Professional Documents
Culture Documents
رحه ال تعال
موضوعات صالة للخطب والوعظ 7
اقتبست منه معرفة النبوة وشدة الاجة إليها؛ بل وضرورة الوجود إليها،
وأنـه يسـتحيل مـن أحكـم الاكميـ أن يلي العال منهـا .وإن شئت
اقتبست منه ما فطر ال عليه العقول من تسي السن وتقبيح القبح ،وأن
ذلك عقلي وفطري اهـ.
ومن هنا انطلقت؛ فاقتبست من هذا الكتاب ومن غيه من مؤلفاته
مـا يتعلق بعرفـة ال سبحانه وتعال بطرقـه ودلئله ،ومعرفـة حكم ته ف
خل قه وأمره ،ومعر فة قدر الشري عة من ح يث العموم و ف م سائل معي نة
ذكرتاـ ،ومعرفـة معجزات النبوة ،ومسـائل تتعلق بأعمال القلوب ،ومبدأ
النسان وميزانه ومصيه ،إل غي ذلك ما ستراه مفصلً بصور خطب.
وفيها عدد قليل ليس من كتبه.
وبا أن هذه الطب السبع والثلثي ( )37ليست من إنشائي ،وإنا
اخترت ا ،وجعت ها ،ورتبت ها ،واخت صرت ب عض العبارات ،ورب طت بين ها،
وعلقت عليها ببعض العبارات الت رأيت الاجة داعية إليها من كلم ابن
القيـم وغيه ،وبعضهـا مـن عندي ،وعزوت كلّ إل صـاحبه ،وذكرت
مرا جع كل خط بة ب عد نايت ها ف قد سيتها (موضوعات صالة للخ طب
والوعظ) ليستعمل منها الطيب والواعظ ما يريدانه.
وكان مـن هيـ قدي ًا التطلع إل مـا يتعلق بإثبات وجود ال جـل
جلله وتوح يد ربوبي ته والرد على اللحد ين ،ف قد قال الش يخ م مد بن
عبدالوهاب -رحه ال« :-فأما توحيد الربوبية فهو الصل ،ول يغلط ف
اللية إل من ل يعطه حقه» .وقد يسر ال ف هذه كثيًا ما أردت.
« :ل تقوم السفاعة حتف ل يقال فف الرض: وقال النـب
موضوعات صالة للخطب والوعظ 9
ال ،ال»( ،)1وقال« :ول تقوم الساعة حت تعبد فئام من أمت الوثان»
وقال أيضًا« :ل تزال طائفة من أمت على الق منصورة ل يضرهم من
خذلم ول من خالفهم حت يأت أمر ال تبارك وتعال»(.)2
وقد كان ما أخب به النب من عبادة الوثان ف فئام من المة،
وجَدّوا ف تعظيم القبور وإحياء آثار أصحابا للتبك با.
ومن ناحية أخرى وجود الزهد ف العبادات ف فئام أخرى من المة
ُكّليًا واتذوه وراءهم ظهْريًا أو تيوا فيما هجروا ما جاء به الرسول
أنزل ال فعملوا ببعض وتركوا بعضًا.
فأولئك ف طرف .وهؤلء ف طرف.
والسلم وسط بي طرفي ،وهدى بي ضللتي.
ول تزال طائفة من أمة ممد على الق منصورة .فنسأل ال أن
يعلنا منهم ،وأن ل يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ،وأن يهب لنا من لدنه رحة
إنه هو الوهاب.
ومن مبادئ العزوف عن ذكر اسم ال تعال ما اعتاده بعض الناس
ف تبادل التحيات بينهم ،كقوله :صباح النور .صباح الفل .مساء الي.
م ساء النور .ل يقول :صبحكم ال بال ي .م ساكم ال بال ي .وبدلً من
أن يقول :ف أمان ال .ف حفظ ال .يقول :مع السلمة .فهذا يشبه «عِ مْ
صبَاحًا».
َ
وكان شيخنا -رحه ال -إذا لقاه أحد ف الطريق فقال :صبحك
ال بال ي .رد عل يه« :علي كم ال سلم» ليعل مه ال سنة .فك يف لو سع:
صباح الفل .صباح الياسي.
اللهـم اجعلنـا منـ يقدرك حـق قدرك ،وأعنـا على امتثال أمرك،
واج عل أعمال نا خال صة لوج هك ،و سببًا للنجاة من الح يم والفوز بدار
النعيم ،فإنك رحيم كري.
وصلى ال وسلم على نبينا ممد ،وعلى آله ،وأصحابه أجعي.
() فيما رواه عنه عبدالرزاق .انظر تفسي ابن كثي على الية. 1
موضوعات صالة للخطب والوعظ 15
() بي الدور والتسلسل وقطعهما بأوجز لفظ وأبينه ،ففهم السامع من هذا 2
]53وقال عن قوم لوطِ :إنّ ا مُ ْن ِزلُو نَ عَلَى َأ ْهلِ َهذِ هِ اْل َق ْريَةِ ِر ْجزًا مِ نَ
ال سّمَا ِء بِمَا كَانُوا َيفْ سُقُو َن * َولَ َقدْ تَرَكْنَا مِ ْنهَا َآيَ ًة بَيَّن ًة لِ َقوْ ٍم َي ْعقِلُو نَ
[العنكبوت.]35 ،34 :
وقال بعـض العراب وقـد سـئل :مـا الدليـل على وجود ال تعال:
فقال :يا سبحان ال! إن البعر ليدل على البعي ،وإن أثر القدام ليدل على
السـي ،فسـماء ذات أبراج ،وأرض ذات فجاج ،وبار ذات أمواج ،أل
يدل ذلك على وجود اللطيف البي؟! فاستدل العراب بالثر على الؤثر،
ّهف اّلذِي
َمف َيرَوْا أَن ّ الل َ
َنف َأ َشدّ مِنّاف ُق ّوةً َأ َول ْ
كقوله تعال لنـ قالوا :م ْ
خَلَ َق ُهمْ ُه َو أَ َش ّد مِ ْنهُ ْم ُق ّوةً [ُفصّلَت.]15 :
وحكي عن أب حنيفة رحه ال :أن بعض الزنادقة سألوه عن وجود
الباري تعال ،فقال لم :دعون فإن مفكر ف أمر قد أخبت عنه -ذكروا ل
أن سفينة ف البحر موقرة فيها أنواع من التاجر ،وليس با أحد يرسها ول
يسـوقها ،وهـي مـع ذلك تذهـب وتيـء وتسـي بنفسـها ،وتترق المواج
العظام حت تتخلص منها ،وتسي حيث شاءت بنفسها من غي أن يسوقها
أ حد .فقالوا :هذا ش يء ل يقوله عا قل .فقال :وي كم! هذه الوجودات ب ا
فيها من العال العلوي والسفلي وما اشتملت عليه من الشياء الحكمة ليس
لا صانع؟ فبهت القوم ،ورجعوا إل الق وأسلموا على يديه.
فالخلوقات جيعها وما تضمنته من التخصيصات والكم والغايات
مسـتلزمة للخالق عين ًا ،فانتقال الذهـن منهـا إل العلم بالالق كانتقال
الذ هن من رؤ ية الدخ ـان إل أن تت ـه ن ـار ،وم ـن رؤ ية ال سم
التحرك قسـرًا إل أن له مركًـا ،ومـن رؤيـة شعاع الشمـس إل العلم
موضوعات صالة للخطب والوعظ 17
بطلوعهـا ،ونظائر ذلك .فعلم العقـل بوجود الالق كجزم السـ باـ
يشاهده من آياته الشهودة.
وآياتـه سـبحانه هـي :دلئله وبراهينـه التـ باـ يعرفـه العباد ،وباـ
يعرفون أساءه وصفاته وأفعاله وتوحيده وأمره ونيه.
فآيا ته سبحانه وأدلة توحيده و ما أ خب به من العاد و ما ن صبه من
الدلة لصـدق ر سله ل تتاج إل مـا يزعمـه كثيـ مـن النظار أنـه دليـل،
كقولم :كل مكن مفتقر إل واجب ،وكل مدث مفتقر إل مدث .فإن
هذه القضية الكلية بعد تعبهم ف تقريرها ودفع ما يعارضها ل تدل على
مطلوب معي وخالق معي ،وإنا تدل على واجب مّا ومُحدِث مّا(.)1
فاتقوا ال عباد ال وأحدوه أن علمكــم مــا ل تكونوا تعلمون،
واذكروه يذكركم ،وأشكروه يزدكم.
ت وَاْلأَرْ ِ
ض أعوذ بال من الشيطان الرجيم إِنّ فِي خَلْ ِق ال سّمَاوَا ِ
ح ِر بِمَا يَ ْنفَ ُع النّا سَ
جرِي فِي الْبَ ْ ك الّتِي تَ ْ ف اللّ ْيلِ وَالّنهَا ِر وَالْفُلْ ِ وَاخْتِلَا ِ
ض َبعْ َد َموِْتهَا وَبَثّ فِيهَا وَمَا َأْنزَ َل اللّ هُ مِ نَ ال سّمَا ِء مِ ْن مَاءٍ فََأحْيَا بِ ِه الْأَرْ َ
خ ِر بَيْنَ السّمَا ِء وَاْلأَرْضِ ب الْمُسَ ّ ف ال ّريَاحِ وَالسّحَا ِ صرِي ِ مِنْ ُك ّل دَابّ ٍة َوتَ ْ
ت ِلقَوْ ٍم َي ْعقِلُونَ [البقرة.]164 : َلآَيَا ٍ
() رؤي سيبويه -رحه ال -بعد وفاته فقيل له :ما فعل ال بك .قال :غفر ل 1
وأدخلن النة .قيل بأي شيء؟ قال بقول :ال أعرف العارف( .سعت هذا ف
صغري على لسان بعض طلبة العلم).
18 موضوعات صالة للخطب والوعظ
الطبة الثانية
وبذا يكون دينه كاملً ،كما قال تعال :الْيَوْ مَ أَكْمَلْ تُ لَكُ مْ
دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [الائدة.]3 :
وكذلك أعطاهـم سـبحانه مـن العلوم التعلقـة بصـلح معاشهـم
ودنياهـم بقدر حاجتهـم :كعلم الطـب ،والسـاب ،وعلم الزراعـة،
وضروب الصـنائع ،واسـتنباط الياه ،وعقدة البنيـة ،وصـنعة السـفن،
وا ستخراج العادن ،وتيئت ها ل ا يراد من ها ،وترك يب الدو ية ،و صنعة
الطعمة ،ومعرفة ضروب اليل ف صيد الوحش والطي ودواب الاء،
والت صرف ف وجوه التجارات ،ومعر فة وجوه الكا سب ،وغ ي ذلك
ما فيه قيام معايشهم.
ث منعهم سبحانه علم ما سوى ذلك ما ليس من شأنم؛ ول فيه
مصلحة لم ،ول نشأتم قابلة له؛ فجهلهم به ل يضر ،وعلمهم به ل
ينتفعون به انتفاعًا طائلً :كعلم الغيب ،وعلم ما كان وكل ما يكون،
والعلم بعدد القطــر ،وأمواج البحــر ،وذرات الرمال ،ومســاقط
الوراق ،وعدد الكواكـب ومقادير ها ،وعلم ما فوق ال سموات و ما
ت ت الثرى ،و ما ف ل ج البحار ،وأقطار العال ،و ما يك نه الناس ف
صدورهم ،و ما ت مل كل أن ثى و ما تغ يض الرحام و ما تزداد ،إل
سائر ما غرب عنهم علمه.
ومنع هم من العلم علم ال ساعة ،ومعر فة آجال م فإن كان ق صي
العمر ل يتهنأ بالعيش وخربت الدنيا لن عمارت ا بالمال ،وإن تقق
طول عمره ل يبال بالنماك فـ الشهوات وأنواع الفسـاد وتأخيـ
التو بة ،و قد قال تعال :وَلَيْ سَتِ التّ وْبَةُ لِلّ ذِي نَ يَعْمَلُو نَ ال سّ يّ ئَاتِ
ِينف
َنف وَلَا الّ ذ َْتف الْآ َ
ْتف قَالَ إِنّيف تُب ُ ُمف الْمَو ُ
حَتّىف إِذَا حَضَرَ أَحَدَه ُ
20 موضوعات صالة للخطب والوعظ
() الراجـع «مفتاح دار السـعادة» ج (« ،)237 ،1/280شفاء العليـل» ( 1
ال أكب
من كل شيء وأعظم
حاجتهمـا ،ثـ أخـذ بيدي حتـ أتـى داره ،فألقيـت له وسـادة فجلس
عليها ،وجلست بي يديه .فحمد ال وأثن عليه ،ث قال :ما يفرك أن
تقول :ل إله إل ال -أي مـا يملك على الفرار إل التوحيـد -فهـل
تعلم مـن إله سـوى ال؟ قال :قلت :ل .ثـ تكلم سـاعة ،ثـ قال :يـا
عدي مـا يفرك ،أيفرك أن يقال :ال أكـب ،فهـل تعلم شيئًا أكـب مـن
ـارى ـم ،والنصـ ال؟ قال :قلت :ل .قال :فإن اليهود مغضوب عليهـ
ضُلّل .قال :قلت :فإنـ حنيـف مسـلم .قال فرأيـت وجهـه ينبسـط
فر حا» ف في هذا الد يث -يا عباد ال -أع ظم دللة على عظ مة ال
تبارك وتعال ،وأنه أكب من كل شيء :ذاتًا ،وصفة ،وأفعالً( .)1
والعال العلوي والسـفلي بالنسـبة إل الالق سـبحانه فـ غايـة
الصغر ،كما قال تعال :وَمَا قَدَرُوا اللّ هَ حَقّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا
قَبْضَتُ هُ يَوْ مَ الْقِيَامَةِ وَال سّماوَاتُ مَطْوِيّا تٌ بِيَمِينِ هِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
عَمّا يُشْرِكُو نَ [الزّ مَر ]67 :فالرض ،والسماء الدنيا فوقها ميطة
با من كل جانب ،وكذا الباقي ،والكرسي فوق السموات كلها بي
يدي العرش ،ونسبة السموات وما فيها إل الكرسي كحلقة ف فلة،
والملة بالنسـبة إل العرش كحلقـة فـ فلة ،والعرش فوق جيـع
الخلوقات مقبب له قوائم وهو سقف النة ،وتته بر.
() وأخبنـا بأنـه «الكـبي» ،فقال تعال :الْكَِبيُ اْلمَُتعَالِ [الرّعـد .]9 :وبأنـه 1
«الكب» كما ف اللفاظ الشروعة ف الذان والصلة وغيها ،وهي أفعل تفضيل
يقتضي كونه أكب من كل شيء بميع العتبارات ،فال أكب من كل شيء ،ف
ذاته ،وصفاته ،وأفعاله ،كما هو فوق كل شيء وعال على كل شيء ،وأعظم من
كل شيء ،وأجل من كل شيء ف ذاته وصفاته وأفعاله .فلله سبحانه العلو الذات،
والعنوي ،والعظمة الذاتية والعنوية ،واللل والمال الذات والعنوي.
موضوعات صالة للخطب والوعظ 23
() فحجابه النور ملوق .وأما أنوار الذات الت يجب عن إدراكها فذاك صفة للذات 1
و من عظم ته سبحانه « سعة سعه» :ي سمع كلم عباده كله مع
اختلف لغات م وتف نن حاجات م؛ ي سمع دعاء هم سع إجا بة ،وي سمع
كل ما يقولونه سع علم وإحاطة ،ل يشغله سع عن سع ،ول تغلطه
السفمَاوَاتَِنف ف ِي ّ َسفأَلُهُ م ْ السـائل ،ول يتـبم بإلاح اللحيـ ي ْ
وَالْأَرْضِ كُلّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحن.]29 :
وروى ابـن أبـ حاتـ ،عـن عائشـة رضـي ال عنهـا أناـ قالت:
تبارك الذي أو عى سعه كل ش يء ،إ ن ل سع كلم خولة ب نت ثعل بة
ويفـى علي بعضـه وهـي تشتكـي زوجهـا إل رسـول ال ،وهـي
تقول :يا رسول ال أكل مال ،وأفن شباب ،ونثرت له بطن ،حت إذا
كبت سن ،وانقطع ولدي ظاهر من ،اللهم إن أشكو إليك .قالت
ف ما بر حت ح ت نزل جب يل بذه ال ية :قَدْ سَمِعَ اللّ هُ قَوْلَ الّتِي
تُجَادِلُ كَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللّ هِ وَاللّ هُ يَ سْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنّ
اللّه َف سَمِيعٌ بَ صِيٌ * الّ ذِي نَ يُظَاهِرُو نَ مِنْكُ مْ مِ نْ نِ سَائِهِمْ مَا هُنّ
أُمّ هَاتِهِ مْ إِ نْ أُمّ هَاتُهُ مْ إِلّا اللّائِي وَلَدْنَهُ مْ وَإِنّ هُ مْ لَيَقُولُو نَ مُنْكَرًا مِ نَ
الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنّ اللّ هَ لَعَفُوّ غَفُورٌ * وَالّ ذِي نَ يُظَاهِرُو نَ مِ نْ نِ سَائِهِمْ
ُمف
َنف يَتَمَاسفّا ذَلِك ْ ِنف قَبْلِ أ ْ ُونف لِم َا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ م ْ ثُم ّ يَعُود َ
تُوعَظُو نَ بِ هِ وَاللّ هُ بِمَا تَعْمَلُو نَ خَبِيٌ * فَمَ نْ لَ مْ يَجِدْ فَ صِيَامُ شَهْرَيْ نِ
مُتَتَابِعَيْ نِ مِ نْ قَبْلِ أَ نْ يَتَمَا سّا فَمَ نْ لَ مْ يَ سْتَطِعْ فَإِطْعَا مُ سِتّ يَ مِ سْكِينًا
ذَلِ كَ لِتُؤْمِنُوا بِاللّ هِ وَرَ سُولِهِ وَتِلْ كَ حُدُودُ اللّ هِ وَلِلْكَافِرِي نَ عَذَا بٌ
أَلِيمٌ [ال جَادلة.]4 -1 :
وكذلك ما ثبت ف صحيح مسلم عن أب هريرة رضي ال عنه ،
عـن النـب قال« :يقول ال :قسفمت الصفلة بينف وبيف
26 موضوعات صالة للخطب والوعظ
() قلت :وهذه الشبهة -أن ما ل يس بالواس المس أو بأحدها ل يؤمن به -قديه حديثة: 1
الطبة الثانية
ال مد ل الذي سبحت الكائنات بمده ،هو تعال ك ما و صف
نفسه ،وفوق ما يصفه به خلقه ،العال بالسرار والفيات.
وأشهـد أن ل إله إل ال وحده ل شريـك له شهادة مـبأة مـن
الشراك ف القوال والعمال والنيات.
ِم ْن ِعبَا ِد ِه اْل ُعَلمَا ُء [فَاطِر ]28 :وهم ل يصلوا بعد إل إيان أب جهل وأضرابه الذين أقروا
بربوبية ال وأنكروا إخلص العبادة له.
موضوعات صالة للخطب والوعظ 29
() تفسي ابن جرير ،صحيح ابن خزية ،بدائع الفوائد ج( ،)175 ،4/174إعلم الوقعي 1
المر ما كان .قال« :كان ال ول يكن شيء قبله ،وكان عرشه على
الاء ،ث خلق ال سموات والرض ،وك تب ف الذ كر كل ش يء» .ل ا
سألوه عن بدا ية هذا العال الشا هد أ خبهم أ نه تعال كان ق بل كل
شيء( .)1
وفـ الدعاء الشهور الذي رواه مسـلم« :أنفت الول فليفس
قبلك ش يء ،وأ نت ال خر فل يس بعدك ش يء ،وأ نت الظا هر فل يس
فو قك ش يء ،وأ نت البا طن فل يس دو نك ش يء » فأولي ته سبحانه
سابقة على أول ية ما سواه ،وآخري ته بقاؤه ب عد كل ش يء ،وظاهري ته
سبحانه فوقي ته وعلوه على كل ش يء ،وبطو نه سبحانه إحاط ته ب كل
شيء بيث يكون أقرب إليه من نفسه فما من أول إل وال قبله ،وما
من آ خر إل وال بعده .و«الظا هر» علوه وعظم ته .و«البا طن» قر به
ودنوه.
وعن أب رزين العقيلي قال :قلت :يا رسول ال! أين كان ربنا
ق بل أن يلق ال سموات والرض؟ قال« :كان ف عماءٍِ ما فو قه هواء
ومفا تتفه هواء ،ثف خلق عرشفه على الاء ،ثف اسفتوى عليفه» رواه
الترمذي وا بن ما جه وغيه ا .والعماء هو ال سحاب الكث يف الط بق
َامف
ِنف الْغَم ِ
ّهف فِي ظُلَلٍ م َ
ُمف الل ُ
َنف يَأْتِيَه ُ
ُونف إِلّا أ ْ
كقوله :هَلْ يَنْظُر َ
وَالْمَلَائِكَةُ [البقرة.]210 :
() وأما ما خلقه قبل ذلك شيئًا فشيئًا فهو بنلة ما سيخلقه بعد قيام الساعة ودخول أهل النة 1
والنار منازلما .وهذا ما ل سبيل للعباد إل معرفته .وأخبت الرسل بتقدم أسائه وصفاته كما
صيًا
ف قولهَ :وكَا َن الّل ُه َعزِيزًا َحكِيمًا [الن ساءَ ]158 :وكَا َن الّل ُه َسمِيعًا َب ِ
[النّساء ]134 :ونو ذلك قال ابن عباس :كان ول يزال .ول يقيد كونه بوقت دون وقت،
ويتنع أن يدث له غيه صفة.
32 موضوعات صالة للخطب والوعظ
جعـل إبراهيـم وآله أئمـة يدعون إليـه ويهدون بأمره ،وجعـل فرعون
وقو مه أئ مة يدعون إل النار .ولكمال قدر ته ل ي يط أ حد بش يء من
علمـه إل باـ شاء سـبحانه أن يعلمـه إياه .ولكمال قدرتـه خلق
ال سموات والرض و ما بينه ما ف ستة أيام و ما م سه من لغوب ،ول
يعجزه أحـد مـن خلقـه ول يفوتـه .ولكمال «غناه» اسـتحال إضافـة
الولد والصاحبة والشريك والشفيع بدون إذنه إليه .ولكمال «عظمته
وعلوه» وسع كرسيه السموات والرض ،ول تسعه أرضه ول سواته
ول ت ط به ملوقا ته ،بل هو العال على كل ش يء و هو ب كل ش يء
ميـط .ول تن فد «كلما ته» ول تبدل ،ولو أن الب حر يده سبعة أبرـ
مدادًا( )1وأشجار الرض أقلمًا فك تب بذلك الداد وبتلك القام لن فد
الداد وفن يت القلم ول تن فد كلما ته ،إذ هي غ ي ملو قة ،وي ستحيل
أن يَفْنَى غيُ الخلوق بالخلوق.
وهو سبحانه ي ب رسله وعباده الؤمني ،ويبونه ،بل ل شيء
أحـب إليهـم منـه ،ول أشوق إليهـم مـن لقائه ،ول أقـر لعينهـم مـن
رؤيته ،ول أحظى عندهم من قربه .وأنه سبحانه له «الكمة البالغة»
ف خل قه وأمره ،وله «النع مة ال سابغة» على خل قه ،و كل نع مه م نه
ف ضل ،و كل نق مة م نه عدل .وأ نه أَرح مُ بعباده من الوالدة بولد ها،
وأنه أفرح بتو بة عبده من وا جد راحل ته ال ت علي ها طعامه وشرابه ف
الرض الهلكة بعد فقدها واليأس منها .وأنه سبحانه ل يكلف عباده
إل وسعهم وهو دون طاقتهم .وأنه سبحانه ل يعاقب أحدًا بغي ذنب
فعله ،ول يعاقبــه على فعــل غيه ،ول يعاقبــه بترك مــا
الرج يم وَمَا قَدَرُوا اللّ هَ حَقّ قَدْرِ هِ وَالْأَرْ ضُ جَمِيعًا قَبْضَتُ هُ يَوْ مَ
الْقِيَامَةِ وَال سّماوَاتُ مَطْوِيّا تٌ بِيَمِينِ هِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمّا يُشْرِكُو نَ
[الزّ مَر.]67 :
الطبة الثانية
المد ل حدًا كثيًا على نعمائه ،وكما ينبغي لكرم وجهه وعز
جلله له .وأشهـد أن ل إله إل ال وحده ل شريـك له إقرارًا بإليتـه،
واعترافًا ب ا ي ب على اللق من الذعان لربوبي ته .وأش هد أن ممدًا
عبده ور سوله وخليله أكرم اللق وأزكا هم ،وأعرف هم بال وأتقا هم،
صلوات ال و سلمه عل يه وعلى إخوا نه ال نبيي ،وال صحابة والتابع ي،
ومن تبعهم بإحسان إل يوم الدين.
أما بعد :فيا عباد ال قد ذم ال من ل يقدره حق قدره ف ثلثة
مواضـع مـن كتابـه فأخـب أنـه ل يقدره حـق قدره مـن أنكـر إرسـاله
للر سل وإنزال كت به علي هم ،ول يقدره حق قدره من ع بد م عه إلًا
آخر ،ول يقدره حق قدره من جحد صفات كماله ونعوت جلله.
واليان بـه سـبحانه ل يتـم إل بتعظيمـه ،ول يتـم تعظيمـه إل
بتعظ يم أمره ونيـه فعلى قدر تعظ يم الع بد ل سبحانه يكون تعظي مه
لمره ونيه ،وتعظيم المر يدل على تعظيم المر .وأول مراتب تعظيم
المـر التصـديق بـه ،ثـ العزم الازم على امتثاله ،ثـ السـارعة إليـه
والبادرة إليه رغم القواطع والوانع ،ث بذل الُهْدِ والنصح ف التيان
بـه على أكمـل الوجوه ،ثـ فعله لكونـه مأمورًا بـه سـواء ظهرت
36 موضوعات صالة للخطب والوعظ
() طريـق الجرتيـ ص ( ،)24 ،127 ،175 ،132 -125الصـواعق ص (،444 1
() ويقولون :شاء ال ،أو يشاء ال .ول يقولون :شاءت إرادة ال؛ -كما قد كثر إطلق هذه 1
العبارة -فإن الشيئة صفة من صفات ال ليست هي ال ،بل ال بصفاته هو الذي يشاء ويريد.
38 موضوعات صالة للخطب والوعظ
إل ال ،فالقدرة عليـه أعظـم مـن كـل قدرة ،وليـس له نظيـ فـ قدر
الخلوق ي ف ما خل قه ال من أنواع اليوان والنبات والعدن كالن سان
ــ آدم ل ــ ،واليتان ،فإن بنـ والفرس ،والمار ،والنعام ،والطيـ
يسـتطيعون أن يصـنعوا مثـل هذه الدواب .وكذلك النطـة والشعيـ
ـب ،وأنواع البوب ـب ،والرطـ ـا ،والعدس ،والعنـ والباقلء ،واللوبيـ
والثمار ل يستطيع الدميون أن يصنعوا مثلما يلقه ال سبحانه وتعال.
وكذلك العادن كالذهب ،والفضة ،والديد ،والنحاس ،والرصاص ،ل
ي ستطيع ب نو آدم أن ي صنعوا م ثل ما يل قه ال ،وإن ا غايتهم أن يشبهوا
مـن بعـض الوجوه فيصـغرون وينقلون مـع اختلف القائق؛ فإن ال
سبحانه قال ف كتابه :أَ مْ جَعَلُوا لِلّ هِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِ هِ فَتَشَابَ هَ
ف كُلّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهّارُ ف خَالِق ُ ف قُلِ اللّه ُ
ف عَلَيْهِم ْ
الْخَلْق ُ
[الرّ عد ]16 :و ف ال صحيح عن ال نب في ما يرو يه عن ر به تبارك
وتعال أنه قال« :ومن أظلم من ذهب يلق كخلقي فليخلقوا ذرة أو
ليخلقوا حبفة أو ليخلقوا شعية» ،وقـد ثبـت عـن النـب أنـه لعـن
الصورين ،وقال « :من صور صورة كلف أن ينفخ فيها الروح وليس
بنافخ» ،ولذا يفرق ف هذا التصوير بي اليوان وغي اليوان.
وما يصنعونه فهو ل يلق لم مثله؛ فإنه سبحانه أقدرهم على أن
يصـنعوا طعامًا مطبوخًا ،ولبا سًا منسـوجًا ،وبيوتًا مبن ية من الفخار
والزجاج ونو ذلك( .)1
عباد ال :وليـس الطبـع خالق ًا لشيـء؛ لن كـل حركـة فـ
() قاعدة ف الحجة لبن تيمية ص (.)28 ،14 ،197 -195 ،31 ،30 1
موضوعات صالة للخطب والوعظ 39
( )1
الوجود ناشئة عن الرادة والختيار ،والط بع ل إرادة له ول اختيار
فبطـل أن يضاف خلق شيـء مـن الخلوقات -العَرَضِيّةـ فضلً عـن
الوهريـة )2 (-إل الطبـع الذي فـ الجسـام :مثـل أن يكون الالق
للجنة ف الرحام هو طبع ،والالق للنبات هو طبع؛ بل تضاف هذه
الوادث حتـ أفعال اليوان إل خلق ال ومشيئتـه وربوبيتـه ،وهذه
طريقة أهل العلم واليان وهم أصح عقلً ودينًا.
فأمـا كثيـ مـن الناس وأهـل الطبـع التفلسـفة وغيهـم فيعلمون
ظاهرًا مـن الياة الدنيـا ،ويرون ظاهـر الركات والعمال التـ
للموجودات ،ويرون بعـض أسـبابا القريبـة وبعـض حكمهـا وغاياتاـ
القري بة ،ك ما يذكرون ف تشر يح الن سان وأعضائه وحركا ته الباط نة
والظاهرة ،و ما يذكرو نه من القوى ال ت ف الج سام ال ت تكون ب ا
الركة ،والقوة الاذبة ،والاضمة ،والغاذية ،والدافعة ،والولدة ،وغي
ذلك ،إل غي ذلك من السباب ما هو عبة لول البصار .لكن يقع
الغلط من إضافة هذه الثار العظيمة إل مرد قوة ف جسم.
وت د هؤلء إذا تكلموا ف الركات ال ت ب ي ال سماء والرض
() والركات :إما إرادية ،وإما طبيعية ،وإما قسرية؛ لن الفاعل التحرك إن كان له شعور با 1
ف هي الراد ية .وإن ل ي كن له شعور فإن كا نت على و فق ط بع التحرك ف هي الطبي عة .وإن
كا نت على خلف ذلك ف هي الق سرية .الط بع بنلة ال سكون وعدم الر كة .وان ظر الع قل
والنقل جزء 9ص( )325قال :لن الركة إن كانت قسرية فلها قاسر ،وإن كانت طبيعية
فالطبيعة ل تكون إل إذا أخرجت بالعي عن ملها فهي مقسورة على الروج.
() الصورة قد تكون عرضًا كالشكل ،والصورة الصناعية من هذا الباب .وقد يعب بالصورة 2
عن نفس الشيء الصور كالنسان .فالصورة هنا جوهر قائم بنفسه ليس قائمًا بوهر آخر.
والقرآن ذكر خلق ال تعال لا خلقه من الواهر الت هي أعيان قائمة بنفسها مع ما نشهده
من إحداث ال صفات والعراض أيضًا ،وال ستدلل بذلك على الالق سبحانه (ان ظر الع قل
والنقل ج 7ص .)234
40 موضوعات صالة للخطب والوعظ
ـل الكلم فينكرون طبائع ـن أهـ ـم طوائف مـ ـد يعارضهـ وقـ
الوجودات ومـا فيهـا مـن القوى والسـباب ،ويدفعون مـا أرى ال
عباده من آيا ته ف الفاق و ف أنف سهم م ا ش هد به ف كتا به من أ نه
ِنف كُلّ
ِهف م ْ ِهف الْمَاءَ فَأَخْرَجْن َا ب ِ
خلق هذا بذا ،كقوله :فَأَنْزَلْن َا ب ِ
الثّ مَرَا تِ [العرَاف ،]57 :وقوله :فَأَحْيَا بِ هِ الْأَرْ ضَ بَعْدَ مَوْتِهَا
[البَقَرَة.)1 (]164 :
عباد ال :جيـع الركات الارجـة عـن مقدور بنـ آدم والنـ
والبهائم هي من ع مل اللئ كة وتريك ها ل ا ف ال سماء والرض و ما
بينهمـا فمـا فـ السـموات والرض ومـا بينهمـا مـن حركـة الفلك
والش مس والق مر والنجوم وحر كة الرياح وال سحاب وال طر والنبات
وغيـ ذلك فإناـ هـو بلئكـة ال تعال الوكلة بالسـموات والرض
الذ ين لَا يَ سْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُ مْ بِأَمْرِ هِ يَعْمَلُو نَ [ال نبيَاء]27 :
كمـــا قال تعال :فَالْمُدَبّ رَاتفففِ أَمْرًا [النّازعَات]5 :
فَالْمُقَسّ مَاتِ أَمْرًا [الذّاريَات.]4 :
وكمـا دل الكتاب والسـنة على أصـناف اللئكـة وتوكلهـم
بأصناف الخلوقات.
وج يع الخلوقات عابدة لالق ها إل ما كان من مردة الثقل ي،
وليسـت عبادتاـ إياه قبولاـ لتدبيه وتصـريفه وخلقـه فإن هذا عام
لميــع الخلوقات حتــ كفار بنــ آدم؛ بــل عبادة الخلوقات
وت سبيحها هو من ج هة إلي ته سبحانه وتعال و هي الغا ية الق صودة
() وكل الطائفتي قد ل يعلمون ما فيها من الكمة الت هي عبادة ربا وتسبيحه والسجود 1
له.
42 موضوعات صالة للخطب والوعظ
من ها وب ا قال تعال :أَوَلَ مْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَ قَ اللّ هُ مِ نْ شَيْءٍ يَتَفَيّ أُ
ّهف
ُونف * وَلِل ِ ُمف دَاخِر َ ّهف وَه ْسفجّ دًا لِل َِنف الْيَمِيِ وَالشّ مَائِلِ ُ ُهف ع ِ ظِلَال ُ
يَ سْجُدُ مَا فِي ال سّ مَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْ ضِ مِ نْ دَابّ ةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُ مْ
لَا يَ سْتَكْبِرُونَ * يَخَافُو نَ رَبّ هُ مْ مِ نْ فَوْقِهِ مْ وَيَفْعَلُو نَ مَا يُؤْمَرُو نَ
[الن حل ]50 ،48 :تُ سَبّ حُ لَ هُ ال سّ مَوَاتُ ال سّ بْعُ وَالْأَرْ ضُ وَمَ نْ
فِيهِنّ وَإِ نْ مِ نْ شَيْءٍ إِلّا يُ سَبّ حُ بِحَمْدِ هِ وَلَكِ نْ لَا تَفْقَهُو نَ تَ سْبِيحَهُمْ
إِنّ هُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [السراء ]44 :وف الصحيحي من حديث
أبـ ذر قال :دخلت السـجد ورسـول ال جالس ،فلمـا غربـت
الشمـس قال « :يا أبفا ذر :هفل تدري أيفن تذ هب هذه؟ » قلت :ال
ور سوله أعلم .قال« :فإن ا تذ هب ت ستأذن ف ال سجود فيؤذن ل ا»
وكأن ا قد ق يل ل ا ارج عي من ح يث جئت فتطلع من مغرب ا ث قرأ:
(ذلك مُ سْتَقَر لا) ف قراءة عبدال .واتقوا ال عباد ال .أعوذ بال من
الشيطان الرج يم أَلَ مْ تَرَ أَنّ اللّ هَ يُ سَبّ حُ لَ هُ مَ نْ فِي ال سّ مَاوَاتِ
وَالْأَرْ ضِ وَالطّ يْرُ صَافّاتٍ كُلّ قَدْ عَلِ مَ صَلَاتَهُ وَتَ سْبِيحَهُ وَاللّ هُ عَلِي مٌ
بِمَا يَفْعَلُونَ [النّور.]41 :
موضوعات صالة للخطب والوعظ 43
الطبة الثانية
المد ل الواحد القاهر ،يفعل ما يشاء ويتار.
وأشهـد أن ل إله إل ال وحده ل شريـك له إناـ أمره إذا أراد
شيئًا أن يقول له :كن ،فإذا قال له :كن .كان.
وأشهـد أن ممدًا عبده ورسـوله الختار مـن ولد عدنان .اللهـم
صلِ وسلم على عبدك ورسولك ممد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم
بإحسان.
أمـا بعـد :أيهـا السـلم إن سـعت مـن يقول بأن وجود اليوان
والنبات والعادن من فعل الطبيعة ،أو حركة الرياح والسحاب والطر
أو غي ذلك من فعل الطبيعة .فقل له :لو أراد ال أن يهديك لسألت
نف سك بنف سك ،وقلت :أ خبين عن هذه الطبي عة :أ هي ذات قائ مة
بنفسها لا علم وقدرة على هذه الفعال العجيبة ،أم ليست كذلك بل
عرض و صفة قائ مة بالطبوع تاب عة له ممولة ف يه؟ فإن قالت لك :بل
هي ذات قائمة بنفسها لا العلم التام والقدرة والرادة والكمة .فقل
لاـ :هذا هـو الالق البارئ الصـورة ،فلم تسـمينه طبيعـة؟! فإن هذا
الذي وصفت به الطبيعة صفته تعال.
وإن قالت لك :بل الطبيعة عرض ممول مفتقر إل حامل ،وهذا
كله فعلهـا بغيـ علم منهـا ول إرادة ول قدرة ول شعور أصـلًا وقـد
شو هد من آثار ها ما شو هد .ف قل ل ا :هذا ما ل ي صدقه ذو ع قل
سـليم ،كيـف تصـدر هذه الفعال العجيبـة والكـم الرفيعـة التـ
44 موضوعات صالة للخطب والوعظ
() مفتاح دار السـعادة ص ( )388 ،161شفاء العليـل ( )132 ،131قاعدة فـالحجـة 1
لا خلق العال ،وأنه بكى على الطوفان حت رمدت عيناه وعادته اللئكة ،وأنه ندم على خلق
آدم وذريته ندمًا عظيمًا حت عض أنامله ،ويقولون ف صلتم :يا إلنا انتبه من رقدتك كم
تنام ،ونو ذلك.
و«التادية» مصرحون بأنه موصوف بكل صفة مذمومة عق ًل وعرفًا وشرعًا .ومعلوم أن هذه
النقائص هي الت دل العقل الصريح واتفاق الرسلي من أولم إل آخرهم على نفيها عن ال
وتنيهه عنها (الصواعق .)1011 ،3/1010
48 موضوعات صالة للخطب والوعظ
() قلت :و من القراء من يك ثر قراءة ق صة مر ي ف « سورة مر ي» من قوله :وَا ْذ ُك ْر فِي 2
ث َحّي ا [مريَم ]33 :ول يقرأ قوله ب َم ْرَي َم [مريَم ]16 :إل قوله َوَي ْو َم ُأْب َع ُ اْل ِكتَا ِ
خ َذ ِم ْن َوَل ٍد حقّ اّلذِي فِي ِه َي ْمَترُو َن * مَا كَا َن ِلّل ِه َأ ْن َيّت ِ ك عي سَى اْب ُن َم ْرَي َم َق ْو َل اْل َ تعالَ :ذِل َ
طصرَا ٌ ُسْبحَاَن ُه ِإذَا َقضَى َأ ْمرًا َفِإّنمَا َيقُو ُل َل ُه ُك ْن َفَيكُو ُن * َوِإنّ الّل َه َربّي َو َرّب ُك ْم فَا ْعُبدُو ُه َهذَا ِ
ش َه ِد َي ْو ٍم َعظِي ٍم * َأ ْس ِم ْع ِب ِه ْم ب ِم ْن َبْيِن ِهمِْ َف َوْي ٌل ِلّلذِي َن َك َفرُوا ِم ْن َم ْ ف اْلَأ ْحزَا ُ
سَتقِي ٌم * فَا ْخَتَل َ ُم ْ
ض َي اْلَأ ْم ُر
س َر ِة ِإ ْذ ُق ِ
حْ ي * َوَأْن ِذ ْر ُه ْم َي ْو َم اْل َ
ضلَا ٍل ُمِب ٍ ص ْر َي ْو َم َيْأتُوَننَا َل ِك ِن الظّاِلمُو َن اْلَي ْو َم فِي َ
َوَأْب ِ
َو ُه ْم فِي َغ ْفَل ٍة َو ُه ْم لَا ُي ْؤ ِمنُو َن [مريَم.]39 -34 :
موضوعات صالة للخطب والوعظ 51
الطبة الثانية
المد ل الذي أنقذنا بحمد من تلك الظلمات ،وفتح باب
الدى فل يغلق إل يوم اليقات .وأشهــد أن ل إله إل ال وحده ل
شريك له أرانا أهل الضلل وهم ف ضلل م يتخبطون ،وف سكرتم
يعمهون ،وف جهالتهم يتقلبون ،وف ريبهم يترددون .يؤمنون -ولكن
بالبت والطاغوت يؤمنون .ويعدلون -ولكن بربم يعدلون ،ويعلمون
ظاهرًا من الياة الدنيا وهم عن الخرة هم غافلون ،ويسجدون ولكن
لل صليب والو ثن ي سجدون ،ويكرون و ما يكرون إل بأنف سهم و ما
يشعرون .وأشهـد أن ممدًا عبده ورسـوله بعثـه ال إل الناس كافـة،
وقال« :والذي نف سي بيده ل ي سمع ب أ حد من هذه ال مة يهودي
ول نصفران ثف يوت ول يؤمفن بالذي أرسفلت بفه إل كان مفن
أصحاب النار» أخرجه مسلم .قال السن البصري رحه ال :تصديق
ف فَالنّارُ
ف الْأَحْزَاب ِ
ف مِن َ
َنف يَكْفُرْ بِه ِ
ذلك فـ كتاب ال تعال :وَم ْ
ـب فمرض مَوْعِدُه فُ [هُود ]17 :وكان غلم يهودي يدم النـ
فأتاه النب يعوده فقعد عند رأسه فقال له« :أسلم» فنظر إل أبيه
و هو عنده فقال أ طع أ با القا سم ،فأ سلم فخرج ال نب و هو يقول:
ـه البخاري ()3/176 فن النار» أخرجـ فد ل الذي أنقذه مف
« المف
وأخرجه أبو داود (.)3095
ومر عمر بن الطاب رضي ال عنه بدير راهب فناداه :يا راهب.
فأشرف ،فج عل ع مر ين ظر إل يه ويب كي .فق يل له :يا أم ي الؤمن ي ما
يبكيـك مـن هذا؟ قال :ذكرت قول ال :وُجُوهٌف يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ *
عَامِلَةٌ نَاصفِبَةٌ * تَصفْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسفْقَى مِنفْ عَيْنفٍ آَنِيَةٍ *
54 موضوعات صالة للخطب والوعظ
لَيْ سَ لَهُ مْ طَعَا مٌ إِلّا مِ نْ ضَرِي عٍ * لَا يُ سْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِ نْ جُو عٍ
[الغاش ية ]7 -2 :فذاك الذي أبكا ن .الل هم صل و سلم على عبدك
ورسـولك ممـد الذي اسـتجاب له وللفائه أكثـر الديان طوعًـا
واختيارًا ،ل كرهًا واضطرارًا ،لاـ بيـ لمـ الدى ،وأنـه رسـول ال
حقًا .والسيف إنا جاء منفذًا للحجة ،مقومًا للمعاند ،وحدّا للجاحد.
أمـا بعـد فيـا عباد ال :إن ال تعال قـد نوع خلق آدم وبنيـه
إظهارًا لقدرتـه ،وأنـه يفعـل مـا يشاء فخلق آدم ل مـن ذكـر ول مـن
أنثى ،وخلق زوجه حواء من ذكر ل من أنثى ،وخلق عبده السيح من
أنثى ل من ذكر ،وخلق سائر النوع من ذكر وأنثى إِنّ مَثَلَ عِيسَى
عِنْدَ اللّ هِ كَمَثَلِ آَدَ مَ خَلَقَ هُ مِ نْ تُرَا بٍ ثُمّ قَالَ لَ هُ كُ نْ فَيَكُو نُ [آل
عِمرَان . )1 (]59 :واتقوا ال عباد إن أحسن الديث ...
() .هدا ية اليارى ،ال صواعق ص ( )1011 ،1010فتاوى ج( ،)17ص( ،283 ،267 1
معجزات النبياء
من أعظم الدلة على الالق ،وصفاته ،وصدق رسله،
واليوم الخر .والقرآن أعظمها
المـد ل الذي أرسـل رسـله ودلل على صـدقهم بالعجزات،
والجــج الباهرات ،والدلئل القاطعات .وأشهــد أن ل إله إل ال
وحده ل شر يك له نوّع طرق الدا ية رح ة م نه بعباده ولطفًا ،وم بة
م نه لقا مة ال جة وعذرًا ونذرًا .وأش هد أن ممدًا عبده ور سوله ميزه
بصـائص على جيـع النـبياء والرسـلي ،وجعـل له شرعـة ومنهاجًا
أفضـل شرعـة وأكمـل منهاج مـبي .اللهـم صـل وسـلم على عبدك
ورسولك ممد وعلى آله وأصحابه أجعي.
سفنُرِيهِمْ آَيَاتِن َا ف ِي
َ أمـا بعـد :فقـد قال ال تبارك وتعال:
الْآَفَا قِ وَفِي أَنْفُ سِهِمْ حَتّ ى يَتَبَيّ نَ لَهُ مْ أَنّ هُ الْحَقّ أَوَلَ مْ يَكْ فِ بِرَبّ كَ
أَنّ هُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فُصّلَت.]53 :
عباد ال آيات الرب هي دلئله وبراهي نه ال ت باـ يعر فه العباد،
وبا يعرفون أساءه وصفاته وأفعاله وتوحيده وأمره ونيه أخب سبحانه
أ نه يدل بآيا ته اللق ية (الفق ية) من الفتوحات وظهور ال سلم على
القاليـم وسـائر الديان( ( )1والنفسـية) مـا النسـان مركـب منـه وفيـه
وعل يه من الواد والخلط واليئات العجيبـة ،وكذلك ما هو مبول
() قلت :وهذا التفسي يبي خطأ من فسر «الفاق» بالنجوم والجرات وما إل ذلك .مع أنم 1
أيضًا ينكرون السموات ،ول يعرجون على ما فوقها .يثبتون النجوم والجرات فقط.
56 موضوعات صالة للخطب والوعظ
جاريًا .وكذلك الدائن الت قلعت من أصولا كما يقلع الشجر ث رفعت
ف الواء ،ث قل بت ب ن فيها فماتوا مو تة ر جل وا حد .ور جل دعا على
قو مه أن ل يدع ال من هم على الرض دَيّارًا ،فأُر سل الاءُ علي هم وأن بع
الاء من تت هم ح ت عل الاء فوق شوا هق البال علوًا عظيمًا ث ابتلع ته
الرض شيئًا فشيئًا حت عادت ياب سًا .ورجل دعا على قومه وهم أعظم
الناس أجسـامًا وأشهدهـم قوة ،فأرسـلت عليهـم بدعوتـه ريـح عاصـف
جعلت تمل هم ب ي ال سماء والرض ث تدق أعناق هم .و نبّ كان يأ مر
بع سكره فيق عد على ب ساط ثل ثة أميال ف ثل ثة أميال( )1فيأ مر الر يح
فترتفع به ب ي السماء والرض فتحمل الع سكر على متنها مسية شهر
مقبلة وم سية ش هر مدبرة ف يوم وا حد ،وأ نه أ مر ب سرير عظ يم لل كة
فشق الرض وصار بي يديه ف أسرع من رَدّ الطرف.
وكذلك إياء الر سول إل الق مر ف ال سماء ل ا سأله قو مه آ ية
فانشق فلقتي وهم يشاهدونما ،ث عاد والتئم ،وقدم السفار فأخبوا
برؤية ذلك عيانًا ،وحُمِلَ من مكة إل بيت القدس ث رفع حت جاوز
السموات السبع ث عاد إل فراشه ف ليلته .وقبض قبضة من تراب ث
رمى با ف وجوه عسكر ل يلتقي طرفاه فلم يبق منهم أحد إل ملئت
علينه.
وكذلك وضعه يده ف ماء ل يغمرها فتفجر الاء من بي أصابعه
ْيـ منـه عسـكر عظيـم جَرّار وملئوا
وصـار كأمثال العيون حتـ رَو َ
منه كل قربة ولك إناء معهم .وأن جاعة شبعت من بُرْمَةِ بقدر جسم
القطا .وأن جِذْعًا حن حني الناقة العشار إل ولدها .وأن الصا كان
() واليل ألف وستمائة وتسعة أمتار وأربعة وثلثي سنتًا (.)34/1609 1
موضوعات صالة للخطب والوعظ 59
الطبة الثانية
المـد ل رب العاليـ ،قيوم السـموات والرضيـ ،الوصـوف
بالكمال كله ،النه عن كل عيب ونقص ،وعن كل شبيه أو مثيل ف
كماله .وأش هد أن ل إله إل ال وحده ل شر يك له و فق من شاء من
عباده نعمـة منـه وفضل ،وخذل مـن أعرض عنـه .حكمـة وعدل.
وأشهـد أن ممدًا عبده ورسـوله الصـطفى ،الصـدق باليات التـ ل
تصـى ،صـلى ال عليـه وعلى آله وجيـع أصـحابه ،ومـن سـار على
نجهم واقتفى.
أ ما ب عد :فإن ال جل وعل نَوّع طرق الدا ية رح ة م نه بعباده
ولطفًا بمـ لتفاوت عقولمـ وأذهانمـ وبصـائرهم فمنهـم مـن يهتدي
بن فس ما جاء به الر سول ود عا إل يه من غ ي أن يَطْلُ بَ م نه برهانًا
خارجًا عـن ذلك كحال الكمّل مـن الصـحابة كالصـديق رضـي ال
ع نه ،ومن هم من يهتدي بعرف ته باله و ما ف طر عل يه من كمال
الخلق والوصاف والفعال ،وأن عادة ال أن ل يزي من قامت به
تلك الوصاف والفعال ،كما قالت أم الؤمني خدية رضي ال عنها
له :أب شر فوال لن يز يك ال أبدًا ،إ نك لت صل الر حم ،وت صدق
الديـث ،وتمـل الكـل ،وتقري الضيـف ،وتعيـ على نوائب القـ.
وهذه القامات ف اليان ع جز عن ها أك ثر اللق فاحتاجوا إل اليات
وخوارق العادات .وأضعــف الناس إيانًــا مــن كان إيانــه
صادرًا عن الظهر ورؤية غلبته للناس على صحة الرسالة ،وأضعف
من هؤلء إيانًا من إيا نه أيان العادة والر بأ والن شأ فإ نه ن شأ ب ي
موضوعات صالة للخطب والوعظ 61
() مدارج ج( ،)426 ،469 ،3/464التـبيان ص ( ،)145 ،144الصـواعق ( ،1196 1
آيات ال ف الرض
ممد بن إبراهيم -رحه ال :-أما القول بكروية الرض فهي كروية الشكل ،ول يناف كونا
«ب ساطا» و« سطحا» وأشباه ذلك .و«دوران الرض» قول با طل؛ فإ نه ل يكاد يقوم عل يه
دليل يسلمه أحد ،لكن أهل هذا الفن اتبعوا الفلسفة ف هذا ،وهي أمور ظنية ،حت هم ل
يزمون.
جرِيس َت ْ
ش ْم ُ
والقول بأن «الش مس واق فة» من أب طل البا طل ،ومناف لل ية الكري ة :وَال ّ
سَت َق ّر َلهَا [يس.]38 :
ِل ُم ْ
وغلط أيض ًا مـن يقول الراد تري حول نفسـها (فتاويـه ورسـائله) انرظ ج -13/107
.110
ـة والسـية :على جريان ـن باز كتاب «الدلة النقليــز بـ ـخ عبدالعزيـ
ـماحة الشيـولسـ
الشمس ،وسكون الرض ،وإمكان الصعود إل الكواكب» استقصى فيه الدلة ،ورد فيه على
العترض ( من مطبوعات الام عة ال سلمية 1395ه ـ) .ون قل ف يه عن الكا تب الشه ي
م مد فر يد وجدي ب عد ذكره اختلف الفلكي ي ف كتا به «ال سلم ف ع صر العلم» ج(
)2/141قوله« :ومن هنا ترى تأكيدهم أن الرض تدور ل معن له؛ لنه ل يوجد ما يثبته
64 موضوعات صالة للخطب والوعظ
بالتجربة» ونقل عنه أيضًا قوْله« :يرى من تضارب أفكار أكب علماء الرض -يعن الفلكيي
والطبيعيي التأخرين -إن دوران الرض غي حاصل على ما يعله من المور البديهية» إل أن
قال« :ولو كان العلمون ف أثناء تدريسهم للعلوم الطبيعية يسلكون مسلك العلماء ف القرار
بال هل لدوا إل تلميذ هم أ كب خد مة»؛ لن م بذا يعودون م على الدب النف سي فتن شأ
نفو سهم معتادة على التوا ضع أمام فخا مة الكون وجلل ته وال سجود أمام مبد عه وم صوره،
ولكن أكثرهم يدرسون لم العلوم الشكوك فيها والفروض الطبيعية الظنية بصفة حقائق ثابتة،
فيتذرع با أولئك التلميذ الغرار مت كبوا إل «اللاد ،ونفي الروح واللود» ول يدرون
أنم يتمسكون بالظنون ،وأن الظن ل يغن من الق شيئًا.اهـ .قال ساحة الشيخ عبدالعزيز:
«وما أحسن ما قاله هذا العلمة ف شأن الدرسي ،وأن الواجب عليهم أن يوضحوا لتلميذهم
حقائق المور على ما هي عليه ،ومدى علمهم با ،وأن يسلكوا مسلك العلماء ف العتراف
بالهل بكثي من المور حت يعتاد الطالب التوقف عما ل يعلم ،والتثبت ف المور ،والتمييز
بي العلومات القطعية والظنية» اهـ.
أقول :وما ذكره ممد فريد وجدي من أن هذه النظريات الشكوك فيها عندهم سببت اللاد
إل .هو كما قال؛ فقد فعلت ف العقائد أكثر ما فعلته كتب النطق والكلم .وكذلك قوله:
«ولكن أكثر العلمي يدرسون لم هذه العلوم الشكوك فيها بصفة حقائق ثابتة» هو كما قال
أيضًا ،حت ول يذكرون ما جاء عن ال ف القرآن من وصف السموات والرض -ولو كقول
آخر -فكأنه يراهم بذه الطريقة مدلسي على التلميذ ..فقد ذكر ال سبحانه خلقه للسموات
والرض والنجوم بل وآدم أب البشر واللئكة والن وصفاتا والواد الت خلقها ال منها والدة
الت خلقها ال فيها؛ بل والعرش والكرسي والنة والنار ،وأن ذلك صادر عن علم وحكمة،
وإرادة وقدرة؛ ل عن اتفاق و صدفة .وكذلك ل يذكرون ف نظريات م رب العالي وعظم ته
و صفاته ال ت و صف ب ا نف سه .وأ نه هو «الول» ق بل كل ش يء وأمره الذي افتر ضه على
عباده ،وأن ما سواه مدث كائن ب عد أن ل ي كن .فإهال م هذه الشياء العظي مة وتركيز هم
على تلك النظريات ما سبب اللاد الذي ذكره.
والقول بدوران الرض حل قة من سلسلة هذه النظريات .و«الل قة الثا ن» قولم« :إن الكرة
الرضية تكونت نتيجة تساقط ذرات دقيقة من الواد الصلبة ف تمع غي منتظم بيث أدى
تمع الكثي منها إل تكوين أجزاء يابسة مرتفعة ،بينما تعرضت الجزاء الت قل فيها تساقط
الكويكبات إل تكوين أحواض الحيطات ،ويرجع سبب تكوين الكويكبات إل حدوث تدد
موضوعات صالة للخطب والوعظ 65
انبعاجي ف سطح الشمس بسبب مرور نم آخر أكب بوارها ،ونتيجة انفجارات عديدة ف
سطح الشمس تولدت التفاعلت الذرية ،وظل تأثي النجم الخر حت أثر ف دوران الجزاء
النفصلة حول نفسها وحول الشمس إل .انظر ف «جغرافية القارات» ص( )69ط( )1417
نق ًل عن عبدالعزيز طريح شرف ف «الغرافيا الطبيعية» ص(.»)53 ،69 ،68
«اللق الثالثة» «نظرية الغاز الكون الول التفق عليها عندهم» .قالوا« :اتفق العلماء على
أ صول هذه النظر ية و هي تقول :ن شأ العال الادي من غاز كو ن أول كان شد يد التخل خل
و ساخنًا إل حد ّم ا وكان مالئًا للفضاء ومنتشرًا ف يه بانتظام ومؤلفًا من دقائق تكو نت من ها
أنواع الادة الثلثة» ث ذكر «نظرية السدم» أو الجرات.
(انظر معجزة القرآن ف وصف الكائنات ص )80وذكر عنهم نظريات مشابة.
قال صاحب النجد -وهو أعلم بلغة قومهُ « -س ُدمْ» الضباب ،أو الرقيق منه ،بقع ف الكرة
السـماوية ضعيفـة النور :منهـا مـا هـو تمـع غازات مضيئة ،ومنهـا يضـم العديـد مـن
خ َذ
ت ُمّت ِ
س ِه ْم َومَا ُكْن ُ
ض َولَا َخ ْل َق َأْن ُف ِ
ت وَاْلَأ ْر ِ
سمَاوَا ِ
الكواكب.اهـ .مَا َأ ْش َه ْدُت ُه ْم َخ ْل َق ال ّ
ضدًا [الكهف.]15 : ي َع ُ
ضّل َ
اْل ُم ِ
وذكر ف معجزة القرآن قولم« :فالرض تلف حول نفسها ف أربعة وعشرين ساعة بسرعة
ألف ميل ونصف اليل ف الساعة على طول ميطها ،وتري ف فلكها حول الشمس بسرعة
ثانية عشر ميل ونصف ميل ف الثانية».
أقول :الطائرات تطي ف كل اتاه على مدار الساعة ،فأيها الوافق لدورة الرض اليومية ،وأيها
الخالف لدورت ا ،و ما نتي جة التخالف ف ال سرعة بالميل إذا كا نت .وإن ق يل :الواء تا بع
للرض فإن كان بيث يسك من صعد إليه فلم يغادر أحد ول يقدم أحد.
وقولم :إن الرض تدور حول الشمس تسعمائة وأربعون مليون كيلو مترًا ،بسرعة 76/29
كيلو متر ف الثانية.
أقول :ليت صور أحد هم أ نه ف سيارة مكشو فة أو على جناح إحدى الطائرات و هي ت سي
بسرعة تسعة وعشرين كيلو متر ف الثانية ،كيف يكون حاله وتاسكه؟!
وماذا عليهم لو رسوا الرض ف الوضع الذي رسوا فيه الشمس «ف أطلس العلوم الطبيعية»
ص( )120ورسوا الشمس ف الواضع الت رسوا فيها الرض -إذا صحت هذه السافات.-
علمًا بأن النتفاع بالش مس وتغ ي ف صول ال سنة والرض ساكنة هو ،هو ،وأن معر فة تن قل
الشمس ف بروجها الثن عشر ،القمر ف منازله الثمانية والعشرين كافية ،ول فائدة تتوقف
66 موضوعات صالة للخطب والوعظ
شاله».
ومن آيات ا أن جعلها متلفة الجناس والصفات والنافع مع أن ا
ـا
ـهلة وهذه حزنـة تاورهـ ـقة :فهذه سـقطـع متجاورات متلصـ
وتلصـقها ،وهذه طيبـة تنبـت وتلصـقها أرض ل تنبـت ،وهذه تربـة
وتلصـقها رمال ،وهذه صـلبة ويلصـقها أرض رخوة ،وهذه سـوداء
ويلي ها أرض بيضاء ،وهذه ح صا كل ها وياور ها أرض ل يو جد في ها
حجـر ،وهذه تصـلح لنبات كذا وكذا وهذه ل تصـلح له بـل تصـلح
لغيه ،وهذه سـبخة مالةـ وهذه بضدهـا ،وهذه ليـس فيهـا جبـل ول
معلم وهذه مسـجرة بالبال ،وهذه ل تصـلح إل على الطـر وهذه ل
ينفع ها ال طر بل ل ت صلح إل على سقي النار فيم طر ال سبحانه
الاء على الرض البعيدة ويسوق الاء إليها على وجه الرض.
ول يسـتغن عـن صـاحبه وفـ ذلك أظهـر دللة على أناـ ملوقـة
مصنوعة ،مربوبة ،مدبرة ،حادثة بعد عدمها ،فقي إل موجد غن عنها
مؤثر فيها غي متأثر ،قدي غي مدث ،تنقاد الخلوقات كلها لقدرته،
وت يب دا عي مشيئته ،وتل ب داعي وحدانيته وربوبيته ،وتشهد بعل مه
وحكم ته ،وتد عو عباده إل ذكره وشكره وطاع ته وعبودي ته ومب ته،
وتذرهم من بأسه ونقمته ،وتثهم على البادرة إل رضوانه وجنته.
فإذا كان يوم الوقـت العلوم وقـد ثقلهـا حلهـا وحان وقـت
الولدة ودنو الخاض أوحى إليها ربا وفاطرها أن تضع حلها وترج
أثقال ا ،فتخرج الناس من بطن ها إل ظهر ها ،وتقول :يا رب :هذا ما
اسـتودعتن ،وترج كنوزهـا بإذنـه تعال ،ثـ تدث أخبارهـا وتشهـد
على بنيهـا باـ عملوا على ظهرهـا مـن خيـ وشـر .أعوذ بال مـن
الشيطان الرج يم ب سم ال الرحنـ الرح يم إِذَا زُلْزِلَ تِ الْأَرْ ضُ
[الزّلزَلة ... ]1 :إل آخر السورة.
الطبة الثانية
فين بت ف الروج والوهاد والر با ضروب النبات والفوا كه والدو ية ال ت ل يكون مثل ها ف
السهل والرمل ،فلول البال لسقط الثلج على وجه الرض فانل جلة وساح دفعة فعدم وقت
الا جة إل يه ،وكا نت ف انلله جل ًة ال سيول ال ت تلك ما مرت عل يه في ضر بالناس ضررًا ل
يكن تلفيه ول دفعهم لذيته.
72 موضوعات صالة للخطب والوعظ
هذا مـع أناـ تسـبح بمده ،وتشـع له ،وتتشقـق وتبـط مـن
خشيته ،وهي الت خافت من ربا وفاطرها وخالقها على شدتا وعظم
خلقها من المانة الت عرضها عليها وأشفقت من حلها.
هذا وإناـ لتعلم أن لاـ موعدًا ويومًا تنسـف فيـه نسـفًا وتصـي
كالع هن من هوله وعظ مه ،ف هي مشفقة من هول ذلك الوعد منتظرة
له ،وكانت أم الدرداء رضي ال عنها إذا سافرت فصعدت على جبل
تقول لنـ مع ها :أ سعت البال ما وعد ها رباـ؟ فيقال :ما أ سعها؟
َسففًا * فَيَذَرُهَا فتقول :وَيَس ْفأَلُونَكَ عَن ِف الْجِبَالِ فَقُلْ يَن ِ
ْسففُهَا رَبّيف ن ْ
ففْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَفا عِوَجًفا وَلَا أَمْتًفا ( [ )1طـه-105 : قَاعًفا ص َ
.]107
فهذا حال البال و هي الجارة ال صلبة ،وهذه رقت ها وخشيت ها
وتدكدك ها من جلل رب ا وعظم ته ،و قد أ خب عن ها فاطر ها وبارئ ها
أنه لو أنزل عليها كلمه لشعت وتصدعت من خشية ال.
فيا عجبًا من مضغة ل م أقسى من هذه البال تسمع آيات ال
تتلى علي ها ويذ كر الرب تعال فل تل ي ول ت شع ول تن يب ،فل يس
بستنكر على ال ول يالف حكمته أن يلق لا نارًا تذيبها إذا ل
تلن بكل مه وذكره وزواجره ومواع ظه ،ف من ل يلن ال ف هذه الدار
قلبه ول ينب إليه ول يذبه ب به والبكاء من خشيته فليتمتع قليلً فإن
أمامه اللي العظم ،وسيد إل عال الغيب والشهادة فيى ويعلم .إن
أحسن.
() مفتاح دار السعادة ص( )218 ،219 ،220 ،221 ،217 ،199التبيان ص (183 1
ـل الظلمات ـموات والرض وجعـ ـد ل الذي خلق السـ المـ
والنور ،يعلم ما يلج ف الرض و ما يرج من ها و ما ينل من ال سماء
و ما يعرج في ها و هو العز يز الغفور .وأش هد أن ل إله إل ال وحده ل
شريك له شهادة أشهد با مع الشاهدين ،وأدخرها عند ال عدة ليوم
الديـن .وأشهـد أن ممدًا عبده ورسـوله الصـطفى ،الصـادق الذي ل
ينطق عن الوى .صلى ال عليه وعلى آله وأصحابه صلة دائمة بدوام
السموات والرضي.
أ ما ب عد :ف يا عباد ال :قد أث ن ال ف كتا به على التفكر ين ف
فخلق السـموات والرض فقال سـبحانه وتعال :إِنّف فِفي خَلْق ِ
ال سّ مَاوَاتِ وَالْأَرْ ضِ وَاخْتِلَا فِ اللّ يْلِ وَالنّ هَارِ لَآَيَا تٍ لِأُولِي الْأَلْبَا بِ
* الّ ذِي نَ يَذْكُرُو نَ اللّ هَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِ مْ وَيَتَفَكّ رُو نَ فِي
خَلْ قِ ال سّ مَاوَاتِ وَالْأَرْ ضِ رَبّ نَا مَا خَلَقْ تَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا
عَذَا بَ النّارِ * رَبّ نَا إِنّ كَ مَ نْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَ هُ وَمَا لِلظّالِمِيَ
مِ نْ أَنْ صَارٍ * رَبّ نَا إِنّ نَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيَا نِ أَ نْ آَمِنُوا بِرَبّ كُ مْ
فَآَمَنّا رَبّ نَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفّ رْ عَنّا سَيّ ئَاتِنَا وَتَوَفّ نَا مَ عَ الْأَبْرَارِ *
رَبّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُ سُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْ مَ الْقِيَامَةِ إِنّ كَ لَا
تُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران.]194 -190 :
موضوعات صالة للخطب والوعظ 75
ـا على تام ـا وعدم الفطور والشقوق فيهــتوائها والتئام أجزائهـ
واسـ
حكمتـه وقدرتـه .وكذلك مـا فيهـا مـن الشمـس والقمـر والكواكـب
والعجائب ال ت تتقاصر عقول الب شر عن قليلها ،ث هي مع ذلك مقر
ملئكتـه الرب ،وحـل دار جزائه؛ ومهبـط ملئكتـه ووحيـه ،وإليهـا
تصعد الرواح وأعمالا وكلماتا الطيبة.
بدأ سـبحانه خلقهـا مـن بار الاء التصـاعد منـه حيـ خلقـت
الرض و هو الدخان ،قال تعال( :)1ثُمّ ا سْتَوَى إِلَى ال سّ مَاءِ وَهِ يَ
دُخَا نٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْ ضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِيَ
[فُ صّلَت .]11 :فتأمل خلق السماء وارجع البصر فيها كرة بعد كرة
كيف تراها من أعظم اليات ف ارتفاعها وسعتها ،وقرارها بيث ل
تصعد علوًا كالنار ،ول ت بط نازلة كالجسام الثقيلة ،ول عمد تتها
تقلهـا أو علقـة ترفعهـا؛ بـل هـي مسـوكة بقدرة ال الذي يسـك
السموات والرض أن تزول.
ثـ تأمـل مـا وضعـت عليـه مـن هذا اللون الذي هـو أحسـن
ك
ج َعلُو َن َل ُه َأْندَادًا َذِل َ ض فِي َي ْو َمْي ِن َوَت ْ () قال سبحانهُ :ق ْل َأِئّن ُك ْم َلَت ْك ُفرُو َن بِاّلذِي َخَل َق اْلَأ ْر َ 1
ي * َو َج َع َل فِيهَا َروَا ِس َي ِم ْن َف ْوِقهَا َوبَا َر َك فِيهَا َوَق ّد َر فِيهَا َأ ْقوَاَتهَا فِي َأ ْرَب َع ِة َأيّا ٍم َسوَا ًء ب اْلعَاَل ِم َ
َر ّ
ي [فصلت ]10 ،9 :ففصل هنا ما يتص بالرض ما اختص بالسماء؛ فذكر أنه لِل سّاِئِل َ
خلق الرض أو ًل لن ا كالساس ،والصل أن يبدأ بالساس ث بعده بال سقف ،خلق الرض
ق بل خلق السماء بالنص ،ودحو ها بعد خلق السماء .فخلق الرض وما فيها ف أربعة أيام.
وخلق السـموات فـ يوميـ .ودحيهـا أن أخرج منهـا الاء والرعـى ،وخلق البال والرمال
ُصـَت ]12 :أي سفمَا ٍء َأ ْمرَهَا [ف ّل والماد والكام على هذه الرض َوَأوْحَى فِي ُك ّل َ
ورتب مقرًا ف كل ساء ما تتاج إليه من اللئكة وما فيها من الشياء الت ل يعلمها إل ال
صلَت ]12 :وهي الكواكب النية الشرقة على أهل ح [ُف ّ سمَا َء ال ّدْنيَا ِب َم صَابِي َ
َو َزّينّا ال ّ
الرض .اهـ ابن كثي.
موضوعات صالة للخطب والوعظ 77
() ح ت أن من أ صابه ش يء أ ضر بب صره يؤ مر بإدمان الن ظر إل الضرة ،و ما قرب من ها إل 1
السواد.
قلت :فالسموات الت وصفها ال سبحانه ف القرآن بأنه بناها وأنا سقف مفوظ إل آخر ما
ذكر عنها ف القرآن والسنة هي الت نراها بأعيننا خضراء؛ ليست هي النجوم والجرات إل.
ج [ق ]6 :فهي ف َبَنْينَاهَا َو َزّينّاهَا َومَا َلهَا ِم ْن ُفرُو ٍ
سمَا ِء َف ْوَق ُه ْم َكْي َ
َأَفَل ْم َيْن ُظرُوا ِإلَى ال ّ
مبنية ،والنجوم زينة لا -العطف يقتضي الغايرة -ولو كانت هي هذه النجوم لكانت كلها
فروج.
78 موضوعات صالة للخطب والوعظ
اللون ،والتوسط ف قبة الفلك ،والتطرف ف جوانبها ،وبي ذلك .ومنها ما يقطع الفلك ف
شهر ،ومنها ما يقطعه ف عام ،ومنها ما يقطعه ف ثلثي عامًا ،ومنها ما يقطعه ف أضعاف
ذلك .ومنهـا مـا ل يزال ظاهرًا أبدًا ،ومنهـا أبدي الفاء ،ومنهـا مـا له حالتان حالة ظهور
واختفاء ،ومنها ما له حركتان حركة عرضية من الشرق إل الغرب وحركة ذاتية من الغرب
إل الشرق ،فحالا يأخذ كوكب ف الغروب فإذا كوكب آخر ف مقابلته ،وكوكب آخر قد
طلع و هو آ خذ ف الرتفاع ،وكو كب آ خر ف الر بع الشر قي ،وكو كب آ خر ف و سط
ال سماء ،وكو كب آ خر قد مال عن الو سط وآ خر قد د نا من الغروب وكأ نه رقي به ينت ظر
بطلوعه غيبته.
() فأذا تأ مل الب صي الق مر -مثلً -وافتقاره إل م ل يقوم به ،و سيه دائمًا ل يف تر ،م سي، 2
مسـخر ،مدبر ،وهبوطـه تارة ،وارتفاعـه تارة ،وأفوله تارة ،وظهوره تارة ،وذاهـب نوره شيئًا
فشيئًا ،ث عوده إل يه كذلك ،وسلب ضوئه جلة واحدة حت يعود قطعة مظلمة بالكسوف-
علم قطعًا أنه خلق مربوب -مسخر تت أمر خالق قاهر مسخر له كما يشاء ،وعلم أن الرب
سبحانه ل يلق هذا باطلً ،وأن هذه الركة فيه ل بد أن تنتهي على ضده ،وأن هذا السلطان
ل بد أن ينتهي إل العزل ،وسيجمع بينهما جامع التفرقات بعد أن ل يكونا متمعي؛ ويذهب
بما حيث شاء ،ويري الشركي من عبدتما حال آلتهم الت عبدوها من دونه ،كما يري
عباد الكوا كب انتثار ها ،وعباد ال سماء انفاطار ها ،وعباد الش مس تكوير ها ،وعباد ال صنام
موضوعات صالة للخطب والوعظ 81
إهانت ها وإلقاء ها ف النار أح قر ش يء وأذله وأ صغره ،ك ما أرى عباد الع جل ف الدن يا حاله
ومبارد عباده تسحقه وتحقه ،والريح تزقه وتذروه وتنسقه ف اليم ،وكما أرى عباد الصنام
ف الدن يا صورها مك سرة مردلة ملقاة بالمك نة القذرة ،ومعاول الوحد ين قد هش مت في ها
تلك الوجوه ،وك سرت تلك الرءوس ،وقط عت تلك اليدي والر جل ال ت كا نت ل يو صل
إليها بغي التقبيل والستلم .وهذه سنة ال الت ل تتبدل وعادته الت ل تتحول أنه يرى عابده
حال معبوده ف الدنيا والخرة ،ويريه تبيه منه ومعاداته أحوج ما يكون إليه .ولو شاء تعال
لبقى القمر على حالة واحدة ل يتغي ،وجعل التغيي ف الشمس ،ولو شاء لغيها جيعًا ،ولو
شاء لبقاه ا على حالة واحدة ،ول كن يري عباده آيا ته ف أنواع ت صاريفها ليدل م على أ نه
الذي ل إله إل هو اللك الق البي والفعال لا يريد.
قلت :وم ا قرأت ف ك تب ا بن تيم ية -رح ه ال -وأظ نه ن قض تأ سيس الهم ية قوله :ثلثة
أشياء ل نظي لا ف الخلوقات :الروح ،والشمس ،والقمر .يعن فيعتب با ،ول الثل العلى.
82 موضوعات صالة للخطب والوعظ
الطبة الثانية
المد ل نمده ونستعينه ...
أ ما ب عد :ف قد قال ال جل وعل :أَوَلَ مْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُو تِ
السّ مَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّ هُ مِنْ شَيْءٍ [العرَاف.]185 :
عباد ال :النظر ف السموات والرض والشمس والقمر والنجوم
وأمثال ا نوعان :ن ظر إلي ها بالب صر الظا هر -فيى مثلً زر قة ال سماء
ونوم ها وعلو ها و سعتها -وهذا ن ظر يشارك الن سان ف يه غيه من
اليوانات ،وليس هو القصود بالمر .الثان :أن يتجاوز هذا إل النظر
بالبصية الباطنة فتفتح له أبواب السماء فيجول ف أقطارها وملكوت ا
وب ي ملئكت ها ،ث يف تح له باب ب عد باب ح ت ينت هي به سي القلب
إل عرش الرحنـ فينظـر سـعته وعظمتـه وجلله ومده ورفعتـه ،ويرى
السـموات السـبع والرضيـ السـبع بالنسـبة إليـه كحلقـة ملقاة بأرض
فلة( )1ويرى اللئ كة حاف ي من حوله لمـ ز جل بالتسـبيح والتحم يد
والتقد يس والت كبي ،وال مر ينل من فو قه بتدبر المالك والنود ال ت ل
يعلمها إل ربا ومليكها ينل المر بإحياء قوم وإماتة آخرين ،وإعزاز
() وهذه المخلوقات بعضها فوق بعض ،وليس بعضها محتاجًا لبعض في حمله 1
له .وعلو الرض وجهها من كل جانب ،وأسفلها ما تحت وجهها ،والماء يحيط
بأكثرهككا ،والهواء يحيككط بالماء ،والسككماء فوق الرض محيطككة بهككا مككن كككل
جانككب ،والثانيككة كذلك ،وكذا الباقككي ،والكرسككي بيككن يدي العرش ،والسككموات
السبع والرضون السبع في الكرسي كحلقة ملقاة في أرض فلة ،والكرسي في
العرش كتلك الحلقكة فكي الفلة ،يعنكي بالنسكبة إليكه فكي العظكم ،وكذلك السكموات
والرض بالنسككبة إلى الكرسككي .وتحككت العرش بحككر ،والعرش فوق جميككع
المخلوقات مثكل القبكة ،وهكو أوسكعها وأجمعهكا لصكفات الحسكن وبهاء المنظكر
وعلو القدر والرتبككة والذات ،ول يقدر قدر عظمتككه إل ال .ومجده مسككتفاد مككن
مجد خالقه ومبدعه ،وهو سقف جنة عدن التي هي أعل الجنة ،وله قوائم ،وال
فوق العرش.
موضوعات صالة للخطب والوعظ 83
فـــــــــــــــــــــــــ القطار،
وبلغ دينه القيم ما بلغ الليل والنهار .فجزاه ال عن أمته أفضل الزاء،
وصلى عليه صلة تبلغ أقطار الرض والسماء ،وسلم تسليمًا كثيًا.
أ ما ب عد :ف يا عباد ال «الرياح» من أع ظم آيات ال الدالة على
عظمته وربوبيته وقدرته .وفيها من العب :هبوب ا ،وسكونا ،ولينها،
وشدتاـ ،واختلف طبائعهـا ،وصـفاتا ،ومهاباـ ،وتصـريفها ،وتنوع
منافع ها ،وشدة الا جة إلي ها؛ ولذا أق سم ال سبحانه ب ا ف قوله
ـر،ـي الرياح :تذروا الطـوَالذّارِيَاتفِ ذَرْوًا [الذّاريَات ]1 :وهـ
وتذروا التراب ،وتذروا النبات إذا ت شم ,ث ب ا فوق ها و هو ال سحاب
فَالْحَامِلَا تِ وِقْرًا [الذّاريَات ] 2 :أي ثقلً من الاء ي سوقها ال
سبحانه على متون الرياح ،فالقسم با دليل على أنا من أعظم آياته.
هذا «الواء» اللطيـف الحبوس بيـ السـماء والرض يدرك
ج سمه ب س الل مس ع ند هبو به ول يرى شخ صه ،يري ب ي ال سماء
والرض ،والط ي مل قة ف يه سابة بأجنحت ها ف أموا جه ك ما ت سبح
حيوانات البحر ف الاء ،وتضطرب جوانبه وأمواجه عند هيجانه كما
تضطرب أمواج البحـر ,فإذا شاء ال سـبحانه حركـه بركـة الرحةـ
فجعله رخاء ،ورح ةً ،وبشرى ب ي يدي رح ته ،ولقحًا لل سحاب( .)1
وإن شاء حركـه بركـة عذاب فجعله عقيمًا ،وأودعـه عذابًا أليمًا،
وجعله نق مة على من شاء من عباده ،فجعله صرصرًا ،ون سًا وعاتيًا
ومفسدًا لا ير به ومسببًا للفيضان الدمر.
() وتسكككككمى رياح الرحمكككككة المبشرات والناشرات والذاريات والمرسكككككلت 1
والرخاء واللواقكح .ورياح العذاب العاصكف والقاصكف وهمكا فكي البحكر والعقيكم
والصرصر وهما في البر.
86 موضوعات صالة للخطب والوعظ
وهـي فـ قوتاـ أشـد مـن الديـد والنار والاء ،ومـع ذلك فهـي
ألطف شيء وأقبل الخلوقات لكل كيفية سريعة التأثر والتأثي لطيفة
السارق بي السماء والرض.
تأمـل هذا الواء ومـا فيـه مـن الصـال؛ فإنـه حياة هذه البدان،
والمسك لا من داخل با تستنشق منه ،ومن خارج با تِبَاشَرُ به من
رَوْحِه ،فتتغذى به ظاهرًا وباطنًا.
فحياة مـا على الرض مـن نبات وحيوان بالرياح؛ فإنـه لول
تسخي ال لا لعباده لذوى النبات ،ومات اليوان ،وفسدت الطاعم،
وأنتـ العال وفسـد .فسـبحان مـن جعـل هبوب الرياح تأتـ بروحـه
ورحته ولطفه ونعمته ،كما قال النب « :الرياح من روح ال تأت
بالرحة».
الرياح تلقـح الشجـر والنبات ،ولواهـا لكانـت عقيمًا ،وكذلك
الرياح تسي السفن ولولها لوقفت على ظهر البحر .ومن منافعها أنا
تبد الاء ،وتضرم النار ال ت يراد إضرام ها ،وت فف الشياء ال ت يتاج
إل جفافها .وهو الامل لذه الروائح على اختلفها ينقلها من موضع
إل مو ضع ،فيأ ت الع بد الرائ حة من ح يث تبـ الر يح .و هو أيضًا
الامل للحر والبد اللذين بما صلح اليوان والنبات.
وتأملوا الك مة البال غة ف كون الر يح ف الب حر تأ ت من و جه
وا حد ل يعارض ها ش يء؛ فإن ال سفينة ل ت سي إل بر يح واحدة من
وجه واحد سيها ،فإذا اختلف عليها الرياح وتصادمت وتقابلت فهو
سبب اللك ،فالقصود ب ا ف البحر غي القصود ب ا ف الب؛ ف الب
ـ،
ـورتا وحدتاـ ـر سـ ـا وتكســل لا ـ ريًـا أخرى تقابلهـ جعـ
موضوعات صالة للخطب والوعظ 87
فيب قى لين ها ورحت ها ،فرياح الرح ة متعددة .وأ ما ر يح العذاب فإ نه
ريح واحدة ترسل من وجه واحد لهلك ما ترسل بإهلكه فل تقوم
لا ريح أخرى تقابلها وتكسر سورتا وتدفع حدتا.
وج عل سبحانه الر يح لل سفن بقدر لو زاد علي ها لغرق ها ،ولو
نقص عنه لعاقها.
والرياح ت مل ال صوت ع ند ا صطكاك الجرام وتؤد يه إل م سامع
الناس فينتفعون بـه فـ حوائجهـم ومعاملتمـ بالليـل والنهار .كالبيـد
حدُ ثُ الركات العظي مة من والر سول الذي من شأ نه ح ل الخبار .وتَ ْ
حركاتم فلو كان أثر هذه الركات والصوات يبقى ف الواء كما يبقى
الكتاب والقرطاس لمتل العال م نه ،ولع ظم الضرر به ،واشتدت مؤن ته،
واحتاج الناس إل موه من الواء وال ستبدال به أع ظم من حاجت هم إل
استبدال الكتاب الملوء كتابة فاقتضت حكمة العزيز الكيم أن جعل هذا
الواء قرطا سًا خفيفًا يمل الكلم بقدر ما ُيبَِلّ ُغ الاجة ث يحى بإذن ربه
فيعود جديدًا نقيًا ل شيء فيه فيحمل ما حل كل وقت.
فسـل الرياح مـن أنشأهـا بقدرتـه ،و صرفها بكمتـه ،وسـخرها
بشيئ ته ،وأر سلها بشرى ب ي يدي رح ته .جعل ها سببًا لتمام نعم ته،
وسلطانًا على من شاء بعقوبته ،ومن جعلها رُخَاءً ،وذارية ،ولقحة،
ومثية ،ومؤلفـة ،ومغذيـة لبدان اليوان والشجـر والنبات .وجعلهـا
قاصفًا ،وعاصفًا ومهلكة ،وعاتية ،إل غي ذلك من صفاتا .فهل ذلك
لاـ مـن نفسـها وذاتاـ ،أم بتدبيـ مدبر شهدت الوجودات بربوبيتـه،
وأقرت الصـنوعات بوحدانيتـه ،بيده النفـع والضـر ،وله اللق والمـر
تبارك ال رب العالي.
88 موضوعات صالة للخطب والوعظ
() التكككككككبيان ص ( ،)175 -173مفتاح (،218 ،224 – 200 ،216 ،205 1
.)282 ،206
90 موضوعات صالة للخطب والوعظ
فال سبحانه ينشئ الاء من السحاب إنشاء :تارة بقلب الواء ما
فيلقح به السحاب ،وتارة يمله الواء من البحر فيلقح به السحاب.
ولذا تد البلد القريبة من البحر كثية المطار وإذا بعدت من البحر
قل مطرها.
ث تأملوا الكمة البالغة ف نزول الطر على الرض من علو ليعم
ب سقيه وهاد ها وتلول ا وظراب ا وآكام ها ومنخفض ها ومرتفع ها ،ولو
كان رباـ يسـقيها مـن ناحيـة مـن نواحيهـا لاـ أتـى الاء على الناحيـة
الرتف عة إل إذا اجت مع ف ال سفلى وك ثر و ف ذلك ف ساد ،فاقت ضت
حكم ته أن سقاها من فوق ها ،ث أنزله إل الرض بغا ية من الل طف
والك مة ال ت ل اقتراح لم يع عقول الكماء فوق ها ،فيش ال سحاب
الاء على الرض رش ًا ،ويرسـله قطرات مفصـلة ل تتلط منـه قطرة
بأخرى ،ول يتقدم متأخرهـا ،ول يتأخـر متقدمهـا ،ول تدرك القطرة
صاحبتها فتمتزج با ،بل تنل كل واحدة ف الطريق الذي رسم لا ل
تعدل ع نه ح ت ت صيب الرض قطرة قطرة ،قد عي نت كل قطرة من ها
لزء من الرض ل تتعداه إل غيه .فلو اجتمع اللق كلهم أن يلقوا
منها قطرة واحدة أو ي صوا عدد القطر ف ل ظة واحدة لعجزوا عنه.
أنزله ومعه رحته إل الرض.
ثـ تأمـل الكمـة البالغـة فـ إنزاله بقدر الاجـة ،حتـ إذا مـا
أخذت الرض حاجت ها م نه وكان تتاب عه علي ها ب عد ذلك يضر ها أقلع
عنها وأعقبه بالصحو ،فلو توالت المطار لهلكت ما ف الرض ،ولو
زادت على الاجــة أفســدت البوب والثمار وعفنــت الزرع
والضراوات وأرخـت البدان وخثرت الواء فحدثـت ضروب مـن
موضوعات صالة للخطب والوعظ 93
ينالا البصر.
ث انظر إل تكوين حل الشجرة ونقلته من حال إل حال كتنقل
أحوال الني الغيب عن البصار ترى العجب العجاب.
فتبارك ال رب العالي ،وأحسن الالقي .بينا تراها حطبًا قائمًا
عاريًا ل كسـوة عليهـا إذ كسـاها رباـ وخالقهـا مـن الزهـر أحسـن
ك سوة ،ث سلبها تلك الك سوة وك ساها من الورق ك سوة هي أث بت
من الول ،ث أطلع في ها حل ها ضعيفًا ضئيلً ب عد أن أخرج ورق ها
صـيانة وثوب ًا لتلك الثمرة الضعيفـة لتسـتجن بـه مـن الرـ والبد
والفات ،ثـ سـاق إل تلك الثمار رزقهـا وغذاهـا فـ تلك العروق
والجاري فتغذت به كما يتغذى الطفل بلب أمه ،ث رباها وناها شيئًا
فشيئًا حتـ اسـتوت وكملت وتناهـى إدراكهـا ،فأخرج ذلك النيـ
اللذ يذ الل ي من تلك الط بة ال صماء .هذا و كم ل من آ ية في ما ي قع
الس عليه ويبصره العباد وما ل يبصرونه .تفن العمار دون الحاطة
ب ا وبم يع تفا صيلها :أَوَلَ مْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْ ضِ كَ مْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِ نْ
كُلّ زَوْ جٍ كَرِيٍ * إِنّ فِي ذَلِ كَ لَآَيَةً وَمَا كَا نَ أَكْثَرُهُ مْ مُؤْمِنِيَ
[الشعراء ]8 ،7 :فاعتبوا يا أول البصار ،واتقوا ال .أعوذ بال من
الشيطان الرجيم هُوَ الّ ذِي أَنْزَلَ مِ نَ ال سّ مَاءِ مَاءً لَكُ مْ مِنْ هُ شَرَا بٌ
وَمِنْ هُ شَجَرٌ فِي هِ تُ سِيمُونَ * يُنْبِ تُ لَكُ مْ بِ هِ الزّ رْ عَ وَالزّ يْتُو نَ وَالنّ خِيلَ
وَالْأَعْنَا بَ وَمِ نْ كُلّ الثّ مَرَا تِ إِنّ فِي ذَلِ كَ لَآَيَةً لِقَوْ مٍ يَتَفَكّ رُو نَ
[النحل ]11 ،10 :بارك ال ل ولكم ف القرآن العظيم.
موضوعات صالة للخطب والوعظ 95
الطبة الثانية
المد ل ...
السفمَاءِ
ِنف ّ أمـا بعـد :فقـد قال ال تعال :وَهُوَ الّ ذِي أَنْزَلَ م َ
مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِ هِ نَبَا تَ كُلّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْ هُ خَضِرًا نُخْرِ جُ مِنْ هُ
ِنف
ّاتف م ْ َانف دَانِيَةٌ وَجَن ٍِنف طَلْعِهَا قِنْو ٌ ِنف النّ خْلِ م ْحَبّاف مُتَرَاكِبًا وَم َ
أَعْنَا بٍ وَالزّ يْتُو نَ وَالرّ مّا نَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِ هٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِ هِ
إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النعَام.]99:
أمـر سـبحانه بالنظـر إليـه وقـت خروجـه وإثاره ،ووقـت نضجـه
وإدراكه؛ لن ف خروجه من بي الطب والورق آية باهرة وقدرة بالغة،
ث من خرو جه من حد العفو صة واليبو سة والرارة والمو ضة إل ذلك
اللون الشرق الناصع والطعم اللو اللذيذ الشهي ليات لقوم يؤمنون .قال
بعـض السـلف :حـق على الناس أن يرجوا وقـت إدراك الثمار وينعهـا
ِهف [النعَام:
ِهف ِإذَا َأثْ َم َر وَيَ ْنع ِ
فينظروا إليهـا ثـ تل :انْظُرُوا ِإلَى ثَ َمر ِ
.]99
وتأملوا حك مة ال تعال ف ح بس الغ يث عن عباده وابتلئ هم
بالق حط إذا منعوا الزكاة وحرموا ال ساكي كيف جوزوا على منع ما
للمسـاكي قِبَلَه ُم مـن القوت بنـع ال ماء القوت والرزق وحبسـه
عنهـم .فقال لمـ بلسـان الال :منعتـم القـ فمنعتـم الغيـث ،فهل
استنلتموه ببذل ما ل قِبَلَكُم .وجاء ف الديث « :ما منع قوم زكاة
أموالم إل منعوا القطر من السماء»( . )1إن أحسن الديث...
() مفتاح ج ( ،)1ص( )253 ،206 ،205 ،217 ،224 ،223 ،202ومككككن 1
الصواعق ص(.)1110
96 موضوعات صالة للخطب والوعظ
ذكـر آياتـه ويبديهـا ،ويأمـر عباده بالنظـر إليهـا مرة بعـد أخرى ،قال
ف [يُونـس: فمَاوَاتِ وَالْأَرْض ِ
تعال :قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِفي الس ّ
.]101
عباد ال مـن آيات ال وعجائب مصـنوعاته «البحار» الكتنفـة
لقطار الرض ،ح ت إن الكشوف من الرض والبال والدن بالن سبة
إل الاء كجزيرة صغية ف ب ر عظ يم ،وبق ية الرض مغمورة بالاء،
ـهُ الاء
ولول إمسـاك الرب تبارك وتعال له بقدرتـه ومشيئتـه وحَبْس ُ
لطفـح على الرض وعلهـا كلهـا .هذا طبـع الاء .ولذا حار عقلء
ال طبيعيي ف سبب بروز هذا الزء من الرض مع اقتضاء طبي عة الاء
للعلو عليه وإن ل يغمره ،ول يدوا ما ييلون عليه ذلك إل العتراف
بالعنا ية الزل ية ،والك مة الليـة ،ال ت اقت ضت ذلك ليع يش اليوان
الر ضي ف الرض .و ف م سند المام أح د ،عن ال نب أ نه قال:
« ما من يوم إل والب حر ي ستأذن ر به أن يغرق ب ن آدم» وهذا أ حد
القوال ف قوله :وَالْبَحْرِ الْمَ سْجُورِ [الطّور ] 6 :وق يل ف
«ال سجور» :إنه الوقد ،وهذا هو العروف ف اللغة ،ويدل عليه قوله
ـنـر ]6 :قال علي وابـ تعال :وَإِذَا الْبِحَارُ س فُجّ رَتْ [التّكويـ
عباس :أوقدت ،فصـارت نارًا .ومـن قال :يبسـت وذهـب ماؤهـا فل
يناقض كونا نارًا موقدة .وكذلك من قال :ملئت .فإنا تل نارًا ،فإن
البحر مبوس بقدرة ال ،وملوء ماء ،ويذهب ماؤه يوم القيامة ،ويصي
نارًا( .)1
() وهذه اللفظككة تدل على ذلك كله فكككل مككن المفسككرين أخككذ معنككى مككن هذه 1
وقال تعال :وَهُوَ الّ ذِي سَخّ رَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيّا
وَتَ سْتَخْرِجُوا مِنْ هُ حِلْيَةً تَلْبَ سُونَهَا وَتَرَى الْفُلْ كَ مَوَاخِرَ فِي هِ وَلِتَبْتَغُوا
مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلّ كُمْ تَشْكُرُونَ [النّحل.]14 :
فمـا أعظمهـا مـن آيـة ومـا أبينهـا مـن دللة؛ ولذا يكرر ال
سبحانه ذكرها ف كتابه كثيًا.
وعجائب البحـر وآياتـه أعظـم وأكثـر مـن أن يصـيها إل ال
سبحانه .وقال تعال :إِنّ ا لَمّ ا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُ مْ فِي الْجَارِيَةِ *
لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ [الاقة.]12 :
ومن آياته سبحانه ف الرض خلق اليوان على اختلف صفاته
وأجناسـه ،وأشكاله ،ومنافعـه ،وألوانـه ،وعجائبـه الودعـة فيـه فمنـه
الا شي على بط نه ،وم نه الا شي على رجل ي ،وم نه الا شي على أر بع.
وم نه ما ج عل سلحه ف رجل يه -و هو ذو الخالب -وم نه ما ج عل
سلحه الناق ي كالن سر والر خم والغراب ،وم نه ما سلحه ال سنان،
ومنه ما سلحه الصياصي وهي القرون يدافع ب ا عن نفسه من يروم
أخذه ،وم نه ما أُع طي قوة يد فع ب ا عن نف سه فلم ي تج إل سلح
كالسد ،ومنه ما سلحه ف ذرقه وهو نوع من الطي إذا دنا منه من
يريـد أخذه ذرق عليـه فأهلكـه ،ومنـه مـا تشبـه أعضاؤه جيـع أعضاء
اليوان وهـو «الزرافـة» فرأسـها رأس فرس ،وعنقهـا عنـق بعيـ،
وأظلف ها أظلف بقرة ،وجلد ها جلد ن ر ف هي خلق عج يب وو ضع
بديع من خلق ال الذي أبدعه آية ودللة على قدرته وحكمته الت ل
يعجزها شيء؛ ليي عباده أنه خالق أصناف اليوان كلها كما يشاء،
وف أي لون شاء.
100 موضوعات صالة للخطب والوعظ
كمـا يري عباده قدرتـه التامـة على خلقـه لنوع النسـان على
القسـام الربعـة منـه :مـا خلق مـن غيـ أب ول أم ،وهـو أبـو النوع
النسان .ومنه ما خلق من ذكر بل أنثى وهي أمهم الت خلقت من
ضلع آدم ،ومنهم من خلق من أنثى بل ذكر ،وهو ال سيح ابن مري،
ومنه ما خلق من ذكر وأنثى وهو سائر النوع النسان.
فيي عباده آياتـه ،ويتعرف إليهـم بآلئه وقدرتـه ،وأنـه إذا أراد
ف [النعَام ]73 :فتنوع أفعاله ف فَيَكُون ُ
شيئًا فإناـ يقول له كُن ْ
ومفعول ته ،وفعله الش يء وضده ،والش يء وخل فه :من أع ظم الدلة
على ربوبيته وحكمته وعلمه.
فاتقوا ال عباد ال بفعـل مـا أمـر وترك مـا حظـر .فالالق لذه
الشياء التنوعة ف هذا الكون العظيم هو ال ستحق للعبادة .أعوذ بال
من الشيطان الرج يم يَا أَيّهَا النّا سُ اعْبُدُوا رَبّ كُ مُ الّ ذِي خَلَقَكُ مْ
وَالّ ذِي نَ مِ نْ قَبْلِكُ مْ لَعَلّ كُ مْ تَتّ قُو نَ * الّ ذِي جَعَلَ لَكُ مُ الْأَرْ ضَ فِرَاشًا
وَال سّ مَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِ نَ ال سّ مَاءِ مَاءً فَأَخْرَ جَ بِ هِ مِ نَ الثّ مَرَا تِ رِزْقًا
لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلّ هِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة.]22 ،21 :
موضوعات صالة للخطب والوعظ 101
الطبة الثانية
المد ل الواحد القهار ،يفعل ما يريد ويتار.
وأشهـد أن ل إله إل ال وحده ل شريـك له ل يعجزه شيـء،
وإذا أراد شيئًا فإناـ يقول له كـن فيكون .وأشهـد أن ممدًا عبده
ورسوله الصادق الأمون .اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك ممد
وعلى آله وأصحابه أجعي.
أ ما ب عد :ف يا عباد ال .إن التف كر ف آيات ال ين به القلب من
رقد ته .ولن ستمع إل ما رواه أ بو نع يم ف الُلْ ية عن ثل ثة عباد باتوا
على ساحل البحر وتفكروا فيه.
روى بسنده عن مسمع بن عاصم ،قال :بت أنا وعبدالعزيز بن
سـلمان وكلب بـن جري وسـلمان العرج على سـاحل مـن بعـض
ال سواحل ،فب كى كلب ح ت خش يت أن يوت ،ث ب كى عبدالعز يز
لبكائه ،ث ب كى سلمان لبكائه ما ،وبك يت أ نا أيضًا لبكائ هم ،ث ل
أدري ما أبكاهم .فلما كان بعدُ سألت عبدالعزيز فقلت :أبا ممد ما
الذي أبكاك ليلتـك؟ قال :إنـ نظرت وال إل أمواج البحـر توج
وت يك فذكرت أطباق النيان وزفرات ا فذاك الذي أبكا ن .ث سألت
كلبًا و سلمان فقال ل ن وًا من ذلك .قال :ف ما كان ف القوم شر
من ما كان بكائي إل لبكائهم رحة لا كانوا يصنعون بأنفسهم( .)1
() مفتاح دار السكككعادة ص ( )263 ،250 ،205 ،214 ،213 ،204التكككبيان 1
ص (.)165
102 موضوعات صالة للخطب والوعظ
الحمكد ل كالذي افتتكح خلق هذا العالم بالقلم ليكتكب المقاديكر قبكل كونهكا ثكم خلق الرض
والسكموات ،مهكد الدار قبكل السكاكن وجعكل آدم آخكر المخلوقات ،وأظهكر فضله وشرفكه
بأنكه خلقكه بيديكه ،وعلمكه أسكماء ككل شيكء ،وأباحكه جنتكه يسككن منهكا حيكث شاء ،ويأككل
منهككا مككا شاء ،وأسككجد له الملئكككة المقربككة لديككه .وأظهككر مككا فككي قلب عدوه مككن الكككبر
المستخلف أو موته وال منزه عن الموت والنوم والغيبة وهو الذي يخلف العبد.
104 موضوعات صالة للخطب والوعظ
() ولول ذلك لمكا فرق بيكن الغذاء والدواء ،ول بيكن السكموم القاتلة والشفاء ،ول 1
اهتدى بالنجوم فككي البر والبحككر؛ وكان هككو المدبر لولده مدة حياتككه ،ثككم قام
بالمر بعده ولده ...إلخ.
موضوعات صالة للخطب والوعظ 105
قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْ مَ لَنَا إِلّا مَا عَلّ مْتَنَا إِنّ كَ أَنْ تَ الْعَلِي مُ
الْحَكِي مُ * قَالَ يَا آَدَ مُ أَنْبِئْهُ مْ بِأَ سْمَائِهِمْ فَلَمّ ا أَنْبَأَهُ مْ بِأَ سْمَائِهِمْ
[البَقَرَة ]33 -31 :عرفوا أن ال فضل عليهم آدم بالعلم.
فلما وقع ف الذنب ظنت اللئكة إن ذلك الفضل قد نسخ ول
تطلع على عبوديـة التوبـة الكامنـة ،فلمـا تاب إل ربـه وأتـى بتلك
العبودية علمت اللئكة أن ل ف خلقه سرًا ل يعلمه سواه.
وأظهر لم سبحانه من علمه ما خفي عليهم من شأن من كانوا
يعظمونـه وي لّونـه مـا ل يكونوا يعلمون؛ فإن الرب تعال لاـ أمـر
اللئ كة بال سجود ظ هر ما ف قلوبمـ من الطا عة والح بة والش ية
والنقياد فبادروا إل المتثال ،وظهـر مـا فـ قلب عدوه مـن الكـب
وال غش وال سد فأ ب وا ستكب وكان من الكافر ين ،و قَالَ أَنَا خَيْرٌ
مِنْ هُ خَلَقْتَنِي مِ نْ نَارٍ وَخَلَقْتَ هُ مِ نْ طِيٍ [العرَاف ] 12 :فاللع ي
لقصـور نظره وضعـف بصـيته رأى صـورة الطيـ ترابًا مزوجًا باء
فاحتقره ،ول يعلم أن الط ي مر كب من الاء الذي ج عل ال م نه كل
شيء حي ،والتراب الذي هو خزانة النافع والنعم ،ث ل يتجاوز نظره
مل الادة إل كمال الصورة النسانية التامة الحاسن خَلْقًا وخُلُقًا ،ث
ل يدر اللعيـ أن الادة التـ خلق منهـا هـو فيهـا الحراق والعلو
والف ساد وَالْجَانّ خَلَقْنَا هُ مِ نْ قَبْلُ مِ نْ نَارِ ال سّ مُومِ [الِ جر:
.)1 (]27
() إبليككس عارض النككص بالقياس وقدمككه عليككه ،وتأول لنفسككه أن هذا القياس 1
خ ْي ٌر ِمنْهُه [العرَاف:
العقلي مقدم على المكر بالسككجود .فإنكه قال :قَا َل أَنَا َ
]12وأن الفاضكل ل يخضكع للمفضول؛ فكانكت النتيجكة امتناعكه عكن السكجود.
وانظكر الوجوه التكي فيهكا الرد عليكه فكي قوله :أنكا خيكر منكه فكي (الصكواعق ص
.)1002
106 موضوعات صالة للخطب والوعظ
() لمكا قاسكمه عدو ال أنكه ناصكح ،وأخرج الكلم على أنواع متعددة مكن التأكيكد 1
فإنـه اللك القـ البـي ،واللك هـو الذي يأمـر وينهـي ويكرم
ويه ي ،ويث يب ويعا قب ،ويع طي وي نع ،وي عز ويذل كُلّ يَوْ مٍ هُوَ
فِي شَأْنٍ [الرّحن.]29 :
فأنزل البوين والذرية إل دار تري عليهم هذه الحكام .أنزلوا
إل دار يكون إيان م في ها تامًا ،فإن اليان قول وع مل وجهاد و صب
واحتمال ،فكان إخراجهم من ال نة تكميلً ل م وإتامًا لنعمته عليهم
ليزدادوا مـن الدار التـ خلقوا منهـا وفيهـا إل الدار التـ خلقوا لاـ،
وليعرفوا قدر تلك الدار الت أخرجوا منها.
فآدم أخرج مـن جنـة اللد التـ فـ السـماء ليعود إليهـا على
أح سن أحواله .ف ما قدر أحكم الاكم ي ذلك باطلً ،ول دبره عبثًا،
ول أخله من حكمته البالغة ،وحده التام .وخلق بنيه من تام الكمة
والرح ة وال صلحة ،وإن كان وجودهم مستلزمًا لشر فهو شر مغمور
فيما ف إيادهم من الي( .)1
فاشكروه عباد ال على أن كرّ مَ أباكم ،وفضلكم على كثي من
خلق تفضيل ،واعتـبوا باـ قصـه ال عـن ابتلء أبوي النـ والنـس
بالذنب ،وجعل هذا الب عبة لن أصر وأقام على ذنبه ،وهذا ال بَ
ـم ،وأطيعواعــبة لنــ تاب ورجــع إل ربــه .فأشبهوا أباكُـ
مولكـم ،واحذروا عدو أبيكـم ،فهـو وذريتـه أعداكـم .واحذروا
الذنوب كلها فقد هبط آدم بلقمة تناولا ،وطرد إبليس ولعن من أجل
() كإنزال المطر والثلج وهبوب الرياح وطلوع الشمس .فكم في طلوع الشمس 1
مكن ألم لمسكافر وحاضكر ،وككم فكي نزول الغيكث والثلوج مكن أذى ،وككم فكي هذا
الحكر والبرد والرياح مكن أذى موجكب لنواع مكن اللم ،ومكا فيهكا مكن المنافكع
أضعاف أضعاف ذلك.
108 موضوعات صالة للخطب والوعظ
الطبة الثانية
ال مد ل الذي أحسن كل شيء خلقه ،وبدأ خلق النسان من
طي .وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ،ول ضد ول معي.
وأشهد أن ممدًا عبده ورسوله سيد البشر أجعي .اللهم صل وسلم
على عبدك ورسولك ممد ،وعلى آله وأصحابه والتابعي لم بإحسان
إل يوم الدين.
أما بعد :فيا عباد ال! إن ال سبحانه لا أراد خلق آدم أخذ
من ج يع الرض قب ضة من التراب ،ث أل قى علي ها الاء ف صارت طينًا
أملس ،ثـ أرسـل عليهـا الريـح فجففهـا حتـ صـارت ترابًـا
يابسـًا ،ثـ قدر لاـ العضاء ،والنافـذ ،والوصـال ،والرطوبات،
موضوعات صالة للخطب والوعظ 109
() لن دأب المحب الوقوف على باب الحبيب (الفوائد ص .)64 1
() فالسككجدة لدم إكرامًا وإعظامًا واحترامًا وسككلمًا ،وهككي طاعككة ل ،لنهككا 2
() شفاء العليككل ص ( )247 ،243 ،236 ،9 ،10 ،242 ،241 ،249الفوائد 3
الهـل فإنـه إذا نظـر فـ نفسـه وجـد آثار التدبيـ فيـه قائمات ،وأدلة
التوح يد على ر به ناطقات ،شاهدة لدبره ،دالةٌ عل يه ،مرشدةٌ إل يه ،إذ
يده مكونًا من قَطرة ماءٍ :لومًا منضده ،وعظامًا مرك به ،وأو صالً
متعددة ،مأ سورة مشددة ببال العروق والعصاب ج عت بلد مت ي،
مشتملً على ثلثائة و ستي مف صلً :ما ب ي كبي و صغي ،وثخ ي،
ودق يق ،وم ستطيل وم ستدير وم ستقيم ومن حن ،و شد هذه الو صال
بثلثائة وسـتي عرق ًا (أعصـاب) للتصـال والنفصـال ،والقبـض
والب سط ،وال د وال ضم ،وال صنائع والكتا بة .وج عل ف يه عشرة أبواب:
فبابان للسـمع وبابان للبصـر ،وبابان للشـم ،وبابان للطعام والشراب
والتنفس ،وبابان لروج الفضلت الت يؤذيه احتباسها.
عباد ال لننظـر فـ هذه العضاء ومنافعهـا بالتفصـيل .ابدأ:
« بالرأس» :تأ مل هذه الق بة العظي مة ال ت رك بت على الن كبي ،و ما
أودع في ها من العجائب ،و ما ر كب في ها من الزائن ،و ما أودع ف
تلك الزائن مـن النافـع ،ومـا اشتملت عليـه مـن العظام الختلفـة
الشكال والصـفات والنافـع ،ومـن الرطوبات ،والعصـاب ،والطرق
والجاري ،والدماغ ،والنافـذ والقوى الباطنـة :مـن الذكـر ،والفكـر،
والتخيل ،وقوة الفظ( .)1
وذلك من أعظم آيات ال وأدلته وحكمته كيف ترتسم صورة
السـموات والرض والبحار والشمـس والقمـر والقاليـم والمالك
() ففكي مقدمكة محكل الحفكظ والتخيكل ،والبطكن الوسكط محكل التأمكل والتفككر، 1
والبطن الخير محل التذكر والسترجاع لما كان قد نسيه .ولكل واحد من هذه
المور الثلثكككة أمكككر مهكككم للنسكككان ل بكككد له منكككه؛ لسكككتيعاب المعلومات،
واسترجاعها ،والقدرة الذهنية على الفهم والتحليل والربط والستنباط والتخيل.
موضوعات صالة للخطب والوعظ 113
() قلت :ولذلك إذا حدث في النف لحمية زائدة ...نقص هذا التقطيع. 1
() وأعينككت هذه الحواس بمخلوقات أخككر منفصككلة عنهككا تكون واسككطة فككي 2
() وجعل ماءه حلوًا عذبًا ليدرك طعوم الشياء على ما هي عليه. 1
() ولم تنشأ مع الطفل لستغنائه عنها بالرضاع ،ولو نشأت معه من حين يولد 2
لضرت بحلمة الثدي ،إذ ل عقل له يحرزه ،فكانت الم تمتنع من إرضاعه.
116 موضوعات صالة للخطب والوعظ
والقادير .تأمل حال الشعر ومنبته .والغايةَ الت خلق من أجلها ،وهي
شيئان :أحده ا :عام و هو :تنق ية البدن من الفضول الدخان ية الغلي ظة
كشعـر العانـة والبـط والنـف؛ والخـر خاص وهـو :إمـا للزينـة ،أو
للوقا ية ف في ش عر الرأس منا فع وم صال من ها وقاي ته عن ال ر والبد
والرض ،ومنها الزينة والسن .وف شعر الاجبي مع السن والمال
والزي نة وقا ية الع ي م ا ينحدر من الرأس .ولو ن قص عن هذا القدار
لزالت منفعـة المال والوقايـة ،ولو زاد عليـه لغطـى العيـ وأضرّ باـ
وحال بينها وبي ما تدركه .وأما شعر اللحية ففيه منافع منها الزينة
والوقار والي بة ،ولذا ل يرى على ال صبيان والن ساء من الي بة والوقار
ما يرى على ذوي اللحى ،ومنها التمييز بي الرجال والنساء .والنساء
ل ا كنّ م ل ال ستمتاع والتقب يل كان الح سن والول خلو هن عن
اللحـى ،وزيـن الشفتيـ باـ أنبـت فوقهمـا مـن الشارب وتتهمـا مـن
العنفقة ،وزين البهة بالاجبي وقوسهما وأحسن خطهما.
ث انزل إل «ال صدر» ترى معدن الع قل والعلم واللم والر ضا
والغضـب والشجاعـة والكرم والصـب والحتمال والبـ والرادة
والوقار والسـكينة ،والب وسـائر صـفات الكمال ،وأضدادهـا فتجـد
صـدور العلّيـة تعلو بالب واليـ والعلم والحسـان ،وصـدور السـفلة
تغلي بالفجور والشرور والساءة والسد والكب.
و ف ال صدر «القلب» الذي هو أشرف ما ف الن سان ،و هو
قوام الياة ،و هو من بع الروح اليوا ن والرارة الغريز ية ،و هو ملـ
نظـر الرب تعال ومعرفتـه ومبتـه وخشيتـه والتوكـل عليـه والنابـة
إل يه والر ضا به وع نه .والعبوديةُ عل يه أوّ لً ،وعلى رعي ته وجنده تبعًا،
موضوعات صالة للخطب والوعظ 117
الطبة الثانية
المد ل نمده ونستيعنه ....إل.
أمـا بعـد :فيـا عباد ال :القلب يطلق على معنييـ على العضـو
اللحمي الصنوبري الشكل الودع ف الانب اليسر من الصدر ،وف
بطنه تويف ،وف التجويف دم أسود .والثان أمر معنوي وهو لطيفة
ربانيـة رحان ية روحان ية لاـ بذا العضـو تعلق واختصـاص وتلك هي
حقيقة النسانية وهي «الروح».
عباد ال وللملك لةـ بالقلب ،وللشيطان لةـ فإذا أل بـه اللك
حدث مـن لتـه والنفسـاح والنشراح والنور والرحةـ والخلص
والنابة ومبةُ ال وإيثارُه على ما سواه وقِ صَرُ المل والتجاف عن دار
البلء والمتحان والغرور .فلو دامـت له تلك الالة لكان فـ أهنـأ
ع يش وألذه وأطي به؛ ول كن تأت يه ل ة الشيطان فتحدث له من الض يق
والظلمـة والمـ والغـم والوف ،والسـخط على القدور ،والشـك فـ
الق ،والرص على الدنيا وعاجلها ،والغفلة عن ال ما هو من أعظم
عذاب القلب.
ث من الناس من تكون ل ة اللك أغلب من ل ة الشيطان وأقوى.
ومنهـم مـن تكون لةـ الشيطان أغلب عليـه وأقوى .والشيطان يلم
بالقلب لا كان هناك من جواذب تذبه؛ فإذا كانت الواذب صفات
قوي سـلطانه هناك ،واسـتفحل أمره ،ووجـد موطئًا ومقرًا -فتأتـ
الذكار والدعوات كحد يث الن فس لتد فع سلطان الشيطان .فإذا قلع
ـالـا والغتســل على التطهيـ منهـ ـفات وعمـ ـد تلك الصـالعبـ
موضوعات صالة للخطب والوعظ 119
() مفتاح دار السككعادة ج ( )264 ،269 ،268 ،271 ،191 -1/189التككبيان 1
ص (،127 ،258 -197 ،190 ،256 ،255 ،253 ،251 -249 ،188
.)262 ،259 ،257
120 موضوعات صالة للخطب والوعظ
أطوار النسان
() فالحيوان ينعقككد مككن ماء الذكككر وماء النثككى ،كمككا ينعقككد النبات مككن الماء 1
والتراب والهواء.
122 موضوعات صالة للخطب والوعظ
() هذه السككطر فيهككا نوع تكرار مككع مككا تقدم ،لكككن بأسككلوب آخككر وأخصككر، 2
() الطحال :يعني بتشكيل خليا الدم ،ويساعد على استقلب معدن الحديد ،وهو 1
مسككتودع للدم ،ويقوم بتدميككر الخليككا الحمككر والبيككض القديمككة التككي انعدمككت
فائدتها ،ويساعد على إبقاء الدورة الدموية خالية من الجراثيم والمواد الغريبة.
() والكليتان :تقومان بتصككفية الدم الجاري فككي الجسككم مككن كككل شوائبككه سككتًا 2
وثلثين مرة ،في اليوم يتصفى بالرشح قرابة مائتي لتر من الدم يوميًا بواسطة
الكبككب التككي تصككل إلى مليون كبككة ،ويعود الدم ليمتككص مرة أخرى بواسككطة
النابيكب الكلويكة التكي يمكر فيهكا قرابكة مائة وثمانيكة وتسكعين لترًا ،ول يسكمحان
للعناصكر المولدة للمواد الغذائيكة بالتسكرب ،ويطرحان لتريكن فقكط وهكي الفضلة
المعروفة بالبول إلى المثانة.
() ويصب معه فيه الوريد الجوف العلوي من بقية الجسم. 3
() وفككي الرئتيككن سككبعمائة وخمسككون مليون سككنخ رأوي تعمككل لتصككفية الدم 4
باستمرار بمعدل خمس لترات في كل دقيقة .في كل يوم يتنفس النسان خمسة
وعشرون ألف مرة يسكحب فيهكا مائة وثمانيكن مترًا مكعبًا مكن الهواء ،يتسكرب
منهكا سكتة أمتار ونصكف متكر مكعكب مكن غاز الكسكجين إلى الدم ،فيصكفي الدم
بسحب غاز الفحم ومنح غاز الكسجين اللزم للبدن.
124 موضوعات صالة للخطب والوعظ
() والقلب مؤلف مككن مضختيككن ل واحدة .الولى :لدفككع الدم باتجاه الرئتيككن، 5
والثانيكة :لرسكاله إلى سكائر أنحاء الجسكم .يضكخ القلب يوميًا ثمانمائة لتكر مكن
الدم .وتبلغ ضربات القلب سكتين إلى ثمانيكن فكي الدقيقكة .وفكي ككل مرة يدخكل
القلب حوالي ربكع لتككر مكن الدم ،ويسكتغرق مرور دفعكة واحدة مكن الدم خلل
القلب ثانية ونصف .والطريق من القلب إلى الرئة وثم مرة أخرى ست ثواني.
وهذه هكي الدورة الدمويكة الصكغرى .والدم الذاهكب إلى الدماغ يعود إلى القلب
فكي ثمانكي ثوان ،بينمكا يعود الدم إلى القلب مكن أصكابع القدم فكي ثمانكي عشرة
ثانية ،وهذه هي الدورة الدموية الكبرى
موضوعات صالة للخطب والوعظ 125
الطة الثانية
المد ل نمده ....
أ ما ب عد :ف يا أي ها الن سان أ عد الن الن ظر ف نف سك مرة ب عد
مرة .من الذي دبرك بأل طف التدب ي وأ نت جن ي ف ب طن أ مك ف
موضـع ل يـد تنالك ،ول بصـر يدركـك ،ول حيلة لك فـ التماس
الغذاء ،ول ف دفع الضرر .فمن الذي أجرى إليك من دم الم ما يغذوك
كمـا يغذو الاء النبات ،وقلب ذلك الدم لبن ًا ،حتـ إذا كمـل خلقـك
وا ستحكم وقوي أدي ك على مباشرة الواء ،وب صرك على ملقاة الضياء،
وصـلبت عظامـك على مباشرة اليدي والتقلب على الغـباء ،هاج الطلق
بأمك فأزعجك إل الروج أيا إزعاج إل عال البتلء ،فركضك الرحم
رك ضة من مكا نك كأ نه ل يض مك قط .و من الذي صرف ذلك الل ب
الذي ك نت تتغذى به ف ب طن أ مك إل خزانت ي معلقت ي على صدرها،
و من الذي رق قه لك و صفاه وأطاب طع مه وح سن لو نه وأحكم طب خه،
ومن عطف عليك قلب الم ووضع فيه النان العجيب والرحة الباهرة(.)1
ح ت إذا قوي بد نك وات سعت أمعاؤك وخش نت عظا مك واحت جت إل
غذاء أ صلب من غذائك و ضع ف يك آلة الق طع والط حن ،وكل ما ازددت
قوة وحاجة إل السنان ف أكل الطاعم الختلفة زيد لك ف تلك اللت
فمـن الذي سـاعدك باـ ومكنـك مـن ضروب الغذاء إل أحكـم
() حتى إنها تكون في أهنأ ما تكون من شأنها وراحتها ومقيلها فإذا أحست منك 1
بأدنى صوت أو بكاء قامت إليك وآثرتك على نفسها منقادة إليك بغيكر قائد ول
سائق.
126 موضوعات صالة للخطب والوعظ
() مراجككككع هذه الخطبككككة كمككككا يلي :مفتاح دار السككككعادة ج( )1ص(189 1
.)191 -التكبيان ص ( .)230 ،240 ،235 ،331 ،241 ،228 -226 ،240
ومن كتب الطب الحديث -الطب محراب اليمان ج( ،19 ،47 ،304 ،2/259
)129 ،124 ،191 ،90 ،114 ،301 ،170 ،15 ،10 ،9 ،297والصكككحة
والسككلم ص( )60 ،15 ،162والصكككحة والوقايكككة ص ( .)100 ،60ذكرت
بعكض هذه التفصكيلت فكي «الجهاز الهضمكي» مكن هذه الكتكب وأكثرهكا بصكفة
تعليق .وهي دالة على عظمة ال وقدرته وعلمه وحكمته.
موضوعات صالة للخطب والوعظ 127
ـة البيان
ـه هدايـ
ـوله :هدى أمتـ
ـد أن ممدًا عبده ورسـ وأشهـ
والرشاد ،وأما هداية التوفيق واللام فإل اللك العلم.
أما بعد :فيا عباد ال ذكر ال تبارك وتعال عن فرعون أنه قال:
فَمَنْ رَبّ كُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبّ نَا الّ ذِي أَعْطَى كُلّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمّ
هَدَى [طه .]50 ،49 :أي أعطى لك شيء صورته الت ل يشتبه
فيهـا بغيه ،وأعطـى كـل عضـو شكله وهيئتـه ،وأعطـى كـل موجود
ـن العمال. ـا خلق له مـ ـه ،ث ـ هداه إل مـ ـص بـ ـه الختـ خلقـ
هذه الدا ية شاملة للحيوان كله ناط قه وبي مه .طيه ودوا به ،ف صيحه
وأعجمـه ،هداه لاـ يصـلحه فـ معيشتـه ومطعمـه ومشربـه ومنكحـه،
وتقلبه وتصرفه بإرادته .وكذلك كل عضو له هداية تليق به -فهدى
128 موضوعات صالة للخطب والوعظ
الرجل ي للم شي ،واليد ين للب طش والع مل ،والل سان للكلم ،والذن
لل ستماع ،والع ي لك شف الرئيات ،و كل ع ضو ل ا خلق له .وهدى
الزوج ي من كل حيوان إل الزدواج والتنا سل وترب ية الولد ،وهدى
الولد إل التقام الثدي عند خروجه من بطن أمه ،وهداه إل معرفة أمه
دون غي ها حت يتبعها أين ذهبت ،والقصد إل ما ينفعه من الراعى
دون مـا يضره منـه ،وهدى الطيـ والوحـش إل الفعال العجيبـة التـ
يعجـز عنهـا النسـان .ومراتـب هدايتـه سـبحانه ل يصـيها إل هـو.
فتبارك ال رب العالي.
وهدى «الن حل» أن تت خذ من البال بيوتًا و من الش جر و من
البن ية ث ت سلك سبل رب ا مذللة ل ا ل ت ستعصي علي ها ث تأوي إل
بيوت ا ،وهداها إل طاعة يعسوبا واتباعه والئتمام به أين توجه ب ا،
ث هداها إل بناء البيوت العجيبة الصنعة الحكمة البناء.
ومن تأمل بعض هدايته البثوثة ف العال شهد بأ نه ال الذي ل إله
إل هو عال الغيب والشهادة العزيز الكيم .وانتقل من معرفة هذه الداية
إل إثبات «النبوة» و«العاد» بأيسـر نظـر وأول ولةـ ،وأحسـن طريـق
وأخ صرها وأبعد ها عن كل شب هة ،وأن من هدى هذه اليوانات هذه
الدايـة التـ تعجـز عقول العقلء عنهـا ل يليـق بـه أن يترك هذا النوع
النسان الذي هو خلصة الوجود الذي كرمه وفضله على كثي من خلقه
تفضيلً مهمل وسدى معطل ل يهديه إل أقصى كمالته وأفضل غاياته.
وهذا أحد ما يدل على إثبات العاد بالعقل والشرع.
وهذا الن مل من أهدى اليوانات ،وهدايت ها من أع جب ش يء؛
فإن النملة الصـغية ترج مـن بيتهـا وتطلب قوتاـ وإن بعدت عليهـا
موضوعات صالة للخطب والوعظ 129
الطريـق ،فإذا ظفرت بـه حلتـه وسـاقته فـ طريـق معوجـة بعيدة ذات
صعود وهبوط ف غا ية من التو عر ح ت ت صل إل بيوت ا فتخزن في ها
أقواتا ف وقت المكان ،فإذا خزنتها عمدت إل ما ينبت منها ففلقته
فلقت ي لئل ين بت ،فإن كان ين بت مع فل قه باثن ي فلق ته بأرب عة ،فإذا
أصـابه بلل وخافـت عليـه العفـن والفسـاد انتظرت بـه يومًا ذا شسـ
فخرجت به فنشرته على أبواب بيوتا ث أعادته إليها ،ول تتغذى منها
نلة م ا جعه غيها .ويكفي ف هداية النمل ما حكاه ال سبحانه ف
القرآن عـن النملة التـ سـع سـليمان عليـه السـلم كلمهـا وخطاباـ
ل صحابا بقول ا :يَا أَيّهَا النّ مْلُ ادْخُلُوا مَ سَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنّ كُ مْ
سُلَيْمَانُ وَجُنُودُ هُ وَهُ مْ لَا يَشْعُرُو نَ [الن مل ] 18 :فجم عت ب ي
العتذار عـن مضرة اليـش بكونمـ ل يشعرون ،وبيـ لو أمـة النمـل
ح يث ل يأخذوا حذر هم ويدخلوا م ساكنهم ،ولذلك تب سم سليمان
ضاحكًا من قول ا ،وإ نه لو ضع تع جب وتب سم .و من ع جب هدايت ها
أنا تعرف ربا بأنه فوق السموات على عرشه ،كما رواه المام أحد
ف «كتاب الزهد» من حديث أب هريرة يرفعه قال « :خرج نب من
ال نبياء بالناس ي ستسقون فإذا هم بنملة راف عة قوائم ها إل ال سماء
تدعو مستلقية على ظهرها ،وهي تقول :اللهم إنا خلق من خلقك
ليس بنا غن عن سقياك ،ورزقك ،فإما أن تسقينا وترزقنا وأما أن
تلكنا .فقال :ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيكم»( .)1
() وهكي تدرك بالشكم مكن البعكد مكا يدرككه غيرهكا بالبصكر أو السكمع فتأتكي مكن 1
مكان بعيكد إلى موضكع أككل فيكه النسكان وبقكي فيكه فتات مكن الخبكز أو غيره
فتحمله وتذهب به وإن كان أكبر منها،فإن عجزت عن حمله ذهبت وأتت معها
بصككف مككن النمككل يتسككاعدون على حمله ونقله .ولهككا قصككص مككن ذلك انظككر
البدائع ج( )1ص(.)70
130 موضوعات صالة للخطب والوعظ
وكثيـ مـن العقلء يتعلم مـن اليوان البهيـم أمورًا تنفعـه فـ
معاشه ،وأخلقه ،وصناعته ،وحربه ،وحزمه ،وصبه( .)1
فتفكروا عباد ال ف هداية هذه اليوانات ل ا خلقت له واعرفوا
عظمة باريها وتفهموا قوله :سَبّ حِ ا سْمَ رَبّ كَ الْأَعْلَى * الّ ذِي خَلَ قَ
فَ سَوّى * وَالّ ذِي قَدّ رَ فَهَدَى [العلى ]3 -1 :قَالَ رَبّنَا الّ ذِي
أَعْطَى كُلّ شَيْءٍ خَلْقَ هُ ثُمّ هَدَى [ طه .]50 :بارك ال ل ول كم
...
الطبة الثانية
المـد ل الذي سـبحت الكائنات بمده .وأشهـد أن ل إله إل
ال وحده ل شريك له ،ول مثل له من خلقه .وأشهد أن ممدًا عبده
ورسوله أكمل خلق ال خلقًا ،وأرفعهم عنده منل .اللهم صلِ وسلم
على عبدك ور سولك م مد ،وعلى آله وأ صحابه وأتبا عه بإح سان إل
يوم الدين.
أما بعد فقد قال ال تعال :وَمَا مِنْ دَابّ ةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ
ُمف [النعام ]38 :قال ابـن عباس: َمف أَمْثَالُك ْ
ْهف إِلّا أُم ٌ
يَطِيُ بِجَنَاحَي ِ
يعرفون ن ويوحدون ن وي سبحونن ويمدون ن .وقال ا بن قتي بة :إِلّا
ف فـ طلب الغذاء وابتغاء الرزق وتوقـي الهالك. ف أَمْثَالُكُم ْ
أُمَم ٌ
وقال سفيان بن عيينة :ما ف الرض آدمي إل وفيه شبه من البهائم.
فمنهـم مـن يهتصـر اهتصـار السـد ،ومنهـم مـن يعدو عدو
() وذكر ابن القيم من أخلق الديك والسود ... 1
موضوعات صالة للخطب والوعظ 133
الذئب ،ومنهـم مـن ينبـح نباح الكلب ،ومنهـم مـن يتطوس كفعـل
الطاووس ،ومن هم من يش به الناز ير ال ت لو أل قي إلي ها الطعام الط يب
عافته ،فإذا قام الرجل عن رجيعة ولغت فيه ،فلذلك تد ف الدميي
من لو سع خ سي حك مة ل يف ظة واحدة من ها ،وإن أخ طأ ر جل
تراواه وحفظـه .قال الطابـ :مـا أحسـن مـا تأول سـفيان هذه اليـة
واستنبط منها هذا الكم أن الراد الماثلة ف الطبائع والخلق.
وال سبحانه جعل بعض الدواب كسوبًا متالًا ،وبعضها متوكلً
غ ي متال ،وب عض الشرات يد خر لنف سه قوت سنة ،وبعض ها يت كل
على الثقة بأن له ف كل يوم قدر كفايته رزقًا مضمونًا وأمرًا مقطوعًا.
وبعضهـا يدخـر وبعضهـا ل كسـب له .وبعـض الذكورة يعول ولده،
وبعض ها ل يعرف ولده الب تة .وب عض الناث تك فل ولد ها ل تعدوه،
وبعضها تضع ولدها وتكفل ولده غيها .وبعضها ل تعرف ولدها إذا
استغن عنها ،وبعضها ل تزال تعرفه وتعطف عليه وبعضها ل يلتمس
الولد ،وبعضهـا يسـتفرغ المـ فـ طلبـه .وبعضهـا يعرف الحسـان
ويشكره ،وبعضهـا ليـس ذلك عنده شيئًا .وبعضهـا يؤثـر على نفسـه،
وبعض ها إذا ظ فر ب ا يك في أ مه من جن سه ل يدع أحدًا يد نو م نه.
وبعضها ي ب الفساد ويكثر منه ،وبعضها ل يفعله إل ف السنة مرة.
وبعضها يقتصر على أنثاه ،وبعضها ل يقف على أنثى ولو كانت أمه
أو أخته .وبعضها ل تكن غي زوجها من نفسها ،وبعضها ل ترد يد
ل مس .وبعض ها يألف ب ن آدم ويأ نس ب م ،وبعض ها ي ستوحش من هم
وينفر غاية النفار .وبعضها ل يأكل إل الطيب ،وبعضها ل يأكل إل
البائث ،وبعضها يمع بي المرين.
134 موضوعات صالة للخطب والوعظ
() شفاء العليككككككككل ص ( )74 ،71 ،70 ،77 ،75 ،74 ،68 -66البدائع ج( 1
.)36 ،1/35
موضوعات صالة للخطب والوعظ 135
أن من بعض أنواعه نعمة النفَس الت ل تكاد تطر ببال العبد ،له عليه
فـ كـل يوم وليلة أربعـة وعشرون ألف نعمـة ،فإنـه يتنفـس فـ اليوم
والليلة أربعة وعشرون ألف نفس ،فما الظن با فوق ذلك وأعظم منه
وَإِنْ تَعُدّوا نِعْمَةَ اللّ هِ لَا تُحْصُوهَا [إبراهيم.]34 :
هذا إل ما يصرف عنه من الضرات وأنواع الذى الت تقصده،
ولعلها توازن النعم ف الكثرة ،والعبد ل شعور له بأكثرها قُلْ مَ نْ
َنف [النـبيَاء ]42 :أي هـو ِنف الرّ حْم ِ
ُمف بِاللّ يْلِ وَالنّ هَارِ م َ
يَكْلَؤُك ْ
سبحانه الن عم علي هم بفظ هم وحرا ستهم م ا يؤذي هم بالل يل والنهار
وحده ،ل حافظ لم غيه.
هذا مع غناه التام عنهم وفقرهم التام إليه سبحانه .وف بعض الثار:
«أنـا الواد ،ومـن أعظـم منـ جودًا وكرم ًا ،أبيـت أكل عبادي فـ
مضاجع هم و هم يبارزون ن بالعظائم» و ف الترمذي ،أن ال نب ل ا رأى
السحاب قال« :هذه روايا الرض يسقوها ال إل قوم ل يذكرونه ول
يعبدو نه» و ف ال صحيحي ع نه أ نه قال« :ل أ حد أ صب على أذى
سعه من ال ،إنم ليجعلون له الولد وهو يرزقهم ويعافيهم» وف بعض
الثار يقول ال تعال« :ا بن آدم خيي إل يك صاعد ،كم أت بب إل يك
بالنعت وأنا غن عنك ،وكم تتبغض إل بالعاصي وأنت فقي إل ،ول
يزال اللك الكري يعرج إل منك بعمل قبيح».
ولو ل يكن من تببه إل عباده وإحسانه إليهم وبره ب م إل أنه
خلق ل م ما ف ال سموات والرض و ما ف الدن يا والخرة ،ث أهل هم
موضوعات صالة للخطب والوعظ 137
جمال الخلق كلهكم مكن أولهكم إلى آخرهكم اجتمكع لشخكص واحكد منهكم ،ثكم كان
الخلق كلهككككم على جمال ذلك الشخككككص لكان نسككككبته إلى جمال الرب تبارك
وتعالى دون نسبة سراج ضعيف إلى جرم الشمس ،وكذلك قوته سبحانه وعلمه
وسمعه وبصره وكلمه وقدرته ورحمته وحكمته ووجوده وسائر صفاته .هذا
مما دلت عليه آياته الكونية السمعية وأخبرت به رسله عنه ،كما في الصحيح
عنكككه أنكككه قال« :إن ال ل ينام »...إلى أن قال« :حجابكككه النور لو كشفكككه
لحرقكت سكبحات وجهكه مكا انتهكى إليكه بصكره مكن خلقكه» فإذا كانكت سكبحات
وجهكه العلى ل يقوم لهكا شيكء مكن خلقكه ،ولو كشكف حجاب النور عكن تلك
السكبحات لحرق العالم العلوي والسكفلي ،فمكا الظكن بجلل ذلك الوجكه الكريكم
وعظمتكه وككبريائه وكماله وجلله .وإذا كانكت السكموات مكع عظمتهكا وسكعتها
يجعلهكا على إصكبع مكن أصكابعه ،والرض على إصكبع ،والجبال على إصكبع،
والبحار على إصكبع فمكا الظكن باليكد الكريمكة التكي هكي صكفة مكن صكفات ذاتكه
(الصواعق ص .)1082
140 موضوعات صالة للخطب والوعظ
الطبة الثانية
المد ل على نعمه وإحسانه ،وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل
شر يك له الكا مل ف صفاته وأ سائه ،وأش هد أن ممدًا عبده ور سوله
أعرف اللق بربه ،وأشدهم حبًا له وطلبًا لرضوانه .اللهم صل وسلم
على عبدك ور سولك م مد وعلى آله وأ صحابه وأتبا عه الذ ين عرفوا
أن الغايـة مـن اللق هـي العبادة ،والعبادة هـي غايـة الحبـة والذل له
سبحانه.
أما بعد :عباد ال :تظهر حقيقة الحبة ف مواطن أربعة :أحدها:
عند أخذ مضجعه وتفرغ حواسه وجوارحه من الشواغل ،فإنه ل ينام
إل على ذكر من يبه وشغل قلبه به .الثان :عند انتباه من النوم فأول
ش يء ي سبق إل قل به ذ كر مبو به الذي كان قد غاب ع نه ف النوم.
الثالث :عند دخوله ف الصلة فإن ا م ك الحوال ،وميزان اليان ب ا
يوزن إيان الر جل ويتح قق حاله ومقا مه ومقدار قر به من ال ون صيبه
م نه ،فإذا قام إل ال صلة واطمأن بذكره وقرت عي نه بالثول ب ي يد يه
ومناجاتـه وانفسـح قلبـه وانشرح واسـتراح دل على حقيقـة الحبـة.
الرابع :عند الشدائد والهوال؛ فإن القلب ف هذا الوطن ل يذكر إل
أ حب الشياء إل يه ،ول يهرب إل إل مبو به الع ظم عنده .وال حب
يتسلى بحبوبه عن كل مصيبة يصاب با دونه؛ ولذا لا خرجت تلك
الرأة النصـارية يوم أُحـد تنظـر مـا فعـل رسـول ال مرت بأبيهـا
وأخيها مقتولي فلم تقف عندها ،وجاوزتما تقول :ما فعل رسول ال؟
فقيل لا :ها هو ذا حي ،فلما نظرت إليه قالت :ما أبال إذا سلمت هلك
موضوعات صالة للخطب والوعظ 141
مـن هلك .وهكذا مصـائب الوت ومـا بعده ومصـائب القيامـة إناـ
تسهل وتون بالحبة ،وأعظم الصائب مصيبة النار ول يدفعها إل مبة
ال وحده ومتابعـة رسـوله ؛ فالحبـة أصـل كـل خيـ فـ الدنيـا
والخرة؛ كمـا قال سـحنون :ذهـب الحبون بشرف الدنيـا والخرة،
فإن ال نب قال« :الرء مع من أ حب » ف هم مع ال( )1الل هم اج عل
ح بك أ حب إلي نا من أنف سنا و من الاء البارد على الظ مأ .إن أح سن
الديث ....
() روضككة المحككبين ص( ،)315طريككق الهجرتيككن ص ( ،306 ،318 -315 1
الحمككد ل كالذي ظهككر لوليائه بنعوت جلله .البصككير الذي يرى دبيككب النملة السككوداء
على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء حيث كانت من سهله وجباله ،ويرى تقلب قلب
الطبة الثانية
المـد ل نمده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتوب إليـه ،ونعوذ بال مـن
شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،من يهده ال فل مضل له ،ومن يضلل
فل هادي له ،من يطع ال ورسوله فقد رشد ومن يعص ال ورسوله فقد
غوى ،ومن غوى فلن يضر إل نفسه ،ولن يضر ال شيئًا.
وأشهـد أن ل إله إل ال وحده ل شريـك له القائل فـ كتابـه
الكري :وَمَا عَلّ مْنَا هُ الشّ عْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَ هُ إِ نْ هُوَ إِلّا ذِكْرٌ وَقُرْآَ نٌ
مُبِيٌ * لِيُنْذِرَ مَ نْ كَا نَ حَيّ ا وَيَحِقّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِي نَ [ يس:
]70 ،69وأشهـد أن ممدًا عبده ورسـوله طـبيب القلوب العارف
بأدوائها ،الناصح الرشد لت صحتها وصلحها ،القائل« :أ ل وإن ف
السفد مضغفة إذا صفلحت صلح السفد كله ،وإذا فسفدت فسفد
السد كله ،أل وهي القلب».
أمـا بعـد :فقـد صـح عـن حذيفـة بـن اليمان رضـي ال عنـه :
« القلوب أرب عة :قلب أجرد ف يه سراج يز هر ،فذلك قلب الؤ من.
وقلب أغلف فذلك قلب الكافففففر ،وقلب منكوس فذلك قلب
الناففق .عرف ثف أنكفر وأبصفر ثف عمفي .وقلب تده مادتان :مادة
إيان ،ومادة نفاق ،وهفو لاف غلب عليفه منهمفا» .وقال عثمان بـن
عفان رضـي ال عنـه :لو طهرت قلوبنـا لاـ شبعـت مـن كلم ال.
فالقلب الطا هر لكمال حيا ته ونوره وتل صه من الدران والبائث ل
يش بع من القرآن ،ول يتغذى إل بقائ قه ،ول يتداوى إل بأدوي ته؛ بلف
القلب الذي ل يطهره ال فإنـه يتغذى مـن الغذيـة التـ تناسـبه بسـب
موضوعات صالة للخطب والوعظ 147
() إغاثة ج(.)7 ،20 ،10 ،10 ،122 ،201 ،70 ،68 ،31 ،44 ،4/43 1
148 موضوعات صالة للخطب والوعظ
ُسفتَقِيمٍ [النحـل ]121 ،120 :فأخـب أنـه أُمّ ةً صفرَاطٍ م ْ ِ
ّهف
[البَقَرَة ]120 :أي قدوة يؤتـ بـه فـ اليـ ،وأنـه قَانِت ًا لِل ِ
[البَقَرَة ]120والقا نت هو الط يع الق يم على طاع ته .والن يف هو
الق بل على ال العرض ع ما سواه .ث خ تم له بذه ال صفات بأ نه
شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ فجعل الشكر غاية خليله.
والشكر :هو العتراف بالنعم باطنًا ،والتحدث با ظاهرًا ،وصرفها
فيما يب مسديها وموليها( )1روى الترمذي من حديث القاسم بن ممد،
عن عائ شة ر ضي ال عن ها ،عن ال نب قال « :ما أن عم ال على ع بد
نع مة فعلم أن ا من ع ند ال إل ك تب ال له شكر ها ،و ما علم ال من
عبفد ندامفة على ذنفب إل غففر ال له قبفل أن يسفتغفره ،وإن الرجفل
يشتري الثوب بالدينار ليلب سه فيح مد ال ف ما يبلغ ركبت يه ح ت يغ فر
له» .وروى الترمذي عن ابن عباس رضي ال عنهما ،عن النب قال:
«أربع من أعطيهن فقد أعطي خي الدنيا والخرة :قلبًا شاكرًا ،ولسانًا
ذاكرًا ،وبدنًا على البلء صابرًا ،وزوجة ل تبغيه خونًا ف نفسها ول ف
ماله» ،وروى المام أحد بإسناده عن ثابت ،قال :كان داود قد جزأ
سـاعات الليـل والنهار على أهله ،فلم يكـن سـاعة مـن ليـل أو نار إل
وإن سان من آل داود قائم ي صلي في ها ،قال :فعم هم ال تبارك وتعال ف
شكُورُ
ِيف ال ّ
ِنف عِبَاد َ
هذه اليـة :ا ْعمَلُوا َآ َل دَاوُودَ ُش ْكرًا َوقَلِيلٌ م ْ
[سَبَأ.]13 :
() الشكككر مبنككي على خمككس قواعككد :خضوع الشاكككر للمشكور ،وحبككه له، 1
واعترافكه بنعمتكه ،وثناؤه عليكه بهكا ،وأن ل يسكتعملها فيمكا يكره .الشككر يكون
بالقلب واللسككان والجوارح فمككن اسككتكملها فهككو الشاكككر .والحمككد يقككع بالقلب
واللسان( .المرجع التي).
150 موضوعات صالة للخطب والوعظ
أعلنته ،وإن رأيت ب ما شرًا سترته .قال :فما شكر الذني؟ قال :إن
سعت ب ما خيًا وعي ته ،وإن سعت ب ما شرًا دفع ته .قال :ف ما ش كر
اليدين؟ قال :ل تأخذ بما ما ليس لما ،ول تنع حقًا ل هو فيهما.
قال :ف ما ش كر الب طن؟ قال :أن يكون أ سفله طعامًا ،وأعله علمًا.
قال :ف ما ش كر الفرج؟ قال :قال ال تعال :وَالّ ذِي نَ هُ مْ لِفُرُوجِهِ مْ
ُمف غَيْرُ
ُمف فَإِنّ ه ْ
َتف أَيْمَانُه ْ
ِمف أَوْ مَا مَلَك ْ
ُونف * إِلّا عَلَى أَزْوَاجِه ْ
حَافِظ َ
مَلُومِيَ * فَمَ نِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِ كَ فَأُولَئِ كَ هُ مُ الْعَادُو نَ [الؤمنون:
]7 -5قال :فمـا شكـر الرجليـ؟ قال :إن علمـت ميتًـا تغبطـه
استعملت بما عمله ،وإن مقته رغبت عن عمله وأنت تشكر ال.
والرب تعال يمـد على إعطاء هذه الواس وهذه الوارح مـن
السمع والبصر واليدين والرجلي وإن قل ما ف يد صاحبها من الال
فهو غن ب ا .قال سلمان الفارسي رضي ال عنه :إن رجلً بسط له
من الدنيا فانتزع ما ف يده فجعل يمد ال ويثن عليه حت ل يكن له
فراش إل بارية .وبسط لخر من الدنيا فقال لصاحب البارية :أرأيتك
أنت على ما تمد ال؟ قال :أحده على ما أعطيت به ما أَعْطَى اللقُ
ل أعط هم إياه .قال :و ما ذاك؟ قال :أرأ يت ب صرك؟ أرأ يت ل سانك؟
أرأيت يديك؟ أرأيت رجليك؟
وجاء رجـل إل يونـس بـن عبيـد يشكـو ضيـق حاله ،فقال له
يونـس :أيسـرك ببصـرك هذه مائة ألف درهـم؟ قال :الرجـل :ل .قال
فبيد يك مائة ألف؟ قال :ل .قال :فبجل يك مائة ألف؟ قال :ل .قال:
فذكره نعـم ال عليـه .فقال يونـس :أرى عندك مئيـ اللوف وأنـت
تشكو الاجة؟!
و قد يزوي ال ب عض الدن يا عن عبده ويكون ذلك نع مة .قال
152 موضوعات صالة للخطب والوعظ
ولو يتق صّى ربنا ف الحاسبة على النعم لنفدت السنات بأقل نعمة
ف البدن؛ فإن أعمال العبد ل تواف نعمة من نعم ال عليه ،ولذا ف الديث
ـ رسـول ال؟ الصـحيح «لن ينجفي أحدًا منكفم عمله» قالوا :ول أنـت ي ا
قال« :ول أنا ،إل أن يتغمدن ال برحة منه وفضل» وكان أبو الغية إذا
قيل له :كيف أصبحت يا أبا ممد؟ قال :أصبحنا مغرقي بالنعم ،عاجزين
عن الشكر ،يتحبب إلينا ربنا وهو غن عنا ،ونتمقت إليه ونن متاجون.
وروى الريري عن معاذ بن جبل رضي ال عنه « :أن رسول ال أتى
على رجل وهو يقول :اللهم إن أسألك تام النعمة .فقال :ابن آدم! هل
تدري ما تام النع مة؟ قال :يا ر سول ال دعوة دعوة أر جو ب ا ال ي.
فقال :إن تام النعمة فوز من النار ودخول ف النة».
فأوصـيكم وإياي عباد ال بتقوى ال ،والشكـر عنـد النعماء.
وليحذر الؤمن من نسبة النعم إل غي ال ،أو يظن أنا حصلت بجرد
الصدفة ،أو يقول هذا بعملي وأنا مقوق به .قال أنس بن مالك رضي
ال عنه :ما من عبد توكل بعبادة ال إل عزم ال السموات والرض
ت عب رز قه فجعله ف أيدي ب ن آدم يعملو نه ح ت يد فع ع نه إل يه ،فإن
العبدَ قبله أوجـب عليـه الشكـر ،وإن أباه وجـد الغنـ الميـد فقراء
يأخذون رزقه ويشكرونه له.
السفمَاوَا ِ
ت َقف ّ ّهف اّلذِي َخل َ أعوذ بال مـن الشيطان الرجيـم الل ُ
خ َرج ِب ِه ِم َن الّث َمرَا تِ ِر ْزقًا َل ُك ْم وَ َس ّ
سمَا ِء مَاءً فََأ ْخ َر َض َوَأنْ َزلَ مِ نَ ال ّوَاْلَأ ْر َ
خ َر َلكُ ُم
خرَ َل ُك مُ اْلأَْنهَارَ * وَ َس ّ ح ِر ِبَأمْ ِر ِه َو َس ّ
ي فِي اْلَب ْ ج ِر َ لَ ُك ُم اْل ُف ْل كَ ِلَت ْ
خ َر لَ ُك مُ الّلْي َل وَالّنهَارَ * َو َآتَاكُ ْم ِم نْ ُك ّل مَا س وَاْل َق َمرَ دَاِئَبْي نِ َو َس ّ
ش ْم َ ال ّ
ف
ف لَا ُتحْصفُوهَا إِنّف الِْإنْسفَا َن َل َظلُوم ٌ ف َت ُعدّوا ِن ْع َم َة اللّه ِ
فَأْلُتمُو ُه َوإِن ْ سَ
154 موضوعات صالة للخطب والوعظ
الطبة الثانية
ال مد ل الذي و عد الشاكر ين بالزيادة ،فقال :لَئِ نْ شَكَرْتُ مْ
لَأَزِيدَنّ كُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم.]7 :
وأشهد أن ل إله إل ال الول الميد.
وأش هد أن ممدًا عبده ور سوله القائل« :إذا أ حب أحد كم أن
يرى قدر نعمة ال عليه فلينظر إل من تته ول ينظر إل من فوقه»
اللهـم صـل وسـلم على عبدك ورسـولك ممـد وعلى آله وأصـحابه
الشاكرين ف السراء والضراء.
أ ما ب عد :عبدال :ل قد كان لل سلف ال صال الن صيب الو فر من
الشكر والتقدير للنعم ،ومعرفة أنواعها كان ال سن البصري إذا ابتدأ
حدي ثه يقول :ال مد ل ،الل هم رب نا لك ال مد ب ا خلقت نا ،ورزقت نا،
وهديتنـا ،وعلمتنـا ،وأنقذتنـا ،وفرجـت عنـا ،لك المـد بالسـلم،
والقرآن ،ولك ال مد بال هل والال والعافاة ،كَبَتّ عدو نا ،وب سطت
رزق نا ،وأظهرت أمن نا ،وج عت فرقت نا ،وأح سنت معافات نا ،و من كل
ما سألناك ربنا أعطيتنا؛ فلك المد على ذلك ح دًا كثيًا ،لك المد
بكل نعمة أنعمت ب ا علينا ف قدي أو حديث ،أو سر أو علنية ،أو
خاصة أو عامة ،أو حي أو ميت ،أو شاهد أو غائب ،لك المد حت
ترضى ،ولك الشكر إذا رضيت.
موضوعات صالة للخطب والوعظ 155
الصب ،وجوبه،
وأنواعه ،ونتائجه
« :وما أعطي أحد عطاءً ب ا صلح شأن ا وقوام أمرها ،قال النب
خيًا وأوسع من الصب».
وقال عمـر بـن الطاب رضـي ال عنـه :وجدنـا خيـ عيشنـا
بالصب.
و«النففس» مطيـة العبـد التـ يسـي عليهـا إل النـة أو النار،
وال صب ل ا بنلة الطام والزمام ،فإن ل ي كن للمط ية خطام ول زمام
شردت ف كل مذ هب .ح فظ من خ طب الجاج أ نه قال :اقدعوا
هذه النفوس فإناـ طل عة إل كل سوء ،فر حم ال امرءًا ج عل لنف سه
خطامًا وزمامًا ،فقاد ها بطام ها إل طا عة ال ،و صرفها بزمام ها عن
معاصي ال؛ فإن الصب عن مارم ال أيسر من الصب على عذابه.
« والنفس ل ا قوتان» :قوة القدام ،وقوة الحجام .فحقيقة الصب
أن ي عل قوة القدام م صروفة إل ما ينف عه ،وقوة الحجام إم ساكًا ع ما
يضره .ولنسـان فـ معترك الياة بيـ جيشيـ :جيـش الديـن ،وجيـش
الوى فإمـا أن يكون القهـر والغلبـة لداعـي الديـن فيد جيـش الوى
مفلولً ،وهذا إنا يصل إليه بدوام الصب ،والواصلون إل هذه الرتبة هم
النصورون ف الدنيا والخرة ،وهم الّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللّهُ ثُمّ اسْتَقَامُوا
ُصـلَت ]30 :وهـم الذيـن تقول لمـ اللئكـة عنـد الوت :أَلّا [ف ّ
ف
ف * نَحْن ُ ف تُوعَدُون َ تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنّةِ الّتِفي كُنْتُم ْ
أَوْلِيَاؤُكُ مْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ [ف صلت ]31 ،30 :و هم
الذين جاهدوا ف ال حق جهاده .وإن كانت القوة والغلبة لداعي الوى
سقط منازعُه باع ثُ الد ين بالكل ية ،وا ستسلم البائس للشيطان وجنده،
فيقودونه حيث شاءوا ،ويكون من جندهم وأتباعهم ،وهذه حال العاجز
158 موضوعات صالة للخطب والوعظ
الضعيـف ،أو يصـي الشيطان وجنده مـن أعوانـه .وهذه حال الفاجـر
القوي التسـلط ،والبتدع الداعيـة التبوع ،وهؤلء هـم الذيـن غلبـت
عليهم شقوت م واشتروا الياة الدنيا بالخرة .وإن ا صاروا إل هذا ل ا
أفلسوا من الصب.
أو يكون الرب سـجالً ودولً بيـ النديـن فتارة له ،وتارة
عل يه ،وتك ثر نوبات النت صار وت قل ،وهذه حال أك ثر الؤمن ي الذ ين
خلطوا عملً صالًا وآخر سيئًا .وتكون الال يوم القيامة موازنة لذه
الحوال الثلث .فمن الناس من يدخل ال نة ول يدخل النار ،ومنهم
من يد خل النار ول يد خل ال نة ،ومن هم من يد خل النار ث يد خل
النة.
و«الن سان» ل ي ستغن عن ال صب ف حال من الحوال؛ فإ نه
ب ي أ مر ي ب عل يه امتثاله وتنفيذه ،ون ي ي ب عل يه اجتنا به وتر كه،
وقدر يري عليه بغي اختياره ،ونعمة يب عليه شكر النعم با.
فأمـا «المفر» الذي يبـ عليـه امتثاله وتنفيذه فهـو الطاعـة،
والع بد متاج إل ال صب علي ها؛ لن الن فس بطبع ها تن فر عن كث ي من
العبود ية -أ ما ف «ال صلة» فل ما ف ط بع الن فس من الك سل وإيثار
الراحة ،ول سيما إذا اتفق مع ذلك قسوة القلب ،ورين الذنب ،واليل
إل الشهوات ،ومالطـة أهـل الغفلة ،فل يكاد العبـد مـع هذه المور
وغيهـا أن يفعلهـا ،وإن فعلهـا مـع ذلك كان متكلف ًا غائب القلب
ذاهلً عن ها طالبًا لفراق ها .وأ ما «الزكاة» فل ما ف ط بع الن فس من
الشح والبخل ،وكذلك «الج ،والهاد» للمرين جيعًا.
ويتاج الع بد هه نا إل ال صب ق بل الشروع في ها بت صحيح الن ية
موضوعات صالة للخطب والوعظ 159
الطبة الثانية
المد ل العلي الكبي ،السميع البصي ،وأشهد أن ل إله إل ال
وحده ل شريك له يسبح له ما ف السموات وما ف الرض له اللك
وله ال مد وهو على كل شيء قدير .وأشهد أن ممدًا عبده ورسوله
وخيتـه مـن بريتـه ،وأعلهـم عنده منلة ،بلغ رسـالة ربـه ،وصـدع
بأمره ،وقام ل بال صب والش كر حق القيام ح ت بلغ رضاه ،صلى ال
عليه وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هداه.
أمـا بعـد :فيـا عباد ال :اتقوا ال تعال -وتقواه :فعـل مـا أمـر،
وترك ما ح ظر ،وال صب على ما قدّر -واعلموا أن الن صر مع ال صب،
والفرج مع الكرب ،واليسر مع العسر؛ وأن الصب أنصر لصاحبه من
الرجال بل عدة ول عدد ،ومله من الظفر كمحل الرأس من ال سد،
و قد ضمن الو ف الصادق لهله ف م كم الكتاب ،أن يوفيهم أجرهم
بغي حساب ،وأخب أنه معهم بنصره فقال وَا صْبِرُوا إِنّ اللّ هَ مَ عَ
ال صّابِرِينَ [النفَال ]46 :فظ فر ال صابرون بذه الع ية ب ي الدن يا
والخرة ،وفازوا باـ بنعمـه الباط نة والظاهرة ،وخصـهم بالدايـة دون
من سواهم أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبّ هِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُهْتَدُونَ [البَقَرَة ]157 :فاصبوا وصابروا.
و من ل ي كن ال صب خُلُقًا له ومَلَكَةً فتكلّفـه وا سْتَدْعاه وزَاوَلَه
صار سجية له وطبيعة ،كما ف الديث عن النب أنه قال« :ومن
يتصففب يصففبه ال» كمــا أنــه ل يزال يتكلف اللم والوقار
162 موضوعات صالة للخطب والوعظ
وذكر فيها :أن في المراض نحو مائة فائدة .ثم قال :وأما انتفاع القلب والروح
باللم والمراض فل يحككس بككه إل مككن فيككه حياة ،فصككحة القلوب والرواح
موقوفكة على آلم البدان ومشاقهكا ،وأن اللذة والسكرور والخيكر والنعكم والعافيكة
والصكحة فكي هذه الدار المملوءة بالمحكن والبلء أكثكر مكن أضدادهكا بأضعاف
مضاعفكة ،فأيكن إيلم الحيوان مكن لذتكه؟ وأيكن سكقمه مكن صكحته؟ وأيكن جوعكه
وعطشكه مكن شبعكه وريكه؟ وتعبكه مكن راحتكه ،قال ال تعالىَ :فإِنّ مَعَه ا ْلعُسْه ِر
سرًا [الشرح ،]6 ،5 :فآلم الدنيا جميعها نسبتها إلى س ِر ُي ْ
سرًا * ِإنّ َم َع ا ْل ُع ْ
ُي ْ
آلم الخرة أقكل مكن نسكبة ذرة إلى جبال الدنيكا بكثيكر ،وكذلك لذات الدنيكا .وال
سكبحانه لم يخلق اللء واللذات سكدى ...ككل واحدة منهمكا تثمكر الخرى -فلو
كان النسكان وغيره مكن الحيوان ل يجوع ول يعطكش ول يتألم فكي عالم الكون
والفسكاد لم يككن حيوانًا ،ولكانكت هذه الدار دار بقاء ولذة مطلقكة كاملة ،وال لم
يجعلهكا كذلك ،وإنمكا جعلهكا دارًا ممتزجًا ألمهكا بلذتهكا ،وسكرورها بأحزانهكا،
ونعمها وصحتها بسقمها حكمة بالغة( .شفاء العليل ص .)250 ،249
موضوعات صالة للخطب والوعظ 163
أســـــــــــــــــــــــــــست
اللة ،ونصـبت القبلة ،وجردت سـيوف الهاد ،وهـي مضـ حـق ال
على العباد ،و هي الكل مة العا صمة للدم والال والذر ية ف هذه الدار،
والنج ية من عذاب ال قب وعذاب النار ،و هي النشور الذي ل يد خل
أ حد ال نة إل به ،وال بل الذي ل ي صل إل ال إل من تعلق ب سببه،
وبا انقسم الناس إل شقي وسعيد ،ومقبول وطريد ،وبا انفصلت دار
الكفـر عـن دار السـلم ،وتيزت دار النعيـم مـن دار الشقاء والوان،
و هي العمود الا مل للفرض وال سنة« ،و من كان آ خر كل مه ل إله
إل ال دخل النة».
عباد ال :إن روح هذه الكلمة وسرها إفراد الرب جل ثناؤه بالحبة
والتعظيـم والوف والرجـا وتوابـع ذلك مـن التوكـل والنابـة والرغبـة
والرهبة -فل يب سواه الحبة القتضية للذل والضوع -بل كل ما كان
يب فإنا هو تبع لحبته ووسيلة إل مبته -ول ياف سواه ،ول يتوكل
إل عليه ،ول يرغب إل إليه ،ول يرهب إل منه ،ول يلف إل باسه ،ول
ينذر إل له ،ول يتاب إل إليه ،ول يطاع إل أمره ،ول يتسب إل به ،ول
يستعان ف الشدائد إل به ،ول يلتجأ إل إليه ،ول يركع إل له ،ول ينحن
إل له ،ول يذ بح إل له وبا سه -ويت مع ذلك ف عبارة واحدة و هي «أن
ل يعبد بميع أنواع العبادة إل هو سبحانه».
واعلموا عباد ال أن ل إله إل ال ل تن فع قائل ها إل ب عد معر فة
معنا ها ،والع مل بقتضا ها ،وال سلمة م ا يناقض ها -ل بد ف شهادة ل
إله إل ال من اعتقاد بالنان ،ون طق بالل سان ،وع مل بالركان ،فإن
اختل واحد من هذه الثل ثة ل يكن الرجل مسلمًا -فإذا كان مسلمًا
موضوعات صالة للخطب والوعظ 165
الطبة الثانية
المد ل نمده ونستعينه ...
أمـا بعـد :فيـا عباد ال اتقوا ال تعال وسـارعوا إل مغفرة مـن
رب كم وج نة عرض ها ال سموات والرض أعدت للمتق ي الذ ين قاموا
بواجب ل إله إل ال؛ فمن نفى ما نفته وأثبت ما أثبتته ووال عليها
وعادى رفعته إل أعلى عليي منازل أَهل ل إله إل ال.
أخرج البخاري ف صحيحه عن قتادة قال :حدثنا أنس بن مالك
أن النب ومعاذ بن جبل رضي ال عنه رديفه على الرحل قال « :يا
معاذ» قال :لب يك يا ر سول ال و سعديك قال ا ثلثًا .قال « :ما من
أ حد يش هد أن ل إله إل ال وأن ممدًا ر سول ال صدقًا من قل به
إل حرم ال تعال عل يه النار» .قال :يا ر سول ال :أفل أ خب الناس
فيسـتبشروا؟ قال« :إذًا يتكلوا» اللهـم اجعلنـا منـ يقوم بأركان
السـلم ،ول تعل نا منـ يكت في ف السـلم بالن ساب ،ونعوذ بك
اللهـم مـن الشرك ومـن اللاد ،ونسـألك السـتقامة على التوحيـد
والطاعة والسداد( .)1
إن أحسن الديث...
() المرجع :الجواب الكافي ص( )174ومن خطب أئمة الدعوة. 1
موضوعات صالة للخطب والوعظ 169
شيء ،ف كبيائه السموات وما أظلت ،والرض وما أقلت ،والعوال
كلها ،عنت له الوجوه ،وخضعت له الرقاب ،وذلت له البابرة ،قاهر
فوق عباده ،نا ظر إلي هم ،عال باـ ت كن صدورهم ،ي سمع كلم هم،
ويرى مكانم ،ل يفى عليه خافية من أمرهم( .)1
ثـ أخـذ فـ تسـبيحه وحده وذكره تبارك اسـه وتعال جده
وتفرده باللية( .)2
ث أخذ ف الثناء عليه بأفضل ما يثن عليه به :من حده ،وذكر
ربوبي ته للعال ،وإح سانه إلي هم ،ورح ته ب م ،وتجيده باللك الع ظم
ف اليوم الذي ل يكون ف يه مَلِ كٌ سواه ح ي ي مع الول ي والخر ين
ف صعيد وا حد ويَدِينُ هم بأعمال م .ث أفرده بنو عي التوح يد :توح يد
ربوبيته استعانة به ،وتوحيد إليته عبودية له .ث سؤال أفضل مسئول
وأعلى مطلوب على الطلق -وهـو هدايـة الصـراط السـتقيم الذي
نصبه ل نبيائه ورسله وأتباعهم ،وجعله صراطًا موصلً ل ن سلكه إليه
وإل جنته ،وأنه صراط من اختصهم بنعمته بأن عرفهم الق وجعلهم
متبعيـ له ،دون صـراط أمـة الغضـب الذيـن عرفوا القـ ول يتبعوه،
وأهل الضلل الذين ضلوا عن معرفته واتباعه( .)3
() هذا فكي سكورة الفاتحكة كمكا هكو واضكح لكثكر المصكلين .فتضمنكت الفاتحكة: 3
الطبة الثانية
المـد ل الكيـم العليـم ،وأشهـد أن ل إله إل ال وحده ل
شر يك له إله الول ي والخر ين ،وأش هد أن ممدًا عبده ور سوله إمام
ال غر الحجل ي .الل هم صل و سلم على عبدك ور سولك م مد ،وعلى
آله وأصحابه والتابعي لم بإحسان إل يوم الدين.
أمـا بعـد :فيـا عباد ال -وتأملوا كـم فـ الطهارة مـن حكمـة
ومنفعة للقلب والبدن ،وتفريح للقلب ،وتنشيط للجوارح ،وتفيف لا
ألقاه عـز النفـس مـن درن الخالفات -فهـي منظفـة للقلب والروح
والبدن .وفـ غسـل النابـة مـن زيادة النعومـة والخلف على البدن
نظيـ مـا تلل منـه بالنابـة مـا هـو مـن أنفـع المور .وتأملوا كون
الوضوء ف الطراف الت هي مل الكسب والعمل -فجعل ف الوجه
الذي ف يه ال سمع والب صر والكلم وال شم والذوق ،وهذه الرب عة هي
أبواب العاصي والذنوب كلها منها يدخل إليها .ث جعل ف اليدين:
وها طرفاه وجناحاه اللذان بما يبطش ويأخذ ويعطي .ث ف الرجلي
اللت ي ب ما ي شي وي سعى .ول ا كان غ سل الرأس م ا ف يه أع ظم حرج
ومشقـة جعـل مكانـه السـح ،وجعـل ذلك مرجًا للخطايـا مـن هذه
الواضع حت يرج مع قطر الاء من شعره وبشره.
وف صحيح مسلم عن عثمان بن عفان رضي ال عنه قال :قال
ر سول ال « :من تو ضأ فأح سن الوضوء خر جت خطاياه ح ت
ترج من ت ت أظفاره» فهذا من أجلّ ح كم الوضوء وفوائده .و هو
سيما هذه المـة وعلمت هم ف وجوه هم وأطراف هم يوم القيا مة ب ي
المـم .ولاـ كا نت الشهوة تري ف جيـع البدن ح ت إن تتـ كل
176 موضوعات صالة للخطب والوعظ
الصراط الستقيم
والاجة الاسة إل سؤاله
أشرفـ الواهـب ،وحاجةُ العباد إليهـا أعظـم مـن َ الطالب ،ونيلُهـا
حاجتهم إل الطعام والشراب والواء ،والكساء والدواء ،أمرنا ال بل
فرض علي نا أن ن سأله إيا ها ف أف ضل أحوال نا و هي «ال صلة» مرات
متعددة ف اليوم والليلة قائلي :اهْدِنَا ال صّ رَاطَ الْمُ سْتَقِيمَ * صِرَاطَ
ِمف وَلَا الضّالّي َ
ُوبف عَلَيْه ْ
ِمف غَيْرِ الْمَغْض ِ
ْتف عَلَيْه ْ
ِينف أَنْعَم َ
الّ ذ َ
«والصـراط السـتقيم» هـو الطريـق الواضـح الذي ل اعوجاج فيـه.
والدا ية إل يه هي البيان والدللة ،ث التوف يق واللام -وبعبارة أب سط:
هي تعريف ما ل نعلمه من الق تفصيلً وإجالً ،وإلامنا له ،وجعلنا
مريد ين لتبا عه ظاهرًا وباطنًا ،ث خلق القدرة ل نا على القيام بو جب
الدى بالقول والعمـل والعزم ،ثـ إدامـة ذلك لنـا وتثبيتنـا عليـه إل
الوفاة؛ فإن الجهول لنـا مـن القـ أضعاف العلوم .ومـا ل نريـد فعله
تاونًا وك سلً م ثل ما نريده أو أك ثر م نه أو دو نه .و ما ل نقدر عل يه
ماـ نريده كذلك .ومـا نعرف جلتـه ول نتدي لتفاصـيله فأمـر يفوت
ال صر .ون ن متاجون إل الدا ية التا مة .ف من كملت له هذه المور
كان سؤال الداية له سؤال التثبيت والدوام.
صِرَاطَ الّ ذِي نَ أَنْعَمْ تَ عَلَيْهِ مْ ن به سبحانه على الرف يق ف
هذا الطر يق أن م الذ ين أن عم علي هم من ال نبيي وال صديقي والشهداء
وال صالي ،ليزول عن الطالب للهدا ية و سلوك الطر يق وحشةُ تفرده
عن أ هل زمانه وب ن جن سه ،فل يكتر ثْ بخال فة النا كبي عنه ،فإن م
القلون قدرًا ،وإن كانوا الكثـر عددًا .وتصـيصه لهـل الصـراط
الستقيم بالنعمة يدل على أن النعمة التامة الطلقة هي الوجبة للفلح
الدائم ،وهي نعمة السلم والسنة وهي لهل اليان.
موضوعات صالة للخطب والوعظ 179
() وكان بعض السلف يقولون :من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ،ومن 1
فسككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككد مككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككككن
عبادنكا ففيكه شبكه مكن النصكارى .وهذا كمكا قالوا؛ مكن فسكد مكن العلماء فاسكتعمل
أخلق اليهود مكن تحريكف الكلم عكن مواضعكه وكتمان مكا أنزل ال إذا كان فيكه
فوات غرضكه وحسكده مكن آتاه ال مكن فضله وطلب قتله وقتكل الذيكن يأمرون
بالقسط.
وأما من فسد من العباد فعبد ال بمقتضى هواه ل بما بعث به رسوله وغل
فكي الشيوخ فأنزلهكم منزلة الربوبيكة وجاوز ذلك إلى نوع مكن الحلول والتحاد
فشبهه بالنصارى ظاهر (بدائع ج .)2/30
182 موضوعات صالة للخطب والوعظ
إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن لتَتّبع كل أمة ما كانت تعبد ،فل يبقى
أحـد كان يعبـد غيـ ال مـن الصـنام والنصـاب إل يتسـاقطون فـ
النار ،ح ت إذا ل ي بق إل من كان يع بد ال من بر وفا جر وغُبّ رِ أ هل
الكتاب( )1فيدعى اليهود فيقال لم :ما كنتم تعبدون؟ قالوا :كنا نعبد
عزيرًا ا بن ال .فيقال :كذب تم ما ات ذ ال من صاحبة ول ولد ،فماذا
تبغون؟ قالوا :عطشنـا يـا ربنـا فأسـقنا ،فيشار إليهـم أل تردون
فيحشرون إل جه نم كأن ا سراب ي طم بعض ها بعضًا فيت ساقطون ف
النار .ث يدعى النصارى فيقال لم :ما كنتم تعبدون؟ قالوا :كنا نعبد
ال سيح ابن ال .فيقال ل م :كذبتم ،ما ات ذ ال من صاحبة ول ولد،
فماذا تبغون؟ فيقولون :عطشنا يا ربنا فأسقنا ،فيشار إليهم أل تردون
فيحشرون إل جه نم كأن ا سراب ي طم بعض ها بعضًا فيت ساقطون ف
النار( .)2
إِنّ كُ مْ وَمَا تَعْبُدُو نَ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ حَ صَبُ جَهَنّ مَ أَنْتُ مْ لَهَا
وَارِدُو نَ * لَوْ كَا نَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلّ فِيهَا خَالِدُو نَ *
لَهُ مْ فِيهَا زَفِيٌ وَهُ مْ فِيهَا لَا يَ سْمَعُونَ * إِنّ الّ ذِي نَ سَبَقَتْ لَهُ مْ مِنّ ا
الْحُ سْنَى أُولَئِ كَ عَنْهَا مُبْعَدُو نَ * لَا يَ سْمَعُونَ حَ سِيسَهَا وَهُ مْ فِي مَا
ُمف
َعف الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقّاه ُ
ُمف الْفَز ُ
ُونف * لَا يَحْزُنُه ُ
ُسفهُمْ خَالِد َ َتف أَنْف ُ
اشْتَه ْ
ف [النـبياء-98 : ف تُوعَدُون َ ف الّ ذِي كُنْتُم ْ
الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُم ُ
]103إن أحسن ...
() مفتاح دار السككككككعادة ج( ،)2/21البدائع ج( )34 ،32 ،30 ،2/29اجتماع 2
النوعين.
موضوعات صالة للخطب والوعظ 187
ما ل يدع بإث ،أو قطيعة رحم ،ما ل يستعجل .قيل يا رسول ال :ما
الستعجال؟ قال :يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب ل
فيتحسر عند ذلك ويدع الدعاء».
ـر هه ـ على ـع الدعاء حضور القلب ،وحصـ ـع مـوإذا اجتمـ
الطلوب ،وصـادف وقت ًا مـن أوقات الجابـة السـتة -وهـي :الثلث
الخيـ مـن الليـل ،أو عنـد الذان ،أو بيـ الذان والقامـة ،أو أدبار
الصلوات الكتوبات ،أو عند صعود المام يوم المعة على النب حت
تق ضى ال صلة ،أو آ خر ساعة ب عد الع صر من ذلك اليوم -و صادف
خشوعًا فـ القلب ،وانكسـارًا بيـ يدي الرب وذلً وتضرعًا ورقـة،
وا ستقبل الدا عي القبلة ،وكان على طهارة ،ور فع يد يه إل ال ،وبدأ
بمـد ال والثناء عل يه ،ث ث ن بال صلة على ال نب ،ث قدم ب ي يدي
حاجتـه التوبـة والسـتغفار ،ثـ دخـل على ال وأل عليـه فـ الدعاء،
وتو سل إل يه بأ سائه و صفاته وتوحيده ،وقدم ب ي يدي دعائه صدقة؛
فإن هذا الدعاء ل يكاد يرد أبدًا ،ل سـيما إذا صـادف الدعيـة التـ
أخب النب أنا مظنة الجابة أو أنا متضمنة للسم العظم.
ومنها ما ف السنن وصحيح أب حات عن أنس رضي ال عنه ،
أنه كان مع رسول ال جال سًا ورجل يصلي ،ث دعا فقال :اللهم
أن أسألك بأن لك المد ل إله إل أنت ،أنت النان ،بديع السموات
والرض ،يا ذا اللل والكرام ،يا حي يا قيوم.
فقال ال نب « :ل قد د عا ال با سه العظ يم الذي إذا د عي به
أجاب وإذا سئل به أعطى» .وف الصحيحي من حديث ابن عباس أن
رسول ال كان يقول عند الكرب« :ل إله إل ال العظيم الليم،
188 موضوعات صالة للخطب والوعظ
() ألقاه بختنصر على أسدين ضراهما فيما رواه ابن أبي الدنيا. 1
190 موضوعات صالة للخطب والوعظ
ولغيه ،أو ينذرون ل ولغيه ،أو يرجون أو يافون معـه غيه :فقـد
جاءوا بأع ظم أ سباب م نع إجا بة الدعاء و هو الشرك ال كب ،والذ نب
الذي ل يغفر.
وأمـا الذيـن منعهـم السـتكبار عـن عبادة ال ودعائه وطاعتـه
فيسـجازون بالزاء الفظيـع ،وهـو دخول جهنـم صـاغرين ،ذليليـ؛
حقييـن .روى المام أحدـ بسـنده عـن النـب قال« :يشفر
الت كبون يوم القيا مة أمثال الذر ف صور الناس يعلو هم كل ش يء
من الصغار حت يدخلوا سجنًا ف جهنم يقال له بولس ،تعلوهم نار
النيار ،يسفقون مفن طينفة البال عصفارة أهفل النار » أعاذنـا ال
وإياكم منها بنه وكرمه.
ـم بالتقرب إل رب العالي ـ وطلب فاتقوا ال عباد ال وعليهـ
مرضاته بعبادته ودعائه والبعد عن الشراك به .أعوذ بال من الشطيان
الرجيم :وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِي بٌ أُجِي بُ دَعْوَةَ الدّا عِ
إِذَا دَعَا نِ فَلْيَ سْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلّ هُ مْ يَرْشُدُو نَ [البَقَرَة:
]186بارك ال ...
الطبة الثانية
المـد ل ميـب دعوة الضطـر إذا دعاه ،جابر النكسـر إذا لذ
بماه.
وأشهـد أن ل إله إل ال وحده ل شريـك له أعبده ،ول أعبـد
معـه سـواه .وأشهـد أن ممدًا عبده ورسـوله بصـر اللق بأسـباب
ال سعادة والنجاة ،وحذر هم من كل ما ي سخط الرب ويأباه .الل هم
192 موضوعات صالة للخطب والوعظ
صـل وسـلم على عبدك ورسـولك ممـد ،وعلى آله وأصـحابه الذيـن
صدقوا ال ف القول والعمل -فكم منهم من دعا فاستجاب ال دعاه،
وما ادخر لم ف الخرة من النعيم ل يعلم عدده وقدره إل ال.
أمـا بعـد :فيـا عباد ال أوصـيكم وإياي بتقوى ال ،والخـذ
بأ سباب إجابة الدعاء ،والذر من موجبات رده -قرأ ب عض الصحابة
سورة الفاتة على لديغ فشفي ف الال ،وما ذاك إل لكتمال أسباب
إجابة الدعاء.
مر إبراهيم بن أدهم الزاهد العروف بسوق البصرة فاجتمع عليه
الناس ،فقالوا له :يا أبا إسحاق :ما لنا ندعو فل ي ستجاب لنا؟ قال:
لن قلوب كم ما تت بعشرة أشياء :عرف تم ال فلم تؤدوا ح قه ،وادعي تم
أن كم تبون ر سول ال وترك تم سنته ،وقرأ ت القرآن فلم تعملوا به،
وأكلتـم نعمـة ال ول تؤدوا شكرهـا ،وقلتـم :إن الشيطان عدوكـم
ووافقتموه ،وقلتم :إن النار حق ول تربوا منها ،وقلتم :إن النة حق
ول تعملوا لا ،وقلتم :إن الوت حق ول تستعدوا له ،وإذا انتبهتم من
النوم اشتغلتـم بعيوب الناس ونسـيتم عيوبكـم ،ودفنتـم موتاكـم ول
تعتبوا بم( . )1اهـ.
الل هم اجعل نا م ن ي ستمعون القول فيتبعون أح سنه أولئك الذ ين
هداهم ال وأولئك هم أولو اللباب .إن أحسن الديث ...
ارتفعت هته عن العتناء با وجعلها معبود قلبه الذي إليه يتوجه وله يرضى،
ويغضب ويسعى ،ويكدح ويوال ويعادي ،كما جاء ف السند عن الضحاك
ر ضي ال ع نه أن ر سول ال قال له « :يا ضحاك ما طعا مك؟» قال يا
رسول ال :اللحم واللب .قال« :ث يصي إل ماذا؟» قال :إل ما قد علمت.
ل للدنيا» ،وف
قال« :فإن ال تبارك وتعال ضرب ما يرج من ابن آدم مث ً
السند أيضًا عن أب بن كعب قال :قال رسول ال « :إن مطعم ابن آدم
ح ُه فانظروا إل ما يصي» «وإن قزحه» أي جعل مثل للدنيا وإن َق ّزحَه َو َمّل َ
وضع فيه البازير.
وأن فع التف كر يا عباد ال التف كر ف القرآن فل ش يء أن فع للقلب من
قراءة القرآن بالتفكـر والتدبر؛ فإنـه جامـع لميـع منازل السـائرين ،وأحوال
العامليـ ،ومقامات العارفيـ ،وهـو الذي يورث الحبـة والشوق ،والوف
والرجاء ،والنابة ،والتوكل ،والرضا ،والتفويض ،والشكر ،والصب ،وسائر
الحوال التـباـحياة القلب وكماله .وكذلك يزجـر عـن جيـع الصـفات
والفعال الذمو مة ال ت با ف ساد القلب وهلكه .فلو علم الناس ما ف قراءة
القرآن بالتدبر لشتغلوا با عن كل ما سواها -فإذا قرأه بتفكر حت مر بآية
وهـو متاج إليهـا فـشفاء قلبـه كررهـا ولو مائة مرة ،ولو ليلة؛ فقراءة آيـة
بتفكر وتفهم خي من قراءة ختمة بغي تدبر وتفهم ،وأنفع للقلب ،وأدعى
إل ح صول اليان ،وذوق حلوة القرآن .وهذه كانـت عادة ال سلف وقـد
ث بت عن ال نب «أ نه قام بآ ية يردد ها ح ت ال صباح و هي قولهِ :إ ْن
حكِي ُم [الَائدة: ت اْل َعزِي ُز اْل َ
ك َأْن َ
ُت َع ّذْب ُه ْم َفِإّن ُه ْم ِعبَا ُد َك َوِإ ْن َت ْغ ِف ْر َل ُه ْم َفِإّن َ
.»]118
وقال ابـن مسـعود رضـي ال عنـه« :ل تذوا القرآن هذا الشعـر
196 موضوعات صالة للخطب والوعظ
ول تنثروه نثـر الدقـل ،وقفوا عنـد عجائبـه ،وحركوا بـه القلوب ،ل
يكن هم أحدكم آخر السورة» .وقال ال سن رح ه ال :أنزل القرآن
ليع مل به فاتذوا تلو ته عملً .فالقرآن يد عو إل أن يتف كر الن سان
ف صفات نف سه ليتم يز له الحبوب لر به من ها من الكروه له ،ويد عو
إل التفكر ف صفات معبوده وأفعاله وأحكامه.
عباد ال ك ما أن الف كر هو أ صل كل طا عة فكذلك هو أ صل
كل مع صية -فالع صية إناـ تدث من جا نب الفكرة -فإن الشيطان
يصـادف أرض القلب خاليـة فار غة فيبذر في ها حـب الفكار الرد ية،
فيتولد م نه الرادات والعزوم ،فيتولد من ها الع مل .فإذا صادف أرض
القلب مشغولة ببذر الفكار الناف عة في ما خلق له وفي ما أ مر به وفي ما
هييـء له وأعدّ له مـن النعيـم القيـم أو العذاب الليـم ل يدـ لبذره
موضعًا .والكب يا عباد ال من أسباب منع التفكر ،قال السن رحه
ُونف فِي
ِينف يَتَكَبّ ر َ
ِيف الّ ذ َ
َنف آَيَات َ
سفأَصْرِفُ ع ْ
ال فـ قول ال َ :
الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ [العرَاف ]146 :قال أمنعهم التفكر فيها.
فاتقوا ال عباد ال وعلي كم بالتدبر لكتاب ال والع مل به لتنالوا
مبـة ال والقرب منـه والفوز برضاه يوم لقاه .أعوذ بال مـن الشيطان
الرج يم كِتَا بٌ أَنْزَلْنَا هُ إِلَيْ كَ مُبَارَ كٌ لِيَدّ بّ رُوا آَيَاتِ هِ وَلِيَتَذَكّ رَ أُولُو
الْأَلْبَابِ [ص ]29 :بارك ال ل ولكم ف القرآن العظيم ...
الطبة الثانية
المد ل الذي أنزل على عبده الكتاب ول يعل له عوجا ،قيمًا
لينذر بأسًا شديدًا من لدنه ويبشر الؤمني الذي يعملون الصالات أن
لم أجرًا حسنًا ،ماكثي فيه أبدًا.
موضوعات صالة للخطب والوعظ 197
() مفتاح دار السعادة ص ( )197 ،193 ،187 ،184مدارج ص (.)451 1
198 موضوعات صالة للخطب والوعظ
وساوس الشيطان،
وشروره ،وما يعتصم به منها
المات :يو سوس إل يه ،وي طر الذ نب بباله في صوره له وين يه ،ويشهيه
في صي «شهوة» .ويزين ها له وي سنها وييل ها له ف خيال ت يل نف سه
إليه فيصي «إرادة» ث ل يزال يثل وييل وين ويشهي ،وينسيه علمه
بضررهـا ،ويطوي عنـه سـوء عاقبتهـا ،فل يرى إل صـورة العصـية
والتذاذه ب ا ،فت صي الرادة «عزي ة» فيشتد الرص عليها من القلب،
فيب عث النود ف الطلب ،فيب عث الشيطان مددًا ل م وعونًا ،فإن فتروا
حركهـم ،وإن ونوا أزعجتهـم ،فل تزال بالعبـد تقوده إل الذنـب،
وتن ظم ش ل الجتماع عل يه بأل طف حيلة ،وأ ت مكيدة .قال عروة بن
رو ي« :إن ال سيح سأل ر به أن ير يه مو ضع الشيطان من ا بن آدم
فجلي له ،فإذا رأسـه رأس اليـة ،واضـع رأسـه على ثرة القلب ،فإذا
ذ كر الع بد ر به خ نس ،وإذا ل يذ كر و ضع رأ سه على ثرة قل به فمناه
وحدثه» .وف الصحيحي من حديث الزهري ،عن صفية بنت حيي،
قالت :كان رسول ال معتكفًا فأتيته أزوره ليلً ،فحدثته ،ث قمت
فانقلبت فقام معي ليقلبن ،وكان مسكنها ف دار أسامة بن زيد ،فمر
رجلن من النصار ،فلما رأيا النب أسرعا .فقال النب «على
رسفلكما ،إناف صففية بنفت حيفي » فقال :سـبحان ال يـا رسـول ال
فقال« :إن الشيطان يري من النسان مرى الدم ،وإن خشيت أن
يقذف ف قلوبك ما سوءًا» ،أو قال« :شرًا» و ف ال صحيح أيضًا عن
فلة أدبر ـول ال « :إذا نودي بالصف أب ـ هريرة ،قال :قال رسـ
الشيطان وله ضراط ،فإذا قضفى أقبفل ،فإذا ثوب باف أدبر ،فإذا
قضى أقبل حت ي طر بي النسان وقلبه ،فيقول :اذكر كذا اذكر
كذا ح ت ل يدري أثلثًا صلى أم أربعًا ،فإذا ل يدر ثلثًا صلى أم
200 موضوعات صالة للخطب والوعظ
عـن النـب أنـه ذكـر عنده رجـل نام ليلة حتـ أصـبح ،قال« :ذاك
رجل بال الشيطان ف أذنيه ،أو قال ف أذنه» رواه البخاري.
ومن شره أنه قعد لبن آدم بطرق الي كلها فما من طريق من
طرق اليـ إل والشيطان مرصـد عليـه ينعـه بهده أن يسـلكه ،فإن
خال فه و سلكه ثب طه ف يه وعو قه وشوش عل يه بالعارضات والقوا طع،
فإن عمله وفرغ منه قيض له ما يبطل أثره ويرده على حافرته.
ويكفـي مـن شره أنـه أقسـم بال ليقعدن لبنـ آدم صـراطه
ال ستقيم ،وليأتين هم من ب ي أيدي هم و من خلف هم و عن أيان م و عن
شائلهم.
ول قد بلغ شره أن أع مل الكيدة وبالغ ف اليلة ح ت أخرج آدم
من النة ،ث ل يكفه ذلك حت استقطع من أولده شرطه إل النار من
كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعي ،ث ل يكفه ذلك حت أعمل اليلة
فــ إبطال دعوة ال مــن الرض ،وقصــد أن تَكون الدعوة له،
وأن يع بد من دون ال ،ف هو ساع بأق صى جهده على إطفاء نور ال
وإبطال دعوتـه ،وإقامـة دعوة الشرك ،وموـ التوحيـد وأعلمـه مـن
الرض.
ويك في من شره أ نه ت صدى لبراه يم خل يل الرح ن ح ت رماه
قومـه بالنجنيـق فـ النار فرد ال كيده عليـه ،وجعـل النار على خليله
بردًا و سل مًا .وت صدى للم سيح ح ت أراد اليهود قتله و صلبه فرد
ال كيده ،وصان السيح ورفعه إليه .وتصدى لزكريا ويي حت قتل.
202 موضوعات صالة للخطب والوعظ
وإذاعتهـا .فإن عجـز الشيطان عـن هذه الرتبـة نقله إل الرتبـة الرابـع
و هي «ال صغائر» ال ت إذا اجتم عت فرب ا أهل كت صاحبها ،ك ما قال
ال نب « :إيا كم ومقرات الذنوب ،فإن م ثل ذلك م ثل قوم نزلوا
بفلة من الرض فجاء كل وا حد من هم بعود ح طب ح ت أوقدوا
نارًا عظيمفة فطبخوا واشتووا» أو كمـا قال « :ول يزال يسفهل
عل يه أ مر ال صغائر ح ت ي ستهي ب ا فيكون صاحب ال كبية الائف
منهفا أحْس َفنَ حالً منفه » .فإن أعجزه العبـد عـن هذه الرتبـة نقله إل
«الرتبة الامسة» وهي إشغاله بالباحات الت ل ثواب فيها ول عقاب بل
عاقبت ها فوت الثواب الذي ا ضع عل يه باشتغاله ب ا .فإن أعجزه الع بد عن
هذه الرت بة وكان حافظًا لوق ته شحيحًا به يعلم مقدر أنفا سه وانقطاع ها
وما يقابلها من النعيم والعذاب نقله إل «الرتبة السادسة» وهو أن يشغله
بالع مل الفضول ع ما هو أف ضل م نه ليز يح ع نه الفضيلة ،ويفو ته ثواب
العمل الفاضل .فإذا أعجزه العبد من هذه الراتب الست وأعي عليه سلط
عل يه حز به من ال نس وال ن بأنواع الذى والتكف ي والتضل يل والتبد يع
والتحذ ير م نه وق صد إخاله وإطفائه ،ليشوش عل يه قل به ،ويش غل بر به
فكره ،وليم نع الناس من النتفاع به ،فحينئذ يل بس الؤ من ل مة الرب
ول يضعها عنه إل الوت ،ومت وضعها أسر أو أصيب.
عباد ال :هذه إحدى صفات الشيطان الثلث (الوسواس) .وقد
و صفه ال بالناس الذي إذا ذ كر الع بد ال اننـس وتمـع وانق بض،
وإذا غ فل عن ذ كر ال الت قم القلب وأل قى إل يه الو ساوس ال ت هي
مبادئ الشر كله.
والذي يوسوس نوعان :إنس ،وجن .فالن :يوسوس ف صدور
204 موضوعات صالة للخطب والوعظ
الطبة الثانية
المد ل أمر بشكره وذكره ،أحده سبحانه ل أحصي ثناء عليه
بل هو تعال ك ما أث ن على نف سه ،وأش هد أن ل إله إل ال وحده ل
شريك له من توكل عليه واستعاذ به كان ف حفظه وحرزه .وأشهد
أن ممدًا عبده ورسوله أعانه على قرينه حت استسلم له وذلك معجزة
وعبة.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك ممد وعلى آله وأصحابه
وحزبه.
أمـا بعـد :فيـا عباد ال اتقوا ال تعال ،فتقواه هـي وصـيته
للوليـ والخريـن ،واعرفوا عدوكـم مـن صـديقكم فـ هذه الدار،
واعلموا أن ال تبارك وتعال الذي ابتلى النسـان بذا العدو الذي ل
يفارقه طرفة عي ،ول يدع أمرًا يكيده به ويقدر على إيصاله إليه إل
أوصله إليه -ويقول لعوانه من الن والنس :دونكم عدوكم وعدو
أبيكم ل يفوتكم ،ل يكون حظه النة وحظكم النار -أن ال قد أيد
عبده الؤمـن بنـد مـن اللئكـة ل يفارقونـه يثبتونـه ويأمرونـه باليـ
موضوعات صالة للخطب والوعظ 205
() وانظر مضار هذه الفضول في «بدائع الفوائد» ج( )2ص(.)267 1
غض البصر
فوائده ،ومضار إطلقه
() ومككن أراد بسككط مككا يتعلق بفتنككة النسككاء التككي خافهككا على أمتككه فككي هذه 1
الحاديكث فليراجكع ج( )261 -224 ،45 -10/18مكن فتاوي سكماحته ،وذككر
فيه ما يتعلق بالسفور والختلط ،وآلت اللهو .إلخ.
() فإن السككهم شأنككه أن يسككري فككي القلب فيعمككل فيككه عمككل السككم الذي يسككقاه 2
بعكض السكلف :مكا حصكلناه فكي سكورة يوسكف أنفقناه فكي سكورة النور .كمكا أن
بعضًا يرككز على آيات الرجكا دون آيات الخوف ،وبعكض يرككز على آيات فكي
الثناء على بلد أو قوم ،ويترك خلف ذلك؛ إلى آخككر مككا يختارونككه .ولمككا قالوا
للنبي شبت قال« :شيبتني هود ،والواقعة ،والمرسلت ،وعم يتساءلون،
وإذا الشمهس كورت» وكان شيخنكا -رحمكه ال -كثيرًا مكا يقرأ آخكر سكورة هود
وهذه السور.
موضوعات صالة للخطب والوعظ 211
الطبة الثانية
المـد ل الذي ج عل الح بة إل الظ فر سبيل ،و صرّف علي ها
القلوب كمـا يشاء ،وصـرفها أنواع ًا وأقسـامًا بيـ بريتـه ،وفصـلها
تفصـيل قسـمها بيـ مبـ الرحنـ ،ومبـ الوثان ،ومبـ النيان،
ومب الصلبان ،ومب الوطان ،ومب اليان ،ومب اللان ،ومب
القرآن ،وفضل أهل مبته ومبة كتابه على سائر الحبي تفضيل ،وهو
الك يم صاحب الف ضل على من شاء والمتنان .وأش هد أن ل إله إل
ال وحده ل شريـك له يلق مـا يشاء ويتار .وأشهـد أن ممدًا عبده
ورسوله أرسله لليان مناديًا ،وإل ال نة داعيًا ،وبكل معروف آمرًا،
وعن كل منكر ناهيًا .صلى ال وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وكل
من اتبعه داعيًا ،وف مرضاة ربه ومابه ساعيًا.
عباد ال :وجاء فـ تريـ الفواحـش ووجوب حفـظ الفرج
قوله « :أكثر ما يدخل الناس النار :الفم والفرج» أخرجه الترمذي
عن أب هريرة .وف الصحيحي عنه « :ل يل دم امرئ مسلم إل
212 موضوعات صالة للخطب والوعظ
() روضكككة المحكككبين (،187 ،225 ،185 ،193 ،194 ،190 ،144 ،143 1
زهرة الدنيا
وانقسام الناس بالنسبة إليها
ما بركات الرض؟ قال :زهرة الدنيا » .فقال له رجل :هل يأت الي
بال شر .ف صمت ر سول ال ح ت ظن نت أ نه سينل عل يه ،ث ج عل
يسـح عن جـبينه ،قال« :أيفن السفائل؟» قال :أنـا .ثـ قال« :ك يف
قلت؟» قال :يا رسول ال أو يأت ال ي بالشر ،فقال رسول ال :
« إن ال ي ل يأ ت إل بال ي ،إن م ا ين بت الرب يع ما يق تل حبطًا أو
يلم إل آكلة ال ضر( )1أكلت ح ت إذا امتلت خا صرتاها ا ستقبلت
عي الشمس فاجترت وثلطت وبالت ،ث عادت فأكملت .وإن هذا
الال خضرة حلوة( )2من أخذه بقفه ووض عه ف ح قه فن عم العو نة
هو .وإن أخذه بغي حقه كان كالذي يأكل ول يشبع».
عباد ال هذا الد يث هو الَكَ مُ في ما يتلف ف يه الناس من أ مر
الال -فالناس منهم من يدح الال والثراء ويتمناه ،ويسعى إليه جهده
بالطرق اللل .ومن هم من يتجاوز ذلك ويطل به ح ت بالطرق الرام،
ويسـتوعب عمره ووق ته ،وي صده عن طا عة موله ،والسـعي لرضاه.
ومـن الناس مـن يذم الثراء ول يهتـم بـه ويزهـد فيـه .ومـن الناس مـن
رضي با قسم ال له من فقر أو غن ،وتوف من زهرة الدنيا.
فهذا الد يث الشر يف ف يه توف ال نب على أم ته من ف تح
الدنيـا عليهـم -خاف عليهـم الفتتان باـ ،وفسـر «بركات الرض»
بزهرة الدن يا -ومراده ما يف تح على أم ته من ها من ملك فارس والروم
وغيهـم مـن الكفار الذيـن ورثـت هذه المـة ديارهـم وأموالمـ
وأراضيهـم وزروعهـم وثارهـم وأنارهـم ومعادنمـ وغيـ ذلك ماـ
حقها ،إما أن يقتله ذلك فيموت به قلبه ودينه إذا مات من غي توبة
م نه وإ صلح حال .وإ ما أن يقارب مو ته ث يعا ف و هو من أفاق من
هذه السكرة وتاب قبل موته.
فالقتصـد مـن الدنيـا يأخـذ مـن حللاـ وهـو قليـل بالنسـبة إل
حرامها قدر بلغته وحاجته ،ويتزي من متاعها بأدونه وأخشنه ،ث ل
يعود إل الخـذ منهـا إل إذا نفـد مـا عنده وخرجـت فضلتـه ،فل
يوجـب له هذا الخـذ ضررًا ول مرضًا ول هلكًا ،بـل يكون ذلك
بل غًا له مدة حياته ،ويعينه على التزود لخرته ،وهذا إشارة إل مدح
من أ خذ من حلل الدن يا بقدر بلغ ته وق نع بذلك ك ما قال « :قد
أفلح من هداه ال إل ال سلم ،وكان عي شه كفافًا ،وق نع بذلك»
وقال « :من كا نت الخرة ه ه ج عل ال غناه ف قل به ،وج ع له
شله وأتته الدنيا وهي راغمة ،ومن كانت الدنيا هه جعل ال فقره
ب ي عين يه وفرق عل يه شله ،ول يأ ته من الدن يا إل ما قدر له» رواه
الترمذي .وروى أيضًا عن أب هريرة رضي ال عنه عن النب قال:
« يقول ال تعال :ابفن آدم تفرغ لعبادتف أمل صفدرك غنف وأسفد
فقرك ،وإن ل تف عل ملت يدك شغلً ول أ سد فقرك» وقال السـن
رحهـ ال :إن قومًا أكرموا الدن يا ف صلبتهم على الشـب ،فأهينو ها،
فأهنأ ما تكون إذا أهنتموها .وقال السيح « :ل تتخذوا الدنيا ربا
فتتخذكم عبيدًا ،واعبوها ول تعمروها ،واعلموا أن أصل كل خطيئة
حب الدنيا ،ورب شهوة أورثت أهلها حزنًا طويلً ،ما سكنت قلب
عبــد فــ الدنيــا إل التاط قلبــه منهــا بثلثــة :شغــل
ل ينفـك عناؤه ،وفقـر ل يدرك غناؤه ،وأمـل ل يدرك منتهاه .الدنيـا
طالبـة مطلوبـة؛ فطالب الخرة تطلبـه الدنيـا حتـ يسـتكمل
220 موضوعات صالة للخطب والوعظ
فيها رزقه ،وطالب الدنيا تطلبه الخرة حت ييء الوت فيأخذ بعنقه،
يا مع شر الواري ي ارضوا بدن ء الدنيا مع سلمة الدين ،ك ما ر ضي
أهل الدنيا بدنء الدين مع سلمة الدنيا».
ـر ال ـيكم وإياي بتقوى ال تعال ،والتقوى امتثال أوامـ فأوصـ
واجتناب نواهيه ،والعتبار با ضرب الرسول من المثال لزهرة الياة
الدنيا ،وأصحبوا الغن بالشكر .والشكر :هو العتراف بالنعم باطنًا،
والتحدث ب ا ظاهرًا ،و صرفها ف طا عة م سديها .وأع ظم الش كر أداء
فرائض ال سلم وب عد ذلك نوا فل ال سلم ل ن قدر علي ها أو بعض ها.
واعلموا أن الثروة أخ طر من الف قر ،ولذلك خاف ها ال نب على أم ته
ول ي ف علي هم من الف قر ،وا ستعاذ من فتنته ما جيعًا .وقال ب عض
ال سلف :ابتلي نا بالضراء ف صبنا ،وابتلي نا بال سراء فلم ن صب .واع تبوا
بالبهيمـة التـ ضرباـ الرسـول مثلً فـ حسـن تصـرفها فـ معيشتهـا،
ونفعها لنفسها ،ودفعها الضرر عنها .هذا وهي من يسبح ال ويمده
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلّا يُسَبّ حُ بِحَمْدِهِ [السرَاء.]44 :
اللهم اجعلنا جيعًا من يستمع القول فيتبع أحسنه ،أولئك الذين
هدا هم ال وأولئك هم أولو اللباب .أعوذ بال من الشيطان الرج يم
ِنف النّسفَاءِ وَالْبَنِي َ وَالْقَنَاطِيِ َاتف م َ
ّاسف حُب ّ الشّ هَو ِ ّنف لِلن ِ زُي َ
الْمُقَنْطَرَةِ مِ نَ الذّ هَ بِ وَالْفِضّ ةِ وَالْخَيْلِ الْمُ سَوّ مَةِ وَالْأَنْعَا مِ وَالْحَرْ ثِ
ذَلِ كَ مَتَا عُ الْحَيَاةِ الدّ نْيَا وَاللّ هُ عِنْدَ هُ حُ سْنُ الْمَآَ بِ [آل عِمرَان:
]14بارك ال ...
موضوعات صالة للخطب والوعظ 221
الطبة الثانية
المـد ل يزيـد الشاكريـن ،ويثيـب الصـابرين .أحده سـبحانه
وحدي له من نعمه ،وأسأله الزيد من فضله وكرمه.
وأشهـد أن ل إله إل ال وحده ل شريـك له ،وأشهـد أن ممدًا
عبده ورسـوله أشرف اللق أجعيـ .اللهـم صـل وسـلم على عبدك
ورسولك ممد وعلى آله وأصحابه والتابعي لم بإحسان إل يوم الدين.
أما بعد :فيا عباد ال من السلف الصال من اختار الال للجهاد
بـه وصـرفه فـ وجوه الب كعبدالرحنـ بـن عوف وغيه مـن مياسـي
ال صحابة ،وكان ق يس بن سعد يقول :الل هم إ ن من عبادك الذ ين ل
ي صلحهم إل الغ ن .ومن هم من اختار الف قر والتقلل كأ ب ذر وجا عة
من ال صحابة م عه ،وهؤلء نظروا إل آفات الدن يا وخشوا الفت نة ب ا.
والفر قة الثال ثة ل ت تر شيئًا ،بل كان اختيار ها ما اختاره ال ل ا ول
خي نبينا بي أن يكون مَلِكًا نبيّا وبي أن يكون عبدًا رسولً وعلم
أن ربـه يتار له أن يكون عبدًا رسـولً اختار مـا اختاره ال فكان
اختياره ف جيع أموره تابعًا لختيار ال له.
وكان يأخـذ الشهـر والشهريـن ل يوقـد فـ بيتـه نار وإناـ
طعامهم ال سودان الت مر والاء ،وكان صابرًا ،ول يضع لبنة على لب نة
ول قصبة على قصبة حت فارق الدنيا .ث لا فتح ال عليه الفتوح كان
ي سك له ولهله قوت سنة واحدة ،وينفق ما عدا ذلك ف سبيل ال،
وكان يعطي عطاء من ل يشى الفقر .وكل خصلة من خصال الفضل
قـد أحـل ال رسـوله فـ أعلهـا ،وخصـه بذروة سـنامها
222 موضوعات صالة للخطب والوعظ
الذنوب
عقوباتا ،وكيف اللص منها
الحشيش ،والفيون ،والقات ،وشم الشمه( .ج 107 -12/68من فتاوى سماحة
شيخنا).
() كما حقق ذلك العلماء الثقات. 2
موضوعات صالة للخطب والوعظ 225
الطبة الثانية
المـد ل نمده ونسـتعينه ونسـتغفره ،ونعوذ بال مـن شرور
أنف سنا و من سيئات أعمال نا ،من يهده ال فل م ضل له ،و من يضلل
فل هادي له .وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له .وأشهد أن
ممدًا عبده ور سوله .من ي طع ال ور سوله ف قد ر شد ،من ي عص ال
ورسوله فقد غوى ،ومن غوى فلن يضر إل نفسه ولن يضر ال شيئًا.
أ ما ب عد :ف يا عباد ال سأل ر جل ال سن الب صري فقال :يا أ با
سـعيد كيـف نصـنع بجالسـة قوم يوفونـا حتـ تكاد قلوبنـا تنقطـع؟
فقال :وال لن تصحب أقوامًا يوفونك حت تدرك أمنًا خي لك من
أن تصحب أقوامًا يؤمنونك حت تلحقك الخاوف.
و قد و صف ال أ هل ال سعادة بالح سان مع الوف ،وو صف
الشقياء بالساءة مع المن.
ومن تأمل أحوال الصحابة وجدهم ف غاية ال د ف العمل
مع غا ية الوف ،ون ن جع نا ب ي التق صي بل التفر يط وال من .ذ كر
المام أح د :أن أ با ب كر ال صديق ر ضي ال ع نه كان ي سك بل سانه،
ويقول :هذا الذي أورد ن الوارد .وأتى بطائر فأخذ يقلبه ث قال :ما
صيد من صيد ول قطعت من شجرة إل با ضعيت من التسبيح .وقرأ
عمر بن الطاب رضي ال عنه «سورة الطور» إل أن بلغ قوله :إِنّ
عَذَابَ رَبّ كَ لَوَاقِعٌ [الطور.]7 :
فبكــى واشتــد بكاؤه حتــ مرض وعادوه .وقال لبنــه
موضوعات صالة للخطب والوعظ 231
بهذا العنوان (أبو بكر الصديق أفضل الصحابة ،وأحقهم بالخلفة) وكتابًا آخر
منككه بعنوان (آل رسككول ال وأولياؤه) ط 1412هككك ذكرت فيككه عقائدهككم
وفضائلهم وفقههم ،وفقهاءهم ،ومن خالفهم.
موضوعات صالة للخطب والوعظ 233
أ صحابه ،وخ ي أ صحابه أ بو ب كر ،ث ع مر ،ث عثمان ،ث علي ر ضي
ال عنهم أجعي .هذا ترتيبهم ف الفضل ودرجتهم ف اللفة.
وبيان فضائل كل ال صحابة -يا عباد ال -و ما كانوا عل يه من
الحبة والتعاون على الق ودفع الطعن عنهم من الدين ،خصوصًا إذا
فشـا الطعـن فيهـم مـن البتدعيـ أو عباد القبور أو اللحديـن ،لن
ال صحابة هم حلة ر سالة ال سلم إل ال مة ،فالط عن في هم ط عن ف
الرسـول ،وسـوء ظـن بالرسـل تعال وتقدس ،قال المام مالك رحهـ
وال وغيه من أ هل العلم :هؤلء طعنوا ف أ صحاب ر سول ال ،
إنا طعنوا ف أصحابه ليقول القائل :رجل سوء كان له أصحاب سوء،
ولو كان رجلً صالًا لكان أصحابه صالي .اهـ.
و قد قال ال تعال ف الثناء علي هم :وَال سّابِقُونَ الْأَوّ لُو نَ مِ نَ
ُمف
ّهف عَنْه ِْيف الل ُ
ُمف بِإِحْسفَانٍ رَض َ ِينف اتّبَعُوه ْ
ِينف وَالْأَنْصفَارِ وَالّذ َ
الْمُهَاجِر َ
وَرَضُوا عَنْ هُ وَأَعَدّ لَهُ مْ جَنّا تٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِي نَ فِيهَا أَبَدًا
ِيمف [التوبـة ]100 :قال الشعـب :وَالسفّابِقُونَ ِكف الْفَوْزُ الْعَظ ُ ذَل َ
ِينف وَالْأَنْصفَارِ مـن أدرك بيعـة الرضوان عام ِنف الْمُهَاجِر َ ُونف م َ الْأَوّل َ
الديبية .وقال ممد بن كعب القرظي :مر عمر بن الطاب برجل يقرأ
هذه ال ية :وَال سّابِقُونَ الْأَوّلُو نَ فأ خذ بيده فقال :من أقرأك هذا؟
فقال :أب بن كعب .فقال :ل تفارقن حت أذهب بك إليه ،فلما جاءه
قال ع مر :أ نت أقرأت هذا هذه اليـة هكذا؟ قال :ن عم .قال :و سعتها
من ر سول ال ؟ قال :ن عم .قال :ل قد كن تُ أُرى أ نا رفع نا رف عة ل
يبلغها أحد بعدنا .فقال أبّ :تصديق هذه الية ف أول سورة المعة
وَآَخَرِي نَ مِنْهُ مْ لَمّ ا يَلْحَقُوا بِهِ مْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِي مُ [الُمْعَة:
234 موضوعات صالة للخطب والوعظ
.]3
و ف سورة ال شر وَالّ ذِي نَ جَاءُوا مِ نْ بَعْدِهِ مْ يَقُولُو نَ رَبّنَا
اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الّ ذِي نَ سَبَقُونَا بِالْإِيَا نِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّا
لِلّ ذِي نَ آَمَنُوا رَبّنَا إِنّ كَ رَءُو فٌ رَحِي مٌ [ال شر ]10 :و ف سورة
النفال :وَالّ ذِينففَ آَمَنُوا مِنففْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمففْ
فَأُولَئِ كَ مِنْكُ مْ [النفال .]75 :فقد أخب ال العظيم أنه قد رضي
عن السابقي الولي من الهاجي والنصار والذين اتبعوهم بإحسان،
وهـو تبارك وتعال ل يرضـى إل عمـن علم أنـه يوت على السـلم
والحسـان .فيـا ويـل مـن سـبهم ،أو أبغضهـم ،أو أبغـض أو سـب
بعض هم ،ول سيما سيد ال صحابة ب عد الر سول وخي هم وأفضل هم أع ن
ال صديق ال كب ،واللي فة الع ظم ،أ با ب كر ر ضي ال ع نه ؛ ف قد نط قت
بفضله اليات والخبار ،واجت مع على بيع ته الهاجرون والن صار ثَانِ يَ
اثْنَيْ ِن ِإذْ هُمَا فِي اْلغَارِ [التّوبَةُ ]40 :دعْ يَ إل السلم فما تلعثم ول
أب ،وسار على الحجة فما زل ول كبا ،وصب من مُدى العدى على وقع
الش با ،وأك ثر ف النفاق ح ت تلل بالع با ،تال ل قد زاد على ال سبك ف
كل دينار دينار :ثَانِ َي اثْنَيْ نِ ِإ ْذ هُمَا فِي اْلغَارِ من كان قرين النب ف
شبا به؟ من الذي سبق إل اليان من أ صحابه؟ من الذي أف ت بضر ته
سريعًا ف جوابه؟ من أول من صلى معه؟ من آخر من صلى به؟ من الذي
ضاج عه ب عد الوت ف ترا به؟ فاعرفوا حق الار .ن ض يوم الردة بف هم
واستيقاظ ،وأبان من الكتاب معنّ دق عن حديد اللاظ ،فالحب يفرح
ح ّمدٌ رَ سُو ُل اللّ هِ وَالّذِي َن َمعَ هُ أَ ِشدّاءُ عَلَى
بفضائله ،والب غض يغتاظ مُ َ
الْ ُكفّارِ [الفَتْح ]29 :ف هو ثا ن اثن ي ف ال سلم ،و ف الن فس ،و ف
موضوعات صالة للخطب والوعظ 235
الزهد ،وف الصحبة ،وف اللفة ،وف العمر ،وف سبب الوت؛ لن
الرسول مات عن أثر السم وأبو بكر سم فمات .أسلم على يديه
من العشرة :عثمان ،وطل حة ،والزب ي ،وعبدالرح ن بن عوف ،و سعد
بن أب وقاص .وكان عنده يوم أسلم أربعون ألف درهم فأنفقها أحوج ما
كان السـلم إليهـا ،قال النـب « :مفا نفعنف مال مفا نفعنف مال أبف
بكر» .كم وف الرسول بالال والنفس ،وكان أخص به ف حياته ،وهو
ضجي عه ف الر مس ،فضائله جليلة و هي خل ية من الل بس ،يا عجبًا من
يغ طي ضوء الش مس ف ن صف النهار ،ل قد دخل غارًا ل ي سكنه ل بث،
فاسـتوحش الصـديق مـن خوف الوادث ،فقال الرسـول « :مفا نظفر
باثنيف وال الثالث» فنلت السـكينة وزال القلق وارتفـع خوف الادث،
فقام مؤذن الن صر ينادي على منابر الم صار :ثَانِ يَ اثْنَيْ ِن ِإذْ هُمَا فِي
الْغَارِ ح به وال رأس النيف ية ،وبغ ضه يدل على خ بث الطو ية ،ف هو
خيـ الصـحابة والقرابـة ،والجـة على ذلك قويـة ،قال ابـن النفيـة
مؤكدًا صحة إمامته« :وال ما أحببنا لوانا ،ولكن أخذنا بقول علي
وكفانا :رضيك رسول ال لديننا أفل نرضاك لدنيانا».
خلفته انعقدت باختيار الصحابة ومبايعتهم له ،والنب أخب
بوقوعها على سبيل المد لا والرضا با ،وأمر بطاعته وتفويض المر
له ،ودل المة وأرشدها إل بيعته ،قال « :رأيت كأن على قليب
أنزع من ها ،فأ تى ا بن أ ب قحا فة فنع ذنوبًا أو ذنوب ي» وقال :
« ادعي ل أباك حت أكتب لب بكر كتابًا ل يتلف عليه الناس من
بعدي .ث قال :يأ ب ال والؤمنون إل أ با ب كر» وقال « :اقتدوا
باللذيفن مفن بعدي أبف بكفر وعمفر» وتقديهـ فـ الصـلة ،وقوله:
236 موضوعات صالة للخطب والوعظ
أجعي.
أعوذ بال من الشطيان الرجيم مُحَمّ دٌ رَ سُولُ اللّ هِ وَالّ ذِي نَ مَعَ هُ
أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُ مْ تَرَاهُ مْ رُكّ عًا سُجّ دًا يَبْتَغُو نَ فَضْلًا مِ نَ
اللّ هِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِ مْ مِ نْ أَثَرِ ال سّ جُودِ ذَلِ كَ مَثَلُهُ مْ فِي
َاسفتَغْلَظَ
َهف ف ْ َهف فَآَزَر ُ
َجف شَطْأ ُ
ْعف أَخْر َُمف فِي الْإِنْجِيلِ كَزَر ٍ التّ وْرَاةِ وَمَثَلُه ْ
فَا سْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِ بُ الزّ رّا عَ لِيَغِي ظَ بِهِمُ الْكُفّارَ وَعَدَ اللّ هُ الّ ذِي نَ
آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الفتح.]29 :
الطبة الثانية
ال مد ل م عز من أطا عه واتقاه ،ومذل من أضاع أمره وع صاه
وال مد ل الذي أ يد ال سلم بأ ب ب كر ف حياة ر سوله ،وحف ظه به
بعد وفاته ،فرضي ال عنه وأرضاه.
وأشهــد ان ل إله إل ال وحده ل شريــك له وفــ بوعده؛
فاستخلف أبا بكر ف الرض ومكن له دينه ولصحبه ،ودعا رضي ال
عنـه العراب إل قتال فارس والروم والرتديـن مـن بنـ حنيفـة
فاستجابوا لمره .وهو الذي وصفه ال بأنه الْأَتْقَى فهذا ترشيح
له من ربه للخلفة العظمى.
وأشهد أن ممدًا عبده ورسوله اصطفاه ال واجتباه .اللهم صلّ
وسلم على عبدك ورسولك ممد وعلى آله وأصحابه.
أ ما ب عد :ف يا عباد ال :لن ستمع إل ع مر بن الطاب ر ضي ال
عنه يصف لنا ليلة ويومًا من أيام أب بكر ولياليه -روى الطلمنكي من
حد يث ميمون بن مهران ،قال :كان أ بو مو سى الشعري إذا خ طب
238 موضوعات صالة للخطب والوعظ
() وحديث ضبة هذا من أشهر الحاديث منهاج ج( ،)2ص(.)286 ،185 2
عمر بن الطاب
فضائله ،وعز السلم به
عنهما ،عن أب حازم عن أبيه ،قال :قيل لعلي بن السي رضوان ال
عليه ما :ك يف كا نت منلة أ ب ب كر وع مر من ر سول ال ؟ قال:
كمنلتهمـا اليوم وهاـ ضجيعاه .وعـن العتكـي ،قال :قال هارون
الرشيد لالك :كيف كانت منلة أب بكر وعمر من رسول ال ؟
قال كقرب قبه ا من قبه .قال :شفيت ن يا مالك .و عن جع فر بن
ممد عن أبيه ،قال :قال رجل من قريش لعلي بن أب طالب رضي ال
عنه :يا أمي الؤمني سعتك تقول ف الطبة آنفًا :اللهم أصلحنا با
أ صلحت به اللفاء الراشد ين الهدي ي ،ف من هم؟ فاغرور قت عيناه ،ث
أهلهمـا ،ثـ قال :هاـ حـبيباي وعماك أبـو بكـر وعمـر ،إمامـا الدى،
وشيخا ال سلم ،ورجل قريش ،والقتدى ب ما بعد رسول ال ،من
اقتدى بما عصم ،ومن اتبع آثارها هدي الصراط الستقيم ،ومن تسك
بمـا فهـو مـن حزب ال ،وحزب ال هـم الفلحون .وعـن أبـ سـعيد
الدري ر ضي ال عنه ،عن النب قال« :إن أ هل ال نة ليون أ هل
عليي كما ترون الكوكب الدري ف أفق السماء ،وإن أبا بكر وعمر
منهم وأنعما» قيل :يا أبا سعيد وما «أنعما» قال :أهل ذلك ها .وعن
ممـد بـن النكدر ،قال :سـعت جابر بـن عبدال يقول :قال رسـول ال
« :أدخلت النة فرأيت فيها دارًا وقصرًا فسمعت فيه ضوضاء أو
صوتًا فقلت ،لن هذا؟ فقيل :لعمر فأردت أن أدخله فذكرت غيتك؛
فب كى ع مر» وقال يا ر سول ال :أو يغار عل يك و ف حد يث أ ب أما مة
قال« :فمضيفت فإذا أكثفر أهفل النفة فقراء الهاجريفن وذراري
السفلمي ،ول أر فيهفا أحدًا أقفل مفن الغنياء والنسفاء .قيفل :أمفا
الغنياء ف هم هه نا بالباب يا سبون وي صون .وأ ما الن ساء فألا هن
موضوعات صالة للخطب والوعظ 243
أبــ ال توفونـ ،خاب مـن تزود مـن أمركـم بظلم .أقول :اللهـم
استخلفت عليهم خي أهلك ،أبلغ عن ما قلت من وراءك .ث اضطجع
ودعا عثمان بن عفان فقال :اكتب« :بسم ال الرحن الرحيم .هذا هو ما
عهد أبو ب كر ال صديق بن أ ب قحا فة ف آ خر عهده بالدنيا خارجًا منها
وعند أول عهده بالخرة داخلً فيها ،حيث يؤمن الكافر ،ويوقن الفاجر،
وي صدق الكاذب :إ ن ا ستخلفت علي كم ع مر بن الطاب ،فا سعوا له
وأطيعوا ،وإ ن ل آل ال ور سوله ودي ن ونف سي وإيا كم خيًا ،فإن عدل
فذاك ظنـ بـه وعلمـي فيـه ،وإن بدل فلكـل امرئ مـا اكتسـب ،واليـ
أردت ،ول أعلم الغيب ،وَسََيعْ َلمُ اّلذِينَ ظَ َلمُوا أَيّ مُ ْنقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ
شعَرَاء »]227 :والسلم عليكم ورحة ال .ث أمر بالكتاب فختمه .ث [ال ّ
دعـا أبـو بكـر ورفـع يديـه وقال :اللهـم إنـ ل أرد بذلك إل صـلحهم
وخ فت علي هم الفت نة ،فاجتهدت لمـ رأيـي ،فوليـت عليهـم خيهـم،
وأحرصهم على ما أرشدهم ،وقد حضرن من أمرك ما حضر فأخلفن
فيهـم فهـم عبادك .وبعـث إل عمـر فقال :ل حاجـة ل فيهـا .قال:
ول كن ل ا بك حا جة ،و قد رأ يت ر سول ال و صحبته ،ورأ يت
أثر ته أنف سنا على نف سه ،ح ت إن ك نا لنهدي إل أهله ف ضل ما يأتي نا
منه ،ورأيتن وصحبتن وإنا اتبعت أثر من كان قبلي.
هذه البـرات العظيمـة لسـتخلفه لعمـر رضـي ال عنهمـا
وأرضاها.
فال ال عباد ال :أوصيكم ب ب الصحابة عامة وحب صاحبيه
خا صة ،والكثار من التر ضي عنه ما ،ومعر فة فضائله ما ،والقتداء
ب ما ف ف عل كل وا جب واجتناب كل مرم ،و ما ا ستطعتم من ف عل
موضوعات صالة للخطب والوعظ 245
مـن فراشـه ،فقـد أوسـع ال على السـلمي ،فيكون ذلك أقوى على
أمرهـم .فبعثوا إليـه حفصـة ،فذكرت ذلك له ،فقال :أخـبين بأليـ
فراش فرشت يه لر سول ال قط؟ قالت :عباءة ك نا نثني ها له باثن ي،
فل ما غل ظت عل يه جعلت ها بأرب عة .قال :فأ خبين بأجود ثوب لب سه؟
قالت نرة صـبغناها له ،فرآهـا إنسـان فقال :اكسـنيها يـا رسـول ال،
فأعطاها إياه .قال عمر :ائتون بقناع من تر( )1فأمرهم فنعوا نواه ث
أكله كله .ث قال :ترون ل أشتهي الطعام ،إن لكل السمن وعندي
اللحـم ،وآكـل الزيـت وعندي السـمن ،وآكـل اللح وعندي الزيـت،
وآ كل الب حت وعندي ملح ،ول كن صاحب سلكا طريقًا فأخاف أن
أخالفهما فيخالف ب.
و عن إ ساعيل بن ق يس قال :ل ا قدم ع مر الشام ا ستقبله الناس
وهـو على بعيه ،فقالوا :يـا أميـ الؤمنيـ لو ركبـت برذون ًا يلقاك
عظماء الناس ووجوه هم .فقال :ل أرا كم هه نا .إن ا ال مر من هه نا
وأشار بيده إل السماء ،خلوا جلي .وكان رضي ال عنه ربا توقد له
النار ث يدن يده منها ث يقول :ابن الطاب :هل لك على هذا صب؟
وقال رضي ال عنه :ليتن كنت كبش أهلي سنون ما بدا لم،
حت إذا كنت أسن ما أكون زارهم بعض من يبون ،فجعلوا بعضي
شواء وبعضي قديدًا ،ث أكلون فأخرجون عذرة ول أكُ بشرًا.
() «المقناع» الطبق من عسب النخل يوضع فيه الطعام .وقوله «كله» يفيد أنه 1
. () وكلمه في الزهد والرقاق .ومع ذلك طلب الشهادة وقتل شهيدًا 1
قلت :ولمكا ذككر هنكا مكا يتعلق بفضائل أبكي بككر وعمكر وخلفتهمكا -رضكي ال
عنهما -فيحسن أن أذكر طريقة أهل السنة والجماعة باختصار شديد.
قال ابكن تيتيمكة -رحمكه ال -فكي «العقيدة الواسكطية» المعكبرة عمكا أجمكع عليكه
السلف الصالح أهل السنة والجماعة حيال البدع التي حدثت بعد الرسول .
«فهم في وسط في (باب صفات ال تعالى) بين أهل التعطيل الجهمية وبين أهل
التمثيكل المشبهكة .وهكم وسكط فكي (باب أفعال ال) بيكن القدريكة والجبريكة .وفكي
(باب وعيد ال) بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم .وفي (باب أسماء
اليمان والدين) بين الحرورية والمعتزلة ،وبين المرجئة والجهمية .وفي (باب
أصكحاب رسكول ال ) بيكن الروافكض والخوارج .ثكم شرح هذه البواب فكي
248 موضوعات صالة للخطب والوعظ
وأرضاه ،ورزقنـا حبـه وحـب صـاحبه ،وفـ الديـث «الرء مفع مفن
أحب» .إن أحسن الديث كتاب ال ...
البادرة إل التوبة
وأقسام الناس فيها
فيدخلها».
وأخرج البزار عـن عائشـة رضـي ال عنهـا مرفوعًا« :إذا أراد ال
بعبد خيًا بعث إليه ملكًا من عامة الذين يوت فيه فيسدده وييسره،
فإذا كان عند موته أتاه ملك الوت فقعد عند رأسه فقال :أيتها النفس
الطمئنة ،أخرجي إل مغفرة من ال ورضوان ،فذلك حي يب لقاء ال
ويب ال لقاءه .وإذا أراد بعبده شرًا بعث إليه شيطانًا من عامة الذين
يوت فيه ،فأغواه ،فإذا كان عند موته أتاه ملك الوت فقعد عند رأسه
فقال :أيتها النفس البيثة أخرجي إل سخط من ال وغضب ،فتتفرق
ف جسده فذلك حي يبغض لقاء ال ويبغض ال لقاءه» وف السند عن
عبدال بن عمرو بن العاص ر ضي ال عنه ما قال « :من تاب ق بل مو ته
عامًا تيب عليه ،ومن تاب قبل موته شهرًا تيب عليه ،حت قال يومًا،
حت قال ساعة ،حت قال فواقًا .قال له إنسان :أرأيت إن كان مشركًا
فأسلم؟ فقال :إن أحدثكم ما سعت من رسول ال ».
وف السند عن أب سعيد الدري رضي ال عنه ،عن النب
قال« :إن الشطيان قال :وعزتفك يفا رب ل أبرح أغوي عبادك مفا
دا مت أرواح هم ف أج سادهم .فقال الرب :وعز ت وجلل ل
أزال أغ فر ل م ما ا ستغفرون» .و ف الد يث ال صحيح« :أن ال
يقبفل توبفة العبفد مفا ل يغرغفر» .وقـد دل القرآن على مثـل هذا قال
فا التّ وْبَةُ عَلَى اللّهففِ لِلّ ذِينففَ يَعْمَلُونففَ السففّوءَ
تعال :إِنّمَف
ف
ف عَلَيْهِم ْ
ف اللّه ُ
ف يَتُوب ُ
ف فَأُولَئِك َ
ف قَرِيب ٍ
ف مِن ْ
بِجَهَالَةٍ ثُم ّ يَتُوبُون َ
وَكَا نَ اللّ هُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النّ ساء ]17 :وع مل ال سوء إذا أفرد
يد خل ف يه جيـع السـيئات صغيها وكبيهـا .والراد بالهالة القدام
252 موضوعات صالة للخطب والوعظ
على السـوء وإن علم صـاحبه أنـه سـوء؛ فإن كـل مـن عصـى ال
فهو جاهل ،و كل من أطاعه فهو عال .فمن كان عالًا بال وعظمته
و كبيائه وجلله فإ نه يها به ويشاه فل ي قع م نه مع ا ستحضار ذلك
عصيانه .ومن آثر العصية على الطاعة فإنا حله على ذلك جهله وظنه
أناـ تنفعـه عاجلً باسـتعجال لذتاـ ،وإن كان عنده إيان فهـو يرجـو
التخلص من سوء عاقبت ها بالتو بة ف آ خر عمره ،وهذا ج هل م ض؛
فإ نه تع جل الثـ والزي ،ويفو ته عز التقوى ،وثواب الخرة ،وعلو
درجات ا ،ولذة الطا عة؛ و قد يتم كن من التو بة ب عد ذلك و قد يعاجله
الوت ،فهو كجائع أكل طعامًا مسمومًا لدفع جوعه الاضر ورجا أن
يتخلص من ضرره بشرب دواء.
وم ن أف ن عمره ف الغفلة والبطالة ما روى الواحدي ف كتاب
«قتلى القرآن» أن رجلً من أشراف أ هل الب صرة كان منحدرًا إلي ها
ف سفينة ،ومعه جارية له ،فشرب يومًا وغنته جاريته بعود لا ،وكان
معهم ف ال سفينة فقي صال ،فقال له :يا ف ت :ت سن مثل هذا؟ قال:
أح سن ما هو أح سن م نه -وكان الفق ي ح سن ال صوت -فا ستفتح
ُونف
َنف اتّقَى وَلَا تُظْلَم َ وقرأ :قُلْ مَت ُ
َاعف الدّ نْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِم ِ
فَتِيلًا * أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُ مُ الْمَوْ تُ وَلَوْ كُنْتُ مْ فِي بُرُو جٍ مُشَيّ دَةٍ
[النساء ]78 ،77 :فرمى الرجل ما بيده من الشراب ف الاء ،فقال:
أش هد أن هذا أح سن م ا سعت ،ف هل غ ي هذا؟ قال :ن عم فتل عل يه:
وَقُلِ الْحَقّ مِ نْ رَبّ كُ مْ فَمَ نْ شَاءَ فَلْيُؤْمِ نْ وَمَ نْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنّاف
أَعْتَدْنَا لِلظّالِمِيَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ
كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشّ رَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا [الكهف:
]27فوقعـت فـ قلبـه ،فرمـى ببقيـة الشراب فـ الاء وكسـر العود.
موضوعات صالة للخطب والوعظ 253
ف
ثـ قال :يـا فتـ :هـل ههنـا فرج؟ قال :نعـم قُلْ ي َا عِبَادِي َ
الّ ذِي نَ أَ سْرَفُوا عَلَى أَنْفُ سِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِ نْ رَحْمَةِ اللّ هِ إِنّ اللّ هَ يَغْفِرُ
ِيمف [الزّم َر ]53 :فصـاح ّهف هُوَ الْغَفُورُ الرّ ح ُ ُوبف جَمِيع ًا إِن ُ
الذّ ن َ
صيحة عظيمة ،فنظروا إليه فإذا هو قد مات -رحه ال.
وخرج أبو نعيم بسنده عن سعيد الريري ،قال :قلت للحسن:
يا أ با سعيد :الر جل يذ نب ث يتوب ،ث يذ نب ث يتوب ،ح ت م ت؟
قال :ما أعلم هذا إل أخلق الؤمني.
وبقي هنا قسم آخر وهو أشرف القسام وأرفعها ،وهو من يفن
عمره فـ الطاعـة ثـ ينبـه على قرب الجـل ليجدّ فـ التزود .ويتهيـأ
للرح يل بع مل صال للقاء ،ويكون خاتةـ للع مل .قال ا بن عباس لاـ
نزلت على ال نب :إِذَا جَاءَ نَص ْفرُ اللّه ِف وَالْفَتْ حُ * وَرَأَيْت َف النّاس َف
يَدْخُلُو نَ فِي دِي نِ اللّ هِ أَفْوَاجًا * فَ سَبّ حْ بِحَمْدِ رَبّ كَ وَا سْتَغْفِرْهُ إِنّ هُ كَا نَ
تَوّابًا [النّصر .]3 -1 :نعيت لرسول ال نفسه ،فأخذ ف أشد
ف ما كان اجتهادًا ف أ مر الخرة .وقالت أم سلمة :كان ال نب
آ خر أمره ل يقوم ول يق عد ول يذ هب ول ي يء إل قال « :سبحان
فف أمرت بذلك » ،وتل ال وبمده» .فذكرت ذلك له .فقال« :إنف
هذه السـورة ،وكان مـن عادتـه أن يعتكـف فـ كـل عام فـ رمضان
ـف فـ ذلك العام ـل مرة؛ فاعتكـعشرًا ،ويعرض القرآن على جبيـ
عشر ين يو ما وعرض القرآن مرت ي ،وكان يقول « :ما أرى ذلك إل
لقتراب أجلي» ثـ حـج حجـة الوداع ،وقال« :أيهفا الناس إناف أنفا
بشر يوشك أن يأتين رسول رب ،فأجيب» ث أمر بالتمسك بكتاب
ال ،ث توف بعد وصوله إل الدينة بيسي .
إذا كان سيد الحسني يؤمر أن ي تم عمره بالزيادة ،والحسان
254 موضوعات صالة للخطب والوعظ
الطبة الثانية
المد ل نمده ونستعينه ...
أمـا بعـد :عباد ال مبادرة النسـان بالتوبـة فـ حال صـحته قبـل
نزول الرض به هي أفضل أنواع التوبة ،حت يتمكن حينئذ من العمل
الصـال ،ولذلك قرن ال التوبـة بالعمـل الصـال فـ مواضـع كثية مـن
القرآن .فالتوبة ف الصحة ورجاء الياة تشبه الصدقة بالال ف الصحة
ورجاء البقاء .والتوبـة فـ الرض عنـد حضور أمارات الوت تشبـه
الصدقة بالال عند الوت .خرج ابن ماجه من حديث جابر أن النب
خ طب فقال ف خطب ته« :أي ها الناس توبوا إل رب كم ق بل أن توتوا،
وبادروا بالعمال الصالة قبل أن تشغلوا» فأمر بالباردة قبل الوت،
وكل ساعة تر على ابن آدم فإنه يكن أن تكون ساعة موته ،بل كل َنفَس.
وقال لقمان لبنه :يا بن ل تؤخر التوبة فإن الوت يأت بغتة .وقال بعض
الكماء :ل تكن من يرجو الخرة بغي عمل ،ويؤخر التوبة لطول المل.
وقال بعض ال سلف :أصبحوا تائب ي وأمسوا تائبي .فمن أ صبح أو أم سى
على غي توبة فهو على خطر؛ لنه ُيخْشى أن يلقى ال غي تائب فيحشر
ب َفأُوَلِئ كَ ُه مُ الظّاِلمُو نَ
ف زمرة الظال ي ،قال تعالَ :و َم نْ َل ْم َيُت ْ
[الُجرَات ]11 :تأخ ي التو بة ف حال الشباب قب يح ،ف في حال الش يب
ل ومرحبًا .وتقول أقبح وأقبح .قال عمر بن هانئ :تقول التوبة للشاب :أه ً
للشيخ :نقبلك على ما كان منك .فاختموا عباد ال أعمالكم اليومية بالتوبة
وال ستغفار ،فإن كان الع مل سيئًا كان كفارة له ،وإن كان ح سنًا كان
كالطابع عليه( .)1إن أحسن الديث ...
ميزان الناس
المـد ل الذي أوجـب الفوز بالنجاة لنـ شهـد له بالوحدانيـة
شهادة ل يبـغ لاـ عوجـا ،وفاوت بيـ عباده فـ منازل العبوديـة مـن
النابـة والحبـة والوف والرجاء .وأشهـد أن ل إله إل ال وحده ل
شريك له شهادة من أصبح قلبه باليان بال وأسائه وصفاته مبتهجًا.
وأشهـد أن ممدًا عبده ورسـوله هدى بـه مـن الضللة ،وعلم بـه مـن
الهالة .اللهـم صـل وسـلم على عبدك ورسـولك ممـد وعلى آله
وأ صحابه ال سابقي الول ي من الهاجر ين والن صار ،والتابع ي لمـ
بإحسان.
أما بعد عباد ال :إذا أراد السلم أن يُقَيّ مَ نفسه ويزنا ،ويعرف
خسرانا من ربها ،ويطمئن عليها ف سيها إل ربا ،فليعرضها على
القرآن الكر ي ،قال ا بن م سعود ر ضي ال ع نه :ل ي سأل أحدٌ عن
نف سه غ ي القرآن .وهذه يا عباد ال آ ية م نه ،و هي قوله تعال :ثُمّ
أَوْرَثْنَا الْكِتَابَف الّ ذِينَف اص ْفطَفَيْنَا مِن ْف عِبَادِنَا فَمِنْهُم ْف ظَالِمٌف لِنَفْسِفهِ
وَمِنْهُ مْ مُقْتَ صِدٌ وَمِنْهُ مْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَا تِ بِإِذْ نِ اللّ هِ ذَلِ كَ هُوَ الْفَضْلُ
الْكَبِيُ [فاطر.]32 :
جعـل سـبحانه القائميـ بذا القرآن علمًا وعملً ثلثـة أنواع:
«ظال لنف سه» و هو الفرط ف ب عض الواجبات ،أو الرت كب لب عض
الحرمات.
الثانـ« :القتصـد» وهـو الؤدي للواجبات ،التارك للمحرمات،
وقد يترك بعض الستحبات ،ويفعل بعض الكروهات.
موضوعات صالة للخطب والوعظ 257
الطبة الثانية
المد ل الذي أفاض على خلقه النعمة ،وكتب على نفسه الرحة،
وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ،من يرد هدايته يشرح صدره
لل سلم .وأش هد أن ممدًا عبده ور سوله أر سله ك ما أر سل الر سل من
قبله يدعون إل دار السـلم ،ويذرون مـن العاصـي والثام .اللهـم صـل
وسلم على عبدك ورسولك ممد وعلى آله وأصحابه.
أما بعد :فيا عباد ال :السائر إل ال والدار الخرة ل يتم سيه ول
ي صل إل مق صوده إل بعلم وع مل فبالعلم يب صر منازل الطر يق ،وبالع مل
يسي حقيقة ،فكلما قطع منلة استعد لقطع الخرى واستشعر القرب من
النل فهان عليه مشقة السفر .وكلما كلت نفسه من السي وعدها قرب
التل قي وبرد الع يش .والدن يا كل ها ك ساعة من ساعات الخرة ،وع مر
الن سان دقائق من دقائق تلك ال ساعة أو أ قل ،قال ال نب « :ما الدن يا
ف الخرة إل ك ما ي ضع أحد كم أ صبعه ف ال يم (يع ن ف الب حر)
فينظر ب يرج».
فال ال عباد ال ل ننقطع ف الفازة ،ولنذكّر أنفسنا ما أمامها من
الحباب ،و ما لدي هم من الكرام والنعام ،و ما خلف نا من العداء ،و ما
لديهم من الهانة والعذاب.
ف فِفي رَوْضَةٍ ف آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصفّالِحَاتِ فَهُم ْ فَأَمّاف الّ ذِين َ
يُحْبَرُونَ * وَأَمّا الّ ذِينَ كَفَرُوا وَكَذّ بُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ
فِي الْعَذَا بِ مُحْضَرُو نَ [الروم ]11 :إن أح سن الد يث كتاب
ال .)1 ( ...
() التبيان ص (.)273 -271 ،269 ،266 ،262 ،236 ،235 1
موضوعات صالة للخطب والوعظ 263
رحه ال :كان الصحابة يقولون :المد ل الرفيق الذي لو جعل هذا اللق
خلقًا دائمًا ل ينصرف لقال الشاك ف ال :لو كان لذا اللق رب لادثه،
وإن ال قـد حادث باـ ترون مـن اليات :إنـه جاء بضوء طبـق مـا بيـ
الافق ي ،وج عل في ها (معاشًا و سراجًا وهاجًا) .ث إذا شاء ذ هب بذلك
اللق وجاء بظلمة طبقت ما بي الافقي ،وجعل فيها سكنًا ونومًا وقمرًا
منيًا ،وإذا شاء بن بناء جعل فيه الطر والرعد والبق والصواعق ما شاء،
وإن شاء صرف ذلك اللق.
وإذا شاء جاء ببد يقر قف الناس ،وإذا شاء ذ هب بذلك وجاء ب ر
يأ خذ بالنفاس ،ليعلم الناس أن لذا اللق ربًا ياد ثه ب ا ترون من اليات،
كذلك إذا شاء ذهب بالدنيا وجاء بالخرة.
وقال خليفـة العبدي :مـا زال الؤمنون يتفكرون فيمـا خلق لمـ
رب م ح ت أيق نت قلوب م ،وح ت كأن ا عبدوا ال عن رؤي ته ،ما رأى
العرافون شيئًا من الدن يا إل تذكروا به ما و عد ال به من جن سه ف
الخرة من كل خي وعافية أو خلف ذلك.
فكل ما ف الدنيا يدل على خالقه ويذكر به ،ويدل على صفاته
فمـا فيهـا مـن نعيـم وراحـة يدل على كرم خالقـه وفضله وإحسـانه
وجوده ولط فه بأ هل طاع ته .و ما في ها من نق مة وشدة وعذاب يدل
على شدة بأسـه وبطشـه وقهره وانتقامـه منـ عصـاه فنبات الرض
واخضرار ها ف الرب يع ب عد مول ا ويب سها ف الشتاء وإيناع الشجار
واخضرارهـا بعـد كوناـ خشبًـا يابسـًا يدل على بعـث الوتـى
من الرض .قال أ بو رز ين العقيلي لل نب :ك يف ي يي ال الو تى؟
ومـا آيـة ذلك فـ خلقـه؟ قال« :هفل مررت بواد أُهلك م لً،
موضوعات صالة للخطب والوعظ 265
() يلوم نفسه على عدم قيامها بالليل وعلى ترك النوافل في النهار. 1
موضوعات صالة للخطب والوعظ 267
الطبة الثانية
المد ل الذي يرجى من كرمه أن ييي القلوب اليتة بالذنوب
وطول الغفلة ب سماع الذ كر النازل من ال سماء .وأش هد أن ل إله إل
ال وحده ل شريك له ف عبادته ل من ال نبياء ول من الصلحاء ول
من ي سمونم بالولياء .وأش هد أن ممدًا عبده ور سوله خ ي خلق ال
من الول ي والخر ين ،الل هم صل و سلم على عبدك ور سولك م مد
وعلى آله وأصحابه والتابعي لم بإحسان إل يوم الدين.
أما بعد :فيا عباد ال :ل شك أن ال سبحانه خلق لعباده دارين
يزيهم فيها بأعمالم مع البقاء ف الدارين من غي موت ،وخلق دارًا
معجلة للعمال ،وجعل فيها موتًا وحياة ،وابتلى عباده فيها با أمرهم
بـه وناهـم عنـه ،وجعـل إحدى الداريـن الخلوقتيـ للجزاء دار نعيـم
مض ل يشوبه أل ،والخرى دار عذاب مض ل يشوبه راحة ،وهذه
الدار الفان ية مزو جة بالنع يم والل؛ ف ما في ها من نع يم يذ كر بنع يم
ال نة ،و ما في ها من أل يذ كر بأل النار فا سألوه -يا عباد ال -ال نة
واستعيذوا به من النار .قال النب « :إذا كان يوم شديد الر فقال
الع بد :ل إله إل ال ما أ شد حر هذا اليوم ،الل هم أجر ن من حر
جهنم .قال ال لهنم :إن عبدًا من عبادي قد استجار ب منك وقد
أجرته .وإذا كان يوم شديد البد فقال العبد :ل إله إل ال ما أشد
برد هذا اليوم .الل هم أجر ن من زمهرير جه نم .قال ال له نم :إن
عبدًا من عبادي قد استجار ب منك فأجرته».
موضوعات صالة للخطب والوعظ 269
حال الناس
ف موقف القيامة
عل يه ،ويبعـث على ما مات عل يه ،ويعود عل يه عمله بعي نه فين عم به
ظاهرًا وباطنًا ،أو يعذب به ظاهرًا وباطنًا :فيور ثه عل مه ال صال من
الفرح والسرور واللذة والبهجة وقرة العي والنعيم ف قلبه ،وينشأ له
من أعماله ما تشته يه نف سه وتلذه عي نه من سائر الشتهيات ،ويكون
تنوع تلك الشتهيات وكمال ا وبلوغها مرتبة ال سن والوافقة ب سب
كمال عمله ومتابعته فيه وإخل صه وبلوغه مرتبة الحسان فيه؛ فمن
تنو عت أعماله الرض ية ل الحبو بة له ف هذه الدار تنو عت الق سام
التـ يتلذذ باـ فـ تلك الدار ،وتكثرت له بسـب تكثـر أعماله هنـا،
وكان مزيده مـن تنوعهـا والبتهاج باـ واللتزاز نبيلهـا هناك على
حسب مزيده من العمال وتنوعه فيها ف هذه الدار فليست لذة من
ضرب ف كل مرضاة ل ب سهم وأ خذ من ها بن صيب كلذة من أن ى
سهمه ون صيبه ف نوع وا حد من ها؛ فلذات أ هل ال نة و ما في ها من
الطيبات أنواع .وكذلك تنوعت آلم أهل النار -فليس أل من ضرب
فـ كـل مسـخوط ل بنصـيب وعقوبتـه كأل مـن ضرب بسـهم فـ
مساخطه.
فالناس يتفاوتون فـ أحوال العاد ومـا يري فيـه مـن المور
التنوعة -فمنها خفة حل العبد على ظهره وثقله إذا قام من قبه؛ فإنه
بسـب خفـة وزره وثقله إن خـف خـف ،وإن ثقـل ثقـل .ومنهـا
اسـتظلله بظـل العرش أو ضحاؤه للشمـس والرـ إن كان له مـن
العمال الصـالة والالصـة واليان مـا يظله فـ هذه الدار مـن حـر
الشرك والعاصـي والظلم اسـتظل هناك فـ ظـل أعماله تتـ عرش
الرحنـ .وإن كان ضاحيًا ه نا للمنا هي والخالفات والبدع والفجور
272 موضوعات صالة للخطب والوعظ
هذه الدار وشرب منها وتضلع ورَدَ هناك حوضه وشرب منه وتضلع؛
فله حوضان عظيمان :حوض ف الدن يا ،و هو سنته و ما جاء به.
وحوض ف الخرة فالشاربون من هذا الوض ف الدنيا هم الشاربون
من حوضه يوم القيامة ،فشارب ومروم ،ومستقل ومستكثر.
والذين يذودهم هو واللئكة عن حوضه يوم القيامة هم الذين
كانوا يذودون أنفسهم وأتباعهم عن سنته ويؤثرون عليها غيها فمن
ظ مأ من سنته ف هذه الدن يا ول ي كن له من ها شرب ف هو ف الخرة
ـل فيقول:
ـى الرجـ ـل ليلقـ
ـر كبدًا ،وإن الرجـ
ـأ وأحـ
ـد ظمـأشـ
يا فلن أشر بت؟ فيقول :ن عم وال .فيقول :لك ن وال ما شر بت ،وا
عطشاه.
ومنها قسمة النوار ف الظلمة دون ال سر فإن العبد يعطى من
النور هناك بسب قوة نور إيانه ويقينه وإخلصه ومتابعته للرسول ف
دار الدنيـا فمنهـم مـن يكون نوره كالشمـس ،ودون ذلك كالقمـر،
ودونـه كأشـد كوكـب فـ السـماء إضاءةً ،ومنهـم مـن يكون نوره
كالسراج ف قوته وضعفه ،وما بي ذلك.
ومنهم من يعطى نورًا على إبام قدمه يضيء مرة ويطفئ أخرى
بسب ما كان معه من نور اليان ف دار الدنيا( )1ولا كان النافق ف
الدن يا قد ح صل له نور ظا هر غ ي م ستمر ول مت صل بباط نه ول له
() فهو هذا النور بعينه أبرزه ال لعبده في الخرة ظاهرًا يرى عيانًا بالبصار، 1
ول يستضيء به غيره ،ول يمشي أحد إل في نور نفسه ،إن كان له نور مشى
في نوره ،وإن لم يكن له نور لم ينفعه نور غيره.
274 موضوعات صالة للخطب والوعظ
الطبة الثانية
المـد ل رب العاليـ ،مالك يوم الديـن .وأشهـد أن ل إله إل
ال وحده ل شريك له إله الولي والخرين.
وأش هد أن ممدًا عبده ور سوله الشا فع الش فع ف يوم الح شر.
اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك ممد وعلى آله وأصحابه ومن
تبعهم على الثر.
أما بعد :فيا عباد ال :روى مسلم ففي صحيحه ،عن أب الزبي،
أنه سع جابر بن عبدال رضي ال عنه يسأل عن الورود ف قوله:
وَإِ نْ مِنْكُ مْ إِلّا وَارِدُهَا [مريَم ]71 :فقال« :نيء نن يوم القيامة
على كُوْم فوق الناس ،قال :فتد عى ال مم بأوثان ا و ما كا نت تع بد:
الول ،فالول؛ ث يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول :من تنتظرون؟ فيقولن:
ننت ظر رب نا .فيقول :أ نا رب كم ،فيقولون ح ت نن ظر إل يك فيتجلى ل م
يضحك ،قال :فينطلق بم فيتبعونه ،ويعطى كل إنسان منهم منافق أو
مؤمن نورًا ث يتبعونه ،وعلى جسر جهنم كلليب وحسك تأخذ من
شاء ال ،ث يط فأ نور النافق ي ،ث ين جو الؤمنون ،فتن جو أول زمرة
وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألف ل ياسبون ،ث الذين يلونم
كأضوء ن م ف ال سماء ،ث كذلك ،ث ت ل الشفا عة ،ويشفعون ح ت
يرج من النار من قال ل إله إل ال وكان ف قل به من ال ي ما يزن
شعية ،فيجعلون بفناء النـة ،ويَجْعَلُ أهـل النـة يرشون عليهـم الاء
ح ت ينبتوا نبات الشيـء ف السـيل ويذهـب حُرَاقُهـُ ،ثـ يَس ْـأَل حتـ
يَجْعَل لَه الدنيا وعشرة أمثالا معها».
276 موضوعات صالة للخطب والوعظ
فتنبهوا عباد ال ل ا أمام نا :ف البزخ ،و ف القيا مة ،و ف داري
الزاء ،وتفكروا فـ معانـ هذا الديـث ،وانظروا معاملة ال سـبحانه
وتعال لهـل توحيده الذيـن عبدوه وحده ول يشركوا بـه شيئًا هذه
العاملة ،ومعامل ته أ هل الشرك به ح يث ذه بت كل أ مة مع معبود ها
فانطلق باـ واتبعتـه إل النار ،وانطلق العبود القـ واتبعـه أولياؤه
وعابدوه ف سبحان ال رب العال ي الذي قرت عيون أ هل التوح يد به
فـ الدنيـا والخرة ،وفارقوا الناس فيـه أحوج مـا كانوا إليهـم( . )1إن
أحسن الديث ...
() البدائع ج ( .)83 ،82 ،4/162اجتماع الجيوش ص( )4وقبلهككككا وبعدهككككا 1
صحائف.
موضوعات صالة للخطب والوعظ 277
النسان أدلة على عظمة ربنا ،وتغييه للعال وتصريفه إياه كيف أراد،
ونقله من حال إل حال ،وهي من أعظم الدلة على توحيده وصفات
كماله ،و صدقه ،و صدق ر سله ،وعلى العاد ولذلك قال عق به بقوله:
فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [النشقاق.]20 :
فأول أطباق النسـان «نطفـة» .ثـ «علقـة» .ثـ «مضغـة» .ثـ
«جنينًا» .ث «مولودًا» .ث «رضيعًا» .ث «فطيمًا» .ث «ميزًا» .ث
يأخذ ف بلوغ الِشد والشباب إل الربعي .ث بعد الربعي يأخذ ف
الكهولة إل ال ستي .ث يأ خذ ف الشيخو خة .فإذا انط مت قواه ف هو
هرم .فإذا تغيت أحواله وظ هر نق صه ف قد رد إل أرذل الع مر .و هي
ف جيع أطواره :إما صحيح أو مريض ،غن أو فقي ،معاف أو مبتلى
إل جيع أحوال النسان الختلفة عليه.
فإذا بلغ الجـل الذي قدر له واسـتوفاه جاءتـه رسـل ربـه -
ينقلونه من دار الفناء إل دار البقاء ،فجلسوا منه مد البصر ،ث دنا منه
اللك الوكل بقبض الرواح فاستدعى بالروح ،فإن كانت روحًا طيبة
قال :اخر جي أيت ها الن فس الطي بة كا نت ف ال سد الط يب ،اخر جي
حيدة وأبشري بروح وريان ،ورب غيـ غضبان ،فتخرج مـن بدنـه
كما ترج القطرة من ف السقاء ،فإذا أخذها ل يدعوها ف يديه طرفة
عيــ ،فيحنطوناــ ويكفنوناــ بنوط وكفــن مــن النــة،
ثـ يصـلون عليهـا ،ويوجـد لاـ كأطيـب نفحـة مسـك وجدت على
الرض ،ث ي صعد ب ا للعرض الول على أ سرع الا سبي فينت هى ب ا
إل السماء الدنيا فيستأذن لا ،فتفتح لا أبواب السماء ،ويصلي عليها
ـل ـة ،فيفعــماء الثانيـ
ـا إل السـ
ـا مقربوهـ ـا ،ويشيعهـ ملئكتهـ
با كذلك ،ث الثالثة ،ث الرابعة إل أن ينتهي با إل السماء الت فيها
موضوعات صالة للخطب والوعظ 279
ـ
وأنتـ كنـت السـميعة البصـرة العاقلة ،وكنت ِِ أسـع ول أبصـر،
تصـرفينن حيـث أردت .فتقول الروح :وأنـت الذي فعلت ،وباشرت
العصـية ،وبطشـت .فيسـل ال إليهمـا ملكًا يكـم بينهمـا فيقول:
مثلك ما م ثل ب صي مق عد ،وأع مى صحيح دخل ب ستانًا ،فقال الق عد:
أ نا أرى الثمار ول أ ستطيع أن أقوم إلي ها ،وقال الع مى :أ نا أ ستطيع
القيام ،ول كن ل أرى شيئًا ،فقال الق عد :احل ن ح ت أتناول ل ولك
ففعل ،فعلى مـن تكون العقوبـة؟ فيقولن :عليهمـا .فيقول :فذلك
أنت ما .فيح كم ال سبحانه ب ي عباده بك مه الذي يمده عل يه ج يع
أهـل السـموات والرض وكـل بر وفاجـر ومؤمـن وكافـر .ثـ ينادي
مناد :لتتبع كل أمة ما كانت تعبد .فيذهب أهل الوثان مع أوثانم،
وأ هل ال صليب من صليبهم ،و كل مشرك مع إل ه الذي كان يع بد ل
يسـتطيع التخلف عنـه فيتسـاقطون فـ النار .ويبقـى الوحدون ،فيقال
لم :أل تنطلقون حيث انطلق الناس؟ فيقولون :فارقنا الناس أحوج ما
كنـــــــــــــا إليهـــــــــــــم،
وإن لنـا ربًا ننتظره ،فيقال :وهـل بينكـم وبينـه علمـة تعرفونـه باـ؟
فيقولون نعم :إنه ل مثل له ،فيتجلى لم سبحانه ف غي الصورة الت
يعرفونــه ،فيقول :أنــا ربكــم ،فيقولون :نعوذ بال منــك ،هذا
مكان نا ح ت يأتي نا رب نا فإذا جاء رب نا عرفناه ،فيتجلى ل م سبحانه ف
صورته الت رويء فيها أول مرة ضاحكًا ،فيقول :أنا ربكم ،فيقولون:
ن عم أ نت رب نا ،ويرون ل سجدًا أل من كان ل ي صلي ف الدن يا أو
يصـلي رياء فإنـه يال بينـه وبيـ السـجود .ثـ ينطلق سـبحانه
ويتبعونه ،ويضرب السر على وسط جهنم ،ويساق اللق عليه ،وهو
ـــن عبوره إل بنور .فإذا انتهوا ـــض مزلة ،مظلم ل يكـ دحـ
موضوعات صالة للخطب والوعظ 283
إليه قسمت بينهم النوار على حسب نور إيانم وإخلصهم وأعمالم
ف الدن يا؛ فنور كالش مس ،ونور كالن جم ،ونور كال سراج ف قو ته
وضع فه .وتر سل الما نة والر حم على ج نب ال صراط فل يوزه خائن ول
قا طع .ويتلف مرور هم عل يه ب سب اختلف ا ستقامتهم على ال صراط
ال ستقيم ف الدن يا فمارّ كالبق ،وكالر يح ،وكالط ي وكأجاو يد ال يل،
و ساع ،وماش ،وزا حف ،وحاب حبوًا .وين صب على جن به كلل يب ل
يعلم قد عظمها إل ال تعوق من علقت به عن العبور على حسب ما
كانـت تعوقـه الدنيـا عـن طاعـة ال ومرضاتـه وعبوديتـه ،فناج مسـلم،
ومدوش م سلم ،ومق طع بتلك الكلل يب ومكردس ف النار .و قد ط فأ
نور النافقي على السر أحوج ما كانوا إليه.
فإذ جاوز الؤمنون الصـراط -ول يوزه إل مؤمـن -أمنوا مـن
دخول النار ،فيحبسـون هناك على قنطرة بيـ النـة والنار فيقتـص
لبعض هم من ب عض مظال كا نت بين هم ف دار الدن يا ،ح ت إذا هذبوا
إذن لم ف دخول النة .فإذا استقر أهل النة ف النة وأهل النار ف
النار أ ت بالوت ف صورة ك بش أملح ،فيو قف ب ي ال نة والنار ،ث
يقال :يا أهل النة ،فيطلعون وجلي .ث يقال :يا أهل النار ،فيطلعون
مستبشرين ،فيقال :هل تعرفون هذا؟ فيقولون :نعم ،وكلهم قد عرفه.
فيقال :هذا الوت ،فيذبـح بيـ النـة والنار ،ثـ يقال :يـا أهـل النـة
خلود ول موت ،ويا أهل النار خلود ول موت.
فاتقوا ال عباد ال ،واتقوا يومًا ترجعون فيه إل ال ثُمّ تُوَفّى
ُونف [البَقَرَة ]281 :بارك
ُمف لَا يُظْلَم َ
َسفبَتْ وَه ْ
ْسف مَا ك َ
كُلّ نَف ٍ
ال ...
284 موضوعات صالة للخطب والوعظ
الطبة الثانية
التحذير من النار
المد ل ذي العز الجيد ،البدئ العيد ،الكرم لن خافه واتقاه
بدار ل يفن نعيمها ول يبيد ،النتقم م ن عصاه بالنار بعد النذار ب ا
والوع يد مَ نْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْ سِهِ وَمَ نْ أَ سَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبّ كَ
بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ [فُصّلَت.]46 :
وأشهـد أن ل إله إل ال وحده ل شريـك له ،ول كفـو ،ول
ضد ،ول نديد.
وأشهـد أن ممدًا عبده ورسـوله السـاعي بالنصـح للقريـب
والبع يد ،الحذر للع صاة من نار تل ظى بدوام الوق يد .صلى ال عل يه
وعلى آله وأصحابه صلة ل تزال على كر الديدين ف تديد ،وسلم
تسليمًا كثيًا.
أ ما ب عد :فإن ال سبحانه خلق اللق ليعرفوه ويعبدوه ،ويبوه،
ويافوه خوف إجلل ،ونصـب لمـ الدلة على عظمتـه وكـبيائه
ليهابوه ،وو صف ل م شدة عذا به ودار عقا به ال ت أعد ها ل ن ع صاه
ليتقوه بصال العمال؛ ولذا كرر سبحانه وتعال ف كتابه ذكر النار،
ومـا أعده فيهـا لعدائه مـن العذاب والنكال ،ومـا احتوت عليـه مـن
الزقوم والضر يع والم يم وال سلسل والغلل ،إل غ ي ذلك م ا في ها
مــن العظائم والهوال ،ودعــا عباده بذلك إل خشيتــه وتقواه،
وال سارعة إل امتثال ما يأمر به به وي به ويرضاه ،واجتناب ما ين هى
عنه ويكرهه ويأباه.
286 موضوعات صالة للخطب والوعظ
عباد ال :مـن تأمـل القرآن الكريـ وأدار فكره فيـه ،وكذلك
الحاديث الصحيحة الت هي مفسرة للكتاب وجد من ذلك العجب
العجاب ،وكذلك سـي السـلف الصـال مـن أهـل العلم واليان ،مـن
ال صحابة والتابع ي ل م بإح سان -من تأمل هم علم أحوال القوم و ما
كانوا عليه من الشية والوف والخبات ،وأن ذلك هو الذي رقّاهم
القامات السـنيات ،مـن شدة الجتهاد فـ الطاعات ،والنكفاف عـن
ـض ـن الحرمات .ولذا قال بعـ دقائق العمال الكروهات ،فضلً عـ
ال سلف :خوف ال ح جب قلوب الائف ي عن زهرة الدن يا وعوارض
الشهوات.
عباد ال ذكـر العلماء أن النفوس ول سـيما فـ هذه الزمان
وقبل ها بأزمان قد غلب على كث ي من ها الك سل والتوا ن ،وا سترسلت
ف شهوات ا وأهوائ ها وت نت على ال الما ن .والشهوات الحر مة ل
يذهبها من القلوب إل أحد أمرين :إما خوف مزعج مرق ،أو شوق
مب هج مقلق ،فذلك بشيئة ال هو القا مع للنفوس عن غي ها وف سادها،
والبا عث ل ا على ال سارعة إل فلحها ورشادها .والوف أفضل من
الرجاء ما كان العبد صحيحًا ،فإذا نزل الوت فالرجاء أفضل .والقَدْرُ
الواجب من الوف ما حل على أداء الفرائض واجتناب الحارم ،فإذا
زاد على ذلك بيـث صـار باعث ًا للنفوس على التشميـ فـ نوافـل
الطاعات ،والنكفاف عـن دقائق الكروهات والتبسـط فـ فضول
الباحات :كان ذلك فضلً ممودًا.
وقـد ضمـن ال سـبحانه النـة لنـ خافـه مـن أهـل اليان ،قال
َانف [الرّحنـ ]46 :قالّهف جَنّ ت ِ
َامف رَب ِ
َافف مَق َ
َنف خ َ
تعال :وَلِم ْ
موضوعات صالة للخطب والوعظ 287
ما هد :هو الر جل ي هم بالع صية فيذ كر ال فيترك ها .و عن السـن
الب صري قال :قالت ال نة :يا رب ل ن خلقت ن؟ قال :ل ن يعبد ن و هو
ياف ن .وقال أ بو سليمان الدارا ن :أ صل كل خ ي ف الدن يا والخرة
الوف من ال ،وكل قلب ليس فيه خوف ال فهو قلب خرب.
عباد ال :وقـد دل القرآن الكريـ والحاديـث والجاع على
وجود النار وأناـ ملوقـة الن ،قال ال تعال عـن آل فرعون :النّارُ
يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّا وَعَشِيّا [غَافر.]46 :
[الطفّفِ ي]7 : وقال :كَلّا إِنّ كِتَا بَ الْفُجّارِ لَفِي سِجّ يٍ
وسجي أسفل الرض.
وجاءت أحاديـث مبينـة شدة حرهـا ،وبعـد قعرهـا ،وسـعتها،
وتعظيم الكافر فيها ،وأهون م عذابًا -أجارنا ال وإياكم منها برحته
وكرمه.
من ها ما رواه أ نس ر ضي ال ع نه ،عن ال نب قال« :نار كم
هذه ال ت توقدون جزءً من سبعي جزءً من نار جه نم » .قال :وال
إن كانـت لكافيـة يـا رسـول ال .قال« :فإناف فضلت عليهفا بتسفعة
وستي جزءً كلها مثل حرها» متفق عليه :وأخرج مسلم من حديث
أ ب هريرة ،قال :ك نا ع ند ال نب يومًا ف سمع وج بة -يع ن صوتًا-
فقال « :أتدرون مفا هذا؟» قلنـا :ال ورسـوله أعلم .قال« :هذا
حجر أرسل ف جهنم منذ سبعي خريفًا -يعن سنة -فالن انتهى إل
قعرها» .وروى مسلم عن أب هريرة رضي ال عنه مرفوعًا« :ضرس
فية فد ،وغلظ جلده مسف فل أحفـر -مثف فر -أو ناب الكافـالكافف
288 موضوعات صالة للخطب والوعظ
ثلث» وروى مسلم أيضًا عنه ،عن النب أنه قال « :ما بي منكب
الكاففر فف النار مسفية ثلثفة أيام للراكفب السفرع»( )1وروى
البخاري ومسـلم عـن النعمان بـن بشيـ ،قال :سـعت رسـول ال
قول« :إن أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة لرجل يوضع ف أخس
قدميه جرتان يغلي منهما دماغه كما يغلي الرجل ،ما يرى أن أحدًا
أشدّ منه عذابًا وإنه لهونم عذابًا».
و قد حذر ال نب أم ته النار ،وبالغ ف التحذ ير ،وأك ثر التعوذ
منها ،وأمر به فمن ذلك ما روى عدي بن حات قال :قال رسول ال :
«اتقوا النار ،وأشاح .ث قال :اتقوا النار ،ث أغرض وأشاح ثلثًا ح ت
ظننفا أنفه ينظفر إليهفا ،ثف قال :اتقوا النار ولو بشفق ترة ،فمفن ل يدف
فبكل مة طي بة» أخرجاه ف ال صحيحي .و ف سنن أ ب داود وا بن ما جه
والبزار عن جابر« :أن ال نب قال لر جل :ك يف تقول ف ال صلة؟»
قال :أتشهد ،ث أقول :اللّهم إن أسألك النة ،وأعوذ بك من النار ،أما
إن ل أحسن دندنتك ول دندنة معاذ .فقال النب « :وهل أدندن أنا
ومعاذ إل أن نسأل ال النة ونعوذ به من النار».
و ف صحيح م سلم عن أ ب هريرة ر ضي ال ع نه ،عن ال نب
قال« :إنا مثلي ومثل أمت كمثل رجل استوقد نارًا فلما أضاءت ما
حولا جعل الفراش وهذا الدواب يقعن فيها ،وجعل يجزهن ويغلبنه
فيقتحمن فيها ،قال :فذلك مثلي ومثلكم ،أنا آخذ بجزكم هَلُمّ عن
النار ،هَلُمّف عفن النار فتغلبونف وتقتحمون فيهفا» وأخرج البزار
وأ بو يعلى من حد يث أ ب هريرة ر ضي ال ع نه ،عن ال نب قال:
() وبقدر تعظيم جسم الكافر وكفره يعظم عذابه .والعياذ بال. 1
موضوعات صالة للخطب والوعظ 289
«مفا اسفتجار عبفد مفن النار سفبع مرات إل قالت النار :يفا رب إن
عبدك فل نًا استجار من فأجره ،ول سأل عبد النة سبع مرات إل
قالت النة :يا رب إن عبدك فل نًا سألن فأدخله النة».
والصـحابة رضـي ال عنهـم مـع فضلهـم وكذا التابعون لمـ
بإح سان يافون من النار ،والوف من ها سبب النجاة ،وكانوا يربون
أنفسهم على الوف منها؛ روى ابن البارك بسنده قال :لا نزلت هذه
الية :وَإِنْ مِنْكُمْ إِلّا وَارِدُهَا [مريَم.]71 :
ذهب الصحاب عبدال بن رواحة إل بيته فبكى ،وجاءت الرأة
فب كت ،وجاءت الاد مة فب كت ،ث جاء أ هل البيـت فجعلوا يبكون
كلهـم ،فلمـا انقضـت عـبته قال :يـا أهله! مـا يبكيكـم؟ قالوا :ل
ندري ،ولكنا رأيناك تبكي فبكينا .قال :آية نزلت على رسول ال
ينبؤنـ فيهـا ر ب أنـ وارد النار ،ول ينبئنـ أنـ صـادر عنهـا ،وروى
المام أح د ب سنده عن ال سن قال :قال ر جل لخ يه :قد جاءك عن
ال أنـك وارد جهنـم؟ قال :نعـم .قال :فأيقنـت بالورود؟ قال :نعـم.
قال :فأيق نت و صدقت بذلك؟ قال :ن عم .وك يف ل أ صدق و قد قال
ال :وَإِ نْ مِنْكُ مْ إِلّا وَارِدُهَا كَا نَ عَلَى رَبّ كَ حَتْمًا مَقْضِيّ ا
[مريَم ]71 :قال :فأيقنـت أنـك صـادر عنهـا؟ قال :وال مـا أدري
أأصدر عنها ،أم ل؟ قال :ففيم التثاقل ،وفيم الضحك ،وفيم اللعب.
قال :فما رؤي ضاحكًا حت لق بال.
وعوتـب يزيـد الرقاشـي على كثرة بكائه ،وقيـل له :لو كانـت
النار خلقـت لك مـا زدت على هذا فقال :وهـل خلقـت النار إل ل
ولصحاب ولخواننا من الن والنس ،أما تقرأ سَنَفْرُغُ لَكُ مْ أَيّ هَا
290 موضوعات صالة للخطب والوعظ
الثّ قَلَا نِ [الرّحن ]31 :أما تقرأ :يُرْ سَلُ عَلَيْكُمَا شُوَا ظٌ مِ نْ نَارٍ
ُونف
َصفرَانِ [الرّحنـ ]35 :فقرأ إل قوله :يَطُوف َ َاسف فَلَا تَنْت ِ
وَنُح ٌ
بَيْنَهَا وَبَيْ نَ حَمِي مٍ آَ نٍ [الرّحن .]44 :وقال السن :كان عمر بن
الطاب رضي ال عنه ربا توقد له النار ث يدن يديه منها ،ث يقول:
يا ابن الطاب هل لك على هذا صب؟! وكان الحنف بن قيس ييء
إل الصباح بالليل فيضع أصبعه فيه ،ث يقول :حِ سْ ،حِ سْ .ث يقول:
يا حنيف ما حلك على ما صنعت يوم كذا ،ما حلك على ما صنعت
يوم كذا .وخرج ابن أب الدنيا من رواية سعد بن الخرم ،قال :كنت
أم شي مع ا بن م سعود ف مر بالداد ين و قد أخرجوا حديدًا من النار
فقام ينظر إليه ويبكي.
هذا تفكيـ أولئك القوم ،ومدى خوفهـم مـن النار التـ تقدم
وصفها ،وإنذار النب عنها ،وتأثرهم الشديد عند ذكرها.
اللهـم أجرنـا مـن النار ،واغفـر لنـا ذنوبنـا يـا غفار ،وأدخلنـا
برح تك دار النع يم ،يا بر ،يا رءوف ،يا رح يم .واتقوا ال عباد ال
واتقوا يومًا ترجعون فيـه إل ال .أعوذ بال مـن الشطيان الرجيـم
فَذَكّ رْ إِنْ نَفَعَتِ الذّ كْرَى [العلى ... ]9 :إل آخر السورة.
موضوعات صالة للخطب والوعظ 291
الطبة الثانية
المد ل الذي أعد النة لعباده الؤمني نزل.
وأش هد أن ل إله إل ال وحده ل شر يك له ن ى عن طا عة من
أغفل قلبه عن ذكر ربه واتبع هواه وكان أمره فرطا.
وأشهد أن ممدًا عبده ورسوله القائل« :عجبت من النة كيف
نام طالبها؟ ،وعجبت من النار كيف نام هاربا؟» اللهم صل وسلم
على عبدك ورسولك ممد ،وعلى آله وأصحاب الذين عرفوا ال حق
معرفتـه ،وقدروه حـق قدره ،وجعلوا النـة والنار نصـب أعينهـم
فاستقامت أعمالم ،فرضي ال عنهم ورضوا عنه.
أ ما ب عد :ف يا عباد ال روى البخاري وم سلم عن ال نب أ نه
قال « :اشتكت النار إل رب ا فأذن ل ا بنفسي ف كل عام :نفس ف
الشتاء ،ونفس ف ال صيف .فأ شد ما تدون من ال ر من سَمُومها،
وأ شد ما تدون من الب من زمهرير ها» و ف روا ية ل سلم« ::ف ما
وجدت من برد أو زمهرير فمن نَفَس جنهم ،وما وجدت من حر أو
حرور فمفن نففس جهنفم» فشدة الرـ وشدة الب يذكران برـ النار
ْنف
وزمهريرهـا لنتقيهـا عنـد كـل عمـل وقول مفروض أو مرم نَح ُ
جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً [الواقِعَة ]73 :وأكثروا عباد ال مـن السـتعاذة
بال من النار ،قال عطاء الرا سان :من ا ستجار بال من جه نم سبع
مرات قالت جهنم :ل حاجة ل فيك.
ُونف رَبّنَا
ِينف يَقُول َ
وقال تعال فـ وصـف عباد الرحنـ وَالّ ذ َ
292 موضوعات صالة للخطب والوعظ
ا صْرِفْ عَنّ ا عَذَا بَ جَهَنّ مَ إِنّ عَذَابَهَا كَا نَ غَرَامًا * إِنّهَا سَاءَتْ
مُسْتَقَرّا وَمُقَامًا [الفرقان.]66 ،65 :
وأ خب أن من دعائ هم رَبّنَا مَا خَلَقْ تَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ
َهف وَمَا
َنف تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْت ُ
ّكف م ْ
َابف النّارِ * رَبّنَا إِن َ
فَقِنَا عَذ َ
لِلظّالِمِيَ مِنْ أَنْصَارٍ [آل عمران.]192 ،191 :
وعـن معاذ بـن جبـل رضـي ال عنـه مرفوع ًا « :إن الؤمفن ل
تسفكن روعتفه ول يأمفن اضطرابفه حتف يلف جسفر جهنفم خلف
ظهره»( .)1
فاتقوا ال عباد ال واعلموا أن أحسن الديث ...
() ملخصكة مكن كتاب التخويكف مكن النار لبكن رجكب وطريكق الهجرتيكن ص( 1
)68والتبيان ص (.)31
موضوعات صالة للخطب والوعظ 293
وصف النة
ومن يستحق البشرى با
إليفه أناف مل ،فيجفع فيقول :يفا رب وجدتاف مل .فيقول ال
له :اذ هب فاد خل ال نة .قال :فيأتي ها فيخ يل إل يه أن ا مل ،في جع
فيقول :يا رب وجدتا مل .فيقول له :اذهب فادخل النة فإن لك
مثفل الدنيفا وعشفر أمثالاف .قال :فيقول :أتسفخر بف وتضحفك بف
وأنفت اللك؟ قال :لقفد رأيفت رسفول ال يضحفك حتف بدت
نواجذه .قال :فكان يقول :ذلك أدن أهل النة منلة».
وأهـل النـة يسـتوعبون كثيًا ماـ أعـد لمـ مـن النعيـم لكمال
حيات م وضخا مة أج سامهم ،وتوا فر قوا هم و مع ذلك ل يبلون ،ول
يتغوطون ،ول يتخطون ،ول ينون روى الا كم ب سنده ف صحيحه
قال :أتى النب رجل من اليهود ،فقال :يا أبا القاسم ألست تزعم أن
أهـل النـة يأكلون فيهـا ويشربون -ويقول لصـحابه إن أقـر ل بذا
خصـمته -فقال رسـول ال « :بلى والذي نففس ممفد بيده ،إن
أحدهم ليعطى قوة مائة رجل ف الطعم والشرب والشهوة والماع».
فقال له اليهودي :فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الاجة .فقال رسول
ق يفيض من جلودهم مثل السك ،فإذا البطن قد ال « :حاجتهم َعرَ ٌ
ضمفر» ،وروى المام أحدـ عـن أبـ هريرة رضـي ال عنـه ،قال :قال
ر سول ال « :يد خل أ هل ال نة ال نة جردًا ،مردًا ،مكحل ي ،أبناء
ثلث وثلثي ،وهم على خلق آدم ستون ذراعًا»( .)1
ولهـل النـة طرب ولذة حيـ يسـمعون غناء الور العيـ
بالتسـبيح والتمجيـد والتقديـس والثناء على الرب ،وأكملهـم فيـه
أصـونم لنفسـه فـ هذه الدار عـن الرام ،روى الترمذي عـن علي
() هذا الطول .وجاء أن العرض سبعة أذرع. 1
موضوعات صالة للخطب والوعظ 299
ليلي وأظمأت ناري ،وكأنـ أنظـر إل عرش ربـ بارزًا ،وإل أهـل
ال نة يتزاورون في ها ،وإل أ هل النار يعذبون في ها .فقال« :ع بد نوّر
ال قلبه» وف حديث أب أيوب« :أنم يتزاورون على النجائب».
ومنتدى أهـل النـة ومتحدثهـم تتـ شجرة يسـي الراكـب فـ
ظلها مائة عام ل يقطعها.
ول م زيارة أخرى أعل من هذه وأ جل ،وذلك ح ي يزورون رب م
تبارك وتعال فييهم وجهه ،ويسمعهم كلمه ،ويل عليهم رضوانه.
والنـة فوق السـموات تتـ العرش ،عرضهـا كعرض السـماء
والرض لو وصلت إحداها بالخرى.
عباد ال هذا وصف ال نة الت جعلها ال مقرًا لحبابه ،ومل ها
من رحته وكرامته ورضوانه ،ووصف نعيمها بالفوز العظيم ،وملكها
باللك ال كبي ،وأودع ها ج يع ال ي بذافيه ،وطهر ها من كل ع يب
وآفـة ونقـص .وأهـل البشرى باـ هـم أهـل اليان والتقوى والعمـل
الالص ل الوا فق لل سنة إخلص ف طا عة ال ،وإح سان إل خل قه،
و هم أرب عة أ صناف من الرجاء والن ساء ،ذكر هم ال تعال ف كتا به
العز يز فقال :وَمَ نْ يُطِ عِ اللّ هَ وَالرّ سُولَ فَأُولَئِ كَ مَ عَ الّ ذِي نَ أَنْعَ مَ
اللّ هُ عَلَيْهِ مْ مِ نَ النّ بِيّيَ وَال صّ دّيقِيَ وَالشّ هَدَاءِ وَال صّالِحِيَ وَحَ سُنَ
أُولَئِ كَ رَفِيقًا [النّساء .]69 :وعن ابن عباس رضي ال عنهما قال
قال رسول ال « :أل أخبكم برجال كم من أهل ال نة :ال نب ف
النة ،والصديق ف النة ،والشهيد ف النة ،والرجل يزور أخاه ف
ناحيفة الصفر ل يزوره إل ل فف النفة .ونسفاؤكم مفن أهفل النفة
موضوعات صالة للخطب والوعظ 301
فـ هذه الدار مـن آثار النـة وأنوذجًا منهـا :مـن الرائحـة الطيبـة،
واللذات الشتهاة ،والناظـر البهيـة ،والفاكهـة السـنة ،والنعيـم،
والسرور ،وقوة العي .وقد روى أبو نعيم عن جابر ،قال :قال رسول
ال « :يقول ال للجنفة :طيفب لهلك ،فتزداد طيب ًا ،فذلك
البد الذي يده الناس بالسفحر مفن ذلك» كمـا جعـل سـبحانه نار
الدنيا وآلمها وغمومها وأحزانا تذكر بنار الخرة .وأخب النب :
« أن شدة الرف والبد مفن أنفاس جهنفم» فل بـد أن يشهـد عباده
أنفاس جنته ،وما يذكرهم با ،مع أنه ليس ف الدنيا ما ف الخرة إل
الساء ،وأما السميات فبينها من التفاوت ما ل يعلمه البشر.
فاشكروه تعال أن أوضح لكم النة وجَلَهَا ،حت كأنكم ترون
نعيم ها وحل ها ،واجتهدوا ف الع مل ل ا رجاء أن تكونوا من أهل ها،
واعلموا أ نه ل يس ب عد الوت من دار إل ال نة أو النار( ، )1إن أح سن
الديث كتاب ال ...
والمـد ل رب العاليـ وصـلى ال وسـلم على عبده ورسـوله
ممد وعلى آله وأصحابه أجعي (1/7/1419هـ).
وكتبه بطه ممد بن عبدالرحن بن قاسم
() ملخصة من حادي الرواح إلى بلد الفراح لبن القيم -رحمه ال. 1
موضوعات صالة للخطب والوعظ 303
فهرس
الطب والواعظ
الصفحة الوضفففففوع
القدمة7 ...........................................................
-1ل تشكـــــــك فـــــــ وجود ال تبارك
11
وتعالى.........................
-2ال أكب من كل شيء ،وأعظم21 ............................. .
-3ماسن ربنا جل جلله (أساؤه وصفاته)30 ..................... .
-4ال الالق ل الطبيعة37 ........................................ .
-5ل يتخذ ولدًا سبحانه46 ...................................... .
-6معجزات النـبياء مـن أعظـم الدلة على الالق ،وصـفاته،
وصــــــدق رســــــله ،واليوم الخــــــر55 .
............................................
-7آيات ال ف الرض( .وهي كروية ،ول تدور)62 ...............
-8السـموات ،والشمـس ،والقمـر ،والكواكـب ،ودللتهـا على
74
خالقها العظيم.................................................. .
( -9وما بينهما) الواء ومنافعه ،والرياح ،والريح خيها وشرها84 ...
-10السحاب ،والنبات والثمار90 ............................... .
-11البحـر ،والعتبار بأمواجـه وتنوع مـا فيـه مـن الواهـر،
96
واليوانات ،وما ف الب منها.................................... .
-12خلق آدم أب البشر ،وفضله ،وما ف إياده وذريته من الكم
102
العظيمة....................................................... ..
( -13وفـــــ أنفســـــكم أفل تبصـــــرون)
111
آيات.........................
304 موضوعات صالة للخطب والوعظ