن ل‬
‫صدقة عليها ول جهاد ‪ ،‬وأنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم بعد‬
‫ذلك يقول‪ " :‬سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا " (‪.)25‬‬
‫‪ -3‬عن سعد بن زيد بن سعد الشهلى أنه أهدى إلى رسول صلى‬
‫الله عليه وسلم سيفا ً من نجران فلما قدم عليه أعطاه محمد بن‬
‫مسلمة ‪ ،‬وقال‪ " :‬جاهد بهذا فى سبيل الله فإذا اختلفت أعناق‬
‫الناس فاضرب به الحجر ‪ ،‬ثم ادخل بيتك وكن حلسا ً ملقى حتى‬
‫تقتلك يد خاطئة أو تأتيك منية قاضية‪ .‬قال الحاكم‪ :‬فبهذه‬
‫السباب وما جانسها كان اعتزال من اعتزل عن القتال مع على ـ‬
‫رضى الله عنه ـ وقتال من قاتله " (‪.)26‬‬
‫‪ -4‬عن سعيد بن جبير قال‪ " :‬خرج علينا أو إلينا ابن عمر فقال‬
‫رجل كيف ترى فى قتال الفتنة فقال وهل تدرى ما الفتنة كان‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين وكان الدخول‬
‫عليهم فتنة وليس كقتالكم على الملك " (‪.)27‬‬
‫‪ -5‬عن عبد الله بن عمرو ـ رضى الله عنهما ـ قال‪ :‬جاء رجل إلى‬
‫النبى صلى الله عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫إنى أريد الجهاد فقال‪ " :‬أحى والداك ؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬ففيهما‬
‫فجاهد " (‪.)28‬‬
‫ويتضح من هذه اليات والحاديث أن هدف الحرب فى السلم‬
‫يتمثل فى التى‪:‬‬
‫‪ -1‬رد العدوان والدفاع عن النفس‪.‬‬
‫‪ -2‬تأمين الدعوة إلى الله وإتاحة الفرصة للضعفاء الذين يريدون‬
‫اعتناقها‪.‬‬
‫‪ -3‬المطالبة بالحقوق السليبة‪.‬‬

‫‪765‬‬
‫‪ -4‬نصرة الحق والعدل‪.‬‬
‫ويتضح لنا أيضا أن من شروط وضوابط الحرب‪:‬‬
‫(‪ )1‬النبل والوضوح فى الوسيلة والهدف‪.‬‬
‫(‪ )2‬ل قتال إل مع المقاتلين ول عدوان على المدنيين‪.‬‬
‫(‪ )3‬إذا جنحوا للسلم وانتهوا عن القتال فل عدوان إل على‬
‫الظالمين‪.‬‬
‫(‪ )4‬المحافظة على السرى ومعاملتهم المعاملة الحسنة التى‬
‫تليق بالنسان‪.‬‬
‫(‪ )5‬المحافظة على البيئة ويدخل فى ذلك النهى عن قتل الحيوان‬
‫لغير مصلحة وتحريق الشجار ‪ ،‬وإفساد الزروع والثمار ‪،‬‬
‫والمياه ‪ ،‬وتلويث البار ‪ ،‬وهدم البيوت‪.‬‬
‫(‪ )6‬المحافظة على الحرية الدينية لصحاب الصوامع والرهبان‬
‫وعدم التعرض لهم‪.‬‬
‫الثار المترتبة على الجهاد يتضح لنا مما سبق أن الجهاد فى‬
‫السلم قد اتسم بنبل الغاية والوسيلة معا ‪ ،‬فل غرو أن تكون‬
‫الثار والثمار المتولدة عن هذا الجهاد متناسقة تماما فى هذا‬
‫السياق من النبل والوضوح ؛ لن النتائج فرع عن المقدمات ‪،‬‬
‫ونلخص هذه الثار فى النقاط التالية‪:‬‬
‫(‪ )1‬تربية النفس على الشهامة والنجدة والفروسية‪.‬‬
‫(‪ )2‬إزالة الطواغيت الجاثمة فوق صدور الناس ‪ ،‬وهو الشر الذى‬
‫يؤدى إلى الفساد فى الرض بعد إصلحها‪.‬‬
‫(‪ )3‬إقرار العدل والحرية لجميع الناس مهما كانت عقائدهم‪.‬‬
‫(‪ )4‬تقديم القضايا العامة على المصلحة الشخصية‪.‬‬
‫(‪ )5‬تحقيق قوة ردع مناسبة لتأمين الناس فى أوطانهم‪.‬‬
‫يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة الحج‪:‬‬
‫(الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إل أن يقولوا ربنا الله ولول‬
‫دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات‬
‫ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ً ولينصرن الله من ينصره إن‬
‫الله لقوى عزيز ) (‪.)29‬‬
‫قال المام القرطبى عند تفسيره لهذه الية‪:‬‬
‫(ولول دفع الله الناس بعضهم ببعض) أى لول ما شرعه الله‬
‫تعالى للنبياء والمؤمنين من قتال العداء ‪ ،‬لستولى أهل الشرك‬
‫وعطلوا ما بينته أرباب الديانات من مواضع العبادات ‪ ،‬ولكنه دفع‬
‫بأن أوجب القتال ليتفرغ أهل الدين للعبادة‪ .‬فالجهاد أمر متقدم‬
‫فى المم ‪ ،‬وبه صلحت الشرائع واجتمعت المتعبدات ؛ فكأنه‬
‫قال‪ :‬أذن فى القتال ‪ ،‬فليقاتل المؤمنون‪ .‬ثم قوى هذا المر فى‬
‫القتال بقوله‪( :‬ولول دفع الله الناس) الية ؛ أى لول القتال‬

‫‪766‬‬
‫والجهاد لتغلب على الحق فى كل أمة‪ .‬فمن استشبع من‬
‫النصارى والصابئين الجهاد فهو مناقض لمذهبه ؛ إذ لول القتال لما‬
‫بقى الدين الذى يذب عنه‪ .‬وأيضا ً هذه المواضع التى اتخذت قبل‬
‫تحريفهم وتبديلهم وقبل نسخ تلك الملل بالسلم إنما ذكرت لهذا‬
‫المعنى ؛ أى لول هذا الدفع لهُدمت فى زمن موسى الكنائس ‪،‬‬
‫وفى زمن عيسى الصوامع والبيع ‪ ،‬وفى زمن محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم المساجد‪ " .‬لهدمت " من هدمت البناء أى نقضته‬
‫فانهدم‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬هذا أصوب ما قيل فى تأويل الية " (‪.)30‬‬
‫ثانياً‪ :‬الناحية التطبيقية (‪ )1‬حروب النبى صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫(أ) الحرب ظاهرة اجتماعية‪:‬‬
‫الحرب ظاهرة إنسانية قديمة قدم النسان على ظهر هذه‬
‫البسيطة ‪ ،‬فمنذ وُجد النسان وهو يصارع ويحارب ‪ ،‬وكعلقة من‬
‫العلقات الجتماعية الحتمية نشأت الحرب ‪ ،‬فالحتكاك بين‬
‫البشر لبد وأن يُوَل ِّد صداما ً من نوع ما ‪ ،‬لقد جبل النسان على‬
‫غريزة التملك التى تدعوه إلى التشبث بما يملكه ‪ ،‬حيث إن هذه‬
‫الغريزة هى التى تحفظ عليه البقاء فى الحياة ‪ ،‬وهى بالتالى‬
‫التى تتولد عنها غريزة المقاتلة ‪ ،‬فى أبسط صورها دفاعا ً عن‬
‫حقه فى الستمرار والحياة ‪ ،‬وقد تتعقد نفسية النسان وتصبح‬
‫حاجاته ومتطلباته مركبة ‪ ،‬فل يقاتل طالبا ً للقوت أو دفاعا ً عنه‬
‫فقط ‪ ،‬وإنما يقاتل طلبا ً للحرية ورفعا ً للظلم واستردادا للكرامة‪.‬‬
‫صل العلمة ابن خلدون هذه الحقيقة فى مقدمته فيقول‪" :‬‬ ‫ويُفَ ِّ‬
‫اعلم أن الحروب وأنواع المقاتلة لم تزل واقعة فى الخليقة منذ‬
‫برأها الله ‪ ،‬وأصلها إرادة انتقام بعض البشر من بعض ويتعصب‬
‫لكل منها أهل عصبيته ‪ ،‬فإذا تذامروا لذلك وتوافقت الطائفتان ؛‬
‫إحداهما تطلب النتقام والخرى تدافع ‪ ،‬كانت الحرب وهو أمر‬
‫طبيعى فى البشر ‪ ،‬إما غيرة ومنافسة وإما عدوان وإما غضب‬
‫لله ولدينه ‪ ،‬وإما غضب للملك وسعى فى تمهيده " (‪.)31‬‬
‫(ب) الحرب فى الكتب المقدسة قبل السلم‪:‬‬
‫إذا ما تجاوزنا المم والحضارات البشرية ‪ ،‬وتأملنا فى الكتب‬
‫السماوية المقدسة (التوراة ـ النجيل) ‪ ،‬نرى أن هذه الكتب‬
‫المقدسة قد تجاوزت السباب المادية الغريزية التى يقاتل‬
‫النسان من أجلها إلى أسباب أكثر ُرقِيًّا وحضارة ‪ ،‬فبعد أن كان‬
‫النسان يقاتل رغبة فى امتلك الطعام أو الرض ‪ ،‬أو رغبة فى‬
‫الثأر الشخصى من الخرين ‪ ،‬أو حتى ردا للعدوان ‪ ،‬نرى أن‬
‫الكتب المقدسة قد أضافت أسبابا ً أخرى ‪ ،‬أسبابا ً إلهية تسمو‬
‫بالبشرية عن الدنايا وظلم الخرين ‪ ،‬إلى بذل النفس إقامة‬
‫للعدل ‪ ،‬ونصرة للمظلوم ‪ ،‬ومحاربة للكفر والخروج عن منهج‬

‫‪767‬‬
‫مح‬ ‫الله ‪ ،‬لقد حددت الكتب السماوية المناهج والطر التى ي ُ ْ‬
‫س َ‬
‫فيها بإقامة القتال وعبرت بالنسان مرحلة بناء المجد الشخصى‬
‫المؤسس على النا ‪ ،‬إلى مرحلة التضحية من أجل المبادئ‬
‫والمثل اللهية العليا ‪ ،‬التى تعمل فى إطار الجماعة البشرية ل‬
‫فى محيط الفرد الواحد‪.‬‬
‫الحرب فى العهد القديم‪:‬‬
‫وردت أسباب الحرب فى ست وثلثين آية تقع فى ثمانية أسفار‬
‫من أسفار العهد القديم هى‪( :‬التكوين ـ العدد ـ التثنية ـ يوشع ـ‬
‫القضاة ـ صموئيل الول ـ الملوك الثانى ـ حزقيال)‪.‬‬
‫(‪ )1‬ففى سفر العدد ـ الصحاح الثالث عشر ‪ ،‬ورد ما يفيد أن‬
‫موسى ـ عليه السلم ـ بعد خروجه بقومه من مصر بعث رسل‬
‫يتحسسون أمر أرض كنعان ـ فلسطين ـ ليستقروا فيها‪:‬‬
‫" فساروا حتى أتوا موسى وهارون وكل جماعة بنى إسرائيل إلى‬
‫برية فاران إلى قادش ‪ ،‬وردوا إليهما خبًرا وإلى كل الجماعة ‪،‬‬
‫وأروهم ثمر الرض وأخبروه ‪ ،‬وقالوا‪ :‬قد ذهبنا إلى الرض التى‬
‫أرسلتنا إليها وحقا إنها تفيض لبنا ً وعسل ً وهذا ثمرها غير أن‬
‫الشعب الساكن فى الرض معتز والمدن حصينة عظيمة جداً‬
‫وأيضا قد رأينا بنى عناق هناك " (‪.)32‬‬
‫(‪ )2‬وجاء فى سفر صموئيل الول ـ الصحاح الخامس والعشرون‪:‬‬
‫" فأجاب نابال عبيد داود وقال‪ :‬من هو داود ومن هو ابن يسى‬
‫قد كثر اليوم العبيد الذين يقحصون كل واحد من أمام سيده ‪،‬‬
‫أآخذ خبزى ومائى وذبيحى الذى ذبحت لجارى وأعطيه لقوم ل‬
‫أعلم من أين هم ؟ فتحول غلمان داود إلى طريقهم ورجعوا‬
‫وجاءوا وأخبروه حسب كل هذا الكلم ‪ ،‬فقال داود لرجاله‪:‬‬
‫ليتقلد كل واحد منكم سيفه وتقلد داود سيفه وصعد وراء داود‬
‫نحو أربعمائة رجل ومكث مائتان مع المتعة " (‪.)33‬‬
‫(‪ )3‬وفى سفر الملوك الثانى ـ الصحاح الثالث‪:‬‬
‫" وكان ميشع ملك موآب الثانى صاحب مواش ‪ ،‬فأدى لملك‬
‫إسرائيل مائة ألف خروف ومائة ألف كبش بصوفها ‪ ،‬وعند موت‬
‫آخاب عصى ملك موآب على ملك إسرائيل وخرج الملك يهورام‬
‫فى ذلك اليوم من السامرة وعد كل إسرائيل وذهب وأرسل إلى‬
‫يهو شافاط ملك يهوذا يقول‪ :‬قد عصى على ملك موآب ‪ ،‬فهل‬
‫تذهب معى إلى موآب للحرب ؟ " (‪.)34‬‬
‫(‪ )4‬جاء فى حزقيال الصحاح الواحد والعشرون‪:‬‬
‫" وكان إلى كلم الرب قائل‪ :‬يا ابن آدم اجعل وجهك نحو‬
‫أورشليم وتكلم على المقادس وتنبأ على أرض إسرائيل وقل‬
‫لرض إسرائيل هكذا قال الرب هأنذا عليك وأستل سيفى من‬

‫‪768‬‬
‫غمده فأقطع منه الصديق والشرير من حيث إنى أقطع منك‬
‫الصديق والشرير فلذلك يخرج سيفى من غمده على كل بشر‬
‫من الجنوب إلى الشمال فيعلم كل بشر أنى أنا الرب سللت‬
‫سيفى من غمده ل يرجع أيضا ً " (‪.)35‬‬
‫(‪ )5‬وجاء فى سفر يوشع الصحاح الثالث والعشرون‪:‬‬
‫" وأنتم قد رأيتم كل ما عمل الرب إلهكم هو المحارب عنكم‬
‫انظروا‪ :‬قد قسمت لكم بالقرعة هؤلء الشعوب الباقين ملكاً‬
‫حسب أسباطكم من الردن وجميع الشعوب التى قرضتها والبحر‬
‫العظيم نحو غروب الشمس والرب إلهكم هو ينفيهم من أمامكم‬
‫ويطردهم من قدامكم فتملكون أرضهم كما كلمكم الرب إلهكم "‬
‫(‪.)36‬‬
‫(‪ )6‬وجاء فى سفر القضاة الصحاح الول‪:‬‬
‫" وحارب بنو يهوذا أورشليم وأخذوها وضربوا بحد السيف‬
‫وأشعلوا المدينة بالنار وبعد ذلك نزل بنو يهوذا لمحاربة الكنعانيين‬
‫سكان الجبل وسكان الجنوب والسهل "‪.‬‬
‫(‪ )7‬وفى سفر القضاة الصحاح الثامن عشر‪:‬‬
‫" فأما هم فقد أخذوا ما صنع ميخا ً والكاهن الذى له وجاءوا إلى‬
‫ليش إلى شعب مستريح مطمئن فضربوهم بحد السيف وأحرقوا‬
‫ن ينقذ لنها بعيدة عن صيدون ولم يكن‬ ‫م ْ‬
‫المدينة بالنار ولم يكن َ‬
‫لهم أمر مع إنسان وهى فى الوادى الذى لبيت رحوب فبنوا‬
‫المدينة وسكنوا بها ودعوا اسم المدينة دان باسم دان أبيهم الذى‬
‫ولد لسرائيل ولكن اسم المدينة أول‪ :‬ليش " (‪.)37‬‬
‫(‪ )8‬وفى صموئيل الول الصحاح الرابع‪:‬‬
‫" وخرج إسرائيل للقاء الفلسطينيين للحرب ونزلوا عند حجر‬
‫المعونة ‪ ،‬وأما الفلسطينيون فنزلوا فى أفيق واصطف‬
‫الفلسطينيون للقاء إسرائيل واشتبكت الحرب فانكسر إسرائيل‬
‫أمام الفلسطينيين وضربوا من الصف فى الحقل نحو أربعة آلف‬
‫رجل " (‪.)38‬‬
‫(‪ )9‬وفى التكوين الصحاح الرابع والثلثون‪:‬‬
‫" فحدث فى اليوم الثالث إذ كانوا متوجعين أن ابنى يعقوب‬
‫شمعون ولوى أخوى دينة أخذ كل واحد منهما سيفه وأتيا على‬
‫المدينة بأمن وقتل كل ذكر وقتل حمور وشكيم ابنه بحد السيف‬
‫لنهم بخسوا أختهم ‪ ،‬غنمهم وبقرهم وكل ما فى المدينة وما فى‬
‫الحقل أخذوه وسبوا ونهبوا كل ثروتهم وكل أطفالهم ونسائهم‬
‫وكل ما فى البيوت " (‪.)39‬‬
‫(‪ )10‬وفى سفر التكوين الصحاح الرابع عشر‪:‬‬

‫‪769‬‬
‫" فلما سمع إبرام أن أخاه سبى جر غلمانه المتمرنين ولدان بيته‬
‫ثلثمائة وثمانية عشر وتبعهم إلى دان وانقسم عليهم ليل ً هو‬
‫وعبيده فكسرهم وتبعهم إلى حوبة التى من شمال دمشق‬
‫واسترجع كل الملك واسترجع لوطا ً أخاه أيضا ً وأملكه والنساء‬
‫أيضا ً والشعب " (‪.)40‬‬
‫(‪ )11‬وفى سفر العدد الصحاح الواحد والعشرون‪:‬‬
‫" فقال الرب لموسى ل تخف منه لنى قد دفعته إلى يدك مع‬
‫جميع قومه وأرضه فتفعل به كما فعلت بسيحون ملك الموريين‬
‫الساكن فى حبشون فضربوه وبنيه وجميع قومه حتى لم يبق لهم‬
‫شارد وملكوا أرضه " (‪ )12( )41‬وفى سفر العدد الصحاح‬
‫الخامس والعشرون‪:‬‬
‫" ثم كلم الرب موسى قائل ضايقوا المديانيين واضربوهم لنهم‬
‫ضايقوكم بمكايدهم التى كادوكم بها " (‪.)42‬‬
‫(‪ )13‬وفى سفر العدد الصحاح الثالث والثلثون‪:‬‬
‫تطالعنا التوراة ‪ ،‬أن الله قد أمر موسى ـ عليه السلم ـ أن يشن‬
‫حربا ً على أقوام قد عبدوا غير الله ـ سبحانه وتعالى ـ‪ " :‬وكلم‬
‫الرب موسى فى عربات مو آب على أردن أريحا قائل‪ " :‬كلم بنى‬
‫إسرائيل وقل لهم‪ :‬إنكم عابرون الردن إلى أرض كنعان‬
‫فتطردون كل سكان الرض من أمامكم وتمحون جميع تصاويرهم‬
‫وتبيدون كل أصنامهم المسبوكة وتخربون جميع مرتفعاتهم " (‬
‫‪.)43‬‬
‫(‪ )14‬وشبيه به ما ورد فى سفر صموئيل الصحاح السابع عشر‬
‫آية ‪ " 47 :45‬فقال داود للفلسطينى‪ :‬أنت تأتى إلى بسيف وبرمح‬
‫وبترس ‪ ،‬وأنا آتى إليك باسم رب الجنود إله صفوف إسرائيل‬
‫الذين عيرتهم ‪ 000‬فتعلم كل الرض أنه يوجد إله لسرائيل " (‪.)44‬‬
‫(‪ )15‬وفى سفر صموئيل الول الصحاح الثالث والعشرون‪:‬‬
‫" فذهب داود ورجاله إلى قعيلة وحارب الفلسطينيين وساق‬
‫مواشيهم وضربهم ضربة عظيمة وخلص داود سكان قعيلة " (‬
‫‪.)45‬‬
‫(‪ )16‬فى سفر المزامير المزمور الثامن عشر‪:‬‬
‫يسبح داود الرب ويمجده لنه يعطيه القوة على محاربة أعدائه‪" :‬‬
‫الذى يعلم يدى القتال فتحنى بذراعى قوس من نحاس‪ ..‬أتبع‬
‫أعدائى فأدركهم ول أرجع حتى أفنيهم أسحقهم فل يستطيعون‬
‫القيام ‪ ،‬يسقطون تحت رجلى تمنطقنى بقوة للقتال تصرع تحتى‬
‫القائمين على وتعطينى أقفية أعدائى ومبغضى أفنيهم " (‪.)46‬‬
‫هذه بعض من حروب بنى إسرائيل التى سجلتها نصوص كتبهم‬
‫وأسفارهم ‪ ،‬فمفهوم الحرب والقتال ‪ ،‬ليس مفهوما ً كريها ً من‬

‫‪770‬‬
‫وجهة النظر التوراتية ‪ ،‬وكأنها حروب مستمدة من الشريعة‬
‫الدينية التوراتية ‪ ،‬وهى كانت دائما تتم بمباركة الرب ومعونته‬
‫وكأن الرب ـ حسب تعبير التوراة ـ قد استل سيفه من غمده فل‬
‫يرجع (‪.)47‬‬
‫الحرب فى العهد الجديد‪:‬‬
‫كذلك نرى النجيل لم يهمل الكلم عن الحروب بالكلية ‪ ،‬بل جاء‬
‫نص واضح صريح ‪ ،‬ل يحتمل التأويل ول التحريف يقرر أن‬
‫المسيحية على الرغم من وداعتها وسماحتها التى تمثلت فى‬
‫النص الشهير " من ضربك على خدك اليمن فأدر له اليسر " ـ‬
‫إل أنها تشير إلى أن السيد المسيح ـ عليه السلم ـ قد يحمل‬
‫السيف ويخوض غمار القتال إذا دعته الظروف لذلك ؛ فجاء فى‬
‫النجيل على لسان السيد المسيح‪:‬‬
‫" ل تظنوا أنى جئت لرسى سلما ً على الرض ‪ ،‬ما جئت لرسى‬
‫سلما ً ‪ ،‬بل سيفا ً ‪ ،‬فإنى جئت لجعل النسان على خلف مع‬
‫أبيه ‪ ،‬والبنت مع أمها والكنة مع حماتها وهكذا يصير أعداء‬
‫النسان أهل بيته " (‪.)48‬‬
‫ولعلنا نلحظ التشابه الكبير بين هذه المقولة وحديث الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ [ :‬بعثت بالسيف بين يدى الساعة حتى‬
‫يعبد الله وحده ] (‪.)49‬‬
‫مما سبق يتبين لنا واضحا ً وجليا أن الحرب والقتال سنة كونية‬
‫سرت فى المم جميعاً‪ ،‬ولم نر فى تاريخ المم أمة خلت من‬
‫حروب وقتال ‪ ،‬ورأينا من استعراض الكتب المقدسة ـ التوراة‬
‫والنجيل ـ أنه سنة شرعية لم تخل شريعة من الشرائع السماوية‬
‫السابقة على السلم من تقريره والقيام به كما مر‪.‬‬
‫لقد كان هذا القدر كافيا فى إثبات أن محمدا ً صلى الله عليه‬
‫وسلم سائر على سنن من سبقه من النبياء ‪ ،‬وأن الجهاد لتقرير‬
‫الحق والعدل مما يمدح به السلم ؛ ل مما به يشان ‪ ،‬وأن ما هو‬
‫جواب لهم فى تبرير هذه الحروب وسفك الدماء كان جوابا ً لنا‬
‫فى مشروعية ما قام به النبى صلى الله عليه وسلم من القتال‬
‫والجهاد‪.‬‬
‫ولنشرع الن فى تتميم بقية جوانب البحث مما يزيل الشبهة‬
‫ويقيم الحجة ويقطع الطريق على المشككين ‪ ،‬فنتكلم عن‬
‫غزوات النبى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ممهدين لذلك بالحالة التى‬
‫كانت عليها الجزيرة العربية من حروب وقتال وسفك للدماء‬
‫لتفه السباب وأقلها شأنا ً ‪ ،‬حتى يبدو للناظر أن القتال كان‬
‫غريزة متأصلة فى نفوس هؤلء ل تحتاج إلى قوة إقناع أو‬
‫استنفار‪.‬‬

‫‪771‬‬
‫الحرب عند العرب قبل السلم سجلت كتب التاريخ والدب‬
‫العربى ما اشتهر وعرف بأيام العرب ‪ ،‬وهى عبارة عن مجموعة‬
‫من الملحم القتالية التى نشبت بين العرب قبل مبعث النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وليس يعنينا سرد هذه الملحم وتفاصيلها‬
‫ولكن الذى يعنينا هنا أن نقف على بعض الجوانب التى تصلح‬
‫للمقارنة (السباب ـ الزمن المستغرق ـ الثار التى خلفتها هذه‬
‫الحروب)‪.‬‬
‫قال العلمة محمد أمين البغدادى‪ " :‬اعلم أن الحروب الواقعة‬
‫بين العرب فى الجاهلية أكثر من أن تحصر ‪ ،‬ومنها عدة وقائع‬
‫مشهورة ل يتسع هذا الموضع لذكرها ولنذكر بعضا ً منها على‬
‫سبيل الجمال " (‪.)50‬‬
‫وقد ذكرت كتب التواريخ أياما ً كثيرة للعرب (البسوس ـ وداحس‬
‫والغبراء ـ يوم النسار ـ يوم الجفار ـ يوم الفجار ـ يوم ذى قار ـ‬
‫يوم شعب جبلة ـ يوم رحرحان ‪ 000‬إلخ) والمتأمل فى هذه‬
‫الملحم واليام يرى أن الحماسة الشديدة والعصبية العمياء‬
‫وعدم الكتراث بعواقب المور والشجاعة المتهورة التى ل تتسم‬
‫بالعقل ‪ ،‬كانت هى الوقود المحرك لهذه الحروب ‪ ،‬هذا فضل ً عن‬
‫تفاهة السباب التى قامت من أجلها هذه المجازر ‪ ،‬والمدة‬
‫الزمنية الطويلة التى استمرت فى بعضها عشرات السنين ‪،‬‬
‫والثار الرهيبة التى خلفتها هذه الحروب ‪ ،‬وعلى الرغم من أننا‬
‫لم نقف على إحصاء دقيق لما خلفته هذه الحروب إل أن‬
‫الكلمات التى قيلت فى وصف آثارها من الفناء والخراب وتيتم‬
‫الطفال وترمل النساء ‪ 000‬إلخ لتوقفنا على مدى ما أحدثته‬
‫الحرب فى نفوس الناس من اليأس والشؤم ‪ ،‬ويصف لنا الشاعر‬
‫زهير بن أبى سلمى طرفا ً من ذلك فى معلقته المشهورة وهو‬
‫يخاطب الساعين للسلم بين عبس وذبيان‪:‬‬
‫تداركتما عبسا وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم فهو‬
‫يقول للساعين للسلم‪ :‬إنكما بتحملكما ديات الحرب من مالكما ‪،‬‬
‫أنقذتما عبسا وذبيان بعدما يأسوا ‪ ،‬ودقوا بينهما عطر منشم ‪،‬‬
‫ومنشم هو اسم لمرأة كانت تبيع العطر يضرب بها المثل فى‬
‫التشاؤم ‪ ،‬دليل على عظم اليأس الذى أصاب نفوس الناس من‬
‫انتهاء هذه الحرب (‪.)51‬‬
‫هذه إطللة سريعة ومختصرة على الحروب وأسبابها لدى العرب‬
‫قبل السلم والن نشرع فى الكلم على تشريع الجهاد فى‬
‫السلم ثم نتبع ذلك بتحليل موثق لغزوات النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫الجهاد فى شرعة السلم‪:‬‬

‫‪772‬‬
‫لما استقر النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأسس حكومته‬
‫النبوية بها ‪ ،‬بعد ثلثة عشر عاما ً من الدعوة إلى الله وتحمل‬
‫الذى والعذاب فى سبيل ذلك تخللتها ثلث هجرات جماعية كبيرة‬
‫ـ هاجت ثائرة قريش وحقدوا على رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم لما أحرزه من استقرار ونجاح لهذه الدولة الوليدة ـ دون‬
‫ظلم أو استبداد أو سفك للدماء ـ ولذلك فقد كان صلى الله عليه‬
‫وسلم مقصودا ً بالقتل ‪ ،‬إذ ليس معقول ً أن تنام أعينهم على هذا‬
‫التقدم والنمو ‪ ،‬ومصالحهم قائمة على الزعامة الدينية فى جزيرة‬
‫العرب ‪ ،‬وهذه الدولة الجديدة قائمة على أساس دينى ربما يكون‬
‫سببا ً فى زوال هذه الزعامة الدينية الوثنية الموروثة‪ .‬وإذا كان‬
‫السلم دينا ً بلغت الميول السلمية فيه مداها فى قوله تعالى‪:‬‬
‫(فاصفح عنهم وقل سلم ) (‪ )53‬إل أن الميول السلمية ل تتسع‬
‫لمنع القائمين بهذا الدين الجديد من الدفاع عن أنفسهم وعن‬
‫دينهم الذى أنزله الله للنسانية كافة ‪ ،‬فى عالم يضيع فيه الحق‬
‫والعدل إن لم يكن لهما قوة تحميهما‪ ،‬فكان ل مناص من السماح‬
‫للمسلمين بحماية أنفسهم ودينهم بالسلح الذى يشهره خصومهم‬
‫ُ‬
‫ن للذين يُقَاتَلُو َ‬
‫ن‬ ‫فى وجوههم ‪ ،‬ولذلك كان التعبير بقوله تعالى‪(:‬أذ ِ َ‬
‫موا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من‬ ‫بأنهم ظُل ِ ُ‬
‫ديارهم بغير حق إل أن يقولوا ربنا الله ولول دفع الله الناس‬
‫بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها‬
‫اسم الله كثيرا ً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز ) (‬
‫‪.)53‬‬
‫أقول‪ :‬كان التعبير بالذن الذى يدل على المنع قبل نزول الية‬
‫يدل على طروء القتال فى السلم وأنه ظل ممنوعا ً طيلة العهد‬
‫المكى وبعضا ً من العهد المدنى‪.‬‬
‫" هذا ولم يغفل السلم حتى فى هذا الموطن ـ موطن الدفاع‬
‫عن النفس والدين ـ أن ينصح لتباعه بعدم العدوان ؛ لن‬
‫الموضوع حماية حق ل موضوع انتقام ول شفاء حزازات‬
‫الصدور ‪ ،‬وهذا من مميزات الحكومة النبوية ‪ ،‬فإن القائم عليها‬
‫من نبى يكون كالجراح يضع مشرطه حيث يوجد الداء‬
‫لستئصاله ‪ ،‬مع عدم المساس بالعضاء السليمة ‪ ،‬ومقصده‬
‫استبقاء حياة المريض ل قتله ‪ ،‬والعالم كله فى نظر الحكومة‬
‫النبوية شخص مريض تعمل لستدامة وجوده سليما ً قوياً‪ ..‬إن‬
‫طبيعة هذا العالم مبنية على التدافع والتغالب ليس فيما بين‬
‫الناس فحسب ‪ ،‬ولكن فيما بينهم وبين الوجود المحيط بهم ‪،‬‬
‫وبين كل فرد والعوامل المتسلطة عليه من نفسه ‪ ،‬ول أظن أن‬
‫قارئا ً من قرائنا يجهل الناموس الذى اكتشفه دارون وروسل‬

‫‪773‬‬
‫ولس ودعوه ناموس تنازع البقاء وبنوا عليه كل تطور أصاب‬
‫النواع النباتية والحيوانية والنسان أيضا ً " (‪.)54‬‬
‫" ألم تر كيف تصدى خصوم الدين النصرانى للمسيح ‪ ،‬وما كان‬
‫يدعو إل للصلح والسلم حتى إنهم استصدروا أمرا ً بصلبه فنجاه‬
‫الله منهم ‪ ،‬وما زالوا بالذين اتبعوه يضطهدونهم ويقتلونهم حتى‬
‫مضت ثلثة قرون وهم مشردون فى الرض ل تجمعهم جامعة ‪،‬‬
‫إلى أن حماهم من أعدائهم السيف على يد المبراطور‬
‫قسطنطين الذى أعمل السيف فى الوثنيين من أعدائهم‪ ..‬أفيريد‬
‫مثيرو هذه الشبهة أن يقوم دين على غير السنن الطبيعية فى‬
‫عالم مبنى على سنن التدافع والتنازع واستخدام القوة الحيوانية‬
‫لطمس معالم الحق ودك صروح العدل " ؟ " يقول المعترضون‪:‬‬
‫وماذا أعددتم من حجة حين تجمع المم على إبطال الحروب‬
‫وحسم منازعاتها عن طريق التحكيم ‪ ،‬وهذا قرآنكم يدعوكم إلى‬
‫الجهاد وحثكم على الستبسال فيه ؟ نقول‪ :‬أعددنا لهذا العهد‬
‫قوله تعالى‪( :‬وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو‬
‫السميع العليم) (‪.)55‬‬
‫" هذه حكمة بالغة من القرآن ‪ ،‬بل هذه معجزة من معجزاته‬
‫الخالدة ‪ ،‬وهى أدل دليل على أنه لم يشرع الحرب لذاتها ‪ ،‬ولكن‬
‫لنها من عوامل الجتماع التى لبد منها ما دام النسان فى‬
‫عقليته ونفسيته المأثورتين عنه ‪ ،‬غير أنه لم ينف أن يحدث تطور‬
‫عالمى يتفق فيه على إبطال الحرب فصرح بهذا الحكم قبل‬
‫حجة لهله من ناحية ‪ ،‬وليدل على أنه ل يريد‬ ‫حدوثه ليكون ُ‬
‫الحرب لذاتها من ناحية أخرى ‪ ،‬ولو كان يريدها لذاتها لما نوه‬
‫لهذا الحكم " (‪.)56‬‬
‫ثانياً‪ :‬نظرة تحليلية لغزوات النبى صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫إذا تتبعنا هذه الغزوات وقسمناها حسب الطوائف التى ضمتها ‪،‬‬
‫أمكننا التعرف على القبائل التى حدثت معها هذه المعارك وهى‬
‫كالتى‪:‬‬
‫(‪ )1‬قريش مكة‪:‬‬
‫وهى القبيلة التى ينتمى إليها النبى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬حيث‬
‫أن قريش هو فهر بن مالك ‪ ،‬وقيل النضر بن كنانة ‪ ،‬وعلى كل‬
‫القولين فقريش جد للنبى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وكانت معهم‬
‫الغزوات‪ :‬سيف البحر ـ الرابغ ـ ضرار ـ بواط ـ سفوان ـ ذو‬
‫العشيرة ـ السويق ـ ذو قردة ـ أحد ـ حمراء السد ـ بدر الخرة ـ‬
‫الحزاب ـ سرية العيص ـ سرية عمرو بن أمية ـ الحديبية ـ سيف‬
‫البحر الثانية ‪8‬هـ ـ فتح مكة‪.‬‬
‫(‪ )2‬قبيلة بنو غطفان وأنمار‪:‬‬

‫‪774‬‬
‫غطفان من مضر ‪ ،‬قال السويدى‪ " :‬بنو غطفان بطن من قيس‬
‫ابن عيلن بن مضر ‪ ،‬قال فى العبر‪ :‬وهم بطن متسع كثير‬
‫الشعوب والبطون " (‪ ، )57‬قال ابن حجر فى فتح البارى‪ " :‬تميم‬
‫وأسد وغطفان وهوازن جميعهم من مضر بالتفاق " (‪ ، )58‬أما‬
‫أنمار فهم يشتركون فى نفس النسب مع غطفان ‪ ،‬قال ابن‬
‫حجر‪ " :‬وسيأتى بعد باب أن أنمار فى قبائل منهم بطن من‬
‫غطفان " (‪ ، )59‬أى أن أنمار ينتسبون إلى مضر أيضا ً ونسبهم‬
‫كالتالى‪ :‬أنمار بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس‬
‫عيلن بن مضر (‪.)60‬‬
‫والغزوات التى ضمتها هى‪ :‬قرقرة الكدر ـ ذى أمر ـ دومة الجندل‬
‫ـ بنى المصطلق ـ الغابة ـ وادى القرى ـ سرية كرز بن جابر ـ‬
‫ذات الرقاع ـ تربة ـ الميفعة ـ الخربة ـ سرية أبى قتادة ـ عبد الله‬
‫بن حذافة (‪.)61‬‬
‫(‪ )3‬بنو سليم‪:‬‬
‫قال السويدى‪ " :‬بضم السين المهملة قبيلة عظيمة من قيس‬
‫عيلن والنسبة إليهم سلمى ‪ ،‬وسليم من أولد خصفة بن قيس‬
‫بن عيلن بن مضر (‪ ، )62‬والغزوات التى خاضها صلى الله عليه‬
‫وسلم مع بنى سليم هى‪ :‬بئر معونة ـ جموم ـ سرية أبى العوجاء‬
‫ـ غزوة بنى ملوح وبنى سليم (‪.)63‬‬
‫(‪ )4‬بنو ثعلبة‪:‬‬
‫ثعلبة هو ابن سعد بن ضبة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر (‬
‫‪ ، )64‬نسبه الدكتور على الجندى إلى مر بن أد هكذا‪ :‬ثعلبة بن مر‬
‫بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر (‪ ، )65‬والغزوات التى غزاها‬
‫صلى الله عليه وسلم معهم هى‪ :‬غزوة ذى القصة ـ غزوة بنى‬
‫ثعلبة ـ غزوة طرف ـ سرية الحسمى (‪.)66‬‬
‫(‪ )5‬بنو فزارة وعذرة‪:‬‬
‫قال فى سبائك الذهب‪ " :‬بنو فزارة بطن من ذبيان من غطفان ‪،‬‬
‫قال فى العبر‪ :‬وكانت منازل فزارة بنجد ووادى القرى ‪ ،‬ونسب‬
‫فزارة‪ :‬فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن‬
‫قيس عيلن بن مضر‪.‬‬
‫أما بنو عذرة‪ :‬بنوه بطن من قضاعة ‪ ،‬ونسبهم هكذا‪ :‬عذرة بن‬
‫سعد بن جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحافى بن‬
‫قضاعة (‪ .)67‬ونسبهم إلى قضاعة أيضا ً الدكتور على الجندى‬
‫معتمدا ً على أنساب ابن حزم هكذا‪ :‬عذرة بن سعد بن أسلم بن‬
‫عمران بن الحافى بن قضاعة (‪ ، )68‬وعلى هذا فبنو عذرة ليسو‬
‫من مضر وإنما كانوا موالين لبنى فزارة وهم من مضر‪ .‬وكان‬
‫معهما الغزوات والسرايا التية‪:‬‬

‫‪775‬‬
‫سرية أبى بكر الصديق ـ سرية فدك ـ سرية بشير بن سعد ـ‬
‫غزوة ذات أطلح (‪.)69‬‬
‫(‪ )6‬بنو كلب وبنو مرة‪:‬‬
‫أما بنو كلب فهم‪ :‬بنو كلب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب‬
‫بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن‬
‫إلياس بن مضر ‪ ،‬وبنو مرة هم أبناء كعب بن لؤى فيكون كلب‬
‫بطن من مرة ‪ ،‬وهذه نفس سلسلة النسب التى ذكرها الدكتور‬
‫على الجندى معتمدا ً على أنساب ابن حزم (‪ ، )70‬والغزوات التى‬
‫كانت معهم‪ :‬غزوة قريظة ـ غزوة بنى كلب ـ غزوة بنى مرة ـ‬
‫سرية ضحاك (‪.)71‬‬
‫(‪ )7‬عضل والقارة‪:‬‬
‫قال فى سبائك الذهب‪" :‬عضل بطن من بنى الهون من مضر" ‪،‬‬
‫ونسبهم هكذا‪ :‬عضل بن الهون بن خزيمة بن مدركة بن إلياس‬
‫بن مضر ‪ ،‬وأما القارة فلم يذكرها السويدى فى السبائك ول‬
‫الدكتور الجندى ‪ ،‬إل أن الستاذ الشيخ محمد الخضرى نسبها إلى‬
‫خزيمة بن مدركة ‪ ،‬وذكر الفارة بالفاء الموحدة ل بالقاف المثناة‬
‫(‪ )72‬وقد غزاهم النبى صلى الله عليه وسلم غزوة واحدة هى‬
‫غزوة الرجيع (‪.)73‬‬
‫(‪ )8‬بنو أسد‪:‬‬
‫قال السويدى‪ " :‬بنو أسد حى من بنى خزيمة ‪ ،‬ونسبهم هكذا‪:‬‬
‫أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر (‪ ، )74‬والغزوات‬
‫التى غزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هى‪ :‬سرية قطن ـ‬
‫سرية عمر مرزوق ـ غزوة ذات السلسل (‪.)75‬‬
‫(‪ )9‬بنو ذكوان‪:‬‬
‫قال السويدى‪ " :‬بنو ذكوان بطن من بهتة من سليم ‪ ،‬وهم من‬
‫الذين مكث النبى صلى الله عليه وسلم شهرا ً يقنت فى الصلة‬
‫يدعو عليهم وعلى رعل (‪ )76‬ونسبهم هكذا‪ :‬ذكوان بن بهتة بن‬
‫سليم بن منصور بن عكرمة خصفة بن قيس عيلن بن مضر (‬
‫‪ ، )77‬ولم يغزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إل غزوة‬
‫واحدة هى غزوة بئر معونة‪.‬‬
‫(‪ )10‬بنو لحيان‪:‬‬
‫من المعروف أن بنى لحيان من هذيل ‪ ،‬وهذيل هو‪ :‬ابن مدركة‬
‫بن مضر(‪ ،)78‬وغزاهم النبى صلى الله عليه وسلم غزوة واحدة‬
‫هى‪:‬غزوة بنى لحيان (‪.)79‬‬
‫(‪ )11‬بنو سعد بن بكر‪:‬‬

‫‪776‬‬
‫نسبهم‪ :‬سعد بن بكر بن هوازن بن سليم بن منصور بن عكرمة‬
‫ابن خصفة بن قيس عيلن بن مضر (‪ ، )80‬وقد أرسل لهم النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم سرية واحدة هى سرية فدك‪.‬‬
‫(‪ )12‬بنو هوازن‪:‬‬
‫بنو هوازن بطن من قيس عيلن ‪ ،‬ونسبهم هكذا‪ :‬هوازن بن سليم‬
‫بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلن بن مضر (‪،)81‬‬
‫وقد غزاهم صلى الله عليه وسلم غزوة ذات عرق‪.‬‬
‫(‪ )13‬بنو تميم‪:‬‬
‫بنو بطن من طابخة ‪ ،‬قال فى العبر‪ " :‬وكانت منازلهم بأرض نجد‬
‫دائرة من هنالك على البصرة واليمن ‪ ،‬ونسبهم هكذا‪ :‬تميم بن‬
‫مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر " (‪.)82‬‬
‫(‪ )14‬بنو ثقيف‪:‬‬
‫بنو ثقيف بطن من هوازن اشتهروا باسم أبيهم ثقيف ‪ ،‬ونسبهم‪:‬‬
‫ثقيف بن منبه بن بكر بن بهتة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن‬
‫خصفة بن قيس عيلن بن مضر (‪ ، )83‬وقد غزاهم النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم غزوتين هما‪ :‬غزوة حنين ـ غزوة الطائف‪.‬‬
‫ونستطيع من خلل هذا التتبع أن نقول‪ :‬إن هذه القبائل كانت‬
‫جميعها تنتسب إلى مضر وهو جد النبى صلى الله عليه وسلم أو‬
‫من والهم ‪ ،‬وبالمعنى الدق كانت نتيجة غضب إخوته من‬
‫أجداده ‪ ،‬أما اليهود فقد كانوا مع قريش حسب معاهدتهم معهم ‪،‬‬
‫وبذلك ظهر جليا ً أن الغزوات والسرايا التى خاضها أو أرسلها‬
‫النبى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬كانت موجهة فى نطاق ضيق هو‬
‫نسل مضر ‪ ،‬فل يمكن أن يقال حينئذ‪ :‬أن النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم قد أشعل نار الحرب ضد العرب جميعا ً ‪ ،‬أو أنه خاض‬
‫الحروب لكراه الناس على اعتناق السلم ‪ ،‬ولو كان المر كما‬
‫يقولون لوقعت حرب عدوانية أو دفاعية ضد أى قبيلة من مئات‬
‫القبائل العربية ‪ ،‬وهذه الحقيقة تحتاج إلى مزيد من التعمق‬
‫والتحليل فى بعض خصائص القبائل العربية ؛ إذ قد يقول قائل أو‬
‫يعترض معترض‪ :‬إن هذا الذى توصلنا إليه بالبحث ـ أل وهو‬
‫انحصار القتال مع المضريين ـ لم يحدث إل اتفاقا ً ‪ ،‬والمور‬
‫التفاقية ل تدل على شىء ول يستخرج منها قانون كلى نحكم به‬
‫على جهاد النبى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬إذ كان من الممكن أن‬
‫يقاتل النبى صلى الله عليه وسلم ربيعة بدل ً من مضر ‪ ،‬أو يقاتل‬
‫ربيعة ومضر معا ً ‪ ،‬أو يقاتل القحطانية بدل ً من العدنانية أو‬
‫يقاتلهما معا ً ‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫‪777‬‬
‫ذلك المتوقع أن تزيد اللفة والمودة بين أفراد وقبائل الجد‬
‫الواحد ل أن تشتعل نار الحرب والقتال بينهم ‪ ،‬فما الذى عكس‬
‫هذا التوقع وقلب المر رأسا ً على عقب ؟!‬
‫وللجابة على هذه الشبهة نقول‪:‬‬
‫كان من أشهر المثلة العربية المثل المشهور " انصر أخاك ظالماً‬
‫أو مظلوما ً " وقد كان العرب يطبقون هذا المثل تطبيقا ً حرفيا ً ـ‬
‫دون هذا التعديل الذى أضافه السلم عليه ـ فكانوا ينصرون‬
‫إخوانهم وبنى أعمامهم نصرا ً حقيقيا ً على كل حال فى صوابهم‬
‫وخطئهم وعدلهم وظلمهم ‪ ،‬وإذا دخلت قبيلتان منهم فى حلف‬
‫كان لكل فرد من أفراد القبيلتين النصرة على أفراد القبيلة‬
‫الخرى ‪ ،‬وهذا الحلف قد يعقده الفراد وقد يعقده رؤساء القبائل‬
‫والمر واحد فى الحالين‪.‬‬
‫بينما هم كذلك فى بنى أبيهم وفى حلفائهم ‪ ،‬إذ بك تراهم حينما‬
‫تتشعب البطون قد نافس بعضهم بعضا ً فى الشرف والثروة ‪،‬‬
‫فنجد القبائل التى يجمعها أب واحد كل واحدة قد وقفت لختها‬
‫بالمرصاد تنتهز الفرصة للغض منها والستيلء على موارد رزقها ‪،‬‬
‫وترى العداء قد بلغ منها الدرجة التى ل تطاق ‪ ،‬كما كان بين‬
‫بطنى الوس والخزرج ‪ ،‬وبين عبس وذبيان ‪ ،‬وبين بكر وتغلب‬
‫ابنى وائل ‪ ،‬وبين عبد شمس وهاشم ‪ 000 ،‬إلخ ‪ ،‬فكانت روح‬
‫الجتماع سائدة بين القبيلة الواحدة ‪ ،‬تزيدها العصبية حياة ونموا ً ‪،‬‬
‫وكانت مفقودة تماما ً بين القبائل المختلفة ؛ فكانت قواهم‬
‫متفانية فى قتالهم وحروبهم ونزاعاتهم‪.‬‬
‫وقد علل الشيخ محمد الخضرى بك هذه الحقيقة العجيبة بأمرين‪:‬‬
‫المر الول‪:‬‬
‫التنافس فى مادة الحياة بين بنى الب الواحد ‪ ،‬إذ أن حياتهم‬
‫كانت قائمة على المراعى التى يسيمون فيها أنعامهم ‪ ،‬والمناهل‬
‫التى منها يشربون‪.‬‬
‫المر الثانى‪:‬‬
‫تنازع الشرف والرياسة ‪ ،‬وأكثر ما يكون ذلك إذا مات أكبر الخوة‬
‫وله ولد صالح لن يكون موضع أبيه ‪ ،‬فينازع أعمامه رياسة‬
‫العشيرة ول يسلم أحد منهما للخر ‪ ،‬وقد يفارق رئيس أحد‬
‫البيتين الديار مضمرا ً فى نفسه ما فيها من العداوة والبغضاء ‪،‬‬
‫وقد يبقيا متجاورين ‪ ،‬وفى هذه الحالة يكون التنافر أشد كما كان‬
‫الحال بين الوس والخزرج من المدينة ‪ ،‬وبين هاشم وأمية من‬
‫مكة ‪ ،‬وبين عبس وذبيان من قيس ‪ ،‬وبين بكر وتغلب من ربيعة‪.‬‬
‫ومتى وجد النفور بين جماعتين أو بين شخصين ل يحتاج شبوب‬
‫نار الحرب بينهما إلى أسباب قوية ‪ ،‬بل إن أيسر النزاع كاف‬

‫‪778‬‬
‫لنشوب نار الحرب وتيتم الطفال وتأيم النساء ؛ لذلك كانت‬
‫الجزيرة العربية دائمة الحروب والمنازعات (‪.)84‬‬
‫هذه الحقيقة التى توصلنا إليها ـ وهى أن نار الحرب سريعة‬
‫النشوب بين أبناء الب أو الجد الواحد ـ تدعم ما توصلنا إليه من‬
‫أن الحرب إنما كانت نتيجة غضب إخوته من أجداده ‪ ،‬وإذا كان‬
‫الخلف محصورا ً فى السببين السابقين ‪ ،‬فأى سبب هو الذى أجج‬
‫نار الغيرة والحقد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ هل‬
‫السبب هو التنافس فى مادة الحياة الدنيا ‪ ،‬أم الخوف من انتزاع‬
‫الشرف والسيادة التى تؤول إلى النبى صلى الله عليه وسلم إذ‬
‫هم أذعنوا له بالرسالة والنبوة ؟ أما عن السبب الول فليس‬
‫واردا ً على الطلق ‪ ،‬فلقد ضرب كفار مكة حصارا ً تجويعيا ً على‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى بنى هاشم وبنى عبد‬
‫المطلب ‪ ،‬فانحازوا إلى شعب أبى طالب ثلث سنوات كاملة ‪،‬‬
‫عاشوا فيها الجوع والحرمان ما ل يخطر ببال ‪ ،‬حتى إنهم من‬
‫شدة الجوع قد أكلوا ورق الشجر وكان يسمع من بعيد بكاء‬
‫أطفالهم وأنين شيوخهم ‪ ،‬ومع ذلك فقد التزم النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم الصبر والثبات ‪ ،‬ولم يأمر أصحابه أن يشنوا حربا ً أو‬
‫قتال ً لفك هذا الحصار ‪ ،‬والخبير يعلم ما الذى يمكن أن يفعله‬
‫الجوع بالنفس البشرية ‪ ،‬إن لم يصحبها نور من وحى أو ثبات من‬
‫إيمان‪.‬‬
‫كان السبب الثانى إذن كفيل ً بإشعال هذه النار فى قلوب هؤلء‬
‫وعلى حد تعبير الستاذ العلمة محمد فريد وجدى‪ " :‬كان مقصوداً‬
‫بالقتل من قريش ‪ ،‬وليس يعقل أن تغمض قريش عينها ‪،‬‬
‫ومصلحتها الحيوية قائمة على زعامة الدين فى البلد العربية ‪،‬‬
‫وعن قيام زعامة أخرى فى البلد كيثرب يصبح منافسا ً لم القرى‬
‫‪ ،‬وربما بزها سلطانا ً على العقول ‪ ،‬وكر على قريش فأباد‬
‫خضراءها وسلبها حقها الموروث " (‪ ، )85‬والذى يؤيد هذا ويقويه‬
‫ذلك الحوار الذى دار بين الخنس بن شريق وبين أبى جهل ؛ إذ‬
‫قال له الخنس‪ :‬يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ ـ‬
‫يعنى القرآن ـ فقال ما سمعت ؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف‬
‫الشرف ‪ ،‬أطعموا فأطعمنا ‪ ،‬وحملوا فحملنا ‪ ،‬وأعطوا فأعطينا ‪،‬‬
‫حتى إذا تجاثينا على الركب ‪ ،‬وكنا كفرسى رهان قالوا منا نبى‬
‫يأتيه الوحى من السماء ‪ ،‬فمتى ندرك هذا ؟! والله ل نؤمن به‬
‫أبدا ً ول نصدقه‪.‬‬
‫ليست الصدفة إذن ول محض التفاق هما اللذان دفعا النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم لقتال أبناء أجداده من مضر دون ربيعة أو غيرها‬
‫من العرب ‪ ،‬بل الطبيعة العربية المتوثبة دائما ً ‪ ،‬لمن ينازعها‬

‫‪779‬‬
‫الشرف والسيادة من أبناء الب الواحد ـ على ما بيناه آنفا ً ـ كانت‬
‫هى السبب الرئيسى لشتعال هذه الحروب ولولها لما اضطر‬
‫صلى الله عليه وسلم للقتال بعد ثلثة عشر عاما ً من الدعوة‬
‫والصبر تخللها من المشاق والعنت ما الله به عليم ‪ ،‬ومع ذلك‬
‫فقد كان هجيراه ـ بأبى هو وأمى ـ " اللهم اهد قومى فإنهم ل‬
‫يعلمون "‪.‬‬
‫وثمة أمر آخر ينبغى الشارة إليه ‪ ،‬يتعلق بالثار الناجمة عن هذا‬
‫القتال ‪ ،‬من حيث أعداد القتلى التى نجمت عن هذه الغزوات‬
‫والجدول التى يعطينا صورة بيانية عن هذه الثار كالتى‪:‬‬
‫الغزوة ‪ /‬شهداء المسلمين ‪ /‬قتلى المشركين ‪ /‬الملحظة بـدر ‪/‬‬
‫‪ / 70 / 14‬أُحـد ‪ / 22 / 70 /‬الخندق ‪ / 3 / 6 /‬بنو المصطلق ‪ /‬ـ ‪/ 3 /‬‬
‫خيبر ‪ / 19 /‬لم يدخل اليهود فى هذه الحصائية لن لهم حكم آخر‬
‫بسبب خيانتهم ‪ ،‬فهم قُتلوا بناء على حكم قضائى ‪ ،‬بسبب‬
‫الحرب‪.‬‬
‫بئر مونة ‪ / 69‬ـ ‪ /‬مؤتـة ‪ / 14 / 14 /‬حنيـن ‪ / 71 / 4 /‬الطائف ‪ / 13 /‬ـ‬
‫‪ /‬معارك أخرى ‪ / 256 / 118 /‬المجموع ‪ 756 / 439 / 317 /‬من‬
‫الجانبين‪.‬‬
‫حا وجليًا أن السلم متمثل ً فى‬ ‫وبعد فقد بدا للناظرين واض ً‬
‫شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم أبعد ما يكون عن حمل‬
‫الناس على اعتناق السلم بالسيف ‪ ،‬وهو الذى قال صلى الله‬
‫عليه وسلم لعدائه بعدما قدر عليهم‪ " :‬اذهبوا فأنتم الطلقاء "‬
‫هكذا دون شرط أو قيد ‪ ،‬أقول حتى دون اشتراط السلم‪.‬‬
‫والنتائج الحقيقية‪:‬‬
‫(‪ )1‬تحويل العرب الوحوش إلى عرب متحضرين ‪ ،‬والعرب‬
‫الملحدين الوثنيين إلى عرب مسلمين موحدين‪.‬‬
‫(‪ )2‬القضاء على أحداث السلب والنهب وتعزيز المن العام فى‬
‫بلد تفوق مساحتها مساحة فرنسا بضعفين‪.‬‬
‫(‪ )3‬إحلل الخوة والروحانية محل العداوة والبغضاء‪.‬‬
‫(‪ )4‬إثبات الشورى مكان الستبداد (‪.)86‬‬
‫هذا وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ضوابط وقيود‬
‫كان من شأنها أن تحدد وظيفة الجهاد فى نشر السلم فى ربوع‬
‫المعمورة ‪ ،‬دون سفك للدماء ما استطعنا إلى ذلك سبيلً‪.‬‬
‫ومن هذه الضوابط قوله تعالى‪( :‬وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ‬
‫إليهم على سواء إن الله ل يحب الخائنين ) (‪.)87‬‬
‫فإن كان بين المسلمين والكفار عهد أو أمان فل يجوز للمسلمين‬
‫الغدر حتى ينقضى المد ‪ ،‬فإن خاف المسلمون من أعدائهم‬
‫خيانة بأن ظهر من قرائن أحوالهم ما يدل على خيانتهم من غير‬

‫‪780‬‬
‫تصريح منهم ‪ ،‬فحينئذ يخبرهم المسلمون أنه ل عهد بيننا وبينكم‬
‫حتى يستوى علم المسلمين وعلم أعدائهم بذلك‪.‬‬
‫ودلت الية على أنه إذا وجدت الخيانة المحققة من العداء لم‬
‫يحتج أن ينبذ إليهم عهدهم ‪ ،‬لنه لم يخف منهم بل علم ذلك‪.‬‬
‫ودل مفهوم الية أيضا ً على أنه إذا لم يخف منهم خيانة بأن يوجد‬
‫منهم ما يدل على عدم الخيانة ‪ ،‬أنه ل يجوز نبذ العهد إليهم ‪ ،‬بل‬
‫يجب الوفاء إلى أن تتم مدته (‪.)88‬‬
‫انتشار السلم أ ـ معدلت انتشار السلم‪:‬‬
‫الذى يؤكد على الحقيقة التى توصلنا إليها ـ وهى أن انتشار‬
‫السلم كان بالدعوة ل بالسيف ـ أن انتشار السلم فى الجزيرة‬
‫العربية وخارجها ‪ ،‬كان وفق معدلت متناسبة تماما ً من الناحيتين‬
‫الكمية والكيفية ‪ ،‬مع التطور الطبيعى لحركة الدعوة السلمية ‪،‬‬
‫ول يوجد فى هذه المعدلت نسب غير طبيعية أو طفرات تدل‬
‫على عكس هذه الحقيقة ‪ ،‬والجدول التى يوضح هذه النسب‪:‬‬
‫السنوات بالهجرى ‪ /‬فارس ‪ /‬العراق ‪ /‬سورية ‪ /‬مصر ‪ /‬الندلس‬
‫نسبة المسلمين مع نهاية أول مائة عام ‪/%2 /%2 /%3 /%5 /‬أقل‬
‫من ‪ %1‬السنوات التى صارت النسبة فيها ‪ %25‬من السكان‪/185 /‬‬
‫‪ 295 /275 /275 /225‬السنوات التى صارت النسبة فيها ‪ %50‬من‬
‫السكان‪ 355 /330 /330 /280 /235 /‬السنوات التى صارت النسبة فيها‬
‫‪ %75‬من السكان‪ * 400 /385 /385 /320 /280 /‬حسبت السنوات منذ‬
‫عام ‪ 13‬قبل الهجرة عندما بدأ تنزيل القرآن الكريم‪.‬‬
‫وتوضح معلومات أخرى أن شعب شبه الجزيرة العربية كان‬
‫الشعب الول فى الدخول فى السلم ‪ ،‬وقد أصبح معظمهم‬
‫مسلمين فى العقود الولى بعد تنزيل القرآن الكريم‪.‬‬
‫وهكذا كان عدد العرب المسلمين يفوق عدد المسلمين من غير‬
‫العرب فى البداية ‪ ،‬ومهدوا الطريق للتثاقف السلمى والتعريب‬
‫من أجل المسلمين غير العرب ‪ ،‬ولم يمض وقت على هؤلء فى‬
‫أصولهم من أديان ومذاهب متعددة من كل المم والحضارات‬
‫السابقة‪.‬‬
‫كان على هؤلء جميعا ً أن يوظفوا بشكل موحد عمليات توأمية‬
‫للتقليد والبتكار فى وقت واحد وذلك حسب خلفياتهم الصلية‬
‫تحت التأثير الثورى والمتحول الكثر عمقا ً للفكر السلمى‬
‫ومؤسساته ‪ ،‬وقاموا عن طريق عملية التنسيق المزدوجة بتنقية‬
‫تراثهم من علوم وتكنولوجيا وفلسفات عصر ما قبل القرآن‬
‫الكريم وذلك إما بالقبول الجزئى أو الرفض الجزئى ‪ ،‬وقاموا‬
‫كذلك بالبتكار من خلل انطلقهم من أنظمتهم الفكرية الحسية‬
‫وتراثهم فى ضوء القرآن الكريم والسنة‪.‬‬

‫‪781‬‬
‫ومن هنا ولدت العلوم السلمية والتكنولوجيا السلمية والحضارة‬
‫السلمية الحديثة متناسبة مع اليدولوجية والرؤية السلمية‬
‫الشاملة (‪.)89‬‬
‫خصائص ذلك النتشار‪:‬‬
‫ـ عدم إبادة الشعوب‪.‬‬
‫ـ جعلوا العبيد حكاماً‪.‬‬
‫ـ لم يفتحوا محاكم تفتيش‪.‬‬
‫ـ ظل اليهود والنصارى والهندوك فى بلدهم‪.‬‬
‫ـ تزاوجوا من أهل تلك البلد وبنوا أُسرا ً وعائلت على مر التاريخ‪.‬‬
‫ـ ظل إقليم الحجاز ـ مصدر الدعوة السلمية ـ فقيرا ً إلى عصر‬
‫البترول فى الوقت الذى كانت الدول الستعمارية تجلب خيرات‬
‫البلد المستعمرة إلى مراكزها‪.‬‬
‫ـ تعرضت بلد المسلمين لشتى أنواع العتداءات (الحروب‬
‫الصليبية ـ الستعباد فى غرب إفريقيا ـ إخراج المسلمين من‬
‫ديارهم فى الندلس وتعذيب من بقى منهم فى محاكم التفتيش)‬
‫ونخلص من هذا كله أن تاريخ المسلمين نظيف وأنهم يطالبون‬
‫خصومهم بالنصاف والعتذار ‪ ،‬وأنهم لم يفعلوا شيئا ً يستوجب‬
‫ذلك العتذار حتى التاريخ المعاصر‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ سرية سيف البحر ـ رمضان ‪ 1‬هجرية ـ ‪ 30‬راكب ـ حمزة بن‬
‫عبد المطلب ـ ‪300‬أبو جهل ـ انصرف المسلمون بدون قتال ـ‬
‫بعثت هذه السرية لدراسة أحوال مكة ووجد العداء أن‬
‫المسلمين منتبهون فانصرفوا عنهم‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ سرية الرابغ ـ شوال سنة ‪ 1‬هجرية ـ ‪ 60‬ـ عبيدة بن الحارث ـ‬
‫‪ 200‬عكرمة بن أبى جهل أو أبو صيان ـ انصرف المسلمون بدون‬
‫قتال ـ بعثت هذه السرية لتفقد أحوال أهل مكة فرأت جمعاً‬
‫عظيما ً من قريش بأسفل ثنية المرة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ سرية ضرار ـ فى ذى القعدة سنة ‪ 1‬هجرية ـ ‪ 80‬سعد بن أبى‬
‫وقاص ـ خرج حتى بلغ الجحفة ثم رجع ولم يلق كيداً‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ غزوة ودان وهى غزوة البواب ـ صفر ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 70‬ـ سيدنا‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم ـ عاهد عمرو بن مخثى الضمرى‬
‫على أل يعين قريش ول المسلمين‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ غزوة بواط ـ ربيع الول ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 200‬ـ سيدنا محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ ‪ 100‬ـ أمية بن خلف ـ بلغ إلى بواط ناحية رضوى‬
‫ثم رجع إلى المدينة لقى فى الطريق قريشا ً وأمية ـ رضوى اسم‬
‫جبل بالقرب من ينبع‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ غزوة صفوان أو بدر الولى ـ ربيع الول ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 70‬ـ سيدنا‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم ـ كرز بن جابر الفهرى ـ خرج فى‬

‫‪782‬‬
‫طلب العدو حتى بلغ صفوان فلم يدركه ـ كان كرز بن جابر قد‬
‫أغار على مواشى لهل المدينة‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ غزوة ذى العشيرة ـ جمادى الخرة ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 150‬ـ سيدنا‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم ـ وادع بنى مذلج وحلفائهم من بنى‬
‫ضمرة ـ ذو العشيرة موضع بين مكة والمدينة من بطن ينبع‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ سرية النخلة ـ فى رجب ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 12‬ـ عبد الله بن جحش ـ‬
‫قافلة تحت قيادة بنى أمية ـ أطلق السيران وودى القتيل ـ‬
‫أرسلوا لستطلعن قريش فوقع الصدام‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ غزوة بدر الكبرى ـ رمضان ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 313‬ـ سيدنا محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ ‪ 1000‬ـ أبو جهل ـ ‪ 22‬ـ ‪ 70‬ـ ‪ 70‬ـ انتصر المسلمون‬
‫على العدو ـ بين بدر ومكة سبعة منازل وبين بدر والمدينة ثلثة‬
‫منازل لما علم بخروج قريش إلى المدينة ارتحل دفاعا ً عن‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ سرية عمير بن العدى الخطمى ـ فى رمضان ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 1‬ـ‬
‫عمير ـ ‪ 1‬ـ عصماء بن مروان ـ ‪ 1‬ـ قتل عمير اخته التى كانت‬
‫تحض قومها على الحرب ضد المسلمين‪.‬‬
‫‪ 11‬ـ سرية سالم بن عمير النصارى ـ فى شوال ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 1‬ـ‬
‫سالم ـ ‪ 1‬ـ الخطمية أبو عكفة ـ كان أبو عكفة اليهودى يستفز‬
‫اليهود على المسلمين فقتله سالم‪.‬‬
‫‪ 12‬ـ غزوة بنى قينقاع ـ فى شوال ‪ 2‬هجرية ـ النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ قبيلة بنى قينقاع ـ تم إجلئهم ـ أتوا بالشر فى المدينة‬
‫حين كان المسلمون فى بدر فأجلوا لذلك‪.‬‬
‫‪ 13‬ـ غزوة السويق ـ فى ذى الحجة ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 200‬ـ النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ ‪ 200‬ـ أبو سفيان ـ خرج النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم فى طلبه فلم يدركه ـ بعث أبو سفيان من قريش إلى‬
‫المدينة فأتوا ناحية منها فحرقوا فى أسوال من نخل ووجدوا بها‬
‫رجلين فقتلوهما‪.‬‬
‫‪ 14‬ـ غزوة قرقرة الكدر أو غزوة بنى سليم ـ محرم ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 70‬ـ‬
‫سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ـ كرز بن جابر الفهرى ـ ‪ 1‬ـ‬
‫خرج العدو يغزو المدينة فانصرف حين رأى جمعا ً من المسلمين‬
‫ـ أسر عبد اسمه يسار فأطلق سراحه‪.‬‬
‫‪ 15‬ـ سرية قررة الكدر ـ ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 1‬ـ غالب بن عبد الله الليثى ـ‬
‫قبيلة بنى غطفان وبنى سليم ـ ‪ 3‬ـ قتل من العداء وفر الباقون ـ‬
‫بعثت هذه السرية إكمال ً إذ اجتمع العداء مرة أخرى‪.‬‬
‫‪ 16‬ـ سرية محمد بن مسلمة ـ ربيع الول ـ ‪ 3‬هجرية ـ محمد بن‬
‫مسلمة النصارى الخزرجى ـ ‪ 1‬ـ كعب بن الشرف اليهودى ـ ‪ 1‬ـ ‪1‬‬

‫‪783‬‬
‫ـ كان كعب بن الشرف يحرض القبائل من اليهود ضد المسلمين‬
‫ودعا قريشا ً للحرب فوقعت غزوة أحد‪.‬‬
‫‪ 17‬ـ غزوة ذى أمر أو غزوة غطفان أو أنمار ـ فى ربيع سنة ‪3‬‬
‫هجرية ـ ‪ 450‬ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ بنو ثعلبة وبنو محارب‬
‫ـ اجتمعت بنو ثعلبة وبنو محارب للغارة على المدينة فانصرفوا‬
‫حين رأوا جمعا ً من المسلمين ـ خرج النبى صلى الله عليه وسلم‬
‫فى أصحابه حتى بلغ نجد وهنا أسلم وعثود الذى هم بقتل رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 18‬ـ سرية قردة ـ فى جمادى الخرة سنة ‪ 3‬هجرية ـ ‪ 100‬ـ زيد بن‬
‫حارثة ـ أبو سفيان ـ ‪ 1‬ـ خرج زيد بن حارثة فى بعث فتلقى‬
‫قريشا ً فى طريقهم إلى العراق ـ أسر فراء بن سفيان دليل‬
‫القافلة التجارية فأسلم‪.‬‬
‫‪ 19‬ـ غزوة أُحد ـ شوال ‪ 3‬هجرية ـ ‪ 650‬راجل ـ النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ ‪ 2800‬راجل ـ ‪ 200‬راكب أبو سفيان الموى ـ ‪ 40‬ـ ‪ 70‬ـ‬
‫‪ 30‬ـ لحقت خسارة فادحة بالمسلمين ولكن فشل الكفار نتيجة‬
‫لرعب أصابهم ـ بين أحد والمدينة ثلثة أيمال كانوا العداء زحفوا‬
‫من مكة إلى أُحد‪.‬‬
‫ـ غزوة حمراء السد ـ فى ‪ 7‬من شوال المكرم سنة ‪ 3‬هجرية ـ‬
‫‪ 540‬ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ ‪ 2790‬ـ أبو سفيان ـ ‪ 2‬أبو عزة‬
‫ومعاوية بن المغيرة ـ خرج النبى صلى الله عليه وسلم مرعباً‬
‫للعدو ـ لما آن الغد من يوم أُحد خرج المسلمون إلى معسكر‬
‫العدو لئل يغير عليهم ثانية ظانا ً بهم ضعفا ً ‪ ،‬أسر رجلن ‪ ،‬وقتل‬
‫أبو عزة الشاعر لن كان وعد فى بدر بأنه ل يظاهر أبدا ً على‬
‫المسلمين ثم نقض عهده وحث المشركين على المسلمين‪.‬‬
‫‪ 21‬ـ سرية قطن أو سرية أبى سلمة المخزومى ـ فى غرة محرم‬
‫الحرام سنة ‪ 4‬هجرية ـ ‪ 150‬أبو سلمة المخزومى ـ طلحة وسلمة ـ‬
‫لم يتمكنوا من الغارة على المدينة بمظاهرة قام بها المسلمون‬
‫ـ هو رئشيس قطاع الطريق أراد الغارة على المدينة ولكن‬
‫المسلمين تظاهروا فوصلوا إلى قطن وهو مسكنه فتفرق جمعه‪.‬‬
‫‪ 22‬ـ سرية عبد الله بن أنيس ـ فى ‪ 5‬من محرم الحرام سنة ‪4‬‬
‫هجرية ـ ‪ 1‬ـ عبد الله بن أنيس الجهنى النصارى ـ ‪ 1‬ـ سفيان‬
‫الهذيلى ـ ‪ 1‬ـ سمع عبد الله بأن سفيان استنفر قوما ً ضد‬
‫المسلمين بعرفى فوصل عليها وقتل بها أبا سفينان‪.‬‬
‫‪ 23‬ـ سرية الرجيع ـ فى صفر ‪ 4‬هجرية ـ ‪ 10‬عاصم بن ثابت ـ ‪ 100‬ـ‬
‫من عضل والقارة ـ ‪ 10‬ـ استشهاد عشرة قراء‪.‬‬
‫‪ 24‬ـ سرية بئر معونة ـ ‪ 70‬ـ منذر بن عمر ـ جماعة كبيرة ـ عامر‬
‫بن مالك ـ ‪ 1‬ـ ‪.69‬‬

‫‪784‬‬
‫ـ عمر‬ ‫‪1‬‬ ‫هجرية ـ‬ ‫‪4‬‬‫‪ 25‬ـ سرية عمر بن أمية الضميرى ـ ربيع الول‬
‫بن أمية الضمرى ـ ‪ 2‬قبيلة بنى كلب‪.‬‬
‫‪ 26‬ـ غزوة بنى النضير ـ ربيع أول ‪ 4‬هجرية ـ النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ قبيلة النضير ـ تم إجلئهم بأنهم هموا بقتل الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 27‬ـ غزوة بدر الخرى ـ ذى القعدة ‪ 4‬هجرية ـ ‪ 1510‬النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ ‪ 2050‬أبو سفيان ـ لم تحدث مواجهة ـ خرج أبو‬
‫سفيان فى أهل مكة حتى نزل بناحية الظهران أو عسفان ولما‬
‫علم النبى صلى الله عليه وسلم خرج إليه فرجع أبو سفينان رجع‬
‫النبى أيضاً‪.‬‬
‫‪ 28‬ـ غزوة دومة الجندل ـ سنة ‪ 5‬هجرية ـ ‪ 1000‬النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ أهل الدومة ـ رجع الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫قبل أن يصل إليها ولم يلق كيداً‪.‬‬
‫‪ 29‬ـ غزوة بنى المصطلق ـ ‪ 2‬شعبان ‪ 5‬هجرية ـ النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ الحارث بن ضرار سيد بنى المصطلق ـ ‪ 19‬ـ ‪ 10‬ـ‬
‫انهزم العدو وأطلق السرى كلهم‪.‬‬
‫‪ 30‬ـ غزوة الحزاب أو الخندق ـ شوال ‪ 5‬هجرية ـ ‪ 3000‬ـ النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ ‪ 10000‬أبو سفيان ـ ‪ 6‬ـ ‪ 10‬ـ انقلب العدو‬
‫خاسراً‪.‬‬
‫‪ 31‬ـ سرية عبد الله بن عتيك ـ ذى القعدة ‪ 5‬هجرية ـ ‪ 5‬ـ عبد الله‬
‫بن عتيك النصارى ـ ‪ 1‬ـ سلم بن أبى الحقيق ـ ‪.1‬‬
‫‪ 32‬ـ غزوة بنى قريظة ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ بنو قريظة ـ‬
‫‪ 4‬ـ ‪ 200‬ـ ‪ 400‬ـ من العداء من قتل ومنهم من أسر ـ قتلهم كان‬
‫حكما ً قضائيا ً بسبب الخيانة وكان هذا الحكم موافقا ً لنصوص‬
‫التوراة التى كانوا يؤمنون بها‪.‬‬
‫‪ 33‬ـ سرية الرقطاء ـ ‪ 30‬ـ محمد بن مسلمة ـ ‪ 30‬ـ ثمامة بن آثال ـ‬
‫‪ 1‬ـ أثر ثمالة فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ كان‬
‫ثمامة سيد نجد ‪ ،‬وأسلم بعد أن أطلق سراحه من السر‪.‬‬
‫‪ 34‬ـ غزوة بنى لحيان ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 200‬ـ النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ بنو لحيا من بطون هذيل ـ تفرق العدو حين علم بمقدم‬
‫المسلمون إليه ـ كانت الغزوة لتأديب أهل الرجيع الذين قتلوا‬
‫عشرة من القراء‪.‬‬
‫‪ 35‬ـ غزوة ذى قردة ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 500‬ـ النبى صلى الله عليه وسلم‬
‫ـ خيل من غطفن تحت قيادة عيينة الفزارى ـ امرأة واحدة ـ ‪ 3‬ـ ‪1‬‬
‫ـ أغاروا على لقاح لرسول الله فخرج المسلمون ولحقوا بهم‪.‬‬

‫‪785‬‬
‫‪ 36‬ـ سرية عكاشة محصن ـ ‪ 40‬ـ عكاشة بن محصن السدى ـ بنو‬
‫أسد ـ تفرق العداء ولم تحدث مواجهة ـ كان بنو أسد قد أجمعوا‬
‫الغارة على المدينة فبعثت إليهم هذه السرية‪.‬‬
‫‪ 37‬ـ سرية ذى القصة ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 10‬ـ محمد بن مسلمة ـ ‪ 100‬بنو‬
‫ثعلبة ـ ‪ 1‬جريح ـ ‪ 9‬ـ استشهد تسعة من الدعاة وأصيب محمد بن‬
‫مسلمة بجرح ـ كان عشرة من القراء ذهبوا للدعوة وبينما هم‬
‫نائمون قتلهم بنو ثعلبة وذو القصة اسم موضع‪.‬‬
‫‪ 38‬ـ سرية بنى ثعلبة ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 40‬ـ أبو عبيدة بن الجراح ـ بنو‬
‫ثعلبة ـ ‪ 1‬ـ انصرف العدو وغنم المسلمون ما كان لهم من متاع‪.‬‬
‫‪ 39‬ـ سرية الجموم ـ ‪ 6‬هجرية ـ زيد بن حارثة ـ بنو سليم ـ ‪ 10‬ـ‬
‫أسر مجموعة رجال وأطلقهم النبى صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 40‬ـ سرية الطرف أو الطرق ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 15‬ـ زيد بن حارثة ـ بنو‬
‫ثعلبة ـ هرب العداء وأصاب المسلمون عشرين بعيرا ً ـ بعثت‬
‫هذه السرية لمعاقبة المجرمين بذى القصة‪.‬‬
‫‪ 41‬ـ سرية وادى القرى ـ ‪ 12‬ـ زيد بن حارثة ـ سكان وادى القرى ـ‬
‫‪ 1‬جريح ـ ‪ 9‬ـ قتل من المسلمين تسعة رجال وجرح واحد ـ كان‬
‫زيدا ً ذاهبا ً للجولة فحملوا عليه وعلى أصحابه‪.‬‬
‫‪ 42‬ـ دومة الجندل ـ ‪ 6‬هجرية ـ عبد الرحمن بن عوف ـ قبيلة بنى‬
‫كلب ـ الصبغ بن عمرو ـ تحقق نجاح ملموس فى مجال الدعوة ـ‬
‫أسلم الصبغ بن عمرو وكان نصرانيا ً وأسلم معه كثير من قومه‪.‬‬
‫‪ 43‬ـ سرية فداك ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 200‬ـ على بن أبى طالب ـ بنو سعد‬
‫بن بكر ـ هربت بنو سعد وأصاب المسلمون مائة بعير وألفى شاة‬
‫ـ بلغ النبى صلى الله عليه وسلم أنهم يريدون أن يمدوا يهود‬
‫ى رضى الله الله عنه بالمظاهرة عليهم‪.‬‬ ‫خيبر فقام عل ّ‬
‫‪ 44‬ـ سرية أم فرقة ـ ‪ 7‬هجرية ـ أبو بكر الصديق رضى الله عنه ـ‬
‫بنو فزارة تحت قيادة أم قرفة ـ ‪ 2‬ـ انهزم العدو ـ كانت بنو فزارة‬
‫قد أغاروا على قافلة زيد بن حارثة‪.‬‬
‫‪ 45‬ـ سرية عبد الله بن رواحة ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 30‬ـ عبد الله بن رواحة‬
‫ـ ‪ 30‬ـ أسير بن رزام اليهودى ـ ‪ 1‬ـ ‪ 30‬ـ وقع اشتباك لسوء فهم‬
‫الفريقين فقتل اليهود جميعاً‪.‬‬
‫‪ 46‬ـ سرية العرنيين ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 20‬ـ كرز بن جابر الفهرى ـ رجال‬
‫من عكل وعريننة ـ ‪ 1‬ـ ‪ 8‬ـ قتلوا الراعى واستاقوا البل فأسروا‬
‫ومثل بهم ـ استوخموا المدينة فشربوا من ألبان البل وأبوالها‬
‫فصحوا ثم قتلوا يسارا راعى النبى صلى الله عليه وسلم‬
‫واستاقوا البل‪.‬‬
‫‪ 47‬ـ سرية عمرو بن أمية الضمرى ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 1‬ـ عمرو بن أمية‬
‫الضمرى ـ كان عمرو قد جاء إلى مكة ليقتل النبى صلى الله‬

‫‪786‬‬
‫عليه وسلم ثم أسلم من حسن خلقه الشريف ثم ذهب إلى مكة‬
‫يدعو أهلها‪.‬‬
‫‪ 48‬ـ غزوة الحديبية ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 1400‬ـ النبى صلى الله عليه وسلم‬
‫ـ أهل مكة ـ سهيل بن عمرو القرشى ـ تم الصلح بين النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم وبين ريش عشر سنوات ـ كان النبى قد خرج‬
‫معتمرا ً فصدته قريش عن البيت فى الحديبية‪.‬‬
‫‪ 49‬ـ غزوة خيبر ‪ 7‬هجرية ـ ‪ 100‬ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫‪ 10000‬ـ يهود خيبر كنانة بن أبى الحقيق ـ ‪ 50‬جريحا ً ـ ‪ 18‬ـ ‪ 93‬ـ فتح‬
‫الله للمسلمين فتحا ً مبينا ً ـ كان اليهود قد قاتلوا المسلمين فى‬
‫أُحد والحزاب ونقضوا عهدهم مع النبى صلى الله عليه وسلم‬
‫فأفسد خططهم العدوانية‪.‬‬
‫‪ 50‬ـ غزوة وادى القرى ـ المحرم ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 1382‬ـ النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ اليهود من وادى القرى‪.‬‬
‫‪ 51‬ـ غزوة ذات الرقاع ـ ‪ 7‬هجرية ـ ‪ 400‬ـ النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ بنو غطفان وبنو محارب وبنو ثعلبة وبنو أنمار ـ تفرق‬
‫العدو ـ كانت بنو عطفان قد جمعوا جموعا ً من القبائل للغارة‬
‫على المسلمين فلما قام المسلمون بحشودهم تفرقوا جميعاً‪.‬‬
‫‪ 52‬ـ سرية عيص ـ فى صفر ‪ 7‬هجرية ـ ‪ 72‬ـ أبو جندل وأبو بصير ـ‬
‫قافلة قريش ـ ‪ 9‬ـ أخذ أموال العدو ثم ردها إليهم بأمر النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 53‬ـ سرية الكديد ـ صفر ‪ 7‬هجرية ـ ‪ 60‬ـ غالب بن عبد الله الليثى ـ‬
‫بنو الملوح ـ ‪ 1‬ـ وقع اشتباك ـ كانت بنو الملوح قد قتلوا أصحاب‬
‫بشير بن سويد فبعثت إليهم هذه السرية للتوبيخ‪.‬‬
‫‪ 54‬ـ سرية فدك ـ فى صفر سنة ‪ 7‬هجرية ـ غالب بن عبد الله‬
‫الليثى ـ أهل فدك ـ قتل ناس من العدو‪.‬‬
‫‪ 55‬ـ سرية حسمى ـ فى جمادى الخرة ‪ 7‬هجرية ـ ‪ 500‬ـ زيد بن‬
‫حارثة ـ ‪ 102‬ـ الهنيد بن عوض الجزرى ـ ‪ 100‬ـ ‪ 2‬ـ انتصر المسلمون‬
‫وقتل الهنيد مع ابنه وأطلق الباقون بعد توبتهم ـ كان دحية الكلبى‬
‫محمل ً ببعض الهدايا من قيصر فقابله الهنيد فى ناس وقطع عليه‬
‫الطريق‪.‬‬
‫‪ 56‬ـ سرية تربة ـ فى شعبان سنة ‪ 7‬هجرية ـ عمر بن الخطاب ـ‬
‫أهل تربة ـ تفرق العدو ـ بين تربة ومكة منزلن كان أهل تربة قد‬
‫اصطلحوا مع بنى غطفان فقام المسلمون بالمظاهرة فى‬
‫محالهم‪.‬‬
‫‪ 57‬ـ سرية بنى كلب ـ فى شعبان ‪ 7‬هجرية ـ أبو بكر الصديق‬
‫رضى الله عنه ـ بنو كلب ـ انتصر المسلمون سبى من العداء‬

‫‪787‬‬
‫جماعة وقتل آخرون ـ كانوا أجمعوا الهجوم على المسلمين مع‬
‫بنى محارب وبنى أنمار‪.‬‬
‫‪ 58‬ـ سرية الميفعة ـ رمضان ‪ 7‬هجرية ـ غالب بن عبد الله الليثى ـ‬
‫أهل الميفعة ـ وقع اشتباك ـ كانوا حلفاء أهل خيبر‪.‬‬
‫‪ 59‬ـ سرية خربة ـ فى رمضان ‪ 7‬هجرية ـ أسامة بن زيد ـ أهل‬
‫خربة ـ بينما أسامة وأصحابه يمشون فى الطريق إذ هبط إليهم‬
‫رجل من الجبل فقتله أسامة بعد أن قال ل إله إل الله‪.‬‬
‫‪ 60‬ـ سرية بنى مرة ـ شوال ‪ 7‬هجرية ـ ‪ 30‬بشير بن سعد ـ بنو مرة‬
‫بالقرب من فدك ـ وقع اشتباك كانوا حلفاء أهل خيبر‪.‬‬
‫‪ 61‬ـ سرية بشير بن سعد النصارى ـ فى شوال ‪ 7‬هجرية ـ ‪30‬‬
‫بشير بن سعد ـ بنو فزارة وعذرة ـ جرح جميع المسلمين وأسر‬
‫منهم رجلن ـ كانت بنو فزارة وعذرة قد ساعدوا اليهود فى خيبر‬
‫فبعثت إليهم هذه السرية للترويع‪.‬‬
‫‪ 62‬ـ سرية ابن أبى العوجاء ـ ‪ 7‬هجرية ـ ‪ 50‬ـ ابن أبى العوجاء ـ بنو‬
‫سليم ـ ‪ 1‬ـ ‪ 49‬ـ أصيب ابن أبى العوجاء بجرح واستشهد الباقون ـ‬
‫قام المسلمون بحشد قواهم فى محالهم لنهم كانوا يجمعون‬
‫للغارة على المدينة‪.‬‬
‫‪ 63‬ـ سرية ذات أطلح ـ ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 15‬ـ كعب بن عمير النصارى ـ‬
‫أهالى ذات أطلح بنو قضاعة ـ ‪ 14‬ـ استشهد المسلمون جميعاً‬
‫وبرأ واحد منهم ـ كانوا يجمعون فى عدد كبير للغارة على‬
‫المسلمين فبعث إليهم كتيبة لتخوفيهم فاستشهد المسلمون‬
‫جميعاً‪.‬‬
‫‪ 64‬ـ سرية ذات عرق ـ فى ربيع الول ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 25‬ـ شجاع بن‬
‫وهب السدى ـ بنو هوازن أهالى ذا عرق ـ كانت هوازن قد مدّوا‬
‫يد المعونة لعداء المسلمين مرارا ً ثم اجتمعوا على مشارف‬
‫المدينة فاحتشد المسلمون لتخويفهم‪.‬‬
‫‪ 65‬ـ سرية مؤنة ـ فى جمادى الولى سنة ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 3000‬ـ زيد بن‬
‫حارثة ـ مائة ألف ـ شرحبيل الغسانى ـ ‪ 12‬ـ لم نعرف عدد‬
‫المفقودين ـ انتصر المسلمون ـ كان شرحبيل قد قتل رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فوقعت لذلك الحرب وهزم ثلثة آلف مائة‬
‫ألف‪.‬‬
‫‪ 66‬ـ سرية ذات السلسل ـ جمادى الخرة ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 500‬ـ عمرو‬
‫بن العاص القرشى ـ بنو قضاعة ساكنوا السلسل ـ هرب العداء‬
‫بمظاهرة المسلمين ـ كانت قضاعة قد تجمعت للغارة على‬
‫المدينة‪.‬‬

‫‪788‬‬
‫‪ 67‬ـ سرية سيف البحر ـ فى رجب ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 300‬ـ أبو عبيدة ـ‬
‫قريش ـ أقام المسلمون على الساحل أياما ً ثم انصرفوا ـ كان‬
‫الغرض من هذه السرية تشتيت همم قريش‪.‬‬
‫‪ 68‬ـ سرية محارب ـ فى شعبان ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 15‬ـ أبو قتادة النصارى‬
‫ـ بنو غطفان ـ هرب العدو خائفا ً وأصاب المسلمون أنعاما ً ـ تجمع‬
‫بنو غطفان بخضرة فأرسلت إليهم سرية مكونة من خمسة عشر‬
‫رجل ً للستطلع‪.‬‬
‫‪ 69‬ـ غزوة فتح مكة ـ رمضان ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 10000‬ـ النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ قريش مكة ـ ‪ 2‬ـ ‪ 12‬ـ انتصر المسلمون ـ لم يتعرض‬
‫للمسلمين أحد إل كتيبة واحدة ثم دخل النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم مكة وجعل الناس كلهم طلقاء ول تثريب عليهم‪.‬‬
‫‪ 70‬ـ سرية خالد ـ فى رمضان ‪ 8‬هجرية ـ خالد بن الوليد ـ الصنم‬
‫العزى ـ كانت العزى صنم بنى كنانة فحطمها خالد رضى الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫‪ 71‬ـ سرية عمرو بن العاص ـ ‪ 8‬هجرية ـ عمرو بن العاس ـ الصنم‬
‫سواع ـ كانت سواع صنم بنى هذيل فحطمها عمرو بن العاص‬
‫رضى الله عنه‪.‬‬
‫‪ 72‬ـ سرية سعد الشهلى ـ رمضان ‪ 8‬هجرية ـ سعد بن زيد‬
‫الشهلى النصارى ـ الصنم مناة ـ كانت مناة صنما ً للوس‬
‫والخزرج فهدمها سعد الشهلى رضى الله عنه‪.‬‬
‫‪ 73‬ـ سرية خالد بن الوليد ـ شوال ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 350‬ـ خالد بن الوليد ـ‬
‫بنو جذيمة ـ ‪ 95‬ـ قتل خمسة وتسعون رجل ً من بنى جذيمة ممن‬
‫كانوا أسلموا فكره الرسول صلى الله عليه وسلم قتلهم وودى‬
‫بهم الدية ـ كان خالد بن الوليد بعث داعيا ً وكانت بنو جذيمة قد‬
‫أسلموا من قبل فشك خالد فى إسلمهم وقتل منهم رجالً‪.‬‬
‫‪ 74‬ـ غزوة حنين أو أوطاس أو هوازن ـ شوال ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 12000‬ـ‬
‫النبى صلى الله عليه وسلم ـ بنو ثقيف وبنو هوازن وبنو معز وبنو‬
‫أحسم ـ ‪ 6‬ـ ‪ 6000‬ـ ‪ 71‬ـ انتصر المسلمون ـ أطلق النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم سراح جميع السرى وأعطاهم الكسوة كذلك‪.‬‬
‫‪ 75‬ـ غزوة الطائف ـ شوال ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 12000‬ـ النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ بنو ثقيف ـ جمع كثير ـ ‪ 13‬ـ جمع كثير ـ رجع النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم بعد محاصرة دامت شهرا ً ـ لما رفع النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم عنهم الحصار قدموا عليه وأسلموا‪.‬‬
‫‪ 76‬ـ سرية عيينة بن حصن ـ فى محرم ‪ 9‬هجرية ـ ‪ 150‬ـ عيينى بن‬
‫حصن الفزارى ـ قبيلة بنى تميم ـ ‪ 62‬ـ تم القضاء على الثورة ـ‬
‫قامت هذه القبيلة بإغراء القبائل التابعة لها ومنعتها عن أداء‬
‫الجزية ولما خرج إليهم عيينى أسر منهم ‪ 11‬رجل ً و ‪ 21‬امرأة و ‪20‬‬

‫‪789‬‬
‫ولدا ً فأطلقهم النبى صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه‬
‫سيدهم‪.‬‬
‫‪ 77‬ـ سرية قطبة بن عامر ـ فى صفر ‪ 9‬هجرية ـ ‪ 20‬ـ قطبة بن‬
‫عامر ـ قبيلة خثم ـ أكثر من النصف ـ أكرهم ـ تفرقوا وانتشروا ـ‬
‫كانوا يدبرون مؤامرة ضد المسلمين فجاء قطبة ببعضهم أسيراً‬
‫فأطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 78‬ـ سرية الضحاك ابن سفيان الكلبى ـ ربيع أول ‪ 9‬هجرية ـ‬
‫الضحاك رضى الله عنه ـ قبيلة بنى كلب ـ بعث المسلمون إلى‬
‫بنى كلب داعين فاعترض لهم الكفار فوقع اشتباك‪.‬‬
‫‪ 79‬ـ سرية عبد الله بن حذافة ـ ربيع أول ‪ 9‬هجرية ـ ‪ 300‬ـ عبد الله‬
‫بن حذافة القرشى السهمى ـ القراصنة من الخثعميين ـ هربوا ـ‬
‫كانوا قد اجتمعوا فى ساحل جدة يريدون الغارة على مكة‬
‫فتفرقوا حين رأوا هذه السرية‪.‬‬
‫‪ 80‬ـ سرية بن طىء ـ ‪ 9‬هجرية ـ ‪ 150‬ـ على رضى الله عنه ـ بنى‬
‫طىء ـ أسرت سفانة بنت حاتم وغيرها من الناس‪.‬‬
‫‪ 81‬ـ غزوة تبوك ـ ‪ 9‬هجرية ـ ‪ 3000‬ـ الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫ـ هرقل قيصر الروم ـ قام النبى صلى الله عليه وسلم بالتجمع‬
‫مع أصحابه وأرهب العداء ثم رجع إلى المدينة‪.‬‬
‫‪ 82‬ـ سرية دومة الجندل ـ ‪ 420‬ـ خالد بن الوليد ـ أكيدر أمير دومة‬
‫الجندل ـ أسر أكيدر وقتل أخوه ـ أطلق رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم سراح أكيدر وعقد الحلف مع حكومات نصرانية‬
‫أخرى‪.‬‬
‫(‪ )1‬النبياء‪.107 :‬‬
‫(‪ )2‬آل عمران‪.71 :‬‬
‫(‪ )3‬حقائق السلم وأباطيل خصومه ص ‪ 166‬ط الهيئة المصرية‬
‫العامة للكتاب‪.‬‬
‫(‪ )4‬غوستاف لوبون حضارة العرب ص ‪ 129 ، 128‬ط الهيئة‬
‫المصرية للكتاب‪.‬‬
‫(‪ )5‬البقرة‪.191-190 :‬‬
‫(‪ )6‬البقرة‪.193 ،192 :‬‬
‫(‪ )7‬البقرة‪.216 :‬‬
‫(‪ )8‬البقرة‪.217 :‬‬
‫(‪ )9‬آل عمران‪.146 :‬‬
‫(‪ )10‬آل عمران‪.169 :‬‬
‫(‪ )11‬آل عمران‪.195 :‬‬
‫(‪ )13( ، )12‬النساء‪.75 ، 74 :‬‬
‫(‪ )14‬النساء‪.90 :‬‬

‫‪790‬‬
‫(‪ )15‬النفال‪7 :‬ـ ‪.8‬‬
‫(‪ )16‬النفال‪.17 :‬‬
‫(‪ )17‬النفال‪.39 :‬‬
‫(‪ )18‬النفال‪.47 :‬‬
‫(‪ )19‬النفال‪.61 :‬‬
‫(‪ )20‬النفال‪.70 :‬‬
‫(‪ )21‬التوبة‪5 :‬ـ ‪.6‬‬
‫(‪ )22‬التوبة‪.111 :‬‬
‫(‪ )23‬الحج‪.40-39 :‬‬
‫(‪ )24‬رواه مسلم ـ كتاب المارة ـ باب فضل الجهاد والخروج فى‬
‫سبيل الله‪.‬‬
‫(‪ )25‬رواه أبو داود فى سننه ـ كتاب الخراج والمارة والفئ ـ باب‬
‫ما جاء فى خبر الطائف‪.‬‬
‫(‪ )26‬رواه الحاكم فى مستدركه ـ كتاب معرفة الصحابة رضى الله‬
‫عنهم ـ ذكر إسلم أمير المؤمنين على ـ رضى الله عنه ـ‪.‬‬
‫(‪ )27‬رواه البخارى ـ كتاب التفسير ـ باب قول الله تعالى‬
‫(وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة (‪.‬‬
‫(‪ )28‬مصنف عبد الرازق ـ كتاب الجهاد ـ باب الرجل يغزو وأبوه‬
‫كاره‪.‬‬
‫(‪ )29‬الحج‪.40 :‬‬
‫(‪ )30‬القرطبى ج ‪ 12‬تفسير سورة الحج‪.‬‬
‫(‪ )31‬تاريخ ابن خلدون ‪ 226 / 1‬فصل فى الحروب ومذاهب المم‬
‫فى ترتيبها‪.‬‬
‫(‪ )32‬سفر العدد ـ الصحاح الثالث عشر ـ اليات‪.29-26 :‬‬
‫(‪ )33‬سفر صموئيل الول ـ الصحاح الخامس والعشرون آية ‪-10‬‬
‫‪.14‬‬
‫(‪ )34‬سفر الملوك الثانى ـ الصحاح الثالث ‪ ،‬اليات ‪ 4‬ـ ‪.8‬‬
‫(‪ )35‬سفر حزقيال ـ أصحاح ‪ 21‬آيات ‪ 1‬ـ ‪.5‬‬
‫(‪ )36‬سفر يوشع ـ الصحاح الثالث والعشرون ـ اليات ‪3‬ـ ‪.5‬‬
‫(‪ )37‬سفر القضاة ـ الصحاح الثامن عشر ـ اليات ‪27‬ـ ‪.30‬‬
‫(‪ )38‬سفر صموئيل الول ـ الصحاح الرابع ‪ ،‬اليات ‪1‬ـ ‪.4‬‬
‫(‪ )39‬سفر التكوين ـ الصحاح الرابع والثلثون ـ اليات ‪25‬ـ ‪.29‬‬
‫(‪ )40‬سفر التكوين ـ الصحاح الرابع عشر ـ اليات ‪ 14‬ـ ‪.16‬‬
‫(‪ )41‬سفر العدد ـ الصحاح الواحد والعشرون اليتان ‪34‬ـ ‪.35‬‬
‫(‪ )42‬سفر العدد ـ الصحاح الخامس والعشرون الية ‪.16‬‬
‫(‪ )43‬الصحاح الثالث والثلثون اليات ‪50‬ـ ‪.53‬‬
‫(‪ )44‬سفر صموئيل ـ الصحاح السابع عشر اليات ‪45‬ـ ‪.47‬‬

‫‪791‬‬
‫(‪ )45‬سفر صموئيل الول ـ الصحاح الثالث والعشرون الية ‪.6‬‬
‫(‪ )46‬سفر المزامير ـ المزمور الثامن عشر اليات ‪.41-35‬‬
‫(‪ )47‬سفر حزقيال الصحاح الواحد والعشرون آية ‪.5‬‬
‫(‪ )48‬إنجيل متى ـ الصحاح العاشر آية ‪.36-34‬‬
‫(‪ )49‬رواه أحمد وأبو داود‪.‬‬
‫(‪ )50‬سبائك الذهب ‪.443‬‬
‫(‪ )51‬شرح المعلقات السبع للزوزنى ص ‪ ، 83‬ط مصطفى الحلبى‪.‬‬
‫(‪ )52‬الزخرف‪.89 :‬‬
‫(‪ )53‬الحج‪.40-39 :‬‬
‫(‪ )54‬السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة لمحمد فريد‬
‫وجدى ص ‪ 163 ، 164‬بتصرف‪.‬‬
‫(‪ )55‬النفال‪.61 :‬‬
‫(‪ )56‬السيرة النبوية لمحمد فريد وجدى ‪.166 ، 165‬‬
‫(‪ )57‬سبائك الذهب ص ‪ 120‬ط دار الكتب العلمية ‪ ،‬موسوعة‬
‫القبائل العربية لمحمد سليمان الطيب ‪ 51 / 1‬دار الفكر العربى‪.‬‬
‫(‪ )58‬فتح البارى ‪ 543 / 6‬دار المعرفة ـ بيروت‪.‬‬
‫(‪ )59‬فتح البارى ‪.424 / 7‬‬
‫(‪ )60‬تاريخ الدب الجاهلى د‪ .‬على الجندى ‪.472‬‬
‫(‪ )61‬رحمة للعالمين للمنصور فورى ص ‪.462‬‬
‫(‪ )62‬فى تاريخ الدب الجاهلى ‪.473‬‬
‫(‪ )63‬رحمة للعالمين للمنصور فورى ص ‪.462‬‬
‫(‪ )64‬سبائك الذهب ‪.8‬‬
‫(‪ )65‬تاريخ الدب الجاهلى ص ‪.470‬‬
‫(‪ )66‬رحمة للعالمين المنصور فوزى ص ‪.462‬‬
‫(‪ )67‬سبائك الذهب ‪.87‬‬
‫(‪ )68‬تاريخ الدب الجاهلى ص ‪.466‬‬
‫(‪ )69‬رحمة للعالمين للمنصور فورى ص ‪.463‬‬
‫(‪ )70‬سبائك الذهب ‪ ، 295‬تاريخ الدب الجاهلى ص ‪.467‬‬
‫(‪ )71‬رحمة للعالمين ص ‪.463‬‬
‫(‪ )72‬تاريخ الدولة الموية للشيخ محمد الخضرى ص ‪.156‬‬
‫(‪ )73‬رحمة للعالمين ص ‪.463‬‬
‫(‪ )74‬سبائك الذهب ص ‪ ، 256‬تاريخ الدب الجاهلى ص ‪.467‬‬
‫(‪ )75‬رحمة للعالمين ص ‪.463‬‬
‫(‪ )76‬سبائك الذهب ص ‪.127‬‬
‫(‪ )77‬سبائك الذهب ص ‪.126‬‬
‫(‪ )78‬تاريخ الدب الجاهلى ص ‪.467‬‬
‫(‪ )79‬رحمة للعالمين ص ‪.463‬‬

‫‪792‬‬
‫(‪ )80‬سبائك الذهب ص ‪ ، 148‬تاريخ الدب الجاهلى ص ‪.473‬‬
‫(‪ )81‬سبائك الذهب ص ‪ ، 124‬وتاريخ الدب الجاهلى ص ‪.473‬‬
‫(‪ )82‬سبائك الذهب ص ‪ ، 86 ، 85‬تاريخ الدب الجاهلى ص ‪.470‬‬
‫(‪ )83‬سبائك الذهب رقم ‪ ، 148 ، 147‬تاريخ الدب الجاهلى ص ‪.473‬‬
‫(‪ )84‬تاريخ الدولة الموية الشيخ محمد الخضرى بك ص ‪، 33 ، 32‬‬
‫ط دار القلم ‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫(‪ )85‬السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة الستاذ محمد‬
‫فريد وجدى ص ‪ ، 162‬ط الهيئة المصرية العامة للكتاب‪.‬‬
‫(‪ )86‬رحمة للعالمين ص ‪.469‬‬
‫(‪ )87‬النفال‪.58 :‬‬
‫(‪ )88‬تفسير ابن كثير ‪.321 / 2‬‬
‫(‪ )89‬الفكر السلمى فى تطوير مصادر المياه والطاقة ‪ ،‬د‪ .‬سيد‬
‫وقار أحمد حسينى ـ عالم زائر فى جامعة ستانفورد ‪، 75-71‬‬
‫ترجمة د‪ .‬سمية زكريا زيتونى طبعة‪ :‬فصلت للدراسات والترجمة‬
‫والنشر‪.‬‬
‫‪and emergence of a Muslim Society in Richard W. bulliet, Conversion of Islam Meier‬‬
‫‪& ed. Nehemia Levtzion (New York Holmes Iran in Conversion to Islam, (Publ., Inc,‬‬
‫‪.1979) Pp. 30-51, p31 for fig 1.1‬‬
‫‪-----------------------‬‬
‫‪ -96‬هل الجبال تحفظ توازن الرض ؟ والرض تدور‬
‫حول نفسها ؟‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫فى المزمور ‪ [ 2 :75‬أنا وزنت أعمدتها ] وفى مز ‪5 :104‬‬
‫[ المؤسس الرض على قواعد فل تتزعزع إلى الدهر والبد ]‬
‫وفى علم الجيولوجيا أن الله جعل الجبال لحفظ الرض ؛ وذلك‬
‫مثل الفقاعات تشاهد كالقبة على سطح المياه وتدور مع المياه‬
‫وهى مثبتة فى جميع أطرافها ‪ ،‬وأن الجبال آخر مراحل تكوين‬
‫الرض فى بدء الخليقة‪.‬‬
‫وللدكتور زغلول النجار كتاب مستقل عن الجبال‪.‬‬
‫وصدق الله‪( :‬لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) (‪.)1‬‬
‫وصدق الله‪( :‬وما يعقلها إل العالمون ) (‪.)2‬‬
‫(‪ )1‬النساء‪.83 :‬‬
‫(‪ )2‬العنكبوت‪.43 :‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫‪ -97‬هل النجوم رجوم الشياطين ؟‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫‪793‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن السلم دين ‪ ،‬وهو موحى به من رب العالمين يخبرنا عن‬
‫صدق ويقين ‪ ،‬وهو القائل سبحانه‪( :‬ما أشهدتهم خلق السموات‬
‫والرض ول خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا ) (‪.)1‬‬
‫والسلم ليس بدعا ً من الديان ولذلك نرى أن الكتب المقدسة‬
‫تذكر ذلك ؛ فإن الله تعالى يقول‪:‬‬
‫ملئت حرسا ً شديدا ً وشهبا ً * وأنا كنا‬ ‫(وأنا لمسنا السماء فوجدناها ُ‬
‫ً‬
‫نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الن يجد له شهابا رصدا ) (‬
‫‪ .)2‬قال ذلك حكاية عن الجن‪ .‬وليس المعنى كما فهم المؤلف ‪،‬‬
‫وإنما المعنى هو أن الله جعل على السماء حراسا ً من الملئكة ‪،‬‬
‫وخلق لهم أدوات عقاب تناسب أجسام الشياطين‪.‬‬
‫وهى الشهب‪ .‬فإذا جاء شيطان رماه أحد الملئكة بشهاب‬
‫وليست الشهب كواكب كالقمر والشمس ‪ ،‬وإنما هى أدوات‬
‫عقاب كالسيف فى يد الجندى المحارب‪.‬‬
‫وفى الصحاح الثالث من سفر التكوين ؛ أن الله لما طرد آدم‬
‫من الجنة وهى جنة عدن ‪ ،‬ليعمل الرض التى أُخذ منها ‪ ،‬أقام‬
‫شرقى جنة عدن ملئكة تسمى الكروبيم ‪ ،‬ووضع لهيب سيف‬
‫متقلب فى أياديهم لحراسة طريق شجرة الحياة‪ " :‬فأخرجه‬
‫الرب الله من جنة عدن ليعمل الرض التى أُخذ منها ؛ فطرد‬
‫النسان ‪ ،‬وأقام شرقى جنة عدن الكروبيم ‪ ،‬ولهيب سيف متقلب‬
‫لحراسة طريق شجرة الحياة " (‪.)3‬‬
‫ويقول المفسرون‪ " :‬إن الكروبيم من الملئكة المقربين‪ .‬وهو‬
‫فى الفارسية بمعنى الحارس "‪ .‬وكان عملهم وقت طرد آدم هو‬
‫" حراسة الفردوس ؛ لئل يرجع النسان إليه "‪.‬‬
‫وفى القرآن تفسير الشهب بشواظ من نار‪ .‬فى قوله تعالى‪( :‬يا‬
‫معشر الجن والنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات‬
‫والرض فانفذوا ل تنفذون إل بسلطان * فبأى آلء ربكما تكذبان‬
‫* يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فل تنتصران ) (‪.)4‬‬
‫فقد جعل للجن غير ما جعل للنس من أدوات العقاب‪ .‬ولم يجعل‬
‫للجن كواكب تُرمى بها كالقمر والشمس ‪ ،‬وإنما جعل للجن "‬
‫شواظ " أى " شهب "‪.‬‬
‫(‪ )1‬الكهف‪.51 :‬‬
‫(‪ )2‬الجن‪8 :‬ـ ‪.9‬‬
‫(‪ )3‬تك ‪.24-23 :3‬‬
‫(‪ )4‬الرحمن‪33 :‬ـ ‪.35‬‬
‫‪-------------------‬‬

‫‪794‬‬
‫‪ -98‬القرآن يتناقض مع العلم‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إنه جاء فى القرآن أن الله خلق سبع سموات ومن الرض‬


‫مثلهن‪ .‬فكيف يقول عن أرضنا وهى واحدة من مليين الكواكب ـ‬
‫إنه يوجد سبعة مثلها ؟ وفى القرآن‪( :‬أن السماء سقفا ً محفوظاً)‬
‫‪ ،‬وأن الله يمسكها لئل تقع‪ .‬فكيف يقول عن الفضاء غير‬
‫المتناهى‪:‬‬
‫إنه سقف قابل للسقوط ؟ وفى القرآن أن الله زين السماء‬
‫الدنيا بمصابيح‪ .‬فكيف يقول عن مليين الكواكب التى تسبح فى‬
‫هذا الفضاء غير المتناهى إنها مصابيح ؟‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫هذا السؤال مكون من ثلثة أجزاء‪:‬‬
‫الجزء الول‪ :‬هو أنه ليس فى العالم سبعة أرضين‪ .‬فكيف يقول‬
‫عن الرض‪ :‬إنها سبعة كما أن السموات سبعة ؟ وقول المؤلف‬
‫إن الرض سبعة ؛ أخذه من بعض مفسرى القرآن الكريم‪ .‬وهو‬
‫يعلم أن المفسرين مجتهدون ‪ ،‬ويصيبون ويخطئون‪ .‬والرد عليه‬
‫فى هذا الجزء من السؤال هو‪ :‬أن نص الية هو‪( :‬الله الذى خلق‬
‫سبع سموات ومن الرض مثلهن يتنزل المر بينهن لتعلموا أن‬
‫الله على كل شىء قدير وأن الله قد أحاط بكل شىء علما ً ) (‬
‫‪.)1‬‬
‫ن) التى تفيد التبعيض ؛ لينفى العدد فى الرض‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫إنه أتى بـ ( ِ‬
‫وليثبت المثلية فى قدرته‪ .‬فيكون المعنى‪:‬‬
‫أنا خلقت سبع سموات بقدرتى ‪ ،‬وخلقت من الرض مثل ما‬
‫خلقت أنا السماء بالقدرة‪ .‬ولهذا المعنى علّل بقوله‪( :‬لتعلموا أن‬
‫الله على كل شىء قدير (‪.‬‬
‫وبيان التبعيض فى الرض‪ :‬هو أن السماء محكمة ‪ ،‬وأن الرض‬
‫غير محكمة‪ .‬وهى غير محكمة لحدوث الزلزل فيها ‪ ،‬وللنقص من‬
‫أطرافها‪ .‬وقد عبّر عن التبعيض فى موضع آخر فقال‪( :‬أفل يرون‬
‫أنا نأتى الرض ننقصها من أطرافها ) (‪ .)2‬والنقص من الطراف‬
‫يدل على أن الباقى من الرض ممسوك بقدرة الله ‪ ،‬كما يمسك‬
‫السماء كلها‪.‬‬
‫والجزء الثانى‪ :‬هو أن السماء سقف قابل للسقوط‪ .‬والرد عليه‬
‫فى هذا الجزء من السؤال هو‪ :‬أن كل لغة فيها الحقيقة وفيها‬
‫المجاز‪ .‬والتعبير على المجاز‪ .‬فإن السماء شبه سقف البيت ‪،‬‬
‫والمانع للسقف من السقوط على الحقيقة هو العمدة ‪ ،‬وعلى‬
‫المجاز هو الله ؛ لن كل شىء بقدرته‪ .‬ولذلك نظير فى التوراة‬

‫‪795‬‬
‫وفى النجيل‪ " :‬بالكسل يهبط السقف "‪ .‬وفى ترجمة أخرى‪" :‬‬
‫من جراء الكسل ينهار السقف‪ .‬وبتراخى اليدين يسقط البيت " [‬
‫جامعة ‪ ] 18 :10‬يريد أن يقول‪ :‬إن الكسل يؤدى إلى الفقر ‪،‬‬
‫والفقر يؤدى إلى خراب البيوت‪ .‬وعبر عن الخراب بانهيار‬
‫السقف‪ .‬والسقف ل ينهار بالكسل ‪ ،‬وإنما بهد ّ العمدة التى‬
‫تحمله‪ .‬وفى سفر الرؤية‪ " :‬فسقط من السماء كوكب " [ رؤ ‪:8‬‬
‫‪ ] 10‬كيف يسقط كوكب من السماء بغير إرادة الله ؟ وفى سفر‬
‫الرؤية‪ " :‬ونجوم السماء سقطت " (رؤ ‪ ، ] 13 :6‬ويقول عيسى‬
‫عليه السلم‪:‬‬
‫إن العصفور ل يقع إلى الرض إل بإرادة الله‪ " :‬أما يباع‬
‫عصفوران بفَلْس واحد‪ .‬ومع ذلك ل يقع واحد منهما إلى الرض‬
‫خفية عن أبيكم " [ متى ‪ .] 29 :10‬وفى الرسالة إلى العبرانيين‪" :‬‬
‫حقا ً ما أرهب الوقوع فى يدى الله الحى ؟ " [ عب ‪.] 31 :10‬‬
‫والجزء الثالث‪ :‬وهو أنه كيف يقول عن الكواكب إنها مصابيح ؟‬
‫والمؤلف دل بقوله هذا على إنكار الواقع والمشاهد فى الحياة‬
‫الدنيا ‪ ،‬ودل أيضا ً بقوله هذا على جهله بالتوراة وبالنجيل‪ .‬ففى‬
‫سفر الرؤية‪ " :‬كوكب عظيم متقد كمصباح "[رؤ ‪" ،]10 :8‬وأمام‬
‫العرش سبعة مصابيح "[رؤ ‪ ،]5 :4‬وجاء المصباح على المجاز فى‬
‫قول صاحب المثال‪ " :‬الوصية مصباح والشريعة نور " [ أم ‪:6‬‬
‫‪.] 23‬‬
‫(‪ )1‬الطلق‪.12 :‬‬
‫(‪ )2‬النبياء‪.44 :‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫‪ -99‬كيف يكون العلم كفًرا‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫يعترض على قوله‪( :‬إنما النسئ زيادة فى الكفر ) (‪ )1‬أن النسئ‬


‫الذى فى السنة القبطية من الحساب الفلكى‪ ..‬فكيف يكون‬
‫العلم كفرا ً ؟‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫أن النسئ فى الية هو ما كان يفعله المشركون من تبديل‬
‫الشهر الحرم مكان الشهر الحلل ليستحلوا بذلك القتال فيها ‪،‬‬
‫ول علقة له باليام التى تضبط السنة القبطية للزراعة ‪ ،‬ومن هنا‬
‫يتبين مدى محاولة التلبيس والتدليس الذى يضحك منها العارفون‬
‫مع حزنهم أن يصل الترصد ضد كلم الله سبحانه والعمل على أن‬
‫ل يصل إلى الخلق باعتباره ـ الكلمة الخيرة للعالمين ـ إلى هذا‬
‫الحد الرخيص من التلعب باللفاظ والمصطلحات‪.‬‬

‫‪796‬‬
‫(‪ )1‬التوبة‪.37 :‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫ى مصر بالغيث !‬ ‫‪ -100‬ر ّ‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إن أرض مصر تُروى بالنيل ‪ ،‬ول تروى بالمطر‪ .‬وفى القرآن‪( :‬ثم‬
‫يأتى من بعد ذلك عام فيه يُغاث الناس وفيه يعصرون ) (‪.)1‬‬
‫وهذا يدل على غوثهم بالمطر‪ .‬فكيف ينسب خصب مصر للغيث‬
‫والمطر ؟‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫هنا كلمتان‪:‬‬
‫‪( -1‬يغاث ( ‪( -2‬يعصرون (‪.‬‬
‫وكلمة الغوث على الحقيقة تدل على نزول ماء من السماء‪.‬‬
‫وكلمة العصر على الحقيقة تدل على عصير العنب‪ .‬لن الشائع‬
‫بين الناس فى العصر هو العنب‪ .‬والمؤلف يوجه النقد على‬
‫المعنى الحقيقى فى نزول المطر ‪ ،‬ولم يوجه النقد لعصير‬
‫العنب‪ .‬وكلمة الغيث جاءت على الحقيقة مثل‪ " :‬فامتنع الغيث‬
‫ولم يكن مطر " [ إرمياء ‪ ، ] 3 :3‬وجاءت على المجاز مثل‪" :‬‬
‫لعرف أن أغيث المعيى " [ إشعياء ‪.] 4 :50‬‬
‫أما على المجاز فالشبهة منتفية‪ .‬وأما على الحقيقة فهذا هو‬
‫غرض المعترض وهو مغرض فى ذلك‪.‬‬
‫وذلك لن المر كله خارج على المألوف‪ .‬وبيان خروجه على‬
‫المألوف‪ :‬أن المدة خمس عشرة سنة‪ .‬سبع شداد يأكلن سبعًا‬
‫سمانًا أو‪ :‬سبع سمان يأكلهن سبع عجاف‪ .‬والسنة الخيرة يأتى‬
‫فيها الخير قليلً‪.‬‬
‫والمناسب لقلة الخير ؛ نزول المطر‪ .‬وقلة المياه تكفى لرى‬
‫العنب والفواكه فى أماكن زراعته ‪ ،‬وتكفى لنبات قمح يكون‬
‫بذره بذرا للسنوات التية التى سيكثر فيها ماء النيل‪ .‬وهذا أمر‬
‫غير مستبعد فى العقل‪.‬‬
‫فكيف يكون شبهة ؟ أما عن العصر‪ .‬فإنه يكون على الحقيقة‬
‫مثل‪ " :‬فأخذت العنب وعصرته فى كأس فرعون‪ ،‬وأعطيت‬
‫الكأس فى يد فروع " [تكوين ‪ ،]11 :40‬ويكون على المجاز مثل‪" :‬‬
‫فألقاه إلى معصرة غضب " [ رؤية ‪:14‬‬
‫‪.] 19‬‬
‫وإذا ثبت وجود العصر ‪ ،‬وليس لماء النيل وجود‪ .‬فكيف حيى‬
‫النبات وعاش ؟ وفى السنوات السبع العجاف كانت سنابل القمح‬
‫تخرج من الرض خروجا ً هزيلً‪ .‬فكيف خرجت وهى هزيلة والنيل‬

‫‪797‬‬
‫ل يروى الراضى ؟ لبد من القول بوجود مصدر للمياه غير النيل‪.‬‬
‫إما آبار عيون ‪ ،‬وإما مطر‪ .‬ففى حلم فرعون‪ " :‬وهو ذا سبع‬
‫سنابل طالعة فى ساق واحد سمينة وحسنة‪ .‬ثم هو ذا سبع‬
‫سنابل رقيقة وملفوحة بالريح الشرقية نابتة وراءها " [تكوين ‪:41‬‬
‫‪ ،]6-5‬وكرر الكلم وقال فيه‪ " :‬نابتة وراءها "[تك ‪ ]23 :41‬كيف‬
‫تكون نابتة وليس لماء النيل من سواقى؟ (‪ )1‬يوسف‪.49 :‬‬
‫‪------------------‬‬
‫‪ -101‬الرعد ملك من الملئكة‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إن فى القرآن أن الرعد يسبح الله‪ .‬وإن فى الحاديث النبوية أن‬


‫الرعد ملك من ملئكة الله‪ .‬ونحن نعلم أن الرعد هو الكهرباء‬
‫الناشئة عن تصادم السحاب فكيف يكون الرعد ملكا ً ؟‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن المؤلف ل ينكر تسبيح الرعد لله ؛ وذلك لن فى التوراة أن‬
‫ل شىء خلقه ؛ فإنه يسبحه‪ .‬وإنما هو ينكر‬ ‫الرعد يسبح لله‪ .‬وك ُّ‬
‫ملَكاً‪ .‬فمن أكّد له أن الرعد ملك ؟ ليس فى القرآن‬ ‫كون الرعد َ‬
‫أنه ملك‪ .‬والحاديث النبوية تذكر أن للرعد ملكًا ؛ وليس أن الرعد‬
‫ملك ‪ ،‬والفرق واضح‪ .‬ففى التوراة عن التسابيح لله‪ " :‬شعب‬
‫سوف يُخلق ؛ يسبح الرب " ؛ يقصد شعب محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم [مزمور ‪، ]18 :102‬وفى سفر الزبور‪ " :‬تسبحه السموات‬
‫والرض والبحار وكل ما يدب فيها " [مز ‪ .]34 :69‬وفى سفر‬
‫الزبور‪:‬‬
‫" سبحوا الرب من السموات ‪ ،‬سبحوه فى العالى ‪ ،‬سبحوه يا‬
‫جميع ملئكته ‪ ،‬سبحوه يا كل جنوده ‪ ،‬سبحيه يا أيتها الشمس‬
‫والقمر ‪ ،‬سبحيه يا جميع كواكب النور ‪ ،‬سبحيه يا سماء السموات‬
‫‪ ،‬ويا أيتها المياه التى فوق السموات‪ .‬لتسبح اسم الرب‪ .‬لنه أمر‬
‫خلقت ‪ ،‬وثبتها إلى الدهر والبد‪ .‬وضع لها حدا ً فلن تتعداه‪.‬‬ ‫ف ُ‬
‫سبحى الرب من الرض يا أيتها التنانين وكل اللجج‪ .‬النار والبرد‪.‬‬
‫الثلج والضباب‪ .‬الريح العاصفة كلمته ‪ ،‬الجبال وكل الكام ‪،‬‬
‫الشجر المثمر وكل الَرز‪ .‬الوحوش وكل البهائم ‪ ،‬الدبابات‬
‫والطيور ذوات الجنحة‪.‬‬
‫ملوك الرض وكل الشعوب ‪ ،‬الرؤساء وكل قضاة الرض‪.‬‬
‫ضا الشيوخ مع الفتيان‪.‬‬ ‫الحداث والعذارى ‪ ،‬أي ً‬
‫ليسبحوا اسم الرب ؛ لنه قد تعالى اسمه وحده‪ .‬مجده فوق‬
‫الرض والسموات " [مزمور ‪.]148‬‬

‫‪798‬‬
‫وفى الناجيل الربعة‪ " :‬يسبحون الله بصوت عظيم " [لوقا ‪:19‬‬
‫‪ " ، ]37‬وهم يمجدون الله ويسبحونه " [لو ‪ " ، ]20 :2‬وظهر بغتة‬
‫مع الملك جمهور من الجند السماوى مسبحين الله وقائلين‪:‬‬
‫المجد لله فى العالى ‪ ،‬وعلى الرض السلم ‪ ،‬وبالناس المسرة‬
‫" [لو ‪ ، ]13 :2‬وكان عيسى ـ عليه السلم ـ يسبح الله تعالى مع‬
‫الحواريين‪ .‬ففى مرقس‪ " :‬ثم سبحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون "‬
‫[مر ‪ ، ]26 :14‬وفى متى‪ " :‬ثم سبّحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون "[‬
‫متى ‪ .]30 :26‬ومن يسبح الله كيف يكون هو الله أو إله مع الله ؟‪.‬‬
‫وفى القرآن الكريم‪( :‬سبح اسم ربك العلى ) (‪ ، )1‬وفى الزبور‪:‬‬
‫" سبحوا اسم الرب‪ .‬سبحوا يا عبيد الرب " إلى أن قال‪ " :‬كل ما‬
‫شاء الرب صنع فى السموات وفى الرض‪ .‬فى البحار وفى كل‬
‫اللجج‪.‬‬
‫المصعد السحاب من أقاصى الرض‪ .‬الصانع بروقا للمطر‪.‬‬
‫المخرج الريح من خزائنه (‪[ " ..)2‬مز ‪.]135‬‬
‫(‪ )1‬العلى‪.1 :‬‬
‫(‪ )2‬فى سورة الحجر‪( :‬وأرسلنا الرياح لواقح) [آية رقم ‪ ]22‬ـ (وإن‬
‫من شئ إل عندنا خزائنه) [آية رقم ‪.]21‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫‪ -102‬الوادى طوى‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إنه ل يوجد وادى اسمه " طوى " فى سيناء‪ .‬فمن أين جاء به‬
‫القرآن ؟‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫إنه فهم من قوله تعالى‪( :‬إنى أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد‬
‫المقدس طوى ) (‪ )1‬أن (طوى) اسم للوادى المقدس‪ .‬وفهمه‬
‫خاطئ‪ .‬وذلك لن الله لما عبر عن السموات بأنها (مطويات‬
‫بيمينه ) (‪ )2‬يعنى بذلك‪ :‬أن ل إله غيره يملك من أمر السموات‬
‫من شىء‪ .‬عبر عن الرض بأنها فى ملكه وليس لله آخر فيها من‬
‫شىء‪ .‬فالطى فى السماء كناية عن القدرة والطى فى الرض‬
‫كناية عن القدرة‪ .‬والكناية مناسبة للواد المقدس ؛ والمقصود‬
‫الرض كلها لئل يُظن أن التقديس لغيره‪ .‬وكرر الله المعنى فى‬
‫السموات فقال‪:‬‬
‫(يوم نطوى السماء كطى السجل للكتب ) (‪ .)3‬وشبهه أن تكون‬
‫الرض (طوى) أى فى قبضته‪.‬‬

‫‪799‬‬
‫وفى الرسالة إلى العبرانيين‪ " :‬وأنت يا رب فى البدء أسست‬
‫الرض ‪ ،‬والسموات هى عمل يديك‪ .‬هى تبيد ولكن أنت تبقى‬
‫وكلها كثوب تبلى ‪ ،‬وكرداء تطويها؛ فتتغير‪ ،‬ولكن أنت أنت‪،‬‬
‫وسنوك لن تفنى " [عب ‪20 :1‬ـ ‪ ]22‬فقد عبر عن طيها بطى‬
‫الرداء‪.‬‬
‫فيكون المعنى (إنك بالوادى المقدس (الذى سيصير (طوى)‬
‫بمعنى مطوى كما أن السماء ستكون مطوية بقدرته‪.‬‬
‫وهنا هو ل يعترض على القرآن بل على التفاسير ‪ ،‬وهو جانب آخر‬
‫من إعجاز القرآن يزيد فى إثباته وذلك أن كلم البشر من العلماء‬
‫والمفسرين قد يختلف ويؤخذ منه ويُرد ؛ ولكن كلم الله ل يأتيه‬
‫الباطل من بين يديه ول من خلفه ‪ ،‬شىء عجيب حقا ً ذلك القرآن‬
‫الذى يقف أمام هؤلء جميعا ً بكل ذلك الفهم الخاطئ والتصيد‬
‫المستمر وإذ به يتعالى عليهم ويبقى فى عليائه معجزا ً للبشر إلى‬
‫يوم الدين‪.‬‬
‫(‪ )1‬طـه‪.12 :‬‬
‫(‪ )2‬الزمر‪.67 :‬‬
‫(‪ )3‬النبياء‪.104 :‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫‪ -102‬هل الزيتون يخرج من طور سيناء ‪ ،‬وهو يخرج من‬
‫فلسطين ‪ ،‬فكيف ذلك ؟‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫أن سيناء من فلسطين وفلسطين والشام هى شمال مصر ‪،‬‬
‫وهذا المعنى يوجد فى التوراة ففى سفر الزبور‪:‬‬
‫[ سينا فى القدس ] مز ‪.17 :68‬‬
‫ول تعتمد التقسيمات السياسية الحديثة التى فصلت الديار بعضها‬
‫عن بعض بل إن مصر فى الصل كانت تمتد إلى هذا الحد ‪ ،‬أما‬
‫تقسيمات سايكس بيكون فل يمكن تفسير النصوص المقدسة‬
‫عليها‪.‬‬
‫‪----------------‬‬
‫‪ -104‬جبل قاف المحيط بالرض كلها‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إنه جاء فى القرآن الكريم‪( :‬ق‪ .‬والقرآن المجيد ) (‪ )1‬ونقل من‬


‫كتاب عرائس المجالس‪ :‬أن معنى (ق) جبل يقال له جبل قاف‪.‬‬
‫ونقل من كتاب قصص النبياء أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪ :‬إن أعلى قمة فى الرض هى جبل قاف‪.‬‬

‫‪800‬‬
‫وقال المؤلف‪ :‬إن الكلمة العبرانية " تاو " ومعناه " الخط " لما‬
‫سمعها الصحابة لم يعرفوا أن معناها " الخط " بل توهموا أنها‬
‫سلسلة جبال عظيمة اسمها قاف‪ .‬فكيف يعتبر بعض القرآن ما‬
‫نسميه الفق ـ وهو خط وهمى ـ جبل ً حقيقيا ً ؟‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫حجة على صحة القرآن ‪،‬‬ ‫إن كلم مؤلف عرائس المجالس ليس ُ‬
‫حجة على صحة القرآن‪ .‬ولم‬ ‫وإن الحاديث الموضوعة ليست ُ‬
‫يجمع المسلمون على معنى (ق) فإن لهم فى المعنى آراء كثيرة‪.‬‬
‫منها أن (ق) حرف من حروف الهجاء مثل اللف والياء والتاء‪..‬‬
‫إلخ‪ .‬فاعتراض المؤلف على القرآن ليس فى موضعه‪.‬‬
‫(‪ )1‬سورة ق‪.1 :‬‬
‫‪-----------------------‬‬
‫‪ -105‬هامان وزير فرعون‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫جاء فى القرآن أن هامان كان وزيرا ً لفرعون‪ .‬وهذا خطأ‬


‫تاريخى ؛ لن هامان كان وزيرا ً لحشويرش ملك الفرس فى‬
‫مدينة بابل‪ .‬وبين فرعون وأحشويرش زهاء ألف سنة‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫من أعلم المؤلف بأن هامان كان وزيرا ً لفرعون ؟ وهذا السؤال‬
‫على معنى أن هامان اسم شخص‪ .‬ول أحد أعلمه بأن هامان اسم‬
‫شخص إل الرواة الذين ل يوثق بمروياتهم‪ .‬وإذا أصّر على أن‬
‫هامان اسم شخص‪ .‬فليسلّم بأن فرعون اسم شخص‪ .‬ومعلوم‬
‫أنه لقب " الملك " كان لرئيس المصريين فى زمن يوسف ـ عليه‬
‫السلم ـ وأن لقب " فرعون " كان لرئيس المصريين فى زمن‬
‫موسى ـ عليه السلم ـ مما يدل على تغير نظام الحكم‪.‬‬
‫وإذا صح أن " هامان " لقب لكل نائب عن الملك ‪ ،‬ل اسم‬
‫شخص‪ .‬فإنه يصح أن يُطلق على النائب عن فرعون أو عن أى‬
‫ملك من الملوك‪ .‬وعلى ذلك يكون معنى‪( :‬إن فرعون وهامان‬
‫وجنودهما ) (‪ )1‬هو إن رئيس مصر الملقب بفرعون ‪ ،‬ونائبه‬
‫الملقب بهامان (وجنودهما كانوا خاطئين) ومثل ذلك‪ :‬مثل لقب‬
‫الملك الذى يُطلق على رؤساء البلد ؛ فإنه يطلق على رؤساء‬
‫فارس واليونان ومصر واليمن وسائر البلد ‪ ،‬ول يتوجه على‬
‫إطلقه خطأ من أخطاء التاريخ‪.‬‬
‫ل " على من‬ ‫وفى النجيل أن اليهود كانوا يطلقون لقب " المض ّ‬
‫يخالفهم فى الرأى‪ .‬وإذا أطلقه العبرانيون على رجل منهم‬

‫‪801‬‬
‫يقولون له‪ :‬يا سامرى ‪ ،‬بدل قولهم يا مضل‪ .‬وذلك لنهم يعتبرون‬
‫السامريين كفاراً‪ .‬وإذا أطلقه السامريون على رجل منهم يقولون‬
‫له‪ :‬يا عبرانى ‪ ،‬بدل قولهم يا مضل‪ .‬وذلك لنهم يعتبرون‬
‫العبرانيين كفاراً‪ .‬وإذا سمع العبرانى عنهم كلمة " سامرى " ل‬
‫يفهم منها أنها اسم شخص ‪ ،‬وإنما يفهم منها أنها لقب للذم‪ .‬وعن‬
‫هذا المعنى جاء فى إنجيل يوحنا أن علماء اليهود قالوا لعيسى ـ‬
‫عليه السلم ـ‪ " :‬إنك سامرى ‪ ،‬وبك شيطان " ورد عليهم بقوله‪:‬‬
‫" أنا ليس بى شيطان ‪ ،‬لكنى أكرم أبى وأنتم تهينوننى‪ .‬أنا لست‬
‫أطلب مجدى‪ .‬يُوجد من يطلب ويدين " [يو ‪48 :8‬ـ ‪.]50‬‬
‫(‪ )1‬القصص‪.8 :‬‬
‫‪------------‬‬
‫‪ -106‬قارون وهامان مصريان‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫إن قارون يهودى ‪ ،‬وفرعون مصرى ‪ ،‬وهامان فارسى فكيف‬
‫قاوم هامان نبى الله موسى وهو لم يكن فى زمانه ؟‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن هامان ليس اسم شخص ‪ ،‬وإنما هو لقب يدل على نائب‬
‫الرئيس‪ .‬وبهذا المعنى يكون هامان ـ أى النائب عن فرعون ـ قد‬
‫قاوم نبى الله موسى عليه السلم‪.‬‬
‫‪------------------‬‬
‫‪ -107‬العجل الذهبى من صنع السامرى‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إن مدينة السامرة فى فلسطين لم يكن لها وجود لما خرج بنو‬
‫إسرائيل من مصر ‪ ،‬مع موسى ‪ ،‬وسكنوا أرض سيناء‪ .‬وفيها عمل‬
‫لهم هارون العجل الذهبى كطلبهم‪ .‬فكيف نتخيل سامريا ً يضع‬
‫لهم العجل قبل أن يكون للسامريين وجود ؟‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ إنه ليس فى فلسطين مدينة تسمى بمدينة السامرة‪ .‬وإنما‬
‫كان للسامريين مملكة فى فلسطين ‪ ،‬عاصمتها " نابلس "‬
‫المسماة قديما ً " شكيم " وكانت هذه المملكة مكونة من عشرة‬
‫أسباط‪ .‬وكان للسبطين مملكة فى فلسطين عاصمتها " القدس‬
‫" المسماة قديما ً " أورشليم "‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ولما صعد موسى عليه السلم إلى جبل الطور وتلقى‬
‫التوراة ‪ ،‬نزل فوجد اليهود يعبدون عجل ً جسدا ً له خوار‪ .‬فسأل‬
‫عن ذلك فدلوه على من أغراهم بعبادتهم‪ .‬فأمسك به وسأله (ما‬
‫خطبك يا سامرى)أى ما هذا الذى فعلته أيها المضل ؟ لن كلمة‬

‫‪802‬‬
‫(سامرى) تطلق على المضل‪ .‬ول تطلق على شخص كاسم من‬
‫السماء‪.‬‬
‫وبهذا المعنى ل يكون الذى أضلهم رجل مسمى بالسامرى ‪ ،‬حتى‬
‫يتوجه الشكال‪ .‬وإل يلزم أن يكون السامرى من أسماء المسيح‬
‫عيسى ـ عليه السلم ـ فإن اليهود قالوا له‪ " :‬إنك سامرى ‪ ،‬وبك‬
‫شيطان " [يو ‪:8‬‬
‫‪.]48‬‬
‫‪-----------------------‬‬
‫‪ -108‬أبو إبراهيم آزر‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫إن فى التوراة أن أبا إبراهيم اسمه تارح‪ .‬وقد أخطأ القرآن فى‬
‫قوله إن أباه اسمه آزر‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن النساب مختلفة بين التوراة السامرية والعبرانية واليونانية‪.‬‬
‫وإن عدد السنين لكل أب من آدم إلى إبراهيم مختلف فيه بين‬
‫نسخ التوراة الثلثة ‪ ،‬ولوقا كاتب النجيل زاد على السماء قينان‪.‬‬
‫نقل عن اليونانية‪.‬‬
‫ومعنى هذا أنه كان يجب على المؤلف تصحيح كتبه قبل أن يوجه‬
‫نقده‪ .‬ولذلك جاء فى القرآن الكريم‪:‬‬
‫(إن هذا القرآن يقص على بنى إسرائيل أكثر الذى هم فيه‬
‫يختلفون ) (‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬النمل‪.76 :‬‬
‫‪------------------‬‬
‫‪ -109‬مريم العذراء بنت عمران‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إن القرآن نسب مريم العذراء إلى عمران أبى موسى النبى‪.‬‬
‫وقال‪ :‬إنها أخت هارون النبى ـ عليه السلم ـ وهذا يخالف ما جاء‬
‫فى إنجيل لوقا أنها بنت هالى [لوقا ‪ ]23 :3‬ويخالف التاريخ لن‬
‫بين مريم وهارون ألف وستمائة سنة‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫إن المؤلف نقل عن النجيل أن مريم بنت هالى‪ .‬ونقله خطأ‪.‬‬
‫والنص هو‪ " :‬ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلثين سنة‪ .‬وهو على‬
‫ما كان يُظن ابن يوسف بن هالى بن متثات بن لوى بن ملكى‬
‫بن ينّا بن يوسف " إلى أن أوصل نسبه إلى " ناثان بن داود "‬
‫عليه السلم‪ .‬وهذا النص ل يدل على أنه نسب مريم كما قال‬

‫‪803‬‬
‫المؤلف ‪ ،‬وإنما يدل على أنه نسب المسيح‪ .‬فكيف يكذب القرآن‬
‫بنسب ليس لها ؟ وكيف ينسبون المسيح إلى يوسف بن هالى‪.‬‬
‫وفى النجيل أنه ل أب له ول سبط له ؟ ذلك قوله عن يوسف‪" :‬‬
‫ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر " [متى ‪ ، ]24 :1‬وكيف يكذبون‬
‫القرآن بنسب على سبيل الظن ؟ ذلك قوله‪ " :‬وهو على ما كان‬
‫يُظن " وفى إنجيل متى أن المسيح ابن يوسف بن يعقوب بن‬
‫متّان بن اليعازر بن آليود‪.‬‬
‫إلى أن أوصل نسبه إلى سليمان ـ عليه السلم ـ [ متى ‪.] 1‬‬
‫والحق‪ :‬أن مريم ابنة عمران الب المباشر لموسى ـ عليه‬
‫السلم ـ وهو أب مباشر لموسى ‪ ،‬وهو أب لمريم لنه رئيس‬
‫العائلة التى تناسلت هى منها‪ .‬وهارون ابن عمران‪ .‬وهى من‬
‫نسل هارون ـ عليه السلم ـ فيكون هو أخوها على معنى أنها من‬
‫نسله‪ .‬أما أبوها المباشر فاسمه " يهويا قيم " وأمها اسمها " حنة‬
‫" كما جاء فى إنجيل يعقوب الذى ل يعترف به النصارى‪.‬‬
‫والنسب هكذا‪:‬‬
‫إبراهيم ـ إسحاق ـ يعقوب ـ لوى وهو البن الثالث ليعقوب‪.‬‬
‫وأنجب لوى ثلثة هم جرشون وقهات ومرارى‪.‬‬
‫وبنوقهات عمرام ويصهار وحبرون وعزئييل‪ .‬وبنو عمرام هارون‬
‫وموسى ومريم‪.‬‬
‫وقد وصى موسى عن أمر الله تعالى أن تتميز السباط التى تريد‬
‫الرث فى بنى إسرائيل‪ .‬وذلك بأن تتزوج كل بنت فى سبطها‪.‬‬
‫ففى سفر العدد‪ " :‬وكل بنت ورثت نصيبا ً من أسباط بنى‬
‫إسرائيل ؛ تكون امرأة لواحد من عشيرة سبط أبيها ؛ لكى يرث‬
‫ل واحد نصيب آبائه " [عدد ‪ .]8 :36‬ووصى بأن‬ ‫بنو إسرائيل ك ُّ‬
‫يتفرغ سبط لوى للعلم والدين ‪ ،‬ول يكون له نصيب فى الرض ‪،‬‬
‫وإنما يسكن بين السباط فى مدنهم ‪ ،‬ووصى بأن تكون المامة‬
‫فى نسل هارون وحده‪ .‬وعلى هذه الشريعة نجد فى بدء إنجيل‬
‫لوقا‪ :‬أن " أليصابات " زوجة زكريا ـ عليه السلم ـ كانت من‬
‫نسل هارون من سبط لوى ‪ ،‬وكان زكريا من نسل هارون من‬
‫سبط لوى‪ .‬وتزوجت أليصابات زكريا‪ .‬وأن مريم العذراء كانت‬
‫قريبة لليصابات‪ .‬وإذا ثبت أنها قريبة لها ؛ يثبت أن مريم هارونية‬
‫من سبط لوى‪ .‬يقول لوقا‪ " :‬كان فى أيام هيرودس ملك‬
‫اليهودية كاهن اسمه زكريا من فرقة أبِيّا ‪ ،‬وامرأته من بنات‬
‫هارون ‪ ،‬واسمها أليصابات‪ ..‬إلخ " ويقول لوقا‪:‬‬
‫" وهو ذا أليصابات نسيبتك‪ ..‬إلخ " ؛ قال لها الملك ذلك وهو‬
‫يبشرها بالحمل بعيسى ـ عليه السلم ـ فإذا صح أنها قريبة لها‬
‫ونسيبة لها‪ .‬فكيف يخطئ المؤلف القرآن فى نسبتها إلى هارون‬

‫‪804‬‬
‫ـ عليه السلم ـ ؟ وفرقة أبِيّا هى فرقة من بنى هارون ‪ ،‬وهى‬
‫الفرقة الثامنة من الفرق التى عدها داود ـ عليه السلم ـ للعمل‬
‫فى المناظرة على بيت الرب‪ .‬وخبرهم فى الصحاح الرابع‬
‫والعشرين من سفر أخبار اليام الول‪.‬‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إن القرآن نسب مريم العذراء إلى عمران أبى موسى النبى‪.‬‬
‫وقال‪ :‬إنها أخت هارون النبى ـ عليه السلم ـ وهذا يخالف ما جاء‬
‫فى إنجيل لوقا أنها بنت هالى [لوقا ‪ ]23 :3‬ويخالف التاريخ لن‬
‫بين مريم وهارون ألف وستمائة سنة‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫إن المؤلف نقل عن النجيل أن مريم بنت هالى‪ .‬ونقله خطأ‪.‬‬
‫والنص هو‪ " :‬ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلثين سنة‪ .‬وهو على‬
‫ما كان يُظن ابن يوسف بن هالى بن متثات بن لوى بن ملكى‬
‫بن ينّا بن يوسف " إلى أن أوصل نسبه إلى " ناثان بن داود "‬
‫عليه السلم‪ .‬وهذا النص ل يدل على أنه نسب مريم كما قال‬
‫المؤلف ‪ ،‬وإنما يدل على أنه نسب المسيح‪ .‬فكيف يكذب القرآن‬
‫بنسب ليس لها ؟ وكيف ينسبون المسيح إلى يوسف بن هالى‪.‬‬
‫وفى النجيل أنه ل أب له ول سبط له ؟ ذلك قوله عن يوسف‪" :‬‬
‫ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر " [متى ‪ ، ]24 :1‬وكيف يكذبون‬
‫القرآن بنسب على سبيل الظن ؟ ذلك قوله‪ " :‬وهو على ما كان‬
‫يُظن " وفى إنجيل متى أن المسيح ابن يوسف بن يعقوب بن‬
‫متّان بن اليعازر بن آليود‪.‬‬
‫إلى أن أوصل نسبه إلى سليمان ـ عليه السلم ـ [ متى ‪.] 1‬‬
‫والحق‪ :‬أن مريم ابنة عمران الب المباشر لموسى ـ عليه‬
‫السلم ـ وهو أب مباشر لموسى ‪ ،‬وهو أب لمريم لنه رئيس‬
‫العائلة التى تناسلت هى منها‪ .‬وهارون ابن عمران‪ .‬وهى من‬
‫نسل هارون ـ عليه السلم ـ فيكون هو أخوها على معنى أنها من‬
‫نسله‪ .‬أما أبوها المباشر فاسمه " يهويا قيم " وأمها اسمها " حنة‬
‫" كما جاء فى إنجيل يعقوب الذى ل يعترف به النصارى‪.‬‬
‫والنسب هكذا‪:‬‬
‫إبراهيم ـ إسحاق ـ يعقوب ـ لوى وهو البن الثالث ليعقوب‪.‬‬
‫وأنجب لوى ثلثة هم جرشون وقهات ومرارى‪.‬‬
‫وبنوقهات عمرام ويصهار وحبرون وعزئييل‪ .‬وبنو عمرام هارون‬
‫وموسى ومريم‪.‬‬

‫‪805‬‬
‫وقد وصى موسى عن أمر الله تعالى أن تتميز السباط التى تريد‬
‫الرث فى بنى إسرائيل‪ .‬وذلك بأن تتزوج كل بنت فى سبطها‪.‬‬
‫ففى سفر العدد‪ " :‬وكل بنت ورثت نصيبا ً من أسباط بنى‬
‫إسرائيل ؛ تكون امرأة لواحد من عشيرة سبط أبيها ؛ لكى يرث‬
‫ل واحد نصيب آبائه " [عدد ‪ .]8 :36‬ووصى بأن‬ ‫بنو إسرائيل ك ُّ‬
‫يتفرغ سبط لوى للعلم والدين ‪ ،‬ول يكون له نصيب فى الرض ‪،‬‬
‫وإنما يسكن بين السباط فى مدنهم ‪ ،‬ووصى بأن تكون المامة‬
‫فى نسل هارون وحده‪ .‬وعلى هذه الشريعة نجد فى بدء إنجيل‬
‫لوقا‪ :‬أن " أليصابات " زوجة زكريا ـ عليه السلم ـ كانت من‬
‫نسل هارون من سبط لوى ‪ ،‬وكان زكريا من نسل هارون من‬
‫سبط لوى‪ .‬وتزوجت أليصابات زكريا‪ .‬وأن مريم العذراء كانت‬
‫قريبة لليصابات‪ .‬وإذا ثبت أنها قريبة لها ؛ يثبت أن مريم هارونية‬
‫من سبط لوى‪ .‬يقول لوقا‪ " :‬كان فى أيام هيرودس ملك‬
‫اليهودية كاهن اسمه زكريا من فرقة أبِيّا ‪ ،‬وامرأته من بنات‬
‫هارون ‪ ،‬واسمها أليصابات‪ ..‬إلخ " ويقول لوقا‪:‬‬
‫" وهو ذا أليصابات نسيبتك‪ ..‬إلخ " ؛ قال لها الملك ذلك وهو‬
‫يبشرها بالحمل بعيسى ـ عليه السلم ـ فإذا صح أنها قريبة لها‬
‫ونسيبة لها‪ .‬فكيف يخطئ المؤلف القرآن فى نسبتها إلى هارون‬
‫ـ عليه السلم ـ ؟ وفرقة أبِيّا هى فرقة من بنى هارون ‪ ،‬وهى‬
‫الفرقة الثامنة من الفرق التى عدها داود ـ عليه السلم ـ للعمل‬
‫فى المناظرة على بيت الرب‪ .‬وخبرهم فى الصحاح الرابع‬
‫والعشرين من سفر أخبار اليام الول‪.‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫م بالفساد‬ ‫‪ -110‬يوسف ه ّ‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إن يوسف ـ عليه السلم ـ هم بالمرأة وهمت به حسبما جاء فى‬


‫القرآن‪ .‬وأنه لم يهم بها ولم تهم به حسبما جاء فى التوراة‪ .‬وما‬
‫جاء فى التوراة هو المناسب لحوال النبياء‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ يوجد فرق بين رجل عرف الله ورجل لم يعرفه‪ .‬فالعارف‬
‫بالله ل يقدم على معصية لله ول يقدم على ضرر للبشر‪ .‬والذى‬
‫ل يعرفه ل يستحيى أن يفعل ما يشاء من المعاصى والضرر‪.‬‬
‫وعلى هذا المعنى يوجد فرق بين امرأة العزيز التى تعبد مع‬
‫قومها غير الله وبين يوسف ـ عليه السلم ـ الذى عرف ربه‬
‫بواسطة البراهين التى قادت إلى معرفته فى كونه ‪ ،‬وبما سمعه‬

‫‪806‬‬
‫عن الله من آبائه‪ .‬فامرأة العزيز همت به أن يفعل الفاحشة بها ‪،‬‬
‫وهو قد قال لها‪( :‬معاذ الله (وعلّل عدم الفعل بأنه يكون مسيئاً‬
‫لمن أحسن إليه‪.‬‬
‫وهو سيده‪ .‬والساءة إلى المحسن نوع من أنواع الظلم‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ انظر إلى قوله‪( :‬وراودته (وإلى قوله (معاذ الله (تجد أنها لما‬
‫راودته (همت به (فيكون الهم منها بمعنى طلب فعل الفاحشة‪.‬‬
‫وتجد أنها لما (همت به (صار منه هم بها‪ .‬يفسره قوله (معاذ الله‬
‫(كما فسر همها (وراودته (فيكون همه بها ؛ دفعا ً لها وامتناعاً‬
‫عنها‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ولو فرضنا أن يوسف غير عارف بالله وغير مقر به مثلها ؛‬
‫فإننا نفرض أنه لو همت به للفعل بها ؛ لهم بها للفعل بها‪ .‬ولول‬
‫أنه رأى برهان وجود الله فى كونه ‪ ،‬لكان قد فعل بها‪ .‬إذ هذا‬
‫شأن الوثنيين‪ .‬وكهذا البرهان ؛ أريناه براهين فى الفاق وفى‬
‫النفس (لنصرف عنه السوء والفحشاء ) (‪.)1‬‬
‫‪ 4‬ـ ول يمكن تفسير (برهان ربه (بعلمة مجىء سيده إلى بيته ؛‬
‫لنه لو ظهرت علمة مجئ سيده ؛ ما استبقا الباب‪ :‬هى للطلب ‪،‬‬
‫وهو للدفع‪ .‬فاستباقهما معناه‪ :‬أنها تغلق البواب وتمنع من‬
‫الفلت وهو يحاول الدفع ‪ ،‬حتى أنها جذبته من خلف ظهره من‬
‫ثوبه ‪ ،‬وعندئذ (ألفيا سيدها لدى الباب ) (‪ )2‬وصرح بأنه غير مذنب‬
‫‪ ،‬وشهد شاهد بالقرائن من أهل الشهادة أنه غير مذنب‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ على هذا يكون القرآن مقرا ً ببراءة يوسف ـ عليه السلم ـ‬
‫ويكون لفظ الهم فى جانبه على سبيل المشاكلة لنه صرح قبله‬
‫بقوله (معاذ الله ) (‪.)3‬‬
‫(‪ )1‬يوسف‪.24 :‬‬
‫(‪ )2‬يوسف‪.25 :‬‬
‫(‪ )3‬يوسف‪.23 :‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫‪ -111‬نوح يدعو للضلل‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إن نوحا ً ـ عليه السلم ـ قال لله تعالى‪( :‬ول تزد الظالمين إل‬
‫ضلل ً ) (‪ )1‬؛ فكيف يدعو نوح ربه أن يزيد الناس ضلل ً ؟‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن نوحا ً لم يدع ربه أن يزيد الناس ضلل ً ‪ ،‬وإنما دعا على‬
‫الظالمين من الناس‪ .‬ومثل ذلك‪ :‬ما فى التوراة عن النبياء فإنهم‬
‫دعوا على الظالمين ‪ ،‬ولم يدعوا على كل الناس‪ .‬ففى المزمور‬
‫الثامن عشر‪ " :‬من الرجل الظالم تنقذنى " ـ " مثل طين‬

‫‪807‬‬
‫السواق ؛ اطرحهم " ‪ ،‬وفى النجيل يقول المسيح لله عن الذين‬
‫آمنوا به‪ " :‬احفظهم فى اسمك الذين أعطيتنى " [يو ‪ ]11 :17‬ولم‬
‫يدع للكل‪.‬‬
‫(‪ )1‬نوح‪.24 :‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪ -112‬فرعون ينجو من الغرق‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إن فى القرآن تناقض فى نهاية فرعون‪ .‬ففى سورة يونس‪:‬‬


‫(فاليوم ننجيك ببدنك ) (‪ )1‬وهذا يدل على نجاته من الغرق ‪ ،‬وفى‬
‫سورة القصص‪( :‬فأخذناه وجنوده فنبذناهم فى اليم ) (‪ )2‬وهذا‬
‫يدل على غرقه‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫إن المؤلف لم يفسر (فاليوم ننجيك ببدنك) على المعنى‬
‫الظاهرى‪ .‬وهو إبعاد الجثة عن الهبوط فى اليم ‪ ،‬وتركها على‬
‫الشاطئ حتى يضعها المحنطون فى المقبرة فيراها كل‬
‫المصريين فيعتبروا ويتعظوا‪ .‬وفسر على المعنى المجازى كناية‬
‫جه الشبهة على المعنى المجازى وليس‬ ‫عن إفلته من الغرق‪ .‬وو ّ‬
‫على المعنى الحقيقى‪.‬‬
‫جه الشبهة ؛ موجود فى التوراة عن‬ ‫والمعنى المجازى الذى به و ّ‬
‫فرعون‪ .‬ففيها أنه لم يغرق ‪ ،‬وموجود فيها ما يدل على غرقه‪.‬‬
‫وهذا هو التناقض الذى نسبه إلى القرآن‪ .‬وسوف نبين ما فى‬
‫التوراة من التناقض عن غرق فرعون‪ .‬ونسأله هو أن يوفق بين‬
‫المعنيين المتناقضين‪ .‬وما يجيب به فى التوفيق ؛ يكون إجابة لنا‪.‬‬
‫ففى الصحاح الرابع عشر من سفر الخروج‪ " :‬فرجع الماء‬
‫وغطى مركبات وفرسان جميع جيش فرعون الذى دخل وراءهم‬
‫فى البحر‪ .‬لم يبق منهم ول واحد " وفى الصحاح الخامس عشر‬
‫من نفس السفر‪:‬‬
‫" تغطيهم اللجج‪ .‬قد هبطوا فى العماق كحجر " وفى تفسير‬
‫التوراة ما نصه‪ " :‬ول سبيل لنا هنا إلى الحكم بغرق فرعون ‪ ،‬إذ‬
‫ل دللة عليه فى هذا النبأ ‪ ،‬ول من قول المرنِّم [ مز ‪ 53 :78‬و ‪:106‬‬
‫‪ ]11‬وساق المفسرون أربع حجج على عدم غرقه‪ .‬ومعنى قولهم‪:‬‬
‫إن قول المرنِّم ل يدل على غرقه هو‪ :‬أن داود ـ عليه السلم ـ‬
‫فى المزمور ‪ 78‬والمزمور ‪ 106‬قال كلما ً عن فرعون ل يدل‬
‫صراحة على غرقه‪.‬‬

‫‪808‬‬
‫هو "‬ ‫‪11 :106‬‬
‫ونص ‪ 3 :78‬هو " أما أعداؤهم فغمرهم البحر " ونص‬
‫وغطّت المياه مضايقيهم‪.‬‬
‫واحد منهم لم يبق "‪.‬‬
‫هذا عن عدم غرق فرعون‪ .‬وأما عن غرقه ففى المزمور ‪15 :136‬‬
‫" ودفع فرعون وقوته فى بحر يوسف ؛ لنه إلى البد رحمته "‬
‫وفى ترجمة أخرى‪ " :‬أغرق فرعون وجيشه فى البحر الحمر إلى‬
‫البد رحمته (‪ " )3‬ومفسرو الزبور ـ وهم أنفسهم الذين صرحوا‬
‫بعدم غرق فرعون ـ كتبوا عن فرعون‪ " :‬فإن هذا الخير قد حاول‬
‫جهد المستطاع أن يرجع السرائيليين إلى عبوديتهم ؛ فما تم له‬
‫ما أراد ‪ ،‬بل اندحر شر اندحار " انتهى‪.‬‬
‫ومن هذا الذى قدمته يكون من الواجب على المؤلف حل‬
‫التناقض الموجود عنده فى أمر فرعون ‪ ،‬قبل أن يوجه كلمه إلى‬
‫القرآن‪.‬‬
‫(‪ )1‬يونس‪.92 :‬‬
‫(‪ )2‬القصص‪.40 :‬‬
‫(‪ )3‬جمعية الكتاب المقدس فى لبنان سنة ‪1993‬م‪.‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫‪ -113‬انتبـاذ مريـم‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إن فى القرآن‪ :‬أن مريم انتبذت من أهلها مكانا ً شرقيًّا ‪ ،‬واتخذت‬


‫لها حجابا ً من قبل أن تحبل بالمسيح‪.‬‬
‫فلماذا انتبذت ؟ هل كانت فى مشاجرة مع أهلها وهم‬
‫المشهورون بالتقوى ؟ ولماذا تسكن فتاة عذراء بعيدة عن‬
‫أهلها ؟ فى القرآن تناقض فى هذا المعنى‪ .‬وهو أنه صرح بأنها‬
‫كانت فى المحراب فى كفالة زكريا ‪ ،‬وصرح بأنها انتبذت‪ .‬أى‬
‫خرجت منهم بعد مشاجرة‪.‬‬
‫وقال المؤلف‪ :‬إن القرآن قد خالف النجيل فى مكان سكناها من‬
‫قبل الحبل بعيسى ـ عليه السلم ـ ففى القرآن‪ :‬أنها كانت تسكن‬
‫فى محراب أورشليم ‪ ،‬أو فى أى مكان مجهول‪ .‬وفى النجيل أنها‬
‫كانت تسكن فى " الناصرة " [لو ‪26 :1‬ـ ‪.]23‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ جاء فى إنجيل يعقوب‪ :‬أن مريم وهى فى سن الثالثة‪ :‬ذهبت‬
‫بها أمها بصحبة أبيها إلى " أورشليم " وسلماها إلى كهنة هيكل‬
‫سليمان ‪ ،‬وكانت علمات السرور تبدو عليها‪ .‬ثم تركاها ورجعا‬
‫إلى أورشليم ‪ ،‬وعاشت مع الراهبات المنذورات إلى أن حبلت‪.‬‬

‫‪809‬‬
‫‪ 2‬ـ وإن أنت نظرت فى خريطة فلسطين‪ .‬تجد حبرون أسفل‬
‫أورشليم وقريبة منها ‪ ،‬وتجد الناصرة على نفس الخط وبعيدة‬
‫عن أورشليم‪ .‬فتكون أورشليم غرب الناصرة ‪ ،‬وشرق حبرون‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ 3‬ـ وفى النجيل‪ " :‬وفى ذلك الوقت ولد موسى وكان جميل ً جد ّا‪.‬‬
‫فربى هذا ثلثى أشهر فى بيت أبيه‪.‬‬
‫ولما نُبذ ؛ اتخذته ابنة فرعون ‪ ،‬وربته لنفسها ابنا ً " [أعمال ‪]21 :7‬‬
‫قوله " ولما نبذ " ل يدل على أن أهله كرهوه وإنما يدل على‬
‫أنهم وضعوه فى التابوت وهم لوضعه كارهون‪ .‬ومن ينتبذ عن‬
‫قوم ؛ ل يدل انتباذه عنهم على كرهه لهم ‪ ،‬وإنما يدل على‬
‫ابتعاده عنهم لسبب أو لسباب‪ .‬وإذ صح وثبت أن ابتعادها عنهم‬
‫كان لعبادة الله ؛ يثبت أنها لم تنتبذ لمشاجرة‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ وقد تبين أن " الناصرة " من نصيب سبط زبولون ـ وهو من‬
‫أسباط السامريين ـ وهى من سبط يهوذا ـ على حد زعمه ـ‬
‫فكيف تكون من سكان الناصرة ؟ وإذا كانت من سكان‬
‫الناصرة ‪ ،‬فلماذا أتت إلى أورشليم لتعد ّ مع سكانها‪ .‬وسكان‬
‫أورشليم من سبطى يهوذا وبنيامين ؟ فالحق ما قاله القرآن أنها‬
‫كانت هارونية‪.‬‬
‫ومعلوم أن زكريا وامرأته ويوحنا المعمدان كانوا من التابعين‬
‫لهل أورشليم‪.‬‬
‫‪----------------‬‬
‫‪ -114‬مريم تلد فى البرية ووليدها يكلمها من تحتها‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫لقد ولدت مريم السيد المسيح فى بيت لحم كما تنبأ أنبياء‬
‫التوراة بذلك قبل حدوثه بمئات السنين ‪ ،‬وليس بجوار جذع نخلة‪.‬‬
‫ووضعت مريم وليدها فى مذود [لوقا ‪2 :2‬ـ ‪ ]20‬وغريب أن يكلمها‬
‫وليدها من تحتها‪:‬‬
‫أن تهز جذع النخلة وتأكل من البلح وتشرب من الجدول‪ .‬فإذا مّر‬
‫بها أحد تقول‪( :‬إنى نذرت للرحمن صوما ً فلن أكلم اليوم إنسيا )‬
‫(‪ )1‬فأين الصوم وهى الكلة الشاربة المتكلمة ؟‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ولدة المسيح فى بيت لحم ـ كما قال المؤلف ـ تدل على أن‬
‫مريم من سكان الخليل التى هى حبرون ‪ ،‬ول تدل على أنها من‬
‫سكان الناصرة‪ .‬ففى خريطة فلسطين تجد بيت لحم تحت‬
‫أورشليم ‪ ،‬وبعدها حبرون‪.‬‬
‫وعلى هذا تكون مريم بعد حملها بالمسيح وإحساسها بدنو‬
‫حبرون (فأجاءها المخاض (عند بيت لحم‪.‬‬ ‫الوضع‪ .‬قد اتجهت إلى َ‬

‫‪810‬‬
‫ولو كانت من الناصرة وأحست بالحمل وبالوضع‪ .‬لتجهت إلى‬
‫الناصرة‪ .‬وعندئذ يكون الوضع فى مكان بين أورشليم وبين‬
‫الناصرة‪ .‬فقولهم بالمخاض فى بيت لحم يصدق القرآن فى أنها‬
‫كانت من نسل هارون الساكنين فى حبرون‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وقول المعترض‪ :‬إن التوراة تنبأت بولدة المسيح فى بيت‬
‫لحم‪ .‬يقصد به ما جاء فى سفر ميخا وهو " أما أنت يا بيت لحم‬
‫أفراتة وأنت صغيرة أن تكونى بين ألوف يهوذا ‪ ،‬فمنك يخرج لى‬
‫الذى يكون متسلطا ً على إسرائيل ‪ ،‬ومخارجه منذ القديم منذ‬
‫أيام الزل " [ميخا ‪.]2 :5‬‬
‫والنبوءة موضوعة وليست من النص الصلى‪ .‬بدليل‪ :‬أن المسيح‬
‫كان من الهارونيين من جهة أمه ‪ ،‬وبيت لحم من مدن سبط‬
‫يهوذا‪ .‬ولو كان له أب لمكن للنصارى نسبته إلى سبط أبيه‪.‬‬
‫ولكنه ل أب له ؛ فكيف ينتسب إلى سبط يهوذا أو غير سبط‬
‫يهوذا ؟ وبدليل‪ :‬أن المتسلط على إسرائيل وهو النبى المى‬
‫التى على مثال موسى‪ .‬يكون ملكا ً وفاتح بلد‪ .‬ولم يكن المسيح‬
‫ملكا ً ول فاتح بلد‪ ..‬وبدليل‪ :‬أن سفر ميخا مرفوض من‬
‫السامريين‪ .‬وبدليل أن شراح سفر ميخا يصرحون بالتناقض‬
‫فيه‪.‬والنبوءة من مواضع التناقض التى صرحوا بها‪ .‬يقول الشراح‪:‬‬
‫"هناك تعليمان متشابكان فى كتاب ميخا‪ :‬الول‪ :‬الله يدين شعبه‬
‫ويعاقبه [ف ‪ 1‬ـ ‪ 1 :6 :3‬ـ ‪ ]7 :7‬الله يعد شعبه بالخلص [ف ‪4‬ـ ‪ 5‬و‬
‫‪8 :7‬ـ ‪ ]20‬حين يُعيده إلى حاله السابقة ويجعله بقيادة رئيس من‬
‫نسل داود [‪1 :5‬ـ ‪.]4‬‬
‫‪ 3‬ـ وقد جاء فى إنجيل متى البوكريفى معجزة النخلة‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ وكلم المسيح فى المهد جاء فى برنابا وفى إنجيل الطفولية‬
‫العربى ‪ ،‬وجاء فى تاريخ يوسيفوس‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ وقال المعترض‪ :‬إن المسيح كلم أمه من تحتها‪ :‬أن تهز جذع‬
‫من تحتها " والحق‪:‬‬ ‫النخلة‪ ..‬إلخ‪ .‬وهو قد قال بذلك على قراءة " ِ‬
‫أن الذى ناداها هو ملك الله نفسه‪ .‬وسياق الكلم يدل على أنه‬
‫الملك‪.‬‬
‫ى هيّن ولنجعله آية‬‫فإنه قد قال لها‪( :‬كذلك قال ربك هو عل ّ‬
‫للناس ورحمة منا وكان أمرا ً مقضيا ً ) (‪ ،)2‬ولما حملته وانتبذت به‬
‫وأجاءها المخاض وتمنّت الموت ؛ عاد إلى خطابه معها فقال‪( :‬أل‬
‫تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا وهزى إليك بجذع النخلة تساقط‬
‫عليك رطبا ً جنيا ً فكلى واشربى وقرى عينا ً فإما ترين من البشر‬
‫أحدا ً فقولى إنى نذرت للرحمن صوما ً فلن أكلم اليوم إنسيا ) (‬
‫‪.)3‬‬

‫‪811‬‬
‫وأما كلم المسيح فهو لم يقل إل (إنى عبد الله أتانى الكتاب‬
‫وجعلنى نبيا وجعلنى مباركا أينما كنت وأوصانى بالصلة والزكاة‬
‫ً‬
‫مادمت حيًّا وبرا بوالدتى ولم يجعلنى جبارا شقيا والسلم عل ّ‬
‫ى‬
‫يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ) (‪.)4‬‬
‫‪ 6‬ـ المعترض قد غالط فى نقل المعنى بقوله‪ " :‬وغريب أن‬
‫يكلمها وليدها من تحتها‪ :‬أن تهز جذع النخلة وتأكل من البلح‬
‫وتشرب من الجدول ؛ فإذا مر بها أحد تقول‪( :‬إنى نذرت للرحمن‬
‫صوما ً فلن أكلم اليوم إنسيا ) (‪ )5‬فأين الصوم وهى الكلة‬
‫الشاربة المتكلمة ؟ "‪.‬‬
‫ووجه المغالطة‪ :‬أنه يقول فإذا مر بها أحد تقول‪ ..‬إلخ‪ .‬والمعنى‬
‫الصحيح‪ :‬أنها ل تقول لكل أحد يمر عليها إنها صائمة عن الطعام‬
‫والشراب‪ .‬وإنما تقول‪ :‬ل أتكلم مع أحد فى أمر ابنى فى هذه‬
‫اليام‪ .‬فجملة (فإما ترين من البشر‪( ..‬جملة مستأنفة ل صلة لها‬
‫بالطعام وبالشراب‪ .‬وقولها‪( :‬إنى نذرت للرحمن صوما (تعنى به‬
‫المعنى المجازى وهو المساك عن الكلم بدليل‪( :‬فلن أكلم (ولم‬
‫تقل فلن آكل‪.‬‬
‫(‪ )1‬مريم‪.26 :‬‬
‫(‪ )2‬مريم‪.21 :‬‬
‫(‪ )3‬مريم‪24 :‬ـ ‪.26‬‬
‫(‪ )4‬مريم‪30 :‬ـ ‪.33‬‬
‫(‪ )5‬مريم‪.26 :‬‬
‫‪------------------‬‬
‫‪ -115‬لكل أمة رسول منها إليها‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إنه جاء فى القرآن أن لكل أمة رسول منها‪ .‬وهذا يناقض الكتاب‬
‫المقدس فى أن النبياء والرسل هم من بنى إسرائيل وإليهم‬
‫وإلى كل العالم‪ .‬فإذا صدق ما فى القرآن فكيف لم يخرج للمم‬
‫فى إفريقيا وأوروبا وأمريكا واستراليا وآسيا‪ :‬أنبياء منهم وإليهم ؟‬
‫ولو كان لهذه المم أنبياء ـ منها وإليها ـ لجاز أن يكون للعرب‬
‫رسول منهم‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫إن كلمة الرسول تأتى على الحقيقة وتأتى على المجاز‪ .‬فعيسى‬
‫ـ عليه السلم ـ رسول على الحقيقة‪ .‬وإذا هو أرسل واحدا ً من‬
‫الحواريين إلى قرية من القرى فإنه يكون رسول رسول الله‬
‫عيسى على المجاز‪.‬‬

‫‪812‬‬
‫ففى إنجيل متى‪ " :‬هؤلء الثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم‬
‫قائلً‪ " :‬إلى طريق أمم ل تمضوا‪[ " ..‬متى ‪.]5 :10‬‬
‫وابتداء الدعوة إلى الله كان فى زمن أنوش بن شعيث بن آدم ؛‬
‫لقوله‪ " :‬حينئذ ابتُدئ أن يُدعى باسم الرب " [تك ‪ ]26 :4‬وظل‬
‫الحال على هذه الدعوة التى كانت دعوة إلى مكارم الخلق‬
‫وعدم سفك الدماء ظلما ً إلى زمان نوح ـ عليه السلم ـ ولم يكن‬
‫من المطعومات شىء محرم فلما خرج نوح من السفينة أعطاه‬
‫الله شريعة فيها أن كل الطعام حلل ‪ ،‬وأن يحب المرء لخيه ما‬
‫يحبه هو لنفسه ‪ ،‬وليس فيها شريعة تبين أن هذا حلل وهذا‬
‫حرام‪ .‬ففى الصحاح التاسع من سفر التكوين‪ " :‬كل دابة حية‬
‫تكون لكم طعاماً‪.‬‬
‫كالعشب الخضر دفعت إليكم الجميع‪ " ..‬وظلت شريعة نوح‬
‫سائدة على العالم إلى أن جاء موسى ـ عليه السلم ـ وأعطاه‬
‫الله التوراة (موعظة وتفصيل ً لكل شىء (وأمره أن يخصص‬
‫سبط لوِى من بين السباط ليعرفها ويعّرفها للناس‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫وهذا الذى ذكرته هو ما يقول به أهل الكتاب جميعا ‪ ،‬ونص عليه‬
‫أهل الكتاب فى كتبهم‪ .‬وعنه فى القرآن الكريم‪( :‬كل الطعام‬
‫كان حل ً لبنى إسرائيل ) (‪ )1‬وهو حلل من أيام نوح ـ عليه السلم‬
‫ـ وعلى ذلك نسأل المؤلف هذا السؤال وهو أن الناس من آدم‬
‫أبى البشر إلى موسى الكليم كانت رسلهم من بنى إسرائيل أم‬
‫من غير بنى إسرائيل ؟ إن قلت إن رسلهم كانت من بنى‬
‫إسرائيل يكذبك الواقع والكتب التى تقدسها ‪ ،‬وإن قلت كانت من‬
‫غير بنى إسرائيل فلماذا وجهت السؤال إلى المسلمين ؟ أما من‬
‫موسى إلى محمد صلى الله عليه وسلم فإن علماء بنى إسرائيل‬
‫من اللويين والهارونيين كانوا يبلغون التوراة لليهود وللمم ‪ ،‬وإذا‬
‫انطلق واحد منهم إلى المم ؛ فإنه يكون رسول ً إلى المم‪ .‬ليس‬
‫على الحقيقة ‪ ،‬وإنما على المجاز بمعنى أنه رسول رسول الله‬
‫موسى ـ عليه السلم ـ وظلوا على هذا الحال إلى زمان سبى‬
‫بابل سنة ‪ 586‬ق‪.‬م فإنهم وهم فى بابل حرفوا التوراة ‪ ،‬وقصروا‬
‫شريعة موسى على اليهود من دون الناس ‪ ،‬وابتعدوا عن دعوة‬
‫المم ‪ ،‬وتعصبوا لجنسهم وتآمروا على المم (ذلك بأنهم قالوا‬
‫ليس علينا فى الميين سبيل ) (‪.)2‬‬
‫ومن قبل سبى بابل كان علماؤهم يدعون العرب إلى الله على‬
‫وفق شريعة موسى‪ .‬فيكون العالم الداعى رسول ً مجازاً‪ .‬وهكذا‬
‫فى سائر بلد العالم‪ .‬أما من بعد السبى وتخلى العلماء عن‬
‫الدعوة فإن كل أمة سارت على ما عندها من العلم‪ .‬وقد وبخهم‬
‫المسيح عيسى ـ عليه السلم ـ على إهمالهم فى دعوة المم‬

‫‪813‬‬
‫سيُّون المراءون ؛ لنكم‬‫بقوله‪ " :‬لكن ويل لكم أيها الكتبة والفَّرِي ِ‬
‫تُغلقون ملكوت السماوات قدام الناس ؛ فل تدخلون أنتم ول‬
‫تدعون الداخلين يدخلون " [ متى ‪.]13 :23‬‬
‫ثم حث أتباعه بالنطلق إلى بلد اليهود أول ً بأمرين هما أن يعملوا‬
‫بالتوراة ‪ ،‬وأن يستعدوا لتركها إذا ما ظهر محمد رسول الله الذى‬
‫يبشر به‪ .‬وإذا فرغوا من دعوة اليهود فى بلدهم ينطلقون إلى‬
‫المم ‪ ،‬وسماهم رسل ً مجازاً‪ .‬فقال‪ " :‬إلى طريق أمم ل تمضوا ‪،‬‬
‫حراف‬ ‫وإلى مدينة للسامريين ل تدخلوا ‪ ،‬بل اذهبوا بالحرىّ إلى ُ‬
‫بيت إسرائيل الضالة‪ .‬وفيما أنتم ذاهبون ‪ ،‬اكْرِزوا قائلين‪ " :‬إنه قد‬
‫اقترب ملكوت السموات " [متى ‪ .]5 :10‬وملكوت السماوات هى‬
‫مجئ محمد صلى الله عليه وسلم بعد مملكة الروم كما أنبأ النبى‬
‫دانيال فى الصحاح السابع من سفره‪.‬‬
‫(‪ )1‬آل عمران‪.93 :‬‬
‫(‪ )2‬آل عمران‪.75 :‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫خلط السمـاء‬ ‫ْ‬ ‫‪َ -116‬‬
‫ذكروا آيتين من سورة النعام ‪ ،‬وأوردوا الشبهة على نص اليتين‬
‫حيث قالوا‪:‬‬
‫ً‬
‫جاء فى سورة النعام (ووهبنا له إسحاق ويعقوب كل ّ هدينا ونوحاً‬
‫هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى‬
‫وهارون وكذلك نجزى المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى‬
‫وإلياس كل من الصالحين * وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً‬
‫وكل ًّ فضلنا على العالمين ) (‪.)1‬‬
‫والترتيب التاريخى هو‪:‬‬
‫أيوب ـ إبراهيم وابن أخته لوط وابناه إسماعيل وإسحاق وحفيده‬
‫يعقوب وابن حفيده يوسف ومن بعده موسى ـ هارون ـ داود ـ‬
‫سليمان ـ إلياس ـ اليسع ـ يونس ـ زكريا ـ يحيى ـ عيسى‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ إن الضمير فى (ومن ذريته (يعود إلى نوح ‪ ،‬ول يعود إلى‬
‫إبراهيم وذلك لن (لوطا (ليس من ذرية إبراهيم ‪ ،‬وإنما خرج معه‬
‫مهاجرا ً إلى الله ‪ ،‬بعدما آمن له‪ .‬وفى التوراة " ولوطا ً ابن أخيه "‬
‫[تك ‪:12‬‬
‫‪.]5‬‬
‫‪ 2‬ـ إن الترتيب التاريخى غير حاصل لسباب منها‪ :‬أنه يريد بيان‬
‫فضلهم وصلحهم ؛ ليقتدى الناس بهم‪.‬‬

‫‪814‬‬
‫وفى التوراة أنبياء ل يعرفون تواريخهم ول يعرفون نسبهم ‪،‬‬
‫ومنهم " أيوب " فإن منهم من يقول إنه من العرب ومنهم من‬
‫يقول إنه من الدوميين ومنهم من يجعله اسما ً فرضيًّا‪ .‬بل إن‬
‫حبقّوق وميخا ؛‬ ‫النبياء أصحاب السفار كإشعياء وإرمياء وملخى و َ‬
‫ل يعرفون هم أنفسهم السابق منهم عن اللحق‪.‬‬
‫وقد جمعوا أسفارهم فى وقت واحد‪ .‬ففى الكتاب المقدس‬
‫الصادر عن دار الكتاب المقدس فى الشرق الوسط سنة ‪1993‬م‬
‫ما نصه‪ " :‬كانت أول لئحة وضعت فى سبيل " قانونية " العهد‬
‫عْزرا [نح‬
‫القديم وأسفاره تضم أسفار الشريعة الخمسة فى أيام ِ‬
‫‪ ]1 :8‬حوالى عام ‪ 400‬ق‪.‬م ثم زاد المعلمون السفار النبوية من‬
‫يشوع والقضاة حتى إشعياء وإرمياء وحوالى سنة ‪ 90‬ق‪.‬م التقى‬
‫معلمو الشريعة اليهود من مختلف البلدان ‪ ،‬فى بلدة " يمنية "‬
‫الواقعة فى " فلسطين " وثبتوا لئحة نهائية وكاملة للسفار‬
‫المقدسة‪..‬‬
‫إلخ (‪.)2‬‬
‫(‪ )1‬النعام‪.86-84 :‬‬
‫(‪ )2‬ص ‪ 3‬الكتاب المقدس طبعة لبنان سنة ‪1993‬م‪.‬‬
‫‪--------------‬‬
‫‪ -117‬أخنوخ وليس إدريس‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إنه فى القرآن اسم إدريس‪ .‬واسمه فى التوراة أخنوخ‪ .‬وقال‬


‫البيضاوى فى تفسيره‪ :‬إن إدريس هو أخنوخ‪ .‬ونحن نسأل من‬
‫أين جاء فى القرآن اسم إدريس ؟ والصواب أنه أخنوخ‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫إن اسمه فى التوراة السامرية " حنوك " والنص هو‪:‬‬
‫" وسلك حنوك فى طاعة الله وفُقد ؛ إذ تولته الملئكة " [تلك ‪:5‬‬
‫‪ ]24‬والتوراة اليونانية تضيف حرف السين فى آخر السم ليعلم‬
‫أنه اسم مثل يوسيفوس ـ إدريانوس‪.‬وإدريس ؛ فى آخره السين ‪،‬‬
‫وكذلك يونس‪ .‬وهو فى العبرى يونان‪ .‬وعيسى ـ عليه السلم ـ‬
‫فى اليونانى " إيسوس " ‪ ،‬وفى العبرى " يهو شوّع " وينطق‬
‫أحيانا ً " أيشوع " و " يسوع "‪.‬‬
‫وأخنوخ له سفر ل يعترف به النصارى‪ .‬ومع ذلك نقل منه يهوذا‬
‫فى رسالته‪ " :‬انظروا جاء الرب مع ألوف قديسيه ؛ ليحاسب‬
‫جميع البشر ‪ ،‬ويدين الشرار جميعا ً على كل شر فعلوه ‪ ،‬وكل‬
‫كلمة سوء قالها عليه هؤلء الخاطئون الفجار " [يهو ‪14 :1‬ـ ‪.]15‬‬

‫‪815‬‬
‫وهذا النص يثبت أن كل امرئ بما كسب رهين ‪ ،‬خلفا ً لعتقاد‬
‫النصارى فى موت المسيح على الصليب لِيُكَفِّر عن خطايا آدم‪.‬‬
‫ومفسرو التوراة يستدلون من نقله على ثبوت الحياة من بعد‬
‫الموت ورأى فيلبسون من قوله " الله أخذه " أن ذلك تلطف‬
‫بالتعبير عن الوفاة قبل إكمال العمر ‪ ،‬وأن فى ذلك دليل ً على‬
‫وجود حياة وراء هذه الحياة الرضية‪ .‬ونزيد على ذلك‪ :‬أن نقل‬
‫أخنوخ فى متوسط العصر الذى قبل الطوفان ‪ ،‬وأن حياته كانت‬
‫على الرض ‪365‬سنة وهو عدد اليام فى السنة الشمسية وكانت‬
‫سنة العبرانيين ‪ 354‬يوما ً وسنة الكلدانيين ‪ 360‬يوما ً " انتهى‪.‬‬
‫‪------------------‬‬
‫‪ -118‬نوح لم يتبعه الراذل‬
‫لكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إن فى القرآن أن نوحا ً عليه السلم نجا معه جماعة من المؤمنين‬


‫من غير أولده‪ .‬وهذا يخالف ما فى التوراة وما فى النجيل من‬
‫أنه لم ينج معه من المؤمنين أحد غير أولده‪ .‬وأن القرآن بين أن‬
‫الكافرين بنوح وصفوا المؤمنين به بأنهم أراذل‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫‪ -1‬إن الذين خرجوا من السفينة حسب نص التوراة العبرانية‪:‬‬
‫‪ -1‬سام ‪ -2‬حام‪.‬‬
‫‪ -3‬يافث‪.‬‬
‫‪ -4‬نوح‪.‬‬
‫‪ -5‬امرأته‪.‬‬
‫‪ -6‬زوجة سام‪.‬‬
‫‪ -7‬زوجة حام‪.‬‬
‫‪ -8‬زوجة يافث) فيكون العدد ثمانية‪.‬‬
‫‪ -2‬والدليل على صحة ما فى القرآن‪ :‬هو أن قابين لما قتل‬
‫هابيل ؛ ولد حنوك ولد عيراد ‪ ،‬وعيراد ولد محويائيل ‪ ،‬ومحويائيل‬
‫ولد متوشائيل ‪ ،‬ومتوشائيل ولد لمك ‪ ،‬ولمك ولد يابال‪ .‬الذى‬
‫كان أبا ً لساكنى الخيام ورعاء المواشى‪ .‬واسم أخيه يوبال الذى‬
‫كان أبا ً لكل ضارب بالعود والمزمار ‪ ،‬واسم أخيه توبال قابين‪.‬‬
‫الضارب كل آلة من نحاس وحديد [تكوين ‪.]4‬‬
‫قوله عن الثلثة‪ :‬الذى كان أبا ً لساكنى الخيام ورعاء المواشى ـ‬
‫الذى كان أبا ً لكل ضارب بالعود والمزمار ـ الضارب كل آلة من‬
‫نحاس وحديد ؛ يدل على أنه كان من الناجين غير أبناء نوح‪.‬‬

‫‪816‬‬
‫ولذلك قال مفسرو التوراة‪ " :‬وسللة قابين سللة الحياة‬
‫المدنية ‪ ،‬وسللة شعث سللة الحياة القدسية "‪.‬‬
‫‪-----------------------‬‬
‫‪ -119‬تهاويل خيالية حول برج بابل‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫قال المؤلف‪ :‬إنه جاء فى سورة النحل (قد مكر الذين من‬
‫قبلهم‪ )1( )..‬ثم قال‪ :‬قال البيضاوى‪ :‬قيل‪:‬المراد به نمرود بن‬
‫كنعان فإنه بنى صرحا ً ببابل‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إنه وجه الشبهة على كلم مفسر‪ .‬وهذا المفسر لم يجزم بأن‬
‫تفسيره هو الصحيح بدليل قوله‪ " :‬قيل " فكيف يورد شبهة على‬
‫كلم مفسر ؟ (‪ )1‬النحل‪.26 :‬‬
‫‪-------------‬‬
‫‪ -120‬اختراع طفل ينطق بالشهادة‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫إنه فى سورة يوسف (وشهد شاهد من أهلها ) (‪ )1‬وذكر تفسير‬
‫م ٍ لها صبيًّا فى المهد‪.‬‬
‫الشيخ البيضاوى وهو أنه قيل إنه ابن ع ّ‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن المعنى المراد هو‪ :‬وشهد شاهد من أهل الشهادة بقرينة‬
‫مفَ َّ‬
‫سر ‪،‬‬ ‫الحال‪ .‬ومع هذا فإنه ل يصح توجيه شبهة على قول ُ‬
‫خاصة أنه قال‪ " :‬قيل "‪.‬‬
‫(‪ )1‬يوسف‪.26 :‬‬
‫قلت‪:‬‬
‫الصواب أنه صبي نطق في المهد لصحة الخبر به‬
‫تفسير الطبري ‪( -‬ج ‪ / 16‬ص ‪)53‬‬
‫وأما قوله‪(:‬وشهد شاهد من أهلها) فإن أهل العلم اختلفوا في‬
‫صفة الشاهد‪.‬‬
‫فقال بعضهم‪ :‬كان صبيًّا في المهد ‪.‬‬
‫* ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ - 19099‬حدثنا ابن وكيع ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا العلء بن عبد الجبار ‪ ،‬عن‬
‫حماد بن سلمة ‪ ،‬عن عطاء بن السائب ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪،‬‬
‫عن ابن عباس ‪ ،‬قال‪ :‬تكلم أربعة في المهد وهم صغار‪ :‬ابن‬
‫ماشطة بنت فرعون ‪ ،‬وشاهد يوسف ‪ ،‬وصاحب جريج ‪ ،‬وعيسى‬
‫ابن مريم عليه السلم‪)1( .‬‬
‫‪ - 19100‬حدثنا أبو كريب ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا وكيع ‪ ،‬عن أبي بكر الهذلي ‪،‬‬
‫عن شهر بن حوشب ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬قال‪ :‬عيسى ‪ ،‬وصاحب‬
‫يوسف ‪ ،‬وصاحب جريج = يعني‪ :‬تكلموا في المهد‪)2( .‬‬

‫‪817‬‬
‫‪ - 19101‬حدثنا ابن بشار ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫زائدة ‪ ،‬عن أبي حصين ‪ ،‬عن سعيد بن جبير‪(:‬وشهد شاهد من‬
‫أهلها) ‪ ،‬قال‪ :‬صبي‪.‬‬
‫‪ - 19102‬حدثنا ابن بشار ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫إسرائيل ‪ ،‬عن أبي حصين ‪ ،‬عن سعيد بن جبير‪(:‬وشهد شاهد من‬
‫أهلها) ‪ ،‬قال‪ :‬كان في المهد صبيًّا‪.‬‬
‫‪ - 19103‬حدثني محمد بن عبيد المحاربي ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أيوب بن‬
‫جابر ‪ ،‬عن أبي حصين ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬في قوله‪(:‬وشهد‬
‫شاهد من أهلها) قال‪ :‬صبي‪)3( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الثر ‪ "- 19099 :‬العلء بن عبد الجبار" ‪ "،‬أبو الحسن العطار" ‪،‬‬
‫روى عن حماد بن سلمة ‪ ،‬وروى عنه الحميدي ‪ ،‬وابنه عبد الجبار‬
‫بن العلء ‪ .‬صالح الحديث ‪ .‬مترجم في ابن أبي حاتم ‪. 358 / 1 / 3‬‬
‫(‪ )2‬الثر ‪ "- 19100 :‬أبو بكر الهذلي" ‪ ،‬كلن يكذب ‪ ،‬متروك الحديث‬
‫‪ .‬مضى مراًرا ‪ ،‬آخرها رقم ‪ ، 18439 ، 17616 :‬ولكن حديث أبي‬
‫هريرة مطول رواه البخاري في صحيحه ( الفتح ‪، ) 348 - 344 : 6‬‬
‫ومسلم في صحيحه ‪ ، 106 : 16‬ورواه أحمد في المسند ‪، 8057 :‬‬
‫‪ 8058‬بإسناد صحيح ‪ ،‬وانظر شرح أخي رحمه الله ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الثر ‪ "- 19103 :‬أيوب بن جابر بن سيار اليمامي" ‪ ،‬ضعيف ‪.‬‬
‫مترجم في التهذيب ‪ ،‬والكبير ‪ ، 410 / 1 / 1‬وابن أبي حاتم ‪/ 1 / 1‬‬
‫‪ ، 242‬وميزان العتدال ‪. 132 : 1‬‬
‫‪ - 19104‬حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو بكر بن‬
‫عياش ‪ ،‬عن أبي حصين ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬بمثله ‪.‬‬
‫‪ - 19105‬حدثنا أبو كريب ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع ‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن شريك ‪ ،‬عن سالم ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪،‬‬
‫قال‪ :‬كان صبيًّا في مهده‪.‬‬
‫‪ - 19106‬حدثنا ابن وكيع ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن إدريس ‪ ،‬عن حصين ‪،‬‬
‫عن هلل بن يساف‪(:‬وشهد شاهد من أهلها) قال‪ :‬صبي في‬
‫المهد‪.‬‬
‫‪ - 19107‬حدثنا ابن وكيع ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن محمد ‪ ،‬عن أبي‬
‫مرزوق ‪ ،‬عن جويبر ‪ ،‬عن الضحاك‪(:‬وشهد شاهد من أهلها) ‪،‬‬
‫قال‪ :‬صبي أنطقه الله ‪ .‬ويقال‪ :‬ذو رأي برأيه‪)1( .‬‬
‫‪ - 19108‬حدثنا الحسن بن محمد ‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عفان ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫حماد ‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني عطاء بن السائب ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن‬
‫ابن عباس ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪":‬تكلم أربعة‬
‫وهم صغار"‪ ،‬فذكر فيهم شاهد يوسف (‪. )2‬‬

‫‪818‬‬
‫‪ - 19109‬حدثت عن الحسين بن الفرج ‪ .‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ‬
‫يقول‪ :‬حدثنا عبيد بن سليمان ‪ ،‬قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول في‬
‫قوله‪(:‬وشهد شاهد من أهلها) يزعمون أنه كان صبيًّا في الدار‪.‬‬
‫‪ - 19110‬حدثني محمد بن سعد ‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫عمي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله ‪ ":‬ذو رأي برأيه" ‪ ،‬أي كان الشاهد رجل ذا رأي ‪ ،‬قال‬
‫ذلك برأيه ‪ .‬وانظر الثر التالي رقم ‪. 19127 :‬‬
‫(‪ )2‬الثر ‪ - 19108 :‬حديث حماد بن سلمة ‪ ،‬عن عطاء بن السائب ‪،‬‬
‫حديث طويل ‪ ،‬رواه أحمد في مسنده رقم ‪، 2824 ،2823 ، 2822 :‬‬
‫‪ ، 2825‬وفي آخره ‪ :‬قال" قال ابن عباس ‪ :‬تكلم أربعة صغار ‪،‬‬
‫عيسى بن مريم ‪ ،‬وصاحب جريج ‪ ،‬وشاهد يوسف ‪ ،‬وابن ماشطة‬
‫فرعون" ‪ ،‬ولم يرفع هذا القول الخير إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ .‬وإسناده إسناد صحيح ‪.‬‬
‫‪ .‬قال‪ :‬حدثني أبي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬قوله‪(:‬وشهد‬
‫شاهد من أهلها) ‪ ،‬قال‪ :‬كان صبيًّا في المهد‪.‬‬
‫***‬
‫وقال آخرون‪ :‬كان رجل ذا لحية ‪.‬‬
‫* ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ - 19111‬حدثنا أبو كريب ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع ‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبي =‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن سماك ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن‬
‫ابن عباس ‪ ،‬قال‪ :‬كان ذا لحية‪.‬‬
‫‪ - 19112‬حدثنا أبو كريب ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع ‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبي =‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬عن ابن أبي مليكة ‪،‬‬
‫صة‬ ‫عن ابن عباس‪(:‬وشهد شاهد من أهلها) ‪ ،‬قال‪ :‬كان من خا ّ‬
‫الملك‪.‬‬
‫‪ .... - 19113‬وبه قال‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن عمران بن حدير ‪ ،‬سمع‬
‫ي ‪ ،‬ولكن‬ ‫عكرمة يقول‪(:‬وشهد شاهد من أهلها) قال‪ :‬ما كان بصب ّ‬
‫ما‪.‬‬
‫كان رجل حكي ً‬
‫‪ - 19114‬حدثنا سوّار بن عبد الله ‪ ،‬قال‪ ،‬حدثنا عبد الملك بن‬
‫الصباح ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمران بن حدير ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬وذكره‬
‫عنده‪(:‬وشهد شاهد من أهلها) فقالوا‪ :‬كان صبيًّا‪ .‬فقال‪ :‬إنه ليس‬
‫بصبي‪ ،‬ولكنه رجل حكيم (‪. )1‬‬
‫‪ - 19115‬حدثنا أبو كريب ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع ‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن مجاهد‪(:‬وشهد‬
‫شاهد من أهلها) قال‪ :‬كان رجل‪.‬‬

‫‪819‬‬
‫‪ - 19116‬حدثنا ابن بشار ‪ ،‬قال‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫سفيان ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الثر ‪ "- 19114 :‬عبد الملك بن الصباح المسمعي" ‪ ،‬ثقة ‪/‬‬
‫مترجم في التهذيب ‪ ،‬وابن أبي حاتم ‪. 354 / 2 / 2‬‬
‫عن منصور ‪ ،‬عن مجاهد‪(:‬وشهد شاهد من أهلها) قال‪ :‬رجل‪.‬‬
‫‪ - 19117‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن‬
‫مجاهد ‪ ،‬في قوله‪(:‬وشهد شاهد من أهلها) قال‪ :‬رجل‪.‬‬
‫‪ - 19118‬حدثنا ابن وكيع ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو بكر بن عياش ‪ ،‬عن أبي‬
‫حصين ‪ ،‬عن سعيد بن جبير‪(:‬وشهد شاهد من أهلها) قال‪ :‬رجل‪.‬‬
‫‪ - 19119‬حدثنا الحسن بن محمد ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن محمد ‪،‬‬
‫قال‪ :‬أخبرنا إسرائيل ‪ ،‬عن سماك ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس‪(:‬وشهد شاهد من أهلها) قال‪ :‬ذو لحية‪.‬‬
‫‪ - 19120‬حدثنا ابن وكيع ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن محمد ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫أسباط ‪ ،‬عن السدي ‪ ،‬قال‪ :‬ابن عمها كان الشاهد َ من أهلها‪.‬‬
‫‪ - 19121‬حدثنا الحسن بن يحيى ‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أخبرنا إسرائيل ‪ ،‬عن سماك ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس‪(:‬وشهد شاهد من أهلها) قال‪ :‬ذو لحية‪.‬‬
‫‪ - 19122‬حدثني المثنى ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو غسان ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫إسرائيل ‪ ،‬عن سماك ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬قال‪ :‬ذو‬
‫لحية‪.‬‬
‫‪ - 19123‬حدثني الحارث ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا قيس‬
‫‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬عن ابن أبي مليكة‪(:‬وشهد شاهد من أهلها) قال‪:‬‬
‫كان من خاصة الملك‪.‬‬
‫‪ - 19124‬حدثنا بشر ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد ‪ ،‬عن‬
‫قتادة ‪ ،‬قوله‪(:‬وشهد شاهد من أهلها) قال‪ :‬رجل حكيم كان من‬
‫أهلها‪.‬‬
‫‪ - 19125‬حدثنا محمد بن عبد العلى ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن ثور ‪،‬‬
‫عن معمر ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬قوله‪(:‬وشهد شاهد من أهلها) قال‪ :‬رجل‬
‫حكيم من أهلها‪.‬‬
‫‪ - 19126‬حدثنا المثنى ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو نعيم ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سفيان ‪،‬‬
‫عن منصور ‪ ،‬عن مجاهد‪(:‬وشهد شاهد من أهلها) قال‪ :‬كان رجل‪.‬‬
‫‪ - 19127‬حدثني المثنى ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عمرو بن عون ‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا‬
‫هشيم ‪ ،‬عن بعض أصحابه ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬في قوله‪(:‬وشهد شاهد‬
‫من أهلها) قال‪ :‬رجل له رأي أشاَر برأيه‪.‬‬
‫‪ - 19128‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سلمة ‪ ،‬عن ابن‬
‫إسحاق‪(:‬وشهد شاهد من أهلها) قال‪ :‬يقال‪ :‬إنما كان الشاهد‬

‫‪820‬‬
‫مشيًرا‪ ،‬رجل من أهل إطفير‪ ،‬وكان يستعين برأيه = إل أنه قال‪:‬‬
‫أشهد إن كان قميصه قد ّ من قبل لقد صدقت وهو من الكاذبين‪.‬‬
‫***‬
‫وقيل‪ :‬معنى قوله‪(:‬وشهد شاهد) ‪ :‬حكم حاكم‪.‬‬
‫‪ - 19129‬حدثت بذلك عن الفراء ‪ ،‬عن معلي بن هلل ‪ ،‬عن أبي‬
‫يحيى ‪ ،‬عن مجاهد‪.‬‬
‫***‬
‫ص المقدود َ ‪.‬‬‫وقال آخرون‪ :‬إنما عنى بالشاهد‪ ،‬القمي َ‬
‫* ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫‪ - 19130‬حدثني محمد بن عمرو ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عاصم ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا عيسى ‪ ،‬عن ابن أبي نجيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬في قول‬
‫صه مشقوق من دبر ‪،‬‬ ‫الله‪(:‬وشهد شاهد من أهلها) قال‪ :‬قمي ُ‬
‫فتلك الشهادة‪.‬‬
‫‪ - 19131‬حدثنا الحسن بن محمد ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا شبابة ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫ورقاء ‪ ،‬عن ابن أبي نجيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬قوله‪(:‬وشهد شاهد من‬
‫صه مشقوق من دبر ‪ ،‬فتلك الشهادة‪.‬‬ ‫أهلها) ‪ ،‬قمي ُ‬
‫‪ - 19132‬حدثنا ابن وكيع ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا المحاربي ‪ ،‬عن ليث ‪ ،‬عن‬
‫مجاهد‪(:‬وشهد شاهد من أهلها) لم يكن من النس‪.‬‬
‫‪ .... - 19133‬قال‪ :‬حدثنا حفص ‪ ،‬عن ليث ‪ ،‬عن مجاهد‪(:‬وشهد‬
‫شاهد من أهلها) ‪ ،‬قال‪ :‬كان من أمر الله ‪ ،‬ولم يكن إنسيًا‪.‬‬
‫***‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬والصواب من القول في ذلك ‪ ،‬قول من قال‪ :‬كان‬
‫صبيًّا في المهد = للخبر الذي ذكرناه عن رسول الله صلى الله‬
‫ن أحدهم صاحب‬ ‫عليه وسلم‪ .‬أنه ذكر من تكلم في المهد‪ .‬فذكر أ َّ‬
‫يوسف‪.‬‬
‫***‬
‫ما ما قاله مجاهد من أنه القميص المقدود‪ ،‬فما ل معنى له ;‬ ‫فأ ّ‬
‫لن الله تعالى ذكره أخبر عن الشاهد الذي شهد بذلك أنه من‬
‫أهل المرأة فقال‪(:‬وشهد شاهد من أهلها) ‪ ،‬ول يقال للقميص هو‬
‫من أهل الرجل ول المرأة‪.‬‬
‫***‬
‫وقوله‪(:‬إن كان قميصه قُد ّ من قُبل فصدقت وهو من الكاذبين) ‪،‬‬
‫لن المطلوب إذا كان هاربًا فإنما يؤتى من قِبل دبره ‪ ،‬فكان‬
‫ما أن الشق لو كان من قُبُل لم يكن هاربًا مطلوبًا‪ .‬ولكن‬ ‫معلو ً‬
‫كان يكون طالبًا مدفوع ًا ‪ ،‬وكان يكون ذلك شهادة على كذبه ‪.‬‬
‫‪ - 19134‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سلمة ‪ ،‬عن ابن إسحاق ‪،‬‬
‫قال‪ :‬قال‪ :‬أشهد إن كان قميصه قُد ّ من قُبُل لقد صدقت وهو من‬

‫‪821‬‬
‫الكاذبين‪ .‬وذلك أن الرجل إنما يريد المرأة مقبل =( وإن كان‬
‫من دُبر فكذبت وهو من الصادقين) وذلك أن الرجل ل‬ ‫قميصه قُد ّ ِ‬
‫يأتي المرأة من دُبر ‪ .‬وقال‪ :‬إنه ل ينبغي أن يكون في الحقّ إل‬
‫صه قد َّ من دُبر عرف أنه من كيدها ‪،‬‬ ‫ذاك ‪ .‬فلما رأى إطفير قمي َ‬
‫فقال‪(:‬إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم)‪.‬‬
‫‪ - 19135‬حدثنا بشر ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد ‪ ،‬عن‬
‫ص يقضي‬ ‫قتادة‪ :‬قال = يعني‪ :‬الشاهد ُ من أهلها =‪ :‬القمي ُ‬
‫بينهما‪(،‬إن كان قميصه قد ّ من قُبُل فصدقت وهو من الكاذبين‬
‫وإن كان قميصه قُد ّ من دُبر فكذبت‬
‫وهو من الصادقين‪ .‬فلما رأى قميصه قُد من دبر قال إنه من‬
‫كيدكن إن كيدكن عظيم)‪.‬‬
‫***‬
‫ن" التي تتلقّى بها"الشهادة" لنه‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫قال أبو جعفر‪ :‬وإنما حذفت"أ ّ‬
‫ذهب بالشهادة إلى معنى"القول" ‪ ،‬كأنه قال‪ :‬وقال قائل من‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه فِي أوْلدِك ُ ْ‬ ‫صيك ُ ُ‬ ‫أهلها‪ :‬إن كان قميصه = كما قيل‪ (:‬يُو ِ‬
‫ن ) [سورة النساء‪ ،]11 :‬لنه ذهب بالوصية‬ ‫ح ِّ‬
‫ظ النْثَيَي ْ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫لِلذَّكَرِ ِ‬
‫مث ْ ُ‬
‫إلى"القول"‪.‬‬
‫***‬
‫وقوله‪(:‬فلما رأى قميصه قد ّ من دبر) ‪ ،‬خبر عن زوج المرأة ‪ ،‬وهو‬
‫القائل لها‪ :‬إن هذا الفعل من كيدكن = أي‪ :‬صنيعكن ‪ ،‬يعني من‬
‫صنيع النساء (‪ (= )1‬إن كيدكن عظيم )‪.‬‬
‫***‬
‫ل ذلك‪.‬‬ ‫وقيل‪ :‬إنه خبر عن الشاهد أنه القائ ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر تفسير" الكيد" فيما سلف ‪ ، 558 : 15‬تعليق ‪ 2 :‬والمراجع‬
‫هناك‬
‫تفسير ابن كثير ‪( -‬ج ‪ / 4‬ص ‪)383‬‬
‫وقد اختلفوا في هذا الشاهد‪ :‬هل هو صغير أو كبير‪ ،‬على قولين‬
‫لعلماء السلف‪ ،‬فقال عبد الرزاق‪:‬‬
‫عكْرِمة‪ ،‬عن ابن عباس‪:‬‬ ‫ماك‪ ،‬عن ِ‬ ‫س َ‬
‫أخبرنا إسرائيل‪ ،‬عن ِ‬
‫ن أَهْلِهَا } قال‪ :‬ذو لحية‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫شاهِد ٌ ِ‬‫شهِد َ َ‬ ‫{ وَ َ‬
‫ملَيْكَة‪ ،‬عن ابن عباس‪ :‬كان‬ ‫وقال الثوري‪ ،‬عن جابر‪ ،‬عن ابن أبي ُ‬
‫من خاصة الملك‪ .‬وكذا قال مجاهد‪ ،‬وعكرمة‪ ،‬والحسن‪ ،‬وقتادة‪،‬‬
‫سدِّي‪ ،‬ومحمد بن إسحاق‪ :‬إنه كان رجل‪.‬‬ ‫وال ُّ‬
‫وقال زيد بن أسلم‪ ،‬والسدي‪ :‬كان ابن عمها‪.‬‬
‫وقال ابن عباس‪ :‬كان من خاصة الملك‪.‬‬

‫‪822‬‬
‫وقد ذكر ابن إسحاق أن زليخا كانت بنت أخت الملك الريان بن‬
‫الوليد‪.‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫شهِد َ َ‬
‫شاهِد ٌ ِ‬ ‫وقال العوفي‪ ،‬عن ابن عباس في قوله‪ { :‬وَ َ‬
‫أَهْلِهَا } قال‪ :‬كان صبيا في المهد‪ .‬وكذا ُروي عن أبي هريرة‪،‬‬
‫مزاحم‪:‬‬ ‫ساف‪ ،‬والحسن‪ ،‬وسعيد بن جبير والضحاك بن ُ‬ ‫وهلل بن ي َ َ‬
‫أنه كان صبيا في الدار‪ .‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫وقد ورد فيه حديث مرفوع فقال ابن جرير‪ :‬حدثنا الحسن بن‬
‫محمد‪ ،‬حدثنا عفان‪ ،‬حدثنا حماد ‪-‬هو ابن سلمة ‪-‬أخبرني عطاء بن‬
‫السائب‪ ،‬عن سعيد بن جبير‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬تكلم أربعة وهم صغار"‪ ،‬فذكر فيهم‬
‫شاهد يوسف (‪. )1‬‬
‫ورواه غيره عن حماد بن سلمة‪ ،‬عن عطاء‪ ،‬عن سعيد‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس؛ أنه قال‪ :‬تكلم أربعة وهم صغار‪ :‬ابن ماشطة بنت‬
‫جَريْج‪ ،‬وعيسى ابن مريم (‪. )2‬‬ ‫فرعون‪ ،‬وشاهد يوسف‪ ،‬وصاحب ُ‬
‫وقال ليث بن أبي سليم‪ ،‬عن مجاهد‪ :‬كان من أمر الله‪ ،‬ولم يكن‬
‫إنسيا‪ .‬وهذا قول غريب‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪ )16/55‬ورواه أحمد في المسند (‪)1/310‬‬
‫والحاكم في المستدرك (‪ )2/496‬من طريق حماد بن سلمة به‪،‬‬
‫وصححه الحاكم ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه العلء بن عبد الجبار عن حماد موقوفا أخرجه الطبري‬
‫في تفسيره (‪.)16/54‬‬
‫تفسير اللوسي ‪( -‬ج ‪ / 8‬ص ‪)488‬‬
‫ن أَهْلِهَا } ذهب جمع إلى أنه كان ابن خالها ‪،‬‬ ‫م ْ‬‫شاهِد ٌ ّ‬ ‫شهِد َ َ‬
‫{ وَ َ‬
‫وكان طفل ً في المهد أنطقه الله تعالى ببراءته عليه السلم ‪ ،‬فقد‬
‫ورد عنه صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬تكلم أربعة في المهد وهم‬
‫صغار ‪ :‬ابن ماشطة ابنة فرعون ‪ .‬وشاهد يوسف عليه السلم ‪.‬‬
‫وصاحب جريج ‪ .‬وعيسى ابن مريم عليهما السلم " وتعقب ذلك‬
‫الطيبي بقوله ‪ :‬يرده دللة الحصر في حديث الصحيحين عن أبي‬
‫هريرة رضي الله تعالى عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال ‪ :‬لم يتكلم في المهد إل ثلثة ‪ :‬عيسى ابن مريم ‪ .‬وصاحب‬
‫جريج ‪ .‬وصبي كان يرضع من أمه فمر راكب حسن الهيئة فقالت‬
‫‪ :‬أمه اللهم اجعل ابني مثل هذا فترك الصبي الثدي ‪ ،‬وقال اللهم‬
‫ل تجعلني مثله " اه ‪ ،‬ورده الجلل السيوطي فقال ‪ :‬هذا منه‬
‫على جاري عادته من عدم الطلع على طرق الحاديث ‪،‬‬
‫والحديث المتقدم صحيح أخرجه أحمد في مسنده ‪ .‬وابن حبان‬
‫في صحيحه ‪ .‬والحاكم في مستدركه وصححه من حديث ابن‬

‫‪823‬‬
‫عباس ‪ ،‬ورواه الحاكم أيضا ً منحديث أبي هريرة ‪ ،‬وقال صحيح‬
‫على شرط الشيخين ‪ ،‬وفي حديث الصحيحين المشار إليه آنفاً‬
‫زيادة على الربعة " الصبي الذي كان يرضع من أمه فمر راكب "‬
‫الخ فصاروا خمسة وهم أكثر من ذلك ‪ ،‬ففي «صحيح مسلم»‬
‫تكلم الطفل في قصة أصحاب الخدود ‪ ،‬وقد جمعت من تكلم‬
‫في المهد فبلغوا أحد عشر ‪ ،‬ونظمتها فقلت ‪:‬‬
‫تكلم في المهد النبي محمد ‪ ...‬ويحيى وعيسى والخليل ومريم‬
‫ومبرى جريج ثم شاهد يوسف ‪ ...‬وطفل لذي الخدود وديرويه‬
‫مسلم‬
‫وطفل عليه مر بالمة التي ‪ ...‬يقال لها تزنى ول تتكلم‬
‫وماشطة في عهد فرعون طفلها ‪ ...‬وفي زمن الهادي المبارك‬
‫يختم‬
‫اه ‪ ،‬وفيه أنه لم يرد الطيبي الطعن على الحديث الذي ذكر كما‬
‫توهم ‪ ،‬وإنما أراد أن بين الحديث الدال على الخضر وغيره‬
‫تعارضا ً يحتاج إلى التوفيق؛ وفي «الكشف» بعد ذكره حديث‬
‫الربعة ‪ ،‬وما تعقب به مما تقدم عن الطيبي أنه نقل الزمخشري‬
‫في سورة البروج خامسا ً فإن ثبتت هذه أيضا ً فالوجه أن يجعل‬
‫في المهد قيدا ً وتأكيدا ً لكونه في مبادىء الصبا ‪ ،‬وفي هذه‬
‫الرواية يحمل على الطلق أي سواء كان في المبادي أو بعيدها‬
‫بحيث يكون تكلمه من الخوارق ‪ ،‬ول يخفى أنه توفيق بعيد ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬كان ابن عمها الذي كان مع زوجها لدى الباب وكان رجلً‬
‫ذا لحية ول ينافي هذا قول قتادة ‪ :‬إنه كان رجل ً حكيما ً من أهلها‬
‫ذا رأي يأخذ الملك برأيه ويستشيره ‪ ،‬وجوز أن يكون بعض أهلها‬
‫وكان معهما في الدار بحيث لم يشعرا به فبصر بما جرى بينهما‬
‫فأغضبه الله تعالى ليوسف فقال الحق ‪ ،‬وعن مجاهد أن الشاهد‬
‫هو القميص المقدود وليس بشيء كما ل يخفى ‪ ،‬وجعل الله‬
‫تعالى الشاهد من أهلها قيل ‪ :‬لكون أدل على نزاهته عليه السلم‬
‫وأنفى للتهمة وألزم لها ‪ ،‬وخص هذا بماإذا لم يكن الشاهد الطفل‬
‫الذي أنطقه الله تعالى الذي أنطق كل شيء ‪ ،‬وأما إذا كان ذلك‬
‫فذكر كونه من أهلها لبيان الواقع فإن شهادة الصبي حجة قاطعة‬
‫ول فرق فيها بين القارب وغيرهم ‪ ،‬وتعقب بأن كون شهادة‬
‫القريب مطلقا ً أقوى مما ل ينبغي أن يشك فيه ‪ ،‬وسمي شاهداً‬
‫لنه أدى تأديته في أن ثبت بكلمه قول يوسف وبطل قولها ‪،‬‬
‫وقيل ‪ :‬سمي بذلك من حيث دل على الشاهد وهو تخريق‬
‫القميص ‪ ،‬وفسر مجاهد فيما أخرجه عنه ابن جرير الشهادة‬
‫بالحكم أي وحكم حاكم من أهلها‬
‫فتح القدير ‪( -‬ج ‪ / 4‬ص ‪)21‬‬

‫‪824‬‬
‫ن أَهْلِهَا } أي ‪ :‬من قرابتها ‪ ،‬وسمي الحكم‬ ‫م ْ‬ ‫شهِد َ َ‬
‫شاهِد ٌ ّ‬ ‫{ وَ َ‬
‫بينهما شهادة لما يحتاج فيه من التثبت والتأمل ‪ ،‬قيل ‪ :‬لما التبس‬
‫المر على العزيز احتاج إلى حاكم يحكم بينهما ليتبين له الصادق‬
‫م لها واقفا ً مع العزيز في الباب ‪.‬‬ ‫من الكاذب ‪ .‬قيل ‪ :‬كان ابن ع ّ‬
‫وقيل ‪ :‬ابن خال لها ‪ .‬وقيل ‪ :‬إنه طفل في المهد تكلم ‪ .‬قال‬
‫السهيلي ‪ :‬وهو الصحيح للحديث الوارد في ذلك عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم في ذكر من تكلم في المهد ‪ ،‬وذكر من جملتهم‬
‫شاهد يوسف ‪ .‬وقيل ‪ :‬إنه رجل حكيم كان العزيز يستشيره في‬
‫أموره ‪ ،‬وكان من قرابة المرأة‬
‫وأخرج ابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم ‪ ،‬وأبو الشيخ عن ابن عباس‬
‫ن أَهْلِهَا } قال ‪ :‬صبي أنطقه الله‬ ‫م ْ‬ ‫شهِد َ َ‬
‫شاهِد ٌ ّ‬ ‫في قوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫كان في الدار ‪ .‬وأخرج أحمد ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬والبيهقي ‪ ،‬في‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قال ‪« :‬‬ ‫الدلئل عن ابن عباس ‪ ،‬عن النب ّ‬
‫تكلم أربعة وهم صغار ‪ :‬ابن ماشطة بنت فرعون ‪ ،‬وشاهد‬
‫يوسف ‪ ،‬وصاحب جريج ‪ ،‬وعيسى ابن مريم » وأخرج عبد الرزاق‬
‫‪ ،‬والفريابي ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬وابن المنذر ‪ ،‬وابن أبي حاتم ‪ ،‬وأبو‬
‫شهِد َ َ‬
‫شاهِدٌ‬ ‫الشيخ ‪ ،‬وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫ن أَهْلِهَا } قال ‪ :‬كان رجل ً ذا لحية ‪ .‬وأخرج الفريابي ‪ ،‬وابن‬ ‫م ْ‬‫ّ‬
‫جرير ‪ ،‬وأبو الشيخ عنه قال ‪ :‬كان من خاصة الملك ‪ .‬وأخرج ابن‬
‫جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم عن الحسن قال ‪ :‬هو رجل له فهم وعلم ‪.‬‬
‫م لها كان‬ ‫وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال ‪ :‬ابن ع ّ‬
‫حكيما ً ‪ .‬وأخرج ابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم ‪ ،‬وأبو الشيخ عن‬
‫ي هو خلق من خلق الله ‪.‬‬ ‫ي ول جن ّ‬ ‫مجاهد قال ‪ :‬إنه ليس بإنس ّ‬
‫َ‬
‫ن أهْلِهَا } ‪.‬‬‫م ْ‬‫قلت ‪ :‬ولعله لم يستحضر قوله تعالى ‪ّ { :‬‬
‫أضواء البيان ‪( -‬ج ‪ / 2‬ص ‪)325‬‬
‫ن‬‫م ْ‬
‫شاهِد ٌ ِّ‬‫شهِد َ َ‬‫واختلف العلماء في الشاهد في قوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫أَهْلِهَآ } ‪.‬‬
‫فقال بعض العلماء ‪ :‬هو صبي في المهد ‪ ،‬وممن قال ذلك ابن‬
‫عباس ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس أيضا ً ‪ -‬أنه رجل ذو لحية ‪ ،‬ونحوه الحسن ‪.‬‬
‫وعن زيد بن أسلم ‪ -‬أنه ابن عم لها كان حكيما ً ‪ ،‬ونحوه عن قتادة‬
‫وعكرمة ‪.‬‬
‫وعن مجاهد ‪ -‬أنه ليس بأنس ول جان ‪ ،‬هو خلق من خلق الله ‪.‬‬
‫قال مقيده ‪ -‬عفا الله عنه ‪:‬‬
‫قول مجاهد هذا يرده قوله تعالى ‪ { :‬من أهلها } ‪ ،‬لنه صريح‬
‫في أنه إنسي من أهل المرأة ‪ .‬وأظهر القوال ‪ :‬أنه صبي ‪ ،‬لما‬
‫رواه أحمد ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬والبيهقي في الدلئل ‪ ،‬عن ابن عباس‬

‫‪825‬‬
‫رضي الله عنهما ‪ ،‬عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ « :‬تكلم‬
‫أربعة وهم صغار ‪ :‬ابن ماشطة فرعون ‪ ،‬وشاهد يوسف ‪،‬‬
‫وصاحب جريج ‪ ،‬وعيسى ابن مريم » اه ‪.‬‬
‫الوسيط لسيد طنطاوي ‪( -‬ج ‪ / 1‬ص ‪)2297‬‬
‫ه قُدَّ‬ ‫شاهد م َ‬
‫ص ُ‬‫مي ُ‬ ‫ن قَ ِ‬‫ن أهْلِهَآ إِن كَا َ‬ ‫شهِد َ َ ِ ٌ ِّ ْ‬ ‫ثم قال ‪ -‬تعالى ‪ { : -‬وَ َ‬
‫من دُبُرٍ‬ ‫ه قُد َّ ِ‬‫ص ُ‬
‫مي ُ‬ ‫ن قَ ِ‬‫ن كَا َ‬‫ن ‪ .‬وَإ ِ ْ‬ ‫ن الكَاذِبِي َ‬‫م َ‬‫ت وَهُوَ ِ‬ ‫صدَقَ ْ‬‫ل فَ َ‬ ‫من قُب ُ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫صادِقِي َ‬ ‫من ال َّ‬ ‫ت وَهُوَ ِ‬ ‫فَكَذ َب َ ْ‬
‫وهذا الشاهد ذهب بعضهم إلى أنه كان ابن خال لها ‪ ،‬وقيل ابن‬
‫عم لها ‪. .‬‬
‫قال صاحب المنار ‪ " :‬ولكن الرواية عن ابن عباس وسعيد بن‬
‫جبير والضحاك ‪ ،‬أنه كان صبيا فى المهد ‪ ،‬ويؤيدها ما رواه أحمد‬
‫وابن جرير والبيهقى فى الدلئل عن ابن عباس عن النبى ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ " :‬تكلم فى المهد أربعة وهم ‪ :‬صفار ابن‬
‫ماشطة ابنة فرعون ‪ .‬وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى بن‬
‫مريم " ‪.‬‬
‫وروى ابن جرير عن أبى هريرة قال ‪ " :‬عيسى ابن مريم‬
‫وصاحب يوسف وصاحب جريج تكلموا فى المهد " وهذا‬
‫موقوف ‪ ،‬والمرفوع ضعيف ‪ ،‬وقد اختاره ابن جرير ‪ ،‬وحكاه ابن‬
‫كثير بدون تأييد ول تضعيف ‪" . .‬‬
‫وعلى أية حال فالذى يهمنا أن الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬قد سخر فى تلك‬
‫اللحظة الحرجة ‪ ،‬من يدلى بشهادته لتثبت براءة يوسف أمام‬
‫العزيز ‪.‬‬
‫وألقى الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬هذه الشهادة على لسان من هو من أهلها ‪،‬‬
‫لتكون أوجب للحجة عليها ‪ ،‬وأوثق لبراءة يوسف ‪ ،‬وأنفى للتهمة‬
‫عنه ‪.‬‬
‫وقد قال هذا الشاهد فى شهادته ‪ -‬كما حكى القرآن عنه ‪ { -‬إِن‬
‫ت " فى أنه‬ ‫صدَقَ ْ‬‫ل } أى ‪ :‬من أمام " فَ َ‬ ‫من قُب ُ ٍ‬ ‫ه قُد َّ ِ‬
‫ص ُ‬
‫مي ُ‬ ‫ن قَ ِ‬ ‫كَا َ‬
‫أراد بها سوءا ‪ ،‬لن ذلك يدل على أنها دافعته من المام وهو يريد‬
‫العتداء عليها ‪.‬‬
‫‪0000000000000000000‬‬

‫‪ -121‬الكعبة بيت زحل‬


‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫فى سورة البقرة‪( :‬وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا) إلى قوله‪:‬‬
‫(إنك أنت السميع العليم) (‪.)1‬‬
‫ثم قال‪ :‬كيف تكون الكعبة بيت الله ‪ ،‬وقد بنيت أول المر لعبادة‬
‫كوكب زحل ؟ واستدل على قوله هذا بأقوال مؤرخين‪.‬‬

‫‪826‬‬
‫وقال‪ :‬إن فى الكتاب المقدس‪ :‬أن إبراهيم دُعى من " أُور "‬
‫الكلدانيين إلى أرض كنعان ‪ ،‬وتَعََّرب فيها‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫حجة‪.‬‬‫‪ 1‬ـ إن أقوال المؤرخين ليست ُ‬
‫‪ 2‬ـ إن إبراهيم ـ عليه السلم ـ لم يُدع من " أور " كما قال هذا‬
‫المعترض‪ .‬وإنما خرج من أرض آبائه وهو ل يعلم أين يذهب‪ .‬ففى‬
‫الصحاح الثانى عشر من سفر التكوين‪ " :‬وقال الرب لبرام‪:‬‬
‫اذهب من أرضك ‪ ،‬ومن عشيرتك ‪ ،‬ومن بيت أبيك إلى الرض‬
‫التى أُريك ؛ فأجعلك أمة عظيمة ‪ ،‬وأباركك وأعظم اسمك وتكون‬
‫بركة " [تك ‪ ]2 :12‬وكان خروجه عن " حاران " والدليل على أنه‬
‫من " حاران "‪ " :‬وكان أبرام ابن خمس وسبعين سنة لما خرج‬
‫من حاران " [تك ‪ ]4 :12‬وفى سفر أعمال الرسل‪ " :‬فخرج حينئذ‬
‫من أرض الكلدانيين ‪ ،‬وسكن فى حاران " [أع ‪ ]4 :7‬ففى التوراة‬
‫أنه خرج من حاران ‪ ،‬وفى النجيل أنه خرج من أرض الكلدانيين‪.‬‬
‫فأى النصين هو الصحيح ؟ (‪ )1‬البقرة‪125 :‬ـ ‪.127‬‬
‫‪----------------------------‬‬
‫‪ -122‬إسماعيل بين النبياء‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إن القرآن ذكر أن إسماعيل كان (رسول ً نبيًّا) وفى التوراة أنه‬
‫إنسان وحشى‪ .‬وهذا تناقض‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫‪ -1‬أما أنه كان رسول ً فهذا ل إشكال فيه‪ .‬فإن الشريعة التى كان‬
‫عليها هى شريعة نوح ـ عليه السلم ـ وكان يبلغها للناس كما‬
‫يبلغها غيره‪.‬‬
‫‪ -2‬وأما أنه كان نبيًّا فهذا هو الشكال عند المؤلف ‪ ،‬وهو ليس‬
‫بإشكال‪ .‬لن النبى هو المنبئ بغيب ‪ ،‬ويقع الغيب من بعده كما‬
‫أنبأ به‪ .‬فلننظر فى إسماعيل ـ بحسب تفسير كلمة النبى عندهم‬
‫ـ هل أنبأ بغيب أم ل ؟ إنه من إبراهيم الذى سار مع الله ‪ ،‬ودعا‬
‫إليه ‪ ،‬ورغب فيه‪ .‬ولسيره ‪ ،‬وعده الله بالبركة فى إسماعيل‬
‫وإسحاق‪ .‬والبركة ملك ونبوة وإذ ْ وُعد إسماعيل بنبى من نسله ‪،‬‬
‫وأنبأ بتحقق هذا الوعد‪.‬‬
‫ووقع كما قال‪ .‬فإنه قد ظهر منه محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫فإنه يكون نبيًّا‪.‬‬
‫ففى التوراة‪ " :‬ولما كان أبرام ابن تسع وتسعين سنة ؛ ظهر‬
‫الرب لبرام وقال له‪ " :‬أنا الله القدير‪ .‬سر أمامى ‪ ،‬وكن كامل ً ؛‬

‫‪827‬‬
‫فأجعل عهدى بينى وبينك وأكثرك كثيرا ً جدا ً " [تك ‪1 :17‬ـ ‪ ]2‬وعن‬
‫البركة فى إسحاق‪ " :‬وأباركها وأعطيك أيضا ً منها أبناء أُباركها‬
‫فتكون أمما ً وملوك شعوب منها يكونون " [تك ‪ ، ]16 :17‬وعن‬
‫البركة فى إسماعيل‪ " :‬وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه‪ .‬ها أنا‬
‫أباركه وأثمره وأكثره كثيرا ً جداً‪ [ " ..‬تك ‪ ]20 :17‬وقد قام ببركة‬
‫إسحاق نبى الله موسى ‪ ،‬وقام ببركة إسماعيل نبى الله محمد‪.‬‬
‫وإسماعيل قد أنبأ به من قبل ظهوره‪.‬‬
‫‪----------------------------‬‬
‫‪ -123‬أبناء يعقوب يطلبون أن يلعب يوسف معهم‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إنه جاء فى سورة يوسف من القرآن الكريم أن إخوة يوسف‬


‫احتالوا على أبيهم فى أخذ يوسف منه بقولهم‪:‬‬
‫(أرسله معنا غدا يرتع ويلعب ) (‪ )1‬وليس فى التوراة هذه الحيلة‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫إن ما جاء فى القرآن ‪ ،‬ولم يجئ فى التوراة ؛ ل يدل على إيراد‬
‫شبهة على القرآن ‪ ،‬وذلك لن نسخ التوراة الثلثة العبرانية‬
‫ما‪ .‬ففى‬ ‫واليونانية والسامرية ل تتفق على القصة اتفاقا ً تا ًّ‬
‫اليونانية صواع الملك‪.‬‬
‫وليس فى العبرانية صواع الملك‪ .‬ففى التوراة العبرانية ترجمة‬
‫البروتستانت‪ " :‬ولما كانوا قد خرجوا من المدينة ولم يبتعدوا ؛‬
‫قال يوسف للذى على بيته‪ :‬قم اسع وراء الرجال ‪ ،‬ومتى‬
‫أدركتهم فقل لهم‪:‬‬
‫" لماذا جازيتم شًّرا عوضا ً عن خير ؟ أليس هذا هو الذى يشرب‬
‫سيدى فيه‪ .‬وهو يتفاءل به ؟ أسأتم فيما صنعتم " [تك ‪4 :24‬ـ ‪]5‬‬
‫وفى الكتاب المقدس ترجمة ‪1993‬م بلبنان الصادر عن دار الكتاب‬
‫المقدس فى الشرق الوسط‪ " :‬فما أن خرجوا من المدينة ‪،‬‬
‫وابتعدوا قليل ً حتى قال يوسف لوكيل بيته‪ :‬قم اتبع هؤلء الرجال‪.‬‬
‫فإذا لحقت بهم فقل لهم‪ :‬لماذا كافأتم الخير بالشر ؟ لماذا‬
‫سرقتم كأس الفضة التى يشرب بها سيدى‪ .‬وبها يرى أحوال‬
‫الغيب ؟ أسأتم فيما فعلتم "‪.‬‬
‫فكأس الفضة فى نسخة ‪ ،‬وهو غير موجود فى نسخ أخرى‪.‬‬
‫(‪ )1‬يوسف‪.12 :‬‬
‫‪---------------------------‬‬
‫‪ -124‬وليمة نسائية وهمية‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫‪828‬‬
‫إنه جاء فى سورة يوسف أن امرأة العزيز هيأت وليمة لبعض‬
‫السيدات وأنهن قطعن أيديهن‪ .‬وهذا غير معقول‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫كانت دعوة موسى ـ عليه السلم ـ فى الصل عالمية لليهود‬
‫وللمم‪ .‬وكان فيها الدعوة إلى حميد الصفات‪.‬‬
‫وكان فيها عدم احتقار اليهودى للممى ‪ ،‬وعدم التعدى على‬
‫أمواله وحرماته‪ .‬وكان فيها الحث على دعوة الممى إلى معرفة‬
‫حَّرف اليهود التوراة ‪،‬‬
‫الله وعبادته‪ .‬وفى زمان سبى بابل َ‬
‫وامتنعوا عن دعوة المم إلى معرفة الله ‪ ،‬وأباح اليهود لنفسهم‬
‫أخذ الربا من الميين ‪ ،‬والزنا بنسائهم ‪ ،‬وسفك دمائهم وما شابه‬
‫ذلك من الصفات الذميمة‪ .‬وكتبوا ما يدل على ذلك فى التوراة ‪،‬‬
‫وحذفوا من التوراة حال تحريفهم لها ما يمنعهم عن ظلم‬
‫الميين‪ .‬ومن هذا الذى حذفوه‪ :‬دعوة يوسف ـ عليه السلم ـ‬
‫للمصريين الذين كانوا معه فى السجن إلى عبادة الله تعالى‬
‫وترك اللهة المتعددة ‪ ،‬وحذف قول النسوة ليوسف‪( :‬ما هذا‬
‫بشرا ً إن هذا إل ملك كريم ) (‪ )1‬لن هذا يتعارض مع تخليهم عن‬
‫دعوة المم ‪ ،‬ويتعارض مع ما اتفقوا عليه من العبث بنسائهم‪.‬‬
‫وأل يكن هذا صحيحاً‪ .‬فما هذه الترهات المكتوبة فى التوراة عن‬
‫النبياء وغيرهم ؟ ففى التوراة أن لوطا ً ـ عليه السلم ـ زنا بابنتيه‬
‫[تك ‪ ]19‬وأن سليمان ـ عليه السلم ـ أحب نساء غريبة كثيرة مع‬
‫بنت فرعون [الملوك الول ‪.]11‬‬
‫وقال كاتب التوراة‪ :‬إن سليمان ـ عليه السلم ـ هو ابن داود من‬
‫حثِّى‪ .‬أى أنه تعدى على زوجة رجل من المم هو‬ ‫زوجة أُورِيّا ال ِ‬
‫من قبيلة بنى حث وليس من اليهود‪ .‬وإذا كان هذا هو المكتوب‬
‫بغية التعدى على نساء المم ؛ فإن العقل ل يتصور أن يضع فى‬
‫التوراة عفة يوسف عن نساء المم‪ .‬ول يتصور العقل أن يكتب‬
‫عن يوسف أنه فسر حلم الملك من قبل أن يخرج من السجن‪.‬‬
‫لنه لو كتب ذلك لكان معناه أن يوسف يحسن إلى من سيئ‬
‫إليه‪ .‬وهو يريد لليهود أن يسيئوا لمن يحسن ولمن ل يحسن‪.‬‬
‫وإن أصر مورد الشبهة على إيرادها‪ .‬ففى نسخ التوراة زيادة‬
‫ونقص ‪ ،‬وفى نسخ النجيل أيضاً‪ .‬ومن أمثلة ذلك‪ :‬المزمور المائة‬
‫والحادى والخمسين ؛ فإنه فى النسخة القبطية فقط‪.‬‬
‫(‪ )1‬يوسف‪.31 :‬‬
‫‪------------------‬‬
‫‪ -125‬عدم سجن بنيامين‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫‪829‬‬
‫إن فى القرآن أن يعقوب قال لبنائه بعد رحيل بنيامين إلى مصر‪:‬‬
‫(بل سولت لكم أنفسكم أمًرا فصبر جميل عسى الله أن يأتينى‬
‫بهم جميعاً) (‪ .)1‬وقال المؤلف‪ :‬إن المفسر البيضاوى يقول‪ :‬إنه‬
‫يقصد بقوله (بهم جميعاً) يوسف وبنيامين وأخيهما الذى توقف‬
‫بمصر‪.‬‬
‫وإن القرآن جعل عدد مرات مجئ إخوة يوسف لمصر أربع مرات‬
‫بدل ثلث كما جاء فى التوراة ‪ ،‬وأن فى القرآن أن يوسف حبس‬
‫بنيامين ‪ ،‬وأن إخوة يوسف رجعوا إلى أبيهما بدون شمعون‬
‫وبنيامين‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫الخلف بين التوراة وبين القرآن فى سرد حوادث القصة ل يدل‬
‫على عيب فى القرآن ‪ ،‬ويدل على ذلك‪:‬‬
‫ما فى التوراة من زيادة ونقص فى النسخة الواحدة ‪ ،‬وفى‬
‫النسخ الثلث‪ .‬ومع هذا ففى التوراة ما يدل على ما جاء فى‬
‫القرآن ومن ذلك‪:‬‬
‫سى‬ ‫‪ 1‬ـ أن يوسف كان قد أنجب ولدين فى مصر هما أفرايم ومن ّ‬
‫[تك ‪ ]20 :46‬ويعقوب أبوه من النبياء الملهمين ‪ ،‬ويدل على ذلك‬
‫أنه يقول‪:‬‬
‫(إنى لجد ريح يوسف ) (‪ )2‬ـ (يا بنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف‬
‫وأخيه ول تيأسوا من روح الله ) (‪ )3‬فإذا قال (بهم) بضمير الجمع‪.‬‬
‫وقد صرح من بعد بفقد اثنين هما‪ :‬يوسف وأخيه فقط ؛ ل يدل‬
‫ضمير الجمع على ولد ثالث محبوس فى مصر ‪ ،‬وإنما يدل على‬
‫ولدى يوسف‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أن فى التوراة ما يدل على سجن بنيامين وهو أنه لما دبر‬
‫حيلته فى استبقائه وتمت الحيلة ‪ ،‬طلبوا منه أن يطلقه فرد‬
‫عليهم بقوله‪ " :‬حاشا لى أن أفعل هذا‪ .‬الرجل الذى وُجد الكأس‬
‫فى يده ؛ هو يكون لى عبدا ً ‪ ،‬وأما أنتم فاصعدوا بسلم إلى أبيكم‬
‫" [تك ‪.]17 :44‬‬
‫فقوله‪ " :‬هو يكون لى عبدا ً " معناه‪ :‬أنه استبقاه فى " مصر "‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ وفى التوراة ما يدل على بقاء كبيرهم فى مصر ‪ ،‬مع يوسف‬
‫وبنيامين‪ .‬وكبيرهم هو " راوبين " ل شمعون كما قال المؤلف إنه‬
‫أخذه رهينة ‪ ،‬ول يهوذا كما قال كاتب التوراة‪.‬‬
‫ومما يدل على بقاء كبيرهم‪ :‬أنه استعطف يوسف بقوله‪ " :‬فالن‬
‫ليمكث عبدك عوضا ً عن الغلم عبدا ً لسيدى ‪ ،‬ويصعد الغلم مع‬

‫‪830‬‬
‫إخوته ؛ لنى كيف أصعد إلى أبى والغلم ليس معى ؟ لئل أنظر‬
‫الشر الذى يصيب أبى " [تك ‪33 :44‬ـ ‪.]34‬‬
‫(‪ )1‬يوسف‪.83 :‬‬
‫(‪ )2‬يوسف‪.94 :‬‬
‫(‪ )3‬يوسف‪.87 :‬‬
‫‪---------------‬‬
‫‪ -126‬قميص سحـرى‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫إنه جاء فى القرآن أن قميص يوسف لما رآه يعقوب ؛ أتى بصيراً‬
‫إلى مصر مع أهله ‪ ،‬وقد كان قد عمى من الحزن‪.‬‬
‫ونقل من كتب التفسير أنه كان قميص إبراهيم‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫واستبعد شفاء يعقوب برؤية القميص‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫إن التوراة مصرحة بعمى يعقوب ‪ ،‬وأنه سيبصر إذا وضع يوسف‬
‫يده على عينيه‪ .‬ذلك قوله‪ " :‬أنا أنزل معك إلى مصر ‪ ،‬وأنا‬
‫أصعدك أيضاً‪ .‬ويضع يوسف يده على عينيك " [تك ‪ ]4 :46‬هذه‬
‫ترجمة البروتستانت‪.‬‬
‫وفى ترجمة الكتاب المقدس بلبنان‪ " :‬أنا أنزل معك إلى مصر ‪،‬‬
‫وأنا أصعدك منها‪ .‬ويوسف هو يغمض عينيك ساعة تموت "‬
‫فيكون النص فى عدم العمى صراحة فى هذه الترجمة‪.‬‬
‫واتفقت التراجم على ضعف بصر يعقوب " وكانت عينا يعقوب‬
‫كليلتين من الشيخوخة ‪ ،‬ولم يكن يقدر أن يبصر " [تك ‪.]10 :48‬‬
‫واستبعاد شفاء يعقوب برؤية القميص ؛ ل محل له‪ .‬وذلك لن فى‬
‫التوراة من هذا كثير‪ .‬فنبى الله اليسع ـ عليه السلم ـ لما مات‬
‫ودفنوه فى قبره ؛ دفنوا معه بعد مدة ميتاً‪ .‬فلما مست عظامه‬
‫عظام اليسع ؛ ردت إليه روحه‪ .‬وهذا أشد فى المشابهة من‬
‫قميص يعقوب ففى الصحاح الثالث عشر من سفر الملوك‬
‫الثانى‪ " :‬ومات اليشع فدفنوه‪ .‬وكان غزاة موآب تدخل على‬
‫الرض عند دخول السنة ‪ ،‬وفيما كانوا يدفنون رجل ً إذا بهم قد‬
‫رأوا الغزاة ؛ فطرحوا الرجل فى قبر اليشع‪ .‬فلما نزل الرجل‬
‫س عظام اليشع ؛ عاش وقام على رجليه " [‪2‬مل ‪20 :13‬ـ ‪.]21‬‬ ‫وم َّ‬
‫‪--------------------‬‬
‫‪ -127‬ابنة فرعون أو زوجته‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫‪831‬‬
‫إن فى القرآن أن امرأة فرعون هى التى التقطت موسى ـ عليه‬
‫السلم ـ ويقول‪ :‬إن فى التوراة أن الملتقطة له هى ابنة فرعون‬
‫وليست امرأته‪ .‬وهذا تناقض‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫إن كلمات التوراة مشكوك فيها‪ .‬والدليل على ذلك‪ :‬أن اسم‬
‫الرجل فى موضع ‪ ،‬يأتى فى موضع آخر باسم آخر‪ .‬وكذلك‬
‫المرأة‪ .‬وهذا يتكرر كثيراً‪ .‬فإسماعيل ـ عليه السلم ـ كانت له‬
‫ابنة اسمها " محلث " وتزوجت " العيس " بن إسحاق ـ عليه‬
‫السلم ـ [تك ‪ ]9 :28‬وفى ترجمة لبنان " محلة " وفى نفس‬
‫الترجمة " وبسمة " وفى ترجمة البروتستانت " بسمة " [تك ‪:36‬‬
‫‪.]3‬‬
‫وفىي كتب تفسير التوراة تصريح بكلمات ملتبسة مثل " ثم‬
‫يذبحه كل جماعة إسرائيل فى العشية " [خر ‪ ]6 :12‬يقولون‪" :‬‬
‫العشية " هذه اللفظة ملتبسة‪ " ..‬والشيخ الكبير فى أرض مدين‬
‫مختلف فى اسمه‪.‬‬
‫ففى الخروج [‪ " ]18 :2‬رعوئيل " وفى الخروج [‪ " ]18 :4‬ثيرون "‬
‫والبن الول لموسى فى ترجمة " جرشوم " وعند يوسيفوس "‬
‫جرشام " وفى ترجمة السبعين " جرسام " [خر ‪.]22 :2‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫‪ -128‬طرح الولد فى النهر صدر قبل ولدة موسى ل‬
‫بعد إرساليته‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫إن فى سورة العراف‪ :‬أن المل من قوم فرعون بعد ولدة‬
‫موسى وظهور نبوته قالوا لفرعون‪ :‬أتذر موسى وقومه ليفسدوا‬
‫سنُقَتِّل أبناءهم وتستحيى‬
‫فى الرض ؟ وقد رد عليهم بقوله‪َ ( :‬‬
‫نساءهم وإنا فوقهم قاهرون ) (‪.)1‬‬
‫وفى سورة القصص‪ :‬أن قتل البناء واستحياء النساء كانا من‬
‫قبل ولدة موسى وهذا تناقض‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن قتل البناء واستحياء النساء كانا من قبل ولدة موسى ـ عليه‬
‫السلم ـ وهو فيما بعد يهدد باستمرار القتل والزيادة فيه‪.‬‬
‫(‪ )1‬العراف‪.127 :‬‬
‫‪------------------‬‬
‫قلت ‪:‬‬
‫والظاهر أن قتل الطفال لم يكن إل في تلك السنة التي ولد‬
‫فيها النبي موسى عليه السلم ‪ ،‬حيث أخبره الكهنة أن صبيا من‬

‫‪832‬‬
‫بني إسرائيل سيولد هذا العام ستكون نهايتك على يديه ‪ ،‬فلو كان‬
‫القتل مستمرا للطفال لما بقي نسل لبني إسرائيل ‪ ،‬وأما‬
‫استحياء نساء بني إسرائيل فكان دائما عند فرعون و قومه‬
‫‪---------------------‬‬
‫صدَاق امرأة موسى‬ ‫‪َ -129‬‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إن فى سورة القصص أن موسى أصدق امرأته من مدين خدمة‬


‫ثمانى أو عشر لبيها‪ .‬وفى التوراة أنه كان له سبع بنات ل‬
‫اثنتين ‪ ،‬وأنه لم يصدق المرأة‪ .‬ل بالخدمة ول بما يقوم مقامها‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫هب أنه كان عنده سبعة‪ .‬وقدم له اثنتين لئقتين بحاله لينتقى‬
‫واحدة منهما‪ .‬فما هو الشكال فى ذلك ؟ وحال يعقوب مع خاله‬
‫" لبان " ‪ ،‬كحال موسى مع كاهن مديان‪ .‬فإنهما كانا يتعيشان‬
‫من رعى الغنم‪ .‬وخدم يعقوب خاله سبع سنين صداقا ً لبنته‬
‫الولى " ليئة " وخدم سبع سنين أخرى صداقا ً لبنته الخرى "‬
‫راحيل " وموسى هارب من أرض مصر بل مال‪ .‬فكيف يتزوج فى‬
‫أرض غريبة بل مال‪.‬‬
‫وفى النص ما يدل على ما اتفقا عليه‪ .‬وهو " فارتضى موسى أن‬
‫يسكن مع الرجل‪ .‬فأعطى موسى صفورة ابنته " ارتضى على‬
‫ماذا ؟ ولماذا قال بعد الرتضاء‪ " :‬فأعطى موسى صفورة ابنته‬
‫" ؟ والنص كله هو‪ " :‬وكان لكاهن مديان سبع بنات‪ .‬فأتين‬
‫واستقين وملن الجران ليسقين غنم أبيهن‪ .‬فأتى الرعاة‬
‫فطردوهن‪ .‬فنهض موسى وأنجدهن وسقى غنمهن‪ .‬فلما أتين إلى‬
‫رعوئيل أبيهن قال‪ :‬ما بالكن أسرعتن فى المجئ اليوم ؟ فقلن‪:‬‬
‫رجل مصرى أنقذنا من أيدى الرعاة ‪ ،‬وإنه استقى لنا أيضا ً وسقى‬
‫الغنم‪ .‬فقال لبناته‪ :‬وأين هو ؟ لماذا تركتن الرجل ؟ ادعونه ليأكل‬
‫طعاماً‪ .‬فارتضى موسى أن يسكن مع الرجل ‪ ،‬فأعطى موسى‬
‫صفورة ابنته " [خر ‪ ]16 :2‬وفى النص السامرى‪ " :‬فلما أمعن‬
‫موسى فى السكنى مع الرجل ؛ أعطاه صفورة ابنته لموسى‬
‫زوجة "‪.‬‬
‫‪--------------‬‬
‫‪ -130‬لم ترث إسرائيل مصر‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إن فى القرآن أن بنى إسرائيل ورثوا أرض مصر بعد هلك‬


‫فرعون‪ .‬وهذا خطأ فإنهم لم يرثوا إل أرض كنعان‪.‬‬

‫‪833‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ على قوله‪ :‬إن دعوة موسى كانت خاصة لبنى إسرائيل‪ .‬فإن‬
‫حدود مصر تبدأ من " رفح " وهم يقولون‪:‬‬
‫إن المواعيد هى من النيل إلى الفرات‪ .‬فيكون الجزء من رفح‬
‫إلى النيل داخل ً فى الرث‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ والرث ليس لستغلل خيرات الرض وتسخير أهلها فى‬
‫مصالح اليهود‪ .‬ولكنه " إرث شريعة " فإن الله قال لبراهيم ـ‬
‫عليه السلم ـ‪ " :‬سر أمامى وكن كامل ً " [تك ‪ ]1 :17‬أى امشى‬
‫أمامى فى جميع البلد لدعوة الناس إلى عبادتى وترك عبادة‬
‫الوثان‪ .‬وقد سار إبراهيم ودعا بالكلم وبالسيوف‪ .‬ولذلك سّر‬
‫الله منه ‪ ،‬ووعده بمباركة المم فى نسل ولديه إسحاق‬
‫وإسماعيل‪ .‬والبركة معناها‪ :‬ملك النسل على المم إذا ظهر منه‬
‫نبى‪ .‬وسلمه الله شريعة‪ .‬ولما ظهر موسى ـ عليه السلم ـ‬
‫وسلمه الله التوراة‪ .‬أمره بنشرها بين المم‪ .‬وإذا نشرها بين أمة‬
‫فإنه يكون وارثا ً لهذه المة " إرث شريعة " إذ هو بنشرها يكون‬
‫بنو إسرائيل والمم متساوون أمام الله فيها‪ .‬وما فائدة بنو‬
‫إسرائيل إل التبليغ فقط‪ .‬وبه امتازوا عن المم‪ .‬ويدل على ذلك‪:‬‬
‫إرثهم لرض كنعان ـ كما يقولون ـ فإنهم ورثوها لنشر شريعة‬
‫التوراة فيها ‪ ،‬وكان الرث على يد طالوت وداود ـ عليهما السلم‬
‫ـ وقد قال داود ـ عليه السلم ـ لجالوت وهو يحاربه‪:‬‬
‫إن الحرب للرب‪ .‬أى أن القتال فى سبيل الله‪ .‬ذلك قوله‪" :‬‬
‫وتعلم هذه الجماعة كلها أنه ليس بسيف ول برمح يخلّص الرب ؛‬
‫لن الحرب للرب‪ .‬وهو يدفعكم ليدنا "[صموئيل الول ‪.]47 :17‬‬
‫وإذا أراد الله نسخ التوراة يكون معنى النسخ إزالة ملك النسل‬
‫اليهودى عن المم ليقوم النسل الجديد بتبليغ الشريعة التى أقرها‬
‫الله فيهم لتبليغها إلى المم‪ .‬وهذا ما حدث فى ظهور السلم‪.‬‬
‫فإن بنى إسماعيل ـ عليه السلم ـ حاربوا وملكوا ونشروا القرآن‬
‫وعلموه للمم‪ .‬ولهم بركة‪ .‬فإن الله قال لبراهيم عن إسماعيل‪:‬‬
‫" وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه‪ .‬ها أنا أباركه " [تك ‪.]20 :17‬‬
‫وفى التوراة عن بركة إبراهيم‪ " :‬وتتبارك فيك جميع قبائل الرض‬
‫" [تك ‪ ]3 :12‬ومعنى مباركة جميع أمم الرض فى إبراهيم‪ :‬هو أن‬
‫نسله يبلغون للناس شرائع الله‪.‬‬
‫وفى التوراة عن إرث بنى إسماعيل للمم‪ " :‬ويرث نسلك أمما ً ‪،‬‬
‫ويعمر مدنا ً خربة " [إش ‪.] 3 :54‬‬
‫‪ 3‬ـ وكتب المؤرخين تدل على أن بنى إسرائيل أقاموا فى مصر‪.‬‬
‫وقد نقل صاحب تفسير المنار فى سورة يونس عن يونانيين‬

‫‪834‬‬
‫قدماء أن موسى ـ عليه السلم ـ رجع إلى مصر بعد هلك جنود‬
‫فرعون وحكم فيها ثلث عشرة سنـة‪.‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪ -131‬ضربات مصر عشر ل تسع‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إن فى التوراة أن اليات البينات عشر‪ .‬وفى القرآن تسع (‪.)1‬‬


‫وهذا تناقض‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫إن مفسرى التوراة صرحوا بالختلف فى عدد هذه اليات‪ .‬فالية‬
‫الثانية وهى الضفادع ؛ يوجد من يقول إنها التماسيح‪.‬‬
‫والية الثالثة قال بعضهم إنها ضربة القمل ‪ ،‬وقال بعضهم إنها‬
‫ضربة البعوض‪.‬‬
‫والية الرابعة قال بعضهم إنها ذباب الكلب خاصة ‪ ،‬وقيل مطلق‬
‫ذباب‪.‬‬
‫(‪ )1‬المقصود باليات التسع ما جاء فى القرآن الكريم فى قوله‬
‫تعالى‪(:‬ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات) سورة السراء‪، 101 :‬‬
‫وقد ورد ذكر آية الطوفان فى قوله تعالى‪(:‬فأرسلنا عليهم‬
‫مل والضفادع والدم آيات مفصلت‬ ‫الطوفان والجراد والق ّ‬
‫ما مجرمين) سورة العراف‪ ،133 :‬أما بقية‬ ‫فاستكبروا وكانوا قو ً‬
‫اليات التسع فقد وردت فى آيات قرآنية أخرى‪.‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫‪ -132‬الطوفان على المصريين‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫إن فى القرآن أن اليات التسع فيها آية الطوفان ‪ ،‬وليس فى‬
‫التوراة هذه الية‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن مفسرى التوراة مختلفون فى البيان كما نقلنا عنهم سابقاً‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬والتوراة محرفة فل يوثق ما فيها أصل ‪ ،‬ول يعول عليه‬
‫‪------------------------‬‬
‫ّ‬
‫‪ -133‬صخرة حوريب وليست آبار إيليم‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫جاء فى سورة البقرة‪( :‬وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب‬
‫بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً) (‪.)1‬‬
‫وفى التوراة أن الثنتى عشرة عينا ً فى " إيليم " وفى القرآن‬
‫أنهم فى " حوريب " وهذا تناقض‪.‬‬

‫‪835‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫لم يذكر القرآن أن الثنتى عشرة عينا ً فى " حوريب "‪.‬‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.60 :‬‬
‫وما ورد في بعض كتب التفسير فل يعول عليه لنه من‬
‫السرائيليات ‪ ،‬وخرافات بني إسرائيل ‪.‬‬
‫وهذا بعض ما ورد ‪:‬‬
‫تفسير الطبري ‪( -‬ج ‪ / 2‬ص ‪)119‬‬
‫ت‬
‫جَر ْ‬ ‫جَر فَانْفَ َ‬ ‫ح َ‬‫ك ال ْ َ‬ ‫صا َ‬ ‫ب بِعَ َ‬ ‫ضرِ ْ‬ ‫مهِ فَقُلْنَا ا ْ‬ ‫َو ِ‬ ‫سى لِق ْ‬ ‫مو َ‬‫سقَى ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وَإِذ ِ ا ْ‬
‫م كُلُوا وَا ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫م كُ ّ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫شَربُوا ِ‬ ‫شَربَهُ ْ‬‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل أنَا ٍ‬ ‫شَرة َ ع َيْنًا قَد ْ عَل ِ َ‬ ‫ه اثْنَتَا ع َ ْ‬
‫َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن (‪)60‬‬ ‫سدِي َ‬‫مفْ ِ‬ ‫ض ُ‬‫ق اللهِ وَل تَعْثَوْا فِي الْر ِ‬ ‫رِْز ِ‬
‫فتأويل قوله‪(:‬بما كانوا يفسقون) إذا‪ :‬بما كانوا يتركون طاعة الله‬
‫عز وجل‪ ،‬فيخرجون عنها إلى معصيته وخلف أمره‪.‬‬
‫***‬
‫مهِ‬‫سى لِقَوْ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫سقَى ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى ‪ { :‬وَإِذ ِ ا ْ‬
‫شَرة َ ع َيْنًا قَدْ‬ ‫ه اثْنَتَا ع َ ْ‬‫من ْ ُ‬‫ت ِ‬ ‫جَر ْ‬ ‫جَر فَانْفَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ك ال ْ َ‬‫صا َ‬‫ب بِعَ َ‬ ‫ضرِ ْ‬ ‫فَقُلْنَا ا ْ‬
‫م}‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬ ‫عَل ِم ك ُ ُّ‬
‫شَربَهُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل أنَا ٍ‬ ‫َ‬
‫يعني بقوله‪(:‬وإذ استسقى موسى لقومه) ‪ ،‬وإذ استسقانا موسى‬
‫لقومه‪ ،‬أي سألنا أن نسقي قومه ماء ‪ .‬فترك ذكر المسئول‬
‫ذلك ‪ ،‬والمعنى الذي سأل موسى‪ )1( ،‬إذ ْ كان فيما ذكر من‬
‫الكلم الظاهر دللة على معنى ما ترك‪.‬‬
‫وكذلك قوله‪(:‬فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا‬
‫عشرة عينا)‪ ،‬مما استغني بدللة الظاهر على المتروك منه ‪.‬‬
‫وذلك أن معنى الكلم‪ :‬فقلنا اضرب بعصاك الحجر ‪ ،‬فضربه‪،‬‬
‫فانفجرت ‪ .‬فترك ذكر الخبر عن ضرب موسى الحجر ‪ ،‬إذ كان‬
‫فيما ذكر دللة على المراد منه ‪.‬‬
‫وكذلك قوله‪(:‬قد علم كل أناس مشربهم)‪ ،‬إنما معناه‪ :‬قد علم‬
‫كل أناس منهم مشربهم ‪ .‬فترك ذكر"منهم" لدللة الكلم عليه ‪.‬‬
‫***‬
‫وقد دللنا فيما مضى على أن"أناس" جمع ل واحد له من لفظه‪( ،‬‬
‫ي وأناسية‪)3( .‬‬ ‫‪ )2‬وأن"النسان" لو جمع على لفظه لقيل‪ :‬أناس ّ‬
‫***‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬قوله" والمعنى الذي سأل موسى" ‪ ،‬يعني"والشيء" وهو‬
‫الماء‬
‫(‪ )2‬في المطبوعة ‪" :‬ان الناس جمع ل واحد له" ‪ ،‬وقد مضى ذلك‬
‫ضا جمع ل‬ ‫‪ ،‬ولكنه هنا أراد"أناس" ‪ ،‬المذكور في الية ‪ ،‬وهو أي ً‬
‫واحد له من لفظه ‪ ،‬وإن قال بعضهم إنه جمع إنس‬

‫‪836‬‬
‫(‪ )3‬انظر ما سلف ‪. 268 : 1‬‬
‫وقوم موسى هم بنو إسرائيل‪ ،‬الذين قص الله عز وجل قصصهم‬
‫في هذه اليات ‪ .‬وإنما استسقى لهم ربه الماء في الحال التي‬
‫تاهوا فيها في التيه ‪ ،‬كما‪-:‬‬
‫‪ - 1043‬حدثنا بشر بن معاذ قال‪ ،‬حدثنا يزيد بن زريع ‪ ،‬عن سعيد‬
‫بن أبي عروبة ‪ ،‬عن قتادة قوله‪(:‬وإذ استسقى موسى لقومه)‬
‫الية قال‪ ،‬كان هذا إذ ْ هم في البرية اشتكوا إلى نبيهم الظمأ ‪،‬‬
‫فأمروا بحجر طوري ‪ -‬أي من الطور ‪ -‬أن يضربه موسى بعصاه ‪.‬‬
‫فكانوا يحملونه معهم ‪ ،‬فإذا نزلوا ضربه موسى بعصاه فانفجرت‬
‫منه اثنتا عشرة عينا ‪ ،‬لكل سبط عين معلومة مستفيض ماؤها‬
‫لهم ‪.‬‬
‫‪ - 1044‬حدثني تميم بن المنتصرقال‪ ،‬حدثنا يزيد بن هارون قال‪،‬‬
‫حدثنا أصبغ بن زيد ‪ ،‬عن القاسم بن أبي أيوب ‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫جبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال‪ :‬ذلك في التيه؛ ظلل عليهم الغمام ‪،‬‬
‫وأنزل عليهم المن والسلوى ‪ ،‬وجعل لهم ثيابا ل تبلى ول تتسخ ‪،‬‬
‫جعل بين ظهرانيهم حجر مربع ‪ ،‬وأمر موسى فضرب بعصاه‬ ‫و ُ‬
‫الحجر ‪ ،‬فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا في كل ناحية منه ثلث‬
‫عيون ‪ ،‬لكل سبط عين ؛ ول يرتحلون منقلة إل وجدوا ذلك الحجر‬
‫معهم بالمكان الذي كان به معهم في المنزل الول ‪. )1( .‬‬
‫‪ - 1045‬حدثني عبد الكريم قال‪ ،‬أخبرنا إبراهيم بن بشار قال‪ ،‬حدثنا‬
‫سفيان ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ ،‬عن عكرمة عن ابن عباس قال‪ :‬ذلك‬
‫في التيه ‪ .‬ضرب لهم موسى الحجر ‪ ،‬فصار فيه اثنتا عشرة عينا‬
‫من ماء ‪ ،‬لكل سبط منهم عين يشربون منها ‪.‬‬
‫‪ - 1046‬وحدثني محمد بن عمرو قال‪ ،‬حدثنا أبو عاصم قال‪ ،‬حدثنا‬
‫عيسى ‪ ،‬عن ابن أبي نجيح ‪ ،‬عن مجاهد‪(:‬فقلنا اضرب بعصاك‬
‫الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا) لكل سبط منهم عين ‪ .‬كل‬
‫ذلك كان في تيههم حين تاهوا ‪.‬‬
‫‪ - 1047‬حدثنا القاسم بن الحسن قال‪ ،‬حدثنا الحسين قال‪ ،‬حدثني‬
‫حجاج‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المنقلة ‪ :‬المرحلة من مراحل السفر ‪ ،‬والجمع مناقل ‪.‬‬
‫‪ ،‬عن ابن جريج ‪ ،‬عن مجاهد قوله‪(:‬وإذ استسقى موسى لقومه)‪،‬‬
‫قال‪ :‬خافوا الظمأ في تيههم حين تاهوا ‪ ،‬فانفجر لهم الحجر اثنتي‬
‫عشرة عينا ‪ ،‬ضربه موسى ‪ .‬قال ابن جريج‪ :‬قال ابن‬
‫عباس‪":‬السباط" بنو يعقوب‪ ،‬كانوا اثني عشر رجل كل واحد‬
‫منهم ولد سبطا‪ ،‬أمة من الناس ‪)1( .‬‬

‫‪837‬‬
‫‪ - 1048‬وحدثني يونس بن عبد العلى قال‪ ،‬أخبرنا ابن وهب قال‪،‬‬
‫قال ابن زيد‪ :‬استسقى لهم موسى في التيه ‪ ،‬فسقوا في حجر‬
‫مثل رأس الشاة‪ ،‬قال‪ :‬يلقونه في جوانب الجوالَق إذا ارتحلوا ‪( ،‬‬
‫‪ )2‬ويقرعه موسى بالعصا إذا نزل ‪ ،‬فتنفجر منه اثنتا عشرة عينا ‪،‬‬
‫لكل سبط منهم عين ‪ ،‬فكان بنو إسرائيل يشربون منه ‪ ،‬حتى إذا‬
‫كان الرحيل استمسكت العيون ‪ ،‬وقيل به فألقى في جانب‬
‫الجوالق (‪ . )3‬فإذا نزل رمى به ‪ ،‬فقرعه بالعصا ‪ ،‬فتفجرت عين‬
‫من كل ناحية مثل البحر‪.‬‬
‫‪ - 1049‬حدثني موسى بن هارون قال‪ ،‬حدثنا عمرو بن حماد قال‪،‬‬
‫حدثني أسباط ‪ ،‬عن السدي قال‪ :‬كان ذلك في التيه ‪.‬‬
‫***‬
‫وأما قوله‪(:‬قد علم كل أناس مشربهم)‪ ،‬فإنما أخبر الله عنهم‬
‫بذلك‪ .‬لن معناهم ‪-‬في الذي أخرج الله جل وعز لهم من الحجر‪،‬‬
‫الذي وصف جل ذكره في هذه الية صفته‪ )4( -‬من الشرب كان‬
‫مخالفا معاني سائر الخلق فيما أخرج الله لهم من المياه من‬
‫الجبال والرضين‪ ،‬التي ل مالك لها سوى الله عز وجل ‪ .‬وذلك‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في المطبوعة ‪" :‬ولد سبطا وأمة من الناس" ‪ ،‬والصواب‬
‫حذف واو العطف فإن قوله "أمة من الناس" تفسير‬
‫قوله"سبطا" ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الجوالق ‪ :‬وعاء كبير منسوج من صوف أو شعر ‪ ،‬تحمل فيه‬
‫الطعمة ‪ ،‬وهو الذي نسميه في بلدنا"الشوال" محرفة‬
‫من"الجوالق" ‪.‬‬
‫(‪" )3‬قيل به" مبني للمجهول من"قال به" ‪ .‬وقال بالشيء ‪ :‬رفعه‬
‫أو حمله ‪ .‬والعرب تجعل القول عبارة عن جميع الفعال وتطلقه‬
‫على غير الكلم واللسان ‪ .‬يقولون ‪ :‬قال برجله ‪ :‬إذا بدأ يتقدم‬
‫ومشى ‪ ،‬أو إذا أشار بها للركل ‪ .‬ويقولون ‪ :‬قال بالماء على يده‬
‫أي قلبه وصبه ‪ .‬وما أشبه ذلك ‪ .‬وقد مضى مثل ذلك آنفًا ص ‪54‬‬
‫تعليق ‪ ، 3 :‬ص ‪ 64 :‬تعليق ‪. 4 :‬‬
‫(‪ )4‬سياق الجملة "لن معناهم ‪ . .‬من الشرب ‪ ،‬كالذي مخالفا‬
‫معاني" ‪ ،‬وفصل كعادته فيما بينا مرارا ‪ .‬يعني لن شربهم كان‬
‫مخالفا شرب سائر الناس ‪. .‬‬
‫أن الله كان جعل لكل سبط من السباط الثني عشر‪ ،‬عينا من‬
‫الحجر الذي وصف صفته في هذه الية‪ ،‬يشرب منها دون سائر‬
‫السباط غيره‪ ،‬ل يدخل سبط منهم في شرب سبط غيره‪ .‬وكان‬
‫مع ذلك لكل عين من تلك العيون الثنتي عشرة‪ ،‬موضع من‬
‫الحجر قد عرفه السبط الذي منه شربه‪ .‬فلذلك خص جل ثناؤه‬

‫‪838‬‬
‫هؤلء بالخبر عنهم‪ :‬أن كل أناس منهم كانوا عالمين بمشربهم‬
‫دون غيرهم من الناس ‪ .‬إذ كان غيرهم ‪-‬في الماء الذي ل يملكه‬
‫أحد‪ -‬شركاء في منابعه ومسايله‪ .‬وكان كل سبط من هؤلء‬
‫مفردا بشرب منبع من منابع الحجر ‪ -‬دون سائر منابعه ‪ -‬خاص‬
‫لهم دون سائر السباط غيرهم‪ .‬فلذلك خصوا بالخبر عنهم‪ :‬أن‬
‫كل أناس منهم قد علموا مشربهم‪.‬‬
‫***‬
‫َّ‬ ‫القول في تأويل قوله تعالى ‪ { :‬كُلُوا وَا ْ‬
‫ق اللهِ }‬ ‫ن رِْز ِ‬ ‫م ْ‬‫شَربُوا ِ‬
‫وهذا أيضا مما استغني بذكر ما هو ظاهر منه‪ ،‬عن ذكره ما ترك‬
‫ذكره ‪ .‬وذلك أن تأويل الكلم‪(:‬فقلنا اضرب بعصاك الحجر)‪،‬‬
‫فضربه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ‪ ،‬قد علم كل أناس‬
‫مشربهم ‪ ،‬فقيل لهم‪ :‬كلوا واشربوا من رزق الله‪ .‬أخبر الله جل‬
‫ثناؤه أنه أمرهم بأكل ما رزقهم في التيه من المن والسلوى ‪،‬‬
‫وبشرب ما فجر لهم فيه من الماء من الحجر المتعاور‪ )1( ،‬الذي‬
‫ل قرار له في الرض ‪ ،‬ول سبيل إليه [إل] لمالكيه‪ )2( ،‬يتدفق‬
‫بعيون الماء‪ ،‬ويزخر بينابيع العذب الفرات‪ ،‬بقدرة ذي الجلل‬
‫والكرام ‪.‬‬
‫ثم تقدم جل ذكره إليهم (‪ - )3‬مع إباحتهم ما أباح‪ ،‬وإنعامه بما‬
‫أنعم به عليهم من العيش الهنيء ‪ -‬بالنهي عن السعي في الرض‬
‫فسادا ‪ ،‬والعَثَا فيها استكبارا ‪ ،‬فقال جل ثناؤه لهم‪(:‬ول تعثوا في‬
‫الرض مفسدين)‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الحجر المتعاور ‪ :‬الحجر المتبادل ‪ ،‬ينقل من يد إلى يد ‪ .‬من‬
‫تعاوروا الشيء ‪ :‬إذا تبادلوه ‪ ،‬ول يتعاور شيء حتى يكون منقول ‪،‬‬
‫أما الثابت فل يتعاوره الناس ول يتبادلونه ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في المطبوعة ‪" :‬ل سبيل إليه لمالكيه" ‪ ،‬وهو كلم بل معنى ‪.‬‬
‫والصواب ما أثبتناه بزيادة"إل" ويدل على صواب ذلك ما مضى‬
‫منذ قليل في تفسير ما سبق من الية ‪.‬‬
‫(‪ )3‬تقدم إليه بكذا ‪ :‬إذا أمره ‪.‬‬
‫تفسير السعدي ‪( -‬ج ‪ / 1‬ص ‪)53‬‬
‫جَر‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫صا َ‬‫ب بِعَ َ‬ ‫ضرِ ْ‬ ‫مهِ فَقُلْنَا ا ْ‬ ‫سى لِقَوْ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫سقَى ُ‬ ‫{ ‪ { } 60‬وَإِذ ِ ا ْ‬
‫ست َ ْ‬
‫م كُلُوا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫م كُ ّ‬
‫م ْ‬
‫شَربَهُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل أنَا ٍ‬ ‫شَرة َ ع َيْنًا قَد ْ عَل ِ َ‬ ‫ه اثْنَتَا ع َ ْ‬
‫َ‬ ‫من ْ ُ‬‫ت ِ‬ ‫جَر ْ‬‫فَانْفَ َ‬
‫ن رِْز ِ ّ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫سدِي َ‬ ‫مفْ ِ‬‫ض ُ‬ ‫ق اللهِ وَل تَعْثَوْا فِي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شَربُوا ِ‬ ‫وَا ْ‬
‫استسقى‪ ،‬أي‪ :‬طلب لهم ماء يشربون منه‪.‬‬
‫جَر } إما حجر مخصوص معلوم عنده‪،‬‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫صا َ‬ ‫ب بِعَ َ‬‫ضرِ ْ‬ ‫{ فَقُلْنَا ا ْ‬
‫شَرة َ ع َيْنًا } وقبائل بني‬ ‫ه اثْنَتَا ع َ ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ت ِ‬ ‫جَر ْ‬ ‫وإما اسم جنس‪ { ،‬فَانْفَ َ‬
‫س } منهم‬ ‫ُ‬ ‫إسرائيل اثنتا عشرة قبيلة‪ { ،‬قَد ْ عَل ِم ك ُ ُّ‬
‫ل أنَا ٍ‬ ‫َ‬

‫‪839‬‬
‫م } أي‪ :‬محلهم الذي يشربون عليه من هذه العين‪ ،‬فل‬ ‫شَربَهُ ْ‬‫م ْ‬ ‫{ َ‬
‫يزاحم بعضهم بعضا‪ ،‬بل يشربونه متهنئين ل متكدرين‪ ،‬ولهذا قال‪:‬‬
‫َ‬
‫ق الل ّهِ } أي‪ :‬الذي آتاكم من غير سعي ول‬ ‫ن رِْز ِ‬ ‫م ْ‬
‫شَربُوا ِ‬ ‫{ كُلُوا وَا ْ‬
‫ض } أي‪ :‬تخربوا على وجه الفساد‪.‬‬ ‫تعب‪ { ،‬وَل تَعْثَوْا فِي الْر ِ‬
‫تفسير القرآن للعثيمين ‪( -‬ج ‪ / 3‬ص ‪)145‬‬
‫جَر‬
‫ح َ‬‫ك ال ْ َ‬‫صا َ‬ ‫ب بِعَ َ‬ ‫ضرِ ْ‬ ‫مهِ فَقُلْنَا ا ْ‬ ‫سى لِقَوْ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫سقَى ُ‬ ‫ست َ ْ‬‫)وَإِذ ِ ا ْ‬
‫ُ‬
‫م كُلوا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫ً‬
‫شَربَهُ ْ‬‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل أنَا ٍ‬ ‫شَرة َ ع َيْنا قَد ْ عَل ِ َ‬ ‫ه اثْنَتَا ع َ ْ‬
‫َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ت ِ‬ ‫جَر ْ‬ ‫فَانْفَ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن رِْز ِ ّ‬
‫ن) (البقرة‪)60:‬‬ ‫سدِي َ‬ ‫مفْ ِ‬‫ض ُ‬ ‫ق اللهِ وَل تَعْثَوْا فِي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شَربُوا ِ‬ ‫وَا ْ‬
‫التفسير‪:‬‬
‫‪ } 60 {.‬قوله تعالى‪ { :‬وإذا استسقى موسى لقومه } أي‪ :‬واذكر‬
‫إذ استسقى موسى لقومه ‪ .‬أي طلب السقيا لهم؛ وهذا يعم‬
‫كونهم في التيه‪ ،‬وغيره‪..‬‬
‫قوله تعالى‪ { :‬فقلنا اضرب بعصاك الحجر }‪" :‬العصا" معروفة؛‬
‫و{ الحجر }‪ :‬المراد به الجنس؛ فيشمل أيّ حجر يكون؛ وهذا أبلغ‬
‫من القول بأنه حجر معين؛ وهذه "العصا" كان فيها أربع آيات‬
‫عظيمة‪.:‬‬
‫أولً‪ :‬أنه يلقيها‪ ،‬فتكون حية تسعى‪ ،‬ثم يأخذها‪ ،‬فتعود عصا‪..‬‬
‫ثانياً‪ :‬أنه يضرب بها الحجر‪ ،‬فينفجر عيوناً‪..‬‬
‫ثالثاً‪ :‬أنه ضرب بها البحر‪ ،‬فانفلق؛ فكان كل فرق كالطود‬
‫العظيم‪..‬‬
‫رابعاً‪ :‬أنه ألقاها حين اجتمع إليه السحرة‪ ،‬وألقوا حبالهم‪،‬‬
‫وعصيهم‪ ،‬فألقاها فإذا هي تلقف ما يأفكون‪..‬‬
‫قوله تعالى‪ { :‬فانفجرت منه }؛ "النفجار"‪ :‬النفتاح‪ ،‬والنشقاق؛‬
‫ومنه سمي "الفجر"؛ لنه ينشق به الفق؛ فمعنى { انفجرت }‬
‫أي تشققت منه هذه العيون‪..‬‬
‫قوله تعالى‪ { :‬اثنتا عشرة عينا ً }؛ { عينا ً }‪ :‬تمييز؛ وكانت العيون‬
‫اثنتي عشرة؛ لن بني إسرائيل كانوا اثنتي عشرة أسباطاً؛ لكل‬
‫سبط واحدة‪..‬‬
‫قوله تعالى‪ { :‬قد علم كل أناس } أي من السباط { مشربهم }‬
‫أي مكان شربهم‪ ،‬وزمانه حتى ل يختلط بعضهم ببعض‪ ،‬ويضايق‬
‫بعضهم بعضاً‪..‬‬
‫وهذه من نعمة الله على بني إسرائيل؛ وهي من نعمة الله على‬
‫موسى؛ أما كونها نعمة على موسى فلنها آية دالة على رسالته؛‬
‫وأما كونها نعمة على بني إسرائيل فلنها مزيلة لعطشهم‪،‬‬
‫ولظمئهم‪..‬‬

‫‪840‬‬
‫قوله تعالى‪ { :‬كلوا واشربوا } المر هنا للباحة فيما يظهر؛‬
‫{ من رزق الله } أي من عطائه‪ ،‬حيث أخرج لكم من الثمار‪،‬‬
‫ورزقكم من المياه‪..‬‬
‫قوله تعالى‪ { :‬ول تعثوا في الرض مفسدين } أي ل تسيروا‬
‫مفسدين؛ فنهاهم عن الفساد في الرض؛ فـ"العُثو"‪ ،‬و"العِثي"‬
‫معناه السراع في الفساد؛ والفساد في الرض يكون‬
‫بالمعاصي‪ ،‬كما قال الله تعالى‪{ :‬ظهر الفساد في البر والبحر بما‬
‫كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}‬
‫[الروم‪.]41 :‬‬
‫الفوائد‪:‬‬
‫‪ 1.‬من فوائد الية‪ :‬مشروعية الستسقاء عند الحاجة إلى الماء؛‬
‫لن موسى استسقى لقومه؛ وشرع من قبلنا شرع لنا إن لم يرد‬
‫شرعنا بخلفه؛ فكيف وقد أتى بوفاقه؟! فقد كان النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم يستسقي في خطبة الجمعة(‪ ، )1‬ويستسقي في‬
‫الصحراء على وجه معلوم(‪.. )2‬‬
‫‪ 2.‬ومنها‪ :‬أن السقيا كما تكون بالمطر النازل من السماء تكون‬
‫في النابع من الرض‪..‬‬
‫‪3.‬ومنها‪ :‬أن الله سبحانه وتعالى هو الملجأ للخلق؛ فهم إذا مسهم‬
‫الضر يلجؤون إلى الله سبحانه وتعالى‪..‬‬
‫‪ 4.‬ومنها‪ :‬أن الرسل ‪ .‬عليهم الصلة والسلم ‪ .‬كغيرهم في‬
‫الفتقار إلى الله سبحانه وتعالى؛ فل يقال‪ :‬إن الرسل قادرون‬
‫على كل شيء‪ ،‬وأنهم ل يصيبهم السوء‪..‬‬
‫‪5.‬ومنها‪ :‬رأفة موسى بقومه؛ لقوله تعالى‪ { :‬وإذا استسقى‬
‫موسى لقومه }‪..‬‬
‫‪ 6.‬ومنها‪ :‬أن الله سبحانه وتعالى قادر جواد؛ ولهذا أجاب الله‬
‫تعالى دعاء موسى؛ لن العاجز ل يسقي؛ والبخيل ل يعطي‪..‬‬
‫‪ 7.‬ومنها‪ :‬إثبات سمع الله سبحانه وتعالى‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫{ فقلنا }؛ لن الفاء هنا للسببية؛ يعني‪ :‬فلما استسقى موسى‬
‫قلنا؛ فدل على أن الله سمع استسقاء موسى‪ ،‬فأجابه‪..‬‬
‫ل‪ ،‬حيث إن موسى صلى الله‬ ‫‪ . 8.‬ومنها‪ :‬كمال قدرة الله عّز وج ّ‬
‫عليه وسلم يضرب الحجر اليابس بالعصا‪ ،‬فيتفجر عيوناً؛ وهذا‬
‫شيء لم تجر العادة بمثله؛ فهو دليل على قدرة الله عّز وج ّ‬
‫ل‪،‬‬
‫وأنه ليس كما يزعم الطبائعيون بأنه طبيعة؛ إذ لو كانت المور‬
‫بالطبيعة ما تغيرت‪ ،‬وبقيت على ما هي عليه‪..‬‬
‫‪ 9.‬ومنها‪ :‬الية العظيمة في عصا موسى‪ ،‬حيث يضرب به الحجر‪،‬‬
‫فيتفجر عيونا ً مع أن الحجر صلب‪ ،‬ويابس؛ وقد وقع لرسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ما هو أعظم‪ ،‬حيث أُتي إليه بإناء فيه ماء‪،‬‬

‫‪841‬‬
‫فوضع يده فيه‪ ،‬فصار يفور من بين أصابعه كالعيون(‪ )3‬؛ ووجه‬
‫كونه أعظم‪ :‬أنه ليس من عادة الناء أن يتفجر عيونا ً بخلف‬
‫الحجارة؛ فقد قال الله تعالى‪{ :‬وإن من الحجارة لما يتفجر منه‬
‫النهار} [البقرة‪ ]74 :‬؛ ووجه آخر‪ :‬أن الناء منفصل عن الرض ل‬
‫صلة له بها بخلف الحجارة‪..‬‬
‫‪ 10.‬ومنها‪ :‬حكمة الله سبحانه وتعالى بجعل هذا الماء المتفجر‬
‫اثنتي عشرة عيناً؛ لفائدتين‪.:‬‬
‫الفائدة الولى‪ :‬السعة على بني إسرائيل؛ لنه لو كان عينا ً واحدة‬
‫لحصلت مشقة الزحام‪..‬‬
‫الفائدة الثانية‪ :‬البتعاد عن العداوة‪ ،‬والبغضاء بينهم؛ لنهم كانوا‬
‫جمعوا في مكان واحد مع الضيق‪،‬‬ ‫اثنتي عشرة أسباطاً؛ فلو كانوا ُ‬
‫والحاجة إلى الماء لحصل بينهم نزاع شديد؛ وربما يؤدي إلى‬
‫القتال؛ فهذا من رحمة الله ‪ .‬تبارك وتعالى ‪ .‬ببني إسرائيل‪ ،‬حيث‬
‫فجره اثنتي عشرة عيناً‪ ،‬ولهذا أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذه‬
‫النعمة بقوله‪ { :‬قد علم كل أناس مشربهم }‪ :‬كل أناس من بني‬
‫إسرائيل‪..‬‬
‫‪ 11.‬من فوائد الية‪ :‬أن الله سبحانه وتعالى يذكِّر بني إسرائيل‬
‫بهذه النعم العظيمة لجل أن يقوموا بالشكر؛ ولهذا قال تعالى‪:‬‬
‫( كلوا واشربوا من رزق الله ول تعثوا في الرض مفسدين )‬
‫‪ 12.‬ومنها‪ :‬أن ما خلق الله تعالى من المأكول‪ ،‬والمشروب‬
‫للنسان فالصل فيه الباحة‪ ،‬والحل؛ لن المر للباحة؛ فما أخرج‬
‫الله تعالى لنا من الرض‪ ،‬أو أنزل من السماء فالصل فيه الحل؛‬
‫فمن نازع في حل شيء منه فعليه الدليل؛ فالعبادات الصل فيها‬
‫الحظر؛ وأما المعاملت‪ ،‬والنتفاعات بما خلق الله فالصل فيها‬
‫الحل‪ ،‬والباحة‪..‬‬
‫‪ 13.‬ومنها‪ :‬تحريم الفساد في الرض؛ لقوله تعالى‪ { :‬ول تعثوا‬
‫في الرض مفسدين }؛ والصل في النهي التحريم‪..‬‬
‫جامع لطائف التفسير ‪( -‬ج ‪ / 1‬ص ‪)367‬‬
‫قال ابن كثير (‪ -)1‬رحمه الله ‪ -‬في تفسيره ما نصه‪" :‬قال ابن‬
‫عباس رضي الله عنهما "وجعل بين ظهرانيهم حجرا ً مربعاً‪ ,‬وأمر‬
‫موسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬فضربه بعصاه‪ ,‬فانفجرت منه اثنتا عشرة‬
‫عينا ً في كل ناحية منه ثلث عيون وأعلم كل سبط عينهم‬
‫يشربون منها‪ ,‬ل يرتحلون من منقلة ‪ -‬إل وجدوا ذلك معهم‬
‫بالمكان الذي كان منهم بالمنزل الول ‪ -‬وهذا قطعة من الحديث‬
‫الذي رواه النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وهو حديث الفتون‬
‫الطويل‪ .‬اهـ‬

‫‪842‬‬
‫ونقل ابن كثير أقوال بعض المفسرين في وصف الحجر مع ما‬
‫فيها من مبالغة دون أن يقرها أو ينكرها‪ .‬حيث قال ‪:‬‬
‫وقال عطية العوفي ‪ :‬وجعل لهم حجرا ً مثل رأس الثور يحمل‬
‫على ثور‪ ,‬فإذا نزلوا وضعوه فضربه موسى ‪ -‬عليه السلم ‪-‬‬
‫بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ً فإذا ساروا حملوه على ثور‬
‫فاستمسك الماء‪ ,‬وقيل كان لبني إسرائيل حجر فكان يضعه‬
‫هارون ويضربه موسى بالعصا‪ ,‬وقال قتادة ‪ :‬كان حجرا ً طوريا من‬
‫ً‬
‫الطور يحملونه معهم إذا نزلوا ضربه موسى بعصاه‪ ,‬وقال‬
‫الزمخشري وقيل ‪ :‬كان من الرخام وكان ذراعا ً في ذراع‪ ,‬وقيل‬
‫مثل رأس النسان وقيل ‪ :‬كان من الجنة طوله عشرة أذرع على‬
‫طول موسى وله شعبتان تتقدان في الظلمة وكان يحمل على‬
‫حمار‪ ,‬وقيل أهبطه آدم من الجنة فتوارثوه حتى وقع إلى شعيب‬
‫فدفعه إليه مع العصا‪ ,‬وقيل هو الحجر الذي وضع عليه ثوبه حين‬
‫اغتسل فقال له جبريل‪:‬ارفع هذا الحجر فإن فيه قدرة ولك فيه‬
‫معجزة فحمله في مخلته(‪ .)2‬أهـ ‪.‬‬
‫وقال ابن الجوزي(‪ : )3‬واختلفوا في صفة الحجر على ثلثة أقوال‬
‫أحدها‪ :‬أنه كان حجرا ً مربعاً‪ ,‬والثاني‪ :‬كان مثل رأس الثور‪,‬‬
‫والثالث‪ :‬مثل رأس الشاة ‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬تفسير ابن كثير حـ ‪ 1‬صـ ‪130‬‬
‫(‪ - )2‬تفسير ابن كثير حـ صـ ‪ 130‬بتصرف يسير‬
‫(‪ - )3‬زاد المسير حـ ‪ 1‬صـ ‪ 87‬باختصار يسير‬
‫(‪)5/92‬‬
‫وقال المام الفخر ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬بعد ذكر بعض هذه القوال في‬
‫صفة الحجر‪" :‬واعلم أن السكوت عن أمثال هذه المباحث واجب‪,‬‬
‫لنه ليس فيها نص متواتر قاطع‪ ,‬ول يتعلق بها عمل حتى يكتفي‬
‫فيها بالظن المستفاد من أخبار الحاد فالولى تركها(‪ .)1‬اهـ‬
‫وقال اللوسي (‪ :)2‬بعد أن ذكر أكثر هذه الروايات في صفة‬
‫الحجر(‪: )3‬‬
‫"وظاهر أكثرها التعارض‪ ,‬ول ينبئ على تعيين هذا الحجر أمر‬
‫ديني والسلم تفويض علمه إلى الله (‪ .)4‬أهـ ‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬التفسير الكبير حـ ‪ 3‬صـ ‪528‬‬
‫(‪ - )2‬روح المعاني حـ ‪ 1‬صـ ‪89‬‬
‫(‪ - )3‬وكأنه بذلك يميل إلى ما رجحه المام فخر الدين الرازي ‪-‬‬
‫رحمه الله ‪.‬‬

‫‪843‬‬
‫(‪ - )4‬وقد ذكر هذه الروايات كثير من المفسرين دون إقرار أو‬
‫إنكار ‪ ،‬وكأنهم يميلون إلى القول بصحتها ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬مع أنها‬
‫تفتقر إلى نقل صحيح ‪ ،‬وقد سكت القرآن عن بيانها ‪ .‬وممن ذكر‬
‫هذه القوال ‪.‬‬
‫المام الطبري حـ ‪ 1‬صـ ‪ ، 308‬والزمخشري حـ ‪ 1‬صـ ‪ ، 147 : 146‬وابن‬
‫الجوزي حـ ‪ 1‬صـ ‪ ، 87‬وابن جزي في التسهيل حـ ‪ 1‬صـ ‪. 49‬‬
‫والبغوي حـ ‪ 1‬صـ ‪ ، 90‬والخازن حـ ‪ 1‬صـ ‪ ، 53‬وابن عطية حـ ‪ 1‬صـ ‪152‬‬
‫‪ ،‬وأبو السعود حـ ‪ 1‬صـ ‪ ، 106 - 105‬والقرطبي حـ ‪ 1‬صـ ‪ ، 291‬وابن‬
‫كثير حـ ‪ 1‬صـ ‪ ، 130‬فهذه القوال يجب عدم التعويل عليها ‪،‬‬
‫والرجح أنها من السرائيليات المنكرة التي شوهت كتب التفسير‬
‫‪ ،‬كذلك يجب التنبيه على ضعف ما ورد من مبالغة في قوله‬
‫تعالى " ونزلنا عليكم المن والسلوى " فقد ذكر المام الطبري‬
‫رحمه الله في تفسيره حـ ‪ 1‬صـ ‪ 297‬أن بني إسرائيل وهم في‬
‫التيه كان ينزل عليهم المن والسلوى ‪ ،‬ول تبلى ثيابهم ‪ .‬انتهى‬
‫كلمه ‪ -‬سبحان الله هذا أمر لم يتحقق إل لهل الجنة فقط يوم‬
‫المزيد بل لم يستطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل‬
‫من قطف العنب الذي في الجنة عندما رآه وهو يصلي‬
‫بالمسلمين ‪ ،‬والحديث معروف ‪ -‬رزقنا الله وإياكم الفوز بالجنة ‪.‬‬
‫أ هـ ‪.‬‬
‫(‪)5/93‬‬
‫‪---‬‬
‫(( فقلنا اضرب بعصاك الحجر ))‬
‫قال البغوي (‪ - )1‬رحمه الله ‪ : -‬قوله تعالى‪[ :‬فقلنا اضرب بعصاك‬
‫الحجر] وكانت من آس الجنة طولها عشرة أذرع على طول‬
‫موسى عليه السلم‪ ,‬ولها شعبتان تتقدان في الظلمة نوراً‪,‬‬
‫واسمها عليق‪ ,‬حملها آدم من الجنة فتوارثها النبياء حتى وصلت‬
‫إلى شعيب ‪ -‬عليه السلم‪ -‬فأعطاها موسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬قال‬
‫مقاتل‪ :‬اسم العصا‪ :‬نبعة(‪ .)2‬اهـ‬
‫قال القشيري(‪ :)3‬إن الذي قدر على إخراج الماء من الصخرة‬
‫الصماء كان قادرا ً على إروائهم بغير ماء ولكن لظهار أثر‬
‫المعجزة فيه‪ ,‬وإيصال محل الستغاثة إليه‪ ,‬وليكون على موسى ‪-‬‬
‫عليه السلم ‪ -‬أيضا ً في نقل الحجر ‪ -‬مع نفسه شغل‪ ,‬ولتكليفه‬
‫أن يضرب بالعصا مقاساة نوع من معالجة ما أمضى حكمه عند‬
‫استسقائه لقومه(‪ .)4‬اهـ‬
‫قوله تعالى‪[ :‬كلوا واشربوا من رزق الله ]‬
‫قال الفخر(‪[ :)5‬كلوا واشربوا من رزق الله] فيه حذف والمعنى‪:‬‬
‫فقلنا لهم‪ ,‬أو قال لهم موسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬كلوا واشربوا‪,‬‬

‫‪844‬‬
‫وإنما قال‪[ :‬كلوا] لوجهين أحدهما‪ :‬لما تقدم من ذكر المن‬
‫والسلوى‪ ,‬فكأنه قال‪ :‬كلوا من المن والسلوى الذي رزقكم الله‬
‫بل تعب ول نصب‪ ,‬واشربوا من هذا الماء‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن الغذية ل تكون إل بالماء‪ ,‬فلما أعطاهم الماء فكأنه‬
‫تعالى أعطاهم المأكول والمشروب‪ .‬أ هـ ‪.‬‬
‫سؤال‪ :‬هل يجوز أن يأمره الله تعالى بأن يضرب بعصاه الحجر‬
‫فينفجر من غير ضرب حتى يستغني عن تقدير هذا المحذوف ؟‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬معالم التنزيل حـ ‪ 1‬صـ ‪90‬‬
‫(‪ - )2‬كما سبق فإنه يجب عدم اللتفات إلى مثل هذه القوال ‪،‬‬
‫ولكننا نذكرها لئل يغتر بها لوجودها في كتب أكابر المفسرين ‪-‬‬
‫رحمهم الله جميعا ً ‪.‬‬
‫(‪ - )3‬لطائف الشارات حـ ‪ 1‬صـ ‪90‬‬
‫(‪ - )4‬قال القرطبي ‪ :‬وقد كان تعالى قادرا ً على تفجير الماء‬
‫وفلق الحجر من غير ضرب ‪ ،‬لكن أراد أن يربط المسببات‬
‫بالسباب حكمة منه للعباد في وصولهم إلى المراد ‪ ،‬وليترتب‬
‫على ذلك ثوابهم وعقابهم في المعاد أ هـ القرطبي حـ ‪ 1‬صـ ‪. 290‬‬
‫(‪ - )5‬التفسير الكبير حـ ‪ 3‬صـ ‪530‬‬
‫(‪)5/94‬‬
‫الجواب‪ :‬ل يمتنع في القدرة أن يأمره الله بأن يضرب بعصاه‬
‫الحجر ومن قبل أن يضرب ينفجر على قدر الحاجة لن ذلك لو‬
‫قيل ‪ :‬إنه أبلغ في العجاز لكان أقرب‪ ,‬لكن الصحيح أنه ضرب‬
‫فانفجرت لنه تعالى لو أمر رسوله بشيء‪ ,‬ثم إن الرسول ل‬
‫يفعله لصار الرسول عاصياً‪ ,‬ولنه إذا انفجر من غير ضرب صار‬
‫المر بالضرب بالعصا عبثاً‪ ,‬كأنه ل معنى له ولن المروي في‬
‫الخبار أن تقديره‪ :‬فضرب فانفجرت كما في قوله تعالى‪:‬‬
‫[فانفلق](الشعراء‪ )63:‬من أن المراد فضرب فانفلق ‪.‬‬
‫سؤال‪ :‬إنه تعالى ذكر هاهنا‪[ :‬فانفجرت] وفي العراف‪:‬‬
‫[فانبجست] (العراف‪ )16:‬وبينهما تناقض لن النفجار خروج‬
‫الماء بكثرة والنبجاس خروجه قليلً‪:‬‬
‫الجواب من ثلثة أوجه‪ :‬أحدها الفجر الشق في الصل‪ ,‬والنفجار‬
‫النشقاق‪ ,‬ومنه الفاجر لنه يشق عصا المسلمين بخروجه إلى‬
‫الفسق‪ ,‬والنبجاس اسم للشق الضيق القليل‪ ,‬فهما مختلفان‬
‫اختلف العام والخاص‪ ,‬فل يتناقضان‪ ,‬وثانيهما‪ :‬لعله انبجس أولً‪,‬‬
‫ثم انفجر ثانياً‪ ,‬وكذا العيون‪ :‬يظهر الماء منها قليل ً ثم يكثر لدوام‬
‫خروجه‪ .‬وثالثها‪ :‬ل يمتنع أن حاجتهم كانت تشتد إلى الماء‬

‫‪845‬‬
‫فينفجر‪ ,‬أي يخرج الماء كثيرا ً ثم كانت تقل فكان الماء ينبجس‬
‫أي يخرج قليلً‪.‬‬
‫سؤال‪ :‬معجزة موسى في هذا المعنى أعظم أم معجزة محمد‬
‫‪-‬عليه السلم‪-‬؟‬
‫الجواب‪ :‬كل واحدة منهما معجزة باهرة قاهرة‪ ,‬لكن التي لمحمد‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أقوى لن نبوع الماء من الحجر معهود‬
‫في الجملة‪ ,‬أما نبوعه من بين الصابع فغير معتاد ألبتة‪ ,‬فكان‬
‫ذلك أقوى ‪.‬‬
‫سؤال‪ :‬ما الحكمة في جعل الماء اثنتي عشرة عينا ً ؟‬
‫(‪)5/95‬‬
‫الجواب‪ :‬أنه كان في قوم موسى كثرة والكثير من الناس إذا‬
‫اشتدت بهم الحاجة إلى الماء ثم وجدوه فإنه يقع بينهم تشاجر‬
‫وتنازع وربما أفضى ذلك إلى الفتن العظيمة فأكمل الله تعالى‬
‫هذه النعمة بأن عين لكل سبط منهم ماء معينا ً ل يختلط بغيره‬
‫والعادة في الرهط الواحد أن ل يقع بينهم من التنازع مثل ما يقع‬
‫بين المختلفين ‪.‬‬
‫سؤال‪ :‬من كم وجه يدل هذا النفجار على العجاز ؟‬
‫الجواب‪ :‬من وجوه‪ :‬أحدها‪ :‬أن نفس ظهور الماء معجز‪ ,‬وثانيها‪:‬‬
‫خروج الماء العظيم من الحجر الصغير‪ ,‬وثالثها‪ :‬خروج الماء بقدر‬
‫حاجتهم‪ .‬ورابعها‪ :‬خروج الماء عند ضرب الحجر بالعصا‪,‬‬
‫وخامسها‪ :‬انقطاع الماء عند الستغناء عنه‪ ,‬فهذه الوجوه الخمسة‬
‫ل يمكن تحصيلها إل بقدرة تامة نافذة في كل الممكنات وعلم‬
‫نافذ في جميع المعلومات وحكمة عالية على الدهر والزمان‪ ,‬وما‬
‫ذاك إل للحق سبحانه وتعالى(‪ .)1‬أهـ ‪.‬‬
‫‪----------------‬‬
‫‪ -134‬لوحا الشريعة‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إن الله كتب لموسى فى اللواح من كل شىء‪ .‬وهذا على ما فى‬


‫القرآن‪ .‬وعلى ما فى التوراة كتب لوحين اثنين ‪ ،‬وكتب عليهما‬
‫الوصايا العشر فقط‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫‪-1‬إن اللواح الولى قد كسرت‪ .‬وحل محلها ألواح جديدة‪.‬‬
‫‪ -2‬واللواح الولى كانت مكونة من‪:‬‬
‫أ لوحين للعهد للعمل بالتوراة‪.‬‬
‫ب ومن عدة ألواح مكتوب عليها كل أحكام التوراة‪.‬‬

‫‪846‬‬
‫ففى الصحاح التاسع عشر من سفر الخروج وما بعده إلى‬
‫الصحاح الرابع والعشرين كل أحكام التوراة وبعدها " فجاء‬
‫موسى وحدث الشعب بجميع أقوال الرب وجميع الحكام "‪.‬‬
‫ثم صعد إلى جبل الطور فأعطاه الله‪:‬‬
‫أ‪ -‬لوحى الحجارة‪.‬‬
‫ب‪ -‬والشريعة والوصية‪.‬‬
‫ومن قبل نزوله من على الجبل ؛ عبدوا العجل من دون الله‪.‬‬
‫ولما سمع موسى بالخبر كسر لوحى العهد فى أسفل الجبل‪.‬‬
‫ولكن كاتب سفر التثنية يقول‪ " :‬إنه كسر لوحين كان عليهما كل‬
‫أحكام الشريعة وعليهما مثل جميع الكلمات التى كلمكم بها‬
‫الرب فى الجبل من وسط النار فى يوم الجتماع " [تث ‪]10 :9‬‬
‫ول يمكن للوحى العهد أن يحمل مع العهد كل أحكام الشريعة‬
‫التى نزلت فى يوم الجتماع "‪.‬‬
‫ولما كسر اللواح‪ .‬أعطى الله له بدلهم ألواح جديدة [خر ‪] 29 :32‬‬
‫والمكتوب على اللواح الجديدة ؛ أحكام الشريعة الموجودة فى‬
‫الصحاح الرابع والثلثين من سفر التثنية‪ .‬وفيها‪ " :‬ل تطبخ جديًا‬
‫بلبن أمه "‪.‬‬
‫والمناسب لحكام الشريعة (اللواح) بالجمع‪ .‬ومنها لوحى العهد‪.‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫‪ -135‬هل طلبوا رؤية الله‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إن فى القرآن أن بنى إسرائيل طلبوا رؤية الله‪ .‬وفى التوراة‬


‫أنهم قالوا لموسى‪ " :‬تكلم أنت معنا ‪ ،‬ول يتكلم معنا الله ؛ لئل‬
‫يموت " [خر ‪ ] 19 :20‬فعكس القرآن الموضوع‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫إن المؤلف جاهل بما فى كتابه‪ .‬وإن فيه‪:‬‬
‫أ ـ أن اليهود رأوا الله‪.‬‬
‫ب ـ وأن موسى طلب رؤية الله‪.‬‬
‫جـ ـ وأنهم طلبوا أن ل يروا الله‪.‬‬
‫(أ) فموسى لما أخذ العهد على اليهود أن يعملوا بالتوراة ‪ ،‬بكّر‬
‫فى الصباح وبنى مذبحا ً فى أسفل الجبل‪.‬‬
‫وأخذ العهد‪ .‬ثم قال الكاتب‪ " :‬ثم صعد موسى وهارون وناداب‬
‫وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرئيل ورأوا إله إسرائيل ‪ ،‬وتحت‬
‫رجليه شبه صنعة من العقيق الزرق الشفاف وكذات السماء فى‬

‫‪847‬‬
‫النقاوة ‪ ،‬ولكنه لم يمد يده إلى أشراف بنى إسرائيل فرأوا الله‬
‫وأكلوا وشربوا " [خروج ‪9 :24‬ـ ‪.]11‬‬
‫(ب) وطلب موسى رؤية الله " فقال‪ :‬أرنى مجدك " ورد عليه‬
‫بقوله‪ " :‬ل تقدر أن ترى وجهى‪.‬لن النسان ل يرانى ويعيش‬
‫" [خر ‪.]18 :33‬‬
‫(ج) ولما تجلى الله للجبل ؛ حدث من هيبته حال التجلى نار‬
‫ودخان وارتجف كل الجبل جداً‪ .‬فارتعب بنو إسرائيل من هذا‬
‫المنظر ‪ ،‬وقالوا لموسى‪ :‬إذا أراد الله أن يكلمنا مرة أخرى ؛‬
‫فليكن عن طريقك يا موسى ونحن لك نسمع ونطيع‪ .‬فرد الله‬
‫بقوله‪ :‬أحسنوا فيما قالوا‪ .‬وسوف أكلمهم فى مستقبل الزمان‬
‫عن طريق نبى مماثل لك يا موسى من بين إخوتهم وأجعل‬
‫كلمى فى فمه ؛ فيكلمهم بكل ما أوصيه به [تث ‪15 :18‬ـ ‪.]22‬‬
‫‪------------------‬‬
‫‪ -136‬سليمان أو أبشالوم‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إن داود وسليمان ـ كما فى القرآن ـ حكما فى الحرث ‪ ،‬وإن‬


‫سليمان راجع داود فى الحكم‪.‬‬
‫ثم ذكر كلم المفسرين فى هذه القضية‪ .‬وعقب عليه بقوله‪:‬‬
‫القضية تليق بأبشالوم بن داود ؛ لنه كان دائما ً يعارض أقوال أبيه‬
‫ول تليق بسليمان‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫إن فى التوراة أن سليمان كان حكيماً‪ .‬أحكم من جميع ملوك‬
‫الرض الذين سمعوا بحكمته‪ .‬واللئق بحكمته هو الحكم فى‬
‫الحرث‪ .‬ففى الصحاح الرابع من سفر الملوك الول‪ " :‬وفاقت‬
‫حكمة سليمان حكمة جميع بنى المشرق ‪ ،‬وكل حكمة مصر ‪،‬‬
‫وكان أحكم من جميع الناس من إيثان الرزاحى ‪ ،‬وهيمان‬
‫وكلكول ودردع بنى ماحول ‪ ،‬وكان صيته فى جميع المم حواليه‬
‫وتكلم بثلثة آلف مثل ‪ ،‬وكانت نشائده ألفا وخمسا‪ .‬وتكلم عن‬
‫الشجار من الرز الذى فى لبنان ‪ ،‬إلى الزوفا الثابت فى‬
‫الحائط ‪ ،‬وتكلم عن البهائم وعن الطير وعن الدبيب وعن‬
‫السمك‪ .‬وكانوا يأتون من جميع الشعوب ليسمعوا حكمة سليمان‬
‫من جميع ملوك الرض الذين سمعوا بحكمته " [امل ‪30 :4‬ـ ‪.]34‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫‪ -137‬هاجر أو السيدة العذراء‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫‪848‬‬
‫إنه جاء فى سورة مريم‪ :‬أن مريم لما حملت بالمسيح انتبذت به‬
‫مكانا ً قصيًّا‪ .‬وعندئذ قد جعل الله لها تحتها (سريًّا) أى نهرا جارياً‬
‫لتشرب منه‪ .‬وهذا فى التوراة عن هاجر أم إسماعيل ؛ فإنها لما‬
‫عطشت هيأ الله لها عين ماء‪ .‬وقد وضعه القرآن على مريم‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إنه فسر السرى بالنهر الجارى‪ .‬وليس كذلك‪ .‬فإن الملك ناداها‬
‫بعدم الحزن ؛ لن الله قد جعل تحت كفالتها ورعايتها غلماً‬
‫سيكون سيّدا‪ .‬فالسرى هو السيد وليس هو جدول الماء‪ .‬وقد‬
‫تحقق هذا الوعد ؛ فإن المسيح صار سيِّدًا‪ .‬أى معلما ً للشريعة‪.‬‬
‫وقال للحواريين عن هذا المعنى‪ " :‬أنتم تدعوننى معلما ً وسيداً‪.‬‬
‫سنا ً تقولون ؛ لنى أنا كذلك " [يو ‪.]13 :13‬‬ ‫ح َ‬ ‫و َ‬
‫‪--------------‬‬
‫قلت ‪:‬‬
‫الصواب أنه النهر وعليه معظم المفسرين ‪ ،‬ويحمل على تعدد‬
‫الحادثة وما في التوراة ل يعول عليه لنا الماء نبع من بين أصابع‬
‫إسماعيل عليه السلم‬
‫تفسير الطبري ‪( -‬ج ‪ / 18‬ص ‪)175‬‬
‫ي بالسريّ في هذا الموضع‪ ،‬فقال‬ ‫واختلف أهل التأويل في المعن ّ‬
‫بعضهم‪ :‬عني به‪ :‬النهر الصغير‪.‬‬
‫* ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ،‬قال‪ :‬ثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬ثنا سفيان‪ ،‬عن أبي‬
‫سرِيًّا ) قال‪:‬‬ ‫ك َ‬ ‫حت َ ِ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫ل َرب ُّ ِ‬‫جعَ َ‬ ‫إسحاق‪ ،‬عن البراء بن عازب( قَد ْ َ‬
‫الجدول‪.‬‬
‫حدثنا ابن بشار‪ ،‬قال‪ :‬ثنا محمد بن جعفر‪ ،‬قال‪ :‬ثنا شعبة‪ ،‬عن أبي‬
‫ك‬‫ل َرب ُّ ِ‬ ‫جعَ َ‬‫إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬سمعت البراء يقول في هذه الية( قَد ْ َ‬
‫سرِيًّا ) قال‪ :‬الجدول‪.‬‬ ‫ك َ‬ ‫حت َ ِ‬‫تَ ْ‬
‫ي‪ ،‬عن‬ ‫ي‪ ،‬قال ‪ :‬ثنا عبد الله‪ ،‬قال‪ :‬ثني معاوية‪ ،‬عن عل ّ‬ ‫حدثني عل ّ‬
‫سريًّا ) وهو نهر عيسى‪.‬‬ ‫ك َ ِ‬ ‫حت َ ِ‬
‫ك تَ ْ‬‫ل َرب ُّ ِ‬ ‫ابن عباس‪ ،‬قوله( قَد ْ َ‬
‫جعَ َ‬
‫حدثني محمد بن سعد ‪ ،‬قال‪ :‬ثني أبي‪ ،‬قال‪ :‬ثني عمي‪ ،‬قال‪ :‬ثني‬
‫سرِيًّا )‬ ‫ك َ‬ ‫حت َ ِ‬
‫ك تَ ْ‬ ‫ل َرب ُّ ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫أبي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬قوله( قَد ْ َ‬
‫قال‪ :‬السريّ‪ :‬النهر الذي كان تحت مريم حين ولدته كان يجري‬
‫سرِيا‪.‬‬
‫يسمى َ‬
‫حدثني أبو حصين‪ ،‬قال‪ :‬ثنا ع َبثر‪ ،‬قال‪ :‬ثنا حصين‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫سرِيًّا )‬ ‫ك َ‬ ‫حت َ ِ‬
‫ك تَ ْ‬ ‫ل َرب ُّ ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ميمون الوْدِيّ‪ ،‬قال في هذه الية( قَد ْ َ‬
‫قال‪ :‬السريّ‪ :‬نهر يُشرب منه‪.‬‬

‫‪849‬‬
‫حدثنا يعقوب وأبو كريب‪ ،‬قال ثنا هشيم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا حصين‪ ،‬عن‬
‫سرِيًّا ) قال‪ :‬هو‬ ‫ك َ‬ ‫حت َ ِ‬‫ك تَ ْ‬ ‫ل َرب ُّ ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫عمرو بن ميمون‪ ،‬في قوله‪ (:‬قَد ْ َ‬
‫الجدول‪.‬‬
‫حدثنا محمد بن عمرو ‪ ،‬قال‪ :‬ثنا أبو عاصم‪ ،‬قال‪ :‬ثنا عيسى؛‬
‫وحدثني الحارث‪ ،‬قال‪ :‬ثنا الحسن‪ ،‬قال‪ :‬ثنا ورقاء‪ ،‬جميعا عن ابن‬
‫سريًّا) قال‪ :‬نهر بالسريانية‪.‬‬ ‫أبي نجيح‪ ،‬عن مجاهد( َ ِ‬
‫حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬ثنا الحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثني حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪،‬‬
‫عن مجاهد‪ ،‬مثله‪ ،‬قال ابن جريج‪ :‬نهر إلى جنبها‪.‬‬
‫حدثنا محمد بن بشار‪ ،‬قال‪ :‬ثنا أبو داود‪ ،‬قال‪ :‬ثنا شعبة‪ ،‬عن‬
‫سرِيًّا ) قال‪:‬‬ ‫ك َ‬ ‫حت َ ِ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫ل َرب ُّ ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫قتادة‪ ،‬عن الحسن‪ ،‬في قوله( قَد ْ َ‬
‫كان سريا فقال حميد بن عبد الرحمن‪ :‬إن السريّ‪ :‬الجدول‪،‬‬
‫فقال‪ :‬غلبتنا عليك المراء‪.‬‬
‫حدثنا القاسم‪ ،‬قال‪ :‬ثنا الحسين‪ ،‬قال‪ :‬ثنا أبو بكر بن عياش‪ ،‬عن‬
‫سرِيًّا ) قال‪:‬‬ ‫ك َ‬ ‫حت َ ِ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫ل َرب ُّ ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫أبي حصين‪ ،‬عن سعيد بن جبير( قَد ْ َ‬
‫هو الجدول‪ ،‬النهر الصغير‪ ،‬وهو بالنبطية‪ :‬السريّ‪.‬‬
‫حدثني أبو حميد الحمصي‪ ،‬قال‪ :‬ثنا عثمان بن سعيد‪ ،‬قال‪ :‬ثنا‬
‫محمد بن مهاجر‪ ،‬عن ثابت بن عجلن قال‪ :‬سألت سعيد بن‬
‫جبير‪ ،‬عن السريّ‪ ،‬قال‪ :‬نهر‪.‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬ثنا هشيم‪ ،‬عن مغيرة‪ ،‬عن إبراهيم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫النهر الصغير‪.‬‬
‫حدثني يعقوب‪ ،‬قال‪ :‬ثنا هشيم‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا مغيرة‪ ،‬عن إبراهيم‪،‬‬
‫جعَ َ‬
‫ل‬ ‫أنه قال‪ :‬هو النهر الصغير‪ :‬يعني الجدول‪ ،‬يعني قوله( قَد ْ َ‬
‫سرِيًّا )‪.‬‬ ‫ك َ‬ ‫حت َ ِ‬‫ك تَ ْ‬‫َرب ُّ ِ‬
‫حدثنا ابن وكيع‪ ،‬قال‪ :‬ثنا أبي‪ ،‬عن سلمة بن نبيط‪ ،‬عن الضحاك‪،‬‬
‫قال‪ :‬جدول صغير بالسريانية‪.‬‬
‫حدثنا عن الحسين ‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبا معاذ‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عبيد بن‬
‫سرِيًّا )‬‫ك َ‬ ‫حت َ ِ‬‫سليمان‪ ،‬قال‪ :‬سمعت الضحاك يقول في قوله( ت َ ْ‬
‫الجدول الصغير من النهار‪.‬‬
‫جعَ َ‬
‫ل‬ ‫حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬ثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬ثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة( قَد ْ َ‬
‫سرِيًّا ) والسريّ‪ :‬هو الجدول‪ ،‬تسميه أهل الحجاز‪.‬‬ ‫ك َ‬ ‫حت َ ِ‬‫ك تَ ْ‬‫َرب ُّ ِ‬
‫حدثنا الحسن‪ ،‬قال‪ :‬ثنا عبد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا معمر ‪ ،‬في‬
‫سرِيًّا) قال‪ :‬هو جدول‪.‬‬ ‫قوله( َ‬
‫حدثنا ابن حميد‪ ،‬قال‪ :‬ثنا سلمة‪ ،‬عن ابن إسحاق‪ ،‬عمن ل يتهم‬
‫سرِيًّا ) يعني ربيع الماء‪.‬‬ ‫ك َ‬ ‫حت َ ِ‬‫ك تَ ْ‬‫ل َرب ُّ ِ‬‫جعَ َ‬ ‫وعن وهب بن منبه( قَد ْ َ‬
‫‪ -‬حدثنا موسى بن هارون‪ ،‬قال‪ :‬ثنا عمرو‪ ،‬قال‪ :‬ثنا أسباط‪ ،‬عن‬
‫سرِيًّا ) والسريّ‪ :‬هو النهر‪.‬‬ ‫ك َ‬ ‫ل َرب ُّ ِ‬
‫ك تَ ْ‬
‫حت َ ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫السدي( قَد ْ َ‬
‫وقال آخرون‪ :‬عنى به عيسى‪.‬‬

‫‪850‬‬
‫* ذكر من قال ذلك‪:‬‬
‫حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬ثنا يزيد‪ ،‬قال‪ :‬ثنا سعيد‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن الحسن(‬
‫سرِيًّا ) والسريّ‪ :‬عيسى نفسه‪.‬‬ ‫ك َ‬ ‫حت َ ِ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫ل َرب ُّ ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫قَد ْ َ‬
‫حدثني يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن زيد‪ ،‬في‬
‫سرِيًّا ) يعني نفسه‪ ،‬قال‪ :‬وأيّ شيء‬ ‫ك َ‬‫حت َ ِ‬
‫ك تَ ْ‬ ‫ل َرب ُّ ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫قوله( قَد ْ َ‬
‫أسرى منه‪ ،‬قال‪ :‬والذين يقولون‪ :‬السريّ‪ :‬هو النهر ليس كذلك‬
‫النهر‪ ،‬لو كان النهر لكان إنما يكون إلى جنبها‪ ،‬ول يكون النهر‬
‫تحتها‪.‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قيل من‬
‫قال‪ :‬عنى به الجدول‪ ،‬وذلك أنه أعلمها ما قد أتاها الله من الماء‬
‫ساقِ ْ‬
‫ط‬ ‫خلَةِ ت ُ َ‬‫جذِْع الن َّ ْ‬ ‫الذي جعله عندها‪ ،‬وقال لها( وَهُّزِي إِلَي ْ ِ‬
‫ك بِ ِ‬
‫شَربي) من هذا الماء(‬ ‫جنِيًّا فَكُلِي ) من هذا الرطب(وَا ْ‬ ‫ك ُرطَبًا َ‬ ‫ع َلَي ْ ِ‬
‫وَقَّرِي ع َيْنًا ) بولدك‪ ،‬والسريّ معروف من كلم العرب أنه النهر‬
‫الصغير; ومنه قول لبيد‪:‬‬
‫مها (‪)1‬‬ ‫متَجاوًِرا قُل ُ‬ ‫جوَرة ٌ ُ‬‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫صدَّعا‪َ ...‬‬
‫سريّ وَ َ‬ ‫ض ال َّ‬ ‫سطا عُْر َ‬ ‫فَتَوَ َّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيت للبيد بن ربيعة العامري ‪ ،‬من معلقته المشهورة‬
‫( انظره في شرح الزوزني على المعلقات السبع ‪ ،‬وفي شرح‬
‫التبريزي على القصائد العشر ‪ ،‬وفي جمهرة أشعار العرب ص ‪63‬‬
‫‪ . ) 74 -‬قال صاحب الجمهرة ‪ :‬توسطا ؛ ‪ :‬أي دخل وسطه ‪.‬‬
‫وعرض السري ‪ :‬أي ناحية النهر ‪ ،‬وأهل الحجاز ‪ .‬يسمون النهر‬
‫سريا ‪ .‬وصدعا ‪ :‬أي فرقا ‪ .‬ومسجورة ‪ :‬أي عينا مملوءة ؛ قال‬
‫الله تعالى ‪ ( :‬والبحر المسجور ) وأقلمها ‪ ،‬ويروى قلمها ‪ ،‬وهو‬
‫ضرب من الشجر الحمض ‪ ،‬والقلم ‪ :‬قصب اليراع ‪ .‬وقال‬
‫الزوزني يقول ‪ :‬فتو سط العير والتان جانب النهر الصغير ‪،‬‬
‫وشقا عينا مملوءة ماء ‪ ،‬قد تجاوز قلمها ‪ ،‬أي قد كثر هذا الضرب‬
‫من النبت عليها ‪ .‬وتحرير المعنى ‪ :‬أنهما قد ورد عينا ممتلئة ماء ‪،‬‬
‫فدخل فيها من عرض نهرها ‪ ،‬وقد تجاور نبتها ‪ .‬والشاهد في قوله‬
‫" السري " وهو اسم للنهر الصغير ‪.‬‬
‫تفسير الرازي ‪( -‬ج ‪ / 10‬ص ‪)294‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬اتفق المفسرون إل الحسن وعبد الرحمن بن‬
‫زيد أن السري هو النهر والجدول سمي بذلك لن الماء يسري‬
‫فيه وأما الحسن وابن زيد فجعل السري عيسى والسري هو‬
‫النبيل الجليل يقال فلن من سروات قومه أي من أشرافهم‬
‫وروي أن الحسن رجع عنه وروي عن قتادة وغيره أن الحسن تل‬
‫ل‬‫جعَ َ‬‫هذه الية وبجنبه حميد بن عبد الرحمن الحميري ‪ { :‬قَد ْ َ‬
‫سرِيّا ً } فقال ‪ :‬إن كان لسريا ً وإن كان لكريما ً ‪ ،‬فقال‬ ‫ك َ‬ ‫حت َ ِ‬
‫ك تَ ْ‬ ‫َرب ُّ ِ‬

‫‪851‬‬
‫له حميد ‪ :‬يا أبا سعيد إنما هو الجدول فقال له الحسن من ثم‬
‫تعجبنا مجالستك ‪ ،‬واحتج من حمله على النهر بوجهين ‪ :‬أحدهما ‪:‬‬
‫أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن السري فقال ‪ :‬هو‬
‫الجدول ‪ .‬والثاني ‪ :‬أن قوله ‪ { :‬فَكُلِي واشربي } يدل على أنه‬
‫نهر حتى ينضاف الماء إلى الرطب فتأكل وتشرب واحتج من‬
‫حمله ( على ) عيسى بوجهين ‪ :‬الول ‪ :‬أن النهر ل يكون تحتها بل‬
‫إلى جانبها ول يجوز أن يجاب عنه بأن المراد منه أنه جعل النهر‬
‫تحت أمرها يجري بأمرها ويقف بأمرها كما في قوله ‪ { :‬وهذه‬
‫حتِي } [ الزخرف ‪ ] 51 :‬لن هذا حمل للفظ‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫جرِى ِ‬ ‫النهار ت َ ْ‬
‫على مجازه ولو حملناه على عيسى عليه السلم لم يحتج إلى‬
‫جعَلْنَا ابن‬
‫هذا المجاز ‪ .‬الثاني ‪ :‬أنه موافق لقوله تعالى ‪ { :‬وَ َ‬
‫ن}‬ ‫معِي ٍ‬‫ت قََرارٍ وَ َ‬
‫ة وءاويناهما إلى َربْوَةٍ ذ َا ِ‬ ‫ه ءاي َ ً‬‫م ُ‬‫م وَأ ُ َّ‬‫مْري َ َ‬
‫َ‬
‫[ المؤمنون ‪ ] 50 :‬والجواب عنه ما تقدم أن المكان المستوي إذا‬
‫كان فيه مبدأ معين فكل من كان أقرب منه كان فوق وكل من‬
‫كان أبعد منه كان من تحت فرعان ‪ :‬الول ‪ :‬إن حملنا السري‬
‫على النهر ففيه وجهان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬أن جبريل عليه السلم ضرب‬
‫برجله فظهر ماء عذب ‪ .‬والثاني ‪ :‬أنه كان هناك ماء جار ‪ .‬والول‬
‫سرِيّا ً } مشعر بالحدوث‬ ‫ك َ‬ ‫حت َ ِ‬
‫ك تَ ْ‬‫ل َرب ُّ ِ‬ ‫جعَ َ‬‫‪ :‬أقرب لن قوله ‪ { :‬قَد ْ َ‬
‫في ذلك الوقت ولن الله تعالى ذكره تعظيما ً لشأنها وذلك ل‬
‫يثبت إل على الوجه الذي قلناه ‪ .‬الثاني ‪ :‬اختلفوا في أن السري‬
‫هو النهر مطلقا ً وهو قول أبي عبيدة والفراء أو النهر الصغير على‬
‫ما هو قول الخفش ‪.‬‬
‫أضواء البيان ‪( -‬ج ‪ / 3‬ص ‪)456‬‬
‫واختلف العلماء في المراد بالسري هنا ‪ .‬فقال بعض العلماء ‪ :‬هو‬
‫الجدول وهو النهر الصغير ‪ .‬لن اله اجرى لها تحتها نهرا ً ‪ .‬وعله‬
‫فقوله تعالى ‪ { :‬فكلي } أي من الرطب المذكور في قوله‬
‫جنِيّا ً } [ مريم ‪ ] 25 :‬أي من النهر المذكور‬ ‫ك ُرطَبا ً َ‬ ‫ط ع َلَي ْ ِ‬‫ساقِ ْ‬ ‫{ تُ َ‬
‫سريّا ً } وإطلق السري على‬ ‫ك َ ِ‬ ‫حت َ ِ‬ ‫ل َرب ُّ ِ‬
‫ك تَ ْ‬ ‫جعَ َ‬ ‫في قوله { قَد ْ َ‬
‫الجدول مشهور في كلم العرب ‪ .‬ومنه قول لبيد في معلقته ‪:‬‬
‫فتوسطا عرض السري وصدعا ‪ ...‬مسجورة متجاورا ً قلمها‬
‫وقول لبيد أيضا ً يصف نخل ً نابتا ً على ماء النهر ‪:‬‬
‫سحق يمتعها الصفا وسريه ‪ ...‬عم نواعم بينهم كروم‬
‫وقول الخر ‪:‬‬
‫سهل الخليفة ماجد ذو نائل ‪ ...‬مثل السري تمده النهار‬
‫فقوله « سريه » ‪ .‬وقولهما « السري » بمعنى الجدول ‪ .‬وكذلك‬
‫قول الراجز ‪:‬‬
‫سلم ترى الدالي منه أزورا ‪ ...‬إذا يعب في السري هرهرا‬

‫‪852‬‬
‫وقال بعض أهل العلم ‪ :‬السري هو عيسى ‪ .‬والسري هوا لرجل‬
‫الذي له شرف مروءة ‪ .‬يقال في فعله سرو بالضم ‪ .‬وسرا ‪-‬‬
‫بالفتح ‪ -‬يسرو سروا فيهما ‪ .‬وسري ‪ -‬بالكسر ‪ -‬يسري سري‬
‫وسراء وسروا إذا شرف ‪ .‬ويجمع السري هذا على أسرياء على‬
‫القياس ‪ ،‬وسرواء وسراة بالفتح ‪ .‬وعن سيبويه إن السراة ‪-‬‬
‫بالفتح ‪ -‬اسم جمع ل جمع ‪ .‬ومنه قول الفوه الودي ‪:‬‬
‫ل يصلح الناس فوضى ل سراة لهم ‪ ...‬ول سراة إذا جهالهم‬
‫سادوا‬
‫ويجمع السراة على سروات ‪ .‬ومنه قول قيس بن الحطين ‪:‬‬
‫وعمرة من سروات النساء ‪ ...‬تنفح بالمسك أردانها‬
‫ومن إطلق السري بمعنى الشريف قول الشاعر ‪:‬‬
‫تلقى الشري من الرجال بنفسه ‪ ...‬وابن الشري إذا سرى‬
‫أسراهما‬
‫وقوله « أسراهما » اي أشرفهما ‪ .‬قاله في اللسان ‪.‬‬
‫قال مقيده عفا الله عنه وغفر له ‪ :‬أظهر القولين عندي أن‬
‫السري في الية النهر الصغير ‪ ،‬والدليل على ذلك أمران ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ -‬القرينة من القرآن ‪ ،‬فقوله تعالى ‪ { :‬فَكُلِي واشربي }‬
‫[ مريم ‪ ] 26 :‬قرينة على أن ذلك المأكول والمشروب هو ما‬
‫سرِيّا ً } ‪،‬‬
‫ك َ‬ ‫حت َ ِ‬
‫ك تَ ْ‬‫ل َرب ُّ ِ‬ ‫تقدم المتنان به في قوله ‪ { :‬قَد ْ َ‬
‫جعَ َ‬
‫جنِيّا ً } [ مريم ‪ ، ] 25 :‬وكذلك قوله‬ ‫ك ُرطَبا ً َ‬ ‫ط ع َلَي ْ ِ‬ ‫ساقِ ْ‬ ‫وقوله ‪ { :‬ت ُ َ‬
‫ن } [ المؤمنون ‪:‬‬ ‫معِي ٍ‬‫ت قََرارٍ وَ َ‬‫ة ذ َا ِ‬‫مآ إلى َربْوَ ٍ‬ ‫تعالى ‪ { :‬وَآوَيْنَاهُ َ‬
‫‪ ] 50‬لن المعين ‪ :‬الماء الجاري ‪ .‬والظاهر أن الجدول المعبر عنه‬
‫بالسري في هذه الية ‪ .‬والله تعالى أعلم ‪.‬‬
‫المر الثاني ‪ -‬حيديث جاء بذلك عن النَّبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الية ‪ :‬وقد جاء بذلك‬
‫حديث مرفوع ‪ ،‬قال الطبراني ‪ :‬حدثنا أبو شعيب الحراني ‪ ،‬حدثنا‬
‫يحيى بن عبد الله البابلي ‪ ،‬حدثنا أيوب بن نهيك ‪ ،‬سمعت عكرمة‬
‫مولى ابن عابس ‪ ،‬سمعت ابن عمر يقول ‪ :‬سمعت رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يقول ‪ « :‬إن السري الذي قال الله لمريم‬
‫سرِيّا ً } ‪ ،‬نهر أخرجه الله لها لتشرب منه‬ ‫ك َ‬ ‫حت َ ِ‬ ‫ك تَ ْ‬‫ل َرب ُّ ِ‬‫جعَ َ‬‫‪ { :‬قَد ْ َ‬
‫» وهذا حديث غريب جدا ً من هذا الوجه ‪ .‬وأيوب بن نهيك هذا هو‬
‫الحبلى ‪ ،‬قال فيه أبو حاتم الرزاي ‪ :‬ضعيف ‪ .‬وقال أبو زرعة ‪:‬‬
‫منكر الحديث ‪ .‬وقال أبو الفتح الزدي ‪ :‬متروك الحديث ‪ -‬انتهى‬
‫كلم ابن كثير ‪ .‬وقال ابن حجر رحمه الله في « الكافي الشاف ‪،‬‬
‫في تخريج أحاديث الكشاف » في الحديث المذكور ‪ :‬أخرجه‬
‫الطبراني في الصغير ‪ ،‬وابن عدي من رواية أبي سنان سعيد بن‬
‫سنان ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن البراء عن النَّبي صلى الله عليه‬

‫‪853‬‬
‫سرِيّا ً } قال ‪« :‬‬ ‫ك َ‬ ‫حت َ ِ‬
‫ك تَ ْ‬‫ل َرب ُّ ِ‬ ‫ويلم في قوله تعالى ‪ { :‬قَد ْ َ‬
‫جعَ َ‬
‫السري النهر » قال الطبراني ‪ :‬لم يرفعه عن أبي إسحاق إل أبو‬
‫سنان ‪ ،‬رواه عنه يحيى بن معاوية وهم ضعيف ‪ .‬وأخرجه عبد‬
‫الرزاق ‪ ،‬عن الثوري ‪ ،‬عن أبي إسحاق عن البراء موقوفا ً ‪ .‬وكذا‬
‫ذكره البخاري تعليقا ً عن وكيع ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪.‬‬
‫ورواه ابن مروديه من طريق آدم ‪ ،‬عن إسرائيل كذلك وأخرجه‬
‫الحاكم من وجه آخر عن أبي إسحاق موقوفا ً ‪ .‬وفي الباب عن‬
‫ابن عمر رضي الله عنهما قال ‪ « :‬إن السري الذي قاله لمريم‬
‫أخرجه الله لتشرب منه » ‪ .‬أخرجه الطبراني وأبو نعيم في‬
‫الحلية في ترجمة عكرمة عن ابن عمر ‪ ،‬وروايه عن عكرمة أيوب‬
‫بن نهيك ضعفه أبو حاتم وأبو زرعة ‪ -‬انتهى ‪.‬‬
‫فهذا الحديث المرفوع إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت‬
‫طرقه ل يخلو شيء منها من ضعف ‪ -‬اقرب إلى الصواب من‬
‫دعوى أن السري عيسى بغير دليل يجب الرجوع إليه ‪ .‬وممن‬
‫اختار أن السري المذكور في الية النهر‪ : -‬ابن جرير في تفسيره‬
‫‪ ،‬وبه قال البراء بن عازب ‪ ،‬وعلي بن ابي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫‪ .‬وعمر بن ميمون ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والضحاكن‬
‫وإبراهيم النخعي ‪ ،‬وقتادةن ولسدي ‪ ،‬ووهب بن منبه وغيرهم ‪.‬‬
‫وممن قال إنه عيسى ‪ :‬الحسن ‪ ،‬والربيع بن انس ‪ ،‬ومحمد بن‬
‫عباد بن جعفر ‪ .‬وهو إحدى الروايتين عن قتادة ‪ .‬وقول عبد‬
‫الرحمن بن زيد بن أسلم قاله ابن كثير وغيره ‪.‬‬
‫الوسيط لسيد طنطاوي ‪( -‬ج ‪ / 1‬ص ‪)2775‬‬
‫ويبدو لنا أن ما ذهب إليه ابن جرير من كون الذى نادى مريم هو‬
‫ابنها عيسى ‪ ،‬أقرب إلى الصواب ‪ ،‬لن هذا النداء منه لها فى تلك‬
‫الساعة ‪ ،‬فيه ما فيه من إدخال الطمأنينة والسكينة على قلبها ‪.‬‬
‫أى ‪ :‬فناداها ابنها عيسى الذى كان أسفل منها عندما وضعته ‪.‬‬
‫مطمئنا ً إياها بعد أن قالت ‪ :‬يا ليتنى مت قبل هذا الذى حدث لى‬
‫َ َ‬
‫ك‬‫حت َ ِ‬ ‫ل َرب ُّ ِ‬
‫ك تَ ْ‬ ‫حَزنِي } يا أماه { قَد ْ َ‬
‫جعَ َ‬ ‫‪ . . .‬ناداها بقوله ‪ { :‬أل ّ ت َ ْ‬
‫سرِيّا ً } أى جدول ً صغيرا ً من الماء ‪ ،‬لتأخذى منه ما أنت فى‬ ‫َ‬
‫حاجة إليه ‪ ،‬وسمى النهر الصغير من الماء سريا ‪ ،‬لن الماء‬
‫يسرى فيه ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد بالسرى ‪ :‬عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬مأخوذ من‬
‫سْرو بمعنى الرفعة والشرف ‪.‬‬ ‫ال َّ‬
‫سرِىّ ‪ ،‬إذا عل‬ ‫سُروَ الرجل يسرو ‪ -‬كشرف يشرف ‪ -‬فهو َ‬ ‫يقال ‪َ :‬‬
‫قدره وعظم أمره ومنه قول الشاعر ‪:‬‬
‫ل يصلح الناس فوضى ل سراة لهم ‪ ...‬ول سراة إل جهالهم‬
‫سادوا‬

‫‪854‬‬
‫أى ‪ :‬قد جعل ربك تحتك يا مريم إنسانا رفيع القدر ‪ ،‬وهو ابنك‬
‫عيسى ‪ ،‬والجلمة الكريمة تعليل لنتفاء الحزن المفهوم من النهى‬
‫َ َ‬
‫حَزنِي } قال بعض العلماء ما ملخصه ‪ " :‬وأظهر‬ ‫بقوله ‪ { :‬أل ّ ت َ ْ‬
‫القولين عندى أن السرى فى الية النهر الصغير لمرين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬القرينة من القرآن ‪ ،‬لن قوله بعد ذلك { فَكُلِي‬
‫واشربي } قرينة على أن ذلك المأكول والمشروب هو ما تقدم‬
‫سرِيّا ً } ‪.‬‬
‫ك َ‬
‫حت َ ِ‬ ‫ل َرب ُّ ِ‬
‫ك تَ ْ‬ ‫المتنان به فى قوله ‪ { :‬قَد ْ َ‬
‫جعَ َ‬
‫الثانى ‪ :‬ما جاء عن ابن عمر من أنه سمع النبى ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬يقول ‪ " :‬إن السرى الذى قال الله لمريم ‪ { :‬قَد ْ َ‬
‫جعَ َ‬
‫ل‬
‫سرِيّا ً } نهر أخرجه الله لها لتشرب منه " ‪.‬‬ ‫ك َ‬‫حت َ ِ‬ ‫َرب ُّ ِ‬
‫ك تَ ْ‬
‫فهذا الحديث ‪ -‬وإن كانت طرقه ل يخلو شىء منها من ضعف ‪-‬‬
‫أقرب إلى الصواب من دعوى أن السرى عيسى بغير دليل يجب‬
‫الرجوع إليه " ‪.‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪ -138‬لم تنزل مائدة من السماء‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إن فى سورة المائدة‪ :‬أن الحواريين قد طلبوا مائدة من السماء‪.‬‬


‫وأن الله قال (إنى منزلها عليكم (ول يقول النجيل‪ :‬إن تلميذ‬
‫المسيح طلبوا منه آية من السماء ‪ ،‬ول يقول‪ :‬إن مائدة نزلت‬
‫من السماء‪.‬‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫إن المعترض غير دارس للنجيل وغير دارس للتوراة‪ .‬وذلك لن‬
‫فى إنجيل يوحنا أن الحواريين طلبوا آية من السماء " فقالوا له‪:‬‬
‫ن‬
‫فأية آية تصنع ؛ لنرى ونؤمن بك ؟ ماذا تعمل ؟ آباؤنا أكلوا الم ّ‬
‫فى البرية‪.‬‬
‫كما هو مكتوب‪ :‬أنه " أعطاهم خبزا ً من السماء ليأكلوا " [يو ‪:6‬‬
‫‪30‬ـ ‪.]31‬‬
‫إنهم طلبوا مائدة من السماء ؛ لنهم قالوا‪ " :‬آباؤنا أكلوا المن‬
‫فى البرية " بعد قولهم " فأية آية تصنع لنرى ونؤمن بك ؟ "‬
‫واستدلوا على أكل آبائهم للمن بقولهم مكتوب فى التوراة أنه‬
‫أعطاهم خبزا ً من السماء ليأكلوا‪ .‬وهذا يدل على أن آباءهم أكلوا‬
‫المن والسلوى فى سيناء‪ .‬والنص هو‪ " :‬وأمطر عليهم منّا للكل‬
‫وبّر السماء أعطاهم " [مزمور ‪.]24 :78‬‬
‫فهل نزل المن من السماء ؟ وقد سماه داود ـ عليه السلم ـ‬
‫مائدة فى قوله عنهم‪ " :‬قالو‪ :‬هل يقدر الله أن يرتب مائدة فى‬

‫‪855‬‬
‫البرية ؟ " [مز ‪ ]19 :78‬فمعنى نزوله من السماء‪ :‬أنه من جهة الله‬
‫ل من جهة إله آخر‪ .‬ونص إنجيل يوحنا يبين أنهم طلبوا مائدة من‬
‫السماء‪ .‬ذلك قوله‪ " :‬أنه أعطاهم خبزا ً من السماء ليأكلوا " فإذا‬
‫بارك الله فى طعام من الرض ليشبع خلقا ً كثيرا ً ؛ فإنه يكون‬
‫مائدة من السماء‪ .‬كالمن النازل من السماء‪ .‬وهو لم ينزل من‬
‫السماء وإنما كان على ورق الشجر ‪ ،‬وكالسلوى‪.‬‬
‫ومن أعجب العجب‪ :‬أن مؤلف النجيل قال كلما ً عن المسيح فى‬
‫شأن محمد رسول الله ل يختلف اثنان فى دللته عليه صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ .‬وقد استدل المسيح فيه عليه صلى الله عليه وسلم‬
‫بنص فى الصحاح الرابع والخمسين من سفر إشعياء‪.‬‬
‫ل قصة القرآن عن نزول مائدة من السماء‬ ‫ويقول المعترض‪ :‬ولع ّ‬
‫نشأت عن عدم فهم بعض آيات النجيل الواردة فى متى ‪26‬‬
‫ومرقس ‪ 24‬ولوقا ‪ 22‬ويوحنا ‪ .13‬وغرضه من قوله هذا أن ل يعرف‬
‫المسلمون موضع المائدة من الناجيل لنها بصدد كلم من‬
‫المسيح فى شأن محمد رسول الله ‪ ،‬وموضعها الصحاح‬
‫السادس من إنجيل يوحنا‪.‬‬
‫‪------------------------‬‬
‫‪ -139‬قصة ذى الكفـل‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫يقول المعترض‪ :‬إنه جاء فى القرآن ذكر نبى اسمه (ذا الكفل)‬
‫وليس فى التوراة مسمى بهذا السم‪ .‬وذكر من كلم البيضاوى‬
‫كلما ً فى شأنه ‪ ،‬وذكر أيضا ً كلما ً لغيره‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫هو أنه جاء فى كتاب " نزهة المشتاق " ومؤلفه يهودى يحكى فيه‬
‫تاريخ يهود العراق‪ :‬أن (ذا الكفل) الذى ورد اسمه فى القرآن هو‬
‫نبى الله حزقيال‪ .‬وكان معاصرا ً لسبى اليهود فى بابل‪.‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫‪ -140‬أصحـاب الـرس‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫جاء فى سورة الفرقان (وأصحاب الرس) ثم ذكر كلم البيضاوى‬
‫المفسر ‪ ،‬ووجه الشكال عليه‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن كلم المفسر ليس بحجة ‪ ،‬ويوجد فى أرض العرب مدينة‬
‫مى مدينة " الرس " وهذا يدل على ذكر اسم قديم فى بلد‬ ‫تس ّ‬
‫العرب‪ .‬ربما يكون من اسم الوائل‪.‬‬
‫‪------------------‬‬
‫‪ -141‬حتى لقمان نبـى‬

‫‪856‬‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫إنه جاء فى القرآن (ولقد آتينا لقمان الحكمة‪ .)1( ) ..‬ونقل عن‬
‫البيضاوى المفسر أنه كان معاصرا ً لداود ـ عليه السلم ـ وحرف‬
‫المؤلف قول البيضاوى وهو أنه من أولد آزر ابن أخت أيوب إل‬
‫أن لقمان كان معاصرا ً ليوب‪ .‬ووجه نقده على هذا بقوله كيف‬
‫يكون معاصرا ً ليوب وداود ‪ ،‬وبين أيوب وداود ما يقرب من ‪900‬‬
‫سنة ؟ والبيضاوى ل يقصد معاصرته وإنما يقصد نسبه‪ .‬ولم يقل‬
‫البيضاوى إن لقمان كان نبيًّا ولم يقل القرآن وإنما قال (ولقد‬
‫آتينا لقمان الحكمة (ولكن المؤلف وجه الشكال على النبوة‬
‫فقال‪ :‬فكيف يكون لقمان نبيًّا ؟‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إنه قال كيف يكون لقمان نبيا ً ؟ وليس فى القرآن أنه كان نبيًّا‬
‫وإنما كان حكيماً‪ .‬واسمه " لوكيوس " فى اليونانى و " لقمان "‬
‫فى العبرانية‪ .‬وفى سفر أعمال الرسل‪ " :‬وكان فى أنطاكية فى‬
‫الكنيسة هناك أنبياء ومعلمون برنابا وسمعان الذى يدعى نيجر‬
‫ولوكيوس القيروانى ومناين‪[ " ..‬أع ‪ ]1 :13‬وفى سفر الرسالة إلى‬
‫أهل روما‪ :‬أنه كان معاصرا ً لبولس ‪ ،‬وصديقا له‪ " :‬يسلم عليكم‬
‫تيموثاوس العامل معى ‪ ،‬ولوكيوس وياسون‪[ " ..‬رو ‪.]21 :16‬‬
‫واللغة اليونانية تضيف حرف السين فى آخر السم مثل‬
‫يوسيفوس ـ هيرودس ـ أغسطس قيصر‪ .‬بير كلينوس وهو اسم‬
‫أحمد رسول الله فى إنجيل يوحنا‪ .‬وفى العبرانية " يونان "‬
‫باللف والنون‪ .‬وفى اليونانية " يونس "‪.‬‬
‫(‪ )1‬لقمان‪.12 :‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪ -142‬الكعبة مقام إبراهيـم‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫إنه جاء فى القرآن أن الكعبة أول بيت وضع للناس‪ .‬وأنها كانت‬
‫مقام إبراهيم ‪ ،‬ومعلوم أن الكعبة من بناء الوثنيين كما جاء فى‬
‫الكتب التاريخية‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫أولً‪ :‬إن الكعبة ليست من بناء الوثنيين كما جاء فى الكتب‬
‫التاريخية التى ل يشك أحد فى أن لليهود دخل فيها‪ .‬وإنما هى من‬
‫بناء نوح ـ عليه السلم ـ فإنه لما خرج من السفينة ‪ ،‬ونجا من‬
‫الغرق هو ومن آمن معه‪ .‬بنى " مذبحا ً " لذبح الحيوانات عنده‬
‫قربانا ً لله تعالى‪ .‬ففى التوراة‪ " :‬وبنى نوح مذبحا ً للرب‪ .‬وأخذ‬
‫من كل البهائم الطاهرة ‪ ،‬ومن كل الطيور الطاهرة ‪ ،‬وأصعد‬

‫‪857‬‬
‫محرقات على المذبح " [تك ‪ ]20 :8‬وهذا المذبح كان فى أرض‬
‫جودِىّ‪.‬‬
‫مكة المكرمة المدينة التى استقر الفلك فيها على ال ُ‬
‫والدليل على ذلك قول التوراة‪ :‬إن الناس من بعد نوح ارتحلوا‬
‫شرقا ً إلى أرض شنعار التى هى أرض العراق‪.‬‬
‫فارتحالهم إلى الشرق إلى العراق يدل على أن السفينة كانت‬
‫فى بلد العرب‪ .‬ذلك قوله‪ " :‬وكانت الرض كلها لسانا ً واحدا ً ولغة‬
‫واحدة‪ .‬وحدث فى ارتحالهم شرقا ً أنهم وجدوا بقعة فى أرض‬
‫شنعار ‪ ،‬وسكنوا هناك " [تك ‪1 :11‬ـ ‪.]2‬‬
‫وليس فى القرآن نصوص صريحة على أن العرب قد عبدوا‬
‫الصنام حتى يقال‪ :‬إن الكعبة كانت لصنم ُرحل‪ .‬وفى التوراة‬
‫نصوص صريحة على أن اليهود وأدوا نبيهم وبناتهم فى النار‬
‫للعرافة والسحر وأنهم عبدوا الصنام‪ .‬بل وفى القرآن نصوص‬
‫صريحة على أن اليهود عبدوا صنم البعل فى أيام إلياس ـ عليه‬
‫السلم ـ ففى الزمور المائة والسادس‪ " :‬وأهرقوا دما ً زكيًّا‪ .‬دم‬
‫نبيهم وبناتهم الذين ذبحوا لصنام كنعان وتدنست الرض بالدماء‬
‫" [مز ‪ .]38 :106‬وفى الصحاح الخامس والستين من سفر‬
‫إشعياء‪ " :‬أما أنتم الذين تركوا الرب ونسوا جبل قدسى ‪ ،‬ورتبوا‬
‫للسعد الكبر مائدة ‪ ،‬وملوا للسعد الصغر خمرا ً ممزوجة‪..‬‬
‫" [إش ‪.]11 :65‬‬
‫فى ترجمة الكتاب المقدس فى الشرق الوسط سنة ‪1995‬م تحت‬
‫كلمة السعد الكبر‪ :‬لجاد وهو المشترى ‪ ،‬وتحت كلمة السعد‬
‫منَى وهو الزهرة‪.‬‬‫الصغر‪ :‬ل َ‬
‫وفى ترجمة ‪1995‬م بلبنان‪ " :‬ونسيتم جبلى المقدس‪ .‬وهيأتم مائدة‬
‫للله جاد ‪ ،‬ومزجتم الخمر لللهة مناة " والتعليق عندهم هكذا‪:‬‬
‫جاد ومناة إلهان عند الكنعانيين‪.‬‬
‫هذا مما فى التوراة عن عبادة اليهود للصنام ومما فيها‪ " :‬بعدد‬
‫مدنك صارت آلهتك يا يهوذا ‪ ،‬وبعدد شوارع أورشليم وضعتم‬
‫مذابح للخزى ومذابح للتبخير للبعل " [إرمياء ‪.]13 :11‬‬
‫ويمكن الفهم من آيات فى القرآن أن العرب بنى إسماعيل ـ‬
‫عليه السلم ـ لم يعبدوا الصنام قط‪ .‬فإبراهيم ـ عليه السلم ـ‬
‫وهو يبنى الكعبة ولم يكن له من ولد غير إسماعيل ‪ ،‬يطلب من‬
‫الله طلبين فى ذريته‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬أن يجنبهم عبادة الصنام ‪ ،‬وثانيهما‪ :‬أن يبعث فيهم نبيًّا‬
‫منهم‪.‬‬
‫وإذ شهد الواقع بتحقيق الطلب الثانى فإن محمدا ً قد أرسل ؛‬
‫يكون الطلب الول قد تحقق أيضاً‪.‬‬

‫‪858‬‬
‫وفى القرآن أن الله قد عاهد إبراهيم وإسماعيل بتطهير الكعبة‬
‫من الصنام ولم يذكر أنهم نقضوا العهد‪.‬‬
‫كما ذكر أن اليهود نقضوا فى قوله (فبما نقضهم ميثاقهم‪.)1( ) ..‬‬
‫وأما قوله تعالى‪( :‬أفرأيتم اللت والعزى ومناة‪ )2( ) ..‬فإن فى‬
‫التوراة أن اليهود عبدوا صنم مناة‪.‬‬
‫والضمير فى (أفرأيتم) يحتمل أنه للعرب ويحتمل أنه لليهود‪.‬‬
‫واحتمال عوده إلى اليهود أقوى لوجود شواهد فى التوراة عليه‪.‬‬
‫ول يقدر عاقل على اتهام بدليل محتمل‪.‬‬
‫سئلت بأى ذنب قتلت ) (‪ )3‬ففى‬ ‫وأما قوله تعالى‪( :‬وإذا الموءودة ُ‬
‫التوراة أن اليهود وأدوا نبيهم وبناتهم‪.‬‬
‫وليس فى القرآن من نص صريح على نسبة الوأد إلى العرب‪.‬‬
‫(‪ )1‬النساء‪ ، 155 :‬المائدة‪.13 :‬‬
‫(‪ )2‬النجم‪19 :‬ـ ‪.20‬‬
‫(‪ )3‬التكوير‪8 :‬ـ ‪.9‬‬
‫‪-----------------------‬‬
‫‪ -143‬فرعون بنى برج بابل بمصر‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫إن فى القرآن أن فرعون طلب من هامان أن يبنى له برجاً‪ .‬وهذا‬
‫خطأ لن البرج من بناء الناس فى " بابل " من بعد نوح‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن فرعون طلب من وزيره الملقب بهامان أن يوقد له على‬
‫حا‪ .‬ولم يرد فى القرآن أنه أوقد له على‬ ‫الطين ليجعل له صر ً‬
‫حا‪ .‬ولو أنه أوقد وجعل فما هو الدليل على‬ ‫الطين وجعل له صر ً‬
‫أن صرح مصر هو برج بابل ؟ ومن المحتمل أنه أراد ببناء‬
‫الصرح ؛ التهكم على موسى‪.‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫‪ -144‬شاول الملك أو جدعون القاضى‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫جاء فى سورة البقرة‪( :‬وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم‬
‫طالوت ملكاً‪( ..‬إلخ (‪.)1‬‬
‫وهذه القصة هى قصة طالوت وداود لما فتحا فلسطين‪.‬‬
‫ووجه الشكال أنه قال فيها‪ :‬إن الله امتحن جيش طالوت‬
‫بالشرب من النهر‪ .‬والمتحان لم يكن لجيش طالوت وإنما كان‬
‫لجيش جدعون وهو يحارب أهل مدين [قضاة ‪1 :7‬ـ ‪.]8‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن سفر القضاة سفر تاريخى ‪ ،‬وسفر صموئيل الول الذى أورد‬
‫قصة طالوت وداود سفر تاريخى‪ .‬فأى مانع يمنع من خطأ المؤرخ‬

‫‪859‬‬
‫فى نقل جزء من قصة إلى قصة أخرى مشابهة لها‪ .‬خاصة وأنه‬
‫ليس معصوما ً كالنبيين والمرسلين الحقيقيين ؟ ولهذا أمثلة كثيرة‬
‫منها أن هذا النص مذكور مرتين‪ :‬مرة فى سفر الخروج ‪ ،‬ومرة‬
‫فى سفر التثنية من التوراة السامرية‪ .‬ومذكور مرة واحدة فى‬
‫سفر التثنية من التوراة العبرانية واليونانية‪ .‬وهو‪ " :‬نبيًّا أقمت لهم‬
‫من حملة إخوتهم مثلك وجعلت خطابى بغيه ؛ فيخاطبهم بكل ما‬
‫أوصيه به‪.‬‬
‫ويكون الرجل الذى ل يسمع من خطابه الذى يخاطب باسمى ؛‬
‫أنا أطالبه‪ .‬والمتنبئ الذى يتقح على الخطاب باسمى ما لم أوصه‬
‫من الخطاب ‪ ،‬ومن يخاطب باسم آلهة أخرى ؛ فليقتل ذلك‬
‫المتنبئ‪ .‬وإذ تقول فى سرك‪ :‬كيف يتبين المر الذى لم يخاطبه‬
‫الله ؟ ما يقوله المتنبئ باسم اللهو ل يكون ذلك المر ول يأتى ؛‬
‫هو المر الذى لم يقله الله‪ .‬باتّقاح قاله المتنبئ‪ .‬ل تخف منه "‪.‬‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.247 :‬‬
‫‪------------------‬‬
‫‪ -145‬يتكلم فى المهـد‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫إنه قد جاء فى القرآن أن المسيح قد تكلم فى المهد‪ .‬وليس فى‬
‫الناجيل ما يدل على كلمه فى المهد‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن مريم لم تكن مخطوبة ول متزوجة‪ .‬وقد أحصنت فرجها‪ .‬أى‬
‫منعت نفسها عن الزواج طيلة حياتها وسلكت فى سلك الرهبنة‪.‬‬
‫ثم إنها ابنة كاهن من نسل هارون ـ عليه السلم ـ وابنة الكاهن‬
‫إذا زنت فإنها تحرق بالنار‪ .‬لما جاء فى سفر الخبار‪ " :‬وإذا‬
‫تدنست ابنة كاهن بالزنا ؛ فقد دنست أباها ‪ ،‬بالنار تحرق " [ل ‪:21‬‬
‫‪ .]9‬ومريم قد أتت بولد وهى غير متزوجة‪ .‬وهذا هو دليل التهام‬
‫فلماذا لم تحرق ؟ إن عدم حرقها يدل على أن ابنها تكلم فى‬
‫المهد‪ .‬ومع ذلك فقد جاء فى بعض الناجيل المرفوضة أنه تكلم‬
‫فى المهد‪ .‬ومن ذلك‪ " :‬وبينما كانوا نياما ً ؛ حذرهم الطفل من‬
‫الذهاب إلى هيرودس " [بر ‪.]10 :7‬‬
‫‪-----------------------‬‬
‫‪ -146‬يصنع من الطين طيراً‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫إن القرآن يصرح بأن المسيح خلق من الطين كهيئة الطير ‪،‬‬
‫وليس فى الناجيل المعتمدة هذه المعجزة‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬

‫‪860‬‬
‫إن هذه المعجزة وردت فى إنجيل توما‪ .‬فإنه قد صنع من الطين‬
‫هيئة اثنى عشر عصفورا ً ‪ ،‬وأمرهم أن يطيروا ؛ فطاروا والناس‬
‫ينظرون إليهم‪.‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫صلـب‬ ‫‪ -147‬إنكـار ال َّ‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫إن القرآن ينكر صلب المسيح‪ .‬والتاريخ يثبته‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن العلّة المترتبة على صلب المسيح هى غفران خطايا من يؤمن‬
‫به ربًّا مصلوبا ً والغفران لكل من كان فى المدة من آدم إلى‬
‫المسيح إذا قدّر أنهم لو كانوا له مشاهدين ‪ ،‬لكانوا به مؤمنين‪.‬‬
‫فهل هذه العلة صحيحة ؟ بالتأكيد ليست بصحيحة‪ .‬وذلك لن آدم‬
‫لما أخطأ هدته الحكمة أن يعترف بخطئه وأن يتوب‪ .‬فتاب الله‬
‫عليه‪ .‬وإذ هو قد تاب ‪ ،‬فأى فائدة من سريان خطيئة آدم فى بنيه‬
‫؟ ففى سفر الحكمة‪ " :‬والحكمة هى التى حمت النسان الول‬
‫أب العالم الذى خلق وحده لما سقط فى الخطيئة ؛ رفعته من‬
‫سقوطه ‪ ،‬ومنحته سلطة على كل شىء" [حك ‪1 :10‬ـ ‪.]2‬‬
‫وفى التوراة‪ :‬أن نجاة المرء من غضب الله يكون بالعمل الصالح‬
‫حسبما أمر الله‪ .‬ومن ل يعمل بما أمر الله ؛ فإنه ل يكون له‬
‫نجاة‪ .‬ففى سفر الحكمة عن نوح ـ عليه السلم ـ وولده‪" :‬‬
‫وعندما غاصت المم فى شرورها ؛ تعرفت الحكمة برجل صالح ‪،‬‬
‫وحفظته من كل عيب فى نظر الله ‪ ،‬وجعلته قويًّا يفضل العمل‬
‫بأمر الله على الستجابة إلى عاطفته تُجاه ولده " [حكمة ‪.]5 :10‬‬
‫انظر إلى قوله " تجاه ولده " أى ولده الذى غرق لعدم إيمانه‬
‫وعمله‪ .‬وهذا النص من سفر الحكمة عن " ولده " ليس له نظير‬
‫فى قصة نوح الموجودة فى التوراة العبرانية‪.‬‬
‫ويقول المسيح عيسى ـ عليه السلم ـ‪ " :‬كل كلمة فارغة يقولها‬
‫الناس؛ يُحاسبون عليها يوم الدين‪ .‬لنك بكلمك تُبّرر‪ ،‬وبكلمك‬
‫تُدان " [متى ‪36 :12‬ـ ‪.]37‬‬
‫وفى التوراة‪ " :‬ل يُقتل الباء عن الولد ‪ ،‬ول يقتل الولد عن‬
‫الباء‪ .‬كل إنسان بخطيئته يُقتل " [تث ‪.]16 :24‬‬
‫وفى الناجيل أن المسيح بعد حادثة القتل والصلب ؛ ظهر أربعين‬
‫يوما ً للحواريين ‪ ،‬وتكلم عن ملكوت الله معهم‪ .‬وهو ملكوت‬
‫محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففى بدء سفر أعمال‬
‫الرسل‪ " :‬الذين أراهم أيضا ً نفسه حيًّا ببراهين كثيرة بعدما تألم ‪،‬‬
‫وهو يظهر لهم أربعين يوما ً ‪ ،‬ويتكلم عن المور المختصة بملكوت‬

‫‪861‬‬
‫الله " [أع ‪ ]3 :1‬وظهوره وكلمه عن الملكوت ؛ يدلن على‬
‫استمراره فى الدعوة‪.‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫‪ -148‬تحليل إنكار الله‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫جاء فى سورة النحل‪ :‬أن الكراه على الكفر مع اطمئنان القلب‬
‫باليمان ؛ يجوز‪ .‬وهذا ل يصح لنه ليس من المانة أن يزور‬
‫النسان فى عقيدته‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن الضرورات تبيح المحظورات‪ .‬وهذا موجود بكثرة فى التوراة‬
‫وفى النجيل ومن ذلك‪ :‬ما جاء فى الصحاح الثالث عشر من‬
‫سفر الملوك الول أن رجل ً من رجال الله جاء إلى مدينة " بيت‬
‫إيل " وتنبأ عليه‪ .‬وقال له الملك ادخل إلى بيتى لعطيك أجرة ؛‬
‫فأبى بحجة أنه أمر من الله أن يعود مسرعاً‪ .‬وكان نبى شيخ‬
‫صوا عليه قصة رجل الله‪.‬‬ ‫ساكنا ً فى بيت إيل‪ .‬فأتى إليه بنوه وق ّ‬
‫فقال لهم‪ :‬دلونى على الطريق التى رجع منها‪ .‬فلما لحقه قال‬
‫له‪ :‬ارجع معى لتتقوت‪ .‬فأبى‪ .‬فقال له النبى الشيخ‪ " :‬أنا أيضاً‬
‫نبى مثلك‪.‬‬
‫وقد كلمنى ملك بكلم الرب قائلً‪ :‬ارجع به معك إلى بيتك‪ .‬فيأكل‬
‫خبزا ً ويشرب ماء‪ .‬كذب عليه‪ .‬فرجع معه وأكل خبزا ً وشرب ماء‬
‫[ ‪1‬مل ‪17 :13‬ـ ‪.]19‬‬
‫فقد استعمل الحيلة فى إرجاعه و " كذب عليه " وفى الناجيل‬
‫والرسائل أن بولس كان ذا لسانين وذا وجهين‪.‬‬
‫فإنه لما ردوه للسياط ‪ ،‬كذب وقال‪ :‬إننى رومانى الجنسية وقد‬
‫ولدت حًّرا [أعمال ‪ ]28 :22‬وقال‪:‬‬
‫أنا رجل يهودى من سبط بنيامين [رومية ‪ .]11:1‬ولما مثل أمام‬
‫رئيس الكهنة وضربه على فمه قال له بولس‪ " :‬سيضربك الله‬
‫أيها الحائط المبيض " ولما شتمه بهذا القول وفى التوراة أنه ل‬
‫جه إليه اللوم على مخالفته للتوراة‪.‬‬ ‫يجوز شتم رئيس الكهنة وَوَ َّ‬
‫قال بولس‪ :‬لم أكن أعرف أيها الخوة أنه رئيس كهنة ؛ لنه‬
‫مكتوب‪ :‬رئيس شعبك ل تقل فيه سوءا [أع ‪1 :23‬ـ ‪[ ، ]5‬خروج ‪:22‬‬
‫‪.]28‬‬
‫وفى التوراة أن الكراه على كسر حكم من أحكام الشريعة‬
‫يسقط العقاب على كسر الحكم‪ .‬فإن الفتاة العذراء المخطوبة‬
‫لرجل ‪ ،‬إن وجدها فى الحقل وأمسكها الرجل واضطجع معها ؛‬
‫يموت الرجل الذى اضطجع معها وحده " وأما الفتاة فل تفعل بها‬
‫شيئاً‪ .‬ليس على الفتاة خطية للموت ‪ ،‬بل كما يقوم رجل على‬

‫‪862‬‬
‫صاحبه ويقتله قتلً‪ .‬هكذا هذا المر ‪ ،‬إنه فى الحقل وجدها ؛‬
‫فصرخت الفتاة المخطوبة فلم يكن من يخلصها " [تث ‪26 :22‬ـ‬
‫‪.]27‬‬
‫وفى النجيل ينصح المسيح تلميذه بالحذر من الناس فيقول‪" :‬‬
‫ها أنا أرسلكم كغنم فى وسط ذئاب‪.‬‬
‫فكونوا حكماء كالحيات ‪ ،‬وبسطاء كالحمام‪ .‬ولكن احذروا من‬
‫الناس " [متى ‪16 :10‬ـ ‪.]17‬‬
‫‪-------------‬‬
‫سم‬‫ق َ‬‫‪ -149‬تحليل الحنث فى ال َ‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫إنه جاء فى سورة البقرة‪( :‬ل يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ‪،‬‬
‫ولكن يؤاخكم بما كسبت قلوبكم ) (‪ )1‬وليس هذا من مقومات‬
‫النبل والشرف ؛ فإن المسيح قد نهى عن الحلف مطلقاً‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫تنص التوراة على " ل تنطق باسم الرب إلهك باطل ً " [خر ‪:20‬‬
‫‪ .] 7‬وفى سفر اللويين‪ " :‬ول تحلقوا باسمى للكذب " [ل ‪.]12 :19‬‬
‫ومفسروالتوراة يقولون‪ " :‬اختلف المفسرون فى معنى هذه‬
‫الوصية فقال قوم‪ :‬إنها تنهى عن القسم بالله على صحة ما هو‬
‫كاذب ‪ ،‬وقيل‪ :‬إنها تنهى عن التهاون والستخفاف باسمه تعالى ‪،‬‬
‫حتى تحظر على النسان أن ينطق باسمه بدون مراعاة الرهبة‬
‫والحترام "‪.‬‬
‫ى المسيح عن القسم ليس عن كل شىء‪ .‬بل عن القسم‬ ‫ونَهْ ُ‬
‫على ما هو باطل ‪ ،‬يقول المفسرون‪ " :‬وقد أبان المسيح فى‬
‫موعظته على الجبل أن الشريعة منعت عن القسم على صحة ما‬
‫هو باطل فقط "‪.‬‬
‫وفى القرآن أن القسم مشروط (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين‬
‫الناس ) (‪ )2‬وليس على الكذب‪ .‬فيكون اللغو فى الية مفسراً‬
‫بغير الكذب‪.‬‬
‫كبناء مسجد‪ .‬هل يبنى أو ل يبنى ؟ فإنه إذا حسم التردد بيمين ‪،‬‬
‫ثم بدا له أن يرجع فى الحال؛ فله ذلك‪ .‬أما إذا حسم التردد‬
‫بيمين‪ .‬وعزم عليه وعقده وأكده ؛ فليس له أن يرجع فيه‪ .‬وإن‬
‫رجع فيه يلزمه التكفير عنه‪ .‬وعلى قوله (أن تبروا وتتقوا‬
‫وتصلحوا (ليكون الكذب داخل ً فى الموضوع على أى تفسير‬
‫للغو‪.‬‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.225 :‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪.224 :‬‬
‫‪-------------------‬‬

‫‪863‬‬
‫‪ -150‬تحليل الغراء بالمال‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫إن فى القرآن أن من مصارف الزكاة (والمؤلفة قلوبهم) وهذا‬
‫إغراء بالمال للدخول فى السلم‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إذا كان الحسان إلى الناس إغراء لهم بالدخول فى السلم‪ .‬فما‬
‫بال النصارى ينشئون المستشفيات والمبرات الخيرية فى بلد‬
‫المسلمين وفى غير بلد المسلمين لغرض التنصير والصد عن‬
‫سبيل الله ؟ وفى الدين السلمى أخذ الجزية من اليهود‬
‫والنصارى إذا أصروا على ما نشأوا عليه‪ .‬ولو كان التأليف إغراء ؛‬
‫لما أخذ المسلمون منهم أموال الجزية‪ .‬ذلك قوله تعالى‪( :‬قاتلوا‬
‫الذين ل يؤمنون بالله ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم الله‬
‫ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا‬
‫الجزية عن يد وهم صاغرون ) (‪.)1‬‬
‫وهل يسمى النصارى مكارم الخلق إغراء ؟ والمؤلفة قلوبهم هم‬
‫الذين ألف الله بين قلوبهم لقوله‪( :‬وألف بين قلوبهم لو أنفقت‬
‫ما فى الرض جميعا ً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم )‬
‫(‪ )2‬وللتأليف أسبابه‪.‬‬
‫ومنها النفاق على طلب العلم الذين يتولون هدايتهم إلى الله‪.‬‬
‫وذلك بفتح دور للعلم فيها ليتعلم الطلب لغات المم ‪ ،‬ثم‬
‫ينتشرون لتعليمهم وإزالة شبه الشيطان عن دينهم ‪ ،‬ووضع‬
‫القرآن بينهم ‪ ،‬وما شابه ذلك‪ .‬وهذا يُنفق عليه من أموال الزكاة‪.‬‬
‫(‪ )1‬التوبة‪.29 :‬‬
‫(‪ )2‬النفال‪.63 :‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫‪ -151‬تحليل القتل‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫إن فى القرآن شريعة القتال من أجل إسلم الُمم‪ .‬وهذا يُع ّ‬
‫د‬
‫إكراها ً للناس على قبول الدين بالسيف‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن إبراهيم عليه السلم كان يدعو إلى الله ‪ ،‬ومن يستجيب له‬
‫يكون مساويا ً لجميع المؤمنين بالله‪ .‬ومن ل يستجيب له ويصد‬
‫عن سبيل الله ؛ كان يحاربه ‪ ،‬وإبراهيم هو أب اليهود والنصارى‬
‫والمسلمين‪ .‬ففى سفر التكوين‪ " :‬بعد هذه المور صار كلم‬
‫الرب إلى أبرام فى الرؤيا قائلً‪ :‬ل تخف‪ .‬أنا تُرس لك ‪ ،‬أجرك‬
‫كثيًرا جدًا " [تك ‪ ]1:15‬أى حارب أعداء الله وأنا أحميك كما يحمى‬
‫الترس الجندى من ضربات السيوف‪.‬‬

‫‪864‬‬
‫وفى سفر الزبور نبوءة صلى الله عليه وسلم ومن أوصافه فيها‪:‬‬
‫" أما أنت يا رب فترس لى ‪ ،‬مجدى ورافع رأسى‪[ " ..‬مز‪]3 :‬‬
‫ويقول النصارى إن نبوءة عن المسيح ‪ ,‬وهم يعلمون أن المسيح‬
‫لم يحارب ولم يفتح بلداً‪ .‬وفى هذه النبوءة يصرخ النبى إلى الله‬
‫أن ينصره ‪ ،‬وقد أجابه من جبل قدسه " بصوتى إلى الرب أصرخ‬
‫فيجيبنى من جبل قدسه " وجبل قدسه فى مكة المكرمة‪.‬‬
‫وفى التوراة أنه ل يحل لليهود أن يملك عليهم وثنى‪ .‬فلو فرضنا‬
‫أن ملكا ً وثنيا ً قصد ديارهم وملك عليهم ؛ تفرض أنهم مأمورون‬
‫بقتاله ‪ ،‬ذلك قوله‪:‬‬
‫ً‬
‫" ل يحل لك أن تجعل عليك رجل ً أجنبي ّا ليس هو أخاك " [تث‬
‫‪ ]15:17‬وفى التوراة‪ " :‬إذا خرجت للحرب على عدوك ‪ ،‬ورأيت خيلً‬
‫ومراكب قوما ً أكثر منك ؛ فل تخف منهم ؛ لن معك الرب إلهك"‬
‫[تث ‪ ]1 :20‬وهو معهم إذا كانوا يحاربون من أجل دينه ‪ ،‬ونبذ‬
‫عبادة الوثان‪ .‬وذلك لن داود ـ عليه السلم ـ وهو يحارب‬
‫جالوت ؛ قال له‪´ :‬فتعلم كل الرض أنه يوجد إله لسرائيل ‪،‬‬
‫وتعلم هذه الجماعة كلها أنه ليس بسيف ول برمح يخلّص الرب ؛‬
‫لن الحرب للرب وهو يدفعكم ليدنا " [صموئيل الول ‪46 :17‬ـ ‪.]47‬‬
‫وفى سفر المكّابيين الثانى فى قصة الم وأولدها السبعة أنها‬
‫كانت تحرض أولدها على الشهادة فى سبيل الله‪ .‬ومن كلمها‪" :‬‬
‫ل أعلم كيف نشأتم فى أحشائى‪ .‬فأنا لم أمنحكم الروح والحياة ‪،‬‬
‫ول أنا كونت أعضاء جسد كل واحد منكم ‪ ،‬بل الذى فعل ذلك هو‬
‫خالق العالم‪ .‬فهو الذى جبل النسان وأبدع كل شىء‪ .‬وهو لذلك‬
‫سيعيد إليكم برحمته الروح والحياة‪ .‬لنكم الن تضحون بأنفسكم‬
‫فى سبيل شريعته " [‪2‬مك ‪22 :7‬ـ ‪ .]23‬وفى إنجيل لوقا‪ :‬أن‬
‫المسيح أرسل تلميذه إلى مدن بنى إسرائيل وأمرهم أن ل‬
‫يحملوا زادا ً ول مال ً ول يلبسوا أحذية‪ .‬وأن يبشروا باقتراب‬
‫ملكوت الله‪ .‬فلما رجعوا " قال لهم‪ :‬حين أرسلتكم بل كيس ول‬
‫مزود ول أحذية‪ .‬هل أعوزكم شىء ؟ فقالوا‪ :‬ل‪ .‬فقال لهم‪ :‬لكن‬
‫الن من له كيس ؛ فليأخذه ‪ ،‬ومزود كذلك‪ .‬ومن ليس له فليبع‬
‫ثوبه ‪ ،‬ويشتر سيفا ً " [لو ‪35 :22‬ـ ‪ ]36‬فقد أمرهم بشراء السيوف‬
‫للحرب‪ .‬وما يزال النصارى إلى هذا اليوم يحاربون أعداءهم‪.‬‬
‫وفى إنجيل متى يقول المسيح‪ " :‬سمعتم أنه قبل عين بعين‬
‫وسن بسن وأما أنا فأقول لكم‪ :‬ل تقاوموا الشر‪ .‬بل من لطمك‬
‫على خدك اليمن فحول له الخر أيضا ً " [متى ‪38 :5‬ـ ‪.]39‬‬
‫يريد أن يقول‪ :‬إن التوراة مكتوب فيها العين بالعين والسن‬
‫بالسن [خر ‪ ]24 :21‬وأنا أقول لكم‪ " :‬ل تقاوموا الشر " فى هذا‬
‫ض عادل ول ملك منصف‪ .‬كما‬ ‫الزمان الفاسد الذى ليس فيه قا ٍ‬

‫‪865‬‬
‫قال صاحب سفر المثال فى زمانه‪ " :‬ل تقل كما فعل بى هكذا‬
‫افعل به‪ .‬أرد على النسان مثل عمله " [أم ‪ ]29 :24‬فهو وصاحب‬
‫سفر المثال لم يخالفا شريعة موسى فى أوقات العدل‪ .‬وهما‬
‫ينصحان أنه إذا عم الظلم‪ .‬فإنه يجب على المظلوم أن يفوض‬
‫أمره إلى الله‪ .‬وقد وافق هو النبى إشعياء ومؤلف سفر مراثى‬
‫إرمياء على قولهما فى أيام الفساد واشتداد الظلم‪ " :‬من لطمك‬
‫على خدك اليمن ‪ ،‬فحول له الخر أيضا ً " وهذا يدل على أنه فى‬
‫إرشاداته ونصحه لم يأت بجديد ‪ ،‬مع قوله‪ " :‬ما جئت لنقصن‬
‫الناموس أو النبياء " [متى ‪.]17 :5‬‬
‫ففى سفر إشعياء‪ " :‬بذلت ظهرى للضاربين ‪ ،‬وخدى للناتفين‪.‬‬
‫وجهى لم أستر عن العار والبصق " [إش ‪ ]6 :50‬وفى سفر‬
‫المراثى‪ " :‬يعطى خده لضاربه ‪ ،‬يشبع عارا " [مرا ‪.]30 :3‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪ -152‬تحليل النهـب‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫إن الله حلل الغنائم ‪ ،‬وهذا أمر بقتل الناس ونهب أموالهم‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن تحليل الغنائم فى التوراة‪ .‬ففى سفر التثنية‪ " :‬وغنيمة المدن‬
‫التى أخذنا‪ ..‬الجميع دفعه الرب إلهنا أمامنا " [تث ‪35 :2‬ـ ‪، ]36‬‬
‫وفى سفر التكوين فى صفات بنيامين‪ " :‬فى الصباح يأكل‬
‫غنيمة ‪ ،‬وعند المساء يقسم نهبا ً " [تك ‪ ]27 :49‬أى محارب‪.‬‬
‫ومن أوصاف محمد رسول الله فى التوراة أنه يقسم غنائم‪ .‬ففى‬
‫نبوءة العبد المتألم‪ " :‬ومع العظماء يقسم غنيمة " [إش ‪]12 :53‬‬
‫ولكن النصارى يفسرونها على المسيح مع أنه لم يحارب أحداً‪.‬‬
‫وفى المزمور الثامن والستين عن محمد صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫" الملزمة البيت تقسم الغنائم " [مز ‪.]12 :68‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪ -153‬تحليل الحلـف‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫إن فى القرآن أن صاحب القرآن يقسم بالفجر والليالى العشر‪.‬‬
‫فلماذا يحلف ؟ وهل يحتاج صاحب القول الصادق إلى قسم يؤكد‬
‫به كلمه ؟‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن المعترض يعنى بصاحب القرآن محمدا ً صلى الله عليه وسلم‬
‫منَّزِلة وهو الله ـ عز وجل ـ والقسم من الله نفسه‬ ‫ول يعنى ُ‬
‫بمخلوقاته هو للدللة على عظمها وأهميتها ومنافعها للناس‪ .‬وفى‬
‫التوراة‪ " :‬الذى حلف الرب لهم أنه " [يشوع ‪ " ]6 :5‬حلف الرب‬

‫‪866‬‬
‫بيمينه " [إشعياء ‪ ]8 :62‬وفى النجيل " ومن حلف بالهيكل فقد‬
‫حلف به وبالساكن فيه ‪ ،‬ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش‬
‫الله وبالجالس عليه " [متى ‪21 :23‬ـ ‪ ]22‬وفى الزبور‪ " :‬أقسم‬
‫الرب ولن يندم "[مز ‪ ]4 :110‬وفى سفر التكوين‪ " :‬بذاتى أقسمت‬
‫‪ ،‬يقول الرب " [تك ‪ ]16 :22‬وفى سفر أعمال الرسل أن كاهناً‬
‫وأولده كانوا يقسمون باسم يسوع المسيح " قائلين نقسم عليك‬
‫بيسوع " [أع ‪.]13 :19‬‬
‫‪------------------‬‬
‫‪ -154‬تحليل النتقام‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫يقول المؤلف‪ :‬إن القرآن يحلل النتقام بقوله‪( :‬فمن اعتدى‬
‫عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) (‪.)1‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫قد بينا فى إجابة السؤال الرابع من الجزء الثالث معنى قول‬
‫حوِّل له الخر أيضا ً "‪.‬‬‫المسيح " لطمك على خدك اليمن فَ َ‬
‫ونبين هنا‪ :‬أن رد العتداء ليس فرضا ً على المسلمين‪ .‬فالفرض‬
‫هو إما رد العتداء ‪ ،‬وإما الصفح عن الجانى‪ .‬ورد العتداء فرض‬
‫فى التوراة والصفح عن الجانى فى العدل مرفوض فى التوراة‪.‬‬
‫ففى التوراة‪:‬‬
‫سنًّا بسن‬ ‫" وإن حصلت أذية ؛ تعطى نفسا ً بنفس وعينا ً بعين و ِ‬
‫ويدا ً بيد ورجل ً برجل وكيًّا بكى وجرحا ً بجرح ورضا ً برضى " [خر‬
‫‪23 :21‬ـ ‪.]25‬‬
‫وليس عندهم دفع الدية فى مقابل العفو عن القاتل‪ .‬أما فى‬
‫القرآن الكريم ففيه (فمن ع ُفى له من أخيه شىء ؛ فاتباع‬
‫بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة ) (‪)2‬‬
‫أى تخفيف من الحكم القديم الذى كان فى التوراة وهو عدم‬
‫قبول الدية‪.‬‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.194 :‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪.178 :‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫‪ -155‬تحليل الشهوات‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫‪ 1‬ـ إن القرآن أباح للمسلمين أكثر من زوجة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إن الله فى الجنة سيرزق المؤمنين بنساء من الحور العين‪.‬‬
‫وليست الجنة مكانا ً للشهوات الحسية ‪ ،‬ول يبيح دين من عند الله‬
‫تعدد الزوجات‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬

‫‪867‬‬
‫إن هذه الشبهة مكونة من جزأين‪:‬‬
‫الجزء الول‪ :‬تعدد الزوجات ‪ ،‬والجزء الثانى‪ :‬إباحة الشهوات‬
‫الحسية فى الجنة‪.‬‬
‫والرد على الجزء الول هو‪:‬‬
‫إن إبراهيم ـ عليه السلم ـ كان متزوجا ً من سارة وهاجر‬
‫وقطورة‪ .‬وهو أب لليهود والنصارى والمسلمين‪.‬وأيضا ً كانت له‬
‫سرارى كثيرة لقوله‪ " :‬وأما بنو السرارى اللواتى كانت لبراهيم‬
‫فأعطاهم إبراهيم عطايا وصرفهم عن إسحاق ابنه شرقا ً إلى‬
‫أرض المشرق وهو بعد حى " [تك ‪ ] 6 :25‬وموسى كان متزوجاً‬
‫من مديانية وحبشية [عدد ‪ ]1 :12‬ويعقوب ـ عليه السلم ـ كان‬
‫متزوجا ً من حرتين وأمنين وهما ليئة وراحيل وزلفة وبلهة [تك ‪29‬‬
‫وما بعده] وكان لداود نساء هن‪ :‬أخينوعم اليزرعبلية ـ أبيجايل ـ‬
‫معكة ـ حجيث ـ أبيطال ـ عجلة‪ .‬الجميع ستة عدا بثشبع امرأة‬
‫أوريا الحثى التى أنجب منها سليمان ـ عليه السلم ـ [صموئيل‬
‫الثانى ‪1 :3‬ـ ‪ ]5‬وكان لسليمان " سبع مائة من النساء السيدات ‪،‬‬
‫وثلث مائة من السرارى " [ الملوك الول ‪.]3 :11‬‬
‫سى‬‫وفى النجيل أنه كان للمسيح أربع إخوة هم‪ :‬يعقوب ومو ِ‬
‫ويهوذا وسمعان [مرقس ‪ ]3 :6‬واتفق النصارى على أن مريم أتت‬
‫به بغير زرع بشر‪ .‬وإذ هذا حاله‪ .‬فهل هؤلء الربعة على الحقيقة‬
‫إخوة أم على المجاز؟ اختلفوا‪ .‬لن متى قال عن يوسف النجار‪:‬‬
‫" ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر " [مز ‪ ]24 :1‬فيكون قد‬
‫عرفها بعد ولدته‪ .‬وإن منهم لفريقا ً يقولون‪ " :‬إنها ظلت عذراء‬
‫إلى أن ماتت ‪ ،‬وإن الربعة أولد ليوسف عن زوجة سابقة له‬
‫على مريم "‪ .‬وعلى أية حال فإن غرضنا وهو إثبات تعدد الزوجات‬
‫بإخوة المسيح الربعة‪ .‬وفى تفاسير النجيل أنه كان له أختان‬
‫أيضا ً هما أستير وثامار ؛ يكون ملزما ً لهم بإثبات التعدد‪.‬‬
‫والرد على الجزء الثانى هو‪:‬‬
‫إن التوراة تصرح بالبعث الجسدى والروحى معاً‪ .‬فيكون النعيم‬
‫حسيًّا ‪ ،‬والعذاب حسيًّا‪ .‬والنجيل يصرح بالبعث الجسدى‬
‫والروحى معاً‪ .‬ولكن بُولُوس صرح بالبعث الروحى لغرض اللغو‬
‫فى حقيقة ملكوت السماوات‪.‬‬
‫ولسنا ههنا بصدد مناقشته‪ .‬وإنما نحن ههنا بصدد إثبات البعث‬
‫الجسدى والروحى‪ .‬ففى إنجيل مرمقس يقول المسيح‪ " :‬وإن‬
‫أعثرتك يدك فاقطعها‪ ،‬خير لك أن تدخل الحياة أقطع من أن‬
‫يكون لك يدان وتمضى إلى جهنم‪ .‬إلى النار التى ل تطفأ‪ .‬حيث‬
‫دودهم ل يموت والنار ل تطفأ‪ ..‬إلخ " [مر ‪43 :9‬ـ ‪ ]44‬وفى إنجيل‬
‫متى " وإن كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها وألقها عنك ؛ لنه‬

‫‪868‬‬
‫خير لك أن يهلك أحد أعضائه ‪ ،‬ول يلقى جسدك كله فى جهنم‬
‫" [متى ‪.]30 :5‬‬
‫مسّرات فى الجنة‪ " :‬لم تر عينا إنسان‬ ‫وفى سفر إشعياء عن ال ُ‬
‫ولم تسمع أذناه ولم يدرك قلب بشر ما أعده الله للذين يحبونه "‬
‫[إش ‪ ]4 :64‬واستدل به بولس فى الرسالة الولى إلى أهل‬
‫كورنثوس [‪ ، ]9 :2‬وفى سفر أيوب‪ " :‬أعلم أن إلهى حى ‪ ،‬وأنى‬
‫سأقوم فى اليوم الخير بجسدى وسأرى بعينى الله مخلّصى‬
‫" [أى ‪25 :19‬ـ ‪ ]27‬وفى ترجمة البروتستانت‪ " :‬وبدون جسدى "‪.‬‬
‫وفى سفر إشعياء عن عذاب جهنم‪ " :‬يجلس خدمى على مائدتى‬
‫فى بيتى ‪ ،‬ويتلذذون بابتهاج مع حبور ومع صوت العواد والراغن‬
‫ول أدعهم يحتاجون شيئا ً ما ‪ ،‬أما أنتم أعدائى فتطرحون خارجاً‬
‫عنى حيث تموتون فى الشقاء ‪ ،‬وكل خادم لى يمتهنكم " [إش‬
‫‪.]13 :60‬‬
‫‪------------------‬‬
‫‪-156‬الحدود في السلم‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن الدارس للسلم وأحكامه يدرك حقائق أساسية لتشريع‬
‫الحدود فى السلم نحاول أن نشير إلى بعضها بإيجاز‪:‬‬
‫أولً‪ :‬الحدود فى السلم إنما هى زواجر تمنع النسان المذنب أن‬
‫يعود إلى هذه الجريمة مرة أخرى‪.‬‬
‫وهى كذلك تزجر غيره عن التفكير فى مثل هذه الفعلة وتمنع من‬
‫ضا نكال " مانع " من‬ ‫يفكر من أن يقارف الذنب ‪ ،‬وهى أي ً‬
‫الجريمة على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إن من المقرر لدى علماء السلم قاعدة " درء الحدود‬
‫بالشبهات " أى جعل الظن والشك فى صالح المتهم‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬ليس المراد بالحدود التشفى والتشهى وإيقاع الناس فى‬
‫الحرج وتعذيبهم بقطع أعضائهم أو قتلهم أو رجمهم‪.‬‬
‫إنما المراد هو أن تسود الفضيلة ‪ ،‬ومن هنا نجد الشرع الشريف‬
‫ييسر فى هذه الحدود‪.‬‬
‫فإذا اشتدت الظروف فى حالت الجوع والخوف والحاجة تعطل‬
‫الحدود ‪ ،‬كما فعل سيدنا عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ فى‬
‫عام الرمادة‪.‬‬
‫ضا أن السلم يأمر بالستر قبل الوصول إلى‬ ‫ومن التيسير أي ً‬
‫ل يشهد على‬ ‫الحاكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرج ٍ‬
‫الزنا [ لو سترته بثوبك كان خيًرا لك ] (‪.)1‬‬

‫‪869‬‬
‫رابعًا‪ :‬الشريعة السلمية شريعة عامة لكل زمان ومكان ‪،‬‬
‫والناس مختلفون فى ضبط نفوسهم ‪ ،‬فلبد من وجود عقاب‬
‫رادع يضبط أصحاب النفوس الضعيفة من الوقوع فى الجرائم‬
‫والحدود والردة عن السلم حتى يسلم المجتمع من الفساد‬
‫ظاهًرا وباطنًا‪.‬‬
‫سا‪ :‬الحدود إنما هى جزء من النظام السلمى العام ‪ ،‬فلبد‬ ‫خام ً‬
‫من فهم النظام ككل حتى تفهم الحدود ول يمكن تطبيق الحدود‬
‫إل مع تطبيق النظام السلمى ككل وإل ل ينسجم المر ول‬
‫تستقيم حكمة الله من تشريعه‪.‬‬
‫سا‪ :‬الحدود دعوة صريحة للتخلق بالخلق الحسنة التى هى‬ ‫ساد ً‬
‫ضا طريق إلى التوبة إلى الله ‪،‬‬ ‫من مقاصد الدين وهى أي ً‬
‫فالمذنب إذا عوقب بعقاب الشارع الذى هو منسجم مع تكوينه‬
‫وواقع وفق علم الله تعالى به وبنفسيته فإن هذا يخاطب قلبه‬
‫ومشاعره بوجوب الرجوع إلى ربه‪.‬‬
‫ويكفى ارتداع المسلم عن الجريمة ودخوله فى رحمة ربه‬
‫معرفته بأن ربه هو الذى شرع له هذا الحكم ‪ ،‬فإن هذا وحده من‬
‫شأنه أن يجعله يتوب وينجذب إلى ربه ويصير مؤمنًا بالله جل‬
‫جلله خاصة إذا علم أن هذا الحد يكفر عنه هذا الذنب‪.‬‬
‫ساب ًعا‪ :‬السلم دين ‪ ،‬والحدود والتعاذير إنما هى فى كل دين بل‬
‫وفى كل نظام قانونى ومن أراد على ذلك مثال فالتوراة مثلً‬
‫تأمر بحرق الزانية والزانى إذا كانت ابنة كاهن‪.‬‬
‫ذلك قولهم " وإذا تدنست ابنة كاهن بالزنا فقد دنست أباها ‪،‬‬
‫بالنار تحرق [اللويين ‪.]9 :21‬‬
‫ومن النظم القانونية من يأمر بقتل الخارج على النظام إلى غير‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬الحدود عقوبات واعية تتناسب مع النفس البشرية‬
‫والعقوبات البديلة خالية من هذه القيم‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود‪.‬‬
‫‪----------------‬‬
‫‪-157‬حد السرقة‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫ل متكامل ‪ ،‬فل تفهم حكمة الجزئيات‬ ‫إن النظام السلمى ك ٌ‬
‫التشريعية فيه حق فهمها إل أن ينظر فى طبيعة النظام وأصوله‬
‫ومبادئه ‪ ،‬كذلك ل تصلح هذه الجزئيات فيه للتطبيق إل أن يؤخذ‬
‫النظام كامل ً ويعمل به جملة واحدة هذا بصفة عامة‪.‬‬
‫أما بالنسبة لحد السرقة‪:‬‬

‫‪870‬‬
‫فإن السلم يقرر حق كل فرد فى الحياة وحقه فى كل الوسائل‬
‫لحفظ حياته ‪ ،‬ومن حق كل إنسان أن يحصل على هذه الوسائل‪:‬‬
‫أول ً عن طريق العمل مادام قادرا ً على العمل ‪ ،‬فإن لم يستطع‬
‫صـل أسباب الحياة فعلى المجتمع المسلم أن يوفر له ما‬ ‫أن يح ِّ‬
‫يحفظ حياته أول ً من النفقة التى تفرض له شرعا ً على القادرين‬
‫فى أسرته‪.‬‬
‫ثانيا ً على القادرين من أهل محلته‪.‬‬
‫ثالثا ً من بيت مال المسلمين من حقه المفروض له فى الزكاة‬
‫فى نظام تكافلى للرعاية الجتماعية والمن الجتماعى‪.‬‬
‫والسلم كذلك يتشدد فى تحديد وسائل جمع المال فل تقوم‬
‫الملكية الفردية فيه إل على حلل ‪ ،‬ومن ثم ل تثير الملكية‬
‫الفردية فى المجتمع المسلم أحقاد الذين ل يملكون حيث يمكن‬
‫لكل أحد أن يصبح غنيًّا بالوسائل المشروعة المتاحة والسوق‬
‫التنافسية الشريفة‪ .‬والسلم يربى ضمائر الناس وأخلقهم ‪،‬‬
‫فيجعل تفكيرهم يتجه إلى العمل والكسب ل إلى السرقة ‪،‬‬
‫وبذلك يحفظ مصالح الفرد والمجتمع معاً‪.‬‬
‫إذن فلماذا يسرق السارق فى ظل هذا النظام ؟ إنه ل يسرق إل‬
‫للطمع فى الثراء من غير طريق العمل ‪ ،‬والثراء ل يطلب من‬
‫هذا الوجه الذى يروع الجماعة المسلمة فى دار السلم ‪،‬‬
‫ويحرمها الطمأنينة التى من حقها أن تستمتع بها ‪ ،‬ويحرم أصحاب‬
‫المال الحلل أن يطمئنوا على مالهم الحلل‪.‬‬
‫فإذا سرق إنسان بعد هذا فإنه ل يسرق وله عذر ‪ ،‬ول ينبغى لحد‬
‫أن يرأف به متى ثبت عليه الجريمة وأحيل أمره إلى النظام‪.‬‬
‫ونفس النسان فطرت على حب المال ولعل هذا هو الذى يدفع‬
‫معظم الناس إلى العمل والكد‪ .‬والسلم دائما ً يقوّم دوافع‬
‫النفس حتى تنضبط إما بالترغيب أو بالترهيب‪ .‬من هنا حض‬
‫السلم على الكسب الحلل ورغّب فيه ورهّب من السرقة بهذه‬
‫العقوبة ‪ ،‬حتى يستقيم المجتمع بما فيه من بار وفاجر‪ .‬يقول‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم [إن الله ليدع بالسلطان ما ل‬
‫يدع بالقرآن]‪.‬‬
‫ولما كان قطع يد السارق يفضحه ويسمه بسمة السرقة ويطلع‬
‫الناس على ما كان منه‪ .‬فقد أقام السلم حراسة على من يتهم‬
‫بالسرقة ‪ ،‬فل تقطع يده مع وجود شبهة فى أنه سرق كما ل‬
‫تقطع يده فى الشىء المسروق إذا كان تافها ً ل يعتد به ‪ ،‬أو كان‬
‫فى غير حرز بل إن السارق فى تلك الحالة يعزر بالضرب أو‬
‫الحبس ‪ ،‬ول تقطع يده‪.‬‬

‫‪871‬‬
‫ومن تلك الضوابط التى وضعتها الشريعة لقامة حد القطع على‬
‫السارق‪:‬‬
‫أولً‪ :‬أن يكون المسروق شيئا ً ذا قيمة أى أن له اعتبارا ً اقتصاديٍّا‬
‫فى حياة الناس‪ .‬عن السيدة عائشة ـ رضى الله عنها ـ عن النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ [ :‬تقطع اليد ـ أى يد السارق ـ‬
‫بربع دينار فصاعدا ً ] (‪.)1‬‬
‫ثانياً‪ :‬أن يكون المسروق محروزا ً ‪ ،‬أى محفوظا ً فى حرز‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬أن ما أخذ للكل بالفم من التمر فهذا ل قطع فيه ول تعزير‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬السرقة فى أوقات المجاعات ل قطع فيها ولذلك أبطل‬
‫عمر ـ رضى الله عنه ـ القطع فى عام الرمادة حينما عمت‬
‫المجاعة‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬العبد إذا سرق شىء ينظر هل سيده يطعمه أم ل ؟ فإن‬
‫كان ل ‪ ،‬غرم سيده ضعف ثمن المسروق كما فعل سيدنا عمر‬
‫بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ فى غلمان ابن حاطب بن أبى‬
‫بلتعة حينما سرقوا ناقة رجل من مزينة فقد أمر بقطعهم ولكن‬
‫حين تبين له أن سيدهم يجيعهم درأ عنهم الحد وغرم سيدهم‬
‫ضعف ثمن الناقة تأديبا ً له‪.‬‬
‫والقاعدة أن الحدود تُدَْرء بالشبهات‪.‬‬
‫وهكذا ينبغى أن تفهم حدود السلم فى ظل نظامه المتكامل‬
‫الذى يتخذ أسباب الوقاية قبل أن يتخذ أسباب العقوبة‪.‬‬
‫فالحدود تمنع من وقوع الجريمة ولذلك نرى على مر التاريخ‬
‫السلمى وعلى مساحة واسعة من بلد المسلمين أن حد‬
‫السرقة لم يطبق إل فى أضيق الحدود وبعدد محدود جدا ً ل‬
‫يتجاوز العشرات مع كل هذه المليين من البشر حيث استقر فى‬
‫وجدان المسلمين أن السرقة جريمة من الجرائم السيئة التى‬
‫تهدد المن الجتماعى والمجتمع فى ذاته بحيث تستحق مثل هذه‬
‫العقوبة البدنية التى تشبه عقوبة العدام وعلى قدر عظم الذنب‬
‫والجرم يكون عظم العقاب‪.‬‬
‫وبعض المعاصرين ينطلقون من نموذج معرفى آخر يقدم بدن‬
‫النسان فى ذاته بغض النظر عن أفعاله وجرائمه‪ .‬وقد خفى‬
‫عليهم كل هدى سليم ول حول ول قوة إل بالله العلى العظيم‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود‪.‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫‪-158‬حد الزنا‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬

‫‪872‬‬
‫إن جريمة الزنا لهى من أقذر الجرائم حتى أنكرها كل دين ‪ ،‬بل‬
‫وأنكرها العقلء والراشدون من الناس ‪ ،‬كما أنكرها أصحاب‬
‫المدنية الغربية جهًرا وإن قبلوها سًرا وذلك لما فيها من عدوان‬
‫على حقوق الزواج ومن اختلط للنساب وحل لروابط السرة‬
‫وقتل لما فى قلوب الباء من عطف وحنان على البناء ‪ ،‬ورعاية‬
‫ل سخى لهم بما يبلغ حد التضحية بالراحة والنفس ‪ ،‬المر‬ ‫وبذ ٍ‬
‫الذى ل يكون إل إذا ملت عاطفة البوة قلوب الباء وذلك ل‬
‫يكون إل إذا وقع فى قلوب الباء وقوع ًا محققًا أن هؤلء البناء‬
‫من أصلبهم‪.‬‬
‫ثم لعلك ل تعجب لما تقرأ من الخبار الواردة إلينا من أمريكا‬
‫وأوروبا عن آباء قتلوا أولدهم بأيديهم وأتوا على السرة كلها فى‬
‫لحظة واحدة دون أن ينبض فيهم شعور بالتردد قبل الجريمة أو‬
‫الندم بعدها ‪ ،‬وذلك شفاء لما فى نفوسهم من شكوك فى صحة‬
‫نسب هؤلء البناء إليهم حتى لقد تحولت هذه الشكوك إلى‬
‫عواطف من الجنون الذى أفقد هؤلء الباء كل شعور إنسانى‬
‫نحو البناء المشكوك فى نسبهم ‪ ،‬وهيهات أن يخلو شعور‬
‫أوروبى من الشك فى نسبة أبنائه إليه مع هذه الباحية المطلقة‬
‫للجمع بين النساء والرجال فى أى مكان وأى زمان‪.‬‬
‫فإن أراد السلم أن يحارب هذه الجريمة برصد هذه العقوبة‬
‫الرادعة ـ الرجم للمحصن ‪ ،‬والجلد لغير المحصن ـ كان ذلك عند‬
‫أعداء السلم تهمة شنيعة يرمونه بها ويحاكمونه عليها ليخرجوه‬
‫من حدود النسانية المتحضرة إلى عالم سكان الدغال ورعاة‬
‫البل والشياه فى الصحارى‪.‬‬
‫ويقولون‪ :‬كيف يحكم السلم بإهدار آدمية النسان حتى يأمر‬
‫بجلده على مرائى ومسمع من الناس ؟ ثم كيف تصل الوحشية‬
‫فى قسوتها إلى أن يُلقى بالنسان فى حفرة ثم تتناوله اليدى‬
‫رجما ً بالحجارة إلى أن يموت‪.‬‬
‫هكذا يقولون (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إل‬
‫كذبا ً ) (‪.)1‬‬
‫ول ننكر أن فى شريعة السلم حكم الجلد والرجم يقول الله‬
‫تعالى‪( :‬الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد ٍ منهما مائة جلدة ول‬
‫تأخذكم بهما رأفة فى دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخر‬
‫وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) (‪.)2‬‬
‫ئ مسلم‬ ‫وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ل يحل دم امر ٍ‬
‫إل بإحدى ثلث‪ :‬الثيب الزانى ‪ ،‬والنفس بالنفس ‪ ،‬والتارك لدينه‬
‫المفارق للجماعة ] (‪.)3‬‬
‫والنظام السلمى كل متكامل ل تفهم جزئياته إل فى نسق واحد‪.‬‬

‫‪873‬‬
‫فإن السلم قد حّرم النظر إلى " الجنبيات " قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم [ النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة‬
‫فمن تركها من خوف الله أثابه إيمانا ً يجد حلوته فى قلبه ] (‪.)4‬‬
‫وكذلك أمر النساء أل يظهرن الزينة إل للزواج أو القارب من‬
‫الصلب الذين ل يُخشى منهم فتنة‪.‬قال الله تعالى‪( :‬يا أيها النبى‬
‫قل لزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلبيبهن )‬
‫(‪ ، )5‬وقال‪:‬‬
‫(وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ) (‪ .)6‬وأمر أيضا ً أل يختلى‬
‫رجل بامرأة ل تحل له قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ما‬
‫اجتمع رجل وامرأة إل وكان الشيطان ثالثهما ]‪.‬‬
‫وحرم أيضا ً أن يمس الرجل امرأة ل تحل له فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم [ لئن تضرب بمخيط فى رأسك فتدمى به‬
‫رأس خير لك من أن تمس امرأة ل تحل لك ]‪ .‬وقبل هذا كله‬
‫فقد استطاع السلم أن يربى الضمير فى الرجل والمرأة على‬
‫حد سواء على ضوء ما جاء فى قصة ماعزو الغامدية‪.‬‬
‫والسلم كذلك حض الشباب على إخراج هذه الشهوة فى‬
‫منفذها الشرعى بالزواج‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ [ :‬يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه‬
‫أغض للبصر وأحفظ للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له‬
‫وجاء ] (‪ )7‬أى قاطع للشهوة‪.‬‬
‫وكذلك رخص للرجل أن يتزوج بامرأة واحدة أو اثنين أو ثلثة أو‬
‫أربع مادام يملك النفقة ويستطيع العدل‪.‬‬
‫وأمر أولياء المور أن ل يغالوا فى مهور بناتهم فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم [ إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه‬
‫فزوجوه إل تفعلوا تكن فتنة فى الرض وفساد كبير ] (‪ .)8‬وأمر‬
‫الغنياء أن يساعدوا الشباب فى نفقات الزواج‪ .‬وقد قام الخليفة‬
‫العادل عمر بن عبد العزيز بتزويج الشباب والفتيات من بيت مال‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫هذا كله هو بعض ملمح السلم فى تيسير أمر إخراج هذه‬
‫الشهوة بطريق مشروع ‪ ،‬والحقيقة أن مثل هذه الشنيعة ل‬
‫تحصل فى المجتمع المسلم ـ الذى تسوده الفضيلة ـ إل بعد تدبير‬
‫عظيم من كل الطرفين يدل على إجرام كل الطرفين ولكن مع‬
‫كل هذا فإن شريعة السلم قد وضعت شروط من الصعب جدًا‬
‫توافرها قبل إيقاع العقوبة‪.‬‬
‫فإن لم تتوفر مجتمعة ل يقام الحد على صاحب هذه الفعلة جلداً‬
‫كان أو رجما ً وهذه هى الشروط‪:‬‬

‫‪874‬‬
‫‪ 1‬ـ لبد حتى تثبت الجريمة من شهادة أربعة شهود عدول‬
‫يشهدون بأنهم رأوا من الرجل والمرأة ما يكون بين الرجل‬
‫وزوجته من اتصال مباشر ‪ ،‬المر الذى ل يكاد يراه أحد ٌ من‬
‫البشر‪.‬‬
‫وكأن الشريعة ل ترصد هذه العقوبة على هذه الفعلة بوصفها‬
‫ولكنها ترصدها على شيوع هذه الفعلة على المل من الناس‬
‫بحيث ل يبغى بين الناس من يعرف معروفا ً ول ينكر منكراً‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إن الشريعة السلمية تقرر درء الحدود بالشبهات بمعنى أن‬
‫أى شك فى شهادة الشهود يفسر لصالح المتهم فيسقط بذلك‬
‫الحد‪ .‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ادرءوا الحدود‬
‫بالشبهات ] (‪.)9‬‬
‫‪ 3‬ـ فرضت الشريعة عقوبة الجلد ثمانين جلدة على من قذف‬
‫محصنة ثم لم يأت بأربعة يشهدون بأنهم رأوا منها ومن المقذوف‬
‫بها ما يكون بين الزوج وزوجته قال الله تعالى‪( :‬والذين يرمون‬
‫المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ول‬
‫تقبلوا لهم شهادة أبدا ً وأولئك هم الفاسقون ) (‪.)10‬‬
‫‪ 4‬ـ رغبت الشريعة السلمية فى التستر على عورات المسلمين‬
‫وإمساك اللسنة عن الجهر بالفواحش وإن كانت وقعت ‪ ،‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم [ لرجل جاء يشهد‪ :‬هل‬
‫سترتهما بثوبك ] يقول الله تعالى‪( :‬إن الذين يحبون أن تشيع‬
‫الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والخرة والله‬
‫يعلم وأنتم ل تعلمون ) (‪.)11‬‬
‫أبعد هذا كله يتخرص متخرص ويقول‪ :‬إن السلم يظلم النسان‬
‫ويهدر أدميته حين يأخذ أولئك الذين يأتون الفاحشة على أعين‬
‫بما يأخذهم به من جلد بالسياط‪ .‬وفضح بين المل من الناس‪.‬‬
‫أفل يسأل هؤلء المتخرصون أنفسهم ماذا يبقى للنسان من‬
‫آدميته وكرامته إذا تركت هذه الفاحشة يعالى بها بعض الدميين‬
‫من غير استحياء ثم ل يضرب على أيديهم أحد‪ .‬إن إنسانا ً توفرت‬
‫له كل هذه الميسرات وتجرأ على الترتيب لهذه الفعلة الشنيعة‪.‬‬
‫ثم افتضح حاله حين يراه هذا العدد فى هذا الوضع‪.‬‬
‫إن إنسانا ً فى مثل هذا الحال لهو إنسان مفسد ضال مضل ولو‬
‫لم يتم بتره أو تربيته فإن هذا يشكل خطرا ً على المجتمع كله‪.‬‬
‫والمتحدثون عن حقوق النسان يقولون ل بأس من أن يحبس‬
‫قترة من الزمن ثم يخرج لكى يمارس عمله ول يعلمون أن مثل‬
‫هذا الحبس سوف يمكنه من أن يخالط من هو أجرم منه ليتعلم‬
‫منه ويعلمه ويخرجان إلى المجتمع بعد أن أصبحا إمامين فى‬
‫الضلل ليضل الناس عن طريق رب الناس وهذا هو المشاهد‪.‬‬

‫‪875‬‬
‫فضل ً عن الذى يترتب على الحد من تكفير لهذا الذنب‪.‬‬
‫وإن المتتبع ل يجد هذه العقوبة قد نفذت " حال تنفيذ العقوبات "‬
‫إل فى أعداد محدودة ول ضرر فى هذا مادام قد وفر المن‬
‫والستقرار للمجتمع‪.‬‬
‫(‪ )1‬الكهف‪.5 :‬‬
‫(‪ )2‬النور‪.2 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الحاكم فى المستدرك‪.‬‬
‫(‪ )5‬الحزاب‪.59 :‬‬
‫(‪ )6‬النور‪.31 :‬‬
‫(‪ )7‬رواه البخارى‪.‬‬
‫(‪ )8‬رواه ابن ماجه‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه الترمذى‪.‬‬
‫(‪ )10‬النور‪.4 :‬‬
‫(‪ )11‬النور‪.19 :‬‬
‫‪---------------‬‬
‫‪-159‬حد الردة‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن السلم يقرر حرية اختيار الدين ‪ ،‬فالسلم ل يكره أحدا ً على‬
‫أن يعتنق أى دين يقول الله تعالى (ل إكراه فى الدين ) (‪.)1‬‬
‫غاية ما هنالك أن السلم ل يقبل الشرك بالله ول يقبل عبادة غير‬
‫الله وهذا من صلب حقيقة السلم باعتبار كونه دين من عند الله‬
‫جل وعل ‪ ،‬ومع ذلك يقبل النصارى واليهود ول يقاتلهم على ما‬
‫هم عليه ولكن يدعوهم إلى السلم‪ .‬كما أن السلم ل يبيح‬
‫الخروج لمن دخل فى دين الله ل يكلف أحدا ً أن يجهر بنصرة‬
‫السلم ‪ ،‬ولكنه ل يقبل من أحد ٍ أن يخذل السلم ‪ ،‬والذى يرتد‬
‫عن السلم ويجهر بذلك فإنه يكون عدوًّا للسلم والمسلمين‬
‫ويعلن حربا ً على السلم والمسلمين ول عجب أن يفرض السلم‬
‫قتل المرتد ‪ ،‬فإن كل نظام فى العالم حتى الذى ل ينتمى لى‬
‫دين تنص قوانينه أن الخارج عن النظام العام له عقوبة القتل ل‬
‫غير فيما يسمونه بالخيانة العظمى‪.‬‬
‫وهذا الذى يرتد عن السلم فى معالنة وجهر بارتداده ‪ ،‬إنما يعلن‬
‫بهذا حربا ً على السلم ويرفع راية الضلل ويدعو إليها المنفلتين‬
‫من غير أهل السلم وهو بهذا محارب للمسلمين يؤخذ بما يؤخذ‬
‫به المحاربون لدين الله‪.‬‬

‫‪876‬‬
‫والمجتمع المسلم يقوم أول ما يقوم على العقيدة واليمان‪.‬‬
‫فالعقيدة أساس هويته ومحور حياته وروح وجوده ‪ ،‬ولهذا ل‬
‫يسمح لحد أن ينال من هذا الساس أو يمس هذه الهوية‪ .‬ومن‬
‫هنا كانت الردة المعلنة كبرى الجرائم فى نظر السلم لنها خطر‬
‫على شخصية المجتمع وكيانه المعنوى ‪ ،‬وخطرعلى الضرورة‬
‫الولى من الضرورات الخمس " الدين والنفس والنسل والعقل‬
‫والمال "‪.‬‬
‫والسلم ل يقبل أن يكون الدين ألعوبة يُدخل فيه اليوم ويُخرج‬
‫منه غدا ً على طريقة بعض اليهود الذين قالوا‪( :‬آمنوا بالذى أنزل‬
‫على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ) (‪.)2‬‬
‫والردة عن السلم ليست مجرد موقف عقلى ‪ ،‬بل هى أيضا ً تغير‬
‫للولء وتبديل للهوية وتحويل للنتماء‪.‬‬
‫فالمرتد ينقل ولءه وانتماءه من أمة إلى أمة أخرى فهو يخلع‬
‫نفسه من أمة السلم التى كان عضوا ً فى جسدها وينقم بعقله‬
‫وقلبه وإرادته إلى خصومها ويعبر عن ذلك الحديث النبوى بقول‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه‪ [ :‬التارك لدينه المفارق‬
‫للجماعة ] (‪ ، )3‬وكلمة المفارق للجماعة وصف كاشف ل‬
‫منشئ ‪ ،‬فكل مرتد عن دينه مفارق للجماعة‪.‬‬
‫ومهما يكن جرم المرتد فإن المسلمين ل يتبعون عورات أحد ٍ ول‬
‫يتسورون على أحد ٍ بيته ول يحاسبون إل من جاهر بلسانه أو قلمه‬
‫أو فعله مما يكون كفرا ً بواحا ً صريحا ً ل مجال فيه لتأويل أو‬
‫احتمال فأى شك فى ذلك يفسر لمصلحة المتهم بالردة‪.‬‬
‫إن التهاون فى عقوبة المرتد المعالن لردته يعرض المجتمع كله‬
‫للخطر ويفتح عليه باب فتنة ل يعلم عواقبها إل الله سبحانه‪ .‬فل‬
‫يلبث المرتد أن يغرر بغيره ‪ ،‬وخصوصا ً من الضعفاء والبسطاء‬
‫من الناس ‪ ،‬وتتكون جماعة مناوئة للمة تستبيح لنفسها الستعانة‬
‫بأعداء المة عليها وبذلك تقع فى صراع وتمزق فكرى واجتماعى‬
‫وسياسى ‪ ،‬وقد يتطور إلى صراع دموى بل حرب أهلية تأكل‬
‫الخضر واليابس‪.‬‬
‫وجمهور الفقهاء قالوا بوجوب استتابة المرتد قبل تنفيذ العقوبة‬
‫فيه بل قال شيخ السلم ابن تيمية هو إجماع الصحابة ـ رضى‬
‫الله عنه ـ وبعض الفقهاء حددها بثلثة أيام وبعضهم بأقل وبعضهم‬
‫بأكثر ومنهم من قال يُستتاب أبدا ً ‪ ،‬واستثنوا من ذلك الزنديق ؛‬
‫ب الرسول صلى‬ ‫لنه يظهر خلف ما يبطن فل توبة له وكذلك سا ّ‬
‫الله عليه وسلم لحرمة رسول الله وكرامته فل تقبل منه توبة‬
‫َ‬
‫وأل ّف ابن تيمية كتابا ً فى ذلك أسماه " الصارم المسلول على‬
‫شاتم الرسول "‪.‬‬

‫‪877‬‬
‫والمقصود بهذه الستتابة إعطاؤه فرصة ليراجع نفسه عسى أن‬
‫حجة ويكلف العلماء بالرد على ما‬ ‫تزول عنه الشبهة وتقوم عليه ال ُ‬
‫حجة إن كان يطلب‬ ‫فى نفسه من شبهة حتى تقوم عليه ال ُ‬
‫الحقيقة بإخلص وإن كان له هوى أو يعمل لحساب آخرين ‪ ،‬يوليه‬
‫الله ما تولى‪.‬‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.156 :‬‬
‫(‪ )2‬آل عمران‪.72 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم‪.‬‬
‫‪------------------‬‬
‫حد ُّ الردَّة‬
‫دّين والحفاظ‬‫سياج المنيع والحصن الحصين لحماية هذا ال ِ‬ ‫هو ال ِّ‬
‫على المسلمين‬
‫تمهيد‬
‫تعريف الردة‬
‫أدلة كفر المرتد‬
‫كيفية توبة المرتد ردة مجردة‬
‫أدلة قتل المرتد‬
‫ل فرق بين الرجل والمرأة في إقامة حد الردة‬
‫أنواع الردة‬
‫أقوال أهل العلم في ذلك‬
‫نماذج للفرق المعاصرة المرتدة عن السلم‬
‫أسباب الوقوع في الردة‬
‫حكم من أباح الردة وأنكر حدها‬
‫تمهيد‬
‫الحمد لله الذي جعل الدَِّين قواماً‪ ،‬ومحمد بن عبد الله للمتقين‬
‫إماما ً صلى الله عليه وآله وسلم‪ ،‬والحدود الشرعية حافظاً‬
‫وسياجاً‪ ،‬والعلماء العاملين ردءا ً لدين الله عز وجل‪ ،‬ينفون عنه‬
‫تحريف الغالين‪ ،‬وتأويل المبطلين‪ ،‬وشبه وتشكيك الشاكين‪،‬‬
‫ودعاوى المارقين‪ ،‬فجزى الله السلم وجزاهم عنه خير الجزاء‪،‬‬
‫وأمدَّهم بعونه وتوفيقه‪ ،‬وحفظهم وكلهم بعين رعايته‪ ،‬إنه ولي‬
‫ذلك والقادر عليه‪ ،‬ول حول ول قوة إل به‪.‬‬
‫لقد رفع المنافقون ـ نفاق العتقاد ـ في الونة الخيرة عقيرتهم‪،‬‬
‫وأبانوا عن سوأتهم‪ ،‬وكشفوا عن قبيح معتقداتهم‪ ،‬وناصبوا المة‬
‫السلمة بعداوتهم‪ ،‬وحاربوها بالتشكيك والطعن في الثوابت‬
‫والمسلمات‪ ،‬بل بلغت بهم الجرأة والوقاحة أن أباحوا الردة‬
‫وأنكروا حدها‪ ،‬وساووا بين دين الحق والديان الباطلة‪ ،‬فازدادوا‬
‫كفرا ً ونفاقا ً إلى كفرهم ونفاقهم‪ ،‬لردهم لي القرآن‪ ،‬وصحيح‬

‫‪878‬‬
‫السنة‪ ،‬ودفعهم لما هو معلوم من الدين ضرورة‪ ،‬وذلك كله‬
‫لسكوت العلماء‪ ،‬ولحجام الحكام عن حماية شرع الله‪ ،‬فمن لم‬
‫يردعه القرآن أخافه السلطان‪ ،‬فالله يزع بالسلطان ما ل يزع‬
‫بالقرآن‪" :‬من أمن العقوبة أساء الدب"‪ ،‬ورحم الله المام أبا بكر‬
‫بن العربي المالكي عندما وصف كفر غلة الشيعة بأنه "كفر بارد‬
‫ل تسخنه إل حرارة السيف‪ ،‬أما دفء المناظرة فل يؤثر فيه"‪1.‬‬
‫فما الذي يردع هؤلء؟ وهم يرون من سبقهم من الزنادقة أمثال‬
‫سلمان رشدي‪ ،‬ونصر أبي زيد‪ ،‬والبغدادي‪ ،‬وغيرهم كثير ل كثر‬
‫الله من أمثالهم‪ ،‬يسرحون ويمرحون ويُحمون‪ ،‬وينادي بعض‬
‫المنهزمين من العلماء بعدم إقامة الحد على بعضهم بدعوى أنهم‬
‫تابوا !!‬
‫ترى ما الذي منع بشر المريسي من إظهار بدعة العتزال وكان‬
‫يعتقدها ويخفيها منذ عهد الرشيد؟ سوى خوفه من الرشيد‪ ،‬ولما‬
‫أمن العقوبة في عهد المأمون أساء الدب وأظهر ما كان يخفيه‪.‬‬
‫وبعد‪..‬‬
‫فهذا بحث عن تعريف الردة‪ ،‬وحدها‪ ،‬وأقسامها‪ ،‬وأدلة ذلك‪،‬‬
‫والسباب الداعية لها‪ ،‬وهل للمرتد من توبة؟ وعن أحكام المرتد‪،‬‬
‫وعمن قتله ولة أمر المسلمين من المرتدين قديما ً وحديثاً‪ ،‬كتبت‬
‫ذلك نصحا ً للمة‪ ،‬ومعذرة إلى ربي‪ ،‬ولعلهم يرجعون‪ ،‬وردا ً على‬
‫ما سطر ويسطر في الصحف هذه اليام من المتطفلين الجرآء‬
‫الجاهلين‪ ،‬وتهجمهم على الدين‪ ،‬وتشكيكهم في هذا الحد الذي‬
‫جعله الله حماية للدين‪ ،‬وزجرا ً للزنادقة المارقين‪ ،‬يقول شيخ‬
‫السلم ابن تيمية رحمه الله‪( :‬فإنه لو لم يقتل ذلك المرتد لكان‬
‫الداخل في الدين يخرج منه‪ ،‬فقتله حفظ لهل الدين وللدين‪،‬‬
‫فإن ذلك يمنع من النقص‪ ،‬ويمنعهم من الخروج عنه)‪2.‬‬
‫إذ ل يحل تأخير البيان عن وقت الحاجة‪ ،‬وقد تأخر‪ ،‬مما حدى‬
‫بهؤلء الوَّراقين السفهاء أن ينادوا بإسقاط حد الردة‪ ،‬ويعتبروا‬
‫إقامة حدها جريمة ل تغتفر‪" :‬كبُرت كلمة تخرج من أفواههم إن‬
‫يقولون إل كذباً"‪ ،‬ونبشر هؤلء أن حد الردة قائم ما قامت‬
‫السموات والرض‪ ،‬ولو اجتمع من في الرض جميعا ً لما‬
‫استطاعوا أن يسقطوا حدا ً من حدود الله‪ ،‬دعك عن مجموعة‬
‫الوراقين‪ ،‬ونذكرهم بأن دين الله منصور‪ ،‬وعليهم أن ل يغتروا‬
‫بغلبة إخوانهم أهل الكفر والفجور‪ ،‬فاليام دول‪ ،‬والحرب سجال‪،‬‬
‫والله غالب على أمره‪ ،‬ونذكرهم كذلك بأن إقامة الحد عليهم في‬
‫الدنيا أفضل لهم من إقامته عليهم يوم يقوم الشهاد‪.‬‬
‫على المسؤولين أن يتقوا الله في دينه‪ ،‬ويعملوا على إيقاف هذه‬
‫الحملت الكفرية التي يقودها الشيوعيون والمنافقون في‬

‫‪879‬‬
‫الصحف‪ ،‬وفي بعض الجامعات؛ في الصحف الحائطية‪ ،‬وأركان‬
‫النقاش‪ ،‬وليعلموا أن ذلك من أوجب واجباتهم‪ ،‬فليس هناك شيء‬
‫أوجب على الحاكم من حماية الدين وردع الزنادقة المارقين بعد‬
‫مموا نحو "المبريالية العالمية"‪ ،‬بعد‬ ‫أن خرجوا من أجحارهم‪ ،‬وي ّ‬
‫سقوط روسيا الشيوعية‪ ،‬عجبا ً لهؤلء الذين لم يرضوا بالله رباً‪،‬‬
‫وبالسلم ديناً‪ ،‬وبمحمد نبيا ً ورسولً‪ ،‬واستعاضوا عن ذلك‬
‫بالعبودية لغير الله‪ ،‬والعمالة لكل من يحاد ّ الله ورسوله‬
‫والمؤمنين‪" :‬ومن يهن الله فما له من مكرم"‪ ،3‬ل غرو في ذلك‬
‫فقد أصبحت روسيا نفسها عميلة لمريكا‪ ،‬فالعقوق سمة من‬
‫سمات هؤلء القوم‪ ،‬ومن قبل عقوا لدين آبائهم وأجدادهم‪.‬‬
‫والله أسأل أن يوفق ولة المر من الحكام والعلماء للقيام‬
‫بدورهم‪ ،‬وتحمل مسؤولياتهم‪ ،‬وأداء واجباتهم على الوجه الذي‬
‫يرضيه‪ ،‬وأن ينتقم من الكفار والمنافقين‪ ،‬وأن يخالف بين‬
‫قلوبهم‪ ،‬ويجعل كيدهم في نحورهم‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمد لله‬
‫رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على حامي حمى الدين‪ ،‬وعلى‬
‫آله وصحبه والتابعين‪.‬‬
‫تعريف الردة‬
‫الّرِدَّة هي الرجوع عن السلم كليا ً أوجزئيا ً بإنكار ما هو معلوم‬
‫من الدين ضرورة‪ ،‬بنفي ما أثبته الله ورسوله‪ ،‬أوإثبات ما نفاه‬
‫الله ورسوله‪ ،‬وتكون بالفعل‪ ،‬والترك‪ ،‬والنطق‪ ،‬والعتقاد‪،‬‬
‫والشك‪ ،‬جادا ً كان المرتد أم هازلً‪.‬‬
‫وبلفظ آخر أن يرتكب النسان ناقضا ً من نواقض السلم‪.‬‬
‫قال الكاساني الحنفي المتوفي ‪587‬هـ في بدائع الصنائع ‪( :4‬أما‬
‫ركن الردة فهو إجراء كلمة الكفر على اللسان بعد وجود اليمان‪،‬‬
‫إذ الردة عبارة عن الرجوع عن اليمان)‪.‬‬
‫وقال الصاوي المالكي المتوفى ‪1241‬هـ في "الشرح الصغير"‪:5‬‬
‫(الردة كفر مسلم بصريح من القول‪ ،‬أوقول يقتضي الكفر‪،‬‬
‫أوفعل يتضمن الكفر)‪.‬‬
‫وقال الشربيني الشافعي المتوفى ‪977‬هـ في "مغني المحتاج"‪:6‬‬
‫(الردة هي قطع السلم بنية أوفعل‪ ،‬سواء قاله استهزاءً أوعناداً‬
‫أواعتقاداً)‪.‬‬
‫شاف القناع"‪:7‬‬ ‫وقال البهوتي الحنبلي المتوفى ‪1050‬هـ في "ك َّ‬
‫(المرتد شرعا ً الذي يكفر بعد إسلمه نطقاً‪ ،‬أواعتقاداً‪ ،‬أوشكاً‪،‬‬
‫أوفعلً)‪.‬‬
‫أدلة كفر المرتد‬
‫كثيرة جداً‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪880‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر‬ ‫•‬
‫فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والخرة وأولئك أصحاب النار‬
‫هم فيها خالدون"‪8.‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب‬ ‫•‬
‫قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ل تعتذروا قد كفرتم بعد‬
‫إيمانكم"‪9.‬‬
‫وقوله‪" :‬إن الله ل يغفر أن يُشَرك به ويغفر ما دون ذلك‬ ‫•‬
‫لمن يشاء"‪10.‬‬
‫وقوله‪" :‬إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم‬ ‫•‬
‫ً‬
‫ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ول ليهديهم سبيلً"‪11.‬‬
‫وقوله‪" :‬ول ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين"‪12.‬‬ ‫•‬
‫وقوله‪" :‬من كفر بالله من بعد إيمانه إل من أكره وقلبه‬ ‫•‬
‫ً‬
‫مطمئن باليمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من‬
‫الله ولهم عذاب عظيم‪ .‬ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على‬
‫الخرة وأن الله ل يهدي القوم الكافرين"‪ ،13‬فلم يستثن إل‬
‫المكره من الكفر‪.‬‬
‫وقال عن كفر المنافقين الذين يتظاهرون بالسلم‬ ‫•‬
‫ل على أحد منهم مات أبدا ً ول تقم على‬ ‫ويبطنون الكفر‪" :‬ول تص ِّ‬
‫قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون"‪14.‬‬
‫وقال مميزا ً المنافقين على إخوانهم الكافرين لعظيم‬ ‫•‬
‫ضررهم على السلم والمسلمين‪" :‬إن المنافقين في الدرك‬
‫السفل من النار ولن تجد لهم نصيراً"‪15.‬‬
‫وقوله تعالى‪" :‬كيف يهدي الله قوما ً كفروا بعد إيمانهم‬ ‫•‬
‫وشهدوا أن الرسول حق‪ ..‬أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله‬
‫والملئكة والناس أجمعين"‪16.‬‬
‫وقال عن كفر تاركي الصلة‪" :‬ما سلككم في سقر‪ .‬قالوا‬ ‫•‬
‫لم نك من المصلين‪ .‬ولم نك ‪ 17‬نطعم المسكين‪ .‬وكنا نخوض مع‬
‫الخائضين ‪ .18‬وكنا نكذب بيوم الدين"‪19.‬‬
‫وقال عن المنافقين‪" :‬ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على‬ ‫•‬
‫قلوبهم فهم ل يفقهون"‪20.‬‬
‫حكم المرتد‬
‫(أ‌) في الدنيا‬
‫‪ .1‬يُفَّرق بينه وبين زوجته‪ ،‬فإن تاب قبل انقضاء عدتها رجعت‬
‫إليه‪ ،‬وإن انقضت عدتها قبل أن يتوب تبيَّن فسخ النكاح منذ‬
‫ارتداده‪ ،‬سواء كانت ردته قبل الدخول بها أوبعد الدخول‪.‬‬
‫‪ .2‬يُمنع من التصرف في ماله‪ ،‬وينفق منه على عياله‪ ،‬وتقضى‬
‫ديونه‪.‬‬

‫‪881‬‬
‫‪ .3‬ل يرث‪ ،‬ول يورث‪ ،‬لقوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل يرث‬
‫م"‪ ،21‬ويكون ما تركه فيئا ً لبيت‬ ‫م الكافَر ول الكافُر المسل َ‬ ‫المسل ُ‬
‫مال المسلمين‪ ،‬ومن أهل العلم من قال لورثته‪.‬‬
‫قال القرطبي عن ميراث المرتد‪( :‬قال علي بن أبي طالب‪،‬‬
‫حكَم‪ ،‬والليث‪ ،‬وأبوحنيفة‪ ،‬وإسحاق بن‬ ‫والحسن‪ ،‬والشعبي‪ ،‬وال َ‬
‫َراهَوَيْه‪ :‬ميراث المرتد لورثته من المسلمين‪ ،‬وقال مالك‪ ،‬وربيعة‪،‬‬
‫وابن أبي ليلى‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأبو ثور‪ :‬ميراثه في بيت المال)‪22.‬‬
‫والراجح ما ذهب إليه مالك والشافعي ومن وافقهما أن ميراثه‬
‫م الكافَر‪ ،"..‬وينفق‬ ‫لبيت مال المسلمين‪ ،‬للحديث‪" :‬ل يرث المسل ُ‬
‫على عياله من بيت مال المسلمين‪.‬‬
‫‪ .4‬يُقتل المرتد من غير استتابة إن قُدِر عليه‪ ،‬إذا كانت ردته‬
‫مغلظة‪ ،‬لن الردة تنقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫مغلظة‪ ،‬وهي ما تكون مصحوبة بمحاربة الله‪ ،‬ورسوله‪،‬‬ ‫•‬
‫وأوليائه من العلماء العاملين‪ ،‬وعداوتهم‪ ،‬والمبالغة في الطعن‬
‫في الدين‪ ،‬والتشكيك في الثوابت‪.‬‬
‫ومجردة‪ ،‬وهي التي لم تصحب بمحاربة ول عداوة ول طعن‬ ‫•‬
‫وتشكيك في الدين‪ ،‬وكل الثار التي وردت في استتابة المرتد‬
‫متعلقة بالردة المجردة‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله‪( :‬إن الردة على قسمين‪:‬‬
‫ردة مجردة‪ ،‬وردة مغلظة شرع القتل على خصوصها‪ ،‬وكلهما قد‬
‫قام الدليل على وجوب قتل صاحبها‪ ،‬والدلة الدالة على سقوط‬
‫م القسمين‪ ،‬بل إنما تدل على القسم الول ـ‬ ‫القتل بالتوبة ل تع ُّ‬
‫الردة المجردة ـ كما يظهر ذلك لمن تأمل الدلة على قبول توبة‬
‫المرتد‪ ،‬فيبقى القسم الثاني ـ الردة المغلظة ـ وقد قام الدليل‬
‫على وجوب قتل صاحبها‪ ،‬ولم يأت نص ول إجماع على سقوط‬
‫القتل عنه‪ ،‬والقياس متعذر مع وجود الفرق الجلي‪ ،‬فانقطع‬
‫اللحاق‪ ،‬والذي يحقق هذه الطريقة أنه لم يأت في كتاب ول سنة‬
‫ول إجماع أن كل من ارتد بأي قول أوبأي فعل كان فإنه يسقط‬
‫عنه القتل إذا تاب بعد القدرة عليه‪ ،‬بل الكتاب والسنة والجماع‬
‫رق بين أنواع المرتدين)‪23.‬‬ ‫قد ف َّ‬
‫قال في "نيل المآرب في تهذيب عمدة الطالب"‪( :24‬ول تقبل في‬
‫ب الله تعالى‪ ،‬أورسوله‪ ،‬سبا ً صريحاً‪ ،‬أوتنقصه‪،‬‬ ‫الدنيا توبة من س َّ‬
‫ول توبة من تكررت ردته‪ ،‬بل يقتل بكل حال‪ ،‬لن هذه الشياء‬
‫تدل على فساد عقيدته)‪.‬‬
‫م أومن ينوب عنه‪.‬‬ ‫‪ .5‬يتولى قتله الما ُ‬
‫‪ .6‬ل يغسل‪ ،‬ول يكفن‪ ،‬ول يصلى عليه‪ ،‬ول يدفن في مقابر‬
‫المسلمين‪.‬‬

‫‪882‬‬
‫‪ .7‬يبطل عمله‪ ،‬نحو حجة السلم‪ ،‬وهذا مذهب مالك ومن وافقه‪،‬‬
‫ن عملك ولتكونن من‬ ‫ت ليحبط َّ‬ ‫لقوله تعالى‪" :‬لئن أشرك َ‬
‫الخاسرين"‪ ،25‬وذهب الشافعي وأحمد إلى أن‪( :‬من ارتد ثم عاد‬
‫إلى السلم لم يحبط عمله ول حجه الذي فرغ منه‪ ،‬بل إن مات‬
‫على الردة فحينئذ تحبط أعماله‪ ،‬وقال مالك‪ :‬تحبط بنفس الردة‪،‬‬
‫ج ثم ارتد ثم أسلم‪ ،‬فقال مالك‪:‬‬ ‫ويظهر الخلف في المسلم إذا ح َّ‬
‫يلزمه الحج لن الول قد حبط بالردة)‪26.‬‬
‫(ب‌) في الخرة‬
‫إن تاب وصدق في توبته قبلت منه إن شاء الله‪ ،‬وإن لم يتب ولو‬
‫قتل في الدنيا فهو من أهل النار خالدا ً مخلدا ً فيها‪.‬‬
‫كيفية توبة المرتد ردة مجردة‬
‫‪ .1‬أن يشهد أن ل إله إل الله وأن محمدا ً عبده ورسوله‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يعلن رجوعه عما كان يعتقده‪ ،‬أويقوله‪ ،‬أويفعله بالتفصيل‬
‫على العامة‪ ،‬قال تعالى‪" :‬إل الذين تابوا وأصلحوا وبينوا" الية‪،‬‬
‫ت‬ ‫ل كذا وكذا‪ ،‬أوكن ُ‬ ‫ت أقو ُ‬
‫ت أعتقد ُ كذا وكذا‪ ،‬أوكن ُ‬ ‫بأن يقول‪ :‬كن ُ‬
‫ل كذا وكذا‪ ،‬وأنا راجع عن كل ذلك؛ ويُكتب ويُختم ويشهد‬ ‫أفع ُ‬
‫على ذلك‪ ،‬وإل ل تقبل توبته‪.‬‬
‫أدلة قتل المرتد‬
‫حد المرتد ثبت بالسنة القولية‪ ،‬والفعلية‪ ،‬والتقريرية‪ ،‬وبما ص َّ‬
‫ح‬
‫عن الخلفاء الراشدين وحكام المسلمين‪ ،‬وإليك الدلة‪:‬‬
‫(أ) من السنة القولية‪ ،‬والفعلية‪ ،‬والتقريرية‬
‫‪ .1‬خَّرج البخاري في صحيحه بسنده إلى أنس بن مالك رضي‬
‫الله عنه‪" :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح‪،‬‬
‫وعلى رأسه المغفر‪ ،‬فلما نزعه جاءه رجل فقال‪ :‬ابن أخطل‬
‫متعلق بأستار الكعبة؛ فقال‪ :‬اقتله"‪27.‬‬
‫وفي رواية للدارقطني كما قال الحافظ في الفتح ‪" :28‬من رأى‬
‫منكم ابن أخطل فليقتله"‪ ،‬ومن رواية زيد بن الحباب عن مالك‬
‫بهذا السناد‪" :‬وكان ابن أخطل يهجو رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بالشعر"‪.‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر‪( :‬وأخرج عمر بن شبة في "كتاب مكة"‬
‫من حديث السائب بن يزيد قال‪" :‬رأيت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم استخرج من تحت أستار الكعبة عبد الله بن أخطل‬
‫فضربت عنقه صبرا ً بين زمزم ومقام إبراهيم‪ ،‬وقال‪" :‬ل يقتلن‬
‫قرشي بعد هذا صبراً"‪ ،‬ورجاله ثقات‪ ،‬إل أن في أبي معشر مقالً‪،‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫وقال ‪ :29‬وروى الطبراني من حديث ابن عباس ‪..‬وقد كان رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أمر أمراءه أن ل يقتلوا إل من قاتلهم‪،‬‬

‫‪883‬‬
‫ماهم‪ ،‬وقد جمعت أسماءهم من مفرقات‬ ‫غير أنه أهدر دم نفر س َّ‬
‫الخبار‪ ،‬وهم‪ :‬عبدالعزى بن أخطل‪ ،‬وعبد الله بن أبي السرح‪،‬‬
‫وعكرمة بن أبي جهل‪ ،‬والحويرث بن نُقَيد بنون وقاف مصغَّر‪،‬‬
‫صبَابة بمهملة مضمومة وموحدتين الولى خفيفة‪،‬‬ ‫ومقيس بن َ‬
‫وهبار بن السود‪ ،‬وقينتان كانتا لبن أخطل كانتا تغنيان بهجو النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وسارة مولة بني عبد المطلب وهي التي‬
‫جد َ معها كتاب حاطب‪ ،‬فأما ابن أبي السرح فكان أسلم ثم ارتد‬ ‫وُ ِ‬
‫فشفع فيه عثمان يوم الفتح إلى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫صبَابة فكان أسلم ثم‬ ‫فحقن دمه وقبل إسلمه‪ ..‬وأما مقيس بن َ‬
‫عدا على رجل من النصار فقتله‪ ،‬وكان النصاري قتل أخاه‬
‫هشاما ً خطأ‪ ،‬فجاء مقيس فأخذ الدية ثم قتل النصاري ثم ارتد‪،‬‬
‫فقتله نميلة بن عبد الله يوم الفتح)‪.‬‬
‫وشاهدنا من هؤلء في إهدار دم وقتل من أسلم ثم ارتد وهم‪:‬‬
‫عبد الله بن أبي السرح‪ ،‬ومقيس بن صبابة‪ ،‬وسارة‪.‬‬
‫ح عن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه إلى الرسول‬ ‫‪ .2‬ما ص َّ‬
‫صلى الله عليه وسلم بأنه قال‪" :‬من بدَّل دينه فاقتلوه"‪30.‬‬
‫م امرئ‬ ‫لد ُ‬‫‪ .3‬وما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‪" :‬ل يح ُّ‬
‫مسلم إل بإحدى ثلث"‪ ،‬وذكر منهم‪" :‬التارك لدينه المفارق‬
‫للجماعة"‪31.‬‬
‫(ب) قتل الخلفاء الراشدين والصحابة المهديين للمرتدين‬
‫قتل أبي موسى ومعاذ رضي الله عنهما ليهودي أسلم ثم تهوَّد‬
‫خَّرج البخاري في صحيحه بسنده إلى أبي موسى عندما بعثه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ثم أتبعه بمعاذ‪ ،‬فلما‬
‫قدم معاذ على أبي موسى ألقى له وسادة‪ ،‬قال‪ :‬انزل‪ ،‬فإذا رجل‬
‫عنده موثق‪ ،‬قال‪ :‬ما هذا؟ قال‪ :‬كان يهوديا ً فأسلم ثم تهود؛ قال‪:‬‬
‫اجلس؛ قال‪ :‬ل أجلس حتى يُقتل قضاء الله ورسوله‪ ،‬ثلث‬
‫مرات؛ فأمر به فقتل"‪32.‬‬
‫إقناع أبي بكر لعمر وغيره بقتال المترتدين‪ ،‬وإجماع الصحابة‬
‫على قتلهم بعدُ‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪" :‬لما توفي النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم واستخلف أبو بكر‪ ،‬وكفر من كفر من العرب‪ ،‬قال‬
‫عمر‪ :‬يا أبا بكر‪ ،‬كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل إله إل الله‪،‬‬
‫فمن قال ل إله إل الله عصم مني ماله ونفسه إل بحقه‪ ،‬وحسابه‬
‫على الله؛ قال أبو بكر‪ :‬والله لقاتلن من فَّرق بين الصلة‬
‫والزكاة‪ ،‬فإن الزكاة حق المال‪ ،‬والله لو منعوني عناقا ً كانوا‬
‫يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على‬

‫‪884‬‬
‫ت أن قد شرح الله صدر‬ ‫منعها؛ قال عمر‪ :‬فوالله ما هو إل أن رأي ُ‬
‫ت أنه الحق"‪33.‬‬ ‫أبي بكر للقتال فعرف ُ‬
‫الذين قاتلهم الصديقُ ثلث طوائف كما قال ابن حزم رحمه الله‬
‫في الملل والنحل‪:‬‬
‫طائفة أعلنت الكفر وارتدت‪ ،‬واتبعت المتنبئين مسيلمة‪،‬‬ ‫•‬
‫وطليحة‪ ،‬والسود‪ ،‬وسجاح‪.‬‬
‫وطائفة بقيت على إسلمها ولكن منعوا الزكاة‪.‬‬ ‫•‬
‫وطائفة تربصت حتى ترى لمن الغلبة‪.‬‬ ‫•‬
‫فقُتل السود العنسي‪ ،‬ومسيلمة‪ ،‬وعاد طليحة إلى السلم وكذا‬
‫سجاح‪ ،‬ورجع غالب من كان ارتد إلى السلم‪ ،‬ولم يحل الحول إل‬
‫والجميع قد راجعوا دين السلم ولله الحمد كما قال الحافظ ابن‬
‫حجر ‪ ،34‬وذلك بفضل الله‪ ،‬ثم عزيمة وشجاعة أبي بكر وإقامة‬
‫هذا الحد على المرتدين‪ ،‬الذي لوله لضاع الدين ولتهدمت أركانه‪.‬‬
‫َ‬
‫ي وحرقه لجماعة من الرافضة أل ّهوه وعبدوه‬ ‫قتل عل ّ‬
‫خَّرج البخاري في صحيحه عن عكرمة قال‪ :‬أتي علي رضي الله‬
‫ت أنا لم‬‫عنه بزنادقة فأحرقهم‪ ،‬فبلغ ذلك ابن عباس‪ ،‬فقال‪ :‬لو كن ُ‬
‫أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل تعذبوا بعذاب‬
‫الله"‪ ،‬ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬من‬
‫بدَّل دينه فاقتلوه"‪35.‬‬
‫خرج علي يوما ً من المسجد بالكوفة بباب كندة فإذا جماعة من‬
‫الرافضة المخذولين سجدوا له‪ ،‬فقال لهم‪ :‬ما هذا؟ قالوا له‪ :‬أنت‬
‫خالقنا ورازقنا؛ فقال لهم‪ :‬سبحان الله إنما أنا بشر مثلكم إن‬
‫ي ثلثة أيام‪،‬‬‫شاء رحمني‪ ،‬وإن شاء عذبني؛ فاستتابهم عل ٌّ‬
‫وتهددهم إن لم يتوبوا بالحراق بالنار‪ ،‬فلم يفد‪ ،‬فأمر بحفر‬
‫الخاديد وملها بالحطب وأشعلها ناراً‪ ،‬ثم ألقاهم فيها‪ ،‬وقال‬
‫مرتجزاً‪:‬‬
‫ت‬‫أججت ناري ودعو ُ‬ ‫ت المر أمرا ً منكرا ً‬‫لما رأي ُ‬
‫قنبرا ‪36‬‬
‫فهؤلء الزنادقة لم يقاتلوا ولم يحاربوا علياً‪ ،‬بل عبدوه‪ ،‬ومع ذلك‬
‫قتلهم ثم حرقهم بالنار بعد قتلهم تعزيراً‪ ،‬مما يدل على أنه ل‬
‫فرق بين الردة الفكرية أوالمصحوبة بمحاربة في العقوبة‪ ،‬بل‬
‫كانت عقوبة هؤلء الزنادقة أشد‪ ،‬لتخاذهم عليا ً رضي الله عنه‬
‫إلهاً‪.‬‬
‫قتل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لشيخ نصراني أسلم ثم‬
‫ارتد عن السلم‬
‫فقال له علي‪ :‬لعلك إنما ارتددت لن تصيب ميراثاً ‪ 37‬ثم ترجع‬
‫إلى السلم؟ قال‪ :‬ل؛ قال‪ :‬فلعلك خطبت امرأة فأبوا أن‬

‫‪885‬‬
‫يزوجوكها‪ ،‬فأردت أن يزوجوكها ثم تعود إلى السلم؟ قال‪ :‬ل؛‬
‫قال‪ :‬فارجع إلى السلم؛ قال‪ :‬ل‪ ،‬حتى ألقى المسيح؛ قال‪ :‬فأمر‬
‫ي فضربت عنقه‪ ،‬ودفع ميراثه إلى ولده من المسلمين‪38.‬‬ ‫به عل ّ‬
‫صر بعد إسلمه‬ ‫سوَر العجلي تن َّ‬‫م ْ‬
‫وعن أبي عمرو الشيباني أن ال ِ‬
‫فبعث به عتيبة بن أبي وقاص إلى علي فاستتابه‪ ،‬فلم يتب‪،‬‬
‫ي وأحرقه‪39.‬‬ ‫فقتله‪ ،‬فسأله النصارى جيفته بثلثين ألفاً‪ ،‬فأبى عل ٌّ‬
‫قتل أبي موسى الشعري رضي الله عنه لستة نفر من بكر بن‬
‫وائل كانوا قد ارتدوا عن السلم ‪40‬‬
‫أخذ ابن مسعود رضي الله عنه قوما ً ارتدوا عن السلم من أهل‬
‫العراق‬
‫فكتب فيهم إلى عثمان رضي الله عنه‪ ،‬فرد ّ عليه عثمان‪ :‬أن‬
‫اعرض عليهم دين الحق‪ ،‬وشه‪،‬ادة أن ل إله إل الله‪ ،‬فإن قبلـوها‬
‫ل عنهم‪ ،‬فإن لم يقبلوها فاقتلهم‪ ،‬فقبلهـا بعضهم فتركهم‪ ،‬ولم‬ ‫فخ ِّ‬
‫يقبلها بعضهم فقتلهم‪41 .‬‬
‫(ج) الجماع‬
‫لهذا أجمعت المة من لدن الصحابة ومن بعدهم على قتل‬
‫المرتد‪.‬‬
‫(د) قتل ولة أمر المسلمين للزنادقة والمرتدين‬
‫قتل عبد الملك بن مروان رحمه الله لمعبد الجهني‪ ،‬لنه أول من‬
‫تكلم في القدر‬
‫قال ابن كثير‪( :‬وقد كانت لمعبد عبادة وفيه زهادة‪ ..‬وقال الحسن‬
‫البصري‪ :‬إياكم ومعبدا ً فإنه ضال مضل‪ ..‬صلبه عبد الملك بن‬
‫مروان في سنة ثمانين بدمشق ثم قتله)‪ ،42‬جزاه الله خيراً‪.‬‬
‫قتل عبد الملك بن مروان للحارث الكذاب‬
‫وكانت له علقة بالشياطين‪ ،‬فأضلته‪ ،‬فقتله عبد الملك بن مروان‬
‫بدمشق‪43.‬‬
‫قتل المير خالد بن عبد الله القسري للجعد بن درهم‪ ،‬لنكاره‬
‫لصفتين من صفات الله عز وجل‬
‫عن حبيب بن أبي حبيب قال‪( :‬خطبنا خالد بن عبد الله القسري‬
‫بواسط يوم الضحى فقال‪ :‬أيها الناس ارجعوا فضحوا تقبل الله‬
‫منا ومنكم‪ ،‬فإني مضح بالجعد بن درهم‪ ،‬إنه زعم أن الله تبارك‬
‫وتعالى لم يتخذ إبراهيم خليلً‪ ،‬ولم يكلم موسى تكليماً‪ ،‬سبحانه‬
‫وتعالى عما يقوله الجعد بن درهم علوا ً كبيراً؛ ثم نزل فذبحه‪،‬‬
‫وكان ذلك في سنة ‪124‬ﻫ )‪44.‬‬
‫قتل أسلم بن أحوز للجهم بن صفوان لنكاره لصفات الله عز‬
‫وجل متوهما ً تنزيهه بذلك‬

‫‪886‬‬
‫م بن‬
‫قـال الذهبي رحمـه الله‪( :‬إن أسلم بن أحـوز قتل جه َ‬
‫صفـوان لنكاره أن الله كلم موسى)‪ ،45‬وكان ذلك في سنة ‪128‬ﻫ‬
‫‪.‬‬
‫ً‬
‫قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله‪( :‬وكان الجعد يسأل وهبا عن‬
‫صفات الله عز وجل‪ ،‬فقال له وهب يوماً‪ :‬ويلك يا جعد‪ ،‬أقصر‬
‫المسألة عن ذلك‪ ،‬إني لظنك من الهالكين‪ ،‬لو لم يخبرنا الله في‬
‫كتابه أن له يدا ً ما قلنا ذلك‪ ،‬وأن له عينا ً ما قلنا ذلك‪ ،‬وأن له‬
‫سمعا ً ما قلنا ذلك)‪46.‬‬
‫هذه السلسلة الشيطانية الخبيثة‪ :‬الجهم بن صفوان‪ ،‬عن الجعد‬
‫بن درهم‪ ،‬عن معبد الجهني‪ ،‬ثمرة خبيثة من ثمار علم الكلم‬
‫والجدل‪.‬‬
‫وروى الدارمي عثمان بن سعيد في كتابه "الرد على الجهمية"‪47‬‬
‫(أتى خالد بن عبد الله القسري برجل قد عارض القرآن‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ل لربك وانحر‪ .‬إن‬ ‫قال الله في كتابه‪" :‬إنا أعطيناك الكوثر‪ .‬فص ِّ‬
‫شانئك هو البتر"‪ ،‬وقلت أنا‪ :‬إنا أعطيناك الجماهر‪ ،‬فصل لربك‬
‫وجاهر‪ ،‬ول تطع كل سافه وكافر؛ فضرب خالد عنقه‪ ،‬وصلبه‪،‬‬
‫فمَّر به خلف بن خليفة وهو مصلوب‪ ،‬فضرب بيده على خشبته‬
‫فقال‪ :‬إنا أعطيناك العمود‪ ،‬فصل لربك على عود‪ ،‬فأنا ضامن لك‬
‫أل تعود)‪.‬‬
‫روى الذهبي بسنده إلى أبي بكر بن عياش‬
‫ت خالدا ً القسري حين أتى بالمغيرة بن سعيد وأصحابه‪،‬‬ ‫قال‪" :‬رأي ُ‬
‫وكان يريهم ـ أي المغيرة ـ أنه يحيي الموتى‪ ،‬فقتل خالد واحداً‬
‫منهم‪ ،‬ثم قال للمغيرة‪ :‬أحيه؛ فقال‪ :‬والله ما أحيي الموتى؛ قال‪:‬‬
‫ن من قصب فأضرموه‪،‬‬ ‫لتحيينه أولضربن عنقك؛ ثم أمر بط َ ٍ ّ‬
‫فقال‪ :‬اعتنقه فأبى؛ فعدا رجل من أتباعه فاعتنقه‪ ،‬قال أبو بكر‪:‬‬
‫ت النار تأكله وهو يشير بالسبابة‪ ،‬فقال خالد‪ :‬هذا والله أحق‬ ‫فرأي ُ‬
‫بالرئاسة منك؛ ثم قتله وقتل أصحابه‪.‬‬
‫قال الذهبي عن المغيرة هذا‪( :‬كان رافضياً‪ ،‬خبيثاً‪ ،‬كذاباً‪ ،‬ساحراً‪،‬‬
‫ضل عليا ً على النبياء‪ ،‬وكان مجسماً‪ ،‬سقت‬ ‫ادعى النبوة‪ ،‬وف َّ‬
‫أخباره في "ميزان العتدال"‪) 49 48‬‬
‫ثم ذكر الذهبي قتل خـالد للجعد بن درهم‪ ،‬ثم قال‪( :‬هذه من‬
‫حسنـاته‪ ،‬هي وقتله مغيرة الكـذاب)‪50.‬‬
‫ت‪ :‬كان خالد القسري شجاعا ً كريماً‪ ،‬ولكنه كان رقيق الدين‬ ‫قل ُ‬
‫مبيرا ً كالحجاج بن يوسف‪ ،‬وقد صدق رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬إن الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر"‪ ،‬لن فجوره‬
‫لنفسه‪ ،‬وقتله لهذين المرتدين من حسناته التي نسأل الله أن‬
‫يكفر بها سيئاته‪.‬‬

‫‪887‬‬
‫قتل هشام بن عبد الملك لغيلن القدري لنكاره القدر‪ ،‬بعد أن‬
‫تهدده عمر بن عبد العزيز بالقتل من قبل‪ ،‬ولكنه تظاهر بالتوبة‪.‬‬
‫تتبع الخليفة المهدي العباسي للمرتدين والزنادقة وقتله لهم‬
‫قال الحافظ ابن كثير رحمه الله وهو يؤرخ لعام ست وسبعين‬
‫ومائة‪( :‬وفيها تتبع المهدي جماعة من الزنادقة في سائر الفاق‬
‫فاستحضرهم وقتلهم صبرا ً بين يديه‪ ،‬وكان المتولي أمر الزنادقة‬
‫عمر الكلواذي)‪51.‬‬
‫وقال الذهبي في ترجمة المهدي‪( :‬كان جواداً‪ ،‬ممداحاً‪ ،‬معطاءً‪،‬‬
‫محببا ً إلى الرعية‪ ،‬قصابا ً في الزنادقة‪ ،‬باحثا ً عنهم)‪52.‬‬
‫وقال ابن الجوزي في كتابه "المنتَظَم في تاريخ الملوك والمم"‬
‫‪ 53‬وهو يؤرخ لعام سبع وستين بعد المائة‪( :‬وفيها جد َّ المهدي في‬
‫طلب الزنادقة والبحث عنهم في الفاق وقتلهم‪ ،‬فولى أمرهم‬
‫عمـر الكلواذيّ‪ ،‬فأخـذ يزيد بن الفيض كاتب المنصور‪ ،‬فأقر‬
‫فحبس فهرب من الحبس‪.‬‬
‫ح بن عبد القدوس‬ ‫ثم روى بسنده قائلً‪ :‬اتهم المهدي صال َ‬
‫البصري بالزندقة‪ ،‬فأمر بحمله إليه فأحضر‪.‬‬
‫إلى أن قال‪ :‬قال ابن ثابت‪ :‬وقيل إنه بلغه عنه أبيات يعّرِض فيها‬
‫بالنبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قال‪ :‬ويقال إنه كان مشهوراً‬
‫بالزندقة‪ ،‬وله مع أبي الهذيل العلف مناظرات)‪.‬‬
‫قتل الخليفة موسى الهادي العباسي لبعض الزنادقة والمرتدين‬
‫روى ابن الجوزي بسنده إلى المطلب بن عكاشة المزني قال‪:‬‬
‫(قدمنا على أمير المؤمنين الهادي شهودا ً على رجل منا شتم‬
‫قريشا ً وتخطى إلى ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فجلس‬
‫لنا مجلسا ً أحضر فيه فقهاء أهل زمانه‪ ،‬ومن كان بالحضرة على‬
‫بابه‪ ،‬وأحضر الرجل وأحضرنا‪ ،‬فشهدنا عليه بما سمعنا منه‪ ،‬فتغير‬
‫وجه الهادي ثم نكس رأسه ثم رفعه فقال‪ :‬إني سمعت أبي‬
‫المهدي يحدث عن أبي المنصور‪ ،‬عن أبيه محمد بن علي عن أبيه‬
‫علي بن عبد الله‪ ،‬عن أبيه عبد الله بن عباس قال‪ :‬من أراد هوان‬
‫قريش أهانه الله‪ ،‬وأنت يا عدو الله لم ترض بأن أردت ذلك من‬
‫ت إلى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬ ‫قريش حتى تخطي َ‬
‫اضربوا عنقه؛ فما برحنا حتى قتل)‪54.‬‬
‫وقال ابن الجوزي وهو يؤرخ لسنة تسع وستين ومائة ‪( :55‬وفيها‬
‫اشتد ّ طلب موسى للزنادقة‪ ،‬فقتل منهم جماعة‪ ،‬فكان فيمن قتل‬
‫كاتب يقطين وابنه علي بن يقطين‪ ،‬وكان علي قد حج فنظر إلى‬
‫الناس في الطواف يهرولون‪ ،‬فقال‪ :‬ما أشبههم ببقر يدور في‬
‫البيدر؛ فقال شاعر‪:‬‬
‫وارث الكعبـة و المنبـر‬ ‫قـل لمين الله في خـلقه‬

‫‪888‬‬
‫يشبِّه الكعبـة بالبيــدر؟‬ ‫ماذا ترى في رجل كافـر‬
‫مرا ً يَدُوس البَُّر‬
‫ح ْ‬
‫ُ‬ ‫ويجعل الناس إذا ما سعوا‬
‫والدَّوسر؟‬
‫فقتله موسى ثم صلبه‪.‬‬
‫إلى أن قال‪ :‬وقتل من بني هاشم يعقوب بن الفضل بن عبد‬
‫الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب‪ ،‬وكان‬
‫المهدي أتى به وبابن لداود بن علي فحبسهما لما أقّرا بالزندقة‪،‬‬
‫ت! أما والله لول أني‬ ‫وقال ليعقوب‪ :‬لول محمد رسول الله من كن َ‬
‫ت على الله عهدا ً إن ولني أن ل أقتل هاشميا ً لما‬ ‫كنت جعل ُ‬
‫ت عليك‬ ‫ناظرتك؛ ثم التفت إلى الهادي‪ ،‬فقال‪ :‬يا موسى‪ ،‬أقسم ُ‬
‫ت هذا المر من بعدي أن ل تناظرهما ساعة واحدة‪،‬‬ ‫بحقي إن ولي َ‬
‫فمات ابن داود بن علي في الحبس قبل وفاة المهدي‪ ،‬فلما قدم‬
‫الهادي من جرجان ذكر وصية المهدي‪ ،‬فأرسل إلى يعقوب وألقى‬
‫عليه فراشا ً وأقعِدت عليه الرجال حتى مات‪ ،‬ولها عنه)‪.‬‬
‫قتل أبي منصور الحلج وصلبه لدعائه اللوهية‪ ،‬والقول بالحلول‪،‬‬
‫وقوله‪" :‬أنا الحق"‪ ،‬مع تمسكه في الظاهر بالشريعة‬
‫قال القاضي عياض رحمه الله‪( :‬وقد أحرق علي بن أبي طالب‬
‫رضي الله عنه من ادعى اللوهية‪ ،‬وقد قتل عبد الملك بن مروان‬
‫الحارث المتنبئ وصلبه وفعل ذلك غير واحد من الخلفاء والملوك‬
‫بأشباههم‪ ،‬وأجمع علماء وقتهم على صواب فعلهم‪ ..‬والمخالف‬
‫في ذلك في كفرهم كافر‪.‬‬
‫وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر (توفي ‪320‬ﻫ) من المالكية ـ‬
‫وغيرهم ـ وقاضي قضاتها أبو عمر ‪ 56‬المالكي على قتل الحلج‬
‫وصلبه لدعواه اللوهية‪ ،‬والقول بالحلول‪ ،‬وقوله‪" :‬أنا الحق"‪ ،‬مع‬
‫تمسكه في الظاهر بالشريعة‪ ،‬ولم يقبلوا توبته)‪57.‬‬
‫وقال الذهبي عن الحلج‪( :‬فهو صوفي الزي والظاهر‪ ،‬متستر‬
‫بالنسب إلى العارفين‪ ،‬وفي الباطن فهو من صوفية الفلسفة‬
‫أعداء الرسل‪ ،‬كما كان جماعة في أيام النبي منتسبون إلى‬
‫صحبته وإلى ملته وهم في الباطن من مردة المنافقين‪ ،‬قد‬
‫ليعرفهم النبي ول علم بهم‪ ،‬قال تعالى‪" :‬ومن أهل المدينة‬
‫مردوا على النفاق ل تعلمهم"‪ ،‬فإذا جاز على سيد البشر أن ل‬
‫يعلم ببعض المنافقين وهم معه في المدينة سنوات فبالولى أن‬
‫يخفى حال جماعة من المنافقين الفارغين عن دين السلم بعده‬
‫عليه السلم على العلماء من أمته)‪58 .‬‬
‫روى الحـافظ ابن كثير عن الخطيب البغـدادي بسنده عن أبي‬
‫عمـر بن حيـوة قال‪( :‬لما أُخرج الحسين بن منصور الحلج للقتل‪،‬‬
‫مضيت في جملة الناس‪ ،‬ولم أزل أزاحم حتى رأيته فدنوت منه‬

‫‪889‬‬
‫فقال لصحابه‪ :‬ل يهولنكم هذا المر‪ ،‬فإني عائد إليكم بعد ثلثين‬
‫يوماً؛ ثم قتل فما عاد‪ ،‬وذكر الخطيب أنه قال وهو يُضرب لمحمد‬
‫بن عبد الصمد والي الشرطة‪ :‬ادع بي إليك فإن عندي نصيحة‬
‫تعدل فتح القسطنطينية؛ فقال له‪ :‬قد قيل لي إنك ستقول مثل‬
‫هذا‪ ،‬وليس إلى رفع الضرب عنك سبيل؛ ثم قطعت يداه ورجله‪،‬‬
‫وحز رأسه‪ ،‬وأحرقت جثته‪ ،‬وألقي رمادها في دجلة‪ ،‬ونصب‬
‫الرأس يومين ببغداد على الجسر‪ ،‬ثم حمل إلى خرسان‪ ،‬وطيف‬
‫به في تلك النواحي‪ ،‬وجعل أصحابه يَعِدُون أنفسهم برجوعه إليهم‬
‫بعد ثلثين يوماً‪ ،‬وزعم بعضهم أنه رأى الحلج من آخر ذلك اليوم‬
‫وهو راكب على حمار في طريق النهروان ‪ ،59‬فقال‪ :‬لعلك من‬
‫هؤلء النفر الذين ظنوا أني أنا هو المضروب المقتول‪ ،‬إني لست‬
‫به‪ ،‬وإنما ألقي شبهي على رجل ففعل به ما رأيتم (!!)؛ وكانوا‬
‫بجهلهم يقولون‪ :‬إنما قتل عدو من أعداء الحلج؛ فذكر هذا لبعض‬
‫علماء ذلك الزمان‪ ،‬فقال‪ :‬إن كان هذا الرائي صادقاً‪ ،‬فقد تبدى‬
‫له شيطان على صورة الحلج ليضل الناس به‪ ،‬كما ضلت فرقة‬
‫النصارى بالمصلوب‪.‬‬
‫إلى أن قال الخطيب‪ :‬ونودي ببغداد أن ل تشترى كتب الحلج ول‬
‫تباع‪ ،‬وكان قتله لست بقين من ذي القعدة سنة تسع وثلثمائة‬
‫ببغداد)‪60.‬‬
‫ابن أبي الفراقيد قتل بسبب ادعائه اللوهية سنة ‪322‬ﻫ‬
‫قال القاضي عياض‪( :‬وكذلك حكموا ـ أي العلماء ـ في ابن أبي‬
‫الفراقيد وكان على نحو مذهب الحلج بعد هذا أيام الراضي بالله‬
‫ـ العباسي المتوفي ‪329‬هـ وقاضي قضاة بغداد يومئذ أبو الحسين‬
‫بن أبي عمر المالكي)‪61.‬‬
‫قال محقق الشفا‪( :‬هو محمد بن علي بن أبي الفراقيد‪ ،‬شاع‬
‫أمره في بغداد‪ ،‬وادعى اللوهية‪ ،‬وأنه يحيي الموتى‪ ،‬فطلبه‬
‫الراضي فهرب سنين‪ ،‬ثم عاد فهجم عليه ابن مقلة وأمسكه‬
‫فأثبت كفره وكتب عليه القضاة‪ ،‬وأفتوا بقتله‪ ،‬وأحرقت جثته سنة‬
‫اثنتين وعشرين وثلثمائة)‪62.‬‬
‫ابن أبي عون‪ ،‬وكان على طريقة الحلج فقتل‬
‫قال محقق الشفا‪( :‬وتبعه ـ أي ابن أبي الفراقيد ـ على حاله ابن‬
‫أبي عون صاحب "كتاب التنبيه" فقتل معه)‪63.‬‬
‫جب"‬ ‫قتل المير عبد الرحمن بن الحكم رحمه الله "لبن أخي ع َ َ‬
‫لتعرضه بساقط القول وسخيفه للرب جل جلله‬
‫قال القاضي عياض رحمه الله‪( :‬وأما من تكلم من سقط وسخف‬
‫اللفظ ممن لم يضبط كلمه‪ ،‬وأهمل لسانه‪ ،‬بما يقتضي‬
‫الستخفاف بعظمة ربه‪ ،‬وجللة موله‪ ..‬أوتمثل في بعض الشياء‬

‫‪890‬‬
‫ببعض ما عظم الله من ملكوته‪ ،‬أونزع من الكلم لمخلوق بما ل‬
‫يليق إل حق خالقه غير قاصد للكفر والستخفاف ول عامد‬
‫ل على تلعبه بدينه‪،‬‬ ‫لللحاد‪ ،‬فإن تكرر هذا منه‪ ،‬وعرف به‪ ،‬د ّ‬
‫واستخفافه بحرمة ربه‪ ،‬وجهله بعظيم عزته وكبريائه‪ ،‬هذا كفر ل‬
‫مرية فيه‪ ،‬وكذلك إن كان ما أورده يوجب الستخفاف والتنقص‬
‫لربه‪.‬‬
‫صبَغ ‪ 65‬بن خليل من فقهاء قرطبة بقتل‬ ‫وقد أفتى ابن حبيب ‪ 64‬وأ ْ‬
‫جب ‪ ،66‬وكان خرج يوما ً فأخذه المطر‪،‬‬ ‫المعروف بابن أخي ع َ َ‬
‫فقال‪" :‬بدأ الخراز يرش جلوده"‪ ،67‬وكان بعض الفقهاء بها‪ ..‬أبو‬
‫زيد صاحب الثمانية ‪ ،68‬وعبد العلى بن وهب‪ ،‬وأبان بن عيسى‪،‬‬
‫وقد توقفوا عن سفك دمه‪ ،‬وأشاروا إلى أنه عبث بالقول‪ ،‬ويكفي‬
‫فيه الدب‪ ،‬وأفتى بمثله القاضي حينئذ موسى بن زياد‪ ،‬فقال ابن‬
‫حبيب‪ :‬دمه في غيض‪ ..‬أيشتم ربا ً عبدناه ثم ل ننتصر له؟! إنا إذاً‬
‫لعبيد سوء‪ ،‬ما نحن له بعابدين؛ وبكى‪ ،‬وُرفِع المجلس إلى المير‬
‫جب عمة هذا‬ ‫بها عبدالرحمن بن الحكم الموي‪ ،‬وكانت ع َ َ‬
‫المطلوب من حظاياه‪ ،‬وأعلِم باختلف الفقهاء ‪ ،69‬فخرج الذن‬
‫من عنده بالخذ بقول ابن حبيب وصاحبه‪ ،‬وأمر بقتله‪ ،‬فقتل‬
‫وصلب بحضرة الفقيهين‪ ،‬وعزل القاضي بالمداهنة في هذه‬
‫القضية‪ ،‬ووبخ بقية الفقهاء وسبهم)‪70.‬‬
‫جزى الله المير عبد الرحمن بن الحكم ومن قبل المامين ابن‬
‫حبيب وأصبغ على غيرتهما على الدين‪ ،‬وحمايتهما لجناب رب‬
‫العالمين‪ ،‬ولخذهما بالعزيمة‪ ،‬وعدم التفاتهما للقوال الضعيفة‪،‬‬
‫والهفوات‪ ،‬والزلت التي ليس فيها نصر للسلم‪ ،‬ول للسفهاء‬
‫اللئام من النام‪.‬‬
‫قتل ابن الهيثي لكفره واستهانته بآيات الله ‪626‬ﻫ‬
‫قال الحافظ ابن كثير رحمه الله وهو يؤرخ لسنة ‪626‬ﻫ‪( :‬وفي يوم‬
‫الثلثاء حادي عشرين ربيع أول ضربت عنق ناصر بن الشرف أبي‬
‫الفضل بن إسماعيل بن الهيثي بسوق الخيل على كفره‬
‫واستهانته واستهتاره بآيات الله‪ ،‬وصحبته الزنادقة‪ ،‬كالنجم بن‬
‫خلكان‪ ،‬والشمس محمد الباجريقي‪ ،‬وابن المعمار البغدادي‪ ،‬وكل‬
‫فيه انحلل وزندقة مشهور بها بين الناس‪.‬‬
‫قال الشيخ علم الدين البرزالي‪ :‬وربما زاد هذا المذكور‬
‫المضروب العنق عليهم بالكفر والتلعب بدين السلم‪ ،‬والستهانة‬
‫بالنبوة والقرآن ‪ ،71‬قال‪ :‬وحضر قتله العلماء والكابر وأعيان‬
‫الدولة‪ ،‬قال‪ :‬وكان هذا الرجل في أول امره قد حفظ التنبيه‪،‬‬
‫وكان يقرأ في الختم بصوت حسن‪ ،‬وعنده نباهة وفهم‪ ،‬وكان‬

‫‪891‬‬
‫منزل ً في المدارس والترب‪ ،‬ثم إنه انسلخ من ذلك جميعه‪ ،‬وكان‬
‫قتله عزا ً للسلم وذل ً للزنادقة وأهل البدع)‪72.‬‬
‫قتل الرئيس نميري للزنديق المرتد الصوفي الباطني محمود ‪73‬‬
‫محمد طه في ‪1985‬م‬
‫لتركه للصلة وادعائه الرسالة ثم اللوهية‪ ،‬وفتنته للعامة‬
‫والدهماء‪ ،‬ونشره الضلل والكفر‪ ،‬وكان أتباعه يعتقدون أنه لن‬
‫ميتة‪ ،‬وقتل شر قِتلة‪.‬‬
‫يموت‪ ،‬فقد مات شر ِ‬
‫ل فرق بين الرجل والمرأة في إقامة حد الردة‬
‫ض أن حد الردة ل يقام على المرأة‪ ،‬وتمسكوا ببعض‬ ‫يدعي البع ُ‬
‫النصوص التي وردت عن بعض السلف‪ ،‬وهي خاصة بالكافرة‬
‫الصلية‪ ،‬أما من دخلت في السلم ولو نفاقاً‪ ،‬ثم انسلخت منه‬
‫قتلت‪ ،‬وإليك الدلة‪:‬‬
‫‪ .1‬أمره صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة بقتل أربعة نفر‬
‫وامرأتين‪ ،‬إحداهما مرتدة عن السلم وهي سارة مولة بني عبد‬
‫جدوا متعلقين بأستار الكعبة‪.‬‬ ‫المطلب‪ ،‬ولو وُ ِ‬
‫‪ .2‬ما صح عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما‪" :‬أن أم‬
‫ولد لرجل سبَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلها‪ ،‬فنادى‬
‫منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دمها هدر"‪.‬‬
‫وفي رواية للدارقطني ‪ 74‬عن ابن عباس‪" :‬أن رجل ً أعمى كانت‬
‫له أم ولد له منها ابنان مثل اللؤلؤتين‪ ،‬فكانت تشتم النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وتقع فيه‪ ،‬فينهاها فلم تنته‪ ،‬ويزجرها فلم تنزجر‪،‬‬
‫فلما كان ذات ليلة ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم فما صبر‬
‫سيدها أن قام إلى معول فوضعه في بطنها‪ ،‬ثم اتكأ عليها حتى‬
‫أنفذه‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬أل أشهد أن دمها‬
‫هدر"‪ ،‬وفي رواية قال لرسول الله‪" :‬وكانت بي رفيقة‪ ،‬فلما كان‬
‫البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك‪ ،‬فقتلتها"‪.‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم فقتلها خالد بن‬ ‫‪ .3‬سبَّت امرأة النب َّ‬
‫الوليد رضي الله عنه‪.‬‬
‫‪ . 4‬وعن محمد بن المنكدر عن جابر قال‪" :‬ارتدت امرأة عن‬
‫السلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُعرض عليها‬
‫السلم‪ ،‬فإن قبلت وإل قتلت؛ فعرضوا عليها السلم فأبت إل أن‬
‫تقتل فقتلت"‪75.‬‬
‫‪ .5‬وفي رواية عن جابر‪" :‬أن امرأة يقال لها أم مروان ارتدت‬
‫عن السلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُعرض عليها‬
‫السلم فإن رجعت وإل قتلت"‪76.‬‬

‫‪892‬‬
‫‪ . 6‬وعن عائشة رضي الله عنها قالت‪" :‬ارتدت امرأة يوم أحد‪،‬‬
‫فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تستتاب فإن تابت وإل‬
‫قتلت"‪77.‬‬
‫‪ .7‬قتل أبي بكر الصديق رضي الله عنه لمرأة يقال لها أم‬
‫قرفة في الردة‪.‬‬
‫أما ما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال‪" :‬ل يُقتل‬
‫النساء إذا ارتددن"‪ ،‬فضعيف‪.‬‬
‫روى البيهقي بسنده إلى عبد الرحمن بن مهدي معلقا ً على‬
‫ت سفيان عن حديث عاصم ‪78‬‬ ‫حديث ابن عباس هذا‪ ،‬قال‪( :‬سأل ُ‬
‫في المرتدة؟ فقال‪ :‬أما عن ثقة فل؛ ثم نقل عن الزهري في‬
‫المرأة أن تكفر بعد إسلمها قال‪ :‬تستتاب‪ ،‬فإن تابت وإل قتلت‪،‬‬
‫وعن إبراهيم النخعي مثل ذلك)‪.‬‬
‫ومن العجيب أن القائلين بعدم قتل المرتدة هم منكرون لجميع‬
‫الحدود‪ ،‬وداعون لتسوية المرأة بالرجل في الميراث وفي‬
‫الحقوق السياسية ونحوها‪ ،‬مخالفين بذلك كتاب الله وسنة‬
‫رسوله وإجماع المة‪ ،‬مما يدل على جهلهم الفاضح وتناقضهم‪،‬‬
‫وأنهم في الحقيقة متبعون لهوائهم‪.‬‬
‫أنواع الردة‬
‫نواقض السلم ل تحصى كثرة‪ ،‬ولكن سنذكر أخطرها‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬الشرك الكبر‪ ،‬وهوأن يتخذ النسان مع الله ندا ً أوشريكاً‬
‫يصرف إليه شيئا ً من العبادة‪ ،‬كالدعاء‪ ،‬والستغاثة‪ ،‬والذبح‪ ،‬والنذر‪،‬‬
‫واتخاذ الوسائط‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪( :‬من جعل بينه وبين الله وسائط‬
‫يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم كفر إجماعاً)‪.‬‬
‫‪ .2‬نفي ما أثبته الله ورسوله‪ ،‬أوإثبات ما نفاه الله ورسوله‪.‬‬
‫‪ .3‬من ادعى النبوة أوصدَّق من يدعيها‪ ،‬كالخوان الجمهوريين‪.‬‬
‫‪ .4‬التحاكم لغير شرع الله أوالرضا به‪.‬‬
‫‪ .5‬السخرية والستهزاء بالله ورسوله وآياته‪.‬‬
‫ك في‬ ‫َ‬ ‫‪ .6‬من لم يكفِّر الكفار‪ ،‬كاليهود والنصارى والمشركين‪ ،‬أوش ّ‬
‫حح مذاهبهم‪.‬‬ ‫كفرهم‪ ،‬أوص َّ‬
‫ّ‬
‫‪ .7‬تعلم السحر والكهانة والشتغال بذلك‪.‬‬
‫‪ .8‬استحلل ما حَّرم الله أوتحليل ما حَّرم الله‪.‬‬
‫‪ .9‬اعتقاد أن بعض المشايخ تُرفع عنهم التكاليف الشرعية‪.‬‬
‫‪ .10‬تضليل وتكفير جل الصحابة أوالخلفاء الراشدين‪.‬‬
‫‪ .11‬اتهام عائشة بما بَّرأها الله منه‪.‬‬
‫‪ .12‬السجود لصنم‪.‬‬

‫‪893‬‬
‫ملَك‬
‫‪ .13‬الستخفاف بالمصحف‪ ،‬أوالقرآن‪ ،‬أو بنبي من النبياء‪ ،‬أو َ‬
‫من الملئكة‪ ،‬أوبأي أمر من الدين‪.‬‬
‫‪ .14‬س ُّ‬
‫ب الدين‪.‬‬
‫‪ .15‬الدعوة إلى توحيد الديان أوالتقارب بين دين الحق وغيره من‬
‫الديان المنسوخة‪.‬‬
‫‪ .16‬اعتقاد أن أحدا ً من الثقلين يمكنه الستغناء عن شرع محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫أقوال أهل العلم في ذلك ‪79‬‬
‫‪ .1‬قال ابن عبد الحكم في المبسوط‪" :‬من تنبَّأ قُتل"‪.‬‬
‫‪ .2‬وقال أبو حنيفة وأصحابه‪" :‬من جحد أن الله خالقه أوربه‪،‬‬
‫أوقال‪ :‬ليس لي رب‪ ،‬فهو مرتد"‪ ،‬كالشيوعيين ونحوهم‪.‬‬
‫‪ .3‬وقال مالك في كتاب ابن حبيب ومحمد‪ ،‬وقال ابن القاسم‪،‬‬
‫سحنون‪ ،‬فيمن شتم‬ ‫وابن الماجشون‪ ،‬وابن عبد الحكم‪ ،‬وأصبغ‪ ،‬و ُ‬
‫النبياء أوأحدا ً منهم أوتنقصه ‪ :80‬قتل ولم يستتب‪ ،‬ومن سبهم من‬
‫أهل الذمة قتل إل أن يسلم‪.‬‬
‫‪ .4‬وفي النوادر عن مالك‪ ،‬فيمن قال‪ :‬إن جبريل أخطأ ‪ 81‬بالوحي‪،‬‬
‫وإنما كان النبي علي بن أبي طالب‪ ،‬استتيب فإن تاب وإل قتل‪.‬‬
‫‪ .5‬وقال أبو الحسن القابسي في الذي قال لخر‪" :‬كأنه وجه‬
‫ملَك ـ خازن النار عليه‬ ‫مالك الغضبان"‪ ،‬لوعرف أنه قصد ذم ال َ‬
‫السلم ـ قتل‪.‬‬
‫‪ .6‬وقال ابن القاسم‪ :‬من قال إن الله تعالى لم يكلم موسى‬
‫تكليما ً قتل؛ وقاله عبد الرحمن بن مهدي‪.‬‬
‫سحنون فيمن قال‪" :‬المعوذتان ليستا من‬ ‫‪ .7‬وقال محمد بن ُ‬
‫َ‬
‫كتاب الله"‪ :‬يضرب عنقه إل أن يتوب‪ ،‬وكذلك كل من كذ ّب‬
‫بحرف منه‪.‬‬
‫‪ .8‬وقال عبد الله بن مسعود‪" :‬من كفر بآية من القرآن فقد كفر‬
‫به كله‪.‬‬
‫جلد‪،‬‬
‫ب أبا بكر ـ بغير تضليل ول تكفير ـ ُ‬ ‫‪ .9‬روي عن مالك‪ :‬من س ّ‬
‫م؟ قال‪ :‬من رماها فقد خالف‬ ‫ب عائشة قتل؛ قيل له‪ :‬ل ِ َ‬ ‫ومن س ّ‬
‫القرآن‪.‬‬
‫‪ .10‬وقال الفوزان‪ :‬ومن حكّم القوانين الوضعية بدل الشريعة‬
‫السلمية‪ ،‬يرى أنها أصلح ‪ 82‬من الشريعة السلمية‪ ،‬أواعتنق‬
‫فكرة الشيوعية‪ ،‬أوالقومية العربية بديل ً عن السلم‪ ،‬فل شك في‬
‫ردته‪.‬‬
‫وأنواع الردة كثيرة‪ ،‬مثل من ادّعى علم الغيب‪ ،‬ومثل من لم‬
‫فّر المشركين أويشك في كفرهم أويصحح ما هم عليه‪83.‬‬ ‫يك ِ‬

‫‪894‬‬
‫‪ .11‬وقال محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬ول فرق في جميع هذه النواقض‬
‫بين الهازل‪ ،‬والجاد‪ ،‬والخائف‪ ،‬إل المكره‪.‬‬
‫‪ .12‬وقال شيخ السلم ابن تيمية‪( :‬من لعن أحدا ً من أصحاب‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم كمعاوية‪ ،‬وعمرو بن العاص‪،‬‬
‫أومن هو أفضل من هؤلء كأبي موسى‪ ،‬وأبي هريرة‪ ،‬أومن هو‬
‫أفضل من هؤلء كطلحة‪ ،‬والزبير‪ ،‬أوعثمان‪ ،‬أوعلي‪ ،‬أوأبي بكر‪،‬‬
‫أوعمر‪ ،‬أوعائشة‪ ،‬أونحو هؤلء من الصحابة فإنه يستحق العقوبة‬
‫البليغة باتفاق المسلمين‪ ،‬وتنازعوا هل يعاقب بالقتل أوما دون‬
‫ذلك؛ وقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬ل‬
‫تسبوا أصحابي"‪ ،‬وعموم الصحبة يندرج فيها كل من رآه مؤمناً‬
‫به)‪.‬‬
‫نماذج للفرق المعاصرة المرتدة عن السلم ‪84‬‬
‫من أمثلة الفرق المرتدة عن السلم على سبيل التمثيل ل‬
‫الحصر ما يأتي‪:‬‬
‫‪ .1‬النصيرية‬
‫قال عنهم شيخ السلم ابن تيمية‪( :‬هم أكفر من كثير من‬
‫المشركين‪ ،‬وفيهم من جنس دين البراهيمة‪ ،‬والوثنيين‪،‬‬
‫والملحدين)‪.‬‬
‫‪ .2‬الماسونية‬
‫قال مجمع الفقه السلمي برابطة العالم السلمي عنها‪( :‬يقرر‬
‫المجمع الفقهي اعتبار الماسونية من أخطر المنظمات الهدامة‬
‫على السلم والمسلمين‪ ،‬وأن من ينتسب إليها على علم‬
‫بحقيقتها وأهدافها فهو كافر بالسلم ومجانب لهله)‪.‬‬
‫‪ .3‬الشيوعية‬
‫َ‬
‫سل ّم به يقيناً‬‫م َ‬‫قال عنها مجمع الفقه السلمي بالرابطة‪..( :‬من ال ُ‬
‫أن الشيوعية منافية للسلم‪ ،‬وأن اعتناقها كفر بالدين الذي‬
‫ارتضاه الله لعباده‪ ،‬وهي هدم للمثل النسانية‪ ،‬والقيم الخلقية‪،‬‬
‫وانحلل للمجتعات البشرية‪ ،‬والشريعة السلمية المحمدية التي‬
‫هي خاتمة الديان السماوية‪ ..‬كذا فإن المجلس يوصي الدول‬
‫والشعوب السلمية أن تنتبه إلى وجوب مكافحة هذا الخطر‬
‫الداهم بالوسائل المختلفة‪.‬‬
‫والحمد لله فالن عام ‪1412‬هـ انتهى هذا المبدأ الخبيث في عقر‬
‫داره‪ ،‬وتبرأ منه وحاربه أبناء وأحفاد الذين أسسوه‪ ،‬بعدما جّر‬
‫عليهم الفقر والخراب والدمار)‪.‬‬
‫‪ .4‬البهائية والبابية‬

‫‪895‬‬
‫جاء في قرار المجمع الفقهي بمكة المكرمة عن البهائية والبابية‪:‬‬
‫(أن البهائية دين جديد مخترع قام على أساس البابية التي هي‬
‫أيضا ً دين جديد مخترع‪.‬‬
‫يقرر المجمع الفقهي بالجماع خروج البهائية والبابية عن شريعة‬
‫السلم‪ ،‬واعتبارها حربا ً عليه‪ ،‬وكفر أتباعها كفرا ً بواحا ً سافرا ً ل‬
‫تأويل فيه‪ ،‬وإن المجمع ليحذر المسلمين في جميع بقاع الرض‬
‫من هذه الفئة المجرمة الكافرة‪ ،‬ويهيب بهم أن يقاوموها‪،‬‬
‫ويأخذوا حذرهم منها‪ ،‬ل سيما أنه قد ثبت مساندة الدول‬
‫الستعمارية لها لتمزيق السلم والمسلمين‪ ،‬والله الموفق)‪.‬‬
‫‪ .5‬القاديانية ـ الحمدية‬
‫جاء في قرار المجمع الفقهي بمكة المكرمة عن القاديانية ـ‬
‫الحمدية‪( :‬قرر المجلس بالجماع اعتبار العقيدة القاديانية ـ‬
‫المسماة أيضا ً بالحمدية ـ عقيدة خارجة عن السلم خروجاً‬
‫كاملً‪ ،‬وأن معتنقيها كفار مرتدون عن السلم‪ ،‬وإن تظاهر أهلها‬
‫بالسلم‪ ،‬وإنما هو للتضليل والخداع‪ ،‬ويعلن المجلس الفقهي أنه‬
‫يجب على المسلمين حكومات وعلماء وكتابا ً ومفكرين ودعاة‬
‫وغيرهم مكافحة هذه النحلة الضالة وأهلها في كل مكان من‬
‫العالم‪ ،‬وبالله التوفيق‪.‬‬
‫‪ .6‬الخوان الجمهوريون‬
‫وهم أتباع الزنديق الصوفي الباطني السوداني المرتد المقتول‬
‫محمود "مذموم" محمد طه‪ ،‬الذي ادعى الرسالة ثم اللوهية‪،‬‬
‫وزعم أن الصلة رفعت عنه‪ ،‬والذي حكم العلماء في السودان‬
‫بكفره وردته‪ ،‬وقتل في عهد الرئيس نميري‪ ،‬جزاه الله خيرا ً على‬
‫ذلك‪.‬‬
‫لقد رحل كثير من أتباعه إلى أمريكا وكندا‪ ،‬واحتضنهم الكفار‪،‬‬
‫وقاموا بترجمة كفرياته في أمريكا وكندا مكافأة له على تحريفه‬
‫لدين الله وتضليله لفئة من أبناء المسلمين‪ ،‬وانتحل بعض اتباعه‬
‫الشيوعية ووجدوا فرصة في العلم السوداني‪ ،‬وما فتئ الجميع‬
‫يعمل على تحريف الدين والتدليس والتضليل والخداع على‬
‫السذج من الناس‪.‬‬
‫‪ã‬‬
‫أسباب الوقوع في الردة‬
‫أسباب الوقوع في الردة كثيرة‪ ،‬ولكن أهمها ما يأتي‪:‬‬
‫‪ .1‬الجهل بدين السلم‪ ،‬فمن جهل شيئا ً عاداه‪ ،‬يكاد أن يكون هذا‬
‫السبب الرئيس لرتداد المرتدين ورجوعهم عن السلم‪ ،‬ومن‬
‫يطلع على مقالتهم وأقوالهم يتضح له جهل هؤلء بالسلم جهلً‬
‫فاضحاً‪ ،‬إذ ل يعرفون عن القرآن إل رسمه‪ ،‬ول عن السلم إل‬

‫‪896‬‬
‫اسمه‪ ،‬والشبهات التي أثارها أعداء الدين من المستشرقين‬
‫وتلميذهم من المنتسبين إلى السلم‪.‬‬
‫‪ .2‬ردود الفعال‪ :‬الدافع لكثير من المرتدين عن السلم هو عبارة‬
‫عن ردة فعل للبيئات والظروف التي عاشوا وتربوا فيها‪ ،‬ولبعض‬
‫الممارسات الخاطئة والتصرفات المشينة التي لمسوها‪ ،‬والتي ل‬
‫يقرها السلم‪ ،‬نحو الممارسات الشركية والعقائد الخرافية‪،‬‬
‫وكثير من مظاهر الشعوذة والدجل‪.‬‬
‫‪ .3‬تأثير الفكر الرجائي عبر العقيدة الشعرية والماتريدية التي‬
‫تدرس في كثير من المعاهد والمدارس والجامعات السلمية‪،‬‬
‫الذي تولد كردة فعل للغلو والخروج في بداية المر‪ ،‬من غير‬
‫انتساب إلى هذه المذاهب‪.‬‬
‫إذ اليمان عند بعض طوائف المرجئة عبارة عن النطق‬
‫بالشهادتين‪ ،‬وعند بعضهم عبارة عن المعرفة‪ ،‬ول يدخلون‬
‫العمال في مسمى اليمان‪ ،‬مما أعطى الفرصة لكثير من‬
‫المنافقين المتظاهرين بالسلم أن يعيثوا في الرض الفساد‪،‬‬
‫حيث جعلوا التلفظ بالشهادتين عبارة عن جواز سفر لترك‬
‫الواجبات واقتراف المحرمات‪ ،‬إذ ل يكون الشخص مرتدا ً في‬
‫شرع هؤلء إل إذا كان مكذبا ً جاحداً‪ ،‬أما الستهزاء بالله‪ ،‬ودينه‪،‬‬
‫ورسوله‪ ،‬والسجود إلى الصنم‪ ،‬والطواف بالقبور‪ ،‬والستغاثة‬
‫بالموات‪ ،‬والتحاكم إلى الطواغيت‪ ،‬فليس من أسباب الردة‪ ،‬إذ‬
‫الردة ل تقع بقول ول عمل‪.‬‬
‫وثمة شيء آخر كان سببا ً في ارتداد البعض عن السلم‪ ،‬وهو‬
‫التوسع في التأويل غير المستساغ الذي تميزت به العقيدتان‬
‫الشعرية والماتريدية‪ ،‬حيث وجد المتفلتون عن السلم في ذلك‬
‫حْرفيين‬ ‫بغيتهم‪ ،‬حيث قسموا المسلمين إلى مدرستين‪ ،‬مدرسة ال َ‬
‫أو النصوصيين المتحجرين الذين ل يجاوزون النصوص الشرعية‪،‬‬
‫ومدرسة المستنيرين ـ في زعمهم ـ الذين اكتفوا من السلم‬
‫بروحه ومزاجه‪ ،‬ومعلوم في شرع الله أن التأويل منه ما هو‬
‫محمود وهو الذي يقوم على الدليل‪ ،‬ومنه ما هو مذموم محرم‬
‫وهو الذي يعتمد على الهوى‪.‬‬
‫‪ .4‬التحاكم إلى القوانين الوضعية‪ ،‬وتنحية القوانين والحكام‬
‫الشرعية مكَّن كثيرا ً من المتظاهرين بالسلم من إعلن ردتهم‬
‫وزندقتهم والتبجح بها‪ ،‬وأمنهم من إقامة حد الردة عليهم‪،‬‬
‫أوتعزيرهم وتأديبهم جعلهم ل يترددون فيما يريدون قوله أوفعله‬
‫ن العقوبة أساء الدب"‪.‬‬ ‫م َ‬
‫أواعتقاده‪" ،‬فمن أ ِ‬
‫‪ .5‬التسيب الفكري‪ ،‬فقد اختلت المفاهيم وتغيرت الموازين‪،‬‬
‫وضعف الوازع الديني‪.‬‬

‫‪897‬‬
‫‪ .6‬تقليد الكفار والتشبه بهم وبدينهم‪ ،‬فطالما أن الكفار نبذوا‬
‫الدين وحصروه في الذهاب إلى الكنيسة ساعة يوم الحد‬
‫للستماع للموسيقى‪ ،‬وقد نتج عن ذلك تقدمهم الحضاري‬
‫والعسكري‪ ،‬فما بالنا نحن متمسكون بديننا مطالبون بتحكيمه في‬
‫كل مناحي الحياة؟!‬
‫‪ .7‬تقصير العلماء في القيام بدورهم في توعية المسلمين‬
‫وتبصيرهم بأمر دينهم‪ ،‬ومنافقتهم الناس فيما يعتقدون‬
‫ويمارسون‪ ،‬من أقوى أسباب تفشي ظاهرة الرتداد عن دين‬
‫الله‪.‬‬
‫‪ .8‬الفتاوى النهزامية التي تصدر من بعض المنتسبين إلى العلم‬
‫من العصرانيين وغيرهم‪.‬‬
‫‪ .9‬التشبث بالزلت والهفوات التي صدرت أونسبت لبعض أهل‬
‫العلم‪ ،‬ومعلوم أن من تتبع زلت العلماء وهفواتهم تزندق أوكاد‪،‬‬
‫وتجمع فيه الشر كله‪.‬‬
‫‪ .10‬توهم البعض واستغلل أهل الهواء للدعوى الباطلة‪ ،‬وهي أن‬
‫أحاديث الحاد ل يعمل بها في العقائد والحكام‬
‫تقسيم الحاديث إلى متواتر وآحادي تقسيم حادث‪ ،‬وهو نتيجة‬
‫خبيثة وأثر سيئ لعلم الكلم‪ ،‬وما تبع ذلك من أن أحاديث الحاد‬
‫ظنية الثبوت ولهذا ل يعمل بها في العقائد والحكام‪ ،‬وقد رد على‬
‫هذه الشبهة القذرة الئمة الكبار أمثال الشافعي في "الرسالة"‬
‫وابن حزم في "الحكام لصول الحكام"‪ ،‬حتى أصبحت هذه‬
‫المسالة هي الفارق بين ال ُّ‬
‫سنِّي والبدعي‪.‬‬
‫فكل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حجة‬
‫بنفسه من غير قيد ول شرط‪" :‬وما آتاكم الرسول فخذوه وما‬
‫نهاكم عنه فانتهوا"‪ ،‬ويفيد العلم والعمل في العقائد‪ ،‬والحكام‪،‬‬
‫والعبادات‪ ،‬والسلوك‪ ،‬والداب سواء‪ ،‬فمن شاء فليؤمن ومن شاء‬
‫فليكفر‪.‬‬
‫ويكفي في رد هذه الشبهة القذرة أن حديث‪" :‬إنما العمال‬
‫بالنيات" الذي يعتبر ثلث الدين حديث آحاد‪ ،‬مشهور‪ ،‬عزيز‪ ،‬إذ لم‬
‫يروه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ول عن عمر ول عن‬
‫راويه عن عمر إل واحد‪ ،‬فلماذا يقبله أهل الهواء المتزيين‬
‫م الزاني المحصن‪ ،‬وكلها‬‫بالسلم‪ ،‬وينكرون حد َّ الردة‪ ،‬ورج َ‬
‫أحاديث آحاد؟ لول مرض القلوب‪.‬‬
‫‪ã‬‬
‫حكم من أباح الردة وأنكر حدها‬
‫مهدَر الدم ما لم يتب عن‬
‫من أباح الردة وأنكر حدها فهو كافر ُ‬
‫ذلك ويراجع السلم‪ ،‬لن ذلك إنكار لما هو معلوم من الدين‬

‫‪898‬‬
‫ضرورة‪ ،‬وطعن وتشكيك في الخلفاء الراشدين‪ ،‬والئمة‬
‫المهديين‪ ،‬والحكام الغيورين الذين حكموا بردة المرتدين‪ ،‬وأقاموا‬
‫عليهم حدها‪.‬‬
‫يتشبث المبيحون للردة الداعون لنكار حدها ببعض الزلت‬
‫والهفوات‪ ،‬نحو ما نسب للشيخ شلتوت رحمه الله أنه قال‪:‬‬
‫(يتغير وجه النظر في المسألة إذا لوحظ أن كثيرا ً من العلماء‬
‫يرى أن الحدود ل تثبت بأحاديث الحاد‪ ،‬وأن الكفر نفسه ليس‬
‫مبيحا ً للدم‪ ،‬وإنما المبيح للدم هو محاربة المسلمين والعدوان‬
‫عليهم‪ ،‬ومحاولة فتنتهم عن دينهم‪ ،‬وأن ظواهر القرآن في صمته‬
‫عن عقوبة المرتد تؤيد هذا)‪ ،‬مما يدل على خطورة الزلت‬
‫والهفوات وتلقف أهل الهواء لها‪.‬‬
‫يرد ُّ هذا الزعم الباطل قتل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه‬
‫لتلك الطائفة المخذولة من الرافضة وحرقه لهم‪ ،‬الذين لم‬
‫يحاربوا عليا ً ولم يخرجوا عليه‪ ،‬بل ألّهوه‪ ،‬فالمرتد مفارق لجماعة‬
‫المسلمين ومحارب لهم ولعقيدتهم‪.‬‬
‫ً‬
‫وإذا لم يكن الكفر بعد اليمان مبيحا للدم فما الذي يبيح الدم‬
‫ياترى؟! إذا كان الراجع عن الماسونية والشيوعية ونحوهما‪ ،‬وهي‬
‫فرق كافرة‪ ،‬يُقتل أويُضيَّق عليه‪ ،‬وقد يكون رجوعه إلى الحق‪،‬‬
‫إلى السلم‪ ،‬وكذلك التارك لجماعة من الجماعات السلمية‬
‫يُهجر‪ ،‬ويُضيَّق عليه‪ ،‬ويوصف بالخيانة والخروج والعمالة‪ ،‬وقد‬
‫يكون محقا ً في خروجه وتمرده على التسلط والجبروت‬
‫والمخالفات الشرعية‪ ،‬فكيف بالراجع عن السلم‪ ،‬وهو الدين‬
‫ل هؤلء القوم ل يستحون؟!‬ ‫الخاتم لجميع الديان؟ فما ِ‬
‫السنة حجة بنفسها‪ ،‬فقد حرمت السنة الجمع بين المرأة وعمتها‬
‫أوخالتها‪ ،‬ونهت عن الوصية للوارث‪ ،‬ومنعت كذلك أن يرث‬
‫م‪.‬‬‫م الكافَر والكافُر المسل َ‬
‫المسل ُ‬
‫وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم لها شقان؛ البلغ والبيان‪،‬‬
‫فهو المبيِّن لمراد الله عز وجل‪ ،‬ولهذا يقول بعض العلماء‪:‬‬
‫"القرآن أحوج إلى السنة"‪ ،‬لن السنة مبينة لكثير مما أجمل في‬
‫كتاب الله عز وجل‪.‬‬
‫وهب أن مسألة قتل المرتد ليس فيها نص‪ ،‬فهل نترك فعل أبي‬
‫بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعلي‪ ،‬ومعاذ‪ ،‬وأبي موسى رضي الله عنهم‪ ،‬وقول‬
‫أبي حنيفة‪ ،‬ومالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وغيرهم من الئمة رحمهم‬
‫الله لهذه الزلت والهفوات‪ ،‬ولما تهواه نفوس المنافقين وأعداء‬
‫الملة والدين؟!‬
‫وأخيرا ً أرجو من دعاة إباحة الردة وإنكار حدها والداعين لتوحيد‬
‫الديان أن يراجعوا إسلمهم قبل أن تبلغ الروح الحلقوم‪ ،‬ويُحال‬

‫‪899‬‬
‫بينهم وبين ما يشتهون‪ ،‬وإل فليعلموا أنهم لن يضُّروا الله شيئاً‪،‬‬
‫ومن إخواني المسلمين أن ينتبهوا لخطورة المنافقين من‬
‫الشيوعيين‪ ،‬والجمهوريين‪ ،‬والقوميين‪ ،‬والمتزيين بالدين‪ ،‬وغيرهم‪،‬‬
‫(فإن بلية السلم بالمنافين شديدة جداً‪ ،‬لنهم منتسبون إليه‪،‬‬
‫وهم أعداؤه في الحقيقة‪ ،‬يخرجون عداوته في كل قالب يظن‬
‫الجاهل أنه علم وصلح‪ ،‬وهو غاية الجهل والفساد‪.‬‬
‫فلله كم من معقل للسلم قد هدموه؟ وكم من حصن له قد‬
‫قلعوا أساسه وخربوه‪ ،‬وكم من ع َلَم له قد طمسوه؟ وكم من‬
‫لواء له مرفوع قد وضعوه؟ وكم ضربوا بمعاول الشبه ‪ 85‬في‬
‫أصول غراسه ليقلعوها‪ ،‬فل يزال السلم وأهله منهم في محنة‬
‫وبلية‪ ،‬ول يزال يطرقه من شبههم سرية بعد سرية‪ ،‬يزعمون‬
‫أنهم بذلك مصلحون‪ ،‬أل إنهم المفسـدون ولكن ل يشعـرون)‪86.‬‬
‫لذلك حذر القرآن من المنافقين وبين صفاتهم‪( :‬فكان الحديث‬
‫عن النفاق والمنافقين في القرآن في سبع عشرة سورة مدنية‬
‫من ثلثين سورة‪ ،‬واستغرق ذلك قرابة ثلثمائة وأربعين آية‪ ،‬حتى‬
‫قال ابن القيم رحمه الله‪" :‬كاد القرآن أن يكون كله في‬
‫شأنهم")‪87.‬‬
‫ومن إخواني الصحفيين السلميين‪ ،‬السودانيين وغيرالسودانيين‪،‬‬
‫أمثال الستاذ صادق عبد الله عبدالماجد‪ ،‬والدكتور الطيب زين‬
‫العابدين‪ ،‬والستاذ موسى يعقوب‪ ،‬والدكتور حسن مكي‪ ،‬والستاذ‬
‫مهدي البوني‪ ،‬والستاذ علي إسماعيل العتباني‪ ،‬والستاذ محجوب‬
‫عروة‪ ،‬والستاذ محمد أحمد شاموق‪ ،‬والستاذ عادل الباز‪،‬‬
‫والستاذ عثمان ميرغني‪ ،‬والستاذ حسين خوجلي‪ ،‬والستاذ محمد‬
‫طه محمد أحمد‪ ،‬وغيرهم ممن لم أذكر‪ ،‬أن يقوموا بواجبهم خير‬
‫قيام‪ ،‬فهم على ثغرة‪ ،‬والحذر كل الحذر أن يؤتى السلم من‬
‫قبلهم‪ ،‬وعليهم أن يدعوا الحياد الذي تميزت به كتاباتهم‪،‬‬
‫فالمسلم ل يليق به أن يكون محايدا ً أومستقلً‪ ،‬وفي الحقيقة‬
‫ملل العلمانيين متحدة متضافرة جهودها‪،‬‬ ‫ستَغَلً"‪ ،‬بينما نجد ِ‬
‫م ْ‬
‫" ُ‬
‫على الرغم من أنها ل يجمعها شيء سوى محاربة السلم والكيد‬
‫له‪ ،‬وليعلموا أنهم لن تزول أقدامهم عن الصراط حتى يُسألوا عن‬
‫تفريطهم في هذا الجانب الذي تعين عليهم‪ ،‬ول يُمكّن منه‬
‫غيُرهم‪.‬‬
‫من العجيب أن يتشاغل هؤلء الخوة بالدفاع عن الديمقراطية ـ‬
‫صنم العصر ـ‪ ،‬والمحاماة عن الشيوعيين والعلمانيين‪ ،‬والتحليلت‬
‫السياسية‪ ،‬والهنات العادية‪ ،‬ومدح بعض أهل الهواء والمبتدعة ‪،88‬‬
‫ويتخلوا عن الدفاع عن الدين‪ ،‬وقد أصيب في عقر داره!!‬

‫‪900‬‬
‫ول يفوتني في هذا المقام أن أتوجه بالشكر الجزيل وبالدعاء‬
‫الكثير للخ الستاذ إسحاق فضل الله لقيامه بالواجب خير قيام‪،‬‬
‫ولثباته على المبادئ‪ ،‬وتفرده‪ ،‬وعدم مجاملته لمن تعتبر‬
‫مجاملتهم مداهنة ونفاق‪ ،‬نسأل الله أن يوفقه ويزيده من فضله‪،‬‬
‫وأن يثبت أجره ويبارك فيما يكتب‪ ،‬كما أرجو من إخواننا‬
‫المسؤولين أن يراقبوا ما يدور في الصحف من كفريات‬
‫وضللت‪.‬‬
‫اللهم إنا نشكو إليك ضعف التق َّ‬
‫ي واستكانته‪ ،‬وجلد الفاجر‬
‫ل أن يؤلف بين قلوب المسلمين‪ ،‬وأن يهديهم‬ ‫ه أسأ ُ‬
‫وجرأته‪ ،‬والل َ‬
‫سبل الرشاد‪ ،‬وأن يهيئ للمة السلمية أمر رشد يعز فيه أهل‬
‫الطاعة‪ ،‬ويذل فيه أهل المعصية‪ ،‬ويُؤمر فيه بالمعروف‪ ،‬ويُنهى‬
‫فيه عن المنكر‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد‪،‬‬
‫وعلىآله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫‪ã‬‬
‫المراجع‬
‫البداية والنهاية للحافظ ابن كثير‪.‬‬ ‫§‬
‫الجامع لحكام القرآن للقرطبي‪.‬‬ ‫§‬
‫الرد القويم للمين الحاج‪.‬‬ ‫§‬
‫سير أعلم النبلء للحافظ الذهبي‪.‬‬ ‫§‬
‫الشفا بتعريف أحوال المصطفى للقاضي عياض‪.‬‬ ‫§‬
‫فتح الباري للحافظ ابن حجر‪.‬‬ ‫§‬
‫مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية‪.‬‬ ‫§‬
‫مقالت في عقيدة أهل السنة للدكتور عبد العزيز العبد‬ ‫§‬
‫اللطيف‪.‬‬
‫الملخص الفقهي للشيخ الفوزان‪.‬‬ ‫§‬
‫المنتظم في تاريخ الملوك والمم للحافظ ابن حجر‪.‬‬ ‫§‬
‫نيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب‪ ،‬ومعه‬ ‫§‬
‫الختيارات الجلية في المسائل الخلفية ـ تهذيب الشيخ عبد الله‬
‫الب َّ‬
‫سام‪.‬‬
‫‪---------------‬‬
‫‪ -160‬أن ميراث النثى نصف ميراث الذكر‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫صحيح وحق أن آيات الميراث فى القرآن الكريم قد جاء فيها‬
‫قول الله سبحانه وتعالى‪(:‬للذكر مثل حظ النثيين) (‪ )1‬؛ لكن‬
‫كثيرين من الذين يثيرون الشبهات حول أهـلية المرأة فى‬

‫‪901‬‬
‫السـلم ‪ ،‬متخـذين من التمايز فى الميراث سبيل ً إلى ذلك ل‬
‫يفقـهون أن توريث المـرأة على النصـف من الرجل ليس موقفًا‬
‫ما ول قاعدة مطّردة فى توريث السلم لكل الذكور وكل‬ ‫عا ً‬
‫الناث‪ .‬فالقرآن الكريم لم يقل‪ :‬يوصيكم الله فى المواريث‬
‫والوارثين للذكر مثل حظ النثيين‪ ..‬إنما قال‪( :‬يوصيكم الله فى‬
‫أولدكم للذكر مثل حظ النثيين)‪..‬‬
‫ّ‬
‫أى أن هذا التمييز ليس قاعدة مطردة فى كل حـالت الميراث ‪،‬‬
‫وإنما هو فى حالت خاصة ‪ ،‬بل ومحدودة من بين حالت‬
‫الميراث‪.‬‬
‫بل إن الفقه الحقيقى لفلسفة السلم فى الميراث تكشف عن‬
‫أن التمايـز فى أنصبة الوارثين والوارثات ل يرجع إلى معيار‬
‫الذكورة والنوثة‪ ..‬وإنما لهذه الفلسفة السلمية فى التوريث‬
‫حكَم إلهية ومقاصد ربانية قد خفيت عن الذين جعلوا التفاوت بين‬ ‫ِ‬
‫الذكور والناث فى بعض مسائل الميراث وحالته شبهة على‬
‫كمال أهلية المرأة فى السلم‪ .‬وذلك أن التفاوت بين أنصبة‬
‫الوارثين والوارثات فى فلسـفة الميراث السلمى ـ إنما تحكمه‬
‫ثلثة معايير‪:‬‬
‫موََّرث‬‫أولها‪ :‬درجة القرابة بين الوارث ذكًرا كان أو أنثى وبين ال ُ‬
‫المتوفَّى فكلما اقتربت الصلة‪ ..‬زاد النصيب فى الميراث‪ ..‬وكلما‬
‫ابتعدت الصلة قل النصيب فى الميراث دونما اعتبار لجنس‬
‫الوارثين‪..‬‬
‫وثانيها‪ :‬موقع الجيل الوارث من التتابع الزمنى للجيال‪ ..‬فالجيال‬
‫التى تستقبل الحياة ‪ ،‬وتستعد لتحمل أعبائها ‪ ،‬عادة يكون نصيبها‬
‫فى الميراث أكبر من نصيب الجيال التى تستدبر الحياة‪.‬‬
‫وتتخفف من أعبائها ‪ ،‬بل وتصبح أعباؤها ـ عادة ـ مفروضة على‬
‫غيرها ‪ ،‬وذلك بصرف النظر عن الذكورة والنوثة للوارثين‬
‫والوارثات‪ ..‬فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه ـ وكلتاهما أنثى ـ‪..‬‬
‫وترث البنت أكثر من الب ! – حتى لو كانت رضيعة لم تدرك‬
‫شكل أبيها‪ ..‬وحتى لو كان الب هو مصدر الثروة التى للبن ‪،‬‬
‫والتى تنفرد البنت بنصفها ! ـ‪ ..‬وكذلك يرث البن أكثر من الب ـ‬
‫وكلهما من الذكور‪..‬‬
‫حكَم‬‫وفى هذا المعيار من معايير فلسفة الميراث فى السلم ِ‬
‫إلهية بالغة ومقاصد ربانية سامية تخفى على الكثيرين !‪..‬‬
‫وهى معايير ل علقة لها بالذكورة والنوثة على الطلق‪..‬‬
‫وثالثها‪ :‬العبء المالى الذى يوجب الشرع السلمى على الوارث‬
‫تحمله والقيام به حيال الخرين‪ ..‬وهذا هو المعيار الوحيد الذى‬
‫يثمر تفاوتا ً بين الذكر والنثى‪ ..‬لكنه تفـاوت ل يفـضى إلى أى‬

‫‪902‬‬
‫ظـلم للنثى أو انتقاص من إنصافها‪ ..‬بل ربما كان العكس هو‬
‫الصحيح !‪..‬‬
‫ففى حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون فى درجة القرابة‪..‬‬
‫واتفقوا وتساووا فى موقع الجيل الوارث من تتابع الجيال ‪ -‬مثل‬
‫أولد المتوفَّى ‪ ،‬ذكورا ً وإناثا ً ‪ -‬يكون تفاوت العبء المالى هو‬
‫السبب فى التفاوت فى أنصبة الميراث‪ ..‬ولذلك ‪ ،‬لم يعمم‬
‫القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والنثى فى عموم‬
‫الوارثين ‪ ،‬وإنما حصره فى هذه الحالة بالذات ‪ ،‬فقالت الية‬
‫القرآنية‪( :‬يوصيكم الله فى أولدكم للذكر مثل حظ النثيين)‪..‬‬
‫ولم تقل‪ :‬يوصيكم الله فى عموم الوارثين‪ ..‬والحكمة فى هذا‬
‫التفاوت ‪ ،‬فى هذه الحالة بالذات ‪ ،‬هى أن الذكر هنا مكلف بإعالة‬
‫أنثى ـ هى زوجه ـ مع أولدهما‪ ..‬بينما النثـى الوارثة أخت الذكرـ‬
‫إعالتها ‪ ،‬مع أولدها ‪ ،‬فريضة على الذكر المقترن بها‪ ..‬فهى ـ مع‬
‫هذا النقص فى ميراثها بالنسبة لخيها ‪ ،‬الذى ورث ضعف‬
‫ً‬
‫ميراثها ‪ ،‬أكثر حظ ّا وامتيازا ً منه فى الميراث‪ ..‬فميراثها ـ مع‬
‫إعفائها من النفاق الواجب ـ هو ذمة مالية خالصة ومدخرة ‪،‬‬
‫لجبر الستضعاف النثوى ‪ ،‬ولتأمين حياتها ضد المخاطر‬
‫والتقلبات‪ ..‬وتلك حكمة إلهية قد تخفى على الكثيرين‪..‬‬
‫وإذا كانت هذه الفلسفة السلمية فى تفاوت أنصبة الوارثين‬
‫والوارثات وهى التى يغفل عنها طرفا الغلو ‪ ،‬الدينى واللدينى ‪،‬‬
‫الذين يحسبون هذا التفاوت الجزئى شبهة تلحق بأهلية المرأة‬
‫فى السلم فإن استقراء حالت ومسائل الميراث ـ كما جاءت‬
‫فى علم الفرائض (المواريث) ـ يكشف عن حقيقة قد تذهل‬
‫الكثيرين عن أفكارهم المسبقة والمغلوطة فى هذا الموضوع‪..‬‬
‫فهذا الستقراء لحالت ومسائل الميراث ‪ ،‬يقول لنا‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ إن هناك أربع حالت فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وهناك حالت أضعاف هذه الحالت الربع ترث فيها المرأة‬
‫مثل الرجل تماماً‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ وهناك حالت عشر أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ وهناك حالت ترث فيها المرأة ول يرث نظيرها من الرجال‪.‬‬
‫أى أن هناك أكثر من ثلثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل ‪،‬‬
‫أو أكثر منه ‪ ،‬أو ترث هى ول يرث نظيرها من الرجال ‪ ،‬فى‬
‫مقابلة أربع حالت محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل‪)2( ..‬‬
‫"!!‪.‬‬
‫تلك هى ثمرات استقراء حالت ومسـائل الميراث فى عـلم‬
‫الفرائض (المواريث) ‪ ،‬التى حكمتها المعايير السلمية التى‬

‫‪903‬‬
‫حددتها فلسفة السلم فى التوريث‪ ..‬والتى لم تقف عند معيار‬
‫الذكورة والنوثة ‪ ،‬كما يحسب الكثيرون من الذين ل يعلمون !‪..‬‬
‫وبذلك نرى سقوط الشبهة الولى من الشبهات الخمس المثارة‬
‫حول أهلية المرأة ‪ ،‬كما قررها السلم‪.‬‬
‫(‪ )1‬النساء‪.11 :‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬صلح الدين سلطان "ميراث المرأة وقضية المساواة " ص‬
‫‪ ، 46 ، 10‬طبعة القاهرة ‪ ،‬دار نهضة مصر سنة ‪1999‬م ـ " سلسلة‬
‫فى التنوير السلمى "‪.‬‬
‫‪--------------‬‬
‫‪ -161‬أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫أما الشبهة الثانية والزائفة التى تثار حول موقف السلم من‬
‫شهادة المرأة‪ ..‬التى يقول مثيروها‪ :‬إن السلم قد جعل المرأة‬
‫نصف إنسان ‪ ،‬وذلك عندما جعل شهادتها نصف شهادة الرجل ‪،‬‬
‫مستدلين على ذلك بآية سورة البقرة‪(:‬يا أيها الذين آمنوا إذا‬
‫تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل‬
‫ول يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذى عليه‬
‫الحق وليتق الله ربه ول يبخس منه شيئا ً فإن كان الذى عليه‬
‫الحق سفيها ً أو ضعيفا ً أو ل يستطيع أن يمل هو فليملل وليه‬
‫بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين‬
‫فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما‬
‫فتذكر إحداهما الخرى ول يأب الشهداء إذا ما دُع ُوا ول تسأموا‬
‫أن تكتبوه صغيًرا أو كبيًرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم‬
‫للشهادة وأدنى أل ترتابوا إل أن تكون تجارة حاضرة تديرونها‬
‫بينكم فليس عليكم جناح أل تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ول يضار‬
‫كاتب ول شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم‬
‫الله والله بكل شىء عليم) (‪.)1‬‬
‫ومصدر الشبهة التى حسب مثيروها أن السلم قد انتقص من‬
‫أهلية المرأة ‪ ،‬بجعل شهادتها على النصف من شهادة الرجل‪:‬‬
‫[ فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ] هو الخلط بين " الشهادة‬
‫" وبين " الشهاد " الذى تتحدث عنه هذه الية الكريمة‪..‬‬
‫فالشهادة التى يعتمد عليها القضاء فى اكتشاف العدل المؤسس‬
‫على البينة ‪ ،‬واستخلصه من ثنايا دعاوى الخصوم ‪ ،‬ل تتخذ من‬
‫الذكورة أو النوثة معياًرا لصدقها أو كذبها ‪ ،‬ومن ثم قبولها أو‬

‫‪904‬‬
‫رفضها‪ ..‬وإنما معيارها تحقق اطمئنان القاضى لصدق الشهادة‬
‫بصرف النظرعن جنس الشاهد ‪ ،‬ذكًرا كان أو أنثى ‪ ،‬وبصرف‬
‫النظر عن عدد الشهود‪ ..‬فالقاضى إذا اطمأن ضميره إلى ظهور‬
‫البينة أن يعتمد شهادة رجلين ‪ ،‬أو امرأتين ‪ ،‬أو رجل وامرأة ‪ ،‬أو‬
‫رجل وامرأتين ‪ ،‬أو امرأة ورجلين ‪ ،‬أو رجل واحد أو امرأة‬
‫واحدة‪ ..‬ول أثر للذكورة أو النوثة فى الشهادة التى يحكم القضاء‬
‫بناءً على ما تقدمه له من البينات‪..‬‬
‫أما آية سورة البقرة ‪ ،‬والتى قالت‪ [ :‬واستشهدوا شهيدين من‬
‫رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من‬
‫الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الخرى] فإنها تتحدث‬
‫عن أمر آخر غير" الشهادة " أمام القضاء‪ ..‬تتحدث عن " الشهاد‬
‫" الذى يقوم به صاحب الدين للستيثاق من الحفاظ على دَيْنه ‪،‬‬
‫وليس عن " الشهادة " التى يعتمد عليها القاضى فى حكمه بين‬
‫المتنازعين‪ ..‬فهى ‪ -‬الية ‪ -‬موجهة لصاحب الحق الدَّيْن وليس إلى‬
‫القاضى الحاكم فى النزاع‪ ..‬بل إن هذه الية ل تتوجه إلى كل‬
‫صاحب حق دَيْن ول تشترط ما اشترطت من مستويات الشهاد‬
‫وعدد الشهود فى كل حالت الدَّيْن‪ ..‬وإنما توجهت بالنصح‬
‫والرشاد فقط النصح والرشاد إلى دائن خاص ‪ ،‬وفى حالت‬
‫خاصة من الديون ‪ ،‬لها ملبسات خاصة نصت عليها الية‪ ..‬فهو‬
‫دين إلى أجل مسمى‪ ..‬ولبد من كتابته‪ ..‬ولبد من عدالة الكاتب‪.‬‬
‫ويحرم امتناع الكاتب عن الكتابة‪..‬ولبد من إملء الذى عليه‬
‫الحق‪ ..‬وإن لم يستطع فليملل وليه بالعدل‪..‬‬
‫والشهاد ل بد أن يكون من رجلين من المؤمنين‪ ..‬أو رجل‬
‫وامرأتين من المؤمنين‪ ..‬وأن يكون الشهود ممن ترضى عنهم‬
‫الجماعة‪ ..‬ول يصح امتناع الشهود عن الشهادة‪ ..‬وليست هذه‬
‫الشروط بمطلوبة فى التجارة الحاضرة‪ ..‬ول فى المبايعات‪..‬‬
‫ثم إن الية ترى فى هذا المستوى من الشهاد الوضع القسط‬
‫والقوم‪ ..‬وذلك ل ينفى المستوى الدنى من القسط‪..‬‬
‫ولقد فقه هذه الحقيقة حقيقة أن هذه الية إنما تتحدث عن "‬
‫الشهاد" فى دَيْن خاص ‪ ،‬وليس عن الشهادة‪..‬‬
‫وإنها نصيحة وإرشاد لصاحب الدَّيْن ذى المواصفات والملبسات‬
‫الخاصة وليست تشريعا ً موجها ً إلى القاضى الحاكم فى‬
‫المنازعات‪ ..‬فقه ذلك العلماء المجتهدون‪..‬‬
‫صلوا‬‫ومن هؤلء العلماء الفقهاء الذين فقهوا هذه الحقيقة ‪ ،‬وف ّ‬
‫القول فيها شيخ السلم ابن تيمية [‪ 661728‬هجرية ‪]1328 1263/‬‬
‫وتلميذه العلمة ابن القيم [‪ 691751‬هجرية ‪1350 1292 /‬م ] من‬
‫القدماء والستاذ المام الشيخ محمد عبده [ ‪ 12651323‬هجرية ]‬

‫‪905‬‬
‫والمام الشيخ محمود شلتوت [‪ 13101383‬هجرية ‪18931963/‬م] من‬
‫المحدثين والمعاصرين فقال ابن تيمية فيما يرويه عنه ويؤكد‬
‫عليه ابن القيم‪:‬‬
‫قال عن " البينة " التى يحكم القاضى بناء عليها‪ ..‬والتى وضع‬
‫قاعدتها الشرعية والفقهية حديث رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ " :‬البينة على المدعى ‪ ،‬واليمين على المدعى عليه " رواه‬
‫البخارى والترمذى وابن ماجه‪:‬‬
‫" إن البينة فى الشرع ‪ ،‬اسم لما يبيّن الحق ويظهره ‪ ،‬وهى تارة‬
‫تكون أربعة شهود ‪ ،‬وتارة ثلثة ‪ ،‬بالنص فى بينة المفلس ‪ ،‬وتارة‬
‫شاهدين ‪ ،‬وشاهد واحد ‪ ،‬وامرأة واحدة ‪ ،‬وتكون نُكول ً (‪، )2‬‬
‫ويمينًا‪ ،‬أو خمسين يمينا ً أو أربعة أيمان ‪ ،‬وتكون شاهد الحال‪.‬‬
‫فقوله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬البينة على المدعى " ‪ ،‬أى عليه‬
‫أن يظهر ما يبيّن صحة دعواه ‪ ،‬فإذا ظهر صدقه بطريق من‬
‫حكِم له‪ )3( " ..‬فكما تقوم البينة بشهادة الرجل الواحد أو‬ ‫الطرق ُ‬
‫أكثر ‪ ،‬تقوم بشهادة المرأة الواحدة ‪ ،‬أو أكثر‪ ،‬وفق معيار البينة‬
‫التى يطمئن إليها ضمير الحاكم ‪ -‬القاضى ‪..-‬‬
‫صل ابن تيمية القول فى التمييز بين طرق حفظ الحقوق ‪،‬‬ ‫ولقد ف ّ‬
‫التى أرشدت إليها ونصحت بها آية الشهاد ‪ -‬الية ‪ 282‬من سورة‬
‫البقرة وهى الموجهة إلى صاحب " الحق الدَّين " وبين طرق‬
‫البينة ‪ ،‬التى يحكم الحاكم القاضى بناء عليها‪ ..‬وأورد ابن القيم‬
‫تفصيل ابن تيمية هذا تحت عنوان [ الطرق التى يحفظ بها‬
‫النسان حقه ]‪ ..‬فقال‪:‬‬
‫" إن القرآن لم يذكر الشاهدين ‪ ،‬والرجل والمرأتين فى طرق‬
‫الحكم التى يحكم بها الحاكم ‪ ،‬وإنما ذكر النوعين من البينات فى‬
‫الطرق التى يحفظ بها النسان حقه ‪ ،‬فقال تعالى‪(‌‌ :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم‬
‫كاتب بالعدل ول يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب‬
‫وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه ول يبخس منه شيئا ً فإن‬
‫كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو ل يستطيع أن يمل هو‬
‫فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم‬
‫يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ) (‪..)4‬‬
‫فأمرهم ‪ ،‬سبحانه ‪ ،‬بحفظ حقوقهم بالكتاب (‪ ، )5‬وأمر من عليه‬
‫الحق أن يملى الكاتب ‪ ،‬فإن لم يكن ممن يصح إملؤه أملى عنه‬
‫وليه ‪ ،‬ثم أمر من له الحق أن يستشهد على حقه رجلين ‪ ،‬فإن‬
‫لم يجد فرجل وامرأتان ‪ ،‬ثم نهى الشهداء المتحملين للشهادة‬
‫خص لهم فى‬ ‫عن التخلف عن إقامتها إذا طُلبوا لذلك ‪ ،‬ثم ر ّ‬
‫التجارة الحاضرة أل يكتبوها ‪ ،‬ثم أمرهم بالشهاد عند التبايع ‪ ،‬ثم‬

‫‪906‬‬
‫أمرهم إذا كانوا على سفر ولم يجدوا كاتبا ً ‪ ،‬أن يستوثقوا بالرهان‬
‫المقبوضة‪.‬‬
‫كل هذا نصيحة لهم ‪ ،‬وتعليم وإرشاد لما يحفظون به حقوقهم ‪،‬‬
‫وما تحفظ به الحقوق شئ وما يحكم به الحاكم [ القاضى ]‬
‫شئ ‪ ،‬فإن طرق الحكم أوسع من الشاهد والمرأتين ‪ ،‬فإن‬
‫الحاكم يحكم بالنكول ‪ ،‬واليمين المردودة ول ذكر لهما فى‬
‫القرآن وأيضاً‪ :‬فإن الحاكم يحكم بالقرعة بكتاب الله وسنة‬
‫رسوله الصريحة الصحيحة‪ ..‬ويحكم بالقافة (‪ )6‬بالسنة الصريحة‬
‫الصحيحة التى ل معارض لها ويحكم بالقامة (‪ )7‬بالسنة الصحيحة‬
‫الصريحة ‪ ،‬ويحكم بشاهد الحال إذا تداعى الزوجان أو الصانعان‬
‫متاع البيت والدكان ‪ ،‬ويحكم ‪ ،‬عند من أنكر الحكم بالشاهد‬
‫واليمين بوجود الجر فى الحائط ‪ ،‬فيجعله للمدعى إذا كان جهته‬
‫وهذا كله ليس فى القرآن ‪ ،‬ول حكم به رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬ول أحد من أصحابه‪..‬‬
‫ل عن‬ ‫فإن قيل‪ :‬فظاهر القرآن يدل على أن الشاهد والمرأتين بد ٌ‬
‫ضى بهما إل عند عدم الشاهدين‪.‬‬ ‫الشاهدين ‪ ،‬وأنه ل يُقْ َ‬
‫قيل‪ :‬القرآن ل يدل على ذلك ‪ ،‬فإن هذا أمر لصحاب الحقوق بما‬
‫يحفظون به حقوقهم ‪ ،‬فهو سبحانه أرشدهم إلى أقوى الطرق ‪،‬‬
‫فإن لم يقدروا على أقواها انتقلوا إلى ما دونها‪ ..‬وهو سبحانه لم‬
‫يذكر ما يحكم به الحاكم ‪ ،‬وإنما أرشدنا إلى ما يحفظ به الحق ‪،‬‬
‫وطرق الحكم أوسع من الطرق التى تُحفظ بها الحقوق " (‪..)8‬‬
‫وبعد إيراد ابن القيم لهذه النصوص نقل ً عن شيخه وشيخ السلم‬
‫ابن تيمية علق عليها ‪ ،‬مؤكدا ً إياها ‪ ،‬فقال‪ " :‬قلت [ أى ابن‬
‫حكَم إل بشاهدين ‪،‬أو‬ ‫القيم ]‪ :‬وليس فى القرآن ما يقتضى أنه ل ي ُ ْ‬
‫شاهد وامرأتين ‪ ،‬فإن الله سبحانه إنما أمر بذلك أصحاب الحقوق‬
‫أن يحفظوا حقوقهم بهذا النِّصاب ‪ ،‬ولم يأمر بذلك الحكام أن‬
‫يحكموا به ‪ ،‬فضل ً عن أن يكون قد أمرهم أل يقضوا إل بذلك‪.‬‬
‫ولهذا يحكم الحاكم بالنكول ‪ ،‬واليمين المردودة ‪ ،‬والمرأة‬
‫مط (‪)9‬‬ ‫الواحدة ‪ ،‬والنساء المنفردات ل رجل معهن ‪ ،‬وبمعاقد ال ُق ُ‬
‫‪ ،‬ووجوه الجّر ‪ ،‬وغير ذلك من طرق الحكم التى تُذكر فى‬
‫القرآن‪..‬فطرق الحكم شئ ‪ ،‬وطرق حفظ الحقوق شئ آخر ‪،‬‬
‫وليس بينهما تلزم ‪ ،‬فتُحفظ الحقوق بما ل يحكم به الحاكم مما‬
‫يعلم صاحب الحق أنه يحفظ به حقه ‪ ،‬ويحكم الحاكم بما ل‬
‫يحفظ به صاحب الحق حقه ‪ ،‬ول خطر على باله‪.)10( " ..‬‬
‫فطرق الشهاد ‪ ،‬فى آية سورة البقرة التى تجعل شهادة‬
‫المرأتين تعدل شهادة رجل واحد هى نصيحة وإرشاد لصاحب‬
‫الدَّين ذى الطبيعة الخاصة ‪ ..-‬وليست التشريع الموجه إلى‬

‫‪907‬‬
‫الحاكم القاضى والجامع لطرق الشهادات والبينات‪ ..‬وهى أيضاً‬
‫خاصة بدَيْن له مواصفاته وملبساته ‪ ،‬وليست التشريع العام فى‬
‫البينات التى تُظهر العدل فيحكم به القضاة‪..‬‬
‫* وبعد هذا الضبط والتمييز والتحديد‪ ..‬أخذ ابن تيمية يعدد حالت‬
‫البينات والشهادات التى يجوز للقاضى الحاكم الحكم بناء عليها‪..‬‬
‫فقال‪ " :‬إنه يجوز للحاكم – [ القاضى ] – الحكم بشهادة الرجل‬
‫الواحد إذا عرف صدقه فى غير الحدود ‪ ،‬ولم يوجب الله على‬
‫الحاكم أل يحكم إل بشاهدين أصل ً ‪ ،‬وإنما أمر صاحب الحق أن‬
‫يحفظ حقه بشاهدين ‪ ،‬أو بشاهد وامرأتين ‪ ،‬وهذا ل يدل علىأن‬
‫الحاكم ل يحكم بأقل من ذلك ‪ ،‬بل قد حكم رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬بالشاهد واليمين ‪ ،‬وبالشاهد فقط ‪ ،‬وليس ذلك‬
‫مخالفا ً لكتاب الله عند من فهمه ‪ ،‬ول بين حكم الله وحكم‬
‫رسوله خلف‪ ..‬وقد قبل النبى صلى الله عليه وسلم شهادة‬
‫العرابى وحده على رؤية هلل رمضان ‪ ،‬وتسمية بعض الفقهاء‬
‫ذلك إخبارا ً ‪ ،‬ل شهادة ‪ ،‬أمر لفظى ل يقدح فى الستدلل ‪ ،‬ولفظ‬
‫الحديث يرد ّ قوله ‪ ،‬وأجاز صلى الله عليه وسلم شهادة الشاهد‬
‫سلَب (‪ ، )11‬ولم يطالب القاتل بشاهد آخر ‪،‬‬ ‫الواحد فى قضية ال َّ‬
‫واستحلفه ‪ ،‬وهذه القصة [وروايتها فى الصحيحين] صريحة فى‬
‫ذلك‪ ..‬وقد صرح الصحاب‪ :‬أنه تُقبل شهادة الرجل الواحد من‬
‫خَرقى [‪ 334‬هجرية ‪945‬م ]‬ ‫غير يمين عند الحاجة ‪ ،‬وهو الذى نقله ال ِ‬
‫فى مختصره ‪،‬فقال‪ :‬وتِقبل شهادة الطبيب العدل فى الموضحة (‬
‫‪ )12‬إذا لم يقدر على طبيبين ‪ ،‬وكذلك البيطار فى داء الدابة‪( "..‬‬
‫‪.)13‬‬
‫* وكما تجوز شهادة الرجل الواحد فى غير الحدود‪ ..‬وكما تجوز‬
‫شهادة الرجال وحدهم في الحدود ‪ ،‬تجوز عند البعض شهادة‬
‫النساء وحدهن فى الحدود‪ ..‬وعن ذلك يقول ابن تيمية ‪ ،‬فيما‬
‫نقله ابن القيم‪:‬‬
‫" وقد قبل النبى صلى الله عليه وسلم شهادة المرأة الواحدة‬
‫فى الرضاع ‪ ،‬وقد شهدت على فعل نفسها ‪ ،‬ففى الصحيحين عن‬
‫عقبة ابن الحارث‪ " :‬أنه تزوج أم يحيى بنت أبى إهاب ‪ ،‬فجاءت‬
‫ت ذلك للنبى صلى الله‬ ‫َ‬
‫ة سوداء ‪ ،‬فقالت‪ :‬قد أرضعتكما‪ .‬فذكر ُ‬ ‫م ٌ‬
‫أ َ‬
‫ت ذلك له ‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ت فذكر ُ‬ ‫عليه وسلم ‪ ،‬فأعرض عنى ‪ ،‬قال‪ :‬فتنحي ُ‬
‫ن قد أرضعتكما ! "‪.‬‬‫تأ ْ‬ ‫فكيف ؟ وقد زعم ْ‬
‫وقد نص أحمد على ذلك فى رواية بكر بن محمد عن أبيه ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فى المرأة تشهد على مال يحضره الرجال من إثبات استهلل‬
‫مام يدخله النساء ‪ ،‬فتكون بينهن جراحات‪.‬‬ ‫الصبى (‪ ،)14‬وفى الح ّ‬

‫‪908‬‬
‫ت لحمد فى شهادة الستدلل‪" :‬‬ ‫وقال إسحاق بن منصور‪ :‬قل ُ‬
‫مام ‪،‬‬‫تجوز شهادة امرأة واحدة فى الحيض والعدة والسقط والح ّ‬
‫وكل مال يطلع عليه إل النساء "‪.‬‬
‫فقال‪" :‬تجوز شهادة امرأة إذا كانت ثقة ‪ ،‬ويجوز القضاء بشهادة‬
‫النساء منفردات فى غير الحدود والقصاص عند جماعة من‬
‫خلَف والسلف "‪ .‬وعن عطاء [‪ 114-27‬هجرية ‪732 647/‬م ] أنه أجاز‬ ‫ال َ‬
‫شهادة النساء فى النكاح‪ .‬وعن شريح [‪ 78‬هجرية ‪697 /‬م ] أنه‬
‫أجاز شهادة النساء فى الطلق‪ .‬وقال بعض الناس‪ :‬تجوز شهادة‬
‫النساء فى الحدود‪ .‬وقال مهنا‪ :‬قال لى أحمد بن حنبل‪ :‬قال أبو‬
‫حنيفة‪ :‬تجوز شهادة القابلة وحدها ‪ ،‬وإن كانت يهودية أو‬
‫نصرانية‪.)15( "..‬‬
‫ذلك أن العبرة هنا فى الشهادة إنما هى الخبرة والعدالة ‪،‬‬
‫وليست العبرة بجنس الشاهد ذكرا ً كان أو أنثى ففى مهن مثل‬
‫الطب‪ ..‬والبيطرة‪ ..‬والترجمة أمام القاضى‪ ..‬تكون العبرة‬
‫"بمعرفة أهل الخبرة " (‪.)16‬‬
‫* بل لقد ذكر ابن تيمية فى حديثه عن الشهاد الذى تحدثت عنه‬
‫آية سورة البقرة أن نسيان المرأة ‪ ،‬ومن ثم حاجتها إلى أخرى‬
‫تذكرها (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الخرى(ليس طبعًا ول‬
‫ما فى كل أنواع الشهادات‪ ..‬وإنما‬ ‫جبلة فى كل النساء ‪ ،‬وليس حت ً‬
‫هو أمر له علقة بالخبرة والمران ‪ ،‬أى أنه مما يلحقه التطور‬
‫والتغيير‪ ..‬وحكى ذلك عنه ابن القيم فقال‪:‬‬
‫" قال شيخنا ابن تيمية ‪ ،‬رحمه الله تعالى‪ :‬قوله تعالى‪(::‬فإن لم‬
‫يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل‬
‫إحداهما فتذكر إحداهما الخرى(فيه دليل على أن استشهاد‬
‫امرأتين مكان رجل واحد إنما هو لذكار إحداهما للخرى ‪ ،‬إذا‬
‫ضلت ‪ ،‬وهذا إنما يكون فيما فيه الضلل فى العادة ‪ ،‬وهو‬
‫ف فيه‬ ‫النسيان وعدم الضبط‪ ..‬فما كان من الشهادات ل يُخا ُ‬
‫الضلل فى العادة لم تكن فيه على نصف الرجل‪.)17( "..‬‬
‫فحتى فى الشهاد ‪ ،‬يجوز لصاحب الدَّيْن أن يحفظ دَينه وفق‬
‫نصيحة وإرشاد آية سورة البقرة بإشهاد رجل وامرأة ‪ ،‬أو امرأتين‬
‫‪ ،‬وذلك عند توافر الخبرة للمرأة فى موضوع الشهاد‪ ..‬فهى فى‬
‫هذا الشهاد ليست شهادتها دائما ً على النصف من شهادة‬
‫الرجل‪..‬‬
‫ولقد كرر ابن القيم وأكد هذا الذى أشرنا إلى طرف منه ‪ ،‬فى‬
‫غير كتابه [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] فقال فى‬
‫كتابه " إعلم الموقعين عند رب العالمين" أثناء حديثه عن "‬
‫البينة " وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬البينة على‬

‫‪909‬‬
‫المدعى واليمين على من أنكر " خلل شرحه لخطاب عمر بن‬
‫الخطاب إلى أبى موسى الشعرى [ ‪21‬ق هجرية ‪ 44‬هجرية ‪-602‬‬
‫‪665‬م ] فى قواعد القضاء وآدابه ‪ -‬قال‪:‬‬
‫" إن البينة فى كلم الله ورسوله ‪ ،‬وكلم الصحابة اسم لكل ما‬
‫يبين الحق‪ ..‬ولم يختص لفظ البينة بالشاهدين‪..‬‬
‫وقال الله فى آية الدَّيْن‪( :‬واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن‬
‫لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان (فهذا فى التَّحمل والوثيقة التى‬
‫يحفظ بها صاحب المال حقه ‪ ،‬ل فى طرق الحكم وما يحكم به‬
‫الحاكم ‪ ،‬فإن هذا شئ وهذا شئ ‪ ،‬فذكر سبحانه ما يحفظ به‬
‫الحقوق من الشهود ‪ ،‬ولم يذكر أن الحكام ل يحكمون إل بذلك‪..‬‬
‫فإن طرق الحكم أعم من طرق حفظ الحقوق‪ ..‬وقال‬
‫سبحانه‪(:‬ممن ترضون من الشهداء (لن صاحب الحق هو الذى‬
‫يحفظ ماله بمن يرضاه‪." ..‬‬
‫وعلل ابن تيمية حكمة كون شهادة المرأتين فى هذه الحالة‬
‫تعدلن شهادة الرجل الواحد ‪ ،‬بأن المرأة ليست مما يتحمل عادة‬
‫مجالس وأنواع هذه المعاملت‪ ..‬لكن إذا تطورت خبراتها‬
‫وممارساتها وعاداتها ‪ ،‬كانت شهادتها حتى فى الشهاد على حفظ‬
‫الحقوق والديون مساوية لشهادة الرجل‪ ..‬فقال‪:‬‬
‫" ول ريب أن هذه الحكمة فى التعدد هى فى التحمل ‪ ،‬فأما إذا‬
‫عقلت المرأة ‪ ،‬وحفظت وكانت ممن يوثق بدينها فإن المقصود‬
‫حاصل بخبرها كما يحصل بأخبار الديانات ‪ ،‬ولهذا تُقبل شهادتها‬
‫وحدها فى مواضع ‪ ،‬ويُحكم بشهادة امرأتين ويمين الطالب فى‬
‫أصح القولين ‪ ،‬وهو قول مالك [ ‪ 179-93‬هجرية ‪795-712‬م ] وأحد‬
‫قف‬ ‫الوجهين فى مذهب أحمد‪ " ..‬والمقصود أن الشارع لم ي َ ِ‬
‫الحكم فى حفظ الحقوق البتة على شهادة ذكرين ‪ ،‬ل فى الدماء‬
‫ول فى الموال ول فى الفروج ول فى الحدود‪ ..‬وسر المسألة أل‬
‫يلزم من المر بالتعدد فى جانب التحمل وحفظ الحقوق المر‬
‫بالتعدد فى جانب الحكم والثبوت ‪ ،‬فالخبر الصادق ل تأتى‬
‫الشريعة برده أبداً‪.‬‬
‫وهذا الذى قاله ابن تيمية وابن القيم فى حديثهما عن آية سورة‬
‫البقرة هو الذى ذكره المام محمد عبده ‪ ،‬عندما أرجع تميز‬
‫شهادة الرجال على هذا الحق الذى تحدثت عنه الية على شهادة‬
‫النساء ‪ ،‬إلى كون النساء فى ذلك التاريخ كن بعيدات عن حضور‬
‫مجالس التجارات ‪ ،‬ومن ثم بعيدات عن تحصيل التحمل‬
‫والخبرات فى هذه الميادين‪ ..‬وهو واقع تاريخى خاضع للتطور‬
‫والتغير ‪ ،‬وليس طبيعة ول جبلة فى جنس النساء على مر‬
‫العصور‪ ..‬ولو عاش المام محمد عبده إلى زمننا هذا ‪ ،‬الذى زخر‬

‫‪910‬‬
‫ويزخر بالمتخصصات فى المحاسبة والقتصاد وإدارة العمال ‪،‬‬
‫وب " سيدات العمال " اللئى ينافسن " رجال العمال " لفاض‬
‫وتوسع فيما قال ‪ ،‬ومع ذلك ‪ ،‬فحسبه أنه قد تحدث قبل قرن من‬
‫الزمان فى تفسيره لية سورة البقرة هذه رافضا ً أن يكون‬
‫ما فى كل موضوعات الشهادات ‪،‬‬ ‫نسيان المرأة جبلة فيها وعا ًّ‬
‫فقال‪:‬‬
‫" تكلم المفسرون فى هذا ‪ ،‬وجعلوا سببه المزاج ‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن‬
‫مزاج المرأة يعتريه البرد فيتبعه النسيان ‪ ،‬وهذا غير متحقق ‪،‬‬
‫والسبب الصحيح أن المرأة ليس من شأنها الشتغال بالمعاملت‬
‫المالية ونحوها من المعاوضات ‪ ،‬فلذلك تكون ذاكرتها ضعيفة ‪،‬ول‬
‫تكون كذلك فى المور المنزلية التى هى شغلها ‪ ،‬فإنها أقوى‬
‫ذاكرة من الرجل ‪ ،‬يعنى أن من طبع البشر ذكرانا ً وإناثا ً أن يقوى‬
‫تذكرهم للمور التى تهمهم ويكثر اشتغالهم بها " (‪.)18‬‬
‫ولقد سار الشيخ محمود شلتوت الذى استوعب اجتهادات ابن‬
‫تيمية وابن القيم ومحمد عبده مع هذا الطريق ‪ ،‬مضيفا ً إلى هذه‬
‫الجتهادات علما ً آخر عندما لفت النظر إلى تساوى شهادة الرجل‬
‫فى " اللعان "‪..‬‬
‫فكتب يقول عن شهادة المرأة وكيف أنها دليل على كمال أهليتها‬
‫‪ ،‬وذلك على العكس من الفكر المغلوط الذى يحسب موقف‬
‫صا من إنسانيتها‪ ..‬كتب يقول‪:‬‬ ‫السلم من هذه القضية انتقا ً‬
‫إن قول الله سبحانه وتعالى‪( :‬فإن لم يكونا رجلين فرجل‬
‫وامرأتان (ليس واردا ً فى مقام الشهادة التى يقضى بها القاضى‬
‫ويحكم ‪ ،‬وإنما هو فى مقام الرشاد إلى طرق الستيثاق‬
‫والطمئنان على الحقوق بين المتعاملين وقت التعامل(يأيها الذين‬
‫آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم‬
‫كاتب بالعدل وليأب كاتب أن يكتب كما علمه الله (إلى أن قال‪:‬‬
‫(واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل‬
‫وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر‬
‫إحداهما الخرى ) (‪.)19‬‬
‫فالمقام مقام استيثاق على الحقوق ‪ ،‬ل مقام قضاء بها‪ .‬والية‬
‫ترشد إلى أفضل أنواع الستيثاق الذى تطمئن به نفوس‬
‫المتعاملين على حقوقهم‪.‬‬
‫وليس معنى هذا أن شهادة المرأة الواحدة أو شهادة النساء‬
‫اللتى ليس معهن رجل ‪ ،‬ليثبت بها الحق ‪ ،‬ول يحكم بها‬
‫القاضى ‪ ،‬فإن أقصى ما يطلبه القضاء هو " البينة "‪.‬‬
‫وقد حقق العلمة ابن القيم أن البينة فى الشرع أعم من‬
‫الشهادة ‪ ،‬وأن كل ما يتبين به الحق ويظهره ‪ ،‬هو بينة يقضى بها‬

‫‪911‬‬
‫القاضى ويحكم‪ .‬ومن ذلك‪ :‬يحكم القاضى بالقرائن القطعية ‪،‬‬
‫ويحكم بشهادة غير المسلم متى وثق بها واطمأن إليها‪.‬‬
‫واعتبار المرأتين فى الستيثاق كالرجل الواحد ليس لضعف عقلها‬
‫‪ ،‬الذى يتبع نقص إنسانيتها ويكون أثرا ً له ‪ ،‬وإنما هو لن المرأة‬
‫كما قال الشيخ محمد عبده " ليس من شأنها الشتغال‬
‫بالمعاملت المالية ونحوها من المعاوضات ‪ ،‬ومن هنا تكون‬
‫ذاكرتها فيها ضعيفة ‪ ،‬ول تكون كذلك فى المور المنزلية التى‬
‫هى شغلها ‪ ،‬فإنها فيها أقوى ذاكرة من الرجل ‪ ،‬ومن طبع البشر‬
‫عامة أن يقوى تذكرهم للمور التى تهمهم ويمارسونها ‪ ،‬ويكثر‬
‫اشتغالهم بها‪.‬‬
‫والية جاءت على ما كان مألوفا ً فى شأن المرأة ‪ ،‬ول يزال أكثر‬
‫النساء كذلك ‪ ،‬ل يشهدن مجالس المداينات ول يشتغلن بأسواق‬
‫المبايعات ‪ ،‬واشتغال بعضهن بذلك ل ينافى هذا الصل الذى‬
‫تقضى به طبيعتها فى الحياة‪.‬‬
‫وإذا كانت الية ترشد إلى أكمل وجوه الستيثاق ‪ ،‬وكان‬
‫المتعاملون فى بيئة يغلب فيها اشتغال النساء بالمبايعات وحضور‬
‫مجالس المداينات ‪ ،‬كان لهم الحق فى الستيثاق بالمرأة على‬
‫نحو الستيثاق بالرجل متى اطمأنوا إلى تذكرها وعدم نسيانها‬
‫على نحو تذكر الرجل وعدم نسيانه‪.‬‬
‫هذا وقد نص الفقهاء على أن من القضايا ما تقبل فيه شهادة‬
‫المرأة وحدها ‪ ،‬وهى القضايا التى لم تجر العادة بإطلع الرجال‬
‫على موضوعاتها ‪ ،‬كالولدة والبكارة ‪ ،‬وعيوب النساء والقضايا‬
‫الباطنية‪.‬‬
‫وعلى أن منها ما تقبل فيه شهادة الرجل وحده ‪ ،‬وهى القضايا‬
‫التى تثير موضوعاتها عاطفة المرأة ول تقوى على تحملها ‪ ،‬على‬
‫أنهم قدروا قبول شهادتها فى الدماء إذا تعينت طريقا ً لثبوت‬
‫الحق واطمئنان القاضى إليها‪ .‬وعلى أن منها ما تقبل شهادتهما‬
‫معاً‪.‬‬
‫ومالنا نذهب بعيدا ً ‪ ،‬وقد نص القرآن على أن المرأة كالرجل‬
‫سواء بسواء فى شهادات اللعان ‪ ،‬وهو ما شرعه القرآن بين‬
‫الزوجين حينما يقذف الرجل زوجه وليس له على ما يقول شهود‬
‫(والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إل أنفسهم فشهادة‬
‫أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين * والخامسة أن‬
‫لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين * ويدرأ عنها العذاب أن تشهد‬
‫أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله‬
‫عليها إن كان من الصادقين ) (‪.)20‬‬

‫‪912‬‬
‫أربع شهادات من الرجل ‪ ،‬يعقبها استمطار لعنة الله عليه إن كان‬
‫من الكاذبين ‪ ،‬ويقابلها ويبطل عملها ‪ ،‬أربع شهادات من المرأة‬
‫يعقبها استمطار غضب الله عليها إن كان من الصادقين‪ ..‬فهذه‬
‫عدالة السلم فى توزيع الحقوق العامة بين الرجل والمرأة ‪،‬‬
‫وهى عدالة تحقق أنهما فى النسانية سواء‪.)21( ..‬‬
‫هكذا وضحت صفحة السلم‪ ..‬وصفحات الجتهاد السلمى فى‬
‫قضية مساواة شهادة المرأة وشهادة الرجل ‪ ،‬طالما امتلك‬
‫الشاهد أو الشاهدة مقومات ومؤهلت وخبرة هذه الشهادة‪ ..‬لن‬
‫الهلية النسانية بالنسبة لكل منهما واحدة ‪ ،‬ونابعة من وحدة‬
‫الخلق ‪ ،‬والمساواة فى التكاليف ‪ ،‬والتناصر فى المشاركة بحمل‬
‫المانة التى حملها النسان ‪ ،‬أمانة استعمار وعمران هذه الحياة‪.‬‬
‫*وأخيرا ً وليس آخرا ً فإن ابن القيم يستدل بالية القرآنية‪( :‬وكذلك‬
‫جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول‬
‫عليكم شهيدا ً ) (‪ .)22‬على أن المرأة كالرجل فى هذه الشهادة‬
‫على بلغ الشريعة ورواية السنة النبوية‪ ..‬فالمرأة كالرجل فى "‬
‫رواية الحديث " ‪ ،‬التى هى شهادة على رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪..‬‬
‫وإذا كان ذلك مما أجمعت عليه المة ‪ ،‬ومارسته راويات الحديث‬
‫النبوى جيل ً بعد جيل " والرواية شهادة " فكيف تقبل الشهادة من‬
‫المرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ول تقبل على واحد‬
‫من الناس ؟‪..‬‬
‫إن المرأة العدل [ بنص عبارة ابن القيم ] كالرجل فى الصدق‬
‫والمانة والديانة (‪.)23‬‬
‫ذلكم هو منطق شريعة السلم وكلها منطق وهذا هوعدلها بين‬
‫النساء والرجال وكلها عدل وكما يقول ابن القيم‪ ":‬وما أثبت الله‬
‫سا أو عقل ً ‪،‬‬ ‫ورسوله قط حكما ً من الحكام يُقطع ببطلن سببه ح ًّ‬
‫ما منه‬‫فحاشا أحكامه سبحانه من ذلك ‪ ،‬فإنه ل أحسن حك ً‬
‫سبحانه وتعالى ول أعدل‪ .‬ول يحكم حكما ً يقول العقل‪ :‬ليته حكم‬
‫بخلفه ‪ ،‬بل أحكامه كلها مما يشهد العقل والفِطَر بحسنها ‪،‬‬
‫ووقوعها على أتم الوجوه وأحسنها ‪ ،‬وأنه ل يصلح فى موضعها‬
‫سواها " (‪.)24‬‬
‫هذا‪ ..‬ولقد تعمدنا فى إزالة هذه الشبهة أمران‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬أن ندع نصوص أئمة الجتهاد السلمى هى التى تبدد‬
‫غيوم هذه الشبهة ‪ ،‬ل نصوصنا نحن‪..‬‬
‫وذلك حتى ل ندع سبيل ً لشبهات جديدة فى هذا الموضوع !‬
‫وثانيهما‪ :‬أن تكون هذه النصوص للئمة المبرزين فى إطار‬
‫السلف والسلفيين‪ ..‬وذلك حتى نقطع الطريق على أدعياء‬

‫‪913‬‬
‫السلفية الذين حملوا العادات الراكدة لمجتمعاتهم على دين‬
‫السلم ‪ ،‬فاستبدلوا هذه العادات بشريعة السلم !‪ ..‬وحتى نقطع‬
‫الطريق كذلك على غلة العلمانيين والعلمانيات ‪ ،‬الذين استبدلوا‬
‫البدع الفكرية الوافدة بحقائق وحقيقة السلم ‪ ،‬والذين‬
‫يتحسسون مسدساتهم إذا ذكرت مصطلحات السلفية والسلفيين‬
‫!‪..‬‬
‫فإنصاف المرأة ‪ ،‬وكمال واكتمال أهليتها هو موقف السلم ‪،‬‬
‫الذى نزل به الروح المين على قلب الصادق المين‪ ..‬وهو موقف‬
‫كل تيارات الجتهاد السلمى ‪ ،‬على امتداد تاريخ السلم‪.‬‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.282 :‬‬
‫(‪ )2‬النكول‪ :‬هو المتناع عن اليمين‪.‬‬
‫(‪ )3‬ابن القيم [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص ‪.34‬‬
‫تحقيق محمد جميل غازى‪ .‬طبعة القاهرة سنة ‪1977‬م‪.‬‬
‫(‪ )4‬سورة البقرة‪.282 :‬‬
‫(‪ )5‬أى الكتابة‪.‬‬
‫(‪ )6‬القافة‪ :‬مفردها قائف هو الذى يعرف الثار آثار القدام‬
‫ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه‪..‬‬
‫(‪ )7‬القامة‪ :‬اليمان ‪ ،‬تقسم على أهل المحلة الذين وجد المقتول‬
‫فيهم‪.‬‬
‫(‪ [ )8‬الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ]ص ‪219،23 ، 105-103‬‬
‫‪.6‬‬
‫(‪ )9‬مفردها قمط بكسر القاف وسكون الميم‪ :‬ما تشد به‬
‫الخصاص ومكونات البناء ولبناته‪.‬‬
‫(‪ [ )10‬الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص ‪.198‬‬
‫سلب بفتح السين مشددة ‪ ،‬وفتح اللم ‪ :-‬هو متاع القتيل‬ ‫(‪ )11‬ال َّ‬
‫وعدته ‪ ،‬يأخذه قاتله‪ ..‬وفى الحديث‪:‬‬
‫سلَب ُ ُ‬
‫ه "‪.‬‬ ‫" من قتل قتيل ً فله َ‬
‫(‪ )12‬الموضحة‪ :‬هى الجراحات التى هى دون قتل النفس‪.‬‬
‫(‪ [ )13‬الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص ‪.123 ، 113 ، 98‬‬
‫(‪ )14‬استهلل الصبى‪ :‬هو أن يحدث منه ما يدل على حياته ساعة‬
‫الولدة من رفع صوت أو حركة عضو أو عين ‪ ،‬وهو شرط لتمتعه‬
‫بحقوق الحياء‪.‬‬
‫(‪[ )15‬الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص ‪.117-115‬‬
‫(‪ )16‬المصدر السابق‪ .‬ص ‪.193 ، 188‬‬
‫(‪ [ )17‬إعلم الموقعين عن رب العالمين ] ج ‪ 1‬ص ‪103، 95-94 ،92-90‬‬
‫‪ .،104‬طبعة بيروت سنة ‪1973‬م‪.‬‬

‫‪914‬‬
‫(‪ [ )18‬العمال الكاملة للمام محمد عبده ] ج ‪ 4‬ص ‪ .732‬دراسة‬
‫وتحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد عمارة‪ .‬طبعة القاهرة سنة ‪1993‬م‪.‬‬
‫(‪ )19‬البقرة‪.282 :‬‬
‫(‪ )20‬النور‪.69:‬‬
‫(‪ [ )21‬السلم عقيدة وشريعة ] ص ‪ .241 -239‬طبعة القاهرة سنة‬
‫‪ 1400‬هجرية سنة ‪1980‬م‪.‬‬
‫(‪ )22‬البقرة‪.143 :‬‬
‫(‪ [ )23‬الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص ‪.244 ،236‬‬
‫(‪ )24‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.329‬‬
‫‪---------------‬‬
‫‪ -162‬أن النساء ناقصات عقل ودين‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫الردعلى الشبهة‪:‬‬
‫المصدر الحقيقى لهذه الشبهة هو العادات والتقاليد الموروثة ‪،‬‬
‫والتى تنظر إلى المرأة نظرة دونية‪ ..‬وهى عادات وتقاليد‬
‫جاهلية ‪ ،‬حرر السلم المرأة منها‪ ..‬لكنها عادت إلى الحياة‬
‫الجتماعية ‪ ،‬فى عصور التراجع الحضارى مستندة كذلك إلى‬
‫رصيد التمييز ضد المرأة الذى كانت عليه مجتمعات غير‬
‫إسلمية ‪ ،‬دخلت فى إطار المة السلمية والدولة السلمية ‪،‬‬
‫دون أن تتخلص تماما ً من هذه المواريث‪ ..‬فسرعة الفتوحات‬
‫السلمية التى اقتضتها معالجة القوى العظمى المناوئة للسلم‬
‫قوى الفرس والروم وما تبعها من سرعة امتداد الدولة‬
‫السلمية ‪ ،‬قد أدخلت فى الحياة السلمية شعوبا ً وعادات‬
‫وتقاليد لم تتح هذه السرعة للتربية السلمية وقيمها أن تتخلص‬
‫تلك الشعوب من تلك العادات والتقاليد ‪ ،‬والتى تكون عادة أشد‬
‫رسوخا ً وحاكمية من القيم الجديدة‪ ..‬حتى لتغالب فيه هذه‬
‫العادات الموروثة العقائد والنساق الفكرية والمثل السامية‬
‫للديان والدعوات الجديدة والوليدة ‪ ،‬محاولة التغلب عليها !‪.‬‬
‫ولقد حاولت هذه العادات والتقاليد بعد أن ترسخت وطال عليها‬
‫المد ‪ ،‬فى ظل عسكرة الدولة السلمية فى العهدين المملوكى‬
‫والعثمانى أن تجد لنظرتها الدونية للمرأة " غطاء شرعيًّا " فى‬
‫التفسيرات المغلوطة لبعض الحاديث النبوية وذلك بعد عزل هذه‬
‫الحاديث عن سياقها ‪ ،‬وتجريدها من ملبسات ورودها ‪ ،‬وفصلها‬
‫عن المنطق السلمى منطق تحرير المرأة كجزء من تحريره‬
‫للنسان ‪ ،‬ذكرا ً كان أو أنثى هذا النسان فلقد جاء السلم ليضع‬
‫عن الناس إصرهم والغلل التى كانت عليهم ‪ ،‬وليحيى ملكات‬

‫‪915‬‬
‫وطاقات النسان مطلق جنس ونوع النسان وليشرك الناث‬
‫والذكور جميعا ً فى حمل المانة التى حملها النسان ‪ ،‬وليكون‬
‫بعضهم أولياء بعض فى النهوض بالفرائض الجتماعية ‪ ،‬الشاملة‬
‫لكل ألوان العمل الجتماعى والعام‪..‬‬
‫لكن العادات والتقاليد الجاهلية فى احتقار المرأة ‪ ،‬والنتقاص من‬
‫أهليتها ‪ ،‬وعزلها عن العمل العام ‪ ،‬وتعطيل ملكاتها وطاقاتها‬
‫الفطرية قد دخلت فى حرب ضروس ضد القيم السلمية لتحرير‬
‫المرأة‪..‬‬
‫وسعت إلى التفسيرات الشاذة والمغلوطة لبعض الحاديث‬
‫النبوية والمأثورات السلمية كى تكون " غطاءً شرعيا ً " لهذه‬
‫العادات والتقاليد‪..‬‬
‫فبعد أن بلغ التحرير السلمى للمرأة إلى حيث أصبحت به وفيه‪:‬‬
‫* طليعة اليمان بالسلم‪ ..‬والطاقة الخلقة الداعمة للدين‬
‫ورسوله صلى الله عليه وسلم كما كان حال أم المؤمنين خديجة‬
‫بنت خويلد [ ‪3 68‬ق هجرية ‪620 556 /‬م ] رضى الله عنها‪ ..‬حتى لقد‬
‫كان عام وفاتها عام حزن المسلمين ورسول السلم ودعوة‬
‫السلم‪..‬‬
‫* وطليعة شهداء السلم‪ ..‬كما جسدتها شهادة سمية بنت خياط‬
‫[ ‪7‬ق هجرية ‪615‬م] ‪ ،‬أم عمار بن ياسر [ ‪ 57‬ق هجرية ‪ 37‬هجرية ‪/‬‬
‫‪657 567‬م]‪..‬‬
‫* وطليعة المشاركة فى العمل العام السياسى منه ‪ ،‬والشورى ‪،‬‬
‫والفقهى ‪ ،‬والدعوى ‪ ،‬والدبى ‪ ،‬والجتماعى‪.‬‬
‫بل والقتالى ‪ -‬كما تجسدت فى كوكبة النخبة والصفوة النسائية‬
‫التى تربت فى مدرسة النبوة‪..‬‬
‫بعد أن بلغ التحرير السلمى للمرأة هذه الفاق‪ ..‬أعادت العادات‬
‫والتقاليد المرأة أو حاولت إعادتها إلى أسر وأغلل منظومة من‬
‫القيم الغربية عن الروح السلمية‪ ..‬حتى أصبحت المفاخرة‬
‫والمباهاة بأعراف ترى‪:‬‬
‫* أن المرأة الكريمة ل يليق بها أن تخرج من مخدعها إل مرتان‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬إلى مخدع الزوجية‪ ..‬وثانيتهما‪:‬‬
‫إلى القبر الذى تُدفن فيه !‪..‬‬
‫* فهى عورة ‪ ،‬ل يسترها إل " القبر " !‪.‬‬
‫سترت بقبر !‬ ‫ولم أر نعمة شملت كريما ً *** كنعمة عورة ُ‬
‫وإذا كان السلم قد حفظ حياتها من الوأد المادى القتل فإن‬
‫المجد والمكرمات فى تلك العادات هى فى موتها !‬
‫ومن غاية المجد والمكرمات *** بقاء البنين وموت البنات !‬

‫‪916‬‬
‫تهوى حياتى وأهوى موتها شفقا *** والموت أكرم نّزال على‬
‫الحرم !‬
‫* وشوراها شؤم يجب اجتنابها‪ ..‬وإذا حدثت فلمخالفتها ‪ ،‬وللحذر‬
‫من الخذ بها !‪.‬‬
‫والكثر خطورة من هذه العراف والعادات والتقاليد ‪ ،‬التى‬
‫سادت أوساطا ملحوظة ومؤثرة فى حياتنا الجتماعية ‪ ،‬إبان‬
‫مرحلة التراجع الحضارى ‪ ،‬هى التفسيرات المغلوطة لبعض‬
‫المرويات السلمية بحثا ً عن مرجعية إسلمية وغطاء شرعى‬
‫لقيم التخلف والنحطاط التى سادت عالم المرأة فى ذلك‬
‫التاريخ‪..‬‬
‫لقد كان الحظ الوفر فى هذا المقام للتفسير الخاطىء الذى‬
‫ساد وانتشر لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى رواه‬
‫البخارى ومسلم عن نقص النساء فى العقل والدين‪ ..‬وهو حديث‬
‫رواه الصحابى الجليل أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه فقال‪" :‬‬
‫خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أضحى أو فِطْر إلى‬
‫المصلى فمّر على النساء ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫‪ " -‬يا معشر النساء ‪ ،‬ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب‬
‫الرجل الحازم من إحداكن "‪.‬‬
‫‪ -‬قلن‪ :‬وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ " :‬أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل " ؟‪.‬‬
‫‪ -‬قلن‪ :‬بلى‪.‬‬
‫ل ولم‬‫‪ -‬قال‪ " :‬فذلك من نقصان عقلها‪ .‬أليس إذا حاضت لم تص ّ‬
‫تصم ؟ "‪.‬‬
‫‪ -‬قلن‪ :‬بلى‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ " :‬فذلك من نقصان دينها "‪.‬‬
‫ذلكم هو الحديث الذى اتّخذ َ تفسيره الملغوط ول يزال " غطاء‬
‫شرعيًّا " للعادات والتقاليد التى تنتقص من أهلية المرأة‪ ..‬والذى‬
‫ينطلق منه نفر من غلة السلميين فى " جهادهم " ضد إنصاف‬
‫المرأة وتحريرها من أغلل التقاليد الراكدة‪ ..‬وينطلق منه‬
‫المتغربون وغلة العلمانيين فى دعوتهم إلى إسقاط السلم من‬
‫حسابات تحرير المرأة ‪ ،‬وطلب هذا التحرير فى النماذج الغربية‬
‫الوافدة‪..‬‬
‫المر الذى يستوجب إنقاذ المرأة من هذه التفسيرات المغلوطة‬
‫لهذا الحديث‪ ..‬بل إنقاذ هذا الحديث الشريف من هذه التفسيرات‬
‫!‪..‬‬
‫وذلك من خلل نظرات فى " متن " الحديث و " مضمونه "‬
‫نكثفها فى عدد من النقاط‪:‬‬

‫‪917‬‬
‫أولها‪ :‬أن الذاكرة الضابطة لنص هذا الحديث قد أصابها ما يطرح‬
‫بعض علمات الستفهام‪ ..‬ففى رواية الحديث شك من الرواى‬
‫حول مناسبة قوله‪ ..‬هل كان ذلك فى عيد الضحى ؟ أم فى عيد‬
‫الفطر؟‪ ..‬وهو شك ل يمكن إغفاله عند وزن المرويات‬
‫والمأثورات‪.‬‬
‫وثانيتها‪ :‬أن الحديث يخاطب حالة خاصة من النساء ‪ ،‬ول يشّرع‬
‫شريعة دائمة ول عامة فى مطلق النساء‪..‬‬
‫فهو يتحدث عن "واقع " والحديث عن " الواقع " القابل للتغير‬
‫ما ومعاملت‬ ‫والتطور شىء ‪ ،‬والتشريع " للثوابت " عبادات وقي ً‬
‫شىء آخر‪..‬‬
‫ُ‬
‫فعندما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إنا أمة أمية ‪ ،‬ل‬
‫نكتب ول نحسب "‪ .‬رواه البخارى ومسلم والنسائى وأبو داود‬
‫والمام أحمد فهو يصف " واقعا ً " ‪ ،‬ول يشرع لتأييد الجهل‬
‫بالكتابة والحساب ‪ ،‬لن القرآن الكريم قد بدأ بفريضة " القراءة‬
‫" لكتاب الكون ولكتابات القلم (اقرأ باسم ربك الذى خلق *‬
‫خلق النسان من علق * اقرأ وربك الكرم * الذى علم بالقلم *‬
‫علم النسان ما لم يعلم) (‪ )1‬ولن الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫الذى وصف " واقع " المية الكتابية والحسابية ‪ ،‬وهو الذى غير‬
‫هذا الواقع ‪ ،‬بتحويل البدو الجهلء الميين إلى قراء وعلماء‬
‫وفقهاء ‪ ،‬وذلك امتثال ً لمر ربه ‪ ،‬فى القرآن الكريم ‪ ،‬الذى علمنا‬
‫أن من وظائف جعل الله سبحانه وتعالى القمر منازل أن نتعلم‬
‫عدد السنين والحساب (هو الذى جعل الشمس ضياء والقمر‬
‫نوراًوقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله‬
‫ذلك إل بالحق يفصل اليات لقوم يعلمون ) (‪ .)2‬فوصف " الواقع‬
‫" – كما نقول الن مثلً‪ " :‬نحن مجتمعات متخلفة " ل يعنى‬
‫شرعنة هذا " الواقع " ول تأييده ‪ ،‬فضل ً عن تأبيده ‪ ،‬بأى حال من‬
‫الحوال‪.‬‬
‫وثالثتها‪ :‬أن فى بعض روايات هذا الحديث وخاصة رواية ابن‬
‫عباس رضى الله عنهما ما يقطع بأن المقصود به إنما هى حالت‬
‫خاصة لنساء لهن صفات خاصة ‪ ،‬هى التى جعلت منهن أكثر أهل‬
‫النار ‪ ،‬ل لنهن نساء ‪ ،‬وإنما لنهن كما تنص وتعلل هذه الرواية "‬
‫يكفرن العشير " ‪ ،‬ولو أحسن هذا العشير إلى إحداهن الدهر كله‬
‫ة أو شيئا ً ل يعجبها ‪ ،‬كفرت كفر نعمة بكل النعم‬ ‫‪ ،‬ثم رأت منه هِن َ ً‬
‫التى أنعم عليها بها ‪ ،‬وقالت بسبب النزق أو الحمق أو غلبة‬
‫العاطفة التى تنسيها ما قدمه لها هذا العشير من إحسان‪:‬‬
‫" ما رأيت منك خيرا ً قط " ! رواه البخارى ومسلم والنسائى‬
‫ومالك فى الموطأ‪..‬‬

‫‪918‬‬
‫فهذا الحديث إذن وصف لحالة بعينها ‪ ،‬وخاص بهذه الحالة‪..‬‬
‫ما ودائما ً لجنس النساء‪..‬‬
‫وليس تشريعا ً عا ًّ‬
‫ورابعتها‪ :‬أن مناسبة الحديث ترشح ألفاظه وأوصافه لن يكون‬
‫المقصود من ورائها المدح وليس الذم‪..‬‬
‫خلق من صنعه الله على عينه ‪ ،‬حتى جعله‬ ‫فالذين يعرفون ُ‬
‫خلق العظيم(وإنك لعلى خلق عظيم) (‪..)3‬‬ ‫صاحب ال ُ‬
‫والذين يعرفون كيف جعل الرسول صلى الله عليه وسلم من "‬
‫العيد " الذى قال فيه هذا الحديث " فرحة " أشرك فى الستمتاع‬
‫حيَّض‬‫بها مع الرجال كل النساء ‪ ،‬حتى الصغيرات ‪ ،‬بل وحتى ال ُ‬
‫والنفساء !‪..‬‬
‫الذين يعرفون صاحب هذا الخلق العظيم ‪ ،‬ويعرفون رفقه‬
‫بالقوارير ‪ ،‬ووصاياه بهن حتى وهو على فراش المرض يودع هذه‬
‫الدنيا‪ ..‬ل يمكن أن يتصوروه صلى الله عليه وسلم ذلك الذى‬
‫يختار يوم الزينة والفرحة ليجابه كل النساء ومطلق جنس النساء‬
‫بالذم والتقريع والحكم المؤبد عليهن بنقصان الهلية ‪ ،‬لنقصانهن‬
‫فى العقل والدين !‪..‬‬
‫وإذا كانت المناسبة يوم العيد والزينة والفرحة ل ترشح أن يكون‬
‫الذم والغم والحزن والتبكيت هو المقصود‪..‬‬
‫فإن ألفاظ الحديث تشهد على أن المقصود إنما كان المديح ‪،‬‬
‫الذى يستخدم وصف " الواقع " الذى تشترك فى التحلى بصفاته‬
‫غالبية النساء‪ ..‬إن لم يكن كل النساء‪..‬‬
‫فالحديث يشير إلى غلبة العاطفة والرقة على المرأة ‪ ،‬وهى‬
‫عاطفة ورقة صارت " سلحا ً " تغلب به هذه المرأة أشد الرجال‬
‫حزما ً وشدة وعقلً‪ ..‬وإذا كانت غلبة العاطفة إنما تعنى تفوقها‬
‫على الحسابات العقلية المجردة والجامدة ‪ ،‬فإننا نكون أمام‬
‫عملة ذات وجهين ‪ ،‬تمثلها المرأة‪ ..‬فعند المرأة تغلب العاطفة‬
‫على العقلنية ‪ ،‬وذلك على عكس الرجل ‪ ،‬الذى تغلب عقلنيته‬
‫وحساباته العقلنية عواطفه‪ ..‬وفى هذا التمايز فقرة إلهية ‪،‬‬
‫وحكمة بالغة ‪ ،‬ليكون عطاء المرأة فى ميادين العاطفة بل حدود‬
‫وبل حسابات‪..‬‬
‫وليكون عطاء الرجل فى مجالت العقلنية المجردة والجامدة‬
‫مكمل ً لما نقص عند " الشق اللطيف والرقيق ! "‪..‬‬
‫فنقص العقل الذى أشارت إليه كلمات الحديث النبوى الشريف‬
‫هو وصف لواقع تتزين به المرأة السوية وتفخر به ‪ ،‬لنه يعنى‬
‫غلبة عاطفتها على عقلنيتها المجردة‪ ..‬ولذلك ‪ ،‬كانت " مداعبة "‬
‫خلق العظيم الذى آتاه ربه جوامع الكلم للنساء ‪ ،‬فى‬ ‫صاحب ال ُ‬
‫يوم الفرحة والزينة ‪ ،‬عندما قال‪ :‬لهن‪ " :‬إنهن يغلبن بسلح‬

‫‪919‬‬
‫العاطفة وسلطان الستضعاف أهل الحزم واللباب من عقلء‬
‫الرجال ‪ ،‬ويخترقن بالعواطف الرقيقة أمنع الحصون !‪:‬‬
‫‪ " -‬ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم‬
‫من إحداكن " فهو مدح للعاطفة الرقيقة التى تذهب بحزم ذوى‬
‫العقول واللباب‪ ..‬ويا بؤس وشقاء المرأة التى حرمت من شرف‬
‫امتلك هذا السلح الذى فطر الله النساء على تقلده والتزين به‬
‫فى هذه الحياة ! بل وأيضا ً يا بؤس أهل الحزم والعقلنية من‬
‫الرجال الذين حرموا فى هذه الحياة من الهزيمة أمام هذا‬
‫السلح‪..‬‬
‫سلح العاطفة والستضعاف !‪..‬‬
‫وإذا كان هذا هو المعنى المناسب واللئق بالقائل وبالمخاطب‬
‫وبالمناسبة وأيضا ً المحبب لكل النساء والرجال معا ً الذى قصدت‬
‫إليه ألفاظ " نقص العقل " فى الحديث النبوى الشريف‪ ..‬فإن‬
‫المراد " بنقص الدين " هو الخر وصف الواقع غير المذموم ‪ ،‬بل‬
‫إنه الواقع المحمود والممدوح !‪..‬‬
‫فعندما سألت النسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن‬
‫المقصود من نقصهن فى الدين ‪ ،‬تحدث عن اختصاصهن " برخص‬
‫" فى العبادات تزيد على " الرخص " التى يشاركن فيها الرجال‪..‬‬
‫خص فيها‬ ‫فالنساء يشاركن الرجال فى كل " الرخص " التى ر ّ‬
‫الشارع ‪ 00‬من إفطار الصائم فى المرض والسفر‪ ..‬إلى قصر‬
‫الصلة وجمعها فى السفر‪ ..‬إلى إباحة المحرمات عند‬
‫الضرورات‪ ..‬إلخ‪ ..‬إلخ ‪00‬ثم يزدن عن الرجال فى " رخص" خاصة‬
‫بالناث ‪ ،‬من مثل سقوط فرائض الصلة والصيام عن الحيَّض‬
‫والنفساء‪ ..‬وإفطار المرضع ‪ ،‬عند الحاجة ‪ ،‬فى شهر رمضان‪..‬‬
‫إلخ‪ ..‬إلخ‪..‬‬
‫وإذا كان الله سبحانه وتعالى يحب أن تُؤتَى رخصه كما يحب أن‬
‫تُؤتَى عزائمه ‪ ،‬فإن التزام النساء بهذه " الرخص " الشرعية هو‬
‫الواجب المطلوب والمحمود ‪ ،‬وفيه لهن الجر والثواب‪ ..‬ول‬
‫يمكن أن يكون بالمر المرذول والمذموم‪ ..‬ووصف واقعه فى هذا‬
‫الحديث النبوى مثله كمثل وصف الحديث لغلبة العاطفة الرقيقة‬
‫الفياضة على العقلنية الجامدة ‪ ،‬عند النساء ‪ ،‬هو وصف لواقع‬
‫ما للنساء ‪ ،‬ينتقص من أهلية المرأة‬ ‫محمود‪ ..‬ول يمكن أن يكون ذ ًّ‬
‫ومساواتها للرجال ‪ ،‬بأى حال من الحوال‪.‬‬
‫إن العقل ملكة من الملكات التى أنعم الله بها على النسان ‪،‬‬
‫وليس هناك إنسان رجل ً كان أو امرأة يتساوى مع الخر مساواة‬
‫كلية ودقيقة فى ملكة العقل ونعمته‪ ..‬ففى ذلك يتفاوت الناس‬
‫ويختلفون‪ ..‬بل إن عقل النسان الواحد وضبطه ذكرا ً كان أو أنثى‬

‫‪920‬‬
‫يتفاوت زيادة ونقصا ً بمرور الزمن ‪ ،‬وبما يكتسب من المعارف‬
‫والعلوم والخبرات‪ ..‬وليست هناك جبلة ول طبيعة تفرق بين‬
‫الرجال والنساء فى هذا الموضوع‪..‬‬
‫وإذا كان العقل فى السلم هو مناط التكليف ‪ ،‬فإن المساواة‬
‫بين النساء والرجال فى التكليف والحساب والجزاء شاهدة على‬
‫أن التفسيرات المغلوطة لهذا الحديث النبوى الشريف ‪ ،‬هى‬
‫تفسيرات ناقصة لمنطق السلم فى المساواة بين النساء‬
‫والرجال فى التكليف‪ ..‬ولو كان لهذه التفسيرات المغلوطة‬
‫نصيب من الصحة لنقصت تكاليف السلم للنساء عن تكليفاته‬
‫للرجال ‪ ،‬ولكانت تكاليفهن فى الصلة والصيام والحج والعمرة‬
‫والزكاة وغيرها على النصف من تكاليف الرجال !‪.‬‬
‫ولكنها " الرخصة "‪ ،‬التى يُؤجر عليها الملتزمون بها والملتزمات ‪،‬‬
‫كما يُؤجرون جميعا ً عندما ينهضون بعزائم التكاليف‪ ..‬إن النقص‬
‫المذموم فى أى أمر من المور هو الذى يمكن إزالته وجبره‬
‫وتغييره ‪ ،‬وإذا تغير وانجبر كان محموداً‪ ..‬ولو كانت " الرخص "‬
‫التى شرعت للنساء بسقوط الصلة والصيام للحائض والنفساء‬
‫حيّض ونفساء‬ ‫ما ‪ ،‬لكان صيامهن وصلتهن وهن ُ‬ ‫صا مذمو ً‬‫مثل ً نق ً‬
‫أمًرا مقبول ً ومحمودًا ومأجوًرا‪..‬‬
‫لكن الحال ليس كذلك ‪ ،‬بل إنه على العكس من ذلك‪.‬‬
‫وأخيًرا ‪ ،‬فهل يعقل عاقل‪ ..‬وهل يجوز فى أى منطق ‪ ،‬أن يعهد‬
‫السلم ‪ ،‬وتعهد الفطرة اللهية بأهم الصناعات النسانية‬
‫والجتماعية صناعة النسان ‪ ،‬ورعاية السرة ‪ ،‬وصياغة مستقبل‬
‫المة إلى ناقصات العقل والدين ‪ ،‬بهذا المعنى السلبى ‪ ،‬الذى‬
‫ظلم به غلة السلميين وغلة العلمانيين السلم ‪ ،‬ورسوله‬
‫الكريم ‪ ،‬الذى حرر المرأة تحريره للرجل ‪ ،‬عندما بعثه الله‬
‫بالحياة والحياء لمطلق النسان (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله‬
‫وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) (‪ )4‬فوضع بهذا الحياء ‪ ،‬عن‬
‫ملوا من الصار والغلل (الذين‬ ‫ح ِّ‬
‫الناس كل الناس ما كانوا قد ُ‬
‫يتبعون الرسول النبى المى الذى يجدونه مكتوبا ً عندهم فى‬
‫التوراة والنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل‬
‫لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والغلل‬
‫التى كانت عليهم‪.)5( )..‬‬
‫إنها تفسيرات مغلوطة ‪ ،‬وساقطة ‪ ،‬حاول بها أسرى العادات‬
‫والتقاليد إضفاء الشرعية الدينية على هذه العادات والتقاليد التى‬
‫ل علقة لها بالسلم‪ ..‬والتى يبرأ منها هذا الحديث النبوى‬
‫الشريف‪..‬‬

‫‪921‬‬
‫وإذا كان لنا فى ختام إزالة هذه الشبهة أن نزكى المنطق‬
‫السلمى الذى صوبنا به معنى الحديث النبوى الشريف ‪ ،‬وخاصة‬
‫بالنسبة للذين ل يطمئنون إلى المنطق إل إذا دعمته وزكته "‬
‫النصوص " ‪ ،‬فإننا نذكر بكلمات إمام السلفية ابن القيم ‪ ،‬التى‬
‫تقول‪ " :‬إن المرأة العدل كالرجل فى الصدق والمانة والديانة‬
‫" (‪.)6‬‬
‫وبكلمات المام محمد عبده ‪ ،‬التى تقول‪:‬‬
‫" إن حقوق الرجل والمرأة متبادلة ‪ ،‬وإنهما أكفاء‪ ..‬وهما متماثلن‬
‫فى الحقوق والعمال ‪ ،‬كما أنهما متماثلن فى الذات والحساس‬
‫والشعور والعقل ‪ ،‬أى أن كل منهما بشر تام له عقل يتفكر فى‬
‫سُّر به ‪ ،‬ويكره ما ل يلئمه‬
‫مصالحه ‪ ،‬وقلب يحب ما يلئمه وي ُ َ‬
‫وينفر منه‪." )7(..‬‬
‫وبكلمات الشيخ محمود شلتوت ‪ ،‬التى تقول‪:‬‬
‫" لقد قرر السلم الفطرة التى خلقت عليها المرأة‪ ..‬فطرة‬
‫النسانية ذات العقل والدراك والفهم‪ ..‬فهى ذات مسئولية‬
‫مستقلة عن مسئولية الرجل ‪ ،‬مسئولة عن نفسها ‪ ،‬وعن‬
‫عبادتها ‪ ،‬وعن بيتها ‪ ،‬وعن جماعتها‪..‬‬
‫وهى ل تقل فى مطلق المسئولية عن مسئولية أخيها الرجل ‪،‬‬
‫وإن منزلتها فى المثوبة والعقوبة عند الله معقودة بما يكون منها‬
‫من طاعة أو مخالفة ‪ ،‬وطاعة الرجل ل تنفعها وهى طالحة‬
‫منحرفة ‪ ،‬ومعصيته ل تضرها ‪ ،‬وهى صالحة مستقيمة(ومن يعمل‬
‫من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة‬
‫ول يُظلمون نقيرا) (‪( )8‬فاستجاب لهم ربهم أنى ل أضيع عمل‬
‫عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض) (‪.)9‬‬
‫وليقف المتأمل عند هذا التعبير اللهى " بعضكم من بعض " ‪،‬‬
‫ليعرف كيف سما القرآن بالمرأة حتى جعلها بعضا ً من الرجل ‪،‬‬
‫وكيف حد َّ من طغيان الرجل فجعله بعضا ً من المرأة‪ .‬وليس فى‬
‫المكان ما يُؤدَّى به معنى المساواة أوضح ول أسهل من هذه‬
‫الكلمة التى تفيض بهاطبيعة الرجل والمرأة ‪ ،‬والتى تتجلى فى‬
‫حياتهما المشتركة ‪ ،‬دون تفاضل وسلطان (للرجال نصيب مما‬
‫اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن) (‪.)10‬‬
‫وإذا كانت المرأة مسئولة مسئولية خاصة فيما يختص بعبادتها‬
‫ونفسها ‪ ،‬فهى فى نظر السلم أيضا ً مسئولة مسئولية عامة فيما‬
‫يختص بالدعوة إلى الخير والمر بالمعروف والرشاد إلى‬
‫الفضائل ‪ ،‬والتحذير من الرذائل‪ .‬وقد صرح القرآن بمسئوليتها‬
‫فى ذلك الجانب ‪ ،‬وقرن بينها وبين أخيها الرجل فى تلك‬
‫المسئولية ‪ ،‬كما قرن بينها وبينه فى مسئولية النحراف عن‬

‫‪922‬‬
‫واجب اليمان والخلص لله وللمسلمين (والمؤمنون والمؤمنات‬
‫بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‬
‫ويقيمون الصلة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك‬
‫سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) (‪( )11‬المنافقون والمنافقات‬
‫بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون‬
‫أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون * وعد الله‬
‫المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هى حسبهم‬
‫ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم) (‪.)12‬‬
‫فليس من السلم أن تلقى المرأة حظها من تلك المسئولية‬
‫المر بالمعروف والنهى عن المنكر وهى أكبر مسئولية فى نظر‬
‫السلم على الرجل وحده ‪ ،‬بحجة أنه أقدر منها عليها ‪ ،‬أو أنها‬
‫ذات طابع ل يسمح لها أن تقوم بهذا الواجب ‪ ،‬فللرجل دائرته ‪،‬‬
‫وللمرأة دائرتها ‪ ،‬والحياة ل تستقيم إل بتكاتف النوعين فيما‬
‫ينهض بأمتهما ‪ ،‬فإن تخاذل أو تخاذل أحدهما انحرفت الحياة‬
‫الجادة عن سبيلها المستقيم‪..‬‬
‫والسلم فوق ذلك لم يقف بالمرأة عند حد اشتراكها مع أخيها‬
‫الرجل فى المسئوليات جميعها خاصها وعامها بل رفع من‬
‫شأنها ‪ ،‬وكرر تلقاء تحملها هذه المسئوليات احترام رأيها فيما‬
‫تبدو وجاهته ‪ ،‬شأنه فى رأى الرجل تماما ً سواءً بسواء‪ .‬وإذا كان‬
‫السلم جاء باختيار آراء بعض الرجال ‪ ،‬فقد جاء أيضا ً باختيار رأى‬
‫بعض النساء‪.‬‬
‫وفى سورة المجادلة احترم السلم رأى المرأة ‪ ،‬وجعلها مجادلة‬
‫ومحاورة للرسول ‪ ،‬وجمعها وإياه فى خطاب واحد(والله يسمع‬
‫ما خالداً‪ ..‬فكانت‬ ‫تحاوركما) (‪ )13‬وقرر رأيها ‪ ،‬وجعله تشريعا ً عا ًّ‬
‫سورة المجادلة أثرا ً من آثار الفكر النسائى ‪ ،‬وصفحة إلهية خالدة‬
‫نلمح فيها على مر الدهور صورة احترام السلم لرأى المرأة ‪،‬‬
‫فالسلم ل يرى المرأة مجرد زهرة ‪ ،‬ينعم الرجل بشم رائحتها ‪،‬‬
‫وإنما هى مخلوق عاقل مفكر ‪ ،‬له رأى ‪ ،‬وللرأى قيمته ووزنه‪.‬‬
‫وليس هناك فارق دينى بين المرأة والرجل فى التكليف‬
‫والهلية ‪ ،‬سوى أن التكليف يلحقها قبل أن يلحق الرجل ‪ ،‬وذلك‬
‫لوصولها ‪ -‬بطبيعتها ‪ -‬إلى مناط التكليف ‪ ،‬وهو البلوغ ‪ ،‬قبل أن‬
‫يصل إليه الرجل (‪.)14‬‬
‫هكذا تضافرت الحجج المنطقية مع نصوص الجتهاد السلمى‬
‫على إزالة شبهة النتقاص من أهلية المرأة ‪ ،‬بدعوى أن النساء‬
‫ناقصات عقل ودين‪..‬‬
‫وهكذا وضحت المعانى والمقاصد الحقة لحديث رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬الذى اتخذت منه التفسيرات المغلوطة " غطاءً‬

‫‪923‬‬
‫شرعيًّا " للعادات والتقاليد الراكدة ‪ ،‬تلك التى حملها البعض من‬
‫غلة السلميين على السلم ‪ ،‬زورا ً وبهتانًا‪ ..‬والتى حسبها غلة‬
‫العلمانيين دينا ً إلهيًّا ‪ ،‬فدعوا ‪ -‬لذلك ‪ -‬إلى تحرير المرأة من هذا‬
‫السلم !‪.‬‬
‫لقد صدق الله العظيم إذ يقول‪(:‬سنريهم آياتنا فى الفاق وفى‬
‫أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل‬
‫شئ شهيد ) (‪.)15‬‬
‫إننا نلح منذ سنوات طوال وقبلنا ومعنا الكثيرون من علماء‬
‫السلم ومفكريه على أن هذا الدين الحنيف إنما يمثل ثورة كبرى‬
‫لتحرير المرأة ‪ ،‬لكن الخلف بيننا وبين الغرب والمتغربين هو‬
‫حول " نموذج "هذا التحرير‪ ..‬فهم يريدون المرأة ندًّا مساوياً‬
‫للرجل‪ ..‬ونحن مع السلم نريد لها " مساواة الشقين المتكاملين‬
‫‪ ،‬ل الندين المتماثلين "‪ ..‬وذلك ‪ ،‬لتتحرر المرأة ‪ ،‬مع بقائها أنثى ‪،‬‬
‫ومع بقاء الرجل رجل ً ‪ ،‬كى يثمر هذا التمايز الفطرى بقاء ‪ ،‬ويجدد‬
‫القبول والرغبة والجاذبية والسعادة بينهما سعادة النوع النسانى‪.‬‬
‫ونلح على أن هذا " التشابه‪ ..‬والتمايز " بين النساء والرجال ‪ ،‬هو‬
‫الذى أشار إليه القرآن الكريم عندما قرن المساواة بالتمايز ‪،‬‬
‫فقالت آياته المحكمات‪( :‬ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف‬
‫وللرجال عليهن درجة) (‪( )16‬وليس الذكر كالنثى) (‪.)17‬‬
‫نلح على ذلك المنهاج فى التحرير السلمى للمرأة‪ ..‬ولقد شاءت‬
‫إرادة الله سبحانه وتعالى أن يشهد شاهد من أهلها على صدق‬
‫هذا المنهاج السلمى ‪ ،‬فتنشر صحيفة [ الهرام ] تقريرا ً علمياً‬
‫عن نتائج دراسة علمية استغرقت أبحاثها عشرين عاما ً ‪ ،‬وقام بها‬
‫فريق من علماء النفس فى الوليات المتحدة المريكية ‪ ،‬وإذا بها‬
‫تكشف عن مصداقية حقائق هذا المنهاج القرآنى فى تشابه‬
‫الرجال والنساء فى اثنين وثلثين صفة‪ ..‬وتميّز المرأة عن الرجل‬
‫فى اثنتين وثلثين صفة‪ ..‬وتميز الرجل عن المرأة كذلك فى‬
‫اثنتين وثلثين صفة–فهناك التشابه‪( :‬ولهن مثل الذى عليهن‬
‫بالمعروف)‪(،‬خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها) (‪)18‬‬
‫(بعضكم من بعض) (‪ .)19‬وهناك التمايز الفطرى (وليس الذكر‬
‫كالنثى)‪ ..‬فهما يتشابهان فى نصف الصفات ‪ ،‬ويتمايزان فى‬
‫نصفها الخر‪..‬‬
‫فالنموذج المثل لتحررهما معا ً هو " مساواة الشقين‬
‫المتكاملين ‪ ،‬ل الندين المتماثلين "‪ ..‬ولذلك ‪ ،‬آثرت أن أقدم‬
‫للقارئ خلصة هذه الدراسة العلمية ‪ ،‬كما نشرتها [ الهرام ]–‪-‬‬
‫تحت عنوان [ اختلف صفات الرجل عن المرأة لمصلحة كليهما ]‬
‫‪ -‬ونصها‪:‬‬

‫‪924‬‬
‫" فى دراسة قام بها علماء النفس فى الوليات المتحدة‬
‫المريكية ‪ ،‬على مدى عشرين عاما ً ‪ ،‬تم حصر عدد الصفات‬
‫الموجودة فى كل من الرجل والمرأة ‪ ،‬ووجد أن هناك ‪ 32‬صفة‬
‫مشتركة فى كل منهما ‪ ،‬وأن ‪ 32‬صفة أخرى موجودة فى الرجل ‪،‬‬
‫و ‪ 32‬صفة أخرى موجودة عند المرأة ‪ ،‬بدرجات مختلفة فى‬
‫الشدة ‪ ،‬ومن هنا جاءت الفروق بين صفات الرجولة والنوثة‪.‬‬
‫وتوصل العلماء من خلل هذه التجارب إلى أن وجود نصف عدد‬
‫الصفات مشتركة فى كل من الرجل والمرأة يعمل على وجود‬
‫السس المشتركة بينهما ‪ ،‬لتسهيل التفاهم والتعامل مع بعضهما‬
‫البعض‪..‬‬
‫أما وجود عدد آخر من الصفات متساويا ً بينهما ومختلفا ً عند كل‬
‫منهما فى الدرجة والشهرة فمعناه تحقيق التكامل بينهما‪ .‬كما‬
‫توصلوا إلى أنه كى يعيش كل من الرجل والمرأة فى انسجام‬
‫وتناغم تام ‪ ،‬لبد أن يكون لدى كل منهما الصفات السيكولوجية‬
‫المختلفة ‪ ،‬فمثل ً الرجل العصبى الحاد المزاج ل يمكنه أن يتعايش‬
‫مع امرأة عصبية حادة المزاج ‪ ،‬والرجل البخيل عليه أل يتزوج‬
‫امرأة بخيلة ‪ ،‬والرجل المنطوى ‪ ،‬الذى ل يحب الناس ‪ ،‬ل يجوز‬
‫أن يتزوج من امرأة منطوية ول تحب الناس‪ .‬وهكذا‪.‬‬
‫وكان من نتائج هذه الدراسات الوصول إلى نتيجة مهمة ‪ ،‬أل وهى‬
‫أن كل إنسان يحب أل يعيش مع إنسان متماثل معه فى الصفات‬
‫وكل شىء ‪ ،‬أى صورة طبق الصل من صفاته الشخصية ‪ ،‬ومن‬
‫هنا جاءت الصفات المميزة للرجولة متمثلة فى‪ :‬قوة العضلت‬
‫وخشونتها والشهامة ‪ ،‬والقوة فى الحق ‪ ،‬والشجاعة فى موضع‬
‫الشجاعة ‪ ،‬والنخوة ‪ ،‬والهتمام بمساندة المرأة وحمايتها والدفاع‬
‫عنها وجلب السعادة لها‪ .‬كما تتضمن أيضا ً صفات الحب ‪،‬‬
‫والعطاء ‪ ،‬والحنان ‪ ،‬والكرم ‪ ،‬والصدق فى المشاعر وفى القول‬
‫وحسن التصرف‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫أما عن صفات النوثة ‪ ،‬فهى تتميز بالدفء ‪ ،‬والنعومة ‪،‬‬
‫والحساسية ‪ ،‬والحنان ‪ ،‬والتضحية ‪ ،‬والعطاء ‪ ،‬وحب الخير ‪،‬‬
‫والتفانى فى خدمة أولدها ‪ ،‬والحكمة ‪ ،‬والحرص على تماسك‬
‫السرة وترابطها ‪ ،‬وحب المديح ‪ ،‬والذكاء ‪ ،‬وحسن التصرف ‪،‬‬
‫وغير ذلك من الصفات‪..‬‬
‫ولذلك ‪ ،‬فمن المهم أن يكون لدى كل من الرجل والمرأة دراية‬
‫كافية بطبيعة الرجل وطبيعة المرأة ‪ ،‬وبذلك يسهل على كل‬
‫منهما التعامل مع الطرف الخر فى ضوء خصائص كل منهما‪..‬‬
‫فعندما يعرف الرجل أن المرأة مخلوق مشحون بالمشاعر‬

‫‪925‬‬
‫والحاسيس والعواطف ‪ ،‬فإنه يستطيع أن يتعامل معها على هذا‬
‫الساس‪.‬‬
‫وبالمثل ‪ ،‬إذا عرفت المرأة طبيعة الرجل ‪ ،‬فإن هذا سيساعدها‬
‫أيضا ً على التعامل معه‪.)20( ..‬‬
‫تلك هى شهادة الدراسة العلمية ‪ ،‬التى قام بها فريق من علماء‬
‫النفس فى الوليات المتحدة المريكية والتى استغرق البحث‬
‫فيها عشرون عاماً‪ ..‬والتى تصدق على صدق المنهاج القرآنى فى‬
‫علقة النساء بالرجال‪ :‬الشتراك والتماثل فى العديد من‬
‫الصفات‪ ..‬والتمايز فى العديد من الصفات ‪ ،‬لتكون بينهما "‬
‫المساواة " و " التمايز " فى ذات الوقت‪..‬‬
‫ومرة أخرى ل أخيرة صدق الله العظيم إذ يقول‪(:‬سنريهم آياتنا‬
‫فى الفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك‬
‫أنه على كل شىء شهيد) (‪.)21‬‬
‫(‪ )1‬العلق‪.5-1 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة يونس‪ :‬الية ‪.5‬‬
‫(‪ )3‬القلم‪.4 :‬‬
‫(‪ )4‬النفال‪.24 :‬‬
‫(‪ )5‬العراف‪.157 :‬‬
‫(‪ [ )6‬الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص ‪.236‬‬
‫(‪ [ )7‬العمال الكاملة للمام محمد عبده ] ج ‪ 4‬ص ‪ .606‬دراسة‬
‫وتحقيق د‪ .‬محمد عمارة‪ .‬طبعة القاهرة ‪1993‬م‪.‬‬
‫(‪ )8‬النساء‪.124 :‬‬
‫(‪ )9‬آل عمران‪.195 :‬‬
‫(‪ )10‬النساء‪.32 :‬‬
‫(‪ )11‬التوبة‪.71 :‬‬
‫(‪ )12‬التوبة‪.68 -67 :‬‬
‫(‪ )13‬المجادلة‪.1 :‬‬
‫(‪ [)14‬السلم عقيدة وشريعة ] ص ‪ .228-223‬طبعة القاهرة سنة‬
‫‪ 1400‬هجرية ‪1980-‬م‪.‬‬
‫(‪ )15‬فصلت‪.53 :‬‬
‫(‪ )16‬سورة البقرة‪.228 :‬‬
‫(‪ )17‬سورة آل عمران‪.36 :‬‬
‫(‪ )18‬سورة العراف‪.189 :‬‬
‫(‪ )19‬سورة آل عمران‪.195 :‬‬
‫(‪ [ )20‬الهرام ] فى ‪ -2001-4 -29‬ص ‪.2‬‬
‫(‪ )21‬فصلت‪53 :‬‬
‫‪---------------------‬‬

‫‪926‬‬
‫ُ‬
‫‪ -163‬ما أفلح قوم ول ّوا أمرهم امرأة‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫صَرة "‪ ..‬وكل من ولى‬ ‫ُ‬
‫إن " الولية " بكسر الواو وفتحها هى " الن ّ ْ‬
‫ى الله )‬‫ى الذين آمنوا ) (‪( )2‬إن وَلِي ِّ َ‬ ‫أمر الخر فهو وليه(‪()1‬الله ول ُّ‬
‫ى المؤمنين) (‪( )4‬قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم‬ ‫(‪( )3‬والله ول ُّ‬
‫َ‬
‫أنكم أولياء لِل ّهِ من دون الناس فتمنوا الموت ) (‪( )5‬ما لكم من‬
‫وَليتهم من شىء ) (‪.)6‬‬
‫وإذا كانت " النصرة " هى معنى " الولية " ‪ ،‬فل مجال للخلف‬
‫على أن للمرأة نصرة وسلطانا ً ‪ ،‬أى ولية ‪ ،‬فى كثير من ميادين‬
‫الحياة‪..‬‬
‫فالمسلمون مجمعون على أن السلم قد سبق كل الشرائع‬
‫الوضعية والحضارات النسانية عندما أعطى للمرأة ذمة مالية‬
‫خاصة ‪ ،‬وولية وسلطانا على أموالها ‪ ،‬ملكا وتنمية واستثمارا‬
‫وإنفاقا ً ‪ ،‬مثلها فى ذلك مثل الرجل سواء بسواء‪ ..‬والولية المالية‬
‫والقتصادية من أفضل الوليات والسلطات فى المجتمعات‬
‫النسانية ‪ ،‬على مر تاريخ تلك المجتمعات‪ ..‬وفى استثمار الموال‬
‫ولية وسلطان يتجاوز الطار الخاص إلى النطاق العام‪..‬‬
‫والمسلمون مجمعون على أن للمرأة ولية على نفسها ‪ ،‬تؤسس‬
‫لها حرية وسلطانا فى شئون زواجها ‪ ،‬عندما يتقدم إليها الراغبون‬
‫فى القتران بها ‪ ،‬وسلطانها فى هذا يعلو سلطان وليها الخاص‬
‫والولى العام لمر أمة السلم‪..‬‬
‫والمسلمون مجمعون على أن للمرأة ولية ورعاية وسلطانا ً فى‬
‫بيت زوجها ‪ ،‬وفى تربية أبنائها‪ ..‬وهى ولية نص على تميزها بها‬
‫صل أنواع‬ ‫وفيها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى ف ّ‬
‫وميادين الوليات‪:‬‬
‫[ كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ‪ ،‬فالمير الذى على الناس‬
‫راع عليهم وهو مسئول عنهم ‪ ،‬والرجل راع على أهل بيته وهو‬
‫مسئول عنهم ‪ ،‬والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهى‬
‫مسئولة عنهم ‪ ،‬أل فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ] (‪.)7‬‬
‫لكن قطاعا من الفقهاء قد وقف بالوليات المباحة والمفتوحة‬
‫ميادينها أمام المرأة عند " الوليات الخاصة " ‪ ،‬واختاروا حجب‬
‫المرأة عن " الوليات العامة "‪ ،‬التى تلى فيها أمر غيرها من‬
‫الناس ‪ ،‬خارج السرة وشئونها‪..‬‬
‫ونحن نعتقد أن ما سبق وقدمناه فى القسم الول من هذه‬
‫الدراسة من وقائع تطبيقات وممارسات مجتمع النبوة والخلفة‬
‫الراشدة لمشاركات النساء فى العمل العام بدءا ً من الشورى‬

‫‪927‬‬
‫فى المور العامة‪ ..‬والمشاركة فى تأسيس الدولة السلمية‬
‫الولى‪ .‬وحتى ولية الحسبة والسواق والتجارات ‪ ،‬التى ولّها‬
‫شفاء بنت عبد الله بن عبد‬ ‫عمر بن الخطاب رضى الله عنه " لل ّ ِ‬
‫شمس [ ‪ 20‬هجرية ‪641/‬م ]‪ ..‬وانتهاء بالقتال فى ميادين الوغى‪..‬‬
‫ضا ما أوردناه من اليات القرآنية الدالة على أن الموالة‬ ‫وأي ً‬
‫والتناصر بين الرجال والنساء فى العمل العام سائر ميادين‬
‫العمل العام وهى التى تناولها القرآن الكريم تحت فريضة المر‬
‫بالمعروف والنهى عن المنكر (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم‬
‫أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون‬
‫الصلة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم‬
‫الله إن الله عزيز حكيم ) (‪.)8‬‬
‫نعتقد أن ما سبق وأوردناه حول هذه القضية ‪ -‬قضية ولية المرأة‬
‫ومشاركتها مع الرجل فى وليات العمل العام كاف وواف فى‬
‫الردِّ على الذين يمارون فى ولية المرأة للعمل العام‪.‬‬
‫أما الضافة التى نقدمها فى هذا القسم من هذه الدراسة قسم‬
‫إزالة الشبهات فهى خاصة بمناقشة الفهم المغلوط للحديث‬
‫النبوى الشريف‪ [ :‬ما أفلح قوم يلى أمرهم امرأة ]‪ ..‬إذ هو‬
‫الحديث الذى يستظل بظله كل الذين يحّرمون مشاركة المرأة‬
‫فى الوليات العامة والعمل العام‪..‬‬
‫ولقد وردت لهذا الحديث روايات متعددة ‪ ،‬منها‪ [ :‬لن يفلح قوم‬
‫تملكهم امرأة ]‪ [ ..‬لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ]‪ [ ..‬ولن‬
‫يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة ] رواها‪ :‬البخارى والترمذى‬
‫والنسائى والمام أحمد‪..‬‬
‫وإذا كانت صحة الحديث من حيث " الرواية " هى حقيقة ل شبهة‬
‫فيها‪ ..‬فإن إغفال مناسبة ورود هذا الحديث يجعل " الدراية "‬
‫بمعناه الحقيقى مخالفة للستدلل به على تحريم ولية المرأة‬
‫للعمل العام‪..‬‬
‫ذلك أن ملبسات قول الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬لهذا‬
‫الحديث تقول‪ :‬إن نفرا ً قد قدموا من بلد فارس إلى المدينة‬
‫المنورة ‪ ،‬فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫‪ " -‬من يلى أمر فارس " ؟ ‪ " -‬قال [ أحدهم ]‪ :‬امرأة‪.‬‬
‫‪ -‬فقال صلى الله عليه وسلم " ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة "‪.‬‬
‫فملبسات ورود الحديث تجعله نبوءة سياسية بزوال ملك فارس‬
‫وهى نبوءة نبوية قد تحققت بعد ذلك بسنوات– أكثر منه تشريعاً‬
‫عاما يحرم ولية المرأة للعمل السياسى العام‪..‬‬
‫ثم إن هذه الملبسات تجعل معنى هذا الحديث خاصا ً " بالولية‬
‫العامة " أى رئاسة الدولة وقيادة المة‪..‬‬

‫‪928‬‬
‫فالمقام كان مقام الحديث عن امرأة تولت عرش الكسروية‬
‫الفارسية ‪ ،‬التى كانت تمثل إحدى القوتين العظم فى النظام‬
‫العالمى لذلك التاريخ‪ ..‬ول خلف بين جمهور الفقهاء باستثناء‬
‫طائفة من الخوارج على اشتراط " الذكورة " فيمن يلى "‬
‫المامة العظمى " والخلفة العامة لدار السلم وأمة السلم‪..‬‬
‫أما ماعدا هذا المنصب بما فى ذلك وليات القاليم والقطار‬
‫والدول القومية والقطرية والوطنية فإنها ل تدخل فى ولية‬
‫المامة العظمى لدار السلم وأمته‪ ..‬لنها وليات خاصة وجزئية ‪،‬‬
‫يفرض واجب المر بالمعروف والنهى عن المنكر المشاركة فى‬
‫حمل أماناتها على الرجال والنساء دون تفريق‪..‬‬
‫فالشبهة إنما جاءت من خلط مثل هذه الوليات الجزئية والخاصة‬
‫بالمامة العظمى والولية العامة لدار السلم وأمته وهى الولية‬
‫التى اشترط جمهور الفقهاء " الذكورة " فيمن يليها‪ ..‬ول حديث‬
‫للفقه المعاصر عن ولية المرأة لهذه المامة العظمى ‪ ،‬لن هذه‬
‫الولية قد غابت عن متناول الرجال ‪ ،‬فضل ً عن النساء ‪ ،‬منذ‬
‫سقوط الخلفة العثمانية [ ‪ 1342‬هجرية ‪1924‬م ] وحتى الن !‪..‬‬
‫وأمر آخر لبد من الشارة إليه ‪ ،‬ونحن نزيل هذه الشبهة عن‬
‫ولية المرأة للعمل العام ‪ ،‬وهو تغير مفهوم الولية العامة فى‬
‫عصرنا الحديث ‪ ،‬وذلك بانتقاله من‪ ":‬سلطان الفرد " إلى "‬
‫سلطان المؤسسة " ‪ ،‬والتى يشترك فيها جمع من ذوى السلطان‬
‫والختصاص‪..‬‬
‫لقد تحوّل " القضاء " من قضاء القاضى الفرد إلى قضاء‬
‫مؤسسى ‪ ،‬يشترك فى الحكم فيه عدد من القضاة‪..‬‬
‫فإذا شاركت المرأة فى " هيئة المحكمة " فليس بوارد الحديث‬
‫عن ولية المرأة للقضاء ‪ ،‬بالمعنى الذى كان واردا ً فى فقه‬
‫القدماء ‪ ،‬لن الولية هنا الن لمؤسسة وجمع ‪ ،‬وليست لفرد من‬
‫الفراد ‪ ،‬رجل ً كان أو امرأة‪ ..‬بل لقد أصبحت مؤسسة التشريع‬
‫والتقنين مشاركة فى ولية القضاء ‪ ،‬بتشريعها القوانين التى‬
‫ينفذها القضاة‪ ..‬فلم يعد قاضى اليوم ذلك الذى يجتهد فى‬
‫استنباط الحكم واستخلص القانون ‪ ،‬وإنما أصبح " المنفذ "‬
‫للقانون الذى صاغته وقننته مؤسسة ‪ ،‬تمثل الجتهاد الجماعى‬
‫والمؤسسى ل الفردى فى صياغة القانون‪..‬‬
‫وكذلك الحال مع تحول التشريع والتقنين من اجتهاد الفرد إلى‬
‫اجتهاد مؤسسات الصياغة والتشريع والتقنين‪..‬‬
‫فإذا شاركت المرأة فى هذه المؤسسات ‪ ،‬فليس بوارد الحديث‬
‫عن ولية المرأة لسلطة التشريع بالمعنى التاريخى والقديم‬
‫لولية التشريع‪..‬‬

‫‪929‬‬
‫وتحولت سلطات صنع " القرارات التنفيذية " فى النظم الشورية‬
‫والديمقراطية عن سلطة الفرد إلى سلطان المؤسسات‬
‫المشاركة فى العداد لصناعة القرار‪ ..‬فإذا شاركت المرأة فى‬
‫هذه المؤسسات ‪ ،‬فليس بوارد الحديث عن ولية المرأة لهذه‬
‫السلطات والوليات ‪ ،‬بالمعنى الذى كان فى ذهن الفقهاء الذين‬
‫عرضوا لهذه القضية فى ظل " فردية " الوليات ‪ ،‬وقبل تعقد‬
‫النظم الحديثة والمعاصرة ‪ ،‬وتميزها بالمؤسسية والمؤسسات‪..‬‬
‫لقد تحدث القرآن الكريم عن ملكة سبأ ‪ -‬وهى امرأة ‪ -‬فأثنى‬
‫عليها وعلى وليتها للولية العامة ‪ ،‬لنها كانت تحكم بالمؤسسة‬
‫الشورية ل بالولية الفردية (قالت يا أيها المل أفتونى فى أمرى‬
‫ما كنت قاطعة أمرا ً حتى تشهدون) (‪ ..)9‬وذم القرآن الكريم‬
‫فرعون مصر ‪ -‬وهو رجل لنه قد انفرد بسلطان الولية العامة‬
‫وسلطة صنع القرار(قال فرعون ما أريكم إل ما أرى وما أهديكم‬
‫إل سبيل الرشاد ) (‪ ..)10‬فلم تكن العبرة بالذكورة أو النوثة فى‬
‫الولية العامة حتى الولية العامة وإنما كانت العبرة بكون هذه‬
‫الولية " مؤسسة شورية " ؟ أم " سلطانا فرديا ً مطلقا ً " ؟ أما‬
‫ولية المرأة للقضاء‪ ..‬والتى يثيرها البعض كشبهة على اكتمال‬
‫أهلية المرأة فى الرؤية السلمية‪..‬‬
‫فإن إزالة هذه الشبهة يمكن أن تتحقق بالتنبيه على عدد من‬
‫النقاط‪:‬‬
‫أولها‪ :‬أن ما لدينا فى تراثنا حول قضية ولية المرأة لمنصب‬
‫القضاء هو " فكر إسلمى " و " اجتهادات فقهية " أثمرت "‬
‫أحكاما ً فقهية "‪ ..‬وليس "دينا " وضعه الله سبحانه وتعالى وأوحى‬
‫به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فالقرآن الكريم لم يعرض‬
‫لهذه القضية ‪ ،‬كما لم تعرض لها السنة النبوية ‪ ،‬لن القضية لم‬
‫تكن مطروحة على الحياة الجتماعية والواقع العملى لمجتمع‬
‫صدر السلم ‪ ،‬فليس لدينا فيها نصوص دينية أصل ً ‪ ،‬ومن ثم فإنها‬
‫من مواطن ومسائل الجتهاد‪..‬‬
‫ثم إن هذه القضية هى من " مسائل المعاملت " وليست من "‬
‫شعائر العبادات "‪ ..‬وإذا كانت " العبادات توقيفية " تُلْتَمس من‬
‫النص وتقف عند الوارد فيه ‪ ،‬فإن " المعاملت " تحكمها المقاصد‬
‫الشرعية وتحقيق المصالح الشرعية المعتبرة‪..‬والموازنة بين‬
‫المصالح والمفاسد فيها‪ ..‬ويكفى فى " المعاملت " أن ل تخالف‬
‫ما ورد فى النص ‪ ،‬ل أن يكون قد ورد فيها نص‪..‬‬
‫ومعلوم أن " الحكام الفقهية " التى هى اجتهادات الفقهاء ‪،‬‬
‫مثلها كمثل الفتاوى ‪ ،‬تتغير بتغير الزمان والمكان والمصالح‬
‫الشرعية المعتبرة‪..‬‬

‫‪930‬‬
‫فتولى المرأة للقضاء قضية فقهية ‪ ،‬لم ولن يُغْلَق فيها باب‬
‫الجتهاد الفقهى السلمى‪..‬‬
‫وثانيها‪ :‬أن اجتهادات الفقهاء القدماء حول تولى المرأة لمنصب‬
‫القضاء هى اجتهادات متعددة ومختلفة باختلف وتعدد مذاهبهم‬
‫واجتهاداتهم فى هذه المسألة ‪ ،‬ولقد امتد زمن اختلفهم فيها جيلً‬
‫بعد جيل‪..‬‬
‫ومن ثم فليس هناك " إجماع فقهى " فى هذه المسألة حتى‬
‫يكون هناك إلزام للخلف بإجماع السلف ‪ ،‬وذلك فضل ً عن أن‬
‫إلزام الخلف بإجماع السلف هو أمر ليس محل إجماع‪ ..‬ناهيكم‬
‫عن أن قضية إمكانية تحقق الجماع أى اجتماع سائر فقهاء عصر‬
‫ما على مسألة من مسائل فقه الفروع كهذه المسألة هو مما ل‬
‫صوَّر حدوثه حتى لقد أنكر كثير من الفقهاء إمكانية حدوث‬ ‫يُت َ َ‬
‫الجماع فى مثل هذه الفروع أصلً‪.‬‬
‫ومن هؤلء المام أحمد بن حنبل [ ‪ 241 164‬هجرية ‪ 855 780‬م ]‬
‫الذى قال‪ " :‬من ادعى الجماع فقد كذب ! "‪.‬‬
‫فباب الجتهاد الجديد والمعاصر والمستقبلى فى هذه المسألة‬
‫وغيرها من فقه الفروع مفتوح‪ ..‬لنها ليست من المعلوم من‬
‫الدين بالضرورة أى المسائل التى لم ولن تختلف فيها مذاهب‬
‫المة ول الفِطر السليمة لعلماء وعقلء السلم‪..‬‬
‫وثالثها‪ :‬أن جريان " العادة " فى العصر السلمية السابقة ‪،‬‬
‫على عدم ولية المرأة لمنصب القضاء ل يعنى " تحريم " الدين‬
‫لوليتها هذا المنصب ‪ ،‬فدعوة المرأة للقتال ‪ ،‬وانخراطها فى‬
‫معاركه هو مما لم تجربه " العادة " فى العصر السلمية‬
‫السابقة ‪ ،‬ولم يعن ذلك " تحريم " اشتراك المرأة فى الحرب‬
‫والجهاد القتالى عند الحاجة والستطاعة وتعيُّن فريضة الجهاد‬
‫القتالى على كل مسلم ومسلمة‪ ..‬فهى قد مارست هذا القتال‬
‫وشاركت فى معاركه على عصر النبوة والخلفة الراشدة‪ ..‬من‬
‫ُ‬
‫غزوة أحد [ ‪ 3‬هجرية ‪625‬م ] إلى موقعة اليمامة [ ‪ 12‬هجرية ‪633‬‬
‫م ] ضد ردة مسيلمة الكذاب [ ‪ 12‬هجرية ‪ 633‬م ]‪ ..‬وفى " العادة‬
‫" مرتبطة " بالحاجات " المتغيرة بتغير المصالح والظروف‬
‫والملبسات ‪ ،‬وليست هى مصدر الحلل والحرام‪..‬‬
‫رابعها‪ :‬أن علة اختلف الفقهاء حول جواز تولى المرأة لمنصب‬
‫القضاء ‪ ،‬فى غيبة النصوص الدينية – القرآنية والنبوية – التى‬
‫تتناول هذه القضية ‪ ،‬كانت اختلف هؤلء الفقهاء فى الحكم الذى‬
‫" قاسوا " عليه توليها للقضاء‪ .‬فالذين " قاسوا " القضاء على‪:‬‬
‫"المامة العظمى " التى هى الخلفة العامة على أمة السلم‬
‫ودار السلم مثل فقهاء المذهب الشافعى قد منعوا توليها‬

‫‪931‬‬
‫للقضاء ‪ ،‬لتفاق جمهور الفقهاء باستثناء بعض الخوارج على جعل‬
‫" الذكورة " شرطا من شروط الخليفة والمام ‪ ،‬فاشترطوا هذا‬
‫الشرط " الذكورة " – فى القاضى ‪ ،‬قياسا ً على الخلفة والمامة‬
‫العظمى‪.‬‬
‫ويظل هذا " القياس " قياسا ً على " حكم فقهى " – ليس عليه‬
‫إجماع وليس " قياسا ً " على نص قطعى الدللة والثبوت‪..‬‬
‫والذين أجازوا توليها القضاء ‪ ،‬فيما عدا قضاء " القصاص والحدود‬
‫" مثل أبى حنفية " [ ‪ 150 80‬هجرية ‪ 767 699 /‬م ] وفقهاء مذهبه‬
‫قالوا بذلك " لقياسهم " القضاء على " الشهادة " ‪ ،‬فأجازوا‬
‫قضاءها فيما أجازوا شهادتها فيه ‪ ،‬أى فيما عدا " القصاص‬
‫والحدود "‪.‬‬
‫فالقياس هنا أيضا ً على " حكم فقهى " وليس على نص قطعى‬
‫الدللة والثبوت‪..‬وهذا الحكم الفقهى المقيس عليه وهو شهادة‬
‫المرأة فى القصاص والحدود‪ ..‬أى فى الدماء ليس موضع‬
‫إجماع‪ ..‬فلقد سبق وذكرنا فى رد شبهة أن شهادة المرأة هى‬
‫على النصف من شهادة الرجل إجازة بعض الفقهاء لشهادتها فى‬
‫الدماء ‪ ،‬وخاصة إذا كانت شهادتها فيها هى مصدر البينة الحافظة‬
‫لحدود الله وحقوق الولياء‪..‬‬
‫أما الفقهاء الذين أجازوا قضاء المرأة فى كل القضايا مثل المام‬
‫محمد بن جرير الطبرى [ ‪ 224310‬هجرية ‪923 839 /‬م ] فقد حكموا‬
‫بذلك " لقياسهم " القضاء على " الفتيا "‪ ..‬فالمسلمون قد‬
‫أجمعوا على جواز تولى المرأة منصب الفتاء الدينى أى التبليغ‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من أخطر المناصب‬
‫الدينية وفى توليها للفتاء سنة عملية مارستها نساء كثيرات على‬
‫عهد النبوة من أمهات المؤمنين وغيرهن فقاس هؤلء الفقهاء‬
‫قضاء المرأة على فتياها ‪ ،‬وحكموا بجواز توليها كل أنواع‬
‫القضاء ‪ ،‬لممارستها الفتاء فى مختلف الحكام‪.‬‬
‫وهم قد عللوا ذلك بتقريرهم أن الجوهرى والثابت فى شروط‬
‫القاضى إنما يحكمه ويحدده الهدف والقصد من القضاء ‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫ضمان وقوع الحكم بالعدل بين المتقاضين‪ ..‬وبعبارة أبى الوليد‬
‫بن رشد الحفيد [ ‪ 520595‬هجرية ‪1198 1126 /‬م ]‪ :‬فإن " من رأى‬
‫حكم المرأة نافذا فى كل شئ قال‪ :‬إن الصل هو أن كل من‬
‫يأتى منه الفصل بين الناس فحكمه جائز ‪ ،‬إل ما خصصه الجماع‬
‫من المامة الكبرى " (‪.)11‬‬
‫وخامسها‪ :‬أن " الذكورة " لم تكن الشرط الوحيد الذى اختلف‬
‫حوله الفقهاء من بين شروط من يتولى القضاء‪..‬‬

‫‪932‬‬
‫فهم مثل اختلفوا فى شرط " الجتهاد " فأوجب الشافعى [‬
‫‪ 150204‬هجرية ‪767820 /‬م ] وبعض المالكية أن يكون القاضى‬
‫مجتهداً‪ ..‬على حين أسقط أبو حنيفة هذا الشرط ‪ ،‬بل وأجاز‬
‫قضاء " العامى " أى المى فى القراءة والكتابة وهو غير الجاهل‬
‫ووافقه بعض الفقهاء المالكية قياسا على أمية النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم (‪.)12‬‬
‫واختلفوا كذلك فى شرط كون القاضى " عامل " وليس مجرد "‬
‫عالم " بأصول الشرع الربعة‪ :‬الكتاب ‪ ،‬والسنة ‪ ،‬والجماع ‪،‬‬
‫والقياس‪ ..‬فاشترطه الشافعى ‪ ،‬وتجاوز عنه غيره من الفقهاء (‬
‫‪.)13‬‬
‫كما اشترط أبو حنيفة ‪ ،‬دون سواه أن يكون القاضى عربيا من‬
‫قريش (‪.)14‬‬
‫فشرط " الذكورة " فى القاضى ‪ ،‬هو واحد من الشروط التى‬
‫اختلف فيها الفقهاء ‪ ،‬حيث اشترطه البعض فى بعض القضايا‬
‫دون البعض الخر ‪ ،‬وليس فيه إجماع‪ ..‬كما أنه ليس فيه نصوص‬
‫دينية تمنع أو تقيد اجتهادات المجتهدين‪..‬‬
‫وسادسها‪ :‬أن منصب القضاء ووليته قد أصابها هى الخرى ما‬
‫أصاب الوليات السياسية والتشريعية والتنفيذية من تطور انتقل‬
‫بها من " الولية الفردية " إلى ولية " المؤسسة " فلم تعد "‬
‫ولية رجل " أو " ولية امرأة " ‪ ،‬وإنما أصبح " الرجل " جزءا ً من‬
‫المؤسسة والمجموع ‪ ،‬وأصبحت " المرأة " جزءا ً من المؤسسة‬
‫والمجموع‪ ..‬ومن ثم أصبحت القضية فى " كيف جديد " يحتاج‬
‫إلى " تكييف جديد " يقدمه الجتهاد الجديد لهذا الطور‬
‫المؤسسى الجديد الذى انتقلت إليه كل هذه الوليات‪ ..‬ومنها‬
‫ولية المرأة للقضاء‪..‬‬
‫(‪ )1‬الراغب الصفهانى ‪ ،‬أبو القاسم الحسين بن محمد‬
‫[ المفردات فى غريب القرآن ] طبعة دار التحرير ‪ ،‬القاهرة‬
‫‪1991‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪.257 :‬‬
‫(‪ )3‬العراف‪.196 :‬‬
‫(‪ )4‬آل عمران‪.68 :‬‬
‫(‪ )5‬الجمعة‪.6 :‬‬
‫(‪ )6‬النفال‪.72 :‬‬
‫(‪ )7‬رواه البخارى ومسلم والمام أحمد‪..‬‬
‫(‪ )8‬التوبة‪.71 :‬‬
‫(‪ )9‬النمل‪.32 :‬‬
‫(‪ )10‬غافر‪.29 :‬‬

‫‪933‬‬
‫(‪ [ )11‬بداية المجتهد ونهاية المقتصد ] ج ‪ 2‬ص ‪ .494‬طبعة القاهرة‬
‫سنة ‪1974‬م‪ .‬والماوردى [ أدب القاضى ] ج ‪ 1‬ص ‪ 628-625‬طبعة‬
‫بغداد سنة ‪1971‬م‪ .‬والحكام السلطانية ص ‪ 65‬طبعة القاهرة سنة‬
‫‪1973‬م‪.‬‬
‫(‪ [ )12‬بداية المجتهد ونهاية المقتصد ] ج ‪ 2‬ص ‪.493،494‬‬
‫(‪ [)13‬أدب القاضى ] ج ‪ 1‬ص ‪.643‬‬
‫(‪ )14‬محمد محمد سعيد [ كتاب دليل السالك لمذهب المام مالك‬
‫] ص ‪ 190‬طبعة القاهرة سنة ‪ 1923‬م‪.‬‬
‫‪----------------‬‬
‫وامون على النساء‬ ‫‪ -164‬الرجال ق َّ‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫فى المدينة المنورة نزلت آيات " القوامة " قوامة الرجال على‬
‫النساء‪ ..‬وفى ظل المفهوم الصحيح لهذه القوامة تحررت المرأة‬
‫المسلمة من تقاليد الجاهلية الولى ‪ ،‬وشاركت الرجال فى‬
‫العمل العام مختلف ميادين العمل العام على النحو الذى أشرنا‬
‫إلى نماذجه فى القسم الول من هذه الدراسة ؛ فكان مفهوم‬
‫القوامة حاضرا ً طوال عصر ذلك التحرير‪ ..‬ولم يكن عائقا ً بين‬
‫المرأة وبين هذا التحرير‪..‬‬
‫ولحكمة إلهيةِ قرن القرآن الكريم فى آيات القوامة بين مساواة‬
‫النساء للرجال وبين درجة القوامة التى للرجال على النساء ‪ ،‬بل‬
‫وقدم هذه المساواة على تلك الدرجة ‪ ،‬عاطفا ً الثانية على الولى‬
‫ب " واو " العطف ‪ ،‬دللة على المعية والقتران‪ ..‬أى أن‬
‫المساواة والقوامة صنوان مقترنان ‪ ،‬يرتبط كل منهما بالخر ‪،‬‬
‫وليسا نقيضين ‪ ،‬حتى يتوهم واهم أن القوامة نقيض ينتقص من‬
‫المساواة‪..‬‬
‫لحكمة إلهية جاء ذلك فى القرآن الكريم ‪ ،‬عندما قال الله‬
‫سبحانه وتعالى فى الحديث عن شئون السرة وأحكامها‪:‬‬
‫(ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله‬
‫عزيز حكيم ) (‪.)1‬‬
‫وفى سورة النساء جاء البيان لهذه الدرجة التى للرجال على‬
‫النساء فى سياق الحديث عن شئون السرة ‪ ،‬وتوزيع العمل‬
‫والنصبة بين طرفى الميثاق الغليظ الذى قامت به السرة الرجل‬
‫والمرأة فإذا بآية القوامة تأتى تالية لليات التى تتحدث عن توزيع‬
‫النصبة والحظوظ والحقوق بين النساء وبين الرجال ‪ ،‬دونما غبن‬

‫‪934‬‬
‫لطرف ‪ ،‬أو تمييز يخل بمبدأ المساواة ‪ ،‬وإنما وفق الجهد‬
‫صل به كل طرف ما يستحق من ثمرات‪(..‬ول‬ ‫والكسب الذى يح ِّ‬
‫تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما‬
‫اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن‬
‫الله كان بكل شئ عليما ً * ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالدان‬
‫والقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان‬
‫ضل الله‬ ‫على كل شئ شهيدا ً * الرجال قوّامون على النساء بما ف ّ‬
‫بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم‪.)2( )..‬‬
‫ولقد فقه حبر المة ‪ ،‬عبد الله بن عباس [ ‪3‬ق هجرية ‪ 68‬هجرية ‪/‬‬
‫‪687 619‬م ] الذى دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم ربه أن‬
‫يفقهه فى الدين فهم الحكمة اللهية فى اقتران المساواة‬
‫بالقوامة ‪ ،‬فقال فى تفسيره لقول الله ‪ ،‬سبحانه وتعالى ‪(:-‬ولهن‬
‫مثل الذى عليهن بالمعروف) تلك العبارة النسانية ‪ ،‬والحكمة‬
‫الجامعة‪ " :‬إننى لتزين لمرأتى ‪ ،‬كما تتزين لى ‪ ،‬لهذه الية " !‬
‫وفهم المسلمون قبل عصر التراجع الحضارى ‪ ،‬الذى أعاد بعضاً‬
‫من التقاليد الجاهلية الراكدة إلى حياة المرأة المسلمة مرة‬
‫أخرى – أن درجة القوامة هى رعاية ُربّان السرة الرجل‬
‫لسفينتها ‪ ،‬وأن هذه الرعاية هى مسئولية وعطاء‪ ..‬وليست‬
‫ديكتاتورية ول استبدادا ينقص أو ينتقص من المساواة التى قرنها‬
‫القرآن الكريم بهذه القوامة ‪ ،‬بل وقدمها عليها‪..‬‬
‫ولم يكن هذا الفهم السلمى لهذه القوامة مجرد تفسيرات أو‬
‫استنتاجات ‪ ،‬وإنما كان فقها ً محكوما ً بمنطق القواعد القرآنية‬
‫الحاكمة لمجتمع السرة ‪ ،‬وعلقة الزوج بزوجه‪ ..‬فكل شئون‬
‫السرة تُدار ‪ ،‬وكل قراراتها تُتَّخذ بالشورى ‪ ،‬أى بمشاركة كل‬
‫أعضاء السرة فى صنع واتخاذ هذه القرارات ‪ ،‬لن هؤلء العضاء‬
‫مؤمنون بالسلم والشورى صفة أصيلة من صفات المؤمنين‬
‫والمؤمنات (والذين يجتنبون كبائرالثم والفواحش وإذا ما غضبوا‬
‫هم يغفرون *والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلة وأمرهم‬
‫شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون * والذين إذا أصابهم البغى‬
‫هم ينتصرون) (‪.)3‬‬
‫فالشورى واحدة من الصفات المميزة للمؤمنين والمؤمنات ‪ ،‬فى‬
‫كل ميادين التدبير وصناعة القرار‪ ..‬والسرة هى الميدان‬
‫ب هذه الشورى ‪ ،‬ويلزم‬ ‫التأسيسى والول فى هذه الميادين‪ ..‬تج ُ‬
‫هذا التشاور فى مجتمع السرة – لتتأسس التدابير والقرارات‬
‫على الرضا ‪ ،‬الذى ل سبيل إليه إل بالمشاركة الشورية فى صنع‬
‫القرارات‪ ..‬يستوى فى ذلك الصغير والخطير من هذه التدابير‬
‫والقرارات‪ ..‬حتى لقد شاءت الحكمة اللهية أن ينص القرآن‬

‫‪935‬‬
‫الكريم على تأسيس قرار الرضاعة للطفال ‪ -‬أى سقاية‬
‫المستقبل وصناعة الغد على الرضا الذى تثمره الشورى‪ ..‬ففى‬
‫سياق اليات التى تتحدث عن حدود الله فى شئون السرة‪ ..‬تلك‬
‫الحدود المؤسسة على منظومة القيم‪ ..‬والمعروف‪ ..‬والحسان‪..‬‬
‫جناح والحرج‪ ..‬وعدم المضارة والظلم والعدوان‪..‬‬ ‫ونفى ال ُ‬
‫والدعوة إلى ضبط شئون السرة بقيم التزكية والطهر ‪ ،‬ل "‬
‫بترسانة " القوانين الصماء !‪..‬‬
‫فى هذا السياق ينص القرآن الكريم على أن تكون الشورى هى‬
‫آلية السرة فى صنع كل القرارات‪( :‬والوالدات يرضعن أولدهن‬
‫حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن‬
‫وكسوتهن بالمعروف ل تكلف نفس إل وسعها ل تضار والدة‬
‫بولدها ول مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا‬
‫فصال ً عن تراض منهما وتشاور فل جناح عليهما وإن أردتم أن‬
‫تسترضعوا أولدكم فل جناح عليكم إذا سلمتم ما أتيتم بالمعروف‬
‫واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير) (‪.)4‬‬
‫هكذا فهم المسلمون معنى القوامة‪ ..‬فهى مسئولية وتكاليف‬
‫للرجل ‪ ،‬مصاحبة لمساواة النساء بالرجال‪..‬‬
‫وبعبارة المام محمد عبده‪ " :‬إنها تفرض على المرأة شيئا ً وعلى‬
‫الرجل أشياء "‪.‬‬
‫وكانت السنة النبوية فى عصر البعثة البيان النبوى للبلغ القرآنى‬
‫مله‬‫فى هذا الموضوع‪ ..‬فالمعصوم صلى الله عليه وسلم الذى ح ّ‬
‫ربه الحمل الثقيل فى الدين‪ ..‬والدولة‪ ..‬والمة‪ ..‬والمجتمع ‪( -‬إنا‬
‫سنلقى عليك قول ً ثقيل ً ) (‪ .)5‬هو الذى كان فى خدمة أهله ‪-‬‬
‫أزواجه ‪ -‬وكانت شوراهن معه وله صفة من صفات بيت النبوة ‪،‬‬
‫فى الخاص والعام من المور والتدابير‪ ..‬ويكفى أن هذه السنة‬
‫العملية قد تجسدت تحريرا ً للمرأة ‪ ،‬شاركت فيه الرجال بكل‬
‫ميادين الجتماع والسياسة والقتصاد والتربية‪ ..‬وحتى القتال‪..‬‬
‫كما كان صلى الله عليه وسلم دائم التأكيد على التوصية بالنساء‬
‫خيراً‪..‬فحريتهن حديثة العهد ‪ ،‬وهن قريبات من عبودية التقاليد‬
‫الجاهلية ‪ ،‬واستضعافهن يحتاج إلى دوام التوصية بهن والرعاية‬
‫لهن‪ ..‬وعنه صلى الله عليه وسلم تروى أقرب زوجاته إليه عائشة‬
‫رضى الله عنها‪ " :‬إنما النساء شقائق الرجال " رواه أبو داود‬
‫والترمذى والدارمى والمام أحمد وعندما سئلت‪:‬‬
‫ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل فى بيته ؟ قالت‪:‬‬
‫" كان بشرا ً من البشر ‪ ،‬يغلى ثوبه ‪ ،‬ويحلب شاته ‪ ،‬ويخدم نفسه‬
‫" رواه المام أحمد يفعل ذلك ‪ ،‬وهو القَوَّام على المة كلها ‪ ،‬فى‬
‫الدين والدولة والدنيا جميعا ً !‪..‬وفى خطبته صلى الله عليه وسلم‬

‫‪936‬‬
‫بحجة الوداع [ ‪ 10‬هجرية ‪ 632 /‬م ] وهى التى كانت إعلنا عالميا‬
‫خالدا ً للحقوق والواجبات الدينية والمدنية – كما صاغها السلم‬
‫أفرد صلى الله عليه وسلم للوصية بالنساء فقرات خاصة ‪ ،‬أكد‬
‫فيها على التضامن والتناصر بين النساء والرجال فى المساواة‬
‫والحقوق والواجبات فقال‪ " :‬أل واستوصوا بالنساء خيرا ً ‪ ،‬فإنهن‬
‫عوان عندكم ‪ ،‬ليس تملكون منهن شيئا ً غير ذلك ‪ ،‬إل أن يأتين‬
‫بفاحشة مبينة‪ .‬أل إن لكم على نسائكم حقا ً ولنسائكم عليكم‬
‫حقاً‪ ..‬فاتقوا الله فى النساء ‪ ،‬واستوصوا بهن خيرا ً ‪ ،‬أل هل بلغت‬
‫!‪ .‬اللهم فاشهد " (‪.)6‬‬
‫هكذا فُهمت القوامة فى عصر التنزيل‪ ..‬فكانت قيادة للرجل فى‬
‫السرة ‪ ،‬اقتضتها مؤهلته ومسئولياته فى البذل والعطاء‪ ..‬وهى‬
‫قيادة محكومة بالمساواة والتناصر والتكافل بين الزوج وزوجه‬
‫فى الحقوق والواجبات ومحكومة بالشورى التى يسهم بها‬
‫الجميع ويشاركون فى تدبير شئون السرة‪ ..‬هذه السرة التى‬
‫قامت على " الميثاق الغليظ " ميثاق الفطرة والذى تأسس على‬
‫المودة والرحمة ‪ ،‬حتى غدت المرأة فيها السكن والسكينة‬
‫ن لباس لكم وأنتم‬ ‫لزوجها حيث أفضى بعضهم إلى بعض ‪ ،‬ه َّ‬
‫لباس لهن ‪ ،‬فهى بعض الرجل والرجل بعض منها‪(:‬بعضكم من‬
‫بعض) (‪( - )7‬ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا‬
‫إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك ليات لقوم‬
‫ن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) (‪( )9‬وقد أفضى‬ ‫يتفكرون ) (‪( )8‬ه َّ‬
‫بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا ) (‪.)10‬‬
‫وإذا كانت القوامة ضرورة من ضروريات النظام والتنظيم فى أية‬
‫وحدة من وحدات التنظيم الجتماعى ‪ ،‬لن وجود القائد الذى‬
‫يحسم الختلف والخلف ‪ ،‬هو مما ل يقوم النظام والنتظام إل‬
‫به‪.‬‬
‫فلقد ربط القرآن هذه الدرجة فى الريادة والقيادة بالمؤهلت‬
‫وبالعطاء ‪ ،‬وليس بمجرد " الجنس " فجاء التعبير‪( :‬الرجال‬
‫قوامون على النساء) وليس كل رجل قوّام على كل امرأة‪ ..‬لن‬
‫إمكانات القوامة معهودة فى الجملة والغالب لدى الرجال ‪ ،‬فإذا‬
‫تخلفت هذه المكانات عند واحد من الرجال ‪ ،‬كان الباب مفتوحاً‬
‫أمام الزوجة إذا امتلكت من هذه المقومات أكثر مما لديه لتدير‬
‫دفة الجتماع السرى على نحو ما هو حادث فى بعض‬
‫الحالت !‪..‬‬
‫هكذا كانت القوامة فى الفكر والتطبيق فى عصر صدر السلم‪..‬‬
‫لكن الذى حدث بعد القرون الولى وبعد الفتوحات التى أدخلت‬
‫إلى المجتمع السلمى شعوبا ً لم يذهب السلم عاداتها‬

‫‪937‬‬
‫الجاهلية ‪ ،‬فى النظر إلى المرأة والعلقة بها ‪ ،‬قد أصاب النموذج‬
‫السلمى بتراجعات وتشوهات أشاعت تلك العادات والتقاليد‬
‫الجاهلية فى المجتمعات السلمية من جديد‪..‬‬
‫ويكفى أن نعرف أن كلمةٍ " ع َوَان " التى وصف الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم بها النساء ‪ ،‬فى خطبة حجة الوداع ‪ ،‬والتى تعنى‬
‫صف والوسط " (‪ )11‬أى الخيار وتعنى‬ ‫فى [ لسان العرب ]‪ " :‬الن َّ َ‬
‫ذات المعنى فى موسوعات مصطلحات الفنون (‪ ..)12‬قد أصبحت‬
‫تعنى ‪ -‬فى عصر التراجع الحضارى ‪ -‬أن المرأة أسيرة لدى‬
‫الرجل ‪ ،‬وأن النساء أسرى عند الرجال‪ ..‬وأن القوامة هى لون‬
‫من " القهر " لولئك النساء السيرات !! حتى وجدنا إماما ً عظيماً‬
‫مثل ابن القيم ‪ ،‬يعبر عن واقع عصره العصر المملوكى فيقول‬
‫هذا الكلم الغريب والعجيب‪ " :‬إن السيد قاهر لمملوكه ‪،‬حاكم‬
‫عليه ‪ ،‬مالك له‪ .‬والزوج قاهر لزوجته ‪ ،‬حاكم عليها ‪ ،‬وهى تحت‬
‫سلطانه وحكمه شبه السير " (‪!! )13‬‬
‫وهو فهم لمعنى القوامة ‪ ،‬وعلقة الزوج بزوجه ‪ ،‬يمثل انقلباً‬
‫جذريا على إنجازات السلم فى علقة الزواج بالزوجات !‪..‬‬
‫انقلب جذريًّا فالعادات والتقاليد الجاهلية التى أصبحت تغالب‬
‫قيم السلم فى تحرير المرأة ومساواة النساء للرجال‪..‬‬
‫ووجدنا كذلك فى عصور التقليد والجمود الفقهى تعريف بعض "‬
‫الفقهاء " لعقد النكاح ‪ ،‬فإذا به‪ " :‬عقد تمليك بضع الزوجة " !!‪..‬‬
‫وهو انقلب على المعانى القرآنية السامية لمصطلحات " الميثاق‬
‫الغليظ " و " المودة "‪ ..‬والرحمة‪ ..‬والسكن والسكينة‪ ..‬وإفضاء‬
‫كل طرف إلى الطرف الخر ‪ ،‬حتى أصبح كل منهما لباسا ً له "‪..‬‬
‫هكذا حدث النقلب ‪ ،‬فى عصور التراجع الحضارى لمسيرة أمة‬
‫السلم‪..‬‬
‫ولذلك ‪ ،‬كان من مقتضيات البعث الحضارى ‪ ،‬الحديث‬
‫والمعاصر ‪ ،‬لنموذج السلم فى تحرير المرأة وإنصافها ‪ ،‬كبديل‬
‫للنموذج الغربى الذى اقتحم عالم السلم فى ركاب الغزوة‬
‫الستعمارية الغربية لبلدنا والذى شقيت وتشقى به المرأة‬
‫السوية فى الغرب ذاته كان من مقتضيات ذلك إعادة المفاهيم‬
‫السلمية الصحيحة لمعنى قوامة الرجال على النساء‪ ..‬وهى‬
‫المهمة التى نهضت بها الجتهادات السلمية الحديثة والمعاصرة‬
‫لعلم علماء مدرسة الحياء والتجديد‪..‬‬
‫فالمام محمد عبده ‪ ،‬قد وقف أمام آيات القوامة (ولهن مثل‬
‫الذىعليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) (‪ )14‬فإذا به يقول‪:‬‬
‫" هذه كلمة جليلة جدا ً ‪ ،‬جمعت على إيجازها مال يُؤ َدى بالتفصيل‬
‫إل فى سفر كبير ‪ ،‬فهى قاعدة كلية ناطقة بأن المرأة مساوية‬

‫‪938‬‬
‫للرجل فى جميع الحقوق ‪ ،‬إل أمرا ً واحدا ً عبّر عنه بقوله‪:‬‬
‫(وللرجال عليهن درجة) وقد أحال فى معرفة ما لهن وما عليهن‬
‫على المعروف بين الناس فى معاشراتهن ومعاملتهن فى‬
‫أهليهن ‪ ،‬وما يجرى عليه عرف الناس هو تابع لشرائعهم‬
‫وعقائدهم وآدابهم وعاداتهم‪..‬‬
‫فهذه الجملة تعطى الرجل ميزانا يزن به معاملته لزوجه فى‬
‫م بمطالبتها بأمر من المور يتذكر‬ ‫جميع الشئون والحوال ‪ ،‬فإذا ه ّ‬
‫أنه يجب عليه مثله بإزائه ‪ ،‬ولهذا قال ابن عباس ‪ ،‬رضى الله‬
‫عنهما‪ :‬إننى لتزين لمرأتى كما تتزين لى ‪ ،‬لهذه الية‪.‬‬
‫وليس المراد بالمثل المثل بأعيان الشياء وأشخاصها ‪ ،‬وإنما‬
‫المراد‪ :‬أن الحقوق بينهما متبادلة ‪ ،‬وأنهما كفئان ‪ ،‬فما من عمل‬
‫تعمله المرأة للرجل إل وللرجل عمل يقابله لها ‪ ،‬وإن لم يكن‬
‫مثله فى شخصه ‪ ،‬فهو مثله فى جنسه ‪ ،‬فهما متماثلن فى‬
‫الذات والحساس والشعور والعقل ‪ ،‬أى أن كل منهما بشر تام له‬
‫عقل يتفكر فى مصالحه ‪ ،‬وقلب يحب ما يلئمه ويسر به ‪ ،‬ويكره‬
‫مال يلئمه وينفر منه ‪ ،‬فليس من العدل أن يتحكم أحد الصنفين‬
‫بالخر ويتخذه عبدا يستذله ويستخدمه فى مصالحه ‪ ،‬ول سيما‬
‫بعد عقد الزوجية والدخول فى الحياة المشتركة التى ل تكون‬
‫سعيدة إل باحترام كل من الزوجين الخر والقيام بحقوقه‪..‬‬
‫هذه الدرجة التى ُرفع النساء إليها لم يرفعهن إليها دين سابق ول‬
‫شريعة من الشرائع ‪ ،‬بل لم تصل إليها أمة من المم قبل السلم‬
‫ول بعده‪..‬‬
‫لقد خاطب الله تعالى النساء باليمان والمعرفة والعمال‬
‫الصالحة ‪ ،‬فى العبادات والمعاملت ‪ ،‬كما خاطب الرجال ‪ ،‬وجعل‬
‫لهن مثل ما جعله عليهن ‪ ،‬وقرن أسماءهن بأسمائهم فى آيات‬
‫كثيرة ‪ ،‬وبايع النبى صلى الله عليه وسلم المؤمنات كما بايع‬
‫المؤمنين ‪ ،‬وأمرهن بتعلم الكتاب والحكمة كما أمرهم ‪ ،‬وأجمعت‬
‫المة على ما مضى به الكتاب والسنة من أنهن مجزيات على‬
‫أعمالهن فى الدنيا والخرة‪..‬‬
‫وأما قوله تعالى‪( :‬وللرجال عليهن درجة) فهو يوجب على المرأة‬
‫شيئا ً ‪ ،‬وذلك أن هذه الدرجة درجة الرياسة والقيام على المصالح‬
‫‪ ،‬المفسرة بقوله تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل‬
‫الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) (‪.)15‬‬
‫إن الحياة الزوجية حياة اجتماعية ‪ ،‬ول بد لكل اجتماع من رئيس ‪،‬‬
‫لن المجتمعين لبد أن تختلف آراؤهم ورغباتهم فى بعض المور ‪،‬‬
‫ول تقوم مصلحتهم إل إذا كان لهم رئيس يُرجع إلى رأيه فى‬
‫الخلف ‪ ،‬لئل يعمل كل ضد الخر فتفصم عروة الوحدة الجامعة‬

‫‪939‬‬
‫ويختل النظام ‪ ،‬والرجل أحق بالرياسة لنه أعلم بالمصلحة ‪،‬‬
‫وأقدر على التنفيذ بقوته وماله ‪ ،‬ومن ثم كان هو المطالب شرعاً‬
‫بحماية المرأة والنفقة عليها ‪ ،‬وكانت هى مطالبة بطاعته فى‬
‫المعروف‪.‬‬
‫إن المراد بالقيام " القوامة " هنا هو الرياسة التى يتصرف فيها‬
‫المرؤوس بإرادته واختياره ‪ ،‬وليس معناه أن يكون المرؤوس‬
‫مقهورا مسلوب الرادة ل يعمل عمل إل ما يوجهه إليه رئيسه‪.‬‬
‫إن المرأة من الرجل والرجل من المرأة بمنزلة العضاء من بدن‬
‫الشخص الواحد ‪ ،‬فالرجل بمنزلة الرأس والمرأة بمنزلة البدن‪.‬‬
‫أما الذين يحاولون بظلم النساء أن يكونوا سادة فى بيوتهم ‪،‬‬
‫فإنما يلدون عبيدًا لغيرهم "‪.!! )16(-‬‬
‫" وإذا كانت عصور التراجع الحضارى كما سبق وأشرنا قد‬
‫استبدلت بالمعانى السامية لعقد الزواج المودة ‪ ،‬والرحمة ‪،‬‬
‫والسكن والميثاق الغليظ " ذلك المعنى الغريب "عقد تمليك بُضع‬
‫الزوجة " ! – وعقد أسر وقهر !‪ .‬فلقد أعاد الجتهاد السلمى‬
‫الحديث والمعاصر العتبار إلى المعانى القرآنية السامية‪..‬‬
‫وكتب الشيخ محمود شلتوت [ ‪ 13101383‬هجرية ‪1963 1893‬م ] فى‬
‫تفسيره للقرآن الكريم تحت عنوان [ الزواج ميثاق غليظ ] يقول‪:‬‬
‫" لقد أفرغت سورة النساء على عقد الزواج صبغة كريمة ‪،‬‬
‫أخرجته عن أن يكون عقد تمليك كعقد البيع والجارة ‪ ،‬أو نوعا‬
‫من السترقاق والسر حيث أفرغت عليه صبغة " الميثاق الغليظ‬
‫"‪.‬‬
‫ولهذا التعبير قيمته فى اليحاء بموجبات الحفظ والرحمة‬
‫والمودة‪ .‬وبذلك كان الزواج عهدا شريفا ً وميثاقا ً غليظا ً ترتبط به‬
‫القلوب ‪ ،‬وتختلط به المصالح ‪ ،‬ويندمج كل من الطرفين فى‬
‫صاحبه ‪ ،‬فيتحد شعورهما ‪ ،‬وتلتقى رغباتهما وآمالهما‪ .‬كان علقة‬
‫ن لباس‬ ‫دونها علقة الصداقة والقرابة ‪ ،‬وعلقة البوة والبنوة(ه َّ‬
‫لكم وأنتم لباس لهن) (‪( )17‬ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم‬
‫أزواجا ً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك ليات‬
‫لقوم يتفكرون) (‪ .)18‬يتفكرون فيدركون أن سعادة الحياة‬
‫الزوجية إنما تُبنى على هذه العناصر الثلثة‪ :‬السكن والمودة‬
‫والرحمة‪..‬‬
‫وإذا تنبهنا إلى أن كلمة (ميثاق) لم ترد فى القرآن الكريم إل‬
‫تعبيًرا عما بين الله وعباده من موجبات التوحيد ‪ ،‬والتزام الحكام‬
‫‪ ،‬وعما بين الدولة والدولة من الشئون العامة والخطيرة ‪ ،‬علمنا‬
‫مقدار المكانة التى سما القرآن بعقد الزواج إليها ‪ ،‬وإذا تنبهنا‬
‫مرة أخرى إلى أن وصف الميثاق " بالغليظ " لم يرد فى موضع‬

‫‪940‬‬
‫من مواضعه إل فى عقد الزواج وفيما أخذه الله على أنبيائه من‬
‫مواثيق(وأخذنا منهم ميثاقا ً غليظاً) (‪ .)19‬تضاعف لدينا سمو هذه‬
‫المكانة التى رفع القرآن إليها هذه الرابطة السامية "‪.‬‬
‫ثم تحدث الشيخ شلتوت عن المفهوم السلمى الصحيح "‬
‫للقوامة " فقال‪:‬‬
‫"‪ ..‬وبينت السورة الدرجة التى جعلها الله للرجال على النساء ‪،‬‬
‫بعد أن سوى بينهما فى الحقوق والواجبات ‪ ،‬وأنها ل تعدو درجة‬
‫الشراف والرعاية بحكم القدرة الطبيعية التى يمتاز بها الرجل‬
‫على المرأة ‪ ،‬بحكم الكد والعمل فى تحصيل المال الذى ينفقه‬
‫فى سبيل القيام بحقوق الزوجة والسرة ‪ ،‬وليست هذه الدرجة‬
‫درجة الستعباد والتسخير ‪ ،‬كما يصورها المخادعون المغرضون "‬
‫(‪.)20‬‬
‫تلك هى شبهة الفهم الخاطىء والمغلوط لقوامة الرجال على‬
‫النساء‪ ..‬والتى ل تعدو أن تكون النعكاس لواقع بعض العادات‬
‫الجاهلية التى ارتدت فى عصور التراجع الحضارى لمتنا‬
‫السلمية فغالبت التحرير السلمى للمرأة حتى انتقلت بالقوامة‬
‫من الرعاية والريادة ‪ ،‬المؤسسة على إمكانات المسئولية والبذل‬
‫والعطاء ‪ ،‬إلى قهر السيد للمسود والحر للعبد والمالك‬
‫للمملوك !‪.‬‬
‫ولن هذا الفهم غريب ومغلوط ‪ ،‬فإن السبيل إلى نفيه وإزالة‬
‫غباره وآثاره هو سبيل البديل السلمى الذى فقهه الصحابة ‪،‬‬
‫رضوان الله عليهم للقوامه‪ ..‬والذى بعثه من جديد الجتهاد‬
‫السلمى الحديث والمعاصر ‪ ،‬ذلك الذى ضربنا عليه المثال من‬
‫فكر وإبداع الشيخ محمد عبده والشيخ محمود شلتوت‪.‬‬
‫بل إننا نضيف ‪ ،‬للذين يرون فى القوامة استبدادا بالمرأة وقهرا‬
‫لها سواء منهم غلة السلميين الذين ينظرون للمرأة نظرة دونية‬
‫‪ ،‬ويعطلون ملكاتها وطاقاتها بالتقاليد أو غلة العلمانيين ‪ ،‬الذين‬
‫حسبوا ويحسبون أن هذا الفهم المغلوط هو صحيح السلم‬
‫وحقيقته ‪ ،‬فيطلبون تحرير المرأة بالنموذج الغربى‪..‬‬
‫بل وتحريرها من السلم !‪ ..‬أقول لهؤلء جميعاً‪:‬‬
‫إن هذه الرعاية التى هى القوامة ‪ ،‬لم يجعلها السلم للرجل‬
‫بإطلق‪ ..‬ولم يحرم منها المرأة بإطلق‪..‬‬
‫وإنما جعل للمرأة رعاية – أى " قوامة " – فى الميادين التى هى‬
‫فيها أبرع وبها أخبر من الرجال‪..‬‬
‫ويشهد على هذه الحقيقة نص حديث رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ‪ ،‬فالمير الذى على‬
‫الناس راع عليهم ‪ ،‬وهو مسئول عنهم ‪ ،‬والرجل راع على أهل‬

‫‪941‬‬
‫بيته ‪ ،‬وهو مسئول عنهم ‪ ،‬والمرأة راعية على بيت بعلها وولده ‪،‬‬
‫وهى مسئولة عنهم‪ ..‬أل فكلكم راع وكلكم مسئول عن راعيته "‬
‫رواه البخارى والمام أحمد‪.‬‬
‫فهذه الرعاية "القوامة "‪-‬هى فى حقيقتها " تقسيم للعمل " تحدد‬
‫الخبرة ُ والكفاءة ُ ميادين الختصاص فيه‪ ..‬فالكل راع ومسئول‪-‬‬
‫وليس فقط الرجال هم الرعاة والمسئولون‪-‬وكل صاحب أو‬
‫صاحبة خبرة وكفاءة هو راع وقوّام أو راعية وقوّامة على ميدان‬
‫من الميادين وتخصص من التخصصات‪ ..‬وإن تميزت رعاية‬
‫الرجال وقوامتهم فى السر والبيوت والعائلت وفقا ً للخبرة‬
‫والمكانات التى يتميزون بها فى ميادين الكد والحماية‪..‬فإن‬
‫لرعاية المرأة تميزا ً فى إدارة مملكة السرة وفى تربية البناء‬
‫والبنات‪ ..‬حتى نلمح ذلك فى حديث الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم الذى سبق إيراده ‪ -‬عندما جعل الرجل راعيا ً ومسئول ً على‬
‫" أهل بيته " بينما جعل المرأة راعية ومسئولة على " بيت بعلها‬
‫وولده "‪..‬‬
‫فهذة " القوامة " ‪ -‬توزيع للعمل ‪ ،‬تحدد الخبرة والكفاءة ميادينه‪..‬‬
‫سرا ً ول تملكا ول عبودية ‪ ،‬بحال من الحوال‪..‬‬ ‫وليست قهرا ً ول قَ ْ‬
‫هكذا وضحت قضية القوامة‪ ..‬وسقطت المعانى الزائفة‬
‫والمغلوطة لخر الشبهات التى يتعلق بها الغلة‪..‬‬
‫غلة السلميين‪ ..‬وغلة العلمانيين‪.‬‬
‫فالطريق مفتوح أمام إنهاض المرأة بفكر متزن يرى أنها مع‬
‫الرجل قد خلقا من نفس واحدة وتساويا فى الحقوق والواجبات‬
‫واختلفت وظائف كل منهما إختلف تكامل كتكامل خصائصهما‬
‫الطبيعية لعمارة الدنيا وعبادة الله الواحد الحد‪.‬‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.228 :‬‬
‫(‪ )2‬النساء‪.34-32 :‬‬
‫(‪ )3‬الشورى‪.39 - 37 :‬‬
‫(‪ )4‬البقرة‪.233 :‬‬
‫(‪ )5‬المزمل‪.5 :‬‬
‫(‪[ )6‬مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوى والخلفة الراشدة]‬
‫ص ‪ .283‬جمعها وحققها‪ :‬د‪ .‬محمد حميد الله‪ .‬طبعة القاهرة سنة‬
‫‪1956‬م‪.‬‬
‫(‪ )7‬آل عمران‪.195 :‬‬
‫(‪ )8‬الروم‪.21 :‬‬
‫(‪ )9‬البقرة‪.187 :‬‬
‫(‪ )10‬النساء‪.21 :‬‬
‫(‪ )11‬ابن منظور [ لسان العرب ] طبعة دار المعارف‪ .‬القاهرة‪.‬‬

‫‪942‬‬
‫(‪ )12‬انظر‪ :‬الراغب الصفهانى [ المفردات فى غريب القرآن ]‬
‫طبعة دار التحرير‪ .‬القاهرة سنة ‪1991‬م‪.‬‬
‫وأبو البقاء الكفوى [ الكليات ] ق ‪ 2‬ص ‪ .287‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عدنان‬
‫درويش ‪ ،‬طبعة دمشق سنة ‪1982‬م‪.‬‬
‫(‪ [ )13‬إعلم الموقعين ] ج ‪ 2‬ص ‪ .106‬طبعة بيروت سنة ‪1973‬م‪.‬‬
‫(‪ )14‬البقرة‪.228 :‬‬
‫(‪ )15‬النساء‪.34 :‬‬
‫(‪ [ )16‬العمال الكاملة للمام محمد عبده ] ج ‪ 4‬ص ‪ -611 – 606‬وج‬
‫‪ 5‬ص ‪ .203 ،201‬دراسة وتحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد عمارة‪ .‬طبعة القاهرة‬
‫‪1993‬م‪.‬‬
‫(‪ )17‬البقرة‪.187 :‬‬
‫(‪ )18‬الروم‪.21 :‬‬
‫(‪ )19‬النساء‪.21 :‬‬
‫(‪ [ )20‬تفسير القرآن الكريم ] ص ‪ .174 172‬طبعة القاهرة ‪1399‬‬
‫هجرية ‪1979‬م‪.‬‬
‫‪------------------‬‬
‫حجاب‬ ‫‪ -164‬قضية ال ِ‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬

‫الرد على الشبهة‪:‬‬


‫السياق القرآنى لية الخمار يبين أن العلة هى العفاف وحفظ‬
‫الفروج ‪ ،‬حيث يبدأ بالحديث عن تميز الطيبين والطيبات عن‬
‫الخبيثين والخبيثات‪ ..‬وعن آداب دخـول بيوت الخرين ‪ ،‬المأهول‬
‫منها وغير المأهول‪..‬‬
‫وعن غض البصر‪ ..‬وحفظ الفروج ‪ ،‬لمطلق المؤمنين‬
‫والمؤمنات‪..‬وعن فريضة الختمار ‪ ،‬حتى ل تبدو زينة المرأة ـ‬
‫مطلق المرأة ـ إل لمحـارم حددتهم الية تفصيلً‪ .‬فالحديث عن‬
‫الختمار حتى فى البيوت ‪ ،‬إذا حضر غير المحارم‪ ..‬ثم يواصل‬
‫السياق القرآنى الحديث عن الحصان بالنكاح (الزواج)‬
‫وبالستعفاف للذين ل يجدون نكاحا ً حتى يغنيهم الله من فضله‪:‬‬
‫(الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين‬
‫والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق‬
‫كريم * يا أيها الذين آمنوا ل تدخلوا بيوتا ً غير بيوتكم حتى‬
‫تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تَذكَّرون *‬
‫فإن لم تجدوا فيها أحدا ً فل تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم‬
‫ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم * ليس‬

‫‪943‬‬
‫عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا ً غير مسكونة فيها متاع لكم والله‬
‫يعلم ما تبدون وما تكتمون * قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم‬
‫ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون *‬
‫وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ول‬
‫يبدين زينتهن إل ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ول‬
‫يبدين زينتهن إل لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو‬
‫أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو‬
‫نسائهـن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الربة من‬
‫الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ول‬
‫يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً‬
‫أيها المؤمنون لعلكم تفلحون * وأنكحوا اليامى منكم والصالحين‬
‫من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله‬
‫واسع عليم * وليستعفف الذين ل يجدون نكاحا ً حتى يغنيهم الله‬
‫من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن‬
‫علمتم فيهم خيرا ً وآتوهم من مال الله الذى آتاكم ول تكرهوا‬
‫فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا‬
‫ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) (‪.)1‬‬
‫فنحن أمام نظام إسلمى ‪ ،‬وتشريع إلهى مفصل ‪ ،‬فى العفة‬
‫وعلقتها بستر العورات عن غير المحارم‪.‬‬
‫وهو تشريع عام ‪ ،‬فى كل مكان توجد فيه المرأة مع غير محرم‪.‬‬
‫بل إن ذات السورة ـ (النور) تستأنف التشريع لستر العورات‬
‫داخل البيوت ـ نصا ً وتحديدا ً ـ فتقول آياتها الكريمة‪( :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم‬
‫منكم ثلث مرات من قبل صلة الفجر وحين تضعون ثيابكم من‬
‫ث عورات لكم ليس عليكم ول‬ ‫الظهيرة ومن بعد صلة العشاء ثل ُ‬
‫عليهم جناح بعدهن طوّافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين‬
‫الله لكم اليات والله عليم حكيم * وإذا بلغ الطفال منكم الحلم‬
‫فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته‬
‫والله عليم حكيم * والقواعد من النساء اللتى ل يرجون نكاحاً‬
‫فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن‬
‫يستعففن خير لهن والله سميع عليم ) (‪.)2‬‬
‫فنحن أمام تشريع لستر العورات ‪ ،‬حتى داخل البيوت ‪ ،‬عن غير‬
‫المحارم ـ الذين حددتهم اليات ـ ومنهم الصبيان إذا بلغوا الحلم‪..‬‬
‫فحيث أمر الله بالعفاف وحرم الزنا وأقر الزواج وأباح إمكانية‬
‫التعدد فكان لبد لكمال التشريع من المر بدرء ما يوصل إلى‬
‫عكس ذلك كله فأمر بالحجاب وبغض البصر وبعدم الخلوة وهو‬
‫مٌر له سبحانه فى كل دين‪.‬‬ ‫َ‬
‫أ ْ‬

‫‪944‬‬
‫(‪ )1‬النور‪.33 -26 :‬‬
‫(‪ )2‬النور‪.70 :68 :‬‬
‫‪---------------‬‬
‫شبهات حول المرأة‬
‫أولً‪ :‬الحجاب‪:‬‬
‫مت والدين يسر‪:‬‬ ‫الشبهة الولى‪ :‬الحجاب تز ّ‬
‫مت في الدين‪،‬‬ ‫ن الحجاب تز ّ‬ ‫يدّعي بعض دعاة التبرج والسفور بأ ّ‬
‫ة‬
‫ت فيه ول تشدّد‪ ،‬وإباحة السفور مصلح ٌ‬ ‫م َ‬
‫والدين يسر ل تز ّ‬
‫تقتضيها مشقّة التزام الحجاب في عصرنا[‪.]1‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫‪ -1‬إن تعاليم الدين السلمي وتكاليفَه الشرعية جميعها يسر ل‬
‫َ‬
‫سَر وَل َ يُرِيد ُ بِك ُ ُ‬
‫م‬ ‫م ٱلْي ُ ْ‬ ‫ه بِك ُ ُ‬‫عسَر فيها‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬يُرِيد ُ ٱلل ّ ُ‬
‫ن‬
‫م فِى ٱلدّي ِ‬ ‫ل ع َلَيْك ْ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ما َ‬‫{و َ‬
‫سَر} [البقرة‪ ،]185:‬وقال تعالى‪َ َ :‬‬ ‫ٱلْعُ ْ‬
‫َ‬ ‫ج} [الحج‪ ،]78:‬وقال‪{ :‬ل َ تُكَل ّ ُ‬
‫سعَهَا} [البقرة‪:‬‬ ‫س إِل ّ وُ ْ‬ ‫ف نَفْ ٌ‬ ‫حَر ٍ‬‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ِ‬
‫‪ .]232‬فهذه اليات صريحة في التزام مبدأ التخفيف والتيسير على‬
‫الناس في أحكام الشرع‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪(( :‬إن هذا الدين يسر‪ ،‬ولن يشاد الدين أحد إل غلبه‪،‬‬
‫فسدّدوا وقاربوا وأبشروا))[‪ ،]2‬وعن أبي موسى الشعري رضي‬
‫الله عنه قال‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث‬
‫أحدا من أصحابه في بعض أمره قال‪(( :‬بشروا ول تنفروا‪،‬‬
‫ويسروا ول تعسروا))[‪.]3‬‬
‫َّ‬
‫فالشارع ل يقصد أبدًا إعنات المكلفين أو تكليفهم بما ل تطيقه‬
‫ل في‬ ‫ل ما ثبت أنه تكليف من الله للعباد فهو داخ ٌ‬ ‫أنفسهم‪ ،‬فك ّ‬
‫مقدورهم وطاقتهم[‪.]4‬‬
‫‪ -2‬ثم ل بد من معرفة أن للمصلحة الشرعية ضوابط يجب‬
‫مراعاتها وهي‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن تكون هذه المصلحة مندرجة في مقاصد الشرع‪ ،‬وهي حفظ‬
‫ل ما يحفظ هذه‬ ‫الدين والنفس والعقل والنسل والمال‪ ،‬فك ّ‬
‫ل ما يفوّت هذه الصول أو‬ ‫الصول الخمسة فهو مصلحة‪ ،‬وك ّ‬
‫بعضها فهو مفسدة‪ ،‬ول شك أن الحجاب مما يحفظ هذه الكليات‬
‫وأن التبرج والسفور يؤدي بها إلى الفساد‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن ل تعارض هذه المصلحة النقل الصحيح‪ ،‬فل تعارض القرآن‬
‫م استنادًا إلى‬ ‫الكريم؛ لن معرفة المقاصد الشرعية إنما ت ّ‬
‫الحكام الشرعية المنبثقة من أدلتها التفصيلية‪ ،‬والدلة كلّها‬
‫ب الله لستلزم‬ ‫راجعة إلى الكتاب‪ ،‬فلو عارضت المصلحة كتا َ‬
‫ل دليله‪ ،‬وهو باطل‪ .‬وكذلك بالنسبة للسنة‪،‬‬ ‫ذلك أن يعارض المدلو ُ‬

‫‪945‬‬
‫ما‪ .‬ول‬‫فإن المصلحة المزعومة إذا عارضتها اعتُبرت رأيًا مذمو ً‬
‫يخفى مناقضة هذه المصلحة المزعومة لنصوص الكتاب والسنة‪.‬‬
‫ج‪ -‬أن ل تعارض هذه المصلحة القياس الصحيح‪.‬‬
‫م منها أو مساوية لها‪.‬‬ ‫د‪ -‬أن ل تفوِّت هذه المصلحة مصلحة أه ّ‬
‫ن المشقة التي قد‬ ‫‪ -3‬قاعدة‪" :‬المشقّة تجلب التيسير" معناها‪ :‬أ ّ‬
‫يجدها المكلف في تنفيذ الحكم الشرعي سبب شرعي صحيح‬
‫للتخفيف فيه بوجه ما‪.‬‬
‫لكن ينبغي أن ل تفهم هذه القاعدة على وجهٍ يتناقض مع‬
‫الضوابط السابقة للمصلحة‪ ،‬فل بد للتخفيف أن ل يكون مخالفًا‬
‫ب ول سنّة ول قياس صحيح ول مصلحة راجحة‪.‬‬ ‫لكتا ٍ‬
‫حكمة الكتاب والسنة كالعبادات‬ ‫ص على ُ‬ ‫ومن المصالح ما ن ّ‬
‫ص الشارع فيه‬ ‫والعقود والمعاملت‪ ،‬وهذا القسم لم يقتصر ن ّ‬
‫على العزائم فقط‪ ،‬بل ما من حكم من أحكام العبادات‬
‫والمعاملت إل وقد شرع إلى جانبه سبل التيسير فيه‪ .‬فالصلة‬
‫مثل شرِعت أركانها وأحكامها الساسية‪ ،‬وشرع إلى جانبها أحكام‬
‫سرة لدائها عند لحوق المشقة كالجمع والقصر والصلة من‬ ‫مي ّ‬
‫ة‬
‫جلوس‪ .‬والصوم أيضا شرع إلى جانب أحكامه الساسية رخص ُ‬
‫الفطر بالسفر والمرض‪ .‬والطهارة من النجاسات في الصلة‬
‫شرع معها رخصة العفو عما يشقّ الحتراز منه‪ .‬وأوجب الله‬
‫ب على المرأة‪ ،‬ثم نهى عن النظر إلى‬ ‫سبحانه وتعالى الحجا َ‬
‫خطبة‬‫خص في كشف الوجه والنظر إليه عند ال ِ‬ ‫الجنبية‪ ،‬ور ّ‬
‫والعلج‪ ،‬والتقاضي والشهاد‪.‬‬
‫إذ ًا فليس في التيسير الذي شرعه الله سبحانه وتعالى في‬
‫ل بالوفاق مع ضوابط المصلحة‪،‬‬ ‫مقابلة عزائم أحكامه ما يخ ّ‬
‫م أنه ل يجوز الستزادة في التخفيف على ما ورد به النص‪،‬‬ ‫ومعلو ٌ‬
‫ن مشقة الحرب بالنسبة للجنود تقتضي وضعَ الصلة‬ ‫كأن يقال‪ :‬إ ّ‬
‫عنهم‪ ،‬أو يقال‪ :‬إن مشقة التحّرز عن الربا في هذا العصر تقتضي‬
‫ن مشقة التزام الحجاب في بعض‬ ‫جواَز التعامل به‪ ،‬أو يقال‪ :‬إ ّ‬
‫ح للمرأة التبّرج بدعوى عموم البلوى‬ ‫المجتمعات تقتضي أن يبا َ‬
‫به[‪.]5‬‬
‫الشبهة الثانية‪ :‬الحجاب من عادات الجاهلية فهو تخلف ورجعية‪:‬‬
‫ن‬
‫قالوا‪ :‬إن الحجاب كان من عادات العرب في الجاهلية‪ ،‬ل ّ‬
‫شرف‪ ،‬ووأدوا البنات خوفًا من العار‪،‬‬ ‫العرب طبِعوا على حماية ال ّ‬
‫فألزموا النساء بالحجاب تعصبًا لعاداتهم القبلية التي جاء السلم‬
‫مها وإبطالها‪ ،‬حتى إنّه أبطل الحجاب[‪ ،]6‬فاللتزام بالحجاب‬ ‫بذ ّ‬
‫رجعية وتخلّف عن ركب الحضارة والتقدم‪.‬‬
‫الجواب‪:‬‬

‫‪946‬‬
‫‪ -1‬إن الحجاب الذي فرضه السلم على المرأة لم يعرفه العرب‬
‫م الله تعالى تبّرج نساء الجاهلية‪ ،‬فوجه‬ ‫قبل السلم‪ ،‬بل لقد ذ ّ‬
‫نساء المسلمين إلى عدم التبرج حتى ل يتشبهن بنساء الجاهلية‪،‬‬
‫ة‬ ‫ج ٱل ْ َ‬
‫جـٰهِلِي َّ ِ‬ ‫ن تَبَُّر َ‬
‫ج َ‬ ‫ن فِى بُيُوتِك ُ َّ‬
‫ن وَل َ تَبََّر ْ‬ ‫ل شأنه‪{ :‬وَقَْر َ‬ ‫فقال ج ّ‬
‫ٱلولَىٰ} [الحزاب‪.]33:‬‬
‫ن وص َ‬
‫ل‬ ‫م تغيير خلق الله أوضحت أ ّ‬ ‫كما أن الحاديث الحافلة بذ ّ‬
‫مص كان شائعًا في نساء اليهود قبل السلم‪ ،‬ومن‬ ‫الشعر والتن ّ‬
‫المعروف أنه مما تستخدمه المتبّرجات‪.‬‬
‫صحيح أن السلم أتى فأبطل عادات ذميمة للعرب‪ ،‬ولكن‬
‫بالضافة إلى ذلك كانت لهم عادات جميلة أقّرها السلم فلم‬
‫يبطلها‪ ،‬كإكرام الضيف والجود والشجاعة وغير ذلك‪.‬‬
‫وكان من ضمن عاداتهم الذميمة خروج النساء متبّرجات كاشفات‬
‫الوجوه والعناق‪ ،‬باديات الزينة‪ ،‬ففرض الله الحجاب على المرأة‬
‫ساق‬ ‫ن كرامتها‪ ،‬ويمنع عنها أذى الف ّ‬ ‫بعد السلم ليرتقي بها ويصو َ‬
‫والمغرضين[‪.]7‬‬
‫ت بلباسهن الذي ل يجعلهن‬ ‫‪ -2‬إذا كانت النساء المسلمات راضيا ٍ‬
‫في زمرة الرجيعات والمتخلفات فما الذي يضير التقدميين في‬
‫ن يلبسن الحجاب ول يتأفّفن منه فما الذي حشر‬ ‫ذلك؟! وإذا ك ّ‬
‫التقدميين في قضية فردية شخصية كهذه؟! ومن العجب أن‬
‫تسمع منهم الدعوة َ إلى الحرية الشخصية وتقديسها‪ ،‬فل يجوز أن‬
‫خلون في حرية غيرهم في ارتداء ما شاؤوا‬ ‫سها أحد‪ ،‬ثم هم يتد ّ‬ ‫يم ّ‬
‫من الثياب[‪.]8‬‬
‫ن التخلف له أسبابه‪ ،‬والتقدم له أسبابه‪ ،‬وإقحام شريعة‬ ‫‪ -3‬إ ّ‬
‫الستر والخلق في هذا المر خدعة مكشوفة‪ ،‬ل تنطلي إل على‬
‫متخلّف عن مستوى الفكر والنظر‪ ،‬ومنذ متى كان التقدّم‬
‫ن الحضارة والتقدم‬ ‫والحضارة متعلّقَين بلباس النسان؟! إ ّ‬
‫صل إليها النسان بعقله وإعمال‬ ‫ة أبحاث تو َّ‬ ‫والتطور كان نتيج َ‬
‫فكره‪ ،‬ولم تكن بثوبه ومظهره[‪.]9‬‬
‫الشبهة الثالثة‪ :‬الحجاب وسيلة لخفاء الشخصية‪:‬‬
‫ب يسهّل عملية إخفاء الشخصية‪ ،‬فقد‬ ‫ن الحجا َ‬ ‫يقول بعضهم‪ :‬إ ّ‬
‫يتستّر وراءه بعض النساء اللواتي يقترفن الفواحش[‪.]10‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫‪ -1‬يشرع للمرأة في السلم أن تستر وجهها لن ذلك أزكى‬
‫وأطهر لقلوب المؤمنين والمؤمنات‪ .‬وكل عاقل يفهم من سلوك‬
‫المرأة التي تبالغ في ستر نفسها حتى أنها ل تبدي وجهًا ول كفا ـ‬
‫فضل ً عن سائر بدنها ـ أن هذا دليل الستعفاف والصيانة‪ ،‬وكل‬
‫ضا أن تبرج المرأة وإظهارها زينتها يشعر بوقاحتها‬ ‫عاقل يعلم أي ً‬

‫‪947‬‬
‫وقلة حيائها وهوانها على نفسها‪ ،‬ومن ثم فهي الَولى أن يُساء بها‬
‫الظن بقرينة مسلكها الوخيم حيث تعرِض زينتها كالسلعة‪ ،‬فتجّر‬
‫خبث النية وفساد الطوية وطمع الذئاب‬ ‫على نفسها وصمة ُ‬
‫البشرية[‪.]11‬‬
‫ن من المتواتر لدى الكافة أن المسلمة التي تتحجب في هذا‬ ‫‪ -2‬إ ّ‬
‫الزمان تذوق الويلت من الجهزة الحكومية والدارات الجامعية‬
‫والحملت العلمية والسفاهات من المنافقين في كل مكان‪ ،‬ثم‬
‫هي تصبر على هذا كله ابتغاء وجه الله تعالى‪ ،‬ول يفعل هذا إل‬
‫مؤمنة صادقة رباها القرآن والسنة‪ ،‬فإذا حاولت فاسقة مستهترة‬
‫ساقطة أن تتجلبب بجلباب الحياء وتواري عن العين بارتداء‬
‫شعار العفاف ورمز الصيانة وتستر عن الناس آفاتها وفجورها‬
‫بمظهر الحصان الرزان فما ذنب الحجاب إذ ًا؟!‬
‫ل ذي‬‫إن الستثناء يؤيد القاعدة ول ينقضها كما هو معلوم لك ّ‬
‫ن نفس هذه المجتمعات التي يروَّج فيها هذه الراجيف‬ ‫عقل‪ ،‬مع أ ّ‬
‫قد بلغت من النحدار والتردّي في مهاوي التبّرج والفسوق‬
‫ن إلى‬‫والعصيان ما يغني الفاسقات عن التستّر‪ ،‬ول يحوِجه ّ‬
‫التواري عن العين‪.‬‬
‫ن في هذا خطًرا على ما‬ ‫وإذا كان بعض المنافقين يتشدّقون بأ ّ‬
‫ل بسبب المتحجبات‬ ‫مونه المن فليبينوا كيف يهتّز المن ويخت ّ‬ ‫يس ّ‬
‫المتسترات‪ ،‬مع أنه لم يتزلزل مرة واحدة بسبب السافرات‬
‫والمتبرجات!![‪.]12‬‬
‫‪ -3‬لو أن رجل ً انتحل شخصية قائد عسكري كبير‪ ،‬وارتدى بزته‪،‬‬
‫وتحايل بذلك واستغل هذا الثوب فيما ل يباح له كيف تكون‬
‫عقوبته؟! وهل يصلح سلوكه مبرًرا للمطالبة بإلغاء الزي المميّز‬
‫للعسكريين مثل ً خشية أن يسيء أحد استعماله؟!‬
‫الفتو‪ ،‬وزيّ‬
‫ّ‬ ‫وما يقال عن البزة العسكرية يقال عن لباس‬
‫الرياضة‪ ،‬فإذا وجد في المجتمع الجندي الذي يخون والفتى الذي‬
‫ن على المة أن‬ ‫يسيء والرياضي الذي يذنب هل يقول عاقل‪ :‬إ ّ‬
‫تحارب شعاَر العسكر ولباس الفتوّة وزيّ الرياضة لخيانات‬
‫ظهرت وإساءات تكررت؟! فإذا كان الجواب‪" :‬ل" فلماذا يقف‬
‫أعداء السلم من الحجاب هذا الموقف المعادي؟! ولماذا يثيرون‬
‫حوله الشائعات الباطلة المغرضة؟![‪.]13‬‬
‫‪ -4‬إن السلم كما يأمر المرأة بالحجاب يأمرها أن تكون ذات‬
‫خلق ودين‪ ،‬إنه يربي من تحت الحجاب قبل أن يسدل عليها‬
‫خيٌْر} [العراف‪،]26:‬‬ ‫ك َ‬ ‫س ٱلتَّقْوَىٰ ذٰل ِ َ‬
‫الجلباب‪ ،‬ويقول لها‪{ :‬وَلِبَا ُ‬
‫حتى تصل إلى قمة الطهر والكمال قبل أن تصل إلى قمة الستر‬

‫‪948‬‬
‫والحتجاب‪ ،‬فإذا اقتصرت امرأة على أحدهما دون الخر تكون‬
‫كمن يمشي على رجل واحدة أو يطير بجناح واحد‪.‬‬
‫إن التصدي لهؤلء المستهترات ـ إذا وجدن ـ أن تصدر قوانين‬
‫صارمة بتشديد العقوبة على كل من تسوّل له نفسه استغلل‬
‫الحجاب لتسهيل الجرائم وإشباع الهواء‪ ،‬فمثل هذا التشديد جائز‬
‫شرع ًا في شريعة الله الغراء التي حرصت على صيانة النفس‬
‫ووقاية العرض‪ ،‬وجعلتهما فوق كل اعتبار‪ ،‬وإذا كان التخوف من‬
‫سوء استغلل الحجاب مخطرة محتملة إل أن المخطرة في‬
‫التبرج والسفور بنشر الفاحشة وفتح ذرائعها مقطوع بها لدى كل‬
‫عاقل[‪.]14‬‬
‫الشبهة الرابعة‪ :‬عفة المرأة في ذاتها ل في حجابها‪:‬‬
‫يقول البعض‪ :‬إن عفة الفتاة حقيقة كامنة في ذاتها‪ ،‬وليست‬
‫غطاء يلقى ويسدل على جسمها‪ ،‬وكم من فتاة محتجبة عن‬
‫الرجال في ظاهرها وهي فاجرة في سلوكها‪ ،‬وكم من فتاة‬
‫حاسرة الرأس كاشفة المفاتن ل يعرف السوء سبيل ً إلى نفسها‬
‫ول إلى سلوكها[‪.]15‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫إن هذا صحيح‪ ،‬فما كان للثياب أن تنسج لصاحبها عفّة مفقودة‪،‬‬
‫ب فاجرة سترت فجورها‬ ‫ول أن تمنحه استقامة معدومة‪ ،‬ور َّ‬
‫بمظهر سترها‪.‬‬
‫ولكن من هذا الذي زعم أن الله إنما شرع الحجاب لجسم المرأة‬
‫ليخلق الطهارة في نفسها أو العفة في أخلقها؟! ومن هذا الذي‬
‫زعم أن الحجاب إنما شرعه الله ليكون إعلنًا بأن كل من لم‬
‫تلتزمه فهي فاجرة تنحط في وادي الغواية مع الرجال؟!‬
‫إن الله عز وجل فرض الحجاب على المرأة محافظة على عفة‬
‫الرجال الذين قد تقع أبصارهم عليها‪ ،‬وليس حفاظًا على عفتها‬
‫من العين التي تراها فقط‪ ،‬ولئن كانت تشترك معهم هي الخرى‬
‫في هذه الفائدة في كثير من الحيان إل أن فائدتهم من ذلك‬
‫أعظم وأخطر‪ ،‬وإل فهل يقول عاقل تحت سلطان هذه الحجة‬
‫المقلوبة‪ :‬إن للفتاة أن تبرز عارية أمام الرجال كلهم ما دامت‬
‫ليست في شك من قوة أخلقها وصدق استقامتها؟!‬
‫ت النساء‬‫إن بلء الرجال بما تقع عليه أبصارهم من مغريا ِ‬
‫ل‪ ،‬فكان في‬ ‫وفتنتهن هو المشكلة التي أحوجت المجتمعَ إلى ح ّ‬
‫شرع الله ما تكفّل به على أفضل وجه‪ ،‬وبلء الرجال إذا لم يجد‬
‫ل اللهي ما من ريب سيتجاوز بالسوء إلى‬ ‫في سبيله هذا الح ّ‬
‫ضا‪ ،‬ول يغني عن المر شيئًا أن تعتصم المرأة المتبرجة‬ ‫النساء أي ً‬
‫عندئذ باستقامةٍ في سلوكها أو عفة في نفسها‪ ،‬فإن في ضرام‬

‫‪949‬‬
‫ذلك البلء الهائج في نفوس الرجال ما قد يتغلّب على كل‬
‫استقامة أو عفة تتمتّع بها المرأة إذ تعرض من فنون إثارتها‬
‫وفتنتها أمامهم[‪.]16‬‬
‫الشبهة الخامسة‪ :‬دعوى أن الحجاب من وضع السلم‪:‬‬
‫زعم آخرون أن حجاب النساء نظام وضعه السلم فلم يكن له‬
‫وجود في الجزيرة العربية ول في غيرها قبل الدعوة المحمدية[‬
‫‪.]17‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫‪ -1‬إن من يقرأ كتب العهد القديم وكتب الناجيل يعلم بغير عناء‬
‫كبير في البحث أن حجاب المرأة كان معروفًا بين العبرانيين من‬
‫عهد إبراهيم عليه السلم‪ ،‬وظل معروفًا بينهم في أيام أنبيائهم‬
‫جميعًا‪ ،‬إلى ما بعد ظهور المسيحية‪ ،‬وتكررت الشارة إلى البرقع‬
‫في غير كتاب من كتب العهد القديم وكتب العهد الجديد‪.‬‬
‫ففي الصحاح الرابع والعشرين من سفر التكوين عن (رفقة) أنها‬
‫رفعت عينيها فرأت إسحاق‪ ،‬فنزلت عن الجمل وقالت للعبد‪ :‬من‬
‫هذا الرجل الماشي في الحقل للقائي‪ ،‬فقال العبد‪ :‬هو سيدي‪،‬‬
‫فأخذت البرقع وتغطت‪.‬‬
‫وفي النشيد الخامس من أناشيد سليمان تقول المرأة‪ :‬أخبرني يا‬
‫من تحبه نفسي‪ ،‬أين ترعى عند الظهيرة؟ ولماذا أكون كمقنعة‬
‫عند قطعان أصحابك؟‬
‫وفي الصحاح الثالث من سفر أشعيا‪ :‬إن الله سيعاقب بنات‬
‫صهيون على تبرجهن والمباهاة برنين خلخيلهن بأن ينزع عنهن‬
‫زينة الخلخيل والضفائر والهلة والحلق والساور والبراقع‬
‫والعصائب‪.‬‬
‫ضا أن تامار‬‫وفي الصحاح الثامن والثلثين من سفر التكوين أي ً‬
‫مضت وقعدت في بيت أبيها‪ ،‬ولما طال الزمان خلعت عنها ثياب‬
‫ترملها وتغطت ببرقع وتلففت‪.‬‬
‫ويقول بولس الرسول في رسالته كورنثوس الولى‪" :‬إن النقاب‬
‫شرف للمرأة‪ ،‬وكانت المرأة عندهم تضع البرقع على وجهها حين‬
‫تلتقي بالغرباء وتخلعه حين تنزوي في الدار بلباس الحداد[‪.]18‬‬
‫فالكتب الدينية التي يقرؤها غير المسلمين قد ذكرت عن البراقع‬
‫والعصائب مالم يذكره القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ -2‬وكان الرومان يسنون القوانين التي تحرم على المرأة الظهور‬
‫بالزينة في الطرقات قبل الميلد بمائتي سنة‪ ،‬ومنها قانون عرف‬
‫باسم "قانون أوبيا" يحرم عليها المغالة بالزينة حتى في البيوت[‬
‫‪.]19‬‬

‫‪950‬‬
‫‪ -3‬وأما في الجاهلية فنجد أن الخبار الواردة في تستّر المرأة‬
‫ك سترها كان سببًا‬ ‫العربية موفورة كوفرة أخبار سفورها‪ ،‬وانتها ُ‬
‫في اليوم الثاني من أيام حروب الفجار الول؛ إذ إن شبابًا من‬
‫قريش وبني كنانة رأوا امرأة جميلة وسيمة من بني عامر في‬
‫سوق عكاظ‪ ،‬وسألوها أن تسفر عن وجهها فأبت‪ ،‬فامتهنها‬
‫أحدهم فاستغاثت بقومها‪.‬‬
‫وفي الشعر الجاهلي أشعار كثيرة تشير إلى حجاب المرأة‬
‫العربية‪ ،‬يقول الربيع بن زياد العبسي بعد مقتل مالك بن زهير‪:‬‬
‫من كان مسروًرا بمقتل مالك فليـأت نسوتنا بوجه نهـار‬
‫يجد النسـاء حواسًرا يندبنه يلطمن أوجههن بالسحـار‬
‫قد كن يخبأن الوجـوه تستًرا فاليوم حيـن برزن للنظـار‬
‫مة لديهم أن النساء كن محجبات إل في مثل هذه‬ ‫فالحالة العا ّ‬
‫الحالة حيث فقدن صوابهن فكشفن الوجوه يلطمنها‪ ،‬لن الفجيعة‬
‫قد تنحرف بالمرأة عما اعتادت من تستر وقناع‪.‬‬
‫وقد ذكر الصمعي أن المرأة كانت تلقي خمارها لحسنها وهي‬
‫على عفة[‪.]20‬‬
‫وكانت أغطية رؤوس النساء في الجاهلية متنوعة ولها أسماء‬
‫شتى‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ف‬
‫الخمار‪ :‬وهو ما تغطي به المرأة رأسها‪ ،‬يوضع على الرأس‪ ،‬ويل ّ‬
‫على جزء من الوجه‪.‬‬
‫وقد ورد في شعر صخر يتحدث عن أخته الخنساء‪:‬‬
‫والله ل أمنحها شرارها ولو هلكت مزقت خمارها‬
‫وجعلت من شعر صدارها‬
‫ولم يكن الخمار مقصوًرا على العرب‪ ،‬وإنما كان شائعًا لدى المم‬
‫القديمة في بابل وأشور وفارس والروم والهند[‪.]21‬‬
‫النقاب‪ :‬قال أبو عبيد‪" :‬النقاب عند العرب هو الذي يبدو منه‬
‫محجر العين‪ ،‬ومعناه أن إبداءهن المحاجر محدث‪ ،‬إنما كان‬
‫النقاب لصقًا بالعين‪ ،‬وكانت تبدو إحدى العينين والخرى‬
‫مستوره"[‪.]22‬‬
‫الوصواص‪ :‬وهو النقاب على مارِن النف ل تظهر منه إل العينان‪،‬‬
‫مى الخنق‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫وهو البرقع الصغير‪ ،‬ويس ّ‬
‫صا‬‫يا ليتها قد لبست وصوا ً‬
‫البرقع‪ :‬فيه خرقان للعين‪ ،‬وهو لنساء العرب‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت فقد رابني منها الغداة سفورها[‬
‫‪]23‬‬
‫الشبهة السادسة‪ :‬الحتجاج بقاعدة‪" :‬تبدل الحكام بتبدّل‬
‫الزمان"‪:‬‬

‫‪951‬‬
‫فهم أعداء الحجاب من قاعدة‪" :‬تبدل الحكام بتبدل الزمان"‬
‫وقاعدة‪" :‬العادة محكّمة" أنه ما دامت أعرافهم متطوّرة بتطوّر‬
‫الزمان فل بد ّ أن تكون الحكام الشرعية كذلك[‪.]24‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫ل ريب أن هذا الكلم لو كان مقبول ً على ظاهره لقتضى أن‬
‫يكون مصير شرعية الحكام كلها رهنًا بيد عادات الناس‬
‫وأعرافهم‪ ،‬وهذا ل يمكن أن يقول به مسلم‪ ،‬لكن تحقيق المراد‬
‫من هذه القاعدة أن ما تعارف عليه الناس وأصبح عرفًا لهم ل‬
‫يخلو من حالت‪:‬‬
‫ضا بأن أوجده الشرع‪ ،‬أو‬ ‫ما شرعيًا أي ً‬‫‪ -1‬إما أن يكون هو بعينه حك ً‬
‫كان موجودًا فيهم فدعا إليه وأكّده‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬الطهارة من‬
‫النجس والحدث عند القيام إلى الصلة‪ ،‬وستر العورة فيها‪،‬‬
‫وحجب المرأة زينتها عن الجانب‪ ،‬والقصاص والحدود وما شابه‬
‫ذلك‪ ،‬فهذه كلها أمور تعد ّ من أعراف المسلمين وعاداتهم‪ ،‬وهي‬
‫في نفس الوقت أحكام شرعية يستوجب فعلها الثواب وتركها‬
‫العقاب‪ ،‬سواء منها ما كان متعارفًا عليه قبل السلم ثم جاء‬
‫سنًا له كحكم القسامة والديه‬ ‫الحكم الشرعي مؤيّدًا ومح ّ‬
‫والطواف بالبيت‪ ،‬وما كان غير معروف قبل ذلك‪ ،‬وإنما أوجده‬
‫السلم نفسه كأحكام الطهارة والصلة والزكاة وغيرها‪.‬‬
‫فهذه الصورة من العراف ل يجوز أن يدخلها التبديل والتغيير‬
‫مهما تبدلت الزمنة وتطورت العادات والحوال؛ لنها بحد ّ ذاتها‬
‫أحكام شرعية ثبتت بأدلة باقية ما بقيت الدنيا‪ ،‬وليست هذه‬
‫الصورة هي المعنية بقول الفقهاء‪" :‬العادة محكَّمة"‪.‬‬
‫ما شرعيًا‪ ،‬ولكن تعلّق به الحكم الشرعي‬ ‫‪ -2‬وإما أن ل يكون حك ً‬
‫بأن كان مناطًا له‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬ما يتعارفه الناس من وسائل‬
‫التعبير وأساليب الخطاب والكلم‪ ،‬وما يتواضعون عليه من‬
‫العمال المخلّة بالمروءة والداب‪ ،‬وما تفرضه سنة الخلق‬
‫والحياة في النسان مما ل دخل للرادة والكليف فيه كاختلف‬
‫عادات القطار في سن البلوغ وفترة الحيض والنفاس إلى غير‬
‫ذلك‪.‬‬
‫َّ‬
‫ما شرعية ولكنها متعلق‬ ‫فهذه المثلة أمور ليست بحد ذاتها أحكا ً‬
‫ومناط لها‪ ،‬وهذه الصورة من العرف هي المقصودة من قول‬
‫الفقهاء‪" :‬العادة محكمة"‪ ،‬فالحكام المبنيّة على العرف والعادة‬
‫ح أن يقال‪" :‬ل ينكر‬ ‫هي التي تتغيّر بتغيّر العادة‪ ،‬وهنا فقط يص ّ‬
‫خا للشريعة‪ ،‬لن‬ ‫تبدّل الحكام بتبدل الزمان"‪ ،‬وهذا ل يعد ّ نس ً‬
‫الحكم باق‪ ،‬وإنما لم تتوافر له شروط التطبيق فطبِّق غيره‪.‬‬
‫ن العادة إذا تغيرت فمعنى ذلك أن حالة جديدة قد‬ ‫ضحه أ ّ‬‫يو ّ‬

‫‪952‬‬
‫طرأت تستلزم تطبيق حكم آخر‪ ،‬أو أن الحكم الصلي باق‪ ،‬ولكن‬
‫تغير العادة استلزم توافر شروط معينة لطبيقه[‪.]25‬‬

‫ن سافرات‪:‬‬‫الشبهة السابعة‪ :‬نساء خي ِّرات ك ّ‬


‫ج أعداء الحجاب بأن في شهيرات النساء المسلمات على‬ ‫احت ّ‬
‫اختلف طبقاتهن كثيًرا ممن لم يرتدين الحجاب ولم يتجنّبن‬
‫الختلط بالرجال‪.‬‬
‫وعمد المروجون لهذه الشبهة إلى التاريخ وكتب التراجم‪،‬‬
‫يفتشون في طولها وعرضها وينقبون فيها بحثًا عن مثل هؤلء‬
‫النساء حتى ظفروا بضالتهم المنشودة ودرتهم المفقودة‪،‬‬
‫فالتقطوا أسماء عدد من النساء لم يكن يبالين ـ فيما نقلته‬
‫الخبار عنهن ـ أن يظهرن سافرات أمام الرجال‪ ،‬وأن يلتقين‬
‫معهم في ندوات أدبية وعلمية دونما تحرز أو تحرج[‪.]26‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫‪ -1‬من المعلوم والمتقرر شرعا أن الدلة الشرعية التي عليها‬
‫أي‬
‫تبنى الحكام هي الكتاب والسنة والجماع والقياس‪ ،‬فضمن ّ‬
‫ن‬
‫مصدر من مصادر التشريع تندرج مثل هذه الخبار‪ ،‬خاصة وأ ّ‬
‫أغلبها وقع بعد من التشريع وانقطاع الوحي؟![‪.]27‬‬
‫‪ -2‬وإذا علِم أن أحكام السلم إنما تؤخذ من نص ثابت في كتاب‬
‫الله تعالى أو حديث صحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم أو قياس صحيح عليهما أو إجماع التقى عليه أئمة‬
‫ح حينئذ الستدلل بالتصّرفات‬ ‫المسلمين وعلماؤهم لم يص ّ‬
‫ميه الصوليون بـ"وقائع‬‫الفردية من آحاد الناس أو ما يس ّ‬
‫الحوال"‪ ،‬فإذا كانت هذه الوقائع الفردية من آحاد الناس ل تعتبر‬
‫ي حتى لو كان أصحابها من الصحابة‬ ‫دليل ً شرعيًا ليّ حكم شرع ّ‬
‫رضوان الله عليهم أو التابعين من بعدهم فكيف بمن دونهم؟!‬
‫بل المقطوع به عند المسلمين جميعًا أن تصرفاتهم هي التي‬
‫توزن ـ صحة وبطلنًا ـ بميزان الحكم السلمي‪ ،‬وليس الحكم‬
‫السلمي هو الذي يوزن بتصرفاتهم ووقائع أحوالهم‪ ،‬وصدق‬
‫القائل‪ :‬ل تعرف الحقّ بالرجال‪ ،‬اعرف الحقّ تعرف أهله[‪.]28‬‬
‫‪ -3‬ولو كان لتصرفات آحاد الصحابة أو التابعين مثل ً قوة الدليل‬
‫الشرعي دون حاجة إلى العتماد على دليل آخر لبطل أن يكونوا‬
‫معّرضين للخطأ والعصيان‪ ،‬ولوجب أن يكونوا معصومين مثل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وليس هذا لحد إل للنبياء‬
‫عليهم الصلة والسلم‪ ،‬أما من عداهم فحقَّ عليهم قول رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪(( :‬كل بني آدم خطاء))‪ ،‬وإل ّ فما بالنا‬

‫‪953‬‬
‫جد فيمن سلف في القرون‬ ‫ل نقول مثلً‪ :‬يحل شرب الخمر فقد و ِ‬
‫الخي ِّرة من شربها؟![‪.]29‬‬
‫‪ -4‬وما بال هؤلء الدعاة إلى السفور قد عمدوا إلى كتب التاريخ‬
‫والتراجم فجمعوا أسماء مثل هؤلء النسوة من شتى الطبقات‬
‫والعصور‪ ،‬وقد علموا أنه كان إلى جانب كل واحدة منهن سواد‬
‫جبات الساترات لزينتهن عن‬ ‫عظيم وجمع غفير من النساء المتح ّ‬
‫الجانب من الرجال؟! فلماذا لم يعتبر بهذه الجمهرة العظيمة‬
‫ولم يجعلها حجة بدل ً من حال أولئك القلة الشاذة المستثناة؟!‬
‫يقول الغزالي‪" :‬لم تزل الرجال على مر الزمان تكشف الوجوه‪،‬‬
‫والنساء يخرجن منتقبات أو يمنعن من الخروج"[‪ ،]30‬ويقول ابن‬
‫رسلن‪" :‬اتفق المسلمون على منع النساء من الخروج‬
‫سافرات"[‪.]31‬‬
‫ولماذا لم يحتج بمواقف نساء السلف من الصحابة والتابعين ومن‬
‫تبعهم بإحسان في تمسكهم بالحجاب الكامل واعتباره أصلً‬
‫خا من أصول البنية الجتماعية؟![‪.]32‬‬ ‫راس ً‬
‫الشبهة الثامنة‪ :‬الحجاب كبت للطاقة الجنسية‪:‬‬
‫ن الطاقة الجنسية في النسان طاقة كبيرة وخطيرة‪،‬‬ ‫قالوا‪ :‬إ ّ‬
‫وخطورتها تكمن في كبتها‪ ،‬وزيادة الضغط يولّد النفجار‪ ،‬وحجاب‬
‫ن الشباب يظلون في كتب‬ ‫المرأة يغطّي جمالها‪ ،‬وبالتالي فإ ّ‬
‫ي يكاد أن ينفجر أو ينفجر أحيانًا على شكل حوادث‬ ‫جنس ّ‬
‫الغتصاب وغيرها‪ ،‬والعلج لهذه المشكلة إنما يكمن في تحرير‬
‫المرأة من هذا الحجاب لكي ينفس الشباب الكبت الذي فيهم‪،‬‬
‫ل طبقًا لذلك خطورة‬ ‫وبالتالي يحدث التشبع لهذه الحاجة‪ ،‬فيق ّ‬
‫النفجار بسبب الكبت والختناق[‪.]33‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫حا لكانت أمريكا والدول الوربية وما‬ ‫‪ -1‬لو كان هذا الكلم صحي ً‬
‫ل الدول في العالم في حوادث الغتصاب‬ ‫شاكلها هي أق ّ‬
‫والتحّرش في النساء وما شاكلها من الجرائم الخلقية‪ ،‬ذلك لن‬
‫أمريكا والدول الوربية قد أعطت هذا الجانب عناية كبيرة جدًا‬
‫بحجة الحرية الشخصية‪ ،‬فماذا كانت النتائج التي ترتبت على‬
‫النفلت والباحية؟ هل قلّت حوادث الغتصاب؟ هل حدث التشبّع‬
‫حميت المرأة من هذه الخطورة؟‬ ‫الذي يتحدّثون عنه؟ وهل ُ‬
‫جاء في كتاب "الجريمة في أمريكا"‪ :‬إنه تتم جريمة اغتصاب‬
‫بالقوة كل ستة دقائق في أمريكا[‪ .]34‬ويعني بالقوة‪ :‬أي تحت‬
‫تأثير السلح‪.‬‬
‫وقد بلغ عدد حالت الغتصاب في أمريكا عام ‪1978‬م إلى مائة‬
‫وسبعة وأربعين ألف وثلثمائة وتسع وثمانين حالة‪ ،‬لتصل في عام‬

‫‪954‬‬
‫‪1987‬م إلى مائتين وواحد وعشرين ألف وسبعمائة وأربع وستين‬
‫حالة‪ .‬فهذه الحصائيات تكذ ّب هذه الدعوى[‪.]35‬‬
‫‪ -2‬إن الغريزة الجنسية موجودة في الرجال والنساء‪ ،‬وهي سّر‬
‫حكَم كثيرة‪ ،‬منها استمرار‬ ‫أودعه الله تعالى في الرجل والمرأة ل ِ‬
‫النسل‪ .‬ول يمكن لحد أن ينكر وجود هذه الغريزة‪ ،‬ثم يطلب من‬
‫الرجال أن يتصرفوا طبيعيًا أمام مناظر التكشف والتعّري دونما‬
‫اعتبار لوجود تلك الغريزة[‪.]36‬‬
‫‪ -3‬إن الذي يدّعي أنه يمكن معالجة الكبت الجنسي بإشاعة‬
‫مناظر التبّرج والتعري ليحدث التشبع فإنه بذلك يصل إلى‬
‫نتيجتين‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أن هؤلء الرجال الذين ل تثيرهم الشهوات والعورات‬
‫البادية من فئة المخصيّين‪ ،‬فانقطعت شهوتهم‪ ،‬فما عادوا‬
‫يشعرون بشيء من ذلك المر‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن هؤلء الرجال الذين ل تثيرهم العورات الظاهرة من‬
‫الذين أصابهم مرض البرود الجنسي‪.‬‬
‫فهل الذين يدعون صدقَ تلك الشبهة يريدون من رجال أمتنا أن‬
‫يكونوا ضمن إحدى هاتين الطائفتين من الرجال؟![‪.]37‬‬
‫الشبهة التاسعة‪ :‬الحجاب يعطل نصف المجتمع‪:‬‬
‫قالوا‪ :‬إن حجاب المرأة يعطل نصف المجتمع‪ ،‬إذ إن السلم‬
‫يأمرها أن تبقى في بيتها[‪.]38‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫‪ -1‬إن الصل في المرأة أن تبقى في بيتها‪ ،‬قال الله تعالى‪:‬‬
‫جـٰهِلِيَّةِ ٱلولَىٰ}‬
‫ج ٱل ْ َ‬‫ن تَبَُّر َ‬‫ج َ‬ ‫ن فِى بُيُوتِك ُ َّ‬
‫ن وَل َ تَبََّر ْ‬ ‫{وَقَْر َ‬
‫[الحزاب‪ .]33:‬ول يعني هذا المر إهانة المرأة وتعطيل طاقاتها‪،‬‬
‫بل هو التوظيف المثل لطاقاتها[‪.]39‬‬
‫‪ -2‬وليس في حجاب المرأة ما يمنعها من القيام بما يتعلق بها من‬
‫الواجبات‪ ،‬وما يُسمح لها به من العمال‪ ،‬ول يحول بينها وبين‬
‫اكتساب المعارف والعلوم‪ ،‬بل إنها تستطيع أن تقوم بكل ذلك مع‬
‫المحافظة على حجابها وتجنبها الختلط المشين‪.‬‬
‫وكثير من طالبات الجامعات اللتي ارتدين الثوب الساتر وابتعدن‬
‫عن مخالطة الطلب قد أحرزن قصب السبق في مضمار‬
‫المتحان‪ ،‬وكن في موضع تقدير واحترام من جميع المدرسين‬
‫والطلب[‪.]40‬‬
‫‪ -3‬بل إن خروج المرأة ومزاحمتها الرجل في أعماله وتركها‬
‫العمال التي ل يمكن أن يقوم بها غيرها هو الذي يعطل نصف‬
‫المجتمع‪ ،‬بل هو السبب في انهيار المجتمعات وفشو الفساد‬
‫سر‪ ،‬لن مهمة رعاية النشء وتربيتهم‬ ‫وانتشار الجرائم وانفكاك ال َ‬

‫‪955‬‬
‫والعناية بهم ـ وهي من أشرف المهام وأعظمها وأخطرها ـ‬
‫أضحت بل عائل ول رقيب‪.‬‬
‫الشبهة العاشرة‪ :‬التبرج أمر عادي ل يلفت النظر‪:‬‬
‫يدّعي أعداء الحجاب أن التبرج الذي تبدو به المرأة كاسية عارية‬
‫ل يثير انتباه الرجال‪ ،‬بينما ينتبه الرجال عندما يرون امرأة‬
‫متحجبة حجابًا كامل ً يستر جسدها كله‪ ،‬فيريدون التعّرف على‬
‫ل ممنوع مرغوب[‪.]41‬‬ ‫ن ك َّ‬
‫شخصيتها ومتابعتها؛ ل ّ‬
‫الجواب‪:‬‬
‫‪ -1‬ما دام التبرج أمر عادي ل يلفت النظار ول يستهوي القلوب‬
‫ملت أدوات التجميل‬ ‫فلماذا تبّرجت؟! ولمن تبرجت؟! ولماذا تح ّ‬
‫وأجرة الكوافير ومتابعة الموضات؟![‪.]42‬‬
‫‪ -2‬وكيف يكون التبرج أمًرا عاديًا ونرى أن الزواج ـ مثل ً ـ تزداد‬
‫ملن‪ ،‬كما تزداد الشهوة إلى‬ ‫ن وتج ّ‬
‫رغبتهم في زوجاتهم كلما تزي ّ‬
‫الطعام كلما كان منسقًا متنوع ًا جميل ً في ترتيبه ولو لم يكن لذيذ‬
‫الطعم؟![‪.]43‬‬
‫‪ -3‬إن الجاذبية بين الرجل والمرأة هي الجاذبية الفطرية‪ ،‬ل تتغير‬
‫مدى الدهر‪ ،‬وهي شيء يجري في عروقهما‪ ،‬وينبه في كل من‬
‫الجنسين ميوله وغرائزه الطبيعية‪ ،‬فإن الدم يحمل الفرازات‬
‫الهرمونية من الغدد الصماء المختلفة‪ ،‬فتؤثر على المخ‬
‫والعصاب وعلى غيرها‪ ،‬بل إن كل جزء من كل جسم يتميز عما‬
‫يشبهه في الجنس الخر؛ ولذلك تظهر صفات النوثة في المرأة‬
‫في تركيب جسمها كله وفي شكلها وفي أخلقها وأفكارها‬
‫وميولها‪ ،‬كما تظهر مميزات الذكورة في الرجل في بدنه وهيئته‬
‫وصوته وأعماله وميوله‪ .‬وهذه قاعدة فطرية طبيعية لم تتغير من‬
‫يوم خلق الله النسان‪ ،‬ولن تتغير حتى تقوم الساعة[‪.]44‬‬
‫‪ -4‬أودع الله الشبق الجنسي في النفس البشرية سًّرا من‬
‫ل شأنه‪ ،‬وجعل الممارسة‬ ‫أسراره‪ ،‬وحكمة من روائع حكمه ج ّ‬
‫الجنسية من أعظم ما ينزع إليه العقل والنفس والروح‪ ،‬وهي‬
‫مطلب روحي وحسي وبدني‪ ،‬ولو أن رجل ً مرت عليه امرأة‬
‫حاسرة سافرة على جمال باهر وحسن ظاهر واستهواء بالغ ولم‬
‫يلتفت إليها وينزع إلى جمالها يحكم عليه الطب بأنه غير سوي‬
‫وتنقصه الرغبة الجنسية‪ ،‬ونقصان الرغبة الجنسية ـ في عرف‬
‫الطب ـ مرض يستوجب العلج والتداوي[‪.]45‬‬
‫‪ -5‬إن أعلى نسبة من الفجور والباحية والشذوذ الجنسي وضياع‬
‫العراض واختلط النساب قد صاحبت خروج النساء مترجات‬
‫كاسيات عاريات‪ ،‬وتتناسب هذه النسبة تناسبًا طرديًا مع خروج‬
‫النساء على تلك الصورة المتحللة من كل شرف وفضيلة‪ ،‬بل إن‬

‫‪956‬‬
‫أعلى نسبة من المراض الجنسية ـ كاليدز وغيره ـ في الدول‬
‫الباحية التي تزداد فيها حرية المرأة تفلّتًا‪ ،‬وتتجاوز ذلك إلى أن‬
‫تصبح همجية وفوضى‪ ،‬بالضافة إلى المراض والعقد النفسية‬
‫التي تلجئ الشباب والفتيات للنتحار بأعلى النسب في أكثر بلد‬
‫العالم تحلل ً من الخلق[‪.]46‬‬
‫‪ -6‬أما أن العيون تتابع المتحجبة الساترة لوجهها ول تتابع‬
‫المتبرجة فإن المتحجبة تشبه كتابًا مغلقًا‪ ،‬ل تعلم محتوياته وعدد‬
‫صفحات وما يحمله من أفكار‪ ،‬فطالما كان المر كذلك‪ ،‬فإنه‬
‫مهما نظرنا إلى غلف الكتاب ودققنا النظر فإننا لن نفهم‬
‫محتوياته‪ ،‬ولن نعرفها‪ ،‬بل ولن نتأثر بها‪ ،‬وبما تحمله من أفكار‪،‬‬
‫وهكذا المتحجبة غلفها حجابها‪ ،‬ومحتوياتها مجهولة بداخله‪ ،‬وإن‬
‫النظار التي ترتفع إلى نورها لترتد حسيرة خاسئة‪ ،‬لم تظفر‬
‫ل القليل‪.‬‬‫شروَى[‪ ]47‬نقير ول بأق ّ‬ ‫بِ َ‬
‫حا تتصفّحه اليدي‪ ،‬وتتداوله‬ ‫أما تلك المتبرجة فتشبه كتابًا مفتو ً‬
‫العين سطًرا سطًرا‪ ،‬وصفحة صفحة‪ ،‬وتتأثّر بمحتوياته العقول‪،‬‬
‫فل يترك حتى يكون قد فقد رونق أوراقه‪ ،‬فتثنت بل تمزق‬
‫ما ل يستحق أن يوضع في واجهة مكتبة‬ ‫بعضها‪ ،‬إنه يصبح كتابًا قدي ً‬
‫بيت متواضعة‪ ،‬فما بالنا بواجهة مكتبة عظيمة؟![‪.]48‬‬
‫الشبهة الحادية عشرة‪ :‬السفور حقّ للمرأة والحجاب ظلم‪:‬‬
‫زعموا أن السفور حقّ للمرأة‪ ،‬سلبها إياه المجتمع‪ ،‬أو سلبها إياه‬
‫الرجل الناني المتحجر المتزمت‪ ،‬ويرون أن الحجاب ظلم لها‬
‫وسلب لحقها[‪.]49‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫‪ -1‬لم يكن الرجل هو الذي فرض الحجاب على المرأة فترفع‬
‫قضيتها ضدّه لتتخلّص من الظلم الذي أوقعه عليها‪ ،‬كما كان وَض ُ‬
‫ع‬
‫القضية في أوربا بين المرأة والرجل‪ ،‬إنما الذي فرض الحجاب‬
‫على المرأة هو ربها وخالقها الذي ل تملك ـ إن كانت مؤمنة ـ أن‬
‫ما‬‫{و َ‬
‫تجادله سبحانه فيما أمر به أو يكون َ لها الخيرة في المر‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫كَان ل ِمؤ ْمن ول َ مؤ ْمنة إذ َا قَضى ٱلل ّه ورسول ُ َ‬
‫ن لَهُ ُ‬
‫م‬ ‫مًرا أن يَكُو َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫َ ُ ََ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ِ ٍ ََ ُ ِ َ ٍ ِ‬
‫ضلَـٰلً‬ ‫َ‬
‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه فَقَد ْ َ‬ ‫ه وََر ُ‬‫ص ٱلل ّ َ‬
‫من يَعْ ِ‬ ‫م وَ َ‬
‫مرِه ِ ْ‬
‫نأ ْ‬‫م ْ‬ ‫ٱل ْ ِ‬
‫خيََرة ُ ِ‬
‫مبِينًا} [الحزاب‪.]50[]36:‬‬ ‫ُّ‬
‫ب في ذاته ل يشكل قضية‪ ،‬فقد فرض الحجاب في‬ ‫‪ -2‬إن الحجا َ‬
‫عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ونفذ في عهد‪ ،‬واستمر‬
‫بعد ذلك ثلثة عشر قرنًا متوالية وما من مسلم يؤمن بالله‬
‫ورسوله يقول‪ :‬إن المرأة كانت في عهد رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم مظلومة‪.‬‬

‫‪957‬‬
‫فإذا وقع عليها الظلم بعد ذلك حين تخلّف المسلمون عن‬
‫عقيدتهم الصحيحة ومقتضياتها فلم يكن الحجاب ـ بداهة ـ هو‬
‫ما في خير القرون‬ ‫منبع الظلم ول سببه ول قرينه‪ ،‬لنه كان قائ ً‬
‫على الطلق‪ ،‬وكان قرين النظافة الخلقية والروحية‪ ،‬وقرين‬
‫الرفعة النسانية التي ل مثيل لها في تاريخ البشرية كله[‪.]51‬‬
‫الشبهة الثانية عشرة‪ :‬الحجاب رمز للغلو والتعصب الطائفي‬
‫والتطرف الديني‪:‬‬
‫زعم أعداء الحجاب أن حجاب المرأة رمز من رموز التطرف‬
‫والغلو‪ ،‬وعلمة من علمات التنطع والتشدد‪ ،‬مما يسبب تنافرا‬
‫في المجتمع وتصادما بين الفئتين‪ ،‬وهذا قد يؤول إلى الخلل‬
‫بالمن والستقرار‪.‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫‪ -1‬هذه الدعوى مرفوضة من أساسها‪ ،‬فالحجاب ليس رمزا لتلك‬
‫المور‪ ،‬بل ول رمزا من الرموز بحال‪ ،‬لن الرمز ما ليس له‬
‫وظيفة إل التعبير عن النتماء الديني لصاحبه‪ ،‬مثل الصليب على‬
‫صدر المسيحي أو المسيحية‪ ،‬والقلنسوة الصغيرة على رأس‬
‫اليهودي‪ ،‬فل وظيفة لهما إل العلن عن الهوية‪ .‬أما الحجاب فإن‬
‫حكَما نبيلة‪ ،‬هي الستر والحشمة والطهر‬ ‫له وظيفة معروفة و ِ‬
‫والعفاف‪ ،‬ول يخطر ببال من تلبسه من المسلمات أنها تعلن عن‬
‫نفسها وعن دينها‪ ،‬لكنها تطيع أمر ربها‪ ،‬فهو شعيرة دينية‪ ،‬وليس‬
‫رمزا للتطرف والتنطع‪.‬‬
‫ثم إن هذه الفرية التي أطلقوها على حجاب المرأة المسلمة‬
‫لماذا لم يطلقوها على حجاب الراهبات؟! لماذا لم يقولوا‪ :‬إن‬
‫ب اليهوديات والنصرانيات رمز للتعصب الديني والتميز‬ ‫حجا َ‬
‫الطائفي؟! لماذا لم يقولوا‪ :‬إن تعليق الصليب رمز من رموز‬
‫التطرف الديني وهو الذي جّر ويلت الحروب الصليبية؟! لماذا لم‬
‫يقولوا‪ :‬إن وضع اليهودي القلنسوة الصغيرة على رأسه رمز من‬
‫رموز التطرف الديني وبسببه يحصل ما يحصل من المجازر‬
‫والرهاب في فلسطين المحتلة؟!‬
‫‪ -2‬إن هذه الفرية يكذ ّبها التاريخ والواقع‪ ،‬فأين هذه المفاسد‬
‫المزعومة والحجاب ترتديه المرأة المسلمة منذ أكثر من أربعة‬
‫عشر قرنا؟!‬
‫‪ -3‬إن ارتداء المرأة للحجاب تم من منطلق عقدي وقناعة روحية‪،‬‬
‫فهي لم تلَزم بالحجاب بقوة الحديد والنار‪ ،‬ولم تدع ُ غيرها إلى‬
‫الحجاب إل بالحكمة والحجج الشرعية والعقلية‪ ،‬بل عكس‬
‫القضية هو الصحيح‪ ،‬وبيان ذلك أن إلزام المرأة بخلع حجابها‬
‫وجعل ذلك قانونا وشريعة لزمة هو رمز التعصب والتطرف‬

‫‪958‬‬
‫اللديني‪ ،‬وهذا هو الذي يسبب التصادم وردود الفعال السيئة‪،‬‬
‫لنه اعتداء على الحرية الدينية والحرية الشخصية‪.‬‬

‫[‪ ]1‬عودة الحجاب‪ :‬محمد أحمد إسماعيل المقدم (‪.)3/391‬‬


‫[‪ ]2‬أخرجه البخاري في اليمان‪ ،‬باب‪ :‬الدين يسر (‪.)39‬‬
‫[‪ ]3‬أخرجه مسلم في الجهاد (‪.)1732‬‬
‫[‪ ]4‬عودة الحجاب (‪.)3/393‬‬
‫[‪ ]5‬انظر‪ :‬عودة الحجاب (‪.)396-3/395‬‬
‫[‪ ]6‬المتبرجات للزهراء فاطمة بنت عبد الله (‪.)122‬‬
‫[‪ ]7‬انظر‪ :‬المتبرجات (‪.)122‬‬
‫[‪ ]8‬المتبرجات (‪ )124‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]9‬المترجات (‪.)125-124‬‬
‫[‪ ]10‬عودة الحجاب (‪.)3/412‬‬
‫[‪ ]11‬عودة الحجاب (‪ )413-3/412‬باختصار‪.‬‬
‫[‪ ]12‬عودة الحجاب (‪.)413-3/412‬‬
‫[‪ ]13‬إلى كل أب غيور يؤمن بالله لعبد الله ناصح علوان (‪،)44‬‬
‫انظر‪ :‬عودة الحجاب (‪.)3/414‬‬
‫[‪ ]14‬عودة الحجاب (‪.)3/415‬‬
‫[‪ ]15‬إلى كل فتاة تؤمن بالله‪ .‬د‪.‬محمد سعيد البوطي (‪.)97‬‬
‫[‪ ]16‬إلى كل فتاة تؤمن بالله (‪.)99-97‬‬
‫[‪ ]17‬يا فتاة السلم اقرئي حتى ل تخدعي للشيخ صالح البليهي (‬
‫‪.)124‬‬
‫[‪ ]18‬يا فتاة السلم (‪ )126-128‬باختصار‪.‬‬
‫[‪ ]19‬يا فتاة السلم (‪.)126‬‬
‫[‪ ]20‬المرأة بين الجاهلية والسلم‪ ،‬محمد الناصر وخولة درويش (‬
‫‪.)170 ،169‬‬
‫[‪ ]21‬المرأة بين الجاهلية والسلم (‪.)171‬‬
‫[‪ ]22‬غريب الحديث (‪ ،)441-2/440‬عند شرح قول ابن سيرين‪:‬‬
‫"النقاب محدث"‪.‬‬
‫[‪ ]23‬انظر‪ :‬المرأة بين الجاهلية والسلم (‪..)172-171‬‬
‫[‪ ]24‬عودة الحجاب (‪.)3/403‬‬
‫[‪ ]25‬عودة الحجاب (‪.)404-3/403‬‬
‫[‪ ]26‬عودة الحجاب (‪.)3/409‬‬
‫[‪ ]27‬عودة الحجاب (‪.)3/409‬‬
‫[‪ ]28‬عودة الحجاب (‪.)410-3/409‬‬
‫[‪ ]29‬عودة الحجاب (‪.)3/410‬‬
‫[‪ ]30‬إحياء علوم الدين (‪.)2/74‬‬

‫‪959‬‬
‫[‪ ]31‬انظر‪ :‬عون المعبود (‪.)4/106‬‬
‫[‪ ]32‬عودة الحجاب (‪.)411-3/410‬‬
‫[‪ ]33‬أختي غير المحجبة ما المانع من الحجاب؟ لعبد الحميد‬
‫البللي (‪.)7‬‬
‫[‪ ]34‬هذا بالنسبة لعام (‪1988‬م) على ما في الكتاب‪.‬‬
‫[‪ ]35‬أختي غير المحجبة (‪ )10 ،8‬بتصرف‪.‬‬
‫[‪ ]36‬أختي غير المحجبة (‪.)12‬‬
‫[‪ ]37‬أختي غير المحجبة (‪.)13-12‬‬
‫[‪ ]38‬أختي غير المحجبة (‪.)64‬‬
‫[‪ ]39‬أختي غير المحجبة (‪.)64‬‬
‫[‪ ]40‬يا فتاة السلم اقرئي (‪.)40-39‬‬
‫[‪ ]41‬المتبرجات (‪.)117‬‬
‫[‪ ]42‬المتبرجات (‪.)117‬‬
‫[‪ ]43‬المتبرجات (‪.)117‬‬
‫[‪ ]44‬التبرج لنعمت صافي (‪.)24-23‬‬
‫[‪ ]45‬الفتاوى للشيخ محمد متولي الشعراوي بمشاركة‪ :‬د‪.‬السيد‬
‫الجميلي‪ .‬انظر‪ :‬المتبرحات (‪)120-119‬‬
‫[‪ ]46‬المتبرجات (‪ )120‬وللمزيد من ذلك انظر‪ :‬المرأة المتبرجة‬
‫وأثرها السيئ في المة لعبد الله التليدي (‪.)25-12‬‬
‫شروى كجدوى‪ :‬المثل‪( .‬القاموس المحيط‪ ،‬مادة‪ :‬شرى)‪.‬‬ ‫[‪ ]47‬ال َّ‬
‫[‪ ]48‬المتبرجات (‪.)118‬‬
‫[‪ ]49‬قضية تحرير المرأة لمحمد قطب (‪.)21‬‬
‫[‪ ]50‬قضية تحرير المرأة (‪.)19‬‬
‫[‪ ]51‬قضية تحرير المرأة لمحمد قطب (‪.)20-19‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫رق‬‫‪ -165‬ال ّ ِ‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫الّرِق لغة‪ :‬هو الشئ الرقيق ‪ ،‬نقيض الغليظ والثخين‪.‬‬
‫ملْك والعبودية ‪ ،‬أى نقيض العِتْق والحرية‪.‬‬ ‫حا‪ :‬هو ال ِ‬
‫واصطل ً‬
‫والرقيق بمعنى العبد يطلق على المفرد والجمع ‪ ،‬وعلى الذكر‬
‫مة للنثى‪.‬‬ ‫َ‬
‫والنثى أما العبد ‪ ،‬فهو‪ :‬الرقيق الذكر ‪ ،‬ويقابله‪ :‬ال َ‬
‫ومن اللفاظ الدالة على الرقيق الذكر لفظى‪ :‬الفتى أو الغلم‪..‬‬
‫وعلى النثى لفظى‪:‬‬
‫ملِك‬‫ن فهو أخص من العبد ‪ ،‬إذ هو الذى ُ‬ ‫الفتاة ‪ ،‬والجارية‪ .‬أما الق ّ‬
‫هو وأبواه‪.‬‬
‫ومالك الرقيق هو‪ :‬السيد ‪ ،‬أو المولى‪.‬‬

‫‪960‬‬
‫والرق نظام قديم قدم المظالم والستعباد والطبقية والستغلل‬
‫فى تاريخ النسان ‪ ،‬وإليه أشار القرآن الكريم فى قصة يوسف‬
‫عليه السلم‪(:‬وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا‬
‫شرى هذا غلم وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون‪ .‬وشروه‬ ‫بُ ْ‬
‫بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين‪.‬‬
‫وقال الذى اشتراه من مصر لمرأته أكرمى مثواه عسى أن‬
‫ينفعنا أو نتخذه ولدا ً ) (‪ )1‬وكان السترقاق من عقوبات السرقة‬
‫عند العبرانيين القدماء ‪ ،‬وعندما سئل إخوة يوسف عن جزاء‬
‫السارق لصواع الملك(قالوا جزاؤه من وُجد فى رحله فهو‬
‫جزاؤه‪.)2( )..‬‬
‫وفى الحضارات القديمة كان الرق عماد نظام النتاج‬
‫والستغلل ‪ ،‬وفى بعض تلك الحضارات كالفرعونية المصرية‬
‫والكسروية الفارسية كان النظام الطبقى المغلق يحول دون‬
‫تحرير الرقاء ‪ ،‬مهما توفرت لى منهم الرغبة أو المكانات‪ ..‬وفى‬
‫بعض تلك الحضارات كالحضارة الرومانية كان السادة هم القلية‬
‫الرومانية ‪ ،‬وكانت الغلبية فى المبراطورية برابرة أرقاء ‪ ،‬أو فى‬
‫حكم الرقاء‪ ..‬وللرقاء فى تلك الحضارات ثورات من أشهرها‬
‫ثورة " اسبارتاكوس " [ ‪7371‬ق م ]‪.‬‬
‫وعندما ظهر السلم كانت للمظالم الجتماعية والتمييز العرقى‬
‫والطبقى منابع وروافد عديدة تغذى " نهر الرق " فى كل يوم‬
‫بالمزيد من الرقاء‪ ..‬وذلك من مثل‪:‬‬
‫‪ -1‬الحرب ‪ ،‬بصرف النظر عن حظها من الشرعية والمشروعية ‪،‬‬
‫فالسرى يتحولون إلى أرقاء ‪ ،‬والنساء يتحولن إلى سبايا وإماء‪..‬‬
‫‪ -2‬والخطف ‪ ،‬يتحول به المخطوفون إلى رقيق‪..‬‬
‫‪ -3‬وارتكاب الجرائم الخطيرة كالقتل والسرقة والزنا كان يحكم‬
‫على مرتكبيها بالسترقاق‪..‬‬
‫‪ -4‬والعجز عن سداد الديون ‪ ،‬كان يحوِّل الفقراء المدينين إلى‬
‫أرقاء لدى الغنياء الدائنين‪..‬‬
‫‪ -5‬وسلطان الوالد على أولده ‪ ،‬كان يبيح له أن يبيع هؤلء‬
‫الولد ‪ ،‬فينتقلون من الحرية إلى العبودية‪.‬‬
‫‪ -6‬وسلطان النسان على نفسه ‪ ،‬كان يبيح له بيع حريته ‪،‬‬
‫فيتحول إلى رقيق‪..‬‬
‫‪ -7‬وكذلك النسل المولود من كل هؤلء الرقاء يصبح رقيقا ‪ ،‬حتى‬
‫ولو كان أباه حرا‪..‬‬
‫ومع كثرة واتساع هذه الروافد التى تمد نهر الرقيق فى كل وقت‬
‫بالمزيد والمزيد من الرقاء ‪ ،‬كانت أبواب العتق والحرية إما‬
‫موصدة تماما ‪ ،‬أو ضيقة عسيرة على الولوج منها‪..‬‬

‫‪961‬‬
‫وأمام هذا الواقع ‪ ،‬اتخذ السلم ‪ ،‬إبان ظهوره ‪ ،‬طريق الصلح‬
‫الذى يتغيا تحرير الرقاء ‪ ،‬وإلغاء نظام العبودية ‪ ،‬وطى صفحته‬
‫من الوجود ‪ ،‬لكن فى " واقعية ثورية " إذا جازالتعبير‪ ..‬فهو لم‬
‫يتجاهل الواقع ولم يقفز عليه‪ ..‬وأيضا لم يعترف به على النحو‬
‫الذى يبقيه ويكرسه‪..‬‬
‫لقد بدأ السلم فأغلق وألغى وحّرم أغلب الروافد التى كانت تمد‬
‫نهر الرقيق بالمزيد من الرقاء‪ ..‬فلم يبق منها إل أسرى الحرب‬
‫المشروعة والشرعية ‪ ،‬والنسل إذا كان أبواه من الرقاء‪ ..‬وحتى‬
‫أسرى الحرب المشروعة فتح السلم أمامهم باب العتق والحرية‬
‫ن أو الفداء‪( :‬فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا‬ ‫الم ّ‬
‫أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منًّا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب‬
‫أوزارها‪ )3( ) ..‬فعندما تضع الحرب أوزارها ‪ ،‬يتم تحرير السرى ‪،‬‬
‫إما بالمن عليهم بالحرية وإما بمبادلتهم بالسرى المسلمين لدى‬
‫العداء‪..‬‬
‫ومع إغلق الروافد روافد السترقاق ومصادره التفت السلم إلى‬
‫" كتلة " واقع الرقاء ‪ ،‬فسعى إلى تصفيتها بالتحرير ‪ ،‬وذلك‬
‫ب نهر الرقيق‪..‬ولقد سلك السلم إلى‬ ‫عندما عدد ووسع مصا ّ‬
‫ذلك المقصد سبيل منظومة القيم السلمية‪ .‬وسبيل العدالة‬
‫الجتماعية السلمية‪ .‬فحبب إلى المسلمين عتق الرقاء تطوعا‪،‬‬
‫إذ فى عتق كل عضو من أعضاء الرقيق عتق لعضو من أعضاء‬
‫سيده من النار ‪ ،‬فتحرير الرقيق سبيل لتحرير النسان من عذاب‬
‫النار يوم القيامة‪ ..‬كما جعل السلم عتق الرقاء كفارة للكثير‬
‫من الذنوب والخطايا‪..‬‬
‫وجعل للدولة والنظام العام مدخل ً فى تحرير الرقاء عندما جعل‬
‫هذا التحرير مصرفا من المصارف الثمانية لفريضة الزكاة فهو‬
‫جزء من أحد أركان السلم (إنما الصدقات للفقراء والمساكين‬
‫والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى‬
‫سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم ) (‪.)4‬‬
‫كما جعل الحرية هى الصل الذى يولد عليه الناس ‪ ،‬والرق هو‬
‫الستثناء الطارئ الذى يحتاج إلى إثبات ‪ ،‬فمجهولوا الحكم هم‬
‫أحرار ‪ ،‬وعلى مدعى رقهم إقامة البينات ‪ ،‬وأولد المة من الب‬
‫الحر هم أحرار و" متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم‬
‫أحرارا ً ؟ ! "‪..‬‬
‫كذلك ‪ ،‬ذهب السلم فساوى بين العبد والحر فى كل الحقوق‬
‫الدينية ‪ ،‬وفى أغلب الحقوق المدنية ‪ ،‬وكان التمييز فقط ‪ ،‬فى‬
‫أغلب حالته بسبب التخفيف عن الرقاء مراعاة للستضعاف‬
‫والقيود التى يفرضها السترقاق على الرادة والتصرف‪..‬‬

‫‪962‬‬
‫فالمساواة تامة فى التكاليف الدينية ‪ ،‬وفى الحساب والجزاء‪..‬‬
‫وشهادة الرقيق معتبرة فى بعض المذاهب السلمية عند الحنابلة‬
‫وله حق الملكية فى ماله الخاص ‪ ،‬وإعانته على شراء حريته‬
‫بنظام المكاتبة والتدبير مرغوب فيها دينيا ً (والذين يبتغون الكتاب‬
‫مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ً وآتوهم من‬
‫مال الله الذى آتاكم ) (‪ .)6‬والدماء متكافئة فى القصاص‪..‬‬
‫وبعد أن كان الرق من أكبر مصادر الستغلل والثراء لملك العبيد‬
‫‪ ،‬حوّله السلم بمنظومة القيم التى كادت أن تسوى بين العبد‬
‫وسيده إلى ما يشبه العبء المالى على ملك الرقيق‪ ..‬فمطلوب‬
‫من مالك الرقيق أن يطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس ول‬
‫يكلفه من العمل مال يطيق‪ ..‬بل ومطلوب منه أيضا ً إلغاء كلمة "‬
‫العبد " و المة " واستبدالها بكلمة " الفتى " و " الفتاة "‪.‬‬
‫بل لقد مضى السلم فى هذا السبيل إلى ما هو أبعد من تحرير‬
‫الرقيق ‪ ،‬فلم يتركهم فى متاهة عالم الحرية الجديد دون عصبية‬
‫وشوكة وانتماء ‪ ،‬وإنما سعى إلى إدماجهم فى القبائل والعشائر‬
‫والعصبيات التى كانوا فيها أرقاء ‪ ،‬فأكسبهم عزتها وشرفها‬
‫ومكانتها ومنعتها وما لها من إمكانات ‪ ،‬وبذلك أنجز إنجازا ً عظيماً‬
‫وراء وفوق التحرير عندما أقام نسيجا ً اجتماعيا ً جديدا ً التحم فيه‬
‫الرقاء السابقون بالحرار ‪ ،‬فأصبح لهم نسب قبائلهم عن طريق‬
‫مة‬ ‫ة كل ُ ْ‬
‫ح َ‬ ‫م ٌ‬ ‫" الولء " ‪ ،‬الذى قال عنه الرسول (‪ [ :‬الولء ل ُ ْ‬
‫ح َ‬
‫النسب ] رواه الدارمى‪ .‬حتى لقد غدا أرقاء المس " سادة " فى‬
‫أقوامهم ‪ ،‬بعد أن كانوا " عبيدا ً " فيهم‪..‬‬
‫وقال عمر بن الخطاب وهو من هو فى الحسب والنسب عن‬
‫بلل الحبشى ‪ ،‬الذى اشتراه أبو بكر الصديق وأعتقه‪ " :‬سيدنا‬
‫أعتق سيدنا " !‪ ..‬كما تمنى عمر أن يكون سالم مولى أبى حذيفة‬
‫حيا ً فيختاره لمنصب الخلفة‪ ..‬فالمولى ‪ ،‬الذى نشأ رقيقا ً ‪ ،‬قد‬
‫حرره السلم ‪ ،‬فكان إماما ً فى الصلة وأهل ً بخلفة المسلمين‪.‬‬
‫ولقد ساعد على هذا الندماج فى النسيج العربى فضل ً عن‬
‫السلمى ذلك المعيار الذى حدده السلم للعروبة وهو معيار‬
‫اللغة وحدها ‪ ،‬فباستبعاد " العرق‪ ..‬والدم " غدت الرابطة اللغوية‬
‫والثقافية انتماءً واحدا ً للجميع ‪ ،‬بصرف النظر عن ماضى‬
‫السترقاق وعن هذا المعيار للعروبة تحدث الرسول(فى معرض‬
‫النقد والرفض للذين أرادوا إخراج الموالى ‪ ،‬ذوى الصول العرقية‬
‫غير العربية ‪ ،‬من إطار العروبة ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫[ أيها الناس ‪ ،‬إن الرب واحد ‪ ،‬والب واحد‪ ..‬وليست العربية‬
‫بأحدكم من أب أو أم ‪ ،‬وإنما هى اللسان ‪ ،‬فمن تكلم العربية فهو‬
‫عربى‪..] ..‬‬

‫‪963‬‬
‫هكذا كان السلم إحياء وتحريرا ً للنسان ‪ ،‬مطلق النسان ‪ ،‬يضع‬
‫عن الناس إصرهم والغلل التى كانت عليهم ‪ ،‬ويحرر الرقاء ‪،‬‬
‫لن الرق فى نظره " موت " ‪ ،‬والحرية " حياة وإحياء "‪ ..‬ولقد‬
‫أبصر هذه الحكمة السلمية المام النسفى [ ‪710‬هجرية ‪1310/‬م ]‬
‫وهو يعلل جعل السلم كفارة القتل الخطأ تحرير رقبة‪( :‬ومن‬
‫قتل مؤمنا ً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) (‪ ..)6‬فقال‪ :‬إن القاتل " لما‬
‫أخرج نفسا ً مؤمنة من جملة الحياء لزمة أن يدخل نفسا ً مثلها‬
‫فى جملة الحرار ‪ ،‬لن اطلقها من قيد الرق كإحيائها ‪ ،‬من قِبَل‬
‫أن الرقيق ملحق بالموات ‪ ،‬إذ الرق أثر من آثار الكفر ‪ ،‬والكفر‬
‫موت حكماً‪ ..)7( "..‬فالسلم قد ورث نظام الرق عن المجتمعات‬
‫الكافرة فهو من آثار الكفر ‪ ،‬ولنه موت لروح وملكات الرقاء ‪،‬‬
‫وسعى السلم إلى إلغائه ‪ ،‬وتحرير أى إحياء موات هؤلء‬
‫الرقاء ‪ ،‬كجزء من الحياء السلمى العام (يا أيها الذين آمنوا‬
‫استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) (‪.)8‬‬
‫ومع أن مقاصد السلم فى تصفية نهر الرقيق بإغلق روافده‬
‫وتجفيف منابعه ‪ ،‬وتوسيع مصباته لم تبلغ كامل آفاقها ‪ ،‬إذ انتكس‬
‫"الواقع التاريخى" للحضارة السلمية ‪ ،‬بعد عصر الفتوحات ‪،‬‬
‫وسيطرة العسكر المماليك على الدولة السلمية‪ ..‬إل أن‪ .‬حال‬
‫الرقاء فى الحضارة السلمية قد ظلت أخف قيودا ً وأكثر عدلً‬
‫بما ل يقارن من نظائرها خارج الحضارة السلمية ‪ ،‬بما فى ذلك‬
‫الحضارة الغربية ‪ ،‬التى تزعمت فى العصر الحديث الدعوة إلى‬
‫تحرير الرقاء‪..‬‬
‫فلقد اقترن عصر النهضة الوروبية بزحفها الستعمارى على‬
‫العالمين القديم والجديد ‪ ،‬وبعد أن استعبد المستعمرون السبان‬
‫والبرتغاليون والنجليز والفرنسيون سكان أمريكا الصليين ‪،‬‬
‫وأهلكوهم فى سخرة البحث عن الذهب وإنشاء المزارع ‪،‬‬
‫مارسوا أكبر أعمال القرصنة والخطف فى التاريخ ‪ ،‬تلك التى راح‬
‫ضحيتها أكثر من أربعين مليونا ً من زنوج إفريقيا ‪ ،‬سلسلوا‬
‫بالحديد ‪ ،‬وشحنوا فى سفن الحيوانات ‪ ،‬لتقوم على دمائهم‬
‫وعظامهم المزارع والمصانع والمناجم التى صنعت رفاهية الرجل‬
‫البيض فى أمريكا وأوروبا‪ ..‬ول يزال أحفادهم يعانون من التفرقة‬
‫العنصرية فى الغرب حتى الن‪.‬‬
‫وعندما سعت أوروبا فى القرن التاسع عشر إلى إلغاء نظام‬
‫الرق ‪ ،‬وتحريم تجارته ‪ ،‬لم تكن دوافعها فى أغلبها روحية ول‬
‫قيمية ول إنسانية ‪ ،‬وإنما كانت فى الساس دوافع مادية ‪ ،‬لن‬
‫نظامها الرأسمالى قد رأى فى تحرير الرقيق سبيل ً لجعلهم عمالً‬
‫أكثر مهارة ‪ ،‬وأكثر قدره على النهوض باحتياجات العمل الفنى‬

‫‪964‬‬
‫فى الصناعات التى أقامها النظام الرأسمالى‪ ..‬فلقد غدا الرق‬
‫بمعايير الجدوى القتصادية عبئا ً على فائض رأس المال الذى هو‬
‫معبود الحضارة الرأسمالية المادية وأصبحت حرية الطبقة العاملة‬
‫أعون على تنمية مبادراتها ومهاراتها فى عملية النتاج‪..‬‬
‫ولقد كان ذات القرن الذى دعت فيه أوروبا لتحرير الرقيق هو‬
‫القرن الذى استعمرت فيه العالم ‪ ،‬فاسترقّت بهذا الستعمار‬
‫المم والشعوب استرقاقا ً جديدا ً ‪ ،‬ل تزال النسانية تعانى منه‬
‫حتىالن‪..‬‬
‫(‪ )1‬يوسف‪.1921 :‬‬
‫(‪ )2‬يوسف‪.75 :‬‬
‫(‪ )3‬محمد‪.4 :‬‬
‫(‪ )4‬التوبة‪.60 :‬‬
‫(‪ )5‬النور‪.33 :‬‬
‫(‪ )6‬النساء‪.92 :‬‬
‫(‪ [ )7‬تفسير النسفى ] طبعة القاهرة ‪ ،‬الولى‪.‬‬
‫(‪ )8‬النفال‪24 :‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫السلم والرق ‪ -‬محمد قطب‬
‫ربما كانت هذه الشبهة أخبث ما يلعب به الشيوعيون لزلزلة‬
‫عقائد الشباب!‪ ..‬لو كان السلم صالحا ً لكل عصر – كما يقول‬
‫دعاته – لما أباح الرق‪ ..‬وإن إباحته للرق‪ ..‬وإن إباحته للرق لدليل‬
‫قاطع على أن السلم قد جاء لفترة محدودة‪ ،‬وأنه أدى مهمته‬
‫وأصبح في ذمة التاريخ!‬
‫وإن الشباب المؤمن ذاته لتساوره بعض الشكوك! كيف أباح‬
‫السلم الرق؟ هذا الدين الذي ل شك في نزوله من عند الله‪ ،‬ول‬
‫شك في صدقه‪ ،‬وفي أنه جاء لخير البشرية كلها في جميع‬
‫أجيالها‪ ..‬كيف أباح الرق؟ الدين الذي قام على المساواة الكاملة‪.‬‬
‫الذي رد الناس جميعا ً إلى أصل واحد‪ ،‬وعاملهم على أساس هذه‬
‫المساواة في الصل المشترك‪ ..‬كيف جعل الرق جزءا ً من نظامه‬
‫وشرع له؟ أَوَ يريد الله للناس أن ينقسموا أبدا ً إلى سادة وعبيد؟‬
‫أَوَ تلك مشيئته في الرض؟ أَوَ يرضى الله للمخلوق الذي أكرمه‬
‫إذ قال‪ " :‬ولقد كرمنا بني آدم " أن يصير طائفة منه سلعة تباع‬
‫وتشترى كما كان الحال مع الرقيق؟ وإذا كان الله ل يرضى‬
‫بذلك‪ ،‬فلماذا لم ينص كتابه الكريم صراحة على إلغاء الرق كما‬
‫نص على تحريم الخمر والميسر والربا وغيرها مما كرهه‬
‫السلم؟‬

‫‪965‬‬
‫وإن الشباب المؤمن ليعلم أن السلم دين الحق‪ ،‬ولكنه‬
‫كإبراهيم‪ " :‬قال‪ :‬أولم تؤمن؟ قال بلى‪ ،‬ولكن ليطمئن قلبي! "‪.‬‬
‫أما الشباب الذي أفسد الستعمار عقله وعقائده‪ ،‬فإنه ل يتلبث‬
‫حتى يتبين حقيقة المر‪ ،‬وإنما يميل به الهوى فيقرر دون مناقشة‬
‫أن السلم نظام عتيق قد استنفد أغراضه!‬
‫وأما الشيوعيون خاصة فأصحاب دعاوى " علمية " مزيفة‪،‬‬
‫يتلقونها من سادتهم هناك‪ ،‬فينتفشون بها عجبا ‪ ،‬ويحسبون أنهم‬
‫وقعوا على الحقيقة البدية الخالدة التي ل مراء فيها ول جدال‪،‬‬
‫وهي المادية الجدلية‪ ،‬التي تقسم الحياة البشرية إلى مراحل‬
‫اقتصادية معينة ل معدى عنها ول محيص‪ .‬وهي الشيوعية الولى‪،‬‬
‫والرق‪ ،‬والقطاع‪ ،‬والرأسمالية‪ ،‬والشيوعية الثانية (وهي نهاية‬
‫العالم!) وأن كل ما عرفته البشرية من عقائد ونظم وأفكار‪ ،‬إنما‬
‫كانت انعكاسا ً للحالة القتصادية‪ ،‬أو للطور القتصادي القائم‬
‫حينئذ‪ ،‬وأنها صالحة له‪ ،‬متلئمة مع ظروفه‪ ،‬ولكنها ل تصلح‬
‫للمرحلة التالية التي تقوم على أساس اقتصادي جديد‪ .‬وأنه – من‬
‫ثم – ل يوجد نظام واحد يمكن أن يصلح لكل الجيال‪ .‬وإذا كان‬
‫السلم قد جاء والعالم نهاية فترة الرق ومبادئ فترة القطاع‪،‬‬
‫فقد جاءت تشريعاته وعقائده ونظمه ملئمة لهذا القدر من‬
‫التطور‪ ،‬فاعترفت بالرق‪ ،‬وأباحت القطاع [‪]! 11‬ولم يكن في‬
‫طوق السلم أن يسبق التطور القتصادي‪ ،‬أو يبشر بنظام جديد‬
‫لم تتهيأ بعد إمكانياته القتصادية! لن كارل ماركس قال إن هذا‬
‫مستحيل!‬
‫ونريد هنا أن نضع المسألة في حقيقتها التاريخية والجتماعية‬
‫والنفسية‪ ،‬بعيدا ً عن الغبار الذي يثيره هؤلء وأولئك‪ ،‬فإذا حصلنا‬
‫على حقيقة موضوعية فل علينا حينئذ من دعاوي المنحرفين‪ ،‬و "‬
‫العلماء " المزيفين !‬
‫نحن ننظر اليوم إلى الرق في ظروف القرن العشرين‪ ،‬وننظر‬
‫إله في ضوء الشناعات التي ارتكبت في عالم النخاسة‪،‬‬
‫والمعاملة الوحشية البشعة التي سجلها التاريخ في العالم‬
‫الروماني خاصة‪ ،‬فنستفظع الرق‪ ،‬ول تطيق مشاعرنا أن يكون‬
‫هذا اللون من المعاملة أمرا ً مشروعا ً يقره دين أو نظام‪ .‬ثم‬
‫تغلب علينا انفعالت الستبشاع والستنكار فنعجب كيف أباح‬
‫السلم الرق‪ ،‬وكل توجيهاته وتشريعاته كانت ترمي إلى تحرير‬
‫البشر من العبودية في جميع ألوانها وأشكالها‪ ،‬ونتمنى في حرارة‬
‫النفعال أن لو كان السلم قد أراح قلوبنا وعقولنا فنص على‬
‫تحريمه بالقول الصريح‪.‬‬

‫‪966‬‬
‫وهنا وقفة عند حقائق التاريخ‪ .‬ففظائع الرق الروماني في العالم‬
‫القديم لم يعرفها قط تاريخ السلم‪ ،‬ومراجعة بسيطة للحالة‬
‫التي كان يعيش عليها الرقاء في المبراطورية الرومانية‪ ،‬كفيلة‬
‫بأن ترينا النقلة الهائلة التي نقلها السلم للرقيق‪ ،‬حتى لو لم‬
‫يكن عمل على تحريره – وهذا غير صحيح!‬
‫كان الرقيق في عرف الرومان " شيئا " ل بشرا‪ .‬شيئا ل حقوق‬
‫له البتة‪ ،‬وإن كان عليه كل ثقيل من الواجبات‪ .‬ولنعلم أول من‬
‫أين كان يأتي هذا الرقيق‪ .‬كان يأتي من طريق الغزو‪ .‬ولم يكن‬
‫هذا الغزو لفكرة ول لمبدأ‪.‬‬
‫وإنما كان سببه الوحيد شهوة استعباد الخرين وتسخيرهم‬
‫لمصلحة الرومان‪.‬‬
‫فلكي يعيش الروماني عيشة البذخ والترف‪ ،‬يستمتع بالحمامات‬
‫الباردة والساخنة‪ ،‬والثياب الفاخرة‪ ،‬وأطايب الطعام من كل لون‪،‬‬
‫ويغرف في المتاع الفاجر من خمر ونساء ورقص وحفلت‬
‫ومهرجانات‪ ،‬كان ل بد لكل هذا من استعباد الشعوب الخرى‬
‫وامتصاص دمائها‪ .‬ومصر مثل لذلك حين كانت في قبضة‬
‫الرومان‪ ،‬قبل أن يخلصها من نيرهم السلم‪ .‬إذ كانت حقل قمح‬
‫للمبراطورية‪ ،‬وموردا للموال‪.‬‬
‫في سبيل هذه الشهوة الفاجرة كان الستعمار الروماني‪ ،‬وكان‬
‫الرق الذي نشأ من ذلك الستعمار‪ .‬أما الرقيق فقد كانوا – كما‬
‫ذكرنا – أشياء ليس لها كيان البشر ول حقوق البشر‪ .‬كانوا‬
‫يعملون في الحقول وهم مصفدون في الغلل الثقيلة التي تكفي‬
‫لمنعهم من الفرار‪ .‬ولم يكونوا يُطْعَمون إل إبقاء على وجودهم‬
‫ليعملوا‪ ،‬ل لن من حقهم – حتى كالبهائم والشجار – أن يأخذوا‬
‫حاجتهم من الغذاء‪ .‬وكانوا – في أثناء العمل – يساقون بالسوط‪،‬‬
‫لغير شيء إل اللذة الفاجرة التي يحسها السيد أو وكيله في‬
‫تعذيب هذه المخلوقات‪ .‬ثم كانوا ينامون في " زنزانات " مظلمة‬
‫كريهة الرائحة تعيث فيها الحشرات والفئران‪ ،‬فيلقون فيها‬
‫عشرات عشرات قد يبلغون خمسين في الزانزانة الواحدة –‬
‫بأصفادهم – فل يتاح لهم حتى الفراغ الذي يتاح بين بقرة وبقرة‬
‫في حظيرة الحيوانات‪.‬‬
‫ولكن الشناعة الكبرى كانت شيئا ً أفظع من كل ذلك‪ ،‬وأدل على‬
‫الطبيعة الوحشية التي ينطوي عليها ذلك الروماني القديم‪ ،‬والتي‬
‫ورثها عنه الوربي الحديث في وسائل الستعمار والستغلل‪.‬‬
‫تلك كانت حلقات المبارزة بالسيف والرمح‪ ،‬وكانت من أحب‬
‫المهرجانات إليهم‪ ،‬فيجتمع إليها السادة وعلى رأسهم المبراطور‬
‫أحياناً‪ ،‬ليشاهدوا الرقيق يتبارزون مبارزة حقيقية‪ ،‬توجه فيها‬

‫‪967‬‬
‫طعنات السيوف والرماح إلى أي مكان في الجسم بل تحرز ول‬
‫احتياط من القتل‪ .‬بل كان المرح يصل إلى أقصاه‪ ،‬وترتفع‬
‫الحناجر بالهتاف والكف بالتصفيق‪ ،‬وتنطلق الضحكات السعيدة‬
‫العميقة الخالصة حين يقضي أحد المتبارزين على زميله قضاء‬
‫كاملً‪ ،‬فيلقيه طريحا ً على الرض فاقد الحياة!‬
‫ذلك كان الرقيق في العالم الروماني‪ .‬ول نحتاج أن نقول شيئاً‬
‫عن الوضع القانوني للرقيق عندئذ‪ ،‬وعن حق السيد المطلق في‬
‫قتله وتعذيبه واستغلله دون أن يكون له حق الشكوى‪ ،‬ودون أن‬
‫تكون هناك جهة تنظر في هذه الشكوى أو تعترف بها‪ ،‬فذلك لغو‬
‫بعد كل الذي سردناه‪.‬‬
‫ولم تكن معاملة الرقيق في فارس والهند وغيرها‪ ،‬تختلف كثيراً‬
‫عما ذكرنا من حيث إهدار إنسانية الرقيق إهدارا ً كامل ‪ ،‬وتحميله‬
‫بأثقل الواجبات دون إعطائه حقا ً مقابلها‪ ،‬وإن كانت تختلف فيما‬
‫بينها قليلً أو كثيرا ً في مدى قسوتها وبشاعتها‪.‬‬
‫ثم جاء السلم…‬
‫جاء ليرد لهؤلء البشر إنسانيتهم‪.‬جاء ليقول للسادة عن الرقيق‪:‬‬
‫" بعضكم من بعض " [‪ ]12‬جاء ليقول‪ " :‬من قتل عبده قتلناه‪،‬‬
‫ومن جدع عبده جدعناه‪ ،‬ومن أخصى عبده أخصيناه " [‪ ]13‬جاء‬
‫ليقرر وحدة الصل والمنشأ والمصير‪ " :‬أنتم بنو آدم وآدم من‬
‫تراب]‪ ، " [14‬وأنه ل فضل لسيد على عبد لمجرد أن هذا سيد وهذا‬
‫عبد‪ .‬وإنما الفضل للتقوى " ‪:‬أل ل فضل لعربي على أعجمي‪ ،‬ول‬
‫لعجمي على عربي‪ ،‬ول لسود على أحمر‪ ،‬ول أحمر على أسود‬
‫إل بالتقوى " [‪.]15‬‬
‫جاء ليأمر السادة أمرا ً أن يحسنوا معاملتهم للرقيق‪" :‬‬
‫وبالوالدين إحساناً‪ ،‬وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي‬
‫القربى‪ ،‬والجار الجنب‪ ،‬والصاحب بالجنب‪ ،‬وابن السبيل‪ ،‬وما‬
‫ملكت أيمانكم إن الله ل يحب من كان مختال ً فخورا ً " [‪]16‬‬
‫وليقرر أن العلقة بين السادة والرقيق ليست علقة الستعلء‬
‫والستعباد‪ ،‬أو التسخير أو التحقير‪ ،‬وإنما هي علقة القربى‬
‫والخوة ‪.‬فالسادة " أهل " الجارية يُستأذنون في زواجها‪ " :‬فمن‬
‫ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم‪.‬‬
‫بعضكم من بعض‪ ،‬فانكحوهن بإذن أهلهن‪ ،‬وآتوهن أجورهن‬
‫بالمعروف " [‪ ،]17‬وهم إخوة للسادة‪ " :‬إخوانكم خولكم‪ ..‬فمن‬
‫كان " أخوه " تحت يده فليطعمه مما يطعم‪ ،‬وليلبسه مما يلبس‪،‬‬
‫ول تكلفوهم ما يغلبهم‪ ،‬فإن كلفتموهم فأعينوهم ]‪ " [18‬وزيادة في‬
‫رعاية مشاعر الرقيق يقول الرسول الكريم صلى الله عليه‬
‫وسلم " ‪:‬ليقل أحدكم‪ :‬هذا عبدي وهذه أمتي‪ ،‬وليقل‪ :‬فتاي وفتاتي‬

‫‪968‬‬
‫" [‪ ]19‬ويستند على ذلك أبو هريرة فيقول لرجل ركب وخلفه‬
‫عبده يجري‪ " :‬احمله خلفك‪ ،‬فإنه أخوك‪ ،‬وروحه مثل روحك "‪.‬‬
‫ولم يكن ذلك كل شئ‪ .‬ولكن ينبغي قبل أن ننتقل إلى الخطوة‬
‫التالية أن نسجل القفزة الهائلة التي قفزها السلم بالرقيق في‬
‫هذه المرحلة‪.‬‬
‫لم يعد الرقيق " شيئا ً "‪ .‬وإنما صار بشرا ً له روح كروح السادة‪.‬‬
‫وقد كانت المم الخرى كلها تعتبرالرقيق جنسا ً آخر غير جنس‬
‫السادة‪ ،‬خلق ليستعبد ويستذل‪ ،‬ومن هنا لم تكن ضمائرهم تتأثم‬
‫من قتله وتعذيبه وكيه بالنار وتسخيره في العمال القذرة‬
‫والعمال الشاقة [‪] 20‬ومن هنالك رفعه السلم إلى مستوى‬
‫الخوة الكريمة‪ ،‬ل في عالم المثل والحلم‪ ،‬بل في عالم الواقع‪.‬‬
‫ويشهد التاريخ ‪ -‬الذي لم ينكره أحد‪ ،‬حتى المتعصبون من كتاب‬
‫أوربا ‪ -‬بأن معاملة الرقيق في صدر السلم بلغت حدا ً من‬
‫النسانية الرفيعة لم تبلغه في أي مكان آخر‪ .‬حدا ً جعل الرقيق‬
‫المحررين يأبون مغادرة سادتهم السابقين ‪ -‬مع أنهم يملكون ذلك‬
‫بعد أن تحرروا اقتصاديا ً وتعودوا على تحمل تبعات أنفسهم ‪-‬‬
‫لنهم يعتبرونهم أهل ً لهم‪ ،‬يربطهم بهم ما يشبه روابط الدم!‬
‫وأصبح الرقيق كائنا ً إنسانيا ً له كرامة يحميها القانون‪ ،‬ول يجوز‬
‫العتداء عليها بالقول ول بالفعل‪ .‬فأما القول فقد نهى صلى الله‬
‫عليه وسلم السادة عن تذكير أرقائهم بأنهم أرقاء‪ .‬وأمرهم أن‬
‫يخاطبوهم بما يشعرهم بمودة الهل وينفي عنهم صفة العبودية‪،‬‬
‫وقال لهم في معرض هذا التوجيه‪ " :‬إن الله ملككم إياهم ولو‬
‫شاء لملكهم إياكم " [‪ ]21‬فهي إذن مجرد ملبسات عارضة جعلت‬
‫هؤلء رقيقاً‪ ،‬وكان من الممكن أن يكونوا سادة لمن هم اليوم‬
‫سادة! وبذلك يغض من كبرياء هؤلء‪ ،‬ويردهم إلى الصرة‬
‫البشرية التي تربطهم جميعاً‪ ،‬والمودة التي ينبغي أن تسود‬
‫علقات بعضهم ببعض‪ .‬وأما العتداء الجسدي فعقوبته الصريحة‬
‫هي المعاملة بالمثل‪ " :‬ومن قتل عبده قتلناه‪ " ..‬وهو مبدأ صريح‬
‫الدللة على المساواة النسانية بين الرقيق والسادة‪ ،‬وصريح في‬
‫بيان الضمانات التي يحيط بها حياة هذه الطائفة من البشر ‪-‬‬
‫التي ل يخرجها وضعها العارض عن صفتها البشرية الصيلة ‪-‬‬
‫وهي ضمانات كاملة ووافية‪ ،‬تبلغ حدا ً عجيبا ً لم يصل إليه قط‬
‫تشريع آخرمن تشريعات الرقيق في التاريخ كله‪ ،‬ل قبل السلم‬
‫ول بعده‪ ،‬إذ جعل مجرد لطم العبد في غير تأديب (وللتأديب‬
‫حدود مرسومة ل يتعداها ول يتجاوز على أي حال ما يؤدب به‬
‫السيد أبناءه) مبررا ً شرعياً لتحرير الرقيق‪.‬‬
‫***‬

‫‪969‬‬
‫ثم ننتقل إلى المرحلة التالية‪ ،‬مرحلة التحرير الواقعي‪.‬‬
‫لقد كانت الخطوة السابقة في الواقع تحريرا ً روحيا ً للرقيق‪،‬‬
‫برده إلى النسانية ومعاملته على أنه بشر كريم ل يفترق عن‬
‫السادة من حيث الصل‪ ،‬وإنما هي ظروف عارضة حدت من‬
‫الحرية الخارجية للرقيق في التعامل المباشر مع المجتمع‪ ،‬وفيما‬
‫عدا هذه النقطة كانت للرقيق كل حقوق الدميين‪.‬‬
‫ولكن السلم لم يكتف بهذا‪ ،‬لن قاعدته الساسية العظمى هي‬
‫المساواة الكاملة بين البشر‪ ،‬وهي التحرير الكامل لكل البشر‪.‬‬
‫ولذلك عمل فعل ً على تحرير الرقاء‪ ،‬بوسيلتين كبيرتين‪ :‬هما‬
‫العتق والمكاتبة‪.‬‬
‫فأما العتق فهو التطوع من جانب السادة بتحرير من في يدهم‬
‫من الرقاء‪ ،‬وقد شجع السلم على ذلك تشجيعاً كبيراً‪ ،‬وكان‬
‫الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم القدوة الولى في ذلك إذ‬
‫أعتق من عنده من الرقاء‪ ،‬وتله في هذا أصحابه‪ ،‬وكان أبو بكر‬
‫ينفق أموال ً طائلة في شراء العبيد من سادة قريش الكفار‪،‬‬
‫ليعتقهم ويمنحهم الحرية ؛ وكان بيت المال يشتري العبيد من‬
‫أصحابهم ويحررهم كلما بقيت لديه فضلة من مال‪ .‬قال يحيى بن‬
‫سعيد‪ " :‬بعثني عمر بن عبد العزيز على صدقات إفريقية‪،‬‬
‫فجمعتها ثم طلبت فقراء نعطيها لهم فلم نجد فقيراً ولم نجد من‬
‫يأخذها منا‪ ،‬فقد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس‪ ،‬فاشتريت بها‬
‫عبيداً فأعتقتهم"‪.‬‬
‫وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتق من الرقاء من يعلم‬
‫عشرة من المسلمين القراءة والكتابة‪ ،‬أويؤدي خدمة مماثلة‬
‫للمسلمين‪ .‬ونص القرآن الكريم على أن كفارة بعض الذنوب هي‬
‫عتق الرقاب‪ .‬كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على‬
‫العتق تكفيرا ً عن أي ذنب يأتيه النسان‪ ،‬وذلك للعمل على تحرير‬
‫أكبر عدد ممكن منهم‪ ،‬فالذنوب ل تنقطع‪ ،‬وكل ابن آدم خطاء‬
‫كما يقول الرسول‪ .‬ويحسن هنا أن نشير إشارة خاصة إلى إحدى‬
‫هذه الكفارات لدللتها الخاصة في نظرة السلم إلى الرق‪ ،‬فقد‬
‫جعل كفارة القتل الخطأ دية مسلمة إلى أهل القتيل وتحرير‬
‫َ‬
‫رقبة‪ " :‬ومن قتل مؤمنا ً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسل ّمة‬
‫إلى أهله " [‪ ]22‬والقتيل الذي قتل خطأ هو روح إنسانية قد فقدها‬
‫أهلها كما فقدها المجتمع دون وجه حق‪ ،‬لذلك يقرر السلم‬
‫التعويض عنها من جانبين‪ :‬التعويض لهلها بالدية المسلمة لهم‪،‬‬
‫والتعويض للمجتمع بتحرير رقبة مؤمنة !فكأن تحرير الرقيق هو‬
‫إحياء لنفس إنسانية تعوض النفس التي ذهبت بالقتل الخطأ‪.‬‬
‫والرق على ذلك هو موت أو شبيه بالموت في نظر السلم‪ ،‬على‬

‫‪970‬‬
‫الرغم من كل الضمانات التي أحاط بها الرقيق‪ ،‬ولذلك فهو ينتهز‬
‫كل فرصة " لحياء " الرقاء بتحريرهم من الرق‪!] [23‬‬
‫ويذكر التاريخ أن عددا ً ضخما ً من الرقاء قد حرر بطريق العتق‪،‬‬
‫وأن هذا العدد الضخم ل مثيل له في تاريخ المم الخرى‪ ،‬ل قبل‬
‫السلم‪ ،‬ول بعده بقرون عدة حتى مطلع العصر الحديث‪ .‬كما أن‬
‫عوامل عتقهم كانت إنسانية بحتة‪ ،‬تنبع من ضمائر الناس ابتغاء‬
‫مرضاة الله‪ ،‬ولشيء غير مرضاة الله‪.‬‬
‫أما المكاتبة‪ ،‬فهي منح الحرية للرقيق متى طلبها بنفسه‪ ،‬مقابل‬
‫مبلغ من المال يتفق عليه السيد والرقيق‪ .‬والعتق هنا إجباري ل‬
‫يملك السيد رفضه ول تأجيله بعد أداء المبلغ المتفق عليه‪ .‬وإل‬
‫تدخلت الدولة (القاضي أو الحاكم) لتنفيذ العتق بالقوة‪ ،‬ومنح‬
‫الحرية لطالبها‪.‬‬
‫وبتقرير المكاتبة‪ ،‬فتح في الواقع باب التحرير في السلم‪ ،‬لمن‬
‫أحس في داخل نفسه برغبة التحرر‪ ،‬ولم ينتظر أن يتطوع سيده‬
‫بتحريره في فرصة قد تسنح أو ل تسنح على مر اليام‪.‬‬
‫ومنذ اللحظة الولى التي يطلب فيها المكاتبة ‪ -‬والسيد ل يملك‬
‫رفض المكاتبة متى طلبها الرقيق‪ ،‬ولم يكن في تحريره خطر‬
‫على أمن الدولة السلمية ‪ -‬يصبح عمله عند سيده بأجر‪ ،‬أو يتاح‬
‫له ‪ -‬إذا رغب ‪ -‬أن يعمل في الخارج بأجر‪ ،‬حتى يجمع المبلغ‬
‫المتفق عليه‪.‬‬

‫ومثل ذلك قد حدث في أوربا في القرن الرابع عشر ‪ -‬أي بعد‬


‫تقرير السلم له بسبعة قرون ‪ -‬مع فارق كبير لم يوجد في غير‬
‫السلم‪ ،‬وهو كفالة الدولة للرقاء المكاتبين ‪ -‬وذلك إلى جانب‬
‫مجهود السلم الضخم في عتق الرقاء تطوعا ً بل مقابل‪ ،‬تقرباً‬
‫إلى الله ووفاء بعبادته‪.‬‬
‫تقول الية التي تبين مصارف الزكاة‪ " :‬إنما الصدقات للفقراء‬
‫والمساكين والعاملين عليها‪ ...‬وفي الرقاب … " [‪ ]24‬فتقرر أن‬
‫الزكاة تصرف من بيت المال ‪ -‬وهو الخزانة العامة في العرف‬
‫الحديث ‪ -‬لمعاونة المكاتبين من الرقاء لداء ثمن التحرير‪ ،‬إذا‬
‫عجزوا بكسبهم الخاص عن أدائه ‪.‬‬
‫وبهذا وذاك يكون السلم قد خطا خطوات فعليه واسعة في‬
‫سبيل تحرير الرقيق‪ ،‬وسبق بها التطور التاريخي كله بسبعة‬
‫قرون على القل‪ ،‬وزاد على هذا التطور عناصر – كرعاية الدولة‬
‫– لم يفىء إليها العالم إل في مطلع تاريخه الحديث‪ .‬وعناصر‬
‫أخرى لم يفىء إليها أبداً‪ ،‬سواء في حسن معاملة الرقيق‪ ،‬أو في‬

‫‪971‬‬
‫عتقه تطوعاً‪ ،‬بغير ضغط من التطورات القتصادية أو السياسية‬
‫التي اضطرت الغرب اضطرارا ً لتحرير الرقيق كما سيجيء‪.‬‬
‫وبهذا وذاك تسقط حذلقة الشيوعيون ودعاواهم " العلمية "‬
‫الزائفة‪ ،‬التي تزعم أن السلم حلقة من حلقات التطور‬
‫القتصادي جاءت في موعدها الطبيعي حسب سنة المادية‬
‫الجدلية – فها هي ذي قد سبقت موعدها بسبعة قرون – والتي‬
‫تزعم أن كل نظام ‪ -‬بما في ذلك السلم ‪ -‬إن هو إل انعكاس‬
‫للتطور القتصادي القائم وقت ظهوره‪ ،‬وأن كل عقائده وأفكاره‬
‫تلئم هذا التطور وتستجيب له‪ ،‬ولكنها ل تسبقه‪ ،‬ول تستطيع أن‬
‫تسبقه‪ ،‬كما قرر العقل الذي ل يخطىء ول يأتيه الباطل من فوقه‬
‫ول من تحته‪ ،‬عقل كارل مارس تقدست ذكراه! فها هو ذا‬
‫السلم لم يعمل بوحي النظم القتصادية القائمة حينئذ في‬
‫جزيرة العرب وفي العالم كله‪ ،‬ل في شأن الرقيق‪ ،‬ول في توزيع‬
‫الثروة‪ ،‬ول في علقة الحاكم بالمحكوم‪ ،‬أو المالك بالجير [‪،]25‬‬
‫وإنما كان ينشئ نظمه الجتماعية والقتصادية تطوعا ً وإنشاء‬
‫على نحو غير مسبوق‪ ،‬ول يزال في كثير من أبوابه متفردا ً في‬
‫التاريخ‪.‬‬
‫وهنا يخطر السؤال الحائر على الفكار والضمائر‪ :‬إذا كان‬
‫السلم قد خطا هذه الخطوات كلها نحو تحرير الرقيق‪ ،‬وسبق‬
‫بها العالم كله متطوعا ً غير مضطر ول مضغوط عليه‪ ،‬فلماذا لم‬
‫يخط الخطوة الحاسمة الباقية‪ ،‬فيعلن في صراحة كاملة إلغاء‬
‫الرق من حيث المبدأ؟‬
‫وللجابة على هذا السؤال ينبغي أن ندرك حقائق اجتماعية‬
‫ونفسية وسياسية أحاطت بموضوع الرق‪ ،‬وجعلت السلم يضع‬
‫المبادئ الكفيلة بتحرير الرقيق‪ ،‬ويدعها تعمل عملها على المدى‬
‫الطويل ‪.‬‬
‫يجب أن نذكر أول ً أن الحرية ل تمنح وإنما تؤخذ‪ .‬وتحرير الرقيق‬
‫بإصدار مرسوم كما يتخيل البعض لم يكن ليحرر الرقيق !‬
‫والتجربة المريكية في تحرير الرقيق بجرة قلم على يد أبراهام‬
‫لنكولن خير شاهد لما نقول‪ ،‬فالعبيد الذين حررهم لنكولن ‪ -‬من‬
‫الخارج ‪ -‬بالتشريع‪ ،‬لم يطيقوا الحرية‪ ،‬وعادوا إلى سادتهم‬
‫يرجونهم أن يقبلوهم عبيدا ً لديهم كما كانوا‪ ،‬لنهم ‪ -‬من الداخل ‪-‬‬
‫لم يكونوا قد تحرروا بعد ‪.‬‬
‫والمسألة على غرابتها ليست غريبة حين ينظر إليها على ضوء‬
‫الحقائق النفسية‪ .‬فالحياة عادة‪ .‬والملبسات التي يعيش فيها‬
‫النسان هي التي تكيف مشاعره وتصوغ أحاسيسه وأجهزته‬
‫النفسية [‪ ]26‬والكيان النفسي للعبد يختلف عن الكيان النفسي‬

‫‪972‬‬
‫للحر‪ ،‬ل لنه جنس آخر كما ظن القدماء‪ ،‬ولكن لن حياته في‬
‫ظل العبودية الدائمة جعلت أجهزته النفسية تتكيف بهذه‬
‫الملبسات‪ ،‬فتنمو أجهزة الطاعة إلى أقصى حد‪ ،‬وتضمر أجهزة‬
‫المسؤولية واحتمال التبعات إلى أقصى حد‪..‬‬
‫فالعبد يحسن القيام بكثير من المور حين يأمره بها سيده‪ ،‬فل‬
‫يكون عليه إل الطاعة والتنفيذ‪ .‬ولكنه ل يحسن شيئا ً تقع‬
‫مسؤوليته على نفسه‪ ،‬ولو كان أبسط الشياء‪ ،‬ل لن جسمه‬
‫يعجز عن القيام بها‪ ،‬ول لن فكره – في جميع الحوال ‪ -‬يعجز‬
‫عن فهمها ؛ ولكن لن نفسه ل تطيق احتمال تبعاتها‪ ،‬فيتخيل فيها‬
‫أخطارا ً موهومة‪ ،‬ومشكلت ل حل لها‪ ،‬فيفر منها إبقاء على‬
‫نفسه من الخطار!‬
‫ولعل الذين يمعنون النظر في الحياة المصرية ‪ -‬والشرقية ‪ -‬في‬
‫العهود الخيرة يدركون أثر هذه العبودية الخفية التي وضعها‬
‫الستعمار الخبيث في نفوس الشرقيين ليستعبدهم للغرب‪.‬‬
‫يدركونها في المشروعات المعطلة التي ل يعطلها ‪ -‬في كثير من‬
‫الحيان ‪ -‬إل الجبن عن مواجهة نتائجها! والمشروعات المدروسة‬
‫التي ل تنفذها الحكومات حتى تستقدم خبيرا ً انجليزياً أو أمريكيا ً [‬
‫‪ ..]27‬الخ‪ .‬ليحتمل عنها مسؤولية المشروع ويصدر الذن بالتنفيذ!‬
‫والشلل المروع الذي يخيم على الموظفين في الدواوين ويقيد‬
‫إنتاجهم بالروتين المتحجر‪ ،‬لن أحدا ً من الموظفين ل يستطيع أن‬
‫يصنع إل ما يأمره به " السيد " الموظف الكبير‪ ،‬وهذا بدوره ل‬
‫يملك إل إطاعة " السيد " الوزير‪ ،‬ل لن هؤلء جميعا ً يعجزون عن‬
‫العمل‪ ،‬ولكن لن جهاز التبعات عندهم معطل وجهاز الطاعة‬
‫عندهم متضخم‪ ،‬فهم أشبه شيء بالعبيد‪ ،‬وإن كانوا رسميا ً من‬
‫الحرار!‬
‫هذا التكيف النفسي للعبد هو الذي يستعبده‪ .‬وهو ناشىء في‬
‫أصله من الملبسات الخارجية بطبيعة الحال‪ ،‬ولكنه يستقل عنها‪،‬‬
‫ويصبح شيئا ً قائما ً بذاته كفرع الشجرة الذي يتدلى إلى الرض‪،‬‬
‫ثم يمد جذورا ً خاصة به ويستقل عن الصل‪ .‬وهذا التكيف‬
‫النفسي ل يذهب به إعلن تصدره الدولة بإلغاء الرق ‪.‬بل ينبغي‬
‫أن يغير من الداخل‪ ،‬بوضع ملبسات جديدة تكيف المشاعر على‬
‫نحو آخر‪ ،‬وتنمي الجهزة الضامرة في نفس العبد‪ ،‬وتصنع كياناً‬
‫بشريا ً سويا ً من كيانه المشوه الممسوخ ‪.‬‬
‫وذلك ما صنعه السلم‪.‬‬
‫فقد بدأ أول بالمعاملة الحسنة للرقيق‪ .‬ول شيء كحسن‬
‫المعاملة يعيد توازن النفس المنحرفة‪ ،‬ويرد إليها اعتبارها‪،‬‬

‫‪973‬‬
‫فتشعر بكيانها النساني‪ ،‬وكرامتها الذاتية‪ ،‬وحين ذلك تحس طعم‬
‫الحرية فتتذوقه‪ ،‬ول تنفر منه كما نفر عبيد أمريكا المحررون‪.‬‬
‫وقد وصل السلم في حسن المعاملة ورد العتبار النساني‬
‫للرقيق إلى درجة عجيبة ضربنا أمثلة منها من قبل في آيات‬
‫القرآن وأحاديث الرسول‪ ،‬ونسرد هنا أمثلة أخرى في التطبيق‬
‫الواقعي‪.‬‬
‫كان الرسول صلى الله عليه وسلم يؤاخي بين بعض الموالي‬
‫وبعض الحرار من سادة العرب‪ .‬فآخى بين بلل بن رباح وخالد‬
‫بن رويحة الخثعمي‪ ،‬وبين موله زيد وعمه حمزة‪ ،‬وبين خارجة بن‬
‫زيد وأبي بكر‪ ،‬وكانت هذه المؤاخاة صلة حقيقية تعدل رابطة‬
‫الدم وتصل إلى حد الشتراك في الميراث!‬
‫ولم يكتف بهذا الحد …‬
‫فقد زوج بنت عمته زينب بنت جحش من موله زيد‪ .‬والزواج‬
‫مسألة حساسة جدا ً وخاصة من جانب المرأة‪ ،‬فهي تقبل أن‬
‫تتزوج من يفضلها مقاما ً ولكنها تأبى أن يكون زوجها دونها في‬
‫الحسب والنسب والثروة‪ ،‬وتحس أن هذا يحط من شأنها ويغض‬
‫من كبريائها‪ .‬ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يهدف إلى‬
‫معنى أسمى من كل ذلك وهو رفع الرقيق من الوهدة التي‬
‫دفعته إليها البشرية الظالمة إلى مستوى أعظم سادة العرب من‬
‫قريش‪.‬‬
‫ولم يكتف كذلك بهذا الحد‪.‬‬
‫فقد أرسل موله زيدا ً على رأس جيش فيه النصار والمهاجرون‬
‫من سادات العرب‪ ،‬فلما قتل ولى ابنه أسامة بن زيد قيادة‬
‫الجيش‪ ،‬وفيه أبو بكر وعمر وزيرا الرسول وخليفتاه من بعده‪،‬‬
‫فلم يعط المولى بذلك مجرد المساواة النسانية‪ ،‬بل أعطاه حق‬
‫القيادة والرئاسة على " الحرار "‪ .‬ووصل في ذلك إلى أن يقول‪:‬‬
‫" اسمعوا وأطيعوا ولو استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه‬
‫زبيبة‪ ،‬ما أقام فيكم كتاب الله تبارك وتعالى [‪ ."]28‬فأعطى‬
‫الموالي بذلك الحق في أرفع مناصب الدولة‪ ،‬وهو ولية أمر‬
‫المسلمين‪ .‬وقد قال عمر وهو يستخلف‪ " :‬لو كان سالم مولى‬
‫أبي حذيفة حيا ً لوليته " فيسير على نفس المبدأ الذي سنه‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪ .‬ويضرب عمر مثل ً آخر من المثلة‬
‫الرائعة على احترام الموالي ؛ إذ يعارضه بلل بن رباح في مسألة‬
‫الفيء فيشتد في معارضته‪ ،‬فل يجد سبيل ً في رده إل أن يقول‪" :‬‬
‫اللهم اكفني بلل ً وأصحابه "! ذلك وهو الخليفة الذي كان يملك ‪-‬‬
‫لو أراد ‪ -‬أن يأمر فيطاع!‬

‫‪974‬‬
‫هذه النماذج التي وضعها السلم كان المقصود بها تحرير الرقيق‬
‫من الداخل ‪ -‬كما قلنا في مبدأ هذا الفصل ‪ -‬لكي يحس بكيانه‬
‫فيطلب الحرية‪ ،‬وهذا هو الضمان الحقيقي للتحرير‪.‬‬
‫وصحيح أنه شجع على العتق وحث عليه بكل الوسائل‪ ،‬ولكن‬
‫هذا نفسه كان جزءا ً من التربية النفسية للرقيق‪ ،‬لكي يشعروا أن‬
‫في إمكانهم أن يحصلوا على الحرية ويتمتعوا بكل ما يتمتع به‬
‫السادة من حقوق‪ ،‬فتزداد رغبتهم في الحرية ويتقبلوا احتمال‬
‫التبعات في سبيلها‪ ،‬وهنا يسارع في منحها لهم‪ ،‬لنهم حينئذ‬
‫مستحقون لها‪ ،‬قادرون على صيانتها‪.‬‬
‫وفرق كبير بين النظام الذي يشجع الناس على طلب الحرية‬
‫ويهيء لها الوسائل‪ ،‬ثم يعطيها لهم في اللحظة التي يطلبونها‬
‫بأنفسهم‪ ،‬وبين النظم التي تدع المور تتعقد وتتحرج‪ ،‬حتى تقوم‬
‫الثورات القتصادية والجتماعية وتزهق الرواح بالمئات واللوف‪،‬‬
‫ثم ل تعطي الحرية لطلبها إل مجبرة كارهة‪.‬‬
‫وقد كان من فضائل السلم الكبرى في مسألة الرقيق‪ ،‬أنه قد‬
‫حرص على التحرير الحقيقي له من الداخل والخارج‪ ،‬فلم يكتف‬
‫بالنية الطيبة كما فعل لنكولن بإصدار تشريع ل رصيد له في‬
‫داخل النفوس ؛ مما يثبت عمق إدراك السلم للطبيعة البشرية‪،‬‬
‫وفطنته إلى خير الوسائل لمعالجتها‪ .‬وهذا إلى جانب تطوعه‬
‫بإعطاء الحقوق لصحابها‪ ،‬مع تربيتهم على التمسك بها واحتمال‬
‫تبعاتها ‪ -‬على أساس الحب والمودة بين جميع طوائف المجتمع ‪-‬‬
‫قبل أن يتصارعوا من أجل هذه الحقوق‪ ،‬كما حدث في أوربا‪،‬‬
‫ذلك الصراع البغيض الذي يجفف المشاعر ويورث الحقاد‪.‬‬
‫فيفسد كل ما يمكن أن تصيبه البشرية من الخير في أثناء‬
‫الطريق‪.‬‬
‫والن نتحدث عن العامل الكبر الذي جعل السلم يضع الساس‬
‫لتحرير الرقيق ثم يدعه يعمل عمله من خلل الجيال‪.‬‬
‫لقد جفف السلم منابع الرق القديمة كلها‪ ،‬فيما عدا منبعا ً واحداً‬
‫لم يكن يمكن أن يجففه‪ ،‬وهو رق الحرب‪ .‬ولنأخذ في شيء من‬
‫التفصيل‪.‬‬
‫كان العرف السائد يومئذ هو استرقاق أسرى الحرب أو قتلهم [‬
‫‪ ]29‬وكان هذا العرف قديما ً جداً‪ ،‬موغل ً في ظلمات التاريخ‪ ،‬يكاد‬
‫يرجع إلى النسان الول‪ ،‬ولكنه ظل ملزما ً للنسانية في شتى‬
‫أطوارها‪.‬‬
‫وجاء السلم والناس على هذا الحال‪ .‬ووقعت بينه وبين أعداءه‬
‫الحروب‪ ،‬فكان السرى المسلمون يسترقون عند أعداء السلم‪،‬‬
‫فتسلب حرياتهم‪ ،‬ويعامل الرجال منهم بالعسف والظلم الذي‬

‫‪975‬‬
‫كان يجري يومئذ على الرقيق‪ ،‬وتنتهك أعراض النساء لكل‬
‫طالب‪ ،‬يشترك في المرأة الواحدة الرجل وأولده وأصدقاؤه من‬
‫يبغي الستمتاع منهم‪ ،‬بل ضابط ول نظام‪ ،‬ول احترام لنسانية‬
‫أولئك النساء أبكارا ً كن أم غير أبكار‪ .‬أما الطفال – إن وقعوا‬
‫أسرى – فكانوا ينشأون في ذل العبودية البغيض ‪.‬‬
‫عندئذ لم يكن جديرا ً بالمسلمين أن يطلقوا سراح من يقع في‬
‫أيديهم من أسرى العداء‪ .‬فليس من حسن السياسة أن تشجع‬
‫عدوك عليك بإطلق أسراه‪ ،‬بينما أهلك وعشيرتك وأتباع دينك‬
‫يسامون الخسف والعذاب عند هؤلء العداء‪ .‬والمعاملة بالمثل‬
‫هنا هي أعدل قانون تستطيع استخدامه‪ ،‬أو هي القانون الوحيد‪.‬‬
‫ومع ذلك فينبغي أن نلحظ فروقا ً عميقة بين السلم وغيره من‬
‫النظم في شأن الحرب وأسرى الحرب ‪.‬‬
‫كانت الحروب – وما تزال – في غير العالم السلمي ل يقصد بها‬
‫إل الغزو والفتك والستعباد‪ .‬كانت تقوم على رغبة أمة في قهر‬
‫غيرها من المم‪ ،‬وتوسيع رقعتها على حسابها‪ ،‬أو لستغلل‬
‫مواردها وحرمان أهلها منها ؛ أو لشهوة شخصية تقوم في نفس‬
‫ملك أو قائد حربي‪ ،‬ليرضي غروره الشخصي وينتفش كبراً‬
‫وخيلء‪ ،‬أو لشهوة النتقام‪ ..‬أو ما إلى ذلك من الهداف الرضية‬
‫الهابطة‪ .‬وكان السرى الذين يسترقون‪ ،‬ل يسترقون لخلف في‬
‫عقيدة‪ ،‬ول لنهم في مستواهم الخلقي أو النفسي أو الفكري‬
‫أقل من آسريهم‪ ،‬ولكن فقط لنهم غلبوا في الحرب‪.‬‬
‫وكذلك لم تكن لهذه الحرب تقاليد تمنع من هتك العراض أو‬
‫تخريب المدن المسالمة‪ ،‬أو قتل النساء والطفال والشيوخ‪،‬‬
‫وذلك منطقي مع قيامها لغير عقيدة ول مبدأ ول هدف رفيع‪.‬‬
‫فلما جاء السلم أبطل ذلك كله‪ ،‬وحرم الحروب كلها‪ .‬إل أن‬
‫تكون جهادا ً في سبيل الله‪ ..‬جهادا ً لدفع اعتداء عن المسلمين‪ ،‬أو‬
‫لتحطيم القوى الباغية التي تفتن الناس عن دينهم بالقهر والعنف‪.‬‬
‫أو لزالة القوى الضالة التي تقف في سبيل الدعوة وإبلغها‬
‫للناس ليروا الحق ويسمعوه‪.‬‬
‫( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم‪ ،‬ول تعتدوا إن الله ل‬
‫يحب المعتدين) [‪( ]30‬وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين‬
‫كله لله) [‪.]31‬‬
‫فهي دعوة سلمية ل تكره أحداً‪( :‬ل إكراه في الدين قد تبين‬
‫الرشد من الغي) [‪ ]32‬وبقاء اليهود والمسيحيين في العالم‬
‫السلمي على دينهم حتى اللحظة برهان قاطع ل يقبل الجدل ول‬
‫المماحكة‪ ،‬يثبت أن السلم لم يكره غيره على اعتناقه بقوة‬
‫السيف [‪.]33‬‬

‫‪976‬‬
‫فاذا قبل الناس السلم‪ ،‬واهتدوا إلى دين الحق‪ ،‬فل حرب ول‬
‫خصومة ول خضوع من أمة لمة‪ ،‬ول تمييز بين مسلم ومسلم‬
‫على وجه الرض‪ ،‬ول فضل لعربي على عجمي إل بالتقوى‪.‬‬
‫فمن أبى السلم وأراد أن يحتفظ بعقيدته في ظل النظام‬
‫السلمي – مع إيمان السلم بأنه خير من هذه العقيدة وأقوم‬
‫سبيل ً – فله ذلك دون إكراه ول ضغط‪ ،‬على أن يدفع الجزية‬
‫مقابل حماية السلم له‪ ،‬بحيث تسقط الجزية أو ترد إن عجز‬
‫المسلمون عن حمايته [‪ ]34‬فإن أبوا السلم والجزية فهم إذن‬
‫معاندون متبجحون‪ ،‬ل يريدون للدعوة السلمية أن تأخذ طريقها‪،‬‬
‫وإنما يريدون أن يقفوا بالقوة المادية في طريق النور الجديد‬
‫يحجبونه عن عيون قوم ربما اهتدوا لو خلي بينهم وبين النور‪.‬‬
‫عند ذلك فقط يقوم القتال‪ ،‬ولكنه ل يقوم بغير إنذار أو إعلن‪،‬‬
‫لعطاء فرصة أخيرة لحقن الدماء ونشر السلم في ربوع الرض‪:‬‬
‫(وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله) [‪.]35‬‬
‫تلك هي الحرب السلمية‪ ،‬ل تقوم على شهوة الفتح ول رغبة‬
‫الستغلل‪ ،‬ول دخل فيها لغرور قائد حربي أو ملك مستبد‪ ،‬فهي‬
‫حرب في سبيل الله وفي سبيل هداية البشرية‪ ،‬حين تخفق‬
‫الوسائل السلمية كلها في هداية الناس‪.‬‬
‫ولها مع ذلك تقاليد ؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في‬
‫وصيته‪" :‬اغزوا باسم الله في سبيل الله‪ .‬قاتلوا من كفر بالله‪.‬‬
‫اغزوا ول تغدروا ول تمثلوا ول تقتلوا وليدا" [‪.]36‬‬
‫فل قتل لغير المحارب الذي يقف بالسلح يقاتل المسلمين‪ ،‬ول‬
‫تخريب ول تدمير ول هتك للعراض‪ ،‬ول إطلق لشهوة الشر‬
‫والفساد‪( :‬إن الله ل يحب المفسدين)‬
‫وقد راعى المسلمون تقاليدهم النبيلة هذه في كل حروبهم‪،‬‬
‫حتى في الحروب الصليبية الغادرة‪ ،‬حين انتصروا على عدوهم‬
‫الذي كان في جولة سابقة قد انتهك الحرمات واعتدى على‬
‫المسجد القصى فهاجم المحتمين فيه بحمى الله – رب الجميع –‬
‫وأسال دماءهم فيه أنهاراً‪ ،‬فلم ينتقموا لنفسهم حين جاءهم‬
‫النصر‪ ،‬وهم يملكون الذن من الدين ذاته بالمعاملة بالمثل‪( :‬فمن‬
‫اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) [‪ .]37‬ولكنهم‬
‫ضربوا المثل العلى الذي يعجز عنه غير المسلمين في كل‬
‫الرض حتى العصر الحديث‪.‬‬
‫ذلك فارق أساسي في أهداف الحرب وتقاليدها بين المسلمين‬
‫وغير المسلمين‪ .‬وقد كان السلم يملك لو أراد – والحق يسنده‬
‫في ذلك – أن يعتبر من يقع في يديه من السرى – ممن يعاندون‬
‫الهدى ويصرون على وثنيتهم الهابطة وشركهم المخرف – قوماً‬

‫‪977‬‬
‫ناقصي الدمية‪ ،‬ويسترقهم بهذا المعنى وحده ‪.‬فما يصر بشر على‬
‫هذه الخرافة – بعد إذ يرى النور – إل أن يكون في نفسه هبوط‬
‫أو في عقله انحراف‪ ،‬فهو ناقص في كيانه البشري‪ ،‬غير جدير‬
‫بكرامة الدميين‪ ،‬وحرية الحرار من بني النسان‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن السلم لم يسترق السرى لمجرد اعتبار أنهم‬
‫ناقصون في آدميتهم‪ ،‬وإنما لنهم – وهذه حالهم – قد جاءوا‬
‫يعتدون على حمى السلم‪ ،‬أو وقفوا بالقوة المسلحة يحولون‬
‫بين الهدى الرباني وبين قلوب الناس ‪.‬‬
‫وحتى مع ذلك فلم يكن تقليد السلم الدائم هو استرقاق‬
‫السرى‪ .‬فقد أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم بعض أسرى‬
‫بدر من المشركين منًّا بغير فداء‪ ،‬وأطلق بعضهم لقاء فدية‪ ،‬وأخذ‬
‫من نصارى نجران جزية ورد إليهم أسراهم‪ ،‬ليضرب بذلك المثل‬
‫لما يريد أن تهتدي إليه البشرية في مستقبلها‪.‬‬
‫ومما هو جدير بالشارة هنا أن الية الوحيدة التي تعرضت‬
‫لسرى الحرب‪( :‬فإما منّا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب‬
‫أوزارها) [‪ ]38‬لم تذكر السترقاق للسرى‪ ،‬وإنما ذكرت الفداء‬
‫وإطلق السراح دون مقابل‪ ،‬حتى ل يكون السترقاق تشريعاً‬
‫دائما ً للبشرية ول ضربة لزب‪ ،‬إنما هو أمر يلجأ إليه الجيش‬
‫السلمي المحارب إذا اقتضته الظروف والملبسات‪.‬‬
‫يضاف إلى ذلك أن السرى الذين كانوا يقعون في يد السلم‬
‫كانوا يعاملون تلك المعاملة الكريمة التي وصفناها من قبل‪ ،‬ول‬
‫يلقون الهوان والتعذيب‪ ،‬وكان يفتح أمامهم باب التحرر حين‬
‫تسعى نفوسهم إليه وتحتمل تبعاته‪ ،‬وإن كان معظمهم في الواقع‬
‫لم يكن حرا ً قبل أسره‪ ،‬إنما كان من الرقيق الذي استرقه‬
‫الفرس والرومان ودفعوه إلى قتال المسلمين‪.‬‬
‫فكأن المر في الحقيقة لم يكن استرقاقا ً من أجل السترقاق‪.‬‬
‫ول كان الرق أصل ً دائما ً يهدف السلم إلى المحافظة عليه‪،‬‬
‫فاتجاه السلم إلى تحرير الرقيق هو التجاه البارز الذي تشير‬
‫كل الدلئل إليه ‪.‬‬
‫وإنما هو وضع موقوت يؤدي في النهاية إلى التحرير‪.‬‬
‫تقوم الحرب بين المسلمين وأعداء السلم فيقع بعض السرى‬
‫من الكفار في يد المسلمين‪ ،‬فيصبحون – في بعض الحالت‪ ،‬ل‬
‫في كل الحالت ول بصورة حتمية – رقيق حرب‪ ،‬فيعيشون فترة‬
‫من الزمن في جو المجتمع السلمي‪ ،‬يبصرون عن كثب صورة‬
‫العدل الرباني مطبقا ً في واقع الرض‪ ،‬وتشملهم روح السلم‬
‫الرحيمة بحسن معاملتها واعتباراتها النسانية‪ ،‬فتتشرب أرواحهم‬
‫بشاشة السلم‪ ،‬وتتفتح بصائرهم للنور ‪..‬وعندئذ يحررهم السلم‬

‫‪978‬‬
‫بالعتق في بعض الحيان‪ ،‬أو بالمكاتبة إن تاقت نفوسهم إلى‬
‫الحرية وسعوا إليها‪.‬‬
‫وبذلك تصبح الفترة التي يقضونها في الرق في الحقيقة فترة‬
‫علج نفسي وروحي‪ ،‬قوامه إحسان المعاملة لهم‪ ،‬وإشعارهم‬
‫بآدميتهم المهدرة‪ ،‬وتوجيه أرواحهم إلى النور الرباني بغير إكراه‪..‬‬
‫ثم في النهاية يكون التحرير‪..‬‬
‫وذلك كله في حالة السترقاق‪ .‬وليست هي السبيل الوحيد الذي‬
‫يسلكه السلم‪ ،‬كما يتضح من آية التشريع‪ ،‬ومن السلوك العملي‬
‫للرسول صلى الله عليه وسلم في مختلف الغزوات‪.‬‬
‫أما النساء فقد كرمهن ‪ -‬حتى في رقهن ‪ -‬عما كن يلقين في‬
‫غير بلد السلم‪ .‬فلم تعد أعراضهن نهبا ً مباحا ً لكل طالب على‬
‫طريقة البغاء (وكان هذا هو مصير أسيرات الحروب في أغلب‬
‫الحيان) وإنما جعلهن ملكا ً لصاحبهن وحده‪ ،‬ل يدخل عليهن أحد‬
‫غيره‪ ،‬وجعل من حقهن نيل الحرية بالمكاتبة‪ ،‬كما كانت تحرر من‬
‫ولدت لسيدها ولدا ً ويحرر معها ولدها‪ ،‬وكن يلقين من حسن‬
‫المعاملة ما أوصى به السلم‪.‬‬
‫***‬
‫تلك قصة الرق في السلم‪ :‬صفحة مشرفة في تاريخ البشرية‪.‬‬
‫فالسلم لم يجعل الرق أصل ً من أصوله‪ ،‬بدليل أنه سعى إلى‬
‫تحريره بشتى الوسائل‪ ،‬وجفف منابعه كلها لكي ل يتجدد‪ ،‬فيما‬
‫عدا المنبع الواحد الذي ذكرناه وهو رق الحرب المعلنة للجهاد‬
‫في سبيل الله‪ .‬وقد رأينا أن الرق فيها ليس ضربة لزب‪ ،‬وأنه –‬
‫إن حدث – فلفترة موقوتة تؤدي في النهاية إلى التحرير‪..‬‬
‫أما ما حدث في بعض العهود السلمية من الرق في غير أسرى‬
‫الحروب الدينية‪ ،‬ومن نخاسة واختطاف وشراء لمسلمين ل يجوز‬
‫استرقاقهم أصلً‪ ،‬فإن نسبته إلى السلم ليست أصدق ول أعدل‬
‫من نسبة حكام المسلمين اليوم إلى السلم بما يرتكبونه من‬
‫موبقات وآثام!‬
‫وينبغي أن نجعل بالنا إلى عدة أمور في هذا الموضوع‪.‬‬
‫الول‪ :‬هو تعدد منابع الرق عند الدول الخرى بغير ضرورة ملجئة‬
‫سوى شهوة الستعباد‪ ،‬من استرقاق أمة لمة‪ ،‬وجنس لجنس‪،‬‬
‫واسترقاق للفقر‪ .‬واسترقاق بالوراثة من الميلد في طبقة معينة‪،‬‬
‫واسترقاق بسبب العمل في الرض إلخ‪ ،‬وإلغاء هذه المنابع كلها‬
‫في السلم‪ ،‬فيما عدا المنبع الوحيد الذي شرحنا ظروفه من‬
‫قبل‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن أوربا مع تعدد موارد الرق فيها بغير ضرورة‪ ،‬لم تلغ‬
‫الرق حين ألغته متطوعة‪ ،‬وكتابهم يعترفون بأن الرق ألغي حين‬

‫‪979‬‬
‫ضعف إنتاج الرقيق – لسوء أحوالهم المعيشية وفقدان الرغبة أو‬
‫القدرة على العمل – بحيث أصبحت تكاليف العبد من إعاشة‬
‫وحراسة أكثر من إنتاجه !!فهي إذن حسبة اقتصادية ل غير‪،‬‬
‫يحسب فيها المكسب والخسارة‪ ،‬ول ظل فيها لي معنى من‬
‫المعاني النسانية التي تشعر بكرامة الجنس البشري‪ ،‬فتمنح‬
‫الرقيق حريته من أجلها !هذا بالضافة إلى الثورات المتتابعة التي‬
‫قام بها الرقيق فاستحال معها دوام استرقاقه‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن أوربا حينئذ لم تمنحه الحرية‪ .‬ولكنها حولته من‬
‫رقيق للسيد إلى رقيق للرض‪ ،‬يباع معها ويشترى‪ ،‬ويخدم فيها‪،‬‬
‫ول يجوز له أن يغادرها‪ ،‬وإل اعتبر آبقا ً وأعيد إليها بقوة القانون‬
‫مكبل ً بالسلسل مكويا ً بالنار‪ .‬وهذا اللون من الرق هو الذي بقي‬
‫حتى حرمته الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر‪ ،‬أي بعد أن‬
‫قرر السلم مبدأ التحرير بما يزيد على ألف ومائة عام‪.‬‬
‫والمر الثالث‪ :‬أنه ل يجوز أن تخدعنا السماء‪ .‬فقد ألغت الثورة‬
‫الفرنسية الرق في أوربا‪ ،‬وألغى لنكولن الرق في أمريكا‪ ،‬ثم‬
‫اتفق العالم على إبطال الرق‪ ..‬كل ذلك من الظاهر‪ .‬وإل فأين هو‬
‫الرق الذي ألغي؟ وما اسم ما يحدث اليوم في كل أنحاء العالم؟‬
‫وما اسم الذي كانت تصنعه فرنسا في المغرب السلمي؟ وما‬
‫اسم الذي تصنعه أمريكا في الزنوج‪ ،‬وانجلترا في الملونين في‬
‫جنوب افريقيا؟‬
‫أليس الرق في حقيقته هو تبعية قوم لقوم آخرين‪ ،‬وحرمان‬
‫طائفة من البشر من الحقوق المباحة للخرين؟ أم هو شيء غير‬
‫ذلك؟ وماذا يعني أن يكون هذا تحت عنوان الرق‪ ،‬أو تحت عنوان‬
‫الحرية والخاء والمساواة؟ ماذا تجدي العناوين البراقة إذا كانت‬
‫الحقائق التي وراءها هي أخبث ما عرفته البشرية من الحقائق‬
‫في تاريخها الطويل؟‬
‫لقد كان السلم صريحا ً مع نفسه ومع الناس فقال ‪:‬هذا رق‪،‬‬
‫وسببه الوحيد هو كذا‪ ،‬والطريق إلى التحرر منه مفتوح‪.‬‬
‫أما الحضارة الزائفة التي نعيش اليوم في أحضانها‪ ،‬فل تجد في‬
‫نفسها هذه الصراحة‪ ،‬فهي تصرف براعتها في تزييف الحقائق‬
‫وطلء اللفتات البراقة‪ .‬فقتل مئات اللوف في تونس والجزائر‬
‫والمغرب لغير شيء سوى أنهم يطالبون بالحرية والكرامة‬
‫النسانية‪ :‬حريتهم في أن يعيشوا في بلدهم بل دخيل‪ ،‬وأن‬
‫يتكلموا لغتهم‪ ،‬ويعتقدوا عقيدتهم‪ ،‬ول يخدموا إل أنفسهم‪.‬‬
‫وحريتهم في التعامل المباشر مع العالم في السياسة‬
‫والقتصاد‪ ...‬قتل هؤلء البرياء وحبسهم في السجون القذرة بل‬
‫طعام ول ماء‪ ،‬وانتهاك أعراضهم والسطو على نسائهم‪ ،‬وقتلهن‬

‫‪980‬‬
‫بل مبرر وشق بطونهن للتراهن على نوع الجنين‪ ..‬هذا اسمه في‬
‫القرن العشرين حضارة ومدنية ونشر لمبادئ الحرية والخاء‬
‫والمساواة‪ .‬أما المعاملة المثالية الكريمة التي كان يمنحها‬
‫السلم للرقيق قبل ثلثة عشر قرناً‪ ،‬تطوعا ً منه وإكراما ً للجنس‬
‫البشري في جميع حالته‪ ،‬مع إعلنه العملي بأن الرق وضع‬
‫مؤقت وليس حالة دائمة‪ ،‬فهذا اسمه تأخر وانحطاط وهمجية‪.‬‬
‫وحين يضع المريكان على فنادقهم ونواديهم لفتات تقول‪" :‬‬
‫للبيض فقط " أو تقول في وقاحة كريهة‪ " :‬ممنوع دخول السود‬
‫والكلب "‪ ،‬وحين يفتك جماعة من البيض " المتحضرين " بواحد‬
‫من الملونين‪ ،‬فيطرحونه أرضا ً ويضربونه بأحذيتهم حتى يسلم‬
‫الروح‪ ،‬ورجل الشرطة واقف ل يتحرك ول يتدخل‪ ،‬ول يهم لنجدة‬
‫أخيه في الوطن وفي الدين واللغة فضل ً عن الخوة في البشرية‪،‬‬
‫كل ذلك لنه – وهو ملون – تجرأ فمشى إلى جانب فتاة أمريكية‬
‫بيضاء ل عرض لها – وبإذنها ل كرها عنها – يكون هذا هو أقصى‬
‫ما وصل إليه القرن العشرون من التحضر والرتفاع‪.‬‬
‫أما حين يتهدد العبد المجوسي عمر بالقتل‪ ،‬ويفهم عنه عمر‬
‫ذلك‪ ،‬ثم ل يحبسه ول ينفيه من الرض‪ ،‬ول نقول يقتله‪ ،‬وهو‬
‫مخلوق ناقص الدمية حقا لنه يعبد النار ويصر على عبادتها تعصباً‬
‫منه للباطل بعد أن رأى الحق بعينيه‪ ،‬فما أشد همجية عمر‪ ،‬وما‬
‫أشد ازدراءه لكرامة الجنس البشري لنه قال‪ " :‬تهددني العبد "!‬
‫ثم تركه حرا ً حتى ارتكب جريمته فقتل خليفة المسلمين‪ ،‬لنه لم‬
‫يكن يملك عليه سلطاناً قبل أن يقترف الجريمة‪.‬‬
‫وقصة الملونين في أفريقيا‪ ،‬وحرمانهم من حقوقهم البشرية‬
‫وقتلهم أو " اصطيادهم " حسب تعبير الجرائد النجليزية الوقحة‪،‬‬
‫لنهم تجرأوا فأحسوا بكرامتهم وطالبوا بحريتهم‪ ،‬هذا هو العدل‬
‫البريطاني في قمته‪ ،‬والحضارة النسانية في أوجها‪ ،‬والمبادئ‬
‫السامية التي تجيز لوربا الوصاية على العالم‪ .‬أما السلم فهو‬
‫همجي جدا ً لنه لم يتعلم " اصطياد " البشر‪ ،‬والتلهي بقتلهم‬
‫لنهم سود البشرة‪ .‬بل وصل توغله في التأخر والنحطاط أن‬
‫يقول‪ " :‬اسمعوا وأطيعوا ولو استعمل عليكم عبد حبشي كأن‬
‫رأسه زبيبة" ‪..‬‬
‫أما المرأة فلها حساب آخر‪.‬‬
‫كان السلم قد أباح للسيد أن يكون عنده عدد من الجواري من‬
‫سبى الحرب [‪ ]39‬يستمتع بهن وحده‪ ،‬ويتزوج منهن أحيانا ً إذا‬
‫شاء‪ .‬وأوربا تستنكر هذا اليوم وتتعفف عن هذه الحيوانية البشعة‬
‫التي تعتبر الجواري متاعاً مباحاً‪ ،‬وأجسادا ً ل حرمة لها ول كرامة‪،‬‬

‫‪981‬‬
‫كل مهمتها في الحياة إشباع لذة بهيمية بغيضة‪ ،‬لرجل ل يرتفع‬
‫عن مستوى الحيوان‪.‬‬
‫وجريمة السلم الحقيقية في هذا المر أنه ل يبيح البغاء! فقد‬
‫كانت أسيرات الحرب في البلد الخرى يهوين إلى حمأة الرذيلة‬
‫بحكم أنه ل عائل لهن‪ ،‬ولن سادتهن ل يشعرن نحوهن بحمية‬
‫العرض‪ ،‬فيشغلونهن في هذه المهمة البغيضة‪ ،‬ويكسبون من هذه‬
‫التجارة القذرة‪ :‬تجارة العراض‪ .‬ولكن السلم – المتأخر – لم‬
‫يقبل البغاء‪ ،‬وحرص على حفظ المجتمع نظيفا ً من الجريمة‪،‬‬
‫فقصر هؤلء الجواري على سيدهن‪ ،‬عليه إطعامهن وكسوتهن‬
‫وحفظهن من الجريمة‪ ،‬وإرضاء حاجتهن الجنسية – عرضا ً – وهو‬
‫يقضي حاجته‪.‬‬
‫أما ضمير أوربا فل يطيق هذه الحيوانية‪ ...‬ولذلك أباحت البغاء‬
‫ومنحته رعاية القانون وحمايته! وراحت تنشره عامدة في كل بلد‬
‫وطئته أقدامها مستعمرة‪ .‬فما الذي تغير من الرق حين تغير‬
‫عنوانه؟ وأين كرامة البغي وهي ل تملك رد طالب – وما يطلبها‬
‫أحد إل لقذر معنى يمكن أن تهبط إليه البشرية‪ :‬دفعة الجسد‬
‫الخالصة التي ل تلطفها عاطفة‪ ،‬ول ترتفع بها روح؟ وأين من هذه‬
‫القذارة الحسية والمعنوية ما كان بين السادة والجواري في‬
‫السلم؟‬
‫لقد كان السلم صريحا ً مع نفسه ومع الناس‪ ،‬فقال‪ :‬هذا رق‪.‬‬
‫وهؤلء جوار‪ .‬وحدود معملتهن هي كذا وكذا‪ .‬ولكن الحضارة‬
‫المزيفة ل تجد في نفسها هذه الصراحة‪ ،‬فهي ل تسمي البغاء‬
‫رقا‪ ،‬وإنما تقول عنه إنه " ضرورة اجتماعية "!‬
‫ولماذا هو ضرورة؟‬
‫لن الرجل الوربي المتحضر ل يريد أن يعول أحداً‪ :‬ل زوجة ول‬
‫أولداً‪ .‬يريد أن يستمتع دون أن يحتمل تبعة‪ .‬يريد جسد امرأة‬
‫يفرغ فيه شحنة الجنس‪ .‬ول يعنيه من تكون هذه المرأة‪ ،‬ول تعنيه‬
‫مشاعرها نحوه ول مشاعره نحوها‪ .‬فهو جسد ينزو كالبهيمة‪،‬‬
‫وهي جسد يتلقى هذه النزوة بل اختيار‪ ،‬ويتلقاها ل من واحد‬
‫بعينه‪ ،‬ولكن من أي عابر سبيل‪.‬‬

‫هذه هي " الضرورة " الجتماعية التي تبيح استرقاق النساء في‬
‫الغرب في العصر الحديث‪ .‬وما هي بضرورة لو ارتفع الرجل‬
‫الوربي إلى مستوى " النسانية " ولم يجعل لنانيته كل هذا‬
‫السلطان عليه‪.‬‬
‫والدول التي ألغت البغاء في الغرب المتحضر لم تلغه لن‬
‫كرامتها أوجعتها‪ ،‬أو لن مستواها الخلقي والنفسي والروحي قد‬

‫‪982‬‬
‫ارتفع عن الجريمة‪ .‬كل! ولكن لن الهاويات قد أغنين عن‬
‫المحترفات‪ .‬ولم تعد الدولة في حاجة إلى التدخل!‬
‫وبعد ذلك يجد الغرب من التبجح ما يعيب به نظام الجواري في‬
‫السلم‪ ،‬ذلك النظام الذي كان قبل ألف وثلثمائة عام – وعلى أنه‬
‫نظام غير مطلوب له الدوام – أكرم بكثير وأنظف بكثير من‬
‫النظام الذي يقوم اليوم في القرن العشرين‪ ،‬وتعتبره المدنية‬
‫نظاما ً طبيعيا ‪ ،‬ل يستنكره أحد‪ ،‬ول يسعى في تغييره أحد‪ ،‬ول‬
‫يمانع أحد في أن يظل باقيا ً إلى نهاية الحياة!‬
‫ول يقل قائل إن هؤلء " الهاويات " يتطوعن دون إكراه من أحد‬
‫وهن مالكات لحريتهن الكاملة‪ .‬فالعبرة بالنظام الذي يدفع الناس‬
‫بأوضاعه القتصادية والجتماعية والسياسية والفكرية والروحية‬
‫إلى قبول الرق أو الوقوع فيه‪ .‬ول شك أن " الحضارة " الوربية‬
‫هي التي تدفع إلى البغاء وتقره‪ ،‬سواء كان البغاء الرسمي أو‬
‫بغاء المتطوعات الهاويات!‬
‫تلك قصة الرق في أوربا حتى القرن العشرين‪ :‬رق الرجال‬
‫والنساء والمم والجناس‪ .‬رق متعدد المنابع متجدد الموارد‪ ،‬في‬
‫غير ضرورة ملجئة‪ ،‬اللهم إل خسة الغرب وهبوطه عن المستوى‬
‫اللئق لبني النسان‪.‬‬
‫ودع عنك استرقاق الدولة الشيوعية لفراد شعبها حتى ل يملك‬
‫أحدهم حرية اختيار العمل الذي يريده‪ ،‬ول المكان الذي يعمل‬
‫فيه‪ ،‬واسترقاق أصحاب رؤوس الموال للعمال في الغرب‬
‫الرأسمالي حتى ل يملك أحدهم سوى اختيار السيد الذي‬
‫يستعبده‪.‬‬
‫دع عنك هذا وذاك‪ ،‬فقد تجد المجادلين عنه والمنافحين‪ .‬ويكفي‬
‫ما سردناه من ألوان الرق الصارخة الصريحة‪ ،‬التي تتم باسم‬
‫المدنية وباسم التقدم الجتماعي! ثم انظر هل تقدمت البشرية‬
‫في أربعة عشر قرناً‪ ،‬بعيدا ً عن وحي السلم‪ ،‬أم إنها ظلت تنحدر‬
‫وتتأخر‪ ،‬حتى لتحتاج اليوم إلى قبس من هدي السلم‪ ،‬يخرجها‬
‫مما هي فيه من الظلم؟!‬
‫]‪ [11‬سنناقش في الفصل التالي شبهة القطاع‪.‬‬
‫]‪ [12‬سورة النساء‪.25 :‬‬
‫]‪ [13‬حديث رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي‪.‬‬
‫]‪ [14‬حديث رواه مسلم وأبو داود‪..‬‬
‫]‪ [15‬أخرجه الطبري في كتاب " آداب النفوس " " بإسناده عمن‬
‫سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى "‪.‬‬
‫]‪ [16‬سورة النساء ‪. :36‬‬
‫]‪ [17‬سورة النساء ‪. :25‬‬

‫‪983‬‬
‫]‪ [18‬حديث رواه البخاري‪.‬‬
‫]‪ [19‬رواه أبو هريرة‪.‬‬

‫]‪[20‬يعتقد الهنود أن الرقيق (المنبوذين) خلقوا من قدم الله‪،‬‬


‫ومن ثم فهم بخلقتهم حقراء مهينون‪ ،‬ول يمكن أن يرتفعوا عن‬
‫هذا الوضع المقسوم لهم إل بتحمل الهوان والعذاب‪ ،‬عسى أن‬
‫تنسخ أرواحهم بعد الموت في مخلوقات أفضل! وبذلك تضاف‬
‫إلى لعنة الوضع السيِّئ الذي يعيشون فيه لعنة أخرى روحية‬
‫تقضي عليهم أن يرضوا بالذل ول يقاوموه‪.‬‬
‫]‪ [21‬ذكره المام الغزالي في إحياء علوم الدين في الكلم عن‬
‫حقوق المملوك‪ ،‬في حديث طويل قال إنه آخر ما أوصى به‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫]‪ [22‬سورة النساء ‪. :92‬‬
‫]‪ [23‬عن " العدالة الجتماعية في السلم "‪.‬‬
‫]‪ [24‬سورة التوبة‪.60 :‬‬
‫]‪ [25‬انظر الفصول التالية‪.‬‬
‫]‪ [26‬يقول دعاة المذهب المادي إن الملبسات الخارجية هي التي‬
‫(تخلق) المشاعر‪ .‬ونحن ل نؤمن بذلك لن فيه مغالطة صارخة‪.‬‬
‫فهناك رصيد نفسي سابق في وجوده لهذه الملبسات‪،‬‬
‫والملبسات (تكيف) هذا الرصيد‪ ،‬لكنها ل تخلقه من العدم‪.‬‬
‫]‪ [27‬أو روسيا ً في بعض البلد الن!‬
‫]‪ [28‬رواه البخاري‪.‬‬
‫]‪ [29‬جاء في الموسوعة التاريخية المسماة " تاريخ العالم‪: Universal‬‬
‫" ‪History of the World‬في ص ‪ 2273‬ما ترجمته‪ " :‬وفي سنة ‪ 599‬رفض‬
‫المبراطور (الروماني) موريس ـ بسبب رغبته في القتصاد ـ أن‬
‫يفتدي بضع ألوف من السرى وقعوا في يد الوار فقتلهم خان‬
‫الوار عن بكرة أبيهم "‪.‬‬
‫]‪ [30‬سورة البقرة‪.190 :‬‬
‫]‪ [31‬سورة النفال‪.: 39‬‬
‫]‪ [32‬سورة البقرة‪.256 :‬‬
‫]‪ [33‬شهد بذلك مسيحي أوربي هو السيرت‪.‬و‪.‬أرنولد في كتابه‬
‫(الدعوة إلى السلم)‪.‬‬
‫]‪ [34‬المثلة على ذلك كثيرة منها مثالن وردا في كتاب (الدعوة‬
‫إلى السلم)‪:‬‬
‫قال في صفحة ‪: " 58‬وكذلك حدث أن سجل في المعاهدة التي‬
‫أبرمها مع بعض أهالي المدن المجاورة للحيرة ‪:‬فإن منعناكم فلنا‬
‫الجزية وإل فل " وقال‪ " :‬فلما علم أبو عبيدة قائد العرب بذلك(‬

‫‪984‬‬
‫بتجهيز هرقل لمهاجمته) كتب إلى عمال المدن المفتوحة في‬
‫الشام يأمرهم بأن يردوا عليهم ما جبي من الجزية من هذه‬
‫المدن‪ ،‬وكتب إلى الناس يقول‪ " :‬إنما رددنا عليكم أموالكم لنه‬
‫بلغنا ما جمع لنا من الجموع‪ .‬وإنكم قد اشترطتم علينا أن نمنعكم‬
‫وإنا ل نقدر على ذلك‪ .‬وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم ونحن لكم‬
‫على الشرط وما كتبنا بيننا إن نصرنا الله عليهم "‬
‫]‪ [35‬سورة النفال‪.: 61‬‬
‫]‪ [36‬أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي‬
‫]‪ [37‬سورة البقرة‪.194 :‬‬
‫]‪ [38‬سورة محمد‪.4 :‬‬
‫]‪39‬بذلك يخرج من دائرة السلم كل ما كان يأتي من الجواري –‬
‫أو العبيد – عن طريق الختطاف من بلد إسلمية ويباع ويشترى‬
‫في سوق النخاسة‪.‬‬
‫المصدر ‪ :‬من كتاب شبهات حول السلم‬
‫السلم‪ ...‬والرق‬
‫‪-----------------‬‬
‫السلم والرق‬
‫وهنا يثار موضوع الرق‪ ،‬وكيف أباحه السلم؟‬
‫ونقول‪ :‬أن السلم لم يجئ بشرع السترقاق‪ ،‬بل جاء بشريعة‬
‫الحرية‪ ،‬ورد الرقاء إلى ساحتها التي فطرهم الله عليها‪ ،‬كما‬
‫يقول الفاروق عمر‪" :‬متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم‬
‫أحراراً"‪.‬‬
‫|والقارئ للقرآن الكريم ل يجد فيه آية واحدة تبيح السترقاق‬
‫والستعباد‪ ،‬وإنما يجد اليات المتعددة تنادي بتحرير الرقاء‬
‫وتحض على إعتاقهم‪ ،‬وتجعل هذا التحرير من أعظم القرب‬
‫والطاعات الدينية| ثم تجعله كفارة تستر ما يقع فيه المسلم من‬
‫بعض المخالفات الدينية‪ .‬بل أنه يوجبه على الدولة السلمية‪،‬‬
‫ويجعله عمل ً من أعمالها‪ ،‬ومصرفا ً من مصارف أموالها‪ ،‬ونفصل‬
‫هذا الجمال بعض التفصيل‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫أول ً ـ أن أسرى يخير القرآن فيهما بين أمرين ل ثالث لهما‪ :‬المن‬
‫عليهم بنعمة الحرية من غير مقابل‪ ،‬أو المن عليهم بها في مقابل‬
‫فداء مالي أو شخصي‪ ،‬وهو ما يسمى الن (تبادل السرى)‪.1‬‬
‫ب‬‫حر ُ‬ ‫حتَّى تَضعَ ال َ‬ ‫منَّا ً بَعد ُ وَإ ِ َّ‬
‫ما فِداءً َ‬ ‫ما َ‬‫يقول الله تعالى‪...( :‬فَإ ِ َّ‬
‫أَوَْزارهَا) (سورة محمد‪.)4 /‬‬
‫كذلك إذا رجعنا إلى السنة النبوية وجدنا أن أقوال الرسول ـ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ وأفعاله تنطق بأنه ما جاء مسترقا ً بل‬
‫محرراً‪.‬‬

‫‪985‬‬
‫يحث على العتق ويحض عليه‪ ،‬فيقول‪" :‬من أعتق رقبة مسلمة‬
‫أعتق الله بكل عضو منه عضوا ً منه من النار"‪.‬‬
‫ويقول‪" :‬أيما رجل مسلم أعتق رجل ً مسلما ً فأن الله عّز وجل‬
‫جاعل وفاء كل أعظم من عظامه عظما ً من عظام محرره‪"...‬‬
‫وإذا كان الصحابة قد استرقوا في حروبهم فإنما كان ضرورة‬
‫حربية ل محيص عنها‪ ،‬ومعاملة بالمثل حيث كان أعداؤهم‬
‫يسترقون أسرى المسلمين‪ ،‬وتسهيل ً لستخلص هؤلء السرى‬
‫المسلمين من يد أعدائهم عن طريق التبادل‪.‬‬
‫وقد شرع الله سبحانه أحكامه التي تحقق المصالح الصلية‪ ،‬وأباح‬
‫الخروج عنها في أحوال الضرورة التي تقدر بقدرها ول تعدوها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ل لَكُم َّ‬
‫م إِل ّ َ‬
‫ما‬ ‫حَّرم ع َليك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫والله سبحانه وتعالى يقول‪( :‬وَقَد ْ فَص َ‬
‫م إِليهِ) (سورة النعام‪.)119/‬‬ ‫ضطُررت ُ ْ‬ ‫ا ْ‬
‫ثم أن الله سبحانه وتعالى يشير إلى قاعدة المعاملة بالمثل في‬
‫ما اع َتدَى‬ ‫ل َ‬ ‫م فَاع ْتَدُوا ع َلَيهِ بِمث ِ‬ ‫ن اع َتدَى ع َلَيك ُ ْ‬ ‫قوله تعالى‪( :‬فَم ِ‬
‫شهرِ الحَرامِ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫م بِال ّ‬ ‫حَرا ُ‬ ‫شهُر ال َ‬ ‫َ‬ ‫م) وفي قوله تعالى‪( :‬ال ّ‬ ‫ع َليك َ ْ‬
‫ص) فمن انتهك حرمة من الحرمات‪ ،‬ولم يكن‬ ‫صا ٌ‬ ‫ت قِ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫حُر َ‬ ‫وَال ُ‬
‫هناك مفر من مقابلته بمثل عمله‪ ،‬كانت المصلحة في معاملته‬
‫بالمثل‪ ،‬وفي حدود الضرورة‪ ،‬حتى يرتدع‪ ،‬ول يفل الحديد إل‬
‫الحديد‪ ،‬وأن أنت أكرمت اللئيم تمردا‪ .‬والوقوف عند المثالية‬
‫أحيانا ً أمام من ل يؤمنون ول يتعاملون بها يضر ول ينفع‪.‬‬
‫وبهذا ضيق السلم موارد الرق وأسبابه‪ ،‬التي وجدها قبله وكانت‬
‫متعددة ‪ 2‬ووقف بها وحصرها عند المعاملة بالمثل‪ ،‬وبقدر‬
‫الضرورة من غير تجاوز ول اعتداء‪.‬‬
‫ثانيا ً ـ لم يكتف السلم بذلك‪ ،‬بل وضع خطة حكيمة لنهاء الرق‬
‫وقد كان أساسا ً لنظام الحياة القتصادية والجتماعية ـ تدريجياً‬
‫من غير رجة اقتصادية أو اجتماعية‪.‬‬
‫فجعل عتق الرقبة كفارة للحنث في اليمين‪ ،‬يقول الله تعالى‪( :‬لَ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما عَقَّدت ُّ ُ‬
‫م‬ ‫خذ ُكُم ب ِ َ‬ ‫م وَلَكِن يُؤ َا ِ‬ ‫مانِك ُ ْ‬ ‫ه بِالل ّغْوِ فِي أي ْ َ‬ ‫م الل ُ‬ ‫خذ ُك ُ ُ‬ ‫يُؤ َا ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مو َ‬ ‫ما تُطْعِ ُ‬ ‫ط َ‬ ‫س ِ‬ ‫ن أوْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫َ‬ ‫ساكِي‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫شَرةِ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ه إِطْعَا ُ‬ ‫ُ‬ ‫ن فَكَفَّاَرت ُ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫الَي ْ‬
‫ام‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫أَهْلِيك ُم أَو كسوتهم أَو تحرير رقَبة فَمن ل َّم يجد فَصيام ثَلثَة أ َ‬
‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ ُ‬ ‫ْ َ ِ ْ‬ ‫ْ ْ ِ ْ َُُ ْ ْ َ ْ ِ ُ َ َ ٍ َ‬
‫َ‬
‫م‪( )...‬سورة المائدة‪.)89/‬‬ ‫حلَفْت ُ ْ‬ ‫م إِذ َا َ‬ ‫مانِك ُ ْ‬ ‫ك كَفَّاَرة ُ أي ْ َ‬ ‫ذَل ِ َ‬
‫كما جعله كفارة في الظهار‪ ،‬وهو تحريم الرجل زوجته على‬
‫نفسه‪ ،‬ثم رغبته في العودة إليها‪.‬‬
‫َ‬
‫ما قَالُوا‬ ‫ن لِ َ‬ ‫م يَعُودُو َ‬ ‫م ث ُ َّ‬ ‫سائِهِ ْ‬ ‫من ن ِّ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن يُظَاهُِرو َ‬ ‫يقول تعالى‪( :‬وَال ّذِي َ‬
‫فَتحرير رقَبة من قَب َ‬
‫ما‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن بِهِ وَالل ُ‬ ‫م تُوع َظُو َ‬ ‫سا ذَلِك ُ ْ‬ ‫ما َّ‬ ‫ل أن يَت َ َ‬ ‫َْ ِ‬ ‫َ ْ ِ ُ َ َ ٍ ِّ‬
‫َ‬
‫ل أن‬ ‫من قَب ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫متَتَابِعَي ْ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫شهَْري ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫صيَا ُ‬ ‫جد ْ فَ ِ‬ ‫من ل ّ ْ‬
‫م يَ ِ‬ ‫خبِيٌر فَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ملُو َ‬ ‫ت َ ْع َ‬

‫‪986‬‬
‫َ‬
‫سكِيناً‪( )...‬سورة‬
‫م ْ‬ ‫ستِّي َ‬
‫ن ِ‬ ‫ستَطِعْ فَإِطْعَا ُ‬
‫م ِ‬ ‫يَ ْ‬ ‫من ل ّ ْ‬
‫م‬ ‫سا فَ َ‬ ‫ما َّ‬ ‫يَت َ َ‬
‫المجادلة‪.)4-3 /‬‬
‫ن‬
‫مؤم ٍ‬ ‫نل ُ‬ ‫ما كَا َ‬ ‫ثم جعله الله كفارة للقتل خطأ‪ .‬يقول سبحانه‪( :‬وَ َ‬
‫ً‬ ‫خطَأ ً و‬
‫ة‬
‫من َ ٍ‬‫مؤ ِ‬ ‫ُ‬ ‫حرِيُر َرقَبَةٍ‬ ‫خطَأ فَت َ ْ‬ ‫منا ً َ‬
‫مؤ ِ‬‫ُ‬ ‫من قَت َ َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫منا ً إِل َّ َ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫أَن يَقْت ُ َ‬
‫َ‬ ‫ة إِلى أهْلِهِ إِل َّ أَن ي َ َّ‬ ‫ُ َ‬
‫من قَوْم ٍ عَدُوٍ ل ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن ِ‬ ‫صدَّقُوا فَإِن كَا َ‬ ‫مسل ّ َ‬
‫م ٌ‬ ‫ة ّ‬ ‫وَدِي ٌ‬
‫م وَبَيْنَهُم‬ ‫من قَوْم ٍ بَيْنَك ُ‬ ‫ن ِ‬‫منَةٍ وَإِن كَا َ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫حرِيُر َرقَبةٍ ُّ‬ ‫ن فَت َ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫وَهُوَ ُ‬
‫ْ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ة ُّ‬
‫د‬
‫ج ْ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫من ل ْ‬ ‫منَةٍ فَ َ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫حرِيُر َرقَبَةٍ ُ‬ ‫ة إِلى أهْلِهِ وَت َ ْ‬ ‫مسلم ٌ‬ ‫ميثَاقٌ فَدِي َ ٌ‬ ‫ِّ‬
‫ن ‪( )...‬سورة النساء‪.)92 /‬‬ ‫متَتَابِعَي ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫شهَْري ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫صيَا ُ‬ ‫فَ ِ‬
‫وكفارة للفطار المتعمد في نهار رمضان‪ ،‬فقد روي أبو هريرة أن‬
‫رجل ً أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال‪ :‬هلكت يا رسول‬
‫الله‪ ،‬قال‪ :‬ما شأنك؟ قال‪ :‬وقعت على امرأتي في رمضان‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فهل تجد رقبة تعتقها؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فهل تستطيع أن تصوم‬
‫شهرين متتابعين؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فهل تستطيع أن تطعم ستين‬
‫مسكيناً؟ قال‪ :‬ل‪.3"...‬‬
‫ويلحظ أن العتق هو الواجب الول في بعض هذه الكفارات قبل‬
‫الصيام وهو من أسمى العبادات‪ ،‬وقبل الطعام للفقراء‪ ،‬وما أشد‬
‫حاجتهم إليه‪ ،‬وكأن رد الحرية إلى الرفيق وفيها حياته الحقيقية‬
‫أولى وأهم‪.‬‬
‫ثم جعله كفارة لضرب العبد أو لطمه‪ .‬يقول الرسول ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ‪" :‬من لطم مملوكا ً له أو ضربه فكفارته عتقه"‪.4‬‬
‫ثم جعل تحرير العبيد مصرفا ً من مصارف الزكاة في قوله تعالى‪:‬‬
‫مؤلفةِ‬ ‫ن ع َليْها وَال ُ‬ ‫ن وَالعَاملِي َ‬ ‫ساكي ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت للفُقَراءِ وَال َ‬ ‫صدقَا ُ‬ ‫(إِنَّما ال َّ‬
‫ل‬‫سبي ِ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫ل اللهِ وَاب ْ ِ‬ ‫سبي ِ‬‫ن وَفِي َ‬ ‫ب وَالغَارِمي َ‬ ‫م وَفِي الّرِقا ِ‬ ‫قُلوبُهُ ْ‬
‫م) (سورة التوبة‪.)60/‬‬ ‫حكي ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه ع َلي ٌ‬ ‫من اللهِ وَالل ُ‬ ‫ة ِّ‬ ‫ريض ً‬ ‫فَ ِ‬
‫ة‬
‫م العَقَب َ‬ ‫ثم دعا إلى تحرير الرقاب‪ ،‬قربة وطاعة لله‪( :‬فل َ اقْتَح َ‬
‫سغبةٍ يَتيماً‬ ‫َ‬ ‫ة فَ ُّ‬ ‫ما أَدَْرا َ‬
‫م ْ‬ ‫م فِي يَوْم ٍ ذِي َ‬ ‫ك َرقبَةٍ أو إِطعَا ٌ‬ ‫ما العَقَب َ‬ ‫ك َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫متْربةٍ) (سورة البلد‪.)16-11 /‬‬ ‫سكينا ً ذ َا َ‬ ‫م ْ‬ ‫مقَْربةٍ أوْ ِ‬ ‫ذ َا َ‬
‫فأن أبدى الرقيق رغبة في الحرية في مقابل مالى ‪ ،‬كان على‬
‫مالكه الستجابة لرغبته في الخروج إلى ساحة الحرية‪ ،‬وهو ما‬
‫يسمى "المكاتبة" مع التخفيف عنه في هذا المال الذي يدفعه‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ومعاونته ماليا ً في أدائه‪ .‬وفي ذلك يقول الله تعالى‪( :‬وَال ّذي َ‬
‫خيْراً‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫م فِيه ْ‬ ‫ن عَلِمت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫م فَكاتِبُوهُ ْ‬ ‫مانُك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َ َك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َّ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن الكِتَا َ‬ ‫يَبتغُو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م) (سورة النور‪ )33 /‬ثم أن القرابة‬ ‫ه ال ّذي أتاك ُ ْ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫من َّ‬ ‫وَأتُوهُم ِّ‬
‫القريبة تتنافى مع السترقاق‪ ،‬ولهذا إذا ملك الشخص قريبه‬
‫المحرم صار هذا القريب حراً‪ .‬يقول الرسول ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ‪" :‬ومن ملك ذا رحم محرم فهو حر"‪.‬‬

‫‪987‬‬
‫وكذلك علقة زوجية‪ ،‬فإذا ملك الزوج زوجته صارت حرة‪ ،‬وإذا‬
‫ملكت الزوجة زوجها صار حراً‪ .‬ثم إذا استولد المالك أمته‪ ،‬أي‬
‫كان له منها ولد‪ ،‬كانت في سبيلها إلى الحرية‪ ،‬فأن شاء حررها‪،‬‬
‫وإل حرم عليه التصرف في ملكيتها حتى يموت فتكون حرة‪،‬‬
‫والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول‪" :‬أيما امرأة ولدت من‬
‫سيدها فأنها حرة إذا مات"‪.‬‬
‫وإذا عتق نصيبه في عبد‪ ،‬عتق العبد‪ ،‬وكان على المالك تخليصه‬
‫من ماله‪ ،‬فأن لم يكن له مال سعى العتيق في أداء المال إلى‬
‫الشريك الخر دون إرهاق‪ ،‬يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم‬
‫ـ‪" :‬من أعتق شقصاً ‪ 5‬له في عبد فخلصه في ماله أن كان له‬
‫مال‪ ،‬فأن لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه"‬
‫كذلك إذا أوصى المالك بعتق عبده لم يجز له الرجوع في الوصية‬
‫وكان هذا العبد حرا ً بعد الوفاة‪ ،‬ولو تجاوزت قيمته ثلث التركة‬
‫الذي تنفذ فيه الوصايا‪.‬‬
‫بل أن المالك إذا جرى على لسانه هازل ً إعتاق عبده‪ ،‬أصبح العبد‬
‫حراً‪ ،‬فأن الحرية ل تتوقف على القصد والنية‪.‬‬
‫وهكذا تتعدد أسباب التحرير بصورة واضحة‪ ،‬وتترتب على بعض‬
‫العمال والتصرفات المتكررة‪ ،‬وتكون مع ذلك في مسئولية‬
‫الدولة السلمية والفراد المسلمين‪ ،‬بحيث لو سارت المور‬
‫ف‬‫سيرا ً طبيعيا ً ما بقي رقيق‪ ،‬وهو ما خطط السلم له‪ ،‬وتشوَّ َ‬
‫إليه كما يقول الفقهاء‪.‬‬
‫فإذا جاء العالم اليوم بعد صحوة الرق ‪ ،6‬كان مستضيئا ً بنور‬
‫السلم ومقتبسا ً من روحه‪.‬‬
‫ومع هذا حرص السلم على معاملة الرقيق معاملة إنسانية‬
‫أخوية كريمة‪ ،‬إلى أن يجعل الله له مخرجا ً إلى الحرية‪.‬‬
‫يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ‪" :‬إخوانكم خولكم‪ ،‬قد‬
‫ملككم الله إياهم‪ ،‬ولو شاء لملككم إياهم‪ ،‬فأطعموهم مما‬
‫تطعمون‪ ،‬وأكسوهم مما تكسون"‪.‬‬
‫ويقول‪" :‬الله‪ ،‬الله‪ ،‬فيما ملكت أيمانكم" ويقول‪" :‬ما خففت عن‬
‫خادمك من عمله كان لك أجرا ً في موازينك"‪.‬‬
‫ويقول‪" :‬للمملوك طعامه وكسوته‪ ،‬ول يكلف من العمل ما ل‬
‫يطيق" "هم إخوانكم وخولكم جعلهم الله تحت أيديكم‪ ،‬فمن كان‬
‫أخوة تحت يده‪ ،‬فليطعمه مما يأكل‪ ،‬وليلبسه مما يلبس‪ ،‬ول‬
‫تكلفوهم ما يغلبهم‪ ،‬فأن كلفتموهم فأعينوهم عليه"‪.‬‬
‫وكان من وصاياه ـ عليه الصلة والسلم ـ وقد حضرته الوفاة ـ‬
‫الوصية بالرقاء قارنا ً لها بالمحافظة على الصلة‪ .‬يقول أنس‪:‬‬

‫‪988‬‬
‫كانت عامة وصية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين‬
‫حضرته الوفاة‪ ،‬وهو يغرغر بنفسه‪ :‬الصلة وما ملكت أيمانكم ‪.7‬‬
‫وفوق هذا كان من الدب القرآني والدب النبوي تسمية العبد‬
‫فتى والمة فتاة‪ ،‬ابتعادا ً عن معنى الستعباد‪ .‬يقول الله سبحانه‪:‬‬
‫َ‬
‫ت‬‫منَا ِ‬‫مؤ ِ‬‫ت ال ُ‬
‫محصنَا ِ‬ ‫منكُم طَول ً أن يَنك َ‬
‫ح ال ُ‬ ‫من لّضم يَستطيعْ ِ‬ ‫(وَ َ‬
‫َ‬
‫ت) (سورة النساء‪/‬‬ ‫منا ِ‬‫مؤ ِ‬‫من فَتَياتِكم ال ُ‬ ‫مانكُم ِّ‬ ‫ملَك َ ْ‬
‫ت أي ْ َ‬ ‫ما َ‬‫من َّ‬ ‫فَ ِ‬
‫‪ )25‬ويقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ‪" :‬ل تقل عبدي‬
‫وأمتي‪ ،‬ولكن قل فتاي وفتاتي"‪.‬‬
‫وكان من نتيجة معاملة المسلمين للرقاء هذه المعاملة‪ ،‬اندماج‬
‫الرقاء في السر السلمية اخوة متحابين‪ ،‬حتى كأنهم بعض‬
‫أفرادها‪.‬‬
‫يقول جوستاف لوبون‪:‬ـ "أن الذي أراه صادقا ً هو أن الرق عند‬
‫المسلمين خير منه عند غيرهم‪ ،‬وأن حال الرقاء في الشرق‬
‫أفضل من حال الخدم في أوروبا‪ ،‬وأن الرقاء في الشرق يكونون‬
‫جزءا ً من السرة‪ ...‬وأن الموالي الذين يرغبون في التحرر ينالونه‬
‫بإبداء رغبتهم‪ ..‬ومع هذا ل يلجأون إلى استعمال هذا الحق"‪.8‬‬
‫‪-----------------------------------‬‬
‫هوامش‬
‫‪ 1‬وهذا النوع من الفداء هو الولى‪ ،‬لن فيه إطلق الحرية‬
‫للمسلمين غير المسلمين‪ ،‬ودين الحرية يحرص على الحرية‬
‫بالنسبة لغير اتباعه كما يحرص عليها في اتباعه‪ ،‬لن الحرية ـ‬
‫عنده ـ كالماء والغذاء والهواء حقوق طبيعية لكل إنسان (وأنظر‬
‫التمهيد لكتاب السير الكبير ط جامعة القاهرة للستاذ الشيخ‬
‫محمد أبو زهرة ص ‪.)74‬‬
‫‪ 2‬ومن ذلك أن المدين إذا عجز عن سداد الدين يصبح رقيقاً‬
‫لصاحبه‪ ،‬بينما يشرع القرآن في ذلك إمهاله والتخفيف عنه "وان‬
‫كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة‪ ،‬وأن تصدقوا خير لكم أن كنتم‬
‫تعلمون"‪.‬‬
‫‪ 3‬نيل الوطار للشوكاني ج ‍‪ 4‬ص ‪.293‬‬
‫‪ 4‬رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ 5‬الشقص‪ :‬الجزء والنصيب‪.‬‬
‫‪ 6‬تنص المادة الرابعة من إعلن حقوق النسان على أنه "ل يجوز‬
‫استرقاق أو استعباد أي شخص‪ ،‬ويحظر السترقاق وتجارة‬
‫الرقيق بكافة أوضاعها"‪.‬‬
‫‪ 7‬أنظر نيل الوطار ج ‍‪ 7‬ص ‪.3‬‬
‫‪ 8‬حضارة العرب ص ‪.460-459‬‬
‫‪----------------------------‬‬

‫‪989‬‬
‫‪1971‬‬ ‫المصدر‪ :‬عالم الفكر ـ المجلد الول ـ العدد الرابع مارس‬
‫==================‬
‫‪-166‬التسري‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫هذا عن الرق فى التاريخ النسانى وفى السلم‪ :‬الدين‪..‬‬
‫الحضارة‪ ..‬والتاريخ‪..‬‬
‫سريَّةِ يعاشرها معاشرة‬ ‫أما التسرى ‪ ،‬فهو‪ :‬اتخاذ مالك المة منها َ ِ‬
‫الزواج فى الشرع السلمى‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وكما لم يكن الرق والسترقاق تشريعا إسلميا مبتكرا ‪ ،‬ول‬
‫خاصية شرقية تميزت به الحضارات الشرقية عن غيرها من‬
‫الحضارات ‪ ،‬وإنما كان موروثا ً اجتماعيا ً واقتصاديا ً إنسانيا ً ‪ ،‬ذاع‬
‫وشاع فى كل الحضارات النسانية عبر التاريخ‪ ..‬فكذلك كان‬
‫التسرى الذى هو فرع من فروع الرق والسترقاق نظاما ً قديماً‬
‫ولقد جاء فى المأثورات التاريخية المشهورة والمتواترة أن خليل‬
‫الله إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬قد تسرى بهاجر المصرية ‪ ،‬عندما‬
‫وهبه إياها ملك مصر ‪ ،‬ومنها وُلد له إسماعيل عليه السلم‪..‬‬
‫فمارس التسرى أبو النبياء ‪ ،‬وولد عن طريق التسرى نبى‬
‫ورسول‪ ..‬وكذلك جاء فى المأثورات التاريخية أن نبى الله‬
‫سليمان عليه السلم قد تسرى بثلثمائة سرية !‪ ..‬وكما شاع‬
‫التسرىعند العرب قبل السلم ‪ ،‬فلقد مارسه ‪ ،‬فى التاريخ‬
‫السلمى والحضارة السلمية ‪ ،‬غير المسلمين مثل المسلمين‪..‬‬
‫وإذا كان التسرى ‪ ،‬هو اتخاذ مالك المة منها سريّه ‪ ،‬أى جعله لها‬
‫موضعا للوطء ‪ ،‬واختصاصها بميل قلبى ومعاشرة جنسية ‪،‬‬
‫وإحصان واستعفاف‪ ..‬فلقد وضع السلم له ضوابط شرعية‬
‫جعلت منه زواجا ً حقيقيا ً ‪ ،‬تشترط فيه كل شروط الزواج ‪ ،‬وذلك‬
‫باستثناء عقد الزواج ‪ ،‬لن عقد الزواج هو أدنى من عقد الملك ‪،‬‬
‫إذ فى الول تمليك منفعة ‪ ،‬بينما الثانى يفضى إلى ملك الرقبة ‪،‬‬
‫ومن ثم منفعتها‪..‬‬
‫ة"‬ ‫سرِي َّ ً‬
‫سميت " َ‬ ‫ولقد سميت المة التى يختارها مالكها سرية له ُ‬
‫ل تسرها " دون‬ ‫" لنها موضع سروره ‪ ،‬ولنه يجعلها فى حا ٍ‬
‫سواها ‪ ،‬أو أكثر من سواها‪ ..‬فالغرض من التسرى ليس مجرد‬
‫إشباع غرائز الرجل ‪ ،‬وإنما أيضا ً الرتفاع بالَمة إلى مايقرب كثيراً‬
‫من مرتبة الزوجة الحرة‪..‬‬
‫َ‬
‫والسلم ل يبيح التسرى أى المعاشرة الجنسية للمة بمجرد‬
‫امتلكها‪ ..‬وإنما لبد من تهيئتها كما تهيأ الزوجة‪ ..‬وفقهاء المذهب‬
‫الحنفى يشترطون لتحقيق ذلك أمرين‪:‬‬

‫‪990‬‬
‫أولهما‪ :‬تحصين السرية ‪ ،‬بأن يخصص لها منزل خاص بها ‪ ،‬كما‬
‫هو الحال مع الزوجة‪..‬‬
‫وثانيهماً‪ :‬مجامعتها ‪ ،‬أى إشباع غريزتها ‪ ،‬وتحقيق عفتها‪ ..‬طالما‬
‫أنها قد أصبحت سرية ‪ ،‬ل يجوز لها الزواج من رقيق مثلها ‪ ،‬أو أن‬
‫يتسرى بها غير مالكها‪..‬‬
‫ولن التسرى إن فى المعاشرة الجنسية أو التناسل مثله مثل‬
‫الزواج من الحرائر‪ ..‬فلقد اشترط السلم براءة رحم المة قبل‬
‫التسرى بها ‪ ،‬فإباحة التسرى قد جاءت فى آية إباحة الزواج‪ :‬وإن‬
‫خفتم أل تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء‬
‫مثنى وثلث ورباع فإن خفتم أل تعدلوا فواحدة أو ما ملكت‬
‫أيمانكم ذلك أدنى أل ّ تعولوا ) (‪ ..)1‬والتكليف السلمى بحفظ‬
‫الفروج عام بالنسبة لمطلق الرجال والنساء ‪ ،‬أحرارا ً كانوا أم‬
‫رقيقا ً ‪ ،‬مسلمين كانوا أم غير مسلمين‪( :‬والذين هم لفروجهم‬
‫حافظون * إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير‬
‫ملومين) (‪ ..)2‬ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى‬
‫سبايا " أوطاس " أى حنين‪ [ :‬ل توطأ حامل حتى تضع ‪ ،‬ول غير‬
‫ذات حمل حتى تحيض حيضة‪.)3( ] ..‬‬
‫وكذلك الحال مع المقاصد الشرعية والنسانية من وراء‬
‫التسرى‪ ..‬فهى ذات المقاصد الشرعية والنسانية من وراء‬
‫الزواج‪:‬‬
‫تحقيق الحصان والستعفاف للرجل والمرأة ‪ ،‬وتحقيق ثبوت‬
‫أنساب الطفال لبائهم الحقيقيين‪ ..‬ففى هذا التسرى كما يقول‬
‫الفقهاء " استعفاف مالك المة‪ ..‬وتحصين الماء لكيل يملن إلى‬
‫الفجور ‪ ،‬وثبوت نسب أولدهن "‪ .‬وأكاد ألمح فى التشريع‬
‫القرآنى أمرا ً إلهيا ً بالحصان العام للرجال والنساء ‪ ،‬أحراًرا كانوا‬
‫أو أرقاء‪ ..‬ففى سياق التشريع لغض البصر ‪ ،‬وحفظ الفروج ‪ ،‬جاء‬
‫التشريع للستعفاف بالنكاح الزواج للجميع‪ ..‬وجاء النهى عن‬
‫إكراه الماء على البغاء ‪ ،‬ل بمعنى إجبارهن على الزنا فهذا داخل‬
‫فى تحريم الزنا ‪ ،‬العام للجميع وإنما بمعنى تركهن دون إحصان‬
‫واستعفاف بالزواج أو التسرى أكاد ألمح هذا المعنى عندما أتأمل‬
‫سياق هذه اليات القرآنية‪( :‬قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم‬
‫ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون *‬
‫وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ول‬
‫يبدين زينتهن إل ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ول‬
‫يبدين زينتهن إل لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو‬
‫أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو‬
‫نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الربة من‬

‫‪991‬‬
‫الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ول‬
‫يضربن بأرجلهن ليُعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً‬
‫أيَّة المؤمنون لعلكم تفلحون * وأنكحوا اليامى منكم والصالحين‬
‫من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله‬
‫واسع عليم * وليستعفف الذين ل يجدون نكاحا ً حتى يغنيهم الله‬
‫من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن‬
‫علمتم فيهم خيرا ً وآتوهم من مال الله الذى آتاكم ول تكرهوا‬
‫فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا‬
‫ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) (‪.)4‬‬
‫فالتشريع للستعفاف والحصان بالنكاح الزواج والتسرى عام‬
‫وشامل للجميع‪..‬‬
‫بل لقد جعل السلم من نظام التسرى سبيل ً لتحقيق المزيد من‬
‫الحرية للرقاء ‪ ،‬وصول ً إلى تصفية نظام العبودية والسترقاق‪..‬‬
‫فأولد السرية فى الشرع السلمى ‪ ،‬يولدون أحرارا ً بعد أن كانوا‬
‫يظلون أرقاء فى الشرائع والحضارات غير السلمية والسرية ‪،‬‬
‫بمجرد أن تلد ‪ ،‬ترتفع إلى مرتبة أرقى هى مرتبة " أم الولد " ثم‬
‫تصبح كاملة الحرية بعد وفاة والد أولدها‪..‬‬
‫وكما اشترط الشرع السلمى للتسرى استبراء الرحم ‪ ،‬كما هو‬
‫الحال فى الزواج من الحرائر ‪ ،‬اشترط فى السرية ما يشترط‬
‫فى الزوجة الحرة‪ :‬أن تكون ذات دين سماوى ‪ ،‬مسلمة أو‬
‫كتابية‪ ..‬وأن ل تكون من المحارم اللتى يحرم الزواج بهن ‪،‬‬
‫بالنسب أو الرضاعة‪ ..‬فل يجوز التسرى بالمحارم ‪ ،‬بل ول يحل‬
‫استرقاقهم أصل ً ‪ ،‬إناثا ً كانوا أم ذكورا ً ‪ ،‬فامتلكهم يفضى إلى‬
‫تحريرهم بمجرد المتلك‪ ..‬وفى الحديث النبوى الشريف‪ [ :‬من‬
‫حَرم ٍ فهو حر ] (‪.)5‬‬ ‫م ْ‬
‫حم ٍ َ‬
‫ملك ذا ر ِ‬
‫وكما هو الحال فى اختيار الزوجة الحرة ‪ ،‬استحسن الشرع‬
‫السلمى تخير السرية ذات الدين ‪ ،‬التى ل تميل إلى الفجور ‪،‬‬
‫وذلك لصيانة العرض‪ .‬وأن تكون ذات عقل ‪ ،‬حتى ينتقل منها إلى‬
‫الولد‪ .‬وأن تكون ذات جمال يحقق السكينة للنفس والغض‬
‫للبصر‪ .‬فالتخيُّر للنُّطَف وفق حديث رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ [ :‬تخيَّروا لنطفكم](‪ )6‬هو تشريع عام فى الحرائر والماء (‬
‫‪..)7‬‬
‫وكما ل يجوز القتران بأكثر من أربع زوجات حرائر ‪ ،‬اشترط‬
‫بعض الفقهاء اللتزام بذات العدد فى السرارى ‪ ،‬أو فيهن وفى‬
‫الزوجات الحرائر‪ ..‬وإذا كان جمهور الفقهاء ل يقيدون التسرى‬
‫بعدد الربعة ‪ ،‬فإن المام محمد عبده فى فتواه عن تعدد‬
‫الزوجات قد قال عند تفسيره لقول الله سبحانه وتعالى‪(:‬أو ما‬

‫‪992‬‬
‫ملكت أيمانكم) (‪ " .)8‬لقد اتفق المسلمون على أنه يجوز للرجل‬
‫أن يأخذ من الجوارى ما يشاء بدون حصر ولكن يمكن لفاهم أن‬
‫يفهم من الية غير ذلك ‪ ،‬فإن الكلم جاء مرتبطا ً بإباحة التعدد‬
‫إلى الربعة فقط‪..‬‬
‫" (‪.)9‬‬
‫ويؤيد هذا الجتهاد ما كان عليه العمل فى صدر السلم ‪ ،‬إذ لم‬
‫يكن الرجل يتسرى بغير سرية واحدة وكما يجب العدل بين‬
‫الزوجات الحرائر عند تعددهن‪ ..‬قال بعض الفقهاء‪ :‬إن ما يجب‬
‫للزوجة يستحب للسرية ‪ ،‬وجعل الحنابلة الحصان للرقاء ذكوراً‬
‫وإناثا ً أمرا ً واجباً‪.)10( ..‬‬
‫هكذا رفع السلم ‪ ،‬بالشروط التى اشترطها فى التسرى ‪ ،‬من‬
‫شأن السرارى ‪ ،‬وذلك عندما جعلهن فى الواقع العملى أقرب ما‬
‫يكن إلى الزوجات الحرائر‪ .‬وعندما جعل من نظام التسرى بابًا‬
‫من أبواب التحرير للماء ولولدهن ‪ ،‬بعد أن كان رافدا ً من روافد‬
‫السترقاق والستعباد‪..‬‬
‫أما الواقع التاريخى ‪ ،‬الذى تراجع عن هذا النموذج السلمى‬
‫للتسرى ‪ ،‬عندما كثرت السبايا ‪ ،‬وتعددت مصادر السترقاق‪..‬‬
‫فمن الخطأ البين بل والتجنى حمل هذا الواقع التاريخى على‬
‫شرع السلم‪..‬‬
‫فالسلم كما قدمنا فى الحديث عن الرق قد ألغى وجفف كل‬
‫روافد ومصادر السترقاق ‪ ،‬ولم يستثن من ذلك إل الحرب‬
‫الشرعية المشروعة‪ .‬ولذلك ‪ ،‬فإن تجارة الرقيق ‪ ،‬وأسواق‬
‫الرقاء ‪ ،‬وشيوع التسرى الذى جاء ثمرة لختطاف الفتيات‬
‫والفتيان ‪ ،‬وللحروب غير المشروعة ‪ ،‬وغيرها من سبل‬
‫حسب على "‬ ‫السترقاق التى حرمها السلم‪ ..‬كل ذلك إن ُ‬
‫التاريخ السلمى " فل يمكن أن يُحسب على " دين السلم "‪..‬‬
‫وعن هذه الحقيقة الهامة يقول المام محمد عبده‪ " :‬لقد ساء‬
‫استعمال المسلمين لما جاء فى دينهم من هذه الحكام الجليلة ‪،‬‬
‫فأفرطوا فى الستزادة من عدد الجوارى ‪ ،‬وأفسدوا بذلك‬
‫عقولهم وعقول ذراريهم بمقدار ما اتسعت لذلك ثرواتهم‪..‬‬
‫أما السرى اللتى يصح نكاحهن فهن أسرى الحرب الشرعية‬
‫التى قصد بها المدافعة عن الدين القويم أو الدعوة إليه‬
‫ن عند السر إل غير مسلمات‪ ..‬وأما ما مضى‬ ‫بشروطها ‪ ،‬ول يَك ُ َّ‬
‫المسلمون على اعتياده من الرق ‪ ،‬وجرى عليه عملهم فى‬
‫الزمان الخيرة ‪ ،‬فليس من الدين فى شىء ‪ ،‬فما يشترونه من‬
‫بنات الجراكسة أو من السودانيات اللتى يختطفهن الشقياء‬
‫سلبَة المعروفون "بالسيرجية"‪ ،‬فهو ليس بمشروع ول معروف‬ ‫ال َّ‬

‫‪993‬‬
‫فى دين السلم ‪ ،‬وإنما هو من عادات الجاهلية ‪ ،‬لكن ل جاهلية‬
‫العرب بل جاهلية السودان والجركس‪.)11( " ..‬‬
‫وإذا كان من العبث الظالم حمل تاريخ الحضارة الغربية مع الرق‬
‫والسترقاق على النصرانية ‪ ،‬كدين ‪ ،‬فالكثر عبثية والشد ظلماً‬
‫هو حمل التاريخ السلمى فى هذا الميدان على شريعة‬
‫السلم !‪..‬‬
‫(‪ )1‬النساء‪.3 :‬‬
‫(‪ )2‬المؤمنون‪.6 ، 5 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود‪.‬‬
‫(‪ )4‬النور‪.33 30 :‬‬
‫(‪ )5‬رواه أبو داود‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه ابن ماجة‪.‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ [ :‬الموسوعة الفقهية ] مادة " التسرى " طبعة الكويت‬
‫‪ 1408‬هجرية ‪1988‬م‪.‬‬
‫(‪ )8‬النساء‪.3 :‬‬
‫(‪ [ )9‬العمال الكاملة ] ج ‪ 2‬ص ‪ 91‬طبعة القاهرة ‪1993‬م‪.‬‬
‫(‪ )10‬المصدر السابق‪ :‬ج ‪.91 2‬‬
‫(‪ )11‬المصدر السابق‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.92 ،91‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪-167‬هل تحريم زواج المسلمة بغير المسلم يُعد نزعة‬
‫عنصرية ؟‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ صحيح أن السلم يجيز زواج المسلم من غير المسلمة‬
‫(مسيحية أو يهودية) ول يجيز زواج المسلمة من غير المسلم‪.‬‬
‫وللوهلة الولى يُعد ذلك من قبيل عدم المساواة ‪ ،‬ولكن إذا‬
‫م انعدام‬‫عرف السبب الحقيقى لذلك انتفى العجب ‪ ،‬وزال وَهْ ُ‬
‫المساواة‪ .‬فهناك وجهة نظر إسلمية فى هذا الصدد توضح‬
‫الحكمة فى ذلك‪ .‬وكل تشريعات السلم مبنية على حكمة معينة‬
‫ومصلحة حقيقية لكل الطراف‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الزواج فى السلم يقوم على " المودة والرحمة " والسكن‬
‫النفسى‪ .‬ويحرص السلم على أن تبنى السرة على أسس‬
‫سليمة تضمن الستمرار للعلقة الزوجية‪ .‬والسلم دين يحترم‬
‫كل الديان السماوية السابقة ويجعل اليمان بالنبياء السابقين‬
‫جميعًا جزءا ً ل يتجزأ من العقيدة السلمية‪ .‬وإذا تزوج مسلم من‬
‫مسيحية أو يهودية فإن المسلم مأمور باحترام عقيدتها ‪ ،‬ول يجوز‬
‫له ـ من وجهة النظر السلمية ـ أن يمنعها من ممارسة شعائر‬

‫‪994‬‬
‫دينها والذهاب من أجل ذلك إلى الكنيسة أو المعبد‪ .‬وهكذا‬
‫يحرص السلم على توفير عنصر الحترام من جانب الزوج‬
‫لعقيدة زوجته وعبادتها‪ .‬وفى ذلك ضمان وحماية للسرة من‬
‫النهيار‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أما إذا تزوج غير مسلم من مسلمة فإن عنصر الحترام‬
‫لعقيدة الزوجة يكون مفقودًا‪ .‬فالمسلم يؤمن بالديان السابقة ‪،‬‬
‫وبأنبياء الله السابقين ‪ ،‬ويحترمهم ويوقرهم ‪ ،‬ولكن غير المسلم‬
‫ل يؤمن بنبى السلم ول يعترف به ‪ ،‬بل يعتبره نبيًّا زائفًا وَي ُ َ‬
‫صدِّق ـ‬
‫فى العادة ـ كل ما يشاع ضد السلم وضد نبى السلم من‬
‫افتراءات وأكاذيب ‪ ،‬وما أكثر ما يشاع‪.‬‬
‫وحتى إذا لم يصرح الزوج غير المسلم بذلك أمام زوجته فإنها‬
‫ستظل تعيش تحت وطأة شعور عدم الحترام من جانب زوجها‬
‫لعقيدتها‪ .‬وهذا أمر ل تجدى فيه كلمات الترضية والمجاملة‪.‬‬
‫فالقضية قضية مبدأ‪ .‬وعنصر الحترام المتبادل بين الزوج‬
‫والزوجة أساس لستمرار العلقة الزوجية‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ وقد كان السلم منطقيًّا مع نفسه حين حّرم زواج المسلم‬
‫من غير المسلمة التى تدين بدين غير المسيحية واليهودية ‪،‬‬
‫وذلك لنفس السبب الذى من أجله حّرم زواج المسلمة بغير‬
‫المسلم‪.‬‬
‫فالمسلم ل يؤمن إل بالديان السماوية وما عداها تُعد أديانًا‬
‫بشرية‪ .‬فعنصر التوقير والحترام لعقيدة الزوجة فى هذه الحالة ـ‬
‫بعيدًا عن المجاملت ـ يكون مفقودًا‪ .‬وهذا يؤثر سلبًا على العلقة‬
‫الزوجية ‪ ،‬ول يحقق " المودة والرحمة " المطلوبة فى العلقة‬
‫الزوجية‪.‬‬
‫‪----------------‬‬
‫العنوان‬ ‫لحكمة من تحريم زواج المسلمة بغير المسلم‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم ‪،‬أنا أعمل في بلد أوربي و كنت في‬
‫نقاش مع أحدهم ‪ ،‬أحدثه عن سماحة السلم وعن نظرة السلم‬
‫لجميع الناس بمساواة ‪ ،‬فقال لي ماذا تفسر تحريم زواج‬
‫المسلمة بغير المسلم أل يُعد نزعة عنصرية ؟ فبماذا أجيبه ؟‬
‫السؤال‬ ‫وجزاكم الله خيرا ً‬
‫‪ 14/05/2006‬التاريخ‬
‫مجموعة من المفتين المفتي‬

‫الحل‬

‫‪995‬‬
‫بسم الله‪ ،‬والحمد لله‪ ،‬والصلة والسلم على رسول‬
‫الله‪ ،‬وبعد ‪:‬‬
‫فيرى جمهور الفقهاء إباحة زواج المسلم من نساء أهل‬
‫الكتاب‪ ،‬وأجمعوا على حرمة زواج المسلمة من غير المسلم‪،‬‬
‫وهذا أمر تعبدي‪ ،‬وإذا أردنا أن نلتمس حكمة لذلك فيمكن أن‬
‫يقال‪ :‬إن السلم عندما أباح للرجل الزواج من الكتابية فإنه أمر‬
‫الزوج أن يحترم دينها لن المسلم يؤمن بجميع النبياء‪ ،‬أما غير‬
‫المسلم إذا تزوج من مسلمة فإنه ل يحترم عقيدتها‪ ،‬ول يؤمن‬
‫بنبيها مما يوقد النار في المنزل ويمنع السكينة والرحمة التي‬
‫عليها قوام البيوت‪ ،‬فلهذا منع السلم مثل هذا الزواج ‪.‬‬
‫يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي‪- :‬‬
‫المسلمة ل تتزوج إل مسلماً‪ ،‬والله تعالى يقول (ول تنكحوا‬
‫المشركات حتى يؤمن) وقال (ول تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا)‬
‫ثم استثنى فقال ‪ (:‬وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم‬
‫حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا‬
‫الكتاب) فأباح زواج المحصنات من أهل الكتاب ولم يجز زواج‬
‫الرجال من نساء المسلمين‪.‬‬

‫وحكمة ذلك‪ :‬أن المسلم يؤمن بكل الرسل بما فيهم موسى‬
‫وعيسى عليهم السلم‪ .‬وبكل الكتب بما فيها التوراة والنجيل‪.‬‬
‫بينما ل يؤمن أهل الكتاب إل برسولهم وكتابهم‪ .‬وقد أجاز السلم‬
‫لزوجة المسلم الكتابية أن تذهب إلى أماكن عبادتها كالكنيسة‬
‫والمعبد ‪ ،‬بينما ل يجيز هؤلء الكتابيين للمسلمة ـ لو تزوجوها ـ أن‬
‫تذهب للمسجد وتظهر شعائر السلم‪.‬‬
‫والهم من ذلك‪ :‬أن السلم يعلو ول يعلى عليه ‪ ،‬والزواج ولية‬
‫وقوامة ‪ ،‬فيمكن أن يكون المسلم وليا وقواما على زوجته‬
‫الكتابية ‪ ،‬بينما ل يمكن أن يكون غير المسلم وليا أو قواما على‬
‫المسلمة‪ ،‬فالله تعالى يقول‪ ( :‬ولن يجعل الله للكافرين على‬
‫المؤمنين سبيل)‪.‬‬
‫والزوجة عليها طاعة زوجها ‪ ،‬فلو تزوجت المسلمة غير المسلم‬
‫لتعارضت طاعتها له مع طاعتها لله تعالى ولرسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬

‫‪996‬‬
‫ولعل هناك حكما أخرى كامنة فى منع زواج المسلمة من غير‬
‫المسلم ‪ ،‬يعلمها الله تعالى ‪ ،‬العليم بما يصلح العباد ( أل يعلم‬
‫من خلق وهو اللطيف الخبير)؟‬
‫وما على المؤمن بالله تعالى وبحكمته وعلمه ؛ إل أن يقول‪(:‬‬
‫سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)‬
‫أهـ‬
‫ويقول الشيخ محمد الغزالي ـ رحمه الله ـ ‪:‬‬
‫رب البيت المسلم يستحيل أن يمر بخاطره أن يهين موسى‬
‫أوعيسى ‪ ،‬إنه يحترمهما كما يحترم نبيه محمدا ‪ ،‬ويصفهما‬
‫بالوجاهة والرسالة وقوة العزم وصدق البلغ!‬
‫وهذا معنى يلقي السكينة في نفوس أتباعهما‪.‬‬
‫أما اليهود والنصارى فإن ضغائنهم على محمد أعيت الولين‬
‫والخرين‪ ،‬وقد استباحوا قذفه بكل نقيصة‪.‬‬

‫وفي عصرنا هذا منحت إنجلترا أعظم جائزة أدبية لكاتب نكرة ‪،‬‬
‫كل بضاعته شتم محمد والولوغ في عرضه والتهجم عل حرمه !‬
‫فكيف تعيش مسلمة في بيت تلك بعض معالمه؟‬

‫إن الزواج ليس عشق ذكر لمفاتن أنثى !!إنه إقامة بيت على‬
‫السكينة النفسية والداب الجتماعي‪ ،‬في إطار محكم من اليمان‬
‫بالله‪ ،‬والعيش وفق هداياته‪ ،‬والعمل على إعلء كلمته‪ ،‬وإبلغ‬
‫رسالته‪ .‬أهـ‬
‫وهذا الذي ذكر ما هو إل محاولت لستنباط الحكمة من المنع ‪،‬‬
‫ويبقى الكثير الذي ل يدركه إل الله ‪ ،‬على أن الفيصل في‬
‫المسألة أنه أمر تعبدي محض‪.‬‬

‫وجاء في فتاوى الزهر الشريف‪:‬‬


‫صحيح أن السلم يجيز زواج المسلم من غير المسلمة (مسيحية‬
‫أو يهودية) ول يجيز زواج المسلمة من غير المسلم‪ .‬وللوهلة‬
‫الولى يُعد ذلك من قبيل عدم المساواة ‪ ،‬ولكن إذا عرف السبب‬
‫م انعدام المساواة‪ .‬فهناك‬
‫الحقيقي لذلك انتفى العجب ‪ ،‬وزال وَهْ ُ‬
‫وجهة نظر إسلمية في هذا الصدد توضح الحكمة في ذلك‪ .‬وكل‬
‫تشريعات السلم مبنية على حكمة معينة ومصلحة حقيقية لكل‬
‫الطراف‪.‬‬
‫الزواج في السلم يقوم على " المودة والرحمة " والسكن‬
‫النفسي ‪ .‬ويحرص السلم على أن تبنى السرة على أسس‬
‫سليمة تضمن الستمرار للعلقة الزوجية ‪ .‬والسلم دين يحترم‬
‫كل الديان السماوية السابقة ويجعل اليمان بالنبياء السابقين‬

‫‪997‬‬
‫جميعًا جزءا ً ل يتجزأ من العقيدة السلمية‪ .‬وإذا تزوج مسلم من‬
‫مسيحية أو يهودية فإن المسلم مأمور باحترام عقيدتها ‪ ،‬ول يجوز‬
‫له ـ من وجهة النظر السلمية ـ أن يمنعها من ممارسة شعائر‬
‫دينها‪ ،‬والذهاب من أجل ذلك إلى الكنيسة أو المعبد‪.‬‬
‫وهكذا يحرص السلم على توفير عنصر الحترام من جانب‬
‫الزوج لعقيدة زوجته وعبادتها‪ .‬وفى ذلك ضمان وحماية للسرة‬
‫من النهيار‪.‬‬

‫أما إذا تزوج غير مسلم من مسلمة فإن عنصر الحترام لعقيدة‬
‫الزوجة يكون مفقودًا‪ .‬فالمسلم يؤمن بالديان السابقة ‪ ،‬وبأنبياء‬
‫الله السابقين ‪ ،‬ويحترمهم ويوقرهم ‪ ،‬ولكن غير المسلم ل يؤمن‬
‫دّق ـ في‬ ‫بنبي السلم‪ ،‬ول يعترف به ‪ ،‬بل يعتبره نبيًّا زائفًا وَي ُ َ‬
‫ص ِ‬
‫العادة ـ كل ما يشاع ضد السلم وضد نبي السلم من افتراءات‬
‫وأكاذيب ‪ ،‬وما أكثر ما يشاع‪.‬‬

‫وحتى إذا لم يصرح الزوج غير المسلم بذلك أمام زوجته فإنها‬
‫ستظل تعيش تحت وطأة شعور عدم الحترام من جانب زوجها‬
‫لعقيدتها‪ .‬وهذا أمر ل تجدي فيه كلمات الترضية والمجاملة‪.‬‬
‫فالقضية قضية مبدأ‪ .‬وعنصر الحترام المتبادل بين الزوج‬
‫والزوجة أساس لستمرار العلقة الزوجية‪.‬‬

‫وقد كان السلم منطقيًّا مع نفسه حين حّرم زواج المسلم من‬
‫غير المسلمة التي تدين بدين غير المسيحية واليهودية ‪ ،‬وذلك‬
‫لنفس السبب الذي من أجله حّرم زواج المسلمة بغير المسلم‪.‬‬
‫فالمسلم ل يؤمن إل بالديان السماوية وما عداها تُعد أديانًا‬
‫بشرية‪ .‬فعنصر التوقير والحترام لعقيدة الزوجة في هذه الحالة ـ‬
‫بعيدًا عن المجاملت ـ يكون مفقودًا‪ .‬وهذا يؤثر سلبًا على العلقة‬
‫الزوجية ‪ ،‬ول يحقق " المودة والرحمة " المطلوبة في العلقة‬
‫الزوجية أهـ‬
‫==================‬
‫صور محظورة من الزواج المختلط‬

‫مما ل شك فيه أن استقرار الحياة الزوجية غاية من الغايات‬


‫التي يحرص عليها السلم• وعقد الزواج إنما يعقد للدوام والتأييد‬
‫إلى أن تنتهي الحياة ليتسنى للزوجين أن يجعل من البيت مهداً‬
‫يأويان إليه وينعمان في ظلله الوارفة بنعمة الستقرار والسعادة‪،‬‬
‫ومن أجل هذا كانت الصلة بين الزوجين من أقدس الصلت‬
‫وأوثقها‪ ،‬وليس أدل على قدسيتها من أن الله سبحانه وتعالى‬

‫‪998‬‬
‫سمى العهد بين الزوج وزوجته بالميثاق الغليظ‪ ،‬قال تعالى في‬
‫سورة النساء‪( :‬وأخذن منكم ميثاقا ً غليظاً)•‬
‫وفي إطار اهتمامه بالزواج وما يترتب عليه من نتائج وآثار‪ ،‬بيّن‬
‫السلم موانع الزواج التي تمنع المسلم من القتران بنساء‬
‫معينات أو في حالت محددة لما قد ينتج عن هذا القتران من‬
‫أضرار سلبية تتعارض ومقاصد الشرع الحكيم•‬
‫وإذا كانت موانع الزواج تنقسم إلى قسمين‪ :‬موانع مؤبدة ل‬
‫يمكن أن تزول وأخرى مؤقتة تمنع الزواج مادامت قائمة وتبيحه‬
‫في حال ارتفاعها‪ ،‬فإن ما يعرف في الصطلح الحديث بالزواج‬
‫المختلط‪ ،‬أي الزواج بالجنبيات يدخل في بعض صوره ضمن‬
‫الموانع المؤقتة‪ ،‬كما أن الزواج المختلط يتنوع بدوره إلى نوعين‪:‬‬
‫الزواج المختلط الصلي >مثل زواج المسلم بالكتابية< والزواج‬
‫المختلط الطارئ >مثل إسلم زوج الكتابية< وهو بشطريه‬
‫يشتمل على عدة صور منها ما هو جائز في حق المسلم ومنها ما‬
‫هو محظور•‬
‫ولما كان الزواج المختلط قد أضحى في عصرنا هذا يشكل‬
‫ظاهرة لفتة للنتباه خاصة في صفوف أبناء الجاليات والقليات‬
‫المسلمة في الغرب فإن المشكلت والنعكاسات السلبية التي‬
‫يطرحها هنا وهناك قد أمست تتفاقم بحدة وتزداد تعقيدا ً خاصة‬
‫على مستوى وقوع الكثير في الصور المحظورة من الزواج‬
‫المختلط مما جاء منهيا ً عنه في الشريعة السلمية‪ ،‬ولذلك‬
‫نقتصر في هذه العجالة على إيضاح وبيان هذه الصور المحظورة‬
‫حتى يتنبه إليها من يهمه المر•‬
‫ويمكن تلخيص الصور المحظورة من الزواج المختلط في‬
‫الحالت التالية‪:‬‬
‫الحالة الولى‬
‫تحريم زواج المسلمة بغير المسلم‪ ،‬وهذا أمر أجمع عليه‬
‫المسلمون استنادا ً إلى قوله تعالى‪( :‬يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم‬
‫المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن‬
‫ن حل لهم ول‬ ‫علمتموهن مؤمنات فل ترجعوهن إلى الكفار ل ه َّ‬
‫ن) الممتحنة‪•10:‬‬ ‫هم يحلو َّ‬
‫ن له َّ‬
‫والحكمة من تحريم زواج المسلمة بغير المسلم‪ ،‬هو أن السلم‬
‫يأبى أن يكون المسلم تحت سلطان الكافر لن عقد الزواج‬
‫يستلزم أن يكون للرجل حق الطاعة والقوامة على المرأة‪ ،‬ونص‬
‫الفقهاء أيضا ً على أن الكافر قد ل يتحرج من سب دين زوجته‬
‫المسلمة وتسفيه عقيدتها وقد يؤثر عليها فتنخلع من ربقة‬
‫السلم‪ ،‬كما أن الولد يتبعون آباءهم في الدين والنسب وكل‬

‫‪999‬‬
‫هذه الحيثيات جعلت الشارع الحكيم يمنع ويحظر هذه الحالة من‬
‫الزواج•‬
‫الحالة الثانية‬
‫تحريم زواج المسلم بالمشركة‪ ،‬والمقصود بها المرأة التي ل‬
‫تعتنق دينا ً سماوياً‪ ،‬ويدخل في هذا المسمى كل من المرأة‬
‫الوثنية التي تعبد الوثان والصنام مثل البوذيين والمجوس‬
‫والبراهمة عبدة البقر‪ ،‬والملحدة التي تجحد الديان كالشيوعية•‬
‫والحكمة من تحريم الزواج بالمشركة هو كونها تختلف عن‬
‫المسلم اختلفا ً بينا ً في العقيدة مما يحول دون أي التقاء أو اتفاق‬
‫يسمح بالسكن والمودة والرحمة التي هي من مقاصد الزواج•‬
‫الحال الثالثة‬
‫إسلم زوج المشركة‪ ،‬إذ لما كان المسلم ل يجوز له الزواج‬
‫بالمشركة‪ ،‬فإنه إذا أسلم الرجل وكان في عصمته امرأة مشركة‬
‫توجب عليه عرض السلم على الزوجة‪ ،‬فإن أسلمت أبقى عليها‬
‫وإن امتنعت وعارضت لزمه فراقها•‬
‫الحالة الرابعة‬
‫إسلم زوجة الكتابي أو المشرك‪ ،‬وهذه الحالة تنبني على‬
‫القاعدة المقررة وهي أن المسلمة ل يمكن أن ينعقد زواجها‬
‫على غير المسلم‪ ،‬ولذلك فإنه إذا أسلمت الزوجة ورفض زوجها ـ‬
‫كتابيا ً كان أو مشركا ً ـ الدخول في السلم‪ ،‬فإنه يجب التفريق‬
‫بينهما عند انتهاء عدة الزوجة التي هي استبراء من ماء الزوج‬
‫الكافر بعد إسلم الزوجة•‬
‫الحالة الخامسة‬
‫ردة أحد الزوجين لن إعلن أحد الزوجين ارتداده عن السلم‬
‫يجعل الطرف الخر مرتبطا ً بزوج خارج عن الدين‪ ،‬وهو ما‬
‫يستلزم التفريق بينهما بطلقة بائنة‪ ،‬والدليل على تحريم زواج‬
‫المرتد أو المرتدة قوله تعالى‪( :‬ول تمسكوا بعصم الكوافر<‬
‫م َّ‬
‫ن‬ ‫الممتحنة‪ ،10:‬وقوله تعالى‪( :‬ول تنكحوا المشركات حتى يؤ ِ‬
‫ولمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ول تنكحوا المشركين‬
‫حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم) البقرة‪:‬‬
‫‪•221‬‬
‫إن الباعث من وراء التنبيه إلى هذه الصور المحظورة من‬
‫الزواج المختلط هو كون كثير من المسلمين الذين يهاجرون إلى‬
‫الغرب للعمل أو لطلب العلم تتفشى بينهم ظاهرة الزواج‬
‫بالجنبيات‪ ،‬فيقع بعضهم في الممنوع شرعا ً طمعا ً في تحقيق‬
‫أغراض ومصالح شخصية كالحصول على الجنسية أو الطمع في‬

‫‪1000‬‬
‫ثروة المرأة الجنبية أو غير ذلك من الغراءات التي تجعل الواقع‬
‫فيها ل يستحضر الدين والضوابط الشرعية‬
‫================‬
‫حكم زواج غير المسلم بالمسلمة‬
‫سؤال أثاره عدد ممن قرأ في وسائل العلم فتوى يبيح فيها‬
‫صاحبها زواج غير المسلم بالمسلمة‪ ،‬وقد نسب إليه أنه قال‪ :‬إن‬
‫تحريم هذا الزواج مجرد أقاويل وتخرصات وأوهام وتضليل‪،‬‬
‫الهدف منها جر المرأة إلى الوراء ‪.‬‬
‫وقبل هذا وردنا في المجلة سؤال من فضيلة الخ الشيخ‪ -‬أبو‬
‫الكلم شفيق القاسمي المظاهري‪ ،‬أحد علماء الهند والمين‬
‫العام لقسم الفتاء لجماعة أهل السنة والجماعة في جنوب‬
‫الهند‪ ،‬عن صدور مثل هذه الفتوى ‪-‬مع بعض الختلف ‪ -‬من‬
‫شخص آخر في الهند ‪.‬‬
‫وقد سبق أن أجبنا فضيلته عن هذا السؤال في كتيب اسمه‬
‫(رسالة إلى أهل السنة والجماعة في جنوب الهند) تم توزيعه مع‬
‫العدد السابع والستين من المجلة ‪.‬‬
‫وسؤال آخر يتفرع من السؤال الول حول دوافع هذه الفتوى‬
‫وأمثالها‪ ،‬وأهداف أصحابها ومبتغاهم في هذه المرحلة التي تواجه‬
‫فيها المة هجوما ً على عقيدتها وتراثها ‪.‬‬
‫والجواب عن هذين السؤالين من وجهين‪:‬‬
‫الوجه الول‪ :‬حكم زواج غير المسلم بالمسلمة ‪.‬‬
‫هذا الحكم ل يحتاج إلى كثير من الجتهاد‪ .‬إذا كان الزوج مشركاً‬
‫م فيه كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم‬ ‫حك َ ُ‬
‫فال َ‬
‫وإجماع المة‪ .‬أما الكتاب فقول الله تعالى‪ :‬ول تنكحوا‬
‫المشركين حتى" يؤمنوا (‪ .)1‬قال أبو جعفر محمد بن جرير‬
‫الطبري في تفسير هذه الية‪" :‬يعني تعالى ذكره بذلك أن الله قد‬
‫حرم على المؤمنات أل ينكحن مشركاً‪ ،‬كائنا ً من كان المشرك‬
‫من أي أصناف الشرك كان‪ ،‬فل تنكحوهن أيها المؤمنون فإن ذلك‬
‫حرام عليكم‪ ..‬ثم قال‪ :‬أخبرنا معمر عن قتادة والزهري في‬
‫قوله‪ :‬ول تنكحوا المشركين قال ل يحل لك أن تنكح يهوديا ً أو‬
‫نصرانيا ً ول مشركا ً من غير أهل دينك‪ ..‬وعن عكرمة والحسن‬
‫البصري قال‪ :‬حرم على المسلمات رجالهم يعني المشركين" (‬
‫‪.)2‬‬
‫وذكر الفخر الرازي أن قوله تعالى‪ :‬ول تنكحوا المشركين حتى"‬
‫يؤمنوا فل خلف هاهنا أن المراد به الكل‪ ،‬وأن المؤمنة ل يحل‬
‫تزويجها من الكافر البتة‪ ،‬على اختلف أنواع الكفرة (‪ .)3‬وذكر‬
‫المام القرطبي في تفسيره في قوله تعالى‪ :‬ول تنكحوا‬

‫‪1001‬‬
‫المشركين حتى" يؤمنوا أي ل تزوجوا المسلمة من المشرك‪،‬‬
‫وأجمعت المة على أن المشرك ل يطأ المؤمنة بوجه‪ ،‬لما في‬
‫ذلك من الغضاضة على السلم(‪.)4‬‬
‫وفي الكتاب أيضا ً قول الله تعالى‪ :‬يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم‬
‫المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن‬
‫علمتموهن مؤمنات فل ترجعوهن إلى الكفار ل هن حل لهم ول‬
‫هم يحلون لهن (‪ .)1‬قال المام القرطبي قوله تعالى‪ :‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن المراد إذا‬
‫هاجرت المؤمنات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركن‬
‫أزواجهن المشركين فامتحنوهن قيل‪ :‬إنه كان من أرادت منهن‬
‫إضرار زوجها فقالت‪ :‬سأهاجر إلى محمد صلى الله عليه وسلم ؛‬
‫فلذلك أمر صلى الله عليه وسلم بامتحانهن‪ .‬واختلف فيما كان‬
‫يمتحنهن به‪ ،‬فقال ابن عباس‪ :‬كانت المحنة أن تُستحلف بالله‬
‫أنها ما خرجت من بغض زوجها‪ ،‬ول رغبة من أرض إلى أرض‪ ،‬ول‬
‫حبّا ً لله ولرسوله‪ .‬فإذا‬
‫التماس دنيا‪ ،‬ول عشقا ً لرجل منَّا؛ بل ُ‬
‫حلفت بالله الذي ل إلَه إل هو على ذلك‪ ،‬أعطى النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم زوجها مهرها وما أنفق عليها ولم يردّها؛ فذلك قوله‬
‫تعالى‪ :‬فإن علمتموهن مؤمنات فل ترجعوهن إلى الكفار ل هن‬
‫حل لهم ول هم يحلون لهن ‪.‬‬
‫وقيل إن المحنة كانت أن تشهد أن ل إلَه إل الله وأن محمداً‬
‫رسول الله؛ قاله ابن عباس أيضا ً ‪.‬‬
‫قوله تعالى‪ :‬الله أعلم بإيمانهن أي هذا المتحان لكم‪ ،‬والله‬
‫متَول ِّي السرائر‪ .‬فإن علمتموهن مؤمنات أي‬ ‫أعلم بإيمانهن‪ ،‬لنه ُ‬
‫بما يظهر من اليمان‪ .‬وقيل‪ :‬إن علمتموهن مؤمنات قبل‬
‫المتحان فل ترجعوهن إلى الكفار ل هن حل لهم ول هم يحلون‬
‫لهن أي لم يحل الله مؤمنة لكافر‪ ،‬ول نكاح مؤمن لمشركة‪.‬‬
‫وهذا أدل دليل على أن الذي أوجب فرقة المسلمة من زوجها‬
‫مها ل هجرتها (‪.)2‬‬
‫إسل ُ‬
‫وقال المام ابن كثير في تفسير هذه الية‪" :‬كان امتحانهن أن‬
‫يشهدن أن ل إلَه إل الله وأن محمدا ً عبده ورسوله‪ ،‬وقال مجاهد‬
‫فامتحنوهن فاسألوهن عما جاء بهن‪ ،‬فإن كان جاء بهن غضب‬
‫ن فارجعوهن إلى‬ ‫على أزواجهن أو سخطة أو غيرة ولم يؤم َّ‬
‫أزواجهن‪ ،‬وقال عكرمة‪ :‬يقال لها ما جاء بك إل حب الله ورسوله‪،‬‬
‫وما جاء بك عشق رجل منا ول فرار من زوجك فذلك قوله‬
‫فامتحنوهن ‪ .‬وقال قتادة كانت محنتهن أن يستحلفن بالله ما‬
‫أخرجكن النشوز وما أخرجكن إل حب السلم وأهله وحرص‬
‫عليه‪ ،‬فإذا قلن ذلك قبل ذلك منهن‪ ،‬وقوله تعالى فإن‬

‫‪1002‬‬
‫علمتموهن مؤمنات فل ترجعوهن إلى الكفار فيه دللة على أن‬
‫اليمان يمكن الطلع عليه يقيناً‪ .‬وقوله تعالى ل هن حل لهم ول‬
‫هم يحلون لهن هذه الية هي التي حرمت المسلمات على‬
‫المشركين‪ ،‬وقد كان جائزا ً في ابتداء السلم أن يتزوج المشرك‬
‫المؤمنة‪ ،‬ولهذا كان أمر أبي العاص بن الربيع زوج ابنة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم زينب ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬وقد كانت مسلمة‬
‫وهو على دين قومه‪ ،‬فلما وقع في السارى يوم بدر‪ ،‬بعثت امرأته‬
‫زينب في فدائه بقلدة لها كانت لمها خديجة‪ ،‬فلما رآها رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال للمسلمين‪:‬‬
‫(إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فافعلوا)‪ .‬ففعلوا فأطلقه رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم على أن يبعث ابنته إليه‪ ،‬فَوَفَى له‬
‫صدَقَه فيما وعده‪ ،‬وبعثها إلى رسول الله صلى الله عليه‬ ‫بذلك و َ‬
‫وسلم مع زيد بن حارثة ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬فأقامت بالمدينة من‬
‫بعد وقعة بدر‪ ،‬وكانت سنة اثنتين إلى أن أسلم زوجها أبو العاص‬
‫بن الربيع سنة ثمان‪ ،‬فردها عليه بالنكاح الول‪ ،‬ولم يحدث لها‬
‫صداقاً"(‪.)1‬‬
‫والسؤال في هذا المقام هل يعد الكتابي في حكم المشرك‬
‫فيحرم زواج المسلمة منه ؟ يجيب عن هذا السؤال فريقان‪:‬‬
‫الول‪ -‬يرى أن هذا التحريم هو الصل القاطع الذي ل مجال‬
‫للخلف فيه‪ ،‬استدلل ً وعمل ً بقول الله تعالى وقالت اليهود عزير‬
‫ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله (‪ .)1‬وقوله عز ذكره‪:‬‬
‫لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلثة وما من إله إل إله واحد (‬
‫‪ .)2‬وقوله‪ :‬اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح‬
‫ابن مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو سبحانه عما‬
‫يشركون (‪ .)3‬واستدلل ً كذلك بأن عبدالله بن عمر لما سئل عن‬
‫نكاح النصرانية واليهودية قال‪" :‬إن الله حرم المشركات على‬
‫المؤمنين‪ ،‬ول أعلم من الشراك شيئا ً أكبر من أن تقول المرأة‬
‫ربها عيسى وهو عبد من عباد الله"(‪ .)4‬فإذا كان هذا في حق‬
‫زواج المسلم منها فهو في حق زواج غير المسلم منها أولى‬
‫وآكد‪ ،‬كما يستدل أيضا ً بأن الكثير من العلماء على أن لفظ‬
‫المشرك يندرج فيه الكفار من أهل الكتاب‪ ،‬وإن النقل قد تواتر‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يسمي كل من‬
‫كان كافرا ً بالمشرك (‪.)5‬‬
‫وفي المقابل هناك من ينفي كون الكتابي مشركاً‪ ،‬ويحتج بأن الله‬
‫صل بين أهل الكتاب والمشركين في قوله تعالى‪ :‬إن الذين‬ ‫فَ َ‬
‫آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى" والمجوس والذين‬
‫أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على" كل شيء‬

‫‪1003‬‬
‫شهيد (‪ .)1‬وقوله‪ :‬لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب‬
‫والمشركين (‪ .)2‬وقوله عز وجل‪ :‬إن الذين كفروا من أهل‬
‫الكتاب والمشركين (‪ .)3‬وقوله ما يود الذين كفروا من أهل‬
‫الكتاب ول المشركين (‪ .)4‬فهذا ‪-‬كما يقول ‪ -‬عطف على‬
‫معطوف عليه‪ ،‬والعطف هنا يقتضي المغايرة‪.‬‬
‫ومن يقول هذا قد يقول أيضا ً إن اليهود ليسوا كلهم مشركين‪،‬‬
‫وأن من يقول منهم إن عزير ابن الله هم طائفة صغيرة من أتباع‬
‫فنحاص(‪ )5‬كما قد يقول إن النصارى ليسوا كلهم يعتقدون في‬
‫ألوهية عيسى أو يشركونه مع الله ‪،‬وأن من يقول ذلك بعض‬
‫طوائفهم‪ .‬والقوال في هذا ل تنتهي ‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وأيا ً كانت الحجج والقاويل في هذا‪ ،‬فإن سلف المة‬


‫وخلفها من علمائها وفقهائها ومفسريها فهموا من كتاب ربهم‬
‫ومن سنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم تحريم نكاح‬
‫المسلمة من الكتابي‪ ،‬ولم يمار في هذا الفهم أحد منهم‪ ،‬وقد‬
‫أشرنا آنفا ً إلى ما قاله في ذلك علماء التفسير‪ .‬أما في الفقه‪،‬‬
‫ففي مذهب المام أبي حنيفة قال المام الكاساني‪" :‬إن المرأة‬
‫إذا كانت مسلمة فل يجوز إنكاح المؤمنة الكافر‪ ،‬بدللة قوله‬
‫تعالى‪ :‬ول تنكحوا المشركين حتى" يؤمنوا ‪ .‬ولن في نكاح‬
‫المؤمنة الكافر خوف وقوع المؤمنة في الكفر‪ ،‬لن الزوج يدعوها‬
‫إلى دينه‪ ،‬والنساء في العادة يتبعن الرجال فيما يؤثرون من‬
‫الفعال‪ ،‬ويقلدنهم في الدين ‪ ...‬إلى قوله‪ :‬فل يجوز إنكاح‬
‫المسلمة الكتابي‪ ،‬كما ل يجوز إنكاحها الوثني والمجوسي‪ ،‬لن‬
‫الشرع قطع ولية الكافرين عن المؤمنين بقوله تعالى‪ :‬ولن‬
‫يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيل (‪ .)1‬فلو جاز إنكاح‬
‫الكافر المؤمنة لثبت له عليها سبيل‪ ،‬وهذا ل يجوز (‪.)2‬‬
‫وفي مذهب المام مالك قال في شرح منح الجليل فيمنع عقد‬
‫النكاح لمسلمة‪ ،‬فل ولية لكافر سواء كان ذميا ً أو حربيا ً أو مرتداً‬
‫على مسلمة لقول الله تعالى‪ :‬ولن يجعل الله للكافرين على‬
‫المؤمنين سبيل (‪ .)3‬وقال ابن جزي إن نكاح كافر مسلمة يحرم‬
‫على الطلق بإجماع(‪.)4‬‬
‫وفي مذهب المام الشافعي قال المام الماوردي في الحاوي‪:‬‬
‫المسلمة ل تحل لكافر بحال‪ ،‬سواء كان الكافر كتابيا ً أو وثنيا ً (‪.)5‬‬
‫وفي مذهب المام أحمد قال المام ابن مفلح في المبدع‪ :‬ل يحل‬
‫لمسلمة نكاح كافر ل نعلم فيه خلفا ً (‪ .)6‬وفي المغني قال المام‬
‫ابن قدامة‪ :‬ل يجوز لكافر نكاح مسلمة‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬أجمع‬
‫على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم (‪.)1‬‬

‫‪1004‬‬
‫وفي المذهب الظاهري قال المام أبو محمد علي بن حزم‪ :‬ول‬
‫يحل لمسلمة نكاح غير مسلم أصل ً (‪.)2‬‬
‫قلت‪ :‬هذه هي النصوص بحرفيتها كما وردت في الكتاب والسنة‬
‫وفي كتب الئمة‪ ،‬وحين ننقلها فإنما هو لبيان الحق وبراءة للذمة‪،‬‬
‫وأيا ً كان القول حول كون الكتابي مشركا ً أم غير مشرك فإن‬
‫إجماع المة وسلفها وخلفها منعقد على تحريم زواج المسلمة‬
‫بغير المسلم‪ ،‬أيا ً كانت صفته‪ ،‬والجماع حجة ثابتة فهو المصدر‬
‫الثالث لشريعة الله‪ ،‬وعامة العلماء على أن منكره يكفر ‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬دوافع هذه الفتوى وأهدافها ‪:‬‬
‫ل أحد يعرف على وجه التحديد دوافع هذه الفتوى التي صدرت‬
‫من هذا الشخص أو ذاك‪ ،‬خاصة وأن هذه المسألة لم تكن قضية‬
‫أو مشكلة بين المسلمين وأهل الكتاب‪ ،‬وأراد هذان الرجلن‬
‫البحث عن حل لها؛ حتى الذين يتعصبون للمرأة ويقولون إنهم‬
‫يدافعون عن حقوقها لم يطالبوا بما أفتى به هذان الرجلن‪.‬‬
‫نعم‪ :‬نحن لم نفهم أن تحريم زواج المسلمة من غير المسلم‬
‫يجرها إلى الوراء كما قال أحد الرجلين‪ ،‬بل إن هذا قول ل يقوله‬
‫عاقل‪ .‬قد يكون لهذا وأمثاله بواطن وسلوكيات ل نعرفها‪ ،‬وقد‬
‫يكونون في مرحلة من الخلل الفكري الذي يحدث عندما تنحرف‬
‫النفس فتختلط عليها اللوان فتراها على غير حقيقتها‪.‬‬
‫وربما يذهب الظن إلى أن هؤلء إنما يبحثون عن منافع ل‬
‫يستطيعون الوصول إليها إل إذا أفتوا بمثل هذه الفتاوى‪ ،‬لتكون‬
‫وسيلتهم للوصول إلى هذه المنافع‪ ،‬بعد أن ظنوا أن المة في‬
‫حال من الضعف قد ل تستطيع فيه مواجهتهم‪ ،‬سيما وهي محاطة‬
‫بظروف دولية تبحث فيها عن مأمن من فوضى القوة والسيطرة‬
‫التي تسود العالم أو بعض أجزائه ‪.‬‬
‫والغالب أن هؤلء إنما يبحثون فعل ً عن هذه المنافع رغم‬
‫معرفتهم بخطأ فتاواهم وفسادها وبطلنها‪ ،‬وقد حدث مثل هذا‬
‫حينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤسس الدولة‪،‬‬
‫وكان هذا التأسيس يتطلب مواجهة المعادين لها؛ ففي تلك‬
‫المرحلة كانت فئة من المنافقين تهتم بمصالحها الدنيوية مع‬
‫المعادين لدين الله‪ ،‬ولم يكن يهمهم من هذا الدين ول من الدولة‬
‫إل بقدر ما ينتفعون منه‪ ،‬وكان على رأس هؤلء عبد الله بن أبي‬
‫بن سلول‪ ،‬وكان هذا يساّر المشركين واليهود خوفا ً على مصالحه‬
‫معهم‪ ،‬مع ظنه السيئ في رسول الله محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم وما جاء به من دين الله‪ ،‬واعتقاده أن هذا الدين سوف‬
‫يفشل‪ ،‬وأن الغلبة ستكون للمعادين له‪ .‬ولم يدرِ هو وأضرابه أن‬
‫الله يعلم أسرارهم ودواخلهم فأنزل فيهم قوله تعالى فترى‬

‫‪1005‬‬
‫الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى" أن‬
‫تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا‬
‫على" ما أسروا في أنفسهم نادمين (‪ .)1‬ويقول الذين آمنوا‬
‫أهؤلء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت‬
‫أعمالهم فأصبحوا خاسرين (‪.)2‬‬
‫ومع قوة القوى المعادية وسند المنافقين لها إل أن الله نصر دينه‬
‫وأعز رسوله‪ ،‬فأصبح عمل المنافقين مجرد تاريخ يتلى للعتبار‬
‫والتعاظ فحسب‪.‬‬
‫هذا في الماضي‪ ،‬أما في الزمن المعاصر فقد عرف تاريخ المة‬
‫الحديث مرزا غلم أحمد القادياني وجماعته من الجهلة‬
‫والمارقين‪ ،‬وقد أجهد هذا نفسه وحاول إقناع المسلمين وغيرهم‬
‫في الهند بوجوب طاعة المستعمر للهند آنذاك‪ ،‬والنقياد له‪،‬‬
‫مدعيا ً أن هذا من طاعة الله‪ ،‬كما حاول تعطيل الجهاد ووصفه‬
‫بما يتفق مع عقيدته ومبادئه المنحرفة‪ .‬وقد عرف الناس من كان‬
‫وراءه ومن كان يدفع له المال‪ ،‬ومع كل ما كان له من زخم‬
‫دعاوى أضفاه عليه المستعمر‪ ،‬إل أن الهنود رفضوا دعاواه‪،‬‬
‫وجاهدوا بكل قوة لتحرير بلدهم‪ ،‬وكان من نتيجة هذا الجهاد‬
‫تحرر الهند‪ ،‬وتكوين دولتي الباكستان وبنغلديش المسلمتين‪،‬‬
‫وبقي مرزا غلم أحمد مجرد اسم في تاريخ الردة وخدمة‬
‫المستعمرين ‪.‬‬
‫وفي الختام نقول‪ :‬إن هؤلء الذين يتجرؤون على الله بهذه‬
‫الفتاوى‪ ،‬ويتوسلون بها إلى القوى الجنبية‪ ،‬من أجل منافعهم‬
‫الشخصية‪ ،‬إنما يرتكبون خطأ وإثما ً كبيرا ً في حق دينهم وأمتهم‪.‬‬
‫أما قولهم بأنهم يجتهدون في السلم ويبينون أحكامه فهو قول‬
‫باطل‪ ،‬وإثم مبين‪ ،‬وقد شدد الله في عقوبة من يحل ما حرمه أو‬
‫يحرم ما أحله‪ ،‬فقال تعالى‪ :‬ول تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب‬
‫هذا حلل وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون‬
‫على الله الكذب ل يفلحون (‪ ،)1‬متاع قليل ولهم عذاب أليم (‪.)2‬‬
‫كما بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المة ستبتلى‬
‫بأقوام حدد صفاتهم وسلوكهم بقوله‪( :‬يخرج في آخر الزمان قوم‬
‫أحداث السنان سفهاء الحلم يقرؤون القرآن ل يجاوز تراقيهم‬
‫يقولون من قول خير البرية يمرقون من الدين كما يمرق السهم‬
‫من الرمية) (‪.)3‬‬
‫ول يسعنا إل أن نسأل الله عز وجل أن يعز دينه‪ ،‬ويعلي كلمته‪،‬‬
‫ل إلى الحق‪ .‬إنه سميع مجيب‪.‬‬ ‫وأن يرد كل ضا ٍ‬
‫================‬
‫زواج المسلمة من الكتابي‬

‫‪1006‬‬
‫الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي‬‫المؤلف‬
‫نص البحث‬
‫زواج المسلمة من الكتابي حرام ومستحله مرتد‬

‫عقد الزوجية في السلم ليس كعقدها في جميع الديانات الخرى‬


‫كتابية أو وثنية أو لدينية‪ ،‬بتميزه عنها جميعها ابتداء واستمرارا‬
‫وانتهاء‪.‬‬
‫ولئن كان هذا العقد في غير السلم مجرد اتفاق بين ذكر وأنثى‬
‫يباركه أو يوثقه بشر سواء كان رجل دين أورجل دولة‪ ،‬فإنه في‬
‫السلم علقة ربانية ينشئها الله تعالى ويشهد عليها ويأتمن‬
‫الزوجين عليها ويسألهما ويحاسبهما يوم القيامة بها‪.‬‬
‫يقول تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خل َ َ‬
‫ق‬ ‫حدَةٍ وَ َ‬ ‫س وَا ِ‬ ‫من ن ّفْ ٍ‬
‫خلَقَكُم ِّ َ‬ ‫م ال ّذِي َ‬ ‫س اتَّقُوا ْ َربَّك ُ ُ‬ ‫( يَا أيُّهَا النَّا ُ‬
‫جهَا ) ‪1‬‬ ‫منْهَا َزوْ َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫جهَا )‪2‬‬ ‫منْهَا َزوْ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫حدَةٍ وَ َ‬ ‫س وَا ِ‬ ‫من ن ّفْ ٍ‬ ‫خلقَكُم ِّ‬ ‫( هُوَ الذِي َ‬
‫سكُنُوا إِلَيْهَا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م أْزوَاجا ً ل ِّت َ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬‫ن أنفُ ِ‬ ‫ْ‬ ‫خلَقَ لَكُم ِّ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫ن آيَاتِهِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫( وَ ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪3‬‬ ‫ت ل ِّقَوْم ٍ يَتَفَك ُّرو َ‬ ‫ك َليَا ٍ‬ ‫ن فِي ذَل ِ َ‬ ‫ة إ ِ َّ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫موَدَّة ً وََر ْ‬ ‫ل بَيْنَكُم َّ‬ ‫جعَ َ‬ ‫وَ َ‬
‫جهَا )‪4‬‬ ‫منْهَا َزوْ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫م َ‬ ‫حدَةٍ ث ُ َّ‬ ‫س وَا ِ‬ ‫َ‬ ‫خلقَكُم ِّ‬ ‫َ‬
‫من ن ّفْ ٍ‬ ‫( َ‬
‫هذه الوشيجة الربانية والعلقة النسانية أبى الله عز وجل إل أن‬
‫يصفها بالميثاق الغليظ ‪ 5‬بقوله‪:‬‬
‫ميثَاقا ً غَلِيظا ً ) ‪6‬‬ ‫منكُم ِّ‬ ‫ن ِ‬ ‫خذ ْ َ‬ ‫( وَأ َ َ‬
‫ومن العجيب أن هذا الوصف " الميثاق الغليظ" لم يطلق في‬
‫القرآن إل على معنيين ‪:‬‬
‫أولهما ميثاق الله عز وجل مع النبيئين وأقوامهم على اليمان‬
‫والسلم بقوله تعالى‪:‬‬
‫م‬
‫ح وَإِبَْراهِي َ‬ ‫ك وَ ِ ُ‬
‫من ن ّو ٍ‬ ‫من َ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ميثَاقَهُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن النَّبِيِّي َ‬ ‫م َ‬ ‫خذ ْنَا ِ‬ ‫( وَإِذ ْ أ َ َ‬
‫ميثَاقا ً غَلِيظا ً )‪7‬‬ ‫منْهُم ِّ‬ ‫خذ ْنَا ِ‬ ‫م وَأ َ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫نُ َ‬ ‫سى اب ْ ِ‬ ‫عي َ‬ ‫سى وَ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫وَ ُ‬
‫جداً‬‫س َّ‬ ‫ب ُ‬ ‫خلُوا ْ الْبَا َ‬ ‫م اد ْ ُ‬ ‫م وَقُلْنَا لَهُ ُ‬ ‫ميثَاقِهِ ْ‬ ‫م الط ّوَر ب ِ ِ‬ ‫( وََرفَعْنَا فَوْقَهُ ُ‬
‫ميثَاقا ً غَلِيظا ً )‪8‬‬
‫َ‬ ‫م ل َ تَعْدُوا ْ فِي ال َّ‬
‫منْهُم ِّ‬ ‫خذ ْنَا ِ‬ ‫ت وَأ َ‬ ‫سب ْ ِ‬ ‫وَقُلْنَا لَهُ ْ‬
‫أما المعنى الثاني فخاص بالعلقة الزوجية كما أسلفنا بقوله‬
‫ميثَاقا ً غَلِيظا)‪ ، 9‬ولذلك قال رسول الله‬ ‫منكُم ِّ‬ ‫ن ِ‬ ‫خذ ْ َ‬ ‫تعالى ( وَأ َ َ‬
‫صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع ( فاتقوا الله‬
‫في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن‬
‫بكلمة الله )‪10‬‬
‫وقال‪( :‬وإنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة‬
‫الله عز وجل‪ ،‬أل ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه‬
‫عليها‪ ،‬وبسط يديه وقال‪ :‬أل هل بلغت أل هل بلغت‪،‬ثم قال‪ :‬ليبلغ‬

‫‪1007‬‬
‫الشاهد الغائب فإنه رب مبلغ أسعد من سامع )‪ . 11‬فكان من‬
‫مقتضيات هذا الميثاق لقوته ومتانته وعظم مسؤوليته أن يجري‬
‫بين الزوجين من التحاد والمتزاج وحسن الصحبة والمعاشرة‬
‫والولء في الله ما يثقل كاهليهما ويحفظ أسرتهما وذريتهما‬
‫ويبرئ ذمتهما عند المساءلة بين يدي الله تعالى‪.‬‬
‫كذلك أيضا نجد تعظيما آخر من الله عز وجل لهذه العلقة في‬
‫مثَل منها‬ ‫مثَلين للولء والبراء‪َ ،‬‬ ‫سورة الممتحنة‪ ،‬إذ جعلها أحد َ‬
‫مثَل من إبراهيم عليه السلم مع أبيه وقومه‪.‬‬ ‫و َ‬
‫ذلك أن محور هذه السورة الكريمة هو عقيدة الولء والبراء‪،‬‬
‫افتتحت بتحريم موالة أعداء الله ومحبتهم بقوله تعالى‪:‬‬
‫خذ ُوا عَدوي وعَدوَك ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن إِلَيْهِم‬ ‫م أوْلِيَاء تُلْقُو َ‬ ‫َ ُ ّ ْ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫منُوا َل تَت َّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫( يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫ل وَإِيَّاك ُ ْ‬
‫م‬ ‫سو َ‬ ‫ن الَّر ُ‬ ‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫قّ ي ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫جاءكُم ِّ‬ ‫ما َ‬ ‫موَدَّةِ وَقَد ْ َكَفَُروا ب ِ َ‬ ‫بِال ْ َ‬
‫َ‬
‫سبِيلِي وَابْتِغَاء‬ ‫جهَادا ً فِي َ‬ ‫م ِ‬ ‫جت ُ ْ‬ ‫خَر ْ‬ ‫م َ‬ ‫م إِن كُنت ُ ْ‬ ‫منُوا بِالل ّهِ َربِّك ُ ْ‬ ‫أن تُؤ ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ما أ َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ما أع ْلَنت ُ ْ‬
‫م‬ ‫م َو َ‬ ‫خفَيْت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫موَدَّةِ وَأنَا أع ْل َ ُ‬ ‫ن إِلَيْهِم بِال ْ َ‬ ‫سُّرو َ‬ ‫ضاتِي ت ُ ِ‬ ‫مْر َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ل ) ‪12‬‬ ‫سبِي ِ‬ ‫سوَاء ال َّ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫م فَقَد ْ َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫من يَفْعَل ْ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫وختمت كذلك بتحريم اتخاذ الكافرين أولياء في قوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫سوا ِ‬ ‫م قَد ْ يَئ ِ ُ‬ ‫ه ع َلَيْهِ ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫وما ً غَ ِ‬ ‫منُوا َل تَتَوَل ّوْا قَ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫( يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫ب الْقُبُورِ )‪13‬‬
‫خرة ك َما يئ ِس الْكُفَّار م َ‬
‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُ ِ ْ‬ ‫اْل ِ َ ِ َ َ َ‬
‫مثَلين توضيحيين‬ ‫وبين دفتي هذه السورة ضرب الله تعالى َ‬
‫كاشفين لمدى خطورة هذه العقيدة في أهم مفاصلها‪ ،‬مفصل‬
‫العلقة مع الوالدين والقوم‪ ،‬ومفصل العلقة بين الزوجة وزوجها‪،‬‬
‫داعيا في الحالتين إلى اتخاذ الميثاق مع الله مقدما على أي‬
‫رابطة أخرى‪ ،‬وحاكما عليها‪.‬‬
‫ت‬‫وقومه إذ يقول تعالى ( قَد ْ كَان َ ْ‬ ‫َ‬
‫الول في علقة إبراهيم بأبيه‬
‫م إِنَّا بَُرآء‬ ‫لَك ُ ُ‬
‫مهِ ْ‬ ‫َو ِ‬ ‫ه إِذ ْ قَالُوا لِق ْ‬ ‫م َع ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م وََال ّذِي َ‬ ‫ة فِي إِبَْراهِي َ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫م وَبَد َ َا بَيْنَنَا َوبَيْنَك ُ‬ ‫ُ‬
‫رنَا بِك ْ‬ ‫ن اللهِ كفَ ْ‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫من دُو ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما تَعْبُدُو َ‬ ‫َ‬ ‫م ّ‬ ‫م َو ِ‬ ‫ُ‬
‫منك ْ‬ ‫ِ‬
‫حدَه ُ إ ِ ّل قَوْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ل إِبَْراهِي َ‬ ‫ه وَ ْ‬ ‫منُوا بِالل ّ ِ‬ ‫حتَّى تُؤ ْ ِ‬ ‫ضاء أبَدا ً َ‬ ‫الْعَدَاوَة ُ وَالْبَغْ َ‬
‫يءٍ َّربَّنَا ع َلَي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ك َو َ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫ستَغْفَِر َّ‬ ‫ِلبِيهِ َل ْ‬
‫ك ال ْمصير) ‪ ( ، 14‬لَقَد كَان لَك ُم فيه ُ‬ ‫توكَّلْنا وإلَي َ َ‬
‫سوَةٌ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ ِ ِ َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ك أنَبْنَا وَإِلَي ْ َ َ َ ِ ُ‬ ‫َ َ َ َِ ْ‬
‫َ‬
‫و‬
‫ه هُ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل فَإ ِ َّ‬ ‫من يَتَوَ ّ‬ ‫خَر وَ َ‬ ‫م اْل ِ‬ ‫ه وَالْيَوْ َ‬ ‫جو الل ّ َ‬ ‫ن يَْر ُ‬ ‫من كَا َ‬ ‫ة لِ َ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ميد ُ ) ‪15‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫ي ال َ‬ ‫الغَن ِ ُّ‬ ‫ْ‬
‫مثَل الثاني ففي العلقة الزوجية‪ ،‬إذ حرم الله عز وجل‬ ‫أما ال َ‬
‫المرأة المسلمة على الكافر‪ ،‬بحيث ل تقوم هذه الصرة حق‬
‫قيامها إل من خلل الرجل المسلم ذي أهلية تحمل أمانة الوفاء‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫منَا ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫جاءك ُ ُ‬ ‫منُوا إِذ َا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫بهذا الميثاق الغليظ‪{ :‬يَا َ أي ُّ َها ال ّذِي َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ت‬‫منَا ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫موهُ َّ‬ ‫مت ُ ُ ُ‬ ‫ن عَل ِ ْ‬ ‫ن فَإ ِ ْ‬ ‫مانِهِ َّ‬ ‫م بِإِي ََ‬ ‫ه أع ْل َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫حنُوهُ َّ‬ ‫مت َ ِ‬ ‫ت فَا ْ‬ ‫جَرا ٍ‬ ‫م َها ِ‬ ‫ُ‬
‫ن ل ُه َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ن إِلى الكفّارِ ل هُ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫جعُوهُ َّ‬ ‫َ‬
‫ن }‪16‬‬ ‫حلو َ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫م وَل هُ ْ‬ ‫ل له ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫فَل تَْر ِ‬

‫‪1008‬‬
‫بهذه الية الكريمة يكون اشتراط السلم في الرجل كي يكون‬
‫أهل للزواج من المسلمة ثابتا ثبوتا قطعيا بنص الكتاب‪ .‬ولئن‬
‫ن‬
‫شرِكِي َ‬ ‫م ِ‬ ‫حوا ْ ال ْ ُ‬ ‫جادل بعضهم بمحاولة تأويل قوله تعالى( وَل َ تُنك ِ ُ‬
‫م أوْلَـئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫جبَك ُ ْ‬ ‫ك وَلَوْ أع ْ َ‬ ‫شرِ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫من ُّ‬ ‫خيٌْر ِّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫منُوا ْ وَلَعَبْد ٌ ُّ‬ ‫حتَّى يُؤْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن آيَاتِهِ‬ ‫مغْفَِرةِ بِإِذ ْنِهِ وَيُبَي ِّ ُ‬ ‫ْ‬
‫جن ّةِ وَال َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه يَدْع ُو إِلى ال َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن إِل َى الن ّارِ وَالل ُ‬ ‫َ‬ ‫يَدْعُو َ‬
‫َ‬
‫ن ) ‪، 17‬‬ ‫م يَتَذ َك ُّرو َ‬ ‫س لَعَل ّهُ ْ‬ ‫لِلن ّا ِ‬
‫َ‬
‫فل حجة لهم فيما ذهبوا إليه‪ ،‬لن هذه الية نفسها تؤكد حكم‬
‫تحريم زواج المسلمة من الكافر‪ .‬وما محاولة ضرب آية سورة‬
‫الممتحنة بآية سورة البقرة إل من تلبيس الهواء والغواية‪،‬‬
‫والقول بأن أهل الكتاب ليسوا مشركين دعوى ساقطة لتعارضها‬
‫مع النقل الصحيح والعقل السليم‪ ،‬وما الداعي إليها إل كفر بما‬
‫جاء عن الله تعالى أو خضوع مذل ومداراة سفيهة ومسايرة‬
‫وتزلف للتجبر الكتابي المعاصر‪.‬‬
‫إن الكفر في الشريعة السلمية هو تكذيب ما جاء عنه عز وجل‬
‫بواسطة نبيه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬سواء كان هذا التكذيب‬
‫جحودا للسماء والصفات أو الربوبية واللوهية أو إنكارا للنبوة‬
‫وما نقل عنها صحيحا‪ ،‬أو رفضا للشريعة وتعاليمها‪ ،‬وهو بذلك‬
‫متضمن للشرك سواء كان الشرك بعبادة الهواء أو الشجار أو‬
‫الحجار أو الرهبان والحبار‪ ،‬ويدخل فيه بهذه المعاني كلها‬
‫اليهودي والنصراني والمشرك واللديني‪ ،‬فيحرم لذلك على‬
‫المسلمة الزواج بأي منهم‪ .‬لسيما وقد ورد لفظ " الكفار " في‬
‫آية التحريم من سورة الممتحنة بصيغة الجمع المعرف ب" أل"‬
‫وهي تفيد الستغراق ‪ ،‬أي جميع أصناف الكفرة‪.‬‬
‫كما أن صريح الكتاب والسنة قد حسم هذا المر حسما قاطعا‬
‫حين وردت النصوص المبينة أن أهل الكتاب كفار ومشركون‪.‬‬
‫فقد قال تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫د‬
‫ح ٌ‬ ‫ه وَا ِ‬ ‫ه إِل ّ إِلَـ ٌ‬ ‫ن إِلَـ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ث َثَلَثَةٍ وَ َ‬ ‫ه ثَال ِ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن قَالُوا ْ إ ِ َّ‬ ‫( ل ّقَد ْ َ كَفََر ال ّذِي َ‬
‫ب‬‫م عَذ َا ٌ‬ ‫منْهُ ْ‬ ‫ن كَفَُروا ْ ِ‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫س َّ‬‫م َّ‬ ‫ن لَي َ َ‬ ‫ما يَقُولُو َ‬ ‫م يَنتَهُوا ْ ع َ َّ‬ ‫وَإِن ل ّ ْ‬
‫م ) ‪18‬‬ ‫ٌ‬ ‫أَلِي‬
‫َ‬
‫ح‬
‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫م وَقَا َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح اب ْ ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ه هُوَ ال ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن قَالُوا ْ إ ِ َّ‬ ‫( لَقَد ْ كَفََر ال ّذِي َ‬
‫ك بِاللّهِ فَقَ ْ‬
‫د‬ ‫شرِ ْ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م إِن َّ َ ُ‬‫ه َربِّي وََربَّك ُ ْ‬ ‫ل اع ْبُدُوا ْ الل ّ َ‬ ‫سَرائِي َ‬ ‫يَا بَنِي إ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫صارٍ ) ‪19‬‬ ‫ن أن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ما لِلظ ّال ِ ِ‬ ‫مأوَاه ُ النَّاُر وَ َ‬ ‫ة َو َ‬ ‫جن َّ َ‬‫ه ع َلَيهِ ال ْ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حَّر َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ح اب ْ ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫صاَرى ال ْ َ‬ ‫ت َالن َّ َ‬ ‫ن اللّهِ وَقَال َ ْ‬ ‫ت الْيَهُ َود ُ عَُزيٌْر اب ْ ُ‬ ‫( وَقَال َ ِ‬
‫م‬ ‫ل قَاتَلَهُ ُ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ن كَفَُروا ْ ِ‬ ‫ل ال ّذِي َ‬ ‫ن قَوْ َ‬ ‫ضاهِئو َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ك قَوْلُهُم بِأفْوَاهِهِ ْ‬ ‫ذَل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن اللّهِ‬ ‫من دُو ِ‬ ‫م أْربَابا ً ِّ‬ ‫م وَُرهْبَانَهُ ْ‬ ‫حبَاَرهُ ْ‬ ‫خذ ُوا ْ أ ْ‬ ‫ن‪ ،‬ات َّ َ‬ ‫ه أنَّى يُؤْفَكُو َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫مُروا ْ إِل َّ لِيَعْبُدُوا ْ إِلَـها ً وَا ِ‬ ‫ُ‬
‫ه إِل ّ هُ َ‬
‫و‬ ‫حدا ً ل ّ إِلَـ َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫م َو َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح اب ْ َ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫وَال ْ َ‬
‫ن }‪20‬‬ ‫شرِكُو َ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ه عَ َّ‬ ‫حان َ ُ‬‫سب ْ َ‬ ‫ُ‬

‫‪1009‬‬
‫هذه اليات صريحة في أن اليهود والنصارى مشركون‪ ،‬لسيما‬
‫مُروا ْ إِل َّ لِيَعْبُدُواْ‬ ‫ُ‬
‫ما أ ِ‬ ‫عندما عقب على الية الثالثة بقوله تعالى ( َو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ ،‬وعلى الثانية‬ ‫شرِكُو َ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ه ع َ َّ‬ ‫حان َ ُ‬‫سب ْ َ‬ ‫ه إِل ّ هُوَ ُ‬ ‫حدا ً ل ّ إِلَـ َ‬ ‫إِلَـها ً وَا ِ‬
‫مأوَاه ُ النَّاُر‬ ‫ْ‬
‫ة وَ َ‬ ‫جن َّ َ‬ ‫ه ع َلَيهِ ال ْ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حَّر َ‬ ‫ك بِاللّهِ فَقَد ْ َ‬ ‫شرِ ْ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫بقوله‪(َ :‬إِن َّ ُ‬
‫صارٍ)‪.‬‬ ‫وما لِلظ ّال ِمين م َ‬
‫ن أن َ‬ ‫ِ َ ِ ْ‬ ‫َ َ‬
‫تبين هذه المعاني كلها وتؤكدها سنة النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فقد تواتر عنه عليه الصلة والسلم أنه كان يسمي كل من كان‬
‫كافرا بالمشرك وكان الكفار في عهده ما بين يهودي ونصراني‬
‫وعابد وثن ومستشفع به ومنكر للبعث والتكليف‪.‬‬
‫كما روى العمش وسفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي‬
‫خذ ُوا‬ ‫البختري قال‪ :‬سئل حذيفة عن قول الله عز وجل‪ ( :‬ات َّ َ‬
‫َ‬ ‫أ َحبارهُم ورهْبانه َ‬
‫ن الل ّهِ )‪ ،‬هل عبدوهم؟ فقال ‪:‬‬ ‫ن دُو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م أْربَابًا ِ‬ ‫ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ‬
‫ل ‪ ،‬ولكن أحلوا لهم الحرام فاستحلوه ‪ ،‬وحرموا عليهم الحلل‬ ‫ّ‬
‫فحرموه ‪21.‬‬
‫وروى الترمذي عن عدي بن حاتم قال ‪ :‬أتيت النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وفي عنقي صليب من ‪‬ذهب‪ ،‬فقال‪" :‬ما هذا يا‬
‫عدي ؟ اطرح عنك هذا الوثن" ‪ ،‬وسمعته يقرأ من سورة براءة ‪:‬‬
‫َ‬ ‫خذ ُوا أ َحبارهُم ورهْبانه َ‬
‫م‪،‬‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح اب ْ َ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن الل ّهِ وَال ْ َ‬ ‫ن دُو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م أْربَابًا ِ‬ ‫ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ‬ ‫ات َّ َ‬
‫ثم قال‪ " :‬أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم‪ ،‬ولكن كانوا إذا أحلوا لهم‬
‫شيئا ً استحلّوه ‪ ،‬وإذا حّرموا عليهم شيئا ً حرموه " ‪.22‬‬
‫وفي رواية البيهقي‪ ( :‬أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي‬
‫عنقي صليب من ذهب فسمعته يقول اتخذوا أحبارهم ورهبانهم‬
‫أربابا من دون الله‪ ،‬قال‪ :‬قلت يا رسول الله إنهم لم يكونوا‬
‫يعبدونهم‪ ،‬قال‪ :‬أجل ولكن يحلون لهم ما حرم الله فيستحلونه‬
‫ويحرمون عليهم ما أحل الله فيحرمونه فتلك عبادتهم لهم ) ‪23‬‬
‫وتقتضي هذه النصوص القطعية من الكتاب والسنة أن الكفر‬
‫يتضمن الشرك مبنى ومعنى وشرعا‪ ،‬إذ لو كان غير ذلك لوجب‬
‫ه لَ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫أن يغفر الله عز وجل لهل الكتاب بمقتضى قوله ‪{ :‬إ ِ َّ‬
‫ك‬ ‫شرِ ْ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫شاءُ َو َ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬ ‫ما دُو َ‬ ‫ك بِهِ وَيَغْفُِر َ‬ ‫شَر َ‬ ‫يَغْفُِر أَن ي ُ ْ‬
‫بِاللّهِ فَقَد ِ افْتََرى إِثْما ً عَظِيما ً } ‪ .24‬وهذا المعنى باطل بطلنا بينا‪.‬‬
‫منُوا ْ وَلَعَب ْ ٌ‬
‫د‬ ‫حتَّى يُؤْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫شرِكِي َ‬ ‫م ِ‬ ‫حوا ْ ال ْ ُ‬ ‫كما أن قوله تعالى{ وَل َ تُنك ِ ُ‬
‫ُ‬ ‫شرك ول َ َ‬
‫ن إِل َ َى النَّارِ وَالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ك يَدْع ُو َ‬ ‫م أوْلَـئ ِ َ‬ ‫جبَك ُ ْ‬ ‫و أع ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م ْ ِ ٍ‬ ‫من ُّ‬ ‫خيٌْر ِّ‬ ‫ن َ‬‫ٌ‬ ‫مؤْ ِ‬
‫م‬ ‫ُّ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م يَتَذ َك ُّرو َ‬ ‫س لَعَل ّهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن آيَاتِهِ لِلن ّا ِ‬ ‫فَرةِ بِإِذ ْنِهِ وَيُبَي ِّ ُ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫جنَّةِ وَال ْ َ‬ ‫يَدْع ُوَ إِلَى ال ْ َ‬
‫}‪ 25‬يهدم ما ذهب إليه المبطلون لسيما بتعقيب الله في نهاية‬
‫ن إِلَى النَّارِ ) لن علة التحريم في‬ ‫ك يَدْعُو َ‬ ‫الية بقوله (أُوْلَـئ ِ َ‬
‫المشركين وهي الدعوة إلى النار قائمة في أهل الكتاب أيضا‪.‬‬

‫‪1010‬‬
‫هذه المعاني كلها بينتها السنة النبوية المطهرة ولخصتها قول‬
‫وعمل‪ ،‬فقد أخرج ابن جرير عن جابر بن عبد الله قال قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم " نتزوج نساء أهل الكتاب ول يتزوجون‬
‫نساءنا "‪ 26‬وعند عبد الرزاق وابن جرير عن عمر بن الخطاب‬
‫قال " المسلم يتزوج النصرانية ول يتزوج النصراني المسلمة "‪27‬‬
‫وعند عبد بن حميد عن قتادة قال " أحل الله لنا محصنتين‬
‫محصنة مؤمنة ومحصنة من أهل الكتاب نساؤنا عليهم حرام‬
‫ونساؤهم لنا حلل " ‪. 28‬‬
‫إن تحريم زواج المسلمة بغير المسلم يعد من المسائل التي لم‬
‫يختلف عليها المسلمون ‪ ،‬والتي تواتر إجماعهم عليها منذ عهد‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ فرق بين بنته زينب وزوجها‬
‫المشرك ثم ردها إليه بعد إسلمه ‪ ،29‬إلى يومنا هذا‪ ،‬وما ذلك إل‬
‫لما فهموه من الكتاب والسنة قطعيا‪ ،‬ولم يشذ عن هذا الحكم إل‬
‫شرذمة من ذوي الهواء والضلل‪ ،‬قدامى ومعاصرين ممن باعوا‬
‫أنفسهم لغير الله تعالى‪.‬‬
‫إن زواج المسلمة بغير المسلم ولو كان جهل منها ل استحلل‪،‬‬
‫يؤدي بها إلى الكفر مهما حاذرت وحرصت‪ ،‬لن مآل هذا الزواج‬
‫أن يخل بعقيدتها ولء وبراء‪.‬‬
‫ذلك أن الولء شرعا هو محبة الله ورسوله وطاعتهما ومحبة‬
‫المسلمين في الله ونصرتهم‪ ،‬والبراء هو بغض من كفر بالله‬
‫ورسوله وشريعة السلم‪ ،‬أو أنكر الرسالة ومرسلها والمرسل‬
‫َّ‬
‫ن بِاللهِ‬ ‫منُو َ‬ ‫وما ً يُؤ ْ ِ‬ ‫جد ُ قَ ْ‬ ‫بها‪ ،‬أو حارب أهلها‪ ،‬بدليل قوله َ تعالى ( َل ت َ ِ‬
‫م أ َ ْو‬ ‫ه وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُ ْ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫حاد َّ الل ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫خرِ يُوَادُّو َ‬ ‫وَالْيَوْم ِ اْل ِ‬
‫م ) ‪.30‬‬ ‫خوانه َ‬ ‫أَبناءهُ َ‬
‫شيَرتَهُ ْ‬ ‫م أوْ ع َ ِ‬ ‫م أوَْ إ ِ ْ َ َ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫منُوا ل َ تَت ّ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ضهُ ْ‬ ‫صاَرى أوْلِيَاء بَعْ ُ‬ ‫خذ ُوا اليَهُود َ وَالن ّ َ‬ ‫َ‬ ‫نآ َ‬ ‫( يَا أي ّهَا الذِي َ‬
‫َ‬
‫ه ل َ يَهْدِي الْقَوْ َ‬
‫م‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إ ِ َّ‬ ‫منْهُ ْ‬‫ه ِ‬ ‫م فَإِن َّ ُ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫من يَتَوَل ّهُم ِّ‬ ‫ض وَ َ‬‫أوْلِي ََاء بَعْ ٍ‬
‫ن ) ‪.31‬‬ ‫مي َ‬ ‫الظ ّال ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ع َلَى أعْقَابِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن كَفَُروا ْ يَُردُّوك ُ ْ‬ ‫منُوَا ْ إِن تُطِيعُوا ْ ال ّذِي َ‬ ‫نآ َ‬ ‫( يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫ن ) ‪.32‬‬ ‫سرِي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫فَتَنقَلِبُوا ْ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫من دُو ِ‬ ‫ما لَكُم ِّ‬ ‫م النَّاُر وَ َ‬ ‫سك ُ ُ‬ ‫م َّ‬ ‫موا ْ فَت َ َ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫( وَل َ تَْركَنُوا ْ إِلَى ال ّذِي َ‬
‫ن ) ‪33‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل َ تُن َ‬ ‫ن أَوْلِيَاء ث ُ َّ‬ ‫م ْ‬ ‫اللّهِ ِ‬
‫وقال الرسول صلى الله عليه وسلم‪ :‬أوثق عرى اليمان الحب‬
‫في الله والبغض في الله ‪34‬‬
‫وعن عمرو بن الجموح أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول ل يحق العبد حق صريح اليمان حتى يحب لله تعالى‬
‫ويبغض لله فإذا أحب لله تبارك وتعالى وأبغض لله تبارك وتعالى‬

‫‪1011‬‬
‫فقد استحق الولء من الله وإن أوليائي من عبادي وأحبائي من‬
‫خلقي الذين يذكرون بذكري وأذكر بذكرهم ‪35‬‬
‫وعن عمرو بن الجموح أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول‪ :‬ل يحق العبد صريح اليمان حتى يحب لله ويبغض لله فإذا‬
‫أحب لله تبارك وتعالى وأبغض لله فقد استحق الولية من الله ‪36‬‬
‫وعن معاذ أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل‬
‫اليمان قال أن تحب لله وتبغض لله وتعمل لسانك في ذكر الله‬
‫قال وماذا يا رسول الله قال وأن تحب للناس ما تحب لنفسك‬
‫وتكره لهم ما تكره لنفسك ‪37‬‬
‫وعن البراء بن عازب قال كنا جلوسا عند النبي صلى اللهم عليه‬
‫وسلم فقال أي عرى السلم أوسط قالوا الصلة قال حسنة وما‬
‫هي بها قالوا الزكاة قال حسنة وما هي بها قالوا صيام رمضان‬
‫قال حسن وما هو به قالوا الحج قال حسن وما هو به قالوا‬
‫الجهاد قال حسن وما هو به قال إن أوسط عرى اليمان أن تحب‬
‫في الله وتبغض في الله ‪38‬‬
‫وعن البراء بن عازب قال‪ :‬قال النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫أتدرون أي عرى اليمان أوثق؟ قلنا الصلة‪ ،‬قال‪ :‬الصلة حسنة‬
‫وليست بذلك‪ ،‬قلنا الصيام‪ ،‬فقال مثل ذلك‪ ،‬حتى ذكرنا الجهاد‬
‫فقال مثل ذلك‪ ،‬ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬أوثق‬
‫عرى اليمان الحب في الله عز وجل والبغض في الله ‪39‬‬
‫وبما أن الزوجة المسلمة في الصل بفطرتها ومقتضيات دينها‬
‫تحب زوجها وتواليه وتطيعه وتنصره‪ ،‬فإن كان زوجها كافرا كان‬
‫ة للكفر ونصرةً‬ ‫ة ضمني ً‬
‫ولؤها ومحبتُها له ونصرتهُا إياه محب ً‬
‫ة لعداء ربها ورسوله ومبغضيهما‪ ،‬وهذا يتعارض مع العقيدة‬ ‫وطاع ً‬
‫السليمة ويهدمها‪.‬‬
‫خلصة ما نصل إليه في هذا المبحث أن زواج المسلمة من غير‬
‫المسلم‪ ،‬الكتابي ‪ 40‬يهوديا كان أو نصرانيا‪ ،‬والمشرك واللديني‪،‬‬
‫ل يجوز شرعا‪ ،‬ومحرم بإجماع كل المذاهب السلمية على‬
‫اختلفها‪ ،‬ول يوجد رأي فقهي واحد يؤيد هذه المسألة‪ ،‬ل في‬
‫كتب المتأخرين ول المتقدمين ول في أقوالهم‬
‫وأن إنكار حكم التحريم هذا يوجب ردة القائل به‪ ،‬لنه معلوم من‬
‫الدين بالضرورة‪ ،‬وغير خفي على عامة المسلمين وسوقتهم بله‬
‫علمائهم وسراتهم‪ ،‬وغني عن البيان التذكير بحكمة هذا التحريم‬
‫وضرورته لحفظ العراض دينا ونسل ومجتمعا سويا وأمة قوية‬
‫رائدة‪ ،‬وإن كانت النصوص المحرمة لزواج المسلمة من غير‬
‫المسلم متضمنة كل هذه المعاني‪.‬‬
‫‪-----------------------------------‬‬

‫‪1012‬‬
‫‪1‬‬ ‫[‪ - ]1‬النساء‬
‫[‪ - ]2‬العراف ‪189‬‬
‫[‪ - ]3‬الروم ‪21‬‬
‫[‪ - ]4‬الزمر ‪6‬‬
‫[‪ - ]5‬الواو والثاء والقاف كلمة تدل على عقد وإحكام‪ ،‬والفعل ‪:‬‬
‫وثق به على وزن "ورث" ثقة وموثقا ووثاقة ووثوقا‪ :‬ائتمنه‪،‬‬
‫والميثاق هو العهد المحكم‪ ،‬والمواثقة المعاهدة‪ ، ،‬وأخذ الله‬
‫ميثاق النبيئين أخذ العهد عليهم‪.‬‬
‫[‪ - ]6‬النساء ‪21‬‬
‫[‪ - ]7‬الحزاب ‪7‬‬
‫[‪ - ]8‬النساء ‪154‬‬
‫[‪ - ]9‬النساء ‪21‬‬
‫[‪ - ]10‬صحيح مسلم رقم ‪ – 2137‬ابن ماجه ‪ – 3065‬الدارمي ‪1778‬‬
‫‪ ]11[ -‬مجمع الزوائد‬
‫[‪ - ]12‬الممتحنة ‪1‬‬
‫[‪ - ]13‬الممتحنة ‪13‬‬
‫[‪ - ]14‬الممتحنة ‪4‬‬
‫[‪ - ]15‬الممتحنة ‪6‬‬
‫‪ ]16[-‬الممتحنة ‪10‬‬
‫[‪ - ]17‬البقرة ‪221‬‬
‫[‪ - ]18‬المائدة ‪73‬‬
‫[‪ - ]19‬المائدة ‪72‬‬
‫[‪ - ]20‬التوبة ‪31 – 30‬‬
‫[‪ - ]21‬تفسير القرطبي ‪8/120‬‬
‫[‪ - ]22‬سنن الترمذي رقم ‪3020‬‬
‫[‪ - ]23‬السنن الكبري للبيهقي ‪10/116‬‬
‫[‪ - ]24‬النساء ‪48‬‬
‫[‪ - ]25‬البقرة ‪221‬‬
‫[‪ - ]26‬حدثنا تميم بن المنتصر أخبرنا إسحاق الزرقي عن شريك‬
‫عن أشعث بن سوار عن الحسن عن جابر بن عبد الله قال قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم نتزوج نساء أهل الكتاب ول‬
‫يتزوجون نساءنا ثم قال وهذا الخبر وإن كان في إسناده مافيه‬
‫فالقول به لجماع الجميع من المة عليه كذا قال ابن جرير رحمه‬
‫الله ‪ .‬تفسير ابن كثير ‪ ، 1/258‬أقول وصحة معنى هذا الحديث تأتي‬
‫من موافقته للقرآن عند عرضه عليه كما أمر الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫[‪ - ]27‬تفسير الطبري ‪ ، 2/278‬تفسير ابن كثير ‪1/258‬‬

‫‪1013‬‬
‫‪6/108‬‬ ‫[‪ - ]28‬عون المعبود ‪ ،8/9‬تفسير الطبري‬
‫[‪ - ]29‬المستدرك على الصحيحين ‪.3/25‬‬
‫[‪ - ]30‬المجادلة ‪22‬‬
‫[‪ - ]31‬المائدة ‪51‬‬
‫[‪ - ]32‬آل عمران ‪149‬‬
‫[‪ - ]33‬هود ‪113‬‬
‫[‪ - ]34‬مصنف ابن أبي شيبة ‪6/172‬‬
‫[‪ - ]35‬أحمد مسند المكيين ‪ -14998‬ج ‪ ،3/430‬فتح الباري ‪،1/47‬‬
‫الفردوس بمأثور الخطاب ‪5/152‬‬
‫[‪ - ]36‬مجمع الزوائد ‪ ،1/89‬رواه أحمد وفيه رشدين بن سعد وهو‬
‫منقطع ضعيف‪.‬‬
‫[‪ - ]37‬أحمد مسند النصار ‪ ،21113‬مجمع الزوائد ‪1/61‬‬
‫[‪ - ]38‬أحمد مسند الكوفيين ‪17793‬‬
‫[‪ - ]39‬مسند الطيالسي ‪ ،1/101‬شعب اليمان ‪1/46‬‬
‫[‪ - ]40‬أطلق لفظ" كتابي" على اليهود والنصارى لكونهم كانوا‬
‫أصحاب كتاب منزل‪ ،‬ولكنهم حرفوه وأشركوا بالله ما لم ينزل به‬
‫سلطانا‪ ،‬وهو ما أشارت إليه اليتان ‪ 31 -30‬من سورة التوبة‪ .‬وإل‬
‫فهم في الشرك مع المشركين سواء‬
‫‪---------------------‬‬
‫في ظل إجماع الفقهاء قديما وحديثا على حكمه‪ :‬زواج المسلمة‬
‫بغير المسلم‪ ..‬حرام‬
‫إعداد‪ /‬عبد القادر علي ورسمة‬
‫في ظل إجماع الفقهاء قديما وحديثا على حكمه‪ :‬زواج المسلمة‬
‫بغير المسلم‪ ..‬حرام‬
‫إعداد‪ /‬عبد القادر علي ورسمة‬
‫إن زواج المسلمة بغير المسلم يعد من المسائل التي لم يختلف‬
‫عليها الفقهاء‪ ،‬ومن المسائل التي قد أجمعوا على حرمتها‪ ،‬ولكن‬
‫للسف بدأنا نسمع أصواتا ً ونقرأ لناس ل دخل لهم بالعلم‬
‫الشرعي يهرفون بما ل يعرفون ويفتون بغير علم ول هدي ول‬
‫كتاب منير حول زواج المسلمة من غير المسلم كتابيا ً كان أم‬
‫مشركا ً داخل البلد السلمية أو خارجها فالحكم واحد‪ ،‬وقد حاول‬
‫بعض المستشرقين ومن لف لفهم من العلمانيين سابقا‬
‫ويحاولون الن إثارة بعض الزوابع في كثير من المسائل‬
‫الشرعية‪ ،‬ومنها قضية زواج المسلمة بغير المسلم‪ ،‬ونصوص‬
‫الكتاب والسنة واضحة كل الوضوح في هذه المسألة حيث قال‬
‫ن‬‫م ْ‬‫خيٌْر ِ‬ ‫ة َ‬ ‫من َ ٌ‬‫مؤْ ِ‬‫ة ُ‬‫م ٌ‬
‫ن‪ ،‬وَل َ‬ ‫حتَّى يُؤ ْ ِ‬
‫م َّ‬ ‫ت َ‬ ‫شرِكَا ِ‬ ‫حوا ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫تعالى‪- :‬وَل تَنك ِ ُ‬
‫َ‬
‫منُوا‪ ،‬وَلَعَبْدٌ‬ ‫حتَّى يُؤ ْ ِ‬‫ن َ‬
‫شرِكِي َ‬ ‫م ْ‬ ‫حوا ال ْ ُ‬‫م‪ .‬وَل تُنك ِ ُ‬ ‫شرِكَةٍ وَلَوْ أع ْ َ‬
‫جبَتْك ُ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ُ‬

‫‪1014‬‬
‫ن إِلَى النَّارِ‪،‬‬ ‫م‪ .‬أُوْلَئ ِ َ‬
‫ك يَدْع ُو َ‬ ‫ْ‬ ‫جبَك ُ‬ ‫شرك ول َ َ‬
‫و أع ْ َ‬‫م ْ ِ ٍ َ ْ‬ ‫ن ُ‬
‫م ْ‬ ‫خيٌْر ِ‬‫ن َ‬
‫م ٌ‬ ‫مؤْ ِ‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ‬
‫م‬‫س لعَلهُ ْ‬ ‫ن آيَاتِهِ لِلن ّا ِ‬
‫مغْفَِرةِ بِإِذ ْنِه‪َ ِ،‬ويُبَي ِّ ُ‬ ‫جن ّةِ وَال َ‬‫ه يَدْع ُو إِلى ال َ‬ ‫وَالل ُ‬
‫َ‬
‫ن‪- -‬البقرة‪.221/‬‬ ‫يَتَذ َك ُّرو َ‬
‫ودلّت الية بوضوح على تحريم زواج المسلمة من المشرك‬
‫وحتى لو كان كتابياً‪ ،‬ولو أعجبها وأعجب أهلها‪ ،‬طالما بقي على‬
‫شركه‪ ،‬وعلّة التحريم هي الشرك‪.‬‬
‫وزواج المسلمة من المشرك‪ ،‬محرم بنص الية‪ ،‬ويشمل غير‬
‫المسلمين جميعا ً سواء كانوا كتابيين أم غير كتابيين‪.‬‬
‫قال المام الطبري في تفسير هذه الية‪- :‬والمحصنات من الذين‬
‫أوتوا الكتاب من قبلكم‪ -‬يعني ‪ :‬والحرائر من الذين أعطوا الكتاب‬
‫وهم اليهود والنصارى الذين دانوا بما في التوراة والنجيل من‬
‫قبلكم أيها المؤمنون بمحمد من العرب وسائر الناس أن‬
‫تنكحوهن أيضا ً ‪- ،‬إذا آتيتموهن أجورهن‪ -‬يعني ‪ :‬إذا أعطيتم من‬
‫نكحتم من محصناتكم ومحصناتهم أجورهن؛ وهي‪ :‬مهورهن‬
‫‪-‬تفسير الطبري ‪.-6/104‬‬
‫وقال المام الطبري أيضا‪ :‬القول في تأويل قوله تعالى ‪- :‬ول‬ ‫ً‬
‫تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو‬
‫أعجبكم‪ -‬يعني تعالى ذكره بذلك ‪ :‬أن الله قد حرم على‬
‫المؤمنات أن ينكحن مشركا ً كائنا ً من كان المشرك‪ ،‬ومن أي‬
‫أصناف الشرك كان ‪ ،‬فل تنكحوهن أيها المؤمنون منهم فإن ذلك‬
‫ن من عبد مؤمن مصدق بالله‬ ‫جوه ّ‬ ‫ن تَُزوّ ُ‬‫حرام عليكم ‪ ،‬ول ْ‬
‫ن من‬ ‫جوه ّ‬ ‫وبرسوله وبما جاء به من عند الله خير لكم من أن تَُزوّ ُ‬
‫حر مشرك ولو شرف نسبه وكرم أصله‪ ،‬وإن أعجبكم حسبه‬
‫ونسبه‪.‬‬

‫عن قتادة والزهري في قوله تعالى‪- :‬ول تنكحوا المشركين‪ -‬قال‬


‫‪ :‬ل يحل لك أن تنكح يهوديا ً أو نصرانيا ً ول مشركا ً من غير أهل‬
‫دينك ‪ - .‬تفسـير الطبري ‪2/379‬‬
‫وأشار القرطبي في تفسيره إلى الجماع على حرمة زواج‬
‫المسلمة بكافر حيث قال في تفسير قوله تعالى ‪-‬ول تنكحوا‬
‫المشركين حتى يؤمنوا‪ -‬وأجمعت المة على أن المشرك ل يطأ‬
‫المؤمنة بوجه‪ ،‬لما في ذلك من الغضاضة على السلم ويقول‬
‫الدكتور عبد الكريم زيدان‪ :‬ل يجوز زواج المسلمة بغير المسلم‬
‫عند جميع الفقهاء‪.‬‬
‫نساء أهل الكتاب‬
‫ويرى جمهور الفقهاء إباحة زواج المسلم من نساء أهل الكتاب‪،‬‬
‫وأجمعوا على حرمة زواج المسلمة من غير المسلم ‪،‬وهذا أمر‬

‫‪1015‬‬
‫تعبدي ‪ ،‬وإذا أردنا أن نلتمس حكمة لذلك فيمكن أن يقال‪ :‬إن‬
‫السلم عندما أباح للرجل الزواج من الكتابية‪ ،‬فإنه أمر الزوج أن‬
‫يحترم دينها لن المسلم يؤمن بجميع النبياء‪ ،‬أما غير المسلم إذا‬
‫تزوج من مسلمة فإنه ل يحترم عقيدتها‪ ،‬و ل يؤمن بنبيها مما‬
‫يوقد النار في المنزل ويمنع السكينة والرحمة التي قوام البيوت‬
‫عليها‪ ،‬ويمكن أن يخرجها عن دينها لما عنده من الكره والبغض‬
‫للسلم والمسلمين؛ فلهذا منع السلم مثل هذا الزواج‪ ،‬وقال‬
‫تعالي ‪- :‬ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حتى تتبع ملتهم‪.-‬‬
‫المسلمة والكتابي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إن زواج المسلمة من الكتابي سواء كان يهوديا أم نصرانيا أم‬
‫مشركا ً غير كتابي ل يجوز شرعا‪ ،‬وذلك بإجماع كل المذاهب‬
‫السلمية على اختلفها‪ ،‬ول يوجد رأي فقهي واحد يؤيد هذه‬
‫المسألة‪ ،‬ل في كتب المتأخرين ول المتقدمين ول في أقوالهم‪،‬‬
‫ونطالب من أهل الهواء الذين يدعون بجواز هذا المر بداعي‬
‫العولمة ومساواة الجميع أن يأتوا بأي عالم من علماء المسلمين‬
‫أفتى بجواز هذا المر‪ ،‬وإل فليسكتوا عن إلقاء الشبهات التي ل‬
‫تستند إلى شيء؛ لن ديننا السلمي الحنيف ل يعتمد على الهواء‬
‫بل يعتمد على نصوص شرعية من الكتاب والسنة‪ ،‬وأقوال أهل‬
‫العلم البعيدة عن الهواء والبدع‪.‬‬
‫فتوى المجمع‬
‫وقد أصدر مجمع الفقه السلمي فتوى عن استفسار ورد إليهم‬
‫من قبل بعض المسلمين في الغرب‪ ،‬وكان كالتالي‪ :‬ما حكم زواج‬
‫المسلمة بغير المسلم خصوصا ً إذا طمعت في إسلمه بعد الزواج‬
‫حيث تدعي مسلمات كثيرات أنه ل يتوافر لهن الكفاء من‬
‫المسلمين في غالب الحيان‪ ،‬وأنهن مهددات بالنحراف أو يعشن‬
‫في وضع شديد الحرج؟ الجواب ‪ :‬زواج المسلمة بغير المسلم‬
‫ممنوع شرعا ً بالكتاب والسنة والجماع‪ .‬وإذا وقع فهو باطل‪ ،‬ول‬
‫تترتب عليه الثار الشرعية المترتبة على النكاح‪ ،‬والولد‬
‫المولودون عن هذا الزواج أولد غير شرعيين‪ ،‬ورجاء إسـلم‬
‫الزواج ل يغير من هذا الحكم شيئا ً ‪.‬‬
‫‪ -‬وعليه فإن زواج المسلمة بغير المسلم محرم بإجماع‬
‫المسلمين‪ ،‬بل وقد يؤكد العلماء بأن استحلل هذا المر قد يؤدي‬
‫إلى الكفر والخروج من السلم‪.‬‬
‫وإلى حرمة نكاح المسلمة بغير المسلم وبطلن هذا النكاح‬
‫يشير قول الله جل وعل‪- :‬ول تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا‬
‫ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار‬
‫والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه‪ -‬البقرة‪.221/:‬‬

‫‪1016‬‬
‫وقول الله تعالى ‪- :‬يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات‬
‫مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات‬
‫فل ترجعوهن إلى الكفار ل هن حل لهم ول هم يحلون لهن‪-‬‬
‫الممتحنة‪.10/‬‬
‫‪ -‬وقد حرمت هذه الية المسلمات على المشركين‪ ،‬وقد كان‬
‫جائزا في ابتداء السلم أن يتزوج المشرك المؤمنة ثم نسخ بعد‬
‫ذلك‪.‬‬
‫يقول الشافعي رحمه الله ‪ :‬فإن أسلمت المرأة‪ ،‬أو ولدت على‬
‫السلم‪ ،‬أو أسلم أحد أبويها وهي صبية لم تبلغ حرم على كل‬
‫مشرك كتابي ووثني نكاحها بكل حال‪.‬‬
‫مثل أولد الزنا‬
‫وقد قرر فقهاؤنا السابقون أن من ينشأ عن هذه العلقة‬
‫المحرمة من أولد فإن مثلهم مثل أولد الزنا ل يثبت لهم نسب‪،‬‬
‫ول يتقرر لهم ميراث من الزاني‪ ،‬فإن ماء الزنا هدر ل يثبت به‬
‫نسب ول يتقرر به ميراث لقوله صلى الله عليه وسلم ‪- :‬الولد‬
‫للفراش وللعاهر الحجر‪ -‬فالولد ينسب لصاحب الفراش الشرعي‬
‫وهو الزوج ‪ ،‬وحيث ليوجد مثل هذا الفراش في هذه الواقعة‬
‫لبطلن عقد النكاح فل يثبت نسب‪ ،‬ول يتقرر ميراث إل بين الولد‬
‫وبين أمه‪ ،‬أما بينه وبين الزاني فل توارث وذلك لسببين ‪ :‬لختلف‬
‫الدين من ناحية؛ لن الولد مسلم بالتبعية لمه‪ ،‬والزاني من أهل‬
‫الكتاب‪ ،‬وقد قررت الشريعة المطهرة عدم التوارث عند اختلف‬
‫الدين‪ ،‬فقد قال صلى الله عليه وسلم‪- :‬ل يتوارث أهل ملتين‬
‫شتى‪.-‬‬
‫‪ -‬وعلىه نرى أن حكم الشرع في هذه المسألة واضح جداً‪ ،‬وأنه ل‬
‫يوجد دليل واحد يدل على جواز هذا المر‪ ،‬وإن كان بعض أهل‬
‫الهواء من العلمانيين وغيرهم يحاولون إثارة الشبهات‪ ،‬حتى‬
‫يتمكنوا من تغيير بعض ثوابت الدين عند المسلمين‪ ،‬وذلك لتكوين‬
‫ثقافة عالمية واحدة‪،‬ودور المم المتحدة وتدخلها في شؤون‬
‫المرأة ومحاولتها إقناع العالم بالمساواة المطلقة بين الرجل‬
‫والمرأة وتدخلتها السافرة في شؤون الدول واضح لكل ذي‬
‫نظر‪ ،‬مما يدل على أن إثارة مثل هذه المواضيع في هذه اليام‬
‫يخدم أجندة خارجية تسعى إلى طمس ثوابت المة وهويتها‬
‫وثقافتها‪ ،‬وهذا مخالف لمبادئ حقوق النسان التي يتبجح بها‬
‫الغرب وأذنابه من العلمانيين‪ ،‬والتي تنص على وجوب احترام‬
‫الثقافات والديان‪.‬‬
‫‪ -‬وعلى المسلم أن يكون حذرا ً من هذه الفكار الهدامة وينبغي‬
‫أن يلتزم بكتاب الله وسنة رسوله‪ ،‬وعلى فهم سلف المة خير‬

‫‪1017‬‬
‫القرون قاطبة؛ قال تعالى‪- :‬وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى‬
‫الله ورسوله أمرا ً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم‪ ،‬ومن يعص‬
‫الله‪ ،‬ورسوله فقد ضل ضلل مبينا‪- -‬الحزاب‪.-26-‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪ -168‬هل صحيح أن السلم ضد حرية العتقاد ؟‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ لقد كفل السلم للنسان حرية العتقاد‪ .‬وجاء ذلك فى وضوح‬
‫تام فى القرآن الكريم‪( :‬ل إكراه فى الدين ) (‪ .)1‬فل يجوز إرغام‬
‫أحد على ترك دينه واعتناق دين آخر‪ .‬فحرية النسان فى اختيار‬
‫دينه هى أساس العتقاد‪ .‬ومن هنا كان تأكيد القرآن على ذلك‬
‫تأكيدًا ل يقبل التأويل فى قوله‪( :‬فمن شاء فليؤمن ومن شاء‬
‫فليكفر ) (‪.)2‬‬
‫‪ 2‬ـ وقد أقر النبى صلى الله عليه وسلم الحرية الدينية فى أول‬
‫دستور للمدينة حينما اعترف لليهود بأنهم يشكلون مع المسلمين‬
‫أمة واحدة‪.‬‬
‫ومن منطلق الحرية الدينية التى يضمنها السلم كان إعطاء‬
‫الخليفة الثانى عمر بن الخطاب للمسيحيين من سكان القدس‬
‫المان " على حياتهم وكنائسهم وصلبانهم ‪ ،‬ل يضار أحد منهم ول‬
‫يرغم بسبب دينه "‪.‬‬
‫ضا حرية المناقشات الدينية على أساس‬ ‫‪ 3‬ـ لقد كفل السلم أي ً‬
‫موضوعى بعيد عن المهاترات أو السخرية من الخرين‪ .‬وفى ذلك‬
‫يقول القرآن‪( :‬ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة‬
‫وجادلهم بالتى هى أحسن ) (‪ .)3‬وعلى أساس من هذه المبادئ‬
‫السمحة ينبغى أن يكون الحوار بين المسلمين وغير المسلمين ‪،‬‬
‫وقد وجه القرآن هذه الدعوة إلى الحوار إلى أهل الكتاب فقال‪:‬‬
‫(قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل‬
‫الله ول نشرك به شيئًا ول يتخذ بعضنا بع ً‬
‫ضا أربابًا من دون الله *‬
‫فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) (‪ .)4‬ومعنى هذا أن‬
‫الحوار إذا لم يصل إلى نتيجة فلكل دينه الذى يقتنع به‪ .‬وهذا ما‬
‫ضا الية الخيرة من سورة (الكافرون) التى ختمت‬ ‫عبرت عنه أي ً‬
‫بقوله تعالى للمشركين على لسان محمد صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫(لكم دينكم ولى دين ) (‪.)5‬‬
‫‪ 4‬ـ القتناع هو أساس العتقاد‪ :‬فالعقيدة الحقيقية هى التى تقوم‬
‫على القناع واليقين ‪ ،‬وليس على مجرد التقليد أو الرغام‪ .‬وكل‬
‫فرد حر فى أن يعتقد ما يشاء وأن يتبنى لنفسه من الفكار ما‬
‫يريد ‪ ،‬حتى ولو كان ما يعتقده أفكاًرا إلحادية‪ .‬فل يستطيع أحد أن‬

‫‪1018‬‬
‫يمنعه من ذلك طالما أنه يحتفظ بهذه الفكار لنفسه ول يؤذى بها‬
‫أحدًا من الناس‪ .‬أما إذا حاول نشر هذه الفكار التى تتناقض مع‬
‫معتقدات الناس ‪ ،‬وتتعارض مع قيمهم التى يدينون لها بالولء ‪،‬‬
‫فإنه بذلك يكون قد اعتدى على النظام العام للدولة بإثارة الفتنة‬
‫والشكوك فى نفوس الناس‪ .‬وأى إنسان يعتدى على النظام‬
‫العام للدولة فى أى أمة من المم يتعرض للعقاب ‪ ،‬وقد يصل‬
‫المر فى ذلك إلى حد تهمة الخيانة العظمى التى تعاقب عليها‬
‫معظم الدول بالقتل‪ .‬فقتل المرتد فى الشريعة السلمية ليس‬
‫لنه ارتد فقط ولكن لثارته الفتنة والبلبلة وتعكير النظام العام‬
‫فى الدولة السلمية‪ .‬أما إذا ارتد بينه وبين نفسه دون أن ينشر‬
‫ذلك بين الناس ويثير الشكوك فى نفوسهم فل يستطيع أحد أن‬
‫يتعرض له بسوء ‪ ،‬فالله وحده هو المطلع على ماتخفى الصدور‪.‬‬
‫وقد ذهب بعض العلماء المحدثين إلى أن عقاب المرتد ليس فى‬
‫الدنيا وإنما فى الخرة ‪ ،‬وأن ما حدث من قتل للمرتدين فى‬
‫السلم بناء على بعض الحاديث النبوية فإنه لم يكن بسبب‬
‫الرتداد وحده ‪ ،‬وإنما بسبب محاربة هؤلء المرتدين للسلم‬
‫والمسلمين (‪.)6‬‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.256 :‬‬
‫(‪ )2‬الكهف‪.29 :‬‬
‫(‪ )3‬النحل‪.125 :‬‬
‫(‪ )4‬آل عمران‪.64 :‬‬
‫(‪ )5‬الكافرون‪.6 :‬‬
‫(‪ )6‬راجع‪ :‬الحرية الدينية فى السلم للشيخ عبد المتعال‬
‫الصعيدى ص ‪ 88 ،73 ،3،72‬ـ دار الفكر العربى ـ الطبعة الثانية (دون‬
‫تاريخ)‪.‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫حقوق الفراد في ظل السلم‬
‫عبد الوهاب خلف‬
‫لقد اعطى السلم الفرد حقوقا مثل الحقوق التي اعطته اياه‬
‫المدنية المعاصرة ولكن حصرتها بقيود تتناسب والظروف‬
‫الجتماعية والبيئية التي يعيشها الفرد‪ .‬وجميع هذه الحقوق على‬
‫تعددها ترجع إلى أمرين عامين‪ :‬الول الحرية الشخصية‪ ،‬والثاني‬
‫المساواة بين الفراد في الحقوق المدنية والسياسية‪.‬‬
‫الحرية الشخصية‬
‫المراد من الحرية الشخصية أن يكون الشخص قادرا ً على‬
‫التصرف في شؤون نفسه وفي كل ما يتعلق بذاته‪ ،‬آمنا ً من‬
‫العتداء عليه في نفس أو عرض أو مال أو مأوى أو أي حق من‬

‫‪1019‬‬
‫حقوقه‪ ،‬على أن ل يكون في تصرفه عدوان على غيره‪ .‬ومن هذا‬
‫التعريف يتبين أن الحرية الشخصية تتحقق بتحقق أمور؛ وأنها‬
‫معنى مكون من حريات عدة وهي‪ :‬حرية الذات‪ ،‬وحرية المأوى‪،‬‬
‫وحرية الملك‪ ،‬وحرية العتقاد‪ ،‬وحرية الرأي‪ ،‬وحرية التعليم‪ .‬ففي‬
‫تأمين الفرد على هذه الحريات كفالة لحريته الشخصية‪ ،‬وهذا ما‬
‫قرره السلم في شأن هذه الحريات‪.‬‬
‫الحرية الفردية أو حرية الذات‬
‫من الفرد على ذاته من أي اعتداء‪:‬‬ ‫في أحكام السلم ما يقرر ويؤ ّ‬
‫وذلك أن السلم حد حدودا ً بأوامره ونواهيه؛ وشرع لمجاوزة هذه‬
‫الحدود عقوبات‪ ،‬بعضها مقدرة وهي الحدود‪ ،‬وبعضها موكول‬
‫تقديره إلى ولة المر وهي التعازير‪ ،‬فل جريمة إل ّ في تعدي‬
‫حدود الله‪ ،‬ول عقوبة إل ّ على وفق شرع الله‪ .‬واتفقت كلمة‬
‫علماء السلم على أن العقوبات مما ل تثبت بالرأي والقياس‬
‫وأنها ل تثبت إل ّ بالنص‪ ،‬وجاء في القرآن الكريم قوله عز شأنه‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫من اع ْتَدَى ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫ن) وقوله تعالى‪( :‬فَ َ‬ ‫مي َ‬‫ن إِل ّ ع َلَى الظ ّال ِ ِ‬ ‫(فَل َ عُدْوَا َ‬
‫م)‪ .‬ففي النهي عن العدوان إلّ‬ ‫ما اع ْتَدَى ع َلَيْك ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫فَاع ْتَدُوا ع َلَيْه ب ِ ِ‬
‫على ظالم‪ ،‬وفي المر بأن يكون العتداء على الظالم مماثلً‬
‫لعتدائه ل يزيد‪ ،‬وفي قصر الجريمة على مخالفة حدود الله‪ ،‬ومنع‬
‫تشريع العقوبات بالرأي والقياس كفالة للحرية الفردية وتأمين‬
‫سنة رسوله‪،‬‬ ‫من العتداء على الذات‪ .‬وجميع ما في كتاب الله و ُ‬
‫مي‪ ،‬يؤيد حرية الذات‬ ‫من النهي عن الظلم واليذاء للمسلم والذ ّ‬
‫وأمان النسان من أذى غيره‪.‬‬
‫حرية المأوى‬
‫في أحكام السلم ما يكفل هذه الحرية‪ .‬فإن النفي والبعاد‬
‫عقوبة لم يذكرها القرآن الكريم إل ّ جزاء للذين يحاربون الله‬
‫َ‬ ‫ورسوله ويسعون في الرض فساداً‪ .‬قال تعالى‪( :‬إِن َّ َ‬
‫جَزآؤ ُ الذ ّي َ‬
‫ن‬ ‫ما َ‬
‫َ‬ ‫ن فِي الَر‬
‫سادا ً أن يُقَتَّلُوا أوْ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫ِ‬ ‫سعَو َ‬ ‫ه وَي َ ْ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬
‫َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫حارِبُو َ‬
‫َ‬
‫يُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫ن الر ِ‬ ‫م َ‬ ‫ف أو يُنفَوا ِ‬ ‫خل َ ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جلُهُم ِّ‬ ‫م وأر ُ‬ ‫صل ّبُوا أوْ تُقَط ّعَ أيْدِيه ْ‬ ‫يُ َ‬
‫َ‬
‫م)‪.‬‬ ‫ب عَظِي ٌ‬ ‫خَرةِ عَذ َا ٌ‬ ‫م فِي ال ِ‬ ‫خزيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُ ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ذَل ِ َ‬
‫وفي القرآن الكريم والسنة تقرير حرمة المسكن قال تعالى‪( :‬يا‬
‫ْ‬ ‫أَيُها الذَّين أ َ‬
‫سوا‬ ‫ستَأن ِ ُ‬ ‫حتَّى ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬ ‫خلُوا بُيُوتا ً غَيَْر بُيُوتِك ُ‬ ‫منُوا ل َ تَد ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ُ َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫جدُوا‬ ‫ن‪ ،‬فإِن لم ت َ ِ‬ ‫م تَذ َكرو َ‬ ‫م لعَلك ْ‬ ‫خيٌر لك ْ‬ ‫م َ‬ ‫موا ع َلى أهْلِهَا ذَلِك ْ‬ ‫وَتُسل ِ ُ‬
‫َ‬
‫جعُوا‬ ‫م اْر ِ‬ ‫م‪ ،‬وَإِن قِيَل لَك ُ ْ‬ ‫ن لَك ُ ْ‬ ‫حتَّى يُؤْذ َ َ‬ ‫خلُوهَا َ‬ ‫حدا ً فَل َ تَد ْ ُ‬ ‫فِيهَا أ َ‬
‫َ‬
‫م)‪.‬‬‫ن عَلِي ٌ‬ ‫ملو َ‬ ‫ما تَعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬‫م‪ ،‬واَلل ُ‬ ‫جعُوا‪ ،‬هُوَ أْزكَى لَك ُ ْ‬ ‫فَار ِ‬
‫وقال عليه الصلة والسلم‪" :‬إذا استأذن أحدكم ثلثا ً فلم يؤذن له‬
‫فليرجع"‪.‬‬
‫حرية الملكية‬

‫‪1020‬‬
‫السلم أقر هذه الحرية وكفلها بأحكام عدة‪:‬‬
‫منها أن كل ما شرعه الله من التصرفات التي تفيد نقل ملكية‬
‫العين أو منفعتها‪ ،‬من بيع وإجارة وقرض وغيره‪ ،‬جعل أساس‬
‫صحته ونفاذه حرية المتصرف ورضاه واختياره‪ .‬فالركن الول‬
‫لصحة المبادلت المالية التراضي والصل في هذا قوله عز‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وشأنه‪( :‬يا أَيُها الذَّي َ‬
‫ل إل ّ أن‬ ‫م بَيْنَكُم بِالبَاط ِ ِ‬ ‫موَالَك ُ ْ‬ ‫منُوا ل َ تَأكُلُوا أ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫م)‪.‬‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ض ِّ‬ ‫جارة ً ع َن تََرا ٍ‬ ‫ن تِ َ‬ ‫تَكُو َ‬
‫ومنها النهي في مواضع عدة في القرآن والسنة عن التعدي على‬
‫مال الغير وأخذه من مالكه بغير حق‪ ،‬قال تعالى‪( :‬وَل َ تَأْكُلُوا‬
‫أ َموالَكُم بينكُم بالباطل وتدلُوا بها إلى ال َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫حك ّام ِ لِتَأكُلُوا فَرِيقا ً ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َِ ِ‬ ‫ِ َ ِ ِ َُ ْ‬ ‫ََْ‬ ‫ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الذ ّي َ‬
‫ن‬ ‫ن) وقال عز شأنه‪( :‬إ ِ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫م تَعْل ُ‬ ‫س بِالِثْم ِ وَأنت ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ل الن ّا‬ ‫ِ‬ ‫موَا‬ ‫أ ْ‬
‫م نَاراً‬ ‫ْ‬ ‫يأْكُلُو َ‬
‫ن فِي بُطُونِهِ ْ‬ ‫مى ظُلما ً إِنَّما يَأكُلُو َ‬ ‫ل اليَتَا َ‬ ‫موَا َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫سعِيرا)‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫صلو َ‬ ‫َ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫وليس تقرير عقوبة السارق وتضمين الغاصب إل ّ ضمانا ً لحرية‬
‫َ‬
‫ما) وقال‬ ‫ة فَاقْطَعُوا أيْدِي َ ُه َ‬ ‫سارِق ُ‬ ‫سارِقُ وَال َّ‬ ‫الملكية‪ .‬قال تعالى‪( :‬وَال َّ‬
‫عليه السلم‪" :‬ول يحل لحد أن يأخذ متاع أخيه لعبا ً ول جاداً‪،‬‬
‫فإن أخذه فليرده عليه" وقال‪" :‬على اليد ما أخذت حتى ترد"‪.‬‬
‫ومما يؤيد حق الملكية في أحكام السلم قوله صلى الله عليه‬
‫وسلم لمن كان يغبن في المبادلت "إذا بايعت فقل‪ :‬ل خلبة‪،‬‬
‫ولي الخيار ثلثة أيام" ونهيه عن بيع الغرر‪ ،‬فإن في تجويز شرط‬
‫الخيار والنهي عن بيع الغرر ضمانة لتحقق رضا المالك بالتبادل‬
‫وعدم خروج الملك من مالكه وفي نفسه شبهة قهر أو خداع له‪.‬‬
‫بل إن تقرير حق الشفعة إذا نظر إليه من ناحية أنه لدفع الضرر‬
‫عن الجار أو الشريك يؤيد احترام الملكية وإحاطة المالك بما‬
‫يدفع عنه الضرر ويحول بينه وبين النتفاع بملكه‪.‬‬
‫حرية العتقاد ‪1‬‬
‫السلم أقر هذه الحرية‪ ،‬وترك لكل فرد الحرية التامة في أن‬
‫يكّون عقيدته بناء على ما يصل إليه عقله ونظره الصحيح‪ ،‬وذلك‬
‫أن السلم جعل أساس التوحيد واليمان البحث والنظر‪ ،‬ل القهر‬
‫واللجاء‪ ،‬ول المحاكاة والتقليد‪ .‬ففي كثير من آي الكتاب الكريم‬
‫لفت الناس إلى النظر في ملكوت السماوات والرض وما خلق‬
‫الله من شيء‪ ،‬ليهتدوا هم بهذا النظر إلى اليمان الصحيح والدين‬
‫الحق‪ ،‬كقوله تعالى‪( :‬أولم ينظروا في ملكوت السماوات والرض‬
‫ت‬ ‫ماوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ق ال َّ‬ ‫خل ِ‬ ‫ن فِي َ‬ ‫وما خلق الله من شيء)وقوله تعالى‪( :‬إ َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫حرِ ب ِ َ‬ ‫جري فِي الب َ ْ‬ ‫ك ال ّتي ت َ ْ‬ ‫ل وَالنَّهارِ‪ ،‬وَالفُل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف ال ّلي‬ ‫ختِل ِ‬ ‫ض وَا ْ‬ ‫ِ‬ ‫وَالَر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫مآ أَنَز َ‬
‫ض‬
‫حيَا بِهِ الر َ‬ ‫ماءٍ‪ ،‬فَأ ْ‬ ‫من َّ‬ ‫ماءِ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫س وَ َ‬ ‫يَنفَعُ النَّا َ‬
‫ب‬‫حا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح وَال َّ‬ ‫ل دَآبَّةٍ‪َ ،‬وت َ ْ‬ ‫من ك ُ ِّ‬ ‫موْتِهَا وَب َ َّ‬
‫ف الّرِيَا ِ‬ ‫صرِي ِ‬ ‫ث فِيَها ِ‬ ‫بَعْد َ َ‬

‫‪1021‬‬
‫ن)‪ ،‬وفي كثير من‬ ‫قلُو َ‬ ‫ت ل ِّقَوم ٍ يَعْ ِ‬‫ض‪ ،‬لَيَا ٍ‬ ‫َ‬
‫سماءِ وَالر ِ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫س َّ‬
‫خرِ بَي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ال ُ‬
‫الي الكريمة نعى على من آمن بطريق التقليد ل بطريق البحث‬
‫والنظر‪ ،‬كقوله تعالى‪( :‬بل قالوا إِنَّا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على‬
‫آثارهم مهتدون)‪ ،‬وفي كثير من الي نفي لليمان بطريق الكراه‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫شد ُ ِ‬ ‫ن قَد تَّبَي َّ َ‬
‫ن الُّر ْ‬ ‫(ل إ َِكَْراه َ فِي الدِّي ِ‬ ‫والقسر كقوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬
‫ن)‬
‫منِي َ‬ ‫مؤْ ِ‬‫حتَّى يَكُونُوا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ت تُكْره ُ النَّا َ‬ ‫ي)‪ ،‬وكقوله تعالى‪( :‬أفَأن َ‬ ‫الغَ ِ ّ‬
‫ن)‪.‬‬
‫ي دِي ِ‬‫م وَل ِ َ‬‫م دِينُك ُ ْ‬
‫وكقوله تعالى‪( :‬لك ْ‬
‫فإذا كان أساس العتقاد في السلم النظر العقلي والبحث‬
‫والتفكير في آيات الله ول محاكاة‪ ،‬ول تقليد‪ ،‬ول إلجاء‪ ،‬ول إكراه‪،‬‬
‫فليس أضمن لحرية العتقاد من هذا‪ .‬ويؤيده ما جاء في الكتاب‬
‫الكريم من أنه ل سلطان للداعي غير سلطان التذكير والموعظة‬
‫َ‬ ‫الحسنة‪ ،‬قال تعالى لرسوله‪( :‬فذَكّر إن َ َ‬
‫ت ع َلَيْهِم‬ ‫مذ َ ِكٌّر‪ ،‬ل ّس َ‬ ‫ت ُ‬ ‫ما أن َ‬ ‫ِ ِّ َ‬
‫صيْطِرٍ)‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫بِ ُ‬
‫هذا ما يؤيد حرية العتقاد في السلم وإما ما يقرره حماية إقامة‬
‫الشعائر‪ ،‬فإن السلم جعل لغير المسلمين الحرية التامة في أن‬
‫يقيموا شعائر دينهم في كنائسهم ومعابدهم وجعل لهم أن يتبعوا‬
‫أحكام دينهم في معاملتهم وأحوالهم الشخصية‪ .‬والصل في هذا‬
‫قوله صلى الله عليه وسلم في شأن الذميين‪" :‬لهم ما لنا وعليهم‬
‫ما علينا" وجميع العهود التي كانت تعطى للمعاهدين كان يقرن‬
‫فيها بالتأمين على النفس والموال التأمين على العقائد وإقامة‬
‫الشعائر‪ ،‬وفي عهد عمر لهل إيليا ما نصه "أعطاهم المان‬
‫لنفسهم وأموالهم وكنائسهم وسائر ملتهم‪ ،‬ل تسكن كنائسهم ول‬
‫ينقص منها ول من خيرها ول من صلبهم‪ ،‬ول يكرهون على دينهم‪،‬‬
‫ول يضار أحد منهم"‪ .‬فالسلم في تكوين العقيدة أطلق للعقل‬
‫عنان النظر‪ ،‬وفسح له في مجال البحث والتفكير في اليات‬
‫والدلئل وفي حماية عقائد المسلمين أحاطها بما يكفلها ويحفظها‬
‫وترك أرباب كل دين وما يدينون به‪.‬‬
‫حرية الرأي‬
‫السلم في شأن هذا الحق نظر إلى موضوع الرأي‪ :‬إما أن يكون‬
‫أمرا ً دينياً‪ ،‬أو غير ديني‪.‬‬
‫فإن كان المر غير ديني‪ ،‬فلكل فرد أن يبدي رأيه فيه حسبما‬
‫يراه‪ ،‬ويُعرِب عنه بالوسيلة الميسورة له‪ ،‬وقد حدث في صدر‬
‫السلم وبعده عدة حوادث تدل على حرية الرأي وإقراره في‬
‫هذه المواضع‪ :‬من ذلك أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أشار على المسلمين في بعض الغزوات أن ينزلوا موضعا ً معيناً‪،‬‬
‫فسأله أحد الصحابة‪ :‬أهذا منزل أنزلكه الله؟ أو هو الرأي‬
‫والحرب والمكيدة؟ قال‪ :‬بل هو الرأي والحرب والمكيدة‪ ...‬قال‬

‫‪1022‬‬
‫الصحابي للرسول‪ :‬ليس هذا بمنزل‪ ...‬وأشار بإنزال المسلمين‬
‫منزل ً آخر‪ ،‬وتحولوا‪ .‬واختلف أبي بكر وعمر في حكم السرى‬
‫على مسمع من الرسول خبره مستفيض‪ .‬وكذلك اختلف كبار‬
‫الصحابة في شأن الخلفة وكثير من الشؤون‪.‬‬
‫وأما في المور الدينية فلكل واحد أن يجتهد فيها‪ ،‬ويرى الرأي‬
‫الذي يوصله إليه اجتهاده‪ ،‬ما دام في غيره موضع النص‪ ،‬ورأيه‬
‫في حدود أصول الدين الكلية ونصوصه الصحيحة‪ :‬وذلك أن‬
‫السلم جعل القياس أحد أصوله‪ ،‬ومصدرا ً من مصادر التشريع‬
‫فيه‪ ،‬والقياس هو إلحاق الشباه بالشباه‪ ،‬والنظائر بالنظائر‪،‬‬
‫لستنباط الحكام التي لم ينص عليها‪ ..،‬وفي هذا اللحاق‬
‫والستنباط مجال فسيح للرأي‪ ،‬ومتسع عظيم للنظر‪ ،‬وفي جعله‬
‫مصدرا ً تشريعيا ً اعتبار للرأي وتقرير لحقه‪.‬‬
‫وكذلك جاء في السنّة أن كل مجتهد مأجور‪ :‬إن أخطأ فله أجر‪،‬‬
‫وإن أصاب فله أجران‪ .‬فالمئوية على الجتهاد ـ سواء أدى إلى‬
‫خطأ أو صواب ـ دليل على تقدير السلم للرأي‪ ،‬وإقراره هذا‬
‫الحق‪.‬‬
‫ويؤيد هذا ما ورد في كثير من النصوص من ذم التقليد والنعي‬
‫على المقلدين الذين يهملون عقولهم ول يحررونها من أسر‬
‫التقليد‪ ،‬وما جاء على ألسنة كثير من المجتهدين من التصريح‬
‫بأنهم ما اجتهدوا ليقلدوا‪ ،‬وأن آرائهم لنفسهم وخطأهم عليها‪.‬‬
‫فليس في أصول السلم ونصوصه ما ينافي حرية الرأي بالمعنى‬
‫الذي بيّناه‪ ،‬بل فيها ما يؤيده ويقرره‪ .‬وأما ما ورد عن ابن عباس‬
‫من قول الرسول صلى الله عليه وسلم‪" :‬من قال في القرآن‬
‫برأيه فليتبوأ مقعده من النار"‪ ،‬وما ورد عن أبي بكر من قوله‪:‬‬
‫"أي سماء تظلني وأي أرض تقلّني إن قلت في كتاب الله‬
‫برأيي؟"‪ ..‬فهو محمول على الرأي الذي يستند إلى مجرد الهوى‬
‫ول يعتمد على مصلحة عامة ول أصل ديني كلّي‪.‬‬
‫وأما ما حدث في السلم من سد باب الجتهاد وإيجاب التقليد‬
‫لئمة معينين‪ ،‬فإن هذا ليس من مقتضى أصول الدين أو نصوصه‬
‫وإنما هو علج لجأ إليه المتأخرون سدا ً لباب الفوضى‪ ،‬فهو من‬
‫قبيل ارتكاب أخف الضررين وأهون الشرين‪ ،‬ولو وفق المسلمون‬
‫إلى علج تلك الفوضى ما كان في السلم مانع من الجتهاد‪.‬‬
‫حرية التعليم‬
‫السلم نص على أن طلب العلم فريضة على كل مسلم‬
‫ومسلمة ونفى أن يستوي الذين يعلمون والذين ل يعلمون‪ ،‬ولم‬
‫ينص على أنواع معينة من العلوم وحظر ما عداها‪ ،‬فكل علم‬
‫يوصل إلى مصلحة دنيوية أو دينية فهو مطلوب وهو حق مشاع‬

‫‪1023‬‬
‫بين أفراد الناس ذكورهم وإناثهم‪ .‬وليس في أصول السلم ما‬
‫يدل على أنه يضيق بعلم أو يقف في سبيل تعليم بل إن في‬
‫سعت صدورهم وبلدهم‬ ‫حوادث التاريخ دليل ً على أن المسلمين وَ ِ‬
‫مختلف العلوم وطبقات العلماء الذين ما وجدوا في غير السلم‬
‫متسعا ً لعلومهم ونظرياتهم‪ .‬وإن ما نقل إلى العربية من علوم‬
‫الفرس على يد ابن المقفع وأضرابه‪ ،‬وما عرب من علوم اليونان‬
‫في عهد المنصور والرشيد والمأمون‪ ،‬وما كانت عليه حال العلم‬
‫والتعليم في معاهد بغداد وقرطبة وسمرقند‪ ،‬دليل على تقدير‬
‫السلم لحرية العلم وتأييده للتعليم‪.‬‬
‫وكيف ل يتفق السلم وحرية التعليم‪ ،‬وأول أسس السلم أن‬
‫يكون اليمان عماده البرهان والحجة والنظر في ملكوت‬
‫السماوات والرض! وهذا النظر يحتاج إلى مختلف العلوم وتعرف‬
‫كثير من النظريات!‪ ...‬وكيف يكلف المسلمون بقوله تعالى‪:‬‬
‫من قُوَّةٍ) إذا كان في السلم ما يقيد‬‫ستَطَعْتُم ِّ‬ ‫(وَأ َ ِ‬
‫عدُّوا لَهُم َّ‬
‫ما ا ْ‬
‫حريتهم في إعداد القوة بحظر البحث في أنواع من العلوم أو‬
‫الفنون التي تتطلبها حاجات العداد في مختلف العصور‪.‬‬
‫فالحقيقة الثابتة أن السلم يقرر حرية العلم‪ ،‬بل يجعل طلبه‬
‫فريضة محكمة على كل مسلم ومسلمة‪ ،‬وما يرمى به‬
‫المسلمون من اضطهاد أنواع من العلوم في بعض العصور‪،‬‬
‫فليس سببه أمرا ً في طبيعة السلم‪ .‬وفيما كتبه الستاذ المام‬
‫في كتابه "السلم والنصرانية مع العلم والمدنية" مقنع لمن في‬
‫نفسه ريب‪.‬‬
‫المساواة‬
‫المساواة شعار من أظهر شعائر السلم‪ ،‬ونصوصه وأحكامه‬
‫ناطقة بتقريرها على أكمل وجوهها‪ :‬وذلك أن السلم ل يفرق‬
‫بين واحد وآخر في الخضوع لسلطان قانونه‪ ،‬وليس فيه فرد فوق‬
‫القانون مهما علت منزلته‪ ،‬وأمير المؤمنين والوالي وكل واحد‬
‫من الفراد متساوون في أحوالهم المدنية والجنائية‪ ،‬ل يمتاز واحد‬
‫بحكم خاص ول بطرق محاكمة خاصة بل جميعهم أمام القانون‬
‫سواء‪.‬‬
‫وكذلك ل يميز السلم واحدا ً عن واحد في التمتّع بالحقوق‪ :‬فلم‬
‫يجعل منزلة أو ميزة حقا ً لفراد أسرة معينة‪ ،‬ل يستمتع بها‬
‫سواه‪ ،‬بل ناط المر بالعمل له‪ ،‬ومهد السبيل لكل عامل‪ ،‬فكل‬
‫مناصب الدولة من أمارة المؤمنين إلى أصغر منصب فيها حق‬
‫مشاع بين أفراد المة‪ ،‬ل يحول بينه وبينها نسب أو عصبية‬ ‫ُ‬
‫وينطق بهذا قوله صلى الله عليه وسلم "ل فضل لعربي على‬
‫عجمي إل بالتقوى" وقوله صلى الله عليه وسلم لبني هاشم‪" :‬يا‬

‫‪1024‬‬
‫بني هاشم‪ .‬ل يجئني الناس بالعمال وتجيئوني بالنساب‪ .‬إن‬
‫أكرمكم عند الله أتقاكم"‪.‬‬
‫وفي كثير من النصوص تقرير المساواة وجعلها من شعائر‬
‫خوَةٌ) وقوله صلى الله عليه‬ ‫ن إِ ْ‬
‫منُو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫ما ال ُ‬‫اليمان‪ ،‬كقوله تعالى (إِن َّ َ‬
‫وسلم "إخوانكم خدمكم" وقوله عليه السلم‪" :‬الناس سواسية‬
‫كأسنان المشط‪ ،‬ل فضل لحمر على أسود ول لعربي على‬
‫عجمي"‪.‬‬
‫وفي كثير من الحكام تحقيق هذه المساواة‪ :‬ففي الحج كلهم‬
‫بلباس واحد عراة الرؤوس ل يلبسون مخيطاً‪ ،‬وفي الصلة كلهم‬
‫في صفوف متساوية‪ ،‬وفي التناصح للوضيع على الرفيع ما للرفيع‬
‫على الوضيع وفي الجنايات النفس بالنفس والعين بالعين‬
‫والجروح قصاص‪ ...،‬وهكذا في سائر الحكام السلمية الناس‬
‫سواسية‪ .‬وقد كانت هذه المساواة في صدر السلم شعار‬
‫المسلمين في حربهم وسلمهم‪ ،‬وكان الذميون والمعاهدون‬
‫يستمتعون في بلدهم بنعمة هذه المساواة عمل ً بقول الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬لهم ما لنا وعليهم ما علينا" وقوله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬من آذى ذميا ً فأنا خصمه يوم القيامة"‪.‬‬
‫مركز المرأة في الحياة السلمية القرضاوي‬
‫المرأة أُنثى‬
‫قدّر السلم أُنوثة المرأة‪ ،‬واعتبرها ـ لهذا الوصف ـ عنصرا ً مكملً‬
‫للرجل‪ ،‬كما أنه مكمل لها‪ ،‬فليس أحدهما خصما ً للخر‪ ،‬ول ندَّا له‬
‫ول منافساً‪ ،‬بل عونا ً له على كمال شخصه ونوعه‪.‬‬
‫سنَّة الله في المخلوقات‪ ،‬أن يكون الزدواج من‬ ‫فقد اقتضت ُ‬
‫خصائصها‪ ،‬فنرى الذكورة والنوثة في عالم النسان والحيوان‬ ‫ُ‬
‫والنبات‪ ،‬ونرى الموجب والسالب في عالم الجمادات من‬
‫الكهرباء والمغناطيس وغيرها‪ ،‬حتى الذًًّّرة‪ ،‬فيها الشحنة‬
‫الكهربائية الموجبة‪ ،‬والشحنة السالبة (اللكترون البروتون)‪.‬‬
‫خلَقْنَا‬‫ئ َ‬ ‫ش ٍ‬ ‫ل َ‬‫من ك ُ ِّ‬ ‫وإلى ذلك أشار منذ أربعة عشر قرنا ً فقال‪( :‬وَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‪.‬‬‫م تَذ َك ُّرو َ‬ ‫ن لَعَل ّك ُ ْ‬ ‫جي ْ ِ‬
‫َزوْ َ‬
‫فالذكر والنثى كالعلبة وغطائها‪ ،‬والشيء ولزمه‪ ،‬ل ِغنَى لحدهما‬ ‫ُ‬
‫عن الخر‪.‬‬
‫ُ‬
‫ومنذ خلق الله النفس البَشرية الولى ـ آدم ـ خلق منها زوجها ـ‬
‫حوَّاء ـ ليسكن إليها‪ ،‬ولم يتركه وحده‪ ،‬حتى ولو كانت هذه‬
‫الوحدة في الجنَّة‪ ،‬وكان الخطاب اللهي لهما معاً‪ ،‬أمرا ً ونهياً‪:‬‬
‫ما وَل َ تَقَْربَا‬‫شئْت ُ َ‬
‫ث ِ‬ ‫منْها َرغَدا ً َ‬
‫حي ْ ُ‬ ‫ة وَكُل َ ِ‬ ‫جن َّ َ‬‫ك ال َ‬ ‫ج َ‬ ‫ت وََزوْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن أَن‬ ‫(أسك ْ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ن)‪( .‬سورة البقرة ‪.)35 /‬‬ ‫ن الظالِمي َ‬ ‫م َ‬‫جَرة َ فَتَكُونَا ِ‬ ‫ش َ‬ ‫هَذِهِ ال ّ‬

‫‪1025‬‬
‫فالمرأة ـ بهذاـ غير الرجل‪ ،‬لنها تكمله ويكملها‪ ،‬والشيء ل يكمل‬
‫س الذَّكَُر كَالُنثَى) (سورة آل عمران‪/‬‬ ‫نفسه‪ ،‬والقرآن يقول‪( :‬وَلَي ْ َ‬
‫‪.)36‬‬
‫كما أن الموجب غير السالب‪ ،‬والسالب غير الموجب‪.‬‬
‫ومع هذا لم تُخلق لتكون ندا ً ول خصماً‪ ،‬بل هي منه وله‪( :‬بعضكم‬
‫ل لَكُم م َ‬
‫سك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن أنفُ ِ‬ ‫ِّ ْ‬ ‫جعَ َ‬
‫ه َ‬
‫من بعض) (سورة النساء‪( ،)25/‬والل ُ‬
‫أَْزوَاجاً) (سورة النحل‪.)72/‬‬
‫واقتضت حكمة الله أن يكون التكوين العضوي والنفسي للمرأة‬
‫يحمل عناصر الجاذبية للرجل وقابلية النجذاب إليه‪.‬‬
‫شهْوة غريزية فِطرية قوية‬ ‫وركَّب الله في كل من الرجل والمرأة َ‬
‫تسوقهما إلى التجاذب والل ِّقاء حتى تستمر الحياة ويبقى النوع‪.‬‬
‫م يرفض السلم كل نظام يصادم هذه الفِطرة ويعطلها‪،‬‬ ‫ومن ث َ َّ‬
‫كنظام الرهبنة‪.‬‬
‫ولكنه حظر كل تصريف لهذه الطاقة على غير ما شرعه الله‬
‫ورضيه من الزواج الذي هو أساس الُسرة‪ ،‬ولهذا حَّرم الزنى‪،‬‬
‫كما حَّرمته الديان السماوية كلها‪ ،‬ونهى عن الفواحش‪ ،‬ما ظهر‬
‫منها وما بطن‪ ،‬وسد َّ كل منفذ يؤدي إلى هذه الفواحش‪ ،‬حماية‬
‫للرجل والمرأة من عوامل الثارة وبواعث الفتنة والغراء‪.‬‬
‫وعلى هذا الساس من النظر إلى فِطرة المرأة‪ ،‬وما يجب أن‬
‫تكون عليه في علقتها بالرجل‪ ،‬يعامل بالرجل‪ ،‬يعامل السلم‬
‫المرأة‪ ،‬ويقيم كل نظمه وتوجيهاته وأحكامه‪.‬‬
‫إنه يرعى أُنوثتها الفِطرية‪ ،‬ويعترف بمقتضياتها فل يكبتها ول‬
‫يصادرها‪ ،‬ولكنه يحول بينها وبين الطريق الذي يؤدي إلى ابتذالها‪،‬‬
‫وامتهان أُنوثتها‪ ،‬ويحميها من ذئاب البشر‪ ،‬وكلب الصيد‪ ،‬التي‬
‫تتخطف بنات حوَّاء‪ ،‬لتنهشها نهشاً‪ ،‬وتستمتع بها لحماً‪ ،‬ثم ترميها‬
‫عظماً‪.‬‬
‫ونستطيع أن نحدد موقف السلم من أُنوثة المرأة فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬إنه يحافظ على أُنوثتها‪ ،‬حتى تظل ينبوعا ً لعواطف الحنان‬
‫حّرِم على الرجال‪ ،‬بما‬ ‫ل لها بعض ما ُ‬ ‫والرقة والجمال‪ ،‬ولهذا أح َّ‬
‫ِّ‬
‫س الحرير‬ ‫تقتضيه طبيعة الُنثى ووظيفتها‪ ،‬كالتحلي بالذهب‪ ،‬ول ُْ‬
‫ب‬
‫ِ‬
‫الخالص‪ ،‬فقد جاء في الحديث‪" :‬إن هذين حرام على ذ ُكور أُمتي‬
‫ل لناثهم"‪.2‬‬ ‫ح ٌ‬
‫ِ‬
‫كما أنه حَّرم عليها كل ما يجافي هذه الُنوثة‪ ،‬من التشبه بالرجال‬
‫في الزي والحركة والسلوك وغيرها‪ ،‬فنهى أن تلبس المرأة لِبْسة‬
‫الرجل‪ ،‬كما نهى الرجل أن يلبس لِبْسة المرأة‪ ،‬وجاء في‬
‫الحديث‪" :‬لعن الله الرج َ‬
‫ل يلبس لِبْسة المرأة‪ ،‬والمرأة تلبس‬

‫‪1026‬‬
‫لِبْسة الرجل"‪ ،3‬ولعن المتشبهات من النساء بالرجال‪ ،‬مثلما لعن‬
‫المتشبهين من الرجال بالنساء ‪ ،4‬وفي الحديث‪" :‬ثلثة ل يدخلون‬
‫الجنَّة ول ينظر الله إليهم يوم القيامة‪ :‬العاق لوالديه‪ ،‬والمرأة‬
‫المترجلة_المتشبهة بالرجال_والديُّوث"‪.5‬‬
‫من دخل على أهله‪.‬‬ ‫والديوث‪ :‬الذي ل يبالي َ‬
‫جلة من النساء"‪.6‬‬ ‫وفي الحديث الخر‪" :‬لعن الله الر ُ‬
‫‪ -2‬وهو يحمي هذه الُنوثة ويرعى ضعفها‪ ،‬فيجعلها أبدا في ظل‬
‫ً‬
‫رجل‪ ،‬مكفولة النفقات‪ ،‬مكفية الحاجات‪ ،‬فهي في كنف أبيها أو‬
‫زوجها أو أولدها أو إخوتها‪ ،‬يجب عليهم نفقتها‪ ،‬وفق شريعة‬
‫السلم‪ ،‬فل تضطرها الحاجة القاهرة إلى الخوض في لجج الحياة‬
‫وصراعها ومزاحمة الرجال بالمناكب من أجل لقمة العيش‪ ،‬وهو‬
‫ما فعلته المرأة الغربية بحكم الضرورة‪ ،‬حيث ل يرعاها أب ول‬
‫ابن أخ ول عم‪ ،‬فاضطرت أن تقبل أي عمل‪ ،‬وبأي أجر‪ ،‬وقاية من‬
‫الهلك‪.‬‬
‫خلُقها وحيائها‪ ،‬ويحرص على سمعتها‬ ‫‪ -3‬وهو يحافظ على ُ‬
‫وكرامتها‪ ،‬ويصون عفافها من خواطر السوء‪ ،‬وألسنة السوء ـ‬
‫فضل ً عن أيدي السوءِ ـ أن تمتد إليها‪.‬‬
‫ولهذا يوجب السلم عليها‪:‬‬
‫(أ) الغض من بصرها والمحافظة على عفِتَّها ونظافتها‪( :‬وَقُل‬
‫ل ِّلمؤمنات يغْضضن م َ‬
‫ن) (سورة‬ ‫جهُ َّ‬ ‫ن فُُرو َ‬ ‫حفَظ ْ َ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫صارِه ِ َّ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫ُ ِ َ ِ َ ُ ْ َ ِ ْ‬
‫النور‪.)31/‬‬
‫(ب) الحتشام والتستر في لباسها وزينتها دون إعنات لها‪ ،‬ول‬
‫تضييق عليها‪( :‬ول َ يبدين زينته َ َ‬
‫ن‬
‫ضرِب ْ َ‬ ‫منْهَا وَلي َ ْ‬ ‫ما ظَهََر ِ‬ ‫ن إِل ّ َ‬ ‫َ ُْ ِ َ ِ ََُ ّ‬
‫ن) (سورة النور‪ .)31/‬وقد فسر‪( :‬ما ظَهََر‬ ‫جيُوب ِ ِه َّ‬ ‫ن ع َلَى ُ‬ ‫مره ِ َّ‬ ‫خ ُ‬‫بِ ُ‬
‫منْهَا) بالكحل والخاتم‪ ،‬وبالوجه والكفين‪ ،‬وزاد بعضهم‪ :‬القدمين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫شعر والعنق والنَّحر والذراعين‬ ‫(ج) أل تبدى زينتها الخفية _كال َ‬
‫والساقين_ إل لزوجها ومحارمها الذين يشق عليها أن تستتر منهم‬
‫استتارها من الجانب‪( :‬ول َ يبدين زينته َ َ‬
‫منْهَا‬ ‫ما ظَهََر ِ‬ ‫ن إِل ّ َ‬ ‫َ ُْ ِ َ ِ ََُ ّ‬
‫ن أوَ‬ ‫ن إِل ّ لِبُعُولَتِهِ َّ‬ ‫َ‬ ‫ن زِينَتَهُ َّ‬ ‫ن وَل َ يُبْدِي َ‬ ‫جيُوبِهِ َّ‬ ‫ن ع َلَى ُ‬ ‫مره ِ َّ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن بِ ُ‬‫ضرِب ْ َ‬ ‫وَلي َ ْ‬
‫ن أوَ‬ ‫ن أو إِخوَان ِ ِه َّ‬ ‫َ‬ ‫ن أو أبنَاءِ بُعُولَتِهِ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أو أبنَائِه َّ‬ ‫َ‬ ‫ن أو أباءِ ب ُ ُعولَتِهِ َّ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَبائِهِ َّ‬
‫ن أَو‬ ‫مانُهُ َّ‬ ‫َ‬
‫ت أي ْ َ‬ ‫ملَك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن أو َ‬
‫ن أَو ن ِسائِه َ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫خوَات ِ ِه َّ‬ ‫ن أَو بَنِي أ َ َ‬ ‫خوَانِه َّ‬ ‫بَنِي إ ِ ْ‬
‫م يَظْهَُروا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن لَ ْ‬ ‫ل الذ ّي َ‬ ‫ل أو الط ِّفْ ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫ن الّرِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن غَيْرِ أولِى الِْربَةِ ِ‬ ‫التَّابِعِي َ‬
‫ساءِ) (سورة النور‪.)31/‬‬ ‫ت الن ِّ َ‬ ‫ع َلَى ع َوَْرا ِ‬
‫َ‬
‫ما‬‫م َ‬ ‫ن لِيُعْل َ َ‬ ‫جلِهِ َّ‬ ‫ن بِأْر ُ‬ ‫ضرب ْ َ‬‫(د) أن تتوقر في مشيتها وكلمها‪( :‬وَل َ ي َ ْ ِ‬
‫معَ‬‫ل فَيَط ْ َ‬ ‫ن بِالقَوْ ِ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن) (سورة النور‪( ،)31/‬فل َ ت َ ْ‬ ‫من زِينَتِهِ َّ‬ ‫ن ِ‬ ‫خفِي َ‬ ‫يُ ْ‬
‫َ‬
‫معُْروفاً) (الحزاب‪ .)32/‬فليست‬ ‫ن قَوْل ً َّ‬ ‫ض وَقُل ْ َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫ال ّذي فِي قَلْبِهِ َ‬

‫‪1027‬‬
‫ممنوعة من الكلم‪ ،‬وليس صوتها عورة! بل هي مأمورة أن تقول‬
‫قول ً معروفاً‪.‬‬
‫(ه‌‌) أن تتجنب كل ما يجذب انتباه الرجل إليها‪ ،‬ويغريه بها‪ ،‬من‬
‫خلُق المرأة‬ ‫تبرج الجاهلية الُولى أو الخيرة‪ ،‬فهذا ليس من ُ‬
‫ما امرأة استعطرت ثم خرجت من‬ ‫العفيفة‪ .‬وفي الحديث‪" :‬أي ُ َ‬
‫بيتها ليشم الناس ريحها فهي زانية"‪ .7‬أي تفعل فعلها‪ ،‬وإن لم‬
‫تكن كذلك‪ ،‬فيجب أن تتنَّزه عن هذا السلوك‪.‬‬
‫حَرما ً لها‪،‬‬
‫م ْ‬‫(و) أن تمتنع عن الخلوة بأي رجل ليس زوجها ول َ‬
‫صونا ً لنفسها ونفسه من هَواجس الثم‪ ،‬ولسمعتها من ألسنة‬
‫ن امرأة‪ ،‬إل ومعها‬‫ل بامرأةٍ‪ ،‬ول تسافر َّ‬ ‫خلُوَ َّ‬
‫ن رج ٌ‬ ‫الزور‪" :‬ل ي َ ْ‬
‫حرم"‪.8‬‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫(ز) أل تختلط بمجتمع الرجال الجانب إل لحاجة داعية‪ ،‬ومصلحة‬
‫معتبرة‪ ،‬وبالقدر اللزم‪ ،‬كالصلة في المسجد‪ ،‬وطلب العلم‪،‬‬
‫والتعاون على البر والتقوى‪ ،‬بحيث ل تُحرم المرأة من المشاركة‬
‫في خدمة مجتمعها‪ ،‬ول تنسى الحدود الشرعية في لقاء الرجال‪.‬‬
‫ن السلم بهذه الحكام يحمي أُنوثة المرأة من أنياب‬ ‫إ َّ‬
‫المفترسين من ناحية‪ ،‬ويحفظ عليها حياءها وعفافها بالبُعْد عن‬
‫عْرضها من‬ ‫عوامل النحراف والتضليل من ناحية ثانية‪ ،‬ويصون ِ‬
‫ألسنة المفترين والمرجفين من ناحية ثالثة‪ ،‬وهو ـ مع هذا كله ـ‬
‫يحافظ على نفسها وأعصابها من التوتر والقلق‪ ،‬ومن الهَّزات‬
‫والضطرابات‪ ،‬نتيجة لجموح الخيال‪ ،‬وانشغال القلب‪ ،‬وتوزع‬
‫عواطفه بين شتَّى المثيرات والمهيِّجات‪.‬‬
‫وهو أيضا ً ـ بهذه الحكام والتشريعات ـ يحمي الرجل من عوامل‬
‫النحراف والقلق‪ ،‬ويحمي الُسرة من أسباب التفكك‪ ،‬ويحمي‬
‫الُسرة من أسباب التفكك‪ ،‬ويحمي المجتمع كله من عوامل‬
‫السقوط والنحلل‪.‬‬
‫* الختلط المشروع‪:‬‬
‫دخلت مجتمعنا الحديث كلمات أصبح لها دللت لم تكن لها من‬
‫قبل‪ .‬من ذلك كلمة "الختلط" بين الرجل والمرأة‪ .‬فقد كانت‬
‫المرأة المسلمة ـ في عصر النبوة وعصر الصحابة والتابعين ـ‬
‫تلقى الرجل‪ ،‬وكان الرجل يلقى المرأة‪ ،‬في مناسبات مختلفة‪،‬‬
‫دينية ودنيوية‪ ،‬ولم يك ذلك ممنوعا ً بإطلق‪ ،‬بل كان مشروعا ً إذا‬
‫جدت أسبابه‪ ،‬وتوافرت ضوابطه‪ ،‬ولم يكونوا يسمون ذلك‬ ‫وُ ِ‬
‫"اختلطاً"‪.‬‬
‫ثم شاعت هذه الكلمة في العصر الحديث ـ ول أدري متى بدأ‬
‫استعمالها ـ بما لها من إيحاء‪ ،‬ينفر منه حس المسلم والمسلمة؛‬

‫‪1028‬‬
‫لن خلط شيء بشيء يعني إذابته فيه‪ ،‬كخلط الملح أو السكر‬
‫بالماء‪.‬‬
‫المهم أن نؤكد هنا أن ليس كل اختلط ممنوعاً‪ ،‬كما يتصور ذلك‬
‫ويُصوّرِه دعاة التشديد والتضييق‪ ،‬وليس كذلك كل اختلط‬
‫مشروعاً‪ ،‬كما يروِّج لذلك دعاة التبعية والتغريب‪.‬‬
‫ن الواجب علينا أن نلتزم بخير الهَدْى‪،‬‬ ‫والذي أود أن أذكره هنا‪ :‬أ َّ‬
‫وهو هَدْى محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهَدْى خلفائه الراشدين‪،‬‬
‫سنَّتهم‪ ،‬وأن نعض عليها‬ ‫ُ‬
‫مرنا أن نتبع ُ‬ ‫وأصحابه المهديين‪ ،‬الذين أ ِ‬
‫بالنواجذ‪ ،‬بعيدا ً عن نهج الغرب المتحلل‪ ،‬ونهج الشرق المتشدد‪.‬‬
‫والمتأمل في خير الهَدْى يرى‪ :‬أن المرأة لم تكن مسجونة ول‬
‫معزولة‪ ،‬كما حدث ذلك في عصور تخلف المسلمين‪.‬‬
‫فقد كانت المرأة تشهد الجماعة والجمعة‪ ،‬في مسجد رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومنها‪ :‬صلة العشاء وصلة الفجر‪ ،‬وكان‬
‫عليه الصلة والسلم يحثهن على أن يتخذن مكانهن في الصفوف‬
‫الخيرة خلف صفوف الرجال‪ ،‬وكلما كان الصف أقرب إلى‬
‫المؤخرة كان أفضل‪ ،‬خشية أن تظهر من عورات الرجال شيء‪،‬‬
‫وكان أكثرهم ل يعرفون السراويل‪ ،‬ولم يكن بين الرجال والنساء‬
‫أي حائل من بناء أو خشب أو نسيج‪ ،‬أو غيره‪....‬‬
‫وكانوا في أول المر يدخل الرجال والنساء من أي باب اتفق‬
‫لهم‪ ،‬فيحدث نوع من التزاحم عند الدخول والخروج‪ ،‬فقال عليه‬
‫صصوه بعد‬ ‫الصلة والسلم‪" :‬لو تركنا هذا الباب للنساء"‪ ،9‬فخ َّ‬
‫ذلك لهن‪ ،‬وصار يُعرف إلى اليوم باسم "باب النساء"‪.‬‬
‫خطبة‪،‬‬ ‫وكان النساء في عصر النبوة يحضرن الجمعة‪ ،‬ويسمعن ال ُ‬
‫ن إحداهن حفظت سورة "ق" من فِي رسول الله صلى‬ ‫حتى إ َّ‬
‫الله عليه وسلم من طول ما سمعتها من فوق منبر الجمعة‪.‬‬
‫وكان النساء يحضرن كذلك صلة العيدين‪ ،‬ويشاركن في هذا‬
‫المهرجان السلمي الكبير‪ ،‬الذي يضم الكبار والصغار‪ ،‬والرجال‬
‫والنساء‪ ،‬في الخلء مهل ِّلين مكبِّرين‪.‬‬
‫روى مسلم عن أُم عطية قالت‪" :‬كنا نؤمر بالخروج في العيدين‪،‬‬
‫والمخبأة والبِكر"‪.‬‬
‫وفي رواية قالت‪" :‬أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن‬
‫حيَّض وذوات الخدور‪،‬‬ ‫نُخرجهن في الفِطر والضحى‪ :‬العواتق وال ُ‬
‫حيَّض فيعتزلن الصلة‪ ،‬ويشهدن الخير ودعوة المسلمين‪،‬‬ ‫فأما ال ُ‬
‫سهَا‬‫قلت‪ :‬يا رسول الله؛ إحدانا ل يكون لها جلباب‪ ،‬قال‪" :‬لِتُلْب ِ ْ‬
‫أُختها من جلبابها"‪.10‬‬
‫ل البلدان أو في كلها‪ ،‬إل ما‬ ‫سنَّة أماتها المسلمون في ُ‬
‫ج ِّ‬ ‫وهذه ُ‬
‫حوة السلمية الذين أحيوا بعض ما مات‬ ‫قام به مؤخرا ً شباب ال َ‬
‫ص ْ‬

‫‪1029‬‬
‫سنَّة العتكاف في العشر الواخر من رمضان‪،‬‬ ‫سنَن مثل ُ‬ ‫من ال ُ‬
‫سنَّة شهود النساء صلة العيد‪ .‬وذلك في بعض البلدان السلمية‬ ‫و ُ‬
‫حوة وارتفعت رايتها‪.‬‬ ‫ص ْ‬ ‫التي قويت فيها ال َ‬
‫وكان النساء يحضرون دروس العلم‪ ،‬مع الرجال عند النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬ويسألن عن أمر دينهن مما قد يستحي منه‬
‫الكثيرات اليوم‪ ،‬حتى أثنت عائشة على نساء النصار‪ ،‬أنهن لم‬
‫يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين‪ ،‬فطالما سألن عن الجنابة‬
‫والحتلم والغتسال والحيض والستحاضة ونحوها‪.‬‬
‫ولم يشبع ذلك نهمهن لمزاحمة الرجال واستئثارهم برسول الله‬
‫ن‬‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فطلبن أن يجعل لهن يوما ً يكون له َّ‬
‫ن الرجال ول يزاحمونهم وقلن في ذلك صراحة‪:‬‬ ‫خاصة‪ ،‬ل يغالبه َّ‬
‫"يا رسول الله؛ قد غلبنا عليك الرجال‪ ،‬فاجعل لنا يوما ً من‬
‫ن‪.11‬‬ ‫ن وأمره َّ‬ ‫ن فيه ووعظه َّ‬ ‫ن يوماً‪ ،‬فلقيه َّ‬ ‫نفسك" فوعده َّ‬
‫وتجاوز هذا النشاط النسائي إلى المشاركة في المجهود الحربي‬
‫ن القيام‬ ‫ن عليه ويحس َّ‬ ‫في خدمة الجيش والمجاهدين‪ ،‬بما يقدر َ‬
‫به‪ ،‬من التمريض والسعاف‪ ،‬ورعاية الجرحى والمصابين‪ ،‬بجوار‬
‫الخدمات الُخرى من الطهي والسقي وإعداد ما يحتاج إليه‬
‫المجاهدون من أشياء مدنية‪.‬‬
‫ت مع رسول الله صلى الله عليه‬ ‫ُ‬
‫عن أم عطية قالت‪" :‬غزو ُ‬
‫وسلم‪ ،‬سبع غزوات‪ ،‬أخلفهم في رحالهم‪ ،‬فأصنع لهم الطعام‬
‫وأداوي الجرحى‪ ،‬وأقوم على المرضى"‪.12‬‬
‫حد"‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وروى مسلم عن أنس‪" :‬أن عائشة وأم سليم‪ ،‬كانتا في يوم أ ُ‬
‫مرتين‪ ،‬تنقلن القَِرب على متونهما (ظهورهما) ثم تفرغانها‬ ‫مش ِّ‬
‫في أفواه القوم‪ ،‬ثم ترجعان فتملنها"‪ ،13‬ووجود عائشة هنا ـ‬
‫ن الشتراك‬ ‫وهي في العقد الثاني من عمرها ـ يرد الذين ادّعوا أ َّ‬
‫في الغزوات والمعارك كان مقصورا ً على العجائز والمتقدمات‬
‫َ‬
‫سل ّم‪ .‬وماذا تغني العجائز في مثل هذه‬ ‫م َ‬ ‫في السن‪ ،‬فهذا ُ‬
‫المواقف التي تتطلب القدرة البدنية والنفسية معاً؟‬
‫ن مع‬ ‫ن ست نسوة من نساء المؤمنين ك َّ‬ ‫وروى المام أحمد‪ :‬أ َّ‬
‫الجيش الذي حاصر "خيبر"‪ :‬يتناولن السهام‪ ،‬ويسقين السويق‪،‬‬
‫ن في سبيل الله‪ ،‬وقد‬ ‫شعر‪ ،‬ويع َّ‬ ‫ويداوين الجرحى‪ ،‬ويغزلن ال َّ‬
‫ن النبي صلى الله عليه وسلم نصيبا ً من الغنيمة ‪.14‬‬ ‫أعطاه َّ‬
‫ح أن نساء بعض الصحابة شاركن في بعض الغزوات‬ ‫بل ص ّ‬
‫ن الفرصة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫والمعارك السلمية بحمل السلح‪ ،‬عندما أتيحت له َّ‬
‫حد" حتى‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ومعروف ما قامت به أم عمارة نسيبة بنت كعب يوم "أ ُ‬
‫قال عنها صلى الله عليه وسلم‪" :‬لمقامها خير من مقام فلن‬
‫وفلن"‪.15‬‬

‫‪1030‬‬
‫ُ‬
‫من‬ ‫حنَين"‪ ،‬تبقر به بطن َ‬ ‫وكذلك اتخذت أم سليم خنجرا ً يوم " ُ‬
‫يقترب منها‪.‬‬
‫حنَين"‬ ‫ُ‬ ‫روى مسلم عن أنس ابنها‪ :‬أ َّ‬
‫ن أم سليم اتخذت يوم " ُ‬
‫خنجراً‪ ،‬فكان معها‪ ،‬فرآها أبو طلحة (زوجها) فقال‪ :‬يا رسول‬
‫الله؛ هذه أُم سليم معها خنجر! فقال لها رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬ما هذا الخنجر"؟ قالت‪ :‬اتخذته‪ ،‬إن دنا مني أحد‬
‫ت به بطنه! فجعل رسول الله صلى الله عليه‬ ‫المشركين بقر ُ‬
‫وسلم يضحك ‪.16‬‬
‫وقد عقد البخاري بابا ً في "صحيحه" في غزو النساء وقتالهن‪.‬‬
‫ولم يقف طموح المرأة المسلمة في عهد النبوة والصحابة‬
‫للمشاركة في الغزو عند المعارك المجاورة والقريبة في الرض‬
‫حنَين‪ ،‬بل طمحن إلى ركوب البحار‪ ،‬والسهام في‬ ‫العربية كخبير و ُ‬
‫فتح القطار البعيدة لبلغها رسالة السلم‪.‬‬
‫ن رسول الله صلى الله‬ ‫ففي صحيح البخاري ومسلم عن أنس‪ :‬أ َّ‬
‫عليه وسلم قال‪ :‬عند أُم حرام بنت ملحان (خالة أنس) يوماً‪ ،‬ثم‬
‫استيقظ وهو يضحك‪ ،‬فقالت‪ :‬ما يضحكك يا رسول الله؟ قال‪:‬‬
‫ى غزاة في سبيل الله‪ ،‬يركبون ثبج‬ ‫"ناس من أُمتي ع ُرِضوا عل َّ‬
‫سَّرة"‪،‬‬ ‫سَّرة ـ أو مثل الملوك على ال َ ِ‬ ‫هذا البحر‪ ،‬ملوكا ً على ال َ ِ‬
‫قالت‪ :‬فقلت‪ :‬يا رسول الله؛ ادع الله أن يجعلني منهم‪ ،‬فدعا لها‬
‫‪ ..17‬فركبت أُم حرام البحر في زمن عثمان‪ ،‬مع زوجها عبادة بن‬
‫صرِعت عن دابتها هناك‪ ،‬فتوفيت ودُفِنت‬ ‫الصامت إلى قبرص‪ ،‬ف ُ‬
‫هناك‪ ،‬كما ذكر أهل السير والتاريخ‪.‬‬
‫وفي الحياة الجتماعية شاركت المرأة داعية إلى الخير‪ ،‬آمرة‬
‫ن‬
‫منُو َ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫بالمعروف‪ ،‬ناهية عن المنكر‪ ،‬كما قال تعالى‪( :‬وَال ُ‬
‫ن‬ ‫والمؤمنات بعضه َ‬
‫ن عَ ِ‬ ‫و َ‬‫ف وَيَنْهَ ْ‬
‫معُرو ِ‬ ‫ن بِال َ‬‫مُرو َ‬
‫ض يَأ ُ‬
‫م أوْليَاءُ بَعْ ٍ‬ ‫َ ُ ِ َ ُ َْ ُ ُ ْ‬
‫منكَرِ‪( )...‬التوبة‪.)71/‬‬‫ال ُ‬
‫ومن الوقائع المشهورة رد إحدى المسلمات على عمر في‬
‫المسجد في قضية المهور‪ ،‬ورجوعه إلى رأيها علناً‪ ،‬وقوله‪" :‬كل‬
‫الناس أفقه من عمر"!‪ .‬وقد ذكرها ابن كثير في تفسير سورة‬
‫النساء ونسبها إلى أبي يعلى في مسنده‪ ،‬وقال‪ :‬إسنادها جيد‬
‫قوي ‪.18‬‬
‫وفي رواية عند عبد الرزاق أن عمر قال‪ :‬إن امرأة خاصمت عمر‬
‫فخصمته ‪ :!19‬أي غلبته‪.‬‬
‫شفاء بنت عبد الله العدوية محتسبة‬ ‫وقد عيَّن عمر في خلفته ال ِ‬
‫على السوق‪ .‬والمتأمل في القرآن الكريم وحديثه عن المرأة في‬
‫مختلف العصور‪ ،‬وفي حياة الرسل والنبياء ل يشعر بهذا الستار‬
‫الحديدي الذي وضعه بعض الناس بين الرجل والمرأة‪.‬‬

‫‪1031‬‬
‫وقوته ـ يحادث الفتاتين‬ ‫ّ‬ ‫فنجد موسى ـ وهو في ريعان شبابه‬
‫حَرج‪ ،‬ويعاونهما‬ ‫ابنتي الشيخ الكبير‪ ،‬ويسألهما وتجيبانه بل تأثم ول َ‬
‫سلة من أبيها‬ ‫في شهامة ومروءة‪ ،‬وتأتيه إحداهما بعد ذلك مر ِ‬
‫تدعوه أن يذهب معها إلى والدها‪ ،‬ثم تقترح إحداهما على أبيها‬
‫بعد ذلك أن يستخدمه عنده؛ لما لمست فيه من قوة وأمانة‪.‬‬
‫ن‬
‫مدْي َ َ‬ ‫ماءَ َ‬ ‫ما وََرد َ َ‬ ‫لنقرأ في ذلك ما جاء في سورة القصص‪( :‬وَل َ َّ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ن النَّا‬ ‫جد َ ع َلَيْهِ أ ُ َّ‬
‫ِ‬ ‫مَرأتَي ْ‬ ‫ما ْ‬ ‫من دُونِهِ ُ‬ ‫جد َ ِ‬ ‫ن وَوَ َ‬ ‫سقُو َ‬ ‫س يَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِّ‬ ‫م ً‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫صدَِر الّرِع َاءُ وَأبُونَا‬ ‫حتَّى ي ُ ْ‬ ‫سقِي َ‬ ‫ما قَالَتَا ل َ ن َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫خطْبُك ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن قَا َ‬ ‫تَذ ُودَا ِ‬
‫ما‬ ‫ب إِنِّي ل ِ َ‬ ‫ل َر ِّ‬ ‫ل فَقَا َ‬ ‫م تَوَل ّى إلَى الظ ِّ ِّ‬ ‫ما ث ُ َّ‬ ‫سقَى لَهُ َ‬ ‫خ كَبِيٌر‪ ،‬فَ َ‬ ‫شي ْ ٌ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫حيَاءٍ‬ ‫ست ِ ْ‬ ‫شي ع َلَى ا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫حدَاهُ َ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫جاءَت ْ ُ‬ ‫خيْرٍ فَقِيٌر‪ ،‬فَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ى ِ‬ ‫ت إل َّ‬ ‫أنَزل َ‬
‫ت لَنَا فَل َ َّ‬ ‫ك لِيجزي َ َ‬ ‫َ‬
‫جاءَه ُ وَقَ َّ‬
‫ص‬ ‫ما َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫سقَي ْ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫جَر‬ ‫كأ ْ‬ ‫ت إِن أبِى يَدْع ُو َ َ ْ ِ َ‬ ‫قَال َ ْ‬
‫ت‬ ‫ن‪ ،‬قَال َ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ن القَوْم ِ الظ ّال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫جوْ َ‬ ‫ف نَ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ل ل َ تَ َ‬ ‫ص قَا َ‬ ‫صَ َ‬ ‫ع َلَيْهِ ال َق َ‬
‫ن)‬ ‫مي ُ‬ ‫ت القَوِيُّ ال َ ِ‬ ‫جْر َ‬ ‫ن استَئ ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫خيَْر ِ‬ ‫ن َ‬ ‫جْره ُ إ ِ َّ‬ ‫ستَئ ْ ِ‬ ‫تا ْ‬ ‫ما يَأب َ ِ‬ ‫حدَاهُ َ‬ ‫إِ ْ‬
‫(سورة القصص‪.)26-23/‬‬
‫وفي قضية مريم نجد زكريا يدخل عليها المحراب‪ ،‬ويسألها عن‬
‫د‬
‫ج َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫حَرا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ع َلَيْهَا َزكَريَّا ال ِ‬ ‫خ َ‬ ‫الرزق الذي يجده عندها‪( :‬كلما د َ َ‬
‫َ‬ ‫ل يا مري َ‬
‫عنَد اللهِ أ َّ‬
‫ن‬ ‫ن ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت هُوَ ِ‬ ‫ك هَذ َا قَال َ‬ ‫م أنَّى ل َ ِ‬ ‫عنَدهَا رِْزقا ً قَا َ َ َ ْ َ ُ‬ ‫ِ‬
‫ب) (سورة آل عمران‪.)37/‬‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫شاءُ بِغَيْرِ ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه يَْرُزقُ ِ‬ ‫الل َ‬
‫وفي قصة ملكة سبأ نراها تجمع قومها تستشيرهم في أمر‬
‫سليمان‪:‬‬
‫حتَّى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مرا ً َ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ت قَاطِعَ ً‬ ‫ما كُن ُ‬ ‫مرِي َ‬ ‫ملَؤ ُا أفْتُونِي فِي أ ْ‬ ‫(قَالَت يَأيُّهَا ال َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن أولُوا قُوَّةٍ وَأولُوا بَـأ‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ك‬‫مُر إِلي ْ ِ‬ ‫شدِيدٍ وَال ْ‬ ‫س َ‬ ‫ٍ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن‪ ،‬قَالُوا ن َ ْ‬ ‫شهَدُو ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫سدُوهَا‬ ‫ة أف ْ َ‬ ‫خلُوا قَْري َ ً‬ ‫ك إِذ َا د َ َ‬ ‫ملُو َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ت إ ِ َّ‬ ‫ن‪ َ ،‬قَال َ ْ‬ ‫مرِي َ‬ ‫ماذ َا تَأ ُ‬ ‫فَانظُرِي َ‬
‫ن) (سورة النمل‪.)34-32/‬‬ ‫ك يَفْعَلُو َ‬ ‫ة وَكَذَل ِ َ‬ ‫جعَلُوا أَعَّزة َ أَهْلِهَا أَذل ّ ً‬ ‫وَ َ‬
‫وكذلك تحدَّثت مع سليمان عليه السلم وتحدَّث معها‪( :‬فلما‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت قِيَل أَهَكَذ َا عَْر ُ‬
‫من قَبْلِهَا‬ ‫م ِ‬ ‫ه هُوَ وَأوتِينَا العِل ْ َ‬ ‫ت كَأن َّ ُ‬ ‫ك قَال َ ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫جاءَ ْ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫ت ِ‬ ‫ه إِنَّهَا كَان َ ْ‬ ‫ن الل ِ‬ ‫من دُو ِ‬ ‫ما كَانَت تَّعْبُد ُ ِ‬ ‫صدَّهَا َ‬ ‫ن‪ ،‬وَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وَكُنَّا ُ‬
‫ه ل ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫ح فَل َ َّ‬ ‫ن‪ ،‬قِيَل لَهَا اد ْ ُ‬
‫ة‬‫ج ً‬ ‫سبَت ْ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ما َرأت ْ ُ‬ ‫صْر َ‬ ‫خلِي ال َّ‬ ‫ري َ‬ ‫قَوْم ٍ كَافِ ِ‬
‫ب‬ ‫ت َر ِّ‬ ‫من قَوَارِيَر قَال َ ْ‬ ‫مَّرد ٌ ِّ‬ ‫م َ‬ ‫ح ُّ‬ ‫صْر ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫ل إِن َّ ُ‬ ‫ساقَيْهَا قَا َ‬ ‫ت ع َن َ‬ ‫شفَ ْ‬ ‫وَك َ َ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫مي َ‬ ‫ب العَال َ ِ‬ ‫ن للهِ َر ِّ‬ ‫ما َ‬ ‫سلَي ْ َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م ُ‬ ‫سل َ ْ‬ ‫سي وَأ ْ‬ ‫ت ن َ ْف ِ‬ ‫م ُ‬ ‫إِنِّي ظَل َ ْ‬
‫(سورة النمل‪.)44-42/‬‬

‫ن القرآن لم يذكره‬ ‫من قبلنا فل يلزمنا؛ فإ َّ‬ ‫ن هذا شرع َ‬ ‫ول يُقال‪ :‬إ َّ‬
‫لنا إل لن فيه هداية وذكرى وعبرة لُلى اللباب‪ ،‬ولهذا كان القول‬
‫سنَّة هو شرع‬‫من قبلنا المذكور في القرآن وال ُّ‬ ‫ن شرع َ‬ ‫الصحيح‪ :‬أ َّ‬
‫لنا ما لم يرد في شرعنا ما ينسخه‪ .‬وقد قال تعالى لرسوله‪:‬‬
‫م اقْتَدِهْ) (سورة النعام‪.)90/‬‬‫ه فَبِهُدَهُ ُ‬ ‫َ‬
‫ك الذ ّي َ‬
‫ن هَدَى الل ُ‬ ‫(أُولئ ِ َ‬

‫‪1032‬‬
‫ن إمساك المرأة في البيت‪ ،‬وإبقاءها بين جدرانه الربعة ل تخرج‬ ‫إ َّ‬
‫منه اعتبره القرآن ـ في مرحلة من مراحل تدرج التشريع قبل‬
‫الفاحشة من نساء المسلمين‪ ،‬وفي هذا يقول تعالى في سورة‬
‫َ‬
‫ن‬‫شهِدُوا ع َلَيْهِ َّ‬ ‫م فَا ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫سائِك ُ ْ‬
‫من ن ِّ َ‬ ‫ة ِ‬
‫ش َ‬‫ح َ‬ ‫ن الفَا ِ‬ ‫َ‬ ‫النساء‪( :‬وَال ّتي يَأْتِي‬
‫َ‬
‫ن‬‫حتَّى يَتَوَفَّهُ َّ‬ ‫ت َ‬‫ن فِي البُيُو ِ‬ ‫سكُوُه َّ‬‫م ِ‬ ‫شهِدُوا فَأ ْ‬ ‫م فَإِن َ‬ ‫منك ُ ْ‬‫ة ِّ‬ ‫أَربَع ً‬
‫سبِيلً) (سورة النساء‪.)15/‬‬ ‫ه لَهُ َّ‬ ‫جعَ َ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ت أو ي َ ْ‬ ‫موْ ُ‬‫ال َ‬
‫ن سبيل ً بعد ذلك حينما شرع الحد‪ ،‬وهو العقوبة‬ ‫وقد جعل الله له َّ‬
‫جلْد الذي جاء به‬ ‫المقدَّرة في الشرع حقا ً لله تعالى‪ ،‬وهي ال َ‬
‫سنَّة للمحصن‪.‬‬ ‫القرآن لغير المحصن‪ ،‬والرجم الذي جاءت به ال ُّ‬
‫فكيف يستقيم في منطق القرآن والسلم أن يُجعل الحبس في‬
‫البيت صفة ملزمة للمسلمة الملتزمة المحتشمة‪ ،‬كأننا بهذا‬
‫نعاقبها عقوبة دائمة وهي لم تقترف إثماً؟‬
‫ن الل ِّقاء بين الرجال والنساء في ذاته إذن ليس‬ ‫والخلصة‪ :‬أ َّ‬
‫محَّرماً‪ ،‬بل هو جائز أو مطلوب إذا كان القصد منه المشاركة في‬
‫هدف نبيل‪ ،‬من علم نافع أو عمل صالح‪ ،‬أو مشروع خير‪ ،‬أو جهاد‬
‫لزم‪ ،‬أو غير ذلك مما يتطلب جهودا ً متضافرة من الجنسين‪،‬‬
‫ويتطلب تعاونا ً مشتركا ً بينهما في التخطيط والتوجيه والتنفيذ‪.‬‬
‫‪--------------------------------------‬‬
‫هوامش‬
‫‪ 1‬ملحوظة‪ :‬يجب توضيح وتقييد هذا المعنى بأن قصد المؤلف أنه‬
‫ل يجوز إجبار أحد على الدخول في السلم‪ ،‬ولكن بالنسبة للذين‬
‫أسلموا أي المسلمين بالفعل فإنه ل يجوز للمسلم أن يبدل دينه‬
‫ويرتد عن السلم فهو ملتزم به أمام الله والشريعة‪.‬‬
‫ي‪ ،‬وهو صحيح بجموع‬ ‫‪ 2‬رواه ابن ماجه ج‌ ‪ ،2‬برقم (‪ )3595‬عن عل ّ‬
‫طرقه‪.‬‬
‫‪ 3‬رواه عن أبي هريرة‪ :‬أبو داود (‪ ،)4098‬ونسبه المنذري للنسائي‬
‫حبَّان في صحيحه (الحسان‬ ‫أيضاً‪ ،‬كما رواه أحمد‪ ،2/325 :‬وابن ِ‬
‫‪ )1904‬والحاكم وصححه على شرط مسلم‪ ،4/194 :‬ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫‪ 4‬رواه عن ابن عباس البخاري في كتاب الل ِّباس‪ ،‬كما رواه أبو‬
‫داود والترمذي وابن ماجه‪ ،‬صحيح الجامع الصغير (‪.)5100‬‬
‫‪ 5‬رواه أحمد عن ابن عمر‪ ،‬وقال الشيخ شاكر‪ :‬إسناده صحيح (‬
‫جلة‬ ‫‪ ،)1680‬ورواه النسائي‪ ،5/80 :‬والحاكم وصححه‪ 1/72 :‬بلفظ‪َ" :‬ر ُ‬
‫النساء"‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ .‬وقال الهيثمي‪ :‬رواه البزار بإسنادين‬
‫ورجالهما ثقات‪.8/147،148 :‬‬
‫‪ 6‬رواه أبو داود عن عائشة‪ ،‬صحيح الجامع الصغير (‪.)5096‬‬
‫‪ 7‬رواه أبو داود عن أبي موسى (‪ ،)4173‬والترمذي (‪ ،)2786‬وقال‪:‬‬
‫حديث حسن صحيح‪ ،‬ورواه النسائي ج ‪ 8‬ص ‪ 153‬في كتاب الزينة‪،‬‬

‫‪1033‬‬
‫ولفظه‪" :‬أيما امرأة استعطرت فمَّرت على قوم ليجدوا من‬
‫ريحها فهي زانية"‪.‬‬
‫‪ 8‬متفق عليه عن ابن عباس‪ ،‬اللؤلؤ والمرجان (‪.)850‬‬
‫‪ 9‬رواه أبو داود‪ ،‬ج ‍‪ 1‬برقم (‪ )462‬عن أبن عمر‪ ،‬وفي رواية أخرى‬
‫لبي داود (‪ )463‬أن قائل ذلك هو عمر‪،‬قال وهو أصح‪.‬‬
‫‪ 10‬أي تعيرها من ثيابها ما تستغني عنه‪ ،‬والحديث في كتاب "صلة‬
‫العيدين" في صحيح مسلم‪ ،‬ج ‍‪ ،1‬حديث رقم (‪.)890‬‬
‫‪ 11‬رواه البخاري في كتاب "العلم" من صحيحه‪ ،1/34 :‬عن أبي‬
‫سعيد‪.‬‬
‫‪ 12‬رواه مسلم برقم (‪.)1812‬‬
‫‪ 13‬رواه مسلم برقم (‪.)1811‬‬
‫‪ 14‬رواه أحمد‪ ،6/371 ،5/271 :‬وأبو داود ج ‍‪ 3‬برقم (‪.)2729‬‬
‫‪ 15‬الطبقات‪ ،8/415 :‬وسير أعلم النبلء‪.279-2/278 :‬‬
‫‪ 16‬رواه مسلم برقم (‪.)1809‬‬
‫‪ 17‬انظر الحديث رقم (‪ )1912‬من صحيح مسلم‪.‬‬
‫‪ 18‬تفسير ابن كثير‪ ،1/467 :‬طبعه عيسى الحلبي‪ ،‬وأوردها الهيثمي‬
‫في المجمع وقال‪ :‬فيه مجالد بن سعيد‪ ،‬وفيه ضعف‪ ،‬وقد وثق‪:‬‬
‫‪.4/284‬‬
‫‪ 19‬ذكرها ابن كثير أيضاً‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬وانظر‪ :‬المصنف‪6/180 :‬‬
‫برقم (‪.)10420‬‬
‫‪-------------------------------------‬‬
‫المصدر‪ :‬السياسة الشرعية‬
‫=============‬
‫) قضية الحريات [الكاتب‪ :‬عبد الخر حماد الغنيمي]‬
‫هى النقطة الخيرة في مناقشتنا لحكم لديمقراطية في السلم‪،‬‬
‫حيث نرى الديمقراطية الغربية تفتح للناس باب الحريات على‬
‫مصراعيه حتى لتكاد تكون بل ضوابط‪.‬‬
‫ول شك أن السلم هو دين الحرية بمعناها الصحيح إذ يضع‬
‫الضوابط المثلى لممارسة الحريات‪ ،‬المر الذي ل يرضى به‬
‫الديمقراطيون‪ ،‬وأضرب لذلك مثال ً واحدا ً وهو حرية العتقاد ففي‬
‫ظل الديمقراطية يحق للنسان طبقا لحرية العتقاد أن يغير‬
‫عقيدته فينسلخ من دينه إلى دين جديد أو إلى ل دين‪.‬‬
‫أما حرية العتقاد في السلم فهي تختلف عن ذلك فالنصراني‬
‫مثل ً يمكنه أن يبقى في دار السلم على دينه وهو آمن على‬
‫نفسه وماله بشرط أن يؤدي ما يجب عليه طبقا للنظام‬
‫السلمي‪ ،‬أما المسلم فليس له أن يغير دينه فيصير نصرانيا ً مثل‬
‫بدعوى حرية العتقاد‪ ،‬ومن فعل ذلك فحكمه في الشرع‬

‫‪1034‬‬
‫معروف‪ :‬يستتاب وإل قتل‪ ،‬ونحن نجد دعاة العلمانية في مصر‬
‫مثل ً تثور ثائرتهم لمجرد الشارة لمثل هذه القضية ‪ -‬قضية حد‬
‫الردة ‪ -‬ويرون فيها نوعا ً من الحجر على الحريات حتى اعتبر‬
‫أحدهم(‪ )17‬مسألة تغيير الدين حقا ً يجب أن يتساوى فيه الجميع‬
‫واستنكر أن يكون للقبطي الحق في تغيير عقيدته بينما يرفض‬
‫ذلك الحق بالنسبة للمسلم ويقول‪(( :‬وقد سألت مرة العالم‬
‫الجليل الدكتور فرهود رئيس جامعة الزهر السبق كيف يا سيدنا‬
‫تطالبون بإعدام من يغير دينه من المسلمين لي سبب؟ قال لي‪:‬‬
‫لنه أما وقد اختار الدين السلمي فيستحق العقاب إذا تركه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومن قال إن ‪ %90‬من المسلمين قد اختاروا أن يكونوا‬
‫مسلمين‪ ،‬نحن لم نكن كفارا ً حتى أسلمنا لقد ولدنا ووجدنا‬
‫أنفسنا مسلمين حسب شهادة ميلد آبائنا وكذلك المسيحيون‬
‫واليهود‪ ،‬وإذا كنت ترى أن من حقي أن أختار أن أكون مسلماً‬
‫فلماذا ل تسمح للنسان أن يختار غير ذلك؟)) (‪)18‬‬
‫وهذا الباطل الذي يقول به ذلك الكاتب وأمثاله سببه ما أشربوه‬
‫من فهم مغلوط لعدة قضايا‪ :‬فَهُم لم يفهموا الدين إل أنه علقة‬
‫بين العبد وبين إلهه يختار لها الفرد أي صورة يشاء‪ ،‬ثم فهموا‬
‫قضية الحريات على أنها مطلقة ‪ -‬على القل في باب العتقاد ‪-‬‬
‫فبنوا على ذلك أن للنسان أن يغير اختياره متى شاء ول يصح أن‬
‫يحجر عليه أحد في ذلك الختيار‪ ،‬ناهيك عن فهمهم لقضية‬
‫المساواة بين الديان والمعتقدات التي تجعلهم ل يفرقون بين‬
‫دين هو الحق وبين أديان باطلة ل يرضاها الله عز وجل‪.‬‬
‫وهذا مثال واحد من أمثلة الخلف بين السلم والديمقراطية في‬
‫باب الحريات وغيره كثير‪.‬‬
‫‪------------‬‬
‫(‪ )17‬هو الكاتب اليساري عبد الستار الطويلة في كتابه أمراء‬
‫الرهاب ص ‪.34‬‬
‫(‪ )18‬المصدر السابق ص‪.35-34 :‬‬
‫==============‬
‫سنة كلها تشريع [الكاتب‪ :‬يحيى هاشم حسن فرغل] موضوع‬
‫السنة من الموضوعات القديمة الجديدة التي يحوم حولها أعداء‬
‫السلم قديما‪ ،‬وحديثا ؛ يحاولون أن ينفذوا منها إلى هدم‬
‫الشريعة ثم هدم السلم برمته‪ ،‬والمقصود بالسنة هنا أقوال‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته‬
‫وهي تتضمن الحكام الشرعية الخمسة من الفرضية مثل صوم‬
‫رمضان‪ ،‬أو الوجوب مثل صلة الوتر عند الحنفية‪ ،‬ومن السنية أو‬
‫الندب أوالستحباب مثل صوم ست من شعبان‪ ،‬ومن التحريم‬

‫‪1035‬‬
‫مثل أكل الربا‪ ،‬ومن الكراهية التحريمية أو التنزيهية مثل أكل‬
‫الثوم عند صلة الجمعة‪ ،‬ومن الباحة مثل البيع والشراء‪.‬‬
‫منذ زمن طويل أطلت برأسها فتنة الكتفاء بالقرآن الكريم‪ :‬قال‬
‫رجل لعمران بن حصين ل تتحدث معنا إل بالقرآن فقال له‬
‫عمران‪ :‬إنك لحمق‪ ،‬هل في القرآن بيان عدد ركعات الفرائض أو‬
‫اجهروا في كذا دون كذا؟ فقال الرجل ل‪ ،‬فأفحم الرجل‪.‬‬
‫وروى البيهقي أيضا في باب صلة المسافر من سننه عن عمر‬
‫بن الخطاب رضي الله عنه‪ :‬أنه سئل عن قصر الصلة في السفر‬
‫وقيل له‪ :‬إنا لنجد في الكتاب العزيز صلة الخوف ول نجد صلة‬
‫السفر فقال للسائل‪ :‬يا أخي‪ :‬إن الله تعالى أرسل إلينا محمدا‬
‫صلى الله عليه وسلم ول نعلم شيئا‪ ،‬وإنما نفعل ما رأينا رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يفعله‪ ،‬قصر الصلة في السفر سنة‬
‫سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم [‪.]1‬‬
‫واليوم فإن من أظهر ما يدل على مدى التمزق والحيرة التي‬
‫أصابت الساحة الثقافية – بفضل حركة التنوير ‪ -‬هو ما عليه‬
‫المسلمون اليوم بالنسبة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وهم اليوم أربعة أصناف متناحرة‪:‬‬
‫• صنف يتطرف برفض السنة كلها وهؤلء خارجون عن الملة‬
‫بالكلية‪.‬‬
‫• وصنف يأخذون بها جميعا ولكنه يتطرف فل يفرق بين ما هو‬
‫فرض ومندوب‪ ،‬وحرام ومكروه من الحكام الخمسة‪.‬‬
‫• وصنف يزعم أن فيها ما هو للتشريع فيأخذ به وما ليس في‬
‫التشريع فل يأخذ به‪.‬‬
‫• وصنف يأخذ بالسنة كلها وأنها كلها تشريع يتفاوت حكمه بين‬
‫الفرض والمندوب والتحريم والكراهة والباحة‪.‬‬
‫أما الصنف الول‪ :‬الذي يزعم أنه يكتفي بالقرآن ول يتقيد بالسنة‬
‫فأمره واضح بين‪ ،‬إذ هو ل يلتزم بالسنة ول بالقرآن معا‪ ،‬لنه لوا‬
‫التزم بالقرآن للتزم بالسنة نزول عند قوله تعالى‪ { :‬من يطع‬
‫الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا }‪،‬‬
‫{فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا‬
‫في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما }‪ { ،‬وما ينطق‬
‫عن الهوى‪ ،‬إن هو إل وحي يوحى }‪.‬‬
‫وفي سنن ابي داود بسنده عن المقدام بن معد يكرب عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‪(( :‬أل إني أوتيت‬
‫الكتاب ومثله معه أل يوشك رجل شبعان على أريكته يقول‪:‬‬
‫عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلل فأحلوه وما وجدتم‬
‫فيه من حرام فحرموه‪ .‬أل ل يحل لكم الحمار الهلي ول كل ذي‬

‫‪1036‬‬
‫ناب من السبع ول لقطة معاهد إل أن يستغني عنها صاحبها‪ ،‬ومن‬
‫نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل‬
‫قراه))‪.‬‬
‫هؤلء أمرهم بين‪ ،‬ينتسبون إلى السلم زورا وبهتانا‪.‬‬
‫يقول المام الشعراني‪( :‬سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله‬
‫تعالى يقول‪ :‬لول أن السنة بينت لنا ما أجمل في القرآن ما قدر‬
‫أحد أن يستخرج أحكام المياه والطهارة‪ ،‬ول عرف كيف يكون‬
‫الصبح ركعتين والظهر والعصر والعشاء أربعا‪ ،‬ول كون المغرب‬
‫ثلثا‪ ،‬ول كان أحد يعرف ما يقال في دعاء التوجه والفتتاح‪ ،‬ول‬
‫عرف صفة التكبير‪ ،‬ول أذكار الركوع والسجود‪ ،‬والعتدالين‪ ،‬ول‬
‫ما يقال في جلوس التشهدين ول كان يعرف كيفية صلة العيدين‬
‫والكسوفين‪ ،‬ول غيرهما من الصلوات كصلة الجنازة‪،‬‬
‫والستسقاء‪ ،‬ول كان يعرف الزكاة ول أركان الصيام والحج‪،‬‬
‫والبيع والنكاح والجراح والقضية وسائر أبواب الفقه)‪.‬‬
‫الصنف الثاني‪ :‬وهو من يذهب إلى الطرف الخر من القضية في‬
‫أقصاه‪ ،‬فيلتزم بالسنة التي هي أقوال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وأفعاله وتقريراته‪ ،‬ولكنه ل يفرق فيها بين الحكام‬
‫الشرعية الخمسة التي قدمناها فيخلط بين الفرض والمندوب‪،‬‬
‫فيراه فرضا كله والمكروه والمحرم فيراه محرما كله‪ ،‬ويدخل‬
‫المباح تارة هنا وتارة هناك‪.‬‬
‫فهؤلء ‪ -‬مثل – يستمعون إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫في لعق الصابع عند الكل فيأخذون بذلك في جميع الحوال كأنه‬
‫فرض‪ ،‬ويستمعون إلى سنته صلى الله عليه وسلم في التوضؤ‬
‫بحفنة من الماء فيأخذون بذلك في جميع الحوال كأنه فرض‬
‫كذلك‪.‬‬

‫لبد من النظر في ضوء أصول الفقه في تحديد معنى المر‬


‫ومعنى النهي ومعنى الوجوب ومعنى الباحة إلخ‪.‬‬
‫وفي ضوء أسباب الواقعة‪ ،‬التي تفسر معناها ول تحبسه‪ ،‬يقول‬
‫أستاذنا الدكتور موسى شاهين لشين في بحثه القيم الذي‬
‫اعتمدنا عليه في هذه المقال‪:‬‬
‫نعم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد أي‬
‫بحفنة من الماء‪ ،‬وكان يغتسل بأربع حفنات فهذا تشريع ولكنه‬
‫ليس للوجوب بالذات‪ ،‬وإنما هو يدور بين الوجوب والندب‬
‫والباحة بحسب الظروف‪ ،‬والملبسات‪ .‬ولو عاش صلى الله عليه‬
‫وسلم على ضفاف نهر مثل لتوضأ بأكثر من حفنة ماء‪ ،‬ولغتسل‬
‫بأكثر من أربع حفنات‪.‬‬

‫‪1037‬‬
‫وكان صلى الله عليه وسلم يعد سلحه لملقاة العداء بالسيف‬
‫والرمح والنبل‪ ،‬فهذا تشريع ولكنه ليس للوجوب بالذات‪ ،‬ولكنه‬
‫يدور بين أحكام الشريعة الخمس‪ ،‬بحسب الملبسات‪ ،‬ولو عاش‬
‫في زماننا لما قصر صلى الله عليه وسلم عن العداد بأقصى‬
‫مظاهر القوة العسكرية الحديثة‪.‬‬
‫إن بعض مشكلت السلم اليوم هي في بعض أهله ممن‬
‫يفرطون‪ ،‬أو يفرطون‪ ،‬فليس من السلم في شيء ما نسمع عنه‬
‫اليوم من أن بعض الدعاة يذهب إلى أوربا أو أمريكا ليدعو إلى‬
‫السلم فيأكل على الرض‪ ،‬وبالصابع‪ ،‬فالحق أن هذا تنفير من‬
‫السلم وليس دعوة إليه ول فهما له‪.‬‬
‫إن مشكلة السلم مع هؤلء في أنهم يدخلون جميع أفعاله صلى‬
‫الله عليه وسلم في باب الوجوب أو اللزام‪ ،‬بينما هي قد تكون‬
‫من التشريع بالندب‪ ،‬أو من التشريع بالباحة‪ ،‬أو غير ذلك من‬
‫أحكام التشريع‪.‬‬
‫والصنفان السابقان‪ :‬من يرفضون السنة جملة وتفصيل‪ ،‬ومن‬
‫ياخذون بها دون تفرقة بين الحكام الشرعية الخمسة ‪ -‬أمرهما‬
‫هين في كشف خطرهما أو انحرافهما‪ ،‬فالول الذي ينكر السنة‬
‫في باب التشريع إجمال‪ ،‬كافر غير مسلم‪ ،‬والثاني الذي ل يميز‬
‫فيها بين الفرض والمندوب والمحرم والمكروه والمباح أمره‬
‫خطير ولكنه أقل خطرا من أولئكم‪ .‬فهم مسلمون متشددون‬
‫فيما ل موضع للتشديد فيه‪ ،‬ويمكن كشف خطرهما بشيء من‬
‫الفقه والتعليم‪.‬‬

‫وهناك صنف ثالث‪ :‬برز في العقود الخيرة يزعم أن منها ما هو‬


‫للتشريع فيؤخذ به‪ ،‬ومنها ما هو لغير التشريع فل يؤخذ به‪ ،‬وهذه‬
‫مقولة بالغة الخطر‪ ،‬وخطرها من نعومتها وشدة التلبيس فيها‪.‬‬
‫يقول الستاذ الدكتور موسى شاهين لشين ردا على هؤلء مبينا‬
‫أن السنة كلها تشريع‪ " :‬ولم يخالف في ذلك أحد من علماء‬
‫المسلمين طوال أربعة عشر قرنا‪ ،‬حتى كان النصف الثاني‬
‫للقرن الرابع عشر للهجرة‪ ،‬فكان أول من قسم السنة إلى‬
‫تشريع وغير تشريع فضيلة الشيخ محمود شلتوت في كتابه "‬
‫السلم عقيدة وشريعة "‪.‬‬
‫يذهب الشيخ شلتوت‪ :‬إلى أن ما ورد من أقواله صلى الله عليه‬
‫وسلم وأفعاله وتقريراته قد يأتي بعضه‪ :‬على ما سبيله سبيل‬
‫الحاجة البشرية كالكل والشرب والمشي والتزاور والمصالحة‬
‫بين شخصين‪ .‬وما سبيله التجارب والعادة الشخصية‪ ،‬أو‬
‫الجتماعية كالذي ورد في شئون الزراعة والطب وطول اللباس‬

‫‪1038‬‬
‫أو قصره‪ .‬وما سبيله التدبير النساني في ظروف خاصة كتوزيع‬
‫الجيوش على المواقع الحربية‪ .‬وكل هذه النواع ليس شرعا‬
‫يتعلق به طلب الفعل أو تركه‪ ،‬وإنما هو من الشئون البشرية‬
‫التي ليس مسلك الرسول فيها صلى الله عليه وسلم " تشريعا‬
‫ول مصدر تشريع "‪.‬‬
‫ويقول الشيخ موسى شاهين لشين‪ :‬وعن الشيخ شلتوت أخذ‬
‫كثير من المعاصرين فيما كتبوه عن السنة وتقسيمها إلى‬
‫تشريعية وغير تشريعية‪ .‬والذين ساروا في ركاب الشيخ شلتوت‬
‫هم حتى اليوم ل يتجاوزون أصابع اليد الواحدة‪.‬وهؤلء بحسن نية‬
‫في بعض الحيان يفتحون في الشريعة السلمية ثغرة يحسبونها‬
‫هينة وهي منفذ خطير لعداء الشريعة السلمية‪.‬‬

‫خصوصا وأن القضية بدأت أول ؛ بإخراج ما سبيله الحاجة البشرية‬


‫كالكل والشرب من التشريع‪ ،‬ثم انتهت إلى إخراج كل ما يتعلق‬
‫بالمعاملت التي لم ترد في القرآن الكريم‪ ،‬فيذهبون إلى أن‬
‫المعاملت في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست خاضعة‬
‫للتشريع‪ ،‬وإنما هي صادرة عن اجتهادات بشرية يجوز لمن يأتي‬
‫بعده أن يجتهد مثله‪ ،‬وأن يخالفه في أفعاله وتقريراته وأفعاله‬
‫وبخاصة ما جاء منها في المعاملت التي لم ترد في القرآن‬
‫الكريم ‪ -‬ولو أدى اجتهاده إلى غير ما قرره الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم باجتهاده ‪ -‬وفقا لعبارة الدكتور عبد المنعم النمر في‬
‫كتابه " السنة والتشريع ص ‪ " 46‬ويحصر السنة التشريعية في‬
‫دائرة ضيقة بقوله‪( :‬نسارع فنقرر أن كل ما صدر عن الرسول‬
‫من شئون الدين والعقيدة والعبادة والحلل والحرام والعقوبات‬
‫والخلق والداب ل شأن لنا به إل من ناحية فهمه)‪ ،‬ثم يقول‪:‬‬
‫(لكن هناك أحاديث كثيرة تتصل بمعاملت الناس في الحياة من‬
‫بيع وشراء ورهن وإجارة وقراض وسلم)‪ ،‬كل ذلك ل يراه من‬
‫التشريع وإن جاء في السنة‪ ،‬ثم يقرر أن المعاملت تخضع في‬
‫السلم أول وأخيرا لمبدأ المصلحة‪ .‬وعلى هذا النحو جاءت‬
‫كتابات العلمانيين من نحو نور فرحات‪ ،‬ومحمد خلف الله أحمد‪،‬‬
‫وحسين أحمد [‪]2‬‬
‫وهو لم يكتف بما اكتفى به الشيخ شلتوت من إخراج ما سبيله‬
‫الحاجة البشرية كالكل والشرب‪ ،‬وإنما أخرج المعاملت جميعا‪،‬‬
‫ولم يفرق في ذلك بين واجب ومندوب‪ ،‬أو مباح ومحرم‪ ،‬أو‬
‫مكروه‪ ،‬وحكم على ما يقرب من نصف السنة بأنه ليس من‬
‫التشريع‪.‬‬

‫‪1039‬‬
‫ومن الواضح ما يمثله هذا التوجه من خطر على الشريعة‬
‫السلمية‪ :‬ينسفها أول في المعاملت‪ ،‬ويبقيها في العبادات ليجهز‬
‫بعد ذلك على المعاملت والعبادات جميعا‪ .‬وهذه هي الغاية التي‬
‫تنتهي إليها العلمانية في أقصى حالتها‪ .‬وهؤلء يأتي الرد عليهم‬
‫بعد نبذة سريعة عن الصنف الرابع‪.‬‬
‫الصنف الرابع‪ :‬وهم المسلمون منذ عصر الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم إلى قريب من عهدنا الحاضر‪ ،‬فهؤلء يؤمنون بأن السنة‬
‫كلها تشريع‪ :‬إيمانا بما جاء عن ذلك في القرآن الكريم‪ { :‬وما‬
‫أرسلنا من رسول إل ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم‬
‫جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا‬
‫رحيما }‪ { ،‬وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا‬
‫واتقوا الله إن الله شديد العقاب }‪ { ،‬وما كان لمؤمن ول مؤمنة‬
‫إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن‬
‫يعص الله ورسوله فقد ضل ضلل مبينا }‪ { ،‬وما ينطق عن‬
‫الهوى‪ ،‬إن هو إل وحي يوحى }‪.‬‬
‫يقول الستاذ الدكتور عبد الغني عبد الخالق‪( :‬كل ما تلفظ به‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم – ما عدا القرآن – أو ظهر منه‬
‫من ابتداء رسالته إلى نهاية حياته فهو من سنته‪ ،‬سواء ما أثبت‬
‫حكما عاما لسائر أفراد المة‪ ،‬وهذا هو الصل‪ ،‬أو ما أثبت حكما‬
‫خاصا به أو ببعض أصحابه‪ ،‬وسواء أكان فعله جبليا أم كان غير‬
‫جبلي‪ ،‬من قول أو فعل يصدر عنه إل ويثبت حكما شرعيا‪ ،‬بقطع‬
‫النظر عن كونه إيجابا أو ندبا أو تحريما أو كراهة أو إباحة)‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية رحمه الله‪( :‬كل ما قاله الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم – بعد النبوة – أو أقرعليه أو فعله ولم ينسخ فهو تشريع‪.‬‬
‫والتشريع يتضمن اليجاب والتحريم والباحة‪ ،‬ويدخل في ذلك ما‬
‫دل عليه من المنافع في الطب‪ ،‬فإنه يتضمن إباحة الدواء‪،‬‬
‫والنتفاع به فهو شرع لباحته‪ ،‬وقد يكون شرعا لستحبابه‪،‬‬
‫والمقصود أن جميع أقواله يستفاد منه شرع)‪.‬‬
‫لقد ذهب جمهور الصوليين إلى أن فعل الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم يدل – على القل – على الذن به‪ ،‬مطلق الذن الذي‬
‫يشمل الوجوب والندب والباحة‪ ،‬ما لم يوجد دليل على تعيين‬
‫واحد منها‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬يفيد الوجوب ما لم توجد قرينة مانعة‬
‫منه‪ .‬وقال بعضهم يفيد الستحباب ما لم توجد قرينة مبينة‬
‫للوجوب‪ .‬ومن ذلك يتبين الجماع على كونه تشريعا‪.‬‬
‫إن أظهر ما يستدل به القائلون بأن بعض السنة ليس تشريعا هو‬
‫ما يذكرونه في باب الكل والشرب ؛ يقولون‪ :‬إن سنة الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم في الكل والشرب هي من باب الجبلة أو‬

‫‪1040‬‬
‫العادة والتجربة‪ .‬فهي ليست تشريعا‪ .‬وهو كلم منمق يتبين‬
‫بطلنه بعد الفحص والنظر‪ .‬فإذا ظهر بطلن دعواهم فيما جاء‬
‫عن الكل والشرب ظهر بطلن دعواهم في القضية كلها‪ .‬وتبين‬
‫رسوخ ما عليه جماعة المسلمين من كون السنة كلها تشريعا‪.‬‬
‫لقد حرم الله الميتة ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن‬
‫البحر (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) فمن الذي أحل السمك‬
‫الميت – وها نحن في قلب مسألة الكل والشرب –؟‬
‫أليس هذا تشريعا؟‬
‫كيف يكون ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الكل‬
‫والشرب صلى الله عليه وسلم في الكل والشرب ليس تشريعا‬
‫مع أن الله سبحانه وتعالى يقول عن الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) ‪ 157‬العراف‪،‬‬
‫أليس فعله صلى الله عليه وسلم أو قوله أو تقريره يعطي حكما‬
‫شرعيا أقله رفع الحرج عن فعله؟ أكله صلى الله عليه وسلم‬
‫للقثاء بالرطب أل يفيد هذا إباحة هذا الفعل؟ أو ل يفيد؟ أل يفيد‬
‫هذا جواز الجمع بين لونين من الطعام؟ أو ل يفيد؟ وإليكم طائفة‬
‫مما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الكل والشرب‪،‬‬
‫بعضها واجب وبعضها مندوب‪:‬‬
‫فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال‪( :‬كنت غلما في‬
‫حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬يا غلم سم الله وكل‬
‫بيمينك‪ ،‬وكل مما يليك) كيف ل يكون هذا تشريعا يدخل في أحد‬
‫الحكام الخمسة؟‬
‫وفي ذم الشره والتنفير من الجشع في الكل يقول صلى الله‬
‫عليه وسلم‪( :‬المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في‬
‫سبعة أمعاء) [أخرجه البخاري]‪ ،‬كيف ل يكون هذا تشريعا يدخل‬
‫في أحد الحكام الخمسة؟‬

‫ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن " الكرع " وهو‬
‫الشرب منكفئا على الناء وتناول الشراب بالفم كما تشرب‬
‫البهائم‪ ،‬فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال‪ :‬مررنا على بركة‬
‫فجعلنا نكرع فيها‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ل‬
‫تكرعوا ولكن اغسلوا أيديكم ثم اشربوا بها) [أخرجه ابن ماجة]‪،‬‬
‫أليس هذا تشريعا يدخل في أحد الحكام الخمسة؟‬
‫ونهى صلى الله عليه وسلم عن اختنات السقية – أي الشرب‬
‫من الناء الكبير – منعا من توارد الفواه على المكان الواحد في‬
‫الناء‪ ،‬فعن عائشة رضي الله عنها (نهى صلى الله عليه وسلم أن‬

‫‪1041‬‬
‫يشرب من في السقاء – أي فم السقاء – لن ذلك ينتنه) [أخرجه‬
‫الحاكم بسند قوي]‪ ،‬أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟‬
‫ونهى صلى الله عليه وسلم عن التنفس في الناء عند الشرب‬
‫فقال‪( :‬إذا شرب أحدكم فل يتنفس في الماء) [أخرجه البخاري]‪.‬‬
‫أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟‬
‫ونهى صلى الله عليه وسلم عن النفخ في الشراب عند الشرب‬
‫فقال رجل‪ :‬القذاة أراها في الناء؟ قال‪( :‬اهرقها)‪ .‬قال‪ :‬فإني ل‬
‫أروى من نفس واحد؟ قال‪( :‬فأين القدح إذن عن فيك) [أخرجه‬
‫الترمذي وقال‪ :‬حديث حسن صحيح]‪ .‬أليس هذا تشريعا بأحد‬
‫الحكام الخمسة؟‬
‫ونهى صلى الله عليه وسلم عن الشرب في آنية الذهب والفضة‪.‬‬
‫[أخرجه البخاري] أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟‬
‫وأمر صلى الله عليه وسلم بتغطية أواني الطعام والشراب‬
‫فقال‪( :‬أطفئوا المصابيح إذا رقدتم وغلقوا البواب‪ ،‬وأوكوا‬
‫السقية‪ ،‬وخمروا الطعمة والشراب) أي غطوها [أخرجه‬
‫البخاري]‪ ،‬أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟‬
‫ونهى صلى الله عليه وسلم عن الكل من وسط الناء فعن ابن‬
‫عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬‬
‫البركة تنزل وسط الطعام فكلوا من حافته‪ ،‬ول تأكلوا من وسطه‬
‫" [أخرجه الترمذي وقال‪ :‬حسن صحيح]‪ .‬أليس هذا تشريعا بأحد‬
‫الحكام الخمسة؟‬
‫ورغب صلى الله عليه وسلم في المواساة بالطعام والمشاركة‬
‫فيه والجتماع عليه فقال‪( :‬طعام الواحد يكفي الثنين‪ ،‬وطعام‬
‫الثنين يكفي الربعة‪ ،‬وطعام الربعة يكفي الثمانية) [أخرجه‬
‫مسلم]‪ ،‬أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟‬
‫وحفاظا منه صلى الله عليه وسلم على أحاسيس الخرين نجده‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬ما عاب طعاما قط‪ ،‬كان إذا اشتهى شيئا‬
‫أكله وإن كرهه تركه‪ ،‬أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟‬
‫وقد اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا – في‬
‫المسجد – ل يدخل عليهن بيوتهن – [أخرجه البخاري] أليس هذا‬
‫تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟‬
‫ولم يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة له ول‬
‫خادما قط [أخرجه أحمد]‪ ،‬أليس هذا تشريعا بأحد الحكام‬
‫الخمسة؟‬
‫وكان صلى الله عليه وسلم يتوضأ بحفنة من الماء وغيره يتوضأ‬
‫بعشر حفنات [أخرجه البخاري] أليس هذا تشريعا بأحد الحكام‬
‫الخمسة؟‬

‫‪1042‬‬
‫وكان صلى الله عليه وسلم يصلي في الليل إحدى عشرة ركعة‬
‫أو ثلث عشرة ركعة [أخرجه البخاري]‪ ،‬أليس هذا تشريعا بأحد‬
‫الحكام الخمسة؟‬
‫وكان صلى الله عليه وسلم يصوم في السفر وبعض أصحابه‬
‫يفطر‪ ،‬وكان يفطر وبعض أصحابه يصوم‪ ،‬كما أخرجه البخاري‪،‬‬
‫أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟‬
‫وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتلحي في العمة – أي‬
‫بتطويقها تحت الحنك – كما ذكره ابن قتيبة‪ ،‬أليس هذا تشريعا‬
‫بأحد الحكام الخمسة؟‬
‫وقد يحزن صلى الله عليه وسلم فيأتي في حزنه بما ل يعتبر‬
‫واجبا ولكنه يعتبر تشريعا بالباحة كالبكاء ودمع العينين‪.‬‬
‫وقد يضحك فيأتي في ضحكه بما يعتبر تشريعا بالتبسم صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬أليس هذا تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟‬
‫وقد يعبس صلى الله عليه وسلم أليس هذا تشريعا بأحد الحكام‬
‫الخمسة؟‬
‫وقد يغضب صلى الله عليه وسلم فيأتي في غضبه بما يعتبر‬
‫تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟‬
‫وقد ينسى صلى الله عليه وسلم فيأتي بعد نسيانه بما يعتبر‬
‫تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟‬
‫وإن ما يجري في الكل والشرب يجري مثله في الفعال الجبلية‬
‫أو العادية الخرى له صلى الله عليه وسلم كاللباس فلبسه صلى‬
‫الله عليه وسلم للزار‪ ،‬والرداء‪ ،‬والجبة الشامية‪ ،‬والقميص‪،‬‬
‫والبرنس‪ ،‬والسراويل والعمامة‪ ،‬وتقنع‪ ،‬وعصب رأسه بخرقة فوق‬
‫العمامة‪ ،‬ولبس على رأسه المغفر‪ ،‬والعمامة السوداء‪ ،‬والبردة‬
‫النجرانية‪ ،‬والحبرة‪ ،‬والبردة اليمانية والشملة إلخ‪ ...‬أفل يعتبر‬
‫ذلك تشريعا بأحد الحكام الخمسة؟‬
‫وكان الصحابة رضي الله عنهم يؤمنون بذلك ‪ -‬أي بأن أفعاله‬
‫تشريع ‪ :-‬لبس نعله صلى الله عليه وسلم في الصلة فلبسوا‬
‫نعالهم‪ ،‬فلما خلع نعله – لسبب ل يعلمونه – خلعوا نعالهم‪.‬‬
‫ولما رأوه صلى الله عليه وسلم يمتنع عن أكل الثوم امتنعوا حتى‬
‫أباح لهم‪.‬‬
‫ولما رأوه صلى الله عليه وسلم يمتنع عن أكل الضب – لسبب ل‬
‫يعلمونه أيضا – أوشكوا أن يمتنعوا حتى أباح لهم‪.‬‬
‫وكانوا في الفعال الجبلية يقضون حاجاتهم جماعات يرى بعضهم‬
‫بعضا ويكلم بعضهم بعضا‪ ،‬فعلمهم التواري والتستر وعدم الكلم‪،‬‬
‫وكان بعضهم يبول قائما فعلمهم الجلوس‪[ .‬أخرجه النسائي وابن‬
‫ماجة]‪.‬‬

‫‪1043‬‬
‫وإذا كان بعض الصحابة لم يصبغوا شيبتهم – مع أن الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم دعا إلى ذلك – مخالفة لليهود والنصارى –‬
‫فليس معنى هذا أن سنته صلى الله عليه وسلم في ذلك ليست‬
‫تشريعا بالمعنى العام‪ ،‬ولكن معناه أنه ليس تشريعا بالوجوب‪،‬‬
‫ويظل بعد ذلك داخل في التشريع بالندب أو التشريع بالباحة‬
‫أليس إذا اختلف أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في فعل‬
‫من الفعال أنه محظور أو مباح ثم نقل الناقل في موضوع‬
‫اختلفهم فعل للنبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أل يدل ذلك على‬
‫حسم الخلف؟‬
‫وكانوا ل يؤاكلون الحائض ول يأكلون مما عملت يداها ول‬
‫يخالطونها ول يلمسونها فكان هو صلى الله عليه وسلم يفعل‬
‫ذلك كله – كما أخرجه مسلم – تشريعا بالباحة؟‬
‫أليست الباحة من أقسام الحكم الشرعي‪:‬‬
‫طبقا لتعريف الحكم الشرعي كما عرفه الصوليون من أهل‬
‫السنة بأنه خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخييرا‬
‫أو وضعا فإن الباحة حكم شرعي‪ ،‬وهو على كل حال شيء‬
‫والحرية شيء آخر‪ ،‬ومن الخطأ الستدلل به على قيمة الحرية‬
‫في السلم كما وجدنا في مناقشة هذا الموضوع في حلقة‬
‫الشريعة والحياة بقناة الجزيرة [في ‪.]11102003‬‬
‫المباح ‪ -‬كما عرفه المدي ‪ :-‬ما دل الدليل السمعي على خطاب‬
‫الشارع بالتخيير فيه بين الفعل والترك‪ ،‬فهو إذن تشريع‪.‬‬
‫وهو ‪ -‬كما عرفه الجويني ‪ :-‬ما خير الشارع فيه بين الفعل‬
‫والترك من غير اقتضاء ول زجر ول حكم عقلي قبل ورود الشرع‪.‬‬
‫فالباحة حكم شرعي لم يخالف في ذلك إل بعض المعتزلة‪.‬‬
‫والمراد بالقتضاء الطلب سواء كان طلبا باليجاب‪ ،‬أو بالندب‪ ،‬أو‬
‫بالتحريم أو بالكراهة‪.‬‬
‫والمراد بالتخيير ما كان تخييرا بين فعل الشيء أو تركه دون‬
‫ترجيح لحد الجانبين على الخر‪ ،‬والذي يترتب على هذا هو‬
‫الباحة‪ ،‬فيصير المكلف مخيرا بين الفعل والترك ويسمى الفعل‬
‫مباحا‪.‬‬
‫وقد أطلق بعض الصوليين اسم الحكم التكليفي على الحكم‬
‫التخييري – كما هو على الحكم القتضائي – ويرجع ذلك فيما يرى‬
‫الستاذ الدكتور محمد سلم مدكور إلى عدة اعتبارات من بينها‪:‬‬
‫أن المكلف ملزم باعتقاد إباحته‪ ،‬ولنه يرد بأسلوب المر أحيانا‬
‫كما في نحو قوله تعالى { كلوا واشربوا }‪ { ،‬إذا حللتم‬
‫فاصطادوا }‪ ،‬وربما يرجع المر في هذا إلى ما ذهب إليه الستاذ‬
‫الدكتور موسى شاهين ل شين من أن بعض أحكام الباحة واجبة‬

‫‪1044‬‬
‫التناول في أصلها كالكل والشرب ل يجوز المتناع عنه بإطلق‪،‬‬
‫ويرى الكعبي من الصوليين أن المباح مطلوب‪ ،‬بل واجب‪ ،‬بناء‬
‫على أنه به يحصل ترك الحرام‪ ،‬وما يحصل به ترك الحرام فهو‬
‫واجب‪.‬‬
‫ومن المعتزلة من ينفي أن الباحة من الحكام الشرعية ‪ -‬كما‬
‫نقل عنهم الغزالي في المستصفى ‪ -‬إذ معنى المباح رفع الحرج‬
‫عن الفعل والترك وذلك ثابت بالعقل قبل السمع‪ ،‬وقد ناقشهم‬
‫الغزالي بما يثبت كون الباحة داخلة في أحكام الشرع باعتبار أو‬
‫آخر‪ .‬وموقفنا في هذا المقال يركن إلى عدم الدخول في هذا‬
‫الخلف‪ ،‬لن كلمنا في أن السنة كلها تشريع يتجه إلى ما جاء‬
‫بالسنة ل إلى ما لم يأت بها‪ ،‬وهذا الخير ما نترك التوسع فيه‬
‫للصوليين‪.‬‬
‫ومن هنا فإنه كما يرى الستاذ الدكتور موسى شاهين ل شين في‬
‫بحثه القيم في صميم هذا الموضوع [‪ :]3‬ل خلف لنا هنا مع‬
‫المعتزلة فيما جاء من الباحة على الصل المعقول قبل مجيء‬
‫الشرع‪ ،‬وكلمنا فيما جاء فيه نص أو سنة‪ ،‬فهو مما اجتمع عليه‬
‫الدليلن العقلي والنقلي معا‪.‬‬
‫إن الباحة تعني تكليفا وتشريعا ل بأحد المباحات دون غيره‪،‬‬
‫ولكنه تكليف بالتحرك في دائرته‪ ،‬يقول المام الشاطبي‪( :‬المباح‬
‫وإن كان ظاهره الدخول تحت اختيار المكلف لكنه إنما دخل‬
‫بإدخال الشارع له تحت اختياره)‪ ،‬أي إنه إنما كان مباحا بحكم‬
‫الشارع ل بحكم المكلف‪.‬‬
‫وأليس المباح عندما يتناوله المسلم كما تناوله الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم بنية القتداء به ومحبته أل يعتبر عندئذ داخل في‬
‫حكم التشريع بالندب والستحباب؟‬
‫وأليس المباح الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم فيما‬
‫يظن البعض كالكتحال وصبغ الشعر وتضفيره أفاد تشريعا‬
‫بالباحة لوله لجتهد مجتهدون بالتحريم أو الكراهة؟‬
‫وأليس تناول المباح موجبا للجر إذا تناوله المسلم باعتباره مما‬
‫أباحه الشارع‪ ،‬أو باعتباره مساعدا على البعد عن الحرام؟ إذن‬
‫فهو تشريع‪ ،‬وهذا مقتضى قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه‬
‫مسلم بسنده عن أبي ذر أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬يا رسول الله‬
‫ذهب أهل الدثور بالجور‪ .‬يصلون كما نصلي‪ .‬ويصومون كما‬
‫نصوم‪ .‬ويتصدقون بفضول أموالهم‪ .‬قال‪(( :‬أو ليس قد جعل الله‬
‫لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة‪ .‬وكل تكبيرة صدقة‪.‬‬
‫وكل تحميدة صدقة‪ .‬وكل تهليلة صدقة‪ .‬وأمر بالمعروف صدقة‪.‬‬

‫‪1045‬‬
‫ونهي عن منكر صدقة‪ .‬وفي بضع أحدكم صدقة)) قالوا‪ :‬يا رسول‬
‫الله‪ ،‬أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال‪(( :‬أرأيتم لو‬
‫وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في‬
‫الحلل كان له أجر))‪.‬‬
‫والمباح نفسه أل يعني التكليف بوجه من الوجوه ؛‬
‫فالكل والشرب واجب في أصله وجملته‪ ،‬يحرم المتناع عنه مدة‬
‫تعرض النفس للهلك‪ ،‬والختيار إنما هو في المأكول والبدائل‬
‫والملبسات فيه‪.‬‬
‫واللباس واجب في أصله يحرم التجرد منه نهائيا‪ ،‬والختيار إنما‬
‫هو في بدائل الملبوس وملبساته { يا بني آدم خذوا زينتكم عند‬
‫كل مسجد وكلوا واشربوا ول تسرفوا إنه ل يحب المسرفين‪ ،‬قل‬
‫من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي‬
‫للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل‬
‫اليات لقوم يعلمون }‪.‬‬
‫أما إذا كان المقصود بأن بعض أفعاله صلى الله عليه وسلم‬
‫ليست تشريعا يعني أنها غير ملزمة أي غير واجبة فهذا صحيح‬
‫بشروطه‪ ،‬ول خلف عليه إجمال‪ ،‬لكنه ل يعني أنه ل يفيد حكما‬
‫شرعيا على الطلق سواء بالوجوب أو بالندب أو بالكراهة إلخ‪،‬‬
‫فهذا باب خطير من أبواب اختراق الشريعة السلمية بالجتهاد‬
‫المغلوط‪.‬‬

‫وكما يقول أستاذنا الدكتور موسى شاهين لشين‪( :‬إن باب الشر‬
‫المغلق إذا كسر غلقه لم يؤمن انفتاحه على مصراعيه‪ ،‬ومعظم‬
‫النار من مستصغر الشرر‪ ،‬وسلب التشريع عن عشرة من أفعاله‬
‫صلى الله عليه وسلم يتيح الفرصة لخرين‪ :‬تسلبها عن عشرين‪،‬‬
‫ثم عن مائة‪ ،‬ثم عن المعاملت كلها‪ ،‬ثم عن الشريعة كلها) جزاه‬
‫الله خيرا‪.‬‬
‫________________________________________‬

‫[‪ ]1‬الميزان للشعراني ج ‪ 1‬ص ‪.49‬‬


‫[‪ ]2‬أنظر بحث الستاذ الدكتور موسى شاهين لشين السابق ص‬
‫‪.33‬‬
‫[‪ ]3‬بحث بعنوان " السنة كلها تشريع " بمجلة كلية الشريعة‬
‫بجامعة قطر العدد العاشر‪.‬‬
‫‪-------------------------‬‬
‫‪ -169‬ما موقف السلم من الديمقراطية وحقوق‬
‫النسان ؟‬

‫‪1046‬‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ يُعد السلم أول من نادى بحقوق النسان وشدد على ضرورة‬
‫حمايتها‪ .‬وكل دارس للشريعة السلمية يعلم أن لها مقاصد‬
‫تتمثل فى حماية حياة النسان ودينه وعقله وماله وأسرته‪.‬‬
‫والتاريخ السلمى سجل للخليفة الثانى عمر بن الخطاب‬
‫مواجهته الحاسمة لنتهاك حقوق النسان وقوله فى ذلك‪ " :‬متى‬
‫استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراًرا " ؟‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تنبنى حقوق النسان فى السلم على مبدأين أساسيين هما‪:‬‬
‫مبدأ المساواة بين كل بنى النسان ‪ ،‬ومبدأ الحرية لكل البشر‪.‬‬
‫ويؤسس السلم مبدأ المساواة على قاعدتين راسختين هما‪:‬‬
‫وحدة الصل البشرى ‪ ،‬وشمول الكرامة النسانية لكل البشر‪ .‬أما‬
‫وحدة الصل البشرى فإن السلم يعبر عنها بأن الله قد خلق‬
‫الناس جميعًا من نفس واحدة‪ .‬فالجميع إخوة فى أسرة إنسانية‬
‫كبيرة ل مجال فيها لمتيازات طبقية‪ .‬والختلفات بين البشر ل‬
‫تمس جوهر النسان الذى هو واحد لدى كل البشر‪ .‬ومن هنا‬
‫فهذه الختلفات ينبغى ـ كما يشير القرآن الكريم ـ أن تكون‬
‫دافعًا إلى التعارف والتآلف والتعاون بين الناس وليس منطلقًا‬
‫للنزاع والشقاق‪( :‬يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى‬
‫وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا * إن أكرمكم عند الله أتقاكم )‬
‫(‪.)1‬‬
‫أما القاعدة الخرى للمساواة فهى شمول الكرامة النسانية لكل‬
‫البشر‪ .‬وقد نص القرآن على ذلك فى قوله‪( :‬ولقد كرمنا بنى آدم‬
‫) (‪ .)2‬فالنسان بهذا التكريم جعله الله خليفة فى الرض ‪،‬‬
‫وأسجد له ملئكته ‪ ،‬وجعله سيدًا فى هذا الكون ‪ ،‬وسخر له ما‬
‫فى السموات وما فى الرض‪ .‬فالنسان بذلك له مكانته ومكانه‬
‫المفضل بين الخلق جميعًا‪ .‬وقد منح الله هذه الكرامة لكل الناس‬
‫جا من الحصانة والحماية لكل فرد من‬ ‫بل استثناء لتكون سيا ً‬
‫أفراد النسان ‪ ،‬ل فرق بين غنى وفقير وحاكم ومحكوم‪ .‬فالجميع‬
‫أمام الله وأمام القانون وفى الحقوق العامة سواء‪.‬‬
‫أما المبدأ الثانى الذى ترتكز عليه حقوق النسان فهو مبدأ‬
‫الحرية‪ .‬فقد جعل الله النسان كائنًا مكلفًا ومسئول ً عن عمارة‬
‫الرض وبناء الحضارة النسانية‪ .‬وليست هناك مسئولية دون‬
‫حرية ‪ ،‬حتى فى قضية اليمان والكفر التى جعلها الله مرتبطة‬
‫بمشيئة النسان (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) (‪.)3‬‬
‫وهكذا تشمل الحرية كل الحريات النسانية دينية كانت أم‬
‫سياسية أم فكرية أم مدنية‪.‬‬

‫‪1047‬‬
‫‪ 3‬ـ الحكم فى تعاليم السلم لبد أن يقوم على أساس من العدل‬
‫والشورى‪ .‬وقد أمر الله الناس فى القرآن بالعدل وألزمهم‬
‫بتطبيقه (إن الله يأمر بالعدل والحسان ) (‪( .)4‬وإذا حكمتم بين‬
‫الناس أن تحكموا بالعدل ) (‪ .)5‬واليات فى ذلك كثيرة‪ .‬أما‬
‫الشورى فهى مبدأ أساسى ملزم‪ .‬وكان النبى (يستشير أصحابه‬
‫ويأخذ برأى الغلبية وإن كان مخالفًا لرأيه‪ .‬وأظهر مثل على ذلك‬
‫خروج المسلمين إلى غزوة أُحد‪ .‬فقد كان الرسول يرى عدم‬
‫الخروج ‪ ،‬ولكن الكثرية كانت ترى الخروج‪ .‬فنزل على رأيهم‬
‫وخرج ‪ ،‬وكانت الهزيمة للمسلمين‪ .‬ومع ذلك شدد القرآن على‬
‫ضرورة الشورى فقال مخاطبًا النبى‪( :‬فاعف عنهم واستغفر لهم‬
‫وشاورهم فى المر ) (‪ .)6‬ول يلتفت فى هذا الصدد إلى رأى قلة‬
‫من الفقهاء الذين يزعمون أن الشورى غير ملزمة‪ .‬فهذا الزعم‬
‫مخالف للنصوص الدينية الصريحة‪.‬‬
‫وقد ترك السلم للمسلمين حرية اختيار الشكل الذى تكون عليه‬
‫الشورى طبقًا للمصلحة العامة‪ .‬فإذا كانت المصلحة تقتضى أن‬
‫تكون الشورى بالشكل المعروف الن فى الدول الحديثة‬
‫فالسلم ل يعترض على ذلك‪ .‬وكل ما فى المر هو التطبيق‬
‫السليم مع المرونة طبقًا لظروف كل عصر وما يستجد من‬
‫تطورات محلية أو دولية‪.‬‬
‫ومن ذلك يتضح مدى حرص السلم على حقوق النسان‬
‫وصيانتها ‪ ،‬وحرصه على التطبيق السليم لمبدأ الشورى أو‬
‫الديمقراطية بالمفهوم الحديث‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ السلم أتاح الفرصة لتعددية الراء ‪ ،‬وأباح الجتهاد حتى فى‬
‫القضايا الدينية طالما توافرت فى المجتهد شروط الجتهاد‪.‬‬
‫وجعل للمجتهد الذى يجتهد ويخطئ أجًرا وللذى يجتهد ويصيب‬
‫أجران‪ .‬والدارس لمذاهب الفقه السلمى المعروفة يجد بينها‬
‫خلفًا فى وجهات النظر فى العديد من القضايا‪ .‬ولم يقل أحد‪:‬‬
‫إن ذلك غير مسموح به‪ .‬ومن هنا نجد أن السلم يتيح الفرصة‬
‫أمام الرأى الخر ليعبر عن وجهة نظره دون حرج مادام الجميع‬
‫يهدفون إلى ما فيه خير المجتمع والحفاظ على أمنه واستقراره‪.‬‬
‫(‪ )1‬الحجرات‪.13 :‬‬
‫(‪ )2‬السراء‪.70 :‬‬
‫(‪ )3‬الكهف‪.29 :‬‬
‫(‪ )4‬النحل‪.90 :‬‬
‫(‪ )5‬النساء‪.58 :‬‬
‫(‪ )6‬آل عمران‪.159 :‬‬
‫‪-----------------‬‬

‫‪1048‬‬
‫حقوق النسان التي كفلها له السلم‬
‫ملفات متنوعة‬
‫أضيفت بتاريخ ‪ 2003 - 06 - 17 :‬نقل عن ‪ :‬خاص بإذاعة طريق‬
‫السلم نسخة للطباعة القراء ‪8529 :‬‬
‫إن شريعة السلم مبنية بناءً متينا ً حكيما ً لنها من العزيز الحكيم‬
‫الحميد فما من مصلحة في الدنيا والخرة إل وأرشدت إليه ودلت‬
‫عليه ‪ ،‬ولذا اعتنت الشريعة بحفظ الضرورات الخمس‪ :‬حفظ‬
‫الدين والنفس والعقل والنسل والمال ‪ ،‬فحياة البشر ل تستقيم‬
‫وأمورهم ل تنتظم إل بحفظ هذه الضرورات ‪ ،‬أليست هي من‬
‫حقوق النسان التي كفلها له السلم‪.‬‬

‫« فالمسلم أخو المسلم ل يظلمه ول يسلمه ول يخذله وكل‬


‫المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه » كما قال‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫وهذا موقف يبين قيمة النسان في السلم وأنه ليس بهيمة إنه‬
‫إنسان سميع بصير جعل الله له حقا ً ورأيا ً وكلمة‪:‬‬

‫( أتت ثياب من اليمن فوزعها أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه‬
‫على الناس لكل مسلم ثوب وبقي ثوب لمير المؤمنين فلبسه‬
‫فوصل الثوب إلى ركبتيه فقال لبنه عبد الله‪ :‬أعطني ثوبك الذي‬
‫هو حصتك فأعطاه إياه فوصل عمر ثوبه بثوب ابنه عبد الله‬
‫ولبسهما وصعد يخطب في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال‪:‬‬
‫أيها الناس اسمعوا لما سوف أحدثكم عنه‪...‬فيصرخ سلمان‬
‫الفارسي‪ :‬والله ل نسمع ول نعي – رجل يقاطع الخليفة أمير‬
‫المؤمنين رجل فارسي ليس بقرشي ول هاشمي ول عربي ول‬
‫هو من قرابة الخليفة–‬
‫فيقول عمر‪ :‬ولم؟‬
‫فيرد سلمان‪ :‬لنك تلبس ثوبين وتلبسنا ثوبا ً واحدا ً ‪ ،‬أين العدالة؟‬
‫فقال عمر‪ :‬يا عبد الله‪ :‬قم فأجب‪.‬‬
‫فقام عبد الله والناس سكوت فقال‪ :‬إن أبي رجل طويل ليكفيه‬
‫ثوب فأعطيته ثوبي ‪ ،‬فوصله بثوبه ولبسهما‪.‬‬
‫فهنا قال سلمان‪ :‬يا أمير المؤمنين الن قل نسمع وأمر تــطع )‪.‬‬

‫نعم إنها حقوق النسان إن من حقك أن تعيش محترما ً في‬


‫كلمتك وفي رأيك وفي بيتك وفي مالك ل تعيش خوفا ً ول بطشاً‬
‫ول إرهابا ً ول تخويفا ً وهذا ما كفله السلم لجميع المسلمين على‬

‫‪1049‬‬
‫حد سواء ل فرق بين أبيض وأسود ول غني وفقير ول كبير وصغير‬
‫‪ ،‬الكل سواء في ميزان السلم‪.‬‬

‫فالله تعالى ل يضيع حق كل ذي حق وقد بعث رسله فبينوا‬


‫الحقوق والواجبات وهاهو نبينا صلى الله عليه وسلـم يقف في‬
‫حجة الوداع ليذكر الناس بحقوقهم وواجباتهم فيقول‪ « :‬أيها‬
‫ن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم » ‪،‬‬ ‫الناس إ ّ‬
‫وهي وصية سيكررها صلى الله عليه وسلم في آخر خطبته تأكيداً‬
‫لها وإبرازا ً لخطورة العتداء على الموال والدماء فيوم عرفة هو‬
‫يوم العلن عن حقوق النسان فيه أعلن أبو القاسم صلى الله‬
‫صل حقوق‬ ‫عليه وسلم حق النسان في الحياة وفي الملكية وف َّ‬
‫النساء وأنها إنسانة لها شأنها في المجتمع فهي تمثل نصف المة‬
‫وتلد النصف الخر إذا ً هي أمة كاملة كفل لها السلم حقوقها‬
‫فلها حق العشرة الحسنة وحق التعليم وحق اختيار الزوج ‪....‬‬
‫وغيرها من الحقوق‪.‬‬
‫إن السلم كفل للنسان كل حقوقه فانظر لحرمة الكعبة فإن لها‬
‫حرمة عظيمة ولكن حرمة المؤمن عند الله أشد حرمة من‬
‫الكعبة‪.‬‬
‫===============‬
‫حقوق النسان في السلم من التأصل إلى التقنين‬
‫مد دكير[‪]1‬‬
‫الستاذ مح ّ‬
‫انتشار الوعي الحقوقي في العالم‬
‫تعد قضية حقوق النسان من أهم القضايا التي احتلت الصدارة‬
‫والهتمام العالمي والمحلي‪ .‬وذلك مباشرة بعد انتهاء الحرب‬
‫العالمية الثانية‪ ،‬حيث ظهرت الحاجة للسلم العالمي‪ ،‬وضرورة‬
‫خلق توازن دولي‪ ،‬إضافة إلى سعي عدد من الشعوب لتحقيق‬
‫استقللها‪ ،‬وشروعها في بناء الدولة الوطنية‪ ،‬هذه الدولة التي‬
‫واجهتها عدة مشاكل وعقبات مهمة‪ ،‬كان على رأسها الختيارات‬
‫السياسية والقتصادية واليديولوجية التي تبين أن لها علقة‬
‫مباشرة بموضوع حقوق النسان‪.‬‬
‫هذه الختيارات كان لها وقع مزدوج داخل العالم السلمي‪ ،‬فهي‬
‫إلى جانب إسهامها في إحداث تغييرات جذرية في جميع البنى‬
‫السياسية والقتصادية والجتماعية والفكرية التقليدية‪ ،‬أحدثت‬
‫تطورا ً ملموسا ً في مجال الحقوق النسانية‪ ،‬إل ّ أنها‪ ،‬في المقابل‪،‬‬
‫فجرت مجموعة من الشكاليات التي عولجت‪ ،‬وتمت مناقشتها‬
‫بشكل واسع تحت عناوين مختلفة مثل‪ :‬الصالة والمعاصرة‪،‬‬
‫الخصوصية والعالمية‪ ،‬الهوية والغزو الثقافي‪ ،‬وغيرها من العناوين‬

‫‪1050‬‬
‫التي تدل على فداحة التحديات التي تعرض لها العالم السلمي‪،‬‬
‫بعدما فقد السيطرة على حدوده السياسية والثقافية بالخصوص‪.‬‬
‫لقد وضع السلم في قفص التهام‪ ،‬مباشرة بعد الهزائم‬
‫الحضارية التي توالت على العالم السلمي‪ ،‬واعتبر المسؤول‬
‫الول عن تخلف المسلمين‪ .‬وطالبت فئات داخل العالم‬
‫السلمي‪ ،‬منبهرة بالحضارة الغربية‪ ،‬بإبعاد السلم عن جميع‬
‫مناحي الحياة‪ ،‬لنه يشكل‪ ،‬من منظورها‪ ،‬عائقا ً أمام التطور‬
‫المطلوب‪ .‬وقد وجدت هذه المطالبات من يدعمها على المستوى‬
‫الفكري واليديولوجي؛ إذ نجد أن مجموعة كبيرة من الكتابات‬
‫التي أنجزت داخل مراكز البحث في الجامعات الغربية وخارجها‪،‬‬
‫انصبت في إثارة الشبهات وتفجير القضايا الفكرية الحساسة‪،‬‬
‫للتدليل على أن السلم يعد من أهم السباب في تخلف المة‬
‫السلمية‪ .‬وأن عددا ً من تشريعاته ونظمه القانونية التقليدية‬
‫المتوارثة‪ ،‬تسهم بشكل واضح في تكريس هذا التخلف عن ركب‬
‫الحضارة‪.‬‬
‫كانت ردود الفعل مختلفة ومتعددة‪ ،‬بعد تحقيق التحرر السياسي‬
‫وانطلق عملية تجديد شاملة لجميع البنى‪ ،‬مواكبة في أحد‬
‫جوانبها المهمة‪ ،‬عملية الدفاع عن السلم ونظمه التشريعية في‬
‫مجالت القتصاد والسياسية والجتماع‪ ،‬وتبرئته من الخلل الذي‬
‫أصاب العقل المسلم الذي توقف عن الفعل الحضاري‪.‬‬
‫ومع التطور الذي عرفه مجال حقوق النسان‪ ،‬على المستوى‬
‫العالمي‪ ،‬خلل العقود الخمسة الماضية‪ ،‬أضيف إلى التحديات‬
‫السابقة تحد جديد‪ ،‬جعل الفكر السلمي الذي انشغل طويلً‬
‫بالدفاع عن النظم السلمية‪ ،‬يتوجه بسرعة نحو السهام بمعالجة‬
‫قضايا حقوق النسان‪ ،‬لبراز إسهام السلم في هذا المجال‬
‫كذلك‪ .‬وصول ً إلى تأكيد تفوق التشريع الحقوقي السلمي‪،‬‬
‫وموافقة هذا التشريع ورؤاه الفكرية لحقوق النسان الشاملة‪.‬‬
‫لذلك فقد عرفت السنوات العشرون الخيرة حركة نشطة في‬
‫مجال التأليف السلمي في محاولة لتأصيل الحقوق النسانية‪.‬‬
‫والكشف عن إسهام السلم في هذا المجال الذي حظي باهتمام‬
‫كبير في الونة الخيرة‪.‬‬
‫وجاءت سرعة الستجابة‪ ،‬من طرف الفكر السلمي‪ ،‬رد فعل‬
‫مباشرا ً للتحدي الذي طرحته المواثيق والعلنات العالمية‪ ،‬من‬
‫جهة‪ ،‬وتصاعد وتيرة الهتمام بحقوق النسان في العالم من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫أهم التطورات العالمية في مجال حقوق النسان‬

‫‪1051‬‬
‫الهتمام بمجال حقوق النسان ليس وليد الونة التي تلت الحرب‬
‫العالمية الثانية‪ ،‬كما ل يمكن أن نرجعه إلى " حقبة زمنية معينة‬
‫أو مترتبة عن أيديولوجية واحدة‪ ،‬ومحددة‪ ،‬وإنما هي (الحقوق)‬
‫نتاج تراكمات تاريخية متتالية ومتعاقبة[‪ ،]2‬و " ما خلفته العقائد‬
‫جل النسان وتعلي من قيمته وتنبذ العسف‬ ‫الدينية من مبادئ تُب َّ‬
‫والظلم "[‪.]3‬‬
‫إل ّ أن الهتمام الغربي المعاصر‪ ،‬بهذا المجال‪ ،‬على مستوى‬
‫التنظير والممارسة‪ ،‬وصول ً إلى تقنينه في مواثيق وإعلنات‬
‫عالمية‪ ،‬جعل هذا الهتمام يأخذ بعدا ً عالميا ً لم يسبق له مثيل من‬
‫قبل‪ ،‬وكان من نتائجه المهمة‪ ،‬العلن العالمي لحقوق النسان‬
‫الذي صدر عن منظمة المم المتحدة سنة ‪1948‬م‪.‬‬
‫إن التطور الذي عرفه مجال الحقوق النسانية‪ ،‬على المستوى‬
‫النظري بالخصوص‪ ،‬يرجع بالساس إلى التطور السياسي الذي‬
‫عرفته أوروبا‪ ،‬ومحاولة عدد من المفكرين والفلسفة‪ ،‬الوقوف‬
‫في وجه الستبداد السياسي للدولة والكنيسة‪ ،‬من دون إغفال‬
‫الموروث اليوناني والروماني الذي شكل الخلفية الفكرية لهؤلء‬
‫المفكرين‪ ،‬وهم يضعون المباحث السياسية ويطورونها‪ .‬لقد‬
‫شهدت أوروبا آنذاك صراعات دامية وطويلة من أجل‪ " :‬إسقاط‬
‫بعض المفاهيم السياسية التي تؤسس للستبداد السياسي‬
‫والديني‪ ،‬وتنكر على النسان الفرد كيانه وحقوقه "[‪ .]4‬كفكرة‬
‫الحق اللهي التي كانت الكنيسة تروج لها‪ ،‬أو فكرة العناية اللهية‬
‫التي قامت عليها الشرعية السياسية للملوك والباطرة‪.‬‬
‫من هنا بدأ الفكر الوروبي‪ ،‬بعد صراع سياسي واجتماعي طويل‬
‫ومضن‪ ،‬يصل إلى بعض النتائج‪ ،‬وكان من أهمها فصل الدين عن‬
‫السياسة‪ ،‬ومحاولة وجود بدائل وأفكار تؤسس لعلقة جديدة بين‬
‫الدولة والمجتمع‪ ،‬على أساس ديني أو غيبي‪ ،‬ولكن على أسس‬
‫واضحة وموضوعية‪ ،‬وذلك ليس لتحجيم الستبداد السياسي‬
‫فحسب‪ ،‬ولكن لتحرير النسان من قوة الدولة وسيطرتها‬
‫المجحفة والمنتهكة لحقوقه الذاتية والواقعية‪ .‬ويمكن الحديث هنا‬
‫عن ثلث نظريات طورت المجال السياسي الغربي ودفعت به‬
‫إلى المام‪ ،‬ما كان له التأثير الكبير‪ ،‬ليس على مجال حقوق‬
‫النسان بشكل عام فحسب‪ .‬ولكن على الواقع السياسي الغربي‬
‫المعاصر الذي شكلت هذه النظريات خلفيته الفلسفية والفكرية‪.‬‬
‫النظرية الولى‪ :‬فكرة القانون الطبيعي التي عرفها اليونان‪،‬‬
‫وكانت تعني عندهم " وجود قانون ثابت ل يتغير مستمد من‬
‫الطبيعة‪ ،‬ويتمثل بكشف العقل عن روح المساواة والعدل الكامنة‬
‫في النفس "[‪ .]5‬ثم انتقلت الفكرة إلى الرومان‪ ،‬لكنها ستعرف‬

‫‪1052‬‬
‫تطورا ً على مستوى المضمون؛ وذلك عبر إضفاء طابع اللئكية‬
‫عليها‪ ،‬مع فقهاء القرن السابع عشر الميلدي‪.‬‬
‫النظرية الثانية‪ :‬العقد الجتماعي‪ ،‬وهي كما صاغها لوك (ت‬
‫‪1704‬م) وروسو (ت ‪1770‬م)‪ ،‬تقوم على مناهضة الحكم المطلق‪،‬‬
‫في محاولة لترسيخ أسس الحكم الديمقراطي‪ ،‬وذلك باعتبارهما‬
‫العقد الجتماعي عقدا ً تبادلياً‪ ،‬يرتب حقوقا ً وواجبات إزاء‬
‫المحكومين والحاكمين[‪ .]6‬وقد أسهمت هذه النظرية في تطور‬
‫المذهب الفردي‪ ،‬بإقرار وجود حريات وحقوق طبيعية سابقة على‬
‫المجتمع المنظم‪ ،‬يجب على السلطة عدم العتداء عليها‪ .‬كما‬
‫أسهمت في وضع الضمانات الدستورية والسياسية خلل القرنين‬
‫الثامن عشر والتاسع عشر‪ .‬وعموما ً فقد جاءت الثورة الفرنسية‬
‫معتمدة على مبادئ المذهب الفردي الحر‪ .‬فأصدرت وثيقة إعلن‬
‫حقوق النسان والمواطن سنة ‪1789‬م‪ ،‬متضمنة النص على الحرية‬
‫والمساواة والملكية وحق المن وحق مقاومة الظلم[‪.]7‬‬
‫النظرية الثالثة‪ :‬جاء منتسكيو‪ ،‬صاحب كتاب " روح القوانين "‪،‬‬
‫ليعلن أن تحقيق العدل‪ ،‬داخل أي نظام سياسي‪ ،‬رهين بفصل‬
‫السلطات الثلث‪ :‬التشريعية والتنفيذية والقضائية‪.‬‬
‫ومع هذه التجارب‪ ،‬وما واكبها من بحوث ودراسات فكرية‪،‬‬
‫اهتمت بميدان الحريات العامة وحقوق النسان‪ ،‬تبلورت الرؤية‬
‫الخاصة لدى الغرب (الرأسمالي) في مجال حقوق النسان‪.‬‬
‫استفاد المذهب الليبرالي (الرأسمالي) من النتقادات التي وجهها‬
‫له المذهب الشتراكي الذي بدأ يتبلور تنظيرا ً وممارسة‪ ،‬ما دفع‬
‫به نحو التطور والتوسع ليشمل ميادين جديدة‪ ،‬ظهرت أهميتها مع‬
‫التطور الصناعي‪ ،‬كالحقوق القتصادية والجتماعية المتعددة‬
‫للطبقات العاملة‪ ،‬ما أضاف أبعادا ً جديدة لمفاهيم حقوق‬
‫النسان‪ ،‬وأعاد النظر في بعض الحقوق من حيث الولوية‬
‫والهمية‪ .‬وأدخل حقوقا ً جديدة لم تكن معتبرة من قبل وبالتالي‬
‫فالتطور الفكري والسياسي الذي عرفته أوروبا‪ ،‬بشطريها‬
‫الرأسمالي والشتراكي‪ ،‬إضافة إلى التجربة السياسية المريكية‪،‬‬
‫قد نجم عنه تراكم هائل على مستوى التجربة والتنظير في مجال‬
‫حقوق النسان‪ .‬دفع به ـ أي هذا التراكم ـ ليفرض نفسه على‬
‫المستوى العالمي‪ ،‬لتصبح المطالبة بحقوق النسان والدعوة إلى‬
‫احترامها دعوة عالمية‪ ،‬تتبناها المؤسسات الدولية والوطنية‬
‫وتسعى لحترامها وفرضها[‪.]8‬‬
‫م هذا التراكم‪ ،‬نجد أن مجال حقوق النسان قد عرف تطوراً‬ ‫أما َ‬
‫ل مثيل له من قبل‪ ،‬وأن الوعي أصبح ذا بعد عالمي‪ ،‬يؤثر في‬
‫جميع المشاريع والتشريعات والختيارات السياسية والقتصادية‬

‫‪1053‬‬
‫والجتماعية‪ ،‬التي تقوم بها الدول في العالم ككل‪ .‬وهذا مما وسع‬
‫مجال التحدي أمام الفكر السلمي‪ ،‬الذي وجد نفسه مضطراً‬
‫للدخول في معالجات وسجالت متعددة المناحي والوجه‪،‬‬
‫سنطلع على بعض ملمحها بعد قليل‪.‬‬
‫أما في العالم السلمي‪ ،‬وعلوة على أصالة الحقوق النسانية‬
‫في السلم‪ ،‬فهذه الحقوق محل إجماع عدد ل بأس به من‬
‫المفكرين المسلمين والعرب‪ ،‬كما أن الدعوة للهتمام بالحقوق‬
‫النسانية كانت قد واكبت عمليات التحرر السياسي‪ ،‬حيث كان‬
‫شعار الدفاع عن الحقوق النسانية‪ ،‬من أهم الشعارات التي‬
‫رفعتها الحركات التحررية في وجه الستعمار‪ .‬وبعيد الستقلل‪،‬‬
‫عرفت هذه المطالب نوعا ً من التوسع‪ ،‬وفجرت مشاكل وقضايا‬
‫جديدة‪ .‬يقول المحامي حسين ضناوى‪ " :‬أصبحت قضية حقوق‬
‫النسان داخلية وطنية تهدف لضمان عدم استبداد الحكام‪ ،‬وقيام‬
‫أنظمة ديمقراطية ذات شرعية حقيقية "[‪ ]9‬إل ّ أن الهتمام‬
‫بحقوق النسان في العالم السلمي‪ ،‬سواء على المستوى‬
‫التنظيري أم على مستوى الممارسة‪ ،‬لم تتضح معالمه إل ّ خلل‬
‫العقدين الخيرين‪ ،‬وذلك مع انتشار موجه التأليف والتأصيل‬
‫وتوسعها في هذا الميدان من جهة‪ ،‬وظهور منظمات وهيئات‬
‫محلية تختص بالدفاع عن حقوق النسان من جهة أخرى‪ .‬إضافة‬
‫إلى تطور التشريعات القانونية المعمول بها‪ .‬وحجم الضغوط‬
‫الدولية التي كان من آثارها مصادقة عدد كبير من الدول‬
‫السلمية على بعض المواثيق الحقوقية الدولية‪ ،‬وإدخال بنودها‬
‫ضمن التشريعات والقوانين المحلية المعتبرة عند التطبيق[‪.]10‬‬
‫لكن ما يلحظ‪ ،‬وخصوصا ً بالنسبة للعالم العربي‪ ،‬أن الهتمام بهذا‬
‫الميدان‪ ،‬وما أنتج‪ ،‬من مواثيق محلية‪ ،‬ومنظمات حقوقية[‪ ،]11‬جاء‬
‫من طرف بعض الشخصيات العلمية والكاديمية‪ ،‬من حقوقيين‬
‫ومفكرين‪ .‬ولم يكن للدولة أو الجهزة الرسمية أي نشاط فعال‬
‫في هذا المجال‪ ،‬باستثناء الهتمام المتواضع الذي أبدته جامعة‬
‫الدول العربية‪ ،‬والذي أثمر إنشاء اللجنة الدائمة لحقوق النسان‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬ومهما قيل عن تردي الوضع الحقوقي في العالمين العربي‬
‫والسلمي‪ ،‬فإن تطورا ً إيجابيا ً يمكن تلمسه في صدور عدة‬
‫بيانات حقوقية عربية وإسلمية‪ ،‬ومطالبة أصحابها بإدخالها ضمن‬
‫التشريعات المحلية والنظم القانونية المعتبرة‪ ،‬وانتشار عدد كبير‬
‫من المنظمات الحقوقية داخل العالم السلمي‪ ،‬وقد أخذت على‬
‫عاتقها تطوير مجال الحقوق النسانية‪ ،‬بنشر الوعي الحقوقي‪،‬‬
‫إلى جانب الكشف والتنديد بالخروقات التي تقع من طرف‬

‫‪1054‬‬
‫السلطات الحاكمة‪ ،‬أو غيرها من الجهات التي تملك وسائل القوة‬
‫والقهر‪.‬‬
‫هذه التطورات‪ ،‬على المستويين العالمي والمحلي التي عرضنا‬
‫لها باقتضاب‪ ،‬شكلت الخلفية الموضوعية‪ ،‬لنطلق عملية‬
‫التأصيل السلمي للحقوق النسانية‪ ،‬وتأثرت بإشكالته التي‬
‫يفجرها بين الحين والخر‪.‬‬
‫ملحظة ل يفوتنا ذكرها هنا‪ ،‬وتتعلق بالصحوة السلمية الشاملة‬
‫التي اجتاحت العالم السلمي‪ ،‬منذ بداية هذا القرن‪ ،‬وصول ً إلى‬
‫تشكل ملمحها الساسية خلل العقدين الخيرين‪ .‬لنها أسهمت‬
‫إسهاما ً فعليا ً في تدعيم عملية التأصيل الحقوقي‪ ،‬وسرعت‬
‫بتكاملها‪ ،‬لن هذه الصحوة كانت قد عالجت عددا ً من المواضيع‬
‫في إطار دفاعها عن السلم والتبشير به‪ ،‬وتأكيد أفضليته من‬
‫دون أن يكون العنوان الذي عولجت تحته هذه المواضيع حقوقيا‪ً.‬‬
‫لكن توجه الفكر السلمي نحو التأصيل في مجال الحقوق‪،‬‬
‫بخاصة‪ ،‬جعله يستفيد مما أنجز في مجالت فكرية إسلمية‬
‫مختلفة‪.‬‬
‫إن قضية حقوق النسان مركبة ومتعددة البعاد والمداخلت‪،‬‬
‫باختلف جوانبها السياسية والقتصادية والجتماعية والثقافية‬
‫والقانونية والدينية‪ .‬ومن ثم يمكن أن تدخل ضمن دائرة اهتمام‬
‫العديد من فروع المعرفة وتخصصاتها[‪.]12‬‬
‫لذلك فقد وجد الفكر السلمي نفسه‪ ،‬وهو يقوم بالتأصيل‪،‬‬
‫يعرض للمذهب السلمي المتكامل في جميع مناحي الفعل‬
‫النساني‪ .‬لهذا كانت الصحوة السلمية التي سبقت هذا الهتمام‬
‫المتميز بهذا الحقل‪ ،‬رافدا ً مهما ً ساعد‪ ،‬كما قلنا‪ ،‬في عملية‬
‫التكامل السريع والشامل‪ ،‬وأنضج مبكرا ً عملية التنظير في هذا‬
‫المجال‪ .‬وصول ً إلى تقنين هذه الحقوق في مواثيق وإعلنات‬
‫إسلمية‪ ،‬صدرت تباعا ً خلل السنوات العشرين الماضية‪ .‬وعليه ل‬
‫بد من اعتبار الصحوة السلمية واقعا ً موضوعيا ً داخلياً‪ ،‬أسهم إلى‬
‫جانب التطور العالمي في بلورة المنظومة الحقوقية السلمية‪،‬‬
‫التي سنعرض لهم ملمحها بعد قليل‪.‬‬
‫التأصيل السلمي لحقوق النسان‪ :‬الملمح والمميزات‬
‫قلنا‪ ،‬سابقاً‪ ،‬إن قضية حقوق النسان قضية مركبة ومتعددة‬
‫البعاد‪ ،‬لذلك فقد وجد الفكر السلمي نفسه‪ ،‬وهو يقوم بعملية‬
‫التأصيل لحقوق النسان‪ ،‬يعرض النظم السلمية في جميع‬
‫المجالت‪ .‬وهذه العملية فتحت عينيه على قضايا متعددة‪،‬‬
‫وجعلته يتعرض لتحديات ذاتية جديدة‪ .‬لنه اصطدم‪ ،‬أثناء معالجة‬
‫بعض القضايا الخاصة‪ ،‬بتجربة تاريخية طويلة‪ ،‬تعرض فيها تطبيق‬

‫‪1055‬‬
‫السلم‪ ،‬لمجموعة من الخفاقات‪ ،‬إلى جانب بعض النجاحات‬
‫بطبيعة الحال‪.‬‬
‫وقد شكلت هذه التجربة وموروثها الفكري‪ ،‬زخما ً ساعد من جهة‬
‫المفكر السلمي على الحاطة بأبعاد التشريع السلمي عند‬
‫التطبيق أو التنظير‪ .‬لكنه وقف‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬عائقا ً أمام‬
‫الفصل في عدد من القضايا‪ ،‬التي تبين أن التجربة التاريخية فيها‬
‫كانت بعيدة جدا ً عن مقاصد السلم وشريعته‪ ،‬بالرغم من ترسانة‬
‫التبريرات التي أوجدها العقل الجتهادي الذي عايش هذه‬
‫التجربة‪ .‬لذلك يمكننا أن نؤكد على أن عملية التأصيل كانت تسير‬
‫إلى جانب إعادة النظر في عدد من الوقائع التأريخية‪ ،‬بالتحليل‬
‫والدفاع عن اجتهاد معين تارة‪ ،‬باعتباره يمثل وجهة نظر السلم‬
‫الحقيقية التي طبقها المسلمون‪ ،‬أو بالنقد والرفض تارة أخرى‪.‬‬
‫وفي مرات عدة ساد الختلف وبقيت مجموعة من المواضيع‬
‫معلقة تنتظر الحسم‪.‬‬
‫لكن ظهرت بعض الكتابات التي انتهجت الموضوعية العلمية‪،‬‬
‫لتؤكد على أن النتقادات التي وجهت للسلم‪ ،‬كان يجب في‬
‫حقيقة المر أن توجه للتطبيقات الخاطئة التي وقعت‪ ،‬وإلى‬
‫بعض الجتهادات التي تأثرت بالظروف التاريخية الموضوعية‪.‬‬
‫لذلك ل بد من التفريق هنا بين مبادىء النظام السلمي التي ل‬
‫يشك أحد في أن مقاصدها تهدف إلى تحقيق واقع أفضل‬
‫للنسان في بعديه المادي والروحي‪ ،‬وبين وقائع التاريخ‬
‫المحسوبة على السلم‪.‬‬
‫هذه الحقيقة التي أفصح عنها الفكر الحقوقي السلمي كانت‬
‫مهمة جداً‪ ،‬لنها ساعدت على تعميق المراجعة الشاملة التي‬
‫يقوم بها الفكر السلمي‪ ،‬وهو يجدد نفسه‪ ،‬لمواكبة التطورات‬
‫الحضارية‪ ،‬وينفض عنه غبار التقليد وتجارب الماضي السلبية‪.‬‬
‫نجد‪ ،‬مثلً‪ ،‬أن البحث في الحقوق السياسية في السلم‪ ،‬يدفع‬
‫بهذا الفكر إلى محاولة الكشف عن النظام السياسي في السلم‬
‫بعيدا ً عن التجربة التاريخية‪ ،‬ومناقشة إشكالته‪ ،‬كالحديث عن‬
‫الشورى ومقارنتها بالديمقراطية الغربية‪ ،‬والتأكيد على ان نظام‬
‫الشورى السلمي يضمن حقوق المشاركة السياسية للنسان‬
‫المسلم‪ .‬إضافة إلى الحديث عن حجم الحريات السياسية‬
‫وطبيعة علقة الحاكم بالمحكومين‪ ،‬وحقوق المعارضة وإنشاء‬
‫الحزاب‪ .‬وكما قلنا‪ ،‬سابقاً‪ ،‬أدت معالجة هذه القضايا إلى إعادة‬
‫النظر في عدد من الجتهادات والتطبيقات التاريخية‪ ،‬انتهت إلى‬
‫رفض الستبداد السياسي‪ ،‬وتفنيد مسوغاته الفكرية‪ ،‬وقطع صلته‬

‫‪1056‬‬
‫بمبادىء دينية تلبست بلباس القداسة‪ ،‬واتخذها أعداء السلم‬
‫مطية للطعن فيه وفي تشريعاته‪.‬‬
‫الحقوق القتصادية كان لها نصيب مهم في عملية التأصيل‪ ،‬لنها‬
‫ستكشف بدورها عن نظام السلم القتصادي‪ ،‬عند البحث في‬
‫الحقوق القتصادية التي يقدمها السلم للنسان فردا ً وجماعة‪،‬‬
‫وتشريعاته القتصادية التي تكفل الرخاء والرفاه للمجتمع‬
‫المسلم‪ .‬لكن التأصيل‪ ،‬في مجال الحقوق القتصادية‪ ،‬عانى من‬
‫تحديات جمة لن المذهب القتصادي في السلم غير متكامل‬
‫من حيث التنظير والتفصيل‪ ،‬وملمحة تعاني من الغموض‪ .‬مع قلة‬
‫البحوث القتصادية المنجزة في الماضي‪ ،‬وتطور المجال‬
‫القتصادي المعاصر وتعقيده وتفرعاته الكثيرة‪ ،‬التي جعلت‬
‫المفكر السلمي يشعر بنوع من التخبط‪ ،‬لنه لم يجد بين يديه‬
‫سوى الصول العامة‪ ،‬وبعض الحكام الجزئية في قضايا اقتصادية‬
‫متفرقة‪ .‬لذلك كان عليه أن يفتح باب الجتهاد على مصراعيه‬
‫لعلج نواقص هذا الموضوع بالذات‪ .‬خصوصا ً إذا علمنا أن‬
‫المذاهب القتصادية التي تم استيرادها من الغرب‪ ،‬وطبقت في‬
‫العالم السلمي‪ ،‬كان لها وقع سيء على الهوية الدينية‪ ،‬لن هذه‬
‫المذاهب حملت معها خلفيات عقائدية ومظاهر‪ ،‬على نقيض تام‬
‫مع دين التوحيد‪ ،‬بل مناقضة لكل دين‪ .‬لذلك فالتحدي في هذا‬
‫المجال كان كبيراً‪.‬‬
‫إلى جانب البحث في الحقوق السياسية والقتصادية‪ ،‬كان هناك‬
‫اهتمام متميز وخاص بحقوق المرأة‪ ،‬تشهد على ذلك كثرة‬
‫الكتابات والدراسات التي أنجزت في هذا الموضوع‪ ،‬سواء‬
‫الكتابات العامة التي تحدثت عن موضوع المرأة في السلم‪،‬‬
‫واهتمت بالرد على الشبهات والنتقادات التي يروج لها الغزو‬
‫الفكري الغربي‪ ،‬وتجد بعض الذان الصاغية لها داخل العالم‬
‫السلمي‪ ،‬أم الكتابات المتخصصة في مجال الحقوق كما نصت‬
‫عليها الكتابات الحقوقية الغربية‪ ،‬ومن ضمنها المواثيق والعلنات‬
‫الحقوقية العالمية‪ .‬وموضوع المرأة في السلم‪ ،‬كان قد اكتسب‬
‫صبغة ذات حساسية خاصة قبل التوجه الحقوقي‪ ،‬خلل العقود‬
‫الخيرة‪ ،‬لن وضع المرأة بشكل عام كان من بين القضايا التي‬
‫احتدم حولها النقاش مبكراً‪ ،‬مع وصول الجحافل الولى‬
‫للستعمار الغربي وسيطرتها العسكرية على العالم السلمي‪.‬‬
‫وبقي هذا الجدل محتدماً‪ ،‬وفي تصاعد مستمر‪ ،‬بعد انتهاء الحقبة‬
‫الستعمارية‪ ،‬لن الغزو الثقافي عبر وسائط العلم والتعليم‪ ،‬ما‬
‫فتىء يركز على هذا الموضوع ويثيره بين الحين والخر‪ .‬لذلك‬
‫فقد وجدت المرأة المسلمة نفسها تتقاذفها التيارات‬

‫‪1057‬‬
‫واليديولوجيات المختلفة‪ ،‬بين منتصر لما تدعو له الحضارة‬
‫الغربية من قيم وحقوق تخص المرأة‪ ،‬وبين قيم السلم التي‬
‫امتزجت مع تقاليد المجتمعات السلمية وأعرافها‪ .‬وقد‬
‫استطاعت عملية التأصيل لحقوق المرأة أن تميط اللثام عن عدد‬
‫من المغالطات اليديولوجية‪ ،‬ووضعت في بعض جوانبها‬
‫المتميزة‪ ،‬حدا ً بين ما يريده السلم من المرأة وما قدمه لها من‬
‫حقوق‪ ،‬وبين الواقع التاريخي‪ ،‬أو وضع المرأة المسلمة الحالي‪،‬‬
‫الذي يحكمه التخلف وعدم النسجام بين النظرة السلمية‬
‫الحقوقية والواقع المعيش‪ .‬لكن يمكن أن يقال إن عملية التأصيل‬
‫في مجال حقوق المرأة قد بلغت شأوا ً من التقدم‪ ،‬تم فيه‬
‫العتراف والنتباه لعدد كبير من الحقوق التي كانت‪ ،‬إلى عهد‬
‫قريب‪ ،‬خارجة عن موضوع البحث أو المعالجة‪ ،‬بل كان النسيان‬
‫والتجاهل يلفها ويلغيها من الوجود الواقعي‪ .‬وبدأ الكلم عن‬
‫حقوق تثير حساسية كبيرة داخل المجتمعات العربية والسلمية‪،‬‬
‫وهكذا بدأ الحديث عن الحقوق السياسية للمرأة وحقها في‬
‫الولية مثلً؟‪.‬‬
‫لكن ل بد هنا من الشارة إلى أن الفكر السلمي ما زال يتعامل‬
‫مع الموروث الروائي المتعلق بالمرأة‪ ،‬بنوع من الحذر‪ ،‬وقلة‬
‫الجرأة لمعالجته‪ ،‬لنه مما ل شك فيه أن عددا ً كبيرا ً من العراف‬
‫والتقاليد قد استحالت عبر الوضع والكذب إلى أحاديث نبوية‪ ،‬كما‬
‫أن التفسيرات التقليدية لكثير من الحاديث‪ ،‬يجب إعادة النظر‬
‫فيها‪ ،‬إذا أردنا فعل ً أن نكشف عن الوضع الحقوقي للمرأة كما‬
‫جاء به السلم‪ .‬وهذان المران‪ :‬التردد والتخبط كثيرا ً ما يظهران‬
‫في الكتابات العامة أو المختصة بحقوق المرأة في السلم‪.‬‬
‫وتفرع مجال التأصيل كثيراً‪ ،‬باعتباره استجابة للتحديات الحضارية‬
‫المعاصرة التي كان من أهم إنجازاتها العلنات والمواثيق‬
‫العالمية والقليمية والوطنية‪ ،‬والمطالبة بالعمل على وضعها‬
‫موضع التنفيذ والتطبيق‪ ،‬لذلك نجد أن مواضيع كثيرة قد نوقشت‬
‫وتم علجها سواء بشكل مفصل وكبير‪ ،‬أم بدراسات محدودة‪.‬‬
‫ومن العناوين التي عولجت وكثر حولها التأليف نذكر‪ :‬الحقوق‬
‫الجتماعية والعلمية‪ ،‬الحريات العامة‪ ،‬الدستورية‪ ،‬الزوجية‪،‬‬
‫العائلية‪ ،‬القارب‪ ،‬العمال‪ ،‬حقوق الجنين‪ ،‬الباء‪ ،‬المتهم‪ ،‬الطفل‪،‬‬
‫القليات إضافة إلى عناوين أخرى تعالج مواضيع جديدة‪ ،‬طرحها‬
‫التطور العالمي في هذا المجال‪.‬‬
‫ومما لحظناه‪ ،‬عند إنجازنا لببليوغرافيا خاصة بموضوع حقوق‬
‫النسان[‪ ]13‬في السلم‪ ،‬أن الكتابات عن حقوق المرأة تأتي‬
‫على رأس القائمة من حيث كثرتها وتفرعها‪ ،‬وهذا يؤكد حجم‬

‫‪1058‬‬
‫التحدي كما ذكرنا سابقاً‪ ،‬ثم تأتي الكتابات عن الحقوق‬
‫السياسية‪ ،‬بعدها نجد أن موضوع القليات قد أخذ حيزا ً كبيرا ً في‬
‫مجال التأليف الحقوقي‪ .‬وهذا يدل كذلك على حجم التحديات‬
‫التي أثارها العلم الغربي حول القليات الدينية التي تعيش داخل‬
‫العالم السلمي منذ قرون‪ ،‬وهو يروج أن التشريعات السلمية‬
‫تضطهدها وتنتهك جملة من حقوقها‪ .‬وأمام الهجمات المتكررة‬
‫لهذا العلم‪ ،‬نجد أن الفكر السلمي استجاب بشكل إيجابي‬
‫حينما عالج هذا الموضوع‪ ،‬وخصص له جهودا ً محترمة في عملية‬
‫التأصيل هذه‪.‬‬
‫هناك مواضيع حقوقية مهمة نلحظ فيها بعض التقصير؛ إذ إن هذه‬
‫العملية تعطيها حقها المطلوب‪ ،‬مع وجود موروث روائي ل بأس‬
‫به يمكن أن يسهل هذه العملية‪ ،‬كموضوع حقوق الطفل‪،‬‬
‫فالدراسات والبحوث قليلة جداً‪ ،‬وهذا يقلل من فرص وضع ميثاق‬
‫حقوقي خاص بالطفل‪ ،‬لن التراكم التنظيري متواضع جداً‪ .‬لكننا‬
‫نلحظ أن العقل السلمي قد تحرر من محظوراته وكوابحه‬
‫الذاتية والموضوعية‪ ،‬وانفتح على مصراعيه لمناقشة جميع‬
‫القضايا التي لها علقة بحقوق النسان وبحثها‪ .‬وإن كنا نسجل‬
‫نوعا ً من السبق الوقائعي والتنظيري للفكر الغربي في هذا‬
‫المجال‪ ،‬فالعقل المسلم‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬يظل منفعل ً وليس فاعلً‬
‫في أغلب القضايا التي توصلها له وسائط العلم الغربية‪ ،‬فيهرع‬
‫لمعرفتها والرد عليها سلبا ً أو إيجاباً‪ .‬لكننا نثمن سرعة الستجابة‬
‫في كثير من الحيان‪ ،‬وكذلك الكم المعرفي في ميدان الحقوق‬
‫الذي نجم عنها‪ ،‬لنه سيشكل الرضية والقاعدة الفكرية المتينة‬
‫لنطلق الجيال القادمة نحو البداع والنتاج وبلورة النظرية‬
‫السلمية في جميع المجالت‪.‬‬
‫مميزات عملية التأصيل‬
‫من خلل القراءات المتعددة‪ ،‬للكتابات السلمية الحقوقية‪ ،‬تظهر‬
‫بوضوح بعض المميزات والخصائص التي تكاد تشترك فيها مجمل‬
‫هذه الكتابات والبحوث‪ ،‬ليس في مجال معين‪ ،‬كالقتصاد أو‬
‫السياسة‪ ،‬ولكن في أغلب المواضيع المبحوثة‪ .‬أولى هذه‬
‫الخصائص‪ ،‬الحديث عن مفهوم الحق في المنظور السلمي‪،‬‬
‫وذلك في قبالة الحديث عن الخلفيات الفكرية والفلسفية التي‬
‫انطلق منها الوعي الحقوقي الغربي‪ ،‬وشكلت الرضية العقائدية‬
‫التي تتحكم في تعريفه للحق النساني‪ .‬وقد تحدثنا من قبل عن‬
‫النظريات الثلث التي شكلت الخلفية الفلسفية للفكر الحقوقي‬
‫الغربي‪.‬‬

‫‪1059‬‬
‫والحديث عن مفهوم الحق‪ ،‬لما له من أهمية كبرى يحتاج إلى‬
‫شيء من التفصيل‪ .‬إن الختلف الذي تبرزه بعض الحقوق‬
‫المنصوص عليها في المواثيق العالمية‪ ،‬إنما يرجع في أساسه إلى‬
‫النظرة الفلسفية والعقائدية للحق‪ ،‬من حيث مفهومه ومصادره‪.‬‬
‫لذلك فمعالجة الفكر السلمي الحقوقي لهذه القضية تعد مهمة‬
‫وأساسية‪.‬‬
‫الميزة‪ ،‬أو الخاصية الثانية‪ ،‬تظهر في النقد الذي وجهه الفكر‬
‫السلمي الحقوقي للحقوق النسانية في الفكر الغربي بشكل‬
‫عام‪ ،‬عندما اتجه لنقد المذاهب القتصادية والسياسية‬
‫والجتماعية الغربية‪ ،‬مستعينا ً بطبيعة الحال ببعض المظاهر‪ ،‬حيث‬
‫الخفاق في مجال الحقوق أدى إلى كوارث إنسانية‪ ،‬تجاوزت‬
‫حدود تأمين الحتياجات الضرورية للنسان إلى تعريض وجوده‬
‫النساني ككل للخطر‪ ،‬فظواهر النتحار والتفسخ العائلي والتحلل‬
‫الخلقي‪ ،‬وانتشار اللحاد‪ .‬هذه الظواهر التي تجتاح الواقع‬
‫الغربي‪ ،‬تكاد تعصف بالمكتسبات الحقوقية التي تم تحقيقها بعد‬
‫معاناة طويلة‪.‬‬
‫م إشكال له جانبه الحقوقي‪ ،‬لكنه قد يتجاوزه‪،‬‬ ‫طبعا ً نحن‪ ،‬هنا‪ ،‬أما َ‬
‫ليتم الحديث عن الحاجة إلى الديان السماوية‪ ،‬بوصفها بديل ً عن‬
‫اليديولوجيات الوضعية‪ .‬وهذا ما نجد تلميحا ً له أثناء معالجة الفكر‬
‫السلمي لقضايا حقوقية جزئية‪ ،‬على اعتبار أن النظر إلى‬
‫الظاهرة النسانية‪ ،‬ل يمكن معالجته بشكل جزئي‪ ،‬لن النتائج‬
‫النهائية لي تطبيق ستفتقر إلى النظرة الكلية للنسان‪ ،‬في إطار‬
‫فلسفي عقائدي‪ ،‬ل يهمل المنطلقات‪ ،‬ويتحدث عن الغايات‬
‫والمقاصد الوجودية الساسية للنسان‪ ،‬بشكل واضح ومفصل‪ ،‬ما‬
‫يسهم بشكل فعال في تحقيق ما يصبو له النسان من حياة‬
‫أفضل على الرض‪.‬‬
‫وهذه النظرة التكاملية تدفع بنا إلى الحديث عن الخاصية الثالثة‪،‬‬
‫وهي شمولية الحقوق النسانية في الفكر الحقوقي السلمي‪،‬‬
‫والتي نظر لها من خلل‪ :‬التشريع اللهي (الوحي) الذي يعلم يقيناً‬
‫الحتياجات الحقيقية للنسان وحقوقه الساسية‪ ،‬إضافة إلى‬
‫نقطة مهمة تتلخص في كون التشريع اللهي يمثل الحقيقة التي‬
‫ل تتأثر بالمصالح الفردية أو الجماعية أو الفئوية‪ ،‬أو غيرها من‬
‫التقسيمات التي يطغى تأثيرها في التشريعات الوضعية‪ .‬وبالتالي‬
‫فالحديث عن عالمية الحقوق‪ ،‬انطلقا ً من تشريعات وضعية‪ ،‬يعد‬
‫تسويقا ً ليديولجيات غرضها الهيمنة ل غير‪.‬‬

‫‪1060‬‬
‫هذه المميزات الثلث‪ ،‬سنعرض لها بنوع من التفصيل‪ ،‬لنها من‬
‫القضايا المهمة التي ركز عليها الفكر السلمي الحقوقي أثناء‬
‫عملية التأصيل‪ ،‬ولنها محطات يمكن من خللها معرفة المدى‬
‫الذي توصلت إليه هذه العملية‪.‬‬

‫________________________________________‬
‫[‪ ]1‬كاتب من الغرب‬
‫[‪ ]2‬الدكتور أحمد بلحاج السندك‪ ،‬حقوق النسان‪ ،‬رهانات‬
‫وتحديات‪ ،‬الرباط‪ ،‬شركة بابل للطباعة‪ ،1996 ،‬ص ‪.8‬‬
‫[‪ ]3‬أمينة البقالي‪ ،‬حركة حقوق النسان‪ :‬من أجل أنسنة العمل‬
‫السياسي‪ ،‬مجلة الوحدة‪ ،‬العدد ‪ ،63/64‬السنة السادسة‪،89/1990 ،‬‬
‫ص ‪.75‬‬
‫[‪ ]4‬المحامي حسين ضناوي‪ ،‬وعي حقوق النسان‪ :‬جذور التطور‬
‫والحماية‪ ،‬جريدة النهار البيروتية‪ ،‬بتاريخ ‪17/12/1990‬م‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫[‪ ]5‬عمر ممدوح مصطفى‪ ،‬القانون الروماني‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪،3‬‬
‫‪1959‬م‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫مد خريف‪ ،‬حقوق النسان بالمغرب‪ ،‬منشورات‬ ‫[‪ ]6‬الدكتور مح ّ‬
‫المجلة المغربية لعلم الجتماع السياسي‪ ،‬الرباط‪ ،‬مطبعة‬
‫المعارف الجديدة‪1994 ،‬م‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫[‪ ]7‬أحمد البخاري وأمينة جبران‪ ،‬الحريات العامة وحقوق‬
‫النسان‪ ،‬مراكش‪ ،‬وليلي للطباعة والنشر‪ ،‬ط ‪1996 ،1‬م‪ ،‬ص ‪.69‬‬
‫[‪ ]8‬مثل منظمة العفو الدولية التي لديها الن ما يزيد عن (‬
‫‪700‬ألف) عضو مشترك في نحو (‪ )150‬بلدا ً في جميع أنحاء العالم‪،‬‬
‫وما يزيد على (‪ )4200‬مجموعة محلية في (‪ )63‬بلداً‪ ،‬إضافة إلى‬
‫عدد كبير من المنظمات الوطنية التي تهتم بالدفاع عن حقوق‬
‫النسان وفضح النتهاكات المختلفة‪.‬‬
‫[‪ ]9‬جريدة النهار البيروتية‪ ،‬م‪.‬س‪ ،.‬ص ‪.90‬‬
‫[‪ ]10‬اعترضت عدد من الدول السلمية على بعض البنود الواردة‬
‫في العلنات التي طلب منها المصادقة عليها‪ ،‬واعتبرتها مسوغاً‬
‫كافيا ً لعدم التصديق على هذه العلنات العالمية‪.‬‬
‫[‪ ]11‬ظهرت في العالم العربي مجموعة من المنظمات‬
‫الحقوقية‪ ،‬وقد صدر مؤخرا ً كتاب عن المعهد العربي لحقوق‬
‫النسان في تونس يعد أهم دليل لمعرفة هذه المنظمات‬
‫وعناوينها‪.‬‬

‫‪1061‬‬
‫[‪ ]12‬حسين توفيق إبراهيم‪ ،‬حقوق النسان في الكتب والرسائل‬
‫الجامعية وبعض الدوريات العربية‪ ،‬مجلة منبر الحوار‪ ،‬عدد ‪،9‬‬
‫السنة ‪ ،3‬ص ‪.73‬‬
‫[‪ ]13‬انظر‪ :‬مجلة الكلمة‪ ،‬عدد ‪1998 ،20‬م‪.‬‬
‫================‬
‫حقوق النسان في السلم‬
‫مقدمــة‪:‬‬
‫‪ -‬تعريف الحقوق‪.‬‬
‫‪ -‬هل هذه الحقوق مستحقة للنسان أم هي من تفضل الله تعالى‬
‫عليه؟‬
‫‪ -‬مظاهر التكريم اللهي للنسان‪.‬‬
‫الفصل الول‪ :‬خصائص ومميزات حقوق النسان في السلم‪.‬‬
‫‪ -1‬حقوق النسان في السلم تنبثق من العقيدة السلمية‪.‬‬
‫‪ -2‬حقوق النسان في السلم منح إلهية‪.‬‬
‫‪ -3‬حقوق النسان في السلم شاملة لكل أنواع الحقوق‪.‬‬
‫‪ -4‬حقوق النسان في السلم ثابتة ول تقبل اللغاء أو التبديل أو‬
‫التعطيل‪.‬‬
‫‪ -5‬حقوق النسان في السلم ليست مطلقة بل مقيدة بعدم‬
‫التعارض مع مقاصد الشريعة السلمية‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أهم الحقوق التي كفلها السلم للنسان‪.‬‬
‫أولً‪ :‬حق الحياة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬حق الكرامة‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬حق الحرية‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬حق التدين‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬حق التعليم‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬حق معرفة الحق‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬حق التملك والتصرف‪.‬‬
‫ثامنا‪ :‬حق العمل‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬مقارنة بين حقوق النسان في السلم وفي‬
‫الوثائق الوضعية الدولية‪.‬‬
‫أولً‪ :‬من حيث السبقية واللزامية‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬من حيث العمق والشمول‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬من حيث الحماية والضمانات‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬مفهوم الغرب لحقوق النسان‪.‬‬
‫‪ -1‬حرية التدين‪.‬‬
‫‪ -2‬حرية إقامة العلقات السرية‪.‬‬
‫‪ -3‬حق الحرية‪.‬‬

‫‪1062‬‬
‫‪ -4‬حق التملك‪.‬‬
‫مقدمــة‪:‬‬
‫‪ -‬تعريف الحقوق‪:‬‬
‫تعريف الحقوق لغة‪:‬‬
‫قال الجوهري‪" :‬الحق‪ :‬خلف الباطل‪ ،‬والحق‪ :‬واحد الحقوق‪،‬‬
‫حقة أخص منه‪ ،‬يقال‪ :‬هذه حقتي أي‪ :‬حقي"‪.‬‬ ‫وال َ‬
‫وقال الفيروز آبادي‪" :‬الحق‪ :‬من أسماء الله تعالى أو من صفاته‪،‬‬
‫والقرآن‪ ،‬وضد الباطل‪ ،‬والمر المقضي‪ ،‬والعدل‪ ،‬والسلم‪،‬‬
‫والمال‪ ،‬والملك‪ ،‬والموجود الثابت‪ ،‬والصدق‪ ،‬والموت‪ ،‬والحزم‪،‬‬
‫وواحد الحقوق"‪.‬‬
‫وقال المناوي‪" :‬الحق لغة‪ :‬الثابت الذي ل يسوغ إنكاره"‪.‬‬
‫تعريف الحقوق اصطلحاً‪:‬‬
‫الحقوق لها معنيان أساسيان‪:‬‬
‫‪ -1‬فهي أول ً تكون بمعنى‪ :‬مجموعة القواعد والنصوص التشريعية‬
‫التي تنظم على سبيل اللزام علئق الناس من حيث الشخاص‬
‫والموال‪.‬‬
‫فهي بهذا المفهوم قريبة من مفهوم خطاب الشارع المرادف‬
‫لمعنى (الحكم) في اصطلح علماء الصول‪ ،‬أو لمعنى (القانون)‬
‫في اصطلح علماء القانون‪.‬‬
‫وهذا المعنى هو المراد عندما نقول مثلً‪ :‬الحقوق المدنية‪ ،‬أو‬
‫القانون المدني‪.‬‬
‫‪ -2‬وهي ثانيا ً تكون جمع حق بمعنى السلطة والمكنة المشروعة‪،‬‬
‫أو بمعنى المطلب الذي يجب لحد على غيره‪.‬‬
‫وهذا هو المراد في مثل قولنا‪ :‬إن للمغصوب منه حق استرداد‬
‫عين ماله لو قائماً‪ ،‬وأخذ قيمته أو مثله لو هالكاً‪ ،‬وإن للمشتري‬
‫حق الرد بالعيب‪ ،‬وإن التصرف على الصغير هو حق لوليه أو‬
‫وصيه ونحو ذلك‪.‬‬
‫ويمكن تعريف الحق بمعناه العام بأن يقال‪ :‬الحق هو اختصاص‬
‫يقرر به الشرع سلطة أو تكليفاً‪.‬‬
‫‪ -‬هل هذه الحقوق مستحقة للنسان أم هي من تفضل الله‬
‫تعالى؟‬
‫ن} [الروم‪.]47:‬‬ ‫مني َ‬ ‫صُر ٱل ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫حقّا ً ع َلَيْنَا ن َ ْ‬ ‫ن َ‬‫قال تعالى‪{ :‬وَكَا َ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬أي" حق أوجبه على نفسه الكريمة تكرماً‬
‫وتفضلً"‪.‬‬
‫ة} [النعام‪.]54:‬‬ ‫م َ‬
‫ح َ‬‫سهِ ٱٱلَّر ْ‬ ‫م ع َلَىٰ نَفْ ِ‬ ‫ب َربُّك ُ ْ‬‫وقال تعالى‪{ :‬كَت َ َ‬
‫قال القرطبي‪" :‬أي‪ :‬أوجب ذلك بخبره الصادق ووعده الحق"‪.‬‬

‫‪1063‬‬
‫وقال ابن كثير‪" :‬أي‪ :‬أوجبها على نفسه الكريمة تفضل ً منه‬
‫وإحسانا ً وامتناناً"‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬كون المطيع يستحق الجزاء هو‬
‫استحقاق إنعام وفضل ليس هو استحقاق مقابلة كما يستحق‬
‫المخلوق على المخلوق‪ ،‬فمن الناس من يقول‪ :‬ل معنى‬
‫للستحقاق إل أنه أخبر بذلك ووعده صدق‪ ،‬ولكن أكثر الناس‬
‫يثبتون استحقاقا ً زائدا ً على هذا كما دل عليه الكتاب والسنة قال‬
‫ن}‪.‬‬ ‫مني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫صُر ٱل ْ ُ‬ ‫حقّا ً ع َلَيْنَا ن َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫تعالى‪{ :‬وَكَا َ‬
‫ولكن أهل السنة يقولون هو الذي كتب على نفسه الرحمة‪،‬‬
‫وأوجب هذا الحق على نفسه‪ ،‬لم يوجبه عليه مخلوق‪ ،‬والمعتزلة‬
‫يدّعون أنه واجب عليه بالقياس على الخلق‪ ،‬وأن العباد هم الذين‬
‫أطاعوه بدون أن يجعلهم مطيعين له‪ ،‬وأنهم يستحقون الجزاء‬
‫بدون أن يكون هو الموجب‪ ،‬وغلطوا في ذلك‪ ،‬وهذا الباب غلطت‬
‫فيه القدرية والجبرية أتباع جهم والقدرية النافية"‪.‬‬
‫وقال ابن القيم‪" :‬وقد أخبر سبحانه عن نفسه أنه كتب على‬
‫صُر‬ ‫حقّا ً ع َلَيْنَا ن َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫نفسه وأحق على نفسه‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وَكَا َ‬
‫َ‬
‫ن بِـئَايَـٰتِنَا‬ ‫منُو َ‬ ‫ن يُؤ ْ ِ‬ ‫ك ٱل ّذِي َ‬ ‫جاء َ‬ ‫ن}‪ ،‬وقال تعالى‪{ :‬وَإِذ َا َ‬ ‫مني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ٱل ْ ُ‬
‫ة}‪ ،‬وقال‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫سهِٱٱٱلَّر ْ‬ ‫م ع َلَىٰ نَفْ ِ‬ ‫ب َربُّك ُ ْ‬ ‫م كَت َ َ‬ ‫م ع َلَي ْ َك ُ ْ‬ ‫سلَـٰ ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫فَقُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م بِأ َّ‬ ‫موٰلَهُ ْ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫سه ُ ْ‬ ‫ن أن ُف َ‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن ٱل ْ َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫شتََرىٰ ِ‬ ‫هٱ ْ‬ ‫ن ٱلل ّ َ‬ ‫تعالى‪{ :‬إ ِ َّ‬
‫ن وَعْدًا ع َلَيْهِ‬ ‫ن َويُقْتَلُو َ‬ ‫ل ٱٱلل ّهِ فَيَقْتُلُو َ‬ ‫سبِي ِ‬ ‫ن فِى َ‬ ‫ة يُقَـٰتِلُو َ‬ ‫جن َّ َ‬
‫م ٱل ّ َ‬ ‫لَهُ ُ‬
‫[التوبة‪ ،]:‬وفي‬ ‫‪111‬‬ ‫ن}‬ ‫ل وَـٱلـــْقُْرءا ِ‬ ‫جي ِ‬ ‫حقّا فِي ٱلتَّوَْراةِ وَـٱلـــِن ِ‬ ‫َ‬
‫الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ‪:‬‬
‫((أتدري ما حق الله على عباده؟)) وفيه‪(( :‬أتدري ما حق العباد‬
‫على الله إذا فعلوا ذلك؟))‪ ،‬ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في‬
‫غير حديث‪ :‬من فعل كذا كان على الله أن يفعل به كذا وكذا في‬
‫الوعد والوعيد‪ ،‬ونظير هذا ما أخبر سبحانه من قسمه ليفعلن ما‬
‫ك لَنسـئَلَنَه َ‬
‫ن} [الحجر‪،]92:‬‬ ‫معِي َ‬ ‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫وَرب ّ َ َ ْ ّ ُ ْ‬ ‫أقسم عليه كقوله‪{ :‬فَ َ‬
‫‪ ،]68‬وقوله‪{ :‬لَنُهْلِك َ َّ‬ ‫م و ٱلـــ َّ‬
‫ن‬ ‫ن} [مريم‪:‬‬ ‫شيَـٰطِي َ‬ ‫شَرنَّهُ ْ َـ‬ ‫ح ُ‬ ‫ك لَن َ ْ‬ ‫{فَوََرب ّ َ‬
‫َ‬
‫من‬ ‫م َّ‬ ‫ك وَ ِ‬ ‫من َ‬‫م ِ‬ ‫جهَن َّ َ‬‫ن َ‬ ‫مل َ َّ‬ ‫ن} [إبراهيم‪ ،]13:‬وقوله‪{ :‬ل ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ٱلظ ّـٰل ِ ِ‬
‫ك منه َ‬
‫ن} [ص‪ ،]85:‬إلى أمثال ذلك من صيغ القسم‬ ‫معِي َ‬ ‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫تَبِعَ َ ِ ْ ُ ْ‬
‫سه‪ ،‬وهو‬ ‫سم على نفسه أو منعه نف َ‬ ‫المتضمن معنى إيجاب المق ِ‬
‫القسم الطلبي المتضمن للحظر والمنع‪ ،‬بخلف القسم الخبري‬
‫المتضمن للتصديق والتكذيب‪ ،‬قالوا‪ :‬وإذا كان معقول ً من العبد‬
‫أن يكون طالبا ً من نفسه فتكون نفسه طالبة منها لقوله تعالى‪:‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫‪ ،]53‬وقوله‪{ :‬وَأ َ َّ‬ ‫سوء} [يوسف‪:‬‬ ‫ماَرة ٌ ب ِـٱلـــ ُّ‬ ‫س ل َّ‬ ‫ن ٱلنَّفْ َ‬ ‫{إ ِ َّ‬
‫ن ٱلْهَوَىٰ} [النازعات‪ ،]40:‬مع‬ ‫س عَ ِ‬ ‫م َربّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْ َ‬ ‫مقَا َ‬ ‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫َ‬
‫كون العبد له آمر ونهاه فوقه‪ ،‬فالرب تعالى الذي ليس فوقه آمر‬

‫‪1064‬‬
‫ول ناهٍ كيف يمتنع منه أن يكون طالبا ً من نفسه فيكتب على‬
‫نفسه‪ ،‬ويحق على نفسه‪ ،‬ويحرم على نفسه؟‌! بل ذلك أولى‬
‫وأحرى في حقه من تصوره في حق العبد‪ ،‬وقد أخبر به عن‬
‫نفسه وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قالوا‪ :‬وكتابة ما‬
‫كتبه على نفسه وإحقاق ما حقه عليها متضمن لرادته ذلك‬
‫ومحبته له ورضاه به وأنه ل بد أن يفعله‪ ،‬وتحريمه ما حرمه على‬
‫نفسه متضمن لبغضه لذلك وكراهته له وأنه ل يفعله‪ ،‬ول ريب أن‬
‫محبته لما يريد أن يفعله وبغضه له يمنع وقوعه منه مع قدرته‬
‫عليه لو شاء‪ ،‬وهذا غير ما يحبه من فعل عبده ويكرهه منه‪ ،‬فذاك‬
‫نوع وهذا نوع‪ ،‬ولما لم يميز كثير من الناس بين النوعين‬
‫وأدخلوهما تحت حكم واحد اضطربت عليهم مسائل القضاء‬
‫والقدر والحكمة والتعليل‪ ،‬وبهذا التفصيل سفر لك وجه المسألة‬
‫وتبلج صبحها"‪.‬‬
‫‪ -‬مظاهر التكريم اللهي للنسان‪:‬‬
‫‪ -1‬خلقه في أحسن تقويم‪:‬‬
‫َ‬
‫ن تَقْوِيمٍ} [التين‪.]4:‬‬ ‫س ِ‬‫ح َ‬ ‫ن فِى أ ْ‬ ‫سـٰ َ‬ ‫خلَقْنَا ٱلِن َ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬لَقَد ْ َ‬
‫قال ابن عباس‪( :‬في أعدل خلق)‪.‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬إنه تعالى خلق النسان في أحسن صورة وشكل‪،‬‬
‫منتصب القامة سوي العضاء حسنها"‪.‬‬
‫‪ -2‬نفخ فيه من روحه‪:‬‬
‫حهِ} [السجدة‪.]9:‬‬ ‫من ُّرو ِ‬ ‫خ فِيهِ ِ‬ ‫سوَّاه ُ وَنَفَ َ‬ ‫م َ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬ث ُ َّ‬
‫حى فَقَعُوا ْ ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫من ُّرو ِ‬ ‫ت فِيهِ ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ه وَنَفَ ْ‬ ‫سوَّيْت ُ ُ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬فَإِذ َا َ‬
‫ن} [ص‪.]72:‬‬ ‫جدِي َ‬ ‫سـٰ ِ‬ ‫َ‬
‫قال الواحدي‪" :‬وأضاف روح آدم إليه إكراما ً وتشريفاً"‪.‬‬
‫‪ -3‬أمر الملئكة بالسجود لدم‪:‬‬
‫َ‬
‫س‬‫جدُوا ْ إِل ّ إِبْلِي َ‬ ‫س َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫جدُوا ْ لد َ َ‬ ‫س ُ‬‫ملَـٰئِكَةِ ٱٱ ْ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬وَإِذ ْ قُلْنَا لِل ْ َ‬
‫َ‬
‫[البقرة‪.]:‬‬
‫‪34‬‬ ‫ن}‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن ٱلْكَـٰ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ستَكْبََر وَكَا َ‬ ‫أبَىٰ وَـٱ ْـــ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬وهذه كرامة عظيمة من الله تعالى لدم‪ ،‬امتن بها‬
‫على ذريته‪ ،‬حيث أخبر أنه تعالى أمر الملئكة بالسجود لدم"‪.‬‬
‫‪ -4‬تعليم آدم السماء كلها‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ع َلَى‬‫ضه ُ ْ‬‫م عََر َ‬ ‫ماء كُل ّهَا ث ُ َّ‬ ‫س َ‬‫م ٱل ْ‬ ‫م ءاد َ َ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬وَع َل ّ َ‬
‫ن ‪ e‬قَالُواْ‬ ‫َ‬ ‫ٱل ْملَـٰئِكَة فَقَا َ َ‬
‫صـٰدِقِي َ‬ ‫م َ‬ ‫ماء هَـؤ ُلء إِن كُنت ُ ْ‬ ‫ل أنبِئُونِى بِأ ْ‬
‫سَ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م}‪.‬‬ ‫حكِي ُ‬‫م ٱل ْ َ‬ ‫ت ٱٱلْعَلِي ُ‬ ‫ك أن َ‬ ‫متَنَا إِن َّ َ‬‫ما ع َل ّ ْ‬ ‫م لَنَا إِل ّ َ‬ ‫عل ْ َ‬
‫ك لَ ِ‬ ‫حـٰن َ َ‬‫سب ْ َ‬ ‫ُ‬
‫[البقرة‪.]32 ،31:‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬هذا مقام ذكر الله تعالى فيه شرف آدم على‬
‫الملئكة بما اختصه من علم أسماء كل شيء دونهم"‪.‬‬
‫‪ -5‬جعل النسان خليفة في الرض‪:‬‬

‫‪1065‬‬
‫ض‬
‫ل فِى ٱٱلْر ِ‬ ‫ع ٌ‬ ‫جا ِ‬‫ملَـٰئِكَةِ إِنّي َ‬ ‫ك لِل ْ َ‬‫ل َرب ُّ َ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬وَإِذ ْ قَا َ‬
‫ة} [البقرة‪.]30:‬‬ ‫خلِيفَ ً‬‫َ‬
‫قال البغوي‪" :‬والصحيح أنه خليفة الله في أرضه؛ لقامة أحكامه‬
‫وتنفيذ وصاياه"‪.‬‬
‫قال ابن عاشور‪" :‬وقول الله هذا موجه إلى الملئكة على وجه‬
‫الخبار؛ ليسوقهم إلى معرفة فضل الجنس النساني على وجه‬
‫يزيل ما علم الله أنه في نفوسهم من سوء الظن بهذا الجنس"‪.‬‬
‫‪ -6‬تفضيل النسان على كثير من المخلوقات‪:‬‬
‫م فِى ٱٱلْبَّر وَـٱلـــْب َ ْ ِ‬
‫حر‬ ‫ملْنَـٰهُ ْ‬‫ح َ‬‫م وَ َ‬‫منَا بَنِى ءاد َ َ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬وَلَقَد ْ َكََّر ْ‬
‫خلَقْنَا‬
‫ن َ‬ ‫م ع َلَىٰ كَثِيرٍ ّ‬
‫م َّ‬
‫م ْ‬ ‫ضلْنَـٰهُ ْ‬‫ت وَفَ َّ‬ ‫ن ٱلط ّيّبَـٰ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ّ‬ ‫وََرَزقْنَـٰهُ ْ‬
‫ضيلً} [السراء‪.]70:‬‬ ‫ت َ ْف ِ‬
‫قال الشوكاني‪" :‬أجمل سبحانه هذا الكثير ولم يبين أنواعه‪ ،‬فأفاد‬
‫ذلك أن بني آدم فضلهم سبحانه على كثير من مخلوقاته‪...‬‬
‫ضيلً} يدل على عظم هذا التفضيل وأنه بمكان‬ ‫والتأكيد بقوله {ت َ ْف ِ‬
‫مكين‪ ،‬فعلى بني آدم أن يتلقوه بالشكر ويحذروا من كفرانه"‪.‬‬
‫‪ -7‬تسخير المخلوقات للنسان‪:‬‬
‫َ‬ ‫س َّ‬
‫ض‬
‫ما فِىٱٱٱلْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫مـٰوٰ ِ‬ ‫س َ‬‫ما فِى ٱل َّ‬ ‫م َّ‬ ‫خَر لَك ُ ْ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ن} [الجاثية‪.]13:‬‬ ‫ت لّقَوْم ٍ يَتَفَك ُّرو َ‬ ‫ك ليَـٰ ٍ‬ ‫ن فِى ذَل ِ َ‬ ‫ه إ ِ َّ‬ ‫ميعا ً ّ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫قال ابن سعدي‪" :‬وهذا شامل لجرام السماوات والرض ولما‬
‫أودع الله فيهما من الشمس والقمر والكواكب والثوابت‬
‫والسيارات وأنواع الحيوانات وأصناف الشجار والثمرات وأجناس‬
‫المعادن‪ ،‬وغير ذلك مما هو معد لمصالح بني آدم ومصالح ما هو‬
‫من ضروراته"‪.‬‬
‫الصحاح (‪.)4/1460‬‬
‫القاموس المحيط (‪.)3/221‬‬
‫التوقيف على مهمات التعاريف (ص ‪.)287‬‬
‫المدخل الفقهي العام (‪ )10-3/9‬لمصطفى الزرقاء‪.‬‬
‫تفسير القرآن العظيم (‪.)3/446‬‬
‫الجامع لحكام القرآن (‪.)6/435‬‬
‫تفسير القرآن العظيم (‪.)2/140‬‬
‫أخرجه البخاري في الجهاد‪ ،‬باب اسم الفرس والحمار (‪،)48‬‬
‫ومسلم في اليمان (‪.)30‬‬
‫مفتاح دار السعادة (ص ‪ )431-430‬ببعض اختصار‪.‬‬
‫تفسير ابن أبي حاتم (‪.)10/3448‬‬
‫تفسير القرآن العظيم (‪.)4/527‬‬
‫الوسيط في تفسير القرآن المجيد (‪.)3/45‬‬
‫تفسير القرآن العظيم (‪.)1/80‬‬

‫‪1066‬‬
‫تفسير القرآن العظيم (‪.)1/78‬‬
‫معالم التنزيل (‪.)1/79‬‬
‫تفسير التحرير والتنوير (‪.)1/400‬‬
‫فتح القدير (‪.)245-3/244‬‬
‫تيسير الكريم الرحمن (ص ‪.)776‬‬
‫الفصل الول‪ :‬خصائص ومميزات حقوق النسان في السلم‪:‬‬
‫‪ -1‬حقوق النسان في السلم تنبثق من العقيدة السلمية‪:‬‬
‫إن حقوق النسان في السلم تنبع أصل ً من العقيدة‪ ،‬وخاصة من‬
‫عقيدة التوحيد‪ ،‬ومبدأ التوحيد القائم على شهادة أن ل إله إل الله‬
‫هو منطلق كل الحقوق والحريات‪ ،‬لن الله تعالى الواحد الحد‬
‫الفرد الصمد خلق الناس أحراراً‪ ،‬ويريدهم أن يكونوا أحراراً‪،‬‬
‫ويأمرهم بالمحافظة على الحقوق التي شرعها والحرص على‬
‫اللتزام بها‪ ،‬ثم كلفهم شرعا ً بالجهاد في سبيلها والدفاع عنها‪،‬‬
‫ومنع العتداء عليها وهذا ما تكرر في القرآن الكريم في آيات‬
‫القتال والجهاد‪.‬‬
‫فحقوق النسان في السلم تنبع من التكريم اللهي للنسان‬
‫بالنصوص الصريحة‪ ،‬وهو جزء من التصور السلمي والعبودية لله‬
‫تعالى وفطرة النسان التي فطره الله عليها‪.‬‬
‫‪ -2‬حقوق النسان في السلم منح إلهية‪:‬‬
‫إن حقوق النسان في السلم منح إلهية منحها الله لخلقه‪ ،‬فهي‬
‫ليست منحة من مخلوق لمخلوق مثله‪ ،‬يمن بها عليه ويسلبها منه‬
‫متى شاء‪ ،‬بل هي حقوق قررها الله للنسان‪.‬‬
‫‪ -3‬حقوق النسان في السلم شاملة لكل أنواع الحقوق‪:‬‬
‫من خصائص ومميزات الحقوق في السلم أنها حقوق شاملة‬
‫لكل أنواع الحقوق‪ ،‬سواء الحقوق السياسية أو القتصادية أو‬
‫الجتماعية أو الثقافية‪.‬‬
‫كما أن هذه الحقوق عامة لكل الفراد الخاضعين للنظام‬
‫السلمي دون تمييز بينهم في تلك الحقوق بسبب اللون أو‬
‫الجنس أو اللغة‪.‬‬
‫‪ -4‬حقوق النسان في السلم ثابتة ول تقبل اللغاء أو التبديل أو‬
‫التعطيل‪:‬‬
‫من خصائص حقوق النسان في السلم أنها كاملة وغير قابلة‬
‫لللغاء؛ لنها جزء من الشريعة السلمية‪.‬‬
‫إن وثائق البشر قابلة للتعديل غير متأبية على اللغاء مهما جرى‬
‫تحصينها بالنصوص‪ ،‬والجمود الذي فرضوه على الدساتير لم‬
‫يحمها من التعديل بالغلبية الخاصة‪.‬‬

‫‪1067‬‬
‫وقضى الله أن يكون دينه خاتم الديان وأن يكون رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين‪ ،‬ومن ثم فما جاء في كتاب‬
‫الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهو باق ما دامت‬
‫السماوات والرض‪.‬‬
‫‪ -5‬حقوق النسان في السلم ليست مطلقة بل مقيدة بعدم‬
‫التعارض مع مقاصد الشريعة السلمية‪:‬‬
‫ومن خصائص حقوق النسان في السلم أنها ليست مطلقة‪ ،‬بل‬
‫مقيدة بعدم التعارض مع مقاصد الشريعة السلمية‪ ،‬وبالتالي‬
‫بعدم الضرار بمصالح الجماعة التي يعتبر النسان فردا ً من‬
‫أفرادها‪.‬‬
‫حقوق النسان في السلم للدكتور محمد الزحيلي (ص ‪)133-132‬‬
‫بتصرف‪.‬‬
‫حقوق النسان في السلم للدكتور سليمان الحقيل (ص ‪.)53‬‬
‫حقوق النسان في السلم‪ .‬د‪.‬سليمان الحقيل (ص ‪.)53‬‬
‫حقوق النسان للحقيل (ص ‪.)53‬‬
‫حرمات ل حقوق‪ ،‬لعلي جريشة‪.‬‬
‫حقوق النسان للحقيل (ص ‪.)53‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬مقارنة بين حقوق النسان في السلم وفي‬
‫الوثائق الوضعية الدولية‪:‬‬
‫أولً‪ :‬من حيث السبقية واللزامية‪:‬‬
‫لقد كان للشريعة السلمية الغراء فضل السبق على كافة‬
‫المواثيق والعلنات والتفاقيات الدولية في تناولها لحقوق‬
‫النسان وتأصيلها لتلك الحقوق منذ أكثر من أربعة عشر قرنا ً من‬
‫الزمان‪ ،‬وأن ما جاء به العلن العالمي لحقوق النسان‬
‫والتفاقيات الدولية اللحقة ومن قبلها ميثاق المم المتحدة ما هو‬
‫إل ترديد لبعض ما تضمنه الشريعة السلمية الغراء‪.‬‬
‫فحقوق النسان المهددة اليوم والتي ندعو إلى حمايتها واحترامها‬
‫قد أقرها السلم وقدسها منذ أربعة عشر قرنا ً فسبق بها سبقاً‬
‫بعيدا ً عما قال به القرن الثامن عشر الذي ع ُد قرن حقوق‬
‫النسان‪.‬‬
‫وحقوق النسان كما جاء بها السلم حقوق أصيلة أبدية ل تقبل‬
‫حذفا ً ول تعديل ً ول نسخا ً ول تعطيلً‪ ،‬إنها حقوق ملزمة شرعها‬
‫الخالق سبحانه وتعالى‪ ،‬فليس من حق بشر كائنا ً من كان أن‬
‫يعطلها أو يتعدى عليها‪ ،‬ول تسقط حصانتها الذاتية ل بإرادة الفرد‬
‫تنازل ً عنها ول بإرادة المجتمع ممثل ً فيما يقيمه من مؤسسات أياً‬
‫كانت طبيعتها وكيفما كانت السلطات التي تخولها‪.‬‬

‫‪1068‬‬
‫أما فيما يتعلق بالقيمة القانونية للعلن العالمي لحقوق النسان‬
‫فهو ليس إل مجرد تصريح صادر عن المم المتحدة غير ملزم‪.‬‬
‫فيتضح أن حقوق النسان في المواثيق الدولية عبارة عن‬
‫توصيات أو أحكام أدبية‪ ،‬أما في السلم فحقوق النسان عبارة‬
‫عن فريضة تتمتع بضمانات جزائية وليست مجرد توصيات أو‬
‫أحكام أدبية‪ ،‬فللسلطة العامة في السلم حق الجبار على تنفيذ‬
‫هذه الفريضة‪ ،‬خلفا ً لمفهوم هذه الحقوق في المواثيق الدولية‬
‫التي تعتبرها حقا ً شخصيا ً مما ل يمكن الجبار عليه إذا تنازل عنه‬
‫صاحبه‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬من حيث العمق والشمول‪:‬‬
‫حقوق النسان في السلم أعمق وأشمل من حقوق النسان في‬
‫الوثائق الوضعية‪ ،‬فحقوق النسان في السلم مصدرها كتاب الله‬
‫وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أما مصدر حقوق النسان‬
‫في القوانين والمواثيق الدولية فهو الفكر البشري‪ ،‬والبشر‬
‫يخطئون أكثر مما يصيبون‪ ،‬ويتأثرون بطبيعتهم البشرية بما فيها‬
‫من ضعف وقصور وعجز عن إدراك المور والحاطة بالشياء‪،‬‬
‫وقد أحاط الله بكل شيء علماً‪.‬‬
‫إن الحقوق في السلم تبلغ درجة الحرمات وهي في هذا تمر‬
‫َ‬
‫سل ّمة‪ ،‬ومن بعدها تدعمها الواجبات‪ ،‬ومن‬ ‫م َ‬
‫بدرجات‪ ،‬فالحقوق ُ‬
‫بعد الواجبات تحميها الحدود‪ ،‬ومن بعد الحدود ترتفع إلى‬
‫الحرمات‪.‬‬
‫وإذا كانت المواثيق البشرية قد ضمنت بعض الحقوق فإن‬
‫السلم بمصدريه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة شمل‬
‫جميع أنواع الحقوق التي تكرم الله بها على خلقه‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬من حيث الحماية والضمانات‪:‬‬
‫إن حقوق النسان في القوانين الوضعية لم توضع لها الضمانات‬
‫اللزمة لحمايتها من النتهاك‪.‬‬
‫فبالرجوع إلى مواد العلن العالمي لحقوق النسان الصادر عن‬
‫المم المتحدة عام ‪1948‬م نجده لم يحدد الوسائل والضمانات لمنع‬
‫أي اعتداء على حقوق النسان وبخاصة ما يكون من هذه‬
‫الوسائل والضمانات على المستوى العالمي‪.‬‬
‫كما تضمن العلن تحذيرا ً من التحايل على نصوصه أو إساءة‬
‫تأويلها دون تحديد جزاء للمخالفة‪ ،‬وتضمنت أيضا ً تشكيل لجنة‬
‫لحقوق النسان تقوم بدراسة تقارير الدول الطراف عن‬
‫إجراءاتها لتأمين الحقوق المقررة‪ ،‬كما تتسلم التبليغات المقدمة‬
‫من إحدى الدول الطراف ضد أخرى بشأن أدائها لحد التزاماتها‬
‫المقررة بمقتضى التفاقية وذلك بشروط معينة‪.‬‬

‫‪1069‬‬
‫وبالنظر إلى الحماية الدولية لحقوق النسان نجدها محاولت لم‬
‫تصل إلى حد التنفيذ‪ ،‬وهي تقوم على أمرين‪:‬‬
‫‪ -1‬محاولة التفاق على أساس عام معترف به بين الدول جميعاً‪.‬‬
‫‪ -2‬محاولة وضع جزاءات ملزمة تدين الدولة التي تنتهك حقوق‬
‫النسان‪.‬‬
‫إن كل ما صدر عن المم المتحدة والمنظمات والهيئات بخصوص‬
‫حقوق النسان يحمل طابع التوصيات ول يعدو كونه حبرا ً على‬
‫ورق يتلعب به واضعوه حسبما تمليه عليهم الهواء والشهوات‪.‬‬
‫أما في السلم فقد اعتمد المسلمون في مجال حماية حقوق‬
‫النسان على أمرين أساسين‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪ -1‬إقامة الحدود الشرعية‪ ،‬إذ إن من أهم أهداف إقامة الحدود‬
‫الشرعية في السلم المحافظة على حقوق الفراد‪.‬‬
‫‪ -2‬تحقيق العدالة المطلقة التي أمر الله بها ورسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم وحثا عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية‬
‫الشريفة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫[النحل‪:‬‬
‫‪.]90‬‬ ‫ن}‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ل وَـٱلـــ ْ‬ ‫مُر ب ِـٱلـــعَد ْ ِ‬ ‫ه يَأ ُ‬‫ن ٱلل َ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫قال ابن عطية‪" :‬والعدل هو فعل كل مفروض من عقائد وشرائع‬
‫وسير مع الناس في أداء المانات وترك الظلم والنصاف وإعطاء‬
‫الحق"‪.‬‬
‫َ‬
‫ل}‬‫موا ْ ب ِـٱلـــْعَد ْ ِ‬‫حك ُ ُ‬
‫س أن ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن ٱلن ّا ِ‬ ‫م بَي ْ َ‬
‫مت ُ ْ‬‫حك َ ْ‬‫وقال تعالى‪{ :‬وَإِذ َا َ‬
‫[النساء‪.]58:‬‬
‫قال ابن كثير‪" :‬أمر منه تعالى بالحكم بالعدل بين الناس"‪.‬‬
‫وقد امتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ربه في إقامة‬
‫العدل فكانت حياته كلها عدل‪ ،‬وعلم أصحابه العدل وأوصى أمته‬
‫به وحذرهم من الظلم‪ ،‬ووضع منهج السلم في إقرار العدل‬
‫والمساواة والمحافظة على الحقوق وحمايتها‪.‬‬
‫حقوق النسان للحقيل (ص ‪.)87‬‬
‫حقوق النسان للحقيل (ص ‪.)103‬‬
‫حقوق النسان للحقيل (‪.)89-88‬‬
‫حقوق النسان للحقيل (ص ‪.)89‬‬
‫حقوق النسان للحقيل‪.‬‬
‫المحرر الوجيز (‪.)2/416‬‬
‫تفسير القرآن العظيم (‪.)1/528‬‬
‫حقوق النسان للحقيل (ص ‪.)104-103‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬مفهوم الغرب لحقوق النسان‪:‬‬
‫لم تظهر فكرة حقوق النسان جزئيا ً بشكل رسمي عند الغرب إل‬
‫في القرن الثالث عشر الميلدي‪ ،‬الموافق للقرن السابع‬

‫‪1070‬‬
‫الهجري‪ ،‬أي‪ :‬بعد نزول السلم بسبعة قرون‪ ،‬وذلك نتيجة ثورات‬
‫طبقية وشعبية في أوروبا‪ ،‬ثم في القرن الثامن عشر في أمريكا‬
‫لمقاومة التميز الطبقي أو التسلط السياسي أو الظلم‬
‫الجتماعي‪.‬‬
‫‪ -1‬حرية التدين في الغرب‪:‬‬
‫جاء في العلن العالمي لحقوق النسان أن لكل شخص الحق‬
‫في حرية الدين وحرية تغيير ديانته أو عقيدته وحرية العراب‬
‫عنها بالتعليم والممارسة‪.‬‬
‫فالنسان عند الغرب حر في أن يختار الدين الذي يريده وحر في‬
‫أن يغير دينه متى شاء‪.‬‬
‫وهذا يتعارض مع تعاليم السلم الذي ل يجيز للمسلم تغيير‬
‫ديانته‪ ،‬بل يعتبر ذلك ردة ويجب إقامة الحد فيها؛ لن السماح‬
‫بالردة يشكل خطرا ً على أمن الدولة السلمية‪ ،‬ويخالف ما‬
‫قصده السلم من حفظ للضروريات الخمس التي على رأسها‬
‫ضرورة حفظ الدين الذي تقوم الدولة السلمية أساسا ً عليه‪.‬‬
‫‪ -2‬حرية إقامة العلقات السرية‪:‬‬
‫جاء في العلن العالمي لحقوق النسان أن للرجل والمرأة متى‬
‫بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب‬
‫الجنس أو الدين‪.‬‬
‫فيبيح للكافر التزوج بمسلمة وللمسلم التزوج بالكافرة بدون أي‬
‫قيود على ذلك‪.‬‬
‫وهذا يخالف تعاليم السلم التي ل تجيز للمرأة المسلمة أن‬
‫تتزوج بغير المسلم‪ ،‬وذلك صيانة للسرة من النحلل بسبب‬
‫الختلف في الدين عند احترام الزوج بموجب عقيدته لمقدسات‬
‫زوجته لن المرأة أحد عنصري السرة الكثر حساسية في هذا‬
‫الموضوع بسبب شعورها بالضعف أمام الرجل"‪.‬‬
‫‪ -3‬حق الحرية‪:‬‬
‫جاء في العلن العالمي لحقوق النسان‪" :‬يولد جميع الناس‬
‫أحرارا ً متساوين في الكرامة والحقوق"‪.‬‬
‫وفي اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية‪" :‬لكل فرد الحق في‬
‫الحرية والسلمة الشخصية ول يجوز حرمان أحد من حريته إل‬
‫على أساس من القانون وطبقا ً للجراءات المقررة"‪.‬‬
‫وهذا الحق يكاد أن يكون نظريا ً اليوم‪ ،‬ويعاني الفراد والشعوب‬
‫الويلت من الفراط والتفريط بحق الحرية‪ ،‬والمتاجرة بها‬
‫والتغني فيها وعدم ضبط الممارسات فيها وحولها‪ ،‬حتى قالت‬
‫إحدى نسائهم‪" :‬كم من الجرائم ارتكبت باسمك أيتها الحرية"‪.‬‬
‫‪ -4‬حق التملك‪:‬‬

‫‪1071‬‬
‫تفاوت مفهوم حق التملك عند الغرب تفاوتا ً هائلً‪.‬‬
‫فالرأسمالية أطلقت حرية التملك إلى أبعد الحدود وجردته من‬
‫كل قيد حتى استبد الغنياء وأصحاب رؤوس الموال بمقدرات‬
‫المم والشعوب واستنزفت خيرات البلد وطبقات الفقراء‬
‫والعمال‪.‬‬
‫بينما تمادت الشيوعية في الفراط والغلو وألغت الملكية الفردية‬
‫وفرضت ملكية الدولة الكاملة‪ ،‬واستولت على جميع وسائل‬
‫النتاج‪ ،‬وأصبح العمال مجرد آلت للعمل‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪،،‬‬
‫حقوق النسان للزحيلي (ص ‪.)101‬‬
‫حقوق النسان للزحيلي (ص ‪.)181‬‬
‫حقوق النسان للزحيلي (ص ‪ )156-155‬بتصرف‪.‬‬
‫حقوق النسان للحقيل (ص ‪.)82‬‬
‫حقوق النسان للحقيل (ص ‪.)161‬‬
‫حقوق النسان للزحيلي (ص ‪.)169‬‬
‫حقوق النسان للزحيلي (ص ‪.)169‬‬
‫حقوق النسان للزحيلي (ص ‪.)170‬‬
‫حقوق النسان للزحيلي (ص ‪.)315‬‬
‫‪-------------------‬‬

‫السلم والديمقراطية‬
‫الشيخ فتحي منصور‬
‫قاضي المحكمة الشرعية ‪ -‬القدس‬

‫‪,Sheikh Fathi Mansour‬‬


‫‪-Judge, Islamic Shari’a Court‬‬
‫‪Jerusalem‬‬
‫إن فكرة الديمقراطية في وقتنا الحاضر تغزو العالم عبر‬
‫مساحات واسعة من النشاطات العلمية والثقافية سواء على‬
‫مستوى الندوات أو المحاضرات أو اللقاءات المرئية أو صفحات‬
‫الجرائد وغيرها‪ ،‬أو عبر الحملت العسكرية لغزو البلدان العربية‬
‫والسلمية لنشر (الديمقراطية) في هذه البلد وقمع النظمة‬
‫(الديكتاتورية)‪.‬‬

‫ول شك أن في هذه الفكرة بريقا ً قويا ً خاصة بالنسبة للشعوب‬


‫التي تعاني من القهر والستبداد‪ ،‬وقد حول هذا البريق فكرة‬

‫‪1072‬‬
‫(الديمقراطية) من بُعد فكري ونظري لترتيب السياسة في‬
‫المجتمع الى ممارسات عملية تتعلق بحريات أساسية منها حرية‬
‫التعبير والتنقل والتنظيم وغيرها‪.‬‬
‫فالناس عامة ل يكترثون في البحث عن السس الفلسفية أو‬
‫الفكرية التي تنطلق منها الديمقراطية‪ ،‬بقدر ما يهتمون ببعض‬
‫المظاهر والممارسات السياسية التي يرتاحون إليها ويثنون عليها‬
‫ويودون أن تكون جزءا ً من واقعهم لعلهم ينعمون ببعض‬
‫(الخيرات) التي تنعم بها الشعوب التي أقامت نظما ً سياسية‬
‫ديمقراطية‪.‬‬
‫وقد ساد هذا النطباع الجماهيري العام عن الديمقراطية في‬
‫العالم السلمي والوطن العربي حتى بات المفهوم الشعبي لها‬
‫مرادفا ً (للحرية)‪ .‬ول ينتبه الكثيرون من الناس أن الحرية قد‬
‫تكون أكثر شمول ً أو أقل اتساعا ً من الديمقراطية‪ ،‬وأن لكل‬
‫مفهوما ً خاصا ً ربما يتقاطع مع الخر ول يلتقي معه بالضرورة‪.‬‬
‫وربما أن هذا المر هو الذي قاد بعض المفكرين والباحثين‬
‫المسلمين إلى القول بأن السلم (ديمقراطي) وأن القيم‬
‫الديمقراطية قيم إسلمية يجب الدفاع عنها‪ ،‬وبدل ً من أن يركزوا‬
‫على البحث في مجال الحريات في السلم‪ ،‬انطلقوا يتحدثون‬
‫عن الحداثة السلمية في ثوب ديمقراطي‪.‬‬
‫* إذن ما المقصود بالديمقراطية‪:‬‬
‫لقد عرفت الديمقراطية لغويا ً أنها حكم الشعب‪.‬‬
‫وقد نشأ هذا المفهوم في أثينا في الثقافة اليونانية القديمة ثم‬
‫تجسدت هذه الفكرة في العصور اللحقة في الفكر السياسي‬
‫الغربي واتخذت نشاطا ً نضاليا ً من أجل الديمقراطية بين الحكام‬
‫والمحكومين بلغ أوجه خلل القرنين السابع عشر والثامن عشر‬
‫عندما استطاع البريطانيون من الحد من صلحيات الملك بعد‬
‫ثورتي ‪ 1649‬و ‪.1688‬‬
‫وكان ل (جون لوك) دور بارز في الدعوة للديمقراطية بالمفهوم‬
‫الغربي والذي عرفها بأنها (حق الكثرية التي اكتسبت سلطة‬
‫الجماعة بالتحاد في استخدام تلك السلطة لتشريع القوانين‬
‫وتنفيذها بواسطة موظفين عينوا لذلك)‪.‬‬
‫أما الوليات المتحدة فلم تعرب النظام الديمقراطي إل بعد‬
‫الستقلل (‪ )1776‬وتجسدت في إعلن حقوق النسان وحريته‪.‬‬
‫رغم أن الديمقراطية المريكية بقيت مشوهة إلى اليوم حيث ل‬
‫يحق مثل ً الترشيح للرئاسة إل لفئة معينة من الشعب‬
‫كالبروتستانت أو البيض أو النكلوسكسون‪ ،‬كما أن الثروة المالية‬
‫للمرشح مقدمة على أن نوع من الكفاءات الخرى‪.‬‬

‫‪1073‬‬
‫أما في فرنسا فقد انفجرت الثورة سنة ‪ 1789‬معلنة حقوق‬
‫النسان والمواطن‪ ،‬حيث عرف جان جاك روسو الديمقراطية بما‬
‫يلي‪:‬‬
‫"يستطيع صاحب السيادة في المقام الول أن يعهد بأمانة الحكم‬
‫إلى الشعب كله أو إلى الجزء الكثر منه بحيث يكون هناك من‬
‫المواطنين الحكام أكثر من المواطنين الفراد ويطلق على هذا‬
‫الشكل من الحكومة اسم ديمقراطية"‪.‬‬
‫أما (مونتسكيو) ففي معرض تقسيمه للحكومات اعتبر الحكم‬
‫الديمقراطي شكل ً من أشكال الحكم الجمهوري‪.‬‬
‫فالديمقراطية في راية تحكم على أساس الفضيلة السياسية‬
‫وتعني حب الدولة وحب المساواة‪ ،‬وفي ظل النظام الديمقراطي‬
‫فإن المواطنين يختارون وفقا ً لبمدأ المساواة وإمكانياتهم‬
‫وقدراتهم‪ ،‬والسلطة التشريعية يجب أن تكون بين الفراد كما أن‬
‫التصويت يجب أن يكون عاماً‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬فالديمقراطية بالمعنى اللغوي (حكم الشعب)‪ :‬هي قاعدة ل‬


‫يمكن تطبيقها على أرض الواقع في حال من الحوال‪ ،‬وهو المر‬
‫الذي يؤكده (روسو) حيث يقول (وإذا أخذنا عبارة الديمقراطية‬
‫بكل معناها الدقيق نجد أن الديمقراطية الحقيقية لم توجد أبداً‬
‫ولن توجد أبدا ً فيما يخالف النظام الطبيعية أن يحكم العدد الكبر‬
‫وأن يكون العدد الصغر هو المحكوم ول يمكن أن نتصور بقاء‬
‫الشعب مجتمعا ً على الدوام للنظر في الشؤون العامة ونستطيع‬
‫أن نرى بسهولة أنه ل يمكن إقامة لجان من أجل ذلك دون تغيير‬
‫في شكل الدارة‪.‬‬
‫أما المفهوم الصطلحي للديمقراطية فقد أصبح يشمل معان‬
‫أخرى أضيفت إليه كإعطاء الحرية للناس في تشريع القانون‬
‫واختيار من ينفذه من خلل النتخابات العامة التي تكفل‬
‫المساواة للفراد في المشاركة في الحياة السياسية حيث يكون‬
‫الرأي للغلبية‪.‬‬
‫ول شك أن الحرية والمساواة مفاهيم تتوق إليها النفس النسانية‬
‫التي بطبيعتها ترفض العبودية والظلم‪ ،‬ولذا نجد التغني‬
‫بالديمقراطية واعتبارها الحكم المنشود لكل شعب مضطهد‬
‫مظلوم تنطلق من هذين الشعارين اللذين ترفعهما‪.‬‬
‫إذن فالديمقراطية تعتبر منهجا ً في الحكم يرمي إلى وضع حد‬
‫لثنائية الحاكم والمحكوم التي سادت تاريخ أوروبا القديم‬
‫والوسيط‪ ،‬واقترنت بانتشار الحكم الفردي وسيطرة الكنيسة‬
‫وغياب القانون‪.‬‬

‫‪1074‬‬
‫ويهدف هذا المنهج إلى استبدال هذا الوضع القديم بآخر جديد هو‬
‫وضع الدولة الحديثة التي يحكمها القانون باعتبارها معبّرا ً عن‬
‫إرادة الشعب وملزما ً للرئيس والمرؤوس معا‪.‬‬
‫ولبلوغ هذا الهدف يعتمد المنهج الديمقراطي على جملة من‬
‫المبادئ الساسية التي تتولد عنها آليات وأجهزة دستورية تختلف‬
‫صيغتها التفصيلية من نظام إلى آخر‪ ،‬ويمكن إجمالها فيما يلي‪:‬‬
‫الشعب صاحب السيادة ومصدر السلطات والشرعية‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫انبثاق السلطات بواسطة النتخابات‬ ‫‪.2‬‬
‫القرار للغلبية بأن تحكم وللقلية بأن تعارض‬ ‫‪.3‬‬
‫التعددية الحزبية‬ ‫‪.4‬‬
‫التداول السلمي على السلطة‬ ‫‪.5‬‬
‫مراقبة الحكام وممارسة التأثير عليهم‬ ‫‪.6‬‬
‫فصل السلطات‬ ‫‪.7‬‬
‫ضمان حريات المعتقد والتعبير والعمل النقابي‬ ‫‪.8‬‬
‫حفظ مصالح الضعفاء والقليات‬ ‫‪.9‬‬
‫‪.10‬احترام حقوق النسان‬

‫مقارنة عامة لبعض المفاهيم بين الديمقراطية والسلم‬


‫مصدر التشريع‬
‫يمتاز نظام الحكم في السلم بخصائص أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬الحاكمية لله‬
‫‪ -2‬السيادة للمة‬
‫‪ -3‬الدولة السلمية واحدة في المبادئ‪ ،‬متعددة في الشكال‬
‫حسب الزمان والمكان‪.‬‬

‫الحاكمية لله؛ تعني أن مصدر التشريع هو الله سبحانه‬


‫وتعالى وحده وأن الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله‬
‫تعالى بالوحي‪.‬‬
‫الحاكم منفذ لحكام الله تعالى في المة مجتهد في‬
‫استنباط الحكام الشرعية من مصادرها الساسية‪.‬‬
‫طاعة الحاكم واجبة ما لم يخالف نصا ً صريحاً‪.‬‬
‫قال تعالى‪ ( :‬أيا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا‬
‫الرسول وأولي المر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى‬
‫الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخر ذلك خير‬
‫وأحسن تأويلً)‬
‫وقال تعالى‪ ( :‬وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى الله ورسوله‬
‫أمرا ً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)‪.‬‬

‫‪1075‬‬
‫وقال تعالى‪( :‬وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا ً لما بين يديه من‬
‫الكتاب ومهيمنا ً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ول تتبع أهواءهم‬
‫واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله اليك)‪.‬‬
‫قال تعالى( فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم)‬

‫أما النظام الديمقراطي‪ ،‬فإن حق التشريع للشعب‪ ،‬فالدستور‬


‫وسائر القوانين هي من صنع البشر ويمثل على أفضل تقدير‬
‫وفي لحظات مثالية تحكم الكثرية بالقلية‪.‬‬
‫وشتان بين نظام وضعه خالق النسان والعالم بخفايا نفسه‬
‫والقادر على وضع ما يصلها من القوانين التي توصل النسان إلى‬
‫سعادته الحقيقية وبين نظام يستمد من النسان الذي هو في‬
‫أفضل حالت نزاهته وتجرده عن اللذات عرضة للخطأ الذي‬
‫يذهب ضحيته البشر‪.‬‬

‫اختيار الحاكم‬
‫حق اختيار الحاكم هو للمة بواسطة أهل الحل والعقد‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫فالحكم بالسلم هو عقد عن تراض بين المة والحاكم‪.‬‬
‫البيعة تعني الطاعة والقبول‬ ‫‪-‬‬
‫الحاكم مقيد بتبني الحكام الشرعية المستنبطة استنباطاً‬ ‫‪-‬‬
‫صحيحا ً من الدلة الشرعية ومقيد بالحلل والحرام‪.‬‬
‫ل يخرج على الحاكم أو يعزل إل إذا أظهر كفرا ً بواحاً‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫عن عبادة بن الصامت قال‪( :‬بايعنا رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم على السمع والطاعة في المكره والمنشط‪ ،‬فبايعناه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا‬
‫ومكرهنا‪ ،‬وعسرنا ويسرنا‪ ،‬وأثرة علينا‪ ،‬وأن ل ننازع المر أهله إل‬
‫أن تروا كفرا ً بواحا ً عندكم من الله فيه برهان)‪.‬‬

‫الشورى‬
‫الشورى ضرورة إنسانية في جميع المجالت الجتماعية‬
‫والقتصادية والسياسية والعلقات الفردية‪.‬‬
‫قال عليه الصلة والسلم (إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه)‬
‫وهي في النظام السياسي في السلم من لوازم اليمان بالله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫قال تعالى ( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلة وأمرهم‬
‫شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون)‪.‬‬
‫النظام السياسي في السلم نظام شوري يرفض جميع‬
‫أشكال الحكم الستبدادي وكل النظمة السياسية الغوغائية‬
‫والفوضوية‪.‬‬

‫‪1076‬‬
‫قال تعالى (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً‬
‫غليظ القلب لنفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم‬
‫وشاورهم في المر فإذا عزمت فتوكل على الله‪ ،‬إن الله يحب‬
‫المتوكلين)‪.‬‬
‫الحاكم يمارس تنفيذ هذا النظام من خلل الوقوف على‬
‫رأي فئة من المة تتصف بالذكاء والحنكة والتجربة والخلص‬
‫للنظام والمة‪ ،‬وهذه الفئة تمثل المة تمثيل ً حقيقيا ً بجميع‬
‫قطاعاتها وتحاسب الحاكم محاسبة من شأنها تسديد مسيرته‬
‫ودعمه في اتجاهاته الخيرة وتعينه على اتخاذ القرارات المهمة‬
‫والحسم في المواقف التي تواجهه‪.‬‬

‫لما سار رسول الله إلى بدر خرج فاستشار الناس فأشار عليه‬
‫أبو بكر رضي الله عنه ثم استشارهم فأشار عليه عمر عنه‬
‫فسكت فقال رجل من النصار إنما يريدكم‪ ،‬فقالوا يا رسول الله‪،‬‬
‫"والله ل نكون كما قالت بنوا إسرائيل لموسى عليه السلم‬
‫(اذهب أنت وربك فقاتل إنا ههنا قاعدون)‪ ،‬ولكن والله لو ضربت‬
‫أكباد البل‪ ،‬حتى تبلغ برك الغماد لكنا معك"‪.‬‬
‫المرأة‬
‫لقد وزع السلم الختصاصات العملية توزيعا ً يوافق طبائع‬
‫الذكورة والنوثة‪.‬‬
‫ً‬
‫كفل السلم للمرأة حقوقا عديدة في المجالت السياسية‪،‬‬
‫فقد أقر لها حق المشاركة السياسية من حيث إبداء الرأي‪ ،‬وأن‬
‫الية الكريمة (وأمرهم شورى بينهم) لم تخص الرجال دون‬
‫النساء‪.‬‬
‫وقد شاركت أم سلمة في صلح الحديبة وهي التي أشارت على‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بأن يحلق رأسه‪.‬‬
‫كما عارضت أسماء بنت أبي بكر بيعة بأنها عبد الله بن الزبير‬
‫للمويين‪.‬‬

‫منح السلم للمرأة حق التعبير عن الرأي أسوة بالرجال‪.‬‬


‫فقد خطب عمر رضي الله فقال‪( :‬أل ل تغالوا في صدقات‬
‫النساء‪ ،‬فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان‬
‫أولكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصدق قط امرأة‬
‫من نسائه ول بناته فوق اثنتي عشرة أوقية‪ ،‬فقالت إليه امرأة‬
‫فقالت‪ :‬يا عمر يعطينا الله وتحرمنا‪ ،‬أليس الله سبحانه وتعالى‬
‫يقول (وآتيتم إحداهم قنطارا ً فل تأخذوا منه شيئاً)‪ ،‬فقال عمر‪،‬‬
‫أصابت امرأة وأخطأ عمر‪ ،‬وفي رواية فاطرق عمر ثم قال كل‬

‫‪1077‬‬
‫الناس افقه منك يا عمر‪ ،‬وفي رواية أخرى امرأة أصابت ورجل‬
‫أخطأ وترك النكار‪.‬‬
‫ساوى السلم بين الذكور والناث في حق التعليم والثقافة‬
‫فسح السلم أمام المرأة مجال العمل وراعى تركيبة‬
‫المرأة البيولوجية وأنوثتها‪.‬‬
‫=================‬
‫يقول الستاذ فهمي هويدي‪" :‬يظلم السلم مرتين‪ :‬مرة عندما‬
‫يقارن بالديمقراطية ومرة عندما يقال إنه ضد الديمقراطية‪ ،‬إذ‬
‫المقارنة بين الثنين خاطئة وادعاء التنافي خطيئة‪ ،‬المر الذي‬
‫يحتاج إلى تحرير أول ً واستجلء ثانياً"‪.‬‬

‫مفهوم الديمقراطية وتاريخها‬


‫لقد عرفت الديمقراطية لغويا ً أنها حكم الشعب‪.‬‬
‫وقد نشأ هذا المفهوم في أثينا في الثقافة اليونانية القديمة ثم‬
‫تجسدت هذه الفكرة في العصور اللحقة في الفكر السياسي‬
‫الغربي واتخذت نشاطا ً نضاليا ً من أجل الديمقراطية بين الحكام‬
‫والمحكومين بلغ أوجه خلل القرنين السابع عشر والثامن عشر‬
‫عندما استطاع البريطانيون من الحد من صلحيات الملك بعد‬
‫ثورتي ‪ 1649‬و ‪.1688‬‬
‫وكان لـ (جون لوك) دورا ً بارزا ً في الدعوة للديمقراطية بالمفهوم‬
‫الغربي والذي عرفها بأنها (حق الكثرية التي اكتسبت سلطة‬
‫الجماعة بالتحاد في استخدام تلك السلطة لتشريع القوانين‬
‫وتنفيذها بواسطة موظفين عينوا لذلك)‪.‬‬
‫أما الوليات المتحدة فلم تعرف النظام الديمقراطي إل بعد‬
‫الستقلل (‪ )1776‬وتجسدت في إعلن حقوق النسان وحريته‪.‬‬
‫رغم أن الديمقراطية المريكية بقيت مشوهة إلى اليوم حيث ل‬
‫يحق عمليا ً الترشيح للرئاسة إل لفئة معينة من الشعب‬
‫كالبروتستانت أو البيض أو النكلوسكسون‪ ،‬كما أن الثروة المالية‬
‫للمرشح مقدمة على أن نوع من الكفاءات الخرى‪.‬‬
‫أما في فرنسا فقد انفجرت الثورة سنة ‪ 1789‬معلنة حقوق‬
‫النسان والمواطن‪ ،‬حيث عرف جان جاك روسو الديمقراطية بما‬
‫يلي‪:‬‬
‫"يستطيع صاحب السيادة في المقام الول أن يعهد بأمانة الحكم‬
‫إلى الشعب كله أو إلى الجزء الكثر منه بحيث يكون هناك من‬
‫المواطنين الحكام أكثر من المواطنين الفراد ويطلق على هذا‬
‫الشكل من الحكومة اسم ديمقراطية"‪.‬‬

‫‪1078‬‬
‫أما (مونتسكيو) ففي معرض تقسيمه للحكومات اعتبر الحكم‬
‫الديمقراطي شكل ً من أشكال الحكم الجمهوري‪.‬‬
‫فالديمقراطية في راية تحكم على أساس الفضيلة السياسية‬
‫وتعني حب الدولة وحب المساواة‪ ،‬وفي ظل النظام الديمقراطي‬
‫فإن المواطنين يختارون وفقا ً لبمدأ المساواة وإمكانياتهم‬
‫وقدراتهم‪ ،‬والسلطة التشريعية يجب أن تكون بين الفراد كما أن‬
‫التصويت يجب أن يكون عاماً‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬فالديمقراطية بالمعنى اللغوي (حكم الشعب)‪ :‬هي قاعدة ل‬
‫يمكن تطبيقها على أرض الواقع في حال من الحوال‪ ،‬وهو المر‬
‫الذي يؤكده (روسو) حيث يقول (وإذا أخذنا عبارة الديمقراطية‬
‫بكل معناها الدقيق نجد أن الديمقراطية الحقيقية لم توجد أبداً‬
‫ولن توجد أبدا ً فيما يخالف النظام الطبيعية أن يحكم العدد الكبر‬
‫وأن يكون العدد الصغر هو المحكوم ول يمكن أن نتصور بقاء‬
‫الشعب مجتمعا ً على الدوام للنظر في الشؤون العامة ونستطيع‬
‫أن نرى بسهولة أنه ل يمكن إقامة لجان من أجل ذلك دون تغيير‬
‫في شكل الدارة‪.‬‬
‫مفهوم الديمقراطية حالياً‬
‫يقول الستاذ راشد الغنوشي‪ :‬مفهوم الديمقراطية مفهوم واسع‬
‫يتسع لمعاني كثيرة‪ ،‬ولكنها قد تلتقي عند معنى أنها نظام‬
‫كّن المحكومين من القدرة‬ ‫سياسي يجعل السلطة للشعب‪ ،‬ويُم ِ‬
‫على التأثير في حكامهم‪ ،‬بل قبل ذلك يعطيهم الحق في اختيار‬
‫حكامهم وفي التأثير فيهم والضغط عليهم‪ ،‬وعند القتضاء إلى‬
‫تغييرهم عبر آليات قد تختلف من نظام ديمقراطي إلى آخر‪،‬‬
‫ولكنها تلتقي أيضا ً عند آلية النتخاب أي القتراع الحر عبر‬
‫خطوات كثيرة وأشكال‪ ،‬وبالتالي يحقق هذا النظام التداول على‬
‫السلطة عبر صناديق القتراع‪ ،‬ويمكّن الناس‪ -‬أي المحكومين‪-‬‬
‫من حريات كالتعبير‪ ،‬وتكوين الحزاب واستقلل القضاء‪ ،‬وبالتالي‬
‫فالديمقراطية هي شكل يعلن عن أن هذا النظام السياسي يقوم‬
‫على سيادة الشعب‪ ،‬ومن جهة أخرى جملة من المضامين والقيم‬
‫تقر بكرامة الناس وبمساواتهم لبعضهم‪ ،‬ويقر لهم بجملة من‬
‫الحقوق وجملة من الحريات تجعلهم قادرين على اختيار حكامهم‬
‫والضغط عليهم وتغييرهم بالوسائل السلمية‪ ،‬تعطيهم الحق في‬
‫المشاركة في السلطة‪ ،‬وتجعلهم آمنين من الجور أو من‬
‫الستبداد‪.‬‬
‫السلم والديمقراطية‬

‫‪1079‬‬
‫يقول الدكتور يوسف القرضاوي ‪" :‬الحكم على الشيء فرع عن‬
‫تصوره" ومن هنا كان لبد أن نعرف ما هي الديمقراطية ‪،‬‬
‫الديمقراطية بجوهرها هذا ل تنافي السلم لنها تقوم على عدة‬
‫مبادئ‪:‬‬
‫أولً‪ :‬أن يختار الناس من يحكمهم‪ :‬ل أن يقود الناس من يكرهونه‬
‫ول يرضون عنه‪ ،‬فإذا كان السلم قال فيحق المامة الصغرى –‬
‫المقصود إمامة الصلة‪" :-‬ثلثة ل ترتفع صلتهم فوق رؤوسهم‬
‫م قوما ً وهم له كارهون" (رواه ابن‬ ‫شبراً‪ ،‬أول هذه الثلثة "رجل أ َّ‬ ‫ِ‬
‫ماجه والترمذي والطبراني و إسناده حسن أو صحيح)فإذا كان‬
‫هذا بالنسبة للمامة الصغرى فما بالك بالمامة الكبرى بقيادة‬
‫المة وفي الحديث (الذي رواه مسلم وأحمد والطبراني)‪" :‬خيار‬
‫أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم ‪،‬‬
‫وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم"‬
‫ثانياً‪ :‬المحاسبة‪ :‬وهي أن أن يحاسب الناس هذا الشخص بعد‬
‫اختياره إذ ل معصوم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫فلبد إذا ً أن يقوَّم الخطأ وأن يعان على الصواب‪ ،‬سيدنا أبو بكر‬
‫يقول‪" :‬أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فل طاعة‬
‫عليكم‪ ،‬إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني"‪ ،‬وابن‬
‫الخطاب يقول على المنبر‪" :‬رحم الله امرئ أهدى إلى عيوب‬
‫نفسي‪ ،‬مرحبا ً بالناصح أبد الدهر‪ ،‬مرحبا ً بالناصح غدوا ً وعشياً‪ ،‬من‬
‫ي اعوجاجا ً فليقومه"‪ ،‬وهكذا فمن حق المة يقول‬ ‫رأى منكم ف َّ‬
‫صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم‪" :‬الدين النصيحة‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫لمن يا رسول الله؟ قال لله ولرسوله ولكتابه ولئمة المسلمين‬
‫وعامتهم" ‪.‬‬
‫ولذلك حمل القرآن حملة شعواء على المتألهين في الرض‪،‬‬
‫ت)‪ ،‬فرعون الذي قال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫مي ُ‬ ‫حيِي وَأ ِ‬ ‫نمروذ الذي قال لبراهيم (أنَا أ ْ‬
‫م الَع ْلَى)‪ ،‬ومن مع فرعون؟ هامان وقارون‪ ،‬هامان‬ ‫َ‬
‫(أنَا َربُّك ُ ُ‬
‫السياسي الوصولي الذي يسند الطاغية المتجبر‪ ،‬والرأسمالي‬
‫القطاعي الذي يسند هذا وذاك قارون‪ ،‬السلم حمل على هؤلء‬
‫يعني جميعاً‪ ،‬وحمل على الشعوب التي تتبع هؤلء‪ ،‬ولذلك قال‬
‫َ‬
‫ساراً)‬‫خ َ‬‫ه وَوَلَدُه ُ إِل َّ َ‬‫مال ُ ُ‬‫م يَزِدْه ُ َ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫عن قوم فرعون‪( :‬وَاتَّبَعُوا َ‬
‫َ‬
‫جبَّارٍ ع َنِيدٍ)‪ ،‬ل يجوز‬ ‫ل َ‬ ‫مَر ك ُ ِّ‬‫وقال عن عاد قوم هود‪( :‬وَاتَّبَعُوا أ ْ‬
‫ه فَأَطَاع ُوهُ)‬ ‫م ُ‬ ‫ف قَ ْ‬
‫و َ‬ ‫خ َّ‬ ‫ست َ َ‬‫للمة أن تتبع‪ ..‬وقال عن فرعون‪( :‬فَا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شيدٍ) حمل الشعوب‬ ‫ن بَِر ِ‬ ‫مُر فِْرع َْو َ‬ ‫ما أ ْ‬
‫ن وَ َ‬ ‫مَر فِْرع َْو َ‬‫(فَاتَّبَعُوا أ ْ‬
‫المسؤولية‪ ،‬لن الشعوب يجب أن تتحمل تبعاتها في اختيار‬
‫الحاكم ومساءلته‪ ،‬ل أن تكون قطيعا ً يسوقه الحاكم بعصاه‪.‬‬

‫‪1080‬‬
‫ثالثاً‪ :‬القيم الديمقراطية‪ :‬كالحرية والكرامة وحقوق النسان ‪،‬هذه‬
‫كلها مبادئ إسلمية‪ ،‬هي عندهم تسمى حقوقاً‪ ،‬عندنا تسمى‬
‫فرائض‪ ،‬يعني ما يعتبر في الديمقراطية حقا ً في السلم يعتبر‬
‫فرضا ً وليس حقا ً يجوز التنازل عنه ومن أهم هذه الفرائض‪:‬‬
‫المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ :‬فرض عليك أن تأمر‬
‫بالمعروف وأن تنهى عن المنكر‪ ،‬وإل دخلت في الذين لعنوا كما‬
‫لعن بنو إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم‪ ..‬لماذا؟‬
‫منكَرٍ فَعَلُوهُ)‪.‬‬ ‫ن ع َن ُّ‬ ‫و َ‬‫(كَانُوا ل َ يَتَنَاهَ ْ‬
‫م)‬
‫منَا بَنِي آد َ َ‬ ‫‪ -‬كرامة النسان في السلم ‪( :‬وَلَقَد ْ كََّر ْ‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬المساواة‪( :‬يَا أَيُّهَا النَّا‬
‫م‬‫جعَلْنَاك ُ ْ‬
‫من ذ َكَرٍ وَأنثَى وَ َ‬ ‫خلَقْنَاكُم ِّ‬ ‫س إِنَّا َ‬
‫ُ‬
‫َ َ‬ ‫ل لِتعارفُوا إ َ َ‬
‫عند َ الل ّهِ أتْقَاك ُ ْ‬
‫م)‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬‫ن أكَْر َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫شعُوبا ً وَقَبَائ ِ َ َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫فكل المعاني التي قامت عليها الديمقراطية معاني يقرها‬
‫السلم‪ ،‬فلذلك نحن في غنى أن نقول ديمقراطية‪ ،‬ولكن لن‬
‫الديمقراطية وصلت إلى صيغ وأساليب وضمانات لتحقيق هذه‬
‫القيم السياسية التي جاء بها السلم‪ ،‬فنحن نقول البشرية في‬
‫صراعها مع الطغاة والمستبدين طوال العصور استطاعت‬
‫الوصول إلى تلك القيم فلماذا ل نستفيد منها‪.‬‬
‫السلم والديمقراطية‪...‬هل يكتب التوفيق لهذا الزواج‪-‬الجزء ‪1‬‬
‫________________________________________‬
‫الحاجة إلى الديمقراطية‬
‫يقول الستاذ راشد الغنوشي ‪ :‬غابت دولة الشورى في كل‬
‫المستويات منذ القرن الول (قال عليه الصلة والسلم‪:‬الخلفة‬
‫ث إلى هؤلء الملوك‪ ،‬و‬ ‫بعدي ثلثون ثم تكون ملكاً)وأصبحنا نوَّر ً‬
‫ساد التقليد وهو شكل من أشكال الستبداد أيضا ً ‪ ،‬وفي مجال‬
‫التربية ساد التصوف العمى "المريد بين يدي شيخه كالميت بين‬
‫يدي من يغسله"وهذا يلغي إرادة الناس يلغي إرادة من يسمون‬
‫المريدين لصالح الشيخ‪.‬‬
‫فأصبحنا إذا ً مجتمعنا ينتج الستبداد ويتحرك في إطار الستبداد‪.‬‬
‫فلما انفتحت النوافذ وجاء الهواء لم نستطع أن نتعايش مع الفكر‬
‫الحديث‪ ،‬وبادرنا برفضه‪ ،‬على سبيل المثال انظر ما حصل في‬
‫أفغانستان في التسعينات ‪ ،‬خرب البلد على يد مجاهدين‪ ،‬لماذا؟‬
‫لنهم لو اتفقوا على الديمقراطية كآليات لحسم خلفاتهم لرجعوا‬
‫للشعب الفغاني واحتكموا له‪ ،‬ومن يرضى به الشعب يُقبل‪،‬‬
‫ولكن هؤلء كثير من مشايخهم يرفضون الديمقراطية لنها حرام‬
‫–بزعمهم‪ -‬وأن الشعب ليس محل ثقة‪ ،‬ويقولون بنظام يتخيلونه‬
‫واضحاً‪ ،‬ولكنها مجرد أسماء‪ :‬يقولون نظام أهل الحل والعقد‪ ،‬من‬
‫هم أهل أحل والعقد؟ كيف نختارهم؟ هؤلء كانوا واضحين في‬

‫‪1081‬‬
‫مجتمع صغير كمجتمع المدينة‪ ،‬كيف نتوصل إليهم اليوم دون‬
‫ممارسة الليات الحديثة‪ ،‬آليات الديمقراطية في النتخاب؟‬
‫فخرب البلد رغم أنهم قد يكونون صالحين ومجاهدين‪ ،‬لكنهم‬
‫ورثوا هذا التخلف في فقهنا السياسي‪ ،‬فلم يتوفقوا إلى آليات‬
‫لحسم خلفاتهم‬
‫في الحركة السلمية جوانب كثيرة للتجديد ‪ ،‬فالسلم أقر مبدأ‬
‫الشورى‪ ،‬وأمرنا أل يقرر الفرد ولالنخبة المستبدة في القضايا‬
‫الكبرى ‪ ،‬وإنما المة كلها تُشارك في صناعة القرار‪.‬‬
‫فكرة المشاركة هذه فكرة أساسية جاء بها السلم‪ ،‬وأظن أن‬
‫غيابها وإقصاء المة عن شأنها واستبداد الفراد بالمجموع هو‬
‫الذي أنهك حضارتنا وأسلمها إلى النهيار‪ ،‬على حين توفق الغرب‬
‫في أن يحول شورانا هذه‪ -‬مبدأ الشورى المبدأ العظيم‪ -‬أن يجعل‬
‫له آليات تجعل من الشورى نظاما ً يحقق التداول على السلطة‪،‬‬
‫ويحقق المن من الجور‪ ،‬ويعطي للناس للشعب وسائل الضغط‬
‫من الغرب‬ ‫على الحكام‪ ،‬ويعطي وسائل النصح والتغيير‪ ،‬وبالتالي أ ِ‬
‫من الستبداد‪ ،‬وبقينا نحن المسلمين ل أمل لنا في نصح حكامنا‪-‬‬
‫فضل ً عن تغييرهم‪ -‬إل أن ننتظر زيارة ملك الموت لمستبد أو‬
‫إعلن دبابة في الهزيع الخير من الليل‪ ،‬وهذه كارثة على الحاكم‬
‫والمحكوم بصراحة‪.‬‬
‫ويرى بعض المفكرين أن البتعاد عن الديمقراطية يؤثر على‬
‫الدور الرسالي للسلم حيث يقول مراد هوفمان‪ :‬إذا لم يتمكن‬
‫العالم السلمي من تأكيد العنصر الديمقراطي الصيل الكامن‬
‫في تكوينه‪ ،‬وسيترتب على ذلك أن المسلمين لن يتمكنوا من‬
‫تحقيق وتطوير إمكاناتهم في شتى المجالت‪ :‬القتصادية‪،‬‬
‫والجتماعية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬وسيعقب ذلك تخلفه وعجزه السياسي‪.‬‬

‫الشورى واجب إسلمي‬


‫أوجب السلم الشورى‪ ،‬الحاكم يجب أن يستشير الناس ول‬
‫يستبد بالرأي‪ ،‬والشورى كما قال المام ابن عطية في تفسيره‪:‬‬
‫"من قواعد الشريعة وعزائم الحكام ومن ل يستشير أهل العلم‬
‫والدين من المراء فعزله واجب‪ ،‬وهذا ما ل خلف فيه"‪.‬‬
‫وبين الدكتور البوطي أن الشورى تمتاز عن الديمقراطية بأنها‬
‫"واجب في الوقت ذاته‪ ،‬كلف الله به المة‪ ،‬وحمل سائر أفرادها‬
‫مختلف تبعاته‪ "..‬وأوضح أن الشورى الشرعية أو التشريعية تعتبر‬
‫"عبادة تعاونية محضة يبتغى منها الوصول إلى مرضاة الله"‪.‬‬
‫و يقول الدكتور يوسف القرضاوي ‪:‬إن السلم أقام الحياة‬
‫السياسية على مبدأ الشورى‪ ،‬وهو مقرر في القرآن الكريم بقوله‬

‫‪1082‬‬
‫َ‬
‫م‬‫جابُوا لَِربِّهِ ْ‬ ‫ست َ َ‬‫نا ْ‬ ‫تعالى في وصف مجتمع المؤمنين (وَال ّذِي َ‬
‫م َّ‬ ‫َ‬ ‫موا ال َّ‬ ‫َ‬
‫ن) هذا‬ ‫م يُنفِقُو َ‬ ‫ما َرَزقْنَاهُ ْ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫شوَرى بَيْنَهُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫مُرهُ ْ‬ ‫صلة َ وَأ ْ‬ ‫وَأقَا ُ‬
‫في القرآن المكي‪ ،‬وفي القرآن المدني قال الله تعالى لرسوله‬
‫ضوا‬‫ب لنفَ ُّ‬ ‫ظ القَل ْ ِ‬‫ت فَظا ًّ غَلِي َ‬ ‫م وَلَوْ كُن َ‬ ‫ت لَهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن الل ّهِ لِن َ‬ ‫م َ‬‫مةٍ ِّ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َر ْ‬ ‫(فَب ِ َ‬
‫َ‬
‫مرِ) وإذا‬ ‫م فِي ال ْ‬ ‫شاوِْرهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ستَغْفِْر لَهُ ْ‬ ‫م وَا ْ‬ ‫ف ع َنْهُ ْ‬ ‫ك فَاع ْ ُ‬ ‫حوْل ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫كان الرسول مأمورا ً بالمشاورة فغيره أولى بأن يشاور يعني‬
‫قطعاً‪ ،‬وكان النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أكثر الناس مشاورة‪،‬‬
‫كما جاء في صحيح البخاري‪ ،‬أكثر الناس مشاورة لصحابه‪ ،‬هو‬
‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬وهذا يعني معروف‪ ،‬شاور في‬
‫غزوة بدر ‪ ،‬وشاور في غزوة أحد‪ ،‬وشاور في غزوة الخندق‪،‬‬
‫وكثيرا ً ما نزل عن رأيه إلى رأي أصحابه‪.‬‬
‫في غزوة بدر شاور قبل الغزوة‪ ،‬وشاور في أثناء الغزوة‪ ،‬وشاور‬
‫بعد الغزوة في مسألة السرى‪ ،‬في غزوة أحد شاور أيضاً‬
‫الصحابة في الخروج إلى المشركين أم البقاء في المدينة‪ ،‬وكان‬
‫رأيه ورأي كبار الصحابة أن يبقوا في المدينة‪ ،‬ولكن الشباب وهم‬
‫جمهور الناس رفضوا ذلك‪ ،‬وقالوا‪ :‬يعني ما دخل علينا فيها في‬
‫الجاهلية‪ .‬أفي السلم يدخلون علينا؟! وأبوا إل أن يخرجوا‪ ،‬فنزل‬
‫على رأيهم‪ ،‬في غزوة الخندق أيضا ً استشار السعود‪ :‬سعد بن‬
‫معاذ‪ ،‬وسعد بن الربيع‪ ،‬وسعد بن خيثمة‪ ،‬وسعد بن مسعود من‬
‫النصار حينما عرض عليه قبيلة غطفان أن يأخذوا ثلث ثمار‬
‫المدينة أو نصف ثمار المدينة ويرجعوا وينفضوا عن قريش‪،‬‬
‫وعرض الرسول عليهم هذا‪ ،‬وقال لهم‪ :‬إن العرب رمتكم عن‬
‫قوس واحدة‪ ،‬فل مانع إن إحنا نقسم المهاجمين بأننا نصالح‬
‫بعضهم وأن نتفرغ للبعض‪ ،‬ولكن هؤلء السعود وهم يمثلون‬
‫النصار رفضوا ذلك قالوا ما أخذوا منا تمرة في الجاهلية بعد أن‬
‫أعزنا الله بالسلم يأخذون منا؟ رفضوا ونزل النبي ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬على رأيهم‪.‬‬
‫َّ‬
‫جابُوا‬‫ست َ َ‬‫نا ْ‬ ‫و يقول مراد هوفمان معلقاً‪ :‬إن آية الشورى (وَالذِي َ‬
‫م َّ‬ ‫َ‬ ‫موا ال َّ‬ ‫َ‬
‫ما َرَزقْنَاهُ ْ‬
‫م‬ ‫م َو ِ‬‫شوَرى بَيْنَهُ ْ‬ ‫م ُ‬‫مُرهُ ْ‬ ‫صلة َ وَأ ْ‬ ‫م وَأقَا ُ‬ ‫لَِربِّهِ ْ‬
‫ن) جعلت واجب الشورى يمتد إلى المؤمنين كافة وليس‬ ‫فقُو َ‬ ‫يُن ِ‬
‫الرسول وحده‪ ،‬وقرنت واجب الشورى بفرض الصلة‪ .‬وهذه‬
‫الصيغة ذات أهمية قصوى ‪،‬حتى وإن كان فرض الخذ بالشورى ‪-‬‬
‫كما هو الحال في الغرب ‪ -‬قد عطل وانتهى الخذ به في التاريخ‬
‫السلمي الذي يتسم بالتسلط‪ ،‬ولم يعد الخذ بالشورى موضع‬
‫تنفيذ منذ حكم السرة الموية في دمشق عام ‪.750‬انتهى‬
‫ومنذ تلك اللحظة بدأ فشل المسلمين السياسي وقد صدق عليه‬
‫الصلة والسلم إذ يقول‪" :‬لينتقضن عرى السلم عروة عروة‬

‫‪1083‬‬
‫فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها فأولهن نقضا‬
‫الحكم وآخرهن الصلة"‬
‫وبهذا فل يجوز للمسلمين أن يفتخروا بالممارسة السياسية التي‬
‫مارسوها – أو بالصح مارسها الملوك‪ -‬بعد نهاية العقد الرابع‬
‫للهجرة‪.‬‬

‫آليات الديمقراطية السلمية‬


‫يقول مراد هوفمان‪ :‬أما أهم الشروط التي يجب توافرها في‬
‫كيان حكم إسلمي صحيح‪ ،‬هو أن يسود فيه الجماع على من‬
‫يحكم وما يحكم‪ ،‬أي أن يتم الحكم بموافقة الغالبية‪ ،‬حتى يكون‬
‫هناك عقد (بمفهوم روسو) يحكم العلقة بين الشعب والحكومة‪،‬‬
‫ويسمى العقد الجتماعي‪ ،‬وهو في السلم البيعة‪.‬‬
‫وفي الجزائر مثل ً اقترح الشيخ محفوظ نحناح زعيم الحركة‬
‫السلمية الجزائرية تسمية الشكل السلمي للديمقراطية‪،‬‬
‫شورى قراطية أي النظام الشوروي)‪.‬‬
‫وأعتقد أن على المسلمين بدل ً من الوقوف عند مفردات منفرة‪،‬‬
‫وإضاعة الجهد في مجادلت كلمية‪ ،‬أن يتبينوا أن أهم أهداف‬
‫الديمقراطية ووظائفها‪ ،‬إنما هي تأمين وجود رقابة منظمة على‬
‫الحكومات لمنع أي ظلم وتسلط وسوء استخدام للسلطة‪ ،‬وما‬
‫هذا إل جوهر الهداف السلمية‪.‬‬
‫ويتم تحقيق هذا في ديمقراطية إسلمية لها لبناتها‪.‬‬
‫وقد استخرجت من كلم هوفمان أهم تلك اللبنات‪:‬‬
‫‪ -‬اللبنة الولى‪ :‬بجعل القرآن الكريم المصدر العلى للدستور‬
‫‪ -‬اللبنة الثانية‪ :‬يجب أن توضع جميع القوانين المستمدة من‬
‫القرآن الكريم موضع اعتبار وقياس من قبل قانونيين مسلمين‪.‬‬
‫ملحظة‪:‬وهذا ل يعارض ممارسة الديمقراطية فالديمقراطيات‬
‫محكومة بالدساتير و الديمقراطية السلمية محكومة بدستور‬
‫مستمد من شرع الله‪.‬‬
‫‪ -‬اللبنة الثالثة‪ :‬قيام حياة نيابية إسلمية بناءً على التوجيه القرآني‬
‫بوجوب الشورى إذ ل ينكر أي مسلم في يومنا هذا وجوب الخذ‬
‫بالشورى‪ ،‬ول نفكر حقيقة أن الشورى ل يمكن أن تتم في‬
‫المجتمعات الحديثة ذات الكثافة العالية من خلل كل الفراد‪ ،‬بل‬
‫من خلل مجلس منتخب يمثل ناخبيه كما فعل موسى عليه‬
‫جل ً ل ِّ ِ‬
‫ميقَاتِنَا"‬ ‫ن َر ُ‬
‫سبْعِي َ‬
‫ه َ‬ ‫سى قَوْ َ‬
‫م ُ‬ ‫مو َ‬‫ختَاَر ُ‬
‫السلم من قبل " وَا ْ‬
‫‪ -‬اللبنة الرابعة (القتراع وسيلة النتخاب)‪ :‬السؤال الذي يمكن‬
‫أن يطرح من وجه نظر إسلمية ويكون موضع خلف‪ ،‬ليس وجود‬
‫مجلس للشورى‪ ،‬ولكن كيفية انتخاب أعضاء هذا المجلس‪.‬‬

‫‪1084‬‬
‫فإذا قام الحاكم _كما هو متبع في كثير من البلدان السلمية _‬
‫بتعيين أعضاء هذا المجلس‪ ،‬فكأنما يقوم الحاكم الذي يجب‬
‫مراقبته بمراقبة نفسه بنفسه‪ .‬ولذلك هناك تأييد متزايد‬
‫للنتخابات العامة الحرة لممثلي الشعب‪ ،‬ويحظى هذا القتراح‬
‫بموافقة غالبية المسلمين‪.‬‬
‫هناك عقبة من المحتمل أن تعوض الممارسة الديمقراطية‪ ،‬وهي‬
‫أنه يجب على المسلم أن يمتنع عن أن يطلب لنفسه منصباً‬
‫سياسياً‪ .‬ولقد كان هذا المر ‪-‬أي أن يطلب المرء لنفسه منصباً‬
‫سياسيا ‪-‬موضع رفض بل ازدراء‪ ،‬حتى إن الرسول محمد لم يعين‬
‫أحدا في منصب قيادي قد يكون طلبه لنفسه‪( .‬ولبد أن يصل‬
‫المسلمون إلى اجتهاد مناسب لحل هذا الشكال كأسلوب‬
‫التزكية مثل ً الذي اقترحه د‪.‬القرضاوي)‬
‫‪ -‬اللبنة الخامسة(الشورى الملزمة)‪:‬وهو أمر سنأتي إلى شرحه‬
‫تفصيل ً في فقرة اعتراضات على الديمقراطية‪.‬‬
‫‪ -‬اللبنة السادسة( القرار بالتعددية)‪ :‬يذكر القرآن إمكانية اختلف‬
‫يءٍ فَُردُّوه ُ إِلَى‬
‫ش ْ‬ ‫م فِي َ‬ ‫آراء ووجهات نظر المسلمين" فَإِن تَنَاَزع ْت ُ ْ‬
‫خيٌْر‬
‫ك َ‬ ‫ن بِاللّهِ وَالْيَوْم ِ ال ِ‬
‫خرِ ذَل ِ َ‬ ‫ل إِن كُنت ُ ْ‬
‫م تُؤ ْ ِ‬
‫منُو َ‬ ‫اللّهِ وَالَّر ُ‬
‫سو ِ‬
‫ن تَأ ْ ِويل" ولكن للسف يؤمن بعض المسلمين أن اختلف‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬
‫َ‬
‫وَأ ْ‬
‫وجهات النظر ما هو إل دليل لسوء النوايا ‪.‬‬
‫‪ -‬اللبنة السابعة( السلطة التشريعية)‪ :‬هناك ضرورة لصدار‬
‫تشريعات ل تنظم فقط الجوانب الفنية لبناء الشوارع والتعريفة‬
‫الجمركية والمسائل الصحية وضمانات العمل وغيرها ‪ ،‬بل أيضاً‬
‫هناك ضرورة لصدار أحكام تكميلية في مجال التعزير مثلً‪ .‬حدث‬
‫هذا في عهد الخلفة العباسية‪ ،‬حيث وجد نظامان للحكام‪ ،‬تزامنا‬
‫معاً‪ :‬أحكام الشريعة من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى نظام إدارة‬
‫وأحكام متحرز نسبياتهم من خلله استحداث عقوبات لم يذكرها‬
‫القرآن‪ ،‬مثل دفع الغرامة نقداً‪ ،‬والسجن‪.‬‬
‫أما المور التي ل تقبل التأويل فيجب في النظام السلمي التنبيه‬
‫أن "ل اجتهاد في مورد النص"‬
‫‪ -‬اللبنة الثامنة ‪ :‬فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية‬
‫‪.‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫الحرية بين السلم والديمقراطية‬
‫[الكاتب‪ :‬أبو بصير الطرطوسي]‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫‪1085‬‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على خاتم النبياء‬
‫والمرسلين‪.‬‬
‫وبعد‪...‬‬
‫ل توجد كلمة تغنت بها الشعوب‪ ،‬واستهوتها قلوبهم ككلمة‬
‫"الحرية"!‬
‫ل أو كتاب‪،‬‬ ‫تنادوا بها في كل واد ٍ ونادٍ‪ ،‬وفي كل خطبة ومقا ٍ‬
‫ل‬‫ورفعوها شعاراً‪ ،‬وجعلوها غاية يرخص في سبيلها كل غا ٍ‬
‫ونفيس!‬
‫وفي كثير من الحيان ينادون بها ول يعرفون ما الذي يريدونه‬
‫منها؟!‬
‫إلى أن أصبحت هذه الكلمة ‪ -‬لشدة فتنة الناس بها ‪ -‬مطية‬
‫دهاقنة الحكم والسياسة إلى أهدافهم ومآربهم ومصالحهم‬
‫الخاصة‪ ،‬وليصرفوا إليهم وجوه الناس!‬
‫وأصبحت الحرية ‪ -‬في كثير من الحيان ‪ -‬ذريعة وسببا ً لوأد‬
‫الحرية‪ ،‬والحريات‪ ،‬وإعلن الحروب على كثير من الشعوب!‬
‫وصوروا أن الديمقراطية هي التي تحقق لهم الحرية‪ ،‬لنها تقوم‬
‫على الحرية‪ ،‬لذا جعلوا من لوازم مناداتهم بالحرية التنادي‬
‫بالديمقراطية‪ ،‬وكأن كل واحدة منهما لزمة للخرى ومؤدية إليها‬
‫ول بد‪ ،‬فمن كان محبا ً للحرية والتحرر ل بد من أن ينادي‬
‫بالديمقراطية‪ ،‬ويكون محبا ً لها والعكس كذلك‪ ،‬وكل من كان‬
‫عدوا ً للديمقراطية فهو عدو للحرية‪ ،‬كما زعموا!‬
‫والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة‪:‬‬
‫هل الديمقراطية ‪ -‬كما تمارس في أرقى الدول الغربية‬
‫الديمقراطية ‪ -‬فعل ً تحقق الحرية التي يحتاجها ويريدها النسان‪،‬‬
‫وترقى به إلى المستوى المطلوب والمنشود من الحرية؟!‬
‫وما هي نوعية وصفة وحدود الحرية التي تحققها الديمقراطية‬
‫للشعوب؟!‬
‫وهل النسان المريكي أو الوربي فعل ً هو حر‪ ،‬وهل الحرية التي‬
‫يعيشها في بلده ومجتمعاته فعل ً هي الحرية‪ ،‬أو من الحرية؟!‬
‫وهل السلم يتعارض مع مبدأ الحرية‪ ،‬أم أنه يقرها ويدعو إليها؟!‬
‫ثم ‪ -‬إن كان يقرها ‪ -‬كيف ينظر للحرية‪ ،‬وكيف يمارسها‪ ،‬وما هو‬
‫الممنوع منها وما هو المسموح؟!‬
‫وهل الحرية التي يريدها السلم هي ذات الحرية التي تريدها‬
‫الديمقراطية‪ ،‬أم يوجد فارق بينهما؟!‬
‫ثم أيهما أصدق لهجة وواقعا ً مع الحرية المنشودة‪ ،‬السلم أم‬
‫الديمقراطية؟!‬

‫‪1086‬‬
‫هذه السئلة وغيرها تحملنا على المقارنة بين الحرية كما يريدها‬
‫ف وأربعمائة سنة خلت‪ ،‬ول‬ ‫السلم‪ ،‬وكما مارسها لكثر من أل ٍ‬
‫يزال يمارسها ويدعو إليها‪ ،‬وبين الحرية كما تريدها الديمقراطية‪،‬‬
‫وكما تمارس في واقع أرقى الدول والمجتمعات الديمقراطية‬
‫المعاصرة‪ ،‬لنرى أيهما أجدى نفعاً‪ ،‬وأصدق لهجة‪ ،‬وأولى‬
‫بالسلمة‪ ،‬وأقرب للحق والصواب!‬
‫فأقول‪:‬‬
‫الحرية في الديمقراطية‪ ،‬يقوم بتحديدها‪ ،‬وتحديد المسموح منها‬
‫من الممنوع النسان القاصر الضعيف‪ ،‬وفق ما تملي عليه أهواؤه‬
‫ونزواته وشهواته‪ ،‬وهذا يعني أن مساحة الحرية في الديمقراطية‬
‫تتسع أحيانا ً وتضيق أحياناً‪ ،‬بحسب ما يرتئيه النسان المشّرِع في‬
‫كل يوم أو ظرف‪ ،‬بحسب ما يظن فيه المصلحة!‬
‫وهذا يعني أن الشعوب تكون حقل تجارب‪ ،‬وهي في حالة تغيير‬
‫وتقلب مستمر مع ما يجوز لهم ومال يجوز لهم من الحرية!‬
‫بينما الحرية في السلم‪ ،‬الذي يقوم بتحديدها‪ ،‬وتحديد المسموح‬
‫منها من الممنوع‪ ،‬هو الله تعالى وحده‪ ،‬خالق النسان المنزه عن‬
‫صفات النقص أو الضعف والعجز‪ ،‬العالم بأحوال عباده وما‬
‫يُناسبهم وما يحتاجون إليه‪ ،‬وبالتالي فالحرية في السلم تمتاز‬
‫بالثبات والستقرار‪ ،‬فالذي يجوز من الحرية للنسان قبل ألف‬
‫ئ يعرف ما له‬ ‫وأربعمائة سنة يجوز له إلى قيام الساعة‪ ،‬فكل امر ٍ‬
‫وما عليه‪ ،‬والمساحة التي يمكن أن يتحرك بها كحق وهبه الله‬
‫إياه!‬
‫كما أنها تمتاز بالحق المطلق والعدالة المطلقة؛ لنها صادرة عن‬
‫الله عز وجل‪ ،‬وهذا بخلف الحرية في الديمقراطية الصادرة عن‬
‫النسان الذي يحتمل الوقوع في الظلم والخطأ‪ ،‬والقصور!‬
‫الحرية في الديمقراطية‪ ،‬يكون النسان حرا ً في دائرة المباحات‬
‫التي أذن له المشرعون من البشر أن يتحرك بها!‬
‫بينما الحرية في السلم‪ ،‬يكون النسان حرا ً في دائرة المباحات‬
‫والمسموحات التي أذن الله بها‪ ،‬وأذن لعبده استباحتها والتنعم‬
‫بها‪ ،‬والتحرك فيها!‬
‫الحرية في الديمقراطية‪ ،‬تحارب وتنكر الشر الذي يتفق عليه‬
‫المشرعون من البشر بأنه شٌّر‪ ،‬وهذا من لوازمه ‪ -‬بحكم جهلهم‬
‫وقصورهم وعجزهم ‪ -‬أن يدخلوا كثيرا ً من الشر في دائرة الخير‬
‫الجائز والمباح‪ ،‬كما من لوازمه أن يدخلوا كثيرا ً من الخير في‬
‫دائرة الشر الممنوع والمحظور‪ ،‬عقل ً وشرعاً!‬
‫كم من أمر يجيزونه تحت عنوان الحرية ثم بعد ذلك يظهر لهم‬
‫خطؤهم وظلمهم فينقضونه ويمنعونه‪ ،‬وكذلك كم من أمر‬

‫‪1087‬‬
‫يحرمونه ويمنعونه ثم يظهر لهم نفعه‪ ،‬فيجيزونه ويُبيحونه‪ ،‬وهذا‬
‫كله يقلل من قيمة الحرية التي يدعونها!‬
‫بينما الحرية في السلم‪ ،‬تحارب وتنكر الشَّر الذي حكم الله‬
‫تعالى عليه بأنه شٌّر‪ ،‬الذي ما بعده إل الخير‪ ،‬وذلك لما ذكرناه آنفاً‬
‫أن الله تعالى منزه عن الخطأ أو الزلل سبحانه وتعالى‪ ،‬فهو‬
‫سبحانه وتعالى ل يجيز إل الخير والنافع‪ ،‬كما أنه ل يحرم إل كل‬
‫شّرٍ وقبيح!‬
‫فالله تعالى جميل يحب الجمال‪ ،‬وبالتالي فهو ل يُشّرِع إل الجميل‬
‫والجمال‪ ،‬فحاشاه سبحانه وتعالى أن يشرع القبيح أو يأذن به!‬
‫ومنه نعلم أن الحرية في السلم‪ ،‬تتحرك في جميع ميادينها مع‬
‫الجميل والجمال‪ ،‬وتبتعد كل البعد عن الخبائث والقبائح!‬
‫الحرية في الديمقراطية‪ ،‬تعبد العبيد للعبيد‪ ،‬فتجعل العبيد‬
‫منقادين لعبيد ربما يكونون أقل منهم شأناً‪ ،‬يُشرعون ويُقننون‬
‫لهم‪ ،‬يُحرمون ويُحلون لهم‪ ،‬وليس على الخرين إل الطاعة‬
‫والستسلم والنقياد‪ ،‬والخضوع!‬
‫فأي حرية هذه‪ ،‬مع العبودية للمخلوق هذه؟!‬
‫بينما الحرية في السلم‪ ،‬فإنها تعمل على تحرير العباد ‪ -‬كل‬
‫العباد ‪ -‬من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد وحده سبحانه‬
‫وتعالى!‬
‫فإن قيل‪ :‬هي في نهاية المطاف عبادة وعبودية‪ ،‬فأين الحرية؟!‬
‫أقول‪ :‬أجيب على هذا السؤال الساقط من أوجه‪:‬‬
‫منها‪ :‬أن الله تعالى هو الذي خلق النسان‪ ،‬وأنشأه ورباه‪ ،‬وهداه‬
‫النجدين‪ ،‬وسخر له الكون كله‪ ،‬وبالتالي من حقه سبحانه وتعالى‬
‫أن يُعبد‪ ،‬ومن الواجب على عباده أن يعبدوه ويُخلصوا في عبادته‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬وشكره‪ ،‬واتباع أوامره!‬
‫فعبادة العبد لخالقه وحده‪ ،‬عز‪ ،‬وفخر‪ ،‬ورفعة‪ ،‬وشرف ما بعده‬
‫شرف‪ ،‬بينما عبادته للمخلوق العاجز الضعيف‪ ،‬ظلم‪ ،‬وذل‪،‬‬
‫وضياع‪ ،‬وعذاب ما بعده عذاب!‬
‫ومنها‪ :‬أن المرء فُطر على العبودية والتدين‪ ،‬فهو إن لم يكن عبداً‬
‫لخالقه‪ ،‬فسيكون ل محالة عبدا ً للمخلوق وفي الباطل‪ ،‬أيا ً كانت‬
‫صورة ونوعية هذا المخلوق!‬
‫ومنها‪ :‬أن إفراد الله تعالى وحده بالعبادة‪ ،‬هو عين التحرر من‬
‫عبادة اللهة الخرى الوضيعة المكذوبة المزعومة!‬
‫الحرية في الديمقراطية‪ ،‬تُخضع النسان لكثير من المؤثرات‬
‫والضغوط الخارجية التي تفقده كثيرا ً من حرية الختيار والتفكير‪:‬‬
‫ضغط العلم بجميع فروعه وتخصصاته ووسائله‪ ،‬ضغط إثارة‬
‫الشهوات ووسائل اللهو بجميع أصنافها وألوانها‪ ،‬وما أضخمها‪،‬‬

‫‪1088‬‬
‫ضغط الحاجة والسعي الدؤوب وراء الرزق والكسب‪ ،‬ضغط‬
‫سحرة الساسة والحبار والرهبان ومدى تزويرهم للحقائق‪ ،‬ضغط‬
‫المخدرات والمسكرات المنتشرة في كل مكان‪ ،‬وأخيرا ً التلويح‬
‫باستخدام عصا الرهاب والتهديد الجسدي والمادي لمن يستعصي‬
‫على جميع تلك الوسائل والضغوطات‪ ،‬ول يستعصي عليها إل من‬
‫رحمه الله‪ ،‬وما أقلهم!‬
‫فهذه الضغوط والمؤثرات تُسلب المرء صفة حرية الختيار‪،‬‬
‫والتفكير‪ ،‬واتخاذ المواقف التي يريدها ويرضاها بعيدا ً عن تلك‬
‫المؤثرات الخارجية المصطنعة!‬
‫هذه الضغوط والمؤثرات التي يصعب الفكاك منها‪ ،‬تُسلب المرء‬
‫حريته‪ ،‬وإن زعم بلسانه أنه حٌّر‪ ،‬وظهر للخرين بأنه حر!‬
‫لذلك نجد طغاة القوم ومستكبريهم‪ ،‬وأحبارهم ورهبانهم‪ ،‬ل‬
‫يحتاجون إلى مزيد عناء عندما يريدون من شعوبهم أن تسير في‬
‫اتجاه دون اتجاه‪ ،‬أو يريدون حملهم على استعداء جهة دون جهة‪،‬‬
‫أو على اختيار شيء دون شيء‪ ،‬يكفي لتحقيق ذلك أن يُسلطوا‬
‫عليهم قليل ً من تلك المؤثرات والضغوطات النفة الذكر‪ ،‬ولفترة‬
‫وجيزة من الوقت!‬
‫هذه الضغوط والمؤثرات التي تسلب المرء حريته‪ ،‬هي المعنية‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫مكُْر‬‫ل َ‬ ‫ستَكْبَُروا ب َ ْ‬‫نا ْ‬ ‫ض َعِفُوا لِل ّذِي َ‬ ‫ست ُ ْ‬‫نا ْ‬ ‫ل ال ّذِي َ‬ ‫من قوله تعالى‪{ :‬وَقا‬
‫اللَّيل والنَهار إذ ْ تأ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سُّروا‬‫ه أنْدَادا ً وَأ َ‬‫ُ‬ ‫ل لَ‬‫جعَ َ‬ ‫ن نَكْفَُر بِالل ّهِ وَن َ ْ‬‫مُرونَنَا أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ِ َ َّ ِ ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن كَفَُروا‬ ‫ق ال ّذِي َ‬‫ل فِي أع ْنَا ِ‬ ‫جعَلْنَا اْلغْل َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ما َرأوُا الْعَذ َا َ‬
‫َ‬
‫ة ل َ َّ‬
‫م َ‬ ‫النَّدَا َ‬
‫ن}‪.‬‬‫ملُو َ‬ ‫ما كَانُوا يَعْ َ‬ ‫ن إ ِ ّل َ‬
‫جَزوْ َ‬ ‫ل يُ ْ‬‫هَ ْ‬
‫ليس مكر الليل وحسب‪ ،‬أو مكر النهار وحسب‪ ،‬بل هو مكر الليل‬
‫والنهار وعلى مدار الوقت‪ ،‬بحيث ل يُعطى المرء منهم لحظة‬
‫واحدة يخلد فيها للراحة والهدوء والتفكير‪ ،‬حتى ل يهتدي إلى‬
‫الحق‪ ،‬ويعرف أين هو من الصواب!‬
‫بينما الحرية في السلم‪ ،‬تحرر المرء من جميع تلك المؤثرات‬
‫الخارجية التي تقلل من حريته وحرية اختياره وقراره‪ ،‬وربما‬
‫تسلبها كلها‪ ،‬لتعيد له جميع قواه النفسية والجسدية والمعنوية‪،‬‬
‫وترفع عنه جميع الغلل والقيود‪ ،‬ثم تقول له بعد ذلك‪ :‬اختر الذي‬
‫ن}‪.‬‬ ‫تريده‪{ ،‬ل إِكَْراه َ فِي الدِّي ِ‬
‫الحرية في الديمقراطية‪ ،‬تمر بصاحبها على الجيف المتآكلة‪،‬‬
‫وعلى القبائح‪ ،‬وعلى المراض‪ ،‬وعلى الفساد‪ ،‬وعلى كل ما يُفسد‬
‫الذوق الجميل‪ ،‬والطبائع السوية‪ ،‬فتجرئه على الشذوذ والعتداء‪،‬‬
‫والدمان على ذلك!‬

‫‪1089‬‬
‫ومثله كمثل الذي يقود سيارة بل كوابح‪ ،‬ول ضوابط‪ ،‬ول مراعاة‬
‫لحقوق طريق أو مار‪ ،‬فيصطدم بالجميع‪ ،‬ويمر على الجميع‪،‬‬
‫ويعتدي على الجميع!‬
‫بينما الحرية في السلم‪ ،‬تمر بصاحبها على كل ما هو جميل أو‬
‫طيب‪ ،‬كما أنها ل تسمح له أن يتعدى ذلك‪ ،‬ليمر على الخبائث‬
‫والجيف والمراض‪ ،‬لتحافظ على سلمة ذوقه‪ ،‬وتفكيره‪ ،‬وصحته‪،‬‬
‫وإيمانه!‬
‫ومثله كمثل الذي يقود سيارة بكوابح وضوابط‪ ،‬ينطلق حيث‬
‫قّ‬
‫ينبغي النطلق‪ ،‬ويقف حيث ينبغي التوقف‪ ،‬ويُعطي كل ذي ح ٍ‬
‫ط ول تفريط!‬ ‫حقه‪ ،‬من غير إفرا ٍ‬
‫الحرية في الديمقراطية‪ ،‬تظهر وكأنها منحة يمن بها النسان على‬
‫أخيه النسان‪ ،‬يعطيه منها ما يشاء ويسلبها منه متى يشاء!‬
‫بينما الحرية في السلم‪ ،‬حق وهبه الله تعالى لعباده‪ ،‬وفطرهم‬
‫عليه‪ ،‬ل منة فيه لمخلوق على مخلوق‪ ،‬ل يجوز أن يُسلب أو‬
‫ن منه سبحانه‬‫ن بي ٍ‬
‫يُنتقص منه شيء إل بإذن الله‪ ،‬وبسلطا ٍ‬
‫وتعالى‪ ،‬يتجسد هذا المعنى في مقولة عمر بن الخطاب رضي‬
‫الله عنه لبعض أمرائه‪( :‬متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم‬
‫أمهاتهم أحراراً)‪.‬‬
‫هذه هي الحرية في الديمقراطية‪ ،‬وهذه هي الحرية في السلم‪،‬‬
‫فأي الفريقين أولى بالحرية‪ ،‬والسلمة‪ ،‬والحق؟!‬
‫الحرية في الديمقراطية أم الحرية في السلم؟!‬
‫َ‬ ‫{واستقم ك َ ُ‬
‫م}‪.‬‬‫ت وَل تَتَّبِعْ أهْوَاءَهُ ْ‬ ‫ما أ ِ‬
‫مْر َ‬ ‫َ ْ َ ِ ْ َ‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‬
‫عبد المنعم مصطفى حليمة؛ أبو بصير‬
‫‪ 8/3/1423‬هـ‬
‫‪---------------------‬‬
‫‪ -170‬ما موقف السلم من الفنون ؟‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ السلم دين يحب الجمال ويدعو إليه فى كل شىء‪ .‬والنبى‬
‫صلى الله عليه وسلم يقول‪ [ :‬إن الله جميل يحب الجمال ] (‪.)1‬‬
‫والفن هو فى حقيقته إبداع جمالى ل يعاديه السلم‪ .‬وغاية ما فى‬
‫المر أن السلم يجعل الولوية للمبدأ الخلقى على المبدأ‬
‫الجمالى ‪ ،‬بمعنى أنه يجعل الثانى مترتبًا على الول ومرتبطًا به‪.‬‬
‫وهذا هو الموقف المبدئى للسلم إزاء جميع أشكال الفنون‪.‬‬
‫وهناك معيار إسلمى للحكم على أى فن من الفنون يتمثل فى‬
‫سنُه حسن وقبيحه قبيح‪.‬‬ ‫ح َ‬ ‫قاعدة تقول‪َ :‬‬

‫‪1090‬‬
‫والقرآن الكريم فى العديد من آياته يلفت النظار إلى ما فى‬
‫الكون من تناسق وإبداع وإتقان ‪ ،‬وما يتضمنه ذلك من جمال‬
‫وبهجة وسرور للناظرين (‪ .)2‬ومن هنا ل يعقل أن يرفض السلم‬
‫الفن إذا كان جميلً‪.‬‬
‫أما إذا اشتمل على القبح بما يعنيه ذلك من قبح مادى ومعنوى‬
‫فإن السلم يرفضه ول يوافق عليه‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وترتيبًا على ما تقدم فإن الفن إذا كان هدفه المتعة الذهنية ‪،‬‬
‫وترقيق الشعور ‪ ،‬وتهذيب الحاسيس ‪ ،‬فل اعتراض عليه‪ .‬ولكن‬
‫إذا خرج عن ذلك وخاطب الغرائز الدنيا فى النسان ‪ ،‬وخرج عن‬
‫أن يكون فنًّا هادفًا فإنه حينئذ ل يساعد على بناء الحياة ‪ ،‬بل‬
‫يعمل على هدمها ‪ ،‬وبذلك يخرج عن أن يكون فنًّا ‪ ،‬بل يصير نوع ًا‬
‫من اللهو المذموم والعبث المرفوض‪ .‬وهذا أمر ل يقره السلم‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ إذا كانت الموسيقى والغناء تحمل إلينا ألحانًا جميلة وكلمات‬
‫ما راقية ‪ ،‬وأصواتًا جميلة ‪ ،‬فذلك ل يرفضه السلم‬ ‫مهذبة وأنغا ً‬
‫طالما كان فى إطار المبدأ الخلقى ‪ ،‬أى طالما كان هدف الفن‬
‫هو السمو بالنسان وبأحاسيسه ووجدانه ومشاعره‪ .‬وقد امتدح‬
‫النبى صلى الله عليه وسلم صوت أبى موسى الشعرى ـ وكان‬
‫صوته جميل ً ـ وهو يتغنى بالقرآن‪ .‬وكان النبى يختار من بين‬
‫أصحابه للذان أجملهم صوتًا‪ .‬وقد سمع النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم صوت الدف والمزمار دون تحرج‪ .‬وفى يوم عيد دخل أبو‬
‫بكر على ابنته عائشة زوجة الرسول ولديها جاريتان تغنيان‬
‫وتضربان بالدفوف فاعترض أبو بكر على ذلك‪ .‬ولكن النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم رفض ما أبداه أبو بكر من احتجاج فى هذا الصدد‬
‫قائلً‪ [ :‬دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد ] (‪ .)3‬وقد أوصى النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم نفسه السيدة عائشة أن ترسل من يغنى‬
‫فى حفل زفاف قريبة لها ُزفت إلى رجل من النصار‪.‬‬
‫وهناك مرويات أخرى عديدة عن النبى صلى الله عليه وسلم‬
‫تبين أن الغناء والموسيقى ليسا من المحرمات فى السلم ما لم‬
‫يصحبهما أمور منكرة غير أخلقية (‪.)4‬‬
‫‪ 4‬ـ أما الرقص‪ :‬فالسلم يفرق فيه بين رقص المرأة ورقص‬
‫الرجل‪ .‬فالرقصات الشعبية التى يؤديها الرجال مثل ً ل ضير فيها ‪،‬‬
‫وقد سمح النبى صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة بمشاهدة‬
‫الحباش وهم يرقصون فى يوم عيد‪.‬‬
‫ورقص المرأة أمام النساء ل حرج فيه‪ .‬أما رقصها أمام الرجال‬
‫فذلك ل يقره السلم لما فيه من محاذير كثيرة‪.‬‬
‫ما مادام فى إطار المبدأ الخلقى ‪،‬‬ ‫‪ 5‬ـ أما التمثيل فإنه ليس حرا ً‬
‫ول ينكر أحد ما للتمثيل الهادف من دور فعال فى معالجة الكثير‬

‫‪1091‬‬
‫من المشكلت والقضاء على العديد من السلبيات فى المجتمع‪.‬‬
‫ضا أن يشتمل التمثيل على ألوان من اللهو البرئ‬ ‫ول حرج أي ً‬
‫والترويح المقبول والترفيه الذى ل يخرج عن نطاق المعقول‪.‬‬
‫وكذلك التصوير ل ضير فيه ‪ ،‬بل أصبح فى حياتنا المعاصرة يمثل‬
‫فى أحيان كثيرة ضرورة ل غنى عنها‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ أما النحت أو التماثيل المجسمة فهناك نصوص واضحة فى‬
‫تحريمها‪ .‬ويرجع السبب فى تحريم السلم لذلك بالدرجة الولى‬
‫إلى ما يخشى من توقير هذه التماثيل أو عبادتها كما كان يفعل‬
‫ما‪.‬‬
‫عباد الصنام قدي ً‬
‫فإذا لم يكن ذلك واردًا على الطلق نظًرا لرتفاع درجة الوعى‬
‫لدى الناس فل ضرر منه ول حرج فيه لنعدام سبب التحريم‪ .‬غير‬
‫أن السلم من باب سد الذرائع ل يريد أن يفتح هذا الباب لما‬
‫يمكن أن يترتب عليه من محاذير فى أزمنة مستقبلية‪ .‬فالسلم‬
‫يشرع لكل الجيال ولمختلف العصور‪ .‬وما يستبعد فى بيئة قد‬
‫يقبل فى أخرى ‪ ،‬وما يعتبر مستحيل ً فى عصر قد يصبح حقيقة‬
‫واقعة فى عصر آخر قريب أو بعيد‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم فى كتاب اليمان‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الحجر‪ ، 16 :‬النحل‪ ، 6 :‬فصلت‪.12 :‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪.‬‬
‫(‪ )4‬راجع‪ :‬الحلل والحرام فى السلم للدكتور القرضاوى ص ‪291‬‬
‫وما بعدها ـ الدوحة ‪ ،‬قطر ‪1978‬م ‪ ،‬والشيخ محمد الغزالى‪ :‬مائة‬
‫سؤال عن السلم ج ‪ 1‬ص ‪ 174‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫‪-171‬ما أسباب تفرق المسلمين رغم دعوة السلم‬
‫للوحدة ؟‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ل ينكر أحد أن الشعوب السلمية فى عصرنا الحاضر متفرقة‬
‫ومتنازعة فيما بينها ‪ ،‬فهذا واقع ملموس ل يحتاج إلى برهان‪.‬‬
‫ولكن هذا يُعد مرحلة فى تاريخ المسلمين شأنهم فى ذلك شأن‬
‫بقية الشعوب والمم الخرى‪ .‬ول يعنى ذلك أنهم سيظلون كذلك‬
‫إلى البد‪ .‬وكما استطاعت الشعوب الوروبية أن تتغلب على‬
‫عوامل الفرقة والتنازع فيما بينها والتى أدت إلى حربين عالميتين‬
‫شهدهما القرن العشرون ـ فإن الشعوب السلمية سوف‬
‫ضا على عوامل الفرقة‬ ‫تستطيع فى مستقبل اليام أن تتغلب أي ً‬
‫فيما بينها ‪ ،‬والبحث عن صيغة ملئمة للتعاون المثمر من أجل‬
‫مصلحة المجتمعات السلمية كلها‪.‬‬

‫‪1092‬‬
‫وهناك محاولت مستمرة فى هذا الصدد وإن كانت بطيئة وذات‬
‫تأثير محدود ومتواضع مثل منظمة المؤتمر السلمى التى تضم‬
‫كل الدول السلمية ‪ ،‬إل أنه يمكن تطوير العمل فى هذه‬
‫المنظمة وغيرها من منظمات إسلمية أخرى للوصول بها إلى‬
‫مرحلة متقدمة من التعاون الوثق‪ .‬وللمة السلمية فى تعاليم‬
‫السلم فى الوحدة والتعاون والتآلف والتكافل أعظم سند يضمن‬
‫لها نجاح هذه المحاولت فى مستقبل اليام‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ فالسلم فى مصادره الصلية يدعو إلى الوحدة والتضامن‬
‫ويحذر من الفرقة والتنازع (واعتصموا بحبل الله جميعًا ول تفرقوا‬
‫) (‪ ، )1‬ويدعو إلى الشعور بآلم الخرين والمشاركة فى تخفيفها ‪،‬‬
‫ويجعل المة كلها مثل الجسد الواحد ـ كما يقول النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ [ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر العضاء‬
‫بالسهر والحمى ] (‪ .)2‬ويعتبر السلم رابطة العقيدة بمنزلة‬
‫رابطة الخوة‪( :‬إنما المؤمنون إخوة ) (‪ .)3‬وحينما هاجر النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم إلى المدينة آخى بين المهاجرين والنصار ‪،‬‬
‫فأصبحوا إخوة متحابين متضامنين فى البأساء والضراء‪ .‬وآيات‬
‫القرآن وأحاديث النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك أكثر من أن‬
‫تحصى‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ هناك أسباب خارجية كثيرة أدت إلى النقسام والفرقة بين‬
‫المسلمين فى العصر الحديث‪ .‬وترجع هذه السباب فى قدر كبير‬
‫منها إلى الفترة التى هيمن فيها الستعمار على بلد العالم‬
‫السلمى‪ .‬وعندما رحل ترك مشكلت عديدة كان هو سببًا فيها‬
‫مثل مشكلت الحدود ‪ ،‬وكانت القاعدة التى على أساسها خطط‬
‫سد "‪ .‬ومن هنا عمل على إحياء‬ ‫لسياساته هى مبدأ‪ " :‬فَّرِق ت َ ُ‬
‫مرة‪ .‬وقام بنهب‬ ‫العصبيات العرقية بين شعوب البلد المستع َ‬
‫خيرات هذه البلد ‪ ،‬وأدى ذلك إلى إفقارها وتخلفها الحضارى‬
‫الذى ل تزال آثاره باقية حتى اليوم‪ .‬ول تزال معظم شعوب‬
‫العالم السلمى تعانى من المشكلت التى خلفها الستعمار‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ انشغل المسلمون بالمشكلت الكثيرة التى خلفها الستعمار‬
‫وغفلوا عن تعاليم السلم فى الوحدة والتضامن‪.‬‬
‫ولكن الشعوب السلمية ل تزال تحن إلى وحدة جهودها ‪،‬‬
‫وتضامنها فيما بينها ‪ ،‬وتجميع قواها فى سبيل الخير لهذه‬
‫الشعوب جميعها‪ .‬ول يزال المسلم فى أى بلد إسلمى يشعر‬
‫بآلم المسلمين فىمناطق العالم المختلفة بوصفه جزءا ً من المة‬
‫السلمية‪ .‬وهذا من شأنه أن يعمل على توفير أساس راسخ‬
‫لمحاولت إعادة التضامن والوحدة بين أقطار العالم السلمى ‪،‬‬
‫بمعنى توحيد الجهود والتكامل فيما بينها فى ميادين الثقافة‬

‫‪1093‬‬
‫والقتصاد والسياسة والمن ‪ ،‬وتبادل الخبرات والمنافع ‪ ،‬وكل ما‬
‫يعود على المسلمين بالخير ‪ ،‬مما يجعلهم أقدر على القيام بدور‬
‫فعّال فى ترسيخ قواعد السلم والمن فى العالم كله‪.‬‬
‫(‪ )1‬آل عمران‪.103 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه المام مسلم وغيره (راجع‪ :‬فيض القدير ج ‪ 5‬ص ‪ 514‬وما‬
‫بعدها)‪.‬‬
‫(‪ )3‬الحجرات‪.10 :‬‬
‫‪------------------‬‬
‫‪ -172‬هل السلم مسئول عن تخلف المسلمين ؟‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ حقائق التاريخ تبين بما ل يدع مجال ً للشك أن السلم قد‬
‫استطاع بعد فترة زمنية قصيرة من ظهوه أن يقيم حضارة رائعة‬
‫كانت من أطول الحضارات عمًرا فى التاريخ‪ .‬ول تزال الشواهد‬
‫على ذلك ماثلة للعيان فيما خلفه المسلمون من علم غزيز فى‬
‫شتى مجالت العلوم والفنون ‪ ،‬وتضم مكتبات العالم آلفًا مؤلفة‬
‫من المخطوطات العربية السلمية تبرهن على مدى ما وصل‬
‫إليه المسلمون من حضارة عريقة‪ .‬يضاف إلى ذلك الثار‬
‫السلمية المنتشرة فى كل العالم السلمى والتى تشهد على‬
‫عظمة ما وصلت إليه الفنون السلمية‪.‬‬
‫وحضارة المسلمين فى الندلس وما تبقى من معالمها حتى يومنا‬
‫هذا شاهد على ذلك فى أوروبا نفسها‪.‬‬
‫وقد قامت أوروبا بحركة ترجمة نشطة فى القرنين الثانى عشر‬
‫والثالث عشر لعلوم المسلمين‪ .‬وكان ذلك هو الساس الذى بنت‬
‫عليه أوروبا حضارتها الحديثة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ يشتمل القرآن الكريم على تقدير كبير للعلم والعلماء وحث‬
‫على النظر فى الكون ودراسته وعمارة الرض‪ .‬واليات الخمس‬
‫الولى التى نزلت من الوحى اللهى تنبه إلى أهمية العلم‬
‫والقراءة والتأمل (‪.)1‬‬
‫وهذا أمر كانت له دللة هامة انتبه إليها المسلمون منذ البداية‪.‬‬
‫وهكذا فإن انفتاح السلم على التطور الحضارى بمفهومه‬
‫الشامل للناحيتين المادية والمعنوية ل يحتاج إلى دليل‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أما تخلف المسلمين اليوم فإن السلم ل يتحمل وزره ‪ ،‬لن‬
‫السلم ضد كل أشكال التخلف‪ .‬وعندما تخلف المسلمون عن‬
‫إدراك المعانى الحقيقية للسلم تخلفوا فى ميدان الحياة‪ .‬ويعبر‬
‫مالك بن نبى ـ المفكر الجزائرى الراحل ـ عن ذلك تعبيًرا صادقًا‬
‫حين يقول‪ " :‬إن التخلف الذى يعانى منه المسلمون اليوم ليس‬

‫‪1094‬‬
‫سببه السلم ‪ ،‬وإنما هو عقوبة مستحقة من السلم على‬
‫المسلمين لتخليهم عنه ل لتمسكهم به كما يظن بعض الجاهلين‬
‫"‪ .‬فليست هناك صلة بين السلم وتخلف المسلمين‪.‬‬
‫حا على كل تطور حضارى‬ ‫‪ 4‬ـ ل يزال السلم وسيظل منفت ً‬
‫يشتمل على خير النسان‪ .‬وعندما يفتش المسلمون عن السباب‬
‫الحقيقية لتخلفهم فلن يجدوا السلم من بين هذه السباب ‪،‬‬
‫فهناك أسباب خارجية ترجع فى جانب كبير منها إلى مخلفات‬
‫عهود الستعمار التى أعاقت البلد السلمية عن الحركة اليجابية‬
‫ضا‬
‫‪ ،‬وهذا بدوره ـ بالضافة إلى بعض السباب الداخلية ـ أدى أي ً‬
‫إلى نسيان المسلمين للعناصر اليجابية الدافعة لحركة الحياة فى‬
‫السلم‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ ل يجوز الخلط بين السلم والواقع المتدنى للعالم السلمى‬
‫المعاصر‪ .‬فالتخلف الذى يعانى منه المسلمون يُعد مرحلة فى‬
‫تاريخهم ‪ ،‬ول يعنى ذلك بأى حال من الحوال أنهم سيظلون‬
‫كذلك إلى نهاية التاريخ‪.‬‬
‫ول يجوز اتهام السلم بأنه وراء هذا التخلف ‪ ،‬كما ل يجوز اتهام‬
‫المسيحية بأنها وراء تخلف دول أمريكا اللتينية‪.‬‬
‫إن المانة العلمية تقتضى أن يكون الحكم على موقف السلم‬
‫من الحضارة مبنيًّا على دراسة موضوعية منصفة لصول السلم‬
‫وليس على أساس إشاعات واتهامات وأحكام مسبقة ل صلة لها‬
‫بالحقيقة‪.‬‬
‫(‪ )1‬العلق‪1 :‬ـ ‪.5‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪ -173‬هل صحيح أن الصوم يقلل حركة النتاج ؟‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الصوم من العبادات التى لم ينفرد بها السلم‪ .‬فقد أخبر‬
‫ضا على المم السابقة‪:‬‬ ‫ضا أي ً‬‫القرآن الكريم أن الصوم كان مفرو ً‬
‫(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من‬
‫قبلكم ) (‪ .)1‬ول تزال هناك ديانات أخرى حتى يومنا هذا تَعرِف‬
‫حا بين الصوم فى السلم‬ ‫شعيرة الصوم‪ .‬ولكن هناك فرقًا واض ً‬
‫والصوم فى غيره من الديانات‪ .‬ويتمثل هذا الفرق فى أن الصوم‬
‫فى السلم يأتى فى شهر معين من العام طبقًا للتقويم‬
‫الهجرى ‪ ،‬ويبدأ صيام كل يوم بالمتناع التام عن الطعام‬
‫والشراب وعن كل الشهوات من طلوع الفجر حتى غروب‬
‫الشمس‪ .‬وهذا يعنى أن المسلم يقضى نهار يومه كله ـ وهو وقت‬
‫العمل المعتاد ـ وهو صائم على النحو المشار إليه‪ .‬ولعل هذا هو‬

‫‪1095‬‬
‫السبب الذى من أجله يتوهم البعض أن الصوم السلمى بهذه‬
‫الطريقة يقلل حركة النتاج لدى الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ والصوم فى حقيقة المر برئ من هذه التهمة‪ .‬فالصوم‬
‫يفترض فيه أنه يعمل على تصفية النفوس والتسامى بالرواح‪.‬‬
‫وهذا من شأنه أن يمد الفرد بطاقة روحية تجعله أقدر على‬
‫ما‪ .‬وهذه الطاقة الروحية‬ ‫النتاج والعمل أكثر مما لو لم يكن صائ ً‬
‫قوة ل يستهان بها‪ .‬وقد حارب المسلمون فى غزوة بدر أيام‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم وهم صائمون وانتصروا ‪ ،‬وحارب‬
‫الجنود المصريون عام ‪1973‬م وهم صائمون حيث كان ذلك فى‬
‫شهر رمضان وانتصروا‪ .‬ولم يقلل الصوم من نشاطهم ‪ ،‬بل كان‬
‫ما‪.‬‬
‫العكس هو الصحيح تما ً‬
‫‪ 3‬ـ ما نراه فى بعض البلد السلمية من قلة النتاج فى شهر‬
‫الصوم يرجع إلى أسباب أخرى غير الصوم‪ .‬فمن عادة الكثيرين‬
‫أن يظلوا متيقظين فى شهر الصوم معظم الليل‪ .‬ول يأخذون‬
‫قسطًا كافيًا من النوم ‪ ،‬فنجدهم ـ نظًرا لذلك ـ متعبين أثناء‬
‫النهار‪ .‬ومن هنا يقل إنتاجهم ‪ ،‬ويقبلون على أعمالهم ببطء وفى‬
‫تثاقل‪ .‬ويعتذرون عن ذلك بأنهم صائمون‪ .‬وقد يكون اعتذارهم‬
‫هذا فى أول النهار‪ .‬فلو كان للصوم أى تأثير على النشاط ـ كما‬
‫يزعمون ـ فإن ذلك ل يكون فى أول النهار ‪ ،‬بل يكون فى فترة‬
‫متأخرة منه‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ لقد ثبت أن للصوم فوائد كثيرة صحية وروحية واجتماعية‬
‫وتربوية‪ .‬فالمفروض أنه فرصة سنوية للمراجعة والتأمل والتقييم‬
‫والنقد الذاتى على المستويين الفردى والجتماعى بهدف القضاء‬
‫على السلبيات والتخلص من الكثير من المراض الجتماعية ‪،‬‬
‫وهذا من شأنه أن يدفع حركة المجتمع بخطى أسرع ‪ ،‬وبإخلص‬
‫أكثر ‪ ،‬وبوعى أفضل‪.‬‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.183 :‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫‪ -174‬هل صحيح أن الزكاة تتيح للغنى فرصة عند الله‬
‫أفضل من فرصة الفقير ؟‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ تُعد الزكاة فى السلم أول ضريبة نظامية فى تاريخ القتصاد‬
‫فى العالم‪ .‬فالذى كان يحدث قبل ذلك هو أن الحكام كانوا‬
‫يفرضون الضرائب حسب أهوائهم ‪ ،‬وبقدر حاجتهم إلى الموال‬
‫تحقيقًا لغراضهم الشخصية‪ .‬وكان عبء هذه الضرائب يقع على‬
‫كاهل الفقراء أكثر مما يقع على كاهل الغنياء ‪ ،‬أو يقع على كاهل‬

‫‪1096‬‬
‫الفقراء وحدهم‪ .‬ولما جاء السلم وفرض الزكاة قام بتنظيم‬
‫جمعها وحدد لها نسبة معينة ‪ ،‬وجعلها تقع على عاتق الغنياء‬
‫والمتوسطين ‪ ،‬وأعفى منها الفقراء (‪ .)1‬وتشريع الزكاة ليس‬
‫ما ماليًّا ‪ ،‬وإنما هو فى الوقت نفسه عبادة كالصلة‬ ‫فقط نظا ً‬
‫والصيام والحج ‪ ،‬يؤديها المسلم القادر على دفعها ‪ ،‬ليس خوفًا‬
‫من السلطة التنفيذية ‪ ،‬ولكن تقربًا إلى الله واستجابة لتعاليم‬
‫دينه‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ شعر الفقراء فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم بعجزهم‬
‫عن أداء الزكاة مثل الغنياء‪ .‬ورأوا أن هذا من شأنه أن يعطى‬
‫للغنياء ميزة الحصول على الثواب من الله بأدائهم للزكاة‬
‫وحرمان الفقراء من هذا الثواب مع أنه ل ذنب لهم فى فقرهم‪.‬‬
‫وقام الفقراء بعرض ما يشعرون به على النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فأوصاهم بالتسبيح والتحميد والتكبير (أى بقول سبحان‬
‫الله ‪ ،‬والحمد لله ‪ ،‬والله أكبر) ثلثًا وثلثين مرة عقب كل صلة ‪،‬‬
‫وبين لهم أن هذا من شأنه أن يرفع من درجاتهم عند الله ويجعل‬
‫منزلتهم عنده ل تقل عن منزلة الغنياء الذين يؤدون الزكاة (‪.)2‬‬
‫‪ 3‬ـ المعيار الذى اعتمده القرآن فى المفاضلة بين الناس بصفة‬
‫عامة هو معيار التقوى والعمل الصالح كما جاء فى القرآن‬
‫الكريم‪( :‬إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) (‪ .)3‬والتقوى مفهوم عام‬
‫يشمل كل عمل يقوم به النسان ـ أيًّا كان هذا العمل دينيًا أم‬
‫دنيويًا ـ طالما قصد به وجه الله ونفع الناس ودفع الذى عنهم‪.‬‬
‫فالقرب من الله ل يتوقف على أداء الزكاة أو غيرها من الشعائر‬
‫ضا على التوجه العام من جانب‬ ‫السلمية فحسب ‪ ،‬بل يتوقف أي ً‬
‫النسان فى كل ما يقوم به فى حياته من أعمال ‪ ،‬وما يصدر عنه‬
‫من سلوك وما يخرج من فمه من أقوال‪ .‬والسلم يعلق أهمية‬
‫كبيرة على النية‪ .‬فالعمال بالنيات كما يقول النبى ـ عليه الصلة‬
‫والسلم ـ [ إنما العمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ] (‪.)4‬‬
‫وهذا يعنى أن الفقير الذى ل يستطيع إخراج الزكاة ويتمنى أن لو‬
‫كان لديه مال ليزكى به فإنه يثاب على هذه النية مادامت‬
‫صادقة‪ .‬وقد يُخرج الغنى الزكاة ويقصد من وراء ذلك التظاهر‬
‫أمام الناس والحصول على مكانة بينهم فل يثاب على ذلك‬
‫بشىء‪.‬‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬محمد قطب‪ :‬شبهات حول السلم ـ ص ‪ 91‬ـ مكتبة‬
‫وهبة سنة ‪1960‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬فتح البارى بشرح صحيح البخارى ج ‪ 2‬ص ‪ 325‬تحقيق محمد‬
‫فؤاد عبد الباقى‪ .‬المطبعة السلفية‪.‬‬
‫(‪ )3‬الحجرات‪.13 :‬‬

‫‪1097‬‬
‫(‪ )4‬البخارى‪ .‬باب الوحى رقم ‪ ، 1‬واليمان ‪ ، 41‬والنكاح ‪، 5‬‬
‫والطلق ‪ ، 11‬والترمذى فضائل الجهاد ‪ ، 16‬والنسائى طهارة ‪.59‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪-175‬لماذا حّرم السلم أكل لحم الخنزير ؟‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ لم يكن السلم أول الديان التى حرمت أكل لحم الخنزير‪.‬‬
‫فالديانة اليهودية تحّرِم أكل لحم الخنزير‪.‬‬
‫ول يوجد حتى الن يهودى فى أوروبا وأمريكا يأكل لحم الخنزير‬
‫إل فيما ندر‪ .‬ولم يعب أحد على اليهود ذلك ‪ ،‬بل يحترم الغرب‬
‫العادات الدينية لليهود‪ .‬وعندما جاء السيد المسيح ـ عليه السلم ـ‬
‫صرح ـ كما جاء فى النجيل ـ بأنه لم يأت لينقض الناموس بل‬
‫ليكمله ‪ ،‬أى أنه لم يأت ليغير التشريعات اليهودية‪.‬‬
‫ومن بينها بطبيعة الحال تحريم أكل لحم الخنزير‪ .‬والمر‬
‫ما فى المسيحية‬ ‫المنطقى بناء على ذلك أن يكون الخنزير محر ً‬
‫ضا (‪.)1‬‬
‫أي ً‬
‫ضا أكل لحم الخنزير‪ .‬وهذا التحريم‬ ‫‪ 2‬ـ عندما جاء السلم حّرم أي ً‬
‫امتداد لتحريمه فى الديانات السماوية السابقة‪ .‬وقد نص القرآن‬
‫الكريم عليه صراحة فى أربعة مواضع (‪ .)2‬وهناك من ناحية‬
‫أخرى ـ بجانب هذا التحريم الدينى ـ أسباب ومبررات أخرى تؤكد‬
‫هذا التحريم‪ .‬ومن ذلك ما أثبته العلماء المسلمون من أن أكل‬
‫لحم الخنزير ضار بالصحة ول سيما فى المناطق الحارة‪ .‬وفضلً‬
‫عن ذلك فإن اليات القرآنية التى ورد فيها تحريم لحم الخنزير‬
‫قد جمعت هذا التحريم مع تحريم أكل الميتة والدم‪ .‬وضرر أكل‬
‫الميتة والدم محقق لما يتجمع فيهما من ميكروبات ومواد ضارة ‪،‬‬
‫ضا على أكل لحم الخنزير‪.‬‬ ‫مما يدل على أن الضرر ينسحب أي ً‬
‫وإذا كانت الوسائل الحديثة قد تغلبت على ما فى لحم الخنزير‬
‫ودمه وأمعائه من ديدان شديدة الخطورة (الدودة الشريطية‬
‫وبويضاتها المتكلسة) فمن الذى يضمن لنا بأنه ليست هناك آفات‬
‫أخرى فى لحم الخنزير لم يكشف عنها بعد ؟ فقد احتاج النسان‬
‫قرونًا طويلة ليكشف لنا عن آفة واحدة‪ .‬والله الذى خلق النسان‬
‫أدرى به ويعلم ما يضره وما ينفعه‪ .‬ويؤكد لنا القرآن هذه الحقيقة‬
‫فى قوله‪( :‬وفوق كل ذى علم عليم ) (‪.)3‬‬
‫‪ 3‬ـ يحسب السلم حساب الضرورات فيبيح فيها المحرمات‪.‬‬
‫وفى ذلك قاعدة مشهورة تقول‪ " :‬الضرورات تبيح المحظورات‬
‫"‪ .‬ومن هنا فإن المسلم إذا ألجأته الضرورة الملحة ـ التى يخشى‬
‫منها على حياته ـ لتناول الطعمة المحرمة ومنها الخنزير فل حرج‬

‫‪1098‬‬
‫عليه‪ .‬كما يشير إلى ذلك القرآن الكريم‪( :‬فمن اضطر غير باغ ول‬
‫عاد فل إثم عليه ) (‪ .)4‬ولكن هذه الباحة ل يجوز أن تتعدى حدود‬
‫تلك الضرورة وإل كان المسلم آثماً‪.‬‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬الحلل والحرام للدكتور القرضاوى ص ‪ 42‬ـ قطر ‪1978‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪ ، 173 :‬والمائدة‪ ، 3 :‬والنعام‪ ، 145 :‬والنحل‪)3( 115 :‬‬
‫يوسف‪.76 :‬‬
‫(‪ )4‬البقرة‪.173 :‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫‪ -176‬لماذا حّرم السلم الحرير والذهب على الرجال ؟‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ يعتمد القول بتحريم لبس الحرير والتختم بالذهب للرجال فى‬
‫السلم على العديد من المرويات عن النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ كما ذهب إلى ذلك جمهور العلماء ـ وتتلخص وجهة‬
‫نظرهم فى أن من طبيعة الرجل الصلبة والقوة‪ .‬والسلم يريد‬
‫ضا عن‬‫أن يتربى الرجال بعيدًا عن مظاهر الضعف ‪ ،‬وبعيدًا أي ً‬
‫مظاهر الترف الذى يحاربه السلم ويعده مظهًرا من مظاهر‬
‫الظلم الجتماعى ‪ ،‬وذلك حتى يكون الرجل قادًرا على الكفاح‬
‫ضا إذا اقتضى‬ ‫والنتصار فى معارك الحياة وميادين القتال أي ً‬
‫المر‪ .‬ولما كان التزين بالذهب وارتداء الحرير يُعدان من مظاهر‬
‫الترف فقد حرمهما السلم على الرجال‪ .‬ولكنه أباحهما للمرأة‬
‫مراعاة لمقتضى أنوثتها وما فطرت عليه من حب للزينة (‪.)1‬‬
‫‪ 2‬ـ وعلى الرغم من هذا التحريم فإنه إذا كانت هناك ضرورة‬
‫صحية تقضى بلبس الرجل للحرير فإن السلم يبيح له ذلك ول‬
‫يمنعه‪ .‬فقد أذن النبى صلى الله عليه وسلم لكل من عبد الرحمن‬
‫بن عوف والزبير بن العوام فى لبس الحرير لنهما كانا يشكوان‬
‫من حكة فى جسمهما (‪.)2‬‬
‫‪ 3‬ـ وقد ذهب المام الشوكانى (توفى حوالى عام ‪1840‬م) فى‬
‫كتابه الشهير " نيل الوطار " إلى القول بأن أحاديث النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم فى النهى عن لبس الحرير تدل على الكراهية‬
‫فقط وليس على التحريم‪ .‬والكراهية هنا درجة أخف من التحريم‪.‬‬
‫ويقوى الشوكانى رأيه هذا بأن هناك ما ل يقل عن عشرين‬
‫صحابيًّا منهم أنس والبراء بن عازب قد لبسوا الحرير‪ .‬ومن غير‬
‫المعقول أن يقدم هؤلء الصحابة على ما هو محّرم ‪ ،‬كما يبعد‬
‫ضا أن يسكت عنهم سائر الصحابة وهم يعلمون تحريمه (‪.)3‬‬ ‫أي ً‬
‫‪ 4‬ـ أما التختم بالذهب أى اتخاذه كخاتم ونحوه للرجال فقد ذهب‬
‫ضا اعتمادًا على بعض الحاديث‬ ‫جمهور العلماء إلى تحريمه أي ً‬

‫‪1099‬‬
‫النبوية‪ .‬ولكن هناك جماعة من العلماء ذهبوا إلى القول بكراهة‬
‫التختم بالذهب للرجال كراهة تنزيه فقط‪ .‬وكراهة التنزيه بعيدة‬
‫عن التحريم وقريبة من الباحة أو الجواز ‪ ،‬واعتمدوا فى ذلك‬
‫ضا على أن هناك عددًا من الصحابة قد تختموا بالذهب منهم‬ ‫أي ً‬
‫سعد بن أبى وقاص ‪ ،‬وطلحة بن عبيد الله ‪ ،‬وصهيب ‪ ،‬وحذيفة ‪،‬‬
‫وجابر بن سمرة ‪ ،‬والبراء بن عازب‪ .‬الذين فهموا أن النهى‬
‫للتنزيه وليس للتحريم (‪.)4‬‬
‫(‪ )1‬راجع‪ :‬الحلل والحرام فى السلم للدكتور القرضاوى ص ‪80‬‬
‫وما بعدها ـ الدوحة ـ قطر ‪1978‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬راجع‪ :‬نيل الوطار للشوكانى ج ‪ 2‬ص ‪ 81‬ـ دار الجيل ‪ ،‬بيروت‬
‫‪1973‬م‪.‬‬
‫ضا‪ :‬فقه السنة‬
‫(‪ )3‬نيل الوطار ج ‪ 2‬ص ‪ 73‬وما بعدها‪ .‬راجع أي ً‬
‫للشيخ سيد سابق ج ‪ 3‬ص ‪ 481‬وما بعدها‪ .‬بيروت ‪1971‬م‪.‬‬
‫(‪ )4‬راجع‪ :‬فقه السنة للشيخ سيد سابق ـ المجلد الثالث ص ‪482‬‬
‫وما بعدها ‪ 488 ،‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫‪-177‬‬
‫‪-178‬‬
‫‪-179‬‬
‫‪-180‬‬

‫==================‬
‫الباب السابع ‪-‬الحتفال بالمولد النبوي‬
‫منهج أهل السنة في تعظيم النبي ‪ -‬صلى الله‬ ‫‪.1‬‬
‫عليه وسلم ‪-‬‬

‫‪1100‬‬
‫لربنا تبارك وتعالى أرفع القدر وأعظم الشأن؛ فله العظمة‬
‫الكاملة التي تتجلى في ذاته وصفاته وأفعاله‪ ،‬في خلقه وأمره‪،‬‬
‫في الفاق والنفس‪ ،‬أنَّى نظرت في خلقه رأيت ما يبهر العقول‬
‫ويزيد اليمان‪ ،‬ومهما تلوت من آي كتابه العظيم وقفت على‬
‫دلئل عظمته‪ ،‬وأدلة قَدْره سبحانه‪ .‬خضعت لعظمة ربي عز وجل‬
‫المخلوقات‪ ،‬وذلت لجبروته الرض والسماوات‪ ،‬واشتد نكيره‬
‫َ‬
‫حقَّ‬ ‫ه َ‬‫ما قَدَُروا الل ّ َ‬ ‫تعالى على من أخل بتعظيمه‪ ،‬فقال سبحانه‪{:‬و َ‬
‫َ‬
‫ت‬‫مطْوِيَّا ٌ‬ ‫ت َ‬ ‫موَا ُ‬‫س َ‬ ‫مةِ وال َّ‬ ‫م القِيَا َ‬ ‫ه يَوْ َ‬ ‫ضت ُ‬ ‫ميعا ً قَب ْ َ‬
‫ج ِ‬‫ض َ‬‫قَدْرِهِ والْر ُ‬
‫ن} [الزمر‪ .]67:‬فحقٌ على من‬ ‫شرِكُو َ‬ ‫ما ي ُ ْ‬‫ه وتَعَالَى عَ َّ‬ ‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬ ‫مينِهِ ُ‬ ‫بِي َ ِ‬
‫عرف قدر الله وأراد تعظيمه أن يعظم ما عظمه ‪ -‬تعالى ‪ -‬قياماً‬
‫بحقه من التوحيد والعبادة‪ ،‬وقياما ً بحق كتابه وحق رسوله ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.-‬‬
‫وغير خاف على مسلم صادق في إسلمه تلك المنزلة الرفيعة‬
‫التي حباها ربنا تعالى لصفوة خلقه‪ ،‬وخاتم أنبيائه ورسله حبيبنا‬
‫محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬فإلى شيء من جوانب تلك‬
‫العظمة‪ ،‬وهدي السابقين والتابعين لهم بإحسان في تعظيمه‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ...-‬ذلك الحديث الذي تنشرح له صدور‬
‫المؤمنين الصادقين‪ ،‬وتتطلع إليه نفوسهم‪ ،‬ويتمنون أن لو‬
‫اكتحلت أعينهم برؤية حبيبهم صلى الله عليه وسلم؛ وتشنفت‬
‫آذانهم بسماع صوته‪.‬‬
‫المراد بالتعظيم‪:‬‬
‫َ‬
‫منُوا‬ ‫شرا ً ونَذِيرا ً * لِتُؤْ ِ‬ ‫شاهِدا ً و ُ‬
‫مب َ ّ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫سلْنَا َ‬ ‫قال الله تعالى‪{ :‬إنَّا أْر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صيلً} [الفتح‪8،:‬‬ ‫حوه ُ بُكَْرة ً وأ ِ‬ ‫سولِهِ وتُعَّزُِروه ُ وتُوَقُِّروه ُ وت ُ َ‬
‫سب ِّ ُ‬ ‫بِالل ّهِ وَر ُ‬
‫‪ .]9‬فذكر تعالى‪ :‬حقا ً مشتركا ً بينه وبين رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم وهو اليمان‪ ،‬وحقا ً خاصا ً به تعالى وهو التسبيح‪ ،‬وحقاً‬
‫خاصا ً بنبيه صلى الله عليه وسلم وهو التعزير والتوقير‪.‬‬
‫وحاصل ما قيل في معناهما أن‪ :‬التعزير اسم جامع لنصره‬
‫وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه‪ .‬والتوقير‪ :‬اسم جامع لكل ما فيه‬
‫سكينة وطمأنينة من الجلل والكرام‪ ،‬وأن يعامل من التشريف‬
‫والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار‪.‬‬
‫وهذه المعاني هي المراد بلفظ التعظيم عند إطلقه‪ ،‬فإن معناه‬
‫في اللغة‪ :‬التبجيل‪ ،‬يقال‪ :‬لفلن عظمة عند الناس‪ :‬أي حرمة‬
‫يعظم لها‪ ،‬ولفظ التعظيم وإن لم يرد في النصوص الشرعية‪ ،‬إل‬
‫أنه استعمل لتقريب المعنى إلى ذهن السامع بلفظ يؤدي المعنى‬
‫المراد من التعزير والتوقير‪ .‬والتعظيم أعلى منزلة من المحبة‪،‬‬
‫لن المحبوب ل يلزم أن يكون معظماً‪ ،‬كالولد يحبه والده محبة‬
‫تدعوه إلى تكريمه دون تعظيمه‪ ،‬بخلف محبة الولد لبيه‪ ،‬فإنها‬

‫‪1101‬‬
‫تدعوه إلى تعظيمه‪ .‬والرجل يعظم لما يتمتع به من الصفات‬
‫العلية‪ ،‬ولما يحصل من الخير بسببه‪ ،‬أما المحبة فل تحصل إل‬
‫بوصول خير من المحبوب إلى من يحبه‪.‬‬
‫خلقا‪ً:‬‬
‫مع المصطفى صلى الله عليه وسلم سيرة و ُ‬
‫لقد حبا الله تبارك وتعالى نبينا محمدا ً صلى الله عليه وسلم من‬
‫الخصائص القوية والصفات العلية والخلق الرضية ما كان داعياً‬
‫لكل مسلم أن يجله ويعظمه بقلبه ولسانه وجوارحه‪.‬‬
‫وقد كان لهل السنة والجماعة قدم صدق في العناية بجمع‬
‫خصائصه‪ ،‬وإبراز فضائله والشادة بمحاسنه‪ ،‬فلم يخل كتاب من‬
‫كتب السنة كالصحاح والسنن وغيرها من كتب مخصصة لم يخل‬
‫من ذكر مآثره‪ ،‬كما أُفردت كتب مستقلة للحديث عنه وعن‬
‫سيرته‪.‬‬

‫وقد اختار الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم اسم (محمد)‬
‫المشتمل على الحمد والثناء؛ فهو صلى الله عليه وسلم محمود‬
‫عند الله تعالى‪ ،‬ومحمود عند ملئكته‪ ،‬ومحمود عند إخوانه‬
‫المرسلين عليهم الصلة والسلم ومحمود عند أهل الرض كلهم‪،‬‬
‫وإن كفر به بعضهم؛ لن صفاته محمودة عند كل ذي عقل وإن‬
‫كابر وجحد؛ فصدق عليه وصفه نفسه حين قال‪ « :‬أنا سيد ولد‬
‫آدم يوم القيامة‪ ،‬ول فخر‪ ،‬وأول من تنشق عنه الرض‪ ،‬وأول‬
‫شافع‪ ،‬بيدي لواء الحمد‪ ،‬تحته آدم فمن دونه »‪ .‬وقد أغاث الله‬
‫تعالى به البشرية المتخبطة في ظلمات الشرك والجهل‬
‫والخرافة‪ ،‬فكشف به الظلمة‪ ،‬وأذهب الغمة‪ ،‬وأصلح المة‪ ،‬وصار‬
‫هو المام المطلق في الهدى لول بني آدم وآخرهم‪ ،‬فهدى الله‬
‫به من الضللة‪ ،‬وعلم به من الجهالة‪ ،‬وأرشد به من الغواية‪ ،‬وفتح‬
‫به أعينا عمياً‪ ،‬وآذانا ً صماً‪ ،‬وقلوبا ً غلفاً‪ ،‬وكثَّر به بعد القلة‪ ،‬وأعَّز به‬
‫س ربَّهم ومعبودهم غاية‬ ‫بعد الذلة‪ ،‬وأغنى به بعد العيلة‪ .‬عّرف النا َ‬
‫ما يمكن أن تناله قواهم من المعرفة‪ ،‬ولم يدع لمته حاجة في‬
‫هذا التعريف‪ ،‬ل إلى من قبله‪ ،‬ول إلى من بعده‪ ،‬بل كفاهم‪،‬‬
‫َ‬
‫م‬‫فه ِ ْ‬ ‫وشفاهم‪ ،‬وأغناهم عن كل من تكلم في هذا الباب‪{:‬أوَ ل َ ْ‬
‫م يَك ْ ِ‬
‫ة وذِكَْرى‬ ‫م ً‬ ‫ك لََر ْ‬
‫ح َ‬ ‫ن فِي ذَل ِ َ‬ ‫ب يُتْلَى ع َلَيْهِ ْ‬
‫م إ َّ‬ ‫أَنَّا أَنَزلْنَا ع َلَي ْ َ‬
‫ك الكِتَا َ‬
‫ن} [العنكبوت‪ ،]51:‬وعرفهم الطريق الموصلة إلى‬ ‫منُو َ‬ ‫لِقَوْم ٍ يُؤْ ِ‬
‫ربهم ورضوانه ودار كرامته‪ ،‬ولم يدع صلى الله عليه وسلم حسناً‬
‫إل أمر به‪ ،‬ول قبيحا ً إل نهى عنه‪ .‬وعرفهم حالهم بعد القدوم على‬
‫ربهم أتم تعريف‪ ،‬فكشف المر وأوضحه‪ ،‬ولم يدع بابا ً من العلم‬
‫النافع للعباد المقرب لهم إلى ربهم إل فتحه‪ ،‬ول مشكل ً إل بينه‬
‫وشرحه‪ ،‬حتى هدى به القلوب من ضللها‪ ،‬وشفاها به من‬

‫‪1102‬‬
‫أسقامها‪ ،‬وأغاثها به من جهلها‪ ،‬فأي بشر أحق بأن يُحب؟ جزاه‬
‫الله عن أمته أفضل الجزاء‪.‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم عدد من أزواجه وأصحابه‬ ‫وقد وصف النب َّ‬
‫كخديجة وعائشة‪ ،‬وأنس‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وعلي‪ ،‬وابن عمر وغيرهم‬
‫رضي الله عنهم‪ ،‬ولما كان المقصود الشارة إلى ذلك دون‬
‫الستقصاء آثرت نقل كلم ابن القيم الجامع لوصافه‪ ،‬تحاشياَ‬
‫للطالة وكثرة التخاريج‪.‬‬

‫قال ابن القيم‪( :‬ومما يحمد عليه صلى الله عليه وسلم ما جبله‬
‫الله عليه من مكارم الخلق وكرائم الشيم‪ ،‬فإن من نظر في‬
‫أخلقه وشيمه صلى الله عليه وسلم علم أنها خير أخلق الخلق‪،‬‬
‫وأكرم شمائل الخلق‪ ،‬فإنه صلى الله عليه وسلم كان أعظم‬
‫الخلق‪ ،‬وأعظمهم أمانة‪ ،‬وأصدقهم حديثاً‪ ،‬وأجودهم وأسخاهم‪،‬‬
‫وأشدهم احتمالً‪ ،‬وأعظمهم عفوا ً ومغفرة‪ ،‬وكان ل يزيد شدة‬
‫الجهل عليه إل حلماً‪ ،‬كما روى البخاري في صحيحه عن عبد الله‬
‫بن عمر رضي الله عنهما أنه قال في صفة رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم في التوراة‪( :‬محمد عبدي ورسولي سميته المتوكل‪،‬‬
‫خاب بالسواق‪ ،‬ول يدفع بالسيئة‬ ‫ليس بفظ ول غليظ‪ ،‬ول س َّ‬
‫السيئة‪ ،‬ولكن يعفو ويصفح‪ ،‬ولن أقبضه حتى أقيم به الملة‬
‫العوجاء بأن يقولوا‪ :‬ل إله إل الله‪ ،‬وأفتح به أعينا ً عمياً‪ ،‬وآذاناً‬
‫صماً‪ ،‬وقلوبا ً غلفاً)‪.‬‬
‫وأرحم الخلق وأرأفهم بهم‪ ،‬وأعظم الخلق نفعا ً لهم في دينهم‬
‫ودنياهم‪ ،‬وأفصح خلق الله وأحسنهم تعبدا ً عن المعاني الكثيرة‬
‫باللفاظ الوجيزة الدالة على المراد‪ ،‬وأصبرهم في مواطن‬
‫الصبر‪ ،‬وأصدقهم في مواطن اللقاء‪ ،‬وأوفاهم بالعهد والذمة‪،‬‬
‫وأعظمهم مكافأة على الجميل بأضعافه‪ ،‬وأشدهم تواضعاً‪،‬‬
‫وأعظمهم إيثارا ً على نفسه‪ ،‬وأشد الخلق ذبَّا ً عن أصحابه‪ ،‬وحماية‬
‫لهم‪ ،‬ودفاعا ً عنهم‪ ،‬وأقوم الخلق بما يأمر به‪ ،‬وأتركهم لما ينهى‬
‫عنه‪ ،‬وأوصل الخلق لرحمه‪ ،‬فهو أحق بقول القائل‪ :‬بَْرد ٌ على‬
‫جلْد ُ بواعث تعظيم النبي‬ ‫ن َ‬‫ة وعلى العادي مار ٌ‬ ‫الدنى ومرحم ٌ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬يدعو المسلم إلى ذلك أمور عدة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬تعظيم العظيم سبحانه وتعالى‪ ،‬لنه عظم نبيه صلى الله عليه‬
‫م‬‫سكَْرتِهِ ْ‬ ‫في َ‬ ‫م لَ ِ‬
‫ك إنَّهُ ْ‬
‫مُر َ‬‫وسلم؛ حيث أقسم بحياته في قوله‪{:‬ل َ َع ْ‬
‫ق‬ ‫ك لَعَلَى ُ ُ‬ ‫ن}[الحجر‪ .]72 :‬كما أثنى عليه فقال‪{:‬وإن َّ َ‬
‫خل ٍ‬ ‫م ُهو َ‬
‫يَعْ َ‬
‫ك} [الشرح‪ ،]4 :‬فل‬ ‫ك ذِكَْر َ‬ ‫عَظِيمٍ} [القلم‪ ،]4 :‬وقال‪{:‬وَرفَعْنَا ل َ َ‬
‫يُذكر بشر في الدنيا ويثنى عليه كما يُذكر النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ويثنى عليه‪.‬‬

‫‪1103‬‬
‫‪ -2‬أن من شرط إيمان العبد أن يعظم النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وهذا هو الغرض من بعثته صلى الله عليه وسلم‪ .‬قال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منُوا بِالل ّهِ‬
‫شرا ً ونَذِيرا ً * لِتُؤْ ِ‬ ‫شاهِدا ً و ُ‬
‫مب َ ّ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫سلْنَا َ‬
‫تعالى‪{:‬إنَّا أْر َ‬
‫َ‬
‫صيلً} [الفتح‪،]9 ،8 :‬‬ ‫حوه ُ بُكَْرة ً وأ ِ‬ ‫سولِهِ وتُعَّزُِروه ُ وتُوَقُِّروه ُ وت ُ َ‬
‫سب ِّ ُ‬ ‫وَر ُ‬
‫قال ابن القيم‪( :‬وكل محبة وتعظيم للبشر فإنما تجوز تبعا ً لمحبة‬
‫الله وتعظيمه‪ ،‬كمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وتعظيمه‪ ،‬فإنها من تمام محبة مرسله وتعظيمه‪ ،‬فإن أمته يحبونه‬
‫لمحبة الله له‪ ،‬ويعظمونه ويجلونه لجلل الله له؛ فهي محبة لله‬
‫من موجبات محبة الله‪ ،‬وكذلك محبة أهل العلم واليمان ومحبة‬
‫الصحابة رضي الله عنهم وإجللهم تابع لمحبة الله ورسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم)‪ .‬بل المر كما قال شيخ السلم ابن تيمية‪(:‬إن‬
‫قيام المدحة والثناء عليه والتعظيم والتوقير له قيام الدين كله‪،‬‬
‫وسقوط ذلك سقوط الدين كله)‪.‬‬
‫‪ -3‬ما ميزه الله تعالى به ‪ -‬مما سبق ذكره ‪ -‬من شرف النسب‪،‬‬
‫وكرم الحسب‪ ،‬وصفاء النشأة‪ ،‬وأكمل الصفات والخلق‬
‫والفعال‪.‬‬
‫‪ -4‬ما تحمله صلى الله عليه وسلم من مشاق نشر الدعوة‪ ،‬وأذى‬
‫المشركين بالقول والفعل حتى أتم الله به الدين وأكمل به‬
‫النعمة‪ .‬مع الصحابة في تعظيمهم للنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وتوقيرهم له في حياته‪ :‬نال الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين‬
‫شرف لقاء النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فكان لهم النصيب‬
‫الوفى من توقيره وتعظيمه مما سبقوا به غيرهم‪ ،‬ولم‪ ،‬ولن‬
‫يدركهم من بعدهم‪ ،‬ثم شاركوا المة في تعظيمه بعد موته صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ .‬كان شأنهم في توقيره أوضح وأظهر من أن‬
‫يستدل عليه‪ ،‬وأجمل من وصف شأنهم في ذلك عروة ابن‬
‫مسعود الثقفي رضي الله عنه حين فاوض النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم في صلح الحديبية‪ ،‬فلما رجع إلى قريش قال‪(:‬أي قوم!‬
‫والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى‬
‫والنجاشي‪ ،‬والله إن رأيت ملكا ً قط يعظمه أصحابه ما يعظم‬
‫ة إل وقعت في كف‬ ‫م نخام ً‬ ‫أصحاب محمد محمداً‪ ،‬والله إن تنخ َّ‬
‫رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده‪ ،‬وإذا أمرهم ابتدروا أمره‪ ،‬وإذا‬
‫توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه‪ ،‬وإذا تكلم خفضوا أصواتهم‬
‫ما له)‪!.‬‬ ‫حدُّون النظر إليه تعظي ً‬ ‫عنده‪ ،‬وما ي ُ ِ‬
‫وقد وُصف الصحابة حال جلوسهم واستماعهم للنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بوصف عجيب جاء في أحاديث عدة‪ ،‬منها قول أبي‬
‫سعيد الخدري‪ :‬وسكت الناس كأن على رؤوسهم الطير‪ .‬وقال‬
‫عمرو بن العاص رضي الله عنه‪(:‬وما كان أحد أحب إلي من‬

‫‪1104‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ول أجل في عيني منه‪ ،‬وما‬
‫كنت أطيق أن أمل عيني منه إجلل ً له‪ ،‬ولو سئلت أن أصفه ما‬
‫أطقت لني لم أكن أمل عيني منه)‪.‬‬
‫ولما زار أبو سفيان ابنته أم حبيبة رضي الله عنها في المدينة‪،‬‬
‫ودخل عليها بيتها‪ ،‬ذهب ليجلس على فراش رسول الله؛ فطوته‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا بنية! ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أو رغبت به‬
‫عني؟ فقالت‪(:‬هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأنت‬
‫مشرك نجس‪ ،‬فلم أحب أن تجلس على فراشه)‪ .‬ومن شدة‬
‫حرص الصحابة على إكرامه وتجنب إيذائه قول أنس بن‬
‫مالك‪(:‬إن أبواب النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقرع‬
‫بالظافير)‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صوَاتَك ُ ْ‬
‫م‬ ‫منُوا ل تَْرفَعُوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ولما نزل قول الله تعالى‪{:‬يَا أيُّهَا الَذِي َ‬
‫َ‬
‫ض أن‬ ‫ضك ُ ْ‬
‫م لِبَعْ ٍ‬ ‫جهْرِ بَعْ ِ‬ ‫ه بِالْقَوْ ِ‬
‫ل كَ َ‬ ‫جهَُروا ل َ ُ‬
‫ي ول ت َ ْ‬ ‫ت النَّب ِ ِ ّ‬ ‫صوْ ِ‬ ‫فَوْقَ َ‬
‫َ‬ ‫تحب َ َ‬
‫ن} [الحجرات‪ ،]2 :‬قال ابن‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫م وأنت ُ ْ‬ ‫مالُك ُ ْ‬
‫ط أع ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذه‬ ‫الزبير‪(:‬فما كان عمر يُس ِ‬
‫الية حتى يستفهمه)‪ ،‬وكان ثابت بن قيس جهوري الصوت يرفع‬
‫صوته عند النبي صلى الله عليه وسلم فجلس في بيته منكساً‬
‫رأسه يرى أنه من أهل النار بسبب ذلك‪ ،‬حتى بشره النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم بالجنة‪.‬‬
‫وللمحدثين نصيب‪:‬‬
‫للمحدثين رحمهم الله ورضي عنهم منهج رصين ورصيد ثري‬
‫وإسهام قوي في إجلل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وتوقير مجلس الحديث‪ ،‬والتحفز لستباق العمل به‪ ،‬تعظيما ً له‬
‫وهذه بعض الشواهد‪ :‬حدث عمرو بن ميمون عن عبد الله بن‬
‫مسعود رضي الله عنه فكان مما قال‪ :‬وما سمعته قط يقول‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إل مرة‪ ،‬فنظرت إليه وقد‬
‫حل إزاره وانتفخت أوداجه‪ ،‬واغرورقت عيناه‪ ،‬فقال‪(:‬أو نحو ذلك‬
‫أو دون‪ ،‬أو قريبا ً من ذلك‪ ،‬أو شبه ذلك)‪ .‬وجعفر بن محمد‪ ،‬ومالك‬
‫بن أنس‪ ،‬والعمش‪ ،‬بل قد صار ذلك مستحبا ً عندهم‪ ،‬وكرهوا‬
‫خلفه‪ .‬قال ضرار بن مرة‪(:‬كانوا يكرهون أن يحدثوا عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وهم على غير وضوء)‪ .‬قال إسحاق‪:‬‬
‫فرأيت العمش إذا أراد أن يتحدث وهو على غير وضوء تيمم‪.‬‬
‫وكان مالك يلبس أحسن ثيابه ويتطيب ويأخذ زينته للتحديث‬
‫بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬وقال ابن أبي الزناد‪:‬‬
‫كان سعيد بن المسيب ‪ -‬وهو مريض ‪ -‬يقول‪(:‬أقعدوني؛ فإني‬
‫أكره أن أحدث حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا‬
‫مضطجع)‪ .‬ومّر مالك بن أنس على أبي خازم وهو يحدث فجازه‪،‬‬

‫‪1105‬‬
‫وقال‪(:‬إني لم أجد موضعا ً أجلس فيه‪ ،‬فكرهت أن آخذ حديث‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وأنا قائم)‪ .‬وكان محمد بن‬
‫سيرين يتحدث فيضحك‪ ،‬فإذا جاء الحديث خشع‪ .‬وقال سعيد بن‬
‫عامر‪(:‬كنا عند هشام الدستوائي فضحك رجل منا فقال له هشام‬
‫الدستوائي‪ :‬تضحك وأنت تطلب الحديث؟!)‪..‬‬
‫كيف نعظم النبي صلى الله عليه وسلم؟‬
‫إن المر بتوقير النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه يعني أن‬
‫ذلك عبادة لله عز وجل وقربة إليه سبحانه والعبادة التي أرادها‬
‫الله تعالى ويرضاها من العبد هي ما ابتغي به وجهه‪ ،‬وكان على‬
‫الصفة التي شرعها في كتابه العظيم وعلى لسان نبيه الكريم‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬فأما الخلص في العمال وابتغاء وجه‬
‫الله فيها فهو مقتضى شهادة أن ل إله إل الله؛ لن معناها ل‬
‫معبود بحق إل الله سبحانه وتعالى‪ .‬وأما متابعة النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فهي مقتضى الشهادة بأن محمدا ً رسول الله‪ ،‬ولزم‬
‫من لوازمها؛ إذ معنى الشهادة له بأنه رسول الله حقاً‪(:‬طاعته‬
‫فيما أمر‪ ،‬وتصديقه فيما أخبر‪ ،‬واجتناب ما عنه نهى وزجر‪ ،‬وأن ل‬
‫يعبد الله إل بما شرع)‪.‬‬
‫وهذا كمال التعظيم‪ ،‬وغاية التوقير‪ .‬وأي تعظيم أو توقير للنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم لدى من شك في خبره‪ ،‬أو استنكف عن‬
‫طاعته‪ ،‬أو ارتكب مخالفته‪ ،‬أو ابتدع في دينه وعبد الله من غير‬
‫طريقه؟! ولذا اشتد نكير الله تعالى على من سلكوا في العبادة‬
‫َ‬
‫ن‬‫ن الدِّي ِ‬ ‫شَرع ُوا لَهُم ِّ‬
‫م َ‬ ‫شَركَاءُ َ‬ ‫م لَهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫سبيل ً لم يشرعها‪ ،‬فقال‪{:‬أ ْ‬
‫َ‬
‫ه} [الشورى‪ .]21 :‬وقال صلى الله عليه‬ ‫ن بِهِ الل ّ ُ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م يَاًذ َ ْ‬ ‫َ‬
‫وسلم‪«:‬من عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رد»‪ ،‬أي مردود‬
‫عليه‪.‬‬

‫ثم العبادة محلها القلب واللسان والجوارح‪:‬‬


‫ويتحقق تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم بالقلب بتقديم محبته‬
‫على النفس والوالد والولد والناس أجمعين؛ إذ ل يتم اليمان إل‬
‫بذلك‪ ،‬ثم إنه ل توقير ول تعظيم بل محبة‪ .‬وإنما يزرع هذه المحبة‬
‫معرفته لقدره ومحاسنه صلى الله عليه وسلم‪ .‬وإذا استقرت تلك‬
‫المحبة الصادقة في القلب كان لها لوازم هي في حقيقتها مظاهر‬
‫للتعظيم ودلئل عليه‪ ،‬ومن صور ذلك التعظيم‪ :‬الثناء عليه صلى‬
‫الله عليه وسلم بما هو أهله‪ ،‬وأبلغ ذلك ما أثنى عليه ربه عز‬
‫وجل به‪ ،‬وما أثنى هو على نفسه به‪ ،‬وأفضل ذلك‪ :‬الصلة‬
‫َ َ‬
‫ملئِكَت َ ُ‬
‫ه‬ ‫هو َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫والسلم عليه؛ لمر الله عز وجل وتوكيده‪{:‬إ ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سلِيماً}‬ ‫َ‬
‫موا ت َ ْ‬‫سل ِّ ُ‬
‫صل ّوا ع َلَيْهِ و َ‬
‫منُوا َ‬ ‫ي يَا أيُّهَا الَذِي َ‬
‫نآ َ‬ ‫ن ع َلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫صل ّو َ‬
‫يُ َ‬

‫‪1106‬‬
‫[الحزاب‪ ،]56 :‬وهذا إخبار من الله تعالى‪( :‬بمنزلة عبده ونبيه‬
‫عنده في المل العلى بأنه يثني عليه عند الملئكة المقربين‪ ،‬وأن‬
‫الملئكة تصلي عليه‪ ،‬ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلة‬
‫والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي‬
‫والسفلي جميعا)‪ ،‬وصلة المؤمنين عليه هي الدعاء طلبا ً للمزيد‬
‫من الثناء عليه‪ .‬والصلة عليه مشروعة في عبادات كثيرة‬
‫كالتشهد والخطبة وصلة الجنازة وبعد الذان وعند الدعاء وغيرها‬
‫من المواطن‪ .‬وأفضل صيغها‪ :‬ما علمه النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم لصحابه حين قالوا‪ :‬أما السلم عليك فقد عرفناه‪ ،‬فكيف‬
‫الصلة؟ قال‪« :‬قولوا‪ :‬اللهم صل على محمد‪ ،‬وعلى آل محمد‪،‬‬
‫كما صليت على آل إبراهيم‪ ،‬إنك حميد مجيد‪ .‬اللهم بارك على‬
‫محمد‪ ،‬وعلى آل محمد‪ ،‬كما باركت على آل إبراهيم‪ ،‬إنك حميد‬
‫مجيد»‪.‬‬
‫وغير خاف عليك ما في الصلة عليه من الفوائد والثمرات من‬
‫كونها سببا ً لحصول الحسنات‪ ،‬ومحو السيئات‪ ،‬وإجابة الدعوات‪،‬‬
‫وحصول الشفاعة‪ ،‬وصلة الله على العبد‪ ،‬ودوام محبة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وزيادتها‪ ،‬والنجاة من البخل‪ .‬ومن تعظيمه‪:‬‬
‫التأدب عند ذكره صلى الله عليه وسلم بأن ل يذكر باسمه‬
‫مجرداً‪ ،‬بل يوصف بالنبوة أو الرسالة‪ ،‬وهذا كما كان أدبا ً للصحابة‬
‫رضي الله عنهم في ندائه فهو أدب لهم ولغيرهم عند ذكره‪ ،‬فل‬
‫يقل‪ :‬محمد‪ ،‬ولكن‪ :‬نبي الله‪ ،‬أو الرسول‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫وهذه خصيصة له في خطاب الله في كتابه الكريم دون إخوانه‬


‫من النبياء عليهم الصلة والسلم فلم يخاطبه تعالى قط باسمه‬
‫مجرداً‪ ،‬وحين قال‪{:‬ما كَان مح َ َ َ‬
‫م}[الحزاب‪:‬‬ ‫جالِك ُ ْ‬
‫من ّرِ َ‬ ‫حد ٍ ِّ‬‫مد ٌ أبَا أ َ‬
‫َ ُ َ َّ‬ ‫َ‬
‫ن}‪ .‬يجيء التوجيه‬ ‫َ‬
‫م الن ّبِيِّي َ‬ ‫خات َ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫سول اللهِ و َ‬ ‫‪ ]40‬قال بعدها‪{:‬ولَكِن ّر ُ‬
‫َ‬
‫ل بَيْنَك ُ ْ‬
‫م‬ ‫سو ِ‬ ‫جعَلُوا دُع َاءَ الَّر ُ‬ ‫إلى هذا الدب في قوله تعالى‪{ :‬ل ت َ ْ‬
‫ضكُم بَعْضاً}[النور‪.]63 :‬‬ ‫كَدُع َاءِ بَعْ ِ‬
‫ومنه‪ :‬الكثار من ذكره‪ ،‬والتشوق لرؤيته‪ ،‬وتعداد فضائله‬
‫وخصائصه ومعجزاته ودلئل نبوته‪ ،‬وتعريف الناس بسنته‬
‫وتعليمهم إياها‪ ،‬وتذكيرهم بمكانته ومنزلته وحقوقه‪ ،‬وذكر صفاته‬
‫وأخلقه وخلله‪ ،‬وما كان من أمور دعوته وسيرته وغزواته‪،‬‬
‫والتمدح بذلك شعرا ً ونثراً‪.‬‬
‫وأسعد الناس حظا ً بذلك‪ :‬المحدثون والمشتغلون بسنة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬والشرط في ذلك‪ :‬كونه في حدود‬
‫المشروع‪ ،‬وسطا ً بين الجفاء وبين الغلو والطراء‪ .‬استشعار هيبته‬
‫صلى الله عليه وسلم ولجللة قدره وعظيم شأنه‪ ،‬واستحضاره‬

‫‪1107‬‬
‫لمحاسنه ومكانته ومنزلته‪ ،‬والمعاني الجالبة لحبه وإجلله وكل ما‬
‫من شأنه أن يجعل القلب ذاكرا ً لحقه من التوقير والتعزير‪،‬‬
‫ومعترفا ً به ومذعنا ً له‪ ،‬فالقلب ملك العضاء‪ ،‬وهي جند له وتبع‪،‬‬
‫فمتى ما كان تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم مستقرا ً في‬
‫القلب مسطورا ً فيه على تعاقب الحوال فإن آثار ذلك ستظهر‬
‫على الجوارح حتما ً ل محالة‪.‬‬
‫وحينئذ سترى اللسان يجري بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه‪،‬‬
‫وترى باقي الجوارح ممتثلة لما جاء به ومتبعة لشرعه وأوامره‪،‬‬
‫ومؤدية لماله من الحق والتكريم‪ .‬وبرهان التعظيم الصادق هو‬
‫تعظيم ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الشريعة‬
‫المتضمنة في الكتاب والسنة كما فهمها سلف المة‪ ،‬وذلك‬
‫باتباعها والتزامها قلبا ً وقالباً‪ ،‬وتحكيمها في كل مناحي الحياة‬
‫وشؤونها الخاصة والعامة؛ ومحال أن يتم اليمان بدون‬
‫َ‬ ‫ل وأَطَعْنَا ث ُ َّ‬ ‫َ‬
‫منْهُم‬ ‫م يَتَوَل ّى فَرِيقٌ ِّ‬ ‫سو ِ‬ ‫منَّا بِالل ّهِ وبِالَّر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذلك‪{:‬ويَقُولُو َ‬
‫ن}[النور‪..]47:‬‬ ‫منِي َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ك بِال ْ ُ‬‫ما أُوْلَئ ِ َ‬ ‫كو َ‬ ‫ن بَعْد ِ ذَل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِّ‬
‫فإن هذا هو مقتضى التعظيم الحقيقي والتوقير الصادق؛ إذ‬
‫العبرة بالحقائق ل بالمظاهر والشكال الجوفاء‪ ،‬ولذا قدم الله عز‬
‫وجل هذا الدب العظيم على سائر الداب الواجبة مع النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬فنهى عن التقدم بين يديه بأمر دون أمره أو‬
‫قول دون قوله‪ ،‬بل يكونون تبعا ً لمره منقادين له مجتنبين نهيه‪،‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫موا بَي ْ َ‬ ‫دّ ُ‬‫منُوا ل تُقَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫الحجرات‪{:‬يَا َ أيُّهَا الَذِي َ‬ ‫َ‬
‫فقال في أول سورة‬
‫َ‬
‫م} [الحجرات‪.]1:‬‬ ‫ميعٌ عَلِي ٌ‬ ‫س ِ‬
‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إ َّ‬ ‫سولِهِ واتَّقُوا الل ّ َ‬ ‫ي الل ّهِ وَر ُ‬ ‫يَد َ ِ‬
‫ومن التقدم بين يديه‪ :‬تقديم القوانين والتشريعات البشرية على‬
‫شريعته‪ ،‬أو تفضيل حكم غيره على حكمه أو مساواته به‪ ،‬أو‬
‫حتَّى‬ ‫ن َ‬ ‫منُو َ‬ ‫ك ل يُؤْ ِ‬ ‫التزام منهج مخالف لهديه وسنته‪{:‬فَل وَرب ِّ َ‬
‫َ‬
‫م َّ‬
‫ما‬ ‫حَرجا ً ِّ‬ ‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬‫جدُوا فِي أن ُف ِ‬ ‫م ل يَ ِ‬ ‫م ث ُ َّ‬ ‫جَر بَيْنَهُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك فِي َ‬ ‫مو َ‬ ‫حكِّ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫سلِيماً} [النساء‪.]65:‬‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ِّ ُ‬‫ت وي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬‫قَ َ‬
‫وأسعد الناس حظا ً بسنته وأقربهم إلى الشرب من حوضه‪ :‬أهل‬
‫السنة والجماعة‪ ،‬فهم من أحيوا سنته واتبعوا شريعته وهديه‪.‬‬
‫ومن توقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم توقيره في آله‪،‬‬
‫ومنهم أهل بيته رضي الله عنهم أجمعين ورعاية وصيته بهم‬
‫بمعرفة فضلهم ومنزلتهم وشرفهم بقربهم من النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم زيادة على إيمانهم‪ ،‬وبحفظ حقوقهم والقيام بها‪ ،‬فهم‬
‫أشرف آل على وجه الرض‪ ،‬وأزواجه أمهات المؤمنين‬
‫َ‬
‫س‬
‫ج َ‬ ‫م الّرِ ْ‬ ‫ب ع َنك ُ ُ‬ ‫ه لِيُذْه ِ َ‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫الطاهرات‪ ،‬قال الله تعالى‪{:‬إن َّ َ‬
‫م تَطْهِيراً} [الحزاب‪ ،]33 :‬وقد أوجب الله‬ ‫ت ويُطَهَِّرك ُ ْ‬ ‫ل البَي ْ ِ‬ ‫أَهْ َ‬

‫‪1108‬‬
‫الصلة عليهم تبعا ً للصلة على النبي صلى الله عليه وسلم في‬
‫التشهد في الصلة‪.‬‬
‫ومنه‪ :‬توقيره في سائر صحبه رضي الله عنهم جميعا ً فإنهم خيرة‬
‫الناس بعد النبياء‪ ،‬وخيرة الله لصحبة نبيه‪ ،‬وهم حماة المصطفى‬
‫صلى الله عليه وسلم والمناء على دينه وسنته وأمته‪ ،‬وذلك‬
‫بمعرفة فضلهم‪ ،‬ورعاية حقوقهم‪ ،‬فإن الطعن فيهم أو تنقُّصهم‬
‫عنوان الزندقة‪ .‬ومنه‪ :‬الدب في مسجده‪ ،‬وكذا عند قبره‪ ،‬وترك‬
‫اللغط ورفع الصوت‪ ،‬ولذا أنكر عمر رضي الله عنه على من رفع‬
‫صوته فيه‪ .‬فقال للرجلين‪(:‬ترفعان أصواتكما في مسجد النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم؟! لو كنتما من أهل المدينة لوجعتكما‬
‫ضرباً)‪.‬‬
‫ومن تعظيمه‪ :‬حفظ حرمة بلده المدينة النبوية؛ فإنها مهاجره‪،‬‬
‫ودار نصرته‪ ،‬وبلد أنصاره‪ ،‬ومحل إقامة دينه‪ ،‬ومدفنه‪ ،‬وفيها‬
‫مسجده خير المساجد بعد المسجد الحرام‪ .‬والمقصود من‬
‫تعظيم المدينة هو تعظيم حرمها‪ ،‬وهذا أمر واجب في حق من‬
‫سكن بها أو دخل فيها‪ ،‬مع ما يجب على ساكنيها من مراعاة حق‬
‫المجاورة وحسن التأدب فيها‪ ،‬وذلك لما لها من المنزلة والمكانة‬
‫عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم فيتأكد فيها العمل‬
‫الصالح وتعظم فيها السيئة؛ لشرف المكان‪.‬‬
‫صور من البخس‪:‬‬
‫بعد هذه الجولة الماتعة مع حق عظيم للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فإنه ل يسوغ أبدا ً لمنتسب إلى السنة أن يجفو في حق‬
‫نبيه صلى الله عليه وسلم فيخل بما يجب له من الجلل والتوقير‬
‫والتعظيم‪ .‬ومن صور الخلل‪ :‬التقصير في معرفته أو معرفة‬
‫سيرته وهديه أو فهم سنته أو الخلل في تطبيقها غلوا ً أو جفاء‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬إساءة العمل والتقصير في الصالحات‪ ،‬وخاصة ممن‬
‫ينتسب لل بيته الكرام‪ .‬ومن العجيب مع تأكد هذا الحق العظيم‬
‫أن يقع التعرض بسوء للمؤمنين الصادقين من آل البيت! وأعجب‬
‫منه سب صحابته والنيل من أزواجه الطاهرات! وأكبر منها‬
‫الساءة إلى ذات النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والجرأة على نقده‬
‫ولمز شريعته في ديار المسلمين!! ثم أين هو من دين النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم من يستبدل شريعته بقوانين البشر‪ ،‬أو يهزأ‬
‫من هديه‪ ،‬أو يتعالى على سنته؟!‬
‫َّ‬
‫وبعد‪ :‬يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! هل عظم نبيكم‬
‫وحبيبكم صلى الله عليه وسلم من حلف به مع أنه صلى الله‬
‫عليه وسلم يقول‪«:‬من كان حالفا ً فليحلف بالله أو ليصمت»‪،‬‬
‫َ‬
‫ويقول‪«:‬من حلف بغير الله فقد أشرك»؟! وهل عظ ّمه من‬

‫‪1109‬‬
‫توسل بذاته مع أن الصحابة توسلوا بدعائه ل بذاته‪ ،‬كما في‬
‫حديث عمر حين طلب من العباس الدعاء والستسقاء والنبي‬
‫َ‬
‫صلى الله عليه وسلم عندهم في قبره؟! وهل عظ ّمه من توجه‬
‫إليه طالبا ً منه الشفاعة مع أن الله عز وجل بين للمة أن‬
‫الشفاعة ل تكون إل بإذنه تعالى ورضاه‪ ،‬وأمر من أراد الشفاعة‬
‫بطلبها بطاعته؟! وهل عظمه من استغاث به مع أنه بشر ل يملك‬
‫من أمره شيئا؟! أليس هذا تنكرا ً لمحبته وتعديا ً لشرعه وعصياناً‬
‫لمره؟ حيث قال‪«:‬ل تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم‪،‬‬
‫فإنما أنا عبده‪ ،‬فقولوا عبد الله ورسوله»؟!‬
‫وهل من تعظيمه البتداع في دينه‪ ،‬والزيادة في شريعته من‬
‫التمسح بحجرته أو الحتفال بمولده بعد اتفاقنا على نصحه لمته‬
‫ودللتها على كل حسن؟! فأي حسن في عمل احتفالت ساعات‬
‫أو أيام ثم التقصير والهمال في سائر العام؟! وأي حسن في‬
‫الحتفال بزمن توفي فيه المصطفى ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬؟!‬
‫وأي حسن في مشابهة دين النصارى المفتونين بالحتفالت؟!‬
‫وأي حسن في التعدي على فقه الفاروق حين أَّرخ بهجرة‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم رمز انتصار دينه‪ ،‬ولم يؤرخ‬
‫بمولده ووفاته‪ ،‬تقديما ً للحقائق والمعاني على الطقوس‬
‫والشكال؟! وأي حسن في تجديد دين الدولة العبيدية الباطنية‬
‫الحاقدة التي ابتدعت ذلك الحتفال؟! وأي حسن في عمل لم‬
‫يشرعه الحبيب صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولم يفعله أنصاره وحماة‬
‫دينه وحملة رسالته رضي الله عنهم؟ أليسوا أصدق الناس حباً‬
‫له؟! أليس فقه الراشدين وفهمهم وسنتهم مما أوصاكم به نبيكم‬
‫صلى الله عليه وسلم قائل‪ :‬عليكم بسنتي وسنة الخلفاء‬
‫الراشدين المهديين من بعدي‪ ،‬عضوا عليها بالنواجذ؟! أليس فعل‬
‫المولد مخالفة لمره‪ :‬وإياكم ومحدثـات المور‪ ،‬فإن كل محدثة‬
‫بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضللة؟!‬
‫فأي تعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الموالد التي‬
‫صارت ركبا ً للمدعين‪ ،‬وحجة للبطالين؟! أل ترون المولد بعد هذا‬
‫تقصيرا ً في حق حبيبنا صلى الله عليه وسلم وظلما ً له؟! اللهم‬
‫اجعلنا من المعظمين رسولنا ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬حق‬
‫التعظيم المتبعين شرعه‪ ،‬السائرين على دربه‪ ،‬المهتدين بهديه‪،‬‬
‫اللهم أحينا على سنته‪ ،‬ول تحرمنا من مرافقته في الجنة‪ ..‬آمين‪.‬‬
‫‪----------------‬‬
‫‪ .2‬في ذكرى المولد النبوي‬
‫خباب بن مروان الحمد‬
‫المقدمة‬

‫‪1110‬‬
‫المبحث الول‪ :‬في حكم الحتفال بذكرى مولد محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬ذكر أقوال لهل العلم فيه‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬شبهــــات وردود‪.‬‬
‫المقدمة‬
‫الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على‬
‫الدين كله وكفى الله شهيداً‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل‬
‫شريك له إقرارا ً به وتوحيداً‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله‬
‫صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ً مزيدا ً إلى يوم‬
‫الدين‪ ..‬أما بعد‪:‬‬
‫أخي المسلم‪ ..‬أختي المسلمة‪..‬‬
‫في مثل هذه اليام يحتفل فئام من البشر بيوم مولد محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وهم من وقت ليس ببعيد يعدون العدة‬
‫ويجهزون الجهزة استعدادا ً للحتفال لهذا اليوم‪ ،‬فالضواء قد‬
‫علقت في أعمدة الشوارع‪ ،‬والبيوت قد زينت بالزهور والورود‪،‬‬
‫والحلويات قد أصبح لها سوق رائجة للبيع‪ ،‬وبعض المكنة‬
‫استئجرت حتى يُفْعَل بها هذا الحتفال‪ ،‬والمعازف والطبول‬
‫ض عنها الغبار استعداداً‬
‫ف َ‬ ‫والدفوف وأشياء كثيرة كثيرة قد ن ُ ِ‬
‫لذكرى المولد النبوي!!‬
‫فهل فعل هذا من المور التي ترضي الرب تبارك وتعالى؟ وما‬
‫هو حكمه؟ وهل فعله السلف أو أقروه؟ إلى غير ذلك من الشياء‬
‫التي سأطرقها في هذا البحث اليسير‪.‬‬
‫وقبل أن أصول وأجول في ثنايا هذا البحث فإني سأذكر مقدمة‬
‫يسيرة نافعة بإذن الله عز وجل لمن أراد الله هدايته وأبعده عن‬
‫أسباب شقاوته‪ ،‬كلها من سلسبيل القرآن ومشكاة الحديث‬
‫والسنة‪ ،‬فهما المنهل العذب الزلل على قلوب أهل اليمان‪،‬‬
‫والصواعق المردية لهل الكفر والضلل‪.‬‬
‫فهذه مقدمة نافعة في المر بالعتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬ووجوب‬
‫طاعة الله ورسوله‪ ،‬وأن مرجع أهل السنة والجماعة في‬
‫استدللهم هو كتاب الله وسنة المصطفى عليه الصلة والسلم ل‬
‫إلى آراء الناس وعقول المشايخ‪ ،‬نقول فيها‪:‬‬
‫من يقرأ هذا الكلم المزبور والخط المسطور‪ ،‬قد أنزل الله‬ ‫يا َ‬
‫علينا هذا القرآن ليكون الهادي لنا في ظلمات الحياة‪ ،‬ومنيراً‬
‫للصراط المستقيم‪ ،‬وقائدا ً يدعو البشرية جمعاء إلى جنة خلد‬
‫أعدت للمؤمنين‪ .‬وقد ذكر الله عز وجل في هذا الكتاب العظيم‬
‫آيات كثيرة بلغت ثلثا ً وثلثين آية كما قال أبو عبد الله أحمد بن‬
‫حنبل ـ قدس الله روحه ـ كلها في المر والحث على طاعة الله‬

‫‪1111‬‬
‫ورسله والتمسك بغرز القرآن والسنة فقد قال تعالى {وما كان‬
‫لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا ً أن يكون لهم‬
‫الخيرة من أمرهم ومن يعض الله ورسوله فقد ضل ضلل ً مبينا}‬
‫[الحزاب‪.]36 :‬‬
‫فقد ذكر الله أنه ل يكون للمؤمنين إذا قضى الله ورسوله عليهم‬
‫أي أمر‪ ،‬وتأمل هنا قوله تعالى {أمراً} فهي نكرة في سياق‬
‫النفي فهي تعم كل أمر‪ ،‬فإذا قضى الله ورسوله أي أمر ل يكون‬
‫لهم أن يتخيروا من أمرهم هذا غير الذي قضى فيهم ثم ذكر الله‬
‫عزل وجل أن من عصى الله ورسوله فهو في ضلل بعيد؛ لنه‬
‫يأبى ما قضاه الله ورسوله عليه وخالف أمرهما‪.‬‬
‫وقال تعالى {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا الله ورسوله‬
‫ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون*‬
‫ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون}‬
‫[النور‪ 51 :‬ـ ‪.]52‬‬
‫وقال تعالى {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو‬
‫يصيبهم عذاب أليم} [النور‪.]36 :‬‬
‫وقال تعالى {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا‪}..‬‬
‫[الحشر‪.]7 :‬‬
‫وقال تعالى {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم‬
‫فإنما على رسولنا البلغ المبين} [المائدة‪.]92 :‬‬
‫وقد حذرنا الله عز وجل من الشراك بطاعته فقال {وإن‬
‫أطعتموهم إنكم لمشركون} [النعام‪ ،]121 :‬وقال تعالى {أم لهم‬
‫شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله‪[ }..‬الشورى‪:‬‬
‫‪ ،]21‬وقال تعالى {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع‬
‫ما وجدنا عليه آبائنا‪[ }..‬لقمان‪ ،]21 :‬وقال تعالى {وإذا قيل لهم‬
‫تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون‬
‫عنك صدوداً} [النساء‪.]61 :‬‬
‫ورسول الهدى صلى الله عليه وسلم يوصينا بالتمسك بسنته‬
‫فيقول‪" :‬عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من‬
‫بعدي تمسكوا بها‪ ،‬وعضوا عليها بالنواجذ‪ ،‬وإياكم ومحدثات المور‬
‫فإن كل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضللة"‪( .‬مسند أحمد ‪،4/126‬‬
‫وانظر صحيح الجامع ‪.)2546‬‬
‫وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة‪" :‬أما‬
‫بعد فإن خير الحديث كتاب الله‪ ،‬وخير الهدي هدي محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وشر المور محدثاتها‪ ،‬وكل بدعة ضللة"‪.‬‬
‫(صحيح مسلم ‪.)867‬‬

‫‪1112‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪" :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس‬
‫منه فهو رد"‪( .‬رواه البخاري ‪ ،2697‬ومسلم ‪.)1718‬‬
‫والعجب كل العجب ـ والله ـ أن ترى كثيرا ً ممن ينتسبون للسلم‬
‫ويقولون بألسنتهم نحن نحب الله ورسوله فإذا أنكرت عليهم‬
‫شيئا ً من منكرات في الدين ظاهرةٍ عليهم‪ ،‬جادلوك بألسنتهم‬
‫وبدءوا يستندون بأقوال لبعض من ينتسب إلى العلم‪ ،‬وهي أقوال‬
‫"ساقطة" وصدق من قال‪" :‬لكل ساقطة لقطة"‪ ،‬ثم إذا قلت‬
‫لهم قال الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضجوا‬
‫وأكثروا وقالوا أنت قرن مماحك‪ ،‬فواأسفاه على أناس أعرضوا‬
‫ن هذين الصلين من أًول شريعتنا ل‬ ‫عن الكتاب والسنة‪ ،‬وكأ ّ‬
‫اعتبار لهما في مجرى حياتهم‪ ،‬ويأتي آخرون من هذا الصنف ثم‬
‫يقولون وهل أنت أعلم من الشيخ الفلني أو العالم الرباني فهم‬
‫يرونا نفعل مثل هذه المور التي تدعون أنها منكرات وبدع ولم‬
‫ينكروا علينا ما نفعله؟‬
‫جروا‬ ‫وهذه طامة كبيرة وقارعة خطيرة حيث أن مثل هؤلء قد أ ّ‬
‫عقولهم لمشايخهم ولم يريدوا أن يطلبوا أدلة الكتابة والسنة؛‬
‫لنهم لو فعلوا ذلك لتركوا منكرات كثيرة وقعوا بها ولما أقلعوا‬
‫عن البدع والمعاصي التي تحيط بهم‪ .‬وأعيذك الله أخي وأنت يا‬
‫أختاه أن تكونا من مثل هذا النوع فإن الهوى استحكم على‬
‫قلوبهم فهم إما أن يناقشوك بآرائهم وأهوائهم أو بآراء مشايخهم‬
‫بل استناد للكتاب والسنة بفهم سلف المة وقد قال الشاعر ينكر‬
‫على المحتجين بكلم شيوخهم‪:‬ـ‬
‫ل‬‫أقول قال الله قال رسوله *** فتجيب شيخي إنه قد قا َ‬
‫وأمثال هؤلء قليل ـ إن شاء الله ـ وأسأله تعالى أن يهديهم‬
‫ويصلح شأنهم‪.‬‬
‫وقد يحصل لك في النقاش مع مثل هذه النخبة من البشر أنهم‬
‫يقولون لك هذه وجهة نظرنا وما ندين الله به وأنت يا من‬
‫تناقشني برأيك هذه هي وجهة نظرك وما تدين الله به‪ ،‬والحمد‬
‫لله كل على هدى مستقيم‪.‬‬
‫وهذه شبهة ألقاها عليهم شيخهم ـ إبليس الرجيم ـ وإل فإن‬
‫الجواب عن ذلك أن يقال‪ :‬أن المرجع في النزاع والنقاش هو‬
‫كتاب الله سبحانه وتعلى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫والله عز وجل يقول {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا‬
‫الرسول وأولي المر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى‬
‫الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخر ذلك خير‬
‫وأحسن تأويلً} [النساء‪.]59 :‬‬

‫‪1113‬‬
‫وقال تعالى {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله‪}..‬‬
‫[الشورى‪.]10 :‬‬
‫نعم‪ ،‬هذا هو مرجعنا كتاب الله عز وجل‪..‬‬
‫ل تذكـــر الكتب الســـوالف *** طلع النهار فأطفئ القنديل‬
‫ن آرائهم هي التي يدينون الله بها‬ ‫إذا ً ما يدعي به أهل الهوى من أ ّ‬
‫فكلمهم هذا مردود عليهم‪ ،‬وعلى هذا فإن اليهود والنصارى‬
‫يدينون الله بما هم عليه من الكفر والضلل ولن ينقذهم كلمهم‬
‫هذا عند الله شيئاً‪.‬‬
‫وأنا الن أطلب من القارئ الكريم والخت الكريمة أن يتجردا‬
‫للحق فالحق أحق أن يتبع فماذا بعد الحق إل الضلل‪ ،‬وحذار‬
‫حذار من الهوى فالله عز وجل يقول {ول تتبع الهوى فيضلك عن‬
‫سبيل الله} [ص‪ ]26 :‬وقال‪{ :‬بل اتبع الذين ظلموا أهوائهم}‪.‬‬
‫وقد أحسن من قال‪:‬‬
‫ت فقد لقيت‬ ‫إن الهوان هو الهوى قلب اسمه *** فـإذا هَوِي َ‬
‫هوانـاً‬
‫وأختم بقول الله سبحانه {وأن هذا صراطي مستقيما ً فاتبعوه ول‬
‫تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم‬
‫تتقون} [النعام‪ ،]153 :‬وليكن شعار كل مسلم طالب للحق مبتعد‬
‫عن الباطل أن يقول ما قاله أحد المتقدمين ـ رحمه الله ـ‪:‬‬
‫كتــاب الله عــز وجــل قولي *** ومــا صحت به الثــار ديني‬
‫فدع ما صد ّ عـن هذي وخــذها *** تكــن منها عــلى عين اليقين‬
‫المبحث الول‪ :‬في حكم الحتفال بذكرى مولد محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم‪:‬‬
‫في يوم ‪ 3 /12‬يحتفل جمع من المة السلمية بذكرى مولد النبي‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وفي الحقيقة إن الحتفال بمثل هذا‬
‫اليوم واتخاذه عيدا ً بدعة منكرة قبيحة ولم يدل على جوازها‬
‫كتاب ول سنة ول إجماع سلف المة‪.‬‬
‫بل المة السلمية في عهد القرون الثلثة الولى التي فضلها‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم على غيرها مجمعة أنها ل تعرف‬
‫احتفال ً ول عيدا ً إل الضحى والفطر‪ ،‬أما سواهما من العياد‬
‫والذكريات فهو لغو غير معدود ول معروف عندهم‪ ،‬بل ل تشرئب‬
‫إليها أنفسهم‪ ،‬ول ترتفع إليها أعناقهم‪.‬‬
‫ذلك أنهم كانوا شديدي النكار على كل من خالف السلم بكفر‬
‫أو بدعة أو معصية‪ ،‬ولقوة اعتصامهم بالكتاب والسنة خلت‬
‫بيوتاتهم من البدع المنكرة‪ ،‬والمور المحدثة‪.‬‬
‫وللقارئ أو القارئة أن يسأل ويقول‪:‬‬

‫‪1114‬‬
‫ما سبب حكمك على أن من احتفل بذكرى مولد النبي المختار‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم أنه قد أرتكب بدعة منكرة في‬
‫الدين؟ فأقول وبالله التوفيق‪:‬‬
‫‪1‬ـ النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده في حياته وهو‬
‫المبلغ للدين‪ ،‬ولم يأمر بذلك‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن الخلفاء الراشدين لم يفعلوا هذا الحتفال مع أنهم أحب‬
‫للرسول صلى الله عليه وسلم منا‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصانا بالتمسك بسنته‪ ،‬وأن‬
‫ل نعبد الله إل بما شرع‪ ،‬وذكرى المولد لو كان فيها خير لذكر لنا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم منها خبراً‪ ،‬ومن تعبّد الله بما‬
‫لم يشرعه لعباده وعلى لسان رسوله‪ ،‬فقد اتهم الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم بالقصور أو بالتقصير في تبليغ دعوة الله‪.‬‬
‫‪4‬ـ قال المام مالك بن أنس ـ نوّر الله ضريحه ـ‪" :‬ل يصلح آخر‬
‫هذه المة إل بما صلح به أولها"‪ ،‬فما دام أن السلف لم يفعلوا‬
‫مثل هذه البدعة المحدثة فحري بنا أل نفعلها‪ ،‬وقد قال الناظم‪:‬‬
‫وكل خير في اتباع من سلف *** كل شـر فـي ابتداع من خلف‬
‫‪5‬ـ أن يوم المولد وليلته لو كان لها مزية لختصت بفضل معين‪،‬‬
‫ثم إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتذكر سيرته ل تكون‬
‫في يوم واحد بل في كل اليام نقرأ سيرته ونتبع ما شرعه لنا‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه عن‬
‫عبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ما بعث الله من نبي إل كان حقاً‬
‫عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم‪ ،‬وينذرهم من شر ما‬
‫يعلمه لهم"‪.‬‬
‫‪6‬ـ إن بعض الموالد فيها اختلط الرجال بالنساء‪ ،‬وفيها الغلو‬
‫ن بعضهم قد يجعله في مقام‬ ‫بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى أ ّ‬
‫الربوبية‪ ،‬وبعضهم يظن أن محمدا ً صلى الله عليه وسلم يحضر‬
‫المولد فيقومون له محييين ومرحبين‪ ،‬ويكون كذلك من‬
‫المنكرات مشاركة المعازف من الطبل والدف وآلت الموسيقى‪،‬‬
‫وكذلك بعضهم يستغيث بمحمد صلى الله عليه وسلم ويطلبوا‬
‫منه المدد والغوث وأنه يعلم الغيب‪ .‬وكل هذه المور منكرة‬
‫محرمة وبعضها فيها شرك بالله ـ عياذا ً به سبحانه ـ فكيف إذا‬
‫اجتمعت كلها‪.‬‬
‫‪7‬ـ الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا في الحديث الصحيح‬
‫فقال‪" :‬إياكم ومحدثات المور‪ ،‬فإن كل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة‬
‫ضللة‪ ،‬وكل ضللة في النار" رواه النسائي بسند صحيح‪ .‬ولفظه‪:‬‬

‫‪1115‬‬
‫"كل" هنا للعموم فيكون معناها أن أية بدعة محدثة في الدين‬
‫ما من يقول "كل" ليس المراد بها العموم فما رأيك‬ ‫فهي بدعة وأ ّ‬
‫بقول الله تعالى‪{ :‬كل نفس ذائقة الموت} هل توجد أنفس من‬
‫مخلوقات الله عز وجل ل تموت؟‬
‫‪8‬ـ من فعل هذه البدعة فقد تشبه بأعداء الله فإن النصارى‬
‫يحتفلون بعيد ميلد المسيح عيسى بن مريم‪ ،‬وقد سرت بدعتهم‬
‫هذه للمسلمين فأصبحوا يحتفلون بذكرى مولده صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬والرسول حذرنا من التشبه بأعداء الله فقال‪" :‬من تشبه‬
‫بقوم فهو منهم" والحديث رواه أحمد وأبو داود وجوّد إسناده ابن‬
‫تيمية‪ ،‬وحسنه ابن حجر‪.‬‬
‫‪9‬ـ من احتفل بذكرى المولد فقد اتهم ديننا بالنقص‪ ،‬ولو كان قصد‬
‫هذا المبتدع حسناً؛ فإن بدعته طعن في دين الله عز وجل‬
‫وتكذيب لقوله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم‬
‫نعمتي ورضيت لكم السلم ديناً} [المائدة‪.]3 :‬‬
‫‪10‬ـ إن الكفار أعداء الله يفرحون بإقامة هذه البدع؛ لنهم قرءوا‬
‫كتبنا السلمية وعلموا أنه متى أحدث في الدين بدعة ماتت سنة‬
‫من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم‪" ،‬وأوضح أنموذج‬
‫لذلك ما ذكره الجبرتي من أن نابليون أمر الشيخ البكري بإقامة‬
‫الحتفال بالمولد وأعطاه ثلثمائة ريال فرنسي‪ ،‬وأمره بتعليق‬
‫الزينات‪ ،‬بل وحضر الحفل بنفسه من أوله إلى آخره‪ "...‬ويعلل‬
‫الجبرتي اهتمام الفرنسيين بالحتفال بالموالد عموما ً بما "رآه‬
‫الفرنسيون في هذه الموالد من الخروج عن الشرائع‪ ،‬واجتماع‬
‫النساء‪ ،‬وإتباع الشهوات‪ ،‬والرقص‪ ،‬وفعل المحرمات" أ‪.‬ه‪.‬‬
‫[حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الجلل والخلل (‪)155‬‬
‫المنتدى السلمي]‪.‬‬
‫‪11‬ـ إننا لو نقبنا في بداية تاريخ هذه البدعة ومن هو أول من فعلها‬
‫فسنجد أنهم الفاطميون العبيديون‪ ،‬وهم من الباطنيين‪ ،‬وقد‬
‫حكموا مصر وكان بدء حكمهم في مصر في القرن الرابع‬
‫الهجري‪ ،‬وقد ذكر تقي الدين أحمد بن علي المقريزي في كتابة‬
‫"المواعظ والعتبار بذكر الخطط والثار" (‪ )1/490‬أنه كان‬
‫للفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم‪ ،‬فذكرها وهي كثيرة‬
‫جداً‪ ،‬ومنها مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ومولد علي‬
‫وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم‪ ،‬ومولد الخليفة‬
‫الحاضر‪ ،‬وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث سنة (‬
‫‪567‬هـ) وهي السنة التي انتهت فيها دولتهم بموت آخرهم العاضد‪،‬‬
‫قال‪" :‬ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات‪ ،‬وكثر أهل الفساد‪،‬‬
‫ل عندهم الصالحون من العلماء والعباد‪[ ."..‬الرد على‬ ‫وق ّ‬

‫‪1116‬‬
‫الرفاعي والبوطي‪ ،‬للعباد (‪82‬ـ ‪ .)83‬وكتاب القول الفصل في حكم‬
‫الحتفال بمولد خير الرسل‪2/451( ،‬ـ ‪.])452‬‬
‫وقال العلمة الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي مفتي الديار‬
‫المصرية سابقا ً في كتابة "أحسن الكلم فيما يتعلق بالسنة‬
‫والبدعة من الحكام" (‪44‬ـ ‪" : )45‬مما حدث وكثر السؤال عنه‬
‫الموالد فنقول‪ :‬إن أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون‪،‬‬
‫وأولهم المعز لدين الله توجه من المغرب إلى مصر في شوال‬
‫سنة (‪361‬هـ)‪ ،‬فوصل إلى ثغر السكندرية في شعبان سنة (‪362‬هـ)‬
‫ودخل القاهرة لسبع خلون من شهر رمضان فابتدعوا ستة موالد‬
‫النبوي‪ ،‬ومولد أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب‪[ ."...‬القول‬
‫الفصل‪ ،‬إسماعيل النصاري (‪2/457‬ـ ‪.])458‬‬
‫وبعض أهل العلم ذكر أن أول من احتفل بذكرى مولده صلى الله‬
‫عليه وسلم هو الملك المظفر "أبو سعيد كوكبوري" ملك إربل‬
‫في آخر القرن السادس أو أول القرن السابع الهجري‪ ،‬وقد قال‬
‫ابن كثير في البداية والنهاية (‪ )137 /13‬عن هذا الملك وهو أبو‬
‫سعيد كوكبوري‪" :‬كان يعمل المولد الشريف في ربيع الول‬
‫ويحتفل به احتفال ً هائلً‪[ ..‬إلى أن قال‪ ]:‬قال السبط‪ :‬حكى بعض‬
‫من حضر سماط المظفر في بعض الموالد أنه كان يمد في ذلك‬
‫السماط خمسة آلف رأس مشوي‪ ،‬وعشرة آلف دجاجة‪ ،‬ومائة‬
‫آلف زبدية‪ ،‬وثلثين ألف صحن حلوى‪[ ..‬إلى أن قال‪ ]:‬ويعمل‬
‫الصوفية سماعا ً من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم" أ‪.‬ه‬
‫[حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الجلل والخلل (‪.])140‬‬
‫ويمكن الجمع بين قول من قال إن الحتفال بالمولد النبوي أول‬
‫من فعله الرافضة بنو عبيد القداح في القرن الرابع‪ ،‬وبين قول‬
‫من قال أول من فعله هو ملك إربل في القرن السابع‪ ،‬أن يقال‪:‬‬
‫أن أول من فعله بنو عبيد القداح في مصر ثم سرت هذه البدعة‬
‫إلى الشام والعراق في القرن السابع الهجري‪.‬‬
‫وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية عن الدولة الفاطمية (‬
‫‪" :)11/346‬هم كفار‪ ،‬فساق‪ ،‬فجار ملحدون‪ ،‬زنادقة‪ ،‬معطلون‬
‫السلم جاحدون ولمذهب المجوسية معتقدون" ا‪.‬ه‪[ .‬مجموعة‬
‫الرسائل والتوجيهات‪ ،‬محمد جميل زينو (‪.])1/199‬‬
‫وقال ياقوت في معجمه (‪ )1/138‬عن الملك المظفر صاحب إربل‬
‫وقد كان من معاصريه‪" :‬طباع هذا المير متضادة‪ ،‬فإنه كثير‬
‫الظلم‪ ،‬عسوف بالرعية‪ ،‬راغب في أخذ الموال من غير وجهها"‬
‫ا‪.‬ه‬
‫إذا ًَ علمنا علم اليقين أيها القارئ الكريم والقارئة الكريمة أن هذه‬
‫البدعة تسربت للمسلمين من الكفار العبيديين ومن ملك إربل‬

‫‪1117‬‬
‫الظالم المتعسف المبتدع‪ ،‬فهل يجوز لنا أن نأخذ ديننا من مثل‬
‫هؤلء المبتدعة؟‬
‫‪12‬ـ ومن المور التي تجعلنا نقول إن الحتفال بذكرى المولد‬
‫بدعة‪ ،‬أن إحياء بدعة المولد يفتح الباب للبدع الخرى والشتغال‬
‫بها عن السنن‪ ،‬ولهذا تجد المبتدعة ينشطون في إحياء البدع‬
‫ويتكاسلون عن السنن ويبغضونها ويعادون أهلها‪[ .‬حقوق النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بين الجلل والخلل (‪.])142‬‬
‫والبدعة أحب إلى إبليس من مائة معصية؛ لنها تجر النسان إلى‬
‫الشرك بالله وقد ل يعلم ذلك‪ ،‬ولن صاحبها يعتقد أنه على‬
‫صواب ويجادل عن جواز بدعته‪ ،‬أما صاحب المعصية يعلم أن‬
‫المعصية غير جائزة وقد يتوب منها ويستغفر الله عز وجل‪.‬‬
‫‪13‬ـ يُلَزم أصحاب بدعة المولد النبوي أن يفعلوا ذكرى لوفاته‬
‫صلى الله عليه وسلم وذكرى ليوم بعثته في نشر دين السلم‬
‫وهلم جراً‪ ،‬ثم أن محمدا ً صلى الله عليه وسلم توفي في شهر‬
‫ربيع الول "فلي سبب يفرحون ـ أي أصحاب البدعة ـ بميلده‪،‬‬
‫ول يحزنون بموته لول قسوة القلب"‪ ،‬وعلى هذا اللزام يكون‬
‫في كل يوم ذكرى مولد أو وفاة لكل نبي وصالح وضاع ديننا‬
‫بالموالد والذكريات‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬ذكر أقوال لهل العلم في إنكار هذه البدعة‪:‬‬
‫‪1‬ـ قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه المام مسلم‬
‫في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه‪" :‬وشر المور‬
‫محدثاتها‪ ،‬وكل بدعة ضللة" وفي رواية النسائي "وكل ضللة في‬
‫النار"‪.‬‬
‫‪2‬ـ قال شيخ السلم ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (‬
‫‪" :)2/123‬وكذلك ما يحدثه بعض الناس‪ ،‬إما مضاهاة للنصارى في‬
‫ميلد عيسى عليه السلم‪ ،‬وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وتعظيماً‪ ..‬من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً‪ .‬مع‬
‫اختلف الناس في مولده فإن هذا لم يفعله السلف‪ ،‬مع قيام‬
‫المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيراً‪ ،‬ولو كان هذا خيراً‬
‫محضاة أو راجحا ً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا‪،‬‬
‫فإنهم كانوا أشد محبة للرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وتعظيم له‬
‫منا‪ ،‬وهم على الخير أحرص‪."...‬‬
‫وتأمل رعاك الله ما قاله "مع اختلف الناس في مولده"؛ لن‬
‫بعض أهل العلم قال‪ :‬ولد صلى الله عليه وسلم في يوم التاسع‬
‫من ربيع الول‪ ،‬وبعضهم قال ولد في يوم الثاني عشر‪ .‬ولذا يلزم‬
‫من يفعل هذه البدعة أن يحتفل كل يوم قيل إنه ولد فيه محمد‬

‫‪1118‬‬
‫صلى الله عليه وسلم حتى ينال ما يريده من موافقة اليوم الذي‬
‫ولد فيه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪3‬ـ وقد ألف الفاكهاني رسالة "المورد في عمل المولد" وأنكر‬
‫هذه البدعة وقال‪" :‬ل أعلم لهذا المولد أصل ً في كتاب ول سنة‪،‬‬
‫ول ينقل عمله عن أحد من علماء المة‪ ،‬الذين هم القدوة في‬
‫الدين‪ ،‬المتمسكون بآثار المتقدمين‪ ،‬بل هو بدعة‪ ،‬أحدثها‬
‫البطالون‪ ،‬وشهوة نفس اغتنى بها الكالون" إلى آخر ما قال‬
‫رحمه الله (‪8 /1‬ـ ‪ )9‬من كتاب "رسائل في حكم الحتفال بالمولد‬
‫النبوي"‪ ،‬تحت إشراف رئاسة إدارة البحوث العلمية والفتاء‪.‬‬
‫‪4‬ـ وألف الشيخ إسماعيل النصاري رسالة ضخمة بما يقارب (‪)600‬‬
‫صفحة وذكر أن الحتفال بالمولد بدعة‪ ،‬ورد ّ على معظم الشبه‬
‫التي يثيرها أدعياء هذه البدعة في رسالته "القول الفصل في‬
‫حكم الحتفال بمولد خير الرسل"‪.‬‬
‫‪5‬ـ وممن أنكر هذه البدعة المام الشاطبي في كتابه "العتصام"‪.‬‬
‫‪6‬ـ والشيخ محمد بشير السهسواني الهندي في كتابه "صيانة‬
‫النسان"‪.‬‬
‫‪7‬ـ والشيخ ابن باز‪ ،‬ومحمد ابن إبراهيم وجمع من العلماء‬
‫المتقدمين والمتأخرين ـ رحمة الله عليهم أجمعين ـ‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬شبهــــات وردود‪:‬‬
‫يستند بعض مقيمي مثل هذا المولد إلى شبهات يتعلقون بها‬
‫ويجوزون بها فعل بدعتهم‪ ،‬ولذا فل بد من عرض شيء منها مع‬
‫أنها أوهى من بيت العنكبوت‪ ،‬وسأذكر أهم الشبه التي يتعلق بها‬
‫هؤلء وأناقشها‪ ،‬خاصة أن بعض من ينتسب إلى العلم ويقيم مثل‬
‫هذه الموالد يلبّس على العوام بهذه الشبه ـ فل حول ول قوة إل‬
‫بالله ـ‪.‬‬
‫كيف‪ ،‬ل أدري‪ ،‬لماذا؟ ربمـا *** أنني يوما ً عرفت السببـا‬
‫عالِم يدعو بدعـوى جاهـل *** وليوث الحرب ترجو الرنبا‬
‫الشبهة الولى‪ :‬أن إقامة مثل هذا المولد من قبيل البدعة‬
‫الحسنة الجائزة في دين السلم‪.‬‬
‫ويجاب عن هذه الشبة بأن يقال‪ :‬ليس في دين السلم بدعة‬
‫تسمى بدعة حسنة‪ ،‬فإنه صلى الله عليه وسلم كما في الحديث‬
‫الذي مّر بنا مرارا ً يقول‪" :‬وكل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضللة"‪،‬‬
‫وزاد النسائي "وكل ضللة في النار"‪.‬‬
‫وقد ذكر الشاطبي في كتابه "العتصام" (‪ )1/28‬أن "ابن‬
‫الماجشون" قال‪ :‬سمعت مالكا ً يقول‪" :‬من ابتدع في السلم‬
‫بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا ً خان الرسالة؛ لن الله‬

‫‪1119‬‬
‫يقول {اليوم أكملت لكم دينكم} فما لم يكن يومئذ دينا ً فل يكون‬
‫اليوم ديناً"‪.‬‬
‫ثم إنه صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث المتفق عليه‪:‬‬
‫"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وفي لفظ مسلم‬
‫"من عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رد"‪.‬‬
‫فهل عمل بدعة الحتفال بالمولد النبوي من دين السلم الذي‬
‫ذكره الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم لنا‪ ،‬وهل فعل هذه‬
‫البدعة كان عليه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وذكر المام ابن بطة في كتاب "البانة" (‪ )1/339‬عن نافع عن ابن‬
‫عمر رضي الله عنهما قوله‪" :‬كل بدعة ضللة وإن رآها الناس‬
‫حسنة" وذكره محمد بن نصر المروزي في كتاب السنة بسند‬
‫صحيح‪.‬‬
‫ً‬
‫ورحمة الله على المام مالك الذي كان كثيرا ما ينشد‪:‬‬
‫وخير أمور الدين ما كان سنة *** وشر المور المحدثات البــدع‬
‫ذكره الشاطبي في كتابه "العتصام" (‪.)1/115‬‬
‫الشبهة الثانية‪ :‬يستند بعضهم إلى ما ورد عن ابن مسعود رضي‬
‫الله عنه أن قال‪" :‬ما رآه المسلمون حسنا ً فهو عند الله حسن‪،‬‬
‫وما رآه المسلمون قبيحا ً فهو عند الله قبيح"‪ ،‬ثم يقولون وكثير‬
‫من المسلمين يستحسن فعل الحتفال بذكرى مولد محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫والجواب عن ذلك‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن هذا الكلم المنسوب لبن مسعود رضي الله عنه إنما أراد‬
‫أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولم يرد كل من هب‬
‫ودب من المسلمين والمنتسبين إلى السلم‪ ،‬وكلمه صريح في‬
‫ذلك‪ ،‬وهذا لفظه عند المام أحمد رحمه الله تعالى‪" :‬إن الله نظر‬
‫في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير‬
‫قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته‪ ،‬ثم نظر في قلوب‬
‫العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد‬
‫فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه‪ ،‬فما رأى المسلمون حسناً‬
‫فهو عند الله حسن‪ ،‬وما رأوا سيئا ً فهو عند الله سيئ"‪.‬‬
‫وهذا مثل ما رآه الصحابة حسن من العلم بالتاريخ والبتداء به‬
‫بالهجرة‪ ،‬ومثل وضع ديوان العطاء زمن عمر بن الخطاب‪ ،‬ومثل‬
‫جمع المصحف في عهد أبي بكر‪ ،‬وأما ما رأوه سيئا ً مثل التحلق‬
‫والجتماع على عد التسبيح والتحميد والتكبير‪ ،‬وقد أنكر ذلك ابن‬
‫مسعود وأبي موسى الشعري‪ ،‬ومثل إنكار الصحابة لبدعة‬
‫الخوارج‪ ،‬ومثل إنكار علي رضي الله عنه على الرافضة في‬

‫‪1120‬‬
‫غلوهم فيه وإنكار الصحابة معه‪[ .‬الرد القوي على الرفاعي‬
‫والمجهول وابن علوي لحمود التويجري (‪163‬ـ ‪)166‬بتصرف]‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن يقال إن أهل السلم يستقبحون البدع ويعتبرونها ضللة‪،‬‬
‫ومن ضمنها بدعة المولد النبوي‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن هذا الكلم الوارد عن ابن مسعود المراد به ما أجمع عليه‬
‫المسلمون ورأوه حسنا ً ل ما رآه بعضهم واستحسنه وقد ذكر هذا‬
‫الجواب أربعة من أئمة العلم‪ ،‬وهم ابن القيم والشاطبي وابن‬
‫قدامة وابن حزم‪[ .‬القول الفصل‪ ،‬النصاري (‪.])2/591‬‬
‫ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتبهم أو إلى المرجع السابق‬
‫ذكره فقد ذكر الشيخ إسماعيل جميع أقوالهم‪.‬‬
‫الشبهة الثالثة‪ :‬أن الحتفال بالمولد يفعله الكثير من الناس بل‬
‫يراه بعض المشايخ‪ ،‬ولو كان منكرا ً ما فعله هؤلء‪.‬‬
‫والجواب عن هذه الشبهة‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬ل تجتمع أمتي‬
‫على ضللة"‪ ،‬رواه أهل السنن إل النسائي وهو حسن لغيره‪.‬‬
‫(سلسلة الحاديث الصحيحة‪ ،‬رقم ‪.)1331‬‬
‫‪2‬ـ ذكر العلمة محمد ابن إبراهيم ـ رحمه الله ـ عن المام‬
‫الشاطبي في كتاب "العتصام" أنه قال نقل ً عن بعض مشايخه‪:‬‬
‫"إن الحتجاج على تحسين البدع بهذه الدعوى ليس بشيء في‬
‫أمر تركته القرون الثلثة المقتدى بهم"‪ ،‬ثم قال المام الشاطبي‬
‫ـ رحمه الله ـ "ولما كانت البدع والمخالفات وتواطأ الناس عليها‬
‫صار الجاهل يقول‪" :‬ولو كان هذا منكرا ً لما فعله الناس"‪ ،‬ثم قال‬
‫ما ذكره ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم‪" :‬من اعتقد أن‬
‫أكثر هذه العادات المخالفة للسنن مجمع عليها بناء على أن المة‬
‫أقرتها ولم تنكرها فهو مخطئ في هذا العتقاد‪ ،‬فإنه لم يزل ول‬
‫يزال في كل وقت من ينهى عن عامة العادات المستحدثة‬
‫المخالفة للسنة‪[ ."..‬رسائل في حكم الحتفال بالمولد‪ ،‬رسالة‬
‫الشيخ محمد ابن إبراهيم]‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن فعل الكثير من الناس لي شيء ل يدل على أنه حق بل إن‬
‫الله ذم الكثرة في القرآن فقال {وإن تطع أكثر من في الرض‬
‫يضلوك عن سبيل الله} [النعام‪ ،]116 :‬وقال {وما أكثر الناس‬
‫ولو حرصت بمؤمنين} [يوسف‪ ،]103 :‬وقال {وإن كثيرا ً ليضلون‬
‫بأهوائهم بغير علم} [النعام‪ ،]119 :‬وقال تعالى {وإن كثيرا ً من‬
‫الخلفاء ليبغي بعضهم على بعض إل الذين آمنوا أو قليل ما هم}‬
‫[ص‪.]24 :‬‬
‫‪4‬ـ ويرد على من قال إن بعض المشايخ يقول بجوازه بل يفعله‪،‬‬
‫بأن رسول الهدى يقول‪" :‬وكل بدعة ضللة‪ ،‬وكل ضللة في‬

‫‪1121‬‬
‫النار"‪ ،‬ووالله إن قول رسول الله أحب إلينا من قول أمة كلها‪،‬‬
‫وقد قال أبو بكر بن أبي داود‪:‬‬
‫ودع عنك آراء الرجال وقولهم *** فقول رسول الله أزكى‬
‫وأشرح‬
‫ويقال لمن استدل بقول شيوخه‪ ،‬أيهما أحب إليك قول رسول‬
‫الهدى صلى الله عليه وسلم أم قول مشايخك؟ فإن قال بل قوله‬
‫ي‪ ،‬فيقال له‪ :‬إن الله عز وجل يقول‬ ‫ب إل ّ‬‫عليه الصلة والسلم أح ُّ‬
‫{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم‬
‫ذنوبكم}‪ ،‬وقد ذكر ابن تيمية في كتاب العبودية قول الحسن‬
‫البصري‪" :‬ادعى قوم محبة الله ورسوله فأنزل الله عليهم آية‬
‫الممتحنة {قل إن كنتم تحبون الله‪ ،}..‬فامتحنهم الله بهذه الية‪.‬‬
‫وقد قال المام الشافعي‪" :‬أجمع المسلمون على أن من‬
‫استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن‬
‫يدعها لقول أحد من الناس‪[ .‬الرسالة (‪.])104‬‬
‫إن قال إن قول شيخي أحب إلي من قول رسول الهدى صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬فإني أبشره بآية عظيمة {ومن يشاقق الرسول‬
‫من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى‬
‫ونصله جهنم وساءت مصيراً}‪[ .‬النساء‪.]115 :‬‬
‫وقد قال ابن تيمية‪" :‬ومن نصب شخصا ً كائنا ً من كان فوالى‬
‫وعادى على موافقته في القول والفعل فهو من الذين فرقوا‬
‫بدينهم وكانوا شيعاً"‪[ .‬الفتاوى (‪2/239‬ـ ‪.])240‬‬
‫الشبهة الرابعة‪ :‬دعوى بعضهم أن من لم يحتفل بمولده صلى‬
‫الله عليه وسلم فإنه يكره الرسول صلى الله عليه وسلم ول‬
‫يحبه ول يعظمه‪.‬‬
‫والجواب عن هذه الشبهة أن يقال‪:‬‬
‫‪1‬ـ بل إنكم أنتم يا من تدعون محبة الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم ل تعظموه ول توقروا شرعه‪ ،‬والدليل على ذلك أنكم ل‬
‫تقرؤون في الشمائل المحمدية ول تكثرون الصلة عليه ول‬
‫تتذكرونه إل في هذا اليوم المبتدع‪.‬‬
‫‪2‬ـ ويقال كذلك أنتم الذين تنقصتم محمدا ً صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ورميتموه بالتقصير فقد قال صلى الله عليه وسلم‪" :‬ما بعث الله‬
‫من نبي إل كان حقا ً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم‬
‫وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم" (أخرجه مسلم من حديث عبد‬
‫الله بن عمرو بن العاص (‪ )1844‬في كتاب المارة)‪.‬‬
‫وقد نهانا محمد صلى الله عليه وسلم وحذرنا عن البدع كلها‪،‬‬
‫فقال‪" :‬وكل بدعة ضللة"‪.‬‬

‫‪1122‬‬
‫قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان" (‪" :)1/102‬وكما أنك ل تجد‬
‫مبتدعا ً إل وهو متنقص للرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وإن زعم‬
‫أنه معظم له بتلك البدعة فإن يزعم أنها خير من السنة وأولى‬
‫بالصواب‪ ،‬أو يزعم أنها هي السنة إن كان جاهل ً مقلداً‪ ،‬وإن كان‬
‫مستبصرا ً في بدعته فهو مشاق لله ورسوله"‪.‬‬
‫وإني أبشر السني بكلم عظيم لبن القيم قاله كذلك في إغاثة‬
‫اللفهان (‪" )1/111‬وهذا المبتدع إنما ينقم على السني تجريده‬
‫متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه لم يشبها بآراء الرجال‬
‫ول بشيء مما خالفها‪ .‬فصبر الموحد المتبع للرسل على ما ينقمه‬
‫عليه أهل الشرك والبدعة خير له وأنفع‪ ،‬وأسهل عليه من صده‬
‫على ما ينقمه الله ورسوله عليه من موافقة أهل الشرك‬
‫والبدعة‪.‬‬
‫إذا لم يكن بد من الصبــر‪ ،‬فاصطبر *** على الحق‪ ،‬ذاك الصبر‬
‫تحمد عقباه‬
‫وأختم بما ذكره أبو داود في سننه عن حذيفة رضي الله عنه‬
‫قال‪ " :‬كل عبادة ل يتعبدها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫فل تعبدوها‪ ،‬فإن الول لم يترك للخر مقال"‪.‬‬
‫وقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه (‪ )20750‬واللفظ له‪ ،‬وأخرجه‬
‫كذلك أبو داود (‪ )4611‬من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه‬
‫قال‪" :‬فيوشك قائل أن يقول‪ :‬ما هم بمتبعي فيتبعوني وقد قرأت‬
‫القرآن؟! ثم يقول‪ :‬ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره! فإياكم‬
‫وما ابتدع‪ ،‬فإن ما ابتدع ضللة‪."..‬‬
‫هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أهل بيته الطيبين‬
‫الطاهرين‪.‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪ .3‬هل أنت تحب النبي صلى الله عليه وسلم؟!‬
‫ففي الصحيحين عن أنس رض الله عنه قال جاء رجل إلى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله متى الساعة‬
‫قال‪(:‬وماذا أعدت لها)‪ ,‬قال‪ :‬ما أعدت لها كثير عمل إل أنني‬
‫أحب الله ورسوله قال النبي صلى الله عليه وسلم‪( ,‬المرء مع‬
‫من أحب)‪ .‬يقول أنس فما فرحنا بشي كفرحنا بقول النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪(:‬المرء مع من أحب)‪ ,‬ثم قال‪ :‬وأنا أحب رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجوا الله أن أحشر‬
‫معهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم‪.‬‬
‫ولكن السؤال‪ :‬هل أنت تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫حقا فتنعم بهذه الكلمة(المرء مع من أحب) أم ل؟‬

‫‪1123‬‬
‫قبل التسرع في الجابة ينبغي أن تسأل عن علمات المحبة‪ .‬ما‬
‫ي حتى أكون محب للنبي‬ ‫هي العلمات التي تنبغي أن تكون ف ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم حقا ل إدعاءً؟‬
‫الجواب‪ :‬أن هذه العلمات كثيرة ولكن سأذكر بعضها؛ ولكن قبل‬
‫أن أذكرها ينبغي أن تعلم أن هذه العلمات ليست لحكم عليك أو‬
‫ي وإنما ليحكم كل منا على نفسه ويطالب بها‬ ‫لتحكم أنت عل ّ‬
‫نفسه؛ فكلنا يدعي حب النبي صلى الله عليه وسلم ولكن من‬
‫الصادق منا ومن الكاذب؟ نسأل الله أن نكون من الصادقين‪.‬‬
‫العلمة الولى ‪ -:‬طاعته فيما أمر والنتهاء عما نهى عنه وزجر‬
‫قال تعالى‪(:‬قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر‬
‫لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) وفى البخاري عن ابي هريرة‬
‫رضي الله عنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪(:‬كل أمتي يدخلون الجنة إل من أبى قالوا ومن يأبى يا‬
‫رسول الله قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)‪,‬‬
‫فعلمة المحبة أن تطيع أمره وتجتنب نهيه‪.‬‬
‫تعصى الله وأنت تزعم حـبــه *** هذا لعمري فى القياس شنيع‬
‫لو كنت صادقا في حبه لطعته *** إن المــحب لمن يحـب‬
‫مطيـع‬
‫وها أنا أذكر لك بعض الوامر لتطالب نفسك أيها المحب لله‬
‫ورسوله بفعل هذه الوامر التي أمرك بها الله عز وجل وأمرك‬
‫بها النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫‪ -‬أمرك حبيبك بأن تغض بصرك فل تنظر إلى المتبرجات ول إلى‬
‫المسلسلت والفلم فهل نفذت ما أمرك به حبيبك أيها المحب؟‬
‫‪ -‬أمرك أيتها المحبة بالحجاب فهل ارتديته؟‬
‫‪ -‬أمرنا نترك الغيبة والنميمة فهل تركتها؟‬
‫‪ -‬أمرنا ببر الوالدين وصله الرحم والحسان إلى الجار‪.‬‬
‫‪ -‬أمرنا أمرا ً مهما ً وهو صلة الفجر فهل تؤديها في وقتها أيها‬
‫المحب وأنت أيتها المحبة‬
‫العلمة الثانية الغيرة ‪-:‬‬
‫إن أي محب يغار على محبوبه وله؛ فينبغي أيها المحب لله‬
‫ولرسوله صلى الله عليه وسلم أن تغار إذا انتهكت حرمات الله‪.‬‬
‫انظر إلى اليهود حين استولوا على القدس في عام ‪ 1967‬عبروا‬
‫عن فرحهم وخرجوا في مظاهرات عارمة وصاحوا قائلين(محمد‬
‫مات مات خلف بنات) إن هذه الكلمات ينبغي أن تفجر في قلب‬
‫كل محب لهذا الرسول المين صلى الله عليه وسلم نار الغيرة‬
‫عليه وله ليقوم ويصرخ ويقول لهؤلء الكلب – اليهود‪ -‬محمد لم‬

‫‪1124‬‬
‫يمت ولم يخلف بنات‪ ،‬بل خلف وراءه رجال ً يحملون هَم هذا‬
‫الدين ويضحون من أجله بالغالي والنفيس‪.‬‬
‫ولكن مجرد صرختك لن تصل إلى هؤلء الكلب – اليهود – وإنما‬
‫يصل إليهم فعلك‪.‬‬
‫وينبغي أن يسألني كل من احترق قلبه وثارت فيه الغيرة ماذا‬
‫ي؟‬
‫أصنع وماذا عل ّ‬
‫وأجيبك ‪ :‬إنهما أمران‪:‬‬
‫الول‪ :‬إصلح نفسك فإنه بصلحك يفسد على هؤلء كثيرا ً من‬
‫خططهم التي يخططونها لفساد شباب المسلمين فلقد قال‬
‫شيطانهم الكبر صموئيل زويمر رئيس جمعيات التبشير في‬
‫مؤتمر القدس للمبشرين عام ‪(1935‬إن مهمة التبشير التي ندبتكم‬
‫الدولة المسيحية للقيام بها في البلد المحمدية ليست هي إدخال‬
‫المسلمين في المسيحية فإن هذا هداية لهم وتكريم!! إن‬
‫مهمتكم أن تخرجوا المسلم من السلم ليصبح مخلوقا ً ل صلة له‬
‫بالله ‪ )--‬فأرجوا من الله أن تعي هذه الكلمات وأن تخيب آمالهم‪،‬‬
‫وأرجوا أن تحافظ على الصلة في المسجد وبالذات صلة الفجر‬
‫وأنقل كلم ذلك اليهودي وهو يقول‪( :‬لن تستطيعوا أن تغلبوننا‬
‫حتى يكون عدد المصلين في صلة الفجر كعددهم في صلة‬
‫الجمعة) فأنت واحد من هذا العدد‪.‬‬
‫ك أيتها المحبة أن ترتدي الخمار فإنه يقذف في قلوب‬ ‫وأرجوا من ِ‬
‫العداء الخوف وفوق ذلك فإنه يرضي ربك وهذه هي الغاية‬
‫الثاني‪ :‬إصلح غيرك –أصحابك – إخواتك – جيرانك – أهلك‪..‬‬
‫وكيف ذلك؟ أريد أن أبذل ول أدرى ماذا أفعل؟ أذكر لك بعض‬
‫الوسائل الدعوية تفعلها مع كلمك لهم ونصحك إياهم‪:‬‬
‫‪ -1‬توزيع الشرائط السلمية‪ :‬ولو أن تخصص من مالك كل شهر‬
‫ثمن شريط واحد تهديه لحد الناس وقل له إن سمعته فأهديه‬
‫لغيرك وهكذا‪.‬‬
‫‪ -2‬توزيع الكتيبات السلمية‪ .‬كتيب واحد كل شهر على القل‪.‬‬
‫‪ -3‬تعليق بعض الورقات على باب العمارة التي تسكن فيها تتكلم‬
‫عن حرمه ترك الصلة أو حرمة التبرج أو عن حق النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم على أمته أو‪..‬‬
‫‪ -4‬عمل لقاء أسبوعي مع أهل بيتك أو مع أصدقائك تسمعوا فيه‬
‫شريطا ً أو تقرأوا فيه القران أو‪..‬‬
‫‪ -5‬نشر هذه الورقة وأمثالها‪.‬‬
‫‪ -6‬أن تقوم بالليل لتدعوا لهذه المة أن يحفظها الله وأن يحفظ‬
‫لنا مشايخنا وعلماءنا‪.‬‬

‫‪1125‬‬
‫‪ -7‬دعوة الخرين لمجالس العلم في المساجد وعلى شبكة‬
‫النترنت‪.‬‬
‫‪ -8‬أن تدعوا لمن تدعوه وتنصحه أن يهديه الله‪.‬‬
‫‪ -9‬وأخيرا ً هل جلست مع أمك أو أباك تكلمهم في أمر الدين!!‬
‫هم يقولون فماذا تقول أنت‬
‫يقول روبرت ماكس أحد أعمدة التنصير(لن يتوقف سعينا نحو‬
‫تنصير المسلمين حتى يرتفع الصليب في مكة ويقام قداس الحد‬
‫في المدينة) فماذا تقول أنت!؟‬
‫العلمة الثالثة مطالعة أخباره ودراسة سيرته في كل وقت‬
‫فإن من يحب أحد يريد أن يعرف عنه كل شيء فماذا تعرف أنت‬
‫عن حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬من أجمل الكتب في‬
‫السيرة‪ :‬الرحيق المختوم – وقفات تربوية في السيرة النبوية‪.‬‬
‫هناك علمات أخرى ولكن ل يتسع المقام لذكره‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪ .4‬هل احتفلوا؟!‬
‫الشيخ أحمد عبد العزيز الحمدان‬
‫سؤال يطرح نفسه كلما أقبل على المسلمين شهر ربيع الول ‪،‬‬
‫وهو ‪ :‬هل احتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمولد وهل‬
‫احتفل صحابته رضوان الله عليهم ‪ ،‬وهل احتفل سلف هذه المة‬
‫الصالح رحمهم الله تعالى ؟ كما يفعله كثير من النَّاس في هذه‬
‫الزمنة ‪ ،‬أم أنَّهم تركوا الحتفال ؟ نترك للعلماء الجواب عن ذلك‬
‫‪:‬‬
‫قال العلمة عمر بن علي السكندري المالكي ‪ ،‬المشهور‬
‫بالفاكهاني ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ " : -‬ل أعلم لهذا المولد أصل ً في‬
‫مة ‪ ،‬الذين‬ ‫كتاب ول سنة ‪ ،‬ول يُنقل عملُه عن أحد من علماء ال َّ‬
‫َ‬
‫هم القدوة في الدين … بل هو بدعة أحدثها البط ّالون " ‪ .‬وأقَّره‬
‫الشيخ العدوي المالكي ‪ -‬في حاشيته على مختصر سيدي خليل‬
‫مد عليش المالكي ‪ -‬رحمهما الله ‪ -‬في (فتح العلي‬ ‫‪-‬والشيخ مح َّ‬
‫المالك في الفتوى على مذهب المام مالك) ‪.‬‬
‫ج المالكي ‪-‬رحمه الله تعالى ‪،‬في (المدخل)‬ ‫وقال العلمة ابن الحا ّ‬
‫عن المولد إذا خل من جميع المنكرات‪" :-‬فإن خل من ك ِّ‬
‫ل ما‬
‫ن ذلك زيادة في الدين ‪،‬‬ ‫تقدم ‪ ،‬فهو بدعة بنفس نيته فقط ‪ ،‬إذ إ َّ‬
‫وليس من عمل السلف الماضين … ولم يُنقل عن أحد منهم أنَّه‬
‫نوى المولد ‪ ،‬ونحن لهم تبع ‪ ،‬فيسعنا ما وسعهم"‪.‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر الشافعي ‪ -‬رحمه الله تعالى‪" :-‬أصل‬
‫عمل المولد بدعة‪ ،‬لم تُنقل عن أحد من السلف الصالح من‬
‫القرون الثلثة"‪.‬‬

‫‪1126‬‬
‫وقال الحافظ السخاوي الشافعي ‪ -‬رحمه الله تعالى‪" :-‬عمل‬
‫المولد لم يُنقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلثة‬
‫الفاضلة‪ ،‬وإنَّما حدث بَعْدُ"‪.‬‬
‫وقال الشيخ نصير الدين المبارك‪ ،‬الشهير بابن الطبَّاخ ‪ -‬رحمه‬
‫الله تعالى‪" :-‬ليس هذا من السنن"‪.‬‬
‫وقال الشيخ ظهير الدين جعفر التزمنتي ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪" : -‬‬
‫هذا الفعل لم يقع في الصدر الول من السلف الصالح ‪ ،‬مع‬
‫ة ل يبلغ‬ ‫تعظيمهم وحب ِّهم له صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬إعظاما ً ومحب َّ ً‬
‫جمعنا الواحد منهم ‪ ،‬ول ذرة منه ‪" .‬‬
‫قال إمام دار الهجرة ‪ ،‬مالك بن أنس ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ " : -‬من‬
‫ن‬‫مة شيئا ً لم يكن عليه سلفها فقد زعم أ َّ‬ ‫أحدث في هذه ال َّ‬
‫ن الله يقول ]‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم خان الرسالة ‪ ،‬ل َّ‬
‫اليوم أكملت لكم دينكم [ فما لم يكن يومئذ دينا ً فل يكون اليوم‬
‫دينا ً ‪" .‬‬
‫وإن من أعظم المور ‪ -‬بعد ما ذكرناه ‪ -‬مما يدل على ما ذكر‬
‫العلماء ‪ -‬رحمهم الله تعالى ‪ -‬أن مولد رسول الله صلى الله عليه‬
‫ف‬
‫وسلم غير متفق عليه بين العلماء ‪ ،‬إذ الخلف فيه كبير ‪ ،‬خل ٌ‬
‫في سنة ولدته صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وخلف في شهر ولدته‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وخلف في تاريخ ولدته صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وخلف في يوم ولدته ‪.‬‬
‫متى ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وإليكم ما قاله الصحابة رضوان الله عليهم ‪ ،‬والتابعون لهم ‪،‬‬
‫وعلماء الحديث من بعدهم ‪ ،‬وأهل التاريخ والسير ‪.‬‬
‫ن ولدته‬ ‫أول ً ‪ :‬سنة ولدته صلى الله عليه وسلم ‪ :‬الكثرون على أ َّ‬
‫صلى الله عليه وسلم كانت عام الفيل ‪ ،‬وهو قول ابن عباس‬
‫رضي الله عنهما ؛ قيل ‪ :‬بعد حادثة الفيل بخمسين يوما ً ‪ ،‬وهو‬
‫قول السهيلي المالكي ؛ وقيل ‪ :‬بخمس وخمسين يوما ً ‪،‬حكاه‬
‫الحافظ الدمياطي الشافعي ؛ وقيل ‪ :‬بشهر ؛ وقيل ‪ :‬بأربعين‬
‫يوما ً ‪ ،‬حكاهما مغلطاي الحنفي وابن سيد النَّاس الشافعي ؛ وقال‬
‫المام الزهري ‪ :‬بعد الفيل بعشر سنين ؛ وقيل ‪ :‬قبل الفيل‬
‫بخمس عشرة سنة ؛ وقيل ‪ :‬غيره ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬شهر ولدته صلى الله عليه وسلم ‪:‬قيل ‪:‬في شهر صفر؛‬
‫وقيل ‪ :‬في ربيع الخر‪ ،‬حكاهما مغلطاي الحنفي ؛ وقيل ‪ :‬في‬
‫رجب ؛ وقيل ‪ :‬في رمضان ‪ ،‬حكاه اليعمري الشافعي ومغلطاي‬
‫الحنفي ‪ ،‬وهو مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما ‪ ،‬وهو موافق‬
‫مه حملت به في أيام التشريق ؛ وأغرب من قال‬ ‫لمن قال ‪ :‬إ َّ‬
‫ن أ َّ‬
‫‪ :‬إنَّه ولد في أيام التشريق ‪.‬‬

‫‪1127‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬يوم ولدته صلى الله عليه وسلم ‪ :‬قيل ‪ :‬غير معين ؛ وقيل‬
‫‪ :‬في ربيع الول ‪ ،‬من غير تعيين اليوم ‪ ،‬نقله الحافظ القسطلني‬
‫الشافعي في (المواهب اللدنية) ؛ وقيل ‪ :‬يوم الثنين ‪ ،‬والجمهور‬
‫على هذا ؛ وقيل ‪:‬لليلتين مضتا من ربيع الول ‪،‬قاله ابن عبد البر‬
‫المالكي ‪ ،‬ورواه الواقدي ‪:‬عن أبي معشر نجيح المدني ؛ وقيل ‪:‬‬
‫لثمان ليال مضين منه ‪ُ ،‬روي ذلك عن ابن عبَّاس وجبير بن‬
‫مطعم رضي الله عنهم ‪ ،‬واختاره ابن حزم ‪ ،‬ونقل ابن عبد البر‬
‫مد الخوارزمي ‪،‬‬ ‫تصحيح أهل التأريخ له ‪ ،‬وقطع به الحافظ مح ّ‬
‫ورجحه الحافظ ابن دِحـية الكلبي الظاهري ‪ ،‬وقال ‪ :‬هو الذي ل‬
‫يصح غيره ‪ ،‬وعليه أجمع أهل التأريخ ؛ وقال القطب القسطلني‬
‫‪ :‬هو اختيار أكثر أهل الحديث ‪ ،‬وهو اختيار أكثر من له معرفة‬
‫بهذا الشأن ؛ وحكى القضاعي إجماع أهل الزِيْج ( الميقات ) عليه‬
‫؛ وقيل ‪ :‬لتسع خلون منه ‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه الباشا الفلكي‬
‫المصري ‪ ،‬وله رسالة علمية في هذا ‪ ،‬درس فيها الموضوع‬
‫دراسة فلكية ؛ ورجحه الشيخ علي الطنطاوي ‪ ،‬وأثنى على‬
‫رسالته ؛ وقيل ‪ :‬لعشر مضين منه ‪ ،‬وهو قول الشعبي ‪ ،‬ومحمد‬
‫الباقر ‪ ،‬وصححه الحافظ الدمياطي الشافعي ؛ وقيل ‪ :‬لثنتي‬
‫عشرة مضت منه ‪ ،‬وهو قول ابن إسحاق ؛ وقيل ‪:‬لسبع عشرة‬
‫مضت منه ‪،‬نقله ابن دِحية عن بعض الشيعة ؛ وقيل ‪ :‬لثمان‬
‫عشرة مضين منه ؛ وقيل ‪ :‬لثمان بقين منه ‪ ،‬رواه أبو رافع عن‬
‫أبيه محمد بن حزم الظاهري ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬وقت ولدته صلى الله عليه وسلم ‪ :‬قيل ‪ :‬ولد رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم نهارا ً ؛ وقيل ‪ :‬عند طلوع الفجر ؛ وقيل ‪:‬‬
‫عند طلوع أنجم الغفر ؛ وقيل ‪ :‬ولد ليل ً ‪ ،‬رواه الحاكم عن أ ّ‬
‫م‬
‫ن الصحابة رضوان الله عليهم‬ ‫المؤمنين عائشة رضي الله عنها ‪ .‬إ َّ‬
‫ن ضبط تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم لو‬ ‫لو كانوا يرون أ َّ‬
‫أهمية ما لما أهملوا ذلك ‪ ،‬ولما اختلفت أقوالهم فيه ‪ ،‬ولوجدناهم‬
‫يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ‪ ،‬مع أنَّهم‬
‫كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل صغيرة‬
‫وكبيرة من أمر الدين ‪ ،‬فلما لم يسألوه ‪ ،‬تبين أن ذلك من المور‬
‫التي لم يعيروها أي اهتمام ‪ ،‬ولم يكونوا يرون أنَّها حقيقة‬
‫بالسؤال !‬
‫أخي الكريم ‪ ،‬علم يدل اهتمام الصحابة رضي الله عنهم بضبط‬
‫تاريخ مولد سيد المرسلين رسول الله محمد بن عبدالله صلى‬
‫الله عليه وسلم؟‬
‫هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى‬
‫آله وصحبه أجمعين‬

‫‪1128‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪ 12 .5‬وقفة‪ ..‬مع المحتفلين بيوم ‪ 12‬ربيع الول‬
‫حسن الحسيني‬
‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬والصلة والسلم على أشرف الخلق‬
‫أجمعين ‪ ،‬أما بعد ‪ :‬فهذه وقفات مع المحتفلين بميلد خير البشر‬
‫صلى الله عليه وآله وسلم ‪ ،‬أسأل الله أن ينفع بها ‪:‬‬
‫الوقفة الولى‬
‫لقد أمر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم باتباع الشريعة الربانية ‪،‬‬
‫وعدم اتباع الهوى ‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ثم جعلناك على شريعة من‬
‫المر فاتبعها ول تتبع أهواء الذين ل يعلمون)‪ ،‬فالعبادات كلها‬
‫توقيفيّة ‪ ،‬بمعنى أنه ل مجال للرأي فيها ‪ ،‬بل ل بد أن يكون‬
‫المشّرع لها هو الله سبحانه وتعالى ‪ ،‬ولذلك أمر الله نبيّه في‬
‫ي ) ‪ ،‬وقد‬
‫أكثر من موضع باتباع الوحي ‪ ( :‬إن اتبع إل ما يوحى إل ّ‬
‫ة على التباع ل البتداع ‪.‬‬ ‫ن ‪ :‬العبادات مبني ٌ‬
‫قّرر العلماء أ ّ‬
‫الوقفة الثانية‬
‫ن الله تعالى على عباده ببعثة الّرسول صلى الله عليه‬ ‫لقد امت ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫م َّ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫منِي َ‬ ‫ه ع َلى ال ُ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫وسلم وليس بميلده ‪ ،‬قال تعالى ‪ ( :‬لقَد ْ َ‬
‫ث فيهم رسول ً م َ‬
‫م آيَاتِهِ وَيَُزكِّيهِ ْ‬
‫م‬ ‫م يَتْلُو ع َلَيْهِ ْ‬
‫سهِ ْ‬‫ن أنْفُ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫إِذ ْ بَعَ َ ِ ِ ْ َ ُ‬
‫ن)‬ ‫مبِي ٍ‬‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ل لَفِي َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫ن كَانُوا ِ‬‫ة وَإ ِ ْ‬‫م َ‬ ‫ب وَال ْ ِ‬
‫حك ْ َ‬ ‫م الْكِتَا َ‬ ‫وَيُعَل ِّ ُ‬
‫مهُ ُ‬
‫(آل عمران‪. )164:‬‬
‫الوقفة الثالثة‬
‫السلف الصالح لم يكونوا يزيدون من العمال في يوم ولدة‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم على سائر اليام ‪ ،‬ولو فعلوا لنقل‬
‫ما واتباع ًا ‪.‬‬ ‫إلينا ! ول يخفى لنهم أشد ّ الناس حبًّا وتعظي ً‬
‫ن‬
‫قال العلمة ‪ /‬أبي عبد الله محمد الحفار المالكي ‪ ( :‬أل ترى أ ّ‬
‫يوم الجمعة خير يوم ٍ طلعت عليه الشمس ‪ ،‬وأفضل ما يفعل في‬
‫اليوم الفاضل صومه ‪ ،‬وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن‬
‫ل هذا على أنه ل تحدث‬ ‫صوم يوم الجمعة مع عظيم فضله ‪ ،‬فد ّ‬
‫عبادة في زمان ول في مكان إل إذا شرعت ‪ ،‬وما لم يشرع ل‬
‫يفعل ‪ ،‬إذ ل يأتي آخر هذه المة بأهدى مما أتى به أولها ‪...‬‬
‫والخير كله في اتّباع السلف الصالح ) المعيار المعرب ‪. 99 / 7‬‬
‫الوقفة الرابعة‬
‫انظر إلى فقه الفاروق عمر بن الخطاب حين أَّرخ بهجرة‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم رمز انتصار دينه ‪ ،‬ولم يؤّرخ‬
‫بمولده ووفاته ‪ ،‬أتدري لماذا ؟ تقديما ً للحقائق والمعاني على‬
‫الطقوس والشكال والمباني !!‬

‫‪1129‬‬
‫الوقفة الخامسة‬
‫إن أوّل من أحدث بدعة المولد ‪ :‬الخلفاء الفاطميون بالقرن‬
‫الرابع للهجرة بالقاهرة ‪ ،‬فقد ابتدعوا ستة موالد ‪ :‬المولد النبوي‪،‬‬
‫ومولد المام علي وفاطمة والحسن والحسين ‪ ،‬ومولد الخليفة‬
‫الحاضر ‪ ،‬وبقيت هذه الموالد على رسومها إلى أن أبطلها‬
‫الفضل ابن أمير الجيوش ‪ ،‬ثم أعيدت في خلفة الحاكم بأمر الله‬
‫سنة ‪524‬هـ بعد ما كاد الناس ينسونها ‪.‬‬
‫فعلى هذا لم تعرف المة هذا المولد قبل هذه الدولة ‪ ،‬فهل هي‬
‫ل للقتداء بها ؟ والغريب أنّه وصل بالبعض ‪ ،‬تفضيل ليلة‬ ‫أه ٌ‬
‫المولد النبوي على ليلة القدر !!‬
‫الوقفة السادسة‬
‫اختلف المؤرخون وأهل السير في الشهر الذي ولد فيه النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقيل ‪ :‬ولد في شهر رمضان ‪ ،‬والجمهور‬
‫‪ :‬على أنه ولد في ربيع الول ‪ ،‬ثم اختلف هؤلء في تحديد تاريخ‬
‫يوم مولده على أقوال ‪:‬‬
‫فقيل ‪ :‬اليوم الثاني من ربيع الول قاله ابن عبد البّر ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬
‫اليوم الثامن ‪ ،‬صححه ابن حزم ‪ ،‬وهو اختيار أكثر أهل الحديث ‪،‬‬
‫جحه أبو الحسن الندوي ‪ ،‬وزاهد‬ ‫وقيل ‪ :‬اليوم التاسع ‪ ،‬وهذا ما ر ّ‬
‫الكوثري ‪ ،‬وقيل ‪ :‬اليوم العاشر ‪ ،‬اختاره الباقر ‪ ،‬وقيل ‪ :‬اليوم‬
‫ص عليه ابن إسحاق ‪ ،‬وقيل ‪ :‬السابع عشر من‬ ‫الثاني عشر ‪ ،‬ن ّ‬
‫ربيع الول ‪ ،‬وقيل ‪ :‬الثامن عشر من ربيع الول ‪...‬‬
‫ل على عدم حرص الصحابة على‬ ‫ل على شيء فهو يد ّ‬ ‫وهذا إن د ّ‬
‫نقل تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم إلينا ‪ ،‬فلو كان في ذلك‬
‫اليوم عبادة ‪ ،‬لكانت معلومة مشهورة ل يقع فيها خلف ‪ ،‬ولنقل‬
‫إلينا مولده على وجه الدقّة ‪.‬‬
‫قال الشيخ القرضاوي ‪ ( :‬إذا نظرنا إلى هذا الموضوع من الناحية‬
‫ن الصحابة رضوان الله عليهم‪،‬لم يحتفلوا بذكرى‬ ‫التاريخية ‪ :‬نجد أ ّ‬
‫مولد النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ول بذكرى إسرائه ومعراجه أو‬
‫هجرته ‪ ،‬بل الواقع أنهم لم يكونوا يبحثون عن تواريخ هذه الشياء‬
‫! فهم اختلفوا في يوم مولد النبي صلى الله عليه و سلم ‪ ،‬فإن‬
‫اشتهر أنه الثاني عشر من ربيع الول ‪ ،‬لكن البعض يقول ‪ :‬ل ‪،‬‬
‫الصح اليوم التاسع من ربيع الول وليس يوم الثاني عشر ‪ ،‬وذلك‬
‫لنه ل يترتب عليه عبادة أو عمل ‪ ،‬ليس هنالك قيام في تلك‬
‫ن الصحابة‬‫الليلة ول صيام في ذلك اليوم ‪ ،‬فلذلك المعروف أ ّ‬
‫والتابعين والقرون الولى وهي خير قرون هذه المة لم تحتفل‬
‫بهذه الذكريات ! بعد ذلك حدثت بعد عدة قرون بدأت هذه‬
‫الشياء ‪. ) ..‬‬

‫‪1130‬‬
‫ة‬
‫ولمراعاة هذا الخلف ‪ ،‬كان صاحب إربل يحتفل بالمولد ‪ ،‬سن ً‬
‫في ثامن شهر ربيع الول ‪ ،‬وسنة في ثاني عشرة !!! ( انظر‬
‫ابن خلكان ‪. ) 437 / 1‬‬
‫الوقفة السابعة‬
‫ن التاريخ الذي ولد فيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬هو‬ ‫إ ّ‬
‫بعينه التاريخ الذي توفي فيه ! ‪ ( :‬يوم الثنين ‪ 12‬ربيع الول ) ‪،‬‬
‫فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه ‪ ،‬نبّه على ذلك غير واحد‬
‫من أهل العلم ‪ ،‬منهم ابن الحاج المالكي ‪ ،‬والمام الفاكهاني ‪.‬‬
‫قال ابن الحاج المالكي ‪ ( :‬العجب العجيب ‪ :‬كيف يعملون المولد‬
‫بالمغاني والفرح والسرور كما تقدّم ‪ ،‬لجل مولده صلى الله‬
‫عليه وسلم كما تقدّم في هذا الشهر الكريم ؟ وهو صلى الله‬
‫عليه وسلم فيه انتقل إلى كرامة ربه عّز وجل ‪ ،‬وفجعت المة‬
‫ب عظيم ‪ ،‬ل يعدل ذلك غيرها من المصائب أبدًا ‪،‬‬ ‫وأصيبت بمصا ٍ‬
‫فعلى هذا كان يتعيّن البكاء والحزن الكثير ‪ ...‬فانظر في هذا‬
‫الشهر الكريم ـ والحالة هذه ـ كيف يلعبون فيه ويرقصون )‬
‫المدخل ‪. 16 / 2‬‬
‫الوقفة الثامنة‬
‫ن انتشار الحتفال بالمولد النبوي بين المسلمين ‪،‬‬ ‫من الملحظ أ ّ‬
‫كان في البلد التي جاور فيها المسلمون النصارى ‪ ،‬كما في‬
‫الشام ومصر ‪ ..‬فالنصارى كانوا يحتفلون بعيد ميلد المسيح في‬
‫يوم مولده ‪ ،‬وميلد أفراد أسرته ‪ ،‬فكان ذلك سببًا في سرعة‬
‫انتشار تلك البدعة بين المسلمين تقليدًا للنصارى ‪.‬‬
‫حتى قال الحافظ السخاوي مؤيدًا الحتفال بالمولد ‪ ( :‬وإذا كان‬
‫أهل الصليب اتّخذوا ليلة مولد نبيّهم عيدًا أكبر ‪ ،‬فأهل السلم‬
‫أولى بالتكريم وأجدر ) !! وقد تعقّبه المل علي القاري ‪ ( :‬قلت ‪:‬‬
‫ما يرد ّ عليه أنّا مأمورون بمخالفة أهل الكتاب ) المورد الروي‬ ‫م ّ‬
‫في المولد النبوي ‪. 29 /‬‬
‫الوقفة التاسعة‬
‫ن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ل تتحقّق بالحتفال‬ ‫إ ّ‬
‫بمولده ‪ ،‬وإنّما تتحقّق بالعمل بسنّته ‪ ،‬وتقديم قوله على كل قول‬
‫ن الرسول صلى الله عليه‬ ‫‪ ،‬وعدم رد ّ شيء من أحاديثه ‪ ،‬ولنعلم أ ّ‬
‫ل بمولده ‪ ،‬إذ ًا‬‫وسلم وأصحابه قد وسعهم دين الله من غير احتفا ٍ‬
‫فليسعنا ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ‪.‬‬
‫والفرح بمحمد ٍ صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ل يمكن أن يقتصر على‬
‫يوم ٍ واحد ٍ ‪ ،‬بل بكل لحظة من لحظات حياة المسلم ‪ ،‬بالتزام‬
‫أوامره واجتناب نواهيه ‪ ،‬والخضوع لكل ما جاء به من عند الله‬
‫تعالى ‪ ،‬فل تقف الفرحة أمام يوم ٍ واحد ٍ ‪ ،‬بل نجعل لنا من كل‬

‫‪1131‬‬
‫ما أكثر بالسنة ‪ ، ،‬لنحوّل ضعفنا إلى قوةٍ ‪،‬‬ ‫يوم ٍ جديد ٍ ‪ ،‬التزا ً‬
‫ونرسي في أنفسنا قواعد َ عقيدتنا ‪ ،‬ومبادئ السلم العظيم ‪.‬‬
‫الوقفة العاشرة‬
‫قال النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ ( :‬ل تطروني كما أطرت‬
‫النصارى ابن مريم‪ ،‬فإنما أنا عبده‪ ،‬فقولوا عبدالله ورسوله )‬
‫البخاري ‪.‬‬
‫أكثر تلك الموالد فيها إطراءٌ ومبالغة في مدح الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬والغريب أنّه حتى المؤيدين للموالد ‪ ،‬قد أقّروا‬
‫ة عندما تجّرأ‬ ‫بوجود الغلو الذي يصل إلى درجة الكفر !! خاص ً‬
‫البعض على تأليف كتب عن المولد النبوي ‪ ،‬ثم وضع الحاديث‬
‫على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ! تأييدًا لذلك يقول‬
‫عبد الله الغماري ـ أحد كبار الصوفية المعاصرين ـ ‪:‬‬
‫( ‪ ..‬وكتب المولد النبوي ملى بهذه الموضوعات ‪ ،‬وأصبحت‬
‫عقيدة ً راسخة في أذهان العامة ‪ ،‬وأرجو أن يوفّقني الله إلى‬
‫ل من أمرين اثنين ‪ :‬الحاديث‬ ‫ف حول المولد النبوي ‪ ،‬خا ٍ‬ ‫تألي ٍ‬
‫ن الغلو في‬ ‫ّ‬
‫سجع المتكلف المرذول ‪ ...‬والمقصود أ ّ‬ ‫المكذوبة‪ ،‬وال ّ‬
‫ن‬
‫ضا فإ ّ‬ ‫م لقوله تعالى ‪{ :‬ل تغلوا في دينكم}‪ ،‬وأي ً‬ ‫المدح مذمو ٌ‬
‫مادح النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأمر لم يثبت عنه ‪ ،‬يكون‬
‫مدًا فليتبوّأ‬ ‫ي متع ّ‬ ‫كاذبًا عليه ‪ ،‬فيدخل في وعيد ‪ " :‬من كذب عل ّ‬
‫مقعده من النار "‬
‫وليست الفضائل النبويّة مما يتساهل فيها برواية الضعيف‬
‫ونحوه ‪ ،‬لتعلقها بصاحب الشريعة ونبي المة ‪ ،‬الذي حّرم الكذب‬
‫مد الجويني والد إمام‬ ‫عليه وجعله من الكبائر ‪ ،‬حتى قال أبو مح ّ‬
‫الحرمين بكفرِ الكاذب عليه صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وعلى هذا فما يوجد في كتب المولد النبوي وقصة المعراج من‬
‫مبالغات وغلوٍ ل أساس له من الواقع ‪ :‬يجب أن تُحرق ‪ ،‬لئل‬
‫يُحرق أصحابها وقارئوها في نار جهنّم ‪ ،‬نسأل الله السلمة‬
‫والعافية ) من نقده لبردة البوصيري ص ‪.75‬‬
‫وقد جرت العادة في الموالد أن تختم بالعبارات البدعية‬
‫والتوسلت الشركيّة ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بالله ‪.‬‬
‫الوقفة الحادية عشرة‬
‫ما يدور في الموالد من المفاسد ‪ ،‬ل تخفى على مسلم ‪ ،‬من‬
‫أهمها ‪:‬‬
‫ن المحتفلين بالمولد يرمون المخالفين ـ وللسف ـ بعدم محبة‬ ‫أ ّ‬
‫ن التعظيم والمحبة‬ ‫الرسول صلى الله عليه وسلم !! متناسين بأ ّ‬
‫تكون بالتباع ل البتداع ‪ ،‬وكذلك ‪ :‬ما يجري داخل الموالد من‬
‫إطفاء النوار وهّز الرؤس وتمايل الكتاف و ‪ ..‬ناهيك عن الذكار‬

‫‪1132‬‬
‫المكذوبة والقصص الموهومة ‪ ،‬ويقول الشيخ علي محفوظ‬
‫الزهري ‪ ( :‬فيها إسراف وتبذير للموال ‪ ،‬وإضاعة للوقات فيما‬
‫ل فائدة منه ول خير فيه ) البداع ‪ ، 324 /‬والقواعد الشرعية‬
‫ن المباح ـ وهذا على فرض أنه مباح ـ إذا أدّى إلى محّرم‬ ‫تقضي بأ ّ‬
‫‪ :‬فإنّه يحرم من باب سد ّ الذرائع ‪ ،‬فكيف وهو يحوي على‬
‫المنكرات !!‬
‫الوقفة الثانية عشرة‬
‫وقد أجمع المسلمون على بدعية الحتفال بالمولد النبوي ‪ ،‬لكنهم‬
‫اختلفوا في حسنه وقبحه ‪ ،‬فذهب البعض منهم إلى أنه بدعة‬
‫حسنة ‪ :‬كابن حجر والسيوطي والسخاوي ‪ ..‬وغيرهم ‪ ،‬نظرا‬
‫للمصلحة التي ظنوا حصولها !!‬
‫لكن العلماء المحقّقين ‪ ،‬المتقدّمين منهم والمتأخرين ‪ ،‬أفتوا‬
‫بحرمة الحتفال بالمولد ‪ ،‬عمل ً بالدلة الشرعية التي تحذ ّر من‬
‫البدع في الدين ‪ ،‬والعياد والحتفالت من أمور الشريعة ‪،‬‬
‫ووقفوا أمام فتح باب شر متيقّن لخيرٍ موهوم ؟ ثم ما وعاء هذا‬
‫ل لم يفعله الرسول ول صحابته ول التابعون‬ ‫الخير المزعوم ‪ ،‬عم ٌ‬
‫ما بأن الرسول صلى الله عليه‬ ‫لهم بإحسان قرونا ً طويلة !! عل ً‬
‫وسلم ‪ ،‬لم يفّرق بين بدعة حسنة وأخرى سيئة ‪ ،‬بل قال ‪ ( :‬كل‬
‫بدعة ضللة ) !‬
‫ة يراها حسنة ‪،‬‬ ‫قال المام مالك ‪ ( :‬من ابتدع في السلم بدع ً‬
‫ن محمدًا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة !! لن‬ ‫فقد زعم أ ّ‬
‫الله يقول ‪ " :‬اليوم أكملت لكم دينكم " ‪ ،‬فما لم يكن يومئذٍ دينًا‬
‫فل يكون اليوم دينًا ) العتصام للشاطبي ‪.‬‬
‫بعض العلماء الذين أفتوا ببدعية الحتفال بالمولد النبوي ‪:‬‬
‫• المام الشاطبي قال ببدعية المولد النبوي ؟ فقد ذكر بعض‬
‫أنواع البدع في أول كتابه العتصام (‪ ، )1/34‬وعد ّ منها اتخاذ يوم‬
‫م ذلك ‪.‬‬‫ولدة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً‪ ،‬وذ ّ‬
‫• المام الفاكهاني قال ببدعية المولد النبوي ‪ ،‬في رسالته‬
‫المفردة ‪. 9-8 /‬‬
‫• والعلمة ابن الحاج المالكي في المدخل قال ببدعية المولد‬
‫النبوي (‪. )12-2/11‬‬
‫• وعلمة الهند أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي قال ببدعية‬
‫المولد النبوي ‪ ،‬وكذلك شيخه العلمة بشير الدين قنوجي الذي‬
‫ألف كتابا ً سماه " غاية الكلم في إبطال عمل المولد والقيام‬
‫" ( انظر تعليقه على حديث ‪ " :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس‬
‫منه فهو رد " في سنن الدارقطني ) ‪.‬‬

‫‪1133‬‬
‫• الشيخ العلمة ‪ /‬أبي عبد الله محمد الحفار المالكي ـ من‬
‫علماء المغرب العربي ـ ‪ ( :‬ليلة المولد لم يكن السلف الصالح ـ‬
‫وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم ـ‬
‫يجتمعون فيها للعبادة ‪ ،‬ول يفعلون فيها زيادة على سائر ليالي‬
‫السنة ‪ ،‬لن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ل يعظّم إل بالوجه‬
‫الذي شرع تعظيمه ‪ ،‬وتعظيمه من أعظم القرب إلى الله ‪ ،‬لكن‬
‫يتقّرب إلى الله جل جلله بما شرع ‪ ) ..‬المعيار المعرب ‪. 99 / 7‬‬
‫• الشيخ العلمة ‪ /‬محمد صالح العثيمين ‪ ( :‬يقيمونها لنهم كما‬
‫يقولون يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ويريدون إحياء‬
‫ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ونحن نقول لهم ‪:‬‬
‫مرحبا ً بكم إذا أحببتم النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ومرحبا ً بكم‬
‫إذا أردتم إحياء ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫ولكن !! هناك ميزان وضعه أحكم الحاكمين وإله العالمين ‪ ،‬هناك‬
‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫حبُّو َ‬ ‫ن كُنْت ُ ْ‬
‫م تُ ِ‬ ‫ميزان للمحبة أل وهو قول الله تعالى ‪ " :‬قُ ْ‬
‫ل إِ ْ‬
‫َ‬
‫ه"‪.‬‬ ‫م الل ّ ُ‬‫حبِبْك ُ ُ‬‫فَاتَّبِعُونِي ي ُ ْ‬
‫فإذا كان النسان صادقا ً في دعوى محبة الله ورسوله ‪ ،‬فليكن‬
‫متبعا ً لشريعة الله متبعا ً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فإن لم يكن متبعا ً له فإنه كاذب في دعواه ‪ ،‬لن هذا‬
‫الميزان ميزان صدق وعدل ‪ ،‬إذن فلننظر هل إحداث احتفال‬
‫بليلة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم هل هو من شريعة الله‬
‫؟ هل فعله النبي صلى الله عليه وسلم ؟ هل فعله الخلفاء‬
‫الراشدون ؟ هل فعله الصحابة هل فعله التابعون لهم بإحسان‬
‫هل فعله أتباع التابعين ؟ إن الجواب على كل هذه التساؤلت‬
‫بالنفي المحض القاطع ‪ ،‬ومن ادعى خلف ذلك فليأت به ‪" :‬‬
‫ن " ) موقع الشيخ‪.‬‬ ‫صادِقِي َ‬
‫م َ‬‫ن كُنْت ُ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫هَاتُوا بُْرهَانَك ُ ْ‬
‫• الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي ‪ ... ( :‬وقالوا إن الذي ابتدع‬
‫هذه الموالد وهذه الشياء الفاطميون في مصر ‪ ،‬ومن مصر‬
‫انتقل إلى بلد أخرى ‪ ،‬وربما كان وراء ذلك أهداف سياسية معينة‬
‫! أنهم يريدون أن يشغلوا الجماهير والشعوب بهذه الموالد وهذه‬
‫الحتفالت ! حتى ل يبحث الناس في أمور السياسة ول في أمور‬
‫القضايا العامة إلى آخره ! ولذلك إذا نظرنا إلى المر باعتباره‬
‫عبادة نقول ‪ :‬أنه لم ترد هذه العبادة ولم تصح ) !! قناة الجزيرة‬
‫‪.‬‬
‫• الشيخ محمد الغزالي أفتى ببدعية المولد النبوي ‪ ،‬في كتابه‬
‫ليس من السلم ‪: 252 /‬‬
‫( والتقرب إلى الله بإقامة هذه الموالد عبادة ل أصل لها ‪ ...‬ومن‬
‫م فنحن نميل إلى تعميم الحكم على هذه الموالد جميعا ً ووصفها‬ ‫ث ّ‬

‫‪1134‬‬
‫بأنها مبتدعات تُرفض ول يُعتذر لها ‪ ...‬إن إلغاء الموالد ضرورةٌ‬
‫ة ‪ ...‬وهكذا انتظم الحتفال بليلة المولد النبوي‪ ،‬وليلة‬ ‫ة ودنيوي ٌ‬ ‫ديني ٌ‬
‫السراء والمعراج ‪ ،‬وليلة النصف من شبعان ‪ ،‬وليلة القدر‪ ،‬ورأس‬
‫السنة الهجرية ‪.‬‬
‫جعل البذل‬ ‫وقد حددت لهذه الحتفالت تواريخ كيفما اتفق ‪ ،‬و ُ‬
‫فيها من مظاهر التديّن !! وأحياها العوام والخواص بمزيد من‬
‫الكلم والطعام ‪ ،‬وهكذا تكون نصرة السلم !! ) ‪.‬‬
‫وفي الختام‬
‫ن لهذه الورقات بالقبول عنده ‪ ،‬وأن‬ ‫ما أسأل الله أن يأذ َ‬ ‫وختا ً‬
‫مبْتغى‪ ،‬ول‬ ‫منية النتفاع ُ بها ‪ ،‬وليس وراء القبول ُ‬ ‫يُنْتفع بها ‪ ،‬فإن ال ُ‬
‫مْرتَجى ‪ ،‬فاللهم إن مفزع َنَا إليك ل إلى غيرك‪ ،‬فثبت‬ ‫سواه ُ‬
‫صرنا بأنفسنا ‪ ،‬ول تجعل من عملنا لحدٍ‬ ‫أقدامنا على الحق ‪ ،‬وب َّ‬
‫سواك شيئاً‪ ،‬والله الهادي إلى سواء السبيل ‪ ،‬وآخر دعوانا أن‬
‫الحمد لله رب العالمين ‪.‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪ .6‬المــولد النبـوي‪ ،‬ما وراءه؟!‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫ليست القضية قضية احتفال بمولد النبي الكريم أو توسل به أو‬
‫شد الرحل إلى قبره‪ ،‬فهذه القضايا محل خلف بين العلماء‪ ،‬وإن‬
‫كان الصواب منعها ‪..‬‬
‫بل القضية أبعد من ذلك‪..‬‬
‫في كل عام يدور جدل كبير ـ إذا حل شهر ربيع الول ـ حول‬
‫قضية المولد النبوي بين مؤيد ومعارض‪..‬‬
‫هذا الجدل يأخذ في كثير من الحيان شكل من أشكال التعصب‬
‫واتباع الهوى‪ ،‬ويقينا أن المسلم يقصد الحق ويبتغي الثواب‪ ،‬لكن‬
‫هذا القصد ل يغني ول يجدي إل إذا وافقه اتباع الشرعة‬
‫المحمدية‪..‬‬
‫وإن قضية المولد في حد ذاتها ليست بتلك المشكلة التي يترتب‬
‫عليها إيمان أو كفر‪ ،‬وإن كانت ل ريب محدثة‪ ،‬يدل على حدثانها‪:‬‬
‫تأخر ظهورها عن عصر النبوة والصحابة والتابعين والسلف‪،‬‬
‫ومضي القرون الثلثة الولى المفضلة دون وقوعها‪..‬‬
‫وكل الخير في اتباع من سلف‪ ،‬وكل الشر في ابتداع من خلف‪،‬‬
‫والمة الراشدة هي التي يسعها ما وسع سلفها الصالح‪ ،‬لكن ل‬
‫يعنينا في هذا المقام أن نبين أصل المولد ونشأته بالقدر الذي‬
‫يعنينا فيه استشفاف الحقيقة الكامنة وراء هذا المولد‪..‬‬
‫أمامنا ثلث قضايا كلها تتعلق بالنبي الكريم صلوات الله وسلمه‬
‫عليه‪:‬‬

‫‪1135‬‬
‫الولى‪ :‬المولد‪..‬‬
‫الثانية‪ :‬التوسل به‪..‬‬
‫والثالثة‪ :‬شد الرحل إلى قبره‪..‬‬
‫هذه المور الثلثة صارت عند طائفة من الناس علمة على حب‬
‫رسول الله‪ ،‬فمن احتفل بمولده وتوسل به وشد رحله إلى قبره‬
‫فهو محب‪ ،‬ومن لم يفعل ذلك أو نهى عنه فهو فاقد الحب‪..‬‬
‫وقد قلنا من قبل إن إمامنا في كل قضية الكتاب والسنة وفقه‬
‫السلف‪:‬‬
‫فهل الشرع دعا إلى شيء من ذلك؟‪..‬‬
‫وهل جعلها علمة على حب الرسول؟‪..‬‬
‫الثابت أن الشرع لم يأمر بالحتفال بالمولد النبوي‪ ،‬لكنه في ذات‬
‫الوقت لم ينه عن تدارس سيرة النبي واستخراج العبر منها في‬
‫كل زمان ومكان‪ ،‬بل هو من المقربات إلى الله تعالى‪ ،‬والشرع‬
‫لم يعلق حب الرسول على فعل تلك المور الثلثة‪ ،‬بل علقه على‬
‫اتباعه وتعظيمه‪..‬‬
‫وأما التوسل فإن الشرع لم يأمر بالتوسل بالنبي الكريم بعد‬
‫مماته‪ ،‬وقد كان الصحابة يتوسلون به في حال حياته‪ ،‬أي يطلبون‬
‫منه الدعاء‪ ،‬وكان هذا جائزا حينذاك‪ ،‬لكنه لما مات تركوا ذلك‬
‫لعلمهم أن الميت ولو كان نبيا ل يملك أن ينفع أحدا‪..‬‬
‫لذا فإنهم لما قحطوا في عام الرمادة في عهد عمر استسقوا‬
‫بالعباس عم النبي وما استسقوا بالنبي فقال عمر رضي الله‬
‫عنه‪:‬‬
‫" اللهم إنا كنا نستسقيك بنبينا فتسقينا‪ ،‬وإن نستسقيك بعم بنبينا‬
‫فاسقنا" البخاري‪ ،‬كتاب الستسقاء باب سؤال الناس المام‬
‫الستسقاء إذا قحطوا‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الباري ‪.2/494‬‬
‫وفي خلفهم في سقيفة بني ساعدة حول الخلفة لم يتوسلوا به‬
‫في حل ذلك الخلف‪ ،‬ول في المحنة التي تعرض لها عثمان‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬ول في الخلف بين علي ومعاوية رضي الله‬
‫عنهما‪..‬‬
‫فلو كان التوسل به ـ أي طلب الدعاء منه بعد مماته ـ جائزا لم‬
‫يفرط الصحابة فيه‪ ،‬فعدم فعلهم ـ وهم الحرص على الخير ـ‬
‫يدل على المنع منه‪..‬‬
‫وأما التوسل بجاهه فذلك أمر لم يفعله الصحابة أبدا ل في حال‬
‫حياته ول بعد مماته‪ ،‬وما ورد من أثر يجيز التوسل بجاهه فهو‬
‫ضعيف‪ ،‬وما عرف عن السلف مثل هذا النوع من التوسل‪ ،‬إل ما‬
‫كان من المام أحمد‪..‬‬

‫‪1136‬‬
‫أما عن شد الرحل إلى قبره عليه الصلة والسلم‪ ،‬فإنه نهى عن‬
‫شد الرحال إل إلى ثلثة مساجد فقال‪ ( :‬ل تشد الرحال إل إلى‬
‫ثلثة مساجد‪ :‬مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد القصى)‬
‫البخاري كتاب فضل الصلة في مسجد مكة والمدينة انظر‪ :‬فتح‬
‫الباري ‪3/63‬ـ ‪64‬‬
‫أي ل يجوز شد الرحل لجل العبادة إل لهذه المواطن الثلثة‪..‬‬
‫أما من قصد غيرها لجل العبادة فقد خالف المر ووقع في‬
‫النهي‪ ،‬لكن قد يأتي من يخالف فيقول‪:‬‬
‫"ليس في الحديث النهي عن شد الرحل إلى القبر‪ ،‬وليس فيه‬
‫ذكر القبور أصل‪ ،‬فمن أين قلتم الحديث ينهى شد الرحل إلى‬
‫القبر؟"‪..‬‬
‫فيقال‪ :‬إنما ذكرت المساجد لن المقصود هو العبادة‪ ،‬فالقاصد‬
‫للمسجد إنما يقصده لجل الصلة وقراءة القرآن والذكر‬
‫والعتكاف‪ ،‬وهذه عبادات‪ ،‬وزيارة القبور ل ريب أنها عبادة لن‬
‫الشارع أمر بها‪..‬‬
‫وكل ما أمر به الشارع فهو عبادة‪..‬‬
‫وعلى ذلك فل يجوز السفر من أجل زيارة القبر‪ ،‬لن السفر لجل‬
‫العبادة ل يجوز إل لهذه الثلثة‪..‬‬
‫وليس في هذا الكلم منع لزيارة القبور‪ ،‬بل الزيارة مشروعة في‬
‫كل حال‪ ،‬أما الممنوع فهو السفر لجلها‪..‬‬
‫حكَم الذي يحكم بين‬ ‫فإن لم يسلم المخالف بهذا فحينئذ ال َ‬
‫المسلمين إذا اختلفوا في فهم نص من نصوص الشرع هم‬
‫السلف وعلى رأسهم الصحابة‪ ،‬فماذا يقول الصحابة في هذه‬
‫المسألة؟‪..‬‬
‫ورد أن أبا هريرة خرج إلى الطور فلما بلغ ذلك بصرة بن أبي‬
‫بصرة الغفاري قال له حين أقبل‪:‬‬
‫"لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت سمعت رسول الله‬
‫يقول‪ :‬فذكر الحديث" الموطأ‪ ،‬النسائي كتاب الجمعة باب ذكر‬
‫الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة‪ ،‬صححه اللباني‪..‬‬
‫وجاء رجل إلى ابن عمر فقال له‪:‬‬
‫" إني أريد الطور‪..‬‬
‫فقال‪ :‬إنما تشد الرحال إلى ثلثة مساجد‪ :‬المسجد الحرام‬
‫ومسجد المدينة والمسجد القصى فدع عنك الطور ول تأته"‪..‬‬
‫أحمد وعمر بن شبة في أخبار المدينة‪ ،‬انظر‪ :‬فتح المجيد باب‬
‫ماجاء في حماية المصطفى جناب التوحيد ص ‪..289‬‬
‫والطور ليست بمسجد بل هي بقعة مباركة‪ ،‬كلم الله فيها موسى‬
‫عليه السلم‪ ،‬فالصحابة ما فهموا من الثر أن المنع خاص‬

‫‪1137‬‬
‫بالمساجد‪ ،‬بل فهموا المنع لجل العبادة‪ ،‬ولو فهموا أنه مخصوص‬
‫بالمساجد لما أنكروا على من خرج إلى الطور يريد التبرك‪..‬‬
‫فهذه فتوى الصحابة في هذه المسألة‪ ،‬ول أظن مسلما إل هو‬
‫يرضى بما ثبت عنهم ورضوه دينا‪ ،‬لنهم هم الكمل‪ ،‬وهم خيار‬
‫المة وقدوتها‪..‬‬
‫وكل حديث ورد في فضل زيارة قبره عليه الصلة والسلم فهو‬
‫ضعيف كما ذكر الئمة المحققون كابن تيمية‪ ،‬بل الذي ورد النهي‬
‫عن اتخاذ قبره عيدا فقال‪( :‬ل تتخذوا قبري عيدا)‪..‬‬
‫أي تعادونه بالزيارة‪ ،‬والعيد في اللغة اسم لما يعتاد مجيئه‪ ،‬سمي‬
‫عيد الفطر عيدا وكذا الضحى والجمعة لكونها معتادة تجيء كل‬
‫عام وكل أسبوع‪ ،‬فالذي يزور قبره في كل موسم أو عيد أو نحو‬
‫ذلك فقد اتخذ قبره عيدا‪ ،‬وهذا هو ما نهى عنه الرسول الكريم‪..‬‬
‫وقد أنكر الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب اعتياد القبر‬
‫فقد روى سعيد بن منصور في سننه عن سهيل بن أبي سهيل‬
‫قال‪:‬‬
‫" أتى الحسن بن الحسن بن علي عند القبر فناداني وهو في بيت‬
‫فاطمة يتعشى فقال‪:‬‬
‫هلم إلى العشاء‪..‬‬
‫فقلت‪ :‬ل أريده‪..‬‬
‫فقال‪ :‬مالي رأيتك عند القبر؟‪..‬‬
‫فقلت‪ :‬سلمت على النبي‪..‬‬
‫فقال‪ :‬إذا دخلت المسجد فسلم‪..‬‬
‫ثم قال‪ :‬إن رسول الله قال‪:‬‬
‫(ل تتخذوا قبري عيدا ول تتخذوا بيوتكم مقابر‪ ،‬وصلوا علي فإن‬
‫صلتكم تبلغني حيث كنتم‪ ،‬لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور‬
‫أنبيائهم مساجد )‪ ،‬ما أنتم ومن بالندلس إل سواء" انظر‪ :‬الفتاوى‬
‫‪ .27/189‬فتح المجيد باب حماية المصطفى جناب التوحيد ص ‪..286‬‬
‫فقد أنكر عليه زيارته القبر‪ ،‬وأرشده إلى السنة وهي أن من أراد‬
‫السلم على رسول الله فإن في الرض ملئكة سياحة تبلغه عن‬
‫أمته السلم‪ ،‬فل فرق بين القريب من القبر والبعيد عنه كما ذكر‬
‫ابن رسول الله الذي هو أقرب الناس نسبا إليه‪ ،‬فالسنة لمن أراد‬
‫السلم عليه أن يسلم حين دخوله المسجد كما أرشد إلى ذلك‬
‫النبي الكريم‪ ،‬والسنة أن يصلى ويسلم عليه في الصلة‪ ،‬فهذا‬
‫الذي يشق على نفسه بالسفر وإتيان القبر لجل السلم يستوي‬
‫هو ومن قعد في بيته في أقصى الرض في بلوغ السلم‪ ،‬فلم‬
‫هذا العناء ورسول الله لم يأمر بزيارة قبره؟‪..‬‬

‫‪1138‬‬
‫وما عرف عن صحابته أنهم كانوا يعتادون القبر‪ ،‬بل لم يكونوا‬
‫يزورونه إل ما كان من ابن عمر كان إذا قدم من سفر أم القبر‬
‫فسلم على رسول الله ثم أبي بكر ثم أبيه ‪..‬‬
‫انظر‪ :‬المصنف لعبد الرزاق‪ ،‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب السلم على قبر‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والمصنف لبن أبي شيبة‪ ،‬كتاب‬
‫الجنائز‪ ،‬باب من كان يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فيسلم‪..‬‬
‫قال عبيد الله بن عمر‪:‬‬
‫" ل نعلم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك‬
‫" ‪..‬‬
‫انظر‪ :‬مصنف عبد الرزاق‪ ،‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب السلم على قبر‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فتح المجيد ص ‪ ،288‬الجواب الباهر‬
‫ابن تيمية ‪.. 60‬‬
‫إذن‪ ..‬تعليق محبة رسول الله بفعل هذه المور الثلثة إذا كان‬
‫صادرا من جاهل ل يعلم حقيقة المر النبوي وما هو مشروع وما‬
‫هو ممنوع فهو معذور لجهله وظنه ثبوت ما لم يثبت‪ ،‬وإن كان ل‬
‫يعذر في ترك سؤال أهل العلم‪..‬‬
‫وأما إن كان صادرا من عالم يعلم عدم ثبوت ذلك في الشرع‬
‫ويخفي وراءه اعتقادا خاصا وفكرا موروثا عن الديان والنحل‬
‫القديمة‪ ،‬يقصد به تقويض ملة السلم وهدم أركان اليمان بالله‬
‫فهنا نصل إلى لب القضية التي نريد أن نوقفكم على حقيقتها‪:‬‬
‫إننا أمام فكر خطير ل يمت إلى السلم بصلة‪ ،‬له قواعده وأركانه‬
‫المستمدة من ثقافات أجنبية قديمة من قبل السلم‪ ،‬دخل إلى‬
‫السلم باسم الزهد في أول أمره لما كان الزهاد من أرباب هذا‬
‫الفكر يملؤون الدنيا‪ ،‬ثم تحول لحقا إلى الدعوة إلى محبة رسول‬
‫الله لما قل الزهادون منهم وكثر المترفون‪..‬‬
‫لذا فالذي نقوله هنا‪:‬‬
‫ليست القضية قضية احتفال بمولد النبي الكريم أو توسل به أو‬
‫شد الرحل إلى قبره‪ ،‬فهذه القضايا محل خلف بين العلماء‪ ،‬وإن‬
‫كان الصواب منعها لما سبق من أدلة‪..‬‬
‫بل القضية أبعد من ذلك‪ ،‬إنها قضية فلسفية تخرج معتقدها من‬
‫دائرة السلم وتدخله دائرة اللحاد والزندقة‪ ،‬وللسف‪،‬‬
‫المتفطنون لهذا المر هم قلة والكثر في غفلة عن الحقيقة‪،‬‬
‫وتلك الغفلة تساهم بطريقة ل شعورية في ترسيخ هذه الفكرة‬
‫المصادمة للسلم‪ ،‬حين ينحصر البحث والجدل حول قضايا‬
‫فرعية مع نسيان القضية الساسية‪..‬‬

‫‪1139‬‬
‫لذا كان من المهم إعطاء فكرة عن الصل الذي انبثق عنه ادعاء‬
‫محبة الرسول والنسبة إليها عند هؤلء الذين سموا صوفية‬
‫وأشغلوا العالم بهذه الدعوى‪ ،‬لكي نعلم هل هم صادقون في‬
‫هذه المحبة‪ ،‬أم أن لهم غرضا آخر من الدعوة إليها؟‪..‬‬
‫النسان الكامل‪:‬‬
‫النسان الكامل‪ ،‬فكرة فلسفية صوفية كانت رائجة في المم‬
‫المتصوفة من قبل السلم‪ ..‬أطلق هذا اللقب من قبل الصوفية‬
‫القدماء من أهل فارس والهند واليونان على أول موجود وجد في‬
‫الكون حسب نظريتهم‪ ...‬حيث زعموا أن هذا الموجود الول‬
‫فاض عن الله تعالى كما يفيض نور الشمس عن الشمس‪ ،‬لم‬
‫يخلقه بل صدر عنه‪ ،‬فهو نور من نور‪ ،‬ونوره امتد إلى جميع ذرات‬
‫الكون‪:‬‬
‫فبه قامت الحياة‪ ..‬وهو الله الذي صنع وخلق الموجودات‪ ..‬وهو‬
‫الواسطة بين الخالق والخلق لما له من شبه بهما‪ ..‬فله صفات‬
‫الله وله صفات البشر‪..‬‬
‫ولنه بهذه المرتبة فهو يعلم الغيب ويدبر أمر العالم‪ ،‬وربما سموه‬
‫الروح العظم أو العقل الول أو الفعال وغيرها من التسميات‪،‬‬
‫هذه خلصة فكرة النسان الكامل التي في تلك الثقافات القديمة‬
‫قبل السلم‪..‬‬
‫انظر النسان الكامل‪ ،‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬الموسوعة الفلسفية‬
‫‪ ،1/136‬بنية العقل العربي‪ ،‬الجابري ص ‪378‬‬
‫ثم إن الله تعالى كتب لهذا الدين أن ينتشر في بلد فارس والهند‬
‫فدخل فيه كثير من حملة هذا الفكر أبناء تلك البلد‪ ،‬ومع قلة‬
‫الوعي بحقيقة السلم بقي كثير منهم على هذا العتقاد الفاسد‬
‫ظانين عدم منافاته لما أنزل الله‪ ،‬فصاروا يدعون إليه بحسن نية‬
‫وقصد‪..‬‬
‫لكن طائفة أخرى تعمدت نشر هذا الفكر بين المسلمين خبثا‬
‫وكيدا لما كانت قلوبهم تنطوي على حقد عظيم على هذا الدين‬
‫الذي أزال دولهم الظالمة الكافرة‪..‬‬
‫وبما أن لقب النسان الكامل غريب على المجتمع السلمي‬
‫تحاشوا أن يصطدموا به فاتخذوا بدل منه لقب الحقيقة المحمدية‬
‫أو النور المحمدي‪..‬‬
‫فإذا سمع السامع هذا اللقب تبادر إلى ذهنه النبي محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬ومن المعلوم أن أعظم شخصية في تاريخ‬
‫المسلمين هو محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وله خصائص ليست‬
‫لغيره بإجماع المسلمين‪ ،‬وكثير من المسلمين ممن عدم الفقه‬
‫والعلم ل يمانع من الزيادة والغلو في حقه عليه الصلة والسلم‪..‬‬

‫‪1140‬‬
‫هنا وظف هؤلء هذه الشخصية لبراز فكرة النسان الكامل من‬
‫خللها‪..‬‬
‫فقالوا عن رسول الله أنه‪:‬‬
‫أول موجود فاض عن الله تعالى كما يفيض نور الشمس عن‬
‫الشمس‪..‬‬
‫وهو نور ونوره ممتد إلى جميع ذرات الكون‪..‬‬
‫وكل العلوم قطرة من بحره‪..‬‬
‫وهو محل نظر الله‪..‬‬
‫له شبه بالصفات اللهية والصفات البشرية‪..‬‬
‫فهو واسطة بين الخالق والخلق‪..‬‬
‫فصارت الحقيقة المحمدية هي حقيقة النسان الكامل بغير‬
‫فرق‪ ...‬إل أنهم ومحاولة منهم لترويج تلك الفكرة الفلسفية‬
‫حرفوا اليات واختلقوا الحاديث للتدليل عليها‪..‬‬
‫( الحقيقة المحمدية = النسان الكامل)‬
‫والذي يثبت هذا التوافق ما يرد في أقوالهم وأشعارهم من‬
‫أوصاف غالية في حق النبي الكريم ل يمكن أن تفسر إل من‬
‫خلل فكرة النسان الكامل‪ ،‬وهانحن نورد طرفا منها‪..‬‬
‫يقول ابن عربي‪ " :‬بدء الخلق الهباء‪ ،‬وأول موجود فيه الحقيقة‬
‫المحمدية الرحمانية" الفتوحات المكية ‪1/118‬‬
‫ويقول الحلج‪:‬‬
‫" أنوار النبوة من نوره برزت‪ ،‬وأنوارهم من نوره ظهرت‪ ،‬وليس‬
‫في النوار نور أنور وأظهر وأقدم سوى نور صاحب الكرم‪...‬‬
‫همته سبقت الهمم‪ ،‬ووجوده سبق العدم‪ ،‬واسمه سبق القلم‪،‬‬
‫لنه كان قبل المم‪ ...‬العلوم كلها قطرة من بحره‪ ..‬والزمان‬
‫ساعة من دهره" الطواسين ‪13‬‬
‫وقال ابن الدباغ‪:‬‬
‫" اعلم أن أنوار المكونات كلها من عرش وفرش وسموات‬
‫وأرضين وجنات وحجب وما فوقها وما تحتها إذا جمعت كلها‬
‫وجدت بعضا من نور محمد‪ ،‬وأن مجموع نوره لو وضع على‬
‫العرش لذاب‪ ،‬ولو وضع على الحجب السبعين التي فوق العرش‬
‫لتهافتت‪ ،‬ولو جمعت المخلوقات كلها ووضع ذلك النور العظيم‬
‫عليه لتهافتت وتساقطت" هذه هي الصوفية ص ‪ 87‬نقل عن محبة‬
‫الرسول ص ‪203‬‬
‫يقول البوصيري في البردة‪:‬‬
‫سواك عند حدوث الحادث‬ ‫يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به‬
‫العمم‬
‫ومن علومك علم اللوح والقلم‬ ‫فإن من جودك الدنـيا وضرتها‬

‫‪1141‬‬
‫هذه هي الحقيقة المحمدية عندهم‪ ،‬فكل كلماتهم وأشعارهم‬
‫تنطق بحقيقة النسان الكامل ليجادل في ذلك إل جاهل أو‬
‫ماكر‪ ..‬وهم وإن كانوا قد استتروا خلف هذا اللقب المحمدي زمنا‬
‫إل أنهم عادوا وحنوا إلى لقبهم القديم فصاروا يصرحون به‪..‬‬
‫فهذا إمامهم الكبر ابن عربي الطائي يطلق لقب النسان الكامل‬
‫في كثير من مؤلفاته وله مؤلف بعنوان‪" :‬النسان الكلي"‪..‬‬
‫وهذا عبد الكريم الجيلي وهو منهم يضع كتابا بعنوان‪" :‬النسان‬
‫الكامل"‪..‬‬
‫وهناك آخرون غيرهم قدماء ومحدثون‪..‬‬
‫النسان الكامل‪ ،‬الحقيقة المحمدية مرتبة عامة‪:‬‬
‫وإن المدقق في أقوالهم وأحوالهم يعلم يقينا أنهم ل يعظمون‬
‫رسول الله ول يحبونه‪ ،‬بل يتخذون محبته ذريعة إلى تحقيق فكرة‬
‫النسان الكامل بين المسلمين‪ ..‬ولذا فإنهم عندما يطلقون لقب‬
‫الحقيقة المحمدية أو غيره مما يقوم مقامه ل يقصدون به ذات‬
‫النبي عليه الصلة والسلم خاصة‪ ،‬بل كل ذات تتحقق فيها الهلية‬
‫ـ حسب شروطهم ـ لن تصير في مرتبة النسان الكامل‪..‬‬
‫فليست هذه المرتبة حكرا على النبي أو غيره من البشر‪ ،‬بل هي‬
‫مشاعة ينالها كل من هذب نفسه وصفاها على طريقة فلسفية‬
‫خاصة حتى تصل إلى مرحلة التحاد بذات الله تعالى كما يقولون‪،‬‬
‫تعالى الله عما يقولون‪ ،‬فإذا صارت كذلك نالت مرتبة النسان‬
‫الكامل‪..‬‬
‫لذا فإنهم يعتقدون في مشايخهم ما يعتقدونه في النسان‬
‫الكامل‪ ،‬فهم نور‪ ،‬وهم يعلمون الغيب‪ ،‬ويدبرون شؤون الكون‪،‬‬
‫ومن هنا نفهم لماذا يصرون على تعظيم أولئك المشايخ هذا‬
‫التعظيم الغالي الذي ل يجوز أن يكون إل لرب العالمين‪..‬‬
‫يقول الجيلي‪:‬‬
‫" اعلم حفظك الله أن النسان الكامل هو القطب الذي تدور‬
‫عليه أفلك الوجود من أوله إلى آخره‪ ،‬وهو واحد منذ كان الوجود‬
‫إلى أبد البدين‪ ،‬ثم له تنوع في ملبس‪ ،‬ويظهر في كنائس‪،‬‬
‫فيسمى باعتبار لباس‪ ،‬ول يسمى به باعتبار لباس آخر‪ ،‬فاسمه‬
‫الصلي الذي هو له محمد‪ ،‬وكنيته أبو القاسم‪ ،‬ولقبه شمس‬
‫الدين‪ ،‬ثم له باعتبار ملبس أخرى أسام‪ ،‬وله في كل زمان اسم‬
‫يليق بلباسه في ذلك الزمان‪ ...‬فقد اجتمعت به صلى الله عليه‬
‫وسلم هو في صورة شيخي إسماعيل الجبرتي" النسان الكامل‬
‫‪2/73‬‬
‫قال بعضهم‪:‬‬
‫نيابة عنه في تبليغ دعـواه‬ ‫كل النبيين والرسل الكـرام أتـوا‬

‫‪1142‬‬
‫كل العصور ونابت عنه‬ ‫فهو الرسول إلى كل الخـلئق فـي‬
‫أفواه‬
‫(النفحات القدسية للبيطار ص ‪)17‬‬
‫وإذا كنا قلنا إنهم ل يحبون رسول الله حقيقة‪ ،‬بل يتخذون المحبة‬
‫ستارا لغاية علمناها من التفصيل السابق‪ ،‬فإننا نشير كذلك إلى‬
‫أن لهم غاية أخرى يتوصلون إليها بهذه الدعوى أل وهي‪ :‬تعظيم‬
‫ذواتهم‪ ،‬وإستذلل العباد‪ ،‬وتسخيرهم في شهواتهم‪ ..‬وذلك حين‬
‫يزعمون أن ذواتهم تمثل الحقيقة المحمدية‪ ،‬وقد مهدوا لذلك‬
‫بقولهم إن هذه الحقيقة تظهر في كل زمان ومكان في صورة‬
‫ولي من الولياء‪..‬‬
‫ولعل هذا هو السبب الول في الدعوة إلى محبة الرسول‪...‬‬
‫(( فهم ينتقلون منها إلى تعظيم ذواتهم))‪..‬‬
‫يظهر ذلك جليا من حيث إنهم ل يقفون عن حد الحتفال بمولد‬
‫النبي الكريم والتوسل به وشد الرحل إلى قبره‪ ،‬بل‪ (( :‬يجيزون‬
‫ويدعون إلى الحتفال بمولد كل شيخ من مشايخهم والتوسل بهم‬
‫وشد الرحل إلى قبورهم للتضرع والسؤال))‪..‬‬
‫كما هو معلوم‪ ،‬تحت اسم الولية والتعظيم وطلب البركة‪..‬‬
‫ولو فرضنا صدقهم لكان ينبغي لهم أل يشركوا أحدا مع رسول‬
‫الله في تلك القضايا الثلث‪ ،‬ولو كانوا صادقين لنهوا أتباعهم عن‬
‫دعاء النبي وسؤاله ما ليقدر عليه إل الله‪ ،‬وحينذاك نقول‪ :‬إنهم‬
‫صادقون في المحبة‪ ،‬مخطئون اجتهادهم‪...‬‬
‫لكنهم ما فعلوا هذا ول ذاك‪ ،‬بل جعلوا لكل شيخ مرتبة تضارع‬
‫مرتبة النبي وتفوقه حتى تصل إلى مرتبة الله‪ ،‬وأذنوا في تقديم‬
‫القربات إليهم من دون الله‪ ،‬فهم مشركون زنادقة متبعون‬
‫لهواءهم‪:‬‬
‫{ فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم‪ ،‬ومن أضل‬
‫ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله ليهدي القوم الظالمين‬
‫}‪...‬‬
‫( تلك هي الحقيقة‪ ..‬لكن كثيرا منهم ل يعلمون)‬
‫فهذه هي حقيقة محبة رسول الله عند هؤلء القوم‪ ،‬كما رأينا‪:‬‬
‫ليس فيها إل تعظيم الذوات وإحياء دين الفلسفة الوثنيين من‬
‫فرس وهند ويونان‪ ،‬وفكرتهم تناقض السلم‪ ...‬فليس أحد فاض‬
‫عن الله‪ ،‬بل كل الموجودات مخلوقة لله تعالى ليست من ذاته‬
‫ول من نوره‪ ..‬وليس أحد من خلق الله يملك علم اللوح والقلم‪،‬‬
‫ول يقدر أحد على التصرف في الكون‪..‬‬
‫فمعتقد هذه العتقادات كافر بالله تعالى‪..‬‬
‫والحق أن كثيرا من أتباع هذه الفكرة ل يدركون حقيقتها‪..‬‬

‫‪1143‬‬
‫وكثير من الذين يحتفلون بالمولد ل يعلمون أصل هذا المر‪..‬‬
‫بل كثير منهم صادقون في محبتهم وشعورهم تجاه الرسول‬
‫لكنهم مخطئون حين لم يلتزموا المحبة الشرعية القائمة على‬
‫التباع‪..‬‬
‫لكن البلية فيمن يعتنق هذا الفكر اللحادي ويدعو إليه متخذا‬
‫محبة رسول الله ستارا‪..‬‬
‫فهذا أصل الضللة مصدر الغواية‪ ،‬إذن هذه هي الحقيقة‪ ،‬فمن‬
‫جادلهم فليجادلهم فيها‪ ،‬وليحذر من الخديعة والحيلة فيظن أن‬
‫القضية قضية مولد أو توسل أو سفر إلى قبر‪ ،‬بل القضية أخطر‬
‫من تلك بكثير كما قد رأينا‪.‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫‪ .7‬الحتفال بالمولد النبوي‬
‫يحيى بن موسى الزهراني‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬ول عدوان إل على الظالمين ‪ ،‬وأشهد‬
‫أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ولي المؤمنين ‪ ،‬وأشهد أن‬
‫محمدا ً عبده ورسوله النبي المين ‪ ،‬صلى الله وسلم عليه وعلى‬
‫آله وصحبه الطيبين الطاهرين ‪ ،‬وعلى التابعين لهم بإحسان إلى‬
‫يوم الدين ‪ . . .‬أما بعد ‪:‬‬
‫فلقد كان العالم يغط في ظلم عميق ‪ ،‬وجهل سحيق ‪ ،‬فكان‬
‫القتل ‪ ،‬والظلم ‪ ،‬وكثير من الكبائر والعظائم التي ل تجد من‬
‫ينكرها ‪ ،‬أو يبطلها ‪ ،‬لقد أنت الشعوب قبل السلم أنينا ً شديدا ً ‪،‬‬
‫وجار العدوان والطغيان ‪ ،‬وأقيمت الحدود على الفقراء والضعفاء‬
‫‪ ،‬ونجا منها الغنياء والقوياء ‪ ،‬وبقي الناس على ذلك المر‬
‫والعلقم حتى رحم الله البشرية ‪ ،‬بإرسال أفضل الرسل وخاتمهم‬
‫وأرحمهم بأمته ‪ ،‬وهو نبينا وحبيبنا محمد صلى اله عليه وسلم ‪،‬‬
‫وبعد مولده وشبابه ‪ ،‬ونضوجه ونبوته عادت البسمة للناس من‬
‫جديد ‪ ،‬فقد أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ‪ ،‬وحطم أسس‬
‫الشرك ‪ ،‬وقضى على معالم الوثنية ‪ ،‬واستأصل شأفتها ‪ ،‬واجتث‬
‫جرثومتها ‪ ،‬حتى أقيمت الحدود على الطغاة والبغاة ‪ ،‬واخذ الحق‬
‫من الظالم ‪ ،‬وأعيد للمظلوم ‪ ،‬وهكذا عاشت المة في خير وهناء‬
‫‪.‬‬
‫فقبل الشروع في المولد النبوي ‪ ،‬وقبل تفنيد ما فيه من‬
‫الباطل ‪ ،‬يحسن بنا أن نتطرق إلى بعض المور التي قد يغفل‬
‫عنها كثير من المسلمين ‪ ،‬وهي مما يتعلق به عليه الصلة‬
‫والسلم ‪ ،‬والتي ينبغي على المكلف معرفتها والهتمام بها حتى‬
‫يعرف أمر نبيه صلى الله عليه وسلم عليه ومن هذه المور ‪:‬‬

‫‪1144‬‬
‫أول ‪ :‬النبي صلى الله عليه وسلم رحمة ‪:‬‬
‫فهو رحمة على أمته رحيم رؤوف بهم مشفق عليهم ‪ ،‬قال‬
‫تعالى ‪ [ :‬لقد جاء كم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم‬
‫حريص عليهم بالمؤمنين رؤوف رحيم ] ( التوبة ‪ ، ) 128‬وقال‬
‫تعالى ‪ [ :‬وما أرسلناك إل رحمة للعالمين ] ( النبياء ‪)107‬‬
‫وقد حث أمته على التراحم فيما بينهم والتعاطف والشفقة من‬
‫بعضهم على بعض وأن يكونوا كالجسد الواحد يساعد بعضهم‬
‫بعضا ويقف بعضهم مع بعض فهو كما وصفه ربه سبحانه رحيم‬
‫بالمؤمنين قال ‪ (( :‬أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا )) وأشار‬
‫بالسبابة والوسطى [ البخاري وأبو داود والترمذي ] ‪ ،‬وقال تعالى‬
‫‪ [ :‬فأما اليتيم فل تقهر ] ( الضحى ‪. ) 9‬‬
‫وكذلك من الرحمة التي أوصى بها النبي العناية بالرملة‬
‫والمسكين وذوي الحاجات فعن أبي هريرة قال ‪ :‬قال النبي‬
‫‪ (( :‬الساعي على الرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ))‬
‫أن رجل ً شكا إلى‬ ‫[ البخاري ومالك ] ‪ ،‬وعن أبي هريرة‬
‫رسول الله قسوة قلبه فقال ‪ (( :‬امسح رأس اليتيم وأطعم‬
‫المسكين )) [ رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح]‪.‬‬
‫ومن رحمته بالفقراء قال فيهم ‪ (( :‬بئس الطعام طعام الوليمة‬
‫يُدعى إليها الغنياء ويترك الفقراء )) [ في الصحيحين ] ‪ ،‬وقد‬
‫أوصى بالحسان إلى البنات والنساء والضعفاء وما ذاك إل من‬
‫رحمته وشفقته على أمته ‪.‬‬
‫فعن أنس رضى الله عنه ‪ ،‬عن النبي قال ‪ (( :‬من عال جاريتين‬
‫حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين )) [ رواه مسلم ]‬
‫وجاريتين أي بنتين ‪ ،‬وقال ‪ (( :‬اللهم إني أحَّرج حق الضعيفين‬
‫اليتيم والمرأة )) [ رواه النسائي بإسناد جيد ] ومعنى أحرج أي‬
‫أنه يُلحق الثم بمن ضيع حق اليتيم والمرأة ‪ ،‬وقال ‪ ( :‬هل‬
‫تُنصرون وتُرزقون إل بضعفائكم )) [ رواه البخاري مرسل‬
‫وأورده بمعناه النسائي في صحيح سنن النسائي ‪ 2/669‬برقم (‬
‫‪ ، ] )2978‬وقال ‪ (( :‬من ل يرحم الناس ل يرحمه الله )) [ متفق‬
‫عليه ] ‪ ،‬وقال ‪ (( :‬من ل يَرحم ل يُرحم )) [ متفق عليه]‪.‬‬
‫ومن رحمته أنه أوصى بالرحمة بالحيوان فقال عليه الصلة‬
‫والسلم ‪ (( :‬إن الله كتب الحسان على كل شيء فإذا قتلتم‬
‫فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته‬
‫وليرح ذبيحته)) [ ابن حبان ومسلم والدارمي وغيرهم ] ‪.‬‬
‫وصور رحمته بأمته وشفقته عليهم كثيرة جدا ً ‪ ،‬فعليه الصلة‬
‫والسلم‪.‬‬

‫‪1145‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬مولده صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫ولد عليه الصلة والسلم يوم الثنين الثاني عشر من ربيع الول‬
‫عام الفيل ‪ ،‬قال أبو قتادة النصاري ‪ :‬سأل رجل أعرابي رسول‬
‫فقال ‪ :‬ما تقول في صوم يوم الثنين ؟ قال ‪ [ :‬ذاك يوم‬ ‫الله‬
‫ولدت فيه ‪ ،‬وفيه أوحي إلي ] ( مسلم ) ‪.‬‬
‫وعن قيس بن مخرمة بن عبد المطلب ‪ ،‬قال ‪ :‬ولدت أنا ورسول‬
‫عام الفيل ] ( الترمذي وإسناده حسن ) انظر سير أعلم‬ ‫الله‬
‫النبلء ‪. 1/33‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬بشريته صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫فهو بشر مثل بقية البشر قال تعالى ‪ [ :‬قل سبحان ربي هل‬
‫كنت إل بشرا ً رسول ً ] ( السراء ‪ ، )93‬وقال تعالى ‪ [ :‬محمد‬
‫رسول الله ‪ ( ].....‬الفتح ‪ ) 29‬وقال ‪ (( :‬إنما أنا بشر وإنكم‬
‫تختصمون إلي )) [ متفق عليه ] ‪ ،‬وهي دللة على أن محمدا ً‬
‫رسول الله إلى الناس كافة بل إلى الثقلين ـ الجن والنس ـ‬
‫وقال الله جل وعل‪ [ :‬شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً‬
‫والذين أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى …‪( ]..‬‬
‫الشورى ‪ ) 13‬والمذكورون في هذه الية هم أولو العزم من‬
‫الرسل فهم بشر ولكن الله أكرمهم بالرسالة وغفر لهم جميعا ً ‪،‬‬
‫وقال الله جل وعل ‪ [ :‬إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه‬
‫من تراب …‪ ( ].‬آل عمران ‪ ، ) 59‬فهذه اليات تدل دللة قاطعة‬
‫لشك فيها أن النبياء بشر والله هو خالقهم ‪ ،‬ولكنه اصطفاهم‬
‫برسالته عن بقية البشر‪ ،‬فل يُعبدون من دون الله ويحرم الغلو‬
‫فيهم أو التوسل بهم بعد موتهم ‪ ،‬لن ذلك من الشرك الكبر‬
‫المنافي للتوحيد والمخرج من ملة السلم والنبي محمد من‬
‫أولئك النبياء الذين بعثهم الله عز وجل للعباد مبشرين ومنذرين‬
‫قال تعالى‪ [ :‬وما محمد إل رسول قد خلت من قبله الرسل ]‬
‫( آل عمران ‪ ، ) 144‬فل يجوز الغلو فيه أو التوسل به بعد موته أو‬
‫طلب العون أو المدد منه ‪ ،‬فإنه بشر مثل كل البشر فقد قال ‪:‬‬
‫(( سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لن يدخل الجنة أحدا ً عمله ‪ ،‬قالوا‬
‫‪ :‬ول أنت يارسول الله ‪ ،‬قال ‪ :‬ول أنا ‪ ،‬إل أن يتغمدني الله منه‬
‫برحمة )) [ البخاري ومسلم ] ‪.‬‬
‫فمن ذلك ع ُلم أن النبي بشر ولد وعاش ومات ‪ ،‬قال تعالى ‪[ :‬‬
‫وما محمد إل رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أوقتل‬
‫انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا‬
‫وسيجزي الله الشاكرين ] ( آل عمران ‪ ، ) 144‬وقال تعالى ‪ [ :‬إنك‬
‫ميت وإنهم ميتون ] ( الزمر ‪ ، ) 30‬والخطاب للنبي عليه أفضل‬
‫الصلة وأزكى السلم ‪.‬‬

‫‪1146‬‬
‫فالواجب على المؤمن أن يؤمن برسالة النبي ورسالة جميع‬
‫النبياء والرسل عليهم أفضل الصلة وأزكى التسليم ‪ ،‬لن ذلك‬
‫ركن من أركان اليمان ‪ ،‬الذي لو سقط لضعف إيمان المرء معه‬
‫وقد يهوي إلى الهاوية والعياذ بالله ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬فضله على جميع الخلئق ‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ (( :‬أنا‬
‫سيد ولد آدم يوم القيامة ‪ ،‬وأول من ينشق عنه القبر‪ ،‬وأول‬
‫شافع وأول مشفع )) [ مسلم ] ‪.‬‬
‫وقيل أن السيد ‪ :‬هو الذي يفوق قومه في الخير‪ ،‬وقيل ‪ :‬هو الذي‬
‫يُفزع إليه في النوائب والشدائد فيقوم بأمرهم ويتحمل عنهم‬
‫مكارههم ويدفعها عنهم ‪.‬‬
‫وهو أفضل البشر على الطلق ‪ ،‬وهو أفضل النبياء والمرسلين‬
‫وخاتمهم ‪ ،‬قال ‪ (( :‬مثلي ومثل النبياء من قبلي كمثل رجل‬
‫بنى بنيانا ً فأحسنه وأجمله إل موضع لبنة من زاوية من زواياه‬
‫فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هل وضعت هذه‬
‫اللبنة قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين )) [ مسلم ] ‪ ،‬فهو سيد ولد‬
‫آدم في الدنيا والخرة ‪ ،‬ففي يوم القيامة يظهر سؤدده لكل أحد‬
‫ول يبقى منازع ول معاند له ‪ ،‬بخلف الدنيا فقد نازعه في سيادته‬
‫أنا سيد ولد آدم لم‬ ‫ملوك الكفار وزعماء المشركين ‪ ،‬وقوله‬
‫يقله فخرا ً ‪ ،‬بل إنه صرح بنفي الفخر فقال عليه الصلة والسلم‬
‫‪ (( :‬أنا سيد ولد آدم ول فخر )) [ الترمذي ]‬
‫وقوله أنا سيد ولد آدم ‪ ،‬كما قلنا لم يقلها مفاخرة بها وإنما قال‬
‫ذلك لسببين‪:‬‬
‫الول ‪ :‬امتثال ً لمر ربه سبحانه عندما قال جل من قائل عزيز‬
‫سبحانه ‪ [ :‬وأما بنعمة ربك فحدث ] ( الضحى ‪. ) 11‬‬
‫الثاني ‪ :‬أنه من البيان الذي يجب عليه تبليغه لمته ليعرفوه‬
‫ويوقروه ويعتقدوه ويعملوا بمقتضى ذلك العتقاد ويوقروه بما‬
‫تقتضيه مرتبته ‪.‬‬
‫فهو الذي يطلب من ربه ويسأله سبحانه يوم القيامة للفصل بين‬
‫العباد وهو أول من يُشفع يوم القيامة ‪ ،‬فلهذا فهو أفضل الخلئق‬
‫على الطلق ‪ ،‬صلوات ربي وسلمه عليه ‪.‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬معنى شهادة أن محمدا ً رسول الله ‪:‬‬
‫معناها‪ :‬طاعته فيما أمر ‪ ،‬وتصديقه فيما أخبر ‪ ،‬واجتناب مانهى‬
‫عنه وزجر‪ ،‬وأن ل يُعبد الله إل ّ بما شرع‪.‬‬
‫فطاعته من طاعة الله عز وجل ‪ ،‬قال تعالى ‪ [ :‬قل إن كنتم‬
‫تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور‬
‫رحيم ] ( آل عمران ‪. ) 331‬‬

‫‪1147‬‬
‫)‪،‬‬ ‫‪32‬‬ ‫وقال تعالى ‪ [ :‬قل أطيعوا الله والرسول ] ( آل عمران‬
‫وقال تعالى ‪ [ :‬من يطع الرسول فقد أطاع الله ] ( النساء ‪، ) 80‬‬
‫وتصديقه في الخبار الماضية والمستقبلية مما كان من أمور‬
‫الغيب التي أطلعه الله عليها ‪ ،‬وتصديقه في ذلك من أوجب‬
‫الواجبات ‪.‬‬
‫ومن مقتضى شهادة أن محمدا ً رسول الله اجتناب مانهى عنه‬
‫النبي ‪ ،‬فكل مانهى عنه يجب اجتنابه وذلك مصداقا ً لقوله‬
‫تعالى ‪ [ :‬وما أتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا ]‬
‫( الحشر ‪ ، ) 7‬وقال ‪ (( :‬ما أمرتكم من أمر فأتوا منه ما‬
‫استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه )) [ مسلم ] ‪.‬‬
‫سادسا ً ‪ :‬عبوديته صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫فالنبي عبد من عباد الله وهو مملوك لله عز وجل ووصفه الله‬
‫ف‬‫تعالى بالعبودية الخاصة كما قال تعالى ‪ [ :‬أليس الله بكا ٍ‬
‫عبده ] ( الزمر ‪ ، ) 26‬فأعلى مراتب العبد العبودية الخاصة‬
‫والرسالة فهو أكمل الخلق في هاتين الصفتين الشريفتين قال‬
‫تعالى ‪ [ :‬تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ] ( الفرقان ‪، ) 1‬‬
‫فهو عبد لله تعالى ‪ ،‬أما الربوبية واللهية فهما حق لله تعالى‬
‫وحده ل يشركه في شي منهما أحد ‪ ،‬ل ملك مقرب ول نبي‬
‫مرسل فالنبي كما قلنا عبد الله ورسوله كما قال هو عن نفسه‬
‫(( إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله )) [ ابن حبان ] ‪.‬‬
‫فل يُرفع فوق منزلته عليه الصلة والسلم ول يكون له خصيصة‬
‫من خصائص اللوهية فهو عليه الصلة والسلم ل يعلم الغيب إل‬
‫ما أطلعه الله عز وجل عليه من المور الغيبية قال تعالى ‪ [ :‬قل‬
‫ل يعلم من في السموات والرض الغيب إل الله ] ( النمل ‪، ) 65‬‬
‫وقال تعالى ‪ [ :‬عالم الغيب فل يظهر على غيبه أحدا ً إل من‬
‫ارتضى من رسول ] ( الجن ‪ ، ) 27 ، 26‬فقد أطلع الله عز وجل‬
‫نبيه محمدا ً على بعض المور الغيبية ‪ ،‬لذلك فهو ل يعلم الغيب‬
‫من تلقاء نفسه ‪ ،‬ودليل ذلك أنه عندما سأله جبريل عليه السلم‬
‫عن الساعة قال ‪ (( :‬ما المسؤول عنها بأعلم من السائل )) وقد‬
‫علم مما أطلعه الله عليه أن ذلك السائل هو جبريل عليه‬
‫السلم قال تعالى ‪ [ :‬تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت‬
‫تعلمها أنت ول قومك من قبل هذا ] ( هود ‪ ، ) 49‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫[ ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمر‬
‫وهم يمكرون ] ( يوسف ‪. ) 102‬‬
‫وكذلك فهو ل ينفع ول يضر بنفسه ‪ ،‬ول يُعتقد فيه أي أمر من‬
‫أمور اللوهية أو الربوبية ولقد وصفه الله بالعبودية في أشرف‬

‫‪1148‬‬
‫المقامات فقال جل من قائل سبحانه [ سبحان الذي أسرى‬
‫بعبده ] ( السراء ‪. ) 1‬‬
‫فهو عبد الله ورسوله فل يعطى ول يرفع فوق منزلته هذه ‪،‬‬
‫عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ (( :‬أشهد أن ل إله إل‬
‫الله وأني رسول الله ل يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إل‬
‫دخل الجنة )) [مسلم]‪.‬‬
‫فهو عبد الله ورسوله ‪ ،‬وصلوات ربي وسلمه عليه ‪.‬‬

‫سابعا ً ‪ :‬حاجة الناس إلى رسول الله ‪:‬‬


‫لما عاش الناس قبل بعثته في جاهلية جهلء وظلمة دهماء‬
‫خصوصا ً بعدما حرفوا وبدلوا في الكتب المنزلة على أنبيائهم ‪،‬‬
‫لذلك كله أحوج الله الخلئق كلهم إلى من يزيل عنهم تلك‬
‫الغمة ‪ ،‬ويعيدهم إلى عبادة الله الخالق الواحد القهار ‪ ،‬فأرسل‬
‫الله نبيه محمدا ً ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن‬
‫ربهم سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫فأما حاجتهم إلى النبي في الدنيا فهي أشد من حاجتهم إلى‬
‫الطعام والشراب والنفس ‪ ،‬لنه مبشرهم بالجنان ومنذرهم من‬
‫النيران ‪ ،‬وأما حاجتهم إليه في الخرة فإنهم يستشفعون بالرسل‬
‫إلى الله ليفصل بين الخلئق ‪ ،‬فكلهم يتأخر عن الشفاعة ‪،‬‬
‫فيشفع لهم النبي محمد ‪ ،‬وهو الذي يستفتح لهم باب الجنة ‪.‬‬
‫فلهذا كانت حاجة الناس إلى النبي حاجة ماسة وأكيدة في‬
‫الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬الحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫قبل الحديث عن المولد النبوي الكريم ‪ ،‬نتحدث عن فرقة من‬
‫فرق الضللة والتي بسببها وجدت مثل هذه البدع المنكرة‬
‫والمكفرة ‪ ،‬فمن هذه الفرق ‪:‬‬
‫الصوفية ‪:‬‬
‫وأحسن ما قيل فيها أنها فرقة منسوبة إلى الصوف ‪ ،‬وأول ما‬
‫ظهرت هذه الفرقة في البصرة ‪ ،‬وكانوا يبالغون في الزهد‬
‫والعبادة والخوف ‪ ،‬ولبسوا الصوف تشبها ً بالمسيح بن مريم ‪،‬‬
‫فلذلك أطلق عليهم الصوفية ‪ .‬وليس طريقهم مقيدا ً بلبس‬
‫الصوف ‪ ،‬ول هم أوجبوا ذلك ول علقوا المر به ‪ ،‬لكن أضيفوا إليه‬
‫لكونه ظاهر حالهم ‪ .‬ولكنهم بعد ذلك تشعبوا وتنوعوا ‪ ،‬وقيل أن‬
‫التصوف تسرب إلى بلد المسلمين ‪ ،‬من الديانات الخرى‬
‫كالديانة الهندية ‪ ،‬والرهبانية النصرانية ‪.‬‬
‫يقول الشيخ ‪ /‬عبدالرحمن الوكيل ‪:‬‬

‫‪1149‬‬
‫إن التصوف أدنأ وألم كيدا ً ‪ ،‬ابتدعه الشيطان ليسخر معه عباد‬
‫الله في حربه لله ولرسله ‪ [ .‬مصرع التصوف ] ‪.‬‬
‫ويقول الشيخ ‪ /‬صالح الفوزان ‪:‬‬
‫الصوفية دخيلة على السلم ‪ ،‬ويظهر ذلك في ممارسات‬
‫المنتسبين إليها ‪ ،‬من ممارسات غريبة على السلم وبعيدة عن‬
‫هديه ‪ ،‬وخصوصا ً المتأخرين منهم ‪ ،‬الذين كثرت شطحاتهم ‪،‬‬
‫وعظمت غلطاتهم ‪ ،‬وأما المتقدمون منهم فكانوا على جانب من‬
‫العتدال ‪ ،‬كالفضيل بن عياض ‪ ،‬والجنيد ‪ ،‬وإبراهيم بن أدهم‬
‫وغيرهم‪.‬‬

‫موقف الصوفية من العبادة والدين ‪:‬‬


‫لقد تفاقم الوضع في هذه الزمنة في عبادة الصوفية ‪ ،‬حتى‬
‫أصبحت المنكرات ظاهرة للعيان ‪ ،‬كوضوح الشمس في رابعة‬
‫النهار ‪ ،‬وكل ذلك من باب الزهد كما يدعونه ‪ ،‬وحبهم المفرط‬
‫في النبي صلى اله عليه وسلم إلى غير ذلك من توافه المور ‪،‬‬
‫ولقد اتخذ أهل التصوف وخصوصا ً المتأخرين منهم صنوفا ً من‬
‫أصناف العبادة المبتدعة ‪ ،‬وتتلخص بدعهم فيما يلي ‪:‬‬

‫‪ -1‬قصرهم العبادة على المحبة ‪:‬‬


‫يبنون عبادتهم لله على جانب المحبة ‪ ،‬ويهملون الجوانب‬
‫الخرى ‪ ،‬وهي جوانب عظيمة يعتمد عليها الدين اعتمادا ً كبيرا ً ‪،‬‬
‫كجانب الخوف والرجاء ‪ ،‬وقد قال بعضهم ‪ :‬أنا ل أعبد الله طمعاً‬
‫في جنته ‪ ،‬ول خوفا ً من ناره ‪ ،‬ول شك أن هذا من الضلل ‪ ،‬فمن‬
‫هو الذي ل يطمع في الجنة ‪ ،‬ومن هو الذي ل يخاف من النار ‪،‬‬
‫وقد جاءت اليات والحاديث المشتهرة بذلك ‪ ،‬والذي ل يطمع‬
‫في الجنة ‪ ،‬فبماذا يطمع إذن ‪ ،‬قال تعالى ‪ " :‬سابقوا إلى مغفرة‬
‫من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والرض " ‪ ،‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫" فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز " ‪ ،‬وقد أمرنا النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ بالله من أربع ‪ ،‬من عذاب جهنم‬
‫‪ ،‬ومن عذاب القبر ‪ ،‬ومن فتنة الدجال ‪ ،‬ومن فتنة المحيا‬
‫والممات ‪ [ .‬رواه مسلم ] ‪ ،‬فكيف يقول قائل بعد ذلك ‪ ،‬أنه ل‬
‫يطمع في الجنة ول يخاف من النار ‪ ،‬بل نقول نحن ‪ :‬اللهم إنا‬
‫نسألك الجنة ‪ ،‬ونعوذ بك من النار ‪.‬‬
‫فالعبادة ليست مقصورة على جانب واحد فقط ‪ ،‬قال شيخ‬
‫السلم بن تيمية رحمه الله ‪ :‬العبادة ‪ :‬اسم جامع لكل ما يحبه‬
‫الله ويرضاه من القوال والعمال الظاهرة والباطنة ‪.‬‬
‫ولهذا يقول بعض السلف ‪:‬‬

‫‪1150‬‬
‫من عبد الله بالحب وحده ‪ :‬فهو زنديق ‪ ،‬ومن عبده بالرجاء وحده‬
‫‪ :‬فهو مرجئ ‪ ،‬ومن عبده بالخوف وحده ‪ :‬فهو حروري ‪ ،‬ومن‬
‫عبده بالحب والرجاء والخوف ‪ :‬فهو مؤمن موحد ‪ .‬ولهذا قال‬
‫تعالى ‪ " :‬تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا ً وطمعاً‬
‫ومما رزقناهم ينفقون "‬
‫وقال تعالى ‪ " :‬أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة‬
‫أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان‬
‫محذورا ً " ‪ ،‬في هذه الية أعظم دليل على كذب الصوفية‬
‫وأهلها ‪ ،‬لن كل إنسان يرجو رحمة ربه ويخاف عذابه ‪.‬‬

‫‪ -2‬عدم الرجوع للكتاب والسنة ‪:‬‬


‫في غالب أمر الصوفية انهم ل يرجعون إلى الكتاب والسنة في‬
‫دينهم وعبادتهم ‪ ،‬وغنما يرجعون على أذواقهم وما يرسمه لهم‬
‫شيوخهم من الطرق المبتدعة ‪ ،‬والذكار والوراد الخاطئة الكاذبة‬
‫‪ ،‬وربما يستدلون بالحكايات والمنامات والحاديث الموضوعة‬
‫المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ويتشبثون بها ‪ ،‬ومن‬
‫المعلوم أن العبادة ل تكون صحيحة إل إذا كانت مبنية على ما‬
‫جاء في الكتاب والسنة الصحيحة المحتج بها ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ‪ :‬صراط الله واحد ‪ ،‬ل انقسام فيه ول اختلف‬
‫عليه ‪ ،‬وما عداه فهو سبل متفرقة تتفرق بمن سلكها ‪ ،‬وتبعده‬
‫عن صراط الله المستقيم ‪ ،‬وهذا ينطبق على كل فرق الصوفية ‪،‬‬
‫فإن كل فرقة لها طريقة خاصة تختلف عن طريقة الفرقة‬
‫الخرى ‪ ،‬ولكل فرقة شيخ يسمونه شيخ الطريقة ‪ ،‬يرسم لها‬
‫منهاجا ً يختلف عن منهاج الفرق الخرى ‪ ،‬ويبتعد بهم عن الصراط‬
‫المستقيم ‪ ،‬ويزعم هذا الشيخ انه يتلقى الوامر من الله‬
‫مباشرة ‪ ،‬ول يخفى على كل ذي لب وعقل من الناس أن‬
‫الرسالة قد انقطعت بموت النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فهو‬
‫آخر النبياء والرسل ‪ ،‬وانقطع الوحي كذلك بموته عليه الصلة‬
‫والسلم ‪ ،‬ولهذا قال تعالى ‪ " :‬وما كان لبشر أن يكلمه الله إل‬
‫وحيا ً أو من وراء حجاب أو يرسل رسول ً فيوحي بإذنه ما يشاء " ‪،‬‬
‫قال القرطبي رحمه الله ‪ :‬ومعناه ‪ :‬وما كان لبشر أن يكلمه الله‬
‫إل أن يوحي أو يرسل ‪، 16/48 .‬‬
‫يقول الشيخ ‪ /‬محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ‪ :‬هناك‬
‫قاعدة مهمة يجب على كل طالب علم معرفتها ‪ ،‬وأقول ‪ :‬لنها‬
‫تضع النقاط على الحروف ‪ ،‬وتزيل كثير من الران الذي غطى‬
‫قلوب كثير من المبتدعة ‪ ،‬وتجعل طالب العلم قادرا ً بإذن الله‬
‫تعالى على مجابهة مثل أولئك المبتدعة وأهل الضللة ‪.‬‬

‫‪1151‬‬
‫والقاعدة تقول ‪:‬‬
‫ً‬
‫كل شيء كان سببه موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ولم يفعله ‪ ،‬ففعله بعده بدعة ‪.‬‬

‫وقاعدة أخرى ‪:‬‬


‫الصل في العبادات الحظر ‪ ،‬فل يشرع منها إل ما شرعه الله‬
‫ورسوله ‪ ،‬والصل في العادات الباحة ‪ ،‬فل يمنع منها إل ما حرمه‬
‫الله ورسوله ‪.‬‬

‫مما سبق يتبين لنا أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم كان‬
‫سببه موجودا ً في عهد العهد النبوي ‪ ،‬ولكن لم يحتفل بمولده أحد‬
‫من البشر في قرنه وفي القرون المفضلة من بعده ‪ ،‬وهي ثلثة‬
‫قرون ‪ ،‬فقد قال صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬خير القرون قرني ثم‬
‫الذين يلونهم ‪ ،‬ثم الذين يلونهم " ‪ ،‬قال شيخ السلم بن تيمية‬
‫رحمه الله ‪ :‬أما لفظ الصوفية فإنه لم يكن مشهورا ً في القرون‬
‫الثلثة ‪ ،‬وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك " ‪.‬‬
‫مما سرى في المسلمين في هذا العصر وما سبقه من العصار‬
‫من التشبه بالكفار ‪ ،‬التشبه بالنصارى في عمل ما يسمى‬
‫بالحتفال بالمولد النبوي ‪ ،‬يحتفل جهلة المسلمين أو العلماء‬
‫المضلين في ربيع الول من كل سنة بمناسبة مولد الرسول‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فمنهم من يقيم هذا الحتفال في‬
‫المساجد ومنهم من يقيمه في البيوت أو المكنة المعدة لذلك‬
‫ويحضره جموع كثيرة من دهماء الناس وعوامهم ‪ ،‬يعملون ذلك‬
‫تشبها ً بالنصارى في ابتداعهم الحتفال بمولد المسيح عليه‬
‫السلم ‪ .‬ول ريب أن الله سبحانه وتعالى بعث نبيه محمدا ً صلى‬
‫الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ‪ ،‬وهى العلم النافع والعمل‬
‫الصالح ‪ ،‬ولم يقبضه إليه حتى أكمل له ولمته الدين وأتم عليهم‬
‫النعمة كما قال سبحانه وتعالى ‪ [ :‬اليوم أكملت لكم دينكم‬
‫وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم دينا ً ] "المائدة ‪" 3‬‬
‫فبين الله سبحانه وتعالى بهذه الية الكريمة أن الدين قد كمل‬
‫والنعمة قد أتمت ‪ ،‬فمن زعم أن يُحدث حدثا ً يزعم أنه مشروع‬
‫وأنه ينبغي للناس أن يهتموا به ويعملوا به فلزم قوله أن الدين‬
‫ليس بكامل بل هو محتاج إلى مزيد وتكميل ‪ ،‬ول شك أن ذلك‬
‫باطل ‪ ،‬بل من أعظم الفرية على الله سبحانه والمصادمة لهذه‬
‫الية الكريمة ‪ ،‬ولو كان الحتفال بيوم المولد النبوي مشروعاً‬
‫لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم لمته لنه أنصح الناس لهم ‪،‬‬
‫وليس بعده نبي يبين ما سكت عنه من حقه ‪ ،‬لنه صلى الله عليه‬

‫‪1152‬‬
‫وسلم خاتم النبيين ‪ ،‬وقد أبان للناس ما يجب له من الحق‬
‫كمحبته واتباع شريعته والصلة والسلم عليه وغير ذلك من‬
‫حقوقه الموضحة في الكتاب والسنة ولم يذكر لمته أن الحتفال‬
‫بيوم مولده أمر مشروع حتى يعملوا بذلك ولم يفعله صلى الله‬
‫عليه وسلم طيلة حياته ‪ ،‬ثم الصحابة رضي الله عنهم أحب‬
‫الناس له وأعلمهم بحقوقه لم يحتفلوا بهذا اليوم ل الخلفاء‬
‫الراشدون ول غيرهم ‪ ،‬ثم التابعون لهم بإحسان في القرون‬
‫الثلثة المفضلة لم يحتفلوا بهذا اليوم ‪.‬‬
‫أفتظن أن هولء كلهم جهلوا حقه أو قصروا فيه حتى جاء‬
‫المتأخرون فأبانوا هذا النقص وكملوا هذا الحق ؟ ل والله ‪ ،‬ولن‬
‫يقول هذا عاقل يعرف حال الصحابة وأتباعهم بإحسان ‪.‬‬
‫وإذا ع ُلم أن الحتفال بيوم المولد النبوي لم يكن موجودا ً في‬
‫عهده صلى الله عليه وسلم ول في عهد أصحابه الكرام ول في‬
‫عهد أتباعهم في الصدر الول ‪ ،‬ول كان معروفا ً عندهم ‪ .‬ع ُلم أن‬
‫ذلك بدعه محدثة في دين الله ل يجوز فعلها ول إقرارها ول‬
‫الدعوة إليها ‪ ،‬بل يجب إنكارها والتحذير منها عمل ً بقوله صلى‬
‫الله عليه وسلم في خطبة الجمعة ‪ { :‬خير الكلم كلم الله وخير‬
‫الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر المور محدثاتها‬
‫وكل بدعة ضللة } ‪ ،‬وقوله عليه الصلة والسلم ‪ { :‬عليكم‬
‫بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي تمسكوا بها‬
‫وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات المور فإن كل محدثة‬
‫بدعة وكل بدعة ضللة } ‪ ،‬وقوله عليه الصلة والسلم ‪ { :‬من‬
‫أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } ‪ ،‬وقوله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ {:‬من عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رد } ‪ ،‬فكل‬
‫عمل ليس عليه أمر الشارع فهو رد ومردود على صاحبه وعليه‬
‫النكال وله الويل من الخالق سبحانه ‪ ،‬فمن كان عمله خارجا ً عن‬
‫الشرع المطهر وليس متقيدا ً به فهو مردود ول يزيد صاحبه إل‬
‫بُعدا ً عن الله تعالى ‪ ،‬ول يزيده إل مقتا ً وخسارا ً ‪ ،‬ويذهب ذلك‬
‫العمل هباءً منثورا ً لمخالفته الواضحة لدين الله تعالى ‪ ،‬والله جل‬
‫وعل قد تكفل بدينه وحفظه ‪ [ :‬إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له‬
‫لحافظون ] " الحجر ‪. " 9‬‬
‫فمن شرع لولئك الفئام من الناس هذا الدين الذي ابتدعوه ؟‬
‫أهو الهوى ؟ أم الشيطان ؟ أم لهم شركاء وآلهة أخرى غير الله‬
‫تُشرع لهم دينا ً غير دين الله تعالى فتُحلل وتُحرم لهم ؟‬
‫قال تعالى ‪ [ :‬أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به‬
‫الله ] "الشورى ‪ ، " 21‬وقد ختم الله جل وعل هذه الية بقوله ‪:‬‬
‫[ وإن الظالمين لهم عذاب أليم ] ‪ ،‬فهؤلء ظلمة ‪ ،‬ظلمة‬

‫‪1153‬‬
‫لنفسهم ‪ ،‬ظلمة لدينهم ‪ ،‬ظلمة ل خوانهم المسلمين الذين يأتون‬
‫من بعدهم ‪ ،‬ويجدون تلك البدع والخرافات ‪ ،‬والهواء‬
‫والمنكرات ؟ فإن الله جلت قدرته قد حرم الظلم على نفسه‬
‫وجعله بين عباده محرما ً ‪.‬‬
‫فمن أشد الظلم وأقبحه وأشنعه أن يتعدى النسان على ربه ‪،‬‬
‫بأن يُشّرع للناس عبادة لم يأذن بها الله عز وجل ‪ ،‬ليحذر أولئك‬
‫من شديد عقابه ‪ ،‬وأليم عذابه ‪ ،‬فالنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ترك هذه المة على البيضاء ليلها كنهارها ل يزيغ عنها إل هالك ‪،‬‬
‫وقد أوضح صلى الله عليه وسلم لهذه المة قبل موته عليه‬
‫ً‬
‫الصلة والسلم أنه ترك فيها ما إن تمسكت به فلن تَضل أبدا ‪،‬‬
‫كتاب الله عز وجل وسنته صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فمن أراد أن‬
‫يزيد في الدين ما ليس منه ‪ ،‬فالدين بريء منه وزيادته مردودة‬
‫عليه ‪ ،‬وهو مأزور غير مأجور آثم ببدعته تلك ‪.‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬تركتكم على بيضاء نقية ليلها‬
‫كنهارها ل يزيغ عنها إل هالك } ( الترمذي وأبوداود والحاكم ) ‪.‬‬
‫وقال أبو ذر رضي الله عنه ‪ :‬توفي رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وما طائر يحرك جناحيه في السماء إل وقد ذكر لنا منه‬
‫علما ً ‪.‬‬
‫وقال العباس رضي الله عنه ‪ :‬والله ما مات رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم حتى ترك السبيل نهجا ً واضحا ً وأحل الحلل‬
‫وحرم الحرام ‪ ،‬ونكح وطلق وحارب وسالم ‪ .‬ولو تصفحنا كتاب‬
‫ما وجدنا آية فيه‬ ‫الله عز وجل صفحة صفحة وسطرا ً سطرا ً ‪ ،‬ل َ‬
‫تدل على أنه يُحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وكذلك‬
‫في السنة ل يوجد حديث ول أثر صحيح يُعتمد عليه يدل على ذلك‬
‫‪.‬‬
‫فمن أين جاء أولئك الناس بهذا الحتفال المبتدع في دين الله ‪.‬‬
‫فكثرة وقوع الحوادث التي ل أصل لها في الكتاب ول في السنة ‪،‬‬
‫إنما هو من ترك الشتغال بأوامر الله وأوامر رسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم وكذلك ترك اجتناب النواهي ‪ ،‬فلو أن من أراد أن‬
‫يعمل عمل ً في الدين سأل العلماء الربانيين ‪ ،‬علماء أهل السنة‬
‫والجماعة ‪ ،‬عما شرعه الله في ذلك فامتثله وأطاعه ورضي به‬
‫وانتهى عما فيه نهي ‪ ،‬لوقعت كل العمال مقيدة بالكتاب والسنة‬
‫‪.‬‬
‫ولكن المصيبة والطامة الكبرى أن العامل يعمل بمقتضى رأيه‬
‫وهواه ‪ ،‬فتقع الحوادث مخالفة لما شرع الله ‪.‬‬
‫فمن امتثل أمر الله تعالى وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم‬
‫واشتغل بذلك عما سواه حصلت له النجاة في الدنيا والخرة ‪،‬‬

‫‪1154‬‬
‫ومن خالف ذلك واشتغل بخواطره وهواه وانقاد وراء المخططات‬
‫الصهيونية والنصرانية وغيرها من مخططات أعداء الدين وقع‬
‫فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم من حال أهل الكتاب ـ‬
‫اليهود والنصارى ـ الذين هلكوا بكثرة مسائلهم واختلفهم على‬
‫أنبيائهم وعدم انقيادهم وطاعتهم لرسلهم ‪ ،‬وابتداعهم في‬
‫دينهم ‪ ،‬فكانوا فريسة وصيدا ً سهل ً في أيدي المسلمين آنذاك ‪.‬‬
‫فهل نحذوا حذوهم ‪ ،‬ونقتفي أثرهم ‪ ،‬وهم على الباطل والضلل ‪،‬‬
‫والزيغ والنحلل ؟ ل والله ؟ ل ينبغي هذا ‪ .‬بل الواجب التمسك‬
‫بالدين السلمي الحنيف ‪ ،‬الذي ل نُصرة للمسلمين إل بتمسكهم‬
‫به ‪ ،‬ول رِفعة لهم إل بتقيدهم به ‪ ،‬وأن نترك البتداع في دين الله‬
‫عز وجل ‪.‬‬
‫فأمور العياد المخالفة للشرع والحتفالت المصادمة للدين‬
‫ليست من شعار المسلمين بل أن ‪ { :‬من حسن إسلم المرء‬
‫تركه ما ل يعنيه } ( الترمذي وهو حسن ) ‪ ،‬ويبتعد عن الشبهات ‪،‬‬
‫ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ‪.‬‬
‫فأمر ليس في كتاب الله وليس في سنة نبيه صلى الله عليه‬
‫وسلم ل يعنينا الهتمام به ‪ ،‬ول حتى النظر إليه ‪ ،‬ول التفكير فيه ‪،‬‬
‫فمن أراد عمله عليه قبل ذلك أن يسأل أهل العلم عن ذلك ‪،‬‬
‫حتى يكون على بصيرة من دينه ‪ ،‬قال تعالى ‪ [ :‬فسألوا أهل‬
‫الذكر إن كنتم ل تعلمون ]" النحل ‪. "43‬‬
‫والسؤال هنا ‪:‬‬
‫ماذا يحدث في هذا المولد ؟‬
‫إن غالب هذه الحتفالت مع كونها بدعة مخالفة للدين فهي ل‬
‫تخلوا من اشتمالها على منكرات أخرى مثل ‪:‬‬
‫‪1‬ـ اختلط الرجال بالنساء ‪ ،‬مما قد يُفضي إلى أمور محرمة بين‬
‫الجنسين ‪ ،‬بل إن ذلك يحصل غالبا ً في هذه العياد المبتدعة‬
‫حب النبي صلى الله عليه وسلم وهم‬ ‫المنكرة وكيف يدعي أولئك ُ‬
‫يخالفون أمره ‪ ،‬فيحصل الختلط بين الرجال والنساء ‪ ،‬وقد حذر‬
‫عليه الصلة والسلم من الدخول على النساء غير المحارم حتى‬
‫أنه قال في الحمو ‪ :‬الحمو الموت ‪.‬‬
‫فكيف يدّعون حبهم واحتفالهم بمولد النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وهم يُقدّمون في هذا الحتفال كل ما فيه معصية له صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ .‬فليتب أولئك من هذه الخرافات والخزعبلت قبل‬
‫أن يحل بهم هادم اللذات ‪ ،‬وهم غرقى في الذنوب والشهوات ‪،‬‬
‫ثم بعد ذلك ل تنفع الهات والويلت ‪.‬‬
‫‪2‬ـ ذبح ذبائح في مثل هذه الموالد والعياد المزيفة ول شك ول‬
‫ريب أن الذبح لغير الله شرك قال صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬لعن‬

‫‪1155‬‬
‫الله من ذبح لغير الله } (مسلم ) ‪ ،‬واللعن ‪ :‬هو الطرد والبعاد‬
‫من رحمة الله عز وجل ‪ ،‬وإن الله عز وجل قد أمر بأن يكون‬
‫الذبح له سبحانه ‪ ،‬في قوله تعالى ‪ [ :‬قل إن صلتي ونسكي‬
‫ومحياي ومماتي لله رب العالمين * ل شريك له وبذلك أمرت‬
‫وأنا أول المسلمين ] " النعام ‪ " 163 ،162‬وقال تعالى ‪ [ :‬فصل‬
‫لربك وانحر ] " الكوثر ‪" 2‬‬
‫فالذبح لغير الله في الضرحة والقبور وغيرها شرك أكبر ومن‬
‫فعل ذلك فهو ملعون لما جاء في الحديث السابق ‪ ،‬وحكم هذه‬
‫الذبائح حكم الميتة ولو ذكر اسم الله عليها ‪ ،‬لنها لم تكن لله عز‬
‫وجل ‪.‬‬
‫‪3‬ـ ضرب الدفوف والطبول واستعمال الغاني والمعازف والله‬
‫جل وعل قد حرم المعازف والغناء المصحوب معها سواءً كان ما‬
‫جنا ً أم غير ماجن ‪ ،‬قال تعالى ‪ [ :‬ومن الناس من يشتري لهو‬
‫الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا ً أولئك لهم‬
‫عذاب مهين ] " لقمان ‪ " 6‬وقد أقسم عبد الله بن مسعود رضي‬
‫الله عنه الصحابي المعروف عن المقصود بلهو الحديث ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫{ والله الذي ل إله إل هو إنه الغناء } ‪ .‬وقد نهى النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ { :‬ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير‬
‫والخمر والمعزف } ( البخاري ) ‪ ،‬إنه والله لمر تأسف له‬
‫النفوس ‪ ،‬وتضيق له القلوب ممن ل ينطبق عملهم على قولهم ‪،‬‬
‫بل عملهم يكذب قولهم ول يصدقه يقولون نحب رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ونحتفل بمولده ‪ ،‬ثم في ذات الوقت‬
‫يعصونه ول يطيعونه يرتكبون ما نهى عنه ‪ ،‬ويجتنبون ما أمر به‬
‫فأي حب هذا ؟ وأي اتباع له صلى الله عليه وسلم الذي يدعيه‬
‫أولئك المبتدعة ؟‬
‫‪4‬ـ شرب الخمور والمسكرات والدخان وأكل القات ‪ ،‬وغير ذلك‬
‫من المشروبات المحرمات ‪.‬‬
‫والله تعالى حذرهم ونهاهم عنها ‪ ،‬فقال جل وعل ‪ [ :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا إنما الخمر والميسر والنصاب والزلم رجس من عمل‬
‫الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع‬
‫بينكم العدواة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر‬
‫الله وعن الصلة فهل أنتم منتهون ] ‪ ،‬ثم ختم الله عز وجل هذه‬
‫اليات بالية الدالة على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم لن في طاعتهما الفلح والنجاح ‪ ،‬وفي معصيتهما‬
‫الخسران والحرمان ‪ ،‬فقال تعالى ‪ [ :‬وأطيعوا الله وأطيعوا‬
‫الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلغ‬
‫المبين ] " المائدة ‪. "92، 90،91‬‬

‫‪1156‬‬
‫‪5‬ـ يعتقد من يحتفل بالمولد النبوي أن الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم يحضر المولد ‪ ،‬ولهذا يقومون له محيين ومرحبين ‪ ،‬وهذا‬
‫من أعظم الباطل وأقبح الجهل ‪ ،‬فإن الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم ل يخرج من قبره قبل يوم القيامة ‪ ،‬ول يتصل بأحد من‬
‫الناس ‪ ،‬ول يحضر اجتماعهم ‪ ،‬بل هو مقيم في قبره ول يخرج‬
‫إلى يوم القيامة وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة‬
‫كما قال تعالى ‪ [:‬ثم إنكم بعد ذلك لميتون * ثم إنكم يوم القيامة‬
‫تبعثون ] " المؤمنون ‪ " 16، 15‬وقال عليه الصلة والسلم ‪ { :‬أنا‬
‫أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة ‪ ،‬وأنا أول شافع وأول‬
‫مشفع } ( مسلم ) ‪.‬‬
‫فهذا قول الله تعالى يقول عن نبيه صلى الله عليه وسلم ‪ [ :‬إنك‬
‫ميت وإنهم ميتون ] " الزمر " فل إله إل الله ـ أين عقول أولئك‬
‫الناس عن قول الله عز وجل ‪ ،‬وقول نبيه صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يستشفعون بالنبي صلى‬
‫الله عليه وسلم إذا أجدبوا واحتبس عنهم المطر ‪ ،‬فإنهم يطلبون‬
‫من نبيهم أن يدعو الله لهم ‪ ،‬فكان يفعل ‪ ،‬ولكن بعد موته عليه‬
‫الصلة والسلم ‪ ،‬لم ينقل عن أحد منهم أنه كان يدعو النبي في‬
‫قبره ويستغيث به ‪ ،‬بل كما جاء عن عمر بن الخطاب أنه دعا‬
‫العباس عم رسول الله ‪ ،‬فقال ‪ :‬الهم إنا كنا نستشفع بنبينا‬
‫فتسقينا ‪ ،‬فها نحن نستشفع بعم نبينا فأسقنا ‪ ،‬فقال ‪ :‬قم يا‬
‫عباس فادع الله لنا ‪ ،‬ولم يستشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بعد موته ‪ ،‬لنه عرف أنه لم يعد يملك لهم شيئا ً بعد موته ‪.‬‬
‫‪6‬ـ ما يحدث في هذه الموالد من دعاء النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أو الغلو فيه والتوسل به أو الغلو في الولياء ‪ ،‬وهذا هو‬
‫الشرك الكبر المحبط للعمال والمدخل للنيران ـ أعاذنا الله من‬
‫ذلك ـ فيحصل فيها دعاء النبي صلى الله عليه وسلم والستعانة‬
‫والستغاثة به ‪ ،‬أو طلب المدد منه عليه الصلة والسلم ‪ ،‬واعتقاد‬
‫أنه يعلم الغيب ‪ ،‬ونحو ذلك من المور الكفرية التي يفعلها الكثير‬
‫من الناس حين احتفالهم بمولد النبي صلى الله عليه وسلم أو‬
‫غيره ممن يسمونهم بالولياء ‪.‬‬
‫وإن الله تعالى قد حرم الدعاء لغيره سبحانه ‪ ،‬فالدعاء حق من‬
‫حقوقه تعالى فل يُصرف إل لله ‪ ،‬قال تعالى ‪ [ :‬وأن المساجد لله‬
‫فل تدعوا مع الله أحدا ً ] " الجن ‪ " 18‬وقال تعالى ‪ [ :‬إن الذين‬
‫تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن‬
‫كنتم صادقين ] " العراف ‪ ، "194‬وإلى أصحاب العقول والفهام‬
‫هذه الية التي تبطل كل المزاعم من أن الموات يسمعون دعاء‬
‫الغير ‪ ،‬هذه الية قاطعة وجازمة بأن الميت ل يسمع ول ينفع ول‬

‫‪1157‬‬
‫يضر ‪ ،‬قال تعالى ‪ [ :‬والذين تدعون من دونه ما يملكون من‬
‫قطمير * إن تدعوهم ل يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا‬
‫لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ول ينبئك مثل خبير ] " فاطر‬
‫‪ 13‬ـ ‪ ، " 14‬فمن دعا غير الله عز وجل بجلب نفع أو دفع ضر أو‬
‫غير ذلك فقد أشرك بالله شركا ً أكبر مخرجا ً من الملة ‪ ،‬فل يُدعى‬
‫إل الله عز وجل لنه سبحانه بيده دفع الضر وكشفه وإسباغ‬
‫النعمة وإفاضة الخير على عباده وغير ذلك من المور التي ل‬
‫يقدر عليها إل الله ‪.‬‬
‫وقال جل وعل ‪ [ :‬ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من ل‬
‫يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا‬
‫حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ] " الحقاف‬
‫‪ ، " 6-5‬وقال النبي صلى الله عليه وسلم لبن عباس رضي الله‬
‫عنهما ‪ { :‬إذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله }‬
‫( الترمذي ) ‪.‬‬
‫فل يسأل النسان إل ربه ‪ ،‬ول يستعين إل به ‪ ،‬فهو سبحانه الذي‬
‫يستطيع النفع والضر وبيده خزائن كل شيء ‪ ،‬لذلك قال تعالى ‪:‬‬
‫{ وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن‬
‫عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ] " غافر ‪ ، "60‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫[ قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فل يملكون كشف الضر عنكم‬
‫ول تحويل ً ] " السراء ‪. "56‬‬
‫ولو كان أولئك الموات يملكون نفعا ً أو ضرا ً لنفعوا أنفسهم ولما‬
‫ما توا ‪ ،‬ولدفعوا عن أنفسهم الموت وما يحصل بهم من ضر ‪،‬‬
‫فكيف ينفعون غيرهم أو يضرونهم ـ فعجبا ً !! لولئك الناس الذين‬
‫تركوا عقولهم سلعة رخيصة يلعب بها شياطين النس والجن ‪،‬‬
‫حتى ضلوا عن جادة الصواب ‪ ،‬فعبدوا العباد ‪ ،‬بدل ً من أن يعبدوا‬
‫رب العباد ‪ ،‬واتجهوا إلى عبادة القبور والضرحة التي ل تنفع ول‬
‫تضر فما هي إل كومة من تراب ولو قدر الله عز وجل وبعث أحد‬
‫أولئك الموات ‪ ،‬ووجد الناس رجال ً ونساءً جماعات وفرادى‬
‫يطوفون حول قبره ويتبركون به ويطلبون المدد منه ويذبحون‬
‫تقربا ً إليه ‪ ،‬والله لما وسعه إل أن يدعوهم إلى عبادة الله ولبين‬
‫لهم أنه إنسان مثلهم ل ينفع ول يضر وإل لنفع نفسه قبل ذلك ‪،‬‬
‫ولو وجدهم على حالهم هذه لسخر منهم واستهزأ بهم ولتبرأ إلى‬
‫الله مما يفعلون ‪ ،‬فالله عز وجل أنعم عليهم بنعم شتى ‪ ،‬فوهبهم‬
‫العقل والسمع والبصر ‪ ،‬ومع ذلك فنهم كالنعام بل هم أضل‬
‫سبيل ‪ ،‬يعرفون الباطل فل يجتنبونه ‪ ،‬ويعرفون الحق فل يتبعونه‬
‫وقد قال لهم ربهم ‪ [ :‬وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون ] "‬
‫الذاريات ‪. " 56‬‬

‫‪1158‬‬
‫وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ { :‬من مات وهو‬
‫يدعو لله ندا ً دخل النار } ( أحمد والبخاري ) ‪ ،‬وفي رواية مسلم‬
‫‪ { :‬من لقي الله ل يشرك به شيئا ً دخل الجنة ‪ ،‬ومن لقيه يشرك‬
‫به شيئا ً دخل النار } ‪.‬‬
‫وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن تعظيمه فقال ‪ { :‬ل‬
‫تعظموني كما يعظم العاجم بعضها بعضا } ( مسلم وأبو داود‬
‫وابن ماجة ) ‪ ،‬وقال صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬لعن الله اليهود‬
‫والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد } ( في الصحيحين ) ‪،‬‬
‫قالت عائشة رضي الله عنها ‪{ :‬يحذر ما صنعوا ولول ذلك لبرز‬
‫قبره ولكن خشي أن يتخذ مسجدا ً } ‪ .‬وقال عليه الصلة والسلم‬
‫‪ { :‬أل وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم‬
‫مساجد أل فل تتخذوا القبور مساجد فإني أنها كم عن ذلك }‬
‫( مسلم ) ‪ ،‬وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬ل‬
‫تجلسوا على القبور ول تصلوا إليها } ‪ .‬وروى أهل السنن عن بن‬
‫عباس رضي الله عنهما قال ‪ { :‬لعن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج } ‪،‬‬
‫وذكرت أم سلمة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫{ أولئك إذا مات فيهم الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره‬
‫مسجدا ً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله }‬
‫( البخاري ومسلم ) ‪.‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬ول تجعلوا قبري عيدا ً } ( أبو‬
‫داود ) وروى مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ‪ { :‬اللهم ل تجعل قبري وثنا ً يُعبد ‪ ،‬اشتد غضب الله‬
‫على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد } وقال صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ { :‬ل تطروني كما أطرت النصارى بن مريم ‪ ،‬إنما أنا‬
‫عبد ‪ ،‬فقولوا عبد الله ورسوله } ( البخاري ) ‪.‬‬
‫فيحرم الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم أو التوسل به أو‬
‫دعاؤه أو طلب المدد منه صلى الله عليه وسلم فهو ميت وقد‬
‫قال تعالى ‪ [ :‬إنك ميت وإنهم ميتون } " الزمر ‪ " 30‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫[ وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفأين مت فهم الخالدون ] "‬
‫النبياء ‪ ، " 34‬فإذا كان هذا يحرم مع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فغيره من باب أولى ‪ ،‬لنهم ل ينفعون ول يضرون فيحرم‬
‫الطواف حول قبور أولئك الموات ويحرم الذبح عندها أو التقريب‬
‫لها ‪ ،‬أو طلب المدد منها أو التبرك بها والتمسح بها أو غير ذلك‬
‫من المور المحرمة ‪ ،‬فكل من فعل ذلك فهو داخل في قوله‬
‫تعالى ‪ [ :‬إن الله ل يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن‬

‫‪1159‬‬
‫يشاء ] " النساء ‪ " 116‬وقوله تعالى ‪ [ :‬وقدمنا إلى ما عملوا من‬
‫عمل فجعلناه هباءً منثورا ً ] " الفرقان ‪ ، "23‬وقوله تعالى ‪:‬‬
‫[ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون‬
‫صنعا ً ] " الكهف ‪ ، "104‬لنهم خالفوا ما خلقوا من أجله وهو عبادة‬
‫الله وحده ل شريك له ‪.‬‬
‫فاجتماع الناس لحياء ليلة المولد وقراءة قصته صلى الله عليه‬
‫وسلم بدعة محدثة منكرة في دين الله عز وجل ‪ ،‬ومن أباطيلهم‬
‫وكذبهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر هذه المجالس ‪،‬‬
‫فالنبي صلى الله عليه وسلم قد توفي وغسل وكفن وصلي عليه‬
‫صلة الجنازة ودفن كغيره ‪ ،‬وهو أول من يبعث يوم القيامة من‬
‫قبره ‪.‬‬
‫ومن البدع المنكرة التي يجب إنكارها ‪ ،‬الحتفال بالنصف من‬
‫شعبان ‪ ،‬وعيد الميلد ‪ ،‬وبلوغ الشخص ‪21‬سنة وعيد الم وغير‬
‫ذلك من البدع التي أحدثها أعداء الله ليشوشوا على المسلمين‬
‫عقيدتهم ويبعدوهم عن دينهم فيقعوا فريسة لهواء العداء ‪،‬‬
‫فأين أفئدتهم وأبصارهم ‪.‬‬
‫فقد نقل الصحابة رضوان الله عليهم ‪ ،‬عن نبيهم صلى الله عليه‬
‫وسلم كل شئ تحتاجه المة ولم يفرطوا في شئ من الدين ‪ ،‬بل‬
‫هم السابقون إلى كل خير فلو كان الحتفال بمولده مشروعاً‬
‫لكانوا أسبق الناس إليه ‪ ،‬والنبي صلى الله عليه وسلم أنصح‬
‫الناس ‪ ،‬وقد بلغ البلغ المبين ‪ ،‬ولم يترك طريقا ً يوصل إلى الجنة‬
‫‪ ،‬ويباعد من النار إل بينه للمة ‪ ،‬كما قال صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫{ ما بعث الله من نبي إل كان حقا ً عليه أن يدل أمته على خير‬
‫ما يعلمه لهم ‪ ،‬وينذرهم شر ما يعلمه لهم } ( مسلم ) وقال‬
‫تعالى ‪ [ :‬لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان‬
‫يرجوا الله واليوم الخر وذكر الله كثيرا ً ] " الحزاب ‪ "21‬وقال‬
‫تعالى ‪ [ :‬والسابقون الولون من المهاجرين والنصار والذين‬
‫اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات‬
‫تجري تحتها النهار خالدين فيها أبدا ً ذلك الفوز العظيم ] " التوبة‬
‫‪. " 100‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬إياكم والغلو في الدين فإنما‬
‫أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين } ‪ .‬فلو كان تعظيم هذا‬
‫المولد والحتفال به من دين الله ‪ ،‬لفعله النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ولم يكتمه ‪ ،‬فلما لم يقع شئ من ذلك ‪ ،‬ع ُلم أن الحتفال‬
‫بهذا المولد وتعظيمه ليس من السلم في شئ فهو بدعة منكرة‬
‫في دين الله عز وجل ما أنزل الله بها من سلطان ‪ ،‬ولم يأذن بها‬
‫الله تعالى ‪ ،‬فقد أكمل الله تعالى الدين وأتم النعمة على عباده ‪:‬‬

‫‪1160‬‬
‫[ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم‬
‫السلم دينا ً ] " المائدة ‪ ، " 3‬وقال تعالى ‪ [ :‬أم لهم شركاء‬
‫شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولول كلمة الفصل‬
‫لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم } " الشورى ‪." 21‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس‬
‫منه فهو رد } ( متفق عليه ) ‪ ،‬وقال عليه الصلة والسلم ‪:‬‬
‫{ من عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رد } ( مسلم ) وفي‬
‫صحيح مسلم ‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة ‪:‬‬
‫{ أما بعد ‪ :‬فإن خير الحديث كتاب الله ‪ ،‬وخير الهدي هدي محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وشر المور محدثاتها وكل بدعة ضللة }‬
‫وزاد النسائي بسند جيد ‪ { :‬وكل ضللة في النار } ‪ .‬وعن‬
‫العرباض بن سارية رضي الله عنه أنه قال ‪ :‬وعظنا رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت‬
‫منها العيون ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬يا رسول الله كأنها موعظة مودع ‪ ،‬فأوصنا ‪:‬‬
‫{ أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ‪ ،‬وإن تأمر عليكم عبد ‪،‬‬
‫فإنه من يعش منكم فسيرى اختلفا ً كثيرا ً ‪ ،‬فعليكم بسنتي وسنة‬
‫الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي ‪ ،‬تمسكوا بها وعضوا عليها‬
‫بالنواجذ ‪ ،‬وإياكم ومحدثات المور ‪ ،‬فإن كل محدثة بدعة وكل‬
‫بدعة ضللة } ( أحمد وغيره ) ‪.‬‬
‫فلقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وأصحابه والسلف‬
‫الصالح التحذير من البدع ‪ ،‬والترهيب منها ‪ ،‬وذلك لنها زيادة في‬
‫دين الله عز وجل ‪ ،‬وفي البدع تشبه بأعداء الله من اليهود‬
‫والنصارى في زيادتهم وابتداعهم في دينهم زيادة لم يأذن بها الله‬
‫‪ ،‬ففي ذلك من الفساد العظيم والمنكر الشنيع ما ل يعلم إل به‬
‫الله ‪.‬‬
‫وفي تلك البدع والحتفالت مصادمة لكتاب الله وسنة نبيه صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫أسأل الله تعالى أن يمن علينا بالعلم النافع ‪ ،‬والعمل الصالح ‪،‬‬
‫وأن يجنبنا البدع الظاهرة والباطنة ‪ ،‬وأن يتم علينا نعمة الدين‬
‫المستقيم ‪ ،‬دين السلم الحنيف ‪ ،‬إنه ولي ذلك والقادر عليه ‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين ‪ ،‬والصلة والسلم على أشرف الخلق‬
‫أجمعين ‪ ،‬نبينا محمد المين‬
‫‪--------------------‬‬
‫‪ .8‬شهر ربيع الول‬
‫أول من أحدث بدعة المولد النبوي‪:‬‬
‫ل شك أن الصحابة رضي الله عنهم هو أشد الناس محبة‬
‫للرسول صلى الله عليه وسلم وأحرصهم على اتباعه وأعلم‬

‫‪1161‬‬
‫الناس بالسنة ‪ ،‬وهم رضي الله عنهم مع حرصهم وشدة محبتهم‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم لم يؤثر عنهم على الطلق إن أحدا‬
‫منهم احتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ولم يؤثر كذلك‬
‫عن القرون المفضلة الولى أن أحدا احتفل بالمولد ‪ .‬فلم تسجل‬
‫حادثة واحدة في كتب التاريخ تدل على وجود مثل هذا المر في‬
‫تلك القرون ‪.‬‬
‫ما يعني أن أمر هذا الحتفال استحدث بعد هذه القرون المفضلة‬
‫‪.‬‬
‫وأول من أحدث هذه البدعة هم الباطنية وبالخص قوم يعتبرون‬
‫من المؤسسين للدعوة الباطنية يقال لهم بني القداح ويسمون‬
‫أنفسهم بالفاطميين ‪ ،‬وينتسبون زورا ً إلى ولد علي بن أبي طالب‬
‫رضي الله عنه ‪ ،‬فجدهم هو ميمون ابن ديصان القداح وكان‬
‫مولى لجعفر بن محمد الصادق وميمون هذا من الهواز وهو أحد‬
‫مؤسسي المذهب الباطني الخبيث وذلك بالعراق ‪ ،‬ثم ارتحل إلى‬
‫المغرب ‪ ،‬وانتسب هناك إلى عقيل بن أبي طالب وزعم أنه من‬
‫نسله ‪ ،‬فلما دخل في دعوته قوم من غلة الرافضة ادعى أنه من‬
‫ولد محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق فقبلوا ذلك منه على‬
‫الرغم من أن محمد ا بن إسماعيل بن جعفر الصادق مات وليس‬
‫ذرية ‪ .‬وممن تبع ابن ديصان القداح رجل يقال له ‪ :‬حمدان قرمط‬
‫وإليه تنسب القرامطة ‪.‬‬
‫ثم لما توالت اليام ظهر المعروف منهم بسعيد بن الحسين بن‬
‫أحمد بن عبدالله بن ميمون بن ديصان القداح فغير اسمه ونسبه‬
‫وقال لتباعه ‪ :‬أنا عبيد الله بن الحسن بن محمد بن إسماعيل بن‬
‫جعفر الصادق فظهرت فتنته بالمغرب ‪.‬‬
‫قال ابن خلكان في وفيات العيان‪( :‬وأهل العلم بالنساب من‬
‫المحققين ينكرون دعواه في النسب)‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 402‬هـ كتب جماعة من العلماء والقضاة ‪ ،‬والشراف‬
‫والعدول والصالحين والفقهاء والمحدثين ‪ ،‬محاضر تتضمن الطعن‬
‫والقدح في نسب الفاطميين – العبيديين ‪ -‬وشهدوا جميعا أن‬
‫الحاكم بمصر هو ‪ :‬منصور بن نزار الملقب ب" الحاكم " حكم‬
‫الله عليه بالبوار والخزي والدمار – ابن معد بن إسماعيل بن‬
‫عبدالله بن سعيد –ل أسعده الله – فإنه لما صار إلى بلد المغرب‬
‫تسمى بعبيد الله ‪ ،‬وتلقب بالمهدي ‪ ،‬وأن من تقدم من سلفه‬
‫أدعياء خوارج ‪ ،‬ل نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب رضي‬
‫الله عنه ‪ .‬ول يتعلقون بسبب وأنه منزه عن باطلهم ‪ ،‬وأن الذي‬
‫ادعوه إليه باطل وزور ‪ .‬وأنهم ل يعلمون أحدا من أهل بيوتات‬
‫علي بن أبي طالب رضي الله عنه توقف عن إطلق القول في‬

‫‪1162‬‬
‫أنهم خوارج كذبه ‪ ،‬وقد كان هذا النكار لباطلهم شائعا في‬
‫الحرمين ‪ ،‬وفي أول أمرهم بالمغرب ‪ ،‬منتشرا انتشارا يمنع أن‬
‫يدلس أمرهم على أحد ‪ ،‬أو يذهب وهم إلى تصديقهم فيما ادعوه‬
‫‪ ،‬وأن هذا الحاكم بمصر –هو و سلفه – كفار فساق فجار ‪،‬‬
‫ملحدون زنادقة ‪ ،‬معطلون ‪ ،‬وللسلم جاحدون ‪ ،‬ولمذهب‬
‫المجوسية والثنوية معتقدون ‪ ،‬وقد عطلوا الحدود ‪ ،‬وأباحوا‬
‫الفروج ‪ ،‬وأحلوا الخمر ‪ ،‬وسفكوا الدماء ‪ ،‬وسبوا النبياء ولعنوا‬
‫السلف ‪ ،‬وادعوا الربوبية‪ ،‬كتب في سنة ‪ 402‬هجرية وقد كتب‬
‫خطه في المحضر خلق كثير ‪ .‬ا‪.‬هـ‬
‫فأول من قال بهذه البدعة – بدعة الحتفال بالمولد النبوي – هم‬
‫الباطنية الذين أرادوا أن يغيّروا على الناس دينهم ‪ ،‬وأن يجعلوا‬
‫فيه ما ليس منه ؛ لبعادهم عما هو من دينهم فإشغال الناس‬
‫بالبدع طريق سهل لماتة السنة ‪ ،‬والبعد عن شريعة الله‬
‫السمحة وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المطهرة‪.‬‬
‫وقد كان دخول العبيديين مصر سنة ‪ 362‬هـ في الخامس من‬
‫رمضان ‪ ،‬وبدعة الحتفال بالمولد عموما ‪ ،‬ومولد النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم خصوصا إنما ظهرت في عهد العبيديين ‪ ،‬ولم يسبقهم‬
‫أحد إلى ذلك ‪.‬‬
‫قال المقريزي ‪ ( :‬ذكر التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها‬
‫أعيادا ومواسم تتسع بها أحوال الرعية وتكثر نعمهم وكان للخلفاء‬
‫الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم وهي ) ‪:‬‬
‫• موسم رأس السنة‬
‫• وموسم أول العام‬
‫• ويوم عاشوراء‬
‫• ومولد النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫• ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه‬
‫• ومولد الحسن رضي الله عنه‬
‫• ومولد الحسين رضي الله عنه‬
‫• ومولد فاطمة الزهراء رضي الله عنها‬
‫• ومولد الخليفة الحاضر‬
‫• وليلة أول رجب‬
‫• وليلة النصف من رجب‬
‫• وليلة أول شعبان‬
‫• وليلة النصف من شعبان‬
‫• وموسم ليلة رمضان‬
‫• وغرة رمضان‬
‫• وسماط رمضان‬

‫‪1163‬‬
‫• وليلة الختم‬
‫• وموسم عيد لفطر‬
‫• وموسم عيد النحر‬
‫• وعيد الغدير‬
‫• وكسوة الشتاء‬
‫• وكسوة الصيف‬
‫• وموسم فتح الخليج‬
‫• ويوم النيروز‬
‫• ويوم الغطاس‬
‫• ويوم الميلد‬
‫• وخميس العدس‬
‫• وأيام الركوبات‬
‫ثم تكلم المقريزي عن كل موسم من هذه المواسم ‪ ،‬ومراسم‬
‫الحتفال فيه ‪.‬‬
‫فهذه شهادة ظاهرة واضحة من المقريزي – وهو من المثبتين‬
‫انتسابهم إلى ولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن‬
‫المدافعين عنهم – أن العبيديين هم سبب البلء على المسلمين‬
‫وهم الذين فتحوا باب الحتفالت البدعية على مصراعيه ‪ ،‬حتى‬
‫إنهم كانوا يحتفلون بأعياد المجوس والمسيحيين وهذا من الدلة‬
‫على بعدهم عن السلم ومحاربتهم له ‪ ،‬وإن لم يجهروا بذلك‬
‫ويظهروه ‪.‬‬
‫وفي ذلك دليل أيضا على أن إحياءهم للموالد الستة المذكورة‬
‫ومنها مولد النبي صلى الله عليه وسلم ليس محبة له صلى الله‬
‫عليه وسلم كما يزعمون وكما يظهرون للعامة والسذج من‬
‫الناس ‪ ،‬وإنما قصدهم بذلك نشر خصائص مذهبهم السماعيلي‬
‫الباطني ‪ ،‬وعقائدهم الفاسدة بين الناس ‪ ،‬وإبعادهم عن الدين‬
‫الصحيح ‪ ،‬والعقيدة السليمة بابتداعهم هذه الحتفالت ‪ ،‬وأمر‬
‫الناس بإحيائها ‪ ،‬وتشجيعهم على ذلك وبذل الموال الطائلة في‬
‫سبيل ذلك ‪.‬‬
‫موقف أهل السنة والجماعة من بدعة المولد‬
‫اتفق العلماء من السلف الصالح ‪ -‬رحمهم الله – على أن‬
‫الحتفال بالمولد النبوي وغيره من المواسم غير الشرعية ‪ ،‬أمر‬
‫محدث مبتدع في الدين ‪ ،‬ولم يؤثر ذلك عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ول عن أصحابه ‪ ،‬ول عن التابعين وتابعيهم ‪ ،‬ول علماء‬
‫المة المشهورين كالئمة الربعة ونحوهم ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله تعالى ‪:‬‬

‫‪1164‬‬
‫(وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع‬
‫الول ‪ ،‬التي يقال إنها ليلة المولد‪ ،‬أو بعض ليالي رجب‪ ،‬أو ثامن‬
‫ذي الحجة‪ ،‬أو أول جمعة من رجب‪ ،‬أو ثامن شوال الذي يسميه‬
‫الجهال عيد البرار‪ ،‬فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف‪ ،‬ولم‬
‫يفعلوها‪ ،‬والله سبحانه وتعالى أعلم)‪.‬‬
‫وقال – أيضا – في – " اقتضاء الصراط المستقيم " ‪(( :‬فصل‪..‬‬
‫ومن المنكرات في هذا الباب‪ :‬سائر العياد والمواسم المبتدعة ‪،‬‬
‫فإنها من المنكرات المكروهات سواء بلغت الكراهة التحريم ‪ ،‬أو‬
‫لم تبلغه ؛ وذلك أن أعياد أهل الكتاب والعاجم نهي عنها ؛‬
‫لسببين ‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن فيها مشابهة للكفار ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أنها من البدع ‪ .‬فما أحدث من المواسم والعياد هو‬
‫منكر ‪ ،‬وإن لم يكن فيها مشابهة لهل الكتاب ؛ ))‬
‫وقد ذكر رحمه الله تعالى توجيه ذلك فقال ‪ (( :‬أن ذلك داخل في‬
‫مسمى البدع والمحدثات ‪ ،‬فيدخل فيما رواه مسلم في صحيحه‬
‫عن جابر – رضي الله عنهما – قال كان رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم إذا خطب احمّرت عيناه ‪ ،‬وعل صوته ‪ ،‬واشتد غضبه ‪،‬‬
‫حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ‪ ،‬ويقول ‪ :‬؛" بعثت‬
‫أنا والساعة كهاتين – ويقرن بين إصبعيه ‪ :‬السبابة والوسطى ‪-‬‬
‫ويقول ‪ ":‬أما بعد ‪ ،‬فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي‬
‫محمد ‪ ،‬وشر المور محدثاتها ‪ ،‬وكل بدعة ضللة " وفي رواية‬
‫للنسائي‪" :‬وكل ضللة في النار"))‪.‬‬
‫وبين رحمه الله تعالى أن الزمان ثلثة أنواع ويدخل فيها بعض‬
‫أعياد المكان والفعال‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬يوم لم تعظمه الشريعة السلمية أصل ‪ ،‬ولم يكن له ذكر‬
‫في السلف ‪ ،‬ول جرى فيه ما يوجب تعظيمه ‪ ،‬مثل أول خميس‬
‫من رجب ‪ ،‬وليلة تلك الجمعة التي تسمى الرغائب ‪.‬‬
‫النوع الثاني ‪ :‬ما جرى فيه حادثة كما كان يجري في غيره ‪ ،‬من‬
‫غير أن يوجب ذلك جعله موسما ‪ ،‬ول كان السلف يعظمونه ‪:‬‬
‫كثامن عشر ذي الحجة الذي خطب النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بغدير خم مرجعه من حجة الوداع ‪...‬‬
‫وكذلك ما يحدثه بعض الناس ‪ :‬إما مضاهاة للنصارى في ميلد‬
‫عيسى عليه السلم ‪ ،‬وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫والله قد يثيبهم على هذه المحبة والجتهاد ل على البدع – من‬
‫اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدا مع اختلف الناس‬
‫في مولده ‪ ،‬فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له‬
‫وعدم المانع فيه لو كان خيرا ‪ ،‬ولو كان خيرا محضا أو راجحا‬

‫‪1165‬‬
‫لكان السلف – رضي الله عنهم – أحق به منا ‪ ،‬فإن كانوا أشد‬
‫محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له منا ‪ ،‬وهم‬
‫على الخير أحرص ‪ .‬وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته‬
‫وطاعته واتباع أمره ‪ ،‬وإحياء سنته ظاهرا وباطنا ‪ ،‬ونشر ما بعث‬
‫به ‪،‬والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان ‪ ،‬فإن هذه طريقة‬
‫السابقين الولين من المهاجرين والنصار ‪ ،‬والذين اتبعوهم‬
‫بإحسان ‪.‬‬
‫وأكثر هؤلء الذين تجدهم حّراصا على أمثال هذه البدع – مع ما‬
‫لهم فيها من حسن القصد والجتهاد – تجدهم فاترين في أمر‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أمروا بالنشاط فيه ‪ ،‬وإنما‬
‫هم بمنزلة من يزخرف المسجد ول يصلي فيه ‪ ،‬أو يصلي فيه‬
‫قليل ‪ ،‬وبمنزلة من يتخذ المسابيح والسجادات المزخرفة ‪،‬‬
‫وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي تُشرع ‪ ،‬ويصحبها من الرياء‬
‫والكبر والشتغال عن المشروع بما يفسد حال صاحبها ‪.‬‬
‫المراجع ‪:‬‬
‫• كتاب لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف لبن‬
‫رجب الحنبلي‬
‫• كتاب البدع الحولية لعبد الله بن عبد العزيز التويجري‬
‫المصدر المفكرة السلم‬
‫‪--------------------‬‬
‫‪ .9‬المولد النبوي بين المشروعية والبدعية‬
‫المولد النبوي بين المشروعية والبدعية‬
‫فهد عبد الله‬
‫الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على سيدنا محمد وعلى‬
‫آله وصحبه وسلم وبعد‪.‬‬
‫فمع كل إقبال شهر ربيع الثاني يثار الجدل والنقاش حول‬
‫مشروعية الحتفال بمولد النبي من عدم مشروعيته وتكثر‬
‫الرسائل والكتب من الطرفين المجيزين والمانعين وتتنوع بين‬
‫الصغيرة والكبيرة والمطولة والمختصرة‪ ،‬ومع هذا فقد أحببت أن‬
‫أدلي بدلوي في هذا الموضوع وأن أوضح بعض القضايا التي أرى‬
‫من الضروري فهمها واستيعابها وتجليتها وبيانا للحق وكشفا لغيره‬
‫مما قد يلبس لبوس الحقيقة وهو عنها بمعزل‪.‬‬
‫وقد قسمت البحث إلى ‪:‬‬
‫المقدمة‪ :‬فقبل أن أدخل في صلب الموضوع مهدت له بجملة‬
‫تمهيدات هي في الحقيقة مقدمات ضرورية ومفيدة يظهر من‬
‫خللها حكم المولد وترسم الطريق لكيفية التعامل مع هذه‬
‫المسألة وغيرها مما يقاربها أو يشابهها ‪.‬‬

‫‪1166‬‬
‫الفرع الول‪ :‬أدلة المانعين‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أدلة المجيزين‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬القول الراجح‪.‬‬
‫الخاتمة‪.‬‬
‫المقـدمة‬
‫وهنا أذكر بعض القضايا التي تصور بعض جوانب هذه المسألة‬
‫وتساعد على فهمها وإعطائها الحكم الصائب‪.‬‬
‫‪ -1‬تاريخ المولد النبوي‪:‬‬
‫يرجع البعض الحتفال بالمولد النبوي إلى الدول الباطنية والتي‬
‫يسميها أتباعها بالفاطمية والتي حكمت مصر ردحا من الزمن‬
‫وكانت هذه الدولة تعتنق الدين السماعيلي وينتسب قادتها إلى‬
‫شخص يسمى عبيد الله بن ميمون القداح يذكر عنه بعض‬
‫المؤرخين بأنه مجوسي دس نفسه في المسلمين مريدا زعزعة‬
‫دينهم وخلخلته من الداخل بإحداث بعض البدع والخرافات‬
‫والعقائد المناقضة للسلم‪.‬‬
‫ويذكرون أن الدولة الباطنية أحدثت المولد النبوي ضمن موالد‬
‫واحتفالت وأعياد أخرى كثرت مع الزمن ونكتفي بذكر الموالد‬
‫التي نقل احتفالهم بها وهي‪ :‬مولد النبي ‪ ،‬ومولد علي بن أبي‬
‫طالب رضي الله عنه‪ ،‬ومولد الحسن والحسين ‪ ،‬ومولد فاطمة‬
‫الزهراء عليها السلم‪ ،‬ومولد الخليفة الحاضر [‪]1‬‬
‫في حين يرجع آخرون وهم المؤيدون للمولد بأن أول من عمله‬
‫لم يكن باطنيا أو إسماعيليا بل كان ملكا عادل ويعرف بالمظفر‬
‫أبي سعيد ملك إربل وحكي عنه أنه في بعض الموالد كان يمد‬
‫في السماط خمسة آلف رأس مشوى‪ ،‬وعشرة آلف دجاجة‬
‫ومائة ألف زبدية‪ ،‬وثلثين ألف صحن حلوى وأنه كان يحضر عنده‬
‫في هذه الموالد أعيان العلماء(!) والصوفية فيخلع عليهم ويطلق‬
‫لهم ويعمل للصوفية سماعا من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه‬
‫معهم(!!!)[‪ ،]2‬ولكن مما أيد به أصحاب القول الول قولهم أن‬
‫تاريخ فعل هذا الملك متأخر عن فعل الباطنية مما يعني أنهم أول‬
‫من أحدثه‪ ،‬وأن هذا الملك فلدهم جهل‪.‬‬
‫وعلى كل فالجميع متفقون على أنه جاء متأخرا بحيث مرت‬
‫القرون الثلثة الولى وهي القرون المفضلة دون ذكر للحتفال‬
‫بالمولد أو إقامته‪ ،‬وهذا هو المطلوب أي القرار بأن المولد حدث‬
‫متأخرا‪ ،‬لننا سنبني على هذا شيئا آخر‪ ،‬ول يهمنا في هذا المقام‬
‫كون أول من احتفل بالمولد سنيا أو شيعيا‪ ،‬إنسيا أو جنيا أو‬
‫غيره‪.‬‬

‫‪1167‬‬
‫وهذا ما صرح به العلماء حيث ذكروا أن الحتفال بالمولد لم يكن‬
‫في السلف قال الحافظ السخاوي في فتاويه ‪":‬عمل المولد‬
‫الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلثة‬
‫الفاضلة وإنما حدث بعد"‪.‬أهـ[‪]3‬‬
‫وإن مما يجدر ذكره والتنبيه عليه أن فترة ظهور المولد كانت‬
‫فترة التقليد وانقضاء المجتهدين‪ ،‬ومن المعلوم أن استحباب فعل‬
‫ما أو إيجابه اجتهاد بل شك؛ لن التقليد هو التزام قول الغير دون‬
‫زيادة أو نقصان بخلف الجتهاد الذي يعني بذل الوسع في‬
‫استنباط حكم شرعي وهذا بعينه هو ما قالوه بشأن استحباب‬
‫المولد فكيف يتواءم هذا مع ما نظروا له من تحريم الجتهاد‬
‫وإغلق بابه وشن الغارة على بعض الكابر ممن هو أهل للجتهاد‬
‫بتضليله لكونه نزع ربقة التقليد‪ ،‬إنه حقا لمر غريب‪ ،‬أقول هذا‬
‫وإن كانت قناعتي بأن إقفال باب الجتهاد لم يكن واقعيا إلى حد‬
‫كبير فدعوى إغلق باب الجتهاد وانقراض عصر المجتهدين وإن‬
‫منعت علماء أكابر من الجتهاد في مسائل مهمة وكانت سيفا‬
‫مصلتا على كثيرين إل أنها في الواقع لم تمارس عمليا بشكل‬
‫كبير فقد كان الكثير من الفقهاء يجتهدون بل ومن وصموا بأنهم‬
‫مقلدين‪ ،‬ولسنا في مقام بسط هذا إنما أحببت أن أشير إلى هذه‬
‫النكتة إذ إن بعضهم مع تحريمه الجتهاد على جلة من العلماء‬
‫الكبار إذا به يجتهد هو نفسه‪ ،‬وللسف أنه حين يجتهد يكون‬
‫اجتهاده غالبا مجانبا للصواب فيما يتعلق بما يشابه قضايا المولد‬
‫والذكر ونحوها مما له علقة بالتصوف والذي دخلت فيه الكثير‬
‫من الدخائل‪.‬‬
‫‪ -2‬السنة والبدعة‪:‬‬
‫كثر الكلم عن البدعة وتعددت تعاريف العلماء لها فمنها المتشابه‬
‫ومنها المتغاير ومنها المتداخل‪ ،‬وقد حاول كل صاحب تعريف أن‬
‫يدلل لتعريفه وينقض تعريف الخرين‪ ،‬والسبب الكبر في هذا‬
‫الختلف هو أن كل صاحب تعريف يصوغ تعريفه بما يتلئم‬
‫وأقواله الفقهية وتوجهاته الستنباطية والمذهبية فهو يصوغ‬
‫التعريف بعين وينظر بالعين الخرى إلى الفروع‪ ،‬محاول أل يعود‬
‫تعريفه بإبطال بعض أقواله وفتاويه أو فتاوى مدرسته الفقهية‬
‫التي ينتمي غليها‪.‬‬
‫ومع هذا تجد أحيانا هذه التعاريف مطاطة عامة ل تستطيع أن‬
‫تمسكها‪ ،‬فإذا ما جئتها من طرف فرت عليك من طرف آخر‪،‬‬
‫وكمثال على هذا يعرف بعضهم البدعة بأنها "إحداث ما لم يكن‬
‫في عهد الرسول‪ ] "[4‬فترى أن هذا التعريف واسع يشمل كل ما‬
‫لم يكن في عهد النبي سواء كان في إطار التعبدات أو‬

‫‪1168‬‬
‫العادات‪ ،‬وهكذا تجد الكثير من التعاريف‪ ،‬يرد عليها هذا الشكال‬
‫ولهذا تفادا أصحاب التعريف السابق ما قدر يرد على تعريفهم‬
‫من إشكالت بأن قسموا البدعة إلى‪ :‬بدعة حسنة وأخرى سيئة‪،‬‬
‫وقسمها آخرون كالعز بن عبد السلم وتبعه كثيرون إلى الحكام‬
‫الخمسة‪ :‬واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة‪ ،‬ولكن يرد‬
‫هذا التقسيم حديث‪" :‬كل بدعة ضللة وكل ضللة في النار"[‪]5‬‬
‫ومن المعلوم أصوليا أن (كل) من ألفاظ العموم وأضيفت إلى‬
‫نكرة فتعم كل بدعة‪ ،‬ولهذا فتقسيم البدعة على هذا الشكل‬
‫يتناقض تماما والنص النبوي‪.‬‬
‫والصواب أن البدعة لها إطلقان الول لغوي والثاني شرعي ‪،‬‬
‫فأما الطلق اللغوي فتعني البدعة إحداث ما ليس له مثال سابق‬
‫وفي هذا الطار يدخل تعريف العز ونحو قول عمر رضي الله عنه‬
‫بشأن التراويح‪ :‬نعمت البدعة هذه‪ ،‬مراده البدعة بالمعنى اللغوي‬
‫للبدعة ل المعنى الصطلحي‪.‬‬
‫فالبدعة بالمعنى اللغوي تشمل ما كان دنيويا كاختراع الكهرباء‬
‫والسيارات والطائرات‪ ،‬إذ كلها أحدثت على غير مثال سابق‪.‬‬
‫كما يدخل ضمنها المصالح المرسلة كجمع القرآن وتدوين العلوم‬
‫وبناء المدارس والربطة ونحوها‪.‬‬
‫أما المعنى الصطلحي للبدعة فالذي نرتضيه إلى حد كبير هو‬
‫تعريف المام الشاطبي في كتابه القيم العتصام والذي عرف‬
‫البدعة بأنها "طريقة في الدين مخترعة‪ ،‬تضاهي الطريقة‬
‫الشرعية‪ ،‬يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية"[‪]6‬‬
‫فيخرج بهذا التعريف ما كان دنيويا وما كان مصلحة مرسلة‪.‬‬
‫بقيت نقطة أود توضيحها لها تعلق بموضوع البدعة ويحتج بها‬
‫البعض في تجويز واستحباب بدعة ما وهو قولهم‪ :‬إن له أصل في‬
‫السنة كما فعل بعضهم في مسألة المولد بأن قال إنه خرجه‬
‫على أصل ثابت في الصحيحين من أن النبي قدم المدينة فوجد‬
‫اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا‪ :‬هو يوم أغرق الله‬
‫فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكرا لله تعالى"[‪.]7‬‬
‫ويكفي في الرد على هذا أن نذكر قصة عبدالله بن مسعود لما‬
‫جاء إلى أولئك القوم المتحلقين في المسجد‪ ،‬ومعهم حصى‪،‬‬
‫يعدون بها التكبير والتهليل والتسبيح‪ ،‬فقال لهم ‪":‬فعدوا‬
‫ن أن ل يضيع من حسناتكم شيءٌ‪ ،‬ويحكم يا‬ ‫سيئاتكم‪ ،‬فأنا ضام ٌ‬
‫ن‪،‬‬
‫متوافرو َ‬ ‫أمة محمدٍ! ما أسرع هلكتكم! هؤلء صحابة نبيكم‬
‫وهذه ثيابه لم تبل‪ ،‬وآنيته لم تكسر‪ ،‬والذي نفسي بيده‪ ،‬إنكم‬
‫من ملةٍ محمدٍ أو مفتتحو باب ضللةٍ‪.‬‬ ‫لعلى ملةٍ أهدى ِ‬
‫قالوا‪ :‬والله يا أبا عبد الرحمن؛ ما أردنا إل الخير‪.‬‬

‫‪1169‬‬
‫قال‪ :‬وكم من مريد ٍ للخيرِ لن يصيبه" [‪]8‬‬
‫فرغم أن الشارع قد حث على الذكر ورغب فيه ووردت فيه‬
‫الكثير من الدلة الصحيحة والصريحة بما لم يرد شيء منه في‬
‫المولد ومع هذا فقد وصفهم ابن مسعود بأنهم لم يصيبوا الخير‪،‬‬
‫وهذا دليل واضح في المسألة‪.‬‬
‫ارتكبت الكثير من البدع ونَفَذ َت العديد من الخرافات‪ ،‬تحت‬
‫عنوان له أصل في السنة مع أن ما زعموه أصل ل يتفق مع ما‬
‫يفعلوه‪ ،‬كم أنه لو لم يكن إل تعارض حديث (كل بدعة ضللة)‬
‫والذي يدل على التحريم والصل الذي يذكرونه لكان الخذ‬
‫بالتحريم هو الصواب وهو ما ذكره العلماء في التعارض من علم‬
‫الصول‪ ،‬هذا إذا تنزلنا وقلنا بوجود تعارض وإل فالمر ليس كذلك‬
‫بتاتا‪.‬‬
‫إن البدعة تعني الستدراك على الشارع بتشريع ما لم يشرعه‬
‫َ‬ ‫والله يقول ‪ :‬الْيو َ‬
‫متِي‬ ‫ت ع َلَيْك ُ ْ‬
‫م نِعْ َ‬ ‫م ُ‬
‫م ْ‬
‫م وَأت ْ َ‬ ‫ت لَك ُ ْ‬
‫م دِينَك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬
‫َ ْ َ‬
‫م السلم دِيناً ]المائدة‪ [3:‬فدين الله كامل ل يحتاج‬ ‫ت لَك ُ ُ‬
‫ضي ُ‬
‫وََر ِ‬
‫إلى زيادة‪ ،‬ويكفينا أثر ابن مسعود حيث قال‪" :‬اتبعوا ول‬
‫تبتدعوا؛ فقد كفيتم‪ ،‬وكل بدعة ضللة"[‪.]9‬‬
‫تصوير زائف‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫يحاول البعض تصوير الخلف بين من يحرمون الحتفال بالمولد‬
‫والمجيزين له بأنه خلف بين من يحب النبي ومن ل يحبه بل‬
‫تأخذ بعضهم فورة الغضب فيقول ‪ :‬إن بين القوم ‪-‬أي المحرمين‬
‫لهذه البدعة‪ -‬والنبي شيء وأن غرضهم إنما هو نزع محبة النبي‬
‫من القلوب!!! ولست أدري هل كان بين خير القرون ورسول‬
‫الله شيء‪ ،‬وهل أراد سلف المة بعدم احتفاله نزع محبة النبي‬
‫من القلوب‪.‬‬
‫أقول يؤخذ على هذا التصوير وتبعاته الكلمية مآخذ‪:‬‬
‫ليس من أدب الخلف أن نرمي الخر بمثل هذا الكلم‬ ‫أ‌‪-‬‬
‫الذي ل يمت إلى الموضوع بصلة‪.‬‬
‫يقول سبحانه يعلم خائنة العين وما تخفي الصدور‪] [10‬‬ ‫ب‌‪-‬‬
‫فالله وحده هو من يعلم ما تخفيه الصدور وما تنطوي عليه‬
‫القلوب‪ ،‬فقوله بأن غرضهم‪ ...‬علم بالغيب ورد لهذه الية‪ ،‬هذا‬
‫وقد ثبت في مسلم أن زيد بن ثابت قتل رجل في حرب بعد‬
‫نطقه الشهادتين فعنفه رسول الله فقال زيد إنما قالها خوفا من‬
‫السلح‪ ،‬فقال رسول الله ‪ :‬أفل شققت عن صدره"[‪ ]11‬ونقول‬
‫لهذا القائل أفل شققت عن صدور المخالفين حتى علمت‬
‫أغراضهم‪.‬‬

‫‪1170‬‬
‫أن الخلف ليس حول مسألة عقدية بل هي مسألة فرعية‬ ‫ت‌‪-‬‬
‫هذا في حالة كون بالمولد مجردا عن بدع أخرى لها أحكامها‬
‫الخرى‪ ،‬فتهويلها بالشكل السابق فيه مجانبة للحقيقة بل يزعم‬
‫بعضهم بأن المحرمين يقولون بأن من يحتفل بالمولد مشرك!!!‬
‫هكذا ولست أدري ما الذي يدفع إلى هذا القول الذي ليس له من‬
‫الحقيقة أدنى نصيب‪.‬‬
‫في قولهم بأن بين المحرمين والنبي شيء‪...‬الخ ول‬ ‫ث‌‪-‬‬
‫أدري ما هذا الشيء إل أنني استغرب هذه المقولة ممن يدعي‬
‫التصوف ويدعو إلى حسن الظن بالمسلمين ومعاملتهم باللين‬
‫وعدم رفع الخلفيات والفرعيات إلى القطعيات ونحو هذا الكلم‬
‫الذي اكتشفت أخيرا بعده عن واقعه وانعدام أثره في تطبيقه‬
‫العملي وما نحن فيه خير مثال على ذلك‪.‬‬
‫إن المقولة السابقة تعني تكفير المحرمين‪ ،‬لن من يكون‬ ‫ج‌‪-‬‬
‫بينه وبين النبي شيء ويريد أن ينزع محبة النبي من القلوب‬
‫فالكفر غير بعيد عليه‪ ،‬في حين أنه يتهم المحرمين بأنهم هم من‬
‫يكفر الناس !!!‬
‫عندما يفلس القائل من كل الحجج المقنعة بحيث ل يجد‬ ‫ح‌‪-‬‬
‫ما يؤيد مقولته يضطر إلى قول مثل هذا الكلم الدعائي الذي ل‬
‫تتوفر فيه المعايير الموضوعية ول ينطلق وفق المناهج العلمية‬
‫في التدليل وتنعدم عنده كل أشكال الستدلل‪.‬‬
‫يريد المجيزون أن يتفهم الخرون موقفهم وهم لم‬ ‫خ‌‪-‬‬
‫يتفهموا موقف غيرهم‪ ،‬فالمحرمون قالوا بتحريم الحتفال‬
‫بالمولد بناء على أدلة صحت عندهم والتي سنذكرها لحقا‬
‫فاتهامهم بتهم غير لئقة ل يمت إلى التدين ول إلى أدب الخلف‬
‫بصلة‪.‬‬
‫الفرع الول‪ :‬أدلة المحرمين لقامة المولد النبوي‬
‫استدل المحرمون بجملة أدلة أذكرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن هذا الفعل لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ول أمر به‬
‫ول فعله صحابته ول أحد من التابعين ول تابعيهم ول فعله أحد من‬
‫أهل السلم خلل القرون المفضلة الولى وإنما ظهر‪ -‬كما تقدم‪-‬‬
‫على أيدي أناس هم أقرب إلى الكفر منهم إلى اليمان وهم‬
‫الباطنيون‪.‬‬
‫إذا تقرر هذا فالذي يفعل هذا المر داخل ضمن الوعيد الذي توعد‬
‫الله عز وجل صاحبه وفاعله بقوله (ومن يشاقق الرسول من بعد‬
‫ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله‬
‫جهنم وساءت مصيرا) والذي يفعل ما يسمى بالمولد لشك انه‬
‫متبع لغير سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين وتابعيهم ‪.‬‬

‫‪1171‬‬
‫‪ -2‬أن الذي يمارس هذا الفعل واقع فيما حذر منه النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم حين قال " إياكم ومحدثات المور فإن كل محدثة‬
‫بدعة وكل بدعة ضللة" وجاء في رواية أخرى ( وكل ضللة في‬
‫النار )‪.‬‬
‫فقوله (كل بدعة ضللة ) عموم ل مخصص له يدخل فيه كل أمر‬
‫مخترع محدث ل أصل له في دين الله والعلماء مجمعون على انه‬
‫أمر محدث فصار المر إلى ما قلنا أنه بدعة ضللة تودي بصاحبها‬
‫إلى النار أعاذنا الله وإياك منها‪.‬‬

‫‪ -3‬أن فاعل هذه البدعة غير مأجور على فعله بل مردود على‬
‫صاحبه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من عمل عمل ليس‬
‫عليه أمرنا فهو رد) ول يكفي حسن النية بل لبد من متابعة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -4‬قال الله تعالى‪ :‬اليوم أكملت لكم دينكم أتممت عليكم‬
‫نعمتي ورضيت لكم السلم دينا‪] [12‬‬
‫والقول بأن المولد عبادة يتعبد لله تعالى بها فيه تكذيب بهذه‬
‫الية ‪.‬‬
‫كما أن فيه استدراك على الله وعلى رسوله بأنهم لم يدلونا على‬
‫هذه العبادة العظيمة التي تقرب إلى الله والرسول ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن فاعل المولد معاند للشرع ومشاق له لن الشارع قد عين‬
‫لمطالب العبد طرقا خاصة على وجوه وكيفيات خاصة وقصر‬
‫الخلق عليها بالوامر والنواهي وأخبر أن الخير فيها والشر في‬
‫مجاوزتها وتركها لن الله اعلم بما يصلح عباده‪ ،‬وما أرسل‬
‫الرسل ول أنزل الكتب إل ليعبدوه وفق ما يريد سبحانه والذي‬
‫يبتدع هذه البدعة راد لهذا كله زاعم أن هناك طرقا أخرى للعبادة‬
‫وان ما حصره الشارع أو قصره على أمور معينة ليس بلزم له‬
‫فكأنه يقول بلسان حاله إن الشارع يعلم وهو أيضا يعلم بل ربما‬
‫يفهم أن يعلم أمرا لم يعلمه الشارع‪.‬‬
‫‪ -6‬أن في إقامة هذه البدعة تحريف لصل من أصول الشريعة‬
‫وهي محبة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه ظاهرا وباطنا‬
‫واختزالها في هذا المفهوم البدعي الضيق الذي ل يتفق مع‬
‫مقاصد الشرع المطهر إلى دروشة ورقص وطرب وهز للرؤوس‬
‫لن الذي يمارسون هذه البدعة يقولون إن هذا من الدلئل‬
‫الظاهرة على محبته ومن لم يفعلها فهو مبغض للنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‬

‫‪1172‬‬
‫وهذا لشك تحريف لمعنى محبة الله ومحبة رسول لن محبة الله‬
‫والرسول تكون باتباع سنته ظاهرا وباطنا كما قال جل وعل قل‬
‫إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله‪] [13‬‬
‫فالذي يجعل المحبة باقامة هذه الموالد محرف لشريعة الله التي‬
‫تقول ان المحبة الصحيحة تكون باتباعه صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫بل محو لحقيقة المحبة التي تقرب من الله وجعلها في مثل هذه‬
‫الطقوس التي تشابه ما عند النصارى في أعيادهم وبهذا يعلم أنه‬
‫( ما أحييت بدعة إل وأميتت سنة )‪.‬‬
‫‪ -7‬أن هذا المولد فيه مشابهة واضحة لدين النصارى الذين‬
‫يحتفلون بعيد ميلد المسيح وقد نهينا عن التشبه بهم كما قال‬
‫صلى الله عليه وسلم "ومن تشبه بقوم فهو منهم"[‪]15[]14‬‬

‫‪ -8‬أن الفرح بهذا اليوم والنفقه فيه وإظهار الفرح والسرور فيه‬
‫قدح في محبة العبد لنبيه الكريم إذ هذا اليوم باتفاق هو اليوم‬
‫الذي توفي فيه النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يفرح فيه‪.‬‬
‫وأما يوم مولده فمختلف فيه ‪،‬فكيف تكون عبادة عظيمة تقرب‬
‫إلى الله واليوم الذي يحتفل فيه غير مجزوم به ‪.‬‬
‫ويقول ابن الحاج [‪ ":]16‬ثم العجب العجيب كيف يعملون المولد‬
‫للمغاني والفرح والسرور لجل مولده عليه الصلة والسلم كما‬
‫تقدم في هذا الشهر الكريم وهو عليه الصلة والسلم فيه انتقل‬
‫إلى كرامة ربه عز وجل وفجعت المة فيه وأصيبت بمصاب‬
‫عظيم ل يعدل ذلك غيرها من المصائب أبدا ً فعلى هذا كان يتعين‬
‫البكاء والحزن الكثير وانفراد كل إنسان بنفسه لما أصيب به‬
‫‪ ."......‬أهـ‬
‫‪ -9‬اشتمال هذه الموالد على كثير من كبائر وعظائم المور والتي‬
‫يرتع فيها أصحاب الشهوات ويجدون فيها بغيتهم مثل‪ :‬الطرب‬
‫والغناء واختلط الرجال بالنساء‪ ،‬ويصل المر في بعض البلدان‬
‫التي يكثر فيها الجهل أن يشرب فيها الخمر وكذلك إظهار ألوان‬
‫من الشعوذة والسحر ومن يحضر هذه الماكن بغير نية القربة‬
‫فهو آثم مأزور غير مأجور فكيف إذا انضم إليه فعل هذه‬
‫المنكرات على أنها قربة إلى الله عز وجل فأي تحريف لشعائر‬
‫الدين أعظم من هذا التحريف[‪.]17‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أدلة المجيزين ومناقشتها‬
‫استدل الميزون بجملة أدلة نذكرها فيما يلي مع مناقشة وجه‬
‫الستدلل‪:‬‬
‫‪ )1‬قال تعالى‪ :‬قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا‬
‫[يونس ‪.]58‬‬

‫‪1173‬‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫جل طلب منا أن نفرح بالرحمة‪ ،‬والنب ُّ‬ ‫فالله عََّز و َّ‬
‫ّ‬
‫وسلم رحمة‪ ،‬وقد قال تعالى‪ :‬وماأرسلناك إل رحمة للعالمين‬
‫[النبياء ‪.]107‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫بعد الرجوع إلى كتب التفسير المشهورة كتفسير ابن جرير‬
‫ومختصره لبن كثير وتفاسير القرطبي والبغوي والبيضاوي‬
‫والنسفي وابن الجوزي لم أعثر على شيء من هذا القبيل ويكفي‬
‫في توضيح معنى الية أن أذكر كلم شيخ المفسرين إذ لو نقلت‬
‫عن الجميع لطال المقام‪.‬‬
‫قال ابن جرير‪" :‬يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ‪ :‬قل يا محمد‬
‫لهؤلء المكذبين بك ‪ ،‬وبما أنزل إليك من عند ربك ‪ :‬بفضل الله‬
‫أيها الناس الذي تفضل به عليكم وهو السلم ‪ ،‬فبينه لكم‬
‫ودعاكم إليه ‪ ،‬وبرحمته التي رحمكم بها فأنزلها إليكم ‪ ،‬فعلمكم‬
‫ما لم تكونوا تعلمون من كتابه ‪ ،‬فبصركم بها معالم دينكم ؛ وذلك‬
‫القرآن ‪.‬‬
‫فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون يقول ‪ :‬فإن السلم‬
‫الذي دعاهم إليه والقرآن الذي أنزله عليهم ‪ ،‬خير مما يجمعون‬
‫من حطام الدنيا وأموالها وكنوزها‪ ،‬وبنحو الذي قلنا في ذلك قال‬
‫أهل التأويل"[‪. ]18‬‬
‫يظهر من هذا أن الية تتحدث عن شيء آخر ول يدخل فيها نصا‬
‫أو دللة ما ذكروه أن النبي هو المراد بالرحمة هنا‪ ،‬كما أن في‬
‫هذا إغفال تام لسياق الية‪.‬‬
‫ثم حتى وإن سلمنا بأن المراد بالرحمة هو النبي فما دخل‬
‫المولد بالفرح به‪ ،‬إن المولد يعني الحتفال في يوم معين من‬
‫السنة أو بصورة مستمرة بأسلوب مخصوص‪ ،‬والية تأمر بالفرحة‬
‫دون توقيت‪ ،‬كما أنها فرحة كذلك بما أنزل على النبي من‬
‫تشريع والذي هو كذلك رحمة للناس ول علقة للمولد بهذا كله‪.‬‬
‫‪ )2‬قال الله تعالى‪ :‬وكل ً نقص عليك من أنباء الرسل مانثبت‬
‫به فؤادك [هود ‪ ]120‬والمولد النبوي الشريف يشتمل على أنباء‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذكره تثبيت لفئدة المؤمنين‪.‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫أول‪ :‬ل علقة لهذه الية بالمولد كما هو ظاهر‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تثبيت الفؤاد يكون بما ثبت في القرآن والسنة حاشا‬
‫الخزعبلت من القصص التي تهز اليمان بدل من تثبيته‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬من المعلوم أن السيرة النبوية وذكر قصص النبياء كما هو‬
‫وارد في القرآن وصحيح السنة مما هو مطلوب طوال العام‬
‫وبدون طقوس ومظاهر خاصة‪.‬‬

‫‪1174‬‬
‫‪ )3‬قوله تعالى حكاية عن عيسى بن مريم عليهما السلم‪ :‬ربنا‬
‫أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا ً لولنا وآخرنا وآية منك‬
‫وارزقنا وأنت خير الرازقين [المائدة ‪.]114‬‬
‫وقوله تعالى على لسان سيدنا عيسى عليه السلم‪ :‬والسلم‬
‫ي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا [مريم‪.]33:‬‬ ‫عل َّ‬
‫هذه الية والتي قبلها وغيرهما من اليات ‪ ،‬حافلة بالشارات إلى‬
‫م َّ‬
‫ن الله بها‬ ‫ميلد المسيح عليه السلم‪ ،‬ومدحه ومزاياه التي َ‬
‫عليه‪ ،‬وهي بمجموعها شاهدة وداعية إلى الحتفال بهذا الحدث‬
‫العظيم‪.‬‬
‫ً‬
‫وما كان ميلد محمد صلى الله عليه وسلم بأقل شأنا من ميلد‬
‫عيسى عليه السلم‪ ،‬بل ميلد الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫أعظم منه‪ ،‬لنه صلى الله عليه وسلم أكبر نعمة‪ ،‬فيكون ميلده‬
‫أيضا ً أكبر وأعظم‪.‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫يجاب عن هذا الستدلل من وجوه‪:‬‬
‫إننا أمة السلم ليس لنا سوى عيدين ل غير‪.‬‬ ‫أ‌‪-‬‬
‫الية الولى ل تذكر الحتفال ول تدل عليه ل دللة ول‬ ‫ب‌‪-‬‬
‫اقتضاء‪ ،‬وإنما تتحدث عن المائدة التي أنزلها الله من السماء‬
‫لبني إسرائيل من أتباع عيسى‪.‬‬
‫فيه مشابهة للنصارى ومن المعلوم أن من مقاصد الشرع‬ ‫ت‌‪-‬‬
‫مخالفتهم في شعائرهم‪.‬‬
‫‪ )4‬قال تعالى‪ :‬لتؤمنوا بالله ورسوله‪ ،‬وتعزروه وتوقروه‬
‫وتسبحوه بكرة وأصيل [الفتح ‪.]9‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫ليس من توقيره أن نبتدع في دينه غير ما شرعه وجاء به‪ ،‬بل‬
‫التوقير الحق هو اتباع ما أمر به واجتناب ما نهى عنه وقد نهانا‬
‫عن البتداع‪ ،‬فوجب اتباعه إيمانا وتوقيرا‪.‬‬
‫ن الله على المؤمنين إذ بعث فيهم‬ ‫‪ )5‬قال الله تعالى‪ :‬لقد م َّ‬
‫رسول ً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب‬
‫والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبين [آل عمران‪.]164:‬‬
‫‪ )6‬قوله سبحانه وتعالى‪ :‬إن الله وملئكته يصلون على النبي‬
‫يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ‪ .‬والحتفال بالمولد‬
‫تطبيع النفس على كثرة الصلة عليه صلى الله عليه وسلم رجاء‬
‫أن ينطبع حبه وحب آله في القلوب ‪.‬‬
‫‪ )7‬قوله سبحانه وتعالى‪ :‬سبحان الذي أسرى بعبده ليل ً من‬
‫المسجد الحرام إلى المسجد القصى الذي باركنا حوله لنريه من‬
‫آياتنا إنه هو السميع البصير ‪.‬‬

‫‪1175‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫كل اليات السابقة ل تدل على مشروعية المولد‪ ،‬كما أن‬
‫المراجع لكتب التفسير يجد لهذه اليات سياقات ودللت أخرى ل‬
‫تتفق وما أرادوا التدليل عليه‪ ،‬وإنني لستغرب كيف حشرت هذه‬
‫اليات في غير موضعها للتدليل على ما ل تدل عليه‪ ،‬وتذكرني‬
‫هذه الستدللت بمناظرة جرت لبن حزم مع بعضهم فاستدل‬
‫مناظره بآية ل تدل على المراد فما كان من ابن حزم إل أن قال‪:‬‬
‫إذا كان هذا دليلك فدليلي قل أعوذ برب الناس‬
‫‪ )8‬عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل‬
‫ت فيه‪ ،‬وفيه أنزل‬‫عن صوم يوم الثنين فقال‪" :‬ذاك يوم ولد ُ‬
‫علي" [‪]19‬‬
‫وهذا في معنى الحتفال به إل أن الصورة مختلفة ولكن المعنى‬
‫موجود سواء كان ذلك بصيام أو إطعام طعام أو اجتماع على ذكر‬
‫أو صلة على النبي أو سماع شمائله الشريفة‬
‫الجواب‪:‬‬
‫أن المولد ليس فيه صيام بل إن القائلين به يكرهون‬ ‫أ‌‪-‬‬
‫صيامه ويجعلونه عيدا وينزلون عليه أحكام العيد ويقولون‪ " :‬يكره‬
‫صوم يوم المولد النبوي الشريف للحاقه بالعياد"[‪ ]20‬وقال آخر‪:‬‬
‫" ويكره أيضا صوم يوم المولد النبوي لنه شبيه بالعياد"[‪]21‬‬
‫أن النبي صام يوم الثنين‪ ،‬والمولد قد يكون السبت أو‬ ‫ب‌‪-‬‬
‫الحد أو غيرهما فهل يستحب صومه‪ ،‬هم ل يقولون بهذا ول‬
‫غيرهم‪ ،‬وإذا ما قاله بعضهم فهو مخالف لما استدلوا به لن‬
‫الدليل في الثنين المتكرر كل أسبوع ل في غيره‪.‬‬
‫كما أن صومه للثنين لم يكن لشهر ربيع الثاني أو غيره‬ ‫ت‌‪-‬‬
‫اختصاص فكيف قصره المجيزون على هذا الشهر‪.‬‬
‫‪ )9‬عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬قدم النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسئلوا‬
‫عن ذلك فقالوا‪ :‬هو اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني‬
‫إسرائيل على فرعون‪ ،‬فنحن نصومه تعظيما ً له‪ ،‬فقال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬نحن أولى بموسى منكم" وأمر‬
‫بصومه[‪.]22‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫أن الرسول قد صام يوم عاشوراء وحث على صيامه فكان‬
‫صيامه سنة وهذا لم يحدث بشأن يوم ولدته الذي هو الثاني‬
‫عشر من ربيع الول كما يذهب بعضهم إلى هذا‪ ،‬فهو لم يشرع‬
‫فيه شيئا ً فوجب أل نشرع فيه شيئا ل صيام ول قيام فضل عن‬
‫الحتفال[‪.]23‬‬

‫‪1176‬‬
‫قَ‬
‫‪ )10‬عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ع َ ّ‬
‫قَ‬
‫عن نفسه بعد النبوة‪ ،‬مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب ع َ ّ‬
‫عنه في سابع ولدته‪ ،‬والعقيقة ل تعاد مرة ثانية‪ ،‬فيحمل ذلك‬
‫على أن الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم إظهار للشكر‬
‫على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين‪ ،‬وتشريع لمته كما كان يصلي‬
‫على نفسه‪ ،‬لذلك فيستحب لنا أيضا ً إظهار الشكر بمولده‬
‫بالجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار‬
‫المسرات‪.‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫تكلم المام النووي عن هذا الحديث في المجموع فقال‪" :‬أما‬
‫الحديث الذي ذكره ـ أي الشيرازي ـ في عق النبي عن نفسه‬
‫فرواه البيهقي بإسناده عن عبدالله بن محرر بالحاء المهملة‬
‫والراء المكررة عن قتادة عن أنس "أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم عق عنه نفسه بعد النبوة" وهذا حديث باطل ‪ ،‬قال‬
‫البيهقي هو حديث منكر"[‪ ]24‬كما ضعفه الحافظ ابن حجر في‬
‫الفتح[‪ ]25‬والتلخيص[‪.]26‬‬
‫" هل ثبت أن العقيقة كانت مشروعة لهل الجاهلية وهم يعملون‬
‫بها حتى نقول إن عبد المطلب قد عق عن ابن ولده ؟‬
‫ثم هل أعمال أهل الجاهلية يعتد بها في السلم؟ حتى نقول إذا‬
‫عق النبي عن نفسه شكرا ً ل قياما ً بسنة العقيقة‪ ،‬إذا قد عق‬
‫عنه ؟‬
‫سبحان الله ما أعجب هذا الستدلل وما أغربه ‪ ،‬وهل إذا ثبت أن‬
‫النبي ذبح شاة‬
‫شكرا ً لله تعالى على نعمة إيجاده وإمداده يلزم من ذلك اتخاذ‬
‫يوم ولدته عيدا ً للناس ؟‬
‫و لم لم يدع ُ إلى ذلك رسول الله ويبين للناس ماذا يجب‬
‫عليهم فيه من أقوال وأعمال ؟ كما بين ذلك في عيدي الفطر‬
‫والضحى ‪.‬‬
‫أنسي ذلك أم كتمه ‪ ،‬وهو المأمور بالبلغ ؟‬
‫سبحانك اللهم إن رسولك ما نسي ول كتم ولكن النسان كان‬
‫أكثر شيء جدلً"[‪.]27‬‬
‫‪ )10‬وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‪ :‬خرج معاوية‬
‫على حلقة في المسجد فقال‪ :‬ما أجلسكم؟ قالوا‪ :‬جلسنا نذكر‬
‫الله‪ ،‬قال‪ :‬آلله ما أجلسكم إل ذاك؟ قالوا‪ :‬والله ما أجلسنا إل‬
‫ذاك‪ ،‬قال‪ :‬أما إني لم أستحلفكم تهمة لهم‪ ،‬وما كان أحد بمنزلتي‬
‫من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عنه حديثا ً مني‪ ،‬وإن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه‬

‫‪1177‬‬
‫فقال‪ :‬ما أجلسكم؟ قالوا‪ :‬جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا‬
‫ن به علينا‪ .‬قال‪ :‬آلله ما أجلسكم إل ذاك؟ قالوا‪ :‬والله‬ ‫للسلم وم َّ‬
‫ما أجلسنا إل ذاك‪ .‬قال‪ :‬أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم‪ ،‬ولكنه‬
‫أتاني جبريل فأخبرني أن الله عَّز وجل يباهي بكم الملئكة"[‪.]28‬‬
‫‪ )11‬عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجل ً من اليهود قال‬
‫له‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬آية في كتابكم‪ ،‬لو علينا معشر اليهود نزلت‬
‫لتخذنا ذلك اليوم عيداً‪ .‬فقال‪ :‬أي آية؟ قال‪ :‬اليوم أكملت لكم‬
‫دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم ديناً [المائدة‬
‫‪.]3‬‬
‫فقال عمر‪ :‬إني لعلم اليوم الذي نزلت فيه‪ ،‬والمكان الذين‬
‫نزلت فيه‪ ،‬ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم بعرفة يوم‬
‫الجمعة[‪.]29‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫في هذا اتباع لليهودي الذي ذكر طبعهم من كونهم يحتفلون‬
‫بالوقائع والحوادث والذي يريد منا المستدل بهذا الدليل أن‬
‫نتبعهم فيه‪ ،‬ولم يلق بال إلى أن عمر رضي الله عنه رغم معرفته‬
‫بزمان ومكان نزول الية إل أنه لم يكترث لقول اليهودي ولم‬
‫يدفعه هذا لن يحتفل بذلك اليوم ول غيره‪ ،‬فيا ترى أمرنا باتباع‬
‫بهدي الخلفاء الراشدين أم بمقولت اليهود‪ ،‬أم أن اليهودي كان‬
‫أفقه من عمر وصحب رسول الله !!!‬
‫‪ )12‬إن الحتفال بالمولد يشتمل على كثير من أعمال البر‬
‫كالصلة على النبي صلى الله عليه وسلم والذكر والصدقة‪،‬‬
‫ومدح وتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وذكر شمائله‬
‫ل هذا مطلوب شرعا ً ومندوب إليه‪.‬‬ ‫الشريفة وأخباره المنيفة‪ ،‬وك ُّ‬
‫وما كان يبعث ويساعد على المطلوب شرعا ً فهو مطلوب‪ ،‬لذا‬
‫قال تعالى مخبرا ً أنه هو وملئكته يصلون على النبي‪ :‬إن الله‬
‫وملئكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا‬
‫تسليما [الحزاب ‪.]56‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫قد يحتوي المولد على ما هو مرغب فيه كالصلة على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وسماع بعض الفوائد العلمية وقراءة سيرته‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهذه كلها مرغب فيها بل شك‪ ،‬ولهذا ليس‬
‫الشكال هنا بل في نقطة أخرى وهي تخصيص أسلوب ووقت‬
‫وهيئة مخصوصة بحيث يصبح الذكر والصلة على النبي مع غيرها‬
‫بمثابة عمل واحد له صفته المخصوصة التي يتقرب بها على جهة‬
‫التعبد‪ ،‬وهذا هو ما أخرج المولد من المشروعية إلى البدعية‪.‬‬

‫‪1178‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬سبب الخلف والترجيح‪:‬‬
‫أول‪ :‬سبب الخلف‪:‬‬
‫من خلل ذكر أدلة الفريقين يظهر أن الخلف في مسألة المولد‬
‫تنبع من سببين‪:‬‬
‫الول‪ :‬هل الحتفال بالمولد يسلك به مسلك

You might also like