Professional Documents
Culture Documents
بقلم
الداعية السلمى
أبو الحسن على الحسنى الندوى
رئيس ندوة العلماء لكهنوء " الهند "
مقدمــــــــــــة
إنها صبغة ال ..ومن أحسن من ال صبغة ؟
عندما قرأنا للداعية السلمى الجليل العلمة أبى الحسن على الحسنى الندوى رسائله التى سبقت مقدمه الى مصر ثم عندما قرت
عيون نا برؤي ته وطا بت نفو سنا بعشر ته تأكدت ل نا هذه الحقي قة الكري مة وزد نا ب ها إيما نا و هى أ ن ال سلم على اختلف المك نة
والزم نة ي صنع نفوس أتبا عه على غرار وا حد ويج عل المشا به قري بة جدا ب ين نطرت هم الى الشياء وأحكام هم على ا لمور .وأن
انفجار الوعى السلمى فى مصر والشام والهند والمغرب تمخض عن نفر من الرجال المجاد أحسنوا فهم السلم وأحسنوا العمل
له فضمهم ـ من حيث ل يشعرون ـ نهج واحد فى الصلح ولفتهم عاطفة واحدة نحو ما يعترض المسلمين من عوائق ويرمون
به من مكايد وخصومات ..
أصغينا الى الستاذ وهو يحدث عن إخوان نا المسلمين بالهند ويؤرخ ل سير السلم هنالك فرأيناه يب صر السباب الخف ية ول تخد عه
حر كة ع ما وراء ها .وأ صغينا ال يه ي صف مشاعره ن حو إخوا نه الم سلمين بم صر خا صة والشرق الو سط عا مة فرأيناه فط نا الى
التيارات المتضاربة مقدرا لجهود الدعاة المخلصين ومقدرا كذلك ما يزحم طريقهم من صعاب وهو مع تمسكه الشديد بالسلم شكل
وموضوعا ـ حتى ليظنه السطحيون متزمتا ـ تراه واسع منادح النظر .مرنا فى مواجهة ما يرضى وما يسخط مرونة الخلق العالى
ل مرونة التحلل وقلة الكتراث .
وكم يحتاج رؤساء الهيئات السلمية عندنا الى هذا المسلك الراشد .
زارنا الستاذ أبو الحسن ـ ونحن نكافح المر العسكرى بحل جماعتنا ـ فتعهدنا الرجل الحصيف بنصحه .وقام بحق السلم عليه
فى توجيه نا الى مرضاة ال وخد مة دي نه وح فظ المقد سات العظي مة ال تى آلت إلي نا من أ سلفنا المجاد .والثبات ضد أمواج الغزو
الصليبى والتبشير الثقافى الذى يرمينا الغرب به بين الحين والحين .
وتحرى أن نلتزم فى جهاد نا لل سلم ال ساليب ال سلمية نف سها فإن الخ ير ل يدرك إل بالخ ير .وهيهات أن ت صل الى حق ببا طل .
وقد سجل هذه النصائح فى الرسالة التى نتشرف بتقديمها للخوان المسلمين .
ونحن إذ نشكر ال سبحانه على ما أتاح لنا من خير عندما ساق لنا الستاذ أبا الحسن فإنا نعاهده علىأ ن نظل ما حيينا أبناء برره
للقرآن الكريم وجنودا مهرة فى تنفيذ أوامره وبلوغ أهدافه .
محمد الغزالـى
2ـ امتازت دعوة النبياء وجهودهم بتجردها من التفكير فى المنافع المادية والثمرات العاجلة فكانوا ل يبتغون بدعوتهم وجهادهم
إل وجه ال وامتثال أوامره وتأدية رسالته تجردت عقولهم وأفكارهم من العمل للدنيا ونيل الجاه وكسب القوة لسرتهم أو أتباعهم
والح صول على الحكو مة ح تى لم يخ طر ذلك ببال أ صحابهم وأتباع هم وكا نت هذه الحكو مة ال تى قا مت ل هم فى وقت ها والقوة ال تى
ح صلت لهم فى دورها لم تكن إل جائزة من ال ووسيلة للو صول الى أهداف الدين وتنفيذ أحكامه وتغي ير المجتمع وتوج يه الحياة
ك ما قال ال تعالى { :الذ ين إن مكنا هم فى ا لرض أقاموا ال صلة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المن كر } [ ال حج :
]41ولم تكن هذه الحكومة قط غاية من غاياتهم أو هدفا من أهدافهم أو حديثا من أحاديثهم أو حلما من أحلمهم .إنما كانت نتيجة
طبيع ية للدعوة والجهاد كالثمرة ال تى هى نتي جة طبيع ية لن مو الشجرة وقوة إثمار ها و قد قال كا تب هذه ال سطور فى ر سالته " ب ين
الهداية والجباية " ما يحسن نقله هنا .
" بعث محمد صلى ال عليه وسلم فدعا الناس الى السلم فالتف حوله { فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى & وربطنا على قلوبهم إذ
قاموا فقالوا ربنا رب السموات والرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا & هؤلء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لول يأتون
عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على ال كذبا } [ الكهف 13 :ـ ] 15وكان هؤلء الفتيان هدف كل قسوة وظلم واضطهاد
وبلء وعذاب وقد قيل لهم من قبل { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم ل يفتنون & ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن ال
الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } [ العنكبوت ] 2،3فصمدوا لكل ما وقع لهم وثبتوا كالجبال وقالوا { :هذا ما وعدنا ال ورسوله
وصدق ال ورسوله } [ الحزاب ]22 :
حتـى أذن ال فـى الهجرة ولم تزل الدعوة تشـق طريقهـا وتؤتـى أكلهـا حتـى قضـى ال أن يحكـم رجالهـا فـى العالم ويقيموا القسـط
ويخرجوا الناس من الظلمات الى النور ومن عبادة العباد الى عبادة ال وحده ومن ضيق الدنيا الى سعتها فقد عرف انهم إذا تولوا
وسادوا { أقاموا الصلة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر } [ الحج .]41:
وهكذا جاءت الدعوة بالحكومة كما تأتى المطار بالخصب والزرع وكما تأتى الشجار بالفاكهة والثمر فلم تكن هذه الحكومة إل ثمرة
مـن ثمرات هذه الدعوة السـلمية ولم تكـن هذه العزة والقوة إل نتيجـة ذلك العذاب الذى تحملوه مـن قريـش وغيرهـم وذلك الهوان
الذى لقوه فى مكة وغيرها .
وفرق كبير ـ أيها السادة ـ بين الغاية التى تقصد والنتيجة التى تظهر ويظهر هذا الفرق فى نفسية العامل والساعى فالذى يقصد
الحكو مة يتوا نى ويق عد إذا لم ينل ها أو انق طع أمله في ها ويشت غل ب ها عن الدعوة ويط غى إذا نال ها وخ طر على كل جما عة تتكون
عقليت ها ب حب الحكو مة وال سعى ل ها أن تق عد عن الجهاد فى سبيل الدعوة أو تنحرف وتز يغ فى ق صدها لن أ ساليب الو صول الى
الحكومـة تخالف أسـاليب الدعوة .فيجـب علينـا أن ننقـى عقولنـا ونفوسـنا ونجردهـا للدعوة وللدعوة فحسـب والخدمـة والتضحيـة
واليثار وإخراج الناس بإذن ال من الظلمات الى النور ومن الجاهلية الى السلمية ومن ضيق الدنيا الى سعتها ومن جور ا لديان
المحرفة والنظم الجائرة والمذاهب الغاشمة الى عدل السلم وظله ول يكون دافعنا الى العمل والجهاد إل امتثال أمر ال والفوز فى
الخرة و ما أ عد ال لعبادة من ال جر والثواب ثم الشف قة علىا لخلق والرح مة بالن سانية المعذ بة والحرص على نجاة الن سان فإذا
كان ذلك ل يمكـن فـى مرحلة مـن مراحـل الدعوة أو فـى فترة مـن فترات التاريـخ ــ بعـد تغلغـل مبادىء الدعوة فـى نفوس الدعاة
ور سوخ العقيدة في هم ـ إل بالحكو مة سعينا ل ها لم صلحة الدعوة والد ين ك ما ن سعى الى الماء للوضوء ونجت هد لهذا ال سبب بن فس
العقليـة وبنفـس السـيرة وبنفـس العفـة والنزاهـة والصـدق والمانـة والخشوع والتجرد الذى نجتهـد معـه لواجبات الديـن وأركانـه
والعبادات الخرى فل فرق للمؤمـن ب ين الحكو مة وب ين العبادات الخرى فل فرق للمؤ من ب ين الحكو مة وب ين العبادا ت إذا ح صل
الخلص وصحت النية فكل فى رضا ال وكل فى سبيل ال وكل عبادة يتقرب بها العبد الى ال .
3ـ وم ما امتازت به حياة ال نبياء علي هم ال سلم و سيرتهم النبو ية المثابرة علىا لدعوة وال صبر علي ها فل يتخطون هذه المرحلة
ال تى هى ال ساس ب سرعة وعجلة ول يطفرون من ها طفرا الى مرحلة أخرى بل يقضون في ها سنين طوال ول يشتغلون بغير ها ول
يطمئنون الى أن المجتمع قد عقل دعوتهم واستساغها ول الى الدعاة أنهم قد بلغوا رسالتهم وأدوا مهمتهم والى النفوس أنها قبلت
هذه الدعوة وهضمت ها هض ما صحيحا وأحلت ها من ها محل لئ قا ومردت النفوس على اتباع الحكام وانقاد ل ها جماح ها ول نت ل ها
قناتها ل يطمئنون الى كل هذا حتى يتحققوه ويختبروه مرة بعد مرة فل يخدعون عن أنفسهم ول تغرهم بهرجة الكلم فتكون نتيجة
هذه التربية المتينة والدعوة الطويلة أنها تؤتى أكلها ناضجة شهية ول تخدع الدعوة نتاجها فإذا قامت الحكومة قامت على أساس
متين من الخلق وعلى أكتاف رجال أقوياء أقوياء فى عقيدتهم أقوياء فى سيرتهم أقوياء فى خلقهم أقوياء فى عبادتهم أقوياء فى
سياستهم ل يندفعون مع التيار ول تجرف بهم المدنية ول يلعب بعقولهم الغنى بعد الفقر واليسر بعد العسر والقوة بعد الضعف ول
تميل بهم المحسوبيات والرحام والصدقات ول تستهويهم المطامع والمنافع هذا كان شأن الخلفة الراشدة وهذه كانت سيرة الخلفاء
الراشدين وهنا أنقل مرة ثانية ما قلته فى رسالتى " بين الجباية والهداية " .
" تأسست دولة السلم وفتحت فارس وبلد الروم والشام ونقلت الى عاصمة السلم ـ المدينة المنورة ـ كنوز كسرى وقيصر
وانصبت عليها خيرات المملكتين العظيمتين وانهال على رجالها من أموال هاتين الدولتين وطرفها وزخارفها ما لم يدر قط بخلدهم
وقد انقضى على إسلمهم ربع قرن وهم فى شدة وجهد من العيش وفى خشونة المطعم وخشونة الملبس ل يجدون من الطعام إل ما
يقيم صلبهم ول من اللباس إل ما يقيهم من البرد والحر فإذا بهم اليوم يتحكمون فى أموال الباطرة والكاسرة فإذا أراد الواحد منهم
أن يلبس تاج كسرى وينام على ب ساط قيصر لفعل لقد كانت وال هذه محنة عظيمة تزول فيها الجبال الراسيات وتطير لها القلوب
من جوانحها وتعمش العيون ولكنهم سرعان ما فطنوا أنهم ما وقفوا بين الفقر والغنى فحسب بل إنهم خيروا بين أن يتنازلوا عن
دعوتهم وإمامتهم ومبادئهم وينفضوا منها يدهم فل يطمعوا فيها أبدا وبين أن يحافظوا على روح هذه الدعوة النبوية وعلى سيرة
رجالها اللئقة بخلفاء النبياء والمرسلين وحملة الدعوة المؤمنين المخلصين .
كان لهم أن يؤسسوا ملكا عربيا عظيما على أنقاض الدولة الرومية والفارسية وينعموا كما نعم ملوكها وأمراؤها من قبل فقد ورثوا
ا مبراطوريتين :الفار سية والرومان ية وجمعوا ب ين موارد دولت ين فإذا كان ك سرى يتر فه بموارد فارس ف قط وإذا كان هر قل يبذخ
بموارد الروم فقط فهذا عمر بن الخطاب يمكنه أن يترفه بموارد المبراطوريتين ويبذخ بذخالم يبذخه أحدهما .
كان له ولصحابه كل ذلك بكل سهولة ولكنهم سمعوا القرآن يقول { :تلك الدار الخرة نجعلها للذين ل يريدون علوا فى الرض ول
فسادا والعاقبة للمتقين } [ القصص ] 83:وكأنهم يسمعون نبيهم صلى ال عليه وسلم يقول قبل وفاته " :ل الفقر أخشى عليكم
ولكن أخاف أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم " فهتفوا عن آخرهم قائلين " :اللهم ل عيش
إل عيش الخرة فاغفر للنصار والمهاجرة " .
وهكذا حافظوا على روح الدعوة السلمية وسيرة النبياء والمرسلين وعاشوا فى الحكومة كرجال الدعوة وفى الدنيا كرجال الخرة
وملكوا أنف سهم فى هذا التيار الجارف الذى سال قبل هم بالمدنيات والحكومات والشعوب وال مم و سال بالمبادىء والخلق والعلوم
والحكم .
مازال الناس يعدون اقتحام المسلمين دجلة بخيلهم وجندهم ـ تحت قيادة سعد بن أبى وقاص ووصولهم الى الشط الثانى من غير أن
ي صابوا فى ن فس أو مال أو متاع ـ حاد ثا غري با من أغرب ما و قع فى التار يخ إن الحادث لغر يب ول كن أ شد م نه غرا بة وأد عى
للعجب أن المسلمين فى عهد الخلفة الراشدة وعصر الفتوح السلمية الولى خاضوا فى بحر مدنية الروم وفارس وهو هائج مائج
وعـبروه ولم يفقدوا شيئا مـن أخلقهـم ومبادئهـم وعاداتهـم ووصـلوا الى الشـط الثانـى ولم تبتـل ثيابهـم ولم يزل الخلفاء الراشدون
وأمراء الدولة ال سلمية من أ صحاب ال نبى صلى ال عل يه و سلم محتفظ ين بروح هم ونف سيتهم وزهد هم وب ساطتهم فى المعي شة
وتخشنهم فى أ وج الفتوح السلمية.
4ـ و من مزا يا ال نبياء والدعاء الى ال التجرد للدعوة والتفرغ ل ها بالقلب والقالب والن فس والنف يس والو قت والقوة ف من شأن هم
أن هم يركزون جهودهم ومواهبهم ويوفرون أوقاتهم وقواهم لهذه الدعوة ونشرها والجهاد فى سبيلها ويعطونها كل هم ول يضنون
عليهـا بشىء ممـا عندهـم ول يحتفظون بشىء ول يؤثرون عليهـا شيئا ل وطنـا ول أهل ول عشيرة ول هوى ول مال حتـى تثمـر
جهودهم وقد ل تثمر فى الدنيا وقد تثمر بعد حياتهم فهذا هو النبى صلى ال عليه وسلم يخاطب بقوله تعالى { :وإما نرينكك بعض
الذى نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم ال شهيد على ما يفعلون } [ يونس ] 46 :فهذا إذا كان شأن الدعوة بعد ما أ عطاها
النبياء كل ما عندهم فكيف بها إذا أعطيناها بعض ما عندنا وكانت الدعوة تملك عليهم عقولهم ومشاعرهم وتملك عليهم تفكيرهم
وصحتهم فمازال القرآن يسلى النبى صلى ال عليه وسلم ويقول له { :فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث
أسفا } [ الكهف .]6:
5ـ ومن مزايا النبياء عليهم السلم ومن كان على طريقهم فى الدعوة الى ال أن هذه ا لدعوة الى ال والى الدار الخرة تسرى
فى حياتهم كما يسرى الماء فى عروق الشجر والكهرباء فى السلك وتظهر فى أ خلقهم وعبادتهم فترق قلوبهم وتخشع نفوسهم
وتزداد رغبت هم فى العبادة ويش تد اهتمام هم ب ها وحر صهم علي ها وإيفاؤ هم لحقوق ها ف عن المغيرة بن شع بة ر ضى ال ع نه قال قام
النبى صلى ال عليه وسلم حتى تورمت قدماه فقيل له :قد غفر ال لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال :أفل أكون عبدا شكورا
" ( . )1وعن عائشة رضى ال عنها قالت :قام النبى صلى ال عليه وسلم بآية من القرآن ليلة والية { إن تعذبهم فإنهم عبادك
وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم }
وانتقلت هذه اللذة بالعبادة والهتمام بهـا الى الصـحابة رضـى ا ل عنهـم فـى أشـد الوقات شغل وأقلهـا خاطرا حتـى كان أعداؤهـم
يعرفون ذلك عنهم وقد وصفهم رجل من الروم بقوله " :هم فرسان بالنهار رهبان بالليل " ويقول قائل " لو حدثت جليسك حديثا ما
فهمه عنك لما عل من اصواتهم بالقرآن والذكر " .
6ـ ومن مزايا النبياء عليهم السلم ومن كان على قدمهم أنهم يأخذون بالعزيمة فى الدين ول يأخذون بالرخصة ـ إل بينا للحكم
الشرعى وشكرا لنعمة ال ـ ورفعا للحرج عن المة ول يعفون أنفسهم ول يتساهلون فى العبادات لن اتباع الناس للدين وعملهم
به بمقدار تصلب هؤلء السادة فى الدين وتمسكهم به فإذا اهتم هؤلء بالنوافل اهتم الناس بالفرائض وإذا اكتفى القادة بالفرلائض
اسـترسل الناس الى تركهـا والسـتهانة بحقهـا لذلك كان الصـحابة رضـى ال عنهـم وقادة هذه ألمـة يشمرون عـن سـاق الجـد فـى
العبادات والمحافظـة على الجماعات والعمـل بالسـنن الدقيقـة والهتمام بالداب ول يكتفون بالدنـى ول يقفون عنـد الفريضـة وبذلك
استطاعوا ان يورثوا الدين هذا الجيل موفورا غير منقوص وهو أمانة عند هذا الجيل فلينظر كيف يورثه الجيال التية .
7ـ ومما يمتاز به النبياء والمرسلون عن الحكماء والمؤلفين والعلماء المحققين أنهم يعنون بتربية النفوس والشخاص الذين
يضطلعون بأعباء الدعوة بعدهـم وينفذون تعاليمهـم ورسـالتهم علمـا وعمل ومعلوم أن دعوتهـم العظمـى ل تقوم إل على أكتاف
الصحاء القوياء الحنفاء المخلصين فى إيمانهم والمخلصين فى تفكيرهم والمخلصين فى نياتهم الذين قد تنقت رءوسهم وصدورهم
من ألواث الجاهل ية والذ ين هضموا السلم هض ما صحيحا وانقطعت كل صلة فى حيات هم عن الجاهل ية بأو سع معاني ها وخلقوا فى
السلم خلقا جديدا .
ونرى ذلك واض حا فى حياة سيدنا موسى ـ عل يه وعلى نبينا أف ضل ال صلة والسلم ـ فلما كان ب نو إسرائيل قد نشأوا فى حياة
العبوديـة والذل والضطهاد والسـخرة الظالمـة وماتـت رجولتهـم وإباؤهـم ومردوا على الخنوع والسـتكانة والخضوع للقوى الغالب
وعلىا لجبـن والحرص الشديـد على الحياة والخوف الشديـد مـن الموت وأسـبابه حتـى لمـا قال لهـم نـبيهم { :ياقوم ادخلوا الرض
المقد سة ال تى ك تب ال ل كم ول ترتدوا على أدبار كم فتنقلبوا خا سرين & قالوا يامو سى إن في ها قو ما جبار ين وإ نا لن ندخل ها ح تى
يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون } ولم يشجعهم على التقدم والقتال قول موسى عليه السلم { :كتب ال لكم } مع أنه
كان ضامنا لنتصارهم وأخيرا قالوا بكل صراحة ووقاحة { :ياموسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتل إنا
هاهنا قاعدون } [ المائدة ]24 :فظهر أن نشأتهم الولى تأبى عليهم أن يخوضوا فى معركة ويدخلوا فى امتحان ويعرضوا أنفسهم
للخ طر وق طع مو سى من هذا الج يل الفا سد الرجاء وقال { :رب إ نى ل أملك إل نف سى وأ خى فافرق بين نا وب ين القوم الفا سقين }
[ المائدة ]25 :هنالك أمره ال بالعتزال مع قومه ( ل عن قومه ) فى بيداء سيناء حيث الشظف وخشونة الحياة وهنالك ينقرض
هذا الج يل الفا سد الذى شب على الج بن والض عف وشاب عل يه وين شأ الؤلد والشباب ال سرائيلى الذ ين ل يزالون فى مقت بل الع مر
على التخشـن والجلدة وتحمـل شدائد الحياة ومكارههـا وينشـأ جيـل جديـد يولد فـى هذه العزلة والبداوة على معانـى الرجولة
والفروسية وهكذا تتكون أمة جديدة تقوم بدعوة النبى وتطبيق تعاليمه ومبادئه وتجاهد فى سبيلها .
وذلك أيها السادة معنى بليغ من معانى الهجرة النبوية فقد استطاع سيد النبياء وسيد الدعاة الى ال ـ عليه الصلة والسلم ـ
بانتقاله مع أصحابه من ضيق مكة الى سعة المدينة وحريتها أن يكمل تربية أصحابه وأن ينشىء الجيل السلمى الجديد الذى لم
يلبث أن اضطلع بأعباء الدعوة المحمدية ومثل السلم تمثيل كامل .
كذلك الدعوة السلمية التى تكلفتم بها والجهاد الذى أخذتموه على عواتقكم يفرض عليكم ـ ايها السادة ـ إنشاء جيل جديد للسلم
جديد فىقوة إيمانه جديد فى حماسته وثقته جديد فى أخلقه جديد فى تفكيره وعقليته جديد فى كفايته العلمية واستعداده العقلى وإن
نجاحكم فى هذا النتاج البشرى مقياس نجاحكم فى مهمتكم ودعوتكم فكلما كان نجاكم كبيرا فى إيجاد هذا الجيل وتكوين هذا الشباب
كان نجاح كم باهرا فى دعوت كم ور سالتكم ومعلوم ع ند حضرات كم أن إنشاء الج يل الجد يد أو تقو يم الج يل المعا صر ـ الذى لم يف قد
صلحيته ونموه ـ ليس بالمر الهين إنها مهمة لتنوء بالعصبة أولى القوة إنها تحتاج الى تكريس الجهود وتركيز القوى على هذه
الغاية والتفكير العميق الواسع والتعاون الشامل والتصميم الحكيم إنها تتطلب أساليب التربية الحكيمة العميقة الثر وجهود عملية
فى ميدان الدعوة وال صلح إن ها تتطلب حر كة التأل يف والنتاج الوا سعة ومقدارا كبيرا من البتكار إن ها تتطلب و ضع منهاج جد يد
على أ ساس جد يد للدرا سات ومثال جديدا من المدارس والكليات والجامعات ومؤلفات ومنشورات جديدة فى شرح الد ين ا ل سلمى
وعرض الفكرة السلمية وتأليفات جديدة فى السيرة النبوية وتدوينا جديدا للتاريخ السلمى وسبكا جديدا للعلوم السلمية وتفسيرا
جديدا للعلوم الكون ية وتلقي حا علم يا جديدا وطرازا جديدا لل صحافة والدب والروايات والش عر إن كم اي ها ال سادة أمام أنقاض عقل ية
وركام بشرى وخامات مهملة تبنون ب ها بي تا جديدا وت صنعون ب ها سفينة جديدة تم خر عباب الحوادث والموا نع إن كم ستبدأون فى
عمل جديد وجهاد جديد يستغرق منكم وقتا طويل ويستنفد جهودا عظيمة وذلك وإن كان عمل شاقا طويل متعبا ممل متشعبا ولكن
ل بد من أنجاز هذا العمل ومن مواجهة هذه ا لحقيقة والتغلب على العقبات التى تعترض سبيلها .
هذه مزايـا الدعوة النبويـة أيهـا السـادة ومزايـا الدعوة التـى تكون على قدم النبوة وواجباتهـا وبذلك تمتاز دعوتكـم عـن الحركات
القومية والصلحات الجتماعية والثورات السياسية والقتصادية .
ومـن هذه المنابـع تسـتمد دعوتكـم القوة والروح وتسـتحق مـن ال النصـر وتجلب الرحمـة فلنحافـظ عليهـا محافظتنـا على الشعائر
والعقيدة ولنحرص عليها حرصنا على الحياة والقوة .
عندكم أيها السادة ثروة ضخمة من الصدق واليمان والحب والخلص ليست عند الدول الكبيرة والمم العظيمة عند كم أمانة مقدسة
جدا أما نة القلوب ال تى تجت مع على حب كم وتد ين بولئ كم وت ثق بقيادت كم هذه الما نة ال تى خلف ها ل كم المام الرا حل فأح سنوا القيام
عليها واخلفوه فيها .
إن نكبة الدعوة بفقد داعيها الول ومؤسسها العظيم كانت ـ من غير شك ـ نكبة عظيمة وخسارة فادحة ولكن كل نكبة أيسر وكل
خسارة أهون من وفاة رسول ال صلى ال عليه وسلم وقد أصيب بها المسلمون بما لم يصب به جماعة أو فرد لشدة تعلق قلوبهم
برسولهم صلى ال عليه وسلم واجتمعت لهم يومئذ مصائب لم تجتمع قبل ولن تجتمع بعد فلننظر كيف تلقاها الصحابة رضى ال
تعالى عنهم .
ل قد أ عد ال سبحانه وتعالى لهذه المرحلة القا سية والمح نة الشديدة ال صحابة ر ضى ال تعالى عن هم من ق بل سنين فل ما طار فى
الناس يوم أحد أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد قتل سقط فى أيديهم وفقد كثير منهم شعورهم وخذلتهم قواهم ولم يستطيعوا
أن يتحملوا هذه الصدمة ثم تحقق أن الشائعة كانت غير صحيحة ورسوله ال صلى ال عليه وسلم حى فانتعشت قواهم ولكن ال
تعالى قد أعدهم فى ذلك الوقت ليتلقوا نبأ وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم فى صبر وجلد وربطهم بالدعوة وذكر أن الداعى صلى
ال عليه وسلم تجرى عليه سنة ال فى خلقه فيرحل عن هذا العالم كما رحل من قبله من المرسلين فقال { :وما محمد إل رسول
قد خلت من قبله الرسل الإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر ال شيئا وسيجزى ال الشاكرين} [
آل عمرآن ]144:
وكان ذلك فلما حدث برسول ال صلى ال عليه وسلم حادث الوفاة تماسك المسلمون وعلى رأسهم خليفة رسول ال صلى ال عليه
و سلم أ بو ب كر ال صديق ف ما وهنوا و ما ا ستكانوا ولم ينقلبوا على أعقاب هم ولم يخذلوا ال سلم ولم يخذلوا الدعوة واجتم عت على
السلم م حن وخطوب لم تجت مع من ق بل ولن تجت مع من ب عد " ف قد ارتدت العرب إ ما عا مة وإ ما خا صة فى كل قبيلة ون جم النفاق
وارأبت اليهود والنصارى والمسلمون كالغنم فى الليلة المطيرة الشاتية لفقد نبيهم صلى ال عليه وسلم وقلتهم وكثرة عددهم ".
ولم ي كن مسجد ل تعالى فى ب سيط الرض إل ثل ثة م ساجد مسجد مكة ومسجد المدي نة ومسجد عبد القيس فى البحر ين فى قرية
جوا ثى وك ثر المتنبئون وم نع الناس الزكاة وق صد المرتدون المدي نة و سرح أ بو ب كر فى هذه الحال ج يش أ سامة الى الشام تنفيذا
لوصية رسول ال صلى ال عليه وسلم ورغبته وكلمة فى ذلك عمر وكبار الصحابة وأرادوا أن يمنعوه من ذلك فلم يمتنع وقال ك ط
لو ظننت أن السباع تخطفنى لنفذت بعث أسامة كما أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم ولو لم يبق فى القرى غيرى لنفذته ".
استحضروا أيها الخوان هول الموقف وغربة السلم وضعف المسلمين فقد أشرفت الدعوة السلمية على أثر وفاة نبيها صلى
اللهعل يه و سلم على ا لنقراض واجت مع للم سلمين حادثان حادث وفاة الر سول صلى ال عل يه و سلم وحادث ارتداد أمت هم وقوم هم
ولكن ذلك بالعكس أثار فيهم روح المقاو مة والجهاد وألهب غيرتهم وقال أ بو بكر ال صديق ر ضى ال تعالى ع نه " :أين قص الد ين
وأنا حى " وأبى المسلمون أن يستسلموا لهذه الحوادث ويخذلوا الدعوة فلم يحافظوا على وضع السلم وتراثه فقط بل فتحوا فارس
والروم والمبراطوريتين اللتين كانتا تحكمان العالم وأضافوهما الى ثروة السلم جزاهم ال عن نبيه ودعوته وعن المسلمين خير
ما جزى خلفاء النبياء وقادة الدعوة السلمية المناء القوياء .
وفى الخير تفضلوا بقبول تحية صادقة من م حب مخلص تجمعه بكم وحدة العقيدة السلمية وجامعة الفكرة الدينية على بعد الدار
ومن وراء البحار ويتمنى لكم ولكل داع مخلص ومجاهد صادق السداد والتوفيق
والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته .
أبو الحسن على الحسنى الندوى
( لكهنؤ ـ الهند ) ـ نزيل القاهرة
9/6/1370هـ