You are on page 1of 10

‫منذ خمسين عاما أريد أن أتحدث إلى الخوان‬

‫بقلم‬
‫الداعية السلمى‬
‫أبو الحسن على الحسنى الندوى‬
‫رئيس ندوة العلماء لكهنوء " الهند "‬

‫مقدمــــــــــــة‬
‫إنها صبغة ال ‪ ..‬ومن أحسن من ال صبغة ؟‬
‫عندما قرأنا للداعية السلمى الجليل العلمة أبى الحسن على الحسنى الندوى رسائله التى سبقت مقدمه الى مصر ثم عندما قرت‬
‫عيون نا برؤي ته وطا بت نفو سنا بعشر ته تأكدت ل نا هذه الحقي قة الكري مة وزد نا ب ها إيما نا و هى أ ن ال سلم على اختلف المك نة‬
‫والزم نة ي صنع نفوس أتبا عه على غرار وا حد ويج عل المشا به قري بة جدا ب ين نطرت هم الى الشياء وأحكام هم على ا لمور ‪ .‬وأن‬
‫انفجار الوعى السلمى فى مصر والشام والهند والمغرب تمخض عن نفر من الرجال المجاد أحسنوا فهم السلم وأحسنوا العمل‬
‫له فضمهم ـ من حيث ل يشعرون ـ نهج واحد فى الصلح ولفتهم عاطفة واحدة نحو ما يعترض المسلمين من عوائق ويرمون‬
‫به من مكايد وخصومات ‪..‬‬
‫أصغينا الى الستاذ وهو يحدث عن إخوان نا المسلمين بالهند ويؤرخ ل سير السلم هنالك فرأيناه يب صر السباب الخف ية ول تخد عه‬
‫حر كة ع ما وراء ها ‪ .‬وأ صغينا ال يه ي صف مشاعره ن حو إخوا نه الم سلمين بم صر خا صة والشرق الو سط عا مة فرأيناه فط نا الى‬
‫التيارات المتضاربة مقدرا لجهود الدعاة المخلصين ومقدرا كذلك ما يزحم طريقهم من صعاب وهو مع تمسكه الشديد بالسلم شكل‬
‫وموضوعا ـ حتى ليظنه السطحيون متزمتا ـ تراه واسع منادح النظر ‪.‬مرنا فى مواجهة ما يرضى وما يسخط مرونة الخلق العالى‬
‫ل مرونة التحلل وقلة الكتراث ‪.‬‬
‫وكم يحتاج رؤساء الهيئات السلمية عندنا الى هذا المسلك الراشد ‪.‬‬

‫زارنا الستاذ أبو الحسن ـ ونحن نكافح المر العسكرى بحل جماعتنا ـ فتعهدنا الرجل الحصيف بنصحه ‪ .‬وقام بحق السلم عليه‬
‫فى توجيه نا الى مرضاة ال وخد مة دي نه وح فظ المقد سات العظي مة ال تى آلت إلي نا من أ سلفنا المجاد ‪ .‬والثبات ضد أمواج الغزو‬
‫الصليبى والتبشير الثقافى الذى يرمينا الغرب به بين الحين والحين ‪.‬‬
‫وتحرى أن نلتزم فى جهاد نا لل سلم ال ساليب ال سلمية نف سها فإن الخ ير ل يدرك إل بالخ ير ‪ .‬وهيهات أن ت صل الى حق ببا طل ‪.‬‬
‫وقد سجل هذه النصائح فى الرسالة التى نتشرف بتقديمها للخوان المسلمين ‪.‬‬
‫ونحن إذ نشكر ال سبحانه على ما أتاح لنا من خير عندما ساق لنا الستاذ أبا الحسن فإنا نعاهده علىأ ن نظل ما حيينا أبناء برره‬
‫للقرآن الكريم وجنودا مهرة فى تنفيذ أوامره وبلوغ أهدافه ‪.‬‬
‫محمد الغزالـى‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬


‫أيها الخوان والسادة ! كان من أعز المانى وأحلى الحلم عندى أن ألتقى فى مصر بفضيلة الستاذ الشيخ حسن البنا المرشد العام‬
‫للخوان ولكن تأخرت زيارتى لمصر لسباب قاسرة واستأثرت به رحمه ال وسبقت له الحسنى ول أزال طوال عمرى ألوم نفسى‬
‫على هذا التقصير والتأخير فى السفر على أن ما فات النسان من خير لم يكن ليدركه وكان أمر ال قدرا مقدورا وليس لى عزاء‬
‫عن هذاا لحرمان إل فى وجودكم والجتماع بكم والحديث معكم فأريد أن أحييكم تحية كنت أحييها فقيد السلم وأبث إليكم بما فى‬
‫قل بى من خوا طر وأفكار وآمال وآلم و ما أح مل لهذه الدعوة العظي مة و صاحبها من التقد ير والجلل وال حب والخل صوما يخا مر‬
‫نفسى فى ذلك من سرور وأمل وما يساور نفسى كذلك من إشفاق ووجل فأرجوكم أن تسمحوا لخيكم بشىء من التفصيل وتتكرموا‬
‫عليه بشىء من وقتكم العزيز ‪.‬‬
‫لستم فى حاجة أيها الخوان الكرام أن أصور لكم العالم السلمى وما تجتاحه الن من موجات سياسية واقتصادية وخلقية وأصف‬
‫لكم الخطار الم سلطة على رقاب المسلمين و ما أ صيب به هذا العالم وي ستقبله من نكبات وم صائب فأن تم من أعلم الناس بها ولكن‬
‫الذى أريد أن أقول لكم أنه فى حيرة عظيمة وارتباك شديد إنه يتأرجح بين عوامل متناقضة وقوى متنافسة ‪.‬‬
‫إن العالم السلمى حائر العالم بين دين ل يسهل عليه العمل به والقيام بمطالبه لعادات نشا عليها وحكومات أفسدته وتعليم أزاغه‬
‫وشهوات ل تت فق مع عقيد ته ور سالته وب ين جاهل ية ل ينشرح ل ها صدره ليمان ل تزال له بق ية ف يه وقوم ية عج نت مع ال سلم‬
‫وحضارة تخمرت مع الدين ‪.‬‬
‫إن العالم ال سلمى حائر ب ين شعوب م سلمة ب سيطة فى عقليت ها ودين ها وحكومات داه ية لم تنشرح صدور رجال ها لهذا الد ين ولم‬
‫تطاوعهم نفوسهم علىا لعمل به ولكنهم يصرون على أن يحكموا هذه الشعوب التى تؤمن بهذا الدين ول يرون حياتهم وشرفهم إل‬
‫فى البقاء فى الحكومة ول يرون لهم محل فى الحياة إل الزعامة والحكومة ول موضعا فى العالم إل المجتمع السلمى الذى ولدوا‬
‫ونشأوا فيه فالشعوب فى تعب منهم وهم منها فى بلء وعناء ‪.‬‬
‫إن ا لعالم السـلمى حائر بيـن فطرتـه التـى تنزعـه الى الديـن وتاريخـه الذى يدفعـه الىاليمان والجهاد والكتاب الذى يقبـل بـه إلى‬
‫الخرة ويبعث فى نفسه الثورة على المجتمع الفاسد والحياة الزائفة وبين التربية العصرية التى تزين له المادية وتطبعه على‬
‫الجبن والضعف والزعامة التى تفرض عليه التكال على الغير والعتماد علىالعدو والفرار من الزحف ‪.‬‬
‫إن العالم السلمى حائر بين شباب ثائر ودم فائر وذهن متوقد وأزهار تريد أن تتفتح وبين قيادة شائخة شائبة قد أفلست فى العقلية‬
‫والحياة وحرمت البتكار والبداع والشجاعة والمغامرة ‪.‬‬
‫إن العالم السلمى حائر بين مواد خام من أقوى المواد وأفضلها فى اليمان والقوة والشجاعة وبين موجهين وصانعين ل يعرفون‬
‫قيمة هذه المواد ول يعرفون أين يضعونها وماذا يصنعون منها ‪.‬‬
‫هذا هو العالم السلمى الذى يواجهه العالم اليوم فل يجد فيه غناءه ول يجد فيه غوثا ومعقل عن لصوص العالم المنظمين وذئاب‬
‫النسانية التى تحكمت وعاثت فيها ‪.‬‬
‫ثم هذا هوالعالم العربى الذى تعيشون فيه أيها السادة وهو اليوم مع كل أسف أضعف أعضاء جسم العالم السلمى وقد كان‬
‫واجبا أن يكون أقوها وأصحها وأن يكون فى العالم السلمى بمنزلة الرأس أو القلب فى البدن وقد تضافرت عليه عوامل الفساد‬
‫والض عف فأحد ثت ف يه علل كثيرة قد ولد ف يه ض عف الح كم التر كى وغفل ته عت تعل يم الشعوب وتربيت ها وإنفا قه الموال فى غ ير‬
‫مو ضع والحترام فى غ ير و قت وع سفة فى غ ير هوادة أورث كل هذا البطالة و سقوط اله مة والج هل المط بق فى كث ير من البلد‬
‫العربيـة وجاء السـتعمار الوربـى فأورث التفسـخ فىالخلق والنحلل فـى الديـن والندفاع المتهور الى الماديـة والتهالك علىا‬
‫لشهوان وقامت الحكومات الشخصية فأورثت التملق وكثرة المجاملت والنفاق والخنوع للقوة والمادة ثم جنى عليهقربة من أوربا‬
‫فكان هدفا لتياراتها المدنية ومنتجاتها الصناعية وأفكارها المتطرفة وأساء اليه موقعه الجغرافى وأهميته السياسية والستراتيجية‬
‫فلج به الغرب وط مع ف يه ال ستعمار وطوق ته الجنود الجنب ية وكان من بقا يا الحضارة الشرق ية والنظام القطا عى والح كم الشخ صى‬
‫الترف والبذخ والتفاوت الشديد بين الطبقات فى المعيشة ثم كان أن خفت فى العالم العربى صوت الدعوة الدينية من زمان وانقرض‬
‫الرجال الذين كانوا يكافحون المادية ويكبحون جماحها ويلطفون من حدتها بدعوتهم إلى ا ل وإلى الخرة وإلى الزهد والعتدال فى‬
‫الحياة وقمـع الشهوات ويشعلون جمرة اليمان واسـتسلم العلماء ورجال الديـن أمام تيار الغرب وتغيرات العصـر فوضعوا أوزارهـم‬
‫للمدنية الغربية وهجم عليه الدب الشهوانى والصحافة الماجنة فحلت العقد ونفخت فى الشهوات واجتمع بعض ذلك الى بعض حتى‬
‫أصبح هذاالعالم منحل منهارا متداعيا ل يمسكه اليمان ول تحفه القوة المعنوية ول تقف فى طريق اندفاعه دعوة قوية ‪.‬‬
‫فى مثل هذه الفترات المظلمة والسحب المتراكمة كان ال يبعث النبياء والمرسلين فى الزمن السابق ولكن نبوءة محمد صلى ال‬
‫عليه وسلم لم تكسف شمسها ولم يتوار نورها وإن دينه ل يزال حيا وإن الكتاب الذى جاء به ل يزال محفوظا وإن أمته التى أرسلت‬
‫معه لتبليغ رسالته والقيام بدعوته ل تزال فيها الحياة والروح ‪.‬‬
‫لقد أغنانا ال بفضل دينه المحفوظ وكتابه المتلو ونبوءة محمد صلى ال عليه وسلم الخالدة عن رسالة جديدة ورسول جديد ولكن ل‬
‫بد من تجديدواسع ودعوة صارخة وكفاح شديد يغ ير هذا الو ضع الجاهلى الذى تورط ف يه العالم السلمى تور طا قبي حا وأمعن ف يه‬
‫العالم العربى إلى أبعد الحد وقد وعد ال وأخبر رسوله باستمرار هذه الدعوة السلمية وبقاء التجديد الدينى ودوام الكفاح فى تاريخ‬
‫السلم ضد الجاهلية التى ترفع عبقريتها زمنا بعد زمن وحينا بعد حين وقد أصبح خطب العالم السلمى وفساد أحوال المسلمين‬
‫وانحرافهم عن جادة السلم وطغيان بحر المادية أعظم وأوسع من أن يتدارك بجهود فردية وخطب منبرية ودروس دينية ورسائل‬
‫دورية مباحثات فقهية ومسائل جزئية ومحاربة الفراد والشخاص إن السبيل ل يمسكه إل سبيل مثله والتيار ل يدفعه إى تيار أقوى‬
‫م نه فل بد من كفاح عن يف و صراع شد يد يغ ير مجرى الز من ويقلب تيار الحياة من ج هة الى ج هة ويحدث أنقل با فى المجت مع‬
‫والحياة وفى الذواق والرغبات وفى قيم الشياء وموازينها ‪.‬‬
‫من ه نا كان سرورنا عظي ما ل ما رأي نا نورا جديدا على أ فق العالم العر بى ظهرت دعوة الخوان من م صر ـ زعي مة العالم العر بى‬
‫ومصدر الخير والشر للشرق الدنى ـ فتجدد المل فى مستقبل السلم واعتقدنا أنها هى الدعوة المنتظرة لحياء المسلمين وهى‬
‫ال تى ستحقق آمال الم صلحين وأحلم هم وتتدارك هذا العالم المنهار وتم سك به و ما لب ثت أن تحولت هذه الدعوة الى سيل متد فق‬
‫وتيار جارف فأم سك سيول الباح ية والتحلل واللحاد واللدين ية و صد تيارات المدن ية الغرب ية ال تى كا نت تجرف بالبق ية الباق ية من‬
‫الغيرة السلمية والحياة الدينية وأصبحت تؤثر فى حياة البلد تأثيرا قويا كاد يغير اتجاه البلد ‪.‬‬

‫خصائص دعوة الخوان ‪:‬‬


‫وقد اجتمع لهذه الدعوة خصائص كثيرة لم تجتمع على ما علمنا منذ أمد بعيد لحركة دينية وإصلحية فى هذا البلد ‪.‬‬
‫‪1‬ـ منها شخصية الداعى الول وهو فضيلة الستاذ الشيخ حسن البنا رحمه ال عليه فقد كانت ـ كما بلغنا ـ شخصية فريدة يظهر‬
‫من حياة صاحبها ونشأته أنها قد أعدت لهذا المر العظيم إعدادا وقد كان ـ رحمه ال ـ يجمع بين الفهم الواسع للسلم والغيرة‬
‫الملته بة عل يه والنشاط الدائم والع مل المتوا صل لعلئه والخطا بة ال ساحرة والشخ صية الجذا به والنفوذ العم يق فى نفوس أ صحابه‬
‫وأخوانه أو بلفظه هو نفسه " الفهم الدقيق واليمان العميق والحب الوثيق " ولبد للزعيم المسلم وقائد الدعوة الدينية أن يجمع بين‬
‫هذه الصفات ‪.‬‬
‫‪2‬ــ اجتمـع لهذه الدعوة مـا قلمـا تجتمـع للحركات الدينيـة مـن قوة اليمان وقوة العمـل والعلم العصـرى والتنظيـم الحديـث والدب‬
‫والصحافة وال صناعة والتجارة مما جعل هذه الدعوة دعوة شعبية ع صرية عا مة يجتمع فيها العالم الدينى مع المثقف المدنى مع‬
‫التاجر الكبير مع العامل الصغير مع الكاتب الديب مع الصحافى البارع مع الصانع الماهر مع الفلح القوى مع الطالب الشاب مع‬
‫المعلم الوقور مع المو ظف الم سئول مع ال طبيب النطا سى مع المحا مى ال كبير مع ال سياسى المح نك تج مع بين هم راب طة الخوان‬
‫وتربطهم شخصية الداعى الكبير ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ لقد بعثت تربية الداعى والشتغال بالدعوة ورد الفعل ضد التحلل والتفسخ حماسة عظيمة وتماسكا عجيبا فى نفوس الدعاة‬
‫وجعلت من الش عب " الر خو الرق يق " ـ ك ما قال زع يم من زعماء الخوان ـ شباب نا أثبتوا بطولت هم فى حرب فل سطين وجددوا‬
‫ذكريات تاريخ الجهاد السلمى وأثبتوا رجولتهموعصاميتهم فى عهد العتقال والمحنة والتعذيب ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ امتاز الداعى الول والدعاة بدورهم بالتصريح بالحقائق السلمية والظهور فى المظاهر الدينية التى كان الناس يخجلون منها‬
‫فتشجـع الناس وأصـبح الديـن فـى هذا البلد شيئا ل يخجـل منهالمثقفون والمتظرفون وبدأ الناس يصـلون فـى المقاهـى والنوادى‬
‫والولئم وقارعة الطريق بعد ما كانوا يستحيون من ذلك وأصبح الخطباء والكتاب يطالبون بالحكم السلمى وتطبيق أحكام السلم‬
‫الجتماع ية ويثيرون موضوعات دين ية كا نت وق فا على رجال الد ين ولم تكن تتجاوز دائرة البحث العل مى ول شك أن ذلك من نتائج‬
‫الحركةالسلمية القوية ‪.‬‬
‫كان كل ذلك ولو طالت حياة ا لمر شد العام وجرت المياه فى مجاري ها لكان أك ثر من هذا لتغ ير الو ضع الجتما عى والخل قى للبلد‬
‫وماتت بدع كثيرة وعاشت سنن ميته وأقفرت الحانات وعمرت المساجد وتوارى الفجار والدعاة الى الباحية والخلعة وكسد الدب‬
‫السافر الفاجر واحتجبت المجلت الماجنة والصحف الخليعة وخف السفور الوقح واختلط الرجال بالنساء الى غير ذلك من العيوب‬
‫الخلقية والجتماعية التى يعانيها المجتمع ‪.‬‬
‫ولكن البلد لم تستطع أن تقدر هذه النهضة قدرها كما أن المعدة الضعيفة المريضة ل تستطيع أن تهضم الغذاء الصالح القوى فتتخم‬
‫فى بعض الحيان ‪ .‬فكان كل ما يعلمه الجميع وكانت كارثة إسلمية لم يخسر فيها الخوان فقط بل خسر فيها السلم ورزىء بها‬
‫العالم السلمى ‪.‬‬
‫ولكنـى أعتقـد أيهـا السـادة أن ال سـبحانه وتعالى قـد أراد بهذه الدعوة خيرا إذ ردهـا قسـرا الى مرحلة الدعوة الولى لتزداد هذه‬
‫الدعوة نض جا وليزداد رجال ها ترب ية وحن كه ومبادئ ها ر سوخا وقوة وأ خذ بنوا صى العامل ين الدعاة ليفكروا فى م ستقبل هذه الدعوة‬
‫ويرسموا خطتها ويحكموا وضعها وأسلوبها ‪.‬‬
‫ل يس خ طب الدعوة الدين ية والتجد يد ال سلمى به ين أي ها الخوان الكرام فلي ست ر سالتها ومهمت ها قلب نظام ف قط أو تغي ير و ضع‬
‫سياسى بوضع سياسى آخر ونظام إقتصادى بنظام إقتصادى آخر ول نشر الثقافة والعلم ومكافحة المية والجهل أو محاربة البطالة‬
‫والتعطل أو معالجة عيوب اجتماعية أو خلقية الى غير ذلك مما يقوم به الدعاة والمصلحون فى أوربا وفى الشرق وإنما هى دعوة "‬
‫السـلم " التـى تشمـل العقيدة والخلق والعمال والسـياسة والعبادة والسـلوك الفردى والجتماعـى وتتناول العقـل والقلب والروح‬
‫والجسم وتعتمد على تغير عم يق فى القلب والنفسية والعقيدة والعقلية وتنبع من القلب قبل أن تنبع من القلم أو صحيفة كتاب أو‬
‫منصه خطاب وتنفذ على جسم الداعى وحياته قبل أن يطالب بتنفيذها على المجتمع والمة ‪.‬‬

‫سيرة النبياء مع الدعوة إلى ال‬


‫هذه الدعوة كانت جديرة فى الحقيقة بالنبياء ومواهبهم وقواهم ورسالتهم وإيمانهم وجهادهم وثباتهم وفقههم وحكمتهم وإخلصهم‬
‫ولكنها ليست خاصة بالنبياء بل هى دعوة خلفائهم وأتباعهم كذلك ودعوة كل عصر ومصر وحاجة النسانية كلها والعصور كلها‬
‫فل بد أن تجدد فى كل زمان و فى كل مح يط وتكون على أ ساس دعوت هم مطاب قة ل سيرتهم مقتب سة من مشكات هم فلنر جع الى هذا‬
‫المصدر ولندرسه دراسة عميقة واسعة ‪.‬‬
‫إذا تتبع نا أيها الخوان سيرة ال نبياء عليهم السلم فى دعوتهم رأي نا فيها جوانب كثيرة تمتاز بها سيرتهم وتقوم علي ها دعوتهم‬
‫وأر يد أن أشارك كم فى درا سة هذه ال سيرة وطبي عة هذه الدعوة فأعرض عن إذن كم ب عض الن قط المه مة ال تى تفرق ب ين سيرتهم‬
‫ودعوتهم وبين سيرة القادة والمصلحين من عامة البشر منها ‪:‬‬
‫‪1‬ـ اللتجاء الى ال فى جميع مراحل الدعوة والجهاد بل فى جميع مراحل الحياة والطراح على عتبة عبوديته إطراح الفقير الكسير‬
‫والرتماء فى أحضان رحم ته إرتماء الط فل ال صغيير فى احضان أ مه واليمان القوى بأ نه هو النا فع الضار والنا صر الخاذل وأن ل‬
‫مانع لما أعطى ول معطى لما منع ول كاشف لضره ول ممسك لرحمته ول سهل إل ما جعله سهل وهو يجعل الحزن سهل وينصر‬
‫الضعيف على القوى والقليل على الكثير والضعيف مع نصرة قوى والقليل مع رحمته كثير هذا اليمان كان يوحى إليهم بالبتهال‬
‫فى الدعاء وإطالة الوقوف ببابه وشدة اللتزام بأعتابه واللحاف فى المسألة ويلهم المعانى العجيبة والتعبيرات الرقيقة انظروا أيها‬
‫الخوان الى قول سيد ال نبياء و سيد الدعاه الى ال الى يوم القيا مة و هو يم ثل خ ير تمث يل ليما نه وشعوره بفقره وضع فه وافتقاره‬
‫الى رحمة ا ل " اللهم إنك‬
‫ت سمع كل مى وترى مكا نى وتعلم سرى وعلني تى ل يخ فى عل يك شىء من أمرى وأ نا البائس الفق ير الم ستغيث الم ستجير الو جل‬
‫المش فق الم قر المعترف بذن به أ سألك م سألة الم سكين وابت هل ال يك ابتهال المذ نب الذل يل وأدعوك دعاء الخائف الضر ير ودعاء من‬
‫خض عت لك رقب ته وفا ضت لك عبرتهوذل لك ج سمه ور غم لك أن فه الل هم ل تجعل نى بدعائك شق يا و كن لى رءو فا رحي ما يا خ ير‬
‫المسئولين ويا خير المعطين " واذكروا دعاءه صلى ال عليه وسلم فى الطائف " اللهم إليك أشكو ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى‬
‫على الناس يأر حم الراحم ين الى من تكل نى الى عدو يتجهم نى أم الى قر يب ملك ته أمرى إن لم ت كن ساخطا على فل أبالى غ ير أن‬
‫عافيتك أوسع لى أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات وصلح عليه امر الدنيا والخرة من أن يحل بى غضبك أو ينزل على‬
‫سخطك لك العتبى حتى ترضى ول حول ول قوة إل بك " واذكروا موقفه فى بدر قال ابن اسحاق ‪:‬‬
‫" ثم عدل رسول ال صلى ال عليه وسلم الصفوف ورجع الى ا لعريش فدخله ومعه فيه أبو بكر وليس معه غيره ورسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول فيما يقوله ‪ " :‬اللهم إن تهلك هذهالعصابة اليوم ل تعبد " ‪.‬‬
‫هذه كا نت عدة ال نبياء عليهمال سلم وقوت هم ومفتاح دعوت هم ف قد امتازت دعوت هم بتقد يم الدعاء والهتمام به والبتهال ف يه ول يس‬
‫الدعاء إل رمزا للنابة الى ال والعتماد عليه والعتزاز به فامتازت دعوتهم وجهادهم فى سبيلها بطابعهما الروحى واليمانى وقد‬
‫روى أنه كان صلى ال عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع الى الصلة وقال ال تعالى {واستعينوا بالصبر والصلة } [ البقرة ‪ ] 45 :‬ول‬
‫شك أن مه مة الدعوة أع ظم من أن يضطلع ب ها النسان بقو ته الج سدية وعد ته الماد ية وكفاي ته العلم ية والعقل ية ل ي ستقبل ب ها إل‬
‫بالقوة الروحية ونصر ال ومعونته وإن هذه الصخور العظيمة بل الطواد الشامخة التى تقف فى سبيل الدعوة وتهجم على رؤوس‬
‫الدعاة وتصطدم بجهودهم ل تذوب إل بنصر ال الذى يستنزل بالدعاء واللتجاء اليه ‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ امتازت دعوة النبياء وجهودهم بتجردها من التفكير فى المنافع المادية والثمرات العاجلة فكانوا ل يبتغون بدعوتهم وجهادهم‬
‫إل وجه ال وامتثال أوامره وتأدية رسالته تجردت عقولهم وأفكارهم من العمل للدنيا ونيل الجاه وكسب القوة لسرتهم أو أتباعهم‬
‫والح صول على الحكو مة ح تى لم يخ طر ذلك ببال أ صحابهم وأتباع هم وكا نت هذه الحكو مة ال تى قا مت ل هم فى وقت ها والقوة ال تى‬
‫ح صلت لهم فى دورها لم تكن إل جائزة من ال ووسيلة للو صول الى أهداف الدين وتنفيذ أحكامه وتغي ير المجتمع وتوج يه الحياة‬
‫ك ما قال ال تعالى ‪ { :‬الذ ين إن مكنا هم فى ا لرض أقاموا ال صلة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المن كر } [ ال حج ‪:‬‬
‫‪ ]41‬ولم تكن هذه الحكومة قط غاية من غاياتهم أو هدفا من أهدافهم أو حديثا من أحاديثهم أو حلما من أحلمهم ‪ .‬إنما كانت نتيجة‬
‫طبيع ية للدعوة والجهاد كالثمرة ال تى هى نتي جة طبيع ية لن مو الشجرة وقوة إثمار ها و قد قال كا تب هذه ال سطور فى ر سالته " ب ين‬
‫الهداية والجباية " ما يحسن نقله هنا ‪.‬‬
‫" بعث محمد صلى ال عليه وسلم فدعا الناس الى السلم فالتف حوله { فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى & وربطنا على قلوبهم إذ‬
‫قاموا فقالوا ربنا رب السموات والرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا & هؤلء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لول يأتون‬
‫عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على ال كذبا } [ الكهف ‪13 :‬ـ ‪ ] 15‬وكان هؤلء الفتيان هدف كل قسوة وظلم واضطهاد‬
‫وبلء وعذاب وقد قيل لهم من قبل { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم ل يفتنون & ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن ال‬
‫الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } [ العنكبوت ‪ ] 2،3‬فصمدوا لكل ما وقع لهم وثبتوا كالجبال وقالوا ‪ { :‬هذا ما وعدنا ال ورسوله‬
‫وصدق ال ورسوله } [ الحزاب ‪]22 :‬‬
‫حتـى أذن ال فـى الهجرة ولم تزل الدعوة تشـق طريقهـا وتؤتـى أكلهـا حتـى قضـى ال أن يحكـم رجالهـا فـى العالم ويقيموا القسـط‬
‫ويخرجوا الناس من الظلمات الى النور ومن عبادة العباد الى عبادة ال وحده ومن ضيق الدنيا الى سعتها فقد عرف انهم إذا تولوا‬
‫وسادوا { أقاموا الصلة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر } [ الحج ‪.]41:‬‬
‫وهكذا جاءت الدعوة بالحكومة كما تأتى المطار بالخصب والزرع وكما تأتى الشجار بالفاكهة والثمر فلم تكن هذه الحكومة إل ثمرة‬
‫مـن ثمرات هذه الدعوة السـلمية ولم تكـن هذه العزة والقوة إل نتيجـة ذلك العذاب الذى تحملوه مـن قريـش وغيرهـم وذلك الهوان‬
‫الذى لقوه فى مكة وغيرها ‪.‬‬
‫وفرق كبير ـ أيها السادة ـ بين الغاية التى تقصد والنتيجة التى تظهر ويظهر هذا الفرق فى نفسية العامل والساعى فالذى يقصد‬
‫الحكو مة يتوا نى ويق عد إذا لم ينل ها أو انق طع أمله في ها ويشت غل ب ها عن الدعوة ويط غى إذا نال ها وخ طر على كل جما عة تتكون‬
‫عقليت ها ب حب الحكو مة وال سعى ل ها أن تق عد عن الجهاد فى سبيل الدعوة أو تنحرف وتز يغ فى ق صدها لن أ ساليب الو صول الى‬
‫الحكومـة تخالف أسـاليب الدعوة ‪ .‬فيجـب علينـا أن ننقـى عقولنـا ونفوسـنا ونجردهـا للدعوة وللدعوة فحسـب والخدمـة والتضحيـة‬
‫واليثار وإخراج الناس بإذن ال من الظلمات الى النور ومن الجاهلية الى السلمية ومن ضيق الدنيا الى سعتها ومن جور ا لديان‬
‫المحرفة والنظم الجائرة والمذاهب الغاشمة الى عدل السلم وظله ول يكون دافعنا الى العمل والجهاد إل امتثال أمر ال والفوز فى‬
‫الخرة و ما أ عد ال لعبادة من ال جر والثواب ثم الشف قة علىا لخلق والرح مة بالن سانية المعذ بة والحرص على نجاة الن سان فإذا‬
‫كان ذلك ل يمكـن فـى مرحلة مـن مراحـل الدعوة أو فـى فترة مـن فترات التاريـخ ــ بعـد تغلغـل مبادىء الدعوة فـى نفوس الدعاة‬
‫ور سوخ العقيدة في هم ـ إل بالحكو مة سعينا ل ها لم صلحة الدعوة والد ين ك ما ن سعى الى الماء للوضوء ونجت هد لهذا ال سبب بن فس‬
‫العقليـة وبنفـس السـيرة وبنفـس العفـة والنزاهـة والصـدق والمانـة والخشوع والتجرد الذى نجتهـد معـه لواجبات الديـن وأركانـه‬
‫والعبادات الخرى فل فرق للمؤمـن ب ين الحكو مة وب ين العبادات الخرى فل فرق للمؤ من ب ين الحكو مة وب ين العبادا ت إذا ح صل‬
‫الخلص وصحت النية فكل فى رضا ال وكل فى سبيل ال وكل عبادة يتقرب بها العبد الى ال ‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ وم ما امتازت به حياة ال نبياء علي هم ال سلم و سيرتهم النبو ية المثابرة علىا لدعوة وال صبر علي ها فل يتخطون هذه المرحلة‬
‫ال تى هى ال ساس ب سرعة وعجلة ول يطفرون من ها طفرا الى مرحلة أخرى بل يقضون في ها سنين طوال ول يشتغلون بغير ها ول‬
‫يطمئنون الى أن المجتمع قد عقل دعوتهم واستساغها ول الى الدعاة أنهم قد بلغوا رسالتهم وأدوا مهمتهم والى النفوس أنها قبلت‬
‫هذه الدعوة وهضمت ها هض ما صحيحا وأحلت ها من ها محل لئ قا ومردت النفوس على اتباع الحكام وانقاد ل ها جماح ها ول نت ل ها‬
‫قناتها ل يطمئنون الى كل هذا حتى يتحققوه ويختبروه مرة بعد مرة فل يخدعون عن أنفسهم ول تغرهم بهرجة الكلم فتكون نتيجة‬
‫هذه التربية المتينة والدعوة الطويلة أنها تؤتى أكلها ناضجة شهية ول تخدع الدعوة نتاجها فإذا قامت الحكومة قامت على أساس‬
‫متين من الخلق وعلى أكتاف رجال أقوياء أقوياء فى عقيدتهم أقوياء فى سيرتهم أقوياء فى خلقهم أقوياء فى عبادتهم أقوياء فى‬
‫سياستهم ل يندفعون مع التيار ول تجرف بهم المدنية ول يلعب بعقولهم الغنى بعد الفقر واليسر بعد العسر والقوة بعد الضعف ول‬
‫تميل بهم المحسوبيات والرحام والصدقات ول تستهويهم المطامع والمنافع هذا كان شأن الخلفة الراشدة وهذه كانت سيرة الخلفاء‬
‫الراشدين وهنا أنقل مرة ثانية ما قلته فى رسالتى " بين الجباية والهداية " ‪.‬‬
‫" تأسست دولة السلم وفتحت فارس وبلد الروم والشام ونقلت الى عاصمة السلم ـ المدينة المنورة ـ كنوز كسرى وقيصر‬
‫وانصبت عليها خيرات المملكتين العظيمتين وانهال على رجالها من أموال هاتين الدولتين وطرفها وزخارفها ما لم يدر قط بخلدهم‬
‫وقد انقضى على إسلمهم ربع قرن وهم فى شدة وجهد من العيش وفى خشونة المطعم وخشونة الملبس ل يجدون من الطعام إل ما‬
‫يقيم صلبهم ول من اللباس إل ما يقيهم من البرد والحر فإذا بهم اليوم يتحكمون فى أموال الباطرة والكاسرة فإذا أراد الواحد منهم‬
‫أن يلبس تاج كسرى وينام على ب ساط قيصر لفعل لقد كانت وال هذه محنة عظيمة تزول فيها الجبال الراسيات وتطير لها القلوب‬
‫من جوانحها وتعمش العيون ولكنهم سرعان ما فطنوا أنهم ما وقفوا بين الفقر والغنى فحسب بل إنهم خيروا بين أن يتنازلوا عن‬
‫دعوتهم وإمامتهم ومبادئهم وينفضوا منها يدهم فل يطمعوا فيها أبدا وبين أن يحافظوا على روح هذه الدعوة النبوية وعلى سيرة‬
‫رجالها اللئقة بخلفاء النبياء والمرسلين وحملة الدعوة المؤمنين المخلصين ‪.‬‬
‫كان لهم أن يؤسسوا ملكا عربيا عظيما على أنقاض الدولة الرومية والفارسية وينعموا كما نعم ملوكها وأمراؤها من قبل فقد ورثوا‬
‫ا مبراطوريتين ‪ :‬الفار سية والرومان ية وجمعوا ب ين موارد دولت ين فإذا كان ك سرى يتر فه بموارد فارس ف قط وإذا كان هر قل يبذخ‬
‫بموارد الروم فقط فهذا عمر بن الخطاب يمكنه أن يترفه بموارد المبراطوريتين ويبذخ بذخالم يبذخه أحدهما ‪.‬‬
‫كان له ولصحابه كل ذلك بكل سهولة ولكنهم سمعوا القرآن يقول ‪ { :‬تلك الدار الخرة نجعلها للذين ل يريدون علوا فى الرض ول‬
‫فسادا والعاقبة للمتقين } [ القصص ‪ ] 83:‬وكأنهم يسمعون نبيهم صلى ال عليه وسلم يقول قبل وفاته ‪ " :‬ل الفقر أخشى عليكم‬
‫ولكن أخاف أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم " فهتفوا عن آخرهم قائلين ‪ " :‬اللهم ل عيش‬
‫إل عيش الخرة فاغفر للنصار والمهاجرة " ‪.‬‬
‫وهكذا حافظوا على روح الدعوة السلمية وسيرة النبياء والمرسلين وعاشوا فى الحكومة كرجال الدعوة وفى الدنيا كرجال الخرة‬
‫وملكوا أنف سهم فى هذا التيار الجارف الذى سال قبل هم بالمدنيات والحكومات والشعوب وال مم و سال بالمبادىء والخلق والعلوم‬
‫والحكم ‪.‬‬
‫مازال الناس يعدون اقتحام المسلمين دجلة بخيلهم وجندهم ـ تحت قيادة سعد بن أبى وقاص ووصولهم الى الشط الثانى من غير أن‬
‫ي صابوا فى ن فس أو مال أو متاع ـ حاد ثا غري با من أغرب ما و قع فى التار يخ إن الحادث لغر يب ول كن أ شد م نه غرا بة وأد عى‬
‫للعجب أن المسلمين فى عهد الخلفة الراشدة وعصر الفتوح السلمية الولى خاضوا فى بحر مدنية الروم وفارس وهو هائج مائج‬
‫وعـبروه ولم يفقدوا شيئا مـن أخلقهـم ومبادئهـم وعاداتهـم ووصـلوا الى الشـط الثانـى ولم تبتـل ثيابهـم ولم يزل الخلفاء الراشدون‬
‫وأمراء الدولة ال سلمية من أ صحاب ال نبى صلى ال عل يه و سلم محتفظ ين بروح هم ونف سيتهم وزهد هم وب ساطتهم فى المعي شة‬
‫وتخشنهم فى أ وج الفتوح السلمية‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ و من مزا يا ال نبياء والدعاء الى ال التجرد للدعوة والتفرغ ل ها بالقلب والقالب والن فس والنف يس والو قت والقوة ف من شأن هم‬
‫أن هم يركزون جهودهم ومواهبهم ويوفرون أوقاتهم وقواهم لهذه الدعوة ونشرها والجهاد فى سبيلها ويعطونها كل هم ول يضنون‬
‫عليهـا بشىء ممـا عندهـم ول يحتفظون بشىء ول يؤثرون عليهـا شيئا ل وطنـا ول أهل ول عشيرة ول هوى ول مال حتـى تثمـر‬
‫جهودهم وقد ل تثمر فى الدنيا وقد تثمر بعد حياتهم فهذا هو النبى صلى ال عليه وسلم يخاطب بقوله تعالى ‪ { :‬وإما نرينكك بعض‬
‫الذى نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم ال شهيد على ما يفعلون } [ يونس ‪ ] 46 :‬فهذا إذا كان شأن الدعوة بعد ما أ عطاها‬
‫النبياء كل ما عندهم فكيف بها إذا أعطيناها بعض ما عندنا وكانت الدعوة تملك عليهم عقولهم ومشاعرهم وتملك عليهم تفكيرهم‬
‫وصحتهم فمازال القرآن يسلى النبى صلى ال عليه وسلم ويقول له ‪ { :‬فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث‬
‫أسفا } [ الكهف ‪.]6:‬‬

‫‪ 5‬ـ ومن مزايا النبياء عليهم السلم ومن كان على طريقهم فى الدعوة الى ال أن هذه ا لدعوة الى ال والى الدار الخرة تسرى‬
‫فى حياتهم كما يسرى الماء فى عروق الشجر والكهرباء فى السلك وتظهر فى أ خلقهم وعبادتهم فترق قلوبهم وتخشع نفوسهم‬
‫وتزداد رغبت هم فى العبادة ويش تد اهتمام هم ب ها وحر صهم علي ها وإيفاؤ هم لحقوق ها ف عن المغيرة بن شع بة ر ضى ال ع نه قال قام‬
‫النبى صلى ال عليه وسلم حتى تورمت قدماه فقيل له ‪ :‬قد غفر ال لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال ‪ :‬أفل أكون عبدا شكورا‬
‫" ( ‪ . )1‬وعن عائشة رضى ال عنها قالت ‪ :‬قام النبى صلى ال عليه وسلم بآية من القرآن ليلة والية { إن تعذبهم فإنهم عبادك‬
‫وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم }‬
‫وانتقلت هذه اللذة بالعبادة والهتمام بهـا الى الصـحابة رضـى ا ل عنهـم فـى أشـد الوقات شغل وأقلهـا خاطرا حتـى كان أعداؤهـم‬
‫يعرفون ذلك عنهم وقد وصفهم رجل من الروم بقوله ‪ " :‬هم فرسان بالنهار رهبان بالليل " ويقول قائل " لو حدثت جليسك حديثا ما‬
‫فهمه عنك لما عل من اصواتهم بالقرآن والذكر " ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ ومن مزايا النبياء عليهم السلم ومن كان على قدمهم أنهم يأخذون بالعزيمة فى الدين ول يأخذون بالرخصة ـ إل بينا للحكم‬
‫الشرعى وشكرا لنعمة ال ـ ورفعا للحرج عن المة ول يعفون أنفسهم ول يتساهلون فى العبادات لن اتباع الناس للدين وعملهم‬
‫به بمقدار تصلب هؤلء السادة فى الدين وتمسكهم به فإذا اهتم هؤلء بالنوافل اهتم الناس بالفرائض وإذا اكتفى القادة بالفرلائض‬
‫اسـترسل الناس الى تركهـا والسـتهانة بحقهـا لذلك كان الصـحابة رضـى ال عنهـم وقادة هذه ألمـة يشمرون عـن سـاق الجـد فـى‬
‫العبادات والمحافظـة على الجماعات والعمـل بالسـنن الدقيقـة والهتمام بالداب ول يكتفون بالدنـى ول يقفون عنـد الفريضـة وبذلك‬
‫استطاعوا ان يورثوا الدين هذا الجيل موفورا غير منقوص وهو أمانة عند هذا الجيل فلينظر كيف يورثه الجيال التية ‪.‬‬

‫‪ 7‬ـ ومما يمتاز به النبياء والمرسلون عن الحكماء والمؤلفين والعلماء المحققين أنهم يعنون بتربية النفوس والشخاص الذين‬
‫يضطلعون بأعباء الدعوة بعدهـم وينفذون تعاليمهـم ورسـالتهم علمـا وعمل ومعلوم أن دعوتهـم العظمـى ل تقوم إل على أكتاف‬
‫الصحاء القوياء الحنفاء المخلصين فى إيمانهم والمخلصين فى تفكيرهم والمخلصين فى نياتهم الذين قد تنقت رءوسهم وصدورهم‬
‫من ألواث الجاهل ية والذ ين هضموا السلم هض ما صحيحا وانقطعت كل صلة فى حيات هم عن الجاهل ية بأو سع معاني ها وخلقوا فى‬
‫السلم خلقا جديدا ‪.‬‬
‫ونرى ذلك واض حا فى حياة سيدنا موسى ـ عل يه وعلى نبينا أف ضل ال صلة والسلم ـ فلما كان ب نو إسرائيل قد نشأوا فى حياة‬
‫العبوديـة والذل والضطهاد والسـخرة الظالمـة وماتـت رجولتهـم وإباؤهـم ومردوا على الخنوع والسـتكانة والخضوع للقوى الغالب‬
‫وعلىا لجبـن والحرص الشديـد على الحياة والخوف الشديـد مـن الموت وأسـبابه حتـى لمـا قال لهـم نـبيهم ‪ { :‬ياقوم ادخلوا الرض‬
‫المقد سة ال تى ك تب ال ل كم ول ترتدوا على أدبار كم فتنقلبوا خا سرين & قالوا يامو سى إن في ها قو ما جبار ين وإ نا لن ندخل ها ح تى‬
‫يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون } ولم يشجعهم على التقدم والقتال قول موسى عليه السلم ‪ { :‬كتب ال لكم } مع أنه‬
‫كان ضامنا لنتصارهم وأخيرا قالوا بكل صراحة ووقاحة ‪ { :‬ياموسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتل إنا‬
‫هاهنا قاعدون } [ المائدة ‪ ]24 :‬فظهر أن نشأتهم الولى تأبى عليهم أن يخوضوا فى معركة ويدخلوا فى امتحان ويعرضوا أنفسهم‬
‫للخ طر وق طع مو سى من هذا الج يل الفا سد الرجاء وقال ‪ { :‬رب إ نى ل أملك إل نف سى وأ خى فافرق بين نا وب ين القوم الفا سقين }‬
‫[ المائدة ‪ ]25 :‬هنالك أمره ال بالعتزال مع قومه ( ل عن قومه ) فى بيداء سيناء حيث الشظف وخشونة الحياة وهنالك ينقرض‬
‫هذا الج يل الفا سد الذى شب على الج بن والض عف وشاب عل يه وين شأ الؤلد والشباب ال سرائيلى الذ ين ل يزالون فى مقت بل الع مر‬
‫على التخشـن والجلدة وتحمـل شدائد الحياة ومكارههـا وينشـأ جيـل جديـد يولد فـى هذه العزلة والبداوة على معانـى الرجولة‬
‫والفروسية وهكذا تتكون أمة جديدة تقوم بدعوة النبى وتطبيق تعاليمه ومبادئه وتجاهد فى سبيلها ‪.‬‬
‫وذلك أيها السادة معنى بليغ من معانى الهجرة النبوية فقد استطاع سيد النبياء وسيد الدعاة الى ال ـ عليه الصلة والسلم ـ‬
‫بانتقاله مع أصحابه من ضيق مكة الى سعة المدينة وحريتها أن يكمل تربية أصحابه وأن ينشىء الجيل السلمى الجديد الذى لم‬
‫يلبث أن اضطلع بأعباء الدعوة المحمدية ومثل السلم تمثيل كامل ‪.‬‬
‫كذلك الدعوة السلمية التى تكلفتم بها والجهاد الذى أخذتموه على عواتقكم يفرض عليكم ـ ايها السادة ـ إنشاء جيل جديد للسلم‬
‫جديد فىقوة إيمانه جديد فى حماسته وثقته جديد فى أخلقه جديد فى تفكيره وعقليته جديد فى كفايته العلمية واستعداده العقلى وإن‬
‫نجاحكم فى هذا النتاج البشرى مقياس نجاحكم فى مهمتكم ودعوتكم فكلما كان نجاكم كبيرا فى إيجاد هذا الجيل وتكوين هذا الشباب‬
‫كان نجاح كم باهرا فى دعوت كم ور سالتكم ومعلوم ع ند حضرات كم أن إنشاء الج يل الجد يد أو تقو يم الج يل المعا صر ـ الذى لم يف قد‬
‫صلحيته ونموه ـ ليس بالمر الهين إنها مهمة لتنوء بالعصبة أولى القوة إنها تحتاج الى تكريس الجهود وتركيز القوى على هذه‬
‫الغاية والتفكير العميق الواسع والتعاون الشامل والتصميم الحكيم إنها تتطلب أساليب التربية الحكيمة العميقة الثر وجهود عملية‬
‫فى ميدان الدعوة وال صلح إن ها تتطلب حر كة التأل يف والنتاج الوا سعة ومقدارا كبيرا من البتكار إن ها تتطلب و ضع منهاج جد يد‬
‫على أ ساس جد يد للدرا سات ومثال جديدا من المدارس والكليات والجامعات ومؤلفات ومنشورات جديدة فى شرح الد ين ا ل سلمى‬
‫وعرض الفكرة السلمية وتأليفات جديدة فى السيرة النبوية وتدوينا جديدا للتاريخ السلمى وسبكا جديدا للعلوم السلمية وتفسيرا‬
‫جديدا للعلوم الكون ية وتلقي حا علم يا جديدا وطرازا جديدا لل صحافة والدب والروايات والش عر إن كم اي ها ال سادة أمام أنقاض عقل ية‬
‫وركام بشرى وخامات مهملة تبنون ب ها بي تا جديدا وت صنعون ب ها سفينة جديدة تم خر عباب الحوادث والموا نع إن كم ستبدأون فى‬
‫عمل جديد وجهاد جديد يستغرق منكم وقتا طويل ويستنفد جهودا عظيمة وذلك وإن كان عمل شاقا طويل متعبا ممل متشعبا ولكن‬
‫ل بد من أنجاز هذا العمل ومن مواجهة هذه ا لحقيقة والتغلب على العقبات التى تعترض سبيلها ‪.‬‬
‫هذه مزايـا الدعوة النبويـة أيهـا السـادة ومزايـا الدعوة التـى تكون على قدم النبوة وواجباتهـا وبذلك تمتاز دعوتكـم عـن الحركات‬
‫القومية والصلحات الجتماعية والثورات السياسية والقتصادية ‪.‬‬
‫ومـن هذه المنابـع تسـتمد دعوتكـم القوة والروح وتسـتحق مـن ال النصـر وتجلب الرحمـة فلنحافـظ عليهـا محافظتنـا على الشعائر‬
‫والعقيدة ولنحرص عليها حرصنا على الحياة والقوة ‪.‬‬
‫عندكم أيها السادة ثروة ضخمة من الصدق واليمان والحب والخلص ليست عند الدول الكبيرة والمم العظيمة عند كم أمانة مقدسة‬
‫جدا أما نة القلوب ال تى تجت مع على حب كم وتد ين بولئ كم وت ثق بقيادت كم هذه الما نة ال تى خلف ها ل كم المام الرا حل فأح سنوا القيام‬
‫عليها واخلفوه فيها ‪.‬‬
‫إن نكبة الدعوة بفقد داعيها الول ومؤسسها العظيم كانت ـ من غير شك ـ نكبة عظيمة وخسارة فادحة ولكن كل نكبة أيسر وكل‬
‫خسارة أهون من وفاة رسول ال صلى ال عليه وسلم وقد أصيب بها المسلمون بما لم يصب به جماعة أو فرد لشدة تعلق قلوبهم‬
‫برسولهم صلى ال عليه وسلم واجتمعت لهم يومئذ مصائب لم تجتمع قبل ولن تجتمع بعد فلننظر كيف تلقاها الصحابة رضى ال‬
‫تعالى عنهم ‪.‬‬
‫ل قد أ عد ال سبحانه وتعالى لهذه المرحلة القا سية والمح نة الشديدة ال صحابة ر ضى ال تعالى عن هم من ق بل سنين فل ما طار فى‬
‫الناس يوم أحد أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد قتل سقط فى أيديهم وفقد كثير منهم شعورهم وخذلتهم قواهم ولم يستطيعوا‬
‫أن يتحملوا هذه الصدمة ثم تحقق أن الشائعة كانت غير صحيحة ورسوله ال صلى ال عليه وسلم حى فانتعشت قواهم ولكن ال‬
‫تعالى قد أعدهم فى ذلك الوقت ليتلقوا نبأ وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم فى صبر وجلد وربطهم بالدعوة وذكر أن الداعى صلى‬
‫ال عليه وسلم تجرى عليه سنة ال فى خلقه فيرحل عن هذا العالم كما رحل من قبله من المرسلين فقال ‪ { :‬وما محمد إل رسول‬
‫قد خلت من قبله الرسل الإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر ال شيئا وسيجزى ال الشاكرين} [‬
‫آل عمرآن ‪]144:‬‬
‫وكان ذلك فلما حدث برسول ال صلى ال عليه وسلم حادث الوفاة تماسك المسلمون وعلى رأسهم خليفة رسول ال صلى ال عليه‬
‫و سلم أ بو ب كر ال صديق ف ما وهنوا و ما ا ستكانوا ولم ينقلبوا على أعقاب هم ولم يخذلوا ال سلم ولم يخذلوا الدعوة واجتم عت على‬
‫السلم م حن وخطوب لم تجت مع من ق بل ولن تجت مع من ب عد " ف قد ارتدت العرب إ ما عا مة وإ ما خا صة فى كل قبيلة ون جم النفاق‬
‫وارأبت اليهود والنصارى والمسلمون كالغنم فى الليلة المطيرة الشاتية لفقد نبيهم صلى ال عليه وسلم وقلتهم وكثرة عددهم "‪.‬‬
‫ولم ي كن مسجد ل تعالى فى ب سيط الرض إل ثل ثة م ساجد مسجد مكة ومسجد المدي نة ومسجد عبد القيس فى البحر ين فى قرية‬
‫جوا ثى وك ثر المتنبئون وم نع الناس الزكاة وق صد المرتدون المدي نة و سرح أ بو ب كر فى هذه الحال ج يش أ سامة الى الشام تنفيذا‬
‫لوصية رسول ال صلى ال عليه وسلم ورغبته وكلمة فى ذلك عمر وكبار الصحابة وأرادوا أن يمنعوه من ذلك فلم يمتنع وقال ك ط‬
‫لو ظننت أن السباع تخطفنى لنفذت بعث أسامة كما أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم ولو لم يبق فى القرى غيرى لنفذته "‪.‬‬
‫استحضروا أيها الخوان هول الموقف وغربة السلم وضعف المسلمين فقد أشرفت الدعوة السلمية على أثر وفاة نبيها صلى‬
‫اللهعل يه و سلم على ا لنقراض واجت مع للم سلمين حادثان حادث وفاة الر سول صلى ال عل يه و سلم وحادث ارتداد أمت هم وقوم هم‬
‫ولكن ذلك بالعكس أثار فيهم روح المقاو مة والجهاد وألهب غيرتهم وقال أ بو بكر ال صديق ر ضى ال تعالى ع نه ‪ " :‬أين قص الد ين‬
‫وأنا حى " وأبى المسلمون أن يستسلموا لهذه الحوادث ويخذلوا الدعوة فلم يحافظوا على وضع السلم وتراثه فقط بل فتحوا فارس‬
‫والروم والمبراطوريتين اللتين كانتا تحكمان العالم وأضافوهما الى ثروة السلم جزاهم ال عن نبيه ودعوته وعن المسلمين خير‬
‫ما جزى خلفاء النبياء وقادة الدعوة السلمية المناء القوياء ‪.‬‬
‫وفى الخير تفضلوا بقبول تحية صادقة من م حب مخلص تجمعه بكم وحدة العقيدة السلمية وجامعة الفكرة الدينية على بعد الدار‬
‫ومن وراء البحار ويتمنى لكم ولكل داع مخلص ومجاهد صادق السداد والتوفيق‬
‫والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته ‪.‬‬
‫أبو الحسن على الحسنى الندوى‬
‫( لكهنؤ ـ الهند ) ـ نزيل القاهرة‬
‫‪9/6/1370‬هـ‬

You might also like