You are on page 1of 54

‫دار المنطق‬

‫سلسلة رسائل العين‬


‫الرسالة الثانية‬

‫ربانية التعليم‬

‫بقلم‬
‫الدكتور عبد ال يوسف الحسن‬

‫تعقيب‬
‫محمد أحمد الراشد‬

‫مقدمة‬

‫‪1‬‬
‫‪‬التدريقج ‪ ...‬مقن صقغار العلم إلى قضاياه الكقبيرة يمثقل حقيققة‬
‫أساسية في ربانية التعليم‪.‬‬
‫‪‬والتكامل ‪ ..‬يمثل الحقيقة المتممة ‪.‬‬
‫‪‬كتكامل ألوان الطيف لتنتج اللون البيض‪.‬‬
‫‪‬إذ كذلك يكون نقاء التربيقة السقلمية البيضاء المتضمنقة للوان‬
‫مباهج المعرفة‪ ،‬الخالية من شوائب اللحاد والبدع والفسوق‪.‬‬
‫‪‬لكنها لن تكون تلقينية فقط بين الجدران‪ ،‬وإنما هي تأميله وعملية‬
‫أي ضا‪ ،‬تدلف من المحراب إلى دروس الوا قع ومكا من الجمال عبر‬
‫نوافقذ الحياة الواسقعة ‪ ،‬فيرق الشعور‪ ،‬وتمقر العاطفقة ‪ ،‬وتسقكن‬
‫القلوب ‪ ،‬فتتفجر معاني الخير‪.‬‬
‫‪‬وتلك هي صورة الغلف‪.‬‬

‫تمهيد‬ ‫‪‬‬

‫إن ( إن ربانية التعليم ) أحد أهم المفاهيم التربوية في عملية التدريس‬


‫عموما‪ ،‬وفي مجال التعليم والتربية الدعوية بشكل خاص‪ .‬ويعني هذا المفهوم‬
‫أن عمل ية التعل يم ي جب أن تكون بحك مة‪ ،‬وتتم ضن التدرج في تدر يس صلب‬
‫العلم قبل فروعه‪ ،‬ول يقوم بهذا العمل إل الفقهاء الحكماء‪ ،‬والمربون الوعاة‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫وربانيسة التعليسم ل تتسم بتبلغ الفقسه المجرد فقسط‪ ،‬وإنمسا باتخاذ الوسسائل‬
‫الحكي مة ‪،‬وو فق أفضل ها أيضا‪ ،‬ومن ها‪ :‬إعطاء صغار العلم ق بل كباره ‪ ،‬و قد‬
‫أ خذ هذا المع نى التربوي أ سمه من أ حد معان ية الخا صة الواردة في قول ا بن‬
‫عباس رضي ل عنه – كما في كتاب العلم في صحيح البخاري‪.‬‬
‫( كنوا ربانيين حكماء فقهاء ‪.‬‬
‫ويقال الرباني الذي يربي بصغار العلم قبل كباره )‪.‬‬
‫وصسفه الربانيسة قسد تكون نسسبة إلى ( الرب) عسز وجسل ‪ ،‬أو إلى التربيسة )‬
‫وإطلقها على هذا المفهوم التربوي من باب إطلق الخاص على العام‪.‬‬
‫و قد سبق ال سلم بهذا الدراك الو عي‪ .‬أ حد أ هم م سائل وأ سس الترب ية‬
‫المعاصرة‪.‬‬
‫إل ترى أن المناهسج فسي المراحسل الدراسسية المتعددة يسسبق بعضهسا‬
‫بعضسا‪ ،‬والمسسافات الجامعيسة ينبنسي بعضهسا على بعسض‪ ،‬ول يسسبق تدريسس‬
‫ب عض الجزاء أجزاء أخرى ! ف كل ف من ترت بط أجزاؤه و فق ن سق منط قي ‪،‬‬
‫والعلم‪ ،‬بشموليته ‪ :‬تنسق فنونه بعضها ببعض ‪ ،‬بحيث ل يتقدم المبهم الدقيق‬
‫على الوا ضح ال سهل ‪ ،‬ول النتي جة على المقد مة‪ ،‬ول ال هم على الم هم‪ ،‬ول‬
‫يتقدم صعب على سهل ‪ ،‬وغ ير ذلك ‪ ،‬و قد أو ضح أ بن ح جر شمول ية مع نى‬
‫صغار صعب على سهل ‪ ،‬وغ ير ذلك‪ ،‬و قد أو ضح ا بن ح جر شمول ية مع نى‬
‫صغار العلم وكباره فقال‪:‬‬
‫( والمراد بصغار العلم ما وضح من مسائله ‪ ،‬وبكباره ما دقّ منها‪.‬‬
‫وق يل يعل هم جزئيا ته ق بل كليا ته ‪ ،‬أو فروع ية ق بل أ صوله ‪ ،‬أو مقدما ته ق بل‬
‫مقاصده)‪.1-‬‬

‫***‬

‫‪ -‬فتح الباري ‪.1/162‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪3‬‬
‫أن الذي يحدو إلى توضيسح هذا المعنسى التربوي فسي مجال العمسل‬
‫السلمي الدعوي‪ .‬رغم معرفته في عالم التدريس والتربية المنهجية‪ .‬هو ما‬
‫يظ هر أحيا نا من محاولة ب عض الدعاة والمرب ين أو الخط بأ‪ .‬تزو يد الناشئة أو‬
‫مسن هسم دون المتسسويات الملئمسة بكميسة هائلة ن المعلومات الشرعيسة أو‬
‫الدعو ية ‪ .‬أو اختيار ما ل ينا سبهم من ناح ية المعا ني‪ ،‬و قد كون ال مر في‬
‫غالب الحوال رغ بة المرب ين بالح صول على ال سريع على طب قة متقد مة من‬
‫الدعاة ‪ ،‬أو تبل يغ أ كبر كم ية من المعلومات بأق صر الطرق ‪ ،‬و قد تكون‪ .‬في‬
‫أحيان قليلة كما نرجو‪ .‬بسبب حب المربي لنوع من الوجاهة والرئاسة‪ ،‬فيحب‬
‫الظهور بمظهسر العالم المتمكسن‪ ،‬أو لجسل مباهاة القران‪ ،‬فيسسارع إلى تبليسغ‬
‫المعلومات الوافرة والمتقدمة‪.‬‬
‫سي الخرى تتطلع إ لى‬
‫سة هس‬
‫سا أن الناشئة أو طبقات الدعاة المختلفس‬
‫كمس‬
‫الستزادة من كثرة المعلومات والتشوق إليها دون الستفادة العميقة منها‪ .،‬أو‬
‫دون امتلك السستعداد الكافسي لهضمهسا وإدراكهسا وتشوفهسم‪ .‬يتجاوز العلوم‬
‫الساسية ‪ ،‬لمعرفة غيرها من شوارد المعرفة ‪ ،‬أو خصوصيات المسائل وقد‬
‫يكون الدا فع لهؤلء‪ .‬في ب عض الحيان‪ -‬إخل صهم للدعوة ومحاولة الرتقاء‬
‫ال سريع بم ستواهم ‪ ،‬ك ما قد يكون أي ضا – في أحيان أخرى – محاولة من هم‬
‫للستشراف الشخصي للتصدر ‪ ،‬أو حبا في الستطلع الفكري ‪ ،‬أو طمعا في‬
‫التدخل بما ل يعنيه من أجل إشباع غريزة التطلع‪.‬‬
‫وقسد ل يقتصسر المسر على الشيوخ والمربيسن مسن جهسة ‪ ،‬أو الجدد‬
‫وطبقات الدعاة مسن جهسة أخرى ‪ ،‬بسل قسد يتجاوز المسر للحديسث بكبار العلم‬
‫ومهامتسه أحيانسا إلى المجالت العامسة‪ ،‬والمنتديات المفتوحسة ‪ ،‬وأمام جماهيسر‬
‫المسلمين بل وخارج إطار العاملين للسلم‪.‬‬
‫أن اللتزام بهذا المفهوم يجسسب أن يكون واضحسسا ‪ ،‬ومقررا وسسسط‬
‫الجماعة المؤمنة ‪ ،‬فهو ليس كتما للعلم‪ ،‬ول محاولة للتمييز بين طبقات الدعاة‬

‫‪4‬‬
‫‪ ،‬ومسا هسو بالسستعلء ‪ ،‬على الناس ‪ ،‬بسل هسو منهسج ربانسي يخسم المصسلحة‬
‫الدعو ية وب قي من لواء الف تن ‪ ،‬وم صارح الم حن ‪ ،‬ويحقق قواعد الستقرار‬
‫الداري للجماعات السلمية‪.‬‬
‫ول من التوض يح ه نا إلى ما نقله ا بن ح جر في كل مه ال سابق حول‬
‫( الفروع قبل الصول) ليست على إطلقها ‪ ،‬ولهذا فسوف توضح فيما بعد‬
‫أن شاء ال تعالى‪.‬‬

‫***‬

‫مبررات ربانية التعليم‬ ‫‪‬‬

‫قبسل الشروع بالشرح التفصسيلي لمسسائل ربانيسة التعليسم ‪ ،‬نوضسح أهسم‬


‫مبررات هذا المفهوم‪:‬‬
‫‪‬من أجل عدم الوقوع في المفسدة‬
‫لقصر الفهم ‪.‬‬
‫و قد أمت نع الر سول صلى ال عل يه و سلم – عن هدم الكع بة ثم بنائ ها‬
‫حتى ل تظن قريش أنه بناها لينفرد بالفخر عليهم ‪ ،‬فترك المصلحة خوفا من‬
‫الوقوع فسي المفسسدة ‪ ،‬وأعتسبر حديثسة ‪ ،‬هذا مسن أعمدة أدلة الموازنسة بيسن‬
‫الم صالح‪ ،‬وأ ستنبط من ها البخاري مفهوم ربان ية التعل يم ‪ ،‬ول بد من ضرورة‬
‫منع بعض العلم خوفا من الوقوع بما هو أشد لقصور الفهم عن ذلك‪.‬‬
‫فترجم البخاري لحديث ( عدم هدم الكعبة ثم بنائها ) بقوله‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫( باب‪ :‬من ترك بعض الختيار مخافة أو يقصر فهم بعض الناس عنه‪ ،‬فيقعوا‬
‫(‪) 1‬‬
‫في أشد منه )‪.‬‬

‫‪‬عدم إضاعة العلم‬


‫إذ أن كل فن له أوائل تقود إلى أواخره‪ ،‬ولهذا فل بد من أ خذ الوائل‬
‫قبل الواخر ‪ ،‬والفروع قبل الوصول‪ ،‬وذلك في العلم الواحد‪ ،‬والفن الواحد‪،‬‬
‫إذا مسا كانست كسل الفروع والصسول على مسستوى واحسد مسن صسعوبة الفهسم‪،‬‬
‫وعلى درجة واحدة من الهمية‪ ،‬أما عكس العملية فيقود إلى إضاعة العلم‪.‬‬
‫( ‪ ...‬وأعلم أن للعلوم أوائل تؤدي إلى أؤاخر ها ‪ ،‬ومدا خل تق ضي إلى‬
‫حقائقهسا ‪ ،‬فليبتدئ طالب العلم بأوائلهسا ‪ ،‬لينتهسي إلى أواخرهسا ‪ ،‬وبمداخلهسا‬
‫ليفضي إلى حقائقها ‪ ،‬ول يطلب الخر قبل الول ‪ ،‬ول الحقيقة قبل المدخل‪،‬‬
‫فل يدرك الخسر‪ ،‬ول يعرف الحقيقسة‪ ،‬لن البناء على غيسر أسسس ل يبنسى‪،‬‬
‫والثمر من غير غرس ل يجنى) (‪.)2‬‬
‫أمسا إذ كانست الصسول أهسم مسن الفروع فالبتداء ‪ ،‬بهسا أولى ‪ ،‬كأمور‬
‫العقيدة و صفات الخالق وأ سمائه ‪ ،‬ف هي أولى من أدراك م سائل الف قه وأمور‬
‫الخلف‪ ،‬وكذلك إذا كان أصول فنٍ ما أسهل من فروعه‪ ،‬فالبتداء ‪ ،‬بها أجدى‬
‫وأنفع ثم ينتقل إلى التفصيلت الصعب بعد ذلك‪.‬‬
‫وبذلك يتحول – في بعض الحوال – إلى ضرورة الخذ بالصول قبل‬
‫الفروع ‪ ،‬وفسي كسل مسن الحالتيسن يكون السستبدال إضاعسة العلم ‪ ،‬وتجاوزا‬
‫لمفهوم الربانية ‪ ،‬وسيأتي مزيد من إيضاح لذلك‪.‬‬

‫‪‬عدم التنفير من العلم والتخبط‬

‫‪ -‬فتح الباري ‪.1/224‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أدب الدنيا والدين للمارودي‪.55/‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪6‬‬
‫ولهذا المع نى أشار الغزالي ‪ ،‬واعتبر ها من وظائف المر بي والمعلم ‪،‬‬
‫فحدد ذلك بقوله‪:‬‬
‫( ‪ ...‬أن يقتصسر بالمتعلم على قدر فهمسه فل يلقسي إليسه مسا ل يبلغسه‬
‫ل ل كل ع بد بمعيار عقله‪،‬‬
‫عقله ‪ ،‬فينفره ‪ ،‬أو يخ بط عل يه عقله ‪ ..‬وذلك ق يل‪ :‬ك ْ‬
‫وزن له بميزان فهمسه ‪ ،‬حتسى تسسلم منسه وينتفسع ب‪ :‬ول واقسع النكار لتفاوت‬
‫المعيار) (‪.)1‬‬
‫إذ أن طالب العلم إذا مسا أخسذ علما ل يسستوعبه ‪ ،‬أو أن حدود تجاريسه‬
‫الحيوية وطبيعته النفسية ل تستطيع إدراكه فأنه يؤدي به إلى عدم توازنه‪ ،‬بل‬
‫وإلى انحرافسه ‪ ،‬ولذلك فإن الفلسسفة والمناظرات الكلميسة أو بعسض أمور‬
‫المن طق قادت ب عض طل بة العلم إلى الش طط ‪ ،‬بل إلى النحراف عند ما لم ي تم‬
‫بناؤ هم الفكري ولم ي ستكملوا علم الشرع‪ ،‬ك ما ح صل لمثال ا بن سينا وا بن‬
‫ر شد ‪ ،‬م ما اض طر ب عض العلماء – لوجود هذه الظاهرة ‪ ،‬إلى تحر يم درا سة‬
‫المنطسق ‪ ،‬كابسن الصسلح وغيره‪ ،‬بينمسا صسار المنطسق والكلم سسلحا ضسد‬
‫العداء السسلم بيسد جهابذة العلماء‪ - ،‬كابسن تيميسة والغزالي – حرمهمسا ال‬
‫تعالى ‪ ،‬ولذلك فقسد يكون فسي معرفسة القليسل مسن الجاهلة انحراف أو ضلل ‪،‬‬
‫وفي معرفة الكثير منها عند فهم القواعد والصول – مزيد إيمان ويقين‪.‬‬
‫‪‬عدم الوقوع في الترف الفكري‬
‫إذ أن تعلم المبتدئ جملة مسن العلوم التسي ل يعمسل بهسا ‪ ،‬ول يسستفاد‬
‫منها ‪ ،‬تجعل منه شخصا نظريا‪ ،‬فتؤدي الظاهرة عند توسعها إلى عيب كبير‬
‫في صفوف الدعاة‪ ،‬إذ يتحول الداعية عندئذ إلى أشبه بباحث نظري يبحث في‬
‫الكتب وحسب ‪ ،‬فيفلسف الحداث دون استيعاب ‪ ،‬وبالتالي يحصل الفتور في‬
‫العمسل والضعسف فسي اليمان ‪ ،‬وتصسبح بضاعتسه مجموعسة مسن الحاديسث‬
‫النظرية والمجادلت‪ ،‬وتكون متعته في المباحث النظرية والمطالعة المجردة ‪،‬‬
‫دون تحمل ع بْ المشاكل‪ ،‬ومشقة المخالطة ‪ ،‬ولو ظل على هذا لهان المر ‪،‬‬
‫‪ -‬أحياء علوم الدين ‪.1/57‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪7‬‬
‫بل قد يتحول الداع ية – ك ما تش هد التجارب – إلى كا تب يبرر النحراف ‪،‬‬
‫ويفلسف الخطاء‪ ،‬ويدا فع عن الف تن‪ ،‬وينقد الع مل الجاد‪ ،‬بل و قد ي كبر ال مر‬
‫الصغير ويهون الشأن الكبير ‪ ،‬وكل ذلك لنه أسير تأملته النظرية ‪ ،‬وثقافته‬
‫غير المتوازنة‪.‬‬
‫‪‬المان من الخطأ‬
‫فإن كثرة الحديسث تورد كثرة الخطسأ واللتباس ‪ ،‬وفسي القلة أمان مسن‬
‫ذلك ( وكثرة الكلم ين سي بع ضه بعضا)‪ ،‬و قد قالت العرب ( من ك ثر كل مه‬
‫كثر سقطة ) ‪ ،‬كما أورد مسلم في مقدمه صحيحه قول الرسول – صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪:‬‬
‫( كفى بالمرء أن يحدث بكل ما سمع)‪...‬‬
‫وقد علق المام النووي على ذلك بقوله عن هذا الحدث والثار التي في‬
‫الباب‪:‬‬
‫( ففيها الزجر عن التحديث بكل ما سمع النسان ‪ ،‬فإنه يسمع وفي‬
‫العادة الصسدق والكذب ‪ ،‬فإذا حدث بكسل مسا سسمع فقسد كذب‪ ،‬لخباره بمسا لم‬
‫يكن‪.) ..‬‬
‫وكذلك‪:‬‬
‫( أنه إذا حدث بكل ما سمع كثر الخطأ في روايته‪ ،‬فترك العتماد عليه‬
‫والخذ عنه‪.)1( ) ...‬‬
‫‪‬البتداع في الدين‬
‫ما دام عدم الخذ بهذا المفهوم مما نهى عنه الشارع ‪ ،‬فإن عدم الخذ‬
‫به من البتداع فقال‪:‬‬
‫( ‪ ...‬ومن ذلك التحدث مع العوام با ل تفهمه ول تعقل معناه‪ ،‬فإنه من‬
‫باب وضسع الحكمسة فسي غيسر موضعهسا ‪ ،‬فسسامعها إمسا أن يفهمهسا على غيسر‬
‫وجهها ‪ ،‬وهو الغالب‪ .‬و هو فتنة تؤدي إلى التكذ يب بالحق ‪ ،‬والع مل بالبا طل‬

‫‪ -‬العتصام للشاطئ ‪.3/13‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪8‬‬
‫وإما ل يفهم منها شيئا ‪ ،‬وهو أسلم‪ ،‬ولكن المتحدث لم يعط الحكمة حقها من‬
‫الصون‪ ،‬بل صار في التحدث بها كالعابث بنعمة ال ‪. )1( ) ...‬‬
‫‪‬انفضاض الناس‬
‫إن الكثار مسن الحديسث ‪ ،‬ومسا قسد يجره مسن ملل على السسامع يجعسل‬
‫الناس تاركين للعلم وراءهم‪ ،‬وبالتالي يفقد العالم هيبته‪.‬‬
‫سس‬
‫سد القلة‪ ،‬وليس‬
‫سا عنس‬
‫سة فيهس‬
‫والعلم كمعروض للتجارة ‪ ،‬تزداد الرغبس‬
‫المقصود حجر الناس على العلم ‪ ،‬وإنما من أجل زيادة حرصهم عليه ‪ ،‬حتى‬
‫ل يكون من كثرته وإشاعته تزيدها للناس فيه‪ ،‬وابتعادهم عنه ‪ ،‬وفي حكمة‬
‫لقمان قوله‪:‬‬
‫( العالم الحكيسم يدعسو الناس إلى عمله بالصسمت والوقار‪ ،‬وأن العالم الخرق‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫يطرد الناس عن عمله بالهذر والكثار)‬

‫عدم التوازن بين العلم والعمل‬


‫وليعلم أن عدم التوازن بين العلم والعمل مفسدة أيضا ‪ ،‬وهي كنمو أحد‬
‫جناحسي الطائر ومضمور الجناح الخسر ‪ ،‬فيكون الصسعود والتحليسق أيذانسا‬
‫بالسسقوط مسن مرتفسع أعلى ‪ ،‬فيؤدي إلى احتماليسة أكسبر مسن أن يلقسى حتفسه‬
‫ويتهشم ‪ ،‬وتدل تجارب الحكماء قديما وحدي ثا على كراه ية عدم التوازن ب ين‬
‫المنطق والعقل ‪ ،‬وقد قال – من قبل – سليمان بن عبد الملك‪:‬‬
‫ل على منطق هجنه)‪-‬‬
‫( زيادة منطق على عقل خدفه ‪ ،‬وزيادة عق ً‬
‫بل أن زيادة المن طق‪ ،‬وحلوة الل سان ‪ ،‬وعبذو به العلم نهايت هن مري عة‬
‫إذا لم يزين ها ع قل ‪ ،‬وتحد ها تجارب‪ ،‬ويدرك ها ع قل وأ عٍ يحدد موا قم الكلم‪،‬‬
‫وموا طن الل فظ ‪ ،‬فيختار الحد يث المنا سب للمجالس المنا سبة ‪ ،‬وينت قي أطا يب‬

‫‪ -‬عبون الخبار ‪.2/122‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬عيون الخبار ‪.2/122‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪9‬‬
‫الكلم على قدر الرجال ‪ ..‬و قد قال حك يم العرب الح نف بن ق يس – رح مه‬
‫ال‪.‬‬
‫( حتف الرجل مخبوء تحت لسانه ) (‪.)1‬‬

‫آفاق الربانبة‬
‫وحتى يصبح مفهوم الربانية واضحا‪ ،‬ل بد من التوسع في ذكر بعض‬
‫آفاق هذا المفهوم ‪ ،‬و ما قد يتضم نه من تقد يم ب عض العلوم على ب عض ‪ ،‬أو‬
‫أجزاء من ما دون أجزائه الخرى أو تقديم خاصة قبل غيرها ‪ ،‬وما قد يرتبط‬
‫بتدريس العلم وتعليم المعرفة من أمور ملزمة ‪.‬‬
‫ومن هذه الفاق‪:‬‬
‫(‪ )1‬الجزئيات قبل الكليات‪:‬‬
‫والمقصود بهذا ما ورد في كتب الفقه من مسائل يطالب المكلف بفعلها‬
‫أو ترك ها ‪ ،‬إيجاب يا أو ا ستحبابا ‪ ،‬و قد أوردت الشري عة أدلة تلك الم سائل ‪ ،‬ثم‬
‫جاء العلماء ‪ ،‬بعد ذلك ‪ ،‬واستنبطوا من هذه الجزئيات مجموعة قواعد كلية قد‬
‫تتخلف آحاد الجزئيات عنسه‪ ،‬وصسارت عرفسة هذه الكليات طريقسا لضبسط‬
‫الجزئيات ‪ ،‬ولكنهسا تظسل غيسر صسالحة لقيام التكليسف عليهسا ‪ ،‬فالمسسلم مكلف‬

‫‪ -‬عيون الخبار ‪.1/330/331‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪10‬‬
‫بفروع الشريعة‪ ،‬وهي التي سيحاسب عليها في الخرة‪ ،‬ومعرفتها – أذن – ل‬
‫فهسم الجزئيات التسي قادت إلى التقعيسد كسي يمكسن له التدرب على السستنباط ‪،‬‬
‫والقياس ‪ ،‬ثم الجتهاد في الفروع المستحدثة‪.‬‬
‫وكذلك فأن الشريعة لها مقدمات ل بد للمكلف من معرفتها والعمل بها‪،‬‬
‫ثم يحاسب بمقتضاها ‪ ،‬ولكن خلل الستقراء لمقدمات الشريعة يتبين أن لها‬
‫مقاصد وحكمها وعلل ‪ ،‬وأن ال تعالى يشرع لحكمه وعلة ‪ ،‬والشريعة تحفظ‬
‫العقل والمال والنفس وغير ذلك من مصالح العباد في المعاش والمعاد‪ ،‬ولكن‬
‫المكلف يبقى محاسبا على المقدمات دون المقاصد‪ ،‬ويبقى التكليف مبنيا عليه‬
‫حتى دون معرفة المقاصد ‪ ،‬بينما تظل معرفة المقاصد ‪ ،‬ويبقى التكليف مبنيا‬
‫عل يه ح تى دون معر فة المقا صد ‪ ،‬بين ما ت ظل معر فة المقا صد جزءا من علم‬
‫المجتهد لبناء عليه ‪ ،‬والقياس وفقه ‪ ،‬ثم يكون الجتهاد وفق مقصاد الشريعة ‪،‬‬
‫وكذلك يم كن للمكلف معر فة المقا صد والعلل زيادة له في يقي نه‪ ،‬وتعمي قا في‬
‫إدراكه‪.‬‬
‫وتضرب مثل على هذا المنهسج أيضسا بأصسول الفقسه الذي دون كعلم تال‬
‫للف قه‪ ،‬فالف قه الحن في على و جه الخ صوص ب ني جملة وتف صيل على فروع‬
‫الفقه‪ ،‬فأصبح رغم أصوليته تابعا للفقه‪ ،‬وأصول المذاهب الثلثة الخرى رغم‬
‫تو سعها وف قا لمنا هج علم الكلم ل أن ها لم تن ضج إل بوا سطة ت طبيق الفروع‬
‫الفقي هة الم ستندة على الدلة ‪ ،‬وب قى ال صول عل ما ل بد م نه للمجتهد ين بين ما‬
‫الفقه علم سائر المكلفين ‪ ،‬وقواعد الفقه ما هي إل مثل آخر إذ أ نه لم يتبلور‬
‫إل في القرن ال سابع‪ ،‬وا ستفاد م نه العلماء‪ ،‬ول كن معر فة الفروع ت ظل سابقة‬
‫عليه في ضرورة تعلمها كما كانت سابقة عليه زمانا‪ ،‬رغم أنها تجمع العديد‬
‫من الفروع ‪ ،‬وتسهل حفظها وإدراكها‪.‬‬
‫ولهذا فإن المقدمات قبسل المقاصسد‪ ،‬والجزئيات قبسل الكليات فسي أمور‬
‫الشريعة عموما‪ ،‬وفي مسائل الفقه خصوصا‪ ،‬وكل المرين داخلن في قاعدة‬

‫‪11‬‬
‫الفروع قبسل الصسول‪ ،‬أمسا فيمسا سسوى ذلك فيمسا لو كان الصسل صسلب العلم‬
‫والفرع من هوام شه‪ ،‬أو أن ال صل يب ني عل يه الثواب والعقاب‪ ،‬والفرع ت بع‬
‫له‪ ،‬فإن القاعدة الصسلية تظسل ( الصسول قبسل الفروع)‪ ،‬كمسا سستبينه القاعدة‬
‫التالية‪...‬‬
‫(‪ )2‬الصول قبل الفروع‪:‬‬
‫وهذا مبدأ وا ضح ضروري ‪ ،‬فتعلم أ صول الشري عة ل بد م نه ق بل‬
‫فروعهسا‪ ،‬وأرفسع الصسول‪ :‬أصسل العقيدة ‪ ،‬كمعرفسة الباري تعالى وأسسمائه‬
‫وصسفاته‪ ،‬واليمان وبأنسبيائه ورسسله ‪ ،‬ودون معرفسة ذلك فالعمسل يصسيبه‬
‫الحباط‪ ،‬ولذلك قال السسلف‪ :‬العلم قبسل العلم ‪ ،‬وترجسم المام البخاري لهذا‬
‫المعنى فقال‪:‬‬
‫( باب ‪ :‬العلم ق بل القول والع مل ‪ ،‬لقول ال تعالى‪ :‬فأعلم أ نه ل إله إل‬
‫ال " فبدأ بالعلم ‪ ،‬وأن العلماء هم ورثة النبياء"(‪.)1‬‬
‫بينما الفقه وفروع الشريعة تبع لذلك‪ ،‬وكذلك في الفن الواحد‪ ،‬ففي الفقه‬
‫مثلً معرفة ما تصح به العبادة أولى بالمعرفة من سنن العبادات وزوائدها‪،‬‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫ولهذا نرى بعض الصحابة استشهد في المعارك ‪ ،‬وهم ل يعرفون بعد‬
‫من جزئيات الشريعة إل معنى ( ل إله إل ال )‪ ،‬كما أن كلمة التوحيد – كما‬
‫يحصسل فسي الجهاد‪ -‬تضهسم دم المرء‪ -‬وذلك لضرورة تقدم فهسم اليمان‬
‫إجمالً‪ ،‬وبعد دخول النسان في دين ال تعالى‪ ،‬يبدأ بالستفصال عن الحكام‬
‫التي تتضمنها كلمة التوحيد‪.‬‬
‫وحتسى فسي إطار الداب نجسد أن العمليسة التعليميسة تتخسد هذا المفهوم‬
‫التربوي‪ ،‬فل ينتقسسل المدرس إلى علم الهوامسسش وتعليقات العلماء‪ ،‬وزوائد‬

‫‪ -‬فتح الباري ‪.1/160‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪12‬‬
‫الخلن ‪ ،‬ونوادر الظرف حتسى يسستكمل أصسول العلم والمعارف‪ ،‬ثسم ل بأس‬
‫عليه من النتقال‪.‬‬
‫ونكتفي من ذلك ببعض ما أشار إليه الجاحظ حيث يقول‪:‬‬
‫( ول تلتمسس الفروع إل بعسد إحكام الصسول‪ ،‬ول تنظسر فسي الطرف‬
‫الغرائب‪ ،‬وتؤثسر روايسة الملح والنوادر ‪ ،‬وكسل مسا خسف على قلوب الفراغ‬
‫وراق أسماع الغمار إل بعد إقامة الحدود‪ ،‬ولبصر بما يلثم من ذلك العمود‪،‬‬
‫فإن ب عض من كلف بروا ية الشعار بدأ بروا ية أشعار هذ يل ق بل روا ية ش عر‬
‫عباس بن الحنف ‪ ..‬وناس من أصحاب الفتيا نظروا في العين والدين قبل أن‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫يرووا الختلف في طلق السنة )‬
‫والعمود مسن علم الشريعسة مسا كان المكلف محتاجا إليسه بذاتسه ‪ ،‬ثسم مسا‬
‫يحتاج إليه الناس ‪ ،‬في عقيدتهم أولً عباداتهم ثم ما يصحح أمور معاشهم ‪ ،‬ثم‬
‫النتقال إلى العادات ‪ ،‬ثم يز يد في معرف ته ما يشاء من زيادة في دل يل أو‬
‫تحقيق لمسألة ‪ ،‬أو إكثار لموارد خبر‪.‬‬
‫وما ينطبق في المجال النظري ينطبق على السلوك أيضا ‪ ،‬فمن الدعاة‬
‫من يطيع في صغار المور دون كبارها ‪ ،‬أو ما اعتاد عليه دون ذي الكلفة ‪،‬‬
‫أو ما يتنا سق مع الهوى دون ما يغل به الهوى‪ ،‬و قد قال أن الجوزي – رح مه‬
‫ال‪:‬‬
‫( رأيست كثيرا مسن الناس يتحرزون مسن رشاش النجاسسة ول يتحاشون‬
‫عسن غيبسه ‪ ،‬ويكثرون مسن الصسداقة ول يبالون بمعاملت الربسا‪ ،‬ويتهجدون‬
‫بالليل ويؤخرون الفريضة عن الوقت ‪ ،‬في أشياء يطول عدها من حفظ فروع‬
‫وتضي يع أ صول‪ ..‬فال ال في تضي يع ال صول ‪ ،‬و من إهمال سرح الهوى‪،‬‬
‫فإنه من أهملت ما شيته نقشت في زروع التقى‪.)2( ) ...‬‬

‫‪ -‬البرصان العرجان للجاحظ‪.3/‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬صيد الخاطر ‪.156/‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪13‬‬
‫وللتمي يز ب ين قاعد تي ( ال صول ق بل الفروع )‪ ،‬و ما سلف ذكره من‬
‫أحوال ا ستثنائية ‪ :‬أ نه في ال فن الوا حد ‪ ،‬وع ند ت ساوي ا صلوه وفرو عه في‬
‫الف هم‪ :‬تكون الفروع ق بل ال صول ‪ ،‬ويم كن ال ستشهاد بقاعدة شرع ية ي سهل‬
‫اسستقراؤها فسي الكثيسر مسن الشرائع والفرائض والتوجيهات القرآنيسة ‪ ،‬ذكرهسا‬
‫ال ستاذ سيد ق طب رح مه ال – ع ند الحد يث عن التدرج في تحر يم الخ مر‪-‬‬
‫بقوله‪:‬‬
‫( عندما يتعلق المر أو النهي بقاعدة من قواعد التصور اليماني ‪ ،‬أي‬
‫بمسألة اعتقاديه ‪ ،‬فإن السلم يقضي فيها قضاء حاسما منذ اللحظة الولى‪..‬‬
‫ولكن عندما يتعلق المر أو النهي بعادة وتقليد ‪ ،‬أو بوضوح اجتماعي معقد ‪،‬‬
‫فإن السسلم يتريسث بسه ‪ ،‬ويأخسذ المسسالة باليسسر والرفسق والتدرج‪ ،‬ويهيسء‬
‫الظروف الواقعية التي تيسر التنفيذ والطاعة‪.‬‬
‫فعندمسا كانست المسسألة مسسألة التوحيسد أو الشرك ‪ ،‬أمضسى أمره منسذ‬
‫اللحظسة الولى‪ ،‬فسي ضربسه حازمسة جازمسة‪ ،‬ل تردد فيهسا ول تلفست ‪ ،‬ول‬
‫مجاملة فيهسا ول م ساومة‪ ،‬ول لقاء فسي منتصسف الطريسق ‪ ،‬لن الم سألة ه نا‬
‫مسألة قاعدة أساسية للتصور‪ ،‬ل يصلح بدونها إيمان ول يقام إسلم‪.)1( ) ..‬‬
‫وتطبيقسا لهسا المبدأ فإن تعلم العقيدة قبسل الفقسه ل بسد منسه ‪ ،‬وأصسول‬
‫الشريعة كالقرآن والحديث‪ ،‬قبل فروع خلف والتوسع الفقهي‪ ،‬كما أن القاعدة‬
‫تنطبق في الفن الواحد ‪ ،‬فقراءة القرآن وتلوته قبل معرفة تفسيره‪ ،‬وتفسيره‬
‫العام قبل الغوص بدقائقه‪ ،‬والغوص بدقائقه النافعة قبل الخوض بالمتشابهات‪،‬‬
‫أما في الحديث فمعرفة الصحيح قبل الحسن ‪ ،‬والحسن قبل الخوض بمعرفة‬
‫الضعيف ‪ ،‬ومعرفة متون الحاديث الصحيحة والطلع على شروح البخاري‬
‫وم سلم أولى من النشغال بطرق الجرح والتعد يل‪ ،‬وتخر يج ال سانيد ‪ ،‬وتعلم‬

‫‪ -‬في ظلل القرآن ‪.1/229‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪14‬‬
‫الفروض في الفقه أولى من دراسة السنن‪ ،‬وأبواب الصلة والزكاة مقدمة على‬
‫معرفة الوكالة والشركة‪.‬‬
‫ويتبقى على الداعية معرفة أن ما تسلم به العقيدة ‪ ،‬وتصح به العبادة‪،‬‬
‫وقواعد الدعوة إلى ال تعالى‪ ،‬مقدم على الثقافة العامة وحد يث ال سياسة ‪ ،‬ول‬
‫بسد كذلك مسن التذكيسر أن بعسض هذه العلوم قسد تتغيسر أفضليتهسا مسن شخسص‬
‫ل خر‪ ،‬أو في زمان دون غيره ‪ ،‬فالداع ية التأ جر يكون تعلم الزكاة وقواعد ها‬
‫أو جب عل يه من غيره ‪ ،‬وتعلم قوا عد الجهاد لداع ية يمار سه مقدم على علوم‬
‫أخرى‪ ،‬وتعلم الداعيسة الرد على الشيوعيسة فسي بلد تناطسح الشيوعيسة فيهسا‬
‫الحر كة ال سلمية مقدم على غير ها‪ ،‬بين ما تكون درا سة الشيوع ية في مكان‬
‫آخر من الترف الفكري ‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫(‪ )3‬العلوم الشريعة بالنسبة لغيرها من كبار العلم‪:‬‬
‫و ما عدا علوم الشرع ف هي من صغرها‪ ،‬ف ما كان من الكتاب وال سنة‬
‫والجماع فهو علم مقطوع به أنه من الحق ‪ ،‬وهو الذي عليه الثواب والعقاب‪،‬‬
‫و هو ما أراد ال تبلي غه لعباده‪ ،‬وأر سل ل جل هذا التبل يغ ر سوله به‪ ،‬وأنزل‬
‫كتابسه ‪ ،‬وفسي مقابسل ذلك علوم مختل فة ممسا في أيدي أ هل الكتاب ‪ ،‬ومسا قاله‬
‫أكابر هذه المسة ‪ ،‬علماؤهسا وأمراؤهسا ‪ ،‬وكذلك تتضمسن القيسسة العقليسة‬
‫الشرع ية‪ ،‬و ما ينقدح في عقول الب شر‪ .‬كل ف يه ال حق والبا طل ‪ ،‬فل يرد كله‬
‫ول يقبل كله‪ ،‬بل يقبل منه ما وافق الحق ‪ ،‬ويرد منه ما فيه من الباطل‪.‬‬
‫وبهسا الميزان تصسبح كسل هذه العلوم مسن صسغار العلم مقارنسة بعلوم‬
‫الشرعية القطعية التي يجب تقديمها‪ ،‬وذلك‪:‬‬
‫( إن الحق الذي ل باطل فيه هو ما جاءت به الرسل عن ال ‪ ،‬وذلك في‬
‫حقنا ‪ ،‬ويعرف بالكتاب والسنة والجماع ‪ ،‬وأما ما لتجي به الرسل عن ال ‪،‬‬
‫أو جاءت به ولكن ليس لنا طريق موصلة إلى العلم به ففيه ‪ ،‬الحق والباطل ‪،‬‬

‫‪15‬‬
‫فلهذا كانت الحجة الواجبة التباع‪ :‬للكتاب والسنة والجماع ‪ ،‬فإن هذا حق ل‬
‫باطل فيه ‪ ،‬وأجب التباع ل يجوز تركه بحال‪.)1( ) ..‬‬
‫بل وحتى العلوم الشرعية لها منازل ومراتب ‪ ،‬ول ينتقل من علم إلى‬
‫آخر إل باستكماله ‪ ،‬فقد قال أحدهما لمؤدب ولده‪:‬‬
‫( ل تخرج هم من علم إلى علم ح تى يحكموه‪ ،‬فإن ا صطكاك العلم في‬
‫السمع وازدحامه في الوهم‪ :‬مضلة للفهم) (‪.)2‬‬

‫(‪ )4‬صلب العلم قبل ملحة‪:‬‬


‫ف كل علم أو فن له صلب ‪ ،‬وله ملح‪ ،‬ويتم يز أحده ما‪ .‬عن ال خر بأن‬
‫صلب العلم يمتاز بثلثة خصائص‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬هي العموم والطراد ‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬هي الثبوت في غير زوال‪.‬‬
‫والثالثسة‪ :‬كون العلم حاكما ل محكوما عليسه ‪ ،‬بمعنسى كونسه مفيدا لعمسل‬
‫يترتب عليه ما يليق به‪.‬‬
‫( والق سم الول هو ال صل والمعت مد والذي عل يه مدار الطلب‪ ،‬وإل يه‬
‫تنت هي مقا صد الرا سخين ‪ ،‬وذلك ما كان قطع يا أو راجعا إلى ا صل قط عي‪،‬‬
‫والشريعة المباركة المحمدية منزلة على هذا الوجه‪ ،‬ولذلك كانت محفوظة في‬
‫أصولها وفروعها‪ ..‬وأيضا فإن الكليات العقلية مقتبسة من الوجود‪ .‬وهي أمر‬

‫‪ -‬فتاوي ابن تيمية ‪.19/5‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬عيون الخبار ‪.2/167‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪16‬‬
‫وضعي ل عقي ‪ ،‬فاستوت مع الكليات الشريعة بهذا العتبار ‪ ،‬وارتفع الفرق‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫بينهما‪) ..‬‬
‫وهذا مظهسر آخسر مسن تقدم الصسول على الفروع ‪ ،‬بسل أن الشريعسة‬
‫نفسها بتكاليفهما ليس على نمط واحد ‪ ،‬فقد وجد بالستقراء ‪ ،‬أنها على ثلثة‬
‫أنواع‪ :‬استكمالها ‪ ،‬وكل تكليف قد يكون مداره على التقسيمات الثلثة‪.‬‬
‫(‪ )5‬الواضح قبل الغاض‪:‬‬
‫ومن معاني الربانية أن الواضح من المسائل مقدمة على الغامض منها‪،‬‬
‫وهذا مع نى قول ا بن ح جر أن المراد ( ب صغار العلم ما و ضح من م سائلة‪،‬‬
‫وبكباره مسا دق منهسا )‪ ،‬إذ أن مسن المعلوم أ‪ ،‬فسي كسل علم جوانسب واضحسة‬
‫بسهل فهمها وفيه ما قد يصعب فهمه‪ ،‬أو يحيطه شيء من الغموض‪ ،‬فيكون‬
‫الواضح أولى بالتعلم من غيره‪.‬‬
‫والصل في المفتي والكاتب والداعية والخطيب ابلغ العلم لهله على‬
‫هذا المنوال‪ ،‬فل يجوز للمف تي‪ ،‬ع ند ا بن الق يم‪ ( .‬تخي ير ال سائل ‪ ،‬والقاؤه في‬
‫ل للشكال‪ ،‬متضمنا لفصسل‬
‫الشكال والحيرة‪ ،‬بسل عليسه أن يسبين بيانا مزي ً‬
‫الخطاب ‪ ،‬كافيا في حصول المقصود ‪ ،‬ل يحتاج معه إلى غيره) (‪.)2‬‬
‫ويقال على المفتي غيره من أهل التربية والتعليم‪.‬‬
‫و قد ورد في الن صوص ن هي الر سول – صلى ال عل يه و سلم – عن‬
‫الغلوطات‪ ،‬و هي اللغاز الملتو ية‪ ،‬وهذا الدل يل ‪ ،‬وأن لم ي كن مباشرا إل أن‬
‫المام الوزاعسي‪ ،‬رحمسه ال – أخسذ هذا المعنسى المراد مسن الحديسث‪ ..‬فقال‬
‫مفسرا‪:‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫‪.‬‬ ‫( يعني صعاب المسائل)‬

‫‪ -‬الموافقات للشاطبي ‪ ،1/77‬ويعني باقتباسها من الوجود ‪ ،‬أنها من حقائق الحياة وظواهرها العامة‬ ‫‪1‬‬

‫المطردة التي تعرف بالستقراء ‪ ،‬والتجربة وليس بالتأمل فقط‪.‬‬


‫‪ -‬إعلم الموقعين ‪.4/228‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬عيون الخبار ‪.2/117/173/118‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪17‬‬
‫وك ما أن ال مر ينط بق على المعا ني‪ ،‬ف هو أي ضا ينط بق على اللفاظ‪،‬‬
‫فاختبار الوا ضح من ها أولى من اختيار الغا مض‪ ،‬والبل غة الح قة في اختيار‬
‫المفهوم‪ ،‬وترك المعقد‪ ،‬فالبيان في بعض ما قبل عنه‪:‬‬
‫أن يكون السسم يحيسط بمعناك‪ ،‬ويحكسي عسن مغزاك ‪ ،‬وتخرجسه مسن‬
‫الشركسة ‪ ،‬ول تسستعين عليسه بالفكرة ‪ ،‬ولذي ل بسد منسه أن يكون سسليما مسن‬
‫التكلف بعيدا من الصنعة ‪ ،‬بريئا من التعقد ‪ ،‬غنيا عن التأويل) (‪.)1‬‬
‫ومما يتفرع عن ذلك كراهية التقعر في الكلم‪ ،‬والبعد عن بسيط القول‬
‫والسسهل المفهوم مسن الكلم ‪ ،‬والجدي اختيار أقصسر الطرق ‪ ،‬وأسسهل‬
‫ال ساليب ال تي يفهم ها المخا طب‪ ،‬ويدرك كنه ها ‪ ،‬دون أن يؤدي به ذلك إلى‬
‫عدم الفهم ‪ ،‬أو تحميل المعاني غير ما تحتمل‪.‬‬

‫(‪ )6‬المرونة في الخذ والعطاء‪:‬‬


‫فمهما بلغ العالم من العلم فأنه ل يستطيع إدراك كل أمر‪ ،‬فما أكثر ما‬
‫سقط جهابذه العلماء في نسيان أمر بسيط ‪ ،‬وقد قال عمر رضي ال عنه‪ :‬ل‬
‫أعلم مسا الب ؟ لمسا قرأ ( وفاكهسة وأبسا) ‪ ،‬وأنكرت عائشسة رضسي ال عنهسا‬
‫روايات ب عض ال صحابة‪ ،‬ك ما أن ها نف سها ا ستدركت على كث ير من ال صحابة‬
‫أخطاءهم ‪ ،‬وكأنه سر من أسرار ال تعالى ليثبت العصمة فقط لنبيائه‪ ،‬ولكي‬
‫يظل العلم أخذا وعطاء ‪ ،‬ول بد فيه من التدريس لجل التعلم ‪ ،‬كما أنه ل بد‬
‫من طلب السؤال والستيضاح كي يتبين الخلل ‪ ،‬ويسد النقص‪ ،‬ويدفع غرور‬
‫المتحدث ‪ ،‬ويشارك الخرين بالرأي‪.‬‬
‫س عالما أخذت منسه‬
‫( بلسسان سسؤال ‪ ،‬وقسل عقول ‪ ،‬وكنست إذا لقيت ُ‬
‫وأعطيته) (‪.)2‬‬

‫‪ -‬نفس المرجع السابق ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬عيون الخبار ‪.2/118‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪18‬‬
‫(‪ )7‬التدرج‪:‬‬
‫وهذا يقت ضي الترت يب ب ين أجزاء ال فن الوا حد من العلم‪ ،‬أو ب ين الفنون‬
‫المختل فة من العلم ‪ ،‬والق فز دون مراعاة الترت يب يض يع العلم‪ ،‬ويبع ثر الج هد‪،‬‬
‫وليكن القصد تحري الترقي باستمرار‪.‬‬
‫( فإن العلوم مرتبسة ترتيبسا ضروريا ‪ ،‬وبعضهسا طريسق إلى بعسض‪،‬‬
‫والموفق من راعي ذلك الترتيب والتدريج) (‪.)1‬‬
‫وهنا موازنة ل بدمن ذكرها ‪ ،‬وهي أن ل يعكف المتعلم على إتقان فن‬
‫من فنون العلم بحيث يحيط بكل جوانبه ومسائله وفروعه ‪ ،‬فإن العمر ل يتسع‬
‫لكسل ذلك ‪ ،‬بسل أن العمسر ل يكفسي أحيانسا لسستجماع علم واحسد فقسط‪ ،‬ولكسن‬
‫المقصود أخذ قواعد كل فن‪ ،‬وأحسن ما فيه‪ .‬ومناهجه العامة‪ ،‬حتى ل يضيع‬
‫غيره ‪ ،‬ولذلك قيل في وصايا المتعلم‪.‬‬
‫( أن ل يخوض فسي فسن مسن فنون العلم دفعسة‪ ،‬بسل يراعسي الترتيسب ‪،‬‬
‫ويبدأ بالهم ‪ ،‬فإن العمر إذا كان ل يتسع لجميع العلوم غالبا أن يأخذ من كل‬
‫(‪) 2‬‬
‫‪.‬‬ ‫شيء أحسنه)‬
‫والتدر يج في العلم مظ هر من مظا هر التي سير ‪ ،‬والتبش ير ‪ ،‬و قد قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم – كما في كتاب العلم من صحيح البخاري‪:‬‬
‫( يسروا ول تعسروا ‪ ،‬بشروا ول تنفروا)‪.‬‬

‫وقال ابن حجر معقبا‪:‬‬

‫‪ -‬إحياء علوم الدين ‪.1/52‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أحياء علوم الدين ‪.1/163‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪19‬‬
‫( ‪ ...‬وكذا تعليسم العلم يجسب أن يكون بالتدريسج ‪ ،‬لن الشيسء إذا كان‬
‫ابتداؤه سهل ح بب إلى من يد خل ف يه ‪ ،‬وتلقاه بانب ساط ‪ ،‬وكا نت عاقب ته غالبا‬
‫الزدياد ‪ ،‬بخلف ضده) (‪.)3‬‬
‫ومن فروع التدرج التدرج مع تلميذك‪:‬‬
‫( أن تناوله المعلومات وتكسسبه الصسفات بتدرج ‪ ،‬وحسسب أهميتهسا‬
‫المطلقة‪ ،‬شرعا ومصلحة أو أهميتها المرحلية‪ ،‬أو أهميتها النسبية المنبثقة من‬
‫طبيعسة تربيتسه السسابقة قبسل أن يبدأ رحلتسه معسك ‪ ،‬فتبدأ بالهسم ‪ ،‬فالقسل‬
‫أهمية‪.)2( )..‬‬
‫وكذلك ي جب أن تغرس المواز ين ال ساسية ق بل تطبيقات ها الجزئ ية‪ ،‬أو‬
‫المعلومات التكميلية ‪ ،‬وعلي تربيتنا الدعوية‪:‬‬
‫( أن تهدر الجزئيات والتفاصسيل وتعتنسي بغرس الموازيسن السسلمية‬
‫وفسق نظرات شريعسة صسافية بعيدة عسن أطوار التفكيسر الجاهلي‪ ،‬والغربسي‬
‫خصسوصا‪ ..‬ول يضيسر بعسد ذلك أن يكون التلميسذ مفتقدا لصسفات أخلقيسة‬
‫إسسسلمية تكميليسسة ‪ ،‬أو معلومات سسسياسية ثانويسسة ‪ ،‬أو أعرف إداريسسة‬
‫ثانوية‪.)3( )...‬‬
‫ومظاهر التدرج هذه مطلوبة في طلب العلوم الشرعية والدنيوية ‪ ،‬كما‬
‫إن ها مطلو بة في الف قه الدعوي‪ ،‬وبالتالي فإن معر فة صفات الخالق وأ سمائه‬
‫ومعرفسة توحيسد الربويسة واللوهيسة أولى وأهسم مسن الخوض فسي الخلفات‬
‫الكلمية ‪ ،‬ومناهج علماء الكلم‪ ،‬والردود على أهل البدع‪ ،‬وكذلك معرفة علم‬
‫التوحيد يجب أن تسبق معرفة علم الفقه‪ ،‬والجد في فهم القرآن وقراءة الحديث‬
‫مقدمة على أصول الفقه والخلف‪.‬‬

‫‪ -‬فتح الباري ‪.1/224‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬من رسالة تذكره المربي‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬من رسالة تذكره المربي‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪20‬‬
‫واستغرب أبن الجوزي كيف أضاع بعض العلماء أعمارهم في تفويت‬
‫علوم مه مة نتي جة لنشغال هم بعلم وا حد‪ ،‬طمعا في ا ستكماله ‪ ،‬وتح صيل كل‬
‫فروعسه‪ ،‬فأدى ذلك إلى تضييسع بقيسة العلوم‪ ،‬دون الحصسول على فائدة العلم‬
‫الواحد ‪ ،‬إذ أن بين العلوم تداخلً ‪ ،‬ول تؤتي الثمرة إل بفهم القليل منكل علم‪،‬‬
‫ثم ل بأس من الستكثار من أحدها و بعضها‪.‬‬
‫ومعرفة توحيد الربوية واللوهية أولى وأهم من الخوض في الخلفات‬
‫الكلم ية‪ ،‬ومنا هج علماء‪ ،‬الكلم ‪ ،‬والردود على أ هل البدع ‪ ،‬وكذلك معر فة‬
‫علم التوح يد ي جب أن ت سبق معر فة علم الف قه‪ ،‬وال جد في ف هم القرآن وقراءة‬
‫الحديث مقدمة على أصول الفقه والخلف‪.‬‬
‫واستغرب ابن الجوزي كيف أضاع بعض العلماء أعمارهم في تفويت‬
‫علوم مهمة نتيجة لنشغالهم بعلم واحد ‪ ،‬طمعا في استكمالها ‪ ،‬وتحصيل كل‬
‫فروعسه ‪ ،‬فأدى ذلك إلى تضييسع بقيسة العلوم‪ ،‬دون الحصسول على فائدة العلم‬
‫الواحد‪ ،‬إذ أن بين العلوم تدخل ‪،‬ول تؤتي الثمرة إل بفهم القليل من كل علم ‪،‬‬
‫ثم ل بأس من الستكثار من أحدها أو بعضها‪:‬‬
‫( أعلم أ نه لو ات سع الع مر لم أم نع من اليغال في كل علم إلى منتهاه‪،‬‬
‫غير أن العمر قصير‪ ،‬والعلم كثير‪ ..‬فالتشاغل بغير ما صح يمنع التشغيل بما‬
‫هو أ هم ‪ ..‬ول ما تشا غل يح يى بن مع ين فأ ته من الف قه الكث ير‪ ..‬و من أق بح‬
‫الشياء أن تجري حادثسة يسسأل عنهسا شيسخ قسد كتسب الحديسث سستين سسنة فل‬
‫يعرف حكم ال عز وجل فيها ) (‪.)1‬‬
‫فأنظر نقد ابن الجوزي ليحيى بن معين عل غزارة علمه في الحديث ‪،‬‬
‫وفضله ‪ ،‬ولكنه مع عل مه الحديثي في الرجال غابت ع نه بعض مسائل الفقه‬
‫الب سيطة ‪ ،‬بل – ور غم عل مه_ لم يدرك ما و صل إل يه أقرا نه كالمام أح مد‬
‫وغيره رحمهم ال تعالى‪.‬‬

‫‪ -‬صيد الخاطر‬ ‫‪1‬‬

‫‪21‬‬
‫(‪ )8‬المتفق قبل المفترق‪:‬‬
‫أن يكون التعليم للمسائل المتفق عليها ول يخوض في مسائل الختلف‬
‫‪ ،‬فالختلف للمتعلم مفسدة ‪ ،‬وإضاعة لصل مقاصد التعليم ‪ ،‬كما وأنه يربك‬
‫عمليسة التفكيسر‪ ،‬إضافسة إلى مسا قسد يؤدي إلى إضاعسة الديسن وحفسظ أصسول‬
‫الشريعة ‪ ،‬لما في المر من ضياع في متاهة الجدل ولذلك قيل‪:‬‬
‫( أن يحترز الخائض في العلم في مبدأ المر عن الصغاء إلى اختلف‬
‫الناس‪ ،‬سواء كان ما خاض فيه من علوم الدنيا أو من علوم الخرة‪ ،‬فإن ذلك‬
‫يدهش عقله ويحير ذهنه ‪،‬ويفتر رأيه‪ ،‬ويؤيسه عن الدراك والطلع‪.)1( ) ..‬‬
‫ول يع ني ذلك تقل يل أهم ية علم الف قه المقارن ومعر فة أ سباب اختلف‬
‫الفقهاء ‪ ،‬فإن هذا العلم مسن الهميسة بمكان‪ ،‬وهسو العدة الرئيسسية لمسن يطلب‬
‫الجتهاد ‪ ،‬أو لمسن يطلب جمسع صسحاح المسسائل وجيسد الفتاء‪ ،‬إذا عزم على‬
‫التحرر من ضيق التقليد المذهبي ‪ ،‬ولكن الكراهة تنصرف إلى تقديم الشتغال‬
‫بذلك وولت ها ‪ ،‬من ل زال في مدارج البدا ية بم ثل هذا الختلف‪ ،‬فإ نه يش تت‬
‫فكره ويوهمه أو هاما يليق به أن يكون عنها بمعزل‪.‬‬
‫وما ينطبق على الفقه‪ ،‬ينطبق على العمل التربوي أيضا‪ ،‬وقد أورد ابن‬
‫القيم هذا المعنى تمييزا بين المتكلم والسالك إلى ال‪:‬‬
‫( فترى المتكلم يبحسسث فسسي الزمان والمكان والجواهسسر والعراض‬
‫والكوان ‪ ..‬والسسالك إلى ال قسد تجاوزهسا إلى جمسع القلب على ربسه المكون‬
‫وعبوديته بمقتضى أسمائه وصفاته ‪ ..‬فالمتكلم متفرق مشتغل في معرفة حقيقة‬
‫الزمان والمكان‪ ،‬والعارف قد شح بالزمان والمكان أن يذهب ضائعا في غير‬
‫السير إلى رب الزمان والمكان ) (‪.)2‬‬
‫فعلى المربي والمعلم مراعاة ذلك وأن ل يسمح لخوانه بالقفز في سلم‬
‫المعرفة‪:‬‬

‫‪ -‬فتح الباري ‪.1/224‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬مدارج السالكين ‪.2/349‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪22‬‬
‫( وذلك بأن يمن عه من الت صدي لرت بة ق بل ا ستحقاقها‪ ،‬والتشا غل بعلم‬
‫(‪. ) 3‬‬
‫خفي قبل الفراغ من الجلي‪) ..‬‬
‫فهذا الواجسب منصسب على المربسي والمعلم قبسل التلميسذ الطارئ على‬
‫طلب العلم ‪ ،‬والذي قد ل يدرك المف سدة في ذلك‪ ،‬لذلك فالتق صير في تدر يس‬
‫العلم و فق مرات به م ما ين قد عل يه العلماء ‪ ،‬ولذلك انت قد ال سلف ب عض العلماء‬
‫وقالوا عنهم ‪:‬‬
‫( أبحثُ الناس عن صغير ‪ ،‬وأتركهم لكبير) ‪.‬‬
‫( أعلم الناس بما لم يكن ‪ ،‬وأجهلهم بما كان) ‪.‬‬
‫وقسد تكون هذه الصسفات مسن خصسائص علماء الدنيسا‪ ،‬الذي يطلبون‬
‫بتدريس العلم الشهرة والرئاسة ‪.‬‬
‫ويتض من هذا المع نى أي ضا عدم تت بع شوارد الم سائل ‪ ،‬أو ما ل طائل‬
‫وراءه ‪ .‬وقد قال ابن القيم‪:‬‬
‫( من تتبع غرائب المسائل ‪ ،‬لم يصب من الخير شيئا)‪.‬‬
‫(‪ )9‬التخصيص‪:‬‬
‫ومن معاني الربانية في التعليم تخصيص قوم دون قوم بنوع من العلم‪،‬‬
‫وذلك لختلف المفاه يم والمدارك ‪ ،‬والتجارب والممارا سات ‪ ،‬م ما قد يؤدي‬
‫إلى الفهم الخاطئ أحيانا من قبل البعض عند استماعهم أو قراءتهم لعلم دون‬
‫مداركهم‪ ،‬أو أن يقود إلى تأويل واه‪ ،‬أو تفسير باطل ‪ ،‬بل قد يؤدي إلى تحميل‬
‫الكلم أك ثر م ما يحتمله ‪ ،‬والبناء على اللفاظ أك ثر م ما تط يق ‪ ،‬و في حالت‬
‫أخرى قسد يكون ظاهسر الحديسث أو المقال يقوى على بدعسة‪ ،‬أو يقود إلى‬
‫مع صية بين ما ظاهرة في ال صل غ ير مراد ‪ .‬ولذلك ورد عن الر سول صلى‬
‫ال عليه وسلم – جملة أحاديث يستنبط منها هذا المعنى ‪ ..‬ومنها قوله لمعاذ‪:‬‬
‫( من لقي ال ل يشرك به شيئا دخل الجنة‬

‫‪ -‬إحياء علوم الدين ‪.1/51‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪23‬‬
‫قال ‪ :‬أل أبشر الناس ؟‬
‫قال‪ :‬ل ‪ ،‬إني أخاف أن يتكلوا )‪. -‬‬
‫وقد استنبط البخاري المعنى المطلوب فترجم لهذه الحاديث في كتاب العلم‬
‫من صحيحه بقوله‪:‬‬
‫( من خص بالعم قوما دون قوم كراهية أن ل يفهموا ‪.‬‬
‫وقال علي‪ :‬حدثوا الناس بمسسسسسسا يعرفون ‪ ،‬أتحبون أن يكذب ال‬
‫ورسوله؟)‪.‬‬
‫وقال المام مسلم في مقدمة صحيحه ‪ ،‬واعتبرها كقاعدة في منهجه‪:‬‬
‫( فأما عوام الناس الذي هم بخلف معاني الخاص من أهل التيقظ والمعرفة‪،‬‬
‫فل معنى لهم في طلب الكثير‪ ،‬وقد عجزوا عن معرفة القليل)‪.‬‬
‫وفي إطار العمل السلمي يضطر المربي أحيانا أو المعلم‪ ،‬انطلقا من‬
‫هذا المفهوم التربوي‪ ،‬أن يخسص أفرادا دون غيرهسم ببعسض الحاديسث أو‬
‫الكلم‪ ،‬وليس ذلك تضعيفا لهم أو عدم الثقة بهم‪ ،‬أو حجزهم عن خير كثير ‪،‬‬
‫أو حرمانهم من فضل العلم‪ ،‬ولكن منعا لسوء فهم‪ ،‬أو إدخالهم في فتنة أو أن‬
‫يكون العلم بحاجسة إلى مقدمات أخرى ‪ ،‬ل قسد يكون الغرض أحيانسا مسن منسع‬
‫بعض الحاديث عن بعض الدعاة هو حفظ قلوبهم من الوسواس‪ ،‬ولذانهم من‬
‫سسماع الغيبسة‪ ،‬ولصسدورهم مسن الضغينسة‪ ،‬وسسد أبواب فضول الكلم عنهسم‪،‬‬
‫وإعانتهم على عدم التدخل فيما ل يعني ‪ ،‬أو النشغال بما ل يجدي‪.‬‬
‫واستدل ابن حجر لهذا المعنى بذكر بعض أنواع الحاديث التي يحدث‬
‫بها قوم دون قوم ‪ ،‬فورد بعض ما اجتهد به علماء السلف‪ ...‬فقال‪:‬‬
‫( وممسن كره التحديسث ببعسض دون بعسض أحمسد فسي الحاديسث التسي‬
‫ظاهرها الخروج على السلطان ‪ ،‬ومالك في أحاديث الصفات‪ ،‬وأبو يوسف في‬
‫الغرائب‪ ،‬ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدم عنه في الجرابين وأن المراد ما يقع‬
‫من الفتن‪ ،‬ونحوه عن حذيفة‪ ،‬وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج قصة‬

‫‪24‬‬
‫العرين ين‪ ،‬لنه اتخذ ها و سيلة إلى ما كان يعتمده من المبال غة في سفك الدماء‬
‫بتأول يه الوا هي‪ ،‬وضا بط ذلك أن يكون ظا هر الحد يث يقوي البد عة وظاهره‬
‫في ال صل غ ير مراد‪ ،‬فالم ساك ع نه ع ند من يخ شى عل يه ال خذ بظاهرة‬
‫مطلوب) (‪.)1‬‬
‫ومما روى أيضا ما ذكره مسلم عن ابن مسعود‪:‬‬
‫( ما أنت بمحدث قوما ل تبلغه عقولهم إل كان لبعضهم فتنة ) (‪.)2‬‬
‫قال ابن وهب‪:‬‬
‫( وذلك أن يتأولوه غير تأويله ويحملوه على غير وجهه)‪.‬‬
‫وخرج شعبة عن كثير بن مروة قوله‪:‬‬
‫( إن عل يك في عملك ح قا ك ما عل يك في مالك ح قا‪ ،‬ول تحدث بالعلم‬
‫غيسر أهله فتجهسل ‪ ،‬ول تمنسع العمسل أهله فتأثسم ‪ ،‬ول تحدث بالحكمسة عنسد‬
‫السفهاء ‪ ،‬فيكذبوك ‪ ،‬ول تحدث بالباطل عند الحكماء‪ ،‬فيمقتوك ) (‪.)3‬‬
‫ومسن دواعسي التخصسيص أيضسا اختلف قوة الدوافسع إلى تدفسع الدعاة‬
‫لتعلم علم من العلوم‪ ،‬وقد يوافق العلم هوى الداعية وقد ل يكون ‪ ،‬وهذا يؤثر‬
‫بدوره على المربسي أو المعلم بإقباله على التدريسس‪ ،‬وتوفره على التعليسم‪ ،‬فل‬
‫يطوي ما عنده من المكنون‪ ،‬ول يخ في عن جنوده المخزون‪ .‬ولذلك فاختيار‬
‫المرب ين ل صنوف الدعاة في ا ستماعهم لنواع من الكلم يخ ضع إلى قواعسد‬
‫التربية وأصول البناء‪ ،‬ويحكم ذلك التجارب والممارسات الدعوية‪ ،‬وقد قيل‪:‬‬
‫( لكل تربة غرس ‪ ،‬ولكل بناء أس ) ‪.‬‬
‫( ولكل ثوب ل بس ولكل علمٍ قابس )‪.‬‬
‫و ما أحوج جمهور المرب ين والد عة لهذا المع نى ‪ ،‬وأن يقت صر حديث هم‬
‫على مسا ينفسع‪ ،‬وترك الخوض فسي مسا يقود إلى الخلف أو قسسوة القلب‪ ،‬مسن‬

‫‪ -‬فتح الباري ‪.1/225‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬مقدمة صحيح مسلم‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬العتصام للشاطبيء ‪.214‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪25‬‬
‫حديسث الوجاهات‪ ،‬وأقاويسل الفتسن‪ ،‬وحوار القادة ‪ ،‬وخلفات القران‪ ،‬وأخبار‬
‫السوء‪.‬‬
‫وهذا ل يتم أيضا ‪ ،‬وفوق ذلك كله – إل بفراسة يمنحها ال تعالى لمن‬
‫يشاء مسن عبادة العلماء ‪ ،‬حتسى يسستطيع تمييسز الكلم المقال‪ ،‬واختيار السسامع‬
‫له‪.‬‬
‫( وينبغسي أن يكون للعالم فراسسة يتوسسم بهسا المتعلم ‪ ،‬ليعرف مبلغ‬
‫طاق ته‪ ،‬وقدر ا ستحقاقه ‪ ،‬فإ نه أروح للعالم وأن جح للمتعلم‪ ،‬وإذا كان العالم في‬
‫تو سع المتعلم ين بهذه ال صفة‪ ،‬وكان بقدر ا ستحقاقهم خبيرا‪ ،‬لم ي ضع له عناء‪،‬‬
‫ولم ي خب على يد يه صاحب وأن لم يتو سمهم وخف يت عل يه أحوالهسم‪ ،‬ومبلغ‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪.‬‬ ‫استحقاقهم ‪ ،‬كانوا واياه في عناء ‪ ،‬مكد ‪ ،‬وتعب غير مجد‪) ..‬‬
‫وهذا الفراسسة وأن كان للذكاء ‪ ،‬والفطرة منهسا نصسيب‪ ،‬فإن للتقوى‬
‫والتجارب نصيبها الوفر‪.‬‬
‫و قد اع تبر ب عض العلماء أن من الضرورة كتمان العالم لب عض العلم‪،‬‬
‫بل وأنها من مظاهر المامة ‪ ،‬فقد قال المام مالك مؤكدا لهذا المعنى‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫( ل يكون إماما أبدا ‪ ،‬وهو يحدث بكل ما سمع )‬
‫فأن ظر لهذا الف قه الوا فر من الفق يه الجل يل ‪ ،‬فالف قه ل يس بكثرة الكلم‪،‬‬
‫وإنما باختياره لمن يصلح هله ‪ ..‬ولذلك قيل‪:‬‬
‫( قلوب البرار قبور ال سرار ‪ ،‬فل ينب غي أن يف شي العالم كل ما يعلم‬
‫إلى كل أحد) (‪.)3‬‬
‫ويجسب التنسبيه هنسا – مسع هذا التخصسيص – إلى عدم إشعار الدعاة‬
‫الخريسن مسن قبسل المربيسن بوجود دروس خاصسة ‪ ،‬أو بحوث مميزة ‪ ،‬أو‬
‫دراسسات معينسة‪ ،‬وإشاعسة ذلك‪ -‬وإن كان مسن الضروري تربيتهسم على ذلك‪،‬‬

‫‪ -‬أدب الدنيا والدين للمارودي‪.89/‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬مقدمه صحيح مسلم‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬أحياء علوم الدين ‪.1/57‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪26‬‬
‫والرضا به – والسبب ما قد يحصل للبعض من فتور في طلب العلم الولى‬
‫والسستزادة ‪ ،‬وتشوقسه إلى النهايسة فينشغسل قبله بحسب الطلع ‪ ،‬وقسد أشار‬
‫الغزالي لهذا المعنى فقال عن المتعلم القاصر‪:‬‬
‫( ينبغي أن يقلى إليه الجلي اللئق به ‪ ،‬ول يذكر له وراء هذا تدقيقا ‪،‬‬
‫فإن ذلك يفتر رغبته في الجلي ويشوش عليه قلبه‪ ،‬ويوهم إليه البخل به عنه‪،‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪.‬‬ ‫إذا يظن كل أحد أنه أهل لكل علم دقيق ‪)..‬‬
‫(‪ )10‬سهولة العبارة مقدمة على صعوبتها‪:‬‬
‫لن ال صل تبل يغ ال سامع بالمع نى ‪ ،‬وتو صيل العلم إل يه بأقرب طر يق‬
‫دون التواء ‪ ،‬إذا لو صحت النية من المتحدث أو الكاتب لختار أحسن السبل‬
‫ليصال العلم ‪ ،‬ول يختار الطريق الوعر‪ ،‬لنه ليس بحاجة لثبات فصاحته‪،‬‬
‫ول لظهار عمله‪ ،‬بل يطلب بالعلم رضا الرحمن‪:‬‬
‫( وعلى هذا النحسو مسر السسلف الصسالح فسي بسث الشريعسة للمؤلف‬
‫والمخالف ‪ ،‬ومسن نظسر فسي اسستدللهم على إثبات الحكام التكليفيسة علم أنهسم‬
‫قصسدوا أيسسر الطرق‪ ،‬وأقربهسا إلى عقول الطالبيسن ‪ ،‬لكسن مسن غيسر ترتيسب‬
‫متكلف‪ ،‬ول نظسم مؤلف‪ ،‬بسل كانوا يرمون بالكلم على عواهنسه‪ ،‬ول يبالون‬
‫كيف وقع في ترتيبه ‪ ،‬إذا كان قريب المأخذ ‪ ،‬سهل الملتمس‪.)2( )..‬‬
‫و من الم سالك الوعرة في ت صعيب اللفاظ‪ ،‬وإضا عة المعا ني‪ ،‬ما قد‬
‫يلجسأ إليسه البعسض مسن اسستعمال المجاز المبالغ فيسه‪ ،‬والرموز الشاذة المعقدة‪،‬‬
‫وجم يع أنواع المواض عة ال صطلحية‪ ،‬والمواض عة ضربان‪ :‬أحده ما‪ :‬عا مة‬
‫وهي ما تواضع عليه العلماء في كل علم فيما جعلوه ألقابا لمعان ل يستغني‬
‫المتعلم عن ها ‪ ،‬ول ي قف على مع نى الكلم إل ب ها والثان ية ‪ :‬خا صة وهذا هو‬
‫الذي ل ينب غي ا ستعماله من ق بل الداع ية‪ ،‬ل عد فائد ته من ج هة ‪ ،‬ومظ هر من‬
‫التخليط في النية من جهة أخرى لنه ‪:‬‬

‫‪ -‬إحياء علوم الدين ‪.1/58‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الموافقات ‪.1/59‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪27‬‬
‫( إنمسا يختسص غالبا بأحسد شيئيسن‪ :‬إمسا بمذهسب شنيسع يخفيسه معتقده‪،‬‬
‫ويجعل المرمز سببا لتطلع النفوس إليه‪ ،‬واحتمال التأويل فيه سببا لدفع التهمة‬
‫عنه‪ ،‬وأما لما يدعي أربابه أنه علم معوز‪ ،‬وأن إدراكه بديع معجز ‪.)1( ) ..‬‬
‫وكل المر ين م ما يتر فع ع نه الداع ية ‪ ،‬وح تى لو احتاج إلي ها ل سبب‬
‫ثانوي فير بأ بنف سه عن ها ‪ ،‬سدا للذرائع ‪ ،‬وابتعادا عن قاله ال سوء ‪ ،‬ول كن مع‬
‫هذا‪:‬‬
‫(‪ ....‬ربمسا اسستعمل الرمسز مسن الكلم فيمسا يراد تفخيمسه مسن المعانسي‬
‫وتعظيمسه مسن اللفاظ ‪ ،‬ليكون أحلى فسي القلوب موقعسا ‪ ،‬وأجسل فسي النفوس‬
‫موضعا ‪ ،‬فيصير بالرمز سائرا ‪ ،‬وفي الصحف مخلدا‪.)2( ) ..‬‬
‫وعندئذ ل بأس با ستعماله ما دام مفهو ما‪ ،‬وي قع في قلب ال سامع موق عا‬
‫جميلً‪ ،‬ما دام ل يقود إلى مف سدة ‪ ،‬على شرط عدم المبال غة والكثار م نه‪ ،‬أو‬
‫التكلف لليتان فيه‪ ،‬وأن يكون السامعون ممن تدرك عقولهم مثل هذه الرموز‪،‬‬
‫ومسع هذا فالنقسد هنسا ينصسب على الخطيسب أو الكاتسب إذا تكلف المسر‬
‫والصعوبة‪ ،‬وكان يمكن له التبسيط والتسهيل‪ ،‬إذ أنه يتعمد التكلف ويسعى إليه‬
‫م ما يش عر ال سمع بأ نه يبت غي وراء ذلك شهوة القول‪ ،‬ول يحرص على تبل يغ‬
‫المعنى ‪ ،‬وربما ل يكون مسؤول عن ذلك ‪ ،‬فقد يكون المر بحد ذاته يحتاج‬
‫إلى زيادة تأمسل وفضسل معاناة‪ ،‬حتسى ينجلي ذو الخفاء‪ ،‬وينكشسف الغامسض ‪،‬‬
‫وباسستعمال الفكسر فيسه يكون الرتياض بسه فيسسهل منسه الصسعب‪ ،‬ويقرب بسه‬
‫البعيد‪ ،‬وعندئذ يبرأ القائل به من التهام ‪ ،‬والمر مردودة إلى نفس الكلم‪ ،‬أو‬
‫إلى الع سر في الفهام ‪ ،‬بل وأحيانا كل الق صور في الف هم من ا لم ستمع أو‬
‫القارئ‪ ،‬فقد يمنعه مانع من تصور المعنى وفهمه ‪ ،‬فهذا من قلة الفطنة أحيانا‪،‬‬
‫ول ذنب لسلوب الكاتب‪ ،‬وعلى من يبتلي بذلك كثرة المطالعة وإعادة النظر‪،‬‬
‫والسؤال عما أشكل عليه ‪ ،‬وقد قيل‪:‬‬
‫‪ -‬آداب الدنيا والدين للمارودي ‪.61/‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أدب الدنيا والدين‪.65/‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪28‬‬
‫( ل يدرك العلم من ل يطيل درسه‪ ،‬ويكد نفسه ‪ ،‬وكثرة الدرس كد ل‬
‫يصبر عليه إل من يرى العلم مغنما ‪ ،‬والجهالة مغرما‪ ،‬فحتمل تعب الدرس ‪،‬‬
‫ليدرك راحة العلم ‪ ،‬وينفي عنه معرة الجهل‪.)1( ) ..‬‬
‫وقد يكون السبب شبهة تعترض المعني فتمنع من تصوره ‪ ،‬وتدفع عن‬
‫إدراك حقيقتسه ‪ ،‬أو أفكار تعارض الخاطسر ‪ ،‬فتذهسل عسن تصسور المعنسي ل‬
‫لنشغال الذهن ‪ ،‬وتعب العقل ‪ ،‬وغياب الوعي ‪ ،‬فهذه المور إذا طرأت على‬
‫الن سان لم يقدر على مغال بة قل به‪ ،‬وإجبار عقله‪ .‬وه نا يأ تي المع ني التربوي‬
‫الذي أقصد من ربانية التعليم ‪ ،‬والتوسط في التقديم ‪ ..‬وقد قيل‪:‬‬
‫( أن لهذه القلوب تنافرا كتنافسر الوحسش ‪ ،‬فتألفوهسا بالقتصساد فسي‬
‫التعليم‪ ،‬والتوسط في التقديم ‪ ،‬لتحسن طاعتها ‪ ،‬ويدون نشاطها)‪.‬‬
‫وبناء على ما ذكر يظل وأجب المربي منتصبا في ضرورة تخير اللفاظ لكل‬
‫طب قة‪ ،‬ومعر فة طبي عة الم ستمعين جزء م هم من الو عي ‪ ،‬و قد يكون التدق يق‬
‫الكثير مضيعة للبساطة المطلوبة ‪ ،‬ولذلك يوصي بأن‪:‬‬
‫( يكون الخط يب را بط الجأش ‪ ،‬ساكن الجوارح ‪ ،‬قل يل الل حظ متخيرا‬
‫للفظ‪ ..‬ويكون في قواه فضل للتصرف في كل طبقة‪ ،‬ول يدقق المعاني لكل‬
‫التدقيق ‪ ،‬ول ينح اللفاظ كل التنقيح) (‪.)2‬‬
‫بل أن ال سترسال بالمعا ني أبلغ ح تى في ال سمع‪ ،‬و ما خرج من القلب‬
‫يدخسل إلى القلب‪ ،‬وكثرة الشرح والتفصسيل تقتسل جمال المعانسي ‪،‬ومسن أبيات‬
‫الشاعر العالمي فيكتور هيجو‪:‬‬
‫( أل تشرح‪ ،‬فإن الشرح يفسد طرافة الموضوع)‪.‬‬

‫(‪ )11‬الساليب الجميلة‪:‬‬

‫‪ -‬إحياء علوم الدين ‪.1/51‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬عيون الخبار ‪.2/173‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪29‬‬
‫من الربانية واستعمال الساليب الجميلة الحلوة المؤدية للمعنى ‪ ،‬وعدم‬
‫استعمال العبارات الخشنة الجارحة والتي لها نفس الداء‪ ،‬لن الرفق ما كان‬
‫فسي شيسء إل زانسه ‪ ،‬والعبارات الجميلة دليسل على شفافيسة المسسلم‪ ،‬وحسسن‬
‫انتقائه‪ ،‬وقد قال المصطفى صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫( ل يقولن أحدكم خبثت نفسي ‪ ،‬ولكن ليقل لقست نفسي )‪.‬‬
‫( يؤخسذ مسن الحديسث اسستحباب مجانيسة اللفاظ القبيحسة والسسماء ‪،‬‬
‫والعدول إلى ما ل قبح فيه‪ ..‬وإن كان المعنى يتأدى بكل منهما‪.)1( ) ..‬‬
‫وللت عبير أ ثر في إبراز ال حق و كم من حق يخر جه إلى البا طل سوء‬
‫التعبير وما أحسن القائل‪:‬‬
‫تقسول‪ :‬هذا جناء النحل تمدحه وإن تشأ ‪ ،‬قلت ‪ :‬ذا قئ الزنابير‬
‫مدحا وذما‪،‬وما جاوزت وصفهما والحق قد يعتريه سوء تعبيسسر‬
‫(‪ )12‬المزج بالرقائق‪:‬‬
‫و من الربان ية في التعل يم مزج كل علم بالرقائق كي تتح قق ال سكينة‬
‫اليمان ية‪ ،‬ول ي سيطر الع قل وحده على القلب ‪ ،‬والف كر على الروح ‪ ،‬فتتحول‬
‫المعا ني اليمان ية إلى فل سفة عقي مة‪ ،‬وتض يع المقا صد ال صلية لعمل ية التعل يم‬
‫التربوي ‪ ،‬إذ أن أصسل المقاصسد فسي التعليسم ربسط المخلوق بربسه ‪ ،‬وتذكيره‬
‫بالخرة ‪ ،‬وجعله يشمسر بسساعد الجسد للعبادة والعمسل‪ ،‬وإل فدراسسة العلم دون‬
‫هذه النية مضيعة للوقت ‪ ،‬والتها بالشهوات‪ ،‬وقد قبل‪:‬‬
‫( رأيت الشتغال بالفقه وسماع الحديث ل يكاد يكفي في صلح القلب‬
‫إل من أن يمزج بالرقائق ولنظر في سير السلف الصالحين‪ ،‬فأما مجرد العلم‬
‫بالحلل فليسس له كسبير عمسل فسي رقسة القلب‪ ،‬وإنمسا يرق القلب بذكسر رقائق‬
‫الحاد يث‪ ،‬وأخبار ال سلف ال صالحين ‪ ،‬لن هم تناولوا مق صود الن قل وخرجوا‬
‫عن صور الفعال المأمور بها إلى ذوق معانيها والمراد بها‪.‬‬

‫‪ -‬فتح الباري ‪.1/564‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪30‬‬
‫وما أخبرك بهذه إل بعد معالجة وذوق‪ .‬فأفهم هذا ‪ ،‬وأمزج طلب الفقه‬
‫والحديث بمطالعة سير السلف الزهاد في الدنيا ليكون سببا لرقة قلبك ‪.)1( ) ..‬‬
‫ولما كان هدف عملية العلم والتعليم القرب من ال تعالى ‪ ،‬وليس طلب‬
‫الدنيا بها ‪ ،‬ففي هذا المعنى صلح للمعلم والمتعلم ‪ ،‬إذا فيه يتذكر المتعلم أن‬
‫مال العلم القرب إلى ال ‪ ،‬وقصده في القراءة أو السماع تحليه الباطن‪ ،‬وأن ل‬
‫يق صد به مباهاة القران‪ ،‬والتفا خر على الغ ير‪ ،‬ويذ كر المر بي أو العالم نف سه‬
‫دائ ما بن فس المعا ني ‪ ،‬ويتذ كر أن تعلي مه‪ :‬ل تعالى ‪ ،‬دون الرئا سة والمباهاة‬
‫والمنافسة ‪ ،‬ويقد تقبيح ذلك في نفسه بأقصى ما يمكن فليس ما يصلحه العالم‬
‫الفاجر بأكثر مما يفسده إذا تجافى عن الصواب‪ ،‬أو فسدت النية‪.‬‬
‫وهذا المسسلك فسي التعليسم ل بسد مسن التذكيسر بسه دائمسا ‪ ،‬وعدم الخسذ‬
‫بالساليب الغربية الباردة حيث الكتفاء بجوهر الموضوع فقط ‪ ،‬فإنما تصلح‬
‫هذه الطريقسة للمباحسث الطبيعيسة لختلف أهدافهسا ومقاصسدها‪ ،‬أمسا التعليسم‬
‫الدعوى فل بد له من حد يث القلب‪ ،‬وأ سلوب القرآن الكر يم أ كبر دل يل على‬
‫هذا ال مر ‪ ،‬فل يس ف يه اقت صار على معان محددة‪ ،‬وإن ما يخلط الف قه والحكام‬
‫يذكسسر الموت والخرة‪ ،‬وربطهسسا بالثواب والعقاب ‪ ،‬وال تعالى أعلم بقلوب‬
‫عباده وما تحتاج إليه‪.‬‬
‫(‪ )13‬تحذير المحدث من اللجاج‪:‬‬
‫يكره التزود بمسا ل طائل بعده‪ ..‬وكذلك التكلف‪ ،‬وقسد قال الجاحسظ ي‬
‫رسائله يحذر المتحدث والكاتب من ذلك وناصحا له‪:‬‬
‫( وأ نا أحذرك من اللجاج والتتا بع(‪ ، )2‬وار غب إلى ال لك في ال سلمة‬
‫من التلون والتز يد ‪ ،‬و في ال ستطراف والتكلف‪ ،‬فإن اللجاج ل يكون إل من‬
‫خلل القوة‪ ،‬وإل مسن نقصسان قسد دخسل على التمكيسن ‪ ،‬واللجوج فسي معنسى‬
‫المغلوب‪.) ..‬‬

‫‪ -‬صيد الخاطر‪.197 /‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬التتابع في المر‪ :‬السير فيه على خلف الناس‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪31‬‬
‫ومع نى هذا ال مر عدم اختيار المعا ني ال تي تقود إلى الجدل‪ ،‬أو ال تي‬
‫ت ستثير الف تن والمشا كل‪ ،‬أو أن المحدث يختار الرد على ما انت قد عل يه لير يح‬
‫نفسسه‪ ،‬ويشبسع غروره‪ ،‬ويبلغ النتصسار مسن خصسمه ‪ ،‬وكذلك عدم المبالغسه‬
‫بمظاهر التقوى‪ ،‬وإدعاء الزهد‪ ،‬والتكلف في الوقار ‪ ،‬وعليه أن يسمع نصيحة‬
‫ابن قتيبه في مقدمة عيون الخبار حيث قال‪:‬‬
‫( وأحببت أن تجري على عادة السلف الصالح في إرساله النفس على‬
‫السجية والرغبة بها عن لبسة الرياء والتصنع ‪ ،‬ول تستشعر أن القوم قارفوا‬
‫وتنزهت‪ ،‬وثلموا أديانهم وتورعت‪.) ..‬‬
‫(‪ )14‬ربانية الجواب‪:‬‬
‫وأخيرا‪ ،‬نخ تم المب حث بران ية الجواب ‪ ،‬فإن المتحدث أو الكا تب ل بد‬
‫مسن تعرضسه للسسئلة‪ ،‬فان لزامسا‪ :‬الجواب عنهسا‪ ،‬وتكثسر الحاجسة لذلك وسسط‬
‫الدعاة ‪ ،‬بل غالبا ما يكون وقت السئلة للمربين والقادة والخطباء ‪ ،‬في كثير‬
‫من الحوال‪ ،‬مساويا الدرس أو المحاضرة‪.‬‬
‫ويحسسبنا هنسا أن نذكسر أهسم خصسائص الجواب‪ ،‬قياسسا على مسا ينبغسي‬
‫للمفتي أو المام عندما يسأل عن مسألة ‪:‬‬
‫‪‬يجوز للمتحدث أو المربي أن يجيب السائل بأكثر‬
‫مما سأله‪:‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪.‬‬ ‫( وهو من كمال نصحه وعلمه وإرشاده ‪ ،‬ومن عاب ذلك فلقلة علمه)‬
‫وقد ترجم المام البخاري في نهاية كتاب العلم من الصحيح ( باب‪ :‬من‬
‫أجاب ال سائل بأك ثر م ما سأله) ع ند إيراده الحد يث المحرم الذي سأله عن ما‬
‫يلبس المحرم‪ ،‬فأجابه صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫( إل يلبس القميص ول العمامة ول السراويل ول ثوبا مسه الورس)‪.‬‬
‫ويؤخذ من الحديث‪:‬‬

‫‪ -‬أعلم الموقعين ‪.4/205‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪32‬‬
‫( إن المف تي إذا سئل عن واق عة واحت مل عنده أن يكون ال سائل يتذرع‬
‫بجوابة يعديه إلى غير محل السؤال‪ :‬تعين عليه أن يفصل الجواب) (‪.)1‬‬
‫‪‬ينبغسي للمربسي إذا سسأله إنسسان عسن شيسء يحتاج‬
‫ومنعه منه‪ ،‬أن يدله عل ما يعوض عنه ‪ ،‬وهذا من‬
‫تمام شفقسة المربسي والداعيسة على أخيسه ‪ ،‬حتسى ل‬
‫يد عه في حيرة من أمره‪ ،‬أو ي صعب عل يه ال مر ‪،‬‬
‫أو يجعله يشعر بعدم كفاية المربي‪.‬‬
‫( فمثاله في العلماء م ثل ال طبيب النا صح في الطباء ‪ ،‬يح مي العل يل‬
‫عما يضره ويصف له ما ينفعه‪ ،‬فهذا شأن أطباء الديان والبدان ) (‪.)2‬‬
‫ودليل ذلك منع الرسول – صلى ال عليه وسلم – لبلل أن يشتري صاعا من‬
‫التمر الجيد بصاعين من الرديء‪ ،‬فقال له في الحديث المتفق عليه ‪:‬‬
‫( بع الجمع بالدراهم ‪ ،‬ثم أشتر بالدراهم جنيبا)‪.‬‬
‫والجنبيب ‪ :‬هو المنتقي الذي ل رديء فيه‪ ،‬أو الكبيس‪.‬‬
‫والجمع ‪ :‬هو الدقل ‪ ،‬أي ردي التمر‪.‬‬
‫والم نع‪ -‬فسي إطار الجماعسة المسسلمة – مسن أمسر مسا ‪ ،‬دون تسبيان السسبب أو‬
‫اعطاء البد يل ل يقود ف قط إلى الخيرة‪ ،‬وعدم الشعور بعدم كفا ية المر بي‪ ،‬بل‬
‫قد يقود الداع ية ‪ ،‬والناش يء خا صة – إلى التخ بط والب حث عن الجواب ع ند‬
‫شخص آخر ‪ ،‬يوقعه في فتنة‪.‬‬
‫التنبيه على وجه الحتراز ‪ ،‬إذا شعر المتحدث إن كلمه سوف يؤدي‬
‫بالبعض إلى فهم خاطئ ‪ ،‬أو إضافة غير صحيحة عليه‪ ،‬أو أن هنالك استنثاء‬
‫في أسل المسألة‪.‬‬
‫وكل ما كان كلم المتحدث أو الكا تب مرغو با ف يه‪ ،‬وم ما يتلق فه الدعاة‪:‬‬
‫كل ما د عت الضرورة أك ثر من الحذر في العبارات‪ ،‬والتني به ع ما قد يح صل‬
‫‪ -‬فتح الباري‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬إعلم الموقعين ‪.4/205‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪33‬‬
‫من الف هم الخا طئ‪ ،‬أو التف سير ال سيء حفظا للم صلحة ‪ ،‬فل يس هنالك ما هو‬
‫أسوأ من زلة العالم في اختلف العقول وتباين الفهام‪.‬‬
‫‪‬التمهيد للحكم أو القول المستغرب بما يوضح ذلك ‪،‬‬
‫ويد فع ال سوء ‪ ،‬ح تى ل ي سبب مف سدة ق بل ا ستكمال‬
‫الجواب‪ ،‬وحتى تتنبه النفوس للسماع الكامل ‪ ،‬وحتى‬
‫يرجع صاحب الغفلة إلى النتباه فل يقع في الوهم‪.‬‬
‫( إذا كان الحكم مستغربا جدا مما لم تألفه النفوس‪ ،‬وإنما ألفت خلفه ‪،‬‬
‫فينبغي للمفتي أن يوطئ قبله ما يكون مؤذنا به‪ ،‬كالدليل عليه‪ ،‬والمقدمة بين‬
‫يديه ‪ ،‬فتأمل ذكره سبحانه قصة ذكريا وإخراج الولد منه بعد انصرام عصر‬
‫الشبيبة وبلوغه السن الذي ل يولد فيه لمثله في العادة ‪ ..‬والمقصود أن المفتي‬
‫جديسر أن يذكسر بيسن يدي الحكسم الغريسب الذي لم يؤلف مقدمات تؤنسس بسه ‪،‬‬
‫وتدل عليه ‪ ،‬وتكون توطئة بين يديه) (‪.)1‬‬
‫وم ثل هذا تك ثر الحا جة إل يه و سط الدعاة ‪ ،‬كالفتاء في ب عص ال سائل‬
‫التسي تختلف باختلف الزمان والمكان‪ ،‬أو الخروج عسن المألوف مسن الحكام‬
‫لمصلحة شرعية‪ ،‬أو لضرورة ‪ ،‬أو التشديد في أحكام أخرى سدا للذريعة‪ ،‬أو‬
‫بعض الفتاوي التي تصح في دار الكفر دون دار السلم ‪ ،‬أو الخذ بالحوط‬
‫حينا وباليسر حينا آخر‪.‬‬
‫‪‬إعطاء الجواب على قدر فهم السائل‪ ،‬ولذلك قيل‪ :‬أن‬
‫معرفسة الناس ضروريسة ‪ ،‬وتعرف هذه مسن قرائن‬
‫الحوال ‪ ،‬فجواب سؤال العالم ليس كسؤال العامي‪،‬‬
‫والجواب اللزم للداعيسة الملتزم ليسس كجواب مسن‬
‫كان جديرا على العمسل السسلمي‪ ،‬وجواب الباحسث‬
‫عسن المعرفسة ليسس كمسن يريسد إفحامسا وتعريضسا ‪،‬‬

‫‪ -‬إعلم المعوقين‪.4/212 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪34‬‬
‫والجابة في الجمع ليس كالجابة لفرد يمكن النظر‬
‫إلى حاج ته ومق صده ‪ ،‬ولهذا اع تبر هذا المن هج من‬
‫ملمح البلغة ‪ ،‬فأشترط للبليغ‪:‬‬
‫( إن ل يكلم سيد المة بكلم المة ‪ ،‬ول الملوك بكلم السوقة) (‪.)1‬‬
‫ولما ذكرنا بعض خصائص الجابة التي تجب على الداعية الخيطب أو‬
‫الكاتب ‪ ،‬أو عموم أحاديث الدعاة من الشيوخ والمربين‪ ،‬فليس من نافلة القول‬
‫أن نذ كر ملخصا للموا ضع ال تي يكره فيها ال سؤال ‪ ،‬تعليما للدعاة وتربية ل هم‬
‫وتنبيهسسا ‪ ،‬وأولى المسسسلمين باللتزام بهسسا‪ :‬جمهرة الدعاة على اختلف‬
‫مستوياتهم‪.‬‬
‫ونكتفسي بعشرة مواطسن مهمسة يكره السسؤال فيهسا‪ :‬ننقلهسا – بتصسرف‬
‫واختصار ‪ ،‬عن الموفقات للمام الشاطبي رحمه ال ‪:‬‬
‫‪‬السؤال عما ل ينفع في المور الدينية والدعوية‪.‬‬
‫‪‬ال سؤال عن زيادة ل فائدة ‪ ،‬بعد ما بلغ المرء من‬
‫العلم في المسألة حاجته‪.‬‬
‫‪‬السؤال من غير احتياج إليه وقت السؤال‪.‬‬
‫‪‬السؤال عن صعاب المسائل وشرارها‪ ،‬وغرائب‬
‫المور‪ ،‬والغلوطات‪.‬‬
‫‪‬السسؤال عسن علل الحكام التعبديسة التسي ل يعقسل‬
‫لها معنى ‪.‬‬
‫‪‬أن يبلغ السسائل بسسؤاله إلى حسد التكلف والتعمسق‬
‫الزائد‪.‬‬
‫‪‬أن يظ هر من ال سؤال معار ضة واض حة لظا هر‬
‫الكتاب الكريم والسنة بمجرد الرأي‪.‬‬

‫‪ -‬عيون الخبار ‪.2/173‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪35‬‬
‫‪‬السؤال عن المتشابهات في القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪‬ال سؤال ع ما ش جر ب ين ال صحابة الكرام‪ ،‬وكذلك‬
‫السلف الصالح‪ ،‬وعملء المة ‪.‬‬
‫سؤال الفحام والتعنت وطلب الغلبة في الخصام‪.‬‬

‫ثم قال الشاطبي‪:‬‬


‫( هذه جملة من المواضع التي يكره السؤال فيها‪ ،‬يقال عليها ما سواها‪،‬‬
‫وليس النهي فيها واحدا بل فيها ما تشتد ‪ ،‬كراهيته‪ ،‬ومنها ما يخفف‪ ،‬ومنها ما‬
‫يحرم ‪ ،‬ومنها ما يكون محل اجتهاد ‪. )1( ) ..‬‬
‫***‬
‫ويكتفي بهذا الحد من خصائص ( ربانية التعليم ) وما هي إل مجرد لمسات ‪،‬‬
‫وقد يرد ما هو أكثر من ذلك في مباحث أخرى ‪ ،‬ولعل ما ذكر في هذه الحلقة‬
‫من هذه السلسلة ما يغطي هدفا عاجل في إتقان عملية التربية السلمية‪.‬‬

‫‪ -‬الموافقات ‪.3/321‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪36‬‬
‫المعايير النسبية لربانية‬
‫التعليم‬
‫يث ير مب حث ( ربان ية التعل يم ) قض ية في التعل يم الدعوي المنه جي هي‬
‫على مقدار عظيسم مسن الهميسة ‪ ،‬وبخاصسة أن المذهسب السسائد فيهسا ‪ ،‬القائل‬
‫بالتدرج ‪ ،‬يمكسن أن يعاكسس بمذهسب آخسر يقوم على اجتهاد مغايسر ل يمنسع‬
‫تجاوز التدرج عند توافر مواصفات وشروط معينة‪.‬‬
‫وفي مثل هذا المواطن تختلط بعض الصطلحات ‪ ،‬كما هي مختلطة‬
‫‪t‬في القول المنقول عن ابن حجر من وجوب بدء المعلم بصغار العلم ومقدماته‬
‫وجزيئاتسه قبسل كباره ونتائجسه وكلياتسه‪ .‬فصسغار العلم تعسبير واضسح‪ ،‬وبيان‬
‫المقدمات ق بل المقا صد أو النتائج أ مر يو جه المن طق‪ ،‬ول كن تناول الجزئيات‬
‫ق بل الكليات ‪ ،‬والفروع ق بل ال صول ‪ ،‬ه ما من المور المنهج ية ال تي يتعدد‬
‫فيها الصواب‪ ،‬وتختلف فيهما النظرات‪ ،‬وفي كل منها مقدار ل يمكن تجاوزه‬
‫من وجوب التدرج الذي يتلءم مع نظرية الربانية هذه‪ ،‬إنما فيهما أيضا مقدار‬
‫من تأخ ير ف تح ذ هن الطالب المتعلم على صنعة التحل يل وال ستقراء‪ ،‬والقياس‬
‫والشتقاق ‪ ،‬وفسي وقست ربمسا تكون فيسه حده ذكائه فسي أقصسى مسستوى لهسا‪،‬‬
‫وشغ فه وإقباله في اك مل حضوره ما‪ ،‬وبخا صة ع ند بدا ية التعلم‪ ،‬ح يث ت ستبد‬
‫الشواق وتستعمر الهمم ‪ ،‬ولذلك يمكن ويجوز لبعض المربين أن ينتهج نهج‬
‫تدر يس العلوم من أعل ها‪ ،‬بذ كر الم هم ق بل الثانوي ‪ ،‬وذلك الكليات والقوا عد‬
‫والموازين قبل الفروع والجزئيات والمقدمات‪ ،‬استثمارا لعاملي الذكاء والقبال‬
‫من باب‪ ،‬وقذفا لهذه المعاني في اللشعور من باب آخر وأن لم يدرك الطالب‬
‫تمام ما فيها‪ ،‬وتدريبا له أيضا من باب ثالث على التحليل والتركيب في وقت‬
‫مبكر يجعله يلتزم المنهجية في استقبال المعلومات وتصنيفها ومعرفة قيمتها ‪،‬‬
‫و قد يع طي المر بي طل بة م ثل هذه القوا عد والتمار ين التحليل ية على جرعات‬
‫ووجبات بينها فواصل زمنية يرجع خللها إلى تعليمهم الجزئيات‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫والفروع ‪ ،‬وهذه الطريقة تفرضها حاجة ماسة مرئية مجردة في الواقع‬
‫هي مفاد نظرية الربانية ‪ ،‬إذا كيف يستطيع الستقراء من لم تكن له ثروة من‬
‫المعلومات الجزئيسة يسستطيع إجالة النظسر عبرهسا ليسستقرئ منهسا شيئا مسن‬
‫الملحظات والمور المتكررة على نسسق واحسد ليجمسع منهسا قاعدة‪ ،‬مثل؟‬
‫وكيف يستطيع القياس والشتقاق من لم يحط أول بخبر الحكم الواضح الثابت‬
‫الذي يقاس عل يه أو يش تق م نه؟ ولهذا فإن م سألة تقد يم ال صول على الفروع‬
‫أو العكس يمازجها اجتهاد منهجي‪ ،‬ونظر ذوقي فراسي ‪ ،‬كما يتحكم فيها نوع‬
‫العلم ‪ ،‬ومسستوى الطالب فسي الذكاء ‪ ،‬والسستعداد ‪ ،‬ول نرى الطلق فسي‬
‫صحة أحد المنهجين المتعاكسين ‪ ،‬وإما هو اختيار للمربي تحكمه التجربة‪ ،‬بل‬
‫وتحك مه المغامرة أي ضا في ب عض الحيان‪ ،‬ك ما هي اختيار كذلك لواض عي‬
‫المن هج التربوي ‪ ،‬ول كن هذه الن سبية لي ست نف يا للتدرج ‪ ،‬ول يس هي أ قل أ ثر‬
‫وأهم ية في إثبات وجوب نظر ية الربان ية ‪ ،‬فأن ها تتض من هذا التدرج المبت غي‬
‫وأن جاز الوجسه الخسر‪ ،‬وفسي ذلك دفسع وإبطال لغلط الدعاة المربيسن الذيسن‬
‫يغفلون ول ينتبهون إلى ضرورة التسسلسل أو التدرج الذي تدعسو إليسه نظريسة‬
‫ابن عباس وابن حجر في ربانية التعليم‪.‬‬
‫‪‬لماذا تربية التقليد إذ الجتهاد قريب؟‬
‫وجماع القول في هذا المر ينقسم إلى ثلث شعب‪:‬‬
‫( الشعبة الولى )‪:‬‬
‫إن السراف في تعليم الفروع‪ ،‬وتجريدها ‪ ،‬والغلو في عرض المقدمات‬
‫بدعوى التدرج‪ :‬يؤديان إلى نشوء عقل ية تقليد ية مح ضة ت ستولي على التلم يذ‬
‫وتجعله سسلبيا‪ ،‬ل يطمسح إلى إعمال التفكيسر‪ ،‬ويصسير إتكاليا فسي العلم‪ ،‬بينمسا‬
‫الواجسب على المربسي أن يثيسر فسي التلميسذ كوامسن القابليتيسن المتعاكسستين ‪،‬‬
‫التحليلية والتركيبية ‪ ،‬من أجل إنماء العقلية الجتهادية فيه ‪ ،‬وإنما يكون ذلك‬
‫بطري قة عرض ال صول والقوا عد ‪ ،‬و قد يكون الداع ية المر بي نف سه بحا جة‬

‫‪38‬‬
‫إلى هذه الطري قة من معلم أعلى يعل مه‪ ،‬أو من خلل المطال عة المكش فة ‪ ،‬إذا‬
‫أنه بدوره ضحية منهج الستغناء بالفروع الذي كان سائدا ‪ ،‬بل إن أكثر المة‬
‫السسلمية اليوم هسم ضحيسة هذا النمسط الذي اسستولى على طرائق التعليسم فسي‬
‫قرون التخلف الخيرة‪.‬‬
‫( الشعبة الثانية )‪:‬‬
‫أن المعنسى المغايسر للتدرج يتأكسد فسي المحيسط الدعوي بخاصسة‪ ،‬وذلك‬
‫ب سبب كون الدعاة الذي هم في طور التلمذة رجالً راشد ين وأ صحاب ذكاء‪،‬‬
‫ولم يقبلوا في الجماعة الدعوية أصلً إل من بعد قيام قرينة على توفره فيهم‪.‬‬
‫وأيضا لن الكثير منهم أصحاب دراسة جامعية وربما أصحاب شهادة أعلى‪،‬‬
‫م ما يع ني إطلع هم على أبواب من الع مل التقعيدي والتحليلي ‪ ،‬و هو وأن لم‬
‫ي كن في المجال الشر عي إل أ نه مف يد‪ ،‬إذا يو جد سبيل ا ستراقي مشترك ب ين‬
‫العلوم ‪ ،‬وبعضها يؤثر في البعض الخر ويمهد له ‪ ،‬والمقدرة الجتهادية تنمو‬
‫جزما لدى دارس للقواعسد الداريسة والقتصسادية‪ ،‬أو لدى متتبسع للظواهسر‬
‫الفيزياويسة والمعادلت الرياضيسة ‪ ،‬ومثسل هؤلء إذا كانوا مسن الدعاة وأردنسا‬
‫تعليمهسم العلم الشرعسي فإن الطريسق يختصسر لهسم اختصسارا‪ ،‬وتقوم علومهسم‬
‫التطبيقية أو دراساتهم النسانية مقام الترويض الذي يرجوه المعلم من الفروع‬
‫والجزئيات ‪ ،‬ويمكنه أن يبدأ معهم دراسة الكليات والصول‪.‬‬
‫‪‬تأثر التربية بعوامل عديدة غير التدرج‬
‫( الشعبة الثالثة )‪:‬‬
‫أن أمر صياغة العقلية الناضجة الكاملة التي من صفاتها الجتهاد أبعد‬
‫من أن ت سأل ع نه هذه الطري قة في التدرج أو عدم ها‪ ،‬وإن ما هي عا مل وا حد‬
‫من جملة عوامل وفنون عديدة تجتمع لتنتج الفق الواسع‪ ،‬وقد يكون سرد هذه‬
‫العوامل مضمرا لدى الباحثين حيث يكتبون‪ ،‬ولكن القارئ ينحرف بمقاصدهم‬
‫إلى أحاد ية التفسسير‪ ،‬ويجعسل القضيسة المبحو ثة كأنهسا الوحيدة المسسؤولة عسن‬
‫الظاهرة المرصودة وسببها المفرد‪ ،‬وليس ذلك بصحيح‪ ،‬ول يليق أن نستدرك‬

‫‪39‬‬
‫على م ثل هذا الخلل في التل قي مقدما وابتداء بذ كر جم يع ما هنالك من أخبار‬
‫وفنون التربيسة‪ ،‬لنسا لخاف أن يؤدي اليجاز غيسر المشروح إلى خلط آخسر‬
‫وتنزيل للكلم على غير منازلة المقصودة‪.‬‬
‫‪‬الحوار سنة السلف المربين‬
‫وإن ما ي سعنا ه نا أن نش ير إلى أن الحوار ب ين المر بي وتلميذه هو أ حد‬
‫أهسم الوسسائل الخرى لتكويسن العقليسة الجتهاديسة البداعيسة ‪ ،‬ويأتسي مسساندا‬
‫للطريقة المضادة للتدرج ال تي أشر نا إلى نسبية صوابها‪ ،‬بل وم ساندا لطريقة‬
‫التدرج أي ضا‪ ،‬و قد مالت ( منهج ية الترب ية القياد ية ) في سلسلة الع ين إلى‬
‫شرحه وتحبيذه وجعله معلما بارزا من معالم هذه التربية ‪ ،‬وهي تذكرنا بما‬
‫كان من حوار ثري دفاق دائم يومي في مجال أبي حنيفة مع أصحابه رحمهم‬
‫ال ‪ ،‬مسن أمثال أبسي يوسسف ومحمسد بسن الحسسن الشيبانسي وزفسر بسن الهذيسل‬
‫ومحمسد بسن زياد اللؤلؤي والقاضسي الكندي‪ ،‬أو مجالس الشافعسي بمصسر مسع‬
‫أصسحابه رحمهسم ال‪ ،‬مسن أمثال البويطسي والمزنسي والحميدي‪ ،‬ومسن قبلهسم‬
‫الح سن بن مح مد الزعفرا ني وأ صحابه ببغداد‪ ،‬ح تى أن كتاب ( الم) الوا سع‬
‫كان ثمرة لتلك المحاورات التي رأسها الشافعي‪ ،‬وليس هو من تأليف الشافعي‬
‫كبا حث متأ مل على انفراد ‪ ،‬و قد تل قف الغربيون هذه الطري قة عن الم سلمين‬
‫وطوروهسا وجنوا نتائج ها الجيدة‪ ،‬حتسى أطفالهسم فسي المدارس البتدائ ية اليوم‬
‫ليتقنون الحوار ‪ ،‬وبشجاعسة ‪ ،‬وربمسا وقسف أحدهسم أمام التلفزيون وتكلم بكلم‬
‫مرتسب واضسح ل يداخله تلعثسم‪ ،‬فسي الحيسن الذي ل يزال بعسض الدعاة فسي‬
‫الشرق يربون أ صحابهم على ال سماع المجرد‪ ،‬ويكون التلم يذ الدعوي أمام هم‬
‫كأنسه وعاء يجهدون أنفسسهم على صسب كسم هائل مسن المعلومات فيسه وهسو‬
‫صامت مرا قب فح سب ‪ ،‬فكأ نه قرص كو مبيوتر ي تم ملؤه ‪ ،‬وأ ني للقرص أن‬
‫يتناوش الجتهاد من مكان بعيد؟‬
‫أهل ‪ ...‬يسابقهم الغرباء‬ ‫‪‬‬

‫‪40‬‬
‫لكن منافع المحاورات ‪ ،‬ومسوغات تجاوز التدرج في المحيط الدعوي‬
‫ل تنفي حصول فوضى مشهودة تعددت كلمات المعلمين خللها حتى المقادير‬
‫الدن يا الواج بة من التدرج‪ ،‬وتحررت من ضوا بط تجاوز التدرج‪ ،‬فأضرت ‪،‬‬
‫ولو كا نت قائ مة على اجتهاد لجازت‪ ،‬ولكن ها لم تنت سب ل حد المذ هبين ‪ ،‬ولم‬
‫تصسدر عسن نظسر وقصسد وعمسد وذوق وفراسسة ‪ ،‬وإنمسا هسي مجرد ارتجال‬
‫وإهمال فيه ما غفلة عن المعاي ير المنهج ية ال تي ت ستند إلي ها الراء المتعاك سة‬
‫في التدرج أو عدمه‪.‬‬
‫وساعد على هذه الظاهرة بوجه خاص ما شاع في المؤتمرات الطلبية‬
‫السلمية المقامة في أوروبا وأميركا من دعوة كبار الكتاب والمفكرين والقادة‬
‫للكلم أمام جمهور عريضسة مسن السسامعين‪ ،‬أكثرهسم مسن المبتدئيسن وصسغار‬
‫الشباب الذي يليق لهم الكلم العاطفي وحديث الحماسة أكثر مما يليق لهم كلم‬
‫المفكريسن والقادة الذيسن ربمسا ل يجيدون الخطابسة واللفاظ الرنانسة كإجادتهسم‬
‫للمحاضرة والتدريسس وطرح القضايسا ذات العمسق‪ ،‬وقسد يضطرهسم شعار‬
‫المؤتمسر إلى تناول أبعاد تخطيطيسة أو إيراد نقسد شمولي بمسستوى أربسع مسن‬
‫إدراك أكثر المشاركين‪.‬‬
‫وصسحافتنا السسلمية مسسؤولة هسي الخرى أيضسا عسن تسسبب هذه‬
‫الظاهسر‪ ،‬إذ أننسا بسسبب ضمور الحريسة فسي إصسدار الصسحف‪ :‬انعدمست فسي‬
‫أو ساطنا ال صحافة المتخ صصة ‪ ،‬فلي ست هناك صحف خا صة لل سياسة‪ ،‬ول‬
‫للف كر‪ ،‬ول للشباب ول للطفال ‪ ،‬ول للن ساء ‪ ،‬وإن ما هي صحف قلئل نادرة‬
‫تحاول أن ترضسي كسل الهتمامات والمسستويات والوذاق معسا‪ ،‬فيطلع الشاب‬
‫والمسستجد على كثيسر مسن الكلم الذي يتجاوز مرحلتسه البتدائيسة‪ ،‬فينشسأ عنده‬
‫الفضول والخوض المب كر في ما ي ستحسن أن يم سك عن الكلم ف يه‪ ،‬ومبا حث‬
‫مجلتي المجتمع والمة شاهدة على ذلك‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫وموجسه كتسب ( أيسن الخلل ) و ( النقسد الذاتسي) و ( المذكرات) زادت‬
‫رقعسة الفضول اتسساعا واصسبح ابسن البارحسة الذي يحبسو يعتلي المنابر ليعسظ‬
‫القادة ‪ ،‬وي صول في ( التأ صيل)‪ ،‬ويجول في ( الشورى )‪ ،‬وو قع أناس في‬
‫الخلل إذ هم يبحثون عن الخلل ليبرأوا منه ‪ ،‬وأصبحت الشورى مشجبا تعلق‬
‫عليه تطلعات النفس ذات الخلط‪.‬‬
‫‪‬الحيثيات المتضادة في ربانية التعليم‬
‫والموقف إزاء هذه الظاهرة بشيء من البرود واللمبالة‪ ،‬وندعها تمر‪،‬‬
‫ونترك المتكلمين في المؤتمرات والصحف والمذكرات ليتكلموا على رسلهم ‪،‬‬
‫وبكلمات كبار يها نقد وتقعيد وتخطيط ‪ ،‬والسبب في ذلك رؤية حيوية قدرية‬
‫أقن عت المرب ين بأن المو فق هو من وف قه ال تعالى‪ ،‬بذكاء يخل قه ف يه ابتداء ‪،‬‬
‫وبنفس ذكية سوية‪ ،‬وشخصية قوية‪ ،‬أو بتيسير في يومياته من بعد خلقه‪ ،‬من‬
‫صحة وعاف ية ‪ ،‬ومال يرف عه عن حد الف قر الم سوس‪ ،‬وزو جة صالحة ت سره‬
‫عشرت ها ‪ ،‬وأمثال ذلك ‪ ،‬وهذه العنا صر بم ثل هذه التوفيقات ينفع ها هذا الكلم‬
‫العالي‪ ،‬وي صعب ح صر ذوات هؤلء وإح صاؤهم لنحت كر ل هم ح يث ‪ ،‬ولذلك‬
‫نتلكم للجميع ‪ ،‬فمن كان موفقا انتفع ونفع الدعوة وصار ضمن الجيل الجديد‬
‫الوارث لنظرت العلميسن المتكلميسن ‪ ،‬المطبسق لهسا ‪ ،‬وازداد تنميسة لفكره بمسا‬
‫يبدع‪ .‬وأمسا الذي يسسمعون ول ينتفعون فلسسنا نبتئس لسسماعهم‪ ،‬فإنهسم أمسا أن‬
‫ينسسوا مسا سسمعوا ‪ ،‬وهذا خيسر أحوالهسم وأحسسنها ‪ ،‬أو يكون منهسم الفضول‬
‫والتد خل في ما ل يعني هم في سلسلة من الذواق ال سيئة ال تي تنت هي ب هم إلى‬
‫خارج الدعوة‪ ،‬وكأن قدر الخيسر هسو الذي جعلهسم يتخلفون‪ ،‬ولو علم ال فيهسم‬
‫خيرا لسسمعهم سسماع المنتفسع الذي يتلمسس طريسق العمسل ‪ ،‬فيثبست ويزداد‬
‫رسوخا‪.‬‬
‫وقد يصح – في رأي أخر – أن نستقبل هذه الظاهرة بنوع من التخوف‬
‫والحذر‪ ،‬فل نتكلم بأصسول وموازيسن‪ ،‬وغيسر ذلك مسن كبار العلماء فسي‬
‫المجالت العامسة ‪ ،‬خوفا أن نفسسد فطرة المبتدئيسن ‪ ،‬ونسساعد على تأسسيس‬

‫‪42‬‬
‫الفضول ‪ ،‬فنكون السبب في إتلف كثير من شباب الدعوة من حيث ل نشعر‪،‬‬
‫وتكون هذه العنا صر ضح ية خ طأ تربوي يرتك به القادة والمفكرون بتحديث هم‬
‫هؤلء أحاديث ل تبلغها عقولهم‪ ،‬فتكون فتنة لهم‪.‬‬
‫ولكسل مسن الرأييسن وجاهتسه وحيثياتسه المقنعسة ويبدو – وال أعلم – أن‬
‫القول النسسبي فسي ذلك أصسح‪ ،‬بحيسث نلجسأ إلى احسد الرأييسن حسسب الظروف‬
‫المحي طة بالدعوة ‪ ،‬إن كانت شديدة ذات محن‪ ،‬أو أوقات ي سر‪ ،‬وبحسب سعة‬
‫الجيل السامع الجيد‪ ،‬إن كان ضخما يحتمل النحت منه من أجل انتقاء الشداء‬
‫الذكياء‪ ،‬مثسل جيسل الصسحوة الحاضسر ‪ ،‬أم هسو جيسل محدودة تحتاج حتسى‬
‫أصحاب النقص من أبنائه‪ ،‬وأيضا بحسب المجموعة القيادية‪ ،‬إن كانت كبيرة‬
‫ومتحدة ومنسسجمة الفكسر‪ ،‬أم هسي صسغيرة وتعيسش حالة تبايسن فسي الجتهاد‪،‬‬
‫وعندئذ نحذر أن يستقوي أصحاب أحد الجتهادات بشباب جدد يلفونهم لفا من‬
‫ح يث ل يدركون ‪ ،‬فيكون سواد وا سع يؤ يد اجتهاد هم في الظا هر ‪ ،‬بين ما هو‬
‫فسي الحقيقسة سسراب فكري وتخطيطسي ل يسستند إلى أركان متينسة ول صسورة‬
‫واقعية ‪ ،‬لبدائية مؤيدي هذا الجتهاد وكونهم مجرد مقلدين‪.‬‬
‫والتأمل الطويل في أوصاف المرحلة الدعوية الراهنة تجعلنا نميل إلى‬
‫سي‬
‫سى ولو كان ذلك فس‬
‫سه بكبار العلم حتس‬
‫سل الرأي الول الذي نتكلم فيس‬
‫تفضيس‬
‫المؤتمرات والصحف والكتب المنشورة‪ ،‬مع ما يخالط ذلك من سلبيات أكيدة‪،‬‬
‫إذ أن نظرة الترج يح ب ين الم صالح والمفا سد تجوز ل نا ذلك من ح يث المبدأ‪،‬‬
‫ول تشترط لتصسرفاتنا أن تكون مجموعسة مصسالح محضسة‪ ،‬وإنمسا نعمسل‬
‫بالمصالحة الراجحة وإن مزاجها شيء من المضرة أقل منها‪ ،‬ففتنة الفضوليين‬
‫حا صلة بش كل أك يد‪ ،‬ول كن ترب ية ج يل جد يد بأ فق وا سع وعلى سنن البداع‬
‫والفهم الحضاري تشكل مصلحة أكبر‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫‪‬كلمات التقوى وصصصصصفات المرونصصصصة‪ :‬مصصصصصاعد‬
‫الجتهاد‬
‫ولكن نضبط هذا النفتاح في الكلم بشروط ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫( الشروط الول)‪:‬‬
‫أن يكون كلم الرقائق مشاعا في أوساط الدعاة ‪ ،‬بحيث تميل المواعظ‬
‫وأحاديث الخلق اليمانية بالداعية إلى التواضع والدب في التعامل واحترم‬
‫المقابل وعفة اللسان إذا أغرته أحاديث الصول والقواعد بإبداء نقد أو التقدم‬
‫بين يدي أساتذته‪.‬‬
‫( الشرط الثاني) ‪:‬‬
‫أن يرا فق ذلك سعي لشرح النظر ية ال سياسية ال سلمية وأبعاد ها‪ ،‬لن‬
‫المعا ني الكل ية والتعميمات إذا لم يفهم ها الداع ية وأخذ ها على ظاهر ها فلرب ما‬
‫يذهسب فسي التأول بعيدا ‪ ،‬ويميسل إلى الطلق والحكام الحادة فينفسي بقواعسد‬
‫ستقلل مناورات التحالف‬
‫سن السس‬
‫سي بموازيس‬
‫سة‪ ،‬ويلغس‬
‫الجهاد احتمالت الهدنس‬
‫وي ستعلي بأحاد يث العزة وال صبر على إفتاء الضرورات‪ ،‬بين ما تمده النظر ية‬
‫السياسية السلمية الشاملة بعقلنية وتوازن مع المحيط ‪ ،‬وتجعله أحفظ للدماء‬
‫والموال والعراض‪ ،‬وأحرص على تقليل الثمن الواجب عليه دفعة ‪ ،‬وتهبة‬
‫من المرونة ما يتملص به من المحاصرات ‪ ،‬أو تنفذ به إلى حضور قسمة لها‬
‫فيها نصيب إذ يريدها المنافسون أن تكون ضيزي‪.‬‬
‫‪‬القضاة الفاضلون في دار المان‬
‫( الشوط الثالث )‪:‬‬
‫أن تتوافر قدوات كافية في المحيط الدعوي ‪ ،‬من قادة ومربين وعلماء‪،‬‬
‫يجعلون بالرد والتقو يم وإرجاع المور إلى ن صابها ال صحيح إذا اش تط مغرب‬
‫فركسب شذوذا ً‪ ،‬لن العتماد على الكتابسة يسسبب تسسويفا وتأخيرا ‪ ،‬ولرمبسا‬
‫و صلت ال صفحات ب عد الخراب‪ ،‬بين ما يؤدي ال ستدراك ال سريع من القدوات‬
‫النازلة إلى ميدان المخالطة دوره بشكل أكد ‪ ،‬فإن لم ينفع لفظ‪ :‬نفع آخر‪ ،‬وإن‬

‫‪44‬‬
‫أنغلق معنى ‪ :‬فتحة تمثيل‪ ،‬وإذا أشكل قياس ‪ :‬أظهره تعليل‪ ،‬نقدا‪ ،‬يدا بيد‪ ،‬هاء‬
‫بها ‪ ،‬غير نسيئة ول محال إلى مؤتمر لحق‪.‬‬
‫( الشرط الرابع)‪:‬‬
‫أن ل يكون الزمسسن زمسسن فتنسسة وخلف‪ ،‬فإن حرص النفوس على‬
‫حظوظها يجعل بينها وبين الصواب القريب حجابا ‪ ،‬حيث يغلب على الفئدة‬
‫أن تطيع أهويتها ‪ ،‬ومن الخير آنزاك أن نجمد الفكار ونقطع لسان الصول‬
‫والكليات وكبار العلم‪ ،‬ليتاح مجال للتقوى أن ته مس في الذان داع ية لنف سها‪،‬‬
‫ولتكون لحروف الصلح بين الناس قناة جارية‪.‬‬
‫‪‬في الرواق والركن ل في ساحة‬
‫( الشرط الخامس)‪:‬‬
‫أن ل يكون قصسد المفكريسن والقادة الكلم بكبار العلم فسي المؤتمرات‬
‫وال صحف عن ع مد وا ستمرار يجعل ها هي المو طن ال طبيعي لهذا النوع من‬
‫الكلم‪ ،‬أو الموطسن المختار ‪ ،‬وإنمسا يجعلون ذلك مسن باب السستثناء بقصسد‬
‫اكتشاف وأثاره وتشجيع عناصر قوية ذات إبداع ربما ل يصلون لها بطريق‬
‫الت صال الخاص‪ ،‬وأ ما كثا فة ما ينقلو نه من كبار العلم م ما علم هم ال في جب‬
‫أن يكون عسبر المدارس القياديسة والمجالس المنهجيسة المتكررة ‪ ،‬ليتسم الشرح‬
‫بأو فر ما يكون البيان‪ ،‬وليكون الحوار المبا شر الم ستخرج من قلب ال ستاذ‬
‫لما لم يكن قد زروه سلفا من المعاني والرشادات‪.‬‬
‫‪‬في الرواق والركن ل في الساحة‬
‫( الشرط الخامس)‬
‫أن ل يكون قصسد المفكريسن والقادة والكلم بكبار العلم فسي المؤتمرات‬
‫وال صحف عن ع مد وا ستمرار يجعل ها هي المو طن ال طبيعي لهذا النوع من‬
‫الكلم‪ ،‬أو الموطسن المختار‪ ،‬وإنمسا يجعلون ذلك مسن باب السستثناء بقصسد‬
‫اكتشاف وأثرة وتشج يع عنا صر قو ية ذات إبداع رب ما ل ي صلون ل ها بطر يق‬
‫التصال الخاص ‪ ،‬وأما كثافة ما ينقلونه من كبار العم مما علمهم ال فيجب‬

‫‪45‬‬
‫أن يكون عسبر المدارس القياديسة والمجالس المنهجيسة المتكررة ‪ ،‬ليتسم الشرح‬
‫بأوفر ما يكون البيان ‪ ،‬وليكون الحوار المباشر المستخرج من قبل الستاذ لما‬
‫لم يكن قد زوره سلفا من المعاني والرشادات‪.‬‬
‫ننتظر رشد الرهط‬
‫( الشوط السادس)‪:‬‬
‫أن يشدد في تعليم الفروع وصغار العلم أيام مراهقة العمل الدعوي في‬
‫بلد ما‪ ،‬فكل عمل ير بمرحلة المراهقة هذه‪ ،‬بعد اكتمال تأسيسه وقبل توسعه‬
‫وانفتاحه‪ ،‬وهي ذات ظواهر نفسيه تعتري المجموعة تشابه إلى حد كبير طباع‬
‫الفتسى المراهسق‪ ،‬مسن تقلب الرأي‪ ،‬والعناد‪ ،‬والغراب‪ ،‬والجنوح إلى الخيال‪،‬‬
‫و حب المغامرة ‪ ،‬وكراه ية الرقا بة‪ ،‬فإذا جاءت المبا حث العال ية وحقائق العلم‬
‫الكبيرة في أيام المراهقة الحركية هذه فإن المجموعة يمكن أن تنحرف بها إلى‬
‫جدل طويسل يصساحبه اختلط الصسوات‪ ،‬أو تجنسح بسه إلى اجتهادات شاذة‬
‫المراهقسة هذه ‪ ،‬إذ تهدأ النفوس ‪ ،‬وتمثسل إلى العقلنيسة‪ ،‬وتشعسر بضرورة‬
‫الواقعيسة‪ ،‬وعندئذ يؤتسي تعليمهسا نتيجسة المرجوة‪ ،‬ويسساعد على تفجسر البداع‬
‫الشخصي لدى أذكياء الدعاة ‪ ،‬ومثل هذا التعليم في المرحلة المتقدمة يفترض‬
‫أن يقوم بسه جيسل مسن المتعلميسن تربسي على كبار العلم مسن قبسل فسي مرحلة‬
‫التأسيس من خلل دورات خاصة ورعاية مكثفة‪.‬‬
‫* والمنهجية ‪ ..‬دوماً‬
‫( الشرط السابع)‬
‫واللتزام بالمنهجيسة فسي العمسل والموضوعيسة فسي الفكسر تعصسم مسن‬
‫النحراف ‪ ،‬فإذا شاعت مجموعة من المبادئ المنهجية‪ ،‬والعراف الصحيحة‪،‬‬
‫والموازين الدقيقة في مجموعة الدعاة‪ :‬ولدت كبحا للفهم الخاطئ‪ ،‬وبها تمنع‬
‫ت سرب التفا سير المشو شة‪ ،‬والتأويلت المفر طة البعيدة ‪ ،‬وبذلك ت ظل الجواء‬
‫نظي فة دائ ما‪ ،‬وتع مل القوا عد المنهج ية والعراف التنظيم ية كمرشحات تحول‬
‫دون سسلبيات النفتاح ‪ ،‬وخصسوصا إذا أضيسف إلى ذلك إشاعسة مفاهيسم أداب‬

‫‪46‬‬
‫الحوار‪ ،‬وأخلق المناظرة ‪ ،‬وأعتاد عليهسسا الدعاة مسسن خلل الممارسسسة‬
‫والتطبيق‪ ،‬مما يجعل ا لشطط دائما يحصر في أضيق الدوائر‪.‬‬
‫‪‬كوابح ‪ ..‬تمنع التصدر‬
‫( الشرط الثامن )‪:‬‬
‫وكل ما كا نت شروط التوث يق وقوا عد النتقاء أك ثر وضو حا في مح يط‬
‫الجماعة ‪ ،‬والضوابط الحازمة أشد سيطرة‪ :‬كلما قلت سلبيات تعليم كبار العلم‬
‫وكلياتسه‪ ،‬لن حديسث القواعسد والصسول فيسه بلغسة وجمال صسياغة ‪ ،‬وفيسه‬
‫دغد غة لعقول الشباب الذكياء‪ ،‬و قد ي ستغل معلم متطلع إلى مرا كز ال صدارة‬
‫هذه الخ صائص في طبي عة هذه القوا عد في ستثير ب ها إعجاب الشباب‪ ،‬وي صنع‬
‫له ( شلة) موال ية ‪ ،‬ويج عل اللذة ال تي ت صاحب كلما ته ثمنا يدف عه لدا مة ولء‬
‫هؤلء‪ ،‬غير ناظر إلى ما يسببه لهم من فتنة بحديث فوق مستواهم‪ ،‬حتى كأنه‬
‫فيلسوف يديم انشداد الناس إليه بغموضه وتمتماته المبهمة ‪ ،‬بينما يؤسس فقه‬
‫التوث يق جملة قناعات في نفوس الشباب تمنع هم من ال سير وراء من ل يملك‬
‫غير اللسان وتزويق الكلم‪.‬‬
‫فهذه وأمثال ها شروط ير جى أن تتقلص مع ها سلبيات المبا حث الكل ية‪،‬‬
‫ويجعلها أن نحتاط لنفسنا ما استطعنا بتعلم صنعة العقلنية ‪ ،‬فإن فيها الرشاد‬
‫والئتاد‪ ،‬وأما العواطف فصنعه لطالما موهت بدعة مبتدع فنشرتها‪ ،‬أو غلفت‬
‫الغراب فأذاع ته‪ ،‬و كم من ف كر كا سد غناه شا عر متر نم يعزف على أوتار‬
‫القلوب فأصبح رائجا‪.‬‬

‫‪‬كانت المتاهة رغم وضوح المعالم‬


‫الهادية‬

‫‪47‬‬
‫ويؤكسد الظسن فسي لياقسة بعسض المبتدئيسن لسسماع الصسول والقواعسد‪:‬‬
‫مشاهدات حيوية وتاريخية تشير إلى أن فتنة بعض المبتدعة كانت بسبب فهم‬
‫قاصر لبعض الفروع‪ ،‬وتنزيلهم لها على غير منازلها‪ ،‬أو قياسهم عليها قياسا‬
‫مع الفارق‪ ،‬ويغنينا عن تبع الشواهد لهه الملحظة في التاريخ السلمي القديم‬
‫مسا شاهدناه ومسا زل خسبره حيسا فينسا مسن وهسم التفكيسر لدى بعسض الشباب‬
‫المتح مس الصسادق التو جه بل شسك ‪ ،‬فإن ظاهسر النصسوص المفردة الفرع ية‬
‫الجزئية في أبوب الردة والكفر هي التي تسببت في شطحاته ومذاهبه القاصية‬
‫عن مقاصد أهل السنة والجماعة ‪ ،‬ولذلك كان رد من رد بدعتهم معتمدا على‬
‫ال صول والقوا عد بش كل مك ثف‪ ،‬وجاء م ثل رد الش يخ القرضاوي في ن قض‬
‫التطرف مفهومسا مسع أن قلمسه جال فسي ذروة الفقسه وحام حول أعله‪ ،‬وكلك‬
‫كا نت ال صول العشر ين من ق بل‪ ،‬م ما يمنح نا قنا عة بأن ال مر يتعدى مجرد‬
‫ال سلوب التقليدي في درا سة صغار العلم وجزيئا ته ق بل كبارة وكليا ته ‪ ،‬وأن‬
‫طرق التدريس ومناورات الكتابة إذا كانت ماهرة واستوعبت أطراف المعاني‬
‫فإن عظام المسائل وضخامها تلين قناتها وتصبح سلسلة مفهومة‪ ،‬ول تستلزم‬
‫هذه القناعسة إدعاء هدر العلم الجزئي تماما والبدء بتداول الكليات دون سسابق‬
‫أيسة معرفسة بجزئيات الحكام ‪ ،‬كمسا ل يسستقيم العتراض على هذه القناعسة‬
‫إدعاء هدر العلم الجزئي تمامسا والبدء بتداول الكليات دون سسابق أيسة معرفسة‬
‫بجزئيات الحكام‪ ،‬كما ل يستقيم العتراض على هذه القناعة بمثل هذا اللزام‬
‫لمسا ل يلزم‪ ،‬بسل قسل أن يوجسد داعيسة برتاد المسساجد ويسسمع خطسب الجمعسة‬
‫والمواعسظ على مثسل هذه الدرجسة مسن التعري والتسبري مسن علم الجزئيات‪،‬‬
‫ول كن قناعت نا تف هم بالح سنى‪ ،‬وبالحدود الو سطى ‪ ،‬و هي تأك يد لعدم ال سراف‬
‫في تدريس الجزئيات والمقدمات أكثر مما هي محاولة تجاوز وهجر لها‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫‪‬عطاء التفاعل الحضاري يعين‬
‫على الجتهاد‬
‫وتتيسسر محاولت تفهيسم الكليات وأمهات المسسائل هذه اليام بوجود‬
‫ظاهرة ( التفاعل الحضاري) في المجتمعات الحديثة‪ ،‬فإن معظم دعاة السلم‬
‫من جيل الصحوة والذين من قبلهم هم من المثقفين الذي يحيون حياة عصرية‬
‫فيهسا قراءة للصسحف اليوميسة ومشاهدة للبرامسج التلفزيونيسة ‪ ،‬فوق مسا حازه‬
‫أكثرهم من دراسة جامعية وعليا‪ .‬وهذه الدراسات والسماعات والمشاهدات لها‬
‫تأثير مباشر ودور مكثف في صياغة عقلية الداعية ومفاهيمه العامة وأذواقه‬
‫كفرد في المجت مع ‪ ،‬ب غض الن ظر عن صفته الدعو ية‪ ،‬وي صبح بوجود هذه‬
‫التأثيرات صاحب استعداد جيد لستقبال علم القواعد والنتائج والصول وفهمه‬
‫بسرعة ‪ ،‬وبشكل قد يعجز عنه الطالب الذي يحيا حياة بدائية‪ ،‬أو الذي اختار‬
‫له أستاذه أو اختار لنفسه العزلة اليابسة التي تنحرف بمزاجة وأذواقه ‪ ،‬وكان‬
‫أكثسر الكلم المنقول عسن الفقهاء فسي ضرورة التدرج فسي التدريسس وتقديسم‬
‫الجزئيات على الكليات كان يراعسي مسن هسم على هذه النمسط مسن اليبوسسة‬
‫والعزلة المنتجة للسذاجة والبساطة‪.‬‬
‫إن إيماء المعادلت الرياضيسة لدارس الرياضيات ‪ ،‬كمثسل مسن أمثلة‬
‫التفاعل الحضاري‪ -‬هو إيماء قوي جدا ‪ ،‬يغرس في اصل عقل الدارس وفي‬
‫ل شعوره معاني التعادل والتوازن والتساوي المطلق أو التساوي النسبي ‪ ،‬في‬
‫معا ني أخرى هي نف سها مرتكزات لكث ير من القوا عد الفقه ية ‪ ،‬بح يث يتل قف‬
‫الداع ية الريا ضي هذه القواعد ح يث روايت ها له بسهولة وي سر‪ ،‬نتي جة الخلف ية‬
‫الذهنية المساعدة التي يملكها‪.‬‬
‫والداع ية الكث ير الن ظر للشكال الهند سية ‪ ،‬و ما في ها من تنا ظر ‪ ،‬أو‬
‫تدرج في الطوال أو تميز بحدود حادة‪ ،‬أو تجاور للمساحات الصماء وذوات‬
‫الثغرات ‪ ،‬وأمثال ذلك‪ :‬هو داعية طريقة ممهد لمرور معاني الفقه في التدرج‬
‫والستثناء والفروق والشروط ‪ ،‬بالتوطئة التي صنعتها الهندسة‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫وداعية أخر أطال استمتاعه بجدول اللوان وما ينسجم منها وما يتنافر‪،‬‬
‫ومرت عي نه على مواز ين الجمال الف ني ‪ :‬هو داع ية أ سرع إحا طة ب ما في‬
‫النتائج الفقهية من منطق متجانس صحيح‪.‬‬
‫وهل إيحاء معنى التكامل والتصاعد أقل منه لدى دارس الكيمياء الذي‬
‫يحيسط علما بالجدول الدوري للعناصسر ‪ ،‬ويعرف خسبر مسا يفعله كسل بروتون‬
‫يضاف لنواة الذرة من خصائص جديدة ؟‬
‫وهذه أمثلة فحسب لما عسى أن يسببه التفاعل الحضاري وتناول العلوم‬
‫التطبيقيسة والفنون مسن توسسيع للفاق وتفتيسح للذهان يسسهل معهمسا التفهيسم‬
‫الفقهيسء‪ ،‬والداعيسة اليوم أن لم يكسن جامعيسا فهسو مشاهسد للتلفزيون ‪ ،‬قارئ‬
‫للصحف ‪ ،‬وحائز من مطالعاته ومشاهداته لنصف العلم‪ ،‬ثم هو سائح في مدن‬
‫وط نه أو مدن العالم يرى نتاج المهند سين والفنان ين مع كل نظرة وإن لم ت كن‬
‫عامدة فتنطبسع فسي ل شعوره الموازيسن والظواهسر الحيويسة الممهدة لسستقرار‬
‫الموازين الشرعية‪.‬‬
‫‪‬الجمال ‪ ..‬وغرام العقل‬
‫وأمسا مسن ل يحيسا حياة العلوم وانعزل فسي قريسة بيسن الخضرة والجبال‬
‫والطيسر فليسس هسو بأقسل مسن صساحب التفاعسل الحضاري ‪ ،‬فإن هذا ترق‬
‫أحاسسيسه ويحدث له مسا يحدث للشعراء مسن إرهاف والتذاذ بالجمال ‪ ،‬فتزكسو‬
‫نفسه‪ ،‬وتتزن وتطمئن ‪ ،‬حتى تكون سكينتها هي الممهدة لقواعد الفقه الكبيرة ‪،‬‬
‫وله مع لون وش كل كل وردة خلق ها ال تعالى وتلم سها أنامل ها وتقبل ها شف ته‬
‫وينطبسع خيالهسا فسي شغاف قلبسه ‪ :‬عقليسه أخرى لميزان مسن موازيسن الفقسه‪،‬‬
‫وإطللة عن الجتهاد‪.‬‬
‫ل كن المحروم هو من حرم هذا وهذا ‪ ،‬فعاش في عزلة عن الحضارة‬
‫المدن ية ‪ ،‬و عن آيات ال في الفاق‪ ،‬و هو من سجن نف سه ب ين الجدران ح تى‬
‫يخشوشن طبعه ويتبلد علقه‪ ،‬أو حبسه أستاذه في مدرسته وجعل له من وظيفة‬

‫‪50‬‬
‫حفظ الحواشي ما يطيل معه حتى ظهره ‪ ،‬ولمثل هذا كانت وصايا تدريس‬
‫علم الجزئيات قبل الكليات‪.‬‬

‫قلوب أمم‬
‫ول يظ نن ظان أن هذا الن مط من تأث ير التفا عل الحضاري أو الروح‬
‫الشاعرية إنما هو وليد عصرنا الراهن‪ ،‬بل هو قديم ضارب في القدم‪ ،‬ولذلك‬
‫كان علماء بغداد ودم شق القاهرة وقرط بة وأمثال هم أو عى من علماء النوا حي‬
‫القصية‪ ،‬لتفاعلهم مع معطيات الحضارة السلمية التي كانت عامرة في هذه‬
‫العوا صم‪ ،‬ولذلك أيضا كان شعراء اليمان في تار يخ ال سلم أ صحاب مهارة‬
‫في فقه النفوس ووصف خصائصها وأحوالها‪ ،‬لنعكاسات الحياة الجمالية التي‬
‫عاشو ها مع الش جر وترقرق الماء ح تى أن الوا حد من هم لي عد مؤ سسة ثقاف ية‬
‫شاملة لوحده‪ ،‬بما يحوز من أحاسيس وخواطر يصطادها وتأملت في حوادث‬
‫الدهور ينتبه لها ‪ ،‬وروي تاريخية ‪ ،‬ولغة ثرية ‪ ،‬وربما يكون أحدهما مقل لم‬
‫يترك غير قصائد قلئل أو قطعا متناثرة‪ ،‬لكنها تشكل اكتشافات لسنن الفطرة‬
‫هي في أصول الذوق وأصول حركات القلب أخوات أصول فقه المعاملت‪.‬‬
‫ربانية التعليم قضية منهجية خططية‬
‫ونظرا لهذه الحقائق مسن تأثيسر التفاعسل الحضاري او الجمالي فسي‬
‫الصسياغة العقليسة والنفسسية للمتفقسة فإن على التربيسة الدعويسة إذا إرادات‬
‫لمتدربي ها إتقان صنعة الجتهاد البدا عي أن تن حى من حى د فع الدعاة ‪ ،‬و فق‬
‫منهسج متكامسل – للعيسش فسي البيئة الحضاريسة العلميسة ‪ ،‬والتعامسل معهسا ‪،‬‬
‫والستلل منها ‪ ،‬مع ما يكملها من سياحة وتعرف على خلصة عقول وعلوم‬
‫وفنون البشسر عسبر آلف السسنين ‪ ،‬المعروضسة فسي دور الوثائق والمتاحسف‬
‫والما كن الم صانة‪ ،‬ثم في مطال عة صفحات جمال ما خلق ال في البراري‬
‫والبحار‪ ،‬أو تكثيف مطالعة الخطوط السود في الصفحات البيض مما سطرته‬
‫أنامل كل إنسان ‪ ،‬من أدب شعري ونثري فيه رمز وخيال وعاطفيات وانتقاء‬

‫‪51‬‬
‫ألفاظ‪ ،‬أو تاريسخ يكشسف الحقائق ويحلل دروس الحياة ويقابسل بيسن قبسح الظلم‬
‫وإشراق العدل ‪ ،‬أو وصف يعين على تصور البعيد ومعرفة ما غاب ‪ ،‬أو فقه‬
‫لغات يطور الشتقاق الذي فيه إلى مهارة في قياس الحكام‪.‬‬
‫إن قضية ( تداخل) صغار العلم وكبارة‪ ،‬أو تسلسلهما‪ ،‬ليست هي مجرد‬
‫وصية تقدم إلى المعلمين ترجوهم أن يتقنوا في التربية وفق معيارها ‪ ،‬فمنهم‬
‫متقن وقليل إتقان‪ ،‬وإنما هي – في وجهها الهم – قضية منهجية عميقة ينبغي‬
‫أن يحكمها التخطيط التربوي بعيد المدى‪ ،‬وعلى المنهج الجماعي أن يراعيها‬
‫وضسع جداول عمليسة تطبيقيسة لتبليسغ وتفهيسم الثوابست والموازيسن والصسول‬
‫والقواعسد لعموم الدعاة بعسد إحصسائها وتصسنيفها نوعيسا‪ ،‬وكذلك الفروع‬
‫ومفردات الحكام‪ ،‬ل كن طب قة ما يوازي حاجت ها ومقدار ا ستيعابها ‪ ،‬وي ستعين‬
‫بلمسات منهجية متناسقة مع اختياراته يلزم بها المجلت الدعوية‪ ،‬ويطلب من‬
‫اللجان والجهزة المركزيسة أن تنسسجم نشرياتهسا وأسساليب كتابتهسا مسع تلك‬
‫الختيارات أي ضا‪ ،‬ثم بأن يتض من المن هج ما نتمناه للداع ية من ذاك الحضور‬
‫فسي البيئة الحضاريسة‪ ،‬والسسياحة‪ ،‬ونيسل الثقافسة العامسة ‪ ،‬والعيسش التأملي مسع‬
‫جمال الخليقة ومع آيات ال في الفاق العريضة‪ ،‬يتعنى لقصاها ‪ ،‬ويتغنى –‬
‫م ثل داود عل يه ال سلم – مع ت سبيحات الجبال والط ير‪ ..‬ثم يكون آ خر دعائه‬
‫أن ‪ :‬الحمد ل رب العالمين‪.‬‬

‫عيون العيان‬
‫إن دعاة السلم هم أعيان الجيل الحاضر ‪ ،‬ل جدال ‪ ،‬بما وهبوا من‬
‫همة تحرص على الصلح ‪ ،‬وتجرد يعيد ضرب المثال‪.‬‬
‫ولهم تصدر مع كل إشراقه جديدة ‪ ...‬تحيه ‪...‬‬

‫‪52‬‬
‫إن هدف " رسائل العين " يتركز في كشف الفاق الرحبة للفقه‬
‫الدعوة‪ ،‬وتجارب العمل السلمي ‪ ،‬وأنماط معاناة المربين ‪ ،‬ووضع كل‬
‫ذلك بين يدي شباب الصحوة السلمية‪ ،‬تعليما لهم ‪ ،‬وتمكينا ‪.‬‬
‫لكن البعاد الحضارية مكملة لكل ذلك ‪ ،‬لنا نعيش حياة النفتاح‬
‫من جهة ‪،‬ونواجه حضارة مغيارة تتدسس بهدوء ولباقة أو تجاهر بالغزو‪،‬‬
‫من جهة أخرى ‪ ،‬فكان ل بد للداعية المسلم أن يسعى نحو الثقافة‬
‫الشمولية‪ ،‬وأنواع العلوم والفنون ‪ ،‬ليعلو فوق التيار‪ ،‬مسيطرا مهيمنا‪،‬‬
‫وكان على هذه السلسلة أو ترافقه في دربه الحضاري هذا ‪ ،‬تعين‬
‫وتستكشف له ‪ ،‬وتنبه الخبر‪ ،‬ووكليها في ذلك‪ :‬محمد أحمد الراشد‪ ،‬ينتقي‬
‫ويختار ‪ ،‬إن لم يكتب ويعقب ‪ ،‬ومعه على قدم سواء‪ :‬الدكتور عبد ال‬
‫يوسف الحسن‪ ،‬يكتب وينقح ويطور ويوسع الدوائر‪.‬‬
‫على إن الستقصاء في إيراد كلم الفقهاء ومراجع ليس من وسيلة‬
‫هذه الرسائل ‪ ،‬وإنما هو الستئناس والتبرك بأقوال السلف‪ ،‬ول نرى أن‬
‫يلزمنا داعية ما ألزمته الجامعات أصحاب البحوث‪ ،‬وإنما نهتم نحت‬
‫بالتعليل والقياس والتأويل ‪ ،‬مما يوجب على الممارس التأمل في عباراتنا‬
‫على ضوء واقع العمل السلمي‪ ،‬وأن يدرك المعاني التي نذهب إليها من‬
‫خلل الشارات والمجاز‪.‬‬
‫فرر أن تكون حسن المطالعة والستيعاب ‪ ،‬بمقابل ما ترجوه من‬
‫حسن الكتابة والختيار ‪ ،‬وكرر المطالعة‪ :‬يؤذن لك بمزيد فهم ‪ ،‬وقدم‬
‫نسخا أخرى من هذه الرسائل هدية إلى إخوان لك‪ :‬تنتشر الفوائد ‪،‬‬
‫ويروج مذهبك في الصلح ‪ ،‬ويقتنع بمثل قناعتك عدد أوفر ‪ ،‬فتكون‬
‫النتيجة أقرب‪.‬‬
‫ثم سبح معنا ربا هاديا ً ‪ ..........‬ونصيرا‪.‬‬

‫‪53‬‬
54

You might also like