You are on page 1of 44

‫مقامات بديع الزمان الهمذاني‬

‫بديع الزمان الهمذاني‬


‫فن القامة يتلمس علج الجتمع ف حلة من اللفظ‪ ،‬إن التلقي يعجب بالصياغة‪ ،‬وحسن السبك‪،‬‬
‫وجال السجع‪ ،‬فينشغل با ول يفرغ لا تدف اليه القامة ف مضمونا إل بعد اكتمال القامة‬
‫وعمق التفكي ف الضمون‪.‬‬
‫ن عيسى بن هشام‪ ،‬وعلى‬
‫وفن القامة يقوم على الراوي ْ وهو ف مقامات بديع الزمان المدا ْ‬
‫البطل‪ ،‬وهو ف مقامات البديع أبو الفتح السكندري‪ ،‬وجل مقامات بديع الزمان المدان ف‬
‫الكدية والبطل ف تلك القامات لديه القدرة على التلون‪ ،‬والداع‪ ،‬ف سبيل الصول على الال‪،‬‬
‫فهو يلجأ ال ضروب من اليل‪ ،‬ليظهر بظهر الستحق‪ ،‬ولديه الطرق التنوعة‪ ،‬الت يصل عن‬
‫طريقها ال قلوب الناس‪ ،‬فيستدر عطفهم‪ ،‬ويصل على الال‪ ،‬والقامات وان كان جلها ف الكدية‬
‫إل أنا تعال موضوعات أخرى‪ ،‬فنجد بعض القامات تتناول القضاء‪ ،‬وبعض القامات تعال‬
‫موضوع الرافات السائدة ف الجتمع‪,‬‬

‫الْ َمقَامَةُ الْقَرِيضِيّةُ‬


‫لقْصى‪.‬‬ ‫ج ْرجَان ا َ‬ ‫طئْتُ ُ‬ ‫حتّى إذَا َو ِ‬ ‫حهَا َ‬ ‫حتْنيِ الّنوَى َمطَا ِر َ‬ ‫ط َر َ‬
‫ح ّدثَنَا عِيسَى بْنُ ِهشَامٍ قَالَ‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫ت فِيهاَ َيدَ ا ْل ِعمَارةِ‪ ،‬وََأ ْموَالٍ َوقَ ْف ُتهَا عَلى ال ّتجَارَةِ‪َ ،‬وحَانُوتٍ‬ ‫س َتظْ َهرْتُ عَلَى الَيامِ ِبضِياعٍ َأجَلْ ُ‬ ‫فا ْ‬
‫سنَا‬ ‫ت َب ْينَ ُهمَا‪َ ،‬فجََل ْ‬ ‫ش َيتَيِ ال ّنهَار‪ ،‬وللحَانُو ِ‬ ‫ت لِ ْلدّارِ‪ ،‬حَا ِ‬ ‫جعَلْ ُ‬ ‫صحَابَةً‪َ ،‬و َ‬ ‫خ ْذ ُتهَا َ‬ ‫جعَ ْلتُهُ َمثَابَةٍ‪َ ،‬ورُفْقَ ٍة ا ّت َ‬
‫َ‬
‫غ ْيرَ َبعِيدٍ ُي ْنصِتُ َو َكَأنّهُ يَ ْف َهمُ‪َ ،‬و َيسْكتُ‬ ‫َيوْما َن َتذَاكَرُ القرِيضَ وَأَهَْلهُ‪َ ،‬وتِلْقَاءَنا شَابّ َقدْ جَلَسَ َ‬
‫ع َذيَقَهُ‪،‬‬
‫ص ْبتُمْ ُ‬‫جدَالُ فِينَا َذيْلَهُ‪ ،‬قَالَ‪َ :‬قدْ َأ َ‬ ‫جرّ ا ْل ِ‬
‫لمُ ِبنَا َميْلَهُ‪َ ،‬و َ‬ ‫حتّى ِإذَا مَالَ الكَ َ‬ ‫ل َيعَْلمُ َ‬ ‫َو َكَأنّهُ َ‬
‫ت الْحقّ في‬ ‫صدَرْتُ وََأ ْو َردْتُ‪ ،‬وََلجَلَوْ ُ‬ ‫ل ْ‬ ‫شئْتُ لََل ْفظْتُ وََأ َفضْتُ‪ ،‬وَلَ ْو قُلْتُ َ‬ ‫ج َذيْلَهُ‪ ،‬وَلَ ْو ِ‬ ‫وَوَافَي ُتمْ ُ‬
‫ت فَ َقدْ َأ ْثنَيتَ‪،‬‬ ‫ن فَ َقدْ َم ّنيْتَ‪ ،‬وَهَا ِ‬ ‫صمّ‪َ ،‬ويُنزلُ ا ْل ُعصْمَ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬يَا فَاضِلُ أدْ ُ‬ ‫سمِعُ ال ّ‬ ‫ض َبيَانٍ ُي ْ‬ ‫َمعْرَ ِ‬
‫ج ْب ُكمْ‪ .‬فَقُ ْلنَا‪ :‬مَا تَقُولُ فِي ا ْمرِى ِء الْقَيسِ? قَالَ‪ :‬هُ َو أَوّلُ‬ ‫عِ‬ ‫س َمعُوا أُ ْ‬ ‫ج ْبكُمْ‪ ،‬وَا ْ‬ ‫َف َدنَا َوقَالَ‪ :‬سَلُونِي ُأ ِ‬
‫صفَ الْخيلَ ِبصِ َفاِتهَا‪ ،‬وََلمْ يَقُلِ‬ ‫غ َتدَى وَالطّيرُ فِي َو َكنَا ِتهَا‪ ،‬وَ َو َ‬ ‫عرَصَا ِتهَا‪ ،‬وَا ْ‬ ‫مَنْ َو َقفَ بِالدّيارِ َو َ‬
‫غبَة َبنَانُهُ‪ ،‬قُ ْلنَا‪:‬‬ ‫ل رَاغِبا‪ ،‬فَفَضَلَ َمنْ تَ َفّتقَ ل ْلحِيلةِ ِلسَانُهُ‪ ،‬وَاْن َتجَعَ لِلرّ ْ‬ ‫ش ْعرَ كَاسِيا‪ .‬وََل ْم ُيجِ ِد القَوْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ل يَرْمي ِإلّ‬ ‫ح ِنقَ‪َ ،‬و َي ْمدَحُ ِإذَا رَغِبَ‪َ ،‬و َي ْع َتذِ ُر ِإذَا رَهِبَ‪ ،‬فَ َ‬ ‫فَما تَقُولُ فِي ا ْلنّا ِبغَةِ? قالَ‪ :‬يَثلِبُ ِإذَا َ‬
‫سحْرَ ُيجِيبُهُ‪،‬‬ ‫ل فِي زُهَيرٍ? قَالَ ُيذِيبُ الشّعرَ‪ ،‬والشعْ ُر يُذيبَهُ‪َ ،‬ويَدعُو القَولَ وَال ّ‬ ‫صَائِبا‪ ،‬قُ ْلنَا‪َ :‬فمَا تَقُو ُ‬
‫شعَارِ وَطينَتُها‪َ ،‬و َك ْنزُ الْ َقوَافِي َومَد ِينَ ُتهَا‪ ،‬مَاتَ وََلمْ‬ ‫طرَفَةَ‪ :‬قَالَ‪ُ :‬ه َو ماَءُ ال ْ‬ ‫قُ ْلنَا‪َ :‬فمَا تَقُولُ فِي َ‬
‫س َبقُ?‬ ‫جرِيرٍ وَا ْل َفرَ ْز َدقِ? َأ ّي ُهمَا َأ ْ‬‫ل فِي َ‬ ‫خزَا ِئنِهِ‪ ،‬قُلْنَا‪ :‬فَمَا تَقُو ُ‬ ‫لقُ َ‬ ‫ح أَغْ َ‬ ‫ظ َهرْ َأسْرَارُ َدفَا ِئنِهِ وََل ْم تُ ْفتَ ْ‬ ‫َت ْ‬
‫جرِيرٌ أَ ْوجَعُ‬ ‫صخْرا‪ ،‬وََأ ْكثَرُ َفخْرا َو َ‬ ‫غزْرا وَا ْل َفرَ ْز َدقُ َأ ْمتَنُ َ‬ ‫غ َزرُ َ‬ ‫شعْرا‪ ،‬وََأ ْ‬ ‫جرِيرٌ َأ َرقّ ِ‬ ‫فَقَالَ‪َ :‬‬
‫شجَى‪ ،‬وَِإذَا ثَلَبَ‬ ‫جرِيرٌ ِإذَا َنسَبَ َأ ْ‬ ‫ش َرفُ يَوْما وَالْ َف َر ْزدَقُ َأ َك َثرُ رَوْما‪ ،‬وََأ ْك َرمُ قَوْما‪َ ،‬و َ‬ ‫َهجْوا‪ ،‬وََأ ْ‬
‫ف أَوفَى‪،‬‬ ‫ص َ‬ ‫حتَقرَ أَزرَى‪ ،‬وَإِذا و َ‬ ‫جزَى‪ ،‬وَِإذَا ا ْ‬ ‫خرَ َأ ْ‬ ‫سنَى‪ ،‬وَالْفَرزدقُ ِإذَا افْ َت َ‬ ‫َأ ْردَى‪ ،‬وَِإذَا َمدَحَ َأ ْ‬
‫ن َأشْرفُ لَفْظا‪ ،‬وَأَكثرُ‬ ‫ن مِنهُمْ? قالَ‪ :‬ال ُمتَ َقدّمو َ‬ ‫شعَراءِ وال ُمتَ َقدّمي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ح َدثِينَ م ْ‬ ‫قُلنَا‪َ :‬فمَا تَقُولُ فِي ال ُم ْ‬
‫ت مِنْ َأشْعا ِركَ‪،‬‬ ‫صنْعا‪ ،‬وََأ َرقّ َنسْجا‪ ،‬قُلْنا‪ :‬فَلَو َأ َريْ َ‬ ‫ن أَ ْلطَفُ ُ‬ ‫ن ال َمعَاني حَظا‪ ،‬وَال ُم َتَأخّرو َ‬ ‫مْ‬
‫حدٍ‪ ،‬وَقالَ‪:‬‬ ‫خذْهَما في َمعْرِضٍ وا ِ‬ ‫ن َأخْبارِكَ‪ ،‬قالَ‪ُ :‬‬ ‫ت لَنا مِ ْ‬ ‫َورَ َويْ َ‬
‫ضرّ َأمْرا مُـرّا‬ ‫ُم ْم َتطِيا في ال ّ‬ ‫أَما َترَوْني َأ َت َغشّـى طِـمْـرَا‬
‫صرُوفا حَـمْـرَا‬ ‫مُلقِيا ِمنْها ُ‬ ‫ضطَبنا عَلى اللّيالي غِـمَـرا‬ ‫ُم ْ‬

‫‪1‬‬
‫لمَـانـي دَهْـرَا‬ ‫عنِينَا بِا َ‬
‫فَقَد ُ‬ ‫شعْـرى‬ ‫ع ال ّ‬‫َأ ْقصَى أَما ِنيّ طُلُو ُ‬
‫سعْـرَا‬ ‫وَماءُ هذَا ال َوجْ ِه أَغْلى ِ‬ ‫حرّ أَعْلـى قَـدْرا‬ ‫وَكانَ هذَا ال ُ‬
‫فِي دَارِ دَارَا وَإِوَانِ ِكسْـرى‬ ‫سرّا ِقبَابا خُـضْـرَا‬ ‫ض َربْتُ لِل ّ‬ ‫َ‬
‫عنْدي ُن ْكرَا‬ ‫ع ْرفُ ال َعيْشِ ِ‬ ‫َوعَادَ ُ‬ ‫ب الدّ ْهرُ ِل َبطْنٍ ظَـهْـرا‬ ‫فَانْقَلَ َ‬
‫ُثمّ إِلى الـيَ ْومِ هَـلُـمّ جَـرّا‬ ‫ل ِذكْـرَا‬ ‫َلمْ ُي ْبقِ مِنْ َوفْـرِى ِإ ّ‬
‫جبَالِ بُـصْـرَى‬ ‫وََأ ْفرُخٌ دونَ ِ‬ ‫عجُوزٌ لِي ِبسُـرّ مَـنْ رَا‬ ‫َلوْل َ‬
‫َقتَلْتَ يَا سَادَ ُة نَفْسي صَـبْـرَا‬ ‫قَ ْد جَلَبَ الدّ ْهرُ عََل ْيهِـمْ ضُـرّا‬
‫جعَلْتُ َأنْفيهِ وَُأثْبتُهُ‪ ،‬وََأ ْن ِكرُهُ َو َكَأنّي‬‫عنّا فَرَاحَ‪َ .‬ف َ‬ ‫عرَضَ َ‬ ‫ن ِهشَامٍ‪ ،‬فَانَ ْلتُ ُه مَا تَاحَ‪ .‬وََأ ْ‬ ‫قَالَ عِيسَى بْ ُ‬
‫خشْفا‪َ ،‬ووَافانا جِلْفا‪،‬‬ ‫ن فَارَ َقنَا ِ‬ ‫س َك ْندَريّ وَاللّهِ‪ ،‬فَ َقدْ كَا َ‬
‫لْ‬ ‫ع ِرفُهُ‪ُ ،‬ثمّ دَّل ْتنِي عَلَي ِه َثنَاياهُ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬ا ِ‬
‫أَ ْ‬
‫صرِهِ‪َ ،‬وقُلْتُ‪ :‬أََلسْتَ َأبَا ال َفتْحِ? أََلمْ ُن َربّكَ فِينا وَلِيدا وََل ِبثْتَ‬ ‫خ ْ‬ ‫َو َنهَضْتُ عَلى إِثرِهِ‪َ ،‬ثمّ َق َبضْتُ عَلَى َ‬
‫حكَ إِليّ َوقَالَ‪:‬‬ ‫ضِ‬‫ن رَا? فَ َ‬ ‫سرّ مَ ْ‬ ‫عجُو ِز َلكَ ِب ُ‬ ‫سنِينَ? َفَأيّ َ‬ ‫ع ُم ِركَ ِ‬ ‫فِينا مِنْ ُ‬
‫فَلَا َيغُ ّر ّنكَ الـغُـرُورُ‬ ‫حكَ هذَا ال ّزمَان زُورُ‬ ‫َو ْي َ‬
‫ُدرْ بِالّليَالِي َكمَا َتدُورُ‪.‬‬ ‫لَ تَ ْل َت ِزمْ حَالَةً‪ ،‬وَلكِـنْ‬
‫المَقَامَ ُة الَزَاذِيّةِ‬
‫ل ْب ِتيَاعِهِ‪،‬‬
‫عهِ ِ‬
‫عتَامُ مِنْ َأنْوا ِ‬ ‫لزَاذِ‪َ ،‬فخَ َرجْتُ َأ ْ‬ ‫تاَ‬ ‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪ُ :‬كنْتُ ِب َب ْغذَاذَ َوقْ َ‬ ‫ح ّد َثنَا عِيسَى بْ ُ‬‫َ‬
‫ع الرّطَبِ َوصَفّ َفهَا‪،‬‬ ‫جمَعَ َأنْوَا َ‬‫صنّ َفهَا َو َ‬‫صنَافَ ال َفوَاكِهِ َو َ‬ ‫خذَ َأ ْ‬ ‫غ ْيرَ َبعِيدٍ إلى َرجُلٍ َقدْ َأ َ‬ ‫سرْتُ َ‬ ‫فَ ِ‬
‫لزَارِ‪،‬‬ ‫شيَ ا ِ‬ ‫ج َمعْتُ حَوَا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ج َودَهُ‪َ ،‬فحِي َ‬ ‫ن كُلِ نَوعٍ َأ ْ‬ ‫حسَنَهُ‪َ ،‬وقَ َرضْتُ مِ ْ‬ ‫ن ُكلِ شَي ٍء َأ ْ‬ ‫فَ َق َبضْتُ مِ ْ‬
‫سطَ َيدَهُ‬‫سدَهُ‪ ،‬و َب َ‬ ‫جَ‬ ‫حيَاءً‪َ ،‬و َنصَبَ َ‬ ‫ع ْينَايَ َرجُلً َقدْ َلفّ رَ ْأسَهُ ِب ُب ْرقُعٍ َ‬ ‫خذَتْ َ‬ ‫ك الَ ْوزَارِ َأ َ‬ ‫عَلى تِ ْل َ‬
‫ص ْدرِهِ‪ ،‬وَا ْلحَرضَ فِي‬ ‫ض َعفَ فِي َ‬ ‫ت َيدْفَعُ ال ّ‬ ‫ل ِبصَوْ ٍ‬ ‫ع َياَلهُ‪َ ،‬و َتَأّبطَ َأطْفَالَهُ‪ ،‬وَهُ َو يَقُو ُ‬ ‫ح َتضَنَ ِ‬ ‫وَا ْ‬
‫ظهْرِهِ‪:‬‬
‫َ‬
‫ضرَبُ بالدّقِيقِ‬ ‫حمَةٍ ُت ْ‬ ‫شْ‬ ‫أ ْو َ‬ ‫َويْلِي عَلَى َكفّينِ ِمنْ سَويقِ‬
‫عنّا سَطَواتِ الـرّيقِ‬ ‫يَ ْف َتأُ َ‬ ‫خرْدِيقِ‬ ‫ن ِ‬ ‫صعَ ٍة ُتمْلُ مِ ْ‬ ‫أَ ْو قَ ْ‬
‫يَارَازِقَ ال ّثرْ َوةِ َب ْعدَ الضّيقِ‬ ‫ج الطَـرِيقِ‬ ‫عنْ َم ْنهَ ِ‬‫يُقِي ُمنَا َ‬
‫عرِيقِ‬ ‫جدِهِ َ‬ ‫ذِي َنسَبٍ فِي َم ْ‬ ‫ف فتىً َلبِـيقِ‬ ‫سهّلْ عَلى كَ ّ‬ ‫َ‬
‫ن َيدِ ال ّترْنيقِ‬ ‫عيِشي مِ ْ‬ ‫ُينْ ِقذُ َ‬ ‫َيهْدي إَِليْنا َق َدمَ التّـوْفـيقِ‬
‫خذَةً َونُ ْلتُ ُه إِياهَا‪ ،‬فَقَالَ‪:‬‬‫ن الكِيس َأ ْ‬ ‫خذْتُ مِ َ‬ ‫قالَ عِيسى ْبنُ هِشامِ‪ :‬فَأ َ‬
‫سرّهِ‬‫حسْنِ ِ‬ ‫ض إِلى الِ ِب ُ‬ ‫َأفْ ِ‬ ‫ل بِـرّهِ‬ ‫جمِـي ِ‬ ‫عنَانِي ِب َ‬ ‫يَا مَنْ َ‬
‫ن ل طَاقَةَ لِي ِبشُ ْكرِهِ‬ ‫ِإنْ كا َ‬ ‫جمِيلَ ستْـرِهِ‬ ‫س َتحْفظِ ال َ‬ ‫وَا ْ‬
‫عنْ‬ ‫ل فَُا ْبرُزْ لِي َ‬ ‫ن فِي الكيسِ َفضْ ً‬ ‫ت لَهُ‪ :‬إِ ّ‬ ‫ن ِهشَامٍ‪ :‬فَقُلْ ُ‬ ‫فَالُ َربّي مِنْ َورَائي َأجْرِ ِه قَالَ عِيسى بْ ُ‬
‫حكَ‬‫لسْكَندريّ‪ ،‬فَقُلْتُ‪َ :‬و ْي َ‬ ‫حاِ‬ ‫خنَا َأبُو ال َفتْ ِ‬‫ش ْي ُ‬ ‫ط ِلثَامَهُ‪َ ،‬فِإذَا وَالِ َ‬ ‫ن آخِرِهِ‪َ ،‬فَأمَا َ‬ ‫خرُجْ إَِل ْيكَ عَ ْ‬‫ط ِنكَ َأ ْ‬
‫بَا ِ‬
‫َأيّ دَا ِهيَ ٍة َأنْتَ? فَقَالَ‪:‬‬
‫عَلَى النّاسِ َو َتمْويهَا‬ ‫فَقَضّ ال ُع ْمرَ َتشْبيهَا‬
‫حكِيهَا‬
‫ل َفأَ ْ‬‫عَلَى حَا ٍ‬ ‫ليّامَ ل َتبْقَـى‬ ‫َأرَى ا َ‬
‫? َويَوْما شِ ّرتِي فِيهَا‬ ‫شرّهَـا فِـيّ‬ ‫َفيَوْما َ‬
‫الْ َمقَامَ ُة الْبَُلخِيّةُ‬
‫شبَابِ َوبَالِ‬ ‫خ ِتجَارَ ُة ا ْل َبزّ فَ َو َردْ ُنهَا وََأنَا ِب ُعذْرَ ِة ال ّ‬
‫ح ّدثَنَا عِيسى بْنُ ِهشَامٍ قَالَ‪َ :‬ن َهضَتْ بِي إِلى بَل َ‬ ‫َ‬
‫س َت ْأذَنَ‬
‫ستَقِيدُهَا‪َ ،‬أوْ شَر ُو ٌد مِنَ ا ْلكَِلمِ َأصِيدُهَا‪َ ،‬فمَا ا ْ‬ ‫ال َفرَاغِ َوحِ ْليَ ِة ال ّثرْوَةِ‪ ،‬ل ُي ِه ّمنِي ِإلّ ُم ْهرَ ُة ِفكْرٍ َأ ْ‬
‫حنَى الْفِراقُ ِبنَاقَ ْوسَ ُه أَو كَادَ َدخَلَ عَليّ‬ ‫ن كَلِمي‪ ،‬وَلمّا َ‬ ‫س ْمعِي َمسَافَ ًة مُ َقاِمي??‪َ ،‬أ ْفصَحُ مِ ْ‬ ‫عَلَى َ‬
‫ب مَاءَ الرّافِ َديْنِ‪ ،‬وَلَ ِق َينِي مِنَ‬ ‫عيْنِ‪َ ،‬وطَرفٍ قْد شَرِ َ‬ ‫خدَ َ‬‫لْ‬‫ي مِلءِ ال َعيْنِ‪ ،‬وَ ْلحَي ٍة َتشُوكُ ا َ‬ ‫شَابّ في زَ ّ‬

‫‪2‬‬
‫خصَبَ‬ ‫ظعْنا ُترِيدُ? فَقُلْتُ‪ِ :‬إيْ وَالِ‪ ،‬فَقَالَ‪َ :‬أ ْ‬ ‫الْبرّ فِي السّناءِ‪ِ ،‬بمَا ِز ْدتُهُ فِي الثّناءِ‪ُ ،‬ثمّ قَالَ‪َ :‬أ َ‬
‫غدٍ‪ ،‬فَقَالَ‪:‬‬
‫غدَاةَ َ‬ ‫ع َزمْتَ? فَقُلْتُ‪َ :‬‬ ‫ل ضَلّ قَا ِئ ُدكَ‪َ ،‬ف َمتَى َ‬ ‫رَائِ ُدكَ‪َ ،‬و َ‬
‫ط ْيرُ الفِراقِ‬ ‫َوطَيرُ ال َوصْلِ ل َ‬ ‫ح انطِـلقٍ‬ ‫صبْ ُ‬ ‫ح الِ ل ُ‬ ‫صبَا ُ‬
‫َ‬
‫ضيْتَ ال َوطَرَ‪َ ،‬ف َمتَى ال َع ْودُ? قُلْتُ‪ :‬القَابِلَ‪،‬‬ ‫ن تُريدُ? قُلْتُ‪ :‬ال َوطَنَ‪ ،‬فَقَالَ‪:‬بُّلغْت ال َوطَنَ‪َ ،‬وقَ َ‬ ‫فأَيْ َ‬
‫ث َأرَدْتَ‪ ،‬فَقَالَ‪ِ :‬إذَا‬ ‫حيْ ُ‬
‫ن ال َكرَمِ? فَقُلْتُ‪ِ :‬ب َ‬ ‫ت مِ َ‬ ‫فَقَالَ‪ :‬طَ َويْتُ ال ّر ْيطَ‪َ ،‬و َث َنيْتَ الْخ ْيطَ‪َ ،‬فَأيْنَ َأنْ َ‬
‫ن نِجار الصّفْرِ‪،‬‬ ‫عدُوّا في ُب ْردَ ِة صَديقٍ‪ ،‬مِ ْ‬ ‫صحِبْ لي َ‬ ‫ل سَالِما ِمنْ َهذَا الطّريقِ‪ ،‬فَاسْ َت ْ‬ ‫َأ ْرجَ َعكَ ا ُ‬
‫ج َهيْنِ‪.‬‬
‫ل ال ّديْنِ‪َ ،‬ويُنافِقُ ِب َو ْ‬
‫حطّ ثِقَ َ‬‫َيدْعُو إِلى الكُ ْفرِ‪َ ،‬و َي ْرقُصُ عَلَى الظّفرِ‪َ ،‬كدَارَةِ ال َعيْنِ‪َ ،‬ي ُ‬
‫ك ذلِك نَقْدا‪َ ،‬و ِمثْلُهُ َوعْدا‪َ ،‬فَأنْشأَ يَقُولُ‪:‬‬ ‫ت َأنّ ُه يَ ْل َتمِسُ دِينارا‪ ،‬فَقُلْتُ‪َ :‬ل َ‬
‫ن ِهشَامٍ‪َ :‬فعَلِمْ ُ‬ ‫قَالَ عِيسى بْ ُ‬
‫ل زِلْتَ لِل َم ْك ُرمَاتِ أَهْـل‬ ‫طبْتُ َأعْـلَـى‬ ‫خَ‬ ‫رَأ ُيكَ ِممّا َ‬
‫طبْتَ َأصْل‬ ‫َوفُقْتَ َفرْعا‪َ ،‬و ِ‬ ‫ت جُودا‬ ‫صَُلبْتَ عُودا‪َ ،‬و ُدمْ َ‬
‫ل ثِـقْـل‬ ‫وَل أُطيقُ السّؤَا َ‬ ‫حمْـلً‬ ‫ستَطيعُ ال َعطَاءَ َ‬ ‫ل َأ ْ‬
‫ظ َننْتُ ِفعْـل‬ ‫عمّا َ‬ ‫َوطُلْتَ َ‬ ‫ك ظَنّـا‬ ‫ن ُم ْن َتهَا َ‬ ‫َقصُرْتُ عَ ْ‬
‫قَالَ عِيسَى بْنُ‬ ‫ل لَ ِقىَ الدّ ْهرُ ِم ْنكَ ُثكْـل‬ ‫جمَةَ الدّهْر وال َمعَالـي‬ ‫يا ُر ْ‬
‫ي الشّرفُ فِي‬ ‫ِهشَام‪َ :‬فنُ ْلتُ ُه الدّينَارَ‪َ ،‬وقُلتُ‪ :‬أَينَ َم ْنبِتُ هَذا ال َفضْلِ? فَقَالَ‪َ :‬ن َم ْتنِي ُقرَيشٌ َو ُم ّهدَ ِل َ‬
‫س َكنْدَريِ? أََلمْ َأ َركَ بِا ْلعِراقِ‪َ ،‬تطُوفُ فِي‬ ‫لْ‬‫حاْ‬‫حضَرَ‪ :‬أََلسْتَ ِبَأبِي الْ َفتْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ض مَ ْ‬
‫حهَا‪ ،‬فَقالَ َبعْ ُ‬‫َبطَا ِئ ِ‬
‫شأَ يَقُولُ‪:‬‬ ‫لسْواقِ‪ُ ،‬م َكدّيا بِالَ ْورَاقِ? َفَأنْ ِ‬ ‫اَ‬
‫خذُوا ا ْل ُع ْمرَ خَلِيطا‬ ‫َأ َ‬ ‫ن لـلـهِ عَـبِـيدَا‬ ‫إِ ّ‬
‫الْ َمقَامَةُ‬ ‫با‪َ ،‬و ُيضْحُونَ َنبِيطا‬ ‫ن أَعْـرَا‬
‫َف ُهمُ ُي ْمسُو َ‬
‫سجِسْتَانّيةُ‬
‫ال ّ‬
‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪:‬‬
‫ح َد َثنَا عِيسَى بْ ُ‬
‫َ‬

‫جعَ ْلتُهُ‬
‫خرْتُ ال فِي ال َع ْزمِ َ‬ ‫س َت َ‬
‫ط ّيتَهُ‪ ،‬وَا ْ‬
‫طيْتُ َم ِ‬ ‫ط َيتّهُ‪ ،‬وَا ْم َت َ‬‫ن َأرَبٌ‪ ،‬فَاقْ َت َعدْتُ ِ‬ ‫ستَا َ‬
‫سجِ ْ‬ ‫حَدا بِي إِلى ِ‬
‫غرُو َبهَا‪،‬‬ ‫شمْسُ ُ‬ ‫ت ال ّ‬‫ت دُرُو َبهَا َو َقدْ وَافَ ِ‬ ‫حتّى َهدَانِي إَِل ْيهَا‪ ،‬فَوَا َفيْ ُ‬ ‫جعَ ْلتُ ُه ِإمَامِي َ‬ ‫ح ْزمِ َ‬ ‫َأمَامِي‪ ،‬وَا ْل َ‬
‫ضيْتُ إِلى‬ ‫جيْشُ ا ْل ِمصْبَاحِ‪َ ،‬م َ‬ ‫صبَاحِ‪َ ،‬و َبرَ َز َ‬ ‫ث ا ْن َتهَيْتُ‪ ،‬فََلمّا ا ْنتُضيَ َنصْلُ ال ّ‬ ‫حيْ ُ‬
‫وَاتّ َفقَ ال َمبِيتُ َ‬
‫ط ِتهَا‪،‬‬ ‫سَ‬ ‫ن قِلدَةِ السّوقِ إِلى وَا ِ‬ ‫ن دَائِرَ ُة ا ْلبََلدِ إِلَى ُن ْقطَ ِتهَا‪َ ،‬ومِ ْ‬ ‫ن ا ْن َت َهيْتُ مِ ْ‬ ‫ختَارُ َمنْ ِزلً‪َ ،‬فحِي َ‬ ‫السّوقِ َأ ْ‬
‫ع ْندَهُ‪ ،‬فَإذَا رَجُلٌ عَلى‬ ‫حتّى َوقَفْتُ ِ‬ ‫ع ْرقٍ َمعْنىً‪ ،‬فَا ْن َتحَيْتُ َو ْفدَ ُه َ‬ ‫ن كُلّ ِ‬ ‫ت لَ ُه مِ ْ‬ ‫س ْمعِي صَوْ ٌ‬ ‫خرَقَ َ‬ ‫َ‬
‫ع َرفَني‪َ ،‬و َمنْ َلمْ َي ْعرِفني فأَنا‬ ‫عرَفَني فَ َقدْ َ‬ ‫لنِي قَذَالَهُ‪ ،‬وَهُ َو يَقُولُ‪َ :‬منْ َ‬ ‫فَ َرسِهِ‪ ،‬مُخ َتنِقٌ ِبنَفسِهِ‪َ ،‬قدْ و ّ‬
‫ت الحِجالِ‪،‬‬ ‫عيّةُ الرّجالِ‪ ،‬وَُأحْجيّ ُة َربّا ِ‬ ‫حدُوث ُة ال ّزمَنِ َأنَا ُأدْ ِ‬ ‫عرّفُ ُه ِبنَفْسي‪َ :‬أنَا با كُورَةُ ال َي َمنِ وَُأ ْ‬ ‫ُأ َ‬
‫عيُو َنهَا‪ ،‬والخيلَ‬ ‫حزُونَها‪ ،‬وَالوْدية َو ُبطُونَها‪ ،‬وَالبِحارَ َو ُ‬ ‫سَلُوا عنّي البِلدَ َوحُصُونَها‪ ،‬وَالجِبالَ َو ُ‬
‫حرّ َتهَا? سَلُوا المُلوكَ‬ ‫ج َ‬ ‫س ْمتَها‪َ ،‬ووَلَ َ‬ ‫ج َ‬ ‫سرَارَهَا‪َ ،‬و َنهَ َ‬ ‫ع َرفَ َأ ْ‬ ‫ن الذّي مََلكَ َأسْوَارَها‪ ،‬وَ َ‬ ‫َو ُمتُونَها‪ ،‬مَ ِ‬
‫خطُوبَ َومَغالِ َقهَا‪،‬‬ ‫لمُورَ َو َبوَاطِنَها‪ ،‬وَالعُلُومَ َومَوَاطِنها‪ ،‬وَال ُ‬ ‫لغْلقَ َومَعا ِدنَها‪ ،‬وَا ُ‬ ‫خزَا ِئنَها‪ ،‬وَا َ‬ ‫َو َ‬
‫ع َرفَ‬ ‫خ َت َزنَها‪ ،‬وََلمْ ُي َؤدّ َث َم َنهَا? َو َمنِ الذّي مََلكَ مَفَا ِتحَها‪ ،‬وَ َ‬ ‫خذَ ُم ْ‬ ‫ن الذّي َأ َ‬ ‫وَالحُروبَ َو َمضَايِ َقهَا‪ ،‬مَ ِ‬
‫خطُوبِ السّودِ‪َ ،‬أنَا‬ ‫ستَارَ ال ُ‬‫ت ذِلكَ‪َ ،‬وسَ َفرْتُ َبيْن المُلُوكِ الصّيدِ‪َ ،‬و َكشْفُت َأ ْ‬ ‫َمصَاِلحَها? َأنَا وَالِ َفعَلْ ُ‬
‫صرْتُ ال ُغصُونَ‬ ‫حدَاقِ‪ ،‬وَ َه َ‬ ‫لْ‬ ‫ضاَ‬ ‫حتّى ِلمَرَ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫حتّى مَصا ِرعَ ال ُعشّاقِ‪َ ،‬و َمرِضْ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫شهِدْ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫وَا ِ‬
‫عنْ‬ ‫طبْعِ ا ْل َكرِيمِ َ‬‫ن ال ّد ْنيَا ُنفُورَ َ‬ ‫ت مَعَ ذَِلكَ عَ ْ‬ ‫خدُودِ ا ْلمُ َورّداتِ‪َ ،‬ونَ َفرْ ُ‬ ‫ج َت َنيْتُ َورْ َد ا ْل ُ‬ ‫النّاعِماتِ‪ ،‬وََأ ْ‬
‫صبْحُ‬ ‫شنْيعِ ا ْلكَلمِ وَالنَ َلمّا َأسْ َفرَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫سمْعِ الشّريفِ عَ ْ‬ ‫ن ا ْل ُمخْزِياتِ ُن ُبوَ ال ّ‬ ‫ُوجُو ِه الّلئَامِ‪َ ،‬و َنبَوتُ عَ ْ‬
‫طرِيقا أَ ْهدَى‬ ‫عدَادِ الزّادِ‪ ،‬فََلمْ َأرَ َ‬ ‫ح َأ ْمرِ ا ْل َمعَادِ‪ ،‬بإِ ْ‬ ‫ت لِصْل ِ‬ ‫ع َمدْ ُ‬ ‫ا ْل َمشِيبِ‪ ،‬وَعََل ْتنِي ُأبَه ُة ا ْل ِكبَرِ‪َ ،‬‬
‫ح ُد ُكمْ رَاكِبَ َفرَسٍ‪ ،‬نَا ِثرَ هَوَسٍ‪ ،‬يَقُولُ‪ :‬هذاَ َأبُو ا ْل َعجَبِ‪ ،‬لَ‬ ‫إِلى ال ّرشَادِ ِممّا َأنْا سَاِلكُهُ‪َ ،‬يرَانِي َأ َ‬
‫صعْبا‬ ‫لقِ‪َ :‬‬ ‫س ْي ُتهَا‪ ،‬وََأخُو الْغْ َ‬ ‫س ُتهَا َوقَا َ‬‫جاِئبِ‪ ،‬عَا َي ْن ُتهَا وَعَا َن ْي ُتهَا‪ ،‬وَُأمّ ا ْل َكبَائِ ِر قَا َي ْ‬ ‫وََل ّك ِنيَ َأبُو ا ْل َع َ‬
‫حبْت لهَا ا ْلمَواكِبَ‪،‬‬ ‫صِ‬ ‫ش َت َريْ ُتهَا‪َ ،‬و َرخِيصا ا ْب َت ْع ُتهَا‪ ،‬فَ َقدْ والِ َ‬ ‫ض ْع ُتهَا‪ ،‬وَغَالِيا ا ْ‬ ‫ج ْد ُتهَا‪ ،‬وَهَوْنا َأ َ‬ ‫َو َ‬

‫‪3‬‬
‫ت إِلى َمكَارِ َه َن َذرْتُ َم َعهَا َألّ‬ ‫ضيْتَ ا ْلمَراكِبَ‪ ،‬دُ ِفعْ ُ‬ ‫ت ا ْلكَواكِبَ‪ ،‬وَأ ْن َ‬ ‫عيْ ُ‬‫حمْتُ ا ْل َمنَاكِبَ‪َ ،‬ورَ َ‬‫َوزَا َ‬
‫ع َناِق ُكمْ‪،‬‬
‫عنُقِي إِلَى أَ ْ‬‫لمَانَة مِنْ ُ‬ ‫ل ُبدّ لِي َأنْ َأخْلَ َع ِربْقَةَ َه ِذهِ ا َ‬ ‫ن َمنَا ِف َعهَا‪َ ،‬و َ‬‫عنِ ال ُمسِْلمِي َ‬‫خرَ َ‬‫َأ ّد ِ‬
‫ل َيَأنَفُ ِمنْ‬ ‫ن مَ ْو ِقفِ ا ْل َعبِيدِ‪ ،‬و َ‬
‫ن لَ َيتَ َق ّززُ مِ ْ‬ ‫ض دَوائِي هَذا فِي َأسْوَا ِق ُكمْ‪ ،‬فَ ْل َيشْ َترِ ِمنّي مَ ْ‬ ‫عرِ َ‬ ‫وَأَ ْ‬
‫جدُودُهُ‪َ ،‬وسَقَى بِا ْلمَا ِء الطّا ِهرِ عُ ُودُهُ‪.‬‬ ‫جبَتْ ُ‬ ‫صنْهُ َمنْ َأ ْن َ‬
‫كَِلمَ ِة ا ْلتّوحِيدِ‪ ،‬وَ ْل َي ُ‬
‫س َك ْندَ ِريّ‪،‬‬‫لْ‬ ‫ش ْيخُنَا َأبْو الْفتْحِ ا ِ‬‫ل َ‬‫لعَْلمَ عِ ْلمَه َفِإذَا هُوَ وَا ِ‬ ‫جهِهِ َ‬ ‫قَالَ عِيسَى ْبنُ ِهشَامٍ‪َ :‬ف ُدرْتُ إِلَى َو ْ‬
‫ظرْتُ َإجْفَالَ ال ّنعَامَ ِة َبيْنَ َي َديْهِ‪ُ ،‬ثمّ َت َع ّرضْتُ فَقُلْتُ‪َ :‬كمْ ُيحِلّ دَوَا َءكَ َهذَا? فَقَالَ‪ُ :‬يحِلّ ا ْلكِيسُ‬ ‫وَا ْن َت َ‬
‫صرَفْتُ‪.‬‬ ‫شئْتَ‪َ ،‬فتَ َر ْكتُهُ وَا ْن َ‬ ‫مَا ِ‬
‫الْ َمقَامَ ُة الكُوفِيَةُ‬
‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪:‬‬ ‫ح ّد َثنَا عِيسَى بْ ُ‬‫َ‬
‫حتّى شَ ِربْتُ‬ ‫طرْفَي إِلَى كلّ غِوَا َيةٍ‪َ ،‬‬ ‫عمَايَةٍ‪ ،‬وََأ ْركُضُ ِ‬ ‫شدّ َرحْلِي ِلكُلّ َ‬ ‫ن َأ ُ‬
‫ُكنْتُ وََأنَا َف ِتىّ السّ ّ‬
‫ج َمعْتُ‬ ‫ح ال ّنهَارُ ِبجَانِبِ َليْلَى‪َ ،‬و َ‬ ‫ن الدّهْرِ سا ِبغَهُ‪ ،‬فََلمّا ا ْنصَا َ‬ ‫ت مِ َ‬ ‫ن ال ُعمْرِ سَا ِئغَهُ‪ ،‬وََل ِبسْ ُ‬ ‫مِ َ‬
‫ق َلمْ‬ ‫حبَني فِي الطّريقِ رَفي ٌ‬ ‫صِ‬‫ظهْرَ ال َمرُوضةِ‪ ،‬لدا ِء المَ ْفرُوضَةِ‪َ ،‬و َ‬ ‫لل َمعَادِ َذيْلي‪َ ،‬وطِئتُ َ‬
‫عنْ أصْلٍ كُوفيّ‪َ ،‬و َمذْهَبٍ‬ ‫خّبرْنا بحاَليْنا‪ ،‬سَ َفرَتِ ال ِقصّةُ َ‬ ‫ن سُوءٍ‪ ،‬فََلمّا تجَاَليْنا‪َ ،‬و َ‬ ‫ُأ ْنكِرْ ُه مِ ْ‬
‫خضَرّ‬ ‫سرْنا فََلمّا َأحَّلتْنا الكُوفَ ُة مِلْنا إِلى دَارِهِ‪َ ،‬ودَخ ْلنَاهَا َوقَدْ َبقَلَ َوجْ ُه ال ّنهَارِ وَا ْ‬ ‫صُو ِفيّ‪َ ،‬و ِ‬
‫ن القا ِرعُ ال ُمنْتابُ?‬ ‫طرّ شَا ِربُهُ‪ُ ،‬قرِعَ عََليْنا البابُ‪ ،‬فَقُلْنا‪ :‬مَ ِ‬ ‫ن الّليْلِْ َو َ‬ ‫ض جَفْ ُ‬ ‫غ َتمَ َ‬ ‫جَا ِنبُهُ وَلّما ا ْ‬
‫ضيْفٌ‬ ‫ضرّ‪ ،‬وال ّزمَنُ ال ُمرّ‪َ ،‬و َ‬ ‫حرّ قَادَهُ ال ّ‬ ‫فقالَ‪َ :‬و ْفدُ الّليْلِ َوبَريدُهُ‪َ ،‬وفَلّ الجُوعِ َوطَريدُهُ‪َ ،‬و ُ‬
‫غرِيبٌ‬ ‫ب المَ ْرقُوعِ‪َ ،‬و َ‬ ‫ستَ ْعدِى عَلى الجُوعِ‪ ،‬وَالجْي ِ‬ ‫َوطْؤُ َه خَفيفٌ‪َ ،‬وضَالّتُ ُه رَغيفٌ‪َ ،‬وجَارٌ َي ْ‬
‫حصَيّاتُ‪َ ،‬و ُك ِنسَتْ َب ْعدَهُ‬ ‫ت خَلْفَ ُه ال ُ‬ ‫ت النّارُ عَلى سَ َفرِهِ‪َ ،‬و َنبَحَ ال َعوّاءُ عَلَى َأ َثرِهِ‪َ ،‬و ُن ِبذَ ْ‬ ‫أَوقِدَ ِ‬
‫خيْهِ َمهَامِ ُه فِيحٌ‪.‬‬ ‫ن دُونِ َف ْر َ‬ ‫ع ْيشُهُ َتبْريحٌ‪َ ،‬ومِ َ‬ ‫ال َعرَصاتُ‪َ ،‬فنِضْ ُوهُ طَليحٌ ‪َ ،‬و َ‬
‫ن كِيسي قَ ْبضَةَ الّليْثِ‪َ ،‬و َب َع ْثتُها إِلَيهِ َوقُلْتُ‪ِ :‬زدْنا سُؤَالً‪،‬‬ ‫قَالَ عِيسى ْبنُ ِهشَامٍ‪ :‬فَ َق َبضْتُ مِ ْ‬
‫حرّ ِمنْ نَارِ الجُودِ‪ ،‬وَل لُ ِقيَ َو ْفدُ ال ِبرّ‪،‬‬ ‫ع ْرفُ العُودِ‪ ،‬عَلى َأ َ‬ ‫عرِضَ َ‬ ‫َن ِز ْدكَ نَوَالً‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬ما ُ‬
‫ن الِ وَالنّاسِ‪ ،‬وََأمّا‬ ‫شكْرِ‪َ ،‬و َمنْ مََلكَ ال َفضْلَ فَ ْليُؤَاسِ‪ ،‬فَلَنْ َيذْهَبَ ال ُع ْرفُ َبيْ َ‬ ‫حسَنَ ِمنْ بَريدِ ال ّ‬ ‫بَأ ْ‬
‫جعَلَ ال َيدَ العُلْيا َلكَ‪.‬‬ ‫ق الُ آمَاَلكَ‪َ ،‬و َ‬ ‫ت َفحَقّ َ‬ ‫َأنْ َ‬
‫ش ْيخُنا َأبُو ال َف ْتحِ‬
‫ل َ‬ ‫ن هِشامٍ‪ :‬فَ َف َتحْنا َل ُه البَابَ َوقُلْنا‪ :‬ا ْدخُلْ‪َ ،‬فإِذا هُوَ وَا ِ‬ ‫قَالَ عِيسى بْ ُ‬
‫سمَ‬ ‫سكَ ْندَريّ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬يا َأبَا ال َفتْح‪ ،‬شَ ّد مَا بَلَغتْ ِم ْنكَ الخصَاصَةُ‪ .‬وَهذَا ال ّزيّ خَاصّةٌ‪ ،‬فَ َت َب ّ‬ ‫لْ‬‫اِ‬
‫وََأنْشأَ يَقولُ‪:‬‬
‫َأنَا فيهِ ِمنَ الطّلَـبْ‬ ‫لَ َيغُـرّنَـكَ الـذِي‬
‫طرَبْ‬ ‫قّ َلهَا ُبرْدَ ُة ال ّ‬ ‫َأنَا فِي ثَـرْوَ ٍة تُـشَ‬
‫المَقَامَةُ‬ ‫ن الذَهَبْ‬ ‫تُ سُقُوفا مِ َ‬ ‫لتّـخَـذْ‬ ‫شئْتُ َ‬ ‫َأنَا َل ْو ِ‬

‫سدِيةُ‬
‫الَ َ‬
‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪:‬‬
‫ح ّد َثنَا عِيسَى بْ ُ‬
‫َ‬

‫لسْ َك ْندَريّ َومَقَالتِ ِه مَا َيصْغَى إَِل ْيهِ النّفُورُ‪َ ،‬و َي ْنتَفِضُ َلهُ ال ُعصْفُورُ‪،‬‬ ‫تاِ‬ ‫ن َيبُْل ُغنِي ِمنْ مَقَامَا ِ‬‫كا َ‬
‫سأَلُ‬
‫ن َأوْهَامِ ال َك َهنَةِ ِدقَةً‪ ،‬وََأنَا َأ ْ‬ ‫ج بَأجْزَا ِء النّفْسِ رقّةً‪َ ،‬و َي ْغمُضُ عَ ْ‬ ‫ش ْعرِ ِه مَا َي ْمتَزِ ُ‬
‫َو َيرْوَي َلنَا مِنْ ِ‬
‫ب الدّ ْهرُ‬‫حسْنِ آَل ِتهِ‪َ ،‬و َقدْ ضَرَ َ‬ ‫ن ُقعُودِ ِه ّمتِ ِه ِبحَالَتِهِ‪ ،‬مَ َع ُ‬ ‫حتْى ُأ ْرزَقَ ِلقَاءَهُ‪ ،‬وََأ َت َعجّبُ مِ ْ‬ ‫ل بَقَاءَهُ‪َ ،‬‬ ‫ا ُ‬
‫ت إِل َيهَا الحِرصَ‪ ،‬فِي‬ ‫شحَذْ ُ‬ ‫حمْصَ َف َ‬ ‫ت ِليَ حَاجَ ٌة ِب ِ‬ ‫ن اتّفَقَ ْ‬ ‫جرّا‪ ،‬إِلَى أَ ْ‬ ‫سدَادِ دُو َنهُ‪ ،‬وَهَّلمَ َ‬ ‫شُؤُو َنهَ‪ِ ،‬بأَ ِ‬
‫س َتأْصِلُ‬‫ب َمسَا َفتَهُ‪َ ،‬و َن ْ‬ ‫ق َن ْنتَهِ ُ‬ ‫طرِي َ‬‫ظهُورِ الخَيلِ‪ ،‬وَأَخذْنَا ال َ‬ ‫حبَةِ َأ ْفرِادٍ َك ُنجُومِ اللّيلِ‪َ ،‬أحْلسٍ ِل ُ‬ ‫صْ‬ ‫ُ‬
‫ن كَالْ ِقسِيّ‪َ ،‬وتَاخَ‬ ‫جعْ َ‬ ‫صرْنَ كَا ْل ِعصِيّ‪َ ،‬و َر َ‬ ‫حتّى ِ‬ ‫جيَادِ‪َ ،‬‬ ‫س ِنمَةَ ال ّنجَادِ ِبتِ ْلكَ ا ْل ِ‬
‫شأْ َفتَهُ‪ ،‬وََل ْم َنزَلْ نَ ْفرِي َأ ْ‬
‫ن ال َغدَائِرَ‪َ ،‬ومَالتِ‬ ‫س ِرحْنَ الضّفَا ِئرَ‪َ ،‬و َي ْنشُرْ َ‬ ‫جبَلٍ ذِي أَلءٍ وَأثْلٍ‪ ،‬كَال َعذَارَى ُي ّ‬ ‫ح َ‬ ‫َلنَا وَادٍ فِي سَفْ ِ‬
‫لمْراسِ‪َ ،‬ومِلنَا مَعَ الّنعَاسِ‪ ،‬فَمَا‬ ‫لفْرَاسَ بِا َ‬ ‫طنَا ا َ‬ ‫الهَاجِرَ ُة ِبنَا إِل ْيهَا‪َ ،‬و َنزَ ْلنَا ُنغَ ّورُ َو َنغُورُ‪َ ،‬ورَ َب ْ‬

‫‪4‬‬
‫حبْلِ‬ ‫جذُ قُوَى ال َ‬ ‫ح ِب َع ْينَيهِ‪َ ،‬ي ّ‬ ‫طمَ َ‬‫ت إِلى فَ َرسِي َو َقدْ َأرْ َهفَ ُأ َذ َنيِهِ‪َ ،‬و َ‬ ‫صهِيلُ الخَيلِ‪َ ،‬و َنظَر ُ‬ ‫ل َ‬ ‫عنَا ِإ ّ‬ ‫رَا َ‬
‫حبَالَ‪،‬‬ ‫طعَتِ ال ِ‬ ‫ل ْبوَالَ‪َ ،‬و َق ّ‬ ‫خيْلُ َفَأرْسَلَتِ ا َ‬ ‫ط َربَتِ ال َ‬ ‫ض ِبحَوافرهِ‪ُ ،‬ث ّم اضْ َ‬ ‫خ ّد الَرْ ِ‬ ‫خدّ َ‬ ‫ِب َمشَا ِفرِهِ‪َ ،‬و َي ُ‬
‫سبُعُ فِي َفرْوَ ِة المَوتِ‪َ ،‬قدْ طَلَعَ ِمنْ‬ ‫ح ٍد ِمنّا إِلَى سِلحِهِ؛ فإِذَا ال ّ‬ ‫جبَالِ‪َ ،‬وطَارَ كُلّ وَا ِ‬ ‫خذَتْ َنحْ َو ال ِ‬ ‫وََأ َ‬
‫ص ْدرٍ‬ ‫شىَ َأنَفَا‪َ ،‬و َ‬ ‫حِ‬ ‫طرْفٍ َقدْ مُِلئَ صَلَفا‪ ،‬وََأ ْنفٍ َقدْ ُ‬ ‫عنْ َأ ْنيَابِهِ‪ِ ،‬ب َ‬ ‫غَابِهِ‪ُ ،‬م ْنتَفِخا فِي إِهَا ِبهِ‪ ،‬كَاشِرا َ‬
‫سرْعَانِ‬ ‫ل َيسْ ُكنُ ُه الرّعْبُ‪َ ،‬وقُ ْلنَا خطْبٌ مُِلمٌ‪َ ،‬وحَادِثٌ ُم ِهمٌ‪َ ،‬و َتبَاد َر إَِليِهِ ِمنْ ُ‬ ‫لَ َي ْب َرحُهُ القَلْبُ‪ ،‬و َ‬
‫الرّفْ َقةِ َف َتىً‪:‬‬
‫َيمْلُ الدّ ْلوً إِلَى عَ ْقدِ الكَـرَبْ‬ ‫ت العَرَبْ‬ ‫ضرُ الجِ ْلدَةِ فِي َبيْ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫َأ ْ‬
‫حتّى سَ َقطَ ِل َيدِ ِه َوفَمِهِ‪،‬‬ ‫ض َقدَمِهِ‪َ ،‬‬ ‫لسَ ِد فَخَا َنتْهُ َأرْ ُ‬ ‫ف كُلّهُ َأ ْثرٌ‪َ ،‬ومََل َكتْ ُه سَ ْورَ ُة ا َ‬ ‫سيْ ٍ‬ ‫ب سَاقَ ُه قَ ْدرٌ‪َ ،‬و َ‬ ‫بِقَلْ ٍ‬
‫ن َأخَاهُ‪ِ ،‬ب ِمثْلِ مَا دَعَاهُ‪ ،‬فَصارَ إَِل ْيهِ‪،‬‬ ‫حيْ َ‬ ‫ن َمعَهُ‪َ ،‬ودَعَا ا ْل َ‬ ‫ن كَا َ‬ ‫صرَعَهُ‪ ،‬إِلَى مَ ْ‬ ‫سدُ َم ْ‬ ‫لَ‬ ‫َو َتجَا َوزَ ا َ‬
‫ث صَ ْدرَهُ‪ ،‬وََل ّكنْي َر َم ْيتُ ُه ِب ِعمَا َمتِي‪َ ،‬وشَغلتُ َفمَهُ‪،‬‬ ‫خذَ َأرْضَهُ‪ ،‬وَافْتَرشَ اللّي ُ‬ ‫ل الرّعْبُ َيدَيهِ‪َ ،‬فَأ َ‬ ‫َوعَقَ َ‬
‫جأَ ِة في جَوفِهِ‪،‬‬ ‫سدُ لِلْ َو ْ‬
‫لَ‬ ‫طنَهُ‪ ،‬حتّى هََلكَ ال َفتَى ِمنْ خَ ْوفِهِ‪ ،‬وا َ‬ ‫جأَ َب ْ‬ ‫حتّى حَ َقنْتُ َدمَهُ‪َ ،‬وقَامَ ال َفتَى فَ َو َ‬ ‫َ‬
‫جهّزَهُ‬ ‫ع ْدنَا إِلى الرّفِيقِ ِل ُن َ‬ ‫خيْلِ َف َتأَلّفْنا ِم ْنهَا ما َثبَتَ‪َ ،‬و َت َر ْكنَا مَا َأفْلَتَ‪َ ،‬و ُ‬ ‫و َنهَضْنا فِي َأ َثرِ ال َ‬
‫ي سَاعَ ِة َمجْ َزعِ‬ ‫عنَا وََلكِنْ َأ ّ‬ ‫جزِ ْ‬ ‫حثَونَا الّترْبَ فَ ْوقَ َرفِي َقنَا َ‬ ‫فَلمّا َ‬
‫حتّى ِإذَا ضَ ِمرَتِ ال َمزَادُ‪َ ،‬ونَ ِفدَ الزّادُ َأوْ كَادَ ُي ْد ِركُهُ‬ ‫سرْنَا َ‬ ‫ضهَا‪َ ،‬و ِ‬ ‫طنَا َأرْ َ‬ ‫ع ُدنَا إِلَى الفَلةِ‪ ،‬وَ َه َب ْ‬ ‫َو ُ‬
‫ص َم ْدنَا‬ ‫ن َلنَا فَارِسٌ فَ َ‬ ‫ظ َمأَ وَالجُوعَ‪ ،‬عَ ّ‬ ‫ل ال ّرجُوعَ‪َ ،‬وخِ ْفنَا القَاتِلِينَ ال ّ‬ ‫ا ْلنّفادُ‪ ،‬وََل ْم َنمِْلكِ الذّهَابِ َو َ‬
‫لرْضَ ِبشَ َفتَيهِ‪ ،‬ويَ ْلقِي الّترَابَ‬ ‫شاَ‬ ‫ن حُ ّر فَ َرسَهَ َينْقُ ُ‬ ‫ص ْمدَهُ‪َ ،‬و َقصَ ْدنَا َقصْدَهُ‪ ،‬وََلمّا بََل َغنَا َنزَلَ عَ ْ‬ ‫َ‬
‫جهٌ َي ْب ُرقُ‬ ‫ظرْتُ َفِإذْا هُوَ َو ْ‬ ‫جنَابِي‪َ ،‬و َن َ‬ ‫ل رِكَابِي‪َ ،‬و َتحّ َرمَ ِب َ‬ ‫جمَاعَةِ‪ ،‬فَ ّقبَ َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ع َم َدنْي ِمنْ َبيْ ِ‬ ‫ِب َي َديْهِ‪َ ،‬و َ‬
‫خضَرّ‪َ ،‬وشَارِبٌ َقدْ‬ ‫سهّل‪َ ،‬وعَارِضٌ َقدِ ا ْ‬ ‫ن فِيهِ َت َ‬ ‫َبرْقَ العَارِضِ ال ُم َتهَلّلِ‪َ ،‬وقَوَا ٌم َمتَى مَا َترَقّ ال َعيْ ُ‬
‫ل َأبَالكَ? فَقَالَ‪َ :‬أنَا‬ ‫ب َريّانُ‪ ،‬و ِنجَارٌ ُت ْر ِكيٌ‪َ ،‬و ِزيٌ مََلكِيٌ‪ ،‬فَقُ ْلنَا‪ :‬مَاَلكَ َ‬ ‫ع ٌد مَلنٌ‪َ ،‬و َقضِي ٌ‬ ‫طَرّ‪َ ،‬وسَا ِ‬
‫ش ِهدَتْ شَوَا ِهدُ‬ ‫حيْثُ تَرانِي‪َ ،‬و َ‬ ‫جهِي إِلى َ‬ ‫ع ْبدُ َبعْضِ ا ْلمُلوكِ‪َ ،‬ه ّم مِنْ َقتْلي ِب َهمّ‪َ ،‬ف ِهمْتُ عَلى َو ْ‬ ‫َ‬
‫شرَى َلكَ َو ِبكَ‪َ ،‬أدّاكَ‬ ‫ع ْب ُدكَ‪َ ،‬ومَالِي مَاُلكَ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ُ :‬ب ْ‬ ‫صدْقِ مَقَاِلهِ‪ُ ،‬ثمّ قَالَ‪َ :‬أنَا اليَومَ َ‬ ‫حالهِ‪ ،‬على ِ‬
‫ل ي ْنظُرُ َفتَ ْقتَُلنَا أَ ْلحَاظَهُ‪َ ،‬و َي ْنطِقُ‬ ‫جعَ َ‬‫جمَاعَةُ‪َ ،‬و َ‬ ‫عيْشٍ َرطْبٍ‪ ،‬وَ َه ْنَأ ْتنِي ا ْل َ‬ ‫سيْ ُركَ إِلَى ِفنَاءٍ َرحْبٍ‪َ ،‬و َ‬ ‫َ‬
‫خذُوا ِمنْ ُهنَاِلكَ‬ ‫ع ْينَا‪َ ،‬و َقدْ َركِ ْب ُتمْ فُلَةً عَ ْورَاءَ‪َ ،‬ف ُ‬ ‫جبَلِ َ‬ ‫َفتَ ْفتٌِننَا أَلْفَاظَهُ‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬يَا سَادَةُ ِإنّ فِي سَ ْفحِ ال َ‬
‫جنَادِبُ‬ ‫ل ْبدَانَ‪َ ،‬و َركِبَ ال َ‬ ‫ص َهرَتِ الهَاجِرَ ُة ا َ‬ ‫ع َنةَ إِلى حَيثُ أشَارَ‪َ ،‬وبََل ْغنَاهُ َو َقدْ َ‬ ‫ا ْلمَاءَ‪ ،‬فَلَ َو ْينَا الَ ِ‬
‫ت َوذَاكَ َفنَزَلَ عَنْ‬ ‫ن فِي الظّلّ ا ْل ّرحْبِ‪ ،‬عَلى هَذا المَا ِء ا ْل َعذْبِ? فَقُ ْلنَا‪َ :‬أنْ َ‬ ‫ا ْلعِيدَانَ‪ ،‬فَقَالَ‪َ :‬ألَ َتقِيلُو َ‬
‫صمَ‬ ‫ش َك ْكنَا َأنّهُ خَا َ‬ ‫عنْ َب َدنِهِ‪َ ،‬فمَا َ‬ ‫عنّا ِإلّ ِبغِلَلَ ٍة َت ِنمّ َ‬ ‫س َترَ َ‬‫فرَسِهِ‪َ ،‬وحَلّ ِم ْنطَ َقتَهُ‪َ ،‬و َنحَى قُ ْرطَ َقتَهُ َفمَا ا ْ‬
‫لفْراسِ‬ ‫طهَا‪ ،‬وإِلَى ا َ‬ ‫ج َفحَ ّ‬ ‫سرُو ِ‬ ‫ع َمدَ إِلَى ال ّ‬ ‫جنَانَ‪ ،‬وَ َهرَبَ ِمنْ ِرضْوَانٍ‪ ،‬وَ َ‬ ‫الوِ ْلدَانَ‪ ،‬فَفَا َرقَ ا ْل ِ‬
‫ل ْبصَارُ عََليْهِ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬يَا َفتَى مَا‬ ‫ت ا ْلبَصَا ِئرُ فِيهِ‪َ ،‬و َوقَفْتِ ا َ‬ ‫شهَا‪َ ،‬و َقدْ حَارَ ِ‬ ‫ل ْمكِن ِة َفرَ ّ‬ ‫شهَا‪ ،‬وإِلَى ا َ‬ ‫فَح ّ‬
‫شكْرُ‬ ‫ن رَافَ ْقتَهُ‪ ،‬فَ َك ِيفَ ُ‬ ‫ن فَا َر ْقتَهُ‪َ ،‬وطُوبَى ِلمَ ْ‬ ‫ل ِلمَ ْ‬ ‫جمْلَةِ‪ ،‬فَالْ َويْ ُ‬ ‫س َنكَ فِي ال ُ‬ ‫حَ‬ ‫خ ْدمَةِ‪ ،‬وََأ ْ‬ ‫أَ ْلطَ َفكَ فِي اٍل ِ‬
‫س ِنيَ فِي‬ ‫حْ‬ ‫خ ْدمَةِ‪َ ،‬و ُ‬ ‫ج ُب ُكمْ خِفّتي فِي ال ِ‬ ‫ستَرُو َنهُ ِمنّي َأ ْك َثرُ‪َ ،‬أ ُت ْع ِ‬ ‫الِ عَلَى ا ْل ِن ْعمَ َة ِبكَ? فَقَالَ‪ :‬مَا َ‬
‫شغَفَا? فَقٌ ْلنَا‪:‬‬ ‫ح ْذ ِقيَ طُ َرفَا‪ِ ،‬ل َت ْزدَاُدوا بِي َ‬ ‫جمْلَةِ? َف َكيِفَ َلوْ رََأ ْي ُتمُونِي فِي ا ْلرّفْ ًقةِ? ُأرِيكُ ْم مِنْ ِ‬ ‫ال ُ‬
‫خرَ فَشَقّهُ في‬ ‫س ْهمَا فَ َرمَا ُه فِي السّماءِ‪ ،‬وََأ ْت َبعَ ُه بِآ َ‬ ‫ح ِدنَا َفأَ ْو َترَهُ‪َ ،‬وفَ ّوقَ َ‬ ‫س َأ َ‬
‫هَاتِ‪ :‬فَ َع َمدَ إِلَى قَوْ ِ‬
‫حدَنا‬ ‫خذَهَا‪ ،‬وإِلَى فَ َرسِي َفعَلهُ‪َ ،‬و َرمَى َأ َ‬ ‫ع َمدَ إِلى ِكنَانَتي َفَأ َ‬ ‫خرَ‪ُ ،‬ثمّ َ‬ ‫سأُرِيك ْم نَوعَا آ َ‬ ‫الهَواءِ‪َ ،‬وقَالَ‪َ :‬‬
‫سكُتْ يَا ُلكَعُ‪،‬‬ ‫صنَعُ? قَالَ‪ :‬ا ْ‬ ‫حكَ مَا تَ ْ‬ ‫ظهْرِهِ‪ ،‬فَقُلْتُ َو ْي َ‬ ‫ن َ‬ ‫طيّرَ ُه م ْ‬ ‫خرَ َ‬ ‫صدْرِهِ‪ ،‬وَآ َ‬ ‫س ْهمٍ َأ ْث َبتَهُ فِي َ‬ ‫ِب َ‬
‫سنَا َم ْربُوطَةٌ‪،‬‬ ‫صنَعْ وََأ ْفرَا ُ‬ ‫صنّ ُه بِ ِريِقهِ‪ ،‬فََلمْ َن ْدرِ مَا َن ْ‬ ‫غ ِ‬ ‫ن كُلٌ ِم ْن ُكمْ َيدَ َر ِفيِقِهِ‪ ،‬أَ ْو لُ ِ‬ ‫ل َل َيشُدّ َ‬ ‫وَا ِ‬
‫شقُ ِبهَا‬ ‫س فِي َيدِهِ َي ْر ِ‬ ‫ح ُتنْا َبعِيدَةٌ‪ ،‬وَ ْهوَ رَاكِبٌ َو َنحْنُ َرجّالَةٌ‪ ،‬وَالقَوْ ُ‬ ‫حطُوطَةٌ‪ ،‬وََأسِْل َ‬ ‫جنَا َم ْ‬ ‫َوسُرو َ‬
‫شدّ َب ْعضُنَا َب ْعضَا‪،‬‬ ‫خ ْذنَا الْ ِقدّ‪َ ،‬ف َ‬ ‫جدّ‪َ ،‬أ َ‬ ‫ن رَأَ ْينَا ا ْل ِ‬ ‫صدُورَ‪َ ،‬وحِي َ‬ ‫شقُ ِبهَا ا ْل ُبطُونَ وا ْل ّ‬ ‫ظهُورَ‪َ ،‬و َي ْم ُ‬ ‫ال ّ‬
‫خ َرجْتُ ُثمّ َنزَلَ عَنْ‬ ‫عنْ ِثيَا ِبكَ‪َ ،‬ف َ‬ ‫خرُجْ بإِهَا ِبكَ‪َ ،‬‬ ‫شدّ َيدِي‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬ا ْ‬ ‫جدُ َمنْ َي ُ‬ ‫ح ِديَ لَ َأ ِ‬ ‫َوبَ َقيْتُ َو ْ‬
‫جدِيدانِ‪ ،‬فَقَالَ‪:‬‬ ‫ن َ‬ ‫ح َد ِمنّا َب ْعدَ الخَرِ‪َ ،‬و َي ْن َزعُ ِثيَابَهُ َوصَارَ إَِليّ َوعَليّ خُفّا ِ‬ ‫ل ِيصْفَعُ الوا ِ‬ ‫جعِ ِ‬‫فَ َرسِهِ‪ِ ،‬و ِ‬
‫عهُ‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬عََليّ خَ ْلعُهُ‪ُ ،‬ثمّ َدنَا‬ ‫ستُهُ َرطْبا فََليْسَ ُي ْم ِكنُي َنزْ َ‬ ‫خفٌ َل ِب ْ‬ ‫ل ُأمّ َلكَ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬هَذا ُ‬ ‫اخَْل ْع ُهمَا َ‬
‫طنِهِ‪،‬‬ ‫شغْلِهِ َفَأ ْث َبتّهُ فِي َب ْ‬ ‫خفّ وَهْ َو فِي ُ‬ ‫ن َمعْي فِي ال ُ‬ ‫ن كَا َ‬ ‫سكْي ٍ‬ ‫ت َيدْي إِلَى ِ‬ ‫خفّ‪َ ،‬و َم َددْ ُ‬ ‫إَِليّ ِل َي ْن َزعَ ال ُ‬
‫صحَابِي َفخَلَلْتُ َأ ْي ِد ِي ِهمْ‪،‬‬ ‫حجَرَهُ‪َ ،‬و ُقمْتُ إِلى َأ ْ‬ ‫ن َ َمتْنهِ‪ ،‬فَمَا زَادَ عَلى َفمٍ فَ َغرَهُ‪ ،‬وأََل َقمَ ُه َ‬ ‫وََأ َب ْنتَ ُه مِ ْ‬

‫‪5‬‬
‫ص ْرنَا إِلى الطّرِيقِ‪،‬‬ ‫ب ال َقتِيلَينِ‪ ،‬وَأ َد َر ْكنَا الرّفِيقَ َو َقدْ جَادَ ِبنَ ْفسِهِ‪ِ ،‬وصِارَ ِل َر ْمسِهِ‪َ ،‬و ِ‬ ‫عنَا سَلَ َ‬
‫َوتَ َوزْ َ‬
‫ن سُو ِقهَا رََأيْنَا َرجُلً َقدْ قَامَ عَلى رأَسِ‬ ‫خمْسٍ‪ ،‬فََلمّا ا ْن َت َه ْينَا إِلى ُفرْضَ ِة مِ ْ‬ ‫ص َب ْعدَ َليَالٍ َ‬ ‫حمْ َ‬ ‫َو َو َردْنا ِ‬
‫سكْينٍ‬ ‫خفّ‪َ ،‬و َم َددْتُ َيدْي إِلَى ِ‬ ‫عصِيةٍ‪ ،‬و ُهوَ يَقُولُ‪:‬عُهُ‪ُ ،‬ثمّ َدنَا إَِليّ ِل َي ْن َزعَ ال ُ‬ ‫ابْنٍ َو ُبنَيةٍ‪ِ ،‬بجِرابٍ َو َ‬
‫ن َ َمتْنهِ‪ ،‬فَمَا زَادَ عَلى َفمٍ َفغَرَهُ‪،‬‬ ‫طنِهِ‪ ،‬وََأ َب ْنتَ ُه مِ ْ‬
‫شغْلِهِ َفَأ ْث َبتّهُ فِي َب ْ‬
‫ن َمعْي فِي الخُفّ وَ ْهوَ فِي ُ‬ ‫كَا َ‬
‫ب ال َقتِيلَينِ‪ ،‬وَأ َد َر ْكنَا الرّفِيقَ َو َقدْ‬ ‫عنَا سَلَ َ‬ ‫صحَابِي َفخَلَلْتُ َأ ْي ِد ِي ِهمْ‪َ ،‬وتَ َوزْ َ‬ ‫ت إِلى َأ ْ‬ ‫جرَهُ‪َ ،‬وقُمْ ُ‬ ‫حَ‬‫وأَلَ َق َمهُ َ‬
‫خمْسٍ‪ ،‬فََلمّا ا ْن َت َه ْينَا‬ ‫ل َ‬ ‫حمْصَ َب ْعدَ َليَا ٍ‬ ‫ص ْرنَا إِلى الطّرِيقِ‪ ،‬وَ َو َردْنا ِ‬ ‫جَادَ ِبنَ ْفسِهِ‪ِ ،‬وصِارَ ِل َر ْمسِهِ‪َ ،‬و ِ‬
‫عصِيةٍ‪ ،‬وهُ َو يَقُولُ‪:‬‬ ‫ن َو ُبنَيةٍ‪ِ ،‬بجِرابٍ وَ َ‬ ‫إِلى ُفرْضَ ِة مِنْ سُوقِهَا رََأ ْينَا َرجُلً َقدْ قَامَ عَلى رأَسِ ابْ ٍ‬
‫جرَابِي َمكَارِمَهْ‬ ‫فِي ِ‬ ‫حشَـا‬ ‫ن َ‬‫حمَ الُ مَ ْ‬ ‫َر ِ‬
‫سعِيدٍ َوفَاطِـمَـهْ‬ ‫ِل َ‬ ‫ل َمـنْ َرنَـا‬ ‫َرحِمَ ا ُ‬
‫شكّ خَا ِدمَهْ‬ ‫ل َ‬ ‫وَ ْهيَ َ‬ ‫ِإنّـهُ خَـا ِدمٌ لَـكُـمْ‬
‫عنْهُ‪َ ،‬فإِذَا‬ ‫سأَلْتُ َ‬ ‫س ِمعْتُ بِهِ‪َ ،‬و َ‬ ‫س َك ْندَ ِريّ الّذي َ‬ ‫لْ‬ ‫ن هَذا ال ّرجُلَ ُهوَ ا ِ‬ ‫ت إِ ّ‬‫قَالَ عِيسَى ْبنُ ِهشَامٍ‪ :‬فَقُلْ ُ‬
‫ح ْك َمكَ فَقَالَ‪ :‬دِرْ َهمٌ‪ ،‬فَقُلْتُ‪:‬‬ ‫ح َت ِكمْ ُ‬
‫ت إَلَيهِ‪َ ،‬وقُلْتُ‪ :‬ا ْ‬ ‫ُهوَ ُهوَ‪ ،‬فَدَلَفْ ُ‬
‫س ِعدُنِي النّفَسْ‬ ‫مَا دَامَ ُي ْ‬ ‫َلكَ ِدرْ َهمٌ فِي ِمثْـلِـهِ‬
‫َك ْيمَا ُأنِيلُ الْم ْلتَـمَـس‬ ‫حسَا َبكَ وَال َتمِس‬ ‫حسُبْ ِ‬ ‫فَا ْ‬
‫شرِينَ‪ُ ،‬ثمّ قُلْتُ‪:‬‬ ‫حتّى ا ْن َت َهيْتُ إِلَى ال ِع ْ‬ ‫خ ْمسَةٍ‪َ ،‬‬ ‫َوقُلْتُ لَهُ‪ِ :‬درْ َهمٌ فِي ا ْثنَينِ فِي ثَلثَ ٍة فِي َأ ْربَع ٍة فِي َ‬
‫خذَلَنِ‪َ ،‬ولَ حِيلَ َة مَعَ‬ ‫صرَ مَ َع ال ِ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ت لَ ُه ِبهَا‪َ ،‬وقُلْتُ‪َ :‬‬ ‫عشْرونَ رَغِيفا‪َ ،‬فَأمَرْ ُ‬ ‫َكمْ َم َعكَ? قَالَ‪ِ :‬‬
‫ح ْرمَانِ‪.‬‬ ‫ا ْل ِ‬
‫ال َمقَامَ ُة الغَيْلنِيّةُ‬
‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪:‬‬ ‫ح َد َثنْي عِيسَى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫حدّثُ‪َ ،‬و َم َعنَا يَ ْو َم ِئذٍ َرجُلُ ال َعرَبِ حِفْظاُ َورِوَايةً‪ ،‬وَهَوَ‬ ‫ج َتمَعٍ لنَا َن َت َ‬ ‫جرْجَانَ‪ ،‬فِي ُم ْ‬ ‫ن ِب ُ‬‫َب ْينَا َنحْ ُ‬
‫صمِ ِه حِلْما‪ِ ،‬ومِنْ‬ ‫خ ْ‬ ‫عنْ َ‬ ‫عرَضَ َ‬ ‫لمُ إِلَى ِذكْرِ َمنْ َأ ْ‬ ‫ن َب ْدرٍ ال َفزَارِيّ‪ ،‬فَأفْضَى ِبنَا الكَ َ‬ ‫عصْمَ ُة بْ ُ‬ ‫ِ‬
‫حتِقَا ِر جَريرٍ‬ ‫ناْ‬ ‫ن مِ ْ‬ ‫حتّى َذ َكرْنَا الصَّلتَانَ ا ْل َع ْب ِديّ وَال َبيِثَ‪َ ،‬ومَا كَا َ‬ ‫حتِقَارا‪َ ،‬‬ ‫صمِ ِه ا ْ‬‫خ ْ‬ ‫عنْ َ‬ ‫عرَضَ َ‬ ‫َأ ْ‬
‫غيْري‪َ ،‬ب ْينَمَا َأنَا‬ ‫عنْ َ‬‫ح ّد ُث ُكمْ َ‬
‫عيْني‪َ ،‬ولَ ُأ َ‬ ‫ح ِد َثكُم ِبمَا شَا َه َدتْهُ َ‬ ‫سُأ َ‬‫عصْمَةُ‪َ :‬‬ ‫ق َل ُهمَا‪ ،‬فَقَالَ ِ‬ ‫وَال َف َر ْزدَ ِ‬
‫ج ْعدِ الّلغَامِ‪ ،‬فَحَاذَانِي‬ ‫ن ليَ رَاكِبٌ عَلىَ َأ ْورَقٍ َ‬ ‫جنِيبَةً‪ ،‬ع ّ‬ ‫جيَبةً‪ ،‬وَقائِدا َ‬ ‫َأسِيرُ فِي بِلدِ َتمِيمٍ ُم ْر َتحِلً َن ِ‬
‫حمَ ُة الِ‬‫شبَحِ َرفَعَ صَ ْوتَ ُه بِالسّلمُ عََل ْيكَ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬وعََل ْيكَ السّلمُ َو َر ْ‬ ‫ح بِال ّ‬ ‫شبَ ُ‬
‫صكّ ال ّ‬ ‫حتّى إِذا َ‬ ‫َ‬
‫ن بْنُ عُ ْق َبةَ‪ ،‬فَقُلتُ‪:‬‬ ‫غيْلَ ُ‬
‫لمِ? فَقَالَ‪َ :‬أنَا َ‬ ‫لسْ َ‬ ‫حيّي ِبتَحيّة ا ِ‬ ‫لمِ ال ُم َ‬ ‫ب الجَهيرُ الكَ َ‬ ‫َو َبرَكاتُهُ‪ ،‬مَنِ الرّاكِ ُ‬
‫ن َأنْتَ?‬ ‫ع ّز َناِد َيكَ‪ ،‬فَمَ ْ‬ ‫سبُهُ‪ ،‬السّا ِئرُ َم ْنطِقُهُ‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬رَحُبَ وَادِيكَ‪ ،‬وَ َ‬ ‫شهِيرِ َن َ‬ ‫حسَبهُ ال ّ‬ ‫َم ْرحَبا بِالكَرِيم َ‬
‫س ْرنَا فَلَمّا‬ ‫ب وال ّرفِيقُ‪َ ،‬و ِ‬ ‫ل ِن ْعمَ الصّدِيقُ‪ ،‬وَالصَاح ُ‬ ‫عصْم ُة بْنُ بَدرٍ ال َفزَا ِريّ‪ ،‬قَالَ‪ :‬حَياّكَ ا ُ‬ ‫قُلْتُ‪ِ :‬‬
‫شمْسُ? فَقُلْتُ‪َ :‬أنْتَ َوذَاكَ‪َ ،‬فمِ ْلنَا إِلِى شَجراتٍ َألَءٍ‬ ‫صهَ َر ْتنَا ا ْل ّ‬ ‫عصْم ُة فَ َقدْ َ‬ ‫جرْنا قَالَ‪َ :‬ألَ ُنغَ ّورُ يَا ِ‬ ‫َه ّ‬
‫ططْنَا ِرحَاَلنَا‪َ ،‬ونِ ْلنَا مِنَ‬ ‫حَ‬‫حهُنّ‪ ،‬فَ َ‬ ‫ث ُتنَا ِو ُ‬‫شرْنَ غَدائِرَهُنّ‪ِ ،‬لثَل ٍ‬ ‫َكَأ ْنهُنّ عَذارَى ُم َتبَرّجاتٌ‪ ،‬قَد َن َ‬
‫حدٍ ِمنّا إِلى ظِلّ َأثَل ٍة ُيرِيدُ ا ْلقَائِلَةَ‪،‬‬ ‫ل كُلّ وَا ِ‬ ‫ن ذُو الرّمَ ِة زَهِيدَ الَكلِ‪َ ،‬وصَّل ْينَا َبعْدُ‪ ،‬وَآ َ‬ ‫طعَامِ‪ ،‬وَكا َ‬ ‫ال ّ‬
‫ع ْينَاي لَ‬ ‫لرْضَ‪ ،‬وَ َ‬ ‫ظ ْهرِي ا َ‬ ‫صنِيعِهِ‪ ،‬فَوَّليْتُ َ‬ ‫صنَعَ ِمثَلَ َ‬ ‫ن َأ ْ‬‫طجَعَ ذُو الرّمّةِ‪ ،‬وََأ َردْتُ أَ ْ‬ ‫ضَ‬ ‫وَا َ‬
‫طهَا مُلْقىً‪ ،‬وَِإذَا َرجُلٌ قَا ِئمٌ‬ ‫غبِي ُ‬ ‫حيَتْ َو َ‬ ‫ضِ‬ ‫غ ْيرَ َبعِيدٍ إِلَى نَاقَةٍ َك ْومَاءَ َقدْ َ‬ ‫غمْضٌ‪َ ،‬ف َنظَرْتُ َ‬ ‫َيمِْل ُك ُهمَا ُ‬
‫عمّا لَ َي ْعنِينِي? َونَام ذُو ال ّرمّةِ‬ ‫ع ْن ُهمَا‪ ،‬وَما َأنَا وَالسّؤالَ َ‬ ‫عسِيفٌ َأوْ َأسِيفٌ فََلهِيتُ َ‬ ‫َيكْلُهَا كَأنّهُ َ‬
‫ن ذِلكَ فِي َأيّامِ ُمهَاجاتِ ِه ِلذَلكَ ا ْل ُم ّريّ‪َ ،‬فرَفَعَ عَقِي َرتَهُ وََأ ْنشَدَ َيقُولُ‪:‬‬ ‫غرَارا‪ُ ،‬ثمّ ا ْن َتبَهَ‪َ ،‬وكاَ َ‬ ‫ِ‬
‫صفُ الرّامِسُ‬ ‫أََلظّ بِ ِه العَا ِ‬ ‫ن َميّ َة الطّلَلُ الـدّارِسُ‬ ‫َأمِ ْ‬
‫ستَ ْو َقدٌ مَا َلهُ قَـابِـس‬ ‫َو ُم ْ‬ ‫شجِيجُ الْقَـذَالِ‬ ‫ل َ‬ ‫فَلَمْ َي ْبقَ ِإ َ‬
‫حتَفَلٌ دَارِسٌ طامِـسُ‬ ‫َو ُم ْ‬ ‫ن جَانِـبَـيْهِ‬ ‫ض َتثَّلمَ مِ ْ‬ ‫َوحَوْ ٌ‬
‫لنْـسُ وَالِنـسُ‬ ‫َو َميّهُ وَا ِ‬ ‫عهْدي بِهِ َو ِبهِ سَـكْـنُـهُ‬ ‫وَ َ‬
‫غزَالً ترَاءَى َلهُ عَاطِسٌ‬ ‫َ‬ ‫َكَأنّي ِب َميّ َة ُمسْـتَـنْـفِـرٌ‬
‫رَقِيبٌ عََليْها َلهَا حَـارِسٌ‬ ‫ج ْئ ُتهَا َردّنيِ عَـابِـسٌ‬ ‫ِإذَا ِ‬

‫‪6‬‬
‫ُي َغنّي بِها العَا ِبرَ الجَالِـسُ‬ ‫س َم ْأثُورَةٌ‬
‫س َتأْتِي ا ْمرِأَ الْ َقيْ ِ‬
‫َ‬
‫أََلظّ بِ ِه دَا ُؤهُ الـنّـاجِـسُ‬ ‫س قَـدْ‬ ‫ن امْرأَ ال َقيْ ِ‬ ‫أََلمْ َترَ أَ ّ‬
‫جرُ ا ْليَابِـسُ‬ ‫حَ‬ ‫وَهَلْ َيأََلمُ ال َ‬ ‫ُهمُ ال َق ْومُ لَ َيأََلمُونَ ا ْل ِهجَاءَ‬
‫ل َل ُهمُ فِي الوَغَى فَارِسُ‬ ‫َو َ‬ ‫َفمَا َل ُهمُ في ا ْلعُلَ رَاكِـبٌ‬
‫ل َدمَ الدّاعِـسُ‬ ‫ساْ‬ ‫َكمَا دَعَ َ‬ ‫لمِ‬ ‫ُم َم ْرطَلةٌ فِي حِياضِ المَ َ‬
‫ط ِرقُ النّاعِسُ‬ ‫َفطَ ْر ُفهُمُ ال ُم ْ‬ ‫س لِ ْل َمكْرُماتِ‬ ‫طمَحَ النّا ُ‬ ‫ِإذَا َ‬
‫َفكًلّ َأيَامَاهُـمُ عـانِـسُ‬ ‫صهَارَهُـمْ‬ ‫لكَا ِرمُ ِإ ْ‬ ‫َتعَافُ ا َ‬
‫ع ْي َنيْهِ‪َ ،‬ويَقُولُ‪َ :‬أذُو ال ّر َم ْيمَ ِة َي ْمنَ ُعنِي النّ ْو َم ِبشِعْر‬
‫ل َي ْمسَحُ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫فََلمّا بَلَغَ هَذا ال َبيْتَ َت َنبّ َه ذَِلكَ النّا ِئمُ‪َ ،‬و َ‬
‫حمِى ذُو ال ّرمّ ِة فَقَالَ‪:‬‬ ‫ن هَذا? فَقَالَ‪ :‬ا ْل َفرَ ْز َدقُ‪َ ،‬و َ‬ ‫غيْلَنُ‪ ،‬مَ ْ‬ ‫غ ْيرِ ُمثَ ّقفٍ َولَ سَائِر? فَقُلْتُ يَا َ‬
‫سقِ َم ْنبِ َتهُـمْ رَاجِـسُ‬ ‫فلَم َي ْ‬ ‫ل ْرذَلُـونَ‬ ‫وََأمّا مُجاشِـعٌ ا َ‬
‫حبِس ُهمُ حَـابِـسُ‬ ‫عِقَالٌ‪َ ،‬و َي ْ‬ ‫ن َمسَاعِي ا ْل ِكرَام‬ ‫س َيعْقَِلهُمُ عَ ْ‬
‫َ‬
‫ن قَالَ‪ُ :‬ق ْبحَا‬‫ل مَا زَادَ ال َف َر ْزدَقُ عَلى أَ ْ‬ ‫ش َرقُ فَ َيثُورُ‪َ ،‬و َي ُعمّ هذا وَقبِيَلتُهُ بِال ِهجَاءِ‪ ،‬فَوَا ِ‬ ‫فَقُلْتُ‪ :‬النَ َي ْ‬
‫شيْئا‪َ ،‬وسَارَ ذُو‬ ‫ض ِل ِمثْلي ِبمَقالٍ ُم ْن َتحَلٍ? ُثمّ عَادَ فِي َن ْومِ ِه َكأَنْ َل ْم َيسْمَ ْع َ‬ ‫ك يا ذَا ال ّر َم ْيمَةِ! َأ َتعْرِ ُ‬ ‫لَ‬
‫حتّى ا ْفتَ َرقْنَا‪.‬‬ ‫لرَى فِيهِ ا ْن ِكسَارا َ‬ ‫ت َمعَهُ‪ ،‬وَِإنّي َ‬ ‫ال ّرمّةِ َوسِرْ ُ‬
‫ال َمقَامَةُ الَذْرَبِيجَانِيّةُ‬
‫ص ْبتُهُ‪،‬‬
‫ت ِبمَالٍ سَل ْبتُهُ‪ ،‬أَو َكنْزٍ َأ َ‬ ‫قَالَ عِيسَى ْبنُ ِهشَامٍ‪َ :‬لمّا نَطّ َقنِي ا ْل ِغنَى بِفَاضِلِ َذيْلِهِ‪ ،‬اّتهِم ُ‬
‫ت إَِل ْيهَا‬‫س ْيرُ‪َ ،‬ولَ ا ْه َتدَ ْ‬ ‫خيْلُ‪َ ،‬وسَلكتُ فِي َهرَبِي َمسَاِلكَ َلمْ َي ُرضْهَا ال ّ‬ ‫سرَتْ بِي ال َ‬ ‫َفحَفَزَنيِ الّليْلُ‪َ ،‬و َ‬
‫جدْتُ َب ْردَهُ‪،‬‬ ‫ن َوَو َ‬ ‫لمْ ِ‬ ‫حمَى ا َ‬ ‫صرْتُ إِلى ِ‬ ‫حدّهُ‪َ ،‬و ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ت َأرْضَ الرّعْبِ َوتَجا َوزْ ُ‬ ‫حتّى طَ َويْ ُ‬ ‫ط ْيرُ‪َ ،‬‬
‫ال ّ‬
‫ت الرّوَاحِلُ‪ ،‬وَأكََل ّتهَا ال َمرَاحِلُ‪ ،‬وََلمّا بََل ْغ ُتهَا‪:‬‬ ‫ن و َقدْ حَ ِفيَ ِ‬ ‫َوبََلغْتُ َأ ْذ َربِيجَا َ‬
‫شهْرا‬‫حتّى َأ َق ْمنَا بِها َ‬ ‫فَطَابَتْ َلنَا َ‬ ‫ن المُـقَـامَ ثَـلثَةٌ‬ ‫َنزَ ْلنَا عَلى أَ ّ‬
‫ع َت َمدَها‪ ،‬وَدنّيّ ٍة َقدْ‬ ‫ضدَهَا َوعَصا قَدِ ا ْ‬ ‫ع َت َ‬‫ض َأسْوَاقِها ِإذْ طَلَعَ َرجُلٌ ِب َركْوَ ٍة َقدِ ا ْ‬ ‫َف َب ْينَا أَنا يَوْما في ِبعْ ِ‬
‫ح ِييَ ا ْل ِعظَامِ‬ ‫شيَاءِ َومُعيدَهَا‪َ ،‬و ُم ْ‬ ‫لْ‬ ‫سهَا‪َ ،‬فرَفَعَ عَقِي َرتَهُ َوقَالَ‪ :‬الّل ُهمّ يا ُمبْ ِدئَ ا َ‬ ‫سهَا‪َ ،‬وفُوط ٍة ق ْد تَطَّل َ‬ ‫تَقَّل َ‬
‫لصْباحِ َو ُمنِيرَهُ‪َ ،‬ومُوصِلَ اللءِ سا ِبغَ ًة إَِليْنا‪،‬‬ ‫ق ا ْلمِصْباحِ َو ُمدِيرَهُ‪ ،‬وفاِلقَ ا ِ‬ ‫َو ُمبِيدَها‪َ ،‬وخَالِ َ‬
‫سمِاءِ سَقْفا‬ ‫س سِرَاجا‪ ،‬وال ّ‬ ‫شمْ ِ‬ ‫سمِ َأزْواجا َوجَاعِلَ ال ّ‬ ‫ن تَقَعَ عََل ْينَا‪َ ،‬وبَا ِرئَ ال ّن َ‬ ‫سمَا ِء أَ ْ‬
‫َو ُم ْمسِكَ ال ّ‬
‫عقِ‬ ‫ل الصّوا ِ‬ ‫ب ثِقَالً‪َ ،‬و ُمرْسِ َ‬ ‫سحَا ِ‬ ‫شئَ ال ّ‬ ‫سكَنا وَال ّنهَارِ َمعَاشا‪ ،‬و ُم ْن ِ‬ ‫ل َ‬ ‫لرْضِ ِفرَاشا‪َ ،‬وجَاعِلَ الّليْ ِ‬ ‫وا َ‬
‫ح ّمدٍ وآلِهِ‬ ‫س ّيدِ ال ُم ْرسَلينَ‪ُ ،‬م َ‬ ‫سأََلكَ الصّلةَ عَلى َ‬ ‫ِنكَالً‪ ،‬وَعَاِلمَ ما فَ ْوقَ ال ّنجُومِ وما َتحْتَ ال ّتخُومِ‪َ ،‬أ ْ‬
‫سهّلَ لِي عَلى‬ ‫ن ُت َ‬
‫عدُو ظِلّها‪ ،‬وأَ ْ‬ ‫حبَْلهَا‪ ،‬وَعلى ال ُعسْرَ ِة أَ ْ‬ ‫ن ُتعِينَني على ال ُغ ْربَةِ َأ ْثنِي َ‬ ‫الطّاهِرينَ‪ ،‬وأَ ْ‬
‫حقّ ا ْل ُمبِينِ‪،‬‬ ‫ن ال َ‬‫س ِعدَ بالدّينِ ا ْل َمتِينِ‪ ،‬وََل ْم َي ْعمَ عَ ِ‬ ‫ط ْهرَةُ‪َ ،‬و َ‬ ‫ط َرتْهُ ال ِفطْرَةُ‪ ،‬وََأطَْل َعتْهُ ا ْل ّ‬ ‫ن فَ َ‬‫َي َديْ مِ ْ‬
‫س ُعنِي وال ّرفِيقَ‪.‬‬ ‫طرِيقَ‪ ،‬وزَادا َي َ‬ ‫رَاحِل ًة َتطْوِى َهذَا ال ّ‬
‫س َك ْندَ ِر ّينَا َأبِي ال َف ْتحِ‪ ،‬وَا ْلتَفَتّ‬‫ن هذَا ال ّرجُلَ َأ ْفصَحُ ِمنْ ِإ ْ‬ ‫جيْتُ نَ ْفسِي ِبأَ ّ‬ ‫ن ِهشَامٍ‪َ :‬فنَا َ‬ ‫قَالَ عيسَى بْ ُ‬
‫شعْبِ‬ ‫لرْضَ َك ْي ُدكَ‪ ،‬وا ْنتَهى إِلى هذَا ال ّ‬ ‫ت يَا َأبَا ال َفتْحِ بَلَ َغ هذِ ِه ا َ‬‫لَ ْف َتةً َفِإذَا ُهوَ والِ َأبُو الْ َفتْحِ‪ ،‬فَقُلْ ُ‬
‫شأَ يَقُولُ‪:‬‬ ‫صيْ ُدكَ? َفَأنْ َ‬‫َ‬
‫لفُـقْ‬ ‫دِ وجَوّا ِبةُ ا ُ‬ ‫أِنا جَوّالةُ الـبِـل‬
‫طرُقْ‬ ‫عمّارَ ُة ال ّ‬ ‫نِ َو َ‬ ‫خ ْذرُوَف ُة الزّمـا‬ ‫َأنَا ُ‬
‫دُ عَلَى ُك ْديَتي و ُذقْ‬ ‫لَ َتُل ْمنِي َلكَ الّرشَا‬
‫الْ َمقَامَ ُة الجُ ْرجَانِيّةُ‬
‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪:‬‬
‫ح ّد َثنَا عِيسَى بْ ُ‬
‫َ‬

‫‪7‬‬
‫س بِالطّويلِ ال ُم َت َم ّددِ‪ ،‬ول الْقصيرِ ال ُمتَ َر ّددِ‪ ،‬كَ ّ‬
‫ث‬ ‫ل ِمنّا‪ِ ،‬إذْ َو َقفَ عَل ْينَا َرجُلٌ َليْ َ‬ ‫حدّثُ وما فينا ِإ ّ‬ ‫جمَعٍ َلنَا َن َت َ‬‫ن ِبجُرجَانَ‪ ،‬فِي َم ْ‬ ‫َب ْينَا َنحْ ُ‬
‫لسْلمِ‪ ،‬فَ َولّنا جميلً‪ ،‬وَأوَْليْنا ُه جَزيلً‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬يا قَ ْو ُم ِإنّي امْرؤٌ ِمنْ‬ ‫حيّ ِة ا ِ‬
‫ح ا ْلكَلمَ بِالسّلمِ‪َ ،‬و َت ِ‬ ‫صغَارٌ فِي َأطْمارٍ‪ ،‬فا ْف َتتَ َ‬ ‫ال ُع ْثنُونِ‪َ ،‬يتْلُوهُ ِ‬
‫ضرَ‪ ،‬ودَارَيْ‬ ‫صيْتُ ال ِعرَاقَ‪َ ،‬وجُلْتُ ا ْل َبدْ َو وَا ْلحَ َ‬ ‫جبْتُ الفاق‪ ،‬وتَ َق ّ‬ ‫س ُ‬‫عبْ ٌ‬‫ت بِي َ‬ ‫حبَ ْ‬
‫لمَويّ ِة َن َمتْني سَُل ْيمٌ و َر ّ‬ ‫س َكنْ َد ِريّةِ‪ ،‬مِنَ ال ُثغُورِ ا َ‬
‫لْ‬‫لاِ‬ ‫أَهْ ِ‬
‫ل مِنْ أَ ْهلِ َثمّ َورَمّ‪ُ ،‬نرْغِي َلدَى‬ ‫سمَلي وَأطْماري‪ ،‬فَلَ َقدْ ُكنّا وَا ِ‬ ‫عنْد ُكمْ ما َترَ ْو َنهُ مِن َ‬ ‫ن بِي ِ‬ ‫حيْثُ ُكنْتُ‪ ،‬فَل ُي ْزرِيَ ّ‬ ‫َر ِب َيعَةَ َو ُمضَرَ‪ ،‬ما ُهنْتُ‪َ ،‬‬
‫ع ًندَ الرّواحِ‬ ‫ح و ُن ْثغِى ِ‬‫الصّبا ِ‬
‫ل وال ِفعْلُ‪.‬‬ ‫وَأ ْن ِديَةٌ يَنتَابُها القَوْ ُ‬ ‫حسَانٌ ُوجُو ُههُم‬ ‫ت ِ‬ ‫وفينَا مَقَامَا ٌ‬
‫ُثمّ ِإنّ الدّ ْهرَ يا قَ ْو ُم قَلَبَ لِي‬ ‫سمَاحَةُ وال َبذْلُ‬‫ن ال ّ‬ ‫ع ْندَ المُقِلّي َ‬‫ن َي ْع َترِي ِهمُ َو ِ‬
‫عَلَى ُم ْكثِرِي ِهمْ َرزْقُ مَ ْ‬
‫ث ال ّزمَ ِ‬
‫ن‬ ‫سهَر‪ ،‬وبالِقامَ ِة السّ َفرَ‪َ ،‬ت َترَامى بِي ال َمرَامي‪ ،‬و َت َتهَادَى بِي المَوَامِي‪َ ،‬وقََل َعتْنِي حَوَادِ ُ‬ ‫ت بِالنّ ْومِ ال ّ‬
‫عتَضْ ُ‬ ‫ظ ْهرَ ا ْل ِمجَنّ‪ ،‬فا ْ‬
‫ن َب ْينِهمْ َ‬
‫مِ ْ‬
‫لسْفارِ‪،‬‬ ‫لنَاءِ‪ ،‬مالِي إِلّا كَآبَ ُة ا َ‬‫ت فَا ِرغَ الفِناءِ‪ ،‬صَ ِفرَ ا ِ‬ ‫صبَحْ ُ‬‫ن صَ ْفحَةِ ا ْلوَليدِ‪ ،‬وَأ ْ‬
‫عرَى مِ ْ‬
‫صبِحُ وُأ ْمسِي َأنْقَى مِنَ الرّاحَةِ وَأ ْ‬ ‫صمْغَةِ‪َ ،‬فُأ ْ‬ ‫قلْعَ ال ّ‬
‫جرُ‪.‬‬‫حَ‬‫و ُم َعَاقَرَ ُة السّفَارِ‪ُ ،‬أعَانِي الفَ ْقرَ‪ ،‬وأمَاني الْقَ ْفرَ‪ ،‬فِراشِي ا ْل َمدَرُ‪َ ،‬و ِوسَادِي ال َ‬
‫حيَانا ِب َميّا فَـا ِرقِـينَـا‬ ‫وَأ ْ‬ ‫بِآم َد مَرّ ًة َوبِـرأْسِ عَـيْنٍ‬
‫طرَحُ بيِ‬ ‫ت النّوَى َت ْ‬ ‫فَما زَالَ ِ‬ ‫وَازِ َرحْلِي وَلَيلَ ًة بِا ْل ِعرَاقِ‬ ‫َليْلَ ًة بِالشّآمِ ثُـمّـتَ بِـالهْ‬
‫ج ْفنَةً‪،‬‬
‫ظمِهشمْ َ‬
‫عَ‬‫ت لِ ْ‬‫حبّاؤُهَا‪ ،‬وَل ِكنّي مِلْ ُ‬
‫شرَأَبّ إَِلىّ َأ ِ‬ ‫حيَاؤُهَا‪ ،‬وََأ ْ‬
‫جرِ وََأحَلّتنِي بََلدَ َه َمذَانَ‪ ،‬فَ َقبَِلنِي َأ ْ‬‫حَ‬
‫طئْتُ بِلدَ ال َ‬
‫حتّى َو ِ‬ ‫طرَحٍ‪َ ،‬‬
‫كُلّ َم ْ‬
‫وََأزْ َهدِ ِهمْ جَفْوةً‪:‬‬
‫ضجَعا‪َ ،‬و َم ّهدَ‬‫طأَ لِي َم ْ‬
‫فَ َو ّ‬ ‫ن أُ ْل ِبسَتِ الْ ِقنَاعَا‬‫ِإذَا النّيرا ُ‬ ‫َل ُه نَارٌ ُتشَبّ عَلَى يَفَـاعٍ‬
‫ع ْنهَا َقدْرِي‪ ،‬وَا ّتسَعَ ِبهَا‬‫غ ْيرِ َقتَمانٍ‪ ،‬وَأَوْلني ِنعَما ضَاقَ َ‬ ‫ل َبدَا فِي َ‬ ‫س ْيفٌ َيمَانٍ‪ ،‬أَ ْو هِلَ ٌ‬ ‫ن كَأنّهُ َ َ‬ ‫ب ِليَ ابْ ٌ‬‫لِي َم ْهجَعا‪ ،‬فَإِنْ َونَى ِليَ َونْي ًة هَ ّ‬
‫ن طُلُوعَ‬ ‫حيْثُ تَوَاَلتْ‪ ،‬وَال ّد َيمُ َلمّا ا ْنثَالتْ‪ ،‬فَطََلعْتُ ِمنْ َه َمذَا َ‬
‫طّي َر ْتنِي إِل ّال ّن َعمُ َ‬
‫خرُها أَ ْلفُ دِينَارٍ‪ ،‬فَمَا َ‬ ‫صَ ْدرِي‪َ ،‬أوّ ُلهَا َفرْشُ الدّارِ‪ ،‬وَآ ِ‬
‫ي خَلّفْتُ ُأ ّم ّمثْوَايَ َوزُغْل ُولً لِي‪.‬‬ ‫الشّا ِردِ‪َ ،‬ونَ َفرْتُ نِفَارَ الْآ ِبدِ‪َ ،‬أفْرِي ا ْل َمسَاِلكَ‪ ،‬وََأ ْقتَفِرُ ال َمهَاِلكَ‪ ،‬وََأعَانِي ا ْل َممَالِكَ‪ ،‬عَلَى َأّن َ‬
‫ت بِي إَِل ْي ُكمْ رِيحُ‬
‫َو َقدْ َهبّ ْ‬ ‫حيّ مَ ْفصُومُ‬ ‫عذَارَى ال َ‬ ‫ب مِنْ َ‬‫فِي مَ ْلعَ ٍ‬ ‫كَأنّ ُه ُ ْدمُـلٌـج مِـنْ فِـضّ ٍة نَـبَـهٌ‬
‫ن اَلَأنْقَاضِ َم ْهزُولٍ‪َ ،‬ه َدتْ ُه الحَاجَةُ‪َ ،‬و َك ّدتْ ُه الْفَاقَةُ‪:‬‬ ‫ض مِ َ‬‫ح َم ُكمُ الُ ِلنِقْ ٍ‬ ‫ظرُوا َر ِ‬ ‫ح ِتيَاجِ‪َ ،‬و َنسِيمُ الِلْفَاجِ‪ ،‬فَانْ ُ‬
‫لْ‬‫اِ‬
‫خ ْيرِ عََل ْي ُكمْ‬
‫ل الُ لِل َ‬ ‫جعَ َ‬‫َ‬ ‫غبَـرُ‬ ‫شعَثُ َأ ْ‬ ‫بِ ِه فَلَوَاتٌ؛ َفهْوَ َأ ْ‬ ‫ب َأرْضٍ‪ ،‬تَقَاذَفَتْ‬ ‫َأخَا سَ َفرٍ‪ ،‬جَوّا َ‬
‫سبِيلً‪.‬‬
‫شرّ إَِل ْي ُكمْ َ‬‫جعَلَ لِل ّ‬‫دَلِيلً‪َ ،‬ولَ َ‬
‫عنّا حَامِدا‬ ‫عرَضَ َ‬ ‫ح فِي ذِلكَ الْ َوقْتِ‪ ،‬وَأ ْ‬ ‫لمِ ِه ال ُعيُونُ‪َ ،‬ونُ ْل َناُه مَا تَا َ‬ ‫طفِ ك َ‬ ‫غرَ ْو َرقَتْ لُِل ْ‬‫قَالَ عِيسَى ْبنُ ِهشَامٍ‪َ :‬فرَقّتْ وَالِ َل ُه الْقُلُوبُ‪ ،‬وَا ْ‬
‫سكَ ْن َدرِيّ‪.‬‬
‫لْ‬ ‫خنَا َأبُو الْ َفتْح ا ِ‬ ‫ش ْي ُ‬
‫لَنا‪َ ،‬ف َت ِب ْعتُهُ‪ ،‬فَِإذَا ُهوَ وَالِ َ‬
‫صفَهَانِيّةُ‬
‫ال َمقَامَ ُة ا ْلأَ ْ‬
‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪:‬‬ ‫ح ّدثَنا عِيسَى ْب ُ‬ ‫َ‬
‫ل َ ْلمَحةٍ‪ ،‬وََأ َت َرقّبُ‬‫ع َت ِزمُ ال َمسِيرَ إِلى ال ّريّ‪َ ،‬فحَلَ ْل ُتهَا حُلُولَ أَ ْل َفيّ‪َ ،‬أ َت َوقّعُ الْقَافِلةَ كُ ّ‬ ‫ت ِبأَصْ َفهَانَ‪ ،‬أَ ْ‬ ‫ُكنْ ُ‬
‫لجَابَةِ‪،‬‬ ‫صاِ‬ ‫ن فَرْ ُ‬ ‫س ِم ْعتُهُ‪ ،‬و َت َعيّ َ‬ ‫حمّ مَا َت َو ّقعْتُ ُه نُو ِديَ لِلصّل ِة ِندَاءً َ‬ ‫صبْحَةٍ‪ ،‬فََلمّا ُ‬‫ل ّ‬ ‫الرّاحِلَةَ ك ّ‬
‫س َت َعنْتُ‬‫ت القَافِلَةِ َأ ْت ُركَها‪َ ،‬ل ِكنّي ا ْ‬ ‫خشَى فَوْ َ‬ ‫ج َماَع َة ُأ ْد ِر ُكهَا‪ ،‬وَأ ْ‬
‫غ َت ِنمُ ال َ‬
‫صحَابةِ‪ ،‬أَ ْ‬‫ن َبيْنِ ال ّ‬ ‫فَا ْنسَلَلْتُ مِ ْ‬
‫ل َماُم‬‫ت لِلْ ُوقُوفِ‪َ ،‬وتَ َق ّدمَ ا ِ‬ ‫ت إِلَى أَوّلِ الصَُفُوفِ‪َ ،‬و َمثَلْ ُ‬ ‫عثَا ِء الفَلةِ‪َ ،‬فصِرْ ُ‬ ‫ِببَركاتِ الصّلةِ‪ ،‬عَلى وَ ْ‬
‫ح ْمزَةَ‪َ ،‬مدّةً وَ َه ْمزَةً‪َ ،‬وبِي ا ْل َغمّ ا ْلمُقِيمُ ا ْلمُ ْق ِع ُد في فَ ْوتِ‬ ‫حرَابِ‪ ،‬فَ َقرَأَ فَا ِتحَةَ الكتَابِ‪ ،‬بِقِراءَ ِة َ‬ ‫إِلى ال ِم ْ‬
‫صبْرِ وََأ َتصَلّبُ‪ ،‬وََأتَقَلّى‬ ‫عنِ الرّاحِلَةِ‪ ،‬وَا ْتبَ َع الفَا ِتحَةَ الوَا ِقعَةَ‪ ،‬وََأنَا َأتَصَلّى نَارَ ال ّ‬ ‫القَافِلَةِ‪ ،‬وَال ُب ْعدِ َ‬
‫خشُونَةِ‬ ‫ع َرفْتُ ِمنْ ُ‬ ‫لمُ وَالْ َق ْبرُ؛ ِلمَا َ‬ ‫صبْرُ‪ ،‬أَ ِو الكَ َ‬ ‫سكُوتُ وَال ّ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ج ْمرِ ال َغيْظِ وَأتَقَلّبُ‪َ ،‬وَ ْليَس ِإ ّ‬ ‫عَلى َ‬
‫ضرُورَةِ‪ ،‬على تِ ْلكَ‬ ‫ن السّلم‪ ،‬فَ َوقَفْتُ بِ َق َدمِ ال ّ‬ ‫طعًتِ الصّلةُ دُو َ‬ ‫ك المَقامِ‪َ ،‬أنْ َلوْ ُق ِ‬ ‫القَو ِم فِي ذَل َ‬
‫حنَى قَ ْوسَهُ‬ ‫ن ال ّرحْلِ وَالرّاحِلَةِ‪ُ ،‬ثمّ َ‬ ‫الصّورَ ِة إِلَى ا ْن ِتهَاءِ السّو َرةِ‪َ ،‬و َقدْ َقنِطْتُ ِمنَ القَافِلَةِ‪ ،‬وَِأ ِيسْتُ مِ َ‬
‫ن َقبْلُ‪ُ ،‬ثمّ َرفَعَ رََأسَهُ َو َيدَهُ‪،‬‬ ‫ع َه ْدهُ مِ ْ‬
‫خضُوعِ‪َ ،‬لمْ أَ ْ‬ ‫خشُوعِ‪َ ،‬وضَرْبٍ من ال ُ‬ ‫لِ ْل ّركُوع‪ِ ،‬بنَ ْوعِ ِمنَ ال ُ‬
‫ج ِبيِنهِ‪،‬‬‫ب ِل َ‬
‫ضرَبَ ِب َي ِم ِينِهِ‪ ،‬وََأكَ ّ‬ ‫ش َككْتُ َأنّهُ َقدْ نَامَ‪ُ ،‬ثمّ َ‬ ‫حتّى مَا َ‬ ‫ح ِمدَهُ‪َ ،‬وقَامَ‪َ ،‬‬ ‫ن َ‬ ‫سمِعَ الُ ِلمَ ْ‬ ‫َوقَالَ‪َ :‬‬
‫سجُودِ‪،‬‬ ‫ن الصّفُوفِ ُف ْرجَةً‪َ ،‬ف ُعدْتُ إِلَى ال ّ‬ ‫جهِهِ‪َ ،‬و َر َفعْتُ رََأسِي َأ ْنتَهزُ ُفرْصةً‪ ،‬فََلمْ َأرَ َبيْ َ‬ ‫ُثمّ ا ْنكَبّ ِل َو ْ‬
‫ع ْمرَ‬ ‫ستَ ْوفَى بِها ُ‬ ‫حتّى كبّر لِلْ ُقعُودِ‪ ،‬وَقامَ إِلى الرّكْع ِة الثّا ِنيَةِ‪ ،‬فَقَرََأ الفَا ِتحَةَ وَالقَارِعَةَ‪ِ ،‬قرَاءَ ًة ا ْ‬ ‫َ‬

‫‪8‬‬
‫ل إِلَى‬ ‫ح َييْهِ‪َ ،‬ومَا َ‬ ‫ش ّهدِ بَِل ْ‬ ‫ن َر ْكعَ َتيْهِ‪ ،‬وََأ ْقبَلَ عَلى ال ّت َ‬ ‫عةِ‪ ،‬فََلمّا فَ ِرغَ مِ ْ‬ ‫جمَا َ‬‫السّاعَةِ‪ ،‬وَاستَ ْن َزفَ َأرْوَاحَ ال َ‬
‫ن ِم ْنكُمْ‬‫ن كا َ‬ ‫سهّلَ الُ اَلمْخرَجَ‪َ ،‬و َقرّبَ ال َفرَجَ‪ ،‬قَامَ َرجُلٌ َوقَالَ‪ :‬مَ ْ‬ ‫عيْهِ‪َ ،‬وقُلْتُ‪َ :‬قدْ َ‬ ‫خدَ َ‬
‫حيّ ِة ِبَأ ْ‬
‫ال ّت ِ‬
‫س ْمعَ ُه سَاعَةً‪.‬‬ ‫عةَ‪ ،‬فَلْ ُي ِع ْرنِي َ‬ ‫جمَا َ‬ ‫ب الصّحَابَةَ وال َ‬ ‫ُيحِ ّ‬
‫غيْرَ‬‫ن لَ َأقُولَ َ‬ ‫صيِانَةَ ِل َع ْرصِي‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬حَقِيقٌ عََليّ أَ ْ‬ ‫ن ِهشَامٍ‪ :‬فَلَ ِزمْتُ َأ ْرضِي‪ِ ،‬‬ ‫عيَسى بْ ُ‬ ‫قَالَ ِ‬
‫حتّى ُيطَ ّهرَ الُ هَذا‬ ‫شاَرةٍ ِمنْ َنبِي ُكمْ‪ ،‬ل ِكنّي لَ ُأ َؤدّيهَا َ‬ ‫ج ْئ ُتكُ ْم ِببِ َ‬
‫ص ْدقِ‪َ ،‬قدْ ِ‬ ‫ل بِال ّ‬ ‫ش َهدَ ِإ ّ‬‫حقْ‪ ،‬وَل َأ ْ‬ ‫ال َ‬
‫حدُ ُنبُو َءتَهُ‪.‬‬
‫جَ‬ ‫ن كُلّ َنذْلٍ َي ْ‬ ‫ال َمسْجدَ مِ ْ‬
‫ل السّودِ‪ُ ،‬ث ّم قَالَ‪ :‬رَأ ْيتُهُ صَلّى الُ عََليْهِ‬ ‫حبَا ِ‬
‫شدّني بِال ِ‬ ‫قَالَ عِيسَى ْبنُ ِهشَامٍ‪َ :‬ف َربَطني بِالْ ُقيُودِ‪َ ،‬و َ‬
‫سحَبُ ال ّذيْلَ‬ ‫ت الغَمامِ‪ ،‬وَال َب ْدرِ َليْلَ ال ّتمَامِ‪َ ،‬يسِيرُ وَال ّنجُومُ ت َت ْبعَهُ‪ ،‬و َي ْ‬ ‫شمْسِ َتحْ َ‬ ‫َوسَّلمَ فِي ال َمنَامِ‪ ،‬كال ّ‬
‫ل ْورَاق ِبخَلُوقٍ‬ ‫ن أُعَّل َم ذَلِك ُأ ّمتَهُ‪َ ،‬ف َكتَ ْبتُهُ عَلَى هذِهِ ا َ‬ ‫والمَل ِئكَ ُة َترْ َفعُهُ‪ ،‬ثمّ عَلمَني دُعَاءً َأ ْوصَانِي أَ ْ‬
‫خ ْذتُهُ‪.‬‬
‫ن ال ِق ْرطَاسِ َأ َ‬ ‫ن َردّ عََليّ َثمَ َ‬ ‫ستَوْ َهبَ ُه مِنيّ وَ َه ْبُتهُ‪َ ،‬ومَ ْ‬ ‫سكٍ‪َ ،‬فمَنِ ا ْ‬ ‫سكٍ‪َ ،‬وزَعْ َفرَانٍ َو ُ‬ ‫َو ِم ْ‬
‫ح ْذقِهِ‬
‫جبَا مِنْ ِ‬ ‫خرَجَ َف َت ِبعْتُ ُه ُم َت َع ّ‬ ‫حّي َرتْهُ‪َ ،‬و َ‬‫حتّى َ‬ ‫ن ِهشَامٍ‪ :‬فَلَ َقدِ ا ْنثِالَتْ عَليهِ ال ّدرَا ِهمُ َ‬ ‫قَالَ عِيسى بْ ُ‬
‫حتَهُ‬ ‫ت فَصَا َ‬ ‫سكْتُ‪َ ،‬و ِب ُمكَالَ َمتِ ِه فَسكَتّ‪َ ،‬و َتَأمّلْ ُ‬ ‫ن حَالِ ِه فََأ ْم َ‬ ‫سأََلتِهِ عَ ْ‬ ‫ِبزَ ْرقِهِ‪َ ،‬و َت َمحّلِ ِرزِقِهِ‪ ،‬و َه َممْتُ ِب َم ْ‬
‫ظرْتُ فإِذَا‬ ‫خ َذهُ المَالَ ب َوسِيَلتِهِ‪َ ،‬و َن َ‬ ‫س ِتمَاحَتِهِ‪َ ،‬و َربْطَ ُه النّاسَ بِحيَلتِهِ‪ ،‬وََأ ْ‬ ‫حتَهُ في ا ْ‬ ‫فِي َوقَاحَتِهِ‪َ ،‬ومَل َ‬
‫شأَ يَقُولَ‪:‬‬ ‫سمَ وَأ ْن َ‬ ‫ت إِلَى هذِ ِه الحِيلَ ِة فَ َت َب ّ‬ ‫ف ا ْه َتدَيْ َ‬‫سكَ ْن َدرِيّ‪ ،‬فَقُلْتُ‪َ :‬كيْ َ‬ ‫لْ‬ ‫حاِ‬ ‫هُ َو َأبُو الْ َفتْ ِ‬
‫وا ْبرُزْ عََل ْي ِهمْ و َب ّرزْ‬ ‫ح ْمرٌ َفجَـ ّوزْ‬ ‫النّاسُ ُ‬
‫ش َتهِي ِه فَفَرْ ِوزْ‬ ‫مَا َت ْ‬ ‫ت ِم ْنهُـمْ‬ ‫حتّى ِإذَا نِلْ ُ‬‫َ‬
‫ال َمقَامَ ُة الَهْوَازِيّةُ‬
‫سهّلِ‪َ ،‬ليْسَ فِينَا‬ ‫ن فِيهِمْ َت َ‬ ‫ت بِالَهْوازِ‪ ،‬في ُرفْقَ ِة َمتَى مَا َترَقّ ال َعيْ ُ‬ ‫ح ّدثَنَا عِيسَى بْنُ ِهشَامٍ قال‪ُ :‬كنْ ُ‬ ‫َ‬
‫ضنَا فِي ال ِعشْرَ ِة َكيْفَ‬ ‫لقْبالِ‪َ ،‬م ْرجُوّ اليّامِ وَاللّيال‪َ ،‬فَأفَ ْ‬ ‫ناِ‬ ‫حسَ ُ‬‫ختَطّ َ‬ ‫ل َأ ْمرَدُ ب ْكرُ المالِ‪ ،‬أَ ْو ُم ْ‬ ‫ِإ ّ‬
‫شرْبِ فِي َأيّ‬ ‫حكِمُ َمعَا ِقدَهَا‪ ،‬وَالسّرورِ فِي َأيّ َوقْتٍ َنتَقَاضَاهُ‪ ،‬وال ّ‬ ‫لخُوّ ِة َك ْيفَ ُن ْ‬ ‫عدَهَا‪ ،‬وَا ُ‬ ‫َنضَعُ قَوَا ِ‬
‫حصّلُهُ‪،‬‬ ‫ن ُن َ‬ ‫شرَابِ ِمنْ َأيْ َ‬ ‫حظّ َكيْفَ َنتَلفَاهُ‪ ،‬وَال ّ‬ ‫ت ال َ‬ ‫َوقْتٍ َنتَعاطاهُ‪ ،‬وَالنْسِ َك ْيفَ َن َتهَاداهُ‪َ ،‬وفَائِ ِ‬
‫خرُ‪ :‬عََلىّ الشّرابُ وَالنّقْلُ‪ ،‬وََلمّا‬ ‫حدُنا‪ :‬عََلىّ ا ْل َبيْتُ والّنزْلُ‪ ،‬وَقالَ آ َ‬ ‫ل َأ َ‬‫وَال َمجْلِسِ َك ْيفَ ُن َزيّنُهُ‪ .‬فَقَا َ‬
‫طّي ْرنَا َلمّا‬ ‫ج َناَزةٌ‪َ ،‬فتَ َ‬‫عكّازَةٌ‪ ،‬وَعَلى َكتِ َفيْهِ ِ‬ ‫ط ْم َريْنِ فِي ُي ْمنَاهُ ُ‬ ‫ل فِي ِ‬ ‫ستَ َقبَلنَا َرجُ ٌ‬ ‫ج َم ْعنَا عَلى المَسيرِ ا ْ‬ ‫َأ ْ‬
‫لرْضُ‬ ‫ص ْيحَ ًة كَادَ تْ ا َ‬ ‫ع ْنهَا صَفْحا‪َ ،‬وطَ َو ْينَا ُد َونَها َكشْحا‪ ،‬فَصَاحَ ِبنَا َ‬ ‫ضنَا َ‬‫ع َر ْ‬ ‫جنَازَةَ وَأَ ْ‬
‫رََأيْنَا ال ِ‬
‫ن مِنْ‬ ‫طيّرو َ‬ ‫صغْرا وََل َت ْر َكبُ ّنهَا َكرْها َو َقسْرا‪ ،‬مَا ل ُكمْ َت ّ‬ ‫طرُ‪ ،‬وَال ّنجُومُ َت ْن َك ِدرُ‪َ ،‬وقَالَ‪َ :‬لتَر ُو ّنهَا ُ‬ ‫لهَا َتنْ َف ِ‬
‫سيَطؤُ ُه َأ ْبنَا ُؤ ُكمْ‪َ ،‬أمَا‬ ‫طئَهُ آبَا ُؤ ُكمْ‪َ ،‬و َ‬ ‫سرِيرا َو ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ل ُفكُمْ‪َ ،‬و َتتَ َق ّذرُو َ‬
‫س َيرْ َك ُبهَا َأخْ َ‬‫لفُ ُكمْ‪ ،‬و َ‬ ‫َمطّي ٍة رَ ِك َبهَا َأسْ َ‬
‫ح ُكمْ‬
‫جيَادِ‪ ،‬إِلَى تِ ْل ُكمُ الوِهادِ‪َ ،‬و ْي َ‬ ‫ن ِب َهذِ ِه ال ِ‬
‫حمَلُنّ عَلَى هذِ ِه العِيدَانِ‪ ،‬إِلَى تِ ْل ُكمُ الدّيدَانِ‪ ،‬وََل ُتنْقَلُ ّ‬ ‫والِ َل ُت ْ‬
‫جرَةُ? ‪.‬‬ ‫ط َيرَُ‪ ،‬يِا فَ َ‬‫خيّرونَ‪َ ،‬و َت َتكَرّهونَ‪ ،‬كَأ ّنكُمْ ُم َنزّهُونَ‪َ ،‬هلْ َتنَفَ ُع هَذهِ ال ّ‬ ‫طّيرُونَ‪ ،‬كَأ ّنكُمْ ُم َ‬ ‫َت َ‬
‫ض مَا ُكنّا عَ َق ْدنَاهُ‪ ،‬وَأ ْبطَلَ مَا ُكنّا َأرَ ْدنَاهُ‪َ ،‬فمِلنَا إِلَيهِ َوقُلنَا لَهُ‪ :‬مَا‬ ‫ن ِهشَامٍ‪ :‬فَلَ َقدْ نقَ َ‬ ‫عيَسى بْ ُ‬ ‫قَالَ ِ‬
‫شئْتَ َل ِزدْتَ قَالَ‪ :‬إِنّ َورَا َء ُكمْ مَوَا ِردَ َأنْتمْ وَارِدُوهَا‪،‬‬ ‫ظكَ‪ ،‬وَلَ ْو ِ‬ ‫عشَ َقنَا لِلَ ْف ِ‬
‫ظكَ‪ ،‬وَأ ْ‬ ‫عِ‬ ‫جنَا إِلى وَ ْ‬ ‫َأحْ َو َ‬
‫حجَةً‪:‬‬ ‫ن ِ‬ ‫عشْري َ‬ ‫س ْرتُمْ إَِل ْيهَا ِ‬‫َو َقدْ ِ‬
‫إِلى َم ْنهَلٍ مِنْ ِو ْردِ ِه لِقَـرِيبُ‬ ‫حجَةً‬
‫ن ِ‬ ‫عشْرِي َ‬ ‫ن امْرأَ قَ ْد سَارَ ِ‬ ‫وإِ ْ‬
‫ستَا َر ُكمْ‪ُ ،‬يعَامِِلكُمْ فِي ال ّد ْنيَا ِبحِلمٍ‪َ ،‬ويَ ْقضِي عََل ِي ُكمْ‬ ‫ن فَ ِو ِق ُكمْ مِنْ َيعَْلمُ َأسْرا َركُمْ‪ ،‬وََلوْ شَا َء َل َه َتكَ َأ ْ‬ ‫َومِ ْ‬
‫شعَ ْر ُتمُوهُ َلمْ‬‫س َت ْ‬
‫خرَ ِة ِبعِلمٍ‪ ،‬فَ ْل َيكُنِ المَوتُ ِم ْن ُكمْ على ُذكْرٍ‪ِ ،‬لئَل َتَأتْوا ِب ُنكْرٍ‪َ ،‬فإِ ّن ُكمْ ِإذَا ا ْ‬ ‫فِي ال ِ‬
‫ع ْنهُ َفهُ َو ثَائِر ُكمْ‪ ،‬وإِنْ‬ ‫ن َنسِي ُتمُو ُه فَهْ َو ذَا ِك ُركُمْ‪ ،‬وِإنْ ِن ْم ُتمْ َ‬ ‫ج َمحُوا‪َ ،‬ومَتى َذ َك ْر ُتمُو ُه َلمْ َت ْمرَحوا‪ ،‬وإِ ْ‬ ‫َت ْ‬
‫ن ُت َعدّ‪ ،‬قُ ْلنَا‪:‬‬
‫ن أَ ْ‬ ‫حدّ‪ ،‬وَأ ْك َثرُ مِ ْ‬ ‫َكرِ ْه ُتمُو ُه فهُوَ زَا ِئ ُركُمْ‪ ،‬قُ ْلنَا‪َ :‬فمَا حَاجَ ُتكَ? قَالَ‪َ :‬أطْوَلُ ِمنْ َأنْ ُت َ‬
‫شئْتَ مِنْ‬ ‫ك إَِل ْينَا‪ ،‬وََل ِكنْ مَا ِ‬ ‫لمْرِ‪ ،‬قُ ْلنَا‪َ :‬ليْسَ ذَِل َ‬ ‫َفسَانِحُ ال َوقْتِ‪ ،‬قَالَ‪َ :‬ردّ فَائِتِ ال ُع ْمرِ‪َ ،‬و َدفَعُ نَازِلِ ا َ‬
‫خدُوا َأ ْكثَ َر مِنْ َأنْ َتعُوا‪.‬‬ ‫جتِي َب ْعدَ هَذا َأنْ َت ِ‬ ‫ل ل حَاجَ َة لِي فِيهَا‪ ،‬وإِنمَا حَا َ‬ ‫خرِ ِفهَا‪ ،‬قَا َ‬ ‫متَاعِ ال ُد ْنيَا َو ُز ْ‬
‫ال َمقَام ُة الْبَغْدَاذِيّةُ‬
‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪:‬‬
‫عيَسى بْ ُ‬
‫ح ّد َثنَا ِ‬
‫َ‬

‫‪9‬‬
‫حتّى َأحَّلنِي‬ ‫ت َأ ْن َتهِزُ َمحَالّ ُه َ‬ ‫خرْجْ ُ‬ ‫س َمعْي عَ ْقدٌ عَلى نَ ْقدٍ‪َ ،‬ف َ‬ ‫لزَاذَ‪ ،‬وَأنَا ِب َب ْغدَاذَ‪ ،‬وََليِ َ‬ ‫ش َت َهيْتُ ا َ‬‫اْ‬
‫صيْدٍ‪،‬‬ ‫حمِارَهُ‪َ ،‬و َيطَ ّرفُ بِالعَ ْقدِ ِإزَارَهُ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬ظَفِ ْرنَا وَالِ ِب َ‬ ‫ج ْهدِ ِ‬ ‫ال َكرْخَ‪َ ،‬فِإذَا َأنَا ِبسَوا ِديّ َيسُوقُ بِال َ‬
‫ن َأ ْقبَلْتَ? وََأ ْينَ َنزَلْتَ? َو َمتَى وَا َفيْتَ? وَهَُلمّ إِلَى ال َبيْتِ‪ ،‬فَقَالَ‬ ‫حيّاكَ الُ َأبَا َز ْيدٍ‪ِ ،‬منْ َأيْ َ‬ ‫َو َ‬
‫ن الُ الشّيطَانَ‪ ،‬وََأ ْب َعدَ ال ّنسْيانَ‪،‬‬ ‫ع َب ْيدٍ‪ ،‬فَقُلْتُ‪َ :‬ن َعمْ‪َ ،‬لعَ َ‬
‫السّوا ِديّ‪َ :‬لسْتُ ِبَأبِي َز ْيدٍ‪ ،‬وََل ِكنّي َأبْو ُ‬
‫ب َب ْعدِي? فَقَالَ‪َ :‬‬ ‫ل َأبِيكَ ? َأشَابٌ َك َعهْدي‪َ ،‬أمْ شَا َ‬ ‫ل ال ُبعْدِ‪َ ،‬ف َكيْفَ حَا ُ‬ ‫ل ال َع ْهدِ‪ ،‬وَا ْتصَا ُ‬ ‫َأ ْنسَانِيكَ طُو ُ‬
‫جعُونَ‪،‬‬ ‫ج ّنتِهِ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ِ :‬إنّا لِ وِإنّا إَِليْ ِه رَا ِ‬ ‫صيّرَ ُه الُ إِلَى َ‬ ‫ق ْد َنبَتَ ال ّربِيعُ عَلَى ِد ْم َنتِهِ‪ ،‬وََأ ْرجُو َأنْ ُي َ‬
‫ل العَِليّ ال َعظِيم‪َ ،‬و َم َددْتُ َيدَ ال ِبدَارِ‪ ،‬إِلي الصِدَارِ‪ُ ،‬أرِيدُ َت ْمزِيقَهُ‪ ،‬فَ َقبَضَ‬ ‫ل بِا ِ‬ ‫ل قُوةَ ِإ ّ‬ ‫َولَ حَ ْولَ و َ‬
‫غدَاءً‪،‬‬ ‫ل ل َمزّ ْقتَهُ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬هَُلمّ إِلى ال َبيْتِ ُنصِبْ َ‬ ‫شدْ ُتكَ ا َ‬
‫ج ُمعْهِ‪َ ،‬وقَالَ‪َ :‬ن َ‬ ‫خصْرِي ِب ِ‬ ‫السّوا ِديّ عَلى َ‬
‫عطَ َفتْهُ‬‫حمَ ُة ال َق َرمِ‪ ،‬وَ َ‬ ‫ستَ َفزّتْ ُه ُ‬ ‫طيَبُ‪ ،‬فَا ْ‬ ‫طعَامُ ُه َأ ْ‬
‫ش َترِ شِواءً‪ ،‬وَالسّوقُ َأ ْقرَبُ‪َ ،‬و َ‬ ‫أَ ْو إِلَى السّوقِ َن ْ‬
‫عرَقا‪َ ،‬و َت َتسَايَلُ جُوذَابَاتُهُ‬ ‫طمِعَ‪ ،‬وََلمْ َيعَْلمْ َأنّهُ َوقَعَ‪ُ ،‬ثمّ َأ َت ْينَا شَوّا ًء َيتَقَاطَ ُر شِوَا ُؤهُ َ‬ ‫عَاطِفُ ُة اللّ َقمِ‪َ ،‬و َ‬
‫خ َترْ َلهُ ِمنْ تِ ْلكَ‬ ‫ن هَذا الشّواءِ‪ُ ،‬ثمّ زِنْ َلهُ ِمنْ تِ ْلكَ الحَلْواءِ‪ ،‬وا ْ‬ ‫لبِي َز ْيدٍ مِ ْ‬ ‫َمرَقا‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬ا ْفرِزْ َ‬
‫سمّاقِ‪ ،‬لِيَأكُلَ ُه َأبُو زَ ْيدٍ هَنيّا‪،‬‬ ‫ن مَاءِ ال ّ‬ ‫ش ْيئَا مِ ْ‬‫ضدْ عََل ْيهَا َأ ْورَاقَ الرّقَاقِ‪َ ،‬ورُشّ عََل ْيهِ َ‬ ‫لطْباقِ‪ ،‬وا ْن ِ‬ ‫اَ‬
‫ن َدقْا‪ُ ،‬ثمّ جَلسَ‬ ‫سحْقا‪َ ،‬وكَالطّحْ ِ‬ ‫جعَلها كَال َكحْلِ َ‬ ‫فَأ ْنخّى الشّوا ُء ِبسَاطُورِهِ‪ ،‬عَلَى ُز ْبدَةِ َتنّو ِرهِ‪َ ،‬ف َ‬
‫ستَو َف ْينَا‪َ ،‬وقُلْتُ ِلصَاحِبِ الحَلْوَى‪ :‬زِنْ لَبي َز ْيدٍ مِنَ‬ ‫حتّى ا ْ‬ ‫َوجََلسْتُ‪ ،‬ول َيئِسَ وَل َي ِئسْتُ‪َ ،‬‬
‫ن َليْلّي ال ُعمْرِ‪ ،‬يَ ْو ِميّ‬ ‫جرَى فِي الحُلْوقِ‪ ،‬وََأمْضَى فِي ال ُعرُوقِ‪ ،‬وَ ْل َيكُ ْ‬ ‫اللّوزِينج ِرطَْليْنِ َفهْ َو َأ ْ‬
‫صمْغِ‪َ ،‬قبْلَ ال َمضْغِ‪،‬‬ ‫ب كَال ّ‬ ‫حشْو‪ ،‬لُؤُْل ِؤيّ الدّهْنِ‪ ،‬كَ ْوكَبيّ اللّوْنِ‪َ ،‬يذُو ُ‬ ‫شرِ‪َ ،‬كثِيفِ ال َ‬ ‫ال ّنشْرِ‪ ،‬رَقِيقَ ال ِق ْ‬
‫ستَ ْوفَ ْينَاهُ‪ُ ،‬ثمّ قُلْتُ‪ :‬يَا َأبَا‬ ‫ىاْ‬ ‫ج ّردْتُ‪ ،‬حَت ّ‬ ‫ج ّردَ َو َ‬‫ِل َي ْأكُلَهُ َأبَو َز ْيدٍ َه ِنيّا‪ ،‬قَالَ‪ :‬فَ َو َزنَهُ ُثمّ َق َعدَ َوقَعدْتُ‪َ ،‬و َ‬
‫شعْشِعُ بِالثّلْجِ‪ِ ،‬ليَ ْقمَ َع َهذِ ِه الصّارّةَ‪َ ،‬و َيفْثأَ هذِ ِه اللّ َقمَ الحَارّةَ‪ ،‬اجْلِسْ يَا َأبَا َ‬ ‫جنَا إِلَى مَا ٍء ُي َ‬ ‫َزيْدٍ مَا َأحْ َو َ‬
‫ث َأرَاهُ ولَ َيرَانِي َأ ْنظُرُ مَا‬ ‫حيْ ُ‬ ‫حتّى ن ْأتِيكَ ِبسَقّاءٍ‪َ ،‬ي ْأتِيكَ ِبشَرْب ِة ماءٍ‪ُ ،‬ث ّم خَ َرجْتُ َوجََلسْتُ ِب َ‬ ‫زيْدٍ َ‬
‫ن ما‬ ‫ن َثمَ ُ‬‫عتََلقَ الشّوّاءُ ِبِإزَارِهِ‪َ ،‬وقَالَ‪َ :‬أيْ َ‬ ‫حمَارِهِ‪ ،‬فَا ْ‬ ‫َيصْنَعُ‪ ،‬فََلمّا َأبْطَأتُ عََليْ ِه قَامَ السّوا ِديّ إِلَى ِ‬
‫طمَةٍ‪ُ ،‬ثمّ قَالَ الشّوّاءُ‪ :‬هَاكَ‪َ ،‬و َمتَى‬ ‫ضيْفَا‪ ،‬فََل َكمَ ُه َل ْكمَةً‪َ ،‬و َثنّى عََليْهِ بَِل ْ‬ ‫َأكَلْتَ? فَقَالَ‪َ :‬أبُو َز ْيدٍ‪َ :‬أكَ ْلتُ ُه َ‬
‫سنَانِهِ َويَقُولُ‪َ :‬كمْ قُلْتُ‬ ‫ع َقدَ ُه ِبأَ ْ‬
‫جعَلَ السّوَا ِديّ َي ْبكِي َو َيحُلّ ُ‬ ‫شرِينَ‪َ ،‬ف َ‬ ‫عْ‬ ‫ن يَا َأخَا ال ِقحَةِ ِ‬ ‫دَعَ ْونَاكَ? زِ ْ‬
‫ع َب ْيدٍ‪ ،‬وَ ْهوَ يَقُولُ‪َ :‬أنْتَ َأبُو َز ْيدٍ‪َ ،‬فَأ ْنشَدْتُ‪:‬‬ ‫ِلذَاكَ ال ُق َريْدِ‪َ ،‬أنَا َأبُو ُ‬
‫ن ِبكُلّ حَـالَـهْ‬ ‫لَ تَ ْق ُعدَ ّ‬ ‫ل آلـهْ‬ ‫عمِلْ ِل ِرزْ ِقكَ كُ ّ‬ ‫َأ ْ‬
‫ل َمحَالَهْ‬‫فَالمَرْ ُء َي ْعجِزُ َ‬ ‫عظِـيَمةٍ‬ ‫ض ِبكُلّ َ‬ ‫وَا ْنهَ ْ‬
‫ال َمقَامَ ُة الْبِصْرِيّةُ‬
‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪:‬‬ ‫ح ّد ّثنِي عِيسَى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن ال ِغنَى فَي بَ َقرٍ َوشَاءٍ‪،‬‬ ‫ح َبرٍ َو ِوشَاءٍ‪َ ،‬ومِ َ‬ ‫سنّي في فَتَاءٍ‪َ ،‬و ِمنَ ال ّزيّ فِي ِ‬ ‫صرَةَ وََأنَا ِمنْ ِ‬ ‫ت البَ ْ‬ ‫َدخَلْ ُ‬
‫ك ال ُم َتنَزّهَاتِ‪ ،‬فِي تِ ْلكَ‬ ‫غ ْيرَ َبعِي ٍد إِلى َبعْضِ تِ ْل َ‬ ‫شيْنَا َ‬ ‫خذُ ُهمُ ال ُعيُونُ‪َ ،‬و َم َ‬ ‫َفأَ َتيْتُ ال ِم ْر َبدَ فِي رُفْ َقةٍ َت ْأ ُ‬
‫شمَةِ ِإ ْذ َلمْ َيكُنْ‬‫حْ‬ ‫ط ّرحِينَ لِ ْل ِ‬ ‫ح الّلهْ ِو َفأَجَ ْلنَاهَا‪ُ ،‬م َ‬ ‫ع َم ْدنَا لِ ِقدَا ِ‬
‫ض فَحَلَ ْلنَاهَا‪ ،‬وَ َ‬
‫جهَاتِ‪َ ،‬ومََل َك ْتنَا َأرْ ٌ‬ ‫ال ُمتَ َو ّ‬
‫عنّ َلنَا سَوادٌ َتخْ ْفضُهُ وِهَادُ‪َ ،‬و َت ْرفَعُ ُه ِنجَادٌ‪،‬‬ ‫ن ِبَأسْ َرعَ ِمنْ ا ْر ِتدَادِ الطّ ْرفِ حتّى َ‬ ‫فِينَا ِإلّ ِمنّا‪ ،‬فَمَا كَا َ‬
‫لسْلَمِ‪َ ،‬و َر َد ْدنَا عَ ْليْ ِه مُ ْقتَضى‬ ‫حيَ ِة ا ِ‬‫س ْيرُهُ وَلَ ِق َينَا ِب َت ّ‬
‫حتّى َأدّاهُ إِل َي ْناَ َ‬‫َوعَِل ْمنَا َأنّ ُه َيهُ ّم ِبنَا‪َ ،‬فَأتْلَ ْعنَا َلهُ‪َ ،‬‬
‫حزْرا‪َ ،‬ومَا‬ ‫س ُعنِي َ‬ ‫ظنِي شَزْرا‪َ ،‬ويُو ِ‬ ‫حُ‬ ‫طرْفَهُ َوقَالَ‪ :‬يا قَ ْومُ ما ِم ْن ُكمْ ِإلّ َمنْ يَ ْل َ‬ ‫السّلمِ‪ُ ،‬ثمّ أَجالَ فِينَا َ‬
‫ي ال َفضْلُ‬ ‫طأَ ِل َ‬ ‫لمَ ِويّةِ‪َ ،‬قدْ َو ّ‬ ‫س َكنْ َد ِريّةِ ِمنَ الّثغُو ِر ا َ‬ ‫لْ‬ ‫لاِ‬ ‫ص َدقُ ِمنّي‪َ ،‬أنَا َرجُلٌ ِمنْ أَهْ ِ‬ ‫عنّي‪َ ،‬أ ْ‬ ‫ُي ْن ِب ُئ ُكمْ َ‬
‫حمْرَ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن َثمّهِ َو َرمّهِ‪ ،‬وََأتْلنِي زَغَالي َ‬ ‫ج ْعجَعَ بِي الدّ ْهرُعَ ْ‬ ‫عيْشٌ‪َ ،‬و َنمَانِي َبيْتٌ‪ُ ،‬ثمّ َ‬ ‫ب بِي َ‬ ‫َكنَفَهُ‪َ ،‬ورَحّ َ‬
‫حوَاصِل‪:‬‬ ‫ال َ‬
‫س ّم ُهمْ‬
‫فَلَ ْو َيعَضّونَ َل َذكّي َ‬ ‫حيّاتُ َأرْضِ َمحَْلةٍ‬ ‫َكَأ ّن ُهمْ َ‬
‫وِإنْ َرحَ ْلنَا َر ِكبُونِي كُّل ُهمْ‬ ‫ِإذَا َنزَ ْلنَا َأرْسَلُونِي كَاسِبا‬
‫ح ْمرُ‪ ،‬وَا ْنتَا َبنَا َأبُو مَاِلكٍ‪،‬‬ ‫طمَ ْتنَا ال ُ‬
‫حّ‬ ‫ش َمسَتْ ِمنّا الصّ ْفرُ‪ ،‬وََأكََل ْتنَا السّودُ‪َ ،‬و َ‬ ‫شزَتُ عََل ْينَا البِيضُ‪َ ،‬و َ‬ ‫وَ َن َ‬
‫َفمَا يَلْقَانَا َأبُو جَا ِبرٍ ِإلّ عَنْ عُ ْفرٍ‪ ،‬وَ َهذِ ِه ال َبصْرَ ُة مَاؤُهَا َهضُومٌ‪َ ،‬وفَقِيرُهَا َم ْهضُومٌ‪ ،‬وَال َمرْءُ ِمنْ‬
‫شغْلٍ‪َ ،‬و ِمنْ نَ ْفسِ ِه في كَلّ‪ ،‬فَ َك ْيفَ ِبمَنْ‪:‬‬ ‫ضِ ْرسِ ِه فِي ُ‬

‫‪10‬‬
‫حدّدَ ِة العُـيُو ِ‬
‫ن‬ ‫ب ُم َ‬ ‫إِلَى زُغْ ٍ‬ ‫ف ثُـمّ َيَأوِي‬ ‫ُيطَ ّوفُ مَا يُطَ ّو ُ‬
‫جيَاعَ النّابِ ضَامِرَ َة ال ُبطُونِ‬ ‫ِ‬ ‫شعْثا َف ُت ْمسِـي‬ ‫ن ا ْلبِلَى ُ‬ ‫َكسَاهُ ّ‬
‫ل ُكفّ عَلَى َليْتَ‪،‬‬ ‫ل َبيْتٍ‪ ،‬وَقّلبْنَ ا َ‬ ‫حيّ َك َميْتٍ‪َ ،‬و َبيْتٍ ك َ‬ ‫ن الطّ ْرفَ فِي َ‬ ‫ص َبحْنَ ا ْل َي ْومَ َوسَ ّرحْ َ‬
‫وَلَ َقدْ َأ ْ‬
‫سمِ الجُوعِ‪.‬‬ ‫عيْنَ بِا ْ‬‫ن مَاءَ ال ّدمُوعِ‪َ ،‬و َتدَا َ‬ ‫ضضْنَ عُ َقدَ الضّلُوعِ‪ ،‬وََأفَضْ َ‬ ‫فَفَ َ‬
‫لمَهْ‬
‫مِ ِلكُلّ ذِي َك َرمٍ عَ َ‬ ‫وَال َف ْقرُ فِي َزمَنِ الـلّـئَا‬
‫ط الْ ِقيَامَهْ‬
‫شرَا ُ‬‫مِ ‪َ ،‬وتِ ْلكَ َأ ْ‬ ‫رَغِبَ ال ِكرَامُ إِلَى اللّـئَا‬
‫ن َفتَىً‬
‫ن فِي ِهمْ َل َدسَما‪َ ،‬فهَلْ مِ ْ‬ ‫سعَادَةُ‪َ ،‬وقُلْتُ قَسَما‪ ،‬إِ ّ‬ ‫خ ِترْ ُتمْ يَا سَادَةُ‪َ ،‬ودَّلتْنِي عََل ْيكُ ُم ال ّ‬ ‫وَلَ َق ِد ُا ْ‬
‫ل مَا‬ ‫حرّ ُي َغدّيهِنّ‪َ ،‬أ ْو يُ َردّيهِنّ? قَالَ عِيسَى ْبنُ ِهشَامٍ‪ :‬فَوَا ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ُي َعشّيهِنّ‪َ ،‬أوْ ُي َغشّيهِنّ? وَهَلْ مِ ْ‬
‫حنَا‬
‫س َت َم ْ‬ ‫لجَ َرمَ َأنّا ا ْ‬ ‫ت ِمنْهُ‪َ ،‬‬ ‫سمِعْ ُ‬ ‫لمٌ رَائعٌ َأ ْب َرعُ‪ ،‬وََأ ْرفَعُ وََأ ْب َدعُ‪ِ ،‬ممّا َ‬ ‫سمْعي ك َ‬ ‫ب َ‬ ‫حجَا ِ‬ ‫س َتأْذَنَ عَلَى ِ‬ ‫اْ‬
‫خذِي‪َ ،‬وقُ ْلنَا‬ ‫عةُ ِإ ْ‬ ‫جمَا َ‬‫خذَتِ ال َ‬ ‫طرَفِي‪ ،‬وََأ َ‬ ‫جيُوبَ‪َ ،‬ونُ ْلتُ ُه َأنَا ُم ْ‬ ‫ح ْينَا ال ُ‬ ‫ل ْكمَامَ‪َ ،‬و َن ّ‬
‫الَ ْوسَاطَ‪َ ،‬ونَ َفضْنَا ا َ‬
‫شرٍ مَلَأ بِ ِه فاهُ‪.‬‬ ‫شكْرٍ َوفّاهُ‪َ ،‬و َن ْ‬‫عنّا َبعْ َد ُ‬ ‫عرَضَ َ‬ ‫حقْ ِبأَطْفَاِلكَ‪َ ،‬فأَ ْ‬ ‫َلهُ‪ :‬ا ْل َ‬
‫ال َمقَامَ ُة الفَزَارِيّةُ‬
‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪:‬‬ ‫ح ّد َثنَا عِيسَى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫سبْحا‪ ،‬وََأنَا أَ ِهمّ بِالْ َوطَنِ‪،‬‬ ‫ن بِي َ‬ ‫سبَحَا ِ‬ ‫جنِيبَةً‪َ ،‬ي ْ‬‫ض بلدِ َفزَارَ َة ُمرْ َتحِلً َنجِيبَةً‪ ،‬وَقائِدا َ‬ ‫ت فِي َبعْ ِ‬ ‫ُكنْ ُ‬
‫سيَار‬ ‫خبِطُ َو َرقَ ال ّنهَارِ‪ِ ،‬بعَصَا ال ّت ْ‬ ‫ت َأ ْ‬‫ل ال ُب ْعدُ يَلْوِينِي ِببِيدِهِ‪ ،‬فَظَلِلْ ُ‬ ‫ل َي ْثنِينِي بِ َوعِيدِهِ‪َ ،‬و َ‬ ‫فَلَ الّليْ ُ‬
‫خيْلِ‪ ،‬فَ َب ْينَا َأنَا فِي َليْلَ ٍة َيضِلّ فِيها الغَطاطُ‪ ،‬وَل ُي ْبصِ ُر فِيهَا‬ ‫ض َبطْنَ اللَيلِ‪ِ ،‬بحَوَا ِفرِ ال َ‬ ‫وََأخُو ُ‬
‫ب تامّ اللَتِ‪،‬‬ ‫عنّ لِي رَاكِ ٌ‬ ‫ضيُعُ‪ِ ،‬إذْ َ‬ ‫ل بَارِحَ ِإلّ ال ّ‬ ‫سبُعُ‪َ ،‬و َ‬ ‫ل ال ّ‬‫سيْحا‪ ،‬وَل سَانِح ِإ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫سيَ ُ‬
‫ال َوطْواطُ‪َ ،‬أ ِ‬
‫ن شَاكِي السّلَحِ‪ ،‬ل ِكنّي‬ ‫عزَلَ مِ ْ‬ ‫خذَني ِمنْهُ ما َي ْأخُ ُذ الَ ْ‬ ‫لثَلَتِ‪َ ،‬يطْوي إَِلىّ َم ْنشُورَ الفََلوَاتِ‪َ ،‬فأَ َ‬ ‫َي ُؤمّ ا َ‬
‫ح ِميّةٌ‬‫خمٌ‪َ ،‬و َ‬ ‫خصْ ٌم ضَ ْ‬ ‫خ ْرطَ الْ َقتَادِ‪َ ،‬و َ‬ ‫حدَادِ‪َ ،‬و َ‬ ‫ط ال ِ‬‫شرْ ُ‬ ‫ضكَ لَ ُأمّ َلكَ‪َ ،‬فدُو َنكَ َ‬ ‫َتجَلدْتُ فَقُلْتُ‪َ :‬أ ْر َ‬
‫صبْتَ‪ ،‬فَقُلتُ‪:‬‬ ‫حرْبٌ ِإنْ َأ َردْتَ‪ ،‬فَقُلْ لِي‪ :‬مَنْ َأنْتَ? فَقَالَ‪ :‬سِلْما َأ َ‬ ‫شئْتَ‪َ ،‬و َ‬ ‫ن ِ‬ ‫َأ ْزدِيّةٌ‪ ،‬وََأنَا سِ ْلمٌ إِ ْ‬
‫سمِي ِلثَامٌ‪ ،‬لَ‬ ‫ن حَاوَرتَ‪َ ،‬ودُونَ إ ْ‬ ‫ح إِ ْ‬‫ن شَا َورْتَ فَصِي ٌ‬ ‫ح إِ ْ‬‫ن َأنْتَ? قَالَ‪َ :‬نصِي ٌ‬ ‫جبْتَ‪َ ،‬فمَ ْ‬ ‫خيْرا َأ َ‬ ‫َ‬
‫حتّى َأقَعَ عَلى جَ ْف َنةِ جَوادٍ‪ ،‬وَلِي‬ ‫لدِ‪َ ،‬‬ ‫ب البِ َ‬‫جيُو َ‬ ‫ط ْعمَةُ? قَالَ‪َ :‬أجُوبُ ُ‬ ‫لمُ‪ ،‬قُلْتُ‪َ :‬فمَا ال ّ‬ ‫لعْ َ‬ ‫تُميطُهُ ا َ‬
‫ض إِليّ حَقِي َبتَهُ‪،‬‬ ‫جنِيبَتَهُ‪َ ،‬و َينْفُ ُ‬‫ن َيرْ ُقمُ ُه َبنَانٌ َوقٌصَارَاي َكرِيمٌ َيخْفِضُ لِي َ‬ ‫فُؤَا ٌد َيخْ ِدمُ ُه ِلسَانٌ‪َ ،‬و َبيَا ٌ‬
‫عنّي ِب ُغرُوبِها‪ ،‬ل ِكنّهُ غَابَ وَل ْم َيغِبْ‬ ‫ع الشّمسِ‪ ،‬وَغَربَ َ‬ ‫حرّةٍ طَلَعَ عََليّ بِالمْسِ‪ ،‬طُلُو َ‬ ‫ن ُ‬ ‫كَابْ ِ‬
‫ن َل ِبسَهُ‪ ،‬فَقُلْتُ‪:‬‬ ‫ش ّي ْعتَني آثَارُهُ‪ ،‬وَل ُي ْن ِب ُئكَ ع ْنهَا‪َ ،‬أقْرَبُ ِم ُنهَا‪ ،‬وََأوْمأَ إِلى ما كا َ‬ ‫َتذْكارُهُ‪ ،‬وَ َو ّدعَ َو َ‬
‫ل هُ َو فِيها ُأسْتاذٌ‪َ ،‬ولَ ُب ّد مِنْ َأنْ َت ْرشَحَ َلهُ‪،‬‬ ‫ص ْنعَ ِة نَفَاذٌ‪ ،‬بَ ْ‬
‫ب ا ْل َكعْبةِ آخّاذُ‪ ،‬لَ ُه فِي ال ّ‬ ‫شحّاذٌ َورَ ّ‬ ‫َ‬
‫لمِكَ? فَقَالَ‪ :‬وََأيْنَ كَلمِي مِنْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ش ْع ُركَ مِ ْ‬ ‫عبَا َر َتكَ‪َ ،‬فَأيْنَ ِ‬ ‫َو َتسِحّ عََليْهِ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬يَا َفتَى قَدْ جَّليْتَ ِ‬
‫شأَ يَقُولُ‪:‬‬ ‫غرِيزَتَهُ‪َ ،‬ورَفَعَ عَقِي َرتَهُ‪ِ ،‬بصَوْتٍ ملَ الوَادِي‪ ،‬وََأ ْن َ‬ ‫س َت َمدّ َ‬
‫شعْرِي? ُثمّ ا ْ‬ ‫ِ‬
‫لرْضَ لكِن كَلَ‬ ‫س َتمَسّ ا َ‬ ‫خمْ ُ‬ ‫ع أَ ْهدَا ُه ِليَ الّليْلُ وَالْفَل َو َ‬ ‫وَأرْ َو َ‬
‫َولَ‬
‫سيَادَةِ‬‫ن ُمعِماّ في ال ّ‬ ‫فَكا َ‬
‫عرَضْتُ عَلَى نَارِ المَكارِمِ عُوَدهُ‬ ‫َ‬
‫ُمخْ ِولَ‬
‫سهّلَ‬ ‫ن ِبرّهِ َف َت َ‬ ‫َوسَاهَ ْلتُهُ مِ ْ‬ ‫عُتهُ‬‫ن مَالِ ِه َفخَدَ ْ‬ ‫عتُهُ عَ ْ‬‫َوخَادَ ْ‬
‫ظمِ ال َقرِيضِ بِـمَـا‬ ‫حمَ َد َمنْطِقِيبَلَ ِبيَ ِمنْ َن ْ‬ ‫وََلمّا َتجَاَل ْينَا وََأ ْ‬
‫بَـلَ‬
‫سبْقِ َأ ّولَ‬ ‫ن َه ّزنِيوِِلمْ يَلْ َقنِي ِإلّ إِلَى ال ّ‬ ‫َفمَا َه ّز ِإلّ صَارِما حي َ‬
‫حجّلَ‬ ‫غرّ ُم َ‬ ‫ل أَ َ‬‫حتَهُ ِإ ّ‬ ‫َومَـا ت ْ‬ ‫غ ّر مُحجّلَ‬ ‫وََلمْ َأرَ ُه ِإلَ أَ َ‬
‫ح ْك ُمكَ‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬الحَقِيبَ ُة ِبمَا فِيهَا‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬إِنّ‬ ‫حبُنِي ُ‬ ‫صَ‬ ‫ك فِيمَا َي ْ‬ ‫ت لَهُ‪ :‬عَلَى ِرسْلِكَ يَا َفتَى‪ ،‬وََل َ‬ ‫فَقُلْ ُ‬
‫خمْسا‪ ،‬لَ‬ ‫حدَةٍ َ‬ ‫ج ْمعِي عََل ْيهِ‪َ ،‬وقُلْتُ‪ :‬لَ وَاّلذِي أَ ْل َه َمهَا َلمْسا‪َ ،‬وشَ ّقهَا ِمنْ وَا ِ‬ ‫َوحَامَِلتَهَا‪ُ ،‬ثمّ َقبَضْتُ ب ُ‬
‫سكَ ْن َدرِيّ‪َ ،‬فمَا‬ ‫لْ‬ ‫حاِ‬ ‫خنَا َأبُو ال َفتْ ِ‬
‫ش ْي ُ‬‫جهِهِ‪ ،‬فَِإذَا ُهوَ وَالِ َ‬ ‫ن َو ْ‬ ‫ُتزَايُلنِي َأوْ َأعَْلمَ علْمكَ‪َ ،‬فحَ َدرَ ِلثَامَهُ عَ ْ‬
‫ن قُلْتُ‪:‬‬‫ت أَ ْ‬‫َل ِبثْ ُ‬

‫‪11‬‬
‫ختَا ً‬
‫ل‬ ‫سيْفِ ُم ْ‬
‫ِب َهذَا ال ّ‬ ‫شحْتَ َأبَا الْ َفتْـ ِ‬
‫ح‬ ‫َت َو ّ‬
‫ِإذَا َلمْ َتكُ َقتّـالً?‬ ‫صنَعُ بِالسّيفِ‬ ‫َفمَا َت ْ‬
‫سيْ َفكَ خَلْخـال‬ ‫ِبهِ َ‬ ‫فَصُغْ مَا َأنْتَ حَّليْتَ‬
‫ال َمقَامَ ُة الجَاحِظيّة‬
‫ل الِ‬ ‫عنْ َرسُو ِ‬ ‫ث ال َم ْأثُور َ‬ ‫حدِي ِ‬ ‫جبْتُ إَِل ْيهَا‪ ،‬لِ ْل َ‬‫ن ِهشَامِ قَالَ‪ :‬أثَا َرتْنِي َورُفْقَ ًة وَِليَمةٌ َفَأ َ‬ ‫ح ّد َثنَا عِيسَى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫ي ِذرَاعٌ َل َقبِلْتُ" فأَ ْفضَى ِبنَا‬ ‫جبْتُ وََلوْ أُ ْه ِديَ إَِل ّ‬ ‫لَ‬ ‫ت إِلَى ُكرَاعٍ َ‬ ‫صَلّى الُ عََليْهِ َوسَّلمَ‪ " :‬لَ ْو دُعِي ُ‬
‫س ْيرُ إِلى دَارٍ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫َت ْنتَقِي ِمنْهُ َو َتنْـتَـحِـبُ‬ ‫حسْنَ تـ ْأخُـذُهُ‬ ‫ُت ِركَتْ وَال ُ‬
‫طهَا‪َ ،‬و ُب‬ ‫َقدْ ُفرِشَ ِبسَا ُ‬ ‫ض مَا َتهَبُ‬ ‫ستَزَادَتْ َبعْ َ‬ ‫وَا ْ‬ ‫فَا ْنتَقَتْ ِمنْـ ُه طَـرَائِفَـهُ‬
‫عكَ ْف‬
‫خضُودٍ‪َ ،‬و َورْ ٍد َمنْضُودٍ‪َ ،‬و َدنّ مَ ْفصُودٍ‪َ ،‬ونَايٍ وَعُودٍ‪َ ،‬فصِ ْرنَا إَِل ْي ِهمْ َوصَارُوا إَِل ْينَا‪ُ ،‬ثمّ َ‬ ‫ن آسٍ َم ْ‬ ‫خذُوا ال َوقْتَ َبيْ َ‬ ‫طهَا‪َ ،‬وقَ ْومٍ َقدْ َأ َ‬ ‫ا‪َ ،‬و ُم ّد سِما ُ‬
‫طعَامِ‬
‫ن قَانٍ تِلْقَا َءهُ فَاقِعٌ‪َ ،‬و َمعَنا عَلى ال ّ‬ ‫ختَلَفَتْ أَ ْلوَانُ ُه َفمِنْ حَاِلكٍ ِبِإزَائِهِ نَاصِعٌ‪َ ،‬ومِ ْ‬ ‫صطَفّتْ جِفانُهُ‪ ،‬وَا ْ‬ ‫حيَاضُهُ‪َ ،‬ونَ ّورَتْ رياضُهُ‪ ،‬وَا ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن قَدْ مُِلئَ ْ‬ ‫ٍ‬
‫خ في‬ ‫صعَةِ‪ ،‬كَالرّ ّ‬ ‫ل في ال َق ْ‬ ‫ض الجِيرانِ‪َ ،‬و َتجُو ُ‬ ‫ن الجِفانِ‪َ ،‬و َترْعَى َأرْ َ‬ ‫عيُو َ‬
‫خذُ ُوجُوهَ الرّغفَانِ‪َ ،‬وتَفْقأُ ُ‬ ‫دُهُ عَلَى الخِوَانِ‪َ ،‬و َتسْ ِفرُ َبيْنَ الَ ْلوَانِ‪َ ،‬و َت ْأ ُ‬
‫حتّى َوقَفَ ِبنَا عَلَى ِذ ْكرِ ال‬ ‫ث َنجْري َمعْهُ‪َ ،‬‬ ‫حدِي ِ‬ ‫ن فِي ال َ‬ ‫ل َي ْنبِسُ ِبحًرفٍ‪َ ،‬و َنحْ ُ‬ ‫ضغَةِ المْضغَة‪ ،‬وَهْ َو مَعَ ذَِلكَ ساكِتٌ َ‬ ‫باِللّ ْقمَ ِة اللّ ْق َمةَ‪َ ،‬و َي ْهزِ ُم بِالمَ ْ‬
‫حدِيثِ اّلذِي ُك ْن ُتمْ فيِهِ?‬ ‫ن ال َ‬‫ن ذَِلكَ المَكانِ‪ ،‬فَقَالَ ال ّرجُلُ‪َ :‬أ ْينَ َأ ْن ُتمْ مِ َ‬ ‫خوَانِ‪َ ،‬وزُلْنَا عَ ْ‬ ‫خرَ ال ِ‬ ‫حدِيثَ آ ِ‬ ‫ن المُقَفّعِ َو َذرَابتِهِ‪ ،‬وَوَا َفقَ َأوّلُ ال َ‬ ‫صفِ ابْ ِ‬ ‫هِ‪ ،‬وَ َو ْ‬
‫سكّانٌ‪ ،‬وِلكُل‬ ‫ل ِرجَالٌ‪ ،‬وَِلكُلّ مَقَامٍ مَقَالُ‪ ،‬وَِلكُلّ دَارٍ ُ‬ ‫عمَ ٍ‬‫ع َر ْفنَاهُ‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬يَا قَ ْومِ ِلكُلّ َ‬ ‫س َننِهِ‪ ،‬فِيما َ‬ ‫س َننِ ِه فِي الفَصاحَةِ َو ُ‬ ‫حسْنِ َ‬ ‫سنِهِ‪َ ،‬و ُ‬
‫حظِ وَل َ‬ ‫فِ الجَا ِ‬
‫ع ْندَهُ‪َ ،‬وقُلْتُ‪َ :‬أ ِفدْنا َو ِزدْنا‪ ،‬فقَا‬ ‫ب ما ِ‬ ‫حكْتُ َلهُ لَجلُ َ‬ ‫ضِ‬ ‫ل ْكبَارِ‪َ ،‬و َ‬ ‫شمّ ِبَأنِْف ا ِ‬‫ل ْنكَارِ‪ ،‬وََأ َ‬ ‫ن نابِ ا ِ‬ ‫شرَ َلهُ عَ ْ‬ ‫عتَ َق ْد ُتمْ‪َ ،‬فكُلّ َك َ‬
‫‪ ،‬وََلوِ ا ْنتَ َق ْد ُتمْ‪َ ،‬ل َبطَلَ مَا ا ْ‬
‫شعْرا‬ ‫ن للْجاحِظِ ِ‬ ‫شعْرِهِ‪َ ،‬فهَل َترْوُو َ‬ ‫عنْ َن ْثرِهِ‪ ،‬وَلمْ ُيزْرِ كَلمَ ُه ب ِ‬ ‫صرْ َنظْمُهُ َ‬ ‫ن َلمْ يُ َق ّ‬ ‫طفُ‪ ،‬وفِي الخَرِ ي َقفُ‪ ،‬والبَليغُ مَ ْ‬ ‫غةِ يَ ْق ِ‬‫حدِ شِ ّقيِ البَلَ َ‬ ‫في َأ َ‬
‫ن ُم ْعتَاصِ ِه ُي ْهمِلُ ُه‬ ‫ستَ ْعمِلُهُ‪ ،‬نَفُورٌ مِ ْ‬ ‫لمِ ي ْ‬ ‫ن الكَ َ‬ ‫س ِتعَاراتِ‪ ،‬قَرِيبُ ال ِعبَارَات‪ُ ،‬منْقادٌ ل ُعرْيَا ِ‬ ‫لمِهِ‪َ ،‬فهْوَ َبعِيدُ الِشارَاتِ‪ ،‬قَلِيلُ ال ْ‬ ‫لَ‪ ،‬قَالَ‪َ :‬فهَُلمّوا إِلَى كَ َ‬
‫عنْ َم ْن ِك َب ْيكَ‪َ ،‬و َي ِنمّ علَى مَا في َي َد ْيكَ?‬ ‫لمِ مَا ُيخَ ّففُ َ‬ ‫ن الكَ َ‬ ‫سمَعَ مِ َ‬ ‫ن َت ْ‬
‫ل ُتحِبّ أَ ْ‬ ‫سمُوعَةٍ? فَقُ ْلنَا‪ :‬لَ ‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬هَ ْ‬ ‫غ ْيرَ َم ْ‬
‫صنُوعَةً‪َ ،‬أوْ كَِلمَةً َ‬ ‫لَ ُه لَ ْفظَ ًة مَ ْ‬
‫ش ْكرِكَ‪َ ،‬فنُلْتُ ُه ِردَائِي‪ ،‬فَقالَ‪:‬‬ ‫خ ْنصِ ِركَ‪ِ ،‬بمَا ُيعِينُ على ُ‬ ‫عنْ ِ‬ ‫ق لِي َ‬ ‫إِي وَالِ‪ ،‬قَالَ‪ :‬فَأطْلِ ْ‬
‫جدَا‬ ‫ب بِهِ َم ْ‬ ‫شيَتْ ت ْلكَ الّثيا ُ‬ ‫حِ‬ ‫َع ْمرُ الّذي أَلقَى عََليّ ِثيَا َبهُلَ َقدْ ُ‬
‫صبَتْ َن ْردَا‬ ‫ل نَ َ‬‫ض َربَتْ ِقدْحا و َ‬ ‫َومَا َ‬ ‫فَتىً َقمَ َرتْ ُه ال َمكْ ُرمَاتُ ِردَاءَهُ‬
‫ليّامَ َت ْه ِد ُمنِي َهدّا‬
‫ل َت َدعِ ا َ‬ ‫َو َ‬ ‫حبَانِي ثِيابَهُ‬ ‫عدْ َنظَرا يا َمنْ َ‬ ‫أَ ِ‬
‫سعْدا‬ ‫غمّةٍ طَلعُوا َ‬ ‫ن َأسْ َفرُوا َأسْ َفرُوا ضُحىًوإِنْ طََلعُوا في ُ‬ ‫ولَى إِ ْ‬
‫ن ِهشَامٍ‪ :‬فَ‬ ‫قَالَ عِيسَى بْ ُ‬ ‫خ ْيرُ ال ّندَى ما سَحّ وَاِبلُ ُه نَ ْقدَا‬ ‫صِلُوا َرحِمَ العَلْيا‪َ ،‬وبُلّوا َلهَا َنهَا َف َ‬
‫ن َأيْنَ َمطْلُع هَذَا ال َبدْرِ? فَقالَ‪:‬‬
‫سنَا‪ :‬مِ ْ‬
‫عةُ إَِل ْيهِ‪ ،‬وَا ْنثَالَتِ الصّلَتُ عَلَيهِ‪َ ،‬وقُلْتُ َلمّا تآ َن ْ‬
‫جمَا َ‬
‫ال َ‬
‫َلوْ َقرّ فِيها قَرَارِي‬ ‫سكَـنْـ َد ِريّةُ دَارِي‬‫ِإ ْ‬
‫ال َمقَامَ ُة المَ ْكفُوف‬ ‫حجَا ِز نَهارِي‪.‬‬ ‫َوبِال ِ‬ ‫ن َليْلِى ِبنَـجْـدٍ‬
‫لكِ ّ‬
‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪:‬‬ ‫ح ّد َثنَا عِيسَى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫س َتزِيدُهَا‪،‬‬‫شرُودٌ َأصِيدُهَا‪َ ،‬وكَِلمَ ٌة بَِل َيغٌة َأ ْ‬ ‫لدِ الَ ْهوَازِ‪َ ،‬وقُصَارَايَ َل ْفظَةٌ َ‬ ‫جتَازُ‪ ،‬فِي َبعْضِ بِ َ‬ ‫ُكنْتُ َأ ْ‬
‫ل َيسْ َت ِمعُونَ إَِليْهِ‪،‬‬‫ج َت ِمعُونَ عَلى رَجُ ٍ‬ ‫ن البََلدِ‪ ،‬وَِإذَا ُهنَاكَ قَ ْومٌ ُم ْ‬ ‫سيْ ُر إِلَى رُ ْقعَ ٍة فَسِيحَ ٍة مِ َ‬ ‫َفأَدّانِي ال ّ‬
‫لنَالَ‬‫ن مَعَ الِيقَاعِ َلحْنا‪ ،‬وََلمْ َأ ْب ُعدْ َ‬ ‫ت أَ ّ‬‫ختَِلفُ‪ ،‬وَعَِلمْ ُ‬ ‫لرْضَ بعصا على إِيقَاعٍ لَ َي ْ‬ ‫خ ِبطُ ا َ‬
‫وَ ُهوَ َي ْ‬
‫حتّى‬ ‫ح لَفْظا‪َ ،‬فمَا زِلْتُ بال ّنظّارَ ِة َأ ْزحَمُ هَذا وََأ ْدفَعُ ذَاكَ َ‬ ‫ن ال َفصِي ِ‬ ‫سمَعَ مِ َ‬ ‫حظّا‪ ،‬أَ ْو َأ ْ‬ ‫سمَاعِ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مِ َ‬
‫شمْلَةِ‬‫ح ُزقّةٍ كَالَ َق َر ْنبَي أَعمى َمكْفُوفٍ‪ ،‬فِي َ‬ ‫طرْفَ ِمنْ ُه إِلَى ُ‬ ‫س ّرحْتُ ال ّ‬ ‫َوصَلْتُ إِلى ال ّرجُلِ‪َ ،‬و َ‬
‫لرْضَ‬ ‫خبِطُ ا َ‬ ‫لجِلُ َي ْ‬ ‫خذْرُوفِ‪ُ ،‬م َتبَ ْرنِسا ِبَأطْوَلَ ِمنْهُ‪ُ ،‬م ْع َتمِدا على عَصا فِيهَا جَ َ‬ ‫صُوفٍ‪َ ،‬يدُورُ كَال ُ‬
‫حرِجٍ‪ ،‬وَهْ َو يَقُولُ‪:‬‬ ‫ص ْدرٍ َ‬‫شجٍ‪ِ ،‬منْ َ‬ ‫ن َهزِجٍ‪َ ،‬وصَوْتٍ َ‬ ‫غنِجٍ‪ ،‬بَِلحْ ٍ‬
‫ِبهَا عَلى إِيقَاعٍ َ‬
‫َوطَالَ َب ْتنِي طَّلتِي بالمَـهْـرِ‬ ‫ظهْـرِي‬ ‫يا قَ ْو ُم قَ ْد َأثْقَلَ َد ْينِي َ‬
‫سَاكِنَ قَ ْفرٍ َوحَلِيفَ فَـقْـرٍ‬ ‫ن َب ْعدُ غِنىً وَ َو ْفرِ‬ ‫ص َبحْتُ مِ ْ‬ ‫َأ ْ‬
‫ف الدّهْرِ‬ ‫ُي ِعيُننِي على صُرُو ِ‬ ‫ن حُـرّ‬ ‫ل َب ْي َنكُمُ مِـ ْ‬
‫يا قَ ْومُ هَ ْ‬

‫‪12‬‬
‫ستْ ِر‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ت عنّي ُذيُو ُ‬ ‫وَا ْن َكشَفَ ْ‬ ‫ص ْبرِي‬ ‫ل لِفَقْري َ‬ ‫يا قَ ْومُ َقدْ عِي َ‬
‫ن ِفضّةٍ َو ِتبْـرِ‬ ‫ما كانَ بِي مِ ْ‬ ‫َوفَضَ ذَا الدّ ْهرُ ِبَأ ْيدِي ال َبتْـرِ‬
‫صغِـيرِ قِـ ْدرِ‬ ‫خَامِلَ َقدْرِ َو َ‬ ‫ت كَقِـي ِد شِـبْـرِ‬ ‫آوِي إِلَى َبيْ ٍ‬
‫عسُرٍ بِـ ُيسْـرِ‬ ‫عنْ ُ‬ ‫َأعْ َق َبنِي َ‬ ‫ل بِـخَـيْ ٍر َأمْـرِي‬ ‫خ َتمَ ا ُ‬
‫َلوْ َ‬
‫عظِيمَ الجْـرِ‬ ‫ح َتسِبٍ ِفيّ َ‬ ‫ُم ْ‬ ‫جرِ‬ ‫ن فَتىً فِيكم َكرِيم ال ّن ْ‬ ‫ل مِ ْ‬ ‫هَ ْ‬
‫ع ْينِي‪ ،‬فَنُ ْلتُهُ‬
‫غرَ ْو َرقَتْ لَهُ َ‬ ‫ن ِهشَامٍ‪ :‬فَ َرقّ َلهُ والِ قَ ْلبِي‪ ،‬وَا ْ‬ ‫ش ْكرِ? قَالَ عِيسَى بْ ُ‬ ‫ن ُم ْغتَ َنمِا لل ّ‬
‫ن َلمْ َيكُ ْ‬
‫إِ ْ‬
‫ن قَالَ‪:‬‬‫ث أَ ْ‬ ‫دينارا كانَ َمعِي‪ ،‬فَمَا َلبِ َ‬
‫َممْشوقَ ٌة َمنْقُوشَ ٌة قَـ ْورَاءُ‬ ‫س َنهَا فا ِقعَةٌ صَفْـراءُ‬ ‫حْ‬ ‫يا ُ‬
‫َقدْ َأ ْث َم َرتْها ِهمّةٌ عَـلْـياءُ‬ ‫طرَ مِنهَا المَـاءُ‬ ‫ن يَ ْق ُ‬‫ِيكَادُ أَ ْ‬
‫صرِفً ُه فِيهِ كمَـا َيشَـاءُ‬ ‫َي ْ‬ ‫سخَـاءُ‬ ‫س فَتىً َيمِْلكُ ُه ال ّ‬ ‫نَفْ ُ‬
‫لطْرَاءُ‬ ‫ما َيتَ َقضّى قَ ْد َركَ ا ِ‬ ‫يا ذَا اّلذِي َيعْنيهِ ذَا الثّنـاءُ‬
‫سهَا بُأخُتِها‪ ،‬فَنَالَ ُه النّاسُ ما‬ ‫شدّهَا فِي َقرَنِ ِمثْلِها‪ ،‬وَآ َن َ‬ ‫ل مَنْ َ‬ ‫حمَ ا ُ‬
‫جزِاءُ و َر ِ‬ ‫ك ال ِ‬ ‫ض إلِى الِ ِل ِ‬ ‫امْ ِ‬
‫ع َرفَ الدّينَارَ‪ ،‬فََلمّا َنظَ َم ْتنَا خَلْ َوةٌ‪َ ،‬م َددْتُ‬ ‫سرْعَ ِة ما َ‬ ‫نالُوهُ‪ُ ،‬ثمّ فَا َر َقهُمْ َو َت ِب ْعتُهُ‪َ ،‬وعَِلمْتُ َأنّ ُه ُم َتعَامٍ‪ِ ،‬ل ُ‬
‫عنْ َتوَْأ َمتَيْ َل ْوزٍ‪،‬‬ ‫س ْت َركَ‪ ،‬فَ َفتَحَ َ‬ ‫ل ْكشِفَنّ ِ‬ ‫ض َديْهِ َوقُلْتُ‪ :‬والِ َل ُترَينّي سِ ّركَ‪ ،‬أَ ْو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ُي ْمنَايَ إِلى ُيسْرَى َ‬
‫ت أَبو ال َفتْحِ? فَقَالَ‪:‬‬ ‫س َك ْندَ ِريّ‪ ،‬فَقُلْتُ‪َ :‬أنْ َ‬
‫لْ‬ ‫ش ْيخُنَا َأبُو ال َف ْتحِ ا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫جهِهِ‪ ،‬فِإذَا وَا ِ‬ ‫ت ِلثَامَهُ عَنْ َو ْ‬ ‫حدَرْ ُ‬ ‫َو َ‬
‫ل‬
‫ن َأكُـونُ‬ ‫فِي كُلّ َلوْ ٍ‬ ‫َأنَا َأبُـو قَـلَـمُـونٍ‬
‫فإِنّ دَهْــ َركَ دُونُ‬ ‫ن ال َكسْبِ دُونا‬ ‫خ َترْ مِ َ‬ ‫َأ ْ‬
‫ن َزبُـونُ‬ ‫ن ال ّزمَا َ‬ ‫إِ ّ‬ ‫حمْـقٍ‬ ‫ن َب ُ‬‫ج الزّمَا َ‬ ‫زَ ّ‬
‫جنُونُ‬ ‫ل ِإلّ ال ُ‬ ‫ما العَقْ ُ‬ ‫ل ُت َك َذبَنّ بِـعَـقْـلٍ‬
‫ال َمقَامَ ُة البُخَارِيّةُ‬
‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪:‬‬ ‫ح ّد َثنَا عِيسَى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫ل الجَامِعُ ِبأَهْلِ ِه طَلَعَ‬ ‫حتَفَ َ‬
‫س ْمطِ الّث َريّا‪َ ،‬وِحينَ ا ْ‬ ‫ظمْتُ مَعَ ِرفْقَ ٍة في ِ‬ ‫َأحَّلنِي جَامِعَ ُبخَارى يَ ْومٌ َو َقدِ ا ْن َت َ‬
‫خذُهُ ال ُقرّ‬
‫سعُهُ‪ ،‬وَي ْأ ُ‬ ‫ضرّ ُو ْ‬ ‫ع ْريَانَا‪َ ،‬يضِيقُ بِال ّ‬ ‫س َتتْلى طِْفلً ُ‬ ‫طمْرِينِ َقدْ َأ ْرسَلَ صِوانا‪ ،‬وَا ْ‬ ‫إَِل ْينَا ذُ ْو ِ‬
‫ظرُ ِلهَذا‬ ‫عدَةٍ‪ ،‬فَ َو َقفَ ال ّرجُلُ َوقَالَ‪ :‬لَ َي ْن ُ‬ ‫حمَايَ ِة رِ ْ‬ ‫ل َي ْكتَفِي ِل ِ‬ ‫شرَةِ ُب ْردَةٍ‪َ ،‬و َ‬ ‫غيْ َر ال ِق ْ‬‫عهُ‪ ،‬لَ َيمِْلكُ َ‬ ‫و َيدَ ُ‬
‫صحَابَ الجُدودِ‬ ‫ن ِمثْلَهُ‪ ،‬يا َأ ْ‬ ‫ن ل ي ْأمَ ُ‬ ‫ل مَ ْ‬ ‫ق لِهذا الضّرّ ِإ ّ‬ ‫ل طَفّلَهُ‪َ ،‬ولَ َيرِ ّ‬ ‫ل مَنِ ا ُ‬ ‫الطّفْلِ ِإ ّ‬
‫ن َتَأ َمنُوا حَادِثا‪ ،‬وَلَنْ‬ ‫جدَةِ‪ ،‬وال ُقصُورِ ال َمشّيدَةِ‪ِ ،‬إ ّن ُكمْ لَ ْ‬ ‫ل ْردِيةِ ال ْمطُروزَةِ‪ ،‬وَالدّورِ ال ُم ّن َ‬ ‫المَفْروزَةِ‪ ،‬وَا َ‬
‫س ْكبَاجَ‪،‬‬ ‫طعِ ْمنَا ال ّ‬ ‫ل َ‬ ‫حسَنَ‪ ،‬فَ َقدْ وا ِ‬ ‫سنُوا مَ َع الدّ ْهرِ ما َأ ْ‬ ‫حِ‬ ‫َت ْعدَمُوا وارِثا‪ ،‬فَبا ِدرُوا الخْيرَ ما َأ ْمكَنَ‪ ،‬وَأ ْ‬
‫ب الدّ ْهرِ ِب َغدْرِهِ‪،‬‬ ‫ل هُبو ُ‬ ‫عنَا ِإ ّ‬ ‫حشَايَا‪ ،‬بِالعَشَايَا‪َ ،‬فمَا رَا َ‬ ‫شنَا ال َ‬ ‫سنَا الدّيبَاجَ‪ ،‬وَا ْفتَ َر ْ‬ ‫َو َركِ ْبنَا ال ِهمْلجَ‪ ،‬وََل ِب ْ‬
‫جرّا إِلى ما ُتشَاهِدونَ‬ ‫ب ال ّديَباجُ صُوفا‪ ،‬وَهَُلمّ َ‬ ‫ظهْرِهِ‪َ ،‬فعَا َد ال ِهمْلَجُ قَطُوفا‪ ،‬وانْقَلَ َ‬ ‫نلَ‬ ‫ب ال ِمجَ ّ‬‫وانْقِل ُ‬
‫ظ ْهرَ َبهِيمٍ‪ ،‬فَل َن ْرنُو‬ ‫ن الفَ ْقرِ َ‬ ‫ن الدّهْرِ َثدْي عَقيمٍ‪َ ،‬و َن ْركَبُ مِ َ‬ ‫ن حالي َو ِزيّي‪َ ،‬فهَا َنحْنُ َن ْر َنضِعُ مِ َ‬ ‫مِ ْ‬
‫شبَا ه ِذهِ‬ ‫ب هذِهِ ال ُبؤُوسِ‪َ ،‬ويَفُلّ َ‬ ‫ن كَرِيمٍ َيجْلو غَياهِ َ‬ ‫ل َيدَ ال َعدِيمِ‪َ ،‬فهَلْ مِ ْ‬ ‫ل ِب َعيْنِ ا ْليَتيمِ‪َ ،‬ولَ َن ُمدّ ِإ ّ‬ ‫ِإ ّ‬
‫ش ْا ُنكَ‪ ،‬فقالَ‪ :‬ما عَسى َأنْ َأقُولَ وَهذا الكلمُ لَ ْو لَ ِقيَ‬ ‫النّحوسِ? ُثمّ َق َعدَ ُمرْتَفِقا وَقالَ ل ْلطّفْلِ‪َ :‬أنْتَ َو َ‬
‫س ِم ْع ُتمْ يَا قَ ْومُ‪ ،‬مَا َلمْ‬‫ن قَلْبا َلمْ ُي ْنضِجْ ُه ما قُلْتَ لنِيءٌ‪َ ،‬وقَدْ َ‬ ‫صخْرَ َلفَلَقهُ‪ ،‬وإِ ّ‬ ‫شعْرَ َلحَلَ َقهُ‪ ،‬أَ ْو ال ّ‬
‫ال ّ‬
‫غ َدهُ‪ ،‬وَاقِيا ِبيَ وَل َدهُ‪ ،‬وا ْذ ُكرُونِي‬ ‫ل ِم ْن ُكمْ بِالجُودِ َيدَهُ‪ ،‬وَ ْل َي ْذ ُكرْ َ‬ ‫شغَلْ كُ ّ‬ ‫سمَعُوا َقبْلَ اليَ ْومِ‪ ،‬ف ْليِ ْ‬ ‫َت ْ‬
‫شكُ ْر ُكمْ‪.‬‬‫عطُوني َأ ْ‬ ‫َأ ْذ ُك ْركُمْ‪ ،‬وَأ ْ‬
‫شأَ يصِفُ‬ ‫خ ْنصَرَهُ‪ ،‬فََلمّا َتنَاوَلَ ُه أ ْن َ‬ ‫خ ّتمْتُ بِ ِه ِ‬ ‫ح َدتِي ِإلّ خَا َتمُ َ‬ ‫قَالَ عِيسَى ْبنُ هشَامٍ‪َ :‬فمَا آ َنسَني فِي َو ْ‬
‫ل يَقُولُ‪:‬‬ ‫جعَ َ‬‫صبَعِ‪َ ،‬و َ‬ ‫الخَا َتمَ عَلى الِ ْ‬
‫بِقِلدَ ِة الجَوزَاءَ حُـسْـنَـا‬ ‫ن نَـفْـسِـهِ‬ ‫و ُم َم ْنطَقٍ مِـ ْ‬
‫شغَفا وحُـزْنَـا‬ ‫ضمّهُ َ‬ ‫بَ َف َ‬ ‫َك ُم َتيّمٍ لَـقِـيَ الْـحَـبـي‬

‫‪13‬‬
‫ليّامِ خِـدْنَـا‬ ‫َرتِهِ عَلـى ا َ‬ ‫ُمتَـأَلّـفٍ مِـنْ غَـيْرِ أَسْ‬
‫ن مَنْ أَهْـدَا ُه َأسْـنـى‬ ‫لكِ ّ‬ ‫عِلْـقٌ سَـنِـيّ قَـــدْرُهُ‬
‫جدِ َلفْظا ُكنْتَ َم ْعنَى‬ ‫في ال َم ْ‬ ‫ن الـوَرى‬ ‫سمْتُ َل ْو كَـا َ‬ ‫َأقْ َ‬
‫حتّى سَفَرتِ‬ ‫عنّا‪ ،‬حَامِدا َلنَا‪َ ،‬ف َتبِ ْعتُ ُه َ‬ ‫عرَضَ َ‬ ‫قالَ عِيسَى ْبنُ ِهشَامٍ‪َ :‬فنُ ْلنَاهُ ما تَاحَ َلنْا منَ ال َف ْورِ‪َ ،‬فأَ ْ‬
‫س َك ْندَ ِريّ‪ ،‬وِإذَا الطّلَ زُغْلُولُهُ‪ ،‬فَقُلْتُ‪:‬‬ ‫لْ‬ ‫ش ْيخُنَا َأبُو ال َف ْتحِ ا ِ‬ ‫ل َ‬
‫جهِهِ‪َ ،‬فإِذا هُوَ وَا ِ‬ ‫الخَلْ َوةُ عَنْ َو ْ‬
‫لمُ?‬‫لمُ‪ ،‬وََأيْنَ الكَ َ‬ ‫ن السّ َ‬ ‫َفأَيْ َ‬ ‫ب الغُلَمُ‬ ‫شبْتَ‪َ ،‬وشَ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫َأبَا ال َفتْ ِ‬
‫فَقَالَ‪:‬‬
‫طبَتي‪َ ،‬ف َترَ ْكتُهُ‬ ‫ت َأنّ ُه َيكْرَ ُه ُمخَا َ‬
‫خيَامُ َفعَلِمْ ُ‬‫ج َم َع ْتنَا الطّرِي ُقأَليفا ِإذَا َنظَ َم ْتنَا ال ِ‬
‫غرِيبا ِإذَا َ‬
‫َ‬
‫صرَفْتُ‪.‬‬ ‫وا ْن َ‬
‫ال َمقَامَ ُة القَزْوِينيّةُ‬
‫ن ِهشَامِ قَالَ‪:‬‬ ‫ح ّد ّثنَا عِيسَى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫حتّى‬ ‫طنَا بَطْنا‪َ ،‬‬ ‫ل َه َب ْ‬‫حزْنا‪ِ ،‬إ ّ‬ ‫ج ْزنَا َ‬ ‫غزَاهُ‪ ،‬فَما َأ َ‬ ‫س ْبعِينَ‪ِ ،‬ف َيمْن َ‬ ‫خمْسٍ َو َ‬ ‫سنَةَ َ‬ ‫غزَوْتُ ال ّث ْغرَ بِ َقزْوِينَ‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫ن كَِلسَانِ‬ ‫عيْ ٌ‬
‫حجْر َتهِا َ‬ ‫ل َأثَلثٍ‪ ،‬في ُ‬ ‫سيُر ِبنَا عَلَى َبعْضِ ُقرَاهَا‪َ ،‬فمَالتِ الهَاجِرَ ُة ِبنَا إِلى ظِ ّ‬ ‫َوقَفَ ال َم ِ‬
‫طعَامِ مَا نِ ْلنَا‪ُ ،‬ثمّ‬ ‫ضنَاضِ ‪َ ،‬فنِ ْلنَا مِنَ ال ّ‬ ‫سيْحَ الّن ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ش ْمعَةِ‪َ ،‬أصْفَى ِمنَ ال ّد ْمعَةِ‪َ ،‬تسِيحُ فِي ال ّرضْرَا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫حمَارٍ‪َ ،‬و َرجْعا َأضْ َعفَ‬ ‫ن صَوْتِ ِ‬ ‫س ِمعْنَا صَوْتا َأ ْنكَ َرمِ ْ‬ ‫حتّى َ‬ ‫مِ ْلنَا إِلى الظّلّ فَقِ ْلنَا‪ ،‬فَمَا مََل َكنَا النّ ْومُ َ‬
‫عنِ القَومِ‪ ،‬رَائِدَ‬ ‫سدٍ‪َ ،‬فذَادَ َ‬ ‫خِارٌج ِمنْ ما ضِ َغيْ َأ َ‬ ‫طبْلٍ َكَأنّهُ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ن رَجْ ِع الحُوَارِ‪َ ،‬يشْ َف ُع ُهمَا صَوْ ُ‬ ‫مِ ْ‬
‫ص َغيْتُ َفِإذَا هُ َو يَقُولُ‪ ،‬عَلى ِإيَقاعِ‬ ‫شجَارُ دُونَهُ‪ ،‬وََأ ْ‬ ‫لْ‬‫ت التّوَْأ َم َتيْنِ إَِل ْيهِ َو َقدْ حَالَتِ ا َ‬ ‫النّ ْومِ‪َ ،‬وفَ َتحْ ُ‬
‫طبُولِ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫خصِيبْ‬ ‫إِلي ذَرا َرحْبٍ َو َمرْعىً َ‬ ‫ل مِنْ مُـجِـيبْ‬ ‫ل فَهَ ْ‬ ‫َأدْعُو إِلَى ا ِ‬
‫ُقطُوُفهـا دَانِـيَةً مَـا تَـغِـيبْ‬ ‫َوجَـنّةٍ عَـالِـيَ ٍة مَـا تَـنِــى‬
‫عجِـيبْ‬ ‫ن بََلدِ الكُ ْفرِ وَأ ْمرِي َ‬ ‫مِ ْ‬ ‫يَاقَـومُ ِإنّـي َرجُـلٌ تَـــائِبٌ‬
‫حدْتُ َربّي وََأ َتيْتُ الـمُـريبْ‬ ‫جَ‬ ‫ن َأكُ َآمَـنْـتُ فَـكَـمْ لَــيْلَةٍ‬ ‫إِ ْ‬
‫ح َرزْتُ ِمنْ ُه الّنصِـيبْ‬ ‫سكِرٍ َأ ْ‬ ‫َو ُم ْ‬ ‫خنْزي ٍر تَـمَـشّـشْـتُـهُ‬ ‫يَا رَبّ ِ‬
‫ج ِتهَادُ ال ُمصِـيبْ‬ ‫ن ذِلّ ِة الكُ ْفرِ ا ْ‬ ‫مِ ْ‬ ‫ُثمّ َهدَاني اللـهُ وَانْـتَـاشَـنِـي‬
‫ع ِبدُ الَ بِـقَـلْـبٍ مُـنِـيبْ‬ ‫وَأ ْ‬ ‫س َرتِـي‬ ‫ت َأخْفِي الدّينَ في ُأ ْ‬ ‫فَظَلْ ُ‬
‫ف الرّقِيبْ‬ ‫وَل َأرَى ال َك ْعبَ َة خَ ْو َ‬ ‫جدُ لـلّتِ حِـذَارَ الـعِـدَى‬ ‫سِ‬ ‫َأ ْ‬
‫ضنَانِـيَ يَ ْومٌ عَـصِـيبْ‬ ‫َليْلٌ وَأ ْ‬ ‫وََأسْـأَلُ الـلـهَ إِذا جَـنّـنِـي‬
‫جنِي ِإنّـيَ فـ ِيهِـمْ غَـرِيبْ‬ ‫َف َن ّ‬ ‫ب َكمَـا َأنّـكَ َأنْـقَـ ْذتَـنِـي‬ ‫رَ ّ‬
‫جنِـيبْ‬ ‫َومَا سِوَى ال َع ْزمِ َأمَامَي َ‬ ‫ل لَـي مَـرْكـبـا‬ ‫خذْتُ الّليْ َ‬ ‫ُثمّ ا ّت َ‬
‫ل فيهَـا َيشِـيبْ‬ ‫ِيكِادُ رأَسُ الطّفْ ِ‬ ‫س ْيرِيَ فـشـي لَـيْلةٍ‬ ‫ن َ‬ ‫فَ َق ْدكَ مِ ْ‬
‫حمَى الدّين نَ َفضْتُ ال َوجِيبْ‬ ‫إِلَى ِ‬ ‫ت بِـلدَ الـعِـدَى‬ ‫جزْ ُ‬ ‫حتّى ِإذَا ُ‬ ‫َ‬
‫ن الِ َوفَـتْـحٌ قَـرِيبْ‬ ‫صرٌ مِ َ‬ ‫َن ْ‬ ‫شعَـارُ الـهُـدَى‬ ‫فَقُلْتُ‪ِ :‬إذْ لَحَ ِ‬
‫شقُ شاقَهُ‪َ ،‬ولَ الفْ َق ْر سَاقَهُ‪َ ،‬وقَدْ َت َركْتُ‬ ‫ت دَا َر ُكمْ ِب َعزْ ٍم ل ال ِع ْ‬ ‫طئْ ُ‬ ‫َفمَا بَلَغَ هَذا ال َبيْتَ قَالَ‪ :‬يا قَ ْومُ َو ِ‬
‫عدِيدا‪،‬‬ ‫عدّةً وَ َ‬
‫خيْلً ُمسَ ّومَةً‪َ ،‬وقَنَاطِيرَ مُ َق ْنطَرةً‪َ ،‬و ُ‬ ‫عبَ َأ ْترَابا‪َ ،‬و َ‬ ‫عنَابا‪َ ،‬وكَوا ِ‬ ‫حدَا ِئقَ وََأ ْ‬‫ظهْري َ‬ ‫َورَاءَ َ‬
‫حرِهِ‪َ ،‬و َب َرزْتُ ُبرُوزَ الطّا ِئرِ مِنْ َو ْكرِهِ‪ ،‬مُ ْؤثِرا‬ ‫جْ‬ ‫ج الحّيةِ ِمنْ ُ‬ ‫خرُو َ‬ ‫خ َرجْتُ ُ‬ ‫عبِيدا‪َ ،‬و َ‬ ‫َومَراكِبَ و َ‬
‫سيْري ِ ُبسَرايَ‪ ،‬فَلَ ْو دَ َف ْع ُتمُ النّارَ ِبشَرَارهَا‪،‬‬ ‫سرَايَ‪ ،‬وَاصِلً َ‬ ‫دِيني عَلى ُدنْيَايَ‪ ،‬جَامِعا ُي ْمنَايَ إِلى ُي ْ‬
‫شطَطَ‬ ‫سعَادا‪ ،‬ومُرا َفدَةً وِإرْفَادا وَل َ‬ ‫عدَةً وِإ ْ‬ ‫غزْوِها‪ُ ،‬مسَا َ‬ ‫ع ْن ُتمُونِي عَلى َ‬ ‫حجَارِها‪ ،‬وأَ َ‬ ‫َو َرمَ ْي ُتمُ الرّومَ ِب ِ‬
‫ل الذّرّةَ‪َ ،‬ولَ َأ ُردّ ال ّت ْمرَةَ‪ ،‬وَِلكُلّ‬ ‫س َت ْكثِ ُر ال َبدْرَةَ‪ ،‬وَأقْبَ ُ‬‫حسَبِ َثرْ َوتِهِ‪ ،‬وَل َأ ْ‬ ‫فكُلّ عَلى َقدْرِ ُق ْدرَتِهِ‪َ ،‬و َ‬
‫ن قَوْسِ‬ ‫سمَاءِ‪ ،‬عَ ْ‬ ‫ب ال ّ‬
‫شقُ بِ ِه َأبْوا َ‬ ‫خرُ ُأفَ ّوقَ ُه بِالدّعَاءِ‪ ،‬وََأ ْر ُ‬ ‫س ْهمٌ ُأذَلّقُ ُه لِلّقَاءِ وآ َ‬
‫سهْمَانِ‪َ :‬‬ ‫ِمنّي َ‬
‫الظّ ْلمَاءِ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ت إِلى ال َق ْومِ‪َ ،‬فِإذَا‬ ‫عدَوْ ُ‬
‫ت جِ ْلبَابَ النّ ْومِ‪َ ،‬و َ‬ ‫سرَوْ ُ‬
‫ستَ َف ّزنِي رَائ ُع أَلْفاظِهِ‪َ ،‬و َ‬ ‫ن ِهشَامٍ‪ :‬فَا ْ‬ ‫عيَسى بْ ُ‬‫قَالَ ِ‬
‫غ َم َزنِي ِب َع ْينِهِ‪،‬‬
‫ي قّدْ َن ّكرَهُ‪ ،‬فََلمّا رآنِي َ‬ ‫شهَرَهُ‪َ ،‬وزِ ّ‬ ‫س ْيفٍ َقدْ َ‬ ‫لسْ َك ْن َدرِيّ ِب َ‬‫حاِ‬ ‫ش ْيخُنا َأبُو ال َفتْ ِ‬
‫والِ َ‬
‫خذَ‪َ ،‬وخَلْوتُ ِبهِ فَقُلْتُ‪:‬‬ ‫خذَ مَا َأ َ‬
‫ن َنيْلهِ‪ُ ،‬ثمّ َأ َ‬
‫سمَ لنَا مِ ْ‬
‫ل مَنْ َأعَا َننَا بِفَاضِلَ َذيْلَهِ‪َ ،‬و َق َ‬ ‫حمَ ا ُ‬ ‫َوقَالَ‪ :‬رَ ِ‬
‫ن أَوْلدِ ال ّنبِيطِ? فَقَالَ‪:‬‬ ‫ت مِ ْ‬‫أََأنْ َ‬
‫ن َكحَالِي مَ َع النّسـبْ‬ ‫ِ‬ ‫َأنَا حَالِي مِـن الـزّمَـا‬
‫ن ِإذَا سَامَهُ ا ْنقَـلَـبْ‬ ‫َ‬ ‫سبِي فَـي َيدِ الـ ّزمَـا‬ ‫َن َ‬
‫ن ال َعرَبْ‬ ‫ضحِي مِ َ‬ ‫طِ وُأ ْ‬ ‫ن النّـبِـي‬ ‫َأنَا َأ ْمسِي مِ َ‬
‫ال َمقَامَةُ السّاسَانِيّةُ‬
‫شقَ َبعْضُ َأسْفارِي‪َ ،‬ف َب ْينَا َأنَا يَوْما عَلى بَابِ دارِي‪ِ ،‬إ ْذ‬ ‫ح ّدثَنَا عِيسى بْنُ ِهشَامٍ قَالَ‪َ :‬أحَّل ْتنِي ِد َم ْ‬ ‫َ‬
‫حدٍ‬‫س ُهمْ‪َ ،‬و َتَأبّطَ كلّ وَا ِ‬ ‫ي مِنْ َبنِي سَاسانَ َكتِيبَ ٌة قَ ْد لَفّوا رُؤُ َوسُهمْ‪َ ،‬وصَلَوْا با ْلمَ ْغرَ ِة َلبُو َ‬ ‫طَلعَ عََل ّ‬
‫ل وَ ُهمْ ُيرَاسِلو َنهُ‪َ ،‬ويْدعُو َو ُيجَاوبُونَهُ‪ ،‬فََلمّا رآني‬ ‫ق بِهِ ص ْدرَهُ‪َ ،‬وفِي ِهمْ زَعِيمٌ َل ُهمْ يَقُو ُ‬ ‫حجَرا َيدُ ّ‬ ‫ِم ْن ُهمْ َ‬
‫قَالَ‪:‬‬
‫َيعْلُو خُوانا َنظِيفـا‬ ‫ك رَغِيفـا‬ ‫ُأرِيدُ ِم ْن َ‬
‫ل قَطِيفـا‬ ‫ُأرِيدُ بَقْ ً‬ ‫جرِيشـا‬ ‫ُأرِيدً مِلُحا َ‬
‫ل ثَقِـيفَـا‬ ‫ُأرِيدُ خَ ً‬ ‫ُأرِيدُ َلحْما غَريضا‬
‫خرُوفَا‬ ‫سخْلً َ‬ ‫ُأرِيدُ َ‬ ‫جدْيا رَضِيعـا‬ ‫ُأرِيدُ َ‬
‫َي ْغشَى إِنا ًء طَرِيفاَ‬ ‫أُريدُ مَا ًء بِـثَـلـج‬
‫عنْ ُه نَـزِيفَـا‬ ‫َأقُومُ َ‬ ‫ُأرِيدُ َدنّ مُـــدَامٍ‬
‫علَى القُلُوبِ خَفِيفَا‬ ‫س َتهَـشّـا‬ ‫َوسَاقِيا ُم ْ‬
‫َوجّبةً َو َنصِـيَفـا‬ ‫ك قَمِيصـا‬ ‫ُأرِيدُ ِم ْن َ‬
‫بِها َأزُو ُر ال َكنِيفَـا‬ ‫ل َكثِـيفـا‬ ‫ُأرِيدُ َنعْ ً‬
‫سطْلً وَلِيفَـا‬ ‫ُأرِيدُ َ‬ ‫ُأرِيدُ ُمشْطا َومُوسَى‬
‫َل ُكمْ وََأنْتَ ُمضِيفـا‬ ‫ح ّبذَا أَنا ضَـيْفـا‬ ‫يَا َ‬
‫وََلمْ َأ ِردْ َأنْ َأحِيفـا‬ ‫رَضِيتُ ِم ُنكَ ِبهَـذا‬
‫جدّ‪،‬‬ ‫ج َت ِهدُ َو َن ِ‬
‫س َتعِدّ‪َ ،‬و َن ْ‬ ‫س ُنعِدّ َو َن ْ‬
‫ت بِالدّعْ َوةِ َو َ‬ ‫قَالَ عِيسَى ْبنُ ِهشَامٍ‪َ :‬فنُ ْلتُ ُه دِرْهَما‪َ ،‬وقُلْتُ َلهُ‪ :‬قَدْ آ َذنْ ُ‬
‫ظرِ المَ ْوعُودَ‪َ ،‬فَأخَذَهُ‬ ‫خذِ ال َمنْقُودَ‪ ،‬وا ْنتَ ِ‬ ‫عدُ ِمنْ َب ْعدُ‪ ،‬وَهَذا ال ّدرْ َهمُ َت ْذكِر ٌة َم َعكَ‪َ ،‬ف ُ‬ ‫وََلكَ عََل ْينَا الوَ ْ‬
‫ظ َننْتُ أَّن ُه يَلْقَا ُه ِب ِمثْلِ مَا َل ِق َينِي‪ ،‬فَقَالَ‪:‬‬
‫خرَ َ‬ ‫َوصَارَ إِلى َرجُلٍ آ َ‬
‫ن قَـدّا‬ ‫َكَأنّـهُ الـغُـصْـ ُ‬ ‫يا فَـاضِـلً قَـدْ تَـبَـدّى‬
‫فَاجِْلدْ ُه بِالخُـبْـ ِز جَـلْـدا‬ ‫شتَهى الّلحْمض ضِ ْرسِي‬ ‫قَ ِد ا ْ‬
‫جعَلْ ُه لِلْـ َوقْـتِ نَـقْـدا‬ ‫وا ْ‬ ‫وامنُـنُ عـلّـي بِـشَـيءٍ‬
‫ن الكِيسِ عَـقْـدا‬ ‫ل مِ َ‬ ‫واحْلُ ُ‬ ‫َأطْلِقْ ِمنَ الـ ِيدِ خَـصْـرا‬
‫إِلَى جَـنَـاحِـكَ عَـمْـدا‬ ‫لجْـلـي‬ ‫واضْـمُـمُ َي َد ْيكَ َ‬
‫حتّى‬ ‫ت أَنّ ورا َءهُ َفضْلً‪َ ،‬ف َت ِب ْعتُهُ َ َ‬ ‫سمْعي ِمنْهُ هَذا الكَلمُ‪ ،‬عَِلمْ ُ‬ ‫ن ِهشَامٍ‪ :‬فََلمّا فَ َتقَ َ‬ ‫ع ِيسَى بْ ُ‬ ‫قَالَ َ‬
‫ل يَراني وَأرَاهُ‪ ،‬وََأمَاطَ السّادَةُ ُل ُث َم ُهمْ‪ ،‬فِإذَا زَعِي ُم ُهمْ َأبُو‬ ‫حيْثُ َ‬ ‫صَارَ إِلى ُأمّ َمثْواهُ‪َ ،‬و َوقَفْتُ ِمنْ ُه ِب َ‬
‫حكَ? فأَنشأَ يَقُولُ‪:‬‬ ‫ت إِليهِ َوقُلْتُ‪ :‬مَا هَذ ِه الحِيلَةُ َو ْي َ‬ ‫س َك ْندَ ِريّ‪َ ،‬ف َنظَرْ ُ‬ ‫لْ‬‫ال َف ْتحِ ا ِ‬
‫غشُـومُ‬ ‫َكمَا تَراهُ َ‬ ‫هَذا ال ّزمَانُ َمشُـومُ‬
‫عيْبٌ وَلُومُ‬ ‫والعِقْلُ َ‬ ‫قَ فِي ِه مَـلِـيحٌ‬ ‫حمْ ً‬‫ال ُ‬
‫حوْلَ اللئّامِ يحـومُ‬ ‫َ‬ ‫ل طَ ْيفٌ‪ ،‬ولكِنْ‬ ‫والمَا ُ‬
‫ال َمقَامَ ُة القِرْدِيّةُ‬

‫‪15‬‬
‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪:‬‬ ‫حدّثنَا عِيسَى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫ل مِنَ البََل ِد الحرَامِ‪َ ،‬أمِيسُ َميْسَ ال ّرجْلَةِ‪ ،‬على شاطئِ ال ّدجْلَةِ‪َ ،‬أ َتَأمّلُ‬ ‫َب ْينَا أَنا ِبمَديِنَ ِة السّلمِ‪ ،‬قَافِ ً‬
‫طرَبُ‬ ‫ن يَلْوي ال ّ‬ ‫طرَا ِئفَ‪ ،‬وََأتَ َقصّى تِ ْلكَ ال ّزخَا ِرفَ‪ِ ،‬إ ْذ ا ْن َت َهيْتُ إِلَى حَلْ َقةِ ِرجَالٍ ُم ْز َدحِمِي َ‬ ‫تِ ْلكَ ال ّ‬
‫سمَعِ صَوتِ‬ ‫ت ِبمَ ْ‬ ‫حتّى َوقَفْ ُ‬ ‫ص إِلى مَا سا َقهُمْ‪َ ،‬‬ ‫حكُ َأشْدا َق ُهمْ‪َ ،‬فسَا َقنِي الحِر ُ‬ ‫ضِ‬‫شقُ ال َ‬ ‫عنَا َقهُمْ‪َ ،‬و َي ّ‬
‫أَ ْ‬
‫حكُ مَنْ‬ ‫ضِ‬
‫حمَةِ‪َ ،‬فِإذَا هُ َو قَرّادٌ ُي ْرقِصُ قِ ْردَهُ‪َ ،‬ويُ ْ‬ ‫جمَةِ َو َفرْطِ ال ّز ْ‬‫شدّ ِة ال َه ْ‬
‫جهِهِ ِل ِ‬
‫ن مَرَأيَ َو ْ‬ ‫َرجُلٍ دُو َ‬
‫ظنِي عَاتِقُ هَذا‬ ‫عرَجِ‪ ،‬فَ ْوقَ ِرقَابِ النّاسِ يَلْ ِف ُ‬ ‫لْ‬ ‫سيْرَ ا َ‬‫ت َ‬ ‫حرّجِ‪َ ،‬وسِر ُ‬ ‫ع ْندَهُ‪ ،‬فَر َقصْتُ َرقْصَ ال ُم َ‬ ‫ِ‬
‫خجَلُ َبرِيقهِ‪ ،‬وََأرْهَ َقنِي‬ ‫شرَ َقنِي ال َ‬
‫حيَ َة رَجَُليْنِ‪َ ،‬وقَ َعدْتُ َب ْعدَ ال ْينَ‪َ ،‬و َقدْ َأ ْ‬ ‫حتّى ا ْف َت َرشْتُ ِل َ‬ ‫ِلسُرّ ِة ذَاكَ‪َ ،‬‬
‫عنْ أَهِْلهِ‪ ،‬قُمْتُ َو َقدْ َكسَانِي الدّهَشُ‬ ‫شغْلِهِ‪ ،‬وا ْنتَفَضَ ال َمجْلِسُ َ‬ ‫ضيِقِهِ‪ ،‬فََلمّا فَ َرغَ القّرادُ مِن ُ‬ ‫المَكانُ ِب ِ‬
‫حكَ‪،‬‬ ‫س َكنْ َد ِريّ‪ ،‬فَقُلتُ‪ :‬مَا َهذِ ِه ال ّدنَاءَةُ َو ْي َ‬ ‫لْ‬ ‫حاِ‬ ‫لرَى صُو َرتَهُ‪َ ،‬فإِذا هُو والِ أَبو ال َفتْ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫حُّلتَهُ‪ ،‬وَ َوقَفْ ُ‬
‫َفَأ ْنشَأَ َيقُولُ‪:‬‬
‫عتِبْ عَلَي صَ ْرفِ اللّيالِي‬ ‫فَا ْ‬ ‫الـذّنْـبُ لِـ ْلَأيَام لَ لِــي‬
‫جمَـالِ‬ ‫ل ال َ‬
‫ت فَي حُلَ ِ‬ ‫َورَفَلْ ُ‬ ‫حمْقِ َأ ْد َركْتُ الـمُـنَـى‬ ‫بِال ْ‬
‫صلِيةُ‬
‫المَقَامَ ُة ال ُم ْو ِ‬
‫ن ِهشَامٍ قالَ‪:‬‬ ‫ح ّدثَنا عيسَى بْ ُ‬
‫خذَ ِمنّا ال ّرحْلُ والرّاحِلةُ‪ ،‬جَرَتْ‬ ‫ن المُوصِلِ‪ ،‬وَ َه َم ْمنَا بِا ْل َمنْزَلِ‪َ ،‬ومُِلكَتْ عََل ْينَا القَافِلةُ‪ ،‬وََأ َ‬ ‫َلمّا قَفِ ْلنَا مِ َ‬
‫ن مِنَ الحِيَلةِ? فَقَالَ‪:‬‬ ‫ن َنحْ ُ‬‫سكَ ْن َدِيّ َأبُو ال َفتْحِ‪ ،‬فَقُلْتُ‪َ :‬أيْ َ‬ ‫لْ‬ ‫حشَاشَ ُة إِلَى َبعْضِ ُقرَاهَا‪َ ،‬و َمعِي ا ِ‬ ‫ِبي ال ُ‬
‫ت بِ َق ْومٍ َقدْ كَوَى الجَزعُ‬ ‫حتَفَل ْ‬ ‫حبُها‪َ ،‬وقَامَتْ نَوا ِد ُبهَا‪ ،‬وا ْ‬ ‫َيكْفِي الُ‪َ ،‬ودُ ِف ْعنَا إِلَى دَارٍ َقدْ مَاتَ صَا ِ‬
‫شدَدْنَ‬
‫ن صُدُورَهُنّ‪َ ،‬و َ‬ ‫ن شعُورَهُنّ‪َ ،‬يضْ ِربْ َ‬ ‫جيُو َب ُهمْ‪ ،‬و ِنسَاءٍ قد َنشَرْ َ‬ ‫قلو َب ُهمْ‪َ ،‬وشَقّتِ ال َفجِيعَ ُة ُ‬
‫سخْلَةٌ‪،‬‬ ‫س َك ْندَ ِريّ‪َ :‬لنَا فِي هَذا السّوادِ َنخْلَةٌ‪َ ،‬وفِي هذا ال َقطِيعِ َ‬ ‫لْ‬ ‫ن خدُودَهُنّ‪ ،‬فَقَالَ ا ِ‬ ‫طمْ َ‬ ‫عقُ ُودَ ُهنّ‪ ،‬يَ ْل ِ‬
‫ئ تَابُوتُهُ‬‫سخّنَ ماؤُ ُه ِل ُيغْسَلَ‪ ،‬و ُهّي َ‬ ‫عصَا َبتُهُ ِل ُينْقَلَ‪َ ،‬و ُ‬ ‫شدّتْ ِ‬ ‫ظرَ إِلى ال َميّتِ َو َقدُ ُ‬ ‫َو َدخَلَ الدّارَ ِل َي ْن ُ‬
‫خذَ حَ ْلقَهُ‪َ ،‬فجَسّ‬ ‫لسْ َك ْن َدرِيّ َأ َ‬ ‫ت َأثْوَابُ ُه ِل ُيكَفّنَ‪َ ،‬وحُ ِفرَتُ حُ ْف َرتُ ُه ِل ُيدْفَنَ‪ ،‬فََلمّا رَآ ُه ا ِ‬ ‫حمَلَ‪َ ،‬وخِيطَ ْ‬ ‫ِل ُي ْ‬
‫ع َرتْ ُه َب ْهتَةٌ‪َ ،‬وعَلت ُه سَكتَةٌ‪ ،‬وََأنَا ُأسَّلمُهُ‬ ‫حيّ‪ ،‬وِإ ّنمَا َ‬ ‫ل ل َت ْد ِفنُو ُه فَهْ َو َ‬ ‫عرْقَهُ‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬يَا قَ ْومُ اتّقُوا ا َ‬ ‫ِ‬
‫ستُهُ‪ ،‬وَهذَا‬ ‫ن ال ّرجُلَ إِذا ماتَ َب َردَ ا ْ‬ ‫ن َلكَ ذَِلكْ? فَقَالَ‪ :‬إِ ّ‬ ‫ن َأيْ َ‬‫ح ال َع ْي َنيْنِ‪َ ،‬بعْ َد يَ ْو َميْنِ‪ ،‬فَقَالُوا‪ :‬مِ ْ‬ ‫مَ ْفتُو َ‬
‫لمْ ُر على مَا َذ َكرَ‪ ،‬فَا ْفعَلُوا‬ ‫ستِهِ‪ ،‬فَقَالوا‪ :‬ا َ‬ ‫جعَلوا َأ ْيدِ َي ُهمْ فِي ا ْ‬ ‫حيّ‪َ ،‬ف َ‬ ‫ال ّرجُلُ َقدْ َلمْستُ ُه فعَِلمْتُ َأنّ ُه َ‬
‫شدّ ل ُه ال َعمَائِمَ‪َ ،‬وعَّلقَ عَل ْيهِ تَما ِئمَ‪ ،‬وَأَلعَقَهُ‬ ‫س َك ْندَ ِريّ إِلى ال َميّتِ‪َ ،‬فنَزَع ثِيابَ ُه ُثمّ َ‬ ‫لْ‬ ‫َكمَا َأ َمرَ‪َ ،‬وقَامَ ا ِ‬
‫ج مِنْ‬ ‫س ِم ْع ُتمْ لَ ُه َأنِينا فَلَ ُتجِيبُوهُ‪َ ،‬وخَرَ َ‬ ‫ال ّزيْتَ‪ ،‬وََأخْلَى َلهُ ال َبيْتَ‪َ ،‬وقَالَ‪ :‬دَعُوهُ وَل ُترَوّعُوهُ‪ ،‬وَِإنْ َ‬
‫ن كُلّ دَارٍ‪ ،‬وَا ْنثَالَتْ عََليْنا‬ ‫خ َذ ْتنَا المَبارّ‪ ،‬مِ ْ‬ ‫ت َقدْ ُنشِرَ‪ ،‬وََأ َ‬ ‫خبَرُ وا ْن َتشَرَ‪ِ ،‬بأَنّ ال َميّ َ‬ ‫ع ال َ‬ ‫ع ْندِهِ َو َقدْ شَا َ‬‫ِ‬
‫ن َن ْن َتهِزَ‬ ‫ج َهدْنا أَ ْ‬‫سنَا فِضّةً َو ِتبْرا وا ْمتَلَ َرحُْلنَا َأقِطا َو َتمْرا‪َ ،‬و َ‬ ‫حتّى َو ِرمَ كِي ُ‬ ‫ل جَار‪َ ،‬‬ ‫ال َهدَايا مِنْ كُ ّ‬
‫ع ُد ال َمكْذُوبُ فَقَالَ‬ ‫س ُت ْنجِزَ الوَ ْ‬ ‫لجَلُ ال َمضْرُوبُ‪ ،‬وا ْ‬ ‫لاَ‬ ‫حتّى حَ ّ‬ ‫جدْهَا‪َ ،‬‬ ‫فُ ْرصَة في ال َهرَبِ فََلمْ َن ِ‬
‫ن َلمْ َيكُنْ‬ ‫س ِم ْعتُمْ ِل َهذَا العَُليِلِ ِركْزا‪ ،‬أَ ْو رََأ ْيتُمْ ِم ْنهُ َرمْزا? فَقَالوا‪ :‬ل‪ ،‬فَقالَ‪ :‬إِ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫س َك ْندَ ِريّ‪ :‬هَ ْ‬ ‫لْ‬ ‫اِ‬
‫س ِم ْعتُمْ صَ ْو َتهُ‪َ ،‬أ ِم ْنتُمْ َم ْوتَهُ‪ُ ،‬ثمّ‬ ‫غدٍ َفِإ ّنكُ ْم إِذا َ‬‫ت ُمذْ فَارَ ْقتُهُ‪ ،‬فَلَ ْم َيجِيئْ َب ْعدُ َو ْقتُهُ‪ ،‬دَعُوهُ إِلَى َ‬ ‫صَوّ َ‬
‫غدٍ‪ ،‬قَالَ‪:‬‬ ‫عنْ َ‬ ‫خرْ ذَِلكَ َ‬ ‫حتَالَ في عِلجِهِ‪ ،‬وِإصْلحِ ما َفسَ َد مِنْ ِمرَاجِهِ‪ ،‬فَقَالوا‪ :‬ل ُت َؤ ّ‬ ‫لْ‬ ‫ع ّرفُونِي َ‬ ‫َ‬
‫ح الضّوّ‪ ،‬في ُأ ُفقِ الجَوّ‪ ،‬جا َءهُ ال ّرجَالُ َأفْوَاجا‪ ،‬والنّساءُ‬ ‫صبْحِ وا ْن َتشَر جَنا ُ‬ ‫ل‪ ،‬فََلمّا ا ْب َتسَمَ َث ْغرُ ال ّ‬
‫س َك ْندَ ِريّ‪ :‬قُومُوا بِنا إَِل ْيهِ‪ُ ،‬ثمّ‬ ‫لْ‬ ‫ي العَلِيلَ‪َ ،‬و َت َدعَ القَالَ والقِيلَ‪ ،‬فَقَالَ ا ِ‬ ‫ن َتشْفِ َ‬‫ب أَ ْ‬‫َأزْوَاجا‪َ ،‬وقَالوا‪ُ :‬نحِ ّ‬
‫جهِهِ‪َ ،‬فأُنِيمَ‪ُ ،‬ثمّ قَالَ‪َ :‬أقِيمُوهُ‬ ‫سدِهِ‪َ ،‬وقَالَ‪َ :‬أنِيمُو ُه على َو ْ‬ ‫جَ‬ ‫ن َ‬ ‫ل العَمائِمَ ع ْ‬ ‫ن َيدِهِ‪َ ،‬وحَ ّ‬ ‫ح َدرَ ال ّتمَائِمَ عَ ْ‬ ‫َ‬
‫لسْ َك ْن َدرِيّ بِفِيهِ َوقَالَ‪ُ :‬هوَ َميّتٌ‬ ‫ناِ‬ ‫ن َي َديْهِ‪َ ،‬فسَقَطَ رَأسْا‪َ ،‬وطَ ّ‬ ‫على ِرجَْليْهِ‪َ ،‬فأُقِيمُ‪ُ ،‬ثمّ قَالَ‪ :‬خَلّوا عَ ْ‬
‫عنْهُ َيدٌ َو َقعَتْ عََليْ ِه ُأخْرَى‪ُ ،‬ثمّ‬ ‫ل ُكفّ‪َ ،‬وصَارَ ِإذَا ُر ِفعَتْ َ‬ ‫خذَ ُه الخُفّ‪َ ،‬ومََل َكتُ ُه ا َ‬ ‫حيِيهِ? فََأ َ‬ ‫َك ْيفَ ُأ ْ‬
‫طرّفُها وَالمَاءُ‬ ‫سيْلُ ُي َ‬‫حتّى َأ َت ْينَا قَرْي ًة على شَفِيرِ وَادٍ ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫َتشَاغَلوا ِب َتجْهيزِ ال َميّتِ‪ ،‬فا ْنسَل ْلنَا هَارِبي َ‬
‫س َكنْ َد ِريّ‪ :‬يَا قَ ْومُ َأنَا‬ ‫لْ‬ ‫سيْلِ‪ ،‬فَقَالَ ا ِ‬ ‫شيَةِ ال ّ‬
‫خْ‬ ‫ن َ‬ ‫ض الّليْلِ‪ ،‬مِ ْ‬ ‫غمْ ُ‬ ‫ن ل َيمِْل ُكهُم ُ‬ ‫حيّفُها‪ .‬وأَهُْلهَا م ْغ َتمّو َ‬ ‫َي َت َ‬
‫ض ّرتَهُ‪ ،‬فَأَطيعوني‪ ،‬ول ُت ْب ِرمُوا َأمْرا دُونِي‪،‬‬ ‫ن هذ ِه ال َق ْريَةِ َم َ‬ ‫َأكْفِيكمْ هَذا المَاءَ َو َمعَ ّرتَهُ‪ ،‬وَأرَدّ عَ ْ‬
‫فَقَالوا‪ :‬ومَا َأ ْم ُركَ? فَقَالَ‪ :‬أ ْذ َبحُوا في‬

‫‪16‬‬
‫ع ْن ُكمْ‬
‫ن الُ َ‬ ‫ن َيثْ ِ‬‫عذْراءَ‪َ ،‬وصَلّوا خَلْفِي َر ْك َعتَيْ ِ‬ ‫جرَى هَذا المَا ِء بَ َقرَةً صَ ْفرَاءَ‪ ،‬وَأتُونِي ِبجَارِيةٍ َ‬ ‫َم ْ‬
‫صحْراءِ‪َ ،‬فإِنْ َل ْم َي ْنثَنِ المَا ُء فَ َدمِي عََل ْي ُكمْ حَللٌ‪ ،‬قَالوا‪ :‬نَ ْفعَلُ‬ ‫عِنان هذا المَاءِ‪ ،‬إِلى َهذِ ِه ال ّ‬
‫ح َفظُوا‬‫ن يُصَلّيهِما‪َ ،‬وقَالَ‪ :‬يَا قَ ْومُ ا ْ‬ ‫ذَِلكَ‪ ،‬فَ َذ َبحُوا البَ َقرَةَ‪َ ،‬وزَ ّوجُو ُه الجَارِيَةَ‪َ ،‬وقَامَ إِلى ال ّركْ َع َتيْ ِ‬
‫سهْوٌ‪َ ،‬أوْ فِي ال ُقعُودِ‬ ‫سجُودِ َ‬ ‫ع هَفْوٌ‪َ ،‬أوْ في ال ّ‬ ‫سكُ ْم لَ يَقَ ْع ِم ْنكُمْ فِي القِيامِ َكبْوٌ‪َ ،‬أوْ فِي ال ّركُو ِ‬ ‫َأنْ ُف َ‬
‫عمَلُنا بَاطِلً‪ ،‬وَاصْ ِبرُوا عَلى ال ّر ْك َعتَينِ‬ ‫خرَجَ َأمَُلنَا عَاطِلً‪َ ،‬وذَهَبَ َ‬ ‫سهَ ْونَا َ‬ ‫َلغْوٌ‪َ ،‬ف َمتَى َ‬
‫شكَوا َوجَعَ الضّلْعِ‪،‬‬ ‫حتّى َ‬ ‫ج ْذعِ‪َ ،‬‬ ‫ب ا ْنتِصَابَ ال ِ‬ ‫َفمَسَافَ ُت ُهمَا طَوِيلَةٌ‪َ ،‬وقَامَ لِ ْل َر ْكعَ ِة الُولَى فَا ْنتَصَ َ‬
‫حتّى َكّبرَ لِ ْلجُلُوسِ‪ُ ،‬ثمّ عَادَ إِلى‬ ‫جعُوا ِل َرفْعِ الرّؤُوسِ‪َ ،‬‬ ‫شُ‬‫جدَ ولمْ َي ْ‬ ‫ظنّوا َأنّهُ َقدْ َه َ‬ ‫حتّى َ‬ ‫سجَدَ‪َ ،‬‬ ‫َو َ‬
‫خذْنَا الوَا ِديَ َو َت َر ْكنَا ال َق ْومَ سَاجِدينَ‪ ،‬لَ َنعَْلمُ مَا صَنَ َع الدّهْرُ‬ ‫جدَ ِة الثّانِيَةِ‪ ،‬وَأَ ْو َمَأ إَِليّ‪َ ،‬فَأ َ‬ ‫سْ‬‫ال ّ‬
‫عذْراءَ‪َ ،‬وصَلّوا‬ ‫شأَ َأبُو ال َف ْتحِ يقُولُ‪:‬رَى هَذا المَا ِء بَ َقرَ ًة صَفْرَاءَ‪ ،‬وَأتُونِي ِبجَارِيةٍ َ‬ ‫ِب ِهمْ‪َ ،‬فَأنْ َ‬
‫ن المَاءُ َف َدمِي‬ ‫ع ْن ُكمْ عِنان هذا المَاءِ‪ ،‬إِلى َهذِ ِه الصّحْراءِ‪َ ،‬فإِنْ َلمْ َي ْنثَ ِ‬ ‫ن الُ َ‬ ‫ن َيثْ ِ‬
‫خَلْفِي َر ْك َعتَيْ ِ‬
‫عََل ْي ُكمْ حَللٌ‪ ،‬قَالوا‪ :‬نَ ْفعَلُ ذَِلكَ‪ ،‬فَ َذ َبحُوا البَ َقرَةَ‪َ ،‬وزَ ّوجُو ُه الجَا ِريَةَ‪َ ،‬وقَامَ إِلى الرّ ْك َع َتيْنِ‬
‫ع هَفْوٌ‪َ ،‬أوْ‬ ‫س ُكمْ لَ يَقَ ْع ِم ْنكُ ْم فِي القِيامِ َك ْبوٌ‪ ،‬أَ ْو فِي ال ّركُو ِ‬ ‫ُيصَلّيهِما‪َ ،‬وقَالَ‪ :‬يَا قَ ْومُ احْ َفظُوا َأنْ ُف َ‬
‫عمَلُنا بَاطِلً‪،‬‬ ‫ج َأمَُلنَا عَاطِلً‪َ ،‬وذَهَبَ َ‬ ‫خرَ َ‬ ‫سهَ ْونَا َ‬ ‫سهْوٌ‪ ،‬أَ ْو فِي ال ُقعُودِ َل ْغوٌ‪َ ،‬فمَتَى َ‬ ‫سجُو ِد َ‬ ‫في ال ّ‬
‫ج ْذعِ‪،‬‬‫صبِرُوا عَلى ال ّر ْك َعتَينِ َف َمسَا َف ُت ُهمَا طَوِيلَةٌ‪َ ،‬وقَامَ لِ ْل َر ْكعَةِ الُولَى فَانْ َتصَبَ ا ْن ِتصَابَ ال ِ‬ ‫وَا ْ‬
‫حتّى‬ ‫شجُعُوا ِل َرفْعِ الرّؤُوسِ‪َ ،‬‬ ‫جدَ ولمْ َي ْ‬ ‫ظنّوا َأنّ ُه َقدْ َه َ‬‫حتّى َ‬ ‫سجَدَ‪َ ،‬‬ ‫شكَوا َوجَ َع الضّلْعِ‪َ ،‬و َ‬ ‫حتّى َ‬ ‫َ‬
‫خذْنَا الوَا ِديَ َو َت َر ْكنَا ال َق ْومَ سَاجِدينَ‪،‬‬ ‫جدَ ِة الثّانِيَةِ‪ ،‬وَأَ ْو َمَأ إَِليّ‪َ ،‬فَأ َ‬‫سْ‬ ‫َكّبرَ لِ ْلجُلُوسِ‪ُ ،‬ثمّ عَادَ إِلى ال ّ‬
‫شأَ َأبُو ال َف ْتحِ يقُولُ‪:‬‬ ‫صنَعَ الدّ ْهرُ ِبهِمْ‪َ ،‬فَأنْ َ‬‫ل َنعْلَ ُم مَا َ‬ ‫َ‬
‫ن مثْلِي َأ ْينَـا?‬ ‫وََأيْ َ‬ ‫ل ِمثْلـي‬ ‫ل ُي ْبعِدُ ا ُ‬‫َ‬
‫غ ِن ْمتُهَا بِا ْلهُ َو ْينَـا!‬‫َ‬ ‫لِ غَـفْـَلةُ قَـ ْومٍ‬
‫الَمقَامَةُ‬ ‫ت زُورا َو َميْنا‬ ‫َوكِلْ ُ‬ ‫خيْرا عََل ْي ِهمْ‬‫ا ْكتَلْتُ َ‬
‫المَضِيرِيّة‬
‫ن هِشامٍ قَالَ‪:‬‬ ‫ح ّدثَنا عِيسَى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫لسْ َك ْن َدرِيّ َرجُلُ ال َفصَاحَ ِة َيدْعُوهَا َفتُجِيبُهُ‪ ،‬وَالبَلغَ ِة َيَأمُرُهَا‬ ‫حاِ‬ ‫ُكنْتُ بِال َبصْرَةِ‪َ ،‬و َمعِي َأبُو ال َفتْ ِ‬
‫حضَارَةِ‪،‬‬ ‫عوَ َة َبعْضِ ال ّتجّارِ‪ ،‬فَ ُق ِدمَتْ إَِل ْينَا مَضِيرَةٌ‪ُ ،‬ت ْثنِي على ال َ‬ ‫ضرْنَا َم ْعهُ دَ ْ‬‫ح َ‬ ‫َفتُطِيعُهُ‪َ ،‬و َ‬
‫صعَةٍ َيزِلّ‬ ‫لمَامَة ِ‪ ،‬فِي قَ ْ‬ ‫ش َهدُ ِل َمعَا ِويَ َة َرحِمَ ُه الُ بِا ِ‬
‫لمَةِ‪َ ،‬و َت ْ‬ ‫ج في ال َغضَارَةِ‪َ ،‬وتُ ْؤ ِذنُ بِالسّ َ‬ ‫َو َت َت َرجْرَ ُ‬
‫ب أَ ْوطَا َنهَا‪ ،‬قَامَ‬ ‫ن القُلُو ِ‬ ‫ن مَكانَهَا‪َ ،‬ومِ َ‬ ‫ت مِنَ الخِوا ِ‬ ‫خذَ ْ‬ ‫ظرْفُ‪ ،‬فَلَمّا َأ َ‬ ‫طرْفُ‪َ ،‬و َيمُوجُ فِيهَا ال ّ‬ ‫ع ْنهَا ال ّ‬ ‫َ‬
‫ظ َننّاهُ َي ْمزَحُ َفِإذَا‬
‫ح َبهَا‪َ ،‬و َيمْ ُق ُتهَا وَآكَِلهَا‪َ ،‬و َيثِْل ُبهَا َوطَا ِبخَهَا‪َ ،‬و َ‬‫س َك ْندَ ِريّ يَ ْل َع ُنهَا َوصَا ِ‬
‫لْ‬ ‫َأبُو ال َف ْتحِ ا ِ‬
‫لخْوَانِ‪َ ،‬ورَ َف ْعنَاهَا‬ ‫عدَ َة ا ِ‬‫خوَانِ‪ِ ،‬و ِت ِركِ ُمسَا َ‬ ‫عنِ اُ ْل ِ‬‫جدّ‪َ ،‬و َت َنحَى َ‬ ‫ع ْينُ ال ِ‬‫ل ْمرُ بِالضّدّ‪ ،‬وَِإذَا ال ِمزَاحُ َ‬ ‫اَ‬
‫لفْوَاهُ‪َ ،‬وتََل ّمظَتْ َلهَا الشّفَاهُ‪،‬‬ ‫ت َم َعهَا القُلُوبُ‪َ ،‬وسَافَرَتْ خَلْ َفهَا ال ُعيُونُ‪َ ،‬و َتحَّلبَتْ َلهَا ا َ‬ ‫فَارْتَ َفعَ ْ‬
‫عنْ َأ ْمرِهَا‪،‬‬ ‫سأَ ْلنَاهُ َ‬
‫جرِهَا‪َ ،‬و َ‬ ‫ع ْدنَاهُ على َه ْ‬ ‫ل ْكبَادُ‪َ ،‬ومَضَى فِي ِإ ْثرِهَا الفُؤَادُ‪ ،‬وَل ِكنّا سَا َ‬ ‫ت َلهَا ا َ‬ ‫وَاتّ َقدَ ْ‬
‫ح ّد ْث ُتكُمْ ِبهَا َل ْم آمَنِ ال َمقْتَ‪ ،‬وَِإضَاعَةَ ال َوقْتِ‪،‬‬ ‫ل مِنْ ُمصِيبَتي فِيهَا‪ ،‬وَلَ ْو َ‬ ‫صتِي َم َعهَا َأطْوَ ُ‬ ‫فَقَالَ‪ :‬قِ ّ‬
‫قُ ْلنَا‪ :‬هَاتِ‪ :‬قَالَ‪ :‬دَعَاني َبعْضُ ال ّتجّارِ إِلَى َمضِيرَةٍ وََأنَا ِب َبغْدَادَ‪ ،‬وََل ِز َمنِي مُلَ َزمَ َة الغَريمِ‪ ،‬وَالكَلْبِ‬
‫جتِهِ‪َ ،‬ويُ َفدّيهَا‬
‫طرِيقِ ُي َثنِي عَلَي زَ ْو َ‬ ‫ل طُولَ ال ّ‬ ‫ج ْبتُهُ إَِل ْيهَا‪َ ،‬و ُق ْمنَا َفجَعَ َ‬
‫ن َأ َ‬
‫صحَابِ ال ّرقِيمِ‪ ،‬إِلَى أَ ْ‬ ‫ل ْ‬ ‫َ‬
‫خرْقَةُ‬ ‫ليَ َل ْو رَأَ ْي َتهَا‪ ،‬وَال َ‬ ‫خهَا َويَقُولُ‪ :‬يَا مَو ْ‬ ‫ط ْب ِ‬‫ص ْن َع ِتهَا‪َ ،‬و َتَأنّ َقهَا فِي َ‬
‫ح ْذ َقهَا فِي َ‬ ‫ِب ُم ْهجَتِهَ‪َ ،‬و َيصِفُ ِ‬
‫ن ال ّتنّورِ إِلَى ال ُقدُورِ َو ِمنَ ال ُقدُورِ إِلَى ال ّتنّورِ َتنْ ُفثُ بفِيهَا‬ ‫طهَا‪ ،‬وَ ْهيَ َتدُورُ فِي الدّورِ‪ ،‬مِ َ‬ ‫سِ‬ ‫فِي َو َ‬
‫جمِيلِ‪ ،‬وََأّثرَ فِي ذَِلكَ‬ ‫غّبرَ فِي ذَِلكَ ال َوجْ ِه ال َ‬ ‫لبْزَارَ‪ ،‬وَلَ ْو رََأيْتَ ال ّدخَانَ َو َقدْ َ‬ ‫النّارَ‪َ ،‬و َت ُدقّ ِب َي َد ْيهَا ا َ‬
‫سعَادَ ِة ال َمرْءِ َأنْ‬ ‫ن َ‬ ‫ل ّنهَا َت ْعشَ ُقنِي‪َ ،‬ومِ ْ‬‫عشَ ُقهَا َ‬‫خدّ الصّقِيلِ‪َ ،‬لرََأيْتَ َم ْنظَرا تَحارُ فِي ِه العيُوُنُ‪ :‬وََأنَا أَ ْ‬ ‫ال َ‬
‫عمّي‬ ‫ن طِي َنتِهِ‪ ،‬وَ ْهيَ ا ْبنَةُ َ‬ ‫س َيمّا ِإذَا كانَتْ مِ ْ‬ ‫ظعِي َنتِهِ‪َ ،‬ولَ ِ‬ ‫سعَدَ ِب َ‬‫ن َي ْ‬
‫عدَةَ ِمنْ حَلِيَلتِهِ‪ ،‬وَأَ ْ‬ ‫ُيرْ َزقَ ال ُمسَا َ‬
‫عمُو َمتِي‪ ،‬وََأرُو َمتَها َأرُومَتي‪َ ،‬ل ِكنّها َأ ْوسَعُ ِمنّي‬ ‫عمُو َم ُتهَا ُ‬ ‫ط ِي َنتِي‪َ ،‬و َمدِي َن ُتهَا َمدِينَتي‪ ،‬وَ ُ‬ ‫ّلحَا‪ ،‬طِينَتُها ِ‬
‫حتّى ا ْن َتهَينَا إِلَى َمحَّلتِهِ‪ُ ،‬ثمّ قَالَ‪ :‬يَا مَوْلي َترَى‬ ‫جتِهِ‪َ ،‬‬ ‫عنِي ِبصِفَاتِ َز ْو َ‬ ‫ن خَلْقا َوصَدّ َ‬ ‫حسَ ُ‬‫خُلْقا‪ ،‬وََأ ْ‬
‫خيَا ُر في ُنزُولِها‪َ ،‬و َيتَغا َيرُ ال ِكبَارُ فِي حُلُوِلهَا‪،‬‬ ‫لْ‬‫ل َبغْدَادَ‪َ ،‬ي َتنَافَسُ ا َ‬ ‫شرَفُ َمحَا ّ‬ ‫َهذِ ِه ال َمحَلّةَ? ِهيَ َأ ْ‬

‫‪17‬‬
‫ن قِلدَ ِتهَا‪ ،‬وَالنّ ْقطَ ِة من‬ ‫غيْ ُر ال ّتجّارِ‪ ،‬وَِإ ّنمَا ال َمرْءُ بِا ْلجَارِ َودَارِى فِي السّطَ ِة مِ ْ‬ ‫سكُ ُنهَا َ‬ ‫ل َي ْ‬ ‫ُثمّ َ‬
‫ن َلمْ َت ْعرِفُ ُه يَقِينا‪ ،‬قُلْتُ‪ :‬ال َكثِيرُ‪،‬‬ ‫خمِينا إِ ْ‬ ‫ل دَارٍ ِم ْنهَا? قُلْهُ َت ْ‬ ‫ي ُأنْ ِفقَ عَلى كُ ّ‬ ‫دَائِر َتهَا‪َ ،‬كمْ تُ َق ّدرُ يَا مَوْل َ‬
‫س ْبحَانَ مَنْ‬ ‫صعَدَاءَ‪َ ،‬وقَالَ‪ُ :‬‬ ‫س ال ّ‬ ‫ن الِ! مَا َأ ْكبَرَ هَذا الغََلطَ! تَقُولُ ال َكثِيرَ فَ َقطْ? َو َتنَفّ َ‬ ‫سبْحَا َ‬ ‫فَقَالَ‪ :‬يَا ُ‬
‫ت على ه ِذهِ‬ ‫ي َأنْفَقْ ُ‬‫ب دَارِهِ‪ ،‬فَقَالَ‪َ :‬هذِ ِه دَارِي‪َ ،‬كمْ تُ َق ّدرُ يَا مَوْل َ‬ ‫لشْيَاءَ‪ ،‬وَا ْن َت َه ْينَا إِلَى بَا ِ‬ ‫َيعَْلمُ ا َ‬
‫ت بالِ‬ ‫شكَْلهَا? َأرََأيْ َ‬ ‫ص ْنعَ َتهَا َو َ‬
‫الطّاقَةِ? َأنْفَ ْقتُ والِ عََل ْيهَا فَ ْوقَ الطّاقَةِ‪ ،‬وَ َورَاءَ الفَاقَةِ‪َ ،‬ك ْيفَ ترى َ‬
‫ظرْ إِلى‬ ‫ط بِالبِرْكارِ وَا ْن ُ‬ ‫جهَا‪َ ،‬ف َكَأ ّنمَا خُ ّ‬ ‫ن َت ْعرِي َ‬ ‫حسْ َ‬ ‫ص ْنعَ ِة فِيهَا‪َ ،‬و َتَأمّلْ ُ‬ ‫ظرْ إِلَى َدقَائِقِ ال ّ‬ ‫ِمثَْلهَا? انْ ُ‬
‫طعَةٍ‬ ‫ج مِنْ ِق ْ‬ ‫ن َكمْ? قُلْ‪َ :‬ومِنْ َأ ْينَ َأعَْلمُ‪ُ ،‬هوَ سَا ٌ‬ ‫خذَ ُه مِ ْ‬ ‫ص ْنعَةِ هذَا البَابِ‪ ،‬ا َت َ‬ ‫حذْقِ ال ّنجّارِ فِي َ‬ ‫ِ‬
‫خذَ ُه َأبُو‬ ‫س ّيدِي? ا ّت َ‬ ‫خذَ ُه يا َ‬ ‫ح َرِكَ أَنّ‪ ،‬وَِإذَا نُ ِقرَ طَنّ‪َ ،‬منِ ا ّت َ‬ ‫حدَ ٍة لَ َم ْأرُوضٌ وَل عَ ِفنٌ‪ِ ،‬إذَا ُ‬ ‫وَا ِ‬
‫ب خَفِيفُ ال َيدِ‬ ‫لبْوَا ِ‬ ‫صنْعِة ا َ‬ ‫لثْوَابِ‪ ،‬بَصِيرٌ ِب َ‬ ‫ل َرجُلٌ َنظِيفُ ا َ‬ ‫ح ّمدٍ ال َبصْريّ‪ ،‬وَهْ َو وا ِ‬ ‫ن َم َ‬ ‫سحَاقَ بْ ُ‬ ‫ِإ ْ‬
‫شتَ َر ْي ُتهَا‬ ‫س َت َعنْتَ إِل بِهِ عَلى ِمثْلِهِ‪ ،‬وَ َهذِ ِه الحَلَقَ ُة َترَاهَا ا ْ‬ ‫فِي ال َعمَلِ‪ ،‬لِ َدرّ ذَِلكَ ال ّرجُلِ! ِبحَياتِي ل ا ْ‬
‫شبَهِ?‬ ‫س ّيدِي ِمنَ ال ّ‬ ‫ن الطّرَائِ ِفيّ ِبثَلثَ ِة َدنَانِيرَ ُم ِعزّيّة‪َ ،‬و َكمْ فِيهَا يَا َ‬ ‫ع ْمرَا َ‬ ‫فِي سُوقِ الطّرَا ِئفِ مِنْ ِ‬
‫ب فِي البَابِ‪ ،‬بِالِ َد ّورْهَا‪ُ ،‬ثمّ انْ ُقرْهَا وَ ْأ ْبصُرْهَا‪َ ،‬و ِبحَياتِي‬ ‫ي َتدُورُ بِلَوْلَ ٍ‬ ‫ستّ ُة َأ ْرطَالٍ‪ ،‬وَ ْه َ‬ ‫فِيهَا ِ‬
‫لقَ‪ُ ،‬ثمّ قَ َرعَ البَابَ َو َدخَ ْلنَا الدّهْلِيزَ‪َ ،‬وقَالَ‪:‬‬ ‫ل الَعْ َ‬ ‫ش َت َريْتَ الحََلقَ ِإلّ ِم ْنهُ؛ فََليْسَ َيبِيعُ ِإ ّ‬ ‫عََل ْيكَ ل ا ْ‬
‫سكِ‪َ ،‬تَأمّلْ‬ ‫جدَارُ‪َ ،‬فمَا َأ ْمتَنَ حِيطَا َنكِ‪ ،‬وََأ ْو َثقَ ُب ْنيَانَكِ‪ ،‬وََأقْوى َأسَا َ‬ ‫ك يَا ِ‬ ‫خ ّربَ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ل يَا دَارُ َو َ‬ ‫ع ّمرَكِ ا ُ‬ ‫َ‬
‫حتّى‬ ‫حتَ ْل َتهَا‪َ ،‬‬ ‫ن حِيلَ ٍة ا ْ‬ ‫حصّ ْل َتهَا? َو َكمْ مِ ْ‬ ‫جهَا‪َ ،‬وسَلْني‪َ :‬ك ْيفَ َ‬ ‫ن دَواخَِلهَا َوخَوا ِر َ‬ ‫بِالِ َمعَا ِرجَهَا‪َ ،‬و َت َبيّ ْ‬
‫خزْنُ‪،‬‬ ‫سعُهُ ال ْ‬ ‫ن المَالِ مَا ل َي َ‬ ‫سكُنُ َه ِذهِ ال َمحَلّةَ‪ ،‬وَلَ ُه مِ َ‬ ‫ن لِي جَارٌ ُيكْنى َأبَا سَُل ْيمَانَ َي ْ‬ ‫عَ َق ْد َتهَا? كا َ‬
‫خ ْمرِ وَال ّزمْرِ‪،‬‬ ‫حمَهُ الُ َوخَّلفَ خَلْفا َأتَْلفَ ُه َبيْنَ ال َ‬ ‫ت َر ِ‬ ‫حصُرُهُ ال َوزْنُ‪ ،‬مَا َ‬ ‫ن الصّامِتِ مَا لَ َي ْ‬ ‫َومِ َ‬
‫ضطِرَارِ‪ ،‬إِلَى َبيْ ِع الدّارِ‪َ ،‬ف َيبِي َعهَا فِي َأ ْثنَاءِ‬ ‫ن ال ّن ْردِ وَال َق ْمرِ‪ ،‬وََأشْفَ ْقتُ َأنْ َيسُ َوقُه قَا ِئدُ ال ْ‬ ‫َو َم ّزقَهُ َبيْ َ‬
‫سرَاتٍ‪ ،‬إِلَى‬ ‫حَ‬ ‫شرَاهَا‪َ ،‬فَأتَقَطّعُ عََل ْيهَا َ‬ ‫خطَرِ‪ُ ،‬ثمّ َأرَاها‪َ ،‬و َقدْ فَا َتنِي ِ‬ ‫عرْضَ ًة لِ ْل َ‬ ‫جعَلَهَا ُ‬ ‫ضجَرِ‪ ،‬أَ ْو َي ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ض ُتهَا عََل ْيهِ‪َ ،‬وسَا َو ْمتُهُ عَلَى‬ ‫عرَ ْ‬ ‫حمَ ْل ُتهَا إَِليْهِ‪َ ،‬و َ‬‫ل َتنِضّ ِتجَا َر ُتهَا َف َ‬ ‫َي ْومِ المَماتِ‪َ ،‬ف َع ِمدْتُ إِلَى َأ ْثوَابٍ َ‬
‫سأَ ْلتُهُ َوثِيقَ ًة ِبَأصْلِ‬ ‫طيّةً‪ ،‬وال ُم َتخَّلفُ َي ْع َتدّهَا هَديّةً‪َ ،‬و َ‬ ‫عِ‬ ‫سيّةَ َ‬ ‫حسَبُ ال ّن ِ‬ ‫سيّةً‪،‬وَال ُم ْد ِبرُ َي ْ‬ ‫شتَرِيهَا َن ِ‬ ‫ن َي ْ‬ ‫أَ ْ‬
‫حتّى كَادَتْ حَاشِيَ ُة حَالِ ِه َترِقّ‪َ ،‬فأَ َت ْيتُهُ‬ ‫ن ا ْقتِضَائِهِ‪َ ،‬‬ ‫المَالِ‪ ،‬فَ َفعَلَ َوعَ َقدَهَا لِي‪ُ ،‬ثمّ َتغَافَلْتُ عَ ِ‬
‫جعَلَ دَارَهُ‬ ‫سأَ ْلتُهُ َأنْ َي ْ‬
‫ضرْتُهُ‪َ ،‬و َ‬ ‫ن ال ِثيّابِ َفَأحْ َ‬ ‫غ ْيرَهَا مِ َ‬ ‫ظ ْرتُهُ‪ ،‬وَا ْل َتمَسَ َ‬ ‫س َت ْمهَلَنِي َفَأنْ َ‬ ‫ض ْيتُهُ‪ ،‬وا ْ‬ ‫فَاقْ َت َ‬
‫جدّ‬ ‫ت لِي ِب َ‬ ‫حتّى حَصَلَ ْ‬ ‫ت إِلَى َب ْي ِعهَا َ‬ ‫رَهِينَ ًة َل َديّ‪ ،‬وَ َوثِي َقةً فِي َي َديّ‪ ،‬فَ َفعَلَ‪ُ ،‬ثمّ َد ّرجْتُ ُه بِال ُمعَامَل ِ‬
‫جدُودٌ‪ ،‬وَفي ِمثْلِ هَذهِ‬ ‫ح ْمدِ الِ َم ْ‬ ‫عدٍ‪ ،‬وََأنَا ِب َ‬ ‫عدٍ‪َ ،‬ورُبّ سَاعٍ لِقَا ِ‬ ‫عدٍ‪َ ،‬وقُوّة ِسَا ِ‬ ‫ت ُمسَا ِ‬ ‫عدٍ‪َ ،‬و َبخْ ٍ‬ ‫صَا ِ‬
‫ت مَعَ َمنْ َفيِ ِه ِإذْ قُ ِرعَ عََل ْينَا‬ ‫ت ُم ْنذُ َليَالٍ نَائِما في ال َبيْ ِ‬ ‫سبُكَ يَا مَ ْولَي َأنّي ُكنْ ُ‬ ‫حْ‬ ‫حمُودٌ‪َ ،‬و َ‬ ‫ل َم ْ‬ ‫لحْوَا ِ‬ ‫اَ‬
‫البَابُ‬
‫ن الطّا ِرقُ ال ُم ْنتَابُ‪َ ،‬فِإذَا ا ْمرَأَ ٌة َم َعهَا عِ ْق ُد للٍ‪ ،‬فِي جِ ْلدَ ِة مَاءٍ َورِقّ ِة آلٍ‪َ ،‬ت ْعرِضُ ُه لِ ْل َبيْعِ‪،‬‬ ‫فَقُلْتُ‪ :‬مَ ِ‬
‫س َيكُونُ َلهُ نَفْ ٌع ظَاهِرٌ‪َ ،‬و ِربْحٌ وَا ِفرٌ‪ِ ،‬بعَ ْونِ الِ‬ ‫شتَر ْيتُ ُه ِب َثمَنٍ َبخْسٍ‪َ ،‬و َ‬ ‫خذَ َة خَلْسٍ‪ ،‬وَ ْا َ‬ ‫خذْتُ ُه ِم ْنهَا ِإ ْ‬‫َفَأ َ‬
‫سعَادَ ُة ُت ْن ِبطُ المَاءَ‬ ‫ج ّديَ فِي ال ّتجَارَةِ‪ ،‬وَال ّ‬ ‫سعَادَةَ َ‬ ‫حدِيثِ ِل َتعَْلمَ َ‬ ‫ح ّد ْث ُتكَ ِب َهذَا ال َ‬ ‫َتعَالَى َودَوَْل ِتكَ‪ ،‬وَِإ ّنمَا َ‬
‫حصِيرَ‬ ‫ش َت َريْتُ هَذا ال َ‬ ‫سكَ‪ ،‬ا ْ‬ ‫ل َأقْرَبُ ِمنْ َأ ْم ِ‬ ‫سكَ‪َ ،‬و َ‬ ‫صدَقُ ِمنْ نَ ْف ِ‬ ‫حجَارَةِ‪ ،‬الُ َأ ْك َبرُ لَ ُي ْن ِب ُئكَ َأ ْ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫مِ َ‬
‫خرِجَ ِمنْ دُو ِر آلِ ال ُفرَاتِ‪َ ،‬وقْتَ ال ُمصَا َدرَاتِ‪َ ،‬و َزمَنَ الغَارَاتِ َو ُكنْتُ َأطْلُبُ‬ ‫فِي ال ُمنَادَاتِ‪َ ،‬و َقدْ ُأ ْ‬
‫ضرْتُ بَابَ‬ ‫ح َ‬ ‫س ُيدْرَى مَا يَِلدُ‪ُ ،‬ثمّ اتّ َفقَ َأنّي َ‬ ‫حبْلَى َليْ َ‬ ‫جدُ‪ ،‬وَالدّ ْهرُ ُ‬ ‫ن اَل ْأطَوِل فَل َأ ِ‬ ‫ِمثْلُهُ ُم ْنذُ ال ّزمَ ِ‬
‫ص ْن َعتَهُ‬‫ض بِالَسْوَاقِ‪ ،‬فَ َو َزنْتُ فِيهِ َكذَا َو َكذَا دِينَارا‪َ ،‬تَأمّلْ بِالِ ِد ّقتَهُ وَلِينَهُ‪َ ،‬و َ‬ ‫الطّاقِ‪ ،‬وَهَذا ُي ْعرَ ُ‬
‫ن الحَصِيريّ‬ ‫ع ْمرَا َ‬ ‫س ِمعْتَ ِبَأبِي ِ‬ ‫ن ُكنْتَ َ‬ ‫عظِيمُ ال َق ْدرِ‪ ،‬ل يَقَ ُع ِمثْلُ ُه ِإلّ فِي ال ّن ْدرِ‪ ،‬وَإِ ْ‬ ‫وََل ْونَهُ‪َ ،‬فهْوَ َ‬
‫ع ْن َدهُ؛ َف ِبحَياتِي لَ‬ ‫صرِ ِإلّ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫لقُ ال ُ‬ ‫جدُ اعْ َ‬ ‫ن فِي حَانُوتِ ِه لَ يُ ْو َ‬ ‫عمَلُهُ‪ ،‬وََلهُ ا ْبنٌ َيخْلُ ُفهُ ال َ‬ ‫َفهْوَ َ‬
‫ح ّرمَ ِبخُوَانِهِ‪َ ،‬و َنعُودُ إِلَى‬ ‫سيّما مَنْ َت َ‬ ‫ل ِ‬ ‫لخْوانِهِ‪َ ،‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ن نَاصِ ٌ‬ ‫ن ُدكّانِهِ‪ ،‬فَالمُ ْؤمِ ُ‬ ‫حصُرَ إِل مِ ْ‬ ‫ش َت َريْتَ ال ُ‬ ‫اْ‬
‫ل َأ ْك َبرُ‪ُ ،‬ر ّبمَا قَرُبَ‬ ‫ل ُم الطّسْتَ وَالمَا َء فَقُلْتُ‪ :‬ا ُ‬ ‫ت الظّهِيرَةِ‪ ،‬يَا غُ َ‬ ‫حدِيثِ ال َمضِيرَةِ‪ ،‬فَ َقدْ حَانَ َوقْ ُ‬ ‫َ‬
‫عرَا ِقيّ‬ ‫لصْلِ‪ِ ،‬‬ ‫لمَ? ِإنّ ُه رُو ِميّ ا َ‬ ‫لمُ‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬تَرى هذَا الغُ َ‬ ‫خرَجُ‪ ،‬وَت َق ّدمَ الغُ َ‬ ‫سهُلَ ال َم ْ‬ ‫ال َفرَجُ‪َ ،‬و َ‬
‫عكَ‪ ،‬وَافْ َترّ عَنْ‬ ‫ن ذِرَا ِ‬ ‫عنْ سَا ِقكَ‪ ،‬وانْضُ عَ ْ‬ ‫ش ّمرْ َ‬ ‫سكَ‪َ ،‬و َ‬ ‫ن رَأْ ِ‬ ‫حسِرْ عَ ْ‬ ‫لمُ وَا ْ‬ ‫النّشْءِ‪ .‬تَ َق ّدمْ يَا غُ َ‬
‫ش َترَاهُ وَالِ َأبُو‬ ‫ش َترَاهُ? ا ْ‬ ‫جرُ‪ :‬بالِ منَ ِا ْ‬ ‫لمُ ذَِلكَ‪َ ،‬وقَالَ‪ :‬التّا ِ‬ ‫سنَا ِنكَ‪ ،‬وََأ ْقبِلْ وََأ ْدبِرْ‪ ،‬فَ َفعَلَ الغُ َ‬ ‫َأ ْ‬
‫جرُ َوقَلّبَهُ وََأدَارَ‬ ‫خذَهُ التّا ِ‬ ‫لمُ‪ ،‬وََأ َ‬ ‫ضعَ ُه الغُ َ‬ ‫لبْريقَ‪ ،‬فَ َو َ‬ ‫تاِ‬ ‫طسْتَ‪ ،‬وَهَا ِ‬ ‫ن ال ّنخّاسِ‪ ،‬ضَعِ ال ّ‬ ‫ال َعبّاسِ‪ ،‬مِ َ‬

‫‪18‬‬
‫شبَ ُه‬ ‫طعَةٌ ِمنَ الذّهَبِ‪َ ،‬‬ ‫جذْ َوةُ الّلهَبِ‪َ ،‬أوْ ِق ْ‬ ‫شبَ ِه َكَأنّهُ ِ‬‫فِي ِه ال ّنظَرَ ُثمّ نَ َقرَهُ‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬ا ْنظُ ْر إِلى َهذَا ال ّ‬
‫سنَهُ‬ ‫حْ‬‫ع َرفَ دُورَ المُلُوكِ ودَارَهَا‪َ ،‬تَأمّلْ ُ‬ ‫لقِ َقدْ َ‬ ‫ن الَعْ َ‬ ‫ن خُلْقَا ِ‬ ‫س مِ ْ‬ ‫ص ْنعَ ُة العِراقِ‪ِ ،‬ليْ َ‬ ‫الشّامِ‪َ ،‬و َ‬
‫لبْرِيقُ‪،‬‬ ‫ل ُم ا ِ‬ ‫عةِ‪ ،‬يَا غُ َ‬ ‫شتَ َر ْيتُهُ والِ عَامَ ال َمجَاعَةِ‪ ،‬وَا ّدخَ ْرتُ ُه ِل َهذِهِ السّا َ‬ ‫شتَ َر ْيتُهُ? ا ْ‬ ‫َوسَ ْلنِي َمتَى ا ْ‬
‫ل َيصْلِحُ‬ ‫طسْتَ‪َ ،‬و َ‬ ‫لبْرِيقُ ِإلّ ِلهَذا ال ّ‬ ‫خذُه التّاجِرُ فَقَّل َبهُ ُثمّ قَالَ وَُأ ْنبُوبُ ُه ِمنْ ُه لَ َيصْلُحُ هَذا ا ِ‬ ‫فَ َق ّدمَهُ وََأ َ‬
‫جمُلُ هذَا ال َبيْتُ‬ ‫حسُنُ هَذا ال ّدسْتُ ِإلّ فِي هَذا ال َبيْتِ‪َ ،‬ولَ َي ْ‬ ‫ت ِإلّ مَعَ َهذَا ال ّدسْتِ‪َ ،‬ولَ َي ْ‬ ‫هَذا الطّسْ َ‬
‫طعَامِ‪ ،‬بالِ تَرى َهذَا المَا َء مَا َأصْفَاهُ‪،‬‬ ‫لمُ‪ ،‬فَ َقدْ حَانَ َوقْتُ ال ّ‬ ‫ض ْيفِ‪َ ،‬أ ْرسِلِ المَا َء يَا غُ َ‬ ‫ل مَعَ هَذا ال ّ‬ ‫ِإ َ‬
‫ل َب ْعدَ ال َبيَاتِ‪َ ،‬فجَاءَ‬ ‫س ُتعْمِ َ‬ ‫ى مِنَ ال ُفرَاتِ‪ ،‬وَا ْ‬ ‫ستُقِ َ‬‫ب البِلّ ْورِ‪ ،‬ا ْ‬ ‫ف كَ َقضِي ِ‬ ‫سنّ ْورِ‪َ ،‬وصَا ٍ‬ ‫ق َك َعيْنِ ال ّ‬ ‫أَزرَ ُ‬
‫ل َيدُّلكَ عَلَى‬ ‫لنَاءِ‪َ ،‬‬ ‫ن فِي ا ِ‬ ‫ن فِي السّقّاءِ‪ ،‬الشّا ُ‬ ‫شمْعَةِ‪ ،‬فِي صَفَاءِ ال ّد ْمعَةِ‪ ،‬وََليْسَ الشّا ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫كَِلسَا ِ‬
‫ج ْرجَانَ‪،‬‬ ‫عنْ ِقصّتِهِ‪َ ،‬فهُ َو َنسْجُ ُ‬ ‫ن َنظَافَ ِة شَرَابِهِ‪ ،‬وَهذَا ال ِم ْندِيلُ سَ ْلنِي َ‬ ‫سبَابِهِ‪َ ،‬أصْ َدقُ مِ ْ‬ ‫َنظَافَ ِة َأ ْ‬
‫خذْتُ َب ْعضَهُ ِم ْندِيلً‪،‬‬ ‫سرَاوِيلً‪ ،‬وَا ّت َ‬ ‫خذَتَ ا ْمرََأتِي َبعْضَ ُه َ‬ ‫ل َأ ّرجَانَ‪َ ،‬وقَعَ إَِليّ فَاشْ َت َر ْيتُهُ‪ ،‬فَا ّت َ‬ ‫وَعَم ُ‬
‫ط ّرزِ‬ ‫ت مِنْ َيدِهَا َهذَا ال ْق َدرَ ا ْنتِزاعا‪ ،‬وَأسَْل ْمتُهُ إِلى المُ َ‬ ‫شرُونَ ِذرَاعا‪ ،‬وا ْن َتزَعْ ُ‬ ‫عْ‬ ‫سرَاوِيلهَا ِ‬ ‫َدخَلَ فِي َ‬
‫ظرَافِ‪،‬‬ ‫خ ْرتُهُ لِ ْل ّ‬
‫خزَ ْنتُ ُه في الصّ ْندُوقِ‪ ،‬وََأ ّد َ‬ ‫ن السّوقِ‪َ ،‬و َ‬ ‫ط ّرزَهُ‪ُ ،‬ثمّ َردَ ْدتُ ُه مِ َ‬ ‫ص َنعَهُ َكمَا َترَاهُ َو َ‬ ‫حتّى َ‬ ‫َ‬
‫ل آلَةٍ‬ ‫ل ال ّنسَا ُء ِلمَآقِيهَا‪ ،‬فَِلكُلّ عِ ْلقٍ يَ ْومٌ‪ ،‬وَِلكُ ّ‬ ‫عرَبُ العَامّض ِة ِبَأ ْيدِيهَا‪َ ،‬و َ‬ ‫ضيَافِ َلمْ ُتذِلّهُ َ‬ ‫ل ْ‬ ‫ناَ‬ ‫مِ ْ‬
‫طعَامَ‪ ،‬فَ َقدْ َك ْثرَ الكَلمَ‪،‬‬ ‫لمُ ا ْلخُوَانَ‪ ،‬فَ َقدْ طَالَ ال ّزمَانُ‪ ،‬وَال ِقصَاعَ‪ ،‬فَ َقدْ طَالَ ال ِمصَاعُ‪ ،‬وال ّ‬ ‫قَ ْومٌ‪ ،‬يَاغُ َ‬
‫ع ّمرَ‬ ‫لسْنَانِ‪َ ،‬وقَالَ‪َ :‬‬ ‫جمَ ُه بِا َ‬ ‫عَ‬ ‫جرُ عَلَى المَكانِ‪َ ،‬ونَ َقرَ ُه بِال َبنَانِ‪ ،‬وَ َ‬ ‫لمُ بَالخُوَانِ‪َ ،‬وقَّلبَهُ التّا ِ‬ ‫َفأَتَى الغُ َ‬
‫ض َم ْتنِهِ‪،‬‬ ‫عرْ ِ‬ ‫عهَا‪َ ،‬تَأمّلْ بِالِ َهذَا الخِوَانُ‪ ،‬وَا ْنظُرْ إِلَى َ‬ ‫صنّا َ‬‫عهَا‪ ،‬وََأظْ َرفَ ُ‬ ‫ل َبغْدَادَ فَما َأجْ َو َد َمتَا َ‬ ‫ا ُ‬
‫عجّلْ‬ ‫لكْلُ? فقَالَ‪ :‬النَ‪َ ،‬‬ ‫شكْلُ‪َ ،‬فمَتى ا َ‬ ‫شكْلِهِ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬هَذا ال ّ‬ ‫حسْنِ َ‬ ‫َوخِفّةِ َو ْزنِهِ‪َ ،‬وصَلَبَةَ عُودِهِ‪َ ،‬و ُ‬
‫ت نَ ْفسِي َوقُلْتُ َقدْ بَ ِقيَ‬ ‫س َك ْندَ ِريّ َفجَاشَ ْ‬ ‫لْ‬ ‫طعَامَ‪ ،‬ل ِكنّ الخِوَانَ قَوَا ِئ ُمهُ ِمنْهُ‪ ،‬قَالَ َأبُو ال َف ْتحِ ا ِ‬ ‫لمُ ال ّ‬ ‫يَاغُ َ‬
‫حمْلً‪َ ،‬وفِي‬ ‫ش ُت ِريَتْ َأصْلً‪َ ،‬و َكيْفَ ا ْكتَرى َلهَا َ‬ ‫ح ْنطَةُ ِمنْ َأ ْينَ ا ْ‬ ‫خ ْبزُ َوصِفاتُهُ وَال ِ‬ ‫خ ْبزُ وآَلتُهُ وَال ُ‬ ‫ال َ‬
‫حطَبُ ِمنْ َأ ْينَ‬ ‫جرَ‪َ ،‬وبَ ِقيَ ال َ‬ ‫س َتأْ َ‬
‫خبّازٍ ا ْ‬ ‫سجَرَ‪َ ،‬و َ‬ ‫جنَ‪ ،‬وََأيّ َتنّو ٍر َ‬ ‫عَ‬ ‫طحَنَ‪ ،‬وَِإجّانَةٍ َ‬ ‫َأيّ رَحىً َ‬
‫خبّازُ وَ َوصْ ُفهُ‪،‬‬ ‫ي ال َ‬ ‫حتّى َيبِسَ‪َ ،‬وبَ ِق َ‬ ‫حبِسَ‪َ ،‬‬ ‫حتّى جُ ّففَ? َو ُ‬ ‫حتُطِبَ‪َ ،‬و َمتَى جُلِبَ? َو َك ْيفَ صُ ّففَ َ‬ ‫اْ‬
‫سكُرّجاتُ َمنِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫حتُ ُه َوبَ ِقيَ ِ‬ ‫لَ‬ ‫ح ومَ َ‬ ‫ش ْرحُهُ‪ ،‬وَالمِلْ ُ‬ ‫خمِيرُ َو َ‬ ‫وَالتّ ْلمِيذُ َو َن ْعتُهُ‪ ،‬وَال ّدقِيقُ َو َم ْدحُهُ‪ ،‬وَا ْل َ‬
‫ش ُترِيَ‬ ‫ع َنبُهُ‪ ،‬أَ ْو ا ْ‬ ‫عمِلَها? والخَلّ كَيفَ ا ْنتُقِى ِ‬ ‫س َت ْعمَلَهاَ‪َ ?،‬ومَنْ َ‬ ‫ناْ‬ ‫خذَها‪َ ،‬و َك ْيفَ ا ْنتَ َقذَهَا‪َ ،‬ومَ ِ‬ ‫ا ّت َ‬
‫حبّهُ? َو َكمْ يُساوِي َدنّهُ? َوبَ ِقيَ‬ ‫ص ُلبّهُ? َو َك ْيفَ ُقيّرَ َ‬ ‫ستُخْلِ َ‬ ‫ص َرتُهُ? وَا ْ‬ ‫صهْ ِرجَتْ ِم ْع َ‬ ‫طبُهُ‪َ ،‬وكَيفَ ُ‬ ‫ُر َ‬
‫ظفَ? َوبَقيتِ‬ ‫حتّى ُن ّ‬ ‫صفَ? َو َك ْيفَ تُ ُؤّنقَ َ‬ ‫ي َمبْقَلَ ٍة رُ ِ‬ ‫حتّى ُقطِفَ? َوفِي َأ ّ‬ ‫حتِيلَ لَ ُه َ‬ ‫البَقْ ُل كيفَ ا ْ‬
‫ت نَارُها‪َ ،‬و ُدقّتْ َأزَارُها‪،‬‬ ‫ججَ ْ‬ ‫صبَتْ ِق ْدرُها‪ ،‬وََأ ّ‬ ‫ح ُمهَا? و ُن ِ‬ ‫شْ‬ ‫حمُها? َو ُوفّيَ َ‬ ‫ش ُت ِريَ َل ْ‬‫ال َمضِيرَ ُة َكيْفَ ا ْ‬
‫طمّ‪ ،‬وَأ ْمرٌ ل َي ِتمّ‪ ،‬فَ ُقمْتُ‪ ،‬فَقَالَ‪َ :‬أيْنَ ُترِيدُ? فَقُلْتُ‪:‬‬ ‫خطْبٌ َي ُ‬ ‫ط ْبخُها َوعُ ِقدَ َم َرقُها? وَهذَا َ‬ ‫حتّى ُأجِيدَ َ‬ ‫َ‬
‫جصّصَ‬ ‫لمِيرِ‪َ ،‬وخَريِ ِفيّ ال َوزِيرِ‪َ ،‬قدْ ُ‬ ‫ياَ‬ ‫حَاجَةً َأ ْقضِيها‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬يَامَوْليَ ُترِيدُ َكنِيفا ُيزْري ب َر ِبيِع ّ‬
‫عنْ حا ِئطِ ِه الذّرّ فَلَ‬ ‫ح سَقْفُهُ‪َ ،‬وفُ ِرشَتْ بِال َم ْرمَرِ َأ ْرضُهُ‪َ ،‬يزِلّ َ‬ ‫سطّ َ‬ ‫ج َأسْفَلُهُ‪َ ،‬و ُ‬ ‫صهْرِ َ‬ ‫لهُ‪َ ،‬و ُ‬ ‫أَعْ َ‬
‫ي ساجٍ َوعَاجٍ‪ُ ،‬مزْدَوجَينِ‬ ‫ن خَلِيط ْ‬ ‫غ ِيرَانُهُ مِ ْ‬ ‫َيعَْلقُ‪َ ،‬و َي ْمشِي عَلَى َأ ْرضُهُ ال ّذبَابُ َف َي ْنزَلِقُِ‪ ،‬عََليْ ِه بَابٌ ِ‬
‫ت مِنْ هَذا الجِرابِ‪َ ،‬لمْ َي ُكنِ ال َكنِيفُ‬ ‫ل َأنْ َ‬ ‫ن َيَأكُلَ فِيهِ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬كُ ْ‬ ‫ض ْيفُ أَ ْ‬ ‫ن ا ْزدِواجٍ‪ِ ،‬ي ِتمِنّى ال ّ‬ ‫حسَ َ‬ ‫َأ ْ‬
‫عدُو وَهُ َو َي ْت َبعُنشي َويَصِيحُ‪:‬‬ ‫جعَلْتُ َأ ْ‬ ‫ت فِي الذّهَابِ‪ ،‬وَ َ‬ ‫سرَعْ ُ‬ ‫حوَ البَابِ‪ ،‬وََأ ْ‬ ‫خ َرجْتُ َن ْ‬ ‫فِي الحِسابِ‪َ ،‬و َ‬
‫حدَ ُهمْ‬ ‫ن المَضِيرَةَ َلقَبٌ لِي فَصاحُوا صِياحَهُ‪ ،‬فَ َر َميْتُ َأ َ‬ ‫ن أَ ّ‬ ‫ن الصّ ْبيَا ُ‬ ‫يَا َأبَا ال َف ْتحِ ال َمضِيرَةَ‪َ ،‬وظَ ّ‬
‫ن ال ّنعَالِ بِما‬ ‫خذْتُ مِ َ‬ ‫جرَ ِبعِما َمتِهِ‪َ ،‬فغَاصَ فِي ها َمتِهِ‪َ ،‬فُأ ِ‬ ‫حَ‬‫جرِ‪ ،‬فَلقِي َرجُلٌ ال َ‬ ‫ضَ‬ ‫ن َفرْطِ ال ّ‬ ‫جرٍ‪ ،‬مِ ْ‬ ‫حَ‬ ‫ِب َ‬
‫ن فِي ذلكَ‬ ‫حبْسِ‪َ ،‬فأَ َقمْتُ عامَي ِ‬ ‫شرْتُ إِلَى ال َ‬ ‫حِ‬ ‫خبُثَ‪َ ،‬و ُ‬ ‫ن الصّفْعِ ِبمَا طَابَ َو َ‬ ‫حدُثُ‪َ ،‬ومِ َ‬ ‫قَ ُدمَ َو َ‬
‫عشْتُ‪َ ،‬فهَلْ َأنَا فِي ذَا يَاَل َه ْمدَانَ ظَالمُ?‪.‬‬ ‫ل مَضِيرَةً ما ِ‬ ‫ن ل آك َ‬ ‫ت أَ ْ‬ ‫ال ّنحْسِ‪َ ،‬فنَذرْ ُ‬
‫حرَارِ‪،‬‬ ‫لْ‬ ‫ت المَضِيرةُ عَلَى ا َ‬ ‫جنَ ِ‬ ‫ع ْذرَهُ‪َ ،‬و َن َذ ْرنَا َنذْرَهُ‪َ ،‬وقُلْنا‪َ :‬قدِيما َ‬ ‫ن ِهشَامٍ‪ :‬فَ َقبِ ْلنَا ُ‬ ‫قَالَ عِيسَى بْ ُ‬
‫لخْيارِ‪.‬‬ ‫ت الَرَاذِلِ عَلى ا َ‬ ‫َوقَ ّدمَ ِ‬
‫ال َمقَامَ ُة الحِرْزِيّةُ‬
‫ليَابِ‪،‬‬‫ن ال َغنِيمَةِ بِا ِ‬‫ل ْبوَابِ‪َ ،‬و َرضِيتُ مِ َ‬ ‫ت ِبيَ ال ُغرْبَ ُة بَابَ ا َ‬ ‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪َ :‬لمّا بََلغَ ِ‬ ‫ح ّد َثنَا عِيسَى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫خرْتُ الَ فِي القُفُولِ‪َ ،‬و َق َعدْتُ‬ ‫س َت َ‬
‫عسّافٌ بِرا ِكبِهِ‪ ،‬ا ْ‬ ‫ن السّفُنِ َ‬ ‫حرِ َوثّابٌ ِبغَاربِهِ‪َ ،‬ومِ َ‬ ‫َودُو َنهُ منِ َال َب ْ‬
‫ل ْمطَارِ‬ ‫شيَ ْتنَا سَحابَةٌ َت ُمدّ ِمنَ ا َ‬
‫غِ‬ ‫جنّ عََل ْينَا الّلْيلُ َ‬
‫حرُ َو َ‬‫ن الفُ ْلكِ‪ِ ،‬ب َمثَابَ ِة الهُ ْلكِ‪ ،‬وََلمّا مََل ْكنَا ال َب ْ‬
‫مِ َ‬

‫‪19‬‬
‫لمْطَارَ َأفْوَاجا‪َ ،‬وبَقِينا فِي َيدِ‬ ‫لمْواجَ َأزْوَاجا‪ ،‬وَا َ‬ ‫ح ُترْسِلُ ا َ‬ ‫جبَالً‪ِ ،‬برِي ٍ‬ ‫حدُو ِمنَ ال َغ ْيمِ ِ‬ ‫حبَالً‪َ ،‬و َت ْ‬ ‫ِ‬
‫غ ْيرَ ال ّرجَاءِ‪،‬‬ ‫صمَةً َ‬ ‫ع ْ‬ ‫غ ْيرَ الدّعَاءِ‪ ،‬وَل حِيلَ ًة ِإلّ ال ُبكَاءَ وَل ِ‬ ‫عدّةً َ‬ ‫ح َريْنِ‪ ،‬لَ َنمِْلكُ ُ‬ ‫الحِينِ‪َ ،‬بيْنَ ال َب ْ‬
‫ع ْيُنهُ‪،‬‬
‫ل جَ ْفنُهُ‪ ،‬وَل َت ْبتَلّ َ‬ ‫حنَا َنتَباكَى َو َنتَشاكَى‪َ ،‬وفِينَا َرجُلٌ ل َيخْضَ ّ‬ ‫ص َب ْ‬
‫َوطَ َو ْينَاهَا َليْلةً نَا ِب ِغيّةً‪ ،‬وََأ ْ‬
‫ل ال َعجَبِ‪َ ،‬وقُ ْلنَا لَهُ‪ :‬مَا اّلذِي َأ ّم َنكَ مِنَ‬ ‫ج ْبنَا والِ كُ ّ‬ ‫ب َفرِخُهُ‪َ ،‬ف َع ِ‬ ‫ش ِرحُهُ‪َ ،‬نشِيطُ القَلْ ِ‬ ‫صدْرِ ُم ْن َ‬ ‫خيّ ال ّ‬ ‫َر ِ‬
‫ل رَغِبَ‬ ‫حرْزا َل َفعْلتُ‪ ،‬فَكُ ّ‬ ‫ح كُلّ ِم ْن ُكمْ ِ‬ ‫ن َأ ْمنَ َ‬
‫شئْتُ أَ ْ‬ ‫حبُهُ‪ ،‬وَلَ ْو ِ‬
‫ح ْرزٌ ل َي ْغ َرقُ صَا ِ‬ ‫ال َعطَبِ? فَقَالَ‪ِ :‬‬
‫حدٍ ِم ْنكُ ْم دِينارا النَ‪،‬‬ ‫ط َينِي كُلّ وَا ِ‬ ‫حتّى ُي ْع ِ‬ ‫ك َ‬ ‫سأَلَةِ عَليْهِ‪ ،‬فَقَالَ‪َ :‬لنْ َأ ْفعَلَ ذَِل َ‬ ‫ح فِي ال َم ْ‬ ‫إَِل ْيهِ‪ ،‬وَأَلَ ّ‬
‫َو َي ِع َدنِي دِينارا إِذا سِِلمَ‪.‬‬
‫خرَجَ‬ ‫ج ْيبِهِ‪َ ،‬فَأ ْ‬
‫ت َيدُهُ إِلَى َ‬ ‫خطَبَ‪ ،‬وَآبَ ْ‬ ‫ع ْدنَا ُه مَا َ‬ ‫ن ِهشَامٍ‪َ :‬فنَ َقدْنَا ُه مَا طَلَبَ‪َ ،‬ووَ َ‬ ‫قاَلَ عِيسَى بْ ُ‬
‫حدَ ٍة ِم ْنهَا‪،‬‬ ‫ح ٍد ِمنّا بِوَا ِ‬
‫حذَفَ كُلّ وَا ِ‬ ‫صدْرُها ِرقَاعا‪َ ،‬و َ‬ ‫ن َ‬ ‫ضمّ َ‬‫طعَةَ ِد ْيبَاجٍ‪ ،‬فِ ْيهَا حُقّةُ عَاجٍ‪ ،‬قَدْ ُ‬ ‫ُق ْ‬
‫ل ْمرُ إِليّ‬ ‫عدُوهُ‪َ ،‬فنَ َقدُوهُ‪ ،‬وَا ْن َتهَى ا َ‬ ‫س ما َو َ‬ ‫فَلمّا سَلَمتِ السّفِينَةِ‪ ،‬وََأحَّل ْتنَا ال َمدِينَةَ‪ ،‬ا ْف َتضَى النّا َ‬
‫لسْ َك ْن َدرِيّةِ‪ ،‬فَقُلْتُ‪:‬‬ ‫ن بِلدِ ا ِ‬ ‫سرّ حَاِلكَ‪ ،‬قَالَ‪َ :‬أنَا مِ ْ‬ ‫فَقَالَ‪ :‬دَعُوهُ‪ ،‬فَقُلْتُ‪َ :‬لكَ ذَِلكَ َب ْعدَ َأنْ ُتعِْل َمنِي ِ‬
‫شأَ يَقُولُ‪:‬‬
‫خذََلنَا? فََأ ْن َ‬ ‫صبْرُ َو َ‬ ‫ص َركَ ال َ‬ ‫ف نَ َ‬ ‫َكيْ َ‬
‫ت الكِيسَ ِت ْبرَا‬ ‫تُ مَلَ ُ‬ ‫ص ْبرُ مَا كُنْ‬ ‫َو ْيكَ َل ْولَ ال ّ‬
‫قَ بِما َيغْشا ُه صَـدْرا‬ ‫ن ضَا‬ ‫جدَ م ْ‬ ‫ن يَنالَ ال َم ْ‬ ‫لَ ْ‬
‫ضرّا‬‫عطِيتُ َ‬ ‫عةَ مَا ُأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُثمّ مَا أَعْ َق َبنِـي الـسّـا‬
‫جبُـرُ كَـسْـرَا‬ ‫َو ِبهِ ُأ ْ‬ ‫ل بِـهِ َأشْـتَـدّ َأزْرا‬ ‫بَ ْ‬
‫المَقَامَةَ‬ ‫قَى َلمَا كُلّفْتُ عُـذْرا‬ ‫وَلَ َو َأّنيَ اليَ ْومَ في ال َغرْ‬

‫المَارِسْتانِيّةُ‬
‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪:‬‬ ‫ح ّدثَنا عِيسِى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫عنِي‬ ‫ع ْيُنهُ َو َتدَ ُ‬‫ن َت ْأخُ ُذنِي َ‬ ‫جنُو ٍ‬ ‫صرَةِ َو َمعِي َأبُو دا ُودَ ال ُم َتكَّلمُ‪َ ،‬ف َنظَرْتُ إِلَى َم ْ‬ ‫ت مَارسْتانَ ال َب ْ‬ ‫َدخَلْ ُ‬
‫ن ال َق ْومُ لِ َأبُو ُهمْ? فَقُلْتُ‪َ :‬أنَا عِيسَى‬ ‫غرَباءُ‪ ،‬فَقُ ْلنَا‪ :‬كَذِلكَ‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬مَ ِ‬ ‫ط ْيرُ فََأ ْن ُتمْ ُ‬‫ن َتصْ ُدقِ ال ّ‬ ‫فَقالَ‪ :‬إِ ْ‬
‫س َك ِريّ? قُلْتُ‪َ :‬ن َعمْ‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬شَاهَتِ ال ُوجُوهُ وَأَهُْلهَا إِنّ‬ ‫ن هِشامٍ وَ َهذَا َأبُو دَا ْودَ ال ُم َتكَّلمُ فَقالَ‪ :‬ال َع ْ‬ ‫ابْ ُ‬
‫جبْرا‪َ ،‬و َتمُوتُونَ‬ ‫لمّ ِة َتعِيشُونَ َ‬ ‫ل ل ِب َيدِهِ وََأ ْن ُتمْ يا َمجُوسَ هذِ ِه ا ُ‬ ‫لمُورَ ِب َيدِ ا ِ‬ ‫خيْرَ َة لِ ل ِل َع ْبدِهِ‪ ،‬وَا َ‬ ‫ال َ‬
‫ل إِلى‬ ‫ن إِلى المَ ْقدُورِ َقهْرا‪ ،‬وَلَ ْو ُك ْنتُمْ في ُبيُو ِت ُكمْ َل َب َرزَ الّذينَ ُكتِبَ عََل ْيهِم ال َقتْ ُ‬ ‫صبْرا َو ُتسَاقُو َ‬ ‫َ‬
‫ل ْمرُ َكمَا َتصِفُونَ? َوتَقُولونَ‪ :‬خاِلقُ الظُ ْلمِ ظَالِمٌ! َأفَل‬ ‫ن كَانَ ا َ‬ ‫جعِ ِهمْ‪َ ،‬أفَل ُت ْنصِفُونَ‪ ،‬إِ ْ‬ ‫َمضَا ِ‬
‫ن ِإبْليسَ دِينا? قَالَ‪ :‬رَبّ ِبمَا َأغْ َو ْيتَني‪،‬‬ ‫ث مِ ْ‬ ‫خبَ ُ‬
‫ن يَقِينَا‪َ ،‬أ ّن ُكمْ َأ ْ‬ ‫ك هَاِلكٌ? َأ َتعَْلمُو َ‬ ‫تَقُولُونَ‪ :‬خَالِقُ الهُ ْل َ‬
‫ل يَفْ َقأُ‬‫طنَهُ‪َ ،‬و َ‬ ‫ل ُي ْبعَجُ َب ْ‬ ‫ن ال ُمخْتارَ َ‬ ‫ختَارَ‪َ ،‬وكَلّ َفإِ ّ‬ ‫خّيرَ فَا ْ‬ ‫َفأَ َقرّ وََأ ْن َك ْرتُمْ وَآمَنَ َوكَ َف ْر ُتمْ‪َ ،‬وتَقُولونَ‪ُ :‬‬
‫ل ْكرَا ُه َمرّةً بِال َمرّةِ َو َمرّةً بِال ّدرّةِ‪.‬‬ ‫لكْرَا ُه ِإلّ مَا تَرَاهُ? وَا ِ‬ ‫لاِ‬ ‫ن حالِقِ ا ْب َنهُ‪ ،‬فَهَ ِ‬ ‫ع ْينُهُ وَل َي ْرمِى مِ ْ‬ ‫َ‬
‫ل فَل هَادِيَ َلهُ "‬ ‫س ِم ْع ُتمْ‪َ " :‬منْ ُيضْلِلِ ا ُ‬ ‫ظ ُكمْ‪ِ ،‬إذَا َ‬ ‫ضكُمْ‪ ،‬وََأنّ الحَديثَ َيغِي ُ‬ ‫ن ال ُقرْآنَ َبغِي ُ‬ ‫خ ِزكُ ْم أَ ّ‬ ‫فَ ْليُ ْ‬
‫س ِم ْعتُمْ‪" :‬‬‫حدْ ُتمْ وَِإذَا َ‬ ‫جَ‬‫لرْضُ َفُأرِيتُ َمشَا ِر َقهَا َو َمغَا ِربَهَا " َ‬ ‫ت ِليَ ا َ‬ ‫س ِم ْع ُتمْ‪ " :‬زُ ِويَ ْ‬ ‫ح ْدتُمْ وَِإذَا َ‬ ‫أَ ْل َ‬
‫حرّهَا‬ ‫ت َ‬ ‫حتّى اتّ َقيْ ُ‬ ‫عرِضَتْ عََليّ النّارُ َ‬ ‫طفَ ِثمَارَهَا‪َ ،‬و ُ‬ ‫ن َأقْ ِ‬ ‫ت أَ ْ‬‫حتّى َه َممْ ُ‬ ‫جنّةُ َ‬ ‫ي ال َ‬ ‫ع ِرضَتْ عََل ّ‬ ‫ُ‬
‫طّي ْرتُم‪ ،‬وَِإنْ قيلَ‪ " :‬الصّراطُ‬ ‫ب ال َق ْبرِ " تَ َ‬ ‫عنَا َق ُكمْ وَِإنْ قِيلَ‪ " :‬عَذا ُ‬ ‫سكُمْ وَلَ َو ْي ُتمْ َأ ْ‬
‫ض ُتمْ رُؤُو َ‬ ‫ِب َيدِي " َأ ْنغَ ْ‬
‫ب قُ ْلتُمْ‪ :‬مِنَ ال ِقدّ َد ّفتَاهُ‪ ،‬يَا‬‫ن ُذكِرَ الكِتا ُ‬ ‫ن ال ِف ْرغِ كِ ّفتَاهُ‪ ،‬وَإِ ْ‬ ‫ن ُذ ِكرَ المِيزَانُ قُ ْل ُتمْ‪ :‬مِ َ‬ ‫" َتغَا َم ْزتُمْ وَإِ ْ‬
‫ت مَا ِرقَةُ‬ ‫س َت ْه ِزئُونَ?‪ِ .‬إنّما َمرَق ْ‬ ‫طيّرُونَ? أَبالِ وَآياتِهِ َورَسُوِلهِ َت ْ‬ ‫عدَا َء الكِتابِ وَالحْديثِ‪ ،‬بِماذَا َت ّ‬ ‫أَ ْ‬
‫ن رَأَ َي ُهمْ ِإلّ‬ ‫ث الخَوارجِ‪َ ،‬ترَوْ َ‬ ‫خبِيثِ‪ ،‬يَا َمخَابِي َ‬ ‫ث ال َ‬ ‫خبَ ُ‬ ‫ث الحَديثِ‪ُ ،‬ثمّ َم َر ْقتُمْ ِمنْها َفَأ ْنتُمْ َ‬ ‫خبَ َ‬ ‫َفكَانُوا َ‬
‫س ِمعْتُ َأ ّنكَ ا ْف َت َرشْتَ مِنهُمْ‬ ‫ن ِب َبعْضِ ال ِكتَابِ َو َتكْ ُفرُ ِب َبعْضِ? َ‬ ‫ن هِشا ٍم تُ ْؤمِ ُ‬ ‫ت يا ابْ َ‬ ‫ال ِقتَالَ! وََأنْ َ‬
‫ظرْتَ‬ ‫خيّرْتَ ِل ُنطْ َف ِتكَ‪َ ،‬و َن َ‬ ‫ك هَل َ? َت َ‬ ‫خذَ ِم ْنهُ ْم بِطَانَةً?‪َ .‬ويَْل َ‬ ‫ن َت ّت ِ‬‫ل أَ ْ‬
‫عزّ َوجَ ّ‬ ‫شيْطَانَةً! أََلمْ َي ْن َهكَ الُ َ‬ ‫َ‬
‫ش ِهدْنِي مَل ِئ َك َتكَ‪.‬‬ ‫خيْرا ِم ْن ُهمْ‪ ،‬وََأ ْ‬ ‫ِلعَ ِق ِبكَ? ُث ّم قَالَ‪ :‬الّل ُهمّ ْأَ ِبدْلِني بِهؤُلءِ َ‬
‫ع ِرفُ فِي‬ ‫عنْ ُه ِبشَرٍ وِإنّي لَ ْ‬ ‫جعْنَا َ‬ ‫جوَابا‪َ ،‬و َر َ‬ ‫ن ِهشَامٍ‪َ :‬فبَقِيتُ َو َبقِي َأبُو دَا ُودَ ل ُنحِيرُ َ‬ ‫قَالَ عِيسَى بْ ُ‬
‫حدِيثُ‪َ ،‬فمَا الّذي َأرَادَ‬ ‫حتّى ِإذَا َأ َردْنَا ال ْفتِراقَ قَالَ‪ :‬ياعِيسَى هَذا وََأبِيكَ ال َ‬ ‫أَبي دَا ُودَ ا ْن ِكسَارا‪َ ،‬‬

‫‪20‬‬
‫حدّثَ بِما‬ ‫حدِ ِهمْ وََلمْ ُأ َ‬
‫خطُبَ إِليّ َأ َ‬ ‫ن َأ ْ‬
‫غيْ َر َأنّي َه َممْتُ أَ ْ‬
‫بِالشّ ْيطَانَةِ? قُلْتُ‪ :‬لَ والِ مَا َأ ْدرِي‪َ ،‬‬
‫ج ْعنَا إَِليْهِ‪،‬‬
‫ن فِي َأشْطَانٍ‪َ ،‬فرَ ِ‬ ‫شيْطَا ٌ‬
‫ل َ‬ ‫َه َممْتُ بِ ِه َأحَدا‪ ،‬وَالِ ل َأ ْفعَلُ ذَِلكَ َأبَدا‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬مَا هَذا وَالِ ِإ ّ‬
‫َو َوقَ ْفنَا عََليْهِ‪ ،‬فَا ْب َتدَرَ بِا ْلمَقَالِ‪َ ،‬وبَدَأنَا بِالسّؤَالِ‪ ،‬فَقالَ‪َ :‬لعَّل ُكمَا آثَ ْر ُتمَا‪َ ،‬أنْ َت ْع ِرفَا مِنْ َأ ْمرِي ما‬
‫سرْ َلنَا‬ ‫صدُو ِرنَا‪ ،‬فَ َف ّ‬‫ن َقبْلُ ُمطِّلعَا على ُأمُو ِرنَا‪ ،‬وََل ْم َتعْدُ النَ مَا في ُ‬ ‫َأ ْنكَ ْر ُتمَا‪ ،‬فَقُ ْلنَا‪ُ :‬كنْتَ مِ ْ‬
‫سرّكَ‪ ،‬فَقالَ‪:‬‬ ‫ف َلنَا ِ‬
‫َأ ْم َركَ‪ ،‬وَا ْكشِ ْ‬
‫ح ِتيَالِي ذُو َمرَاتِبْ‬
‫فِي ا ْ‬ ‫ع الـعَـجَـائِبْ‬ ‫َأنَا َي ْنبُو ُ‬
‫َأنَا في البَاطِلِ غَارِبْ‬ ‫َأنَا فِي الحَـقّ سَـنَـامٌ‬
‫فِي بِل ِد الِ سِارِبْ‬ ‫َأنَا إِس َك ْن َدرُ دَارِي‬
‫جدِ رَاهِبْ‪.‬‬ ‫غ َتدِي فِي ال ّد ْيرِ ِقسّيسا‪ ،‬وَفي ال َمسْ ِ‬ ‫َأ ْ‬
‫المَقَامَ ُة المَجَاعِيّةُ‬
‫ط الثّ َريّا‪،‬‬ ‫سمْ ُ‬ ‫ض ّم ُهمْ ِ‬‫عةٍ‪ ،‬قَدْ َ‬ ‫ت ِب َب ْغدَادَ عَامَ مَجاعَ ٍة َفمِلْتُ إِلى جَما َ‬ ‫ح ّدثَنا عِيسَى بْنُ ِهشَامٍ قَالَ‪ُ :‬كنْ ُ‬ ‫َ‬
‫نل‬ ‫طبُكَ‪ ،‬قُلْتُ‪ :‬حَالَ ِ‬ ‫خ ْ‬‫ج ِبَأسْنَانِهِ‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬مَا َ‬ ‫ى ذُو َل ْث َغةٍ بِِلسَانِهِ‪َ ،‬وفَلَ ٍ‬ ‫شيّا‪َ ،‬وفِيهمْ فَت ً‬ ‫َأطْلُبُ ِم ْن ُهمْ َ‬
‫سدّها?‬ ‫ن نُ َق ّدمُ َ‬‫ي الثّ ْل َمتَي ِ‬‫ع فَقَالَ الغُلمُ‪َ :‬أ ّ‬ ‫غرِيبٌ ل ُي ْم ِكنُهُ ال ّرجُو ُ‬ ‫ح ُبهُما فَقِيرٌ َكدّهُ الجُوعُ وَ َ‬ ‫ح صَا ِ‬ ‫يُفْلِ ُ‬
‫ل قَطِيف‬ ‫ن نَظيفٍ‪َ ،‬وبَقْ ٍ‬ ‫خوَا ٍ‬ ‫ل فِي رَغيفٍ‪ ،‬عَلى ِ‬ ‫ع فَ َقدْ بَلَغَ ِمنّي َمبْلَغا! قَالَ‪ :‬فَمَا تَقو ُ‬ ‫قُلْتُ‪ :‬الجُو ُ‬
‫حرّيفٍ‪َ ،‬وشِوَاءٍ صَفِيفٍ‪ ،‬إِلَى مِ ْلحٍ خَفِيفٍ‪ ،‬يُ َق ّدمُهُ إَِل ْيكَ‬ ‫خ ْردَلٍ ِ‬ ‫ن َلطِيفٍ‪ ،‬إِلَى َ‬ ‫إِلى خَلّ َثقِيفٍ‪ ،‬وََلوْ ٍ‬
‫ع َن ِبيّةٍ?‬
‫صبْرٍ‪ُ ،‬ثمّ َيعُلكَ َب ْعدَ ذَِلكَ ِبَأقْداحٍ ذَ َهبِيةٍ‪ ،‬مِنْ راحٍ ِ‬ ‫عدٍ وَل ُي َع ّذ ُبكَ ِب َ‬ ‫ن مَنْ ل َي ْمطُلُكَ ِبوَ ْ‬ ‫ال َ‬
‫ضدَةٌ‪ ،‬وََأ ْنوَارٌ‬ ‫ل ُم َعدّدَةٌ‪َ ،‬وفُرُشٌ ُم َن ّ‬ ‫ب َممْلُوّةٌ‪ ،‬وََأنْقَا ٌ‬‫حشُوّةٌ‪ ،‬وََأكْوا ٌ‬ ‫ك َأمْ أَ ْوسَاطٌ َم ْ‬ ‫َأذَاكَ َأحَبّ إَِل ْي َ‬
‫حمٍ‬ ‫عيْنٌ َوجِيدٌ? َفإِنْ َل ْم ُترِدْ هذَا وَل ذَاكَ‪َ ،‬فمَا قَوُْلكَ في َل ْ‬ ‫طرِبٌ ُمجِيدٌ‪َ ،‬ل ُه مِنَ ال َغزَالِ َ‬ ‫ُمجَ ّودَةٌ‪َ ،‬ومُ ْ‬
‫طيّ‪ ،‬عَلَى َمكَانٍ‬ ‫ضجَعٍ َو ِ‬ ‫ج ِنيٍ‪َ ،‬و َم ْ‬‫ن مَقْليّ‪َ ،‬ورَاحٍ ُقطْ ُربّليّ‪َ ،‬وتُفّاحٍ َ‬ ‫س َمكٍ َن ْه ِريٍ‪َ ،‬وبَاذِ ْنجَا ٍ‬ ‫ط ِريّ‪َ ،‬و َ‬ ‫َ‬
‫ع ْبدُ‬‫ن ِهشَامٍ‪ :‬فَقُلْتُ‪َ :‬أنَا َ‬ ‫جنّ ٍة ذَاتِ َأ ْنهَارٍ? قَالَ عِيسَى بْ ُ‬ ‫ض َث ْرثَارٍ‪َ ،‬و َ‬ ‫جرّارٍ‪َ ،‬وحَوْ ٍ‬ ‫حذَا َء َنهْرٍ َ‬ ‫عَليّ‪ِ ،‬‬
‫ن ال َيأَسُ‬ ‫ت قَدْ كَا َ‬ ‫شهَوَا ٍ‬ ‫ح َييْتَ َ‬‫حيّاكَ الُ‪َ ،‬أ ْ‬ ‫لمُ‪ :‬وََأنَا خَا ِد ُمهَا َلوْ كَانَتْ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬ل َ‬ ‫لثَةِ‪ ،‬فَقَالَ الغُ َ‬ ‫الثّ َ‬
‫خرَابَاتِ َأنْتَ? فَقالَ‪:‬‬ ‫ي ال َ‬‫َأمَاتَها‪ُ ،‬ثمّ َق َبضْتَ َلهَا َتهَا‪ ،‬فَمنْ َأ ّ‬
‫ن َن ْبعَةٍ فِيهِـمْ ِزكِـيّةْ‬ ‫مِ ْ‬ ‫سكَنْـدَ ِريّةْ‬ ‫لْ‬ ‫َأنَا ِمنْ َذوِي ا ِ‬
‫طيّهْ‬‫ي مَ ِ‬ ‫سخْف ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ت مِ ْ‬
‫َف َركِبْ ُ‬ ‫سخُفَ ال ّزمَانُ وَأَهْـلُـهُ‬ ‫َ‬
‫عظِيّةُ‬
‫المَقَامَ ُة الوَ ْ‬
‫ح ّدثَنا عِيسَى بْنُ ِهشَامٍ‪:‬‬ ‫َ‬
‫ظ ُهمْ وَ ْهوَ‬ ‫س ْيرُ إِلَى ُفرْضَ ٍة َقدْ َك ُثرَ فِيها قَ ْومٌ عَلَى قَائِ ٍم َيعِ ُ‬ ‫حتّى َأدّانِي ال ّ‬ ‫َب ْينَا أَنا بِا ْل َبصْرَ ِة َأمِيسُ‪َ ،‬‬
‫ن مَعَ ال َي ْومِ غَدا‪ ،‬وَِإ ّنكُمْ وَاردُو ُهوّةٍ‪َ ،‬فأِعّدوا لهَا مَا‬ ‫سدَى‪ ،‬وَإِ ّ‬ ‫يَقُولُ‪َ :‬أيّها النّاسُ ِإ ّن ُكمْ َلمْ ُت ْت َركُوا ُ‬
‫حجّةُ‪،‬‬ ‫ت َل ُكمُ ال َم َ‬‫ع ْذرَ فَ َقدْ ُب ّينَ ْ‬
‫عدّوا ل ُه زَادا‪ ،‬أَل لَ ُ‬ ‫ن َب ْعدَ ال َمعَاشِ مَعادا‪َ ،‬فأَ ِ‬ ‫ن قُوّةٍ‪ ،‬وَإِ ّ‬ ‫طعْ ُتمْ مِ ْ‬‫س َت َ‬
‫اْ‬
‫لرْضِ بَال ِع َبرِ‪ ،‬أَل وَِإنّ اّلذِي َبدَأَ الخَ ْلقَ عَلِيما‪،‬‬ ‫خبَرِ‪َ ،‬و ِمنَ ا َ‬ ‫ن السّماءِ بِال َ‬ ‫حجّةُ‪ ،‬مِ َ‬ ‫خذَتُ عََل ْي ُكمُ ال ُ‬‫وََأ ِ‬
‫عمَرها‬ ‫ع َبرَها سَلِمَ‪َ ،‬و َمنْ َ‬ ‫جهَازٍ‪َ ،‬و َق ْنطَرَ ُة جَوَازٍ‪ ،‬مَنْ َ‬ ‫ن ال ّدنْيا دَارُ َ‬ ‫حيِ العَظامَ َرمِيما‪ ،‬أَل وَإِ ّ‬ ‫ُي ْ‬
‫ن َيرْتَعْ‪ ،‬يَقَعْ‪َ ،‬و َمنْ يَلْ ُقطْ‪َ ،‬يسْ ُقطْ‪ ،‬أَل وَإِنّ‬ ‫ت َل ُكمُ الفَخّ َونَثرَتْ َل ُكمُ ا ْلحَبّ؛ َفمَ ْ‬ ‫صبَ ْ‬ ‫َندِمَ‪ ،‬أَل َو َقدْ نَ َ‬
‫حدِينَ‪ ،‬اّلذَينَ‬ ‫ن المُ ْل ِ‬ ‫ظنْو ُ‬ ‫ط ْغيَانِ فَلَ تَ ْل َبسُوها‪َ ،‬ك َذبَتْ ُ‬ ‫الفَ ْقرَ حِ ْل َيةُ َن ِب ّي ُكمْ فَا ْك َتسُوهَا‪ ،‬وَالغِنى حُلّ ُة ال ّ‬
‫حرّ‬ ‫حذَارِ َ‬ ‫عبَثا‪َ ،‬ف َ‬ ‫جدَثا‪ ،‬وَإ ّن ُكمْ َلمْ ُتخْلَقُوا َ‬ ‫ن َب ْعدَ الحَدثِ َ‬ ‫ن إِ ّ‬
‫عضِي َ‬ ‫جعَلُوا ال ُقرْآنَ ِ‬ ‫حدُوا الدّينَ‪َ ،‬و َ‬ ‫جَ‬ ‫َ‬
‫ل َأ ْقبَحُ عَلَى حَالتِهِ وَِإ ّنكُمْ‬ ‫جهْ َ‬
‫لتِهِ‪ ،‬وَال َ‬ ‫حسَنُ عَلىَ عِ ّ‬ ‫ن العِلْم َأ ْ‬‫النّارِ‪َ ،‬و َبدَارَ عُ ْقبَى الدّارِ‪ ،‬أَل وَإِ ّ‬
‫ن انْقَادُوا ِبَأ ِز ّم ِتهِمْ‪َ ،‬نجَوْا‬ ‫س ِبَأ ِئمّتِهمْ‪ ،‬فإِ ِ‬‫ن شَ ِقيَ ِب ُكمُ العُلماءُ‪ ،‬النّا ُ‬ ‫ن َأظَّلتْهُ السّماءُ‪ ،‬إِ ْ‬ ‫َأشْقَى مَ ْ‬
‫ن هامِلُ نَعامٍ‪َ ،‬ورَاتِعُ َأ ْنعَامٍ‪َ ،‬ويْلُ‬ ‫سعَى‪ ،‬وَالبَاقُو َ‬ ‫س َرجُلَنِ‪ :‬عَاِلمٌ َيرْعَى‪َ ،‬و ُم َتعَلّمٌ َي ْ‬ ‫ِب ِذ ّمتِهمْ‪ ،‬وَالنّا ُ‬
‫ن قَائِما َي ِعظُ‬ ‫سيْنِ كَا َ‬ ‫حَ‬‫ن ال ُ‬ ‫س ِمعْثت َأنّ عَِليّ بْ ُ‬ ‫ن جاهِلِهِ‪َ ،‬و َقدْ َ‬ ‫شيْءٍ مِ ْ‬ ‫ل ُأ ِمرَ مِنْ سَافِلِهِ‪َ ،‬وعَاِلمِ َ‬ ‫عَا ٍ‬
‫ت ِبمَنْ‬ ‫ع َتبَرْ ِ‬‫سكُ ُو ُنكِ? أَما ا ْ‬ ‫عمَا َر ِتهَا ُ‬
‫حتّامَ إِلى الحَيا ِة رُكُو ُنكِ‪ ،‬وَإِلَى ال ّد ْنيَا َو ِ‬ ‫س َ‬ ‫النّاسَ َو َيقُولُ‪ :‬يا نَفْ ُ‬
‫خوَا ِنكِ‪َ ،‬ونُقِلَ إِلَى دَارِ‬ ‫ت بِهِ ِمنْ ِإ ْ‬ ‫جعْ ِ‬‫ن فُ ِ‬ ‫ل ِفكِ‪َ ،‬ومَ ْ‬‫لرْضُ ِمنْ ُأ ّ‬ ‫ل ِفكِ‪َ ،‬و ِب َمنْ وَا َرتْهُ ا َ‬ ‫َمضَى ِمنْ َأسْ َ‬
‫البِلَى ِمنْ َأقْرانِكِ??‬

‫‪21‬‬
‫ل دَوَا ِثرُ‬
‫س ُنهُمْ فِيهَا بَوَا ٍ‬
‫مَحا ِ‬ ‫ض َب ْعدَ ظُهورها‬ ‫لرْ ِ‬ ‫َ ُفهْم في بُطُونِ ا َ‬
‫ص ُهمْ َوسَا َق ْت ُهمُ َنحْ َو المَنايَا المَقا ِدرُ‬ ‫عرَا ُ‬ ‫خَلَتْ دُورُهُمْ ِم ْن ُهمْ وََأقْوَتْ ِ‬
‫ت التّرابِ الحَفا ِئرُ‬ ‫ض ّمتْ ُهمُ َتحْ َ‬ ‫ج َمعُوا لهَا َو َ‬ ‫ن ال ّدنْيا وِما َ‬ ‫َوخَلّوْا عَ ِ‬
‫غ ّيبَتْ َأ ْك َثرَ ال ّرجَالِ في‬ ‫غّيرَتْ ِببِلهَا‪ ،‬وَ َ‬ ‫ن قُرُونٍ َب ْعدَ ُقرُونٍ? َو َكمْ َ‬ ‫ختََلسَتْ َأيْدي ال َمنُونِ‪ ،‬مِ ْ‬ ‫َكمْ ا ْ‬
‫َثرَاها???‬
‫ص مُكاثِـرُ‬ ‫خطّابِها فيها حَري ٌ‬ ‫ِل ُ‬ ‫وََأنْتَ عَلَى ال ّدنْيا ُمكِبٌ مٌنافِـسٌ‬
‫ت تُخاطِـرُ‬ ‫َأ َتدْري ِبمَاذَا َلوْ عَقَلْ َ‬ ‫ح لهِيا‬ ‫صبِ ُ‬
‫خطَرٍ َت ْمشِي َوتُ ْ‬ ‫عَلَى َ‬
‫شكّ خَاسِرُ‬ ‫خرَاهُ ل َ‬ ‫ن ُأ ْ‬ ‫َو ُيذْهَلُ عَ ْ‬ ‫ن ا ْمرَأً َيسْعى ِل ُدنْيا ُه جـاهِـدا‬ ‫وَإِ ّ‬
‫حمَامُ? فَا ْن َمحَتْ‬ ‫ليّامُ‪ ،‬وََأ ْفنَا ُهمُ ال ِ‬ ‫ل َممِ الخَالِيةِ‪ ،‬وَالمُلُوكِ الفَا ِنيَةِ‪َ ،‬ك ْيفَ ا ْن َتسَ َف ْت ُهمُ ا َ‬ ‫ظرْ إِلى ا ُ‬ ‫ا ْن ُ‬
‫آثارُ ُهمْ‪َ ،‬وبَ ِقيَتْ َأخْبارُهمْ‪.‬‬
‫عطّلَتْ َومَقَاصِرُ‬ ‫ضحَوْا َرمِيما في الّترَابِ وََأقْ َف َر ْتمَجالِسُ ِم ْنهُمْ ُ‬ ‫َفأَ ْ‬
‫غ ْيرُ مَنْ ُهوَ‬ ‫ج َمعُوا بِهاوَما فَازَ ِم ْن ُهمْ َ‬ ‫ن ال ّدنْيَا وَما َ‬ ‫َوخَلّوْا عَ ِ‬
‫صَا ِبرُ‬
‫سكّانِ القُبورِ اتزَا ُورُ‬ ‫وََأنّى ِل ُ‬ ‫َوحَلوا ِبدَارٍ لَ َتزَا ُورَ َب ْي َن ُهمْ‬
‫طحَةً ًتسْفِي عََليْها الَعَاصِرُ‬ ‫سّ‬ ‫ل رُمُوسا ثَوَوْا بِهامُ َ‬ ‫َفمَا ِإنْ َترَى ِإ ّ‬
‫ل ِم ْنهَا ُمنَاهُ‪ ،‬فَ َبنَى‬ ‫عوَانٍ‪َ ،‬قدْ تَمكّنَ ِمنْ ُدنْياهُ‪ ،‬وَنا َ‬ ‫جنُودٍ وَأَ ْ‬ ‫عزّةٍ َوسُلْطانٍ‪َ ،‬و ُ‬ ‫َكمْ عَا َينْتَ مِن ذِي ِ‬
‫لقَ وَالعَسا ِكرَ‬ ‫جمَعَ الَعْ َ‬ ‫ن وَالدّسَا ِكرَ‪َ ،‬و َ‬ ‫حصُو َ‬ ‫ال ُ‬
‫مُبا ِدرَ ًة ًتهْوِى إَِليْ ِه الـذّخـا ِئرُ‬ ‫صرَفَتْ َكفّ ال َم ِنيّ ِة ِإذْ َأتَتْ‬ ‫َفمَا َ‬
‫ت بِها َأنْهارُها والـدّسـاكِـرُ‬ ‫َوحَفّ ْ‬ ‫ن الّتي َبنَـى‬ ‫عنْ ُه الحُصو ُ‬ ‫وَل دَ َفعَتْ َ‬
‫ع ْنهُ العَساكِرُ‬ ‫ت في الذّبّ َ‬ ‫طمِعَ ْ‬ ‫وَل َ‬ ‫عنْ ُه الـمَـنِـيّ َة حِـيلَةٌ‬ ‫وَل قَارَعَتْ َ‬
‫صبَتْ ل ُكمْ من مَصا ِيدِها‪َ ،‬و َتجَلّتْ‬ ‫ح َذرَ‪ ،‬وَالبِدارَ البِدارَ‪ِ ،‬منْ ال ّدنْيا َومَكايدِهَا‪َ ،‬ومَا َن َ‬ ‫ح َذرَ ال َ‬‫يا قَ ْومُ ال َ‬
‫ج ِتهَا‪.‬‬ ‫شرَفَتْ َل ُكمْ ِمنْ َب ْه َ‬ ‫س َت ْ‬ ‫َل ُكمْ ِمنْ زِي َنتِها‪ ،‬وا ْ‬
‫ضهَا دَاعٍ وَبالزّ ْهدِ آ ِمرُ‬ ‫إِلَى َرفْ ِ‬ ‫ت مِنْ َفجَعا ِتهَا‬ ‫عاَينْ َ‬ ‫وَفي دُونِ مَا َ‬
‫ت إِلَى دارِ ال َم ِنيّ ِة صـائِرُ‬ ‫وََأنْ َ‬ ‫جدّ وَل َتغْفُلْ َفعَـيْشُـكَ بَـائِدٌ‬ ‫َف ِ‬
‫ك ضَا ِئرُ‬ ‫غ َبةً َل َ‬‫ن نِلْتَ ِم ْنهَا رَ ْ‬ ‫وَإِ ْ‬ ‫وَل َتطْلُبِ ال ّدنْيا َفإِنّ طِلبَـهـا‬
‫ن يَنامُ‬ ‫ل َت ْعجَبُونَ ِممّ ْ‬ ‫ن َفنَا ِئهَا? َأ َ‬ ‫سرّ ِبهَا أَريبٌ‪ ،‬وَ ْهوَ عَلى ثِ َقةٍ مِ ْ‬ ‫حرِصُ عََليْها لَبيبٌ‪َ ،‬أوْ ُي َ‬ ‫َو َك ْيفَ َي ْ‬
‫وَ ْهوَ َيخْشى ا ْلمَوتَ‪ ،‬وَل َي ْرجُو الفَوْتَ?‬
‫عمّا ُنحَاذِرُ‬ ‫َو َتغَُلهَـا الّلذّاتُ َ‬ ‫َألَ‪ ،‬لَ‪ ،‬وَل ِكنّا َن ُغرّ نُفوسنا‬
‫سرَائِرُ‬ ‫حيْثُ ُتبْلى ال َ‬ ‫ل َ‬ ‫عدْ ٍ‬ ‫َو َك ْيفَ يََلذّ ال َعيْشَ َمنْ ُهوَ مُو ِقنٌ ِبمَ ْو ِقفِ َ‬
‫س َدىً‪ ،‬مَا َلنَا َبعْ َد ال َفنَاءِ َمصَائِرُ!‬ ‫َكَأنّا نَرى َأنْ ل ُنشُورَ‪ ،‬وََأ ّننَا ُ‬
‫ع ْث َرتِهِ? وََلمْ تُقِ ْل ُه مِنْ‬ ‫ن ُمكِبّ عََل ْيهَا؛ فََلمْ ُت ْن ِعشْهُ مِنْ َ‬ ‫ت مِ ْ‬ ‫ت ال ّدنْيا ِمنْ ُمخِْلدٍ إَِل ْيهَا َوصَرَعَ ْ‬ ‫غرّ ِ‬ ‫َكمْ َ َ‬
‫ن أََلمِهِ‪.‬‬‫ع ِتهِ‪ ،‬وََلمْ تُدا ِوهِ ِمنْ سَ َقمِهِ‪ ،‬وََلمْ َتشْفِ ِه مِ ْ‬ ‫صَرْ َ‬
‫ن مصا ِدرُ‬ ‫مَوَا ِردَ سُو ٍء ما َلهُ ّ‬ ‫عزّ َو ِرفْعَةِ‬ ‫بَلـى َأ ْو َر َدتْهُ َبعْـدَ ِ‬
‫ل ُي ْنجِيهِ ِمنْ ُه المُؤا ِزرُ‬ ‫ل َنجَاةَ وََأ ّن ُههُوَ ال َموْتُ َ‬ ‫فََلمّا رَأَى َأنْ َ‬
‫عََليْهِ وََأبْكت ُه ال ّذنُوبُ ال َكبَا ِئرُ‬ ‫ل َندَامَةٍ‬ ‫َت َن ّدمَ لَ ْو أَغْناهُ طُو ُ‬
‫س ِتعْبَارُ‪ ،‬وََلمْ‬ ‫لْ‬ ‫ث َلمْ َينْ َفعُ ُه ا ِ‬‫حيْ ُ‬ ‫ن ُد ْنيَاهُ‪َ ،‬‬ ‫سرَ عَلى مَا خَّلفَ مِ ْ‬ ‫خطَايَاهُ‪َ ،‬و َتحَ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫َبكَى عَلى مَا سََلفَ مِ ْ‬
‫ع َتذَارُ‪.‬‬ ‫ُي ْنجِهَ ال ْ‬
‫ج َزتْـ ُه المَعاذِرُ‬ ‫عَ‬ ‫وََأبْلَسَ َلمَا َأ ْ‬ ‫حزَانُهُ وَهُمومهُ‬ ‫َأحَاطَتْ ِبهِ َأ ْ‬
‫س لَ ُه َممّا يُحاذِرُ نَاصِرُ‬ ‫وََليْ َ‬ ‫ت فَارِجٌ‬ ‫ن ك ْربَ ِة امَوْ ِ‬ ‫س لَ ُه مِ ْ‬ ‫فَلَيْ َ‬
‫جرُ‬‫حنَا ِ‬‫س ُه ُت َردّدُهَا ِمنْ ُه الّلهَى وَال َ‬ ‫ت فَ ْوقَ ال َم ِنيّةِ نَ ْف ُ‬ ‫خسِئَ ْ‬ ‫َوقَ ْد َ‬

‫‪22‬‬
‫ب في ذاكَ هوَاكَ? ِإنّي َأرَاكَ ضَعيفَ اليَقينِ‪ ،‬يَا رَاقِعَ‬ ‫َفإِلَى َمتَى ُت َرقّعُ بِآخِ َر ِتكَ ُد ْنيَاكَ‪َ ،‬وتَ ْركَ ُ‬
‫ال ّد ْنيَا بِالدّينِ‪َ ،‬أبِهذا َأ َم َركَ ال ّرحْمنْ‪َ ،‬أمْ عَلى هَذا دَّلكَ ال ُقرْآنُ?‬
‫فَلَ ذَاكَ َم ْوفُورٌ‪َ ،‬ولَ ذَاكَ‬
‫ُتخَـرّبُ مَـا َيبْقَى‪ ،‬وَت ْعمُرُ فَانِيا‬
‫عَامرُ‬
‫خ ْيرَا َلدَى الِ‬‫ك َب ْغتَةًوََلمْ َت ْك َتسِبْ َ‬ ‫حتْ ُف َ‬
‫َفهَلْ َلكَ ِإنْ وَافَاكَ َ‬
‫عَا ِذرُ??‬
‫َودِينُـكَ َمنْقُوصٌ َومَالكَ‬
‫ن تُ ْقضَى الحَياةُ َو َتنْ َقضِي‬ ‫َأ َت ْرضَى ِبأَ ْ‬
‫وَافِرُ??‬
‫عرِفُ‬ ‫طرَأَ لَ َأ ْ‬ ‫غرِيبٌ َقدْ َ‬ ‫ن هَذا? قَالَ‪َ :‬‬ ‫ضرِينَ‪ :‬مَ ْ‬ ‫ت ِل َبعْضِ الحَا ِ‬ ‫قَالَ عِيسَى ْبنُ ِهشَامٍ‪ :‬فَقُلْ ُ‬
‫ت فَقَالَ‪َ :‬ز ّينُوا العِ ْل َم بِالعَمَلِ‪،‬‬‫صبَرْ ُ‬ ‫لمَتِهِ‪َ ،‬ف َ‬‫خرِ مَقَا َمتِهِ‪َ ،‬لعَلّ ُه ُي ْن ِبئُ ِبعَ َ‬‫صبِرْ عََليْ ِه إِلَى آ ِ‬ ‫خصَهُ‪ ،‬فَا ْ‬ ‫شْ‬‫َ‬
‫خذُوا الصّفْوَ َودَعوا ال َك َدرَ‪َ ،‬يغْ ِفرِ الُ لِي وََل ُكمْ‪ُ ،‬ثمّ َأرَادَ الذّهَابَ‪،‬‬ ‫شكُرُوا ال ُق ْدرَ َة بِا ْلعَفْوِ‪َ ،‬و ُ‬
‫وَا ْ‬
‫حتّى‬‫غّي ْرتَها‪َ ،‬‬ ‫ن الِ! َل ْم َترْضَ بِا ْلحِ ْليَةِ َ‬ ‫سبْحَا َ‬
‫شيْخُ? فَقَالَ‪ُ :‬‬ ‫ن َأنْتَ يَا َ‬ ‫َف َمضَيْتُ عَلى َأ َثرِهِ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬مَ ْ‬
‫شيْبُ?‬ ‫ظكَ الُ‪َ ،‬فمَا هَذا ال ّ‬ ‫سكَ ْن َدرِيّ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬حَ ِف َ‬
‫لْ‬‫حاِ‬ ‫ع َمدْتَ إِلى ال َمعْرِف ِة فََأ ْن َكرْ َتهَا! َأنَا َأبُو ال َفتْ ِ‬
‫َ‬
‫فَقَالَ‪:‬‬
‫ضعِيفٌ‪ ،‬وََل ِكنّهُ شَامِتُ‬ ‫َو َ‬ ‫َنذِيرٌ‪ ،‬وََل ِكنّهُ سَـاكِـتُ‬
‫ش ّيعَ ُه ثَـابِـتُ‬ ‫إِلَى َأنْ ُأ َ‬ ‫شخَاصُ َموْتٍ‪ ،‬وََل ِكنّهُ‬ ‫وََأ ْ‬
‫س َودِيّةُ‬
‫لْ‬‫المَقَامَة ا َ‬
‫جهِي هَا ِربَا ح ّتىّ َأ َتيْتُ البَا ِديَ َة‬ ‫ص ْبتُهُ‪َ ،‬ف ِهمْتُ عَلى َو ْ‬ ‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪ُ :‬كنْتُ ُأ ّت َهمُ ِبمَالٍ َأ َ‬ ‫ح ّدثَنا عِيسَى بْ ُ‬‫َ‬
‫شدُ‬‫ل ْترَابِ‪َ ،‬و ُي ْن ِ‬ ‫ب بِالتّرَابِ‪ ،‬مَعَ ا َ‬ ‫طنَابِهَا فَتىً‪ ،‬يَ ْلعَ ُ‬ ‫ع ْندَ َأ ْ‬ ‫خ ْيمَةٍ‪ ،‬فَصَادَفْتُ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫فَآ ّدتْنِي ال َه ْيمَةُ‪ ،‬إِلى ظِ ّ‬
‫حمَ َنسِيجَهُ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬يَا َفتَى ال َعرَبِ‬ ‫ل يَ ْق َتضِي ِه ا ْر ِتجَالهُ‪ ،‬وََأ ْب َعدْتُ َأنْ يُ ْل ِ‬ ‫شعْرا يَ ْق َتضِي ِه حَالهُ‪َ ،‬و َ‬ ‫ِ‬
‫شدَ يَقُولُ‪:‬‬‫ع ِزمُهُ‪ ،‬وََأ ْن َ‬ ‫ش ْعرَ َأمْ َت ْع ِزمُهُ? فَقَالَ‪ :‬بَلْ َأ ْ‬ ‫َأ َترْوِي هَذا ال ّ‬
‫ن نُـبُـوّ عَـنّـي‬ ‫َوكَانَ فِي ال َعيْ ِ‬ ‫صغِـيرَ الـسّـنّ‬ ‫ن ُكنْتُ َ‬ ‫ِإنّي وَإِ ْ‬
‫ش ْعرِ كُـلّ فَـنّ‬ ‫ب بِي في ال ّ‬ ‫َيذْهَ ُ‬ ‫ش ْيطَـانِـي َأمِـيرُ الـجِـنّ‬ ‫َفإِنّ َ‬
‫عنّي‬ ‫غرُبْ َ‬ ‫فَامْضِ عَلَى ِرسْلِكِ وَا ْ‬ ‫ض الـتّـظَـنّـي‬ ‫حتّى َي ُردّ عَارِ َ‬ ‫َ‬
‫ن َنزَلْتَ‪ ،‬وََأرْضَ‬ ‫لمْ ِ‬‫ع ْن َدكَ َأ ْمنٌ َأوْ قِرىً? قَالَ‪َ :‬بيْتَ ا َ‬ ‫فَقُلْتُ‪ :‬يَا َفتَى ال َعرَبِ َأ ّد ْتنِي إَِل ْيكَ خِيفَ ٌة َفهَلْ ِ‬
‫حيّ‪،‬‬ ‫س ْترُهَا‪ُ ،‬ثمّ نَادَى‪ :‬يَا َفتَاةَ ال َ‬ ‫سبِلَ ِ‬ ‫خ ْيمَ ٍة َقدْ ُأ ْ‬‫شيْتُ َم َعهُ إِلى َ‬ ‫ال ِقرَى حَلَلْتَ‪َ ،‬وقَامَ َفعَِلقَ ِب ُكمّي‪َ ،‬فمَ َ‬
‫س ِمعَهُ‪ ،‬أَ ْو ِذ ْكرٌ بََلغَهُ‪َ ،‬فأَجِي ِريِهِ‪،‬‬ ‫حدَا ُه إَِل ْينَا صِيتُ َ‬ ‫هَذا جَارٌ َنبَتّ ِبهِ َأ ْوطَانُهُ‪َ ،‬وظََلمَهُ سُ ْلطَانُهُ‪َ ،‬و َ‬
‫ض ِريّ‪.‬‬ ‫سكُنْ يَا حَ َ‬ ‫ت ال َفتَاةُ‪ :‬ا ْ‬ ‫فَقَالَ ِ‬
‫ن قِـنَـانِ‬ ‫لسْ َودِ بْ ِ‬ ‫ت ِب َبيْتِ ا َ‬ ‫َفأَنْ َ‬ ‫سكُنْ وَل َتخْشَ خِي َفةً‬ ‫ض ِريّ ا ْ‬ ‫ح َ‬ ‫َأيَا َ‬
‫عهْدا بِـكُـلّ مَـكـانِ‬ ‫وَأَ ْوفَا ُهمُ َ‬ ‫ن ُأ ْنثَي مِنْ َم َعدٍ َو َيعْـرُبٍ‬ ‫عزّ ابْ ِ‬ ‫َأ َ‬
‫ط َع ُنهُ ْم مِنْ دُونِـهِ بِـسِـنَـانِ‬ ‫وََأ ْ‬ ‫ن دُونِ جَارِهِ‬ ‫وََأضْ َر َب ُهمْ بِالسّ ْيفِ مِ ْ‬
‫ن مُ ْؤتَـلِـفَـانِ‬ ‫سحَابان مَ ْقرُونَا ِ‬ ‫َ‬ ‫ن ال َمنَايَا وَال َعطَـايا بِـكَـفّـهِ‬ ‫َكأَ ّ‬
‫غ ّر َيمَانِـي‬ ‫ص أَ َ‬‫لقَي إِلَى عِي ٍ‬ ‫تَ َ‬ ‫جبِينِ ِإذَا ا ْن َتمَى‬‫وََأ ْبيَضَ َوضّاحِ ال َ‬
‫َيحُلّ ْو َنهُ شَ ّف ْعتَـهُـمْ بِـثَـمَـانِ‬ ‫َفدُو َنكَ ُه َبيْتِ الجِـوَارِ َوسَـبْـعَةٌ‬
‫عيْني ِإلّ‬ ‫خذَتْ َ‬ ‫س ْبعَةُ نَ َف ٍر فِيهِ‪َ ،‬فمَا َأ َ‬‫ظرْتُ َفِإذَا َ‬ ‫ت إَِليْهِ‪َ ،‬فنَ َ‬ ‫ت اّلذِي أَوْمأَ ْ‬ ‫خذَ ال َفتَى ِبيَدِي إِلَى ال َبيْ ِ‬‫َفأَ َ‬
‫حكَ ِبَأيّ َأرْضٍ َأنْتَ? فَقَالَ‪:‬‬ ‫جمَْل ِت ِهمْ فَقُلْتُ َلهُ‪َ :‬و ْي َ‬ ‫لسْ َك ْن َدرِيّ فِي ُ‬ ‫حاِ‬ ‫َأبَا ال َفتْ ِ‬
‫طيّبِ َأ ْثمَارِهَـا‬ ‫ختَارُ ِمنْ َ‬ ‫َأ ْ‬ ‫لسْـ َو ِد فِـي دَارِهِ‬ ‫َنزَلْتُ بِا َ‬
‫ن ثَارِهَا‬ ‫ت ِبيَ الخِيفَ ُة مِ ْ‬ ‫هَامَ ْ‬ ‫فَقُلْتُ‪ِ :‬إنّي َرجُـلٌ خَـائِفٌ‬
‫فِي َه ِذهِ الحَالِ وََأطْوَارِهَـا‬ ‫حِيلَةُ َأ ْمثَالِي عَلَى مِـثْـلِـهِ‬
‫ن آثـارِهَـا‬ ‫َومَاحِـيا بَـيّ َ‬ ‫حتّى َكسَانِي جَابِرا خَلّـتِـي‬ ‫َ‬

‫‪23‬‬
‫ن دَارهَا‬
‫ن ًتنْقَلَ عَ ْ‬ ‫ل أَ ْ‬
‫ن قَبْ ِ‬
‫مِ ْ‬ ‫ل مَا صَفَا‬ ‫ن الدّ ْهرِ َونَ ْ‬
‫خذْ مِ َ‬
‫َف ُ‬
‫غبَارِهَـا‬‫ل ِبأَ ْ‬
‫َأوْ َت ْكسَعَ الشّوْ َ‬ ‫ِإيّاكَ َأنْ ُتبْـقِـيَ ُأمْـنِـيَةً‬
‫شنَا َزمَانا فِي ذَِلكَ‬
‫عْ‬‫ق ال ُكدْيَ ِة َلمْ َتسُْل ْكهَا? ُثمّ ِ‬
‫طرِي ِ‬‫س ْبحَانَ الِ!َأيّ َ‬ ‫ن ِهشَامٍ‪ :‬فَقُلْتُ‪ :‬يَا ُ‬ ‫قَالَ عِيسَى بْ ُ‬
‫شرّقا َو ُرحْتُ ُم َغرّبَا‪.‬‬ ‫حتّى َأ ِمنّا‪َ ،‬فرَاحَ ُم َ‬
‫جنَابِ َ‬ ‫ال َ‬
‫المَقَامَ َة العِرَا ِقيّةُ‬
‫حتّى‬ ‫شعَرَاءِ‪َ ،‬‬ ‫ن ال ّ‬ ‫حتّى بََلغْتُ ال ِعرَاقَ‪َ ،‬و َتصَ ّفحْتُ دَوَاوي َ‬ ‫ح ّدثَنا عِيسَى بْنُ ِهشَامٍ قَالَ‪:‬طِفْتُ الفَاقَ‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫عنّ لِي َفتَىً فِي‬ ‫شطّ ِإذْ َ‬ ‫س ِمنْ َزعَ ظَ َفرٍ‪ ،‬وََأحَّل ْتنِي َب ْغدَادُ َفبَ ْي َنمَا َأنَا عَلَى ال ّ‬ ‫ظ َن ْنتُني َل ْم ُأ ْبقِ فِي القَوْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن َأصْلِهِ َودَارِهِ‪ ،‬فَقَالَ‪:‬‬ ‫سأَلَهُ عَ ْ‬ ‫حتُهُ‪ ،‬فَ ُقمْتُ إَِليْ ِه َأ ْ‬ ‫ج َب ْتنِي فَصَا َ‬ ‫عَ‬ ‫سأَلُ النّاسَ َو َيحْ ِرمُو َنهُ‪ ،‬فَأَ ْ‬ ‫طمَارٍ‪َ ،‬ي ْ‬ ‫َأ ْ‬
‫ن ا ْلعِ ْلمِ‪،‬‬ ‫ن هذَا البَيانُ? فَقَالَ‪ :‬مِ َ‬ ‫ن َأيْ َ‬‫ي الدّارِ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬مَا هَذا الّلسَانُ? َومِ ْ‬ ‫سكَ ْن َدرِ ّ‬‫ل ِإ ْ‬
‫سيّ الَصْ ِ‬ ‫ع ْب ِ‬
‫َأنَا َ‬
‫سهْمٌ َفَأ ّيهَا‬ ‫ت ِبحَارَهُ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ِ :‬بَأيّ العُلُومِ َت َتحَلَى? فَقَالَ‪ :‬لِي فِي كُلّ كِنانَ ٍة َ‬ ‫صعَابَهُ? َوخُضْ ُ‬ ‫ُرضْتُ ِ‬
‫ت َم ْدحَا َل ْم ُيعْ َرفْ‬ ‫ل َنظَمَ ْ‬ ‫ن حَلّهُ? وَهَ ْ‬ ‫ت ال َعرَبُ َبيْتا ل ُي ْمكِ ُ‬ ‫ل قَالَ ِ‬ ‫ش ْعرَ‪ :‬فَقَالَ‪ :‬هَ ْ‬ ‫حسِنُ? فَقُلْتُ‪ :‬ال ّ‬ ‫ُت ْ‬
‫ت َيثْقُلُ‬‫ل َيرْ َقأُ َد ْمعُهُ? وََأيّ َبيْ ٍ‬ ‫طعُهُ? وََأيّ َبيْتٍ َ‬ ‫حسُنَ َق ْ‬ ‫سمُجَ َوضْعُهُ‪َ ،‬و َ‬ ‫ت َ‬ ‫ل َلهَا َبيْ ٌ‬ ‫أَهْلُهُ? وَهَ ْ‬
‫خطْبُهُ? وََأيّ‬ ‫ص ُغرُ َ‬ ‫ت َي ْعظُمُ وَعِيدُهُ َو َي ْ‬ ‫عرْضُهُ َو َي ْأسُو ضَ ْربُهُ? وََأيّ َبيْ ٍ‬ ‫ت َيشُجّ َ‬ ‫َو ْقعُهُ? وََأيّ َبيْ ٍ‬
‫ن المَظْلُومِ‪ ،‬وَال ِمنْشَارِ ال َمثْلُومِ? وََأيّ ِبيْتٍ‬ ‫سنَا ِ‬
‫ت هُ َو َأ ْكثَ ُر رَمْلً ِمنْ َيبْرينَ? وََأيّ َبيْتٍ ُه َو َكأَ ْ‬ ‫َبيْ ٍ‬
‫ل ُيخْلَقُ‬ ‫عكَ ظَا ِهرُهُ? وََأيّ َبيْتٍ َ‬ ‫خدَ ُ‬ ‫ي َبيْتٍ َيصْ َف ُعكَ بَاطِنُهُ‪َ ،‬و َي ْ‬ ‫خرُهُ? وََأ ّ‬ ‫س ّركَ أَوُّلهُ َو َيسُو ُءكَ آ ِ‬ ‫َي ُ‬
‫ت هُوَ‬ ‫ع ْكسُهُ? وََأيّ َبيْ ٍ‬ ‫ت َيسْهُلُ َ‬ ‫ن َل ْمسُهُ? وََأيّ َبيْ ٍ‬ ‫ي َبيْتٍ ل ُي ْمكِ ُ‬ ‫حتّى ُت ْذ َكرَ جَوَا ِمعُهُ? وََأ ّ‬ ‫سَامِعُهُ‪َ ،‬‬
‫حذْفٍ??? قَالَ‬ ‫ن ِب َ‬ ‫حرْفٍ‪َ ،‬ورَهِي ٌ‬ ‫ن ِب َ‬ ‫ن ِمثْلِهِ‪َ ،‬و َكَأنّ ُه َليْسَ ِمنْ أَهِْلهِ? وََأيّ َبيْتٍ ُهوَ َمهِي ٌ‬ ‫ل مِ ْ‬‫َأطْوَ ُ‬
‫جهِ صَوَا ِبهِ‪ِ ،‬إلّ ل َأعَْلمُ‪.‬‬ ‫جوَابهِ‪ ،‬وَل ا ْه َت َديْتُ لِ َو ْ‬ ‫ت ِق ْدحَا في َ‬ ‫عِيسَى ْبنُ ِهشَامٍ‪ :‬فَ َو الِ مَا َأجَلْ ُ‬
‫شأَ يَقُولُ‪:‬‬ ‫فَقَالَ‪َ :‬ومَا لَ َتعَْلمُ َأ ْك َثرُ‪ ،‬فَقُلْتُ‪َ :‬ومَا َلكَ مَعْ هَذا ال َفضْلِ‪ ،‬تَ ْرضَى ِبهَذا ال َعيْشِ ال ّرذْلِ? َفَأنْ َ‬
‫عجَبُ‬ ‫كُلّ َتصَارِيفِ َأ ْمرِهِ َ‬ ‫ن مِنْ َزمَنٍ‬ ‫بُؤْسا ِلهَذا ال ّزمَا ِ‬
‫لدَبُ‬ ‫َكَأ ّنمَا سَـاءَ ُأمّـ ُه ا َ‬ ‫ل ذِي َأدَبٍ‬ ‫ح حَرْبا ِلكُ ّ‬ ‫صبَ َ‬
‫َأ ْ‬
‫حيّاكَ الُ‬ ‫لسْ َك ْن َدرِيّ‪ ،‬فَقُلْتُ‪َ :‬‬ ‫حاِ‬ ‫جهِهِ َنظَري‪َ ،‬فإِذَا هُ َو َأبُو ال َفتْ ِ‬ ‫َفَأجَلْتُ فِي ِه بَصَري‪َ ،‬وكَ ّررْتُ فِي َو ْ‬
‫جمَلْتَ‪َ ،‬فعَلْتَ‪ ،‬فَقَالَ‪:‬‬ ‫ن َتمُنّ عََليّ ِبتَفْسيرِ مَا َأ ْنزَلْتَ‪َ ،‬وتَ ْفصِيلِ مَا َأ ْ‬ ‫ن رََأيْتَ أَ ْ‬ ‫عكَ إِ ْ‬ ‫صرْ َ‬‫وََأ ْنعَشَ َ‬
‫عشَى‪.‬‬ ‫ل الَ ْ‬ ‫ن حَلّ ُه َفكَثيرٌ‪َ ،‬و ِمثَالُهُ قَوْ ُ‬ ‫تَفْسيرُهُ‪َ :‬أمّا ال َبيْتُ ل ُي ْمكِ ُ‬
‫حبَسّنا ِب َتنْقَادِهَا‬ ‫فَل َت ْ‬ ‫دَراهِ ُمنَا كُلّها جَـ ّيدٌ‬
‫وَأمّا ال َمدْحُ اّلذِي َل ْم ُيعْ َرفْ أَهْلُ ُه َفكَثيرٌ‪َ ،‬ومِثالُ ُه قَوْلُ ال ُهذَِليّ‪:‬‬
‫ن مَاجِ ٍد َمحْضِ‬ ‫ن أَلْقَى عََليْ ِه رِداءَ ُهعَلَى َأنّهُ َقدْ سُلّ عَ ْ‬ ‫وِِلمْ ِأ ْدرِ مَ ْ‬
‫طعُهُ‪ ،‬فَ َقوْلُ أَبي ُنوَاسِ‪:‬‬ ‫حسُنَ َق ْ‬ ‫ضعُهُ‪َ ،‬و َ‬ ‫سمُجَ َو ْ‬ ‫وََأمّا ال َبيْتُ الذّي َ‬
‫ُتجَ ّررُ َأ ْذيَالَ ال ُفسُوقِ‪ ،‬وَل َفخْرُ‬ ‫َفبِ ْتنَا َيرَانَا الُ شَـرّ عِـصَـابَةٍ‬
‫ل ذِي ال ّرمّةِ‪:‬‬ ‫ت اّلذِي لَ َي ْر َفأُ َد ْمعُهُ فَقَوْ ُ‬ ‫وََأمّا ال َبيْ ُ‬
‫سرَبَ‬ ‫ن كُلىً مَ ْف ِريّةٍ َ‬ ‫َكَأنّ ُه مِ ْ‬ ‫سكِبُ‬ ‫ع ْي ِنكَ ِم ْنهَا المَاءُ َي ْن َ‬ ‫مَا بَالُ َ‬
‫شقّ‪َ ،‬أوْ‬ ‫سكَابٌ‪ ،‬أَ ْو بَوْلٌ‪ ،‬أَ ْو نَشيئَةٌ‪ ،‬أَ ْو َأسْفَلُ مَزادَةٍ‪ ،‬أَ ْو ِ‬ ‫عيْنٌ‪َ ،‬أوْ ا ْن ِ‬ ‫َفإِنّ جَوا ِم َعهُ‪ِ :‬إمّا َماٌء‪ ،‬أَوْ َ‬
‫سيَلنٌ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ن الرّو ِميّ‪:‬‬ ‫ل ابْ ِ‬ ‫ت اّلذِي َيثُقلُ َو ْقعُهُ َف ِمثْلُ قَوْ ِ‬ ‫وََأمّا البَي ُ‬
‫س َأ ْمهِلي‬ ‫ل ِلنَفْسي‪َ :‬أيّها النّفْ ُ‬ ‫ن َي ُمّنهُ َوقَا َ‬‫ِإذَا مَنّ َل ْم َي ْمنُنْ ِبمَ ّ‬
‫عرِ‪:‬‬‫عرُوضُهُ َو َيَأسُو ضَ ْربُ ُه َف ِمثْلُ قَوْلِ الشّا ِ‬ ‫وََأمّا ال َبيْتُ الّذي َتشُجّ َ‬

‫‪24‬‬
‫وََأمّا ال َبيْتُ اّلذِي‬ ‫َكمَا َي ْدنُو ال ُمصَافِحُ لِلسّلمِ‬ ‫شرَ ِفيّ‬
‫ت لَ ُه ِبَأ ْبيَضَ َم ْ‬
‫دَلَفْ ُ‬
‫ن كُ ْلثُوم‪:‬‬
‫عمْرو ابْ ِ‬ ‫طبُهُ َف ِمثَالُ ُه قَوْلُ َ‬
‫خ ْ‬‫ظمُ َوعِيدُهُ َو َيصْ ُغرُ َ‬ ‫َي ْع ِ‬
‫وََأمّا ال َبيْتُ اّلذِي ُهوَ‬ ‫مَخارِيقٌ ِبَأ ْيدِي لعِبينَا‬ ‫سيُوفَنا ِمنّا َو ِم ْنهُمْ‬ ‫َكأَنّ ُ‬
‫ل ذِي ال ّرمّةِ‪:‬‬ ‫َأ ْكثَ ُر رَمْلً ِمنْ َي ْبرِينَ َف ِمثُلُ قَوْ ِ‬
‫ت اّلذِي ُهوَ‬‫ح ْيرَى لَها في الجَ ّو َتدْوِيمُ وََأمّا ال َبيْ ُ‬ ‫شمْسُ َ‬ ‫ضهُوَال ّ‬‫ضرَاضِ َي ْركُ ُ‬ ‫ض الرّ ْ‬ ‫ُمعْرَ ْورِيا َرمَ َ‬
‫عشَى‪:‬‬ ‫ل الَ ْ‬ ‫ن ال َمظْلُومِ‪ ،‬وَال ِم ْنشَارِ ال َمثْلُومِ؛ َفكَقَو ِ‬ ‫َكَأسْنَا ِ‬
‫شَاوٍ ِمشَلّ شَلُولٌ شُ ْلشُلٌ شَـوِلُ وََأمّا ال َبيْتُ اّلذِي‬ ‫ت َي ْت َب ُعنِي‬‫ت إِلى الحَانُو ِ‬ ‫غدَوْ ُ‬ ‫َوقَدْ َ‬
‫خرُ ُه َفكَقَوْلِ ا ْمرِئ ال َقيْسِ‪:‬‬ ‫َيسُ ّركَ َأوّلُهُ َو َيسُو ُؤكَ آ ِ‬
‫وََأمّا ال َبيْتُ اّلذِي‬ ‫سيْلُ ِمنْ عَلِ‬ ‫حطّهُ ال ّ‬ ‫خرٍ َ‬ ‫صْ‬‫ل ُم ْدبِرٍ مَعا َكجُ ْلمُودِ َ‬ ‫ِم َكرّ مِ َفرّ مُ ْقبِ ٍ‬
‫عكَ ظَا ِهرُ ُه فَكَ َقوُلُ القَائِل‪:‬‬
‫خدَ ُ‬
‫طنُهُ َو َي ْ‬
‫ك بَا ِ‬
‫َيصْ َفعُ َ‬
‫وََأمّا ال َبيْتُ اّلذِي ل‬ ‫ع ْتبِي‬
‫َنجّاكَ رَبّ ال َعرْشِ مِنْ َ‬ ‫عَا َتبْ ُتهَا َف َبكَتْ‪َ ،‬وقَالَتْ يَا فَتىً‬
‫طرِفَةَ‪:‬‬ ‫حتّى ُتذْ َكرَ جَوَا ِم ُعهُ‪ ،‬فَكَ َقوْلِ َ‬
‫ُيخَْلقُ سَا ِمعُهُ‪َ ،‬‬
‫َفإِنّ السّامِعَ َيظُنّ‬ ‫طيّ ُت ُه ْميَقُولُونَ‪ :‬لَ َتهِْلكْ أَسىً َو َتجَّلدِ‬
‫صحْبِي عََلىّ َم ِ‬‫ُوقُوفا ِبهَا َ‬
‫شدُ قَوْلَ ا ْمرِئ ال َقيْسِ‪.‬‬ ‫َأ ّنكَ ُت ْن ِ‬
‫خبْز ُرزّيّ‪:‬‬ ‫ل ال ُ‬ ‫ل ُي ْمكِنُ َل ْمسُ ُه َفكَقَوْ ِ‬
‫وََأمّا ال َبيْتُ اّلذِي َ‬
‫َوكَ َقوْلِ أَبي نُوَاسٍ‪:‬‬ ‫شرَقَ نُورُ الصّلْحِ ِمنْ ظُ ْلمَ ِة ال َعتْبِ‬ ‫حبّوََأ ْ‬
‫عنْ َق َمرِ ال ُ‬
‫جرِ َ‬
‫غ ْيمُ ال َه ْ‬
‫تَ َقشّعَ َ‬
‫وََأمّا ال َبيْتُ اّلذِي‬ ‫َو َت ْمثَالُ نُورٍ فِي َأدِيمِ َهوَاءٍ‬ ‫عبِيرٍ فِي غِلََلةِ مَاءٍ‬
‫َنسِيمُ َ‬
‫حسّانَ‪:‬‬
‫ع ْكسُ ُه َفكَقَوْلِ َ‬
‫سهُلُ َ‬
‫َي ْ‬
‫وََأمّا ال َبيْتُ اّلذِي ُهوُ‬ ‫ن الطّرَازِ الَوّلِ‬
‫لنُوفِ مِ َ‬‫شمّ ا ُ‬ ‫ُ‬ ‫حسَا ُب ُهمْ‬
‫بِيضُ ال ُوجُو ِه َكرِيمَ ٌة َأ ْ‬
‫حمَاقَ ِة ال ُم َتنَبي‪:‬‬
‫ن ِمثْلِه فَ َك َ‬
‫ل مِ ْ‬‫َأطْوَ ُ‬
‫ل وََأمّا‬
‫ن نَ ْ‬
‫ع دِلِ ابْ ِ‬ ‫ع زَ ْ‬
‫ب رُ ْ‬‫غزُ اسْ ِ‬ ‫حمِ ا ْ‬
‫سرُفُ ْه ُتسَ ْلغِظِ ا ْرمِ صِبِ ا ْ‬ ‫ج ْد ُق ْد مُر َأنْه ا ْ‬
‫س ْد ُ‬‫س ُم ُ‬
‫قاْ‬
‫عِش ا ْب َ‬
‫ل َأبِي نُوَاسِ‪:‬‬‫حذْفٍ‪َ ،‬فكَقَوْ ِ‬ ‫ن ِب َ‬‫ح ْرفٍ‪َ ،‬ورَهِي ٌ‬ ‫ت اّلذِي هُ َو َمهِينٌ ِب َ‬ ‫ال َبيْ ُ‬
‫خرِ‪:‬‬‫ل ال َ‬ ‫َوكَقَوْ ِ‬ ‫ع دُرّ عَلَى خَاِلصَهْ‬ ‫َكمَا ضَا َ‬ ‫ش ْعرِي عَلَى بَا ِب ُكمْ‬
‫لَ َقدْ ضَاعَ ِ‬
‫شدَ "‬
‫ِي ْعنِي َأنّ ُه ِإذَا َأ ْن َ‬ ‫ن كَلما عََل ْيهِ ضَاءَ‬
‫كَا َ‬ ‫ِإنّ كَلَما َترَا ُه َمدْحـا‬
‫ش َد "ضَاءَ" كانَ َمدْحا‪.‬‬ ‫ضَاعاَ" كَانَ ِهجَاءً‪ ،‬وَِإذَا َأ ْن َ‬
‫ن بِهِ عَلَى َتغْييرِ حَالهِ‪ ،‬وَافْ َترَ ْقنَا‪.‬‬
‫س َتعِي ُ‬
‫ط ْيتُ ُه مَا َي ْ‬
‫عَ‬ ‫ن مَقَالِه‪ ،‬وَأَ ْ‬ ‫جبْتُ والِ مِ ْ‬‫ن ِهشَامٍ‪َ :‬فتَ َع ّ‬
‫قَالَ عِيسَى بْ ُ‬
‫ال َمقَامَةُ الحَ ْمدَانِيّةُ‬
‫ن هِشامٍ قَالَ‪:‬‬ ‫ح ّد َثنَا عِيسَى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫عرِضَ عََل ْيهِ َفرَسٌ َمتَى مَا َت َرقّ ال َعيْنُ فِيهِ‬ ‫ن يَوْما‪َ ،‬و َقدْ ُ‬ ‫ح ْمدَا َ‬
‫سيْفِ الدّوْل ِة بْنِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ضرْنَا َمجْلِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ج ْهدَهُ‪،‬‬‫ج ْهدَ َ‬ ‫جعَ ْلتُ ُه صِلتَهُ‪َ ،‬فكُلّ َ‬‫ن صِ َفتَهُ‪َ ،‬‬ ‫حسَ َ‬‫س ْيفُ الدّوْلةِ‪َ :‬أ ّيكُمْ َأ ْ‬
‫عةُ‪َ ،‬وقَالَ َ‬ ‫جمَا َ‬‫ظتْهُ ال َ‬
‫حَ‬ ‫سهّلِ‪ ،‬فَل َ‬‫َت َ‬
‫ل يَطأُ ال َفصَاحَ َة ِب َنعَْليْهِ‪،‬‬ ‫لمْسِ َرجُ ً‬ ‫ت بِا َ‬‫لمِيرَ! رَأَيْ ُ‬ ‫لاَ‬ ‫خ َدمِهِ‪َ :‬أصْلَحَ ا ُ‬ ‫حدُ َ‬ ‫ع ْندَهُ‪ ،‬فَقَالَ‪َ :‬أ َ‬
‫َو َبذَلَ مَا ِ‬
‫لمِيرُ ِبِإحْضَارِهِ‪ ،‬لَ َفضََلهُمْ‬ ‫سأَلُ النّاسَ‪َ ،‬و َيسْقِى اليَاسَ‪ ،‬وَلَ ْو َأ َمرَ ا َ‬ ‫ل ْبصَارُ عََليْهِ‪َ ،‬ي ْ‬ ‫َوتَ ِقفُ ا َ‬
‫خ َدمُ فِي طََلبِهِ‪ُ ،‬ثمّ جَاءُوا لِلْ َوقْتِ ِبهِ‪ ،‬وََلمْ‬ ‫س ْيفُ الدّوْلةِ‪ :‬عََليّ ِبهِ فِي َه ْي َئتِهِ‪َ ،‬فطَارَ ال َ‬ ‫حضَارِهِ‪ ،‬فقَالَ َ‬ ‫ِب َ‬
‫شرِبَ‪،‬‬ ‫ن َقدْ َأكَلَ الدّ ْهرُ عََل ْي ِهمَا َو َ‬ ‫ط ْمرَيْ ِ‬
‫س ُت ْدنِىَ‪ ،‬وَ ْهوَ فِي ِ‬ ‫عيَ‪ُ ،‬ثمّ قرّبَ وَا ْ‬ ‫ليِة حَالٍ دُ ِ‬ ‫ُيعِْلمُو ُه ّ‬
‫ضهَا‬ ‫ع ِر ْ‬ ‫ع ْنكَ عَا ِرضَةٌ فَا ْ‬ ‫س ْيفُ الدّوْلةِ‪ :‬بََل َغتْنَا َ‬ ‫سمَاطَ‪َ ،‬ل َثمَ ال ِبسَاطَ‪َ ،‬و َوقَفَ‪ ،‬فَقَالَ‪َ :‬‬ ‫ضرَ ال ّ‬‫ح َ‬ ‫َوحِينَ َ‬
‫عيُوبهِ‬‫شفِ ُ‬ ‫لمِيرَ َك ْيفَ ِبهِ َقبْلَ ُركُوب ِه وَ ُوثُوبهِ‪َ ،‬و َك ْ‬ ‫لاَ‬ ‫في هذا ال َفرَسَ وَ َوصْفِهِ‪ ،‬فَقَالَ‪َ :‬أصْلَحَ ا ُ‬
‫ل ُذ َنيْنِ‪ ،‬قَلِيلُ‬
‫لمِيرَ هُ َو طَويلُ ا ُ‬ ‫ح الُ ا َ‬ ‫جرَاهُ‪ُ ،‬ثمّ قَالَ‪َ :‬أصْلَ َ‬ ‫غيُوبهِ? فَقَالَ‪ :‬ا ْر َكبْهُ‪ ،‬فَ َر ِكبَهُ وََأ ْ‬ ‫وَ ُ‬

‫‪25‬‬
‫شدِيدُ النّفْسِ‪َ ،‬لطِيفُ‬ ‫لرْبَعِ‪َ ،‬‬ ‫ضاَ‬ ‫لكْرُع‪ ،‬غَامِ ُ‬ ‫ل ْث َنيْنِ‪ ،‬وَاسِعُ ال َمرَاثِ‪َ ،‬ليّنُ الثّلَثِ‪ ،‬غَلِيظُ ا َ‬ ‫اِ‬
‫ض الثّمانِ‪،‬‬ ‫عرِي ُ‬ ‫سبْعِ‪َ ،‬دقِيقُ الّلسَانِ‪َ ،‬‬ ‫ظ ال ّ‬ ‫سمْعِ‪ ،‬غَلِي ُ‬ ‫حدِيدُ ال ّ‬‫ضّيقُ القَلْتِ‪َ ،‬رقِيقُ السّتّ‪َ ،‬‬ ‫خمْسِ‪َ ،‬‬ ‫ال َ‬
‫خذُ بِالسّابحِ‪َ ،‬ويُطِْلقُ بِالرّامِحِ‪ .‬يَطلُعُ‬ ‫جرِ‪َ ،‬بعِيدُ ال َعشْرِ‪َ ،‬ي ْأ ُ‬ ‫شْ‬ ‫َمدِيدُ الضّلعَ‪ ،‬قَصِيرُ ال ّتسْعَ‪ ،‬وَاسِعُ ال ّ‬
‫سيْلِ ِإذَا‬ ‫ضرُ كَال َبحْرِ ِإذَا مَاجَ‪ ،‬وال ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫حدِيدِ‪ُ ،‬ي ْ‬ ‫جزّ َوجْ َه الجَديدِ‪ِ ،‬ب َمدَاقّ ال َ‬ ‫ن قَارِحٍ َي ُ‬ ‫حكُ ع ْ‬ ‫بِلئِحٍ َو َيضْ َ‬
‫لفْرَاسَ‪،‬‬ ‫حاَ‬ ‫لنْفَاسَ‪َ ،‬و َت ْمنَ ُ‬ ‫خذُ ا َ‬ ‫س ُمبَارَكا فِيهِ‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬لزِلْتَ َت ْأ ُ‬ ‫س ْيفُ الدّوَْلةِ‪َ :‬لكَ ال َفرَ ُ‬ ‫هَاجَ‪ ،‬فَقَالَ َ‬
‫صرَفَ َو َت ِب ْعتُهُ َوقُلْتُ َلكَ عََليّ مَا يَلِيقُ ِبهَذا ال َفرَسِ‪ُ ،‬ثمّ ا ْنصَ َرفَ َو َت ِبعْتُ ُه َوقُلْتُ َلكَ عََليّ مَا‬ ‫ُثمّ ا ْن َ‬
‫ح َببْتَ‪ ،‬فَقُلتُ‪ :‬مَا َم ْعنَى قَوِْلكَ‬ ‫عمّا َأ ْ‬ ‫سرْتَ مَا َوصَفْتَ‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬سَلْ َ‬ ‫ن فَ ّ‬ ‫ن خِ ْلعَ ٍة إِ ْ‬ ‫ق بِهذَا ال َفرَسِ مِ ْ‬ ‫يَلِي ُ‬
‫ع َرتَيِنِ‪َ ،‬ومَا‬ ‫ح َييْنِ‪َ ،‬ومَا َبيْنَ ال َو ْقبَيْينِ‪ ،‬وَالجَا ِ‬ ‫ظرِ وَا ْلخَطْ ِو وَأَعَالِي الّل ْ‬ ‫شرِ‪ ،‬فقَالَ‪َ :‬بعِيدُ ال ّن َ‬ ‫َبعِيدُ ال َع ْ‬
‫سبَاقِ‪،‬‬ ‫خ َريْنِ‪َ ،‬ومَا َب ْينَ ال ّرجَْليْنِ‪َ ،‬ومَا َب ْينَ ال َمنْقَبِ وَالصّفَاقِ‪َ ،‬بعِيدُ الغَايَ ِة فِي ال ّ‬ ‫ن ال ُغرَابَيْنِ وَال ِم ْن َ‬‫َبيْ َ‬
‫طرَةِ َقصِيرُ‬ ‫ل ْ‬‫شعْرَ ِة َقصِيرُ ا ُ‬ ‫ض فُوكْ َفمَا َم ْعنَى قَوِْلكَ َقصِيرُ ال ّتسْعِ‪ ،‬قَالَ‪ :‬قصِيرُ ال ّ‬ ‫فَقُلْتُ‪ :‬لَ فُ ّ‬
‫ظ ْهرِ‪َ ،‬قصِيرُ ال َوظِيفِ‪.‬‬ ‫سغَينش‪َ ،‬قصِيرُ ال ّنسَا‪َ ،‬قصِيرُ ال ّ‬ ‫ض َديْنِ‪َ ،‬قصِيرُ ال ّر ْ‬ ‫سيْبِ‪َ ،‬قصِيرُ ال َع ُ‬ ‫ال َع ِ‬
‫عرِيضُ‬ ‫عرِيضُ ال َو ِركِ‪َ ،‬‬ ‫ج ْبهَةِ‪َ ،‬‬ ‫ض ال َ‬ ‫عرِيضُ ال ّثمَانِ? قَالَ‪ :‬عَري ُ‬ ‫فَقُلْتُ‪ :‬لِ َأنْتَ َفمَا َم ْعنَى قَوِْلكَ‪َ :‬‬
‫عرِيضُ صَ ْفحَةِ‬ ‫عرِيضُ البَ ْل َدةِ‪َ ،‬‬ ‫عرِيضُ ال َعصَبِ‪َ ،‬‬ ‫جنْبِ‪َ ،‬‬ ‫عرِيضُ ال َ‬ ‫صهْ َوةِ‪ ،‬عَريضُ ال َك ِتفِ‪َ ،‬‬ ‫ال ّ‬
‫ال ُع ُنقِ‪.‬‬
‫حزَمِ‪ ،‬غَلِيظُ ال ُعكْ َوةِ‪،‬‬ ‫سبْعِ? قَالَ‪ :‬غَلِيظُ ال ّذرَاعِ‪ ،‬غَلِيظُ ال َم ْ‬ ‫حسَنْتَ‪َ ،‬فمَا َم ْعنَى قَوِْلكَ‪ :‬غَلِيظُ ال ّ‬ ‫فَقُلْتُ‪َ :‬أ ْ‬
‫خ َذيْنِ‪ ،‬غَليظُ ا ْلحَاذِ‪.‬‬ ‫غَلِيظُ الشّوى‪ ،‬غَلِيظُ ال ّرسْغِ‪ ،‬غَلِيظُ ال َف ْ‬
‫جحْفَلةِ‪،‬‬ ‫ق ال َ‬ ‫ل دَ ّركَ! َفمَا َم ْعنَى قَوِْلكَ‪ :‬رَقيقُ السّتّ? قَالَ‪ :‬رَقيقُ الجَفْنِ‪َ ،‬رقِيقُ السّالِ َفةِ‪َ ،‬رقِي ُ‬ ‫قُلْتُ‪ِ :‬‬
‫ل ْذ َنيْنِ‪َ ،‬رقِيقُ ال ُعرُضَينِ‪.‬‬ ‫لدِيمِ‪ ،‬رَقِيقُ أَعَالِي ا ُ‬ ‫رَقِيقُ ا َ‬
‫ف ال ّنسْرِ‪َ ،‬لطِيفُ‬ ‫خمْسِ? فَقَالَ‪َ :‬لطِيفُ الزّ ْورِ‪َ ،‬لطِي ُ‬ ‫جدْتَ‪َ ،‬فمَا َم ْعنَى قَوِْلكَ‪َ :‬لطِيفُ ال َ‬ ‫فَقُلْتُ‪َ :‬أ َ‬
‫ج ْبهَةِ‪َ ،‬لطِيفُ ال ّركْبَةِ‪َ ،‬لطِيفُ ال ُعجَايَةِ‪.‬‬ ‫ال َ‬
‫ل ْربَعِ?‬
‫حيّاكَ الُ‪َ ،‬فمَا َم ْعنَى قَوِْلكَ‪ :‬غَامِضُ ا َ‬ ‫فَقُلْتُ‪َ :‬‬
‫حجَاجَيْن‪ ،‬غَامِضُ الشّظى‪ .‬قُلْتُ‪ :‬فَمَا‬ ‫ض ال ِ‬ ‫ض المَ ْرفَ َقيْنِ‪ ،‬غَامِ ُ‬ ‫قَالَ‪:‬غَامِضُ َأعَالشي ال َكتِ َفيْنِ‪ ،‬غَامِ ُ‬
‫ك قَلِيلُ‬ ‫ن ال ِعنَانِ قُلْتُ‪َ :‬فمَا َم ْعنَى قَوِْل َ‬ ‫غ َتيْنِ َليّنُ ال ُع ْرفِ َليّ ُ‬ ‫َم ْعنَى قَوِْلكَ َليّنُ الثّلَثِ‪ ،‬قَالَ‪َ :‬ليّنُ ا ْل َم ْردَ َ‬
‫ت هَذا ال َفضْلِ? قَالَ‪ :‬مِنَ‬ ‫ن َأيْنَ َم ْنبِ ُ‬ ‫حمِ ال َم ْت َنيْنِ‪ ،‬قُلْتُ‪َ :‬فمِ ْ‬ ‫حمِ ال َوجْ ِه قَلِيلُ َل ْ‬ ‫ل ْث َنثْنِ قَالَ‪ :‬قَلِيلُ َل ْ‬‫اِ‬
‫شأَ‬ ‫ج َهكَ ِلهَذا اَل َبذْلِ? فََأ ْن َ‬ ‫ل ُتعَرّضُ َو ْ‬ ‫س َك ْندَ ِريّةِ‪ ،‬فَقُلْتُ‪َ :‬أنْتَ مَ َع هَذا ال َفضْ ِ‬ ‫لْ‬ ‫لمَ ِويّةِ والبِلدِ ا ِ‬ ‫الّثغُو ِر ا َ‬
‫يَقُولُ‪:‬‬
‫سخِيفْ‬ ‫ِإنّ ال ّزمَانَ َ‬ ‫جدّا‬‫سَاخِفْ َزمَا َنكَ ِ‬
‫خيْرٍ َورِيفْ‬ ‫ش ِب َ‬ ‫وَعِ ْ‬ ‫ح ِميّةَ نِـسْـيا‬ ‫َدعِ ال َ‬
‫َيجِيئُنَا بِـرَغِـيفْ‬ ‫َوقُلْ ِل َعبْـ ِدكَ هَـذا‬
‫ال َمقَامَ ُة الرّصَافِيّة‬
‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪:‬‬ ‫ح ّد َثنَا عِيسَى بْ ُ‬
‫َ‬
‫طرِيقَ‬ ‫حمَارّ ُة ال َق ْيظِ َتغْلِي ِبصَ ْدرِ ال َغ ْيظِ‪ ،‬فََلمّا َنصَفْتُ ال ّ‬ ‫لفَةِ‪َ ،‬و َ‬‫ن ال ّرصَافَ ِة ُأرِيدُ دَارَ الخَ َ‬ ‫خ َرجْتُ مِ َ‬ ‫َ‬
‫سرّهُ َوفِيهِ قَومٌ َي َتَأمّلُونَ‬ ‫ن ِ‬ ‫حسْ ٍ‬ ‫ن كُلّ ُ‬ ‫خذَ مِ ْ‬‫جدٍ َقدْ َأ َ‬‫سِ‬‫ع َو َزنِي الصّ ْبرُ َفمِلْتُ إِلى َم ْ‬ ‫شتَ ّد الحَرّ وَأَ ْ‬ ‫اْ‬
‫طرَارِينَ‬ ‫حيَِل ِهمْ وَال ّ‬
‫ث إِلى ِذكُ ِر الّلصُوصِ َو ِ‬ ‫حدِي ِ‬ ‫جزُ ال َ‬ ‫عُ‬‫ن وقُوفَهُ‪ ،‬وََأدّا ُهمْ َ‬ ‫سُقُوفَهُ َو َي َتذَا َكرُو َ‬
‫ن َي ْعمَلُ بِا ْلطّفِ‪،‬‬ ‫ص مِنَ الّلصُوصِ وَأَهْلَ ال َكفّ وَالَقّف َومَ ْ‬ ‫ب ال ُفصُو ِ‬ ‫عمَِلهِمْ‪َ ،‬فذَكَروا َأصْحَا َ‬ ‫َو َ‬
‫ن ُي ْمكِنَ الّلفّ‪َ ،‬ومَنْ‬ ‫ن فِي ال ّرفّ‪ ،‬إِلَى أَ ْ‬ ‫ن َي ْكمُ ُ‬‫خ ُنقُ بِالدّفّ‪َ ،‬ومَ ْ‬ ‫حتَالُ في الصّفّ‪ِ ،‬و ِمنْ ِي ْ‬ ‫ن َي ْ‬
‫َومَ ْ‬
‫ن َقمَشَ‬ ‫س ِرقُ بِالنّصْحِ‪َ ،‬ومَنْ َيدْعُو إِلى الصّلْحِ‪َ ،‬ومَ ْ‬ ‫خذُ بِال َمزْحِ‪َ ،‬ومَنْ َي ْ‬ ‫ُي َبدَِلُ بِال َمسْحِ‪َ ،‬و َمنْ َي ْأ ُ‬
‫ن كَابَرَ بِا ْل ّريْطِ‪ ،‬مَعَ‬ ‫ت بالنّ ْردِ‪َ ،‬ومَنْ غَاَلطَ بِالْ ِق ْردِ‪َ ،‬ومَ ْ‬ ‫طرْفِ‪َ ،‬و َمنْ بَاهَ َ‬ ‫س بِال ّ‬ ‫ص ْرفِ‪َ ،‬و َمنْ َأ ْنعَ َ‬ ‫بِال ّ‬
‫حتَالَ‬‫ن نَ ّو َم بِالبَنْجِ‪ُ ،‬أوْ ا ْ‬ ‫ن سُفْلِ‪َ ،‬ومَ ْ‬ ‫لرْضَ م ْ‬ ‫شقّ ا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن جَا َءكَ بِال ُقفْلِ‪َ ،‬ومَ ْ‬ ‫خيْطِ‪َ ،‬ومَ ْ‬ ‫لبْرَ ِة وال َ‬ ‫اِ‬
‫صعَ ُد في البِيرِ َومَنْ سَارَ‬ ‫ن َي ْ‬ ‫سيْفِ‪َ ،‬ومَ ْ‬ ‫حبَْليْهِ‪َ ،‬ومَنْ كَا َبرَ بِال ّ‬
‫شدّ ِب َ‬
‫ن َبدّل َنعَْليْهِ‪ ،‬و َمنْ َ‬ ‫ِبنِي َرنْجٍ‪َ ،‬ومَ ْ‬
‫ن الخَ ْوفِ‬ ‫ن لذَ مِ َ‬ ‫ن فَرّ ِمنَ الطّ ْوفِ َومَ ْ‬ ‫لمَاتِ َو َمنْ َيَأتِي المَقَامَاتِ َومَ ْ‬ ‫ب العَ َ‬ ‫صحَا ُ‬ ‫مَعَ العِيرِ‪ ،‬وََأ ْ‬

‫‪26‬‬
‫سرِقُ بِالبَوْلِ َو َمنْ ِي ْن َت ِهزُ‬ ‫ن َي ْ‬ ‫ض ْيرٌ َومَ ْ‬‫ب بِالسّ ْيرِ َوقَالَ‪ :‬اجْلِسْ وَل َ‬ ‫طيْرِ َومَنْ لعَ َ‬ ‫ن طَ ّيرَ باِل ّ‬ ‫َومَ ْ‬
‫صحَابُ ال َبسَاتِينِ َوسُرّاقُ‬ ‫ستُوقٍ ‪ ،‬وََأ ْ‬ ‫خ فِي البُوقِ َومَنْ جَا َء ِب َب ْ‬ ‫ط َعمَ فِي السّوقِ ِبمَا َينْفُ ُ‬ ‫ن َأ ْ‬‫الهَوْلَ َومَ ْ‬
‫ن طِينٍ‬ ‫سكّينٍ عَلى الحَائطِ مِ ْ‬ ‫ن دَبّ ِب ِ‬ ‫سطْحِ َومَ ْ‬ ‫صرْحِ َومَنْ سَّلمَ في ال ّ‬ ‫ضبَ َر فِي ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫الرّوَازِينِ َومَ ْ‬
‫ب ِبَأنِينٍ‬ ‫ن الدّوَاوِينِ َومَنْ دَ ّ‬ ‫عوَا ِ‬ ‫ن َكأَ ْ‬‫ب الطّ ْب َرزِي ِ‬ ‫حيّي بِالْ ّريَاحِينِ وََأصْحَا ُ‬ ‫ن ُي َ‬
‫ن جَا َءكَ فِي الحِي ِ‬ ‫َومَ ْ‬
‫حمُ البَابَ‪ ،‬علَى ِزيّ مَنِ‬ ‫ن يَ ْق َت ِ‬
‫ن وَالرّيحِ‪َ ،‬ومَ ْ‬ ‫سمِ ال َمجَانِينِ وََأصْحَابُ ال َمفَاتِيحِ وَأَهْلَ ال ُقطْ ِ‬ ‫عَلى َر ْ‬
‫ن زَارَ‪َ ،‬و َمنْ َي ْدخُلُ بِالّلينِ‪ ،‬عَلَى ِزيّ ال َمسَاكِينِ‪،‬‬ ‫ن َي ْدخُلُ فِي الدّارِ‪ ،‬عَلَى صُورَ ِة مَ ْ‬ ‫ا ْنتَابَ‪َ ،‬ومَ ْ‬
‫ن حَّلفَ بِال ّديْنِ‪َ ،‬ومَنْ‬ ‫خوْضِ‪َ ،‬و َمنْ سَلّ ِبعُو َديْنِ‪َ ،‬ومَ ْ‬ ‫ن فِي ال َ‬ ‫سرِقُ فِي الحَ ْوضِ‪ِ ،‬إذَا َأ ْمكَ َ‬ ‫ن َي ْ‬
‫َومَ ْ‬
‫ن أَعْطى‬ ‫ف بِا ْلكِيسِ‪َ ،‬و َمنْ زَجّ ِب َتدْلِيسِ‪َ ،‬ومَ ْ‬ ‫ن خَالَ َ‬ ‫ج بِال ّديْنِ‪َ ،‬ومَ ْ‬ ‫ن سَ ْفتَ َ‬ ‫غَاَلطَ بِالرّهْنِ‪َ ،‬ومَ ْ‬
‫ن قَالَ‪ :‬أََلمْ‬ ‫صدْرِ‪َ ،‬ومَ ْ‬ ‫ح ُكمْ‪َ ،‬و َمنْ خَاطَ عَلى ال َ‬ ‫ص مِنَ ال ُكمّ‪َ ،‬وقَالَ‪ :‬ا ْنظُرْ وَا ْ‬ ‫المَفَالِيسَ‪َ ،‬و َمنْ قَ ّ‬
‫غ ّركَ‬ ‫عدّ‪َ ،‬و َمنْ َلجّ مَ َع القَ ْومِ َوقَالَ‪َ :‬ليْسَ ذَا َن ْومٍ َو َمنْ َ‬ ‫ن دَسّ ِإذَا َ‬ ‫شدّ‪َ ،‬ومَ ْ‬ ‫َت ْدرِ? َو َمنْ عَضّ‪َ ،‬و َمنْ َ‬
‫صمَ في‬ ‫ن خَا َ‬ ‫ن صَافَعَ بِال ّنعْلِ َومَ ْ‬ ‫ن َيأََلمُ لِ ْل َك ْيدِ َومَ ْ‬‫سرِقُ بِال َق ْيدِ َومَ ْ‬
‫ج إِلَى خَ ْلفٍ َو َمنْ َي ْ‬ ‫بِالَ ْلفِ َو َمنْ زَ ّ‬
‫خطَاطِيفِ عَلى‬ ‫صحَابِ ال َ‬ ‫سرْبِ َو َمنْ َي ْن َت ِهزُ النّقْبَ وََأ ْ‬ ‫شقِ َو َمنْ َي ُدخُلُ في ال ّ‬ ‫حقِ َومَنْ عاَلجَ بِال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫س َك ْندَ ِريّ‬ ‫لْ‬‫لبِي ال َف ْتحِ ا ِ‬ ‫حدِيثُ إِلى ِذكُرِ َمنْ َربِحَ عََل ْي ِهمْ ‪ ،‬وََأتَى ِب ِقصّةٍ َ‬ ‫جرّ ال َ‬ ‫ن الّل ِيفِ وَا ْن َ‬‫حبْلِ مِ َ‬‫ال َ‬
‫حذفناها لعدم الفائدة فيها مع وجود ألفاظ تنافي آداب هذه اليام وليس فيها شيء يستحق الذكر‬
‫سوى أن الليلة القمراء يقال فيها ليلة في غير زيها وأنشد يقول‪:‬‬
‫غ ْيرِ ِز ّيهِوِوِافِا ُه ِبدْرٌ ال ّتمّ فَا ْبيَضَ مَ ْف ِرقَهُ‬ ‫ل فِي َ‬ ‫سرَى وَالّْليْ ُ‬ ‫طيْفٌ َ‬ ‫َو َ‬
‫ال َمقَامَةُ المِغْزلِيّة‬
‫ي َفتَيَانِ‪،‬‬‫ت َكثِيرُ ال ّذ ْكرِ‪َ ،‬ف َدخَلَ عََل ّ‬ ‫ت ال َبصْرَةَ وََأنَا ُمتّسِعُ الصّي ِ‬ ‫ح ّدثَنا عِيسَى بْنُ ِهشَامٍ قَالَ‪َ :‬دخَلْ ُ‬ ‫َ‬
‫سطِ ِه زُنّارٌ‪،‬‬ ‫سنّارٍ‪ِ .‬برَ ْأسِهِ دُوَارٌ‪ ،‬بِ َو َ‬ ‫خذَ َفنَجَ ُ‬ ‫ل َهذَا ال َفتَى دَا َرنَا‪َ ،‬فَأ َ‬ ‫شيْخَ‪َ ،‬دخَ َ‬‫ل ال ّ‬ ‫حدُ ُهمَا‪َ :‬أ ّيدَ ا ُ‬
‫فَقَالَ َأ َ‬
‫جرّ‪ ،‬نَحيفُ ال ُم َنطّقِ‪،‬‬ ‫ل ال ّذيْلِ ِإنْ َ‬‫ن صَرّ‪ ،‬سَرِيعُ ال َكرّ ِإنْ َفرّ‪ ،‬طَوي ُ‬ ‫ت إِ ْ‬
‫َوفََلكٌ دَوّارٌ‪َ ،‬رخِيمُ الصّوْ ِ‬
‫شيْئا َردّ‪ ،‬وَإِنْ‬ ‫ن السّ َفرِ‪ِ ،‬إنْ أَو ِدعَ َ‬ ‫ج َزرِ‪ ،‬مُقِي ٌم بِالحَضرِ‪ ،‬ل َيخْلُو مِ َ‬ ‫طقِ‪ ،‬في َقدْرِ ال َ‬ ‫ف المُ َقرْ َ‬‫ضَعي ُ‬
‫خشَبٌ‪ ،‬وَفيهِ مَالٌ َو َنشَبٌ‪َ ،‬و َقبْلٌ َو َب ْعدٌ‪ ،‬فَقَالَ‬ ‫عظْمٌ َو َ‬ ‫ل َمدّ‪ُ ،‬هنَاكَ َ‬ ‫حبْ ً‬‫جرّ َ‬ ‫جدّ‪ ،‬وَِإنْ َأ َ‬‫سيْرا َ‬ ‫كُّلفَ َ‬
‫ص َبنِي عَلَى‪:‬‬ ‫غ َ‬‫لنّهُ َ‬ ‫شيْخَ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ال َفتَى‪َ :‬ن َعمْ َأ ّيدَ ا ُ‬
‫ُمذَلّـقٍ َأسْـنَـانُـهُ‬ ‫ُمرَ ّهفٍ سِـنـانُـهُ‬
‫شمْلٍ شَانُـهُ‬ ‫تَ ْفرِيقُ َ‬ ‫لدُهُ َأعْـوانُـــهُ‬ ‫َأ ْو َ‬
‫ق بِـشَـا ِربِـهِ‬ ‫ُمعَلّ ٌ‬ ‫ُموَاثِبٌ ِلصَـاحِـبِـهْ‬
‫شبَابِ‬ ‫في الشّيبِ وَال ّ‬ ‫لنْـيَابِ‬ ‫شتَـبِـكُ ا َ‬ ‫ُم ْ‬
‫لكْـلِ‬ ‫ضَاوٍ زَهِيدُ ا َ‬ ‫ح الشّـكْـلِ‬ ‫حُ ْلوٌ مَلي ُ‬
‫سبْلِ‬ ‫حَ ْوفَ اللّحى وال ّ‬ ‫رَامٍ كَثيرُ الـنّـبْـلِ‬
‫ط ِليَ ُردّ عََل ْيكَ ال ِم ْغزَلَ‪.‬‬‫لوّلِ‪ :‬رُدّ عََليْ ِه ال ُمشْ َ‬ ‫فَقُلْتُ ل َ‬
‫ال َمقَامَةُ الشّيرَازِيّةُ‬
‫ن ال َيمَنِ‪ ،‬وَ َه َممْتُ بِال َوطَنِ‪ ،‬ضَمّ إَِليْنا رَفيقٌ َرحْلَهُ‪،‬‬ ‫ت مِ َ‬ ‫ن هِشامٍ قَالَ‪َ :‬لمّا قَفَلْ ُ‬ ‫ح ّدثَنا عِيسى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫غرّبَ‪َ ،‬و َن ِدمْتُ‬ ‫شرّقْتُ وَ َ‬ ‫صعّدْتُ َوصَوّبَ‪َ ،‬و َ‬ ‫جدٌ‪ ،‬وَالتَ َق َمهُ وَ ْهدٌ‪َ ،‬ف َ‬‫ج َذبَني َن ْ‬‫حتّى َ‬ ‫َفتَرَافَ ْقنَا ثَلثَةَ َأيّامٍ‪َ ،‬‬
‫خذَ ُه الغَ ْورُ َو َبطْنُ ُه فَ َو الِ لَ ْق َد تَ َركَني فِرَاقُهُ وَأَنا‬
‫ح ْزنُهُ‪ ،‬وَأ َ‬ ‫جبَلُ َو َ‬‫عَلَى مُفَا َر َقتِهِ َب ْعدَ َأنْ مََل َكنِي ال َ‬
‫ضرَبَ‬ ‫ت فَا َرقْتُ ُه ذَا شَارَةٍ َوجَمالٍ‪ ،‬وَ َه ْيئَةٍ َوكَمالٍ‪َ ،‬و َ‬ ‫شتَاقُهُ‪ ،‬وَغا َدرَنِي َب ْعدَ ُه َأقَاسِي ُب ْعدَهُ‪َ ،‬و ُكنْ ُ‬ ‫َأ ْ‬
‫س ِعدُني‬ ‫ل َل ْمحَةٍ‪ ،‬وَل َأظُنّ َأنّ الدّ ْهرَ ُي ْ‬ ‫الدّ ْهرُ بِنا ضُروبَهُ‪ ،‬وَأَنا َأ َت َمثّلُهُ في كُلّ َوقْتٍ‪ ،‬وََأ َت َذ ّكرُهُ في كُ ّ‬
‫جهِهِ‬‫غّبرَ في َو ْ‬ ‫ل قَدْ َ‬‫ج َرتِي ِإذْ َدخَلَ َكهْ ٌ‬ ‫حْ‬‫ت شِيرَازَ‪َ ،‬ف َبيْنا أَنا يَوما في ُ‬ ‫حتّى َأ َتيْ ُ‬‫سعِفُني فيهِ‪َ ،‬‬ ‫بِهِ َو ُي ْ‬
‫ال َف ْقرُ‪ ،‬وَا ْنتَ َزفَ ما َءهُ الدّ ْهرُ‪ ،‬وَأَمالَ َقنَاتَهُ السّ ْقمُ‪َ ،‬وقَّلمَ َأظْفَارَهُ ال ُع ْدمُ‪ ،‬بِ َوجْ ٍه َأ ْكسَفَ ِمنْ بالِهِ‪َ ،‬و ِزيّ‬
‫جرَعهَا الضّرّ‬ ‫ن حالِهِ‪ ،‬وَِلثَةٍ َنشِ َفةٍ‪َ ،‬وشَ َفةٍ َقشِفَةِ‪َ ،‬و ِرجْلٍ َوحِلَةٍ‪َ ،‬و َيدٍ َمحِلَةٍ‪ ،‬وََأ ْنيَابٍ َقد َ‬ ‫َأ ْوحَشَ مِ ْ‬
‫سطْتُ‬ ‫خ ْيرَا ِممّا ُيظَنّ بِنا‪َ ،‬فبَ َ‬ ‫جعَلْنا َ‬ ‫ج ْبتُهُ‪ ،‬فَقالَ‪ :‬الّل ُهمّ ا ْ‬
‫عيْني‪ ،‬ل ِكنّي َأ َ‬ ‫وَال َعيْشُ ال ُمرّ‪َ ،‬وسَّلمَ فَا ْزدَ َرتْهُ َ‬

‫‪27‬‬
‫ح ْرمَةٍ‪َ ،‬وشَا َركْ ُت َ‬
‫ك‬ ‫س ْمعِي‪،‬وَقُلْتُ لَهُ‪ :‬إِيهِ‪ ،‬فَقَالَ‪َ :‬قدْ َأ ْرضَ ْع ُتكَ َث ْديَ ُ‬ ‫ت لَ ُه َ‬
‫جهِي‪َ ،‬و َفتَقْ ُ‬ ‫سرّةَ َو ْ‬‫لَ ُه َأ ِ‬
‫عشِيريّ فَقَالَ‬ ‫ت َأمْ َ‬‫ح َمةٌ‪ ،‬فَقُلْتُ‪َ :‬أبََل ِديّ َأنْ َ‬
‫ح ْرمَةٌ‪ ،‬وَال َم َودّةُ ُل ْ‬ ‫ع ْندَ ال ِكرَامِ ُ‬
‫صمَةٍ‪ ،‬وَال َم ْعرِفَةُ ِ‬
‫ع ْ‬ ‫عنَانَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ش ّدنَا في قَرَنٍ? قَالَ‪:‬‬ ‫ج َمعُنا ِإلّ بََل ُد ال ُغرْبَةِ وَل َي ْنظِمُنا إِل َرحِمُ ال ُقرْبَ ِة فَقُلْتُ‪َ :‬أيّ الطّريقِ َ‬ ‫مَا َي ْ‬
‫طَريقُ ال َيمَنِ‪.‬‬
‫شدّ مَا ُهزِلْتَ‬ ‫س َك ْندَ ِريّ? فَقَالَ‪ :‬أَنا ذَاكَ‪ ،‬فَقُلْتُ‪َ :‬‬ ‫لْ‬ ‫ن ِهشَامٍ‪ :‬فَقُلْتُ‪َ :‬أنْتَ َأبُو ال َف ْتحِ ا ِ‬ ‫قَالَ عِيسَى بْ ُ‬
‫ضرَاءَ‬ ‫خ ْ‬ ‫ختِلَِلكَ‪ ،‬فَقالَ‪َ :‬ن َكحْتُ َ‬ ‫سبَبَ ا ْ‬ ‫جمْلَ َة حاِلكَ‪َ ،‬و َ‬ ‫ض إِلىّ ُ‬ ‫عهْدي! فانْفُ ْ‬ ‫عنْ َ‬ ‫َب ْعدِي! َوحُلْتَ َ‬
‫ش ْيبَتي‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬هَلّ‬ ‫ت مَاءَ َ‬ ‫حرِيبَتي‪ ،‬وََأرَاقَ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫حنَةٍ‪َ ،‬قدْ َأكَلَ ْ‬‫ت مِنهَا بِا ْبنَةٍ‪َ ،‬فَأنَا مِنهَا في ِم ْ‬ ‫ِد ْمنَةٍ‪َ ،‬وشَقِي ُ‬
‫س َترَحْتَ‪.‬‬ ‫سَ ّرحْتَ وَا ْ‬
‫ض فِيهِ‪.‬‬
‫ن ِذ ْكرِهِ وَالخَوْ َ‬ ‫جهُ الَدب فَتعفّ ْفنَا عَ ْ‬ ‫ُثمّ َذكَر كَلَما َي ْندَى لَهُ َو ْ‬
‫حلْوَانِيّة‬
‫الْ َمقَامَ ُة ال ُ‬
‫ن ِهشَامِ قَالَ‪:‬‬ ‫ح ّدثَنا عِيسَى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫ش ْعرِي طَوِيلً‪َ ،‬و َقدْ ا ّتسَخَ‬ ‫جدُ َ‬ ‫ن قَفَلَ‪َ ،‬و َنزَلْتُ مَ َع مَنْ نَزلَ‪ ،‬قُلْتُ ِلغُلمي‪َ :‬أ ِ‬ ‫ج فِيمَ ْ‬ ‫ن الحَ ّ‬ ‫ت مِ َ‬ ‫َلمّا قَفَلْ ُ‬
‫حمّامُ وَاسِعَ الرّ ْقعَةِ‪َ ،‬نظِيفَ‬ ‫ستَ ْعمِلهُ‪ ،‬وَِل َيكُنْ ال َ‬ ‫حجّامَا َن ْ‬ ‫حمّامَا َن ْدخُلهُ‪َ ،‬و َ‬ ‫خ َترْ َلنَا َ‬ ‫َب َدنِي قَليلً‪ ،‬فَا ْ‬
‫حدِيدَ المُوسَى‪ ،‬نَظيفَ الثّيابِ‪،‬‬ ‫حجّامُ خَفِيفَ ال َيدِ‪َ ،‬‬ ‫ب الهَوَاءِ‪ُ ،‬م ْع َتدِلَ المَاءِ‪ ،‬وَ ْل ِي ُكنْ ال َ‬ ‫البُ ْق َعةِ‪ ،‬طَيّ َ‬
‫سمْتَ‪،‬‬ ‫حمّامَ ال ّ‬‫سمْتَ‪َ ،‬فَأخَ ْذنَا إِلَى ال َ‬ ‫خ َت ْرتُ ُه َكمَا رَ َ‬ ‫طيّا‪ ،‬وَقالَ‪ :‬قَدْ ا ْ‬ ‫ج مَِليّا َوعَادَ َب ِ‬ ‫قَليلَ ال ُفضُولِ‪َ ،‬فخَرَ َ‬
‫ن فَلطّخَ بِها‬ ‫طعَ ِة طِي ٍ‬ ‫ع َمدَ إِلى قِ ْ‬ ‫وََأ َتيْنا ُه فَلَمْ َنرَ قَوّا َمهُ‪َ ،‬ل ِكنّي َدخَلْتُ ُه َو َدخَلَ عَلى َأ َثرِي َرجُلٌ وَ َ‬
‫ل َيدْلِ ُكنِي دَ ْلكَا َي ُكدّ العِظامَ‪َ ،‬و َي ْغ ِم ُزنِي‬ ‫خرُ َفجَعَ َ‬ ‫خرَجَ َو َدخَل آ َ‬ ‫جبِينِي‪َ ،‬و َوضَعَها على رَأسِي‪ُ ،‬ثمّ َ‬ ‫َ‬
‫ع َم َد إِلى رََأسِي َي ْغسِلْهُ‪ ،‬وَإِلَى المَاءِ‬ ‫غ ْمزَا َي ُهدّ الَوْصالَ َو ُيصَ ّفرُ صَفِيرا َيرُشُ ال ُبزَاقَ‪ُ ،‬ثمّ َ‬ ‫َ‬
‫خ َدعَ الثّانِي ِبمَضُمومَ ٍة َقعْ َقعَتْ َأنْيابَهُ‪َ ،‬وقَالَ‪ :‬يَا ُلكَعُ مَا َلكَ‬ ‫حيّا َأ ْ‬ ‫لوّلُ َف َ‬ ‫ن َدخَلَ ا َ‬ ‫ث أَ ْ‬‫ُي ْرسِلهُ‪َ ،‬ومَا َلبِ َ‬
‫ل َهذَا‬ ‫حجَابَهُ‪ ،‬وَقالَ‪ :‬بَ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫عةٍ َه َتكَ ْ‬ ‫جمُو َ‬ ‫ل ِب َم ْ‬‫ف الثّاني عَلى الَوّ ِ‬ ‫عطَ َ‬ ‫وَِلهَذا الرّأْسِ وَ ُهوَ لي? ُثمّ َ‬
‫حمّامِ‪،‬‬ ‫ع ِييَا‪َ ،‬و َتحَا َكمَا لِما بَقِيا‪َ ،‬فأَتَيا صَاحِبَ ال َ‬ ‫حتّى َ‬ ‫الرّأْسُ حَقّي َومِ ْلكِي َوفِي َيدِي‪ُ ،‬ثمّ تَل َكمَا ّ‬
‫طيَنهُ‪َ ،‬وقَالَ الثّاني‪ :‬بَلْ‬ ‫جبِينَهُ‪َ ،‬و َوضَعْتُ عََليْ ِه ِ‬ ‫طخْتُ َ‬ ‫لنّي َل ّ‬ ‫لوّلُ‪َ :‬أنَا صَاحِبُ هَذا الرّأْسِ؛ َ‬ ‫فَقَالَ ا َ‬
‫حمّا ِميّ‪ :‬ا ْئتُونِي بِصَاحِبِ الرّأْسِ‬ ‫غ َمزْتُ مَفَاصِلَهُ‪ ،‬فَقَالَ ال َ‬ ‫َأنَا مَاِلكُهُ؛ لَنشي دََلكْتُ حَامِلَهُ‪ ،‬وَ َ‬
‫شئْتُ َأمْ‬ ‫شمْ‪ ،‬فَ ُقمْتُ وََأ َتيْتُ‪ِ ،‬‬ ‫شهَادَ ٌة َف َتجَ ّ‬‫ع ْن َدكَ َ‬ ‫ك هذَا الرّأْسُ َأمْ َلهُ‪َ ،‬فأَ َتيَانِي َوقَال‪َ :‬لنَا ِ‬ ‫سأَلهُ‪ ،‬أََل َ‬‫َأ ْ‬
‫حقّ‪َ ،‬وقُلْ لِي‪ :‬هذَا الرّأْسُ‬ ‫شهَدْ ِب َغ ْيرِ ال َ‬ ‫صدْقِ‪ ،‬وَل َت ْ‬ ‫غ ْيرَ ال ّ‬ ‫ل تَقُل َ‬ ‫حمّامِي‪ :‬يَا َرجُلُ َ‬ ‫َأ َبيْتُ‪ ،‬فَقَالَ ال َ‬
‫طرِيقِ‪َ ،‬وطَافَ َمعِي بِا ْل َبيْتِ ال َعتِيقِ‪،‬‬ ‫ح َبنِي فِي ال ّ‬ ‫صِ‬ ‫ل ّي ِهمَا‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬يَا عَافَاكَ الُ هذَا رأْسِي‪َ ،‬قدْ َ‬
‫ص َميَنِ فَقَالَ‪ :‬يَا َهذَا إِلَى َكمْ‬ ‫خ ْ‬ ‫حدِ ال َ‬ ‫سكُتْ يِا ُفضُوِليّ‪ُ ،‬ث ّم مالَ إِلى َأ َ‬ ‫ت َأنّهُ لِي‪ ،‬فَقالَ لِي‪ :‬ا ْ‬ ‫َومَا شَككْ ُ‬
‫ب أَنّ‬ ‫حرّ سَ َقرِهِ‪ ،‬وَهَ ْ‬ ‫طرِهِ‪ ،‬إِلى َل ْعنَ ِة الِ َو َ‬ ‫خَ‬ ‫عنْ قَلِيلِ َ‬ ‫َهذِ ِه المُنافَسَ ُة مَعَ النّاسِ‪ ،‬بِهذَا الرّأْسِ? َتسَلّ َ‬
‫هَذا الرّأْسَ َليْسَ‪ ،‬وََأنَا َلمْ َنرَ هذَا ال ّتيْسَ‪.‬‬
‫حمّامِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫خجِلً‪ ،‬وََل ِبسْتُ الثّيابَ َوجِلً‪ ،‬وَا ْنسَلَلْتُ مِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ذَِلكَ ال َمكَا ِ‬ ‫ن ِهشَامٍ‪ :‬فَ ُقمْتَ مِ ْ‬ ‫قَالَ عِيسَى بْ ُ‬
‫حجّامٍ‬ ‫خرَ‪ :‬اذْهَبْ َف ْأتِني ِب َ‬ ‫لمَ بِالعَضّ وَالمصّ‪َ ،‬ودَقَ ْقُتهُ َدقّ الجِصّ‪َ ،‬وقُلْتْ ل َ‬ ‫س َببْتُ الغُ َ‬‫عجِلً‪َ ،‬و َ‬ ‫َ‬
‫ح الحِ ْليَةِ‪ ،‬في صُورَ ِة ال ّدمْيَةِ‪ ،‬فا ْرتَحْتُ‬ ‫عنّي هَذا الثّ َقلَ‪َ ،‬فجَاءَني ِب َرجُلِ َلطِيفِ ال ِب ْنيَةِ‪ ،‬مَلِي ِ‬ ‫َيحُطّ َ‬
‫ن َأرْضِ‬ ‫حيّاكَ الُ! مِ ْ‬ ‫ن قُمّ‪ ،‬فَقَالَ‪َ :‬‬ ‫ن َأيّ بََلدٍ َأنْتَ? فَقُلْتُ‪ :‬مِ ْ‬ ‫لمُ عل ْيكَ‪َ ،‬ومِ ْ‬ ‫إَِل ْيهِ‪َ ،‬و َدخَلَ فَقَالَ‪ :‬السّ َ‬
‫شعِلَتْ فِيهِ‬ ‫شهْ ِر رَمضانَ جَا ِمعَها َو َقدْ ُأ ْ‬ ‫ضرْتُ فِي َ‬ ‫ح َ‬ ‫جمَاعَةِ‪ ،‬وَلَ َقدْ َ‬ ‫سنّةِ وَال َ‬‫ال ّن ْعمَةِ وَال ّرفَاهَةِ َوبََلدِ ال ّ‬
‫صنَعَ‬ ‫ن َ‬ ‫شعَرْنا ِإلّ ِب َمدّ النّيلِ‪َ ،‬وقَدْ َأتَى عَلَى تِ ْلكَ ال َقنَادِيلِ‪ ،‬لكِ ْ‬ ‫ال َمصَابِيحُ‪ ،‬وَُأ ِقيَمتِ ال ّترَاويحُ‪َ ،‬فمَا َ‬
‫حصُلْ طِرَازُ ُه على ُكمّهِ‪ ،‬وَعَادَ الصّبيّ إِلِى ُأمّهِ‪َ ،‬بعْ َد أَنْ‬ ‫ستُ ُه رطْبا فََلمْ َي ْ‬ ‫خفّ َقدْ ُكنْتُ َل ِب ْ‬ ‫الُ لِي ِب ُ‬
‫سكَ ُه كَما َوجَبَ‪َ ،‬وصَاحُوا‬ ‫ت م َناَ ِ‬ ‫جكَ? َهلْ َقضَيْ َ‬ ‫حّ‬ ‫ن كَيفَ كَانَ َ‬ ‫ع َتدَلَ الظّلّ‪ ،‬وََلكِ ْ‬ ‫صَّليْتُ ال َع َتمَةَ وا ْ‬
‫جدْتُ ال َهرِيسَةَ عَلى‬ ‫حرْبَ عَلى النّظّارَةِ‪ ،‬وَو َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ت إِلى ال َمنَارَةِ‪َ ،‬ومَا أَ ْهوَ َ‬ ‫ال َعجَبَ ال َعجَبَ? َف َنظَرْ ُ‬
‫سبْتُ‬ ‫غدُ‪ ،‬وَال ّ‬ ‫ضجَرُ? وَاليَ ْومُ وَ َ‬ ‫ل ْمرَ بِ َقضَا ٍء ِمنَ الِ َوقَدرٍ‪ ،‬وَإِلَى َمتَى َهذَا ال ّ‬ ‫حاِلهَا‪َ ،‬وعَِلمْتُ َأنّ ا َ‬
‫حدِيدُ‬
‫حوِ َ‬ ‫ن ال ُم َب ّردَ فِي ال ّن ْ‬ ‫ح َببْتُ َأنْ َتعَْلمَ أَ ّ‬ ‫ن َأ ْ‬ ‫حدُ‪ ،‬وَل َأطِيلُ َومَا هَذا القَالَ وَالقِيلَ? وََلكِ ْ‬ ‫لَ‬ ‫وَا َ‬
‫ت رََأسَكَ‪َ ،‬فهَلْ‬ ‫ل َل ُكنْتُ َقدْ حَلَقْ ُ‬ ‫ستِطاعَ ُة َقبْلَ ال ِفعْ ِ‬ ‫ل العَامّةِ؛ فَلَ ْو كَانَتْ ال ْ‬ ‫ش َتغِلْ بِقَوْ ِ‬ ‫المُوسَى فَلَ َت ْ‬
‫َترَى َأنْ َن ْب َت ِدئَ?‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫ن يَطُولَ َمجِْلسَهُ‪ ،‬فَقُلْتُ‪:‬‬ ‫ت أَ ْ‬‫خشِي ُ‬
‫ن َبيَانِهِ‪ ،‬فِي َه َذيَانِهِ‪َ ،‬و َ‬‫حيّرا مِ ْ‬
‫قَالَ عِيسَى ْبنُ ِهشَامٍ‪َ :‬فبَ َقيْتُ ُم َت َ‬
‫س َك ْندَ ِريّ ِة َلمْ يُوَافْ ُقهُ‬‫لْ‬ ‫ضرَ‪ ،‬فَقَالوا‪ :‬هَذا َرجُلٌ ِمنْ بِلدِ ا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ع ْنهُ َمنْ َ‬
‫سأَلْتُ َ‬ ‫غدٍ ِإنْ شَا َء الُ‪َ ،‬و َ‬‫إِلى َ‬
‫ل النّهارِ َي ْهذِي َكمَا َترَى‪ ،‬وَ َورَا َءهُ َفضْلٌ َكثِيرٌ‪ ،‬فَقُلْتُ‪:‬‬ ‫هَذا المَاءُ‪َ ،‬فغََلبَتْ عَ ْليِ ِه السّ ْودَاءُ‪ ،‬وَهُو طُو َ‬
‫جنُو ُنهُ‪ ،‬وََأنْشأْتُ َأقُولُ‪:‬‬
‫عزّ عََليّ ُ‬ ‫س ِمعْتُ بِهِ‪ ،‬وَ َ‬‫َقدْ َ‬
‫ع ْقدَا‬
‫مُحكَما في ال ّن ْذرِ َ‬ ‫عطِي الَ عَـهْـدا‬ ‫َأنَا أُ ْ‬
‫تُ وَلَ ْو ل َقيْتُ جَـهْـدَا‬ ‫ت الرّأْسَ مَا عِشْ‬ ‫ل حَلَقْ ُ‬
‫ال َمقَامَ ُة النّهيديّةُ‬
‫ن هِشامٍ قَالَ‪:‬‬ ‫ح ّدثَنا عِيسَى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫حزُقَةٌ‪،‬‬ ‫خرَجَ إَِل ْينَا َرجُلٌ ُ‬ ‫ن أَهْلِها‪َ ،‬ف َ‬ ‫س القِرى مِ ْ‬ ‫خ ْيمَةٍ أَ ْل َتمِ ُ‬ ‫ت مَعَ نَ َفرٍ ِمنْ َأصْحابي إِلى ِفنَا ِء َ‬ ‫مِلْ ُ‬
‫حنَحَ‪ُ ،‬ث ّم قَالَ‪َ :‬فمَا رَ ْأيُ ُكمْ‬ ‫عدُوفا‪ ،‬قَالَ‪َ :‬ف َت َن ْ‬ ‫فَقَالَ‪َ :‬منْ َأ ْن ُتمْ? فَقُ ْلنَا‪َ :‬أضْيافٌ لمْ َيذُوقُوا ُمنْ ُذ ثَلثٍ َ‬
‫خ ْي َبرَ مِنْ َأكْتارِ‬ ‫لصْلَعِ‪ ،‬في جَ ْف َنةٍ رَوْحاءَ‪ُ ،‬مكَلّلَ ٍة ِب َعجْوَ ِة َ‬ ‫يَا ِف ْتيَانُ فِي َنهِيدَ ِة فِ ْرقٍ كَهامَةِ ا َ‬
‫خمْسِ‪َ ،‬يغِيبُ فِيهَا‬ ‫عطْشِ ِ‬ ‫خمْصٍ ُ‬ ‫ن جَماعَ ٍة ُ‬ ‫حدَةُ ِم ْنهَا َتمْلُ ال َفمَ‪ ،‬مِ ْ‬ ‫جبّارٍ َربُوضٍ الوَا ِ‬ ‫َ‬
‫حتُلِبنَ ِمنَ الجِلدِ‬ ‫ن فِيهَا ال ّنهِيدَ َة مَعْ َأ ْقعُبٍ َقدِ ا ْ‬ ‫جحَفُو َ‬ ‫طيْرِ َي ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫الضّرْسُ‪َ ،‬كأَنّ َنوَاهَا أَ ْلسُ ُ‬
‫ع ّم ُكمْ‬ ‫شيْخُ وَقالَ‪َ :‬و َ‬ ‫شتَهُو َنهَا يا ِفتْيَانُ? فَقُ ْلنَا‪ :‬إِي وَالِ ْنَشَتهيهَا‪ ،‬فَ َقهْقَ َه ال ّ‬ ‫ال َه ْز ِميّةِ ال ّربِْليّ ِة َأ َت ْ‬
‫جرْثمُ عَلى سُ ْفرَةٍ‬ ‫سبَا ِئكِ ُت َ‬ ‫ن فِي َدرْ َمكٍ َكَأ ّنهَا ِقطَعُ ال ّ‬ ‫ش َتهِيهَا‪ُ ،‬ثمّ قَالَ‪ :‬فَما رَ ْأ ُي ُكمْ يا ِف ْتيَا ُ‬ ‫َأ ْيضَا َي ْ‬
‫غ ْيرِ أَن َي ْرجُفَهُ‬ ‫ح ال َق َرظِ َف َيثِبُ إَِل ْيهَا ِم ْن ُكمْ فتى َرفِيفٌ‪َ ،‬ل ِبقٌ خَفِيفٌ‪َ ،‬ف َي َعجُنُ ُه مِنْ َ‬ ‫ح ْر ِتيّةٍ بِها رِي ُ‬ ‫َ‬
‫غزِيرا‪ُ ،‬ثمّ َي ْع َمدُ إَِليْ ِه فَيَلْويهِ‬ ‫سمَارِ ُأوْ ال َم ْذقِ َلتّا َ‬ ‫عمٍ‪ُ ،‬ثمّ يَُلتّهُ بِال ّ‬ ‫ك نِا ِ‬ ‫خشِفَهُ‪َ ،‬ف ُي ِزيُلهُ دُونَ مَ ْل ٍ‬ ‫َأوْ َي ْ‬
‫شعَلَ فِيهِ‬ ‫صدِ الغَضَا َفَأ ْ‬ ‫ع َمدَ إِلى َق َ‬ ‫ن َي ْتزُرَ َ‬ ‫غ ْيرِ أَ ْ‬‫خ مِنْ َ‬ ‫حتّى ِإذَا تَ ّ‬ ‫ص ْيدَاءِ‪َ ،‬‬ ‫حيَةِ ال ّ‬ ‫عهُ في نَا ِ‬ ‫َو َيدَ ُ‬
‫طحَهُ َب ْعدَ مَا َأ ْن َعمَ تَلْو ِيثَهُ‪ُ ،‬ثمّ‬ ‫عجِينِهَ فَ َف ْر َ‬ ‫ع َمدَ إِلى َ‬ ‫ت نَارُهُ‪َ ،‬م ّهدَ ِل ُق ْرمُوصِهِ‪ُ ،‬ثمّ َ‬ ‫النّا َر فَلَمّا خبَ ْ‬
‫ن ال ّرضْفِ ما يَ ْلتَقِي بِ ِه الَوَارَانِ‪،‬‬ ‫ب أَحالَ عَلَيهِ مِ َ‬ ‫خمّرَ ُه فََلمّضا َقفّ َوقّ ّ‬ ‫َدحَا بِهِ عََل ْيهَا‪ُ ،‬ث ّم َ‬
‫ج شِقَاقَا‪َ ،‬وحَكى ِقشْرُها ُرقَاقا‪،‬‬ ‫غطّا ُهمَا عَلى المَلّ ِة المُشا ِكهَ ِة ِبطَ َبقٍ َوتَفَلّ َ‬ ‫حتّضى ِإذَا َ‬ ‫َ‬
‫ن طَابٍ شُنّ عََل ْيهَا‬ ‫ع ِذقِ بْ ُ‬ ‫ن أَوْ َ‬ ‫جرْذَا ِ‬ ‫شهُورِ ِبُأمّ ال ِ‬ ‫سرِ الحِجازِ ال َم ْ‬ ‫حمِرارَ ُب ْ‬ ‫حمِرَارُهَا ا ْ‬ ‫وَا ْ‬
‫ب الدّ ْر َمكِ ما عََليْهِ‬ ‫شرَبُ لُ ّ‬ ‫ل الدّهانِ‪َ ،‬و َي ْ‬ ‫ن رُسُوخِها فِي خِل ِ‬ ‫ج إِلَى َأوَا ِ‬ ‫ب َبيْضاءُ كَالثّلْ ِ‬ ‫ضَرْ ٌ‬
‫شرَأَبّ‬ ‫ت إَِل ْيكُمْ َفتَلْ َقمُونَها َل ْقمَ جُ َو ْينٍ َأوْ َز ْنكَلٍ َأ َف َتشْ َتهُو َنهَا يَا فِ ْتيَانُ? قَالَ‪ :‬فَا ْ‬ ‫ن الضّرْبِ‪ ،‬قُ ّدمَ ْ‬ ‫مِ َ‬
‫شيْخُ‬ ‫شتَهيها‪ ،‬قَالَ‪ :‬فَ َقهْ َقهَ ال ّ‬ ‫طقَ‪ ،‬قُ ْلنَا‪ :‬إِي وَالِ َن ْ‬ ‫ب رِيقُهُ َوتََل ّمظَ‪َ ،‬و َتمَ ّ‬ ‫ل ِمنّا إِلى َوصْفِهِ‪َ ،‬و َتحَلّ َ‬ ‫كُ ّ‬
‫ج ِديٍة‪ ،‬عُلْ ِويّةٍ َب ّريّةٍ‪َ ،‬قدْ‬ ‫عنَاقٍ َن ْ‬ ‫ن في َ‬ ‫ل ل ُي ْب ِغضُهَا ُثمّ قَالَ‪ :‬ما رَ ْأ ُيكُ ْم يا ِفتْيِا ُ‬ ‫ع ّم ُكمْ وا ِ‬ ‫َوقَالَ‪ :‬وَ َ‬
‫حمِيمَ‪َ ،‬وتَملتْ ِمنَ ال َقصِيصِ‬ ‫ج ِديّ وَال َق ْيصُومَ وَال َهشِيمِ‪َ ،‬و َت َبرّضَتِ ال َ‬ ‫ت ال َبرَمَ وَالشّيحَ ال ّن ْ‬ ‫َأكَلَ ِ‬
‫غ ْيرِ‬ ‫حتّى َت ْنضَجَ ِمنْ َ‬ ‫حطُ ُم ْع َتبَطَ ٍة ُثمّ ُت ْنكَسُ في َوطِيسٍ َ‬ ‫شَ‬‫ش َيتُهَا ُت ْ‬ ‫فَوَرى ُمخّها‪َ ،‬وزَ ِهمَتْ ُك ْ‬
‫ن ُم َنضّدٍ‬ ‫حمَةٍ َبيْضاءَ عَلَى خِوا ٍ‬ ‫شْ‬ ‫ن َ‬ ‫عطّ إِهَا ُبهَا عَ ْ‬ ‫ا ْم ِتحَاشٍ أَ ْو ِإ ْنهَاءٍ‪ُ ،‬ثمّ ُت َقدّ َم إَِل ْيكُمْ َو َقدْ ُ‬
‫صنَابٌ‬ ‫حتَ ّفتْها نُ ْقرَاتٌ فِيها ِ‬ ‫طيّ ال ُم َنشّرُ‪ ،‬أَ ِو القُو ِهيّ ال ُم َمصّرُ‪َ ،‬و ًقدْ ا ْ‬ ‫لئَق َكَأ ّنهَا ال َقبَا ِ‬ ‫ِبصَ ِ‬
‫ش َتهُو َنهَا يا ِف ْتيَانُ? قُلْنا‪ :‬إِي‬ ‫عرَقا‪َ ،‬وتَسايَلُ َمرَقا‪َ ،‬أفَ َت ْ‬ ‫شتّى‪َ ،‬فتُوضَعُ َب ْي َن ُكمْ َتهَادَرُ َ‬ ‫وََأصْباغٌ َ‬
‫سيْفِ‪َ ،‬وقَالَ‪ :‬مَا َيكْفِي مَا‬ ‫ضنَا إَِليْ ِه بِال ّ‬ ‫ب َبعْ ُ‬ ‫ل َيرْقُصُ َلهَا‪ ،‬فَ َوثَ َ‬ ‫ع ّم ُكمْ وا ِ‬ ‫ش َتهِيها‪ ،‬قَالَ‪َ :‬و َ‬ ‫وَالِ َن ْ‬
‫ت َمثْوَانَا‪،‬‬ ‫حثَالَةٌ وَلَ ِويّةٌ وََأ ْكرَمَ ْ‬ ‫طبَق عََليْ ِه جِلْ َفةٌ َو ُ‬ ‫سخَرَ ِبنَا? َفأَتتْنا ا ْب َنتُهُ ِب َ‬ ‫حتّى َت ْ‬ ‫ِبنَا ِمنَ ال ّدقَعِ َ‬
‫صرَ ْفنَا َلهَا حَا ِمدِينَ‪ ،‬وََلهُ ذَامّينَ‪.‬‬ ‫فَانْ َ‬
‫ال َمقَامَ ُة الِ ْبلِيسِيّةُ‬
‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪:‬‬‫ح ّد َثنْا عِيسَى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫شجَارٌ بَاسِ َقةٌ‪،‬‬
‫ص ّردَةٌ‪ ،‬وََأ ْ‬
‫خضِر‪َ ،‬فِإذَا َأ ْنهَا ٌر مُ َ‬ ‫ت بِوادٍ َ‬ ‫خ َرجْتُ فِي طََلبِهَا‪ ،‬فَحَلَلْ ُ‬ ‫ل لِي‪َ ،‬ف َ‬‫َأضْلَلْتُ ِإبِ ً‬
‫عنِي ِم ْنهُ مَا َيرُوعُ ال َوحِيدَ‬ ‫شيْخٌ جَالِسٌ‪ ،‬فَرَا َ‬ ‫وََأ ْثمَارٌ يَا ِنعَةٌ‪ ،‬وََأزْهَارٌ ُمنَ ّورَةٌ‪ ،‬وََأ ْنمَاطٌ َم ْبسُوطَةٌ‪ ،‬وَِإذَا َ‬
‫ن حَالِي‬ ‫سأََلنِي عَ ْ‬
‫ن ِمثْلِهِ‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬لَ َبأْسَ عََل ْيكَ‪َ ،‬فسَّلمْتُ عََليْهِ‪ ،‬وََأ َم َرنِي بالجُلُوسِ فَا ْم َتثَلْتُ‪َ ،‬و َ‬ ‫مِ ْ‬
‫شيْئا? قُلْتُ‪:‬‬ ‫شعَارِ ال َعرَبِ َ‬ ‫ن َأ ْ‬ ‫ل تَرْوِي مِ ْ‬ ‫ت ضَاّل ِتكَ‪ ،‬فَهَ ْ‬ ‫جدْ َ‬ ‫صبْتَ دَاّل َتكَ وَ َو َ‬
‫ل لِي‪َ :‬أ َ‬‫خ َبرْتُ‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫َفأَ ْ‬

‫‪29‬‬
‫ك مشِنْ‬ ‫شدُ َ‬
‫ن ذِلكَ‪ ،‬وَقالَ‪ُ :‬أ ْن ِ‬ ‫ش ْيئٍ مِ ْ‬ ‫طرَبُ ِل َ‬ ‫ل ْم ِرئِ ال َقيْسِ‪َ ،‬وعَبيدٍ وََلبِيدٍ َوطَ َرفَةَ فََلمْ َي ْ‬ ‫شدْتُ ِ‬ ‫َن َعمْ‪َ ،‬فَأنْ َ‬
‫شدَ‪:‬‬ ‫شعْري? فَقُلتُ َلهُ‪ :‬إِيهِ‪َ ،‬فَأنْ َ‬ ‫ِ‬
‫حبَالِ ال َوصْلِ َأ ْقرَانا‬ ‫طعُوا مِنْ ِ‬ ‫ت ما بَانَا َوقَ ّ‬ ‫ن الخَلِيطُ وََلوْ طَوّعْ َ‬ ‫بَا َ‬
‫ع َرفَها‬ ‫ص ْبيَانُ‪ ،‬وَ َ‬ ‫ظ ْتهَا ال ّ‬ ‫جرِيرٍ َقدْ حَ ِف َ‬ ‫خ َهذِ ِه ال َقصِيدَ ُة ِل َ‬ ‫شيْ ُ‬‫حتّى َأتَى عَلىَ ال َقصِيدَ ِة كُلّها‪ ،‬فَقُلُتُ‪ :‬يَا َ‬ ‫َ‬
‫ن ُكنْتَ َترْوِي لَبي ُنوَاسٍ‬ ‫ن هذَا‪ ،‬وَإِ ْ‬ ‫ل ْن ِديَة‪ ،‬فقالَ‪ :‬دَعْني مِ ْ‬ ‫خبِيةَ‪ .‬وَ َو َردِتْ ا َ‬ ‫لْ‬ ‫تاَ‬ ‫ال ّنسْوانُ‪ ،‬وَوَلَج ِ‬
‫شدْتُهُ‪:‬‬‫ش ْدنِيهِ‪ ،‬فََأ ْن َ‬‫شعْرا َفَأنْ ِ‬ ‫ِ‬
‫صبُو إِلَى الحَادِينَ‬ ‫سوََلسْتُ َأ ْ‬ ‫غ ْيرَ َم ْأنُو ِ‬‫ل َأ ْندُبُ الدّ ْهرَ َربْعا َ‬
‫بِالْـعِـيسِ‬
‫غ ْيرُ‬
‫حبِيبِ عََل ْيهَا َ‬ ‫ل ال َ‬ ‫َوصْـ ُ‬
‫جرِ َم ْنزِلَةٌ‬ ‫حقّ َم ْنزِلَ ٍة بِالهَ ْ‬ ‫َأ َ‬
‫مَ ْلبُوسِ‬
‫خوَا ِننَـا‬ ‫ط َيبَهَاوَا ْلكُوسُ َت ْعمَلُ فِي ِإ ْ‬ ‫ن َأ ْ‬‫غ َبرَتْ مَا كَا َ‬ ‫يَا َليَْلةً َ‬
‫الـشّـوسِ‬
‫سبِيحِ َوتَقدِيسِ‬ ‫ُمزَ ّنرٍ ح ْلفَ َت ْ‬ ‫سحْرِ مُقَْلُتهُ‬ ‫ت بِا ْل ّ‬ ‫َوشَادِنٍ َنطَقَ ْ‬
‫شيْخِ‬‫سكِ ال ّ‬ ‫ص ْهبَا َء صَا ِفيَ ًةَفِي زيّ قَاضٍ َو ُن ْ‬ ‫عتُ ُه الرّيقَ وِال ّ‬ ‫نَازَ ْ‬
‫ِإبْلِـيسِ‬
‫عتَ ُه ِإيّاي بِالكُوسِ‬ ‫ت صَرْ َ‬ ‫َوخِفْ ُ‬ ‫س قَدْ َثمِلوُا‬ ‫َلمّا َثمِ ْلنَا وَكلّ النَا ِ‬
‫ت مُقْلتَا ُه النّ ْومَ مِن‬ ‫شعَرَ ْ‬ ‫سهُفَاسْ َت ْ‬ ‫ل ْن ِع َ‬
‫ت ُمسْ َت ْنعِسا نوْما ُ‬ ‫غطَطْ ُ‬ ‫َ‬
‫كِيسِي‬
‫عرْشِ‬ ‫ش ّعثِهِ ِمنْ َ‬ ‫عَلـى ت َ‬
‫ق بِي‬ ‫سرِيرٍ كَانَ َأ ْرفَ َ‬ ‫وَا ْم َتدّ فَ ْوقَ َ‬
‫بَلْقِيسِ‬
‫ح َأصْوَاتُ‬ ‫صبْ ِ‬ ‫صبَاحِ َو َق ْددَلّتْ عَلى ال ّ‬ ‫جعَ ُه َقبْلَ ال ّ‬ ‫ضَ‬ ‫ت مَ ْ‬ ‫َوزُرْ ُ‬
‫النّوَاقِيسِ‬
‫شمِيسِ‬ ‫ن َت ْ‬ ‫ل ُبدّ ِل َد ْي ِركَ مِ ْ‬ ‫س زَارَ‪َ ،‬و َ‬ ‫ن ذَا? فَقُلْتُ‪ :‬القَ ّ‬ ‫فَقَالَ‪ :‬مَ ْ‬
‫قِسْـيسِ‬
‫ت مِنْ َرجُلٍفَقُ ْلتُ‪ :‬كَلّ َفِإنّي َلسْتُ‬ ‫س َل َعمْرِي َأنْ َ‬ ‫فَقَالَ‪ِ :‬بئْ َ‬
‫بِـإِبْـلـيسِ‬
‫جرِيرٍ‬ ‫ش ْعرَ َ‬ ‫خ لَ َأدْري َأبِا ْنتِحَاِلكَ‪ِ ،‬‬ ‫شيْ ٍ‬ ‫حكَ الُ ِمنْ َ‬ ‫عقَ‪ ،‬فَقُلْتُ‪َ :‬ق ّب َ‬ ‫ش َهقَ َوزَ َ‬ ‫شيْخُ َو َ‬ ‫قَالَ‪ :‬فَطَربَ ال ّ‬
‫ن هَذاَ وَامْضِ‬ ‫عنِي مِ ْ‬ ‫عيّارٌ??‪ .‬فَقَالَ‪ :‬دَ ْ‬ ‫سقٌ َ‬ ‫شعْرِ أَبي نُوَاسٍ وَهْ َو فُ َو ْي ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫سخَفُ َأ ْم ِبطَ َر ِبكَ مِ ْ‬ ‫ت َأ ْ‬ ‫َأنْ َ‬
‫ل ال ُقدُورِ‪،‬‬ ‫صغِيرٌ َيدُورُ فِي الدّورِ‪ ،‬حَوْ َ‬ ‫ت فِي طَرِي ِقكَ َرجُلً َمعَ ُه نِحيٌ َ‬ ‫ج ِهكَ‪َ ،‬فِإذَا لَقِي َ‬ ‫عَلى َو ْ‬
‫طفِ‬ ‫خَ‬ ‫ض البُحورِ‪ُ ،‬م ْ‬ ‫صرُورٍ‪ ،‬فِي َبعْ ِ‬ ‫ت مَ ْ‬ ‫ل لَهُ‪ :‬دُّلنِي عَلَى حُو ٍ‬ ‫ح َيتِهِ‪ ،‬فَقُ ْ‬‫ُيزْهِى ِبحِ ْل َيتِهِ‪َ ،‬و ُيبَاهِي بِِل ْ‬
‫سمُ ُه َلهَبٌ‪،‬‬ ‫حجَرٌ‪ ،‬وَُأمّهُ َذ َكرٌ‪َ ،‬ورَ ْأسُهُ ذَهَبٌ‪ ،‬وَا ْ‬ ‫غ كال ّز ْنبُورِ‪َ ،‬و َي ْع َتمّ بِالنّورِ‪َ ،‬أبُو ُه َ‬ ‫الخُصورِ‪ ،‬يَ ْلدَ ُ‬
‫شرّيبٌ ل َينْقَعُ‪َ ،‬أكُولٌ‬ ‫ل السّوسِ‪ ،‬وَ ُهوَ في ال َبيْتِ‪ ،‬آفَ ُة الزّيْتِ‪ِ ،‬‬ ‫عمَ ُ‬‫وَباقِيهِ َذنَبٌ‪ ،‬ل ُه فِي المَ ْلبُوسِ‪َ ،‬‬
‫سرّهُ‪،‬‬‫ك مَا َي ُ‬ ‫ص مَالُهُ ِمنْ جُودٍ‪َ ،‬يسُو ُء َ‬ ‫ل َينْقَ ُ‬ ‫صعُودِ‪َ ،‬و َ‬ ‫ل ل َي ْمنَعُ‪ُ ،‬ينْمى إِلى ال ّ‬ ‫ل َيشْبَعُ‪َ ،‬بذُو ٌ‬
‫حدٌ‬ ‫ت َفخُذَ النَ‪ ،‬فَمَا َأ َ‬ ‫حدِيثي‪ ،‬وََأعِيشُ َم َعكَ في َرخَاءٍ‪َ ،‬ل ّك َنكَ َأ َبيْ َ‬ ‫ت َأ ْك ُت ُمكَ َ‬ ‫ضرّهُ‪َ ،‬و ُكنْ ُ‬ ‫َو َينْ َف ُعكَ مَا يَ ُ‬
‫خ َأبُو مُرّةَ‪.‬‬ ‫شيْ ُ‬‫جرِيرٍ هذِ ِه ال َقصِيدَةَ‪ ،‬وََأنَا ال ّ‬ ‫ش َعرَاءِ ِإلّ َو َمعْ ُه ُمعِينٌ ِمنّا‪ ،‬وََأنَا َأمَْليْتْ عَلَى َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مِ َ‬
‫ت َرجُلً فِي َي ِدهِ َم َذبّةُ‪ ،‬فَقُلْتُ‪َ :‬هذَا‬ ‫جهِي‪ ،‬فَلَقِي ُ‬ ‫ت لِ َو ْ‬‫ن ِهشَامٍ‪ُ :‬ثمّ غَابَ وََل ْم َأرَهُ َو َمضَيْ ُ‬ ‫قَالَ عِيسَى بْ ُ‬
‫ل ُمظْلِمٍ‪ ،‬فَقَالَ‪:‬‬ ‫جبَ ِ‬‫س َرجَةً‪ ،‬وََأ ْو َمأَ إِلَى غَا ٍر فِي ال َ‬ ‫س ِمعْتُ ِمنْ ُه فَنَاوَلنِي ِم ْ‬ ‫وَالِ صَاحِبي‪َ ،‬وقُلْتُ َلهُ مَا َ‬
‫س ْم َتهَا‪ ،‬فَلَ َويْتُ َوجُو َههَا َو َر َد ْد ُتهَا‪،‬‬ ‫خذَتْ َ‬ ‫دُو َنكَ الغَارَ‪َ ،‬ومَعكَ النّار‪ ،‬قَالَ‪َ :‬ف َدخَ ْلتُهُ َفِإذَا َأنَا بِإبِلي َقدْ َأ َ‬
‫لسْ َك ْن َدرِيّ تَلَقّانِي بِالسّلَمش‪،‬‬ ‫حاِ‬ ‫خ َمرَ‪ِ ،‬إ ْذ ِبَأبِي ال َفتْ ِ‬ ‫ض َأدُبّ ال َ‬ ‫َو َب ْينَا َأنَا في تِ ْلكَ الحَال ِة في ال ِغيَا ِ‬
‫لنَامِ‪،‬‬ ‫ناَ‬ ‫ع َدمُ ال ِكرَامِ‪ ،‬مِ َ‬ ‫حكَامِ‪ ،‬وَ َ‬ ‫لْ‬ ‫ليّامِ‪ ،‬فِي ا َ‬ ‫حكَ إِلَى َهذَا المَقامِ? قَالَ‪ :‬جَ ْورُ ا َ‬ ‫حدَاكَ َو ْي َ‬ ‫فَقُلْتُ‪ :‬مَا َ‬

‫‪30‬‬
‫حمِلنِي عَلَى َقعُودٍ‪ ،‬وََأ ِرقْ لي مَاءً فِي عُودٍ‪ ،‬فَقلْتُ‪َ :‬لكَ‬ ‫ح ْك َمكَ يا َأبَا ال َفتْحِ‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬ا ْ‬
‫ح ُكمْ ُ‬
‫قُلتُ‪ :‬فَا ْ‬
‫شأَ يَقُولُ‪:‬‬ ‫ذَِلكَ‪َ ،‬فأَ ْن َ‬
‫ططَا َفَأسْـجَـحْ‬ ‫شَ‬ ‫كَلّ ْفُتهُ َ‬ ‫نَ ْفسِي فِـدَاءُ مُـحَـكّـمٍ‬
‫حنَحَ‬‫َمسَحَ ال ُمخَاطَ‪َ ،‬ولَ َت َن ْ‬ ‫حكّ لِـحْـ َيتَـهُ‪َ ،‬ولَ‬ ‫مَا َ‬
‫شحَذْتَ‬‫ح َ‬ ‫عمَا َمتِهِ‪َ ،‬وقَالَ‪َ :‬ه ِذهِ َث َمرَةُ ِبرّهِ‪ ،‬فَقُلتُ‪ :‬يَا َأبَا ال َفتْ ِ‬ ‫شيْخِ‪َ ،‬فأَوْمأَ إِلى ِ‬ ‫خ َب ْرتُهُ ِبخَبرِ ال ّ‬
‫ُثمّ َأ ْ‬
‫شحّاذٌ!!‬ ‫عَلى ِإبْلِيسَ? ِإ ّنكَ َل َ‬
‫ال َمقَامَ ُة الَرْمَنِيّةَ‬
‫ع َثرْنَا ِب ِهمْ‬ ‫لةُ إِلَى َأطْفَاِلهَا‪َ ،‬و َ‬ ‫ن ِتجَارَةِ ِإ ْر ِم ِي ّنيَة أَ ْه َد ْتنَا الفَ َ‬ ‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪َ :‬لمّا قَفَ ْلنَا مِ ْ‬ ‫ح َد ّث َناَ عِيسَى بْ ُ‬
‫س َت ْنظَفُوا حَقَا ِئبَنا‪ ،‬وَأرَاحُوا َركَائِبنَا‪ ،‬وَبقِينَا بَياضَ‬ ‫حتّى ا ْ‬ ‫ض َنعَامَةٍ‪َ ،‬‬ ‫فِي َأ ْذيَاِلهَا‪ ،‬وََأنَاخُونَا ِبأَرْ ِ‬
‫غ ِتصَابا‪.‬‬ ‫خيُوُلنَا ا ْ‬ ‫حزَابا‪َ ،‬و ُر ِبطَتْ ُ‬ ‫ال َي ْومِ‪َ ،‬وقَدء َنظَمَنا ال ِق ّد َأ ْ‬
‫جرّا‪،‬‬ ‫صدْرَها‪ ،‬وَهَُلمّ َ‬ ‫خ ْذنَا َ‬ ‫لةِ‪ ،‬وََأ َ‬ ‫جزَ الفَ َ‬ ‫عُ‬ ‫طنَابَهُ‪ُ ،‬ثمّ ا ْن َتحَوْا َ‬ ‫جمُ َأ ْ‬ ‫حتّى َأ ْر َدفَ الّليْلُ َأ ْذنَابَهُ‪َ ،‬و َمدّ ال ّن ْ‬
‫ن ِقرَابِ الظّ ْلمَةِ‪َ ،‬فمَا طََلعَتْ‬ ‫صبْحِ مِ ْ‬ ‫س ْيفُ ال ّ‬ ‫ضىَ َ‬ ‫حشْمَةِ‪ ،‬وا ْنتُ ِ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫ن نِقَا ِ‬ ‫جرِ مِ ْ‬ ‫ن ال َف ْ‬‫حسْ ُ‬ ‫حتّى طَلَعَ ُ‬ ‫َ‬
‫ت نَ ْقطَعُ‬‫ج َبهَا‪َ ،‬وبِالْفََلوَا ِ‬ ‫حُ‬ ‫ل ْبشَارِ‪َ ،‬ومَا زِ ْلنَا بِالَهْوَالِ َن ْدرَأُ ُ‬ ‫شعَارِ وَا َ‬ ‫لْ‬ ‫شمْسُ ال ّنهَارِ‪َ ،‬إلّ عَلَى ا َ‬ ‫َ‬
‫ضمّ إَِلىّ شَابّ َيعْلُوهُ‬ ‫طرِيقٍ‪ ،‬وَا ْن َ‬ ‫خذَ فِي َ‬ ‫ظمَ إِلى َرفِيقٍ‪ ،‬وََأ َ‬ ‫ل ِمنّا ا ْنتَ َ‬ ‫غةَ‪َ ،‬وكُ ّ‬ ‫حتّى حَلَلْنا ال َمرَا َ‬ ‫جبَها‪َ ،‬‬ ‫َن َ‬
‫ج ْدنَاهُ َيطْلُعُ مِنْ‬ ‫س ْرنَا فِي طَلَبِ أَبي جَابرٍ فَ َو َ‬ ‫س َكنْ َد ِريّ‪َ ،‬و ِ‬ ‫لْ‬ ‫حاِ‬ ‫طمَارٌ‪ُ ،‬ي ْكنَى َأبَا ال َفتْ ِ‬ ‫صَفَارٌ‪ ،‬وَتعْلو ُه َأ ْ‬
‫خبّازِ‪:‬‬‫ستَمَاحَ ُه كفّ مِلحٍ‪َ ،‬وقَالَ لِ ْل َ‬ ‫س َك ْندَ ِريّ إِلى َرجُلٍ فَا ْ‬ ‫لْ‬ ‫جرُ بِالغَضَا‪ ،‬فَ َع َمدَ ا ِ‬ ‫سَ‬ ‫ذَاتِ لَظيً‪ُ ،‬ت ْ‬
‫خ ِبرُهُمْ‬
‫ث القَ ْو َم ِبحَالِهِ‪َ ،‬و ُي ْ‬ ‫ل ُيحَدّ ُ‬ ‫جعَ َ‬‫سنَامَهُ َ‬ ‫ع ْرنِي رَأْسَ ال ّتنّورِ‪ ،‬فَِإنّي مَ ْقرُورٌ‪ ،‬وََلمّا َف َرعَ َ‬ ‫أَ ِ‬
‫خبّازُ‪ :‬مَا َلكَ‬ ‫ن َتحْتِ َأ ْذيَالهِ‪ ،‬يُو ِه ُم ُهمْ َأنّ َأ َذىً ِب ِثيَابِهِ‪ ،‬فَقَالَ ال َ‬ ‫ختِلَلَهِ‪َ ،‬و َي ْنشُرُ المِ ْلحَ فشي ال ّتنّورِ مِ ْ‬ ‫بِا ْ‬
‫س َك ْندَ ِريّ‬ ‫لْ‬ ‫جعَل ا ِ‬ ‫ن َفرَمَاهَا‪َ ،‬و َ‬ ‫خ ْبزَ عََل ْينَا‪َ ،‬وقَامَ إِلَى الرّغْفَا ِ‬ ‫سدْتَ ال ُ‬ ‫جمَعْ َأ ْذيَاَلكَ فَ َقدْ َأ ْف َ‬ ‫ل َأبَا َلكَ?! ا ْ‬
‫ل ْدمِ‪ ،‬فَلَ‬ ‫حتَالَ عَلَى ا َ‬ ‫حتّى َأ ْ‬ ‫صبِرْ عََليّ َ‬ ‫حيَلتُهُ فِيمَا َفعَلَ‪ ،‬وَقاَل‪ :‬ا ْ‬ ‫ج َبتَني ِ‬ ‫عَ‬ ‫طهَا‪َ ،‬فأَ ْ‬ ‫طهَا‪َ ،‬و َي َتَأبّ ُ‬ ‫يَ ْلتَ ِق ُ‬
‫ل ْثمَانِ‪،‬‬ ‫ناَ‬ ‫حِيلَةَ مَ َع ال ُع ْدمِ‪َ ،‬وصَارَ إِلى َرجُلٍ َقدْ صَ ّففَ أَوانيَ َنظِيفةً فيها أَلوانُ الَ ْلبَانِ‪ ،‬فَسأَلَهُ عَ ِ‬
‫ض ّيعَهُ‪ُ ،‬ث ّم قَالَ‪َ :‬ليْسَ‬ ‫ش ْيئَا َ‬ ‫صبَعَهُ‪َ ،‬كَأنّ ُه َيطْلُبُ َ‬ ‫ن في الذّ ْوقِ‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬أ ْفعَلْ‪َ ،‬فَأدَارَ في النِي ِة ِإ ْ‬ ‫س َتأْذَ َ‬
‫وَا ْ‬
‫عرَاضِهِ‬ ‫لْ‬ ‫حجّامٌ? قَالَ‪َ :‬ن َعمْ‪َ ،‬ف َعمَدَ َ‬ ‫ت َ‬ ‫حكَ الُ ! َأنْ َ‬ ‫حجَامَةِ? فَقالَ‪َ :‬ق ّب َ‬ ‫غبَ ٌة في ال ِ‬ ‫َمعِي َث َمنُهُ‪ ،‬وَهَلْ رَ ْ‬
‫خذْهَا لَ بُو ِركَ َلكَ‬ ‫شيْطانِ‪ ،‬فَقالَ‪ُ :‬‬ ‫س َك ْندَ ِريّ‪ :‬آثِ ْرنِي عَلَى ال ّ‬ ‫لْ‬ ‫ص ّبهَا‪ ،‬فَقَالَ ا ِ‬ ‫س ّبهَا‪ ،‬وإِلَى ال ِنيَةِ َي ُ‬ ‫َي ُ‬
‫ط َعمْنا أَهَْلهَا‪َ ،‬فبَادَرَ‬ ‫ستَ َ‬
‫حتّى َأ َت ْينَا قَ ْريَ ًة ا ْ‬ ‫س ْرنَا َ‬ ‫خذَهَا وََأ َو ْينَا إِلى خَ ْلوَةٍ‪ ،‬وََأكَ ْلنَاهَا ِب َد ْفعَةٍ‪َ ،‬و ِ‬ ‫فِيها‪ ،‬فََأ َ‬
‫جعَلْنا‬ ‫سهَا‪َ ،‬ف َ‬ ‫حتّى بَلَغَ رَ ْأ َ‬ ‫ن َأنْفاسَها‪َ ،‬‬ ‫سدّ الّلبَ ُ‬‫عةِ فَتىً إِلَى َم ْنزِلِهِ‪ ،‬فَجا َءنَا ِبصَ ْفحَ ٍة َقدْ َ‬ ‫جمَا َ‬ ‫ن َبيْنِ ال َ‬ ‫مِ ْ‬
‫سكَ ْن َدرِيّ‪ :‬مَا َل ُكمْ َتجُودُونَ‬ ‫لْ‬ ‫ل بِال ّثمَنِ‪ ،‬فَقَالَ ا ِ‬ ‫خ ْبزَ‪َ ،‬فَأبَوا ِإ َ‬ ‫سأَلْنا ُهمُ ال ُ‬ ‫ستَو َفيْناها‪ ،‬و َ‬ ‫حتّى ا ْ‬ ‫َن َتحَسّاها‪َ ،‬‬
‫ت فَيهَ فَارَةٌ‪،‬‬ ‫غضَارةٍ‪َ ،‬قدْ َوقَعَ ْ‬ ‫ن فِي َ‬ ‫ن َهذَا الّلبَ ُ‬ ‫لمُ‪ :‬كَا َ‬ ‫ل الغُ َ‬ ‫خ ْبزَ ِإلّ بِال َثمَنِ? فَقَا َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫بِالّلبَنِ‪َ ،‬و َت ْم َنعُو َ‬
‫لمُ‪:‬‬ ‫سرَهَا‪َ ،‬فصَاحَ الغُ َ‬ ‫صحْفَ َة َفكَ َ‬ ‫خذَ ال ّ‬ ‫لسْ َك ْن َدرِيّ‪ِ :‬إنّا لِ! وََأ َ‬ ‫لاِ‬ ‫سيّارَةِ‪ ،‬فَقا َ‬ ‫صدّقُ ِبهِ على ال ّ‬ ‫َف َنحْنُ َن َت َ‬
‫ضنَا مَا ُكنّا َأكَ ْلنَاهُ‪َ ،‬وقُلْتُ‪:‬‬ ‫حرَبَاهُ‪ ،‬وَا َمحْرُوبَاهُ‪ ،‬فَا ْقشَ َعرّتْ ِمنّا الجِ ْلدَةُ‪ ،‬وَانْقََلبَتْ عََل ْينَا ال َم ِعدَةُ‪َ ،‬ونَ َف ْ‬ ‫وَا َ‬
‫ي يَقُولُ‪:‬‬ ‫سكَ ْن َدرِ ّ‬
‫لْ‬ ‫حاِ‬ ‫لمْسِ َفعَ ْلنَاهُ‪ ،‬وََأنْشأَ َأبُو ال َفتْ ِ‬ ‫هَذا جَزَا ُء مَا بِا َ‬
‫ل َيتَـغَـثّـا‬ ‫شهْـمُ َ‬ ‫فَال ّ‬ ‫ل َتتَـغَـثّـى‬ ‫يَا َنفْسُ َ‬
‫سمِـينـا وَغَـثّـا‬ ‫فِيهِ َ‬ ‫صحَبِ الدّ ْهرِ َيأْكلْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫مَ ْ‬
‫وَا ْلبَـسْ لخَـرَ َرثّـا‬ ‫فَا ْلبَسْ ِلدَهْـ ٍر جَـدِيدا‬
‫ال َمقَامَ ُة النّاجِمِيّةُ‬
‫ن رُفَقَائِي‪َ ،‬ف َتذَاكَ ْرنَا ال َفصَاحَةَ‪َ ،‬ومَا‬ ‫ت ذَاتَ َليْل ٍة في َكتِيبَةِ َفضْلٍ مِ ْ‬ ‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪ :‬بِ ّ‬‫ح ّدثَنا عِيسَى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫ل الجُوعِ‬ ‫ن ال ُم ْنتَابُ? فَقَالَ‪َ :‬وفْ ُد الّليْلِ َوبَرِيدُهُ‪َ ،‬وفَ ّ‬ ‫حتّى ُق ِرعَ عََل ْينَا البَابُ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬مَ ِ‬‫حدِيثَ َ‬ ‫عنَا ال َ‬‫َودّ ْ‬
‫ضيْفٌ ظِلّهُ‬ ‫خيْهِ َمهَامِ ُه فِيحٌ‪َ ،‬و َ‬ ‫ن دُونِ َف ْر َ‬ ‫ع ْيشُهُ َت ْبرِيحٌ‪َ ،‬ومِ ْ‬
‫غرِيبٌ ِنضْ ُوهُ طَلِيحُ َو َ‬ ‫طرِيدُهُ‪ ،‬وَ َ‬ ‫َو َ‬
‫ج َم ْعنَا‬
‫خنَا رَاحِلَتَهُ‪َ ،‬و َ‬ ‫ح البَابِ وََأ َن ْ‬ ‫خَفِيفٌ‪َ ،‬وضَاّلتُهُ رَغِيفُ‪َ ،‬فهَلْ ِم ْنكُمْ ُمضِيفٌ? َفتَبَا َدرْنَا إِلى فَتْ ِ‬
‫ح ْبنَا ِبهِ‪ ،‬وََأ َر ْينَاهُ‬
‫ضحِ ْكنَا إَِل ْيهِ‪َ ،‬و َر ّ‬‫ُرحَْلتَهُ‪َ ،‬وقُ ْلنَا‪ :‬دَا َركَ َأ َتيْتَ‪ ،‬وَأَهَْلكَ وَا َفيْتَ‪ ،‬وَهَّل ّم ال َبيْتَ‪َ ،‬و َ‬
‫ش ِرقِهِ‪ ،‬الفَاتِنُ ِب َم ْنطِقِهِ??‬ ‫ن الطّالِعُ ِبمَ ْ‬ ‫حتّى َأنِسَ‪َ ،‬وقُ ْلنَا‪ :‬مَ ِ‬‫شبِعَ‪َ ،‬وحَا َد ْثنَا ُه َ‬
‫حتّى َ‬ ‫ع ْدنَا ُه َ‬
‫ضَاّلتَهُ‪َ ،‬وسَا َ‬

‫‪31‬‬
‫خ ُبرَهُ‪ ،‬فَ َعصَرْ ُ‬
‫ت‬ ‫لْ‬ ‫عَاشْرتُ الدّ ْهرَ َ‬ ‫جمِ‪ ،‬وََأنَا ال َم ْعرُوفُ بِالنّاجِمِ‪َ ،‬‬ ‫ل َيعْ ِرفُ العُو َد كَالعَا ِ‬ ‫فَقَالَ‪َ :‬‬
‫غ ّثهُمْ َوسَمي َنهُمْ‪ ،‬وَال ُغ ْربَةَ‬ ‫عرِ َف ُهمْ‪َ ،‬ف َعرَفْتُ ِم ْن ُهمْ َ‬ ‫س لَ ْ‬ ‫ج ّربْتُ النّا َ‬ ‫طرَهُ‪َ ،‬و َ‬ ‫ت َأشْ ُ‬ ‫صرَهُ‪َ ،‬وحََلبْ ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫أَ ْ‬
‫شرْقِ‬ ‫ت َب ْينَها‪َ ،‬فأَنَا في ال ّ‬ ‫ظمَتْ رُفْ َقةٌ ِإلّ وََلجْ ُ‬ ‫ع ْي َنهَا‪ ،‬وَل ا ْن َت َ‬ ‫ض ِإلّ فَ َقأْتُ َ‬ ‫حتْني َأرْ ٌ‬ ‫لذُو َقهَا‪ ،‬فَما َل َم َ‬ ‫َ‬
‫سمَاطِهُ‪َ ،‬ومَا‬ ‫خ َرقْتُ ِ‬ ‫خطْبٌ ِإلّ َ‬ ‫طئْتُ بِساطَهُ‪ ،‬وَل َ‬ ‫ب ل ُأ ْن َكرُ‪ ،‬فَما مَِلكٌ ِإلّ َو ِ‬ ‫ُأ ْذ َكرُ‪ ،‬وفي الغَرْ ِ‬
‫جهِي‬ ‫سهِ‪ ،‬وَلَ ِق َينِي ِب َو ْ‬ ‫ج ّر َبنِي الدّ ْهرُ فِي َز َمنَي َرخَائِهِ َوبُو ِ‬ ‫حرْبٌ ِإلّ َو ُكنْتُ فِيها سَفِيرا‪َ ،‬قْد َ‬ ‫س َكنَتْ َ‬ ‫َ‬
‫ل بَِلبُوسِهِ‪:‬‬ ‫عبُوسِهِ‪َ .‬فمَا ُبحْتُ ِلبُوسِهِ ِإ ّ‬ ‫ِبشْرِهِ َو ُ‬
‫حمّلُ‬ ‫حمَّلنِي مِنْ َر ْيبِ ِه مَا ُي َ‬ ‫ضرّ بِي َو َ‬ ‫ص ْرفُ الدّهْ ِر قِدْما َأ َ‬ ‫ن َكاَنَ َ‬ ‫وَإِ ْ‬
‫ع ْنهَا مُـحَـوّلُ‬ ‫صدْقٍ َليْسَ َ‬ ‫ث َأحَّلنِي َمحَلّةَ ِ‬ ‫حيْ ُ‬‫حسَانِ َ‬ ‫لْ‬‫فَ َقدْ جَاءَ بِا ِ‬
‫طقُ ِإلّ َلكَ‪َ ،‬فمِنْ‬ ‫ت ِإلّ عََل ْيكَ‪ ،‬وَل َيحِلّ الّن ْ‬ ‫سكُو ُ‬ ‫ض فُوكَ‪ ،‬والِ َأنْتَ وََأبْوكَ‪ ،‬مَا َيحْ ُرمُ ال ّ‬ ‫قُ ْلنَا‪ :‬ل فُ ّ‬
‫ضكَ قُدّا َمكَ?? قَالَ‪َ :‬أمّا‬ ‫غ َر َ‬ ‫حدُو َأمََلكَ َأمَا َمكَ‪َ ،‬و َيسُوقُ َ‬ ‫ن طَلَعْتَ? وََأيَْ َت ْغرُبُ? َومَا اّلذِي َي ْ‬ ‫َأيْ َ‬
‫ش ال ُمرّ‪ ،‬قُ ْلنَا‪ :‬فَلَ ْو َأ َقمْتَ ِب َهذَا‬ ‫ضرّ‪ ،‬وَا ْل َعيْ ُ‬ ‫طرُ‪ ،‬وََأمّا السّا ِئقُ فَال ّ‬ ‫طرُ فَالمَ َ‬ ‫ن فَال َيمَنُ‪ ،‬وََأمّا ال َو َ‬ ‫ال َوطَ ُ‬
‫لنْوَاءِ ما ُي ْكرَع‪،‬‬ ‫لمْطَارِ ما ُي ْزرَعُ‪َ ،‬و ِمنَ ا َ‬ ‫ناَ‬ ‫س ْمنَاكَ ال ُع ْمرَ َفمَا دُونَهُ‪ ،‬وََلصَا َدفْتَ مِ َ‬ ‫ال َمكَانِ لَقَا َ‬
‫ن َأ ْمطَا َر ُكمْ مَاءٌ وَالمَاءُ ل ُيرْوِي‬ ‫جدْتُ ِفنَا َء ُكمْ َرحْبا‪ ،‬وََلكِ ّ‬ ‫صحْبا‪ ،‬وَلَ َقدْ َو َ‬ ‫ختَارُ عََل ْي ُكمْ َ‬ ‫قَالَ‪ :‬مَا َأ ْ‬
‫شأَ يَقُولُ‪:‬‬ ‫طرٌ خَل َفيّ‪ ،‬وََأ ْن َ‬ ‫لمْطَارِ ُيرْوِيكَ? قَالَ‪َ :‬م َ‬ ‫ال ِعطَاشَ‪ ،‬قُ ْلنَا َفَأيّ ا َ‬
‫َو َبحْرا يَ ّؤمّ ال ُمنَى سَاحِـلَـهْ‬ ‫ن َأ ّيتُـهَـا الـرّاحِـلَةْ‬ ‫ستَا َ‬ ‫سجِ ْ‬ ‫ِ‬
‫ِبوَاحِـدَ ٍة مَـائَةٍ كَـامِــلَةْ‬ ‫ن ُز ْرتَـهـا‬ ‫صدُ َأرْجان إِ ْ‬ ‫ستَ ْق ِ‬‫َ‬
‫كَ َفضْلِ ُقرَيْشٌ عَلَى بَاهِـلَةْ‬ ‫ن ال َعمِيدِ‬
‫لمِيرِ عَلَى ابْ ِ‬ ‫َوفَضْلُ ا َ‬
‫ن ِبيَ ْومِ‬ ‫شتَاقُهُ‪َ ،‬ويُؤِْل ُمنَا ِفرَاقُهُ‪َ ،‬ف َب ْينَا َنحْ ُ‬ ‫ن ِهشَامٍ‪َ :‬فخَرَجَ وَ َودّعْناهُ وََأ َق ْمنَا َب ْعدَ ُه ُبرْهَةً َن ْ‬ ‫قَالَ عِيسَى بْ ُ‬
‫جمَ عََل ْينَا‪ ،‬فَقُ ْلنَا‪:‬‬ ‫جنَائِبُ تُقَادُ‪ ،‬وَِإذَا َرجُلٍ َقدْ َه َ‬ ‫ب ُتسَاقُ‪ ،‬وَا ْل َ‬ ‫س ْمطِ الّثرَيّا جُلُوسٌ ِإ ْذ المَرَاكِ ُ‬ ‫غ ْيمٍ فِي ِ‬ ‫َ‬
‫جمُ‪ ،‬يَ ْرفُلُ في َنيْلِ ال ُمنَى‪َ ،‬و َذيْلِ ال ِغنَى‪ ،‬فَ ُق ْمنَا إَِل ْيهِ ُمعَانِقِينَ‪َ ،‬وقُ ْلنَا‪ :‬مَا‬ ‫خنَا النّا ِ‬‫ش ْي ُ‬
‫ن الهَاجِمُ? َفِإذَا َ‬ ‫مَ ِ‬
‫شأَ يَقُولُ‪:‬‬ ‫عصَامُ‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬جِمالٌ ُم َوقَرَةٌ‪َ ،‬و ِبغَالٌ ُمثْقَلَةٌ‪َ ،‬وحَقَائِبَ مُقْفََلةٌ‪ ،‬وََأ ْن َ‬ ‫َورَا َءكَ يَا ِ‬
‫خََلفٌ? وََأيّ َفضِيلَةٍ َل ْم َي ْأتِهـا?‬ ‫مَوْليَ َأيّ َرذِيلَ ٍة لَـ ْم َيَأبَـهَــا‬
‫س ُيجَابُ ِإلّ هَاتِهـا‬ ‫لَفْظا‪ ،‬وََليْ َ‬ ‫ل هَـاكَـهَـا‬ ‫سمِعُ العَافِينَ ِإ ّ‬ ‫مَا ُي ْ‬
‫جنَا ِتهَا‬ ‫ن الخَالَ في َو َ‬ ‫بِيضٍ‪َ ،‬وكَا َ‬ ‫عنْ َأ ْوجُـهٍ‬ ‫ِإنّ ال َمكَارِ َم َأسْ َفرَتْ َ‬
‫حرَكَا ِتهَا‬ ‫َويَدا َترَى ال َب َركَاتِ فِي َ‬ ‫شمَائِل ُه اّلتِي َتجْلو الـعُـلَ‬ ‫ِبَأبِي َ‬
‫سنَاتِهَـا‬ ‫حَ‬ ‫ِممّنْ َي ُعدّ الدّ ْهرَ ِمنْ َ‬ ‫سنَاتِ دَ ْهرٍ ِإنّـنِـي‬ ‫حَ‬ ‫عدّهَا َ‬ ‫مَنْ َ‬
‫جمُ َأيّامَا مُ ْق َتصِرا ِمنْ ِلسَانِهِ‪،‬‬ ‫سأَ ْلنَا الُ بَقَاءَهُ‪ ،‬وََأنْ َي ْرزُ َقنَا لِقَاءَهُ‪ ،‬وََأقَامَ النّا ِ‬ ‫ن ِهشَامٍ‪ :‬فَ َ‬ ‫قَالَ عِيسَى بْ ُ‬
‫حدّثِ ِبِإ ْنعَامِهِ‪.‬‬ ‫لمِهِ‪ِ ،‬إلّ في َمدْحِ َأيّامِهِ‪ ،‬وَال ّت َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫حسَانِهِ‪ ،‬وَل َي َتصَ ّرفُ مِ ْ‬ ‫شكْ ِر ِإ ْ‬ ‫عَلَى ُ‬
‫خ ْلفِيّة‬
‫ال َمقَامَ ُة ال َ‬
‫صحِ َبنِي‬ ‫ضرَةِ‪َ ،‬‬ ‫ح ْ‬‫عنْ ال َ‬ ‫ح َدرْتُ إَِل ْيهَا َ‬ ‫ت َأحْكامَ ال َبصْرةِ‪ ،‬وَا ْن َ‬ ‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪َ :‬لمّا وُلّي ُ‬ ‫ح ّدثَنا عِيسَى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫طرَا ِفهَا ضَائِعٌ‪َ ،‬ل ِكنّي‬ ‫لرْضِ وََأ ْ‬ ‫عطَافِ ا َ‬ ‫ب َكَأنّهُ العَافيَةُ فَي ال َبدَنِ‪ ،‬فَقَالَ‪ِ :‬إنّي في َأ ْ‬ ‫فِي ال َم ْركَبِ شَا ٌ‬
‫صنِيعَةً‪ ،‬وَل َتطْلُبَ ِمنّي َذرِيعَةً‪ ،‬فَقُلْتُ‪:‬‬ ‫خذَني َ‬ ‫ن َت ّت ِ‬
‫ل َلكَ أَ ْ‬ ‫صفّ‪ ،‬وَهَ ْ‬ ‫عدّ ُم َعدّ أَ ْلفٍ‪ ،‬وََأقُومُ مَقَامَ َ‬ ‫ُأ َ‬
‫خ ْدمَ َة ال ّرفِيقِ‪،‬‬ ‫خ ِدمُكَ ِ‬ ‫ل َأ ْ‬ ‫ظمُ مِنْ عَقِْلكَ?? ل بَ ْ‬ ‫عَ‬ ‫ن فَضِْلكَ? وََأيّ َوسِيلَ ٍة أَ ْ‬ ‫وََأيّ َذرِيعَ ٍة آ َكدُ مِ ْ‬
‫ت ِل َغ ْي َبتِهِ‬‫عنّي َأيّامَا‪ ،‬فَضِقْ ُ‬ ‫صرَةَ غَابَ َ‬ ‫سعَةِ وَالضّيقِ‪َ ،‬وسِ ْرنَا فََلمّا َوصَ ْلنَا ال َب ْ‬ ‫ك في ال ّ‬ ‫وََأشَا ِركُ َ‬
‫ج ْدتُهُ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬مَا اّلذِي َأ ْنكَرْتَ? وَِلمَ‬ ‫حتّى َو َ‬ ‫ب البََلدِ َ‬ ‫جيُو َ‬ ‫خذْتُ ُأ َفتّشُ ُ‬ ‫صبْرا‪ ،‬فََأ َ‬ ‫ك َ‬ ‫َذرْعا‪ ،‬وََلمْ َأمِْل ْ‬
‫صدْرِ ا ْق ِتدَاحَ النّارِ فِي ال ّزنْدِ‪َ ،‬فإِنْ ُأطْ ِفئَتُ بَادَتْ َوتَلشَتْ‪،‬‬ ‫حشَةَ َت ْقدَحُ فِي ال َ‬ ‫جرْتَ? فَقَالَ‪ِ :‬إنّ ال َو ْ‬ ‫َه َ‬
‫لنَاءِ ا ْمتَلَ َوفَاضَ‪ ،‬وَال َعتَبُ ِإذَا ُت ِركَ َفرّخَ‬ ‫طرُ ِإذَا َتتَابَعَ على ا ِ‬ ‫وَإِنْ عَاشَتْ‪ ،‬طَارَتْ َوطَاشَتْ‪ ،‬وَال َق ْ‬
‫ظرُ مِنْ‬ ‫ل حالٍ‪َ ،‬ن ْن ُ‬ ‫طرُدُ ُه سَ ْوطٌ كَالجَفَاءِ‪ ،‬وَعَلَى كُ ّ‬ ‫ش َركٌ كَال َعطَاءِ‪ ،‬وَل َي ْ‬ ‫حرّ ل َيعْلَ ُقهُ َ‬ ‫َوبَاضَ‪ ،‬وَال ُ‬
‫خرْطُومِ‬ ‫عَالٍ‪ ،‬عَلى الكَريمِ َنظَرَ ِإدْللٍ‪َ ،‬وعَلى الّْلئِيمِ َنظَرَ ِإذْللٍ‪َ ،‬فمَنْ َلقِينَا ِبَأنَفٍ طَويلٍ‪َ ،‬لقِيناهُ ِب ُ‬
‫ل َمكَ‪ ،‬وَل‬ ‫سنِي ِليَ ْقتَِل ُعنِي غُ َ‬ ‫ش ْزرٍ‪ِ ،‬ب ْعنَا ُه ِب َثمَنٍ َن ْزرٍ‪ ،‬وََأنْتَ َلمْ َت ْغ ِر ْ‬‫ظنَا ِب َنظَرٍ َ‬ ‫حَ‬‫فِيلٍ‪َ ،‬ومَنْ َل َ‬

‫‪32‬‬
‫شيْئا‬
‫ن جَفَاؤُ ُهمْ َ‬‫ع ْنوَانِهِ‪َ ،‬فإِنْ كَا َ‬
‫خدّا َمكَ‪ ،‬وَال َمرْءُ مِنْ غِ ْلمِانِهِ‪ ،‬كَا ْل ِكتَابِ مِنْ ُ‬ ‫شتَ َر ْيتَني ِل َتبِيعَني ُ‬
‫اْ‬
‫عجَبَ!! ُثمّ قَالَ‪:‬‬ ‫ن أَ ْ‬
‫ن َلمْ َتكُنْ عَِلمْتَ ِبهِ كَا َ‬‫َأ َمرْتَ ِبهِ َفمَا اّلذِي َأ ْوجَبَ? وَإِ ْ‬
‫سهْلُ ال ِفنَا ِء مُـ َؤدّبُ الـخُـدّامِ‬ ‫َ‬ ‫ح َمدَ؛ ِإنّهُ‬ ‫ن َأ ْ‬
‫ظَ ِفرَتْ َيدَا خََلفِ بْ ِ‬
‫ل مِنْ َيدِ ِه بِـدَارِ مُـقَـامِ‬ ‫َو َيحِ ّ‬ ‫جتَازُ الوَرى‬ ‫ت الجُودَ َي ْ‬ ‫َأوْ مَا رَأَيْ َ‬
‫حتّى ا ْنصَرفَ‪َ ،‬ب ْعدَ َأنْ‬ ‫ستَ ْعطِفُهُ‪َ ،‬ومَا زِلْتُ أُلطِفُ ُه َ‬ ‫عرَضَ َو َت ِب ْعتُ ُه َأ ْ‬ ‫ن ِهشَامٍ‪ُ :‬ثمّ أَ ْ‬‫قَالَ عِيسَى بْ ُ‬
‫ح ْر َمتَهُ‪.‬‬
‫ش َرتَهُ‪ ،‬فَوَ َهبْتُ َلهُ ُ‬
‫عْ‬‫ن َأسَاءَ ِ‬ ‫ت مَ ْ‬ ‫ن ل َأ ْورَدْ ُ‬ ‫حََلفَ أَ ْ‬
‫ال َمقَامَ ُة النّيْسابُورِيّةُ‬
‫ضرْتُ المَ ْفرُوضَةَ‪ ،‬وََلمّا َقضَ ْي ُتهَا‬ ‫ج ُمعَةٍ‪َ ،‬فحَ َ‬ ‫ح ّدثَنا عِيسَى بْنُ ِهشَامٍ قَالَ‪ُ :‬كنْتُ ِب َنيْسابُو َر يَ ْومَ ُ‬ ‫َ‬
‫سل‬ ‫جنْبي‪َ :‬منْ هَذا? قَالَ‪ :‬هَذا سُو ٌ‬ ‫س ّنيّةً‪ ،‬فَقُلْتُ ِل ُمصَلّ ِب َ‬‫ح ّنكَ ُ‬ ‫جتَازَ بِي َرجُلٌ َقدْ َلبِسَ َد ّنيّةً َو َت َ‬ ‫اْ‬
‫خزَانَةَ‬ ‫ب ِإلّ ِ‬ ‫ص ل َينْقُ ُ‬ ‫حرَامِ وَلِ ّ‬ ‫جرَادٍ ل َيسْ ُقطُ ِإلّ عَلى ال ّز ْرعِ ال َ‬ ‫ليْتامِ‪َ ،‬و َ‬ ‫ل فِي صُوفِ ا َ‬ ‫يَقَعُ ِإ ّ‬
‫ل َبيْنَ ال ّركُوعِ‬ ‫عبَادَ الِ ِإ ّ‬ ‫ضعَافِ‪َ ،‬و ِذئْبٌ ل يَ ْف َترِسُ ِ‬ ‫ل ُيغِيرُ ِإلّ عَلى ال ّ‬ ‫ل ْوقَافِ‪َ ،‬و ُك ْردِيّ َ‬ ‫اَ‬
‫شهُودِ َو َقدْ َلبِسَ َد ّن ّيتَهُ‪َ ،‬وخَلَ َع دِي ِنيّتَهُ‪،‬‬ ‫ل الِ ِإلّ َبيْن ال ُعهُودِ وَال ّ‬ ‫ب ل َي ْنهَبُ مَا َ‬ ‫سجُودِ‪َ ،‬و ُمحَارِ ٌ‬ ‫وَال ّ‬
‫غطّي‬ ‫حبَالَهُ‪ ،‬وََأ ْبدَى شَقَاشِ َقهُ‪َ ،‬و َ‬ ‫سبَالَهُ‪ ،‬وََأطَالَ ِ‬ ‫صرَ ِ‬ ‫حرّفَ َيدَ ُه وَِلسَانَهُ‪َ ،‬وقَ ّ‬ ‫طيَْلسَانَهُ‪َ ،‬و َ‬ ‫َوسَوّى َ‬
‫ل َهذَا َفمَنْ‬ ‫طمَعَ ُه فَقُلْتُ َل َعنَ ا ُ‬ ‫س َترَ َ‬‫عهُ‪َ ،‬و َ‬ ‫ظهَرَ َورَ َ‬ ‫صحِي َف َتهُ‪ ،‬وََأ ْ‬‫ح َيتَهُ‪َ ،‬وسّ َو َد َ‬ ‫ض ِل ْ‬
‫َمخَارِقَهُ َو َبيّ َ‬
‫ل َأرْضَا َأ ْن َبتَتْ هَذا ال َفضْلَ‪ ،‬وَأَبا خَّلفَ‬ ‫س َك ْندَ ِريّ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬سَقي ا ُ‬ ‫ف بِالِ ْ‬ ‫عرَ ُ‬ ‫َأنْتَ? قَالَ‪َ :‬أنَا َرجْلٌ ُأ ْ‬
‫طبَخْ‪َ ،‬و َنحْنُ إِذا رِفَاقٌ فَقَالَ‪:‬‬ ‫خ ِبَأكِْلهَا وَلَما ُت ْ‬‫ن ُترِيدُ? قَالَ‪ :‬ال َك ْعبَةَ‪ ،‬فَقُلْتُ‪َ :‬بخّ بَ ّ‬ ‫هذا ال ّنسْلَ‪ ،‬فََأيْ َ‬
‫ت ُمصَوّبُ?! قُلْتُ‪َ :‬ف َك ْيفَ ُتصَ ّعدُ إِلَى ا ْل َك ْعبَةِ? قَالَ‪َ :‬أمَا ِإنّي ُأرِيدُ َك ْعبَةَ‬ ‫ص ّعدٌ وََأنْ َ‬‫ف ذِلكَ وََأنَا ُم َ‬ ‫َكيْ َ‬
‫س ْبيِ‪ ،‬ل َبيْتَ ال َه ْديِ‪َ ،‬وقِبْلَةَ‬ ‫ح َرمِ‪َ ،‬و َبيْتَ ال ّ‬ ‫ل َمشْ َعرَ ال َ‬ ‫شعَرَ ال َك َرمِ‪َ ،‬‬ ‫حجّاجِ‪َ ،‬و َم ْ‬ ‫حتَاجِ‪ ،‬لَ َك ْعبَ َة ال ُ‬‫ال ُم ْ‬
‫شأَ‬
‫ن َهذِهِ ال َمكَا ِرمُ? فََأ ْن َ‬ ‫خ ْيفِ‪ ،‬قُلْتُ‪ :‬وََأيْ َ‬ ‫ض ْيفِ‪ ،‬ل ِمنَى ال َ‬ ‫الصّلتِ‪ ،‬ل قِبْلِ َة الصّلةِ‪َ ،‬و ِمنَى ال ّ‬
‫يَقُولُ‪:‬‬
‫ت بِهِ مُـ َو ّردْ‬ ‫خدّ ال َم ْكرُمَا ِ‬
‫َو َ‬ ‫ِبحَيثُ الدّينُ وَالمَِلكُ المُـ َؤ ّيدْ‬
‫ح َمدُ‪.‬‬
‫سحَا َبهَا خََلفُ ْبنُ َأ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ِلأَ ّ‬ ‫ت المَالُ فِـيهَـا‬ ‫ِبَأرْضٍ َت ْنبُ ُ‬
‫ال َمقَامَ ُة ال ِعلْمِيّة‬
‫خرَ‪:‬‬ ‫للَ‬ ‫جتَازَا‪َ ،‬فإِذَا َأنَا ِب َرجُلٍ يَقُو ُ‬‫ح ال ُغرْبَ ِة ُم ْ‬‫ت فِي َبعْضِ َمطَار ِ‬ ‫ح ّدثَنا عَيسَى بْنُ هِشامٍ قَالَ‪ُ :‬كنْ ُ‬ ‫َ‬
‫سمُ‬‫سهَامِ‪ ،‬وَل يُ ْق َ‬ ‫صطَا ُد بِال ّ‬‫ج ْدتُهُ َبعِيدَ ال َمرَامِ‪ ،‬ل ُي ْ‬ ‫ت العِ ْلمَ? وَ ُهوَ ُيجِيبُهُ‪ ،‬قَالَ‪ :‬طََل ْبتُ ُه فَ َو َ‬ ‫ِبمَ َأ ْدرَكْ َ‬
‫س َتعَارُ ِمنَ‬ ‫عمَامِ‪ ،‬وَل ُي ْ‬ ‫ن الَ ْ‬ ‫ض َبطُ بِالّلجَامِ‪ ،‬وَل يُورَثُ عَ ِ‬ ‫بالَزْلمِ‪ ،‬وَل ُيرَى في ال َمنَامِ‪ ،‬وَل يُ ْ‬
‫خطَرِ‪ ،‬وَِإ ْدمَانِ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ضجَرِ‪َ ،‬و ُركُو ِ‬ ‫جرِ‪َ ،‬و َردّ ال ّ‬ ‫حَ‬ ‫ستِنَادِ ال َ‬
‫ال ِكرَامِ‪َ ،‬فتَ َوسّلْتُ إَِليْ ِه بِافْ ِترَاشِ ال َم َدرِ‪ ،‬وَا ْ‬
‫ح ِإلّ لِ ْل َغرْسِ‪،‬‬ ‫شيْئا ل َيصْلُ ُ‬ ‫ج ْدتُهُ َ‬
‫عمَالِ ال ِف َكرِ‪ ،‬فَ َو َ‬‫ب السّ َفرِ‪َ ،‬و َكثْر ِة ال ّنظَرِ‪ ،‬وَِإ ْ‬ ‫طحَا ِ‬ ‫صِ‬ ‫سهَرِ‪ ،‬وِا ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ص ْدرِ‪َ ،‬وطَائِرا ل‬ ‫صيْدا لَ يَقَ ُع ِإلّ فِي ال ّن ْدرِ‪ ،‬وَل َي ْنشَبُ ِإلّ فِي ال ّ‬ ‫ل بِالنّفْسِ‪َ ،‬و َ‬ ‫ل ُيغْرَسُ ِإ ّ‬ ‫َو َ‬
‫ستُهُ عَلى العَينِ‪.‬‬ ‫ح َب ْ‬
‫حمَ ْلتُهُ عَلى الرّوحِ‪َ ،‬و َ‬ ‫ح ُفظِ‪َ ،‬ف َ‬‫شرَكُ ال ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ص الّل ْفظِ‪َ ،‬ولَ َيعْلَ ُقهُ ِإ ّ‬‫ل قَنَ ُ‬ ‫عهُ ِإ ّ‬
‫خدَ ُ‬‫َي ْ‬
‫ن ال ّنظَ ِر إِلى ال ّتحْقِيقِ‪،‬‬ ‫س َت َرحْتُ مِ َ‬ ‫ح ّررْتُ بِال ّدرْسِ‪ ،‬وَا ْ‬ ‫ت فِي القَلْبِ‪َ ،‬و َ‬ ‫خزَنْ ُ‬
‫ن ال َعيْشِ‪َ ،‬و َ‬ ‫ت مِ َ‬ ‫وََأنْفَقْ ُ‬
‫سمْعَ‬ ‫س َت َعنْتُ فِي ذَِلكَ بِالتّ ْوفِيقِ‪َ ،‬فسَ ِمعْتُ ِمنَ الكَلمِ مَا فَ َتقَ ال ّ‬ ‫ن ال ّتحْقِيقِ إِلى ال ّتعْلِيقِ‪ ،‬وِا ْ‬ ‫ِومِ َ‬
‫جعَلَ‬ ‫شمْسِ? َف َ‬ ‫ن َأيْنَ َمطْلَعُ َه ِذهِ ال ّ‬ ‫َو َوصَلَ إِلَى القَ ْلبِ َو َتغَ ْلغَلَ فِي الصّ ْدرِ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬يَا َفتَى‪َ ،‬ومِ ْ‬
‫يَقُولُ‪:‬‬
‫َلوْ َقرّ فِيهَا قَرَارِي‬ ‫سكَـنْـدَ ِريّ ُة دَارِي‬ ‫ِإ ْ‬
‫وَبا ْلعِرَاقِ نَهارِي‪.‬‬ ‫ن بِالشّامِ لَـيْلِـي‬ ‫لكِ ّ‬
‫ال َمقَامَ ُة ال َوصِيّةَ‬
‫س َك ْندَ ِريّ وََلدَهُ لِ ْل ّتجَارَ ِة ِأقْ َعدَ ُه يُ َوصّيهِ‪ ،‬فَقَالَ‬
‫لْ‬‫ج ّهزَ َأبُو ال َف ْتحِ ا ِ‬
‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪َ :‬لمّا َ‬ ‫ح َد ّثنَا عِيسَى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫ح ِمدَ الَ وََأ ْثنَى عََليْهِ‪َ ،‬وصَلّى عَلَى َرسْولِ ِه صَلّى الُ عََليْ ِه َوسَلّمَ‪ :‬يَا ُب َنيّ ِإنّي وَإِنْ َوثِقْتُ‬ ‫َب ْعدَ مَا َ‬
‫ك النّفْسَ‬‫سيّئُ الظّنّ‪ ،‬وََلسْتُ آمَنُ عَلْي َ‬ ‫طهَارَةُ َأصِْلكَ‪ ،‬فَِإنّي شَفِيقٌ‪ ،‬وَالشّفِيقُ َ‬ ‫ِب َمتَانَةِ عَقِْلكَ‪َ ،‬و َ‬
‫ظهَارَتُهُ‬‫س َتعِنْ عَل ْيهِما نَها َركَ باِلصّ ْومِ وََليَْلكَ بِالنّ ْومِ‪ِ ،‬إنّهُ َلبُوسُ ِ‬ ‫ش ْيطَانَهَا‪ ،‬فَا ْ‬
‫شهْوَةَ َو َ‬
‫َوسُلْطَا َنهَا‪ ،‬وَال ّ‬

‫‪33‬‬
‫خشَى‬ ‫خبِيثَةِ? َو َكمَا َأ ْ‬ ‫س ُهمَا َأسَ ّد ِإلّ لنَتْ َث ْو َرتُهُ‪َ ،‬أفَ ِه ْم َت ُهمَا يَابْنَ ال َ‬ ‫الجُوعُ‪َ ،‬و ِبطَا ُنتُهُ ال ُهجُوعُ‪َ ،‬ومَا َل ِب َ‬
‫ن ال َكرَمَ‬ ‫خرِ ال َق َرمُ‪ ،‬فإِيّاكَ وَِإيّا ُهمَا؛ إِ ّ‬ ‫سمُ ال َ‬ ‫حدُ ُهمَا ال َكرَمُ‪ ،‬وَا ْ‬ ‫صيْنِ‪َ :‬أ َ‬ ‫عََل ْيكَ ذَاكَ‪ ،‬فَلَ آمَنُ عََل ْيكَ ِل ّ‬
‫ن الَ َكرِيمٌ "‬ ‫ن قَوِْل ِهمْ " إِ ّ‬‫عنِي مِ ْ‬ ‫ن ال َبسُوسِ‪َ .‬و َد ْ‬ ‫شَأمُ مِ َ‬
‫ن السّوسِ‪ ،‬وَِإنّ ال َقرَمَ َأ ْ‬ ‫س َرعُ فِي المَالِ مِ َ‬ ‫َأ ْ‬
‫ل َيزِي ُدنَا وَل َينْ ُقصُهُ‪َ ،‬و َينْ َف ُعنَا وَل‬ ‫ن َكرَمَ ا ِ‬ ‫ن الّلبَنِ‪ ،‬بَلَى ِإنّ الَ َل َكرِيمٌ‪ ،‬وََلكِ ّ‬ ‫صبّي عَ ِ‬ ‫خدْعَ ُة ال ّ‬ ‫ِإ ّنهَا ُ‬
‫شكَ‬ ‫حتّى َينْ ُقصِني‪ ،‬وَل َيرِي ُ‬ ‫خصَالُهُ‪ ،‬فََأمّا َكرَم ٌل َيزِي ُدكَ َ‬ ‫ن كَانَتْ هذِ ِه حَالُهُ‪ ،‬فَ ْل َتكْ ُرمُ ِ‬ ‫ضرّهُ‪َ ،‬ومَ ْ‬ ‫َي ُ‬
‫ن ال َمشْؤُومَةِ? ِإ ّنمَا ال ّتجَارَةُ‪،‬‬ ‫ن بُ َقرِيّ‪َ .‬أ َف ِهمْ َت ُهمَا يَا ابْ َ‬
‫عبْ َق ِريّ‪ ،‬وََلكِ ْ‬‫ن ل َأقُولُ َ‬ ‫حتّى َي ْب ِر َينِي‪ ،‬فَخِذلَ ٌ‬ ‫َ‬
‫نل‬ ‫غيْ َر أَ ْ‬
‫طرَ‪ ،‬وَالصّينُ َ‬ ‫خَ‬ ‫نل َ‬ ‫حرِ‪َ ،‬ب ْيدَ أَ ْ‬ ‫ح ال َب ْ‬
‫لكْلَةِ رِي ُ‬ ‫لكَْلةِ وَا َ‬‫حجَارَةِ‪َ ،‬و َبيْنَ ا َ‬ ‫ن ال ِ‬‫ُت ْنبِطُ المَا َء مِ َ‬
‫ل فَل‬ ‫سَ َفرَ‪َ ،‬أ َف َتتْ ُركُهُ وَ ْهوَ ُم ْعرِضٌ ٌث ّم تَطُْلبُهُ وَ ْهوَ ُم ْع َوزٌ? َأ َفهِ ْم َتهَا ل ُأ ّم َلكَ? ِإنّ ُه المَالُ عَافَاكَ ا ُ‬
‫خصَةٌ مَا َلمْ ُت ِذ ّمهُمَا‪ ،‬وََلمْ‬ ‫ك في الخَلّ وال َبصَلِ ُر ْ‬ ‫ك بِالخُ ْبزِ واَلمِلْحِ‪ ،‬وََل َ‬ ‫ن ال ّربْحِ‪ ،‬وَعََل ْي َ‬ ‫ل مِ ْ‬ ‫ُتنْفِ َقنّ ِإ ّ‬
‫ج ْن َبيْ ِه يَقَعُ‪،‬‬
‫طعَامُ َمنْ ل ُيبَالي عَلى َأيّ َ‬ ‫ح ُمكَ َومَا َأرَاكَ َت ْأكُلُهُ‪ ،‬وَالحُلْ ُو َ‬ ‫حمُ َل ْ‬ ‫جمَعْ َب ْي َن ُهمَا‪ ،‬وَالّل ْ‬ ‫َت ْ‬
‫عيَ ُة المَوْتِ‪ُ ،‬ثمّ‬ ‫شبَعِ دَا ِ‬ ‫عيْشُ الصَاِلحِينَ‪ ،‬وَالكْلُ على الجُوعِ وَا ِقيَ َة ال َفوْتِ‪َ ،‬وعَلى ال ِ‬ ‫جبَاتُ َ‬ ‫وَال َو َ‬
‫ل مَا َم َعكَ‪.‬‬ ‫خذْ كُلّ مَا َم َعهُمْ‪ ،‬وَاحْ َفظْ كُ ّ‬ ‫ط َرنْجِ‪ُ :‬‬ ‫ب الشّ ْ‬ ‫س كَلعِ ِ‬ ‫ن مَعَ النّا ِ‬ ‫كُ ْ‬
‫حسِي ُبكَ‪َ ،‬وصَلّى الُ عَلى‬ ‫ت فَالُ َ‬ ‫حسْ ُبكَ‪ ،‬وَِإنْ َأ َبيْ َ‬ ‫ن َقبِلْتَ فَالُ َ‬ ‫س َمعْتُ وََأبَْلغْتُ‪ ،‬فَإِ ْ‬ ‫يَا ُب َنيّ َقدْ َأ ْ‬
‫ج َمعِينَ‪.‬‬ ‫حبِ ِه َأ ْ‬‫صْ‬ ‫حمّدٍ وَعَلى آلِهِ َو َ‬ ‫س ّي ِدنَا ُم َ‬
‫َ‬
‫ال َمقَامَ ُة الصّيْمَرِيّة‬
‫ص ْيمَ ِريّ‪ِ :‬إنّ ِممّا‬ ‫سحَاقَ ال َم ْعرُوفُ ِبَأبِي ال َع ْنبَسَ ال ّ‬ ‫ن ِإ ْ‬‫ح ّمدُ بْ ُ‬ ‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪ :‬قاَلَ ُم َ‬ ‫ح َدثّنا عِيسى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫ع ْبرَةٌ وََأدَبٌ‬ ‫عظَةٌ َو ِ‬ ‫شدَا ِئدِ مَا فِيهِ ِ‬ ‫خبْ ُت ُهمْ وَا ّدخَ ْر ُت ُهمْ لِل ّ‬
‫صطَ َف ْي ُتهُمْ وَا ْن َت َ‬
‫َنزَلَ بِي ِمنْ ِإخْوانِي اّلذِينَ ا ْ‬
‫ع َت َبرَ وَا ّت َعظَ َو َتَأدَبَ‪.‬‬ ‫ِلمَنْ ا ْ‬
‫خ ْرثِيّ وَاللَةِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫جرَابُ َدنَانِيرَ َومِ َ‬ ‫ص ْيمَرَ ِة إِلَى َمدِينَ ِة السّلمِ‪َ ،‬و َمعِي ِ‬ ‫َوذَِلكَ َأنّي َق ِدمْتُ ِمنَ ال ّ‬
‫ت مِنْ أَ ْهلِ ال ُبيُوتَاتِ وال ُكتّابِ وال ّتجّارِ‪َ ،‬و ُوجُوهِ‬ ‫صحِبْ ُ‬ ‫حدٍ‪َ ،‬ف َ‬ ‫ج َمعَهُ إِلى َأ َ‬ ‫حتَا ُ‬ ‫غ ْيرِ ذَِلكَ مَا ل َأ ْ‬ ‫َو َ‬
‫حبَةِ‪ ،‬وَا ّدخَ ْر ُت ُهمْ لِ ْل ّن ْكبَةِ‪ ،‬فَلَمْ‬ ‫خ َت ْر ُت ُهمْ لِ ْلصُ ْ‬
‫عةً ا ْ‬ ‫جمَا َ‬‫جدَةِ والعَقَارِ‪َ ،‬‬ ‫ل ال َثرْوَ ِة وَال َيسَارِ‪ ،‬وَال ِ‬ ‫ال ّثنَا ِء مِنْ أَهْ ِ‬
‫لبْرَاهِي ِميّةِ‪،‬‬ ‫تاِ‬ ‫ت الفَا ِرسِيّةِ‪ ،‬وَال ُمدَقّقَا ِ‬ ‫طبَا ِهجَا ِ‬ ‫جدَايا الرّضَعِ وَال ّ‬ ‫غبُوقٍ‪َ ،‬ن َت َغذّى بِال َ‬ ‫َنزَلْ في صَبُوحٍ وَ َ‬
‫حسِنَاتِ‬ ‫ن ال ُم ْ‬ ‫عنَا مِ َ‬ ‫سمَا ُ‬‫ب الرّشِيدِي وَالحُملنِ‪َ ،‬وشَرَا ُبنَا َنبِيذُ ال َعسَلِ‪َ ،‬و َ‬ ‫حرِقَةِ وَال َكبَا ِ‬ ‫ليَا ال ُم ْ‬‫وَالقَ َ‬
‫طبَ ْر َزدُ‪َ ،‬و َر ْيحَا ُننَا ال َو ْردُ‬ ‫سكّرُ وَال ّ‬ ‫شرُ وَال ّ‬ ‫حذّاقِ‪ ،‬المَ ْوصُوفَاتِ فِي الفَاقِ‪َ ،‬ونَقُْلنَا اللّ ْوزُ المُ َق ّ‬ ‫ال ُ‬
‫سخَى مِنْ‬ ‫ظ َرفَ مِنْ أَبي نُواسٍ‪ ،‬وََأ ْ‬ ‫عبّاسٍ‪ .‬وََأ ْ‬ ‫ع ْب ِد الِ بْن َ‬ ‫عقَلَ مِنْ َ‬ ‫ع ْندَ ُهمْ أَ ْ‬
‫َو ًبخُو ُرنَا ال ّندّ‪َ ،‬و ُكنْتُ ِ‬
‫عذَبَ‬ ‫ن جَرِيرٍ‪ ،‬وَأَ ْ‬ ‫ش َعرَ مِ ْ‬ ‫حبَانِ وَائِلٍ وََأدْهَى ِمنْ َقصِيرٍ‪ ،‬وََأ ْ‬ ‫سْ‬ ‫ن َ‬ ‫عمْرو‪ ،‬وََأبْلَ َغ مِ ْ‬ ‫شجَعَ مِنْ َ‬ ‫حَا ِتمٍ‪ ،‬وََأ ْ‬
‫خفّ ال َمتَاعُ‪،‬‬ ‫ب مِنَ العَا ِفيِةِ‪ ،‬ل ِبذَ ْليِ َو ُمرُو َءتِي‪ ،‬وَِإتْلفِ َذخِي َرتِي‪ ،‬فَلَمّا َ‬ ‫طيَ َ‬ ‫ن َماِء ال ًفرَاتِ‪ ،‬وََأ ْ‬ ‫مِ ْ‬
‫حسّوا بِال ِقصّةِ‪َ ،‬وصَارَتْ في قُلُو ِبهِم‬ ‫جرَابُ‪َ ،‬تبَا َدرَ القَ ْو ُم البَابَ‪َ ،‬لمّا َأ َ‬ ‫شرَاعُ َو َف َرغَ ال ِ‬ ‫حطّ ال ّ‬ ‫وَا ْن َ‬
‫ضجْرَةُ‪ ،‬فَا ْنسَلّوا َقطْرَةً‬ ‫خ َذ ْت ُهمُ ال ّ‬
‫شرَارِ‪ ،‬وَأ َ‬ ‫ع ْونِي َبرْصَةً‪ ،‬وَ ْا َن َبعُثوا لِلْ ِفرَارِ َك َر ْميَةِ ال ّ‬ ‫غصّةً‪َ ،‬ودَ َ‬ ‫ُ‬
‫ش َتمَلَتْ ِم ْن ُهمْ عَلى‬ ‫سرَةَ‪ ،‬وَا ْ‬ ‫حْ‬‫جرّةِ‪ ،‬قَدْ َأ ْو َرثُونِي ال َ‬ ‫طرَةً‪َ ،‬وتَ َف ّرقُوا َي ْمنَةً َو َيسْرَةً‪َ ،‬وبَقِيتُ عَلى ال ُ‬ ‫قَ ْ‬
‫ت فِي ِه َلمْ‬ ‫ال َع ْبرَ ُة ل ُأسَاوِي َب ْعرَةً‪َ ،‬وحِيدا َفرِيدا كَالُبومِ‪ ،‬المَوسُومِ بَالشّومِ‪َ ،‬أقَعُ وََأقُومُ‪َ ،‬كأَنّ اّلذِي ُكنْ ُ‬
‫ت بِي طُ ْرشَةٌ‪َ ،‬أ ْقبَحُ ِمنْ‬ ‫حشَةً‪َ ،‬وصَارَ ْ‬ ‫جمَالِ َو ْ‬ ‫ن َلمْ َتنْ َف ْعنِي ال ّندَامَةُ‪َ ،‬ف ُبدّلْتُ بِال َ‬ ‫َيكُنْ‪َ ،‬و َن ِدمْتُ حِي َ‬
‫حصَلَ ِب َيدِي َذنَبُ ال َع ْنزِ‪،‬‬ ‫طنْزُ‪َ ،‬و َ‬ ‫ب المَالُ َو َب ِقيَ ال ّ‬ ‫عبَادِيّ‪َ ،‬و َقدْ ذَهَ َ‬ ‫رَ ْهطَةَ ال ُمنَادِى‪َ ،‬كَأنّي رَاهِبٌ ِ‬
‫خدّي‪ ،‬أْع ُمرُ َم ْن ِزلً‬ ‫ت ُدمُوعِي َ‬ ‫جدّي‪َ ،‬قدْ َقرّحَ ْ‬ ‫حدِي ُمتَ َف ّتتَ ًة َك ِبدِي‪ِ ،‬ل َتعْسِ َ‬ ‫حصَلْتُ في َب ْيتِي َو ْ‬ ‫َو َ‬
‫سيُولُهُ‪َ ،‬فَأضْحَى وََأ ْمسَى ِب َر ْبعِهِ ال ُوحُوش‪َ ،‬تجُولُ َو َتنُوشُ‪َ ،‬و َقدْ‬ ‫عفَتْ َمعَاِلمَ ُه ُ‬ ‫َد َرسَتْ طُلُوُلهُ‪ ،‬وَ َ‬
‫لخَوَانُ‬ ‫ضنِي الّن َدمَاءِ‪ ،‬وَا ِ‬ ‫ب جَاهِي‪َ ،‬و َن ِفدَتْ صِحاحِي‪َ ،‬وقَلّ َمرَاحِي‪َ ،‬وسََلحْتُ فِي رَاحِي‪َ ،‬و َرفَ َ‬ ‫ذَهَ َ‬
‫ن َبزِيع ال َهرّاسِ َو َرزِينٍ المّراسِ‪َ ،‬أ َترَ ّددُ‬ ‫عدّ ِمنَ النّاسِ‪ ،‬أَ ْو َتحُ مِ َ‬ ‫ال ُق َدمَاءُ‪ ،‬ل ُي ْرفَعُ لِي رَأْسٌ‪ ،‬وَل أُ َ‬
‫سخِينَةٌ‪َ ،‬ونَ ْفسِي رَهِينَةٌ‪،‬‬ ‫ع ْينِي َ‬ ‫شطّ‪َ ،‬كَأنّي رَاعِي ال َبطّ‪َ ،‬أ ْمشِي وََأنَا حَافي‪ ،‬وََأ ْتبَعُ ال َفيَافِي‪َ ،‬‬ ‫عَلى ال ّ‬
‫صخْرٍ‪.‬‬ ‫خ ْنسَاءِ عَلى َ‬ ‫حزْنا ِمنَ ال َ‬ ‫شدّ ُ‬ ‫ح ْيرِ‪َ ،‬أ َ‬ ‫ع ْيرٌ َيدٌورٌ فَي ال َ‬ ‫ن َد ْيرٍ‪ ،‬أَوْ َ‬ ‫ن َقدْ َأفْلَتَ مِ ْ‬ ‫جنُو ٌ‬ ‫َكَأنّي َم ْ‬
‫ت صُرّتي‪َ ،‬وفَرّ غُلمِي‪َ ،‬و َكثُرَتْ‬ ‫حتِي‪َ ،‬وفَرَغَ ْ‬ ‫صّ‬‫لشَتْ ِ‬ ‫عمْرو َو َقدْ تَاهَ عَقْلِي‪َ ،‬وتَ َ‬ ‫ن ِه ْندٍ عَلى َ‬ ‫َومِ ْ‬
‫ظهَر بِالّليْلِ‬ ‫ن الدّارِ‪َ ،‬أ ْ‬ ‫شيْطا ِ‬ ‫صرْتُ ِب َم ْنزِلَةِ ال ُعمّارِ‪َ ،‬و َ‬ ‫س المِ ْقدَارَ‪َ ،‬و ِ‬ ‫ت في ال َوسْوِا ِ‬ ‫جزْ ُ‬ ‫َأحْلمِي‪َ ،‬و ِ‬
‫ح َمقُ مِنْ‬ ‫طيْطَىءِ ال َقصّارِ وََأ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن مِ ْ‬ ‫ن حَفّارٍ وََأثْقَلُ ِمنْ كِراء الدْارِ وَ ْأرَعَ ُ‬ ‫وََأخْفَى بِال ّنهَارِ أَشَأمُ مِ ْ‬

‫‪34‬‬
‫خ َرجْتُ ِمنَ المِلّةِ‪ ،‬وََأ ْب َغضْتُ فِي الِ‪َ ،‬و ُكنْ ُ‬
‫ت‬ ‫شمَلَ ْتنِي الذّلْةُ ‪َ ،‬و َ‬ ‫دَا ُودَ ال َعصّارِ َو َقدْ حَالَ َف ْتنِي القِلّةُ َو َ‬
‫جدُ لِي نَاصِرا‪،‬‬ ‫حجّةُ‪ ،‬ل َأ ِ‬ ‫حجّةَ‪َ ،‬وصَارَتْ عََليّ ال ُ‬ ‫ت ال َم َ‬ ‫عمَلّسِ‪ .‬قَدْ ضَلِلْ ُ‬ ‫صرْتُ َأبَا َ‬ ‫َأبَا ال َع ْنبَسِ‪ ،‬فَ ِ‬
‫صعُبَ‪ ،‬وَال ّزمَانَ َقدْ كَلِبَ‪ ،‬ال َت َمسْتُ ال ّدرْ َهمَ‬ ‫لمْرَ َقدْ َ‬ ‫تاَ‬ ‫ع ْندِي َأرَا ُه حَاضِرا‪ ،‬فَلَمّا رََأيْ ُ‬ ‫لفْلسُ ِ‬ ‫وَا ِ‬
‫ت َأسِيحُ َكَأّنيَ ال َمسِيحُ‪،‬‬ ‫خرَجْ ُ‬ ‫ن ال َف ْر َقدَيْنِ‪َ .‬ف َ‬ ‫ح َريْنِ‪ ،‬وََأ ْب َعدَ مِ ْ‬ ‫ع ْندَ ُمنْ َقطِعِ ال َب ْ‬ ‫س َريْنِ‪َ ،‬و ِ‬ ‫َفِإذَا هُ َو مَعَ ال ّن ْ‬
‫ستَانَ وَإِلَى‬ ‫ط ْبرِ ْ‬ ‫ن إِلَى ُ‬ ‫ستَانَ‪ ،‬وَجيلَ َ‬ ‫سجِ ْ‬ ‫ب ِم ْنهَا وَال ُع ْمرَانَ‪ ،‬إِلَى َك ْرمَانَ َو ِ‬ ‫خرَاسَانَ‪ ،‬وَالخَرا َ‬ ‫َفجُلْتُ ُ‬
‫ل ال َبرَارِيّ‬ ‫طِائِف‪َ ،‬أجُو ُ‬ ‫حجَازِ‪َ ،‬و َمكّةَ‪ ،‬وَال ّ‬ ‫س ْندِ‪ ،‬وَال ِه ْندِ‪ ،‬وَالنّوبَةِ‪ ،‬وَال ُق ْبطِ‪ ،‬وَال َيمَنِ‪ ،‬وَال ِ‬ ‫ن إِلَى ال ّ‬ ‫عمَا َ‬ ‫ُ‬
‫خصْ َيتَايَ‪،‬‬ ‫ت ُ‬ ‫ج َنتَايَ‪َ ،‬وتَقَّلصَ ْ‬ ‫حتّى اسْ َودّتْ َو ْ‬ ‫حمَارِ‪َ ،‬‬ ‫صطَلِي بِالّناِر‪ ،‬وَآوِي مَ َع ال ِ‬ ‫وَالْقِفَارِ‪ ،‬وََأ ْ‬
‫خفِ‬ ‫سْ‬‫شعَارِ ا ْل ُم َتطَ ّرفِينَ‪َ ،‬و ُ‬ ‫لسْمَارِ‪ ،‬وَالفَوَا ِئدِ وَالثَارِ‪ ،‬وََأ ْ‬ ‫خبَارِ وَا َ‬ ‫لْ‬ ‫ن النّوَا ِدرِ وَا َ‬ ‫ج َمعْتُ مِ َ‬ ‫َف َ‬
‫شعْ ِوذِينَ‪َ ،‬و َنوَامِيسِ ال ُم َت َمخْ ِرقِينَ‪،‬‬ ‫حيَلِ ال ُم َ‬‫حكَامِ ال ُمتَفَ ْلسِفِينَ‪َ ،‬و ِ‬ ‫سمَا ِر ال ُم َتيّمِينَ‪ ،‬وََأ ْ‬ ‫المُ ْلهِينَ‪ ،‬وََأ ْ‬
‫جرَابِذَةِ‪،‬‬ ‫خمَسَ ِة ال َ‬ ‫خ ّنثِينَ‪َ ،‬و َد ْ‬ ‫ط ّببِينَ‪َ ،‬و ِك ِيَادِ ال ُم َ‬ ‫ق ال ُم َنجّمِينَ‪ ،‬وَُلطْفِ ال ُم َت َ‬ ‫َو َنوَادِرِ ال ُمنَا ِدمِينَ‪َ ،‬و َرزْ ِ‬
‫س ْترَ ْفدْتُ‬‫ض ِبيّ‪ .‬وَعِ ْلمُ الكَ ْل ِبيّ‪ .‬فَ ْا َ‬ ‫شعْ ِبيّ‪َ ،‬وحِ ْفظُ ال ّ‬ ‫عنْ ُه ُف ْتيَا ال ّ‬‫صرَ َ‬ ‫لبَاِلسَةِ‪َ ،‬ومَا قَ ّ‬ ‫طنَةِ ا َ‬ ‫ش ْي َ‬
‫َو َ‬
‫خذْتُ مِنْ‬ ‫ن المَالِ‪ ،‬وَا ّت َ‬ ‫سبْتُ َثرْوَ ًة مِ َ‬ ‫حتّى َك َ‬ ‫جيْتُ‪َ ،‬‬ ‫ج َتدَيْتُ‪َ ،‬وتَ َوسّلْتُ َو َت َك ّديْتُ‪َ ،‬و َم َدحْتُ وَهَا َ‬ ‫وَا ْ‬
‫طيّةِ‪،‬‬ ‫خّ‬ ‫ع السّا ِب ِريّةِ‪ .‬وَال ّد َرقِ الّتبّتيّةِ‪ ،‬وَال ّرمَاحِ ال َ‬ ‫ح ال ِه ْندِيّةِ‪ ،‬وَال ْقضُبِ ال َيمَا ِنيّةِ‪ ،‬وَال ّدرُو ِ‬ ‫الصّفَائ ِ‬
‫سيّةِ‪ ،‬وَال ّديَابِيجِ‬ ‫ح ْمرُ ال َمرِي ِ‬ ‫ل ْر َمنِيّةِ‪ ،‬وَال ُ‬ ‫ج ْردِيّةِ‪ ،‬وَال ِبغَالِ ا َ‬ ‫خيْلِ ال ِعتَاقِ ال ُ‬ ‫حرَابِ ال َب ْر َب ِريّةِ‪ ،‬وَال َ‬ ‫وَال ِ‬
‫حسْنِ الحَالِ‪،‬‬ ‫حفِ‪ ،‬مَ َع ُ‬ ‫طفِ‪ ،‬وَال َهدَايَا وَال ّت َ‬ ‫ط َرفِ وَالّل ُ‬ ‫سيّةِ‪ ،‬وََأنْواعِ ال ّ‬ ‫خزُوزِ السّو ِ‬ ‫الرّو ِميّةِ‪ ،‬وَا ْل ُ‬
‫سرّوا ِبمَ ْق َدمِي‪،‬‬ ‫خبَري‪َ ،‬ومَا رُز ْقتُهُ فِي سَ َفرِي‪ّ ،‬‬ ‫جدَ ال َق ْومُ َ‬ ‫َو َكثْر ِة المَالِ‪ ،‬فََلمّا َق ِدمْتُ َب ْغدَادَ وَ َو َ‬
‫شدّةَ‬‫شكَوْا ِ‬ ‫حشَةِ ِلفَ ْقدِي‪َ ،‬ومَا نَاَل ُهمْ ِل ُب ْعدِي‪َ ،‬و َ‬ ‫ع ْندَهُمْ ِمنَ ال َو ْ‬ ‫ن مَا ِ‬ ‫شكُو َ‬ ‫ج َم ِعهِمْ إَِليّ‪َ ،‬ي ْ‬ ‫َوصَارُوا ِبَأ ْ‬
‫ظ ِهرُ ال ّن َدمَ عَلى مَا صَنَعَ‪،‬‬ ‫حدٍ ِم ْن ُهمْ َي ْع َتذِ ُر ِممّا فَعَلَ‪َ ،‬و ُي ْ‬ ‫جعَلَ كُلّ وَا ِ‬ ‫الشّ ْوقِ‪َ ،‬و ُرزْءَ التّ ْوقِ َو َ‬
‫سهُمْ‪،‬‬ ‫جدَةِ عَلَي ِهمْ ِبمَا تَ َق ّدمَ‪َ ،‬فطَابَتْ نُفُو ُ‬ ‫ظهِ ْر َل ُهمْ َأ َثرَ المَ ْو ِ‬ ‫ع ْن ُهمْ‪ ،‬وََلمْ ْأ ْ‬ ‫َفأَوْ َه ْم ُتهُمْ َأنّي َقدْ صَ َفحْتُ َ‬
‫ع ْندِي‪،‬‬ ‫ستُ ُهمْ ِ‬ ‫ح َب ْ‬
‫صرَفُوا عَلى ذَِلكَ‪ ،‬وَعَادُوا إِليّ فِي اليَ ْومِ الثّانِي‪َ ،‬ف َ‬ ‫ح ُهمْ‪ ،‬وَا ْن َ‬ ‫س َكنَتْ جَوَار ُ‬ ‫َو َ‬
‫طبّاخَةٌ حَا ِذقَةٌ؛‬ ‫ت ِبشِرَائِ ِه ِإلّ َأتَى بِهِ‪َ ،‬وكَانَتْ َلنَا َ‬ ‫ش ْيئَا تَ َق ّدمْ ُ‬
‫ق فَلَمْ َي َدعْ َ‬ ‫جهْتُ َوكِيلي إِلَى السّو ِ‬ ‫وَ َو ّ‬
‫طبَا ِهجَاتٍ‪َ ،‬ونَوا ِدرَ ُم َعدّاتٍ‪ ،‬وََأكَ ْلنَا وَا ْنتَقَ ْلنَا‬ ‫ح ِرقَاتٍ‪ ،‬وَأَلْوَانا ِمنْ َ‬ ‫ليَا ُم ْ‬ ‫ن قَ َ‬ ‫شرِينَ َل ْونَا مِ ْ‬ ‫عْ‬ ‫فَا ْتخَذْتُ ِ‬
‫خذُوا فِي‬ ‫سنَاتٌ‪َ ،‬فأَ َ‬ ‫ن ُمحْ ِ‬ ‫حسَا ٌ‬ ‫سيّةٌ‪َ ،‬و ُم َغ ّنيَاتٌ ِ‬ ‫خ ْن َدرِي ِ‬‫ضرَتْ َل ُهمْ زَ ْهرَاءٌ َ‬ ‫س الشّرَابِ‪َ ،‬فُأحْ ِ‬ ‫إِلَى َمجْلِ ِ‬
‫صنّا‬ ‫شرَ َ‬ ‫عَ‬ ‫خمْسَةَ َ‬ ‫س َت ْع َددْتُ َل ُهمْ ِب َع َددِهِ ْم َ‬ ‫ن يَ ْومٍ َيكُونُ‪َ ،‬و َقدْ ُكنْتُ ا ْ‬ ‫حسَ ُ‬ ‫ش ِر ْبنَا‪َ ،‬فمَضَى َلنَا َأ ْ‬ ‫ش ْأ ِن ِهمْ َو َ‬‫َ‬
‫حمّالٍ‬ ‫حمّالً‪ ،‬كلّ َ‬ ‫حدٍ ِم ْن ُهمْ َ‬ ‫لمِي ِلكُلّ وَا ِ‬ ‫س َت ْأجَرَ غُ َ‬ ‫ل صَنّ ِبَأ ْر َبعَةِ آذَانٍ‪ ،‬وا ْ‬ ‫صنَانِ البَا ِذ ْنجَانِ‪ ،‬كُ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫مِ ْ‬
‫خرَةِ‪َ ،‬وتَ َق ّدمْتُ إِلى‬ ‫ع ّرفَ الحَمالِينَ َمنَازِلَ ال َق ْومِ‪َ ،‬وتَ َق ّدمَ إَِل ْي ِهمْ بِالمُوَافَاةِ ِبعِشاَءِ ال ِ‬ ‫ِب ِدرْهَمينِ‪ ،‬وَ َ‬
‫خرُ َبيْنَ َأ ْي ِد ِي ِهمْ ال ّندّ‬ ‫ص ِرفَ َل ُهمْ‪ ،‬وََأنَا ُأ َب ّ‬ ‫ن َي ْدفَعَ إِلَى ال َق ْومِ بِا ْلمَنّ وَال ّرطْلِ‪َ ،‬ويَ ْ‬ ‫غُلَمي َوكَانَ دَا ِهيَ ًة أَ ْ‬
‫ع ْندَ‬‫ت لَ َيعْقِلُونَ َووَافَانَا غِ ْلمَا ُنهُمْ ِ‬ ‫س ْكرِ َأمْوَا ُ‬ ‫عةٌ ِإلّ وَ ُهمْ ِمنَ ال ّ‬ ‫وَالعُودَ وَال َع ْن َبرَ‪َ ،‬فمَا َمضَتْ سَا َ‬
‫ع ْندِي الّلْيلَ َة بَا ِئتُونَ‪،‬‬ ‫حدٍ ِم ْن ُهمْ ِبدَابّةٍ َأ ْو حِمارٍ َأوْ َبغْلَةٍ‪َ ،‬ف َعرّ ْف ُت ُهمْ َأ ّن ُهمْ ِ‬ ‫شمْسِ كلّ وَا ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫غرُو ِ‬ ‫ُ‬
‫طعَاما َفَأكَلَ‪َ ،‬وسَ َق ْيتُ ُه مِنَ‬ ‫ض ْرتُهُ‪َ ،‬و َق ّدمْتُ إَِليْ ِه َ‬ ‫جهْتُ إِلى بِلَلٍ ال ُم َزيّنِ َفَأحْ َ‬ ‫فَا ْنصَ َرفُوا‪َ ،‬و َو ّ‬
‫ش ْأ َنكَ وَالقَ ْومَ‪،‬‬ ‫ح َمرَينِ‪َ ،‬وقُلْتُ‪َ :‬‬ ‫ن َأ ْ‬ ‫جعَلْتُ فِي فِيهِ دِينَارَيْ ِ‬ ‫حتّى َثمِلَ‪َ ،‬و َ‬ ‫ب َ‬ ‫طرُ بّلىً‪َ ،‬فشَرِ َ‬ ‫ب ال ُق ْ‬‫الشّرَا ِ‬
‫ح َيةَ‬ ‫جعَلْتُ ِل ْ‬ ‫جنّةِ‪َ ،‬و َ‬ ‫جرْدا ُمرْدا‪َ ،‬كأَهْلِ ال َ‬ ‫حيَةً‪َ ،‬فصَارَ ال َق ْومُ ُ‬ ‫شرَةَ ِل ْ‬ ‫عْ‬ ‫خمْسَ َ‬ ‫ح َدةٍ َ‬ ‫َفحَلَقَ فِي سَاعَةٍ وَا ِ‬
‫ض َمرَ ِبصَدِيقِ ِه ال َغ ْدرَ‬ ‫صرُورَ ًة فِي َث ْوبِهِ‪َ ،‬و َم ْعهَا ُر ْقعَةٌ َم ْكتُوبٌ فِيهَا‪َ " :‬منْ َأ ْ‬ ‫حدٍ ِم ْن ُهمْ مَ ْ‬ ‫كُلَِ وَا ِ‬
‫صنَانِ‪َ ،‬ووَافَى‬ ‫شدَ ْدنَا ُهمْ فِي ال ّ‬ ‫ج ْيبِهِ‪َ ،‬و َ‬ ‫جعَ ْل ُتهَا فِي َ‬ ‫جزَا َء "‪َ .‬و َ‬ ‫ن َهذَا ُم َكاَفَأتَهُ وَال َ‬ ‫َو َت ْركَ ال َوفَاءِ‪ ،‬كَا َ‬
‫سرَةٍ‪َ ،‬فحَصَلُوا فِي َمنَازِِلهِمْ‪ ،‬فََلمّا َأصْ َبحُوا رَأَوْا فِي‬ ‫حمَلُو ُهمْ ِب َكرّةٍ خَا ِ‬ ‫خرَةِ‪َ ،‬ف َ‬ ‫عشَاءَ ال ِ‬ ‫حمّالُونَ ِ‬ ‫ال َ‬
‫لخْوانِهِ‪،‬‬ ‫ظهَ ُر ِ‬ ‫ب إِلَى ِديَوَانِهِ‪ ،‬وَل َي ْ‬ ‫خرُجُ ِم ْن ُهمْ تَاجِ ٌر إِلَى ُدكّانِهِ‪ ،‬وَل كَاتِ ٌ‬ ‫عظِيما‪ ،‬ل َي ْ‬ ‫س ِهمْ َهمّا َ‬ ‫نُفُو ِ‬
‫ش ِتمُو َننِي َويُ َزنّو َننِي‪،‬‬ ‫ن َورِجَالٍ َي ْ‬ ‫خوَِل ِهمْ‪َ ،‬و ِمنْ ِنسَاءٍ وَغِ ْلمَا ٍ‬ ‫ن كُلّ َي ْومٍ َي ْأتِي خَ ْلقٌ َكثِيرٌ ِمنْ َ‬ ‫َفكَا َ‬
‫خ َبرُ ِب َمدِينَةِ‬ ‫ع َبأُ ِبمَقَاِل ِهمْ‪َ ،‬وشَاعَ ال َ‬ ‫ن الَ عَليّ‪ ،‬وََأنَا سَاكِتٌ ل َأرْدّ عَلَي ِهمْ جَوَابا‪ ،‬وََل ْم أَ ْ‬ ‫ح ِكمُو َ‬ ‫ستَ ْ‬ ‫َو َي ْ‬
‫ع َب ْيدِ اللُه‪َ .‬وذَِلكَ َأنّهُ طَلَبَ‬ ‫سمَ بْنَ ُ‬ ‫حتّى بَلَغَ ال َوزِيرَ القَا ِ‬ ‫ل ُمرُ َي ْزدَادُ َ‬ ‫السّلمِ بِ ُفعْلِي َم َع ُهمْ‪ ،‬وََلمْ َيزَلِ ا َ‬
‫صنَعَ‬ ‫ن َأجْلِ مَا َ‬ ‫خرُوجِ‪ ،‬قَالَ‪ :‬وَِلمَ? قِيلَ‪ :‬مِ ْ‬ ‫كَاتِبا لَ ُه فَا ْفتَ َقدَهُ‪ ،‬فَقِيلَ‪ِ :‬إنّ ُه فِي َم ْنزِلِ ِه ل يَ ْق ِدرُ عَلى ال ُ‬
‫سرَاوِيلِ ِه أَ ْو بَالَ‪،‬‬ ‫حتّى كَادَ ُيبَ ِولُ فِي َ‬ ‫حكَ َ‬ ‫ش َرتِهِ َو ُمنَادَ َمتِهِ‪َ ،‬فضَ ِ‬ ‫ن ا ْم ُتحِنَ ِب ِع ْ‬ ‫لنّهُ كَا َ‬ ‫َأبُو ال َع ْنبَسِ؛ َ‬
‫طأَ فِيمَا فَعَلَ‪َ ،‬ذرُو ُه َفِإنّهُ َأعَْلمِ النّاسِ ِب ِهمْ‪ُ ،‬ثمّ َوجّ َه إَِليّ‬ ‫خَ‬ ‫ل لَ َقدْ َأصَابَ َومَا َأ ْ‬ ‫ل أَعَْلمْ‪ُ .‬ثمّ قَالَ‪ :‬وا ِ‬ ‫وا ُ‬

‫‪35‬‬
‫س ِتحْسَانِ ِه فِعْلِي‪َ ،‬و َم َكثْتُ فَي‬ ‫ن أَ ْلفَ ِدرْ َهمٍ‪ ،‬ل ْ‬ ‫خ ْمسِي َ‬ ‫ل إَِليّ َ‬ ‫حمَ َ‬‫س ِنيّةً‪َ ،‬وقَادَ َفرَسا ِبمَ ْركَبٍ‪َ ،‬و َ‬ ‫خِ ْلعَةً َ‬
‫صنَعَ‬ ‫ض ُهمْ ِلعِ ْلمِ ِه ِبمَا َ‬ ‫حنِي َبعْ ُ‬ ‫ت َبعْ َد السْ ِتتَارِ‪َ ،‬فصَاَل َ‬ ‫ظهَرْ ُ‬ ‫شرَبُ‪ُ ،‬ثمّ َ‬ ‫ن ُأنْ ِفقُ وَآكلُ وََأ ْ‬ ‫شهْ َريْ ِ‬‫َم ْنزِلِي َ‬
‫ن رَ ْأسِهِ َأبَدا‪،‬‬ ‫ل ُيكَّلمُنيِ مِ ْ‬ ‫جوَارِيهِ َأنّهُ َ‬ ‫ض ُهمْ بِالطّلَقِ الثّلَثِ َو ِب ِع ْتقِ غِ ْلمَانِهِ َو َ‬ ‫الوَِزيرُ‪َ ،‬وحََلفَ َبعْ ُ‬
‫ل ُأ ُذنِي‪ ،‬وَل‬ ‫حكّ َأصْ ُ‬ ‫ل العَظِيمِ شَانُهُ‪ ،‬العَِليّ ُبرْهَانَهُ‪ ،‬مَا ا ْكتَ َرثْتُ ِبذَِلكَ‪ ،‬وَل بَاَليْتُ‪ ،‬وَل ُ‬ ‫فَل وا ِ‬
‫شرِبَ‬ ‫ب َقضَاهَا ْ‪.‬رُ بّلىً‪ ،‬فَ َ‬ ‫س َيعْقو َ‬ ‫س ّرنِي‪ ،‬وَِإ ّنمَا كانَتْ حَاجَةٌ فِي نَفْ ِ‬ ‫ص ّرنِي‪ ،‬بَلْ َ‬ ‫أَ ْوجَ َع َبطْنِي‪ ،‬وَل َ‬
‫حدَةٍ‬‫ش ْأ َنكَ وَالقَ ْومَ‪ ،‬فَحََلقَ فِي سَاعَةٍ وَا ِ‬ ‫حمَرَينِ‪َ ،‬وقُلْتُ‪َ :‬‬ ‫ن َأ ْ‬
‫ت فِي فِي ِه دِينَا َريْ ِ‬ ‫جعَلْ ُ‬ ‫حتّى َثمِلَ‪َ ،‬و َ‬ ‫َ‬
‫حدٍ ِم ْن ُهمْ‬‫حيَ َة كُلَِ وَا ِ‬‫جعَلْتُ ِل ْ‬ ‫جنّةِ‪َ ،‬و َ‬ ‫جرْدا مُرْدا‪َ ،‬كأَهْلِ ال َ‬ ‫حيَةً‪ ،‬فَصَارَ ال َق ْومُ ُ‬ ‫شرَ َة ِل ْ‬
‫عْ‬ ‫خمْسَ َ‬ ‫َ‬
‫ض َمرَ ِبصَدِي ِقهِ ال َغ ْدرَ َو َت ْركَ ال َوفَاءِ‪ ،‬كَانَ‬ ‫َمصْرُورَ ًة فِي ثَ ْوبِهِ‪َ ،‬و َم ْعهَا رُ ْقعَ ٌة َم ْكتُوبٌ فِيهَا‪ " :‬مَنْ َأ ْ‬
‫عشَاءَ‬ ‫حمّالُونَ ِ‬ ‫صنَانِ‪ ،‬وَوَافَى ال َ‬ ‫ش َد ْدنَا ُهمْ فِي ال ّ‬‫ج ْيبِهِ‪َ ،‬و َ‬ ‫جعَ ْل ُتهَا فِي َ‬ ‫جزَاءَ "‪َ .‬و َ‬ ‫َهذَا ُم َكاَفَأتَهُ وَال َ‬
‫س ِهمْ َهمّا‬ ‫ص َبحُوا رَأَوْا فِي نُفُو ِ‬ ‫سرَةٍ‪َ ،‬فحَصَلُوا فِي َمنَازِِل ِهمْ‪ ،‬فََلمّا َأ ْ‬ ‫حمَلُو ُهمْ ِب َكرّ ٍة خَا ِ‬ ‫الخِرَةِ‪َ ،‬ف َ‬
‫ن كُلّ‬ ‫لخْوانِهِ‪َ ،‬فكَا َ‬ ‫ظ َهرُ ِ‬ ‫جرٌ إِلَى ُدكّانِهِ‪ ،‬وَل كَاتِبٌ إِلَى ِديَوَا ِنهِ‪ ،‬وَل يَ ْ‬ ‫ج ِم ْنهُمْ تَا ِ‬‫عظِيما‪ ،‬ل َيخْرُ ُ‬ ‫َ‬
‫س َتحْ ِكمُونَ‬ ‫ش ِتمُو َننِي َو ُي َزنّو َننِي‪َ ،‬و َي ْ‬ ‫ن خَوَِل ِهمْ‪َ ،‬و ِمنْ ِنسَاءٍ وَغِ ْلمَانٍ َو ِرجَالٍ َي ْ‬ ‫ق َكثِيرٌ مِ ْ‬ ‫َي ْومٍ َي ْأتِي خَلْ ٌ‬
‫خ َبرُ ِب َمدِينَ ِة السّلمِ بِ ُفعْلِي‬ ‫ع َبأُ ِبمَقَاِل ِهمْ‪َ ،‬وشَاعَ ال َ‬ ‫الَ عَليّ‪ ،‬وََأنَا سَاكِتٌ ل َأ ْردّ عَلَي ِهمْ جَوَابا‪ ،‬وََل ْم أَ ْ‬
‫ع َب ْيدِ اللُه‪َ .‬وذَِلكَ َأنّهُ طَلَبَ كَاتِبا َلهُ‬ ‫سمَ بْنَ ُ‬ ‫حتّى بَلَغَ ال َوزِيرَ القَا ِ‬ ‫ل ُمرُ َي ْزدَادُ َ‬ ‫َم َع ُهمْ‪ ،‬وََلمْ َيزَلِ ا َ‬
‫صنَعَ َأبُو‬ ‫ل مَا َ‬ ‫خرُوجِ‪ ،‬قَالَ‪ :‬وَِلمَ? قِيلَ‪ِ :‬منْ َأجْ ِ‬ ‫فَافْتَ َقدَهُ‪ ،‬فَقِيلَ‪ِ :‬إنّ ُه فِي َمنْزِلِ ِه ل يَ ْق ِدرُ عَلى ال ُ‬
‫سرَاوِيلِ ِه أَ ْو بَالَ‪ ،‬والُ‬ ‫حتّى كَادَ ُي َبوِلُ فِي َ‬ ‫ضحِكَ َ‬ ‫ش َرتِهِ َو ُمنَادَ َمتِهِ‪َ ،‬ف َ‬ ‫ن ِبعِ ْ‬ ‫ن ا ْم ُتحِ َ‬ ‫لنّهُ كَا َ‬ ‫ال َع ْنبَسِ؛ َ‬
‫س ِب ِهمْ‪ُ ،‬ثمّ َوجّهَ إَِليّ‬ ‫طأَ فِيمَا َفعَلَ‪ ،‬ذَرُو ُه فَِإنّ ُه أَعَْلمِ النّا ِ‬ ‫خَ‬‫َأعَْلمْ‪ُ .‬ثمّ قَالَ‪ :‬والِ َل َقدْ َأصَابَ َومَا َأ ْ‬
‫س ِتحْسَانِ ِه فِعْلِي‪َ ،‬و َم َكثْتُ فَي‬ ‫ن أَ ْلفَ ِدرْ َهمٍ‪ ،‬ل ْ‬ ‫خ ْمسِي َ‬ ‫ل إَِليّ َ‬ ‫حمَ َ‬‫س ِنيّةً‪َ ،‬وقَادَ َفرَسا ِبمَ ْركَبٍ‪َ ،‬و َ‬ ‫خِ ْلعَةً َ‬
‫صنَعَ‬ ‫ض ُهمْ ِلعِ ْلمِ ِه ِبمَا َ‬ ‫حنِي َبعْ ُ‬ ‫ت َبعْ َد السْ ِتتَارِ‪َ ،‬فصَاَل َ‬ ‫ظهَرْ ُ‬ ‫شرَبُ‪ُ ،‬ثمّ َ‬ ‫ن ُأنْ ِفقُ وَآكلُ وََأ ْ‬ ‫شهْ َريْ ِ‬‫َم ْنزِلِي َ‬
‫ن رَ ْأسِهِ َأبَدا‪،‬‬ ‫ل ُيكَّلمُنيِ مِ ْ‬ ‫جوَارِيهِ َأنّهُ َ‬ ‫ض ُهمْ بِالطّلَقِ الثّلَثِ َو ِب ِع ْتقِ غِ ْلمَانِهِ َو َ‬ ‫الوَِزيرُ‪َ ،‬وحََلفَ َبعْ ُ‬
‫ل ُأ ُذنِي‪ ،‬وَل‬ ‫حكّ َأصْ ُ‬ ‫ل العَظِيمِ شَانُهُ‪ ،‬العَِليّ ُبرْهَانَهُ‪ ،‬مَا ا ْكتَ َرثْتُ ِبذَِلكَ‪ ،‬وَل بَاَليْتُ‪ ،‬وَل ُ‬ ‫فَل وا ِ‬
‫ب قَضَاهَا‪.‬‬ ‫سرّنِي‪ ،‬وَِإ ّنمَا كانَتْ حَاجَ ٌة فِي نَفْسِ َيعْقو َ‬ ‫ل َ‬ ‫طنِي‪ ،‬وَل صَ ّرنِي‪ ،‬بَ ْ‬ ‫َأ ْوجَعَ َب ْ‬
‫ل ْنذَالِ‬ ‫لخْوانِ ا َ‬ ‫ن َأ ْبنَاءِ ال ّزمَنِ‪َ ،‬و ُت ْت َركَ الثّ َقةُ بِا ِ‬‫ح َذرُ مِ ْ‬ ‫خذَ ال َ‬
‫وَِإ ّنمَا َذ َكرْتُ هَذا َو ّنهْتُ عََليْ ِه ِليُ ْؤ َ‬
‫س َتعِيرُ ُك ُت َب ُهمْ ل‬ ‫س َتخِفّ ِب ِهمْ‪َ ،‬و َي ْ‬ ‫ل َدبَاءِ‪َ ،‬و َي ْ‬
‫حقّ ا ُ‬ ‫لنٍ ال َورّاقِ ال ّنمّامِ ال ّزرّافِ اّلذِي ُي ْن ِكرُ َ‬ ‫السّفَلِ‪َ ،‬وبِفُ َ‬
‫س َتعَانُ‪َ ،‬وعََليْهِ ال ُتكْلَنُ‪.‬‬ ‫َي ُردّهَا عََل ْي ِهمْ‪ ،‬وَالُ ال ُم ْ‬
‫ال َمقَامَ ُة الدّينَارِيّة‬
‫حذِ َرجُلٍ ِب َب ْغدَادَ‪،‬‬ ‫شَ‬ ‫ص ّدقُ بِهِ عَلى َأ ْ‬ ‫ن هِشامٍ قَالَ‪ :‬اتّ َفقَ لي َن ْذرٌ َن َذ ْرتُهُ في دِينَارٍ َأ َت َ‬ ‫ح ّد َثنَا عِيسَى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫جدْتُ ُه فِي‬ ‫ل َتصَ ّدقَ بِهِ عََل ْيهِ‪ ،‬فَ َو َ‬ ‫ضيْتُ إَِليْ ِه َ‬ ‫س َك ْندَ ِريّ‪ ،‬فَم َ‬ ‫لْ‬ ‫ع ْنهُ‪ ،‬فَدُلِلْتُ عَلى َأبِي ال َفتْحَ ا ِ‬ ‫سأَلْتُ َ‬ ‫َو َ‬
‫حذُ في‬ ‫شَ‬‫عرَفُ ِبسِ ْل َعتِه‪ ،‬وََأ ْ‬ ‫ج َت َمعَتْ عََليْ ِه في حََلقَةٍ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬يَا بَني سَاسَانَ‪َ ،‬أ ّي ُكمْ َأ ْ‬ ‫رُفْ َقةٍ‪َ ،‬قدْ ا ْ‬
‫ل َأنَا‪ُ .‬ثمّ‬ ‫عةِ‪ :‬لَ‪ ،‬بَ ْ‬ ‫جمَا َ‬
‫خرُ ِمنَ ال َ‬ ‫س َك ْندَ ِريّ‪َ :‬أنَا‪َ ،‬وقَالَ آ َ‬ ‫لْ‬ ‫عطِيهُ هذَا الدّينَارَ? فَقَالَ ا ِ‬ ‫صنْ َعتِهَ‪َ ،‬فأُ ْ‬
‫َ‬
‫عزّ َبزّ‪ ،‬فَقَالَ‬ ‫ب سَلَبَ‪َ ،‬ومَنْ َ‬ ‫حبَهُ‪َ ،‬فمَنْ غَلَ َ‬ ‫شتُ ْم كُلّ ِم ْن ُكمَا صَا ِ‬ ‫حتّى قُلْتُ‪ِ :‬ل َي ْ‬ ‫َتنَا َقشَا َو َتهَا َرشَا ّ‬
‫حدِيثَ‬ ‫سخَ الكُوزِ‪ ،‬يَا ِدرْهَما ل َيجُوزُ‪ ،‬يَا َ‬ ‫سكَ ْن َدرِيّ‪ :‬يَا َب ْردَ ال َعجُوزِ‪ ،‬يَا ُكرْبَ َة َتمّوزَ‪ ،‬يَا َو َ‬ ‫لْ‬ ‫اِ‬
‫ح َبيْنِ‪ ،‬يَا‬ ‫خمَ َة الرّؤُسِ‪ ،‬يَا ُأمّ ُ‬ ‫طأَ الكابُوسِ‪ ،‬يَا ُت ْ‬ ‫سنَ َة ا ْلبُوسِ‪ ،‬يَا َك ْوكَبَ ال ّنحُوسِ‪ ،‬يَا َو َ‬ ‫ا ْل َمغّنينَ‪ ،‬يَا َ‬
‫ن يَا‬ ‫سيْنِ يَا ِثقَلَ ال ّديْ ِ‬ ‫حَ‬‫ل ال ُ‬
‫ن يَا مَ ْقتَ َ‬ ‫حيْ ِ‬‫ح ّبيْن‪ ،‬يَا سَاعةَ ال َ‬ ‫غدَا َة ا ْل َبيْنِ‪ ،‬يَا ِفرَاقَ ال ُم ِ‬‫َرمَدَ ال َع ْينِ‪ ،‬يَا َ‬
‫سنَةَ‬ ‫ن يَا َ‬ ‫شيْنِ يَا بَريدَ الشّو ِم يَا طَرِيدَ اللّومِ يَا َثرِيدَ الثّومِ يَا بَادِي َة الزّقّو ِم يَا َمنْعَ المَاعُو ِ‬ ‫سمَ َة ال ّ‬ ‫ِ‬
‫شتّى‪ ،‬يَا‬ ‫حتّى‪ ،‬في َموَاضِعَ َ‬ ‫ن يا َب ْغيَ ال َعبِيدِ‪ ،‬يَا آيَ َة الوَعِيدِ‪ ،‬يَا كَلمَ ال ُمعِيدِ‪ ،‬يَا َأ ْقبَحَ ِمنْ َ‬ ‫الطّاعُو ِ‬
‫خمُورِ‪،‬‬ ‫جشَاءَ ال َم ْ‬ ‫ف ِإذَا ُكسِ َر الرّغِيفُ‪ ،‬يَا ُ‬ ‫حنُحَ ال ُمضِي ِ‬ ‫دُو َدةَ ال َكنِيفِ‪ ،‬يَا فَرْ َوةً فِي ال َمصِيفِ‪ ،‬يَا َت َن ْ‬
‫طمَعَ المَ ْقمُورِ‪ ،‬يَا‬ ‫ل َتدُورُ‪ ،‬يَا َ‬ ‫خذْرُوفَ َة ال ُقدُورِ‪ ،‬يَا َأ ْر ُبعَاءَ َ‬ ‫يَا َن ْكهَةَ الصّقُورِ‪ ،‬يَا َو ِتدَ الدّورِ‪ ،‬يَا ُ‬
‫ص ْبيَانِ‪ ،‬يَا‬ ‫سبْتَ ال ّ‬ ‫خصْيَانِ‪ ،‬يَا ُمؤَاكَلَ َة ال ُع ْميَانِ‪ ،‬يَا شَفَاعَ َة ال ُع ْريَانش‪ ،‬يَا َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫جرَ الّلسَانِ‪ ،‬يَا بَوْ َ‬ ‫ضَ‬‫َ‬
‫ضعْتَ‬ ‫ل الرّازِي‪ ،‬والِ َلوْ َو َ‬ ‫ِكتَابَ ال ّتعَازِي‪ ،‬يَا قَرَارَ َة المَخازِي‪ ،‬يَا ُبخْلَ الَهْوَازِي‪ ،‬يَا فُضُو َ‬
‫ت ال َغيْ َم فِي‬ ‫ك قَوْسَ ُقزَحَ‪َ ،‬و َندَفْ َ‬ ‫ت ِب َيدِ َ‬
‫خذْ َ‬‫خرَى عَلَى ُدنْبا َو ْندَ‪ ،‬وََأ َ‬ ‫لْ‬ ‫حدَى ِرجَْل ْيكَ عَلى َأرْ َو ْندَ‪ ،‬وَا ُ‬ ‫ِإ ْ‬
‫ل حَلّجا‪.‬‬ ‫جبَابِ المَل ِئكَةَ‪ ،‬مَا ُكنْتَ ِإ َ‬ ‫ِ‬

‫‪36‬‬
‫عدَما فِي ُوجُودٍ‪ ،‬يَا كَ ْلبَا فِي‬ ‫لسُودِ ‪ ،‬يَا َ‬ ‫َوقَالَ الخَرُ‪ :‬يَا َقرّا َد ال ُقرُودِ‪ ،‬يَا َلبُودَ ال َيهُودِ‪ :‬يَا َن ْكهَةَ ا ُ‬
‫ن النّ ْفطِ‪ ،‬يَا صُنَانَ‬ ‫عيّ ًة ِبمَاشٍ‪ ،‬يَا َأقَلّ ِمنْ لشٍ‪ ،‬يَا ُدخَا َ‬ ‫ال ِهرَاشِ‪ ،‬يَا قِرْدا فِي ال ِفرَاشِ‪ ،‬يَا قَرء ِ‬
‫صدَاقِ‪ ،‬يَا َوحْلَ‬ ‫لقِ‪َ ،‬و َمنْعِ ال ّ‬ ‫ن بَاءَ ِبذُلّ الطّ َ‬ ‫خبَثَ ِممّ ْ‬ ‫ل لهُلكِ‪ ،‬يَا َأ ْ‬ ‫ل ْبطِ‪ ،‬يَا زَوَالَ المُ ْلكِ‪ ،‬يَا هِلَ َ‬ ‫اِ‬
‫سنَانِ‪ ،‬يَا َوسَخَ الذَانِ‪ ،‬يَا‬ ‫لْ‬‫ضمِ يا قَلَحَ ا َ‬ ‫ظمِ يَا ُم َعجّلَ ال َه ْ‬ ‫ك العَ ْ‬ ‫حرّ َ‬ ‫الطّرِيقِ‪ ،‬يَا مَاءً عَلى الرّيقِ يَا ُم َ‬
‫خفّ‪ ،‬يضا‬ ‫ن ِإ ْبرَةٍ‪ ،‬يَا َمهَبّ ال ُ‬ ‫ع ْبرَةٍ‪ ،‬يَا َأ ْبغَى مِ ْ‬‫ح مِنْ َ‬ ‫ن قَلْسٍ‪ ،‬يَا َأقَلّ ِمنْ فَلْسٍ‪ ،‬يَا َأفْضَ َ‬ ‫جرّ مِ ْ‬ ‫َأ َ‬
‫س َتكَ عَلَى‬ ‫ضعْتَ أ ْ‬ ‫ل ُكفّ‪ ،‬يَا كِلمَةَ َليْتَ‪ ،‬يا َو ْكفَ البيْتِ‪ ،‬يَا َكيْتَ َو َكيْتَ‪ ،‬والِ لوْ َو َ‬ ‫َم ْد َرجَةَ ا َ‬
‫جعَلْتَ السّما َء ِمنْوَالً‪،‬‬ ‫ش ْعرَى خُفّا‪ ،‬وَال ُث َريّا رَفّا‪َ ،‬و َ‬ ‫خذْتَ ال ّ‬ ‫ال ّنجُومِ‪َ ،‬ودَّليْتَ ِرجَْلكَ في ال ّتخُومِ‪ ،‬وَا ّت َ‬
‫ت ِإلّ حَائِكا‪.‬‬ ‫ح ْمتَ ُه بالفََلكِ الدّا ِئرِ‪ ،‬ما ُكنْ َ‬‫سرِ الطّائِرِ‪ ،‬وَأَ ْل َ‬ ‫سرْبالً‪َ ،‬فسَ ّد ْيتَ ُه بِا ْلنّ ْ‬
‫حكْتَ الهَوَاءَ ِ‬ ‫َو ِ‬
‫عجِيبُ‬ ‫لمِ‪َ ،‬‬ ‫ل َبدِيع ا ْلكَ َ‬ ‫ي ال ّرجُلَين أُو ِثرُ?! َومَا ِم ْنهُما ِإ ّ‬ ‫قَالَ عِيسَى ْبنُ هِشامٍ‪ :‬فَ َو الِ مَا عَِلمْتُ َأ ّ‬
‫خصَامِ‪َ ،‬فتَ َر ْكتُهما‪ ،‬وَالدّينَارُ مُشاعٌ َب ْي َن ُهمَا‪ ،‬وا ْنصَ َرفْتُ َومَا َأ ْدرِي مَا صَنَ َع الدّهْرُ‬ ‫المَقَامِ‪ ،‬أََلدّ ال ِ‬
‫ِب ِهمَا‪.‬‬
‫ال َمقَامَةُ الشّعْرِيّةُ‬
‫ج َت َمعْنا ذَاتَ يَوْم فِي حََلقَةٍ‪،‬‬ ‫ضمّ إِلَى ُرفْقَةٌ‪ ،‬فَا ْ‬ ‫ت ِببِل ِد الشّامِ‪ ،‬وَا ْن َ‬ ‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪ُ :‬كنْ ُ‬ ‫ح ّدثَنا عِيسَى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫سمَعُ َو َكَأنّهُ‬ ‫ت َمعَانِيِه‪َ ،‬و َنتَحاجى ِب َمعَامِيهِ‪َ ،‬و َقدْ َو َقفَ عَل ْينَا فَ َتىً َي ْ‬ ‫ش ْعرَ َفنُورِدُ َأ ْبيَا َ‬ ‫جعَلْنا َن َتذَا َكرُ ال ّ‬ ‫َف َ‬
‫ن َت ْب ُعدَ‪ ،‬فَقالَ‪ :‬ل‬ ‫ن تَ ْق ُعدَ‪ ،‬وَِإمّا أَ ْ‬‫سكُت َو َكَأنّ ُه َي ْندَمُ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬يَا َفتَى قَدْ آذَانَا ُوقُوُفكَ؛ َفِإمّا أَ ْ‬ ‫يَ ْف َهمُ‪َ ،‬و َي ْ‬
‫خصِهِ‪،‬‬ ‫شْ‬ ‫ب َفأَعُودُ‪ ،‬فَال َزمُوا مَكا َن ُكمْ هَذا‪ ،‬قُلْنَا‪ :‬نَ ْفعَلُ َو َكرَامَةً‪ُ ،‬ثمّ غَابَ ِب َ‬ ‫ُي ْم ِك ُننِي ال ُقعُودُ‪ ،‬وََل ِكنْ َأذْهَ ُ‬
‫ع ْنهَا‪،‬‬ ‫ل ْبيَاتِ? َومَا َفعَلْ ُتمْ بِال ُم َعمّياتِ? سَلُونِي َ‬ ‫ن تِ ْلكَ ا َ‬ ‫ن َأ ْن ُتمْ مِ ْ‬
‫ن عادَ ِل َوقْتِهِ‪َ ،‬وقَالَ‪َ :‬أيْ َ‬ ‫ث أَ ْ‬‫َومَا َلبِ َ‬
‫خزَائِنَ‪،‬‬ ‫ضنَا ال َكنَائِنَ‪ ،‬وََأ ْف َن ْينَا ال َ‬ ‫ن َم ْع َنىً ِإلّ َأصَابَ‪ ،‬وََلمّا نَ َف ْ‬ ‫ت ِإلّ َأجَابَ‪ ،‬وَل عَ ْ‬ ‫عنْ َبيْ ٍ‬ ‫سأَ ْلنَاهُ َ‬‫َفمَا َ‬
‫طرُ ُه َيدْفَعُ? وََأيّ َبيْتٍ‬ ‫شطْرُ ُه َيرْفَعُ َوشَ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ع ّرفُوني َأيّ َبيْ ٍ‬ ‫عطَفَ عََل ْينَا سائِلً‪َ ،‬وكَ ّر ُمبَاحِثا‪ ،‬فَقَالَ‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫جرَبُ? وََأيّ َبيْتٍ‬ ‫ت ِنصُفُ ُه َيغْضَبُ‪َ ،‬و ِنصْفُ ُه يَ ْلعَبُ? وََأيّ َبيْتٍ كُلّهُ َأ ْ‬ ‫كُلّ ُه يَصْفَعُ? وََأيّ َبيْ ٍ‬
‫حسُنَ‬ ‫ضعُهُ‪َ ،‬و َ‬ ‫سمُجَ َو ْ‬ ‫ضرْبُ ُه يُقَارِبُ وََأيّ َبيْتٍ كُلّهُ عَقَارِبُ? وََأيّ َبيْتٍ َ‬ ‫عرُوضُهُ ُيحَارِبُ‪َ ،‬و َ‬ ‫َ‬
‫ي َبيْتٍ لَ ُي ْع َرفُ أَهْلُهُ? وََأيّ‬ ‫ي َبيْتٍ َي ْأ ِبقُ كُلّهُ‪ِ ،‬إلّ ِرجْلُهُ? وََأ ّ‬ ‫ت ل َي ْرقَُأ َدمْعُهُ? وََأ ّ‬ ‫طعُهُ? وََأيّ َبيْ ٍ‬ ‫قَ ْ‬
‫حتَ َفرُ َأ ْرضُهُ?‬ ‫ن َنبْضُهُ‪ ،‬وَل ُت ْ‬ ‫ت ل ُي ْمكِ ُ‬ ‫ن أَهْلِهِ? وََأيّ َبيْ ٍ‬ ‫س مِ ْ‬ ‫ن ِمثْلِهِ‪َ ،‬كَأنّهُ َليْ َ‬‫ل مِ ْ‬ ‫َبيْتٍ ُهوَ َأطْوَ ُ‬
‫سرّ‬ ‫ع ّدُتهُ? وََأيّ َبيْتٍ ُيرِيكَ مَا ُي َ‬ ‫سرَابِلُ? وََأيّ َبيْتٍ ل ُتحْصَى ِ‬ ‫وََأيّ َبيْتٍ ِنصْفُ ُه كَامِلٌ َو ِنصْفُهُ َ‬
‫ح ّركَ‬ ‫حكُ َو ِنصْفُهُ َيأََلمُ? وََأيّ َبيْتٍ ِإنْ ُ‬ ‫ي َبيْتٍ ِنصْفُ ُه َيضْ َ‬ ‫ِبهِ? وََأيّ َبيْتٍ ل َيسَعُ ُه العَاَلمُ? وََأ ّ‬
‫ن َأفَْل ْتنَاهُ‪َ ،‬أضْلَ ْلنَاهُ? وََأيّ‬ ‫ي َبيْتٍ إِ ْ‬ ‫ج َم ْعنَاهُ‪ ،‬ذَهَبَ َم ْعنَاهُ? وََأ ّ‬ ‫سنُهُ? وََأيّ َبيْتٍ ِإنْ َ‬ ‫حْ‬ ‫ب ُ‬ ‫غصْنُهُ‪ ،‬ذَهَ َ‬ ‫ُ‬
‫ت حَلّهُ عِ ْقدٌ‪َ ،‬وكُلّهٌ‬ ‫غمّ? وََأيّ َبيْ ٍ‬ ‫حتَهُ َ‬ ‫ي َبيْتٍ لَ ْفظُ ُه حُلْوٌ َو َت ْ‬ ‫سمّ? وََأيّ َبيْتٍ َم ْدحُ ُه َذمّ? وََأ ّ‬ ‫ش ْهدُهُ َ‬ ‫َبيْتٍ َ‬
‫ط ْردُهُ‬ ‫ي َبيْتٍ َ‬ ‫ت نِصْ ُفهُ َرفْعٌ‪َ ،‬ورَ ْفعُ ُه صَفْعٌ? وََأ ّ‬ ‫نَ ْقدٌ? وََأيّ َبيْتٍ ِنصْفَ ُه َمدّ‪َ ،‬و ِنصْفُ ُه رَدّ? وََأيّ َبيْ ٍ‬
‫ي َبيْتٍ ُهوَ فِي طَ ْوفٍ صَلَ ُة الخَ ْوفِ? وََأيّ َبيْتٍ َي ْأكُلُ ُه الشّاءُ َمتّى شَاءَ?‬ ‫ع ْكسُ ُه َقدْحٌ? وََأ ّ‬ ‫َمدْحٌ? وَ َ‬
‫ستّ َة َأرْطَالٍ? وََأيّ َبيْتٍ‬ ‫حتّى بَلَغَ ِ‬ ‫ضرَاسَ‪ ،‬وََأيّ َبيْتٍ طَالَ‪َ ،‬‬ ‫ل ْ‬ ‫شمَ ا َ‬ ‫ت ِإذَا َأصَابَ الرّاسَ َه َ‬ ‫وََأيّ َبيْ ٍ‬
‫حرَبَ‬ ‫ب َفعَادَ? وََأيّ َبيْتٍ َ‬ ‫ص َفزَادَ? وََأيّ َبيْتٍ كَادَ َيذْهَ ُ‬ ‫قَامَ‪ُ ،‬ثمّ سَ َقطَ َونَامَ? وََأيّ َبيْتٍ َأرَادَ َأنْ َينْقُ ُ‬
‫شبَابَ?‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ي َبيْتٍ شَابَ‪ ،‬قَبْ َ‬ ‫ت ال َعذَابَ? وََأ ّ‬ ‫صرَةَ? وََأيّ َبيْتٍ ذَابَ‪َ ،‬تحْ َ‬ ‫ت َفتَحَ ال َب ْ‬ ‫ال ِعرَاقَ? وََأيّ َبيْ ٍ‬
‫س َتمَرّ? وََأيّ َبيْتٍ‬ ‫ت ُأمِرَ‪ُ ،‬ثمّ ا ْ‬ ‫ت حَلّ‪ُ ،‬ثمّ اضْ َمحّلَ? وََأيّ َبيْ ٍ‬ ‫وََأيّ َبيْتٍ عَادَ َقبْلَ المِيعَادَ? وَأيّ َبيْ ٍ‬
‫ع ْي ِن ِهمْ? وََأيُ َبيْتٍ‬ ‫خرَجَ مِنْ َ‬ ‫ي َبيْتٍ َ‬ ‫ط ِرمّاحِ? وََأ ّ‬ ‫سهْمِ ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫س َبقَ مِ ْ‬ ‫ي َبيْتٍ ا ْ‬ ‫حتّى صَلَحَ? وََأ ّ‬ ‫َأصْلَحَ‪َ ،‬‬
‫ضَاقَ‪َ ،‬و َوسِعَ الفَاقَ? وََأيّ َبيْتٍ َرجِعَ‪ ،‬فَهَاجَ ال َوجَعَ? وََأيّ َبيْتٍ ِنصْ ُفهُ ذَهَبٌ‪َ ،‬وبَاقِي ِه َذنَبٌ? وََأيّ‬
‫ت كُلّهُ‬ ‫جعَلَ فَاعُِلهُ مَ ْفعُولً‪ ،‬وَعَاقِلُ ُه َمعْقُولً? وََأيّ َبيْ ٍ‬ ‫ي َبيْتٍ َ‬ ‫َبيْتٍ ِب ْعضُهُ ظَلمٌ‪َ ،‬و َب ْعضُهُ ُمدَامٌ? وََأ ّ‬
‫طيَ َرتُ ُه فِي الفَالِ?‬ ‫ت ِ‬ ‫ت َي ْنزِلُ مِنْ عَالٍ? وََأيّ َبيْ ٍ‬ ‫لبِلِ? وََأيّ َبيْ ٍ‬ ‫ن ُهمَا كَ ِقطَارِ ا ِ‬ ‫ح ْرمَةٌ? وََأيّ َب ْي َتيْ ِ‬ ‫ُ‬
‫خرُهُ َي ْنهَبُ?‪.‬‬ ‫ي َبيْتٍ َأوّلُ ُه َيهِبُ‪ ،‬وَآ ِ‬ ‫خرُهُ َي ْهرُبُ‪ ،‬وََأوّلُ ُه َيطْلُبُ? وََأ ّ‬ ‫تآِ‬ ‫وََأيّ َبيْ ٍ‬
‫س ْبنَاهُ أَلْفَاظا َقدْ‬ ‫حِ‬ ‫سأَ ْلنَا ُه التّ ْفسِيرَ َف َم َن ْعنَاهُ‪َ ،‬و َ‬
‫سمِ ْعنَاهُ‪َ ،‬و َ‬‫ن َ‬ ‫شيْئا َلمْ َنكُ ْ‬ ‫س ِم ْعنَا َ‬‫ن ِهشَامٍ‪ :‬فَ َ‬ ‫قَالَ عِيسَى بْ ُ‬
‫ج َت ِهدُوا فِي‬ ‫ل َفسّرَهَا‪ ،‬وَا ْ‬ ‫خمْسا ُ‬ ‫ن هذِهِ ال َمسَائِلِ َ‬ ‫ختَاروا مِ ْ‬ ‫حتَها‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬ا ْ‬ ‫ح ُتهُا‪ ،‬وَل َمعَا ِنيَ َت ْ‬ ‫جُ ّودَ َن ْ‬
‫سرَ‬ ‫س َتَأنِفُوا التّلَ ِقيَ‪ ،‬لُ َف ّ‬ ‫ج ْز ُتمْ فَا ْ‬ ‫عِ‬‫سمَحُ‪ُ ،‬ثمّ إِنْ َ‬ ‫طرَ ُكمْ َي ْ‬‫البَاقِي َأيّامَا‪ ،‬فََلعَلّ ِإنَا َء ُكمْ َيرْشَحُ‪ ،‬وََلعَلّ خَا ِ‬

‫‪37‬‬
‫عنْهُ فَقالَ‪ُ :‬هوَ قُوْلُ‬ ‫سأَ ْلنَاهُ َ‬‫حسُنَ َقطْعُهُ‪َ ،‬ف َ‬ ‫سمُجَ َوضْعُ ُه َو َ‬ ‫ت اّلذِي َ‬ ‫ختَ ْرنَا ال َبيْ َ‬
‫ن ِممّا ا ْ‬ ‫البَا ِقيَ‪َ ،‬وكَا َ‬
‫أَبي ُنوَاسٍ‪:‬‬
‫خرُ‬‫ج ّررُ َأ ْذيَالَ ال ُفسُوقِ وَل َف ْ‬ ‫ُت َ‬ ‫ل شَرّ عِـصَـابَةٍ‬ ‫َف ِبتْنا َيرَانا ا ُ‬
‫عشَى‪:‬‬ ‫ل الَ ْ‬ ‫ع ْقدٌ‪َ ،‬وكُلّ ُه نَ ْقدٌ‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬قُوْ ُ‬ ‫قُ ْلنَا‪ :‬فَا ْل َبيْتُ اّلذِي حَلّهُ َ‬
‫سنّا ِب َتنْقادِهَا‬
‫حبِ َ‬
‫فَل َت ْ‬ ‫َدرَاهِ ُمنَا كُّلهَا جَـ ّيدٌ‬
‫ج ِبهَذا الحَلّ عَنْ َو ْزنِ ِه قُلْنَا‪ :‬فَا ْل َبيْتُ اّلذِي ِنصْفُ ُه َمدّ‪،‬‬ ‫ج ّيدٌ كُّلهَا وَل َيخْرِ ُ‬ ‫ن يُقَالَ َدرَا ِه ُمنَا َ‬ ‫َوحَلّ ُه أَ ْ‬
‫َو ِنصْفُ ُه َردّ‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬قَوْلُ ال َب ْك ِريّ‪:‬‬
‫س ّتيَن فَ ْلسَـا‬ ‫ص ِ‬ ‫ِينْقُ ُ‬ ‫َأتَاكَ ِديَنارُ صِـ ْدقٍ‬
‫َأصْلً َوفَرْعا َونَفْسا‬ ‫ن َأكُ َرمِ النّاسِ ِإلّ‬ ‫مَ ْ‬
‫ت اّلذِي َيَأكُلُهُ الشّاءُ‪َ ،‬متَى شَاءَ‪ ،‬قالَ‪َ :‬بيْتُ القَائِلِ‬ ‫قُ ْلنَا‪ :‬فَالْ َبيْ ُ‬
‫جذّ النّوَى‪ُ ،‬قطِعَ النّوَىرََأيْتُ النّوَى َفطّاعَ ًة لَلْ َقرَائِنِ‬ ‫َفمَا لِ ْلنَوى? ُ‬
‫ن الرّو ِميّ‪:‬‬ ‫ت ابْ ِ‬‫ستّ َة َأرْطالٍ‪ ،‬قَالَ‪َ :‬بيْ ُ‬ ‫حتّى بَلَغَ ِ‬ ‫ت اّلذِي طَالَ‪َ ،‬‬ ‫قُ ْلنَا فَا ْلبَيْ ُ‬
‫س َأ ْمهِلي‬ ‫ل ِلنَفْسي‪َ :‬أ ّيهَا النّفْ ُ‬ ‫ن ًي ُمّنهُ َوقَا َ‬
‫ِإذَا مَنّ َل ْم َي ْمنٌنْ ِبمَ ٍ‬
‫جدْنا‪َ ،‬و َبعْضَها‬‫ج َتهَ ْدنَا‪َ ،‬ف َب ْعضَها َو َ‬ ‫ن ِهشَامٍ‪َ :‬فعَلِ ْمنَا َأنّ ال َمسَائِلَ‪َ ،‬ل ْيسَتْ عَواطِلَ‪ ،‬وَا ْ‬ ‫قَالَ عِيسَى بْ ُ‬
‫ستَ َفدْنا‪ ،‬فَقُلْتُ عَلى َأ َثرِهِ وَ ُهوَ عَادٍ‪:‬‬ ‫اْ‬
‫ض َبعْضَا‬ ‫شبَهَ ال َبعْ ُ‬ ‫وََأ ْ‬ ‫س فَضْـلً‬ ‫تَفَاوَتَ النّا ُ‬
‫عرْضا‬ ‫عمْقا وَ َ‬ ‫طُولً َو ُ‬ ‫ت كَ َرضْـوَى‬ ‫لَوْلهُ كُن ُ‬
‫ال َمقَامَ ُة ال ُملُوكِيّةُ‬
‫سرِى‬ ‫جهِي إلى َنحْوِ ال َوطَنِ‪َ ،‬أ ْ‬ ‫ن ا ْليَمنِ‪َ ،‬و َت َو ّ‬
‫صرَفي مِ َ‬ ‫ت في ُمنْ َ‬ ‫ح ّدثَنا عِيسَى بْنُ ِهشَامٍ قَالَ‪ُ :‬كنْ ُ‬ ‫َ‬
‫جبِينُ‬ ‫صبَاحِ‪َ ،‬و َبرَزَ َ‬ ‫سبُعُ‪ ،‬فََلمّا ا ْنتَضَى َنصْلُ ال ّ‬ ‫ضبُعُ‪ ،‬وَل بَارِحَ ِإلّ ال ّ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ت َليْلَ ٍة ل سَانِحَ ِبهَا ِإ ّ‬ ‫ذَا َ‬
‫عزَلَ‪ِ ،‬منْ ِمثْلِ ِه إِذا‬ ‫لْ‬ ‫خ َذنِي ِمنْهُ ما يَأخُذُ ا َ‬ ‫ن لي في ا ْل َبرَاحِ‪ ،‬رَاكِبٌ شَاكي السّلحِ‪ ،‬فَأ َ‬ ‫صبَاحِ‪ ،‬عَ ّ‬ ‫ال ِم ُ‬
‫ح ِميّةٌ‬
‫خ ْرطُ القَتادِ‪َ ،‬و َ‬ ‫حدَادِ‪َ ،‬و َ‬ ‫شرْطُ ال ِ‬ ‫ضكَ ل ُأمّ َلكَ‪َ ،‬فدُونِي َ‬ ‫ت فَ َوقَفْتُ َوقُلْتُ‪َ :‬أ ْر َ‬ ‫َأ ْقبَلَ‪ ،‬ل ِكنّي َتجَّلدْ ُ‬
‫خيْرا‬ ‫ح َببْتَ‪ ،‬فَقُلْتُ ‪َ :‬‬ ‫ن َأنْتَ? فَقَالَ‪ :‬سِلْما َأصَبْتَ‪َ ،‬و َرفِيقا َكمَا َأ ْ‬ ‫ُأ ْز ِديّةٌ‪ ،‬وََأنَا سِلْمٌ ِإنْ ُكنْتَ‪َ ،‬فمَ ْ‬
‫عنْ‬ ‫سأََلنِي َ‬ ‫سكَ ْن َدرِيّ‪َ ،‬و َ‬
‫لْ‬ ‫حاِ‬ ‫ن أَبي ال َفتْ ِ‬ ‫ن َتجَاَليْنَا‪َ ،‬أجْلَتِ ال ِقصّةُ عَ ْ‬
‫س ْرنَا فََلمّا َتخَاَليْنَا‪َ ،‬وحِي َ‬ ‫جبْتَ‪َ ،‬و ِ‬ ‫َأ َ‬
‫ك الشّامِ‪َ ،‬و َمنْ ِبهَا ِمنَ ال ِكرَامِ‪َ ،‬ومُلُوكَ ال ِعرَاقِ َو َمنْ ِبهَا‬ ‫ن المُلُوكِ‪ ،‬فَ َذ َكرْتُ مُلُو َ‬ ‫ن لَ َق ْيتُ ُه مِ َ‬
‫َأ ْك َرمِ مَ ْ‬
‫ح ّد ْثتُهُ‪،‬‬
‫ت مَا رََأيْتُ‪َ ،‬و َ‬ ‫صرَ‪َ ،‬فرَ َويْ ُ‬ ‫ك مِ ْ‬ ‫ت ال ّذكْرَ‪ ،‬إِلَى مُلو ِ‬ ‫لطْرَافِ‪َ ،‬وسُقْ ُ‬ ‫لشْرافِ‪ ،‬وَُأ َمرَاءِ ا َ‬ ‫ناَ‬ ‫مِ َ‬
‫س ْيفِ الدّوَْلةِ‪ ،‬فََأنْشأَ يَقُولُ‪:‬‬ ‫جمْلَةَ‪ِ ،‬ب ِذكْرِ َ‬ ‫ت ال ُ‬‫خ َتمْ ُ‬
‫ِبعَوا ِرفِ مُلُوكِ ال َيمَنِ‪ ،‬وََلطَائِفِ مُلُوكَ الطّائِفِ‪َ ،‬و َ‬
‫خطَرَا‬ ‫شمْسَ َلمْ َي ْع ِرفْ َلهَا َ‬ ‫حهَاوَلَ ْو رَأَى ال ّ‬ ‫ل َيمْ َد ُ‬ ‫يَا سَاريا ِب ُنجُومِ الّليْ ِ‬
‫خبَرا‬ ‫َووَاصِفا لِ ْلسّوَاقِي َه ْبكَ َلمْ َت ُزرِ ال َبحْرَ ال ُمحِيطَ أََلمْ َت ْع ِرفْ لَ ُه َ‬
‫حجَرا َو َمنْ رَأَى خَلَفا لَم َي ْذكُرِ ا ْل َبشَـرا‬ ‫ن َأ ْبصَ َر الدّرّ َل ْم َي ْعدِلْ بِ ِه َ‬ ‫مَ ْ‬
‫ظرْ إِلَـيٍ ِه تَـرَى‬ ‫حدٌ وَا ْن ُ‬
‫ُزرْهُ َت ُزرْ مَلِكا ُي ْعطِي ِبأَ ْر َبعَةٍَلمْ َيحْوِهَا أَ? َ‬

‫‪38‬‬
‫س ْيبَ ُه َمطَرَا‬
‫ع ْزمَهُ َقدَرا‪َ ،‬و َ‬
‫َو َ‬ ‫جهَ ُه َقمَرا‪،‬‬
‫غرَرا‪ ،‬وَ َو ْ‬ ‫َأيّامَهُ ُ‬
‫قَا َ‬
‫ل‬ ‫ع ْندَ ُه َكدَرَا‬
‫ظّنهُ ْمصَفْوَ ال ّزمَانِ؛ َفكَانُوا ِ‬
‫ح َأقْواما َأ ُ‬
‫ت َأ ْمدَ ُ‬
‫مَا زِلْ ُ‬
‫ظنُونُ?‬ ‫ك الرّ?حِيمُ ال َكرِيمُ? فَقَالَ‪َ :‬ك ْيفَ َيكُونُ‪ ،‬مَا َلمْ َتبُْلغْهُ ال ّ‬ ‫ن هَذا المَِل ُ‬ ‫عِيسَى ْبنُ ِهشَامٍ‪ :‬فَقُلْتُ‪ :‬مَ ْ‬
‫ن َب َعثَتْ بِال ّدرَاهِم? وَالذّ?هَبُ‪،‬‬ ‫لكَارِمَ‪ ،‬إِ ّ‬ ‫ك َي ْأنَفُ ا َ‬
‫ف َأقْولُ‪ ،‬مَا َلمْ تَ ْقبَلُ ُه العُقُولُ? َو َمتَى كَانَ مَِل ٌ‬ ‫َو َكيْ َ‬
‫ل َفكَ ْيفَ ل ُي َؤّثرُ‬ ‫ل ال ُكحْلِ َقدْ َأضَرّ ِبهِ المِي ُ‬ ‫جبَ ُ‬ ‫سرُ مَا َيهَبُ‪ ،‬وَال ْلفُ‪ ،‬ل َي ُعمّ ٌه ِإلّ الخَ ْلفُ‪ ،‬وَهَذا َ‬ ‫َأ ْي َ‬
‫ن الخُ ْلقِ إِلَى‬ ‫س َرفِهِ‪َ ،‬ومِ َ‬
‫ن ال َبذْلِ إِلَى َ‬ ‫ن مَِلكٌ َيرْجعُ مِ َ‬ ‫ن َيكُو َ‬
‫جزِيلُ? وَهَلْ َيجُوزُ أَ ْ‬ ‫ذَِلكَ ال َعطَاءُ ال َ‬
‫ن ال ّنسْلِ إِلى خَلَ ِفهِ‪:‬‬ ‫لصْلِ إِلى سَلَفِهِ‪َ ،‬ومِ َ‬ ‫ناَ‬ ‫ن المُ ْلكِ إِلى َكنَفِهِ‪َ ،‬ومِ َ‬‫ن إِلَى كَلَ ِفهِ َومِ َ‬
‫شَ َرفِهِ‪َ ،‬و ِمنَ ال ّديْ ِ‬
‫ال َمقَامَةُ‬ ‫ظرُ?!‪.‬‬ ‫غ ال ّنجْ ِم َي ْنتَ ِ‬‫ن َهذِي مَآ ِثرُهُماذَا اّلذِي ِببُلُو ِ‬ ‫شعْ ِريَ مَ ْ‬‫فََليْتَ ِ‬
‫صفْرِيّةُ‬
‫ال ّ‬
‫ع ْندِي َرجُلٌ ِم ُ‬
‫ن‬ ‫ى فَقَالَ‪ِ :‬‬ ‫ل إَِليّ َفتَ ً‬
‫حجّ‪َ ،‬دخَ َ‬ ‫ح ّدثَنا عِيسَى بْنُ ِهشَامٍ قَالَ‪َ :‬لمّا َأ َردْتُ القُفُولَ ِمنَ ال َ‬ ‫َ‬
‫سبَ ُة إَِل ْيكَ‪،‬‬
‫حْ‬‫ِنجَارِ الصّ ْفرِ‪َ ،‬يدْعُو إِلَى الكُ ْفرِ‪َ ،‬و َيرْقُصُ عَلى الظّ ْفرِ‪َ ،‬و َقدْ َأ ّد َبتْ ُه ال ُغرْبَةُ‪ ،‬وََأ ّد ْتنِي ال ِ‬
‫سرّ النّاظِرِينَ‪َ ،‬فإِنْ‬ ‫خطَبَ ِم ْنكَ جَا ِريَةً صَ ْفرَاءَ‪ُ ،‬ت ْعجِبُ الحَاضِرينَ‪ُ ،‬و ُت ِ‬ ‫ل َمثّلَ حَالهُ َل َد ْيكَ‪َ ،‬و َقدْ َ‬‫ُ‬
‫خ ْيطَ‪،‬‬‫سمَاعَ‪َ ،‬فِإذَا طَ َويْتَ هَذا ال ّريْطَ‪ ،‬و?? َث َنيْتَ هَذا ال َ‬ ‫لْ‬ ‫ب ِمنَهما وََلدٌ َي ُعمّ البِقاعَ وَا َ‬ ‫ح َببْتَ َي ْنجُ ُ‬‫َأ ْ‬
‫سبَقكَ إِلى بَل ِدكَ‪َ ،‬فرَ ْأ َيكَ فِي َنشْرِ مَا فِي َي ِدكَ‪.‬‬ ‫ن َقدْ َ‬ ‫َيكُو ُ‬
‫شأَ يَقُولُ‪:‬‬ ‫ج ْبتُهُ فِي مُرادِهِ‪ ،‬فََأ ْن َ‬ ‫ن إِيرَادِهِ‪ ،‬وَُلطْفِ ِه فِي سُؤَالِهِ‪ ،‬وََأ َ‬ ‫جبْتُ مِ ْ‬ ‫قَالَ عِيسَى ْبنُ ِهشَامٍ‪َ :‬ف َع ِ‬
‫َو َيدُ ال َكرِيمِ َورَ ْأيُهُ أَ?عْلَى‪ .‬ال َمقَامَةُ السّارِيّةُ‬ ‫خ َدعُ بِال َيدِ السّفْلِـى‬ ‫جدُ ُي ْ‬
‫ال َم ْ‬
‫ع ْندَ وَاليها‪ِ ،‬إذْ َدخَلَ عََليْ ِه فَ َتىً ِبهِ َر ْدعُ صُفَارٍ‪،‬‬ ‫ن ِبسَا ِريّةَ‪ِ ،‬‬ ‫ح ّدثَنا عِيسَى بْنُ ِهشَامٍ قَالَ‪َ :‬ب ْينَا َنحْ ُ‬ ‫َ‬
‫عنْ‬ ‫ن َمسْأََلتِي ِإيّاهُ َ‬ ‫شمَ ُة لَ ُه مِ ْ‬ ‫حْ‬ ‫عظَاما‪َ ،‬و َم َن َع ْتنِي ال ِ‬ ‫صدْرِ ِه إِ ْ‬ ‫س لَ ُه قِيَاما‪ ،‬وَُأجْلِسَ فِي َ‬ ‫فَا ْنتَفَضَ ال َمجْلِ ُ‬
‫جعَ ْلتَهُ في ال َم ْنسِي?! فَقَالَ‪َ :‬معَاذَ‬ ‫ل ْمسِي‪َ ،‬لعَّلكَ َ‬ ‫ثاَ‬ ‫حدِي ِ‬ ‫سمِهِ‪ ،‬وَا ْبتَدأَ فَقَالَ لِلْوالي‪ :‬مَا َفعَلْتَ فِي ال َ‬ ‫اْ‬
‫ل الدّاخِلُ‪:‬يَا هَذا َقدْ‬ ‫جرْحُهُ‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫ش ْرحُهُ‪ ،‬وَل ُيؤْسى ُ‬ ‫ع ْذرٌ ل ُي ْمكِنُ َ‬ ‫ن بُلُوغِهِ ُ‬ ‫الُ‪ ،‬وََلكِنْ عَا َقنِي عَ ْ‬
‫ش ّبهُكَ فِي‬ ‫سكَ‪َ ،‬فمَا ُأ َ‬ ‫غ َدكَ فِي ِه ِإلّ َكيَ ْو ِمكَ‪ ،‬وَل يَ ْو َمكَ فِي ِه ِإلّ َكَأ ْم ِ‬ ‫جدُ َ‬ ‫عدِ‪ ،‬فَمَا َأ ِ‬‫طَالَ ِمطَالُ َهذَا الوَ ْ‬
‫شجَرِ الخِلفٍ‪ ،‬زَ ْهرُ ُه َيمْلُ ال َعيْنَ‪ ،‬وَل َث َمرَ فِي ال َبيْنِ‪.‬‬ ‫ل ِب َ‬ ‫لفِ‪ِ ،‬إ ّ‬ ‫لخْ َ‬ ‫اِ‬
‫س َكنْ َد ِريّ?‬ ‫لْ‬ ‫سكَ الُ! أََلسْتَ ا ِ‬ ‫ح َر َ‬
‫طعْتُ عََل ْيهِ‪ ،‬فَقُلْتُ‪َ :‬‬ ‫قَالَ عِيسَى ْبنُ ِهشَامٍ‪ :‬فََلمّا بَلَغَ هَذا ال َمكَانَ َق َ‬
‫لمِ‪ ،‬وَأَهْلً ِبضَالّةِ ال ِكرَامِ‪َ ،‬ل َقدْ‬ ‫ن فِرَاسَتكَ! فَقُلْتُ‪ :‬مَرحَبا ِبَأمِيرِ الكَ َ‬ ‫حسَ َ‬ ‫س َتكَ‪ ،‬مَا َأ ْ‬‫حرَا َ‬‫فَقَالَ‪ :‬وََأدَامَ ِ‬
‫جدٌ‪ ،‬وَلَ ِقمَهُ وَ ْهدٌ‪،‬‬ ‫ج َت َذبَني َن ْ‬ ‫حتّى ا ْ‬ ‫ص ْب ُتهَا‪ُ ،‬ثمّ َترَافَ ْقنَا َ‬
‫حتّى َأ َ‬ ‫ج ْد ُتهَا‪َ ،‬وطََل ْب ُتهَا‪َ ،‬‬‫حتّى َو َ‬ ‫ش ْد ُتهَا َ‬
‫َن َ‬
‫غرّبْ‪ ،‬فَقُلْتُ عَلَى َأ َثرِهِ‪:‬‬ ‫شرّقْتُ َو َ‬ ‫ص ّعدِتُ َوصَوّبَ‪َ ،‬و َ‬ ‫َو َ‬
‫ل صيتُهْ‬ ‫ضَاقَتْ َيدَاهُ َوطَا َ‬ ‫ن أَخٍ‬‫شعْريَ عَ ْ‬ ‫يَاَليْتَ ِ‬
‫ن َليَْلتَنا َمبِيتهْ‬
‫َفأَيْ َ‬ ‫قَ ْد بَاتَ بَا ِرحَةً لَ َديّ‬
‫طرِيدُهُ َوبِهِ ُرزِيتُهْ‬ ‫لَ َدرّ َدرّ الفَ ْق ِر فَهْ وَ َ‬
‫خََلفِ بْ ِن َأ ْح َمدَ مَ ْن ُيمِيتُهْ الَمَقامَةُ‬ ‫ل سَلّطَنّ عََل ْيهِ مِنْ‬ ‫َ‬

‫التّمِيمِيّةُ‬
‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪:‬‬‫ح َدثّنا عِيسَى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫س ْعدُ بْنُ َب ْدرٍ َأخُو َفزَارَةَ‪َ ،‬وقَدْ وُّليَ ال ِوزَارَةَ‪،‬‬
‫لدِ الشّامِ‪ ،‬وَ َو َردَهَا َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ليَاتِ مِ ْ‬ ‫ت َبعْضَ ال ِو َ‬ ‫وُلِي ُ‬
‫ض َبنِي َثوَابَةَ‪َ ،‬وقَدْ‬‫ل ال َمظَاِلمِ‪َ ،‬و َبعْ ُ‬ ‫عمَ ِ‬
‫ن سَاِلمٍ‪ ،‬عَلَى َ‬ ‫ل ال َبرِيدِ‪َ ،‬وخََلفُ بْ ُ‬ ‫عمَ ِ‬
‫ح َمدُ الوَلِيدِ‪ ،‬عَلَى َ‬ ‫وََأ ْ‬
‫حطّ‬ ‫ت ُتحْفَ َة ال ُفضَلءِ‪َ ،‬و َم َ‬ ‫ن أَهْلِ الشّامِ‪َ ،‬فصَارَ ْ‬ ‫ل ال ّزمَامِ‪ ،‬إِلَى َرجُلٍ مِ ْ‬ ‫عمَ ُ‬
‫جعِلَ َ‬ ‫وُّليَ ال ِكتَابَةِ َو ُ‬
‫ن الحَاضِرِينَ‪َ ،‬وثَقُلُوا عَلَى‬ ‫ن مِ َ‬
‫حتّى ا ْمتَلتِ ال ُعيُو ُ‬ ‫حدِ‪َ ،‬‬ ‫ح ُد َب ْعدَ الوَا ِ‬ ‫ِرحَاِل ِهمْ‪ ،‬وََلمْ َيزَلْ َي ِردُ الوَا ِ‬
‫ت لَ ُه القُلوبُ‪،‬‬‫القُلُوبِ‪َ ،‬و َورَدَ ِف ْيمَنْ َو َردَ َأبُو ال ّندَى ال ّتمِيمِيّ‪ ،‬فَلَمْ َت ِقفْ عََليْ ِه ال ُعيُونُ‪ ،‬وَل صَفَ ْ‬
‫لسْتاذُ‬ ‫صدْرِهِ‪َ ،‬وقُلْتُ‪َ :‬ك ْيفَ ُي َرجّى ا ُ‬ ‫ن ال َمجْلِسِ فِي َ‬ ‫حقّ َق ْدرِهِ‪ ،‬وََأ ْق َعدْتُ ُه مِ َ‬‫َو َدخَلَ َيوْما إَِليّ فَ َق َد ْرتُهُ َ‬
‫سرَانِ وَالخَسارِ‪،‬‬ ‫خْ‬ ‫ت ال َيمِينِ َوذَاتَ ال َيسَارِ‪ ،‬فَقَالَ‪َ :‬ب ْينَ ال ُ‬ ‫ظرَ ذَا َ‬ ‫ع ْمرَهُ? َو َك ْيفَ َيرَى َأمْرَهُ? َفنَ َ‬ ‫ُ‬

‫‪39‬‬
‫سنُونَ‪،‬‬
‫ن إَِل ّي ِهمْ فَل ُيحْ ِ‬ ‫حسِ ُ‬‫ل ْقبَالُ وَ ُه ْم ُم ْن ِتنُونَ‪َ ،‬و ُي ْ‬
‫ش ّمهُم ا ِ‬
‫حمَارِ‪َ ،‬ي ُ‬ ‫ث ال ِ‬‫وَالذّلّ وَالصّغارِ َوقَ ْومٌ َكرَوْ ِ‬
‫ل يَقُولُ‪:‬‬
‫جعَ َ‬
‫غ ْيرُ الرّأْسِ وَالّلبَاسِ‪َ ،‬و َ‬ ‫ش ِب ُه ُهمْ مِنَ النّاسِ‪َ ،‬‬ ‫َأمَا وَالِ َل َقدْ َو َردْتُ ِم ْن ُهمْ عَلَى قَ ْومٍ مَا ُي ْ‬
‫ك ال ِعبَـادُ‬ ‫وَلِ ْلمَِلكِ ال َكرِيمِ ِب ِ‬ ‫لدُ‬
‫ستَانُ البِ َ‬‫جْ‬ ‫سِ‬ ‫ِف َدىً َلكِ يَا ِ‬
‫ُتبَّلغُـنِـيهِ رَاحِـلَةٌ َوزَادُ‬ ‫س ِع ُدنِي وَ َه ْبنِي‬
‫ليّامَ ُت ْ‬
‫هَبِ ا َ‬
‫َوبِال ُع ْمرِ اّلذِي ل ُي ْس َتعَادُ?‪ .‬ال َمقَامَةُ‬ ‫ت ِمنْهُ‬ ‫ن لِي بِاّلذِي َقدْ مَا َ‬ ‫َفمَ ْ‬
‫الخَمْرِيّةُ‬
‫صحِيحٌ‪َ ،‬ف َعدّلْ ُ‬
‫ت‬ ‫سجِيحٌ‪َ ،‬ورَ ْأيٌ َ‬ ‫شبِيبَ ِة خُُلقٌ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫عنْ ُفوَا ِ‬
‫ق ليِ في ُ‬ ‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪:‬اتّ َف َ‬ ‫ح ّد َثنَا عِيسى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫جعَلْتُ ال ّن َهَارَ‬ ‫خرِينَ للنّ َفقَةِ‪َ ،‬و َ‬ ‫خذْتُ ِإخْوانا لِ ْلمِ َقةِ‪ ،‬وَآ َ‬ ‫جدّي وَ َهزْلِي‪ ،‬وَا ّت َ‬ ‫ت َبيْنَ ِ‬ ‫عدَلْ ُ‬
‫عقْليِ‪ ،‬وَ َ‬ ‫مِيزَانَ َ‬
‫لِلنّاسِ‪ ،‬وَالّليْلَ لْلكاَسِ‪.‬‬
‫ج َتمَعَ إَِليّ فِي َبعْضِ َليَاِليّ ِإخْوانُ الخَ ْلوَةِ‪ ،‬ذَوُو ال َمعَاني الحُلْ َوةِ‪َ ،‬فمَا زِلْنَا َن َتعَاطَى ُنجُومَ‬ ‫قَالَ‪ :‬وا ْ‬
‫ن الرّاحِ‪.‬‬ ‫حتّى نَ َف َد مَا َم ْعنَا مِ ْ‬ ‫ل ْقدَاحِ‪َ ،‬‬ ‫اَ‬
‫ص َدفِ بِل ُدرّ‪َ ،‬أوْ‬ ‫ت كَال ّ‬ ‫سهَا‪َ ،‬وبَ ِقيَ ْ‬ ‫صدِ ال ّدنَانِ‪َ ،‬فأَسَ ْلنَا نَ ْف َ‬ ‫ج َتمَعَ رَأْيُ ال ّن ْدمَانِ‪ ،‬عَلَى فَ ْ‬ ‫قَالَ‪ :‬وا ْ‬
‫ال ِمصْرِ بِل حُرّ‪.‬‬
‫خضَرُ الدّيبَاجِ‪،‬‬ ‫ل َأ ْ‬ ‫خمّارَةِ‪ ،‬وَالّْليْ ُ‬ ‫شطَارَةِ‪ ،‬إِلَى حَانِ ال َ‬ ‫ع ْتنَا َدوَاعِي ال ّ‬ ‫س ْتنَا حَاُلنَا تِ ْلكَ دَ َ‬ ‫قَالَ‪ :‬وََلمّا َم ّ‬
‫صبْ َوةِ‪َ ،‬و َتبَادَ ْرنَا إِلَى‬ ‫ش ْيطَانُ ال ّ‬ ‫خنَسَ َ‬ ‫صبْحِ‪ ،‬فَ َ‬ ‫سبْحِ‪َ ،‬ثوّبَ ُمنَادِي ال ّ‬ ‫خ ْذنَا فِي ال ّ‬ ‫لمْواجِ‪ ،‬فََلمّا َأ َ‬ ‫ُم ْغتَِلمُ ا َ‬
‫ت مَ ْوزُونَةٍ‪ ،‬فَِلكُلّ ِبضَاعَةٍ‬ ‫ح َركَا ٍ‬ ‫سكِينَةٍ‪َ ،‬و َ‬ ‫لمَامِ‪ِ ،‬قيَامِ ال َب َررَةِ ال ِكرَامِ‪ِ ،‬ب َوقَارٍ َو َ‬ ‫الدّعْ َوةِ‪َ ،‬و ُق ْمنَا َورَا َء ا ِ‬
‫حتّى‬ ‫جدّ فِي خَ ْفضِهِ َورَ ْفعِهِ‪َ ،‬و َيدْعُونَا ِبِإطَاَلتِهِ إِلَى صَ ْفعِهِ‪َ ،‬‬ ‫سمْتٌ‪ ،‬وَِإمَا ُمنَا َي ِ‬ ‫صنَاعَ ٍة َ‬ ‫َوقْتٌ‪ ،‬وَِلكُلّ ِ‬
‫صحَابِهِ‪،‬‬ ‫جهِهِ عَلى َأ ْ‬ ‫ل بِ َو ْ‬ ‫ن ِمحْرَابِهِ‪ ،‬وََأقْبَ َ‬ ‫لمِ عَقِي َرتَهُ‪ ،‬تَ َربّعَ فِي ُركْ ِ‬ ‫ِإذَا رَاجَ َع بَصِي َرتَهُ‪َ ،‬و َرفَعَ بِالسّ َ‬
‫ط فِي سِي َرتِهِ‪ ،‬وا ْبتُِليَ بِقَاذُو َرتِهِ‪،‬‬ ‫ن خَلَ َ‬ ‫س مَ ْ‬ ‫س ِت ْنشَاقَهُ‪ُ ،‬ثمّ قَالَ‪َ :‬أ ّيهَا النّا ُ‬ ‫طرَاقِهِ‪َ ،‬و ُيدِيمُ ا ْ‬ ‫جعَلَ ُيطِيلُ ِإ ْ‬ ‫َو َ‬
‫ض القَ ْومِ‪،‬‬ ‫ح أُمّ ال َكبَائِرِ ِمنْ َبعْ ِ‬ ‫جدُ ُم ْنذُ اليَومِ‪ ،‬رِي َ‬ ‫لِ‬ ‫سنَا َأنْفَاسَهُ‪ِ ،‬إنّي َ‬ ‫ن ُت َنجّ َ‬
‫ن أَ ْ‬ ‫سعْهُ دِيماسُهُ‪ ،‬دُو َ‬ ‫فَ ْل َي َ‬
‫ن ُترْفَعَ‪َ ،‬و ِبدَابِرِ‬ ‫ل أَ ْ‬ ‫صرِيعَ الطَاغُوتِ‪ُ ،‬ثمّ ا ْب َت َكرَ إِلَى ه ِذهِ ال ُبيُوتِ‪ ،‬اّلتِي َأذِنَ ا ُ‬ ‫ن بَاتَ َ‬ ‫جزَاءُ مَ ْ‬ ‫َفمَا َ‬
‫لقْ ِفيَةُ‪،‬‬‫لرْ ِديَةُ‪َ ،‬و َد ِميَتِ ا َ‬ ‫تاَ‬ ‫حتّى ُمزّقَ ِ‬ ‫عةُ عََل ْينَا‪َ ،‬‬ ‫جمَا َ‬ ‫َهؤُلءِ َأنْ يُ ْقطَعْ‪ ،‬وََأشَارَ إَِل ْينَا‪ ،‬فَ َتأَّلبَتِ ال َ‬
‫ن َب ْي ِن ِهمْ َومَا ِك ْدنَا‪َ ،‬وكُّلنَا ُم ْغتَ ِفرٌ لِ ْلسَلمَةِ‪ِ ،‬مثْلَ َهذِ ِه الفَةِ‪،‬‬ ‫ع ْدنَا‪ ،‬وََأفْلَ ْتنَا مِ ْ‬
‫س ْمنَا َل ُهمْ ل ُ‬ ‫حتّى َأقْ َ‬ ‫َو َ‬
‫سكَ ْن َدرِيّ‪،‬‬ ‫لْ‬ ‫حاِ‬ ‫ن ِإمَامِ تِ ْلكَ ال َق ْريَةِ‪ ،‬فَقَالُوا‪ :‬ال ّرجُلُ التّ ِقيّ‪َ ،‬أبُو ال َفتْ ِ‬ ‫صبْيَةِ‪ ،‬عَ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن َمرّ ِبنَا مِ َ‬ ‫سأَ ْلنَا مَ ْ‬
‫َو َ‬
‫س َرعَ فِي أَ ْو َبتِهِ‪ ،‬وَل‬ ‫ح ْمدُ للِه لَ َقدْ َأ ْ‬ ‫ع ْفرِيتٌ‪ ،‬وَال َ‬ ‫عمّيتٌ‪ ،‬وَآمَنَ ِ‬ ‫ن الِ! ُر ّبمَا َأ ْبصَرَ ِ‬ ‫سبْحَا َ‬‫فَقُ ْلنَا‪ُ :‬‬
‫سكِهِ‪ ،‬مَعَ مَا ُكنّا َنعَْلمُ مِنْ ِفسْقِهِ‪.‬‬ ‫جعَلنَا بَ ِقيّ َة يَ ْو ِمنَا َن ْعجَبُ ِمنْ ُن ْ‬ ‫ل ِمثْلَ تَ ْو َبتِهِ‪َ ،‬و َ‬ ‫حرَ َمنَا ا ُ‬ ‫َ‬
‫ل ال َبهِيمِ‪،‬‬ ‫ل ال ّنجُومِ‪ ،‬في الّْليْ ِ‬ ‫ج ال ّنهَارُ َأوْ كَادَ‪َ ،‬نظَ ْرنَا َفإِذَا بِرَايَاتِ الحَانَاتِ َأ ْمثَا ُ‬ ‫حشْرَ َ‬ ‫قَالَ‪:‬وََلمّا َ‬
‫جعَ ْلنَا‬‫خ ِمهَا كِلبا‪َ ،‬و َقدْ َ‬ ‫خ ِمهَا بَابا‪ ،‬وََأضْ َ‬ ‫غرّاءَ‪ ،‬وَ َوصَ ْلنَا إِلَى َأ ْف َ‬ ‫ش ْرنَا بَِليْلَةٍ َ‬ ‫َفتَهَا َد ْينَا ِبهَا السّرّاءَ‪َ ،‬و َتبَا َ‬
‫ظهَا‪،‬‬ ‫ت أَ ْلحَا ُ‬ ‫شكْلٍ َودَلّ‪َ ،‬و ِوشَاحِ ُم ْنحَلّ‪ِ ،‬إذَا قَتَلَ ْ‬ ‫س ِت ْهتَارِ ِلزَاما‪ ،‬فَ ُد ِفعْنَا إِلَى ذَاتِ َ‬ ‫الدّينَارَ ِإمَاما‪ ،‬وَال ْ‬
‫ن العُلُوجِ ‪،‬‬ ‫سرَعَ َمنْ َم َعهَا مِ َ‬ ‫سنَا وََأ ْيدِينَا‪ ،‬وََأ ْ‬ ‫ت تُ َقبّلُ رُؤُو َ‬ ‫سرَعَ ْ‬ ‫سنَتْ تَلَقّينَا‪ ،‬وََأ ْ‬ ‫ظهَا‪َ ،‬فَأحْ َ‬ ‫ت أَلْفَا ُ‬‫حيَ ْ‬ ‫َأ ْ‬
‫خ ْمرِهَا‪ ،‬فَقَالَتْ‪:‬‬ ‫عنْ َ‬ ‫سأَ ْلنَاهَا َ‬ ‫سرُوجِ‪َ ،‬و َ‬ ‫حطّ ال ّرحَالِ وَال ّ‬ ‫إِلَى َ‬
‫خمْـرٌ كَـرِيقِـي فِـي الــعُـــذُو َبةِ وَالّـلـــذَاذَةِ وَالـــحَـــلوَةْ‬ ‫َ‬
‫َكَأ ّنمَا‬ ‫َتذَرُ الحَلِيمَ َومَا عََليْهِ ِلحِ ْل ِمهِ َأ ْدنَى طُلَوَةْ‬
‫جدّي‪.‬‬ ‫جدَادُ َ‬ ‫خدّي‪َ ،‬أ ْ‬ ‫صرَهَا ِمنْ َ‬ ‫ع َت َ‬‫اْ‬
‫سرُورِ‪َ ،‬ومَا زَالَتْ‬ ‫ب ال ّ‬
‫جيْ ِ‬
‫خبِيئَةُ َ‬ ‫صدّي‪َ ،‬ودِيعَ ُة الدّهُورِ‪َ ،‬و َ‬ ‫جرِي َو َ‬ ‫ن القَارِ‪ِ ،‬ب ِمثْلِ َه ْ‬ ‫س ْربَلُوها مِ َ‬ ‫َو َ‬
‫شعَاعٌ‪،‬وَوَ ْهجٌ َلذّاعُ‪َ ،‬ر ْيحَانَةُ‬ ‫حتّى َلمْ َي ْبقَ ِإلّ َأرَجٌ َو ُ‬ ‫خذُ ِم ْنهَا الّْليْلُ وَال ّنهَارُ‪َ ،‬‬‫خيَارُ‪َ ،‬و َي ْأ ِ‬ ‫لْ‬‫َتتَوا َر ْثهَا ا َ‬
‫عجُوزُ المَ ْلقِ‪ ،‬كَالّلهَبِ في ال ُعرُوقِ‪َ ،‬و َك َب ْردِ ال ّنسِيم فِي‬ ‫شمْسِ‪َ ،‬فتَا ُة ال َب ْرقِ‪َ ،‬‬ ‫ضرّةُ ال ّ‬ ‫النّفْسِ‪َ ،‬و َ‬
‫ل ْكمَهُ َفَأ ْبصَرَ‪،‬‬
‫شرَ‪َ ،‬ودُو ِويَ ا َ‬ ‫ع ّززَ ال َميّتُ فَا ْنتَ َ‬‫صبَاحُ ال ِفكْرِ‪َ ،‬و ِت ْريَاقُ سَ ّم الدّهْرِ‪ِ ،‬ب ِمثِْلهَا ُ‬ ‫الحُلُوقِ‪ ،‬مِ ْ‬
‫طرِبُ فِي نَادِيكِ?‪.‬‬ ‫قُ ْلنَا‪ :‬هذِ ِه الضّالّ ُة وََأبِيكِ‪ ،‬فَمنِ ال ُم ْ‬
‫طبْعِ‪ ،‬طَرِيفَ ال ُمجُونِ‪َ ،‬مرّ‬ ‫ظرِيفَ ال ّ‬ ‫شيْخا َ‬ ‫شرْب‪ِ ،‬برِي ِقكِ ال َعذْبِ‪ ،‬قَالَتْ‪ِ :‬إنّ لِي َ‬ ‫ش ْعشَعُ لِل ّ‬
‫وََلعَّلهَا ُت َ‬

‫‪40‬‬
‫ت ال ِغبْطَةُ‪َ ،‬و َذكَ َر‬ ‫ت الخُ ْلطَةُ‪َ ،‬و َت َكرّرَ ِ‬ ‫سرّنِي‪ ،‬فَ َوقَعَ ِ‬ ‫حتّى َ‬ ‫حدِ فِي َديْرِ ال ِم ْر َبدِ‪َ ،‬فسَا ّرنِي َ‬‫لَ‬‫بِي َي ْومَ ا َ‬
‫س َيكُونُ‬ ‫ع ْندِي‪َ ،‬و َ‬ ‫ظيَ بِهِ ِ‬ ‫حِ‬ ‫طفَ بِهِ ُودّي‪َ ،‬و َ‬ ‫عَ‬ ‫شرَفِ قَ ْو ِمهِ فِي َأ ْرضِهِ‪ ،‬مَا َ‬ ‫عرْضِهِ‪َ ،‬و َ‬ ‫لِي مِنْ ُوفُورِ ِ‬
‫س َكنْ َدرِينَا َأبُو ال َفتْحِ‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬يَا َأبَا‬
‫خهَا َفِإذَا هُ َو ِإ ْ‬‫ت ِبشَ ْي ِ‬
‫حرْصٌ‪ ،‬قَالَ‪َ :‬ودَعَ ْ‬ ‫َل ُكمْ بِ ِه ُأنْسٌ‪ ،‬وَعََل ْيهِ ِ‬
‫عنْ ِلسَا ِنكَ اّلذِي يَقُولُ‪:‬‬ ‫طقَ َ‬ ‫ال َفتْحِ‪ ،‬والِ َكَأ ّنمَا َنظَرَ إَِل ْيكَ‪َ ،‬و َن َ‬
‫ستِقَامَةْ‬
‫ى عَقْلٌ َودِينٌ وَا ْ‬ ‫ن لِي فِيمَـا مَـضَ‬ ‫كَا َ‬
‫ل فِقْها بِـحِـجـامَةْ‬ ‫ا ِ‬ ‫ُثمّ َقدْ ِب ْعنَـا بِـحَـمْـدِ‬
‫خرَةَ‬ ‫خرَ ِن ْ‬‫قَالَ‪ :‬فَ َن َ‬ ‫لمَةْ‬
‫نَسأَلُ الَ الـسّـ َ‬ ‫عشْـنَـا قَـلِـيلً‬ ‫وََلئِنْ ِ‬
‫حتّى َقهْقَهَ‪.‬‬
‫حكَ َ‬ ‫ضِ‬
‫ال ُم ْعجَبِ‪َ ،‬وصَاحَ َو َز ْمهَرَ‪َ ،‬و َ‬
‫ل ْمثَالُ ??‬ ‫ُثمّ قَالَ‪ :‬أَِل ِمثْلِي يُقَالُ‪ ،‬أَ ْو ِب ِمثْلِي ُتضْرَبُ ا َ‬
‫ن الـلّـــ ْومِ وَلَـــكِـــنْ َأيّ َدكّـــاكٍ تَـــرَانِـــــي‬ ‫َدعْ مِـ َ‬
‫َأنَـا مَـنْ َيعْـــرِفُـــ ُه كُـــلّ َتهَـــامٍ َويَمـــانِـــــــي‬
‫ن كُـــلّ مَـــكَـــانِ‬ ‫ن كُـــلّ غُـــبـــارٍ َأنَـا مِـ ْ‬ ‫َأنَـا مِــ ْ‬
‫ت حَانِ‬ ‫خرَى َبيْ َ‬ ‫سَاعَ َة أَلزَ ُم ِمحْرَا با‪ ،‬وَُأ ْ‬
‫ل فِـي هَـــذَا الـــ ّزمَـــانِ قَالَ عِيسَى‬ ‫ُ‬ ‫َو َكذَا يَ ْفعَلُ َمنْ َي ْعقِ‬
‫ط ْبنَا َم َعهُ‬
‫ن َأ ْمثَالِهش‪َ ،‬و ِ‬
‫جبْتُ ِل ُقعُودِ ال ّر ْزقِ عَ ْ‬ ‫عِ‬‫ن ِمثْلِ حَالِهِ‪ ،‬وَ َ‬‫س َت َعذْتُ بِالِ مِ ْ‬ ‫ن ِهشَامٍ‪ :‬فَا ْ‬ ‫بْ ُ‬
‫عنْهُ‪.‬‬
‫عنَا ذَِلكَ‪َ ،‬و َرحَ ْلنَا َ‬
‫سبُو َ‬
‫ُأ ْ‬
‫طلَبِيّةُ‬
‫ال َمقَامَ َة المَ ْ‬
‫ن ِهشَامٍ قَالَ‪:‬‬ ‫ح ّدثَنا عِيسَى بْ ُ‬ ‫َ‬
‫ضيّةٍ‪ ،‬وََأخْلقٍ‬ ‫ج َت َمعْتُ َيوْما ِبجَماعَ ٍة َكَأ ّنهُمْ زَ ْهرُ ال ّربِيعِ‪َ ،‬أوْ ُنجُو ُم الّليْلِ َب ْعدَ َهزِيعٍ‪ ،‬بِ ُوجُوهٍ ُم ِ‬ ‫اْ‬
‫خذْنَا َن َتجَاذَبُ َأ ْذيَالَ‬ ‫لحْوَالِ‪َ ،‬فَأ َ‬ ‫حسْنِ ا َ‬ ‫سبُوا فِي ال ّزيّ وَالحَالِ‪َ ،‬و َتشَا َبهُوا في ُ‬ ‫ضيّةٍ‪ ،‬قَدْ َتنَا َ‬ ‫َر ِ‬
‫سبَالِ‪،‬‬ ‫ن ال ّرجَالِ‪َ ،‬محْفُوفُ ال ّ‬ ‫ن َبيْ ِ‬
‫طنَا شَابّ َقصِيرٌ مِ ْ‬ ‫سِ‬ ‫ضرَةٍ‪َ ،‬وفِي َو َ‬ ‫ب ال ُمحَا َ‬ ‫ح َأبْوا َ‬ ‫ال ُمذَاكَرَةِ‪َ ،‬ونَ ْفتَ ُ‬
‫لمُ إِلَى َمدْحِ ال ِغنَى وَأَهِْلهِ‪،‬‬ ‫حتّى ا ْن َتهَى ِبنَا الكَ َ‬ ‫ل َي ْنبِسُ ِبحَ ْرفٍ‪ ،‬وَل َيخُوضُ َمعَنا في َوصْفٍ‪َ ،‬‬
‫حضَ َر َبعْدَ‬ ‫ن رَ ْقدَةٍ‪ ،‬أَ ْو َ‬ ‫ب مِ ْ‬ ‫َو ِذكْرِ المَالِ َو َفضْلِهِ‪ ،‬وََأنّهُ زِينَةُ ال ّرجَالِ‪َ ،‬وغَايَةُ ال َكمَال‪َ ،‬ف َكأَ ّنمَا هَ ّ‬
‫ص ْرتُمْ عَنْ‬ ‫ع ِد ْم ُتمُوهُ‪َ ،‬وقَ ّ‬ ‫ن شَيئٍ َ‬ ‫ج ْزتُمْ عَ ْ‬ ‫عَ‬‫ح دِيوَانَهُ‪ ،‬وََأطَْلقَ ِلسَانَهُ‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬صَ ْه ل َقدْ َ‬ ‫غ ْيبَةٍ‪َ ،‬و َفتَ َ‬ ‫َ‬
‫ل ُمنَاخُ‬ ‫ل ال ّد ْنيَا ِإ ّ‬‫عنْ النّائِي بِالدّانِي‪ ،‬هَ ْ‬ ‫شغِ ْل ُتمْ َ‬‫عنْ البَاقِي بِالفَانِي‪َ ،‬و ُ‬ ‫ع ُتمْ َ‬ ‫خدِ ْ‬‫ج ْن ُتمُوهُ‪َ ،‬و ُ‬ ‫طََلبِ ِه َفهَ ّ‬
‫جعَةٌ‪َ ،‬و َودِيعَةٌ ُمنْتزَعَةٌ? ُينْقَلُ ِمنْ قَ ْو ٍم إِلَى‬ ‫ل المَالُ ِإلّ عَا ِريَ ٌة مُ ْر َت َ‬ ‫رَاكِبٍ‪َ ،‬و َتعِلّةُ ذَاهِبٍ? وَهَ ْ‬
‫جهّالِ‬ ‫ن ال ُكرَماءِ‪ ،‬وَال ُ‬ ‫ع ْندَ ال ُبخَلَءِ‪ُ ،‬دوَ َ‬ ‫ل ِإلّ ِ‬ ‫خرِينَ‪ ،‬هَلْ َترَ ْونَ المَا َ‬ ‫لوَائِلُ لِل ِ‬ ‫خ ُزنُهُ ا َ‬ ‫خرِينَ‪َ ،‬و َت ْ‬ ‫آَ‬
‫حدَى‬ ‫ج َه َتيْنِ‪ ،‬وَل التّ َق ّدمُ ِإلّ ِبِإ ْ‬ ‫حدَى ال ِ‬ ‫ل في ِإ ْ‬ ‫خرُ ِإ ّ‬‫خدَاعَ فََليْسَ ال َف ْ‬ ‫ن العَُلمَاءِ? ِإيّا ُكمْ وَال ْن ِ‬ ‫دُو َ‬
‫س حَامِلُهُ‪ ،‬وَل َي ْيأَسُ‬ ‫حمَلُ عَلى الرّؤُو ِ‬ ‫شرِيفٌ‪َ ،‬أوْ عِ ْلمٌ ُمنَيفٌ‪ ،‬وََأ ْك ِرمْ ِبشَيءٍ ُي ْ‬ ‫س َم َتيْنِ‪ِ :‬إمّا َنسَبٌ َ‬ ‫ال ِق ْ‬
‫ع ِرفُ َمطَْلبَيْنِ‪،‬‬ ‫ل ّننِي أَ ْ‬‫لرْضِ‪َ ،‬‬ ‫غنَى أَهْلِ ا َ‬ ‫صيَانَ ُة النّفْسِ وَال ِعرْضِ‪َ ،‬ل ُكنْتُ َأ ْ‬ ‫ِمنْ ُه آمِلُهُ‪ ،‬وَالِ َل ْولَ ِ‬
‫خبَايَا البَطارِقَةِ‪ ،‬فِي ِه مَائَةُ‬ ‫ن َذخَائِرِ ال َعمَالِقَةِ‪َ ،‬و َ‬ ‫ض طَ ْرسُوسَ‪َ ،‬تشْرَ ُه فِيهِ النّفُوسُ‪ ،‬مِ ْ‬ ‫حدُ ُهمَا ِبأَرْ ِ‬ ‫َأ َ‬
‫ن ُكنُوزِ‬ ‫ل الثّقَلْينِ‪ ،‬مِ ْ‬ ‫ن سُورَا وَالجَا ِم َعيْنِ‪ ،‬فِي ِه مَا َي ُعمّ أَهْ َ‬ ‫خرُ َفهْوَ مَا بَي َ‬ ‫أَ ْلفِ ِمثْقالٍ‪ ،‬وََأمّا ال َ‬
‫ج ّمعَةٌ فََلمّا‬ ‫صعَةٌ َو ِب َدرٌ ُم َ‬ ‫ن ُمرَ ّ‬ ‫ح َمرُ‪َ ،‬و ُدرّ َوجَوْ َهرٌ َوتِيجَا ٌ‬ ‫جبَا ِبرَةِ‪َ ،‬أ ْكثَرُ ُه يَاقُوتٌ َأ ْ‬ ‫ع َددِ ال َ‬ ‫لكَاسِرَةِ‪ ،‬وَ ُ‬ ‫اَ‬
‫ع ِب َيسِيرِ ال َمكَاسِبِ‪ ،‬مَ َع َأنّهُ‬ ‫س َت ْعجِز رََأيَهُ‪ ،‬فِي ال ُقنُو ِ‬ ‫خ ْذنَا َن ْ‬ ‫س ِم ْعنَا ذَِلكَ َأ ْقبَ ْلنَا عََليْهِ َومِ ْلنَا إَِل ْيهِ‪ ،‬وََأ َ‬ ‫َأنْ َ‬
‫لخْوَانِ‪ ،‬فَقُ ْلنَا‬ ‫ناِ‬ ‫حدٍ مِ َ‬ ‫عَارِفٌ ِب َهذِ ِه ال َمطَالِبِ‪َ ،‬فَأشَارَ إِلَى َأنّهُ يَ ْف َزعُ ِمنْ السّلْطانِ‪ ،‬وَل َي ِثقُ إِلى َأ َ‬
‫حدَ َه َذيْنِ‬ ‫حسِنَ إَِل ْينَا‪َ ،‬و َتمُنّ عََل ْينَا‪َ ،‬و ُت َعرّ ْفنَا َأ َ‬ ‫ن ُت ْ‬ ‫ن رََأيْتَ أَ ْ‬ ‫جتُكَ‪َ ،‬و َقبِ ْلنَا َم ْعذِ َر َتكَ‪َ ،‬فإِ ْ‬ ‫حّ‬ ‫س ِم ْعنَا ُ‬ ‫لَهُ‪َ :‬قدْ َ‬
‫ع َرفَ مَا‬ ‫جدَهُ‪َ ،‬ومَنْ َ‬ ‫شيْئا َو َ‬ ‫ل إَِل ْينَا َيدَهُ‪َ ،‬وقَالَ‪ :‬مَنْ َق ّدمَ َ‬ ‫ك الثُّل َثيْنِ؛ فَعَلْتَ‪ ،‬فَأما َ‬ ‫ال َمطَْل َبيْنِ‪ ،‬عَلى َأنّ َل َ‬
‫لنَا كَفّهُ‪َ ،‬رفَعَ‬ ‫ق إِلى مَا َذ َكرَ‪ ،‬فََلمّا مَ ْ‬ ‫حضَرَ‪َ ،‬و َتشَ ّو َ‬ ‫حبَا ُه بِما َ‬ ‫ل المَالِ‪َ ،‬فكُلّ ِمنّا َ‬ ‫ُينَالُ‪ ،‬هَانَ عََل ْيهِ َبذْ ُ‬
‫عدُ غَدا‬ ‫سكُ َرمَقا‪َ ،‬وقَدْ ضَاقَ َو ْق ُتنَا‪ ،‬وَالمَ ْو ِ‬ ‫ل مَا ُي ْم ِ‬ ‫ن يَ ْقضِيَ عَلَقا‪َ ،‬و َننَا ُ‬ ‫إَِل ْينَا طَ ْرفَهُ‪َ ،‬وقَالَ‪ :‬ل ُبدّ أَ ْ‬
‫هَا ُهنَا ِإنْ شَا َء الُ َتعَالَى‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫عةُ‪ ،‬قَ َعدْتُ َب ْعدَ ُهمْ سَاعَةً‪ُ ،‬ثمّ َت َق ّدمْتُ إَِليْهِ‪َ ،‬وجََلسْتُ‬ ‫جمَا َ‬ ‫قَالَ عِيسَى ْبنُ ِهشَامٍ‪ :‬فََلمّا تَ َف ّرقَتْ تِ ْلكَ ال َ‬
‫ت نَ ْفسِي إِلَى ُمحَادَ َثتِهِ‪َ :‬كَأنّنيِ عَا ِرفٌ ِب َنسَ ِبكَ‪َ ،‬و َقدْ‬ ‫غبْتُ في َم ْعرِ َفتِهِ‪َ ،‬وتَاقَ ْ‬ ‫ن َي َديْهِ‪َ ،‬وقُلْتُ َو َقدْ رَ ِ‬
‫َبيْ َ‬
‫غّي َركَ عََليّ ال ّزمَانُ‪َ ،‬ومَا‬ ‫ت لِي رَفِيقٌ‪ ،‬فَقُلْتُ‪َ :‬قدْ َ‬ ‫طرِيقُ‪ ،‬وََأنْ َ‬ ‫ض ّمنَا َ‬‫ج َت َمعْتُ ِبكَ! فَقَالَ‪َ :‬ن َعمْ َ‬ ‫اْ‬
‫شأَ يَقُولُ‪:‬‬ ‫شيْطَانُ‪َ ،‬فأَ ْن َ‬
‫ل ال ّ‬ ‫َأ ْنسَانِيكَ ِإ ّ‬
‫سخْفِ َمعَانِي‬ ‫ن ال ّ‬ ‫لِي مِ َ‬ ‫جبّـارُ الـزّمَـانِ‬ ‫َأنَا َ‬
‫لمَانِي‬ ‫ن كِيسِ ا َ‬ ‫مَالِ مِ ْ‬ ‫وََأنَا ال ُمنْ ِفقُ بَـعْـدَ ال‬
‫ع ْزفِ ال َمثَانِي‬ ‫فَ عَلَى َ‬ ‫صفَ وَال َغرْ‬ ‫مَنء َأرَادَ ال َق ْ‬
‫ن فُـلَنٍ َوفُـــلَنِ‬ ‫مِ ْ‬ ‫جهْلً‬ ‫وَاصْطَفَى ال ُم ْردَانَ َ‬
‫ال َمقَامَ ُة البِشْرِيّة‬ ‫ل تَـرَا ُه فِـي َأمَـانِ‬ ‫ٍ‬ ‫ن مَالٍ وَِإقْـبَـا‬ ‫صَارَ مِ ْ‬
‫صعْلُوكا‪ .‬فَأَغَا َر عَلَى َركْبٍ فِيهِ ُم امْرَأَةٌ‬ ‫عوَانَةُ ال َع ْب ِديّ ُ‬
‫شرُ بْنُ َ‬
‫ح ّدثَنا عِيسَى بْنُ ِهشَامٍ قَالَ‪ :‬كَانَ ِب ْ‬‫َ‬
‫جمِيلَةٌ‪َ ،‬ف َتزَوّجَ ِبهَا‪ ،‬وَقالَ‪ :‬مَا رََأيْتُ كَا ْليَومِ‪ ،‬فَقالَتْ‪:‬‬
‫َ‬
‫ض كالّـلـجَـيْنِ‬ ‫عدٌ َأ ْبيَ ُ‬
‫َوسَا ِ‬ ‫ع ْينِي‬
‫عجَبَ ِبشْرا حَ َورٌ في َ‬ ‫َأ ْ‬
‫حجْلَـينِ‬ ‫خمْصَانَ ٌة َترْفُلُ فَي ِ‬ ‫َ‬ ‫ح طَ ْرفِ العَـيْنِ‬ ‫َودُونَ ُه َمسْر َ‬
‫شرٌ َب ْي َنهَا َوبَـيْنـي‬
‫ضمّ ِب ْ‬ ‫َلوْ َ‬ ‫ن َيمْشِي عَلى ِرجْليَنِ‬ ‫ن مَ ْ‬‫حسَ ُ‬‫َأ ْ‬
‫صبْحُ ِلذِي‬ ‫لسْ َفرَ ال ّ‬
‫َ‬ ‫س َز ْينَهَـا بِـزَ ْينِـي‬ ‫وََلوْ يَقِي ُ‬ ‫جرِي وََأطَالَ بَـ ْينِـي‬ ‫َأدَامَ َه ْ‬
‫حيْثُ‬
‫ن ِب َ‬
‫حسْ ِ‬ ‫ي مِنَ ال ُ‬
‫طمَةَ‪ ،‬فَقالَ‪ :‬أَ ِه َ‬‫ك فَا ِ‬ ‫ع ّم َ‬ ‫ع َنيْتِ? فَقَالَتْ‪ِ :‬بنْتَ َ‬ ‫حكِ مَنْ َ‬
‫ل ِبشْرٌ‪َ :‬و ْي َ‬ ‫ن قَا َ‬ ‫ع ْي َنيْ ِ‬
‫َ‬
‫َوصَفْتِ? قالَتْ‪ :‬وََأ ْز َيدُ وََأ ْك َثرُ‪َ ،‬فَأ ْنشَأ يَقُولُ‪:‬‬
‫مَا خِ ْل ُتنِي ِم ْنكِ ِبمُـسْـتَـعـيضِ‬ ‫ت الثّـنَـايَا الـبِـيضِ‬ ‫حكِ يَا ذَا َ‬‫َو ْي َ‬
‫جوّا فَاصْفِري َوبِـيِضـي‬ ‫خََلوْتِ َ‬ ‫ن ِإذْ َل ّوحْتِ بِـالـتّـعْـرِيضِ‬ ‫فَال َ‬
‫ن الحَضِيضِ فَقَالَتْ‪:‬‬ ‫ع ْرضِي مِ َ‬ ‫مَا َل ْم ُأشُلْ ِ‬ ‫ل ضُمّ جَ ْفنَايَ عَلى تَـغْـمِـيضِ‬ ‫َ‬
‫عمّ ِه‬‫ُثمّ َأ ْرسَلَ إِلَى َ‬ ‫عمّ َلحّـا‬ ‫ك ا ْبنَةُ َ‬ ‫وَ ْهيَ إِلْي َ‬ ‫َكمْ خَاطِبٍ فِي َأمْرِهَا أَلحّا‬
‫جهُ ا ْب َنتَهُ‪ُ ،‬ثمّ َك ُثرَتْ‬
‫حدٍ ِم ْن ُهمْ ِإنْ َلمْ ُيزَ ّو َ‬‫عىَ عَلى َأ َ‬ ‫ل يُرْ ِ‬ ‫ب ا ْب َنتَهُ‪َ ،‬و َم َنعَ ُه ال َعمّ ُأ ْم ِن ّيتَهُ‪ ،‬فَآلى َأ ّ‬
‫َيخْطُ ُ‬
‫جنُو َنكَ‪،‬‬ ‫عنّا َم ْ‬‫عمّهِ‪َ ،‬وقَالُوا‪ُ :‬كفّ َ‬ ‫حيّ إِلَى َ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ج َتمَعَ ِرجَا ُ‬‫َمضَرّاتُ ُه فِي ِهمْ‪ ،‬وَاّتصَلَتْ َم َعرّاتُ ُه إَِل ْي ِهمْ؛ فَا ْ‬
‫حيَلِ‪ ،‬فَقَالُوا‪َ :‬أنْتَ َوذَاكَ‪ُ ،‬ثمّ قَالَ َلهُ‬ ‫حتّى أُهِْلكَ ُه ِب َبعْضِ ال ِ‬ ‫ل تُ ْل ِبسُونشي عَارا‪ ،‬وََأ ْمهِلُونِي َ‬ ‫فَقَالَ‪َ :‬‬
‫ق إَِل ْيهَا أَ ْلفَ نَاقَةٍ َمهْرا‪ ،‬وَل َأ ْرضَاهَا ِإلّ مِنْ‬ ‫ل ِممّنْ َيسُو ُ‬ ‫ج ا ْب َنتِي َهذِهِ ِإ ّ‬ ‫ن لَ ُأزَوّ َ‬ ‫ت أَ ْ‬ ‫عمّهُ‪ِ :‬إنّي آَليْ ُ‬ ‫َ‬
‫لسَدُ؛ لَنّ‬ ‫خزَاعَ َة َفيَ ْفتَ ِرسَ ُه ا َ‬‫ن ُ‬‫طرِيقَ َب ْينَهُ َو َبيْ َ‬ ‫شرٌ ال ّ‬ ‫ن َيسْلُكَ ِب ْ‬ ‫ن أَ ْ‬‫ض ال َعمّ كَا َ‬ ‫غرَ ُ‬ ‫عةَ‪ ،‬وَ َ‬ ‫خزَا َ‬ ‫نُوقِ ُ‬
‫شجَاعا‪ ،‬يَقُولُ‬ ‫حيّ ٌة ُتدْعَى ُ‬ ‫سمّى دَاذا‪َ ،‬و َ‬ ‫سدٌ ُي َ‬‫ك الطّريقِ‪َ ،‬وكَانَ فِي ِه َأ َ‬ ‫عنْ ذَل َ‬ ‫ال َعرَبَ َقدْ كَانَتْ َتحَامَتْ َ‬
‫ِفيِ ِهمَا قَائِلهُمْ‪:‬‬
‫لفَاعي‬ ‫سيّدَ ُة ا َ‬
‫َفِإ ّنهَا َ‬ ‫سبَـاعِ‬‫سيّدَ ال ّ‬ ‫ِإنْ ِيكُ دَا ٌذ َ‬ ‫شجَاعٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫َأ ْفتَكُ ِمنْ دَاذٍ َومِ ْ‬
‫سدَ‪َ ،‬و َقمَصَ ُم ْهرُهُ‪ ،‬فَ َنزَلَ وَعَ َقرَهُ‪ُ ،‬ث ّم‬
‫لَ‬ ‫حتّى لَ ِقيَ ا َ‬‫ك ذَِلكَ الطّرِيقَ‪َ ،‬فمَا َنصَفَ ُه َ‬
‫ن ِبشْرا سََل َ‬‫ُثمّ إِ ّ‬
‫عمّهِ‪:‬‬
‫سدِ عَلى قَميصِ ِه إِلَى ا ْبنَةِ َ‬ ‫لَ‬ ‫ب ِبدَمِ ا َ‬
‫ع َترَضَهُ‪َ ،‬وقَطّهُ‪ُ ،‬ثمّ َكتَ َ‬
‫لسَدِ‪ ،‬وَا ْ‬
‫سيْفَهُ إِلَى ا َ‬
‫خ َت َرطَ َ‬
‫اْ‬

‫‪42‬‬
‫َوقَ ْد لَقى ال ِه َزبْ ُر َأخَاكِ ِبشْـرَا‬ ‫ش ِهدْتِ ِب َبطْنِ خَـبْـتٍ‬ ‫طمُ لَ ْو َ‬ ‫َأفَا ِ‬
‫ِه َزبْرَا َأغْلَباُ لقـى هِـ َزبْـرَا‬ ‫إِذا لَـرََأيْتِ لَـيْثـا زَارَ لَـيْثـا‬
‫ُمحَا َذرَةً‪ ،‬فَقُلْتُ‪ :‬عُ ِقرْتَ ُمهْـرَا‬ ‫عنْ ُه ُمهْـرِي‬ ‫َت َب ْهنَسَ ِإذْ تَقاعَسَ َ‬
‫ظهْرَا‬‫ت ِم ْنكَ َ‬‫لرْضَ َأ ْثبَ َ‬ ‫رََأيْتُ ا َ‬ ‫لرْضِ؛ ِإنّـي‬ ‫ظ ْهرَ ا َ‬ ‫ل قَ َد َميّ َ‬ ‫َأنِ ْ‬
‫حدّدَةً َو َوجْها مُـكْـفَـهِـراّ‬ ‫ُم َ‬ ‫َوقُلْتُ لَ ُه َوقَدْ َأبْـدَى نِـصـالَ‬
‫سطُ للْ ُوثُوبِ عَلـىّ ُأخْـرَى‬ ‫َو َي ْب ُ‬ ‫ُيكَفْـكِـفُ غِـيلَ ًة ِإحْـدَى َي َديْهِ‬
‫س ُبهُنّ جَـمْـرَا‬ ‫حَ‬ ‫َوبِالّلحَظاتِ َت ْ‬ ‫ُيدِلّ ِب ِمخْـلَـبٍ َوبِـحَـدّ نَـابٍ‬
‫ِب َمضْرِب ِه قِراعُ المْـوتِ ُأثْـرَا‬ ‫حدّ َأبْقَـى‬‫ي مَاضِي ال َ‬ ‫وَفي ُي ْمنَا َ‬
‫غدَا َة لَقِـيتَ عَـمْـرَا‬ ‫ظمَةٍ َ‬ ‫أََلمْ َيبُْل ْغكَ مَا فَعَـلَـتْ ظُـبـاهُ ِبكَا ِ‬
‫عرَا ?!‬ ‫َوقَ ْلبِي ِمثْلُ قَ ْل ِبكَ َليْسَ َيخْـشَـى ُمصَاوَل ًة َفكَيفَ َيخَافُ ذَ ْ‬
‫لشْـبَـالِ قُـوتـا وََأطْلُبُ ل ْبنَ ِة الَعْمامِ مَـهْـرَا‬ ‫ت َترُومُ ل َ‬ ‫وََأنْ َ‬
‫سرَا?‬ ‫س قَ ْ‬ ‫جعَلَ في َي َد ْيكَ النّفْ َ‬ ‫فَفِيمَ َتسُومُ مِـثْـلـي َأنْ ُيوَلّـي َو َي ْ‬
‫حمِي كَـانَ مُـرّا‬ ‫ن َل ْ‬ ‫طعَاما؛ إِ ّ‬ ‫َ‬ ‫ح ُتكَ فَا ْل َتمِسْ يا َليْثُ غَـ ْيرِي‬ ‫َنصَ ْ‬
‫ت هُـجْـرَا‬ ‫وَخالَ َفنِي َكَأنِي قُلْ ُ‬ ‫ن الغِشّ نُـصْـحِـى‬ ‫ن أَ ّ‬‫فََلمّا ظَ ّ‬
‫ن ِإذْ طَلَبـاهُ وَعْـرَا‬ ‫َمرَاما كا َ‬ ‫ن رَامـا‬ ‫س َديْ َ‬
‫ت مِنْ َأ َ‬ ‫شيْ ُ‬‫َمشَى َو َم َ‬
‫ت بِ ِه َلدَى الظّلْما ِء فَجْـرَا‬ ‫سَلَلْ ُ‬ ‫حسَامَ َفخِلْتُ َأنّـي‬ ‫ت لَ ُه ال ُ‬ ‫َهزَزْ ُ‬
‫ن َك َذ َبتْهُ مَا مَـنّـتْـهُ غَـ ْدرَا‬ ‫ت لَـهُ بِـجَـا ِئشَ ٍة َأ َرتْـهُ ِبأَ ْ‬ ‫جدْ ُ‬ ‫َو ُ‬
‫لعِ عَـشْـرَا‬ ‫لضْ َ‬ ‫ناَ‬ ‫ن َيمِـيِنـي فَ َقدّ لَ ُه مِ َ‬ ‫وََأطْلَقْتُ ال َم ّهنَد مِـ ْ‬
‫َه َدمْتُ بِ ِه بِناءً مُـشْـمَـخِـرا‬ ‫َفخَرّ مُـجَـ ّدلً بِـ َدمٍ كَـأنـيّ‬
‫َوقُلْتُ َلهُ‪َ :‬يعِـزّ عَـلّـي َأنّـي َقتَلْتُ ُمنَاسِبي جَلَدا َوفَـخْـرَا?‬
‫صبْـرَا‬ ‫طقْ ياَليْثُ َ‬ ‫ت شَـيْئا لـمْ َي ُرمْـهُ سِوَاكَ‪ ،‬فَلمْ ُأ ِ‬ ‫ن رُمْ َ‬ ‫وََلكِ ْ‬
‫ن ُتعَلّمـنِـي فِـرَارا! َل َعمْ ُر َأبِيكَ قَدْ حَاوَلْتَ نُـكْـرَا!‬ ‫ل أَ ْ‬ ‫تُحاوِ ُ‬
‫ُيحَا ِذرُ َأنْ ُيعَابَ؛ َفمُـتّ حُـرّا‬ ‫ج َزعْ؛ فَ َقدْ لقَـيْتَ حُـرّا‬ ‫فَلَ َت ْ‬
‫فَلمّا بََلغَتِ‬ ‫ن حُـرّا‬ ‫ل َقيْتَ ذا طَ َرفَـيْ ِ‬ ‫فَ َقدْ َ‬ ‫ت فَلـيْسَ عَـارا‬ ‫ن َتكُ َقدْ قُتِلْ َ‬ ‫َفإِ ْ‬
‫حيّةُ‪ ،‬فَقَامَ في أَثرِهِ‪َ ،‬وبََلغَ ُه َوقَدْ‬ ‫ن َت ْغتَالَهُ ال َ‬‫شيَ أَ ْ‬ ‫خِ‬ ‫جهَا‪َ ،‬و َ‬ ‫عمّهُ َن ِدمَ عَلَى ما َم َنعَهُ َتزْوِي َ‬ ‫ل ْبيَاتُ َ‬ ‫اَ‬
‫سيْفَهُ‬‫ح ّكمَ َ‬ ‫حيّةِ َو َ‬‫ح ِميّ ُة الجَاهِِليّةِ‪ ،‬فَجَعلَ َي َدهُ فِي َفمِ ال َ‬ ‫خ َذتْهُ َ‬ ‫عمّ ُه َأ َ‬ ‫حيّةِ‪ ،‬فَلمّا رَأَى َ‬ ‫مَل َكتَ ُه سَ ْورَ ُة ال َ‬
‫فِيهَا‪ ،‬فَقَالَ‪:‬‬
‫عمّـهُ‬ ‫َلمّا رآهُ بِال َعرَاءِ َ‬ ‫جدِ َبعِيدٌ َهمّهُ‬ ‫شرٌ إِلَى ال َم ْ‬ ‫ِب ْ‬
‫جَاشَتْ ِبهِ جَا ِئشَةٌ َت ُهمّهُ‬ ‫قدْ َثكَِلتْ ُه نَ ْفسُـهُ وَُأمّـهُ‬
‫سمّي‬ ‫َونَ ْفسُ ُه نَ ْفسِي َو َ‬ ‫َفغَابَ فِي ِه َيدُهُ َوكُـمّـهُ‬ ‫ل يَ ُؤمّـهُ‬ ‫ن للفَ َ‬ ‫قَامَ إِلَى ابْ ٍ‬
‫سمّ ُه‬
‫َ‬
‫جكَ‬ ‫لزَ ّو َ‬
‫ع ْنهُ‪ ،‬فا ْرجِعْ َ‬ ‫عنَانِي َ‬ ‫طمَعا في َأ ْمرٍ قَدْ َثنَى الُ ِ‬ ‫ض ُتكَ َ‬
‫عرّ ْ‬ ‫عمّهُ‪ :‬إِنيّ َ‬ ‫حيّ َة قَالَ َ‬‫فََلمّا َقتَلَ ال َ‬
‫شقّ ال َق َمرِ على فَ َرسِ ِه ُم َدجّجَا في‬ ‫حتّى طَلَ َع َأمْ َردُ َك ِ‬ ‫جعَلَ بِشرٌ َيمْلُ َفمَ ُه فَخْرا‪َ ،‬‬ ‫ا ْب َنتِي‪ ،‬فََلمّا َرجَعَ َ‬
‫خرَجَ َفِإذَا ِبغُلمٍ عَلى قَ ْيدٍ‪ ،‬فَقالَ‪َ :‬ثكَِل ْتكَ ُأ ّمكَ يا‬ ‫صيْدٍ‪َ ،‬و َ‬ ‫س َ‬‫سمَعُ حِ ّ‬ ‫عمّ إِني َأ ْ‬‫شرٌ‪ :‬يَا َ‬ ‫لحِهِ‪ ،‬فَقَالَ ِب ْ‬ ‫سِ َ‬
‫ك فَقَالَ ِبشْرٌ َمنْ‬ ‫ن سّلمْتَ ع ّم َ‬ ‫ن إِ ْ‬‫ل ماضِ َغ ْيكَ َفخْرا? َأنْتَ في َأمَا ٍ‬ ‫ن َقتَلْتَ دُودَةً َو َبهِيمَ ًة تمَ ُ‬ ‫ِبشْرُ! أَ ْ‬
‫ح ْتكَ‪ ،‬فَقالَ‪ :‬يَا ِبشْرُ‬ ‫ن سََل َ‬‫شرٌ‪َ :‬ثكَِل ْتكَ مَ ْ‬ ‫حمَرُ‪ ،‬فَقالَ ِب ْ‬ ‫لْ‬‫تاَ‬
‫لسْ َودُ والمَوْ ُ‬ ‫َأنْتَ ل ُأّم لكَ قَالَ ال َي ْومُ ا َ‬
‫عشْرُونَ‬ ‫لمَ ِ‬ ‫شرٌ ِمنْهُ‪ ،‬وَأَم َكنَ الغُ َ‬ ‫حبِهِ‪ ،‬فََلمْ َيتَمكّنْ ِب ْ‬ ‫حدٍ ِم ْن ُهمَا علَى صَا ِ‬ ‫ن سََلحَ ْتكَ‪َ ،‬و َكرّ كُلّ وَا ِ‬ ‫َومَ ْ‬
‫شرُ َكيْفَ‬ ‫عنْ َب َدنِ ِه إبِ ْقاَءً عََليْهِ‪ُ ،‬ثمّ قَالَ‪ :‬يَا ِب ْ‬
‫حمَاهُ َ‬ ‫شبَا السّنانِ َ‬ ‫طعْنَ ًة في كُ ْليَ ِة ِبشْرٍ‪ ،‬كُّلمَا َمسّهُ َ‬ ‫َ‬
‫ب ِبشْرا‬‫سيْ َفهُ َفضَر َ‬ ‫ستَلّ َ‬ ‫طعَ ْم ُتكَ َأ ْنيَابَ ال ّرمْحِ? ُثمّ أَلْقَى ُر ْمحَ ُه وا ْ‬ ‫ل ْ‬‫س لَ ْو َأ َردْتُ َ‬ ‫َترَى? أََليْ َ‬

‫‪43‬‬
‫ع ّمكَ وَاذْهَبْ‬
‫حدَةٍ‪ُ ،‬ثمّ قَالَ‪ :‬يَا ِبشْرُ سَّلمْ َ‬ ‫ن ِبشْ ٌر مِنْ وَا ِ‬ ‫سيْفِ‪ ،‬وََل ْم َي َتمَكّ ْ‬ ‫ض ال ّ‬ ‫ن ضرْب ًة ِبعَرْ ِ‬ ‫عشْري َ‬
‫ِ‬
‫ن الِ مَا‬
‫سبْحَا َ‬
‫ن َأنْتَ‪ ،‬فَقَالَ‪َ :‬أنَا ا ْب ُنكَ‪ ،‬فقالَ‪ :‬يَا ُ‬ ‫لمْ‬ ‫ن ِبشَريطَةِ َأنْ َتقُو َ‬ ‫فِي أَمانٍ‪ ،‬قَالَ‪َ :‬ن َعمْ‪ ،‬وََلكِ ْ‬
‫ع ّمكَ‪ ،‬فَقالَ‬
‫ن المَرْأَ ِة التّي دَّل ْتكَ عَلى ا ْبنَةِ َ‬
‫قَارَنْتُ عَ ِقيَلةً َقطّ َفَأنّى لِي َهذِهِ ال ِم ْنحَةُ?? فَقَالَ‪َ :‬أنَا ابْ ُ‬
‫شرٌ‪:‬‬
‫ِب ْ‬
‫َوحََلفَ لَ َركِبَ‬ ‫ل الحَـيّةْ!‬ ‫حيّةَ ِإ ّ‬‫هَلْ تَِل ُد ال َ‬ ‫صيّةْ‬
‫ن َهذِ ِه ال ُع َ‬
‫تِ ْلكَ ال َعصَا مِ ْ‬
‫ع ِمهِ ل ْبنِهِ‪.‬‬
‫ج حَصَانا‪ُ .‬ثمّ زَوّجَ ا ْبنَةَ َ‬
‫حِصانا‪ ،‬وَل َتزَوّ َ‬
‫وال سبحانه وتعالى أعلى واعلم‪ ،‬وصلى ال على سيدنا محمد خاتم الرسل وإمام المتقين‪،‬‬
‫وعلى أله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫وهذا آخر ما تيسر لنا من التعليق على مقامات أبي الفضل بديع الزمان الهمذاني‪ ،‬وال‬
‫المسئول أن يجعله عملً مقبولً‪ ،‬وأن يحسن جزاءنا عليه‪ ،‬إنه وحده الذي عنده الجزاء‪ ،‬والحمد‬
‫ل رب العالمين‪ ،‬وسلم على المرسلين ول عدوان إل على الظالمين‪.‬‬

‫‪44‬‬

You might also like