Professional Documents
Culture Documents
فلديمير لينين
المحتويات:
مقدمة
مقدمة للطبعتين الفرنسية واللمانية
مقدمة
هذا الكتاب الذي أعرضه على أنظار القراء وضعته بمدينة زوريخ في ربيع سنة .1916وفي ظروف عملي هناك عانيت،
بطبيعة الحال ،من بعض النقص في الكتب الفرنسية والنجليزية ومن نقص كبير جدا في الكتب الروسية .ولكني قد استفدت،
على كل حال ،من المؤلف النجليزي الرئيسي بصدد المبريالية – كتاب ج .ا .هوبسون – بكل النتباه الذي يستحقه هذا
المؤلف حسب اعتقادي.
1
وقد وضعت الكتاب آخذا بعين العتبار الرقابة القيصرية .ولذا كنت مضطرا إلى القتصار بدقة على التحليل النظري وحده –
ولسيما القتصادي – وكذلك إلى منتهى الحذر في صياغة الملحظات الضرورية غير الكثيرة بصدد السياسة ،أي بالتلميح،
بلغة لقمان ،تلك اللغة الرمزية اللعينة التي كانت القيصرية تضطر جميع الثوريين إلى اللجوء إليها كلما أخذوا القلم لوضع
كتاب «علني».
ومن المؤلم الن ،في أيام الحرية ،أن أعيد قراءة مقاطع الكتاب التي شوهها التفكير في الرقابة القيصرية ،المقاطع
المكبوكة ،المضغوطة كأنما في ملزمة من حديد .فلكيما أبين أن المبريالية هي عشية الثورة الشتراكية ،وأن الشتراكية-
الشوفينية (الشتراكية قول والشوفينية فعلً) هي خيانة تامة للشتراكية وانتقال تام إلى جانب البرجوازية ،وأن انقسام
حركة العمال هذا منوط بظروف المبريالية الموضوعية وغير ذلك ،اضطرت إلى أن أتحدث بلغة «العبد» ،ولذا أراني
مضطرا إلى إحالة القارئ الذي تهمه المسألة إلى مجموعة مقالتي التي كتبتها في الخارج سنوات 1917-1914
والتي سيعاد نشرها قريبا .ولبد من الشارة الخاصة إلى مقطع من مقاطع الكتاب في الصفحتين :*120-119لكيما
أبين للقارئ بشكل تقبله الرقابة كيف يكذب دون خجل الرأسماليون وكذلك الشتراكيون-الشوفينيون الذين انتقلوا إلى جانبهم
(والذين ل يناضل كوتسكي ضدهم بالستقامة اللزمة) في مسألة اللحاق ،وكيف يسترون دون خجل على الحاقات
رأسمالييـهم ،كنت مضطرا لن أضرب مثل… اليابان! ومن اليسير على القارئ الفطن أن يستعيض عن اليابان بروسيا
وعن كوريا بفنلنده وبولونيا وكرولنده وأكرانيا وخيوه وبخارى وأستلنده وغيرها من المقاطعات التي يقطنها غير الروس.
وأود أن آمل بأن يساعد كتابي على تفهم المسألة القتصادية الساسية التي ل يمكن بدون دراستها فهم شيء في تقدير
الحرب المعاصرة والسياسة المعاصرة ،نعني مسألة كنه المبريالية القتصادي.
المؤلف
بتروغراد 26أبريل 1917
-----------------------------------------------------------------------
---------
1
وضعت الكتاب الحالي ،كما أشرت في مقدمة الطبعة الروسية ،سنة ،1916آخذا الرقابة القيصرية بعين العتبار .وليس
بإمكاني أن أعدل النص بأكمله في الوقت الحاضر؛ وأحسب أن ذلك أمر عديم الجدوى ،لن مهمة الكتاب الساسية كانت ول
تزال :أن يبين ،بموجب مجمل أرقام الحصاءات البرجوازية التي ل تقبل الجدل وبموجب اعترافات العلماء البرجوازيين في
جميع البلدان ،كيف كانت ،في بدء القرن العشرين ،قبيل الحرب المبريالية العالمية الولى ،الصورة الجمالية للقتصاد
الرأسمالي العالمي ضمن علقاته العالمية.
ومن ناحية أخرى سيكون من المفيد للكثيرين من الشيوعيين في البلدان الرأسمالية المتقدمة أن يتأكدوا ،على مثال هذا
الكتاب العلني من وجهة نظر الرقابة القيصرية ،من إمكانية – بله ضرورة – الستفادة حتى من القدر الطفيف من بقايا
العلنية التي ما تزال باقية للشيوعيين ،لنقل مثل في أمريكا أو في فرنسا المعاصرتين بعد اعتقال الشيوعيين بمجموعهم
تقريبا من عهد قريب؛ وذلك لتبيان كل بطلن نظرات الشتراكيين المسالمين وعقدهم المال على «ديموقراطية عالمية».
وسأحاول ،في هذه المقدمة ،إعطاء ما ل بد منه من إضافات على هذا الكتاب الخاضع للرقابة.
2
2
لقد برهن في هذا الكتاب على أن حرب سنوات 1918-1914كانت من جانب الطرفين حريا امبريالية (أي حرب غزو
ونهب واغتصاب) ،حربا من أجل تقاسم العالم ،من أجل اقتسام وإعادة اقتسام المستعمرات و«مناطق نفوذ» الرأسمال المالي
والخ.
إذ أن الدليل على طابع الحرب الجتماعي الحقيقي ،أو بالصح :على طابعها الطبقي الحقيقي ،ل يكمن طبعا في تاريخ الحرب
الديبلوماسي ،بل في تحليل الحالة الموضوعية للطبقات المسيطرة في جميع الدول المتحاربة .ولتصوير هذه الحالة
الموضوعية ل ينبغي أخذ أمثلة أو أدلة منعزلة (فرغم كون ظواهر الحياة الجتماعية في منتهى التعقيد يمكن على الدوام
إيجاد أي قدر من المثلة أو الدلة المنعزلة لتعليل أي فكرة) ،بل ينبغي حتما أخذ مجمل الدلة عن أسس الحياة القتصادية
في جميع الدول المتحاربة وفي العالم كله.
وهذه الدلة الجتماعية التي ل تدحض ،هي بالضبط ،ما ذكرته في لوحة تقاسم العالم في سنتي 1876و 1914
(الفقرة السادسة) وفي لوحة توزيع السكك الحديدية في العالم أجمع في سنتي 1890و ( 1913الفقرة السابعة).
فالسكك الحديدية هي حاصل جميع الفروع الرئيسية في الصناعة الرأسمالية ،صناعة الفحم الحجري والتعدين؛ هي حاصل
وأكثر مقاييس تطور التجارة العالمية والحضارة البرجوازية الديموقراطية جلء .وقد بينت فصول الكتاب السابقة كيف تتصل
السكك الحديدية بالنتاج الكبير ،بالحتكارات وبالسنديكات وبالتروستات وبالبنوك وبالطغمة المالية .إن توزيع خطوط السكك
الحديدية وتفاوته وتفاوت تطورها هو حاصل الرأسمالية الحتكارية الحديثة على النطاق العالمي .وهذا الحاصل يظهر في
الحروب المبريالية هي أمر محتوم تماما على هذا الساس القتصادي ،طالما بقيت وسائل النتاج ملكا خاصا.
يبدو مد السكك الحديدية أمرا بسيطا وطبيعيا وديموقراطيا وثقافيا وتمدنيا ،وهو يبدو كذلك في عيون الساتذة البرجوازيين
الذين تدفع لهم الجور لكيما يجملوا وجه العبودية الرأسمالية ،وفي عيون البرجوازيين الصغار التافهين الضيقيي الفق .أما
في الواقع فإن الخيوط الرأسمالية التي تربط بألوف الشباك هذه المشاريع بالملكية الخاصة لوسائل النتاج بوجه عام قد
جعلت من مد السكك الحديدية أداة لضطهاد مليار من الناس (أشباه المستعمرات إضافة إلى المستعمرات) ،أي لضطهاد
أكثر من نصف سكان الرض في البلدان التابعة ،وعبيد الرأسمال الجراء في البلدان «المتمدنة».
إن الملكية الخاصة القائمة على عمل صغار أصحاب العمال ،والمزاحمة الحرة ،والديموقراطية – إن جميع هذه الشعارات
التي يخدع بها الرأسماليون وصحافتهم العمال والفلحين قد اندرجت بعيدا في طيات الماضي .لقد آلت الرأسمالية إلى نظام
عالمي لضطهاد الكثرية الكبرى من سكان الرض استعماريا وخنقها ماليا من قبل حفنة من البلدان «المتقدمة» .ويجري
اقتسام هذه «الغنيمة» بين ضاريين أو ثلث ضوار أقوياء في النطاق العالمي ،مسلحين من الرأس حتى أخمص القدمين
(أمريكا وانجلترا واليابان) يجرون الرض كلها إلى حربـهم من أجل اقتسام غنيمتـهم.
3
إن صلح بريست-ليتوفسك الذي أملت شروطه ألمانيا الملكية ،ومن بعده صلح فرساي الكثر وحشية وحطة والذي أملت
شروطه الجمهوريتان «الديموقراطيتان» ،أمريكا وفرنسا ،وكذلك إنجلترا «الحرة» قد قدما للبشرية خدمة نافعة جدا إذ فضحا
الكتبة الخدم المأجورين للمبريالية وكذلك البرجوازيين الصغار الرجعيين الذين ،وإن كانوا يخلعون على أنفسهم ألقاب
المسالمين والشتراكيين ،فإنهم يمتدحون «الولسونية» ويبرهنون على إمكان السلم والصلحات في ظل المبريالية.
إن عشرات المليين من الجثث والمشوهين الذين تركتهم الحرب التي أضرمت نيرانها لتعيين ما إذا كانت الزمرة النجليزية
أو اللمانية من قطاع الطرق الماليين ينبغي أن تنال حصة السد من الغنيمة ،ثم «معاهدتي الصلح» هاتين ،تفتح بسرعة لم
تعهد من قبل عيون المليين وعشرات المليين من الناس الذين ظلمتهم البرجوازية وسحقتهم وخدعتهم وضللتهم .وعلى
صعيد الخراب العالمي التي ل يمكنها أن تنتهي إلى غير الثورة البروليتارية وظفرها ،مهما كانت طويل وقاسية تقلبات
الحوال التي ل بد لهذه الزمة أن يجتازها.
3
إن بيان بال الصادر عن الممية الثانية والذي أعطى ،في سنة ،1912تقديرا لتلك الحرب التي اندلعت في سنة 1914
بالضبط ،ل تقديرا للحرب بوجه عام (فالحروب تختلف ومنها ما تكون ثورية) ،أن هذا البيان قد بقي أثرا للذكرى يعزي
بصورة تامة إفلس أبطال الممية الثانية المشين وارتدادهم.
ولذلك أعيد نشر هذا البيان في ملحق لهذه الطبعة وألفت نظر القارئ مرة أخرى إلى أن أبطال الممية الثانية يتجنبون بحذر
مقاطع البيان التي تتحدث بصورة دقيقة ,واضحة ,وصريحة بالضبط عن صلة الحرب المقبلة بالثورة البروليتارية،
يتجنبونها بنفس حذر اللص في تجنب المكان الذي ارتكب فيه السرقة.
4
في هذا الكتاب وجه انتباه خاص لنتقاد «الكاوتسكية» ،وهي تيار فكري عالمي يمثله في جميع بلدان العالم «كبار
النظريين» ،زعماء الممية الثانية (في النمسا أوتو باور وشركاه وفي إنجلترا رمسي ماكدونالد وغيره وفي فرنسا البير
توما وهلم جرا والخ ).وجمهور من الشتراكيين والصلحيين والمسالمين والديموقراطيين البرجوازيين والكهنة.
وهذا التيار الفكري هو ،من ناحية ،نتاج فساد وتقيح الممية الثانية وهو ،من الناحية الخرى ،نتاج محتوم ليديولوجية
صغار البرجوازيين الذين يبقيهم وضع حياتهم بأكمله في أسر الوهام البرجوازية والديموقراطية.
إن أمثال هذه النظرات عند كاوتسكي ومن على شاكلته هي ارتداد تام بالضبط عن السس الماركسية الثورية التي دافع
عنها هذا الكتاب عشرات من السنين ،ولسيما – ونقول ذلك بالمناسبة – في النضال ضد النتهازية الشتراكية (لبرينشتين
وميليران وهايندمان وغومبرس وهلم جرا) .ولذلك ليس من باب الصدفة أن اتحد «الكاوتسكيون» الن مع النتهازيين
المتطرفين في العالم أجمع عمليا وسياسيا (عن طريق الممية الثانية أو الصفراء) ومع الحكومات البرجوازية (عن طريق
الحكومات البرجوازية الئتلفية التي يساهم فيها الشتراكيون).
إن الحركة البروليتارية الثورية بوجه عام والشيوعية بوجه خاص ،هذه الحركة المتنامية في جميع أنحاء العالم ،ل غنى لها
عن تحليل وفضح الخطاء النظرية التي تقترفها «الكاوتسكية» .وهذا ل ندحة عنه لسيما وأن النزعة المسالمة
و«الديموقراطية» بوجه عام اللتين ل تدعيان بالماركسية إطلقا ،ولكنهما ،شأن كاوتسكي وشركاه سواء بسواء ،تطمسان
عمق تناقضات المبريالية وحتمية الزمة الثورية التي تنشأ عنها ،هما تياران ما زال منتشرين لقصى حد في العالم كله.
والنضال ضد هذين التيارين هو أمر إلزامي لحزب البروليتاريا الذي يتوجب عليه أن ينتزع من البرجوازية صغار أصحاب
العمال والمليين من الشغيلة المخدوعين بها والذين تحيط بهم لهذا الحد أو ذاك ظروف حياة البرجوازية الصغيرة.
5
ولبد من بعض كلمات عن الفصل الثامن« :طفيلية الرأسمالية وتعفنها» .إن هيلفردينغ« ،الماركسي» سابقا وزميل كاوتسكي
اليوم وأحد الممثلين الرئيسيين للسياسة البرجوازية الصلحية في «الحزب الشتراكي-الديموقراطي اللماني المستقل» ،قد
خطا ،كما سبق وأشرنا في متن هذا الكتاب ،خطوة إلى الوراء في هذه المسألة بالمقارنة مع المسالم والصلحي النجليزي
المكشوف هوبسون .فالنقسام العالمي لحركة العمال بأكملها قد تكشف الن على أتمه (المميتان الثانية والثالثة) .وقد
تكشف كذلك واقع النضال المسلح والحرب الهلية بين التجاهين :المناشفة و«الشتراكيون-الثوريون» في روسيا يؤيدون
كولتشاك ودينيكين ضد البلشفة؛ وأنصار شيدمان ونوسكه وشركاه في ألمانيا هم مع البرجوازية ضد السبارتاكيين،
والشيء نفسه في فنلندة وبولونيا والمجر الخ ..فما هو ،إذن ،الساس القتصادي لهذه الظاهرة التاريخية العالمية؟
إنه يتلخص بالضبط في الطفيلية والتعفن الملزمين للرأسمالية في أعلى مراحلها التاريخية ،أي في مرحلة المبريالية.
فالرأسمالية ،كما برهن في الكتاب الحالي ،قد أبرزت الن حفنة (أقل من عشر سكان الرض ،وفي أبعد حالة «للتسامح»
والمغالت في التقدير ،أقل من الخمس) من الدول في منتهى الغنى والقوى تنهب العالم كله بمجرد (قص الكوبونات) .إن
4
تصدير الرأسمال يعطي دخل يتراوح بين 8و 10مليارات فرنك في السنة حسب أسعار ما قبل الحرب وحسب إحصاءات
البرجوازية لما قبل الحرب .والن أكثر جدا بطبيعة الحال.
وواضح أن هذا الربح الضافي الهائل (إذ أنه يبتز إضافة إلى الربح الذي يعتصره الرأسماليون من عمال بلد«ـهم») يمكن
من رشوة زعماء العمال والفئة العليا التي تكون أريستوقراطية العمال .والرأسماليون في البلدان «المتقدمة» يرشون هذه
الفئة ،بآلف الطرق ،المباشرة وغير المباشرة العلنية والمستورة .إن هذه الفئة من العمال المتبرجزين أو «اريستوقراطية
العمال» ،الذين هم برجوازيون صغار تماما بنمط حياتهم ومقاييس أجورهم وبكامل نظرتهم للعالم ،هي سند الممية الثانية
الرئيسي ،وفي أيامنا سند البرجوازية الجتماعي (ل العسكري) الرئيسي .لن هؤلء عملء حقيقيون للبرجوازية في حركة
العمال ،متعهدون عمال في خدمة طبقة الرأسماليين (Labor lieutenants of the capitlistes
)classوسائط حقيقية لنقل الصلحية والشوفينية .وأثناء الحرب الهلية بين البروليتاريا والبرجوازية يقف هؤلء حتما
بعدد كبير إلى جانب البورجوازية ،إلى جانب «الفورسالين» ضد «الكومونيين».
وإذا لم يدرك المرء الجذور القتصادية لهذه الظاهرة .إذا لم يقدر أهميتها السياسية والجتماعية حق قدرها ل يستطيع أن
يخطو خطوة في ميدان حل المهام العملية التي تواجه الحركة الشيوعية والثورة الجتماعية المقبلة.
المبريالية عشية الثورة الجتماعية البروليتارية .وقد ثبت ذلك منذ سنة 1917في النطاق العالمي.
6يوليو 1920
ن .لينين
الفصل الول
الحتكارات وتمركز النتاج
أثناء السنوات الخمس عشر أو العشرين الخيرة ،ولسيما بعد الحرب السبانية-المريكية 1898والحرب النجليزية-
البويرية ( )1902-1899أخذ الداب القتصادية وكذلك السياسية في العالمين القديم والجديد يتطرق أكثر فأكثر إلى
مفهوم «المبريالية» لوصف العصر الذي نجتازه .ففي سنة 1902صدر في لندن ونيويورك مؤلف اقتصادي إنجليزي
هوبسون عنوانه« :المبريالية» .والمؤلف ،المتمسك بوجهة نظر النزعة البرجوازية للشتراكية الصلحية والمسالمة،
وهي وجهة نظر ل تختلف ،في الجوهر ،عن الموقف الذي يقفه حاليا الماركسي السابق كاوتسكي ،قد أعطى وصفا ممتازا
مفصل لخواص المبريالية القتصادية والسياسية الساسية .وفي سنة 1910صدر في فيينا مؤلف الماركسي النمساوي
رودولف هيلفردينغ عنوانه« :الرأسمال المالي» (الترجمة الروسية :موسكو ،سنة .)1912إن هذا الكتاب ،رغم غلطة
المؤلف في مسألة نظرية النقود وميله بعض الشيء إلى التوفيق بين الماركسية والنتهازية ،عبارة عن تحليل نظري قيم
للغاية «لحدث المراحل في تطور الرأسمالية» كما ينص العنوان الثانوي لمؤلف هيلفردينغ .إن ما قيل في السنوات الخيرة
عن المبريالية ،ولسيما في العدد الكبير من مقالت المجلت والجرائد في هذا الموضوع وكذلك في القرارات ،مثل،
مؤتمري خيمنيتز وبال المعقودين في خريف سنة ،1912لم يتعد ،في الجوهر ،دائرة الفكار التي عرضها أو ،بالصح،
التي لخصها المؤلفان المذكوران…
وسنسعى فيما يأتي لنعرض ،بإيجاز وبأبسط شكل ممكن ،صلة وتفاعل خواص المبريالية الساسية .ولن نتطرق إلى الناحية
غير القتصادية في المسألة مهما كانت جديرة بذلك .أمّا أسماء الكتب التي استشهدنا بها والملحظات الخرى التي قد ل
تهم جميع القراء فنحيلها إلى آخر الكتاب.
5
-----------------------------------------------------------------------
---------
إن نمو الصناعة الهائل والسرعة الكبرى في سير تمركز النتاج في مشاريع تتضخم باستمرار هما خاصة من أخص
خصائص الرأسمالية .وتعطي الحصاءات الصناعية الحديثة عن هذا السير أكمل المعلومات وأضبطها.
ففي ألمانيا ،مثل ،كان يوجد بين كل ألف مشروع صناعي في سنة 3 - 1882وفي سنة 6 - 1895وفي سنة
9 - 1907من المشاريع الكبرى ،أي التي يعمل فيها أكثر من 50من العمال الجراء .وكانت حصتها في كل مئة عامل
30 ، 22و .37ولكن تمركز النتاج أقوى جدا من تمركز العمال ،لن العمل في المشاريع الكبرى ذو إنتاجية أكبر جدا.
وهذا ما تبنته الرقام الخاصة بالماكينات البخارية والمحركات الكهربائية .فإذا أخذنا ما يسمى في ألمانيا الصناعة بمعنى
الكلمة الواسع أي بما في ذلك التجارة وطرق المواصلت الخ ،.حصلنا على الصورة التالية :المشاريع الكبرى 30588
من ،3265623أي %0.9فقط .ولديها من العمال 5.مليين و 700ألف من 14مليونا و 400ألف أي
%39.4؛ ولديها 6مليين و 600ألف حصان بخاري من 8مليين و 800ألف ،أي %75.3؛ و 1.2مليون
كيلواط من الطاقة الكهربائية من 1.5مليون أي .%77.2
في حوزة أقل من %1من المشاريع أكثر من %75من مجموع كمية الطاقة البخارية والكهربائية! وثمة 297ألف من
المشاريع الصناعية الصغيرة (حتى 5من العمال الجراء) تؤلف %91من مجموع المشاريع ل تزيد حصتها عن %7من
مجموع الطاقة البخارية والكهربائية! عشرات اللوف من المشاريع الكبرى – كل شيء؛ والمليين من المشاريع الصغرى –
لشيء.
في سنة 1907كان في ألمانيا 576من المشاريع يشتغل في كل منها ألف عامل وما فوق .وكان لديها نحو عُشر
مجموع عدد العمال ( )1370000ونحو ثلث ( )%32من مجموع الطاقة البخارية والكهربائية( .)1وسنرى أن
الرأسمال النقدي والبنوك تجعل تفوق هذه الحفنة من المشاريع الكبرى ساحقا لدرجة أكبر ،ساحقا بالمعنى الحرفي للكلمة،
أي أن المليين من «أصحاب العمال» الصغار والمتوسطين وحتى قسما من الكبار يجدون أنفسهم في الواقع مستعبدين
بصورة تامة لبضع مئات من الماليين أصحاب المليين.
ونمو تمركز النتاج أشد في بلد متقدم آخر من بلدان الرأسمالية الحديثة ،في الوليات المتحدة بأمريكا الشمالية .في هذه
البلد تتعمد الحصاءات إبراز الصناعة بمعنى الكلمة الضيق وتصنيف المشاريع حسب مقادير قيمة النتاج السنوي .ففي
سنة 1904وجد من المشاريع الضخمة التي يبلغ إنتاج كل منها مليون دولر وما فوق ( 1900من ،216180أي
)%0.9لدينا 1.4مليون من العمال (من 5.5مليون ،أي )%25.6وقيمة إنتاجها 5.6مليارات (من 14.8
مليار ،أي .)%38وبعد مضي خمس سنوات ،في سنة ،1909كانت الرقام على النحو التالي 3060 :مشروعا (من
،278491أي )%1.1لديها من العمال مليونان (من 6.6مليون ،أي )%30.5وقيمة إنتاجها 9مليارات (من
20.7مليار ،أي .)2()%43.8
إن نحو نصف مجموع ما تنتجه جميع المشاريع في البلد في أيدي جزء من مئة جزء من مجموع عدد المشاريع! وهذه
المشاريع العملقة الثلثة آلف تشمل 258من فروع الصناعة .ويتضح من ذلك أن التمركز ،عند درجة معينة من تطوره،
يوصل بحد ذاته إلى الحتكار ،ويمكن القول ،إلى الحتكار عن كثب .لن من السهل على بضع عشرات من المشاريع
العملقة أن تتفق فيما بينها :ومن الجهة الخرى ،أن إعاقة المزاحمة والميل إلى الحتكار ينشآن بالضبط عن ضخامة حجم
المشاريع .وصيرورة المزاحمة والميل إلى الحتكار هي ظاهرة من أهم الظواهر – إن لم تكن الهم – في اقتصاد الرأسمالية
الحديثة ،وينبغي علينا أن نتناولها بمزيد من التفصيل .ولكن ينبغي علينا في بادئ المر أن نزيل ما قد يمكن من سوء
الفهم.
6
تقول الحصاءات المريكية 3000 :من المشاريع العملقة في 250من الفروع الصناعية .وقد يتبادر إلى الذهن كأن
هناك 12من المشاريع العملقة فقطفي كل فرع.
ولكن المر ليس كذلك ،فالمشاريع الكبيرة ل توجد في كل فرع من فروع الصناعة؛ ومن الجهة الخرى ،أن من أهم خواص
الرأسمالية التي بلغت أعلى مراحل تطورها ما يسمى بالتركيب ،أي تجمع في مشروع واحد لفروع صناعية مختلفة تؤلف
إمّا درجات متوالية من تلييف الخدمات (مثل :صهر معدن الحديد وتحويل الزهر إلى فولذ أو ربما كذلك إنتاج هذه أو تلك
من المصنوعات الجاهزة من الفولذ) ،وأمّا أن يقوم احدها بدور مساعد للخر (مثل :الستفادة من الفضلت أو من
المنتوجات الثانوية؛ إنتاج مواد التعبئة ،الخ.).
وقد كتب هيلفردينغ« :التركيب يسوي اختلفات الحوال في السواق ،لذلك يضمن للمشاريع المركبة معدل من الربح أكثر
ثباتا ،والتركيب يفضي ،ثانيا ،إلى إزاحة التجارة .وهو ،ثالثا ،يجعل من المكان الرقي التكنيكي ،وبالتالي الحصول على ربح
إضافي بالمقارنة مع المشاريع «الساده» (أي غير المركبة) .وهو ،رابعا ،يعزز موقف المشروع المركب بالمقارنة مع
«الساده» ،إذ يقويه في صراع المزاحمة في حالة انحطاط قوي (ركود في العمال ،أزمة) ،عندما يكون انخفاض أسعار
الخدمات أقل من انخفاض أسعار المنتوجات الجاهزة»(.)3
إن القتصاد البرجوازي اللماني هيمان الذي كرس مؤلفا خاصا لوصف المشاريع «المختلطة» أي المركبة – في صناعة
التعدين اللمانية يقول« :تهلك المشاريع الساده مسحوقة بين ارتفاع أسعار الخدمات وانخفاض أسعار المنتوجات الجاهزة».
ويكون الحاصل الصورة التالية:
«لقد بقيت ،من جهة ،كبريات شركات الفحم الحجري التي تستخرج من الفحم عدة مليين من الطنان والمتراصة التنظيم في
سينديكات الفحم الحجري؛ ثم معامل صهر الفولذ الضخمة المرتبطة بها ارتباطا وثيقا والتي تنظم في سنديكات الفولذ .إن
هذه المشاريع الهائلة التي تنتج 400ألف طن من الفولذ في العام والتي تستخرج كميات هائلة من المعادن والفحم
الحجري وتنتج المصنوعات الجاهزة من الفولذ وتستخدم 10ألف عامل يعيشون في ثكنات بلدات المعامل والتي تملك في
بعض الحيان سككها الحديدية وموانئها هي الممثل النموذجي لصناعة التعدين اللمانية .ويسير التمركز أبدا إلى المام.
يتضخم بعض المشاريع :يتراص عدد متزايد من المشاريع فرع صناعي بعينه أو فروع صناعية مختلفة ضمن مشاريع
ضخمة تجد سندا لها ومرشدا في نصف دزينة من البنود البرلينية الكبرى .وفيما يخص صناعة الستخراج اللمانية أقيم
البرهان بصورة دقيقة على صحة تعاليم كارل ماركس بصدد التمركز؛ صحيح أن هذا يتعلق ببلد تحمي صناعتها الرسوم
الجمركية الوقائية وتعريفات النقل .إن صناعة الستخراج اللمانية قد نضجت للمصادرة»(.)4
هذا هو الستنتاج الذي كان ل بد من أن يخلص إليه اقتصادي برجوازي ،سليم النية كأمر استثنائي .تجدر الشارة إلى أنه
كأنما يبرز كحالة خاصة ،نظرا لن التعريفات الجمركية المرتفعة تحمي صناعتها .بيد أن كل ما تستطيعه هذا الظرف هو
تعجيل التمركز وتشكيل اتحادات أصحاب العمل الحتكارية ،الكارتيلت والسنديكات والخ ..وما هو في منتهى الهمية واقع
أن التمركز في بلد التجارة الحرة ،انجلترا ،يفضي كذلك إلى الحتكار ،وإن يكن بصورة أبطأ وربما بشكل آخر .وإليكم ما
يقوله البروفيسور هرمن ليفي في مبحث خاص تناول فيه «الحتكارات والكارتيلت والتروستات» على أساس معلومات عن
التطور القتصادي في بريطانيا العظمى:
«إن الميل إلى الحتكار في بريطانيا العظمى ،بالضبط ،في ضخامة حجم المشاريع وعلو مستواها التكنيكي .فالتمركز قد
أفضى ،من جهة ،إلى أن المشاريع غدت تقتضي إنفاق الرساميل بمبالغ طائلة ،ولذا تجد المشاريع الجديدة نفسها إزاء
طلبات متزايدة فيما يخص مقدار الرأسمال الضروري ،وهذا ما يعيق ظهورها .ومن الجهة الخرى (ونعتبر هذا المر أكبر
أهمية) ينبغي على كل مشروع جديد يريد أن يضارع المشاريع الهائلة التي أنشأها التمركز أن ينتج كمية هائلة من
المنتوجات الفائضة بحيث ل يمكن بيعها بصورة مفيدة إلّ في حالة ازدياد الطلب وازديادا خارقا ،وفي الحالة المعاكسة
يخفض من المنتوجات السعار إلى مستوى ليس في مصلحة المعمل الجديد ول في مصلحة التحادات الحتكارية» .وخلفا
للبلدان الخرى التي تسهل فيها التعريفات الجمركية الوقائية تشكل الكارتيلت ،ل تنشأ في انجلترا ،في أكثرية الحالت،
اتحادات أصحاب العمال الحتكارية ،الكارتيلت والتروستات ،ال عندما ينحصر عدد المشاريع الرئيسية المتنافسة «في
دزينتين فقط»« .إن تأثير التمركز على نشوء الحتكارات في الصناعة الضخمة يظهر هنا بصفاء البلور»(.)5
7
لنصف قرن مضى ،عندما كتب ماركس مؤلفه «رأس المال» كانت المزاحمة الحرة تبدو «قانونا طبيعيا» في نظر الكثرية
الكبرى من القتصاديين .وقد حاول العلم الرسمي أن يقتل عن طريق مؤامرة الصمت مؤلف ماركس الذي برهن بتحليله
النظري والتاريخي للرأسمالية على أن المزاحمة الحرة تولد تمركز النتاج وعلى أن هذا التمركز يفضي ،عند درجة معينة
من تطوره ،إلى الحتكار .وقد غدا الحتكار الن أمرا واقعا .والقتصاديون يكتبون أكواما من الكتب واصفين فيها هذه
الظاهرة أو تلك من مظاهر الحتكار ومواصلين الصراخ بنغم واحد« :لقد دحضت الماركسية» .ولكن الوقائع أشياء عنيدة
كما يقول المثل النجليزي ولبد للمرء من أن يحسب لها الحساب شاء أم أبى .والوقائع تظهر أن التباين بين مختلف البلدان
الرأسمالية من حيث الحماية أو التجارة الحرة مثل ل ينشأ عنه إلّ تباين ل شأن له في شكل الحتكارات أو في زمن
نشوئها ،في حين أن نشوء الحتكارات عن تمركز النتاج هو القانون العام والساسي في المرحلة الحديثة من تطور
الرأسمالية.
ومن الممكن ،بالنسبة لوروبا ،أن يحدد بدقة كبيرة زمن حلول الرأسمالية الحديثة نهائيا محل القديمة .إنه ،بالضبط ،أوائل
القرن العشرين .ونقرأ في مؤلف من أحدث المؤلفات التلخيصية في تاريخ «تشكل الحتكارات»:
«إن المرحلة السابقة لسنة 1860تعطي بعض المثلة عن الحتكارات الرأسمالية؛ ومن الممكن أن تكتشف فيها الصور
الجنينية للشكال التي غدت الن مألوفة تماما ،ولكن ل ريب في أن كل ذلك هو بالنسبة للكارتيلت عهد ما قبل التاريخ .إن
البداية الحقيقية للحتكارات الحديثة تقع على أبعد حد في سنوات العقد السابع من القرن التاسع عشر .فالمرحلة الهامة
الولى لتطور الحتكارات تبتدئ من النحطاط الصناعي العالمي في العقد الثامن من القرن الماضي وتمتد إلى بداية العقد
العاشر»« .وإذا بحثنا المر على النطاق الوروبي ،وجدنا تطور المزاحمة الحرة قد بلغ أوجه في سنوات العقدين السابع
والثامن .ففي ذلك الحين أنجزت انجلترا تنظيمها الرأسمالي على النمط القديم .وفي ألمانيا دخل هذا التنظيم في صراع فاصل
مع الصناعتين الحرفية والمنزلية وبدأ ينشئ لنفسه أشكال وجوده».
«لقد بدأ انقلب كبير منذ أزمة سنة ،1873أو بالصح ،منذ الركود الذي تبعها والذي يمل 22سنة من التاريخ
القتصادي الوروبي باستثناء انقطاع ل يكاد يلحظ في مستهل العقد التاسع ونهوض خارق القوة إلّ أنه قصير وقع سنة
« .»1889وفي أثناء مرحلة النهوض القصيرة في سنتي 1890-1889استخدمت الكارتلت بصورة واسعة
للستفادة من أحوال السوق .إن سياسة غير بصيرة جعلت السعار تقفز أسرع وأعلى مما كان حدث في حالة عدم وجود
الكارتيلت ،وقد هلك معظم هذه الكارتيلت بصورة مزرية في «قبر النهيار» .لقد تلت ذلك خمس سنوات أخرى من الحوال
السيئة والسعار المنخفضة ،بيد أن الحالة النفسية لم تعد ذاتها في الصناعة .فالركود لم يعد ليعتبر أمرا بديهيا ،إذ لم
يعودوا يرون فيه إلّ وقفة قبل أحوال جديدة ملئمة.
وها قد دخلت حركة تشكيل الكارتيلت عهدها الثاني .فبعد أن كانت الكارتيلت ظاهرة عرضية ،أخذت تصبح أساسا من
أسس الحياة القتصادية بأكملها .وهي تكتسب فرعا من فروع الصناعة بعد آخر وفي الدرجة الولى فرع تكييف المواد
الخام .وفي مستهل سنوات العقد العاشر وضعت الكارتيلت ،بتنظيمها لسينديكا الكوك التي نظمت على طرازها فيما بعد
سينديكا الفحم ،آلية لتنظيم الكارتيلت لم تمض أبعد منها في الجوهر .أن النهضة الكبيرة في نهاية القرن التاسع عشر
وأزمة سنوات 1903-1900قد جرتا لول مرة وبصورة تامة تحت شارة الكارتيلت ،على القل في صناعتي
الستخراج والتعدين .وإذا كان قد غدا الن في نظر الرأي العام الواسع أمرا بديهيا أن رفعت أهم أقسام الحياة القتصادية،
كقاعدة عامة ،من المزاحمة الحرة فإن ذلك قد بدا آنئذ كشيء جديد»(.)6
إن النتائج الساسية لتاريخ الحتكارات هي ،إذن ،التية )1 :سنوات العقد السابع والثامن من القرن الماضي هي قمة،
ذروة تطور المزاحمة الحرة .لم تكن الحتكارات غير أجنة بالكاد تلحظ )2 .بعد أزمة سنة 1873جاءت مرحلة نادرة
ولم تكن وطيدة بعد .إنها ما تزال ظاهرة عرضية )3 .نهضة أواخر القرن التاسع عشر وأزمة سنوات :1903-1900
تصبح الكارتيلت أساسا من أسس الحياة القتصادية بأكلها .تحولت الرأسمالية إلى إمبريالية.
تتفق الكارتيلت فيما بينها على شروط المبيع وآجال الدفع وغير ذلك .وهي تقتسم مناطق التصريف ،وهي تحدد كمية
المنتوجات وهي تعين السعار ،وهي توزع الرباح بين مختلف المشاريع وهلم جرا.
لقد بلغ عدد الكارتيلت في ألمانيا على وجه التقريب 250في سنة 1896و 385في سنة 1905تضم حوالي
8
12ألف مؤسسة( .)7ولكن الجميع يعترفون بأن حتى الـ 12ألف من المشاريع الضخمة تملك وحدها ،على ما يبدو،
أكثر من نصف مجموع كمية الطاقة البخارية والكهربائية .وقدّر عدد التروستات في الوليات المتحدة بأمريكا الشمالية بـ
175في سنة 1900وبـ 250في سنة .1907وتقسم الحصاءات المريكية جميع المشاريع الصناعية إلى ملك
لفراد أو لشركات أو لتحادات .وكانت هذه الخيرة تملك في سنة %70.6 1904وفي سنة ،%25.9 1909أي
أكثر من ربع مجموع عدد المشاريع .وكانت تستخدم من العمال في سنة %70.6 1904وفي سنة 1909
،%75.6أي ثلثة أرباع المجموع؛ وكانت قيمة إنتاجها في السنتين المذكورتين 10.9مليار دولر و 16.3مليار
دولر ،أي % 73.7و %79.0من المبلغ الجمالي.
وغالبا ما تتركز في أيدي الكارتيلت والتروستات سبعة أو ثمانية أعشار مجموع النتاج في فرع من فروع الصناعة.
فسينديكا فحم إقليم الرين-فيستفاليا كانت ،عندما تشكلت في سنة ،1893تركز في يدها %86.7من مجموع إنتاج
الفحم في القليم ،أما في سنة 1910فقد غدت تركز .)8(%95.4والحتكار الذي يتكون على هذه الصورة يؤمن
المداخيل الطائلة ويؤدي إلى تشكيل وحدات إنتاجية تكنيكية هائلة الحجم .إن تروست النفط الشهير (Standad Oil
)Companyفي الوليات المتحدة قد تأسس في سنة « .1900وقد بلغ رأسماله 150مليون دولر .وأصدرت
السهم العادية بمبلغ 100مليون والسهم الممتازة بمبلغ 106مليون .ودفع لهذه الخيرة من العائدات في سنوات
،%40 ،%40 ،%40 ،%36 ،%44 ،%45 ،%48 ،%48 :1907-1900أي ما مجموعه 367مليون
دولر .ومن سنة 1882إلى سنة 1907بلغ الربح الصافي 889مليون دولر وزع منها على حملة السهم 7.7
مليين وسجل الباقي رأسمال احتياطيا»(« .)9وفي سنة 1907كان في جميع معامل تروست الفولذ (United
)Stats Steel Corporationما ل يقل عن 210180من العمال والمستخدمين .وفي سنة 1908كان
أكبر مشروع في صناعة الستخراج اللمانية ،شركة مناجم غيلسنكيرخين يستخدم 46048من العمال والمستخدمين»(
.)10وفي سنة ،1902كان تروست الفولذ ينتج 9مليين طن من الفولذ( .)11وبلغ ما أنتجه من الفولذ %66.3
في سنة 1901و %56.1في سنة 1908من مجموع إنتاج الفولذ في الوليات المتحدة( ،)12وما استخرجه من
المعادن في السنتين المذكورتين %43.9و .%46.3
لقد جاء في تقرير اللجنة الحكومية المريكية عن التروستات« :إن تفوقها على المزاحمين يستند إلى ضخامة حجم
مشاريعها وإلى تجهيزها التكنيكي الممتاز .فتروست التبغ قد بذل كل جهوده منذ تأسيسه ليحل العمل اللي محل العمل
اليدوي في نطاق واسع وفي جميع الميادين .وقد اشترى لهذا الغرض جميع براءات اختراع التي لها أية علقة بتحضير
التبغ وأنفق على ذلك مبالغ طائلة .وتبين أن الكثير من هذه الختراعات كان في بادئ المر غير صالح وتأتى على
المهندسين المستخدمين في التروست ضبطها .وفي أواخر سنة 1906أنشئت شركتان فرعيتان هدفهما الوحيد شراء
براءات الختراع .وللعرض ذاته أنشأ التروست مصانع الصهر ومصانع الماكينات وورشات التصليح .وإحدى هذه
المؤسسات ،في بروكلين ،تستخدم 300عامل بالمتوسط ،وفيها تجري تجربة الختراعات وتحسينها لصنع السجائر
والنوع الصغير من السيكار والنشوق وأوراق القصدير للف والعلب وغير ذلك(« .»)13والتروستات الخرى تستخدم كذلك
ما يسمى (المهندس لتطوير التكنيك)؛ ومهمتهم إيجاد أساليب جديدة للنتاج وتجربة التحسينات التكنيكية .ويدفع تروست
الفولذ لمهندسيه وعماله جوائز عالية لقاء كل اختراع يحسن التكنيك أو يخفض التكاليف»(.)14
وعلى النمط نفسه نظمت قضية التحسينات التكنيكية في الصناعة اللمانية الكبيرة ،مثل في الصناعة الكيميائية التي تطورت
بصورة هائلة خلل عشرات السنين الخيرة .فإن تمركز النتاج قد أنشأ في هذه الصناعة نحو سنة « 1908فريقين»
رئيسيين جنحا كذلك ،على طريقتهما ،إلى الحتكار .ففي بادئ المر ،كان هذان الفريقان «تحالفين مزدوجين» بين زوجين
من أضخم المعامل رأسمال كل منهما من 21-20مليون مارك :من جهة معامل مايستر السابق في هوخست وكاسيله في
فرانكفورت على الماين؛ ومن الجهة الخرى معمل النيلين والصودا في لودفيغسهافن ومعمل باير السابق في إيلبيرفيلد .ثم،
في سنة ،1905عقد أحد الفريقين وفي سنة 1908عقد الفريق الخر ،كل على انفراد ،اتفاقا مع معمل كبير آخر.
فكانت النتيجة ظهور «تحالفين ثلثيين» رأسمال كل منهما من 50-40مليون مارك فبدأ بين هذين «التحالفين»
«التقارب» و«التفاهم» حول السعار وغير ذلك(.)15
المزاحمة تتحول إلى احتكار .وينتج عن ذلك تقدم هائل في اتخاذ النتاج صبغة اجتماعية ،بما في ذلك أيضا ميدان
9
الختراعات والتحسينات التكنيكية.
إنه حال يختلف كل الختلف عن المزاحمة الحرة القديمة بين أصحاب أعمال مبعثرين ل يعلم أحدهم شيئا عن أحوال الخر
وينتجون للتصريف في سوق مجهولة .لقد بلغ التمركز حدا غدا معه في المكان إجراء جرد تقريبي لجميع مصادر الخامات
(مثل مصادر معدن الحديد) في بلد معينة أو حتى ،كما سنرى ،في جملة من البلدان وفي العالم بأسره .ول يقتصر المر
على إجراء هذا الجرد ،بل وتضع اتحادات احتكارية هائلة أيديها على هذه المصادر وتستولي عليها .ويجري حساب تقريبي
لستيعاب السواق التي «تقسمها» هذه التحادات فيما بينها على أساس العقود .تحتكر اليدي العاملة المدربة وتستأجر
نخبة المهندسين ويستولي على طرق ووسائط المواصلت – السكك الحديدية في أمريكا ،شركات البواخر في أوروبا
وأمريكا .فالرأسمالية في مرحلتها المبريالية توصل رأسا إلى إعطاء النتاج صبغة اجتماعية شاملة ،وهي تجر
الرأسماليين ،إن أمكن القول ،رغم إرادتهم وإدراكهم ،إلى نظام اجتماعي جديد ،انتقالي من حرية المزاحمة التامة إلى
الصطباغ التام بالصبغة الجتماعية.
يغدو النتاج اجتماعيا ،ولكن التملك يبقى خاصا .تظل وسائل النتاج الجتماعية ملكا خاصا لعدد ضئيل من الفراد .يبقى
الطار العام للمزاحمة الحرة المعترف بها شكليا ،ويغدو ظلم حفنة الحتكاريين لبقية السكان أثقل وأشد بمائة مرة.
لقد كرس القتصاد اللماني كستنر مؤلفا خاصا لموضوع «الصراع بين الكارتيلت والدخلء» ،أي أصحاب العمال غير
المنتظمين للكارتلت .وقد أسمى هذا الكتاب «الجبار على التنظيم» ،في حين كان ينبغي الحديث عن الجبار على الخضوع
لتحادات الحتكاريين ،وذلك طبعا لكيل تطلى الرأسمالية بالمساحيق .ومن المفيد أن نلقي نظرة ولو على قائمة الوسائل التي
تلجأ إليها اتحادات الحتكاريين في الصراع الراهن ،الحديث ،المتمدن ،من أجل «التنظيم» )1 :الحرمان من المواد الخام
(«…طريقة من أهم طرق الجبار على النضمام إلى الكارتيل»)؛ )2الحرمان من اليدي العاملة عن طريق «الئتلفات»
(أي العقود بين الرأسماليين ونقابات العمال بشأن عدم قبول هذه الخيرة العمل إلّ في المشاريع المنظمة إلى الكارتيلت)؛
)3الحرمان من وسائط النقل؛ )4الحرمان من أسواق التصريف؛ )5عقود مع الشارين بشأن عدم إقامة العلقات
التجارية إلّ مع الكارتيلت وحدها؛ )6تخفيض السعار بصورة منظمة (ليفلس «الدخلء» ،أي المشاريع غير الخاضعة
للحتكاريين؛ تنفق المليين للبيع بأقل من التكاليف خلل زمن معين :فقد حدثت فترات خفضت فيها السعار في صناعة
البنزين من 40إلى 22ماركا ،أي نحو النصف! )7الحرمان من التسليف؛ )8إعلن المقاطعة.
إن ما نراه ليس بصراع بالمزاحمة بين مشاريع صغيرة وكبيرة ،متأخرة التكنيك وراقية التكنيك .إن ما نراه هو خنق
الحتكاريين للذين ل يخضعون للحتكارات ولظلمها وعسفها .وإليكم صورة انعكاس هذه العملية في ذهن اقتصادي
برجوازي:
كتب كستنر« :وحتى في ميدان النشاط القتصادي الصرف يجري بعض التحول من النشاط التجاري بمعنى الكلمة السابق
إلى نشاط المضاربة التنظيمي .ومن يحرز النجاح الكبر ليس التاجر الذي تتيح له خبرته الفنية والتجارية أن يحرز على
خير وجه حاجات المشترين ،أن يجد وأن «يكتشف» ،إن أمكن القول ،الطلب الموجود في حالة خفية ،بل العبقري في
المضاربة (؟!) القادر على أن يحسب مقدما أو ،على القل ،أن يحس تطور التنظيم والصلت المحتملة بين هذه أو تلك من
المشاريع أو البنوك…».
ومعنى ذلك إذا ترجم إلى لغة الناس أن تطور الرأسمالية قد بلغ حدا تقوض فيه النتاج البضاعي فعل وإن كان ما زال
«سائدا» كالسابق وما زال يعتبر أساسا للقتصاد كله ،وتصبح فيه الرباح الرئيسية من نصيب «عباقرة» الملعيب المالية.
وتقوم هذه الملعيب والحتيالت على أساس اكتساب النتاج للصفة الجتماعية ،ولكن تقدم البشرية الهائل التي توصلت
بعملها إلى حد اكتساب النتاج للصفة الجتماعية يصبح مفيدا… للمضاربين .وسنرى فيما يأتي كيف أن نقاد المبريالية
الرأسمالية من صغار البرجوازيين الرجعيين يحملون «على هذا الساس» بالعودة إلى الوراء ،إلى المزاحمة «الحرة»،
«السلمية»« ،الشريفة».
يقول كستنر« :إن ارتفاع السعار مدة طويلة كنتيجة لتشكل الكارتيلت لم يلحظ حتى الن إلّ فيما يخص أهم وسائل
النتاج ،ولسيما الفحم الحجري والحديد والقلى ،وبالعكس ،لم يلحظ أبدا فيما يخص المنتوجات الجاهزة .والرتفاع في
العائدات الناشئ عن ذلك قد اقتصر أيضا على صناعة وسائل النتاج .وينبغي أن نضيف إلى هذه الملحظة أن صناعة
تكييف المواد الخام (ل المصنوعات نصف الجاهزة) ،عدا أنها تجني – بفضل تشكل الكارتيلت – الفوائد بشكل أرباح
10
مرتفعة لما فيه خسارة الصناعة المشغولة بإكمال المصنوعات نصف الجاهزة ،قد اكتسب حيال هذه الصناعة نوعا من
السيطرة لم يكن لها وجود في زمن المزاحمة الحرة»(.)16
إن الكلمات التي أشرنا إليها تبين كنه القضية الذي ل يعترف به القتصاديون البرجوازيون إلّ نادرا وبغير رغبة والذي
يسعى إلى تجنبه وإهماله جهد طاقتهم المدافعون الحاليون عن النتهازية وعلى رأسهم كارل كاوتسكي .فعلقات السيطرة
والقسر الناجم عنها هو ما يميز «المرحلة الحديثة في تطور الرأسمالية» ،هو ما كان ل بد أن ينتج وما نتج فعل عن تشكل
الحتكارات القتصادية الكلية القدرة.
لنذكر مثل آخر عن سيطرة الكارتيلت .إن نشوء الكارتيلت وتشكل الحتكارات هو أمر في غاية السهولة حيث يمكن
الستيلء على جميع مصادر الخامات أو على القسم الرئيسي من هذه المصادر .ولكن من الخطأ الظن أن الحتكارات ل تنشأ
كذلك في الفروع الصناعية الخرى التي ل يمكن فيها الستيلء على مصادر الخامات .فصناعة السمنت تجد الخامات في
كل مكان .بيد أن الكارتيلت قد اتحدت المعامل في سينديكات اقليمية :سينديكات جنوب ألمانيا وسينديكات إقليمي الرين-
فيستفاليا والخ ..والسعار هي أسعار الحتكارات 280-230 :ماركا قيمة عربة القطار في حين أن تكاليفها 180
ماركا! وتعطي المشاريع %16-12لحملة السهم؛ ولكن ل ينبغي أن ننسى أن «عباقرة» المضاربة العصرية يحسنون
توجيه مبالغ من الرباح إلى جيوبهم فضل عما يوزع على حملة السهم .وبغية إزاحة المزاحمة من صناعة تدر مثل هذه
الرباح ل يحجم الحتكاريون حتى عن الحابيل :ينشرون إشاعات كاذبة عن سوء الحال في الصناعة ،ينشرون في الصحف
إعلنات مغفلة« :أيها الرأسماليون! حذار أن توظفوا رؤوس أموالكم في صناعة السمنت» ،وأخيرا يشترون معامل
«الدخلء» (أي غير المنضمين إلى السينديكات) ،ويدفعون لهم «خلوّا» 150-70-60ألف مارك( .)17يشق الحتكار
طريقه في كل مكان وبكل الوسائل ،ابتداء من دفع الخلوّ «المتواضع» وانتهاء «بتطبيق» الطريقة المريكية لنسف المزاحم
بالديناميت.
أمّا قضاء الكارتيلت على الزمات فهو قصة اختلقها القتصاديون البرجوازيون الذين يسعون وراء طلي الرأسمالية
بالمساحيق مهما كلف المر .بالعكس ،إن الحتكار ،عندما ينشأ في بعض الفروع الصناعية ،يشدد ويزيد الفوضى التي تلزم
النتاج الرأسمالي بأكمله .فعدم التناسب بين تطور الزراعة والصناعة ،المر المميز للرأسمالية بوجه عام ،يزداد لدرجة
أكبر .إذ أن الوضع الممتاز الذي تجد فيه نفسها الصناعة الكثر تنظيما في الكارتيلت ،ما يسمى بالصناعة الثقيلة ،ولسيما
صناعة الفحم والحديد ،يفضي ،في الفروع الصناعية الخرى ،إلى «انعدام المنهاجية لدرجة أشد» كما يعترف ييدلس الذي
وضع كتابا من أحسن الكتب عن «العلقات بين البنوك اللمانية الكبرى والصناعة»(.)18
وقد كتب ليفمن ،المدافع عن الرأسمالية دون حياء« :كلما كان القتصاد الوطني أكثر تطورا ،كلما اتجه نحو المشاريع التي
تنطوي على المجازفة أو الموجودة في الخارج ،نحو المشاريع التي تحتاج لتطورها زمنا طويل أو ،أخيرا ،نحو تلك التي ل
يتعدى أهميتها النطاق المحلي»( .)19إن ازدياد المجازفة ينشأ في نهاية المر عن ازدياد الرأسمال ازديادا هائل فيفيض،
إن أمكن القول ،ويتدفق إلى الخارج والخ ..ثم إن تنامي التكنيك بسرعة متزايدة يسفر عن مزيد ومزيد من عناصر عدم
التناسب بين مختلف نواحي القتصاد الوطني ،ومن الفوضى والزمات .وقد اضطر ليفمن ذاته إلى العتراف قائل« :ربما
كان على البشرية أن تواجه مرة أخرى في المستقبل القريب انقلبات كبيرة في حقل التكنيك سيكون لها تأثيرها كذلك على
التنظيم القتصادي الوطني»… الكهرباء ،الطيران…«وفي المعتاد وكقاعدة عامة تشتد المضاربة بقوة في أزمنة التغيرات
القتصادية الجذرية…»(.)20
والزمات بأنواعها – القتصادية في الغلب ،ولكن ليست اقتصادية وحدها – تشدد بدورها ،في نطاق واسع ،الميل إلى
التمركز وإلى الحتكار .وهاكم أراء ييدلس بليغة الدللة عن أهمية أزمة سنة ،1900الزمة التي كانت ،كما نعلم ،نقطة
تحول في تاريخ الحتكارات الحديثة:
«وحين تفجرت أزمة 1900كان هناك ،إلى جانب المشاريع الهائلة في الفروع الصناعية الرئيسية ،عدد كبير من
المشاريع ذات التنظيم المتأخر حسب المفهوم الحالي ،مشاريع «ساده»» (أي غير المركبة) «رفعتها إلى أعلى موجة
النهضة الصناعية .فهبوط السعار وانخفاض الطلب قد ساقا هذه المشاريع «الساده» إلى حال من الشدة لم تمس المشاريع
الهائلة المركبة بتاتا أو مستها لفترة قصيرة جدا .وبنتيجة ذلك أدت أزمة سنة 1900إلى التمركز الصناعي بمقاييس أكبر
جدا من أجمة سنة :1873فهذه الخيرة قامت أيضا بنوع من الصطفاء لحسن المشاريع ،ولكن هذا الصطفاء لم يمكنه،
11
مع مستوى التكنيك في ذلك العهد ،ان يسفر عن احتكار تلك المشاريع التي خرجت من الزمة ظافرة ،وهذا الحتكار المديد
والمتطور جدا هو بالضبط ما تملكه – بفضل تكنيكها المعقد منتهى التعقيد وتنظيمها الدقيق للغاية وقوة رأسمالها –
المشاريع الهائلة في صناعتي الحديد والكهرباء الراهنتين ثم ،لدرجة أقل ،مشاريع صناعة بناء الماكينات وبعض فروع
صناعة التعدين وطرق المواصلت وغير ذلك»(.)21
الحتكار هو آخر كلمة لـ«أحدث المراحل في تطور الرأسمالية» .ولكن تصورنا لمدى قوة وأهمية الحتكارات الحديثة يكون
غير واف أبدا وغير تام ،ومنقوصا إن لم نأخذ بعين العتبار دور البنوك..
-----------------------------------------------------------------------
---------
( )1الرقام من ( Annalen des deutschen Reichs, 1911 Zahnالمجلة السنوية للدولة اللمانية،
سنة ،1911تسان .الناشر
(Hermann Levy «Monopole, Kartelle und Trusts». Jena 1909, » SS. )5
( ..286, 290, 298هرمن ليفي« .الحتكارات والكارتيلت والتروستات» .يينا ،سنة ،1909ص ص ،286
.297الناشر)
12
(Dr. Riesser «Die deutschen Grobbanken und ihre Konzentrtion im )7
Zusammenhange mit der Entwicklung der Gesamtwirtschaft in
Deutschland». 4 Aufl., 1912, S. 149. R. Liefmann/ «Kartelle und
Trusts und die Weiterbildung der volkswirtechaftlichen Organisation».
2. Aufl. 1910, S. 25الدكتور ريسر« .البنوك اللمانية الكبيرة وتمركزها بالتصال مع التطور القتصادي العام
في ألمانيا» .الطبعة الرابعة ،سنة ،1912ص – .149ر .ليفمن« .الكارتيلت والتروستات واطراد تطور تنظيم
القتصاد الوطني» .الطبعة الثانية ،سنة ،1910ص .25الناشر)
( Dr. S/ Tschierschky. «Kartell und Trust». Gött., 1903 )11ص ( 13الدكتور
س .تشيرشكي« .الكارتيل والتروست» .غوتينغين .الناشر.).
( ، Rieser )15الكتاب المذكور ،ص 547وما يليها ،الطبعة الثالثة .وتفيد الصحف (يونيو )1916عن إنشاء
تروست جديد هائل الضخامة يوحد الصناعة الكيماوية اللمانية.
13
( )16كستنر .الكتاب المذكور .ص 254
( Zement» von L. Eschwege. «Die Bank», 1909,1« )17ص 115وما يليها
(«السمنت» ل .ايشفيغه .مجلة «البنك» .الناشر).
الفصل الثاني
البنوك ودورها الجديد
إن وظيفة البنوك الساسية وأولى هي الوساطة في الدفع .وأثناء ذلك تحول البنوك الرأسمال النقدي غير العامل إلى رأسمال
عامل ،أي إلى رأسمال يدر الرباح ،وتجمع العائدات النقدية بشتى أنواعها وتضعها تحت تصرف طبقة الرأسماليين.
ومع تطور الشؤون البنكية وتمركزها في مؤسسات قليلة العدد ،تتحول البنوك من وسطاء متواضعين إلى احتكارات شديدة
الحول والطول تتصرف بمعظم الرأسمال النقدي العائد لمجموع الرأسماليين وصغار أصحاب العمال وكذلك بالقسم الكبر من
وسائل النتاج ومصادر الخامات في بلد معينة أو في جملة من البلدان .وتحول الوسطاء الكثيرين المتواضعين إلى حفنة
من الحتكاريين هو وجه أساسي من وجوه صيرورة الرأسمالية إلى امبريالية رأسمالية ،ولذا ينبغي لنا أن نتناول في المقام
الول تمركز البنوك.
وفي سنة 1908-1907كانت الودائع في جميع البنوك اللمانية المساهمة التي يزيد رأسمال كل منها من 1مليون
مارك تبلغ 7مليارات مارك؛ وفي سنة 1913-1912بلغت الودائع 9.8مليار مارك .لقد بلغت الزيادة خلل خمس
سنوات 2.8مليار ،أي %40؛ منها 2.75مليار مودعة في 57بنكا رأسمال كل منها 10مليين مارك .وكان توزيع
الودائع بين البنوك الكبيرة والصغيرة على الصورة التية(:)1
في البنوك البرلينية التسعة الكبرى في البنوك الـ 48الخرى التي يزيد رأسمال كل منها على 10مليين مارك في
115بنكا يبلغ رأسمال كل منها من 1مليون و 10مليين مارك في البنوك الصغيرة (رأسمال كل منها أقل من 1
مليون مارك)
سنة 1908-1907
14
4 16.5 32.5 47
سنة 1913-1912
3 12 36 39
البنوك الصغيرة أزيحت من قبل البنوك الكبرى التي تركز تسعة منها فقط نحو نصف مجموع الودائع .ولكن أشياء كثيرة لم
تؤخذ هنا بعين العتبار ،منها مثل تحول حملة من البنوك الصغيرة في الواقع إلى فروع للبنوك الكبرى وغير ذلك ،المر
الذي سنتحدث عنه فيما يأتي:
في أواخر سنة 1913قدر شولتزه-غيفيرنيتز الودائع في البنوك البرلينية التسعة الكبرى بـ 5.1مليار مارك من
مجموع مبلغ من 10مليارات .وقد كتب المؤلف نفسه آخذا بعين العتبار مجموع الرأسمال البنكي ،ل الودائع وحدها:
«في أواخر سنة ،1909كانت البنوك البرلينية التسعة الكبرى ،مع البنوك المرتبطة بها ،تدير 11.3مليار مارك ،أي
نحو %83من مجموع ملغ الرأسمال البنكي في ألمانيا« .فالبنك اللماني» (« )»Deutche Bankالذي يدير مع
البنوك المرتبطة به مبلغا يقرب من 3مليارات مارك هو ،إلى جانب الدارة البروسية لسكك حديد الدولة ،عبارة عن التراكم
الكبر والقل مركزية للرأسمال في العالم القديم(.)2
لقد أشرنا إلى كلمة البنوك «المرتبطة» ،لن ذلك يتعلق بخاصة من أهم الخواص المميزة للتمركز الرأسمالي الحديث.
فالمشاريع الكبرى ،ولسيما البنوك ،ل تبتلع الصغيرة بصورة مباشرة وحسب ،بل «تربط»ـها بنفسها وتخضعها وتضمها
إلى «مجموعتـ»ـها ،إلى «كونسرنـ»ـها حسب التعبير الفني ،وذلك عن طريق «الشتراك» في رأسمالها ،عن طريق
شراء أو تبادل السهم ،عن طريق نظام القروض وهلم جرا وغير ذلك .لقد كرس البروفيسور ليفمن «مؤلفا» ضخما بلغ
خمسمائة صفحة لوصف «شركات الشتراك والتمويل» الحديثة( ،)3ولكنه ،للسف ،يضيف محاججات «نظرية» هزيلة إلى
مواد لم يحسن تدبيرها في الغلب .ومؤلف «البنكير» ريسر عن البنوك اللمانية الكبرى يبين أحسن من أي مؤلف آخر
النتيجة التي تسفر عنها طريقة «الشتراك» هذه من وجهة نظر التمركز .ولكن قبل أن ننتقل لبحث معطياته نذكر مثل عمليا
عن طريقة «الشتراك».
«مجموعة» « البنك اللماني» هي من أكبر مجموعات البنوك الكبرى إن لم تكن أكبرها .ولكيما نتبين الخيوط الرئيسية التي
تربط جميع بنوك هذه المجموعة ينبغي أن نميز «اشتراك» الدرجات الولى والثانية والثالثة أو ،وهو المر نفسه ،التبعية
(البنوك الصغر «للبنك اللماني») من الدرجات الولى والثانية والثالثة .ونحصل على الصورة التالية(:)4
في العدد الـ 8بنوك «من تبعية الدرجة الولى» التي تخضع «للبنك اللماني» «من وقت لخر» ثلثة بنوك أجنبية :إحدها
نمساوي («التحاد البنكي» في فيينا « )»Bankvereinوإثنان روسيان (البنك التجاري السيبيري والبنك الروسي
للتجارة الخارجية) .ومجموعة «البنك اللماني» تضم مباشرة وغير مباشرة ،كليا وجزئيا 17بنكا؛ ومجمل الرأسمال الذي
تتصرف به مجموعة «البنك اللماني» – رأسمالها الخاص والودائع – يقدر بـ 3-2مليارات مارك.
ومن الواضح أن بنكا يرأس مجموعة كهذه ويعقد اتفاقات مع نصف دزينة من البنوك الخرى ،ل تقل عنه في قوتها إ ّل
قليل ،من أجل العمليات المالية الكبيرة جدا والمفيدة للغاية كمنح القروض للدولة ،قد شب عن دور «الوسيط» وغدا اتحادا
لحفنة من الحتكاريين.
إن الرقام التالية التي ننقلها باختصار عن ريسر تظهر بأية سرعة جرى تمركز البنوك في ألمانيا بالضبط في أواخر القرن
15
19وبداية القرن :20
سنوات فروع في ألمانيا صناديق ودائع ومكاتب صرفية اشتراك دائم في البنوك المساهمة اللمانية مجموع المستندات
42 1 14 16 1895
80 8 40 21 1900
450 63 276 104 1911
وهكذا نرى كيف تتسع بسرعة شبكة القنوات الكثيفة شاملة البلد من أقصاها إلى أقصاها ومركزة جميع الرساميل
والمداخيل النقدية وجاعلة من اللوف المؤلفة من المشاريع المبعثرة اقتصادا رأسماليا وطنيا موحدا ثم اقتصادا رأسماليا
عالميا .أمّا «عدم التمركز» الذي تحدث عنه باسم القتصاد السياسي البرجوازي في أيامنا شولتزه-غيفيرنيتز في الفقرة
المثبتة أعله فهو يتلخص في الواقع بأنه يخضع لمركز واحد عدد متزايد من الوحدات القتصادية التي كانت فيما مضى
«مستقلة» نسبيا أو ،بالصح ،ذات طابع محلي بحت .ومعنى ذلك في الواقع أن هنالك تمركزا وارتفاعا لشأن الحتكارات
العملقة ولهميتها وبأسها.
و«شبكة البنوك» هذه هي أكثر كثافة أيضا في البلدان الرأسمالية القدم .ففي إنجلترا مع ارلنده بلغت فروع جميع البنوك في
سنة .7151 -1910وكان لدى كل بنك من البنوك الربعة الكبرى أكثر من 400فرع (من 447إلى ،)689
وكانت هناك 4بنوك أخرى لدى كل منها أكثر من ،300و 11بنكا لدى كل منها أكثر من 100فرع.
وفي فرنسا طورت البنوك الكبرى الثلثة«( »Crédit Lyonnais« ،كريدي ليونيه»)Comptoir« ،
«( »Nationalكونتوار ناسيونال») و««( »Société Généraleسوسييتي جينرال»)( )5عملياتها وشبكة
فروعها على الشكل التالي(:)6
ولوصف «روابط» البنك الكبير الحديث يذكر ريسر أرقاما عن عدد الرسائل التي وجهتها وتلقتها «شركة الخصم» («
)»Disconto-gesellschaftوهي بنك من أكبر البنوك في ألمانيا وفي العالم كله (لقد بلغ رأسمالها في سنة
300 -1914مليون مارك):
عدد الرسائل
وفي البنك الباريسي الكبير «كريدي ليونيه» ارتفع عدد الحسابات الجارية من 28535في سنة 1875إلى
633539في سنة .)7( 1912
نحسب أن هذه الرقام البسيطة تظهر بصورة أوضح من الشروح المسهبة كيف تتبدل أهمية البنوك بشكل جذري مع تمركز
16
الرأسمال وتزايد عملياتها .فمن الرأسماليين المبعثرين يتكون رأسمالي واحد مشترك .وإذ يقوم البنك بالحسابات الجارية
لعدد من الرأسماليين يبدو وكأنه يقوم بعملية تكنيكية بحتة ،بعملية مساعدة ل غير .ولكن عندما تبلغ هذه العملية مقاييس
هائلة تكون النتيجة أن حفنة من الحتكاريين تخضع لنفسها العمليات التجارية والصناعية في المجتمع الرأسمالي كله ،إذ
تتوفر لها – بفضل الصلت بين البنوك وعن طريق الحسابات الجارية والعمليات المالية الخرى – المكانية لتعرف في أي
بادئ المر على وجه الدقة حالة العمال لدى كل رأسمالي على حدة ثم للشراف عليهم والتأثير عليهم عن طريق توسيع أو
تضييق ،تسهيل أو تصعيب التسليف ،وأخيرا لتقرر بصورة تامة مصائرهم ،لتحدد مداخليهم ،لتحرمهم من الرأسمال أو
لتمكنهم من تضخيم رساميلهم بسرعة وبمقادير هائلة ،الخ.
ذكرنا الن أن رأسمال «شركة الخصم» في برلين يبلغ 300مليون مارك .وهذا الزدياد لرأسمال «شركة الخصم» كان
حادثا من حوادث الصراع من أجل السيطرة بين بنكين من أكبر البنوك البرلينية هما «البنك اللماني» و«شركة الخصم».
ففي سنة 1870كان الول مبتدئا لم يزد رأسماله عن 15مليونا وبلغ رأسمال الثاني 30مليونا .وفي سنة 1908
بلغ رأسمال الول 200مليون ورأسمال الثاني 170مليونا .وفي سنة 1914رفع الول رأسماله إلى 250مليونا
ورفع الثاني رأسماله عن طريق الندماج ببنك كبير آخر من الدرجة الولى «بنك شافهاوزن التحادي» إلى 300مليون.
وغني عن البيان أن هذا الصراع من أجل السيطرة يجري بمحاداة «التفاقات» المتوافرة المتوطدة بين البنكين .وهاكم
الستنتاجات التي يوحيها مجرى هذا التطور للختصاصيين في الشؤون البنكية الذين يعالجون المور القتصادية من وجهة
نظر ل تتعدى بحال حدود الصلحية البرجوازية الكثر اعتدال والكثر كياسة:
كتبت المجلة اللمانية «البنك» بشأن ازدياد رأسمال «شركة الخصم» إلى 300مليون قائلة« :ستنخرط البنوك الخرى في
الطريق نفسه ،ومن الـ 300شخص الذين يديرون ألمانيا اقتصاديا في الوقت الحاضر لن يبقى مع مر الزمن إلّ 50أو
25أو أقل من ذلك .ول يصح أن ننتظر أن تقتصر حركة التمركز الجديدة على ميدان البنوك وحده .فالروابط الوثيقة
القائمة بين بعض البنوك تؤدي بطبيعة الحال إلى التقارب بين سينديكات الصناعيين التي تتمتع بحماية هذه البنوك…
سنستيقظ في صباح ما فيدهشنا أن ل نرى أمام عيوننا إلّ التروستات وحدها؛ وسنرى أنفسنا أمام ضرورة الستعاضة عن
الحتكارات الخاصة باحتكار حكومة .ومع ذلك فليس هنالك في الجوهر ما نلون أنفسنا عليه ،اللهم إلّ تركنا الحبل على
الغارب أمام مجريات المور ،التي زادت السهم قليل من سرعتها»(.)8
إنه مثل على عجز الصحافة البرجوازية التي ل يمتاز عنها العلم البرجوازي إلّ بكونه أقل إخلصا وبنوعيه إلى طمس
جوهر المر وإلى تغطية الغابة ببعض شجرات« .استغراب» نتائج التمركز؛ «لوم» حكومة ألمانيا الرأسمالية أو «المجتمع»
الرأسمالي («نحن»)؛ الخوف من أن «يعجل» إدخال السهم التمركز ،كما يخاف أحد اللمان الختصاصيين بـ«الكارتيلت»،
تشيرشكي ،من التروستات المريكية و«يفضل» الكارتيلت اللمانية لنها ل تستطيع على ما يزعم« ،أن تعجل لهذا الحد
الخارق ،كالتروستات ،سير التقدم التكنيكي والقتصادي»( – ،)9أفليس هذا هو العجز؟
بيد أن المر الواقع هو المر الواقع .ليس في ألمانيا تروستات ،ففيها الكارتيلت «فقط»؛ ولكن ألمانيا يديرها ما ل يزيد عن
300من طواغيت الرأسمال .ويتضاءل عدد هؤلء باستمرار .أمّا البنوك فهي ،في جميع الحالت وفي جميع البلدان
الرأسمالية ومهما تنوع التشريع البنكي الذي تخضع له ،تقوي وتعجل لحد كبير سير تمركز الرأسمال وتشكل الحتكارات.
لقد كتب ماركس منذ نصف قرن في مؤلفه «رأس المال» أن «البنوك تنشئ على النطاق الجتماعي شكل ،وشكل فقط ،ل
غير ،للمحاسبة العامة والتوزيع العام لوسائل النتاج» (الترجمة الروسية ،المجلد ،3الجزء ،2ص .)144إن ما ذكرناه
من معطيات عن تزايد الرأسمال البنكي وعن تزايد عدد مكاتب وفروع البنوك الكبرى وعدد حساباتها الجارية وغير ذلك
يبين لنا بصورة جلية هذه «المحاسبة العامة» لطبقة الرأسماليين جميعها ،وحتى غير الرأسماليين لن البنوك تجمع ،ولو
لوقت ما ،مختلف أنواع المداخيل النقدية العائدة لصغار أصحاب العمال والموظفين والمرتبة العليا الضئيلة من العمال.
«التوزيع العام لوسائل النتاج» هو ما ينجم ،من ناحية المر الشكلية ،عن البنوك الحديثة التي تتصرف ،في شخص ثلثة
أو ستة بنوك ضخمة في فرنسا وستة أو ثمانية في ألمانيا ،بالمليارات العديدة .ولكن هذا التوزيع لوسائل النتاج ليس /من
حيث مضمونه« ،بعام» فقط ،بل هو خاص ،أي أنه يتم وفق مصالح الرأسمال الضخم ،وفي الدرجة الولى الرأسمال
الضخم ،الحتكاري ،الذي يعمل في ظروف يقاسي فيها جمهور السكان شظف العيش ويتأخر فيها تطور الزراعة برمته
تأخرا يدعو للقنوط عن تطور الصناعة ،بينما يتقاضى فرع واحد منها« ،الصناعة الثقيلة» ،الجزية من سائر فروعها
الخرى.
17
وفي أمر صبغ القتصاد الرأسمالي بالصبغة الجتماعية بدات تنافس البنوك صناديق التوفير ودوائر البريد ،وهو «أبعد عن
المركزية» ،أي أنها تشمل في دائرة نفوذها عددا أكبر من المناطق ،عددا أكبر من الزوايا النائية ،وفئات أوسع من السكان.
إن لجنة أمريكية قد جمعت الرقام التالية التي تظهر بالمقارنة مجرى تزايد الودائع في البنوك وفي صناديق التوفير(:)10
إن صناديق التوفير التي تدفع للودائع %4أو %4.25مضطرة للبحث عن فرص لتوظيف رأسمالها بصورة «رابحة»
وللندفاع إلى عمليات شراء وبيع الكمبيلت والرهون وغير ذلك« .تمحى شيئا فشيئا» الحدود بين البنوك وصناديق التوفير.
وتطلب الغرف التجارية في بوخوم وارفورت مثل «منع» صناديق التوفير من مزاولة العمليات البنكية «الصرف» كخصم
الكمبيلت ،وتطلب تقييد النشاط «البنكي» لدوائر البريد( .)11ويبدو أن ملوك البنوك يخشون من أن يترصد لهم احتكار
الدولة حيث ل ينظرونه .ولكن من البديهي أن هذا الخوف ل يتعدى ،إن أمكن القول ،حدود المنافسة بين مديري قسمين من
أقسام مؤسسة بعينها .ذلك لن طواغيت الرأسمال البنكي هم في الواقع الذين يتصرفون في نهاية المر بالمليارات من
الرساميل المودعة في صناديق التوفير ،هذا من جهة؛ ولن احتكار الدولة في المجتمع الرأسمالي ليس ،من الجهة الخرى،
إلّ وسيلة لزيادة وتوطيد مداخيل أصحاب المليين الموشكين على الفلس في هذا أو ذاك من الفروع الصناعية.
إن حلول الرأسمالية الجديدة التي يسيطر فيها الحتكار محل القديمة التي تسيطر فيها المزاحمة الحرة يتجلى فيما يتجلى في
انحطاط أهمية البورصة .فقد كتبت مجلة «البنك»« :إن البورصة قد كفت من أمد بعيد عن أن تكون الوسيط الذي ل يستغني
عنه في التداول كما كانت فيما مضى ،قبل أن يصبح بإمكان البنوك أن توزع بين زبائنها القسم الكبر من الوراق المالية
الصادرة»(.)12
««كل بنك -بورصة» .إن هذه العبارة التي جرت مجرى المثال في الزمن الحديث تتضمن من الحقيقة قدرا يغدو أكبر
بمقدار تضخم البنك وبمقدار ما يحوز التمركز نجاحات أكبر في ميدان النشاط البنكي»(« .)13وإذا كانت البورصة فيما
مضى ،في السبعينات ،مع ما كانت تتصف به من نزق الشباب» (تلميح «ناعم» إلى إفلس البورصة في سنة 1873وإلى
فضائح غروندير وغير ذلك) «قد فتحت عهد تصنيع ألمانيا ،فقد إذا بإمكان البنوك والصناعة في الوقت الحاضر أن «تنهض
بالمر وحدها» .فسيطرة بنوكنا الكبرى على البورصة… ليس إلّ تعبيرا عن الدولة الصناعية اللمانية المنظمة أكمل تنظيم.
وإذا كان نطاق تأثير القوانين القتصادية النافذة أوتوماتيكيا يتقلص بهذا الشكل ويتسع ،لحد خارق ،نطاق الضبط الواعي
من خلل البنوك ،فبنتيجة ذلك تزداد لدرجة كبرى مسؤولية العدد القليل من القواد على القتصاد الوطني» – هذا ما كتبه
البروفيسور اللماني شولتزه –غيفيرنيتز( )14المدافع عن المبريالية اللمانية والذي يعتبر شخصا نافذ الكلمة عند
المبرياليين في جميع البلدان ويسعى إلى طمس «أمر تافه» هو أن هذا «الضبط الواعي» من خلل البنوك يتلخص في نهب
الجمهور من قبل حفنة من الحتكاريين «المنظمين أكمل تنظيم» .فإن مهمة البروفيسور البرجوازي ليست في كشف أحابيل
الحتكاريين أصحاب البنوك ول فضح احتيالتهم ،بل في تجميلها.
وكذلك ريسر ،القتصادي و«البنكير» البعد صيتا ،يكتفي بعبارات فارغة بصدد وقائع يستحيل انكارها« :تفقد البورصة أكثر
فأكثر خاصيتها التي ل غنى عنها مطلقا للقتصاد كله ولتداول الوراق المالية ،وهي كونها المقياس الكثر دقة ،وكذلك
ضابطا للحركات القتصادية المتجهة نحوها ،يعمل بصورة أوتوماتيكية تقريبا»(.)15
وبعبارة أخرى :إن الرأسمالية القديمة ،رأسمالية المزاحمة الحرة مع ضابطها الذي ل يمكنها الستغناء عنه ،البورصة،
تغيب في طيات الماضي .تحل محلها رأسمالية جديدة تتسم بسمات انتقالية بينة ،بسمات مزيج من المزاحمة الحرة
والحتكار .وهنا يخطر عفوا على البال السؤال التالي :ألمَ «تنتقل» هذه الرأسمالية الحديثة؟ ولكن العلماء البرجوازيين
18
يخافون من طرح هذا السؤال.
«منذ ثلثين سنة كان أصحاب العمال المتزاحمون بحرية يقومون بتسعة أعشار الجهد القتصادي الخارج عن نطاق عمل
«العمال» الجسدي .وفي الوقت الحاضر يقوم الموظفون بتسعة أعشار هذا الجهد الفكري في القتصاد .والنشاط البنكي يتقدم
هذا التطور»( )16إن هذا العتراف من شولتزه-غيفيرنيتز يسوقنا مرة أخرى إلى السؤال عمّا تنتقل إليه الرأسمالية
الحديثة ،الرأسمالية في مرحلتها المبريالية.
بين العدد الضئيل من البنوك التي تبقى في رأس القتصاد الرأسمالي بأكمله بحكم سير التمركز يظهر بصورة طبيعية ويشتد
أكثر فأكثر الميل إلى التفاق الحتكاري ،إلى تروست بين البنوك .ليس في أمريكا تسعة بنوك ،بل بنكان من أكبر البنوك
عائدان لصاحبي المليارات روكفلر ومورغان ،يسيطرون على رأسمال مقداره 11مليار مارك( .)17لقد أشرنا فيما تقدم
إلى ابتلع «شركة الخصم» «لبنك شافهاوزن التحادي» في ألمانيا .وقد أعطت جريدة «فرانكفورت زايتونغ» المعبرة عن
مصالح البورصة لهذا المر التقدير التالي:
«مع اشتداد تمركز البنوك تتقلص دائرة المؤسسات التي يمكن بوجه عام أن تطلب منها القروض ،وبحكم ذلك تشتد تبعية
الصناعة الكبيرة لعدد ضئيل من المجموعات البنوك .وفي ظل الصلة الوثقى القائمة بين الصناعة وعالم رجال المال تقيد
حرية حركة الشركات الصناعية المحتاجة لرأسمال البنوك .ولهذا تنظر الصناعة الكبيرة إلى اشتداد تكتل البنوك في
التروستات (انضمام أو تحول إلى تروستات) بمشاعر مختلطة؛ الواقع أنه قد لوحظت مرارا بوادر إتفاقات معينة بين هذه أو
تلك من اتحادات البنوك الكبرى ،اتفاقات هدفها تقييد المزاحمة»(.)18
وها نحن نرى مرة أخرى أن الكلمة الخيرة في تطور النشاط البنكي هي الحتكار.
أمّا بخصوص الصلة الوثقى القائمة بين البنوك والصناعة ،ففي هذا الميدان بالضبط يبدو دور البنوك الجديدة ربما بأجلى
شكل .فإذا كان البنك يقوم بخصم كمبيلت هذا الصناعي أو ذاك ويفتح له حسابا جاريا الخ ،.فإن هذه العمليات مأخوذة على
حدة ل تحد من استقلل هذا الصناعي قيد أنملة ول يتعدى البنك دوره كوسيط متواضع .ولكن عندما تكثر هذه العمليات
وتتوطد ،وعندما «يجمع» البنك بين يديه مقادير هائلة من الرساميل وعندما يكون القيام بعمليات الحساب الجاري لهذا
المشروع يمكن البنك من أن يعرف – وهذا ما يحدث في المعتاد – بصورة أدق وأكمل حالة الزبون القتصادية ،تكون
النتيجة خضوع الرأسمالي الصناعي للبنك خضوعا أكثر فأكثر.
وإلى جانب ذلك يتطور ،إن أمكن القول ،التحاد الشخصي بين البنوك والمشاريع الصناعية والتجارية الكبرى واندماج هذه
وتلك عن طريق تملك السهم ،عن طريق دخول مدراء البنوك في عضوية مجالس مراقبة (أو مجالس إدارة) المشاريع
الصناعية والتجارية ،وبالعكس .لقد جمع القتصادي اللماني ييدلس معلومات مفصلة عن هذا الشكل من تمركز المشاريع.
فثمة ستة بنوك برلينين كبرى كانت ممثلة بواسطة مدرائها في 344شركة صناعية وبواسطة أعضاء مجالس إدارتها في
407شركات أخرى ،أي في 751شركة بالمجموع .وكان لها في 289من هذه الشركات إمّا عضوان في مجالس
المراقبة أو منصب الرئاسة في هذه المجالس .وبين هذه الشركات الصناعية التجارية نصادف مختلف فروع الصناعة
والتأمين وطرق المواصلت والمطاعم والمسارح وصناعة المنتوجات الفنية وغير ذلك .ومن الجهة الخرى وجد (في سنة
)1910في مجلس مراقبة هذه البنوك الستة نفسها 51من كبار الصناعيين منهم مدير شركة كروب ،ومدير شركة
البواخر الهائلة « )Hapag» (Hamburg-Amerika) (19وهلم جرا والخ ..ومن سنة 1895إلى سنة
1910اشترك كل من هذه البنوك الستة في اصدار السهم والسندات لمئات عديدة من الشركات الصناعية ،أي من 281
إلى 419شركة(.)20
«التحاد الشخصي» بين البنوك والصناعة يكتمل بـ«التحاد الشخصي» بين هذه وتلك والحكومة .فقد كتب ييدلس:
«يقدمون المقاعد في مجالس المراقبة عن طيبة خاطر للشخصيات ذات السماء الطنانة وكذلك للموظفين سابقا في جهاز
الدولة الذين يمكنهم أن يسهلوا (!!) لدرجة كبيرة العلقات مع السلطات»… «ففي مجلس مراقبة بنك كبير نجد في المعتاد
أحد النواب أو أحد أعضاء مجلس بلدية برلين».
إن رسم وتكوين الحتكارات الكبيرة الرساميل ،إذا أمكن القول ،يجريان اذن على قدم وساق وبكل الطرق «الطبيعية»
19
و«الخارقة» .ويتم بصروة منتظمة نوع من تقسيم للعمل بين عدة مئات من ملوك المال في المجتمع الرأسمالي الحديث:
«إلى جانب هذا التساع لميدان نشاط البعض من كبار الصناعيين» (الذين يدخلون في مجالس إدارة البنوك وغير ذلك)
«ووضع منطقة صناعية معينة واحدة فقط تحت إشراف مدراء فروع البنوك في المناطق يحدث شيئا فشيئا التخصص بين
مدراء البنوك الكبرى .وهذا التخصص أمر غير ممكن إلّ في حالة ضخامة المؤسسة البنكية على العموم وسعة نطاق
علقاتها بالصناعة على الخصوص .ويجري تقسيم العمل هذا في اتجاهين :من جهة تعهد جميع العلقات بالصناعة لحد
المدراء لتكون ميدانه الخاص ،ومن الجهة الخرى يأخذ كل مدير على نفسه مراقبة هذا المشروع أو ذاك أم مجموعة من
المشاريع المتشابهة من حيث المهنة أو المصلحة»… (لقد بلغت الرأسمالية درجة المراقبة المنظمة على مختلف
المشاريع)… «اختصاص هذا المدير هو الصناعة اللمانية وأحيانا صناعة ألمانيا الغربية وحدها» (ألمانيا الغربية هي من
وجهة نظر الصناعة القسم الكثر تطورا في ألمانيا)« ،ويتخصص الخرون بالعلقات مع الدول الصناعية الجنبية وبجمع
المعلومات عن شخصيات الصناعيين والخ ،.وبقضايا البورصة وهلم جرا .وفضل عن ذلك غالبا ما يكلف كل مدير من
مدراء البنك بشؤون منطقة معينة أو فرع صناعي معين؛ فيعمل أحدهم بصورة رئيسية في مجالس مراقبة شركات الكهرباء
وآخر في المعامل الكيميائية ،أو في معامل الجعة أو معامل السكر ،ويعمل ثالث في المشاريع القليلة المنعزلة وإلى جانب
ذلك في مجالس مراقبة شركات التأمين… وباختصار ،ل ريب في أنه بمقدار اتساع العمليات وتنوعها يتسع في البنوك
الكبرى تقسيم العمل بين المدراء بقصد (وعلى أن تكون النتيجة) رفعهم قليل ما ،إن أمكن القول ،إلى ما فوق مستوى
الشؤون البنكية الصرف ،بقصد جعلهم أهل لتفهم مجريات المور وأكثر تضلعا في المسائل الصناعية العامة وفي المسائل
الخاصة بكل فرع من فروع الصناعة ولعدادهم للعمل في منطقة نفوذ البنك الصناعية .نظام البنوك هذا يكتمل بميلها إلى
أن ينتخب لمجلس مراقبتها أناس ذوو خبرة واسعة في الشؤون الصناعية وصناعيون وموظفون سابقون ولسيما أولئك
الذين خدموا في إدارات السكك الحديدية والمناجم» وهلم جرا(.)21
ونجد في الميدان البنكي في فرنسا مؤسسات من ذات النوع مع اختلف جد يسير« .فالكريدي ليونيه» ،مثل ،أحد البنوك
الفرنسية الثلثة الكبرى ،قد نظم لديه «إدارة خاصة لجمع المعلومات المالية» (service des études
)financièresويعمل في هذه الدارة بصورة دائمة أكثر من خمسين شخصا من المهندسين والخبراء في الحصاء
والقتصاديين والحقوقيين الخ ..وتكلف هذه الدارة من 600إلى 700ألف فرنك في السنة .وتنقسم هذه الدارة بدورها
إلى ثمانية أقسام :قسم مختص بجمع المعلومات عن المشاريع الصناعية ويدرس القسم الخر الحصاءات العامة ويدرس
القسم الثالث شركات السكك الحديدية والبواخر والرابع الرصدة والخامس التقارير المالية والخ(.)22
وتكون النتيجة ،من جهة ،اندماج متزايد ،أو كما أحسن التعبير بوخارين ،اقتران الرأسمال البنكي والصناعي؛ ومن الجهة
الخرى ،صيرورة البنوك إلى مؤسسات ذات «طابع شامل» حقا .ونرى من الضروري أن نورد بالنص عبارات ييدلس حول
هذه المسألة ،وهو الكاتب الذي درس المسألة أحسن من الخرين:
«بنتيجة دراسة العلقات الصناعية بمجموعها نقرر أن المؤسسات المالية التي تعمل للصناعة هي ذات طابع شامل .فعلى
نقيض الشكال الخرى للبنوك ،على نقيض المطالب التي تصاغ أحيانا في المطبوعات والقائلة بأنه ينبغي على البنوك أن
تتخصص في ميدان معين أو فرع صناعي معين لكيل تفقد الرض تحت قدميها – ،تسعى البنوك الكبرى وراء جعل علقاتها
مع المشاريع الصناعية متنوعة إلى أقصى حد ممكن من حيث الماكن والنتاج ،تسعى وراء إزالة عدم التناسب في توزيع
الرساميل بين مختلف المناطق أو الفروع الصناعية ،عدم التناسب الذي يجد تفسيره في تاريخ مختلف المشاريع»« .هناك
اتجاه يتلخص في جعل هذه العلقات بالصناعة ظاهرة عامة؛ واتجاه آخر يتلخص في جعل هذه العلقات وطيدة وفعالة؛ وقد
طبق التجاهان في البنوك الستة الكبرى ،إن لم يكن بصورة كاملة ،ففي نطاق واسع وبدرجة واحدة».
غالبا ما تشكو الوساط الصناعية والتجارية من «إرهاب» البنوك .وهل من مجال لستغراب هذه الشكاوى إذا كانت البنوك
الكبرى «تتحكم» كما يظهر المثال التالي :في 19نوفمبر سنة 1901وجه أحد البنوك البرلينية المسمات «د» (أسماء
البنوك الربعة الكبرى تبدأ بحرف د) إلى مجلس إدارة سينديكا السمنت في وسط وشمال غرب ألمانيا الرسالة التالية:
«يتضح من النبأ الذي نشر تموه في الثامن عشر من الشهر الجاري في الجريدة الفلنية أن علينا أن نأخذ بالحسبان أنه
يحتمل أنكم ستتخذون في الجمعية العمومية التي ستعقدها سينديكاتكم في الثلثين من الشهر الجاري قرارات يمكنها أن
تحدث في مشروعكم تغييرات ل يسعنا قبولها .ولذلك فنحن ،مع مزيد أسفنا ،مضطرون إلى قطع العتماد الذي فتحناه لكم…
ولكن إذا لم تتخذ في هذه الجمعية العمومية قرارات ل يسعنا قبولهل وإذا قدمت لنا الضمانات المناسبة حول هذا الشأن فيما
يخص المستقبل فنحن نعرب عن استعدادنا للشروع في مداولت بقصد فتح اعتماد جديد لكم»(.)23
20
إنها في جوهر المر عين شكاوى الرأسمال الصغير من ظلم الرأسمال الكبير ،ولكن في هذه الحالة وقع في فئة «الصغار»
سينديكا برمته! إن الصراع القديم بين الرأسمال الصغير والرأسمال الكبير يستأنف في درجة من التطور جديدة ،أعلى جدا.
ومن المفهوم أن مؤسسات البنوك الكبرى التي تتصرف بالمليارات يمكنها كذلك أن تدفع إلى المام تقدم التكنيك بوسائل ل
يمكن أن تقارن بوجه مع الوسائل السابقة .فالبنوك تؤسس ،مثل ،جمعيات خاصة للبحاث التكنيكية ل تنتفع بنتائج دراساتها
إلّ المشاريع الصناعية «الصديقة» طبعا .ومن هذه الجمعيات «جمعية دراسة مسألة السكك الحديدية الكهربائية» و«المكتب
المركزي للبحاث العلمية والتكنيكية» وهلم جرا.
ول ريب في أن المشرفين على البنوك الكبرى أنفسهم يرون أن ظروفا جديدة للقتصاد الوطني آخذة في التكوين؛ ولكنهم
عاجزون إزاءها.
يقول ييدلس« :إن من تتبع أثناء السنوات الخيرة تبدل الشخاص في مناصب المدراء وأعضاء مجالس المراقبة في البنوك
الكبرى ل يمكنه ألّ يرى انتقال السلطة بالتدريج إلى أيدي أشخاص يعتبرون التدخل النشيط في التطور الصناعي العام مهمة
الزامية من مهام البنوك الكبرى تغدو ملحة أكثر فأكثر ،علما بأن ذلك هو مبعث التباعد بين هؤلء الشخاص ومدراء البنوك
القدماء على الصعيد العملي وغالبا على الصعيد الشخصي أيضا .والقضية هي ،في الجوهر ،قضية ما إذا كانت البنوك،
بوصفها مؤسسات تسليف ،ل تتضرر من تدخل البنوك هذا في مجرى النتاج الصناعي ،وما إذا كانت ل تضحي بالمبادئ
الوطيدةوالرباح الكيدة من أجل نشاط ل يجمعه جامع بدورها كوسيط في التسليف ويدفع البنوك إلى صعيد تكون فيه أكثر
من السابق خاضعة لتقلبات الحوال الصناعية العمياء .هذا ما يقوله الكثيرون من مدراء البنوك القدماء؛ أمّا أكثر المدراء
الشباب فيعتبرون التدخل النشيط في المسائل الصناعية ل يختلف عن الضرورة التي نشأت عنها البنوك الكبرى والمشاريع
الصناعية البنكية الحديثة في وقت واحد مع الصناعة الضخمة الحديثة .ويتحقق الجانبان حول نقطة واحدة هي عدم وجود
أية مبادئ وطيدة أو هدف معين لنشاط البنوك الكبرى الجديد»(.)24
انقضى عهد الرأسمالية القديمة .والجديدة هي انتقال إلى جديد ما .أمّا البحث عن «مبادئ وطيدة وهدف معين» «للتوفيق»
بين الحتكارات والمزاحمة الحرة فهو باطل طبعا .فاعترافات أصحاب الخبرة ل تشبه بوجه المديح الذي يكيله لفضائل
الرأسمالية «المنظمة» المدافعون الرسميون عنها من أمثال شولتزه-غيفيرنيتز وليفمن ومن لف لفهم من «النظريين».
في أي زمن بالضبط توطد بصورة نهائية «النشاط الجديد» للبنوك الكبرى؟ نجد لدى ييدلس الجواب الدقيق لحد ما على هذا
السؤال الهام:
«العلقات بين المشاريع الصناعية بمضمونها الجديد وأشكالها الجديدة وهيئاتها الجديدة أي البنوك الكبرى المنظمة في وقت
معا على الطريقة المركزية واللمركزية ،لم تتكون قطعا كظاهرة مميزة للقتصاد الوطني قبل سنوات العقد العاشر من القرن
الماضي ،وبالمكان بمعنى معين تأخير نقطة البدء هذه إلى سنة 1897لما حدث فيها من «اندماجات» كبرى بين
المشاريع ادخلت لول مرة الشكل الجديد للتنظيم اللمركزي لسباب تتعلق بالسياسة الصناعية التي تمارسها البنوك .ولعل
النضباط أن ندفع نقطة البدء هذه إلى تاريخ أقرب ،لن أزمة سنة 1900قد زادت بصورة هائلة من سير التمركز
ووطدت هذا السير سواء في الصناعة أو في البنوك محولة لول مرة الصلت بالصناعة إلى احتكار حقيقي للبنوك الكبرى
وجاعلة هذه الصلت أوثق وأقوى جدا»(.)25
إذن ،إن القرن العشرين هو نقطة التحول من الرأسمالية القديمة إلى الحديثة ،من سيطرة الرأسمال بوجه عام إلى سيطرة
الرأسمال المالي.
-----------------------------------------------------------------------
---------
(( )1الفريد لنسبورغ« .نشاط البنوك اللمانية في خمس سنوات» ،مجاة «البنك» ر 8سنة 1913ص .728الناشر
(« )5شركة التسليف الليونية»« ،دائرة الخصم الوطنية» و«الشركة العامة» .الناشر.
( Jean Lescure. «L’épargne en France». P. 1914 )7ص ( 52جان ليسكور« .الدخار
في فرنسا» .باريس .الناشر).
(A. Lansburgh. «Die Bank mit den 300 Million», «Die Bank» 1914, 1 )8
ص ( 426أ .لنسبورغ« .بنك ذو 300مليون» ،مجلة «البنك» .1914الناشر).
( )10أرقام لجنة النقد المريكية (National Monetary Commisionمأخوذة عن مجلة «البنك» .الناشر)،
سنة ،1910المجلد الثاني ،ص .1200
( )11أرقام لجنة النقد المريكية ( National Monetary Commisionمأخوذة عن مجلة «البنك».
الناشر) ،سنة ،1913ص ص ،811،1022سنة ،1914ص ..713
22
( ، Dr. Oscar Stillich. «Geld-und Bankwesen», Berlin 1907 )13ص .169
(دكتور أوسكاد شتيليخ« .النقود والنشاط البنكي» .برلين .الناشر).
( )22مقال لـ Eug. Kaufmannعن البنوك الفرنسية في مجلة «Die Bank» 1909، 2
الفصل الثالث
الرأسمال المالي والطغمة المالية
23
كتب هيلفردينغ« :إن قسما متزايدا من الرأسمال الصناعي ل يعود إلى الصناعيين الذين يستخدمونه .وهم ل يستطيعون
الحصول على امكانية التصرف به إلّ عن طريق البنك الذي يمثل ازاءهم مالك الرأسمال .ومن الجهة الخرى يتأتى على
البنك أن يوظف في الصناعة قسما متزايدا من رأسماله .وبسبب ذلك يصبح أكثر فأكثر رأسماليا صناعيا .وهذا الرأسمال
البنكي – أي الرأسمال النقدي – الذي تم تحويله بهذه الطريقة إلى رأسمال صناعي في الواقع ،أسميه «الرأسمال المالي».
«فالرأسمال المالي هو إذن الرأسمال الموجود تحت تصرف البنوك والذي يستخدمه الصناعيون»(.)1
وهذا التعريف غير كامل لنه ل يشير إلى ظروف في منتهى الهميةـ نعني به نمو تمركز النتاج والرأسمالي إلى درجة
يفضي معها التمركز وقد أفضى إلى الحتكار .بيد أن مبحث هيلفردينغ بوجه عام ول سيما الفصلين السابقين للفصل الذي
اقتبسنا منه هذا التعريف يؤكد دور الحتكارات الرأسمالية.
تمركز النتاج؛ الحتكارات الناشئة عن هذا التمركز؛ اندماج أو اقتران البنوك والصناعة – هذا هو تاريخ نشوء الرأسمال
المالي وفحوى هذا المفهوم.
ينبغي علينا أن نبين الن أن «تحكم» الحتكارات الرأسمالية في الوضع العام للنتاج البضاعي وللملكية الخاصة يصير
بصورة محتومة إلى سيطرة الطغمة المالية .ولنلحظ أن ممثلي العلم البرجوازي اللماني – وغير اللماني – أمثال ريسر و
شولتزه-غيفيرنيتز وليفمن وأضرابهم هم جميعا من مداحي المبريالية والرأسمال المالي .فهم ل يكشفون ،بل يطمسون
ويطلون بالصباغ «آلية» نشوء الطغمة المالية وأحابيلها ومقادير مداخيلها «الحلل والحرام» وصلتها بالبرلمانات وغير
ذلك والخ ..وهم يتخلصون من «المسائل اللعينة» بالعبارات الطنانة الرنانة المبهمة وبنداءات ليقاظ «شعور المسؤولية»
لدى مدراء البنوك وبكيل المديح لـ«شعور الواجب» لدى الموظفين البروسيين وبتحليل جدي لتفاصيل مشروعات قوانين ل
قيمة لها على الطلق بصدد «المراقبة» و«التحديد» وبلغو نظري من نوع ،مثلً ،التعريف «العملي» المزعوم الذي سجله
البروفسور ليفمن …« :التجارة هي نشاط عملي هدفه جمع الخيرات وحفظها ووضعها تحت التصرف»(( .)2حرف التأكيد
في المؤلف للبروفيسور نفسه… يستنتج إذن أن التجارة كان يمارسها النسان البدائي أيضا الذي كان يجهل التبادل وأنها
ستبقى كذلك في المجتمع الشتراكي!
بيد أن الوقائع الفظيعة التي تتعلق بسيطرة الطغمة المالية الفظيعة تفقأ العين ،ولذا نشأ في جميع البلدان الرأسمالية ،في
أمريكا وفي فرنسا وفي ألمانيا ،أدب يتمسك بوجهة النظر البرجوازية ولكنه يعطي مع ذلك عن الطغمة المالية صورة صادقة
تقريبا وينتقدها ،وإن انتقادا مبتذل طبعا.
ينبغي أن نجعل حجر الزاوية «نظام الشتراك» الذي سبق لنا أن تناولناه ببضع كلمات .وهاكم كيف يصف كنه القضية
القتصادي اللماني هيمان الذي كان بين الولين الذين أعاروه اهتمامهم إن لم يكن الول:
«المدير يشرف على الشركة الساسية («الشركة الم») بالحرف) ،وهي بدورها تسيطر على الشركات التابعة لها
(«الشركات البنات») التي تسيطر بدورها على «الشركات الحفيدات» وهلم جرا .وهكذا يغدو بإمكان المرء ،دون أن يملك
رأسمال كبيرا جدا ،أن يسيطر على ميادين هائلة من ميادين النتاج .وفي الواقع ،إذا كانت حيازة %50من الرأسمال
كافية على الدوام للشراف على الشركة المساهمة ،فحسب القائد أن يملك مليونا واحدا ليحصل على امكانية الشراف على
ثمانية مليين من الرأسمال لدى «الشركات الحفيدات» .وإذا اتسع هذا «التشابك» يصبح بإمكان صاحب المليون أن يشرف
على ستة عشر مليونا ،إثنين وثلثون مليونا والخ.)3(».
وفي الواقع تبين الخبرة أن تملك %40من السهم كاف للتحكم بشؤون الشركة المساهمة( ،)4لن قسما معينا من
المساهمين الصغار المبعثرين ل يمكنهم في الواقع الشتراك في الجمعيات العمومية ،الخ ..إن صبغ تملك السهم بالصبغة
«الديموقراطية» ،إن هذه العملية التي ينتظر منها السفسطائيون البرجوازيون والنتهازيون «الشتراكيون-الديموقراطيون
هم أيضا» (أو يؤكدون أنهم ينتظرون منها) «اصطباغ الرأسمال بالصبغة الديموقراطية» وتعاظم دور وأهمية النتاج الصغير
وغير ذلك ليست في الواقع إلّ وسيلة من وسائل زيادة بأس الطغمة المالية .ولهذا السبب ،مع أسباب أخرى ،يسمح
التشريع في البلدان الرأسمالية الرقى أو القدم و«الكثر خبرة» بإصدار أسهم أصغر .في ألمانيا ل يسمح التشريع بإصدار
أسهم بمبلغ أقل من ألف مارك؛ ولذا ينظر طواغيت المال اللمان بعين الحسد إلى إنجلترا التي يسمح فيها القانون بإصدار
أسهم بقيمة جنيه سترليني واحد (يعادل عشرون ماركا أو نحو عشرة روبلت) .في السابع من يونيو سنة 1900صرح
24
سيمنس ،أحد كبار الصناعيين و«ملوك المال» اللمان قائل في الريستاخ أن «السهم من فئة الجنيه الستيرليني الواحد هو
أساس المبريالية البريطانية»( )5لدى هذا التاجر مفهوم عن كنه المبريالية أعمق جدا وأكثر «ماركسية» من مفهوم كاتب
ماجن يعتبر مؤسس الماركسية الروسية ويحسب المبريالية خصلة غير حميدة فطر عليها شعب من الشعوب…
ولكن «نظام الشتراك» ل يقتصر على رفع سلطان الحتكاريين لدرجة هائلة؛ فهو ،عدا ذلك ،يمكن من ارتكاب شر
الموبيقات والمنكرات ومن تشليح الجمهور دون عقاب :لن المشرفين على «الشركة الم» هم رسميا ،بموجب القانون ،غير
مسؤولين عن «الشركة البنت» التي تعتبر «مستقلة» والتي يمكن عن طريق «تمشيه» كل شيء .وهاكم مثل اقتبسناه عن
عدد ماي سنة 1914من المجلة اللمانية «البنك»:
««الشركة المساهمة لفولذ اللوالب» في كاسل كانت لعدة سنوات مضت تعتبر مشروعا من المشاريع اللمانية التي تعود
بأكبر المداخيل .وسوء الدارة قد بلغ بالمور حدا هبطت معه الرباح التي توزع على حملة السهم من %15إلى .%0
وقد اتضح أن مجلس الدارة قد قدم ،بدون علم المساهمين ،لحدى «شركات البنات» «هاسيا» التي ل يتجاوز رأسمالها
السمي عدة مئات من ألوف الماركات سلفة بمبلغ 6مليين مارك .وفي حسابات «الشركة الم» لم يرد ذكر لهذه السلفة
التي تبلغ نحو ثلثة أضعاف الرأسمال المساهم «للشركة الم» .وقد كان هذا الغفال مشروعا تماما من الناحية الحقوقية
وكان بإمكانه أن يستمر سنتين كاملتين ،لن ذلك ل يخرق أي مادة من مواد التشريع التجاري .ورئيس مجلس المراقبة
الذي وقع ،بوصفه الشخص المسؤول ،على الميزانيات المزورة قد كان ول يزال رئيسا للغرفة التجارية في كاسل .ولم
يعرف المساهمون بهذه السلفة المقدمة لشركة «هاسيا» إلّ بعد مرور وقت طويل عندما اتضح أنها غلطة…» (لقد كان على
الكاتب أن يضع هذه الكلمة بين قوسين)…«وعندما هبطت قيمة أسهم «فولذ اللولب» %100تقريبا بسبب عرضها للبيع
من قبل المطلعين على خفايا المور…
إن هذا المثال النموذجي لتلفيق الميزانيات والمألوف تماما في الشركات المساهمة بين لنا السبب الذي يجعل مجالس إدارتها
تجازف في القضايا الخطرة بجرأة أكبر من جرأة أصحاب العمال الفرديين .فالطريقة الحديثة لوضع الميزانيات ،عدا أنها
تسهل اخفاء المجازفات عن المساهم المتوسط ،تمكن أصحاب المصلحة الرئيسيين من النجاة بجلودهم عن طريق بيع
السهم في الوقت المناسب في حالة عدم نجاح التجربة ،في حين أن صاحب العمل المنفرد يدفع من جيبه مسؤولية كل ما
يفعل…
إن ميزانيات الكثير من الشركات المساهمة تشبه اطراس القرون الوسطى التي ينبغي على المرء أن يمحو في بادئ المر
النص المكتوب ليكشف تحته الرموز التي تعطي معنى المخطوطة الصحيح» (الطراس هي رقوق غطيت نصوصها الولى
لتكتب في مكانها نصوص جديدة).
«إن أسهل وسيلة لجعل الميزانيات غير مفهومة وبالتالي الوسيلة الكثر انتشارا هي تقسيم المشروع الموحد إلى عدة أقسام
عن طريق تأسيس «الشركات البنات» أو عن طريق ضمها .وفائدة هذه الطريقة ،من وجهة نظر مختلف الهداف – من
مشروعة وغير مشروعة – هي بينة لحد غدت معه من النوادر اليوم الشركات الكبرى التي لم تتبع هذه الطريقة»(.)6
وكمثل على تطبيق هذه الطريقة بأوسع شكل يذكر الكاتب الشركة الحتكارية الكبرى الذائعة الصيت «الشركة العامة
للكهرباء» ( ،AEGوسنتحدث عنها فيما بعد) .لقد اعتقد في سنة 1912أن هذه الشركة تشترك في 200-175
شركة /مسيطرة عليها طبعا وشاملة بالمجموع رأسمال يقدر بـ 1.5مليار مارك(.)7
إن كل قواعد المراقبة والتفتيش ونشر الميزانيات ووضع تصاميم معينة لها وإقامة المراقبة وغير ذلك من المور التي يلهي
بها انتباه الجمهور الساتذة والموظفون ذوو النية الحسنة ،أي الذين ينوون عن حسن قصد الدفاع عن الرأسمالية وتجميل
وجهها ،هي أشياء ل قيمة لها في هذا المر ،لن الملكية الخاصة مقدسة فل يمكن منع أحد من شراء السهم وبيعها
وتبديلها ورهنها والخ..
ونستطيع أن نتبين النطاق الذي بلغه «نظام الشتراك» في البنوك الروسية الكبرى من الرقام التي ذكرها ي .آغاد الذي
خدم 15سنة موظفا في البنك الروسي الصيني ونشر في ماي سنة 1914مؤلفا عنوانه غير دقيق بعض الشيء :
«البنوك الكبرى والسوق العالمية»( .)8يقسم المؤلف البنوك الروسية الكبرى إلى فريقين أساسيين :أ) التي تعمل على
25
أساس «نظام الشتراك» وب) «المستقلة» معطيا مع ذلك بصورة كيفية لمفهوم «الستقلل» معنى الستقلل عن البنوك
الجنبية؛ والمؤلف يقسم الفريق الول إلى ثلث فرق ثانوية )1 :الشتراك اللماني؛ )2الشتراك النجليزي؛ )3الشتراك
الفرنسي ،قاصدا هنا «اشتراك» وسيطرة البنوك الجنبية الكبرى العائدة للمم المذكورة .ويقسم المؤلف رساميل البنوك إلى
«رساميل» موظفة «بصورة منتجة» (في التجارة والصناعة) و«بصورة مضاربة» (في البورصة والعمليات المالية) حاسبا
بما فطر عليه هو البرجوازي الصغير من تفكير اصلحي برجوازي صغير أن بالمكان ،مع بقاء الرأسمالية ،فصل نوع
التوظيف الول عن الثاني وإزالة الثاني.
يتضح من هذه الرقام أن أكثر من ¾ ،أي أكثر من ثلثة مليارات ،من نحو أربعة مليارات روبل تؤلف الرأسمال «العامل»
للبنوك الكبرى تعود لبنوك ليست في الجوهر إلّ «شركات بنات» للبنوك الجنبية وفي الدرجة الولى للبنوك الباريسية
(للبنوك الثلثة المشهورة« :التحاد الباريسي» و«بنك باريس والراضي المنخفضة» و«الشركة العامة») وللبنوك البرلينية
(ول سيما «البنك اللماني» و«شركة الخصم») .وثمة بنكان من أكبر البنوك الروسية« ،البنك الروسي» («البنك الروسي
للتجارة الخارجية») و«البنك الدولي» («بنك سانت بطرسبورغ الدولي للتجارة») قد رفعا رأسمالهما من سنة 1906إلى
سنة 1912من 44إلى 98مليون روبل واحتياطهما من 15إلى 39مليون روبل «قائمين بثلثة أرباع أعمالهما
برساميل ألمانية»؛ والبنك الول تابع لـ«كونسرن» «البنك اللماني» في برلين والثاني تابع لـ«شركة الخصم» في برلين.
إن أغاد الطيب ساخط أشد السخط لن البنوك البرلينية تملك أكثرية السهم ،المر الذي يجعل المساهمين الروس في حالة
عجز .وغني عن القول أن البلد التي تصدر رساميلها تنال «الزهرة» :فـ«البنك اللماني» في برلين مثلً قد أصدر في
برلين أسهم البنك التجاري السيبيري وأبقاها في محفظته سنة كاملة ثم باعها بسعر 193مقابل ،100أي بضعفي
سعرها تقريبا و«جنى» زهاء 6مليين روبل ربحا يسميه هيلفردينغ «الربح التأسيسي».
يقدر المؤلف كامل «قوة» كبريات بنوك بطرسبورغ بـ 8235مليون روبل ،أي بنحو 8.25مليارات روبل؛ أمّا
«اشتراك» أو ،بالصح ،سيطرة البنوك الجنبية فهو يحددها بالنسب التالية :البنوك الفرنسية – %55؛ البنوك النجليزية –
%10؛ البنوك اللمانية – .%35ومن مجموع الرأسمال العامل هذا الذي يبلغ 8235مليون روبل ثمة 3687
مليون روبل ،أي أكثر من %40تعود وفق حسابات المؤلف للسينديكات :برودأوغول ،بروداميت ،ولسنديكات صناعة
البترول والتعدين والسمنت .وعلى هذا فإن اندماج الرأسمال البنكي والصناعي قد خطا كذلك في روسيا خطوات هائلة إلى
المام بسبب تشكيل الحتكارات الرأسمالية.
إن الرأسمال المالي المتركز في أيد قليلة والذي يمارس الحتكار فعل يبتز أرباحا طائلة تتزايد باستمرار من تأسيس
الشركات وإصدار الوراق المالية ومنح القروض للدولة الخ ،.موطدا بذلك سيطرة الطغمة المالية وفارضا على المجتمع
بأكمله جزية لمصلحة المحتكرين .وهاكم مثل من أمثلة ل تحصى ،ذكره هيلفردينغ عن «تحكم» التروستات المريكية :في
26
سنة 1887أسس هافيميير تروستا للسكر عن طريق دمج 15شركة صغيرة بلغ مجموع رأسمالها – 6.5مليين
دولر .أمّا رأسمال التروست فقد تم «تمييعه بالماء» حسب التعبير المريكي وقدر بـ 50مليون دولر .و«مضاعفة
الرأسمال» هذه تأخذ بالحسبان الرباح الحتكارية المقبلة ،كما أن تروست الفولذ في أمريكا ذاتها يأخذ بالحسبان الرباح
الحتكارية المقبلة إذ يشتري بصورة متزايدة الراضي التي تحوي مصادر الحديد .وقد فرض تروست السكر في الواقع
أسعاره الحتكارية وحصل على مداخيل مكنته من أن يدفع لحملة السهم %10ربحا مقابل رأسمال «مميع بالماء» 7
أضعاف ،أي نحو %70مقابل الرأسمال المدفوع فعل عند تأسيس التروست! وفي 1909سنة بلغ رأسمال التروست
90مليون دولر .خلل 22سنة تضاعف الرأسمال أكثر من 10أضعاف.
وفي فرنسا اتخذت هيمنة «الطغمة المالية» («ضد الطغمة المالية في فرنسا» – عنوان كتاب مشهور من وضع ليزيس،
صدرت طبعته الخامسة في سنة )1908شكل ل يكاد يختلف .فثمة أربعة بنوك كبرى تتمتع بـ«الحتكار» ل النسبي ،بل
«المطلق» في إصدار الوراق المالية .وهي ،في الواقع« ،تروست البنوك الكبرى» .والحتكار يضمن الرباح الحتكارية من
الصدار .وفي حالة القروض ل تقبض البلد المستدينة في المعتاد أكثر من %90من المبلغ؛ وتبقى الـ %10حصة
للبنوك وغيرها من الوسطاء .وكان ربح البنوك %8من القرض الروسي الصيني البالغ 400مليون فرنك و %10من
القرض الروسي (سنة )1904البالغ 800مليون فرنك و %18.75من القرض المراكشي (سنة )1904البالغ
62.5مليون فرنك .إن الرأسمالية التي بدأت تطورها من الرأسمال المرابي الصغير تنهي تطورها بالرأسمال المرابي
الضخم .ويقول ليزيس« :الفرنسيون هم مرابو أوروبا» .إن جميع ظروف الحياة القتصادية تتغير تغيرا عميقا بحكم تحول
الرأسمالية هذا .فـ«البلد» تستطيع أن تثري من الربا مع بوار السكان والصناعة والتجارة والمواصلت البحرية« .إن
خمسين شخصا يمثلون رأسمال بـ 8مليين فرنك يمكنهم أن يتصرفوا بمليارين في أربعة بنوك» .ونظام «الشتراك» ،وقد
اطلعنا عليه ،يفضي إلى نفس النتائج :فثمة بنك من البنوك الكبرى «الشركة العامة» يصدر 64ألف سند لحدى «الشركات
البنات»« ،معامل تكرير السكر بمصر» .ولما كان سعر السند ،%150يربح البنك 50كوبيكا من كل روبل .وقد ظهر أن
أرباح هذه الشركة وهمية ،فخسر «الجمهور» من 90إلى 100مليون فرنك؛ «وكان أحد مدراء «الشركة العامة» عضوا
في مجلس إدارة «معامل تكرير السكر»» .ول غرو إذا اضطر المؤلف أن يخلص إلى هذا الستنتاج« :الجمهورية الفرنسية
هي مملكة مالية»؛ «إن سيطرة الطغمة المالية هي سيطرة مطلقة؛ فهي تهيمن على الصحافة وعلى الحكومة»(.)9
إن جسامة عائدات إصدار الوراق المالية ،بوصفه احدى عمليات الرأسمال المالي الرئيسية ،تلعب دورا هاما للغاية في
تطوير وتوطيد الطغمة المالية .وتقول المجلة اللمانية «البنك»« :ل يوجد في داخل البلد مشروع يعطي ،ولو على وجه
التقريب ،مثل هذه الرباح العالية التي تعطيها الوساطة في إصدار القروض الجنبية»(.)10
«ليست هناك عملية من عمليات البنوك تعود بأرباح عالية كالصدار» .وبموجب أرقام «القتصادي اللماني» بلغ الربح
السنوي المتوسط من اصدار الوراق المالية للشركات الصناعية:
«في غضون عشر سنوات« ،1900-1891 ،عاد» إصدار الوراق المالية على الشركات الصناعية اللمانية بأكثر من
مليار»(.)11
وإذا كانت أرباح الرأسمال المالي في منتهى الضخامة أثناء النهضات الصناعية ،ففي أثناء مراحل النحطاط تهلك المشاريع
الصغيرة وغير الوطيدة؛ أما البنوك الكبرى فـ«تشترك» في شرائها بأسعار بخسة أو في «إشفائها» و«إعادة تنظيمها»
جانية الفوائد من ذلك .وفي حالة «إشفاء» المشاريع المصابة بالعجز «يخفض الرأسمال المساهم ،أي توزع المداخيل على
رأسمال أقل وتحسب في المستقبل على أساسه .أو يجري ،في حالة هبوط العائدات إلى الصفر ،اجتذاب رأسمال جديد يحمل
عائدات كافية بدمجه بالرأسمال القديم ذي العائدات القليلة» .ويضيف هيلفردينغ قائل« :ولنلحظ في سياق الحديث أن جميع
عمليات الشفاء وإعادة التنظيم هذه هي ،في نظر البنوك ،ذات أهمية مزدوجة /أول ،باعتبارها عملية رابحة وثانيا،
باعتبارها فرصة ملئمة لتجعل الشركات المحتاجة في حالة تبعية لها»(.)12
27
وهاكم المثل :الشركة المساهمة لستخراج المعادن« ،أونيون» («إتحاد») بدورتموند ،تأسست سنة 1872برأسمال
مساهم يقرب من 40مليون مارك وارتفع سعر أسهمها إلى %170بعد أن دفعت لحملة السهم في سنتها الولى أرباحا
بنسبة .%12وقد سحب الرأسمال المالي القشطة وربح مبالغا «تافها» يوازي 28مليون مارك «فقط» .وعند تأسيس
هذه الشركة لعب الدور الرئيسي ذلك البنك اللماني الضخم« ،شركة الخصم» ،الذي رفع رأسماله سليما معافى إلى 300
مليون مارك .ثم هبط سهم «أونيون» إلى الصفر .فاضطر المساهمون إلى الموافقة على «حذف» الرأسمال ،أي على خسارة
جزء منه لكيل يفقدوا كل شيء .وبنتيجة جملة من عمليات «الشفاء» طار من سجلت شركة «أونيون» خلل ثلثين سنة
مبلغ يزيد على 73مليون مارك« .وفي الوقت الحاضر ل يملك المساهمون المؤسسون لهذه الشركة أكثر من %5من
القيمة السمية لسهمهم»( ،)13ولكن البنوك ما تنفك «تربح» من كل عملية من عمليات «الشفاء».
ومن عمليات الرأسمال المالي الرابحة للغاية كذلك المضاربة بقطع الراضي الموجودة في ضواحي المدن الكبرى التي تتسع
بسرعة .وفي هذه الحالة يندمج احتكار البنوك باحتكار الريع العقاري وباحتكار طرق المواصلت ،لن ارتفاع أسعار قطع
الراضي وإمكانية بيعها بصورة مفيذة قطعا صغيرة الخ ،.يتوقفان بوجه خاص على سهولة المواصلت مع مركز المدينة؛
ووسائط المواصلت هذه هي في أيدي الشركات الكبرى المتصلة بهذه البنوك ذاتها عن طريق نظام الشتراك واقتسام
مناصب المدراء .ويكون الحاصل ما أطلق عليه الكاتب اللماني ايشفيغه ،المحرر في مجلة «البنك» والذي انصرف بصورة
خاصة إلى دراسة عملية التجارة بقطع الراضي ورهنها والخ ،.اسم «المستنقع» :مضاربة مسعورة بقطع الراضي في
ضواحي المدن ،إفلس شركات البناء كشركة «بوسفاو وكناور» في برلين التي اكتسبت من النقود ما بلغ 100مليون
مارك بواسطة «البنك اللماني» «الضخم المعتبر» الذي كان يعمل بطبيعة الحال بموجب نظام «الشتراك» ،أي سرا ،في
الخفاء ،والذي تخلص من الورطة ولم يخسر سوى 12مليون مارك؛ ثم خراب صغار الملكين والعمال الذين لم يقبضوا
شيئا من شركات البناء المزيفة؛ وصفقات غير قانونية مع هيئات الدارة والشرطة «النزيهة» في برلين من أجل وضع اليد
على معاملت أعطاء شتى المعلومات عن قطع الراضي ومنح رخص البلدية لتشييد البنية وغير ذلك وهلم جرا(.)14
إن «العادات المريكية» التي طالما رفع الساتدة الوروبيون والبرجوازيون الطيبون بشأنها عيون الضراعة نفاقا إلى
السماء قد غدت في عصر الرأسمال المالي عادات لكل مدينة كبيرة في أي بلد من البلدان بمعنى الكلمة الحرفي.
ففي أوائل سنة 1914كانوا يتحدثون في برلين عن تأسيس «تروست للنقل» ،أي «وحدة مصالح» بين ثلثة مشاريع
برليني للنقل :سكة الحديد الكهربائية في المدينة وشركة ترام وشركة سيارات الومينيبوس .وكتبت مجلة «البنك»« :علمنا
أنهم عقدوا النية على ذلك منذ تبين أن أكثرية أسهم شركة سيارات الومينيبوس قد انتقلت إلى أيدي شركتي نقل أخريين…
ويمكننا أن نثق كليا بأن الشخاص الذين يستهدفون ذلك ،يأملون أن يبلغوا ،عن طريق تنظيم إدارة واحدة لشؤون النقل،
الحصول على توفيرات يعود قسم منها في نهاية المر إلى الجمهور .ولكن ما يعقد المسألة هو أن البنوك تقف وراء
تروست النقل الجاري تشكيله وأنها تستطيع ،متى أرادت ،أن تخضع لمصالح تجارتها بقطع الراضي وسائط المواصلت
التي تحتكرها .ولكيما نقتنع بأن هذا الفتراض طبيعي حسبنا أن نتذكر أنه منذ تأسيس شركة سكة الحديد الكهربائية في
المدينة ارتبطت بها مصالح ذلك البنك الكبير الذي شجع على تأسيسها .نعني أن مصالح النقل هذا قد تشابك بمصالح التجارة
بقطاع الراضي .والقضية هي أن الخط الشرقي لهذه السكة الحديدية كان ينبغي أن يشمل قطع الراضي التي باعها هذا
البنك فيما بعد ،عندما أصبح مد هذا الخط أمرا مضمونا ،بربح كبير لنفسه ولبعض الشركاء…»(.)15
ما أن يتشكل الحتكار ويتصرف بالمليارات حتى يتخلل بصورة محتومة جميع نواحي الحياة الجتماعية بصرف النظر عن
النظم السياسية وعن كل «التفاصيل» الخرى .وقد اعتاد الدب القتصادي اللماني أن يمتدح بتزلف نزاهة الموظفين
البروسيين ملمحا إلى باناما الفرنسية أو إلى الرشوة السياسية المريكية .ولكن الواقع أن حتى الدب البرجوازي الذي
يتناول شؤون البنوك في ألمانيا يرى نفسه على الدوام مضطرا لن يتخطى لحد بعيد حدود العمليات البنكية الصرف وأن
يكتب مثل عن «الندفاع نحو البنوك» بمناسبة تكاثر حوادث انتقال الموظفين إلى الخدمة في البنوك« :وأين هي إذن نزاهة
الموظف في دوائر الدولة الذي يصبو في أعماق نفسه إلى مكان دافئ في البيرينشتراسه؟»( – )16شارع في برلين يوجد
فيه مقر «البنك اللماني» .في سنة 1909كتب صاحب مجلة «البنك» الفرد لنسبورغ مقال عنوانه «أهمية بيزنطة من
الناحية القتصادية» تناول فيه في سياق الحديث رحلة غليوم الثاني إلى فلسطين و«نتيجتها المباشرة – مد سكة حديد
بغداد« ،أكبر أعمال الذهنية التجارية اللمانية» ،هذا المر المشؤوم المسؤول عن «التطويق» أكثر من جميع ذنوبنا
السياسية الخرى مجتمعة»(( – )17المقصود بالتطويق سياسة ادوارد السابع الذي سعى وراء عزل ألمانيا وتطويقها
بطوق من اتحاد أمبريالي معاد للمانيا) .وفي سنة 1911كتب المحرر عنوانه« :البلوتوقراطية والموظفون» كشف فيه
28
مثل حادثة الموظف اللماني فولكر الذي كان عضوا في لجنة الكارتيلت واشتهر ببعد همته؛ فما أن مضى بعض الوقت حتى
شغل مقعدا وثيرا يدر الربح في أكبر الكارتيلت ،سانديكا الفولذ .إن أمثال هذه الحوادث ،وما هي بالعريضة قط ،قد أرغمت
هذا الكاتب البرجوازي نفسه على العتراف بأن «الحرية القتصادية التي يضمنها الدستور اللماني قد غدت في كثير من
الميادين الحياة القتصادية عبارة فارغة» ،وبأنه في ظروف سيطرة البلوتوقراطية «تعجز حتى أوسع الحرية السياسية عن
انتقادنا من أن نغدو شعبا من أناس غير أحرار»(.)18
أمّا فيما يخص روسيا فنكتفي بمثل واحد :منذ عدة سنوات نشرت جميع الجرائد خبرا مؤاده أن دافيدوف ،مدير ديوان
التسليف ،ترك الخدمة في دوائر الدولة ليستلم منصبا في بنك من البنوك الكبرى مقابل راتب يؤلف في بضع سنوات،
بموجب العقد ،مبلغا يزيد على مليون روبل .وديوان التسليف هو مؤسسة مهمتها «توحيد نشاط جميع مؤسسات التسليف
في الدولة» وتقدم لبنوك العاصمة إعانات بمبلغ يتراوح بين 800و 1000مليون روبل(.)19
من خواص الرأسمالية بوجه عام فصل ملكية الرأسمال عن توظيف الرأسمال في النتاج ،فصل الرأسمال النقدي عن
الرأسمال الصناعي أو المنتج ،فصل صاحب الدخل الذي يعيش فقط من عائد الرأسمال النقدي عن رب العمل وجميع
المشتركين مباشرة في التصرف بالرأسمال .والمبريالية أو سيطرة الرأسمال المالي هي مرحلة الرأسمالية العليا التي يبلغ
فيها هذا الفصل مقاييس هائلة .وهيمنة الرأسمال المالي على بقية أشكال الرأسمال تعني سيطرة صاحب الدخل والطغمة
المالية ،تعني بروز عدد ضئيل من الدول التي تملك «البأس» المالي بين سائر الدول الخرى .ويمكننا أن نتبين مدى نطاق
هذا السير من أرقام إحصاءات الصدار ،أي اصدار مختلف أنواع الوراق المالية.
نشر أ .نيمارك في «نشرة معهد الحصاء العالمي»( )20أوسع المعلومات المقارنة وأكملها عن اصدار الوراق المالية في
العالم أجمع ،أُعيد نشرها فقرات فيما بعد مرارا وتكرارا في الداب القتصادي .وها هي نتائج أربعة عقود من السنين:
في سنوات العقد الثامن ارتفع مبلغ الصدار الجمالي في العالم كله بالقروض بوجه خاص وهي نتيجة للحرب الفرنسية
البروسية ولعهد الغروندير الذي تبعها في ألمانيا .وبوجه الجمال لم تكن كبيرة نسبيا سرعة ازدياد مبلغ الصدار في
غضون العقود الثلثة الخيرة من القرن 19؛ ولكن الزيادة في غضون العقد الول من القرن 20كانت كبيرة جدا ،نحو
الضعف خلل عشر سنوات .وعلى ذلك كان مستهل القرن 20عهد انعطاف ليس فقط فيما يخص نمو الحتكارات
(الكارتيلت ،السنديكات ،تروستات) وهو ما سبق لنا الحديث عنه ،بل وفيما يخص نمو الرأسمال المالي.
يقدر نيمارك المبلغ الجمالي للوراق المالية في العالم بنحو 815مليار فرنك في سنة .1910وقد طرح على وجه
التقريب المبلغ المكرر وخفض هذا المبلغ إلى 600-575مليار .إليكم توزيعها على بلدان العالم (باعتبار المبلغ 600
مليار):
إنجلترا 142
الوليات المتحدة 132
فرنسا 110
ألمانيا 95
مجموع(479 )4
29
روسيا 31
النمسا-المجر 24
إيطاليا 14
اليابان 12
هولندا 12.5
بلجيكا 7.5
اسبانيا 7.5
سويسرا 6.25
الدانمارك 3.75
السويد ،النروج ،رومانيا وغيرها 2.5
المجموع 600
إن هذه الرقام ،ويبدو ذلك لول وهلة ،تبرز بوضوح البلدان الرأسمالية الربعة الغنية جدا والتي تملك كل واحدة منها على
وجه التقريب من 100إلى 150مليار مارك من الوراق المالية .وثمة بلدان في هذه البلدان الربعة – إنجلترا وفرنسا
– هما أقدم البلدان الرأسمالية وأغناها بالمستعمرات كما سنرى ذلك؛ والبلدان الخران – الوليات المتحدة وألمانيا – هما
البلدان الكثر تقدما من حيث سرعة التطور ومن حيث درجة انتشار الحتكارات الرأسمالية في النتاج .وتملك هذه البلدان
الربعة معا 479مليار فرنك أي حوالي %80من الرأسمال المالي العالمي .ومعظم ما تبقى من العالم يقوم ،لهذا الحد
أو ذاك ،بدور المدين ودافع الخراج لهذه البلدان – صيارفة العالم« ،دعامات» الرأسمال المالي العالمي الربع.
وينبغي علينا أن نتناول بوجه خاص ذلك الدور الذي يلعبه تصدير الرأسمال في إنشاء شبكة التبعية والترابط العالمية
للرأسمال المالي.
-----------------------------------------------------------------------
---------
30
Kurt Heinig. «Der Weg dfe Elektrotrustes», «Neue Zeit», 1912, 30 )7(
. السنة الثلثين،1912 سنة،» «الزمنة الحديثة،» (كورت هينيغ «طريق تروست الكهرباء484 ص، .Jahrg
.)الناشر
Lysis. Conrte l’oligarchie financière en France». 5 éd. P., 1908 pp. )9(
،1908 سنة، باريس، الطبعة الخامسة.» «ضد الطغمة المالية في فرنسا.ليزيس.11, 12, 26, 39, 40, 48
) الناشر،48 ،40 ،39 ،26 ،12 ،11 ص ص
.» مجلة «البنك،» («تروست النقل89 ص،Verkehrtrust», «Die Bank», 1914, 1« )15(
)الناشر
مجلة،» («الندفاع نحو البنك79 ص، Der Zug zur Bank», «Die Bank», 1909, 1« )16(
) الناشر1909،1 »«البنك
31
( Der Zug zur Bank», «Die Bank», 1909, 1« )17ص .301
الفصل الرابع
تصدير الرأسمال
كان تصدير البضائع الحالة النموذجية في الرأسمالية القديمة ،حيث كانت السيادة التامة للمزاحمة الحرة .وغدا تصدير
الرأسمال الحالة النموذجية في الرأسمالية الحديثة التي تسودها الحتكارات.
الرأسمالية هي النتاج البضاعي في مرحلة تطوره العليا التي تغدو فيها قوة العمل بضاعة كذلك .واتساع التبادل في داخل
البلد ول سيما على الصعيد العالمي هو السمة الخاصة للرأسمالية .إن تطور المشاريع والفروع الصناعية والبلدان بشكل
متفاوت وبطفرات هو أمر محتوم في عهد الرأسمالية .في البدء غدت إنجلترا ،قبل البلدان الخرى ،بلدا رأسماليا .وفي
أواسط القرن التاسع عشر ،أخذت تدعي ،وقد أقرت التجارة الحرة ،بدور «مصنع العالم» ،بدور مصدر المنتوجات الجاهزة
إلى جميع بلدان العالم التي كان ينبغي عليها أن تزودها بالخامات بالمقابل .ولكن احتكار إنجلترا هذا قد أخذ يتزعزع منذ
الربع الخير من القرن التاسع عشر ،لن عددا من البلدان الخرى قد صارت دول رأسمالية مستقلة ،مدافعة عن نفسها
بالرسوم الجمركية «الوقائية» .وفي عشية القرن العشرين نرى تشكل نوع آخر من الحتكارات :أول ،اتحادات رأسماليين
احتكارية في جميع بلدان الرأسمالية المتطورة؛ وثانيا ،وضع احتكاري لبعض البلدان في منتهى الغنى بلغ فيها تراكم
الرأسمال مقاييس هائلة .وقد حدث «فيض من الرساميل» ضخم في البلدان المتقدمة.
وبديهي أن مسألة فيض الرأسمال ما كانت لتطرح لو استطاعت الرأسمالية تطوير الزراعة المتأخرة الن عن الصناعة
تأخرا كبيرا في كل مكان ،لو استطاعت الرأسمالية رفع مستوى معيشة جماهير السكان ،المستوى الذي يبقى في كل مكان
متاخما للجوع والبؤس رغم التقدم التكنولوجي المذهل .ول يترك نقاد الرأسمالية من صغار البرجوازيين مناسبة إلّ
ويعمدون فيها إلى ذكر هذه «الحجة» .ولكن الرأسمالية ،في هذه الحالة ،ما كان لتكون رأسمالية ،لن التفاوت في التطور
وانحطاط معيشة الجماهير إلى مستوى يتاخم الجوع هما شرطان وممهدان أساسيان ل بد منهما لسلوب النتاج هذا .وما
ضلت الرأسمالية رأسمالية ،ل يوجه فيض الرأسمال إلى رفع مستوى معيشة الجماهير في بلد معينة ،لن ذلك يسفر عن
تخفيض أرباح الرأسماليين ،بل يوجه إلى رفع الرباح عن طريق تصدير الرأسمال إلى الخارج ،إلى البلدان المتأخرة.
والربح مرتفع في المعتاد في هذه البلدان المتأخرة ،لن الرساميل قليلة وأسعار الرض منخفضة نسبيا والجور زهيدة
والخامات رخيصة .وما ينشئ إمكانية تصدير الرأسمال هو وجود جملة من البلدان المتأخرة قد انجذبت إلى تيار الرأسمالية
أو بدئ بمدها وتهيأت فيها الظروف الولية لتطور الصناعة والخ ..وتنشأ ضرورة تصدير الرأسمال عن واقع أن الرأسمالية
قد «نضجت جدا» في عدد ضئيل من البلدان وأن الرأسمالية (في ظروف تأخر الزراعة وبؤس الجماهير) ل يجد صعيدا
«رابحا» للتوظيف.
32
وها هي الرقام التقريبية عن مقادير الرساميل التي وظفتها في الخارج ثلثة بلدان رئيسية)1(:
نرى من هذا الجدول أن تطور تصدير الرساميل لم يبلغ مقاييسه الهائلة إلّ في مستهل القرن العشرين .وأن الرأسمال الذي
وظفته في الخارج البلدان الرئيسية الثلثة قد بلغ قبل الحرب مبلغا يتراوح بين 175و 200مليار فرنك .وعائد هذا
المبلغ على أساس معدل متواضع قدره %5يتكون من 10-8مليارات فرنك في السنة .وهو أساس مكين لظلم واستثمار
أكثرية أمم وبلدان العالم إمبرياليا وللطفيلية الرأسمالية لحفنة من الدول الثرية!
كيف توزع بين مختلف البلدان هذه الرساميل الموظفة في الخارج وأين توظف؟ جواب هذا السؤال ل يمكن أن يكون إلّ
تقريبيا ولكنه يوضح مع ذلك بعض ما للمبريالية الحديثة من علقات وصلت عامة:
قارات العالم الموزع بينها (بصورة تقريبية) الرأسمال المصدر (حوالي سنة )1910
(بمليارات الماركات)
بالنسبة لنجلترا تحتل مستعمراتها المقام الول ،وهي كبيرة في أمريكا أيضا (كندا مثل) ناهيك عن آسيا وغيرها .وتصدير
الرساميل في هذا النطاق الهائل يتصل أوثق اتصال هنا بالمستعمرات الهائلة التي سنتحدث فيما بعد عن أهميتها بالنسبة
للمبريالية .ويختلف المر بالنسبة لفرنسا .فإن رأسمالها المصدر موظف في أوروبا بصورة رئيسية وفي روسيا بالدرجة
الولى (ما ل يقل عن 10مليار فرنك) ،وهو في معظمه رأسمال تسليفي ،قروض للدولة ،ل رأسمال نوظف في المشاريع
الصناعية .وخلفا للمبريالية النجليزية القائمة على حيازة المستعمرات يمكن نعت المبريالية الفرنسية بالمبريالية
المرابية .وفي ألمانيا نوع ثالث :مستعمراتها ليست كبيرة ورأسمالها الموظف في الخارج موزع بالصورة القرب إلى
التساوي بين أوروبا وأمريكا.
إن تصدير الرساميل يؤثر على تطور الرأسمالية في البلدان التي يوجه إليها ،معجل هذا التطور لقصى حد .ولذا فإن هذا
التصدير إذا كان بإمكانه أن يفضي لدرجة معينة إلى بعض الركود في تطور البلدان المصدرة فهذا ل يمكن أن يحدث إلّ
مقابل اطراد تطور الرأسمالية سعة وعمقا في العالم بأسره.
والبلدان المصدرة للرأسمال تجد بصورة دائمة تقريبا إمكانية الحصول على «فوائد» معينة ذات طابع يلقي النور على
خصائص عهد الرأسمال المالي والحتكارات .وإليكم مثل ما كتبه في أكتوبر سنة 1913مجلة «البنك» الصادرة في
برلين:
33
«إن مهزلة تستحق ريشة اريستوفان تعرض من أمد قريب في السوق المالية العالمية .فثمة عدد كبير من الدول الجنبية،
من إسبانيا حتى البلقان ومن روسيا حتى الرجنتين والبرازيل والصين تتقدم من السواق المالية الكبرى علنا أو من وراء
ستار بطلب القروض وأحيانا بإلحاح شديد .والحالة في السواق المالية ليست الن على ما يرام ،والفاق السياسية ليست
وضاءة .ولكن ما من سوق مالية تجرؤ على رفض منح القروض خوفا من أن يسبقها الجار ويوافق على منح القروض
ويضمن لنفسه في الوقت ذاته خدمات لقاء خدمات .ولدى عقد الصفقات الدولية من هذا النوع ،ينال الدائن في معظم
الحالت شيئا ما لمصلحته :تنازل عند عقد معاهدة تجارية ،مركزا من مراكز الفحم ،بناء ميناء ،امتيازا دسما أو توصية
على كمية من المدافع»(.)2
لقد أنشأ الرأسمال المالي عهد الحتكار .والحتكارات تحمل معها في كل مبدأ الحتكار :استغلل «العلقات» لعقد الصفقات
المفيدة يحل محل المزاحمة في السوق المفتوحة .فمن المألوف جدا أن يشترط عند منح القرض إنفاق قسم منه على شراء
منتجات البلد الدائنة ولسيما السلحة والسفن وما شاكل ذلك .فقد عمدت فرنسا إلى هذه الوسيلة مرارا وتكرارا خلل
العقدين الخيرين من السنين ( .)1910-1890لقد غدا تصدير الرساميل إلى الخارج وسيلة لتشجيع تصدير البضائع
إلى الخارج .وفي هذا الحال تغدو الصفقات بين المشاريع الكبيرة جدا «متاخمة للرشوة» كما قال شيلدر(« )3بحذر» .إن
كروب في ألمانيا وشنيدر في فرنسا وآرمسترونغ في انجلترا هم نموذج هذه الشركات المتصلة أوثق اتصال بالبنوك الكبرى
وبالحكومة التي ليس من السهل «تجنبها» عند عقد قرض.
ففرنسا التي منحت روسيا القروض قد «ضيقت» عليها في المعاهدة التجارية المعقودة في 16سبتمبر 1905واشترطت
بعض تنازلت حتى سنة 1917؛ وسلكت نفس السلوك في المعاهدة التجارية المعقودة مع اليابان في 19غشت
.1911وقد كانت المزاحمة بين النمسا وفرنسا في أمر تزويد صربيا بالعتاد الحربي أحد أسباب الحرب الجمركية التي
دارت بين النمسا وصربيا من سنة 1906إلى سنة 1911باستثناء انقطاع استمر سبعة أشهر .ففي يناير 1912
أعلن بول ديشانيل في مجلس النواب أن الشركات الفرنسية قد قدمت لصربيا من سنة 1908إلى سنة 1911عتادا
حربيا بمبلغ 45مليون فرنك.
وجاء في تقرير قنصل النمسا-المجر في سان باولو (البرازيل)« :يجري مد السكك الحديدية البرازيلية بمعظمه بالرساميل
الفرنسية والبلجيكية والبريطانية واللمانية؛ وهذه البلدان تشترط أثناء العمليات المالية المتصلة بمد السكك الحديدية أن
يعهد إليها بتقديم مواد البناء اللزمة لمد السكك الحديدية».
وعلى هذه الصورة ،ويمكننا أن نقول ذلك بالمعنى الحرفي للكلمة ،يلقي الرأسمال المالي شباكه على جميع بلدان العالم.
وتلعب دورا هاما في هذا المر البنوك المؤسسة في المستعمرات وكذلك فروعها .إن المبرياليين اللمان ينظرون بعين
الحسد إلى البلدان الستعمارية «القديمة» ،التي ضمنت نفسها من هذه الناحية بصورة «موفقة» جدا :ففي سنة 1904
كان لدى إنجلترا 50بنكا في المستعمرات لها 2279فرعا (وفي سنة 72 :1910بنكا لها 5449فرعا)؛ وكان
لدى فرنسا 20بنكا لها 136فرعا؛ ولدى هولنده 16بنكا لها 68فرعا ،في حين لم يكن لدى ألمانيا «سوى» 13
بنكا لها 70فرعا( .)4والرأسماليون المريكان يحسدون بدورهم الرأسماليون النجليز واللمان .فقد رفعوا أصوات
الشكوى في سنة « :1915في أمريكا الجنوبية 5بنوك ألمانية لها 40فرعا و 5بنوك انجليزية لها 70فرعا… وقد
وظفت إنجلترا وألمانيا خلل الخمس والعشرين سنة الخيرة في الرجنتين والبرازيل والورغواي نحو 4بليونات
(مليارات) دولر ،وهما ،بنتيجة ذلك ،تتصرفان بـ %46من مجموع تجارة هذه البلدان الثلثة»(.)5
إن البلدان مصدرة الرساميل قد اقتسمت العالم فيما بينها بمعنى الكلمة المجازي .غير أن الرأسمال المالي قد أفضى إلى
اقتسام مباشر للعالم.
-----------------------------------------------------------------------
---------
(( Hobson. «Imperialism» L., 1902 ; p.58 )1هوبسون« ،المبريالية» .الناشر)،Riesser .
34
المؤلف المذكور ،ص ص 395و 404؛ P. Arndtفي «Wetwirtschaftliches Archiv», Bd.
( 7, 1916, S. 35ب .آرندت في «سجلت القتصاد العالمي» ،مجلد ،7سنة ،1916ص 35الناشر)؛
Neymarckفي ( Bulletinنيمارك في النشرة .الناشر)؛ هيلفردينغ« .الرأسمال المالي ،ص 492؛ Lloyd
( Georgeلويد جورج .الناشر) ،خطاب في مجلس العموم في 4ماي 1915؛ «»Daily Telegraph
(«التلغراف اليومية» .الناشر) 5 ،ماي 1915؛ B. Harms «Probleme der Weltwirtschft».
.Jena, 1912, S. 235وغيرها (ب .هارمس« .قضايا القتصاد العالمي» .يينا ،سنة ،1912ص 235
وغيرها .الناشر)؛ Dr. Siegmund Schilder. «Entwicklungstendenzen der
( Weltwirtschft» Berlin, 1912. Bd. 1 . S. 150الدكتور زيغموند شيلدر «اتجاهات تطور
القتصاد العالمي» .برلين ،سنة 1912مجلد ،1ص .150الناشر)؛ George Paish. «Great
»Britain’s Capital Investments etcفي «Journal of the Royal Statistical
.Society», vol. LXXIVسنتي ،1911-1910ص 167وما يليها (جورج بيش« .توظيف رساميل
بريطانيا العظمى الخ ».في «مجلة جمعية الحصاء الملكية» ،مجلد .74الناشر)؛ George Diouritch.
«L’Expansion des banques allemandes à l’etranger, ses rapports avec
( le développement économique de l’Allemangne» P., 1909 p. 84جورج
ديوتش «توسع البنوك اللمانية في الخارج وعلقاته بالتطور القتصادي في ألمانيا» .باريس ،1909 ،ص .84الناشر)
الفصل الخامس
اقتسام العالم بين اتحادات الرأسماليين
إن اتحادات الرأسماليين الحتكارية – الكارتيلت ،السنديكات ،التروستات – تقتسم فيما بينها بادئ ذي بدء السوق الداخلية،
مؤمنة لنفسها السيطرة على النتاج في بلد معينة بصورة مطلقة ما أمكن .ولكن ل مناص للسوق الداخلية في عهد
الرأسمالية من أن ترتبط بالسوق الخارجية .وقد أنشأت الرأسمالية السوق العالمية من أمد بعيد .وكلما كان يزداد تصدير
الرأسمال وتتسع شتى أنواع العلقات بالخارج وبالمستعمرات وتتسع «مناطق نفوذ» التحادات الحتكارية الضخمة ،كانت
المور تسير «بصورة طبيعية» في اتجاه التفاق العالمي بين هذه التحادات ،في اتجاه تشكل الكارتيلت العالمية.
وهذه درجة جديدة في تمركز الرأسمال والنتاج على النطاق العالمي ودرجة أعلى من السابقة إلى ما ل قياس له .فلنر كيف
35
يتشكل هذا الحتكار العلى.
إن الصناعة الكهربائية هي الصناعة الكثر نموذجية بالنسبة لحدث نجاحات التكنيك ولرأسمالية نهاية القرن التاسع عشر
ومستهل القرن العشرين .وقد تطورت بوجه خاص في أرقى بلدين من البلدان الرأسمالية الجديدة – الوليات المتحدة
وألمانيا .فقد كان لزمة سنة 1900في ألمانيا تأثير قوي جدا على اشتداد التمركز في هذا الميدان .إن البنوك التي كانت
في ذلك الوقت قد التحمت بالصناعة لدرجة كافية قد عجلت وعمقت لقصى حد أثناء هذه الزمة خراب المشاريع الصغيرة
نسبيا وابتلعها من قبل الكبيرة .وقد كتب ييدلس أن «البنوك قد كفت بالضبط عن مساعدة المشاريع التي كانت بأمس
الحاجة إلى المساعدة مسببة بذلك في بادئ المر نهضة عاصفة ،ثم الفلس الكيد لتلك الشركات التي لم تكن على صلة
وثيقة بها»(.)1
وبنتيجة ذلك سار التمركز بعد سنة 1900بخطوات جبارة إلى المام .فقد كان في الصناعة الكهربائية قبل سنة 1900
ثماني أو سبع «جماعات» تتألف كل منها من عدة شركات (مجموعها ثمان وعشرون شركة) وكانت كل جماعة تستند إلى
عدد من البنوك من 2إلى 11بنكا .وحوالي سنوات 1912-1908اندمجت جميع هذه الجماعات في جماعتين أو
جماعة واحدة .وقد تم هذا السير على النحو التالي:
إن الشركة الشهيرة (( )AEGالشركة العامة للكهرباء) التي تضخمت على هذا الشكل ،تهيمن على 200-175شركة
(على أساس نظام «الشتراك») وتتصرف برأسمال مجموعة يقرب من 1.5مليار مارك .في أكثر من 10دول .ومنذ
سنة 1904كانت الرساميل التي وظفتها الصناعة الكهربائية اللمانية في الخارج تقدر بـ 233مليون مارك منها 62
مليونا في روسيا .وغني عن القول أن « الشركة العامة للكهرباء» هي عبارة عن مشروع هائل «مركب» – شركاته
الصناعية وحدها تبلغ – 16وتنتج مختلف أصناف المنتوجات من السلك والعازلت حتىالسيارات والطائرات.
ولكن التمركز في أوروبا كان كذلك جزءا ل يتجزأ من مجرى التمركز في أمريكا .وهاكم كيف تم هذا السير:
وهكذا تشكلت «دولتان» كهربائيتان «ل توجد في الرض شركات كهربائية أخرى مستقلة عنهما بصورة تامة» كما كتب
هينيغ في مقاله «طريق تروست الكهرباء» .أما فيما يخص مقادير عمليات هذين «التروستين» وحجم مشاريعهما فالرقام
التالية تعطي عن ذلك صورة وان كانت بعيدة عن أن تكون كاملة:
سنوات تداول البضائع (بمليين الماركات) عدد المستخدمين الربح الصافي (بمليير الماركات)
أمريكا «شركة الكهرباء العامة» (G.E.C) 1907 252 28000 35.4
45.6 32000 298 1910
ألمانيا« :الشركة العامة للكهرباء» (A.E.G) 1907 216 30700 14.5
21.7 60800 362 1911
وما أن حلت سنة 1907حتى عقد التروستان المريكي واللماني اتفاقية على تقاسم العالم .المزاحمة تزول« .شركة
الكهرباء العامة» (« ).G.E.Cتحصل» على الوليات المتحدة وكندا و«تنال» «الشركة العامة للكهرباء» ().A.E.G
ألمانيا والنمسا وروسيا وهولنده والدنمارك وسويسرا وتركيا والبلقان .وقد عقدت اتفاقيات خاصة – سرية طبعا – بشأن
«الشركات البنات» التي تتغلغل في فروع صناعية جديدة وفي بلدان «جديدة» لم تقتسم رسميا بعد .وقد تقرر تبادل
الختراعات والتجارب(.)2
ويدرك المرء بالبداهة مدى صعوبة مزاحمة هذا التروست الموحد العالمي في الواقع ،الذي يتصرف برأسمال يبلغ عدة
36
مليارات والذي له «فروعه» ووكالته وعملؤه وعلقاته وهلم جرا في جميع أصقاع العالم .ولكن اقتسام التروستين القويين
للعالم ل ينفي طبعا إعادة التقاسم إذا ما تبدلت نسبة القوى بنتيجة تفاوت التطور والحروب والفلسات وغير ذلك.
وصناعة البترول تعطي مثل بليغ الدللة على محاولة إعادة التقاسم هذه ،على الصراع من أجل إعادة التقاسم.
فقد كتب ييدلس في سنة 1905أن «سوق البترول العالمية هي الن مقتسمة بين جماعتين ماليتين كبيرتين« :تروست
البترول» المريكي ( )Standard Oil C-yالعائد لروكفلر وصاحبي النفط الروسي في باكو روتشيلد ونوبل.
والجماعتان على ترابط وثيق ،ولكن احتكارهما مهدد منذ عدة سنوات من قبل خمسة أعداء»( )1 :)3نفاد مصادر النفط
المريكية )2 ،مزاحمة شركة مانتاشيف في باكو )3 ،مصادر النفط في النمسا ،و )4في رومانيا )5 ،مصادر النفط فيما
وراء المحيطات ولسيما في المستعمرات الهولندية (شركة صموئيل وشل الغنية جدا والمرتبطة كذلك بالرأسمال النجليزي).
والفئات الثلث الخيرة من المشاريع متصلة بالبنوك اللمانية الكبرى وعلى رأسها «البنك اللماني» الضخم .وقد طورت
هذه البنوك بصورة مستقلة ومنتظمة صناعة النفط في رومانيا مثل لتكون «لها» نقطة ارتكاز .ففي سنة 1907قدر
الرأسمال الجنبي في صناعة البترول الرومانية بـ 175مليون فرنك منها 74مليونا رأسمال ألمانيا(.)4
وقد ابتدأ الصراع الذي يسمونه في الدب القتصادي الصراع من أجل «تقاسم العالم» .فمن جهة« ،تروست هبترول»
روكفلر ،طمعا منه في الستيلء على كل شيء ،قد أسس «شركة بنت» في هولنده نفسها وشرع يشتري مصادر النفط في
الهند الهولندية لينزل بهذا الشكل الضربة بعدوه الرئيسي :التروست الهولندي النجليزي «شل» .ومن الجهة الخرى،
«البنك اللماني» وغيره من البنوك البرلينية سعت لن «تحتفظ» «لنفسها» برومانيا وتوحدها مع روسيا ضد روكفلر .وكان
لهذا الخير رساميل أكبر بما ل يقاس وتنظيم ممتاز لوسائل نقل البترول وإيصاله إلى المستهلكين ،وكان على هذا الصراع
أن ينتهي وقد انتهى في سنة 1907بهزيمة ساحقة مني بها «البنك اللماني» الذي وجد نفسه أمام واحد من أمرين :اما
أن يصفي «مصالحه البترولية» بخسارة تبلغ المليين وأمّا الخضوع .وقد اختار الحل الخير وعقد مع «تروست البترول»
اتفاقية غير مفيذة جدا «للبنك اللماني» .وبموجب هذه التفاقية تعهد «البنك اللماني» بأن «ل يتخذ أي تدبير يضر
بالمصالح المريكية» ،هذا وقد استدرك بأن التفاقية تفقد مفعولها في حالة ما إذا صدر في ألمانيا قانون عن احتكار الدولة
للبترول.
وعندئذ بدأت «مهزلة البترول» .فقد أخذ أحد ملوك المال اللمان ،مدير «البنك اللماني» فون غفينر يشن عن طريق
سكرتيره الشخصي شتاوس حملة دعاية من أجل احتكار البترول .وقد تحرك بكل ضخامته جهاز أكبر البنوك البرلينية بما له
من «علقات» واسعة ،وبحت حناجر الصحف من الصرخات «الوطنية» ضد «نير» التروست المريكي ،فاتخذ الريخستاغ في
15مارس ،1911بالجماع تقريبا ،قرارا يدعو الحكومة إلى وضع مشروع قانون عن احتكار البترول .وقد تشبثت
الحكومة بهذه الفكرة «الشعبية»؛ و«البنك اللماني» الذي أراد خداع زميله المريكي واصلح أحواله عن طريق احتكار
الدولة للبترول قد بدا كأنما ربح لعبته .وقد أخذ لعاب ملوك البترول اللمان يسيل لتصور الرباح الفاحشة التي ل تقل عن
أرباح أصحاب معامل السكر الروس… ولكن البنوك اللمانية الكبرى قد اختصمت فيما بينها من أجل اقتسام الغنيمة ففضحت
«شركة الخصم» مطامع «البنك اللماني» الجشعة ،هذا أول؛ وثانيا ،خشيت الحكومة مغبة الصراع مع روكفلر ،لنه كان من
المشكوك فيه جدا أن تحصل ألمانيا على البترول عن غير طريقه (ما دامت إنتاجية رومانيا ضعيفة)؛ وثالثا ،جاء اعتماد
مليار مارك في سنة 1913لعداد ألمانيا للحرب .وهكذا أجل مشروع الحتكار وخرج «تروست بترول» روكفلر من
الصراع ظافرا حتى حين.
وقد كتبت المجلة البرلينية «البنك» قائلة بهذا الصدد أن ألمانيا ل تستطيع النضال ضد «تروست البترول» إ ّل إذا أقامت
الحتكار على التيار الكهربائي وحولت طاقة الماء إلى كهرباء رخيصة .واستطردت المجلة قائلة« :ولكن احتكار الكهرباء ل
يأتي إلّ عندما يحتاجه المنتجون .أي بالضبط عندما تقف صناعة الكهرباء على عتبة إفلس كبير جديد ،وعندما تصبح
عاجزة عن العمل بصورة رابحة المحطات الكهربائية الهائلة الغالية التي تشيدها الن في كل مكان «كونسرنات» الصناعة
الكهربائية الخاصة والتي تحصل لها هذه «كونسرنات» الن على بعض حقوق احتكارية من المدن والدويلت والخ ..حينئذ
تظهر ضرورة الستفادة من طاقة المياه؛ ولكن لن يكون من الممكن تحويلها على حساب الدولة إلى كهرباء رخيصة،
وسيتأتى مرة أخرى اعطاؤها إلى «احتكار خاص تراقبه الدولة» ،لن الصناعة الخاصة قد عقدت عدة صفقات وضمنت
لنفسها تعويضات كبرى… هكذا كان المر فيما يخص احتكار القلى؛ وهذا هو حال احتكار البترول ،وسيكون كذلك حال
احتكار الكهرباء .وقد حان لشتراكيي الدولة الذين تبهرهم المبادئ الخلبة أن يفهموا أخيرا أن الحتكارات في ألمانيا لم
37
تهدف ولم تفض في يوم إلى ما يعود بالنفع على المستهلكين أو حتى إلى اعطاء الدولة جزءا من أرباح أصحاب العمال،
بل كان هدفها على الدوام أن تشفي على حساب الدولة الصناعة الخاصة المطلقة على هاوية الفلس»(.)5
يضطر القتصاديون البرجوازيون اللمان إلى الدلء بمثل هذه العترافات القيمة .وهي تظهر لنا بوضوح كيف تندمج
الحتكارات الخاصة واحتكارات الدولة في كل واحد في عهد الرأسمال المالي وان هذه وتلك ليست في الواقع إلّ حلقات في
سلسلة الصراع المبريالي بين كبار الحتكارات من أحل اقتسام العالم.
وفي ميدان الملحة التجارية أفضى اشتداد التمركز الهائل كذلك إلى اقتسام العالم .وقد برزت في ألمانيا شركتان من كبريات
الشركات« :هامبورغ-أمريكا» و«لويد المانية الشمالية» ورأسمال كل منها 200مليون مارك .ومن الجهة الخرى تأسس
في الول من يناير سنة 1903في أمريكا ما يسمى تروست مورغان« ،الشركة العالمية للملحة التجارية» التي تضم 9
من شركات الملحة المريكية والنجليزية وتتصرف برأسمال يبلغ 120مليون دولر ( 480مليون مارك) .وفي سنة
1903نفسها عقدت بين العملقين اللمانيين وهذا التروست المريكي النجليزي اتفاقية بشأن تقاسم العالم بالتصال مع
تقاسم الرباح .وقد تنازلت الشركتان اللمانيتان عن المزاحمة في الشحن بين انجلترا وأمريكا .وقد «اقتسمت» الموانئ بدقة
وانشئت لجنة مشتركة للمراقبة وغير ذلك .وعقدت التفاقية لمدة عشرين سنة وتضمنت تحفظا للحيطة ينص على أنها تفقد
مفعولها في حالة الحرب(.)6
وبليغ الدللة كذلك تاريخ تأسيس الكارتيل العالمي لقضبان السكك الحديدية .فقد قامت معامل قضبان السكك الحديدية في
إنجلترا وبلجيكا وألمانيا بأول محاولة لنشاء هذا الكارتيل في سنة ،1884أثناء النحطاط الصناعي الشديد .وقد اتفقت
على عدم المزاحمة في السواق الداخلية العائدة للبلدان التي تشملها التفاقية وعلى اقتسام السواق الخارجية فيما بينها
على أساس النسب المئوية التالية %66 :لنجلترا و %27للمانيا و %7لبلجيكا .وتركت الهند بأكملها لنجلترا .وقد
شنت ضد شركة انجليزية بقيت خارج التفاقية حرب مشتركة سددت تكاليفها من نسب مئوية معينة من مجموع المبيعات.
ولكن هذا الحلف قد انهار في سنة 1886عندما خرجت منه شركتان إنجليزيتان .وجدير بالذكر أن التفاقية لم تحصل
خلل مراحل النهضة الصناعية التي تلت.
في أوائل سنة 1904تأسس سينديكا الفولذ في ألمانيا .وفي نوفمبر سنة 1904أعيد تأسيس الكارتيل العالمي
لقضبان السكك الحديدية بالمعدلت التالية :إنجلترا ،%53.5ألمانيا ،%28.83بلجيكا .%17.67ثم انضمت إليه
فرنسا بمعدلت %4.8و %5.8و %6.4في السنوات الولى والثانية والثالثة إضاقة على 100بالمئة ،أي من
حاصل 104.8بالمئة وهلم جرا .وفي سنة 1905انضم إلى الكارتيل «تروست الفولذ» المريكي («الشركة العامة
للفولذ») ثم النمسا واسبانيا .وقد كتب فوغلشتين في سنة « :1910لقد تم اقتسام الرض الن ،ولم يبق لكبار
المستهلكين ،وبالدرجة الولى سكك حديد الدولة ،إلّ أن يحيوا كالشاعر في سموات المشتري ما دام العالم قد اقتسم دون أن
يحسب لمصالحهم أي حساب»(.)7
ولنذكر أيضا سينديكا الزنك العالمي المؤسس في سنة 1909والذي حدد بصورة دقيقة مقاييس النتاج بين خمسة فرق
من المعامل :اللمانية والبلجيكية والفرنسية والسبانية والنجليزية؛ ثم تروست البارود العالمي وهو /حسب تعبير ليفمن،
«إتحاد وثيق على احدث طراز بين جميع مصانع المواد المتفجرة في ألمانيا اقتسم العالم فيما بعد ،إذا جاز التعبير ،بالتفاق
مع معامل الديناميت الفرنسية والمريكية المنظمة على شاكلته»(.)8
وقد حسب ليفمن بالمجموع في سنة 1897نحو 40كارتيل عالميا اشتركت فيها ألمانيا وفي سنة 1910نحو مائة.
إن بعض الكتاب البرجوازيين (الضين انضم إليهم الن كاوتسكي الذي ارتد بصورة تامة عن موقفه الماركسي ،عن موقف
سنة 1909مثل) يقولون برأي مفاده أن الكارتيلت العالمية ،وهي مظهر من أبرز مظاهر اكتساب الرأسمال للصيغة
العالمية ،تبعث المل باستتباب السلم بين الشعوب في عهد الرأسمالية .وهذا الرأي سخيف تماما من الناحية النظرية ،وهو
من الناحية العملية عبارة عن سفسطة وطريقة غير شريفة للدفاع عن أرذل النتهازية .فالكارتلت العالمية تبين الدرجة
التي بلغتها الن الحتكارات الرأسمالية والغرض الذي تتصارع من أجله اتحادات الرأسماليين .وهذه الناحية الخيرة هي
المر الهم؛ إذ أنها هي وحدها التي تبين لنا مغزى الحداث التاريخي والقتصادي ،لن شكل الصراع يمكنه أن يتغير وهو
38
يتغير على الدوام تبعا لسباب مختلفة طابعها خاص ومؤقت نسبيا ،في حين أن كنه الصراع ل يمكن أن يتغيرا بحال ما بقيت
الطبقات .ومن المفهوم أن من مصلحة البرجوازية اللمانية مثل ،التي انضم إليها كاوتسكي في جوهر المر في محاكماته
النظرية (وسنتناول ذلك فيما بعد) ،طمس فحوى الصراع القتصادي الراهن (اقتسام العالم) وإبرام هذا الشكل من أشكال
الصراع تارة وذلك تارة أخرى .ويقترف كاوتسكي الخطأ نفسه .ذلك لن القضية ليست قضية البرجوازية اللمانية طبعا ،بل
قضية البرجوازية العالمية .فالرأسماليون يقتسمون العالم ل لنهم فطروا على شر خاص ،بل لن التمركز قد بلغ درجة
ترغب على ولوج هذا الطريق للحصول على الربح؛ هذا وهم يقتسمونه «حسب الرأسمال»« ،حسب القوة» – لنه ل توجد
وسيلة أخرى للتقاسم في ظل نظام النتاج البضاعي والرأسمالية .ولكن نسبة القوى تتغير تبعا للتطور القتصادي
والسياسي؛ ولفهم الحداث الجارية ينبغي أن نفهم المسائل التي يحلها تغير نسبة القوى؛ أمّا مسألة ما إذا كان هذا التغير
اقتصاديا «صرفا» أو غير اقتصادي (عسكريا مثل) فهي مسألة ثانوية ل يمكنها أن تغير شيئا في الراء الساسية عن العهد
الحديث في الرأسمالية .فالستعاضة عن مسألة فحوى الصراع والصفقات بين اتحادات الرأسماليين بمسألة شكل الصراع
والصفقات (وهو اليوم سلمي وغدا سلمي وبعد غد غير سلمي كذلك) يعني النحطاط إلى حضيض السفسطائيين.
إن عهد الرأسمالية الحديثة يبين لنا أن ثمة علقات تتكون بين اتحادات الرأسماليين على صعيد اقتسام العالم اقتصاديا وان
ثمة علقات تتكون بمحاذاة ذلك وتبعا لذلك بين التحادات السياسية ،بين الدول ،على صعيد اقتسام العالم إقليميا ،على صعيد
الصراع من أجل المستعمرات« ،الصراع من أجل الرقاع القتصادية».
-----------------------------------------------------------------------
---------
الفصل السادس
39
اقتسام العالم بين الدول الكبرى
يعطي الجغرافي أ .سوبان في مؤلفه «اتساع أراضي مستعمرات أوروبا»( )1النتيجة المختصرة التالية لهذا السير في نهاية
القرن التاسع عشر:
النسبة المئوية للراضي العائدة للدول الوروبية صاحبة المستعمرات (بما فيها الوليات المتحدة):
ويخلص سوبان إلى النتيجة التالية« :فالسمة المميزة لهذه المرحلة هي إذن اقتسام افريقيا وبولينيزيا» .وبما أنه ل توجد
في آسيا وفي أمريكا اراض غير مشغولة ،أي غير عائدة لدولة من الدول ،ينبغي علينا أن نوسع استنتاج سوبان وأن نقول
أن السمة المميزة للمرحلة المذكورة هي القتسام النهائي للرض ،ل بمعنى استحالة إعادة التقاسم – ،فإعادة التقاسم هي
بالعكس أمر ممكن ومحتوم – بل بمعنى أن السياسة الستعمارية التي تمارسها الدول الرأسمالية قد انجزت الستيلء على
الراضي غير المشغولة في كوكبنا .ولول مرة بدا العالم مقتسما بشكل ل يمكن معه في المستقبل إلّ إعادة التقاسم ،أي
انتقال الراضي من «مالك» لخر ،ل إنتقالها من حالة أراض ل مالك لها إلى ذات «مالك».
فنحن نجتاز ،إذن ،عهدا خاصا من سياسة استعمارية عالمية مرتبطة أوثق ارتباط بـ«احدث درجة في تطور الرأسمالية»،
بالرأسمال المالي .ولذا من الضروري أن نتناول قبل كل شيء الوقائع بالتفصيل لكي نتبين بما أمكن من الدقة ما يميز هذا
العهد عن العهود السابقة وكذلك وضع المور الراهن .ويتبادر إلى الذهن هنا بادئ ذي بدء سؤالن عمليان :هل يلحظ
اشتداد السياسة الستعمارية وتفاقم الصراع من أجل المستعمرات في عهد الرأسمال المالي بالضبط ،وكيف اقتسم العالم من
هذه الناحية في الوقت الراهن.
يحاول الكاتب المريكي موريس في كتابه عن تاريخ الستيلء على المستعمرات( )2تعميم المعلومات عن مساحة
مستعمرات إنجلترا وفرنسا وألمانيا في مختلف مراحل القرن التاسع عشر .وها هي ،باختصار ،النتائج التي توصل إليها:
مساحة المستعمرات
إن مرحلة اشتداد الستيلء على المستعمرات اشتدادا هائل هي بالنسبة لنجلترا سنوات 1880-1860واشتداد
ملحوظا جدا في العقدين الخيرين من القرن التاسع عشر ,ومرحلة الشتداد الهائل بالنسبة لفرنسا وألمانيا هي العقدين
الخيرين بالضبط .وقد رأينا فيما تقدم أن رأسمالية ما قبل عهد الحتكار ،رأسمالية سيادة المزاحمة الحرة قد بلغت أوج
تطورها في مرحلة سنوات .1880-1860وها نحن نرى الن أنه بعد هذه المرحلة بالضبط تبتدئ «النهضة» الكبرى
في الستيلء على المستعمرات ويحتدم للغاية وطيس الصراع من أجل اقتسام أراضي العالم .ول مجال للشك إذن في أن
40
انتقال الرأسمالية إلى درجة الرأسمالية الحتكارية ،إلى الرأسمال المالي ،مرتبط باحتدام الصراع من أجل اقتسام العالم.
يشير هوبسون في مؤلفه عن المبريالية إلى مرحلة سنوات 1900-1883باعتبارها مرحلة اشتداد «توسع» الدول
الوروبية الرئيسية .وبموجب حساباته ،تملكت إنجلترا خلل هذا الوقت 3.7مليين ميل مربع يسكنها 57مليون نسمة؛
وفرنسا 3.6مليين ميل مربع يسكنها 36.5مليون نسمة؛ وألمانيا 1مليون ميل مربع يسكنها 14.8مليون نسمة،
وبلجيكا 900ألف ميل مربع يسكنها 30مليون نسمة؛ والبرتغال 800ألف ميل مربع يسكنها 9مليين نسمة .إن
ركض جميع الدول الرأسمالية وراء المستعمرات في أواخر القرن التاسع عشر ولسيما منذ سنوات العقد التاسع هو واقع
يعرفه الجميع في تاريخ الديبلوماسية والسياسة الخارجية.
في أوج ازدهار المزاحمة الحرة في إنجلترا ،وفي مرحلة سنوات ،1860-1840كان قادتها السياسيون البرجوازيون
ضد السياسة الستعمارية وكانوا يعتبرون المستعمرات وانفصالها التام عن إنجلترا أمرا محتوما ومفيدا .ففي مقالة عن
«المبريالية النجليزية الحديثة»( )3ظهرت في سنة 1898يشير م .بير إلى أن رجل من رجال الدولة النجليزية يميل
عموما أشد الميل إلى المبريالية وهو ديسرائيلي قد قال في سنة 1852أن «المستعمرات هي أحجار طاحون في رقبتنا».
في أواخر القرن التاسع عشر كان سيسيل رودس وجوزيف تشمبرلين بطلي الساعة في إنجلترا وكانت يبشران بالمبريالية
على المكشوف ويمارسان السياسة المبريالية بمنتهى القحة!
وجدير بالذكر أن قادة البرجوازية النجليزية السياسيين هؤلء كانوا في ذلك الحين يرون بوضوح العلقات بين جذور
المبريالية الحديثة القتصادية الصرف إن أمكن القول والجتماعية السياسية .فقد كان تشمبرلين يروج بالمبريالية
باعتبارها «سياسة أصيلة ،حكيمة ،مقتصدة» مشيرا بصورة خاصة إلى المزاحمة التي تصادفها إنجلترا الن في السوق
العالمية من جانب ألمانيا وأمريكا وبلجيكا .الخلص في الحتكار – هكذا كان يقول الرأسماليون وهم يؤسسون الكارتيلت
والسينديكات والتروستات .الخلص في الحتكار – كان يردد زعماء البرجوازية السياسيون مسرعين إلى الستيلء على
أنحاء العالم التي لم تقتسم بعد .وقد روى الصحفي ستيد أن صديقه الحميم سيسل رودس قد حدثه في سنة 1895عن
نظراته المبريالية بقوله« :كنت أمس في اليست أند (حي العمال في لندن) وحضرت اجتماعا من اجتماعات العمال
العاطلين ،وقد سمعت هناك خطابات فظيعة كانت من أولها إلى آخرها صرخات :الخبز! الخبز! وأثناء عودتي إلى البيت كنت
أفكر بما رأيت واقتنعت أوضح من السابق بأهمية المبريالية… إن الفكرة التي أصبو إليها هي حل المسألة الجتماعية،
أعني :لكيما ننقذ أربعين مليونا من سكان المملكة المتحدة من حرب أهلية فتاكة ينبغي علينا نحن الساسة طلب
المستعمرات أن نستولي على أراض جديدة لنرسل إليها فائض السكان ولنقتني ميادين جديدة لتصريف البضائع التي تنتجها
المصانع والمناجم .فالمبراطورية ،وقد قلت ذلك مرارا وتكرارا ،هي مسألة البطون .فإذا كنتم ل تريدون الحرب الهلية
ينبغي عليكم أن تصبحوا امبرياليين»(.)4
هذا ما قاله في سنة 1895سيسيل رودس المليونير وملك المال والمسؤول الرئيسي عن الحرب النجليزية-البويرية؛
ولكن دفاعه عن المبريالية ،وإن كان فظا وقحا ،ل يختلف في الجوهر عن «نظرية» السادة ماسلوف ،زوديكوم،
بوتريسوف ،دافيد ،ومؤسس الماركسية الروسية ومن على شاكلتهم .فقد كان سيسيل روديس اشتراكيا-شوفينيا أشرف
قليل…
ولكيما نعطي صورة أقرب إلى الدقة ما أمكن عن تقاسم أراضي العالم وعن التغيرات التي حدثت في هذا الحقل خلل
العشرات الخيرة من السنين نستفيد من المعلومات التي أعطاها سوبان في مؤلفه المذكور حول مستعمرات جميع دول
العالم .يأخذ سوبان سنتي 1876و 1900؛ ونحن نأخذ سنة ،1876إذ أنها نقطة أحسن اختيارها ،لن تطور
رأسمالية أوروبا الغربية في عهد ما قبل الحتكار يمكن أن يعتبر قد إنتهى بالجمال وبوجه عام حول هذا التاريخ –ونأخذ
سنة 1914مستعيضين عن أرقام سوبان بأرقام أحدث مأخوذة عن «الجداول الجغرافية والحصائية» لهوبنز .يكتفي
سوبان بالمستعمرات؛ ونحن نعتقد أن من المفيد – لتكتمل في مخيلتنا صورة تقاسم العالم – أن نضيف معلومات مختصرة
عن البلدان غير المستعمرة وعن أشباه مستعمرات التي نعتبر ضمنها بلد فارس والصين وتركيا :فالولى قد غدت مستعمرة
بصورة تامة تقريبا ،أمّا الثانية والثالثة فتتدحرجان إلى هذه النهاية.
41
يبين لنا هذا الجدول بجلء كيف «انتهى» تقاسم العالم على تخوم القرنين التاسع عشر والعشرين .فقد تضخمت مستعمرات
الدول الست الكبرى لحد هائل بعد سنة :1876أكثر من النصف ،من 40إلى 65مليون كيلومتر مربع .والزيادة تبلغ
25مليون كيلومتر مربع ،أي بزيادة النصف عن مساحة البلدان مالكة المستعمرات ( 16.5مليون) .وفي سنة 1876
لم يكن لدى ثلث دول أي مستعمرة ،أمّا الرابعة ،فرنسا ،فلم يكن لديها مستعمرات تقريبا .وفي سنة 1914كان لهذه
الدول الربع مستعمرات تبلغ مساحتها 14.1مليون كيلومتر مربع ،أي مساحة تزيد عن مساحة أوروبا بنسبة تقارب
النصف ويبلغ عدد سكانها نحو 100مليون نسمة .إن التفاوت في توسيع المستعمرات كبير جدا .فإذا قارنا مثل فرنسا
وألمانيا واليابان التي ل تختلف كثيرا من حيث المساحة وعدد السكان وجدنا أن الولى في هذه البلدان قد اقتنت من
المستعمرات (من حيث المساحة) نحو ثلثة أضعاف ما اقتنته الثانية والثالثة مجتمعتين .ولكن من حيث مقادير الرأسمال
المالي قد تكون فرنسا في بداية المرحلة المذكورة أغنى بعدة أضعاف أيضا من واليابان مجتمعتين .وعدا الظروف
القتصادية الصرف وعلى أساسها ،تؤثر على اتساع مساحات المستعمرات الظروف الجغرافية وغيرها .ورغم سعة الخطوة
التي خطتها خلل العقود الخيرة من السنين تسوية العالم والتقريب بين ظروف القتصاد والمعيشة في مختلف البلدان تحت
ضغط الصناعة الضخمة والتبادل والرأسمال المالي ،ما زال الفرق على كل حال كبير ،نلحظ بين الدول الست المذكورة ،من
جهة ،بلدانا رأسمالية فتية تقدمت بسرعة خارقة (أمريكا ،ألمانيا ،اليابان)؛ ومن جهة أخرى ،بلدي التطور الرأسمالي القديم
اللذين كانا تقدمهما في الوقت الخير أبطأ جدا من تقدم البلدان النفة الذكر (فرنسا وإنجلترا)؛ ومن الجهة الثالثة ،البلد
الكثر تأخرا من الناحية القتصادية (روسيا) الذي احيطت فيه المبريالبية الرأسمالية الحديثة ،إن أمكن القول ،بشبكة كثيفة
جدا من علقات عهد ما قبل الرأسمالية
وإلى جاني مستعمرات الدول الكبرى قد وضعنا المستعمرات غير الواسعة العائدة للدول الصغيرة .وهذه المستعمرات هي ،إن
أمكن القول الهدف المباشر «لتقاسم جديد» للمستعمرات ممكن ومحتمل .وعلى الغلب ما كانت هذه الدول الصغيرة لتحتفظ
بمستعمراتها لو لم توجد بين الدول الكبرى تناقضات مصالح واحتكارات الخ ،.تعيق اتفاقها على تقاسم الغنيمة .أمّا فيما
يخص الدول «شبه المستعمرة» فهي مثل الشكال النتقالية التي تصادف في جميع ميادين الطبيعة والمجتمع فالرأسمال
المالي هو قوة كبرى ويمكننا أن نقول فاصلة في جميع العلقات القتصادية والدولية بحيث أن باستطاعتها أن تخضع
لنفسها وهي تخضع في الواقع حتى الدول التي تتمتع باستقللها السياسي الناجز؛ وسنرى الن المثل على ذلك .ولكن من
البديهي أن ما يعطي الرأسمال المالي الوضع «الفضل» والنفع الكبر هو ذلك الخضوع الذي يتبع فقدان البلدان والشعوب
المستعبدة لستقللها السياسي .والبلدان شبه البلدان والشعوب المستعبدة لستقللها السياسي .والبلدان شبه المستعمرة هي
نموذجية باعتبارها «بين بين» في هذا المضمار .ومن المفهوم أن الصراع من أجل هذه البلدان شبه التابعة كان لبدّ أن
يحتدم بصورة خاصة في عهد الرأسمال المالي ما دامت بقية العالم قد اقتسمت.
42
لقد وجدت سياسة الستيلء على المستعمرات ووجدت المبريالية قبل أن تبلغ الرأسمالية مرحلتها الحديثة وحتى قبل
الرأسمالية .فروما القائمة على نظام العبودية كانت تمارس سياسة الستيلء على المستعمران وتحقق المبريالية .ولكن
البحث «بصورة عامة» في المبريالية ،مع نسيان أو استصغار شأن الفرق الجذري بين النظم الجتماعية القتصادية يؤول
حتما إلى هذر فارغ أو إلى تبجح من نوع المقارنة بين «روما العظمى وبريطانيا العظمى»( ،)5فحتى السياسة الستعمارية
التي مارستها الرأسمالية في مراحلها السابقة تختلف اختلفا جوهريا عن سياسة الرأسمال المالي الستعمارية.
إن الخاصية الساسية في الرأسمالية الحديثة هي سيطرة التحادات الحتكارية التي يؤسسها كبار أصحاب العمال .وهذه
الحتكارات هي أوطد ما تكون حين تتفرد بوضع يدها على جميع مصادر الخامات؛ وقد رأينا بأي اندفاع توجه اتحادات
الرأسماليين العالمية جهودها لكي تنتزع من الخصم كل إمكانية للمزاحمة ولكي تشتري مثل مطمورات الحديد أو حقول
النفط وهلم جرا .وحيازة المستعمرات هي وحدها ما يعطي الحتكارات الضمانة التامة للنجاح ضد كل طوارئ الصراع مع
المنافس –حتى في حالة ما إذا رغب المنافس في الدفاع عن نفسه باستصدار قانون عن إقامة احتكار الدولة .فكلما تقدمت
الرأسمالية في تطورها ،وكلما بدا بصورة أوضح نقص الخامات وكلما استعرت المزاحمة واشتد الركض وراء مصادر
الخامات في العالم كله ،احتدام الصراع من أجل حيازة المستعمرات.
وقد كتب شيلدر« :بالمكان أن نجرؤ على تأكيد قد يبدو للبعض غريبا ،وهو أن نمو السكان المدنيين والصناعيين قد يصطدم
في مستقبل قريب لحد ما بعقبة نقص خامات الصناعة لحد أكبر جدا من نقص المواد الغذائية» .وهكذا يشتد مثل نقص
الخشب الذي ترتفع أسعاره دون انقطاع والجلد والخامات اللزمة لصناعة النسيج« .تحاول اتحادات الصناعيين إيجاد توازن
بين الزراعة والصناعة في نطاق القتصاد العالمي كله .وعلى سبيل المثال يمكن ذكر التحاد العالمي لجمعيات صناعة خيوط
القطن الذي وجد من سنة 1904في جملة من الدول الصناعية الكبرى والتحاد الوروبي لجمعيات صناعة خيوط الكتان
المؤسس على نفس الطراز في سنة .)6(»1901
يحاول الصلحيون البرجوازيون وبينهم بوجه خاص الكاوتسكيون الحاليون أن يقللوا طبعا من أهمية هذا النوع من الوقائع
بقولهم أن «بالمكان» الحصول على الخامات في السوق الحرة بدون السياسة الستعمارية «ذات التكاليف الكبيرة
والخطيرة» وأن «باإمكان» زيادة عرض الخامات زيادة كبيرة «بمجرد» تحسين ظروف الزراعة بوجهه عام .ولكن هذه
القاويل تغدو دفاعا عن المبريالية وتجميل لوجهها لنها قائمة على نسيان الخاصية الرئيسية في الرأسمالية الحديثة:
الحتكار .تغيب السوق الحرة شيئا فشيئا في طيات الماضي ،فالسينديكات والتروستات الحتكارية تبترها من يوم لخر؛ أمّا
«مجرد» تحسين ظروف الزراعة فينحصر في تحسين حالة الجماهير ورفع الجور وتقليل الرباح .ولكن هل توجد في غير
مخيلت الصلحيين دوي الكلمات المعسولة تروستات يمكنها ان تهتم بحالة الجماهير بدل من الستيلء على المستعمرات؟
ل يقصر الرأسمال المالي اهتمامه على مصادر الخامات المكتشفة وحدها ،بل يهتم كذلك بمصادر الخامات المحتملة ،لن
التكنيك يتقدم في أيامنا بسرعة ل يتصورها العقل؛ والراضي غير الصالحة اليوم قد تغدو صالحة غدا إذا أوجدت لذلك
طرائق جديدة (ولهذا الغرض يستطيع بنك من البنوك الكبرى تجهير بعثة خاصة من المهندسين والخبراء الزراعيين الخ).
وإذا أنفق رأسمال كبير .والشيء نفسه فيما يخص التنقيب عن الثروات المعدنية والساليب الجديدة لتحضير هذه الخامات
أو تلك والستفادة منها الخ ،.وهلم جرا .ومن هنا ل مفر للرأسمال المالي من أن ينزع إلى توسيع أراضيه القتصادية
وحتى أراضيه بوجه عام .وعلى غرار التروستات التي تقدر أملكها برأسمال منفوخ ضعفين أو ثلث أضعاف ،حاسبة
الرباح «المحتملة» في المستقبل (ل الرباح الراهنة) ،حاسبة نتائج الحتكار المقبلة ،يطمح الرأسمال المالي بوجه عام إلى
الستيلء على أكثر ما يمكن من الراضي مهما كانت وحيثما كانت وبأية وسيلة كانت ،آخذة بعين العتبار مصادر الخامات
المحتملة وخوفا من التأخر في الصراع المسعور من أجل قطعة من العالم غير المقتسم أو من أجل إعادة تقاسم القطع التي
تم تقسيمها.
يبذل الرأسماليون النجليز قصارى جهدهم لتطوير انتاج القطن في مستعمرتـهم مصر ففي سنة 1904زرع القطن في
0.6مليون هكتار من مجموع 2.3مليون هكتار من الراضي المزروعة ،أي أكثر من الربع .ويسير الرأسماليون
الروس على نفس النمط في مستعمرتـهم تركستان .ذلك لن هذه الطريق تسهل لهم التغلب على مزاحميهم الجانب ،تسهل
لهم الوصول إلى احتكار مصادر الخامات وإنشاء تروست للنسيج أكثر توفيرا وربحا ذي إنتاج «مركب» يركز في يد واحدة
جميع مراحل إنتاج ومعالجة القطن.
إن مصالح تصدير الرأسمال تدفع كذلك إلى الستيلء على المستعمرات ،لن من السهل في أسواق المستعمرات (وأحيانا ل
43
يمكن إلّ فيها) إزاحة المزاحم بالطرق الحتكارية وتأمين الطلب وتوطيد «العلقات» اللزمة وهلم جرا.
إن البناء الفوقي غير القتصادي القائم على أساس الرأسمال المالي ،سياسة وإيديولوجية هذا الخير –كل هذا يشدد السعي
إلى الستيلء على المستعمرات .وقد صدق هيلفردينغ إذ قال« :إن الرأسمال المالي ل يريد الحرية ،بل السيطرة» .وقد قال
كاتب برجوازي فرنسي ،وكأنه يطور ويكمل أفكار سيسيل رودس المذكورة أعله( ،)7أنه ينبغي أن تضاف السباب
الجتماعية إلى السباب القتصادية التي تنشأ عنها السياسة الستعمارية الراهنة« :ونتيجة لشتداد تعقد الحياة والصعوبات
التي ل تضغط على جماهير العمال وحسب ،بل وعلى الطبقات الوسطى ،يتراكم في جميع بلدان المدنية القديمة «الضجر
والنقمات والحقاد مهددة المن العام؛ وطاقة خارجة عن مجراها الطبقي العادي ينبغي استخدامها ،ينبغي تشغيلها في
الخارج لكيل يحدث انفجار في الداخل»(.)8
وما دمنا في معرض الحديث عن السياسة الستعمارية في عهد المبريالية الرأسمالية ينبغي أن نشير إلى أن الرأسمال
المالي والسياسة الدولية الملزمة له التي تتلخص في الصراع بين الدول الكبرى من أجل اقتسام العالم اقتصاديا وسياسيا
يخلقان جملة من أشكال انتقالية من تبعية الدول .فما يميز هذا العهد ليس فقط الفريقان الساسيات من البلدان :المالكة
للمستعمرات والمستعمرات ،بل كذلك مختلف أشكال البلدان التابعة ،المستقلة رسميا من الناحية السياسية والواقعة عمليا في
شباك التبعية المالية والديبلوماسية .وقد سبق لنا أن أشرنا إلى شكل من هذه الشكال – البلدان شبه المستعمرة .والرجنتين
مثل هي نموذج شكل آخر.
فقد كتب شولتزه-غيفيرنيتز في مؤلفه عن المبريالية البريطانية« :إن أمريكا الجنوبية ولسيما الرجنتين في حالة تبعية
مالية للندن لدرجة ينبغي نعتها بأنها تقريبا مستعمرة تجارية بريطانية»( .)9واستنادا إلى تقارير قنصل النمسا-المجر في
بوينوس آيرس في سنة 1909قدر شيلدر الرساميل التي وظفتها إنجلترا في الرجنتين 8.75مليار فرنك .ومن اليسير
على المرء أن يتصور مدى وثوق الصلت التي يكتسبها بحكم ذلك ،الرأسمال المالي النجليزي – و«صديقته» الحميمة،
الديبلوماسية النجليزية – مع برجوازية الرجنتين وأوساطها القائدة لكامل حياتها القتصادية والسياسية.
والبرتغال مع استقللها السياسي تعطينا مثل لشكل من أشكال التبعية المالية والديبلوماسية يختلف بعض الشيء .البرتغال
هي دولة مستق
لة ذات سيادة ،ولكنها في الواقع تحت الحماية البريطانية منذ أكثر من 200سنة ،من زمن الحرب من أجل العرش
السباني ( .)1714-1701فقد دافعت إنجلترا عنها وعن مستعمراتها بقصد توطيد موقعها في الصراع ضد خصميها،
اسبانيا وفرنسا .وقد حصلت إنجلترا في المقابل على منافع تجارية وعلى أفضل الشروط لتصدير البضائع ول سيما
الرساميل إلى البرتغال ومستعمراتها وعلى امكانية الستفادة من موانئ وجزر البرتغال وخطوطها التليغرافية والخ ،.وهلم
جرا( .)10وهذا النوع من العلقات قد وجد على الدوام بين الدول الكبرى والصغرى ،ولكنه في عهد المبريالية الرأسمالية
يغدو نظاما عاما ويكون جزءا من مجموع علقات «تقاسم العالم» ،ويصبح حلقات في سلسلة عمليات الرأسمال المالي
العالمي.
ولكي ننتهي من مسألة تقاسم العالم ينبغي علينا أن نشير كذلك إلى ما يلي .إن الدب المريكي والدب النجليزي لم يكونا
الوحيدين اللذين طرحا هذه المسألة بكل صراحة ووضوح بعد الحرب السبانية المريكية والحرب النجليزية البويرية في
نهاية القرن التاسع عشر .والدب اللماني الذي كان يراقب «المبريالية البريطانية» بكل «غيرة» لم يكن كذلك الوحيد الذي
بحث هذا الواقع بصورة مستمرة .فقد طرحت هذه المسألة كذلك في الدب البرجوازي الفرنسي بشكل جلي واسع بمقدار ما
يمكن تصور ذلك من وجهة النظر البرجوازية .فلنستشهد بالمؤرخ دريو الذي كتب في مؤلفه« :القضايا السياسية
والجتماعية في نهاية القرن التاسع عشر» في فصل «الدول الكبرى وتقاسم العالم»« :في غضون السنوات الخيرة احتلت
دول أوروبا وأمريكا الشمالية جميع البقاع الشاغرة في العالم باستثناء الصين .وقد جرت على هذا الصعيد عدة منزاعات
وتبدلت لمناطق النفوذ هي نذير انفجارات أفظع في المستقبل القريب .إذ أنه تنبغي السرعة :فالمم التي لم تؤمن نفسها من
هذه الناحية مهددة بعدم الحصول أبدا على حصتها وبعدم الشتراك في استثمار الكرة الرضية ،هذا الستثمار الهائل الذي
سيكون واقعا من الوقائع الساسية في القرن المقبل (أي العشرين) .ولهذا السبب استولت على أوروبا وأمريكا جميعهما في
الوقت الخير حمى توسيع المستعمرات ،حمى المبريالية« ،التي هي أبرز السمات المميزة لواخر القرن التاسع عشر»
ويستطرد المؤلف« :في هذا التقاسم للعالم ،في هذا الركض المسعور وراء الكنوز وكبريات أسواق الرض ل يوجد أي
تناسب على الطلق بين القوة النسبية للمبراطوريات المؤسسة في هذا القرن ،التاسع عشر ،وبين المكان الذي تحتله في
44
أوروبا المم التي أسستها .فالدول المهيمنة في أوروبا والمتصرفة بمصائرها ليست مهيمنة في العالم بالقدر نفسه .ولما
كانت سعة المستعمرات ،والمل بالحصول على ثروات ل تزال مجهولة ،سيجدان دون شك تأثيرهما منعكسا على قوة الدول
الوروبية النسبية ،فإن مسألة المستعمرات – «المبريالية» إن شئتم – التي قد غيرت الظروف السياسية في أوروبا نفسها
ستغيرها بحكم ذلك أكثر فأكثر»(.)11
-----------------------------------------------------------------------
---------
(Henry C. Morris. «The History of Colonization». N.Y., 1900 vol. II, )2
( pp, 88; I, 419; II, 304هنري ك .موريس« .تاريخ الستيلء على المستعمرات» .نيويورك ،سنة ،1900
المجلد ،2ص 88؛ 419 ،1؛ .304 ،1الناشر).
(( .C. P. Lucas. «Greater Rpme and Greater Britain». Oxf., 1912 )5ك .ب.
لوكاس« .روما العظمى وبريطانيا العظمى» أوكسفورد ،سنة .1912الناشر) .أو Earl of Cromer.
( .«Ancient and moderne Imperialism».L. 1910الكونت كرومير« .المبريالية القديمة
والحديثة» .لندن ،سنة 1910الناشر).
(( »Wahl. «La France aux colonies )8فال« .فرنسا في المستعمرات» .الناشر) ،نقل عن Henry
( Russier. «Le Partage de l’Océanie». P., 165هنري روسيه« .تقاسم أوقيانيا» .باريس،
سنة ،1905ص .165الناشر)
( ، J-E Driault. «Prodlèmes politiques et sociaux». P., 1900 )11ص 299
(ج-.ي .دريو« .القضايا السياسية والجتماعية» .باريس .الناشر)
الفصل السابع
المبريالية مرحلة خاصة في الرأسمالية
ينبغي علينا الن أن نحاول استخلص بعض النتائج ،تعميم ما قلناه فيما تقدم عن المبريالية .لقد نشأت المبريالية
باعتبارها تطورا واستمرارا مباشرا لما فطرت عليه الرأسمالية بوجه عام من خصائص أساسية .ولكن الرأسمالية لم تصبح
إمبريالية رأسمالية إلّ عندما بلغت في تطورها درجة معينة ،عالية جدا ،عندما أخذ يتحول إلى نقيضه بعض من أخص
خصائص الرأسمالية ،عندما تكونت وظهرت على طوال الجبهة كلها سمات مرحلة انتقالية من الرأسمالية إلى نظام اقتصادي
اجتماعي أعلى .والمر الساسي في هذا السير هو من الناحية القتصادية حلول الحتكارات الرأسمالية محل المزاحمة الحرة
الرأسمالية .فالمزاحمة الحرة هي أخص خصائص الرأسمالية والنتاج البضاعي بوجه عام؛ والحتكار هو نقيض المزاحمة
الحرة المباشرة ،ولكن هذه الخيرة أخذت تتحول أمام عيوننا إلى احتكار ،منشئة النتاج الضخم ومزيحة النتاج الصغير،
ُمحِلّة الضخم محل الضخم ،دافعة تمركز النتاج والرأسمال إلى درجة نشأت وتنشأ عنها الحتكارات :الكارتيلت
والسينديكات والتروستات والرأسمال المندمج فيها لنحو عشرة من البنوك التي تتصرف بالمليارات .وفي الوقت نفسه ل
تزيل الحتكارات المزاحمة الحرة التي نشأت عنها ،بل تعيش فوقها وإلى جانبها ،مولدة لهذا السبب جملة من التناقضات
والحتكارات والنزاعات في منتهى الشدة والقوة .فالحتكار هو انتقال من الرأسمالية إلى نظام أعلى.
ولئن كانت هنالك ضرورة لتعريف المبريالية تعريفا غاية في اليجاز ،ينبغي أن يقال :المبريالية هي الرأسمالية في مرحلة
الحتكار .ومثل هذا التعريف يضم المر الرئيسي ،لن الرأسمال المالي هو رأسمال بضعة من البنوك الحتكارية الكبرى
اندمج في رأسمال اتحادات الصناعيين الحتكارية ،هذا من جهة؛ ومن الجهة الخرى ،إن تقاسم العالم هو إنتقال من سياسة
استعمارية تشمل دون عائق أقطارا لم تستول عليها بعد أية دولة رأسمالية إلى سياسة استعمارية تقوم على احتكار حيازة
بقاع الرض المقتسمة بأكملها.
ولكن التعاريف الموجزة للغاية وإن كانت ملئمة لنها تلخص المر الرئيسي ،ل تكفي مع ذلك ما دامت ثمة حاجة لتستخلص
منها سمات في منتهى الهمية تصف الظاهرة التي ينبغي تعريفها .ولذلك ،ودون أن ننسى أن جميع التعاريف بوجه عام هي
ذات طابع شرطي نسبي وأنها ل تستطيع أبدا أن تشمل جميع وجوه علقات ظاهرة في حالة تطورها الكامل ،ينبغي إعطاء
المبريالية تعريفا يشمل علماتها الخمس الساسية التالية )1 :تمركز النتاج والرأسمال تمركزا بلغ في تطوره حدا من
العلو أدى إلى نشوء الحتكارات التي تلعب الدور الفاصل في الحياة القتصادية؛ )2إندماج الرأسمال البنكي والرأسمال
الصناعي ونشوء الطغمة المالية على أساس «الرأسمال المالي» هذا؛ )3تصدير الرأسمال ،خلفا لتصدير البضائع ،يكتسب
أهمية في منتهى الخطورة؛ )4تشكيل اتحادات رأسماليين احتكارية عالمية تقتسم العالم؛ و )5انتهى تقاسم الرض إقليميا
فيما بين كبريات الدول الرأسمالية .فالمبريالية هي الرأسمالية في مرحلة من التطور تكونت فيها سيطرة الحتكارات
والرأسمال المالي واكتسب تصدير الرأسمال أهمية كبرى وابتدأ تقاسم العالم بين التروستات العالمية وانتهى تقاسم الرض
كلها إقليميا بين كبريات البلدان الرأسمالية.
وسنرى فيما بعد كيف يمكن ويجب تعريف المبريالية تعريفا آخر إذا لم تؤخذ بعين العتبار فقط المفاهيم الساسية،
القتصادية الصرف (التي يقتصر عليها التعريف المذكور) ،بل كذلك المكان الذي تحتله في التاريخ المرحلة الراهنة في
الرأسمالية بالنسبة للرأسمالية بوجه عام أو علقة المبريالية والتجاهين الساسيين في حركة العمال .وينبغي أن نشير الن
46
إلى أن المبريالية بالمفهوم المذكور هي دون شك عبارة عن مرحلة خاصة في تطور الرأسمالية .ولكي نمكن القارئ من
تكوين فكرة عن المبريالية معللة أكثر ما يكون ،سعينا قصدا وعمدا إلى إيراد أكثر ما يمكن من آراء القتصاديين
البرجوازيين المضطرين إلى العتراف بوقائع القتصاد الرأسمالي الحديث الثابتة التي ل يمكن الشك فيها بحال .وللغرض
نفسه ذكرنا إحصاءات مفصلة تمكن من تبين الحد الذي بلغه نمو الرأسمال البنكي الخ ،.من تبين المر الذي تجلى فيه
بالضبط تحول الكمية إلى كيفية ،تحول الرأسمالية المتطورة إلى إمبريالية .وغني عن القول طبعا أن جميع الحدود في
الطبيعة والمجتمع شريطة ومتحركة وأن من السخافة النقاش مثل حول تعيين العام أو العقد الذي تم فيه «بصورة نهائية»
قيام المبريالية.
ولكن النقاش حول تعريف المبريالية أمر ل مناص منه بالدرجة الولى مع كاوتسكي ،النظري الماركسي الرئيسي في عهد
ما يسمى بالممية الثانية ،أي في السنوات الـ 25الممتدة من سنة 1889إلى سنة .1914لقد عارض كاوتسكي
بكل حزم في سنة 1915وحتى في نوفمبر سنة 1914الفكار الساسية التي تضمنها تعريفنا للمبريالية ،معلنا أنه ل
ينبغي أن يفهم من المبريالية «مرحلة» أو درجة بلغها القتصاد ،بل سياسة ،سياسة معينة «يفضلها» الرأسمال المالي وأنه
ل يصح اعتبار المبريالية و«الرأسمالية الحديثة» «شيئا واحدا» ،وأنه إذا فهم المرء أن المبريالية تعني «جميع ظواهر
الرأسمالية الحديثة» – الكارتيلت ،الحماية ،سيطرة الماليين ،السياسة الستعمارية – عندئذ تؤول مسألة ضرورة المبريالية
بالنسبة للرأسمالية إلى «تكرار ركيك» إذ انه في هذه الحالة «تكون المبريالية بالبداهة ضرورة حيوية للرأسمالية» والخ..
ونحن نعرب عن فكرة كاوتسكي بأكثر ما يمكن من الدقة إذا ما ذكرنا تعريفه للمبريالية ،التعريف الموجه مباشرة ضد
جوهر الفكار التي لخصناها (لن العتراضات الصادرة عن معسكر الماركسيين اللمان الذين ظلوا يروجون بمثل هذه
الفكار خلل سنوات عديدة معروفة لكاوتسكي من زمن بعيد باعتبارها اعتراضات تيار معين في الماركسية).
«المبريالية هي نتاج الرأسمالية الصناعية العالية التطور .وهي تتلخص بنزوع كل أمة رأسمالية صناعية إلى أن تلحق
بنفسها أو أن تخضع لنفسها المزيد والمزيد من البقاع الزراعية (حرف التشديد لكاوتسكي) بصرف النظر عن المم التي
تقطنها»(.)1
وهذا التعريف ل يساوي قلمة ظفر ،لنه يبرز بشكل وحيد الجانب ،أي بصورة كيفية ،المسألة القومية وحدها (وإن كانت
في منتهى الهمية بحد ذاتها أو في علقتها بالمبريالية) ويربطها بصورة كيفية وغير صحيحة بالرأسمال الصناعي وحده
في البلدان التي تلحق المم الخرى ولنه يبرز بنفس الصورة الكيفية وغير الصحيحة إلحاق البقاع الزراعية.
المبريالية هي نزوع إلى اللحاق – هذا ما ينحصر فيه القسم السياسي من تعريف كاوتسكي .وهو صحيح ،ولكنه ناقص كل
النقص ،أن المبريالية من الناحية السياسية هي بوجه عام نزوع إلى العنف والرجعية .بيد أن ما يهمنا من المر هنا هو
ناحيته القتصادية التي أدرجها كاوتسكي نفسه في تعريفه هو .إن مواطن الخطأ في تعريف كاوتسكي تفقأ العين .فما يميز
المبريالية على وجه التحقيق ليس الرأسمال الصناعي ،بل الرأسمال المالي .وليس من قبيل الصدف أن أفضت السرعة
الكبرى في تطور الرأسمال المالي في فرنسا مع إضعاف الرأسمال الصناعي إلى اشتداد سياسة اللحاق (الستعمارية)
لقصى حد في سنوات العقد التاسع من القرن الماضي .وما يميز المبريالية على وجه التحقق ليس النزوع إلى إلحاق
البقاع الزراعية وحدها ،بل حتى الصناعية الكثر تطورا (مطامع ألمانيا فيما يخص بلجيكا ،وفرنسا فيما يخص اللورين) لن
انتهاء تقاسم الرض يرغم ،لدى إعادة التقاسم ،على مد اليد إلى أي بقعة ،هذا أول؛ وثانيا ،من سمات المبريالية الجوهرية
تنافس عدد من الدول الكبرى في النزوع إلى السيطرة ،أي إلى الستيلء على الراضي ل بقدرما تحتاجها لنفسها مباشرة،
بل بقدر ما تحتاجها لضعاف الخصم وتقويض سيطرتــه (ألمانيا بمسيس الحاجة إلى بلجيكا كنقطة ارتكاز ضد إنجلترا؛
وإنجلترا بمسيس الحاجة إلى بغداد كنقطة ارتكاز ضد ألمانيا وهلم جرا).
يستشهد كاوتسكي بوجه خاص – ومرارا وتكرارا – بالنجليز الذين أقروا ،على ما يزعم ،المعنى السياسي الصرف لكلمة
«المبريالية» كما يفهمها كاوتسكي .فلنأخذ النجليزي هوبسون ولنقرأ في كتابه «المبريالية» الصادر في سنة :1902
«تختلف المبريالية الحديثة عن القديمة أول ،بأنها تحل محل نزاعات إمبراطورية واحدة متعاظمة نظرية وعمل
إمبراطوريات متنافسة تسترشد كل منها بنزعة متماثلة إلى التوسع السياسي وإلى النفع التجاري؛ وثانيا ،بأنها تعلي على
المصالح التجارية المصالح المالية أو المتعلقة بتوظيف الرأسمال»(.)2
47
ونحن نرى أن كاوتسكي غير محق في الواقع أبدا إذ يستشهد بالنجليز بوجه عام (إ ّل إذا كان يريد الستشهاد بالمبرياليين
النجليز المبتذلين أو بالذين يكيلون المديح علنا للمبريالية) .ونحن نرى أن كاوتسكي الذي يدعي أنه ما زال يدافع عن
الماركسية يخطو في الواقع خطوات إلى الوراء بالمقارنة مع الشتراكي-الليبرالي هوبسون الذي يأخذ بعين العتبار بصورة
أصح خاصتين «تاريخيتين ملموستين» (وإن كاوتسكي يسخر في تعريفه من الدقة التاريخية بالضبط!) من خواص
المبريالية الحديثة )1 :التنافس بين جملة من الدول المبريالية و )2تفوق المالي على التاجر .أمّا إذا جرى الكلم،
بصورة رئيسية ،حول الحاق بلد زراعية من قبل بلد صناعية فإن ذلك يعني التأكيد على تفوق دور التاجر.
إن تعريف كاوتسكي ،عدا أنه غير صحيح وغير ماركسي ،هو أساس لسلسلة كاملة من نظرات تقطع كل صلة مع النظرية
الماركسية والعمل الماركسي على حد سواء المر الذي سيأتي الحديث عنه فيما بعد .والنقاش الذي أثاره كاوتسكي حول
الكلمات هو نقاش غير جدي على الطلق :أينبغي أن يطلق على أحدث مراحل الرأسمالية اسم المبريالية أم درجة الرأسمال
المالي .سمها كيف شئت ،ل أهمية لذلك .إن كنه القضية في كون كاوتسكي يفصل سياسة المبريالية عن اقتصادها ،زاعما
أن اللحاقات هي سياسة الرأسمال المالي «المفضلة» ،ومعارضا إياها بسياسة برجوازية أخرى يدعي أنها ممكنة على
أساس الرأسمال المالي نفسه .يستنتج إذن أن الحتكارات في القتصاد تتلءم مع طراز سلوك في السياسة غير قائم على
الحتكار والعنف والغضب .يستنتج إذن أن تقاسم أقطار الرض الذي تم في عهد الرأسمال المالي بالضبط والذي يؤلف
أساس السمة المميزة لشكال التنافس الراهنة بين كبريات الدول الرأسمالية يتلءم مع السياسة غير المبريالية .ويكون
الحاصل طمس وثلم حدة أهم تناقضات المرحلة الحديثة في الرأسمالية بدل من الكشف عن عمقها ،ويكون الحاصل إصلحية
برجوازية بدل من الماركسية.
يناقش كاوتسكي مداح المبريالية واللحاقات اللماني كونوف ،ذا التفكير السقيم الوقح :المبريالية هي الرأسمالية الحديثة؛
تطور الرأسمالية محتوم وتقدمي ،معنى ذلك أن المبريالية تقدمية ،معنى ذلك أنه ينبغي تملق المبريالية والثناء عليها!
وكأننا أمام شيء ما من نمط تلك الصورة المشوهة التي رسمها الشعبيون على الماركسيين الروس في سنتي -1894
:1895ما دام الماركسيون يعتبرون الرأسمالية في روسيا أمرا محتوما وتقدميا فينبغي عليهم أن يفتحوا خمارة
وينصرفوا إلى غرس الرأسمالية .ويعترض كاوتسكي على كونوف :كل ،المبريالية ليست الرأسمالية الحديثة ،بل هي شكل
من أشكال سياسة الرأسمالية الحديثة ل غير ،ويمكننا نحن وينبغي علينا أن نناضل ضد هذه السياسة ،أن نناضل ضد
المبريالية ،ضد اللحاقات وهلم جرا.
يبدو العتراض مقبول تماما من حيث الشكل ،ولكنه ،في الواقع ،عبارة عن تبشير بالتفاق مع المبريالية أكثر نعومة
وأحسن تسترا (وهو لذلك أشد خطرا) ،لن «النضال» ضد سياسة التروستات والبنوك ،دون مساس بأسس اقتصاد
التروستات والبنوك ،يؤول إلى الصلحية والمسالمة البرجوازية وإلى تمنيات طيبة بريئة .إن نظرية كاوتسكي التي ل
يجمعها بالماركسية جامع هي تجنب التناقضات الموجودة ونسيان أهم هذه التناقضات ،بدل من الكشف عن كل عمقها.
ومفهوم أن هذه «النظرية» ل تصلح إلّ للدفاع عن فكرة الوحدة مع كونوف ومن على شاكلته!
وقد كتب كاوتسكي« :من وجهة النظر القتصادية الصرف ليس من المستحيل أن تجتاز الرأسمالية مرحلة جديدة أخرى
تشمل فيها سياسة الكارتيلت السياسة الخارجية ،مرحلة اتحاد الدول المبريالية العليا»( ،)3أي مرحلة ما فوق المبريالية،
مرحلة اتحاد الدول المبريالية في العالم بأسره ،ل الصراع فيما بينها ،مرحلة إنهاء الحروب في ظل الرأسمالية ،مرحلة
«استثمار مشترك للعالم من قبل الرأسمال المالي المتحد على النطاق العالمي»(.)4
لبد لنا أن نتناول فيما يأتي «نظرية المبريالية العليا» هذه لكي نبين بالتفصيل إلى أية درجة تنفصل هذه النظرية بصورة
قاطعة نهائية عن الماركسية .أمّا هنا ،فينبغي علينا ،وفقا للبرنامج العام الذي نتمشى عليه في هذا المؤلف ،أن نلقي نظرة
على المعلومات القتصادية الدقيقة المتصلة بهذه المسألة« .من وجهة النظر القتصادية الصرف» أيمكن وجود «ما فوق
المبريالية» ،أم أننا أمام ما فوق الهذر؟
إذا فهم المرء وجهة النظر القتصادية الصرف على أنها التجريد «الصرف» ،فكل ما يمكن قوله حينئذ يؤول إلى ما يلي:
يسير التطور في اتجاه الحتكارات ،وعلى ذلك في اتجاه احتكار عالمي واحد ،تروست عالمي واحد .هذا ل جدال فيه ،ولكنه
كذلك خال من كل معنى كما لو قال المرء أن «التطور يسير» في اتجاه إنتاج المواد الغذائية في المختبرات .و«نظرية» ما
فوق المبريالية هي بهذا المعنى لغو ل طائل تحته كما لو قال المرء بـ«نظرية ما فوق الزراعة».
48
ولكن إذا تناول الكلم الظروف « القتصادية الصرف» لمرحلة الرأسمال المالي باعتبارها مرحلة محددة تاريخيا تقع في
أوائل القرن العشرين ،فإن أحسن رد على الصيغ المجردة الميتة بصدد «ما فوق المبريالية» تلك الصيغ التي ل تستهدف إلّ
أمرا رجعيا للغاية :إلهاء النظار عن عمق التناقضات القائمة) هو معارضتها بالواقع القتصادي الملموس في القتصاد
العالمي الراهن .إن أقاويل كاوتسكي عما فوق المبريالية ،هذه القاويل الخالية من كل معنى ،تشجع ،فيما تشجع ،الفكرة
المغلوطة في عمقها والتي تصب الماء في طاحونة مداحي المبريالية ،الفكرة القائلة بأن سيطرة الرأسمال المالي تخفف
التفاوت والتناقضات في داخل القتصاد العالمي في حين أنها تشددها في الواقع.
قام ر .كالفير في كتابه الموجز «توطئة القتصاد العالمي»( )5بمحاولة لتلخيص أهم المعطيات القتصادية الصرف التي
تمكن من تكوين فكرة ملموسة عن العلقات في داخل القتصاد العالمي على تخوم القرنين التاسع عشر والعشرين .إنه يقسم
العالم بأكمله إلى خمس «مناطق اقتصادية رئيسية» )1 :منطقة أوروبا الوسطى (أوروبا كلها عدا روسيا وإنجلترا)؛ )2
المنطقة البريطانية؛ )3المنطقة الروسية؛ )4منطقة آسيا الشرقية؛ )5المنطقة المريكية ،ضاما المستعمرات إلى
«مناطق» تلك الدول التي تعود إليها و«تاركا جانبا» عددا قليل من البلدان غير المقسمة حسب المناطق كبلد فارس
وأفغانستان وشبه جزيرة العرب في آسيا ومراكش والحبشة في افريقيا وغيرها.
وها هي باليجاز المعطيات القتصادية التي ذكرها عن هذه المناطق( :راجعوا الصفحة .)533
نرى ثلث مناطق بلغت فيها الرأسمالية درجة عالية من التطور (تطورت فيها جدا طرق المواصلت والتجارة و والصناعة):
منطقة أوروبا الوسطى والمنطقة البريطانية والمنطقة المريكية .بينها ثلث دول مسيطرة في العالم :ألمانيا وإنجلترا
والوليات المتحدة .وتنافسها المبريالي وصراعها قد تفاقما غاية التفاقم لن لدى ألمانيا منطقة صغيرة ومستعمرات قليلة؛
إن تشكيل «أوروبا الوسطى» ما زال مسألة المستقبل وهي تولد في صراع مستميت .فالسمة المميزة لوروبا بأكملها ما
تزال التجزئة السياسية .والتمركز السياسي في المنطقتين البريطانية والمريكية هو ،بالعكس ،عال جدا؛ بيد أن الفرق هائل
بين سعة مستعمرات الولى وضآلة مستعمرات الثانية .أمّا في المستعمرات ،فالرأسمالية قد أخذت في التطور وحسب
ويحتدم الصراع من أجل أمريكا الجنوبية.
وتطور الرأسمالية ضعيف في منطقتين – في المنطقة الروسية ومنطقة آسيا الشرقية .في المنطقة الولى كثافة السكان في
منتهى الضعف ،وفي الثانية في منتهى الرتفاع؛ في الولى ،التمركز السياسي عال جدا ،وفي الثانية معدوم .واقتسام الصين
لم يكد يبدأ ،فالصراع بين اليابان والوليات المتحدة وغيرهما من أجل هذا البلد يستعر باستمرار بين الهلة مساحة
المستعمرات وعدد سكانها
قارنوا بهذا الواقع – بتنوع الظروف القتصادية والسياسية الهائل ،بالتفاوت الكبير في سرعة تطور مختلف البلدان وغير
49
ذلك ،بالصراع المسعور بين الدول المبريالية – أقصوصة كاوتسكي السخيفة عما فوق المبريالية «المسالمة» .أفليست هذه
محاولة رجعية من متعيش مهلوع للختفاء من الواقع الرهيب؟ والكارتيلت العالمية التي تبدو لكاوتسكي جنينا لـ«ما فوق
المبريالية» (كما «يمكن» أن يعلن إنتاج القراص في المختبر جنينا لما فوق الزراعة) ،أل تعطينا مثل عن تقاسم العالم
وإعادة تقاسمه ،عن النتقال من التقاسم السلمي إلى غير السلمي وبالعكس؟ والرأسمال المالي المريكي وغيره الذي اقتسم
العالم كله سلميا ،حينما اشتركت ألمانيا ،ولنقل مثل ،في السينديكا العالمي لقضبان السكك الحديدية أو في التروست العالمي
للملحة التجارية ،ألم يأخذ الن في إعادة تقاسم العالم على أساس النسبة الجديدة بين القوى ،التي تتغير بطريقة غير
سلمية بتاتا؟
إن الرأسمال المالي والتروستات ل تخفف التفاوت في سرعة تطور مختلف أقسام القتصاد العالمي ،بل بالعكس ،تزيد منه.
وإذا ما تغيرت نسبة القوى ،فهل يمكن ،في ظل الرأسمالية ،أن يوجد حل للتناقضات في غير القوة؟ ونجد في إحصاءات
السكك الحديدية( )6معلومات في منتهى الدقة عن تباين سرعة نمو الرأسمالية والرأسمال المالي في القتصاد العالمي
بأكمله .فخلل العقود الخيرة من سني التطور المبريالي تغير طول السكك الحديدية على النحو التي:
السكك الحديدية
(بألوف الكيلومترات)
سنة +
1913 1890
( )1أوروبا 122+ 346 224
( )2الوليات المتحدة 143+ 411 268
( )3جميع المستعمرات 128+ 210 82
(222+ 347 125 )4( + )3
( )4الدول المستقلة وشبه المستقلة في آسيا وأمريكا 94+ 137 43
المجموع 1104 617
لقد تم تطور السكك الحديدية بأكبر سرعة إذن في المستعمرات والدول السيوية والمريكية المستقلة – وشبه المستقلة –.
ومن المعروف أن الرأسمال المالي العائد لـ 5 - 4من كبريات الدول الرأسمالية هو صاحب القول الفصل في هذه
القطار .فهذه المئتا ألف كيلومتر من خطوط السكك الحديدية الجديدة في المستعمرات وغيرها من بلدان آسيا وأمريكا تعني
أكثر من 40مليار مارك من الرساميل الموظفة حديثا بشروط مفيذة للغاية من ضمانات خاصة للعائدات وطلبات تؤمن
الرباح لمعامل صهر الفولذ وغير ذلك وهلم جرا.
تتطور الرأسمالية بأكبر سرعة في المستعمرات وفي بلدان ما وراء المحيط .وتظهر بينها دول إمبريالية جديدة (اليابان).
يتفاقم الصراع بين الدول المبريالية العالمية .ويزداد مبلغ الجزية التي يتقاضاها الرأسمال المالي من المشاريع الرابحة جدا
في المستعمرات وبلدان ما وراء المحيط .وعند اقتسام هذه «الغنيمة» يقع منها قسم كبير جدا في أيدي بلدان لم تشغل على
الدوام المكان الول في سرعة تطور القوى المنتجة .ففي الدول الكبرى مأخوذة مع مستعمراتها كان طول السكك الحديدية
على النحو التي:
(ألوف الكيلومترات)
وزادت إنجلترا بفضل مستعمراتها شبكة سككـ«ـها» الحديدية 100ألف كيلومتر ،أي أربعة أضعاف زيادة ألمانيا .هذا
في حين يعرف الجميع أن تطور القوى المنتجة في ألمانيا خلل هذا الوقت ول سيما تطور إنتاج استخراج الفحم الحجري
وصهر الحديد قد سار بسرعة أكبر جدا في إنجلترا ،ناهيك عن فرنسا وروسيا .ففي سنة 1892أنتجت ألمانيا 4.9
مليين طن من الحديد الزهر مقابل 6.8مليين في إنجلترا ،بينما أنتجت في سنة 17.6 -1912مليون طن مقابل
9.0مليين طن؛ أي أنها تفوقت على إنجلترا تفوقا هائل!( )7نتساءل :هل هنالك ،في ظل الرأسمالية ،وسيلة أخرى غير
الحرب لتسوية عدم التناسب بين تطور القوى المنتجة وتراكم الرأسمال من جهة ،واقتسام المستعمرات و«مناطق النفوذ»
للرأسمال المالي ،من الجهة الخرى؟
-----------------------------------------------------------------------
---------
(( Die Neue Zeit», 1914,2« )1مجلد ،)32ص 11 ،909سبتمبر .1914قارنوا بـ ،1915
،2ص 107وما يليها.
(( .Hobson. «Imperilism» L., 1902, p. 324 )2هوبسون « :المبريالية» .لندن ،سنة ،1902
ص .324الناشر).
(( ,Die Neue Zeit», 1914, 2« )3مجلد ،)32ص 11 ،921سبتمبر .1914قارنوا بـ ،1915
،2ص 107وما يليها,.
( , Die Neue Zeit» 1915-1« )4ص 30 ،144أبريل Die Neue Zeit»« - ,1915
, 1915-1ص 30 ،144أبريل ,1915
(Stat. Jahrbuch für das Deutsche Reich, 1915 ; Archive für )6
( .Eisenbahnwesen, 1892مجلة الحصاء السنوية للدولة اللمانية ،سنة 1915؛ سجلت السكك
الحديدية .1892 ،الناشر) وقد اضطررنا للكتفاء بأرقام تقريبية عن توزيع خطوط السكك الحديدية بين مستعمرات
مختلف الدول في سنة .1890
( )7قارن كذلكEdgar Crammond. «The Economic Relation of the British and :
»German Empiresفي «Journal of the Royal Statistical Society», 1914,
( .July, pp. 777 ssادغار كريموند« .العلقات القتصادية بين المبراطورية النجليزية واللمانية» في «مجلة
جمعية الحصاء الملكية» ،سنة ،1914يوليوز ،ص 777وما يليها .الناشر)
51
الفصل الثامن
طفيلية الرأسمال وتعفنها
ينبغي علينا أن نتناول الن ناحية أخرى مهمة جدا من نواحي المبريالية ل تقدر في معظم الحيان حق قدرها في أكثر
البحاث التي تتناول هذا الموضوع .فمن نواقص الماركسي هيلفردينغ أنه خطا خطوة إلى وراء بالمقارنة مع اللماركسي
هوبسون .ونحن نعني الطفيلية التي فطرت عليها المبريالية.
لقد سبق ورأينا أن الحتكار هو أعمق أساس اقتصادي للمبريالية .وهو احتكار رأسمالي ،أي أنه ناشئ عن الرأسمالية
وقائم ضمن الظروف العامة للرأسمالية وللنتاج البضاعي والمزاحمة ،ومتناقض مع هذه الظروف العامة تناقضا دائما ل
مخرج منه .وهو ،مع ذلك ،ككل احتكار ،يولد حتما الميل إلى الركود والتعفن .فبما أنه يفترض أسعارا احتكارية ،ولو لزمن
محدود ،تزول بالتالي ،لدرجة معينة ،بواعث التقدم التكنيكي ،وتبعا لذلك كل تقدم آخر ،كل حركة إلى المام؛ ثم تظهر
المكانية القتصادية لعاقة التقدم التكنيكي بصورة مصطنعة .فلنضرب مثل :في أمريكا اخترع المدعو أوينس ماكنة للقناني
أحدثت ثورة في صنع القناني .فاشترى الكارتيل اللماني لمصانع القناني براءات اختراع أوينس ووضعها في جواريره معيقا
استعمالها .وبطبيعة الحال ل يستطيع الحتكار في ظل الرأسمالية أن يزيل المزاحمة من السوق العالمية بصورة نهائية
ولبرهة طويلة (ولنقل في سياق الحديث أن هذا سبب من أسباب سخافة نظرية ما فوق المبريالية) .ومن الواضح أن
إمكانية تخفيض تكاليف النتاج وزيادة الرباح عن طريق إدخال التحسينات التكنيكية تعمل في صالح التغيرات .ولكن ما فطر
عليه الحتكار من ميل إلى الركود والتعفن يواصل عمله بدوره وهو يتغلب خلل وقت معين في بعض فروع الصناعة وفي
بعض البلدان.
واحتكار حيازة المستعمرات الواسعة جدا ،الغنية أو ذات الموقع الملئم ،يعمل في نفس التجاه.
وبعد .إن المبريالية هي تراكم هائل للرأسمال النقدي في عدد قليل من البلدان يبلغ كما سبق ورأينا 150-100مليار
فرنك من الوراق المالية .ومن هنا تنمو بصورة خارقة طبقة أو ،بالصح ،فئة أصحاب المداخل ،أي الشخاص الذين
يعيشون من «قص الكوبونات» ،الشخاص المنعزلين تماما عن كل اشتراك في أي مشروع ،أشخاص مهنتهم التعطل.
وتصدير الرأسمال – وهو أساس من أهم أسس المبريالية القتصادية – يشدد لدرجة أكبر العزلة التامة لفئة أصحاب
المداخيل عن النتاج ،ويسم بطابع الطفيلية كل البلد التي تعيش من استثمار عمل عدد من بلدان ما وراء المحيطات
والمستعمرات.
وقد كتب هوبسون« :في سنة 1893بلغ الرأسمال البريطاني الموظف في الخارج نحو %15من كل ثروة المملكة
المتحدة»( .)1ونذكر بأن هذا الرأسمال قد ازداد ،حوالي سنة %150 ،1915على وجه التقريب .ويستطرد هوبسون:
«إن المبريالية العدوانية التي تكلف دافعي الضرائب ثمنا فادحا والتي تتسم بأهمية ضئيلة بالنسبة للصناعي والتاجر… هي
مصدر أرباح فاحشة للرأسمالي الذي يبحث عن مكان لتوظيف رأسماله»… (وقد أعرب عن هذه الفكرة بالنجليزية بكلمة
واحدة «انفيستور» – «موظف» ،صاحب دخل)…«ومجموع الدخل السنوي الذي تقبضه بريطانيا العظمى من كامل تجارتها
مع الخارج والمستعمرات – صادرات وواردات – قد بلغ في سنة ،1899حسب تقدير الحصائي جيفان 18 ،مليون
جنيه سترليني (قرابة 170مليون روبل) على اعتبار %2.5من تداول مجموعه 800مليون جنيه سترليني» .وهذا
المبلغ على ضخامته ل يستطيع تفسير المبريالية البريطانية العدوانية .إن ما يفسره هو مبلغ يتراوح بين 90و 100
مليون جنيه سترليني هو عائد الرأسمال «الموظف» ،هو إيرادات فئة أصحاب المداخيل.
إن عائدات أصحاب المداخيل هي خمسة أضعاف عائد التجارة الخارجية في أكبر بلد «تجاري» في العالم! هذا هو كنه
المبريالية والطفيلية المبريالية.
ومفهوم «الدولة صاحبة الدخل» ( )Rentnerstaatأو الدولة المرابية يغدو لهذا السبب شائعا في الدب القتصادي
عن المبريالية .لقد انقسم العالم إلى حفنة من الدول المرابية وإلى أكثرية هائلة من الدول المدينة .وقد كتب شولتزه-
غيفيرنيتز« :بين الرأسمال الموظف في الخارج تأتي في المقام الول المبالغ الموظفة في البلدان التابعة سياسيا أو الحليفة:
52
فإنجلترا تمنح القروض لمصر واليابان والصين وأمريكا الجنوبية .وعند القتضاء يلعب أسطولها الحربي دور الشرطي
القضائي .وقوة إنجلترا السياسية تقيها من سخط المدينين»( .)2ويشير سارتوريس فون فالترسهاوزن في مؤلفه «القتصاد
الوطني وطريقته لتوظيف الرأسمال في الخارج» إلى هولنده باعتبارها نموذجا «للدولة صاحبة الدخل» ويقول أن إنجلترا
وفرنسا تغدوان دولتان من هذا الطراز( .)3ويقول شيلدر أن خمس دول صناعية هي «بلدان دائنة واضحة المعالم»:
إنجلترا ،فرنسا ،ألمانيا ،بلجيكا ،سويسرا .وهو ل يذكر هولنده بينها إلّ لنها «ضعيفة التطور الصناعي»( .)4والوليات
المتحدة دولة دائنة حيال أمريكا فقط.
وقد كتب شولتزه-غيفيرنيتز« :تتحول إنجلترا شيئا فشيئا من دولة صناعية إلى دولة دائنة ،ومع أن النتاج الصناعي
والتصدير الصناعي يزدادان من الناحية المطلقة ،يرتفع ،بالنسبة للقتصاد الوطني كله ،الوزن النسبي للمداخيل التي تتألف
من الفوائد وعائدات السهم والصدار والوساطة والمضاربة .وفي رأيي إن هذا الواقع بالذات هو الساس القتصادي
للنهوض المبريالي.فصلة الدائن بالمدين أوثق من صلة البائع بالمشتري»( .)5وفيما يخص ألمانيا كتب صاحب مجلة
«البنك» البرلينية لنسبورغ في سنة 1911في مقال عنوانه« :ألمانيا دولة صاحبة دخل» ما يلي« :في ألمانيا ل
يحجمون عن السخرية من رغبة الفرنسيين في التحول إلى أصحاب دخل .هذا وهم ينسون أنه فيما يخص البرجوازية تغدو
الحالة في ألمانيا شيئا فشيئا أشبه بالحالة في فرنسا»(.)6
إن الدولة صاحبة الدخل هي دولة الرأسمالية الطفيلية المتقيحة ،وهذا المر يجد انعكاسه ،ل محالة ،في مثل هذه البلدان
على جميع الظروف الجتماعية والسياسية بوجه عام وعلى التجاهين الساسيين في حركة العمال بوجه خاص .ولكيما نبين
ذلك بأجلى شكل ممكن نترك الكلم لهوبسون باعتباره أفضل شاهد «عدل» ،إذ يستحيل اتهامه بالتحيز «لليمان الماركسي
الحق» ،ولنه ،من الجهة الخرى ،إنجليزي ،أي إنسان مطلع على دقائق المور في أغنى البلد بالمستعمرات والرأسمال
المالي والخبرة المبريالية.
لقد وصف هوبسون تحت تأثير انطباعاته الحية من الحرب النجليزية البورية صلة المبريالية بمصالح «الماليين» وتزايد
أرباحهم من تقديم العتاد الحربي وغير ذلك وكتب يقول« :إن موجهي هذه السياسة ذات الطابع الطفيلي البين هم
الرأسماليون؛ ولكن البواعث نفسها تفعل فعلها في فئات معينة من العمال .فأهم الفروع الصناعية في العديد من المدن
تتوقف على العقود الحكومية .فالمبريالية في مراكز صناعة التعدين وبناء السفن تتوقف لدرجة كبيرة على هذا الواقع».
وثمة ظرفان كانا يضعفان ،برأي الكاتب ،قوة المبراطورية القديمة« )1 :الطفيلية القتصادية» و )2تشكيل الجيوش من
الشعوب التابعة« .الول هو عادة الطفيلية القتصادية وبحكمها تستفيد الدولة المسيطرة من مقاطعاتها ومستعمراتها
والبلدان التابعة لثراء طبقتها الحاكمة والرشوة طبقاتها السفلى لتبقى هادئة» .ونضيف من جهتنا أن هذه الرشوة بأي شكل
تحققت ،ل بد لها ،لتغدو أمرا ممكنا من الواجهة القتصادية ،من أرباح فاحشة ،احتكارية.
وفيما يخص الظرف الثاني كتب هوبسون« :ومن أغرب امارات عمى المبريالية ذلك الستهتار الذي تنخرط به بريطانيا
العظمى وفرنسا والمم المبريالية الخرى في هذا الطريق .وقد تخطت بريطانيا العظمى الجميع .فمعظم المعارك التي
استولينا بها على إمبراطوريتنا الهندية قد خاضتها جيوشنا المشكلة من الجنود المحليين؛ ففي الهند وفي مصر كذلك حديثا
توجد جيوش نظامية كبيرة تحت قيادة البريطانيين .ومعظم الحروب التي خضناها لغزو إفريقيا عدا إفريقيا الجنوبية ،قد
خاضها من أجلنا الجنود المحليون».
ويقدم هوبسون من الناحية القتصادية على النحو التالي احتمال اقتسام الصين« :إن قسما كبيرا من أوروبا الغربية قد
يكتسب آنئذ المظهر والطابع اللذين ترتديهما الن أقسام من هذه البلدان :جنوب إنجلترا ،الريفييرا ،المناطق اليطالية
والسويسرية التي يكثر فيها السياح ويقطنها الثرياء ،ونعني حفنة ضئيلة من الرستقراطيين الثرياء ،الذين يتلقون
العائدات والمرتبات من الشرق البعيد ومعهم جماعة أكبر لحد ما من المستخدمين المحترفين والتجار وعدد أكبر من خدم
البيوت وعمال وسائط النقل والصناعة المشغولة بإتمام المصنوعات شبه الجاهزة .أمّا الفروع الصناعية الرئيسية فتتلشى
آنئذ وتتدفق كميات كبرى من المواد الغذائية والمصنوعات شبه الجاهزة كجزية من آسيا وإفريقيا» .هذه هي الفاق التي
يفتحها لنا اتحاد أوسع بين الدول الغربية ،اتحاد أوروبي بين الدول الكبرى :وهذا التحاد ،فضل عن أنه ل يدفع إلى المام
قضية الحضارة العالمية ،يمكنه أن يكون خطر الطفيلية الغربية لدرجة هائلة :أن يبرز مجموعة من المم الصناعية الراقية
تتقاضى طبقتها العليا جزية ضخمة من آسيا وإفريقيا تمكنها من إعالة جماعات مروّضة من الخدم والمستخدمين غير
المشغولين في إنتاج الكميات الكبرى من المواد الزراعية والصناعية ،بل في الخدمة الشخصية ،أو تقوم تحت إشراف
الرستقراطية المالية الجديدة بأعمال صناعية ثانوية .وعلى هؤلء المستعدين لهمال هذه النظرية» (وينبغي أن يقال هذا
53
المستقبل) «على اعتبارها غير جديرة بالكتراث أن يمنعوا الفكر في الظروف القتصادية والجتماعية في مناطق إنجلترا
الجنوبية الراهنة التي وصلت إلى هذا الحال .فليفكروا في السعة الكبرى التي يمكن أن يبلغها هذا النظام في حالة ما إذا
أخضعت الصين اقتصاديا لشراف مثل هذه الفرق المالية «موظفة الرساميل» ولمستخدميها السياسيين والصناعيين
والتجاريين الذين يبتزون الرباح من أكبر مستودع للثروات الكامنة عرفه العالم حتى اليوم ،بقصد استهلك هذه الرباح في
أوروبا .وغني عن القول أن الحالة في منتهى التعقيد ،ولعبة القوى العالمية تصعب جدا الحاطة بها ليغدو من المحتمل هذا
التفسير للمستقبل أو ذاك في اتجاه واحد .ولكن التأثيرات التي توجه المبريالية في أوروبا الغربية في الساعة الراهنة تسير
في هذا التجاه ،وإذا لم تصادف مقاومة ،إذا لم توجه وجهة أخرى ،فهي تعمل في اتجاه مثل هذه الخاتمة لهذا السير»(.)7
إن الكاتب على حق كامل :فإذا لم تصادف قوى المبريالية مقاومة فهي تصل حتما إلى هذه النتيجة .فمغزى «الوليات
المتحدة الوروبية» في الظرف المبريالي الراهن قد قدر هنا على الوجه الصحيح .وكل ما كان ينبغي أن يضاف هو أنه في
داخل حركة العمال كذلك «يعمل» بمثابرة في التجاه ذاته بالضبط النتهازيون الذين حصلوا الن على الغلبة مؤقتا في معظم
البلدان .فالمبريالية التي تعني اقتسام العالم واستمرار البلدان الخرى ل الصين وحدها والتي تعني الرباح الحتكارية
الفاحشة لحفنة من أغنى البلدان ،تخلق اقتصاديا إمكانية رشوة الفئات العليا من البروليتاريا وبذلك تغذي النتهازية وتكونها
وتوطدها .إلّ أن ما ل ينبغي أن ننساه هو تلك القوى المقاومة للمبريالية بوجه عام وللنتهازية بوجه خاص ،القوى التي
ل يراها بطبيعة الحال الشتراكي-الليبرالي هوبسون.
إن النتهازي اللماني غيرهارد هيلديبراند الذي طرد في حينه من الحزب لدفاعه عن المبريالية والذي من الممكن اليوم أن
يصبح زعيما لما يسمى الحزب «الشتراكي-الديموقراطي» اللماني يتهم هوبسون بتوفيق إذ يدعو لتشكيل «وليات متحدة
من أوروبا الغربية» (بدون روسيا) بقصد العمل «المشترك»… ضد الزنوج الفريقيين ،ضد «الحركة السلمية الكبرى»
وللنفاق على «جيش وأسطول قويين» ،ضد «الئتلف الياباني الصيني»( )8الخ.
إن وصف شولتزه-غيفيرنيتز «للمبريالية البريطانية» تبين لنا نفس إمارات الطفيلية .فدخل إنجلترا الوطني قد تضاعف
تقريبا من سنة 1865إلى ،1898في حين ازداد الدخل «من الخارج» خلل المدة نفسها إلى تسعة أضعاف .وإذا كان
مضل المبريالية هو «تربية الزنجي على العمل» (ل غنى عن القسر طبعا…) ،فإن «خطر» المبريالية يتلخص في أن
«أوروبا تلقي على كاهل البشرية الملونة العمل الجسدي – في البدء في الزراعة وصناعة الستخراج ثم العمل الكثر
خشونة في الصناعة – مكتفية هي بدور صاحب الدخل ،وربما مهيئة بذلك اقتصاديا ثم سياسيا تحرير العروق الحمراء
والسوداء».
في إنجلترا ينتزع من ميدان النتاج الزراعي قسم متعاظم من الراضي ويستخدم لرياضة الثرياء وتسليتهم .ويقال فيما
يخص سكوتلنده – المنطقة الكثر أرستقراطية للقنص وأنواع الرياضات الخرى – «إنها تعيش على ماضيها وعلى المستر
كارنجي» (صاحب المليارات المريكي) .وتنفق إنجلترا سنويا 14مليون جنيه سترليني (نحو 130مليون روبل) على
سباق الخيل وصيد الثعالب وحدهما .ويبلغ أصحاب الدخل في إنجلترا نحو مليون ونسبة المنتجين فيها تنخفض:
سنة سكان إنجلترا عدد العمال في الفروع الصناعية الرئيسية نسبتهم من السكان
(بالمليين)
23% 4.1 17.9 1851
15% 4.9 32.5 1901
إن البرجوازي باحث « المبريالية البريطانية في أوائل القرن العشرين» يضطر على الدوام ،عندما يتكلم عن الطبقة العاملة
النجليزية ،إلى التمييز «الفئة العليا» من العمال و«الفئة السفلى البروليتارية الصرف» .ومن الفئة العليا يتكون جمهور
أعضاء الجمعيات التعاونية والجمعيات الرياضية والفرق الدينية العديدة .وقد جعل حق القتراع حسب مستواها .وهو ،في
إنجلترا« ،ما يزار مقيدا لدرجة تكفي لتبعد عنه الفئة السفلى البروليتارية الصرف»!! ولظهار حالة الطبقة العاملة
النجليزية بالمظهر الفضل ل يتكلمون في المعتاد إلّ عن هذه الفئة العليا التي تكون أقلية البروليتاريا ،مثل« :مسألة البطالة
هي في الدرجة الولى مسألة تمس لندن والفئة البروليتارية السفلى التي ل يقيم لها الساسة وزنا كبيرا…»( .)9وكان
ينبغي أن يقال :التي ل تقيم لها الساسة البرجوازيون المبتذلون والنتهازيون «الشتراكيون» وزنا كبيرا.
ومن خواص المبريالية المرتبطة بجملة الظواهر التي نصفها انخفاض الهجرة من البلدان المبريالية وازدياد الهجرة (انتقال
54
العمال ونزوحهم) إلى هذه البلدان من بلدان أكثر تأخرا والجور فيها أحط .فالهجرة من إنجلترا ،كما أشار هوبسون،
تتناقص من سنة :1884فقد بلغت في هذه السنة 242ألفا و 169ألفا في سنة .1900والهجرة من ألمانيا قد
بلغت حدها القصى في عقد سنوات 1453 :1890-1881ألفا ،وهبطت في العقدين التاليين إلى 544ألفا وإلى
341ألفا .وبالمقابل ازداد عدد العمال النازحين إلى ألمانيا من النمسا وإيطاليا وروسيا وغيرها .فبموجب إحصاء سنة
1907كان في ألمانيا 1342294أجنبيا منهم 440800من العمال الصناعيين و 257329من العمال
الزراعيين( )10وعمال صناعة الستخراج في فرنسا هم «في قسم كبير منهم» أجانب :بولونيون ،إيطاليون ،اسبانيون(
.)11وفي الوليات المتحدة يشتغل المهاجرون في أوروبا الشرقية والجنوبية في العمال التي تدفع مقابلها أحط الجور،
بينما يؤلف العمال المريكان أعلى نسبة من المناظرين ومن العمال الذين يقومون بالعمال التي تدفع مقابلها أعلى الجور(
)12تنزع المبريالية إلى أن تبرز بين العمال أيضا فئات مميزة وإلى فصلها عن الجماهير البروليتارية الغفيرة.
وينبغي أن نشير إلى أن نزوع المبريالية إلى شق صفوف العمال وإلى تقوية النتهازية بينهم وإلى إفساد حركة العمال
مؤقتا قد ظهر في إنجلترا قبل أواخر القرن التاسع عشر وبدء القرن العشرين بزمن طويل .وذلك لن سمتين أساسيتين من
السمات المميزة للمبريالية قد بدتا في إنجلترا منذ منتصف القرن التاسع عشر :المستعمرات الشاسعة والوضع الحتكاري
في السوق العالمية .وقد تتبع ماركس وإنجلس بصورة دائمة خلل عدة عقود من السنين هذه الصلة التي تربط النتهازية
في حركة العمال بالخصائص المبريالية في الرأسمالية النجليزية .وقد كتب إنجلس إلى ماركس في 7أكتوبر سنة
« :1858في الواقع تتبرجز البروليتاريا النجليزية أكثر فأكثر ،ويبدو أن هذه المة الكثر برجوازية بين المم تريد أن
تكون لديها في نهاية المر إلى جانب البرجوازية الرستقراطية برجوازية وبروليتارية برجوازية .وبديهي أن هذا ،بمعنى
معين ،أمر منطقي من أمة تستثمر العالم كله» .وبعد نحو ربع قرن ،في رسالة مؤرخة في 11غشت سنة ،1881يتكلم
انجلس عن «شر التريديونيوننات النجليزية التي تستسلم لقيادة أناس اشترتهم البرجوازية أو أنها تدفع لهم على القل».
وقد كتب إنجلس في رسالة إلى كاوتسكي مؤرخة في 12من سبتمبر سنة « :1882تسألني عن رأي العمال النجليز في
سياسة حيازة المستعمرات؟ ل يختلف رأيهم عن رأيهم في السياسة بوجه عام .هنا ل وجود لحزب العمال ،كل ما يوجد هنا
هما حزب المحافظين وحزب الراديكاليين-الليبراليين ،أمّا العمال فيتمتعون معهم مطمئنين بوضع إنجلترا الحتكاري إزاء
المستعمرات وبوضعها الحتكاري في السوق العالمية»(( .)13وقد لخص إنجلس الفكرة نفسها في مقدمة الطبعة الثانية من
كتاب «حالة الطبقة العاملة في إنجلترا» ،سنة .)1892
وقد أشير هنا بوضوح إلى السباب والنتائج .السباب )1 :استثمار هذا البلد للعالم كله؛ )2وضعها الحتكاري في السوق
العالمية؛ )3وضعها الحتكاري ازاء المستعمرات .النتائج )1 :تبرجز قسم من البروليتاريا النجليزية؛ )2ويستسلم قسم
منها لقيادة أناس اشترتهم البرجوازية أو أنها تدفع لهم على القل .لقد انجزت المبريالية في أوائل القرن العشرين تقاسم
العالم بين حفنة من الدول يستثمر كل منها الن (بمعنى ابتزاز فاحش الرباح) قسما من «العالم كله» ل يكاد يقل عن القسم
الذي كانت تستثمره إنجلترا في سنة ،1858ويشتغل كل منها وضعا احتكاريا في السوق العالمية بفضل التروستات
والكارتيلت والرأسمال المالي والعلقات بين الدائن والمدين ،ويتمتع كل منها لحد ما بوضع احتكاري إزاء المستعمرات (لقد
رأينا فيما تقدم أن 65مليون كيلومتر مربع من 75مليونا تؤلف جميع المستعمرات في العالم ،أي ،%86مركزة في
أيدي ست دول وأن 61مليونا ،أي %81مركزة في أيدي ثلث دول).
والصفة المميزة للوضع الراهن هي وجود ظروف إقتصادية وسياسية ل بد وأن تزيد من منافاة النتهازية للمصالح العامة
والجذرية للحركة العمالية :فقد نمت المبريالية من جنين إلى نظام سائد ،وشغلت الحتكارات الرأسمالية المكان الول في
القتصاد الوطني والسياسة ،وتم حتى النهاية اقتسام العالم؛ ومن الجهة الخرى ،بدل من اشغال إنجلترا دون منازع لوضع
احتكاري ،صراعا بين عدد ضئيل من الدول المبريالية من أجل الشتراك في الحتكار ،صراعا يميز كامل مرحلة بداية القرن
العشرين .ل يمكن الن أن تكون للنتهازية الغلبة التامة خلل عقود عديدة من السنين ضمن حركة العمال في بلد من
البلدان ،كما تغلبت النتهازية في إنجلترا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ،ولكنها في عدد من البلدان قد نضجت
بصورة تامة وافرطت في النضوج وتعفنت إذ اندمجت بصورة كاملة بوصفها الشتراكية-الشوفينية( )14في السياسة
البرجوازية.
-----------------------------------------------------------------------
---------
55
.72 ،59 ص ص،Hobson )1(
Sart/ von Walterhausen. «D. Volkswirt. Syst. Etc» B., 1907, Buch )3(
.IV
.211 مجلد، (إحصاءات الدولة اللمانيةStatistik des Deutchen Reichs; Bd. 211 )10(
)الناشر
(رسائل ماركسBriewechsel von Marx und Engels. Bd. II, S. 290; IV, 433 )13(
K. Kautsky, «Sozialismus-und .) الناشر.290 ص،2 المجلد،وإنجلس
56
Kolonialpolitik». Brl., 1907ص ( 89كارل كاوتسكي« .الشتراكية والسياسة إزاء المستعمرات».
برلين ،سنة .1907الناشر) .وقد وضع كاوتسكي هذا الكراس في ذلك العهد البعيد قبل أن يرتد عن الماركسية.
( )14الشتراكية-الشوفينية الروسية – للسادة بوتريسوف وتشخينكيلي وماسلوف ومن لف لفهم ،سواء بشكلها المكشوف
أو بشكلها المستور (السادة تشخييدزه ،سكوبيليف ،آكسيلرود ،مارتوف من على شاكلتهم) – نشأت كذلك عن نوع روسي
من النتهازية ،نعني تيار التصفية.
الفصل التاسع
انتقاد المبريالية
نفهم انتقاد المبريالية بمعنى الكلمة الواسع ،بمعنى الموقف الذي تقفه من سياسة المبريالية مختلف طبقات المجتمع تبعا
ليديولوجيتها العامة.
إن المقادير الهائلة من الرأسمال المالي المتمركز في عدد ضئيل من اليدي والذي ينشىء شبكة في منتهى الكثافة والسعة
من العلقات والصلت ،هذه الشبكة التي تخضع له جمهورا من الرأسماليين وأصحاب العمال المتوسطين والصغار ،بل
وحتى الصغار جدا ،هذا من جهة ،ومن الجهة الخرى النضال العنيف ضد فرق الماليين من المم والدول الخرى من أجل
اقتسام العالم ومن أجل السيطرة على البلدان الخرى – كل ذلك يسبب انتقال جميع الطبقات المالكة أفواجا إلى جانب
المبريالية .الكلف «العام» بمستقبل المبريالية والدفاع عنها بجنون وطليها بما أمكن من المساحيق هي الصفة المميزة
للزمن .وتتغلغل اليديولوجية المبريالية كذلك في طبقة العمال ،إذ ليس هناك سور صيني يفصلها عن الطبقات الخرى .فإذا
كان زعماء الحزب الحالي المسمى «الشتراكي-الديموقراطي» اللماني قد نالوا بحق لقب «الشتراكيين-المبرياليين» ،أي
الشتراكيين قول والمبرياليين فعل ،فقد أشار هوبسون منذ سنة 1902إلى وجود « المبرياليين الفابيين» في إنجلترا
المنتسبين إلى «الجمعية الفابية» النتهازية.
وفي المعتاد يدافع العلماء والصحفيون البرجوازيون عن المبريالية بشكل مستور لحد ما ،طامسين سيطرتها التامة
وجذورها العميقة وباذلين الجهد ليبرزوا في المكان الول التفاصيل الجزئية والثانوية وساعين وراء تحويل النظار عن
المر الجوهري بتوافه من مشروعات «إصلحات» من نوع وضع التروستات أو البنوك تحت رقابة البوليس وما شاكل ذلك.
أمّا المبرياليون المكشوفون الوقحون الذين يجدون في أنفسهم الجرأة على العتراف بسخافة الفكرة القائلة بإدخال
إصلحات على خواص المبريالية الساسية فهم يدلون بآرائهم في حالت إندار.
نضرب مثل .في نشرة «سجلت القتصاد العالمي» يسعى المبرياليون اللمان إلى تتبع سير الحركات التحررية الوطنية في
المستعمرات ،غير اللمانية بوجه خاص ،بطبيعة الحال .فهم يشيرون إلى حالت السخط والحتجاج في الهند والحركة في
الناتال (جنوب إفريقيا) وفي الهند الهولندية الخ ..وقد تناول أحدهم في مقاله نشرة انجليزية تضمنت محضر مؤتمر المم
والعروق التابعة الذي عقده من 28إلى 30من يونيو سنة 1910ممثلو مختلف شعوب آسيا ةافريقيا وأوروبا الواقعة
تحت السيطرة الجنبية وكتب معلقا على الخطابات التي ألقيت في هذا المؤتمر« :يقال لنا أنه ينبغي النضال ضد المبريالية؛
إنه ينبغي على الدول المسيطرة أن تعترف بحق الشعوب التابعة في الستقلل؛ إنه ينبغي أن تشرف محكمة دولية على تنفيذ
المعاهدات المعقودة بين الدول الكبرى والشعوب الضعيفة .والمؤتمر ل يخطو أبعد من هذه التمنيات البريئة .ونحن لنلحظ
أي أثر ينم على فهم حقيقة أن المبريالية على صلة ل تنفصم بالرأسمالية في شكلها الراهن وان النضال المباشر ضد
المبريالية هو ،بسبب ذلك(!!) ،أمر ل رجاء فيه ،فل يبقى لنا غير الكتفاء بأن نهب في وجه بعض الظواهر المقيتة
بخاصة»( .)1ولما كان تقويم أسس المبريالية بالطريقة الصلحية عبارة عن خداع ،عن «أمنية بريئة» ،ولما كان ممثلو
المم المظلومة البرجوازيون ل يخطون «أبعد من ذلك» إلى المام ،فإن ممثل المة الظالمة البرجوازي يخطو «أبعد من
ذلك» إلى الوراء ،نحو تملق المبريالية تملقا مستورا بأردية «عملية» .إنه من «المنطق» كذلك ،والحق يقال!
57
إن المسأل الساسية في انتقاد المبريالية هي مسائل ما إذا كان في المكان تغيير أسس المبريالية بالطرق الصلحية ،ما
إذا كان ينبغي السير إلى المام في اتجاه زيادة حدة التناقضات التي تنشأ عنها وتعمقها ،أم إلى الوراء ،في اتجاه ثلم حدتها.
ولما كانت خواص المبريالية السياسية هي الرجعية على طول الخط واشتداد الضطهاد القومي بسبب ظلم الطغمة المالية
وإزاحة المزاحمة الحرة ،فإن المبريالية أخذت تواجهها المعارضة الديموقراطية البرجوازية الصغيرة في جميع البلدان
المبريالية على وجه التقريب منذ بداية القرن العشرين .أمّا تخلي كاوتسكي وتيار الكاوتسكية العالمي الواسع عن
الماركسية فيتلخص بالضبط في كون كاوتسكي لم يحاول ولم يستطع الصمود أمام هذه المعارضة الصلحية البرجوازية
الصغيرة ،الرجعية من حيث أساسها القتصادي ،وليس هذا وحسب ،بل ،بالعكس ،اندمج فيها عمليا.
في الوليات المتحدة أثارت الحرب المبريالية ضد اسبانيا في سنة 1898معارضة «مناهضي المبريالية» من بقايا
العترة الديموقراطية البرجوازية الذين نعتوا هذه الحرب بـ«الجرامية» واعتبروا إلحاق أراضي الغير مخالفة للدستور
واستنكروا «خداع الشوفينيين» لزعيم شكان الفلبين أغوينالدو (إذ وعدوه بحرية بلده ثم أنزلوا الجيوش المريكية والحقوا
الفيليبين) واستشهدوا بعبارة لينكولن« :عندما يحكم أبيض نفسه فهناك حكم ذاتي؛ وعندما يحكم نفسه ويحكم الخرين في
الوقت نفسه فليس ذلك بالحكم الذاتي ،إنه الستبداد»( )2ولكن هذا النتقاد برمته يظل «أمنية بريئة» ما دام يخشى
العتراف بصلة المبريالية الوثقى بالتروستات وعلى ذلك بأسس الرأسمالية ،ما دام يخشى التحاد مع القوى التي تنشأ عن
الرأسمالية الضخمة وتطورها.
ول يختلف كذلك الموقف الساسي الذي يقفه هوبسون في انتقاده للمبريالية .إن هوبسون قد سبق كاوتسكي إذ وقف ضد
«حتمية المبريالية» وقال بضرورة «رفع القدرة الستهلكية» لدى السكان (في ظل الرأسمالية!) .كذلك يأخذ بوجهة النظر
البرجوازية الصغيرة في انتقاد المبريالية وجبروت البنوك والطغمة المالية وهلم جرا الكتاب الذين استشهدنا بأقوالهم مرارا
وتكرارا :آغاد ،لنسبورغ ،ايشفيغه ،ومن الكتاب الفرنسيين فكتور بيرار ،واضع الكتاب السطحي المعنون «إنجلترا و
المبريالية» والصادر في سنة .1900وهؤلء جميعا ،دون أن يدعوا الماركسية قط ،يعارضون المبريالية بالمزاحمة
الحرة والديموقراطية ويستنكرون مشروع سكة حديد بغداد الذي يؤدي إلى النزاعات والحرب ويعلنون «أمنيات بريئة»
بشأن السلم وما شاكل ذلك – وفيهم كذلك احصائي الصدارات الدولية أ .نيمارك الذي حسب مئات المليارات من الفرنكات
التي تؤلف القيم «الدولية» وصاح في سنة 1912هاتفا :أيسعنا أن نتصور بأن في بالمكان تعكير السلم؟ ..بأن في
المكان حيال هذه الرقام الهائلة المجازفة بإثارة الحرب؟»(.)4
إن هذه السداجة من جانب القتصاديين البرجوازيين ل تدهش؛ من مصلحتهم ،عدا ذلك ،التظاهر بالسذاجة لهذا الحد والكلم
«بلهجة الجد» عن السلم في ظل المبريالية .ولكن ماذا تبقى من الماركسية عند كاوتسكي عندما أخذ في سنوات ،1914
،1916 ،1915بوجهة نظر الصلحيين البرجوازيين نفسها وأكد أن «الجميع متفقون» (المبرياليون وأدعياء
الشتراكية والشتراكيون المسالمون) بشأن السلم؟ فبدل من تحليل المبريالية والكشف عن عمق تناقضاتها ،ل نرى إلّ
«المنية البريئة» الصلحية في التغاضي عن هذه التناقضات وإغراقها في لجة الكلم.
وهاكم نموذجا من نقد كاوتسكي للمبريالية من الناحية القتصادية .إنه يتناول إحصاءات عن صادرات إنجلترا إلى مصر
ومستورداتها منها في سنتي 1872و 1912؛ ويبدو أن نمو هذه الصادرات والواردات هو أضعف من نمو صادرات
وواردات إنجلترا بوجه عام .ويخلص كاوتسكي إلى هذه النتيجة« :ليس لدينا من داع يحملنا على الظن أن التجارة مع مصر
بدون احتللها عسكريا تنمو بصورة أبطأ تحت تأثير العوامل القتصادية وحدها»« .إن رغبات الرأسمال في التوسع» يمكن
بلوغها بأفضل شكل عن طريق الديموقراطية السلمية ،ل عن طريق القسر المبريالية»(.)5
إن تعديلت كاوتسكي هذه التي يرددها بشتى النغمات حامل أسلحة الروسي (والمستر الروسي للشتراكيين-الشوفينيين)
السيد سبيكتاتور هي الساس الذي يقوم عليه النقد الكاوتسكي للمبريالية ،ولذا ينبغي أن نتناولها بتفصيل .ولنبدأ بفقرة من
هلفيردينغ الذي أعلن كاوتسكي مرارا وتكرارا ،بما في ذلك في أبريل سنة ،1915أن استنتاجاته «قبلت بالجماع من
جانب النظريين الشتراكيين».
كتب هيلفردينغ« :ل يليق بالبروليتاريا أن تعارض السياسة الرأسمالية الكثر تقدمية بسياسة انصرم عهدها هي سياسسة
عهد التجارة الحرة وموقف العداء من الدولة .إن جواب البروليتاريا على السياسة القتصادية التي يمارسها الرأسمال
58
المالي ،على المبريالية ،ل يمكن أن يكون التجارة الحرة ،بل الشتراكية وحدها .والمثال العلى يمكنه الن أن يكون هدفا
للسياسة البروليتارية ليس بعث المزاحمة الحرة – وقد غدا الن مثل أعلى رجعيا – بل فقط القضاء التام على المزاحمة عن
طريق إزالة الرأسمالية»()6
لقد تخلى كاوتسكي عن الماركسية بدفاعه في عصر الرأسمال المالي عن «مثل أعلى رجعي» ،عن «الديموقراطية
السلمية» ،وعن «تأثير العوامل القتصادية وحدها» – ،لن هذا المثل العلى يجر موضوعيا إلى الوراء ،من الرأسمالية
الحتكارية إلى الرأسمالية غير الحتكارية ،ولنه خدعة إصلحية.
إن التجارة مع مصر (أو مع أية مستعمرة أو شبه مستعمرة أخرى) «يمكنها أن تنمو» بصورة أسرع بدون احتلل عسكري،
بدون إمبريالية ،بدون رأسمال مالي .ما معنى ذلك؟ أيعني ذلك أن الرأسمالية كانت تنمو بسرعة أكبر إذا لم تقيد المزاحمة
الحرة ل بالحتكارات بوجه عام ،ول بـ«صلت» أو ظلم الرأسمال المالي (أي الحتكارات مرة أخرى) ول باحتكار بعض
البلدان لحيازة المستعمرات؟
ل يمكن أن يكون لتعديلت كاوتسكي معنى آخر ،وهذا «المعنى» هو لغو .فلنقل ،نعم ،فلنقل أن المزاحمة الحرة بدون أي
احتكار مهما كان نوعه ،يمكنها أن تنمي الرأسمالية بصورة أسرع ،كلما اشتد تمركز النتاج والرأسمال ،التمركز الذي يولد
الحتكار .ولكن الحتكارات قد ولدت ،ومن المزاحمة الحرة بالضبط! وحتى إذا كانت الحتكارات قد أخذت الن تؤخر النمو،
فذلك ليس على كل حال بحجة في صالح المزاحمة الحرة التي غذت أمرا مستحيل بعد أن أنجبت الحتكارات.
وكيفما قلب المرء تعليلت كاوتسكي ل يجد فيها شيئا آخر سوى الرجعية والصلحية البرجوازية.
وإذا اصلحنا هذا التعليل وقلنا ما يقوله سبيكتاتور :إن نمو تجارة المستعمرات النجليزية مع إنجلترا أبطأ منه الن مع
البلدان الخرى ،فذلك أيضا ل ينقد كاوتسكي .لن ما يتغلب على إنجلترا هو أيضا الحتكار ،هو أيضا المبريالية ،ولكن
احتكار وإمبريالية بلد آخر (أمريكا ،ألمانيا) .ومن المعروف أن الكارتيلت قد أفضت إلى رسوم جمركية وقائية من طراز
آخر فريد في بابه :تقي بالضبط (وقد أشار إلى ذلك إنجلس نفسه في المجلد الثالث من «رأس المال») تلك المنتوجات التي
يمكن تصديرها .ومن المعروف أيضا أن الطريقة الملزمة للكارتيلت والرأسمال المالي هي «التصدير بأسعار زهيدة»،
«إغراق السواق» كما يقول النجليز :يبيع الكارتيل منتوجاته في داخل البلد بأسعار احتكارية مرتفعة ،ويصرفها في
الخارج بسعر بخس ،بقصد سحق المزاحمين وبقصد توسيع إنتاجه للحد القصى والخ ..فإذا كانت ألمانيا تنمي تجارتها مع
المستعمرات النجليزية؛ فإن ذلك ل يبرهن إلّ على أنها أرقى من النجليزية؛ ولكنه ل يبرهن أبدا على «تفوق» التجارة
الحرة ،لننا لسنا إزاء صراع بين المزاحمة الحرة والتبعية الستعمارية ،بل إزاء صراع بين إمبريالية وأخرى ،احتكار
وآخر ،رأسمال مالي وآخر .إن تفوق المبريالية اللمانية على النجليزية أقوى من جدار حدود المستعمرات أو من الرسوم
الجمركية الوقائية :أن يستنتج المرء من ذلك «حجة» لصالح التجارة الحرة و«الديموقراطية السلمية» فذلك إبتذال ونسيان
لسمات وخصائص المبريالية الساسية والستعاضة عن الماركسية بأصلحية البرجوازية الصغيرة.
ويستدعي النتباه واقع أن القتصادي البرجوازي لنسبورغ نفسه الذي ينتقد المبريالية من وجهة نظر برجوازي صغير،
على غرار كاوتسكي ،قد أخذ مع ذلك بدراسة أرقام الحصاءات التجارية بصورة أقرب إلى العلم .فهو لم يقتصر على بلدما
اختاره اعتباطيا ،وعلى مستعمرة بوجه الدقة للمقارنة مع البلدان الخرى ،ولكنه قارن صادرات بلد امبريالية إلى )1بلدان
تابعة لها ماليا ،تستدين منها النقود و )2البلدان المستقلة ماليا .وكانت النتيجة ما يلي:
59
تركيا %114+ 64.0 29.9
المجموع %92+ 451.5 234.8
إلى البلدان المستقلة ماليا عن ألمانيا بريطانيا العظمى %53+ 997.4 651.8
فرنسا %108+ 438.9 210.2
بلجيكا %135+ 322.8 137.2
سويسرا %127+ 401.1 177.4
أوستراليا %205+ 64.5 21.2
الهند الهولندية %363+ 40.7 8.8
المجموع %87+ 2264.4 1206.6
لم يحص لنسبورغ الحاصل ولذا غاب عنه بشكل يدعو للستغراب أن هذه الرقام إذا كانت تبرهن على شيء فإنما ضده
وحسب ،ذلك لن التصدير إلى البلدان التابعة ماليا قد نما على كل حال بصورة أسرع منه إلى البلدان المستقلة ماليا ،وإن
كانت هذه الزيادة طفيفة (وقد أشرنا إلى كلمة «إذا» لن إحصاءات لنسبورغ ليست وافية أبدا).
«في سنة 1891-1890عقد القرض الروماني بواسطة البنوك اللمانية التي كانت قد قدمت في السنوات السابقة سلفا
على حساب هذا القرض .وقد استخدم القرض بالدرجة الولى لشراء لوازم السكك الحديدية التي استوردت من ألمانيا .وفي
سنة 1891بلغت صادرات ألمانيا إلى رومانيا 55مليون مارك .وفي السنة التي تلت هبطت هذه الصادرات إلى 39.4
مليونا واستمرت في الهبوط بالتدريج إلى 25.4مليونا سنة ،1900ولم تبلغ الصادرات مستوى سنة 1891إلّ في
السنوات الخيرة وبفضل قرضين جديدين.
وبنتيجة قروض سنة 1889-1888ارتفعت صادرات ألمانيا إلى البرتغال حتى 21.2مليونا (في سنة ،)1890ثم
هبطت في السنتين التاليتين إلى 16.2مليونا ،و 7.4مليين ،ولم تبلغ مستواها السابق إلّ في سنة .1903
وأرقام التجارة اللمانية-الرجنتينية أوضح دللة .فبنتيجة قروض سنتي 1888و 1890بلغي صادرات ألمانيا إلى
الرجنتين في سنة 70.7 – 1889مليونا .وبعد مضي سنتين لم تؤلف هذه الصادرات إلّ 18.6مليونا ،أي أقل من
ثلث الرقم السابق .ولم تبلغ مستوى سنة 1889وتتجاوزه إلّ في سنة ،1901المر الذي اقترن بقروض جديدة للدولة
وللبلديات وبسلف نقدية لبناء مصانع الكهرباء واعتمادات أخرى.
ونتيجة قرض سنة 1889ارتفعت الصادرات إلى شيلي حتى 45.2مليونا (وفي سنة )1892ثم هبطت بعد سنة إلى
22.5مليونا .وبعد قرض جديد عقد بواسطة البنوك اللمانية في سنة 1906ارتفعت الصادرات إلى 84.7مليونا
(في سنة ،)1907لتهبط بعد ذلك إلى 52.4مليونا في سنة .)7(»1908
يخلص لنسبورغ من هذه الوقائع إلى عظة أخلقية برجوازية صغيرة مسلية :ما أقل ثبات واستقرار التصدير المقترن
بالقروض؛ ما أسوأ تصدير الرساميل إلى الخارج بدل من تنمية الصناعة الوطنية بصورة «طبيعية» «منسجمة»؛ ما «أكثر
ما تكلف» كروب هذه البقاشيش العديدة المليين لمناسبة عقد القروض الجنبية وهلم جرا .بيد أن الوقائع تقول بوضوح:
إن ارتفاع الصادرات مرتبط بالضبط بألعيب الرأسمال المالي الذي ل يعبأ عند عقد صفقاته بالخلق البرجوازية ويسلخ جلد
الثور مرتين :أول ،ربح القرض؛ وثانيا ،ربح القرض نفسه عندما يستخدم لشراء منتجات كروب أو لوازم السكك الحديدية
من سينديكا الفولذ ،الخ..
نكرر .نحن ل نعتقد البتة أن احصاءات لنسبورغ هي عين الكمال ،ولكننا كنا ملزمين بإيرادها لنها أقرب إلى العلم من
احصاءات كاوتسكي وسبيكتاتور؛ ذلك لن لنسبورغ يرسم الطريقة الصحيحة لتناول الموضوع .فلكي يبحث المرء دور
الرأسمال المالي في أمر التصدير وهلم جرا ينبغي عليه أن يحسن رؤية صلة التصدير بوجه خاص وفقط بألعيب الماليين،
60
بوجه خاص وفقط بتصريف منتوجات الكارتيلت الخ ..أمّا مجرد مقارنة المستعمرات بوجه عام بغير المستعمرات ،امبريالية
بامبريالية أخرى ،شبه مستعمرات أو مستعمرة (مصر) بجميع البلدان الخرى فذلك يعني بالضبط تجنب جوهر القضية
وطمسه.
ما من جامع يجمع بالماركسية النقد الذي يوجهه كاوتسكي للمبريالية ،وهذا النقد ل يصلح إلّ كتوطئة للتبشير بالسلم
والوحدة مع النتهازيين والشتراكيين-الشوفينيين ،لن هذا النقد يتحاشى ويطمس بالضبط تناقضات المبريالية الجذرية
والكثر عمقا :التناقض بين الحتكارات و المزاحمة الحرة القائمة إلى جانبها ،بين «عمليات» الرأسمال المالي الهائلة
(وأرباحه الهائلة) والتجارة «الشريفة» في السوق الحرة ،بين الكارتيلت والتروستات من جانب والصناعة غير المنضمة
للكارتيلت مع الجانب الخر ،الخ..
وبمثل هذا الطابع الرجعي بالضبط تتسم كذلك نظرية « المبريالية العليا» السيئة الصيت التي لفقها كاوتسكي .قارنوا بين
تعليلته حول هذا الموضوع في 1915وتعليلت هوبسون في سنة :1902
كاوتسكي…« :هل يمكن أن تزاح السياسة المبريالية الراهنة بسياسة جديدة ،سياسة المبريالية العليا الولترا-امبريالية
)ultra-imperialismeالتي تحل محل الصراع بين الرساميل المالية الوطنية استثمار العالم كله بصورة مشتركة
من قبل رأسمال مالي عالمي موحد؟ إم مثل هذه المرحلة الجديدة في الرأسمالية أمر معقول على كل حال .وهل يمكن
تحقيقها؟ ل توجد بعد الممهدات الكافية لحل هذه المسألة»()8
هوبسون« :إن المسيحية التي استقرت في عدد قليل من المبراطوريات التحادية الكبرى التي توجد في حوزة كل منها
جملة من المستعمرات غير المتمدنة التابعة هي في نظر الكثيرين تطور للنزاعات الراهنة طبيعي ول أكثر ،تطور يبعث أكبر
المال في اسقرار سلم دائم على أساس وطيد من المبريالية الوسطية» (النتر-امبريالية inter-
.)imperialisme
لقد أطلق كاوتسكي اسم المبريالية العليا أو ما فوق المبريالية على ما أسماه هوبسون قبله بثلثة عشر سنة بالمبريالية
الوسطية أو ما بين المبريالية .وباستثناء ابتداع كلمة جديدة عويصة عن طريق استبدال حرف لتيني بآخر ،يتلخص تقدم
الفكرة «العلمية» عند كاوتسكي في مجرد محاولته أن يظهر بمظهر الماركسية ما وصفه هوبسون بأنه ،في الجوهر ،من
نفاق القساوسة النجليز .فبعد الحرب النجليزية البويرية كان من الطبيعي تماما أن توجه هذه الفئة الفائقة الحترام جل
جهودها إلى تعزية صغار البرجوازيين والعمال النجليز الذين قتل عدد كبير منهم في المعارك التي دارت في جنوب إفريقيا
ودفعوا الضرائب الباهظة لضمان أرباح أكبر للماليين النجليز .وهل ثمة تعزية أفضل من أن يقال أن المبريالية ليست رديئة
لهذا الحد وأنها قريبة من أن تصبح إمبريالية وسطية (أو إمبريالية عليا) يمكنها أن تضمن السلم الدائم؟ ومهما كانت
حسنة نوايا القساوسة النجليز أو نوايا كاوتسكي المعسول فإن المغزى الموضوعي ،أي الجتماعي الحقيقي« ،لنظريته» هو
واحد ل غير :منتهى الرجعية في تعزية الجماهير بآمال عن إمكان سلم دائم في ظل الرأسمالية عن طريق تحويل النظار
عن تناقضات العصر الحادة وقضاياه الشائكة وتوجيه النظار إلى آمال خُلب عن اقتراب «إمبريالية عليا» جديدة موهومة.
إن نظرية كاوتسكي «الماركسية» ل تتضمن شيئا على الطلق اللهم إلّ خداع الجماهير.
وفي الحقيقة ،حسب المرء أن يقارن بوضوح بين الوقائع التي يعرفها الجميع والتي ل تقبل الجدال لكيما يقتنع بمدى بطلن
المال التي يحاول كاوتسكي أن يوهم بها العمال اللمان (وعمال جميع البلدان) .فلنأخذ الهند والهند الصينية والصين .من
المعروف أن هذه البلدان الثلثة المستعمرة والشبه المستعمرة التي يبلغ عدد سكانها 600أو 700مليون نسمة تتعرض
للستثمار من قبل الرأسمال المالي في عدد من الدول المبريالية :إنجلترا ،فرنسا ،اليابان ،الوليات المتحدة والخ..
فلنفترض أن هذه البلدان المبريالية تؤلف الحلف بعضها ضد بعض بقصد صيانة أو توسيع ممتلكاتها ومصالحها
و«مناطق نفوذها» في هذه الدول السيوية المذكورة .وستكون هذه الحلف «إمبريالية وسطية» أو«إمبريالية عليا».
ولنفترض أن جميع الدول المبريالية تؤلف حلفا لقتسام البلدان السيوية المذكورة بطريق «سلمي» .وسيكون ذلك
«الرأسمال المالي العالمي الموحد» .وثمة في تاريخ القرن العشرين أمثلة واقعية على مثل هذا الحلف ،مثل ،في علقات
الدول إزاء الصين .نتسائل ،هل من «المعقول» أن يفترض في ظرف بقاء الرأسمالية (وهو بالضبط الظرف الذي يفترضه
كاوتسكي) أن تكون هذه الحلف لجال غير قصيرة؟ وأن تزيل الحتكاكات والنزاعات والصراع بجميع الشكال الممكنة؟
وما أن يطرح السؤال بوضوح حتى يظهر أن الجواب ل يمكن أن يكون إلّ سلبيا .لن من غير المعقول في ظل الرأسمالية
61
أن يكون هناك أساس لتقاسم مناطق النفوذ والمصالح والمستعمرات والخ ،.غير مراعاة درجة قوة المشتركين في التقاسم،
وقوتهم القتصادية العامة والمالية والعسكرية وهلم جرا .بيد أن القوة تتغير بصورة متفاوتة لدى هؤلء المشتركين في
التقاسم ،لن تطور كل من المشاريع والتروستات وفروع الصناعة والبلدان يستحيل أن يكون متساويا في ظل الرأسمالية.
منذ نصف قرن كانت ألمانيا بلدا تافها إذا قورنت قوتها الرأسمالية بقوة إنجلترا في ذلك العهد؛ وكذلك اليابان بالمقارنة مع
روسيا .فهل «من المعقول» أن نتصور أن نسبة القوى بيم الدول المبريالية ستبقى دون تغير بعد عقد أو آخر من السنين؟
ل يمكن تصور ذلك على الطلق.
ولذا فإن أحلف « المبريالية الوسطية» أو « المبريالية العليا» ،كيفما كان شكل عقد هذه الحلف :بشكل ائتلف امبريالي
ضد ائتلف إمبريالي آخر ،أو بشكل حلف عام بين جميع الدول المبريالية ،ليست على التأكيد – في الواقع الرأسمالي ،ل في
الوهام البرجوازية الصغيرة الحقيرة التي تبتدعها مخيلت القساوسة النجليز أو « الماركسي» اللماني كاوتسكي – إلّ
«فترات تنفس» بين الحروب .إن الحلف السلمية تحضر الحرب وتنشأ بدورها عن الحروب ،مشترطة بعضها بعضا
ومكونة تغير أشكال الصراع السلمي وغير السلمي على أساس واحد ل يتغير هو الصلت والعلقات المبريالية على صعيد
القتصاد العالمي والسياسة العالمية .أمّا كاوتسكي المتحذلق ،فلكيما يطمئن العمال ويوفق بينهم وبين الشتراكيين-
الشوفينيين الذين انتقلوا إلى جانب البرجوازية ،يفصل من سلسلة بعينها حلقة عن أخرى ،يفصل حلف جميع الدول السلمي
الراهن (المبريالي العلى وإن شئت المبريالي أعلى العلى) القائم لـ«تهدئة» الصين (تذكروا قمع انتفاضة البوكسر) عن
النزاع غير السلمي غدا والذي يهيئ لبعد غد مرة أخرى حلفا «سلميا» لقتسام ،لنقل مثل ،تركيا والخ ،.الخ ..وبدل من
الصلة الحية بين مراحل السلم المبريالي ومراحل الحروب المبريالية يقدم كاوتسكي للعمال وهما ميتا ليوفق بينهم وبين
زعمائهم الموتى.
يشير المريكي هيل في مقدمة كتابه «تاريخ الديبلوماسية الحديث )1 :عصر الثورة؛ )2الحركة الدستورية؛ )3عصر «
المبريالية التجارية»( )9في أيامنا .وثمة كاتب يقسم تاريخ «السياسة العالمية» التي مارستها بريطانيا العظمى من سنة
1870إلى أربع مراحل )1 :السوي الول (مقاومة تقدم روسيا في آسيا الوسطى باتجاه الهند)؛ )2الفريقية (سنوات
1902-1885على وجه التقريب) – الصراع مع فرنسا من أجل اقتسام افريقيا («فاشوده سنة – 1898الحرب مع
فرنسا قاب قوسين أو أدنى)؛ )3السيوية الثانية (المعاهدة مع اليابان ضد روسيا) و « )4الوروبية» ،ضد ألمانيا في
الدرجة الولى( .)10في سنة 1905كتب ريسر «الشخصية» المعروفة في عالم البنوك ،قائل« :المناوشات السياسية
بين الطلئع تجري على الصعيد المالي» ،مبنيا بذلك كيف حضر الرأسمال المالي الفرنسي العامل في إيطاليا الحلف السياسي
بين البلدين وكيف اشتد الصراع بين ألمانيا وانجلترا من أجل بلد فارس والصراع بين جميع الرساميل الوروبية من أجل
تقديم القروض للصين والخ ..وها هو ذا الواقع العملي لحلف « المبريالية العليا» السلمية في صلتها الوثقى بالنزاعات
المبريالية العادية.
إن طمس كاوتسكي لعمق تناقضات المبريالية ،المر الذي يؤول حتما إلى تجميل وجه المبريالية ،يترك أثره كذلك على
انتقاد هذا الكاتب لخصائص المبريالية السياسية .المبريالية هي عهد الرأسمال المالي والحتكارات التي تحمل في كل مكان
النزعة إلى السيطرة ،ل إلى الحرية .ونتائج هذه النزعة هي الرجعية على طول الخط في ظل جميع النظم السياسية وتفاقم
التناقضات لقصى حد كذلك في هذا الحقل .يشتد بوجه خاص كذلك الظلم القومي السعي إلى اللحاق ،أي اعتداء على
الستقلل الوطني (ذلك لن اللحاق ليس إلّ انتهاك حق المم في تقرير مصيرها) .ويشير هيلفردينغ ،وهو على حق ،إلى
الصلة بين المبريالية واشتداد الظلم القومي بقوله« :أمّا فيما يخص البلدان المكشوفة حديثا فإن الرأسمال المصدر يشدد
فيها التناقضات ويثير ضد الدخلء مقاومة تشتد على الدوام من جانب الشعوب التي يستيقظ وعيها الوطني؛ وبإمكان هذه
المقاومة أن تتحول بسهولة إلى تدابير خطرة موجهة ضد الرأسمال الجنبي .وتتحول العلقات الجتماعية القديمة تحول
ثوريا جذريا؛ تنهار العزلة الزراعية التي استمرت ألوف السنين لدى هذه «المم الموضوعة خارج التاريخ» ،وتجذب هذه
المم إلى الدوامة الرأسمالية .والرأسمالية نفسها تقدم شيئا فشيئا للمستعبدين الوسائل والساليب للتحرر .فيضعون نصب
عيونهم ذلك الهدف الذي كانت ترى فيه المم الوروبية فيما مضى الهدف السمى ،أي إنشاء دولة قومية موحدة باعتبارها
وسيلة للحرية القتصادية والثقافية .وهذه الحركة الطامحة إلى الستقلل تهدد الرأسمال الوروبي في أهم ميادين الستثمار
التي تبشر بأزهى المال؛ ول يستطيع الرأسمال الوروبي الحتفاظ بسيطرته إلّ بزيادة قواته العسكرية بصورة دائمة»*.
وينبغي أن نضيف إلى ذلك أن المبريالية تفضي إلى اللحاق وإلى تفاقم الظلم القومي؛ وبالتالي إلى اشتداد المقاومة ليس
فقط في البلدان المكتشفة حديثا ،بل كذلك القديمة .إن كاوتسكي ،إذ يعارض تقوية المبريالية للرجعية السياسية ،يحجب
مسألة غدت في منتهى الهمية ،هي مسألة استحالة الوحدة مع النتهازيين في عهد المبريالية .وهو ،إذ يعارض اللحاق،
62
يعطي حججه الشكل القل إساءة للنتهازيين والذي يتقبلونه بأكبر سهولة .وهو يتوجه مباشرة إلى القراء اللمان ويطمس
مع ذلك المر الهم ،مسألة الساعة مثل ،إن اللزاس واللورين قد ألحقتا بألمانيا .وبغية تقييم هذا «التجاه في تفكير»
كاوتسكي نضرب المثل التالي .فلنفرض أن يابانيا يشجب إلحاق المريكيين للفليبين .نتساءل :هل ثمة كثيرون يصدقون أن
ذلك ناشئ عن عدائه لللحاق بوجه عام ،ل عن رغبته في أن يلحق الفلبين هو نفسه؟ أولسنا مضطرين إلى العتراف بأن
«نضال» الياباني ضد اللحاق ل يمكن أن يعتبر نزيها وشريفا من الناحية السياسة إلّ في حالة ما إذا وقف ضد إلحاق
اليابان ،إلّ في حالة ما إذا طالب لكوريا بحرية النفصال عن اليابان؟
إن تحليل كاوتسكي للمبريالية من الناحية النظرية وانتقاده لها من الناحية القتصادية وكذلك السياسية هما مشبعان
برمتهما بروح تتجافى مع الماركسية كل التجافي ،بروح طمس وتخفيف أهم التناقضات والسعي مهما كلف المر إلى البقاء
على الوحدة المتداعية مع النتهازيين في الحركة العمالية الوروبية.
-----------------------------------------------------------------------
---------
( ، Weltwirschaftliches Archiv, Bd. II )1ص ( 193سجلت القتصاد العالمي ،المجلد . 2
الناشر).
الفصل العاشر
مكان المبريالية في التاريخ
لقد رأينا أن المبريالية ،من حيث كنهها القتصادي ،هي الرأسمالية الحتكارية .وهذا ما يحدد بحد ذاته مكان المبريالية في
التاريخ لن الحتكار الذي نشأ على صعيد المزاحمة الحرة وعن المزاحمة الحرة بالضبط هو انتقال من النظام الرأسمالي إلى
نظام اقتصادي اجتماعي أعلى .وينبغي أن نشير بوجه خاص إلى أنواع الحتكار الرئيسية الربعة أو إلى أربعة مظاهر
رئيسية للرأسمالية الحتكارية تميز العهد الذي نحن بصدده.
أول نشأ الحتكار عن تمركز النتاج البالغ درجة عالية جدا في تطوره .وهذا هو اتحادات الرأسماليين الحتكارية،
الكارتيلت ،السنديكات والتروستات .وقد رأينا مدى جسامة الدور الذي تلعبه في الحياة القتصادية الراهنة .وفي مستهل
القرن العشرين وطدت تفوقها التام في البلدان الراقية .وإذا كانت البلدان ذات الرسوم الجمركية الوقائية المرتفعة (ألمانيا،
أمريكا) هي التي خطت الخطوات الولى في طريق تنظيم الكارتيلت ،فإن إنجلترا التي يسودها نظام التجارة الحرة قد
أظهرت بعد وقت قليل الواقع الرئيسي نفسه :نشأة الحتكارات عن تمركز النتاج.
ثانيا ،ساقت الحتكارات إلى تسريع الستيلء على أهم مصادر الخامات ،ولسيما خامات الصناعات الرئيسية في المجتمع
الرأسمالي والتي بلغ فيها تنظيم الكارتيلت حده القصى كصناعات الفحم الحجري وصهر الحديد .واحتكار حيازة أهم مصادر
المواد الخام قد زاد سلطان الرأسمال الضخم لدرجة هائلة وأزّم التناقضات بين الصناعة المنظمة في الكارتيلت وغير
المنظمة في الكارتيلت.
ثالثا ،نشأ الحتكار عن البنوك .وقد تحولت البنوك من مؤسسات وسيطة متواضعة إلى محتكر للرأسمال المالي .فثمة ثلثة
أو خمسة بنوك ضخمة لية أمة من المم الرأسمالية الراقية قد حققت «القتران الشخصي» بين الرأسمال الصناعي و
الرأسمال البنكي وركزت في أيديها التصرف بالمليارات العديدة التي تؤلف القسم الكبر من الرساميل والمداخيل النقدية في
بلد بأكملها .والطغمة المالية التي غطت بشبكة كثيفة من علقات التبعية جميع ما في المجتمع البرجوازي المعاصر من
مؤسسات اقتصادية وسياسية دون استثناء هي أبرز ظاهرة لهذا الحتكار.
رابعا ،نشأ الحتكار عن سياسة حيازة المستعمرات فالرأسمال المالي قد أضاف إلى بواعث السياسة الستعمارية –إلى
البواعث «القديمة» العديدة – الصراع من أجل مصادر الخامات ،من أجل تصدير الرساميل ،من أجل «مناطق النفوذ» – أي
مناطق الصفقات الرابحة والمتيازات والرباح الحتكارية وهلم جرا – وأخيرا من أجل القاليم القتصادية بوجه عام .فحينما
كانت مستعمرات الدول الوروبية تشغل مثل عشر إفريقيا كما كان الحال في سنة ،1876كان بإمكان سياسة الستيلء
على المستعمرات أن تتطور بطريق غير احتكاري ،بطريق – إن أمكن القول – «الستيلء الحر» على الراضي .ولكن
عندما تم الستيلء على تسعة أعشار إفريقيا (حوالي سنة ،)1900
عندما تم اقتسام العالم كله ،حل بالضرورة عهد احتكار حيازة المستعمرات وبالتالي عهد احتدام أشد الصراع من أجل
اقتسام العالم وإعادة اقتسامه.
يعلم الجميع إلى أي مدى شددت الرأسمالية الحتكارية جميع تناقضات الرأسمالية .حسبنا أن نشير إلى غلء المعيشة وإلى
جور الكارتيلت .وتفاقم التناقضات هذا هو القوة المحركة الشد بأسا في المرحلة التاريخية النتقالية التي بدأت منذ إحراز
الرأسمال المالي النتصار التام.
إن الحتكارات والطغمة المالية والنزوع إلى السيطرة بدل من النزوع إلى الحرية ،واستثمار عدد متزايد من المم الصغيرة
64
أو الضعيفة من قبل قبضة صغيرة من المم الغنية أو القوية –كل ذلك قد خلق السمات المميزة للمبريالية التي تحمل على
وصفها بأنها الرأسمالية الطفيلية أو المتقيحة .ويظهر ببروز متزايد ميل من ميول المبريالية وهو الميل إلى إنشاء «الدولة
صاحبة المداخيل» ،الدولة المرابية التي تعيش برجوازيتها أكثر فأكثر من تصدير الرساميل و«قص الكوبونات» .ومن الخطأ
الظن أن هذا الميل إلى التعفن ينفي نمو الرأسمالية بسرعة؛ ل ،إن هذا الفرع من فروع الصناعة ،هذه الفئة من فئات
البرجوازية ،هذه البلد أو تلك تظهر في عهد المبريالية بقوة كبيرة لهذا الحد أو ذاك تارة الميل الول وتارة الميل الثاني.
وبالجمال تنمو الرأسمالية بسرعة أكبر جدا من السرعة السابقة؛ إنها تنمو ،ولكن هذا النمو ل يغدو بوجه عام أكثر تفاوتا
وحسب؛ فهذا التفاوت يتجلى كذلك بوجه خاص في تعفن البلدان القوى بالرساميل (إنجلترا).
وبصدد سرعة التطور القتصادي في ألمانيا يقول ريسر ،واضع دراسة عن البنوك اللمانية الكبرى« :إن التقدم الذي لم يكن
بطيئا جدا في العهد الماضي (سنوات )1870-1848هو بالقياس لسرعة تطور اقتصاد ألمانيا برمته ول سيما بنوكها
في هذا العهد (سنوات )1870-1848أشبه بسرعة عربات البريد في العصر الغابر السعيد بالقياس لسرعة السيارات
الحديثة التي تخترق الطرقات بشكل يعرض للخطر الراجل الغافل وركابها أنفسهم» .والرأسمال المالي هذا الذي نما بهذه
السرعة الخارقة ل يأنف بدوره ،على وجه الدقة لنه نما بهذه السرعة ،من النتقال إلى حيازة «أهدأ» للمستعمرات التي
ينبغي انتزاعها من المم الكثر ثراء ،ليس بالطريق السلمي وحده .أمّا الوليات المتحدة فقد سار فيها التطور القتصادي
خلل العقود الخيرة من السنين بسرعة أكبر منها في ألمانيا ،وبسبب ذلك بالضبط برزت إمارات الطفيلية في الرأسمالية
المريكية الحديثة بوضوح خاص .ومن الجهة الخرى ،إن المقارنة مثل بين البرجوازية الجمهورية المريكية والبرجوازية
الملكية اليابانية أو اللمانية تظهر أن هذا الفرق السياسي الهائل يضعف لقصى حد في عهد المبريالية – ،ل لنه كان
بوجه عام قليل الهمية ،بل لن القضية في جميع هذه الحالت قضية برجوازية تتسم بسمات طفيلية واضحة.
إن الرباح الحتكارية الفاحشة التي يبتزها رأسماليو فرع من فروع صناعية عديدة ،بلد من بلدان كثيرة والخ .تمكنهم
اقتصاديا من رشوة فئات معينة من العمال وبصورة مؤقتة أقلية من العمال كثيرة لحد ما ومن جذبهم إلى جانب برجوازية
فرع صناعي معين أو أمة معينة ضد جميع الخرين .واشتداد التناحر بين المم المبريالية من أجل تقاسم العالم يشدد هذه
النزعة .وعلى هذه الصورة تنشأ الصلة بين المبريالية والنتهازية ،هذه الصلة التي بدت في إنجلترا قبل البلدان الخرى
وأوضح مما في البلدان الخرى بسبب أن بعض سمات التطور المبريالية قد ظهرت فيها قبل البلدان الخرى بزمن طويل.
وهنالك كتاب مهم ،مثل ،مارتوف ،يحبون تحاشي واقع الصلة بين المبريالية والنتهازية في حركة العمال –هذا الواقع
الذي يبدو اليوم للعيان بوضوح خاص – عن طريق عبارات «متفائلة بصورة رسمية» (على طريقة كاوتسكي وهويسمانس)
من هذا النوع :إن قضية خصوم الرأسمالية تكون في حالة تدعو للقنوط فيما لو كانت الرأسمالية المتقدمة بالذات تؤدي إلى
تقوية النتهازية أو فيما إذا كان العمال الذين ينالون أعلى الجور يميلون إلى النتهازية ،وهلم جرا .ل ينبغي أن ننخدع فيما
يخص مغزى هذا «التفاؤل» – إذ أنه تفاؤل ‘إزاء النتهازية ،إذ أنه تفاؤل من شأنه تغطية النتهازية .والواقع أن نمو
النتهازية ،بهذه السرعة الكبرى وبهذه الصفة القبيحة للغاية ،قطعا بضمان لنتصارها بصورة وطيدة كما أن سرعة نضوج
البثور الخبيثة في الجسم السليم تعجل انفجارها فقط وتخليص الجسم منها .وأخطر ما في المر هو الناس الذين ل يريدون
أن يفهموا أن النضال ضد المبريالية ،إذا لم يقترن اقترانا وثيقا بالنضال ضد النتهازية ،يكون عبارة فارغة وكاذبة.
من كل ما قلناه فيما تقدم عن طبيعة المبريالية القتصادية يستنتج أنه ل بد من وصفها بأنها رأسمالية انتقالية أو ،بالصح،
محتضرة .وما هو في غاية الدللة بهذا الصدد واقع أن كلمات «التشابك» و«انعدام العزلة» والخ ،.هي كلمات يكثر
استعمالها القتصاديون البرجوازيون في وصفهم للرأسمالية الحديثة؛ البنوك هي «من حيث مهامها ومن حيث تطورها،
مؤسسات ل تتسم بطابع اقتصادي فردي صرف ،بل هي تخرج شيئا فشيئا من ميدان التوجيه القتصادي ذي الطابع الفردي
الصرف» .وريسر نفسه الذي تعود إليه هذه الكلمات الخيرة ،يعلن بمنتهى الجدان «نبؤة» الماركسيين بشأن «اكتساب
الصفة الجتماعية» «لم تتحقق»!
فماذا تعني إذن كلمة «التشابك» هذه؟ إنها ل تلقف غير السمة البرز في العملية الجارية على مرأى منا .إنها تظهر أن
الباحث يعدد بعض الشجرات دون أن يرى الغابة .إنها تنسخ بذلة ما هو ظاهري وصدفي وما هو ذو صفة فوضوية .وهي
تكشف في الباحث شخصا سحقته المادة للخام وعاجز تماما عن تبين كنهها وأهميتها .تملك السهم وعلقات المالكين
الفرديين «تتشابك بصورة صدفية» .ولكن ما يختفي في بطانة هذا التشابك ،ما يكونه أساسه ،هو تغيرات علقات النتاج
الجتماعية .فعندما يصبح مشروع كبير هائل وينظم ،بصورة منهاجية على أساس مراعاة دقيقة للمعلومات العديدة ،تقديم
3/2أو 4/3كامل المواد الخام الضرورية لعشرات المليين من السكان؛ وعندما يتم بصورة منظمة نقل هذه الخامات
إلى أماكن النتاج الحسن ملءمة والتي يبعد بعضها عن البعض أحيانا مئات وألوف الفراسخ؛ وعندما يشرف مركز واحد
65
على جميع المراحل المتتابعة في تكييف الخامات الجاهزة بما في ذلك الحصول على جملة من مختلف أصناف المنتوجات
الجاهزة؛ وعندما يتم حسب برنامج واحد توزيع هذه المنتوجات الجاهزة بين عشرات ومئات المليين من المستهلكين
(تصريف «تروست البترول» المريكي للبترول في أمريكا وفي ألمانيا)؛ – عندئذ يصبح من الواضح أننا إزاء اكتساب
النتاج للصفة الجتماعية ،ل إزاء مجرد «تشابك»؛ وأن علقات القتصاد الخاص والملكية الخاصة تؤلف غلفا غدا ل
يتلءم مع المحتوى ومن شأنه أن يتعفن ل محالة إذا ما أجلت إزالته بصورة مصطنعة ويمكنه أن يبقى في حالة التعفن زمنا
طويل نسبيا (في أسوأ الحالت – في حالة ما إذا طال أمد الستشفاء من البثور النتهازية) ،ولكنه مع ذلك سيزول ل محالة.
«وإذا كانت إدارة البنوك اللمانية قد وضعت في نهاية المر بين أيدي دستة من الشخاص ،فقد غدا نشاطهم منذ الن أهم،
بالنسبة للمصلحة العامة ،من نشاك أكثرية وزراء الدولة» (ومن الفضل هنا نسيان «تشابك» الصيارفة والوزراء
والصناعيين وأصحاب المداخيل…) «…وإذا معنّا الفكر في تطور الميول التي رأيناها ،يكون الحاصل :رأسمال المة النقدي
موحد في البنوك؛ والبنوك مرتبطة فيما بينها في كارتيل؛ رأسمال المة الباحث عن توظيف اتخذ شكل أوراق مالية .عندئذ
تتحقق الكلمات العبقرية التي قالها سان سيمون« :إن فوضى النتاج الراهنة التي تتلئم مع واقع أن العلقات القتصادية
تتطور بدون ضابط وحيد الشكل ينبغي أن تتخلى عن مكانها لتنظيم النتاج .ولن يوجه النتاج أصحاب أعمال منعزلون
ومستقلون بعضهم عن بعض ويجهلون حاجات الناس القتصادية ،بل سيناط بمؤسسة اجتماعية معينة .ان الهيئة الدارية
المركزية التي تستطيع أن ترى من وجهة نظر أعلى منطقة القتصاد الجتماعي الواسعة ستضبطه على نحو مفيد للمجتمع
بأكمله وستضع وسائل النتاج بين اليدي الكثر ملءمة لذلك وستسهر بوجه خاص على النسجام الدائم بين النتاج
والستهلك .وثمة مؤسسات وضعت ضمن نطاق مهامها تنظيما معينا للعمل القتصادي :إنها البنوك» .ما زلنا بعيدين عن
تحقيق كلمات سان سيمون هذه ،ولكننا نسير في اتجاه تحقيقها :الماركسية على نمط يختلف عما تصوره ماركس ،ولكن من
حيث الشكل فقط»(.)1
إنه والحق يقال «دحض» رائع لماركس يعود القهقرى من تحليل ماركس العلمي الدقيق إلى حدس سان سيمون ،وإن كان
حدسا عبقريا ،إلّ أنه على حال حدس ل غير.
صدر لول مرة في منتصف سنة 1917ببتروغراد في كراس على حدة عن دار الطبع والنشر «جيزن أي زنانييه»
(«الحياة والمعرفة»)؛ نشرت مقدمة الطبعتين الفرنسية واللمانية في سنة 1921في مجلة «كومونيستيتشسكي
انترناسيونال» («الممية الشيوعية») العدد .18
-----------------------------------------------------------------------
---------
-----------------------------------------------------------------------
---------
67