Professional Documents
Culture Documents
المجلد الول
مقدمة
...
بسم ال الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد ل تعالى نحمده ونستعينه ،ونستغفره ،ونعوذ بال من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من
يهده ال فل مضل له ومن يضلل فل هادي له ،وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله ،أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة .من يطع ال ورسوله فقد
رشد ،ومن يعص ال ورسوله فل يضر إل نفسه ول يضر ال شيئا.
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب ال وخير الهدي هدي محمد صلى ال عليه وسلم وشر المور
محدثاتها ،وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضللة.
ثم أما بعد أيضا فهذا تفسير موجز لكتاب ال تعالى القرآن الكريم وضعته مراعيا فيه حاجة
المسلمين اليوم إلى فهم كلم ال تعالى الذي هو مصدر شريعتهم ،وسبيل هدايتهم وهو عصمتهم
حمَةٌ لِ ْل ُم ْؤمِنِين}
شفَا ٌء وَرَ ْ
من الهواء وشفاؤهم من الدواء ،قال تعالى{ :وَنُنَ ّزلُ مِنَ ا ْلقُرْآنِ مَا ُهوَ ِ
جمِيعا وَل َتفَ ّرقُوا} .وقال تعالىَ { :قدْ جَا َءكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ
صمُوا ِبحَ ْبلِ اللّهِ َ
وقال تعالى{ :وَاعْ َت ِ
جهُمْ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِهِ
ضوَانَهُ سُ ُبلَ السّل ِم وَيُخْ ِر ُ
َوكِتَابٌ مُبِينٌ َيهْدِي ِبهِ اللّهُ مَنِ اتّبَعَ ِر ْ
وَ َيهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ ُمسْ َتقِيمٍ} .ومراعيا فيه أيضا رغبة المسلمين اليوم في دراسة كتاب ال وفهمه
والعمل به ،هي رغبة لم تكن لهم منذ قرون عدة حيث كان القرآن يقرأ على الموات دون الحياء
ويُعتبر تفسيره خطيئة من الخطايا وذنبا من الذنوب ،إذ ساد بين المسلمين القول :بأن تفسير
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
جدَ لِلّهِ فَل تَدْعُو مَعَ اللّهِ أَحَدا} .
القرآن :صوابه خطأ وخطأه كفر ،فلذا القارئ يقرأ{ :وَأَنّ ا ْلمَسَا ِ
والناس حول ضريح الولي المدفون في ناحية المسجد يدعونه بأعلى
( )1/4
أصواتهم :يا سيدي يا سيدي كذا وكذا ول يجرؤ أحد أن يقول :يا إخواننا ل تدعوا السيد فإن ال
حكُمْ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ
جدَ لِلّهِ فَل تَدْعُو مَعَ اللّهِ َأحَدا} ويقرأ القارئ { َومَنْ لَمْ َي ْ
تعالى يقول{ :وَأَنّ ا ْلمَسَا ِ
فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلكَافِرُونَ} .ويسمعه من يسمعه ،ول يخطر على باله أن الية تصرح بكفر من لم
يحكم بما أنزل ال ،وأن أكثر المسلمين مورطون في هذا الكفر حيث تركوا تحكيم الشريعة
السلمية إلى تحكيم القوانين الملفقة من قوانين الشرق والغرب وهكذا كان يقرأ القرآن على
أموات الحياء وأحياء الموات فل يرى له أثر في الحياة.
هذا ونظرا لليقظة السلمية اليوم فقد تعين وضع تفسير سهل ميسر يجمع بين المعنى المراد من
كلم ال ،وبين اللفظ الغريب من فهم المسلم اليوم .نُبَين فيه العقيدة السلفية المنجية .والحكام
الفقهية الضرورية .مع تربية التقوى في النفوس ،بتحبيب الفضائل وتبغيض الرذائل ،والحث على
أداء الفرائض واتقاء المحارم .مع التجمل بالخلق القرآنية والتحلي بالداب الربانية .وقد هممت
بالقيام بهذا المتعين عدة مرات في ظرف سنوات ،وكثيرا ما يطلب مني مستمعوا دروسي في
التفسير في المسجد النبوي أن لو وضعت تفسيرا للمسلمين سهل العبارة قريب الشارة يساعد
على فهم كلم ال تعالى ،وكنت أعد أحيانا وأتهرب أحيانا أخرى ،حتى ختمت التفسير ثلث
مرات وقاربت الرابعة ،وأنا بين الخوف والرجاء وشاء ال تعالى أن أجلس في أواخر محرم عام
1406هـ ،إلى فضيلة الدكتور عبد ال بن صالح العبيد رئيس الجامعة السلمية ويُلهم أن يقول
لي :لو أنك وضعت تفسيرا على غرار الجللين يحل محله في المعاهد ودور الحديث تلتزم فيه
العقيدة السلفية التي خل منها تفسير الجللين فضّر كثيرا بقدر ما نفع ،وصادف في النفس رغبتها
فأجبته بأن سأفعل إن شاء ال تعالى .وبهذا الوعد تعينت واستعنت بال تعالى وشرعت وفي أوائل
رجب من العام نفسه تم تأليف المجلد الول الحاوي لثلث القرآن الكريم وفي أول رمضان كان
المجلد الول قد طبع والحمد ل ،وواصلت التأليف وال أسأل أن يتم في أقرب وقت ،وأن يتقبله
مني وهو منه وله ،فينتفع به كل مسلم يقرأه بنية معرفة مراد ال تعالى
( )1/5
من كلمه ليعرف ربه تكسبه خشيته ومحبته ويعرف محابه تعالى ليتقرب بفعلها إليه ,ويعرف
مساخطه ليتجنبها خوفا مما لديه.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هذا وإن مميزات هذا التفسير التي بها رجوت أن يكون تفسير كل مسلم ومسلمة ل يخلو منه بيت
من بيوت المسلمين هي:
-1الوسطية بين الختصار المخل ،والتطويل الممل.
-2اتباع منهج السلف في العقائد والسماء والصفات.
-3اللتزام بعدم الخروج عن المذاهب الربعة في الحكام الفقهية.
-4اخلؤه من السرائيليات صحيحها وسقيمها .إل ما ل بد منه لفهم الية الكريمة وكان مما
تجوز روايته لحديث" ..وحدثوا عن بني إسرائيل ول حرج" .
-5إغفال الخلفات التفسيرية.
-6اللتزام بما رجحه ابن جرير الطبري في تفسيره عند اختلف المفسرين في معنى الية ،وقد
ل آخذ برأيه في بعض التوجيهات للية.
-7إخلء الكتاب من المسائل النحوية والبلغية والشواهد العربية.
-8عدم التعرض للقراءات إل نادرا جدا للضرورة حيث يتوقف معنى الية على ذلك وبالنسبة
للحاديث فقد اقتصرت على الصحيح والحسن منها دون غيرهما ،ولذا لم أعزها إلى مصادرها
إل نادرا.
-9خلو هذا التفسير من ذكر القوال وإن كثرت واللتزام بالمعنى الراجح والذي عليه جمهور
المفسرين من السلف الصالح .حتى إن القارئ ل يفهم أن هناك معنىً غير الذي فهم من كلم ربه
تعالى ،وهذه ميزة جليلة وذلك لحاجة جميع المسلمين على فكر إسلمي موحد صائب سليم.
-10التزمت في هذا التفسير بالخطة التي مثلتها هذه المميزات رجاء أن يسهل على المسلمين
ل ل هم لهم إل مرضاة ال بفهم كلمه والعمل به ،والحياة
تناول كتاب ال دراسة وتطبيقا وعم ً
عليه عقيدة وعبادة وخلقا وأدبا وقضاء وحكما ،فلذا أخليته من كل ما من شأنه أن يشتت الذهن،
أو يصرف عن العمل إلى القول والجدل.
( )1/6
ولذا فقد جعلت الكتاب دروسا منظمة متسقة فقد أجعل الية الواحدة درسا فأشرح كلماتها ،ثم أبين
معناها ،ثم أذكر هدايتها المقصودة منها للعتقاد والعمل.
وقد أجعل اليتين درسا ،والثلث آيات والربع والخمس ول أزيد على الخمس إل نادرا ،وذلك
طلبا لوحدة الموضوع وارتباط المعنى به.
وقد جعلت اليات مشكولة على قراءة حفص وبخط المصحف وإني أطالب المسلم أن يقرأ أولً
اليات حتى يحفظها ،فإذا حفظها درس كلماتها حتى يفهمها ،ثم يدرس معناها حتى يعيه ،ثم يقرأ
هدايتها للعمل بها .فيجمع بين حفظ كتاب ال تعالى وفهمه والعمل به ،وبذلك يسود ويكمل ويسعد
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إن شاء ال تعالى .وقد جاء في الحديث " 1أن ال تعالى يرفع بهذا الكتاب أقواما ،ويضع آخرين"
فمن قراه بحسن نية فحفظه وفهمه وعمل به وعلمه فقد يدعى في السماء عظيما ،وفي الحديث
الصحيح" :خيركم من تعلم القرآن وعلمه" .اللهم اجعلني وسائر المؤمنين ممن يفوزون بهذه
الخيرية فيتعلمون كتابك ويعملون به ويعلمونه يا حيّ يا قيوم.
وأخيرا أطالب كل مؤمن ومؤمنة يقرأ تفسيري هذا المسمى :بأيسر التفاسير لكلم ال العلي الكبير
أن يستغفر لي ويترحم عليّ هذا حقي عليه اللهم وفقه لدائه واغفر لي وله وارحمني وإياه وسائر
المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.
وآخر دعوانا أن الحمد ل رب العالمين وصلى ال وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه
أجمعين.
وكتبه الراجي عفو ربه ورضوانه
أبو بكر الجزائري
المدينة المنورة 17رمضان 1406هـ.
__________
1رواه مسلم.
[تنبيه]
مراجع هذا التفسير أربعة وهي :جامع البيان في تفسير القرآن لبن جرير الطبري ،تفسير
الجللين المحلى والسيوطي ،تفسير المراغي ،تيسير الكريم الرحمن لعبد الرحمن بن ناصر
السعدي رحمهم ال أجمعين وجمعنا معهم في جنات النعيم.
( )1/7
( )1/8
سورة الفاتحة
...
الجزء الول
سورة الفاتحة
وهي مكية وآياتها 1سبع
حمَنِ الرّحِيمِ ( )3مَاِلكِ َيوْمِ الدّينِ (
حمْدُ ِللّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ ( )2الرّ ْ
حمَنِ الرّحِيمِ ( )1ا ْل َ
سمِ اللّهِ الرّ ْ
{بِ ْ
)4إِيّاكَ َنعْ ُب ُد وَإِيّاكَ نَسْ َتعِينُ ( )5اهْدِنَا الصّرَاطَ ا ْلمُسْ َتقِيمَ ( )6صِرَاطَ الّذِينَ أَ ْن َع ْمتَ عَلَ ْيهِمْ غَيْرِ
ا ْل َم ْغضُوبِ عَلَ ْيهِ ْم وَل الضّالّينَ (})7
شرح الكلمات:
التفسير :2لغة الشرح والبيان .واصطلحا :شرح كلم ال ليُفهم مُرادُه تعالى منه فيطاع في أمره
ونهيه ،ويؤخذ بهدايته وإرشاده .ويُعتبر بقصصه ،ويتعظ بمواعظه.
السورة :السورة 3قطعة من كتاب ال تشتمل على ثلث آيات فأكثر .وسور القرآن الكريم مائة
وأربع عشرة سورة أطولها "البقرة" 4وأقصرها "الكوثر".
الفاتحة :فاتحة لكل شيء بدايته .وفاتحة القرآن الكريم الحمد ل رب العالمين
__________
1الية :في اللغة العلمة .ومنه قول الشاعر:
توهمت آيات لها فعرفتها ...لستة أعوام وإذا العام سابع
2مصدر فسر تفسيرا أو فعله المجرد فسر كنصر فسرا إذا أبان الكلم وكشف معناه.
3لفظ السورة مشتق إما من سور البلد لرتفاعها وعلو شأنها أو من سور الشراب وهي البقية إذ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هي بقية من كتاب ال تعالى أي قطعة منه .وكونها مشتقة من الرفعة وعلو الشأن أولى ،ويشهد
لذلك قول الشاعر:
ألم تر أن ال أعطاك سورة ...ترى كل ملك دونها يتذبذب
4أطول آية في القرآن ،آية الدّين في آخر البقرة ،وأقصر آية فيه {مدهامتان} ،من سورة
الرحمن.
( )1/9
ولذا سميت الفاتحة .ولها أسماء 1كثيرة منها أم القرآن .والسبع 2المثاني .وأم الكتاب ،3
والصلة . -
مكية :المكي من السور :ما نزل بمكة ،والمدني منه ما نزل بالمدينة .والسور المكية غالبها يدور
على بيان العقيدة وتقريرها والحتجاج بها وضرب المثل لبيانها وتثبيتها .وأعظم أركان العقيدة:
توحيد ال تعالى في عبادته ،وإثبات نبوة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وتقرير مبدأ المعاد
والدار الخرة .والسور المدنية يكثر فيها التشريع وبيان الحكام من حلل وحرام.
اليات :جمع آية وهي لغةً :العلمة .وفي القرآن :جملة من كلم ال تعالى تحمل الهدي للناس
بدللتها على وجود ال تعالى وقدرته وعلمه ،وعلى نبوة محمد صلى ال عليه وسلم ورسالته.
وآيات القرآن الكريم ست آلف ومائتا آية وزيادة .4وآيات الفاتحة سبع 5بدون البسملة.
الستعاذة 6
أعوذ بال من الشيطان الرجيم
شرح الكلمات:
الستعاذة :قول العبد :أعوذ بال من الشيطان الرجيم
أعوذ :أستجير وأتحصن
بال :برب كل شيء والقادر على كل شيء والعليم بكل شيء وإله الولين والخرين.
__________
1بلغ بها صاحب التقان ،نَيفا وعشرين اسما ،ولم يرد في السنة من ذلك سوى أربع :فاتحة
الكتاب ،وأم القرآن ،والسبع المثاني ،وأم الكتاب.
2سميت بالسبع المثاني لنها تثنى أي تكرر في كل ركعة من الصلة.
3سميت بأم الكتاب لشتمالها على أصول ما جاء في القرآن من العقائد والعبادات والشرائع
والقصص.
4الزيادة تتراوح ما بين أربع آيات إلى أربعين آية على خلف بين القراء.
5وقيل البسملة هي الية السابعة .وإليه ذهب الشافعي فأوجب قراءتها في الصلة وعلى القول
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الراجح بأن البسملة آية ،فالية السابعة هي{ :غَيْرِ ا ْل َم ْغضُوبِ عَلَ ْيهِ ْم وَل الضّالّينَ} ويكون {صِرَاطَ
الّذِينَ أَ ْن َعمْتَ عَلَ ْيهِمْ} الية السادسة.
6العياذ بال تعالى للستجارة بال من المكروه ،واللياذ بال تعالى يكون لطلب المحبوب ،يشهد
لهذا قول الشاعر:
يا من ألوذ به فيما أؤمله ...ومن أعوذ به ممن أحاذره
ل يجبر الناس عظما أنت كاسره ...ول يهيضون عظما أنت جابره
-لقول النبي صلى ال عليه وسلم عن ربه" :قسمت الصلة بيني وبين عبدي قسمين ولعبدي ما
سأل فإذا قال الحمد ل رب العالمين قال ال حمدني عبدي "...الحديث رواه النسائي وغيره.
( )1/10
( )1/11
حكم البسملة:
مشروع للعبد مطلوب منه أن يُبسمل عند قراءة كل سورة من كتاب ال تعالى إل عند قراءة
سورة التوبة فإنه لييسمل وإن كان في الصلة المفروضة يبسمل سرا إن كانت الصلة جهرية.
ويسن للعبد أن يقول باسم ال .1عند الكل والشرب ،ولبس الثوب ،وعند دخول المسجد
والخروج منه ،وعند الركوب ،وعند كل أمر 2ذي بال.
كما يجب عليه أن يقول بسم ال وال أكبر عند الذبح والنحر.
حمْدُ 3لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ(})2
{ا ْل َ
شرح الكلمات:
حمْدُ} :الوصف بالجميل ،والثناء به على المحمود ذي الفضائل والفواضل ،كالمدح ،4والشكر
{ا ْل َ
.5
{لِلّهِ} :اللم حرف جر ومعناها الستحقاق أي :أن ال مستحق لجميع المحامد وال علم على ذات
الرب تبارك وتعالى.
الرب :السيد المالك المصلح المعبود 6بحق جل جلله.
{ا ْلعَاَلمِينَ} :جمع عالم وهو كل ما سوى ال تعالى،كعالم الملئكة ،وعالم الجن ،وعالم النس،
وعالم الحيوان ،وعالم النبات.
__________
1لحديث" :سم ال وكل بيمينك" وهو في الصحيح.
2لحديث" :كل أمر ذي بال ل يبدأ فيه ببسم ال فهو أبتر" والحديث وإن كان ضعيفا فإن العمل به
لما في معناه من أحاديث صحاح.
3الحمد ل أعظم سورة في القرآن لحديث البخاري عن أبي سعيد بن المعلى أن النبي صلى ال
عليه وسلم قال له" :لعلمنك أعظم سورة في القرآن ،وقوله له ما أنزل في التوراة ول في
النجيل ول في القرآن مثلها" .
4هناك فرق بين المدح والحمد ،فالحمد يكون على الجميل الختياري كما يحمد ال تعالى على
لطفه ورحمته وإحسانه .وأما المدح فإنه يكون على الختياري والضطراري كما يمدح النسان
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
على جمال وجهه وهو ليس فعله وعلى إحسانه الذي هو عمله الختياري والثناء المدح وتكراره
مرة بعد مرة.
5الشكر :الثناء باللسان على المنعم بما أولى من النعم ،فهو أخص ممن الحمد موردا إذ مورده
النعمة فقط وأعمّ متعلقا إذ متعلقه القلب واللسان والجوارح ،لقول القائل:
أفادتك النعماء مني ثلثة ...يدي ولساني والضمير المحجبا
والحمد يعم المدح والشكر لحديث" :الحمد رأس الشكر".
6مما شهد لطلق لفظ الرب على المعبود قول الشاعر:
أرب يبول الثعلبان برأسه ...
لقد هان من بالت عليه الثعالب
( )1/12
معنى الية :يخبر تعالى أن جميع أنواع المحامد من صفات الجلل والكمال هي له وحده دون من
سواه؛ إذ هو رب كل شيء وخالقه ومالكه.
وأن علينا 1أن نحمده ونثني عليه بذلك.
حمَنِ الرّحِيم(})3
{الرّ ْ
تقدم شرح هاتين الكلمتين في البسملة .وأنهما اسمان وصف بهما اسم الجللة "ال" في قوله:
حمَنِ الرّحِيمِ} ثناء على ال تعالى لستحقاقه الحمد كله.
حمْدُ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ الرّ ْ
{ا ْل َ
{مَاِلكَِ 2يوْمِ الدّينِ(})4
شرح الكلمات:
{مَاِلكِ} :المالك :صاحب الملك المتصرف كيف يشاء.
{ملك} :الملك ذو السلطان المر الناهي المعطي المانع بل ممانع ول منازع.
{ َيوْمِ الدّينِ} :يوم الجزاء 3وهو يوم القيامة حيث يجزي ال كل نفس ما كسبت.
معنى الية :تمجيد ل تعالى بأنه المالك لكل ما في يوم القيامة حيث ل تملك نفس لنفس شيئا
والملك الذي ل مَِلكَ يوم القيامة سواه.
__________
1لن اللفظ خبر ومعناه النشاء أي قولوا :الحمد ل.
2قرأ حفص {مالك} باسم الفاعل ،وقرأ نافع {ملك} بدون ألف وهما قراءتان سبعيتان ،وال حقا
هو الملك المالك.
3صح تفسير {يوم الدين} بيوم الحساب عن السلف من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم،
ولما كان الحساب غايته الجزاء صح إطلق لفظ الجزاء على يوم الدين ،إذ يقال :دانه يدينه بكذا
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
دنيا ودينا ،إذا حاسبه وجزاه ،وفي الحديث" :الكيس من دان نفسه أي :حاسبها ،وعمل لما بعد
الموت ،والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على ال الماني" .رواه أحمد والترمذي وغيرهما
وهو صحيح.
( )1/13
هداية اليات:
في هذه اليات الثلث من الهداية ما يلي:
-1أن ال تعالى يحب 1الحمد ،فلذا حمد تعالى نفسه وأمر عباده به.
-2أن المدح يكون لمقتضٍ .وإل فهو باطل وزور ،فال تعالى لما حمد نفسه ذكر مقتضى الحمد
وهو كونه رب العالمين والرحمن الرحيم ومالك يوم الدين.
{إِيّاكََ 2نعْبُ ُد وَإِيّاكَ نَسْ َتعِينُ(})5
شرح الكلمات:
{إِيّاكَ} :ضمير نصب يخاطب به الواحد.
{ َنعْ ُبدُ :}3نطيع مع غاية الذل لك والتعظيم والحب.
{ َنسْ َتعِينُ } :نطلب عونك لنا على طاعتك .4
معنى الية:
علّمنا ال تعالى كيف نتوسل إليه في قبول دعائنا فقال :احمدوا ال واثنوا عليه ومجدوه ،والتزموا
له بأن تعبدوه وحده ول تشركوا به وتستعينوه ول تستعينوا بغيره.
هداية الية:
من هداية هذه الية ما يلي:
-1آداب الدعاء 5حيث يقدم السائل بين يدي دعائه حمد ال والثناء عليه وتمجيده .وزادت
__________
1قال رسول ال صلى ال عليه وسلم " :ما من أحد أحب إليه الحمد من ال تعالى حتى إنه حمد
نفسه" .ولفظ البخاري" .ل أحد أغير من ال ،ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ،ول
شيء أحب إليه المدح من ال ،ولذلك مدح نفسه" وقال صلى ال عليه وسلم" :ما أنعم ال على
عبده بنعمة فقال :الحمد ل إل كان الذي أعطى أفضل مما أخذ" .رواه الببيهقي عن أنس بسند
حسن.
2العدول عن نعبدك ونستعينك إلى {إياك نعبد وإياك نستعين} لفادة الختصاص والحصر ،وفي
{إياك نعبد وإياك نستعين} نكتة بلغية وهي :اللتفات من الغيبة إلى الخطاب وهي من المحسنات
البديعية.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{ 3نعبد} مضارع عبده إذا أطاعه متذللً له خوفا منه وطمعا فيما عنده فأحبه لذلك غاية الحب
وعظمه غاية التعظيم وهكذا تكون عبادة المؤمن لربه تعالى.
4وعلى كل ما يهم العبد من أمور دينه ودنياه.
5روى أبو داود والترمذي ،والنسائي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم سمع رجلً يدعو في
صلته فلم يصلي على النبي صلى ال عليه وسلم فقال النبي صلى ال عليه وسلم" :عجل هذا ،ثم
دعاه فقال له أو لغيره :إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد ال والثناء عليه ثم ليصل على النبي صلى ال
عليه وسلم ثم ليدع بعد مما شاء" .
( )1/14
السنة الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم ،ثم يسأل حاجته فإنه يستجاب 1له.
-2أن ل يعبد غير ربه .وأن ل يستعينه إل هو سبحانه وتعالى.
{ا ْهدِنَا 2الصّرَاطَ ا ْلمُسْ َتقِيمَ(})6
شرح الكلمات:
{ا ْهدِنَا} :أرشدنا وأدم هدايتنا.
{ الصّرَاطَ} :الطريق الموصل إلى رضاك وجنتك وهو السلم لك.
{ا ْلمُسْ َتقِيمَ} :الذي ل ميل فيه عن الحق ول زيغ عن الهدى.
معنى الية:
بتعليم من ال تعالى يقول العبد في جملة إخوانه المؤمنين سائلً ربه بعد أن توسل إليه بحمده
والثناء عليه وتمجيده ،ومعاهدته أن ل يعبد هو وإخوانه المؤمنون إل هو ،وأن ل يستعينوا إل به.
يسألونه أن يُديم هدايتهم 3للسلم حتى ل ينقطعوا عنه.
من هداية الية:
الترغيب في دعاء ال والتضرع إليه ،وفي الحديث" :الدعاء 4هو العبادة" .
{صِرَاطَ الّذِينَ أَ ْن َع ْمتَ عَلَ ْيهِمْ(})6
شرح الكلمات:
{الصّرَاطَ} :تقدم بيانه.
علَ ْيهِمْ} :هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون ،5وكل من أنعم ال
{الّذِينَ أَ ْن َع ْمتَ َ
__________
1روى أحمد عن أبي سعيد رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :ما من مسلم يدعو
ال عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ول قطيعة رحم إل أعطاه ال بها إحدى ثلث خصال :إما أن
يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الخرة ،وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها ،قالوا :إذا
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
نكثر ،قال :ال أكثر".
2فعل الهداية يتعدى بنفسه وبحرف الجر فمن الول قوله تعالى{ :اهْدِنَا الصّرَاطَ ا ْلمُسْ َتقِيمَ} ،ومن
الثاني ،قوله تعالى{ :مِنْ دُونِ اللّهِ فَاهْدُو ُهمْ إِلَى صِرَاطِ ا ْلجَحِيمِ} .
3الهداية نوعان :هداية بيان وإرشاد ،وهذه تطلب من ذوي العلم ،فهم يبينون للسائل طرق الخير
ويرشدونه إليها .هداية توفيق إلى اعتقاد الحق ولزمه في العتقاد والقول والعمل ،وهذه ل تطلب
إل من ال تعالى ،ومنها هذه الدعوة :اهدنا الصراط المستقيم ،ويشهد للهداية الولى ،وهي هداية
البيان قوله تعالى{ :وَإِ ّنكَ لَ َتهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ} .ويشهد للثانية قوله تعالى{ :إِ ّنكَ ل َتهْدِي مَنْ
أَحْبَ ْبتَ} .فأثبت لنبيه هداية البيان ونفي عنه هداية التوفيق وهي الهداية القلبية الباطنة.
4رواه أصحاب السنن ،وصححه الترمذي عن النعمان بن بشير رضي ال عنه.
5ورد هذا البيان في قوله تعالى من سورة النساء { َومَنْ يُطِعِ اللّ َه وَالرّسُولَ فَأُولَ ِئكَ مَعَ الّذِينَ أَ ْنعَمَ
حسُنَ أُولَ ِئكَ َرفِيقا} .
ن وَ َ
شهَدَا ِء وَالصّالِحِي َ
ن وَال ّ
ن وَالصّدّيقِي َ
علَ ْيهِمْ مِنَ النّبِيّي َ
اللّهُ َ
( )1/15
عليهم باليمان به تعالى ومعرفته ،ومعرفة محابه ،ومساخطه ،والتوفيق لفعل المحاب وترك
المكاره.
معنى الية:
لما سأل المؤمن له ولخوانه الهداية إلى الصراط المستقيم ،وكان الصراط مجملً بينه بقوله:
{صِرَاطَ الّذِينَ أَ ْن َع ْمتَ عَلَ ْيهِمْ} ،وهو المنهج القويم المفضي بالعبد إلى رضوان ال تعالى والجنة،
وهو السلم القائم على اليمان والعمل مع اجتناب الشرك 1والمعاصي.
هداية الية:
من هداية الية بما يلي:
-1العتراف بالنعمة.
-2طلب حسن القدوة.
{غَيْرِ ا ْل َم ْغضُوبِ عَلَ ْي ِه ْم وَل الضّالّينَ(})7
شرح الكلمات:
{غَيْرِ} :لفظ يستثنى 2به كإلّ.
ا ْل َم ْغضُوبِ عَلَ ْيهِمْ :من غضب ال تعالى عليهم لكفرهم وافسادهم في الرض؛ كاليهود.
الضّالّينَ :من أخطأوا طريق الحق فعبدوا 3ال بما لم يشرعه؛ كالنصارى.
__________
1الشرك :عبادة غير ال مع ال تعالى ،أو اعتقاد ربوبية أو ألهية كائن من كان مع ال تعالى ولو
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لم يعبده إشراك المخلوق في صفات الخالق الذاتية أو الفعلية.
2لفظ غير مفرد مضاف دائما لفظا أو معنى وإدخال أل عليه خطأ وأصله الوصف ويستنثى به.
3الضلل :النحراف والبعد عن الهدي المطلوب وهو في الشرع نوعان :ضلل في العتقاد،
ل أو بعضا للمعتقد السلمي
وضلل في العمل .فالضلل في العتقاد :هو كل اعتقاد مخالف ك ً
الذي بينه ال تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله محمد صلى ال عليه وسلم .والضلل في العمل:
هو عبادة ال تعالى بغير ما شرع والتقرب إليه عز وجل بما لم يشرعه قربة ،ول ينجو من هذا
الضلل إل من تمسك بكتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم.
( )1/16
معنى الية:
لما سأل المؤمن ربّه الصراط المستقيم ،وبينه بأنه صراط من أنعم عليهم بنعمة اليمان 1والعلم
والعمل .ومبالغة في طلب الهداية إلى الحق ،وخوفا من الغواية استثنى كلً من طريق المغضوب
عليهم ،والضالين.
هداية الية:
من هداية الية:
الترغيب في سلوك سبيل الصالحين ،والترهيب من سلوك سبيل الغاوين.
__________
[تنبيه أول] :كلمة :آمين ليست من الفاتحة .ويستحب أن يقولها المام إذا قرأ الفاتحة يمد بها
صوته ويقولها المأموم ،والمنفرد كذلك لقول الرسول صلى ال عليه وسلم" :إذا أمن المام فأمنوا"
.أي :قولوا آمين بمعنى :ال استجب دعاءنا ،ويستحب الجهر بها؛ لحديث ابن ماجة :كان النبي
صلى ال عليه وسلم إذا قال{ ": :غَيْرِ ا ْل َم ْغضُوبِ عَلَ ْيهِ ْم وَل الضّالّينَ} .قال آمين حتى يسمعها
أهل الصف الول فيرتج بها المسجد".
[تنبيه ثان] :قراءة الفاتحة واجبة في كل ركعة من الصلة ،أما المنفرد والمام فل خلف في
ذلك ،وأما المأموم فإن الجمهور من الفقهاء على أنه يسن له قراءتها في السرية دون الجهرية
لحديث" :من كان له إمام فقراءة 2المام له قراءة" ،ويكون مخصصا لعموم حديث" :ل صلة
لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" .
__________
1لفظ النعمة اسم جنس تحته أربعة أنواع :الولى:نعمة اليمان بال وبما أوجب اليمان به.
الثانية :نعمة معرفة ال تعالى بأسمائه وصفاته .والثالثة :نعمة معرفة محابه ومكارهه .والرابعة:
نعمة التوفيق لفعل المحاب وترك المكاره.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
2رواه البخاري عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :إذا أمّن المام فأمنوا
فإنه من وافق تأمينه تأمين الملئكة غفر له ما تقدم من ذنوبه" .
( )1/17
سورة البقرة
...
سورة البقرة 1
مدنية وآياتها مائتان وست أو سبع وثمانون آية
حمَنِ الرّحِيمِ
بِسْمِ اللّهِ الرّ ْ
{الم( )1ذَِلكَ ا ْلكِتَابُ ل رَ ْيبَ فِيهِ هُدىً لِ ْلمُ ّتقِينَ( )2الّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ 2بِا ْلغَ ْيبِ وَيُقِيمُونَ الصّلةَ َو ِممّا
ك وَبِالخِ َرةِ ُهمْ يُوقِنُونَ()4
رَ َزقْنَاهُمْ يُ ْن ِفقُونَ( )3وَالّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ ِبمَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ َومَا أُنْ ِزلَ مِنْ قَبِْل َ
أُولَ ِئكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَ ّبهِ ْم وَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُون(َ })5
({) 1الم}
شرح الكلمات :
{الم} :هذه من الحروف المقطعة تكتب الم .وتقرأ هكذا:
ألف لم ميم .والسور المفتتحة بالحروف المقطعة تسع وعشرون سورة أولها البقرة هذه ،وآخرها
القلم {ن} ومنها الحادية مثل{ :ص} ،و {ق} ،و {ن} ،ومنها الثنائية مثل{ :طه} ،و {يس} ،و
{حم} ،ومنها الثلثية والرباعية والخماسية ،ولم يثبت في تفسيرها عن النبي صلى ال عليه وسلم
شيء كونها من المتشابه الذي استأثر ال تعالى بعلمه أقرب إلى الصواب ،ولذا يقال
__________
1ورد وصح في فضل سورة البقرة قوله صلى ال عليه وسلم" :اقرأوا سورة البقرة فإن أخذها
بركة وتركها حسرة ،ول يستطيعها البطلة" أي :السحرة .وروى الترمذي ،وصححه :أن النبي
صلى ال عليه وسلم بعث بعثا وهم ذوو عدد ،وقدّم عليهم أحدثهم سنا لحفظه سورة البقرة ،وقال
له" :اذهب فأنت أميرهم" .وروى أيضا أن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :ل تجعلوا بيوتكم
مقابر ،إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة" .
2قرأ نافع يؤمنون بتخفيف الهمز ة جمعا وإفرادا في كامل القرآن ،وقرأها حفص مهموزة في كل
القرآن.
( )1/18
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فيها :ألمْ :ال أعلم 1بمراده ذلك.
وقد استخرج منها بعض أهل العلم فائدتين :الولى :أنه لما كان المشركون يمنعون سماع 2
القرآن مخافة أن يؤثر في نفوس السامعين كان النطق بهذه الحروف حم .طس .ق .كهيعص.
وهو منطق غريب عنهم يستميلهم إلى سماع القرآن ،فيسمعون فيتأثرون وينجذبون فيؤمنون
ويسمعون وكفى بهذه الفائدة من فائدة .والثانية:لما أنكر المشركون كون القرآن كلم ال أوحاه إلى
رسوله محمد صلى ال عليه وسلم كانت هذه الحروف بمثابة المتحدي لهم كأنها :أن هذا القرآن
مؤلف من مثل هذه الحروف فألفوا أنتم مثله .ويشهد بهذه الفائدة ذكر لفظ القرآن بعدها غالبا نحو:
حكِيمِ} { ،طس ِت ْلكَ آيَاتُ ا ْلقُرْآنِ} ،كأنها تقول :إنه من مثل هذه الحروف
{الر ِت ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ الْ َ
تألف القرآن فألفوا أنتم نظيره فإن عجزوا فسلموا أنه كلم ال ووحيه وآمنوا به تفلحوا.
{ذَِلكَ ا ْلكِتَابُ ل رَ ْيبَ فِيهِ هُدىً لِ ْلمُ ّتقِينَ} ()2
شرح الكلمات:
{ذَِلكَ} :هذا ،وإنما عُدل عن لفظ هذا إلى ذلك .لما تفيده الشارة بلم البعد 3من علو المنزلة
وارتفاع القدر والشأن.
{ا ْلكِتَابُ : }4القرآن الكريم الذي يقرأه رسول ال صلى ال عليه وسلم على الناس.
{ل رَ ْيبَ : }5لشك أنه وحي ال وكلمه أوحاه إلى رسوله.
__________
1روى عن أبي بكر وعلي رضي ال عنهما وعن عامر الشعبي وسفيان الثوري إنهم قالوا:
الحروف المقطعة هي سر ال في القرآن ول في كل كتاب من كتبه سر .فهي من المتشابهة الذي
انفرد ال بعلمه فل ينبغي أن نتكلم فيها ولكن نؤمن بها.
ن وَا ْل َغوْا فِيهِ َلعَّلكُمْ
س َمعُوا ِل َهذَا ا ْلقُرْآ ِ
2دليله قوله تعالى من سورة فصلتَ { :وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا ل َت ْ
َتغْلِبُونَ} .
3اسم الشارة هو( :ذا) وهو للقريب ويقال (ذاك) للمتوسط البعد (وذلك) للبعيد.
علَ ْيكُمُ الصّيَام} .أي فرض ،وعلى العقد بين العبد
4يطلق لفظ الكتاب على الفرض نحو{ :كُ ِتبَ َ
وسيده نحو{ :وَالّذِينَ يَبْ َتغُونَ ا ْلكِتَابَ} .وعلى القدر ،نحو{ :كِتَابَ اللّهِ} ،أي قدره وقضاؤه ،ويصح
في إعراب الكتاب أن يكون بدلً من اسم الشارة ،ويصح أن يكون خبرا له.
5وريب الدهر :صروفه وخطوبه ،وأصل الريب :قلق النفس لحديث الصحيح " :دع ما يريبك
إلى ما ل يريبك ،فإن الشك ريب وإن الصدق طمأنينة" .
( )1/19
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{فِيهِ هُدىً :}1دللة على الطريق الموصل إلى السعادة والكمال في الدارين.
{لِ ْلمُ ّتقِينَ :}2المتقين أي :عذاب ال بطاعته بفعل أوامره واجتناب نواهيه
معنى الية:
يخبر تعالى أن ما أنزله على عبده ورسوله من قرآن يمثل كتابا فخما عظيما ل يحتمل الشك ،ول
يتطرق إليه احتمال ،كونه غير وحي ال وكتابه بحال ،وذلك لعجازه ،وما يحمله من هدى ونور
لهل اليمان والتقوى يهتدون بهما إلى سبيل السلم والسعادة والكمال.
هداية الية:
من هداية الية:
-1تقوية اليمان بال تعالى وكتابه ورسوله ،الحث على طلب الهداية من الكتاب الكريم.
-2بيان فضيلة التقوى وأهلها.
ب وَ ُيقِيمُونَ الصّل َة َو ِممّا رَ َزقْنَا ُهمْ يُ ْنفِقُون}َ.
{الّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ بِا ْلغَ ْي ِ
ك َومَا أُنْ ِزلَ مِنْ قَبِْلكَ وَبِالخِ َرةِ هُمْ يُوقِنُونَ}.
{وَالّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ ِبمَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْي َ
أُولَ ِئكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَ ّبهِ ْم وَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُون}.
شرح الجمل:
{ ُي ْؤمِنُونَ بِا ْلغَ ْيبِ} :يصدقون تصديقا جازما بكل ما هو غيب 3ل يدرك بالحواس كالرب تبارك
وتعالى ذاتا وصفاتٍ ،والملئكة والبعث ،والجنة ونعيمها والنار وعذابها.
{وَ ُيقِيمُونَ 4الصّلةَ :}5يُديمون أداء الصلوات الخمس في أوقاتها مع مراعاة شرائطها وأركانها
وسننها ونوافلها الراتبة وغيرها.
__________
1الهدي :مصدر هدى ،يهدي .وهو مذكر ،نحو :هذا هدى هدىً ،وهو من أسماء النهار .وهو
على وزن السُرى والبكى واللقى ،من لقي الشيء ،يلقاه لقيا.
2المتقي :اسم فاعل من اتقى ،الذي أصله وقى إذا حفظ .واتقى بزيادة تاء الفتعال لتخاذه وقاية
تقيه وابدلت واو وقي في اتقى تاء وزيدت فيها همزة وصل وتاء الفتعال فصارت اتقى ،أي:
طلب الوقاية والحفظ مما يخاف ويكره.
3الغيب :مصدر غاب ،يغيب ،غيبا ،إذا لم يظهر فلم يرى للعيان ،ومعناه :محصل في الصدور.
واليمان .بالغيب مفتاح كل التقوى وكل خير.
4إقام الصلة جعلها قائمة أي :مؤداه ل تسقط ول تهمل .نحوَ{ :أقِيمُوا الدّينَ} أي :أظهروه
بالعمل به والدعوى إليه ،والصلة عمود الدين فمن أقامها أقام الدين ومن أقعدها فلم يقمها فقد
ترك الدين وأهمله.
5الصلة اسم جامد وزنها فعلة ،ولذا يجمع على صوات بفتح الفاء والعين واللم بمعنى الدعاء،
يقال :صلى إذا دعا وهي =
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/20
{ َو ِممّا رَ َزقْنَاهُمْ 1يُ ْنفِقُونَ} :من بعض ما آتاهم ال من مال ينفقون وذلك بإخراجهم لزكاة أموالهم
وبإنفاقهم على أنفسهم وأزواجهم وأولدهم ووالديهم وتصدقهم على الفقراء والمساكين.
{ ُي ْؤمِنُونَ ِبمَا أُنْ ِزلَ ِإلَ ْيكَ}
:يصدقون بالوحي الذي أنزل إليك أيها الرسول وهو الكتاب والسنة.
{ َومَا أُنْ ِزلَ مِنْ قَبِْلكَ} :ويصدقون بما انزل ال تعالى من كتب على الرسل من قبلك؛ كالتوراة
والنجيل والزبور.
{وَبِالخِ َرةِ ُهمْ يُوقِنُونَ : }2وبالحياة في الدار الخرة وما فيها من حساب وثواب وعقاب هم
عالمون متيقنون ل يشكون في شيء من ذلك ول يرتابون لكامل إيمانهم وعظم اتقائهم.
{أُولَ ِئكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَ ّب ِهمْ} :الشارة إلى أصحاب الصفات الخمس السابقة والخبار عنهم بأنهم
بما هداهم ال تعالى إليه من اليمان وصالح العمال هم متمكنون 3من الستقامة على منهج ال
المفضي بهم إلى الفلح.
{وَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلمُفِْلحُون} :الشارة إلى أصحاب الهداية 4الكاملة والخبار عنهم بأنهم هم المفلحون
5الجديرون بالفوز الذي هو دخول الجنة بعد النجاة من النار.
في الشرع عبادة ذات ركوع وسجود وتكبير وتلوة وتسبيح تفتح بالتكبير وتختم بالتسليم.
__________
= في الشرع عبادة ذات ركوع وسجود وتلوة وتسبيح تفتتح بالتكبير وتختتم بالتسليم.
1الرزق هو :كل ما أوجده ال تعالى في الدنيا للنسان من صنوف الموال وضروب المأكولت
والمشروبات والملبوسات والمركوبات والمساكن ،والمراد بالرزق في الية :المال صامتا كان أو
ناطقا.
2اليقين :اسم فاعل من يقن المر وضح وثبت ،والمراد به :العلم الحاصل عن نظر وتفكر
موجب لعدم الشك واضطراب النفس.
3دل على التمكن من الستقامة حرف( :على) في قولهم :على هدى من ربهم فإن الستعلء ،إذ
الراكب على الفرس متمكن منها يصرفها كيف يشاء لعلوه عليها.
4وهم المتقون أصحاب الصفات الخمس التي هي :اليمان بالغيب ،وإقام الصلة ،وإنفاق مما
رزقهم ال ،واليمان بما أنزل على محمد صلى ال عليه وسلم ،وبما أنزل على من قبله ،واليمان
بالخرة.
5الفلح :مشتق من فلح الرض إذا شقها ،إذ الفلح الشق والقطع كما قال الشاعر:
إن الحديد بالحديد يفلح .أي يشق ويقطع .ومنه الفلح ،وهو الرجل يشق الرض بالمحراث،
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وعليه فالمفلح :من شق طريقه بين صفوف أهل الموقف ودخل الجنة ،ويطلق الفلح على الفوز
وهو السلمة من المرهوب ،والظفر بالمرغوب ،قال الشاعر:
لو كان حي مدرك الفلح ...
أدركه ملعب الرماح ...
أي فاز به.
( )1/21
معنى اليات:
ذكر تعالى في هذه اليات الثلث صفات المتقين من اليمان بالغيب وإقام الصلة وإيتاء الزكاة،
واليمان بما أنزل ال من كتب واليمان بالدار الخرة وأخبر عنهم بأنهم لذلك هم على أتم هداية
من ربهم ،وأنهم هم الفائزون في الدنيا بالطهر والطمأنينة وفي الخرة بدخول الجنة بعد النجاة من
النار.
هداية اليات:
من هداية اليات:
دعوة المؤمنين وترغيبهم في التصاف بصفات أهل الهداية والفلح ،ليسلكوا سلوكهم فيهتدوا
ويفلحوا في دنياهم وأخراهم.
سوَاءٌ عَلَ ْيهِمْ أَأَنْذَرْ َتهُمْ أَمْ َلمْ تُنْذِرْ ُهمْ ل ُي ْؤمِنُونَ( )6خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُو ِبهِ ْم وَعَلَى
{إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا َ
غشَا َوةٌ وََلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(})7
س ْم ِعهِ ْم وَعَلَى أَ ْبصَارِهِمْ ِ
َ
شرح الكلمات:
ل أو
{ َكفَرُوا} :الكفر :لغة التغطية والجحود ،وشرعا :التكذيب 1بال وبما جاءت به رسله عنه ك ً
بعضا.
سوَاءٌ : }2بمعنى مُسْ َتوٍ انذارهم وعدمه ،إذ ل فائدة منه لحكم ال بعدم هدايتهم.
{َ
{أَأَ ْنذَرْ َتهُمْ} :النذار التخويف بعاقبة الكفر والظلم والفساد.
__________
1وقد يطلق الكفر على جحود النعمة والحسان ،ومن ذلك قوله صلى ال عليه وسلم" :يكفرن
العشير والحسان" ،لما قال" :رأيت النار ورأيت أكثر أهلها النساء" .فقيل له :بم يا رسول ال؟.
قال :يكفرن ،قيل :يكفرن بال؟ قال :يكفرن العشير –أي الزوج -ويكفر الحسان .
2سواء عليهم :هذا خبر إن الذين كفروا .وسواء :اسم مصدر ،إذ فعله استوى ،والمصدر
الستواء ،واسم المصدر سواء ،ولذا فهو بمعنى مستو ،أي :استوى إنذارهم وعدمه في إنهم ل
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يؤمنون ،وهذا من العام الخاص ،إذ ما كل الكافرين ل يؤمنون وإنما من كتبت عليهم الشقوة
إذللً؛ كأبي لهب وأبي جهل وعقبة والعاصي والنضر وغيرهم.
( )1/22
{ختم 1ال} :طبع ،إذ الختم والطبع واحد وهو وضع الخاتم أو الطابع على الظرف حتى ل يعلم
ما فيه ،ول يتوصل إليه فيبدل أو يغير.
الغشاوة :الغطاء يغشى به ما يراد منع وصول شيء إليه.
العذاب :اللم يزيل عذوبة الحياة ولذتها.مناسبة اليتين لما قبلهما ومعناهما:
لما ذكر أهل اليمان والتقوى والهداية والفلح ذكر بعدهم أهل الكفر والضلل والخسران ،فقال:
[إن الذين كفروا] 2إلخ .فأخبر بعدم استعدادهم لليمان حتى استوى إنذارهم 3وعدمه وذلك
لمضي سنة ال فيهم بالطبع على قلوبهم حتى ل تفقه ،وعلى آذانهم 4حتى ل تسمع ،ويجعل
الغشاوة على أعينهم حتى ل تبصر ،وذلك نتيجة مكابرتهم وعنادهم وإصرارهم على الكفر .وبذلك
استوجبوا العذاب العظيم فحكم به عليهم .وهذا حكم ال تعالى في أهل العناد والمكابرة والصرار
في كل زمان ومكان.
هداية اليتين:
من هداية اليتين:
-1بيان سنة ال تعالى في أهل العناد والمكابرة والصرار بأن يحرمهم ال تعالى الهداية ،وذلك
بتعطيل حواسهم حتى ل ينتفعوا بها فل يؤمنوا ول يهتدوا.
-2التحذير من الصرار على الكفر والظلم والفساد الموجب للعذاب العظيم.
{ َومِنَ النّاسِ مَنْ َيقُولُ آمَنّا بِاللّ ِه وَبِالْ َيوْمِ الْآخِ ِر َومَا ُهمْ ِب ُم ْؤمِنِينَ()8
__________
1الختم :حقيقته السد على الناء ،والغلق على الكتاب بطين ونحوه ،والخاتم :هو ما سد وأغلق
به.
2قطعت جملة :إن الذين كفروا ولم تعطف على السابق لكمال النقطاع بينهما وهو التضاد ،إذ
الولى في ذكر الهداية والمهتدين ،وهذه في ذكر الكفر والكافرين.
3قد يقال :ما دام قد علم ال تعالى أن بعضا ل يؤمنون فِلمَ ينذرون ،إذا إنذارهم مع العلم بأنه ل
ينفعهم ،تكليف بالمحال .والجواب :أن دعوة النبي صلى ال عليه وسلم لكل أحد ،وهو صلى ال
عليه وسلم لم يعلم من كتب ال تعالى عليه الشقاء ممن كتب له السعادة ،فلذا هو يدعو وينذر،
ومن كان من أهل السعادة أجاب الدعوة ،ومن لم يكن من أهلها رفضها ولم يجب.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
4تقديم السمع على البصر في عدة آيات من القرآن يفيد أن حاسة السمع أنفع من حاسة البصر،
وهو كذلك والعقل أعظم.
( )1/23
( )1/24
منتهاه ذكر المنافقين وهم :المؤمنون في الظاهر الكافرون في الباطن ،وهم شر من الكافرين
البالغين في الكفر أشده.
أخبر تعالى أن فريقا من الناس وهم المنافقون 1يدّعون اليمان بألسنتهم ويضمرون الكفر في
قلوبهم يخادعون 2ال والمؤمنين بهذا النفاق .ولما كانت عاقبة خداعهم عائدة عليهم .كانوا بذلك
خادعين أنفسهم ل غيرهم ولكنهم ل يعلمون ذلك ول يدرون به.
كما أخبر تعالى أن في قلوبهم مرضا وهو الشك والنفاق والخوف ،وأنه زادهم مرضا عقوبة لهم
في الدنيا وتوعدهم بالعذاب الليم في الخرة بسبب كذبهم وكفرهم.
هداية اليات:
من هداية اليات:
التحذير من الكذب والنفاق والخداع ،وأن عاقبة الخداع تعود على صاحبها كما أن السيئة ل يتولد
عنها إل سيئة مثلها.
سدُونَ وََلكِنْ ل
{وَإِذَا قِيلَ َل ُهمْ ل ُتفْسِدُوا فِي الَ ْرضِ قَالُوا إِ ّنمَا نَحْنُ ُمصْلِحُونَ( )11أَل إِ ّنهُمْ هُمُ ا ْلمُفْ ِ
س َفهَاءُ
س َفهَاءُ أَل إِ ّنهُمْ هُمُ ال ّ
شعُرُونَ( )12وَإِذَا قِيلَ َلهُمْ آمِنُوا َكمَا آمَنَ النّاسُ قَالُوا أَ ُن ْؤمِنُ َكمَا آمَنَ ال ّ
يَ ْ
وََلكِنْ ل َيعَْلمُونَ(})13
شرح الكلمات:
الفساد في الرض :الكفر وارتكاب المعاصي فيها.
الصلح في الرض :يكون باليمان الصحيح والعمل الصالح ،وترك الشرك والمعاصي.
{ل يشعرون} :ل يدرون ول يعلمون.
{السفهاء} :جمع سفيه :خفيف العقل ل يحسن التصرف والتدبير.
__________
1المنافق :كل من يظهر اليمان ويبطن الكفر ،والمذكرون كانوا على عهد رسول ال صلى ال
عليه وسلم ،وروي عن ابن عباس رضي ال عنهما ،إنهم كانوا ثلث مائة رجل ،ومائة وسبعون
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
امرأة ،بعضهم من الوس والخزرج وبعضهم من اليهود ورأس منافقي المشركين عبد ال بن أبي
بن سلول ،ولم يقبض رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى أسلم من أسلم وهلك من هلك إل ما
كان من عبد ال بن سبأ اليهودي الذي أوقد نار الفتنة بالتعاون مع المجوس.
2الخدع :أصله الخفاء والفساد ،ومنه مخدع البيت الذي تخفى فيه الشياء ،والخادع والخادع
بمعنى واحد :وهو أن يظهر بقوله أو فعله إنه يريد النفع وهو يريد الضر ،وهو حرام إل في
الحرب فإنه جائز.
( )1/25
معنى اليات:
يخبر تعالى عن المنافقين أنهم إذا 1قال لهم أحد المؤمنين ل تفسدوا 2في الرض بالنفاق وموالة
اليهود والكافرين ردوا عليه قائلين :إنما نحن 3مصلحون في زعمهم ،فأبطل ال تعالى هذا الزعم
وقرر أنهم هم وحدهم المفسدون ل من عرضوا بهم من المؤمنين ،إل أنهم ل يعلمون ذلك
لستيلء الكفر على قلوبهم .كما أخبر تعالى عنهم بأنهم إذا قال لهم أحد المؤمنين صدقوا في
إيمانكم وآمنوا إيمان فلن وفلن مثل :عبد ال بن سلم .ردوا قائلين :أنؤمن 4إيمان السفهاء
الذين ل رشد لهم ول بصيرة 5فرد ال تعالى عليهم دعواهم وأثبت السفه لهم ونفاه عن المؤمنين
الصادقين ووصفهم بالجهل وعدم العلم.
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1ذم الدعاء الكاذب وهو ل يكون غالبا إل من صفات المنافقين.
-2الصلح في الرض يكون بالعمل بطاعة ال ورسوله ،والفساد فيها يكون بمعصية ال
ورسوله صلى ال عليه وسلم.
العاملون بالفساد في الرض يبررون دائما إفسادهم بأنه إصلح وليس بإفساد.
{وَإِذَا َلقُوا الّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنّا وَإِذَا خََلوْا إِلَى شَيَاطِي ِنهِمْ قَالُوا إِنّا َم َعكُمْ إِ ّنمَا نَحْنُ ُمسْ َتهْزِئُونَ()14
طغْيَا ِنهِمْ َي ْع َمهُونَ( )15أُولَ ِئكَ الّذِينَ اشْتَ َروُا الضّللَةَ بِا ْلهُدَى َفمَا
اللّهُ َيسْ َتهْ ِزئُ ِبهِ ْم وَ َيمُدّ ُهمْ فِي ُ
حتْ ِتجَارَ ُتهُ ْم َومَا كَانُوا ُمهْتَدِينَ(})16
رَبِ َ
__________
1أصل الفساد :جعل منفعة الشيء مضرة؛ كإفساد الطعام ونحو بما يلقى فيه.
2إذا :هنا ليست شرطية بل لمطلق الظرفية.
3قولهم :إنما نحن مصلحون :ل ذم فيه ،وإنما جاءه الذم من كونهم مفسدين وادعوا إنه
مصلحون.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
4الستفهام هنا :إنكاري ،أي :إذا دعوا إلى اليمان أنكروا دعوة من دعاهم طاعنين في إيمان
المؤمنين ،إذ نسبوهم إلى السفه ،وهو خفة العقل ،وقلة إدراك المور مبادئ وعواقب.
5أي :بقوله :أل إنهم هم السفهاء ،فبرأ المؤمنين من هذا العيب ووصم به المنافقين ،وهم أهله
حقا ،فإنه ل سفه أكبر من الكفر بالحق واليمان بالباطل.
( )1/26
شرح الكلمات:
{َلقُوا : }1اللقاء :والملقاة :المواجهة وجها لوجه.
{آمَنُوا} :اليمان الشرعي :التصديق بال وبكل ما جاء به رسول ال عن ال ،وأهله هم المؤمنون
بحق.
{خََلوْا} :الخلو بالشيء :2النفراد به.
{شَيَاطِي ِنهِمْ : }3الشيطان كل بعيد عن الخير قريب من الشر يفسد ول يصلح من إنسان أو جان،
والمراد بهم هنا رؤساؤهم في الشر والفساد.
{مُسْ َتهْزِئُونَ : }4الستهزاء :الستخفاف والستسخار بالمرء.
الطغيان :مجاوزة الحد في المر والسراف فيه.
ال َعمَه :5للقلب؛ كالعمى للبصر :عدم الرؤية وما ينتج عنه من الحيرة والضلل.
{اشْتَ َروُا : }6استبدلوا بالهدى الضللة ،أي :تركوا اليمان وأخذوا الكفر.
{ ِتجَارَ ُتهُمْ} :التجارة :دفع رأس مال لشراء ما يربح إذا باعه ،والمنافقون هنا دفعوا رأس مالهم
وهو اليمان لشراء الكفر آملين أن يربحوا عزا وغنى في الدنيا فخسروا ولم يربحوا إذ ذُلوا
وعُذبوا وافتقروا بكفرهم.
المهتدي :السالك سبيلً قاصدة تصل به إلى ما يريده في أقرب وقت وبل عناء ،والضال خلف
المهتدي :وهو السالك سبيلً غير قاصدة فل تصل به إلى مراده حتى يهلك قبل الوصول.
__________
1أصل لقوا :لقيوا نقلت الضمة إلى القاف ،وحذفت الياء للتقاء الساكنين ،إذ فعله لقي كرضي.
2عدي فعل خلوا ب إلى ولم يعد بالباء ،إذ يقال خل بكذا؛ لن خلو هنا بمعنى ذهبوا وانصرفوا.
3فسر بعضهم الشياطين بالكهان وبشياطين الجن ،والصحيح إنهم رؤساؤهم في الكفر والشر
والفساد من منافقي اليهود وغيرهم.
4أي :مكذبون بما ندعي إليه ساخرون من أهله.
5العمه :انطماس البصيرة والتحير في الرأي وفعله ،عمه فهو عامه وأعمه.
6الشتراء :افتعال من شرى يشتري بمعنى :باع .إذ فعل شرى يكون بمعنى باع وبمعنى
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
اشترى ،فاشترى كابتاع كلهما مطاوع فعله شرى أو باع ،إذ كل من البائع والمشتري أخذ شيئا
وأعطى آخر.
( )1/27
معنى اليات:
ما زالت اليات تخبر عن المنافقين وتصف أحوالهم إذ أخبر تعالى عنهم في الية الولى ()14
أنهم لنفاقهم وخبثهم إذا لقوا الذين آمنوا في مكان ما أخبروهم بأنهم مؤمنون بال والرسول وما
جاء به من الدين ،وإذا انفردوا برؤسائهم في الفتنة والضللة فلموهم عما ادّعوه من اليمان،
قالوا لهم :إنا معكم على دينكم وما آمنا أبدا .وإنما أظهرنا اليمان استهزاء وسخرية بمحمد
وأصحابه.
كما أخبر في الية الثانية ( )15أنه تعالى يستهزئ بهم معاملة لهم بالمثل جزاء وفاقا ويزيدهم 1
حسب سنته في أن السيئة تلد سيئة في طغيانهم لتزداد حيرتهم واضطراب نفوسهم وضلل
عقولهم .كما أخبر في الية ( )16أن أولئك البعداء في الضلل قد استبدلوا اليمان بالكفر
والخلص بالنفاق ،فلذلك ل تربح تجارتهم 2ول يهتدون إلى سبيل ربح أو نُجح محال.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1التنديد بالمنافقين والتحذير من سلوكهم في ملقاتهم هذا بوجه وهذا بوجه آخر وفي الحديث:
"شراركم ذو الوجهين".3
-2إن من الناس 4شياطين يدعون إلى الكفر والمعاصي ،5ويأمرون بالمنكر وينهون عن
المعروف.
-3بيان نقم ال ،وإنزالها بأعدائه عز وجل.
__________
1تفسير لقوله تعالى:ويمدهم ،إذ المد بالزيادة ،يقال :مده بكذا ،إذا زاده ،وقيل :يستعمل أمد في
الخير ،نحو{ :وَ ُيمْدِ ْد ُكمْ بَِأ ْموَالٍ وَبَنِينَ} ويستعمل مد في الشر ،كما في هذه الية{ :وَ َيمُدّهُمْ فِي
طغْيَا ِنهِمْ َي ْع َمهُونَ} .
ُ
2إسناد الربح إلى التجارة لكونها سببا للربح ،وإل فالربح للتاجر ل للتجارة ،وهذا الستعمال في
اللغة نحو قول الشاعر:
نهارك هائم وليلك نائم ...كذلك في الدنيا تعيش البهائم
إذ أسند الهيام إلى النهار ،والنوم إلى الليل.
3روى البخاري ومسلم ،والشاهد في قوله صلى ال عليه وسلم" :وتجدون شر الناس ذا الوجهين
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الذي يأتي هؤلء بوجه وهؤلء بوجه.
4شياطين النس كشياطين الجن ،إذ كل من بعد في الشر وتوغل فيه وأصبح ل يروم الخير ول
يحبه فهو شطان يستعاذ بال منه.
5المعاصي :جمع معصية ،وهو ترك ما أوجب ال ورسوله القيام أو فعل ما حرم ال ورسوله
فعله ،سواء في ذلك العتقاد ،والقول ،والعمل إذا الواجبات والمنهيات تكون في العتقاد والقول
والعمل.
( )1/28
تل
حوْلَهُ ذَ َهبَ اللّهُ بِنُورِ ِه ْم وَتَ َر َكهُمْ فِي ظُُلمَا ٍ
{مَثَُلهُمْ َكمَ َثلِ الّذِي اسْ َت ْوقَدَ نَارا فََلمّا َأضَا َءتْ مَا َ
سمَاءِ فِيهِ ظُُلمَاتٌ وَرَعْ ٌد وَبَرْقٌ
جعُون(َ )18أوْ َكصَيّبٍ مِنَ ال ّ
ع ْميٌ َفهُمْ ل يَرْ ِ
يُ ْبصِرُونَ( )17صُمّ ُبكْمٌ ُ
ت وَاللّهُ ُمحِيطٌ بِا ْلكَافِرِينَ(َ )19يكَادُ الْبَرْقُ
صوَاعِقِ حَذَرَ ا ْل َموْ ِ
جعَلُونَ َأصَا ِب َعهُمْ فِي آذَا ِنهِمْ مِنَ ال ّ
يَ ْ
س ْم ِعهِمْ
شوْا فِي ِه وَِإذَا أَظَْلمَ عَلَ ْيهِمْ قَامُوا وََلوْ شَاءَ اللّهُ َلذَ َهبَ بِ َ
طفُ أَ ْبصَارَهُمْ كُّلمَا َأضَاءَ َل ُهمْ مَ َ
خَيَ ْ
شيْءٍ قَدِيرٌ(})20
وَأَ ْبصَارِهِمْ إِنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ
شرح الكلمات:
{مَثَُلهُمْ : }1صفتهم 2وحالهم.
{اسْ َت ْوقَدَ} :أوقد نارا.
ع ْميٌ} :ل يسمعون ول ينطقون ول يبصرون.
{صُمّ ُب ْكمٌ ُ
الصيب :المطر.
الظلمات :ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة المطر.
الرعد :الصوت القاصف يُسمع 3حال تراكم السحاب ونزول المطر.
البرق :ما يلمع من نور حال تراكم السحاب ونزول المطر.
صوَاعِقِ} :جمع صاعقة :نار هائلة تنزل أثناء قصف الرعد ولمعان البرق يصيب ال تعالى
{ال ّ
بها من يشاء.
__________
1القول السائر :مثل :أحشفا وسوء كيله؟ والصيف ضيعت اللبن
ويعرف المثل بأنه قول شبه مضر به بمورده ومضر به في الحال المشبه ومورده هو الحال
المشبه بها.
2قوله تعالى{ :مَثَُل ُهمْ} اليات :تضمن مثلين :ناريا :وهو المثل الول .ومائيا :هو المثل الثاني،
والمثلن وقعان من السياق الول موقع البيان والتقرير ،والفذلكة ،ولذا لم تعطف جملة مثلهم
لكمال التصال بينها وبين الجمل السابقة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
3ظاهرة الرعد والبرق يفسرها علماء الطبيعة؛ بأنه نتيجة اتحاد كهرباء السحاب الموجبة
بالسالبة.
( )1/29
( )1/30
غزير في ظلمات مصحوب برعد قاصف وبرق خاطف ،وهم في وسطه مذعورون خائفون
يسدون آذانهم بأنامل أصابعهم حتى ل يسمعوا صوت الصواعق حذرا أن تنخلع قلوبهم فيموتوا،
ولم يحذروا مفرا ول مهربا لن ال تعالى محيط بهم هذا من جهة ،ومن جهة أخرى فإن البرق
لشدته وسرعته يكاد يخطف أبصارهم فيعمون ،فإذا أضاء لهم البرق الطريق مشوا في ضوئه،
س ْم ِعهِمْ وَأَ ْبصَارِهِمْ إِنّ اللّهَ
وإذا انقطع ضوء البرق وقفوا حيارى خائفين{ ،وََلوْ شَاءَ اللّهُ لَذَ َهبَ بِ َ
شيْءٍ قَدِيرٌ} .هذه حال أولئك المنافقين ،والقرآن ينزل بذكر الكفر ،وهو :ظلمات ،وبذكر
عَلَى ُكلّ َ
الوعيد ،وهو :كالصواعق والرعد ،وبالحجج والبينات ،وهي :كالبرق في قوة الضاءة ،وهم
خائفون أن ينزل القرآن بكشفهم وإزاحة الستار عنهم فيؤخذوا ،فإذا نزل بآية ل تشير إليهم ول
تتعرض بهم مشوا في إيمانهم الظاهر .وإذا نزل بآية فيها التنديد بباطلهم وما هم عليه وقفوا
حائرين ل يتقدمون ول يتأخرون ،ولو شاء ال أخذ أسماعهم وأبصارهم لفعل؛ لنهم لذلك أهل
وهو على كل شيء قدير .1
هداية اليات
من هداية اليات ما يلي:
-1استحسان ضرب المثال لتقريب المعاني إلى الذهان.
-2خيبة سعي أهل الباطل وسوء عاقبة أمرهم.
-3القرآن تحيا به القلوب كما تحيا الرض بماء المطر.
-4شر الكفار المنافقون.
{يَا أَ ّيهَا 2النّاسُ اعْ ُبدُوا 3رَ ّب ُكمُ الّذِي خََل َقكُمْ
__________
1القدير ،والقادر ،والمقتدر ،بمعنى :واحد ،إل أن القدير أبلغ لنه من أمثلة المبالغة ،وقدرة ال
تتعلق بالممكنات القابلة بالوجود والعدم ،فل يقولن قائل :هل يقدر ال على خلق ذات كذاته سبحانه
وتعالى؟.
2ياء :حرف نداء للبعيد وينادى بها القريب تعظيما له نحو :يا ال ،يا رب ،وهو تعالى أقرب
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
من حبل الوريد .أي :صلة للتوصل بها لنداء ما فيه أل نحو :أيها الناس .ها :حرف تنبيه أقحمت
بين (أي) والمنادى.
3أصل العبادة :الخضوع والتذلل ،مشتق من قولهم :طريق معبد إذا كان موطوءا بالقدام ،وهي
في الشرع طاعة ال ورسوله باليمان وفعل المر واجتناب النهي مع غاية الحب والتعظيم لهما
والتذلل وحده.
( )1/31
( )1/32
أندادا :جمع ندّ :النظير والمثيل تعبدونه دون ال أو مع ال تضادون به الرب تبارك وتعالى.
المناسبة ومعنى اليتين:
وجه المناسبة :أنه تعالى لما ذكر المؤمنين المفلحين والكافرين الخاسرين ذكر المنافقين وهم بين
المؤمنين الصادقين والكافرين الخاسرين ،ثم على طريقة اللتفات نادى الجميع بعنوان الناس
ليكون نداء عاما للبشرية جمعاء في كل مكان وزمان وأمرهم بعبادته ليقوا أنفسهم من الخسران.
معرفا لهم نفسه ليعرفوه بصفات الجلل والكمال فيكون ذلك أدعى لستجابتهم له فيعبدونه عبادة
تنجيهم من عذابه وتكسبهم رضاه وجنته ،وختم نداءه لهم بتنبيههم عن اتخاذ شركاء له يعبدونهم
معه مع علمهم 1أنهم ل يستحقون العبادة لعجزهم عن نفعهم أو ضرهم.
هداية اليتين:
من هداية اليتين:
-1وجوب عبادة ال تعالى ،إذ هي 2علة الحياة كلها.
-2وجوب معرفة 3ال تعالى بأسمائه وصفاته.
-3تحريم الشرك صغيره وكبيره ظاهره وخفيه.
شهَدَا َء ُكمْ مِنْ دُونِ اللّهِ
{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَ ْيبٍ ِممّا نَزّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا ِبسُو َرةٍ مّنْ مِثِْل ِه وَادْعُوا ُ 4
__________
1أثبت لهم العلم الخاص بهم ،وهو علمهم بأن ال هو الخالق الرازق المحي المميت .إذا كانوا
يعلمون ذلك ويعترفون به كما أنه لما عرفهم بنفسه في السياق إذ قال { :الّذِي خََلقَكُمْ وَالّذِينَ مِنْ
ج َعلَ َلكُمُ الْأَ ْرضَ فِرَاشا} إلخ .فلما عرفوا نهاهم عن اتخاذهم أندادا له يعبدونهم معه،
قَبِْلكُمْ ...الّذِي َ
والحال إنهم يعلمون أنه وحده المستحق للعبادة.
2لما روي عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال" :يقول ال تعالى" :يا ابن آدم لقد خلقت كل شيء
ن وَالِنْسَ إِل
من أجلك وخلقتك من أجلي" ،أي لعبادته تعالى ،وفي القرآن الكريمَ { :ومَا خََلقْتُ ا ْلجِ ّ
لِ َيعْبُدُونِ}.
3إذ معرفة ال تعالى بأسمائه وصفاته يتوقف عليها خشيته ومحبته لقوله تعالى{ :إِ ّنمَا َيخْشَى اللّهَ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
مِنْ عِبَا ِدهِ ا ْلعَُلمَاء} وما يتوقف الواجب عليه فهو واجب عقل وشرعا.
4أي ادعوهم لمرين :الول :ليعينوكم على التيان بالمطلوب .والثاني :ليحضروا إتيانكم
ويشاهدوه فيشهدون لكم بذلك.
( )1/33
( )1/34
وست سنين والتحدي قائم ولم يأتوا بسورة مثل سور القرآن ،لقوله تعالى{ :وَلَنْ َت ْفعَلُوا} .
-3النار تتقى باليمان والعمل الصالح ،وفي الحديث الصحيح" :اتقوا النار ولو بشق تمرة" .1
عمِلُوا الصّاِلحَاتِ أَنّ َلهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ كُّلمَا رُ ِزقُوا مِ ْنهَا
{وَبَشّرِ 2الّذِينَ آمَنُوا وَ َ
طهّ َرةٌ وَهُمْ فِيهَا
ل وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِها وََلهُمْ فِيهَا أَ ْزوَاجٌ ُم َ
مِنْ َثمَ َرةٍ رِزْقا قَالُوا هَذَا الّذِي رُ ِزقْنَا مِنْ قَ ْب ُ
خَاِلدُونَ(})25
شرح الكلمات:
{وَبَشّرِ : }3التبشير :الخبار السار ،وذلك يكون بالمحبوب للنفس.
{ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ} :تجري النهار من خلل أشجارها وقصورها والنهار هي :أنهار
الماء وأنهار اللبن وأنهار الخمر وأنهار العسل .4
{وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِها} :أعطوا الثمار وقُدم لهم يشبه بعضه بعضا في اللون مختلف في الطعم.
طهّ َرةٌ} :من دم الحيض 5والنفاس وسائر المعائب والنقائص.
{مُ َ
{خَالِدُونَ} :باقون فيها ل يخرجون منها أبدا.
المناسبة والمعنى:
لما ذكر تعالى النار وأهلها ناسب أن يذكر الجنة وأهلها ليتم الترهيب والترغيب وهما أداة الهداية
والصلح.
في هذه الية الكريمة أمر ال تعالى رسوله أن يبشر المؤمنين المستقيمين بما رزقهم من جنات
تجري من تحتها النهار 6لهم فيها أزواج مطهرات نقيات من كل أذى وقذر وهم فيها
__________
1رواه البخاري.
2هذا من باب ذكر الترغيب بعد الترهيب وعطفه عليه ،فقد أنذر الكافرين وواعد المؤمنين ليكون
ذلك مثبطا عن العمال الفاسدة منشطا على العمال الصالحة.
3ويطلق لفظ التبشير على الخبر المحزن غير السار تهكما بصاحبه نحو قوله تعالى{ :فَ َبشّرْهُمْ
ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ} .
4المذكورة في آية سورة القتال.
5وكذا البول والغائط.
6أي من تحت أشجارها ،وإن لم يجر للشجار ذكر؛ لن الجنات دالة عليها.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/35
خالدون .كما أخبر عنهم بأنهم إذا قُدم لهم أنواع الثمار المختلفة قالوا هذا الذي رزقنا مثله في
الدنيا .كما أخبر تعالى أنهم أوتوه متشابها في اللون غير متشابه في الطعم زيادة في حسنه
وكماله .وعظيم اللتذاذ به.
هداية الية:
من هداية الية:
-1فضل اليمان والعمل الصالح إذ بهما 1كان النعيم المذكور في الية لصحابهما.
-2تشويق المؤمنين إلى دار السلم ،2وما فيها من نعيم مقيم ليزدادوا رغبة فيها وعملً لها.
بفعل الخيرات وترك المنكرات.
{إِنّ اللّهَ ل يَسْ َتحْيِي أَنْ َيضْ ِربَ مَثَلً مَا َبعُوضَةً َفمَا َف ْو َقهَا فََأمّا الّذِينَ آمَنُوا فَ َيعَْلمُونَ أَنّهُ ا ْلحَقّ مِنْ
ضلّ
ضلّ بِهِ كَثِيرا وَ َيهْدِي ِبهِ كَثِيرا َومَا ُي ِ
رَ ّبهِ ْم وََأمّا الّذِينَ كَفَرُوا فَ َيقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللّهُ ِبهَذَا مَثَلً ُي ِ
طعُونَ مَا َأمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ
عهْدَ اللّهِ مِنْ َب ْعدِ مِيثَاقِ ِه وَ َيقْ َ
سقِينَ( )26الّذِينَ يَ ْن ُقضُونَ َ
بِهِ إِل ا ْلفَا ِ
سدُونَ فِي الَ ْرضِ أُولَ ِئكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(})27
وَيُفْ ِ
شرح الكلمات:
{ل يستحيي : }3ل يمنعه الحياء 4من ضرب المثال ،وإن صغرت؛ كالبعوضة ،أو أصغر منها؛
كجناحها.
__________
1بعد فضل ال تعالى ورحمته.
2سميت دار السلم :لسلمتها من وجود المنغصات فيها ،إذ ل مرض ول هرم ول ألم ول تعب
بها أبدا.
3ل يستحيي :بياءين ،ويتسحي :بياء واحدة ،هما قراءتان سبعيتان ،والخيرة على لغة تميم،
واسم الفاعل من الولى مستحي ،ومن الثانية ،مستح.
4الحياء :تغير وانكسار يعتري النسان عند الخوف مما يعاب به أو يذمه ،وال يوصف بالحياء
على الوجه اللئق به ،فصفة الحياء عنده تعالى ل تشبه صفات المحدثين كسائر صفاته سبحانه
وتعالى ،والستحياء والحياء بمعنى واحد ،وفي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي،
يقول الرسول صلى ال عليه وسلم" :إن ال حيي كريم يستحي أن يرفع العبد إليه العبد يديه
فيردهما صفرا" ،فقد أثبت صفة الحياء ل عز وجل ،وهو قطعا حياء واستحياء ل يشبه حياء،
واستحياء البشر بحال من الحوال.
( )1/36
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{أَنْ َيضْ ِربَ مَثَلً} :أن يجعل شيئا مثلً لخر يكشف عن صفته وحاله في القبح أو الحسن.
{مَا َبعُوضَةً} :ما :نكرة بمعنى :شيء .أي شيء كان يجعله مثلً ،أو زائدة .وبعوضة المفعول
الثاني .والبعوضة :واحدة البعوض ،وهو صغار البق.
{ا ْلحَقّ} :الواجب الثبوت الذي يحيل العقل عدم وجوده.
سقِينَ} :الفسق الخروج عن الطاعة ،والفاسقون :هم التاركون لمر ال تعالى باليمان والعمل
{ا ْلفَا ِ
الصالح ،وبترك الشرك والمعاصي.
{يَ ْن ُقضُونَ} :النقض :الحل بعد البرام.
عهْدَ اللّهِ} :ما عهد به إلى الناس من اليمان والطاعة له ولرسوله صلى ال عليه وسلم.
{َ
{مِنْ َبعْدِ مِيثَاقِهِ} :من بعد إبرامه وتوثيقه بالحلف أو الشهاد عليه.
صلَ} :من إدامة اليمان والتوحيد والطاعة وصلة الرحام.
طعُونَ مَا َأمَرَ اللّهُ ِبهِ أَنْ يُو َ
{وَ َيقْ َ
{وَ ُيفْسِدُونَ فِي الَرْضِ} :الفساد في الرض يكون بالكفر وارتكاب المعاصي.
{ا ْلخَاسِرُونَ} :الكاملون في الخسران بحيث يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
سبب النزول والمعاني:
لما ضرب ال تعالى المثلين السابقين الناري والمائي 1قال المنافقون :ال أعلى وأجل أن يضرب
هذا المثل .فأنزل ال تعالى ردا عليهم قوله {إِنّ اللّهَ ل َيسْتَحْيِي} الية.
ل بعوضة 2فما دونها 3فضلً عما هو أكبر .4
فأخبر تعالى أنه ل يمنعه الستحياء أن يجعل مث ً
وإن الناس حيال ما يضرب ال من أمثال ،قسمان :مؤمنون :فيعلمون أنه الحق من ربهم.
وكافرون :فينكرونها ،ويقولون؛ كالمعترضين :ماذا أراد ال بهذا مثلً!؟.
كما أخبر تعالى أن ما يضرب من مثل يهدي به كثيرا من الناس ويضل به كثيرا ،وأنه ل يضل
عهْدَ اللّهِ مِنْ َبعْدِ مِيثَاقِهِ
به إل الفاسقين الذين وصفهم بقوله{ :الّذِينَ يَ ْنقُضُونَ َ
__________
1أورده ابن جرير وارتضاه.
2في قوله :ما بعوضة إعرابات كثيرة ل طائل تحتها فنصب بعوضة على إنها بدل من ما النكرة
التي هي في محل نصب فعل يضرب بمعنى يجعل .ورفع بعوضة على إنها خبر ،والمبتدأ هو:
ما على إنها موصولة والتقدير :الذي هو بعوضة.
3كالذرة.
4كالفراشة والجرادة.
( )1/37
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ل وَ ُيفْسِدُونَ فِي الَ ْرضِ} .وحكم عليهم بالخسران التام يوم
طعُونَ مَا َأمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَ َ
وَيَقْ َ
القيامة فقال{ :أُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلخَاسِرُونَ} .
هداية اليتين
من هداية اليتين ما يلي:
-1أن الحياء ل ينبغي أن يمنع فعل المعروف وقوله والمر به.
-2يستحسن ضرب المثال لتقريب المعاني إلى الذهان.
-3إذا أنزل ال خبرا من هدى وغيره ،يزداد به المؤمنون هدى وخيرا ،ويزداد به الكافرون
ضللً وشرا ،وذلك لستعداد الفريقين النفسي المختلف .1
-4التحذير من الفسق 2وما يستتبعه من نقض العهد ،وقطع الخير ،ومنع المعروف.
جعُونَ(ُ )28هوَ الّذِي خََلقَ
{كَ ْيفَ َت ْكفُرُونَ بِاللّهِ َوكُنْتُمْ َأ ْموَاتا فََأحْيَاكُمْ ُثمّ ُيمِي ُتكُمْ ُثمّ يُحْيِيكُمْ ثُمّ إِلَ ْيهِ تُرْ َ
شيْءٍ عَلِيمٌ(})29
ت وَ ُهوَ ِب ُكلّ َ
سمَاوَا ٍ
سوّاهُنّ سَبْعَ َ
سمَاءِ فَ َ
جمِيعا ثُمّ اسْ َتوَى إِلَى ال ّ
َلكُمْ مَا فِي الَ ْرضِ َ
شرح الكلمات:
{كَ ْيفَ َ 3ت ْكفُرُونَ بِاللّهِ} :الستفهام هنا للتعجب مع التقريع والتوبيخ ،لعدم وجود مقتض للكفر.
{ َوكُنْتُمْ َأ ْموَاتا فَأَحْيَا ُكمْ} :هذا برهان على بطلن كفرهم ،إذ كيف يكفر العبد ربه وهو الذي خلقه
بعد أن لم يك شيئا.
__________
1إذا المؤمنين مستعدون للخير والكافرون مستعدون للشر.
2الفسق :الخروج عن طاعة ال ورسوله ،فإن كان الخروج على الطاعة في أصول الدين
فصاحبه كافر ،وإن كان في الفروع فل يكفر صاحبه ،ول يقال :الفاسق إل للذي أكثر من الفسق
فأصبح الفسق لزما له ل ينفك عنه لكثرته منه وتوغله فيه.
3اسم استفهام مبني على الفتح يسأل به عن الحال ويضمن معنى التعجب كما هنا ،إذ كيف يصح
من العاقل أن ينكر خالقه وهو يعرف أنه مخلوق إذ كان عدما فأوجده.
( )1/38
{ ُثمّ ُيمِي ُتكُمْ ثُمّ يُحْيِيكُمْ} :إن إماتة الحي وإحياء الميت كلهما دال على وجود الرب تعالى وقدرته.
جعُونَ} :يريد بعد الحياة الثانية وهو البعث الخر.
{ ُثمّ إِلَيْهِ تُ ْر َ
جمِيعا} :أي أوجد ما أوجده من خيرات الرض كل ذلك لجلكم كي
{خَلَقَ َل ُكمْ 1مَا فِي الَ ْرضِ َ
تنتفعوا به في حياتكم.
سمَاءِ} :عل وارتفع قهرا لها فكونها سبع سماوات.
{ ُثمّ اسْ َتوَى ِ 2إلَى ال ّ
سوّاهُنّ} أتم خلقهن سبع سماوات تامات.
{فَ َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
علِيمٌ} :إخبار بإحاطة علمه تعالى بكل شيء ،وتدليل على قدرته وعلمه
شيْءٍ َ
{وَ ُهوَ ِ 3ب ُكلّ َ
ووجوب عبادته.
معنى اليتين:
ما زال الخطاب مع الكافرين الذين سبق وصفهم بأخس الصفات وأسوأ الحوال ،حيث قال لهم
على طريقة اللتفات موبخا مقرعا{ :كَ ْيفَ َت ْكفُرُونَ بِاللّهِ َوكُنْتُمْ َأ ْموَاتا فََأحْيَاكُمْ} الية.
وذكر من أدلة وجوده وكرمه .ما يصبح الكفر به من أقبح المور وصاحبه من أحط الخلئق
وأسوأهم حالً ومآلً .فمن أدلة وجوده الحياء بعد الموت والماتة بعد الحياء .ومن أدلة كرمه
وقدرته أن خلق الناس في الرض جميعا لتوقف حياتهم عليه وخلق السموات السبع ،وهو مع ذلك
كله محيط بكل شيء سبحانه ل إله إل هو ول رب سواه.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1إنكار الكفر بال تعالى.
-2إقامة البرهان على وجود ال وقدرته ورحمته.
__________
1لحديث " :يا ابن آدم لقد خلقت كل شيء من أجلك وخلقتك من أجلي :أي :من أجل أن تذكرني
وتشكرني" فعلة الحياة ذكر ال تعالى وشكره.
2ذهب ابن كثير إلى أن استوى هنا مضمن معنى قصد لتعديته بإلى :إذ يقال استوى على كذا،
إذا كان بمعنى العلو والرتفاع ،واستوى إلى كذا ،إذا قصده ،ويكون المعنى :ثم قصد إلى السماء،
أي السموات فخلقهن سبع سموات ،ولفظ :السماء اسم جنس تحته أفراد لذا قال :فسواهن بالجمع.
3قرئ في السبع بفتح الهاء :من فهو ،وقرئ بإسكانها وهذا عام في كل لفظ ،إذا تقدمه واو أو فاء
عطف .أدخلت عليه اللم نحو :وهو كذا وهذا التسكين للتخفيف.
( )1/39
-3حلّية كل 1ما في الرض من مطاعم ومشارب وملبس ومراكب إل ما حرمه الدليل الخاص
جمِيعا} .
من الكتاب أو السنة لقوله{ :خََلقََ 2ل ُكمْ مَا فِي الَرْضِ َ
س ِفكُ
ج َعلُ فِيهَا مَنْ ُيفْسِدُ فِيهَا وَيَ ْ
علٌ فِي الَ ْرضِ خَلِيفَةً قَالُوا 3أَتَ ْ
{وَإِذْ قَالَ رَ ّبكَ لِ ْلمَل ِئكَةِ إِنّي جَا ِ
ك وَ ُنقَدّسُ َلكَ قَالَ إِنّي أَعْلَمُ مَا ل َتعَْلمُونَ(})30
حمْ ِد َ
ال ّدمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبّحُ ِب َ
شرح الكلمات:
{لِ ْلمَل ِئكَةِ} :جمع ملك ويخفف فيقال ملك ،وهم خلق من عالم الغيب أخبر النبي صلى ال عليه
وسلم أن ال تعالى خلقهم من نور .4
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{الخليفة : }5من يخلف غيره ،والمراد به هنا آدم عليه السلم.
{ ُيفْسِدُ فِيهَا} :الفساد في الرض يكون بالكفر وارتكاب المعاصي.
س ِفكُ : }6يسيل الدماء بالقتل والجرح.
{وَيَ ْ
حمْ ِدكَ} :نقول سبحان ال وبحمده .والتسبيح :التنزيه عما ل يليق بال تعالى.
{نُسَبّحُ بِ َ
{وَ ُنقَدّسُ َلكَ} :فننزهك عما ل يليق بك .والتقديس :التطهير والبعد عما ل ينبغي .واللم في لك
زائدة لتقوية المعنى إذ فعل قدس يتعدى بنفسه يقال قدّسَه.
__________
1ذهب بعضهم إلى أن الصل في الشياء الحظر حتى يأتي دليل الباحة؛ لن المملوكات ل تحل
إل بإذن مالكها ،فهذا مذهب ثان ،حسن ذكره.
2أي خلق لكم ما في الرض جميعا من أجل تتقوا به على طاعته ل على معصيته.
3المفروض أن يقترن( :قالوا) بالفاء ولكن نظرا إلى أسلوب الحوار لم يقترن بها كما في قوله:
{قَالُوا سُ ْبحَا َنكَ} .
4خلق الملئكة من النور ،صح عن النبي صلى ال عليه وسلم في صحيح مسلم.
5استدل بهذه الية على وجوب نصب خليفة للمسلمين يحكمهم بشريعة ربهم عز وجل.
6السفك :الصب :يقال :سفك الدم إذا صبه ،كما يقال :سفحه .والسفاك والسفاح بمعنى إل أن
السفاح قد يراد به كثير الكلم ،وسفك الدمع كذلك ،والدم المسفوح ،المصبوب.
( )1/40
معنى الية:
يأمر تعالى رسوله أن يذكر قوله للملئكة إني جاعل في الرض خليفة يخلفه في إجراء أحكامه
في الرض ،وإن الملئكة تساءلت 1متخوفة من أن يكون هذا الخليفة ممن يسفك الدماء ويفسد
في الرض بالكفر والمعاصي قياسا على خلق من الجن حصل منهم ما تخوفوه .فأعلمهم ربهم أنه
يعلم من الحكم والمصالح ما ل يعلمون.
والمراد من هذا التذكير :المزيد من ذكر الدلة الدالة على وجود ال تعالى وقدرته وعلمه وحكمته
الموجبة لليمان به تعالى ولعبادته دون غيره.
هداية الية:
من هداية الية:
-1سؤال من ل يعلم غيره ممن يعلم.
-2عدم انتهار السائل وإجابته أو صرفه بلطف.
-3معرفة بدء الخلق.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-4شرف آدم وفضله.
سمَاءِ َهؤُلءِ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ(
ضهُمْ عَلَى ا ْلمَل ِئكَةِ َفقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَ ْ
سمَاءَ كُّلهَا ُثمّ عَ َر َ
{وَعَلّمَ آ َد َم الَ ْ
سمَا ِئهِمْ
حكِيمُ( )32قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِ ْئهُمْ بِأَ ْ
)31قَالُوا سُ ْبحَا َنكَ ل عِ ْلمَ لَنَا إِل مَا عَّلمْتَنَا إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَلِيمُ الْ َ
ن َومَا كُنْتُمْ
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُو َ
سمَا ِئهِمْ قَالَ أََلمْ َأ ُقلْ َلكُمْ إِنّي أَعْلَمُ غَ ْيبَ ال ّ
فََلمّا أَنْبَأَهُمْ بِأَ ْ
َتكْ ُتمُونَ(})33
__________
1إذ هو سؤال استعلم واستكشاف عن الحكمة في ذلك ،وليس هو من باب العتراض على ال
أبدا.
( )1/41
شرح الكلمات:
{آدَمَ : }1نبي ال أبو البشر عليه السلم.
سمَاءَ} أسماء الجناس كلها؛ كالماء والنبات والحيوان والنسان.
{الَ ْ
ضهُمْ} :عرض المسميات أمامهم ،ولما كان بينهم العقلء غلب جانبهم ،وإل لقال عرضها.
{عَ َر َ
{أَنْبِئُونِي} :أخبروني.
{ َهؤُلءِ} :المعرضين عليهم من سائر المخلوقات.
{سُ ْبحَا َنكَ :}2تنزيها لك وتقديسا.
سمَاوَاتِ} :ما غاب عن النظار في السموات والرض.
{غَ ْيبَ ال ّ
ج َعلُ فِيهَا مَنْ ُيفْسِدُ فِيهَا} الية.
{تُ ْبدُونَ} تظهرون من قولهم{ :أَ َت ْ
{ َتكْ ُتمُونَ} :تبطنون وتخفون ،يريد ما أضمره إبليس من مخالفة أمر ال تعالى وعدم طاعته.
حكِيمُ : }3الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه ،ول يفعل ول يترك إل لحكمة.
{ا ْل َ
معنى اليات:
يخبر تعالى في معرض مظاهر قدرته وعلمه وحكمته الموجبة لعبادته دون سواه أنه علم آدم
أسماء الموجودات 4كلها ،ثم عرض الموجودات على الملئكة وقال أنبوئني بأسماء هؤلء إن
__________
1هل آدم مشتق من الدمة التي هي حمرة تضرب إلى بياض ،أو هو اسم جامد أعجمي؛ كآزر،
وعابر ،ذهب إلى كل وجه قوم.
2سبحان :اسم مصدر فعله سبح مضعفا .اختص بتنزيه ال تعالى فكان بذلك اسم تسبيح؛ كالعلم
عليه.
3الحكيم :ذو الحكمة ،وهو الذي ل يصدر عنه قول ول فعل خال من حكمة اقتضته .والحكيم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
مشتق من أحكم الشيء إذا أتقنه وخلصه من الخلل والفساد ،ومنه حكمة الدابة :وهي حديدة تجعل
في فمها تمنعها من اختلف سيرها ،ويقال :أحكم فلنا :أي أمنعه من فعل كذا ،ومنه قول الشاعر:
أبني حنيفة احكموا سفهائكم ...إني أخاف عليكم أن أغضبا
4ليس في المسألة ما يدعو إلى الستغراب أو النكار إذ كتاب المقادير في أسماء الموجودات
كلها ،وكذا سائر صفاتها وأحوالها ،والعرض التلفازي اليوم يسهل على المرء إدراك كيفية عرض
ال تعالى الموجودات أمام الملئكة .وذكر آدم لسمائها كما علمها بتعليم ال تعالى له.
( )1/42
كنتم صادقين في دعوى أنكم أكرم المخلوقات وأعلمهم فعجزوا وأعلنوا اعترافهم بذلك ،وقالوا:
عّلمْتَنَا} ،ثم قال تعالى لدم :أنبئهم بأسماء تلك المخلوقات المعروضة
{سُ ْبحَا َنكَ ل عِلْمَ لَنَا إِل مَا َ
فأنبأهم بأسمائهم واحدا واحدا حتى القصعة ،والقُصَيْعة ..وهنا ظهر شرف آدم عليهم ،وعتب
ن َومَا كُنْتُمْ
ت وَالَ ْرضِ وَأَعَْلمُ مَا تُبْدُو َ
سمَاوَا ِ
عليهم ربهم بقوله{ :أَلَمْ َأ ُقلْ َل ُكمْ إِنّي أَعْلَمُ غَ ْيبَ ال ّ
َتكْ ُتمُونَ} .
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1بيان قدرة ال تعالى حيث علم آدم أسماء المخلوقات كلها فعلمها.
-2شرف العلم وفضل العالم 1على الجاهل.
-3فضيلة العتراف 2بالعجز والقصور.
-4جواز العتاب على من ادعى دعوى هو غير متأهل لها.
جدُوا إِل إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْ َتكْبَ َر َوكَانَ مِنَ ا ْلكَافِرِينَ})34(3
سجُدُوا ل َدمَ فَسَ َ
{وَإِذْ قُلْنَا لِ ْلمَل ِئكَةِ ا ْ
شرح الكلمات:
{اسْجُدُوا} :السجود :4هو وضع الجبهة والنف على الرض ،وقد يكون بانحناء الرأس دون
وضعه على الرض لكن مع تذلل وخضوع.
{إِبْلِيسَ} :قيل كان اسمه الحارث ،ولما تكبر عن طاعة ال أبلسه ال أي :أيأسه من كل خير
ومسخه شيطانا.
{أَبَى} :امتنع ورفض السجود لدم.
__________
1يشهد لهذا حديث أبي داود إذ فيه" :وإن الملئكة لتضع أجنحتها رضى لطالب العلم" .
2دل على هذا قولهم :ل علم لنا إل ما علمتنا ،ولذا قال العلماء :الواجب على من سأل على ما ل
يعلم أن يقول :ال أعلم ،وروي عن علي رضي ال عنه ،قال" :ما أبردها على الكبد"!! فقل له:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وما ذاك؟ فقال" :أن يسأل الرجل عما ل يعلم فيقول :ال أعلم.
3ذكر القرطبي في تفسيره :أن السجود الذي أمرت به الملئكة هو أن يسجدوا ل تعالى مستقبلين
وجه آدم وعليه فهو كصلتنا خلف المقام ،الصلة ل والستقبال للمقام.
4أجمع أهل السلم قاطبة أن السجود ل يكون إل ل تعالى .وفي الحديث" :ل ينبغي أن يسجد
لحد إل ل رب العالمين".
( )1/43
{وَاسْ َتكْبَرَ} :تعاظم في نفسه فمنعه الستكبار 1والحسد من الطاعة بالسجود لدم.
{ا ْلكَافِرِينَ} :جمع كافر .من كذب بال تعالى أو كذب بشيء من آياته أو بواحد من رسله أو أنكر
طاعته.
معنى الية:
جدُوا ل َدمَ }...سجود
يذكر تعالى عباده بعلمه وحكمته وإفضاله عليهم بقوله{ :وَِإذْ قُلْنَا لِ ْلمَل ِئكَةِ اسْ ُ
تحية وإكرام فسجدوا إل إبليس تعاظم في نفسه وامتنع عن السجود الذي هو طاعة ال ،وتحية
آدم .تكبرا وحسدا لدم في شرفه فكان بامتناعه عن طاعة ال من الكافرين الفاسقين عن أمر ال.
المر الذي استوجب ابلسه 2وطرده.
هداية الية:
من هداية الية:
-1التذكير بإفضال ال المر الذي يوجب الشكر ويرغب فيه.
-2التحذير من الكبر والحسد حيث كانا سبب إبلس الشيطان ،وامتناع اليهود من قبول السلم.
-3تقرير عداوة إبليس ،والتنبيه إلى أنه عدو تجب عداوته أبدا.
-4التنبيه إلى أن من المعاصي ما يكون 3كفرا أو يقود إلى الكفر.
جكَ 5الْجَنّةَ َوكُل مِ ْنهَا رَغَدا
ت وَ َزوْ ُ
سكُنْ 4أَ ْن َ
{ َوقُلْنَا يَا آدَمُ ا ْ
__________
1الستكبار :طلب الكبر في النفس وتصوره فيها ،وفي صحيح مسلم" :أن ال ل يدخل الجنة من
كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.
2البلس :اليأس من كل خير ،وإبلس إبليس كان عقوبة له على كفره وكبره وحسده ،وكان
قبل إبلسه يقال له :عزازيل ،وبالعربية :الحارث.
3كترك الصلة وقتل المؤمن لقول الرسول صلى ال عليه وسلم" :من ترك الصلة فقد كفر" ،
وقوله" :سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" .وقوله" :ل ترتدوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب
بعض" .والكفر كفران :كفر مخرج من الملة ،وكفر نعمة ل يخرج منها ،ولكن صاحبه إن لم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يتب منه وتقبل توبته يدخل النار به.
جكَ الْجَنّةَ} بعد طرد إبليس منها ،والمراد من السكن السكان ،وهو
ت وَ َزوْ ُ
سكُنْ أَ ْن َ
4قال{ :ا ْ
القامة الطويلة ل السكون النفسي ،وهدوء البال ،وإن كان لزما للقامة الطيبة ،ولفظ السكن
مشعر بعدم القامة الدائمة ،لن من سكن دار لبد وأن يرحل منها يوما من اليام.
5لفظ الزوج يطلق على كل من الرجل وامرأته ،لن كل واحد منهما صير الثاني زوجا له،
ويقال للمرأة زوجة بالتاء كما في قول الرسول صلى ال عليه وسلم" :يا فلن هذه زوجتي فلنة"
.وذلك أمنا من اللبس ،وغلط الفرزدق في قوله:
وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي ...كساعي إلى أسد الشرى يستبلها
ول معنى لتغليطه وقد صح الحديث بلفظ زوجة.
( )1/44
ج ُهمَا
حَ ْيثُ شِئْ ُتمَا وَل َتقْرَبَا هَ ِذهِ الشّجَ َرةَ فَ َتكُونَا مِنَ الظّاِلمِينَ( )35فَأَزَّل ُهمَا الشّيْطَانُ عَ ْنهَا 1فَأَخْ َر َ
ِممّا كَانَا فِي ِه َوقُلْنَا اهْ ِبطُوا َب ْعضُكُمْ لِ َب ْعضٍ 2عَ ُد ّو وََلكُمْ فِي الَ ْرضِ مُسْ َتقَرّ َومَتَاعٌ إِلَى حِينٍ()36
فَتََلقّى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَِلمَاتٍ فَتَابَ عَلَ ْيهِ إِنّهُ ُهوَ ال ّتوّابُ الرّحِيمُ(})37
شرح الكلمات:
{رَغَدا} :العيش الهني الواسع يقال له :الرغد.
{الشّجَ َرةَ} :شجرة من أشجار الجنة وجائز أن تكون كرما أو نبيذا أو غيرهما وما دام ال تعالى
لم يعين نوعها فل ينبغي السؤال عنها.
{الظّاِلمِينَ} :لنفسهما بارتكاب ما نهى ال تعالى عنه.
{فَأَزَّل ُهمَا} :أوقعهما في الزلل ،وهو مخالفتهما لنهي ال تعالى لهما عن الكل من الشجرة.
{مُسْ َتقَرّ} :المستقر :مكان الستقرار والقامة.
{إِلَى حِينٍ} :الحين :الوقت مطلقا قد يقصر أو يطول والمراد به نهاية الحياة.
{فَتََلقّى 3آدَمُ} :أخذ آدم ما ألقى ال تعالى إليه من كلمات التوبة.
حمْنَا لَ َنكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
{كَِلمَاتٍ} :هي قوله تعالى{ :رَبّنَا ظََلمْنَا أَ ْنفُسَنَا وَإِنْ َلمْ َت ْغفِرْ لَنَا وَتَرْ َ
{فَتَابَ عَلَيْهِ} :وفقه للتوبة فتاب 4وقبل توبته ،لنه تعالى تواب رحيم.
__________
1عن ،هنا :هي كما في قوله تعالى{ :إِل عَنْ َموْعِ َدةٍ} بمعنى بسببها ،أي أوقعهما في الزلل بسبب
الكل من الشجرة التي زينها لهما فضمير عنها عائد إلى الشجرة.
ع ُدوّ} تصح أن تكون حالً من ضمير {اهْبِطُوا} ويصح أن تكون مستأنفة
ضكُمْ لِ َب ْعضٍ َ
2جملةَ { :ب ْع ُ
استئنافا ابتدائيا.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
3لفظ" :فتلقى" مشعر بالكرام ،والمسرة ،كقوله تعالى{ :وَتَتََلقّاهُمُ ا ْلمَل ِئكَةُ} .
4يتساءل البعض :هل آدم ارتكب بأكله من الشجرة كبيرة ،وهل يجوز في حق النبياء ارتكاب
الكبائر؟؟
والجواب :أن آدم ما نبئ إل بعد أن هبط إلى الرض ،إذ هي دار التكليف .أما وهو في السماء
فما كان قد نبئ بعد وأكله من الشجرة لم يترتب عليه عقاب أكثر من الخروج من الجنة؛ لنها
ليست دار إقامة لمن يخالف فيها أمر ال تعالى ،أما النبياء فل يجوز في حقهم ارتكاب الكبائر
ول الصغائر لعصمة ال تعالى لهم؛ لنهم محل أسوة لغيرهم.
( )1/45
معنى اليات:
في الية الولى( )35يخبر تعالى عن إكرامه لدم وزوجه حواء حيث أباح لهما جنته يسكنانها
ويأكلن من نعيمها ما شاءا إل شجرة واحدة فقد نهاهما عن قربها 1والكل من ثمرها حتى ل
يكونا من الظالمين.
وفي الية الثانية( )36أخبر تعالى أن الشيطان أوقع آدم وزوجه في الخطيئة حيث زين لهما الكل
من الشجرة فأكل منها فبدت لهما سوءاتهما فلم يصبحا أهلً للبقاء في الجنة فأهبطا إلى الرض
مع عدوهما إبليس ليعيشوا بها بعضهم لبعض عدو إلى نهاية الحياة.
وفي الية الثالثة( )37يخبر تعالى أن آدم تلقى كلمات التوبة من ربه تعالى وهو{ :رَبّنَا ظََلمْنَا
حمْنَا لَ َنكُونَنّ مِنَ ا ْلخَاسِرِينَ} فقالها توبة فتاب ال عليهما وهو التواب
أَ ْنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ َت ْغفِرْ لَنَا وَتَرْ َ
الرحيم.
هداية الية:
من هداية الية:
-1كرامة آدم وذريته على ربهم تعالى.
-2شؤم المعصية وآثارها في تحويل النعمة إلى نقمة.
-3عداوة الشيطان للنسان ووجوب معرفة ذلك لتقاء وسوسوته.
-4وجوب التوبة 2من الذنب وهي الستغفار بعد العتراف بالذنب وتركه والندم على فعله.
خ ْوفٌ عَلَ ْيهِ ْم وَل هُمْ يَحْزَنُونَ(
جمِيعا فَِإمّا يَأْتِيَ ّنكُمْ مِنّي هُدىً َفمَنْ تَبِعَ ُهدَايَ فَل َ
{قُلْنَا اهْبِطُوا مِ ْنهَا َ
صحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَاِلدُونَ(})39
)38وَالّذِينَ َكفَرُوا َوكَذّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَ ِئكَ َأ ْ
__________
1إذا كان الفعل قرب يقرب بالفتح فمعناه التلبس بالفعل ،وإذا كان قرب بضم الراء فمعناه الدنو
من الشيء .هكذا يرى بعضهم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
2التوبة :هي الرجوع من المخالفة إلى المتابعة ،أي من المعصية إلى الطاعة ،هذا حدها لغة .إما
شرعا :فهي كما نص في الفائدة الرابعة من هذا التفسير.
( )1/46
شرح الكلمات:
جمِيعا} :انزلوا من الجنة 1إلى الرض لتعيشوا فيها متعادين .2
{قُلْنَا اهْبِطُوا مِ ْنهَا َ
{فَِإمّا يَأْتِيَ ّنكُمْ 3مِنّي هُدىً} :إن يجيئكم من ربكم هدى :شرع ضمنه كتاب وبينه رسول.
{ َفمَنْ تَبِعَ هُدَايَ} :أخذ 4بشرعي فلم يخالفه ولم يحد عنه.
خوْفٌ عَلَ ْيهِمْ وَل ُهمْ يَحْزَنُونَ} :جواب شرط فمن اتبع هداي ،ومعناه إتباع الهدى يفضي
{فَل َ
بالعبد إلى أن ل يخاف ول يحزن ل في الدنيا ول في الخرة.
{ َكفَرُوا َوكَذّبُوا} :كفروا :جحدوا شرع ال ،وكذبوا رسوله.
{َأصْحَابُ النّارِ} :أهلها الذين ل يفارقونها بحث ل يخرجون منها.
معنى اليتين:
يخبر تعالى أنه أمر آدم وحواء 5وإبليس بالهبوط إلى الرض بعد أن وسوس الشيطان لهما فأكل
من الشجرة ،وأعلمهم أنه إن أتاهم منه هدى فاتبعوه ولم يحيدوا عنه يأمنوا ويسعدوا فلن يخافوا
ولن يحزنوا ،وتوعد من كفر به وكذب رسوله فلم يؤمن ولم يعمل صالحا بالخلود 6في النار.
هداية اليتين:
من هداية اليتين:
-1المعصية تسبب الشقاء والحرمان.
__________
1ذهب المعتزلة –أذهب ال ريحهم -إلى أن الجنة التي هبطا منها آدم وحواء كانت بستانا في
الرض في مرتفع منها ،وهو قول باطل ل يسمع له ول يلتفت إليه ،إذ كل سياق القرآن دال على
إنها الجنة دار النعيم لولياء ال في الخرة.
2أي :إبليس وذريته ،وآدم وذريته ،وكان هذا قبل أن يوجد لكل منهما ذرية ،ثم أوجدت كما أخبر
تعالى ،وكانت العداوة على أشدها.
3فإما :أصلها فإن ما ،فإن شرطية وأدخلت عليها ما الزائدة لتقوية الكلم وأدغمت فيها نون إن
فصارت إما.
4هذا عام في كل أجيال بني آدم فمن جاءه هدى ال بواسطة نبي وكتاب ال فأخذ به واتبعه نجا
مما يصيب غيره من الخوف والحزن في الدنيا والخرة معا.
5حواء :لم تذكر باسمها في القرآن وإنما ذكرت بعنوان الزوج ،ولكن ذكرت في السنة
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الصحيحة ،إنها خلقت من ضلع آدم عليه السلم ،والسر في عدم ذكرها باسمها :إن المروءة تأبى
على صاحبها ذكر المرأة باسمها فلذا تذكر النساء تابعات لخطاب الرجال.
6روى مسلم أن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :إما أهل النار الذين هم أهلها فل يموتون فيها
ول يحيون ،ولكن أقوام أصابتهم النار بخطاياهم فأصابتهم إماتة حتى إذا صاروا فحما أذنت
الشفاعة" ،ومعناه يخرجون من النار بالشفاعة لهم.
( )1/47
-2العمل بكتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم يسبب المن والسعاد والعراض عنهما
يسبب الخوف والحزن والشقاء والحرمان.
-3الكفر والتكذيب جزاء صاحبهما الخلود في النار.
{يَا بَنِي إِسْرائيلَ ا ْذكُرُوا ِن ْعمَتِيَ الّتِي أَ ْن َع ْمتُ عَلَ ْيكُ ْم وََأ ْوفُوا ِب َعهْدِي أُوفِ ِب َعهْ ِدكُ ْم وَإِيّايَ فَارْهَبُون(
)40وَآمِنُوا ِبمَا أَنْزَ ْلتُ ُمصَدّقا ِلمَا َم َعكُ ْم وَل َتكُونُوا َأ ّولَ كَافِرٍ ِب ِه وَل تَشْتَرُوا بِآيَاتِي َثمَنا قَلِيلً
ق وَأَنْ ُتمْ َتعَْلمُونَ( )42وََأقِيمُوا الصّلةَ
ل وَ َتكْ ُتمُوا ا ْلحَ ّ
طِوَإِيّايَ فَا ّتقُون( )41وَل تَلْبِسُوا ا ْلحَقّ بِالْبَا ِ
وَآتُوا ال ّزكَا َة وَا ْر َكعُوا مَعَ الرّا ِكعِينَ(})43
شرح الكلمات:
بنو 1إسرائيل :إسرائيل :هو يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلم وبنوه هم :اليهود؛ لنهم
يعودون في أصولهم إلى أولد يعقوب الثنى عشر 2
النعمة :النعمة هنا اسم جنس بمعنى النعم ،ونعم ال تعالى على بني إسرائيل كثيرة 3ستمر
أفرادها في اليات القرآنية التية.
{وََأ ْوفُوا ِب َعهْدِي} :الوفاء بالعهد :إتمامه ،وعهد ال عليهم أن يبينوا أمر محمد صلى ال عليه وسلم
ويؤمنوا به.
{أُوفِ ِب َعهْ ِدكُمْ} :أتم لكم عهدكم بإدخالكم الجنة بعد إكرامكم في الدنيا وعزكم فيها.
{وَإِيّايَ فَارْهَبُونِ} :اخشوني ول تخشوا غيري.
{وَآمِنُوا ِبمَا أَنْزَ ْلتُ} :القرآن الكريم.
{وَل تَشْتَرُوا 4بِآيَاتِي} :ل تعتاضوا على بيان الحق في أمر محمد صلى ال عليه وسلم.
__________
1هم يوسف عليه السلم وأخوته يهوذا ،وبنيامين ،وغيرهما.
2بنو :حمع ابن ،وقيل عن الولد :البن من البناء ،لنه مسند إليه موضوع عليه .واسرا :عبد
وئيل :ال وقرئ :إسرائين .وهي لغة مشهورة.
3منها :إنجائهم من فرعون ،وتحررهم من سلطانه ،ومنهم إهلك عدوهم ،وإنزال المن والسلوى
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عليهم.
4الشتراء هنا :بمعنى الستبدال ،ولذا جاز دخول الباء على غير المشتري به ،وهو الثمن ،إذ
الصل أن تدخل الباء على المشترى به .فتقول ،اشتريت الثوب بدرهم.
( )1/48
( )1/49
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1وجوب ذكر النعم لشكر ال تعالى عليها.
-2وجوب الوفاء بالعهد ل سيما ما عاهد عليه العبد ربه تعالى.
-3وجوب بيان الحق وحُرمة كتمانه.
-4حرمة خلط 1الحق بالباطل تضليلً للناس وصرفهم عنه كقول اليهود :محمد نبي ولكن
للعرب خاصة حتى ل يؤمن به يهود.
سكُ ْم وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ا ْلكِتَابَ َأفَل َت ْعقِلُونَ( )44وَاسْ َتعِينُوا بِالصّبْرِ
سوْنَ أَ ْنفُ َ
{أَتَ ْأمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرّ وَتَنْ َ
جعُونَ(
شعِينَ( )45الّذِينَ َيظُنّونَ أَ ّن ُهمْ مُلقُو رَ ّب ِه ْم وَأَ ّنهُمْ إِلَيْهِ رَا ِ
وَالصّلةِ وَإِ ّنهَا َلكَبِي َرةٌ إِل عَلَى الْخَا ِ
})46
شرح الكلمات:
البر :البر :لفظ جامع لكل خير .والمراد هنا :اليمان بمحمد صلى ال عليه وسلم والدخول في
السلم مقابل الذكر ،وهو هنا الترك.
النسيان :مقابل الذكر ،وهو هنا الترك.
تلوة الكتاب :قراءته ،والكتاب هنا :التوراة التي بأيدي اليهود.
العقل :قوة باطنية يميز بها المرء بين النافع والضار ،والصالح والفاسد.
الستعانة :طلب العون للقدرة على القول والعمل.
الصبر : 2حبس النفس على ما تكره.
الخشوع :حضور القلب وسكون الجوارح ،والمراد هنا :الخضوع ل والطاعة لمره ونهيه.
__________
طلِ} إذ اللبس الخلط بين المتشابهات في الصفات ،يقال
1مأخوذ من قوله{ :وَل تَلْبِسُوا ا ْلحَقّ بِالْبَا ِ
في المر لبسه :أي اشتباه ،فلبس الحق بالباطل ترويج الباطل في صورة الحق ليقبل ويضل به
الناس.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
2مواطن الصبر ثلثة :صبر على الطاعة فل تفارق ،وصبر عن المعصية فل ترتكب ،وصبر
على المصائب فل يجزع منها ول يتسخط ،ولكن يصبر ،ويسترجع أي :يقول :إنا ل وإنا إليه
راجعون.
( )1/50
( )1/51
-4فضلية الخشوع ل والتطامن له ،وذكر الموت ،والرجوع إلى ال تعالى للحساب والجزاء.
{يَا بَنِي إِسْرائيلَ ا ْذكُرُوا ِن ْعمَتِيَ الّتِي أَ ْن َع ْمتُ عَلَ ْيكُ ْم وَأَنّي َفضّلْ ُتكُمْ عَلَى ا ْلعَاَلمِينَ( )47وَا ّتقُوا َيوْما ل
ل وَل ُهمْ يُ ْنصَرُونَ(})48
ع ْد ٌ
شفَاعَ ٌة وَل ُيؤْخَذُ مِ ْنهَا َ
تَجْزِي َنفْسٌ عَنْ َنفْسٍ شَيْئا وَل ُيقْ َبلُ مِ ْنهَا َ
شرح الكلمات:
{يَا بَنِي إِسْرائيلَ} :تقدم شرح هذه الجملة.
{ َفضّلْ ُتكُمْ عَلَى ا ْلعَاَلمِينَ : }1آتاهم من النعم الدينية والدنيوية ما لم يؤت غيرهم من الناس وذلك
على عهد موسى عليه السلم وفي آزمنة صلحهم واستقامتهم.
{وَا ّتقُوا َيوْما} :المراد باليوم :يوم القيامة بدليل ما وصف به .واتقاؤه :هو اتقاء ما يقع فيه من
الهوال والعذاب .وذلك اليمان والعمل 2الصالح.
{ل تَجْزِي َنفْسٌ} :ل تغني نفس عن نفس أخرى أي غنى .ما دامت كافرة .3
شفَاعَةٌ : }4هذه النفس الكافرة إذ هي التي ل تنفعها شفاعة الشافعين.
{وَل ُيقْبَلُ مِ ْنهَا َ
ع ْدلٌ} :على فرض أنها تقدمت بعدل ،وهو الفداء فإنه ل يؤخذ منها.
{وَل ُيؤْخَذُ مِ ْنهَا َ
{وَل هُمْ يُ ْنصَرُونَ} :يدفع العذاب عنهم.
معنى اليتين:
ينادي ال سبحانه وتعالى بني إسرائيل مطالبا إياهم بذكر نعمه عليهم ليشكروها باليمان برسوله
محمد صلى ال عليه وسلم وقبول ما جاء به من الدين الحق ،وهو السلم ،محذرا إياهم من
عذاب يوم القيامة ،آمرا لهم باتقائه باليمان وصالح العمال .لنه يوم عظيم ل تقبل فيه شفاعة.
__________
1المراد بالعالمين :عالمو زمانهم.
2وترك الشرك ،والمعاصي.
3لن أهل اليمان والتوحيد وإن دخلوا النار يخرجون منها بشفاعة شافع أو بإيمانهم .بخلف من
مات كافرا أو مشركا.
4الشفاعة :ضم جاه إلى جاه ليحصل النفع للمشفوع له .والشفعة :ضم ملك إلى ملك ،والشفع:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الزوج مقابل الوتر ،ول تقبل شفاعة أحد يوم القيامة إل بشرطين اثنين .الول :أن يكون الشافع قد
أذن ال تعالى له .في الشفاعة .والثاني :أن يكون المشفوع له ممن رضي ال قوله وعمله وهو
المؤمن الموحد.
( )1/52
لكافرٍ ،ول يؤخذ منه عدل أي فداء ،ول ينصره بدفع العذاب عنه أحد.
هداية اليتين:
من هداية اليتين:
-1وجوب ذكر النعم لتشكر 1بحمد ال وطاعته.
-2وجوب اتقاء عذاب يوم القيامة باليمان والعمل الصالح بعد ترك الشرك والمعاصي
-3تقرير أن الشفاعة ل تكون لنفس كافرة .وأن الفداء يوم القيامة ل يقبل 2أبدا.
عوْنَ يَسُومُو َنكُمْ سُوءَ ا ْل َعذَابِ يُذَبّحُونَ أَبْنَا َءكُ ْم وَيَسْ َتحْيُونَ ِنسَا َءكُمْ َوفِي
{وَإِذْ 3نَجّيْنَا ُكمْ مِنْ آلِ فِرْ َ
عوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ(
عظِيمٌ ( )49وَإِذْ فَ َرقْنَا ِبكُمُ الْ َبحْرَ فَأَنْجَيْنَا ُك ْم وَأَغْ َرقْنَا آلَ فِرْ َ
ذَِلكُمْ بَلءٌ مِنْ رَ ّبكُمْ َ
ع َفوْنَا عَ ْنكُمْ
جلَ مِنْ َب ْع ِدهِ وَأَنْتُمْ ظَاِلمُونَ( )51ثُمّ َ
)50وَإِ ْذ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْ َبعِينَ لَيَْلةً ثُمّ اتّخَذْ ُتمُ ا ْلعِ ْ
ب وَا ْلفُ ْرقَانَ َلعَّلكُمْ َتهْتَدُونَ(})53
شكُرُونَ( )52وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَا َ
مِنْ َبعْدِ ذَِلكَ َلعَّلكُمْ تَ ْ
شرح الكلمات:
النجاة :الخلص من الهلكة؛ كالخلص من الغرق ،والخلص من العذاب.
عوْنَ} :اتباع 4فرعون .وفرعون 5ملك مصر على عهد موسى عليه السلم.
{آلِ فِرْ َ
{يَسُومُو َنكُمْ سُوءَ ا ْلعَذَابِ} :يبغونكم سوء العذاب وهو أشده وأفظعه ويذيقونكم إياه.
__________
1شكر ال على نعمة يكون بالعتراف بالنعمة وحمدا ل تعالى عليها ،وصرفها فيما فيه رضاه
سبحانه وتعالى.
2لقوله تعالى{ :إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا َومَاتُوا وَهُمْ ُكفّارٌ فَلَنْ ُيقْ َبلَ مِنْ َأحَ ِدهِمْ مِلءُ الْأَ ْرضِ ذَهَبا وََلوِ
افْتَدَى بِهِ} .
3إذ ظرفية ويقدر لها العامل وهو :اذكروا إن نجيناكم .اذكروا إذ فرقنا بكم البحر..إلخ.
4ممن هم على دين الباطل ،من القباط المصريين وسواء كانوا أقارب له ،أم أباعد ويشهد له
حديث" :آل محمد كل تقي".
5قيل أن فرعون مصر اسمه الوليد بن مصعب بن الريان.
( )1/53
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وَيَسْتَحْيُونَِ 1نسَا َءكُمْ :يتركون ذبح البنات ليكبرن للخدمة ،ويذبحون الولد خوفا منهم إذا كبروا.
بلء 2عظيم :ابتلء وامتحان شديد ل يطاق.
{فَ َرقْنَا ِ 3ب ُكمُ الْبَحْرَ : }4صيرناه فرقتين ،وما بينهما يبس ل ماء فيه لتسلكوه فتنجوا ،والبحر هو:
بحر القلزم (الحمر).
جلَ} :عجل من ذهب صاغه لهم السامري ودعاهم إلى عبادته فعبده أكثرهم ،وذلك في
{اتّخَذْ ُتمُ ا ْلعِ ْ
غيبة موسى عنهم.
الشكر :إظهار النعمة بالعتراف بها وحمد ال تعالى عليها وصرفها في مرضاته.
ب وَا ْلفُ ْرقَانَ : }5الكتاب :التوراة ،والفرقان :المعجزات التي فرق ال تعالى بها بين الحق
{ا ْلكِتَا َ
والباطل.
{ َتهْتَدُونَ} :إلى معرفة الحق في كل شئونكم من أمور الدين والدنيا.
معنى اليات:
تضمنت هذه اليات الخمس أربع نعم عظمى أنعم ال تعالى بها على بني إسرائيل ،وهي التي
أمرهم بذكرها ليشكروه عليها باليمان برسوله محمد صلى ال عليه وسلم ودينه السلم.
فالنعمة الولى :انجاؤهم من فرعون وآله بتخليصهم من حكمهم الظالم وما كانوا يصبونه عليهم
من ألوان العذاب .من ذلك :ذبح الذكور من أولدهم وترك البنات لستخدامهن في المنازل
كرقيقات.
__________
1وقيل يكشفون عن حياء المرأة :أي :فرجها لينظروا هل هي حبلى أو ل؟ ليتمكنوا من قتل
الذكور وإبقاء الناث.
2البلء يكون بالخير والشر ،قال تعالى{ :وَنَبْلُوكُمْ بِالشّ ّر وَالْخَيْرِ فِتْ َنةً} الية .وهو هنا كذلك فقد
ابتلى بنو إسرائيل بالشر من قتل واستبعاد وبالخير من إنجائهم وإهلك أعدائهم.
3الفرق :الفصل بين الشياء؛ كالفصل بين الحق والباطل ،والفصل بين المجتمعين من كل شيء،
والباء في فرقنا بكم البحر :للملبسة.
4البحر :الماء المالح ،والبلدة أيضا ،ومن الخيل الواسع الجري ،فقد قال صلى ال عليه وسلم في
فرس أبي طلحة" :وإن وجدناه لبحرا" .يعني واسع الجري.
5الفرقان :لفظ عام يطلق على كل ما يفرق به بين الحق والباطل؛ كالمعجزات واليات والعلوم
الصحيحة.
( )1/54
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والثانية :فلق البحر لهم وإغراق عدوهم بعد نجاتهم وهم ينظرون .1
والثالثة :عفوه تعالى عن أكبر زلة زلوها وجريمة اقترفوها ،وهي اتخاذهم عجل 2صناعيا إلها
وعبادتهم له .فعفا تعالى عنهم ولم يؤاخذهم بالعذاب لعلة أن يشكروه تعالى بعبادته وحده دون
سواه.
والرابعة :ما أكرم به نبيهم موسى عليه السلم من التوراة التي فيها الهدى والنور والمعجزات
التي أبطلت باطل فرعون ،وأحقت دعوة الحق التي جاء بها موسى عليه السلم.
هذه النعم هي محتوى اليات الخمس ،ومعرفتها معرفة لمعاني اليات في الجملة اللهم إل جملة
عظِيمٌ} في الية الولى فإنها :إخبار بأن الذي حصل لبني إسرائيل من
{ َوفِي ذَِلكُمْ بَلءٌ مِنْ رَ ّبكُمْ َ
عذاب على أيدي فرعون وملئه إنما كان امتحانا من ال واختبارا عظيما لهم .كما أن الية الثالثة
فيها ذكر مواعدة ال تعالى لموسى بعد نجاة 3بني إسرائيل أربعين ليلة ،وهي :القعدة وعشر
الحجة ليعطيه التوراة يحكم 4بها بني إسرائيل فحدث في غيابه أن جمع السامري حُلي نساء بني
إسرائيل وصنع منه عجلً ودعاهم إلى عبادته فعبدوه فاستوجبوا العذاب إل أن ال منّ عليهم
بالعفو ليشكروه.
هداية اليات:
من هداية هذه اليات:
-1ذكر النعم يحمل 5على شكرها ،والشكر هو الغاية من ذكر النعمة.
-2أن ال تعالى يبتلي عباده لحكم عالية فل يجوز العتراض على ال تعالى فيما يبتلي به عباده.
-3الشرك ظلم ،6لنه وضع العبادة في غير موضعها.
__________
1جملة{َ :وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} في اليات حالية ،وإن قيل الذين تم لهم هذا النعام هم من كانوا مع
موسى عليه السلم ،فكيف يخاطب به يهود اليوم .فالجواب :أن النعم على السلف نعم على
الخلف.
2القوم الذين مروا بهم فوجدوهم عاكفين على أصنام لهم هم قوم من الكنعانيين ،وهم الفينيقيون
سكان سواحل بلد الشام إذ كانوا يعبدون عجلً مقدسا لهم.
3كان يوم نجاة بني إسرائيل يوم عاشوراء المحرم ،لما في البخاري وغيره من أن النبي صلى
ال عليه وسلم لما قدم المدينة مهاجرا وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم عن ذلك فقالوا:
يوم صالح أنجى ال تعالى فيه بني إسرائيل .فصامه .رسول ال صلى ال عليه وسلم وأمر
بصيامه وقال" :نحن أحق بموسى منهم" أو كما قال.
4ومما يؤسف ويحزن أن المسلمين لما ابتلهم ال باستعمار النصارى لهم كانوا كلما استقل
شعب أو إقليم طلب قانون الكافرين فحكم به المسلمين ،وبنو إسرائيل لما استقلوا على يد موسى
ذهب يأتيهم بقانون الرب ليحكمهم به.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
5ولذا كان مبدأ الشكر :العتراف بالنعمة أولً ،وهو ذكرها بالقلب ،واللسان.
عظِيمٌ} .
ظلْمٌ َ
6قال تعالى{ :إِنّ الشّ ْركَ لَ ُ
( )1/55
-4إرسال الرسل وإنزال الكتب الحكمة فيهما هداية الناس إلى معرفة ربهم وطريقة التقرب إليه
ليعبدوه فيكملوا ويسعدوا في الحياتين.
س ُكمْ
جلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِ ِئكُمْ فَاقْتُلُوا أَ ْنفُ َ
سكُمْ بِاتّخَا ِذكُمُ ا ْلعِ ْ
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى ِل َقوْمِهِ 1يَا َقوْمِ إِ ّن ُكمْ ظََلمْ ُتمْ أَ ْنفُ َ
ذَِلكُمْ خَيْرٌ َل ُكمْ عِنْدَ بَارِ ِئ ُكمْ فَتَابَ عَلَ ْيكُمْ إِنّهُ ُهوَ ال ّتوّابُ الرّحِيم( )54وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ ُن ْؤمِنَ َلكَ
جهْ َرةً فََأخَذَ ْتكُمُ الصّاعِقَ ُة وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ( )55ثُمّ َبعَثْنَاكُمْ مِنْ َبعْدِ َموْ ِتكُمْ َلعَّلكُمْ
حَتّى نَرَى اللّهَ َ
ن وَالسّ ْلوَى كُلُوا مِنْ طَيّبَاتِ مَا رَ َزقْنَاكُ ْم َومَا
شكُرُونَ ( )56وَظَلّلْنَا عَلَ ْي ُكمُ ا ْل َغمَا َم وَأَنْزَلْنَا عَلَ ْي ُكمُ ا ْلمَ ّ
تَ ْ
سهُمْ يَظِْلمُونَ(})57
ظََلمُونَا وََلكِنْ كَانُوا أَ ْنفُ َ
شرح الكلمات:
ظلم النفس : 2تدسيتها بسيئة الجريمة.
جلَ} :بجعلكم العجل الذي صاغه السامري من حلي نسائكم إلها عبدتموه.
{بِاتّخَا ِذكُمُ ا ْلعِ ْ
البارئ :الخالق عز وجل.
سكُمْ : }3أمرهم أن يقتل من لم يعبد العجل من 4عبدَه منهم وجعل ذلك توبتهم ففعلوا
{فَاقْتُلُوا أَ ْنفُ َ
فتاب عليهم بقبول توبتهم.
جهْ َرةً : }5نراه عيانا.
{نَرَى اللّهَ َ
__________
سخَرْ َقوْمٌ مِنْ َقوْمٍ ...وَل نِسَاءٌ
1لفظ القوم يراد به الرجال دون النساء كما في قوله تعالى { :ل يَ ْ
مِنْ نِسَاءٍ} كقول زهير:
وما أدري وسوف إخال أدري ...أقوم آل حصن أم نساء
وقد يطلق على الرجال والنساء نحو قوله تعالى{ :إِنّا أَرْسَلْنَا نُوحا إِلَى َق ْومِهِ} الية.
2أصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه ،ومرتكب الذنب بدل أن يزكي نفسه بعمل صالح
دساها بعمل سيء فكان بذلك واضعا شيئا في غير موضعه ،إذ المطلوب من العبد تزكية نفسه
لتتأهل للكمال والسعاد ،ل تدسيتها لتخيب وتخسر.
3قتل بعضهم بعضا :كان عقوبة لمن عبدوا العجل ،ولمن لم يعبدوه؛ لنهم ما غيروا المنكر وقد
رأوه.
4قال بعضهم :قتل النفس هنا تذليلها بالطاعات وكفها عن الشهوات وليس بصحيح.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
5أصل الجهر :الظهور ومنه :قرأ جهرا أي أي أظهر القراءة ،وجهر مصدر جهر ،وقرأ بفتح
الهاء وإسكانها نحو زهرة ،وزهرة ومعناه :علنية أو عيانا.
( )1/56
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/57
والسلوى 1أيام حادثة التيه في صحراء سيناء وفي قوله تعالىَ { :ومَا ظََلمْنَاهُمْ} إشارة إلى أن
محنة التيه كانت عقوبة لهم على تركهم الجهاد وجرأتهم على نبيهم إذ قالوا له{ :فَاذْ َهبْ أَ ْنتَ
وَرَ ّبكَ َفقَاتِل إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} .وما ظلمهم 2في محنة التيه ،ولكن كانوا هم الظالمين لنفسهم.
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1عبادة المؤمن غير ال وهو يعلم أنها عبادة لغير ال تعالى تعتبر ردة منه ،3وشركا.
-2مشروعية قتال المرتدين ،وفي الحديث" :من بدل دينه فاقتلوه" ،ولكن بعد استتابته.
-3علة الحياة كلها شكر ال تعالى 4بعبادته وحده.
-4الحلل ،من المطاعم والمشارب وغيرها ،ما أحله ال ،والحرام ما حرمه ال عز وجل.
حطّةٌ َن ْغفِرْ
سجّدا َوقُولُوا ِ
{وَإِذْ 5قُلْنَا ادْخُلُوا َه ِذهِ ا ْلقَرْيَةَ َفكُلُوا مِ ْنهَا حَ ْيثُ شِئْ ُتمْ رَغَدا وَادْخُلُوا الْبَابَ ُ
َلكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ ا ْل ُمحْسِنِينَ( )58فَبَ ّدلَ الّذِينَ ظََلمُوا َق ْولً
__________
1السلوى :اسم جنس جمعي واحده :سلواه ،وقيل :ل واحد له ،وهو طائر بري لذيذ اللحم سهل
الصيد ،تسوقه لهم ريح الجنوب كل مساء ،ويسمى أيضا :السماني كالحباري.
سهُمْ يَظِْلمُونَ} تقديم المفعول وهو أنفسهم على
2وفي قوله تعالىَ { :ومَا ظََلمُونَا وََلكِنْ كَانُوا أَ ْنفُ َ
الفاعل وهو الضمير في يظلمون لفادة القصر ،وهو قصر ظلمهم على أنفسهم حيث لم يتجاوز
إلى غيرهم ل موسى ول ربه تعالى.
3بدليل أمر ال بني إسرائيل بأن يقتل من لم يعبد العجل من عبده لنه في حكم المرتد ،والمرتد
يقتل لحديث الصحيح" :من بدل دينه فاقتلوه" .
4دل عليه قوله تعالىُ { :ثمّ َبعَثْنَاكُمْ} أي أحييناكم بعد موتكم لعلكم تشكرون ،وأصرح قوله تعالى:
{ َومَا خََل ْقتُ الْجِنّ وَالْأِنْسَ ِإلّ لِ َيعْبُدُونِ} والعبادة هي الشكر.
5ذهب الشيخ محمد طاهر ابن عاشور ،صاحب تفسير "التحرير والتنوير" إلى أن القائل لبني
إسرائيل{ :ادْخُلُوا هَ ِذهِ ا ْلقَرْيَةَ }..الية .هو موسى عليه السلم وأن هذا المر كان في بداية أمرهم
لما خرجوا من مصر ،وأن الذين ظلموا منهم هم :عشرة رجال من اثنا عشر بعث بهم موسى
عليه السلم جواسيس يكتشفون أمر العدو ويقدرون قوته قبل إعلن الحرب عليهم ،فرجعوا وهم
يهولون من شأن العدو وقوته ،وينشرون الفزع والرعب في بني إسرائيل ما عدا اثنين منهم،
وهما :يوشع ابن نون قريب موسى ،وطالب بن بقتة ،الذين ذكرا في سورة المائدة{ :قَالَ
رَجُلنِ }..الية ،وخالف في هذا جمهور المفسرين ،وادعى الغلط لهم ،وما حمله على ذلك سوى
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أن السياق ما زال مع موسى وقومه مع أن ال تعالى لم يذكر موسى بل قال{ :وَإِذْ قُلْنَا ا ْدخُلُوا هَ ِذهِ
ا ْلقَرْيَةَ} والرسول صلى ال عليه وسلم في حديث البخاري قال :قيل لبني إسرائيل ولم يقل قال
موسى لبني إسرائيل ،ونص الحديث" :قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدا قولوا حطة يغفر لكم
خطاياكم فبدلوا وقالوا :حطة حبة في شعرة" .والمر لهم حقيقة .هو ال تعالى على لسان يوشع،
إذ هو الذي قاد الحملة ونصره ال ،ودخل بيت المقدس ،وأحاديث الرسول صلى ال عليه وسلم
شاهدة.
( )1/58
سقُونَ(})59
سمَاءِ ِبمَا كَانُوا َيفْ ُ
غَيْرَ الّذِي قِيلَ َل ُهمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الّذِينَ ظََلمُوا رِجْزا مِنَ ال ّ
شرح الكلمات:
{ا ْلقَرْيَةَ : }1مدينة القدس.
{رَغَدا} :عيشا واسعا هنيئا.
سجّدا} :ركعا 2متطامنين ل ،خاضعين شكرا ل على نجاتهم من التيه.
{ُ
{حِطّةٌ} :حطة :3فعلة مثل ردة ،وحدة من ردت وحددت ،أمرهم أن يقولوا حطة بمعنى أحطط
عنا خطايانا ورفع (حطة) 4على إنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره :دخولنا الباب سجدا حطة لذنوبنا
{ َن ْغفِرْ} :نمحو ونستر.
{خَطَايَاكُمْ} :الخطايا :جمعة خطيئة :5الذنب يقترفه العبد.
{فَبَ ّدلَ} غيروا 6القول الذي قيل لهم قولوه وهو حطة فقالوا :حبة في شعره .7
{ ِرجْزا : }8وباء الطاعون.
سقُونَ} :يخرجون عن طاعة ال ورسوله إليهم ،وهو يوشع عليه السلم.
{ َيفْ ُ
معنى اليتين:
تضمنت الية الولى ( )58تذكير اليهود بحادثة عظيمة حدثت لسلفهم تجلت فيها
__________
1سميت المدينة قرية :من التقري الذي هو التجمع مأخوذ من قريت الماء في الحوض ،إذ
جمعته ،ومنه قرى الضيف ،وهو ما يجمع له من طعام وشراب ،وفراش.
2لن السجود الذي هو وضع الجبهة على الرض متعذر المشي معه ،فلذا فسر السجود بانحناء
الركوع في تطامن وخضوع.
3يوجد باب حطة اليوم في المسجد القصى.
4وقرأ حطة بالنصب على تقدير أحطط عنا ذنوبنا حطة.
5المفروض أن تجمع خطيئة على خطائئي ،نحو حميلة وحمائل ،ولكنهم استثقلوا الجمع بين
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
همزتين فقلبوا الهمزة الولى ياء والثانية ألفا فصارت خطايا.
6من هذا أخذ حرمة تبديل لفظ تعبدنا ال به بلفظ أخر ولو أتى معناه مثل :ال أكبر في افتتاح
الصلة ،والسلم عليكم في الخروج منها .وما لم يتعبدن ال بلفظ يجوز للعالم تبديله وذلك كرواية
الحديث بالمعنى للعالم دون الجاهل وعليه جمهور المة.
7و (في شعرة) كنوا بهذا عن كون فتحهم البلد ،ودخولهم إياها من المحال كالذي يحاول ربط
حبة في شعرة.
8والرجس :بالسين عذاب فيه نتن وعفونة وقذر.
( )1/59
نعمة ال على بني إسرائيل وهي :حال تستوجب الشكر ،وذلك إنهم لما انتهت مدة التيه وكان قد
مات كل من :موسى وهارون ،وخلفهم في بني إسرائيل فتى موسى يوشع بن نون ،وغزا بهم
العمالقة وفتح ال تعالى عليهم بلد القدس أمرهم ال تعالى أمر إكرام وإنعام فقال ادخلوا هذه
القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا .واشكروا لي هذه النعام بأن تدخلوا باب المدينة راكعين
متطامنين قائلين .دخولنا الباب سجدا حطة لذنوبنا التي اقترفناها بنقولنا عن الجهاد على عهد
موسى وهارون .نثبكم بمغفرة ذنوبكم ونزيد المحسنين منكم ثوابا كما تضمنت الية الثانية()59
حادثة أخرى تجلت فيها حقيقة سوء طباع اليهود وكثرة رعوناتهم وذلك بتغييرهم الفعل الذي
أمروا به والقول الذي قيل لهم فدخلوا الباب زاحفين على أستاههم قائلين :حبة في شعيرة!! ومن
ثم انتقم ال منهم فانزل على الظالمين منهم طاعونا أفنى منهم خلقا كثيرا جزاء فسقهم عن أمر ال
عز وجل .وكان فيما ذكر عظة لليهود لو كانوا يتعظون.
هداية اليتين:
من هداية اليتين:
-1تذكير البناء بأيام 1الباء للعظة والعتبار.
-2ترك الجهاد إذا وجب يسبب 2للمة الذل والخسران.
-3التحذير عن عاقبة الظلم والفسق والتمرد على أوامر الشارع.
-4حرمة 3تأويل النصوص الشرعية للخروج بها عن مراد الشارع منها.
-5فضيلة الحسان 4في القول والعمل.
__________
1المراد باليام :ما وقع فيها من خير وغيره ،ثمرة كسبهم ونتاج أعمالهم بالطاعة ل تعالى ،أو
المعصية ل عز وجل.
2يشهد له حديث أبي داود وأحمد إذ فيه وتركوا الجهاد في سبيل ال أنزل ال بهم بلء ل يرفعه
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حتى يراجعوا دينهم.
3كتأويل الروافض ،لفظ :بقرة بعائشة رضي ال عنها في قوله تعالى{ :إِنّ اللّهَ يَ ْأمُ ُركُمْ أَنْ تَذْ َبحُوا
َبقَ َرةً} وكتأويل بعض المعاصرين إن ربا البنوك ليس هو ربا الجاهلية الحرام.
4المحسن :من صح عقد توحيده ،وأحسن سياسة نفسه ،وأقبل على أداء فرضه ،وكفى المسلمين
شره .هكذا عرفه بعضهم ،وأقرب من هذا ،المحسن :من راقب ال تعالى في نياته ،ومعتقداته،
وأقواله ،وأفعاله فأحسن في ذلك كله ولم يسيء فيه وبذل المعروف للناس ،ولم يسيء إليهم،
وحسب الحسان فضيلة أن ال يحب المحسنين ،ومن أحبه ال أسعده وما أشقاه.
( )1/60
( )1/61
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{فَا ْنفَجَ َرتْ} :النفجار :النفلق فانفجرت :انفلقت من العصا العيون.
{مَشْرَ َب ُهمْ} :موضع شربهم.
{رِ ْزقِ اللّهِ} :ما رزق ال به العباد من سائر الغذية.
{وَل َتعْ َثوْا} :العَ َثيّ والعِثِيّ :أكبر الفساد وفعله عثي كرضي ،يعثي كيرضي ،وعثا يعثو ،كعدا
يعدو.
{ ُمفْسِدِينَ} :الفساد :العمل بغير طاعة ال ورسوله في كل مجالت الحياة.
البقل :وجمعه البقول :سائر أنواع الخضر؛ كالجزر والخردل والبطاطس ،ونحوها.
القثاء :الخيار والقتة ،ونحوهما.
الفوم :الفوم :الحنطة ،وقيل :الثوم لذكر البصل 1بعده.
{أَ َتسْتَبْدِلُونَ} :الستبدال :ترك شيء وأخذ آخر بدلً عنه.
{َأدْنَى} :أقل صلحا وخيرية ومنافع؛ كاستبدال المن والسلوى بالفوم والبقل.
{ ِمصْرا} :مدينة من 2المدن ،قيل لهم هذا وهم في التيه؛ كالتعجيز لهم والتحدي لنهم نكلوا عن
قتال الجبارين فأصيبوا بالتيه وحرموا خيرات مدينة القدس وفلسطين.
{ َوضُرِ َبتْ عَلَ ْي ِهمُ الذّلّةُ} :أحاطت بهم ولزمتهم الذلة وهي الصغار والحتقار.
سكَنَةُ} :والمسكنة :وهي الفقر والمهانة.
{وَا ْلمَ ْ
ضبٍ} :رجعوا من طول عملهم وكثرة كسبهم بغضب ال وسخطه عليهم وبئس ما
{وَبَاءُوا ِب َغ َ
رجعوا به.
{ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ} :ذلك إشارة إلى ما أصابهم .3من الذلة والمسكنة والغضب وبأنهم أي بسبب كفرهم
وقتلهم النبياء وعصيانهم ،فالباء سببية.
العتداء :مجاوزة الحق إلى الباطل ،والمعروف إلى المنكر والعدل إلى الظلم.
__________
1لن إبدال التاء فاء شائع.
2هذا بناءا على صرف مصر إذ هو منون منصوب ،ولو أريد به مصر التي خرجوا منها لقرئ
مصر ممنوعا من الصرف للعلمية والتأنيث.
3هذا عام في اليهود المعاصرين للدعوة السلمية ،ومن قبلهم ،ومن يأتي بعدهم ،لن التعليل
كان بكفرهم بآيات ال ،وقتلهم النبياء ،والكل موافق راب بهذه الجرائم ،وعصيانهم واعتدائهم
ملزم لهم ما فارقهم إلى اليوم.
( )1/62
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
معنى اليتين:
يُذكر ال تعالى اليهود المعاصرين لنزول القرآن بالمدينة النبوية بأياديه في أسلفهم وأيامه عز
وجل فيهم وفي الية الولى رقم( )60ذكرهم بأنهم لما عطشوا في التيه ،استسقى 1موسى ربه
فسقاهم بأمر خارق للعادة ،ليكون لهم ذلك آية ليلزموا اليمان والطاعة وهو أن يضرب موسى
عليه السلم بعصاه الحجر 2فيتفجر الماء منه من اثنا عشر موضعا كل موضع يمثل عينا يشرب
منها سبط 3من أسباطهم الثنى عشر حتى ل يتزاحموا فيتضرروا ،أكرمهم ال بهذه النعمة،
ونهاهم عن الفساد في الرض بارتكاب المعاصي.
وفي الية الثانية( )61ذكرهم بسوء أخلق كانت في سلفهم ،منها :عدم الصبر ،والتعنت ،وسوء
التدبير ،والجهالة بالخير ،والرعونة ،وغيرها .وهذا ظاهر في قولهم يا موسى بدل يا نبي ال أو
رسول ال لن نصبر على طعام واحد .وقولهم :إدع لنا ربك بدل ادع ال تعالى لنا ،أو ادع لنا
ل عنهما وفي قول موسى عليه
ربنا عز وجل .وفي مللهم اللحم والعسل وطلبهم الفوم والبصل بد ً
السلم :تستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير 4ما يقرر ذلك كما ذكرهم بالعاقبة المرة التي
كانت لهم نتيجة كفرهم بآيات ال وقتلهم النبياء ،واعتدائهم وعصيانهم ،وهي :أن ضرب 5ال
تعالى عليهم الذلة والمسكنة وغضب عليهم.
كل هذا وغيره مما ذكّر ال تعالى اليهود به في كتابه من أجل أن يذكروا فيتعظوا ويشكروا،
فيؤمنوا بنبيه محمد صلى ال عليه وسلم ،ويدخلوا في دينه ،فيكملوا ويسعدوا بعد أن ينجوا مما
حاق بهم من الذلة والمسكنة والغضب في الدنيا ،ومن عذاب النار يوم القيامة.
هداية التيتين:
من هداية اليتين:
-1استحسان الوعظ والتذكير بنعم ال تعالى ونقمه في الناس.
__________
1في الية مشروعية الستسقاء وهو سنة مؤكدة في السلم ،فقد استسقى النبي صلى ال عليه
وسلم وسقى ال المة بدعائه غير مرة.
2انفجار الماء من الحجر معجزة عظيمة ،وانفجار الماء من بين أصابع النبي محمد صلى ال
عليه وسلم معجزة أعظم ،لن انفجار الماء من الحجار معهود معروف ولكن من أصابع هي لحم
ودم غير معهود قط.
3السبط :في بني إسرائيل كالقبيلة عند العرب.
4في قوله{ :أَتَسْتَبْدِلُونَ} إلخ .إنكار عليهم وتوبيخ لهم.
5إحاطة الزل والمسكنة بهم ذكر في آية آل عمران مقيدا بما لم يكن لهم حبل من ال :وهو
الدخول في السلم ،وحبل من الناس :وهو حماية دولة قوية لهم؛ كبريطانيا أولً ،وأمريكا ثانيا.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/63
-2مطالبة ذي النعمة بشكرها ،1وذلك بطاعة ال تعالى بفعل أوامره .وترك نواهيه.
-3ذم الخلق السيئة والتنديد بأهلها للعظة والعتبار.
-4التنديد بكبائر الذنوب؛ كالكفر ،وقتل النفس بغير الحق ل سيما قتل النبياء أو خلفائهم وهم
العلماء المرون بالعدل في المة.
ع ِملَ صَالِحا فََلهُمْ
{إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَادُوا وَال ّنصَارَى وَالصّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الخِ ِر وَ َ
علَ ْيهِ ْم وَل هُمْ َيحْزَنُونَ(})62
خ ْوفٌ َ
أَجْ ُرهُمْ عِ ْندَ رَ ّبهِ ْم وَل َ
شرح الكلمات:
{الّذِينَ آمَنُوا : }2هم المسلمون آمنوا بال ووحده وآمنوا برسوله واتبعوه.
{وَالّذِينَ هَادُوا} :هم اليهود سموا 3يهودا لقولهم :إنا هدنا إليك ،أي :تبنا ورجعنا.
{وَال ّنصَارَى} :الصليبيون سموا نصارى :إما لنهم يتناصرون أو لنزول مريم بولدها عيسى قرية
الناصرة ،والواحد :نصران 4أو نصراني وهو الشائع على اللسنة.
{وَالصّابِئِينَ} :أمة كانت بالموصل يقولون ل إله إل ال .ويقرأون الزبور .ليسوا يهودا ول
نصارى ،واحدهم صابئ ،5ولذا كانت قريش تقول لمن قال ل إله إل ال :صابئ ،أي مائل عن
حدَ فيه ال تعالى.
دين آبائه إلى دين جديد و ّ
__________
1كما قيل :من لم يشكر النعم تعرض لزوالها ،ومن شكرها فقد قيدها بعقالها.
2يرى بعض المفسرين أن المراد (بالذين آمنوا) :المنافقون ،والصحيح ما ذكرناه وهم المسلمون،
وسموا بالمؤمنين لصحة إيمانهم ،والفائدة من ذكره هي :ليعلم اليهود وغيرهم أن النسب
والنتساب إلى الدين ل يؤهل للسعادة في الدار الخرة ،وإنما يؤهل اليمان الصحيح والعمل
الصالح ،إذ بهما تزكوا النفس وتطهر فتتأهل لجوار ال تعالى في الملكوت العلى.
3أو نسبة إلى يهودا وهو أكبر أولد يعقوب عليه السلم.
4نصرن على وزن سكران ،والجمع :نصارى؛ كسكارى.
5قرئ بالتخفيف :الصابين ،وهي قراءة وارش عن نافع.
( )1/64
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
العبرة باليمان الصحيح والعمل الصالح المزكي للروح البشرية والمطهر لها ،فلذا المسلمون
واليهود والنصارى والصابئون 1وغيرهم؛ كالمجوس وسائر أهل الديان من آمن منهم بال
واليوم الخر حق اليمان وعمل صالحا مما شرع ال تعالى من عبادات فل خوف عليهم بعد
توبتهم ،ول حزن ينتابهم عند موتهم من أجل ما تركوا من الدنيا ،إذ الخرة خير وأبقى.
واليمان الصحيح ل يتم لحد إل باليمان بالنبي الخاتم محمد صلى ال عليه وسلم والعمل الصالح
ل يكون إل بما جاء به النبي الخاتم في كتابه وما أوحى إليه ،إذ بشريعته نسخ ال سائر الشرائع
قبله وبالنسخ بطل مفعولها فهي ل تزكي النفس ول تطهرها .والسعادة الخروية متوقفة على زكاة
النفس 2وطهارتها.
هداية الية:
من هداية الية:
-1العبرة بالحقائق ل باللفاظ ،فالمنافق إذا قال هو مؤمن أو مسلم ،ولم يؤمن بقلبه ولم يسلم
بجوارحه ل تغني النسبة عنه شيئا ،واليهودي والنصراني والصابئ ،وكل ذي دين نسبته إلى دين
قد نسخ وبطل العمل بما فيه فأصبح ل يزكي النفس ،هذه النسبة ل تنفعه ،وإنما الذي ينفع اليمان
الصحيح والعمل الصالح.
-2أهل اليمان الصحيح والستقامة على شرع ال الحق مبشرون بنفي الخوف عنهم والحزن
وإذا انتفى الخوف حصل المن ،وإذا انتفى الحزن حصل السرور والفرح وتلك السعادة.
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَا َقكُمْ 3وَ َر َفعْنَا َف ْو َقكُمُ الطّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ
__________
1عامة أهل العلم على أن الصابئة ليسوا أهل كتاب فل تنكح نسائهم ول تؤكل ذبائحهم؛ لنهم
وثنيون ول كتاب لهم على الصحيح.
2لقوله تعالىَ { :قدْ َأفْلَحَ مَنْ َزكّاهَا} .
3مأخوذ من وثق الشيء بالحبل إذا شده به تقوية له.
( )1/65
حمَتُهُ
ِبقُ ّو ٍة وَا ْذكُرُوا 1مَا فِيهِ َلعَّلكُمْ تَ ّتقُونَ(ُ )63ثمّ َتوَلّيْتُمْ مِنْ َبعْدِ ذَِلكَ فََلوْل َفضْلُ 2اللّهِ عَلَ ْيكُمْ وَرَ ْ
َلكُنْتُمْ مِنَ ا ْلخَاسِرِينَ( )64وََلقَدْ عَِلمْتُمُ الّذِينَ اعْ َت َدوْا مِ ْنكُمْ فِي السّ ْبتِ َفقُلْنَا َلهُمْ كُونُوا 3قِرَ َدةً خَاسِئِينَ(
جعَلْنَاهَا َ 4نكَالً ِلمَا بَيْنَ يَدَ ْيهَا َومَا خَ ْل َفهَا َو َموْعِظَةً لِ ْلمُ ّتقِينَ(})66
)65فَ َ
شرح الكلمات:
الميثاق :العهد المؤكد باليمين.
{الطّورَ} :جبل .أو هو الجبل الذي ناجى ال تعالى عليه موسى عليه السلم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{ ِب ُق ّوةٍ} :بجد وحزم وعزم.
{ َتوَلّيْتُمْ} :رجعتم عما التزمتم القيام به من العمل بما في التوراة.
{اعْ َت َدوْا مِ ْنكُمْ فِي السّ ْبتِ} :تجاوزوا الحد فيه حيث حرم عليهم الصيد فيه فصادوا.
{قِرَ َدةً} :القردة :جمع قرد ،حيوان معروف مسخ ال تعالى المعتدين في السبت على نحوه
__________
1أي اذكروا ما تضمنه الكتاب الذي هو التوراة ،اذكروا حفظا لشرائعه وأحكامه وعملً به،
واذكروا وعد ال تعالى فيه ووعيده رجاء أن تحصل لكم التقوى فتنجوا من الخسران.
2من فضل ال تعالى عليهم إنه لم يعاجلهم بالعقوبة جزاء توليهم عن الطاعة ،وإعراضهم عنها
بعد أخذ الميثاق عليهم ،ومن رحمته أنه في أرسل فيهم الرسل فلم تنقطع سلسلتهم إلى عيسى ابن
مريم عليه السلم.
3المر هنا :كوني ل شرعي إذ ل طاقة لهم على التحول إلى قردة ،وإنما تحولوا بأمره اليرادي
الكوني الذي ل يتخلف فيه مراده عز وجل.
جعَلْنَاهَا} يعود إلى العقوبة التي هي مسخهم قردة.
4الضمير في قولهَ { :ف َ
( )1/66
( )1/67
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى ِل َقوْمِهِ إِنّ اللّهَ يَ ْأمُ ُركُمْ أَنْ تَذْ َبحُوا َبقَ َرةً قَالُوا أَتَتّخِذُنَا هُزُوا قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ َأكُونَ
ض وَل ِبكْرٌ
مِنَ الْجَاهِلِينَ )67(1قَالُوا ا ْدعُ لَنَا رَ ّبكَ يُبَيّنْ لَنَا مَا ِهيَ قَالَ إِنّهُ َيقُولُ إِ ّنهَا َبقَرَةٌ ل فَا ِر ٌ
عوَانٌ بَيْنَ ذَِلكَ فَا ْفعَلُوا مَا ُت ْؤمَرُونَ( )68قَالُوا ا ْدعُ لَنَا رَ ّبكَ يُبَيّنْ لَنَا مَا َلوْ ُنهَا قَالَ إِنّهُ َيقُولُ إِ ّنهَا َبقَ َرةٌ
َ
صَفْرَاءُ فَاقِعٌ َلوْ ُنهَا تَسُرّ النّاظِرِينَ( )69قَالُوا ا ْدعُ لَنَا رَ ّبكَ يُبَيّنْ لَنَا مَا ِهيَ إِنّ الْ َبقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنّا
سّلمَةٌ
سقِي الْحَ ْرثَ مُ َ
ض وَل َت ْ
إِنْ شَاءَ اللّهُ َل ُمهْتَدُونَ( )70قَالَ إِنّهُ َيقُولُ إِ ّنهَا َبقَ َرةٌ ل َذلُولٌ تُثِي ُر الَ ْر َ
ل شِيَةَ فِيهَا قَالُوا النَ جِ ْئتَ بِا ْلحَقّ فَذَبَحُوهَا َومَا كَادُوا َي ْفعَلُونَ(})71
شرح الكلمات:
البقرة :واحدة البقر ،والذكر ثور ،والنثى بقرة.
الذبح :قطع الودجين والمارن.
الهزؤ :السخرية واللعب.
الجاهل : 2الذي يقول أو يفعل ما ل ينبغي قوله أو فعله.
__________
1استعاذ موسى بال أن يكون من الجاهلين ،إذ الهزوء والسخرية ،من أفعال أهل الجهل فكان
قول موسى هذا وصما لهم بالجهل وفساد العقل .وسوء الخلق.
2الجاهل الذي جهل المر فقال أو عمل فيه بدون علم فأفسد وأساء.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/68
الفارض : 1المسنة .والبكر الصغيرة التي لم تلد بعد .والعوان :النصف وسط بين المسنة
والصغيرة.
فاقع :يقال :أصفر فاقع شديدة الصفرة؛ كأحمر قاني ،وأبيض ناصع 2
الذلول :الريضة التي زالت صعوبتها فأصبحت سهلة منقادة.
{تُثِي ُر الَ ْرضَ} :تقلبها بالمحراث فيثور غبارها بمعنى :أنها لم تستعمل في الحرث ول في سقاية
الزرع أي لم يُسن عليها ،وذلك لصغرها.
{مسلّمة} :سليمة من العيوب؛ كالعور والعرج .3
{ل شِ َيةَ فِيهَا} :الشية :العلمة أي ل توجد فيها لون غير لونها 4من سواد أو بياض.
معنى اليات:
واذكر يا رسولنا لهؤلء اليهود عيبا آخر من عيوب أسلفهم الذين يعتزون بهم وهو سوء سلوكهم
مع أنبيائهم فيكون توبيخا لهم لعلهم يرجعون عن غيهم فيؤمنوا بك وبما جئت به من الهدى ودين
الحق .اذكر لهم قصة الرجل الذي قتله ابن أخيه استعجالً لرثه ثم ألقاه تعمية في حي غير الحي
الذي هو منه ،ولما اختلفوا في القاتل ،قالوا نذهب إلى موسى يدعو لنا ربه ليبين لنا من هو القاتل
فجاءوه ،فقال لهم :إن ال تعالى يأمركم أن تذبحوا بقرة من أجل أن يضربوا القتيل بجزء منها
فينطق مبينا من قتله فلما قال لهم ذلك ،قالوا :أتتخذنا هزوا ،فوصفوا نبي ال بالسخرية واللعب،
وهذا ذنب قبيح وما زالوا يسألونه عن البقرة ويتشددون ،حتى شدد ال تعالى عليهم المر الذي
كادوا معه ل يذبحون مع أنهم لو تناولوا بقرة من عرض الشارع وذبحوها لكفتهم .5ولكن شددوا
فشدد ال عليهم فعثروا على البقرة المطلوبة بعد جهد جهيد وغالى فيها صاحبها فباعها منهم بملء
جلدها ذهبا.
__________
1الفارض :المسنة التي فرضت سنها فقطعته ،لن الفرض لغة القطع.
2هذه اللفاظ يؤتي بها لتأكيد الوصف ،فيقال :أخضر مدهام ،وأورق خطباني "الخطباني ،نبت".
3استدل الجمهور بهذه الصفات المذكورة للبقرة على جواز بيع السلم في الحيوان ،كما استدلوا
بقول الرسول صلى ال عليه وسلم في الصحيح" :ل تنعت المرأة المرأة لزوجها كأنه ينظر
إليها" ،وخالف أبو حنيفة بعدم صحة السلم في الحيوان.
4لن الشية مأخوذة من وشي الثوب إذا نسج على لونين ،ولذا قيل النمام واش؛ لنه لون الكلم
بألوان من كذبه وباطله.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
5نقل ابن كثير عن ابن جرير الرواية التالية :إنما أمروا بأدنى بقرة ،ولكنهم لما شددوا ،شدد ال
عليهم ،وأيم ال لو أنهم لم يتثنوا لما بينت لهم آخر الدهر.
( )1/69
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1بيان ما كان عليه قوم موسى من بني إسرائيل من العجرفة وسوء الخلق ،ليتجنب مثلها
المسلمون.
-2حرمة العتراض على الشارع ووجوب تسليم أمره أو نهيه ولو لم تعرف فائدة المر والنهي
وعلتها.
-3الندب إلى الخذ بالمتيسر وكراهة 1التشدد في المور.
-4بيان فائدة الستثناء بقول :إن شاء ال ،إذ لو لم يقل اليهود :إن شاء 2ال لمهتدون ما كانوا
ليهتدوا إلى معرفة البقرة المطلوبة.
-5ينبغي تحاشي الكلمات التي قد يفهم منها انتقاص النبياء مثل قولهم :الن جئت بالحق ،إذ
مفهومه أنه ما جاءهم بالحق إل في هذه المرة من عدة مرات سبقت!!.
ضهَا كَذَِلكَ يُحْيِي
{وَإِذْ قَتَلْ ُتمْ َنفْسا فَادّا َرأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ ُمخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ َتكْ ُتمُونَ(َ )72فقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِ َب ْع ِ
حجَا َرةِ َأوَْ 4أشَدّ
ستْ قُلُو ُبكُمْ مِنْ َبعْدِ ذَِلكَ َف ِهيَ كَالْ ِ
3اللّهُ ا ْل َموْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ َلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ( )73ثُمّ َق َ
شقّقُ فَ َيخْرُجُ مِنْهُ ا ْلمَاءُ وَإِنّ
س َوةً 5وَإِنّ مِنَ ا ْلحِجَا َرةِ َلمَا يَ َتفَجّرُ مِنْ ُه الَ ْنهَا ُر وَإِنّ مِ ْنهَا َلمَا يَ ّ
قَ ْ
__________
1وشاهده من السنة قوله صلى ال عليه وسلم في الصحيحين" :يسروا ول تعسروا ،بشروا ول
تنفروا" ،وقوله صلى ال عليه وسلم لصحابه " :إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" .رواه
الترمذي.
2يشهد لصحة هذا أن نبي ال سليمان لما لم يتثن لم تلد له امرأة من المائة إل واحدة ،وجاءت به
نصف ولد ،وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :لو استثنى لكان دركا لحاجته " ،كما في
البخاري.
3لما كانت عقيدة البعث والجزاء ذات تأثير كبير في إصلح النسان خلقا وسلوكا ذكرها تعالى
في أثناء سياق القصة مع أن اليهود مؤمنون بالبعث الخر.
4أو :بمعنى الواو وليست لشك ،وقد تكون بمعنى بل ،وشاهد الول :قول الشاعر:
أتى الخلفة أو كانت له قدرا
بمعنى وكانت وشاهد الثاني{ :وَأَ ْرسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَ ْلفٍ َأوْ يَزِيدُونَ} .الية :أي :بل يزيدون
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لستحالة الشك على ال تعالى.
5القسوة في عرف اللغة :اليبس والصلبة ،ووصفت قلوب اليهود بذلك؛ لنها خالية من اللطف
والرحمة.
( )1/70
عمّا َت ْعمَلُونَ(})74
مِ ْنهَا َلمَا َيهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّ ِه َومَا اللّهُ ِبغَا ِفلٍ َ
شرح الكلمات:
{ َنفْسا} :نفس الرجل الذي قتله وارثه استعجالً للرث.
{فَادّارَأْتُمْ فِيهَا} :تدافعتم أمر قتلها كل قبيل يقول قتلها القبيل الخر.
{مَا كُنْتُمْ َتكْ ُتمُونَ} :من أمر القاتل سترا عليه دفعا للعقوبة والفضيحة.
ضهَا} :ببعض أجزاء البقرة كلسانها أو رجلها مثلً.
{بِ َب ْع ِ
معنى اليات:
يقول تعالى لليهود موبخا لهم اذكروا إذ قتل أحد أسلفكم قريبه ليرثه ،فاختصم في شأن القتل كل
جماعة تنفي أن يكون القاتل منها ،والحال أن ال تعالى مظهر ما تكتمونه ل محالة إحقاقا للحق
وفضيحة للقاتلين ،فأمركم أن تضربوا القتيل ببعض أجزاء البقرة ،فيحيا ويخبر عن قاتله ففعلتم
وأحيا ال القتيل وأخبر بقاتله 1فقتل به ،فأراكم ال تعالى بهذه القصة آية من آياته الدالة على
حلمه وعلمه وقدرته ،وكان المفروض أن تعقلوا عن ال آياته فتكملوا في إيمانكم وأخلقكم
وطاعتكم ،ولكن بدل هذا قست قلوبكم وتحجرت وأصبحت أشد قساوة من الحجارة فهي ل ترق
ول تلين ول تخشع على عكس الحجارة ،إذ منها ما تتفجر منه العيون ،ومنها ما يلين فيهبط من
خشية ال؛ كما اندك جبل الطور لما تجلى له الرب تعالى ،وكما أضطرب أحد تحت قدمي رسول
ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه .ثم توعدكم الرب تعالى بأنه ليس بغافل عما تعملون من
الذنوب والثام ،وسيجزيكم به جزاء عادلً إن لم تتوبوا إليه وتنيبوا.
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1صدق نبوة الرسول محمد صلى ال عليه وسلم وتقريرها أمام اليهود ،إذ يخبرهم بأمور جرت
لسلفهم لم
__________
1في هذه الية شاهد لمالك في أن الجريح إذا أخبر عن جرحه .ومات آن إخباره يعد لوثا
وتجري في الحادث القسامة ،وخالفه الجمهور وقالوا :إخبار القتيل ل يكفي في وجود اللوث
المقتضي للقسامة ،ولرأي مالك شاهد من السنة ،وهي الجارية التي رض رأسها كما في البخاري.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/71
( )1/72
الرسول صلى ال عليه وسلم في التوراة :أكحل العينين ربعة ،جعد الشعر ،حسن الوجه ،قالوا:
طويل أزرق العينين ،سبط الشعر.
{وَإِذَا َلقُوا الّذِينَ آمَنُوا} :إذا لقي منافقوا اليهود المؤمنين قالوا :آمنا بنبيكم ودينكم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{أَ ُتحَدّثُو َنهُمْ} :الهمزة :للستفهام النكاري ،وتحديثهم إخبار المؤمنين بنعوت النبي في التوراة.
{ ِبمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَ ْيكُمْ} :إذا خل منافقوا اليهود برؤسائهم أنكروا عليهم إخبارهم المؤمنين بنعوت
النبي صلى ال عليه وسلم في التوراة ،وهو مما فتح 1ال به عليهم ولم يعلمه غيرهم.
{لِ ُيحَاجّوكُمْ ِبهِ} :يقولون لهم ل تخبروا المؤمنين بما خصكم ال به من العلم حتى ل يحتجوا عليكم
به ،فيغلبوكم وتقوم الحجة عليكم فيعذبكم ال .2
{ُأمّيّونَ} :المي :المنسوب إلى أمة كأنه ما زال في حجر أمه لم يفارقه ،فلذا هو لم يتعلم الكتابة
والقراءة .3
{َأمَا ِنيّ} :الماني :جمع أمنية وهي إما ما يتمناه المرء في نفسه من شيء يريد الحصول عليه،
وإما القراءة من تمنى الكتاب إذا قرأه .4
معنى اليات:
ينكر تعالى على المؤمنين طمعهم في إيمان اليهود لهم بنبيهم ودينهم ،ويذكر وجه استبعاده بما
عرف به اليهود سلفا وخلفا من الغش والحتيال بتحريف الكلم وتبديله ،تعمية وتضليلً حتى ل
يُهتدى إلى وجه الحق فيه ،ومن كان هذا حاله يبعد جدا تخلصه من النفاق والكذب وكتمان الحق
{وَإِذَا َلقُوا الّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنّا} وهم كاذبون وإذا خل بعضهم ببعض أنكروا
__________
1من الجائز أن يكون معنى بما فتح ال به عليهم ،أي :قضى وحكم من إنزال المصائب بهم
والكوارث باسلفهم وهي كثيرة؛ لن فتح تكون بمعنى حكم ومنه قوله تعالى{ :رَبّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا
وَبَيْنَ َقوْمِنَا بِا ْلحَق} أي :أحكم.
2هذا الكلم جارٍ على عقيدة اليهود في تشبيههم الرب تعالى بحكام البشر في رواج الحيل عليه،
وإمكان مغالطته وإنه تعالى يوجد الشيء ثم يندم ويأسف كما هو صريح في التوراة فلذا أنكروا
على بعضهم إخبار المؤمنين بصدق النبوة المحمدية مخافة أن يحتجوا عليهم يوم القيامة بذلك.
3وجائز أن يكون منسوبا إلى المة فيكون بمعنى العامي المنسوب إلى العامة.
4وشاهده قول الشاعر في عثمان رضي ال عنه:
تمنى كتاب ال أول ليلة ...وآخره لقى حمام المقادر
أي :قرأ القرآن في أول الليل الذي قتل فيه رضي ال عنه.
( )1/73
على أنفسهم ما فاه به بعضهم للمسلمين من صدق نبوة الرسول وصحة دينه ،متعللين بأن مثل هذا
العتراف يؤدي إلى احتجاج المسلمين به عليهم وغلبهم في الحجة ،وسبحان ال كيف فسد ذوق
القوم وساء فهمهم حتى ظنوا أن ما يخفونه يمكن إخفاؤه على ال ،قال تعالى في التنديد بهذا
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ن َومَا ُيعْلِنُونَ} ؟.
الموقف الشائنَ{ :أوَ ل َيعَْلمُونَ أَنّ اللّهَ َيعَْلمُ مَا يُسِرّو َ
ومن جهل بعضهم بما في التوراة وعدم العلم بما فيها من الحق والهدى والنور ما دل عليه قوله
تعالىَ { :ومِ ْنهُمْ ُأمّيّونَ ل َيعَْلمُونَ ا ْلكِتَابَ إِل َأمَا ِنيّ} إل مجرد قراءة فقط ،أما إدراك المعاني
الموجبة لمعرفة الحق واليمان به واتباعه فليس لهم فيها نصيب ،وما يقولونه ويتفوهون به لم َي ْعدُ
الحرص والظن الكاذب.
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1أن أبعد الناس عن قبول الحق والذعان له اليهود.
-2قبح إنكار الحق بعد معرفته.
-3قبح الجهل بال وبصفاته العل وأسمائه الحسنى.
-4ما كل من يقرأ الكتاب يفهم معانيه فضلً عن معرفة حكمه وأسراره وواقع أكثر المسلمين
اليوم شاهد على هذا فإن حفظة القرآن منهم من ل يعرفون معانيه فضلً عن غير الحافظين له.
{ َفوَ ْيلٌ 1لِلّذِينَ َيكْتُبُونَ ا ْلكِتَابَ بِأَ ْيدِيهِمُْ 2ثمّ َيقُولُونَ َهذَا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِ َيشْتَرُوا بِهِ َثمَنا قَلِيلً َفوَ ْيلٌ َلهُمْ
ِممّا كَتَ َبتْ أَ ْيدِيهِ ْم َووَ ْيلٌ َل ُهمْ ِممّا َيكْسِبُونَ(َ )79وقَالُوا لَنْ َتمَسّنَا النّارُ إِل أَيّاما َمعْدُو َدةً ُقلْ
__________
1في قوله تعالىَ { :فوَ ْيلٌ َلهُمْ} إلخ .بيان سبب عذابهم وهو كذبهم على ال بكتابة شيء ،ونسبته
إلى ال تعالى كما هو أكلهم الحرام الذي كسبوه بالكتابة الباطلة.
2قوله :بأيديهم .هو نحو نظرته بعيني ،وقلته بلساني ،تأكيد ل غير.
( )1/74
سبَ
علَى اللّهِ مَا ل َتعَْلمُونَ( )80بَلَى مَنْ كَ َ
ع ْه َدهُ أَمْ َتقُولُونَ َ
عهْدا فَلَنْ ُيخِْلفَ اللّهُ َ
خذْتُمْ عِ ْندَ اللّهِ َ
أَتّ َ
خطِيئَتُهُ فَأُولَ ِئكَ َأصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(})81
طتْ بِهِ َ
سَيّئَةً وَأَحَا َ
شرح الكلمات:
ويل :الويل :1كلمة تقال لمن وقع في هلكة أو عذاب.
{ا ْلكِتَابَ} :ما يكتبه علماء اليهود من أباطيل وينسبونه إلى ال تعالى ليتوصلوا به إلى أغراض
دنية من متاع الدنيا القليل.
{مِنْ عِ ْندِ اللّهِ} :ينسبون ما كتبوه بأيديهم إلى التوراة بوصفها 2كتاب ال ووحيه إلى موسى عليه
السلم.
{ َيكْسِبُونَ} :الكسب يكون في الخير ،وهو هنا في الشر فيكون من باب التهكم بهم.
{أَيّاما َمعْدُو َدةً} :أربعين 3يوما وهذا من كذبهم وتضليلهم للعوام منهم ليصرفوهم عن السلم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عهْدا} :الهمزة للستفهام النكاري ،والعهد :الوعد المؤكد.
{أَتّخَذْ ُتمْ عِنْدَ اللّهِ َ
{سَيّ َئةً} :هذه سيئة الكفر والكذب على ال تعالى.
طتْ ِ 4بهِ} :الحاطة بالشيء :اللتفاف به والدوران عليه.
{وَأَحَا َ
__________
1الويل :مصدر أمات ،العرب فعله ،ومؤنثه :الويلة ،والجمع :الويلت ،وإعرابه :إن أفرد ولم
يضف الرفع بالبتداء وخبره المجرور بحرف الجر ،وإن أضيف إلى ضمير نصب نحو :ويلك ل
تفعل كذا ،وإن أضيف إلى ظاهر رفع البتداء ،نحو :ويل أمه .مسعر حرب الحديث.
2من المعلوم إن التوراة قد أخذت من اليهود في حملة بختنصر ،وفي حملة القائد الروماني ،ولذا
ضاع أكثرها وزيد فيها ونقص بحيث ما أصبحت صالحة لهداية البشرية ،ومن هنا أصبح
علماؤهم يكتبون الكلمات وينسبونها إلى التوراة التي هي كتاب ال في الصل ،ويزعمون أن ما
كتبوه هو من كتاب ال.
3ذكر ابن كثير في سبب نزول قوله تعالىَ { :وقَالُوا لَنْ َت َمسّنَا النّارُ إِل أَيّاما} أن عكرمة قال:
"خاصمت اليهود رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا :لن ندخل النار إل أربعين ليلة ،وسيخلفنا
فيها آخرون ،يعنون محمدا وأصحابه ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم بيده على رؤسهم" :بل
أنتم خالدون مخلدون ل يخلفنكم فيها أحد" فأنزل ال عز وجلَ { :وقَالُوا لَنْ َتمَسّنَا النّارُ }...الية.
4بين هذا رسول ال صلى ال عليه وسلم بقوله :في رواية أحمد ،فقال" :إياكم ومحقرات الذنوب
فإنهن يجتمعن على الرجل" .
( )1/75
( )1/76
عمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولَ ِئكَ َأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ ُهمْ فِيهَا خَاِلدُونَ ( )82وَإِذْ َأخَذْنَا مِيثَاقَ
{وَالّذِينَ 1آمَنُوا وَ َ
ن َوقُولُوا
بَنِي إِسْرائيلَ ل َتعْبُدُونَ 2إِل اللّ َه وَبِا ْلوَالِدَيْن ِ ِ 3إحْسَانا وَذِي 4ا ْلقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِي ِ
خذْنَا
لِلنّاسِ حُسْنا وََأقِيمُوا الصّلةَ وَآتُوا ال ّزكَاةَ ثُمّ َتوَلّيْتُمْ إِل قَلِيلً 5مِ ْنكُ ْم وَأَنْتُمْ ُمعْ ِرضُونَ( )83وَإِذْ أَ َ
ش َهدُونَ(ُ )84ثمّ أَنْتُمْ6
س ُكمْ مِنْ دِيَا ِركُمْ ثُمّ َأقْرَرْ ُت ْم وَأَنْتُمْ تَ ْ
س ِفكُونَ ِدمَا َءكُ ْم وَل تُخْ ِرجُونَ أَ ْنفُ َ
مِيثَا َقكُمْ ل تَ ْ
ن وَإِنْ
سكُ ْم وَ ُتخْرِجُونَ فَرِيقا مِ ْنكُمْ مِنْ دِيَارِ ِهمْ َتظَاهَرُونَ عَلَ ْيهِمْ بِالِثْ ِم وَا ْلعُ ْدوَا ِ
َهؤُلءِ َتقْتُلُونَ أَ ْنفُ َ
جهُمْ َأفَ ُت ْؤمِنُونَ بِ َب ْعضِ ا ْلكِتَابِ وَ َت ْكفُرُونَ بِ َب ْعضٍ َفمَا
يَأْتُوكُمْ أُسَارَى ُتفَادُوهُمْ وَ ُهوَ ُمحَرّمٌ عَلَ ْي ُكمْ إِخْرَا ُ
جَزَاءُ مَنْ َي ْفعَلُ ذَِلكَ مِ ْن ُكمْ إِل خِ ْزيٌ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ يُ َردّونَ ِإلَى َأشَدّ ا ْل َعذَابِ
__________
1قوله تعالى{ :وَالّذِينَ آمَنُوا }...إلخ .بعد ذكر النار وأهلها من باب ذكر الترغيب بعد الترهيب
كما في سنة القرآن الكريم.
2قوله{ :ل َتعْبُدُونَ }..إلخ .تفسير لمضمون الميثاق .والجملة خبرية لفظا ،إنشائية معنى ،إذ هي
في معنى اعبدوا ال وحده ،وأحسنوا بالوالدين .وقولوا للناس حسنا .إلخ.
3الوالدان :الم ،والب .يقال :للم ،والد ،ووالدة .فلذا ثنى على الوالدين ،أو هو من باب
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
التغليب؛ كالعمرين في أبي بكر وعمر رضي ال عنهما.
4ذي :بمعنى صاحب.
5فيه إنصاف واحتراز حيث استثنى من لم يتل عما التزم به من بنود العهد ،وإن كان قليلً.
6أعرب( :أنتم) خبر مقدم ،وهؤلء مبتدأ مؤخر ،وتقتلون :حال .وأعرب أيضا( :أنتم) مبتدأ،
وهؤلء منادى ،والخبر ،تقتلون :أي :ثم أنتم يا هؤلء تقتلون .وفيه معنى التعجب من حالهم
والنكار عليهم.
( )1/77
خ ّففُ عَ ْن ُهمُ
عمّا َت ْعمَلُونَ( )85أُولَ ِئكَ الّذِينَ اشْتَ َروُا 1ا ْلحَيَاةَ الدّنْيَا بِالخِ َرةِ فَل يُ َ
َومَا اللّهُ ِبغَا ِفلٍ َ
ب وَل هُمْ يُ ْنصَرُون(})86
ا ْلعَذَا ُ
شرح الكلمات:
الميثاق :العهد 2المؤكد باليمين.
حسنا :حسن القول :المر بالمعروف والنهي عن المنكر والمخاطبة باللين ،والكلم الطيب الخالي
من البذاءة والفحش.
توليتم :رجعتم عما التزمتم به مصممين على أن ل تتوبوا.
سفك الدماء : 3إراقتها وصبها بالقتل والجراحات.
تظاهرون :قرئ تظّاهرون ،وتظاهرون بتاء واحدة ومعناه تتعاونون.
بالثم والعدوان :الثم :الضار الموجب للعقوبة ،والعدوان الظلم.
أسارى :جمع أسير :من أخذ في الحرب.
الخزي :الذل والمهانة.
معنى اليات:
ما زال السياق الكريم في تذكير اليهود 4بما كان لسلفهم من خير وغيره والمراد هدايتهم لو
كانوا يهتدون ،فقد ذكرهم في الية( )83بما أخذ ال تعالى عليهم في التوراة من عهود ومواثيق
على أن يعبدوا ال وحده ول يشركوا في عبادته سواه .وأن يحسنوا للوالدين ولذي
__________
1أي :باعوا آخرتهم بدنياهم فخسروا خسرانا عظيما بحقارة الدنيا ،وعظم الخرة ،والشتراء في
الية بمعنى :الستبدال ،استبدلوا الخرة فلم يعملوا لها بالدنيا حيث قصروا أعمالهم على
تحصيلها.
2هذا الميثاق تضمنه الوصايا العشر المنزلة على موسى عليه السلم ،أو على القل بعضه
والبعض الخر تضمنه ما أخذ عليهم عند رفع الطور عليهم لما رفضوا اللتزام بما في التوراة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سكُمْ} ليس معناه أن أحدهم يقتل
س ِفكُونَ ِدمَا َء ُكمْ} ،وقولهَ { :تقْتُلُونَ أَ ْنفُ َ
3قوله تعالى في اليةَ { :ت ْ
نفسه ويسفك :أي يسيل دمه ،وإنما ل يسفك بعضكم دم بعض ،ول يقتل بعضكم بعضا؛ لنكم أمة
واحدة.
4هم يهود المدينة ،وهم ثلث طوائف :بنو قينقاع ،وبنو النضير ،وقريظة.
( )1/78
القربى واليتامى والمساكين وأن يقولوا للناس الحسن من القول ويقيموا الصلة ويؤتوا الزكاة،
وندد بصنيعهم حيث نقض هذا العهد والميثاق أكثرهم ولم يفوا به وفي الية الثانية( )84ذكرهم
بميثاق خاص أخذه عليهم في التوراة أيضا وهو السرائيلي ل يقتل السرائيلي ول يخرجه من
داره بغيا وعدوانا عليه ،وإذا وقع في السر وجب فكاكه بكل وسيلة ول يجوز تركه أسيرا بحال،
أخذ عليهم بهذا ميثاقا غليظا وأقروا به وشهدوا عليه وفي الية الثالثة( )85وبخهم على عدم
وفائهم بما التزموا به حيث صار اليهودي يقتل 1اليهودي ويخرجه من داره بغيا وعدوانا عليه.
وفي نفس الوقت إن أتاهم يهودي أسيرا 2فَدوه بالغالي والرخيص ،فندد ال تعالى بصنيعهم هذا
الذي هو إهمال واجب وقيام بآخر تبعا لهوائهم فكانوا كمن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض،
ومن هنا توعدهم بخزي الدنيا وعذاب الخرة .وفي الية الرابعة( )86أخبر أنهم بصنيعهم ذلك
اشتروا الحياة الدنيا بالخرة فكان جزاؤهم عذاب الخرة حيث ل يخفف عنهم ول ينصرون فيه
بدفعه عنهم.
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1مشروعية تذكير الناس ووعظهم بما يكون سببا لهدايتهم.
-2وجوب عبادة ال وتوحيده فيها.
-3وجوب الحسان إلى الوالدين ولذوي القربى واليتامى 3والمساكين.
-4وجوب معاملة الناس بحسن 4الدب.
__________
1حصل لهم هذا بالمدينة النبوية وذلك أن سكان المدينة كانوا يتألفون من قبيلتين :الوس،
والخزرج ،وقبائل اليهود الثلث ،وكانت تندلع الحروب بينهم لتفه السباب ،وكانوا بنو قينقاع
وبنو النضير حلفا للخزرج ،وبنو قريظة حلفا للوس ،فإذا اندلعت الحرب بين الوس والخزرج
قاتل اليهود مع حلفاؤهم ،وبذلك يقتل اليهودي أخاه ويسفك دمه وإذا انتهت الحرب فادوا أسراهم
طاعة ل تعالى إذا أوجب ذلك عليهم.
2السر :مأخوذ من السار وهو :القد الذي يشد به المحمل فيسمى أخيذ الحرب :أسيرا ،لنه يشد
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وثاقه ،وجمع :أسرى ،وأسارى؛ كسكرى ،وسكارى ،ثم سمي كل أخيه في الحرب :أسيرا.
3روى مسلم عن أبي هريرة رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :كافل التيم له أو
لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة" وأشار الراوي بالسبابة والوسطى .أي :من أصابعه كما روي
أيضا عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :الساعي على الرملة والمسكين
كالمجاهد في سبيل ال" .
4بأن يكون اللفظ طيبا والوجه منبسطًا.
( )1/79
-5تعرض أمة السلم لخزي الدنيا وعذاب الخرة بتطبيقها بعض أحكام الشريعة وإهمالها
البعض الخر.
-6كفر من يتخير أحكام الشرع فيعمل ما يوافق مصالحه وهواه ،ويعمل ما ل يوافق.
-7كفر من ل يقيم دين ال إعراضا عنه ودعم مبالة به.
ت وَأَيّدْنَاهُ بِرُوحِ
ل وَآتَيْنَا عِيسَى 1ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيّنَا ِ
سِب َو َقفّيْنَا مِنْ َبعْ ِدهِ بِالرّ ُ
{وََلقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَا َ
س ُكمُ اسْ َتكْبَرْتُمْ فَفَرِيقا كَذّبْتُ ْم َوفَرِيقا َتقْتُلُونَ()87
ا ْلقُدُسِ َأ َفكُّلمَا 2جَا َءكُمْ رَسُولٌ ِبمَا ل َت ْهوَى 3أَ ْنفُ ُ
َوقَالُوا قُلُوبُنَا غُ ْلفٌ َبلْ َلعَ َنهُمُ اللّهُ ِب ُكفْرِهِمْ َفقَلِيلً مَا ُي ْؤمِنُونَ( )88وََلمّا جَا َءهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ
ُمصَدّقٌ ِلمَا َم َعهُمْ َوكَانُوا مِنْ قَ ْبلُ يَسْ َتفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ َكفَرُوا فََلمّا جَاءَهُمْ مَا عَ َرفُوا َكفَرُوا ِبهِ فََلعْنَةُ
سهُمْ أَنْ َي ْكفُرُوا ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ َبغْيا أَنْ يُنَ ّزلَ اللّهُ مِنْ
سمَا اشْتَ َروْا بِهِ أَ ْنفُ َ
علَى ا ْلكَافِرِينَ( )89بِ ْئ َ
اللّهِ َ
ب وَلِ ْلكَافِرِينَ عَذَابٌ ُمهِينٌ(})90
غضَ ٍ
ضبٍ عَلَى َ
َفضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَا ِدهِ فَبَاءُوا ِب َغ َ
__________
1عيسى :معرب يسوع ،أو يشوع؛ لن عيسى أخف منهما.
2قوله تعالىَ{ :أ َفكُّلمَا جَا َء ُكمْ} .إلخ .إيحاء باللوم والعتاب بل هو تقريع وتوبيخ لليهود على
تمردهم على رسلهم بتكذيب البعض وقتل البعض اتباعا لهوائهم وأغراضهم الدنية.
3تهوى :مضارع هوى بكسر الواو ،إذا أحب ،ومنه حديث البخاري :وال ما أرى ربك إل
يسارع في هواك أي حبك والقائلة عائشة رضي ال عنه .ويجمع الهوى على أهواء.
( )1/80
شرح الكلمات:
{مُوسَى} :موسى بن عمران نبي مرسل إلى بني إسرائيل.
{ا ْلكِتَابَ} :التوراة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{ َو َقفّيْنَا} :أرسلناهم ي ْقفُو بعضهم بعضا أي واحدا بعد واحد.
سلِ} :جمع رسول :ذكر من بني آدم أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه.
{بِالرّ ُ
{الْبَيّنَاتِ} :المعجزات وآيات ال في النجيل.
{بِرُوحِ 1ا ْلقُدُسِ} :جبريل عليه السلم.
{غُ ْلفٌ} :عليها غلف يمنعها من الفهم لما تدعونا إليه ،أو هي أوعية للعلم فل نحتاج معها إلى أن
نتعلم عنك.
{كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ} :القرآن الكريم.
{يَسْ َتفْتِحُونَ : }2يطلبون الفتح أي النصر.
سمَا} :بئس كلمة ذم ،ضدها نِعمَ فإنها للمدح.
{بِئْ َ
{بغيا : }3حسدا وظلما.
ضبٍ : }4رجعوا والغضب ضد الرضا ،ومن غضب ال عليه أبعده ومن رضي ال
{فَبَاءُوا ِب َغ َ
عنه قربه وأدناه.
{ ُمهِينٌ} :عذاب فيه إهانة وصغار وذل للمعذب به.
معنى اليات:
ما زال السياق الكريم في ذكر إنعام ال تعالى على بني إسرائيل ،وذكر معايبهم وبيان مثالبهم،
لعل ذكر النعام يحملهم على الشكر فيؤمنوا ،وذكر المعايب يحملهم على الصلح والتوبة فيتوبوا
ويصلحوا ،ففي الية ( )87يذكر تعالى منته بإعطاء موسى التوراة وإرسال
__________
1الروح :جوهر نوراني لطيف ل يدرك بالحواس فيطلق على نفس النسان دون أنفس
الحيوانات ،ويطلق على جبريل عليه السلم وعلى ملك عظيم من الملئكة ،والقدس مصدر أو اسم
مصدر بمعنى :النزاهة ،والطهارة ،والمقدس :معناه المطهر المنزه عما ل يليق به.
2وذلك بإيمانهم واتباعهم للنبي المنتظر .أل إنهم لما جاءهم كفروا به ،وهذه طبيعتهم كما قيل:
شنشنه أعرفها من أخزم.
3مفعول لجله علة لكفرهم.
4هل تعدد الغضب لتعدد كفرهم بما أمروا باليمان به ،إذ كفروا بعيسى فباؤا بغضب وكفروا
بمحمد صلى ال عليه وسلم فباؤا بغضب آخر ،أو هو شدة الحال عليهم لكثرة كفرهم وفسقهم؟.
( )1/81
الرسل بعده بعضهم على أثر بعض ،وبإعطاء عيسى البينات وتأييده بروح القدس جبريل عليه
السلم ومع هذا فإنهم لم يستقيموا بل كانوا يقتلون النبياء ويكذبونهم ،فوبخهم ال تعالى على ذلك
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سكُمُ اسْ َتكْبَرْتُمْ َففَرِيقا كَذّبْتُمْ َوفَرِيقا َتقْتُلُونَ} .وفي
بقولهَ { :أ َفكُّلمَا جَا َءكُمَْ 1رسُولٌ ِبمَا ل َت ْهوَى أَ ْنفُ ُ
الية الثانية( )88يذكر تعالى تبجحهم بالعلم واستغناءهم به ،ويبطل دعواهم وثبت علة ذلك وهي:
أن ال لعنهم بكفرهم ،فلذا هم ل يؤمنون ،وفي الية الثالثة( )89يذكر تعالى كفرهم بالقرآن ونبيه
بعد أن كانوا قبل بعثة النبي صلى ال عليه وسلم يقولون للعرب إن نبيا قد أظل زمانه وسوف
نؤمن به ونقاتلكم معه وننتصر 2عليكم ،فما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة ال 3عليهم؛ لنهم
كافرون .وفي الية الرابعة( )89يقبح ال تعالى سلوكهم حيث باعوا أنفسهم رخيصة ،باعوها
بالكفر فلم يؤمنوا بالقرآن ونبيه حسدا 4أن يكون في العرب نبي يوحى إليه ،ورسول يطاع ويتبع،
فرجعوا من طول رحلتهم في الضلل بغضب عظيم سببه كفرهم بعيسى ،وبغضب عظيم سببه
كفرهم بمحمد صلى ال عليه وسلم ومع الغضب العذاب المهين في الدنيا والخرة.
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1واجب النعمة الشكر ،وواجب الذنب التوبة.
-2قبح رد الحق لعدم موافقته لهوى النفس
-3فظاعة جريمة القتل والتكذيب بالحق.
-4سوء عاقبة التبجح بالعلم وإدعاء عدم الحاجة إلى المزيد منه.
-5ذم الحسد وأنه أخو البغي وعاقبتهما الحرمان والخراب.
-6شر ما يخاف منه سوء الخاتمة والعياذ بال.
__________
1الجمهور من النحاة :على أن همزة الستفهام فيَ{ :أ َفكُّلمَا جَا َءكُمْ} ونحوها مقدمة من تأخير إذ
موقعها بعد الفاء العاطفة ،ولما كان حرف الستفهام وخاصة الهمزة له الصدارة ،قدمت الهمزة
على الفاء العاطفة فقالَ{ :أ َفكُّلمَا} وخلف الجمهور يرى أن الهمزة داخلة على محذوف يقدر
بحسب المقام.
2هذا معنى قوله تعالىَ { :وكَانُوا مِنْ قَ ْبلُ يَسْ َتفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ َكفَرُوا فََلمّا جَاءَ ُهمْ مَا عَ َرفُوا كَفَرُوا
بِه} .
3لم يقل ال تعالى :فلعنة ال عليهم ،وإنما قال{ :فلعنة ال على الكافرين} إشارة إلى سبب اللعنة،
وهو الكفر ل الجنس ،أو العرق ،وليعم كل كافر أيضا.
4سمي الحسد :بغيا وظلما؛ لن البغي والظلم بمعنى ،والظلم وضع الشيء في غير موضعه،
والحاسد متمني زوال النعمة عن المحسود وهو في هذا الحال ظالم متعد؛ لنه ل يناله من زوالها
نفع ول من بقاءها ضرر.
( )1/82
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حقّ
{وَإِذَا قِيلَ َل ُهمْ آمِنُوا ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ قَالُوا ُن ْؤمِنُ ِبمَا أُنْ ِزلَ عَلَيْنَا وَ َي ْكفُرُونَ ِبمَا وَرَا َءهُ 1وَ ُهوَ الْ َ
ُمصَدّقاِ 2لمَا َم َعهُمْ ُقلْ فَِلمَ َتقْتُلُونَ 3أَنْبِيَاءَ اللّهِ مِنْ قَ ْبلُ إِنْ كُنْتُمْ ُمؤْمِنِينَ( )91وََلقَدْ جَا َء ُكمْ مُوسَى
جلَ مِنْ َبعْ ِد ِه وَأَنْ ُتمْ ظَاِلمُونَ( )92وَإِذْ َأخَذْنَا مِيثَا َقكُ ْم وَ َر َفعْنَا َف ْو َقكُمُ الطّورَ خُذُوا
بِالْبَيّنَاتِ ثُمّ اتّخَذْ ُتمُ ا ْلعِ ْ
سمَا
جلَ ِب ُكفْرِهِمْ ُقلْ بِئْ َ
عصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُو ِبهِمُ ا ْلعِ ْ
س ِمعْنَا وَ َ
س َمعُوا 5قَالُوا َ
مَا آتَيْنَاكُمِْ 4ب ُقوّ ٍة وَا ْ
يَ ْأمُ ُركُمْ بِهِ إِيمَا ُنكُمْ إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ(})93
شرح الكلمات:
{ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ} :من القرآن.
{ ِبمَا أُنْ ِزلَ عَلَيْنَا} :التوراة.
{وَ ُهوَ ا ْلحَقّ ُمصَدّقا} :القرآن الكريم مقرر لصول الديان اللهية؛ كالتوحيد والنبوات والبعث
والجزاء في الدار الخرة.
البينات :المعجزات.
__________
1أي :بما سواه وهو القرآن الكريم دل عليه السياق.
صدّقا} حال مؤكدة ،ويصح أن تكون حال مؤسسة.
حقّ} حاليةُ { : ،م َ
2جملةَ { :و ُهوَ الْ َ
3التيان بالمضارع فيَ { :تقْتُلُونَ} مع أن القتل قد مضى لقصد استحضار الحالة الفظيعة كما في
إشارة إلى استعدادهم لفعل تلك الفعلة الشنيعة وهي قتل النبياء والعلماء.
4فإن قيل لقد سبق مثل هذا القصص ،فما الفائدة من إعادته هنا؟ الجواب :إنه ذكر فيه ما لم
س َمعُوا .}...إلخ.
يذكر هناك ،وهو قوله{ :وَا ْ
س َمعُوا }...ليس المراد بالسماع بالحاسة ،وإنما المراد الطاعة والمتثال؛ كقول المرء:
5قوله{ :وَا ْ
عصَيْنَا} ليس معناه
فلن ل يسمع كلمي ،فإن معناه ل يمتثل أمري ول يطيعني كما أن قوله{ :وَ َ
بلفظ عصينا وإنما معناه إنهم لم يمتثلوا المر الصادر إليهم.
( )1/83
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أن القرآن حق ،والدليل أنه مصدق لما معهم من حق في التوراة ،ثم أمر ال رسوله أن يبطل
دعواهم موبخا إياهم بقوله { :فَلِمَ َتقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللّهِ مِنْ قَ ْبلُ إِنْ كُنْ ُتمْ ُم ْؤمِنِينَ} إذ قتل النبياء يتنافى
مع اليمان تمام المنافاة.
وفي الية الثالثة( )93يذكر تعالى اليهود بما أخذه على أسلفهم من عهد وميثاق بالعمل بما جاء
في التوراة عندما رفع الطور فوق رؤوسهم تهديدا لهم غير أنهم لم يفوا بما عاهدوا عليه ،كأنهم
قالوا سمعنا وعصينا ،فعبدوا العجل وأشربوا حبه في قلوبهم بسبب كفرهم ثم أمر رسوله صلى ال
عليه وسلم أن يقبح ما ادعوه من أن إيمانهم هو الذي أمرهم بقتل النبياء وعبادة العجل ،والتمرد
والعصيان.
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1مشروعية توبيخ أهل الجرائم على جرائمهم إذا أظهروها.
-2جرأة اليهود على قتل النبياء والمصلحين من الناس.
-3وجوب أخذ أمور الشرع بالحزم والعزم والقوة.
-4اليمان بالحق ل يأمر صاحبه إل بالمعروف ،واليمان بالباطل المزيف يأمر صاحبه بالمنكر.
{ ُقلْ إِنْ كَا َنتْ َلكُمُ 1الدّارُ الخِ َرةُ عِنْدَ اللّهِ خَاِلصَةً مِنْ
__________
1هذه الية تحمل الرد على مزاعم أخرى لليهود وهي دعواهم إنهم أولياء ال وإن الجنة لهم دون
غيرهم ،ولذا فهم في غير حاجة إلى دين جديد كالسلم الذي جاء محمد صلى ال عليه وسلم
فأمر ال رسوله أن يباهلهم فطلب منهم أن يتمنوا الموت وسألوه فنكلوا ولم يباهلوا وظهر بذلك
كذبهم وتمت فضيحتهم.
( )1/84
دُونِ النّاسِ فَ َتمَ ّنوُا ا ْل َم ْوتَ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ( )94وَلَنْ يَ َتمَ ّن ْوهُ أَبَدا ِبمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِيهِ ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ
حدُهُمْ َلوْ ُي َعمّرُ أَ ْلفَ
بِالظّاِلمِينَ( )95وَلَ َتجِدَ ّنهُمْ َأحْ َرصَ النّاسِ عَلَى حَيَا ٍة َومِنَ الّذِينَ َأشْ َركُوا َيوَدّ أَ َ
سَنَةٍ َومَا ُهوَ ِبمُ َزحْزِحِهِ مِنَ ا ْلعَذَابِ أَنْ ُي َعمّ َر وَاللّهُ َبصِيرٌ ِبمَا َي ْعمَلُونَ(ُ )96قلْ مَنْ كَانَ 1عَ ُدوّا
ى وَبُشْرَى لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ( )97مَنْ كَانَ
لِجِبْرِيلَ فَإِنّهُ نَزّلَهُ عَلَى قَلْ ِبكَ بِإِذْنِ اللّهِ ُمصَدّقا ِلمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُد ً
ع ُدوّ لِ ْلكَافِرِينَ(})98
سلِ ِه وَجِبْرِيلََ 2ومِيكَالَ فَإِنّ اللّهَ َ
عَ ُدوّا لِلّ ِه َومَلئِكَتِ ِه وَرُ ُ
شرح الكلمات:
{الدّارُ الخِ َرةُ} :المراد منها نعيمها وما أعد ال تعالى فيها لوليائه.
{خَاِلصَةً} :خاصة ل يدخلها أحد سواكم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{فَ َتمَ ّنوُا ا ْل َم ْوتَ} :تمنوه في نفوسكم واطلبوه بألسنتكم ،فإن من كانت له الدار الخرة ل خير له في
بقائه في الدنيا.
{إِنْ كُنْ ُت ْم صَا ِدقِينَ} :أي في دعوى أن نعيم الخرة خاص بكم ل يشارككم فيه غيركم.
{حَيَاةٍ} :التنكير فيها لتعم كل حياة ولو كانت ذميمة.
{ َيوَدّ} :يحب.
__________
ع ُدوّا لِجِبْرِيلَ }...إلخ .أن اليهود قالوا للنبي صلى ال
1روى الترمذي في سبب نزول{ :مَنْ كَانَ َ
عليه وسلم :إنه ليس نبي من النبياء إل يأتيه ملك من الملئكة من عند ربه بالرسالة وبالوحي،
فمن صاحبك حتى نتابعك؟ قال جبريل" :قالوا :ذلك الذي ينزل بالحرب وبالقتال ذلك عدونا لو
قلت :ميكائيل الذي ينزل بالقطر والرحمة تابعناك ،فأنزل ال الية إلى قوله{ :لِ ْلكَافِرِينَ} .
2ذكر جبريل وميكائيل بعد ذكرهم في عموم الملئكة دليل على شرفهما وعلو مقامهما.
( )1/85
( )1/86
وفي الية الرابعة ( )97يأمر تعالى رسوله أن يرد على اليهود قولهم :لو كان الملك الذي يأتيك
بالوحي ميكائيل لمنا بك ،ولكن لما كان جبريل ،فجبريل عدونا؛ لنه ينزل بالعذاب ،بقوله{ :مَنْ
كَانَ عَ ُدوّا ِلجِبْرِيلَ} فليمت غيظا وحنقا ،فإن جبريل هو الذي ينزل بالقرآن بإذن ربه على قلب
رسوله مصدقا –القرآن -لما سبقه من الكتب وهدى يهتدى به وبشرى يبشر به المؤمنون
الصالحون.
وفي الية الخامسة ( )98يخبر تعالى أن من يعاديه عز وجل ويعادي أولياءه 1من الملئكة
والرسل وبخاصة جبريل فإنه كافر ،وال عدو له ولسائر الكافرين.
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1صحة السلم ،وبطلن اليهودية ،وذلك لفشل اليهود في المباهلة بتمني الموت.
-2المؤمن الصالح يفضل الموت على الحياة لما يرجوه من الراحة والسعادة بعد الموت.
-3صدق القرآن فيما أخبر به عن اليهود من حرصهم على الحياة ولو كانت رخيصة ذميمة ،إذ
هذا أمر مشاهد منهم إلى اليوم.
-4عداوة ال تعالى للكافرين .ولذا وجب على المؤمن معاداة أهل الكفر لمعاداتهم ل ،ومعاداة ال
تعالى لهم.
عهْدا نَبَ َذهُ فَرِيقٌ
سقُونََ )99(3أ َوكُّلمَا عَاهَدُوا َ
ت َومَا َيكْفُرُ ِبهَا إِل ا ْلفَا ِ
{وََلقَدْ 2أَنْ َزلْنَا إِلَ ْيكَ آيَاتٍ بَيّنَا ٍ
مِ ْنهُمْ َبلْ َأكْثَرُهُمْ
__________
1في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :يقول
ال تعالى :من عادى لي وليا فقد أذنته بالحرب".
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سقُون} نزل ردا على ابن
2ذكر الطبري أن قوله تعالى{ :وََلقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَ ْيكَ آيَاتٍ }...إلى قوله{ :ا ْلفَا ِ
صوريا اليهودي ،حيث قال للرسول صلى ال عليه وسلم :ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل عليك
من آية بينة فنتبعك بها.
3كابن صوريا ،وأضرابه ممن تعمدوا الخروج عن منهج الحق وهم يعلمون.
( )1/87
ل ُي ْؤمِنُونَ( )100وََلمّا جَاءَ ُهمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ُمصَدّقٌ ِلمَا َم َعهُمْ نَبَذَ 1فَرِيقٌ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا
ظهُورِهِمْ كَأَ ّنهُمْ ل َيعَْلمُونَ(})101
ا ْلكِتَابَ كِتَابَ اللّ ِه وَرَاءَ ُ
شرح الكلمات:
{آيَاتٍ بَيّنَاتٍ} :هي آيات القرآن الكريم الواضحة فيما تدل عليه من معان.
{ َي ْكفُرُ ِبهَا} :يجحد بكونها كتاب ال ووحيه إلى رسوله محمد صلى ال عليه وسلم.
سقُونَ} :الخارجون عما يجب أن يكونوا عليه من اليمان بال والسلم له ظاهرا وباطنا.
{ا ْلفَا ِ
{َأوَ كُّلمَا عَا َهدُوا} :الهمزة للستفهام النكاري ،والواو عاطفة على تقديره أكفروا بالقرآن ونبيه،
وكلما عاهدوا إلخ...
العهد :الوعد الملزم.
{نَ َبذَه} :طرحه وألقاه غير آبه به ول ملتفت إليه.
{رَسُولٌ} :التنكير للتعظيم ،والرسول هو محمد صلى ال عليه وسلم ،ومن قبله عيسى عليه السلم
{ِلمَا َم َعهُمْ} :من نعت الرسول صلى ال عليه وسلم وتقرير نبوته ،وسائر أصول الدين في
التوراة.
{كِتَابَ اللّهِ} :التوراة 2لدللتها على نبوة النبي محمد صلى ال عليه وسلم وصحة دينه السلم.
ظهُورِهِمْ} :أي أعرضوا عنه ولم يلتفتوا إليه لمنافاته لما هم معروفون عليه من الكفر
{وَرَاءَ ُ
بالنبي محمد صلى ال عليه وسلم؛ كأنهم ل يعلمون مع أنهم يعلمون حق العلم.
معنى اليات:
ما زال السياق الكريم في تقرير نبوة رسول ال صلى ال عليه وسلم وعموم رسالته والرد على
اليهود وإظهار
__________
1النبذ :الطرح واللقاء ،ولذا سمي اللقيط منبوذا ،وسمي النبيذ :نبيذا؛ لنه طرح التمر والزبيب
في الماء وعليه قول الشاعر:
نظرت إلى عنوانه فنبذته ...كنبذك نعلً من نعالك
يكون القرآن الكريم ،فقد نبذوه أيضا بعد علمهم؛ بأنه الحق مصدقا لما معهم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/88
ما هم عليه من الفسق والظلم في الية الولى( )99يرد تعالى على قول ابن صوريا اليهودي
ت َومَا َي ْكفُرُ ِبهَا إِل
للرسول صلى ال عليه وسلم ما جئتنا بشيء ،بقوله {:وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَ ْيكَ آيَاتٍ بَيّنَا ٍ
سقُونَ} ؛ كالعور بن صوريا اليهودي .وفي الية الثانية( )100ينكر الحق سبحانه وتعالى
ا ْلفَا ِ
على اليهود كفرهم ونبذهم للعهود والمواثيق وليسجل عليهم عدم إيمان أكثرهم بقولهَ { :بلْ َأكْثَرُهُمْ
ل ُي ْؤمِنُونَ} .وفي الية الثالثة( )101ينعي البارئ عز وجل على علماء اليهود نبذهم للتوراة لما
رأوا فيها من تقرير نبوة محمد صلى ال عليه وسلم وإثباتها فقال{ :وََلمّا جَاءَهُمْ َرسُولٌ مِنْ عِ ْندِ
ظهُورِ ِهمْ 2كَأَ ّنهُمْ ل
اللّهِ ُمصَدّقٌ ِلمَا َم َعهُمْ نَ َبذَ 1فَرِيقٌ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاءَ ُ
َيعَْلمُونَ}
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1الفسق العام ينتج الكفر ،إن العبد إذا فسق 3وواصل الفسق عن أوامر ال ورسوله سيؤدي به
ذلك إلى أن ينكر ما حرم ال وما أوجب فيكفر لذلك والعياذ بال.
-2اليهود ل يلتزمون بوعد ول يفون بعهد ،فيجب أن ل يوثق في عهودهم أبدا.
-3التوراة أحد كتب ال عز وجل المنزلة أنزلها على عبده ورسوله موسى بن عمران عليه
السلم.
-4قبح جريمة من تنكر للحق بعد معرفته ،ويصبح وكأنه جاهل به.
ن َومَا َكفَرَ
{وَاتّ َبعُوا 4مَا تَتْلُوا الشّيَاطِينُ عَلَى مُ ْلكِ سُلَ ْيمَا َ
__________
1قال السدي في تفسير هذه الية :لما جاءهم محمد صلى ال عليه وسلم ،عارضوه بالتوراة
فاتفقت التوراة والقرآن فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف ،وسحر هاروت وماروت فلم توافق
القرآن .فهذا معنى{ :وََلمّا جَاءَهُمْ. }...
2الظهور :جمع ظهر ويجمع على ظهران يقال لمن أعرض عن شيء :رماه وراء ظهره.
3الفسق :مشتق من فسقت الرطبة ،إذا خرجت من قشرتها ،وبه سميت الفأرة فويسقة لخروجها
من جحرها على أهل الدار.
4اشتهر بين علماء السلف أن ما تتلوه الشياطين على عهد ملك سليمان كان سببه :أن مردة من
الشياطين كتبوا كتابا ضمنوه الكثير من ضروب السحر والشعوذة والباطيل ونسبوه إلى كاتب
سليمان ،وهو :أصف ودفنوه تحت كرسي سليمان حين ابتلي بنزع ملكه ،ولما مات سليمان أخرج
الكتاب شياطين الجن بالتعاون مع شياطين النس ،وأعلنوا في الناس أن سليمان كان ساحرا ،وما
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
غلب الجن والنس إل بالسحر ،فصدقهم أناس وكذب آخرون ،ولما بعث محمد صلى ال عليه
وسلم وكفر به اليهود وتنكروا للتوراة لتفاقها مع القرآن أنزل ال تعالى قوله{ :وَاتّ َبعُوا مَا تَتْلُوا
الشّيَاطِينُ} فبرأ سليمان وكفر اليهود.
( )1/89
ن وََلكِنّ الشّيَاطِينَ َكفَرُوا ُيعَّلمُونَ النّاسَ السّحْرََ 1ومَا أُنْ ِزلَ 2عَلَى ا ْلمََلكَيْنِ بِبَا ِبلَ هَارُوتَ
سُلَ ْيمَا ُ
ت َومَا ُيعَّلمَانِ مِنْ َأحَدٍ حَتّى َيقُول إِ ّنمَا نَحْنُ فِتْ َنةٌ فَل َت ْكفُرْ فَيَ َتعَّلمُونَ مِ ْن ُهمَا مَا ُيفَ ّرقُونَ بِهِ بَيْنَ
َومَارُو َ
ا ْلمَرْ ِء وَ َزوْجِهِ َومَا ُهمْ ِبضَارّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِل بِِإذْنِ اللّ ِه وَيَ َتعَّلمُونَ مَا َيضُرّهُمْ وَل يَ ْن َف ُعهُ ْم وََلقَدْ
سهُمْ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ()102
ق وَلَبِئْسَ مَا شَ َروْا بِهِ أَ ْنفُ َ
عَِلمُوا َلمَنِ اشْتَرَاهُ مَا َلهُ فِي الخِ َرةِ مِنْ خَل ٍ
وََلوْ أَ ّن ُهمْ آمَنُوا وَا ّتقَوْا َلمَثُوبَةٌ مِنْ عِ ْندِ اللّهِ خَيْرٌ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ (})103
شرح الكلمات:
{مَا تَتْلُوا الشّيَاطِينُ} :الذي تتبعه وتقول به الشياطين من كلمات السحر.
{عَلَى مُ ْلكِ سُلَ ْيمَانَ} :على عهد سليمان ووقت حكمه.
{الشّيَاطِينَ} :جمع شيطان وهو من خبث وتمرد ولم يبق فيه قابلية للخير.
__________
1قيل :السحر مشتق من قولهم :سحرت الصبي ،إذا خدعته أو عللته بشيء ومنه قول الشاعر:
أرانا موضعين لمر غيب ...ونسحر بالطعام والشراب
يريد أن الناس مسرعون إلى الموت وهم مخدعون بالطعام وبالشراب.
ل بمعنى الوحي اللهي ولكن إلهاما لهما فبرع فيه وتفوق على غيرهما.
2لم يكن إنزا ً
( )1/90
{السّحْرَ : }1هو كل ما لطف مأخذه وخفي سببه مما له تأثير على أعين الناس أو نفوسهم أو
أبدانهم.
ت َومَارُوتَ} :ملكان وجدا للفتنة.
{هَارُو َ
{فَل َت ْكفُرْ} :ل تتعلم منا السحر لتضر به فتكفر بذلك.
{بَيْنَ ا ْلمَ ْر ِء وَ َزوْجِهِ} :بين الرجل وامرأته.
{اشْتَرَاهُ} :اشترى السحر بتعلمه والعمل به.
الخلق :النصيب 2والحظ.
{مَا شَ َروْا} :ما باعوا به أنفسهم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{َلمَثُوبَةٌ} :ثواب وجزاء.
معنى اليتين:
ما زال السياق الكريم في بيان ما عليه اليهود من الشر والفساد ،ففي الية الولى ( )102يخبر
تعالى :أن اليهود لما نبذوا التوراة لتقريرها بنبوة محمد صلى ال عليه وسلم وتأكيدها لصحة دينه
اتبعوا الباطيل والترهات التي جمعها شياطين النس والجن في صورة رُقى وعزائم وكانوا
يحدثون بها ،ويدّعون أنها من عهد سليمان بن داود عليهما السلم ،وأنها هي التي كان سليمان
ل ول نبيا وإنما كان ساحرا كافرا ،فلذا
يحكم بها النس والجن ،ولزم هذا أن سليمان لم يكن رسو ً
نفى ال تعالى عنه ذلك بقولهَ { :ومَا َكفَرَ سُلَ ْيمَانُ} وأثبته للشياطين فقالَ { :وَلكِنّ الشّيَاطِينَ َكفَرُوا
ُيعَّلمُونَ النّاسَ السّحْرَ} .كما يعلمونهم ما ألهمه الملكان هاروت وماروت 3ببابل العراق من
ضروب السحر وفنونه ،وهنا أخبرنا تعالى عن ملكي الفتنة أنهما يقولن لمن جاءهما يريد تعلم
السحر :إنما نحن فتنة فل تكفر بتعلمك السحر وهذا القول منهما يفهم منه
__________
1حصر بعضهم أصول السحر في ثلثة هي -1 :زجر النفوس بمقدمات توهيمية وإرهابية بما
اعتاده الساحر من التأثير النفساني في نفس المسحور الضعيف روحا المستعد لقبول التأثير ويشهد
س وَاسْتَرْهَبُو ُهمْ} -2 .استخدام مؤثرات من خصائص
لهذا قوله تعالى{ :سَحَرُوا أَعْيُنَ النّا ِ
الجسام من حيوان ومعادن؛ كالرئبق وسائر العقاقير المؤثرة ويشهد لهذا قوله تعالى { :إِ ّنمَا
صَ َنعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ} -3الشعوذة باستخدام خفايا الحركة والسرعة حين يخيل أن الجماد يتحرك.
سعَى} الية.
سحْرِهِمْ أَ ّنهَا تَ ْ
ويشهد لهذا قوله تعالى{ :يُخَ ّيلُ إِلَ ْيهِ مِنْ ِ
2الحظ والنصيب من الخير خاصة لقوله صلى ال عليه وسلم" :إنما يلبس هذا من لخلق له" .
3الملكان وهما :هاروت وماروت ذكرا قصتهما علماء السلف ورواها مثل :أحمد وعبد الرزاق
وابن أبي حاتم وابن جرير ،وخلق كثير ولم يصح فيها حديث عن النبي صلى ال عليه وسلم
ولكنها مروية عن ابن عمر ،وابن عباس وعلي رضي ال عنهم ،ولعلهم مروية عن كعب
الحبار ،وفي اليات عبارة وإشارة ول مانعا شرعا ول عقلً من هذه القصة ،ومفادها أن
الملئكة أنكروا على بني آدم =
( )1/91
بوضوح أن أقوال الساحر وأعماله التي يؤثر بها على الناس منها ما هو كفر في حكم ال وشرعه
قطعا.
كما أخبر تعالى في هذه الية أن ما يتعلمه الناس من الملكين إنما يتعلمونه ليفرقوا بين الرجل
وامرأته ،وأن ما يحدث به من ضرر هو حاصل بإذن ال تعالى حسب سنته في السباب
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والمسببات ،ولو شاء ال أن يوجد مانعا يمنع من حصول المر بالضرر لفعل وهو على كل شيء
قدير .فبهذا متعلموا السحر بسائر أنواعه إنما هم يتعلمون ما يضرهم ول ينفعهم .وفي آخر الية
يقرر تعالى علم اليهود بكفر الساحر ومتعلم السحر ومتعاطيه حيث أخبر تعالى أنهم ل نصيب لهم
في الخرة من النعيم المقيم فيها .فلذا هم كفار قطعا.
وأخيرا يقبح تعالى ما باع به اليهود أنفسهم ،ويسجل عليهم الجهل بنفي العلم إذ قال تعالى:
سهُمْ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ} .
{وَلَبِئْسَ مَا شَ َروْا ِبهِ أَ ْنفُ َ
وفي الية الثانية( )103يفتح تعالى على اليهود باب التوبة فيعرض عليهم اليمان والتقوى فيقول:
{وََلوْ أَ ّنهُمْ آمَنُوا وَا ّت َقوْا َلمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ خَيْرٌ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ} .
هداية اليتين:
من هداية اليتين:
-1العراض عن الكتاب والسنة لتحريمهما الشر والفساد والظلم يفتح أمام المعرضين أبواب
الباطل من ا لقوانين الوضعية ،والبدع الدينية ،والضللت العقلية ،قال تعالىَ { :ومَنْ َيعْشُ عَنْ
حمَنِ ُنقَ ّيضْ َلهُ شَ ْيطَانا َف ُهوَ َلهُ قَرِينٌ ،وَإِ ّنهُمْ لَ َيصُدّو َنهُمْ عَنِ السّبِيلِ [سبيل السعادة والكمال]
ِذكْرِ الرّ ْ
وَيَحْسَبُونَ أَ ّنهُمْ ُمهْتَدُونَ}.
-2كفر 1الساحر وحرمة تعلم السحر ،وحرمة استعماله.
__________
= ما يرتكبون من الذنوب والمعاصي ويعجبون من ذلك ،فأمرهم تعالى أن يختاروا ملكين منهم
ويركب فيهم غرائز بني آدم ويكلفهم وينزلهم إلى الرض يعبدون ال كبنى آدم ثم ينظرون هل
يعصون ال أو ل يعصونه ،فلما نزل إلى الرض ارتكب كبائر الذنوب ،فخير بين عذاب الدنيا
وعذاب الخرة ،فاختار عذاب الدنيا فجعل في بابل يعلمان الناس السحر فإذا آتاهما من يريد ذلك
نصحا له بأن تعلم السحر كفر ،فإذا أصر وجهاه إلى شيطان فأتاه فعلمه كيفية السحر وما يصل
إليها إل بعد أن يكفر أفظع أنواع الكفر.
1اختلف هل للسحر حقيقة أو هو مجرد خداع ل أصل له .أهل السنة والجماعة :أن له حقيقة
وهو أنواع عديدة ،وحكمه أن من تعاطاه إذا أضر به فأفسد عقلً أو عضوا أو قتل فإنه يقتل بذلك
وإل فإنه يعذر حتى يتوب منه ،ويشهد لمذهب الجمهور أن النبي صلى ال عليه وسلم سحره لبيد
بن العصم ،وأنزل ال تعالى سورة الفلق فرقاه بها جبريل فشفي ،وقال" :إن ال شفاني".
والحديث في البخاري وغيره.
( )1/92
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-3ال تعالى خالق الخير والضير ،ول ضرر ول نفع إل بإذنه 1فيجب الرجوع إليه في جلب
النفع ،ودفع الضر بدعائه والضراعة إليه.
-4العلم المهم؛ كالظن الذي ل يقين معه ل يغير من نفسية صاحبه شيئا فل يحمله على فعل خير
ول على ترك شر بخلف الرسوخ في العلم فإن صاحبه يكون لديه من صادق الرغبة وعظيم
الرهبة ما يدفعه إلى اليمان والتقوى ويجنبه الشرك والمعاصي .وهذا ظاهر في نفي ال تعالى
العلم عن اليهود في هاتين اليتين.
س َمعُوا وَلِ ْلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ( )104مَا َيوَدّ
{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َتقُولُوا رَاعِنَا َوقُولُوا انْظُرْنَا وَا ْ
حمَ ِتهِ
ب وَل ا ْلمُشْ ِركِينَ أَنْ يُنَ ّزلَ عَلَ ْيكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَ ّبكُ ْم وَاللّهُ يَخْ َتصّ بِرَ ْ
الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَا ِ
ضلِ ا ْلعَظِيمِ(})105
مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو ا ْل َف ْ
شرح الكلمات:
{رَاعِنَا} :أمهلنا وانظرنا حتى نعي ما تقول.
{ا ْنظُرْنَا} :أمهلنا حتى نفهم ما تقول ونحفظ.
{وَلِ ْلكَافِرِينَ} :الجاحدين المكذبين ل ورسوله المستهزئين بهما أو بأحدهما.
{أَلِيمٌ} :كثير اللم شديد اليجاع.
ب وَل ا ْلمُشْ ِركِينَ} :اليهود والنصارى والوثنين من العرب وغيرهم.
{مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَا ِ
{مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَ ّبكُمْ} :من الوحي اللهي المشتمل على التشريع المتضمن لكل أنواع الهداية
وطرق السعاد والكمال في الدارين.
__________
1ذكر القرطبي :أن ابن بطال قال :في كتاب وهب بن منبه أن يأخذ المسحور سبع ورقات من
سدر أخضر فيدقها بين حجرين ثم يخلطلها بالماء ويقرأ عليها آية الكرسي ثم يحثو منها ثلث
حثيات ويغتسل به فإنه يذهب عن كل ما ألم إن شاء ال تعالى.
( )1/93
ضلِ} :ما كان من الخير غير محتاج إليه صاحبه .وال عز وجل هو صاحب الفضل إذ كل
{ا ْل َف ْ
ما يمن به ويعطيه عباده من الخير هو في غنى عنه ول حاجة به إليه أبدا.
معنى اليتين:
أما الية الولى( )104فقد أمر ال تعالى المؤمنين أن يراعوا 1الدب في مخاطبة نبيهم صلى ال
عليه وسلم تجنبا للكلمات المشبوهة؛ ككلمة :راعنا ،إذ قد تكون من الرعونة ،ولما تدل عليه صيغة
المفاعلة؛ إذ كأنهم يقولون :راعنا نُراعك ،وهذا ل يليق أن يخاطب به الرسول صلى ال عليه
وسلم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وأرشدهم تعالى إلى كلمة سليمة من كل شبهة تنافي الدب وهي انظرنا ،2وأمرهم أن يسمعوا
لنبيهم إذا خاطبهم حتى ل يضطروا إلى مراجعته ،إذ الستهزاء بالرسول والسخرية منه
ومخاطبته بما يفهم الستخفاف بحقه وعلو شأنه وعظيم منزلته كفر بواح.
وفي الية الثانية( )105أخبر تعالى عباده المؤمنين بأن الكافرين من أهل الكتاب ومن غيرهم من
المشركين الوثنيين ل يحبون أن يُنزل عليكم من خير من ربكم وسواء كان قرآنا يحمل أسمى
الداب وأعظم الشرائع وأهدى سبل السعادة والكمال ،أو كان غير ذلك من سائر أنواع الخيرات،
وذلك حسدا منهم للمؤمنين كما أخبرهم أنه تعالى يختص برحمته من يشاء من عباده فحسد
الكافرين لكم ل يمنع فضل ال عليكم ورحمته بكم متى أرادكم بذلك.
هداية اليتين:
من هداية اليتين:
-1وجوب التأدب مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في مخاطبته بعدم استعمال أي لفظة قد
تفهم غير الجلل والكبار له صلى ال عليه وسلم.
-2وجوب السماع لرسول ال بامتثال أمره واجتناب نهيه ،وعند مخاطبته لمن أكرمهم ال تعالى
بمعايشته والوجود معه.
__________
1سبب نزول هذه الية{ :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ }...إلخ .أن اليهود استغلوا كلمة :راعنا ،وصاروا يقولونها
لرسول ال صلى ال عليه وسلم ،وهم ينوون بها سب رسول ال صلى ال عليه وسلم لوجود كلمة
في العبرية مثلها ومعناه :السب والشتم؛ كالرعونة .فأنزل ال هذه الية ،أرشد فيها المسلمين إلى
ترك كلمة :راعنا ،وإبدالها :بانظرنا ،فانقطع الطريق عن اليهود لعنهم ال.
2معنى انظرنا :هو معنى راعنا ،ولكن لما استعملها اليهود وصاروا ينوون بها سب النبي صلى
ال عليه وسلم؛ لنها عندهم من الرعونة لذلك أرشد ال المسلمين إلى كلمة :انظر.
( )1/94
التحذير 1من الكافرين كتابيين أو مشركين؛ لنهم أعداء حسدة للمؤمنين فل يحل الركون إليهم
والطمئنان إلى أقوالهم وأفعالهم ،إذ الريبة ل تفارقهم.
شيْءٍ َقدِيرٌ()106
علَى ُكلّ َ
سهَا نَ ْأتِ بِخَيْرٍ مِ ْنهَا َأوْ مِثِْلهَا أََلمْ َتعْلَمْ أَنّ اللّهَ َ
{مَا نَنْسَخْ 2مِنْ آ َيةٍ َأوْ نُنْ ِ
ي وَل َنصِيرٍ(َ )107أمْ
ن وَِل ّ
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ َومَا َل ُكمْ مِنْ 3دُونِ اللّهِ مِ ْ
أَلَمْ َتعَْلمْ أَنّ اللّهَ لَهُ مُ ْلكُ ال ّ
سوَاءَ
ضلّ َ
ل َومَنْ يَتَ َب ّدلِ ا ْل ُكفْرَ بِالِيمَانِ َفقَ ْد َ
تُرِيدُونَ 4أَنْ تَسْأَلوا رَسُوَلكُمْ َكمَا سُ ِئلَ مُوسَى مِنْ قَ ْب ُ
السّبِيلِ(})108
شرح الكلمات:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{نَنْسَخْ} :نبدل أو نزيل.
{مِنْ آيَةٍ} :من آيات القرآن :جملة كلمات تحمل معنى صحيحا؛ كالتحريم أو التحليل ،أو الباحة.
سهَا} :نمسحها من قلب النبي صلى ال عليه وسلم.
{نُنْ ِ
{أََلمْ َتعْلَمْ} :الستفهام للتقرير.
{وَِليّ} :حافظ يحفظكم بتولي أموركم.
__________
1في هذه الية إرشاد المسلمين إلى عدم مشابهة الكافرين في القول والعمل وحتى في الزي
واللباس ،ويشهد لهذه رواية أحمد عن ابن عمر رضي ال عنهما أن النبي صلى ال عليه وسلم
قال" :بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد ال وحده ل شريك له وجعل رزقي تحت ظل
رمحي ،وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم" .
2معرفة الناسخ والمنسوخ ضرورية للعالم .روى أن عليا رضي ال عنه أرسل إلى رجل كان
يخوف الناس في المسجد فجاءه فقال له :أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ فقال :ل ،قال :فاخرج من
مسجدنا ول تذكر فيه .وعن ابن عباس مثله ،وقال له :هلكت وأهلكت.
ي وَل َنصِيرٍ} صلة.
ن وَِل ّ
3من :ابتداء الغاية والثانية وهي{ :مِ ْ
4أم ،هنا :هي المنقطعة بمعنى :بل الضرابية.
( )1/95
( )1/96
الرسول صلى ال عليه وسلم بأمور ليس في مكنته ،وإعلم من يجري على أسلوب التعنت وسوء
الدب مع الرسول صلى ال عليه وسلم قد يصاب بزيغ القلب فيكفر ،دلّ على هذا قوله تعالى:
سوَاءَ السّبِيلِ} .
ضلّ َ
{ َومَنْ يَتَبَ ّدلِ ا ْل ُكفْرَ بِالِيمَانِ َفقَ ْد َ
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1ثبوت النسخ في القرآن الكريم ،كما هو ثابت في السنة ،وهما أصل التشريع ول نسخ في
قياس ول إجماع.
-2رأفة ال تعالى بالمؤمنين في نسخ الحكام وتبديلها بما هو نافع لهم في دنياهم وآخرتهم.
-3وجوب التسليم ل والرضا بأحكامه ،وعدم العتراض عليه تعالى.
-4ذم التنطع في الدين وطرح السئلة المحرجة 1والتحذير منم ذلك.
سهِمْ مِنْ َبعْدِ مَا
{وَدّ كَثِيرٌ 2مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ َلوْ يَرُدّو َنكُمْ مِنْ َب ْعدِ إِيمَا ِنكُمْ ُكفّارا حَسَدا 3مِنْ 4عِنْدِ أَ ْنفُ ِ
شيْءٍ َقدِيرٌ( )109وََأقِيمُوا
علَى ُكلّ َ
صفَحُوا حَتّى يَأْ ِتيَ اللّهُ بَِأمْ ِرهِ إِنّ اللّهَ َ
عفُوا 5وَا ْ
حقّ فَا ْ
تَبَيّنَ َلهُمُ الْ َ
سكُمْ
الصّلةَ وَآتُوا ال ّزكَا َة َومَا ُتقَ ّدمُوا لَ ْنفُ ِ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
__________
1روى مسلم أن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :هلك المتنطعون" وفسر بالمتعين في السؤال عن
عويص المسائل التي يندر وقوعها.
2مناسبة هاتين اليتين لما قبلهما ظاهرة ،وهي أنه لما حذر تعالى المؤمنين من مسلك اليهود مع
أنبياءهم في السئلة المحرجة المتعنتة ،أعلمهم أن أعدائهم من اليهود يودون لهم الكفر بعد إيمانهم
حسدا لهم وعلى رأس هؤلء كعب بن الشرف ،وحيي بن أخطب ،وأبو ياسر وغيرهم ،كما أن
ابن أبي ،وجماعة من سكان المدينة كانوا يعملون جاهدين على صرف من آمن عن إيمانه ،ولما
لم يحن الوقت للقتال ،أمرهم تعالى بالصفح والعفو والعداد حتى يأتي المر بالقتال.
3الحسد ثلثة أنواع :وهي :تمني زوال نعمة عمن هي به ،وتمني زوالها ولو لم تحصل
لمتمنيها ،وهذا شر وأقبح من الول ،وهما محرمان لها لما فيهما من تسفيه المنعم عز وجل ،إذ
الحاسد معترض على قسمة ال وعطاؤه عباده ما شاء .وتمني حصول نعمة كالتي حصلت لغيره،
وهذا مباح وليس حراما ويشهد له الحديث الصحيح" :ل حسد إل في اثنتين" الحديث ويسمى
غبضا.
سهِمْ} تأكيد لمضمون التي قبلها .ومنه قوله تعالىَ َ{ :يكْتُبُونَ ا ْلكِتَابَ بِأَ ْيدِيهِمْ}،
4جملة{ :مِنْ عِنْدِ أَ ْنفُ ِ
{ َيقُولُونَ بَِأ ْفوَا ِههِم} .
5فاعفوا :أصلها :فاعفووا ،حذفت الضمة للثقل ،وحذفت الواو للتقاء الساكنين ،فصارت :فاعفوا.
( )1/97
مِنْ خَيْرٍ َتجِدُوهُ عِنْدَ اللّهِ إِنّ اللّهَ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ(.})110
شرح الكلمات:
{وَدّ} :أحب.
{أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ} :اليهود والنصارى.
{حَسَدا} :الحسد تمني زوال النعمة على من هي به.
حقّ} :عرفوا أن محمدا رسول ال وأن دينه هو الدين الحق.
{تَبَيّنَ َل ُهمُ الْ َ
صفَحُوا} :ل تؤاخذهم ول تلوموهم ،إذ العفو ترك العقاب ،والصفح العراض عن
عفُوا وَا ْ
{فَا ْ
الذنب.
{حَتّى يَأْ ِتيَ اللّهُ بَِأمْ ِرهِ} :أي الذن بقتالهم والمراد بهم يهود المدينة ،وهم :بنو قينقاع ،وبنو
النضير ،وبنو قريظة.
{وََأقِيمُوا الصّلةَ} :إقامة الصلة :أداؤها في أقواتها مستوفاة الشروط والركان والسنن.
{وَآتُوا ال ّزكَاةَ} :أعطوا زكاة أموالكم وافعلوا كل ما من شأنه يزكي أنفسكم من الطاعات.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
معنى اليات:
في الية الولى( )109يخبر تعالى المؤمنين بنفسية كثير من أهل الكتاب وهي الرغبة الملحة في
أن يتخلى المسلمون عن دينهم الحق ليصبحوا كافرين ،ومنشأ هذه الرغبة الحسد الناجم عن نفسية
ل ترغب أن ترى المسلمين يعيشون في نور اليمان بدل ظلمات الكفر ،وبعد أن أعلم عباده
المؤمنين بما يضمر لهم أعداؤهم ،أمرهم بالعفو 1والصفح؛ لن الوقت لم يحن بعد لقتالهم فإذا
حان الوقت قاتلوهم وشفوا منهم صدورهم.
وفي الية الثانية( )110أمر ال تعالى المؤمنين بإقام الصلة وإيتاء الزكاة وفعل 2الخيرات
__________
1هذا العفو والصفح نسخ بالذن بقتال اليهود وإجلئهم ،وبقي العفو عن المسلم والصفح عنه إذا
عفَا وََأصْلَحَ فَأَجْ ُرهُ عَلَى اللّهِ} ،
أساء إلى أخيه المسلم لجهالة به ،فإنه محمود ،قال تعالىَ { :فمَنْ َ
وقال رسوله" :من غفر غفر له" .
سكُمْ مِنْ خَيْرٍ َتجِدُوهُ عِنْدَ
2فعل الخيرات هنا مستفاد من قوله تعالى في اليةَ { :ومَا ُتقَ ّدمُوا لَنْفُ ِ
اللّه} .
( )1/98
تهذيبا لخلقهم وتزكية لنفوسهم وواعدهم بحسن العاقبة بقوله{ :إِنّ اللّهَِ 1بمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ} .
هداية اليتين:
من هداية اليات:
-1اليهود والنصارى يعلمون أن السلم حق وأن المسلمين على حق فحملهم ذلك على حسدهم
ثم عداوتهم ،والعمل على تكفيرهم ...وهذه النفسية ما زالت طابع أهل الكتاب إزاء المسلمين إلى
اليوم.
-2في الظرف الذي لم يكن مواتيا للجهاد على المسلمين أن يشتغلوا فيه بالعداد للجهاد ،وذلك
بتهذيب الخلق والرواح وتزكية النفوس بإقام الصلة وإيتاء الزكاة وفعل الخيرات إبقاء على
طاقاتهم الروحية والبدنية إلى حين يؤذن لهم بالجهاد.
-3تقوية الشعور 2بمراقبة ال تعالى ليحسن العبد نيته وعمله.
خلَ الْجَنّةَ إِل مَنْ كَانَ هُودا َأوْ َنصَارَى تِ ْلكَ َأمَانِ ّيهُمْ ُقلْ هَاتُوا 3بُرْهَا َنكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
{ َوقَالُوا لَنْ يَ ْد ُ
خ ْوفٌ عَلَ ْيهِ ْم وَل هُمْ
حسِنٌ فَلَهُ أَجْ ُرهُ عِ ْندَ رَبّ ِه وَل َ
ج َههُ لِلّ ِه وَ ُهوَ مُ ْ
صَا ِدقِين( )111بَلَى مَنْ َأسْلَ َم وَ ْ
شيْءٍ
ستِ الْ َيهُودُ عَلَى َ
شيْ ٍء َوقَاَلتِ ال ّنصَارَى لَيْ َ
ستِ ال ّنصَارَى عَلَى َ
يَحْزَنُونَ(َ )112وقَاَلتِ الْ َيهُودُ لَيْ َ
حكُمُ بَيْ َن ُهمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ
وَهُمْ يَتْلُونَ ا ْلكِتَابَ كَذَِلكَ قَالَ الّذِينَ ل َيعَْلمُونَ مِ ْثلَ َقوِْلهِمْ فَاللّهُ َي ْ
يَخْتَِلفُون(})113
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
__________
1مثل هذه الجملة المذيل بها الكلم تكون للترغيب كما هنا ،وتكون للترهيب ،أي :تصلح للوعد
والوعيد.
2هذا مستفاد من قوله تعالى{ :إِنّ اللّهَ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ} .
3في الية دليل على بطلن التقليد ،وهو قبول قول الغير بل دليل ،وفي الية أن من ادعى شيئا
نفيا أو إثباتا يطالب بالدليل بطلت دعواه.
( )1/99
شرح الكلمات:
{ا ْلجَنّةَ} :دار النعيم وتسمى دار السلم وهي فوق السماء السابعة.
{هُودا : }1يهودا.
{ َنصَارَى} :صليبيين مسيحيين.
{َأمَانِ ّيهُمْ : }2جمع أمنية ما يتمناه المرء بدون ما يعمل للفوز به ،فيكون غرورا.
البرهان :الحجة الواضحة.
ح َكمِ
{بَلَى} :حرف إجابة يأتي بعد نفي مقرون باستفهام 3غالبا نحو قوله تعالى{ :أَلَيْسَ اللّهُ بِأَ ْ
الْحَا ِكمِينَ} ؟ بلى ،أي :هو أحكم الحاكمين ،ولما ادعى اليهود والنصارى أن الجنة ل يدخلها إل
من كان يهوديا أو نصرانيا قال تعالى( :بلى) أي ليس المر كما تزعمون فل يدخل الجنة يهودي
ول نصراني ولكن يدخلها من أسلم وجهه ل وهو محسن أي :عبد آمن فصدق وعمل صالحا
فأحسن.
ليست على شيء :أي :من الدين الحق.
{يَتْلُونَ ا ْلكِتَابَ} :أي :التوراة والنجيل.
الذين من قبلهم :هذا اللفظ صادق على مشركي العرب ،وعلى غيرهم من أمم جاهلة سبقت.
سبب نزول اليتين ومعناهما:
لما جاء وفد نصارى نجران إلى المدينة التقى باليهود في مجلس النبي صلى ال عليه وسلم،
ولعدائهم السابق تماروا فادعت اليهود أن الجنة ل يدخلها إل من كان يهوديا ،وادعت النصارى
أن الجنة ل يدخلها إل من كان نصرانيا فرد ال تعالى عليهم وأبطل دعواهم حيث طالبهم
بالبرهان عليها فلم يقدروا وأثبت تعالى دخول الجنة لمن زكى نفسه باليمان الصحيح والعمل
الصالح.
__________
1هود :جمع هائد ،أي :متبع اليهودية ،ومثله :عوذ ،جمع عائد ،وهي :الحديثة النتاج من الظباء،
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والبل ،والخيل.
2ما تمناه اليهود وأشير إليه هنا بقوله{ :تِ ْلكَ َأمَانِ ّيهُمْ} هو أن ل ينزل على المؤمنين خير من ربهم
وأن يردوهم كفارا ،وأن يدخلون الجنة وحدهم دون غيرهم.
عظَامَهُ ،بلى} فقد أجيب بها ولم
جمَعَ ِ
سبُ النْسَانُ أَلّنْ نَ ْ
3ومن غير الغالب قوله تعالى{ :أَ َيحْ َ
ج َههُ} .
يتقدمها نفي مقرون باستفهام ،ومنه هذه الية{ :بَلَى مَنْ َأسْلَ َم وَ ْ
( )1/100
( )1/101
سعَى فِي خَرَا ِبهَا أُولَ ِئكَ مَا كَانَ َلهُمْ أَنْ
سمُ ُه وَ َ
{ َومَنْ أَظَْلمُ ِممّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَنْ ُي ْذكَرَ فِيهَا ا ْ
عذَابٌ عَظِيمٌ( )114وَلِلّهِ ا ْلمَشْ ِرقُ
ي وََلهُمْ فِي الخِ َرةِ َ
يَ ْدخُلُوهَا إِل خَا ِئفِينَ َلهُمْ فِي الدّنْيَا خِ ْز ٌ
جهُ اللّهِ إِنّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(})115
وَا ْل َمغْرِبُ فَأَيْ َنمَا ُتوَلّوا فَثَ ّم وَ ْ
شرح الكلمات:
{ َومَنْ أَظَْلمُ} :الستفهام للنكار والنفي ،والظلم وضع الشيء في غير محله مطلقا.
سعَى 1فِي خَرَا ِبهَا} :عمل في هدمها وتخريبها حقيقة أو يمنع الصلة فيها وصرف الناس عن
{وَ َ
التعبد فيها إذ هذا من خرابها أيضا.
الخزي :الذل والهوان .2
{فَثَمّ وَجْهُ اللّهِ} :هناك ال تعالى إذ ال عز وجل محيط بخلقه فحيثما اتجه العبد شرقا أو غربا
شمالً أو جنوبا وجد ال تعالى ،إذ الكائنات كلها بين يديه وكيف ل يكون ذلك وقد أخبر عن نفسه
أن الرض قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ،فليس هناك جهة تخلو من علم ال
تعالى وإحاطته بها وقدرته عليها .ويقرر هذا قوله{ :إِنّ اللّ َه وَاسِعٌ عَلِيمٌ} ،إنه واسع الذات والعلم
والفضل والجود والكرم عليم بكل شيء لنه محيط بكل شيء.
شرح اليتين:
ففي الية الولى( )114ينفي تعالى أن يكون هناك من هو أكثر ظلما ممن منع مساجد 3ال تعالى
أن يعبد ال تعالى فيها ،لن العبادة هي علة الحياة فمن منعها كان كمن أفسد
__________
1أصل السعي :المشي ،ومنه السعي بين الصفا والمروة ،وهو المشي بينهما ثم أطلق على
التسبب مطلقا يقال :سعى فلن في مصلحتك وسعى فلن في الفساد بين فلن وفلن.
2وقد نال صناديد قريش حيث أزلهم وأخزاهم يوم الفتح على يد رسول ال صلى ال عليه وسلم
وأصحابه رضوان ال عليهم.
3المساجد :جمع مسجد بكسر الجيم على غير قياس إذ فعل بالفتح ،يفعل بالضم ،السم منه
كالمصدر مفعل بالفتح ،ونظير المسجد المطلع والمشرق والمسكن والمرفق .والمسجد بالفتح:
جبهة المرء وأعضاء سجوده السبعة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/102
الحياة كلها وعطلها ،وفي نفس الوقت ينكر تعالى هذا الظلم على فاعليه وسواء كانوا قريشا
بصدهم النبي وأصحابه عن المسجد الحرام ،أو فلطيوس ملك الروم الذي خرّب المسجد القصى
،1أو غيرهم ممن فعلوا هذا الفعل أو من سيفعلونه مستقبلً ،ولذا ضمن تعالى قوله{ :مَا كَانَ َلهُمْ
أَنْ يَ ْدخُلُوهَا إِل خَا ِئفِينَ} ،أمر المسلمين بجهاد الكافرين وقتالهم حتى يسلموا أو تكسر شوكتهم
فيذلوا ويهونوا.
وفي الية الثانية( )115يخبر تعالى رادا على اليهود الذين انتقدوا أمر تحويل القبلة من بين
المقدس إلى الكعبة ،مؤذنا بجواز صلة من جهل القبلة أو خفيت عليه إلى أي جهة كانت ،فأخبر
تعالى أن له المشرق والمغرب 2خلفا وملكا وتصرفا ،يوجه عباده إلى الوجهة التي يشاؤها شرقا
أو غربا ،جنوبا أو شمالً ،فل اعتراض ول إنكار وأن ال تعالى محيط بالكائنات ،فحيثما توجه
العبد في صلته فهو متوجه إلى ال تعالى ،إل أنه تعالى أمر بالتوجه في الصلة إلى الكعبة بمن
عرف جهتها ل يجوز له أن يتجه إل إليها.
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1عظم جريمة من يتعرض للمساجد بأي أذى 3أو إفساد.
-2وجوب حماية المساجد من دخول الكافرين إل أن يدخلوها بإذن المسلمين وهم أذلء
صاغرون.
-3صحة صلة 4النافلة على المركوب في السفر إلى القبلة وإلى غيرها.
-4وجوب استقبال القبلة إل عند العجز 5فيسقط هذا الواجب.
-5العلم بإحاطة ال تعالى بالعوالم كلها قدرة وعلما فل يخفى عليه من أمر العوالم شيء ول
يعجزه آخر.
__________
1وقد خرب بيت المقدس أيضا بختنصر اليهودي البابلي قبل النصارى.
2بناء على كروية الرض ،فإن الرض كلها مشرق ومغرب ،إذ كل مكان تشرق فيه هو مكان
تغرب فيه.
3من عظم ذنب من منع مساجد ال أن يذكر فيها اسمه أخذ المالكية أن المرأة الصرورة التي لم
تحج الفرض ل تمنع من الحج وإن لم يكن معها محرم ،وعدو منعها من أداء الفريضة من الصد
عن المسجد عن الحرام.
4إذ صح عن ابن عمر رضي ال عنهما أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يصلي النافلة على
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
راحتله حيثما اتجهت به القبلة وإلى غيرها.
5للعجز صور منها :أن يكون مريضا ل يقدر على التحول ،ومنها :أن يكون خائفا ،ومنها :أن
يكون مقاتلً أو هاربا ،ومنها :أن يكون جاهلً بها فطلبها ولم يعرف فصلى حيث ترجح القبلة وإن
لم يصبها.
( )1/103
( )1/104
أهل الكتاب والمشركين في أن ال اتخذ ولدا ،إذ قالت اليهود :العزير ابن ال ،وقالت النصارى:
المسيح ابن ال ،وقال بعض مشركي العرب :الملئكة بنات ال ،ذكر تعالى قولهم اتخذ ال ولدا ثم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
نزه 1نفسه عن هذا القول الباطل والفرية 2الممقوتة ،وذكر الدلة العقلية على بطلن الدعوى.
فأولً :مِلْكيةُ ال تعالى لما في السموات والرض ،وخضوع 3كل من فيهما لحكمه وتصريفه
وتدبيره يتنافى عقلً مع اتخاذ ولد منهم.
ثانيا :قدرة ال تعالى المتجلية في إبداعه السموات والرض وفي قوله للشيء كن فيكون يتنافى
معها احتياجه إلى الولد ،4وهو مالك كل شيء ورب كل شيء ،وفي الية الثالثة( )118يرد تعالى
على قولة المشركين الجاهلينَ{ :لوْل ُيكَّلمُنَا اللّهُ َأوْ تَأْتِينَا آ َيةٌ} حيث اقترحوا ذلك ليؤمنوا ويوحدوا،
فأخبر تعالى أن مثل هذا الطلب طلبه من قبلهم فتشابهت قلوبهم في الظلمة والنتكاس ،فقد قال
اليهود لموسى أرنا ال جهرة ،أما رؤية ال وتكليمه إياهم فغير ممكن في هذه الحياة حياة المتحان
والتكليف ،لذا لم يجب إليه أحدا من قبلهم ول من بعدهم ،وأما اليات فما أنزل ال تعالى وبينه في
كتابه من اليات الدالة على اليمان بال ووجوب عبادته وتوحيده فيها ،وعلى صدق نبيه في
رسالته ووجوب اليمان به واتباعه كاف ومغن عن أية آية مادية يريدونها ،ولكن القوم لكفرهم
وعنادهم لم يروا في آيات القرآن ما يهديهم وذلك لعدم إيقانهم ،واليات يراها وينتفع بها الموقنون
ل الشاكون المكذبون.
وفي الية الرابعة( )119يخفف تعالى على نبيه همّ مطالبة المشركين باليات بأنه غير مكلف
بهداية أحد ول ملزم بإيمان آخر ،ول هو مسئول 5يوم القيامة عمن يدخل النار من الناس ،إذ
مهمته محصورة في التبشير 6والنذار تبشير من آمن وعمل صالحا بالفوز بالجنة
__________
1وذلك بقوله{ :سبحانه} مصدر معناه :التبرئة والتنزيه والمحاشاة.
2أحرج البخاري عن ابن عباس رضي ال عنهما عن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :قال ال
تعالى :كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ،وشتمني ولم يكن له ذلك .فأما تكذيبه إياي فزعم أني ل
أقدر أن أعيده كما كان ،وأما شتمي إياي فقوله لي :ولد ،فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا" .
3الخضوع هنا تفسير القنوت ،والقنوت يكون بمعنى الطاعة في ذلة وانكسار وخشوع ،كما هو
في هذا السياق ويكون بمعنى السكوت كما في الصلة ،كقوله تعالىَ { :وقُومُوا لِلّهِ قَانِتِينَ} أي :ل
تتكلموا في صلتكم ،ويكون بمعنى الدعاء في الصلة.
4من الدلة العقلية على إبطال فرية اتخاذ ال تعالى الولد :أن الولدية تقضي التجانس ،وال تعالى
ليس كمثله شيء ،وهو ل يجانسه شيء ،ثم الولد يتنافى مع الرق والملك وال له ملك السموات
والرض ،فكيف يكون الرقيق ولدا؟!.
جحِيمِ} ،
5قرأ نافع وحده {ول تَسأل} بفتح التاء وسكون اللم في قوله{ :وَل ُتسَْألُ عَنْ َأصْحَابِ الْ َ
وروي عن ابن عباس رضي ال عنهما أن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :يا ليت شعري ما فعل
أبواي" فأنزل ال تعالى هذه الية.
6البشير كالنذير فعلهما بشر ،وأنذر .واسم الفاعل :مبشر ومنذر ،ونقل إلى بشير ونذير للمبالغة
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
في الفعل.
( )1/105
والنجاة من النار ،وإنذار من كفر وعمل سوءا بدخول النار والعذاب الدائم فيها.
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1حرمة نسبة أي شيء إلى ال تعالى بدون دليل من الوحي اللهي ،إذ أنكر تعالى نسبة الولد
إليه أنكره على أهل الكتاب والمشركين معا.
-2تشابه قلوب أهل الباطل في كل زمان ومكان لستجابتهم للشيطان وطاعتهم له.
-3ل ينتفع باليات إل أهل اليقين لصحة عقولهم وسلمة قلوبهم.
-4على المؤمن أن يدعو إلى ال تعالى ،وليس عليه أن يهدي ،إذ الهداية بيد ال ،وأما الدعوة
فهي في قدرة النسان ،وهو مكلف بها.
{وَلَنْ تَ ْرضَى عَ ْنكَ الْ َيهُو ُد وَل ال ّنصَارَى حَتّى تَتّ ِبعَ مِلّ َتهُمُْ 1قلْ إِنّ هُدَى اللّهِ ُهوَ ا ْلهُدَى وَلَئِنِ اتّ َب ْعتَ
ن وَِليّ وَل َنصِيرٍ( )120الّذِينَ آتَيْنَا ُهمُ ا ْلكِتَابَ
أَ ْهوَاءَ ُهمْ َبعْدَ الّذِي جَا َءكَ مِنَ ا ْلعِلْمِ 2مَا َلكَ مِنَ اللّهِ مِ ْ
حقّ تِلوَتِهِ أُولَ ِئكَ ُي ْؤمِنُونَ ِب ِه َومَنْ َيكْفُرْ بِهِ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلخَاسِرُونَ(})121
يَتْلُونَهُ َ
شرح الكلمات:
ملتهم :دينهم الذي هم عليه من يهودية ونصرانية.
قل إن الهدى هدى ال :الهدى :ما أنزل به كتابه وبعث به رسوله وهو السلم ،ل ما ابتدعه
اليهود والنصارى من بدعة اليهودية والنصرانية.
__________
1ملتهم :بمعنى مللهم ،إذ لكل كافر ملة ،ومن هنا ذهب الجمهور إلى أن الكفر ملة واحدة ،وذهب
أحمد في رواية له ومالك إلى أن الكفر ملل ،ولذا فل يرث اليهودي النصراني ،ول النصراني
اليهودي ،ول المجوسي .إذ لكل ملة ،وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :ل يتوارث أهل
ملتين" ويبقى معنى الكفر ملة واحدة ،أي :إنه ليس فيه فاضل ،ومفضول.
2روي أن أحمد استدل على كفر من قال بخلق القرآن بهذه الية{ :مِنْ َب ْعدِ مَا جَا َءكَ مِنَ ا ْلعِلْمِ}
وهو القرآن .فمن قال بخلق القرآن ،قال بخلق علم ال تعالى .وهو كفر صريح.
( )1/106
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
من ولي ول نصير :الولي من يتولك ويكفيك أمرك ،والنصير من ينصرك ويدفع عنك الذي.
يتلونه حق 1تلوته :ل يحرفون كلمه عن مواضعه ول يكتمون الحق الذي جاء فيه من نعت
الرسول محمد صلى ال عليه وسلم وغيره.
أولئك هم الخاسرون :المشار إليهم كفار أهل الكتاب والخسران خسران الدنيا والخرة.
معنى اليتين:
ما زال السياق في أهل الكتاب يكشف عوارهم ويدعوهم إلى الهدى لو كانوا يهتدون ،ففي الية
الولى( )120يخبر تعالى رسوله وأمته تابعة له أن اليهود والنصارى لن يرضوا عنه حتى يتبع
ملتهم الباطلة ،وهي اليهودية أو النصرانية ،وفي هذا نهي عن اتباعهم ثم أمره أن يخبرهم أن
الهدى هدى 2ال الذي هو السلم وليس اليهودية ول النصرانية ،إذ هما بدعتان من وضع أرباب
الهواء والطماع المادية.
ثم يحذر ال رسوله وأمته من اتباع اليهود والنصارى بعد الذي جاءهم والنعمة التي أتمها عليهم
ي وَل
ن وَِل ّ
وهي السلم فيقول{ :وَلَئِنِ اتّ َب ْعتَ أَ ْهوَاءَ ُهمْ َبعْدَ الّذِي جَا َءكَ مِنَ ا ْلعِلْمِ مَا َلكَ مِنَ اللّهِ مِ ْ
َنصِير} .
وفي الية الثانية( )112يخبر تعالى أن الذين آتاهم ال الكتاب التوراة والنجيل فكانوا يتلونه حق
تلوته فل يحرفون ول يكتمون هؤلء يؤمنون بالكتاب حق اليمان ،أما الذين يحرفون كلم ال
ويكتمون ما جاء فيه من نعوت النبي صلى ال عليه وسلم فهؤلء ل يؤمنون به وهم الخاسرون
دون غيرهم ،ومن آمن 3من أهل الكتاب بكتابه وتله حق تلوته سوف يؤمن بالنبي المي
ويدخل في دينه قطعا.
هداية اليات:
من هداية اليتين:
-1ل يحصل المسلم على رضا اليهود والنصارى إل بالكفر بالسلم واتباع دينهم الباطل
__________
1هم أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وتابعوهم بإحسان كان أحدهم إذا مر بآية رحمة
سألها ال تعال،ى وإذ تعالى مر بآية عذاب تعوذ بال من العذاب.
2أن ما يهدي إليه الرب تعالى عباده المؤمنين بمعنى ما يوفقهم إليه من السلم ظاهرا وباطنا،
فيعملون بطاعته وطاعة رسوله في المنشط والمكره ،ذلك هو هدى ال المبعد عن الضلل
والموصل إلى دار السلم.
3كعبد ال بن سلم ،ومن آمن على عهد رسول ال من أحبار أهل الكتاب.
( )1/107
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وهذا ما ل يكون للمسلم أبدا ،فلذا طلب رضا اليهود والنصارى محرم ل يحل أبدا.
-2ل دين 1حق إل السلم فل ينبغي أن يُلتفت إلى غيره بالمرة.
-3من يوالي اليهود والنصارى باتباعهم على باطلهم يفقد ولية ال تعالى ويحرم نصرته.
-4طريق الهداية في تلوة كتاب ال حق تلوته بأن يجوده قراءة ويتدبره هداية ويؤمن بحكمه
ومتشابهه ،ويحلل حلله ويحرم حرامه ،ويقيم حدوده كما يقيم حروفه.
{يَا بَنِي ِ 2إسْرائيلَ ا ْذكُرُوا ِن ْعمَ ِتيَ الّتِي أَ ْن َع ْمتُ عَلَ ْيكُ ْم وَأَنّي َفضّلْ ُتكُمْ عَلَى ا ْلعَاَلمِينَ( )122وَا ّتقُوا َيوْما
شفَاعَةٌ وَل ُهمْ يُ ْنصَرُونَ(})123
ع ْدلٌ وَل تَ ْن َف ُعهَا َ
ل َتجْزِي َنفْسٌ عَنْ َنفْسٍ شَيْئا وَل ُيقْبَلُ 3مِ ْنهَا َ
شرح الكلمات:
إسرائيل :لقب يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلم.
وبنو إسرائيل :هم اليهود.
العالمين :البشر الذين كانوا في زمانهم مطلقا.
ل تجزي :ل تقضي ول تغني.
العدل :الفداء.
شفاعة :وساطة أحد.
__________
1يشهد لهذا قوله صلى ال عليه وسلم في الصحيح" :والذي نفسي بيده ما يسمع بي أحد من هذه
المة يهودي ول نصراني ثم ل يؤمن بي إل دخل النار".
2هذا النداء الثالث الذي نادى ال تعالى به بني إسرائيل يأمرهم بذكر نعمه ليشكروها باليمان
برسوله ،والدخول في دين السلم ،لكن حالهم كما قال القائل:
لقد أسمعت لو ناديت حيا ...ولكن ل حياة لمن تنادي
3يلحظ تقديم الشفاعة في النداء الثاني على أخذ العدل وتأخير الشفاعة في هذا النداء وتقديم
العدل وما هو إل تفنن في السلوب إذهابا للسآمة .وهذا شأن الكلم البليغ.
( )1/108
معنى اليتين:
يعظ الرحمن عز وجل اليهود فيناديهم 1بأشرف ألقابهم ويأمرهم نعمه تعالى عليهم وهي كثيرة،
ويأمرهم أن يذكروا تفضيله تعالى لهم على عالمي زمانهم ،والمراد من ذكر النعم شكرها ،فهو
تعالى في الحقيقة يأمرهم بشكر نعمه ،وذلك باليمان به وبرسوله والدخول في دينه الحق
(السلم).
كما يأمرهم باتقاء عذاب يوم القيامة حيث ل تغني نفس عن نفس شيئا ول يقبل منها فداء ول
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تنفعها شفاعة ،وهذه هي نفس الكافر المشرك ،حيث ل شفاعة تنال الكافر أو المشرك ،ول يوجد
لهم ناصر ينصرهم فيدفع عنهم العذاب ،إذ اتقاء عذاب يوم القيامة يكون باليمان بال ورسوله
والعمل الصالح ،بعد التخلي عن الكفر والمعاصي.
هداية اليتين:
من هداية اليتين:
-1وجوب ذكر نعم ال على العبد ليجد بذلك دافعا نفسيا لشكوها ،إذ غاية الذكر هي الشكر.
-2وجوب اتقاء عذاب يوم القيامة باليمان وصالح العمال بعد التخلي عن الشرك والعصيان.
-3استحالة الفداء يوم القيامة ،وتعذر وجود شافع يشفع لمن مات على الشرك ل بإخراجه من
النار ،ول بتخفيف العذاب عنه.
{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ 2رَبّهُِ 3بكَِلمَات ٍ4
__________
1بهذا النداء ختم الحجاج مع اليهود في هذه السورة ،فلم يجري لهم ذكر بعد فكان من براعة
المقطع .ذكر هذا صاحب التحرير والتنوير ،وليس صحيحا ،بل الصحيح :أن ختم الحجاج مع
ظَلمُوا مِ ْنهُمْ} الية .149
اليهود انتهى عند قوله تعالى{ :إِل الّذِينَ َ
2أبرهم بالسريانية والعبرية أيضا معناه :أب رحيم ،ولرحمته جعلها ال تعالى كافلً للطفال
المؤمنين في الجنة إلى يوم القيامة إن صح الحديث بذلك.
3ذكر الربوبية هنا تشريف لبراهيم عليه السلم وإيذان بأن ابتلؤه كان تربية له وإعدادا له
لمر خطير.
4الكلمات :جمع كلمة ،وهي اللفظ المفرد ،وتطلق على الكلم أيضا ،والمراد بها هنا كلمات
تحمل الوامر التكليفية ،ومن أبرزها ما يلي :كسر الصنام ،والهجرة ،وذبح إسماعيل ،وبناء
البيت العتيق ،والختان ،والصلة ،والزكاة ،وخصال الفطرة ،والصدق ،والصبر ،وبالجملة :فقد
نهض إبراهيم بكل ما عاهد إليه ربه بالقيام به من الشرائع ،فلذا أكرمه بالمامة وشرفه بها.
( )1/109
عهْدِي الظّاِلمِينَ(})124
ل َومِنْ ذُرّيّتِي قَالَ ل يَنَالُ َ
فَأَ َت ّمهُنّ قَالَ إِنّي جَاعُِلكَ لِلنّاسِ ِإمَاما قَا َ
شرح الكلمات:
ابتلى :اختبره بتكليفه بأمور شاقة عليه.
بكلمات :متضمنة أوامر ونواهي.
أتمهن :قام بهن وأداهن على أكمل الوجوه وأتمها.
إماما :قدوة صالحة يقتدى به في الخير والكمال.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الظالمين :الكافرين والمشركين والفاسقين المعتدين على الناس.
معنى الية الكريمة:
بعد ذلك الحجاج الطويل الذي عاشه رسول ال مع طائفتي أهل الكتاب من اليهود والنصارى،
وكذا المشركين في اليات السابقة لهذه الية ،أمر تعالى رسوله أن يذكر ابتلءه تعالى لنبيه
وخليله إبراهيم عليه السلم بما كلفه من أوامر ونواهي ،فقام بها خير قيام فأنعم عليه بأكبر إنعام،
وهو أنه جعله إماما للناس ،ومن أبرز تلك التكاليف وقوفه في وجه الوثنيين ،وتحطيم أوثانهم،
والهجرة من ديارهم والهم بذبح ولده إسماعيل قربانا ل ،وبناء البيت ،وحجة الدعوة إليه مما
استحق به المامة للناس كافة ،وفي هذا تبكيت للفرق الثلثة :العرب المشركين ،واليهود،
والنصارى .إذ كلهم يدعي انتماءه لبراهيم والعيش على ملته فها هو ذا إبراهيم موحد وهم
مشركون ،عادل وهم ظالمون ،مُتبع للوحي اللهي وهم به كافرون ولصاحبه مكذبون ،وفي الية
بيان رغبة إبراهيم في أن تكون المامة في ذريته وهي رغبة صالحة فجعلها ال تعالى في ذريته
2 1كما رغب واستثنى تعالى الظالمين فإنهم ل يستحقونها فهي ل تكون إل في أهل الخير
والعدل و الرحمة ل تكون في الجبابرة القساة ول الظالمين العتاة.
__________
1الذرية :مأخوذ من ذرأ ال الخلق درأً ،أي :خلقهم والجمع :ذراري.
جعَلْنَا فِي ذُرّيّ ِتهِ النّ ُب ّو َة وَا ْلكِتَاب} الية من سورة العنكبوت.
2قال تعالى{ :وَ َ
( )1/110
هداية الية:
من هداية الية:
-1المامة ل تنال إل بصحة اليقين 1والصبر على سلوك سبيل المهتدين.
-2مشروعية ولية العهد ،بشرط أن ل يعهد إل إلى من كان على غاية من اليمان والعلم
والعمل والعدل والصبر.
ل وعملً 2يؤهل لن يكون صاحبه قدوة صالحة للناس.
-3القيام بالتكاليف الشرعية قو ً
عهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ
ى وَ َ
خذُوا مِنْ َمقَامِ إِبْرَاهِيمَ ُمصَلّ ً
س وََأمْنا وَاتّ ِ
جعَلْنَا الْبَ ْيتَ مَثَابَةً 3لِلنّا ِ
{ وَإِذْ َ
ج َعلْ
طهّرَا بَيْ ِتيَ لِلطّا ِئفِينَ وَا ْلعَا ِكفِينَ وَال ّركّعِ السّجُودِ( )125وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ َربّ ا ْ
سمَاعِيلَ أَنْ َ
وَإِ ْ
هَذَا بَلَدا آمِنا وَارْزُقْ َأهْلَهُ مِنَ ال ّثمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِ ْن ُهمْ بِاللّ ِه وَالْ َيوْ ِم الخِرِ قَالَ َومَنْ َكفَرَ فَُأمَ ّتعُهُ قَلِيلً
ضطَ ّرهُ إِلَى عَذَابِ النّا ِر وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ(})126
ثُمّ َأ ْ
شرح الكلمات:
البيت :الكعبة التي هي البيت الحرام بمكة المكرمة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
مثابة :مرجعا يثوب إليه العمار والحجاج.
أمنا :مكانا آمنا يأمن فيه كل من دخله
مقام إبراهيم :الحجر الذي كان قد قام عليه إبراهيم أيام كان يبني البيت وذلك أنه لما ارتفع البناء
احتاج إبراهيم إلى حجر عال يرقى عليه ليواصل بناء الجدران ،فجيء بهذا الحجر فقام عليه
فسمي مقام إبراهيم.
__________
جعَلْنَا مِ ْنهُمْ أَ ِئمّةً َي ْهدُونَ بَِأمْرِنَا َلمّا صَبَرُوا
1شاهد هذا في كتاب ال تعالى إذ قال عز وجلَ { :و َ
َوكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} السجدة .فلذا قيل :بالصبر واليقين تنال المامة في الدين.
2هذا مستفاد من قوله تعالى{ :وَِإذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ ِبكَِلمَاتٍ فَأَ َت ّمهُنّ قَالَ إِنّي جَاعُِلكَ لِلنّاسِ ِإمَاما}
.
3مثابة :أصله :ثاب مصدر ثاب يثوب مثابا ،وزيدت فيه التاء للمبالغة كما زيدت في علمة
ونسابة ،ويشهد لهذا قول الشاعر:
جعل البيت مثابة لهم ...
ليس منه الدهر يقضون الوطر
( )1/111
( )1/112
يلجئهم تعالى مضطرا لهم إلى عذاب النار الغليظ وبئس هذا المصير الذي يصيرون إليه –وهو
النار -من مصير.
هداية اليات:
من هداية اليتين:
-1منة ال تعالى بجعل البيت مثابة للناس وأمنا توجب حمد ال على كل مؤمن.
-2سنة صلة ركعتين خلف المقام لمن 1طاف البيت.
-3وجوب حماية البيت والمسجد الحرام من أي ضرر يلحق من يوجد فيه من طائف وعاكف
وقائم وراكع وساجد.
-4بركة دعوة إبراهيم لهل مكة ،واستجابة ال تعالى له دعوته فلله الحمد والمنة.
-5الكافر ل يحرم الرزق لكفره 2بل له الحق في الحياة إل أن يحارب فيقتل أو يسلم.
-6مصير من مات كافرا إلى النار ،ل محالة ،والموت في الحرم ل يغني عن الكافر شيئا.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ( )127رَبّنَا
سمَاعِيلُ 4رَبّنَا َتقَبّلْ مِنّا إِ ّنكَ أَ ْنتَ ال ّ
{وَإِذْ يَ ْر َفعُ 3إِبْرَاهِيمُ ا ْلقَوَاعِدَ مِنَ الْبَ ْيتِ وَإِ ْ
سكَنَا وَ ُتبْ عَلَيْنَا إِ ّنكَ أَ ْنتَ ال ّتوّابُ الرّحِيمُ(
ك وَأَرِنَا مَنَا ِ
ك َومِنْ ذُرّيّتِنَا ُأمّةً مُسِْلمَةً َل َ
جعَلْنَا مُسِْلمَيْنَِ 5ل َ
وَا ْ
ح ْكمَةَ
ب وَالْ ِ
ك وَ ُيعَّل ُمهُمُ ا ْلكِتَا َ
)128رَبّنَا وَا ْب َعثْ فِيهِمْ َرسُولً مِ ْنهُمْ يَتْلُو عَلَ ْيهِمْ آيَا ِت َ
__________
1روى البخاري عن عمر رضي ال عنه إنه قال" :وافقت ربي في ثلث :قلت يا رسول ال لو
اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى ،فنزلت{ :وَاتّخِذُوا مِنْ َمقَامِ إِبْرَاهِيمَ ُمصَّلىً} الية.
2هذا مستفاد من قول ال تعالىَ { :ومَنْ َكفَرَ فَُأمَ ّتعُهُ قَلِيلً }..إلخ ،إذ إبراهيم عليه السلم سأل
الرزق للمؤمنين لغير نظرا إلى أن ال تعالى رد طلبه في سؤاله المامة لكافة ذريته ،إذ قال{ :ل
عهْدِي الظّاِلمِينَ} فمن هنا استثنى إبراهيم غير المؤمنين فأعلمه ال أن الغذاء حق الحي مؤمنا
يَنَالُ َ
كان أو كافرا.
3التيان بالمضارع هنا مع أن السياق في أمور مضت من أجل استحضار الحالة كأنها مشاهدة
وذلك إبرازا لمواقف إمام الموحدين إبراهيم المشرفة ترغيبا في القتداء به.
4إسماعيل :هو الولد البكر لبراهيم ،وأمه :هاجر الجارية المصرية ،ومعنى إسماعيل :سمع ال.
5هذا كسؤال المسلم في صلته{ :اهْدِنَا الصّرَاطَ ا ْلمُسْ َتقِيمَ} أي :أدم هدايتنا واحفظ سيرنا عليه
جعَلْنَا مُسِْلمَيْنِ َلكَ} ،أي :أدم لنا إسلمنا
حتى نفوز برضاك والجنة ،فكذلك سؤال إبراهيم{ :رَبّنَا وَا ْ
واحفظها علينا حتى ل نتركه؛ لنه علة وجودنا وغاية أملنا في الحياة.
( )1/113
حكِيمُ(})129
وَيُ َزكّيهِمْ إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ
شرح الكلمات:
وإذ :ظرف لما مضى من الزمان ويعلق بمحذوف تقديره :أذكر وقت كذا وكذا.
القواعد :جمع قاعدة ما يبنى عليه الجدار من أساس ونحوه.
البيت :الكعبة حماها ال وطهرها.
إنك أنت السميع العليم :هذه الجملة وسيلة توسل بها إبراهيم وولده لقبول دعائهم.
مسلمين :منقادين لك خاضعين لمرك ونهيك ،راضين بحكمك ،عابدين لك.
أرنا مناسكنا :علمنا كيف نحج بيتك ،تمسكا وتعبدا لك.
تب علينا :وفقنا للتوبة إذا زللنا وأقبلها منا.
وابعث فيهم رسولً :هذا الدعاء استجابه ال تعالى ،ومحمد صلى ال عليه وسلم هو ما طلباه.
الكتاب :القرآن.
الحكمة :السنة وأسرار الشرع والصابة في المور كلها.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يزكيهم :يطهر أرواحهم ويكمل عقولهم ،ويهذب أخلقهم بما يعلمهم من الكتاب والحكمة ،وما
بينه لهم من ضروب الطاعات.
العزيز الحكيم :العزيز الغالب الذي ل يغلب .الحكيم في صنعه وتدبيره بوضع كل شيء في
موضعه.
معنى اليات:
ما زال السياق الكريم في ذكر مآثر إبراهيم عليه السلم المنبئة عن مكانته السامية في كمال
اليمان والطاعة ،وعظيم الرغبة في الخير والرحمة ،فقد تضمنت اليات الثلث ذكر إبراهيم
وإسماعيل وهما يبنيان البيت برفع قواعده وهما يدعوان ال تعالى بأن يتقبل 1منهما عملهما
سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ} .
متوسلين إليه بأسمائه وصفاته{ :إِ ّنكَ أَ ْنتَ ال ّ
__________
1هذه من كمال الحال إذ هو في حال البناء ،والتعب ،والعرق ،ويسأل أن يتقبل منه عمله .هذا
شأن الكمال من الرجال .قال تعالى عنهم{ :وَالّذِينَ ُيؤْتُونَ مَا آ َتوْا َوقُلُوبُهُ ْم َوجِلَةٌ} الية.
( )1/114
كما يسألنه عز وجل أن يجعلها مسلمين له ،وأن يجعل من ذريتهما أمة مسلمة 1له مؤمنة به
موحدة له ومنقادة لمره ونهيه مطيعة ،وأن يعلمهما مناسك 2حج بيته العتيق ليحجاه على علم،
ويتوب عليهما ،كما سأله عز وجل أن يبعث في ذريتهم رسولً منهم يتلو عليهم آيات ال ويعلمهم
الكتاب والحكمة ويزكيهم اليمان وصالح العمال ،وجميل الخلل وطيب الخصال.
وقد استجاب ال تعالى دعاؤهما فبعث في ذريتهما من أولد إسماعيل إمام المسلمين وقائد الغر
المحجلين نبينا محمد صلى ال عليه وسلم ،وقد قرر هذا صلى ال عليه وسلم بقوله" :أنا دعوة 3
أبي إبراهيم وبشارة عيسى "...عليهم جميعا السلم.
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1فضل السهام بالنفس في بناء المساجد .4
-2المؤمن البصير في دينه يفعل الخير وهو خائف أل يقبل منه فيسأل ال تعالى ويتوسل إليه
بأسمائه وصفاته أن يتقبله منه.
-3مشروعية سؤال ال للنفس وللذرية الثبات على السلم حتى الموت عليه.
-4وجوب تعلم مناسك الحج والعمرة على من أراد أن يحج أو يعتمر.
-5وجوب طلب تزكية النفس باليمان والعمل الصالح ،وتهذيب الخلق بالعلم والحكمة.
-6مشروعية التوسل إلى ال تعالى في قبول الدعاء ،وذلك بأسمائه تعالى وصفاته ل بحق فلن
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وجاه فلن ،كما هو شأن المبتدعة والضلل .ففي هذه اليات الثلث توسل إبراهيم وإسماعيل
بالجمل التالية:
سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ}
{ -1إِ ّنكَ أَ ْنتَ ال ّ
__________
1هي أمة السلم التي أنشأها بعون ال تعالى محمد الذي بعثه ال رسولً في ذرية إسماعيل
للعالمين.
2النسك في اللغة :الغسل بالماء ،يقال :نسك ثوبه إذا غسله ،وهو في الشرع :اسم للعبادة ،لن
العبادة تطهر النفس وتزكيها ،يقال :رجل ناسك ومتنسك إذا لزم العبادة يغسل بها نفسه لتطهر
وتزكو فيفلح بذلك ويفوز .ومناسك الحج :هي العبادات المشروعة فيه من إحرام وطواف وذبح
الهدي وغير ذلك.
3رواه أحمد بلفظ" :إني عند ال لخاتم النبيين وإن آدم لمجندل في طينته وسأنبئكم بأول ذك.
دعوة إبراهيم ،وبشارة عيسى بي ورؤيا أمي التي رأت وكذلك أمهات النبيين يرين" .
4وفي الحديث الصحيح" :من بنى ل مسجدا بنى ال له قصرا في الجنة" .
( )1/115
( )1/116
إل من سفه 1نفسه :ل يرغب عن ملة إبراهيم التي هي دين السلم إل عبد جهل قدر نفسه
فأزلها وأهانها بترك سبيل عزها وكمالها وإسعادها ،وهي :السلم.
اصطفيناه :اخترناه لرسالتنا والبلغ عنا ،ومن ثم رفعنا شأنه وأعلينا مقامه.
أسلم :أنقد لمرنا ونهينا ،فاعبدنا وحدنا ول تلتفت إلى غيرنا.
اصطفى لكم الدين :اختار لكم الدين السلمي ورضيه لكم ،فل تموتن 2إل وأنتم مسلمون.
يعقوب :هو إسرائيل ابن إسحق بن إبراهيم ،وبنوه هم :يوسف وأخوته.
أمة خلت :جماعة أمرها واحد .خلت :مضت إلى الدار الخرة.
لها ما كسبت :أجر ما كسبته من الخير.
ولكم ما كسبتم :من خير 3أو غيره.
معنى اليات:
لما ذكر تعالى في اليات السابقة مواقف إبراهيم السليمة الصحيحة عقيدة وإخلصا وعملً صالحا
غبُ عَنْ
وصدقا ووفاءا فوضح بذلك ما كان عليه إبراهيم من الدين الصحيح ،قال تعالىَ { :ومَنْ يَرْ َ
مِلّةِ إِبْرَاهِيمَ} تلك الملة الحنيفية الواضحة السهلة .اللهم ل أحد يرغب عنها إل عبد جهل قدر
نفسه ،ولم يعرف لها حقها في الطهارة والصفاء والكمال والسعاد ،وضمن هذا الخبر ذكر تعالى
إنعامه على إبراهيم وما تفضل به عليه من الصطفاء في الدنيا والسعاد في الخرة في جملة
الصالحين.
وفي الية الثانية ( )131يذكر تعالى إن ذاك إل اصطفاء تم لبراهيم عند استجابته لمر ربه
بالسلم ،حيث أسلم ولم يتردد .وفي الية الثالثة ( )132يذكر تعالى إقامة الحجة على
__________
1سفه نفسه :استخف بقدرها جهلً به .ولذا نصب نفسه لتضمن سفه معنى جهل.
2في قوله{ :فَل َتمُوتُنّ إل وَأَنْتُمْ ُمسِْلمُونَ} إيجاز بليغ ،إذ معناه :الزموا السلم ودموا عليه ول
تفارقوه حتى تموتوا .وجملة{ :وَأَنْ ُتمْ مُسِْلمُونَ} في محل نصب على الحال ،والمعنى :مطيعون
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
خاضعون.
سبُ ُكلّ َنفْسٍ إل عَلَ ْيهَا}.
3فيه معنى{ :وَل تَزِ ُر وَازِ َر ٌة وِزْرَ أُخْرَى} ومعنى {وَل َتكْ ِ
( )1/117
المشركين وأهل الكتاب معا ،إذ ملة السلم القائمة على التوحيد وصى بها إبراهيم بنيه ،كما
وصى بها يعقوب بنيه وقال لهم :ل تموتن إل على السلم ،فأين الوثنية العربية واليهودية
والنصرانية من ملة إبراهيم ،إل فليثب العقلء إلى رشدهم.
وفي الية الرابعة( )133يوبخ تعالى اليهود القائلين كذبا وزورا للنبي صلى ال عليه وسلم :ألست
شهَدَاءَ} أي :كنتم حاضرين لما حضر
تعلم أن يعقوب وصى بنيه باليهودية ،فقال تعالى{ :أَمْ كُنْ ُتمْ ُ
يعقوب الموت فقال لبنيه مستفهما إياهم{ :مَا َتعْبُدُونَ مِنْ َبعْدِي} ؟ فأجابوه بلسان واحدَ { :نعْ ُبدُ إَِل َهكَ
سِلمُونَ}.
سمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَها وَاحِدا 2وَ َنحْنُ لَهُ مُ ْ
وَإِلَهَ آبَا ِئكَ إِبْرَاهِيمَ 1وَإِ ْ
فإن قالوا كنا حاضرين فقد كذبوا وبهتوا ولعنوا ،وإن قالوا لم نحضر بطلت دعواهم أن يعقوب
وصى بنيه باليهودية ،وثبت أنه وصاهم بالسلم ل باليهودية.
وفي الية الخيرة( )134ينهى تعالى جدل اليهود الفارغ فيقول لهم{ :تِ ْلكَ ُأمّةٌ قَدْ خََلتْ} –يعني
إبراهيم وأولده -لها ما كسبت من اليمان وصالح العمال ،ولكم أنتم معشر يهود ما اكتسبتم من
الكفر والمعاصي وسوف ل تسألون يوم القيامة عن أعمال غيركم وإنما تسألون عن أعمالكم
وتجزون بها ،فاتركوا الجدل وأقبلوا على ما ينفعكم في أخرتكم وهو اليمان الصحيح والعمل
الصالح ،ول يتم لكم هذا إل بالسلم ،فاسلموا.
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1ل يرغب عن السلم بتركه أو طلب غيره من الديان إل سفيه ل يعرف قدر نفسه.
-2السلم دين البشرية 3جمعاء ،وما عداه فهي أديان مبتدعة باطلة.
-3استحباب الوصية للمريض يوصي فيها بنيه وسائر أفراد أسرته بالسلم حتى الموت عليه.
-4كذب اليهود وبهتانهم وصدق من قال :اليهود قوم بهت.
__________
1فيه إطلق لفظ الب على العم؛ لن إسماعيل عم ليعقوب وليس بأب له ،وفيه إطلق الب على
الجد أيضا ،ومن هنا ذهب من ذهب إلى أن الجد كالب يحجب الخوة عن الرث؛ لن الب
يحجب الخوة حجب إسقاط.
2أن نوحده باللوهية ،أي :العبادة ول نشرك به في عبادته سواه.
3السلم هو ملة سائر النبياء ،وأن تنوعت أنواع التكليف عندهم ،واختلفت مناهج العمل بينهم،
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إذ السلم هو انقياد ل وخضوع ،ولذا قال الرسول صلى ال عليه وسلم" :نحن معشر النبياء
أولد علت ديننا واحد" .
( )1/118
-5يحسن بالمرء ترك العتزاز بشرف وصلح 1الماضين ،2والقبال على نفسه بتزكيتها
وتطهيرها.
-6سنة ال في الخلق أن المرء يجزى بعمله ،ول يسأل عن عمل غيره.
-7يطلق لفظ الب على العم تغليبا و تعظيما.
{ َوقَالُوا 3كُونُوا هُودا َأوْ َنصَارَى َتهْتَدُوا ُقلْ َبلْ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفا َومَا كَانَ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ()135
ط َومَا
ب وَالَسْبَا ِ
ق وَ َي ْعقُو َ
سحَا َ
ل وَإِ ْ
سمَاعِي َ
قُولُوا آمَنّا بِاللّ ِه َومَا أُنْ ِزلَ إِلَيْنَا َ 4ومَا أُنْ ِزلَ إِلَى إِبْرَاهِي َم وَإِ ْ
أُو ِتيَ مُوسَى وَعِيسَى َومَا أُو ِتيَ النّبِيّونَ مِنْ رَ ّبهِمْ ل ُنفَرّقُ 5بَيْنَ َأحَدٍ مِ ْنهُ ْم وَ َنحْنُ لَهُ ُمسِْلمُونَ()136
سمِيعُ
شقَاقٍ فَسَ َي ْكفِي َكهُمُ اللّ ُه وَ ُهوَ ال ّ
فَإِنْ آمَنُوا ِبمِ ْثلِ مَا آمَنْتُمْ ِبهِ َفقَدِ اهْ َت َدوْا وَإِنْ َتوَلّوْا فَإِ ّنمَا ُهمْ فِي ِ
ا ْلعَلِيمُ( )137صِ ْبغَةَ اللّهِ َومَنْ َأحْسَنُ مِنَ اللّ ِه صِ ْبغَ ًة وَنَحْنُ لَهُ عَا ِبدُونَ(})138
شرح الكلمات:
تهتدوا :تصيبوا طريق الحق.
__________
1وفي الحديث الصحيح" :من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه" ،وفي هذا المعنى قال الشاعر
الحكيم:
ل تقل أصلي وفصلي يا فتى
إنما أصل الفتى ما قد حصل 2ذكر ابن كثير عن ابن إسحاق ابن عبد ال بن صوريا العور
اليهودي قال لرسول ال صلى ال عليه وسلم :ما الهدى إل ما نحن عليه ،فاتبعنا يا محمد تهتد،
وقال النصارى مثل ذلك .فأنزل ال عز وجلَ { :وقَالُوا كُونُوا هُودا َأوْ َنصَارَى َتهْتَدُوا} الية.
3روى البخاري عن أبي هريرة رضي ال عنه قال :كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية
ويفسرونها بالعربية لهل السلم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :ل تصدقوا أهل الكتاب
ول تكذبوهم وقولوا :آمنا بال وما أنزل علينا ،وما أنزل إليكم. "..
4السباط :أولد يعقوب عليهم السلم وهم :اثنا عشر ولدا :يوسف وبنيامين وبوذا ولكل واحد
منهم أمة من الناس .الواحد :سبط والجمع :أسباط ،والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيبلة ،وفي
ولد إسماعيل عليه السلم ،وسموا السباط من السبط ،وهو :التتابع لنهم متتابعون.
5أي :ل نؤمن ببعض ونكفر ببعض كصنيع اليهود والنصارى.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/119
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
3نعم :أنجز ال تعالى وعده لرسوله فكفاه اليهود الذين وطنوا العزم على قتله صلى ال عليه
وسلم ،فحاولوا وخابوا ولم يقدروا إذ كفاه ال تعالى إياهم.
( )1/120
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/121
( )1/122
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شهَا َدةً عِنْ َدهُ مِنَ اللّ ِه َومَا
نعوت الرسول والمر باليمان به عند ظهوره فقالَ { :ومَنْ َأظْلَمُ ِممّنْ كَ َتمَ َ
عمّا َت ْعمَلُونَ}.
اللّهُ ِبغَا ِفلٍ َ
ثم أعاد لهم ما أدبهم به في اليات السابقة مبالغة في تأديبهم وإصلحهم لو كانوا أهلً لذلك،
فأعلمهم أن التمسح بأعتاب الماضين والتشبث بالنسب الفارغة إلى الولين غير مجد لهم ول نافع،
فليقبلوا على إنقاذ أنفسهم من الجهل والكفر باليمان والسلم والحسان ،أما من مضوا فهم أمة قد
أفضوا إلى ما كسبوا وسيجزون به ،وأنتم لكم ما كسبتم وستجزون به ،ول تجزون بعمل غيركم
ول تسألون عنه.
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1فضيلة الخلص وهو عدم اللتفات إلى غير ال تعالى عند القيام بالعبادات.
-2كل امرئ يجزى بعمله ،وغير مسئول عن عمل غيره ،إل إذا كان سببا فيه.
-3اليهودية والنصرانية 1بدعة ابتدعها اليهود والنصارى.
-4تفاوت الظلم بحسب الثار المترتبة عليه.
-5حرمة 2كتمان الشهادة ل سيما شهادة من ال تعالى.
-6عدم التكال على حسب الباء والجداد ووجوب القبال على النفس لتزكيتها وتطهيرها
باليمان الصحيح والعمل الصالح.
__________
1قال تعالى{ :مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ َيهُودِيّا وَل َنصْرَانِيّا وََلكِنْ كَانَ حَنِيفا مُسْلِما} آل عمران.
شهَا َدةَ َومَنْ َيكْ ُت ْمهَا فَإِنّهُ آثِمٌ قَلْ ُبهُ} البقرة.
2إذ قال تعالى{ :وَل َتكْ ُتمُوا ال ّ
( )1/123
الجزء الثاني
س َفهَاءُ مِنَ النّاسِ 2مَا وَلهُمْ عَنْ قِبْلَ ِتهِمُ 3الّتِي كَانُوا عَلَ ْيهَا ُقلْ لِلّهِ ا ْلمَشْرِقُ وَا ْل َمغْرِبُ
{سَ َيقُولُ 1ال ّ
شهَدَاءَ عَلَى النّاسِ
جعَلْنَاكُمْ ُأمّ ًة وَسَطا لِ َتكُونُوا ُ
َيهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ(َ )142وكَذَِلكَ َ
علَ ْيهَا إِل لِ َنعَْلمَ مَنْ يَتّبِعُ الرّسُولَ ِممّنْ
جعَلْنَا ا ْلقِبْلَةَ الّتِي كُ ْنتَ َ
شهِيدا َومَا َ
وَ َيكُونَ الرّسُولُ عَلَ ْيكُمْ َ
عقِبَيْ ِه وَإِنْ كَا َنتْ َلكَبِي َرةً إِل عَلَى الّذِينَ َهدَى اللّ ُه َومَا كَانَ اللّهُ لِ ُيضِيعَ إِيمَا َنكُمْ إِنّ اللّهَ
يَ ْنقَلِبُ عَلَى َ
بِالنّاسِ لَ َرؤُوفٌ َرحِيمٌ(})143
شرح الكلمات:
السفهاء :جمع سفيه ،وهو من به ضعف عقلي لتقليده وإعراضه عن النظر نجم عنه فساد خُلق
وسوء سلوك.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ما ولهم :ما صرفهم عن استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة بمكة.
القبلة :الجهة التي يستقبلها المرء وتكون قبالته في صلته.
أمة وسطا :وسط كل شيء خياره ،والمراد منه أن أمة محمد صلى ال عليه وسلم خير المم
وأعدلها.
ينقلب على عقبيه :يرجع إلى الكفر بعد اليمان.
لكبيرة :شاقة على النفس صعبة ل تطاق إل بجهاد كبير ،وهي التحويلة من قبلة مألوفة إلى قبلة
حديثة.
__________
1هذا إخبار بما سيقوله السفهاء من المنافقين واليهود والمشركين قبل أن يقوله ،وفائدته ،أولً:
تقرير النبوة المحمدية ،إذ هذا إخبار بالغيب فكان كما أخبر ،وثانيا :توطين نفس الرسول صلى ال
عليه وسلم والمؤمنين به حتى ل يضرهم عند سماعه من السفهاء ،لن مفاجأة المكروه أليمة
شديدة ،فإن ذهبت المفاجأة هان المر ،وخف اللم ،وهذا من باب "قبل الرمي يراش السهم".
ومناسبة اليات لما قبلها استمرار الحجاج إلى أنه كان في الصول وأصبح في الفروع.
{ 2من الناس} في محل نصب على الحال ،وال فيه للجنس ليدخل في اللفظ كل سفيه.
3هي بيت المقدس ،ومن جملة ما قالوه سفها واستهزاء التبس عليه أمره وتحير :قد اشتاق محمد
إلى مولده.
( )1/124
إيمانكم :صلتكم التي صليتموها إلى بيت المقدس قبل التحول إلى الكعبة.
رؤوف رحيم :يدفع الضرر عنكم ويفيض الحسان عليكم.
معنى اليتين:
يخبر ال تعالى بأمر يعلمه قبل وقوعه ،وحكمة الخبار به قبل وقوعه تخفيف أثره على نفوس
المؤمنين ،إذ يفقد نقدهم المرير عنصر المفاجأة فيه فل تضطرب له نفوس المؤمنين.
علَ ْيهَا ُقلْ} ؟ وحصل هذا
س َفهَاءُ مِنَ النّاسِ مَا وَلهُمْ عَنْ قِبْلَ ِت ِهمُ الّتِي كَانُوا َ
فقال تعالى{ :سَ َيقُولُ ال ّ
لما حول ال تعالى رسوله والمؤمنين من استقبال بيت المقدس 1في الصلة إلى الكعبة تحقيقا
لرغبة رسول ال صلى ال عليه وسلم في ذلك ولعلة الختبار 2التي تضمنتها الية التالية فأخبر
تعالى بما سيقوله السفهاء من اليهود والمنافقين والمشركين وعلّم المؤمنين كيف يردون على
ق وَا ْل َمغْ ِربُ َي ْهدِي مَنْ يَشَاءُ ِإلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ} فل اعتراض عليه
السفهاء ،فقالُ { :قلْ لِلّهِ ا ْلمَشْ ِر ُ
يوجه عباده حيث يشاء ،ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
جعَلْنَاكُمْ ُأمّةً وَسَطا} خيارا عدولً 3أي :كما هديناكم
وفي الية الثانية( )143يقول تعالىَ { :وكَذَِلكَ َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إلى أفضل قبلة وهي الكعبة قبلة إبراهيم عليه السلم جعلناكم خير أمة وأعدلها فأهلناكم بذلك
للشهادة على المم يوم القيامة إذا أنكروا أن رسلهم قد بلغتهم رسالت ربهم ،وأنتم لذلك ل تشهد
عليكم المم ولكن يشهد عليكم رسولكم ،وفي هذا من التكريم والنعام ما ال به 4عليم .ثم ذكر
جعَلْنَا ا ْلقِبْلَةَ الّتِي كُ ْنتَ عَلَ ْيهَا إِل لِ َنعْلَمَ مَنْ يَتّبِعُ الرّسُول}
تعالى العلة في تحويل القبلة فقالَ { :ومَا َ
فثبت على إيمانه وطاعته وانقياده ل ولرسوله ممن يؤثر فيه نقد السفهاء فتضطرب نفسه ويجازي
السفهاء فيهلك بالردة معهم .ثم أخبر تعالى أن هذه التحويلة من بيت المقدس إلى الكعبة شاقة على
النفس إل على الذين هداهم ال
__________
1إذ صلى المؤمنون قرابة سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس من قبل تحويل ال تعالى القبلة
بهذه اليات التي نزلت في شانها .وروى مالك أن تحويل القبلة كان قبل غزوة بدر بشهرين.
جعَلْنَا ا ْلقِبْلَةَ الّتِي كُ ْنتَ عَلَ ْيهَا إِل لِ َنعْلَمَ مَنْ يَتّبِعُ الرّسُولَ ِممّنْ
2الختبار في قوله تعالىَ { :ومَا َ
عقِبَيْهِ} .
يَ ْنقَلِبُ عَلَى َ
3في هذه الية دليل على صحة الجماع ووجوب الحكم به لعدالة المة بشهادة ربها ،فإذا أجمعت
على أمر وجب الحكم به ،وفي أي عصر من العصور إلى قيام الساعة.
4ومن هذا التكريم أنهم إذا شهدوا على أحدهم بالخير وجبت له الجنة لحديث الصحيح" :مرت
جنازة فأثنى عليها خير ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :وجبت وجبت وجبت" الحديث فسأل
فقال" :من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ،ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار ،أنتم شهداء ال
في الرض".
( )1/125
إلى معرفته ومعرفة محابه ومكارهه فهم لذلك ل يجدون أي صعوبة في النتقال من طاعة إلى
طاعة ومن قبلة إلى قبلة ،ما دام ربهم قد أحب ذلك وأمر به.
وأخيرا طمأنهم تعالى على أجور صلتهم التي صلوها إلى بيت 1المقدس وهي صلة قرابة سبعة
عشر شهرا ل يُضيعها لهم بل يجزيهم بها كاملة سواء من مات منهم وهو يصلي إلى بيت المقدس
أو من حي حتى صلى إلى الكعبة ،وهذا مظهر من مظاهر رأفته تعالى بعباده ورحمته.
هداية اليتين:
من هداية اليتين:
-1جواز النسخ في السلم فهذا نسخ إلى بدل من الصلة إلى بيت المقدس إلى الصلة إلى
الكعبة في مكة المكرمة.
-2الراجيف وافتعال الزمات وتهويل المور شأن الكفار إزاء المسلمين طوال الحياة ،فعلى
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المؤمنين أن يثبتوا ول يتزعزوا حتى يظهر الباطل وينكشف والزيف وتنتهي الفتنة.
-3أفضلية أمة السلم على سائر المم لكونها أمة الوسط والوسطية شعارها.
-4جواز امتحان المؤمن وجريانه عليه.
-5صحة صلة من صلى إلى غير القبلة وهو ل يعلم ذلك وله أجرها وليس عليه إعادتها ولو
صلى شهورا إلى غير القبلة ما دام قد اجتهد في معرفة القبلة ثم صلى إلى حيث أداه اجتهاده.
جدِ
ج َهكَ 3شَطْرَ ا ْلمَسْ ِ
ل وَ ْ
سمَاءِ فَلَ ُنوَلّيَ ّنكَ قِبْلَةً تَ ْرضَاهَا َف َو ّ
ج ِهكَ فِي ال ّ
{قَدْ نَرَى َتقَلّبََ 2و ْ
__________
1ورد في الحديث عن البراء قال :مات قوم كانوا يصلون نحو بيت المقدس ،فقال الناس :ما
حالهم في ذلك ،فأنزل الَ { :ومَا كَانَ اللّهُ لِ ُيضِيعَ إِيمَا َنكُمْ} ورواه الترمذي عن ابن عباس وصححه.
2روى البخارى في سبب نزول هذه الية أن البراء قال :صلينا مع رسول ال صلى ال عليه
وسلم بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس ثم علم ال هوى نبيه ،أي :حبه،
سمَاءِ} الية.
ج ِهكَ فِي ال ّ
ب وَ ْ
فنزلت{ :قَدْ نَرَى َتقَّل َ
3تحويل وجهك :أي :تحويل وجهك ونظرك بعينك إلى السماء تطلعا إلى نزول الوحي بذلك،
لسيما وقد نزلت اليات الولى{ :سيقول} الية ،إذ هي موحية بذلك.
( )1/126
حقّ مِنْ
شطْ َرهُ 2وَإِنّ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ لَ َيعَْلمُونَ أَنّهُ الْ َ
الْحَرَا ِم وَحَ ْيثُ مَا كُنْتُمْ َفوَلّوا وُجُو َهكُمَْ 1
ك َومَا
عمّا َي ْعمَلُونَ( )144وَلَئِنْ أَتَ ْيتَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ ِب ُكلّ آيَةٍ مَا تَ ِبعُوا قِبْلَ َت َ
رَ ّبهِ ْم َومَا اللّهُ ِبغَافِلٍ َ
ض وَلَئِنِ اتّ َب ْعتَ أَ ْهوَا َءهُمْ مِنْ َبعْدِ مَا جَا َءكَ مِنَ ا ْلعِلْمِ
أَ ْنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَ َتهُمَْ 3ومَا َب ْعضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ َب ْع ٍ
إِ ّنكَ إِذا َلمِنَ الظّاِلمِينَ( )145الّذِينَ آتَيْنَا ُهمُ ا ْلكِتَابَ َيعْ ِرفُونَهُ َكمَا َيعْ ِرفُونَ أَبْنَا َءهُ ْم وَإِنّ فَرِيقا مِ ْنهُمْ
حقّ مِنْ رَ ّبكَ فَل َتكُونَنّ مِنَ ا ْل ُممْتَرِينَ(})147
لَ َيكْ ُتمُونَ ا ْلحَقّ وَهُمْ َيعَْلمُونَ( )146الْ َ
شرح الكلمات:
تقلب وجهك في السماء :تردده بالنظر إليها مرة بعد أخرى انتظارا لنزول الوحي.
فلنولينك قبلة ترضاها :فلنحولنك إلى القبلة التي تحبها وهي الكعبة.
فول وجهك شطر المسجد :حول وجهك جهة المسجد الحرام بمكة.
الحرام :بمعنى :المحرم ل يسفك فيه دم ول يقتل فيه أحد.
الشطر :هنا الجهة واستقبال الجهة يحصل به استقبال بعض البيت في المسجد الحرام ،لن
الشطر لغة :النصف أو الجزء مطلقا.
أنه الحق من ربهم :أي تحول القبلة جاء منصوصا عليه في الكتب السابقة.
__________
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
1اختلف في أول صلة صلها رسول ال صلى ال عليه وسلم والمؤمنون إلى الكعبة ،فقيل:
الظهر ،وقيل :العصر ،ولم يرجح أحد القولين ،وقيل :كانت صلة الظهر في مسجد بني سلمة،
المعروف بمسجد القبلتين حتى صلوا بعض الصلة إلى بيت المقدس وبعضها إلى الكعبة ،فسمي
لذلك مسجد القبلتين.
2اختلف في :هل الغائب عن البيت الحرام يصلى إلى عين الكعبة أو إلى جهتها .الصواب أنه
يصلي إلى جهة الكعبة ناويا استقبال البيت ،لن استقبال عين الكعبة معتذر على غير الموجود في
المسجد الحرام ،أما في المسجد الحرام فل تصح صلته إن لم يستقبل عين الكعبة.
( )1/127
( )1/128
وفي الية الثالثة( )146يخبر تعالى أن علماء أهل الكتاب يعرفون أن الرسول حق وأن ما حاء به
هو الحق معرفة تامة كمعرفتهم لبنائهم ،ولكن فريقا كبيرا يكتمون الحق وهم يعلمون إنه الحق،
وفي الية الرابعة( )147يخبر تعالى رسوله بأن ما هو عليه من الدين الحق هو الحق الوارد إليه
من ربه فل ينبغي أن يكون من الشاكين 1بحال من الحوال.
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1وجوب استقبال القبلة في الصلة وفي أي مكان كان المصلي عليه أن يتجه 2إلى جهة مكة.
-2كفر كثير من أهل الكتاب كان على علم إيثارا للدنيا على الخرة.
-3حرمة موافقة المسلمين أهل الكتاب على بدعة من بدعهم الدينية مهما كانت.
-4علماء أهل الكتاب المعاصرون للنبي صلى ال عليه وسلم يعرفون أنه النبي المبشر به وأنه
النبي الخاتم وأعرضوا عن اليمان به وعن متابعته إيثارا للدنيا على الخرة.
جمِيعا إِنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ
جهَةٌ ُهوَ ُموَلّيهَا فَاسْتَ ِبقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا َتكُونُوا يَ ْأتِ ِبكُمُ اللّهُ َ
{وَِل ُكلّ 3وِ ْ
ك َومَا
حقّ مِنْ رَ ّب َ
جدِ الْحَرَا ِم وَإِنّهُ َللْ َ
شطْرَ 4ا ْلمَسْ ِ
ج َهكَ َ
ل وَ ْ
جتَ َفوَ ّ
شيْءٍ قَدِيرٌ(َ )148ومِنْ حَ ْيثُ خَ َر ْ
َ
__________
حقّ مِنْ رَ ّبكَ فَل َتكُونَنّ مِنَ ا ْل ُممْتَرِينَ} يقال :امترى .فلن في كذا إذا
1هذا تفسير قوله تعالى{ :الْ َ
اعتراه اليقين مرة والشك مرة أخرى فلدافع أحدهما بالخر ،ومنه المتراء ،لن كل واحد يشك
في قول صاحبه ،والمتراء :الشك.
2روي عن ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :البيت قبلة لهل المسجد ،والمسجد
قبلة لهل الحرم ،والحرم قبلة لهل الرض في مشارقها ومغاربها من أمتي" .
3الوجهة :من المواجهة وهي الجهة والوجه كلها بمعنى واحد ،ومفعول موليها محذوف أي
وجهة ،أو يكون موليها بمعنى متوليها وحينئذ فل حذف ول تقدير.
4اختلف في الجهة التي كان الرسول صلى ال عليه وسلم يستقبلها في مكة قبل الهجرة ،والراجح
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أنه كان يجعل الكعبة أمامه وهو متجه إلى الشام ،بمعنى أنه يصلي بين الركنين اليمانيين ،ولما
قدم المدينة صلى إلى بيت المقدس حتى حول إلى الكعبة ،وهل كان استقباله بيت المقدس باجتهاد
منه أو بوحي ،الظاهر أنه باجتهاد منه صلى ال عليه وسلم.
( )1/129
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والمنافقون والمشركون حول تحويل القبلة.
3الخشية :مرادفة للخوف ،والخوف هو فزع في القلب تخف له العضاء ،ولخفة العضاء به
سمي خوفا.
( )1/131
لتم نعمتي عليم بهدايتكم إلى أحسن الشرائع وأقومها ،ولهيئكم لكل خير وكمال مثل ما أنعمت
عليكم بإرسال رسولي ،يزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ،ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمونه من أمور
الدين والدنيا معا ،وفي الية الخيرة( )152أمر تعالى المؤمنين بذكره وشكره ،ونهاهم عن نسيانه
شكُرُوا لِي وَل َت ْكفُرُونِ} 1لما في ذكره بأسمائه وصفاته
وكفره ،فقال تعالى{ :فَا ْذكُرُونِي أَ ْذكُ ْركُ ْم وَا ْ
ووعده ووعيده من موجبات محبته ورضاه ولما في شكره بإقامة الصلة وأداء سائر العبادات من
مقتضيات رحمته وفضله ،ولما في نسيانه وكفرانه من التعرض لغضبه وشديد عقابه وأليم عذابه.
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1العراض عن جدل المعاندين ،والقبال على الطاعات تنافسا فيها وتسابقا إليها إذ هو أنفع
وأجدى من الجدل والخصومات مع من ل يرجى رجوعه إلى الحق.
-2وجوب استقبال القبلة في الصلة وسواء كان في السفر أو في الحضر إل أن المسافر يجوز
أن يصلي النافلة حيث توجهت دابته أو طيارته أو سيارته إلى القبلة وإلى غيرها.
-3حرمة خشية الناس 2ووجوب خشية ال تعالى.
-4وجوب شكر ال تعالى على نعمه الظاهرة والباطنة.
-5وجوب 3تعلم العلم الضروري ليتمكن العبد من عبادة ال عبادة تزكي نفسه.
-6وجوب 4ذكر ال بالتهليل والتكبير والتسبيح ووجوب شكره بطاعته.
-7حرمة نسيان ذكر ال ،وكفران نعمه بترك شكرها.
{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا اسْ َتعِينُوا بِالصّبْرِ وَالصّلةِ إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ(})153
__________
1ورد في الصحيح أن ال تعالى يقول " :من ذكرني في نفسي ذكرته في نفسي ،ومن ذكرني في
مل ذكرته في مل خير منه" والمراد من المل :الخير ،الملئكة ،وورد " :أنا مع عبدي إذا هو
ذكرني وتحركت بي شفتاه" .وقال معاذ بن جبل" :ما عمل ابن آدم عملً أنجى له من عذاب ال
من ذكر عز وجل".
2في هذا إبطال للتقية التي جعلها الروافض من أصول دينهم.
3شاهده من السنة قوله صلى ال عليه وسلم" :طلب العلم فريضة على كل مسلم" وهو حديث
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
صحيح السناد.
4شاهده من القرآنك {يا أيها الذين أمنوا اذكروا ال ذكرا كثيرا} الحزاب
( )1/132
شيْءٍ 1مِنَ
شعُرُونَ( )154وَلَنَبُْلوَ ّنكُمْ بِ َ
{وَل َتقُولُوا ِلمَنْ ُيقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ َأ ْموَاتٌ َبلْ َأحْيَا ٌء وََلكِنْ ل تَ ْ
س وَال ّثمَرَاتِ وَبَشّرِ 2الصّابِرِينَ( )155الّذِينَ ِإذَا َأصَابَ ْتهُمْ
ف وَالْجُوعِ وَنَ ْقصٍ مِنَ الَْأ ْموَالِ وَالْأَ ْنفُ ِ
خ ْو ِ
الْ َ
حمَ ٌة وَأُولَ ِئكَ ُهمُ
جعُونَ( )156أُولَ ِئكَ عَلَ ْيهِ ْم صََلوَاتٌ مِنْ رَ ّبهِ ْم وَرَ ْ
ُمصِيبَةٌ قَالُوا إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ رَا ِ
ا ْل ُمهْتَدُونَ(})157
شرح الكلمات:
الستعانة :طلب المعونة والقدرة على القول أو العمل.
الصبر :حمل النفس على المكروه وتوطينها على احتمال المكاره.
الشعور :الحساس بالشيء المفضي إلى العلم به.
البتلء :الختبار والمتحان لظهار ما عليه الممتحن من قوة أو ضعف.
الموال :جمع مال وقد يكون ناطقا وهو المواشي ،ويكون صامتا وهو النقدان وغيرها.
المصيبة :ما يصيب العبد من ضرر في نفسه أو أهله أو ماله.
الصلوات :جمع صلة وهي من ال تعالى هنا المغفرة لعطف الرحمة عليها.
ورحمة :الرحمة :النعام وهو جلب ما يسر ،ودفع ما يضر ،وأعظم ذلك دخول الجنة بعد النجاة
من النار.
المهتدون :إلى طريق السعادة والكمال بإيمانهم وابتلء ال تعالى لهم وصبرهم على ذلك.
معنى اليات:
نادى الرب تعالى عباده المؤمنين وهم أهل ملة السلم المسلمون ليرشدهم إلى
__________
1لفظ شيء يدل على تهويل الفاجعة الدال عليها الخوف والجوع وما بعدهما كما يدل أيضا على
أن ما يبتليهم به من ذلك هو هين فل يقاس بما يصيب به أهل عداوته من أهل الشرك والكفر
والفسق إذا أخذهم بذنوبهم.
2أسند التبشير إلى الرسول صلى ال عليه وسلم؛ لنه متأهل له بالرسالة فغيره ل يملكه ،وقد ل
يصدق فيه ،كما أن اللفظ دال على سمو مقامه صلى ال عليه وسلم.
( )1/133
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ما يكون عونا لهم على الثبات على قبلتهم التي اختارها لهم ،وعلى ذكر ربهم وشكره وعدم
نسيانه وكفره فقال{ :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا اسْ َتعِينُوا} أي على ما طلب منكم من الثبات والذكر
والشكر ،وترك النسيان والكفر بالصبر الذي هو توطين النفس وحملها على أمر ال تعالى به
وبإقام الصلة ،وأعلمهم أنه مع الصابرين يمدهم بالعون والقوة ،فإذا صبروا نالهم عون ال تعالى
وتقويته وهذا ما تضمنته الية الولى( .)153أما الية الثانية( )154فقد تضمنت نهيه تعالى لهم
أن يقولوا معتقدين أن من قتل في سبيل ال إذ هو حي في البرزخ وليس بميت ،بل هو حي يرزق
في الجنة كما قال صلى ال عليه وسلم" :أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في
الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش"( .رواه مسلم) .فلذا ل يقال لمن قتل في
سبيل ال :مات 1ولكن استشهد وهو شهيد وحي عند ربه حياة ل نحسها ول نشعر بها بمفارقتها
للحياة في هذه الدار .وأما الية الثالثة( )155فإنه يقسم 2تعالى لعباده المؤمنين على أنه يبتليهم
بشيء من الخوف 3بواسطة أعداءه وأعدائهم وهم الكفار عندما يشنون الحروب عليهم وبالجوع
لحصار العدو ولغيره من السباب ،وبنقص الموال الماشية للحرب والقحط ،وبالنفس؛ كموت
الرجال ،وبفساد الثمار بالجوائح ،كل ذلك لظهار من يصبر على إيمانه وطاعة ربه بامتثال أمره
واجتناب نهيه ،ومن ل يصبر فيحرم ولية ال وأجره ،ثم أمره رسوله بأن يبشر الصابرين ،وبين
في الية الرابعة( )156حال الصابرين وهي أنهم إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا ل ،فله أن يصيبنا
بما شاء لن ملكه وعبيده ،وإن إليه راجعون بالموت ،فل جزع إذا ولكن تسليم لحكمه 4ورضا
بقضاءه وقدره ،وفي الية الخامسة( )157أخبر تعالى مبشرا أولئك الصابرين بمغفرة ذنوبهم
وبرحمة من ربهم ،وإنهم المهتدون إلى سعادتهم وكمالهم ،فقال{ :أُولَ ِئكَ عَلَ ْيهِ ْم صََلوَاتٌ مِنْ رَ ّبهِمْ
حمَ ٌة وَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْل ُمهْتَدُونَ} .
وَرَ ْ
__________
1ل يقال لمن قتل في سبيل ال مات ،بمعنى انقطعت عنه الحياة والشهيد لم يمت وإنما انتقل من
حياة ناقصة إلى حياة كاملة دائمة ،كما أن لفظ الموت مفزع للنسان فإذا دارت المعركة وسقط
الشهداء ،وقيل :مات فلن وفلن يؤثر ذلك في نفس من سمع كلمة :الموت ،ولذا ل يقال :مات،
ولكن :استشهد.
2دل على القسم :اللم في قولهَ { :ولَنَبُْلوَ ّنكُمْ} إذ هي موطئة للقسم كأنما قال :وعزتي وجللي
لنبلونكم ..إلخ.
3من فسر الخوف بالخوف من ال ،والجوع :بالصيام ،ونقص من الموال :بالزكاة لم يخطأ،
ولكن ما فسرت به الية هو الصواب الحق الذي عليه أئمة التفسير.
4روى أحمد والترمذي عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين بن علي رضي ال عنهما أن
النبي صلى ال عليه وسلم قال" :ما من مسلم ول مسلمة يصاب بمصيبة فيذكرها وإن طال عهدها
فيحدث لذلك استرجاعا إل جدد ال له عند ذلك فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب" .
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/134
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1فضيلة الصبر والمر به والستعانة بالصبر والصلة على المصائب والتكاليف في الحديث
كان النبي صلى ال عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلة.
-2فضل الشهداء على غيرهم بحياتهم عند ربهم حياة أكمل من حياة غيرهم في الجنة.
-3قد يبتلى المؤمن بالمصائب في النفس والهل والمال فيصبر فترتفع درجته ويعلو مقامه عند
ربه.
جعُونَ} وفي الصحيح يقول
-4فضيلة السترجاع عند المصيبة وهو قول{ :إِنّا لِلّ ِه وَإِنّا إِلَ ْيهِ رَا ِ
جعُونَ} اللهم أجرني
صلى ال عليه وسلم" :ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول { :إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ رَا ِ
في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إل آجره ال في مصيبته وأخلف له خيرا منها" (رواه مسلم).
ط ّوفَ ِب ِهمَا َومَنْ
شعَائِرِ اللّهِ َفمَنْ حَجّ الْبَ ْيتَ َأوِ اعْ َتمَرَ فَل جُنَاحَ عَلَ ْيهِ أَنْ يَ ّ
{إِنّ الصّفَا 1وَا ْلمَ ْر َوةَ مِنْ َ
ط ّوعَ خَيْرا فَإِنّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ(})158
تَ َ
شرح الكلمات:
الصفا والمروة : 2جبل مقابل البيت في الجهة الشرقية الجنوبية ،والمروة :جبل آخر مقابل الصفا
من الجهة الشمالية والمسافة بينهما قرابة ()760ذراعا.
شعائر ال :أعلم دينية جمع شعيرة ،وهي العلمة على عبادة ال تعالى ،فالسعي بين الصفا
والمروة شعيرة لنه دال على طاعة ال تعالى.
الحج : 3زيارة بيت ال تعالى لداء عبادات معينة تسمى نسكا.
__________
1أخرج البخاري عن عاصم ابن سليمان قال :سألت أنس بن مالك عن الصفا والمروة فقال :كنا
نرى أنهما من أمر الجاهلية فلما كان السلم أمسكنا عنهما فأنزل ال عز وجل{ :إِنّ الصّفَا
ط ّوفَ ِب ِهمَا} .
علَيْهِ أَنْ َي ّ
شعَائِرِ اللّهِ َفمَنْ حَجّ الْبَ ْيتَ َأوِ اعْ َتمَرَ فَل جُنَاحَ َ
وَا ْلمَ ْروَةَ مِنْ َ
2الصفا :لغة :جمع صفاه ،وتجمع على :صفي وأصفاء ،مثل :أرجاء :الحجارة الملساء الصلبة
البيضاء .والمروة :واحدة المرور وهي الحجارة الصغار التي فيها لين.
3الحج :لغة :القصد ،والعمرة :الزيارة ،وشاهد الحج القصد قول الشاعر:
فاشهد من عوف حلولً كثيرة ...يحجون سب الزبرقان المعصفرة
الحلول :الجماعة الكثيرة ،ويحجون بمعنى :يقصدون.
( )1/135
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
العمرة :زيارة بيت ال تعالى للطواف به والسعي بين الصفا والمروة والتحلل بحلق شعر الرأس
أو تقصيره.
الجناح :الثم وما يترتب على المخالفة بترك الواجب أو بفعل المنهي عنه.
يطوف :يسعى بينهما ذاهبا جائيا.
خيرا :الخير :اسم لكل ما يجلب المسرة ،ويدفع المضرة ،والمراد به هنا العمل الصالح.
معنى الية الكريمة:
يخبر ال تعالى مقررا فريضة 1السعي بين الصفا والمروة ،ودافعا ما توهمه بعض المؤمنين من
وجود إثم في السعي بينهما نظرا إلى أنه كان في الجاهلية على الصفا صنم يقال له :إساف ،وآخر
صفَا
على المروة يقال له :نائلة ،يتمسح بهما من يسعى بين الصفا والمروة ،فقال تعالى{ :إِنّ ال ّ
وَا ْلمَ ْروَةَ} يعني السعي بينهما من شعائر ال :أي عبادة من عبادته إذ تعبد بالسعي بينهما نبينه
إبراهيم وولده إسماعيل والمسلمون من ذريتهما .فمن حج البيت لداء فريضة الحج أو اعتمر
لداء واجب العمرة فليسعى بينهما أداءً لركن الحج والعمرة ول إثم عليه في كون المشركين كانوا
يسعون بينهما لجل الصنمين :إساف ونائلة.
ثم أخبر تعالى واعدا عباده المؤمنين أن من يتطوع منهم بفعل خير من الخيرات يجزه به ويثبه
عليه ،لنه تعالى يشكر لعباده المؤمنين أعمالهم الصالحة ويثيبهم عليها لعلمه بتلك العمال ونيات
طوّعَ خَيْرا فَإِنّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} .
أصحابها ،هذا معنى قوله تعالىَ { :ومَنْ َت َ
هداية الية الكريمة:
من هداية هذه الية:
-1وجوب السعي بين الصفا 2والمروة لكل من طاف بالبيت حاجا أو معتمرا ،وقد قال رسول
ال صلى ال عليه وسلم" :اسعوا فإن ال كتب عليكم السعي" ( .3رواه الدارقطني ،ولم يعل)
وسعى
__________
1السعي :ركن الحج عند مالك ،وأحمد والشافعي ولم يره ركنا أبو حنيفة ،وما ذهب إليه
الجمهور هو الذي يؤخذ به لحديث" :اسعوا فإن ال كتب عليكم السعي" ،وكتب بمعنى :فرض
لغة ،وشرعا.
2من ترك السعي وسافر ،يعود إليه محرما فيطوف بالبيت ويسعى بحكم أنه فرض وركن ،ومن
قال بوجوبه دون ركنيته يجزئه ذبح شاة.
3وفي الصحيح أن النبي صلى ال عليه وسلم خرج من باب الصفا بعد أن طاف بالبيت وهو
يقول" :إن الصفا والمرة من شعائر ال" ثم قال" :أبدأ بما بدأ ال به " فدل هذا على وجوب البدء
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
في السعي بالصفا قبل المروة ،ودل فعلة صلى ال علية وسلم على أن السعى سبعة اشواط
لينقص وليزيد.
( )1/136
( )1/137
( )1/138
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1حرمة كتمان العلم وفي الحديث الصحيح" :من كتم علما ألجمه ال بلجام من نار" .وقال أبو
هريرة رضي ال عنه في ظروف معينة" :لول آية من كتاب ال ما حدثتكم حديثا" وتل{ :إِنّ الّذِينَ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
َيكْ ُتمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيّنَاتِ} إلخ...
-2يشترط لتوبة من أفسد في ظلمه وجهله إصلح ما أفسد ببيان ما حرف أو بدل وغيره،
وإظهار ما كتم ،وأداء ما أخذه بغير الحق.
-3من كفر ومات على كفره من سائر الناس يلقى في جهنم بعد موته خالدا في العذاب مخلدا ل
يخفف عنه ول ينظر فيعتذر ،ول يفتر عنه العذاب فيستريح.
-4جواز لعن 1المجاهرين بالمعاصي؛ كشراب الخمر ،والمرابين ،2والمتشبهين من الرجال
بالنساء ومن النساء بالرجال.
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ وَاخْتِلفِ
حمَنُ الرّحِيمُ( )163إِنّ فِي خَلْقِ ال ّ
ح ٌد ل إِلَهَ إِل ُهوَ الرّ ْ
{وَإَِل ُهكُمْ إَِل ٌه وَا ِ
سمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا
س َومَا أَنْ َزلَ اللّهُ مِنَ ال ّ
ل وَال ّنهَارِ وَالْفُ ْلكِ الّتِي تَجْرِي فِي الْ َبحْرِ ِبمَا يَ ْنفَعُ النّا َ
اللّ ْي ِ
سمَاءِ
سخّرِ بَيْنَ ال ّ
ح وَالسّحَابِ ا ْلمُ َ
بِ ِه الَ ْرضَ َبعْدَ َموْ ِتهَا وَ َبثّ فِيهَا مِنْ ُكلّ دَابّ ٍة وَ َتصْرِيفِ الرّيَا ِ
ض لياتٍ ِل َقوْمٍ َي ْعقِلُونَ(})164
وَالَرْ ِ
شرح الكلمات:
الله :المعبود بحق 3أو باطل ،وال سبحانه وتعالى هو الله الحق المعبود بحق.
__________
1فإن قيل :ما كل الناس يلعنونهم .فالجواب :إما أن يكون من باب تغليب الكثر على القل ،وإما
ض وَيَ ْلعَنُ َب ْعضُكُمْ َبعْضا} .
ضكُمْ بِ َب ْع ٍ
أن يكون يوم القيامة لقوله تعالى{ :ثُمّ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َيكْفُرُ َب ْع ُ
2لكن ل على سبيل التعيين ،وإنما على العموم؛ كلعن ال آكل الربا مثلً.
3لم يرد في القرآن لفظ الله إل ال سبحانه وتعالى ،وأما إله بالتنكير فكثير.
( )1/139
وإلهكم إله واحد :في ذاته وصفاته ،وفي ربوبيته فل خالق ول رازق ول مدبر للكون والحياة إل
هو وفي ألوهيته أي في عبادته فل معبود بحق سواه.
اختلف الليل والنهار :بوجود أحدهما وغياب الثاني لمنافع العباد بحيث ل يكون النهار دائما ول
الليل دائما.
وبث فيها من كل دابة :وفرق في الرض ونشر فيها من سائر أنواع الدواب.
تصريف الرياح :باختلف مهابها مرة صبا ،ومرة دبور ،ومرة شمالية ،ومرة غربية ،أو مرة
ملقحة ،ومرة عقيم.
معنى اليتين:
لما أوجب ال على العلماء بيان العلم والهدى وحرم كتمانهما أخبر أنه الله الواحد الرحمن
الرحيم ،وأن هذا أول ما على العلماء أن يبينوه للناس وهو توحيده تعالى في ربوبيته وعبادته،
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وأسمائه وصفاته ،ولما سمع بعض المشركين تقرير هذه الحقيقة :وإلهكك إله واحد ،قالوا :هل من
سمَاوَاتِ
دليل –يريدون على أنه ل إله إل ال -1فانزل ال تعالى هذه الية{ :إِنّ فِي خَ ْلقِ ال ّ
وَالَرْضِ} إلى قولهَ { :ي ْعقِلُونَ} مشتملة على ست آيات كونية كل آية برهان ساطع ودليل قاطع
على وجود ال وقدرته وعلمه وحكمته ،وهي كلها موجبة لعبادته وحده دون من سواه.
الولى :خلق السموات 2الرض وهو خلق عظيم ل يتأتى إل للقادر الذي ل يعجزه شيء.
الثانية :اختلف الليل والنهار بتعاقبهما وطول هذا وقصر ذاك.
الثالثة :جريان 3الفلك –السفن -في البحر على ضخامتها وكبرها وهي تحمل مئات الطنان من
الرزاق وما ينتفع به الناس في حياتهم.
الرابعة :إنزاله تعالى المطر من السماء لحياة الرض بالنباتات والزروع بعد جدبها وموتها.
__________
1جملة ل إله إل ال أولها كفر وآخرها إيمان ،لن أولها نفي لكل إله ،وآخرها إثبات اللوهية ل
سبحانه وتعالى وحده دون سواه.
2جمع لفظ :السموات؛ لنها أجسام متباينة ،وأفرد لفظ الرض؛ لنها نوع واحد من تراب طبقة
فوق أخرى.
3في الية دليل على جواز ركوب البحر للجهاد والحج والتجارة إل في حالة غلبت الهلك
الطارئ ،فإنه ل يجوز ،وحديث أم حرام في الموطأ وغيره دليل على الجواز للنساء كالرجال.
( )1/140
الخامسة :تصريف الرياح 1حارة وباردة ملقحة وغير ملقحة ،شرقية وغربية وشمالية وجنوبية
بحسب حاجة الناس وما تطلبه حياتهم.
السادسة :السحاب 2المسخر بين السماء والرض تكوينه وسوقه من بلد إلى آخر ليمطر هنا ول
يمطر هناك حسب إرادة العزيز الحكيم.
ففي هذه اليات الست أكبر برهان وأقوى دليل على وجود ال تعالى وعلمه وقدرته وحكمته
ورحمته ،وهو لذلك رب العالمين وإله الولين والخرين ول رب غيره ،ول إله سواه.
إل أن الذي يجد هذه الدلة ويراها ماثلة في اليات المذكورة هو العاقل ،أما من ل عقل له؛ لنه
عطل عقله فلم يستعمله في التفكير والفهم والدراك ،واستعمل بدل العقل الهوى فإنه أعمى ل
يبصر شيئاَ وأصم ل يسمع شيئا ،وأحمق ل يعقل شيئا ،والعياذ بال تعالى.
هداية اليتين:
من هداية اليتين:
-1ل إله إل ال فل تصح العبادة لغير ال تعالى ،لنه ل إله حق 3إل هو.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-2اليات الكونية في السموات والرض تثبت وجود ال تعالى ربا وإلها موصوفا بكل كمال
منزها عن كل نقصان.
-3اليات التنزيلية القرآنية 4تثبت وجود ال ربا وإليها وتثبت النبوة المحمدية وتقرر رسالته
صلى ال عليه وسلم.
-4النتفاع باليات مطلقا –آيات الكتاب أو آيات الكون -خاص بمن يستعملون عقولهم دون
أوهوائهم.
حبّ اللّهِ
{ َومِنَ النّاسِ مَنْ يَتّخِذُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَ ْندَادا يُحِبّو َنهُمْ َك ُ
__________
1نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن سب الريح ،فقد روى ابن ماجة أن النبي صلى ال
عليه وسلم قال" :ل تسبوا الريح فإنها من روح ال ،تأتي بالرحمة والعذاب ،ولكن سلوا ال من
خيرها وتعوذوا بال من شرها" .
2سمي السحاب :سحابا لنه يسحب من موضع إلى آخر ،أي من بلد إلى بلد آخر.
3في بعض تلبية الرسول صلى ال عليه وسلم" :لبيك إله الحق لبيك".
4اليات الكونية :هي المنسوبة إلى الكون الذي هو الخلق الذي كونه ال تعالى فكان وذلك
السموات والرض وما فيهما وما بينهما من سائر المخلوقات واليات التنزيلية هي المنسوبة إلى
القرآن المنزل من ال على رسوله صلى ال عليه وسلم.
( )1/141
( )1/142
يوجد ناس يتخذون من دون 1ال آلهة أصناما ورؤساء يحبونهم 2كحبهم 3ل تعالى ،أي يسوون
4بين حبهم وحب ال تعالى ،والمؤمنون أشد منهم حبا ل تعالى ،كما أخبر تعالى أنه لو يرى
المشركون عند معاينتهم العذاب يوم القيامة لرأوا أمرا فظيعا يعجز الوصف عنه ،ولعلموا أن
القوة ل وأن ال شديد العذاب إذ تبرأ المتبعون وهم الرؤساء الظلمة دعاة الشرك والضللة من
متبوعيهم الجهلة المقلدين وعاينوا 5العذاب أمامهم وتقطعت لك الروابط التي كانت تربط بينهم،
وتمنى التابعون العودة إلى الحياة الدنيا لينتقموا من رؤسائهم في الضللة فيتبرءوا منهم في الدنيا
كما تبرءوا منهم في الخرة ،وكما أراهم ال تعالى العذاب فعاينوه ،يريهم أعمالهم القبيحة من
الشرك والمعاصي فتعظم حسرتهم ويشتد كربهم ويدخلون بها النار فل يخرجونهم منها أبدا.
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1وجوب حب 6ال وحب كل ما يُحب ال عز وجل بحبه تعالى.
-2من الشرك الحب 7مع ال تعالى ،ومن التوحيد الحب بحب ال عز وجل.
-3يوم القيامة تنحل جميع الروابط من صداقة ونسب ولم تبق إل رابطة اليمان والخوة فيه.
-4تبرؤ 8رؤساء الشرك والضلل ودعاة الشر والفساد ممن أطاعوهم في الدنيا واتبعوهم على
الظلم والشر والفساد ،وليس بنافعهم ذلك شيئا.
{يَا أَ ّيهَا 9النّاسُ كُلُوا ِممّا فِي الْأَ ْرضِ حَللً طَيّبا وَل تَتّ ِبعُوا
__________
1دون :تكون بمعنى غير وسوى ،ول يطرد ،إذ أصلها إنها ظرف مكان ،نحو :جلست دونك،
وتكون بمعنى :الرديء ،تقول :هذا التمر :دون.
2فالية الكريمة تعني :المشركين عبدة الوثان ورؤساء أهل الكتاب ،لقوله :يحبونهم ،وهي عامة
في كل من يحب غير ال تعالى من مخلوقاته وحب ال تعالى ،إذ الحب إما أن يكون ل وإل فهو
شرك في حب ال تعالى.
3وذلك لنهم كانوا يدعون ال في الشدة ،ويعظمون حرمات الحرم ،والشهر الحرم ،فلذا هم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يحبون ال تعالى ولكن يحبون آلهتهم ورؤسائهم أكثر من حب ال تعالى لجهلهم به سبحانه
وتعالى.
4لحديث ابن مسعود في الصحيح" :قلت أي الذنب أعظم يا رسول ال؟ قال :أن تجعل ل ندا وهو
خلقك" .
5معاينة العذاب تكون عند الموت وعند العرض والمسائلة يوم القيامة.
6الحديث الصحيح" :أحب ال لما يغذوكم من النعم ،وأحبوني بحب ال".
7الحب :حبان :حب عبادة ،وهذا ل يكون إل ل تعالى .وحب غريزة؛ كحب الطعام والشراب،
وسائر الملذ ،فهذا يجب القصد فيه وعدم الفراط فقط ،وخير الحب ما كان لجل ال تعالى.
8وشواهد هذا في غير آية من القرآن كقوله تعالى { :تَبَرّأْنَا إِلَ ْيكَ مَا كَانُوا إِيّانَا َيعْبُدُونَ} .
9قيل :هذه الية نزلت في ثقيف ،وخزاعة ،وبني مدلح ،إذ حرموا من النعام ماحرموا ،وعلى
كل فهي عامة في كل من حرم غير ما حرم ال تعالى.
( )1/143
( )1/144
الَرْض} ،وهوِ عطاؤه وإفضاله ،حللً طيبا 1حيث أذن لهم فيه ،وأما ما لم يأذن لهم فيه فإنه ل
خير لهم في أكله لما فيه من الذي لبدانهم وأرواحهم معا ،ثم نهاهم عن اتباع آثار عدوه وعدوهم
فإنهم إن اتبعوا خطواته قادهم إلى حيث شقاؤهم وهلكهم ،وأعلمهم وهو ربهم أن الشيطان ل
يأمرهم إل بما يضر أبدانهم وأرواحهم والسوء وهو كل ما يسوء النفس والفحشاء وهي أقبح
الفعال وأردى الخلق وأفظع من ذلك أن يأمرهم بأن يكذبوا على ال فيقولوا عليه ما ل يعلمون
فيحرمون ويحللون ويشرعون باسم ال ،وال في ذلك بريء ،وهذه قاصمة الظهر والعياذ بال
تعالى ،حتى إذا أعرضوا عن إرشاد ربهم واتبعوا خطوات الشيطان عدوهم ففعلوا السوء وارتكبوا
الفواحش وحللوا وشرعوا ما لم يأذن به ال ربهم ،وقال لهم رسول ال اتبعوا ما أنزل ال قالوا ل،
بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ،يا سبحان ال يتبعون ما وجدوا عليه آباءهم ولو كان باطلً ،أيقلدون
2آباءهم ولو كان آباءهم ل يعقلون شيئا من أمور الشرع والدين ،ول يهتدون إلى ما فيه الصلح
والخير.
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1وجوب طلب الحلل والقتصار على العيش منه ولو كان ضيقا قليلً.
-2الحلل ما أحل ال ،والحرام ما حرمه ال تعالى فل يستقل العقل بشيء من ذلك.
-3حرمة اتباع مسالك الشيطان وهي كل معتقد أو قول أو عمل نهى ال تعالى عنه.
-4وجوب البتعاد عن كل سوء وفحش لنهما مما يأمر بهما الشيطان.
-5حرمة تقليد من ل علم له ول بصيرة في الدين.
-6جواز اتباع أهل العلم والخذ بأقوالهم وآرائهم المستقاة من الوحي اللهي الكتاب والسنة.
__________
1يصح إعراب{ :حَللً طَيّبا} على إنهما حالن من { ِممّا فِي الَ ْرضِ} ويصح أيكون طيبا :صفة
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لحلل ،كما يصح أن يكون حللً مفعول لكلوا.
2استدل بهذه الية على حرمة التقليد في العقائد مطلقا ،أما في الفروع فهو أهون ،والتقليد هو
قبول الحكم بل دليل ول حجة.
( )1/145
فقال تعالىَ { :ومَ َثلُ الّذِينَ َكفَرُوا} في جمودهم وتقليد آبائهم في الشرك والضلل كمثل غنم 1ينعق
بها راعيها فهو إذا صاح فيها داعيا لها أو مناديا لها سمعت الصوت وأجابت ولكن ل تدري لماذا
دعيت ول لماذا نوديت لفقدها العق .وهذا المثل صالح لكل من يدعو أهل الكفر والضلل إلى
اليمان والهداية فهو مع من يدعوهم من الكفرة والمقلدين والضلل الجامدين كمثل الذي نعق
إلخ....
هداية الية:
من هداية الية الكريمة:
-1تسلية الدعاة إلى ال تعالى عندما يواجهون المقلدة من أهل الشرك والضلل.
-2حرمة التقليد لهل الهواء والبدع.
-3وجوب طلب العلم والمعرفة حتى ل يفعل المؤمن ول يترك إل على علم بما فعل وبما ترك.
-4ل يتابع إل أهل العلم والبصيرة في الدين؛ لن اتباع الجهال يعتبر تقليدا.
شكُرُوا لِلّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ َتعْ ُبدُونَ( )172إِ ّنمَا
{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا كُلُوا 2مِنْ طَيّبَاتِ مَا رَ َزقْنَاكُ ْم وَا ْ
حمَ ا ْلخِنْزِي ِر َومَا أُ ِهلّ بِهِ ِلغَيْرِ اللّهِ َفمَنِ اضْطُرّ غَيْرَ بَاغٍ وَل عَادٍ فَل
حَرّمَ عَلَ ْيكُمُ ا ْلمَيْ َتةَ 3وَالدّ َم وَلَ ْ
غفُورٌ َرحِيمٌ(})173
إِثْمَ عَلَ ْيهِ إِنّ اللّهَ َ
__________
1يقال :نعق الغراب ،ونغق بالغين ،ونعق ،نعق إذا صوت من غير أن يمد عنقه ويحركها ،ونغق
بمعناه ،فإذا مد عنقه وحركها ثم صاح ،قيل فيه نعب.
2أخرج مسلم قول النبي صلى ال عليه وسلم" :يا آيها الناس إن ال طيب ل يقبل إل طيبا ،وإن
عمَلُوا صَالِحا
سلُ كُلُوا مِنَ الطّيّبَاتِ وَا ْ
ال أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال { :يَا أَ ّيهَا الرّ ُ
إِنّي ِبمَا َت ْعمَلُونَ عَلِيمٌ} ،وقال{ :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيّبَاتِ مَا رَ َزقْنَا ُكمْ }..الية .ثم ذكر
الرجل يطيل الرجل ،أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ،ومطعمه حرام ومشربه حرام
وملبسه حرام ،وغذي بالحرام ،فأنى يستجاب لذلك؟! ".
3الميت والميتة بتسكين الياء :هو مات قطعا وانتهت حياته ،والميت ،والميتة بتشديد الياء :وهو
ما لم يمت بعد ولكنه آيل أمره إلى الموت ،هكذا يرى أرباب اللغة واستشهدوا بقول ال تعالى
لرسوله{ :إِ ّنكَ مَ ّيتٌ وَإِ ّنهُمْ مَيّتُونَ} الية ،وهذا دليل إطلق ميت بالتشديد على من لم يمت بعد كما
استشدوا بقول الشاعر:
ليس من مات فاستراح بميت ...
إنما الميت ميت الحياء
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/147
شرح الكلمات:
الطيبات :جمع طيب وهو الحلل.
واشكروا ل :اعترفوا بنعم ال عليكم واحمدوه عليها واصرفوها في مرضاته
إن كنتم إياه تعبدون :إن كنتم مطيعين ل منقادين لمره ونهيه.
حرم :حظر ومنع.
الميتة :ما مات من الحيوان حتف أنفه بدون تذكية.
الدم :المسفوح السائل ،ل المختلط باللحم.
الخنزير :حيوان خبيث معروف بأكل العذرة ول يغار على أنثاه.
وما أهل به لغير ال :الهلل :رفع الصوت باسم من تذبح له من اللهة.
اضطر :ألجئ وأكره بحكم الضرر الذي لحقه من الجوع أو الضرب.
غير باغ ول عاد :الباغي الظالم الطالب لما ل يحل له والعادي المعتدي المجاوز لما له إلى ما
ليس له.
الثم :أثر المعصية على النفس بالظلمة والتدسية.
معنى اليتين الكريمتين:
بعد أن بينت الية السابقة( )171حال الكفرة المقلدة لبائهم في الشرك وتحريم ما أحل ال من
النعام حيث سيبوا لللهة السوائب ،وحموا لها الحامات ،وبحروا لها البحائر ،نادى الجبار عز
ل كلوا من
وجل عباده المؤمنين :يا أيها الذين آمنوا بال ربا وإلها وبالسلم دينا وبمحمد رسو ً
طيبات ما رزقناكم واشكروا ل ربكم ما أنعم به عليكم من حلل اللحوم ،ول تحرموها كما حرمها
مقلدة المشركين ،فإنه تعالى لم يحرم عليكم 1إل أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغيره
تعالى .ومع هذا من ألجأته الضرورة فخاف على نفسه الهلك فأكل فل إثم عليه على شرط أن ل
يكون في سفره باغيا على المسلمين ول عاديا بقطع الطريق عليهم وذلك؛ لن ال غفور لوليائه
التائبين إليه رحيم بهم ل يتركهم في ضيق ول حرج.
__________
1لما أباح تعالى لعباده المؤمنين الحلل الطيب وهو كثير لم يعدده لكثرته ،وعدد الحرام لقلته،
فذكر الميتة والدم إلخ ..كما فعل النبي صلى ال عليه وسلم لما سئل عما يلبس المحرم فعدل عن
بيان المباح لكثرته وذكره المحرم لقلته ،فقال" :ل يبلس القميص ول السراويل "...إلخ .وهذا من
اليجاز البليغ.
( )1/148
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هداية اليتين:
من هداية اليتين:
-1الندب إلى أكل الطيبات من رزق ال تعالى في غير إسراف.
-2وجوب شكر ال تعالى بالعتراف بالنعمة له وحمده عليها وعدم صرفها في معاصيه.
-3حرمة أكل الميتة ،1والدم المسفوح ،ولحم الخنزير وما أهل به لغير ال تعالى.
-4جواز الكل من المذكورات عند الضرورة 2وهي خوف الهلك مع مراعاة الستثناء في
غ وَل عَادٍ} .
الية وهو {غَيْرَ بَا ٍ
-5أذن النبي صلى ال عليه وسلم في أكل السمك 3والجراد وهما من الميتة ،وحرم أكل كل ذي
ناب 4من السباع وذي مخلب من الطيور.
ب وَيَشْتَرُونَ بِهِ َثمَنا قَلِيلً أُولَ ِئكَ مَا يَ ْأكُلُونَ فِي بُطُو ِنهِمْ إِل
{إِنّ الّذِينَ َيكْ ُتمُونَ مَا أَنْ َزلَ اللّهُ مِنَ ا ْلكِتَا ِ
عذَابٌ أَلِيمٌ( )174أُولَ ِئكَ الّذِينَ اشْتَ َروُا الضّللَةَ
النّا َر وَل ُيكَّل ُمهُمُ اللّهُ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ وَل يُ َزكّيهِ ْم وََلهُمْ َ
ق وَإِنّ
بِا ْلهُدَى وَا ْلعَذَابَ بِا ْل َم ْغفِ َرةِ َفمَا َأصْبَرَ ُهمْ عَلَى النّارِ( )175ذَِلكَ 5بِأَنّ اللّهَ نَ ّزلَ ا ْلكِتَابَ بِا ْلحَ ّ
شقَاقٍ َبعِيدٍ(})176
الّذِينَ اخْتََلفُوا فِي ا ْلكِتَابِ َلفِي ِ
__________
1هذه أصول المحرمات الربعة ،وأما المختنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع وما
ذبح على النصب فهي متفرعة عن تلك الصول وهي مذكورة في أول المائدة.
2من وجد طعام ل تقطع فيه يد يأكله ول يأكل من الميتة بإذن النبي صلى ال عليه وسلم
للمحتاج أن يأكل من الثمر المعلق ،فقال" :من أصاب منه من ذي حاجة بغية غير متخذ خبنة فل
شيء عليه" ،وقوله من :أي من الثمر المعلق ،إذ سئل عنه فقال ..إلخ.
3للحديث الصحيح" :أحل لنا ميتتان :الحوت والجراد ،ودمان :الكبد والطحال" .
4لحديث صحيح" :نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي
مخلب من الطيور" .
5إشارة إلى الحكم عليهم بأنهم من الخلود في النار ،كما هو صالح أن يكون إشارة إلى ما تقدم
من الوعيد ،والمعنى متقارب.
( )1/149
شرح الكلمات:
يكتمون :يجحدون ويخفون.
ما أنزل ال من الكتاب :الكتاب :التوراة وما أنزل ال فيه صفة النبي محمد صلى ال عليه وسلم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والمر باليمان به.
ل يكلمهم ال : 1لسخطه عليهم ولعنه لهم.
ول يزكيهم :ل يطهرهم من ذنوبهم لعدم رضاه عليهم.
الضللة :العماية المانعة من الهداية إلى المطلوب.
الشقاق :التنازع والعداء حتى يكون صاحبه في شق ،ومنازعة في آخر.
بعيد :يصعب إنهاؤه والوفاق بعده.
معنى اليات:
هذه اليات الثلث نزلت قطعا في أحبار 2أهل الكتاب تندد بصنيعهم وتريهم جزاء كتمانهم الحق
وبيعهم العلم الذي أخذ عليهم أن يبينوه بعرض خسيس 3من الدنيا يجحدون أمر النبي صلى ال
عليه وسلم ودينه إرضاء للعوام حتى ل يقطعوا هداياهم ومساعدتهم المالية ،وحتى يبقى لهم
السلطان الروحي عليهم ،فهذا معنى قوله تعالى{ :إِنّ الّذِينَ َيكْ ُتمُونَ مَا أَنْ َزلَ اللّهُ مِنَ ا ْلكِتَابِ
وَيَشْتَرُونَ بِهِ َثمَنا قَلِيلً} ،وأخبر تعالى أن ما يأكلونه من رشوة في بطونهم إنما هو النار إذ هو
مسببها ومع النار غضب الجبار فل يكلمهم ول يزكيهم ولهم عذاب أليم.
كما أخبر تعالى عنهم في الية( )175أنهم وهم البعداء اشتروا الضللة بالهدى أي الكفر باليمان،
والعذاب بالمغفرة أي النار بالجنة ،فما أجرأ هؤلء على معاصي ال ،وعلى التقحم في النار ،فلذا
قال تعالىَ { :فمَا َأصْبَرَ ُهمْ 4عَلَى النّارِ} .وكل هذا الذي تم مما توعد ال به هؤلء
__________
1ل يكلمهم كلم تشريف وتكريم كما يكلم أولياؤه الصالحين .أما ما كان من كلم وتحقير نحو:
{اخْسَأُوا فِيهَا وَل ُتكَّلمُونِ} ،فل يدخل في هذا النفي .وال أعلم.
2روي عن ابن عباس رضي ال عنهما :أن هذه الية نزلت في أحبار اليهود ،كانوا يصيبون من
سفلتهم هدايا ،وكانوا يرجون أن يكون النبي المبعوث منهم ،فلما بعث من غيرهم ،غيروا صفته
وقالوا :هذا نعت النبي الذي يخرج آخر الزمان حتى ل يتبع محمدا صلى ال عليه وسلم.
3هو الرشوة التي يأخذها القاضي والمفتي والعياذ بال.
4هذا تعجب للمؤمنين من حالهم.
( )1/150
الكفرة؛ لن ال نزل الكتاب بالحق مبينا فيه سبيل الهداية وما يحقق لسالكيه من النعيم المقيم ومبينا
سبيل الغواية وما يفضي بسالكيه إلى غضب ال وأليم عذابه.
وفي الية الخيرة( )176أخبر تعالى أن الذين اختلفوا في الكتاب التوراة والنجيل وهم اليهود
والنصارى 1لفي عداء واختلف بينهم بعيد ،وصدق ال فما زال اليهود والنصارى مختلفين
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
متعادين إلى اليوم ،ثمرة اختلفهم في الحق الذي أنزله ال وأمرهم بالخذ به فتركوه وأخذوا
بالباطل فأثمر لهم الشقاق البعيد.
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1حرمة كتمان الحق ،2ل سيما إذا كان للحصول على منافع دنيوية مالً أو رياسة.
-2تحذير علماء السلم من سلوك مسالك علماء أهل الكتاب بكتمانهم الحق وإفتاء 3الناس
بالباطل للحصول على منافع مادية معينة.
-3التحذير من الختلف في القرآن الكريم لما يفضي إليه من العداء والشقاق البعيد بين
المسلمين.
ق وَا ْل َمغْ ِربِ وََلكِنّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْ َيوْمِ الخِرِ
{لَيْسَ الْبِرّ أَنْ ُتوَلّوا وُجُو َهكُمْ قِ َبلَ ا ْلمَشْ ِر ِ
ن وَآتَى ا ْلمَالَ عَلَى حُبّهِ َذوِي ا ْلقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِينَ وَابْنَ السّبِيلِ
ب وَالنّبِيّي َ
وَا ْلمَل ِئكَةِ وَا ْلكِتَا ِ
ن َوفِي ال ّرقَابِ وََأقَامَ الصّلةَ وَآتَى ال ّزكَاةَ وَا ْلمُوفُونَ ِب َعهْدِهِمْ إِذَا عَا َهدُوا
وَالسّائِلِي َ
__________
1ويدخل في هذا مشركو العرب فقد اختلفوا في القرآن فقالوا :شعر ،وقالوا :سحر ،وقالوا:
أساطير.
شهَا َد َة َومَنْ َيكْ ُت ْمهَا فَإِنّهُ آثِمٌ
2يدخل في كتمان الشهادة التي حرمها ال تعالى بقوله{ :وَل َتكْ ُتمُوا ال ّ
قَلْبُهُ} .
3يشهد له حديث" :من سئل عن علم فكتمه ألجمه ال يوم القيامة بلجام من نار" .
( )1/151
( )1/152
يكتموا العلم على الناس طلبا لحظوظ الدنيا الفانية ،وفي هذه الية رد ال تعالى على أهل الكتاب
أيضا تبجحهم بالقبلة وادعاءهم اليمان والكمال فيه لمجرد أنهم يصلون إلى قبلتهم بين المقدس
بالمغرب أو طلوع الشمس بالمشرق ،إذ الولى قبلة اليهود ،والثانية قبلة النصارى ،فقال تعالى:
ق وَا ْل َمغْ ِربِ} ،وفي هذا تنبيه عظيم للمسلم
{لَيْسَ 1الْبِرّ} كل البر {أَنْ ُتوَلّوا وُجُو َهكُمْ قِ َبلَ ا ْل َمشْرِ ِ
الذي يقصر إسلمه على الصلة ول يبالي بعدها ما ترك من واجبات وما ارتكب من منهيات،
بين تعالى لهم البار الحق في دعوى اليمان والسلم والحسان فقال{ :وََلكِنّ الْبِرّ} 2أي :ذا البر
أو البار حق هو {مَنْ آمَنَ بِاللّهِ} وذكر أركان اليمان إل السادس منها "القضاء والقدر"{ ،ال ّرقَابِ
وََأقَامَ الصّل َة وَآتَى ال ّزكَاةَ} وهما من أعظم أركان السلم ،وأنفق المال في سبيل ال مع حبه له
وضنه به ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فهو ينفق ماله على من ل يرجو منه
جزاء ول مدحا ول ثناء؛ كالمساكين وأبناء السبيل والسائلين من ذوي الخصاصة والمسغبة ،وفي
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تحرير الرقاء وفكاك السر وأقام الصلة أدامها وعلى الوجه الكمل في أدائها وأتى الزكاة
المستحقين لها ،وإقام الصلة وإيتاء الزكاة من أعظم قواعد السلم ،وذكر من صفاتهم الوفاء
بالعهود والصبر في أصعب الظروف وأشد الحوال ،فقال تعالى{ :وَا ْلمُوفُونَ ِب َعهْ ِدهِمْ ِإذَا عَا َهدُوا
وَالصّابِرِينَ فِي الْبَ ْأسَا ِء وَالضّرّا ِء وَحِينَ الْبَأْسِ} وهذا هو مبدأ الحسان وهو مراقبة ال تعالى
والنظر إليه وهو يزاول عبادته ،ومن هنا قرر تعالى أن هؤلء هم الصادقون في دعوى اليمان
والسلم ،وهم المتقون بحق غضب ال وأليم عذابه ،جعلنا ال منهم ،فقال تعالى مشيرا لهم بلم
ص َدقُوا وَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلمُ ّتقُونَ} .3
ن َ
البعد وكاف الخطاب ليعد مكانتهم وارتفاع درجاتهم {أُولَ ِئكَ الّذِي َ
هداية الية الكريمة:
من هداية الية الكريمة:
-1الكتفاء ببعض أمور الدين دون القيام ببعض ل يعتبر صاحبه 4مؤمنا ول ناجيا.
__________
1قرأ حفص{ :البر} بالنصب على إنه خبر ليس مقدما والسم أن وما دخلت عليه ،والتقدير:
تولية وجوهكم ،وقرأ غيره{ :البر} مرفوعا على أنه اسم والخبر أن وما دخلت عليه.
2وقيل هو على حذف مضاف ،أي :ولكن البر بر من آمن على حد {واسأل القرية} أي :أهل
القرية ،وما أولناه به أقرب وأيسر.
3هذه الية{ :ليَسَ اَلْبِر} ...إلخ .آية عظيمة تضمنت قواعد الشرع وأمهات الحكام لم تضمن آية
غيرها ما تضمنته هي ،إذ تضمنت أركان اليمان وقاعدتي السلم؛ الصلة والزكاة ،والجهاد
والصبر ،والوفاء ،والتقوى والنفاق العام والخاص.
ب وَ َت ْكفُرُونَ بِ َب ْعضٍ }..الية.
4شاهدوه من القرآن في قوله تعالىَ{ :أفَ ُت ْؤمِنُونَ بِ َب ْعضِ ا ْلكِتَا ِ
( )1/153
-2أركان 1اليمان هي المذكورة في هذه الية ،والمراد بالكتاب 2في الية الكتب.
-3بيان وجوه النفاق المرجو ثوابه يوم القيامة وهو ذوي القربى إلخ....
-4بيان عظم شأن الصل والزكاة.
-5وجوب الوفاء بالعهود.
-6وجوب الصبر وخاصة عند القتال.
-7التقوى هي ملك المر ،والغاية التي ما بعدها للعاملين غاية.
{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا كُ ِتبَ عَلَ ْيكُمُ ا ْلقِصَاصُ فِي ا ْلقَتْلَى ا ْلحُرّ بِالْحُرّ وَا ْلعَبْدُ بِا ْلعَبْ ِد وَالُنْثَى بِالُنْثَى َفمَنْ
حمَةٌ َفمَنِ
خفِيفٌ مِنْ رَ ّبكُ ْم وَرَ ْ
ف وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِِإحْسَانٍ ذَِلكَ تَ ْ
شيْءٌ فَاتّبَاعٌ بِا ْل َمعْرُو ِ
عفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ َ
ُ
اعْتَدَى َبعْدَ ذَِلكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ( )178وََلكُمْ فِي ا ْل ِقصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الَلْبَابِ َلعَّلكُمْ تَ ّتقُونَ(})179
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شرح الكلمات:
كتب 3عليكم القصاص 4
:كتب :فرض ،والقصاص :إذا لم يرض ولي الدم بالدية ولم يعف.
في القتلى
:الفاء سببية ،أي بسبب القتل ،والقتلى :جمع قتيل وهو الذي أزهقت روحه فمات بأي آلة.
__________
1أركان اليمان :ستة :جاءت في حديث جبريل الذي رواه مسلم وهي" :أن تؤمن بال وملئكته
وكتبه ورسله واليوم الخر تؤمن والقدر خيره وشره" ،ولم يذكر القدر في الية؛ لن الكتاب دال
عليه.
2إن أل :التي في الكتاب للجنس ،والجنس تحته أفراد كالنسان ،أفراده كثيرون ،والكتب
المطلوب اليمان بها هي :كل ما أنزل من كناب وأعظمها :القرآن ،والتوراة ،والنجيل ،والزبور،
وصحف إبراهيم عليه السلم.
3قيل :كتب هنا :هو إخبار عما كتب في اللوح المحفوظ وسبق به القضاء ول منافاة بين ما شرع
وفرض علينا في القرآن والسنة ،وما كتب في كتاب المقادير إذا الكل سبق به علم ال وأراده
فكان كما أراد.
4القصاص :مأخوذ من قص الثر إذا تتبعه ،ومنهم :قاص؛ لنه يتتبع الخبار والثار والقاتل؛
كأنه سلك طريقا فقص أثره فيها ومشى على سبيله في ذلك.
( )1/154
( )1/155
والمساواة 1في السلم فقال تعالى{ :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا كُ ِتبَ عَلَ ْيكُمُ ا ْل ِقصَاصُ فِي ا ْلقَتْلَى ا ْلحُرّ
بِالْحُ ّر وَا ْلعَ ْبدُ بِا ْلعَبْ ِد وَالُنْثَى 2بِالُنْثَى} ،فل يقتل بالرجل رجلن ،ول بالمرأة رجل ول امرأتان
ول بالعبد حر ول عبدان.
فمن تنازل له أخوه 3وهو ولي الدم عن القصاص إلى الدية أو العفو مطلقا فليتبع ذلك ول يقل :ل
أقبل إل القصاص ،بل عليه أن يقبل ما عفا عنه أخوه له من قصاص أو دية أو عفو،وليطلب ولي
الدم الدية بالرفق والدب ،وليؤد القاتل الدية بإحسان بحيث ل يماطل ول ينقص منه شيئا.
ثم ذكر تعالى منته على المسلمين حيث وسع عليهم في هذه المسألة فجعل ولي الدم مخيرا بين
ثلثة :العفو ،أو الدية ،أو القود "القصاص" في حين أن اليهود كان مفروضا عليهم القصاص فقط،
والنصارى الدية فقط ،وأخبر تعالى بحكم أخير في هذه القصة ،وهو أن من أخذ الدية وعفا عن
القتل ثم تراجع وقتل فقالَ { :فمَنِ اعْتَدَى َبعْدَ ذَِلكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .واختلف في هذا العذاب الليم
هل هو عذاب الدنيا ،أو هو عذاب الخرة ،ومن هنا قال مالك والشافعي :حكم هذا المعتدي كحكم
القاتل ابتداء إن عفي عنه قبل ،وإن طولب بالقود أو الدية أعطى ،وقال آخرون :ترد منه الدية
ويترك لمر ال ،وقال عمر بن العزيز –رحمه ال :-يرد أمره إلى المام يحكم فيه يحقق
المصلحة العامة .ثم أخبر تعالى :أن في القصاص الذي شرع لنا ،وكتبه علينا مع التخفيف حياة
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عظيمة لما فيه من الكف عن إزهاق الرواح وسفك الدماء ،فقال تعالى{ :وََلكُمْ فِي ا ْل ِقصَاصِ حَيَاةٌ
يَا أُولِي الَلْبَابِ َلعَّلكُمْ تَ ّتقُونَ} .
هداية الية الكريمة
من هداية الية الكريمة:
-1حكم القصاص في السلم وهو المساواة والمماثلة فيقتل 4الرجل بالرجل ،والمرأة بالمرأة
__________
1الجمهور على أن الجماعة تقتل بالواحد ،وذلك إذا باشروا القتل فقتلوا لقول عمر رضي ال عنه
في قتل غلم قتله سبعة فقتلهم ،وقال" :لو تمال عليه أهل صنعاء لقتلهم ولم يخالفه أحد فكان
إجماعا.
2ذهب بعض إلى أن الرجل ل يقتل بالمرأة وحالفهم الجمهور لية المائددةَ { :وكَتَبْنَا عَلَ ْيهِمْ فِيهَا
أَنّ ال ّنفْسَ بِال ّنفْسِ} الية.
3أخوة :أي في السلم إذ ل يقتل المسلم بالذمي ،لقول الرسول صلى ال عليه وسلم" :ل يقتل
مسلم بكافر" ،وهو مذهب الجمهور ،وذلك لعدم تكافؤا الدمين".
4اختلف في هل يقتل الرجل بولده فذهب الجمهور إلى عدم قتله به ،وذهب مالك إلى أنه إذا
أضجعه يقتل به ،فإذا رماه بحجر أو بعصا أو بأي سبب فيه شبهة إنه لم يرد قتله فل يقتل به
لحديث " :إدرأوا الحدود بالشبهات" .
( )1/156
والمرأة بالرجل والرجل بالمرأة ،ويقتل القاتل بما قتل به مماثلة لحديث" :المرء مقتول بما قتل به"
.
ولما كان العبد مقوما بالمال فإنه ل يقتل به الحر ،بل يدفع إلى سيده مال .وبهذا حكم الصحابة
والتابعون وعليه الئمة الثلثة :مالك ،والشافعي ،وأحمد ،وخالف أبو حنيفة فرأى القود فيقتل الحر
بالعبد أخذا بظاهر هذه الية.
-2محاسن الشرع السلمي وما فيه من اليسر والرحمة حيث أجاز العفو 1والدية بدل
القصاص.
-3بلغة القرآن الكريم ،إذ كان حكماء العرب في الجاهلية يقولون :القتل أنفى للقتل ،فقال
القرآن{ :وََلكُمْ فِي ا ْل ِقصَاصِ حَيَاةٌ} .فلم يذكر لفظ القتل بالمرة فنفاه لفظا وواقعا.
حقّا
لقْرَبِينَ بِا ْل َمعْرُوفِ َ
ن وَا َ
حضَرَ َأحَ َدكُمُ ا ْل َموْتُ 3إِنْ تَ َركَ خَيْرا ا ْلوَصِيّةُ لِ ْلوَالِدَيْ ِ
{كُ ِتبَ 2عَلَ ْي ُكمْ إِذَا َ
سمِيعٌ عَلِيمٌ()181
علَى الّذِينَ يُبَدّلُونَهُ إِنّ اللّهَ َ
س ِمعَهُ فَإِ ّنمَا إِ ْثمُهُ َ
عَلَى ا ْلمُ ّتقِينَ(َ )180فمَنْ َبدّلَهُ َبعْدَ مَا َ
غفُورٌ َرحِيمٌ(})182
علَيْهِ إِنّ اللّهَ َ
َفمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفا َأوْ إِثْما فََأصْلَحَ بَيْ َن ُهمْ فَل إِثْمَ َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شرح الكلمات:
كتب :فرض وأثبت.
خيرا :مالً نقدا ،أو عرضا ،أو عقارا.
الوصية :الوصية ما يوصى به من مال وغيره.
__________
1اختلف في أخذ الدية من قاتل العمد فقال الجمهور :ولي الدم يخير بين أخذ الدية والقصاص،
ول خيار للقاتل ،فلو قال :اقتصوا مني ليس له ذلك بل هو لولي الدم لنه مخير بين ثلثة.
2هذه الية{ :كُ ِتبَ عَلَ ْي ُكمْ} إلخ .تسمى آية الوصية وذكر الفعل والوصية مؤنثة لحد أمرين:
الول :الفصل بين الفعل والفاعل ،والثاني :ما ل فرج له يذكر ويؤنث.
3المراد من الموت هنا :أسبابه ،إذا العرب إذا أحضر السبب كنت به عن المسبب ،قال جرير في
مهاجاته الفرزدق:
أنا الموت الذي حدثت عنه ...فليس لهارب مني نجاة
فكنى بنفسه عن الموت ،إذ هو سبب مجيئه في نظره وزعمه.
( )1/157
المعروف :ما تعارف عليه الناس كثيرا أو قليلً بحيث ل يزيد على الثلث.
التبديل :التغيير للشيء بآخر.
جنفا أو إثما :الجنف :الميل عن الحق خطأ ،والثم :تعمد الخروج عن الحق والعدل.
معنى اليات:
بمناسبة ذكر آية القصاص وفيها أن القاتل عرضة للقتل ،والمفروض فيه أن يوصي في ماله قبل
قتله ،ذكر تعالى آية الوصية هنا فقال تعالى :كتب عليكم أيها المسلمون إذا حضر أحدكم الموت
إن ترك مالً الوصية ،1أي :اليصاء للوالدين والقربين بالمعروف حقا على المتقين ،ثم نسخ ال
تعالى هذا الحكم بآية المواريث ،2ويقول رسول ال صلى ال عليه وسلم" :فل وصية لوارث" ،3
ونسخ الوجوب وبقي الستحباب ولكن لغير الوالدين والقربين الوارثين إل أن يجيز ذلك الورثة
وأن تكون الوصية ثلثا فأقل ،فإن زادت وأجازها الورثة جازت لحديث ابن عباس عند الدارقطني
ل تجوز الوصية لوارث إل أن يشاء الورثة ،ودليل استحباب الوصية حديث سعد في الصحيح
حيث أذن له الرسول في الوصية بالثلث ،وقد تكون الوصية واجبة على المسلم وذلك إن ترك
ديونا لزمة ،وحقوقا واجبة في ذمته فيجب أن يوصي بقضائها واقتضائها بعد موته لحديث ابن
عمر في الصحيح " :ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إل ووصيته مكتوبة
عنده" ،هذا ما تضمنته الية الولى( ،)180وأما الية الثانية )181( 4فيقول تعالى لعباده
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المؤمنين فمن بدل إيصاء مؤمن أوصى به بأن زاد فيه أو نقص أو غيره أو بدل نوعا بآخر فل
إثم على الموصي ولكن الثم على من بدل وغير ،وختم هذا الحكم بقوله :أن ال سميع عليم،
تهديدا ووعيدا لمن يقدم على تغيير الوصايا لغرض فاسد وهوى سيء ،وفي الية الخيرة()182
أخر تعالى أن من خاف 5من موص جنفا أو ميلً عن الحق والعدل بأن جار في وصيته بدون
تعمد الجور ولكن خطأ أو خاف إيما على الموصى حيث جار
__________
{ 1إِنْ تَ َركَ خَيْرا} :هذا شرط وجوبه الوصية إل أن الشائع أن جواب الشرط يكون مقرونا بالفاء
وسقطت هنا جوازا كما في قول الشاعر:
من يفعل الحسنات ال يشكرها ...والشر بالشر عند ال مثلن
أي :فال يشكره.
حلِيمٌ}.
2آية المواريث في النساء وهي{ :يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي َأوْل ِدكُمْ }...إلى آخر اليات إلى { َ
3نص الحديث" :إن ال أعطى كل ذي حق حقه فل وصية لوارث" .رواه أصحاب السنن
وغيرهم ،وهو صحيح السناد.
4هي قوله تعالىَ { :فمَنْ خَافَ} إلخ ..والخطاب لسائر المسلمين ،والجماع على أن الموصي أن
يغير في وصيته ويرجع فيما شاء منها إل ما كان من تدبير العبد فإنه ل يرجع فيه.
5الخوف هنا :بمعنى الظن والتوقع ،وقرئ{ :موصٍ} ،من وصى المضاعف ،أما {موصٍ} فهو
من أوصى فهو موصٍ.
( )1/158
وتعدى على علم في وصيته فأصلح 1بينهم ،أي :بين الموصي والموصى لهم فل إثم عليه في
غفُورٌ رَحِيمٌ} وعدا
إصلح الخطأ وتصويب الخطأ والغلط ،وختم هذا الحكم بقوله{ :إِنّ اللّهَ َ
بالمغفرة والرحمة لمن أخطأ غير عامد.
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1نسخ الوصية للوارثين مطلقا بإجازة 2الورثة.
-2استحباب 3الوصية بالمال لمن ترك مالً كثيرا يوصي به في وجوه البر والخير.
-3تأكد الوصية حضر 4الموت أو لم يحضر لمن له أو عليه حقوق خشية أن يموت فتضيع
الحقوق فيأثم بإضاعتها.
-4حرمة تبديل الوصية وتغييرها إلى غير 5الصالح.
علَى الّذِينَ مِنْ قَبِْلكُمْ َلعَّلكُمْ تَ ّتقُونَ( )183أَيّاما
{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا كُ ِتبَ عَلَ ْيكُمُ الصّيَامُ َكمَا كُ ِتبَ َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
طعَامُ
سفَرٍ َف ِع ّدةٌ مِنْ أَيّامٍ ُأخَ َر وَعَلَى الّذِينَ ُيطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ َ
َمعْدُودَاتٍ َفمَنْ كَانَ مِ ْنكُمْ مَرِيضا َأوْ عَلَى َ
ط ّوعَ خَيْرا َف ُهوَ خَيْرٌ لَ ُه وَأَنْ َتصُومُوا خَيْرٌ َلكُمْ إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ(})184
سكِينٍ َفمَنْ تَ َ
مِ ْ
شرح الكلمات:
كتب
:فرض وأثبت.
__________
1من أوصى بما ل يجوز النتفاع به أو تناوله واستعماله كمن أوصى أو بناء قبة على ميت أو
إحياء بدعة مولد ونحوه فإنه يجوز تبديله بما هو جائر ول يصح إمضاؤه.
2الحديث الصحيح" :فل وصية لوارث".
3لحديث سعد في الصحيح.
4لحديث ابن عمر رضي ال عنهما في الصحيح.
5يجوز تبديل الوصية إذا كان فيها جور أو محرم لقوله تعالىَ { :فمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفا َأوْ
إِثْما فََأصْلَحَ بَيْ َنهُمْ فَل إِ ْثمَ عَلَيْهِ} .
( )1/159
الصيام :لغة المساك ،والمراد به هنا :المتناع عن الكل والشرب وغشيان النساء من طلوع
الفجر إلى غروب الشمس .1
أياما معدودات :تسعة وعشرون أو ثلثون يوما بحسب شهر رمضان.
فعدة من أيام أخر :فعل من أفطر لعذر المرض أو السفر فعليه صيام أيام أخر بعدد اليام التي
أفطر فيها.
يطيقونه :أي :يتحملونه بمشقة لكبر سن أو مرض ل يرجأ برؤه.
فدية طعام مسكين :فالواجب على من أفطر لعذر مما ذكر أن يطعم على كل يوم مسكينا ،ول
قضاء عليه.
فمن تطوع خيرا :أي :زاد على المُدّين 2أو أطعم أكثر من مسكين فهو خير له.
وأن تصوموا خيرا :الصيام على من يطيقه ولو بمشقة خير من الفطار مع الطعام.
معنى اليتين:
لما هاجر الرسول صلى ال عليه وسلم وأصبحت دار إسلم أخذ التشريع ينزل ويتوالى ،ففي
اليات السابقة كان حكم القصاص والوصية ومراقبة ال في ذلك ،وكان من أعظم ما يكون في
المؤمن من ملكة التقوى الصيام ،فأنزل ال تعالى فرض الصيام في السنة الثانية للهجرة ،فناداهم
بعنوان اليمان :يا أيها الذين آمنوا .وأعلمهم أنه كتب عليهم الصيام كما كتبه على الذين من قبلهم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
من المم السابقة ،فقال { :كُ ِتبَ عَلَ ْيكُمُ الصّيَامُ َكمَا كُ ِتبَ عَلَى الّذِينَ مِنْ قَبِْلكُمْ }...علل ذلك بقوله:
{َلعَّلكُمْ تَ ّتقُونَ} أي :ليعدكم به للتقوى التي هي امتثال الوامر واجتناب النواهي ،لما في الصيام من
مراقبة ال تعالى ،وقوله{ :أَيّاما َمعْدُودَاتٍ} ذكره ليهون به عليهم كلفة الصوم ومشقته ،إذ لم يجعله
شهورا ول أعواما .وزاد في التخفيف أن أذن للمريض والمسافر أن يفطر ويقضي بعد الصحة أو
سفَرٍَ 4فعِ ّدةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ} كما أن
العودة من السفر فقال لهمَ { :فمَنْ كَانَ مِ ْنكُمْ مَرِيضا َأوْ عَلَى َ 3
غير المريض والمسافر إذا
__________
1أي بنية امتثال أمر ال تعالى به ،أو بنية التقرب إليه عز وجل.
2هل الواجب مد أو مدان خلف ،فمن الفقهاء من يرى مدين ،ومنهم من يرى مدا واحدا ،والمد:
الحفنة بحفنة الرجل المعتدل بين القصر والطول.
3أي في حالة سفر فلذا ل ينبغي لمن عزم على السفر أن يفطر حتى يغادر بلده المقيم به شأن
الصيام كشأن الصلة فل يقصر حتى يغادر مباني البلد.
4أي فالواجب صيام عدة من أيام أخر.
( )1/160
كان يطيق الصيام بمشقة وكلفة شديدة له أن يفطر ويطعم على كل يوم مسكينا ،وأعلمهم أن
ش ِهدَ مِ ْنكُمُ
الصيام في هذه الحال خير .ثم نسخ هذا الحكم الخير بقوله في الية التيةَ { :فمَنْ َ
صمْهُ} وقوله{ :إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ} يريد :تعلمون فوائد الصوم الدنيوية والخروية ،وهي
شهْرَ فَلْ َي ُ
ال ّ
كثيرة أجلها مغفرة الذنوب وذهاب المراض.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1فرضية الصيام وهو شهر رمضان.
-2الصيام يربي ملكة التقوى في المؤمن.
-3الصيام يكفر الذنوب لحديث" :من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" .
-4رخصة الفطار للمريض 1والمسافر.
-5المرأة الحامل أو المرضع دل قوله{ :وَعَلَى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ} أنه يجوز لهما الفطار مع
القضاء ،وكذا الشيخ الكبير فإنه يفطر ول يقضي ،والمريض مرضا ل يرجى برؤه كذلك .إل أن
عليهما أن يطعما عن كل يوم مسكينا بإعطائه حفنتي طعام كما أن المرأة الحامل والمرضع 2إذا
خافت على حملها أو طفلها أو على نفسها أن عليها أن تطعم مع كل صوم تصومه قضاء مسكينا.
-6في الصيام فوائد دينية واجتماعية عظيمة أشير إليها بلفظ{ :إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ}.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
من هذه الفوائد:
-1يعود الصائم الخشية من ال تعالى في السر والعلن.
-2كسر حدة الشهوة ،ولذا أرشد العازب 3إلى الصوم.
-3يربي الشفقة والرحمة في النفس.
-4فيه المساواة بين الغنياء والفقراء والشراف 4والوضاع.
__________
1المريض له حالتان .الولى :أن يكون مرضه شديدا فهذا يجب عليه أن يفطر .والثانية :أن
يكون مرضه غير شديد فيستحب له الفطر.
2في الكلم إجمال وهذا تفصيله :الحامل والمرضع إذا خافتا على طفليهما فعليهما القضاء
والطعام ،وإن خافتا على نفسيهما فعليهما الصيام دون الطعام.
3لحديث" :يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ،ومن لم يستطع فعليه فإنه له وجاء"
أي خصاء.
4الشراف :جمع شريف ،والوضاع :جمع وضيع ،وهو الدنيء.
( )1/161
( )1/162
( )1/163
أفطر بعدده ،وأخبر تعالى أنه يريد بالذن في الفطار للمريض والمسافر ليس بالمة ،ول يريد
سفَرٍ َفعِ ّدةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ
بها العسر فله الحمد وله المنة ،فقال تعالىَ { :ومَنْ كَانَ مَرِيضا َأوْ عَلَى َ
يُرِيدُ اللّهُ ِبكُمُ الْيُسْ َر وَل يُرِيدُ ِبكُمُ ا ْلعُسْرَ} .
ثم علل تعالى للقضاء بقوله ولتكملوا العدة ،أي :عدة أيام رمضان ،هذا أولً ،وثانيا :لتكبروا ال
على ما هداكم عندما تكملون الصيام برؤية هلل شوال وأخيرا ليعدكم بالصيام والذكر للشكر،
شكُرُونَ} .
وقال عز وجل{ :وََلعَّل ُكمْ تَ ْ
هداية الية
من هداية الية:
-1فضل 1شهر رمضان وفضل القرآن.
-2وجوب صيام رمضان على المكلفين ،والمكلف هو :المسلم العاقل مع سلمة المرأة من دمي
الحيض والنفاس.
-3الرخصة للمريض الذي يخاف تأخر برئه أو زيادة مرضه ،والمسافر مسافة 2قصر.
-4وجوب القضاء على من أفطر لعذر .3
-5يسر الشريعة السلمية وخلوها من العسر 4والحرج.
-6مشروعية التكبير ليلة العيد ويومه ،وهذا التكبير جزء لشكر نعمة الهداية إلى السلم.
-7الطاعات :هي الشكر ،فمن لم يطع ال ورسوله لم يكن شاكرا فيعد مع الشاكرين.
ع َوةَ الدّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْ َتجِيبُوا لِي وَلْ ُيؤْمِنُوا بِي َلعَّلهُمْ
{ وَإِذَا سَأََلكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَ ْ
يَرْشُدُونَ(})186
__________
1يكفي في بيان فضل رمضان قول النبي صلى ال عليه وسلم " :إذا جاء رمضان فتحت أبواب
الجنة وغلقت أبواب النار ،وصفدت الشياطين" .رواه مسلم ،قوله صلى ال عليه وسلم " :من صام
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ،ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم
من ذنبه " في الصحيح.
2أوسط ما قيل في مسافة القصر إنها أربعة بُرُد ،وهي ثمانية وأربعون ميلً ،والميل :ألفا ذراع
عند أهل الندلس وهو يعادل الكيلو المتر المعروف الن.
3لقوله تعالىَ { :فعِ ّدةٌ مِنْ أَيّامٍ ُأخَرَ} أي فعليه قضاء أيام أخر بعدد ما أفطر.
ج َعلَ عَلَ ْيكُمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ} ،وقول الرسول صلى ال عليه وسلم" :دين
4لقوله تعالىَ { :ومَا َ
ال يسر" ،وقوله لصحابه" :يسروا ول تعسروا ،وبشروا ول تنفروا" .في الصحيح.
( )1/164
شرح الكلمات:
الداعي :السائل ربه حاجته
{فَلْيَسْ َتجِيبُوا لِي} :أي :يجيبوا ندائي إذا دعوتهم لطاعتي وطاعة رسولي بفعل المأمور وترك
المنهي والتقرب إليّ بفعل القرب وترك ما يوجب السخط.
شدُونَ} :بكمال القوتين العلمية والعملية ،إذ الرشد :هو العلم بمحاب ال ومساخطه ،وفعل
{يَرْ ُ
المحاب وترك المساخط ،ومن ل علم له ول عمل فهو السفيه الغاوي والضال الهالك.
معنى الية الكريمة:
ورد أن جماعة من الصحابة سألوا النبي قائلين :أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فأنزل ال
ع َوةَ 1الدّاعِ} الية ،ومعنى المناجاة:
تعالى قوله { :وَإِذَا سَأََلكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَ ْ
المكالمة بخفض الصوت ،والمناداة برفع الصوت ،وإجابة ال دعوة عبده قبول طلبه وإعطاؤه
مطلوبه .2وما على العباد إل أن يستجيبوا لربهم باليمان به وبطاعته في أمره ونهيه ،وبذلك يتم
رشدهم ويتأهلون للكمال والسعاد في الدارين الدنيا والخرة.
هداية الية
من هداية الية:
-1قرب ال تعالى من عباده إذ العوالم كلها في قبضته وتحت سلطانه ول يبعد عن ال شيء من
خلقه إذ ما من كائن إل وال يراه ويسمعه ويقدر عليه ،وهذه حقيقة القرب.
-2كراهية رفع 3الصوت بالعبادات إل ما كان في التلبية والذان 4والقامة.
-3وجوب الستجابة ل تعالى باليمان وصالح العمال.
-4الرشد في طاعة ال والغي والسفه في معصيته تعالى.
__________
1دل على فضل الدعاء أن النبي صلى ال عليه وسلم أطلق عليه لفظ العبادة ،فقال" :الدعاء هو
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
العبادة" رواه أبو داود ،ومما يحرم الجابة :أكل الحرام ،والستعجال .وأن يقول دعوت فلم
يستجب لي ،ذلك لحديث مسلم.
2على الداعي أن يعزم في دعوته ول يقل :اللهم أعطني كذا إن شئت ،فقد قال رسول ال صلى
ال عليه وسلم في حديث البخاري" :إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ،ول يقولن اللهم إن شئت
فاعطني فإنه ل مستكره له" .
خفِيّا} .
3يستحب السرار بالدعاء لقوله تعالى{ :زكريّاِ ،إذْ نَادَى رَبّهُ نِدَاءً َ
4من الوقات التي يرجى فيه استجابة الدعاء :ما بين الذان والقامة ،والسحر ،ووقت الفطر،
وحال السفر ،والمرض ،وفي السجود ،ودبر الصلوات ،وعند اشتداد الكرب من ظلم وغيره ،فقد
ورد من الحاديث والثار ما يصدق هذا ويؤكده.
( )1/165
حلّ َلكُمْ لَيَْلةَ الصّيَامِ ال ّر َفثُ إِلَى ِنسَا ِئكُمْ هُنّ لِبَاسٌ َلكُ ْم وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ َلهُنّ عَِلمَ اللّهُ أَ ّنكُمْ كُنْتُمْ َتخْتَانُونَ
{ ُأ ِ
ن وَابْ َتغُوا مَا كَ َتبَ اللّهُ َلكُمْ َوكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيّنَ
عفَا عَ ْنكُمْ فَالنَ بَاشِرُوهُ ّ
سكُمْ فَتَابَ عَلَ ْيكُ ْم وَ َ
أَ ْنفُ َ
ن وَأَنْتُمْ
ل وَل تُبَاشِرُوهُ ّ
س َودِ مِنَ ا ْلفَجْرِ ثُمّ أَ ِتمّوا الصّيَامَ إِلَى اللّ ْي ِ
ط الَ ْ
َلكُمُ ا ْلخَيْطُ الَبْيَضُ مِنَ ا ْلخَيْ ِ
جدِ تِ ْلكَ حُدُودُ اللّهِ فَل َتقْرَبُوهَا كَذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ آيَا ِتهِ لِلنّاسِ َلعَّلهُمْ يَ ّتقُونَ(})187
عَا ِكفُونَ فِي ا ْلمَسَا ِ
شرح الكلمات:
{لَيَْلةَ الصّيَامِ : }1الليلة التي يصبح العبد بعدها صائما.
{ال ّر َفثُ} :الجماع.
{لِبَاسٌ َلكُمْ} :كناية عن اختلط بعضكم ببعض؛ كاختلط الثوب بالبدن.
سكُمْ} :بتعريضها للعقاب ،ونقصان حظها من الثواب بالجماع ليلة الصيام قبل أن
{ َتخْتَانُونَ أَ ْنفُ َ
يحل ال لكم ذلك.
{بَاشِرُوهُنّ} :جامعوهن ،أباح لهم ذلك ليلً.
{وَابْ َتغُوا مَا كَ َتبَ اللّهُ َلكُمْ} :اطلبوا بالجماع الولد إن كان قد كتب لكم ،2ول يكن الجماع لمجرد
الشهوة.
ط الَبْ َيضُ} :الفجر الكاذب وهو بياض 3يلوح في الفق؛ كذنب السرحان .4
{ا ْلخَيْ ُ
__________
حلّ َلكُمْ لَيْلَةَ الصّيَامِ ال ّر َفثُ إِلَى نِسَا ِئكُمْ} الية أن عمر رضي
1روي في سبب نزول هذه الية{ :أُ ِ
ال عنه بعد ما نام ووجب عليه الصوم وقع على أهله ،ثم جاء إلى النبي صلى ال عليه وسلم
حلّ َلكُمْ لَ ْيلَةَ الصّيَامِ ال ّر َفثُ} الية.
وشكى إليه ما حدث له من وقاع أهله ليلً ،فأنزل ال تعالى{ :أُ ِ
2ويحتمل اللفظ معاني أخرى مثل :ما أبيح لكم ،وليلة القدر ،والرخصة ،والتوسعة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
3لحديث مسلم" :ل يغرنكم من سحوركم آذان بلل ،ول بياض الفق المستطيل هكذا حتى
يستطير هكذا وأشار بيديه يعني معترضا.
4السرحان :الذئب.
( )1/166
( )1/167
معتكف أن يخرج من المسجد ويغشى امرأته وإن فعل أثم وفسد اعتكافه وجب عليه قضاؤه .قال
تعالى{ :وَل تُبَاشِرُوهُنّ 1وَأَنْتُمْ عَا ِكفُونَ فِي ا ْلمَسَاجِدِ} وأخبرهم أن ما بينه لهم من الواجبات
والمحرمات هي حدوده تعالى فل يحل القرب منها ول تعديها فقال عز وجل{ :تِ ْلكَ حُدُودُ اللّهِ فَل
َتقْرَبُوهَا} ثم قالَ { :كذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنّاسِ َلعَّلهُمْ يَ ّتقُونَ} فامتن تعالى على المسلمين بهذه النعمة
وهي بيان الشرائع والحكام والحدود بما يوحيه إلى رسوله من الكتاب والسنة ليعد بذلك المؤمنين
للتقوى ،إذ ل يمكن أن تكون تقوى ما لم تكن شرائع تتبع وحدود تحترم .وقد فعل فله الحمد وله
المنة.
هداية الية
من هداية الية:
-1إباحة الكل والشرب والجماع في ليال الصيام من غروب الشمس 2إلى طلوع الفجر.
-2بيان ظرف الصيام وهو من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس.
-3بيان ما يسمك عنه الصائم وهو الكل الشرب والجماع.
-4مشروعية العتكاف وخاصة في رمضان ،وأن المعتكف ل يحل له مخالطة امرأته وهو
معتكف حتى تنتهي مدة اعتكافه التي عزم أن يعتكفها.
-5استعمال الكتابة بدل التصريح فيما يتسحي من ذكره ،حيث كنى بالمباشرة عن الوطء.
-6حرمة انتهاك حرمات الشرع وتعدي حدوده.
-7بيان الغاية من إنزال الشرائع ووضع الحدود وهي تقوى ال عز وجل.
-8ثبت بالسنة :سنة 3السحور واستحباب تأخيره ما لم يخش طلوع الفجر ،واستحباب تعجيل
الفطر .4
حكّامِ لِتَ ْأكُلُوا فَرِيقا مِنْ
طلِ وَتُدْلُوا ِبهَا إِلَى الْ ُ
{ وَل تَ ْأكُلُوا َأ ْموَاَلكُمْ بَيْ َنكُمْ بِالْبَا ِ
__________
1المباشرة :كناية عن الجماع :إذ البشرة تمس البشرة فيه.
2يحرم الوصال :وهو صيام يومين فأكثر بل إفطار لقول رسول ال صلى ال عليه وسلم" :إياكم
والوصال ،إياكم الوصال ،يحذر منه " .أخرجه البخاري.
3لحديث مسلم" :إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور" .
4لحديث" :ل تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور" رواه أحمد.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/168
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/169
( )1/170
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
معنى الية الكريمة:
روى أن بعض الصحابة رضوان ال عليهم سألوا رسول ال صلى ال عليه وسلم قائلين :ما بال
الهلل يبدوا دقيقا ،ثم يزيد حتى يعظم ويصبح بدرا ،ثم ل يزال ينقص حتى يعود كما كان أول
بدئه؟ فأنزل ال تعالى هذه اليةَ { :يسْأَلو َنكَ عَنِ الَهِلّةِ} وأمر رسوله صلى ال عليه وسلم أن يقول
لهم :هي مواقيت للناس ،وعلة بدءها صغيرة ثم تتكامل ثم تنقص حتى المحاق :هي أن يعرف
الناس بها مواقيتهم التي يؤقتونها لعمالهم 1فبوجود القمر على هذه الحوال تعرف عدة النساء
وتعرف الشهور ،فنعرف رمضان 2ونعرف شهر الحج ووقته ،كما نعرف آجال العقود في البيع
واليجار ،وسداد الديون وما إلى ذلك .وكان النصار في الجاهلية إذا أحرم أحدهم بحج أو عمرة
وخرج من بيته وأراد أن يدخل لغرض خاص ل يدخل من الباب حتى ل يظله نجف الباب
فيتسور الجدار ويدخل من ظهر البيت ل من بابه وكانوا يرون هذا طاعة وبرا ،فأبطل ال تعالى
ظهُورِهَا وََلكِنّ الْبِرّ} .بر
هذا التعبد الجاهلي بقوله عز وجل{ :وَلَيْسَ الْبِرّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ُ
أهل التقوى والصلح .وأمرهم أن يأتوا البيوت من أبوابها فقال{ :وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَ ْبوَا ِبهَا} ،
وأمرهم بتقواه عز وجل ليفلحوا في الدنيا والخرة .فقال { :وَاتّقُوا اللّهَ َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ} .
هداية الية الكريمة
من هداية الية:
-1أن يسأل المرء عما ينفعه ويترك السؤال 3عما ل يعنيه.
-2فائدة الشهور القمرية عظيمة إذ بها تعرف كثير من العبادات.
-3حرمة البتداع في الدين 4ولو كان برغبة في طاعة ال تعالى وحصول الجر.
-4المر بالتقوى المفضية إلى فلح العبد ونجاته في الدارين.
__________
1من ذلك بيوع الجال وبيع السلم فل بد من تحديد الوقت بعام معين أو شهر معين.
2لحديث عبد الرازق والحاكم عن ابن عمر قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :جعل ال
الهلة مواقيت للناس فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ،فإن غم عليكم فعدوا ثلثين يوما" فإن غم
في أول رمضان عددنا شعبان ثلثين يوما وإن غم في آخر رمضان عددنا رمضان ثلثين يوما.
3وشاهده في السنة قوله صلى ال عليه وسلم" :من حسن إسلم المرء تركه مال يعنيه" .
4قال القرطبي في تفسير هذه الية :بيان أن ما لم يشرعه ال قربة ول ندب إليه ل يصير قربة
يتقرب بها إلى ال تعالى واستشهد بحديث أبي إسرائيل إذ نذر أن يقوم ول يقعد ول يستظل ول
يتكلم ويصوم .فقال النبي صلى ال عليه وسلم" :مروه فليتكلم وليستظل وليقعد ولتم صومه" .
فأبطل ما لم يكن قربة وصحح ما هو قربة.
( )1/171
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حبّ ا ْل ُمعْتَدِينَ( )190وَاقْتُلُوهُمْ حَ ْيثُ
{ َوقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الّذِينَ ُيقَاتِلُو َنكُ ْم وَل َتعْ َتدُوا إِنّ اللّهَ ل ُي ِ
جدِ ا ْلحَرَامِ
شدّ مِنَ ا ْلقَ ْتلِ وَل ُتقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ا ْلمَسْ ِ
َثقِفْ ُتمُوهُمْ 1وََأخْرِجُوهُمْ مِنْ حَ ْيثُ َأخْرَجُوكُ ْم وَا ْلفِتْنَةُ أَ َ
غفُورٌ
حَتّى ُيقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَِلكَ جَزَاءُ ا ْلكَافِرِين َ( )191فَإِنِ انْ َت َهوْا فَإِنّ اللّهَ َ
ع ْدوَانَ إِل عَلَى الظّاِلمِينَ(
رَحِيمٌ(َ )192وقَاتِلُوهُمْ حَتّى ل َتكُونَ فِتْنَةٌ وَ َيكُونَ الدّينُ لِلّهِ فَإِنِ انْ َت َهوْا فَل ُ
})193
شرح الكلمات:
{سَبِيلِ اللّهِ} :الطريق الموصل إلى رضوانه وهو السلم ،والمراد إعلء كلمة 2ال.
{الّذِينَ ُيقَاتِلُونَكُمْ} :المشركون الذين يبدؤونكم بالقتال.
{وَل َتعْتَدُوا} : 3ل تجاوزوا الحد فتقتلوا النساء والطفال ومن اعتزل القتال.
{ َث ِقفْتُمُوهُمْ} :تمكنتم من قتالهم.
{وَا ْلفِتْنَةُ} :الشرك .4
سجِدِ الْحَرَامِ} :المراد به مكة والحرم من حولها.
{ا ْلمَ ْ
{وَ َيكُونَ الدّينُ لِلّهِ} :بأن لم يبق من يعبد غير ال تعالى.
ع ْدوَانَ} :أي :ل اعتداء بالقتل والمحاربة إل على الظالمين .أما من أسلم فل يقاتل.
{فَل ُ
معنى اليات:
هذه اليات الثلثَ { :وقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ} من أوائل ما نزل في شأن قتال المشركين
__________
1يقال رجل ثقف لقف ،إذا كان محكما لما يتناوله والمراد :اقتلوهم حيث تمكنتم من ذلك غالبين
لهم قاهرين.
2لقوله صلى ال عليه وسلم" :من قاتل لتكون كلمة ال هي العليا فهو في سبيل ال" .في
الصحيح.
3يدخل في هذا النهي كل محرم؛ كالميتة و تحريق الشجار وقتل الحيوان لحديث في الصحيح" :
اغزوا في سبيل ال قاتلوا من كفر بال ،اغزوا ول تغلوا ،ول تغدروا ول تمثلوا ول تقتلوا الوليد
ول أصحاب الصوامع" .
4يصح تفسير الية :بأن الفتنة التي حملوكم عليها وراموا رجعوكم بها إلى الكفر أشد من القتل
أي :من قتل المؤمن.
( )1/172
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وهي متضمنة الذن لرسول ال صلى ال عليه وسلم والمؤمنين بقتال من يقاتلهم والكف عمن
يكف عنهم ،وقال تعالىَ { :وقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ} أي :في سبيل إعلء كلمة ال ليعبد وحده{ .الّذِينَ
ُيقَاتِلُو َنكُمْ} ،واقتلوهم حيث تمكنتم منه ،وأخرجوهم من ديارهم كما أخرجوكم أيها المهاجرون من
دياركم ،ول تتحرجوا من القتل ،فإن فتنتهم للمؤمنين لحملهم على الكفر بالضطهاد والتعذيب أشد
سجِدِ الْحَرَامِ حَتّى ُيقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} فل تكونوا البادئين فإن قاتلوكم
من القتل{ :وَل ُتقَاتِلُوهُمْ 1عِ ْندَ ا ْلمَ ْ
فاقتلوهم .كذلك القتل والخراج الواقع منكم لهم يكون جزاء كل كافر يعتدي ويظلم .فإن انتهوا
عن الشرك والكفر وأسلموا فإن ال يغفر لهم ويرحمهم؛ لن ال تعالى غفور رحيم.
أما الية الرابعة( )193وهي قوله تعالىَ { :وقَاتِلُو ُهمْ حَتّى ل َتكُونَ فِتْ َنةٌ} فهي مقررة لحكم
سابقاتها ،إذ فيها المر بقتال المشركين الذين قاتلوهم قتالً يستمر حتى ل يبقى في مكة من
يضطهد في دينه ويفتن فيه ويكون الدين كله ل فل يعبد غيره ،وقوله فإن انتهوا من الشرك بأن
اسلموا ووحدوا فكفوا عنهم ول تقاتلوهم ،إذ ل عدوان 2إل على الظالمين وهم بعد إسلمهم ما
أصبحوا ظالمين.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب قتال من يقاتل المسلمين ،والكف عمن يكف عن قتالهم ،وهذا قبل نسخ هذه الية.
-2حرمة العتداء في القتال بقتل الطفال والشيوخ والنساء إل أن يقاتلن.
-3حرمة القتال عند المسجد الحرام ،أي مكة والحرم إل أن يبدأ العدو بالقتال فيه فيقاتل.
غفُورٌ رَحِيمٌ} .
-4السلم يجب ما قبله لقوله تعالى{ :فَإِنِ انْ َت َهوْا فَإِنّ اللّهَ َ
-5وجوب الجهاد وهو فرض كفاية ما وجد مؤمن يضطهد لسلمه أو يفتن في دينه.
__________
1القول بأن هذه الية محكمة أصح لن دللتها على ذلك واضحة وهو أن ل يقاتل في الحرم
المكي وأن ل يبدأ به فإذا بدأ المشركون بقتال المؤمنين قاتلهم المؤمنون فيه ،ويشهد لهذا حديث
ابن عباس في الصحيح" :إن هذا البلد حرمه ال يوم خلق السموات والرض فهو حرام لحرمة ال
تعالى إلى يوم القيامة" .الحديث.
2قتال من قاتل المسلمين ل يسمى عدوانا إل من باب المشاكلة نحوَ { :وجَزَاءُ سَيّ َئةٍ سَيّ َئةٌ مِثُْلهَا} ،
إذ الولى حقا سيئة ،أما الثانية فإنها قصاص عادل وسميت سيئة مشاكلة في اللفظ.
( )1/173
شهْرِ الْحَرَا ِم وَالْحُ ُرمَاتُِ 1قصَاصٌ َفمَنِ اعْتَدَى عَلَ ْي ُكمْ فَاعْتَدُوا عَلَ ْيهِ ِبمِ ْثلِ 2مَا
شهْرُ الْحَرَامُ بِال ّ
{ال ّ
اعْتَدَى عَلَ ْي ُك ْم وَاتّقُوا اللّهَ وَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ مَعَ ا ْلمُتّقِينَ( )194وَأَ ْن ِفقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَل تُ ْلقُوا بِأَ ْيدِيكُمْ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حسِنِينَ(})195
حبّ ا ْلمُ ْ
حسِنُوا إِنّ اللّهَ يُ ِ
إِلَى ال ّتهُْلكَ ِة وَأَ ْ
شرح الكلمات:
شهْرُ الْحَرَامُ} :الشهر المحرم القتال فيه والشهر الحرم أربعة ثلثة سرد وواحد فرد .فالثلثة
{ال ّ
هي القعدة والحجة ومحرم ،والرابع الفرد :رجب.
الحرمات :جمع حرمة؛ كالشهر الحرام ،والبلد الحرام ،والحرام.
{أَنّ اللّهَ مَعَ ا ْلمُتّقِينَ} :المتقون :هم المؤمنون الذين يتقون معاصي ال تعالى ومخالفة سنته في
الحياة وكونه تعالى معهم :يسددهم ويعينهم وينصرهم.
{ال ّتهُْلكَةِ} :الهلكة والهلك مثلها.
الحسان :اتقان الطاعة وتخليصها من شوائب الشرك ،وفعل الخير 3أيضا.
معنى اليتين:
الية الولى( )194في سياق ما قبلها تشجع المؤمنين المعتدى عليهم على قتال أعدائهم وتعلمهم
أن من قاتلهم في الشهر الحرام فليقاتلوه في الشهر الحرام ،ومن قاتلهم في الحرم فليقاتلوه في
الحرم ،ومن قاتلهم وهم محرمون فليقاتلوه وهو محرم ،وهكذا الحرمات قصاص
__________
1الحرمات :جمع حرمة ،كالظلمات :جمع ظلمة ،والحرمة :ما منع العبد من انتهاكه ،والقصاص
يمعنى المساواة هذه الية ل خلف بين العلماء في أنها أصل المماثلة في القصاص ،فمن جرح
جرح بمثل ما جرح ،ومن قتل يقتل بمثل ما قتل به ،اللهم إل من قتل بزنا أو لواط فهذا قطعا ل
مماثلة فيه ولكن يقتل بالسيف.
2لهذا الية نظيرها وهو قوله تعالى{ :وَإِنْ عَاقَبْتُمْ َفعَاقِبُوا ِبمِ ْثلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} وقوله{ :وَجَزَاءُ
سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مِثُْلهَا} ،وهي بالنسبة إلى المة قد نسخت بآيات الجهاد ،أما بالنسبة للفراد فالجمهور
على أن الفرد ل يعاقب بنفسه ولكن بواسطة الحاكم ،ولكن يرى بعضهم كالمام الشافعي :أن
الفرد إذا لم يتوصل إلى أخذ حقه إل بالمعاقبة فلينظر إذا كان يمكنه أن يأخذ بقدر ما أخذ منه
مساواة بل زيادة فل بأس أن يأخذ بشرط أن يأمن من نسبته إلى السرقة حتى ل يتعرض إلى
إقامة الحد عليه.
3فعل الخير يشمل مواساة الفقراء والمساكين وصلة ذو الرحام كما يشمل عدم الساءة إلى
المسيء بالعفو والصفح عنه فهو باب واسع.
( )1/174
بينهم ومساواة .ومن اعتدى عليهم فليعتدوا عليه مثل اعتدائه عليهم ،وأمرهم بتقواه عز وجل
وأعلمهم أنه معهم ما اتقوه بالتسديد والعون والنصر.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وأما الية )195(1فقد أمرهم بإنفاق المال للجهاد لعداد العدة وتسيير السرايا ولمقاتلين ونهاهم
أن يتركوا النفاق في سبيل ال الذي هو الجهاد فإنهم متى تركوا النفاق والجهاد كانوا كمن ألقى
بيده في الهلك ،وذلك أن العدو المتربص بهم إذا رآهم قعدوا عن الجهاد غزاهم وقاتلهم وانتصر
عليهم فهلكوا .كما أمرهم بالحسان في أعمالهم كافة وإحسان العمال إتقانها وتجويدها ،وتنقيتها
من الخلل والفساد ،وواعدهم إن هم أحسنوا أعمالهم بتأييدهم ونصرهم ،فقال تعالى { :وََأحْسِنُوا إِنّ
حسِنِينَ} ومن أحبه ال أكرمه ونصره وما أهانه ول خذله.
حبّ ا ْلمُ ْ
اللّهَ ُي ِ
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1احترام الشهر الحرام وسائر الحرمات.
-2جواز المقاصة والمجازاة لمن اعتدى بحيث يعامل بما عامل به سواء بسواء.
-3رد العتداء والنيل من المعتدي الظالم البادي 2بالظلم والعتداء.
-4معية ال تعالى لهل اليمان والتقوى والحسان.
-5فضيلة الحسان لحب ال تعالى للمحسنين.
سكُمْ حَتّى يَبْلُغَ
ي وَل تَحِْلقُوا ُرؤُو َ
حصِرْتُمْ َفمَا اسْتَ ْيسَرَ مِنَ ا ْلهَ ْد ِ
{وَأَ ِتمّوا الْحَجّ 3وَا ْل ُعمْ َرةَ لِلّهِ فَإِنْ ُأ ْ
__________
1روي أن أبا أيوب النصاري رضي ال عنه قال :هذه الية نزلت فينا معاشر النصار ،وذلك
أنه لما نصر ال رسوله وأظهر دينه قلنا :هلم نقيم في أموالنا ونصلحها فأنزل ال عز وجل:
{وَأَ ْنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ} الية ،واللقاء باليد في التهلكة :أن نقيم في أموالنا.
2هذا ليس على بابه وإنما هو في المعتدي الكافر ،أما المسلم فإن العفو عنه محمود ومطلوب
عفَا وََأصْلَحَ فَأَجْ ُرهُ عَلَى اللّه} وقال رسوله صلى ال عليه وسلم" :أدي
أيضا ،قال تعالىَ { :فمَنْ َ
المانة لمن ائتمنك ول تخن من خانك" .
3الية دليل على مشروعية العمرة وهي كذلك سنة واجبة ،أما الحج فقد فرض بالكتاب في قوله
تعالى{ :وَِللّهِ عَلَى النّاسِ حِجّ الْبَ ْيتِ مَنِ اسْ َتطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلً} وبالنسبة في حديث ابن عمر" :بني
السلم على خمس" إذ فيه حج البيت والجماع أيضا.
( )1/175
سكٍ فَِإذَا
ص َدقَةٍ َأوْ نُ ُ
ن صِيَامٍ َأوْ َ
سهِ َففِدْيَةٌ مِ ْ
حلّهُ َفمَنْ كَانَ مِ ْنكُمْ مَرِيضا َأوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْ ِ
ا ْلهَ ْديُ مَ ِ
جدْ َفصِيَامُ ثَلثَةِ أَيّامٍ فِي ا ْلحَجّ
َأمِنْتُمْ َفمَنْ َتمَتّعَ بِا ْل ُعمْ َرةِ إِلَى ا ْلحَجّ َفمَا اسْتَ ْيسَرَ مِنَ ا ْلهَ ْديِ َفمَنْ َلمْ يَ ِ
سجِدِ ا ْلحَرَامِ وَاتّقُوا اللّهَ
جعْ ُتمْ تِ ْلكَ عَشَ َرةٌ كَامِلَةٌ ذَِلكَ ِلمَنْ َلمْ َيكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ا ْلمَ ْ
وَسَ ْبعَةٍ ِإذَا رَ َ
وَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ(})196
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شرح الكلمات:
ج وَا ْل ُعمْ َرةَ لِلّهِ} :فإتمامهما 1أن يحرم بهما من الميقات وأن يأتي بأركانهما
{وَأَ ِتمّوا الْحَ ّ
وواجباتهما على الوجه المطلوب من الشارع ،وأن يخلص فيهما ل تعالى.
حصِرْتُمْ} :الحصر والحصار 2أن يعجز الحاج أو المعتمر عن إتمام حجه أو عمرته إما
{فَإِنْ ُأ ْ
بعدو يصده عن دخول مكة أو مرض شديد ل يقدر معه على مواصلة السير إلى مكة .3
{ َفمَا اسْتَ ْيسَرَ مِنَ ا ْلهَ ْديِ} :أي فالواجب على من أحصر ما تيسر له من الهدي شاة أو بقرة أو
بعير.
سكُمْ} :ل يتحلل المحصر من إحرامه حتى يذبح ما تيسر له من الهدي فإن ذبح
{وَل تَحِْلقُوا ُرؤُو َ
تحلل بحلق رأسه.
{ َففِدْيَةٌ} :فالواجب هو فدية من صيام أو صدقة أو نسك.
{ َفمَنْ َتمَتّعَ بِا ْل ُعمْ َرةِ إِلَى ا ْلحَجّ} :فمن أحرم بعمرة في أشهر الحج وتحلل وبقي في مكة ينتظر
الحج وحج فعلً فالواجب ما استيسر من الهدي.
__________
1ومن إتمامها أن يخرج لهما ل لتجارة ول غيرها فيخرج لهما ل غيرهما كما قال علي رضي
ال عنه" :أن تحرم بهما من دويرة أهلك ،والحج تمامه عرفة ،والعمرة والسعي بعد الطواف
والحلق أو التقصير".
2ذهب مالك والشافعي إلى أن المحصر بمرض ل يحل له أن يتحلل بل عليه أن يبقى على
إحرامه حتى يطوف ولو بعد عام ،وذهب غيرهما إلى أن المريض الشديد المرض حكمه حكم
المحصر بالعدو ينحر ويتحلل ،وإن كان الحج فرضا عليه القضاء ،وإن كان نفلً فل قضاء عليه.
3هذا إذا لم يشترط عند إحرامه ،أما إذا اشترط بقوله عند إحرامه" :محلي حيث حبستني" فإنه
يتحلل ول شيء عليه إل ما كان من مالك فإنه ل يرى الشتراط وهو محجوج بحديث ضباعة:
"حجي واشترطي".
( )1/176
جدْ َفصِيَامُ ثَلثَةِ أَيّامٍ} :فمن تمتع بالعمرة ولم يجد هديا لعجزه عنه ،فالواجب صيام
{ َفمَنْ َلمْ يَ ِ
عشرة أيام ثلثة في مكة وسبعة في بلده.
جدِ ا ْلحَرَامِ} :أي ما وجب من الهدي أو الصيام عند العجز
{ذَِلكَ ِلمَنْ لَمْ َيكُنْ َأهْلُهُ حَاضِرِي ا ْلمَسْ ِ
وهو لغير أهل الحرم أما سكان مكة والحرم 1حولها وهم أهل الحرم فل يجب عليهم شيء إن
تمتعوا.
معنى الية الكريمة:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يتموا الحج والعمرة له سبحانه وتعالى فيأتوا بها على الوجه
المطلوب وأن يريدوا بهما ال تعالى ،ويخبرهم أنهم إذا أحصروا فلم يتمكنوا من إتمامها ،فالواجب
عليهم أن يذبحوا ما تيسر لهم ،فإذا ذبحوا أو نحروا حلوا من إحرامهم ،وذلك بحلق شعر رؤوسهم
أو تقصيره ،كما أعلمهم أن من كان منهم مريضا أو به أذى من رأسه واضطر إلى حلق شعر
رأسه أو لبس ثوب أو تغطية رأس ،فالواجب بعد أن يفعل ذلك فدية وهي واحد من ثلثة على
التخيير :صيام ثلثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين حفنتان 2من طعام ،أو ذبح شاة .كما
أعلمهم أن من تمتع بالعمرة إلى الحج ولم يكن من سكان الحرم أن عليه ما استيسر من الهدي شاة
أو بقرة أو بعير فإن لم يجد ذلك صام ثلثة أيام في الحج من أول شهر الحجة إلى يوم التاسع منه
وسبعة أيام إذا رجع إلى بلده .وأمرهم بتقواه عز وجل وهي امتثال أوامره والخذ بتشريعه و
شدِيدُ ا ْل ِعقَابِ}
حذرهم من إهمال أمره والستخفاف بشرعه فقال{ :وَا ّتقُوا اللّ َه وَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ َ
هداية الية:
من هداية الية:
-1وجوب إتمام الحج والعمرة لمن شرع فيهما بالحرام من الميقات ،وإن كان الحج 3تطوعا
والعمرة غير واجبة.
__________
1المكي وساكن الحرم إن حصرا بمرض ل يحل لهما التحلل بذبح الهدي بل عليهما أن يحمل
على نعش ويوقف بهما بعرفة ويطاف بهما وهما على النعش.
2ويجزئ اليوم كيلو رز أو بر أو تمر لكل مسكين ول يجوز إلقاء ذلك لحمام الحرم كما يفعل
الجهال.
ج وَا ْل ُعمْ َرةَ لِلّهِ} ،وقوله{ :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا َأطِيعُوا اللّ َه وَأَطِيعُوا
3لقول ال تعالى{ :وَأَ ِتمّوا ا ْلحَ ّ
عمَاَلكُمْ} فمن شرع في عبادة يجب أن يتمها.
ل وَل تُ ْبطِلُوا أَ ْ
الرّسُو َ
( )1/177
-2بيان حكم الحصار ،1وهو ذبح شاة من مكان الحصار ثم التحلل بالحلق أو التقصير ،ثم
القضاء من قابل إن تيسر ذلك للعبد ،لن الرسول صلى ال عليه وسلم قضى هو وأصحابه العمرة
التي صدوا فيها عن المسجد الحرام عام الحديبية.
-3بيان فدية الذى :وهي أن من ارتكب محظورا من محظورات الحرام بأن حلق أو لبس
مخيطا أو غطى رأسه لعذر وجب عليه فدية وهي صيام أو إطعام أو ذبح شاة.
-4بيان حكم التمتع ،2وهو أن من كان من غير سكان مكة والحرم حولها إذا أحرم بعمرة في
أشهر الحج وتحلل منها وبقي في مكة وحج من عامه أن عليه ذبح 3شاة فإن عجز صام ثلثة
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أيام في مكة وسبعة في بلده.
-5المر بالتقوى وهي طاعة ال تعالى بامتثال أمره واجتناب نهيه ،والتحذير من "تركها لما
يترتب عليه من العقاب الشديد"
ج َومَا َت ْفعَلُوا
ق وَل جِدَالَ فِي الْحَ ّ
ث وَل فُسُو َ
شهُرٌ َمعْلُومَاتٌ َفمَنْ فَ َرضَ فِيهِنّ ا ْلحَجّ فَل َر َف َ
{ا ْلحَجّ أَ ْ
مِنْ خَيْرٍ َيعَْلمْهُ اللّ ُه وَتَ َزوّدُوا فَإِنّ خَيْرَ 4الزّادِ ال ّت ْقوَى وَاتّقُونِ يَا أُولِي الَلْبَابِ( )197لَ ْيسَ عَلَ ْيكُمْ
شعَرِ ا ْلحَرَا ِم وَا ْذكُرُوهُ
جُنَاحٌ أَنْ تَبْ َتغُوا َفضْلً مِنْ رَ ّبكُمْ فَإِذَا َأ َفضْتُمْ مِنْ عَ َرفَاتٍ فَا ْذكُرُوا اللّهَ عِنْدَ ا ْلمَ ْ
َكمَا هَدَا ُك ْم وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ
__________
1الواجب على المحصر أن يذبح هدي في الحرم وإن عجز ذبحه في مكان الحصار ،وإن عجز
ذبحه حيث أمكنه وإن لم يجده لفقر صام عشرة أيام بدله ،والواجب أن ل يتحلل إل بعد نحر
الهدي إن كان ذلك في مقدوره ،هذا أوسط المذاهب في هذه المسألة الشائكة الكثيرة الراء.
2ل خلف في جواز الحرام بأي نسك من أنواع النسك الثلثة إل أن الفراد لمن يعتمر في غير
أشهر الحج ويحج من عامه أفضلها.
3شاه الحصار أولً ل بد وأن تكون سليمة؛ كشاة الضحية في سنها وسلمتها من العور
والعرج والهزال والمرض.
4روى البخاري عن ابن عباس قال" :كان أهل اليمن يحجون ول يتزودون ويقولون نحن
المتوكلون فإذا قدموا مكة سألوا الناس فأنزل ال تعالى{ :وتزودوا " }....الية ،والزاد :التمر،
والسويق يومئذ وهو ما يتحاجه الحاج من سائر أنواع الزاد.
( )1/178
غفُورٌ رَحِيمٌ(})199
س وَاسْ َت ْغفِرُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ َ
َلمِنَ الضّالّينَ(ُ )198ثمّ َأفِيضُوا مِنْ حَ ْيثُ َأفَاضَ النّا ُ
شرح الكلمات:
شهُرٌ َمعْلُومَاتٌ} :هي شوال والقعدة وعشر 1ليال من الحجة هذه هي الشهر التي يحرم فيها
{َأ ْ
بالحج.
{فَ َرضَ} :نوى الحج وأحرم 2به.
{فَل َر َفثَ} :الرفث :الجماع ومقدماته.
{وَل فُسُوقَ} :الفسق والفسوق :الخروج عن طاعة ال بترك واجب أو فعل حرام.
الجدال :المخاصمة والمنازعة.
الجناح :الثم.
{تَبْ َتغُوا َفضْلً} :تطلبوا ربحا في التجارة من الحج.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{َأ َفضْتُمْ مِنْ عَ َرفَاتٍ} :الفاضة من عرفات تكون بعد الوقوف بعرفة يوم الحج وذلك بعد غروب
الشمس من يوم التاسع من شهر الحجة.
شعَرِ الْحَرَامِ} :مزدلفة وذكر ال تعالى عندها :هو صلة المغرب والعشاء جمعا بها وصلة
{ا ْلمَ ْ
الصبح.
معنى اليات:
ما زال السياق في بيان أحكام الحج والعمرة فأخبر تعالى أن الحج له أشهر 3معلومة وهي شوال
والقعدة وعشر ليال من الحجة فل يحرم بالحج إل فيها .وأن من أحرم بالحج يجب عليه أن
يتجنب الرفث والفسق 4والجدال 5حتى ل يفسد حجه أو ينقص أجره ،وانتدب الجاج
__________
1لو أحرم ليلة العاشر وهي ليلة العيد ووصل إلى عرفة ووقف بها قبل طلوع الفجر صح حجه.
2يكره أن يحرم المسلم بالحج قبل أشهره ،ولو أحرم صح إحرامه وعليه المضي فيه والفضل له
أن يتحلل بعمرة وإن بقى على إفراده كره له ذلك ،وصح منه ،هذا أرجح المذاهب في هذه
المسألة.
3لم يذكر أشهر الحج في الية بالتعيين وذلك للعلم بها ولبيان الرسول صلى ال عليه وسلم لها،
وقال أشهر وهي شهران وعشر ليال من باب التغليب.
4أنه بتجنب هذه الثلثة يكون حجه مبرور لقول الرسول صلى ال عليه وسلم في صحيح مسلم:
"من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ،الحج المبرور ليس له جزاء إل الجنة" .قالت
العلماء :الحج المبرور :الذي لم يعص ال تعالى فيه وحف بفعل الخيرات.
5الجدال :مأخوذ من الجدال الذي هو الفتل للحبل ونحوه ،فالمجادل يريد أن يفتل رأي من يجادله
أي يثنيه عنه ويرده عليه.
( )1/179
إلى فعل الخير من صدقة وغيرها فقالَ { :ومَا َت ْفعَلُوا مِنْ خَيْرٍ َيعَْلمْهُ اللّهُ} ولزمه أنه يثيب عليه
ويجزي به .وأمر الحجاج أن يتزودوا لسفرهم في الحج بطعام وشراب يكفون به وجوههم عن
السؤال فقال :وتزودوا ،وأرشد إلى خير الزاد ،وهو التقوى ،ومن التقوى عدم سؤال الناس
أموالهم والعبد غير محتاج وأمرهم بتقواه عز وجل ،أي بالخوف منه حتى ل يعصوه في أمره
ونهيه فقال{ :وَا ّتقُونِ يَا أُولِي الَلْبَابِ} ،وال أحق أن يتقى؛ لنه الواحد القهار ،ثم أباح لهم
التجار أثناء وجودهم في مكة ومنى فقال{ :لَ ْيسَ عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْ َتغُوا َفضْلً مِنْ رَ ّبكُمْ} يريد
رزقا حللً بطريق التجارة المباحة ،ثم أمرهم بذكر ال تعالى في مزدلفة بصلة المغرب والعشاء
والصبح فيها وذلك بعد إفاضتهم من عرفة بعد غروب الشمس فقال عز من قائل{ :فَإِذَا َأ َفضْتُمْ مِنْ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شعَرِ ا ْلحَرَامِ} ثم ذكرهم بنعمة هدايته لهم بعد الضلل الذي كانوا
1عَ َرفَاتٍ فَا ْذكُرُوا اللّهَ عِنْدَ ا ْلمَ ْ
فيه وانتدبهم إلى شكره وذلك بالكثار من ذكره فقال تعالى {:وَا ْذكُرُوهُ َكمَا َهدَاكُ ْم وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ
قَبْلِهِ َلمِنَ الضّالّينَ} ثم أمرهم بالمساواة في الوقوف بعرفة والفاضة منها فليقفوا كلهم بعرفات،
وليفيضوا جميعا منها فقال عز وجل{ :ثُمّ َأفِيضُوا مِنْ حَ ْيثُ َأفَاضَ النّاسُ} ،وذلك أن الحمس 2
كانوا يفيضون من أدنى عرفات حتى ينجوا من الزحمة ويسلموا الحطمة .وأخيرا أمرهم باستغفار
غفُورٌ َرحِيمٌ} .
ال أي :طلب المغفرة منه ووعدهم بالمغفرة بقوله{ :وَاسْ َت ْغفِرُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ َ
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1حرمة الرفث والفسوق والجدال في الحرام.
-2استحباب فعل الخيرات للحاج أثناء حجه ليعظم أجره ويبر حجه.
-3إباحة التجار والعمل للحاج طلبا للرزق على أن ل يحج لجل ذلك.
-4وجوب 3المبيت بمزدلفة لذكر ال تعالى.
__________
1الجماع على أن من وقف بعرفة قبل الزوال وخرج منها قبل الزوال إنه ما حج ،أما من وقف
بعد الزوال وخرج قبل غروب الشمس فالجمهور على صحة حجه ،وعليه ذبح شاه وقال مالك:
يبطل حجه .وال أعلم.
2الحمس :جمع أحمس ،من هو أشد تحمسا وحماسة لحماية الحرم وهم قريش ومن يمت إليهم
بنسب وكانوا يقولون :نحن أهل ال في بلدته ،وقبطان بيته.
3القول بركنية المبيت بمزدلفة قول شاذ ل يلتفت إليه ،وأما الوجوب فمتأكد بالية والحديث،
والخروج منها بعد النزول بها بعد نصف الليل للعجزة والضعفة جائر بإذن الرسول صلى ال
عليه وسلم كما هو ثابت في السنن.
( )1/180
( )1/181
{حَسَنَةً} :حسنة الدنيا :كل ما يسر ول يضر من زوجة صالحة وولد صالح ورزق حلل وحسنة
الخرة النجاة من النار ودخول الجنان.
{ َوقِنَا} :احفظنا ونجنا من عذاب النار.
{ َنصِيبٌ} :حظ وقسط من أعمالهم الصالحة ودعائهم الصالح.
اليام المعدودات : 1أيام التشريق الثلثة بعد يوم العيد.
جلَ فِي َي ْومَيْنِ} :رمى يوم الول والثاني وسافر.
{ َتعَ ّ
{ َومَنْ تَأَخّرَ} :رمى اليام الثلثة كلها.
{فَل إِ ْثمَ} :أي ل ذنب في التعجل ول في التأخر.
{ِلمَنِ ا ّتقَى} :للذي اتقى ربه بعدم ترك واجب أوجبه أو فعل حرام حرمه.
{ ُتحْشَرُونَ} :تجمعون للحساب والجزاء يوم القيامة.
معنى اليات:
بهذا اليات الربع انتهى الكلم على أحكام الحج ،ففي الية الولى( )200يرشد تعالى المؤمنين
إذا فرغوا من مناسكهم بأن رموا جمرة العقبة ونحروا وطافوا طواف الفاضة ،واستقروا بمنى
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
للراحة والستجمام أن يكثروا من ذكر ال تعالى عند رمي الجمرات ،وعند الخروج من الصلوات
ذكرا مبالغا في الكثرة منه على النحو الذي كانوا في الجاهلية يذكرون فيه مفاخر آبائهم 2
وأحساب أجدادهم .وبين تعالى حالهم وهي أن منهم من همه الدنيا فهو ل يسأل ال تعالى إل ما
يهمه منها ،وهذا كان عليه أكثر الحجاج في الجاهلية ،وأن منهم من يسأل ال تعالى خير الدنيا
والخرة ،وهم المؤمنون الموحدون فيقولون{ :رَبّنَا آتِنَا فِي 3الدّنْيَا حَسَ َن ًة َوفِي الخِ َرةِ حَسَ َن ًة َوقِنَا
عَذَابَ النّارِ} ،وهذا متضمن تعليم المؤمنين وإرشادهم إلى هذا الدعاء الجامع والقصد الصالح
النافع فلله الحمد والمنة ،وفي الية( )202يخبر تعالى أن لهل الدعاء الصالح وهم المؤمنون
الموحدون نصيبا من الجر على أعمالهم التي كسبوها في الدنيا،
__________
1روى أن ابن عباس رضي ال عنهما قال :اليام المعدودات :أيام التشريق ،واليام المعلومات:
أيام العشر من أول الحجة.
2قال أهل العلم :إن عادة العرب في الجاهلية إنهم إذا قضوا حجهم وقفوا عند الجمرات يفاخرون
بآبائهم حتى أن الرجل ليقول اللهم إن أبي كان عظيم القبة عظيم الجفنة كثير المال فأعطني مثل
ما أعطيته ،فل يذكر غير أبيه.
3هذه الية من جوامع الدعاء التي عمت الدنيا والخرة وفي الصحيحين أن أنس بن مالك :قال
كان أكثر دعوة يدعو بها النبي صلى ال عليه وسلم يقول{ :ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الخرة
حسنة وقنا عذاب النار} .
( )1/182
وهو تعالى سريع الحساب فيعجل لهم تقديم الثواب وهو الجنة ،وفي الية( )203يأمر تعالى عباده
الحجاج المؤمنين بذكره تعالى في أيام التشريق عند رمي الجمار وبعد الصلوات الخمس قائلين:
ال أكبر ال أكبر ل إله إل ال ،ال أكبر أل أكبر ول الحمد ثلث مرات إلى عصر اليوم الثالث
في أيام التشريق 1ثم أخبرهم ال تعالى بأنه ل حرج على من تعجل السفر إلى أهله بعد رمي
جلَ فِي َي ْومَيْنِ فَل
اليوم الثاني ،كما ل حرج على من تأخر فرمى اليوم الثالث فقال تعالىَ { :فمَنْ َتعَ ّ
علَيْهِ} فالمر على التخيير وقيد نفي الثم بتقواه عز وجل فمن ترك
إِثْمَ 2عَلَيْ ِه َومَنْ تََأخّرَ فَل إِثْمَ َ
واجبا أو فعل محرما فإن عليه إثم معصيته ول يطهره منها إل التوبة ففي الثم مقيد بالتعجل
ودعمه فقط .فكان قوله تعالى لمن اتقى قيدا ً جميلً ،ولذا أمرهم بتقواه عز وجل ،ونبههم إلى
مصيرهم الحتمي ،وهو الوقوف بين يديه سبحانه وتعالى ،فليستعدوا لذلك بذكره وشكره والحرص
على طاعته.
هداية اليات
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
من هداية اليات:
-1وجوب الذكر بمنى عند رمس الجمرات إذ يكبر مع كل حصاة قائلً :ال أكبر.
-2فضيلة الذكر 3والرغبة فيه؛ لنه من محاب ال تعالى.
-3فضيلة سؤال ال تعالى الخيرين وعدم القتصار على أحدهما ،وشره القتصار على طلب
الدنيا وحطامها.
-4فضيلة دعاء{ :رَبّنَا آتِنَا فِي الدّنْيَا حَسَنَ ًة َوفِي الْآخِ َرةِ حَسَ َن ًة َوقِنَا عَذَابَ النّارِ} .فهي جامعة
للخيرين معا ،فكان النبي صلى ال عليه وسلم إذا طاف بالبيت يختم بها كل شوط.
-5وجوب المبيت ثلث ليال بمنى ووجوب الحمرات إذ بها يتأتى ذكر ال في اليام المعدودات،
وهي أيام التشريق.
-6الرخصة في التعجل لمن رمى اليوم الثاني.
-7المر بتقوى ال وذكر الحشر والحساب والجزاء ،إذ هذا الذكر يساعد على تقوى ال عز
وجل.
__________
1لقد رخص لمن لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق بل خلف.
2قيل أن هذا التخيير ونفي الثم على المتعجل والمتأخر لجل الحاج المتقي لنه حذر متحرز من
كل ما يريبه فرفع الثم حتى ل يبقى في نفسه ما يؤلمه من التقديم والتأخير وهو وجه حسن للية.
3روى أحمد أن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر ال".
وروى مسلم أيضا عنه صلى ال عليه وسلم" :ل تصوموا هذه اليام فإنها أيام أكل وشرب وذكر
ال".
( )1/183
خصَامِ()204
شهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِ ِه وَ ُهوَ أَلَدّ الْ ِ
{ َومِنَ النّاسِ مَنْ ُي ْعجِ ُبكَ َقوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَيُ ْ
حبّ ا ْلفَسَادَ( )205وَإِذَا قِيلَ
ل وَاللّ ُه ل ُي ِ
سَث وَالنّ ْ
سعَى فِي الَ ْرضِ لِ ُيفْسِدَ فِيهَا وَ ُيهِْلكَ الْحَ ْر َ
وَإِذَا َتوَلّى َ
جهَنّ ُم وَلَبِئْسَ ا ْل ِمهَادُ(َ )206ومِنَ النّاسِ مَنْ َيشْرِي َنفْسَهُ ابْ ِتغَاءَ
خذَتْهُ ا ْلعِ ّزةُ بِالِثْمِ فَحَسْ ُبهُ َ
لَهُ اتّقِ اللّهَ أَ َ
مَ ْرضَاتِ اللّ ِه وَاللّهُ َرؤُوفٌ بِا ْلعِبَادِ(})207
شرح الكلمات:
{ ُيعْجِ ُبكَ} : 1يروق لك وتستحسنه.
في الدنيا :إذا تحدث في أمور الدنيا.
خصَامِ} :فوي الخصومة شديدها ،لذلقة لسانه.
{أََلدّ 2الْ ِ
{ َتوَلّى} :رجع وانصرف ،أو كانت له ولية.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سلَ} :الحرث :الزرع ،والنسل :الحيوان.
{ا ْلحَ ْرثَ وَالنّ ْ
{َأخَذَتْهُ ا ْلعِ ّزةُ 3بِالِثْمِ} :أخذته الحمية والنف بذنوبه فهو ل يتقي ال.
سهُ} :يبيع نفسه ل تعالى بالجهاد في سبيله بنفسه وماله.
{يَشْرِي َنفْ َ
معنى اليات:
يخر تعالى رسوله والمؤمنين عن حال المنافقين ،والمؤمنين الصادقين ،فقال تعالى مخاطبا
الرسول صلى ال عليه وسلم :ومن الناس رجل منافق يحسن القول ،وإذا قال يعجبك قوله لما
عليه من طلء
__________
1العجاب :إيجاد العجب في النفس ،والعجب انفعال يعرض للنفس عند مشاهدة أمر غير مألوف
خفي السبب.
2اللد :لغة العوج والمنافق في حال خصومته يكذب ويزور عن الحق ،ول يستقيم وفي
الحديث" :إذ خاصم فجر" .
3الخذ :أخذ الشيء باليد ،ويطلق ويراد به الستيلء على الشيء نحو{ :خذوهم واحصروهم} ،
وأخذته الحمى والعزة :حال نفسية يرى صاحبها أنه ل يمانع فيما يفعل ويريد ،وبالثم :الباء
للمصاحبة ،أي :أخذته العزة مصاحبة للثم كائنة معه ،وهو احتراز من العزة المصاحبة لما هو
محمود من الفعال؛ كالغضب ل تعالى.
( )1/184
ورونق ،وذلك إذا تكلم في أمور الحياة الدنيا بخلف أمور الخرة فإنه يجهلها وليس له دافع ليقول
فيها؛ لنه كافر ،و عندما يحدث يشهد ال أنه يعتقد ما يقول ،فيقول للرسول صلى ال عليه وسلم
سعَى
يعلم ال أني مؤمن وأني أحبك ،ويشهد ال أني كذا ...وإذا قام من مجلسك وانصرف عنكَ { :
1فِي الَ ْرضِ} أي :مشى فيها بالفساد ليهلك الحرث والنسل بارتكاب عظائم الجرائم فيمنع المطر
وتيبس المحاصيل الزراعية ،وتمحل الرض وتموت البهائم وينقطع النسل وعمله هذا مبغوض ل
تعالى فل يحبه ول يحب فاعله .كما أخبر تعالى أن هذا المنافق إذا أمر بمعروف أو نهى عن
منكر فقيل له اتق ال ل تفعل كذا أو اترك كذا تأخذه النفة والحمية بسبب ذنوبه التي هو متلبس
بها فل يتقي ال ول يتوب إليه فيكفيه جزاء على نفاقه وشره وفساده جهنم يمتهدها فراشا ل يبرح
منها أبدا ،ولبئس المهاد جهنم.
كما يخبر تعالى عن المؤمن الصادق فيقول من الناس رجل مؤمن صادق اليمان باع نفسه وماله
ل تعالى طلبا لمرضاته والحياة في جواره في الجنة دار السلم فقال تعالىَ { :ومِنَ النّاسِ مَنْ
يَشْرِي َنفْسَهُ ابْ ِتغَاءَ مَ ْرضَاتِ اللّ ِه وَاللّهُ َرؤُوفٌ بِا ْلعِبَادِ} رحيم بهم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
قيل :أن الرجل المنافق الذي تضمنت الحديث عنه اليات الثلثة الولى :هو الخنس 2بن
شريق ،وأن الرجل المؤمن الذي تضمنت الحديث عنه الية الرابعة( )207هو :صهيب بن سنان
الرومي أبو يحي ،إذ المشركون لما علموا به أنه سيهاجر إلى المدينة ليلحق بالرسول صلى ال
عليه وسلم وأصحابه قالوا :لن تذهب بنفسك ومالك لمحمد ،فلن نسمح لك بالهجرة إل إذا أعطيتنا
مالك كله ،فأعطاهم كل ما يملك وهاجر فلما وصل المدينة ،ورآه رسول ال صلى ال عليه وسلم
قال له :ربح البيع أبا يحي ربح البيع .واليات وإن نزلت في شأن الخنس وصهيب فإن العبرة
بعموم اللفظ ل بخصوص السبب ،فالخنس مثل سوء لكل من يتصف بصفاته ،وصيب مثل الخير
والكمال لكل من يتصف بصفاته.
__________
سعَى َلهَا
1السعي :المشي الحثيث ،ويطلق على الكسب والعمل ،قال تعالىَ { :ومَنْ أَرَادَ الْآخِ َر َة وَ َ
سعْ َيهَا} .
َ
2أن العبرة بعموم اللفظ ل بخصوص السبب ،فقد روى ابن كثير عن نوف البكالي قوله :إن ل
أجد صفة ناس من هذه المة في كتاب ال المنزل ،قوم يحتالون على الدنيا ألسنتهم أحلى من
العسل وقلوبهم أمر من الصبر يلبسون للناس نسوك الضأن وقلوبهم قلوب الذئاب ،يقول ال
تعالى" :عليّ يجترئون وبي يغترون حلفت بنفسي لبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران.
وذكر{ :ومن الناس }...الية.
( )1/185
هداية اليات
من هداية اليات:
-1التحذير من الغترار بفصاحة 1وبيان الرجل إذا لم يكن من أهل اليمان والخلص.
-2شر الناس من يفسد في الرض بارتكاب الجرائم مما يسبب فسادا وهلكا للناس والمواشي.
-3قول الرجل يعلم ال ،ويشهد ال يعتبر يمينا فليحذر المؤمن أن يقول ذلك وهو يعلم من نفسه
أنه كاذب.
-4إذا قيل للمؤمن اتق ال يجب عليه أن ل يغضب أو يكره من أمره بالتقوى بل عليه أن يعترف
بذنبه ويستغفر ال تعالى ويقلع عن المعصية فورا.
-5الترغيب في الجهاد بالنفس 2والمال وجواز أن يخرج المسلم من كل ماله في سبيل ال تعالى
ول بعد ذلك إسرافا ول تبذيرا إذ السراف والتبذير في النفاق في المعاصي والذنوب.
ع ُدوّ مُبِينٌ()208
طوَاتِ الشّيْطَانِ إِنّهُ َلكُمْ َ
خُ{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السّلْمِ كَافّ ًة وَل تَتّ ِبعُوا ُ
حكِيمٌ(َ )209هلْ يَ ْنظُرُونَ إِل أَنْ يَأْتِ َيهُمُ
فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ َبعْدِ مَا جَاءَ ْتكُمُ الْبَيّنَاتُ فَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ عَزِيزٌ َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لمُورُ(})210
ج ُع ا ُ
لمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْ َ
ياَ
اللّهُ فِي ظَُللٍ مِنَ ا ْل َغمَا ِم وَا ْلمَل ِئكَ ُة َو ُقضِ َ
شرح الكلمات:
{السّلْم} :السلم .3
__________
1يشهد له حديث الرسول صلى ال عليه وسلم " :أن من الشعر لحكمة وأن من البيان لسحرا" .
سهُ ابْ ِتغَاءَ مَ ْرضَاتِ اللّهِ}
2تأول عمر وعلي وابن عباس هذه اليةَ { :ومِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي َنفْ َ
فيمن يأمر أحدا بمعروف وينهاه عن منكر فتأخذه العزة بالثم فيقاتل الواعظ له ،فيبيع ل الواعظ
نفسه ويقاتله.
3روي أن حذيفة بن اليمان قال في هذه الية" :السلم ثمانية أسهم :الصلة سهم ،والزكاة سهم،
والصوم سهم ،والحج سهم ،والعمرة سهم ،والجهاد سهم ،والمر بالمعروف سهم ،والنهي عن
المنكر .وقد خاب من ل سهم له في السلم".
( )1/186
{كَافّةً} : 1جميعا ل يتخلف عن الدخول في السلم 2أحد ،ول يترك من شرائعه ول من أحكامه
شيء.
طوَاتِ الشّ ْيطَانِ} :مسالكه في الدعوة إلى الباطل وتزيين الشر والقبح.
{خُ ُ
{فَإِنْ زَلَلْ ُتمْ} :وقعتم في الزلل 3وهو الفسق والمعاصي.
{الْبَيّنَاتُ} :الحجج والبراهين.
{ َهلْ يَ ْنظُرُونَ} :ما ينظرون :الستفهام للنفي.
الظلل :جمع ظلة :ما يظلل من سحاب أو شجر ونحوهما.
{ا ْل َغمَامِ} :السحاب الرقيق البيض.
معنى اليتبن:
ينادي الحق تبارك وتعالى عباده المؤمنين آمرا إياهم الدخول في السلم دخولً شموليا ،بحيث ل
يتخيرون بين شرائعه وأحكامه ما وافق مصالحهم وأهواءهم قبلوه وعملوا به ،وما لم يوافق ردوه
أو تركوه وأهملوه ،وإنما عليهم أن يقبلوا شرائع السلم وأحكامه كافة ،ونهاهم عن اتباع خطوات
الشيطان في تحسين القبيح وتزيين المنكر ،إذ هو الذي زين لبعض مؤمني أهل الكتاب تعظيم
السبت وتحريم أكل البل بحجة أن هذا من دين ال الذي كان عليه صلحاء بني إسرائيل فنزلت
هذه الية فيهم تأمرهم وتأمر سائر المؤمنين بقبول كافة شرائع السلم وأحكامه ،وتحذرهم من
عاقبة اتباع الشيطان فإنها الهلك التام وهو ما يريده الشيطان بحكم عداوته للنسان .هذا ما
تضمنته الية( ،)208أما الية الثانية( )209فقد تضمنت أعظم تهديد وأشد وعيد لمن أزله
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الشيطان فقبل بعض شرائع السلم ولم يقبل البعض الخر ،وقد عرف أن السلم حق ،وشرائعه
أحق فقال تعالى{ :فَإِنْ زَلَلْ ُتمْ مِنْ َبعْدِ مَا جَاءَ ْت ُكمُ الْبَيّنَاتُ} يحملها كتاب ال القرآن ويبينها رسول ال
محمد صلى ال عليه وسلم ،فإن ال سينتقم
__________
1كآفة :اسم يفيد الحاطة بأجزاء ما وصف به ،فقوله تعالى{ :ادْخُلُوا فِي السّ ْلمِ كَافّةً} ،أي :حتى
ل يبقى مشروع ما يعمل به أو ل يبقى فرد ل يدخل فيه.
2اختلف في تحديد معنى السلم في الية ،والراجح أنها بمعنى السلم ويكون الخطاب معنيا به
بعض من آمن من أهل الكتاب وبقى متمسكا ببعض شرائع التوراة؛ كتحريم يوم السبت ،وتحريم
شرب لبن البل ،أمروا بالدخول في السلم كافة ،أي :بقبول شرائعه كلها وترك شرائع غيره
وتكون بمعنى الصلح وترك الحرب والتهارج ويكون الخطاب للمسلمين عامة بترك التهارج بينهم
والتقاتل.
3أصل الزلل :الزلق ،وهو اضطراب القدم وتحركها في الموضع المراد إثباتها فيه ،والمراد هنا
عدم الثبات على طاعة ال ورسوله بفعل المر وترك النهي بتزيين الشيطان ذلك للعبد حتى يقع
في الضرر.
( )1/187
منكم؛ لنه تعالى غالب على أمره حكيم في تدبيره وإنجاز وعده ووعيد ،وأما الية الثالثة()210
فقد تضمنت حث المتباطئين على الدخول في السلم ،إذ ل عذر لهم في ذلك حيث قامت الحجة
وظهرت ولحت الحجة ،فقال تعالىَ { :هلْ يَ ْنظُرُونَ} أي :ما ينظرون { 1إِل أَنْ يَأْتِ َيهُمُ اللّهُ فِي ظَُللٍ
مِنَ ا ْل َغمَا ِم وَا ْلمَل ِئكَة}ُ وعند ذلك يؤمنون ،ومثل هذا اليمان الضطراري ل ينفع حيث يكون
لمْرُ} إذا جاء ال تعالى لفصل القضاء
ياَ
العذاب لزاما .بقضاء ال العادل ،قال تعالىَ { :و ُقضِ َ
وانتهى المر إليه فحكم وانتهى كل شيء ،فعلى أولئك المتباطئين المترددين في الدخول في
السلم المعبر عنه بالسلم؛ لن الدخول فيه حقا سلم ،والخروج منه أو عدم الدخول فيه حقا حرب
عليهم أن يدخلوا في السلم أل إلى السلم يا عباد ال! فإن السلم خير من الحرب!.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب 2قبول شرائع السلم كافة وحرمة التخير فيها.
-2ما من مستحل حراما ،أو تارك واجبا إل وهو متبع للشيطان في ذلك.
-3وجوب توقع العقوبة عند ظهور المعاصي العظام لئل يكون أمن من مكر 3ال.
-4إثبات صفة المجيء للرب تعالى :لفصل القضاء يوم القيامة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-5حرمة التسويق والمماطلة في التوبة.
شدِيدُ
سلْ بَنِي إِسْرائيلَ َكمْ آتَيْنَا ُهمْ مِنْ آ َيةٍ بَيّنَ ٍة َومَنْ يُ َب ّدلْ ِن ْعمَةَ اللّهِ مِنْ َب ْعدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنّ اللّهَ َ
{َ
ا ْل ِعقَابِ( )211زُيّنَ لِلّذِينَ َكفَرُوا الْحَيَاةُ الدّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ ا ّتقَوْا َف ْو َقهُمْ َيوْمَ
ا ْلقِيَامَ ِة وَاللّهُ يَرْ ُزقُ مَنْ يَشَاءُ ِبغَيْرِ حِسَابٍ(})212
__________
1الكلم صالح لن يعود إلى من يعجب قوله ويقبح عمله في قوله تعالىَ { :ومِنَ النّاسِ مَنْ ُيعْجِ ُبكَ
َقوْلُهُ }...الية ،وصالح لن يعود إلى المترددين من أهل الكتاب لعدم خلوصهم في السلم كله،
وصالح لن يكون عائدا إلى كل متردد في السلم غير صادق في الدخول فيه إلى يوم القيامة،
وهذا من إعجاز القرآن ،وكونه كتاب هداية للناس كافة وفي كل زمان ومكان.
2شاهده قوله تعالىَ{ :أفَ ُت ْؤمِنُونَ بِ َب ْعضِ ا ْلكِتَابِ وَ َتكْفُرُونَ بِ َبعْض} الية.
3إذ حصول المن لزمه الستمرار على المعاصي وعدم التوبة ،وال يقولَ{ :أفََأمِنُوا َمكْرَ اللّهِ
فَل يَ ْأمَنُ َمكْرَ اللّهِ إِل ا ْل َقوْمُ ا ْلخَاسِرُونَ}.
( )1/188
شرح الكلمات:
سلْ} :إسأل :سقطت منه الهمزتان للتخفيف.
{َ
{بَنِي إِسْرائيلَ} :ذرية يعقوب بن إسحق بن إبراهيم وإسرائيل لقب يعقوب.
{آيَةٍ} :خارقة للعادة؛ كعصا موسى تدل على أن من أعطاه ال تلك اليات هو رسول ال حقا.
وآيات بني إسرائيل التي آتاهم ال تعالى منها فلق البحر لهم ،وإنزال المن والسلوى في التيه
عليهم.
{ ِن ْعمَةَ 1اللّهِ} :ما يهبه لعباده من خير يجلب له المسرة ويدفع عنه المضرة ونعم ال كثيرة.
سخَرُونَ} :يحتقرون ويستهزئون.
{َيَ ْ
معنى اليتين:
يأمر ال تعالى رسوله أن يسأل بني إسرائيل عن اليات الكثيرة التي آتاهم ال ،وكيف كفروا بها
فلم تنفعهم شيئا ،والمراد تسليته صلى ال عليه وسلم من اللم النفسي الذي يحصل له من عدم
إيمان أهل الكتاب والمشركين به وبما جاء به من الهدى وضمن ذلك تقريع اليهود وتأنيبهم على
كفرهم بآيات ال وإصرارهم على عدم الدخول في السلم .ثم أخبر تعالى أن من يبدل نعمة ال
التي هي السلم بالكفر به ونبيه محمد صلى ال عليه وسلم فإن عقوبة ال تعالى تنزل به ل
محالة في الدنيا أو في الخرة لن ال شديد العقاب .2
هذا ما تضمنته الية الولى( ،)211وأما الية الثانية( )212فقد أخبر تعالى أن الشيطان زين للذين
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
كفروا بال ورسوله وشرائعه الحياة الدنيا فرغبوا فيها وعملوا لها وأصبحوا لم يروا غيرها،
ولذلك سخروا من المؤمنين الزاهدين فيها لعلمهم بزوالها وقلة نفعها فلم يكرسوا كل جهدهم
لجمعها والحصول عليها بل أقبلوا على طاعة ربهم وأنفقوا ما في أيدهم في سبيل ال طلبا لرضاه.
كما أخبر أن المؤمنين المتقين سيجازيهم يوم القيامة خير الجزاء وأوفره فيسكنهم دار السلم في
عليين ،ويخزي أعدائهم الساخرين منهم ويهينهم فيسكنهم الدرك السفل من النار.
__________
1فسرت نعمة ال هنا :بالسلم ،وهو كذلك فإن السلم أكبر نعمة لما يجلبه من السعادة والكمال
وما يدفعه من العقاب في الدارين.
2جملة{ :أَنّ اللّهَ شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ} خبرية متضمنة للوعيد ذيل بها الكلم ،والعقاب من العقب كأن
المعاقب يمشي بالمجازاة في أثار عقبه ليجزيه به.
( )1/189
وهو تعالى المتفضل ذو الحسان إذا رزق يرزق بغير 1حساب وذلك لواسع فضله وعظيم ما
عنده.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
جلّ النعم؛
-1التحذير من كفر النعم لما يترتب على ذلك من أليم العذاب وشديد العقاب ومن أ َ
نعمة السلم ،فمن كفر به وأعرض عنه فقد تعرض لشد العقوبات وأقساها وما حل ببني
إسرائيل من ألوان الهون والدون دهرا طويلً شاهد قوي وما حل بالمسلمين يوم أعرضوا عن
السلم واستبدلوا به الخرافات ثم القوانين الوضعية شاهد أكبر أيضا.
-2التحذير من زينة الحياة الدنيا والرغبة فيها والجمع لها نسيان الدار الخرة وترك العمل لها.
فإن أبناء الدنيا اليوم يسخرون من أبناء الخرة ،ولكن أبناء الخرة أهل اليمان والتقوى يكونون
يوم القيامة فوقهم درجات إذ هم في أعالي الجنان والخرون في أسافل النيران.
حكُمَ بَيْنَ
ن وَأَنْ َزلَ َم َعهُمُ ا ْلكِتَابَ بِا ْلحَقّ لِيَ ْ
ن َومُنْذِرِي َ
ح َدةً فَ َب َعثَ اللّهُ النّبِيّينَ مُ َبشّرِي َ
{كَانَ النّاسُ ُأمّ ًة وَا ِ
النّاسِ فِيمَا اخْتََلفُوا فِيهِ َومَا اخْتََلفَ فِيهِ إِل الّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ َبعْدِ مَا جَاءَ ْت ُهمُ الْبَيّنَاتُ َبغْيا بَيْ َنهُمْ َفهَدَى
اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا ِلمَا اخْتََلفُوا فِيهِ مِنَ ا ْلحَقّ بِِإذْنِ ِه وَاللّهُ َيهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ(})213
__________
1الية :ترغيب في طلب فضل ال تعالى وفي الحديث الصحيح " :يا ابن آدم أنفق أنفق عليك" ،
شيْءٍ َف ُهوَ ُيخِْلفُهُ} ،وفي الصحيح أيضا" :يقول ابن آدم :مالي مالي،
وقال تعالىَ { :ومَا أَ ْنفَقْتُمْ مِنْ َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وهل لك من مالك إل ما أكلت فأفنيت ،وما لبست فأبليت ،وما تصدقت فأبقيت ،وما سوى ذلك
فذاهب وتاركه للناس" .
( )1/190
شرح الكلمات:
{كَانَ النّاسُُ 1أمّ ًة وَاحِ َدةً} :كانوا قبل وجود الشرك فيهم أمة 2واحدة على السلم والتوحيد وذلك
قبل قوم نوح.
{النّبِيّينَ} :جمع نبي والمراد بهم الرسل إذ كل نبي 3رسول بدليل رسالتهم القائمة على البشارة
والنذارة والمستمدة من كتب ال تعالى المنزلة عليهم.
{ا ْلكِتَابَ} :اسم جنس يدخل فيه كل الكتب اللهية.
{أُوتُوهُ} :أعطوه.
{الْبَيّنَاتُ} :الحجج والبراهين تحملها الرسل إليهم وتورثها فيهم شرائع وأحكاما وهدايات عامة.
{ َبغْيا} : 4البغي :الظلم والحسد.
الصراط المستقيم :السلم المفضي بصاحبه إلى السعادة والكمال في الحياتين.
معنى الية الكريمة:
يخبر تعالى أن الناس 5كانوا ما بين آدم ونوح عليهما السلم في فترة طويلة أمة واحدة على دين
السلم لم يعبد بينهم إل ال تعالى حتى زين الشيطان لبعضهم عبادة غير ال تعالى فكان الشرك
والضلل فبعث ال تعالى لهدايتهم نوحا عليه السلم فاختلفوا إلى مؤمن وكافر وموحد ومشرك،
وتوالت الرسل تحمل كتب ال تعالى المتضمنة الحكم الفصل في كل ما يختلفون فيه .ثم أخبر
تعالى عن سننه في الناس وهي أن الذين يختلفون في الكتاب ،أي فيما
__________
1أي الذين كانوا على الدين الحق وهم عشرة قرون من آدم إلى أن حدث فيهم الشرك ،فبعث ال
تعالى فيهم عبده الشكور نوحا عليه السلم.
2لفظ :المة :مأخوذ من أممت كذا إذا قصدته ،فسميت الجماعة مقدصهم واحد أمة ،وقد يطلق
على الواحد أمة ،إذ كان مقصده واحدا على خلف غيره ،ومنه قول الرسول صلى ال عيه وسلم
في قس بن ساعدة" :يحشر يوم القيامة أمة وحده".
3عدد النبياء مائة وأربعة وعشرون ألف نبي ،والرسل منهم :ثلثمائة وثلثة عشر ،هذا قول
جمهور أهل السنة والجماعة ،والرسل المذكورون بالسم العلم في القرآن :خمسة وعشرون
رسولً ،وأول النبياء :آدم ،وأول الرسل :نوح ،وخاتم الرسل والنبياء محمد صلى ال عليهم
وسلم أجمعين.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
4منصوب على المفعول لجله ،أي :لم يختلفوا إل للبغي الذي هو الظلم الذي صار طبعا لهم
لكثرة ممارستهم له والحسد الذي مل قلوبهم فأكلها أو كاد والعياذ بال.
5لفظ :الناس :اسم جمع ليس له مفرد من لفظه ،وإنما واحده من غير لفظه ،وهو انسان ،وآل فيه
للستغراق ،أي :جميع أفراده ،أي :البشر كلهم.
( )1/191
يحويه من الشرائع والحكام هم الذين سبق أن أوتوه وجاءتهم البينات فهؤلء يحملهم الحسد وحب
الرئاسة ،والبقاء على مصالحهم على عدم قبول ما جاء به الكتاب ،واليهود هم المثل لهذه السنة،
فإنهم أوتوا التوراة فيها حكم ال تعالى وجاءتهم البينات على أيدي العابدين من أنبيائهم ورسلهم
واختلفوا في كثير من الشرائع والحكام ،وكان الحامل لهم على ذلك البغي والحسد .والعياذ بال.
وهدى ال تعالى أمة محمد صلى ال عليه وسلم لما اختلف فيه أهل الكتابين اليهود والنصارى،
فقال تعالىَ { :فهَدَى اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا }1لما اختلف فيه أولئك المختلفون من الحق هداهم {بإذنه }2
ولطفه وتوفيقه ،فله الحمد وله المنة .ومن ذلك الحق الذي اختلف فيه أهل الكتاب من قبلنا وهدانا
ال تعالى إليه:
-1اليمان بعيسى عبد ال ورسوله حيث كفر بن اليهود وكذبوه واتهموه بالسحر وحاولوا قتله؟
وألّهه النصارى ،وجعلوه إلها مع ال ،وقالوا فيه :إنه ابن ال .تعالى ال عن الصاحبة والولد.
-2يوم الجمعة وهو أفضل اليام .أخذ اليهود السبت ،والنصارى الحد ،وهدى ال تعالى إليه أمة
السلم.
-3القبلة قبلة أبي النبياء إبراهيم استقبل اليهود بيت المقدس ،واستقبل النصارى مطلع الشمس،
وهدى ال أمة السلم إلى استقبال البيت العتيق؛ قبلة إبراهيم عليه السلم .وال يهدي من شاء
إلى صراط مستقيم.
هداية الية
من هداية الية:
-1الصل هو التوحيد ،والشرك طارئ على البشرية.
__________
1أي من أمة محمد صلى ال عليه وسلم ،وهم المسلمون هداهم لليمان بكل الكتب وسائر الرسل
ونجاهم مما اختلف فيه من قبلهم ،والحمد ل.
2الذن :الخطاب بإباحة الشيء ،وهو مشتق من فعل أذن إذا أصغى إذنه يستمع إلى كلم من
يكلمه ثم أطلق على الخطاب بالباحة مطلقا.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/192
-2الصل في مهمة الرسل البشارة 1لمن آمن واتقى؟ والنذارة لمن كفر وفجر ،وقد يشرع لهم
قتال من يقاتلهم فيقاتلونه كما شرع ذلك لرسول ال صلى ال عليه وسلم.
-3من علمات خذلن المة وتعرضها للخسار والدمار أن تختلف في كتابها ودينها ،فيحرفون
كلم ال ويبدلون شرائعه طلبا للرئاسة وجريا وراء الهواء والعصبيات ،وهذا الذي تعاني منه
أمة السلم اليوم وقبل اليوم ،وكان سبب دمار بني إسرائيل.
-4أمة السلم التي تعيش على الكتاب والسنة عقيدة وعبادة وقضاء هي المعنية بقوله تعالى:
حقّ 2بِِإذْنِهِ} .
{ َفهَدَى اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا ِلمَا اخْتََلفُوا فِيهِ مِنَ الْ َ
-5الهداية بيد ال فليطلب العبد دائما الهداية من ال تعالى بسؤاله المتكرر أن يهديه دائما إلى
الحق .3
حسِبْتُمْ 4أَنْ َتدْخُلُوا ا ْلجَنّ َة وََلمّا يَأْ ِتكُمْ مَ َثلُ الّذِينَ خََلوْا مِنْ قَبِْل ُكمْ مَسّ ْتهُمُ الْبَ ْأسَا ُء وَالضّرّا ُء وَزُلْزِلُوا
{َأمْ َ
ل وَالّذِينَ آمَنُوا َمعَهُ مَتَى َنصْرُ اللّهِ أَل إِنّ َنصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ(})214
حَتّى َيقُولَ الرّسُو ُ
شرح الكلمات:
حسِبْتُمْ} :أظننتم – أم هي المنقطعة فتفسر ببل والهمزة ،والستفهام إنكاري ينكر عليهم ظنهم
{َأمْ َ
هذا لنه غير واقع موقعه.
{وََلمّا} :بمعنى لم النافية.
{مَ َثلُ} :صفة وحال الذين من قبلكم.
__________
1البشارة :العلم بخير حصل أو سيحصل للمبشر به ،والنذارة :إعلم بشر أو ضر حصل أو
سيحصل لمن أنذر به ،والبشارة :وعد ،والنذارة :وعيد.
2في صحيح مسلم عن عائشة رضي ال عنها :أن النبي صلى ال عليه وسلم ،كان إذا قام من
الليل يصلي يقول" :اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والرض عالم الغيب
والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون إهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك
تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" .والتوسل بهذا الدعاء نافع للخروج من ظلمة الختلف.
3ومن الدعاء المأثور في ذلك :اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل وارزقنا اجتنابه
ول تجعله ملتبسا علينا فنضل ،واجعلنا للمتقين إماما.
4في الية إشارة إلى مثل قول القائل" :على قدر أهل العزم تأتي العزائم ،ومن طلب العل سهر
الليالي ،ومن يخطب الحسناء فل يغله المهر".
( )1/193
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{الْبَ ْأسَا ُء وَالضّرّاءُ} :البأساء :الشدة ،من الحاجة وغيرها والضراء :المرض والجراحات والقتل.
{مَتَى َنصْرُ اللّهِ} :الستفهام للستبطاء.
معنى الية الكريمة:
ينكر تعالى على المؤمنين ،1وهم في أيام شدة ولواء ظنهم أنهم يدخلون الجنة بدون امتحان
وابتلء في النفس والمال بل وأن يصيبهم ما أصاب غيرهم من البأساء 2والضراء والزلزال وهو
الضطراب والقلق من الهوال حتى يقول الرسول والمؤمنون معه – استبطاءا للنصر الذي
وُعدوا به :متى نصر ال؟ فيجيبهم ربهم تعالى بقوله{ :أَل إِنّ َنصْرَ 3اللّهِ قَرِيبٌ}.
هداية الية الكريمة
من هداية الية:
-1البتلء بالتكاليف الشرعية ،ومنها الجهاد بالنفس والمال ضروري لدخول الجنة.
-2الترغيب في التساء بالصالحين والقتداء بهم في العمل والصبر.
-3جواز العراض البشرية على الرسل كالقلق والستبطاء للوعد اللهي انتظارا له.
-4بيان ما أصاب الرسول صلى ال عليه وسلم وأصحابه من شدة وبلء أيام الجهاد وحصار
المشركين لهم.
ن وَابْنِ السّبِيلِ
لقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِي ِ
ن وَا َ
{يَسْأَلو َنكَ مَاذَا يُ ْنفِقُونَ ُقلْ مَا أَ ْن َفقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِ ْلوَالِدَيْ ِ
َومَا َت ْفعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنّ اللّهَ ِبهِ عَلِيمٌ(})215
__________
1ما من شك في أن المؤمنين وعلى رأسهم وقائدهم وإمامهم ورسولهم محمد صلى ال عليه وسلم
قد مستهم البأساء والضراء في ظروف مختلفة منها :هجرتهم وحروبهم في بدر وأحد والخندق
وغيرها ،والية تعنى كل ذلك وهو من مقتضيات النزول لهذه الية.
2وعن السلف تفسير البأساء بالفقر ،والضراء بالنقم ،والزلزل بالخوف من العداء ،إذ الخوف
يحدث اضطراب النفس وحركة العضاء.
3وفي هذا المعنى حديث أبي رزين" :عجب ربك من قنوت عباده وقرب غيثه فينظر إليهم
قانطين فيظل يضحك يعلم أن فرجهم قريب" وحديث صحيح" :وال ليتمن ال هذا المر حتى يسير
الراكب من صنعاء إلى حضرموت ل يخاف إل ال والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون" .
( )1/194
شرح الكلمات:
{مِنْ خَيْرٍ} :من مال إذ المال يطلق عليه لفظ الخير.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
القربين :كالخوة والخوات وأولدهم ،والعمام والعمات وأولدهم والخوال والخالت
وأولدهم.
{ َومَا َت ْفعَلُوا مِنْ خَيْرٍ : }1ما شرطية ،ومن :نيابية والخير هنا لسائر أنواع البر والحسان.
علِيمٌ} :الجملة علة لجواب الشرط المحذوف والمقدر يثبكم عليه.
{فَإِنّ اللّهَ بِهِ َ
معنى الية الكريمة:
سال عمر و بن الجموح وكان ذا مال .سأل 2رسول ال صلى ال علية وسلم ،مادا ينفق وعلى
من ينفق؟ .فنزلت الية جوابا لسؤاله ،فبينت أن ما ينفق هو المال وسائر الخيرات وأن الحق
بالنفاق عليهم هم الوالدان ،3والقربون ،واليتامى ،والمساكين ،وابن السبيل .وأعلمهم تعالى أن
ما يفعله العبد من خير يعلمه ال تعالى ويجزي به فرغب بذلك في فعل الخير مطلقا.
هداية ألية الكريمة:
من هداية الية:
-1سؤال من ل يعلم حتى يعلم ،و هذا طريق العلم ،ولذا قالوا" :السؤال نصف العلم".
-2أفضلية النفاق على المذكورين 4في الية إن كان المنفق غنيا وهم فقراء محتاجون.
-3الترغيب في فعل الخير والوعد من ال تعالى بالجزاء الوفى عليه.
ل وَ ُهوَ كُ ْرهٌ َلكُ ْم وَعَسَى أَنْ َتكْرَهُوا
{كُ ِتبَ عَلَ ْيكُمُ ا ْلقِتَا ُ
__________
1الية في نفقة التطوع وقوله{ :من خير} إشارة إلى أن ما ينفق يجب أن يكون طيبا ل خبيثا ،إذ
لفظ الخير يدل على ذلك ويرمز له{ :من خير}.
2وقيل الية نزلت فيمن سألوا من المسلمين عن الوجوه التي ينفقون فيها فأجابهم ال تعالى مبينا
لهم ذلك ،وما ذهبنا إليه أن السائل عمرو بن الجموح وسؤاله عما ينفق من أنواع المال ،وفيما
ينفق أولى وألصق.
3لحديث صحيح في بيان من أحق بالنفاق عليه" :أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك" أي:
القرب إليك فالقرب.
4روى أن ميمون بن مهران تل هذه اليةَ { :يسْأَلو َنكَ مَاذَا يُ ْنفِقُونَ }...الية ،وقال :هذا مواضع
ل ول مزمارا ول تصاوير الخشب ول كسوة الحيطان.
النفقة ما ذكر فيها طب ً
( )1/195
شَيْئا وَ ُهوَ خَيْرٌ َلكُ ْم وَعَسَى أَنْ ُتحِبّوا شَيْئا وَ ُهوَ شَرّ َل ُك ْم وَاللّهُ َيعَْل ُم وَأَنْتُمْ ل َتعَْلمُونَ(})216
شرح الكلمات:
{كُتِب}َ :فرض فرضا مؤكدا حتى لكأنه مكتوب كتابة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{ا ْلقِتَالُ} :قال الكافرون بجهادهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية.
{كُ ْرهٌ} :مكروه في نفوسكم طبعا.
َعَسَى :هذا الفعل معناه الترجي والتوقع أعني أن ما دخلت عليه مرجو الحصول متوقع ل على
سبيل الجزم ،إل أنها إن كانت من ال تعالى تفيد اليقين.
معنى الية الكريمة:
يخبر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بأنه فرض عليهم قتال 1المشركين والكافرين وهم يعلم أنه
مكروه لهم بطبعهم لما فيه من اللم والتعاب وإضاعة المال والنفس ،وأخبرهم أن ما يكرهونه
قد يكون خيرا ،وأن ما يحبونه قد يكون شرا ،2ومن ذلك الجهاد فإنه مكروه لهم وهو خير لهم لما
فيه من عزتهم ونصرتهم ونصره دينهم مع حسن الثواب وعظم الجزاء في الدار الخرة ،كما أن
ترك الجهاد محبوب لهم وهو شر لهم؛ لنه يشجع عدوهم على قتالهم واستباحة بيضتهم ،وانتهاك
حرمات دينهم مع سوء الجزاء في الدار الخرة .وهذا الذي أخبرهم تعالى به من حبهم لشياء
وهي شر لهم وكراهيتهم لشياء وهي خير لهم هو كما أخبر لعلم ال به قبل خلقه ،وال يعلم وهم
ل يعلمون فيجب التسليم ل تعالى في أمره وشرعه مع حب ما أمر به وما شرعه واعتقاد أنه
خير ل شر فيه.
__________
1قرئت الية{ :وكتب عليكم القتل} وقراءة القتال أشهر وأظهر ،والفرق بين القتل والقتال ظاهر،
وجاء كل اللفظين في قول عمرو بن ربيعة:
كتب القتل والقتال علينا ...وعلى الغانيات جر الذيول
2قال القرطبي :كما اتفق في بلد الندلس تركوا الجهاد وجبنوا عن القتال وأكثروا من الفرار
فاستولى العدو على البلد وأسر وقتل وسب واسترق فإن ل وإنا إليه راجعون .ذلك بما قدمت
أيدينا وكسبته ،وأنشد لبي سعيد الضرير قوله شاهدا لمعنى الية الكريمة:
رب امرء تتقيه ...جر أمرا ترتضيه
خفي المحبوب منه ...
وبدا المكروه فيه
( )1/196
( )1/197
( )1/198
أعماله الصالحة كلها 1تبطل ويصبح من أهل النار الخالدين فيها أبدا .هذا ما تضمنته الية
الولى ،أما الية الثانية({ )218إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَاجَرُوا }2فقد نزلت في عبد ال بن جحش
وأصحابه طمأنهم ال تعالى على أنهم غير آثمين لقتالهم في الشهر الحرام كما شنع عليهم الناس
بذلك ،وأنه يرجون رحمة ال أي الجنة وأنه تعالى غفور لذنوبهم رحيم بهم ،وذلك ليمانهم
وهجرتهم وجهادهم في سبيل ال ،وقال تعالى فيهم{ :إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي
غفُورٌ َرحِيمٌ}
ح َمتَ اللّ ِه وَاللّهُ َ
سَبِيلِ اللّهِ أُولَ ِئكَ يَ ْرجُونََ 3ر ْ
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1حرمة الشهر الحرام والبلد الحرام.
-2نسخ القتال في الشهر الحرام بدليل قتال الرسول صلى ال عليه وسلم هوازن وثقيف في
شوال وأول القعدة وهما في الشهر الحرم.
-3الكشف عن نفسية الكافرين وهي عزمهم الدائم على قتال المسلمين إلى أن يردوهم عن
السلم ويخرجوهم منه.
-4الردة 4محبطة للعمل فإن تاب المرتد 5يستأنف العمل من جديد ،وإن مات قبل التوبة فهو
من أهل النار الخالدين فيها أبدا.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-5بيان فضل اليمان والهجرة والجهاد في سبيل ال.
__________
1على هذا مالك وأبو حنيفة خلفا للشافعي إذ يرى رحمه ال تعالى أن من ارتدد ثم تاب يعود
إليه كل عمل صالح عمله قبل الردة فل يعيد الحج إذا حج ،والراجح ما قررناه في التفسير إذ أقل
ما يقال عليه إعادة الحج طمعا في مغفرة ذنوبه وعدم مؤاخذاته ،أما من مات كافرا فالجماع على
عمَُلكَ} الية ،وحمله الشافعي
خلوده في النار ،ودليل الجمهور قوله تعالى{ :لَئِنْ أَشْ َر ْكتَ لَ َيحْبَطَنّ َ
على أنه مطلق مقيد بآية الموت على الكفر فما دام لم يمت كافرا فإن أعماله قبل الردة ل تبطل،
وال أعلم.
2نقل فعل هجر الشيء إذا تركه إلى هاجر ،وهي صيغة المفاعلة إما أنه للمبالغة في الترك كما
قيل عافاك ال ،والمعافي واحد وهو ال تعالى ،وأما لنه ترك شيئا عن عداوة ول تكون إل بين
اثنين ،فقيل :هاجر ،والمكان المهاجر منه يقال له :مهاجر.
3الرجاء :ترقب الخير مع تغليب ظن حصوله.
4اختلف في المرتد هل يستتاب أو يقتل بالردة فورا والجمهور على أنه يستتاب أولً فإن أصر
قتل ومالك يرى أن من سب النبي صلى ال عليه وسلم ل يستتاب ويقتل واستشهد بالمرأة التي
قتلت خادمها بسب النبي صلى ال عليه وسلم وأخبرت الرسول صلى ال عليه وسلم فلم ينكر
عليها ،وكذلك الزنديق يقتل ول يستتاب.
5الصل في قتل المرتد حديث صحيح" :من بدل دينه فاقتلوه" واختلف في قتل المرأة إذا ارتددت
الجمهور إنها ل تقتل لنهي النبي صلى ال عليه وسلم عن قتل النساء والطفال في الحرب.
( )1/199
( )1/200
معنى اليتين:
كان العرب في الجاهلية يشربون الخمور ويقامرون وجاء السلم فبدأ دعوتهم إلى التوحيد
واليمان بالبعث الخر ،إذ هما الباعث القوي على الستقامة في الحياة ،ولما هاجر الرسول صلى
ال عليه وسلم والعديد من أصحابه وأصبحت المدينة تمثل مجتمعا إسلميا وأخذت الحكام تنزل
شيئا فشيئا فحدث يوما أن صلى أحد الصحابة بجماعة وهو ثملن فخلط في القراءة فنزلت آية
سكَارَى} فكانوا ل يشربونها إل في أوقات
النساء{ :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َتقْرَبُوا الصّلةَ وَأَنْتُمْ ُ
خمْ ِر وَا ْلمَيْسِرِ}
معينة ،وهنا كثرت التساؤلت حول شرب الخمر فنزلت هذه الية{ :يَسْأَلو َنكَ عَنِ ا ْل َ
س وَإِ ْث ُم ُهمَا َأكْبَرُ مِنْ َن ْف ِع ِهمَا} فترك الكثير 1
فأجابهم ال تعالى بقولهُ { :قلْ فِي ِهمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ َومَنَافِعُ لِلنّا ِ
كلً من شرب الخمر ولعب القمار لهذه الية .وبقي آخرون فكان عمر يتطلع إلى منعهما منعا باتا
ويقول" :اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا" فاستجاب ال تعالى له ،ونزلت آية المائدة{ :يَا أَ ّيهَا
خمْ ُر وَا ْلمَيْسِرُ} إلى قولهَ { :ف َهلْ أَنْتُمْ مُنْ َتهُونَ} فقال عمر" :انتهينا ربنا" وبذلك
الّذِينَ آمَنُوا إِ ّنمَا الْ َ
حرمت الخمر وحرم الميسر تحريما قطعيا كاملً ،ووضع الرسول صلى ال عليه وسلم حد الخمر
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وهو الجلد .وحذر من شربها وسماها أم الخبائث وقال" :مدمن الخمر ل يكلمه ال يوم القيامة ول
يزكيه" في ثلثة نفر وهم :العاق لوالديه ،ومسبل إزاره ،ومدمن الخمر.
وقوله تعالى{ :فِي ِهمَا إِ ْثمٌ كَبِيرٌَ 2ومَنَافِعُ لِلنّاسِ} فهو كما قال تعالى فقد بين في سورة المائدة منشأ
الثم ،وهو أنهما يسببان العداوة والبغضاء بين المسلمين ويصدان عن ذكر ال وعن الصلة ،وأي
إثم أكبر في زرع العداوة والبغضاء بين أفراد المسلمين ،والعراض عن ذكر ال ،وتضييع
الصلة حقا إن فيهما لثما كبيرا ،وأما المنافع فهي إلى جانب هذا الثم قليلة ومنها :الربح في
تجارة الخمر وصنعها ،وما تكسب شاربها من النشوة والفرح والسخاء والشجاعة ،وأما الميسر
فمن منافعه الحصول على المال بل كد ول تعب وانتفاع بعض الفقراء به ،إذ كانوا يقامرون على
الجزور من البل ثم يذبح ويعطى للفقراء والمساكين.
__________
1يرى كثير من المفسرين أن أية البقرة هذه نزلت قبل آية النساء وما رجحته في التفسير أولى،
لن آية البقرة تعتبر محرمة للخمر والميسر بخلف آية النساء.
2لما كان تحريم الخمر تدريجيا كان من الحكمة ذكر ما كانوا يرونه من المنافع في التجار بها
وشربها وكذا منافع الميسر إذ كانوا يعطون ما يربحونه للفقراء ،وحسبهم وهم المؤمنون صرفا
لهم عن الخمر والميسر قوله{ :وَإِ ْث ُم ُهمَا َأكْبَرُ مِنْ َن ْف ِع ِهمَا} ،وإذا زادت المضرة على المنفعة بطل
العمل عقلً وشرعا.
( )1/201
أما قوله تعالى في الية{ :وَ َيسْأَلو َنكَ مَاذَا يُ ْن ِفقُونَ} فهو سؤال نشأ عن استجابتهم لقول ال تعالى:
{وَأَ ْنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ} فأرادوا أن يعرفوا الجزء الذي ينفقونه من أموالهم في سبيل ال .فأجابهم
ال تبارك وتعالى بقولهُ { :قلِ ا ْل َع ْفوَ} أي :ما زاد على حاجتكم وفضل عن نفقتكم على أنفسكم .ومن
هنا قال الرسول صلى ال عليه وسلم" :خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" رواه البخاري.
وقوله{ :كَذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ َلكُمُ الياتِ َلعَّلكُمْ تَ َتفَكّرُونَ ،فِي الدّنْيَا وَالخِ َرةِ} أي :مثل هذا البيان يبين ال
لكم الشرائع والحكام والحلل ليعدكم بذلك إلى التفكير الواعي البصير في أمر الدنيا والخرة
فتعملون لدنياكم على حسب حاجتكم إليها وتعملون لخرتكم التي مردكم إليها وبقاؤكم فيها على
حسب ذلك.
وهذا ما تضمنته الية الولى( ،)219أما الية الثانية({ :)220وَيَسْأَلو َنكَ عَنِ الْيَتَامَى} الية ،فإنه
لما نزل قوله تعالى من سورة النساء{ :إِنّ الّذِينَ يَ ْأكُلُونَ َأ ْموَالَ الْيَتَامَى ظُلْما إِ ّنمَا يَ ْأكُلُونَ فِي
سعِيرا} خاف المؤمنون والمؤمنات من هذا الوعيد الشديد ،وفصل من كان
بُطُو ِنهِمْ نَارا وَسَ َيصَْلوْنَ َ
في بيته يتيم يكفله ،فصل طعامه عن طعامه ،وشرابه عن شرابه ،وحصل بذلك عنت ومشقة
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
كبيرة وتساءلوا عن المخرج ،فنزلت هذه الية ،وبينت لهم أن المقصود هو إصلح مال اليتامى
وليس هو فصله أو خلطه ،فقال تعالىُ { :قلْ ِإصْلحٌ َلهُمْ }...مع الخلط خير من الفصل مع عدم
خوَا ُنكُمْ} ،والخ يخالط أخاه في ماله،
الصلح ،ودفع الحرج في الخلط فقال{ :وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ 1فَإِ ْ
وأعلمهم أنه تعالى يعلم المفسد لمال اليتيم من المصلح له ليكونوا دائما على حذر ،وكل هذا حماية
لمال اليتيم الذي فقد والده .ثم زاد ال في منته عليهم برفع الحرج في المخالطة فقال تعالى{ :وََلوْ
شَاءَ اللّهُ لعْنَ َتكُمْ }2أي :أبقاكم في المشقة المترتبة على فصل أموالكم عن أموال يتاماكم ،وقوله:
حكِيمٌ} أي غالب على ما يريده حكيم فيما يفعله ويقضي به.
{إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ َ
__________
{ 1فإخوانكم} :الفاء واقعة في جواب إن الشرطية ،وإخوانكم :خبر ،والمبتدأ محذوف تقديره :فهم
إخوانكم.
2مفعول المشيئة محذوف كما هو الغالب فيه ،والتقدير :ولو شاء ال عنتكم لعنتكم ،أي :كلفكم
ما فيه العنت والمشقة ،ولكنه لم يفعل رحمة بكم ولطفا بحالكم.
( )1/202
هداية اليتين:
من هداية اليتين:
-1حرمة 1الخمر والميسر حيث نسخت هذه الية بآية المائدة ،لقوله تعالى فيها{ :فاجتنبوه}
وقوله {فهل أنتم منتهون} .
-2بيان أفضل صدقة التطوع وهي ما كانت عن ظهر غنى وهو 2العفو في هذه الية.
-3استحباب التفكر في أمر الدنيا والخرة لعطاء الولى بقدر فنائها والخرة بحسب بقائها.
-4جواز خلط مال اليتيم بما كافله إذا كان أربح له وأوفر ،وهو معنى الصلح في الية.
-5حرمة مال اليتيم ،والتحذير من المساس به وخلطه إذا كان يسبب نقصا فيه أو إفسادا.
لمَةٌ ُم ْؤمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْ ِركَ ٍة وََلوْ أَعْجَبَ ْت ُك ْم وَل تُ ْن ِكحُوا
ن وَ َ
{وَل تَ ْنكِحُوا ا ْلمُشْ ِركَاتِ حَتّى ُي ْؤمِ ّ
ك وََلوْ أَعْجَ َب ُكمْ أُولَ ِئكَ يَدْعُونَ إِلَى النّا ِر وَاللّهُ
ا ْلمُشْ ِركِينَ حَتّى ُي ْؤمِنُوا وََلعَبْدٌ ُم ْؤمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْ ِر ٍ
يَدْعُو إِلَى ا ْلجَنّ ِة وَا ْل َم ْغفِرَةِ بِِإذْنِ ِه وَيُبَيّنُ آيَا ِتهِ لِلنّاسِ َلعَّل ُهمْ يَتَ َذكّرُونَ(})221
شرح الكلمات:
{وَل تَ ْنكِحُوا} :ل تتزوجوا.
المة :خلف الحرة.
{وََلوْ أَعْجَبَ ْت ُكمْ} :أي أعجبكم حسنها وجمالها.
{ َيدْعُونَ ِإلَى النّارِ} :بحالهم ومقالهم وأفعالهم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{آيَاتِهِ} :أحكام دينه ومسائل شرعه.
__________
1أن كل مسكر داخل في إثم الخمر ،وقليله ككثيره في الحرمة سواء بإجماع المة ،وكل أنواع
الميسر ولو اختلفت المسميات؛ كاليانصيب وغيرها محرمة.
2شاهده حديث مسلم" :ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلهلك فإن فضل شيء عن
أهلك فلذي قرابتك فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا" أي :تصدق به على الفقراء
والمساكين.
( )1/203
( )1/204
-5وجوب موالة أهل اليمان ومعاداة أهل الكفر والضلل؛ لن الولين يدعون إلى الجنة،
والخرين يدعون إلى النار.
طهُرْنَ فَإِذَا
ض وَل َتقْرَبُوهُنّ حَتّى َي ْ
{وَيَسْأَلو َنكَ عَنِ ا ْل َمحِيضِ ُقلْ ُهوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النّسَاءَ فِي ا ْلمَحِي ِ
طهّرِينَ( )222نِسَا ُؤكُمْ حَ ْرثٌ
حبّ ا ْلمُ َت َ
ن وَيُ ِ
حبّ ال ّتوّابِي َ
طهّرْنَ فَأْتُوهُنّ مِنْ حَ ْيثُ َأمَ َركُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ يُ ِ
تَ َ
سكُ ْم وَا ّتقُوا اللّ َه وَاعَْلمُوا أَ ّنكُمْ مُلقُو ُه وَبَشّرِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ(})223
َلكُمْ فَأْتُوا حَرْ َثكُمْ أَنّى شِئْ ُت ْم َوقَ ّدمُوا لَ ْنفُ ِ
شرح الكلمات:
{ا ْل َمحِيضِ : }1مكان الحيض وزمنه ،والحيض :دم يخرج من رحم المرأة إذا خل من الجنين.
{أَذىً} :ضرر يضر المجامع في أيامه.
{فَاعْتَزِلُوا النّسَاءَ فِي ا ْلمَحِيضِ} :اتركوا جماعهن 2أيام الحيض.
طهُرْنَ} :أي :ل تجامعوهن حتى ينقطع دم 3حيضهن.
{وَل َتقْرَبُوهُنّ حَتّى َي ْ
طهّرْنَ} :إي :إذا انقطع دم حيضهن واغتسلن منه.
{فَإِذَا تَ َ
__________
1يطلق على الحيض أيضا لنه مصدر حاضت المرأة حيضة ومحاضا ومحيضا ،فهي حائض،
وقد يقال :حائضة ،وعليه قول الشاعر:
كحائضة يزني بها غير طاهر
والحيضة :المرأة الواحدة ،والحيضة بكسر الحاء :الثم ،والحيضة أيضا :الخرقة تستثفر بها
الحائض .قالت عائشة :يا ليتني كنت حيضة ملقاة ،واشتقاق الكلمة من السيلن ومنعه الحوض
لن الماء يسيل إليه.
2الجمهور على أن من وطأ امرأته في الحيض ل كفارة عليه ،وإنما عليه التوبة والستغفار،
وضعفوا حديث" :الكفارة بنصف دينار أو دينار" لضطرابه ،وبه قال أحمد وعمل به.
3أجمع العلماء على أن للمرأة ثلثة أحكام في رؤيتها الدم السائل من فرجها :فإن كان أسود
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
غائرا تعلوه حمرة فذلك الحيض ،ويحرم عليها الصوم والصلة ويحرم وطئها ،وتقضي الصوم
ول تقضي الصلة للحاديث الصحيحة في ذلك ،وأكثر الحيض خمسة عشر يوما ،وأقله ل حد له
على الصحيح ،وأقل الطهر أيضا خمسة عشر يوما ليكمل الشهر حيضا وطهرا ،وإن كان الدم
زائدا على مدة الحيض فهو الستحاضة وتصلي معه وتصوم وتوطأ أيضا .والحكم الثالث :دم
النفاس وأكثره أربعين يوما ،وأقله يوم وليلة وحكمه حكم الحيض.
( )1/205
{فَأْتُوهُنّ مِنْ حَ ْيثُ َأمَ َركُمُ اللّهُ} :أي :جامعهن في قبلهن ،وهن طاهرات متطهرات .1
{نِسَا ُؤكُمْ حَ ْرثٌ َلكُمْ} :يريد مكان إنجاب الولد ،فشبه النساء بالحرث؛ لن الرض إذا حرثت
أنبت الزرع ،والمرأة إذا وطئت أنبتت الولد بإذن ال تعالى.
{فَأْتُوا حَرْ َث ُكمْ أَنّى شِئْتُمْ} :إذن بجماع المرأة مقبلة أو مدبرة إذا كان في القبل الذي هو منبت
الزرع ،وهي طاهرة من الحيض والنفاس.
س ُكمْ} :يريد العمال الصالحة ،ومنها إرادة تحصين النفس والزوجة بالجماع وإرادة
{ َوقَ ّدمُوا لَنْفُ ِ
انجاب الولد الصالحين الذين يوحدون ال ويدعون لوالديهم طوال حياتهم.
معنى اليتين:
يخبر تعالى رسوله بأن بعض المؤمنين 2عن المحيض هل تساكن المرأة معه وتؤاكل وتشارب
أو تهجر بالكلية حتى تطهر إذ كان هذا من عادة أهل الجاهلية ،وأمره أن يقول لهم :الحيض أذى
يضر بالرجل المواقع فيه ،وعليه فليعتزلوا النساء الحيض في الجماع فقط ل في المعاشرة
والمأكلة والمشاربة ،وإنما في الجماع فقط أيام سيلن الدم بل ل بأس بمباشرة الحائض في غير
ما بين السرة والركبة ،للحديث الصحيح في هذا كما أكد هذا المنع بقوله لهم{ :وَل َتقْرَبُوهُن}ّ 3
طهّرْنَ} أي :اغتسلن،
أي :ل تجامعوهن حتى يطهرن بإنقطاع دمهن والغتسال بعده لقوله{ :فَِإذَا َت َ
{فَأْتُوهُنّ مِنْ حَ ْيثُ َأمَ َركُمُ اللّهُ} بإتياهن وهو القبل ل الدبر فإنه محرم وأعلمهم تعالى أنه يحب
التوابين من الذنوب المتطهرين من النجاسات والقذار ،فليتوبوا وليتطهروا ليفوزوا بحب مولهم
عز وجل هذا معنى الية الولى( )222أما الية الثانية( )223وهي قوله تعالى{ :نِسَا ُؤكُمْ حَ ْرثٌ
َلكُمْ} فهي تضمنت جواب سؤال هو هل يجوز جماع المرأة مدبرة بأن يأتيها الرجل من ورائها إذ
حصل هذا السؤال من بعضهم فعلً ،فأخبر تعالى
__________
1هل الزوجة الكتابية يحبرها زوجها أن تغتسل من الحيض والنفاس؟ أرى أن يأمرها مرغبا لها
في ذلك وليس عليه إجبارها لنه ل إكراه في الدين .وهي غير متعبدة به.
2روى مسلم عن أنس رضي ال عنه أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ،ولم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يجامعوها في البيوت ،فسأل أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم النبي صلى ال عليه وسلم فأنزل
ال تعالى{ :وَ َيسْأَلو َنكَ عَنِ ا ْلمَحِيض} الية.
3إذا قيل ل تقرب بفتح الراء معناها ل تتلبث بالشيء ،وإن قيل :ل تقرب فمعناها :ل تدنوا ،ولذا
جاز للزوج أن يقرب من زوجته الحائض أو النفساء ويباشرها من غير الفرج.
( )1/206
أنه ل مانع من ذلك إذا كان في القبل ،وكانت المرأة طاهرة من دمي الحيض والنفاس ،وسمى
المرأة حرثا؛ لن رحمها ينبت فيه الولد كما ينبت الزرع في الرض الطيبة وما دام المر كذلك
فيأت الرجل امرأته كما شاء مقبلة أو مدبرة إذ المقصود حاصل وهو الحصان وطلب الولد.
فقوله تعالى{ :أَنّى شِئْتُمْ} يريد على أي حال من إقبال أو إدبار شئتم شرط أن يكون ذلك في القبل
سكُمْ} من الخير ما ينفعكم في آخرتكم
ل في الدبر .1ثم وعظ تعالى عباده بقولهَ { :وقَ ّدمُوا لَ ْنفُ ِ
واعلموا أنكم ملقوا ال تعالى فل تغفلوا عن ذكره وطاعته ،إذ هذا هو الزاد الذي ينفعكم يوم
تقفون بين يدي ربكم .وأخيرا أمر رسوله أن يبشر المؤمنين بخير الدنيا والخرة وسعادتهما من
كان إيمانه صحيحا مثمرا التقوى والعمل الصالح.
هداية اليتين:
من هداية اليتين:
-1حرمة الجماع أثناء الحيض والنفاس لما فيه من الضرر ،ولقوله تعالى { :فَاعْتَزِلُوا النّسَاءَ فِي
طهُرْنَ} .
ض وَل َتقْرَبُوهُنّ حَتّى َي ْ
ا ْلمَحِي ِ
طهّرْنَ
-2حرمة وطء المرأة إذا انقطع دم حيضها أو نفاسها ولم تغتسل ،لقوله تعالى{ :فَِإذَا تَ َ
فَأْتُوهُنّ} .
-3حرمة 2نكاح المرأة في دبرها لقوله تعالى{ :فَأْتُوهُنّ مِنْ حَ ْيثُ َأمَ َركُمُ اللّهُ} وهو القبل.
-4وجوب التطهير من الذنوب بالتوبة ،والتطهير من القذار والنجاسات بالماء.
-5وجوب تقديم ما أمكن من العمل الصالح ليكون زاد المسلم إلى الدار الخرة لقوله تعالى:
س ُكمْ} .
{ َوقَ ّدمُوا لَنْفُ ِ
-6وجوب تقوى ال تعالى بفعل ما أمر وترك ما نهى عنه وزجر.
-7بشرى ال تعالى على لسان رسوله صلى ال عليه وسلم لكل مؤمن 3ومؤمنة.
__________
1وذلك لتحريم وطء المرأة في دبرها للية الكريمة وللحاديث الصحاح وما أكثرها ومنها قوله
صلى ال عليه وسلم" :أيها الناس إن ال ل يستحي من الحق ل تأتوا النساء في أعجازهن" ،
وقوله صلى ال عليه وسلم" :من أتى امرأة في دبرها لم ينظر ال إليه يوم القيامة" وور :تلك
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
اللوطية الصغرى.
2تقدمت الحاديث المحرمة لنكاح المرأة في دبرها ذات رقم 1في هذه الصفحة.
3أي :صادق اليمان كما تقدم وعلمة صدقه أن يحركه للعمل الصالح ويحمله على ترك الشرك
والمعاصي.
( )1/207
سمِيعٌ عَلِيمٌ(
س وَاللّهُ َ
جعَلُوا 1اللّهَ عُ ْرضَةً 2لَ ْيمَا ِنكُمْ أَنْ 3تَبَرّوا وَتَ ّتقُوا وَ ُتصْلِحُوا بَيْنَ النّا ِ
{وَل تَ ْ
غفُورٌ حَلِيمٌ()225
خ ُذكُمُ اللّهُ بِالّل ْغوِ فِي أَ ْيمَا ِن ُك ْم وََلكِنْ ُيؤَاخِ ُذكُمْ ِبمَا كَسَ َبتْ قُلُو ُبكُمْ وَاللّهُ َ
)224ل ُيؤَا ِ
غفُورٌ رَحِيمٌ( )226وَإِنْ عَ َزمُوا
شهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنّ اللّهَ َ
لِلّذِينَ ُيؤْلُونَ مِنْ نِسَا ِئ ِهمْ تَرَ ّبصُ أَرْ َبعَةِ َأ ْ
سمِيعٌ عَلِيمٌ(})227
الطّلقَ فَإِنّ اللّهَ َ
شرح الكلمات:
العرضة :ما يوضع مانعا من شيء ،واليمين يحلفها المؤمن أن ل يفعل خيرا.
اليمان :جمع يمين ،نحو :وال ل أفعل كذا أو وال لفعلن كذا.
البرور :الطاعة وفعل البر.
اللغو :الباطل ،وما ل خير فيه .ولغو اليمين أن يحلف العبد على الشيء يظنه كذا فيتبين خلفه،
أو ما يجري على لسانه من أيمان من غير أرادة الحلف.
{كَسَ َبتْ قُلُو ُبكُم}ْ :ما تعمد القلب وقصد اليمين لجله لفعله حتما أو منعه.
{ ُيؤْلُونَ} :اليلء :4الحلف على عدم وطء الزوجة.
التربص :النتظار والتمهل.
{فَاءُوا} :رجعوا إلى وطء نسائهم بعد المتناع عنه باليمين.
{الطّلقَ} :فك رابطة الزوجية وحلها بقوله :هي طالق أو مطلقة أو طلقتك.
__________
1قيل نزلت الية في أبي بكر الصديق لما حلف أن ل ينفق على ابن خالته مسطح ،لنه خاض
في الفك ،وقيل :نزلت في عبد ال بن رواحة حين حلف أن ل يكلم ختنه بشير بن النعمان.
2العرضة :ما ينصب في الطريق مانعا ،فيعترض طريق السائرين وأصبح يطلق على كل ما
يوضع أمام الناس ،يقال :فلن أصبح عرضة للناس .أي :يقعون فيه ،ويقال :المرأة عرضة
للنكاح ،أي :إذا بلغت فهي أمام أنظار الرجال.
{ 3أن تبروا} أصلها :أن ل تبروا فحذفت ل كما حذفت في {يُبَيّنُ اللّهُ َلكُمْ أَنْ َتضِلّوا} أي :أن ل
تضلوا ،وحذفها للتخفيف ولظهور المعنى المراد.
4يقال :ألى يؤلي إيلء ،وائتلى وائتلي يأتلي ائتلء ،وتألى تأليا إذا حلف على كذا ،واليلء جائز
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لتأديب الزواج ولكن ل يصل أربعة أشهر فقد ألى رسول ال صلى ال عليه وسلم من نسائه
شهرا تأديبا لهن.
( )1/208
معنى اليات:
ينهى ال تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يجعلوا الحلف به مانعا من فعل الخير ،وذلك كأن
يحلف العبد أن ل يتصدق على فلن أو أن ل يكلم فلنا أو أن ل يصلح بين اثنين فقال تعالى:
جعَلُوا اللّهَ} يريد الحلف به عرضة ليمانكم ،1أي :مانعا لكم من فعل خير أو ترك إثم أو
{وَل تَ ْ
إصلح بين الناس .وأخبرهم أنه سميع لقوالهم عليهم بنياتهم وأفعالهم فليتقوه عز وجل.
ثم أخبرهم أنه تعالى ل يؤاخذهم باللغو 2في أيمانهم وهو أن يحلف الرجل على الشيء يظنه كذا
فيظهر على خلف ما ظن ،أو أن يجري على لسانه ما ل يقصده من الحلف كقوله :ل ،وال ،بل
وال ،فهذا مما عفا عنه لعباده فل إثم فيه ول كفارة تجب فيه .لكن يؤاخذهم بما كسبت قلوبهم من
الثم ،وذلك كأن يحلف المرء كاذبا ليأخذ حق أخيه المسلم بيمينه الكاذبة فهذه هي اليمين الغموس
التي تغمس صاحبها في الثم ثم في النار وهذه ل تنفع فيها الكفارة الموضوعة لمن حلف على أن
ل يفعل ثم حنث ،وإنما على صاحب اليمين الغموس التوبة بتكذيب نفسه والعتراف بذنبه ورد
الحق الذي أخذه بيمينه الفاجرة إلى صاحبه وبذلك يغفر ال تعالى له ويرحمه ،وال غفور رحيم.
وبمناسبة ذكر اليمين ذكر تعالى حكم من يولي من امرأته أي يحلف أن ل يطأها فأخبر تعالى أن
على المولي تربص أربعة أشهر ،فإن فاء إلى امرأته أي رجع إلى وطئها فبها ونعمت ،وعليه أن
يكفر عن يمينه ،وإن لم يفيء إلى وطئها وأصر على ذلك فإن على القاضي أن يوفقه أمامه
ويطالبه بالفيء فإن أبى طلقها عليه.
غفُورٌ رَحِيم} يغفر
شهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنّ اللّهَ َ
قال ال تعالى{ :لِلّذِينَ ُيؤْلُونَ مِنْ نِسَا ِئهِمْ تَرَ ّبصُ أَرْ َبعَةِ أَ ْ
لهم ما ارتكبوه من الذنب في حق نسائهم ويرحمهم لتوبتهم.
وإن عزموا 3الطلق بأن أبوا أن يفيئوا طلقوا ،وال سميع لقوالهم عليهم بما في قلوبهم.
فليحذروه بعدم فعل ما يكره ،وترك فعل ما يجب.
__________
1اليمان جمع يمين وهو الحلف ،وسمي الحلف يمينا أخذا من اليمين؛ لن عادة العرب إذا حلف
أحدهم للخر وضع يده اليمنى على يده اليمنى ،ويقال أعطاه يمينا إذا حلف له مؤكدا حلفه بوضع
يده اليمنى على يد صاحبه اليمنى.
2اللغو :مصدر لغى يلغو لغوا .إذا قال كلما خطأ وباطلً ،ولذا المؤمنون إذا سمعوا اللغو
أعرضوا ولم يلتفتوا إليه ولم يأبهوا له {وَالّذِينَ هُمْ عَنِ الّل ْغوِ ُمعْ ِرضُونَ} .
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
3عزم الطلق :هو التصميم عليه فإن لم يفيئوا فقد وجب عليهم الطلق وعليه فالمولى بين خير
النظرين ،وهما الفيء أو الطلق.
( )1/209
هداية اليات:
-1كراهية منع الخير بسبب اليمين ،وعليه فمن حلف أن ل يفعل خيرا فليكفر عن يمينه وليفعل
الخير لحديث الصحيح" :من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي
هو خير" .
-2لغو اليمين معفو عنها ولها صورتان :الولى :أن يجري على لسانه لفظ اليمين وهو ل يريد
أن يحلف نحو ل وال ،وبلى وال ،والثانية :أن يحلف على شيء يظنه كذا فيتبين خلفه ،مثل أن
يقول :وال ما في جيبي درهم ول دينار وهو ظان أو جازم أنه ليس في جيبه شيء من ذلك ثم
يجده فهذه صورة لغو اليمين.
-3اليمين المؤاخذ عليها العبد هي :أن يحلف متعمدا الكذب قاصدا له من أجل الحصول على
منفعة دنيوية وهي المقصودة بقوله تعالىَ { :وَلكِنْ ُيؤَاخِ ُذكُمْ ِبمَا كَسَ َبتْ قُلُو ُبكُمْ} وتسمى باليمين
الغموس ،واليمين الفاجرة.
-4اليمين التي تجب فيها الكفارة هي التي يحلف فيها العبد أن يفعل كذا ويعجز فل يفعل ،أو
يحلف أن ل يفعل كذا ثم يضطر ويفعل ،ولم يقل أثناء حلفه إن شاء ال ،والكفارة مبينة في آية
المائدة وهي إطعام عشرة مساكين ،أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم يجد صام ثلثة أيام.
-5بيان حكم اليلء ،وهو أن يحلف الرجل أن ل يطأ امرأته مدة فإن كانت أقل من 1أربعة
أشهر فله أن ل يحنث نفسه ويستمر ممتنعا عن الوطء ،إلى أن تنتهي مدة الحلف إل أن الفضل
أن يطأ ويكفر عن 2يمينه ،وإن كانت أكثر من أربعة أشهر فإن عليه أن يفئ إلى زوجته أو تطلق
عليه وإن كان ساخطا غير راض.
{وَا ْلمُطَّلقَاتُ 3يَتَرَ ّبصْنَ
__________
1ما السر في الربعة أشهر؟ يبدو أنه ثلث السنة ،والثلث كثير كما في حديث سعد في الوصية،
ويؤيد هذا ما أجراه عمر رضي ال عنه من سؤال النساء عن مدى صبر المرأة على زوجها.
فقلن شهران ،ويقل صبرها في ثلثة أشهر وينفد في أربعة أشهر .فأمر قواد الجناد أن ل يمسكوا
الرجل في الغزو أكثر من أربعة أشهر.
2لقول الرسول صلى ال عليه وسلم" :من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن
يمينه وليفعل الذي هو خير" .
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{ 3والمطلقات} الجملة خبرية ومعناها النشاء وهو المر بالتربص ثلثة قروء ،وهذا خاص
بالحرائر ،أما الماء فيتربص قرأين ل غير ،ثبت هذا بالسنة الصحيحة ،وهو قوله صلى ال عليه
وسلم" :طلق المة تطليقتان وقرءها حيضتان".
( )1/210
خلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَا ِمهِنّ إِنْ كُنّ ُي ْؤمِنّ بِاللّهِ وَالْ َيوْمِ
حلّ َلهُنّ أَنْ َيكْ ُتمْنَ مَا َ
سهِنّ ثَلثَةَ قُرُو ٍء وَل َي ِ
بِأَ ْنفُ ِ
الخِ ِر وَ ُبعُولَ ُتهُنّ َأحَقّ بِرَدّهِنّ فِي َذِلكَ إِنْ أَرَادُوا ِإصْلحا وََلهُنّ مِ ْثلُ الّذِي عَلَ ْيهِنّ بِا ْل َمعْرُوفِ
حكِيمٌ(})228
وَلِلرّجَالِ عَلَ ْيهِنّ دَ َرجَ ٌة وَاللّهُ عَزِيزٌ َ
شرح الكلمات:
{وَا ْلمُطَّلقَاتُ} :جمع مطلقة وهي المرأة تسوء عشرتها فيطلقها زوجها أو القاضي.
{يَتَرَ ّبصْنَ} :ينتظرن.
{قُرُوءٍ} :القرء :إما مدة الطهر ،أو مدة الحيض.
{مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَا ِمهِنّ} :من الجنة فل يحل للمطلقة أن تكتم ذلك.
{وَ ُبعُولَ ُتهُنّ} :أزواجهن واحد البعولة :بعل؛ كفحل ونخل.
{بِ َردّهِنّ فِي ذَِلكَ} :أي :في مدة التربص والنتظار.
{وََلهُنّ مِ ْثلُ الّذِي عَلَ ْيهِنّ} :يريد على الزوجة حقوق لزوجها ،ولها حقوق على زوجها.
جةٌ} :هي درجة القوامة 1أن الرجل شرعا هو القيم على المرأة.
{وَلِلرّجَالِ عَلَ ْيهِنّ دَرَ َ
معنى الية الكريمة:
بمناسبة طلق المؤلي إن أصر على عدم الفيئة ذكر تعالى في هذه الية{ :وَا ْلمُطَّلقَاتُ }2إلخ .أن
على المطلقة التي تحيض أن تنتظر ،فل تتعرض للزواج 3مدة ثلثة أقراء فإن انتهت المدة ولم
يراجعها
زوجها فلها أن تتزوج ،وهذا النتظار يسمى عدة ،وهي واجبة مفروضة عليها لحق زوجها ،إذ له
حقّ
الحق أن يراجعها 4فيها ،وهذا معنى قوله تعالى في الية{ :وَ ُبعُولَ ُتهُنّ أَ َ
__________
1لفظ الدرجة دال على علو المنزلة وهو كذلك ،وهو ظاهر في أنه يحميها ،ويصونها وينفق
عليها وتجب طاعته عليها ،كما أن هناك فضلً الخلق والكسب والعمل؛ كالجهاد وشهود الجمعة
والجماعات.
2المطلقات :جنس يشتمل كل مطلقة ويخرج من ل تحيض لصغر سن أو كبر بدليل الكتاب من
سورة الطلق.
3القرء :لفظ مشترك بين الحيض والطهر ،ولذا ذهب مالك إلى أن القرء :الطهر ،فجعل العدة
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ثلثة أطهار ،ورجحه قوله تعالى{ :فَطَّلقُوهُنّ ِلعِدّ ِتهِنّ} وهو أول الطهر ،وذهب غيره إلى أن
القرء :الحيض ،والكل جائز وواسع والحمد ل ،إلى أن العتداد بالطهار أرفق بالمطلقة إذ تكون
المدة أقصر لنها تطلق في طهر لم يجامعها فيه الزوج فيبقى عليها طهران فقط.
4جعل ال تعالى مدة العدة رحمة بالزوجين ،إذ قد تحدث لهما ندامة فيتراجعان بل كلفة ،قال
ح ِدثُ َب ْعدَ ذَِلكَ َأمْرا} ،أي :المراجعة ،وللرجعية
تعالى من سورة الطلق{ :ل تَدْرِي َل َعلّ اللّهَ يُ ْ
النفقة على الزوج ،لنها محبوسة من أجله ول يجوز له أن يستمتع بها ل بالنظر ول غيره ،ولو
و طئها بدون نية مراجعة إثم ول حد عليه للشبهة.
( )1/211
( )1/212
-5تقرير سيادة الرجل على المرأة لما وهبه ال من ميزات 1الرجولة المفقودة في المرأة.
خذُوا ِممّا آتَيْ ُتمُوهُنّ شَيْئا
حلّ َل ُكمْ أَنْ تَأْ ُ
ن وَل يَ ِ
{الطّلقُ 2مَرّتَانِ فَِإمْسَاكٌ ِب َمعْرُوفٍ َأوْ تَسْرِيحٌ بِِإحْسَا ٍ
حدُودَ اللّهِ فَل جُنَاحَ عَلَ ْي ِهمَا فِيمَا افْتَ َدتْ ِبهِ تِ ْلكَ
خفْتُمْ أَل ُيقِيمَا ُ
حدُودَ اللّهِ فَإِنْ ِ
إِل أَنْ يَخَافَا أَل ُيقِيمَا ُ
حدُودُ اللّهِ فَل َتعْتَدُوهَا َومَنْ يَ َتعَدّ حُدُودَ اللّهِ فَأُولَ ِئكَ هُمُ الظّاِلمُونَ(})229
ُ
شرح الكلمات:
{الطّلقُ : }3السم من طلق وهو أن يقول لزوجته :أنت طالق أو طلقتك.
{مَرّتَانِ : }4يطلقها ،ثم يردها ،ثم يطلقها ثم يردها .أي يملك الزوج الرجاع في طلقتين أما إن
طلق الثالثة فل يملك ذلك ول ترجع حتى تنكح زوجا غيره.
خفْتُمْ أَل ُيقِيمَا حُدُودَ اللّهِ} :حسن العشرة فإن خافت المرأة أو خاف الزوج أن ل يؤدي
{فَإِنْ ِ
حقوق الزوجية جاز الفداء وهو دفع مال للزوج ليخلي سبيل المرأة تذهب حيث شاءت ،ويسمى
هذا خلعا.
{حُدُودَ اللّهِ} :ما يجب أن ينتهي إليه العبد من طاعة ال ول يتجاوزه.
__________
1تقدم ذكر بعضها في الصفحة قبل ذي تحت رقم .4
2كان الطلق في الجاهلية وبرهة من الزمن في السلم ليس له حد فقد يطلق الرجل امرأته
عشرات المرات حتى إن رجلً قال لمرأته ل آويك ول أدعك تحلين .قالت وكيف؟ قال :أطلقك
فإذا دنا مضي عدتك راجعتك ،فشكت ذلك إلى عائشة فذكرت ذلك لرسول ال صلى ال عليه
وسلم فأنزل ال تعالى هذه الية{ :الطلق مرتان} إلخ.
3الطلق شرعا :هو حل العصمة المنعقدة بين الزوجين بألفاظ مخصوصة منها :أنت طالق.
والطلق مباح لرفع الضرر عن أحد الزوجين أو عن كليهما.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
4روى الدارقطني ،عن أنس :أن رجلً قال لرسول ال صلى ال عليه وسلم" :قال ال تعالى:
{الطلق مرتان} فلما صار ثلثا؟ .قال{ :فَِإمْسَاكٌ ِب َمعْرُوفٍ َأوْ تَسْرِيحٌ بِِإحْسَانٍ} هي الثالثة.
( )1/213
( )1/214
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هداية الية
من هداية الية:
-1حرمة الطلق الثلث 1بلفظ واحد؛ لن ال تعالى قال{ :الطّلقُ مَرّتَانِ}.
-2المطلقة ثلث طلقات ل تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره 2ويطلقها أو يموت عنها.
-3مشروعية الخلع وهو أن تكره المرأة البقاء مع زوجها فتخلع نفسها منه بمال تعطيه إياه
عوضا عما أنفق عليها في الزواج بها.
-4وجوب الوقوف عند حدود ال وحرمة تعديها.
-5تحريم الظلم وهو ثلثة أنواع :ظلم الشرك وهذا ل يغفر للعبد إل بالتوبة منه ،وظلم العبد
لخيه النسان وهذا لبد من التحلل منه ،وظلم العبد لنفسه بتعدي حد من حدود ال وهذا أمره إلى
ال إن شاء غفره وإن شاء واخذ به.
جعَا إِنْ
حلّ لَهُ مِنْ َبعْدُ حَتّى تَ ْنكِحَ َزوْجا غَيْ َرهُ فَإِنْ طَّل َقهَا فَل جُنَاحَ عَلَ ْي ِهمَا أَنْ يَتَرَا َ
{فَإِنْ طَّل َقهَا فَل َت ِ
حدُودُ اللّهِ يُبَيّ ُنهَا ِلقَوْمٍ َيعَْلمُونَ(})230
ظَنّا أَنْ ُيقِيمَا حُدُودَ اللّ ِه وَتِ ْلكَ ُ
شرح الكلمات:
حلّ لَهُ} :الطلقة الثالثة فل تحل له إل بعد أن تنكح زوجا غيره.
{فَإِنْ طَّل َقهَا فَل َت ِ
{فَل جُنَاحَ عَلَ ْي ِهمَا} :أي ل إثم ول حرج عليهما في الزواج من جديد.
جعَا} :أن يرجع كل منهما إلى صاحبه بعقد جديد وبشرط أن يظنا إقامة حدود ال فيهما،
{أَنْ يَتَرَا َ
وإل فل يجوز نكاحهما.
معنى الية الكريمة:
يقول تعالى مبينا حكم من طلق امرأته الطلقة الثالثة :فإن طلقها فل تحل له حتى تنكح زوجا
غيره ،ويكون النكاح صحيحا ويبني بها الزوج الثاني لحديث" :حتى تذوقي عسيلته
__________
1وهو الطلق البدعي ،والجمهور على أنه يقع ثلثة وخلف الجمهور يقولون :طلق بدعي
سهِنّ ثَل َثةَ قُرُوءٍ} والطلق
ويقع واحدة ،ودليلهم الية{ :الطلق مرتان}{ ،وَا ْلمُطَّلقَاتُ يَتَرَ ّبصْنَ بِأَ ْنفُ ِ
بلفظ الثلث ليس فيه مرتان ول إقراء ،فلذا هو بدعي ول تبين المطلقة به ،بل هي مطلقة واحدة
ل غير.
2ل يحل لمرء أن يتزوج مطلقة ثلثا ليحلها لزوجها للعن الرسول صلى ال عليه وسلم من
يفعل ذلك في قوله" :لعن ال المحلل والمحلل له" .وسماه :بالتيس المستعار.
( )1/215
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ويذوق عسيلتك" ،فإن طلقها الثاني بعد البناء و الخلوة والوطء أو مات عنها جاز لها أن تعود إلى
الول إن رغب هو في ذلك وعلما من أنفسهما أنهما يقيمان حدود ال فيهما بإعطاء كل واحد
حقوق صاحبه 1مع حسن العشرة وإل فل مراجعة تحل لهما .ولذا قال تعالى{ :إِنْ ظَنّا أَنْ ُيقِيمَا
حدُودَ اللّهِ} ثم نوه ال تعالى بشأن تلك الحدود فقال{ :وَتِ ْلكَ حُدُودُ اللّهِ} وهي شرائعه ،بينهما
ُ
سبحانه وتعالى لقوم يعلمون ،2إذ العالمون بها هم الذين يقفون عندها ول يتعدونها فيسلمون من
وصمه الظلم وعقوبة الظالمين.
هداية الية
من هداية الية:
-1المطلقة ثلثا ل تحل لمطلقها 3إل بشرطين :الول :أن تنكح زوجا ًغيره نكاحا صحيحا،
ويبنى بها ويطأها .والثاني :أن يغلب على ظن كل منهما أن العشرة بينهما تطيب وأن ل يتكرر
ذلك العتداء الذي أدى إلى الطلق ثلث مرات.
-2موت الزوج الثاني كطلقه تصح معه الرجعة إلى الزوج الول بشرطه.
-3إن تزوجت المطلقة ثلثا بنية التمرد على الزوج حتى يطلقها لتعود إلى الول فل يحلها هذا
النكاح لجل التحليل ،لن الرسول صلى ال عليه وسلم أبطله وقال" :لعن ال المحلل والمحلل له"
ويسمى بالتيس المستعار ،ذاك الذي يتزوج المطلقة ثلثا بقصد أن يحلها للول.
ن ضِرَارا
سكُوهُ ّ
ف وَل ُتمْ ِ
سكُوهُنّ ِب َمعْرُوفٍ َأوْ سَرّحُوهُنّ ِب َمعْرُو ٍ
{وَإِذَا طَّلقْتُمُ النّسَاءَ فَبََلغْنَ َأجََلهُنّ فََأمْ ِ
س ُه وَل تَتّخِذُوا آيَاتِ اللّهِ هُزُوا وَا ْذكُرُوا ِن ْع َمتَ اللّهِ عَلَ ْي ُك ْم َومَا
لِ َتعْتَدُوا َومَنْ َيفْ َعلْ ذَِلكَ َفقَدْ ظَلَمَ َنفْ َ
شيْءٍ عَلِيمٌ(})231
ظكُمْ ِب ِه وَاتّقُوا اللّهَ وَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ ِب ُكلّ َ
ح ْكمَةِ َي ِع ُ
ب وَالْ ِ
أَنْ َزلَ عَلَ ْيكُمْ مِنَ ا ْلكِتَا ِ
__________
1ذهب بعض الفقهاء إلى أن ليس على الزوجة عمل لزوجها ول حق له عليها إل في الستمتاع
بها ،وهو قول واهٍ يرده ما كان عليه بنات رسول ال صلى ال عليه وسلم وأزواجه وأزواج
أصحابه ،إذ كن يطحن ويغسلن ويطبخن ويقمن بعمل المنزل ويأمرن بذلك بل ويضربن إن
قصرن فيه.
2أي الذين يفهمون الحكام فهما يهيئهم للعمل بها وبإدراك مصالحها فل يتحيلون في فهمها
ليتركوا العمل بها.
3اختلف فيمن طلقت طلقة أو طلقتين ثم تزوجت ومات زوجها وطلقها ورجعت إلى زوجها
الول ،فهل النكاح الجديد يهدم السابق أو تبقى على ما كانت عليه؟ .الجمهور على أنها تبقى على
ما كانت عليه من طلقة أو طلقتين.
( )1/216
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شرح الكلمات:
{َأجََلهُنّ} :أجل المطلقة مقاربة 1انتهاء أيام عدتها.
{َأوْ سَرّحُوهُنّ} :تسريح المطلقة تركها بل مراجعة لها حتى تنقضي عدتها وتبين من زوجها.
{ضِرَارا} :مضارة لها وإضرارا بها.
{لِ َتعْتَدُوا} :لتتجاوزوا حد الحسان إلى الساءة.
{هُزُوا : }2لعبا بها بعدم التزامكم بتطبيق أحكامها.
{ ِن ْع َمتَ اللّهِ} :هنا هي السلم.
ح ْكمَةِ : }3السنة النبوية.
{وَالْ ِ
ظ ُكمْ بِهِ} :بالذي أنزله من أحكام الحلل والحرام لتشكروه تعالى بطاعته.
{ َيعِ ُ
معنى الية الكريمة:
ما زال السياق في بيان أحكام الطلق والخلع والرجعة ففي هذه الية يأمر تعالى عباده المؤمنين
إذا طلق أحدهم امرأته وقاربت نهاية عدتها أن يراجعها فيمسكها 4بمعروف ،والمعروف هو
حسن عشرتها أو يتركها حتى تنقضي عدتها ويسرحها بمعروف فعيطيها كامل حقوقها ول يذكرها
إل بخير ويتركها تذهب حيث شاءت .وحرم على أحدهم أن يراجع امراته من أجل أن يضر بها
ن ضِرَارا لِ َتعْتَدُوا} يريد
سكُوهُ ّ
فل هو يحسن إليها ول يطلقها فتستريح منه ،فقال تعالى{ :وَل ُتمْ ِ
عليهن حتى تضطر المرأة المظلومة إلى المخالعة فتفدي نفسها منه بمال وأخبر تعالى :أن من
يفعل هذا الضرار فقد عرض نفسه للعذاب الخروي.
كما نهى تعالى المؤمنين عن التلعب بالحكام الشرعية ،وذلك بإهمالها وعدم تنفيذها فقد قال
تعالى{ :وَل تَتّخِذُوا آيَاتِ 5اللّهِ هُزُوا} وأمرهم أن يذكروا نعمة ال عليهم حيث من
__________
1بالجماع أن المراد من بلوغ الجل هنا :مقاربة بلوغه لنه إذا بلغ الجل ل خيار له في
المساك.
2ل خلف بين أهل العلم أن من طلق هازلً أن الطلق يلزمه لحديث أبي داود أن النبي صلى
ال عليه وسلم قال" :ثلث جدهن جد وهزلهن جد :النكاح والطلق والرجعة ".
3الحكمة :هي السنة المبينة على لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم مراد ال فيما ل نص عليه
من الكتاب.
4قال أهل العلم :إن من المساك بالمعروف أن الزوج إذا لم يجد ما ينفق على زوجته يطلقها،
فإن لم يطلقها خرج من حد المعروف.
5روي عن أبي الدرداء أنه قال :كان الرجل في الجاهلية يطلق ويقول :إنما طلقت وأنا لعب.
خذُوا آيَاتِ اللّهِ هُزُوا} .
وينكح ويعتق ويقول :كنت لعبا .فنزلت هذه الية{ :وَل تَتّ ِ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/217
عليهم بالسلم دين الرحمة والعدالة والحسان ،وذلك ليشكروه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
كما عليهم أن يذكروا نعمة ال عليهم زيادة على السلم وهي نعمة إنزال الكتاب .والحكمة
ليعظهم بذلك فيأمرهم بما فيه سعادتهم وكمالهم ،وينهاهم عما فيه شقاؤهم وخسرانهم :ثم أمرهم
بتقواه عز وجل :فقال{ :وَا ّتقُوا اللّهَ} وأعلمهم أنه أحق أن يُتقى؛ لنه بكل شيء عليم ل يخفى عليه
من أمرهم شيء فليحذروا أن يراهم على معصيته مجانبين لطاعته.
هداية الية
من هداية الية:
-1ل يحل للمطلق أن يراجع امرأته من أجل أن يضر بها ويظلمها حتى تخالعه بمال.
-2حرمة التلعب بالحكام الشرعية بعدم مراعتها وتنفيذها.
-3وجوب ذكر نعمة ال على العبد وذلك بذكرها باللسان ،والعتراف 1بها في الجنان.
-4وجوب تقوى ال تعالى في السر والعلن.
-5مراقبة ال تعالى في سائر شؤون الحياة؛ لنه بكل شيء عليم.
جهُنّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْ َنهُمْ بِا ْل َمعْرُوفِ
{وَإِذَا طَّلقْتُمُ النّسَاءَ فَبََلغْنَ َأجََلهُنّ فَل َت ْعضُلُوهُنّ أَنْ يَ ْنكِحْنَ أَ ْزوَا َ
طهَ ُر وَاللّهُ َيعَْل ُم وَأَنْتُ ْم ل
ذَِلكَ 2يُوعَظُ ِبهِ مَنْ كَانَ مِ ْنكُمْ ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه وَالْ َيوْ ِم الخِرِ ذَِلكُمْ أَ ْزكَى َل ُك ْم وَأَ ْ
َتعَْلمُونَ(})232
شرح الكلمات:
{فَبََلغْنَ َأجََلهُنّ} :أي انتهت عدتهن .3
__________
1وصرفها فيما يرضي المنعم عز وجل وذلك باستعمال القوى الفعلية والبدنية في طاعة ال
وإنفاق المال فيما يجب أن ينفق فيه.
{ 2ذَِلكَ يُوعَظُ بِهِ} الشارة فيه إلى حكم العضل المحرم والمخاطب به سائر المسلمين ولم يقل:
ذلكم ،إذ الصل هو الشارة إلى المذكور وهو مفرد ولو قال :ذلكم ،جاز.
3بلوغ الجل في هذه الية هو نهايته وليس كالية السابقة ،إذ بلوغ الجل فيها المراد :قرب
نهايته ،إذ لو بلغ الجل نهايته ما كان صحت مراجعتها.
( )1/218
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{فَل َت ْعضُلُوهُنّ} :أي ل تمنعوهن من التزوج مرة أخرى بالعودة إلى الرجل الذي طلقها ولم
يراجعها حتى انقضت عدتها.
ضوْا بَيْ َنهُمْ بِا ْل َمعْرُوفِ} :إذا رضي الزوج المطلق أن يردها إليه ورضيت هي بذلك.
{ِإذَا تَرَا َ
{ذَِلكَ يُوعَظُ بِهِ} :أي النهي عن العضل يُكلف به أهل اليمان إذ هم القادرون على الطاعة.
{ذَِلكُمْ أَ ْزكَى َلكُمْ} :أي ترك العضل خير لكم من العضل وأطهر لقلوبكم؛ إذ العضل قد يسبب
ارتكاب الفاحشة.
معنى الية الكريمة:
ينهى ال تعالى أولياء أمور النساء أن يمنعوا المطلقة طلقة أو طلقتين فقط من أن تعود إلى زوجها
الذي طلقها وبانت منه بانقضاء عدتها ،إذا رضيت هي بالزواج منه مرة أخرى ورضي هو به
وعزما على المعاشرة الحسنة بالمعروف وكانت هذه الية استجابة لخت معقل بن يسار رضي
ال عنه حيث أرادت أن ترجع إلى زوجها 1الذي طلقها وبانت منه بانقضاء العدة فمنعها أخوها
معقل.
وقوله تعالى{ :ذَِلكَ يُوعَظُ ِبهِ} أي هذا النهي عن العضل يوجه إلى أهل اليمان بال واليوم الخر
فهم الحياء الذي يستجيبون ل ورسوله إذا أمروا أو نهوا.
ل ومآلً ،وأطهر
وأخيرا أخبرهم تعالى أن عدم منع المطلقة من العودة إلى زوجها خير لهم ،حا ً
لقلوبهم ومجتمعهم .وأعلمهم أنه يعلم عواقب المور وهم ل يعلمون فيجب التسليم بقبول شرعه،
والنصياع لمره ونهيه .فقال تعالى{ :وَاللّهُ َيعْلَ ُم وَأَنْتُمْ ل َتعَْلمُونَ} .
هداية الية
من هداية الية:
-1حرمة العضل أي منع المطلقة أن ترجع إلى من طلقها.
-2وجوب 2الولية على المرأة؛ لن الخطاب في الية كان للولياء {فَل َت ْعضُلُوهُنّ} .
__________
1اسم هذا الزوج( :أبو البداح) وكان قد طلق أخت معقل بن يسار ،ورغب في العودة إليها بنكاح
جديد بعد انقضاء عدتها ،فأبى معقل وقال لها :وجهي من وجهك حرام إن تزوجتيه .فنزلت هذه
الية{ :وإذا طلقتم }...إلخ.
2دليله :أن أخت معقل كانت ثيبة ومعنها أخوها من الزواج بمن طلقها وراجعها ثم طلقها مرة
ثانية وانقضت عدتها ولما نزلت هذه الية قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لمعقل " :إن كنت
مؤمنا فل تمنع أختك من أبي البداح " ،فقال آمنت بال وردها إلى أبي البداح ،فهذا دليل على
شرطية الولي في النكاح البكر والثيب سواء.
( )1/219
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-3المواعظ تنفع أهل اليمان لحياة قلوبهم.
-4في امتثال أوامر ال واجتناب نواهيه الخير كله ،والطهر جميعه.
حوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ِلمَنْ أَرَادَ أَنْ يُ ِتمّ ال ّرضَاعَ َة وَعَلَى ا ْل َموْلُودِ لَهُ رِ ْز ُقهُنّ
ضعْنَ َأوْلدَهُنّ َ
{وَا ْلوَالِدَاتُ يُ ْر ِ
س َعهَا ل ُتضَا ّر وَالِ َدةٌ ِبوَلَدِهَا وَل َموْلُودٌ لَهُ ِبوََل ِدهِ وَعَلَى
سوَ ُتهُنّ 1بِا ْل َمعْرُوفِ ل ُتكَّلفُ َنفْسٌ إِل وُ ْ
َوكِ ْ
ا ْلوَا ِرثِ مِ ْثلُ ذَِلكَ فَإِنْ أَرَادَا ِفصَالً عَنْ تَرَاضٍ مِ ْن ُهمَا وَتَشَاوُرٍ فَل جُنَاحَ عَلَ ْي ِهمَا وَإِنْ أَ َردْتُمْ أَنْ
ضعُوا َأوْل َد ُكمْ فَل جُنَاحَ عَلَ ْي ُكمْ إِذَا سَّلمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِا ْل َمعْرُوفِ وَاتّقُوا اللّهَ وَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ ِبمَا
تَسْتَ ْر ِ
َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ(})233
شرح الكلمات:
حوْلَيْنِ} :عامين.
{َ
{وَعَلَى ا ْل َموْلُودِ لَهُ} :أي على الب.
{بِا ْل َمعْرُوفِ} :بحسب حاله يسارا أو إعسارا.
س َعهَا} :طاقتها وما تقدر عليه.
{وُ ْ
{ل ُتضَا ّر وَالِ َدةٌ ِبوَلَ ِدهَا : }2أي ل يحل أن تؤذي أم الولد بمنعها من إرضاع ولدها ،أو بمنعها
الجرة على إرضاعه هذا في حال طلقها ،أو موت زوجها.
__________
1قوله تعالى{ :كسوتهن} ،إما أن يكون المراد به المرضع غير المطلقة ،فهي التي يجب لها
الكسوة ،أما المرضع بأجرة فل كسوة لها وإنما لها ثمن الرضاع ،أو يكون ذكر الكسوة من باب
مكارم الخلق ،إذ ذو الخلق الكريم يكرم مرضعة ولده بالكسوة وغيرها.
2في الية دليل على أن الم أحق بالحضانة إذا طلقت أو مات الوالد ول خلف في ذلك ما لم
تتزوج فإن حضانتها تسقط بذلك لقول الرسول صلى ال عليه وسلم لمن شكت إليه" :إنت أحق به
ما لم تنكحي" .واختلف في مدة الحضانة ،فمالك يرى :أنها إلى بلوغ الغلم وتزوج الجارية،
ورأى الشافعي :أنها إلى ثمان سنوات ثم يخبر الولد بين أبيه وأمه ،فأيهما اختار له ذلك ،والبنت
كذلك .فقد صح أن النبي صلى ال عليه وسلم خير الولد بين أبيه وأمه.
( )1/220
{وَل َموْلُودٌ َلهُ} :أي ول يضار 1الوالد كذلك بأن يجبر على إرضاع الولد من أمه المطلقة أو
يطالب بأجرة ل يطيقها.
{وَعَلَى ا ْلوَا ِرثِ} :الوارث هو الرضيع 2نفسه إن كان له مال وإل فعلى من يكفله من عصبته.
{ ِفصَالً} :فطاما للولد قبل نهاية العامين.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
معنى الية الكريمة:
بمناسبة بيان أحكام الطلق وقد تطلق المرأة أحيانا وهي حامل ذكر تعالى أحكام الرضاع ،وقال
عةَ} أي :على الم
حوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ِلمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمّ ال ّرضَا َ
ضعْنَ َأوْلدَهُنّ َ
تعالى{ :وَا ْلوَالِدَاتُ 3يُ ْر ِ
المطلقة أن ترضع ولدها حولين كاملين إن أرادت هي وأب الرضيع إتمام الرضاعة ،وأن على
المولود له وهو الب إن كان موجودا نفقة المرضعة طعاما وشرابا وكسوة بالمعروف بحسب
حال الوالد من الغنى والفقر ،إذ ل يكلف ال نفسا إل ما آتاها من قدرة.
ثم نبه تعالى على أنه ل يجوز أن تؤذى الوالدة بسبب ولدها بأن تمنع من إرضاع ولدها أو تكره
على إرضاعه وهي ل تريد ذلك ،أو تحرم النفقة مقابل الرضاع أو يضيق عليها فيها كما ل
يجوز أن يضار أي يؤذي المولود له وهو الب :بأن يجبر على إرضاع ولده من أمه وقد طلقها
ول يأن يطالب بنفقة باهظة ل يقدر عليها .وعلى الوارث وهو الرضيع نفسه إن كان له مال .فإن
لم يكن له مال فعلى عصبته الذكور القرب فالقرب أي عليهم أجرة الرضاع فإن لم يكن للولد
مال وليس له عصبة وجب على الم أن ترضعه مجانا؛ لنها أقرب الناس إليه ،ثم ذكر تعالى
رخصتين في الرضاع :الولى :فطام قبل عامين ،فإن لهما ذلك بعد التشاور في ذلك وتقدير
مصلحة الولد من هذا الفطام المبكر .فقال تعالى{ :فَإِنْ
__________
1وفي الحديث الصحيح" :ل ضرر ول ضرار" ،ومن هنا رؤى في الحضانة جانب الولد فينظر
فيمن يقدر على حفظه وتربيته ،ولما كانت الم أرحم به وأحن عليه أعطيته ما لم تتزوج وتشغل
عنه فإن تزوجت فأمها وهي جدته ،وإما أم أبيه فخالته أحق به منها ،والعبرة بمن يكون أرحم
وأحفظ بالولد.
2الجمهور على أن المراد بالوارث ،ورثة الرضيع إذا هلك من نساء ورجال ،ذكره القرطبي في
تفسيره ،وقال غيره :إن الوارث هو الرضيع إذا مات والده وترك مالً .أجرة المرضع من ماله،
فإن كان ل مال له فمن مال ورثته هو ول تضار هي في واجب نفقتها ول الوالد أو وارثه في
أدائها .وما فسرنا به الية واضح ومستقيم والحمد ل رب العالمين.
{ 3والوالدات} مبتدأ ،وجملة :يرضعن ،خبر .فالجملة خبرية ،ومعناها النشاء .إذ ما تضمنته
الجملة هو إرشاد من ال تعالى للمؤمنين في طريقة إرضاع أولدهن.
( )1/221
أَرَادَا ِفصَالً عَنْ تَرَاضٍ مِ ْن ُهمَا وَتَشَاوُرٍ فَل جُنَاحَ عَلَ ْي ِهمَا} أي ل تضييق ول حرج .والثانية إن
أراد المولود له أن يسترضع لولده من مرضعا غير أمه فله ذلك إن طابت به نفسه الم ،قال
ضعُوا َأوْل َدكُمْ فَل جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ} بشرط أن يسلم الجرة 1المتفق عليها
تعالى{ :وَإِنْ أَرَدْ ُتمْ أَنْ تَسْتَ ْر ِ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بالمعروف بل إجحاف ول مماطلة ،وأخيرا وعظ ال كلً من المرضِع والمرضَع له بتقواه في هذه
الحدود التي وضعها لهما ،وأعلمهم أنه بما يعملون بصير فليحذروا مخالفة أمره ،وارتكاب نهيه.
فسبحانه من إلهٍ عظيم برٍ رحيم.
هداية الية
من هداية الية:
-1وجوب إرضاع الم ولدها الرضعة الولى "اللّبا" إن كانت مطلقة وسائر الرضاع إن كانت
غير مطلقة.
-2بيان الحد العلى للرضاع وهو عامان 2تامان .ولذا فالزيادة عليهما غير معتبرة شرعا.
-3جواز أخذ الجرة على الرضاع.
-4وجوب نفقة القارب على بعضهم في حال الفقر.
-5جواز إرضاع الوالد ولده من 3مرضع غير والدته.
شهُ ٍر وَعَشْرا فَِإذَا بََلغْنَ َأجََلهُنّ فَل
سهِنّ أَرْ َب َعةَ أَ ْ
{وَالّذِينَ يُ َت َوفّوْنَ مِ ْنكُ ْم وَيَذَرُونَ أَ ْزوَاجا يَتَرَ ّبصْنَ بِأَ ْنفُ ِ
سهِنّ بِا ْل َمعْرُوفِ وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ( )234وَل جُنَاحَ عَلَ ْي ُكمْ فِيمَا
جُنَاحَ عَلَ ْي ُكمْ فِيمَا َفعَلْنَ فِي أَ ْنفُ ِ
علِمَ اللّهُ أَ ّنكُمْ سَتَ ْذكُرُو َنهُنّ
سكُمْ َ
خطْبَةِ النّسَاءِ َأوْ َأكْنَنْتُمْ فِي أَ ْنفُ ِ
عَ ّرضْتُمْ بِهِ مِنْ ِ
__________
1المراد من الجرة هي تلك التي وجبت للمطلقة بإرضاعها ولدها قبل أخذ الوالد له ليرضعه عند
غيرها إن لم يكن قد سلمها لها أيام إرضاعها للولد.
2لحديث" :ل رضاع بعد فصال ول يتم بعد احتلم" رواه أبو دواد الطيالسي .عن جابر ذكره ابن
كثير .وحديث ابن عباس عند البخاري" :ل يحرم من الرضاع إل ما كان في الحولين" .ولذا فما
كان من رضاع بعد الحولين فل يحرم بدللة هذا الحديث الصحيح.
3إذا كان في ذلك مصلحة للرضيع أو لعجز الوالدة عنه.
( )1/222
( )1/223
محدة فيها فل جناح على ذوي زوجها المتوفي ول على ذويها هي فيما تفعل بنفسها من ترك
الحداد 1والتعرض للخطاب للتزوج هذا معنى قوله تعالى{ :وَالّذِينَ يُ َت َو ّفوْنَ مِ ْنكُمْ وَيَذَرُونَ أَ ْزوَاجا
سهِنّ
شهُ ٍر وَعَشْرا فَإِذَا بََلغْنَ َأجََلهُنّ فَل جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ فِيمَا َفعَلْنَ فِي أَ ْنفُ ِ
سهِنّ أَرْ َبعَةَ أَ ْ
يَتَرَ ّبصْنَ بِأَ ْنفُ ِ
بِا ْل َمعْرُوفِ} أي :بما هو مباح لهن ووعظهم في ختام الية بقوله{ :وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ}
فاحذروه فل تعملون إل ما أذن فيه لكم.
أما الية الثانية( )235فقد تضمنت تحريم خطبة المرأة المعتدة من طلق أو وفاة فل يحل خطبتها
لما في ذلك من الضرر؟ إذ قد تحمل هذه الخطبة من رجل مرغوب فيه لماله أو دينه أو نسبه أن
تدعي المرأة انقضاء عدتها وهي لم تنقض ،وقد تفوت على زوجها المطلق لها فرصة المراجعة،
وهذا كله ضرر محرم .كما تضمنت الية في صدرها رفع الحرج ،أي :الثم في التعريض
علَ ْيكُمْ} أيها المسلمون فيما عرضتم
بالخطبة دون اللفظ الصريح المحرم فقال تعالى{ :وَل جُنَاحَ َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
من خطبة النساء المعتدات نحو قوله :إني راغب في الزواج ،أو إذا انقضت عدتك تشاورينني إن
أردت الزواج .كما تضمنت الكشف عن نفسية الرجل إذ قال تعالى{ :عَلِمَ اللّهُ أَ ّن ُكمْ سَتَ ْذكُرُو َنهُنّ}
مبدين رغبتكم منهن فرخص لكم في التعريض دون التصريح ،ولكن ل تواعدوهن سرا هذا اللفظ
هو الدال على تحريم خطبة المعتدة من وفاة أو من طلق بائن ،أما الطلق الرجعي فل يصح
الخطبة فيه تعريضا ول تصريحا؛ لنها في حكم الزوجة ،وقوله{ :إِل أَنْ َتقُولُوا َقوْلً َمعْرُوفا} هو
الذن بالتعريض.
كما تضمنت هذه الية حرمة عقد النكاح على المعتدة حتى تنتهي عدتها إذ قال تعالى{ :وَل
عقْ َدةَ 2ال ّنكَاحِ حَتّى يَبُْلغَ ا ْلكِتَابُ أَجََلهُ} ،والمراد من الكتاب المدة التي كتب ال على
َتعْ ِزمُوا ُ
المعتدة أن تتربص فيها .وختمت الية بوعظ ال تعالى المؤمنين حيث أمرهم أن يعلموا أن ال
يعلم ما في أنفسهم ول يخفى عليه شيء من أعمالهم وتصرفاتهم فليحذروه غاية الحذر ،فل
يخالفوه في أمره ول نهيه .كما أعلمهم أنه تعالى غفور لمن تاب منهم بعد الذنب حليم عليهم ل
يعاجلهم بالعقوبة ليتمكنوا من التوبة.
__________
1الحداد واجب على المتوفى عنها زوجها فقط لحديث الصحيح" :ل يحل لمرأة تؤمن بال
واليوم الخر أن تحد على ميت فوق ثلث ليال إل على زوج أربعة أشهر وعشرا" .والحداد:
هو ترك أنواع الزنية حتى الكحل والخضاب ،وعليها لزوم البيت وعدم التعرض للخطاب.
2أي :ل تعقدوا على المعتدة حتى تنقضي عدتها .يقال :عزم كذا،وعزم على كذا بمعنى واحد.
( )1/224
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1بيان عدة الوفاة وهي أربعة أشهر 1وعشر ليال ،وبينت السنة أن عدة المة على النصف.
-2وجوب الحداد على المتوفى عنها زوجها وهو عدم التزين ومس الطيب وعدم التعرض
للخطاب وملزمة المنزل الذي توفى عنها زوجها وهي فيه فل تخرج منه إل لضرورة قصوى.
-3حرمة خطبة المعتدة ،وجواز التعريض لها بلفظ غير صريح.
-4حرمة عقد النكاح على معتدة قبل انقضاء عدتها ،وهذا من باب أولى ما دام الخطبة محرمة
ومن عقد على امرأة قبل انقضاء عدتها يفرق بينهما ول تحل له بعد عقوبة لهما .2
-5وجوب مراقبة ال تعالى في السر والعلن واتقاء السباب المفضية بالعبد إلى فعل محرم.
{ل جُنَاحَ 3عَلَ ْيكُمْ إِنْ طَّلقْتُمُ 4النّسَاءَ مَا لَمْ َتمَسّوهُنّ َأوَْ 5تفْ ِرضُوا َلهُنّ فَرِيضَ ًة َومَ ّتعُوهُنّ عَلَى
علَى ا ْل ُمحْسِنِينَ( )236وَإِنْ طَّلقْ ُتمُوهُنّ مِنْ
حقّا َ
ا ْلمُوسِعِ قَدَ ُرهُ وَعَلَى ا ْل ُمقْتِرِ قَدَ ُرهُ مَتَاعا بِا ْل َمعْرُوفِ َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ن َوقَدْ فَ َرضْتُمْ َلهُنّ فَرِيضَةً فَ ِنصْفُ 6مَا فَ َرضْتُمْ إِل أَنْ َي ْعفُونَ َأوْ َي ْعفُوَ
قَ ْبلِ أَنْ َتمَسّوهُ ّ
__________
1قيل :الحكمة في العشر ليال بعد الربعة أشهر ،أنها التي ينفخ فيها الروح في الجنين لحديث:
"إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة" .الحديث .فثلثة أربعينات بأربعة أشهر،
وفي العشر بعد ينفخ فيه الروح .والحديث هو حديث ابن مسعود في مسلم.
2هذا مذهب مالك ،أما الجمهور فإنه يفارقها فإذا انتهت عدتها له أن يخطبها ويتزوجها ،ول فرق
في هذا بين عدة الوفاة أو الطلق غير الرجعي.
3هذا استئناف بياني كأن سائلً سأل عن جواز الطلق قبل البناء وعدمه ،فأجاب تعالى بقوله:
{ل جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ} الية .مبينا الجواز وحكم المهر للمطلقة قبل البناء.
4المطلقات أربع :مطلقة قبل البناء ،ولم يسم لها مهر فلها المتعة ول عدة عليها .المطلقة قبل
البناء وسمي لها مهر فلها نصفه إل أن يعفو ،ومطلقة بعد البناء لها ما سمي من المهر ،وعليها
العدة ،ومطلقة بعد البناء ولم يسم لها مهر فلها مهر مثيلتها.
5أو هنا بمعنى الواو ،أي :ولم تفرضوا.
6النصف :فيه لغات ،كسر النون ،وضمها ،ونصيف بفتح النون وإشباع الصاد ،والنصيف أيضا:
قناع المرأة.
( )1/225
( )1/226
معنى اليات:
ما زال السياق الكريم في بيان أحكام الطلق وما يتعلق به ،ففي هذه الية ( :)236يخبر تعالى
عباده المؤمنين أنه ل إثم ول حرج عليهم إن هم طلقوا أزواجهم قبل البناء بهن ،وقبل أن يسموا
لهن مهورا أيضا ،وفي هذين الحالين يجب عليهم أن يمتعوهن 1بأن يعطوا المطلقة قبل البناء ولم
تكن قد أعطيت مهرا ول سمى لها فيعرف مقداره في هذه الحال ،وقد تكون نادرة يجب على
الزوج المطلق جبرا لخاطرها أن يعطيها مالً على قدر غناه وفقره تتمتع به أياما عوضا عما
فاتها من التمتع بالزواج ،فقال تعالى{ :ل جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ إِنْ طَّلقْتُمُ النّسَاءَ مَا َلمْ َتمَسّوهُنّ َأوْ َتفْ ِرضُوا
حقّا عَلَى
َلهُنّ فَرِيضَ ًة َومَ ّتعُوهُنّ عَلَى ا ْلمُوسِعِ قَدَ ُر ُه وَعَلَى ا ْل ُمقْتِرِ َقدَ ُرهُ مَتَاعا بِا ْل َمعْرُوفِ َ
حسِنِينَ}.
ا ْلمُ ْ
وأما الية الثانية( )237فإنه تعالى يخبر أن من طلق امرأته قبل البناء بها وقد سمى لها صداقا قل
أو كثر فإن عليه أن يعطيها وجوبا نصفه إل أن تعفو عنه المطلقة فل تأخذه تكرما ،أو يعفو
ل فقال عز وجل{ :وَإِنْ طَّلقْ ُتمُوهُنّ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ
المطلق تكرما فل يأخذ منه شيئا فيعطيها إياه كام ً
ن َوقَدْ فَ َرضْتُمْ َلهُنّ فَرِيضَةً فَ ِنصْفُ مَا فَ َرضْتُمْ} -أي :فالواجب نصف ما فرضتم -إل أن
َتمَسّوهُ ّ
يعفون –المطلقات -أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وهو الزوج .ثم بعد تقرير هذا الحكم العادل
الرحيم دعا الطرفين 2إلى العفو ،وأن من عفا منهما كان أقرب إلى التقوى فقال عز وجل{ :وَأَنْ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سوُا
َت ْعفُوا َأقْ َربُ لِل ّت ْقوَى} ونهاهم مع هذا عن عدم نسيان المودة والحسان بينهما فقال{ :وَل تَنْ َ
ا ْل َفضْلَ بَيْ َنكُمْ إِنّ اللّهَ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ} .
وأما الية الثانية( )238فإنه تعالى يرشد عباده المؤمنين إلى ما يساعدهم على اللتزام بهذه
الواجبات الشرعية والداب السلمية الرفيعة وهو المحافظة على إقامة الصلوات الخمس عامة
ت وَالصّلةِ ا ْلوُسْطَى} ،وكانوا قبلها
والصلة الوسطى خاصة فقال تعالى{ :حَا ِفظُوا عَلَى الصَّلوَا ِ
يتكلمون في الصلة فمنعهم من ذلك بقولهَ { :وقُومُوا لِلّهِ قَانِتِينَ} أي ساكنين خاشعين .وإن حصل
خوف ل يتمكنون معه من أداء الصلة على الوجه
__________
1المتعة واجبة للمطلقة قبل البناء ولم يكن سمي لها مهرا ،ومستحبة لغيرها .هذا أشهر المذاهب
وأقربها من الحق ،ومقدار المتعة موكول إلى المطلق ،فليمتع بحسب حاله غنيا وفقرا ،هذا في
غير المطلقة قبل البناء ولم يسم لها مهرا ؛ لن متعتها واجبة ،إذ ليس لها غيرها فقد يتولى
القاضي بيان مقدارها.
2وإن كان الخطاب صالحا لكل من الزوج والزوجة إل إن العفو من الزوجة أولى؛ لن الطلق
كان منه ،ولو كانت هي سببه لكان عفوها هي أولى ،ولعل هذا سر قوله{ :أقرب للتقوى} .
( )1/227
المطلوب من السكون والخشوع فليؤدوها وهم مشاة على أرجلهم أو راكبون على خيولهم ،حتى
إذا زال الخوف وحصل المن فليصلوا على الهيئة التي كانوا يصلون عليها من سكون وسكوت
خفْتُمْ فَ ِرجَالً َأوْ ُركْبَانا فَإِذَا َأمِنْتُمْ فَا ْذكُرُوا اللّهََ 1كمَا عَّل َمكُمْ مَا َلمْ َتكُونُوا
وخشوع ،فقال تعالى{ :فَإِنْ ِ
َتعَْلمُونَ} يريد ال تعالى بالذكر هنا إقام الصلة أولً ،ثم الذكر العام مذكرا إياهم بنعمة العلم مطالبا
إياهم بشكرها وهو أن يؤدوا الصلة على أكمل وجوهها وأتمها؛ لنها المساعد على سائر
الطاعات وحسبها أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر .هذا ما تضمنته الية الرابعة(.)239
هداية اليات
من هداية اليات:
-1بيان حكم المطلقة قبل البناء وقبل تسمية المهر ،وأن لها المتعة فقط بحسب حال المطلق من
غنى وفقر.
-2بيان حكم المطلقة قبل البناء وقد سمى لها صداق فإن لها نصفه وجوبا إل أن تتنازل عنه
برضاها فلها ذلك كما أن الزوج المطلق إذا تنازل عن النصف وأعطاها المسمى كاملً فله ذلك.
-3الدعوة إلى إبقاء المودة والفضل والحسان بين السرتين :أسرة المرأة المطلقة ،وأسرة الزوج
المطلق ،حتى ل يكون الطلق سببا في العداوات والتقاطع.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-4وجوب المحافظة على الصلوات الخمس وخاصة صلة العصر 2وصلة الصبح "الصلة
الوسطى".3
-5منع الكلم في الصلة لغير إصلحها.
-6وجوب الخشوع في الصلة
__________
{ 1فَإِذَا َأمِنْ ُتمْ فَا ْذكُرُوا اللّهَ} أي :أتموا الصلة كما أمركم فأتموا ركوعها وسجودها وقيامها
وجلوسها كما تفعلون ذلك في حال المن وعدم الخوف.
2اختلف في بيان الصلة الوسطى بلغ الخلف عشرة أقوال حتى عدت كل صلة الصلة
الوسطى حتى يتم المحافظة على الصلوات الخمس كلها ،وأقوى القوال إنها الصبح أو العصر،
ورجح مالك :الصبح ،ورجح غيره :العصر ،والسنة الصحيحة شاهدة لمن قال أنها العصر ،وذلك
لحديث الصحيح" :شغلونا عن الصلة الوسطى صلة العصر" .
3الوسطى مؤنث الوسط ،ووسط الشيء خيره وأعدله ،وفي هذا المعنى قال الشاعر ،يمدح
رسول ال صلى ال عليه وسلم:
يا أوسط الناس طرا في مفاخرهم ...وأكرم الناس أما برةً وأبا
وأفردت الصلة الوسطى بالذكر تشريفا لها.
( )1/228
-7بيان صلة الخائف من عدو وغيره وأنه يجوز له أن يصلي وهو ماش أو راكب.
-8المر بملزمة ذكر ال ،والشكر على نعمه وبخاصة نعمة العلم بالسلم.
ح ْولِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَ َرجْنَ
ج ِهمْ مَتَاعاِ 1إلَى ا ْل َ
{وَالّذِينَ يُ َت َوفّوْنَ مِ ْنكُ ْم وَيَذَرُونَ أَ ْزوَاجا َوصِيّةً لَزْوَا ِ
طّلقَاتِ مَتَاعٌ
حكِيمٌ( )240وَلِ ْلمُ َ
سهِنّ مِنْ َمعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌَ 2
فَل جُنَاحَ عَلَ ْي ُكمْ فِي مَا َفعَلْنَ فِي أَ ْنفُ ِ
حقّا عَلَى ا ْلمُ ّتقِينَ( )241كَذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ َلكُمْ آيَاتِهِ َلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ(})242
بِا ْل َمعْرُوفِ َ
شرح الكلمات:
ح ْولِ} :العام.
{ا ْل َ
{فَإِنْ خَرَجْنَ} :من بيت الزوج المتوفي قبل نهاية السنة.
{مَتَاعٌ بِا ْل َمعْرُوفِ} :أي متعة ل مبالغة فيها ،ول تقصير.
حقّا} :متعينا على المطلقين التقياء.
{َ
معنى اليات:
ما زال السياق في بيان حقوق النساء المطلقات والمتوفى عنهن ففي هذه الية( )240يخبر تعالى
أن الذين يتوفون من المؤمنين ويتركون أزواجا فإن لهن من ال تعالى وصية على ورثة الزوج
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المتوفى أن ينفذوها وهي أن يسمحوا لزوجة المتوفى عنها أن تبقى معهم في البيت تأكل وتشرب
إلى نهاية السنة بما فيها مدة العدة وهي أربعة أشهر وعشر ليال إل إذا رغبت في الخروج بعد
انقضاء العدة فلها ذلك ،هذا معنى قوله تعالى{ :وَالّذِينَ 3يُ َت َو ّفوْنَ مِ ْنكُمْ
__________
1المراد بالمتاع هنا :هو السكنى في بيت زوجها المتوفى عنها إن كان له سكنى يملكها.
حكِيمٌ} إشارة إلى وجوب تنفيذ وصية ال تعالى؛ لنه غالب على
2في قوله تعالى{ :وَاللّهُ عَزِيزٌ َ
أمره قاهر لعباده فكيف يخرجون عن طاعته ،والحكيم ل يعترض عليه بل يسلم المر إليه رزقنا
ال طاعته بالسلم إليه ظاهرا وباطنا.
3اختلف في توجيه هذه الية فمن قائل :بنسخها وأن الناسخ لها الية التي قبلها{ :وَالّذِينَ يُ َت َو ّفوْنَ
شهُ ٍر وَعَشْرا} ،ومن قائل :بنسختها آية المواريث،
سهِنّ أَرْ َبعَةَ أَ ْ
مِ ْنكُ ْم وَيَذَرُونَ أَ ْزوَاجا يَتَرَ ّبصْنَ بِأَ ْنفُ ِ
إذ المتوفى عنها إن لم يكن للزوج ولد الربع من التركة ،ومن قائل :وهو مجاهد ورجحه ابن
جرير الطبري بعدم النسخ وأنه رحمة بالمؤمنة المتوفى عنها زوجها إذا أتمت عدة الوفاة أربعة
أشهر وعشرا يسمح لها بالبقاء في بيت زوجها الهالك إلى نهاية السنة ،وهذا حسب اختيارها
ورغبتها فكانت هذه الوصية وصية رحمة مندوبا إليها ،وهذا الذي رجحته في تفسير الية
فليتأمل.
( )1/229
ح ْولِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَل جُنَاحَ عَلَ ْي ُكمْ فِي مَا
جهِمْ مَتَاعا إِلَى ا ْل َ
وَيَذَرُونَ أَ ْزوَاجا َوصِيّ ًة لَ ْزوَا ِ
حكِيمٌ} وقوله فل جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن تقدم
سهِنّ مِنْ َمعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ َ
َفعَلْنَ فِي أَ ْنفُ ِ
معناه ،وهو أن للمعتدة إذا انقضت عدتها أن تتزين وتمس الطيب وتتعرض للخطاب لتتزوج .وما
حكِيمٌ} إشارة إلى أن هذه الوصية قد شرعها عزيز حكيم فهي متعينة
ختمت به الية{ :وَاللّهُ عَزِيزٌ َ
التحقيق والتنفيذ.
حقّا عَلَى ا ْلمُ ّتقِينَ} ففيها حكم آخر وهو أن
وأما الية الثانية({ )241وَلِ ْلمُطَّلقَاتِ مَتَاعٌ بِا ْل َمعْرُوفِ َ
المطلقة المبني بها على مطلقها أن يمتعها بشيء من المال كثياب أو دابة أو خادمة ،وعليه
فالمطلقة قبل البناء وقبل تسمية المهر لها المتعة واجبة لها إذ ليس لها سواها ،والمطلقة قبل البناء
وقد سمى لها المهر فإن لها نصف المهر ل غير ،والمطلقة بعد البناء وهي هذه المقصودة في هذه
الية لها متعة بالمعروف سواء قيل بالوجوب أو الستحباب 1؛ لنها لها المهر كاملً.
وقوله تعالى في الية الثالثة({ )242كَذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ َلكُمْ آيَاتِهِ َلعَّل ُكمْ َت ْعقِلُونَ} معناه كهذا التبيين
لحكام الطلق والخلع والرضاع والعدد والمنع يبين تعالى لنا آياته المتضمنة أحكام شرعه لنعقلها
ونعمل بها فنكمل عليها ونسعد في الحياتين الدنيا والخرة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هداية اليات
من هداية اليات:
-1البقاء على المعتدة عدة وفاة في بيت الهالك سنة إن طابت نفسها بذلك وذلك بعد انقضاء
العدة الواجبة ،فالزائد وهو سبعة أشهر وعشرون يوما في هذه الوصية إل أن جمهور أهل العلم
يقولون بنسخ هذه الوصية ،وعدم القول بالنسخ أولى ،لختلفهم في الناسخ لها .2
-2حق 3المطلقة المدخول بها في المتعة بالمعروف
-3منة ال على هذه المة ببيان الحكام لها لتسعد بها وتكمل عليها ،فلله الحمد والشكر.
__________
1تقدم مثل هذا البيان في اليات السابقة تحت رقم صفحة 227من نهر الخير.
2رجح هذا القول شيخ السلم أحمد ابن تيمية ،ومال إليه تلميذه :ابن القيم ،ولم يفصح عنه.
3أي :تقرير حق المتعة للمدخول بها على سبيل السنية والستحباب كما تقدمت في النهر.
( )1/230
حذَرَ ا ْل َم ْوتِ فَقَالَ َلهُمُ اللّهُ مُوتُوا 1ثُمّ أَحْيَا ُهمْ إِنّ
{أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ خَ َرجُوا مِنْ دِيَارِ ِه ْم وَهُمْ ُألُوفٌ َ
شكُرُونَ(َ )243وقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَاعَْلمُوا أَنّ
ضلٍ عَلَى النّاسِ وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل يَ ْ
اللّهَ لَذُو َف ْ
ضعَافا كَثِي َر ًة وَاللّهُ َيقْ ِبضُ
عفَهُ لَهُ َأ ْ
سمِيعٌ عَلِيمٌ( )244مَنْ ذَا الّذِي ُيقْ ِرضُ اللّهَ قَرْضا حَسَنا فَ ُيضَا ِ
اللّهَ َ
جعُونَ(})245
ط وَإِلَ ْيهِ تُرْ َ
وَيَبْسُ ُ
شرح الكلمات:
{أََلمْ تَرَ} :ألم ينته إلى علمك ...فالرؤية قلبية والستفهام للتعجب.
{أُلُوفٌ} :جمع ألف ،وهي صيغة كثرة فهم إذا عشرات اللوف.
{فِي سَبِيلِ اللّهِ} :الطريق الموصل إلى مرضاته وهو طاعته بامتثال أمره واجتناب نهيه ومن ذلك
جهاد الكفار والظالمين حتى ل تكون فتنة.
{ ُيقْ ِرضُ اللّهَ} :يقتطع شيئا من ماله وينفقه في الجهاد لشراء السلح وتسيير المجاهدين.
{ َيقْ ِبضُ وَيَبْسُطُ} :يضيق ويبسط يوسع ،يقبض ابتلء ،ويبسط امتحانا.
معنى اليات:
يخاطب ال تعالى رسوله صلى ال عليه وسلم فيقول :ألم ينته إلى علمك قصة الذين خرجوا من
ديارهم فرارا من الموت وهم ألوف ،وهم أهل مدينة من مدن 2بني إسرائيل أصابها ال تعالى
بمرض 3الطاعون ففروا هاربين من الموت فأماتهم ال عن آخرهم ثم أحياهم بدعوة نبيهم حزقيل
عليه السلم ،فهل أنجاهم فرارهم من الموت ،فكذلك من يفر من القتال هل ينجيه فراره من
__________
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
1هذا المر أمر تكويني ل شرعي تعبدي.
2ذكر القرطبي أن اسم هذه القرية" :داوردان" وهي من نواحي شرق واسط بينهما فرسخ (معجم
ياقوت).
3روى الترمذي وصححه أن النبي صلى ال عليه وسلم ذكر الطاعون فقال" :بقيت رجز أو
عذاب أرسل على طائفة من بني إسرائيل فإذا وقع بأرض وأنتم بها فل تخرجوا منها ،وإذا وقع
بأرض ولستم بها فل تهبطوا عليها" .قلت :هذا ما يعرف الن بالحجر الصحي.
( )1/231
الموت؟ والجواب :ل ،وإذا فلم الفرار من الجهاد إذا تعين؟ وفي تأديب تلك الجماعة بإماتتها ثم
بإحيائها فضل من ال عليها عظيم ،ولكن أكثر الناس ل يشكرون .وإذا فقاتلوا أيها المسلمون في
سبيل 1ال ول تتأخروا متى دعيتم إلى الجهاد بالنفس والمال ،واعلموا أن ال سميع لقوالكم عليم
بنياتكم وأعمالكم فاحذروه ،ثم فتح تعالى باب الكتتاب المالي للجهاد فقال{ :مَنْ ذَا الّذِي ُ 2يقْ ِرضُ
اللّهَ قَرْضا حَسَنا} ل شائبة شرك فيه لحد والنفس طيبة به فإن ال تعالى يضاعفه له أضعافا
كثيرة الدرهم بسبعمائة درهم فأنفقوا أيها المؤمنون في سبيل إعلء كلمة ال ،ول تخافوا الفقر فإن
ربكم يقبض ويبسط :يضيق على العبد ابتلء ويوسع امتحانا ،فمنعكم النفاق في سبيل ال ل يغير
من تدبير ال شيئا.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1إذا نزل الوباء ببلد ل يجوز الخروج فرارا منه ،بهذا ثبتت السنة.
-2وجوب ذكر النعم وشكرها.
-3وجوب القتال في سبيل ال إذا تعين.
-4فضل النفاق في سبيل ال.
-5بيان الحكمة في تضييق ال على العبد رزقه ،وتوسيعه ،وهو البتلء لجل الصبر والمتحان
لجل الشكر ،فيالخيبة من لم يصبر ،عند التضييق عليه ،ولم يشكر عند التوسعة له.
{ أََلمْ تَرَ إِلَى ا ْلمَلِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ َب ْعدِ مُوسَى ِإذْ قَالُوا لِنَ ِبيّ َلهُمُ ا ْب َعثْ لَنَا مَلِكا ُنقَا ِتلْ فِي سَبِيلِ
عسَيْتُمْ إِنْ كُ ِتبَ عَلَ ْيكُمُ ا ْلقِتَالُ أَل ُتقَاتِلُوا قَالُوا َومَا لَنَا أَل ُنقَا ِتلَ فِي سَبِيلِ اللّ ِه َوقَدْ
اللّهِ قَالَ َهلْ َ
أُخْ ِرجْنَا
__________
1القتال في سبيل ال :هو ما كان لعلء كلمة ال تعالى.
2الستفهام هنا للتخصيص والتهييج على النفاق في سبيل ال.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/232
مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فََلمّا كُ ِتبَ عَلَ ْيهِمُ ا ْلقِتَالُ َتوَّلوْا إِل قَلِيلً مِ ْن ُه ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظّاِلمِينَ(َ )246وقَالَ َل ُهمْ
حقّ بِا ْلمُ ْلكِ مِنْ ُه وَلَمْ
نَبِ ّيهُمْ إِنّ اللّهَ قَدْ َب َعثَ َل ُكمْ طَالُوتَ مَلِكا قَالُوا أَنّى َيكُونُ َلهُ ا ْلمُ ْلكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَ َ
س ِم وَاللّهُ ُيؤْتِي مُ ْلكَهُ مَنْ
سطَةً فِي ا ْلعِ ْل ِم وَالْجِ ْ
طفَاهُ عَلَ ْي ُك ْم وَزَا َدهُ بَ ْ
صَسعَةً مِنَ ا ْلمَالِ قَالَ إِنّ اللّهَ ا ْ
ُي ْؤتَ َ
علِيمٌ(})247
يَشَاءُ وَاللّ ُه وَاسِعٌ َ
شرح الكلمات:
{ا ْلمَلِ} :أشراف الناس من أهل الحل والعقد بينهم إذا نظر المرء إليهم ملوا عينه رواء وقلبه
هيبة.
عسى :كلمة توقع وترج.
{كُ ِتبَ} :فرض ولزم.
{مَلِكا} :يسوسهم في السلم والحرب.
{أَنّى َيكُونُ} :الستفهام للنكار بمعنى كيف يكون له الملك.
طفَاهُ} :فضله عليكم واختاره لكم.
{اصْ َ
بسطة في الجسم :أي طولً زائدا يعلو به من عداه.
معنى اليات:
لقد فرض ال تعالى على المؤمنين القتال ،ودارت رحى المعارك بداية من معركة بدر وكان لبد
من المال والرجال البطال الشجعان ،فاقتضى هذا الموقف شحذ الهمم وإلهاب المشاعر لتقوى
الجماعة المسلمة بالمدينة على مواجهة حرب العرب والعجم معا ،ومن هنا لمطاردة الجبن والبخل
وهما من شر الصفات في الرجال ذكر تعالى حادثة الفارين من الموت
( )1/233
التاركين ديارهم لغيرهم كيف أماتهم ال ولم ينجيهم فرارهم ،ثم أحياهم ليكون ذلك عبرة لهم
ولغيرهم ،فالفرار من الموت ل يجدي الصبر والصمود حتى النصر ،ثم أمر تعالى المؤمنين بعد
أن أخذ ذلك المنظر من نفوسهم مأخذه فقالَ { :وقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ} ،ولما كان المال المقدم في
القتال فتح ال لهم اكتتابا ماليا وضاعف لهم الربح في القرض بشرط خلوصه وطيب النفس به ،ثم
قدم لهم هذا العرض التفصيلي لحادثة أخرى تمنل في ثناياها العظات والعبر لمن هو في موقف
المسلمين الذين يحاربهم البيض والحمر وبل هوادة وعلى طول الزمن فقال تعالى وهو يخاطبهم
في شخص نبيهم صلى ال عليه وسلم{ :أَلَمْ تَرَ إِلَى ا ْلمَلِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ َبعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لِنَ ِبيَّ 1لهُمُ ا ْب َعثْ لَنَا مَلِكا ُنقَا ِتلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ} يريد ألم ينته إلى علمك بإخبارنا إياك قول أشراف
بني إسرائيل –بعد وفادة موسى -لنبي لهم ابعث لنا 2ملكا نقاتل في سبيل ال فنطرد أعداءنا من
بلدنا ونسترد سيادتنا ونحكم شريعة ربنا .ونظرا إلى ضعفهم الروحي والبدني والمالي تخوف
عسَيْتُمْ إِنْ كُ ِتبَ عَلَ ْي ُكمُ ا ْلقِتَالُ} بتعيين الملك
النبي أن ل يكونوا صادقين فيما طالبوه به فقالَ { :هلَْ 3
القائد أن ل تقاتلوا!؟ فدفعتهم الحمية فقالوا :وما لنا أل نقاتل في سبيل الحال أنا قد أخرجنا من
ديارنا 4وأبنائنا ،وذلك أن العدو وهم البابليون لما غزوا فلسطين بعد أن فسق بنو إسرائيل
فتبرجت نساؤهم واستباحوا الزنى والربا وعطلوا الكتاب وأعرضوا عن هدى أنبيائهم فسلط ال
عليهم هذا العدو الجبار فشردهم فأصبحوا لجئين.وما كان من نبي ال شمويل إل أن بعث من
تلك الجماعات الميتة موتا معنويا رجلً منهم هو طالوت وقادهم فلما دنوا من المعركة جبنوا
عسَيْتُمْ إِنْ كُ ِتبَ
وتولى أكثرهم 5منهزمين قبل القتال ،وصدق نبيهم في فراسته إذ قال لهمَ { :هلْ َ
عَلَ ْيكُمُ ا ْلقِتَالُ أَل ُتقَاتِلُوا} .
__________
1هو شمويل بن بال بن علقمة ،هكذا ذكره القرطبي في تفسيره ،ويقال فيه :شمعون أيضا
ويعرف بابن العجوز؛ لن أمه كانت عجوزا فسألت ال الولد فوهبها إياه بعد عقم وكبر سن.
{ 2ا ْب َعثْ لَنَا مَلِكا ُنقَاتِلْ }..فيه دليل على أن الجهاد لعلء كلمة ال لبد له من إمام تجتمع عليه
كلمة المة وأيما جهاد يخلو من إمامة شرعية يقاتل تحت رايتها فعاقبتها خسر ،وشاهد هذا حال
المسلمين اليوم فقد قاتلوا الستعمار تحت شعار الحزاب فلما انتصروا خسروا كل شيء حتى
دينهم.
3عسيتم :بكسر السين ،وعسيتم بفتح السين ،وهما قراءتان سبعيتان .الولى لنافع ،والثانية
لحفص.
4أن الخروج من الوطن صعب على النفوس البشرية ،وهذا رسول ال صلى ال عليه وسلم عند
خروجه من مكة قال" :إني أعلم أنك أحب البلد إلى ال ولول أن قومك أخرجوني ما خرجت" ،
ويقول" :اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أكثر" .
5ولذا نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم أمته عن تمني لقاء العدو فقال" :ل تتمنوا لقاء العدو
وسلوا ال العافية فإذا لقيتموه فاثبتوا" .
( )1/234
هذا ما تضمنته الية الولى( )246من هذا القصص أما الية الثانية( )247فقد تضمنت اعتراض
مل بني إسرائيل على تعيين طالوت ملكا عليهم بحجة أنه فقير من أسرة غير شريفة ،وأنهم أحق
علَ ْيكُ ْم وَزَا َدهُ َبسْطَةً فِي ا ْلعِ ْلمِ
طفَاهُ َ
بهذا المنصب منه ،ورد عليهم حجتهم الباطلة بقوله{ :إِنّ اللّهَ اصْ َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
علِيمٌ} .كان هذا رد شمويل على قول المل{ :أَنّى
1وَا ْلجِسْمِ وَاللّهُ ُيؤْتِي مُ ْل َكهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللّ ُه وَاسِعٌ َ
سعَةً مِنَ ا ْلمَالِ} .وكأنهم لما دمغتهم الحجة
حقّ بِا ْلمُ ْلكِ مِنْهُ2وَلَمْ ُي ْؤتَ َ
َيكُونُ َلهُ ا ْلمُ ْلكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَ َ
وهي أن ال تعالى قد اختار طالوت وفضله عليهم بهذا الختيار وأهله للولية بما أعطاه وزاده
من العلم وقوة الجسم ،والقيادات القتالية تعتمد على غزارة العلم وقوة البدن بسلمة الحواس
وشجاعة العقل والقلب أقول كأنهم لما بطل اعتراضهم ورضوا بطالوت على عادة بني إسرائيل
في التعنت طالبوا بآية تدل على أن ال حقا اختاره لقيادتهم فقال لهم إلخ وهي الية( )248التية.
سكِينَةٌ مِنْ رَ ّب ُك ْم وَبَقِيّةٌ ِممّا تَ َركَ آلُ مُوسَى وَآلُ
{ َوقَالَ َلهُمْ نَبِ ّيهُمْ إِنّ آيَةَ مُ ْلكِهِ أَنْ يَأْتِ َيكُمُ التّابُوتُ فِيهِ َ
ك ليَةً َلكُمْ إِنْ كُنْتُمْ ُمؤْمِنِينَ(})248
حمُِلهُ ا ْلمَل ِئكَةُ إِنّ فِي ذَِل َ
هَارُونَ تَ ْ
شرح الكلمات:
{نَبِ ّيهُمْ} :شمويل.
{آيَةَ مُ ْلكِهِ} :علمة أن ال تعالى ملكه عليكم.
{التّابُوتُ} :صندوق خشبي فيه بقية من آثار آل موسى وآل هارون.
سكِي َنةٌ} :طمأنينة القلب وهدوء نفسي.
{َ
__________
1في تقديم العلم على الجسم إشارة إلى أن إمامة الجاهل وقيادته ل خير فيها ،والمراد من العلم
علم الشرائع وهي تتناول السلم والحرب فلذا هو كامل الهلية وحسبه اصطفاء ال تعالى واختياره
له.
2لن الملك في سبط يهوذا والنبوة في بني لوي ،وطالوت من سبط بنيامين فما هو من سبط
الملك ول في بني لوي أهل النبوة.
( )1/235
{وَ َبقِيّةٌ} :بقية الشيء ما تبقى منه بعد ذهاب أكثره وهي هنا رضاض من اللواح التي تكسرت،
وعصا موسى وشيء من آثار أنبيائهم.
حمِلُهُ ا ْلمَل ِئكَةُ} :من أرض العمالقة فتضعه بين يدي بني إسرائيل في مخيماتهم.
{ َت ْ
{إِنّ فِي َذِلكَ ليَةً َلكُمْ} :أي في إتيان التابوت الذي أخذه العدو بالقوة منكم في رده إليكم علمة
قوية على اختيار ال تعالى لطالوت ملكا عليكم.
معنى الية الكريمة:
قد أصبح بشرح الكلمات معنى الية واضحا وخلصته أن شمويل النبي أعلمهم أن آية تمليك ال
تعالى لطالوت عليهم أن يأتيهم التابوت المخصوب منهم وهو رمز تجمعهم واتحادهم ومصدر
استمداد قوة معنوياتهم لما حواه من آثار آل موسى وآل هارون؛ كرضاض اللواح ،وعصا
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
موسى ونعله وعمامة هارون وشيء من المن الذي كان ينزل عليهم في التيه ،فكان هذا التابوت
بمثابة الراية يقاتلون تحتها فإنهم إذا خرجوا للقتال حملوه معهم إلى داخل المعركة ول يزالون
يقاتلون ما بقي التابوت بأيديهم لم يغلبهم عليه عدوهم ،ومن هنا وهم يتحفزون للقتال جعل ال
تعالى لهم إتيان 1التابوت آية على تمليك طالوت عليهم وفي نفس الوقت يحملونه معهم في قتالهم
فتسكن 2به قلوبهم وتهدأ نفوسهم فيقاتلون وينتصرون بإذن ال تعالى" ،أما كيفية حمل الملئكة
للتابوت فإن الخبار تقول إن العمالقة تشاءموا بالتابوت عندهم إذا ابتلوا بمرض البواسير وبآفات
زراعية وغيرها ففكروا في أن يردوا هذا التابوت لنبي إسرائيل وساق ال أقدارا لقدار ،فجعلوه
في عربة يجرها بقرتان أو فرسان ووجهوها إلى جهة منازل بني إسرائيل فمشت العربة فساقتها
3الملئكة حتى وصلت بها إلى منازل بني
__________
1نسبة التيان إلى التابوت أسلوب عربي ،نحو" :عزم المر" .و"جدار يريد أن ينقض" وال في
التابوت للعهد فهو معروف لهم معهود عندهم ،وقيل :طوله ثلثة أذرع وعرضه ذراعان ،وهو
من خشب تعمل منه المشاط يقال له الشمشار وعليه صفائح الذهب.
2السكينة :قال فيها مجاهد إنها حيوان كالهر له جناحان وذنب ولعينه شعاع إلى آخر ما قال،
والصحيح ما في التفسير ويؤيده قول ابن عطية ،إذ قال" :والصحيح أن التابوت كانت فيه أشياء
فاضلة من بقايا النبياء وأثارهم فكانت النفوس تسكن إلى ذلك وتأنس به وتقوى إلى أنه صح عن
نبينا صلى ال عليه وسلم أن السكينة تكون ملكا كما في حديث مسلم :إذ كان رجل يقرأ سورة
الكهف وعنده فرس مربوط فغشيته سحابة فجعلت تدور وتدنو وجعل الفرس منها فلما أصبح أخبر
الرسول صلى ال عليه وسلم بذلك ،فلما قال" :تلك السكينة نزلت للقرآن" .وتكون السكينة
بمعناها :وهو السكون كما في حديث مسلم" :إل نزلت عليهم السكينة ،وحفتهم الملئكة" .الحديث.
3هكذا تقول الروايات على أن حمل الملئكة كان يدفع العربة والسير بها إلى ديار بني إسرائيل
ول مانع من حمل الية على ظاهرها وهو أن الملئكة أخذت التابوت وحملته إلى بني إسرائيل
وهو الظاهر.
( )1/236
إسرائيل" فكانت آية وأعظم آية ،وقبل بنو إسرائيل بقيادة طالوت ،وباسم ال تعالى قادهم في الية
التالية( )249بيان السير إلى ساحات القتال.
ط َعمْهُ
صلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنّ اللّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِ َنهَرٍ َفمَنْ شَ ِربَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنّي َ 1ومَنْ َلمْ يَ ْ
{فََلمّا َف َ
فَإِنّهُ مِنّي إِل مَنِ اغْتَ َرفَ غُ ْر َفةً بِيَ ِدهِ َفشَرِبُوا مِ ْنهُ إِل قَلِيلً مِ ْنهُمْ فََلمّا جَاوَ َزهُ ُه َو وَالّذِينَ آمَنُوا َمعَهُ
ت وَجُنُو ِدهِ قَالَ الّذِينَ يَظُنّونَ 2أَ ّنهُمْ مُلقُو اللّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَ َبتْ
قَالُوا ل طَاقَةَ لَنَا الْ َيوْمَ بِجَالُو َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فِئَةً كَثِي َرةً بِإِذْنِ اللّ ِه وَاللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ(})249
شرح الكلمات:
صلَ طَالُوتُ} : 3انفصل من الديار وخرج يريد العدو.
{ َف َ
{بِا ْلجُنُودِ} : 4العسكر وتعداده –كما قيل :سبعون ألف مقاتل.
{مُبْتَلِيكُمْ بِ َنهَرٍ} :مختبركم بنهر جار لعل هو نهر الردن الن.
ط َعمْهُ} :لم يشرب منه.
{ َومَنْ لَمْ َي ْ
{غُ ْرفَةً} : 5الغرفة بالفتح المرة ،وبالضم السم من الغتراف.
{وَالّذِينَ آمَنُوا َمعَهُ} :هم الذين لم يشربوا من النهر ،أما من شرب فقد كفر وأشرك.
__________
1أي :ليس من أصحابي في هذه الحرب ول من جندي الذين أقاتل بهم ولم يرد خروجه من
اليمان وهو كقول الرسول صلى ال عليه وسلم" :من غش فليس منا" " ،ومن رغب عن سنتي
فليس مني" ،فإنه ل يعني كفره.
2الظن هنا :بمعنى اليقين ،أو يكون الظن على بابه وليس هو في لقاء ال تعالى وإنما هو في
الموت في هذه الحرب هل يقتلون فيلقون ال أو لم يقتلوا.
طفَاهُ عَلَ ْيكُمْ} وبقوله{ :إِنّ اللّهَ
3هل كان طالوت نبيا؟ يستدل على نبوته بقوله تعالى{ :إِنّ اللّهَ اصْ َ
مُبْتَلِيكُمْ بِ َنهَرٍ} وال أعلم وعلى كل فهو عبد صالح.
4لفظ الجند وجمعه :جنود وأجناد ،مشتق من الجند الذي هو غليظ الرض ،إذ الجنود يعتصم
بعضهم ببعض فيقوون ويغلظون على عدوهم.
5الغرفة بالضمة :اسم ل يعرف كالكلة ،اسم لما يؤكل ،والغرفة أيضا :البناء العالي ،والجمع:
غرف.
( )1/237
{أَ ّنهُمْ مُلقُو اللّهِ} :أي :يوم القيامة فهم يؤمنون بالبعث الخر.
{كَمْ مِنْ فِئَةٍ} :كم للتكثير ،والفئة :الجماعة يفيء بعضها إلى بعض.
{وَاللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ} :يسددهم ويعينهم وينصرهم.
معنى الية:
إنه لما خرج طالوت بالجيش أخبرهم أن ال تعالى مختبرهم في سيرهم هذا إلى قتال عدوهم بنهر
ينتهون إليه وهم في حر شديد وعطش شديد ،ولم يأذن لهم في الشرب منه إل ما كان من غرفة
واحدة ،فمن أطاع ولم يشرب فهو المؤمن ،ومن عصى وشرب بغير المأذون به فهو الكافر ولما
وصلوا إلى النهر شربوا منه يكرعون؛ كالبهائم إل قليلً منهم .وواصل طالوت السير فجاوز النهر
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وهو ومن معه ،ولما كانوا على مقربة من جيش العدو وكان قرابة مائة ألف قال الكافرون
والمنافقون{ :ل طَاقَةَ لَنَا الْ َيوْمَ ِبجَالُوتَ َوجُنُو ِدهِ} فأعلنوا انهزامهم ،وانصرفوا فارين ،وقال
المؤمنون الصادقون وهم الذين قال ال فيهم{ :قَالَ الّذِينَ َيظُنّونَ أَ ّنهُمْ مُلقُو اللّهِ َكمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيَلةٍ
غَلَ َبتْ فِئَةً كَثِي َرةً بِإِذْنِ اللّ ِه وَاللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ} كانت هذه الية في بيان سير طالوت إلى العدو،
وفي اليتين التاليتين(250و )251بيان المعركة وما انتهت إليه من نصر حاسم للمؤمنين
الصادقين قال تعالى:
{وََلمّا بَرَزُوا ِ 1لجَالُوتَ وَجُنُو ِدهِ قَالُوا رَبّنَا َ 2أفْ ِرغْ عَلَيْنَا صَبْرا وَثَ ّبتْ َأقْدَامَنَا وَا ْنصُرْنَا عَلَى ا ْل َقوْمِ
ح ْكمَ َة وَعَّلمَهُ ِممّا يَشَاءُ
ا ْلكَافِرِينَ(َ )250فهَ َزمُوهُمْ 3بِإِذْنِ اللّ ِه َوقَ َتلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ ا ْلمُ ْلكَ وَا ْل ِ
ضهُمْ
وََلوْل َدفْعُ اللّهِ النّاسَ َب ْع َ
__________
1البراز :المكان الفسيح في الرض والمتسع منها والمتبرز الذاهب في البراز وكانوا يخرجون
لقضاء الحاجة في البراز فأطلق لفظ :البراز على ما يحل فيه ،وهو :العذرة.
2فيه مشروعية الدعاء في مثل هذا الموقف ،وقد دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم في بدر
حتى سقط ردائه ،وكان إذا لقى العدو قال" :اللهم بك أصول وبك أجول" ويقول" :اللهم إني أعوذ
بك من شرورهم وأجعلك في نحورهم" .وعلم أصحابه ذلك.
3الهزم :الكسر ،ومنه قولهم :سقاء متهزم ،إذا أثنى بعضه على بعض مع الجفاف ،وقيل في
زمزم :هزمه جبريل ،أي :هزمها جبريل برجله ،فتكسرت الرض وخرج الماء.
( )1/238
علَى ا ْلعَاَلمِينَ( )251تِ ْلكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَ ْيكَ بِا ْلحَقّ
ضلٍ َ
بِ َب ْعضٍ َلفَسَ َدتِ الَ ْرضُ وََلكِنّ اللّهَ ذُو َف ْ
وَإِ ّنكَ َلمِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ(})252
شرح الكلمات:
{بَرَزُوا ِلجَالُوتَ} :ظهروا في ميدان المعركة وجالوت قائد قوات العمالقة.
{َأفْ ِرغْ عَلَيْنَا صَبْرا} :أصبب الصبر في قلوبنا صبا حتى تمتلئ فلم يبقى للخوف والجزع موضع.
{وَثَ ّبتْ َأقْدَامَنَا} :في أرض المعركة حتى ل ننهزم وذلك بتقوية قلوبنا والشد من عزائمنا.
{دَاوُدُ} :هو نبي ال ورسوله داود ،وكان يومئذ غير نبي 1ول رسول في جيش طالوت.
ح ْكمَةَ} :كان ذلك بعد موت شمويل النبي وموت طالوت الملك.
ك وَالْ ِ
{وَآتَاهُ اللّهُ ا ْلمُ ْل َ
{وَعَّلمَهُ ِممّا يَشَاءُ} :فعلمه صنعة الدروع ،وفهم منطق الطير هو وولده سليمان عليهما السلم.
ت الَ ْرضُ} :وذلك بغلبة أهل الشرك على أهل التوحيد ،وأهل الكفر على أهل اليمان.
{َلفَسَ َد ِ
معنى اليات:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لما التقى الجيشان جيش اليمان وجيش الكفر طالب جالوت بالمبارزة فخرج 2له داود من جيش
طالوت فقتله والتحم الجيشان فنصر ال جيش طالوت وكان عدد أفراده ثلثمائة وأربعة عشر
مقاتلً ل غير لقول الرسول صلى ال عليه وسلم لهل بدر" :إنكم على عدة أصحاب طالوت"
وكانوا ثلثمائة وأربعة عشر رجلً فهزم ال جيش الباطل على كثرته ونصر جيش الحق على
قلته .وهنا ظهر كوكب داود في الفق بقتله رأس الشر جالوت فمن ال عليه بالنبوة والملك بعد
موت
__________
1أي :لم ينبأ بعد ولم يرسل ،إذ الرسل ينبئون ويرسلون غالبا في سن الربعين.
2لم يقص ال تعالى علينا شيئا عن كيفية قتل داود لجالوت لعدم الفائدة الكبيرة منها ،وخلصتها
كما يلي :كان والد داود في جيش طالوت وله ستة أبناء معه ،واسمه :إيشا ،وكان داود أصغرهم
وكان يرعى الغنم ،وكان لنبيهم درع وأوحى ال أن من استوت عليه درعه هو الذي يقاتل جالوت
فاستوت على داود وقبل البراز ،قال طالوت :من قتل جالوت أشاطره ملكي وأزوجه ابنتي وكان
داود قد مر بحجر فناداه أن خذني يا داود وقاتل بي فجعله في مخلته واحتفظ به ،فلما برز
لجالوت جعل الحجر في مقلعه وكان راميا فرمى جالوت فقتله .وهذه بداية أمره عليه السلم.
( )1/239
ح ْكمَةَ1
ك وَالْ ِ
ت وَآتَاهُ اللّهُ ا ْلمُ ْل َ
كل من النبي شمويل والملك طالوت قال تعالىَ { :وقَ َتلَ دَا ُودُ جَالُو َ
وَعَّلمَهُ ِممّا يَشَاءُ} .
ضهُمْ بِ َب ْعضٍ}
وختم ال القصة ذات العبر والعظات العظيمة بقوله{ :وََلوْل َد ْفعُ اللّهِ النّاسَ َب ْع َ
بالجهاد 2والقتال ،لستولى أهل الكفر وأفسدوا الرض بالظلم والشرك والمعاصي ،ولكن ال
تعالى بتدبيره الحكيم يسلط بعضا على بعض ،ويدفع بعضا ببعض منة منه وفضلً .كما قال عز
ضلٍ عَلَى ا ْلعَاَلمِينَ} .
وجل{ :وََلكِنّ اللّهَ ذُو َف ْ
ثم التفت إلى رسوله محمد صلى ال عليه وسلم وقال له تقريرا لنبوته وعلو مكانته{ :تِ ْلكَ آيَاتُ
ق وَإِ ّنكَ َلمِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ} صلى ال عليه وسلم.
حّاللّهِ} التي تقدمت في هذا السياق {نَتْلُوهَا عَلَ ْيكَ بِالْ َ
هداية اليات
من هداية اليات:
-1الجهاد الشرعي يشترط له المام المبايع بيعة شرعية.
-2يشترط للولية الكفاءة وأهم خصائصها العلم ،وسلمة العقل والبدن.
-3جواز التبرك بآثار النبياء كعمامة النبي أو ثوبه أو نعله مثلً.
-4جواز اختبار أفراد الجيش لمعرفة مدى استعدادهم للقتال والصبر عليه.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-5فضيلة اليمان بلقاء ال ،وفضيلة الصبر على طاعة ال خاصة في معارك الجهاد في سبيل
ال.
-6بيان الحكمة في مشروعية الجهاد ،وهي دفع أهل الكفر والظلم بأهل اليمان والعدل ،لتنتظم
الحياة ويعمر الكون.
__________
1فسر ابن كثير الحكمة بالنبوة لقرينة الملك ،إذ جعله ال تعالى ملكا نبيا؛ كولده سليمان عليهما
السلم.
2وفي صحيح الحديث" :وهل تنصرون وترزقون إل بضعفائكم" وفيه معنى{ :وََلوْل َدفْعُ اللّهِ
ضهُمْ بِ َبعْض} ،وأورد ابن كثير أحاديث في هذا المعنى وضعفها.
النّاسَ َب ْع َ
* في قول طالوت في رقم 1من قتل جالوت :أشركه في ملكي وأزوجه ابنتي موجود نظيره في
السلم .إذ للمام أن يقول :من جاءني برأس فلن فله كذا ،ومن دخل حصن كذا فله كذا وكذا.
( )1/240
الجزء الثالث
ضهُمْ دَ َرجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ
ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ مِ ْنهُمْ مَنْ كَلّمَ اللّ ُه وَ َرفَعَ َب ْع َ
سلَُ 1فضّلْنَا َب ْع َ
{تِ ْلكَ الرّ ُ
ت وَأَيّدْنَاهُ بِرُوحِ ا ْلقُدُسِ وََلوْ شَاءَ اللّهُ مَا اقْتَ َتلَ الّذِينَ مِنْ َب ْعدِهِمْ مِنْ َب ْعدِ مَا جَاءَ ْتهُمُ
مَرْيَمَ الْبَيّنَا ِ
ن َومِ ْنهُمْ مَنْ َكفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلُوا وََلكِنّ اللّهَ َي ْف َعلُ مَا
ت وََلكِنِ اخْتََلفُوا َفمِ ْنهُمْ مَنْ آمَ َ
الْبَيّنَا ُ
يُرِيدُ( )253يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا أَ ْن ِفقُوا ِممّا رَ َزقْنَاكُمْ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ َيوْمٌ ل بَيْعٌ فِي ِه وَل خُلّ ٌة وَل
شفَاعَ ٌة وَا ْلكَافِرُونَ هُمُ الظّاِلمُونَ(})254
َ
شرح الكلمات:
سلُ} :أولئك الرسل الذين قص ال تعالى على رسوله بعضا منهم وأخبره أنه منهم في
{تِ ْلكَ الرّ ُ
قوله{ :وَإِ ّنكَ َلمِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ} .في الية قبل هذه.
{مَنْ كَلّمَ اللّهُ} :كموسى عليه السلم.
ضهُمْ دَرَجَاتٍ} :وهو محمد صلى ال عليه وسلم حيث فضله 2تفضيلً على سائر
{وَ َرفَعَ َب ْع َ
الرسل.
{الْبَيّنَاتِ} :المعجزات الدالة على صدق عيسى في نبوته ورسالته.
{بِرُوحِ ا ْلقُدُسِ} :جبريل عليه السلم كان يقف دائما إلى جانب عيسى يسدده ويقويه إلى أن رفعه
ال تعالى إليه.
{اقْتَتَلُوا} :قتل بعضهم بعضا.
{أَ ْن ِفقُوا ِممّا رَ َزقْنَاكُمْ} :النفقة الواجبة وهي الزكاة ،ونفقة التطوع المستحبة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
__________
1روى أحمد عن أبي ذر أنه سأل النبي صلى ال عليه وسلم قائلً :أي النبياء كان أول؟ قال:
"آدم" قلت :رسول ونبي كان؟ قال" :نعم نبي مكلم" ،قلت :يا رسول ال كم المرسلون؟ قال:
"ثلثمائة وبضعة عشر جما غفيرا" .
2شاهده قوله صلى ال عليه وسلم" :أنا سيد ولد آدم ول فخر" .ومع هذا زيادة في كماله قال" :ل
تفضلوني على موسى" ،وقال على يونس بن متى" :فصلى ال عليّه ما أرفع مقامه" .
( )1/241
{ل بَيْعٌ فِيهِ} : 1ل يشتري أحد نفسه بمال يدفعه فداء لنفسه من العذاب.
{وَل خُلّةٌ} :أي :صداقة تنفع صاحبها.
شفَاعَةٌ} :تقبل إل أن يأذن ال لمن يشاء ويرضى.
{وَل َ
{وَا ْلكَافِرُونَ} :بمنع الزكاة والحقوق الواجبة ل تعالى ولعباده هم الظالمون.
معنى اليتين:
بعد أن قص ال تبارك وتعالى على رسوله قصة مل بني إسرائيل في طلبهم نبيهم شمويل بأن
يعين لهم ملكا يقودهم إلى الجهاد ،وكانت القصة تحمل في ثناياها أحداثا من غير الممكن أن
يعلمها أمي مثل محمد صلى ال عليه وسلم بدون ما يتلقاها وحيا يوحيه ال تعالى إليه وختم
القصة بتقرير نبوته ورسالته بقوله{ :وَإِ ّنكَ َلمِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ} ،أخبر ال تعالى أن أولئك الرسل فضل
بعضهم على بعض ،منهم من فضله بتكليمه كموسى عليه السلم ،ومنهم من فضله بالخلة
كإبراهيم عليه السلم ،ومنهم من رفعه إليه وأدناه وناجاه وهو محمد صلى ال عليه وسلم ،ومنهم
من آتاه الملك 2والحكمة وعلمه صنعة الدروع كداود عليه السلم ،ومنهم من آتاه الملك والحكمة
وسخر له الجن وعلمه منطق الطير كسليمان عليه السلم ،ومنهم من آتاه البينات وأيده بروح
ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ 3مِ ْنهُمْ مَنْ كَلّمَ
سلُ َفضّلْنَا َب ْع َ
القدس وهو عيسى عليه السلم .فقال تعالى{ :تِ ْلكَ الرّ ُ
ضهُمْ دَرَجَاتٍ} كنبينا محمد صلى ال عليه وسلم إذ فضله بعموم رسالته وبختم
اللّ ُه وَ َرفَعَ َب ْع َ
النبوات بنبوته ،وبتفضيل أمته ،وبإدخاله الجنة في حياته قبل مماته ،وبتكليمه ومناجاته مع ما
خصه من الشفاعة يوم القيامة .ثم أخبر تعالى أنه لو يشاء هداية الناس لهداهم فلم يختلفوا بعد
رسلهم ولم يقتتلوا من بعد ما جائتهم البينات وذلك لعظيم قدرته ،وحرية إرادته فهو يفعل ما يشاء
ويحكم ما يريد .هذا بعض ما أفادته الية الولى( )253أما الية الثانية( )254فقد نادى ال تعالى
عباده المؤمنين وأمرهم بالنفاق في سبيل ال تقربا إليه وتزودا للقائه قبل يوم القيامة حيث ل
__________
شفَاعَةٌ} بالنصب من غير تنوين .وأنشد
1قرأ ابن كثير ،وأبو عمرو{ :ل بَيْعٌ فِي ِه وَل خُلّ ٌة وَل َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حسان ،وهو شاهد هذه القراءة:
أل طعان ول فرسان عادية ...أل تجشؤكم عند التنانير
يهجو ناسا فيصفهم بالقعود عن القتال وملزمة التنور للطعام.
2الحكمة هنا :هي النبوة كما تقدم عن ابن كثير في" :نهر الخير".
3هل يجوز للمسلم أن يقول مثل موسى أفضل من هارون ،أو إبراهيم أفضل من عيسى مثلً؟.
الجواب :ل .لقوله صلى ال عليه وسلم" :ل تخيروا بين النبياء ول تفضلوا بين أنبياء ال" ،أي:
ل تقولون فلن خير من فلن ،ول فلن أفضل من فلن .إذ نحن ل نقدر على التفضيل ،وإنما
يقدر عليه ال وحده ،إذ هو يهب ما يشاء لمن يشاء.
( )1/242
فداء ببيع وشراء ،ول صداقة تجدي ول شفاعة تنفع ،والكافرون بنعم ال وشرائعه هم الظالمون
المستوجبون 1للعذاب والحرمان والخسران.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1تفاضل الرسل فيما بينهم بحسب جهادهم وصبرهم وما أهلهم ال تعالى له من الكمال.
-2صفة الكلم ل تعالى حيث كلم موسى في الطور ،وكلم محمدا في الملكوت العلى.
-3الكفر واليمان والهداية والضلل ،والحرب والسلم كل ذلك تبع لمشيئته تعالى وحكمته.
-4ذم الختلف في الدين وأنه مصدر شقاء وعذاب.
-5وجوب النفاق في سبيل ال مما رزق ال تعالى عبده.
-6التحذير من الغفلة والخذ بأسباب النجاة يوم القيامة حيث ل فداء ول خلة تنفع ول شفاعة
ومن أقوى السباب اليمان والعمل الصالح وإنفاق المال تقربا إلى ال تعالى في الجهاد وغيره.
سمَاوَاتِ َومَا فِي الَ ْرضِ مَنْ ذَا
خ ُذهُ سِ َن ٌة وَل َنوْمٌ َلهُ مَا فِي ال ّ
حيّ ا ْلقَيّومُ ل تَأْ ُ
{اللّهُ ل 2إَِلهَ إِل ُهوَ الْ َ
شيْءٍ مِنْ عِ ْلمِهِ إِل ِبمَا شَاءَ
شفَعُ عِنْ َدهُ إِل بِإِذْ ِنهِ َيعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِ ْم َومَا خَ ْلفَهُمْ وَل يُحِيطُونَ بِ َ
الّذِي َي ْ
ظ ُهمَا وَ ُهوَ ا ْلعَِليّ ا ْل َعظِيمُ(})255
حفْ ُ
ض وَل َيؤُو ُدهُ ِ
ت وَالَرْ َ
سمَاوَا ِ
وَسِعَ كُرْسِيّهُ ال ّ
__________
1قال القرطبي عند هذه الية{ :وَا ْلكَافِرُونَ هُمُ الظّاِلمُونَ} أي :فكافحوهم بالقتال بالنفس وإنفاق
المال ،قال :وقال عطاء ابن دينار :الحمد ل الذي قال :الكافرون هم الظالمون ،ولم يقل الظالمون
هم الكافرون.
2صح أن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :يا أبا المنذر –أبي بن كعب -أتدري أي آية من كتاب
ال معك أعظم؟" قال :قلت ال ل إله إل هو الحي القيوم .فضرب في صدري وقال" :ليهنك العلم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يا أبا المنذر" .وروى أحمد" :أن آية الكرسي تعدل ربع القرآن وأن الزلزلة والكافرون والنصر
كل واحدة تعدل ربع القرآن ،وأن الصمد تعدل ثلث القرآن".
( )1/243
شرح الكلمات:
{اللّهُ} :علم على ذات الرب تبارك وتعالى.
{ل إِلَهَ إِل ُهوَ} :الله المعبود ،ول معبود بحق إل ال ،إذ هو الخالق الرازق المدبر بيده كل
شيء وإليه مصير كل شيء ،وما عداه من اللهة فعبادتها بدون حق فهي باطلة.
حيّ} : 1ذو الحياة العظيمة التي ل تكون لغيره تعالى وهي مستلزمة للقدرة والرادة والعلم
{ا ْل َ
والسمع والبصر والكلم.
{ا ْلقَيّومُ} : 2القائم بتدبير الملكوت كله علويه وسفليه ،القائم على كل نفس بما كسبت.
السّنة :النعاس يسبق النوم.
{كُرْسِيّهُ} :الكرسي :موضع القدمين ،ول يعلم كنهه إل ال تعالى.
{ َيؤُو ُدهُ} :يثقله ويشق عليه.
معنى الية الكريمة:
لما أخبر تعالى عن يوم القيامة وأنه يوم ل بيع فيه ول شفاعة وأن الكافرين هم الظالمون ،أخبر
عن جلله وكماله وعظيم سلطانه وأنه هو المعبود بحق وأن عبادته هي التي تنجي من أهوال يوم
حيّ
القيامة فقال { :اللّهُ ل 3إَِلهَ إِل ُهوَ} :أي :أنه ال المعبود بحق ول معبود بحق سواه{ .ا ْل َ
ا ْلقَيّومُ} الدائم الحياة التي لم تسبق بموت ولم يطرأ عليها موت .القيوم :العظيم القيومية على كل
شيء ،لول قيوميته على الخلئق ما استقام من أمر العوالم شيء {ل تَ ْأخُ ُذهُ سِ َن ٌة وَل َنوْمٌ : }4إذ
النعاس والنوم من صفات النقص وهو تعالى ذو الكمال المطلق .وهذه الجملة برهان على الجملة
قبلها ،إذ من ينعس وينام ل يتأتى له القيومية على
__________
1الحي :أصلها الحيي؛ كالحذر فحذفت كسرة الياء الولى فسكنت وأدغمت في الثانية فصارت
الحي ،والقيوم أصلها القيووم ،فقلبت الواو الولى ياء وأدغمت في الياء فصارت القيوم.
2روى الترمذي وقال حديث حسن صحيح" :إن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت :سمعت رسول
حيّ ا ْلقَيّومُ} ،و { الم اللّهُ
ال صلى ال عليه وسلم يقول " :في هاتين اليتين { :اللّهُ ل إِلَهَ إِل ُهوَ ا ْل َ
حيّ ا ْلقَيّومُ} ،إن فيهما اسم ال العظم " ورواه أبو داود ،أيضا.
ل إِلَهَ إِل ُهوَ ا ْل َ
3هذه آية الكرسي قال فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم" :من قرأ دبر كل صلة مكتوبة آية
الكرسي لم يمنعه من دخول الجنة إل أن يموت" رواه النسائي وغيره.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
4ورد في الصحيح عن أبي موسى قال" :قام فينا رسول ال صلى ال عليه وسلم بأربع كلمات
فقال :إن ال ل ينام ول ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل النهار قبل عمل
الليل ،وعمل الليل قبل عمل النهار ،وحجابه النور أو النار لو كشفه لحرقت سبحات وجهه ما
انتهى إليه بصره من خلقه" .
( )1/244
( )1/245
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شرح الكلمات:
{ل ِإكْرَاهَ فِي الدّينِ} :ل يكره المرء على الدخول في الدين ،1وإنما يعتنقه بإرادته واختياره.
{الرّشْدُ} : 2الهدى الموصل إلى السعاد والكمال.
{ا ْل َغيّ} :الضلل المفضي بالعبد إلى الشقاء والخسران.
{بِالطّاغُوتِ} : 3كل ما صرف عن عبادة ال تعالى من إنسان أو شيطان أو غيرهما.
{بِا ْلعُ ْر َوةِ ا ْلوُ ْثقَى} : 4ل إله إل ال محمد رسول ال.
{ل ا ْن ِفصَامَ َلهَا} :ل تنفك ول تنحل بحال من الحوال.
{اللّ ُه وَِليّ الّذِينَ آمَنُوا} :مُتوليهم بحفظه ونصره وتوفيقه.
{الظُّلمَاتِ} :ظلمات الجهل والكفر.
{النّورِ} :نور اليمان والعلم.
{َأوْلِيَاؤُهُمُ الطّاغُوتُ} :المتولون لهم الشياطين الذين زينوا لهم عبادة الوثان فأخرجوهم من
اليمان إلى الكفر ومن العلم إلى الجهل.
معنى اليتين:
يخبر ال تعالى بعد ذكر صفات جلله وكماله في آية الكرسي أنه ل إكراه في دينه ،وذلك حين
أراد بعض النصار إكراه من تهود أو تنصر من أولدهم على الدخول في دين السلم ،ولذا فإن
أهل الكتابين ومن شابههم تؤخذ منهم الجزية ويقرون على دينهم فل يخرجون منه إل باختيارهم
وإرادتهم الحرة ،أما الوثنيون والذين ل دين لهم سوى الشرك والكفر فيقاتلون حتى يدخلوا في
السلم إنقاذا لهم من الجهل والكفر وما لزمهم من الضلل والشقاء.
ثم أخبر تعالى أنه بإنزال كتابه وبعثه رسوله ونصر أولياءه قد تبين الهدى من الضلل والحق من
الباطل ،وعليه فمن يكفر بالطاغوت وهو الشيطان الذي زين عبادة الصنام ويؤمن بال فيشهد أن
ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال فقد استمسك 5من الدين بأمتن عروة وأوثقها ،ومن يصر
على الكفر بال واليمان بالطاغوت فقد تمسك بأوهى من خيط العنكبوت .وال
__________
1الكراه :الحمل على فعل المكروه ،والدين هنا :السلم ،وجملة "ل إكراه" خبر بمعنى النشاء.
2يقال :رشد يرشد رشدا ،ورشد يرشد رشدا ،إذا اهتدى واستقام ،وغوى ضده ،وألغي مصدر من
غوي يغوي ،إذ ضل في معتقد أو رأي.
3كان العرب في الجاهلية يسمون الصنم المعبود :الطاغية ،وفي الحديث" :كان يهلون لمناة
الطاغية".
4الوثقى :مؤنث الوثق ،وجمع الوثقى :الوثائق ،مثل :الفضلى ،والفضل.
5السين والتاء في استمسك للتأكيد كما في استجاب بمعنى :أجاب.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/246
سميع لقوال عباده عليم بنياتهم وخفيات أعمالهم وسيجزي كلً بكسبه .ثم أخبر تعالى أنه ولي
عباده المؤمنين فهو يخرجهم من ظلمات 1الكفر والجهل إلى نور العلم واليمان فيكملون
ويسعدون ،وأن الكافرين أوليائهم الطاغون من شياطين الجن والنس الذين حسنوا لهم الباطل
والشرور ،وزينوا لهم الكفر والفسوق والعصيان ،فأخرجوهم بذلك من النور إلى الظلمات فأهلوهم
لدخول النار فكانوا أصحابها الخالدين فيها.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1ل يكره أهل الكتابين ومن في حكمهم كالمجوس والصابئة على الدخول 2في السلم إل
باختيارهم وتقبل منهم الجزية فيقرون على دينهم.
-2السلم 3كله رشد ،وما عداه ضلل وباطل.
-3التخلي عن الرذائل مقدم على التحلي بالفضائل.
-4معنى ل إله إل ال ،وهي اليمان بال والكفر بالطاغون.
-5ولية ال تعالى تنال باليمان والتقوى.
-6نصرة ال تعالى ورعايته لولياءه دون أعداءه.
{ أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِي حَاجّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ ا ْلمُ ْلكَ ِإذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَ ّبيَ الّذِي يُحْيِي وَ ُيمِيتُ
شمْسِ مِنَ ا ْلمَشْرِقِ فَ ْأتِ ِبهَا مِنَ ا ْل َمغْ ِربِ فَ ُب ِهتَ
قَالَ أَنَا أُحْيِي وَُأمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنّ اللّهَ يَأْتِي بِال ّ
الّذِي َكفَ َر وَاللّهُ ل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ(})258
__________
1وحد تعالى لفظ النور ،وجمع لفظ الظلمة ،لن الحق واحد ،والكفر أجناس كثيرة وكلها باطلة.
2هل هذه الية{ :ل ِإكْرَاهَ فِي الدّينِ} منسوخة بآية السيف؟ الراجح أنها محكمة غير منسوخة هل
تؤخذ الجزية من غير أهل الكتاب ومن لهم شبهة كتاب؟ أما كفار قريش ،الجماع على أن ل
تؤخذ منهم الجزية ،ومن عداهم مذهب مالك يرى أخذ الجزية منهم ،والبقاء عليهم ،ولعل هذا إن
دعت الضرورة إلى ذلك ،وما ذكرته في التفسير أصح المذاهب وأعدلها.
3جاء في صحيح البخاري ما ملخصه :أن عبد ال بن سلم رأى رؤيا كأنه في دوحة خضراء
وفي وسطها عمود حديد أسفله في الرض وأعله في السماء في أعله عروة "..الحديث وفسر له
النبي صلى ال عليه وسلم" :الروضة بالسلم ،والعمود عمود السلم ،والعروة هي العروة
الوثقى" .أي أنت على السلم حتى تموت .فكان مبشرا بالجنة رضي ال عنه.
( )1/247
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شرح الكلمات:
{أََلمْ تَرَ} :ألم ينته إلى علمك يا رسولنا ،والستفهام يفيد التعجب من الطاغية المحاج لبراهيم.
{حَاجّ} :جادل ومارى وخاصم.
{فِي رَبّهِ} :في شأن ربه من وجوده تعالى وربوبيته وألوهيته للخلق كلهم.
{آتَاهُ اللّهُ ا ْلمُ ْلكَ : }1أعطاه الحكم والسيادة على أهل بلده وديار قومهم.
{إِبْرَاهِيمُ} :هو أبو النبياء إبراهيم الخليل عليه السلم ،وكان هذا الحجاج قبل هجرة إبراهيم إلى
أرض الشام.
{فَ ُب ِهتَ الّذِي َكفَرَ} :انقطع عن الحجة متحيرا مدهوشا ذاك الطاغية الكافر وهو النمرود البابلي.
معنى الية الكريمة:
لما ذكر ال تعالى وليته لولياءه وأنه مؤيدهم وناصرهم ومخرجهم من الظلمات إلى النور ذكر
مثالً لذلك وهو محاجة النمرود 2البابلي لبراهيم عليه السلم فقال تعالى مخاطبا رسوله محمد
صلى ال عليه وسلم{ :أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِي حَاجّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبّهِ} أي :لم ينته إلى علمك حجاج ذاك
الطاغية الذي بطرته نعمة الملك الذي آتيناه امتحانا له فكفر وادعى الربوبية وحاج خليلنا فبين إنه
لمر عجب .إذ قال له إبراهيم ربي الذي يحي ويميت ،وأنت ل تحيي ول تميت ،فقال أنا أحيي 3
وأميت ،فرد عليه إبراهيم حجته قائلً :ربي يأتي بالشمس من المشرق فآت بها أنت من المغرب،
فاندهش وتحير وانقطع وأيد ال وليه إبراهيم فانتصر ،4فهذا مثال لخراج ال تعالى أولياؤه من
ظلمة الجهل إلى نور العلم.
__________
1إذ هو ملك بابل وقيل أنه أحد الربعة الذين ملكوا المعمورة وهم مسلمان ،وكافران ،فالمسلمان:
سليمان ،وذو القرنين عليهما السلم .والكافران :النمرود ،وبختنصر عليهما لعائن الرحمن.
2يقال له النمرود بن كؤتن بن كنعان بن سام بن نوح عليه السلم ،وفي الية دليل على جواز
إطلق اسم الملك على الحاكم الكافر ولما حارب ال تعالى أهلكه مع جيشه بالبعوض إذ فتح
عليهم بابا من البعوض فأكلت الجيش فلم تتركه إل عظاما ،وأما النمرود فقد دخلت بعوضة في
دماغه فصار يضرب على دماغه حتى هلك بذلك.
3يريد أنه يحيي من أراد حياته ،ويميت من أراد موته ،وهذا مجرد تمويه وسفسطة فلذا عدل
إبراهيم عنها وألزمه الحجة إن كان صادقا في دعواه بالتيان بالشمس من المغرب كما يأتي بها
ال من المشرق.
4يذكر أهل التفسير هنا أن إبراهيم ذهب يمتار من عند الملك كغيره فجادله الملك ومنعه الميرة
فعاد بل شيء وفي أثناء طريقه وجد رملً أحمر فمل منه غرارتين حتى ل يفاجئ أهله بالخيبة
ولما وصل ونام قامت زوجته سارة ففتحت الغرارة فوجدتها دقيقا من أجود الدقيق الحواري.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/248
هداية الية:
من هداية الية:
-1النعم تبطر صاحبها إذا حرم ولية ال تعالى.
-2نصرة ال لولياءه وإلهامهم الحجة لخصم أعدائهم.
-3إذا ظلم العبد ووالى الظلم حتى أصبح وصفا له يحرم هداية ال تعالى فل يهتدي أبدا.
-4جواز المجادلة والمناظرة في إثبات العقيدة الصحيحة السليمة.
شهَا قَالَ أَنّى ُيحْيِي هَ ِذهِ اللّهُ َبعْدَ َموْتِهَا فََأمَاتَهُ اللّهُ
{َأوْ كَالّذِي مَرّ عَلَى قَرْيَةٍ وَ ِهيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُو ِ
مِائَةَ عَامٍ ثُمّ َبعَثَهُ قَالَ َكمْ لَبِ ْثتَ قَالَ لَبِ ْثتُ َيوْما َأوْ َب ْعضَ َيوْمٍ قَالَ َبلْ لَبِ ْثتَ مِا َئةَ عَامٍ فَا ْنظُرْ إِلَى
س وَانْظُرْ إِلَى ا ْل ِعظَامِ كَ ْيفَ نُنْشِزُهَا
جعََلكَ آيَةً لِلنّا ِ
ك وَلِنَ ْ
حمَا ِر َ
ك وَشَرَا ِبكَ لَمْ يَتَسَنّ ْه وَا ْنظُرْ إِلَى ِ
طعَا ِم َ
َ
شيْءٍ َقدِيرٌ(})259
ثُمّ َنكْسُوهَا لَحْما فََلمّا تَبَيّنَ َلهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ
شرح الكلمات:
{قَرْيَةٍ} : 1مدينة لم يذكر ال تعالى اسمها فل يبحث عنها لعدم جدوى معرفتها.
{خَاوِيَةٌ} :فارغة من سكانها ساقطة 2عروشها على مبانيها وجدرانها.
{أَنّى يُحْيِي} :كيف يحيي .3
__________
1سميت القرية قرية :لجتماع الناس فيها ،مأخوذ من قريت الماء إذا جمعته ،وهي في القرآن،
المدينة الكبيرة ،والمراد بها هنا بيت المقدس ،وقد خربها الطاغية بختنصر ثم بعد سبعين سنة
أعيد بناؤها كما كانت.
2العريش :سقف البيت ،وجمعه :عروش ،وهو كل ما يهيأ ليظل أو يكن من ينزل تحته ،ومنه
عريش الدالية ،أي شجرة العنب ،إذ يعرش لها عريش تمد عليه أغصانها لتتدلى منه عناقيدها.
3اختلف فيمن هو المار على القرية ،هل هو عزيز أو إرميا ،أو الخضر ،وأرجح القوال إنه
عزيز ،وما دام ال ورسوله لم يذكرا اسمه فل داعي إلى ذكره ،والتعرف إليه ،ولذا لم أذكره في
التفسير.
( )1/249
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{َلمْ يَتَسَنّهْ : }1لم يتغير بمر السنين عليه.
{آيَةً} :علمة على قدرة ال على بعث الناس أحياء يوم القيامة.
{نُنْشِ ُزهَا} :في قراءة ورش :ننشرها ،بمعنى :نحييها بعد موتها .وننشزها :نرفعها ونجمعها لتكون
حمارا كما كانت.
معنى الية:
هذا مثل آخر معطوف على الول الذي تجلت فيه على حقيقتها ولية ال لبراهيم حيث أيده
علَى قَرْ َي ٍة وَ ِهيَ خَاوِيَةٌ}
بالحجة القاطعة ونصره على عدوه النمرود ،قال تعالىَ{ :أوْ كَالّذِي مَرّ َ
فارغة من سكانها ساقطة سقوفها على مبانيها فقال المار بها مستبعدا حياتها مرة ثانية :كيف يحيي
ال هذه القرية بعد خرابها؟ فأماته ال مائة عام ثم أحياه ،وسأله :كم لبتث؟ قال :حسب عادة من
نام في يوم واستيقظ فيه ،فإنه يرى أنه نام يوما أو بعض يوم ،فأجابه مصوبا له فهمهَ { :بلْ لَبِ ْثتَ
مِائَةَ عَامٍ} ،ولكي تقتنع بما أخبرت به ،فانظر إلى طعامك وكان سلة من تين وشرابك وكان
عصيرا من عنب فإنه لم يتغير طعمه ول لونه ،وقد مر عليه قرن من الزمن ،و انظر إلى
حمارك فإنه هلك بمرور الزمن ولم يبقى منه إل عظامه تلوح بيضاء فهذا دليل قاطع على موته
وفناؤه لمرور مائة سنة عليه ،وانظر إلى العظام كيف نجمعها ونكسوها لحما فإذا هي حمارك
الذي كنت تركبه من مائة سنة ،ونمت وتركته إلى جانبك يرتع ،وتجلت قدرة ال تعالى في عدم
تغير الذي جرت العادة أنه يتغير في ظرف يوم واحد ،وهو سلة التين وشراب العصير .وفي
تغير الذي جرت العادة أنه ل يتغير إل في عشرات العوام ،وهو الحمار .كما هي ظاهرة في
موت صاحبهما وحياته بعد لبثه على وجه الرض ميتا لم يعثر عليه أحد طيلة مائة عام .وقال له
الرب تبارك وتعالى بعد أن وقفه على مظاهر قدرته فعلنا هذا بك لنريك 2قدرتنا على إحياء
القرية متى أردنا إحياءها ولنجعلك في قصتك هذه آية للناس،
__________
1مشتق من السنة لن مر السنين يوجب التغير فتسنه تغير بمر السنين عليه ،مثل تحجر الطين
صار حجرا بمرور اليام أو الساعات عليه.
جعََلكَ} قيل :الواو مقحمة ،والًصل :لنجعلك ،وعلى أصالة الواو وعدم إقحامها
2قوله تعالى{ :وَلِ َن ْ
يكون المعنى ،أريناك ذلك لتعلم قدرتنا ولنجعلك آية للناس ،فالواو عاطفة إذا وهو وظيفتها أي:
العطف.
( )1/250
تهديهم إلى اليمان بنا وتوحيدنا في عبادتنا وقدرتنا على البعث الخر الذي ل ريب فيه لتجزى
كل نفس بما كسبت ،وأخيرا لما لحت أنوار ولية ال في قلب هذا العبد المؤمن الذي أثار تعجبه
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
خراب القرية فاستبعد حياتها قال :أعلم 1أن ال على كل شيء قدير ،فهذا مصداق قوله تعالى:
ج ُهمْ مِنَ الظُّلمَاتِِ 2إلَى النّورِ}
{اللّ ُه وَِليّ الّذِينَ آمَنُوا ُيخْرِ ُ
هداية الية
من هداية الية:
-1جواز طروء استبعاد ما يؤمن به العبد أنه حق وكائن ،كما استبعد هذا المؤمن المار بالقرية
حياة القرية مرة أخرى بعد ما شاهد من خرابها وخوائها.
-2عظيم قدرة ال تعالى بحيث ل يعجزه تعالى شيء وهو على كل شيء قدير.
-3ثبوت البعث الخر وتقريره.
-4ولية ال تعالى للعبد المؤمن التقي تجلت في إذهاب الظلمة التي ظهرت على قلب المؤمن
علَمُ
باستبعاده قدرة ال على إحياء القرية ،فأراه ال تعالى من مظاهر قدرته ما صرح في قوله{ :أَ ْ
شيْءٍ قَدِيرٌ} .
أَنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ
طمَئِنّ قَلْبِي قَالَ َفخُذْ
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ َربّ أَرِنِي كَ ْيفَ ُتحْيِي ا ْل َموْتَى قَالَ َأوَلَمْ ُت ْؤمِنْ قَالَ بَلَى وََلكِنْ لِ َي ْ
سعْيا وَاعْلَمْ أَنّ
عهُنّ يَأْتِي َنكَ َ
ج َعلْ عَلَى ُكلّ جَ َبلٍ مِ ْنهُنّ جُزْءا ثُمّ ادْ ُ
أَرْ َبعَةً مِنَ الطّيْرِ َفصُرْهُنّ إِلَ ْيكَ ُثمّ ا ْ
حكِيمٌ(})260
اللّهَ عَزِيزٌ َ
__________
1وقرئ :أعلم ،والقائل له حينئذ ال تبارك وتعالى أو ملك من ملئكته ،أو هو خاطب نفسه قائلً
لها اعلمي يا نفسي هذا العلم اليقيني الذي ما كنت تعلمينه.
2لما قرر تعالى وليته للذين آمنوا وإنه يخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم ذكر لذلك ثلثة
أحداث تجلى في كل واحد منها مصداق ما أخبر به ،فالول محاجة النمرود لبراهيم وإعطاءه
تعالى نور العلم الذي أسكت به المجادل الكافر النمرود .والثاني :استبعاد عزيز إحياء ال مدينة
القدس بعد تدميرها وتخريبها فأراه ال من آياته ما أذهب عنه ما وجده في نفسه من استبعاد حياة
تلك المدينة ،والثالث :طلب إبراهيم ربه أن يريه كيف يحيي الموتى ،وقد أراه ذلك فأذهب به ما
وجده إبراهيم من التطلع إلى معرفة ذلك.
( )1/251
شرح الكلمات:
{إِبْرَاهِيمُ} :هو خليل الرحمن أبو النبياء عليه السلم.
طمَئِنّ قَلْبِي} :يسكن ويهدأ من التطلع والتشوق إلى الكيفية.
{لِ َي ْ
{ َفصُرْهُنّ 1إِلَ ْيكَ} :أملهن واضممهن إليك وقطعهن أجزاء.
سعْيا} :مشيا سريعا وطيرانا.
{َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{عَزِيزٌ} :غالب ل يمتنع عنه ول منه شيء أراده بحال من الحوال.
حكِيمٌ} :ل يخلق عبثا ول يوجد لغير حكمة ،ول يضع شيئا في غير موضعه اللئق به.
{َ
معنى الية الكريمة:
هذا مثل ثالث يوجه إلى الرسول والمؤمنين حيث تتجلى لهم وليته تعالى لعباده المؤمنين
بإخراجهم من الظلمات إلى النور حتى مجرد ظلمة باستبعاد شيء عن قدرة ال تعالى ،أو تطلع
إلى كيفية إيجاد شيء ومعرفة صورته .فقال تعالى :اذكروا {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ َربّ أَرِنِي كَ ْيفَ
تُحْيِي 2ا ْل َموْتَى} .سأل إبراهيم ربه أن يريه طريقة الحياء كيف تتم هل هي جارية على نواميس
معينة أم هي مجرد قدرة يقول صاحبها للشيء كن فيكون ،فسأله ربه وهو عليم به أتقول الذي
تقول ولن تؤمن؟ قال إبراهيم :بلى أنا مؤمن بأنك على كل شيء قدير ،ولكن أريد أن أرى صورة
لذلك يطمئن لها قلبي ويسكن من التطلع والتشوق إلى معرفة المجهول لدي .فأمره تعالى إجابه له
لنه وليه فلم يشأ أن يتركه يتطلع إلى كيفية إحياء ربه الموتى ،أمره بأخذ أربعة طيور 3وذبحها
وتقطيعها أجزاء وخلطها مع بعضها بعضا ثم وضعها على أربعة جبال 4على كل جبل ربع
الجزاء المخلوطة ،ففعل ،ثم أخذ برأس كل طير على حدة
__________
1فسر{ :صرهن} بأملهن وقطعهن كما في التفسير ،والكل صحيح ،إذ إما إمالتهن أولً ثم
تقطيعهن وشاهد أملهن في قول العرب :رجل أصور إذا كان مائل العنق .وامرأة صوراء ،وجمع
صور؛ كسوداء وسود ،وعليه قول الشاعر:
ال يعلم أنا في تلفتنا ...يوم الفراق إلى جيراننا صور
وشاهد قطعهن قوله :صار الشيء يصوره إذا قطعه ،ومنه قول الشاعر:
بنهضي وقد كاد ارتقائي يصورها
2هذا السؤال وال ما كان عن شك من إبراهيم أبدا ،وكيف وقد قال رسول ال صلى ال عليه
وسلم" :نحن أحق بالشك من إبراهيم" ،أي لو شك إبراهيم لكنا نحن أحرى بذلك لضعفنا ولكن ما
شك إبراهيم ،وكل ما طلبه زيادة اليقين برؤية كيفية الحياء كيف تتم ،فسلم على إبراهيم الخليل
وعلى محمد في العالمين
3يروى عن ابن عباس وبعض علماء السلف إنها كانت حمامة وديكا وغرابا وطاووسا وليس في
معرفتها كبير فائدة فلذا لم أذكرها في التفسير.
4الجبل :قطعة عظيمة من الرض أرسى ال تعالى بها الرض حتى ل تضطرب وتتحرك
ومنافعها كثيرة منها :أن بعض الناس يتخذونها حصونا مانعة من وصول العدو إليهم .قال
السموأل:
لنا جبل يحتله من نجيره ...منيع يرد الطرف وهو كليل
وهو أحد جبال طيء شمال الحجاز.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/252
ودعاه فاجتمعت أجزائه المفرقة المختلطة بأجزاء غيره وجاءه يسعى فقدم له رأسه فالتصق به
وطار في السماء وإبراهيم ينظر ويشاهد مظاهر قدرة ربه العزيز الحكيم .سبحانه ل إله غيره ول
رب سواه.
هداية الية الكريمة
من هداية الية الكريمة:
-1غريزة 1النسان في حب معرفة المجهول والتطلع إليه.
-2ولية ال تعالى لبراهيم حيث أراه من آياته ما اطمئن به قلبه وسكنت له نفسه.
-3ثبوت 2عقيدة الحياة الثانية ببعث الخلئق أحياء بالحساب والجزاء.
-4زيادة اليمان واليقين كلما نظر العبد إلى آيات ال الكونية ،أو قرأ وتدبر آيات ال القرآنية.
{مَ َثلُ الّذِينَ يُ ْنفِقُونَ َأ ْموَاَلهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ َكمَ َثلِ حَبّةٍ أَنْبَ َتتْ سَبْعَ سَنَا ِبلَ فِي ُكلّ سُنْبَُلةٍ مِائَةُ حَبّ ٍة وَاللّهُ
عفُ ِلمَنْ َيشَا ُء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ( )261الّذِينَ يُ ْنفِقُونَ َأ ْموَاَلهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ُث ّم ل يُتْ ِبعُونَ مَا
ُيضَا ِ
خ ْوفٌ عَلَ ْيهِ ْم وَل هُمْ يَحْزَنُونَ(َ )262ق ْولٌ َمعْرُوفٌ
أَ ْنفَقُوا مَنّا وَل أَذىً َلهُمْ َأجْرُهُمْ عِنْدَ رَ ّبهِمْ وَل َ
ى وَاللّهُ غَ ِنيّ حَلِيمٌ(})263
ن صَ َد َقةٍ يَتْ َب ُعهَا أَذ ً
َو َمغْفِ َرةٌ خَيْرٌ مِ ْ
__________
1قالت العلماء :من غرائز النسان التي جبل عليها حبه معرفة المجهول والية أكبر شاهد ،إذ
الخليل أحب أن يعرف كيفية إحياء الموتى.
2إذ رؤية إبراهيم لكيفية إحياء ال تعالى الموتى من الطير أكبر دليل على قدرة ال تعالى على
إحياء العباد يوم القيامة ومن هداية هذه الية إراءه المشركين المنكرين للبعث الخر هذه الحادثة
العجيبة كأنهم يشاهدونها فتقوم بذلك الحجة عليهم وعلى كل منكر للبعث والحياة الخرة.
( )1/253
شرح الكلمات:
{مَ َثلُ الّذِينَ يُ ْنفِقُونَ : }1صفتهم المستحسنة العجيبة.
{سَبِيلِ اللّهِ} :كل ما يوصل إلى مرضاة ال تعالى من اليمان وصالح العمال.
عفُ} :يزيد ويكثر حتى يكون الشيء أضعاف ما كان.
{ ُيضَا ِ
{مَنّا وَل أَذىً} :المن :2ذكر الصدقة وتعدادها على من تصدق بها عليه على الوجه التفضل
عليه .والذى :التطاول على المتصدق عليه وإذلله بالكلمة النابية أو التي تمس كرامته وتحط من
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شرفه.
{ َق ْولٌ َمعْرُوفٌ} :كلم طيب يقال للسائل المحتاج ،نحو :ال يرزقنا وإياكم ،ال كريم .ال يفتح
علينا وعليك.
{ َو َمغْفِ َرةٌ} :ستر على الفقير بعدم إظهار فقره ،والعفو عن سوء خلقه إن كان كذلك.
{غَ ِنيّ} :غني ذاتي ل يفتقر معه إلى شيء أبدا.
{حَلِيمٌ} :ل يعاجل بالعقوبة بل يعفو ويصفح.
معنى اليات:
يخبر تعالى مرغبا في الجهاد بالمال لتقدمه على الجهاد بالنفس؛ لن العدة أولً والرجال ثانيا ،أن
مثل ما ينفقه المؤمن في سبيل ال وهو هنا الجهاد ،في نماءه وبركته وتضاعفه ،كمثل حبة 3بر
بذرت في أرض طيبة فأنبتت سبع 4سنابل في كل سنبلة مائة حبة فأثمرت الحبة الواحدة سبعمائة
حبة ،وهكذا الدرهم الواحد ينفقه المؤمن في سبيل ال يضاعف إلى سبعمائة
__________
1ذكر القرطبي :أنه روي أن هذه الية{ :مَ َثلُ الّذِينَ يُ ْنفِقُونَ} نزلت في شأن عثمان بن عفان وعبد
الرحمن بن عوف ،إذ عثمان جهز جيش العسرة في غزوة تبوك ،وعبد الرحمن خرج بنصف ماله
وهو أربعة آلف ،فدعا له الرسول صلى ال عليه وسلم" :بارك ال لك فيما أمسكت وفيما
أعطيت" .
2المن :من كبائر الذنوب ،إذ صاحبه أحد ثلثة ل ينظر ال إليهم يوم القيامة ول يزكيهم ولهم
عذاب أليم "في صحيح مسلم" والمنان هو الذي ل يعطي شيئا إل منة.
3الحب :اسم جنس لكل ما يزرعه النسان ويقتاته وأكثر ما يراد بالحب :البر ،ومنه قول
المتلمس:
أليت حب العراق الدهر أطعمه ...والحب يأكله في القرية السوس
والحبة بكسر الحاء :بذور البقول مما ليس بقوت ،وفي حديث الشفاعة" :فينبتون كما تنب الحبة
في حميل السيل" وحبة القلب سويدائه ،والحب معروف ضد الكره.
4في الية :دليل على مشروعية الزراعة ،وهي واجب كفائي وورد فيها" :التمسوا الرزق في
خبايا الرض" .رواه الترمذي عن عائشة رضي ال عنها.
( )1/254
( )1/255
( )1/256
أي حجر أملس عليه تراب { ،1فََأصَابَ ُه وَا ِبلٌ فَتَ َر َك ُه صَلْدا} أي:نزل عليه مطر شديد فأزال التراب
عنه فتركه أملس عاريا ليس عليه شيء ،فكذلك تذهب الصدقات الباطلة ولم يبق منها لصاحبها
شيْءٍ ِممّا كَسَبُوا} أي :مما تصدقوا به،
علَى َ
شيء ينتفع به يوم القيامة ،فقال تعالى{ :ل َيقْدِرُونَ َ
{وَاللّهُ ل َي ْهدِي ا ْلقَوْمَ 2ا ْلكَافِرِينَ} إلى ما يسعدهم ويكملهم لجل كفرانهم به تعالى.
هداية الية:
من هداية الية:
-1حرمة المن والذى في الصدقات وفسادها بها.
-2بطلن صدقة المان والمؤذي والمرائي بهما.
-3حرمة الرياء وهي من الشرك لحديث" :وإياكم والرياء فإنه الشرك الصغر" .
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سهِمْ َكمَ َثلِ جَنّةٍ بِرَ ْب َوةٍ َأصَا َبهَا وَا ِبلٌ
{ َومَ َثلُ الّذِينَ يُ ْن ِفقُونَ َأ ْموَاَلهُمُ ابْ ِتغَاءَ مَ ْرضَاتِ اللّ ِه وَتَثْبِيتا مِنْ أَ ْنفُ ِ
ح ُدكُمْ أَنْ َتكُونَ
ل وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ( )265أَ َيوَدّ أَ َ
طّض ْعفَيْنِ فَإِنْ لَمْ ُيصِ ْبهَا وَا ِبلٌ فَ َ
فَآ َتتْ ُأكَُلهَا ِ
ت وََأصَابَهُ ا ْلكِبَ ُر وَلَهُ
لَهُ جَنّةٌ مِنْ َنخِيلٍ وَأَعْنَابٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ ُكلّ ال ّثمَرَا ِ
عصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَ َر َقتْ كَذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ َلكُ ُم الياتِ َلعَّلكُمْ تَ َت َفكّرُونَ(})266
ضعَفَاءُ فََأصَا َبهَا إِ ْ
ذُرّيّةٌ ُ
__________
1التراب على الصفوان :عندما يراه الفلح يعجبه لنعومة التربة وصفائها فيبذر فيه رجاء أن
يحصد ولكن إذا نزل عليه المطر الشديد وذهب به وبالبذر معه فيصاب صاحبه بخيبة المل،
فكذلك المنفق رئاء الناس.
2هذه الجملة زيل بها الكلم لتحمل تحذيرا شديدا للمؤمنين أن يسلكوا مسالك الكافرين في إنفاقهم
وأعمالهم فإنها باطلة خاسرة.
( )1/257
شرح الكلمات:
المثل :الصفة المستملحة المستغربة.
{ابْ ِتغَاءَ مَ ْرضَاتِ اللّهِ} :طلبا لرضا ال تعالى.
{وَتَثْبِيتا} : 1تحقيقا وتيقنا بمثوبة ال تعالى لهم على إنفاقهم في سبيله.
{جَنّةٍ بِرَ ْب َوةٍ : }2بستان كثير الشجار بمكان مرتفع.
ض ْعفَيْنِ} :مضاعفا مرتين ،أو ضعفي ما يثمر غيرها.
{ ِ
الوابل :المطر الغزير الشديد.
الطل :المطر الخفيف.
عصَارٌ} :ريح عاصف فيها سموم.
{إِ ْ
معنى اليتين:
لما ذكر ال تعالى خيبة المنفقين أموالهم رياء الناس محذرا المؤمنين من ذلك ذكر تعالى مرغبا
في النفقة التي يريد بها العبد رضا ال وما عنده من الثواب الخروي فقال ضاربا لذلك مثلً:
س ِهمْ} أي:
{ َومَ َثلُ الّذِينَ يُ ْن ِفقُونَ َأ ْموَاَلهُمُ ابْ ِتغَاءَ مَ ْرضَاتِ اللّهِ} أي :طلبا لمرضاته {وَتَثْبِيتا مِنْ أَ ْنفُ ِ
تحققا وتيقنا منهم بأن ال تعالى سيثيبهم عليها مثلهم في الحصول ما أمّلوا من رضا ال وعظيم
الجر؛ كمثل جنة بمكان مرتفع عالٍ أصابها مطر غزير فأعطت ثمرها ضعفي ما يعطيه غيرها
من البساتين ،ولما كانت هذه الجنة بمكان عال مرتفع فإنها إن لم يصبها المطر الغزير فإن الندى
والمطر اللين الخفيف كافٍ في سقيها وريها حتى تؤتي ثمارها مضاعفا مرتين ،وختم تعالى هذا
الكلم الشريف بقوله{ :وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ} قواعد به المنفقين ابتغاء مرضاته وتثبيتا من
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أنفسهم بعظم الجر وحسن المثوبة ،وأوعد به المنفقين الذين يتبعون ما أنفقوا بالمن والذى
والمنفقين رياء الناس بالخيبة والخسران.
كان هذا معنى الية الولى( )265وأما الية الثانية( )266فإنه تعالى بسائل عباده تربية
__________
سهِمْ} ورجح ما فسرناه به في التفسير وهناك معنى آخر
1لقد اختلف في معنى{ :وَتَثْبِيتا مِنْ أَ ْنفُ ِ
لطيف وهو :وتثبيتا لنفسهم على اليمان وأفعال البر لن الحسنة تلد الحسنة ،فهم ينفقون أموالهم
طلبا لرضوان ال وترويضا منهم لنفسهم على فعل الخير والحسان.
2الربوة :مثلثة الراء :المكان المرتفع.
( )1/258
( )1/259
{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا أَ ْن ِفقُوا مِنْ طَيّبَاتِ مَا كَسَبْتُ ْم َو ِممّا أَخْ َرجْنَا َلكُمْ مِنَ الَ ْرضِ وَل تَ َي ّممُوا ا ْلخَبِيثَ
حمِيدٌ( )267الشّيْطَانُ َي ِع ُدكُمُ
ن وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِل أَنْ ُت ْغ ِمضُوا فِي ِه وَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ غَ ِنيّ َ
مِنْهُ تُ ْن ِفقُو َ
ح ْكمَةَ مَنْ
سعٌ عَلِيمٌ(ُ )268يؤْتِي ا ْل ِ
ل وَاللّ ُه وَا ِ
ا ْلفَقْ َر وَيَ ْأمُ ُركُمْ بِا ْلفَحْشَا ِء وَاللّهُ َي ِع ُدكُمْ َم ْغفِ َرةً مِنْهُ َوفَضْ ً
ح ْكمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرا كَثِيرا َومَا يَ ّذكّرُ إِل أُولُو الَلْبَابِ(})269
يَشَاءُ َومَنْ ُي ْؤتَ الْ ِ
شرح الكلمات:
{مِنْ طَيّبَاتِ مَا َكسَبْتُمْ} :من جيد أموالكم وأصلحها.
ن الَ ْرضِ} :من الحبوب وأنواع الثمار.
{ َو ِممّا أَخْ َرجْنَا َلكُمْ مِ َ
{وَل تَ َي ّممُوا ا ْلخَبِيثَ} :ل تقصدوا الرديء تنفقون منه.
{إِل أَنْ ُت ْغ ِمضُوا فِيهِ : }1إل أن تغضوا أبصاركم عن النظر في رداءته فتأخذونه بتساهل منكم
وتسامح.
حمِيدٌ} :محمود في الرض والسماء في الولى والخرى لما أفاض ويفيض من النعم على
{َ
خلقه.
{ َيعِ ُد ُكمُ ا ْلفَقْرَ} :يخوفكم من الفقر ليمنعكم من النفاق في سبيل ال.
{وَيَ ْأمُ ُركُمْ بِا ْلفَحْشَاءِ} :يدعوكم إلى ارتكاب الفواحش ومنها البخل والشح.
ح ْكمَةَ} :فهم أسرار الشرع ،وحفظ الكتاب والسنة.
{ا ْل ِ
{أُولُو الَلْبَابِ} :أصحاب العقول الراجحة المفكرة فيما ينفع أصحابها.
__________
1يقال :أغمض الرجل في أمر كذا إذا تساهل فيه ورضي ببعض حقه وتجاوز ،وما في التفسير
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فهو مأخوذ من تغميض العين لعدم رؤية العيب والرداءة ،وقراءة الجمهور تشهد للمعنيين
التجاوز ،وتغميض العين.
( )1/260
معنى اليات:
بعدما رغب تعالى عباده المؤمنين في النفاق في سبيله في الية السابقة ناداهم هنا بعنوان
اليمان ،وأمرهم بإخراج زكاة أموالهم من جيد ما يكسبون فقال تعالى{ :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ 1آمَنُوا أَ ْنفِقُوا
مِنْ طَيّبَاتِ مَا كَسَبْ ُتمَْ 2و ِممّا أَخْ َرجْنَا} يريد الحبوب والثمار كما أن ما يكسبونه يشمل النقدين
والماشية من إبل وبقر وغنم ،ونهاهم عن التصدق بالرديء من أموالهم ،فقال{ :وَل تَ َي ّممُوا 3
خذِيهِ إِل أَنْ ُت ْغ ِمضُوا فِيهِ} يريد ل ينبغي لكم أن تنفقوا الرديء وأنتم
الْخَبِيثَ مِنْه ُ 4تُ ْن ِفقُونَ وَلَسْ ُتمْ بِآ ِ
لو أعطيتموه في حق لكم ما كنتم لتقبلوه لول أنكم تغمضون وتتساهلون في قبوله ،وهذا منه تعالى
تأديب لهم وتربية .وأعلمهم أخيرا أنه تعالى غني عن خلقه ونفقاتهم فلم يأمرهم بالزكاة والصدقات
لحاجة به ،وإنما أمرهم بذلك لكمالهم وإسعادهم ،وأنه تعالى حميد محمود بماله من إنعام على
سائر خلقه ،كان هذا معنى الية( )267أما الية( )268فإنه تعالى يحذر عباده من الشيطان
ووسواسه فأخبرهم أن الشيطان يعدهم الفقر ،5أي :يخوفهم منه حتى ل يزكوا ول يتصدقوا
ويأمرهم بالفحشاء فينفقون أموالهم في الشر والفساد ويبخلون بها في الخير ،والصالح العام ،أما
هو تعالى فإنه بأمره إياهم بالنفاق يعدهم مغفرة ذنوبهم؛ لن الصدقة تكفر الخطيئة ،وفضلً منه
وهو الرزق الواسع الحسن ،وهو الواسع الفضل العليم بالخلق .فاستجيبوا أيها المؤمنون لنداء ال
تعالى ،وأعرضوا عن نداء الشيطان فإنه عدوكم ل يعدكم إل بالشر ،يأمركم إل بالسوء والباطل،
كان هذا ما تضمنته الية الثانية ،أما الية الثالثة( )269فإن ال تعالى يرغب في تعلم العلم النافع
الذي يحمل على العمل الصالح ،ول يكون ذلك إل علم الكتاب والسنة حفظا وفهما وفقها فيهما
فقال
__________
1قال ابن عباس رضي ال عنهما في هذه الية{ :الشّيْطَانُ َيعِ ُد ُكمُ }...إلخ .اثنتان من ال تعالى،
واثنتان من الشيطان .ويفسره حديث الترمذي إذ فيه قول صلى ال عليه وسلم" :إن للشيطان لمة
بابن آدم وللملك لمة ،فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ،وأما لمة الملك :فإيعاد بالخير
وتصديق بالحق ،فمن وجد ذلك فليعلم أنه من ال ،ومن وجد الخرى فليتعوذ بال من الشيطان ،
ثم قرأ{ :الشّ ْيطَانُ }...الية.
2الية في الزكاة قطعا ،والنهي عن النفاق من الرديء يشمل الزكاة .والتطوع معا.
3روى الحاكم وصححه على شرط الشيخين في سبب نزول هذه الية عن البراء قال :هذه الية
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
نزلت فينا ،كنا أصحاب نخل فكان الرجل يأتي من نخله بقدر كثرته وقلته فيأتي الرجل بالقنو
فيعلقه في المسجد ،وكان أهل الصفة ليس لهم طعام فكان أحدهم إذا جاع جاء فضربه بعصاه
فيسقط من البسر والتمر فيأكل وكان أناس مما ل يرغبون في الخير يأتي بالقنو الحشف والشيص
فيعلقه فنزلت{ :وَل تَ َي ّممُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُ ْنفِقُونَ} الية.
4أي :من الخبيث الذي هو الرديء.
5تفتح فاء الفقر ،وتضم كالضعف والضُعف.
( )1/261
ح ْكمَةَ مَنْ 1يَشَاءُ} من طلبها وتعرض لها راغبا فيها سائلً ال
تعالىُ { :يؤْتِي} أي :هو تعالى{ :الْ ِ
تعالى أن يعلمه ،وأخبر أخيرا أن من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا 2فليطلب العاقل الحكمة
قبل طلب الدنيا هذه تذكرة { َومَا يَ ّذكّرُ إِل أُولُو الَلْبَابِ}.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب الزكاة في المال الصامت من ذهب وفضة وما يقوم مقامهما من العمل وفي الناطق
من البل والبقر والغنم إذ الكل داخل في قوله{ :مَا َكسَبْتُمْ} وهذا بشرط الحول 3وبلوغ النصاب.
-2وجوب الزكاة في الحرث :الحبوب والثمار وذلك فيما بلغ نصابا ،وكذا في المعادن إذ يشملها
لفظ الخارج من الرض.
-3قبح النفاق من الرديء وترك الجيد.
-4التحذير من الشيطان ووجوب مجاهدته بالعراض عن وساوسه ومخالفة أوامره.
-5إجابة نداء ال والعمل بإرشاده.
-6فضل العلم على المال.
{ َومَا أَ ْنفَقْتُمْ مِنْ َن َفقَةٍ َأوْ نَذَرْ ُتمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنّ اللّهَ َيعَْلمُهُ َومَا لِلظّاِلمِينَ مِنْ أَ ْنصَارٍ( )270إِنْ تُبْدُوا
خفُوهَا وَ ُتؤْتُوهَا ا ْل ُفقَرَاءَ
ي وَإِنْ تُ ْ
الصّ َدقَاتِ فَ ِن ِعمّا ِ 4ه َ
__________
1الحكمة :النبوة والقرآن والصابة في المور بوضع كل شيء في موضعه ،فأعلى الحكمة النبوة
ثم القرآن والسنة .وفي الصحيح" :ل حسد إل في اثنين :رجل آتاه ال مالً فسلطه على هلكته في
الحق ،ورجل آتاه ال الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها" .واللفظ يشمل القرآن والسنة.
2أصل الحكمة :إحكام الشيء وإتقانه ،وعليه فحفظ القرآن والسنة وفهما والعمل بهما هو الحكمة،
وفي الصحيح" :من يرد ال به خيرا يفقهه في الدين" .وورد :رأس الحكمة مخافة ال.
3الحول :هو مرور سنة كاملة على زكاة النقدين والنعام وعروض التجارة ،والنصاب في
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الحبوب والثمار خمسة أوسق لحديث الصحيح" :ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" والوسق:
ستون صاعا ،والصاع :أربعة أمداد .وفي النقدين :الذهب عشرون دينارا ما يعادل سبعين غراما،
وفي الفضة :مائتا درهم :ما يعادل 460غراما ،وفي الغنم أربعون شاة ،وفي البقر ثلثون بقرة،
وفي البل خمس منها.
خفُوهَا وَ ُتؤْتُوهَا ا ْلفُقَرَاءَ} حكم
4قوله تعالى { :فَ ِن ِعمّا ِهيَ} ثناء على إبداء الصداقة وقوله{ :وَإِنْ ُت ْ
على أن الخفاء خير من البداء ،قال أحد الحكماء :إذا اصطنعت المعروف فاستره ،وإذا اصطنع
إليك فانشره .قال دعبل الخزاعي:
إذا انتقموا أعلنوا أمرهم ...
وإن أنعموا أنعموا باكتتام
( )1/262
َف ُهوَ خَيْرٌ َلكُ ْم وَ ُي َكفّرُ عَ ْنكُمْ مِنْ سَيّئَا ِت ُك ْم وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ(})271
شرح الكلمات:
{مِنْ َن َفقَةٍ} :يريد قليلة أو كثيرة من الجيد أو الرديء.
{مِنْ َنذْرٍ} :النذر :1التزام المؤمن بما لم يلزمه به الشارع ،كأن يقول :ل عليّ أن أتصدق بألف؛
أو أصوم شهرا أو أصلى كذا ركعة يقول :إن حصل 2لي كذا من الخير أفعل كذا من الطاعات.
{إِنْ تُ ْبدُوا الصّ َدقَاتِ} :أي تظهروها.
{فَ ِن ِعمّا ِهيَ} :فنعم تلك الصدقة التي أظهرتموها لُيفتدى بكم بها.
{وَ ُي َكفّرُ عَ ْن ُكمْ مِنْ سَيّئَا ِتكُمْ} :يكفر بمعنى :يسترها ول يطالب بها ،ومن للتبعيض إذ حقوق العباد
ل تكفرها الصدقة.
معنى الية الكريمة:
بعدما دعا تعالى عباده إلى النفاق في الية السابقة أخبر تعالى أنه يعلم ما ينفقه عباده فإن كان
المنفق جيدا صالحا يعلمه ويجزي به وإن كان خبيثا رديئا يعلمه ويجزي به ،وقال تعالى مخاطبا
عباده المؤمنينَ { :ومَا أَ ْنفَقْتُمْ مِنْ َنفَقَةٍ َأوْ نَذَرْ ُتمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنّ اللّهَ َيعَْلمُهُ }3فما كان مبتغي به وجه ال
ومن جيد المال فسوف يكفر به السيئات ويرفع به الدرجات ،وما كان رديئا ونذرا لغير ال تعالى
فإن أهله ظالمون وسيغرمون أجر نفقاتهم ونذرهم لغير ال ول يجدون من يثيبهم على شيء منها
لنهم ظالمون فيها حيث وضعوها في غير موضعهاَ { ،ومَا لِلظّاِلمِينَ مِنْ أَ ْنصَارٍ} هذا ما تضمنته
الية الولى(.)270
__________
1مما يجب علمه أنه شاع في العامة بين المسلمين النذر للولياء والصالحين وهو محرم قطعا إذ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هو من شرك العبادة فبعضهم يقول يا سيدى فلن إن قضى ال حاجتي فعلت لك كذا ،وآخر يقول:
إن حصل لي كذا ذبحت لك أو جددت بناء قبتك أو أنرت ضريحك ،فيجب أن ينهى عن هذا كله
ويعلم من يفعله عن هذا كله ويعلم من يفعله أنه أشرك بعبادة ربه.
2النذر المشروط مكروه لقول الرسول صلى ال عليه وسلم" :النذر ل يأتي بخير وإنما يستخرج
به من مال البخيل" .أو كما قال صلى ال عليه وسلم .أم النذر المطلق فهو قربة من أفضل
القرب ،وفي التفسير بيان لكل من المطلق والمشروط فانظره.
3في الية إبجاز بليغ إذ التقدير :وما أنفقتم من نفقة فإن ال يعلهما ،أو نذرتم من نذر فإن ال
يعلمه ،فحذف من الول لدللة الخير عليه تجنبا للتكرار المنافي لبلغة الكلم .
( )1/263
أما الية الثانية( )271فقد أعلم تعالى عباده المؤمنين أن ما ينفقونه لوجهه ومن طيب أموالهم علنا
وجهرا هو مال رابح ،ونفقة مقبولة يثاب عليها صاحبها ،إل أن ما يكون من تلك النفقات سرا
ويوضع في أيدي الفقراء يكون خيرا لصاحبه لبعده من شائبة الرياء ،ولكرام الفقراء ،وعدم
تعريضهم لمذلة التصدق عليهم وإنه تعالى يكفر عن المنفقين سيئاتهم بصدقاتهم ،وأخبر أنه عليم
بأعمالهم فكان هذا تطمينا لهم على الحصول على أجور صدقاتهم ،وسائر أعمالهم الصالحة.
هداية اليتين:
من هداية اليتين:
-1الترغيب في الصدقات ولو قلت والتحذير من الرياء فيها وإخراجها من رديء الموال.
-2جواز إظهار الصدقة 1عن سلمتها من الرياء.
-3فضل صدقة السر وعظم أجرها ،وفي الحديث الصحيح " :ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى
ل تعلم شماله ما تنفق يمينه" ذكر من السبعة الذين يظلهم ال بظل عرشه يوم ل ظل إل ظله.
سكُ ْم َومَا تُ ْنفِقُونَ إِل ابْ ِتغَاءَ
{لَيْسَ عَلَ ْيكَ هُدَاهُ ْم وََلكِنّ اللّهَ َيهْدِي مَنْ يَشَا ُء َومَا تُ ْن ِفقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَ ْنفُ ِ
حصِرُوا فِي سَبِيلِ
وَجْهِ اللّ ِه َومَا تُ ْنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ ُي َوفّ إِلَ ْيكُ ْم وَأَنْ ُت ْم ل ُتظَْلمُونَ( )272لِ ْلفُقَرَاءِ 2الّذِينَ أُ ْ
اللّهِ
__________
1صدقة التطوع السرار بها أفضل ،ففي الحديث" :صدقة السر تطفئ غضب الرب عز وجل" ،
وفي الصحيح" :سبعة يظلهم ال في ظله يوم ل ظل إل ظله :إمام عادل ،وشاب نشأ في عبادة ال،
ورجلن تحابا في ال اجتمعا عليه وتفرقا عليه ،ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى
يعود إليه ،ورجل ذكر ال خاليا ففاضت عيناه ،ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال :إني
أخاف ال رب العالمين ،ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى ل تعلم شماله ما تنفق يمينه" .
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والصدقة الواجبة وهي الزكاة إعلنها من أفضل إسرارها .هذا ومرد القضية إلى حال المتصدق
والمتصدق عليه فإن كان المتصدق بإعلنه يتبعه غيره ويكون كمن سن سنة حسنة فالعلن
أفضل وإن كان المتصدق عليه يخجل ويستحي من الصدقة عليه فالسرار له أفضل من غيره.
2من قال بوجوب صدقة الفطر :منع إعطائها لفقراء أهل الذمة ،ومن قال بثنيتها دون وجوبها:
قال يجوز ،والصحيح إنها حق لفقراء المسلمين لنشغالهم بصلة العيد وبالعبادة في رمضان،
وأهل الذمة يعملون الليل والنهار.
( )1/264
ن ضَرْبا فِي الَرْضِ َيحْسَ ُبهُمُ الْجَا ِهلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ ال ّت َعفّفِ َتعْ ِر ُفهُمْ بِسِيمَاهُمْ ل يَسْأَلونَ
ل َيسْتَطِيعُو َ
النّاسَ إِ ْلحَافا َومَا تُ ْنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ( )273الّذِينَ 1يُ ْن ِفقُونَ َأ ْموَاَلهُمْ بِاللّ ْيلِ وَال ّنهَارِ سِرّا
خوْفٌ عَلَ ْيهِ ْم وَل ُهمْ يَحْزَنُونَ(})274
وَعَلنِيَةً فََلهُمْ َأجْرُهُمْ عِنْدَ رَ ّبهِمْ وَل َ
شرح الكلمات:
{ ُهدَا ُهمْ} :هدايتهم إلى اليمان وصالح العمال.
{مِنْ خَيْرٍ} :من مال.
سكُمْ} :ثوابه العاجل بالبركة وحسن الذكر والجل يوم القيامة عائد على أنفسكم.
{فَلَ ْنفُ ِ
{ ُي َوفّ إِلَ ْيكُمْ} :يرد أجره كاملً ل ينقص منه شيء.
حصِرُوا} :حبسوا ومنعوا من التصرف لنهم هاجروا من بلدهم.
{ُأ ْ
{ضَرْبا فِي الَ ْرضِ} :أي :سيرا فيها لطلب الرزق بالتجارة وغيرها لحصار العدو لهم.
{بِسِيمَاهُمْ} :علمات حاجتهم من رثاثة الثياب وصفرة الوجه.
{مِنَ ال ّت َع ّففِ} :ترك سؤال الناس والكف عنه.
{إِ ْلحَافا} : 2إلحاحا وهو ملزمة السائل من يسأله حتى يعطيه.
معنى اليات:
لما أمر تعالى بالصدقات ورغب فيها وسألها غير المؤمنين من الكفار واليهود فتحرج الرسول
__________
1قيل نزلت في علي ،إذ كان له أربعة دراهم فأنفقها على ما ذكر في الية ،والية عامة في
المنفقين من غير تبذير ول تقتير وفي كل حالة تتطلب النفاق سواء بالليل أو بالنهار سرا أو
علنية.
2اللحاح واللحاف ،والحفاء مصادر ألح في السؤال ،والحف وأحفى واللحاف مشتق من
اللحاف؛ لنه يشتمل على الملتحق به ،كذلك اللحاف في السؤال؛ لن المحلف يأتي أمام المسؤال
ويأتي عن يمينه وعن شماله يسأله ل يفارقه حتى يعطيه أو يمنعه.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/265
والمؤمنون من التصدق على الكافرين فأذهب ال تعالى عنهم هذا الحرج وأذن لهم بالتصدق على
غير المؤمنين والمراد من الصدقة :صدقة التطوع ل الواجبة وهي الزكاة ،فقال تعالى مخاطبا
رسوله وأمته تابعة له{ :لَيْسَ عَلَ ْيكَ ُهدَا ُهمْ} لم يوكل إليك أمر هدايتهم لعجزك عن ذلك ،وإنما
الموكل إليك بيان الطريق لغير ،وقد فعلت فل عليك أن ل يهتدوا ،ولو شاء ال هدايتهم لهداهم،
وما تنفقوا من مال تثابوا عليه ،سواء كان على مؤمن أو كافر إذا أردتم به وجه ال وابتغاء
مرضاته ،وأكد تعالى هذا الوعد الكريم بقولهَ { :ومَا تُ ْن ِفقُوا مِنْ خَيْرٍ ُي َوفّ إِلَ ْي ُكمْ} والحال أنكم ل
تظلمون بنقص ما أنفقتم ولو كان النقص قليلً .كان هذا معنى الية الولى( ،)272أما الية الثانية
حصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ }...فقد بين تعالى فيها أفضل جهة ينفق فيها المال
وهي{ :لِ ْلفُقَرَاءِ الّذِينَ ُأ ْ
ويتصدق به عليها ،وهي فقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم وأحصروا في
المدينة بجوار رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يستطيعون ضربا في الرض للتجارة ول للعمل،
ووصفهم تعالى بصفات يعرفهم بها رسوله والمؤمنون ولول تلك الصفات لحسبهم لعفتهم وشرف
حسَ ُبهُمُ ا ْلجَا ِهلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ ال ّت َع ّففِ َتعْ ِر ُفهُمْ
نفوسهم الجاهل بهم أغنياء غير محتاجين ،فقال تعالى{ :يَ ْ
بِسِيمَا ُهمْ} ل يسألون 1مجرد 2سؤال فضلً عن أن يلحوا ويلحفوا .ثم في نهاية الية أعاد تعالى
وعده الكريم بالمجازاة على ما ينفق في سبيله ،فقالَ { :ومَا تُ ْنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنّ اللّهَ ِبهِ عَلِيمٌ}
ولزمه أن يثيبكم عليه أحسن ثواب فابشروا واطمأنوا.
وأما الية الثالثة( )274في آخر آيات الدعوة إلى النفاق جاءت تحمل أعظم بشر للمنفقين في كل
أحوالهم بالليل والنهار سرا وعلنية بأن أجر نفقاتهم مدخر لهم عند ربهم يتسلمونه يوم يلقونه،
ول خوف عليهم ول هم يحزنون في الدنيا والبرزخ والخرة.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1جواز التصدق على الكافر المحتاج بصدقة التطوع ل الزكاة فإنها حق 3المؤمنين
__________
1متى تحل المسألة؟ قال أحمد :إذا لم يكن للمرء ما يغديه ويعشيه جاز له السؤال ،وقال :ل يسأل
الرجل لغيره ،ولكن يقول لغيره تصدقوا لقوله صلى ال عليه وسلم" :اشفعوا تؤجروا" .
2أي ل يسألون بإلحاح ول بدونه فهم ل يسألون غيرهم البتة.
3شاهده قوله صلى ال عليه وسلم" :أمرت أن آخد الصدقة من أغنيائكم وأردها على فقرائكم" ،
وشاهده في الصحيح" :خذ الصدقة من أغنيائهم وردها على فقرائهم" .
( )1/266
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-2ثواب الصدقة عائد على المتصدق عليه فلذا ل يضر إن كان كافرا.
-3وجوب الخلص في الصدقة أي :يجب أن يراد بها وجه ال تعالى ل غير.
-4تفاضل أجر الصدقة بحسب فضل وحاجة المتصدق عليه.
-5فضيلة التعفف وهو ترك السؤال مع الحتياج ،1وذم اللحاح في الطلب من غير ال تعالى
أما ال عز وجل فإنه يحب الملحين في دعائه.
-6ل جواز التصدق بالليل والنهار وفي السر والعلن إذ الكل يثيب ال تعالى فعليه ما دام قد أريد
به وجهه ل وجه سواه.
بشرى ال تعالى للمؤمنين المنفقين بادخار أجرهم عنده تعالى و نفي الخوف والحزن عنهم مطلقا.
{الّذِينَ يَ ْأكُلُونَ الرّبا ل َيقُومُونَ إِل َكمَا َيقُومُ الّذِي يَتَخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ ا ْلمَسّ ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ قَالُوا إِ ّنمَا
ف وََأمْ ُرهُ
حلّ اللّهُ الْبَ ْي َع وَحَرّمَ الرّبا َفمَنْ جَا َءهُ َموْعِظَةٌ مِنْ رَبّهِ فَانْ َتهَى فَلَهُ مَا سََل َ
الْبَيْعُ مِ ْثلُ الرّبا وََأ َ
حقُ اللّهُ الرّبا وَيُرْبِي الصّ َدقَاتِ
صحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَاِلدُونَ(َ )275يمْ َ
إِلَى اللّ ِه َومَنْ عَادَ فَأُولَ ِئكَ َأ ْ
ت وََأقَامُوا الصّلةَ وَآ َتوُا ال ّزكَاةَ
عمِلُوا الصّالِحَا ِ
حبّ ُكلّ َكفّارٍ أَثِيمٍ( )276إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ
وَاللّهُ ل يُ ِ
خوْفٌ عَلَ ْيهِ ْم وَل ُهمْ يَحْزَنُونَ(})277
َلهُمْ َأجْرُهُمْ عِنْدَ رَ ّبهِمْ وَل َ
__________
1من أعطى شيئا من غير طلب ول تشوف جاز له أخذه لحديث الصحيح" :أن النبي صلى ال
ل فقال عمر أعطه أفقر إليه مني .فقال صلى ال عليه وسلم" :خذه وما
عليه وسلم أعطى عمر ما ً
جاءك من المال وأنت غير مشرف ول سائل فخذه ومال فل تتبعه نفسك" .
( )1/267
شرح الكلمات:
{يَ ْأكُلُونَ الرّبا : }1يأخذونه ويتصرفون فيه بالكل في بطونهم ،وبغير الكل ،والربا هنا :ربا
النسيئة وحقيقته أن يكون لك على المرء دين فإذا حل أجله ولم يقدر على تسديده تقول له :أخر
وزد .فتؤخره أجلً وتزيد في رأس المال قدرا معينا ،هذا هو ربا الجاهلية والعمل به اليوم في
البنوك الربوية فيسلفون المرء مبلغا إلى أجل ويزيدون قدرا آخر نحو العشر أو أكثر أو أقل،
والربا حرام بالكتاب والسنة والجماع وسواء كان ربا فضل 2أو ربا نسيئة.
{ل َيقُومُونَ} :من قبوهم يوم القيامة.
{يَ َتخَبّطُهُ 3الشّ ْيطَانُ} :يضر به الشيطان ضربا غير منتظم.
{مِنَ ا ْلمَسّ : }4المس :الجنون ،يقال :بفلن مس من جنون.
{ َموْعِظَةٌ} :أمر أو نهي بترك الربا.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{فَلَهُ مَا سََلفَ} :ليس عليه أن يرد الموال التي سبقت توبته.
حقُ اللّهُ الرّبا} :أي :يذهبه شيئا فشيئا حتى ل يبقى منه شيء؛ كمحاق القمر آخر الشهر.
{ َيمْ َ
{وَيُرْبِي الصّ َدقَاتِ} :يبارك في المال الذي أخرجت منه ،ويزيد فيه ،ويضاعف أجرها أضعافا
كثيرة.
{ َكفّارٍ أَثِيمٍ} :الكفار :شديد الكفر ،يكفر بكل حق وعدل وخير ،أثيم :منغمس في الذنوب ل يترك
كبيرة ول صغيرة إل ارتكبها.
__________
1لغة الزيادة وشاهده الحديث" :وال ما أخذنا من لقمة إل ربا من تحتها" أي :الطعام وعبر عن
الخذ بالكل ،لن الخذ يراد للكل غالبا ،وكل حرام قد يطلق عليه الربا تجوزا.
2ربا الفضل بيانه في حديث مسلم" :الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير
والتمر والتمر بالملح بالملح مثل بمثل ،يدا بيد ،فمن زاد أو استزاد فقد أربى الخذ والمعطي
سواء" .وقال صلى ال عليه وسلم في حديث آخر" :فإذا اختلفت الجناس فيبيعوا كيف شئتم إذا
كان يدا بيد" .
3يقال :خطة وتخبطة كملكه وتملكه ،وعبده وتعبده ،والتخبط :الضرب في غير استواء ،ومنهم
قولهم :خبط عشواء.
4أصل المس :اللمس باليد ،ومن مسه الشيطان اختلط عقله وأصبح يصيح بسبب مس الشيطان له
فيقال :فلن يصرع من الجن ،أي :من مس الجن له ،والشيطان من الجن ،فالمرابي يقوم يوم
القيامة من قبره كالمجنون الذي به مس الجن يصرع صرعه.
( )1/268
معنى اليتين:
لما حث ال على الصد قات وواعد عليها بعظيم الجر ومضا عف الثواب ذكر المرابين الذين
يضاعفون مكاسبهم المالية بالربا وهم بذلك يسدون طرق البر ،ويصدون عن سبيل المعروف فبدل
أن ينموا أموالهم بالصدقات نموها بالربويات ،فذكر تعالى حالهم عند القيام من قبورهم وهم
يقومون ،ويقعدون ويغفون 1ويُصرعون ،حالهم من حال يصرع في الدنيا بمس الجنون ،علمة
يعرفون بها يوم القيامة كما يعرفون بانتفاخ بطونهم وكأنها خيمة مضروبة بين أيديهم .قال تعالى:
{الّذِينَ يَ ْأكُلُونَ الرّبا ل َيقُومُونَ إِل َكمَا َيقُومُ الّذِي يَتَخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ ا ْلمَسّ} ,وذكر تعالى سبب
هذه النقمة عليهم فقال{ :ذَِلكَ} أي :أصابهم ذلك الخزي والعذاب بأنهم ردوا علينا حكمنا بتحريم
الربا ،وقالوا إنما البيع مثل الربا ،إذ الربا الزيادة في نهاية الجر ،والبيع في أوله ،ورد تعالى
حلّ اللّهُ الْبَيْعََ 2وحَرّمَ الرّبا} فما دام قد حرم الربا فل معنى للعتراض ،ونسوا
عليهم ،فقال{ :وََأ َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أن الزيادة في البيع هي في قيمة سلعة تغلو وترخص ،وهي جارية على قانون الذن في التجار،
وأما الزيادة في آخر البيع فهي زيادة في الوقت فقط .ثم قال تعالى مبينا لعباده سبيل النجاة محذرا
من طريق الهلكَ { :فمَنْ جَا َءهُ َموْعِظَةٌ مِنْ رَبّهِ} وهي تحريمه تعالى للربا ونهيه عنه فانتهى عنه
فله ما سلف قبل معرفته للتحريم ،أو قبل توبته منه ،وأمره بعد ذلك إلى ال إن شاء ثبته على
التوبة فنجاه ،وإن شاء خذله لسوء عمله ،وفساد نيته فأهلكه وأرداه ،وهذا معنى قوله تعالى{ :اللّهِ
َومَنْ عَادَ فَأُولَ ِئكَ َأصْحَابُ النّارِ ُهمْ فِيهَا خَاِلدُونَ} .أخبر تعالى أنه بعدله يمحق 3الربا ،وبفضله
يربي الصدقات ،وأنه ل يحب كل كفار لشرع ال وحدوده ،أثيم بغشيانه الذنوب وارتكابه
المعاصي .كان هذا معنى الية الولى( ،)275أما الية الثانية( )276فهي وعد رباني صادق
وبشرى إلهية سارة لكل من آمن وعمل صالحا وأقام الصلة على الوجه الذي تقام به وآتي الزكاة
بأن له أجره ،وافٍ عند ربه يتسلمه يوم الحاجة إليه في عرصات القيامة وأنه ل يخاف مما
يستقبله في الحياة الدنيا والخرة ول يحزن أيضا في الدنيا ول في الخرة.
__________
1قال ابن عطية :وأما ألفاظ الية فيحتمل تشبيه حال القائم بحرص وجشع إلى تجارة الربا بقيام
المجنون لن الطمع والرغبة تستفزه حتى تضطرب أعضاؤه كما يقوم المسرع في مشيه يخلط في
هيئة حركاته حتى يقال :قد جن هذا ،ولكن ما جاءت به قراءة ابن مسعود ،إذا كان يقرأ :ل
يقومون يوم القيامة مع –تظافر أقوال المفسرين يضعف هذا التأويل.
2في هذا دليل على أنه ل قياس مع ،النص ،فالمشركون قاسوا الربا على البيع فأبطل ال قياسهم؛
لن الربا حرام فل يقاس على البيع الحلل.
3روى ابن مسعود أن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :إن الربا وإن كثر فعاقبته إلى قل " أي:
إلى قلة ونقصان.
( )1/269
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1بيان عقوبة آكل الربا يوم القيامة لستباحتهم وأكلهم له ،وعدم التوبة منه.
-2تحريم الربا وكل مال حرام لما جاء في الية من الوعيد الشديد.
-3صفة الحب ل تعالى وأنه تعالى يحب أولياءه وهم أهل اليمان به وطاعته ويكره أعداءه وهم
أهل الكفر به ومعاصيه من أكل الربا وغيره من كبائر الذنوب.
-4حلية البيع إن تم على شروطه المبنية في كتب الفقه.
-5من تاب من الربا تقبل توبته ،ويحل له ما أفاده منه قبل التوبة بشرط سيأتي في اليات بعد
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هذه.
-6وعيد ال تعالى بمحق الربا ووعده بإرباء 1الصدقة.
-7بشرى ال تعالى لهل اليمان والعمل الصالح مع إقامتهم للصلة وإيتائهم للزكاة.
{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا َبقِيَ مِنَ الرّبا إِنْ كُنْ ُتمْ ُم ْؤمِنِينَ( )278فَإِنْ لَمْ َتفْعَلُوا فَأْذَنُوا
ن وَل ُتظَْلمُونَ( )279وَإِنْ كَانَ ذُو
بِحَ ْربٍ مِنَ اللّ ِه وَرَسُولِ ِه وَإِنْ تُبْتُمْ فََلكُمْ ُرؤُوسُ َأ ْموَاِلكُمْ ل تَظِْلمُو َ
جعُونَ فِيهِ
عُسْ َرةٍ فَ َنظِ َرةٌ إِلَى مَيْسَ َر ٍة وَأَنْ َتصَ ّدقُوا خَيْرٌ َل ُكمْ إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ( )280وَا ّتقُوا َيوْما تُ ْر َ
ت وَهُمْ ل ُيظَْلمُونَ(})281
إِلَى اللّهِ ُثمّ ُت َوفّى ُكلّ َنفْسٍ مَا كَسَ َب ْ
شرح الكلمات:
{ا ّتقُوا اللّهَ} :خافوا عقابه بطاعته بأن تجعلوا طاعته وقاية تقيكم غضبه وعقابه.
__________
1شاهده من الكتابَ { :يمْحَقُ اللّهُ الرّبا وَيُرْبِي الصّ َدقَاتِ} ومن السنة قوله صلى ال عليه وسلم:
"إن الربا وإن كثر فعاقبته إلى قل" ،وقوله" :إن العبد إذا تصدق من طيب يقبلها ال منه فيأخذها
بيمينه ويربيها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله ،وإن الرجل يتصدق باللقمة فتربوا في يد ال -أو
قال -في كف ال حتى تكون مثل أحد فتصدقوا" .
( )1/270
{وَذَرُوا مَا َب ِقيَ مِنَ الرّبا} :اتركوا ما بقي عندكم من المعاملت الربوية.
{فَأْذَنُوا ِبحَ ْربٍ} :اعلموا بحرب من ال ورسوله واحملوا سلحكم ولينفعكم 1سلح فإنكم
المهزومون الهالكون.
{فََلكُمْ ُرؤُوسُ َأ ْموَاِلكُمْ} :بعد التوبة مالكم إل رأس المال الذي عند المدين لكم فخذوه واتركوا
زيادة الربا.
العسرة :الشدة والضائقة المالية.
{فَ َنظِ َرةٌ إِلَى مَيْسَ َرةٍ} :أي انتظار للمدين إلى أن ييسر ال عليه فيعطيكم رأس مالكم الذي أخذه
منكم.
{وَأَنْ َتصَ ّدقُوا} :وأن تتصدقوا على المعسر بترك ما لكم عليه فذلك خير لكم.
معنى اليات:
بمناسبة ذكر عقوبة آكل الربا في اليات السابقة نادى ال تعالى عباده المؤمنين آمرا إياهم بتقواه
تعالى ،وذلك بطاعته وترك معصيته ،وبالتخلي عما بقي عند بعضهم من المعاملت الربوية
مذكرا إياهم بإيمانهم إذ من شأن المؤمن الستجابة لنداء ربه فعل ما يأمره به وترك ما ينهاه عنه
فقال تعالى{ :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّ َه وَذَرُوا مَا َب ِقيَ مِنَ الرّبا إِنْ كُنْتُمْ ُمؤْمِنِينَ} ،ثم هذه
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المتباطئين بقوله :فإن لم تفعلوا فاعلموا بحرب 2قاسية ضروس من ال ورسوله ،ثم بين لهم
طريق التوبة وسبيل الخلص من محنة الربا بقوله :وإن تبتم بترك الربا فلكم رؤوس 3أموالكم ل
غير ل تظلمون بأخذ زيادة ،ول تظلمون بنقص من رأس مالكم .وإن وجد مدين لكم في حالة
إعسار فالواجب انتظاره إلى ميسرته ،4وشيء آخر وهو خير لكم أن تتصدقوا بالتنازل عن
ديونكم كلها تطهيرا لموالكم التي لمسها الربا وتزكية لنفسكم من آثاره السيئة .ثم ذكر تعالى
سائر عباده يوم القيامة وافيه من أهوال ومواقف
__________
1قال ابن عباس رضي ال عنهما" :من كان مقيما على الربى ل ينزع فحق على إمام المسلمين
أن يستتيبه فإن نزع وإل ضرب عنقه".
2حرمة الربا مجمع عليها ،والحاديث الواردة في تحريمه كثيرة جدا ،أذكر منها ،حديث مسلم:
"اجتنبوا السبع الموبقات" وذكر منها أكل الربا ،وحديث أبي داود" :لعن ال آكل الربا وموكله
وكاتبه وشاهديه" .
3استدل بعض الفقهاء بهذه الية على أن كل ما طرأ على البيع قبل القبض مما يوجب تحريم
العقد أبطل العقد.
4ورد في فضل إنذار المعسر أحاديث منها" :من أنظر معسرا كان له بكل يوم صدقة" .وقوله:
"من سره أن ينجيه من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه" .
( )1/271
صعبة حيث يتم الحساب الدقيق وتجزي فيه كل نفس مؤمنة أو كافرة بارة أو فاجرة ما كسبته من
جعُونَ
خير وشر وهو ل يظلمون بنقص حسناتهم أو زيادة سيئاتهم فقال تعالى { :وَاتّقُوا َيوْما تُ ْر َ
ت وَ ُه ْم ل ُيظَْلمُونَ} وهذا التوجيه الذي حملته هذه الية ذات
فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمّ ُت َوفّى ُكلّ َنفْسٍ مَا كَسَ َب ْ
الرقم ( )280آخر توجيه تلقته البشرية من ربها تعالى إذ هذه آخر ما نزل من السماء على رسول
ال صلى ال عليه وسلم.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب التوبة من الربا ومن كل المعاصي.
-2المصر على المعاملت الربوية يحب على الحاكم أن يحاربه 1بالضرب على يديه حتى يترك
الربا.
-3من تاب من الربا ل يظلم بالخذ من رأس ماله بل يعطاه وافيا كاملً إل أن يتصدق بالتنازل
ل ومآلً.
عن ديونه الربوية فذلك خير له حا ً
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-4وجوب ذكر الدار الخرة والستعداد لها باليمان والعمل الصالح وترك الربا والعاصي.
س ّمىً فَاكْتُبُو ُه وَلْ َيكْ ُتبْ بَيْ َن ُكمْ كَا ِتبٌ بِا ْلعَ ْدلِ وَل يَ ْأبَ
جلٍ مُ َ
{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ 2آمَنُوا إِذَا َتدَايَنْتُمْ ِبدَيْنٍِ 3إلَى َأ َ
ق وَلْيَتّقِ اللّهَ رَبّهُ وَل يَ ْبخَسْ مِنْهُ شَيْئا
حّب وَلْ ُيمِْللِ الّذِي عَلَيْهِ الْ َ
كَا ِتبٌ أَنْ َيكْ ُتبَ َكمَا عَّلمَهُ اللّهُ فَلْ َيكْ ُت ْ
ضعِيفا َأوْ ل يَسْ َتطِيعُ
سفِيها َأ ْو َ
فَإِنْ كَانَ الّذِي عَلَ ْيهِ ا ْلحَقّ َ
__________
1قال ابن خويز منداد" :ولو أن أهل بلد اصطلحوا على الربا استحللً له كانوا مرتدين ،والحكم
فيهم كالحكم في أهل الردة ،وإن لم يكن ذلك منهم استحللً ،للمام محاربتهم ،أل ترى أن ال
تعالى قد أذن في ذلك فقال{ :فَ ْأذَنُوا بِحَ ْربٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} .
2قال ابن عباس رضي ال عنهما" :نزلت هذه الية في السلم خاصة ،يعني :إن سلم أهل المدينة
كان سبب نزولها وهي عامة في كل الديون بل خلف.
3رفع بلفظ" :يدين" ،الشتراك ،إذ التداين معناه :دان بعضهم بعضا ،إذا جازاه بعمله ومنه قولهم:
"دناهم كما دنوا فلما قال بدين رفع المعنى العام وأصبح خاصا بالتداين المالي.
( )1/272
جلٌ
شهِيدَيْنِ مِنْ ِرجَاِلكُمْ فَإِنْ َلمْ َيكُونَا رَجُلَيْنِ فَ َر ُ
ش ِهدُوا َ
ل وَاسْتَ ْ
أَنْ ُي ِملّ ُهوَ فَلْ ُيمِْللْ وَلِيّهُ بِا ْلعَ ْد ِ
شهَدَاءُ إِذَا
حدَا ُهمَا الُخْرَى وَل يَ ْأبَ ال ّ
ش َهدَاءِ أَنْ َتضِلّ ِإحْدَا ُهمَا فَ ُت َذكّرَ إِ ْ
ضوْنَ مِنَ ال ّ
وَامْرَأَتَانِ ِممّنْ تَ ْر َ
شهَا َد ِة وَأَدْنَى
صغِيرا َأوْ كَبِيرا إِلَى َأجَلِهِ ذَِلكُمْ َأ ْقسَطُ عِ ْندَ اللّهِ وََأقْوَمُ لِل ّ
مَا دُعُوا وَل َتسَْأمُوا أَنْ َتكْتُبُوهُ َ
شهِدُوا ِإذَا
أَل تَرْتَابُوا إِل أَنْ َتكُونَ ِتجَا َرةً حَاضِ َرةَ ُتدِيرُو َنهَا بَيْ َنكُمْ فَلَيْسَ عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ أَل َتكْتُبُوهَا وَأَ ْ
شهِي ٌد وَإِنْ َت ْفعَلُوا فَإِنّهُ فُسُوقٌ ِبكُ ْم وَا ّتقُوا اللّ َه وَ ُيعَّل ُمكُمُ اللّ ُه وَاللّهُ ِب ُكلّ
ب وَل َ
تَبَا َيعْتُ ْم وَل ُيضَارّ كَا ِت ٌ
شيْءٍ عَلِيمٌ(})282
َ
شرح الكلمات:
{ َتدَايَنْتُمْ : }1داين بعضكم بعضا في شراء أو بيع أو سلم أو قرض.
س ّمىً : }2وقت محدد باليام أو الشهور أو العوام.
جلٍ ُم َ
{إِلَى َأ َ
{بِا ْلعَ ْدلِ} :بل زيادة ول نقصان ول غش أو احتيال بالحق والنصاف.
{وَل يَ ْأبَ} :ل يمتنع الذي يحسن الكتابة أن يكتب.
حقّ} :لن إملءه اعتراف منه وإقرار بالذي عليه من الحق.
{وَلْ ُيمِْللِ الّذِي عَلَ ْيهِ الْ َ
{وَل يَبْخَسْ مِ ْنهُ شَيْئا} :ل ينقص من الدين الذي عليه شيء ولو قل كفلس وليذكره كله.
__________
1تداين :تفاعل من الدين ،يقال :داينت الرجل ،عاملته بدين معطيعا أو آخذا كما بايعته إذا بعته
أو باعك.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
2ذكر الجل المسمى يجعل الية في بيع السلم لحديث الصحيح" :من أسلف في تمر فليسلف في
كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم" .والسلم والسلف واحد .ويقال له :بيع المحاويج.
( )1/273
شرح الكلمات:
ضعِيفا} :السفيه :الذي ل يحسن التصرفات المالية ،والضعيف :العاجز عن الملء؛
سفِيها َأ ْو َ
{َ
كالخرس ،أو الشيخ الهرم.
{وَلِيّهُ} :من يلي أمره ويتولى شؤونه لعجزه وقصوره.
{مِنْ ِرجَاِلكُمْ} :أي المسلمين الحرار دون العبيد والكفار.
ضلّ ِإحْدَا ُهمَا} :تنسى أو تخطئ لقصر إدراكها.
{أَنْ َت ِ
{وَل تَسَْأمُوا} :ل تضجروا أو تملوا من الكتابة ولو كان الدين صغيرا مبلغه.
سطُ عِ ْندَ اللّهِ} :أعدل في حكم ال وشرعه.
{َأقْ َ
شهَا َدةِ} :أثبت لها وأكثر تقريرا؛ لن الكتابة ل تنسى والشهادة تنسى أو يموت الشاهد أو
{وََأ ْقوَمُ لِل ّ
يغيب.
{وَأَدْنَى أَل تَرْتَابُوا : }1أقرب أن ل تشكوا بخلف الشهادة بدون كتابة.
{ ُتدِيرُو َنهَا بَيْ َنكُمْ} :أي :تتعاطونها ،البائع يعطي البضاعة والمشتري يعطي النقود فل حاجة إلى
كتابتها ول حرج أو إثم يترتب عليها.
شهِدُوا ِإذَا تَبَا َيعْتُمْ} :إذا باع أحد أحدا دارا أو بستانا أو حيوانا يشهد على ذلك البيع.
{وَأَ ْ
شهِيدٌ} بأن يكلف مالً يقدر عليه بأن يدعي ليشهد في مكان بعيد يشق عليه
ب وَل َ
{وَل ُيضَارّ كَا ِت ٌ
أو يطلب إليه أن يكتب زورا أو يشهد به.
{فُسُوقٌ ِبكُمْ} :أي :خروج عن طاعة ربكم لحق بكم إثمه وعليكم تبعته يوم القيامة.
{وَا ّتقُوا اللّهَ} :في أوامره فافعلوها ،وفي نواهيه فاتركوها ،وكما علمكم هذا يعلمكم كل ما
تحتاجون فاحمدوه بألسنتكم واشكروه بأعمالكم ،وسيجزيكم بها وهو بكل شيء عليم.
__________
1روى أبو داود والترمذي أن أول من جحد آدم ،إذ أراه ال تعالى ذريته فرأى رجلً أزهر
ساطع النور فسأل ال تعالى فقال :إنه داود .فقال :رب كم عمره؟ قال :ستون .قال :فزده من
عمري أربعين ليكمل له مائة فزاده ،وكان عمر آدم ألف سنة وكتب ال ذلك في كتاب ولما عاش
آدم وحضرته الوفاة قال :رب بقي من عمري أربعون سنة .فقال ال تعالى :ألم تكن قد وهبتها
لولدك داود .فجحد آدم فأخرج الكتاب قد شهد عليه الملئكة إلى أن ال تعالى وفى لدم ألف سنة
ولداود مائة" .نقلناه بالمعنى".
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/274
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يغير ،وفيه تذكير له بالنعمة إذ كان ل يعرف الكتابة فعلمه ال إذا فليشكر ال هذه النعمة بالكتابة
لمن طلبها منه.
( )1/275
( )1/276
خفُوهُ يُحَاسِ ْب ُكمْ بِهِ اللّهُ فَ َي ْغفِرُ ِلمَنْ يَشَا ُء وَ ُيعَ ّذبُ مَنْ
سكُمْ أَو تُ ْ
َومَا فِي الَ ْرضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَ ْنفُ ِ
شيْءٍ قَدِيرٌ(})284
يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ
شرح الكلمات:
السفر :الخروج من الدار والبلد ظاهرا أو بعيدا بمسافة أربعة برد فأكثر.
{وَلَمْ َتجِدُوا كَاتِبا} :من يكتب لكم ،أو لم تجدوا أدوات الكتابة من دواة وقلم.
{فَرِهَانٌ َمقْبُوضَةٌ} :فاعتاضوا عن الكتابة الرهن فليضع المدين رهنا لدى الدائن.
ضكُمْ َبعْضا} :فل حاجة إلى الرهن.
{فَإِنْ َأمِنَ َب ْع ُ
فليؤد المؤتمن أمانته :أي :فليعط الدين الذي أؤتمن عليه حيث تعذرت الكتابة ولم يأخذ دائنه منه
رهنا على دينه.
{آثِمٌ قَلْبُهُ} :لن الكتمان من عمل القلب فنسب الثم إلى القلب.
{وَإِنْ تُبْدُوا} :تظهروا.
معنى اليتين:
لما أمر تعالى بالشهاد والكتابة في البيوع والسلم والفروض في اليات السابقة أمر هنا –عند
تعذر الكتابة لعدم وجود كاتب أو أدوات الكتابة وذلك في السفر -أمر بالستعاضة عن الكتابة
بالرهن وذلك بأن يضع المدين رهنا لدى دائنه عوضا عن الكتابة يستوثق به دينه هذا في حال
عدم ائتمانه والخوف منه ،وأما إن أمن بعضهم بعضا فل باس بعدم الرتهان فقال تعال{ :وَإِنْ
سفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبا فَ ِرهَانٌ َمقْبُوضَةٌ }...2والرهان جمع رهن .3وقال{ :فَإِنْ َأمِنَ
كُنْتُمْ 1عَلَى َ
ضكُمْ َبعْضا} فلم تأخذوا رهانا{ ،فَلْ ُيؤَدّ الّذِي اؤْ ُتمِنَ َأمَانَتَ ُه وَلْيَتّقِ اللّهَ رَبّهُ} في ذلك .ثم
َب ْع ُ
__________
1الرهن جائز بالكتاب وهذه الية نص في الرهن في السفر ،وأما في الحضر فهو جائز بالسنة
وإجماع المة ،فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى ال عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما،
فطلب اليهودي رهنا فرهنه درعه صلى ال عليه وسلم ،فمات ودرعه مرهونة في ثلثين صاعا
من شعير.
2قولهَ { :مقْبُوضة} دل على اشتراط القبض ولو بالوكالة ولو أن عدلً من الناس وضع الرهن
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تحت يده جاز ،إذ هو معنى القبض ،ويجوز رهن ما في الذمة كأن يرهن المدين دينا له ثابتا في
ذمة مالي معترف غير منكر ،لن الستيثاق يحصل بذلك.
3أصل الرهن الدوام ،وشرعا :حبس عين في دين لستيفاء الدين من العين أو من منافعها إذا
عجز المدين عن التسديد ،ويجمع الرهن على رهان ،ورهن.
( )1/277
( )1/278
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/279
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
3ورد في فضل خاتمة البقرة أحاديث كثيرة منها :قوله صلى ال عليه وسلم" :أوتيت هذه اليات
من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يؤتهن نبي قبلي" .
( )1/280
قد عفا عنهم في النسيان والخطأ وخفف عنهم في التشريع فما جعل عليهم في الدين من حرج،
وعفا عنهم وغفر لهم ورحمهم ونصرهم على الكافرين بالحجة والبيان وفي المعارك بالسيف
والسنان فله الحمد والمنة وهو الكبير المتعال.
هداية اليتين:
من هداية اليتين:
-1تقرير أركان اليمان وهي اليمان وملئكته وكتبه ورسله.
-2وجوب اليمان بكافة الرسل وحرمه اليمان ببعض وترك البعض وهو كفر والعياذ بال
تعالى,
-3وجوب طاعة ال ورسوله والتسليم والرضا بما شرع ال ورسوله وحرمة رد شيء من ذلك.
-4رفع الحرج 1عن هذه المة رحمة بها.
-5عدم المؤاخذة بالنسيان 2أو الخطأ فمن نسي وأكل أو شرب وهو صائم فل إثم عليه أو أخطأ
فقتل فل إثم عليه.
-6العفو عن حديث النفس 3لنزول الية فيه ما لم يتكلم المؤمن أو يعمل.
-7تعليم هذا الدعاء واستحباب الدعاء به إئتساء بالرسول صلى ال عليه وسلم وأصحابه وقد
ورد من قرأ هاتين اليتين 4عند النوم كفتاه {آمَنَ الرّسُولُ }...السورة.
__________
ج َعلَ عَلَ ْي ُكمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ} .
1شاهده قوله تعالى من سورة الحجَ { :ومَا َ
2حديث" :رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" .أي :رفع إثمه .أما أحكامه ،ففيها
تفصيل :فالغرامات ل تسقط ،فمن كسر آنية خطأ أو نسيانا يغرمها لصاحبها ،ومن نسى صلة
مفروضة قضاها ،ومن قتل خطأ دفع الدية ويسقط القصاص بالخطأ ،كما يسقط الكفر بالنطق خطأ
وسهوا.
3شاهده حديث" :إن ال تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل" .رواه
الجماعة.
4لحديث مسلم عن ابن مسعود رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم" :من قرأ هاتين
اليتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه" .أي :من قام الليل لحديث" :من قرأ بعد العشاء
مرتين أجزأتاه من قيام الليل ،وكفتاه من شر الشيطان ،فل يكون له عليه سلطان" .
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/281
سورة آل عمران
...
سورة آل عمران 1
مدنية
وآياتها مائتا آية بل خلف
حمَنِ الرّحِيمِ
بِسْمِ اللّهِ الرّ ْ
حيّ ا ْلقَيّومُ( )2نَ ّزلَ عَلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ
{الم( )1اللّهُ ل إِلَهَ إِل ُهوَ الْ َ
__________
1صدر هذه السورة إلى ثلث وثمانين آية نزلت في وفد نجران سنة تسع من الهجرة.
( )1/281
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
1ال :اسم علم على ذات الرب تبارك وتعالى ومعناه :الله الحق الذي ل يستحق العبادة سواه،
ولذا فسرناه في التفسير بأنه المعبود الحق لكونه الله الحق الذي ل يعبد بحق غيره.
2معنى بين يديه :أنها تقدمته في النزول فكانت كأنها أمامه وهو وراءها ،وهو معنى :بين يديه.
3اختلف في لفظ التوراة هل هو مشتق من ورى الزند إذا أوقد به النار فهي لنور الهداية فيما
سميت التوراة ،أو هي معربة عن كلمة" :طورا" العبرية ،ومعنى طورا :الهدي ،وعلى كل حال
فهذا علم ل ينفع وجهالة ل تضر.
4وهي عند اليهود :خمسة أسفار :سفر التكوين ،سفر الخروج ،وسفر اللويين ،وسفر العدد،
وسفر تثنية الشتراع.
( )1/282
{وَالِنْجِيلَ} : 1كتاب عيسى عليه السلم ومعناه باليونانية :التعليم الجديد .2
{ا ْلفُ ْرقَانَ} : 3ما فرق ال به بين الحق والباطل من الحجج القرآنية والمعجزات اللهية والعقول
النيرة البشرية التي لم يغلب عليها التقليد والجمود والهوى.
صوّ ُركُمْ فِي الَرْحَامِ} :التصوير إيجاد الصورة للشيء لم تكن له من قبل ،والرحام :جمع
{ ُي َ
رحم :مستودع الجنين.
معنى اليات:
أخرج ابن جرير الطبري بأسانيد صحيحة أن وفد 4نجران والمكون من ستين راكبا فيهم أشرافهم
وأهل الحل والعقد منهم ،وفدوا على رسول ال صلى ال عليه وسلم يحاجونه في أمر المسيح عليه
السلم ،ويريدون أن يثبتوا إلهيته بالدعاء الباطل فأنزل ال تعالى نيفا وثمانين آية من فاتحة
السورة {ألم} إلى ما يقرب الثمانين .وذلك ردا لباطلهم ،وإقامة للحجة عليهم ،وسيلحظ هذا
المتدبر لليات ويراه واضحا جليا في السياق القرآني في هذه اليات.
فقد قال تعالى{ :الم ،اللّهُ ل إِلَهَ 5إِل ُهوَ} فأخبر أنه تعالى ل معبود بحق إل هو ،فأبطل عبادة
حيّ ا ْلقَيّومُ}
المسيح عليه السلم وعبادة كل معبود سوى ال تعالى من سائر المعبودات ،وقال{ :ا ْل َ
فذكر برهان استحقاقه للعبادة دون غيره ،وهو كونه تعالى حيا أزلً وأبدا وكل حي غيره مسبوق
بالعدم ويلحقه الفناء .فلذا ل يستحق اللوهية إل هو عز وجل .والمسيح عليه السلم مسبوق بالعدم
ويلحقه الفناء فكيف يكون إلها؟ وقال تعالى القيوم أي القائم على كل الخلق بالتربية والرعاية
والحفظ والتدبير والرزق ،وما عداه فليس له ذلك بل هو مربوب مرزوق فكيف يكون إلها مع ال؟
ودليل ذلك أنه نزل عليك الكتاب :القرآن بالحق مصحوبا به ليس فيه
__________
1النجيل ،قيل :معناه الصل ،إذ هو أصل العلوم والحكم ،وجمعه :أناجيل ،وجمع التوراة :توارٍ.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
2ويطلق النجيل على أربعة كتب :إنجيل يوحنا ،ومرقص ،ولوقا ،وبرنابا.
3وفسر الفرقان بالقرآن ،وهو حق لقوله تعالى{ :تَبَا َركَ الّذِي نَ ّزلَ ا ْلفُ ْرقَانَ عَلَى عَبْ ِدهِ لِ َيكُونَ
لِ ْلعَاَلمِينَ نَذِيرا} ،وسمي فرقانا لنه فرق بين الحق والباطل.
4كان مجيء هذا الوفد في السنة التاسعة من الهجرة التي هي عام الوفود ،ولذا كان آخر السورة
متقدما في النزول عن أولها ،إذ آخرها كان في غزوة أحد ،وكانت في السنة الثالثة.
حيّ ا ْلقَيّومُ} هذه الجملة مع جملة{ :وَإَِل ُهكُمْ إَِل ٌه وَاحِدٌ ل ِإلَهَ إِل ُهوَ
5قوله{ :اللّهُ ل ِإلَهَ إِل ُهوَ ا ْل َ
حمَنُ الرّحِيمُ} قيل :أن فيهما اسم ال العظم.
الرّ ْ
( )1/283
من الباطل شيء فآياته كلها مثبتة لللوهية ل نافية لها عما سواه ،فكيف يكون المسيح إلها مع ال
أو يكون هو ال ،أو ابن ال كما يزعم نصارى نجران وغيرهم من نصارى اليونان والرومان
وغيرهم نزله مصدقا لما بين يديه من الكتب التي سبقته ل يخالفها ول يتناقض معها ،فدل ذلك أنه
وحي ال ،وأنزل من قبله التوراة والنجيل هدى للناس وأنزل الفرقان 1ففرق به بين الحق
والباطل في كل ما يلبس أمره على الناس فتبين أن الرب الخالق الرازق المدبر للحياة المحيي
المميت الحي الذي ل يموت هو الله الحق وما عداه مربوب مخلوق ل حق له في اللوهية
والعبادة وإن شفى مريضا أو أنطق أبكم أو أحيا ميتا بإذن ال تعالى فإن ذلك ل يؤهله لن يكون
إلها مع ال؛ كعيسى بن مرين عليه السلم فإن ما فعله من إبراء الكمه والبرص وإحياء الموتى
كان بقدرة ال وإذنه بذلك لعيسى وإل لما قدر على شيء من ذلك شأنه شأن عباد ال تعالى ،ولما
رد الوفد ما حاجهم به الرسول وأقام به الحجة عليهم تأكد بذلك كفرهم فتوعدهم الرب تعالى
شدِي ٌد وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْ ِتقَامٍ} وهذا وعيد شديد لكل
عذَابٌَ 2
بقوله{ :إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا بآيَاتِ اللّهِ َلهُمْ َ
من كذب بآيات ال وجحد بالحق الذي تحمله من توحيد ال تعالى ووجوب طاعته وطاعة رسوله
سمَاءِ } فلو
ض وَل فِي ال ّ
شيْءٌ فِي الَ ْر ِ
علَيْهِ َ
خفَى َ
صلى ال عليه وسلم ،وقال تعالى{ :إِنّ اللّهَ ل يَ ْ
كان هناك من يستحق اللوهية معه لعلمه وأخبر عنه ،كما قرر بهذه الجملة أن عزته تعالى ل
ترام وأنه على النتقام من أهل الكفر به لقدير .وذكر دليلً آخر على بطلن ألوهية المسيح فقال:
صوّ ُركُمْ فِي الَرْحَامِ كَ ْيفَ يَشَاءُ }3وعيسى عليه السلم قد صور في رحم مريم فهو
{ ُهوَ الّذِي ُي َ
قطعا ممن صور ال تعالى ،فكيف يكون إذا إلها أو إبنا ل كما زعم النصارى؟ وهنا قرر الحقيقة
حكِيمُ} فالعزة التي ل ترام والحكمة التي ل تخطئ هما مقتضيات
فقال{ :ل إَِلهَ إِل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ
ألوهيته الحقة التي ل يجادل فيها إل مكابر ول يجاحد فيها إل معاند؛ كوفد نصارى نجران ومن
على شاكلتهم من أهل الكفر والعناد.
__________
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
1الفرقان :وإن أطلق على القرآن لكونه فرق بين الحق والباطل والهدى والضلل والغي
والرشاد ،فإنه يطلق على كل ما يفرق بين الهدى والضلل؛ كالمعجزات ،وما يحصل للمؤمن
المتقي من نور يفرق بين الضار والنافع ،والخطأ والصواب.
2التنوين في عذاب :للتفخيم ،والشديد هو الذي ل يقادر قدره.
3أي :من حسن وقبح وسواد وبياض وطول وقصر ،وعاهة وسلمة وسعادة وشقاء.
( )1/284
هداية اليات
من هداية اليات:
-1تقرير ألوهية ال تعالى بالبراهين ونفي اللوهية 1عن غيره من سائر خلقه.
-2ثبوت رسالة النبي محمد صلى ال عليه وسلم بإنزال ال تعالى الكتاب عليه.
-3إقامة ال تعالى الحجة على عباده بإنزال كتبه والفرقان فيها الحق والباطل في كل شؤون
الحياة.
-4بطلن ألوهية المسيح؛ لنه مخلوق مصور في الرحام كغيره صوره ال تعالى على ما شاء
فكيف يكون بعد ذلك إلها مع ال 2أو ابنا له تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
ح َكمَاتٌ هُنّ ُأمّ ا ْلكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَا ِبهَاتٌ فََأمّا الّذِينَ فِي
{ ُهوَ الّذِي أَنْ َزلَ 3عَلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُ ْ
سخُونَ
قُلُو ِبهِمْ زَيْغٌ فَيَتّ ِبعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْ ِتغَاءَ ا ْلفِتْنَةِ وَابْ ِتغَاءَ تَ ْأوِيلِ ِه َومَا َيعْلَمُ تَ ْأوِيلَهُ إِل اللّ ُه وَالرّا ِ
فِي ا ْلعِلْمِ َيقُولُونَ آمَنّا بِهِ ُكلّ مِنْ عِنْدِ رَبّنَا َومَا َي ّذكّرُ إِل أُولُو الَلْبَابِ( )7رَبّنَا ل تُ ِزغْ قُلُوبَنَا َب ْعدَ إِذْ
حمَةً إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلوَهّابُ( )8رَبّنَا إِ ّنكَ جَامِعُ النّاسِ لِ َيوْمٍ ل رَ ْيبَ فِيهِ إِنّ
هَدَيْتَنَا وَ َهبْ لَنَا مِنْ لَدُ ْنكَ َر ْ
اللّهَ ل ُيخِْلفُ ا ْلمِيعَادَ(})9
__________
1أي :بالبراهين كذلك.
2ضلل النصارى أعظم ضلل وأسوأه ،إذ كيف يعقل أن يكون عيسى إلها وقد قتل وصلب في
اعتقادهم ،وكيف يكون إلها وهو ابن امرأة اسمها مريم ،وهم يعترفون بذلك ،فسبحان ال أين
تذهب عقول العقلء؟.
3أخرج مسلم عن عائشة رضي ال عنها أن رسول ال صلى ال عليه وسلم تلى ُ { :هوَ الّذِي
ي الَلْبَابْ} ثم قال" :إذا رأيتم الذين يبتغون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم
أَنْ َزلَ عَلَ ْيكَ} إلى{ :أول ِ
ال :فاحذروهم" .
( )1/285
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شرح الكلمات:
ح َكمَاتٌ : }1الظاهرة الدللة البينة المعنى التي ل تحتمل إل معنى واحدا ،وذلك كآيات الحكام
{مُ ْ
من حلل وحرام وحدود ،وعبادات ،وعبر وعظات.
{مُتَشَا ِبهَاتٌ} :غير ظاهرة الدللة محتملة لمعان يصعب على غير الراسخون في العلم القول فيها
وهي كفواتح السور ،وكأمور الغيب .2ومثل قول ال تعالى في عيسى عليه السلمَ ...{ :وكَِلمَتُهُ
ح ْكمُ إِل لِلّهِ . }..4
أَ ْلقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ 3وَرُوحٌ مِنْهُ }...وكقوله تعالى...{ :إِنِ الْ ُ
{فِي قُلُو ِبهِمْ زَيْغٌ} :الزيغ :الميل عن الحق بسبب شبهة أو شهوة أو فتنة.
{ابْ ِتغَاءَ ا ْلفِتْنَةِ} :أي :طلبا لفتنة المؤمنين في دينهم ومعتقداتهم.
{وَابْ ِتغَاءَ تَ ْأوِيلِهِ} :طلبا لتأويله ليوافق معتقداتهم الفاسدة.
{ َومَا َيعْلَمُ تَ ْأوِيلَهُ إِل اللّهُ} :وما يعلم ما يؤول إليه أمر المتشابه إل ال منزله.
سخُونَ فِي ا ْلعِلْمِ : }5هم أهل العلم اليقيني في نفوسهم الذين رسخت أقدامهم في معرفة الحق
{وَالرّا ِ
فل يزلون ول يشتطون في شبهة أو باطل.
{ ُكلّ مِنْ عِنْدِ رَبّنَا} :أي المحكم والمتشابه فنؤمن به جميعا.
{إِل أُولُو الَلْبَابِ} :أصحاب العقول الراجحة والفهوم السليمة.
{رَبّنَا ل تُ ِزغْ قُلُوبَنَا : }6أي :ل تمل قلوبنا عن الحق بعدما هديتنا إليه وعرفتنا به فعرفناه.
حمَةً} :أعطنا من عندك رحمة.
{وَ َهبْ لَنَا مِنْ َلدُ ْنكَ رَ ْ
__________
1قال جابر بن عبد ال رضي ال عنهما :المحكمات ،أي :في القرآن ما عرف تأويله وفهم معناه
وتفسيره ،والمتشابه ما لم يكن لحد إلى علمه سبيل مما استأثر ال تعالى بعلمه دون خلقه.
2قال بعضهم :وذلك مثل وقت قيام الساعة وخروج يأجوج ومأجوج والدجال ونزول عيسى،
ونحو الحروف المقطعة في أوائل السور.
3سورة النساء.171 :
4سورة النعام.57 :
5روى أن النبي صلى ال عليه وسلم سأل عن الراسخين في العلم" :هو من برت يمينه وصدق
لسانه واستقام قلبه" .
6سئلت أم سلمة رضي ال عنها في حديث حسن رواه الترمذي عن ما كان أكثر دعاء رسول ال
صلى ال عليه وسلم عندها فقالت" :كان أكثر دعاؤه :يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" .
( )1/286
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
معنى اليات:
ما زال تعالى يقرر ربوبيته وألوهيته ونبوة رسوله ويبطل دعوى نصاري نجران في ألوهية
المسيح عليه السلم ،فيقول :هو أي :ال الحي القيوم الذي أنزل عليك الكتاب ،أي :القرآن منه
آيات محكمات ،ل نسخ فيها ول خفاء في معناها ول غموض في دللتها على ما نزلت فيه وهذه
معظم آي الكتاب وهي أمة واصلة ،ومنه آيات أخر متشابهات و هي قليلة والحكمة من إنزالها
كذلك المتحان والختبار بالحلل والحرام ،وبأمور الغيب ليثبت على الهداية واليمان من شاء ال
هدايته ،ويزيغ في إيمانه وضل عن سبيله من شاء ال تعالى ضلله وعدم هدايته .فقال تعالى:
{فََأمّا الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ زَيْغٌ }...أي :ميل عن الحق {فَيَتّ ِبعُونَ مَا َتشَابَهَ مِنْهُ ابْ ِتغَاءَ ا ْلفِتْنَ ِة وَابْ ِتغَاءَ
تَ ْأوِيلِهِ} للخروج به عن طريق الحق وهداية الخلق كما فعل النصارى حيث ادعوا أن ال ثالث
ثلثة؛ لنه يقول نخلق ونحيي ،ونميت ،وهذا كلم جماعة فأكثر ،وكما قالوا في قوله تعالى في
شأن عيسى ...{ :وَرُوحٌ مِنْهُ }...1أنه جزء منه متحد به وكما قال الخوارج في قوله تعالى:
حكْمُ إِل لِلّهِ }...2فل يجوز لحد أن يحكم في شيء وكفروا عليا وخرجوا 3عنه لتحكيمه
{...إِنِ ا ْل ُ
أبا موسى الشعري في حقيقة الخلف بين على ومعاوية ،وهكذا يقع أهل الزيغ في الضلل حيث
يتبعون المتشابه ول يردونه إلى المحكم فيظهر لهم معناه ويفهمون مراد ال تعالى منه .وأخبر
تعالى أنه ل يعلم تأويله إل هو سبحانه وتعالى ،وأن الراسخين 4في العلم يفوضون أمره إلى ال
منزله فيقولون {...آمَنّا بِهُِ 5كلّ مِنْ عِنْدِ رَبّنَا َومَا يَ ّذكّرُ إِل أُولُو الَلْبَاب ، }6ويسألون ربهم الثبات
__________
1سورة النساء.171 :
2سورة النعام.57 :
3روى أن أبا أمامة رضي ال عنه مر برؤوس منصوبة عند باب مسجد دمشق فسأل عنها،
فقيل :إنها رؤوس خوارج جيء بها من العراق فقال" :أولئك كلب النار ثلثا شر قتلة تحت ظل
السماء طوبى لمن قتلهم ثلثا ثم بكى ،فقيل ما يبكيك .فقال :رحمة بهم إنهم كانوا من أهل السلم
علَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ} إلى قوله{ :أولو اللباب} .
فخرجوا منه ،ثم قرأُ { :هوَ الّذِي أَنْ َزلَ َ
4روى أن ابن عباس رضي ال عنه قال" :التفسير على أربعة أنحاء :تفسير ل يعذر أحد في
فهمه ،وتفسير تعرفه العرب من لغتها ،وتفسير يعلمه الراسخون في العلم ،وتفسير ل يعلمه إل
ال" .كما يروى هذا عن عائشة وغيرها.
5الجمهور على أن الوقف على قولهَ { :ومَا َيعْلَمُ تَ ْأوِيلَهُ إِل اللّهُ} ومن هنا قالوا :ل يعلم المتشابهة
إل ال ،وهو مما استأثر به دون عباده ومن قال" :أن قوله تعالى{ :وَالرّاسِخُونَ فِي ا ْلعِلْمِ} معطوف
على قولهَ { :ومَا َيعْلَمُ تَ ْأوِيلَهُ إِل اللّهُ} ،قالوا :إن الراسخين في العلم قد يعلمون المتشابه دون
البعض ويدل عليه قولهمُ { :كلّ مِنْ عِ ْندِ رَبّنَا} أي :ما علمناه وما لم نعلمه ،وروى أن ابن عباس
قال" :أنا ممن يعلم تأويله".
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
6هذه الجملة ليست من كلم الراسخين ولكنها من كلم ال تعالى فهي تذييل للكلم السابق سيقت
للثناء عليهم.
( )1/287
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سبحانك أستغفرك لذنبي ،وأسألك رحمتك ،اللهم زدني علما ،ول تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب
لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب" .
( )1/288
جهَنّ َم وَبِئْسَ ا ْل ِمهَادُ(َ )12قدْ كَانَ َلكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْ َتقَتَا فِئَةٌ ُتقَا ِتلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ
وَتُحْشَرُونَ إِلَى َ
ن وَاللّهُ ُيؤَيّدُ بِ َنصْ ِرهِ مَنْ يَشَاءُ إِنّ فِي ذَِلكَ َلعِبْ َر ًة لُولِي
وَأُخْرَى كَافِ َرةٌ يَ َروْ َنهُمْ مِثْلَ ْيهِمْ 1رَ ْأيَ ا ْلعَيْ ِ
الَ ْبصَارِ(})13
شرح الكلمات:
{{إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا} :هم وفد نجران ويهود المدينة والمشركون والمنافقون.
{لَنْ ُتغْ ِنيَ عَ ْنهُمْ} :لن تجزي عنهم ولن تقيهم عذاب ال إذا حل بهم.
{ َوقُودُ النّارِ} :الوقود ما توقد به النار من حطب أو فحم حجري أو غاز.
عوْنَ} :كعادتهم وسننهم في كفرهم وتكذيبهم وما حل بهم من عذاب في الدنيا
{كَدَ ْأبِ آلِ فِرْ َ
والخرة.
{ ُقلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا : }2هم يهود المدينة بنو قينقاع.
{آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ : }3علمة واضحة ،والفئتان :المسلمون وقريش إلتقتا في بدر.
{ ُيؤَيّدُ بِ َنصْ ِرهِ} :يقوي.
{َلعِبْ َر ًة لُولِي الَ ْبصَارِ} العبرة :العظة ،وما يعبر به ذو البصيرة مواضع الخطر فينجو.
معنى اليات:
لما أصر وفد نجران على الكفر والتكذيب واتباع المتشابه من آي الكتاب ابتغاء الفتنة وابتغاء
التأويل من الحق والخروج عنه .توعد الرب تعالى جنس الكافرين من نصارى ويهود وعرب
وعجم فقال{ :إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا }..بالحق لما جاءهم وعرفوه معرفة ل لبس فيها ول
__________
1الضمير عائد على المسلمين على أسلوب اللتفات والصل :ترونهم مثليكم ،ويحتمل أن يكون
الضمير عائدا على المشركين ،ولكن الصواب أنه عائد على المؤمنين ،لن ال تعالى قلل
المشركين في أعين المؤمنين ليقدموا على قتالهم.
2استئناف ابتدائي للنتقال من النذارة إلى التهديد حيث تطلب المقام ذلك إذا تبجح اليهود
وتطاولوا على رسول ال صلى ال عليه وسلم مخوفين له بكلمهم السخيف.
3الفئة :الجماعة من الناس ،وسميت فئة لنه يفاء إليها ،أي :يرجع إليها في وقت اشتداد الحرب.
( )1/289
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
غموض ،ولكن منعهم من قبوله الحفاظ على المناصب والمنافع هؤلء جميعهم سيعذبهم ال تعالى
في نار جهنم ولن تغني عنهم أموالهم ول أولدهم من عذاب ال شيئا ،واعلم أنهم وقود النار ،التي
مهدوا لها بكفرهم وبئس المهاد مهدوه لنفسهم .ثم أخبر تعالى أنهم في كفرهم وعنادهم حتى
يأتيهم العذاب كدأب آل فرعون والذين من قبلهم من المم التي كذبت رسلها؛ كقوم نوح وقوم هود
وقوم صالح حتى أخذهم ال بالعذاب في الدنيا بالهلك والدمار ،وفي الخرة بعذاب النار وبئس
المهاد ،وكان ذلك بذنوبهم ل بظلم ال تعالى ثم أمر ال تعالى رسوله محمد صلى ال عليه وسلم
أن يقول ليهود المدينة الذين قالوا للرسول ل يغرنك أنك قاتلت من ل يحسن الحرب فانتصرت
عليهم يريدون قريشا في موقعة بدر ،إنك إن قاتلتنا ستعلم أنا نحن الناس ،لما قالوا قولتهم هذه
يهددون بها رسول ال صلى ال عليه وسلم والمسلمين أمره أن يقول لهم { 1سَ ُتغْلَبُونَ} يريد في
المعركة وتنهزمون وتموتون ،وبعد موتكم تحشرون إلى جهنم وبئس المهاد جهنم مهدتموها
لنفسكم بكفركم وعنادكم وجحودكم للحق بعد معرفته .وفتح أعينهم على حقيقة لو تأملوها لما
تورطوا في حرب الرسول حتى هزمهم وقتل من قتل منهم وأجلى من أجلهم .وهي أن المسلمين
الذين قاتلوا المشركين في بدر وانتصروا عليهم كانوا أقل عدد وأنقص عدة ،ومع ذلك انتصروا؛
لنهم يقاتلون في سبيل ال ،والكافرون يقاتلون في سبيل الطاغوت والشرك والظلم والطغيان،
ونصر ال الفئة القليلة المسلمة 2وهزم الفئة الكافرة الكثيرة ،فلو اعتبر اليهود بهذه الحقيقة لما
تورطوا في حرب مع الرسول صلى ال عليه وسلم أبدا .ولكنها ل تعمى البصار ولكن تعمى
القلوب التي في الصدور وهي البصائر .فقال تعالى لهم{ :قَدْ كَانَ َلكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْ َتقَتَا} –في
بدر -جماعة -تقاتل في سبيل ال -إعلء لكلمته -وأخرى فئة كافرة تقاتل في سبيل الطاغوت
{يَ َروْ َنهُمْ3مِثْلَ ْيهِمْ
__________
1فعلً فقد جمعهم رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال لهم" :يا معشر يهود احذروا من ال مثل
ما نزل بقريش يوم بدر قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم ،وقد عرفتم إني نبي مرسل تجدون ذلك في
كتابكم وعهد ال إليكم" .
2إذ كان عدد المسلمين ثلثمائة وثلثة عشر رجلً ،وكان عدد المشركين رابيا على التسعمائة
مقاتل.
3رأى المسلمون الكافرين مثليهم ،أي :مثلي عدد المسلمين ،وهذا معنى التقليل إذ الكافرون
تسعمائة فرأوهم ستمائة وهو التقليل المذكور.
( )1/290
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
رَ ْأيَ ا ْلعَيْنِ} لقربهم منهم .ومع هذا نصر ال القلية وهم الكثرية الكافرة ،وذلك لن ال تعالى
يؤيد بنصره من يشاء ،فأيد أولياءه وهزم أعداءه ،وإن في هذه الحادثة لعبرة وعظة ومتفكر ولكن
لمن كان ذا بصيرة .أما من ل بصيرة له فإنه ل يرى شيئا حتى يقع في الهاوية ،قال تعالى{ :إِنّ
فِي ذَِلكَ} المذكور لهمَ{ :لعِبْ َر ًة لُولِي الَ ْبصَارِ} .
هداية اليات
من هداية اليات:
-1الكفر مورث لعذاب يوم القيامة والكافر معذب قطعا.
-2الموال والولد والرجال والعتاد مهما كثروا لن يغنوا من بأس ال شيئا إذا أراده بالكافرين
في الدنيا والخرة.
-3الذنوب بريد العذاب 1العاجل والجل.
-4ذم الفخر والتعالي وسوء عاقبتهما.
-5العاقل من اعتبر بغيره ،ول عبرة لغير أولي البصار أي البصائر.
-6صدق خبر القرآن في ما أخبر به اليهود من هزيمتهم ،فكان هذا دليل صدق على أن القرآن
وحي ال ،وأن محمدا رسول ال ،وأن السلم دين ال الحق.
ب وَا ْلفِضّ ِة وَا ْلخَ ْيلِ
ن وَا ْلقَنَاطِيرِ ا ْل ُمقَنْطَ َرةِ مِنَ الذّ َه ِ
ش َهوَاتِ مِنَ النّسَا ِء وَالْبَنِي َ
حبّ ال ّ
{زُيّنَ لِلنّاسِ ُ
س ّومَ ِة وَالَ ْنعَا ِم وَالْحَ ْرثِ ذَِلكَ مَتَاعُ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا وَاللّهُ عِنْ َدهُ حُسْنُ ا ْلمَآبِ(})14
ا ْلمُ َ
شرح الكلمات:
ش َهوَاتِ} :جعل حبها مستحسنا في نفوسهم ل يرون فيه قبحا ول دمامة.
حبّ ال ّ
{زُيّنَ لِلنّاسُِ 2
__________
1شاهده في كتاب ال{ :مَنْ َي ْع َملْ سُوءا ُيجْزَ بِهِ}َ { ،ومَا َأصَا َبكُمْ مِنْ ُمصِيبَةٍ فَ ِبمَا كَسَ َبتْ أَ ْيدِيكُمْ}.
حبّ }...إلخ .قال:
2روى البخاري أن عمر رضي ال عنه لما نزلت هذه الية{ :زُيّنَ لِلنّاسِ ُ
الن يارب حين زينتها لنا .فأنزل ال تعالىُ { :قلْ َأؤُنَبّ ُئكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَِلكُمْ} الية.
( )1/291
ش َهوَاتِ : }1جمع شهوة بمعنى المشتهى طبعا وغريزة؛ كالطعام والشراب اللذيذين.
{ال ّ
َا ْلقَنَاطِيرِ ا ْل ُمقَنْطَ َرةِ :القنطار :ألف ومائة أوقية فضة ،والمقنطرة :الكثيرة بعضها فوق بعض.
س ّومَةِ : 2ذات السمات الحسان والمعدة للركوب عليها للغزو والجهاد.
َالْخَ ْيلِ ا ْل ُم َ
َالَ ْنعَامِ :البل والبقر والغنم وهي الماشية.
َالْحَ ْرثِ 3الزروع والحقول وسائر النباتات النافعة.
{ذَِلكَ مَتَاعُ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا} أي :ذلك المذكور من النساء والبنين إلخ .متاع الحياة الدنيا يريد يستمتع
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
به فيها ويموت صاحبها ويتركها.
معنى الية الكريمة:
لما ذكر تعالى عناد من كفر من النصارى ،واليهود ،والمشركين ،وجحودهم ،وكفرهم ،ذكر علة
الكفر وبين سببه أل وهو ما زينه تعالى لبني البشر عامة ليفتنهم فيه ويمتحنهم به وهو حب
الشهوات ،أي :المشتهيات بالطبع البشري من النساء ،4والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب
والفضة والخيل المسمومة والنعام والحرث وهو كل ما يحرث من سائر الحبوب والنباتات
الغذائية والعطرية وغيرها .هذا الذي جعل تلك الجماعات ترفض الحق وتدفعه؛ لنه يحول بينهم
وبين هذه المشتهيات غالبا فل يحصلون عليها،ولم يعلموا أنها مجرد متاع زائل فل يبيعوا بها
الجنة دار الخلد والسلم ،ولذا قال تعالى ذلك أي ما ذكر من أصناف المحبوبات متاع الحياة الدنيا
ل غير إما الخرة فل ينفع فيها شيء من ذلك بل ل ينفع فيها إل الزهد فيه والعراض عنه إل
ما لبد منه للبلغة به إلى عمل الدار الخرة وهو اليمان وصالح العمال ،والتخلي عن الكفر
والشرك وسائر الذنوب والمعاصي.
__________
1في صحيح مسلم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :حفت الجنة بالمكاره وحفت النار
بالشهوات" ،ومعناه :أن الجنة ل تنال إل بقطع مغاور المكاره والصبر عليها ،وأن النار ل ينجي
منها إل ترك الشهوات وفطام النفس عنها.
2ما ذكرناه مأخوذ من السومة وهي :السمة ،أي :العلمة ،وقد تكون المسومة مأخوذ من السوم،
وهي :الرعي في المرعى ،يقال :أسام الماشية إذا رعى بها في المرعى .والخيل مؤنثة.
3الحرف :مصدر أطلق على المحروثات نفسها من المزارع الحدائق.
4روى الشيخان عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال" :ما تركت بعدي فتنة أشد على الرجال من
النساء" .وفي حديث آخر" :اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"
رواه مسلم.
( )1/292
وختم تعالى الية بقوله مرغبا في العمل للدار الخرة داعيا عباده إلى الزهد في المتاع الفاني
للتعلق قلوبهم بالنعيم الباقي فقال{ :وَاللّهُ عِنْ َدهُ حُسْنُ ا ْلمَآبِ} ،أي :المرجع الحسن ،والنزول الكريم
والجوار الطيب السعيد.
هداية الية
من هداية الية:
-1يزين ال تعالى بمعنى يجعل الشيء زينا محبوبا للناس للبتلء والختبار قال تعالى{ :إِنّا
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عمَلً }1ويزين الشيطان للضلل والغواء،
جعَلْنَا مَا عَلَى الَ ْرضِ زِينَةً َلهَا لِنَبُْلوَ ُهمْ أَ ّيهُمْ أَحْسَنُ َ
َ
فال يزين الزين ويقبح القبيح ،والشيطان يزين القبيح ،ويقبح الزين .فانظر الفرق وتأمل.
-2المزينات في هذه الية من تزيين ال تعالى للبتلء ،وكلها زينة في الواقع وليس فيها قبيح إل
إذا طلبت من غير حلها وأخذت بشره ونهم فأفسدت أخلق آخذها أو طغت عليه محبتها فأنسته
لقاء ال وما عنده فهلك بها كاليهود والنصارى والمشركين.
-3كل ما في الدنيا مجرد متاع ،والمتاع دائما قليل وزائل فعلى العاقل أن ينظر إليه كما هو فل
يطلبه بما يحرمه حسن 2المآب عند ال .اللهم ل تحرمنا حسن مآبك يا ال يا رحمن يا رحيم.
{ ُقلْ َأؤُنَبّ ُئكُمْ ِبخَيْرٍ مِنْ ذَِلكُمْ لِلّذِينَ ا ّت َقوْا عِنْدَ رَ ّب ِهمْ جَنّاتٌ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا
غفِرْ لَنَا
طهّ َرةٌ وَ ِرضْوَانٌ مِنَ اللّ ِه وَاللّهُ َبصِيرٌ بِا ْلعِبَادِ( )15الّذِينَ َيقُولُونَ رَبّنَا إِنّنَا آمَنّا فَا ْ
وَأَ ْزوَاجٌ ُم َ
سحَارِ(
ن وَا ْلمُسْ َت ْغفِرِينَ بِالَ ْ
ن وَا ْلمُ ْنفِقِي َ
ن وَا ْلقَانِتِي َ
ن وَالصّا ِدقِي َ
ذُنُوبَنَا َوقِنَا عَذَابَ النّارِ( )16الصّابِرِي َ
})17
__________
1سورة الكهف.7 :
2المآب :المرجع ،يقال :آب يؤب أوبا ،ومآبا إذا رجع ،ومنه قول امرؤ القيس:
وقد طفت في الفاق حتى ...رضيت من الغنيمة بالياب
والمراد بالمآب :ما أعده ال تعالى لولياءه من النعيم المقيم في دار السلم.
( )1/293
شرح الكلمات:
{َأؤُنَبّ ُئكُمْ : }1أخبركم بنبأ عظيم لن النبأ ل يكون إل بالمر العظيم.
{ ِبخَيْرٍ مِنْ ذَِل ُكمْ} :أي :المذكور في الية السابقة من النساء والبنين .إلخ.
{ا ّت َقوْا} :خافوا ربهم فتركوا الشرك به ومعصيته ومعصية رسوله.
{مِنْ َتحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ} :من خلل قصورها وأشجارها أنهار 2الماء ،وأنهار اللبن وأنهار العسل
وأنهار الخمر.
{خَالِدِينَ فِيهَا} :مقيمين فيها إقامة ل يرحلون بعدها أبدا.
طهّ َرةٌ :زوجات :هي الحور العين نقيات من دم الحيض والبوم وكل أذى وقذر.
َأَ ْزوَاجٌ مُ َ
الصّابِرِينَ :على الطاعات ل يفارقونها وعلى المكروه ل يتسخطون ،وعن المعاصي ل
يقارفونها.
َالصّا ِدقِينَ :في إيمانهم وأقوالهم وأعمالهم.
َا ْلقَانِتِينَ :العابدين المحسنين الداعين الضارعين.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
َا ْلمُ ْنفِقِينَ :المؤدين للزكاة المتصدقين بفضول أموالهم.
َا ْلمُسْ َت ْغفِرِينَ 3بِالَسْحَارِ :السائلين ربهم المغفرة في آخر الليل وقت السحور.
معنى اليات:
لما بين ال تعالى ما زينه للناس من حب الشهوات من النساء والبنين اوالقناطير المنقطرة من
الذهب والفضة إلى آخر ما ذكر تعالى ،وبين أن حسن المآب عنده سبحانه وتعالى فليطلب منه
باليمان والصالحات أمر رسوله أن يقول للناس كافة أؤنبئكم بخير من ذلك المذكور لكم .وبينه
بقوله { :لِلّذِينَ ا ّتقَوْا عِ ْندَ رَ ّبهِمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
__________
1يصح أن يكون منتهى الستفهام قوله تعالى{ :مِنْ ذَِلكُمْ} و {لِلّذِينَ ا ّت َقوْا} خبر مقدم ،وجنات:
المبتدأ ،ويصح أن يكون منتهى الستفهام{ :عِ ْندَ رَ ّبهِمْ} و{جَنّاتٌ} :خبر ،والمبتدأ محذوف.
2شاهد هذا في قوله تعالى من سورة محمد صلى ال عليه وسلم{ :مَ َثلُ الْجَنّةِ الّتِي وُعِدَ ا ْلمُ ّتقُونَ
ن وَأَ ْنهَارٌ
خمْرٍ لَ ّذةٍ لِلشّارِبِي َ
ط ْعمُ ُه وَأَ ْنهَارٌ مِنْ َ
ن وَأَ ْنهَارٌ مِنْ لَبَنٍ َلمْ يَ َتغَيّرْ َ
فِيهَا أَ ْنهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِ ٍ
سلٍ ُمصَ ّفىً} .
مِنْ عَ َ
3المختار من ألفاظ الستغفار ما رواه الطبراني" :اللهم أنت ربي ل إله إل أنت خلقتني وأنا
عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت ،أبو لك بنعمتك عليّ،
وأبو بذنبي فاغفر لي فإنه ل يغفر الذنوب إل أنت" .وقول العبد" :اللهم ل إله إل أنت سبحانك
عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي فإنه ل يغفر الذنوب إل أنت".
( )1/294
طهّ َرةٌ وَ ِرضْوَانٌ مِنَ اللّهِ }...وهو رضاه عز 1وجل عنهم وهو أكبر من النعيم
وَأَ ْزوَاجٌ ُم َ
ضوَانٌ مِنَ اللّهِ َأكْبَرُ. }...
المذكورقبله ،قال تعالى في آية أخرى { :2وَ ِر ْ
ثم أخبر تعالى أنه بصير بعباده يعلم المؤمن الصادق والمنافق الكاذب ،والعامل المحسن والعامل
المسيء وسيجزي كل بعدله وفضله ،ثم ذكر صفات المتقين التي ورثوا بها ما وصف من النعيم
غفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا َوقِنَا عَذَابَ النّارِ} فذكر صفة اليمان والخشية
فقال{ :الّذِينَ َيقُولُونَ رَبّنَا إِنّنَا آمَنّا فَا ْ
ن وَا ْلقَانِتِينَ
ن وَالصّا ِدقِي َ
والضراعة والدعاء لهم ثم كر باقي الصفات الكمالية فقال{ :الصّابِرِي َ
وَا ْلمُنْ ِفقِينَ وَا ْلمُسْ َتغْفِرِينَ بِالَسْحَارِ} ،يتهجدون آخر الليل وقبيل طلوع الفجر يكثرون من الستغفار
وهو طلب المغفرة.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1نعيم الخرة خير من نعيم الدنيا مهما كان.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-2نعيم الخرة خاص بالمتقين البرار ،ونعيم الدنيا غالبا ما يكون للفجار.
-3التقوى وهي ترك الشرك والمعاصي هي العامل الوراثي لدار السلم.
-4استحباب الضراعة والدعاء والستغفار 3في آخر الليل.
-5الصفات المذكورة لهل التقوى هنا كلها واجبة ل يحل أن ل يتصف بها مؤمن ول مؤمنة في
الحياة.
ش ِهدَ 4اللّهُ أَنّ ُه ل إِلَهَ إِل ُه َو وَا ْلمَل ِئكَ ُة وَأُولُو 5ا ْلعِلْمِ قَائِما بِا ْلقِسْطِ
{َ
__________
عدَ اللّهُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ
1في قوله تعالى من سورة التوبة{ :وَ َ
ضوَانٌ مِنَ اللّهِ َأكْبَرُ ذَِلكَ ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ}.
ن وَ ِر ْ
خَاِلدِينَ فِيهَا َومَسَاكِنَ طَيّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْ ٍ
2أخرج مسلم عنه صلى ال عليه وسلم" :أن أهل الجنة إذ أدخلوها يقول ال تعالى لهم :تريدون
شيئا أزيدكم؟ فيقولون :يا ربنا وأي شيء أفضل من هذا؟ فيقول :رضاي فل أسخط عليكم بعده
أبدا".
3شاهده ما رواه الئمة عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال" :ينزل ال عز
وجل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الول فيقول" :أنا الملك من ذا الذي يدعوني
فأستجيب له ،من ذا الذي يسألني فأعطيه ،من ذا الذي يستغفرني فأغفر له .فل يزال كذلك حتى
يطلع الفجر" .رواه مسلم
4روى الكلبي ،ونقل ذلك القرطبي فقال" :لما ظهر رسول ال صلى ال عليه وسلم ،قدم عليه
حبران من أحبار الشام فلما أبصرا المدينة ،قال أحدهما لصاحبه :ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة
النبي الذي يخرج في آخر الزمان ،فلما دخل على النبي صلى ال عليه وسلم عرفاه بالصفة
والنعت ،فقال له :أنت محمد؟ قال :نعم .قال :وأنت أحمد؟ قال :نعم .قال :نسألك عن شهادة فإن
أنت أخبرتنا بها آمنا بك .وصدقناك .فقال لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم :اسألني :فقال:
ش ِهدَ اللّهُ أَنّهُ ل إِلَهَ إِل ُهوَ}
أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب ال؟ فأنزل ال تعالى على نبيهَ { :
الية.
5في عطف شهادة أولي العلم على شهادة ال تعالى شرف كبير لولي العلم ،وفي الحديث" :أن
العلماء ورثة النبياء" " ،العلماء أمناء ال على خلقه" .
( )1/295
حكِيمُ( )18إِنّ الدّينَ 1عِنْدَ اللّ ِه الِسْل ُم َومَا اخْتََلفَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ إِل
ل إِلَهَ إِل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ
مِنْ َبعْدِ مَا جَاءَ ُهمُ ا ْلعِلْمُ َبغْيا بَيْ َن ُه ْم َومَنْ َيكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنّ اللّهَ سَرِيعُ ا ْلحِسَابِ( )19فَإِنْ حَاجّوكَ
لمّيّينَ أََأسَْلمْتُمْ فَإِنْ َأسَْلمُوا َفقَدِ اهْتَ َدوْا
ب وَا ُ
ن َو ُقلْ لِلّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَا َ
ج ِهيَ لِلّهِ َومَنِ اتّ َبعَ ِ
ت وَ ْ
َفقُلْ أَسَْل ْم ُ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
غ وَاللّهُ َبصِيرٌ بِا ْلعِبَادِ(})20
وَإِنْ َتوَّلوْا فَإِ ّنمَا عَلَ ْيكَ الْبَل ُ
شرح الكلمات:
ش ِهدَ} :أخبر عن علم بحضوره المر المشهود به.
{َ
{ل إِلَهَ إِل ُهوَ} :ل معبود بحق في الرض ول في السماء إل ال تبارك وتعالى.
{وَأُولُو ا ْلعِلْمِ} :أصحاب العلم الصحيح المطابق للواقع وهم النبياء والعلماء.
القسط :العدل في الحكم والقول والعمل.
حكِيمُ} :الغالب ذو العزة التي ل تغلب ،الحكيم في خلقه وفعله وسائر تصرفاته.
{ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ
{الدّينَ} :ما يدان ال تعالى به أي :يطاع فيه ويخضع له به من الشرائع والعبادات.
{الِسْلمُ : }2النقياد ل بالطاعة والخلوص من الشرك ،والمراد به هنا ملة السلم.
{ َبغْيا} :ظلما وحسدا.
{حَاجّوكَ} :جادلوك وخاصموك بحجج باطلة واهية.
__________
{ 1إِنّ الدّينَ عِنْدَ اللّ ِه الِسْلمُ} صيغة حصر ،أي :حصر المسند إليه الذي هو الدين في المسند
الذي هو السلم ،أي :ل دين إل السلم ،وقد أكد هذا الحصر بحرف التوكيد :إن ،والمعنى :إن
الدين الصحيح هو السلم ل غيره.
2حقيقة السلم الشرعية :إنه اعتقاد الحق والنطق به ،والعمل بموجبه ،عبادة وخلقا وحكما حتى
تكون حياة المسلم كلها وفق مراد ال تعالى منه وما دعاه إليه وخلقه من أجله.
( )1/296
( )1/297
والحروب وضياع الدين ،البغي والحسد إذ كل فرقة تريد الرئاسة والسلطة الدينية والدنيوية لها
دون غيرها ،وبذلك يفسد أمر الدين والدنيا ،وهذه سنة بشرية تورط فيها المسلمون 1بعد القرون
المفضلة أيضا ،والتاريخ شاهد .ثم قال تعالىَ { :ومَنْ َيكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنّ اللّهَ سَرِيعُ ا ْلحِسَابِ}
يتوعد تعالى ويهدد كل من يكفر بآياته الحاملة لشرائعه فيجحدها ويعرض عنها فإنه تعالى يحصي
عليه ذنوب كفره وسيئات عصيانه ويحاسبه بها ويجزيه وإنه سريع الحساب؛ لنه ل يشغله شيء
عن آخر ول يعيبه إحصاء ول عدد ،ثم يلتفت بالخطاب إلى رسوله قائلً له{ :فَإِنْ حَاجّوكَ} يريد
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وفد نجران النصراني فاختصر الحجاج معهم بإظهار موقفك المؤيس لهم داعيا إياهم إلى السلم
ج ِهيَ لِلّ ِه َومَنِ اتّ َبعَنِ}
الذي عرفوه وأنكروه حفاظا على الرئاسة والمنافع بينهم فقل لهمَ{ :أسَْل ْمتُ َو ْ
أيضا أسلم وجهه ل فليس فينا شيء لغير ال وقلوبنا وأعمالنا وحياتنا كلها فأسلموا 2أنتم يا أهل
الكتاب ويا أميون {فَإِنْ أَسَْلمُوا َفقَدِ اهْ َت َدوْا} وإن تولوا وأعرضوا فل يضرك إعراضهم ،إذ ما كلفت
إل البلغ وقد بلغت ،أما الحساب والجزاء فهو إلى ال تعالى البصير بأعمال عباده العليم بنياتهم
وسوف يجزيهم بعلمه ويقضي بينهم بحكمه وهو العزيز الحكيم.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1اعتبار الشهادة والخذ بها إن كانت قائمة على العلم وكان الشاهد أهلً لذلك بأن كان مسلما
عدل ً.
-2شهادة ال أعظم شهادة تثبت بها الشرائع والحكام وتليها شهادة الملئكة وأولي العلم.
-3بطلن كل دين بعد السلم و كل ملة غير ملته لشهادة ال تعالى بذلك وقولهَ { :ومَنْ يَبْ َتغِ غَيْرَ
الِسْلمِ دِينا فَلَنْ ُيقْ َبلَ مِنْهُ وَ ُهوَ فِي الخِ َرةِ مِنَ ا ْلخَاسِرِينَ} الية( )85من هذه السورة والتي
تفسيرها إن شاء ال تعالى.
-4الخلف بين أهل العلم والدين يتم عندما يؤثرون الحياة الدنيا على الخرة فيتورطون في
__________
1وما زال المسلمون متفرقين إلى اليوم ،بل تفرقهم اليوم أسوأ من الول ،ودولهم دويلت،
وشريعتهم التي يسوسون بها المة المسلمة شرائع.
2روى محمد بن إسحاق أن وفد نجران لما دخل مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم تكلم منهم
السيد والعاقب ،فقال لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم" :أسلما" .قال :قد أسلمنا قبلك .فرد
عليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم قائلً" :كذبتما يمنعكما من السلم دعاؤكما ل ولدا
وعبادتكما الصليب" .
( )1/298
المطاعم والمشارب ،ويتشوقون إلى الكراسي والمناصب ،ويرغبون في الشرف يومئذ يختلفون
بغيا بينهم وحسدا لبعضهم بعضا.
-5من أسلم قلبه ل وجوارحه وأصبح وقفا في حياته على ال فقد اهتدى إلى سبيل النجاة
والسلم.
-6من علق قلبه بالحياة الدنيا وأعرض عما يصرفه عنها من العبادات ضل في حياته وسعيه
وحسابه على ال وسيلقى جزاءه.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ق وَ َيقْتُلُونَ الّذِينَ يَ ْأمُرُونَ بِا ْلقِسْطِ مِنَ النّاسِ
{إِنّ الّذِينَ َي ْكفُرُونَ بآيَاتِ اللّ ِه وَ َيقْتُلُونَ النّبِيّينَ ِبغَيْرِ حَ ّ
عمَاُلهُمْ فِي الدّنْيَا وَالخِ َر ِة َومَا َلهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ(
طتْ أَ ْ
فَبَشّرْ ُهمْ ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ( )21أُولَ ِئكَ الّذِينَ حَ ِب َ
})22
شرح الكلمات:
{ َي ْكفُرُونَ} :يجحدون ويكذبون.
{النّبِيّينَ} :جمع نبي وهو ذكر من بنى آدم أوحى إليه ال تعالى.
القسط :العدل والحق والخير والمعروف.
{فَبَشّ ْرهُمْ ِبعَذَابٍ َألِيمٍ} :أخبرهم إخبارا يظهر أثره على بشرة وجوههم ألما وحسرة.
عمَاُلهُمْ} :بطلت وذهبت لم يجنوا منها شيئا ينفعهم ،ويهلكون بذلك ويعدمون الناصر
طتْ أَ ْ
{حَبِ َ
لهم؛ لن ال خذلهم وأراد إهلكهم وعذابهم في جهنم.
معنى اليتين:
ما زال السياق في هتك أستار الكفرة من أهل الكتابيين اليهود والنصارى ،فذكر تعالى هنا أن
الذين يكفرون 1بآيات ال وهي حججه وأعلم دينه ،وما بعث بها رسله ،ويقتلون مع
__________
1جيء بالفعال المضارعة في صلة الذين يكفرون يقتلون النبيين ويقتلون إلخ .لجل استحضار
الحالة الفظيعة من جهة ،ومن جهة أخرى عن نيات اليهود فإنهم ما زالوا مصرين على قتل
النبياء ،وكيف وقد حاولوا قتل النبي صلى ال عليه وسلم غير مرة.
( )1/299
ذلك النبيين بغير حق 1ول موجب للقتل ،ويقتلون الذين يأمرونهم 2من أتباع النبياء المؤمنين
الصالحين ،هذه جرائم بعض أهل الكتاب فبشرهم بعذاب أليم ،ثم أخبر أن أولئك البعداء في
مهاوي الشر والفساد والظلم والعناد حبطت أعمالهم في الدنيا فل يجنون منها عاقبة حسنة ول
مدحا ول ثناء بل سُجلت لهم بها عليهم لعنات في الحياة والممات ،والخرة كذلك وليس لهم فيها
من ناصرين ينصرونهم فيخلصونهم من عذاب ال وهيهات هيهات أن يوجد من دون ال ولي أو
نصير.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1الكفر والظلم من موجبات هلك الدنيا ولزوم عذاب الخرة.
-2قتل المرين بالمعروف 3والناهين عن المنكر كقتل النبياء في عظم الحرم.
-3الشرك محبط للعمال مفسد لها في الدنيا والخرة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-4من خذله ال تعالى ل ينصره أحد ،ومن ينصره ال ل يغلبه أحد.
ح ُكمَ بَيْ َنهُمْ ُثمّ يَ َتوَلّى فَرِيقٌ مِ ْنهُمْ
عوْنَ ِإلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَ ْ
{أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا َنصِيبا مِنَ ا ْلكِتَابِ ُيدْ َ
ت وَغَرّهُمْ فِي دِي ِنهِمْ مَا كَانُوا
وَهُمْ ُمعْ ِرضُونَ( )23ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ قَالُوا لَنْ َت َمسّنَا النّارُ إِل أَيّاما َمعْدُودَا ٍ
ج َمعْنَاهُمْ
َيفْتَرُونَ(َ )24فكَ ْيفَ ِإذَا َ
__________
1بغير حق :حال مؤكدة إذ ل يقع قتل نبي إل بغير حق ،فقتلهم النبياء متأكد وهو قبيح ،وكونه
بغير حق هو أشد قبحا ،والية تشنيع لفعالهم القبيحة.
2روى ابن أبي حاتم وابن جرير عن أبي عبيدة رضي ال عنه قال" :قلت يا رسول ال أي
ل أمر بمعروف ونهى عن منكر ثم قرأ
الناس أشد عذابا يوم القيامة؟ قال" :رجل قتل نبيا أو رج ً
الية { :إِنّ الّذِينَ َي ْكفُرُونَ} إلخ .ثم قال :يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلثة وأربعون نبيا أول
النهار في ساعة واحدة ،فقام مائة وسبعون رجلً من عباد بني إسرائيل فأمروا من قتلهم
بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعا من آخر النهار من ذلك اليوم فهم الذين ذكر ال
تعالى" .
3ذكر القرطبي في تفسيره الرواية التالية :كل بلدة يكون فيها أربعة فأهلها معصومون من البلء:
إمام عادل ل يظلم ،وعالم على سبيل الهدى ،ومشايخ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
ويحرسون على طلب العلم والقرآن ونساؤهم مستورات ل يتبرجن تبرج الجاهلية الولى .وأخرج
ابن ماجة عن أنس بن مالك قال :قيل :يا رسول ال متى يترك المر بالمعروف والنهي عن
المنكر؟ قال" :إذا ظهر فيكم ما ظهر في المم من قبلكم" قلنا :يا رسول ال وما ظهر في المم
قبلنا؟ قال" :الملك في صغاركم ،والفاحشة في كباركم ،والعلم في رذالتكم" .الرذالة :كالحسالة.
ومعناه :فيمن ل خير فيهم.
( )1/300
لِ َيوْمٍ ل رَ ْيبَ فِي ِه َو ُوفّيَتْ ُكلّ َنفْسٍ مَا كَسَ َبتْ وَهُمْ ل يُظَْلمُونَ(}25
شرح الكلمات:
{أُوتُوا َنصِيبا مِنَ ا ْلكِتَابِ} :اعطوا حظا وقسطا من التوراة.
عوْنَ} :يُطلب 1إليهم أن يتحاكموا فيما اختلفوا فيه من الحق إلى كتابهم الذي يؤمنون به وهو
{ ُيدْ َ
التوراة فيأبون ويعرضون.
{يَ َتوَلّى} :يرجع وهو مصمم على عدم العودة إلى الحق.
{أَيّاما َمعْدُودَاتٍ} :هذا قول اليهود ويعنون باليام الربعين يوما تلك التي عبدوا فيها العجل بع
غياب موسى عليه السلم عنهم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{ َيفْتَرُونَ} :يكذبون.
{لِ َيوْمٍ ل رَ ْيبَ فِيهِ} :هو يوم القيامة.
{مَا كَسَ َبتْ} :ما عملت من خير أو شر.
{ل يُظَْلمُونَ} :بأن يعذبوا بدون المقتضي لعذابهم من الشرك والكفر والمعاصي.
معنى اليات:
ما زال السياق في فضح أهل الكتاب بذكر ذنوبهم وجرائمهم ،فيقول تعالى لرسوله حاملً له على
التعجب من حال اليهود ألم تر يا رسولنا إلى الذين أوتوا نصيبا 2من الكتاب ،أي ألم ينته إلى
علمك أمرهم حيث يدعون إلى التحاكم 3إلى كتاب ال تعالى فيما انكروه 4واختلفوا فيه من
صفاتك وشأن نبوتك ورسالتك ،ثم يتولى عدد منهم وهم مصممون على عدم العودة وطلب الحق
والقرار به إنها حال تدعو إلى التعجب حقا ،وصارفهم عن قبول الحق
__________
1قال ابن عباس" :هذه الية نزلت بسبب أن رسول ال صلى ال عليه وسلم دخل على يهود في
بيت المدراس فدعاهم إلى السلم فقالوا له :على أي دين أنت؟ فقال " :على ملة إبراهيم" ،فقالوا:
إن إبراهيم كان يهوديا .فقال النبي صلى ال عليه وسلم" :هلموا إلى التوراة ،فهي بيننا وبينكم".
فأبوا عليه .فنزلت هذه الية".
2التنكير للتقليل وليس للتعظيم بأن السياق في ذمهم وتقبيح سلوكهم.
3الية دليل على وجوب من دعا إلى التحاكم إلى شرع ال أن يجيب إلى ذلك ول يمتنع وإل
يقدح في إيمانه.
4أي من كون إبراهيم عليه السلم لم يكن يهوديا ،حيث زعموا إنه كان يهوديا كما تقدم في سبب
نزول الية{ :ألم ترى الذين.}...
( )1/301
ومراجعته هو اعتقادهم الفاسد بأن النار ل تمسهم إذا ألقوا فيها إل مدة أربعين يوما ،وهي المدة
التي عبد فيها أسلفهم العجل يوم غاب موسى عنهم لمناجاته ربه تعالى في جبل الطور .وهذه
الدعوى باطلة ل أساس لها من الصحة بل يُخلدون في النار ل بعبادة أسلفهم العجل أربعين يوما
بل بكفرهم وظلمهم وجحودهم وعنادهم ،ويبين تعالى الحقيقة لرسوله والمؤمنين وهي أن هذه
الدعوى اليهودية ما هي إل فرية 1افتراها علماؤهم ليهونوا عليهم ارتكاب الجرائم وغثيان عظائم
الذنوب .كما حصل للمسلمين في القرون المظلمة من تاريخ السلم حيث أصبح مشايخ التصوف
يدجلون على المريدين بأنه يستغفرون لهم ويغفر لهم .ثم قال تعالى معظما حالهم مهولً موقفهم:
فكيف 2أي :حالهم .إذا جمعناهم ليوم ل ريب فيه ،وهو يوم القيامة كيف تكون حالهم أنها حال
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يعجز الوصف عنهاَ { ،و ُوفّيَتْ ُكلّ َنفْسٍ مَا َكسَ َبتْ} من خير أو شر وهم ل يظلمون بنقص حسناتهم
إن كانت لهم حسنات ،ول بالزيادة في سيئاتهم وما لهم إل السيئات.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1من العراض عن الدين والكفر به رفض التحاكم إليه قال قال تعالى{ :فَل وَرَ ّبكَ ل ُي ْؤمِنُونَ
ت وَيُسَّلمُوا تَسْلِيما} [سورة
سهِمْ حَرَجا ِممّا َقضَ ْي َ
شجَرَ بَيْ َنهُمْ ُث ّم ل َيجِدُوا فِي أَ ْنفُ ِ
ح ّكمُوكَ فِيمَا َ
حَتّى يُ َ
النساء.]65 :
-2أفسد شيء للديان بعقائدها وشرائعها وعباداتها الفتراء فيها والبتداع عليها والقول فيها بغير
علم.
-3مضرة الغترار بما يقوله بعض المفسرين والمحشين على الكتب الدينية من الحكايات
والباطيل بحجة الترغيب أو الترهيب فيغتر بها الناس فيضلوا ويهلكوا.
-4فضيلة ذكر أهوال يوم القيامة وما يلقي فيها أهل الظلم والفساد وفي القرآن{ :إِنّا َأخَْلصْنَاهُمْ
بِخَاِلصَةٍ ِذكْرَى الدّارِ} [سورة ص]46 :
__________
1من جملة افتراءاتهم قولهم :أن ال وعد يعقوب أن ل يعذب أبناءه.
2هذا خطاب للنبي صلى ال عليه وسلم وأمته على جهة التوقيف والتعجيب.
( )1/302
{ ُقلِ الّلهُمّ مَاِلكَ ا ْلمُ ْلكِ ُتؤْتِي ا ْلمُ ْلكَ مَنْ تَشَا ُء وَتَنْ ِزعُ ا ْلمُ ْلكَ ِممّنْ َتشَا ُء وَ ُتعِزّ مَنْ تَشَاءُ وَتُ ِذلّ مَنْ َتشَاءُ
شيْءٍ قَدِيرٌ( )26تُولِجُ اللّ ْيلَ فِي ال ّنهَا ِر وَتُولِجُ ال ّنهَارَ فِي اللّ ْيلِ وَتُخْرِجُ
بِيَ ِدكَ ا ْلخَيْرُ إِ ّنكَ عَلَى ُكلّ َ
حسَابٍ(})27
ي وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ ِبغَيْرِ ِ
حّت وَتُخْرِجُ ا ْلمَ ّيتَ مِنَ ا ْل َ
حيّ مِنَ ا ْلمَ ّي ِ
الْ َ
شرح الكلمات:
{الّل ُهمّ} :يا ال حذف حرف النداء "يا" وعوض عنه الميم المشددة وهو خاص بنداء ال تعالى.
{مَاِلكَ} :المالك :الحاكم المتصرف يفعل في الملك ما يشاء ويحكم ما يريد لعظم سلطانه وقوة
إرادته.
{ا ْلمُ ْلكَ} :المملوك :والمقصود به ما سوى المالك عز وجل ،من سائر الكائنات.
{ ُتؤْتِي ا ْلمُ ْلكَ} :السلطان والتصرف في بعض الملكوت.
{تُولِجُ اللّ ْيلَ فِي ال ّنهَارِ} :تدخل الليل في النهار فل يبقى ليل ،و تولج النهار في الليل فل يبقى
نهار.
حيّ مِنَ ا ْلمَ ّيتِ} :أي تخرج جسما حيا من جسم ميت في المحسوسات؛ كالدجاجة من
{وَتُخْرِجُ الْ َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
البيضة ،والبيضة من الدجاجة ،ومن المعنويات تخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن.
{ ِبغَيْرِ حِسَابٍ : }1بغير عدد ول حد لواسع فضله وغناه عما سواه.
__________
1الرزق هو كل ما ينتفع به النسان فيطلق على الطعام على اختلفه من حب وتمر ولحم وعلى
كل ما يحتاج إليه النسان في حفظ دنيته صالحة للعبادة.
( )1/303
معنى اليتين:
من المناسبات التي قيلت في نزول هاتين اليتين :أن الرسول صلى ال عليه وسلم لما أخبر
أصحابه أن ملك أمته سيبلغ كذا وكذا في أحاديث صحاح سخر اليهود والمنافقون من إخبار
الرسول بذلك مستبعدين له غاية البعد لجهلهم وكفرهم فأنزل ال تعالى هاتين اليتين ضمن الرد
على نصارى نجران فأمره أن يقول{ :الّلهُمّ 1مَاِلكَ ا ْلمُ ْلكِ ُتؤْتِي ا ْلمُ ْلكَ مَنْ تَشَاءُ }...إلخ ..أمره أن
يقول ذلك ليعطيه ما وعده بن من اتساع ملك أمته حتى تشمل ملك فارس والروم ،وليرد على
ضلل النصارى في تأليه عيسى عليه السلم ،إذ المعبود بحق المستحق للعبادة والتأليه دون سواه
من هو مالك الملك كله ،ويتصرف فيه وحده يؤتي منه ما يشاء لمن يشاء ،وينزع عمن أعطاهم
ما شاء ومتى شاء ل يحول دون تصرفه حائل ،ول يقف دون إعطائه أو نزعه واقف .يعز الذليل
متى شاء ويذل العزيز متى شاء ،بيده الخير 2ل بيد غيره يُفيضه على من يشاء ،ويمنعه عمن
يشاء وهو على كل شيء قدير .يولج النهار في الليل فل يبقى نهار ،ويولج الليل في النهار فل
يبقى ليل ،مظهر من مظاهر القدرة الموجبة للوهيته وطاعته ومحبته ،ويدخل ساعات من الليل
في النهار فيقصر الليل ويطول النهار ،ويدخل ساعت من النهار في الليل فيطول ،مظهر من
مظاهر الحكمة والقدرة والرحمة ،يخرج الحي من الميت؛ النسان من النطفة ،والنبتة من الحبة.
ويخرج الميت من الحي؛ النطفة من النسان الحي ،والبيضة من الدجاجة ،والكافر من المؤمن
الحي ،والعكس كذلك ،هذه مظاهر ربوبيته المستلزمة للوهيته تفرر أنه الله الحق ،ل رب غيره
ول إله سواه ،وبذلك تأكد أمران :الول :أن ال قادر على إعطاء رسوله ما وعده لمته ،وقد
فعل .والثاني :أن عيسى لم يكن إل عبدا مربوبا ل بالعبودية وشرفه بالرسالة وأيده ،بالمعجزات.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1فضل الدعاء 3بهاتين اليتين بأن يقرأهما العبد ثم يقول" :رحمن الدنيا والخرة ورحيمهما
__________
1ذكر القرطبي :أن النضر بن شميل ،قال :من قال اللهم فقد دعا ال تعالى بجميع أسماؤه كلها،
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وقال الحسن البصري" :اللهم :تجمع الدعاء".
2والشر بيده أيضا ،وحذف للتطلب المقام ذلك نحو{ :سَرَابِيلَ َتقِيكُمُ الْحَرّ} أي :والبرد.
3أخرج أبو نعيم في الحلية أن معاذا حبس يوما عن صلة الجمعة مع رسول ال صلى ال عليه
وسلم فسأله عما حبسه فقال :كان على دين=
( )1/304
تعطي منهما من تشاء ،وتمنع من تشاء اقض عني الدين ،فإنه يقضى بإذن ال تعالى ويعطى إن
سأل حاجة له من حوائج الدنيا والخرة.
-2استجابة ال تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم وإنجازه 1ما وعده في أمته.
-3بطلن ألوهية عيسى عليه السلم وثبوت عبوديته ورسالته وكرامته.
شيْءٍ إِل
خذِ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ ا ْلكَافِرِينَ َأوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ َومَنْ َي ْف َعلْ ذَِلكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي َ
{ل يَتّ ِ
خفُوا مَا فِي صُدُو ِركُمْ َأوْ
حذّ ُركُمُ اللّهُ َنفْسَ ُه وَإِلَى اللّهِ ا ْل َمصِيرُ(ُ )28قلْ إِنْ ُت ْ
أَنْ تَ ّتقُوا مِ ْنهُمْ ُتقَاةً وَيُ َ
شيْءٍ قَدِيرٌ(َ )29يوْمَ تَجِدُ
سمَاوَاتِ َومَا فِي الَ ْرضِ وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ
تُبْدُوهُ َيعَْلمْهُ اللّ ُه وَ َيعْلَمُ مَا فِي ال ّ
عمَِلتْ مِنْ سُوءٍ َتوَدّ َلوْ أَنّ بَيْ َنهَا وَبَيْنَهُ َأمَدا َبعِيدا
حضَرا َومَا َ
عمَِلتْ مِنْ خَيْرٍ مُ ْ
ُكلّ َنفْسٍ مَا َ
س ُه وَاللّهُ َرؤُوفٌ بِا ْلعِبَادِ(})30
وَيُحَذّ ُر ُكمُ اللّهُ َنفْ َ
شرح الكلمات:
خذِ} :ل يجعل.
{ل يَتّ ِ
{َأوْلِيَاءَ} :جمع ولي يتولونهم بالنصر والمحبة والتأييد.
شيْءٍ : }2أي :بريء ال تعالى منه ،ومن برئ ال منه هلك.
{فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي َ
__________
= ليحنا اليهودي ،فوقف عند بابي يرصدني ،فقال له النبي صلى ال عليه وسلم" :أتحب أن يقضي
حسَابٍ} ثم
عنك ربك؟" قال :قلت :نعم .قال :اقرأ كل يوم { ُقلِ الّل ُهمّ مَاِلكَ ا ْلمُ ْلكِ} إلى قولهِ { :بغَيْرِ ِ
قل :رحمن الدنيا والخرة ورحيمهما تعطي منها من تشاء وتمنع من تشاء ،اقضي عني ديني .فلو
كان عليك ملء الرض ذهبا لداها عنك" .
1إذ لم يقبض الرسول صلى ال عليه وسلم حتى دانت الجزيرة كلها بالسلم ولم يمضي ربع
قرن حتى بلغ ملك أمته من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق ،ومن جملة ذلك دولة فارس والروم.
شيْءٍ}
2هذا نحو{ :واسئل القرية} أي :أهل القرية على حذف مضاف كذلك{ :فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي َ
أي :ليس في ولية ال وحزبه في شيء.
( )1/305
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{ ُتقَاةً : }1وقاية باللسان وهما الكلمة الملينة للجانب ،المبعدة للبغضاء.
حضَرا} :حاضرا يوم القيامة.
{مُ ْ
{َأمَدا َبعِيدا} :مدى وغاية بعيدة.
حذّ ُركُمُ اللّهُ َنفْسَهُ} :أي :يخوفكم عقابه إن عصيتموه.
{وَيُ َ
معنى اليات:
ينهى تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذهم الكافرين أولياء من دون المؤمنين ،أي :أعوانا وأنصارا
يبادلونهم المحبة والمناصرة على إخوانهم المؤمنين ،وأعلمهم تعالى أن من يفعل ذلك فقد برئ ال
تعالى منه ،وذلك لكفره وردته ،حيث والى أعداء ال وعادى أولياءه ،فقال تعالى{ :ل يَتّخِذِ
شيْءٍ} أي :برئ
ن َومَنْ َي ْفعَلْ ذَِلكَ فَلَ ْيسَ مِنَ اللّهِ فِي َ
ا ْل ُم ْؤمِنُونَ ا ْلكَافِرِينَ َأوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ 2ا ْل ُمؤْمِنِي َ
ال تعالى منه وانقطعت صلته وانبت حبل الولية بينه وبين ال تعالى ،ويا هلكه ،ثم رخص
تعالى للمؤمنين المستضعفين الذين يعيشون تحت سلطان الكافرين في أن يعطوهم حلوة لسانهم
دون قلوبهم وأعمالهم 3فيتقون بذلك شرهم وأذاهم ،وذلك بكلمة المصانعة والمجاملة ،قال تعالى:
{إِل أَنْ تَ ّتقُوا مِ ْنهُمْ ُتقَاة }...ولما كان أمر البراء والولء ذا خطر عظيم ،قال تعالى{ :وَ ُيحَذّ ُركُمُ اللّهُ
َنفْسَهُ} أي :في أن تتخذوا أعداءه أولياء ضد أوليائه وأخبرهم أن المصير إليه ل إلى غيره فليحذر
العصاة من وقوفهم بين يدي ال ،فقال{ :وَإِلَى اللّهِ ا ْل َمصِيرُ}.
هذا ما تمضنته الية الولى( ،)28وأما الية الثانية( )29فقد أمر تعالى رسوله صلى ال عليه
خفُوا مَا فِي صُدُو ِركُمْ }...من حب أو بغض ،من
وسلم أن يقول للناس مؤمنهم وكافرهم { ...إِنْ تُ ْ
رضى أو سخط فل تنطقوا به ول تظهروه بحال من الحوال ،أو أن تظهروه بقول أو عمل أو
حال فإنه تعالى يعلمه ويعلم ما في السموات والرض ،ويحاسب به ويجزي عليه وهو
__________
1قال ابن عباس" :التقاة هي :أن يتكلم بلسانه وقلبه مطمئن باليمان ،ول يقتل ول يأتي مأثما،
وقرئ{ :إل أن تتقوا منهم تقية} ،وقالوا في التقية :أن يكون المؤمن في دار الكفار قائما بينهم فله
أن يداريهم بلسانه إذا كان خائفا على نفسه وقلبه مطمئن باليمان .وأصل تقاة :وقي على وزن
فعلة ،كتؤدة ،فقلبت الواو تاء وقلبت الياء ألفا فصارت تقاة.
{ 2مِنْ دُونِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} ،حرف الجر{ :من} لتأكيد الظرفية ،وهو تقييد للنهي في الظاهر فيكون
المنهى عنه اتخاذ الكافرين أولياء دون المؤمنين ،وهو المراد من الية ،ولذلك صور منها :أن
يتخذ المسلم أو المسلمون جماعة الكفر أولياء لهم ميلً إلى كفرهم ومناوئة للمسلمين وهذه كفر بل
خلف ،ومنها أن يوالي الكفار لجل الضرار بالمسلمين ،وهذه كالولى ،ومنها :ما أذن فيها،
وهي التقية.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
3روى البخاري أن النبي صلى ال عليه وسلم" :إنا لنكشر في أقوام وقلوبنا تلعنهم" يريد
المنافقين .والتكشير :كالبتسام إل أنه متكلف فيه.
( )1/306
على كل شيء قدير .أل فليراقب ال العاقل وليتقه ،فل يقدم على معاصيه ،وخاصة موالة أعدائه
جدُ ُكلّ َنفْسٍ }...ففيها يذكر تعالى عباده بيوم القيامة
على أوليائه .وأما الية الثالثة(َ { )30يوْمَ تَ ِ
ليقصروا عن الشر ويرعووا من الظلم والفساد فيقول أذكروا يوم تجد كل نفس ما عملت من خير
محضرا ،أي :حاضرا تجزى به ،وما عملت من سوء وشر حاضرا أيضا ويسوءها مرآة فتود
بكل قلبها لو أن بينها وبينه غاية من المسافة ل تدرك وينهي تعالى تذكيره وإرشاده سبحانه
حذّ ُركُمُ اللّهُ َنفْسَهُ} مؤكدا التحذير الول به ،ويختم الية بقوله{ :وَاللّهُ َرؤُوفٌ
وتعالى بقوله{ :وَيُ َ
بِا ْلعِبَادِ} ،ونعم ما ختم به إذ لوله لطارت قلوب العالمين فزعا وخوفا فذو الرأفة بعباده ول يوأس
من رحمته.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1حرمة موالة الكافرين 1مطلقا.
-2موالة الكافرين على المؤمنين ردة وكفر وبراءة من ال تعالى.
-3جواز التقية في حال ضعف المؤمنين وقوة الكافرين .
-4وجوب الحذر من عذاب ال تعالى وذلك بطاعته تعالى.
-5خطورة الموقف يوم القيامة ووجوب الستعداد له باليمان والتقوى.
غفُورٌ َرحِيمٌ(ُ )31قلْ َأطِيعُوا
{ ُقلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ فَاتّ ِبعُونِي يُحْبِ ْب ُكمُ اللّ ُه وَ َي ْغفِرْ َلكُمْ ذُنُو َبكُمْ وَاللّهُ َ
حبّ ا ْلكَافِرِينَ(})32
اللّ َه وَالرّسُولَ فَإِنْ َتوَّلوْا فَإِنّ اللّ َه ل ُي ِ
شرح الكلمات:
{ ُتحِبّونَ اللّهَ} :لكمال ذاته وإنعامه عليكم.
__________
1أي :وإن لم يكن فيها ضرر للمسلمين ،وما أذن فيه للتقية فإنه مؤقت ول يجوز الستمرار فيه
إل حال العجز عن الهجرة خشية أن يولد للمسلم أولد فيوالون الكافرين ،وهم ل يعلمون أن ما
كان عليه آباؤهم كان تقية لغير.
( )1/307
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{ ُيحْبِ ْبكُمُ اللّهُ} :لطاعتكم إياه وطهارة أرواحكم بتقواه.
{وَ َي ْغفِرْ َل ُكمْ ذُنُو َبكُمْ} :يسترها عليكم ول يؤاخذكم بها.
{فَإِنْ َتوَّلوْا} :أعرضوا عن اليمان والطاعة.
معنى اليتين:
لما ادعى وفد نصارى نجران أن تعظيمهم المسيح وتقديسهم له ولمه إنما هو من باب طلب حب
1ال تعالى بحب ما يحب وتعظيم ما يعظم ،أمر ال تعالى رسوله محمد صلى ال عليه وسلم في
هذه الية أن يقول لهم :إن كنتم تحبون ال تعالى ليحبكم فاتبعوني على ما جئت به من التوحيد
والعبادة يحببكم ال تعالى ،ويغفر لكم ذنوبكم أيضا وهو الغفور الرحيم .وبهذا أبطل دعواهم في
أنهم ما ألهوا المسيح عليه السلم إل طلبا لحب ال تعالى والحصول عليه .وأرشدهم إلى أمثل
طريق على حب 2ال تعالى وهو متابعة الرسول على ما جاء به من اليمان والتوحيد والعبادة
المزكية بالروح المورثة لحب ال تعالى وهذا ما تضمنته الية الولى( ،)31وأما الية الثانية()32
فقد أمر تعالى رسوله أن يأمر وفد نصارى نجران وغيرهم من أهل الكتاب والمشركين بطاعته
وطاعة رسوله إذ هما طريق الكمال والسعاد في الدنيا والخرة .فإن أبوا وأعرضوا أو تولوا فقد
باءوا بغضب ال وسخطه عليهم؛ لنهم كافرون وال ل يحب الكافرين هذا معنى قوله تعالىُ { :قلْ
حبّ ا ْلكَافِرِينَ} .
أَطِيعُوا اللّ َه وَالرّسُولَ فَإِنْ َتوَلّوْا فَإِنّ اللّهَ ل يُ ِ
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1محبة العبد للرب تعالى واجب وإيمان لقول الرسول صلى ال عليه وسلم" :أحبوا ال تعالى
لما يغذوكم به من النعم وأحبوني بحب 3ال تعالى" ،وقوله صلى ال عليه وسلم " :ل يؤمن
أحدكم حتى يكون ال ورسوله
__________
1الحب :المحبة ،والحب بالكسر :كالحب ،والحب أيضا :المحبوب ،ومنه الثر :أسامة حب
رسول ال صلى ال عليه وسلم وابن حبه :أي :زيد مولى رسول ال صلى ال عليه وسلم .وورد
حبه يحب ولم يأت اسم الفاعل منه :حاب كما لم يأت اسم المفعول من أحب محب وإنما أتى
محبوب.
2روى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :أن ال إذا أحب عبدا دعا
جبريل فقال :إني أحب فلنا فأحبه .قال :فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول :إن ال يحب
فلنا فأحبوه .فيحبه أهل السماء ،قال :ثم يوضع له القبول في الرض ،وإذا أبغض عبدا دعا
جبريل فيقول :إني أبغض فلنا فأبغضه .قال :فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن ال
يبغض فلنا فأبغضوه .قال :فيبغضونه ،ثم توضع له البغضاء في الرض" .
3الحب :الميل إلى ما في إدراكه لذة روحية؛ كحب ال ورسوله وحب ما يحب ال ورسوله،
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ويستلزم الحب طاعة المحبوب ،قال الشاعر:
تعصي الله وأنت تظهر حبه ...هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لعطته ...
إن المحب لمن يحب مطيع
( )1/308
( )1/309
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{َآلَ إِبْرَاهِيمَ} :آل الرجل :أهله واتباعه على دينه الحق.
عمْرَانَ} :رجل صالح من صلحاء بني إسرائيل في عهدهم الخير :هو زوج حنة وأبو مريم
{ِ
عليهم السلم.
{ا ْلعَاَلمِينَ} :هم الناس المعاصرون لهم.
عمْرَانَ} :حنة .1
امْرََأتُ ِ
{ َنذَ ْرتُ َلكَ مَا فِي َبطْنِي} :ألزمت نفسها أن تجعله ل يعبده ويخدم بيته الذي هو بيت المقدس.
{مُحَرّرا : }2خالصا ل شركة فيه لحد غير ال بحيث ل تنتفع به أبدا.
{مَرْيَمَ} :خادمة الرب تعالى.
{إِنّي أُعِي ُذهَا} :أحصنها وأحفظها بجنابك من الشيطان.
{ َو َكفَّلهَا َزكَرِيّا} :زكريا أبو يحي عليهما السلم وكانت امرأته أختا لحنة.
{ا ْل ِمحْرَابَ} :مقصورة ملصقة للمسجد.
{أَنّى َلكِ َهذَا}؟ :من أين لك هذا ،أي من أين جاءك.
معنى اليات:
لما ادعى نصارى وفد نجران ما ادعوه في المسيح عليه السلم من تأليهه وتأليه أمه أنزل ال
تعالى هذه اليات يبين فيها مبدأ أمر عيسى وأمه وحقيقة أمرهما فأخبر تعالى أنه اصطفى آدم
ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران اصطفاهم لدينه واختارهم لعبادته ففضلهم بذلك على الناس وأخبر
أنهم ذرية 3بعضهم من بعض لم تختلف عقائدهم ،ولم تتباين فضائلهم وكمالتهم الروحية ،وذلك
لحفظ ال تعالى لهم وعنايته بهم .وأخبر تعالى أنه سميع عليم ،أي سميع لقول امرأة عمران عليم
بحالها لما قالتَ ...{ :ربّ إِنّي َنذَ ْرتُ َلكَ مَا فِي َبطْنِي ُمحَرّرا }..وذلك أنها كانت ل تلد ،فرأت
في حديقة منزلها طائرا يطعم أفراخه فحنت إلى الولد وسألت ربها أن يرزقها ولدا وتجعله له
يعبده ويخدم بيته ،فاستجاب ال تعالى لها فحملت ومات زوجها وهي
__________
1هي حنة بنت ماقودة ،مات زوجها وهي حبلى.
2أي خالصا لعبادة ال ل تبقي بها أنسا لها ول خدمة.
3ذرية :منصوب على الحال في الية الكريمة ،ولفظ ذرية يطلق على الواحد ،وعلى الجمع،
ويطلق على الولد والوالد ،وهو مشتق من الذرء الذي هو الخلق ،فذرأ بمعنى خلق.
( )1/310
( )1/311
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-4مشروعية 1النذر ل تعالى وهو التزام المؤمن الطاعة تقربا إلى ال تعالى.
-5بيان فضل الذكر على النثى في باب النهوض بالعمال والواجبات.
-6جواز التحسر والتأسف لما يفوت العبد من الخير الذي كان يأمله.
-7ثبوت كرامات الولياء كما تم لمريم في محرابها.
-8تقرير نبوة محمد صلى ال عليه وسلم ،إذ مثل هذه القصص ل يتأتى لمي أن يقصه إل أن
يكون رسولً يوحى إليه .ولهذا ختمه بقوله{ :ذَِلكَ مِنْ أَنْبَاءِ ا ْلغَ ْيبِ نُوحِيهِ} .
سمِيعُ الدّعَاءِ( )38فَنَادَتْهُ
{هُنَاِلكَ دَعَا َزكَرِيّا رَبّهُ قَالَ َربّ َهبْ لِي مِنْ َلدُ ْنكَ ذُرّيّةً طَيّبَةً إِ ّنكَ َ
ا ْلمَل ِئكَ ُة وَ ُهوَ قَائِمٌ ُيصَلّي فِي ا ْلمِحْرَابِ أَنّ اللّهَ يُبَشّ ُركَ بِ َيحْيَى ُمصَدّقا ِبكَِلمَةٍ مِنَ اللّهِ وَسَيّدا
حصُورا وَنَبِيّا مِنَ الصّالِحِينَ( )39قَالَ َربّ أَنّى َيكُونُ لِي غُل ٌم َوقَدْ بََلغَ ِنيَ ا ْلكِبَ ُر وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ
وَ َ
ج َعلْ لِي آ َيةً قَالَ آيَ ُتكَ أَل ُتكَلّمَ النّاسَ ثَلثَةَ أَيّامٍ إِل
قَالَ َكذَِلكَ اللّهُ َيفْ َعلُ مَا يَشَاءُ( )40قَالَ َربّ ا ْ
ي وَالِ ْبكَارِ}
شَّرمْزا وَا ْذكُرْ رَ ّبكَ كَثِيرا وَسَبّحْ بِا ْلعَ ِ
شرح الكلمات:
{هُنَاِلكَ} :ثم عندما 2رأى كرامة ال لمريم عليها السلم.
{ َزكَرِيّا} :أحد أنبياء بني إسرائيل ورسلهم.
{ َهبْ لِي} :أعطني.
__________
1ذكر القرطبي :أن ولدا قال لمه :يا أمة ذريني ل أتعبد له وأتعلم العلم له .فقالت :نعم .فسار
يتعبد ويطلب العلم فلما كمل في علمه وحاله آتاها فطرق الباب .فقالت :من؟ فقال :ابنك فلن،
فقالت :قد تركتك ل فل نعود فيك.
2أي :في ذلك المكان ،وهو المحراب .تنبه إلى الدعاء لما شاهد من خوارق العادات فدعا طالبا
الولد فاستجاب ال تعالى له ،ول يقال :كيف يأخذ الرسول على من دونه ومن امرأة بالذات؟ فإن
الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها التقطها ،وأهل الكمال من الناس يعتبرون دائما بما يرون
ويسمعون.
( )1/312
( )1/313
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عَاقِرٌ} فأوحى إليه :أن هذا فعل ال وال يفعل ما يشاء .وهنا قال زكريا :رب اجعل لي آية يريد
علمة يستدل بها على وجود الحمل ليستقبل النعمة بالشكر فأجابه ربه قائلً{ :آيَ ُتكَ أَل ُتكَلّمَ النّاسَ
ثَلثَةَ أَيّامٍ} يريد أنك تصبح وأنت عاجز عن الكلم لمدة ثلثة أيام ،فل تقدر أن تخاطب أحدا إل
بالشارة وهي الرمز فيفهم عنك ،وأمره تعالى أن يقابل هذا النعام بالشكر التام فقال له{ :وَا ْذكُرْ1
رَ ّبكَ كَثِيرا وَسَبّحْ} يريد صل بالعشي آخر النهار والبكار أوله.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1العتبار بالغير ،إذ زكريا دعا بالولد لما رأى كرامة ال تعالى لمريم.
-2مشروعية الدعاء وكونه سرا أقرب إلى الجابة ،وكونه في الصلة كذلك.
-3جواز تلبيس إبليس على المؤمن ،ولكن ال تعالى يذهب كيده ووسوسته.
-4جواز سؤال الولد الصالح.
-5كرامات ال تعالى لولياؤه –استجابة دعاؤهم.
-6فضل الكثار من الذكر ،وفضيلة صلتي الصبح والعصر وفي الحديث" :من صلى البردين
دخل الجنة" .
علَى ِنسَاءِ ا ْلعَاَلمِينَ( )42يَا مَرْيَمُ
طفَاكِ َ
ك وَاصْ َ
طهّ َر ِ
ك وَ َ
طفَا ِ
{وَإِذْ قَاَلتِ ا ْلمَل ِئكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنّ اللّهَ اصْ َ
جدِي وَا ْركَعِي مَعَ الرّا ِكعِينَ( )43ذَِلكَ مِنْ أَنْبَاءِ ا ْلغَ ْيبِ نُوحِيهِ ِإلَ ْيكَ َومَا كُ ْنتَ لَدَ ْي ِهمْ
اقْنُتِي لِرَ ّبكِ وَاسْ ُ
صمُونَ(})44
إِذْ يُ ْلقُونَ َأقْل َمهُمْ أَ ّيهُمْ َي ْك ُفلُ مَرْيَ َم َومَا كُ ْنتَ َلدَ ْيهِمْ ِإذْ يَخْ َت ِ
__________
1روى عن كعب القرظي قوله :لو رخص لحد في ترك الذكر لرخص لزكريا إذ جعل له آية
الولد له أل يكلم الناس ثلثة أيام إلرمزا ،ولم يعفه من الذكر بل أمره بقوله{ :وَا ْذكُرْ رَ ّبكَ كَثِيرا
ي وَالِ ْبكَارِ} ولرخص للرجل في الحرب ،إ ذ قال تعالى{ :إِذَا َلقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَا ْذكُرُوا
شّوَسَبّحْ بِا ْلعَ ِ
اللّهَ كَثِيرا}.
( )1/314
شرح الكلمات:
{وَإِذْ قَاَلتِ ا ْلمَل ِئكَةُ} :اذكر لوفد نصارى نجران ما قالت الملئكة فإن ذلك دليل على صحة
نبوتك ،وصدقك في أمر التوحيد ،وعدم ألوهية عيسى.
طفَاكِ} :اختارك لعبادته وحسن طاعته.
{اصْ َ
طهّ َركِ} :من الذنوب وسائر النقائص المخلة بالولية ل تعالى.
{وَ َ
طفَاكِ عَلَى ِنسَاءِ ا ْلعَاَلمِينَ : }1أي فضلك على نساء العالمين بما أهلك له من كرامة ولدة
{وَاصْ َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عيسى من غير أب.
{اقْنُتِي : }2أطيعي ربك وأقنتي له واخشعي.
{وَا ْر َكعِي مَعَ الرّا ِكعِينَ} :اشهدي صلة الجماعة في بيت المقدس.
{ذَِلكَ مِنْ أَنْبَاءِ ا ْلغَ ْيبِ} :أي ما ذكرت من قصة مريم وزكريا من أخبار الغيب.
{َلدَ ْيهِمْ} :عندهم وبينهم.
{ِإذْ يُ ْلقُونَ َأقْل َمهُمْ : }3جمع قلم وهو ما يكتب به وإلقاءها لجل القتراع بها على كفالة مريم.
صمُونَ} :في شأن كفالة مريم عليها و عليهم السلم.
{ َيخْ َت ِ
معنى اليات:
يقول تعالى لنبيه اذكر لوفد نجران الذين يحاجونك في ألوهية المسيح ،إذ قالت الملئكة مخاطبة
مريم أم المسيح بما أهلها ال تعالى له وأكرمها به من اصطفاء 4ال تعالى لها لتكون من صالحي
عباده ،وتطهيره إياها من سائر الذنوب والنقائص والعيوب مفضلً على نساء عالمها حيث برأها
وأكرمها وأظهر آية قدرته فيها فولدت عيسى بكلمة ال وليس على سنته
__________
1قيل في سبب لقبها بالصدّيقة ،أنها لم تسأل الية عندما بشرت بالولد كما سألها زكريا عليه
السلم ،وأثنى عليها تعالى بقولهَ { :وصَ ّد َقتْ ِبكَِلمَاتِ رَ ّبهَا َوكُتُبِ ِه َوكَا َنتْ مِنَ ا ْلقَانِتِينَ} .
2روى عن الوزاعي أنه قال :لما أمر تعالى مريم بالقنوت قامت في الصلة حتى ورمت
قدماها ،وسألت دما وقبحا.
3ألقوها في نهر الردن ،وهو نهر جار وأفادت هذه الية مشروعية القرعة وأنها وإن كانت في
شرع من قبلنا إل أنها شرعت لنا على لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذ كان صلى ال
عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها وكذا حديث" :لو يعلم
الناس ما في النداء والصف الول ثم لم يجدوا إل أن يستهموا عليه لستهموا" .
4اختلف في نبوة النساء ،ورجح كثيرون نبوة مريم لخطاب الملئكة لها وإخبارهم باصطفاء ال
تعالى لها وهذا يرجح نبوتها .أما الرسالة فل لن الرسالة تتطلب التصال بالرجال ،وهذا بتنافى
مع كمال النساء وما خلقن له من الستر والحجاب.
( )1/315
تعالى في تناسل البشر من ذكر وأنثى ،وأمرها بمواصلة الطاعة والخبات والخشوع ل تعالى
طفَاكِ عَلَى نِسَاءِ ا ْلعَاَلمِينَ ،يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَ ّبكِ
ك وَاصْ َ
طهّ َر ِ
ك وَ َ
طفَا ِ
فقال{ :يَا مَرْ َيمُ إِنّ اللّهَ اصْ َ
جدِي 1وَا ْر َكعِي مَعَ الرّا ِكعِينَ ، }2وخص الصلة بالذكر لهميتها وذكرها بأعظم أركانها وهو
وَاسْ ُ
السجود والركوع وفي بيت المقدس مع الراكعين.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هذا معنى اليتين الولى( )42والثانية( ،)42أما الية الثالثة( )44فقد خاطب الرب تبارك وتعالى
رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم مشيرا إلى ما سبق في هذا القصص المتعلق بآل عمران حنة
ومريم وزكريا ويحي ،ومريم أخيرا بأنه كله من أنباء الغيب ،وإخباره يوحيه تعالى إليه فهو بذلك
نبيه ورسوله ،وما جاء به من الدين هو الحق ،وما عداه فهو باطل ،وبذلك تقرر مبدأ التوحيد،
وأنه ل إله إل ال ،وبطل باطل أهل الكتاب فل عزير ابن ال ،ول المسيح ابن ال ،ول هو إله مع
ال ،وإنما هو عبد ال ورسول ال .ثم تقريرا لمبدأ الوحي وتأكيدا له قال تعالى لرسوله أيضا ،وما
كنت لديهم أي عند علماء بني إسرائيل وصلحائهم وفي حضرتهم ،وهم يقترعون على النذيرة:
"مريم" من يكفلها فرموا بأقلمهم في النهر فمن وقف قلمه في الماء كان كافلها بإذن ال ،فالقوا
أقلمهم تلك القلم التي كانت تكتب الحق والهدى ل الباطل والضلل كما هي أغلب أقلم أرباب
الصحف والمجلت اليوم ،فوقف قلم زكريا ففاز بكفالتها 3بإذن ال تعالى وقد تقدم قول ال
تعالى :فكفلها زكريا ،بهذا قامت الحجة على أهل الكتاب وغيرهم بأنه ل إله إل ال ،وأن محمدا
رسول ال ،وأن الدين الحق هو السلم وما عداه فباطل وضلل!.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1فضل مريم عليها السلم وأنها ولية صديقة ،وقد أخبر النبي صلى ال عليه وسلم أنه من كمل
النساء ففي
__________
1قدم السجود على الركوع في الذكر وإن كان مؤخرا في الفعل؛ لنه ألصق بالشكر والمقام مقام
شكر.
2فيه دليل على صلة المرأة في الجماعة ،وقد سن ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم في مثل
قوله" :ل تمنعوا إماء ال مساجد ال" وإن كان قوله {وَا ْر َكعُوا َمعَ الرّا ِكعِينَ} ل يستلزم الصلة في
جماعة إذ هو أمر بالركوع فقد تركع وحدها أو مع غيرها.
3قال القرطبي دلت هذه اليةَ { :و َكفَّلهَا َزكَرِيّا} على أن الخالة أحق بالحضانة من سائر القرابات
ما عدا الجدة .وقد قضى رسول ال صلى ال عليه وسلم في ابنة حمزة "أمة ال" لجعفر لن
خالتها كانت تحته .وقال صلى ال عليه وسلم" :إنما الخالة بمنزلة الم" .
( )1/316
الصحيح" :كمل من الرجال كثير ،ولم يكمل النساء 1إل آسيا امرأة فرعون ،ومريم بنت عمران،
وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" .
-2أهل القرب من ال هم أهل طاعته القانتون له.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-3الصلة سلم العروج إلى الملكوت العلى.
-4ثبوت الوحي المحمدي وتقريره.
-5مشروعة القتراع عند الختلف وهذه وإن كانت في شرع من قبلنا إل أنها مقررة في
شرعنا والحمد ال.
سمُهُ ا ْلمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَ َم َوجِيها فِي الدّنْيَا
{ِإذْ قَاَلتِ ا ْلمَل ِئكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنّ اللّهَ يُ َبشّ ُركِ ِبكَِلمَةٍ مِنْهُ ا ْ
ل َومِنَ الصّالِحِينَ( )46قَاَلتَْ 2ربّ أَنّى
وَالخِ َرةِ َومِنَ ا ْل ُمقَرّبِينَ( )45وَ ُيكَلّمُ النّاسَ فِي ا ْل َمهْدِ َوكَهْ ً
َيكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ َيمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ َكذَِلكِ اللّهُ َيخُْلقُ مَا يَشَاءُ إِذَا َقضَى َأمْرا فَإِ ّنمَا َيقُولُ لَهُ كُنْ
فَ َيكُونُ(})47
شرح الكلمات:
{يُبَشّ ُركِ} :يخبرك بخبر سار مفرح لك.
{ ِبكَِلمَةٍ مِ ْنهُ : }3هو المسيح عليه السلم وسمي كلمة لنه كان بكلمة ال تعالى{ :كن}
{ا ْلمَسِيحُ : }4لقب عيسى عليه السلم ومن معانيه الصديق.
الوجيه :ذو الجاه والقدر والشرف بين الناس.
__________
1وفي رواية أخرى" :خير نساء العالمين أربع :مريم بنت عمران ،وآسيا امرأة فرعون ،وخديجة
بنت خويلد ،وفاطمة بنت رسول ال صلى ال عليه وسلم" .
2ذهب القرطبي إلى أن كلمة :رب ،تعني سيدي ،أي :جبريل ،وهو خطأ واضح بل المراد به
الرب تبارك وتعالى ،فهي تخاطب ربها طالبة معرفة سبب الولد ،إذ السباب المعتادة لم تكن،
فكيف يكون الولد؟.
3المراد بكلمة :هو ،كلمة التكوين ،ووصف عيسى بكلمة ،مراد به :كلمة خاصة ،وهي كلمة:
{كن}.
4اختلف في سبب تلقيب عيسى بالمسيح ،والمشهور أنه لقب تشريف؛ كالفاروق مثلً ،أو الملك،
أو الصديق ،وأما عيسى فهو :معرب ،أيشوع ،ومعناه السيد ،وهل المسيح مشتق من المسح؟ وهل
هو بمعنى الماسح ،أو الممسوح خلف.
( )1/317
( )1/318
-4جواز طلب الستفسار 1عما يكون مخالفا للعادة لمعرفة سر ذلك أو علته أو حكمته.
ح ْكمَ َة وَال ّتوْرَا َة وَالِنْجِيلَ( )48وَرَسُولً إِلَى بَنِي ِإسْرائيلَ أَنّي قَدْ جِئْ ُتكُمْ بِآيَةٍ مِنْ
ب وَالْ ِ
{وَ ُيعَّلمُهُ ا ْلكِتَا َ
ل ْكمَهَ
ئاَ
رَ ّبكُمْ أَنّي َأخْلُقُ َل ُكمْ مِنَ الطّينِ َكهَيْئَةِ الطّيْرِ فَأَ ْنفُخُ فِيهِ فَ َيكُونُ طَيْرا بِإِذْنِ اللّ ِه وَأُبْ ِر ُ
ك ليَةً َل ُكمْ
ص وَأُحْيِي ا ْل َموْتَى بِِإذْنِ اللّ ِه وَأُنَبّ ُئكُمْ ِبمَا تَ ْأكُلُونَ َومَا َتدّخِرُونَ فِي بُيُو ِتكُمْ إِنّ فِي ذَِل َ
وَالَبْرَ َ
حلّ َلكُمْ َب ْعضَ الّذِي حُرّمَ عَلَ ْيكُ ْم وَجِئْ ُت ُكمْ
إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ(َ )49و ُمصَدّقا ِلمَا بَيْنَ يَ َديّ مِنَ ال ّتوْرَا ِة َولُ ِ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بِآيَةٍ مِنْ رَ ّبكُمْ فَا ّتقُوا اللّ َه وَأَطِيعُونِ( )50إِنّ اللّهَ رَبّي وَرَ ّبكُمْ فَاعْبُدُوهُ َهذَا صِرَاطٌ مُسْ َتقِيمٌ(})51
شرح الكلمات:
{ا ْلكِتَابَ} :الخط والكتابة.
ح ْكمَةَ} :العلم الصحيح والصابة في المور وفهم أسرار التشريع اللهي.
{وَالْ ِ
{وَرَسُولً} :أي وابعثه رسولً.
آية :علمة دالة على رسالته وصدق نبوته.
{َأخْلُقُ َلكُمْ} :أي أصور لكم ،ل الخلق الذي هو النشاء والختراع إذ ذاك ل تعالى.
{ َكهَيْئَةِ الطّيْرِ : }2كصورة الطير.
__________
1هذا من قولهاَ { :ربّ أَنّى َيكُونُ لِي وََلدٌ} الية.
2قيل :اليهود هم الذين طلبوا أن يخلق لهم خفاشا؛ لنه أعجب من سائر الخلق ،ومن عجائبه أنه
لحم ودم يطير بغير ريش ،ويلد كما يلد الحيوان ول يبيض كما يبيض سائر الطيور وله لبن
يرضع به أولده ويضحك كما يضحك النسان ويحيض كما تحيض المرأة ،ول يبصر في ضوء
النهار ،ول في ظلمة الليل وإنما يبصر في ساعين؛ بعد غروب الشمس ساعة ،وبعد طلوع الفجر
ساعة.
( )1/319
( )1/320
هداية اليات
من هداية اليات:
-1شرف الكتابة وفضلها.
-2فضل الحكمة 1وهي الفقه في أسرار الشرع والصابة في المور.
-3الغيب ل ،ويعلم أنبياءه منه ما يشاء.
-4ثبوت معجزات عيسى عليه السلم.
-5ل إله إل ال ،ومحمد رسول ال ،وعيسى كلمة ال وروح منه ورسول إلى بني إسرائيل.
-6المر بالتقوى وطاعة الرسول لتوقف السعادة والكمال عليهما.
حوَارِيّونَ َنحْنُ أَ ْنصَارُ اللّهِ آمَنّا بِاللّهِ
{فََلمّا َأحَسّ عِيسَى مِ ْنهُمُ ا ْلكُفْرَ قَالَ مَنْ أَ ْنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ ا ْل َ
ت وَاتّ َبعْنَا الرّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشّاهِدِينَ(َ )53و َمكَرُوا
شهَدْ بِأَنّا ُمسِْلمُونَ( )52رَبّنَا آمَنّا ِبمَا أَنْزَ ْل َ
وَا ْ
طهّ ُركَ مِنَ
ي َومُ َ
َو َمكَرَ اللّ ُه وَاللّهُ خَيْرُ ا ْلمَاكِرِينَ( )54إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنّي مُ َت َوفّيكَ وَرَا ِف ُعكَ إَِل ّ
حكُمُ بَيْ َن ُكمْ
ج ُعكُمْ فَأَ ْ
علُ الّذِينَ اتّ َبعُوكَ َفوْقَ الّذِينَ َكفَرُوا إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ ُثمّ إَِليّ مَرْ ِ
الّذِينَ َكفَرُوا وَجَا ِ
عذّ ُبهُمْ عَذَابا شَدِيدا فِي الدّنْيَا وَالخِ َر ِة َومَا َلهُمْ مِنْ
فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ َتخْتَِلفُونَ( )55فََأمّا الّذِينَ َكفَرُوا فَأُ َ
عمِلُوا
نَاصِرِينَ( )56وََأمّا الّذِينَ آمَنُوا وَ َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
__________
ح ْكمَةَ َفقَدْ أُوتِيَ خَيْرا كَثِيرا} وقول
ل قول ال تعالىَ { :ومَنْ ُي ْؤتَ الْ ِ
1يكفي الحكمة شرفا وفض ً
الرسول صلى ال عليه وسلم" :ورجل أتاه ال الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها" .
( )1/321
ت وَال ّذكْرِ
حبّ الظّاِلمِينَ( )57ذَِلكَ نَتْلُوهُ عَلَ ْيكَ مِنَ الْآيا ِ
الصّالِحَاتِ فَ ُي َوفّيهِمْ ُأجُورَهُ ْم وَاللّهُ ل ُي ِ
حكِيمِ(})58
الْ َ
شرح الكلمات:
{َأحَسّ 1عِيسَى مِ ْن ُهمُ ا ْل ُكفْرَ} :علم منهم الكفر به وبما جاء به ،وهمهم بأذيته.
حوَارِيّونَ : }2جمع حواري ،والمراد بهم أصفياؤه وأصحابه.
{ا ْل َ
{مُسِْلمُونَ} :منقادون لمر ال ورسوله مطيعون.
{الشّاهِدِينَ} :الذين يشهدون أن ل إله إل ال ،ويعبدونه بما يجب أن يعبد به.
مكروا :دبروا القتل للمسيح عليه السلم.
{ َو َمكَرَ اللّهُ} :دبر تعالى لنجائه وخيبهم فيما عزموا عليه.
{خَيْرُ ا ْلمَاكِرِينَ} :أحسن المدبرين لنقاذ أوليائه وإهلك أعدائه.
{مُ َت َوفّيكَ} :متمم لك ما كتب لك من أيام بقاءك مع قومك.
{وَرَا ِف ُعكَ إَِليّ} :إلي جواري في الملكوت العلى.
طهّ ُركَ} :منزهك ومبعدك من رجسهم وكفرهم.
{ َومُ َ
علَ ْيكَ} :ذلك المذكور من أمر عيسى نقرؤه عليك من جملة آيات القرآن الحكيم.
{ذَِلكَ نَتْلُوهُ َ
معنى اليات:
ما زال السياق الكريم في الحجاج مع وفد نصارى نجران فذكر تعالى من شأنه أنه لما علم عيسى
بكفر قومه وهمهم بقتله غيلة استصرخ المؤمنين قائلً{ :مَنْ أَ ْنصَارِي ِ 3إلَى اللّهِ} فأجابه
الحواريون وهم أصفياؤه وأحباؤه قائلينَ { :نحْنُ أَ ْنصَارُ اللّهِ} آمنا بال واشهد يا روح ال بأنا
ت وَاتّ َبعْنَا الرّسُولَ 4فَاكْتُبْنَا مَعَ الشّاهِدِينَ} لك بالوحدانية
مسلمون { :رَبّنَا آمَنّا ِبمَا أَنْزَ ْل َ
__________
1أحس بالشيء :عرفه وعلمه بواسطة الحاسة والحواس :السمع والبصر واللسان والبدن والشم،
والحساس :العلم بالشيء ،والحس :القتل يقال حسه إذا قتله.
2كانوا اثني عشر رجلً ،وسمى الناصر للنبي حواريا لبياض قلبه وصفاء روحه ،وفي الحديث
"لكل نبي حواري وجواري الزبير " ،والحور لغة :البياض ،والحواري :الخبز البيض.
3هل (إلى) هنا بمعنى مع ،أي :من أنصاري مع ال نظيره{ :وَل تَ ْأكُلُوا َأ ْموَاَلهُمْ إِلَى َأ ْموَاِلكُمْ}
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أي :مع أموالكم ،أو هي على بابها ،ويكون الكلم "من أنصاري" في الطريق إلى ال؟.
4أي :عيسى عليه السلم.
( )1/322
ولرسلك بالرسالة .قال تعالى :ونفذ اليهود مكرهم في محاصرتهم لمنزل عيسى ليأخذوه ويصلبوه،
ومكر ال تعالى وهو خير الماكرين إذ قال لعبده ورسوله عيسى{ :إِنّي مُ َت َوفّيكَ} أي :قابضك
ورافعك إلى جواري ،فقبضه تعالى فأخرجه من روزنة 1المنزل ورفعه 2إليه وألقى الشبه على
رئيس شرطة المهاجمين فظنوه هو المسيح فقتلوه وصلبوه فسبحان المدبر الحكيم ،وهكذا:
طهّ ُركَ مِنَ الّذِينَ َكفَرُوا} يريد منزهه
{ َو َمكَرُوا َو َمكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ ا ْلمَاكِرِينَ ، }3وقوله لهَ { :و ُم َ
من تهم اليهود الباطلة ،إذ قالوا ساحر وابن زنا ،ومبعده من ساحة مجتمعهم الذي تعفن بكفرهم
والخبث والشر والفساد وواعده بأنه سيجعل الذين اتبعوه فيما جاء به من اليمان والسلم
والحسان فوق الذين كفروا بذلك إلى يوم القيامة وقد أنجز ال تعالى وعده فأعز أهل السلم
ونصرهم ،وأزل اليهود والكفار وأخزاهم .كما واعده أيضا أن يرد الجميع إليه يوم القيامة ويحكم
بينهم فيما اختلفوا فيه في الدنيا من اليمان والكفر ،والصلح والفساد ويجزي كل فريق بما كسب
حكُمُ بَيْ َن ُكمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَِلفُونَ ،فََأمّا الّذِينَ َكفَرُوا
ج ُعكُمْ فَأَ ْ
من خير أو شر فقال { :ثُمّ إَِليّ مَرْ ِ
شدِيدا} في الدنيا بالقتل والسباء والذلة والمسكنة ،وفي الخرة بعذاب النار ،وما لهم
عذَابا َ
فَأُعَذّ ُبهُمْ َ
من ناصرين يخلصهم من عذابنا ،وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجور إيمانهم
وصالح أعمالهم في الدنيا نصرا وتمكينا وفي الخرة جنات ونعيما ،وال عز وجل ل يحب
الظالمين فكيف يظلم عباده إذ جزاهم بأعمالهم؟ إنه ل يظلم أحدا من عباده مؤمنهم وكافرهم مثقال
ذرة بل يجزي بعدله ويرحم بفضله
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1قيام الحجة على نصارى نجران ،إذ أخبرهم الرسول صلى ال عليه وسلم بالوحي فقرر به
بطلن ألوهية عيسى عليه السلم بذكر أوصافه وأحواله مع قومه ،وكرامة ال تعالى له ،ولتباعه
معه ومن بعده في الدنيا والخرة.
__________
1الروزنة :الكوة في السقف أو الجدار.
2لم أر داعيا إلى استشكال الكثيرين رفع عيسى حيا إلى الملكوت العلى وإبقاءه هناك إلى أن
ينزله في آخر أيام هذه الدنيا ،حيث صرح رسول ال صلى ال عليه وسلم بنزول عيسى بما ل
مجال للشك فيه ،إن السنن الكونية خلقها ال تعالى فهو قدير على تبديل ما شاء منها أليس ال
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
على كل شيء قديرا؟ بلى .فلم إذا يرتبك المؤمنون في شأن رفع عيسى حيا وإبقائه في دار السلم
حيا حتى ينزل في آخر الدنيا؟.
3ورد أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يقول في دعائه" :اللهم امكر لي ول تمكر عليّ " ومما
يجب أن يعلم أن أفعال ال ل تشبه أفعال العباد لن ذاته ل تشبه ذواتهم.
( )1/323
-2السلم دين النبياء وسائر المم البشرية ول دين 1حق غيره فكل دين غيره باطل.
-3تقرير حديث الرسول صلى ال عليه وسلم في أن لكل نبي حواريين 2وأنصارا.
-4فضل أهل ل إله إل ال إذ هم شاهدون بالحق والناطقون به.
-5تقرير قبض ال تعالى لعيسى ورفعه إليه حيا .ونزوله في آخر الدنيا ليحكم زمنا ثم ليموت
الموتة التي كتب ال على كل إنسان ،فلم يجمع ال تعالى له بين موتتين .هذا دليل أنه رفع إلى
السماء حيا ل ميتا.
-6صادق وعد ال تعالى بعزة أهل السلم ،وذلة اليهود على مدى الحياة.
{إِنّ مَ َثلَ عِيسَى عِ ْندَ اللّهِ َكمَ َثلِ آدَمَ خََلقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ قَالَ َلهُ كُنْ فَ َيكُونُ( )59ا ْلحَقّ مِنْ رَ ّبكَ فَل
جكَ فِيهِ مِنْ َبعْدِ مَا جَا َءكَ مِنَ ا ْلعِلْمِ فَ ُقلْ َتعَاَلوْا نَ ْدعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَا َء ُكمْ
َتكُنْ مِنَ ا ْل ُممْتَرِينَ(َ )60فمَنْ حَا ّ
ج َعلْ َلعْ َنتَ اللّهِ عَلَى ا ْلكَاذِبِينَ( )61إِنّ َهذَا َل ُهوَ
س ُكمْ ثُمّ نَبْ َت ِهلْ فَنَ ْ
وَنِسَاءَنَا وَنِسَا َءكُ ْم وَأَ ْنفُسَنَا وَأَنْفُ َ
حكِيمُ( )62فَإِنْ َتوَّلوْا فَإِنّ اللّهَ عَلِيمٌ
ق َومَا مِنْ إَِلهٍ إِل اللّ ُه وَإِنّ اللّهَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ
ا ْل َقصَصُ ا ْلحَ ّ
بِا ْل ُمفْسِدِينَ(})63
شرح الكلمات:
المثل : 3الصفة المستغربة البديعة.
{ا ْلحَقّ مِنْ رَ ّبكَ} :أي ما قصصناه عليك في شأن عيسى 4هو الحق الثابت من ربك.
__________
1تقدم شاهده في قوله تعالى{ :إِنّ الدّينَ عِنْدَ اللّ ِه الِسْلمُ} .
2تقدم الحديث أنفا ،وهو حديث صحيح.
3المماثلة الحاصلة بين آدم وعيسى عليهما السلم في شيء واحد وهو :أن كل منهما خلق من
غير أب وخلق بكلمة التكوين وهي{ :كن}.
4وهو أن ال تعالى أرسل جبريل عليه السلم فنفخ في كم درع مريم فسرت النفخة فيها فحملت
بعيسى وولدته في ساعة من نهار ،وتكلم بعد وضعها له ،وطمأن والدته وأرشدها إلى ما تقوله
لمن يتصدى لها يعيبها .وحاصله أنه كان بكلمة التكوين وهي{ :كن} كما كان آدم بها فل أب له
ول أم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/324
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
4في هروب نصارى نجران "وهم علماء" من الملعنة دليل قاطع على أن محمدا صلى ال عليه
وسلم رسول ال وأن دينه هو الدين الحق وما عداه باطل.
5القصص :اسم لما يقص ،وهو الخبار بما فيه طول وتفصيل ،مشتق من قص الثر ،إذا تتبعه.
( )1/325
ألقاها إلى مريم وروح منه ،وأنه ل إله إل ال ،أي :ل معبود بحق إل هو تعالى ،وأن ال لهو
العزيز الغالب الذي ل يمانع في شيء أراده ،الحكيم في خلقه وتدبيره ثم توعد نصارى نجران
وغيرهم من أهل الفساد في الرض بأنه عليم بهم وسوف يحل نقمته بهم ،وينزل لعنته عليهم وهو
على كل شيء قدير.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1ولية ال تعالى لرسوله بإرشاده إلى الطريقة التي أنهى بها جدال النصارى الذي ألمه وأتعبه.
-2مشروعية المباهلة غير أنها تكون في الصالحين الذين يستجاب لهم.
-3تقرير ألوهية ال تعالى دون سواه وبطلن دعوى النصارى في تأليه عيسى عليه السلم.
-4تهديد ال تعالى لهل الفساد في الرض وهم الذين يعملون بالشرك والمعاصي.
سوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْ َنكُمْ أَل َنعْبُدَ إِل اللّ َه وَل ُنشْ ِركَ بِهِ شَيْئا وَل يَتّخِذَ
{ ُقلْ يَا َأ ْهلَ ا ْلكِتَابِ َتعَاَلوْا إِلَى كَِلمَةٍ َ
شهَدُوا بِأَنّا مُسِْلمُونَ( )64يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ لِمَ
َب ْعضُنَا َبعْضا أَرْبَابا مِنْ دُونِ اللّهِ فَإِنْ َتوَلّوْا َفقُولُوا ا ْ
تُحَاجّونَ فِي إِبْرَاهِي َم َومَا أُنْزَِلتِ ال ّتوْرَا ُة وَالِنْجِيلُ إِل مِنْ َب ْع ِدهِ َأفَل َت ْعقِلُونَ( )65هَا أَنْ ُتمْ َهؤُلءِ
حَاجَجْ ُتمْ فِيمَا َلكُمْ ِبهِ عِلْمٌ فَِلمَ تُحَاجّونَ فِيمَا لَيْسَ َلكُمْ بِهِ عِ ْل ٌم وَاللّهُ َيعَْل ُم وَأَنْتُمْ ل َتعَْلمُونَ( )66مَا كَانَ
إِبْرَاهِيمُ َيهُودِيّا وَل َنصْرَانِيّا وََلكِنْ كَانَ حَنِيفا مُسْلِما َومَا كَانَ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ( )67إِنّ َأوْلَى النّاسِ
ي وَالّذِينَ آمَنُوا وَاللّهُ وَلِيّ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ(})68
بِإِبْرَاهِيمَ لَلّذِينَ اتّ َبعُو ُه وَهَذَا النّ ِب ّ
( )1/326
شرح الكلمات:
{أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ} :اليهود والنصارى لن اليهود عندهم التوراة ،والنصارى عندهم النجيل.
سوَاءٍ : }1الكلمة السواء :هي العادلة وهي أن نعبد ال وحده ل شريك له ول يتخذ
{إِلَى كَِلمَةٍ َ
بعضنا بعضا أربابا من دون ال.
{أَرْبَابا : }2الرباب :جمع رب ،وهو المألوه المطاع بغير طاعة ال تعالى.
{فَإِنْ َتوَّلوْا} :أعرضوا عن التوحيد.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شهَدُوا} :اعلموا علم رؤيا ومشاهدة بأنا مسلمون.
{ا ْ
{ ُتحَاجّونَ} :تجادلون بحجج 3باطلة.
{ َيهُودِيّا وَل َنصْرَانِيّا} :لم يكن إبراهيم على ملة اليهود ،ول على ملة النصارى.
سلِما} :مائلً عن الملل الباطلة إلى ملة الحق وهي السلم.
{كَانَ حَنِيفا مُ ْ
{َأوْلَى النّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ} :أحق بالنسبة إلى إبراهيم وموالته الذين اتبعوه على التوحيد.
{وَاللّهُ وَلِيّ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} :متولي أمرهم وناصرهم.
معنى اليات:
ما زال السياق في إبطال باطل أهل الكتابين إذا قال تعالى لرسوله قل لهم يا أهل الكتاب من يهود
ونصارى تعالوا ارتفعوا من وهدة الباطل التي أنتم واقعون فيها إلى كلمة سواء كلمة عدل نصف
بيننا وهي أن نعبد ال وحده ل نشرك به سواه وأن ل يتخذ بعضنا 4بعضا أربابا من دون ال
فيفرض طاعته على غيره 5ويلزمه بالسجود له تعظيما وتقديسا فإن أبوا عليك ذلك
__________
1كلمة :سوىً ،وسوى ،وسواء :بمعنى واحد إلى أن السين إذا فتحت مدت.
2نظيرها قوله تعالى{ :اتّخَذُوا َأحْبَارَ ُه ْم وَرُهْبَا َنهُمْ أَرْبَابا مِنْ دُونِ اللّهِ} معناه :أنهم أنزلوهم منزلة
ربهم في قبول تحريمهم وتحليلهم لما لم يحرمه ال ولم يحلله ،وسجدوا لهم أيضا.
3المجادلة بالتي هي أحسن والقائمة على أساس العلم الصحيح ممدوحة غير مذمومة ،وهذه
صورة لها :أتى رجل إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول ال :إن امرأتي ولدت
غلما أسود ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :هل لك من إبل؟ قال :نعم .قال :ما لونها؟
قال :حمر .قال :هل فيها من أورق؟ قال :نعم .قال :فمن أين ذلك؟ قال :لعل عرقا نزعه .فقال
رسول ال صلى ال عليه وسلم" :لعل عرقا نزعه".
4وقد راسل النبي صلى ال عليه وسلم ملوك الروم بمضمون هذه الية ،إذ كتب إلى هرقل قائلً:
"بسم ال الرحمن الرحيم من محمد رسول ال إلى هرقل عظيم الروم ،سلم على من اتبع الهدى،
أما بعد :فإني أدعوك بدعاية السلم .أسلم تسلم يؤتك ال أجرك مرتين ،وإن توليت فإن عليك اثم
سوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْ َنكُمْ} ..إلى
الريسيين (الكارين) (وهم الفلحون) {يَا َأ ْهلَ ا ْلكِتَابِ َتعَاَلوْا إِلَى كَِلمَةٍ َ
قوله {مسلمون} " .رواه مسلم.
5وذلك بأن يحرم عليه ما أحل ال ويحل له ما حرم ال ويلزمه بقبول ذلك والذعان له.
( )1/327
وتولوا عنه فقولوا أيها المؤمنون :اشهدوا أيها المتولون عن الحق بأنا مسلمون .وفي هذا تعريض
بل تصريح بأن غيرهم ليسوا مسلمين.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هذا معنى الية الولى( )64أما الية الثانية( )65فيأمر تعالى رسوله أيضا أن يقول للمتولين عن
الحق يا أهل الكتاب لم تحاجون في شأن إبراهيم وتدعي كل طائفة منكم أن إبراهيم كان على
دينها مع أن اليهودية ما كانت إل بعد نزول التوراة ،والنصرانية ما كانت إل بعد نزول النجيل،
وإبراهيم كان قبل نزول الكنابين بمائات السنين ،مالكم تقولون بما ل يقبل ول يعقل أفل تعقلون؟
ثم وبخهم بما هم أهله قائلً لهم :اسمعوا يا هؤلء أنتم جادلتم فيما لكم به علم في شأن دينكم
وكتابكم فلم تجادلون فيما ليس لكم به علم في شأن إبراهيم وملته الحنيفية التي قامت على مبدأ
التوحيد وإخلص العبادة ل وحده ،وال يعلم من شأن إبراهيم ودينه ما ل تعلمون أننتم فليس من
حقكم القول فيما ل تعلمونه .ثم أكذبهم بعد أن وبخهم فقال { :مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ َيهُودِيّا وَل َنصْرَانِيّا}
وإنما كان حنيفا موحدا مطيعا لربه مسلما له ولم يكن من المشركين .وبعد أن وبخ تعالى
المجادلين لرسوله وكذبهم في دعواهم أن إبراهيم على دينهم قرر حقيقة كبرى ينبغي أن يعلموها
ويقروا بها وهي أن أحق 1الناس بالنسبة لبراهيم والنتماء إليه هم الذين اتبعوه على ملة التوحيد
وعبادة ال تعالى بما شرع وهذا النبي الكريم العظيم محمد صلى ال عليه وسلم والذين آمنوا معه
واتبعوا الهدى الذي جاء به ،وال تعالى ولي المؤمنين ،وعدو الكافرين والمشركين.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1ل يصلح حال البشرية ول يستقيم أمرها إل إذا أخذت بمبدأ :الكلمة السواء وهي أن تعبد ربها
وحده ل تشرك به سواه ،وأل يعلو بعضها على بعض تحت أي قانون أو شعار.
-2حجية التاريخ وبيان الحاجة إليه ،إذ رد ال تعالى على أهل الكتاب في دعواهم أن إبراهيم
كان على دينهم بأن التوراة والنجيل لم ينزل إل بعد وفاته فكيف يكون يهوديا أو نصرانيا.
__________
1روى أن ابن عباس قال" :قال رؤساء اليهود :وال يا محمد لقد علمت إنا أولى الناس بدين
إبراهيم منك ومن غيرك فإنه كان يهوديا وما بك إل الحسد فأنزل ال تعالى هذه الية{ :ما كان
إبراهيم يهوديا- ...إلى قوله -:وال ولي المؤمنين}.
( )1/328
( )1/329
والنصارى يودون إضلل المسلمين حسدا لهم على الحق الذي هم عليه ،وأخبر تعالى أنهم بتمنيهم
هلك المسلمين إنما يهلكون أنفسهم وما يدرون ذلك ول يعلمون به وقال عز وجلَ { :ومَا ُيضِلّونَ
شعُرُونَ} .
سهُ ْم َومَا يَ ْ
إِل أَ ْنفُ َ
هذا معنى الية( )69أما الية( )70فقد نادى الرب تعالى أهل الكتاب ليوبخهم وينعي عليهم
ضللهم فقال{ :يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ لِمَ َت ْكفُرُونَ 1بآيَاتِ اللّهِ} أي :لم تجحدون اليات التي بها نعت
الرسول وصفته ل في التوراة والنجيل والحال أنكم تشهدون أنها صفات الرسول ونعوته وإنها
منطبقة عليه؟ أليس هذا قبحا منكم وشرا تعود عاقبته عليكم؟.
وفي الية( )71وبخهم أيضا على خلطهم الحق بالباطل حتى ل يعرف ويؤخذ به ويهتدي عليه
فقال تعالى{ :يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِِ 2لمَ تَلْبِسُونَ ا ْلحَقّ بِالْبَاطِل}ِ وشنع عليهم بكتمانهم الحق الذي هو نبوة
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الرسول محمد صلى ال عليه وسلم المبينة في كتبهم وعلى ألسنة رسلهم فقال{ :وَ َتكْ ُتمُونَ ا ْلحَقّ
وَأَنْتُمْ َتعَْلمُونَ} أنه الحق من ال.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1بيان رغبة كثير من اليهود والنصارى في إضلل المسلمين وإهلكهم.
-2عاقبة الشر والفساد تعود على صاحبها في نهاية المر.
-3قبح من يكتم الحق وهو يعرفه.
-4حرمة التدليس والتلبيس في كل شيء ل سيما في دين ال تعالى لبعاد الناس عنه.
-5حرمة كتمان الحق في الشهادة وغيرها.
{ َوقَاَلتْ طَا ِئفَةٌ مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ آمِنُوا بِالّذِي أُنْ ِزلَ عَلَى الّذِينَ آمَنُوا َوجْهَ ال ّنهَا ِر وَا ْكفُرُوا آخِ َرهُ َلعَّل ُهمْ
جعُونَ( )72وَل ُت ْؤمِنُوا إِل ِلمَنْ تَبِعَ دِي َن ُكمْ ُقلْ إِنّ
يَرْ ِ
__________
1الستفهام إنكاري ،واليات هي المشتملة على صفات الرسول محمد صلى ال عليه وسلم
ونعوته ،ومن اليات المعجزات التي تجلت على يد النبي محمد صلى ال عليه وسلم.
2إعادة النداء مرة ثانية{ :يا أهل الكتاب} لجل توبيخهم وتسجيل باطلهم عليهم.
( )1/330
( )1/331
عن الكعبة بعد ما صليتم إليها؟ قولوا لهم قد تبين لنا أن الحق هو استقبال الصخرة ل الكعبة.
هذا معنى قوله تعالى فيهمَ { :وقَاَلتْ طَا ِئفَةٌ 1مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ آمِنُوا 2بِالّذِي أُنْ ِزلَ عَلَى الّذِينَ آمَنُوا}
جهَ ال ّنهَارِ} أي :صباحا {وَا ْكفُرُوا آخِ َرهُ} أي :واجحدوا به مساءاَ{ ،لعَّلهُمْ
يعني في شأن القبلة{ ،وَ ْ
جعُونَ} أي :إلى استقبال الصخرة بدلً عن الكعبة ،والغرض هو بلبلة أفكار المسلمين وإدخال
يَرْ ِ
الشك عليهم 3وقوله تعالى عنهم{ :وَل ُت ْؤمِنُوا إِل ِلمَنْ تَ ِبعَ دِي َنكُمْ} يريد أنهم قالوا لبعضهم بعضا ل
تصدقوا أحدا إل لمن تبع دينكم من أهل ملتكم وهذا صرف من رؤسائهم لليهود عن السلم
وقبوله ،أي ل تصدقوا المسلمين فيما يقولون لكم ،وهنا رد تعالى عليهم بقوله قل يا رسولنا{ :إِنّ
ا ْلهُدَى ُهدَى اللّهِ} ،ل ما يحتكره اليهود من الضلل ويزعمون أنه الحق والهدى وهو البدعة
حدٌ مِ ْثلَ مَا أُوتِيتُمْ َأوْ يُحَاجّوكُمْ عِنْدَ رَ ّب ُكمْ} هو قول اليهود
اليهودية ،وقوله تعالى{ :أَنْ ُيؤْتَى أَ َ
معطوف على قولهم{ :وَل ُت ْؤمِنُوا إِل ِلمَنْ تَ ِبعَ دِي َنكُمْ} ،أما قوله تعالىُ { :قلْ إِنّ ا ْل ُهدَى }...فهو
حدٌ }...إلخ.
كلم معترض بين كلم اليهود الذي قُدم تعجيلً للرد عليهم ،ومعنى قولهم{ :أَنْ ُيؤْتَى أَ َ
أي :كراهة أن يعترف من قبلكم بأن محمدا نبي حق وأن دينه حق فيتابعه اليهود والمشركون عليه
فيسلمون ،أو على القل يثبت المسلمون عليه ،ونحن نريد زلزلتهم وتشكيكهم حتى يعودوا إلى
دين آبائهم ،أو يحاجوكم عند ربكم يوم القيامة وتكون لهم الحجة عليكم إن أنتم اعترفتم لهم اليوم
بأن نبيهم حق ودينهم حق ،فلذا واصلوا الصرار أنه ل دين حق إل اليهودية وأن ما عداها باطل
وهنا أمر تعالى رسوله أن يقول لهم مبكتا لهم{ :إِنّ ا ْل َفضْلَ بِيَدِ اللّهِ} ،ل بيد اليهود { ُيؤْتِيهِ} أي:
الفضل الذي هو النبوة والهدى والتوفيق وما يتبع ذلك من خير الدنيا والخرة{ ،مَنْ يَشَاءُ} من
حمَتِهِ مَنْ
عباده ويحرمه من يشاء ،وهو الواسع الفضل العليم بمن يستأهله ويحق له {يَخْ َتصّ بِ َر ْ
ضلِ ا ْلعَظِيمِ} .
يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو ا ْل َف ْ
__________
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
1الطائفة :الجماعة ،وسميت بها؛ لنها يسوى بها حلقة يطاف حولها.
2ول مانع أن يكون مرادا من الية أنهم قالوا لسفلتهم أظهروا اليمان بمحمد ودينه في أول
النهار ثم أكفروا به آخره فإنكم إن فعلتم ذلك ارتاب من يتبعه في دينه فيرجع عن دينه إلى دينكم
إل أن ما فسرنا به الية أظهر.
3وهذا ل يمنع أن يكون قولهم{ :آمِنُوا بِالّذِي أُنْ ِزلَ عَلَى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ ال ّنهَارِ} إظهارا منهم
للدخول في السلم والعتراف به في أول النهار ،مكرا وخديعة ،فإذا ولى النهار أظهروا
رجوعهم عنه لظن من رآهم أنهم يريدون الحق ،ولذلك أسلموا ،فلما تبين لهم بطلن السلم
وعدم صحته رجعوا عنه.
( )1/332
هداية اليات
من هداية اليات:
-1تسجيل المكر والخداع على اليهود وأنه صفة من صفاتهم اللزمة لهم إلى يوم القيامة.
-2الكشف عن التعصب اليهودي وأساليب التمويه والتضليل ،والعلم العالمي اليوم مظهر من
مظاهر التضليل اليهودي.
-3سذاجة اليهود المتناهية في فهم مسائل الدين والعتقاد توارثوها إلى اليوم ،وإل فأي مؤمن
بال واليوم الخر يقول :ل تعترفوا للمسملين بأنهم على حق حتى ل يحتجوا عليكم بإعترافكم يوم
القيامة؟.
إن ال تعالى يعلم أن اليهود يجحدون السلم وهو الحق ويكفرون به وهو الحق من ربهم
وسيعذبهم في نار جهنم يخلدون فيها ،وكونهم ل يصرحون للمسلمين بأنهم على حق وهم يعلمون
أنهم على الحق في دينهم ينجيهم هذا من عذاب ال على كفرهم بالسلم؟.
اللهم ل .فما معنى قولهم ل تعترفوا بالسلم حتى ل يحتج عليكم المسلمون باعترافكم يوم
القيامة؟؟ إنه الجهل والسذاجة في الفهم .وسبحان ال ماذا في الخلق من عجائب!!.
ك َومِ ْنهُمْ مَنْ إِنْ تَ ْأمَنْهُ ِبدِينَارٍ ل ُيؤَ ّدهِ إِلَ ْيكَ إِل مَا
{ َومِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ مَنْ إِنْ تَ ْأمَنْهُ ِبقِنْطَارٍ ُيؤَ ّدهِ إِلَ ْي َ
ب وَهُمْ
ل وَ َيقُولُونَ عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذ َ
لمّيّينَ سَبِي ٌ
ُد ْمتَ عَلَيْهِ قَائِما ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ا ُ
حبّ ا ْلمُ ّتقِينَ( )76إِنّ الّذِينَ َيشْتَرُونَ ِب َع ْهدِ اللّهِ
َيعَْلمُونَ( )75بَلَى مَنْ َأ ْوفَى ِب َعهْ ِد ِه وَاتّقَى فَإِنّ اللّهَ يُ ِ
وَأَ ْيمَا ِنهِمْ َثمَنا قَلِيلً أُولَ ِئكَ ل خَلقَ َلهُمْ فِي الخِ َر ِة وَل ُيكَّل ُمهُمُ اللّ ُه وَل يَنْظُرُ إِلَ ْي ِهمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَ ِة وَل
عذَابٌ أَلِيمٌ(})77
يُ َزكّيهِ ْم وََلهُمْ َ
( )1/333
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شرح الكلمات:
{إِنْ تَ ْأمَ ْنهُ} :ائتمنه على كذا وضعه عنده أمانة وأمنه عليه فلم يخفه.
{ ِبقِنْطَارٍ} :وزن معروف ،والمراد هنا أنه من ذهب بدليل الدينار.
{إِل مَا ُد ْمتَ عَلَيْهِ قَائِما} :أي ملزما له تطالبه 1به ليل نهار.
لمّيّينَ} :العرب والمشركين.
{ا ُ
{سَبِيلٌ} :أي :ل يؤاخذنا ال إن نحن أكلنا أموالهم؛ لنهم مشركون.
{بَلَى} :أي :ليس المر كما يقول اليهود من أنه ليس عليهم حرج ول إثم في أكل أموال العرب
المشركين بل عليهم الثم والمؤاخذة .2
{ل خَلقَ َلهُمْ} :أي :ل حظ ول نصيب لهم في خيرات الخرة ونعيم الجنان.
{وَل يُ َزكّيهِمْ} :ل يطهرهم من ذنوبهم ول يكفرها عنهم.
معنى اليات:
مازال السياق الكريم في هتك أستار أهل الكتاب وبيان نفسياتهم المريضة وصفاتهم الذميمة ففي
هذه الية( )75يخبر تعالى أن في اليهود من إن أمنته على أكبر مال أداه إليك وافيا كاملً ،ومنهم
من إذا أمنته على دينار فأقل خانك فيه وأنكره عليك فل يؤديه إليك إل بمقاضاتك له وملزمتك
ك َومِ ْنهُمْ مَنْ
إياه ...فقال تعالى في خطاب رسولهَ { :ومِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ مَنْ إِنْ تَ ْأمَنْهُ ِبقِنْطَارٍ ُيؤَ ّدهِ إِلَ ْي َ
علَيْهِ قَائِما} ،ويعلل الرب تعالى سلوكهم هذا بأنهم
إِنْ تَ ْأمَنْهُ ِبدِينَارٍ ل ُيؤَ ّدهِِ 3إلَ ْيكَ إِل مَا ُد ْمتَ َ
لمّيّينَ سَبِيلٌ} أي :ل حرج علينا ول إثم في أكل أموال العرب لنهم
يقولون{ :لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ا ُ
مشركون فل نؤاخذ بأكل أموالهم وكذبهم ال تعالى في هذه الدعوة الباطلة فقال تعالى{ :وَ َيقُولُونَ
عَلَى اللّهِ ا ْل َك ِذبَ وَهُمْ َيعَْلمُونَ} أي :أنه كذب على ال ولكن يكذبون ليسوغوا كذبهم وخيانتهم.
وفي الية الثانية( )76يقول تعالى{ :بَلَى} أي :ليس المر كما يدعون بل عليهم الثم
__________
1استدل أبو حنيفة بقوله تعالى{ :إِل مَا ُد ْمتَ عَلَ ْيهِ قَائِما} ،على جواز ملزمة الغريم ،ولم يرضه
العلماء واستدل بعض العلماء على حبس المدين بهذه الية.
2قال رجل لبن عباس رضي ال عنهما" :إنا نصيف في العمد من أموال أهل الذمة الدجاجة
والشاة ونقول ليس علينا في ذلك بأس .فقال له :هذا كما قال أهل الكتاب :ليس علينا في الميين
سبيل ،إنهم إذا أدوا الجزية ل تحل لكم أموالهم إل عن طيب أنفسهم.
3ما دام في أهل الكتاب المين والخائن والتمييز بينهم متعذر ،إذا تعين اجتنابهم جميعا.
( )1/334
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والحرج والمؤاخذة ،وإنما ل إثم ول حرج ول مؤاخذة على من أوفى بعهد ال تعالى فآمن برسوله
وبما جاء به ،واتقى الشرك والمعاصي فهذا الذي يحبه ال فل يعذبه؛ لنه عز وجل يحب المتقين.
وأما الية الخيرة( )77فيتوعد الرب تعالى بأشد أنواع العقوبات أولئك الذين يعاهدون ويخونون
ويحلفون ويكذبون من أجل حطام الدنيا ومتاعها القليل فيقول{ :إِنّ الّذِينَ يَشْتَرُونَ ِب َعهْدِ اللّهِ
وَأَ ْيمَا ِنهِمَْ 1ثمَنا قَلِيلً أُولَ ِئكَ ل خَلقَ َلهُمْ فِي الخِ َرةِ} أي :ل حظ ول نصيب لهم في نعيم الدار
الخرة ول يكلمهم تشريفا لهم وإكراما ،ول يزكيهم بالثناء عليهم ول بتطهيرهم من ذنوبهم ،ولهم
عذاب مؤلم في دار الشقاء وهو عذاب دائم مقيم.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1يجب أن ل يغتر باليهود ول يوثق فيهم لما عرفوا به من الخيانة.
-2من كذب على ال أحرى به أن يكذب على الناس.
-3بيان اعتقاد اليهود في أن البشرية غير اليهود نجس وأن أموالهم وأعراضهم مباحة لليهود
حلل لهم ،لنهم المؤمنون في نظرهم وغيرهم الكفار.
-4عظم ذنب من يخون عهده من أجل المال ،وكذا من يحلف كاذبا لجل المال ،قال رسول ال
صلى ال عليه وسلم" :من حلف على يمين يستحق بها مالً وهو فيها فاجر لقي 2ال وهو عليه
غضبان".
ب وَ َيقُولُونَ ُهوَ مِنْ
حسَبُوهُ مِنَ ا ْلكِتَابِ َومَا ُهوَ مِنَ ا ْلكِتَا ِ
{وَإِنّ مِ ْنهُمْ َلفَرِيقا يَ ْلوُونَ أَ ْلسِنَ َتهُمْ بِا ْلكِتَابِ لِتَ ْ
ب وَهُمْ َيعَْلمُونَ(})78
عِنْدِ اللّ ِه َومَا ُهوَ مِنْ عِنْدِ اللّ ِه وَ َيقُولُونَ عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذ َ
شرح الكلمات:
{وَإِنّ مِ ْنهُمْ َلفَرِيقا} :طائفة من اليهود المعاصرين للنبي صلى ال عليه وسلم بالمدينة النبوية.
__________
1أخرج أهل السنن وغيرهم عن ابن مسعود رضي ال عنه أنه قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وسلم" :من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقطع حق امرء مسلم لقي ال وهو عليه غضبان"
.
2رواه أحمد وله شواهد في الصحاح ،وروى الئمة عنه صلى ال عليه وسلم قوله :من اقتطع
حق امرء مسلم بيمينه فقد أوجب له النار وحرم عليه النار" فقال له رجل :وإن كان شيئا يسيرا يا
رسول ال؟ قال" :وإن كان قضيبا من آراك" .
( )1/335
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{يَ ْلوُونََ 1ألْسِنَ َتهُمْ} :يحرفون السنتهم بالكلم كأنهم يقرأون الكتاب.
{ َومَا ُهوَ مِنَ ا ْلكِتَابِ} :وليس هو من الكتاب.
{وَ َيقُولُونَ عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذبَ} :أي :يكذبون على ال لغراض مادية.
معنى الية:
ما زال السياق في اليهود وبيان فضائحهم فأخبر تعالى أن طائفة منهم يلوون ألسنتهم بمعنى
يحرفون نطقهم بالكلم تمويها على السامعين كأنهم يقرأون التوراة وما أنزل ال فيها ،ولي هو من
الكتاب المنزل في شيء بل هو الكذب البحت ،ويقولون لكم إنه من عند ال وما هو من عند ال،
ويقولون على ال الكذب لجل الحفاظ على الحطام الخسيس والرئاسة الكاذبة.
هداية الية
من هداية الية:
-1بيان مكر اليهود وتضليلهم وخداعهم لهم باسم الدين والعلم.
-2جرأة اليهود على الكذب على الناس وعلى ال مع علمهم بأنهم يكذبون وهو قبح أشد وظلم
أعظم.
-3التحذير للمسلم من سلوك اليهود في التضليل والقول على ال والرسول لجل الغراض
الدنيوية الفاسدة.
حكْ َم وَالنّ ُب ّوةَ ثُمّ َيقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا عِبَادا لِي مِنْ دُونِ اللّهِ
ب وَالْ ُ
{مَا كَانَ لِ َبشَرٍ أَنْ ُيؤْتِيَهُ اللّهُ ا ْلكِتَا َ
ب وَ ِبمَا كُنْتُمْ تَدْ ُرسُونَ( )79وَل يَ ْأمُ َركُمْ أَنْ تَتّخِذُوا
وََلكِنْ كُونُوا رَبّانِيّينَ ِبمَا كُنْتُمْ ُتعَّلمُونَ ا ْلكِتَا َ
ا ْلمَل ِئكَ َة وَالنّبِيّينَ أَرْبَابا أَيَ ْأمُ ُركُمْ بِا ْلكُفْرِ َبعْدَ إِذْ أَنْ ُتمْ مُسِْلمُونَ(})80
__________
1قرئ{ :يلوون} على التكثير ،والمعنى يحرفون الكلم عن القصد ،وأصل اللي ،الميل .يقال :لوى
رأسه ،إذا أماله ،ومنه قوله تعالى{ :ليا بألسنتهم} أي :ميلً عن الحق ،واللي :المطل أيضا لحديث:
"لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته" في الصحيح.
( )1/336
شرح الكلمات:
{مَا كَانَ لِ َبشَرٍ : }1لم يكن من شأن النسان 2الذي يؤتيه ال الكتاب والحكمة والنبوة.
ح ْك َم وَالنّ ُب ّوةَ} :الكتاب :وحي ال المكتوب والحكم :بمعنى الحكمة وهي الفقه في أسرار
ب وَالْ ُ
{ا ْلكِتَا َ
الشرع ،والنبوة :ما يشرف ال تعالى به عبده من إنباءه بالغيب وتكليمه بالوحي.
{رَبّانِيّينَ : }3جمع رباني :من ينسب إلى الرب لكثرة عبادته وغزارة علمه ،أو إلى الربان وهو
الذي يرب الناس فيصلح أمورهم ويقوم عليها.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{أَرْبَابا} :جمع رب بمعنى السيد المعبود.
{أَيَ ْأمُ ُركُمْ بِا ْلكُفْرِ} :الستفهام للنكار ،والكفر هنا :الردة عن السلم.
معنى اليتين:
ما زال السياق في الرد على أهل الكتاب وفي هذه الية( )79الرد على وفد نصارى نجران
خاصة وهم الذين يؤلهون المسيح عليه السلم .قال تعالى :ليس من شأن أي إنسان يعطيه ال
الكتاب أن ينزل عليه كتابا ويعطيه الحكم فيه وهو الفهم والفقه في أسراره فيشرفه بالنبوة فيوحي
إليه ،ويجعله في ذمة أنبيائه ،ثم هو 4يدعو الناس إلى عبادة نفسه فيقول للناس{ :كُونُوا عِبَادا لِي
مِنْ دُونِ اللّهِ} .إن هذا ما كان ولن يكون أبدا .ل مما هو متصور الوقوع أيضا فما لكم أنتم يا
معشر النصارى تعتقدون هذا في المسيح عليه السلم؟ إن من أوتى مثل هذا الكمال ل يقول للناس
كونوا عبادا لي ولكن يقول لهم كونوا ربانيين تصلحون الناس وتهدونهم إلى ربهم ليكملوا بطاعته
ويسعدوا عليها ،وذلك بتعليمهم الكتاب وتدريسه ودراسته.
هذا معنى الية( )79أما الية( )80فإن ال تعالى يخبر عن رسوله محمد صلى ال عليه وسلم أنه
ل يؤمر الناس بعبادة غير ربه تعالى سواء كان ذلك الغير ملكا مكرما أو نبيا مرسلً ،وينكر على
من
__________
1لفظ :البشر :يطلق على الواحد ،والجمع؛ لنه كالمصدر ،والمراد به هنا :عيسى عليه السلم.
2أي :ل يجتمع لنبي إتيان النبوة مع قوله{ :كُونُوا عِبَادا لِي مِنْ دُونِ اللّهِ} ،وإنما الذي يجتمع له
مع إتيان النبوة هو قوله{ :كونُوا رَبّانيِين} .
3الرباني :والجمع :ربانيين ،مشتق من :ربه يربه ،فهو ربان له إذا دبره وأصلحه.
4قالت اليهود يوما لرسول ال صلى ال عليه وسلم يوما :أتريد أن نتخذك يا محمد ربا؟ فأنزل
حكْ َم وَالنّ ُب ّوةَ ثُمّ َيقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا عِبَادا لِي
ال تعالى قوله{ :مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ ُيؤْتِيَهُ اللّهُ ا ْلكِتَابَ وَالْ ُ
مِنْ دُونِ اللّهِ} الية.
( )1/337
نسبوا ذلك إليه صلى ال عليه وسلم فيقول{ :أَيَ ْأمُ ُركُمْ 1بِا ْل ُكفْرِ َب ْعدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسِْلمُونَ} فهذا ل يصح
منه ول يصدر بحال.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1لم يكن من الممكن لمن آتاه ال الكتاب والحكمة وشرفه بالنبوة أن يدعو الناس لعبادة نفسه
فضلً عن عبادة غيره.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-2سادات الناس هم الربانيون الذين يربون الناس بالعلم والحكمة فيصلحونهم ويهدونهم.
-3عظماء الناس 2من يعلمون الناس الخير ويهدونهم إليه.
-4السجود لغير ال تعالى كفر لما ورد أن الية نزلت ردا على من أرادوا أن يسجدوا لرسول
ال صلى ال عليه وسلم فقال تعالى{ :أَيَ ْأمُ ُركُمْ بِا ْل ُكفْرِ َبعْدَ ِإذْ أَنْتُمْ مُسِْلمُون} ؟!.
ح ْكمَةٍ ُثمّ جَا َءكُمْ رَسُولٌ ُمصَدّقٌ ِلمَا َم َعكُمْ لَ ُت ْؤمِنُنّ
ب وَ ِ
{وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النّبِيّينَ َلمَا آتَيْ ُتكُمْ مِنْ كِتَا ٍ
شهَدُوا وَأَنَا َم َعكُمْ مِنَ
بِ ِه وَلَتَ ْنصُرُنّهُ قَالَ أََأقْرَرْتُمْ وَأَخَذْ ُتمْ عَلَى ذَِلكُمْ ِإصْرِي قَالُوا َأقْرَرْنَا قَالَ فَا ْ
سلَمَ مَنْ فِي
ن وَلَهُ أَ ْ
سقُونَ(َ )82أ َفغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَ ْبغُو َ
الشّا ِهدِينَ(َ )81فمَنْ َتوَلّى َبعْدَ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلفَا ِ
جعُونَ(})83
طوْعا َوكَرْها وَإِلَيْهِ يُ ْر َ
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ َ
ال ّ
شرح الكلمات:
الميثاق :العهد المؤكد باليمين.
__________
1الستفهام إنكاري ،وفيه معنى التعجب ،إذ ليس من شأن النبي صلى ال عليه وسلم أن يتخذ
الناس عبادا يتأله لهم ،ومن هنا قال صلى ال عليه وسلم" :ل يقولون أحدكم عبدي وأمتي ،وليقل:
فتاي وفتاتي .وليقل أحدكم ربي وليقل سيدي" .
2روى ابن عبد البر عن على رضي ال عنه قوله" :من علم وعمل وعلّم دعي في ملكوت
السموات عظيما" وهو مروي عن عيسى عليه السلم.
( )1/338
( )1/339
ثم وبخ تعالى أهل الكتاب قائلًَ { :أ َفغَيْرَ دِينِ اللّهِ– 1يريد السلم -يَ ْبغُونَ} أي يطلبون ،ول أسلم،
أي :انقاد وخضع من في السموات من الملئكة والرض من سائر المخلوقات الرضية طوعا أو
كرها :2طائعين أو مكرهين وفوق هذا أنكم ترجعون إليه فيحاسبكم ،ويجزيكم بأعمالكم.
سمَاوَاتِ
هذا ما تضمنته الية الخيرة( )83إذ قال تعالى َ{:أ َفغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَ ْبغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي ال ّ
جعُونَ} .
طوْعا َوكَرْها وَإِلَيْهِ يُرْ َ
وَالَرْضِ َ
هداية اليات
من هداية اليات:
-1بيان سنة ال تعالى في النبياء السابقين وهي أن يؤمن بعضهم ببعض وينصر بعضهم بعضا.
-2كفر أهل الكتاب وفسقهم بنقضهم الميثاق وتوليهم عن السلم وإعراضهم عنه بعد كفرهم
بالنبي محمد صلى ال عليه وسلم وقد أخذ عليهم الميثاق بأن يؤمنوا به ويتبعوه.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-3بيان عظم شأن العهود والمواثيق عند ال تعالى.
-4النكار على من يعرض عن دين ال السلم .مع أن الكون كله خاضع منقاد لمر ال
ومجاري أقداره مسلم له.
ط َومَا
ب وَالَسْبَا ِ
ق وَ َي ْعقُو َ
سحَا َ
ل وَإِ ْ
سمَاعِي َ
{ ُقلْ آمَنّا بِاللّ ِه َومَا أُنْ ِزلَ عَلَيْنَا َومَا أُنْ ِزلَ عَلَى إِبْرَاهِي َم وَإِ ْ
حدٍ مِ ْنهُ ْم وَنَحْنُ لَهُ مُسِْلمُونَ(َ )84ومَنْ يَبْتَغِ
أُو ِتيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنّبِيّونَ مِنْ رَ ّبهِمْ ل ُنفَرّقُ بَيْنَ أَ َ
غَيْ َر الِسْلمِ دِينا فَلَنْ ُيقْ َبلَ مِ ْن ُه وَ ُهوَ فِي الخِ َرةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ(})85
__________
1الستفهام للتقريع والتوبيخ ،وروى عن الكلبي أن كعب بن الشرف اليهودي وأصحابه
اختصموا مع النصارى إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقالوا :أينا أحق بدين إبراهيم؟ فقال صلى
ال عليه وسلم" :كل الفريقين بريء من دينه" فقالوا :ما نرضى ول نأخذ بدينك .فنزل قوله تعالى:
{َأ َفغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَ ْبغُونَ} الية.
2طوعا وكرها :مصدران في موضع الحال ،أي :طائعين ومكرهين ،إذ كل مخلوق منقاد مستسلم
لما جبله ال عليه وقضاه وقدره له ل يخرج عنه بحال.
( )1/340
شرح الكلمات:
{الَسْبَاطِ} :جمع سبط والسبط الحفيد ،والمراد بالسباط هنا أولد يعقوب الثنا عشر والسباط في
اليهود كالقبائل في العرب.
{يَبْتَغِ} :يطلب ويريد دينا غير الدين السلمي.
{ا ْلخَاسِرِينَ} :الهالكين بالخلد في نار جهنم والذين خسروا كل شيء حتى أنفسهم.معنى اليتين:
ما زال السياق في حجاج أهل الكتاب فبعد أن وبخهم تعالى بقوله في اليات السابقة :أفغير دين
ال تبتغون يا معشر اليهود والنصارى؟ فإن قالوا :نعم .فقل أنت 1يا رسولنا{ :آمَنّا بِاللّ ِه َومَا أُنْ ِزلَ
عَلَيْنَا َومَا أُنْ ِزلَ} علينا من وحي وشرع وآمنا بما أنزل على إبراهيم خليل الرحمن وما أنزل على
ولديه إسماعيل وإسحق وما أنزل على يعقوب وأولده السباط ،وآمنا بما أوتي موسى من التوراة
وعيسى من النجيل ،وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد من أنبياءه بل نؤمن بهم وبما
جاؤا به فل نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما هي حالكم يا معشر اليهود والنصارى .ونحن ل
تعالى مسلمون ،أي :منقادون مطيعون ل نعبده بغير ما شرع ول نعبد معه سواه .هذا معنى الية
الولى( )84أما الية الثانية( )85فإن ال تعالى يقرر أن كل دين غير السلم باطل ،وأن من
يطلب دينا غير السلم لن يقبل منه بحال ويخسر في الخرة خسرانا كبيرا فقال تعالىَ { :ومَنْ2
يَبْتَغِ غَيْ َر الِسْلمِ دِينا فَلَنْ ُيقْبَلَ مِنْ ُه وَ ُهوَ فِي الخِ َرةِ مِنَ ا ْلخَاسِرِينَ} الذين يخسرون أنفسهم وأهليهم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يوم القيامة ،وذلك هو الخسران المبين.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1ل يصح إيمان عبد يؤمن ببعض الرسل ويكفر ببعض ،كما ل يصح إيمان عبد يؤمن ببعض
ما أنزل ال تعالى على رسله ويكفر ببعض.
__________
1في الية تعليم لرسول ال صلى ال عليه وسلم وللمؤمنين عقيدة اليمان الصحيحة التي أحبها
ال لهم ليكملوا بها ويسعدوا عليها بإذن ال تعالى.
2روى المام أحمد عن أبي هريرة رضي ال عنه :أن النبي صلى ال عليه وسلم قال " :تجيء
العمال يوم القيامة فتجيء الصلة فتقول يا رب أنا الصلة فيقول :إنك على خير ،وتجيء
الصدقة فتقول :يا رب أنا الصدقة .فيقول :إنك على خير ،ثم يجيء الصيام فيقول :يا رب أن
الصيام .فيقول :إنك على خير ،ثم تجيء العمال كل ذلك ويقول ال تعالى إنك على خير ،ثم
يجيء السلم فيقول :يا رب أنت السلم ،وأنا السلم .فيقول ال تعالى :إنك على خير اليوم بك
آخذ وبك أعطي ،قال ال تعالى في كتابه َ { :ومَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ السْلمِ دِينا فَلَنْ ُيقْبَلَ مِنْ ُه وَ ُهوَ فِي
الخِ َرةِ مِنَ ا ْلخَاسِرِينَ} " .تفرد به أحمد.
( )1/341
-2السلم :هو النقياد والخضوع ل تعالى ،وهو يتنافى مع التخيير بين رسل ال ووحيه إليهم.
-3بطلن سائر الديان والملل سوى الدين السلمي وملة محمد صلى ال عليه وسلم.
ت وَاللّهُ ل َي ْهدِي
ق وَجَا َءهُمُ الْبَيّنَا ُ
حّش ِهدُوا أَنّ الرّسُولَ َ
{كَ ْيفَ َيهْدِي اللّهُ َقوْما َكفَرُوا َبعْدَ إِيمَا ِنهِ ْم وَ َ
ج َمعِينَ( )87خَالِدِينَ فِيهَا
علَ ْيهِمْ َلعْنَةَ اللّ ِه وَا ْلمَل ِئكَ ِة وَالنّاسِ َأ ْ
ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ( )86أُولَ ِئكَ جَزَاؤُهُمْ أَنّ َ
غفُورٌ
ك وََأصْلَحُوا فَإِنّ اللّهَ َ
ب وَل هُمْ يُ ْنظَرُونَ( )88إِل الّذِينَ تَابُوا مِنْ َبعْدِ ذَِل َ
خ ّففُ عَ ْنهُمُ ا ْلعَذَا ُ
ل ُي َ
رَحِيمٌ(})89
شرح الكلمات:
{كَ ْيفَ َيهْدِي اللّهُ َقوْما} :الستفهام هنا للستبعاد ،1والهداية :الخروج من الضلل.
{الْبَيّنَاتُ} :الحجج من معجزات الرسل وآيات القرآن المبينة للحق في المعتقد والعمل.
{الظّاِلمِينَ} :المتجاوزين الحد في الظلم المسرفين فيه حتى أصبح الظلم وصفا لزما لهم.
{َلعْنَةَ اللّهِ} :طرد ال لهم من كل خير ،ولعنة الملئكة والناس :دعائهم عليهم بذلك.
{وَل هُمْ يُ ْنظَرُونَ} :ول هم يمهلون من أنظره إذا أمهله ولم يعجل بعذابه.
ََأصْلَحُوا :أصلحوا ما أفسدوه من أنفسهم ومن غيرهم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
__________
1الستفهام للنفي والستبعاد ،إذ هو بمعنى :ل يهدي ال قوما ..إلخ .ومنه قول الشاعر:
كيف نومي على الفراش ولما ...
يشمل القوم غارة شعواء
( )1/342
معنى اليات:
ما زال السياق في أهل الكتاب 1وإن تناولت غيرهم ممن ارتد عن السلم من بعض النصار ثم
عاد إلى السلم فأسلم وحسن إسلمه ففي كل هؤلء يقول تعالى{ :كَ ْيفَ َي ْهدِي اللّهُ َقوْما َكفَرُوا
َبعْدَ إِيمَا ِنهِمْ} فقد كفر اليهود بعيسى عليه السلم ،وشهدوا أن الرسول محمدا حق وجاءتهم الحجج
والبراهين على صدق نبوته وصحة ما جاء به من الدين الحق ،وال حسب سنته في خلقه ل يهدي
من أسرف في الظلم وتجاوز الحد فيه فأصبح الظلم طبعا من طباعه ،فلهذا كانت هداية من هذه
حاله مستبعدة للغاية ،وإن لم تكن مستحيلة ثم أخبر تعالى عنهم متوعدا لهم فقال{ :أُولَ ِئكَ جَزَاؤُهُمْ
ج َمعِينَ} {خَالِدِينَ فِيهَا} أي :في تلك اللعنة الموجبة لهم عذاب
أَنّ عَلَ ْيهِمْ َلعْنَةَ اللّهِ وَا ْلمَل ِئكَةِ وَالنّاسِ أَ ْ
ب وَل ُهمْ يُنْظَرُونَ} أي :ول يمهلون ليعتذروا ،أو ل يخفف عنهم
خفّفُ عَ ْنهُمُ ا ْلعَذَا ُ
النار {ل ُي َ
العذاب .ثم لما لم تكن توبتهم مستحيلة ولن ال تعالى يحب توبة عباده ويقبلها منهم قال تعالى
فاتحا باب رحمته لعباده مهما كانت ذنوبهم {إِل الّذِينَ تَابُوا 2مِنْ َب ْعدِ ذَِلكَ} الكفر والظلم،
غفُورٌ رَحِيمٌ} فكان هذا كالوعد منه
{وََأصْلَحُوا} نفوسهم باليمان وصالح العمال { فَإِنّ اللّهَ َ
سبحانه وتعالى بأن يغفر لهم ذنوبهم ويرحمهم بدخول الجنة.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1التوغل في الشر والفساد أو الظلم والكفر قد يمنع 3العبد من التوبة .ولذا وجب على العبد إذا
أذنب ذنبا أن يتوب منه فورا ،ول يواصله مصرا عليه خشية أن يحال بنيه وبين التوبة.
-2التوبة مقبولة متى قامت على أسسها واستوفت شروطها ومن ذلك القلع عن الذنب فورا،
والندم على ارتكابه ،والستغفار والعزم على عدم العودة إلى الذنب الذي تاب منه وإصلح ما
أفسده مما يمكن إصلحه.
__________
1روى عن ابن عباس رضي ال عنهما" :أن الية نزلت في رجل من النصار أسلم ثم ارتد
ولحق بالشرك ثم راسل قومه ليسألوا له رسول ال صلى ال عليه وسلم هل له توبة فجاء قومه
وسألوا له فأنزل ال هذه الية{ :كَ ْيفَ َيهْدِي اللّهُ َقوْما} إلى {غفور رحيم} ،و الية تتناول اليهود
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
من باب أولى وتنطبق عليهم تماما فتشمل من تاب منهم ومن لم يتب على حد سواء".
2روى ابن كثير والقرطبي أن الحارث بن سويد آخا الجلس بن سويد النصاري قد ارتد بعد
إسلمه مع اثنى عشر رجلً والتحقوا بمكة ثم تاب الحارث فأسلم وحسن إسلمه.
3أورد هنا القرطبي سؤالً ،وهو :أن ظاهر الية{ :وَاللّهُ ل َي ْهدِي ا ْلقَوْمَ الظّاِلمِينَ} دال على أن
من كفر بعد إسلمه ل يهديه ال وكثيرا من الظالمين تابوا من الظلم؟ .وأجاب بقوله إن معنى ل
يهديهم ما داموا مقيمين على كفرهم وظلمهم ول يقبلون على السلم فأما إن أسلموا وتابوا فقد
وفقهم ال لذلك .وال أعلم .أ.هـ كلمه.
( )1/343
{إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا َب ْعدَ إِيمَا ِنهِمْ ُثمّ ازْدَادُوا كُفْرا لَنْ ُتقْ َبلَ َتوْبَ ُتهُ ْم وَأُولَ ِئكَ هُمُ الضّالّونَ( )90إِنّ الّذِينَ
حدِ ِهمْ مِل ُء الَ ْرضِ ذَهَبا وََلوِ افْتَدَى بِهِ أُولَ ِئكَ َلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
َكفَرُوا َومَاتُوا وَ ُهمْ ُكفّارٌ فَلَنْ ُيقْبَلَ مِنْ أَ َ
َومَا َل ُهمْ مِنْ نَاصِرِينَ(})91
شرح الكلمات:
الكفر :الجحود ل تعالى والتكذيب لرسوله وما جاء به من الدين والشرع.
{ َبعْدَ إِيمَا ِنهِمْ} :أي :ارتدوا عن السلم إلى الكفر.
{الضّالّونَ} :المخطئون طريق الهدى.
{مِل ُء الَ ْرضِ} :ما يملها من الذهب.
{وََلوِ افْتَدَى بِهِ} :ولو قدموا فداء لنفسه من النار ما قبل منه.
معنى اليتين:
ما زال السياق في أهل الكتاب وهو هنا في اليهود خاصة إذ أخبر تعالى عنهم أنهم كفروا بعد
إيمانهم كفروا بعيسى والنجيل بعد إيمانهم بموسى والتوراة .ثم ازدادوا 1كفرا بمحمد صلى ال
عليه وسلم والقرآن ،فلن تقبل توبتهم إل إذا تابوا باليمان بمحمد صلى ال عليه وسلم والقرآن
لكنهم مصرون على الكفر بهما فكيف تقبل توبتهم ،إذا مع إصرارهم على الكفر ،ولذا أخبر تعالى
أنهم هم الضالون البالغون أبعد الحدود في الضلل ومن كانت هذه حاله فل يتوب ول تقبل توبته،
ثم قرر مصيرهم بقوله عز وجل{ :إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا َومَاتُوا وَهُمْ ُكفّارٌ فَلَنْ ُيقْ َبلَ مِنْ َأحَدِ ِهمْ مِلءُ
الَ ْرضِ ذَهَبا} يريد يوم القيامة مع أنه ل مال يومئذ ولكن من باب الفرض والتقدير ل غير .فلو
أن لحدهم ملء الرض ذهبا وقبل منه فداء لنفسه من عذاب ال لفتدى ،ولكن
__________
1أورد القرطبي إشكالً عن قوله تعالى{ :لَنْ ُتقْ َبلَ َتوْبَ ُتهُمْ} مع العلم أن ال تعالى يقبل توبة العبد
ما لم يغرر ،كما صح في الخبر ،وكيف وهو القائل{ :وَ ُهوَ الّذِي َيقْبَلُ التّوبَةَ عَنْ عِبَا ِد ِه وَ َيعْفُو عَنِ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
السّيّئَات} ،وذكر ثلثة أجوبة :الول :أنه ل يقبل توبتهم عند الموت ،كما هو نص الية{ :حَتّى
حدَ ُهمُ ا ْل َم ْوتُ قَالَ إِنّي تُ ْبتُ النَ . }...الثاني :أنها ل تقبل توبتهم التي كانت قبل كفرهم
حضَرَ أَ َ
إِذَا َ
إن الكفر محبط للعمل .والثالث :أنها ل تقبل وهم مصرون على الكفر .قلت :وهذا أمثلها وهو ما
ذكرته في تفسير الية .وال أعلم.
( )1/344
هيهات هيهات 1إنه يوم ل ينفع فيه مال ول بنون ،ولكن من جاء ربه بقلب سليم من الشرك
والشك وسائر أمراض القلوب نجا من النار ودخل الجنة بإذن ال تعالى.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1سنة ال فيمن توغل في الكفر أو الظلم أو الفسق وبلغ حدا ًبعيدا أنه ل يتوب.
-2اليأس من نجاة من مات كافرا يوم القيامة.
-3ل فدية تقبل يوم القيامة من أحد ول فداء لحد فيه.
شيْءٍ فَإِنّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ(})92
ن َومَا تُ ْنفِقُوا مِنْ َ
{لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتّى تُ ْنفِقُوا ِممّا تُحِبّو َ
شرح الكلمات:
{لَنْ تَنَالُوا} :لن تحصلوا عليه وتظفروا به.
{الْبِرّ} :كلمة جامعة لكل خير ،والمراد به هنا ثوابه وهو الجنة.
{تُ ْن ِفقُوا} :تتصدقوا.
{ ِممّا تُحِبّونَ} :من المال الذي تحبونه لنفسكم وهو أفضل أموالكم عندكم.
شيْءٍ} :يريد قلّ أو كثر.
{مِنْ َ
علِيمٌ} :لزمه أنه يجزيكم به بحسب كثرته أو قلته.
{فَإِنّ اللّهَ بِهِ َ
معنى الية الكريمة:
يخبر تعالى عباده المؤمنين الراغبين في بره 2تعالى وإفضاله بأن ينجيهم من النار ويدخلهم الجنة
بأنهم لن يظفروا بمطلوبهم من بر ربهم حتى ينفقوا من أطيب أموالهم وأنفسها عندهم وأحبها
إليهم .ثم أخبرهم مطمئنا لهم على إنفاقهم أفضل أموالهم بأن ما ينفقونه من قليل
__________
1روى البخاري ومسلم عن أبي قتادة عن أنس أن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :يجاء بالكافر
يوم القيامة فيقال له :أرأيت لو كان لك ملء الرض ذهبا أكنت تفتدي به؟ فيقول :نعم .فيقال له:
كذبت ،قد سئلت ما هو أيسر من ذلك فلم تفعل" .
2يطلق لفظ البر على العمل الصالح أو هو جماعه وثوابه ،وفي الصحيح ،يقول الرسول صلى
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ال عليه وسلم" :عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ول يزال
الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند ال صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى
الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ول يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند ال
كذابا" .
( )1/345
أو كثير نفيس أو خسيس هو به عليم وسيجزيهم به ،وبهذا حبب إليهم النفاق ورغبهم فيه فجاء
أبو طلحة رضي ال عنه يقول يا رسول ال :أن ال تعالى{ :لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتّى تُ ْن ِفقُوا ِممّا
تُحِبّونَ} ،وإن من أحب أموالي إليّ بيرحا "حديقة" فأجعلها حيث أراك ال يا رسول ال ،فقال له
صلى ال عليه وسلم" :مال رابح أو رائج اجعلها في أقربائك" فجعلها في أقربائه حسان بن ثابت
وأبي بن كعب رضي ال عنهم أجمعين.
هداية الية
من هداية الية:
-1البر وهو فعل الخير يهدي إلى الجنة.
-2لن يبلغ العبد بر ال وما عنده من نعيم الخرة حتى ينفق من أحب أمواله إليه.
-3ل يضيع المعروف عند ال تعالى قل أو كثر طالما أريد وجهه تعالى.
__________
1لما نزلت هذه الية{ :لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتّى تُ ْن ِفقُوا ِممّا ُتحِبّونَ} بادر الصحاب رضي ال عنهم
بالتصدق بأحب أموالهم إليها فأعتق عمر جارية له من أحب الجواري إليه ،وأعتق ولده موله
نافعا ،وتصدق زيد بن حارثة بفرس له كانت أحب ما يملك ،وتصدق أبو طلحة ببستانه "بيرحا"
فدل هذا على فقه الصحابة ومدى استجابتهم لما هو خير عند ال وأعظم أجرا .فرضى ال عنهم
وأرضاهم ول حرمنا حبهم وجوارهم.
( )1/346
الجزء الرابع
طعَامِ كَانَ حِلّ لِبَنِي ِإسْرائيلَ إِل مَا حَرّمَ إِسْرائيلُ عَلَى َنفْسِهِ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ تُنَ ّزلَ ال ّتوْرَاةُ ُقلْ
{ ُكلّ ال ّ
فَأْتُوا بِال ّتوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ(َ )93فمَنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذبَ مِنْ َبعْدِ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ هُمُ
الظّاِلمُونَ(ُ )94قلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتّ ِبعُوا مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفا َومَا كَانَ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ( )95إِنّ َأوّلَ بَ ْيتٍ
ُوضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي بِ َبكّةَ مُبَارَكا وَهُدىً لِ ْلعَاَلمِينَ( )96فِيهِ آيَاتٌ بَيّنَاتٌ َمقَامُ إِبْرَاهِي َم َومَنْ َدخَلَهُ كَانَ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ل َومَنْ َكفَرَ فَإِنّ اللّهَ غَ ِنيّ عَنِ ا ْلعَاَلمِينَ()97
علَى النّاسِ حِجّ الْبَ ْيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَ ْيهِ سَبِي ً
آمِنا وَلِلّهِ َ
شرح الكلمات:
طعَامِ : }1اسم لكل ما يطعم من أنواع المأكولت.
{ال ّ
حل :الحل :الحلل ،وسمى حللً لنحلل عقدة الحظ عنه.
بني إسرائيل :أولد يعقوب الملقب بإسرائيل المنحدرون من أبنائه الثنى عشر إلى يومنا هذا.
{حَرّمَ} :حظر ومنع.
{ال ّتوْرَاةُ} :كتاب أنزل على موسى عليه السلم وهو من ذرية إسرائيل.
{فَاتْلُوهَا} :اقرأوها على رؤوس المل لنتبين صحة دعواكم من بطلنها.
افترى 2الكذب :اختلقه وزوره وقاله.
{مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ} :دينه وهي عبادة ال تعالى بما شرع ،ونبذ الشرك والبدع.
{حَنِيفا : }3مائلً عن الشرك إلى التوحيد.
__________
1الطعام" :أل" للجنس ،ولفظ :كل ،للتنصيص على العموم.
2الفتراء :كالختلق سواء ،والفتراء مأخوذ من الفري ،وهو قطع الجلد قطعا ليصلح بها قربة
وحذاء ونحوهما.
3حنيفا منصوب على الحال وصاحبها إبراهيم المجرور بالضافة.
( )1/347
( )1/348
بقرون طويلة .قال تعالى في سورة النساء{ :فَ ِبظُلْمٍ مِنَ الّذِينَ هَادُوا "اليهود" حَ ّرمْنَا عَلَ ْيهِمْ طَيّبَاتٍ
ظفُرٍَ 1ومِنَ الْ َبقَ ِر وَا ْلغَنَمِ
أُحِّلتْ َل ُهمْ} وقال في سورة النعام{ :وَعَلَى الّذِينَ هَادُوا حَ ّرمْنَا ُكلّ ذِي ُ
شحُومَ ُهمَا} الية.
حَ ّرمْنَا عَلَ ْي ِهمْ ُ
ولما طولبوا بالتيان بالتوراة وقراءتها بهتوا ولم يفعلوا فقامت الحجة لرسول ال صلى ال عليه
وسلم عليهم.
علَى اللّهِ ا ْلكَ ِذبَ} بعد قيام الحجة بأن ال تعالى لم يحرم على إبراهيم
وقوله تعالىَ { :فمَنِ افْتَرَى َ
ول على بني إسرائيل شيئا من الطعام والشراب إل بعد نزول التوراة باستثناء ما حرم إسرائيل
على نفسه من لحمان البل وألبانها فاؤلئك هم الظالمون بكذبهم على ال تعالى وعلى الناس .ومن
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هنا أمر ال تعالى رسوله أن يقول :صدق ال فيما أخبر به رسوله ويخبره به وهو الحق من ال،
إذا فاتبعوا يا معشر اليهود ملة إبراهيم الحنيف الذي لم يكن أبدا من المشركين.
هذا ما تضمنته اليات الثلث ،95-94-93 :وأما قوله تعالى { :إِنّ َأ ّولَ بَ ْيتٍُ 2وضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي
بِ َبكّةَ مُبَارَكا وَهُدىً لِ ْلعَاَلمِينَ} فإنه متضمن الرد 3على اليهود الذين قالوا إن بيت المقدس هو أول
قبلة شرع للناس استقبالها فلم يعدل محمد وأصحابه عنها إلى استقبال الكعبة؟ وهي متأخرة الوجود
فأخبر تعالى أن أول بيت وضع للناس هو الكعبة ل بيت المقدس وأنه جعله مباركا يدوم بدوام
الدنيا والبركة ل تفارقه ،فكل من يلتمسها بزيارته وحجه والطواف به يجدها ويحظى بها ،كما
جعله هدى للعالمين ،فالمؤمنون يأتون حجاجا وعمارا فتحصل لهم بذلك أنواع من الهداية،
والمصلون في مشارق الرض ومغاربها يستقبلونه في صلتهم ،وفي ذلك من الهداية للحصول
على الثواب وذكر ال والتقرب إليه أكبر هداية ،وقوله تعالى في آيات بينات يريد :في المسجد
الحرام دلئل واضحات منها :مقام إبراهيم وهو الحجر الذي كان يقوم عليه أثناء بناء البيت حيث
بقى أثر قدميه عليه مع إنه صخرة من الصخور ومنها زمزم والحجر والصفا والمروة وسائر
المشاعر كلها آيات ومنها :المن التام لمن دخله فل
__________
1راجع تفسير هذه الية في موضعها من سورة النعام.
2أخرج مسلم في صحيحه عن أبي ذر الغفاري رضي ال عنه قال" :سألت رسول ال صلى ال
عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الرض قال :المسجد الحرام .قلت :ثم أي؟ قال :المسجد
القصى .قلت :كم بينهما؟ قال :أربعون عاما ،ثم جعلت الرض لك مسجدا فحيثما أدركتك
الصلة فصلِ".
3ذكر القرطبي عن مجاهد قوله :تفاخر المسلمون واليهود .فقالت اليهود :بيت المقدس أفضل
وأعظم من الكعبة لنه مهاجر النبياء في الرض المقدسة .وقال المسلمون :بل الكعبة أفضل.
ت ُوضِعَ لِلنّاسِ }..الية.
فأنزل ال تعالى هذه الية{ :إِنّ َأ ّولَ بَ ْي ٍ
( )1/349
يخاف غير ال تعالى .قال تعالىَ { :ومَنْ دَخََلهُ 1كَانَ آمِنا} ثم هذا المن له والعرب يعيشون في
جاهلية جهلء وفوضى ل حد لها ،ولكن ال جعل في قلوبهم حرمة الحرم وقدسيته ووجوب أمن
كل من يدخله ليحجه أو يعتمره ،وقوله تعالى{ :وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجّ الْبَ ْيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ2
سَبِيلً} ،لما ذكر تعالى البيت الحرام وما فيه من بركات وهدايات وآيات ألزم عباده المؤمنين به
وبرسوله بحجه ليحصل لهم الخير والبركة والهداية ،ففرضه بصيغةَ { :ولِلّهِ عَلَى النّاسِ} وهي أبلغ
صيغ اليجاب ،واستثنى العاجزين عن حجه واعتماره بسبب مرض أو خوف قلة نفقة للركوب
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والنفاق على النفس والهل أيام السفر.
وقوله تعالى في آخر اليةَ { :ومَنْ َكفَرَ فَإِنّ اللّهَ غَ ِنيّ عَنِ ا ْلعَاَلمِينَ} فإنه خبر منه تعالى بأن من
كفر بال ورسوله وحج بيته بعد ما ذكر من اليات والدلئل الواضحات فإنه ل يضر إل نفسه،
أما ال تعالى فل يضره شيء وكيف وهو القاهر فوق عباده والغني عنهم أجمعين.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1ثبوت النسخ في الشرائع اللهية ،إذ حرم ال تعالى على اليهود بعض ما كان حلً لهم.
-2إبطال دعوى دعوى اليهود أن إبراهيم كان محرما عليه البل وألبانها.
-3تقرير النبوة المحمدية لتحدي اليهود وعجزهم عن دفع الحق الذي جاء به محمد صلى ال
عليه وسلم.
-4البيت الحرام كان قبل بيت المقدس وأن البيت الحرام أول بيت وضع للتعبد بالطواف به.
-5مشروعية طلب البركة لزيارة ا لبيت وحجه والطواف به والتعبد حوله.
-6وجوب الحج على الفور 3لمن لم يكن له مانع يمنعه من ذلك.
-7الشارة إلى كفر من يترك الحج وهو قادر عليه ،ول مانع يمنعه منه غير 4عدم المبالة.
__________
1سورة اللفظ خبر ،ومعناه النشاء ،أي :المر بمعنى :فمن دخله فأمنوه ،هكذا قال بعضهم ول
منافاة بين القولين ،فإن الحرم كان آمنا في عهد الجاهلية قرونا بما ألقى ال في قلوب العرب من
حرمة الحرم إن بيت المقدس تسلط عليه الجبابرة ،فخربوه غير مرة ،ومكة رد ال الطغاة عنها.
2تواردت طرق حديث :أن النبي صلى ال عليه وسلم سئل عن السبيل في قوله تعالى { :مَنِ
اسْ َتطَاعَ ِإلَيْهِ سَبِيلً} فقال" :الزاد والرحلة" .وهو كذلك.
3مما يدل على فورية الحج إذا توفرت النفقة وآمن الطريق وزالت الموانع ،قوله صلى ال عليه
وسلم " :تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم ل يدري ما يعرض له" .رواه أحمد .فما دمنا مأمورين
بالتعجل كان الفور ألزم والتراخي أبعد .وال أعلم وأعز وأحكم.
4الجماع على أن الحج مرة واحدة في العمر لقوله صلى ال عليه وسلم" :ل ،ولو قلت نعم
لوجبت" إذ سأل سأئل قائلً :أفي كل عام يا رسول ال ،وذلك لما نزلت{ :ول على الناس حج
البيت .}...ومما يؤكد فرضيته وهي مؤكدة بخطاب ال تعالى أن عمر رضي ال عنه قال" :من
أطاق الحج فلم يحج فسواء عليه مات يهوديا أو نصرانيا" قال ابن كثير اسناده صحيح.
( )1/350
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شهِيدٌ عَلَى مَا َت ْعمَلُونَ(ُ )98قلْ يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ لِمَ
{ ُقلْ يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ ِلمَ َت ْكفُرُونَ بِآيَاتِ اللّ ِه وَاللّهُ َ
عمّا َت ْعمَلُونَ(})99
شهَدَاءُ َومَا اللّهُ ِبغَا ِفلٍ َ
عوَجا وَأَنْتُمْ ُ
َتصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَ ْبغُو َنهَا ِ
شرح الكلمات:
الكفر :الجحود.
آيات ال :ما أنزل تعالى من الحجج والبينات في القرآن المقررة لنبوة محمد صلى ال عليه وسلم
وما أنزله تعالى في التوراة والنجيل من صفات النبي صلى ال عليه وسلم ونعوته الموجبة
لليمان به واتباعه على دين الحق الذي جاء به وهو السلم.
شهِيدٌ عَلَى مَا َت ْعمَلُونَ : }1عليم به مطلع عليه ،وما يعملونه هو الكفر والشر والفساد.
{َ
{ َتصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ : }2تصرفون الناس ممن آمن منكم ومن العرب عن السلم الذي هو
سبيل ال تعالى المفضي بأهله إلى سعادة الدارين.
عوَجا : }3تطلبون لها العوج حتى تخرجوا بها عن الحق والهدى فيضل سالكها وذلك
{تَ ْبغُو َنهَا ِ
بالتحريف والتضليل.
شهَدَاءُ} :بعلمكم بأن السلم حق ،وأن ما تبغونه له من من الضلل لهله والتضليل هو
{وَأَنْتُمْ ُ
كفر وباطل.
معنى اليتين:
بعد دحض ال تعالى شبه أهل الكتاب وأبطلها في اليات السابقة أمر تعالى رسوله
__________
1هذا دال على أن أهل الكتاب يؤمنون بعموم علم ال وأنه ل يخفى عليه شيء في الرض ول
في السماء ،فلهذا كان توبيخهم أشد.
2قرئ{ :يصدون} من صد ،إذ يقال :صده وأصده عن كذا ،صرفه عنه.
3أصلها تبغون لها فحذفت اللم ،نحو{ :كالوهم} أي :كالوا لهم.
( )1/351
أن يقول لهم موبخا مسجلً عليهم الكفر يا أهل الكتاب لم تكفرون بحجج ال تعالى وبراهينه
المثبتة لنبوة نبيه محمد صلى ال عليه وسلم ودينه السلم تلك الحجج والبراهين التي جاء بها
القرآن والتوراة والنجيل معا؟ وال جل جلله مطلع على كفركم عليم به ،أما تخافون عقابه أما
تخشون عذابه؟.
كما أمر تعالى رسوله أيضا أن يقول لهم مؤنبا موبخا لهم على صرفهم المؤمنين عن السلم
بأنواع الحيل والتضليل{ :يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ }1أي :يا أهل العلم الول لم تصرفون المؤمنون عن
السلم الذي هو سبيل ال بما تثيرونه بينهم من الشكوك والوهام تطلبون للسلم العوج
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لينصرف المؤمنون عنه ،مع علمكم التام بصحة السلم وصدق نبيه محمد عليه الصلة والسلم
أما تخافون ال ،أما تخشونه تعالى وهو مطلع على سوء تدبيركم غير غافل عن مكركم وغشكم
وخداعكم.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1شدة قبح كفر وظلم من كان عالما من أهل الكتاب بالحق ثم كفره وجحده بغيا وحسدا.
-2حرمة صرف الناس عن الحق والمعروف بأنواع الحيل وضروب الكذب والخداع.
-3علم ال تعالى بكل أعمال عباده من خير وشر وسيجزيهم بها فضلً منه وعدلً.
{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقا مِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ يَرُدّوكُمْ َبعْدَ إِيمَا ِنكُمْ كَافِرِينَ()100
ن وَأَنْتُمْ تُ ْتلَى عَلَ ْي ُكمْ آيَاتُ اللّ ِه َوفِيكُمْ رَسُولُ ُه َومَنْ َيعْ َتصِمْ بِاللّهِ َفقَدْ ُه ِديَ إِلَى صِرَاطٍ
َوكَيْفَ َت ْكفُرُو َ
مُسْ َتقِيمٍ()101
__________
1أخرج ابن إسحاق في سبب نزول هذه الية{ :يا أهل الكِتَابْ }...إن شماس بن قيس اليهودي
رأى جماعة من المسلمين من الوس والخزرج باديا عليهم الوثام "المحبة" فغاظه ذلك ،فأمر أحد
اليهود أن يجلس بينهم ويذكرهم بحرب بعاث ،وفعل فحدث نزاع بينهم أدى إلى الخروج إلى
الحرة للتقاتل وفعلً خرجوا وسمع بذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم فخرج إليهم وهدأهم
بقوله" :أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم" ،وما زال يعظهم حتى ألقوا السلح وتعانقوا وهم
يبكون وعرفوا أنها مكرة يهود وخدعتهم عليهم لعائن ال وأنزل تعالى هذه الية والتي قبلها.
( )1/352
( )1/353
( )1/354
والمحبة التي كانت ثمرة هدايتهم لليمان والسلم ،بعد أن كانوا أعداء متناحرين مختلفين فألف
بين قلوبهم فأصبحوا بها إخوانا متحابين متعاونين ،كما كانوا قبل نعمة الهداية إلى اليمان على
شفا جهنم لو مات أحدهم يومئذ لوقع فيها خالدا أبدا ،وكما أنعم عليهم وأنقذهم من النار ما زال
يبين لهم اليات الدالة على طريق الهداية الداعية إليه ليثبتهم على الهداية ويكملهم فيها فقال تعالى:
جمِيعا وَل َتفَ ّرقُوا 1وَا ْذكُرُوا ِن ْع َمتَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَّلفَ بَيْنَ
صمُوا ِبحَ ْبلِ اللّهِ َ
{وَاعْ َت ِ
حفْ َرةٍ مِنَ النّارِ فَأَنْقَ َذ ُكمْ مِ ْنهَا كَذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ َلكُمْ آيَاتِهِ
شفَا ُ
خوَانا َوكُنْتُمْ عَلَى َ
قُلُو ِبكُمْ فََأصْبَحْتُمْ بِ ِن ْعمَتِهِ إِ ْ
َ 2لعَّل ُكمْ َتهْتَدُونَ} .
هداية اليات
من هداية اليات:
-1طاعة كثير من علماء اليهود والنصارى بالخذ بنصائحهم وتوجيهاتهم وما يشيرون به على
المسلم تؤدي بالمسلم إلى الكفر شعر بذلك أم لم يشعر ،فلذا وجب الحذر كل الحذر منهم.
-2العصمة في التمسك بكتاب ال ورسول ال صلى ال عليه وسلم ،فمن تمسك بهما لم يضل.
-3الخذ بالسلم جملة والتمسك به عقيدة وشريعة أمان من الزيغ والضلل ،وأخيرا من الهلك
والخسران.
-4وجوب التمسك بشدة بالدين السلمي وحرمة 3الفرقة والختلف فيه.
-5وجوب ذكر النعم لجل شكر ال تعالى عليها بطاعته وطاعة رسوله صلى ال عليه وسلم.
-6القيام على الشرك والمعاصي وقوف على شفير جهنم فمن مات على ذلك وقع في جهنم حتما
بقضاء ال وحكمه.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ف وَيَ ْن َهوْنَ عَنِ ا ْلمُ ْنكَرِ وَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ(
{وَلْ َتكُنْ مِ ْنكُمْ ُأمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَ ْأمُرُونَ بِا ْل َمعْرُو ِ
)104وَل
__________
1في الية حرمة التفرق في الدين ،ومنه التفرق في الحكم ،فكلهما محرم ،لما يفضي بالمتفرقين
إلى الهلك والخسران ،عرف هذا أعداء السلم فعملوا على تفرقة أمة السلم ،وفرقوها مذاهب
وطوائف ثم دويلت وحكومات ،ثم أذلوها وأهانوها.
2وهذه نعمة أخرى مواصلة إنزال القرآن بالحكام والشرائع والداب والمواعظ والعبر ،ليتم لهم
كمالهم وسعادتهم في الدنيا والخرة ،فلله الحمد والمنة.
3في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم" :أن ال يرضى لكم ثلثا ويكره لكم ثلثا .يرضى لكم أن
تعبدوه ول تشركوا به شيئا ،وأن تعتصموا بحبل ال جميعا ول تفرقوا ،وأن تناصحوا من وله ال
أمركم .ويكره لكم :قيل وقال ،وكثرة السؤال ،وإضاعة المال" .
( )1/355
عظِيمٌ(َ )105يوْمَ
ت وَأُولَ ِئكَ َل ُهمْ عَذَابٌ َ
َتكُونُوا كَالّذِينَ َتفَ ّرقُوا وَاخْتََلفُوا مِنْ َبعْدِ مَا جَاءَ ُهمُ الْبَيّنَا ُ
ت وُجُو ُههُمْ َأ َكفَرْتُمْ َبعْدَ إِيمَا ِنكُمْ فَذُوقُوا ا ْلعَذَابَ ِبمَا كُنْتُمْ
سوَ ّد ْ
سوَ ّد وُجُوهٌ فََأمّا الّذِينَ ا ْ
ض وُجُوهٌ وَتَ ْ
تَبْ َي ّ
حمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ( )107تِ ْلكَ آيَاتُ اللّهِ
ضتْ ُوجُو ُههُمْ َففِي َر ْ
َت ْكفُرُونَ( )106وََأمّا الّذِينَ ابْ َي ّ
ض وَإِلَى
سمَاوَاتِ َومَا فِي الَرْ ِ
ق َومَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْما لِ ْلعَاَلمِينَ( )108وَلِلّهِ مَا فِي ال ّ
نَتْلُوهَا عَلَ ْيكَ بِا ْلحَ ّ
لمُورُ(})109
اللّهِ تُ ْرجَ ُع ا ُ
شرح الكلمات:
المة :أفراد من البشر أو غيرهم تربطهم رابطة جنس أو لغة أو دين ويكون أمرهم واحدا،
والمراد بالمة هنا المجاهدون وهيئات المر بالمعروف والنهي عن المنكر.
{ا ْلخَيْرِ} :السلم وكل ما ينفع النسان في حياته الولى والخرة من اليمان والعمل الصالح.
المعروف :المعروف كل ما عرفه الشرع فأمر به لنفعه وصلحه للفرد أو الجماعة.
{ا ْلمُ ْنكَرِ} :ضد المعروف ،وهو ما نهى عنه الشرع لضرر وإفساد ،للفرد أو الجماعة.
الذين تفرقوا :هم أهل الكتاب من اليهود 1والنصارى.
ض وُجُوهٌ : }2هذا يوم القيامة.
{ َيوْمَ تَبْ َي ّ
حمَةِ اللّهِ} :رحمة ال هنا :الجنة جعلنا ال تعالى من أهلها ،آمين.
{ َففِي َر ْ
__________
1وقيل هم :الحرورية ،وقيل :المبتدعة من هذه المة ،وكونهم اليهود والنصارى ،هذا الراجح
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والحق وعليه جمهور المفسرين.
2تبيض وجوه المؤمنين المتقين وتسود وجوه الكافرين والمبتدعين من أصحاب الهواء.
( )1/356
تلك آيات ال نتلوها عليك بالحق :هذه آياتنا نقرأها عليك متلبسة بالحق ،ل باطل فيها أبدا .وإلى
ال ترجع المور :إلى ال تصير المور فيقضي فيها بما يشاء ويحكم ما يريد فضلً وعدلً.
معنى اليات:
بعدما أمر الحق تبارك وتعالى عباده المؤمنين بتقواه والتمسك بدينه ونهاهم عن الفرقة والختلف
وحضهم على ذكر نعمه ليشكروها بطاعته أمرهم في هذه الية( )104بأن يوجدوا من أنفسهم
جماعة تدعو إلى السلم وذلك بعرضه على المم والشعوب ودعوتهم إلى الدخول فيه ،كما تأمر
بالمعروف وتنهى عن المنكر في ديار السلم وبين أهله فقال تعالى مخاطبا إياهم :ولتكن منكم 1
أي :يجب أن تكون منكم طائفة يدعون إلى الخير ،أي :السلم ،ويأمرون بالمعروف وينهون عن
المنكر ،وبشرهم بأن المة التي تنهض بهذا الواجب هي الفائزة بسعادة الدنيا والخرة فقال:
فأولئك هم المفلحون الفائزون بالنجاة من العار والنار ،وبدخول الجنة مع البرار.
وفي اليات( )107()105نهاهم أن يسلكوا أهل الكتاب في التفرق في السياسة والختلف في
الدين فيهلكوا هلكهم فقال تعالى :مخاطبا إياهم{ :وَل َتكُونُوا كَالّذِينَ َتفَ ّرقُوا وَاخْ َتَلفُوا مِنْ َبعْدِ مَا
جَاءَهُمُ الْبَيّنَاتُ} فل ينبغي أن يكون العلم والمعرفة بشرائع ال سببا في الفرقة والخلف ،2وهما
أداة الوحدة والئتلف ،وأعلمهم بجزاء المختلفين من أهل الكتاب ليعتبروا ول يتفرقوا فقال تعالى:
عظِيمٌ} ل يغادر قدره ول يعرف مداه ،وأخبرهم عن موعد حاول هذا العذاب
عذَابٌ َ
{وَأُولَ ِئكَ َلهُمْ َ
العظيم بهم ،وأنه يوم القيامة حينما تبيض وجوه المؤمنين القائمين على الكتاب والسنة ،وتسود
ض وُجُوهٌ3
وجوه الكافرين المختلفين القائمين على البدع والهواء ،فقال تعالىَ { :يوْمَ تَبْ َي ّ
__________
1من :للتبعيض ،وعليه فسرنا الية ،وقلنا بوجود طائفة ل كل المة ،إذ لبد من العلم لمن يأمر
بالمعروف وينهى عن المنكر ،والعلم ل يتوفر لكل فرد أبدا ،ولذا فالمر بالمعروف والنهي عن
المنكر فرض على الكفاية.
2نهاهم تعالى عن التفرق والختلف ،وقد وقع ما نهاهم عنه ،وثبت ما أخبر به رسول ال صلى
ال عليه وسلم ،فقد قال" :تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو اثنتين وسبعين فرقة،
النصارى مثل ذلك ،وتفرقت أمتي على ثلث وسبعين فرقة" .رواه الترمذي وقال هذا حديث
صحيح ،وفعلً وقد وجدت ست فرق ،وهي :الحرورية –والقدرية –والجهمية –والمرجئة –
والرافضة –والجبرية .انقسمت كل فرقة من هذه إلى اثنتي عشرة فرقة فصارت اثنتين وسبعين
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فرقة كلها في النار إلى أهل السنة والجماعة.
3روى ابن القاسم عن مالك في العتبية أنه قال ما آية في كتاب ال أشد على أهل الختلف من
سوَدّ وُجُوهٌ} ،قال مالك :إنما هذه الية لهل
أهل الهواء من هذه اليةَ { :يوْمَ تَبْ َيضّ ُوجُوهٌ وَتَ ْ
القبلة بدليل قوله تعالىَ{ :أكَفَرْتُمْ َب ْعدَ إِيمَا ِنكُمْ. }...
( )1/357
سوَ ّد وُجُوهٌ} وبين جزاء الفريقين فقال :فأما الذين اسودت وجوههم من سوء ما عاينوه من أهل
وَتَ ْ
الموقف وما أيقنوا أنهم صائرون إليه من عذاب النار فيقال لهم تفريعا وتوبيخاَ{ :أ َكفَرْتُمْ َبعْدَ
إِيمَا ِنكُمْ} إذ هذه وجوه من تلك حالهم ،فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون بال وشرائعه.
وأما الذين ابيضت وجوههم فلم يطل في الهول موقفهم حتى يدخلوا جنة ربهم قال تعالىَ { :ففِي
حمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
رَ ْ
وفي الية( )108شرف ال تعالى نبيه محمدا صلى ال عليه وسلم بخطابه والوحي إليه فقال{ :تِ ْلكَ
حقّ} أي :هذه اليات المتضمنة للهدى والخير نقرأها عليك بالحق
آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا 1عَلَ ْيكَ بِالْ َ
الثابت الذي ل مرية فيه ،ول شك يعتريه فبلغها عنا وادع بها إلينا فمن استجاب لك نجا ومن
أعرض هلك ،وما ال يريد ظلما للعالمين .فل يعذب إل بعد العلم والنذار.
وفي الية الخيرة( )109يخبر تعالى أنه له ملك السموات والرض خلقا وتصرفا وتدبيرا ،وأن
مصير المور إليه وسيجزي المحسن بالحسنى و المسيء بالسوأى.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب وجود طائفة من أمة السلم تدعو المم والشعوب إلى السلم و تعرضه عليهم
وتقاتلهم إن قاتلوها عليه ،ووجوب وجود هيئات المر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل مدن
وقرى المسلمين.
-2حرمة الفرقة بين المسلمين والختلف في دين ال.
-3أهل البدع والهواء يعرفون في عرصات القيامة باسوداد وجوههم.
-4أهل السنة والجماعة وهم الذين يعيشون عقيدة وعبادة على ما كان عليه رسول ال 2صلى
ال عليه وسلم وأصحابه يعرفون يوم العرض بابيضاض وجوههم.
__________
1التلوة :كالقراءة ،إل أن القراءة عادة تكون لكلم مكتوب ،وأما التلوة فهي مجرد حكاية كلم
لرادة تبليغه بلفظه.
" 2افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة ،وستفترق
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هذه الملة إلى ثلث وسبعين فرقة كلها في النار إل واحدة في الجنة ،وقيل من هم يا رسول ال.
فقال :هم الذين يكونون على ما أنا عليه وأصحابي".
( )1/358
-5كرامة الرسول على ربه وتقرير نبوته .وشرف من آمن به واتبع ما جاء به.
-6مرد المور إلى ال تعالى في الدنيا والخرة فيجب على عقلء العباد أن يتخذوا لهم عند ال
عهدا باليمان به وتوحيده في عبادته بتحقيق ل إله إل ال محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم.
ف وَتَ ْن َهوْنَ عَنِ ا ْلمُ ْنكَرِ وَ ُت ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وََلوْ آمَنَ أَ ْهلُ
جتْ لِلنّاسِ تَ ْأمُرُونَ بِا ْل َمعْرُو ِ
{كُنْتُمْ خَيْرَ ُأمّةٍ أُخْ ِر َ
ى وَإِنْ ُيقَاتِلُوكُمْ
سقُونَ( )110لَنْ َيضُرّوكُمْ إِل أَذ ً
ا ْلكِتَابِ َلكَانَ خَيْرا َل ُهمْ مِ ْنهُمُ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ وََأكْثَرُ ُهمُ ا ْلفَا ِ
ُيوَلّوكُمُ الَدْبَارَ ثُمّ ل يُ ْنصَرُونَ( )111ضُرِ َبتْ عَلَ ْي ِهمُ الذّلّةُ أَيْنَ مَا ُث ِقفُوا إِل ِبحَ ْبلٍ مِنَ اللّ ِه وَحَ ْبلٍ مِنَ
سكَ َنةُ ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ كَانُوا َي ْكفُرُونَ بِآيَاتِ اللّ ِه وَ َيقْتُلُونَ
ضبٍ مِنَ اللّ ِه َوضُرِ َبتْ عَلَ ْيهِمُ ا ْلمَ ْ
س وَبَاءُوا ِب َغ َ
النّا ِ
عصَوْا َوكَانُوا َيعْتَدُونَ(})112
حقّ َذِلكَ ِبمَا َ
الَنْبِيَاءَ ِبغَيْرِ َ
شرح الكلمات:
{كُنْتُمْ خَيْرَ ُأمّةٍ} :وجدتم أفضل وأبرك أمة وجدت على الرض.
جتْ لِلنّاسِ} :أظهرت وأبرزت لهداية الناس ونفعهم.
{ُأخْرِ َ
{أَذىً} :الذى :الضرر اليسير.
{ ُيوَلّوكُ ُم الَدْبَارَ} :ينهزمون فيفرون من المعركة مولينكم أدبارهم ،أي :ظهورهم.
{ضُرِ َبتْ عَلَ ْيهِمُ الذّلّةُ} :أحاطت بهم المذلة ولصقت بهم حتى ل تفارقهم.
ضبٍ} :رجعوا من رحلتهم الطويلة في الكفر وعمل الشر بغضب ال.
{وَبَاءُوا ِب َغ َ
{ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ }...إلخ :.ذلك إشارة إلى ما لصق بهم من الذلة والمسكنة وما عادوا به من غضب
ال تعالى وما تبعه من عذاب "فالباء" في بأنهم
( )1/359
سببه ،أي :بسبب فعلهم كذا وكذا والمسكنة هي ذلة الفاقة والفقر.
{ َيعْتَدُونَ} :العتداء مجاوزة الحد في الظلم والفساد.
معنى اليات:
لما أمر ال تعالى المؤمنين بتقواه والعتصام بحبله فامتثلوا وأمرهم بتكوين جماعة منهم يدعون
إلى السلم ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فامتثلوا ذكرهم بخير عظيم فقال لهم{ :كُنْتُمْ
جتْ لِلنّاسِ} كما قال لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم" :كنتم خير الناس للناس"..
خَيْرَ ُأمّةٍ أُخْ ِر َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ووصفهم بما كانوا به خير أمة فقال تأمرون بالمعروف وهو السلم وشرائع الهدى التي جاء بها
نبيه صلى ال عليه وسلم وتنهون عن المنكر وهو الكفر والشرك وكبائر الثم والفواحش،
وتؤمنون بال .وبما يتضمنه اليمان بال من اليمان بكل ما أمر تعالى باليمان به من الملئكة
والكتب والرسل والبعث الخر والقدر .ثم دعا تعالى أهل الكتاب إلى اليمان الصحيح المنجي من
عذاب ال ،فقال عز وجل ،ولو آمن أهل الكتاب بالنبي محمد وما جاء به من السلم لكان خيرا
لهم من دعوى اليمان الكاذبة التي يدعونها .وأخبر تعالى عنهم بأن منهم المؤمنين الصادقين في
إيمانهم؛ كعبد ال بن سلم وأخيه ،وثعلبة بن سعيد وأخيه ،وأكثرهم الفاسقون الذين لم يعملوا بما
جاء في كتابهم من العقائد والشرائع من ذلك أمر ال تعالى باليمان بالنبي المي واتباعه على
مايجيء به من السلم ثم أخبر المسلمين أن فساق أهل الكتاب لن يضروهم إل أذى يسيرا
كإسماعهم الباطل وقولهم الكذب .وأنهم لو قاتلوهم ينهزمون أمامهم مولينهم ظهورهم فارين من
القتال ثم ل ينصرون على المسلمين في أي قتال يقع بين الجانبين.
كما أخبر تعالى في الية( )112أنه تعالى ضرب عليهم الذلة والمسكنة أينما ثقفوا وفي يا البلد
وجدوا لن تفارقهم الذلة والمسكنة في حال من الحوال إل في حال دخولهم في السلم وهو حبل
1ال ،أو معاهدة وارتباط بدولة قوية وذلك هو حبل 2الناس .كما أخبر تعالى عنهم
__________
1هذه الية مخصصة لعموم آية العراف{ :وَِإذْ تَأَذّنَ رَ ّبكَ لَيَ ْبعَثَنّ عَلَ ْي ِهمْ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ مَنْ
يَسُو ُمهُمْ سُوءَ ا ْلعَذَابِ} إل في حال إسلمهم أو ارتباطهم بمعاداة دولة قوية كما هي الحال اليوم.
2الحبل مستعار هنا للعهد ،أي :المعاهدة التي تربطهم بدولة قوية كبريطانيا وأمريكا الن.
( )1/360
أنهم رجعوا من عنادهم وكفرهم بغضب ال ،وما يستتبعه من عذاب في الدنيا بحالة الفاقة والفقر
المعبر عنها بالمسكنة ،وفي الخرة بعذاب جهنم كما ذكر تعالى علة عقوبتهم ،وأنها الكفر بآيات
ال وقتل النبياء بغير حق وعصيانهم المستمر واعتداؤهم الذي ل ينقطع فقال تعالى {ذَِلكَ ِبمَا
صوْا َوكَانُوا َيعْتَدُونَ} .
ع َ
َ
هداية اليات
من هداية اليات:
-1إثبات خيرية أمة السلم وفي الحديث" :أنتم تتمون 1سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على
ال" .
-2بيان علة خيرية أمة 2السلم ،وهي اليمان بال والجهاد والمر بالمعروف والنهي عن
المنكر.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-3وعد ال تعالى لمة السلم –ما تمسكت به -بالنصر على اليهود في أي قتال بينهم.
-4صدق القرآن في إخباره عن اليهود بلزوم الذلة والمسكنة لهم أينما كانوا.
-5بيان جرائم اليهود التي كانت سببا في ذلتهم ومسكنتهم وهي الكفر المستمر ،وقتل النبياء
بغير حق والعصيان والعتداء على حدود الشرع.
سجُدُونَ(ُ )113ي ْؤمِنُونَ
سوَاءً مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ ُأمّةٌ قَا ِئ َمةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاءَ اللّ ْيلِ وَهُمْ يَ ْ
{لَ ْيسُوا َ
بِاللّ ِه وَالْ َيوْ ِم الخِ ِر وَيَ ْأمُرُونَ بِا ْل َمعْرُوفِ وَيَ ْن َهوْنَ عَنِ ا ْلمُ ْنكَ ِر وَيُسَارِعُونَ
__________
1ومن هنا فعصر الصحابة أفضل ممن بعدهم ،وذلك لتحقق الصفات التي كانت بها الخيرية،
ويشهد لهذا الحديث الصحيح" :خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" .فالخيرية
العامة لهذه المة ل جدال فيها ،والخيرية الخاصة فهي :تتوفر لهل الصفات الثلث :المر
بالمعروف ،والنهي عن المنكر ،واليمان التام في كل زمان ومكان.
2يوضح هذا قول عمر في حجه ،وقد رأى في الناس دعة فقال ،بعد أن قرأ هذه الية{ :كُنْتُمْ
جتْ لِلنّاسِ} .من سره أن يكون في هذه المة فليؤد شرط ال فيها.
خَيْرَ ُأمّةٍ أُخْ ِر َ
( )1/361
ت وَأُولَ ِئكَ مِنَ الصّالِحِينَ(َ )114ومَا َي ْفعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ ُي ْكفَرُوهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِا ْلمُ ّتقِينَ(
فِي الْخَيْرَا ِ
})115
شرح الكلمات:
سوَاءً} :غير متساوين.
{لَ ْيسُوا َ
{ُأمّةٌ قَا ِئمَةٌ} :جماعة قائمة ثابتة على اليمان والعمل الصالح.
{يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ} :يقرأون القرآن.
{آنَاءَ اللّ ْيلِ} :ساعات الليل جمع إني وإني.
جدُونَ} :يصلون.
{وَهُمْ يَسْ ُ
{وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} :يستدرونها خشية الفوات.
{فَلَنْ ُي ْكفَرُوهُ} :فلن يجحدوه بل يعترف لهم به ويجزون به وافيا.
معنى اليات:
بعد أن ذكر تعالى حال أهل الكتاب وأنهم فريقان مؤمن صالح ،وكافر فاسد .ذكر هنا في هذا
اليات الثلث )115-114-113( :أن أهل الكتاب ليسوا سواء ،1أي :غير متساوين في الحال،
سوَاءً مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ ُأمّةٌ قَا ِئمَةٌ ، }2أي:
وأثنى على أهل الصلح منهم فقال جل ذكره {لَيْسُوا َ
على اليمان الحق والدين الصحيح وهم الذين أسلموا .يتلون آيات ال يقرأونها في صلتهم آناء
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الليل ،أي :ساعات الليل في صلة العشاء وقيام الليل وهم يسجدون ،وهذا ثناء عليهم بالسجود ،إذ
هو أعظم مظاهر الخشوع ل تعالى كما أثنى تعالى عليهم باليمان الصادق والمر بالمعروف
وهو الدعوة إلى عبادة ال تعالى بعد اليمان به والسلم الظاهر والباطن له .وينهون عن المنكر
وهو الشرك بعبادة ال تعالى والكفر به وبرسوله فقال عز وجل{ :وَيَ ْأمُرُونَ بِا ْل َمعْرُوفِ وَيَ ْن َهوْنَ
عَنِ ا ْلمُ ْنكَ ِر وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} أي :يبادرون إليها قبل فواتها ،والخيرات هي كل قول وعمل
صالح من سائر القربات .وشهد
__________
1يرى بعضهم أن الكلم تم عند قوله{ :ليسوا سواء} أي :ليس المسلمون و أهل الكتاب سواء ،ثم
استأنف فقال{ :من أهل الكتاب} إلخ .وما ذكرته في التفسير أصح وأوضح.
2المراد بهم :عبد ال بن سلم ،وأخوه ،وعمته ،وسعيه أو سنعة بن غريض ،وثعلبة بن سعية،
وأسد القرظي ،وغيرهم ممن أسلموا وحسن إسلمهم في دنيا السلم والمسلمين إلى اليوم.
( )1/362
( )1/363
{مَ َثلُ} :أي :صفة وحال ما ينفقونه لبطال دعوة السلم ،أو للتصدق به.
الصر : 1الريح الباردة الشديدة البرد التي تقتل الزرع وتفسده.
الحرث :ما تحرث له الرض وهو الزرع.
سهُمْ} :حيث دنسوها بالشرك والمعاصي فعرضوها للهلك والخسار.
{ظََلمُوا أَ ْنفُ َ
معنى اليات:
لما ذكر تعالى حال مؤمني أهل الكتاب وأثنى عليهم بما وهبهم من صفات الكمال ذكر هنا في
هاتين اليتين ما توعد به أهل الكفر من الكتابين وغيرهم من المشركين على طريقة القرآن في
الترغيب والترهيب ليهتدي من هيأه ال تعالى للهداية فقال :إن الذين كفروا أي كذبوا ال ورسوله
فلم يؤمنوا ولم يوحدوا لن تغني عنهم أموالهم ول أولدهم 2أي :في الدنيا والخرة مما أراد ال
تعالى بهم شيئا من الغناء؛ لن ال تعالى غالب على أمره وعزيز ذو انتقام ،وقوله تعالى:
{وَأُولَ ِئكَ َأصْحَابُ النّارِ ُهمْ فِيهَا خَاِلدُونَ} .فيه بيان حكم ال تعالى فيهم وهو أن أولئك البعداء في
الكفر والضلل المتوغلين في الشر والفساد هم أصحاب النار الذين يعيشون فيها ل يفارقونها أبدا
ولن تغني عنهم أموالهم التي كانوا يفاخرن بها ،ول أولدهم الذين كانوا يعتزون بهم
ويستنصرون ،إذ يوم القيامة ل ينفع فيه مال ول بنون إل من أتى ال بقلب سليم :سليم من الشك
والشرك والكبر والعجب والنفاق.
هذا ما تضمنته الية )116( :أما الية( )117فقد ضرب تعالى فيها مثلً لبطلن نفقات الكفار
والمشركين وأعمالهم التي يرون أنها نافعة لهم في الدنيا والخرة ضرب لها مثلً :ريحا باردة
شديدة البرودة أصابت زرع أناس كاد يُحصد وهم به فرحون وفيه مؤملون فأفسدته تلك الريح
وقضت عليه نهائيا فلم ينتفعوا بشيء منه ،قال تعالى في هذا المثل :مثل ما ينفقون ،أي :أولئك
الكفار في هذه الحياة الدنيا ،أي :مما يرونه نافعا لهم من بعض أنواع البرَ { .كمَ َثلِ رِيحٍ فِيهَا صِرّ3
َأصَابَت} أي تلك الريح الباردة حرث قوم ،أي :زرعهم النابت
__________
1الصر :مأخوذ من الصرير الذي هو الصوت ،وفي الحديث" :نهى رسول ال صلى ال عليه
وسلم عن أكل الجراد الذي الذي قتله الصر" أي :البرد الشديد.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
2كرر حرف النفي{ :ول أولدهم} لتأكيد عدم إغناء الولد عنهم شيئا مع أن العرف :أن الولد
يذبون عن آبائهم ويدفعون عنهم.
{ 3فيها صر} هذا التعبير أفاد شدة برد هذا الريح ،إذ جعل الصر مظروفا فيها.
( )1/364
فأهلكته ،أي :أفسدته .فحرموا من حرثهم ما كانوا يؤملون ،وما ظلمهم 1حيث أرسل عليهم الريح
فأهلكت زرعهم ،إذ لم يفعل ال تعالى هذا بهم إل لنهم ظلموا بالكفر والشرك والفساد فجزاهم ال
سهُمْ يَظِْلمُونَ} .
ظَل َمهُمُ اللّهُ وََلكِنْ أَ ْنفُ َ
بالحرمان وبذلك كانوا هم الظالمين لنفسهم .قال تعالىَ { :ومَا َ
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1لن يغني عن المرء مال ول ولد متى ظلم وتعرض لنقمة ال تعالى.
-2الكفر هم أهل النار وخلودهم فيها محكوم به مقدر عليهم ل نجاة منه.
-3ان العمل الصالح بالشرك والموت على الكفر.
-4حسان ضرب المثال في الكلم لتقريب المعاني إلى الذهان.
{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّخِذُوا بِطَا َنةً مِنْ دُو ِنكُمْ ل يَأْلُو َنكُمْ خَبَالً وَدّوا مَا عَنِتّمْ قَدْ بَ َدتِ الْ َب ْغضَاءُ مِنْ
خفِي صُدُورُهُمْ َأكْبَرُ َقدْ بَيّنّا َلكُ ُم الياتِ إِنْ كُنْتُمْ َتعْقِلُونَ( )118هَا أَنْتُمْ أُولءِ ُتحِبّو َنهُمْ
َأ ْفوَا ِههِ ْم َومَا تُ ْ
عضّوا عَلَ ْيكُ ُم الَنَا ِملَ مِنَ ا ْلغَيْظِ
وَل ُيحِبّو َنكُ ْم وَ ُتؤْمِنُونَ بِا ْلكِتَابِ كُلّ ِه وَإِذَا َلقُوكُمْ قَالُوا آمَنّا وَإِذَا خََلوْا َ
سؤْهُمْ وَإِنْ ُتصِ ْبكُمْ سَيّئَةٌ
سكُمْ حَسَ َنةٌ تَ ُ
ظكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ( )119إِنْ َتمْسَ ْ
ُقلْ مُوتُوا ِبغَيْ ِ
َيفْرَحُوا ِبهَا وَإِنْ َتصْبِرُوا وَتَ ّتقُوا ل َيضُ ّركُمْ كَيْ ُدهُمْ شَيْئا إِنّ اللّهَ ِبمَا َي ْعمَلُونَ ُمحِيطٌ(})120
__________
1نفى تعالى عن نفسه ظلم هؤلء المنفقين في الباطل والشر والفساد فلم يجنوا خيرا من إنفاقهم
وأثبت الظلم منهم لنفسهم لسوء إنفاقهم وفساده.
( )1/365
شرح الكلمات:
{ ِبطَانَةً} :بطانة الرجل 1الذين يطلعهم على باطن 2أمره الذي يخفيه على الناس للمصلحة.
{مِنْ دُو ِنكُمْ} :من غيركم ،أي :من غير المسلمين؛ كالكفار وأهل الكتاب.
{ل يَأْلُو َنكُمْ} :ل يقصرون في إفساد المور عليكم.
{خَبَالً : }3فسادا في أمور دينكم ودنياكم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{وَدّوا مَا عَنِتّمْ} :أحبوا عنتكم ،أي :مشقتكم.
{ َب َدتِ الْ َب ْغضَاءُ} :ظهرت شدة بغضهم لكم.
{أُولءِ} :هؤلء حذفت منه هاء التنبيه لوجودها في ها أنتم قبلها.
{بِا ْلكِتَابِ كُلّهِ} :أي :بالكتب اللهية كلها.
عضّوا عَلَ ْيكُ ُم الَنَا ِملَ مِنَ ا ْلغَيْظِ} :من شدة الغيظ عليكم؛ لن المغتاظ إذا اشتد به الغيظ بعض
{َ
أصبعه على عادة البشر ،والغيظ :شدة الغضب.
{حَسَنَةٌ} :ما يحسن من أنواع الخير؛ كالنصر والتأييد والقوة والخير.
{سَيّ َئةٌ} :ما يسوءكم؛ كالهزيمة أو الموت أو المجاعة.
{كَيْ ُدهُمْ} :مكرهم بكم وتبييت الشر لكم.
{ ِبمَا َي ْعمَلُونَ مُحِيطٌ} :علما به وقدرة عليه ،إذ هم واقعون تحت قهره وعظيم سلطانه.
معنى اليات:
لما أخبر تعالى عن مصير الكافرين في الخرة ،وأن ذلك المصير المظلم كان نتيجة كفرهم
وظلمهم حذر المؤمنين من موالتهم دون المؤمنين وخاصة أولئك الذين يحملون في صدورهم
الغيظ والبغضاء للمسلمين الذين ل يقصرون في العمل على إفساد أحوال المسلمين والذين
__________
1أصل البطانة :بطانة الثوب شبه بها بطانة الرجل ووليجته ،وهم من يطلعهم على أسراره ثقة
فيهم ،ومثل البطانة الشعار وهو الثوب الذي يلي الجسد ،وفي الحديث" :النصار شعار والناس
دثار" .
2روى البخاري تعليقا ،أن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :ما بعث ال من نبي ول استخلف من
خليفة إل كانت له بطانتان :بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه ،وبطانة تأمره بالسوء وتحضه
عليه .والمعصوم من عصمه ال ".
3الخبال :الخبل ،وهو الفساد ،وفي الحديث" :من أصيب بدم أو خبل" أي :جرح يفسد العضو،
ويقال :رجل خبل ،وخبله الحب :أفسده.
( )1/366
يسوءهم أن يروا المسلمين متآلفين متحابين أقوياء ظاهرين متصورين على أهل الشرك والكفر،
ويسرهم أيضا أن يروا المسلمين مختلفين أو ضعفاء منكسرين مغلوبين .فقال تعالى –وقوله
الحق{ -يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا} أي :بال ربا وبالسلم دينا وبمحمد صلى ال عليه وسلم نبيا
ورسولً{ .ل تَتّخِذُوا ِبطَانَةً} أي :أفرادا من دونكم 1أي :من غير أهل دينكم؛ كاليهود والنصارى
والمنافقين والمشركين تستشيرونهم وتطلعونهم على أسراركم وبواطن أموركم ،ووصفهم تعالى
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تعريفا بهم فقال{ :ل يَأْلُو َنكُمْ 2خَبَالً} ،يعني :ل يقصرون في إفساد أموركم الدينية والدنيوية.
{وَدّوا مَا عَنِتّمْ} أي :أحبوا عنتكم ومشقتكم ،فلذا هم ل يشيرون عليكم إل بما يفسد عليكم أموركم
خفِي
ويسبب لكم الكوارث والمصائب في حياتكم وقوله تعالىَ { :قدْ بَ َدتِ الْ َب ْغضَاءُ مِنْ َأ ْفوَا ِه ِه ْم َومَا ُت ْ
صُدُورُهُمْ َأكْبَرُ} وصف آخر مشخص لهؤلء العداء المحرم اتخاذهم بطانة ،أل وهو ظهور
البغضاء من أفواههم 3بما تنطق به ألسنتهم من كلمات الكفر والعداء للسلم وأهله ،وما يخفونه
من ذلك في صدورهم 4هو أكبر مما يتفلت من ألسنتهم .ويؤكد عز وجل تحذيره للمؤمنين فيقول:
{ َقدْ بَيّنّا َلكُ ُم الياتِ} المتضمنة لبيان أعدائكم وأحوالهم وصفاتهم لتعتبروا {إِنْ كُنْتُمْ َت ْعقِلُونَ} أي:
الخطاب وما يتلى عليم ويقال لكم .ثم يقول تعالى معلما محذرا ها أنتم أيها المسلمون تحبونهم ول
يحبونكم .قد علم ال أن من بين المؤمنين من يحب بعض الكافرين لعلقة الحسان الظاهرة بينهم
فأخبر تعالى عن هؤلء كما أن رحمة المؤمن وشفقته قد تتعدى حتى لعدائه فلذا ذكر تعالى هذا
وأخبر به وهو الحق ،وقال{ :وَ ُت ْؤمِنُونَ} أي :وهم ل يؤمنون بكتابكم فانظروا إلى الفرق بينكم
وبينهم فكيف إذا تتخذونهم بطانة تفضون إليهم بأسراركم .وأخبر تعالى عن المنافقين أنهم إذا لقوا
المؤمنين قالوا إنا مؤمنون وإذا تفرقوا عنهم وخلوا بأنفسهم ذكروهم وتغيظوا عليهم حتى يعضوا
__________
1قيل لعمر رضي ال عنه :إن ها هنا رجل من نصارى الحيرة ل أحد أكتب منه ول أخط بقلم
أفل يكتب عنك؟ فقال" :ل آخذ بطانة من دون المؤمنين" وجاء أبو موسى الشعري بحساب
نصارى لعمر فانتهره وقال" :ل تدنهم ،وقد أقصاهم ال ،ول تكرمهم وقد أهانهم ،ول تأمنهم وقد
خونهم ال".
2هذه الجملة وإن كانت صفة لكلمة بطانة ،فهي معنى العلة للنهي السابق.
3خصت الفواه بالذكر دون اللسن إشارة إلى أنهم يتشدقون بالكلم إيهاما وتضليلً.
4استدل أهل العلم بهذه الية على أن شهادة العدو ل تصح على عدوه ،وكيف به إذا كان كافرا؟.
( )1/367
( )1/368
ثم تقوى ال تعالى بإقامة دينه ولزوم شرعه والتوكل عليه ,والخذ بسننه في القوة والصبر.
سمِيعٌ عَلِيمٌ(ِ )121إذْ َه ّمتْ طَا ِئفَتَانِ مِ ْنكُمْ
غ َد ْوتَ مِنْ َأهِْلكَ تُ َب ّوئُ ا ْل ُمؤْمِنِينَ َمقَاعِدَ لِ ْلقِتَالِ وَاللّهُ َ
{وَإِذْ َ
أَنْ َتفْشَل وَاللّ ُه وَلِ ّي ُهمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ ا ْل ُمؤْمِنُونَ( )122وََلقَدْ َنصَ َركُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَ ِذلّةٌ فَا ّتقُوا
شكُرُونَ(})123
اللّهَ َلعَّلكُمْ تَ ْ
شرح الكلمات:
غ َد ْوتَ} :أي :واذكر إذ غدوت ،والغدو :الذهاب أول النهار.
{وَإِذْ َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{مِنْ أَ ْهِلكَ} :أهل الرجل زوجه وأولده .ومن لبتداء الغاية إذ خرج صلى ال عليه وسلم صباح
السبت من بيته إلى أحد حيث نزل المشركون به 1يوم الربعاء.
{تُ َب ّوئُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} :تنزل المجاهدين الماكن التي رأيتها صالحة للنزول فيها من ساحة المعركة.
{ َه ّمتْ} :حدثت نفسها بالرجوع إلى المدينة وتوجهت إرادتها إلى ذلك.
{طَا ِئفَتَانِ} :هما بنو سلمة ،وبنو حارثة من النصار.
{ َتفْشَل} :تضعفا وتعودا إلى ديارهما تاركين الرسول ومن معه يخوضون المعركة وحدهم.
{وَاللّهُ وَلِ ّيهُمَا} :متولي أمرهما وناصرهما ولذا عصمهما من ترك السير إلى المعركة.
{بِ َبدْرٍ} :بدر اسم رجل وسمي المكان به؛ لنه كان له فيه ماء وهو الن قرية تبعد عن المدينة
ل "كيلو متر".
النبوية بنحو من مائة وخمسين مي ً
{وَأَنْتُمْ أَذِلّةٌ} :لقلة عددكم وعُد ِدكُم وتفوق العدو عليكم.
__________
1الموافق للثاني عشر من شوال سنة ثلث من الهجرة" :وقد رأى النبي صلى ال عليه وسلم
رؤيا فرأى أن في سيفه ثلمة ،وأن بقرا له تذبح ،وأنه أدخل يده في درع حصينه ،فتأولها أن نفرا
من أصحابه يقتلون وأن رجلً من أهل بيته يصاب وأن الدرع الحصينة :المدينة" .أخرجه مسلم.
( )1/369
معنى اليات:
لما حذر ال تعالى المؤمنين من اتخاذ بطانة من أهل الكفر والنفاق ،وأخبرهم أنهم متى صبروا
واتقوا ل يضرهم كيد أعدائهم شيئا ذكرهم بموقفين :أحدهما لم يصبروا فيه ولم يتقوا فأصابتهم
الهزيمة وهو غزوة أحد ،والثاني صبروا فيه واتقوا فانتصروا وهزموا عدوهم وهو غزوة بدر،
غ َد ْوتَ مِنْ َأهِْلكَ تُ َب ّوئُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ َمقَاعِدَ لِ ْلقِتَالِ} أي :اذكر يا رسولنا لهم غدوك
فقال تعالى{ :وَإِذْ َ
صباحا من بيتك إلى ساحة المعركة بأحد ،تبوء المؤمنين مقاعد للقتال ،أي :تنزلهم الماكن
الصالحة للقتال الملئمة لخوض المعركة ،وال سميع لكل القوال التي دارت بينكم في شأن
الخروج إلى العدو ،أو عدمه و قتاله داخل 1المدينة عليم بنياتكم وأعمالكم
ومن ذلك هم بنى سلمه وبنى حارثة بالرجوع من الطريق لول أن ال سلم فعصمهما من الرجوع
لنه وليهما .هذا معنى قوله تعالى {:إِذْ َه ّمتْ طَا ِئفَتَانِ مِ ْنكُمْ أَنْ َتفْشَل} أي تجبنا وتحجما عن
ملقاة العدو ،وال وليهما فعصمهما من ذنب 2الرجوع وترك الرسول صلى ال عليه وسلم
يخوض المعركة بدون جناحيها وهما بنو حارثة وبنو سلمة { وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ ا ْل ُمؤْمِنُونَ}
فتوكلت الطائفتان على ال وواصلتا سيرهما مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فسلمهما ال من
شر ذنب وأقبحه.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والحمد ل.
هذا موقف والمقصود منه التذكير بعدم الصبر وترك التقوى فيه حيث أصاب المؤمنين فيه شر
هزيمة واستشهد من النصار سبعون ومن المهاجرين أربعه وشج 3رأس صلى ال علية وسلم
وكسرت رباعيتة واستشهد عمه حمزة 4رضى ال عنة.
والموقف الثاني هو غزوة بدر حيث صير فيها المؤمنون واتقوا أسباب الهزيمة فنصرهم ال
وأنجز لهم ما وعدهم لنهم صبروا واتقوا ،فقتلوا سبعين رجلً وأسروا سبعين وغنموا غنائم طائلة
قال تعالى{ :وََلقَدْ َنصَ َركُمُ اللّهُ بِ َبدْ ٍر وَأَنْتُمَْ 5أذِلّةٌ} فاتقوا ال بالعمل بطاعته ،ومن ذلك
__________
1خرج الرسول صلى ال عليه وسلم بألف رجل من المدينة وفي أثناء مسيره ،رجع ابن أبي
بثلثمائة رجع غاضبا ،إذ كان يرى عدم قتال العدو خارج المدينة ،فلم يطع في ذلك فغضب،
ورجوعه هو الذي سبب الهم بالرجوع لني حارثة وبني سلمة.
2روى البخاري عن جابر بن عبد ال رضي ال عنهما أنه قال فينا نزلت{ :إِذْ َه ّمتْ طَا ِئفَتَانِ
مِ ْنكُمْ أَنْ َتفْشَل وَاللّهُ وَلِ ّيهُمَا} قال :نحن الطائفتان :بنو حارثة ،وبنو سلمة .وما أحب أنها لم تنزل
لقول ال عز وجل{ :وَاللّ ُه وَلِ ّي ُهمَا}.
3الذي رمى رسول ال صلى ال عليه وسلم فشج وجهه :هو ابن قميئة ،أقماه ال ولعنه .والذي
أدمى شفة رسول ال صلى ال عليه وسلم وكسر رباعيته :هو عتبة ابن أبي وقاص ،أخو سعد بن
أبي وقاص.
4وقتل حمزة :وحشي ،كانت تحرضه على قتل حمزة :هند بنت عتبة ،وتقول له :إيها أبا دسمة
أشف واستشف (والدسمة :غبرة في سواد).
5كانت غزوة بدر في السابع عشر من رمضان يوم جمعة ،وكان جيش العدو بها ما بين
التسعمائة إلى اللف ،وجيش المسلمين ثلثمائة وأربعة عشر رجلً ،وغزوة بدر أول غزوة غزاها
رسول ال صلى ال عليه وسلم.
( )1/370
ترك اتخاذ بطانة من أعدائكم لتكونوا بذلك شاكرين نعم ال عليكم فيزيدكم ،فذكر تعالى في هذا
الموقف النصر؛ لنه خير ،فقال {وََلقَدْ َنصَ َركُمُ اللّهُ بِ َبدْ ٍر وَأَنْتُمْ َأذِلّةٌ} ،ولم يقل في الموقف الول،
ولقد هزمكم ال بأحد وأنتم أعزة؛ لنه تعالى حيي كريم فاكتفى بتذكيرهم بالغزوة فقط وهم
يذكرون هزيمتهم فيها ويعلمون أسبابها وهي عدم الطاعة وقلة الصبر.
هداية اليات
من هداية اليات:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-1فضيلة الصبر والتقوى وأنهما عدة الجهاد في الحياة.
-2استحسان التذكير بالنعم والنقم للعبرة والتعاظ.
-3ولية ال تعالى للعبد تقيه مصارع السوء ،وتجنبه الخطار.
-4تقوى ال تعالى بالعمل بأوامره واجتناب نواهيه هي الشكر الواجب على العبد.
{ِإذْ َتقُولُ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ أَلَنْ َي ْكفِيَكُمْ أَنْ ُيمِ ّدكُمْ رَ ّب ُكمْ بِثَلثَةِ آلفٍ مِنَ ا ْلمَل ِئكَةِ مُنْزَلِينَ( )124بَلَى إِنْ
س ّومِينَ()125
خمْسَةِ آلفٍ مِنَ ا ْلمَل ِئكَةُ مُ َ
َتصْبِرُوا وَتَ ّتقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ َفوْرِهِمْ هَذَا ُيمْدِ ْدكُمْ رَ ّبكُمْ ِب َ
حكِيمِ()126
طمَئِنّ قُلُو ُبكُمْ بِهِ َومَا ال ّنصْرُ إِل مِنْ عِ ْندِ اللّهِ ا ْلعَزِيزِ الْ َ
جعَلَهُ اللّهُ إِل بُشْرَى َل ُك ْم وَلِتَ ْ
َومَا َ
لِ َيقْطَعَ طَرَفا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا َأوْ َيكْبِ َتهُمْ فَيَ ْنقَلِبُوا خَائِبِينَ(})127
شرح الكلمات:
{أَلَنْ َي ْكفِ َيكُمْ} :الستفهام انكاري ،1أي :ينكر عدم الكفاية .ومعنى يكفيكم يسد حاجتكم.
__________
1ذهب بعض إلى أن الستفهام هنا :تقريري؛ لنه مجاب ببلى ،وجائر أن يكون للستفهام معنيان
في آن واحد لدللة اللفظ عليهما معا .فتأمل!!.
( )1/371
{أَنْ ُي ِم ّدكُمْ} :أي :بالملئكة عونا على قتال أعدائكم المتفوقين عليكم بالعدد والعتاد.
{ا ْلمَل ِئكَةِ} :واحدهم ملك وهم عباد ال مكرمون مخلقون من نور ل يعصون ال ما أمرهم،
ويفعلون ما يؤمرون.
{بَلَى} :حرف إجابة ،أي :يكفيكم.
{مِنْ َفوْرِهِمَْ 1هذَا} :أي :من وجههم في وقتهم هذا.
س ّومِينَ} :معلمين بعلمات تعرفونهم بها.
{مُ َ
{إِل بُشْرَى َل ُكمْ} :البشرى :الخبر السار الذي يتهلل له الوجه بالبشر والطلقة.
طمَئِنّ قُلُو ُبكُمْ ِبهِ} :اطمئنان القلوب سكونها وذهاب الحروف والقلق عنها.
{وَلِتَ ْ
{لِ َيقْطَعَ طَرَفا} :الطرف الطائفة ،يريد ليهلك من جيش العدو طائفة.
{َأوْ َيكْبِ َتهُمْ} :أي :يخزيهم ويذلهم.
{فَيَ ْنقَلِبُوا خَائِبِينَ} :يرجعوا إلى ديارهم خائبين لم يحرزوا النصر الذي أملوه.
معنى اليات:
ما زال السياق في تذكير الرسول صلى ال عليه وسلم والمؤمنين بما تم لهم من النصر في موقف
الصبر والتقوى في بدر فقال{ :إِذْ َتقُولُ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ }2عندما بلغهم وهم حول المعركة أن كرز بن
جابر المحاربي يريد أن يمد المشركين برجاله يقاتلون معهم فشق ذلك على أصحابه فقلت{ :أَلَنْ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
َي ْكفِيَكُمْ أَنْ ُيمِ ّدكُمْ رَ ّب ُكمْ بِثَلثَةِ آلفٍ مِنَ ا ْلمَل ِئكَةِ مُنْزَلِينَ} أي :يكفيكم{ .إِنْ َتصْبِرُوا وَتَتّقُوا وَيَأْتُوكُمْ3
س ّومِينَ}
خمْسَةِ آلفٍ مِنَ ا ْلمَل ِئكَةُ مُ َ
مِنْ َفوْرِهِمْ َهذَا} أي :من وجههم ووقتهم هذا { ُيمْ ِد ْدكُمْ رَ ّبكُمْ ِب َ
بعلمات وإشارات خاصة بهم ،ولما انهزم كرز قبل تحركه وقعد عن إمداد قريش بالمقاتلين لم
يمد ال تعالى رسوله والمؤمنين بما ذكر من الملئكة فلم يزدهم على اللف التي أمدهم بها لما
استغاثوه في أول المعركة جاء ذلك في سورة
__________
1الفور :مصدر فارت القدر فورا واستعير للولية مع السرعة في الحال بدون بطء أو تأخر أو
تراخ.
2ذهب بعض المفسرين؛ كمجاهد ،وعكرمة ،وغيرهما أن قوله تعالى{ :إِذْ َتقُول للمؤمنين} إلخ،
كان يوم أحد فهو وعد لهم بالمدد المذكور من الملئكة على شرط الصبر والتقوى ،فلما لم
يصبروا ولم يتقوا كما هو معلوم لم يمدهم بالعدد المذكور من الملئكة ،وما ذهبنا إليه في التفسير
أقرب إلى الواقع ،وال أعلم.
3أي :المشركون من أصحاب كرز.
( )1/372
النفال في قوله تعالى{ :إِذْ َتسْ َتغِيثُونَ رَ ّبكُمْ فَاسْتَجَابَ َل ُكمْ أَنّي ُممِ ّدكُمْ بِأَ ْلفٍ مِنَ ا ْلمَل ِئكَةِ} فهذه
اللف هي التي نزلت فعلً وقاتلت مع المؤمنين وشوهد ذلك وعلم به يقينا ،أما الوعد بالمداد
الخير فلم يتم؛ لنه كان مشروطا بإمداد كرز لقريش فلما لم يمدهم ،لم يمد ال تعالى المؤمنين،
جعَلَهُ اللّهُ} أي :المداد المذكور {إِل بُشْرَى} للمؤمنين تطمئن له قلوبهم وتسكن
فقال تعالىَ { :ومَا َ
له نفوسهم فيزول القلق والضطراب الناتج عن الخوف من إمداد كرز المشركين بالمقاتلين ،ولذا
حكِيمِ }1العزيز أي :الغالب ،الحكيم الذي يضع
قال تعالىَ { :ومَا ال ّنصْرُ إِل مِنْ عِنْدِ اللّهِ ا ْلعَزِيزِ الْ َ
النصر في موضعه فيعطيه مستحقه من أهل الصبر والتقوى {لِ َيقْطَعَ طَرَفا مِنَ الّذِينَ َكفَرُوا} وقد
فعل فأهلك من المشركين سبعين ،أو يكبتهم أي :يخزيهم ويذلهم إذ أسر منهم سبعون ،وانقبلوا
خائبين لم يحققوا النصر الذي أرادوه.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1بيان سبب هزيمة المسلمين في أحد وهو عدم صبرهم وإخللهم بمبدأ التقوى إذ عصى الرماة
أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم ونزلوا من الجبل يجرون وراء الغنيمة هذا على تفسير أن
الوعد بالثلثة آلف وبالخمسة كان بأحد ،2وكان الوعد مشروطا بالصبر والتقوى فلما لم يصبروا
ولم يتقوا لم يمدهم بالملئكة الذين ذكر لهم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-2النصر وإن كانت له عوامله من كثرة العدد وقوة العدة فإنه بيد ال تعالى فقد ينصر الضعيف
ويخذل القوى ،فلذا وجب تحقيق ولية ال تعالى أولً قبل إعداد العدد .وتحقيق الولية يكون
باليمان والصبر والطاعة التامة ل ولرسوله ثم التوكل على ال عز وجل.
-3ثبوت قتال الملئكة مع أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم في بدر قتالً حقيقيا؛ لنهم
نزلوا في صورة بشر يقاتلون على خيول ،وعليهم شاراتهم وعلماتهم .ول يقولن قائل :3الملك
الواحد يقدر على أن يهزم مليين البشر ،فكيف يعقل اشتراك ألف ملك في قتال المشركين وهم ل
يزيدون عن اللف رجل ،وذلك أن ال تعالى أنزلهم في صورة بشر 4فأصبحت صورتهم وقوتهم
قوة
__________
1الحكيم :الذي يضع الشياء في مواضعها ويفعل دائما على ما تقتضيه الحكمة في سائر أفعاله.
2وهو الراجح من قولي المفسرين :كابن جرير ،وغيره.
3قاله الصم ،كأنه فعلً أصم فلم يسمع كلم ال تعالى ،واسم هذا الصم أبو بكر ،وهو من أهل
العتزال ،وإذا فل غرابة في إنكاره.
4بدل لذلك قوله تعالى{ :مسومين} ،فالمسوّم :ذو السمة ،أي :العلمة ،و ذلك أن البطل المقاتل
يجعل على رأسه أو على رأس فرسه ريشا ملونا يرمز به إلى أنه ل يخاف أن يعرفه عدوه حتى
ل يسدد إليه سهامه.
( )1/373
البشر ،ويدل على ذلك ويشهد له أن ملك الموت لما جاء موسى في صورة رجل يريد أن يقبض
روحه ضربه موسى عليه السلم ففقأ عينه ،وعاد إلى ربه تعالى ولم يقبض روح موسى عليهما
معا السلم .من رواية البخاري.
سمَاوَاتِ
شيْءٌ َأوْ يَتُوبَ عَلَ ْيهِمْ َأوْ ُيعَذّ َبهُمْ فَإِ ّنهُمْ ظَاِلمُونَ( )128وَلِلّهِ مَا فِي ال ّ
لمْرِ َ
{لَيْسَ َلكَ مِنَ ا َ
غفُورٌ َرحِيمٌ( )129يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل
َومَا فِي الَ ْرضِ َيغْفِرُ ِلمَنْ َيشَا ُء وَ ُيعَ ّذبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ َ
ع ّدتْ لِ ْلكَافِرِينَ(
ضعَافا ُمضَاعَفَ ًة وَا ّتقُوا اللّهَ َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ( )130وَا ّتقُوا النّارَ الّتِي أُ ِ
تَ ْأكُلُوا الرّبا َأ ْ
حمُونَ(})132
)131وََأطِيعُوا اللّ َه وَالرّسُولَ َلعَّلكُمْ تُ ْر َ
شرح الكلمات:
لمْرِ} :الشأن والمراد هنا توبة ال على الكافرين أو تعذيبهم.
{ا َ
شيْءٌ} :شيء نكرة متوغلة في اليهام .وأصل الشيء :ما يعلم ويخبر به.
رَ
{َأوْ} :هنا بمعنى حتى ،أي :فاصبر حتى يتوب عليهم أو يعذبهم.
سمَاوَاتِ} :أي :مالكا وخلقا وعبيدا يتصرف كيف يشاء ويحكم كما يريد.
{وَلِلّهِ مَا فِي ال ّ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{ل تَ ْأكُلُوا الرّبا} :ل مفهوم للكل بل كل تصرف بالربا حرام سواء كان أكلً أو شربا أو لباسا.
{الرّبا : }1لغة :الزيادة ،وفي الشرع نوعان :ربا فضل وربا نسيئة ،ربا الفضل :يكون في الذهب
والفضة والبر والشعير والتمر والملح فإذا بيع الجنس بمثله يحرم الفضل أي الزيادة ويحرم
التأخير،
__________
1ربا البنوك اليوم شر من ربا الجاهلية هو :أن يبيع الرجل أخاه شيئا إلى أجل فإذا حلّ الجل
ولم يد سدادا قال له أخر وزد ،أما ربا البنوك فإنه يبيعه نقدا بنقد إلى أجل بزيادة فورية يسجلها
عليه.
( )1/374
وربا النسيئة :هو أن يكون على المرء دين إلى أجل فيحل الجل ولم يجد سدادا لدينه فيقول له
أخرني وزد في الدين.
ضعَافا ُمضَاعَفَةً} :ل مفهوم لهذا؛ لنه خرج مخرج الغالب ،إذ الدرهم الواحد حرام كاللف،
{َأ ْ
وإنما كانوا في الجاهلية يؤخرون الدين ويزيدون مقابل التأخير حتى يتضاعف الدين فيصبح
أضعافا كثيرة.
{ ُتفْلِحُونَ} :تنجون من العذاب وتظفرون بالنعيم المقيم في الجنة.
ع ّدتْ لِ ْلكَافِرِينَ} :هيئت وأحضرت للمكذبين ل ورسوله صلى ال عليه وسلم.
{أُ ِ
حمُونَ} :لترحموا فل تُعذبوا بما صدر منكم من ذنب المعصية.معنى اليات:
{َلعَّلكُمْ تُرْ َ
صح 1أن النبي صلى ال عليه وسلم كان قد دعا على أفراد من المشركين بالعذاب ،وقال يوم
أحد لما شج رأسه وكسرت رباعيته" :كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيه م؟ " فأنزل ال تعالى عليه
شيْءٌ} أي :فاصبر حتى يتوب 2ال تعالى عليهم أو يعذبهم بظلمهم
لمْرِ َ
ناَ
قوله{ :لَيْسَ َلكَ مِ َ
فإنهم ظالمون ول ما في السموات وما في الرض ملكا وخلقا يتصرف كيف يشاء ويحكم ما يريد
فإن عذب فبعدله ،وإن رحم فبفضله ،وهو الغفور لمن تاب الرحيم بمن أناب.
هذا ما تضمنته اليتان الولى( )128والثانية( )129وأما الية الثالثة( )130فإن ال تعالى نادى
عباده المؤمنين بعد أن خرجوا من الجاهلية ودخلوا في السلم بأن يتركوا أكل الربا وكل تعامل
ضعَافا}
به فقال{ :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا} أي :بال ربا وبالسلم دينا وبمحمد رسولً {ل تَ ْأكُلُوا الرّبا َأ ْ
إذ كان الرجل يكون عليه دين ويحل أجله ولم يجد ما يسدد به فيأتي إلى دائنه ويقول أخر ديني 3
وزد عليّ وهكذا للمرة الثانية والثالثة حتى يصبح الدين بعد ما كان عشرا عشرين وثلثين .وهذا
عفَةً} ،ثم أمرهم بتقواه عز وجل
ضعَافا ُمضَا َ
معنى قولهَ{ :أ ْ
__________
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
1رواه مسلم ،وهذا نص الحديث" :لما كسرت رباعية الرسول صلى اله عليه وسلم وشج في
رأسه فجعل يسلت الدم عنه ،ويقول كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم وكسروا رباعيته "سنة
شيْءٌ} الية.
المامية" وهو يدعوهم إلى ال تعالى فأنزل ال تعالى{ :لَيْسَ َلكَ مِنَ الَْأمْرِ َ
2لما نزلت الية وفيها{ :أو يتوب عليهم} وهي تحمل إطماعه صلى ال عليه وسلم في إسلمهم
قال " :اللهم اغفر لقومي فإنهم ل يعلمون" ،روى مسلم عن ابن مسعود قوله" :كأني أنظر إلى
رسول ال صلى ال عليه وسلم يحكى نبيا من النبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه
ويقول :رب اغفر لقومي فإنهم ل يعلمون".
3هذا إن كان الطالب التاجر المدين أما إن كان المطالب هو الدائن فإنه يقول له :أتقضي أم
تُربي؟.
( )1/375
وواعدهم بالفلح فقال عز وجل{ :وَا ّتقُوا اللّهَ َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ} أي :كي تفلحوا بالنجاة من العذاب
والحصول على الثواب وهو الجنة.
وفي الية الرابعة( )131أمرهم تعالى باتقاء النار التي أعدها للكافرين فهي مهيئة محضرة لهم،
واتقاؤها يكون بطاعته تعالى وطاعة رسوله صلى ال عليه وسلم فقال عز وجل{ :وَا ّتقُوا النّارَ
الّتِي أُعِ ّدتْ لِ ْلكَافِرِينَ ، }1أي :المكذبين بال ورسوله فلذا لم يعلموا بطاعتهما لن التكذيب مانع من
الطاعة ،وفي الية الخيرة( )132أمرهم تعالى بطاعته وطاعة رسوله وودعهم على ذلك بالرحمة
في الدنيا والخرة وكأنه يشير 2إلى الذين عصوا رسول ال في أحد وهم الرماة الذين تخلوا عن
مراكزهم الدفاعية فتسبب عن ذلك هزيمة المؤمنين أسوأ هزيمة فقال تعالى{ :وََأطِيعُوا اللّهَ
حمُونَ} أي :كي يرحمكم فيتوب عليكم ويغفر لكم ويدخلكم دار السلم والنعيم
وَالرّسُولَ َلعَّل ُكمْ تُرْ َ
المقيم.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1استقلل الرب تعالى بالمر كله فليس لحد من خلقه تصرف في شيء إل ما أذن فيه للعبد.
-2الظلم مستوجب للعذاب ما لم يتدارك الرب العبد بتوبة فيتوب ويغفر له ويعفو عنه.
-3حرمة أكل الربا مطلقا مضاعفا كان أو غير مضاعف.
-4بيان الجاهلية إذ هو هذا الذي نهى ال تعالى عنه بقوله{ :ل تَ ْأكُلُوا الرّبا} .
-5وجوب التقوى لمن أراد الفلح في الدنيا والخرة.
-6وجوب اتقاء النار ولو بشق تمرة .3
-7وجوب طاعة ال ورسوله للحصول على الرحمة اللهية وهي العفو والمغفرة ودخول الجنة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
__________
1في الية إشارة واضحة إلى أن مستحل الربا يكفر به ويستحق عذاب النار.
2وعليه فآية تحريم الربا هي :معترضة في سياق الحديث عن غزوة بدر وأحد وفي هذا
العتراض جماله وحسن وقعه في النفوس ،ومن فوائده دفع السآمة عن السامع ،إذا استمر الكلم
في موضوع واحد.
3حديث" :اتقوا النار ولو بشق تمرة" رواه البخاري في صحيحه ورواه غيره.
( )1/376
( )1/377
( )1/378
الول مغفرة ذنوبهم وذلك بالتوبة النصوح ،والثاني دخول الجنة التي وصفها لهم ،وقال تعالى { :
ع ّدتْ ِل ْلمُتّقِينَ} أي :أحضرت
ت وَالَرْضُ أُ ِ
سمَاوَا ُ
ضهَا 1ال ّ
وَسَارِعُوا إِلَى َمغْفِ َرةٍ مِنْ رَ ّبكُ ْم وَجَنّةٍ عَ ْر ُ
وهيئت للمتقين والمسارعة إلى الجنة هي المسارعة إلى موجبات دخولها ،وهي اليمان والعمل
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الصالح إذ بهما تزكوا الروح وتطيب فتكون أهلً لدخول الجنة.
هذا ما تضمنته الية الولى ،وأما اليتان الثانية والثالثة( )135فقد تضمنتا صفات المتقين الذين
أعدت لهم الجنة دار السلم فقوله تعالى{ :الّذِينَ يُ ْنفِقُونَ فِي السّرّا ِء وَالضّرّاءِ} هذا وصف لهم
ظمِينَ2
بكثرة النفاق في سبيل ال ،وفي كل أحايينهم من غنى وفقر وعسر ويسر ،وقوله{ :وَا ْلكَا ِ
ا ْلغَيْظَ} وصف لهم بالحلم والكرم النفسي ،وقوله{ :وَا ْلعَافِينَ عَنِ 3النّاسِ} وصف لهم بالصفح
والتجاوز عن زلت الخرين تكرما ،وفعلهم هذا إحسان ظاهر ومن هنا بشروا بحب ال تعالى
حبّ ا ْل ُمحْسِنِينَ} كما هو تشجيع على الحسان وملزمته في القول والعمل
لهم فقال تعالى{ :وَاللّهُ يُ ِ
سهُمْ َذكَرُوا اللّهَ فَاسْ َت ْغفَرُوا ِلذُنُو ِبهِمْ} وصف لهم
ظَلمُوا أَ ْنفُ َ
حشَةً َأوْ َ
وقوله{ :وَالّذِينَ ِإذَا َفعَلُوا فَا ِ
بملزمة ذكر ال وعدم الغفلة ،ولذا إذا فعلوا فاحشة ذنبا كبيرا أو ظلموا أنفسهم بذنب 4دون
الفاحش ذكروا وعيد ال تعالى ونهيه علما فعلوا ،فبادروا إلى التوبة وهي القلع عن الذنب
والندم عن الفعل والعزم على عدم العودة إليه ،واستغفار ال تعالى منه .وقوله تعالى{ :وَلَمْ ُيصِرّوا
عَلَى مَا َفعَلُوا وَ ُهمْ َيعَْلمُونَ }5وصف لهم بعدم الصرار ،أي :المواظبة على الذنب وعدم تركه
وهم يعلمون أنه ذنب ناتج عن تركهم لواجب أو فعلهم محرم ،وأما الية الرابعة( )136فقد
تضمنت بأن جزائهم على إيمانهم وتقواهم وما اتصفوا به من كمالت نفسية ،وطهارة روحية أل
وهو مغفرة ذنوبهم ،كل ذنوبهم
__________
1ذكر العرض ولم يذكر الطول لن الطول ل يدل على العرض ،أما العرض فإنه يدل على
الطول :فطول كل شيء بحسب عرضه ،وعرض السموات معناه بعرض السموات ،فلو أخذت
السموات سماء بعد سماء ،والرضون وألصقت ببعضها كان عرض الجنة كذلك ،هذا الذي عليه
أهل التفسير من السلف .قال الزهري" :أما طولها فل يعلمه إل ال".
2ورد في كظم الغيظ أحاديث منها" :ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند
الغضب" .
3ورد في فضل العفو أحاديث كثيرة منها" :من سر أن يشرف له البنيان وترفع له الدرجات
فليعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه ويصل من قطعه" .رواه الحاكم وصححه .ومنها قوله صلى
ال عليه وسلم " :ثلث أقسم عليهن :ما نقص مال من صدقة ،وما زاد ال عبدا بعفو إل عزا،
ومن تواضع ل رفعه ال" .
4في الصحيحين ،قال عثمان :أنه توضأ لهم وضوء النبي صلى ال عليه وسلم ثم قال" :سمعت
النبي صلى ال عليه وسلم يقول" :من توضأ نحو وضوئي هذا ثم ل صلى ركعتين ل يحدث فيهما
نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه" .
5أي :أن من تاب تاب ال عليه .هكذا روي عن مجاهد ول يتنافى مع ما فسرنا به الية ،وورد
"ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة" .
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/379
وجنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها ،ومدح المنان عز وجل ما جازاهم به من المغفرة
والخلود في الجنة ذات النعيم المقيم ،فقال{ :وَ ِن ْعمَ أَجْرُ ا ْلعَامِلِينَ} .
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب تعجيل التوبة وعدم التسويف فيها لقوله تعالى{ :وَسَارِعُوا} .
ع ّدتْ} .
-2سعة 1الجنة ،وأنها مخلوقة الن لقوله تعالى{ :أُ ِ
-3المتقون هم أهل الجنة وورثتها بحق.
-4فضل استمرار النفاق في سبيل ال ،ولو بالقليل.
-5فضيلة خلة كظم الغيظ بترك المبادرة إلى التشفي والنتقام.
-6فضل العفو عن الناس مطلقا مؤمنهم وكافرهم ،بارهم وفاجرهم.
-7فضيلة الستغفار وترك الصرار على المعصية للية والحديث " :ما أصر من استغفر ولو
عاد في اليوم سبعين مرة" .رواه الترمذي وأبو داود وحسنه ابن كثير.
{قَدْ خََلتْ مِنْ قَبِْلكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الَ ْرضِ فَا ْنظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ ا ْل ُمكَذّبِينَ( )137هَذَا بَيَانٌ
ظةٌ لِ ْلمُ ّتقِينَ( )138وَل َتهِنُوا وَل َتحْزَنُوا وَأَنْتُ ُم الَعَْلوْنَ إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ()139
س وَهُدىً َومَوْعِ َ
لِلنّا ِ
س وَلِ َيعَْلمَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا
س ُكمْ قَرْحٌ َفقَدْ مَسّ ا ْل َقوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِ ْلكَ الَيّامُ نُدَاوُِلهَا بَيْنَ النّا ِ
إِنْ َيمْسَ ْ
حصَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َيمْحَقَ ا ْلكَافِرِينَ(
حبّ الظّاِلمِينَ( )140وَلِ ُيمَ ّ
شهَدَا َء وَاللّهُ ل ُي ِ
وَيَتّخِذَ مِ ْن ُكمْ ُ
})141
__________
1روى أن النبي صلى ال عليه وسلم سئل ما دامت الجنة عرضها السموات والرض فأين النار؟
فأجاب قائلً" :سبحان ال فأين الليل إذا جاء النهار" .قال حيث شاء ال تعالى .قال" :وكذلك النار
تكون حيث شاء ال تعالى" .رواه البزار مرفوعا ،وما دل عليه الكتاب والسنة :أن الجنة فوق
السماء السابعة وسقفها عرش الرحمن ،وأن النار في أسفل سافلين ول منافاة بينهما أبدا.
( )1/380
شرح الكلمات:
{ َقدْ خََلتْ} :خلت :مضت.
{سُنَنٌ : }1جمع سنة ،وهي السيرة والطريقة التي يكون عليها الفرد أو الجماعة ،وسنن ال تعالى
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
في خلقه قانونه الماضي في الخلق.
{فَسِيرُوا فِي الَ ْرضِ} :المر للرشاد ،للوقوف على ديار الهالكين الغابرين لتعتبروا.
{عَاقِبَةُ ا ْل ُمكَذّبِينَ} :عاقبة أمرهم ،وهي ما حل بهم من الدمار والخسار كعاد وثمود.
{ َهذَا بَيَانٌ لِلنّاسِ} :أي :ما ذكر في اليات بيان للناس به يتبينون الهدى من الضلل وما لزمهما
من الفلح ،والخسران.
{ َو َموْعِظَةٌ} :الموعظة :الحال التي يتعظ بها المؤمن فيسلك سبيل النجاة.
{وَل َتهِنُوا} :ل تضعفوا.
{قَرْحٌ} :القرح :أثر السلح في الجسم؛ كالجرح ،وتضم القاف فيكون بمعنى اللم.
{الَيّامُ : }2جمع يوم والليالي معها ،والمراد بها ما يجريه ال من تصاريف الحياة من خير
وغيره ،وإعزاز وإذلل.
ش َهدَاءَ : }3جمع شهيد وهو المقتول في سبيل ال ،وشاهد :وهو من يشهد على غيره.
{ُ
حصَ} :ليخلص المؤمنين من أدران المخالفات وأوضار الذنوب.
{وَلِ ُيمَ ّ
حقَ} :يمحو 4ويذهب آثار الكفر والكافرين.معنى اليات:
{وَ َيمْ َ
لما حدث ما حدث من انكسار المؤمنين بسب عدم الصبر ،والطاعة اللزمة للقيادة ذكر تعالى تلك
الحداث مقرونة بفقهها لتبقى هدى موعظة للمتقين من المؤمنين وبدأها بقوله:
__________
1السنة :الطريق المستقيم ،يقال :فلن على السنة ،أي :على طريق الستواء ل يميل إلى شيء
من الهواء ،وكل من يعمل بسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم فهو على الطريق المستقيم الذي
ل يميل بصاحبه إل الهواء والمبتدعات.
2تداولها بين الناس فرح وغم وصحة وسقم وفقر وانتصار وانكسار والدولة الكرة ومنه قول
الشاعر:
فيوم لنا ويوم علينا ...ويوما نساء ويوما نسر
3سمي القتيل في سبيل ال :شهيدا؛ لنه الحاضر للجنة ومشهود له بها ،ومن فضل الشهيد أن ل
يجد من ألم القتل إل كما يجده النسان في القرحة ل غير.
4قال ابن كثير في{ :ويمحق الكافرين} أي :فإنهم إذا ظفروا بغوا وبطروا ويكون ذلك سبب
دمارهم وهلكهم ومحقهم وفنائهم.
( )1/381
{قَدْ خََلتْ مِنْ قَبِْلكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا 1فِي الَ ْرضِ فَانْظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ ا ْل ُمكَذّبِينَ} فأخبر تعالى
المؤمنين بأن سننه قد مضت فيمن قبلهم من المم كقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ،فقد أرسل ال
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تعالى إليهم رسله فكذبوهم فأمضى تعالى سننه فيهم فأهلك المكذبين وأنجى المؤمنين بعد ما نالهم
من أذى المكذبين ،وستمضي سننه اليوم كذلك ،فينجيكم وينصركم ويهلك المكذبين أعداءكم .وإن
ارتبتم فسيروا في الرض وقفوا على آثار الهالكين ،وانظروا كيف كانت عاقبتهم ،ثم قال تعالى:
هذا الذي ذكرت في هذه اليات بيان للناس يتبينون به الحق من الباطل والهدى من الضلل،
وهدى يهتدون به إلى سبيل السلم وموعظة يتعظ بها المتقون لستعدادهم بإيمانهم وتقواهم
للتعاظ فيطيعون ال ورسوله فينجون ويفلحون هذا ما تضمنته اليتان الولى( )137والثانية(
)138وأما اليتان الثالثة( )139والرابعة( )140فقد تضمنتا تعزيه الرب تعالى للمؤمنين فيما
أصابهم يوم أحد ،إذ قال تعالى مخاطبا لهم {وَل َتهِنُوا} أي :ل تضعفوا فتقعدوا عن الجهاد
والعمل ،ول تحزنوا على ما فاتكم من رجالكم{ ،وَأَنْتُمُ الَعَْلوْنَ} أي :الغالبون لعدائكم
المنتصرون عليهم ،وذلك فيما مضى وفيما هو آتٍ مستقبل بشرط إيمانكم وتقواكم واعلموا أنه إن
يمسسكم قرح بموت أو جراحات ل ينبغي أن يكون ذلك موهنا لكم قاعدا بكم عن مواصلة الجهاد
فإن عدوكم قد مسه قرح مثله ،وذلك في معركة بدر ،والحرب سجال يوم لكم ويوم عليكم وهي
ك الَيّامُ ُندَاوُِلهَا بَيْنَ النّاسِ} ،ثم بعد هذا
سنة من سنن ربكم في الحياة .هذا معنى قوله تعالى{ :وَتِ ْل َ
العزاء الكريم الحكيم ذكر تعالى لهم علة هذا الحدث الجلل ،والسر فيه وقال{ :وَلِ َيعْلَمَ اللّهُ الّذِينَ
شهَدَاءَ} أي :ليظهر بهذا الحادث المؤلم إيمان المؤمنين وفعلً فالمنافقون رجعوا
آمَنُوا وَيَتّخِذَ مِ ْنكُمْ ُ
من الطريق بزعامة رئيسهم المنافق الكبر عبد ال بن أبي بن سلول ،والمؤمنون واصلوا سيرهم
وخاضوا معركتهم فظهر إيمانكم واتخذ ال منهم شهداء ،وكانوا نحوا من سبعين شهيدا منهم أربعة
من المهاجرين وعلى رأسهم حمزة بن عبد المطلب عم رسول ال صلى ال عليه وسلم ومصعب
حصَ 3اللّهُ الّذِينَ
بن عمير 2والباقون من النصار رضي ال عنهم أجمعين .وقوله تعالى{ :وَلِ ُي َم ّ
آمَنُوا} أي :أوجد هذا الذي أوجده في أحد من جهاد وانكسار تخليصا
__________
1أي :بإقدامكم أو بأفهامكم ،وعقولكم.
2وعبد ال بن جحش ابن عمة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وعثمان بن شماس.
3اصل التمحيص :تخليص الشيء من كل عيب ،يقال :محصت الذهب؛ إذا أزلت خبثه.
( )1/382
للمؤمنين من ذنوبهم وتطهيرا لهم ليصفوا الصفاء الكامل ،ويمحق الكافرين بإذهابهم وإنهاء
وجودهم.
إن هذا الدرس نفع المؤمنين فيما بعد فلم يخرجوا من طاعة نبيهم ،وبذلك توالت انتصاراتهم حتى
أذهبوا ريح الكفر والكافرين من كل أرض 1الجزيرة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هداية اليات
من هداية اليات:
-1عاقبة المكذبين بدعوة الحق الخسار والوبال.
-2في آي القرآن الهدى والبيان والمواعظ لمن كان من أهل اليمان والتقوى.
-3أهل اليمان هم العلون في الدنيا والخرة.
-4الحياة دول وتارات فليقابلها المؤمن بالشكر والصبر.
-5الفتن تمحص الرجال ،وتودي بحياة العاجزين الجزعين.
حسِبْتُمْ أَنْ َتدْخُلُوا الْجَنّةَ وََلمّا َيعَْلمِ اللّهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِ ْنكُمْ وَ َيعْلَمَ الصّابِرِينَ( )142وََلقَدْ كُنْتُمْ
{َأمْ َ
حمّدٌ إِل رَسُولٌ قَدْ خََلتْ مِنْ
َتمَ ّنوْنَ ا ْل َموْتَ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ تَ ْل َق ْوهُ َفقَدْ رَأَيْ ُتمُو ُه وَأَنْتُمْ تَ ْنظُرُونَ(َ )143ومَا ُم َ
عقِبَيْهِ فَلَنْ َيضُرّ اللّهَ شَيْئا
عقَا ِبكُ ْم َومَنْ يَ ْنقَِلبْ عَلَى َ
سلُ َأفَإِنْ مَاتَ َأوْ قُ ِتلَ ا ْنقَلَبْتُمْ عَلَى أَ ْ
قَبْلِهِ الرّ ُ
ل َومَنْ يُرِدْ
وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ(َ )144ومَا كَانَ لِ َنفْسٍ أَنْ َتمُوتَ إِل بِإِذْنِ اللّهِ كِتَابا ُمؤَجّ ً
__________
1وخارج الجزيرة ،فالفتوحات التي فتحها أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم في الغرب
والشرق لم يفتحها غيرهم ممن جاء بعدهم من التابعين ول من غيرهم ،وهو إنجاز وعد ال تعالى
في قوله{ :وأنت ْم الَعْلَونْ} أي :الغالبون القاهرون.
( )1/383
َثوَابَ الدّنْيَا ُنؤْتِهِ مِ ْنهَا َومَنْ يُرِدْ َثوَابَ الْآخِ َرةِ ُنؤْتِهِ مِ ْنهَا وَسَنَجْزِي الشّاكِرِينَ(})145
شرح الكلمات:
حسِبْتُمْ} :بل أظننتم فل ينبغي أن تظنوا هذا الظن فالستفهام إنكاري.
{َأمْ َ
{وََلمّا َيعْلَمِ} :ولم يبتلكم بالجهاد حتى يعلم علم ظهور 1من يجاهد منكم ممن ل يجاهد كما هو
عالم به في باطن المر وخفيه.
{خََلتْ مِنْ قَبْلِهِ} :أي مضت من قبله الرسل بلغوا رسالتهم وماتوا.
{َأفَإِنْ مَاتََ 2أوْ قُ ِتلَ} :ينكر تعالى على من قال عندما أشيع أن النبي قتل":هيا بنا نرجع إلى دين
عقَا ِبكُمْ} ل على فإن مات أو قتل ،وإن دخل
قومنا" ،فالستفهام منصب على قوله { :ا ْنقَلَبْتُمْ عَلَى أَ ْ
عليها.
عقَا ِبكُمْ} :رجعتم عن السلم إلى الكفر.
{ا ْنقَلَبْتُمْ عَلَى أَ ْ
{كِتَابا ُمؤَجّلً : }3كتب تعالى آجل الناس مؤقتة يمواقيتها فل تتقدم ول تتأخر.
{ َثوَابَ الدّنْيَا} :الثواب :الجزاء على النية والعمل معا ،وثواب الدنيا الرزق وثواب الخرة الجنة.
{الشّاكِرِينَ} :الذين ثبتوا على إسلمهم فاعتبر ثباتهم شكرا ل ،وما يجزيهم به هو الجنة ذات
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
النعيم المقيم ،وذلك بعد موتهم.
__________
1أي :علم شهادة حتى يقع عليه الجزاء بحسب الظاهر المشاهد للناس.
2مات رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم الثنين في وقت دخوله المدينة مهاجرا وذلك ضحى
حين اشتد الضحاء ،ودفن يوم الثلثاء أول ليلة الربعاء ،قال أنس :لما كان اليوم الذي دخل فيه
الرسول صلى ال عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء ،ولما كان اليوم الذي مات فيه أظلم
منها كل شيء ،وما نفضنا أيدينا من دفن الرسول صلى ال عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا.
{ 3كتابا} :منصوب على المصدر ،أي :كتب ذلك كتابا ،ومؤجلً :نعت.
( )1/384
معنى اليات:
ما زال السياق متعلقا بغزوة أحد فأنكر تعالى على المؤمنين ظنهم أنهم بمجرد إيمانهم يدخلون
الجنة بدون أن يبتلوا بالجهاد والشدائد تمحيصا لهم وإظهارا للصادقين منهم في دعوى اليمان
والكاذبين فيها ،كما يظهر الصابرين الثابتين والجزعين المرتدين فقال تعالى{ :أَمْ حَسِبْ ُتمْ أَنْ َتدْخُلُوا
الْجَنّ َة وََلمّا َيعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جَا َهدُوا مِ ْنكُ ْم وَ َيعْلَمَ الصّابِرِينَ} ثم عابهم تعالى على قلة صبرهم
وانهزامهم في المعركة مذكرا إياهم بتمنيات الذين لم يحضروا وقعة بدر ،وفاتهم فيها ما حازه من
حضرها من الجر والغنيمة بأنهم إذا قُدر لهم قتال في يوم ما من اليام يبلون فيه البلء الحسن
فلما قدر تعالى ذلك لهم في وقعة أحد جزعوا وما صبروا وفروا منهزمين فقال تعالىَ { :وَلقَدْ كُنْتُمْ
َتمَ ّنوْنَ ا ْل َموْتَ 1مِنْ قَ ْبلِ أَنْ تَ ْل َق ْوهُ َفقَدْ رَأَيْ ُتمُوهُ وَأَنْ ُتمْ تَنْظُرُونَ} أي :فلما انهزمتم وما وفيتم ما
واعدتم أنفسكم به؟ هذا ما تضمنته اليتان الولى( )142والثانية( ،)143وأما الية الثالثة()144
فقد تضمنت عتابا شديدا لصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم عندما اشتدت المعركة وحمي
وطيسها واستحر القتل في المؤمنين نتيجة خلو ظهورهم من الرماة الذين كانوا يحمونهم من
ورائهم وضرب ابن قميئة –أقمأه ال -رسول ال صلى ال عليه وسلم بحجر في وجهه فشجه
وكسر رباعيته ،وأعلن أنه قتل محمدا فانكشف المسلمون وانهزموا ،وقال من قال منهم لم نقاتل
وقد مات رسول ال ،وقال بعض المنافقين نبعث إلى ابن أبي رئيس المنافقين يأتي يأخذ لنا المان
حمّدٌ 2إِل َرسُولٌ قَدْ خََلتْ مِنْ قَبْلِهِ
من أبي سفيان ،ونعود إلى دين قومنا!! فقال تعالىَ { :ومَا مُ َ
سلُ} وما دام رسولً كغيره من الرسل ،وقد مات الرسل قبله فلم ينكر موته ،أو يندهش له إذا؟
الرّ ُ
بعد تقرير هذه الحقيقة العلمية الثابتة أنكر تعالى بشدة على أولئك الذين سمعوا صرخة إبليس في
المعركة "قتل محمد" ففروا هاربين إلى المدينة ،ومنهم من أعلن ردته في صراحة وهم المنافقون،
عقِبَيْهِ فَلَنْ َيضُرّ اللّهَ شَيْئا
عقَابِكُمْ َومَنْ يَ ْنقَِلبْ عَلَى َ
فقال تعالىَ{ :أفَإِنْ مَاتَ َأوْ قُ ِتلَ ا ْنقَلَبْتُمْ عَلَى أَ ْ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ} فعاتبهم
__________
1وكان منهم من وفى بما وعد وقاتل حتى استشهد ،وهو :أنس بن النضر ،عم أنس بن مالك،
فإنه لما رأى المسلمين قد انكشوا قال" :اللهم إني أبرأ إليك مما صنع هؤلء" وباشر القتال وهو
يقول :إني لجد ريح الجنة ،ولما قتل وجد به أكثر من ثمانين ضربة وفيه نزل قول ال تعالى:
ص َدقُوا مَا عَاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ} .
{ ِرجَالٌ َ
2لما قبض صلى ال عليه وسلم قام عمر في الناس وقال" :أن الرسول لم يمت ولن يموت حتى
يقطع أيدي وأرجل أقوام" وكان في دهشة عظيمة حتى جاء أبو بكر من العوالي فدخل على رسول
ال صلى ال عليه وسلم وهو مسجي فكشف الغطاء عن وجهه وقبله بين عينيه ثم خرج فسمع ما
قال عمر فرقي المبنر وقال" :من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد ال فإن ال
سلُ} الية .فرجع عمر إلى رشده
حمّدٌ إِل رَسُولٌ قَدْ خََلتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّ ُ
حي ل يموت" وقرئَ { :ومَا ُم َ
واعترف بموت نبيه وبكاه.
( )1/385
منكرا على المنهزمين والمرتدين من المنافقين ردتهم ،وأعلمهم أن ارتداد من ارتد أو يرتد لن
يضر ال تعالى شيئا ،فال غني عن إيمانهم ونصرهم ،وأنه تعالى سيجزي الثابتين على إيمانهم
وطاعة ربهم ورسوله صلى ال عليه وسلم وسيجزيهم دنيا وآخرة بأعظم الجور وأحسن
المثوبات.
هذا ما تضمنته الية الثالثة أما الرابعة ( )145فقد تضمنت حقيقتين علميتين:
الولى :أن موت النسان متوقف حصوله على إذن ال خالقه ومالكه فل يموت أحد بدون علم ال
تعالى بذلك فلم يكن لملك الموت أن يقبض روح إنسان قبل إذن ال تعالى له بذلك ،وشي آخر
وهو أن موت كل إنسان قد ضبط تاريخ وفاته باللحظة فضلً عن اليوم والساعة ،وذلك في كتاب
1خاص ،فليس من الممكن أن يتقدم أجل إنسان أو يتأخر بحال من الحوال ،هذه حقيقة يجب أن
تعلم ،من قول ال تعالىَ { :ومَا كَانَ لِ َنفْسٍ أَنْ َتمُوتَ إِل بِإِذْنِ اللّهِ كِتَابا ُمؤَجّلً}.
والثانية :أن من دخل المعركة يقاتل باسم ال فإن كان يريد بقتاله ثواب الدنيا فال عز وجل يؤتيه
من الدنيا ما قدره له ،وليس له من ثواب الخرة شيء ،وإن كان يريد ثواب الخرة ل غير ،فال
عز وجل يعطيه في الدنيا ما كتب له ويعطيه ثواب الخرة وهو الجنة وما فيها من نعيم مقيم وأن
ال تعالى سيجزي الشاكرين بما ل عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على قلب بشر .هذه
الحقيقة التي تضمنها قوله تعالىَ { :ومَنْ يُ ِردْ َثوَابَ الدّنْيَا ُنؤْتِهِ مِ ْنهَا َومَنْ يُرِدْ َثوَابَ الْآخِ َرةِ ُنؤْتِهِ
مِ ْنهَا وَسَنَجْزِي الشّاكِرِينَ} .
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هداية اليات
من هداية اليات:
-1البتلء بالتكاليف الشرعية الصعبة منها والسهلة من ضروريات اليمان.
-2تقرير رسالة النبي محمد صلى ال عليه وسلم وبشريته المفضلة ،وموتته المؤلمة 2لكل
مؤمن .3
__________
1هو كتاب المقادير :اللوح المحفوظ.
2رثت صفية عمة رسول ال صلى ال عليه وسلم نبي ال بآيات دلت على مدى ما أصاب
المؤمنين من حزن وألم بفراق نبيهم نذكر منها ثلث أبيات ،وهي:
أفاطم صلى ال رب محمد ...على حدث أمسى بيثرب ثاويا
فدى لرسول ال أمي وخالتي ...وعمي وآبائي ونفسي وماليا
فلو أن رب الناس أبقى نبيا ...سعدنا ولكن أمره كان ماضيا
3إن قيل لم تأخر دفن النبي صلى ال عليه وسلم يومين ،وهو القائل" :عجلوا دفن جيفتكم ول
تؤخرهوها" .والجواب كان ذلك لمور :أولً :اختلفهم في المكان الذي يدفنوه فيه ،حتى أخبرهم
الصديق بأنه صلى ال عليه وسلم قال" :ما دفن نبي إل حيث يموت" .ثانيا :اختلفهم في تعيين
الخليفة للهمية
( )1/386
-3الجهاد وخوض المعارك ل يقدم أجل العبد ،والفرار من الجهاد ل يؤخره أيضا.
-4ثواب العمال موقوف على نية العاملين وحسن قصدهم.
-5فضيلة الشكر بالثبات على اليمان والطاعة ل ورسوله في المر والنهي.
ضعُفُوا َومَا
{ َوكَأَيّنْ مِنْ نَ ِبيّ قَا َتلَ َمعَهُ رِبّيّونَ كَثِيرٌ َفمَا وَهَنُوا ِلمَا َأصَا َبهُمْ فِي سَبِيلِ اللّ ِه َومَا َ
غفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي
حبّ الصّابِرِينَ(َ )146ومَا كَانَ َقوَْلهُمْ إِل أَنْ قَالُوا رَبّنَا ا ْ
اسْ َتكَانُوا وَاللّهُ ُي ِ
علَى ا ْل َقوْمِ ا ْلكَافِرِينَ( )147فَآتَاهُمُ اللّهُ َثوَابَ الدّنْيَا وَحُسْنَ َثوَابِ
َأمْرِنَا وَثَ ّبتْ َأ ْقدَامَنَا وَا ْنصُرْنَا َ
حسِنِينَ(})148
حبّ ا ْلمُ ْ
الخِ َر ِة وَاللّهُ ُي ِ
شرح الكلمات:
{ َوكَأَيّنْ 1مِنْ نَ ِبيّ} :كثير من النبياء .وتفسر :كأين بكم وتكون حينئذ للتكثير.
{رِبّيّونَ : }2ربانيون علماء وصلحاء وأتقياء عابدون.
{ َفمَا وَهَنُوا ِلمَا َأصَا َبهُمْ} :ما ضعفوا عن القتال ول انهزموا لجل ما أصابهم من قتل وجراحات.
{ َومَا اسْ َتكَانُوا} :ما خضعوا ول ذلوا لعدوهم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
السراف :مجاوزة الحد في المور ذات الحدود التي أن يوقف عندها.
{فَآتَا ُهمُ اللّهُ َثوَابَ الدّنْيَا} :أعطاهم ال تعالى ثواب الدنيا النصر والغنيمة.
{ا ْل ُمحْسِنِينَ} :الذين يحسنون نياتهم فيخلصون أعمالهم ل ،ويحسنون أعمالهم فيأتون بها موافقة لما
شرعت عليه في كيفياتها وأعدادها وأوقاتها.
__________
1قال الخليل" :وكأين أصلها ،أي :دخلت عليها كاف التشبيه ،وبنيت معها فصارت مثل :كم
للدللة على التكثير ،وفيها لغات منها :كائن ،وقرأ بها ابن كثير ،وكئن ،وقرأ بها ابن محيصن،
وكأين ،وبها قرأ الجمهور.
2في الربيين ثلث لغات :كسر الراء وضمها وفتحها ،وهم الجماعة الكثيرة .والواحد :ربي،
بكسر الراء وضمها أيضا ،وما ذكرناه في التفسير هو الحق.
( )1/387
معنى اليات:
ما زال السياق في الحديث عن أحداث غزوة أحد فذكر تعالى هنا ما هو في تمام عتابه للمؤمنين
في اليات السابقة عن عدم صبرهم وانهزامهم وتخليهم عن نبيهم في وسط المعركة وحده حتى
ناداهم :إليّ عباد ال إليّ عباد ال فثاب إليه رجال .فقال تعالى مخبرا بما يكون عظة للمؤمنين
وعبرة لهمَ { :وكَأَيّنْ مِنْ نَ ِبيّ} أي :وكم من نبي من النبياء السابقين قاتل معه جموع كثيرة من
العلماء والتقياء والصالحين فما وهنوا ،أي :ما ضعفوا ،ول ذلوا لعدوهم ول خضعوا له كما هم
بعضكم أن يفعل أيها المؤمنون ،فصبروا على القنال مع أنبيائهم متحملين آلم القتل والجرح
فأحبهم ربهم تعالى لذلك لنه يحب الصابرين.
هذا ما تضمنته الية الولى( )146ونصهاَ { :وكَأَيّنْ مِنْ نَ ِبيّ قَا َتلَ َمعَهُ رِبّيّونَ كَثِيرٌ َفمَا وَهَنُوا ِلمَا
حبّ الصّابِرِينَ} و أما الية الثانية فأخبر
ض ُعفُوا َومَا اسْ َتكَانُوا 1وَاللّهُ يُ ِ
َأصَا َبهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ َومَا َ
تعالى فيها عن موقف أولئك الربيين وحالهم أثناء الجهاد في سبيله تعالى فقالَ { :ومَا كَانَ َقوَْلهُمْ إِل
غفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا 2فِي َأمْرِنَا وَثَبّتْ َأ ْقدَامَنَا وَا ْنصُرْنَا عَلَى ا ْل َقوْمِ ا ْلكَافِرِينَ} .
أَنْ قَالُوا رَبّنَا ا ْ
ولزم هذا كأنه تعالى يقول للمؤمنين لم ل تكونوا أنتم مثلهم وتقولوا قولتهم الحسنة الكريمة وهي
الضراعة ل تعالى بدعائه واستغفاره لذنوبهم الصغيرة والكبيرة والتي كثيرا ما تكون سببا للهزائم
والنتكاسات كما حصل لكم أيها المؤمنون فلم يكن لولئك الربانيين من قول سوى قولهم :ربنا
اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ،فسألوا ال مغفرة
ذنوبهم وتثبيتهم أقدامهم في أرض المعركة حتى ل يتزلزلوا فينهزموا ،والنصرة على القوم
الكافرين أعداء ال وأعدائهم فاستجاب لهم ربهم فأعطاهم ما سألوا وهو ثواب الدنيا بالنصر
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والتمكين وحسن ثواب الخرة وهو رضوانه الذي أحله عليهم وهم في الجنة دار المتقين
حسْنََ 3ثوَابِ الخِ َرةِ
والبرار ،هذا ما دلت عليه الية الخيرة({ )148فَآتَا ُهمُ اللّهُ َثوَابَ الدّنْيَا وَ ُ
حبّ ا ْلمُحْسِنِينَ}
وَاللّهُ ُي ِ
__________
1استكان :مشتق من السكون لن الذليل العاجز يسكن لمن خضع له ،ول يتحرك ليدفع عنه
الذى وما ناله من عدوه الغالب له.
2أخرج مسلم في صحيحه عن أبي موسى الشعري رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه
وسلم كان يدعو بهذا الدعاء" :اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به
مني" وهو دعاء تواضع منه عظيم.
3في حسن الثواب والمحسنين جناس تام ،والجملة تذييلية تحمل البشرى للقوم المحسنين في
قتالهم ولقاء أعدائهم مع إحسانهم في عبادة ربهم وسواء منها القلبية والبدينة.
( )1/388
هداية اليات
من هداية اليات:
-1الترغيب في التساء 1بالصالحين في إيمانهم وجهادهم وصبرهم وحسن أقوالهم.
-2فضيلة الصبر والحسان ،يحب ال تعالى الصابرين والمحسنين.
-3فضيلة الشتغال بالذكر 2والدعاء عند المصائب والشدائد بدل التأوهات وإبداء التحسرات
والتمنيات ،وشر من ذلك التصخت والتضجر والبكاء والعويل.
-4كرم ال تعالى المتجلي في استجابة دعاء عباده الصابرين المحسنين.
عقَا ِبكُمْ فَتَ ْنقَلِبُوا خَاسِرِينَ(َ )149بلِ اللّهُ
{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الّذِينَ كَفَرُوا يَرُدّوكُمْ عَلَى أَ ْ
عبَ ِبمَا أَشْ َركُوا بِاللّهِ مَا لَمْ
َموْلكُ ْم وَ ُهوَ خَيْرُ النّاصِرِينَ( )150سَنُ ْلقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ َكفَرُوا الرّ ْ
يُنَ ّزلْ بِهِ سُ ْلطَانا َومَ ْأوَاهُمُ النّارُ وَبِئْسَ مَ ْثوَى الظّاِلمِينَ(})151
شرح الكلمات:
{إِنْ ُتطِيعُوا الّذِينَ َكفَرُوا} :المراد من طاعة الكافرين قبول قولهم والخذ باراشادتهم.
عقَابِكُمْ} :يرجعوكم إلى الكفر بعد اليمان.
{يَ ُردّوكُمْ عَلَى أَ ْ
{خَاسِرِينَ} :فاقدين لكل خير في الدنيا ،ولنفسكم وأهليكم يوم القيامة.
__________
1شاهده أن ال تعالى جعل لنا رسوله بعد أن كمله وعصمه ،جعله لنا أسوة يأتسي بفعاله وأخلقه
وأحواله المؤمنون المتقون والعالمون الصابرون.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
2شاهده ما صح عنه صلى ال عليه وسلم أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلة ،الصلة أكبر
مظهر لذكر ال تعالى ،ومن الذكر المشروع عند المصائب قول :إنا ل وإنا إليه راجعون.
( )1/389
{ َبلِ اللّهُ َموْلكُمْ} :بل أطيعوا ال ربكم ووليكم ومولكم فإنه خير من يطاع وأحق من يطاع.
عبَ} :شدة الخوف من توقع الهزيمة والمكروه.
{الرّ ْ
{ َومَ ْأوَاهُمُ} :مقر إيوائهم ونزولهم.
{مَ ْثوَى} :المثوى مكان الثوى ،وهو القامة والستقرار.
{الظّاِلمِينَ} :المشركين الذين أطاعوا غير ال تعالى وعبدوا سواه.معنى اليات:
ما زال السياق في أحداث 1غزوة أحد ،فقد روى أن بعض المنافقين لما رأى هزيمة المؤمنين في
أحد ،قال في المؤمنين ارجعوا إلى دينكم وإخوانكم ،ولو كان محمد نبيا لما قتل إلى آخر ما من
شأنه أن يقال في تلك الساعة الصعبة من القتراحات التي قد كشف عنها هذا النداء اللهي
للمؤمنين ،وهو يحذرهم من طاعة الكافرين بقوله عز وجل{ :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الّذِينَ
عقَا ِبكُمْ فَتَ ْنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} فل شك أن الكافرين قد طالبوا المؤمنين بطاعته
َكفَرُوا يَرُدّوكُمْ 2عَلَى أَ ْ
بتنفيذ بعض القتراحات التي ظاهرها النصح وباطنها الغش والخديعة ،فنهاهم ال تعالى عن
طاعتهم في ذلك وهذا النهي وإن نزل في حالة خاصة ،فإنه عام في المسلمين على مدى الحياة،
فل يحل طاعة الكافرين من أهل الكتاب وغيرهم وفي كل ما يأمرون به أو يقترحونه ،ومن
أطاعهم ردوه عن دينه إلى دينهم فينقلب :يرجع خاسرا في دنياه وآخرته ،والعياذ بال .هذا ما
تضمنته الولى( )149وأما الية الثانية( )150فقد تضمنت المر بطاعته تعالى ،إذ هو أولى بذلك
لنه ربهم ووليهم ومولهم ،فهو أحق بطاعتهم من الكافرين ،فقال تعالىَ { :بلِ اللّهُ َموْلكُمْ}3
فأطيعوه ،ول تطيعوا أعداءه وإن أردتم أن تطلبوا النصر بطاعة الكافرين فإن ال تعالى خير
الناصرين فاطلبوا النصر منه بطاعته فإنه ينصركم ،وفي الية الثالثة ( )151لما امتثل المؤمنون
أمر ربهم فلم يطيعوا
__________
1لفظ الكافرين شامل لكل ما أولت الية به من المشركين والمنافقين واليهود ،وهذا أمر ل ينكر
فإن طاعة الكافرين ل تقضي بمن أطاعهم إل إلى الخيبة والخسران في الدارين.
2وجه المناسبة هو أنه لما أمر تعالى المؤمنين بالقتداء بالصالحين من أتباع النبياء ،وذلك
بالصبر والحتساب حذرهم في هذه اليات من اتباع الكافرين وقبول ما يطلبون ويقترحونه عليه
فإنه مفضي بهم إلى الكفر أولً ثم إلى الثم والخسران ثانيا.
3قرئ بنصب اسم الجللة ،ويكون معمولً لفعل مقدر وتقديره :بل أطيعوا ال مولكم فهو أحق
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بطاعته من الكافرين والمنافقين ،وفي هذا رد على من قال ساعة الهزيمة :لو كلمنا ابن أبي يأخذ
لنا أمنا من أبي سفيان.
( )1/390
الكافرين وعدهم ربهم سبحانه وتعالى بأنه سيلقي في قلوب الكافرين الرعب 1وهو الخوف
والفزع والهلع حتى تتمكنوا من قتالهم والتغلب عليهم وذلك هو النصر المنشود منكم ،وعلل تعالى
فعله ذلك بالكافرين بأنهم أشركوا به تعالى آلهة عبدوها معه لم ينزل بعبادتها حجة ول سلطانا،
عبَ ِبمَا أَشْ َركُوا بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَ ّزلْ ِبهِ سُ ْلطَانا} وأخيرا
وقال تعالى{ :سَُن ْلقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ َكفَرُوا الرّ ْ
مأواهم النار ،أي :محل إقامتهم النار ،وذم تعالى القامة في النار فقالَ { :ومَ ْأوَاهُمُ النّا ُر وَبِئْسَ
مَ ْثوَى الظّاِلمِينَ} ،يريد النار بئس المقام للظالمين وهم المشركون .2
هداية اليات
من هداية اليات:
-1تحرم طاعة الكافرين في حال الختيار .3
-2بيان السر في تحريم طاعة الكافرين ،وهو أنه يترتب عليها الردة .والعياذ بال.
-3بيان قاعدة من طلب النصر من غير ال أذله ال.
-4وعد ال المؤمنين بنصرهم بعد إلقاء الرعب في قلوب أعدائهم ،إذ هم أبو سفيان بالعودة إلى
المدينة بعد انصرافه من أحد ليقضي عمن بقى في المدينة من الرجال ،كذا سولت له نفسه ،ثم
ألقى ال تعالى في قلبه الرعب فعدل عن الموضوع بتدبير ال تعالى.
-5بطلن كل دعوى ما لم يكن لصحابها حجة وهي المعبر عنها بالسلطان 4في الية إذ الحجة
يثبت بها الحق ويناله صاحبه بواسطتها.
عصَيْتُمْ مِنْ َب ْعدِ مَا
لمْرِ وَ َ
{وََلقَ ْد صَ َد َقكُمُ اللّ ُه وَعْ َدهُ ِإذْ َتحُسّو َنهُمْ بِإِذْ ِنهِ حَتّى ِإذَا فَشِلْ ُت ْم وَتَنَازَعْتُمْ فِي ا َ
أَرَاكُمْ
__________
1الرعب بإسكان العين وطمسها الخوف الذي يمل النفس خوفا ،لن مادة الرعب مأخوذة من
الماء ،يقال :سيل راعب يمل الوادي ،وكانت هذه الية ردا على أبي سفيان لما فكر في العودة
إلى المدينة بعد انصرافه من أحد ،إل أن ال تعالى هزمه لما ألقى في نفسه من الرعب ،فعاد إلى
مكة ،كما هي بشرى للمؤمنين متى أطاعوا ربهم وثبتهم فإنه يلقى الرعب في قلوب أعدائهم ،قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم" :نصرت بالرعب مسيرة شهر.
2لقوله تعالى{ :وَا ْلكَافِرُونَ هُمُ الظّاِلمُونَ} ،والكافرون مشركون بل شك.
3أما في حال الكراه فإن من لم يطق العذاب يرخص له في إعطائهم ما طلبوا منه على شرط
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أن يكون كارها بقلبه ساخطا في نفسه غير راضٍ عنهم ول عن صنيعهم وذلك للية{ :إِل مَنْ
طمَئِنّ بِالِيمَانِ} .
ُأكْ ِر َه َوقَلْبُهُ مُ ْ
4السلطان :الحجة لن الحق يؤخذ بالحجة ويؤخذ بالسلطان ،وهل السلطان مأخوذ من السليط،
وهو ما يضاء السراج ،وهو دهن السمسم ،وسمي الحاكم سلطانا للستضاءة به في إظهار الحق
وقمع الباطل؟ نعم ،وجائز.
( )1/391
عفَا عَ ْنكُمْ
مَا تُحِبّونَ مِ ْنكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدّنْيَا َومِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الخِ َرةَ ُث ّم صَ َر َفكُمْ عَ ْنهُمْ لِيَبْتَلِ َيكُ ْم وََلقَدْ َ
ن وَل تَ ْلوُونَ عَلَى َأحَ ٍد وَالرّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي
صعِدُو َ
ضلٍ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ( )152إِذْ ُت ْ
وَاللّهُ ذُو َف ْ
غمّا ِبغَمّ ِلكَيْل تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَا َتكُ ْم وَل مَا َأصَا َبكُ ْم وَاللّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ(})153
أُخْرَا ُكمْ فَأَثَا َبكُمْ َ
شرح الكلمات:
{صَ َد َقكُمُ اللّ ُه وَعْ َدهُ : }1أنجزكم ما وعدكم على لسان رسوله بقوله للرماة اثبتوا أماكنكم فإنا ل
نزال غالبين ما ثبتم مكانكم.
{ َتحُسّو َنهُمْ} :تقتلونهم إذ ،الحس :القتل .يقال :حسه ،إذا قتله فأبطل حسه.
{بِِإذْنِهِ} :بإذنه لكم في قتالهم وبإعانته لكم على ذلك.
{فَشِلْ ُتمْ} :ضعفتم وجبنتم عن القتال.
صعِدُونَ : }2تذهبون في الرض فارين من المعركة ،يقال :أصعد إذا ذهب في صعيد الرض.
{ ُت ْ
{وَل تَ ْلوُونَ عَلَى َأحَدٍ} :ل تلوون رؤوسكم على أحد تلتفتون إليه.
{وَالرّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي ُأخْرَاكُمْ} :أي :يناديكم من خلفكم إليّ عباد ال ارجعوا إليّ عباد ال
ارجعوا.
__________
1صدق الوعد :تحقيقه والوفاء به ،لن الصدق هو مطابقة الخبر للواقع ،وهذا الوعد كان لهم
على لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذ أخبرهم به وهو يهيئ صفوفهم للقتال.
2صعد يصعد ،إذا طلع المنبر أو سطحا ،وأصعد يصعد إصعادا ،إذا سار في بطن الرض أو
الوادي جريا على صعيد الرض فكان الصعاد إبعادا في الرض.
( )1/392
غمّا ِب َغمّ : }1جزاكم على معصيتكم وفراركم غما على غم .والغم :ألم النفس وضيق
{فَأَثَا َبكُمْ َ
الصدر.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{مَا فَا َتكُمْ} :من الغنائم.
{وَل مَا َأصَا َبكُمْ} :من الموت والجراحات واللم والتعاب.معنى اليتين:
ما زال السياق في أحداث أحد ،فقد تقدم في السياق قريبا نهى ال تعالى المؤمنين عن طاعة
الكافرين في كل ما يقترحون ،ويشيرون به عليهم .ووعدهم بأنه سيلقي الرعب في قلوب
الكافرين ،وقد فعل فله الحمد حيث عزم أبو سفيان على أن يرجع إلى المدينة ليقتل من بها
ويستأصل شأفتهم ،فأنزل ال تعالى في قلبه وقلوب أتباعه الرعب فعدلوا عن غزو المدينة مرة
ثانية ،وذهبوا إلى مكة .ورجع الرسول والمؤمنون من حمراء السد ،ولم يلقوا أبا سفيان وجيشه.
وفي هاتين اليتين يخبرهم تعالى بمنته عليهم حيث أنجزهم ما وعدهم من النصر ،فقال تعالى:
{وََلقَ ْد صَ َد َقكُمُ 2اللّهُ وَعْ َدهُ إِذْ َتحُسّو َنهُمْ بِِإذْنِهِ} ،وذلك أن الرسول صلى ال عليه وسلم لما بوأ
الرماة مقاعدهم .وكانوا ثلثين راميا وجعل عليهم عبد ال بن جبير أمرهم بأن ل يبرحوا أماكنهم
كيفما كانت الحال ،وقال لهم :إنا ل نزال غالبين ما بقيتم في أماكنكم ترمون العدو فتحمون
ظهورنا بذلك ،وفعلً دارت المعركة وأنجز ال تعالى لهم وعده ففر المشركون أمامهم تاركين كل
شيء هاربين بأنفسهم والمؤمنون يحسونهم حسا ،أي :يقتلونهم قتلً بإذن ال وتأييده لهم ،ولما رأى
الرماة هزيمة المشركين والمؤمنون يجمعون الغنائم ،قالوا :ما قيمة بقاءنا هنا ،والناس يغنمون
فهيا بنا ننزل إلى ساحة المعركة لنغنم ،فذكرهم عبد ال بن جبير قائدهم بأمر رسول ال صلى ال
عليه وسلم فتأولوه ونزلوا إلى ساحة المعركة يطلبون الغنائم ،وكان على خيل المشركين خالد بن
الوليد ،فما رأى الرماة أخلوا مراكزهم إل قليلً منهم كر بخيله عليهم فاحتل أماكنهم وقتل من بقي
فيها ،ورمى المسلمين من ظهورهم فتضعضعوا لذلك ،فعاد المشركون إليهم ووقعوا بين الرماة
الناقمين والمقاتلين الهاجئين ،قوقعت الكارثة فقتل سبعون من المؤمنين ومن
__________
1الباء قد تكون هنا للمصاحبة ،أي أصابكم غما مصحوبا بغم .والغم الول :القتل والجراح،
والثاني :الرجاف بقتل الرسول صلى ال عليه وسلم ،ول بأس أن يكون الغم الول هو الذي
أغموا به الرسول بمخالتفهم إياه وأصابهم غم الهزيمة.
2في هذه الية عود إلى التسلية على ما أصابهم وإظهار لستمرار عناية ال تعالى بهم.
( )1/393
بينهم حمزة عم الرسول صلى ال عليه وسلم ،وجرح رسول ال في وجه ،وكسرت رباعيته،
ل منهم ،وفي
وصاح الشيطان قائلً :إن محمدا قد مات ،وفر المؤمنون من ميدان المعركة إل قلي ً
لمْرِ }1يريد تنازع الرماة مع قائدهم عبد ال بن
هذا يقول تعالى{ :حَتّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ا َ
جبير ،حيث نهاهم عن ترك مقاعدهم وذكرهم بأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم فنازعوه في
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فهمه وخالفوا المر ونزلوا ،وكان ذلك بعد أن رأوا إخوانهم قد انتصروا وأعدائهم قد انهزموا ،2
عصَيْتُمْ مِنْ َبعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا ُتحِبّونَ} أي :من النصر {مِ ْنكُمْ مَنْ يُرِيدُ3
وهو معنى قوله تعالى{ :وَ َ
الدّنْيَا} وهم الذين نزلوا إلى الميدان يجمعون الغنائمَ { ،ومِ ْنكُمْ مَنْ يُرِيدُ الخِ َرةَ} وهم :عبد ال بن
جبير والذين صبروا معه في مراكزهم حتى استشهدوا فيها ،وقوله تعالى{ :ثُ ّم صَ َر َفكُمْ عَ ْن ُهمْ
لِيَبْتَلِ َيكُمْ} وذلك إخبار عن ترك القتال لما أصابهم من الضعف حينما رأوا أنفسهم محصورين بين
رماة المشركين ومقاتليهم فأصعدوا في الوادي هاربين بأنفسهم ،وحصل هذا بعلم ال تعالى
وتدبيره ،والحكمة فيه أشار إليها تعالى بقوله{ :لِيَبْتَلِ َي ُكمْ} أي :يختبركم فيرى المؤمن الصادق من
عفَا عَ ْنكُمْ} يريد أنه لو شاء يؤاخذهم
المنافق الكاذب ،والصابر من الجزع ،وقوله تعالى{ :وََلقَدْ َ
بمعصيتهم أمر رسوله ،فسلط عليهم المشركين فقتلوهم أجمعين ،ولم يبقوا منهم أحدا إذ تمكنوا
ضلٍ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} هذا ما
عفَا عَ ْنكُ ْم وَاللّهُ ذُو َف ْ
منهم تماما ولكن ال سلم .هذا معنى{ :وََلقَدْ َ
تضمنته الية الولى( ،)152أما الية الثانية( )153فهي تصور الحال التي كان عليها المؤمنون
صعِدُونَ} أي :عفا عنكم في الوقت الذي
بعد حصول النكسار والهزيمة 4فيقول تعالىِ{ :إذْ ُت ْ
فررتم في المصعدين في الودية هاربين من المعركة والرسول يدعوكم من ورائكم إليّ عباد ال
غمّا ِب َغمّ}
ارجعوا ،وأنتم فارون ل تلوون على أحد ،أي :ل تلتفتوا إليه .وقوله تعالى { :فَأَثَا َبكُمْ َ
يريد جزاكم على معصيتكم غما ،والغم :ألم النفس لضيق الصدر وصعوبة
__________
1آل في المر :نائبة عن المضاف ،إذ التقدير في أمركم وشأنكم.
2نعم انهزم المشركون في أول المعركة حتى شوهدت نسائهم عن سوقهن هاربات في أعلى
الجبل خوفا من السر ،ومن بينهم هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان.
3إرادة الدنيا وحدها غير معصية ولكن ما ترتبت عنها من ترك طاعة رسول ال صلى ال عليه
وسلم فطالب الدنيا إذا طلبها من حلها ولم يخل طلبه بواجب ولم يحمله على فعل حرام ل يأثم ول
يلم.
4لما تمت الهزيمة جلس رسول ال صلى ال عليه وسلم مع بعض أصحابه على صخرة من
سفح أحد فجاء أبو سفيان فارتفع على نشز من الرض ،وقال :أفي القوم محمد؟ فقال لهم رسول
ال صلى ال عليه وسلم" :ل تجيبوه" ثم قال :أفي القوم ابن أبي قحافة؟ فقال النبي صلى ال عليه
وسلم" :ل تجيبوه" .ثم قال :أفي القوم عمر؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم" :ل تجيبوه" .ثم
التفت إلى أصحابه وقال :أما هؤلء فقد قتلوا .فقال له عمر :كذبت يا عدوا ال ،فقد أبقى لك ال
من يخزيك به .فقال :أعل هبل .مرتين .فأجابوه بأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم قائلين .ال
أعلى وأجل .فقال :لنا العزة ول عزة لكم .فقالوا بأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم :ال مولنا
ول مولى لكم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/394
الحال ،وقولهِ { :ب َغمّ} أي :على غم ،وسبب الغم الول فوات النصر والغنيمة ،والثاني :القتل
والجراحات ،وخاصة جراحات نبيهم وإذاعة قتله صلى ال عليه وسلم.
وقوله تعالىِ{ :لكَيْل تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَا َتكُ ْم وَل مَا َأصَا َبكُمْ} أي :ما أصابكم بالغم الثاني الذي هو
خبر قتل الرسول صلى ال عليه وسلم لكي ل تحزنوا على ما فاتكم من النصر والغنيمة ،ول على
ما أصابكم من القتل والجراحات فأنساكم الغم الثاني ما غمكم به الغم الول الذي هو فوات النصر
والغنيمة .وقوله{ :وَاللّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ} يخبرهم تعالى أنه بكل ما حصل منهم من معصية
وتنازع وفرار ،وترك للنبي صلى ال عليه وسلم في المعركة وحده وانهزامهم وحزنهم خبير
مطلع عليه عليم به وسيجزي به المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته أو يعفو عنه ،وال عفو كريم.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1مخالفة القيادة الرشيدة والتنازع في حال الحرب يسبب الهزيمة 1المنكرة.
-2معصية ال ورسوله والختلفات بين أفراد المة تعقب أثارا سيئة أخفها عقوبة الدنيا بالهزائم
وذهاب الدولة والسلطان .2
-3ما من مصيبة تصيب العبد إل وعند ال ما هو أعظم منها ،فلذا يجب حمد ال تعالى على أنها
لم تكن أعظم.
-4ظاهر هزيمة أحد النقمة وباطنها النعمة ،وبيان ذلك أن علم المؤمنون أن النصر والهزيمة
يتمان حسب سنن إلهية فما أصبحوا بعد هذه الحادثة المؤلمة يغفلون تلك السنن أو يهملونها.
-5بيان حقيقة كبرى وهي أن معصية الرسول صلى ال عليه وسلم مرة واحدة وفي شيء واحد
ترتب عليها ألم وجراحات وقتل وهزائم وفوات خير كبير وكثير ،فكيف بالذين يعصون رسول ال
طوال حياتهم وفي كل أوامره ونواهيه ،وهم يضحكون ول يبكون ،وآمنون غير خائفين .3
__________
1الخلف كله شر ولكنه في ساحة الحرب أشد ،ولهذا قال تعالىِ{ :إذَا َلقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} إلى أن
حكُم} .الية من سورة النفال.
قال{ :وَل تَنَازَعُوا فَ َتفْشَلُوا وَتَذْ َهبَ رِي ُ
2شاهد هذا حال المسلمين اليوم ،وقبل اليوم أنهم بعد أن عصوا ال ورسوله بالعراض عن
شرع ال وإهمال أحكامه والتعصب للمذاهب والرضا بالنقسام والخلف حل بهم ما حل من الذل
والهون والدون.
3هذه حال أكثر المسلمين اليوم ومنذ قرون عدة ،ول حول ول قوة إل بال ،وكذا لم يبرحوا أذلء
تابعين للكافرين ل يستقلون في عمل أو تدبير.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/395
( )1/396
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حصَ} :التمحيص :التمييز وهو إظهار شيء من شيء كإظهار اليمان من النفاق ،والحب
{وَلِ ُيمَ ّ
من الكره.
{اسْتَزَّلهُمُ الشّيْطَانُ} :أوقعهم في الزلل وهو الخطيئة والتي كانت الفرار من الجهاد.
معنى اليتين:
ما زال الساق في الحديث عن غزوة أحد فأخبر تعالى في الية الولى ( )153عن أمور عظام:
الول :أنه تعالى بعد الغم الذي أصاب به المؤمنين أنزل على أهل اليقين خاصة أمنا كاملً فذهب
الخوف عنهم حتى أن أحدهم 2لينام والسيف في يده فيسقط من يده ثم يتناوله ،قال تعالى{ :ثُمّ
أَنْ َزلَ عَلَ ْيكُمْ مِنْ َبعْدِ ا ْلغَمّ َأمَنَةً ُنعَاسا َيغْشَى طَا ِئفَةً مِ ْنكُمْ} ،والثاني :أن أهل الشرك والنفاق حرمهم
ال تعالى من تلك المنة فما زال الخوف يقطع قلوبهم ،والغم يسيطر على أنفسهم وهم ل يفكرون
إل في أنفسهم كيف ينجون من الموت ،وهم المعنيون بقوله تعالى { :وَطَا ِئفَةٌ قَدْ أَ َهمّ ْتهُمْ3
حقّ ظَنّ
سهُمْ} ،والثالث :أن ال تعالى قد كشف عن سرائرهم ،فقال{ :يَظُنّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْ َ
أَ ْنفُ ُ
الْجَاهِلِيّةِ} ،والمراد من ظنهم بال غير الحق ظن المشركين أنهم يعتقدون أن السلم باطل وأن
محمدا ليس رسولً ،وأن المؤمنين سيهزمون ويموتون وينتهي السلم ومن يدعو إليه .والرابع:
شيْءٍ} هذا القول قالوه
لمْرِ مِنَْ 4
ناَ
أن ال تعالى قد كشف سرهم فقال عنهمَ { :يقُولُونَ َهلْ لَنَا مِ َ
سرا فيما بينهم ،ومعناه ليس لنا من المر من شيء
__________
1أي :ل يعاملهم معاملة المختبر لهم وليصبح ما كان غيبا ل مشاهدة لهم.
2قال أبو طلحة والزبير وأنس :غشينا النعاس حتى إن السيف ليسقط من يد أحدنا فيتناوله من
الرض.
3حدثتهم أنفسهم بما يدخل الهم عليهم ،وهو تكذيبهم بالقدر والحرص على نجاتهم وحزنهم على
ما فاتهم من الغنيمة ،وهذه كلها موجبات الهم والغم.
4هذه الجملة بدل اشتمال من جملة{ :يظنون بال غير الحق} .لن ظنهم مشتمل على قولهم:
{ َهلْ لَنا من الَمر مِنْ شَيئْ} أي :ليس لنا من المر من شيء .وهذا القول قاله :ابن أبي بما سمع
باستشهاد من استشهد من الخزرج.
( )1/397
ولو كان لنا ما خرجنا ول قاتلنا ول أصابنا الذي أصابنا فأطلعه ال تعالى على سرهم ،وقال له:
خفُونَ
رد عليهم بقولك :إن المر كله ل .ثم هتك تعالى مرة أخرى سترهم وكشف سرهم فقال{ :يُ ْ
س ِهمْ مَا ل يُ ْبدُونَ َلكَ} أي :يخفون في أنفسهم من الكفر والبغض والعداء لك ولصحابك ما
فِي أَ ْنفُ ِ
شيْءٌ مَا
لمْرِ َ
ناَ
ل يظهرونه لك .والرابع :لما تحدث المنافقون 1في سرهم ،وقالواَ{ :لوْ كَانَ لَنَا مِ َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
قُتِلْنَا هَاهُنَا} :يريدون لو كان المر بأيديهم ما خرجوا لقتال المشركين لنهم إخوانهم في الشرك
والكفر ،ولو قتلوا مع من قتل في أحد فأمر ال تعالى رسوله أن يرد عليهمُ { :قلْ َلوْ كُنْتُمْ فِي
ج ِعهِمْ} وصرعوا فيها وماتوا،
بُيُو ِتكُمْ} بالمدينة لبرز ،أي :ظهر {الّذِينَ كُ ِتبَ عَلَ ْيهِمُ ا ْلقَ ْتلُ إِلَى َمضَا ِ
لن ما قدره ال نافذ على كل حال ،ول حذر مع 2القدر ،ول بد أن يتم خروجكم إلى أحد بتدبير
ال تعالى ليبتلي ال ،أي :يمتحن ما في صدوركم ويميز ما في قلوبكم فيظهر ما كان غيبا ل
يعلمه إل هو إلى عالم المشاهدة ليعلمه ويراه على حقيقته رسوله والمؤمنون ،وهذا لعلم ال تعالى
بذات الصدور .هذا معنى قوله تعالىُ { :قلْ َلوْ كُنْ ُتمْ فِي بُيُو ِتكُمْ لَبَرَزَ الّذِينَ كُ ِتبَ عَلَ ْيهِمُ ا ْلقَتْلُ إِلَى
علِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ}.
حصَ مَا فِي قُلُو ِبكُ ْم وَاللّهُ َ
ج ِعهِ ْم وَلِيَبْتَِليَ اللّهُ مَا فِي صُدُو ِركُ ْم وَلِ ُيمَ ّ
َمضَا ِ
هذا ما تضمنته الية الولى ،أما الية الثانية( )154فقد تضمنت إخبار ال تعالى عن حقيقة واحدة
ينبغي أن تعلم وهي أن الذين فروا من المعركة لما اشتد القتال وعظم الكرب ،الشيطان هو الذي
أوقعهم في هذه الزلة ،وهي توليهم عن القتال بسبب 3بعض الذنوب كانت لهم ،ولذا عفا ال عنهم
ولم يؤاخذهم بهذه الزلة ،وذلك لن ال غفور حليم ،فلذا يمهل عبده حتى يتوب فيتوب عليه ويغفر
له ،ولو لم يكن حليما لكان يؤاخذ لول الذنب والزلة فل يمكن أحدا من التوبة والنجاة .هذا معنى
قوله تعالى{ :إِنّ الّذِينَ َتوَّلوْا مِ ْنكُمْ} أي :عن القتال ،يوم التقى الجمعان ،أي :جمع المؤمنين وجمع
الكافرين بأحد{ .إِ ّنمَا اسْتَزَّلهُمُ 4الشّ ْيطَانُ بِ َب ْعضِ مَا
__________
1تقدم آنفا أن هذا قاله :رئيس المنافقين :ابن أبي ،وقد عاد من الطريق مع ثلثمائة رجل ممن
استجاب لدعوته المثبطة عن القتال ،ول مانع أن يقوله غير واحد من المنافقين ،وهو كذلك.
2أي :بنافع ،ولكن طلب الحذر من جملة السباب المطلوب اتخاذها طاعة ل ،وال يقول{ :خُذواْ
حذْرَكم} ،وإنما لما يقع ما قدره ال تعالى ولم ينفع في رده حذر وجب الرضا به والتسليم ل في
ِ
إجراءه على مقتضى مراده ،وعليه فل أسف ول حزن ول سخط ،إذ ما قضاه ال هو الخير
والخير كله.
3في هذه الية بيان بسبب الهزيمة الخفي ،وهو مخالفة أمر الرسول صلى ال عليه وسلم حيث
تركوا مواقعهم ونزلوا لطلب الغنيمة ،والمراد إلقاء تبعة الهزيمة عليهم ،إذ هم السبب فيها.
4استزلهم :أي :أزلهم بمعنى جعلهم زالين ،والزلل :إن كان معناه :انزلق القدم وسقوط صاحبها،
فإن معناها هنا :الوقوع في الذلة التي هي الخطيئة ،والسين والتاء في استزلهم للتأكيد ،مثل:
استفاد كذا واستنشق الماء أو الهواء{ :واسْ َتغْنَى اللّه} .
( )1/398
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
غفُورٌ حَلِيمٌ} .
عفَا اللّهُ عَ ْنهُمْ} فلم يؤاخذهم {إِنّ اللّهَ َ
كَسَبُوا} { ،وََلقَدْ َ
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1إكرام ال تعالى لولياءه بالمان الذي أنزله في قلوبهم.
-2إهانة ال تعالى لعدائه بحرمانهم مما أكرم به أولياءه وهم في مكان واحد.
-3تقرير مبدأ القضاء والقدر ،وأن من كتب موته في مكان ل بد وأن يموت فيه.
-4أفعال ال تعالى ل تخلو أبدا من حكم عالية فيجب التسليم ل تعالى والرضا بأفعاله في خلقه.
-5الذنب يولد الذنب ،والسيئة تتولد عنها سيئة أخرى ،فلذا وجبت التوبة من الذنب فورا.
خوَا ِنهِمْ ِإذَا ضَرَبُوا فِي الَ ْرضِ َأوْ كَانُوا غُ ّزىً
{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َتكُونُوا كَالّذِينَ َكفَرُوا َوقَالُوا لِ ْ
حسْ َرةً فِي قُلُو ِبهِ ْم وَاللّهُ يُحْيِي وَ ُيمِيتُ وَاللّهُ ِبمَا
ج َعلَ اللّهُ ذَِلكَ َ
َلوْ كَانُوا عِ ْندَنَا مَا مَاتُوا َومَا قُتِلُوا لِ َي ْ
ج َمعُونَ(
حمَةٌ خَيْرٌ ِممّا يَ ْ
َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ( )156وَلَئِنْ قُتِلْ ُتمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ َأوْ مُتّمْ َل َمغْفِ َرةٌ مِنَ اللّ ِه وَرَ ْ
)157وَلَئِنْ مُتّمْ َأوْ قُتِلْتُ ْم لِلَى اللّهِ ُتحْشَرُونَ(})158
شرح الكلمات:
{آمَنُوا} :صدقوا ال ورسوله فيما أخبرا به من وعد ووعيد.
خوَا ِنهِمْ} :هذه أخوة العقيدة ل أخوة النسب ،وهي هنا أخوة النفاق.
{لِ ْ
{ضَرَبُوا فِي الَ ْرضِ} :ضربوا في الرض بأقدامهم مسافرين 1للتجارة غالبا.
__________
1وقد يكون السفر لمصالح المسلمين.
( )1/399
{غُ ّزىً : }1جمع غاز وهو من يخرج لقتال ونحوه من شؤون الحرب.
الحسرة : 2ألم يأخذ بخناق النفس بسبب فوت مرغوب أو فقد محبوب.معنى اليات:
ما زال السياق في أحداث غزوة أحد ونتائجها المختلفة ،ففي هذه الية( )156ينادي ال المؤمنين
الصادقين في إيمانهم بال ورسوله ووعد ال تعالى ووعيده يناديهم 3لينهاهم عن التصاف
بصفات الكافرين النفسية وهو من ذلك قول الكافرين لخوانهم في الكفر :إذ هم ضربوا في
الرض لتجارة أو لغزو فمات من مات منهم أو قتل من قتل بقضاء ال وقدره ،لو كانوا عندنا،
أي :ما فارقونا وبقوا في ديارنا ما ماتوا وما قتلوا وهذا دال على نفسية الجهل ومرض الكفر،
وحسب سنة ال تعالى فإن هذا القول منهم يتولد ،لهم عنه بإذنه تعالى غم نفسي وحسرات قلبية
تمزقهم ،وقد تودي بحياتهم ،وما درى أولئك الكفرة الجهال أن ال يحيي ويميت ،فل السفر ول
القتال يميتان ،ول القعود في البيت جبنا وخورا يحيي ،هذا معنى قوله تعالى في هذه الية{ :يَا
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
خوَا ِنهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الَرْضِ َأوْ كَانُوا غُ ّزىً َلوْ
أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َتكُونُوا كَالّذِينَ َكفَرُوا َوقَالُوا لِ ْ
حسْ َرةً فِي قُلُو ِبهِمْ وَاللّهُ يُحْيِي وَ ُيمِيتُ} وقوله تعالى
ج َعلَ اللّهُ ذَِلكَ َ
كَانُوا عِ ْندَنَا مَا مَاتُوا َومَا قُتِلُوا لِ َي ْ
في ختام هذه الية{ :وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ} في وعد للمؤمنين إن انتهوا عما نهاهم عنه في الية
ووعيد إن لم ينتهوا فيجزيهم بالخير خيرا ،وبالشر إن لم يعفوا شرا .أما الية الثانية ( )157فإن
ال تعالى يبشر عباده المؤمنين مخبرا إياهم بأنهم إن قتلوا في سبيل ال أو ماتوا فيه يغفر لهم
ويرحمهم وذلك خير مما يجمع الكفار من حطام الدنيا ذلك الجمع للحطام الذي جعلهم يجبنون على
القتال والخروج في سبيل ال فقال تعالى{ :وَلَئِنْ قُتِلْ ُتمْ 4فِي سَبِيلِ اللّهِ َأوْ مُتّمَْ 5ل َم ْغفِ َرةٌ مِنَ اللّهِ
ج َمعُونَ ، }6وفي الية الثالثة ( )158يؤكد تلك الخيرية التي تضمنتها الية
حمَةٌ خَيْرٌ ِممّا يَ ْ
وَرَ ْ
السابقة فيقول { :وَلَئِنْ مُتّمْ َأوْ قُتِلْتُمْ}
__________
1الغزو :قصد الشيء ،والمغزى :المقصد ،والمغزية :المرأة التي غزا زوجها ،والنسبة إلى
الغزو ،غزي.
2والحسرة :شدة السف على الحزن.
3في نداء ال المؤمنين بعنوان اليمان ،وهي صفة جامعة لهم فيه تلطف بعد تقريع فريق منهم،
وهم الذين تولوا عن القتال يوم التقى الجمعان.
4اللم موطئة للقسم :أي :مؤذنة بأن قبلها قسما مقدرا ،واللم{ :ال َمغْفِرة} هي في جواب القسم
الذي هو المغفرة.
5أهل الحجاز يقولون :متم بكسر الميم ،نحو :نمتم من نام ومات وغيرهم يقولون :مُتم بضم الميم
في متم ،ونمتم ،نحو :كنتم وقلتم.
جمَعون} بالتاء ،أي :أنتم أيها المؤمنون{ :ويَجمَعوُن} بالياء ،أي :الكافرون والمنافقون.
6قرئ{ :تَ ْ
( )1/400
في سبيلنا {لِلَى اللّهِ تُحْشَرُونَ }1حتما ،وثم يتم لكم جزاؤنا على استشهادكم وموتكم في سبيلنا،
ولنعم ما تجزون به في جوارنا الكريم.
هداية اليات:
-1حرمة التشبه بالكفار ظاهرا وباطنا.
-2الندم يولد الحسران والحسرة غم وكرب عظيمان ،والمؤمن يدفع ذلك بذكره القضاء والقدر
فل يأسى على ما فاته ول يفرح بما آتاه من حطام الدنيا.
-3موتة في سبيل ال خير من الدنيا وما فيها.
عفُ عَ ْنهُ ْم وَاسْ َت ْغفِرْ
حوِْلكَ فَا ْ
حمَةٍ مِنَ اللّهِ لِ ْنتَ َلهُ ْم وََلوْ كُ ْنتَ َفظّا غَلِيظَ ا ْلقَ ْلبِ ل ْن َفضّوا مِنْ َ
{فَ ِبمَا َر ْ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حبّ ا ْلمُ َتوَكّلِينَ( )159إِنْ يَ ْنصُ ْركُمُ
لمْرِ فَإِذَا عَ َز ْمتَ فَ َت َو ّكلْ عَلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ ُي ِ
َلهُ ْم وَشَاوِرْ ُهمْ فِي ا َ
خذُ ْلكُمْ َفمَنْ ذَا الّذِي يَ ْنصُ ُركُمْ مِنْ َبعْ ِد ِه وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ ا ْل ُمؤْمِنُونَ(})160
اللّهُ فَل غَاِلبَ َل ُك ْم وَإِنْ يَ ْ
شرح الكلمات:
{لِ ْنتَ َلهُمْ} :كنت رفيقا بهم ،تعاملهم بالرفق واللطف.
{ َفظّا} :خشنا في معاملتك شرسا في اختلفك وحاشاه 2صلى ال عليه وسلم.
{ل ْنفَضّوا} :تفرقوا وذهبوا تاركينك وشأنك.
عفُ عَ ْنهُمْ} :يريد إن زلوا أو أساءوا.
{فَا ْ
لمْرِ} :اطلب مشورتهم في المر ذي الهمية؛ كمسائل الحرب والسلم.
{وَشَاوِرْهُمْ فِي ا َ
__________
1فيه وعظ وعظهم ال به حيث أعلمهم أنهم سواء ماتوا حتف أنوفهم ،أو قتلوا فإن رجوعهم إلى
ال وسيجزيهم على قتالهم وموتهم في سبيل ال.
2ومن صفاته صلى ال عليه وسلم في التوراة كما في رواية البخاري أنه صلى ال عليه وسلم:
ليس بفظ ول غليظ ول صخاب في السواق .والغليظ القلب :من قلت شفقته وعزت رحمته ،كما
قال الشاعر:
يبكى علينا ول نبكي على أحد ...
لنحن أغلظ أكبادا من البل
( )1/401
معنى اليتين:
ما زال السياق في الداب و النتائج المترتبة على غزوة أحد ،ففي هذه الية( )119يخبر تعالى
ح َمةٍ مِنَ اللّهِ} أي:
عما وهب رسوله من الكمال الخلقي الذي هو قوام المر فيقول{ :فَ ِبمَا 1رَ ْ
فبرحمة من عندنا رحمناهم بها لنت 2لهم{ ،وََلوْ كُ ْنتَ َفظّا} أي :قاسيا جافا جافيا قاسي القلب
حوِْلكَ} أي :تفرقوا عنك ،وحرموا بذلك سعادة الدارين .وبناء على هذا
غليظة {ل ْن َفضّوا مِنَْ 3
فاعف 4عن مسيئهم ،واستغفر لمذنبهم ،و شاور ذي الرأي منهم ،وإذا بدا لك رأي راجح
المصلحة فاعزم على تنفيذه متوكلً على ربك فإنه يحب المتوكلين ،والتوكل :القدام على فعل ما
أمر ال تعالى به أو أذن فيه بعد إحضار السباب الضرورية له .وعدم التفكير فيما يترتب عليه
بل يفوض أمر النتائج إليه تعالى.
هذا ما تضمنته الية الولى ،أما الية الثانية( )160فقد تضمنت حقيقة كبرى يجب العلم بها
والعمل دائما بمقتضاها ،وهي أن النصر بيد ال ،والخذلن كذلك فل يطلب نصر إل منه تعالى،
ول يرهب خذلن إل منه عز وجل ،وطلب نصره هو إنفاذ أمره بعد إعداد السباب اللزمة له،
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وتحاشي خذلنه تعالى يكون بطاعته والتوكل عليه هذا ما دل عليه قوله تعالى في هذه الية{ :إِنْ
خذُ ْلكُمْ َفمَنْ ذَا الّذِي يَ ْنصُ ُركُمْ مِنْ َبعْ ِد ِه وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ
يَ ْنصُ ْركُمُ اللّهُ فَل غَاِلبَ َلكُ ْم وَإِنْ يَ ْ
ا ْل ُم ْؤمِنُونَ}.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1كمال رسول ال صلى ال عليه وسلم الخلقي.
-2فضل الصحابة رضوان ال عليهم وكرامتهم على ربهم سحانه وتعالى.
-3تقرير مبدأ المشورة بين 5الحاكم وأهل الحل والعقد في المة.
__________
1الميم :صلة ،أي مزيدة لتوكيد الكلم وتقويته ،نحو :قوله تعالى{ :فَبِما َن ْقضِهمْ ميِثَاقهمْ} ،وقوله:
عمّا قَلِيلٍ لَ ُيصْبِحُنّ نَا ِدمِينَ} وجند ما هنالك.
{َ
2وذلك لنه صلى ال عليه وسلم لم يعنف الذين تولوا يوم أحد بل رفق بهم .فأخبر تعالى أن ذلك
كان بتوفيق منه عز وجل لرسوله.
3قيل :يمنعهم الحياء والحتشام والهيبة من القرب منك بعد ما كان من توليهم ،وهذا شأن
أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم.
4هذا الترتيب مقصود فأولً :يعفو عنهم لما كان بينه وبينهم .وثانيا :يتستغفر ال لهم لم كان بينهم
وبين ربهم من تبعات .وبعد هذا العداد يصبحون أهلً للمشورة فيشاورهم.
5الستشارة مأخوذة من شرت الدابة ،إذا علمت خبرها كجري ونحوه ،ويقال للموضع الذي
تركض فيه المشوار ،قال ابن عطية :والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الحكام .من ل
يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب .وقد قيل :ما ندم من استشار ومن أعجب برأيه ضل.
وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم " :ما ندم من استشار ول خاب من استخار ول عال من
اقتصد" .
( )1/402
( )1/403
( )1/404
أهل الرضوان ،وأصحاب السخط متفاوتون في درجاتهم 1عند ال ,بحسب أثر أعمالهم في
نفوسهم قوة وضعفا فقال{ :هُمْ دَ َرجَاتٌ عِ ْندَ اللّ ِه وَاللّهُ َبصِيرٌ ِبمَا َي ْعمَلُونَ} ،فدل ذلك على عدالة
العليم الحكيم .هذا ما دلت الية( ،)163أما الية الخيرة( )164فقد تضمنت امتنان ال تعالى على
المؤمنين من العرب ببعثه رسوله فيهم ،يتلو عليهم آيات ال ويدعوهم إليه فيؤمنون ويكملون في
إيمانهم ويزكيهم من أوضار الشرك وظلمة الكفر بما يهديهم به ،ويدعوهم إليه من اليمان وصالح
العمال وفاضل الخلق وسامي الداب ،ويعلمهم الكتاب المتضمن للشرائع والهدايات والحكمة
التي هي فهم أسرار الكتاب ،والسنة ،وتتجلي هذه النعمة أكثر لمن يذكر حال العرب في جاهليتهم
قبل هذه النعمة العظيمة عليهم ،هذا معنى قوله تعالى في الية الخيرةَ{ :لقَدْ مَنّ 2اللّهُ عَلَى
ح ْكمَ َة وَإِنْ
سهِمْ 3يَتْلُو عَلَ ْي ِهمْ آيَا ِت ِه وَيُ َزكّيهِمْ وَ ُيعَّلمُهُمُ ا ْلكِتَابَ وَا ْل ِ
ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ِإذْ َب َعثَ فِيهِمْ رَسُولً مِنْ أَ ْنفُ ِ
كَانُوا مِنْ قَ ْبلُ َلفِي ضَللٍ مُبِينٍ} .
هداية اليات
من هداية اليات:
-1تحريم 4الغلول ،وأنه من كبائر الذنوب .5
-2طلب رضوان ال واجب ،وتجنب سخطه واجب كذلك ،والول يكون باليمان وصالح
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
العمال والثاني يكون بترك الشرك والمعاصي.
-3السلم أكبر نعمة وأجلها على المسلمين فيجب شكرها بالعمل به والتقيد بشرائعه وأحكامه.
-4فضل العلم بالكتاب والسنة.
__________
1المشهور :أن أهل النار في دركات متوافتة كما أن أهل الجنة في درجات متوافتة ،فالدرجة :ما
أريد بها الرتفاع ،والدركة :ما أريد بها السفول والهبوط.
2من هنا :بمعنى أسدى النعمة للمؤمنين ،ببعثة الرسول فيهم ،وليس هو من المن المذموم الذي
هو تعداد النعمة إلى أن ال تعالى له أن يمن وهو أمن من كل من ،من وأعطى.
3قالت أم المؤمنين عائشة رضي ال عنها :هذه للعرب خاصة :إذ فهمت من كلمة{ :مِنْ أَنْفسهم}
إنها تعنى من جنسهم العربي ،وبعضهم يرى العموم فيها لكل مؤمن ومؤمنة وهو كذلك ،إذ هو
بشر مثلهم.
4شاهده قوله صلى ال عليه وسلم في الذي غل الشملة يوم خييبر" :والذي نفسي بيده إن الشملة
التي أخذ يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم تشتعل عليها نارا" .ولما سمع هذا الوعيد أحد
الصحاب جاء بشراك أو شراكين إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم .فقال رسول ال صلى ال
عليه وسلم" :شراك أو شراكين من نار" رواه مالك في الموطأ.
5الجماع على أن الغال ل تقطع يده ولكن يعذر ،والغلول ل يكون إل في الغنائم وسمى الرسول
ل ويفضحون بها يوم القيامة ،لحديث مسلم في قصة ابن
صلى ال عليه وسلم هدايا العمال غلو ً
اللتبية.
( )1/405
شيْءٍ
سكُمْ إِنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ
{َأوََلمّا َأصَابَ ْتكُمْ ُمصِيبَةٌ َقدْ َأصَبْتُمْ مِثْلَ ْيهَا قُلْ ُتمْ أَنّى هَذَا ُقلْ ُهوَ مِنْ عِ ْندِ أَ ْنفُ ِ
ج ْمعَانِ فَبِِإذْنِ اللّهِ وَلِ َيعْلَمَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ( )166وَلِ َيعْلَمَ الّذِينَ نَا َفقُوا
قَدِيرٌ(َ )165ومَا َأصَا َبكُمْ َيوْمَ الْ َتقَى ا ْل َ
َوقِيلَ َلهُمْ َتعَاَلوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ َأوِ ا ْد َفعُوا قَالُوا َلوْ َنعْلَمُ قِتَالً لَاتّ َبعْنَاكُمْ هُمْ لِ ْل ُكفْرِ َي ْومَئِذٍ َأقْ َربُ
مِ ْنهُمْ لِلِيمَانِ َيقُولُونَ بَِأ ْفوَا ِههِمْ مَا لَ ْيسَ فِي قُلُو ِبهِمْ وَاللّهُ أَعَْلمُ ِبمَا َيكْ ُتمُونَ( )167الّذِينَ قَالُوا
سكُمُ ا ْل َموْتَ إِنْ كُنْ ُت ْم صَا ِدقِينَ(})168
خوَا ِنهِ ْم َو َقعَدُوا َلوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ُقلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَ ْنفُ ِ
لِ ْ
شرح الكلمات:
المصيبة :إحدى المصائب :ما يصيب النسان من سوء وأسوأها مصيبة الموت.
{مِثْلَ ْيهَا} :ضعفيها إذ قتلوا في بدر سبعين من المشركين وأسروا 1سبعين.
{أَنّى َهذَا} :أي :من أين أتانا الذي أتانا من القتل والهزيمة.
{فَبِإِذْنِ اللّهِ} :أي :بإرادته تعالى وتقديره يربط المسببات بأسبابها.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{نَا َفقُوا} :أظهروا من اليمان مال يبطنون من الكفر.
{َأوِ ا ْد َفعُوا} :أي :ادفعوا العدو عن دياركم وأهليكم وأولدكم ،إن لم تريدوا ثواب الخرة.
{فَادْ َرأُوا} :أي :ادفعوا
{إِنْ كُنْ ُت ْم صَا ِدقِينَ} :في دفع المكروه بالحذر.
__________
1اعتبر السير قتيلً؛ لن السر له يملك قتله متى شاء ،فلذا قال تعالىَ { :قدْ َأصَبْتُمْ مِثْلَ ْيهَا} .
( )1/406
معنى اليات:
ما زال السياق الكريم في أحدث غزوة أحد ففي الية الولى :ينكر ال تعالى على المؤمنين قولهم
بعد أن أصابتهم مصيبة القتل والجراحات والهزيمة{ :أَنّى 1هَذَا} أي :من أي وجه جاءت هذه
المصيبة ونحن مسلمون ونقاتل في سبيل ال ومع رسوله؟ فقال تعالىَ{ :أوََلمّا َ 2أصَابَ ْتكُمْ ُمصِيبَةٌ}
بأحد قد أصبتم مثليها ببدر ،لن ما قتل من المؤمنين بأحد كان سبعين ،وما قتل المشركين ببدر
كان سبعين قتيلً وسبعين أسيرا ،وأمر رسوله صلى ال عليه و سلم أن يحييهم :قل هو من عند
أنفسكم ،وذلك بمعصيتكم لرسول ال خالف الرماة أمره ،وبعدم صبركم إذ فررتم من المعركة
شيْءٍ َقدِيرٌ} إشعار بأن ال تعالى أصابهم بما أصابهم به
تاركين القتال .وقوله{ :إِنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ
عقوبة لهم حيث لم يطيعوا رسوله ولم يصبروا على قتال أعدائه .هذا ما تضمنته الية الولى(
ج ْمعَانِ فَبِإِذْنِ اللّ ِه وَلِ َيعْلَمَ
،)165أما اليات الثلث بعدها فقوله تعالىَ { :ومَا َأصَا َبكُمْ َيوْمَ الْ َتقَى الْ َ
ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} يخبر تعالى المؤمنين أن ما أصابهم يوم أحد عند التقاء جمع المؤمنين وجمع المشركين
في ساحة المعركة كان بقضاء ال وتدبيره ،وعلته إظهار المؤمنين على صورتهم الباطنية الحقة
وأنهم صادقون في إيمانهم ،ولذا قال تعالى :وليعلم المؤمنين علم انكشاف وظهور كما هو معلوم
له في الغيب وباطن المور هذا أولً ،وثانيا :ليعلم الذين نافقوا فأظهروا اليمان والولء ل
ولرسوله والمؤمنين ثم أبطنوا الكفر والعداء ل ورسوله والمؤمنين ،فقال عنهم في اليتين الثالثة(
)167والرابعة({ )168وَلِ َيعْلَمَ الّذِينَ نَا َفقُوا} وهم عبد ال إبي بن سلول رئيس المنافقين وعصابته
الذين رجعوا من الطريق قبل الوصول إلى ساحة المعركة ،وقد قال عبد ال بن حرام والد جابر
تعالوا قاتلوا في سبيل ال رجاء ثواب الخرة ،وإن لم تريدوا ثواب الخرة فادفعوا عن أنفسكم
وأهليكم معرة جيش غاز يريد قتلكم إذ وقوفكم معنا يكثر سوادنا ويدفع عنا خطر العدو الداهم.
فأجابوا قائلين :لو نعلم قتالً سيتم لتبعناكم ،فأخبر تعالى عنهم بأنهم في هذه الحالُ { :همْ لِ ْل ُكفْرِ
َي ْومَئِذٍ َأقْ َربُ مِ ْنهُمْ لِلِيمَانِ} إذ يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم{ ،وَاللّهُ أَعْلَمُ ِبمَا َيكْ ُتمُونَ} حتى
من أنفسهم يعلم أنهم يكتمون عداوة ال ورسوله والمؤمنين وإرادة السوء بالمؤمنين ،وأن قلوبهم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
__________
1أنى :هذه جملة اسمية ،فإني بمعنى أي وهو الخبر مقدم ،وهذا مبتدأ مؤخر.
2الستفهام هنا للنكار والتعجب لن قولهم{ :أَنْى هَذا} مما ينكر ويتعجب منه ،وذلك أن سبب
المصيبة غير خاف ول غامض فهو ظاهر مكشوف وهو عصيانهم للقيادة بمخالفة أمرهم ،ولما:
اسم زمان مضمن معنى الشرط ،و قلتم :هو الجزاء.
( )1/407
مع الكافرين الغازين .ثم أخبر تعالى عنهم أنهم قعدوا عن الجهاد في أحد وقالوا لخوانهم في
النفاق –وهم في مجالسهم الخاصة :-لو أنهم قعدوا فلم يخرجوا كما لم نخرج نحن ما قتلوا .فأمر
ال تعالى رسوله أن يرد عليهم قائلً{ :فَادْرَأُوا} أي :ادفعوا 1عن أنفسكم الموت إذا حضر أجلكم
إن كنتم صادقين في دعواكم أنهم لو قعدوا ما قتلوا.
من هداية اليات:
-1المصائب 2ثمرة الذنوب.
-2كل الحداث التي تتم في العالم سبق بها علم ال ،ول تحدث إل بإذنه.
-3قد يقول المرء قولً أو يظن ظنا يصبح به على حافة هاوية الكفر.
-4الحذر ل يدفع 3القدر.
{وَل تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ َأ ْموَاتا َبلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَ ّبهِمْ يُرْ َزقُونَ( )169فَرِحِينَ ِبمَا آتَاهُمُ
خ ْوفٌ عَلَ ْيهِ ْم وَل هُمْ يَحْزَنُونَ (
حقُوا ِبهِمْ مِنْ خَ ْل ِفهِمْ أَل َ
اللّهُ مِنْ َفضِْل ِه وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالّذِينَ لَمْ يَ ْل َ
ل وَأَنّ اللّهَ ل ُيضِيعُ أَجْرَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ(})171
َ )170يسْتَبْشِرُونَ بِ ِن ْعمَةٍ مِنَ اللّ ِه َو َفضْ ٍ
شرح الكلمات:
{وَل تَحْسَبَنّ} :ول تظنن.
{قُتِلُوا} :استشهدوا.
{َأحْيَاءٌ} :يحسون ويتنعمون في نعيم الجنة بالطعام والشراب.
__________
1هذا رد على ابن أبي كبير المنافقين ،وسيدهم الذي قال :لو أطاعونا ما قتلوا.
2قال تعالى من سورة الشورىَ { :ومَا َأصَا َبكُمْ مِنْ ُمصِيبَةٍ فَ ِبمَا كَسَ َبتْ أَ ْيدِيكُمْ} أي :من الذنوب
والمعاصي.
3ومع أنه ل يدفع القدر فإن استعماله واجب لقوله تعالى{ :خُذوا حِذْرَكم} .
( )1/408
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{فَ ِرحِينَ} :مسرورين.
خ ْوفٌ عَلَ ْيهِمْ} :لما وجدوا من المن التام عند ربهم.
{أَل َ
{وَل هُمْ َيحْزَنُونَ} :على ما خلفوا وراءهم في الدنيا لما نالهم من كرامة في الجنة.
{يَسْتَ ْبشِرُونَ} :يفرحون.
ضلٍ} :وزيادة .
{ َو َف ْ
معنى اليات:
حسَبَنّ
ما زال السياق في الحديث عن غزوة أحد فقال تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم{ :وَل تَ ْ
}1أي :ل تظنن الذين استشهدوا من المؤمنين في أحد وغيرها أمواتا ل يحسون ول يتنعمون
بطيب الرزق ولذيذ العيش بل هم أحياء عند ربهم يرزقون أرواحهم في حواصل طير خضر
يأكلون من ثمار الجنة ويأوون إلى قناديل معلقة بالعرش .إنهم فرحون بما أكرمهم 2ال تعالى به،
ويستبشرون بإخوانهم المؤمنين الذين خلفوهم في الدنيا على اليمان والجهاد بأنهم إذا لحقوا بهم لم
يخافوا ولم يحزنوا لجل ما يصيرون إليه من نعيم الجنة وكرامة ال تعالى لهم فيها .إن الشهداء
جميعا مستبشرون فرحون بما ينعم 3ال عليهم ويزيدهم وبأنه تعالى ل يضيع أجر المؤمنين
شهداء وغير شهداء بل يوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1الشهداء أحياء والمؤمنون أحياء في الجنة غير أن حياة الشهداء أكمل.
-2الشهداء 4يستبشرون بالمؤمنين الذين خلفوهم على اليمان والجهاد بأنهم إذا لحقوا بهم نالهم
من الكرامة والنعيم ما نالهم هم قبلهم.
__________
1روى أبي داود بسند صحيح عن ابن عباس قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :لما
أصيب إخوانكم بأحد جعل ال أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها
وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش ،فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقامهم
قالوا :من يبلغ إخواننا عنا ،إنا أحياء في الجنة نرزق لئل يزهدوا في الجهاد ول ينقلوا عند
الحرب ،فقال ال سبحانه :أنا أبلغهم عنكم ،فأنزل ال { :ول تحسبن} " .الية.
2مما ورد في فضل الشهيد :أن ال تعالى يغفر له كل ذنب أذنبه إل الدين ،لقوله صلى ال عليه
وسلم" :القتيل في سبيل ال يكفر كل شيء إل الدين ،كذلك قال لي جبريل عليه السلم آنفا" .قال
العلماء :الدين يشمل كل الحقوق المتعلقة بالذمة.
3روى الترمذي وصححه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :للشهيد عند ال ست خصال .يغفر
له في دفعه ،ويرى مقعده من الجنة ،ويجار من عذاب القبر ،ويأمن من الفرع الكبر ،ويوضع
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
على رأسه تاج الوقار ،الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ،ويزوج اثنتي وسبعين زوجة من
الحور العين ،ويشفع في سبعين من أقاربه" .
4الجماع على أن شهيد المعركة بين الكفار والمسلمين :أنه ل يغسل ول يصلى عليه لحديث
البخاري" :وادفنوهم بدمائهم" يعنى شهداء أحد ول يغسلهم ,والعلة في عدم غسلهم :أن دمائهم يوم
القيامة كريح المسك.
( )1/409
( )1/410
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
معنى اليات:
ما زال السياق في أحداث غزوة أحد وما لبسها من أمور وأحوال واليات الربع كلها في
المؤمنين الذين حضروا غزوة أحد يوم السبت وخرجوا في طلب أبي سفيان يوم الحد وعلى
رأسهم نبيهم محمد صلى ال عليه وسلم ،وذلك أن النبي صلى ال عليه وسلم رأى أن يرفع
معنويات أصحابه الذين كلموا وهزموا يوم السبت بأحد ،وأن يرهب أعداءه فأمر مؤذنا يؤذن
بالخروج في طلب أبي سفيان وجيشه ،فاستجاب المؤمنون وخرجوا وإن منهم للمكلوم والمجروح،
وإن أخوين جريحين كان أحدهما يحمل أخاه على ظهره فإذا تعب و ضعه فمشى قليلً ،ثم حمله
حتى انتهى رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه إلى حمراء السد ،وألقى ال تعالى الرعب
في قلب أبي سفيان فارتحل هاربا إلى مكة ،وقد حدث هنا أن معبدا الخزاعي 1مر بمعسكر أبي
سفيان فسأله عن الرسول فأخبره أنه خرج في طلبكم وخرج معه جيش كبير وكلهم تغيظ عليكم،
أنصح لك أن ترحل فهرب برجاله خوفا من رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه ،فأقام
الرسول صلى ال عليه وسلم بحمراء السد برجاله كذا ليلة ثم عادوا لم يمسسهم سوء وفيهم نزلت
هذه اليات الربع وهذا نصها:
الية({ )172الّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلّ ِه وَالرّسُولِ مِنْ َبعْدِ مَا َأصَا َبهُمُ ا ْلقَرْحُ} يريد في أحد واستجابوا :لبوا
نداء الرسول صلى ال عليه وسلم وخرجوا معه في ملحقة أبي سفيان{ ،لِلّذِينَ َأحْسَنُوا مِ ْنهُ ْم وَا ّت َقوْا
عظِيمٌ} ولكل من أحسن واتقى أجر عظيم ،إل وهو الجنة الية الثانية({ )173الّذِينَ قَالَ َل ُهمُ
أَجْرٌ َ
شوْ ُهمْ} .المراد من الناس القائلين هم :نفر من عبد القيس
ج َمعُوا َلكُمْ فَاخْ َ
النّاسُ إِنّ النّاسََ 2قدْ َ
مروا بأبي سفيان وهو عازم على العودة إلى المدينة لتصفية المؤمنين بها في نظره فقال له أبو
سفيان أخبر محمدا وأصحابه أني ندمت على تركهم أحياء بعدما انتصرت عليهم وإني جامع
جيوشي وقادم عليهم ،والمراد من الناس الذين جمعوا هم :أبو سفيان ،فلما بلغ هذا الخبر الرسول
صلى ال عليه وسلم وأصحابه زادهم 3إيمانا فوق إيمانهم بنصر ال تعالى ووليته لهم ،وقالوا:
حسبنا ال ،أي :يكفينا ال شرهم ،ونعم الوكيل الذي يكفينا ما أهمنا
__________
1لن خزاعة كانت حلفاء لرسول ال صلى ال عليه وسلم ،وعيبت نصحه ،أي :موضع سره.
2روى البخاري عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى{ :الذيِنَ قَاَل َلهْم النَاس} إلى{ :وَ ِن ْعمَ
الوَكيِل} قالها إبراهيم الخليل عليه السلم حين ألقي في النار ،وقالها محمد صلى ال عليه وسلم
ج َمعُوا َلكُمْ} .
حين قال لهم الناس{ :إِنّ النّاسَ َقدْ َ
ج َمعُوا َلكُمْ} وهل اليمان يزيد وينقص:
3الذي زادهم إيمانا :هو قول الناس{ :إِنّ النّاسَ َقدْ َ
الخلف قديم في هذه القضية ،والقول الذي تشهد له نصوص الكتاب والسنة ،هو :أن اليمان
يقوى ويضعف ،فإذا قوي زاد عمل المؤمن في الطاعات بفعل الحسنات وترك السيئات ،وإذا
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ضعف قل عمله الصالح وزاد عمله الطالح ،فيستدل على اليمان قوة وضعفا بمتعلقه وهو الطاعة
والمعصية.
( )1/411
ونفوض أمرنا إلى ال .الية الثالثة({ )174فَا ْنقَلَبُوا} أي :رجعوا من حمراء السد؛ لن أبا سفيان
ألقى ال الرعب في قلبه فانهزم وهرب ،رجعوا مع نبيهم سالمين في نعمة اليمان والسلم
سهُمْ سُوءٌ} أي :أذى{ ،وَاتّ َبعُوا
ضلٍ} حيث أصابوا تجارة في طريق عودتهم {لَمْ َي ْمسَ ْ
والنصرَ { ،و َف ْ
ضوَانَ اللّهِ} بالستجابة لما دعاهم ال ورسوله وهو الخروج في سبيل ال لملحقة أبي سفيان
ِر ْ
ضلٍ عَظِيمٍ} وما أفاضه على رسوله كاف في التدليل عليه الية
وجيشه .وقوله تعالى{ :وَاللّهُ ذُو َف ْ
خ ّوفُ َأوْلِيَا َءهُ 1فَل تَخَافُو ُه ْم وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ} ،وذلك
الرابعة({ )175إِ ّنمَا ذَِلكُمُ الشّيْطَانُ ُي َ
أن وفد عبد القيس آجره أبو سفيان بكذا حمل من زبيب إن هو خوف المؤمنين منه فبعثه كأنه
"طابور" يخذل له المؤمنين إل أن المؤمنين عرفوا أنها مكيدةَ { ،وقَالُوا حَسْبُنَا اللّ ُه وَ ِنعْمَ ا ْل َوكِيلُ} ،
فنزلت الية{ :إِ ّنمَا ذَِلكُمُ الشّيْطَانُ} الناطق على لسان النفر من عبد القيس يخوف المؤمنين من
أوليائه أبي سفيان وجمعه ،فل تخافوهم فنهاهم عن الخوف منهم وأمرهم أن يخافوه 2تعالى ،فل
يجبنوا ويخرجوا إلى قتال أبي سفيان وكذلك فعلوا لنهم المؤمنون بحق رضي ال عنهم أجمعين.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1فضل الحسان والتقوى وأنهما مفتاح كل خير.
-2فضل أصحاب رسول ال على غيرهم ،وكرامتهم على ربهم.
-3فضل كلمة{ :حَسْبُنَا اللّ ُه وَ ِنعْمَ ا ْل َوكِيلُ ، }3قالها رسول ال وقالها إبراهيم من قبل فصلى ال
عليهما وسلم.
-4بيان أن الشيطان يخوف 4المؤمنين من أوليائه ،فعلى المؤمنين أن ل يخافوا غير ربهم تعالى
في الحياة ،فيطيعونه ويعبدونه ويتوكلون عليه ،وهو حسبهم ونعم الوكيل لهم.
__________
1معنى يخوف أولياءه :أنه يخوف المؤمنين بأولياءه ،وهم المشركون ،وذلك على لسان نعيم ابن
مسعود الذي أجره أبو سفيان ليخوف المؤمنين بعزم أبي سفيان على الكر عليهم لستئصالهم
وإبادتهم.
2الخوف من ال تعالى أمر ال به ،وهو واجب على كل مؤمن ،وحقيقته :أن يترك العبد ما
يخاف أن يعذب عليه ،وقيل :الخائف الذي يبكي ويمسح عينيه ،وإنما من يترك ما يخاف أن يعذب
به.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
3الوكيل :فعيل ،بمعنى :مفعول ،أي :الموكول إليه المر.
4الشيطان :يكون من الجن ومن النس ،فإن كان من الجن فتخويفه يكون بواسطة الواسوس،
وإن كان من شياطين النس فتخويفه يكون بالكلم الشفوي الذي ظاهره النصح ،وباطنه الخداع
والغش.
( )1/412
حظّا فِي
ج َعلَ َل ُهمْ َ
{وَل يَحْزُ ْنكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ا ْل ُكفْرِ إِ ّن ُهمْ لَنْ َيضُرّوا اللّهَ شَيْئا يُرِيدُ اللّهُ أَل َي ْ
عظِيمٌ( )176إِنّ الّذِينَ اشْتَ َروُا ا ْل ُكفْرَ بِالِيمَانِ لَنْ َيضُرّوا اللّهَ شَيْئا وََلهُمْ عَذَابٌ
عذَابٌ َ
الخِ َر ِة وََلهُمْ َ
سهِمْ إِ ّنمَا ُنمْلِي َلهُمْ لِيَ ْزدَادُوا إِثْما وََلهُمْ
أَلِيمٌ( )177وَل َيحْسَبَنّ الّذِينَ َكفَرُوا أَ ّنمَا ُنمْلِي َلهُمْ خَيْ ٌر لَ ْنفُ ِ
عَذَابٌ ُمهِينٌ(})178
شرح الكلمات:
الحزن :غم يصيب النفس لرؤية أو سماع ما يسوءه ويكرهه.
{ا ْل ُكفْرِ} :الكفر :تكذيب ال تعالى ورسوله فيما جاء به الرسول وأخبر به.
{يُسَارِعُونَ} :يبادرون.
{حَظّا} :نصيبا.
{اشْتَ َروُا ا ْلكُفْرَ} :اعتاضوا الكفر عن اليمان.
{ ُنمْلِي َلهُمْ} :الملء :المهال والرخاء بعدم البطش وترك الضرب على أيديهم بكفرهم.
{إِ ّثمَا} :الثم :كل ضار قبيح ورأسه :الكفر والشرك.معنى اليات:
ما زال السياق في أحداث غزوة أحد ،ففي هذه اليات الثلث –وقد كشفت الحداث عن أمور
خطيرة ،حيث ظهر النفاق مكشوفا ل ستار عليه ،وحصل من ذلك ألم شديد لرسول ال صلى ال
عليه وسلم والمؤمنين -يخاطب ال تعالى رسوله قائلً له :ل يحزنك 1مسارعة هؤلء المنافقين 2
في
__________
1قرأ نافع :يحزنك ،بضم الياء وكسر الزاي ،من أحزن يحزن في كل القرآن إل قوله تعالى{ :ل
لكْبَرُ} ،وقرأ الجمهور {يحزنك} بفتح الياء وضم الزاي.
عاَ
يَحْزُ ُنهُمُ ا ْلفَزَ ُ
2قيل في هؤلء المسارعين في الكفر :إنهم المنافقون ،وقيل :هم كفار قريش ،وقيل :هم اليهود،
واللفظ يشمل على ذلك ،إذ الفئات الثلث كلها كانت تسارع في الكفر بنصرته والعمل فيه وبه.
( )1/413
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الكفر ،وقال في الكفر ولم يقل إلى الكفر إشارة إلى أنهم ما خرجوا منه؛ لن إسلمهم كان نفاقا
فقط{ ،إِ ّنهُمْ لَنْ َيضُرّوا اللّهَ شَيْئا} ،وال يريد أن ل يجعل لهم نصيبا من نعيم الخرة .فلذا تركهم
عظِيمٌ} .
في كفرهم كلما خرجوا منه عادوا إليه ،وحكم عليهم بالعذاب العظيم فقال{ :وََل ُهمْ عَذَابٌ َ
هذا ما تضمنته الية الولى( .)176أما الية الثانية ( )177فقد تضمنت حكم ال تعالى على الذين
يرتدون بعد إيمانهم فيبيعون اليمان بالكفر ،ويشترون الضللة بالهدى حكم عليهم بأنهم لن
يضروا 1ال شيئا من الضرر ،ولهم عذاب أليم فقال تعالى{ :إِنّ الّذِينَ اشْتَ َروُا ا ْل ُكفْرَ بِالِيمَانِ لَنْ
َيضُرّوا اللّهَ شَيْئا 2وََلهُمْ عَذَابٌ َألِيمٌ} والعذاب الليم هو عذاب النار إذ ل آلم ول أشد إيجاعا منه.
وأما الية الثالثة( )178فقد تضمنت بطلن حسبان الكافرين أن ال تعالى عندما يمهلهم ويمد في
أعمارهم ولم يعاجلهم بالعذاب أن ذلك خيرٌ لهم ،ل ،بل هو شر لهم ،إذ كلما تأخروا يوما اكتسبوا
فيه إثما فيقدر ما تطول حياتهم بعظم ذنبهم وتكثر آثامهم ،وحيئنذ يوبقون ويهلكون هلكا ل نظير
سهِمْ إِ ّنمَا ُنمْلِي َل ُهمْ لِيَزْدَادُوا إِثْما
له قال تعالى{ :وَل َيحْسَبَنّ 3الّذِينَ كَفَرُوا أَ ّنمَا ُنمْلِي َلهُمْ خَيْ ٌر لَنْفُ ِ
وََلهُمْ عَذَابٌ ُمهِينٌ} أي :ذو إهانة ،لنهم كانوا ذوي كبر وعلو في الرض وفساد ،فلذا ناسب أن
يكون عذابهم اهانات لهم.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1ل ينبغي للمؤمن أن يحزنه كفر كافر ول فسق فاسق ،لن ذلك ل يضر ال تعالى شيئا،
وسيجزي ال الكافر والفاسق بعدله.
-2ل ينبغي للعبد أن يغره إمهال ال له ،وعليه أن يبادر بالتوبة من كل ذنب إذ ليس هناك إهمال
وإنما هو إمهال.
-3الموت للعبد 4خير من الحياة؛ لنه إذا كان صالحا فالخرة خير له من الدنيا وإن كان غير
__________
{ 1لَنْ َيضُرّوا اللّهَ شَيْئا} من الضرر ل في ذاته ،ول في دينه في ملكه ،وسلطانه ،ول رسوله،
وفي الحديث القدسي الذي رواه مسلم" :ل يعبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ،ولن تبلغوا
نفعي فتنفعوني" .
2كرر لفظ{ :لَنْ َيضُرّوا اللّهَ شَيْئا} لجل التأكيد والتقرير حتى ييأس المنافقون والكافرون من
إلحاق أي ضرر برسول ال صلى ال عليه وسلم وبدعوته ،وشيئا :منصوب على المصدرية ،أي:
ل ول كثيرا.
لن يضروا ال ضررا قلي ً
3فسر الملء بطول العمر ورغد العيش وهو كذلك مع إضافة عدم معاجلتهم بالعقوبة إنظارا
لهم.
4شاهده قول ابن مسعود رضي ال عنه" :ما من أحد بر ول فاجر إل والموت خير له لنه إن
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
كان برا فقد قال ال تعالىَ { :ومَا عِ ْندَ اللّهِ خَيْرٌ لِلَبْرَارِ} ،وإن كان فاجرا فقد قال تعالى{ :إِ ّنمَا
ُنمْلِي َل ُهمْ لِيَزْدَادُوا إِثْما} " .وروي مثله عن ابن عباس ،أخرجه رزين.
( )1/414
( )1/415
في إيمانه ،والكاذب فيه وهو المنافق .بل ل بد من البتلء بالتكاليف الشاقة منها؛ كالجهاد
والهجرة والصلة والزكاة ،وغير الشاقة من سائر العبادات حتى يميز المؤمن الصادق وهو
الطيب الروح ،من المؤمن الكاذب وهو المنافق الخبيث الروح ،قال تعالى{ :مَا كَانَ 1اللّهُ لِيَذَرَ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ا ْل ُم ْؤمِنِينَ عَلَى مَا أَنْ ُتمْ عَلَيْهِ حَتّى َيمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطّ ّيبِ} وذلك أن ال لم يكن من سننه في خلقه
أن يطلعهم على الغيب فيميز المؤمن من المنافق ،و البار من الفاجر ،وإنما يبتلي بالتكاليف
ويظهر بها المؤمن من الكافر والصالح من الفاسد .إل أنه تعالى قد يجتبي من رسله من يشاء
فيطلعه على الغيب ،ويظهره على مواطن المور وبناء على هذا 2فآمنوا بال ورسله حق
اليمان ،فإنكم إن آمنتم صادق اليمان واتقيتم معاصي الرحمان كان لكم بذلك أعظم الجور وهو
الجنة دار الحبور والسرور هذا ما دلت عليه الية( ،)179أما الية الثانية( )180فإن ال تعالى
يخبر عن خط البخلء الذين يملكون المال ويبخلون به فيقول :ول يحسن أي ول يظن الذين
يبخلون بما آتاهم ال من المال الذي تفضل ال به عليهم أن بخلهم به خير لنفسهم كما يظنون بل
هو أي البخل شر لهم ،وذلك لسببين الول :ما يلحقهم في الدنيا من معرة البخل وآثاره السيئة
على النفس ،والثاني :أن ال تعالى سيعذبهم به بحيث يجعله طوقا من نار في أعناقهم ،أو بصورة
ثعبان فيطوقهم ،3ويقول لصاحبه" :أنا مالك أنا كنزك" كما جاء في الحديث .فعلى من يظن هذا
الظن الباطل أن يعدل عنه ،ويعلم أن الخير في النفاق ل في البخل .وأن ما يبخل به هو مال
ال ،وسيرثه ،ولم يجن البخلء إل المعرة في الدنيا والعذاب في الخرة .قال تعالى{ :وَلِلّهِ مِيرَاثُ
ض وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ} ،فاتقوه فيما آتاكم فآتوا زكاته وتطوعوا بالفضل فإن
سمَاوَاتِ وَالَ ْر ِ
ال ّ
ذلك خير لكم .وال يعلم وأنتم ل تعلمون.
__________
1روي أن الية نزلت إجابة لمن طالبوا بعلمة يفرقون بها بين المؤمن والمنافق فأجابهم ال
تعالى بأنه ليس من شأنه أن يترك المؤمنين على ما هم عليه في اختلطهم مع المنافقين حتى
ينزل من الشرائع والتكاليف وما يميز بفعله وتركه المؤمن من المنافق.
2إذ العبرة ليست بمعرفة الغيب ،وإنما العبرة بالنجاة من النار والفوز بالجنة ،وعليه فأعرضوا
عن المطالبة بمعرفة الغيب وأقبلوا على ما يحقق لكم نجاتكم وسعادتكم.
3روى البخاري عن أبي هريرة رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :من أتاه ال
مالً فلم يؤد زكاته مُثْل له شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ،يؤخذ بلهزمتيه –يعني
حسَبَنّ الّذِينَ يَبْخَلُونَ }...الية.
شدقيه -ثم يقول :أنا مالك ،أنا كنزك ،ثم تل هذه الية{ :وَل يَ ْ
( )1/416
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1من حكم التكليف إظهار المؤمن الصادق من المؤمن الكاذب.
-2استئثار الرب تعالى بعلم الغيب دون خلقه إل ما يطلع عليه رسله لحكمة اقتضت ذلك.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-3ثمن الجنة اليمان والتقوى.
-4البخل بالمال شر لصاحبه ،وليس بخير له كما يظن البخلء.
-5من أوتي مالً ومنع حق ال فيه عذب به يوم القيامة دلت على ذلك هذه الية وآية 1التوبة
وحديث البخاري" :من آتاه ال مالً فلم يؤد زكاته مثل له شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم
القيامة فيأخذ بلهزمتيه –أي شدقيه -يقول أنا مالك أنا كنزك ،ثم تل الية {وَل َيحْسَبَنّ الّذِينَ}...
الية".
سمِعَ اللّهُ َقوْلَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ َفقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَ َنكْ ُتبُ مَا قَالُوا َوقَتَْلهُ ُم الَنْبِيَاءَ ِبغَيْرِ حَقّ
{َلقَدْ َ
عذَابَ الْحَرِيقِ( )181ذَِلكَ ِبمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِي ُك ْم وَأَنّ اللّهَ لَ ْيسَ بِظَلّامٍ لِ ْلعَبِيدِ( )182الّذِينَ
وَنَقُولُ ذُوقُوا َ
سلٌ مِنْ قَبْلِي
عهِدَ إِلَيْنَا أَل ُن ْؤمِنَ لِرَسُولٍ حَتّى يَأْتِيَنَا ِبقُرْبَانٍ تَ ْأكُلُهُ النّارُ ُقلْ َقدْ جَا َءكُمْ رُ ُ
قَالُوا إِنّ اللّهَ َ
سلٌ مِنْ قَبِْلكَ
بِالْبَيّنَاتِ وَبِالّذِي قُلْتُمْ فَِلمَ قَتَلْ ُتمُوهُمْ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ( )183فَإِنْ َكذّبُوكَ َفقَدْ ُك ّذبَ ُر ُ
جَاءُوا بِالْبَيّنَاتِ وَالزّبُ ِر وَا ْلكِتَابِ ا ْلمُنِيرِ(})184
__________
ب وَا ْل ِفضّ َة وَل يُ ْن ِفقُو َنهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّرْهُمْ ِبعَذَابٍ
1هي قوله تعالى{ :وَالّذِينَ َيكْنِزُونَ الذّ َه َ
سكُمْ
ظهُورُهُمْ َهذَا مَا كَنَزْتُ ْم ل ْنفُ ِ
جهَنّمَ فَ ُت ْكوَى ِبهَا جِبَا ُههُ ْم وَجُنُو ُبهُ ْم َو ُ
حمَى عَلَ ْيهَا فِي نَارِ َ
أَلِيمٍ* َي ْومَ يُ ْ
فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ َتكْنِزُونَ}.
( )1/417
شرح الكلمات:
عذَابَ الْحَرِيقِ : }1هو عذاب النار المحرقة تحرق أجسادهم.
{َ
{ذَِلكَ ِبمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِيكُمْ} :أي :ذلك العذاب بسبب ما قدمته أيديكم من الجرائم.
عهِدَ إِلَيْنَا} :أمرنا ووصانا في كتابنا "التوراة".
{َ
{أَل ُن ْؤمِنَ لِرَسُولٍ} :أي :ل نتابعه ،على ما جاء به ول نصدقه في نبوته.
{ ِبقُرْبَانٍ تَ ْأكُلُهُ النّارُ} :القربان :ما يتقرب به إلى ال تعالى من حيوان وغيره يوضع في مكان
فتنزل عليه نار بيضاء من السماء فتحرقه.
{بِالْبَيّنَاتِ} :اليات والمعجزات.
{وَبِالّذِي قُلْ ُتمْ} :أي :من القربان.
{فَِلمَ قَتَلْ ُتمُوهُمْ} :الستفهام للتوبيخ ،ومن قتلوا من النبياء :زكريا ويحي عليهما السلم.
{وَالزّبُرِ} :جمع زبور وهو الكتاب؛ كصحف إبراهيم.
{وَا ْلكِتَابِ ا ْلمُنِيرِ} :الواضح البين؛ كالتوراة والزبور والنجيل.
معنى اليات:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عفَهُ} ودخل أبو بكر الصديق
لما نزل قول ال تعالى{ :مَنْ ذَا الّذِي ُيقْ ِرضُ اللّهَ قَرْضا حَسَنا فَ ُيضَا ِ
رضي ال عنه بيت "المدراس "2واليهود به وهم يستمعون لكبر علمائهم وأجل أحبارهم فنحاص
فدعاه أبو بكر إلى السلم ،فقال فنحاص :إن ربا يستقرض ،نحن أغنى منه! ينهانا صاحبك عن
الربا ويقبله فغضب أبو بكر رضي ال عنه وضرب اليهودي ،فجاء إلى رسول ال صلى ال عليه
وسلم فشكا أبا بكر فسأل الرسول أبا بكر قائلً" :ما حملك على ما صنعت" ؟ فقال إنه قال :إن ال
سمِعَ اللّهُ َق ْولَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ
فقير ونحن أغنياء .فأنكر اليهودي فأنزل 3ال تعالى الية {َلقَدْ َ
َفقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَ َنكْ ُتبُ مَا قَالُوا َوقَتَْلهُ ُم الَنْبِيَاءَ ِبغَيْرِ حَقّ} ،أي :نكتبه أيضا ،ونقول لهم:
{ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيق} ،وقولنا ذلك بسبب ما
__________
1الحريق :اسم للملتهبة من النار ،إذ النار تشمل الملتهبة وغير الملتهبة.
2بيت المعلم من بني إسرائيل.
3إن من نزلت فيهم الية لم يقتلوا النبياء وإنما قتلهم سلفهم ولكن برضاهم عن أسلفهم ،وما
صنعوا كان حكمهم حكم من قتل ،لن الرضا بالمعصية معصية .روى أن رجلً حسن قتل عثمان
عند الشعبي ،فقال له الشعبي" :شاركت في دمه فجعل الرضا بالقتل قتلً".
( )1/418
قدمته أيديكم من الشر والفساد وأن ال ليس بظلم للعبيد ،فلم يكن جزاؤهكم مجافيا للعدل ول
سمِعَ
مباعدا له أبدا لننزه الرب تعالى عن الظلم لعباده ،هذا ما تضمنته الية الولى(َ{ )181لقَدْ َ
ق وَ َنقُولُ
اللّهُ َق ْولَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ فَقِي ٌر وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَ َنكْ ُتبُ مَا قَالُوا َوقَتَْلهُ ُم الَنْبِيَاءَ ِبغَيْرِ حَ ّ
ذُوقُوا عَذَابَ ا ْلحَرِيقِ} ،والية الثانية({ )182ذَِلكَ ِبمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنّ اللّهَ لَ ْيسَ بِظَلّامٍ لِ ْلعَبِيدِ} ،
ع ِهدَ إِلَيْنَا أَل ُن ْؤمِنَ لِرَسُولٍ حَتّى
وأما الية الثالثة( )183وهي قوله تعالى{ :الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ َ
سلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيّنَاتِ وَبِالّذِي قُلْتُمْ فَِلمَ قَتَلْ ُتمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ
يَأْتِيَنَا ِبقُرْبَانٍ تَ ْأكُلُهُ النّارُ ُقلْ قَدْ جَا َء ُكمْ رُ ُ
صَا ِدقِينَ} فقد تضمنت دعوى يهودية كاذبة بطالة ل صحة لها البتة ،والرد عليها ،فالدعوى هي
قولهم إن ال 1قد أمرنا موصيا لنا أن ل نؤمن لرسول فنصدقه ونتابعه على ما جاء به،حتى يأتينا
بقربان تأكله النار ،يريدون صدقة من حيوان أو غيره توضع أمامهم فتنزل عليها نار من السماء
فتحرقها ،فذلك آية نبوته ،وأنت يا محمد ما أتيتنا بذلك فل نؤمن بك ول نتابعك على دينك ،وأما
سلٌ مِنْ قَبْلِي
الرد فهو قول ال تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم قل يا رسولناَ { :قدْ جَا َءكُمْ رُ ُ
بِالْبَيّنَاتِ} وهي المعجزات{ ،وَبِالّذِي قُلْ ُتمْ} وهو قربان تأكله النار فلم قتلتموهم ،إذ قتلوا زكريا
ويحي وحاولوا قتل عيسى ،إن كنتم صادقين في دعواكم؟ ،وأما الية الرابعة ( )184فإنها تحمل
العزاء لرسول ال صلى ال عليه وسلم إذ يقول له ربه تعالى{ :فَإِنْ كَذّبُوكَ} فلم يؤمنوا بك ،فل
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تحزن ول تأسى لنك لست وحدك الذي كُذبت ،فقد كذبت رسل كثر كرام ،جاءوا أقوامهم
بالبينات ،أي :المعجزات ،وبالزبر ،والكتاب المنير؛ كالتوراة والنجيل وصحف إبراهيم وكذبتهم
أممهم كما كذبك هؤلء اليهود والمشركين معهم فاصبر ول تحزن.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1كفر اليهود وسوء أدبهم مع ال تعالى ومع أنبيائهم ومع الناس أجمعين.
-2تقرير جريمة قتل اليهود للنبياء وهي من أبشع الجرائم.
__________
1روى القرطبي عن الكلبي :أن هذه الية نزلت ردا على كعب بن الشرف ومالك بن الصيف
ووهب بن يهوذا وفنحاص بن عزريا أتوا النبي صلى ال عليه وسلم فقالوا له :أتزعم إن ال
أرسلك إلينا وأنه أنزل علينا كتابا عهد إلينا فيه أل نؤمن لرسول يزعم أنه من عند ال حتى يأتينا
بقربان تأكله النار فإن جئتنا به صدقناك ،فأنزل ال تعالى هذه الية.
( )1/419
-3بيان كذب اليهود في دعواهم أن ال عهد إليهم أن ل يؤمنوا بالرسول حتى 1يأتيهم بقربان
تأكله النار.
-4تعزية الرسول صلى ال عليه وسلم وحمله على الصبر والثبات أمام ترهات اليهود وأباطيلهم.
خلَ ا ْلجَنّةَ َفقَدْ
{ ُكلّ َنفْسٍ ذَا ِئقَةُ ا ْل َم ْوتِ وَإِ ّنمَا ُت َو ّفوْنَ أُجُو َركُمْ َي ْومَ ا ْلقِيَامَةِ َفمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النّا ِر وَأُدْ ِ
س َمعُنّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا
سكُ ْم وَلَتَ ْ
فَا َز َومَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا إِل مَتَاعُ ا ْلغُرُورِ( )185لَتُبَْلوُنّ فِي َأ ْموَاِلكُ ْم وَأَ ْنفُ ِ
لمُورِ(
ا ْلكِتَابَ مِنْ قَبِْلكُ ْم َومِنَ الّذِينَ َأشْ َركُوا أَذىً كَثِيرا وَإِنْ َتصْبِرُوا وَتَتّقُوا فَإِنّ ذَِلكَ مِنْ عَ ْز ِم ا ُ
})186
شرح الكلمات:
{ذَا ِئقَةُ ا ْل َموْتِ : }2أي :ذائقة موت جسدها ،أما هي فإنها ل تموت.
{ ُت َو ّفوْنَ} :تعطون جزاء أعمالكم خيرا أو شرا وافية ل نقص فيها.
{ ُزحْزِحَ} :نجي وأبعد.
{فَازَ} :نجا من مرهوبه وهو النار ،وظفر بمرغوبه وهو الجنة.
{مَتَاعُ ا ْلغُرُورِ : }3المتاع :كل ما يستمتع به ،والغرور :الخداع ،فشبهت الدنيا بمتاع خادع غار
صاحبه ،ل يلبث أن يضمحل ويذهب.
__________
1وإن صحت دعواهم في التوراة فإن فيها استثناء عيسى ومحمد صلى ال عليه وسلم أو هي
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
منسوخة في النجيل ولكن ما رد ال تعالى به عليهم ل يتطلب مزيد حجج فإنه قاطع مفحم
مسكت ،ونص التوراة تمامه" :حتى يأتيكما المسيح ومحمد فإذا أتياكما فآمنوا بهما من غير
قربان".
2قرئ{ :ذائقة الموت} بالضافة ،و {ذائقة الموت} بدونها ،والولى قراءة العامة ،وهذا مما ل
محيص للنسان عنه .قال أمية بن الصلت:
من لم يمت عبطة يمت هرما ...للموت كأس والمرء ذائقها
ومعنى :عبطة :شابا ،وللموت علمات من أبرزها عرق الجبين ،وفي الحديث" :المؤمن يموت
بعرق الجبين" .فإذا شوهدت لقن الميت لقوله صلى ال عليه وسلم" :لقنوا موتاكم ل إله إل ال" .
3يوضح معنى متاع الغرور :قوله صلى ال عليه وسلم" :وال ما الدنيا في الخرة إل كما يغمس
أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بما ترجع إليه" ،والغرور مصدر أضيف إليه المتاع ،فالمتاع :ما
يتمتع به ثم يضمحل ،وكونه للغرور زاد في التحذير منه ،فلذا قال فيها قتادة" :الدنيا متاع متروك
يوشك أن تضمحل بأهلها".
( )1/420
سكُمْ} :لتختبرن في أموالكم بأداء الحقوق الواجبة فيها ،أو بذهابها وأنفسكم
{لَتُبَْلوُنّ فِي َأ ْموَاِلكُ ْم وَأَ ْنفُ ِ
بالتكاليف الشاقة؛ كالجهاد والحج ،أو المرض والموت.
{أُوتُوا ا ْلكِتَابَ} :اليهود والنصارى.
{الّذِينَ أَشْ َركُوا} :العرب.
لمُورِ} :يريد أن الصبر والتقوى من المور الواجبة التي هي عزائم وليس
{فَإِنّ ذَِلكَ مِنْ عَزْ ِم ا ُ
فيها رخص ول ترخيص بحال من الحوال.
معنى اليات:
ما زال السياق في تعزية الرسول صلى ال عليه وسلم وأصحابه ،لقد جاء في الية السابقة تسلية
الرسول صلى ال عليه وسلم عما آلمه من تكذيب اليهود والمشركين له ،وفي هذه الية أعظم
تسلية وعزاء ،إذ أخبر تعالى فيها بأن كل نفس مهما علت أو سفلت ذائقة الموت 1ل محالة ،وإن
الدنيا ليست دار جزاء وإنما هي دار كسب وعمل ،ولذا قد يجرم فيها المجرمون ويظلم الظالمون،
ول ينالهم مكروه ،وقد يحسن فيها المحسنون ويصلح المصلحون ول ينالهم محبوب ،وفي هذا
تسلية عظيمة وأخرى :العلم بأن الحياة الدنيا بكل ما فيها ل تعدو كونها متاع الغرور ،أي :متاع
زائل غار ببهرجه وجمال منظره ،ثم ل يلبث أن يذهب ويزول .هذا ما دلت عليه الية الولى(
،)185أما الية الثانية( )186ففيها يخبر تعالى رسوله والمؤمنين بأنهم ل محالة مختبرون في
أموالهم وفي أنفسهم .في أموالهم بالحوائج ،وبالواجبات ،وفي أنفسهم بالمرض والموت والتكاليف
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الشاقة؛ كالجهاد والحج والصيام ،وإنهم ل بد وأن يسمعوا من أهل الكتاب والمشركين أذى كبيرا
كما قال فنحاص :ال فقير 2ونحن أغنياء أو كما قال النصارى :المسيح ابن ال ،وكما قال
المشركون :اللت والعزى ومناة آلهة مع ال .حثهم تعالى على الصبر
__________
1من أحكام الحتضار :تلقين ل إله ال ال وقراءة يس ،لتخفيف سكرات الموت لقوله صلى ال
عليه وسلم" :ما من ميت يقرأ عنده يس إل هون ال عليه" ،وفي حديث أبي داود" :اقرأوا يس
على موتاكم" ،ومن أحكام الموت :تغميض العينين ،وغسل ،وكفنه ،والصلة عليه ،ودفنه في
مقابر المسلمين ،وتعجيل دفنه ،والسراع في المشي به ،لحديث" :اسرعوا بالجنازة ،فإن تك
صالحا فخير تقدمونها إليه ،وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم" .
2قال ابن أبي لرسول ال صلى ال عليه وسلم :ارجع إلى رحلك ل تؤذنا في مجالسنا .وكان
كعب بن الشرف ينظم القصائد يسب فيها المسلمون ويؤلب فيها عليهم الكافرين ،بل كان يتشبب
بنساء المؤمنين ،ولذا أذن الرسول في اغتياله فقتله غيلة :محمد بن مسلمة ،وأصحابه رضي ال
عنهم أجمعين
( )1/421
والتقوى ،فقال{ :وَإِنْ َتصْبِرُوا وَتَتّقُوا} فإن صبركم وتقواكم مما أوجب ال تعالى عليكم وليس هو
من باب الندب والستحباب بل هو من باب الفرض والوجوب.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1ليست الدار الدنيا بدار جزاء وإنما هي دار عمل.
-2تعريف الفوز الحق وهو الزحزحة عن النار ودخول الجنة.
-3بيان حقيقة هذه الحياة وأنها كمتاع خادع ل يلبث أن يتلشى ويضمحل.
-4البتلء ضروري فيجب الصبر والتقوى فإنهما من عزائم المور ل من رخصها.
ظهُورِهِ ْم وَاشْتَ َروْا
س وَل َتكْ ُتمُونَهُ فَنَبَذُو ُه وَرَاءَ ُ
{وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ لَتُبَيّنُنّهُ 1لِلنّا ِ
حمَدُوا ِبمَا َلمْ
بِهِ َثمَنا قَلِيلً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ( )187ل تَحْسَبَنّ الّذِينَ َيفْرَحُونَ ِبمَا أَ َتوْا وَيُحِبّونَ أَنْ ُي ْ
ت وَالَ ْرضِ وَاللّهُ
سمَاوَا ِ
عذَابٌ أَلِيمٌ( )188وَلِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ
ب وََلهُمْ َ
َي ْفعَلُوا فَل َتحْسَبَ ّنهُمْ ِب َمفَا َزةٍ مِنَ ا ْلعَذَا ِ
شيْءٍ قَدِيرٌ(})189
عَلَى ُكلّ َ
شرح الكلمات:
الميثاق :العهد المؤكد باليمين.
{أُوتُوا ا ْلكِتَابَ} :اليهود والنصارى.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الكتمان :إخفاء الشيء وجحوده حتى ل يرى ول يعلم.
ظهُورِهِمْ} :ألقوه وطرحوه ولم يلتفتوا إليه ،وهو ما أخذ عليهم العهد والميثاق فيه
{فَنَبَذُو ُه وَرَاءَ ُ
من اليمان بمحمد صلى ال عليه وسلم وبما جاء به من السلم.
__________
1الضمير عائد إلى الكتاب ،أي :أقسم عليكم بجللي وكمالي لتظهرن جميع ما في الكتاب من
الحكام والخبار ،ومنها :نعوت النبي محمد صلى ال عليه وسلم وصفاته.
( )1/422
{وَاشْتَ َروْا بِهِ َثمَنا قَلِيلً} :اعتاضوا عنه حطام الدنيا ومتاعها الزائل إذ كتموه .إبقاء على منافعهم
الدنيوية.
حمَدُوا ِبمَا َلمْ َي ْفعَلُوا} :أي :يثني عليهم ويذكروا بخير وهم لم يفعلوا ما يوجب لهم ذلك.
{أَنْ ُي ْ
ب وََلهُمْ} :بمنجاة من العذاب في الدنيا ،ولهم في الخرة عذاب أليم.
{ ِب َمفَا َزةٍ مِنَ ا ْلعَذَا ِ
معنى اليات:
ما زال السياق في اليهود فيقول تعالى لنبيه ،واذكر لهم إذ أخذ ال ميثاق الذين أوتوا الكتاب ،وهم
اليهود والنصارى أخذ على علمائهم العهد المؤكد بأن يبينوا للناس نعوت النبي صلى ال عليه
وسلم في كتابهم ،وأن يؤمنوا به ويتابعوه على ما جاء به من الهدى ودين الحق وهو السلم،
ولكنهم كتموه ونبذوه وراء ظهورهم فلم يلتفتوا إليه واستبدلوا بذلك ثمنا قليلً وهو الجاه والمنصب
والمال ،قال تعالى{ :وَاشْتَ َروْا بِهِ َثمَنا قَلِيلً} وذم ال تعالى ذلك الثمن القليل فقال{ :فَبِئْسَ مَا
حسَبَنّ الّذِينَ َيفْرَحُونَ
يَشْتَرُونَ} ،هذا ما تضمنته الية الولى( ،)187وأما الية الثانية({ )188ل تَ ْ
ب وََلهُمْ عَذَابٌ َألِيمٌ} .فإن
حسَبَ ّنهُمْ ِب َمفَا َزةٍ مِنَ ا ْلعَذَا ِ
ح َمدُوا ِ 1بمَا لَمْ َيفْعَلُوا فَل تَ ْ
ِبمَا أَ َتوْا وَيُحِبّونَ أَنْ يُ ْ
ال تعالى يقول لرسوله صلى ال عليه وسلم :ل تحسبن يا رسولنا الذين يفرحون بما أتوا من الشر
والفساد بتحريف كلمنا وتبديل أوامرنا وتغيير شرائعنا وهم مع ذلك يحبون أن يحمدهم الناس أي
يشكروهم ويثنوا عليهم ،ما لم يفعلوا من الخير والصلح إذ عملهم كان العكس وهو الشر والفساد
من اليهود ،ول تحسبنهم بمفازة ،أي :بمنجاة من العذاب ،ولهم عذاب أليم يوم القيامة .وأما الية
الثالثة )189فقد أخبر تعالى أن له ملك السموات والرض ،وأنه على كل شيء قدير فدلل بذلك
على قدرته على البطش بالقوم والنتقام منهم ،وأنه منجز وعيده لهم وهو عذاب الدنيا ،وعذاب
شيْءٍ َقدِيرٌ} .
ض وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ
ت وَالَرْ ِ
سمَاوَا ِ
الخرة فقال{ :وَلِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ
__________
1روى البخاري وغيره عن أبي سعيد الخدري :أن رجالً من المنافقين كانوا إذا خرج الرسول
صلى ال عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلف رسول ال صلى ال عليه
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وسلم ،فإذا قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم من الغزو اعتذروا وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما
لم يفعلوا ،فنزلت هذه الية .وروي في سبب نزولها الخبر التي :إن مروان بعث بأحد رجاله إلى
ابن عباس يسأله قائلً :لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا
لنعذبن أجمعين؟ فقال ابن عباس" :ما لكم وهذه إنما نزلت هذه في أهل الكتاب ،ثم تل هذه الية:
{وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ} إلى قوله{ :ولَهمْ عَذَابْ أليِم} .
( )1/423
هداية اليات
من هداية اليات:
-1أخذ ال الميثاق على علماء أهل الكتاب ببيان الحق يتناول علماء 1السلم فإن عليهم أن
يبثوا الحق ويجهروا به ،ويحرم عليهم كتمانه 2أو تأويله إرضاء للناس ليحوزوا على مكسب
دنيوي مالً أو جاها أو سلطانا.
-2ل يجوز للمسلم أن يحب أن يحمد بما لم يفعل من الخير والمعروف ،بل من الكمال أن ل
يرغب المسلم في مدح الناس وثنائهم وهو فاعل لما يستوجب ذلك فكيف بمن لم يفعل ثم يحب أن
يحمد .بل بمن يفعل الشر والفساد ويحب أن يحمد عليه بالتصفيق 3له وكلمة يحي فلن...
-3ملك ال تعالى لكل شيء وقدرته على كل شيء توجب الخوف منه والرغبة إليه وأكثر الناس
عن هذا غافلون ،وبه جاهلون.
ت لُولِي الَلْبَابِ( )190الّذِينَ
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ وَاخْتِلفِ اللّ ْيلِ وَال ّنهَا ِر ليا ٍ
{إِنّ فِي خَلْقِ ال ّ
ت وَالَ ْرضِ رَبّنَا مَا خََل ْقتَ هَذَا
سمَاوَا ِ
يَ ْذكُرُونَ اللّهَ قِيَاما َو ُقعُودا وَعَلَى جُنُو ِبهِ ْم وَيَ َت َفكّرُونَ فِي خَ ْلقِ ال ّ
خلِ النّارَ َفقَدْ َأخْزَيْتَ ُه َومَا لِلظّاِلمِينَ مِنْ
بَاطِلً سُبْحَا َنكَ َفقِنَا عَذَابَ النّارِ( )191رَبّنَا إِ ّنكَ مَنْ تُ ْد ِ
س ِمعْنَا مُنَادِيا يُنَادِي لِلِيمَانِ أَنْ
أَ ْنصَارٍ( )192رَبّنَا إِنّنَا َ
__________
1قال محمد بن كعب ل يحل لعالم أن يسكت على علمه ول لجاهل أن يسكت على جهله ،قال ال
تعالى{ :وَِإذْ َأخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ} الية ،وقال{ :فأسْأَلوُا َأهْل الذِكرْ إنْ كُنتمْ ل
َتعْلَموُن} ،وقال على رضي ال عنه" :ما أخذ ال على الجاهلين أن يتعلموا حتى أخذ على العلماء
أن يعلموا".
2شاهده ما جاء من طرق متعددة عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال" :من سُئل عن عمل فكتمه
ألجم يوم القيامة بلجام من نار" .وشاهده أيضا :حديث البخاري" :من كتم علما ألجمه ال بلجام
من نار يوم القيامة" .
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
3هذا حال الكثير من زعماء أمة السلم في عصور انحطاطها وفساد عقائدها وأخلقها
وانحراف سلوكها نتيجة كيد المجوس لها واليهود والنصارى كذلك.
( )1/424
غفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا َو َكفّرْ عَنّا سَيّئَاتِنَا وَ َت َوفّنَا مَ َع الَبْرَارِ( )193رَبّنَا وَآتِنَا مَا
آمِنُوا بِرَ ّبكُمْ فَآمَنّا رَبّنَا فَا ْ
ك وَل تُخْزِنَا َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ إِ ّنكَ ل ُتخِْلفُ ا ْلمِيعَادَ( )194فَاسْتَجَابَ َلهُمْ رَ ّب ُهمْ أَنّي ل
وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُِل َ
ضكُمْ مِنْ َب ْعضٍ فَالّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ
ع َملَ عَا ِملٍ مِ ْنكُمْ مِنْ َذكَرٍ َأوْ أُنْثَى َب ْع ُ
ُأضِيعُ َ
ل َكفّرَنّ عَ ْنهُمْ سَيّئَا ِت ِه ْم وَلُ ْدخِلَ ّنهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ
وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي َوقَاتَلُوا َوقُتِلُوا ُ
حسْنُ ال ّثوَابِ(})195
َثوَابا مِنْ عِنْدِ اللّ ِه وَاللّهُ عِ ْن َدهُ ُ
شرح الكلمات:
ت وَالَ ْرضِ} :أي :في وجودهما من العدم.
سمَاوَا ِ
{فِي خَ ْلقِ ال ّ
ل وَال ّنهَارِ} :تعاقبهما هذا يجيء وذاك يذهب ،هذا مظلم وذاك مضيء.
{وَاخْتِلفِ اللّ ْي ِ
{لياتٍ} :دلئل واضحة على وجود ال تعالى وقدرته وعلمه وحكمته ورحمته.
{لُولِي الَلْبَابِ} :أصحاب العقول التي تُدرك بها الشياء وتفهم بها الدلة.
{رَبّنَا} :يقولون :ربنا إلخ...
{بَاطِلً} :ل لشيء مقصود منه ،وإنما هو من باب اللعب.
{سُ ْبحَا َنكَ : }1تنزيها لك عن العبث واللعب ،وعن الشريك والولد.
{ َفقِنَا عَذَابَ النّارِ} :أجرنا واحفظنا من عذاب النار بتوفيقك لنا للعمال الصالحة وتجنيبنا العمال
الفاسدة الموجبة لعذاب النار.
{َأخْزَيْتَهُ} :أذللته وأشقيته
__________
1روى أن النبي صلى ال عليه وسلم سئل عن معنى :سبحان ال ،فقال" :تنزيه ال عن السوء" .
( )1/425
( )1/426
( )1/427
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب التفكر في خلق السموات والرض للحصول على المزيد من اليمان واليقان.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سمَاوَاتِ }...إلى آخر السورة ،وذلك عند القيام
-2استحباب تلوة هذه اليات{ :إِنّ فِي خَلْقِ ال ّ
للتهجد آخر الليل لثبوت ذلك في الصحيح 1عنه صلى ال عليه وسلم.
-3استبحاب ذكر ال في كل حال 2من قيام أو قعود أو اضطجاع.
-4استحباب التعوذ من النار بل وجوبه ولو مرة في العمر.
-5مشروعية التوسل إلى ال تعالى باليمان وصالح العمال.
-6فضل الهجرة والجهاد في سبيل ال.
-7المساواة بين المؤمنين والمؤمنات في العمل والجزاء.
-8استحباب الوفاة بين البرار وهم أهل الطاعة ل ولرسوله والصدق فيها وذلك بالحياة معهم
والعيش بينهم لتكون الوفاة بإذن ال معهم.
جهَنّ ُم وَبِئْسَ ا ْل ِمهَادُ(َ )197لكِنِ
{ل َيغُرّ ّنكَ َتقَلّبُ الّذِينَ َكفَرُوا فِي الْبِلدِ( )196مَتَاعٌ قَلِيلٌ ُثمّ مَ ْأوَاهُمْ َ
الّذِينَ ا ّتقَوْا رَ ّبهُمْ َل ُهمْ جَنّاتٌ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا نُ ُزلً مِنْ عِنْدِ اللّ ِه َومَا عِنْدَ اللّهِ
شعِينَ
خَيْرٌ لِلَبْرَارِ( )198وَإِنّ مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ َلمَنْ ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه َومَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكُ ْم َومَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيهِمْ خَا ِ
لِلّهِ ل يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ َثمَنا قَلِيلً أُولَ ِئكَ َلهُمْ َأجْرُ ُهمْ عِنْدَ رَ ّب ِهمْ إِنّ اللّهَ
__________
1روى الشيخان عن ابن عباس :أنه نام ليلة عند خالته ميمونة ،قال :فتحدث رسول ال صلى ال
عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد ،فلما كان ثلث الليل الخر قعد فنظر في السماء فقال{ :إنّ في
خَلْق السَموَات} اليات ،ثم قام فتوضأ ،واستن ثم صلى إحدى عشرة ركعة ،ثم أذن بلل ،فصلى
ركعتين ،ثم خرج فصلى بالناس الصبح.
2شاهده حديث عائشة الصحيح" :أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يذكر ال على كل أحيانه".
( )1/428
سَرِيعُ الْحِسَابِ( )199يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا َوصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَا ّتقُوا اللّهَ َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ(
})200
شرح الكلمات:
{ل َيغُرّ ّنكَ} :ل يكن منك اغترار ،المخاطب الرسول صلى ال عليه وسلم والمراد أصحابه
وأتباعه.
{ َتقَّلبُ الّذِينَ َكفَرُوا فِي الْبِلدِ} :تصرفهم فيها بالتجارة والزراعة والموال والمآكل والمشارب.
{مَتَاعٌ قَلِيلٌ} :تصرفهم ذلك هو متاع قليل يتمتعون به أعواما وينتهي.
جهَنّمُ} :مآلهم بعد التمتع القليل إلى جهنم يأوون إليها فيخلدون فيها أبدا.
{مَ ْأوَاهُمْ َ
{نُ ُزلً مِنْ عِنْدِ اللّهِ} :النزل :ما يعد للضيعف من قرى :طعام وشراب وفراش.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
البرار :جمع بار ،وهو المطيع ل ولرسوله الصادق في طاعته.
{ َومَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكُمْ} :القرآن والسنة ،وما أنزل إليهم؛ التوراة والنجيل.
شعِينَ لِلّهِ} :مطيعين مخبتين له عز وجل.
{خَا ِ
{ل يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ َثمَنا قَلِيلً} :ل يجحدون أحكام ال وما أمر ببيانه للناس مقابل منافع
تحصل لهم.
{اصْبِرُوا َوصَابِرُوا : }1الصبر :حبس النفس على طاعة ال ورسولهن والمصابرة :الثبات
والصمود أمام العدو.
{وَرَابِطُوا} :المرابطة :لزوم الثغور منعا للعدو من التسرب إلى ديار المسلمين.
{ ُتفْلِحُونَ} :تفوزون بالظفر المرغوب ،والسلمة من المرهوب في الدنيا والخرة.
__________
1الصبر المأمور به له مواطن ثلثة :وهي صبر على الطاعات ،وصبر دون المعاصي ،وصبر
على البلء .فل جزع ول تسخط ،ولكن رضا وتسليما.
( )1/429
معنى اليات:
ينهى ال تبارك وتعالى دعاة الحق من هذه المة في شخصية نبيهم صلى ال عليه وسلم أن
يغرهم ،1أي :يخدعهم ما يتصرف فيه أهل الكفر والشرك والفساد من مكاسب وأرباح وما
يتمتعون به من مطاعم ومشارب ومراكب ،فيظنوا أنهم على هدى أو أن ال تعالى راضٍ عنهم
وغير ساخط عليهم ،ل ،ل ،إنما هو متاع في الدنيا قليل ،ثم يردون إلى أسوأ مأوى وشر قرار إنه
جهنم التي طالما مهدوا لدخولها بالشرك والمعاصي ،وبئس المهاد مهدوه لنفسهم الخلود في
جهنم .هذا معنى اليتين الولى والثانية وهما قوله تعالى{ :ل َيغُرّ ّنكَ َتقَّلبُ 2الّذِينَ كَفَرُوا فِي
جهَنّ ُم وَبِئْسَ ا ْل ِمهَادُ} ،أما الية الثالثة ( ،)198وهي قوله تعالىَ{ :لكِنِ
الْبِلدِ* مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمّ مَ ْأوَا ُهمْ َ
الّذِينَ ا ّتقَوْا رَ ّبهُمْ َل ُهمْ جَنّاتٌ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا نُ ُزلً مِنْ عِنْدِ اللّ ِه َومَا عِنْدَ اللّهِ
خَيْرٌ 3لِلَبْرَارِ} فإنها قد تضمنت استدراكا حسنا وهو لما ذكر في الية قبلها مآل الكافرين وهو
شر مآل جهنم وبئس المهاد ،ذكر في هذه الية مآل المؤمنين وهو خير مآل{ :جَنّاتٌ َتجْرِي مِنْ
تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا نُ ُزلً مِنْ عِنْدِ اللّهِ} ،وما عند ال تعالى من النعيم المقيم في دار السلم
خير لهل اليمان والتقوى من الدنيا وما فيها فل يضرهم أن يكونوا فقراء ،وأهل الكفر أغنياء
موسرين ،أما الية الرابعة( )199وهي قوله تعالى{ :وَإِنّ مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَاب َِ 4لمَنْ ُي ْؤمِنُ بِاللّهِ} الية
فإنها تضمنت الرد اللهي على بعض المنافقين الذين أنكروا على رسول ال صلى ال عليه وسلم
والمؤمنين صلتهم على النجاشي بعد موته ،إذ قال بعضهم انظروا إلى محمد وأصحابه يصلون
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
على علج مات في غير ديارهم وعلى غير ملتهم ،وهم يريدون بهذا الطعن على رسول ال صلى
ال عليه وسلم والمؤمنين فرد ال تعالى عليهم بقوله { :وَإِنّ مِنْ َأ ْهلِ ا ْلكِتَابِ} أي :اليهود
والنصارى لمن يؤمن بال ،وما أنزل إليكم أيها المؤمنون ،وما أنزل
__________
1أي :خير مما يتقلب فيه الكفار من متاع في الدنيا في الدنيا.
2روى في سبب نزول هذه الية :أن بعضا من المسلمين قالوا :هؤلء الكفار لهم تجائر وأموال،
واضطراب في البلد ،وقد هلكنا نحن من الجوع .فنزلت الية.
3الغر ،والغرور :هو الطماع في أمر محبوب على نية عدم وقوعه لمن يطمع به ،ويغرر .وهو
أيضا :إظهار المر المضر في صورة النافع ،وهو مشتق من الغرة ،وهي الغفلة .يقال :رجل
غر ،إذا كان ينخدع لمن يخدعه .وفي الحديث" :المؤمن غر كريم".
4ثبت في الصحيحين" :أن النجاشي لما مات نعاه النبي صلى ال عليه وسلم إلى أصحابه وقال:
"إن أخا لكم بالحبشة قد مات ،فصلوا عليه" ،فخرجوا إلى الصحراء فصفهم وصلى عليه" .وروى
غير واحد عن أنس بن مالك أنه قال" :لما توفى النجاشي ،قال رسول ال صلى ال عليه وسلم
استغفروا لخيكم .فقال بعض الناس :يأمرنا أن نستغفر لعلج مات بأرض الحبشة{ :وإِنّ مِنْ أَهْل
الكِتَاب }...الية.
( )1/430
إليهم في التوراة والنجيل خاشعين ل ،أي :خاضعين له عابدين ،ل يشترون بآيات ال ثمنا قليلً
كسائر اليهود والنصارى حيث يحرفون كلم ال ويخفون منه ما يجب أن يظهروه ويبينوه حفاظا
على منصب أو سمعة أو منفعة مادية ،أما هؤلء وهم :عبد ال بن سلم من اليهود وأصحمة
النجاشي من النصارى ،وكل من أسلم من أهل الكتاب فإنهم المؤمنون حقا المستحقون للتكريم
والنعام قال تعالى فيهم أولئك لهم أجرهم عند ربهم يوفيهم إياه يوم القيامة إن اله سريع الحساب،
إذ يتم حساب الخلئق كلهم في مثل نصف يوم من أيام الدنيا.
هذا ما تضمنته الية الرابعة( ،)199أما الية الخامسة والخيرة( )200وهي قوله تعالى{ :يَا أَ ّيهَا
الّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا َوصَابِرُوا 1وَرَا ِبطُوا وَاتّقُوا اللّهَ َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ} فإنها تضمنت دعوة كريمة
ونصيحة غالية ثمينة للمة الرحيمة بأن تصبر على الطاعات وعلى الشدائد والملمات فتصابر
أعداءها حتى يُسلموا أو يسلموا القياد لها .وترابط بخيولها وآلت حربها في حدودها وثغورها
مرهبة عدوها حتى ل يطمع في غزوها ودخول ديارها .ولتتق ال تقوى تكون سببا في فوزها
وفلحها بهذه الرحمة الربانية ختمن سورة آل عمران المباركة ذات الحكم والحكام وتليها سورة
النساء.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هداية اليات
من هداية اليات:
-1تنبيه المؤمنين وتحذيره من الغترار بما يكون عليه الكافرون من سعة الرزق وهناءة العيش
فإن ذلك لم يكن عن رضى ال تعالى عنهم ،وإنما هو متاع في الدنيا حصل لهم بحسب سنة ال
تعالى في الكسب والعمل ينتج لصاحبه بحسب كده وحسن تصرفه.
-2ما أعد لهل اليمان والتقوى وهم البرار من نعيم مقيم في جوار ربهم خير من الدنيا وما
فيها.
-3شرف مؤمني أهل الكتاب وبشارة القرآن لهم بالجنة وعلى رأسهم عبد ال بن سلم وأصحمة
النجاشي.
__________
1المصابرة :هي الصبر في وجه العدو الصابر ،ومن هنا كانت المصابرة أشد من الصبر؛ لنها
صبر في وجه عدو صابر ،فأيهما لم يثبت على صبره هلك ،وأصبح النجاح لطولهما صبرا .قال
زفر بن الحارث في اعتذاره عن النهزام:
سقيناهم كأسا سقونا بمثلها ...
ولكنهم كانوا على الموت أصبرا
( )1/431
-4وجوب الصبر والمصابرة والتقوى والمرابطة 1للحصول على الفلح الذي هو الفوز
المرغوب والسلمة من المرهوب في الدنيا والخرة.
__________
1المرابطة :مصدر رابط رباطا إذا حبس نفسه في ثغر من ثغور المسلمين يحرسها من مداهمة
العدو الكافر لها ،وفضل الرباط عظيم ،ووردت فيه أحاديث كثيرة ،نكتفي منها بما يلي حديث
البخاري" :رباط يوم في سبيل ال خير من الدنيا وما فيها" .وحديث مسلم" :رباط يوم وليلة خير
من صيام شهر وقيامه" ،وإن مات مرابطا جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجرى عليه رزقه
وأمن الفتان.
( )1/432
سورة النساء
...
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سورة النساء
مدنية 2
وآياتها 176آية
بسم ال الرحمن الرحيم
جهَا وَ َبثّ مِ ْن ُهمَا رِجَالً كَثِيرا
س وَاحِ َد ٍة َوخَلَقَ مِ ْنهَا َزوْ َ
{يَا أَ ّيهَا النّاسُ ا ّتقُوا رَ ّب ُكمُ الّذِي خََل َقكُمْ مِنْ َنفْ ٍ
وَنِسَا ًء وَا ّتقُوا اللّهَ الّذِي تَسَاءَلُونَ ِب ِه وَالَرْحَامَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَ ْي ُكمْ َرقِيبا (})1
شرح الكلمات:
{النّاسُ} :البشر ،واحد الناس من غير لفظه وهو إنسان.
{ا ّتقُوا رَ ّبكُمُ} :خافوه إن يعذبكم فامتثلوا أمره واجتنبوا نهيه.
ح َدةٍ : }3هي آدم عليه السلم.
س وَا ِ
{مِنْ َنفْ ٍ
جهَا} :خلق حواء من آدم من ضلعه .4
{وَخََلقَ مِ ْنهَا َزوْ َ
{وَ َبثّ} :نشر وفرق في الرض من آدم وزوجه رجالً ونساء كثيرا.
{تَسَاءَلُونَ بِهِ} :كقول الرجل لخيه :أسألك بال أن تفعل لي كذا.
{وَالَرْحَامَ} :الرحام :جمع رحم ،والمراد من اتقاء الرحام صلتها وعدم قطعها.
{ َرقِيبا} :الرقيب :الحفيظ العليم.
__________
لمَانَاتِ إِلَى أَهِْلهَا} فإنها مكية ،فإنها نزلت يوم الفتح في مكة
2الية{ :إِنّ اللّهَ يَ ْأمُ ُركُمْ أَنْ ُتؤَدّوا ا َ
في شأن عثمان بن طلحة الحجي.
3لفظ النفس :مؤنث قال تعالى{ :قَدْ َأفْلَحَ مَنْ َزكّاهَا} أي :النفس ،ولذا وصفت هنا بواحدة ل
بواحد.
4قال قتادة" :خلقت حواء من قصيراء آدم ،وفي الحديث" :المرأة من ضلع. "...
( )1/432
( )1/433
( )1/434
معنى اليات:
لما أمر تعالى بصلة الرحام وحرم قطعها في الية السابقة أمر في هذه الية أوصياء اليتامى أن
يعطوا اليتامى 1أموالهم إذا هم بلغوا سن الرشد وآنسوا منهم الرشد ،فقال تعالى{ :وَآتُوا الْيَتَامَى
َأ ْموَاَلهُمْ} .ونهاهم محرما عليهم أن يستبدلوا أموال اليتامى الجيدة بأموالهم الرديئة فقال تعالى:
{وَل تَتَبَدّلُوا ا ْلخَبِيثَ} ،أي :الرديء من أموالكم بالطيب من أموالهم ،مل في ذلك من أذية اليتيم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
في ماله ،ونهاهم أيضا أن يأكلوا أموال يتاماهم مخلوطة مع أموالهم لما في ذلك من أكل مال التيم
بغير حق فقال تعالى{ :وَل تَ ْأكُلُوا َأ ْموَاَلهُمْ 2إِلَى َأ ْموَاِلكُمْ} ،وعلل ذلك بأنه إثم عظيم فقال عز
وجل{ :إنه} أي :الكل {كَانَ حُوبا كَبِيرا} والحوب الثم .هذا معنى الية الولى({ )2وَآتُوا الْيَتَامَى
ب وَل تَ ْأكُلُوا َأ ْموَاَلهُمْ إِلَى َأ ْموَاِلكُمْ إِنّهُ كَانَ حُوبا 4كَبِيرا} ،وأما
َ 3أ ْموَاَلهُمْ وَل تَتَبَدّلُوا الْخَبِيثَ بِالطّ ّي ِ
الية الثانية( )3فقد أرشد ال تعالى أولياء اليتيمات أن هم خافوا أن ل يعدلوا معهن إذا تزوج
أحدهم وليته أرشدهم أن يتزوجوا ما طاب لهم من النساء غير ولياتهم مثنى ،وثلث ورباع .5
يريد اثنتين أو ثلث أو أربع كل بحسب قدرته ،فهذا خير من الزواج بالولية فيهضم حقها وحقها
خفْتُمْ أَل ُتقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَا ْنكِحُوا مَا طَابَ َلكُمْ مِنَ
آكد لقرابتها .هذا معنى قوله تعالى{ :وَإِنْ ِ
خفْتُمْ أَل َت ْعدِلُوا َفوَاحِ َدةً َأوْ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ} يريد تعالى
ث وَرُبَاعَ} .وقوله{ :فَإِنْ ِ
النّسَاءِ مَثْنَى وَثُل َ
وإن خاف المؤمن أل يعدل بين زوجاته لضعفه فليكتف بواحدة ول يزد عليها غيرها أو يتسرى
بمملوكته إن كان له مملوكة فإن هذا أقرب إلى أن ل يجور المؤمن ويظلم نساءه .هذا معنى قوله
خفْتُمْ أَل َت ْعدِلُوا َفوَاحِ َدةً َأوْ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ ذَِلكَ أَدْنَى أَل َتعُولُوا} .وفي الية الرابعة
تعالى { :فَإِنْ ِ
والخيرة يأمر تعالى بأن يعطوا النساء مهورهن فريضة منه تعالى فرضها على
__________
1هذا باعتبار ما كانوا عليه ،أما اليوم فليسوا يتامى ،إذ ل يتم مع البلوغ.
2قيل :إلى هنا بمعنى مع ،وهو سائغ إلى أنها على بابها أولى والتقدير ول تأكلوا أمواله مضافة
إلى أموالكم.
3أي :أعطوا ،يقال :أتاه كذا ،أعطاه إياه واليتاء مصدر العطاء ،ويقال لفلن :أتوا ،أي :عطاء،
ويقال :أتوت الرجل أتوه إيتاوه وهي الرشوة ،وليتاء اليتامى أموالهم صورتان :الولى :غذائهم
وكساؤهم ما داموا تحت الولية ،والثانية :دفع أموالهم إليهم ،وذلك عند البلوغ والرشد.
4الحوب :الثم ،وفيه لغات :الحوب بضم الحاء ،والحوب بفتحها ،والحيابة والحاب أيضا ،وهو
ل وقالً ،ويكون الحوب بالضم بمعنى الوحشة ،ومنه قوله صلى ال
مصدر كالقال من قال :قو ً
عليه وسلم لبي أيوب" :إن طلق أم أيوب لحوب" ،والحوبة :الثم ومنه :اللهم اغفر حوبتي،
والحوبة :الحاجة ،ومنه :إليك أرفع حوبتي ،أي :حاجتي .هذا في الدعاء.
ث وَرُبَاعَ} أن ينكح الرجل اثنتين أو ثلثا
5الجماع على أن المراد من قوله تعالى{ :مَثْنَى وَثُل َ
أو أربعا على التخيير ،وليس معناه الجمع بين تسع نساء ،ومن فعل وهو عالم يحد بالرجم ،وإن
كان جاهلً يحد بالجلد.
( )1/435
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الرجل لمرأته ،فل يحل له ول لغيره أن يأخذ منها شيئا إل يرضى الزوجة فإن هي رضيت فل
شيْءٍ مِنْهُ َنفْسا َفكُلُوهُ هَنِيئا مَرِيئا} .
حرج في الكل من الصداق لقوله تعالى{ :فَإِنْ طِبْنَ َلكُمْ عَنْ َ
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1كل مال حرام فهو خبيث ،وكل حلل فهو طيب.
-2ل يحل للرجل أن يستبدل جيدا من مال يتيمه بمال رديء من ماله؛ كأن يأخذ شاة سمينة
ويعطيه هزيلة أو يأخذ تمرا جيدا ويعطيه رديئا خسيسا.
-3ل يحل خلط مال اليتيم مع مال الوصي ويؤكلن جميعا لما في ذلك من أكل مال اليتيم ظلما.
-4جواز نكاح أكثر من واحدة إلى أربع مع المن من الحيف والجور.
-5وجوب مهور النساء وحرمة الكل منها بغير طيب نفس صاحبة المهر وسواء في ذلك الزوج،
وهو المقصود في الية أو الب والقارب.
ج َعلَ اللّهُ َلكُمْ قِيَاما وَارْ ُزقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُ ْم َوقُولُوا َلهُمْ َق ْولً
سفَهَاءَ َأ ْموَاَلكُمُ الّتِي َ
{وَل ُتؤْتُوا ال ّ
َمعْرُوفا( )5وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتّى ِإذَا بََلغُوا ال ّنكَاحَ فَإِنْ آ َنسْتُمْ مِ ْنهُمْ ُرشْدا فَا ْد َفعُوا إِلَ ْيهِمْ َأ ْموَاَلهُ ْم وَل
ف َومَنْ كَانَ َفقِيرا فَلْيَ ْأ ُكلْ بِا ْل َمعْرُوفِ فَإِذَا
تَ ْأكُلُوهَا إِسْرَافا وَبِدَارا أَنْ َيكْبَرُوا َومَنْ كَانَ غَنِيّا فَلْيَسْ َت ْعفِ ْ
ش ِهدُوا عَلَ ْيهِ ْم َو َكفَى بِاللّهِ حَسِيبا(})6
َد َفعْتُمْ إِلَ ْيهِمْ َأ ْموَاَلهُمْ فَأَ ْ
شرح الكلمات:
{وَل ُتؤْتُوا : }1ل تعطوا.
__________
1في الية دليل على مشروعية الحجر على السفيه ،وسواء كان السفه لصغر أو لخفة عقل أو
عدم رشيد.
( )1/436
( )1/437
زراعة فيبقى رأس المال والكل يكون من الربح فقط ،كما أمرهم أن يقولوا لسفائهم الذين منعوهم
ل معروفا؛ كالعدة الحسنة والكلمة الطيبة ،هذا ما تضمنته الية الولى ،أما
المال أن يقولوا لهم قو ً
الثانية ( )6فقد أمرهم تعالى باختبار 1اليتامى إذا بلغوا سن الرشد أو ناهزوا البلوغ 2بأن يعطوا
شيئا من المال ويطلبوا منهم أن يبيعوا أو يشتروا فإذا وجدوا منهم حسن تصرف دفعوا إليهم
أموالهم وأشهدوا عليهم ،حتى ل يقول أحدهم في يوم من اليام ما أعطيتني ماليَ { ،وكَفَى بِاللّهِ
حسِيبا} أي :شاهدا ورقيبا حفيظا .ونهاهم عز وجل أن يأكلوا أموال اليتامى إسرافا وبدارا أن
َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يكبروا ويريد ل تأكلوا أموال يتاماكم أيها الولة والوصياء 3بطريق السراف ،وهو النفاق
الزائد على قدر الحاجة ،والمبادرة هي المسارعة قبل أن يرشد السفيه وينقل إليه المال .ثم
أرشدهم إلى أقوم الطرق وأسدها في ذلك ،فقالَ { :ومَنْ كَانَ غَنِيّا} فليكف عن مال اليتيم ول يأكل
منه شيئاَ { ،ومَنْ كَانَ فَقِيرا فَلْيَ ْأ ُكلْ بِا ْل َمعْرُوفِ} وذلك بأن يستقرض منه ثم يرده إليه بعد الميسرة،
وإن كان الولي فقيرا جاز له أن يعمل بأجر كسائر العمال ،وإن كان غنيا فليعمل مجانا احتسابا
وأجره على ال ،وال ل يضيع أجر من أحسن عمل.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1مشروعية الحجر على السفيه لمصلحته.
-2استحباب تنمية الموال في الوجه الحلل لقرينة {وَارْ ُزقُوهُمْ فِيهَا} .
-3وجوب اختبار السفيه قبل دفع ماله إليه ،إذ ل يدفع إليه المال إل بعد وجود الرشد.
-4وجوب الشهاد على دفع المال إلى اليتيم بعد بلوغه ورشده.
-5حرمة أكل مال اليتيم والسفيه مطلقا.
-6الوالي على اليتيم إن كان غنيا فل يأكل من مال اليتيم شيئا ،وإن كان فقيرا استقرض ورد
عند الوجد واليسار ،وإن كان مال اليتيم يحتاج إلى أجير للعمل فيه جاز للوفي أن يعمل بأجرة
المثل.
__________
1هذا الية نزلت في ثابت بن رفاعة ،وفي عمه ،وذلك أن رفاعة توفى وترك ابنه وهو صغير،
فأتى عم ثابت إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال :إن أبن أخي في حجري ،فما يحل لي من
ماله ،ومتى أدفع إليه ماله؟ .فأنزل ال تعالى هذه الية.
2يعرف البلوغ بالحتلم وإنبات شعر العانة ،أو بلوغ ثمانية عشر سنة ،هذا للغلم .أما الجارية
فتزيد بعلمة أخرى هي الحيض والحمل.
3العاجز عن الوصاية لجهل أو عدم قدرته أو ضعف أرادته ينبغي له أن ل يلي مال يتيم أو
قاصر لقول الرسول صلى ال عليه وسلم لبي ذر " :يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما
أحب لنفسي لتأمرن على اثنين ول تلينّ مال يتيم" رواه مسلم.
( )1/438
( )1/439
( )1/440
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ضعَافا خَافُوا عَلَ ْيهِمْ فَلْيَ ّتقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُوا
وهي قوله تعالى{ :وَلْ َيخْشَ الّذِينَ َلوْ تَ َركُوا مِنْ خَ ْل ِفهِمْ ذُرّيّ ًة ِ
سدِيدا} ،فقد تضمنت إرشاد ال تعالى للمؤمن الذي يحضر مريضا على فراش الموت بأن ل
َقوْلً َ
يسمح له أن يحيف في الوصية بأن يوصي لوارث أو يوصي بأكثر من الثلث أو يذكر دينا ليس
عليه ،وإنما يريد حرمان الورثة .فقال تعالى آمرا عباده المؤمنين {وَلْ َيخْشَ الّذِينَ َلوْ تَ َركُوا مِنْ
ضعَافا خَافُوا عَلَ ْي ِهمْ} ،أي :فليخشوا هذه الحال على أولد
خَ ْل ِفهِمْ} أي :من بعد موتهم{ ،ذُرّيّ ًة ِ
غيرهم ممن حضروا وفاته .كما يخشونها على أولدهم .إذا فعليهم أن يتقوا ال في أولد غيرهم.
وليقولوا لمن حضروا وفاته ووصيته قولً سديدا :صائبا ل حيف فيه ول جور معه .هذا ما
تضمنته الية الثالثة ( ،)9أما الية الرابعة ( )10فقد تضمنت وعيدا شديدا لمن يأكل مال اليتيم
ظلما ،إذ قال تعالى{ :إِنّ الّذِينَ يَ ْأكُلُونَ َأ ْموَالَ الْيَتَامَى 1ظُلْما إِ ّنمَا يَ ْأكُلُونَ فِي بُطُو ِنهِمْ نَارا
سعِيرا} .والمراد من الظلم أنهم أكلوها بغير حق أباح لهم ذلك كأجرة عمل ونحوه،
وَسَ َيصَْلوْنََ 2
ومعنى{ :يَ ْأكُلُونَ فِي بُطُو ِنهِمْ نَارا} إنهم يأكلون النار يوم القيامة ،فقوله إنما يأكلون في بطونهم
نارا هو باعتبار ما يؤول إليه أمر أكلهم اليوم ،والعياذ بال من نار السعير.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1تقرير مبدأ التوارث في السلم.
-2استحباب إعطاء من حضر قسمة التركة من قريب أو يتيم ومسكين وإن تعذر إعطاؤهم
صُرفوا بالكلمة الطيبة ،وفي الحديث" :الكلمة الطيبة صدقة" .
-3وجوب النصح والرشاد للمحتضر حتى ل يجور في وصيته عند موته.
-4على من يخاف على أطفاله بعد موته أن يحسن إلى أطفال غيره فإن ال تعالى يكفيه فيهم.
-5حرمة أكل مال اليتامى ظلما ،والوعيد الشديد فيه.
__________
1الية دليل على أن أكل مال اليتيم بدون حق من كبائر الذنوب بل هو من الموبقات السبع
لحديث الصيحح" :اجتنبوا السبع الموبقات" وذكر الشرك ،وعقوق الوالدين ،والربا ،وأكل مال
اليتيم ،والتولي يوم الزحف ،وقذف المحصنات الغافلت المؤمنات.
2قرأ أبو حيوة{ :وسيُصلّون} بضم الياء وتشديد اللم من التصلية التي هي كثرة الفعل مرة بعد
جحِيم صَلّوه} ،أي :مرة بعد مرة ،وعليه قول الشاعر:
أخرى ومنه { :ثُمّ الْ َ
وقد تصليت حر حربهم ...كما تصلى المقرور من قرتين
يريد أنه اكتوى بنار حربهم مرة بعد مرة كما يفعل من به البرد الشديد فإنه يستدفئ مرة بعد مرة.
( )1/441
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ك وَإِنْ
ظ الُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنّ نِسَاءً َفوْقَ اثْنَتَيْنِ فََلهُنّ ثُلُثَا مَا تَ َر َ
حّ{يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي َأوْل ِدكُمْ لِل ّذكَرِ مِ ْثلُ َ
حدٍ مِ ْن ُهمَا السّ ُدسُ ِممّا تَ َركَ إِنْ كَانَ لَ ُه وََلدٌ فَإِنْ لَمْ َيكُنْ لَهُ
ل وَا ِ
ف َولَبَوَيْهِ ِل ُك ّ
ص ُ
كَا َنتْ وَاحِ َدةً فََلهَا ال ّن ْ
لمّهِ السّدُسُ مِنْ َب ْع ِد َوصِيّةٍ يُوصِي ِبهَا َأوْ دَيْنٍ
خ َوةٌ فَ ُ
لمّهِ الثُّلثُ فَإِنْ كَانَ َلهُ إِ ْ
وَلَ ٌد َووَرِثَهُ أَ َبوَاهُ فَ ُ
حكِيما(})11
آبَا ُؤكُ ْم وَأَبْنَا ُؤكُمْ ل تَدْرُونَ أَ ّيهُمْ َأقْ َربُ َل ُكمْ َنفْعا فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيما َ
شرح الكلمات:
{يُوصِيكُمُ} :يعهد إليكم.
{فِي َأوْل ِدكُمْ} :في شأن أولدكم والولد يطلق على الذكر والنثى.
{حَظّ} :الحظ :الحصة أو النصيب.
{نِسَاءً} :بنات كبيرات أو صغيرات.
{ثُلُثَا مَا تَ َركَ} :الثلث :واحد من ثلثة ،والثلثان :اثنان من ثلثة.
{السّدُسُ} :واحد من ستة.
{إِنْ كَانَ َل ُه وَلَدٌ} :ذكرا كان أو أنثى ،أو كان له ولد ولدٍ أيضا ذكرا أو أنثى ،فالحكم واحد.
خ َوةٌ} :اثنان فأكثر.
{فَإِنْ كَانَ َلهُ إِ ْ
{مِنْ َبعْدِ وَصِيّةٍ} :أي يُخرجُ الدين 1ثم الوصية ويقسم الباقي على الورثة.
{ل تَدْرُونَ} :ل تعلمون.
{فَرِيضَةً : }2فرض ال ذلك عليكم فريضة.
__________
1يرى المام الشافعي أن من مات وعليه زكاة أو حج الفرض أن يخرج ذلك من ماله قبل قسمة
التركة ،وقال مالك :إن أوصى به تنفذ تنفذ وصيته ،وإن لم يوص فالمال للورثة ،وهو أمره إلى
ال تعالى.
2الفرائض ست :وهي النصف ،والربع ،والثمن ،والثلثان ،والثلث ،والسدس.
( )1/442
حكِيما} :عليما بخلقه وما يصلح لهم ،حكيما في تصرفه في شؤون خلقه وتدبيره لهم.
{عَلِيما َ
معنى الية الكريمة:
ظ الُنْثَيَيْنِ} إلخ .والتي بعدها(
حّهذه الية الكريمة({ )11يُوصِيكُمُ 1اللّهُ فِي َأوْل ِدكُمْ 2لِل ّذكَرِ مِ ْثلُ َ
جكُمْ} إلخ .نزلت لتفصيل حكم الية ( )7والتي
صفُ مَا تَ َركَ أَ ْزوَا ُ
)12وهي قوله تعالى{ :وََل ُكمْ ِن ْ
تضمنت شرعية التوارث بين القارب المسلمين فالية الولى( )11بين تعالى فيها توارث البناء
ظ الُنْثَيَيْنِ}
مع الباء ،فقال تعالى { :يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي َأوْل ِدكُمْ} أي :في شأن أولدكم {لِل ّذكَرِ مِ ْثلُ حَ ّ
يريد إذا مات الرجل وترك أولدا ذكورا وإناثا فإن التركة تقسم على أساس للذكر مثل نصيب
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
النثيين ،فلو ترك ولدا وبنتا وثلثة دنانير فإن الولد يأخذ دينارين ،والبنت تأخذ دينارا ،وإن ترك
بنات اثنين أو أكثر ولم يترك معهن ذكرا فإن للبنتين فأكثر الثلثين ،والباقي للعصبة ،إذ قال تعالى:
{فَإِنْ كُنّ ِنسَاءً َفوْقَ اثْنَتَيْنِ فََلهُنّ ثُلُثَا مَا تَ َركَ} .وإن ترك بنتا واحدة فإن لها النصف والباقي
صفُ} ،وإن كان الميت قد ترك أبويه،
ت وَاحِ َدةً فََلهَا ال ّن ْ
للعصبة ،وهو معنى قوله تعالى{ :وَإِنْ كَا َن ْ
أي :أمه وأباه وترك أولدا ذكورا أو إناثا فإن لكل واحد من أبويه السدس والباقي للولد ،وهو
معنى قوله تعالىَ { :ولَ َبوَيْهِ ِل ُكلّ وَاحِدٍ مِ ْن ُهمَا السّدُسُ ِممّا تَ َركَ إِنْ كَانَ َل ُه وَلَدٌ} ،يريد ذكرا كان أو
أنثى .3فإن لم يكن للهالك ولد ول وَل ْد ولَدٍ فلمه الثلث 4وإن كان له أخوة اثنان فأكثر فلمه
لمّهِ السّدُسُ} .أي :تسقط من الثلث 6إلى
خ َوةٌ فَ ُ
السدس ،5هذا معنى قوله تعالى{ :فَإِنْ كَانَ لَهُ إِ ْ
السدس وهذا
__________
1هذه الية مبينة لما أجمل في آية{ :للرجَال نَصيب }..وتسمى آية المواريث وهي من أعظم
اليات قدرا؛ لن علم الفرائض يعتبر ثلث العلم لقوله صلى ال عليه وسلم في رواية أبي داود
وغيره" :العلم ثلثة وما سوى ذلك فهو فضل :آية محكمة ،أو سنة قائمة ،أو فريضة عادلة" .
ومعنى محكمة غير منسوخة ،ومعنى قائمة ثابتة صحيحة ،ومعنى عادلة لم يخرج بها عن مراد
ال تعالى منها ،وذلك بإعطاء الوارث ما كتب ال له.
2خرج من لفظ :الولد الكافر لنه ل حق له في الرث؛ لن الكفر مانع ،وذلك لقوله صلى ال
عليه وسلم" :ل يرث المسلم الكافر ،ول الكافر المسلم" .كما خرج ميراث النبي صلى ال عليه
وسلم لقوله" :إنا معاشر النبياء ل نورث ما تركناه صدقة" .
3إذا كان الولد خنثى فإنه يورث من حيث يبول ،إن بال من حيث يبول الرجال يورث إرث
الذكر ،وإن بال من حيث تبول النساء يورث إرث النساء ،وإن أشكل ذلك يعطي نصف ميراث
ذكر ونصف ميراث أنثى .على هذا الجمهور.
4هناك ما يعرف بالثلث الباقي ،وهو أن تهلك هالكة وتترك زوجها وأبويها؛ فللزوج النصف،
والباقي ثلثه للم ،والثلثان للب ،قرر هذا ابن عباس ،وزيد بن ثابت ،وقرره كافة الصحاب،
وعليه الئمة ،وحتى ل تأخذ المرأة أكثر من الرجل.
5قيل في سر حجب الخوة لمهم من الثلث إلى السدس :أن والدهم هو الذي يلي نكاحهم وهو
الذي ينفق عليهم دون أمهم .وهو رأي حسن.
6الجدة ترث السدس ول ترث الثلث ،كما ترثه الم إجماعا.
( )1/443
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يسمى بالحجب فحجبها إخوة ابنها الميت من الثلث إلى السدس .وقوله تعالى{ :مِنْ َبعْ ِد َوصِيّةٍ
يُوصِي ِبهَا َأوْ دَيْنٍ} يريد أن قسمة التركة على النحو الذي بين تعالى يكون بعد قضاء دين الميت
وإخراج ما أوصى به إن كان الثلث فأقل وهو معنى قوله تعالى{ :مِنْ َب ْع ِد َوصِيّةٍ يُوصِي ِبهَا َأوْ
دَيْنٍ} .وقوله تعالى{ :آبَا ُؤكُ ْم وَأَبْنَا ُؤكُمْ ل تَدْرُونَ أَ ّيهُمْ َأقْ َربُ َل ُكمْ َنفْعا} معناه :نفذوا هذه الوصية
المفروضة كما علمكم ال ول تحاولوا أن تفضلوا أحدا على أحد فإن هؤلء الوارثين آباؤكم
وأبناؤكم ول تدرون أيهم أقرب لكم نفعا في الدنيا والخرة ،ولذا فاقسموا التركة كما علمكم بل
محاباة فإن ال تعالى هو القاسم والمعطي عليم بخلقه وبما ينفعهم أو يضرهم حكيم في تدبيره
لشؤونهم فليفوض المر إليه ،وليرض بقسمته فإنها قسمة عليم حكيم.
هداية الية الكريمة
من هداية الية الكريمة:
-1أن ال تعالى تولى قسمة التركات بنفسه فل يحل لحد أن يغر منها شيئا.
-2الثنان يعتبران جمعا.
-3ولد الولد 1حكمه حكم الولد نفسه في الحجب.
-4الب عاصب فقد يأخذ فرضه مع أصحاب الفرائض وما بقي يرثه بالتعصيب لقوله صلى ال
عليه وسلم" :ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فالولى رجل ذكر.
ن وَلَدٌ فََل ُكمُ الرّبُعُ ِممّا تَ َركْنَ مِنْ َبعْدِ
ن وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ َلهُ ّ
جكُمْ إِنْ لَمْ َيكُنْ َلهُ ّ
صفُ مَا تَ َركَ أَ ْزوَا ُ
{وََلكُمْ ِن ْ
ن وََلهُنّ الرّبُعُ ِممّا تَ َركْتُمْ إِنْ لَمْ َيكُنْ َل ُك ْم وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ َلكُمْ وَلَدٌ فََلهُنّ الّثمُنُ
َوصِيّةٍ يُوصِينَ ِبهَا َأوْ دَيْ ٍ
ِممّا تَ َركْتُمْ
__________
1لفظ :الولد ،يشمل المولود فعلً ،والجنين في بطن أمه دنيا أو بعيدا من الذكور أو الناث على
حد سواء.
( )1/444
( )1/445
ِبهَا َأوْ دَيْنٍ} .هذا ميراث الزوجة من زوجها فهو الربع إن لم يترك الزوج ولدا ول ولد ولد ذكرا
كان أو أنثى فإن ترك ولدا أو ولد ولد فللزوجة الثمن ،وهذا معنى قوله تعالى{ :وََلهُنّ الرُّبعُ ِممّا
تَ َركْتُمْ إِنْ َلمْ َيكُنْ َلكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ َلكُ ْم وََلدٌ فََلهُنّ الّثمُنُ ِممّا تَ َركْتُمْ مِنْ َبعْدِ َوصِيّةٍ تُوصُونَ ِبهَا َأوْ
دَيْنٍ} .هذا وإن كان للزوج الهالك زوجتان أو أكثر فإنهن يشتركن في الربع بالتساوي إن لم يكن
جلٌ
للهالك ولد ،وإن كان له ولد فلهن الثمن يشتركن فيه بالتساوى وقوله تعالى{ :وَإِنْ كَانَ رَ ُ
يُو َرثُ كَللَةً َأوِ امْرََأةٌ} أي تورث كللة أيضا ،والموروث كللة وهو من ليس له والد ول ولد،
وإنما يرثه إخوته لمه كما في هذه الية أو إخوته لبيه وأمه كما في آي الكللة في آخر هذه
السورة ،فإن كان له أخ من أمه فله السدس ،وكذا إن كانت له أخت فلها السدس ،وإن كانوا اثنين
ل وَاحِدٍ
ختٌ فَِل ُك ّ
جلٌ يُو َرثُ كَللَةً َأوِ امْرََأ ٌة وَلَهُ أَخٌ َأوْ أُ ْ
فأكثر فلهم الثلث 1لقوله تعالى{ :وَإِنْ كَانَ َر ُ
مِ ْن ُهمَا السّدُسُ فَإِنْ كَانُوا َأكْثَرَ مِنْ ذَِلكَ َفهُمْ شُ َركَاءُ فِي الثُّلثِ مِنْ َبعْدَِ 2وصِيّةٍ يُوصَى ِبهَا َأوْ دَيْنٍ
غَيْرَ ُمضَارّ }3بأن يوصى بأكثر من الثلث ،أو يقر بدين وليس عليه دين وإنما حسد للورثة أو
بغضا لهم ل غير ،فإن تبين ذلك فل تنفذ الوصية ول يسدد الدين وتقسم التركة كلها على الورثة،
وقوله تعالىَ { :وصِيّةً مِنَ اللّهِ} أي :وصاكم أيها المؤمنون بهذا وصية فهي جديرة بالحترام
والمتثال .وال عليم بنياتكم وأحوالكم وما يضركم وما ينفعكم فسلموا قسمته وأطيعوه فيها وهو
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حليم ل يعاجل بالعقوبة فل يغركم حلمه أن بطشه شديد وعذابه أليم.
هداية الية
من هداية الية:
-1بيان ميراث الزوج من زوجته ،والزوجة والزوجات من زوجهن.
-2بيان ميراث الكللة وهو من ل يترك والدا ول ولدا فيرثه إخوته فقط 4يحوطون به إحاطة
__________
1وهو ما يعرف بالحجرية ،أو الحمارية ،أو المشتركة وهي :أن تموت امرأة وتترك زوجها
وأمها وأخوة لمها وأخا لبيها وأمها ،فللزوج النصف ،والم السدس ،والباقي للخوة للم ،ول
شيء للخ للب ،أو لهما معا .وسميت بالحمارية :لنهم لما منعوا قالوا للقاضي بينهم :هب أبانا
حمارا أليست أمنا واحدة ،وقالوا هب أبانا حجرا أليست أمنا واحدة ،وطالبوا بتشريكهم في الرث
فسميت المشتركة.
2ذكرت الوصية قبل الدين ،والجماع على تقديم الدين على الوصية لحكم رسول ال صلى ال
عليه وسلم بذلك وقيل في السر في ذلك :أن تقديم الوصية في اللفظ كان بسبب أنه ل يوجد من
يطالب بها فقد تنسى ،وأما الدين فأهله يطالبون به فل ينسى ول يترك.
3مضار :اسم فاعل ،أي :مضارر ،فأدغمت الراء في الراء فصارت مضار ،أي :حال كون
الموصي غير مريد الضرار بالورثة.
4أي :لمه ،ولهذا خالف أخوة الم الورثة في ثلث مسائل :الولى :أنهم يرثون مع من يدلون به
وهو أمهم .والثانية :إن ذكورهم وإناثهم في الميراث سواء .والثالثة :أنهم ل يرثون إل إذا كان
ميتهم يورث كللة.
( )1/446
( )1/447
يدخله نارا يخلد فيها 1وله عذاب مهين .والعياذ بال من عذابه وشر عقابه.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1بيان حرمة تعدي حدود ال تعالى.
-2بيان ثواب طاعة ال ورسوله وهو الخلود في الجنة.
-3بيان جزاء معصية ال ورسوله وهو الخلود في 2النار والعذاب المهين فيها.
سكُوهُنّ فِي الْبُيُوتِ
ش ِهدُوا فََأمْ ِ
شهِدُوا عَلَ ْيهِنّ أَرْ َب َعةً مِ ْنكُمْ فَإِنْ َ
شةَ مِنْ نِسَا ِئكُمْ فَاسْتَ ْ
{وَاللتِي يَأْتِينَ ا ْلفَاحِ َ
ج َعلَ اللّهُ َلهُنّ سَبِيلً( )15وَالّذَانِ يَأْتِيَا ِنهَا مِ ْنكُمْ فَآذُو ُهمَا فَإِنْ تَابَا وََأصْلَحَا
حَتّى يَ َت َوفّاهُنّ ا ْل َم ْوتُ َأوْ َي ْ
جهَالَةٍ ُثمّ
فَأَعْ ِرضُوا عَ ْن ُهمَا إِنّ اللّهَ كَانَ َتوّابا َرحِيما( )16إِ ّنمَا ال ّتوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلّذِينَ َي ْعمَلُونَ السّوءَ ِب َ
ستِ ال ّتوْبَةُ لِلّذِينَ َي ْعمَلُونَ
حكِيما( )17وَلَيْ َ
يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَ ِئكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَ ْيهِ ْم َوكَانَ اللّهُ عَلِيما َ
ن وَل الّذِينَ َيمُوتُونَ وَهُمْ ُكفّارٌ أُولَ ِئكَ أَعْ َتدْنَا
حضَرَ أَحَ َدهُمُ ا ْل َم ْوتُ قَالَ إِنّي تُ ْبتُ ال َ
السّيّئَاتِ حَتّى ِإذَا َ
عذَابا أَلِيما(})18
َلهُمْ َ
__________
1إن أريد بالعصيان هنا :الكفر ،فالخلود على بابه .وإن أريد بها الكبائر :فالخلود مستعار لمدة ما
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
كقولنا :خلد ال ملكك .وكقول زهير :ول أرى خالدا إل الجبال الرواسيا.
2هذا الخلود لمن كانت معصيته مكفرة له ،أما من لم يكفر بمعصيته فإنه ل يخلد في النار ،بل
يخرج منها بإيمانه كما بينت ذلك السنة ا لصحيحة.
( )1/448
شرح الكلمات:
{وَاللتِي : }1جمع التي ،اسم موصول للمؤنث المفرد ،واللتي للجمع المؤنث.
حشَةَ : }2المراد بها هنا :الزنا.
{ا ْلفَا ِ
{مِنْ نِسَا ِئ ُكمْ} :المحصنات .3
{سَبِيلً} :طريقا للخروج من سجن البيوت.
{يَأْتِيَا ِنهَا} :الضمير عائد إلى الفاحشة المتقدم ذكرها.
{فَأَعْ ِرضُوا عَ ْن ُهمَا} :اتركوا آذيتهما بعد أن ظهرت توبتهما.
{ال ّتوْبَةُ} :أصل التوبة الرجوع وحقيقتها الندم على فعل القبيح مع تركه ،والعزم على عدم العودة
إليه.
{السّوءَ} :كل ما أساء إلى النفس والمراد به هنا :السيئات.
جهَالَةٍ} :ل مع العمد والصرار وعدم المبالة.
{ ِب َ
{أَعْ َتدْنَا} :أعددنا وهيأنا.
{أَلِيما} :موجعا شديد اليجاع.
معنى اليات:
لما ذكر تعالى بحدوده وذكر جزاء متعديها ،ذكر هنا معصية من معاصيه وهي فاحشة الزنا،
ووضع لها حدا في البيوت حتى الموت أو إلى أن ينزل حكما آخر يخرجهن من الحبس وهذا
شهِدُوا عَلَ ْيهِنّ أَرْ َبعَةً
بالنسبة إلى المحصنات .فقال تعالى{ :وَاللتِي يَأْتِينَ ا ْلفَاحِشَةَ مِنْ ِنسَا ِئكُمْ فَاسْ َت ْ
مِ ْنكُمْ }4أي :من المسلمين بشهدون بأن فلنة زنت بفلنة
__________
1ومثل اللتي :اللئي ،وجمع اللتي ،اللواتي ،وجمع اللئي :اللوائي.
2سمي الزنا :فاحشة لنه تجاوز الحد في الفساد ،إذ به يفسد الخلق والعرض والنسب والدين
والمجتمع ،وكفى بهذا فسادا عظيما.
3النساء :اسم جمع واحدة من غير لفظ" :امرأة" والمحصنات :جمع محصنة وهي التي تزوجت
زواجا شرعيا ،وسواء بقيت عليه أو تأيمت بموت أو طلق.
4منكم :أي من المسلمين ،إذ ل بد من أربعة شهود من المسلمين يشهدون بأنهم رأوا الفرج في
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الفرج .مثل :الميل في المكحلة ،لحديث أبي داود عن جابر قال" :جاءت اليهود برجل وامرأة منهم
زنيا .فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :ي بأعلم رجل منكم ،فأتوه بابن صوريا ،فناشدهما:
كيف تجدان أمر هذين في التوراة .قال :نجد في التوراة إذا شاهد أربعة أنهم رأوا ذكره في
فرجها ،مثل الميل في المكحلة رجما .قال :فما يمنعمكا أن ترجموهما؟ قال :ذهب سلطاننا فكرهنا
القتل .فدعا الرسول صلى ال عليه وسلم الشهود فحضروا وشهدوا فأمر برجمهما فرجما".
( )1/449
فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن 1أو يجعل ال لهن سبيل .أما غير المحصنات وهن البكار
فقد قال تعالى في شأنهن{ ،وَالّذَانِ يَأْتِيَا ِنهَا مِ ْنكُمْ} فآذوها ،أي :بالضرب الخفيف والتقريع والعتاب،
مع الحبس للنساء ،أما الرجال فل يحبسون وإنما يكتفى بآذاهم إلى أن يتوبوا ويصلحوا فحين إذ
يعفو عنهم ويكفوا عن أذيتهم هذا معنى قوله تعالى{ :وَالّذَانِ 2يَأْتِيَا ِنهَا مِ ْنكُمْ فَآذُو ُهمَا فَإِنْ تَابَا
وََأصْلَحَا فَأَعْ ِرضُوا عَ ْن ُهمَا إِنّ اللّهَ كَانَ َتوّابا َرحِيما} .
ولم يمض على هذين الحدين إل القليل من الزمن حتى أنجز الرحمن ما وعد وجعل لهن سبيلً،
فقد صح أنه صلى ال عليه وسلم كان جالسا بين أصحابه حتى أنزل ال تعالى عليه الحكم النهائي
في جريمة الزنا فقال صلى ال عليه وسلم " :خذوا عني ،خذوا عني قد جعل ال لهن سبيل الثيب
بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة ،والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام" .والمراد من الثيب
بالثيب ،أي :إذا ثيب بثيب ،وكذا البكر بالبكر .وبهذا أوقف الحد الول من النساء والرجال معا
ومضى الثاني ،أما جلد البكرين فقد نزل فيه آية النور{ :الزّانِيَ ُة وَالزّانِي فَاجِْلدُوا ُكلّ وَاحِدٍ مِ ْن ُهمَا
مِائَةَ جَلْ َدةٍ} ،وأما رجم المحصنين فقد مضت فيه السنة ،فقد رجم ماعز ،والغامدية بأمر رسول
ال صلى ال عليه وسلم وهو حد قائم إلى يوم القيامة .هذا ما دلت عليه اليتان الولى()15
والثانية( ،)16وأما اليتان بعدهما وهما()17و( )18فقد أخبر تعالى أن الذين يستحقون التوبة
وثبتت لهم من ال تعالى هم المذنبون الذين يرتكبون المعصية بسب جهالة منهم ،ثم يتوبون من
قريب ل يسوفون التوبة ول يؤخرونها أما الذين يجترحون السيئات مع علم منهم وإصرار ،ول
يتوبون إثر غشيان الذنب فل توبة تضمن لهم فقد يموتون بل توبة شأنهم شأن الذين يعملون
السيئات ول يتوبون حتى إذا مرض أحدهما وظهرت عليه علمات الموت وأيقن إنه ميت ل
محالة قال إنه تائب كشأن الكافرين إذا تابوا عند 3معاينة الموت فل تقبل
__________
1يتوفاهن :يتقاضاهن .يقال :توفى فلن حقه من فلن بمعنى استوفاه ،أي :أخذه كامل لم يبقى
منه شيئا ولما كان العمر أياما تمر يوما بعد يوم حتى ينقضي العمر ويموت النسان ،قيل في
الموت :الوفاة ،ويقال :توفى فلن؛ لن أيامه أخذت يوما فيوما حتى انقضت على طريقة تسديد
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الدين جزءا فجزءا حتى كمل .قال الشاعر:
إذ ما تقاضى المرء يوم وليلة ...تقاضاه شيء ل يمل التقضيا
2المراد من هذان :المساك للمرأة الزانية دون الرجل؛ لن الرجل يعمل فل يحبس ،فلذا غلب
جانب النساء في قوله{ :واللتي يأتِيَا الفَاحِشَة} ،وغلب الرجل على المرأة في قوله{ :واللَذان
يَأْتْيانَها منكم} لن الذى صالح للمرأة والرجل معا ،وهو عبارة عن السب والجفاء والتوبيخ
باللسان لغير.
ن وَهُمْ ُكفّارٌ} ليس على ظاهره ،وإنما معناه يشرفون على
3وعليه ،فقوله تعالى{ :وَل الّذِينَ َيمُوتُو َ
الموت ،ومن أشرف على الموت ،وحضره ،فحكمه حكم من مات وهو سائغ في اللغة.
( )1/450
منهم توبة أبدا .هذا معنى اليتين الكريمتين الولى {إِ ّنمَا ال ّتوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلّذِينَ َي ْعمَلُونَ السّوءَ
جهَالَةٍ ثُمّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَ ِئكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَ ْيهِم} أي :يقبل توبتهم لنه عليم بضعف عباده
بِ َ
حكيم يضع كل شيء في موضعه اللئق به ،ومن ذلك قبول توبة من عصوه بجهالة ل بعناد
ستِ ال ّتوْبَةُ ِللّذِينَ
ومكابرة وتحدٍ ،ثم تابوا من قريب لم يطيلوا 1مدة المعاصي ،والثانية{ :وَلَيْ َ
حضَرَ َأحَدَ ُهمُ ا ْل َم ْوتُ قَالَ إِنّي تُ ْبتُ النَ} ،كما هي ليست للذين يعيشون
َي ْعمَلُونَ السّيّئَاتِ حَتّى إِذَا َ
على الكفر فإذا جاء أحدهم الموت قال تبت كفرعون فإنه لما عاين الموت بالغرق {قَالَ آمَ ْنتُ أَنّهُ
عصَ ْيتَ
ل وَأَنَا مِنَ ا ْل ُمسِْلمِينَ} .فرد ال تعالى عليه { :آلنَ َوقَدْ َ
ل إِلَهَ إِل الّذِي آمَ َنتْ بِهِ بَنُو إِسْرائي َ
قَ ْبلُ َوكُ ْنتَ مِنَ ا ْل ُمفْسِدِينَ} .وقوله تعالى{ :أُولَ ِئكَ أَعْ َتدْنَا َلهُمْ عَذَابا أَلِيما} .إشارة إلى كل من مات
على غير توبة بارتكابه كبائر الذنوب أو بكفر وشرك إلى أن المؤمن الموحد يخرج من النار
بإيمانه والكافر يخلد فيها .نعوذ بال من النار وحال أهلها.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1عظم قبح فاحشة الزنى.
-2بيان حد الزنى قبل نسخه بآية سورة النور ،وحكم الرسول صلى ال عليه وسلم في رجم
المحصن والمحصنة.
-3التوبة التي تفضل ال بها هي ما كان صاحبها أتى ما أتى من الذنوب بجهالة ل بعلم وإصرار
ثم تاب من قريب زمن.
-4الذين يسوفون التوبة ويؤخرونها يخشى عليهم أن ل يتوبوا حتى يدركهم الموت وهم على ذلك
فيكونون من أهل النار ،وقد يتوب أحدهما ،لكن بندرة وقلة وتقبل توبته إذا لم يعاين أمارات
الموت لقول الرسول صلى ال عليه وسلم" :إن ال يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" .رواه الترمذي
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وأحمد وغيرهما وإسناده حسن.
-5ل تقبل توبة من حشرجت نفسه وظهرت عليه علمات الموت ،وكذا الكافر من باب أولى ل
تقبل له توبة باليمان إذا عاين علمات الموت كما لم تقبل توبة فرعون.
__________
1لن سنة ال تعالى :أن المرء إذا أدمن على معصية بطول فعلها يشربها قلبه فتحسن في نظره
وتجمل في طبعه ،فل يقوى على تركها ،وليس أدل على ذلك من فاحشة اللواط ،فهي من أقبح
الفواحش ،ومع هذا من زينت له ل يقدر على تركها.
( )1/451
حلّ َل ُكمْ أَنْ تَرِثُوا النّسَاءَ كَرْها وَل َت ْعضُلُوهُنّ لِتَذْهَبُوا بِ َب ْعضِ مَا آتَيْ ُتمُوهُنّ
{يَا أ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َي ِ
ج َعلَ
شةٍ مُبَيّنَ ٍة وَعَاشِرُوهُنّ بِا ْل َمعْرُوفِ فَإِنْ كَ ِرهْ ُتمُوهُنّ َف َعسَى أَنْ َتكْرَهُوا شَيْئا وَيَ ْ
إِل أَنْ يَأْتِينَ ِبفَاحِ َ
اللّهُ فِيهِ خَيْرا كَثِيرا( )19وَإِنْ أَ َردْتُمُ اسْتِبْدَالَ َزوْجٍ َمكَانَ َزوْجٍ وَآتَيْتُمْ ِإحْدَاهُنّ قِنْطَارا فَل تَ ْأخُذُوا
خذْنَ
ض وَأَ َ
ضكُمْ إِلَى َب ْع ٍ
خذُونَهُ ُبهْتَانا وَإِثْما مُبِينا(َ )20وكَ ْيفَ تَأْخُذُونَهُ َوقَدْ َأ ْفضَى َب ْع ُ
مِنْهُ شَيْئا أَتَأْ ُ
مِ ْنكُمْ مِيثَاقا غَلِيظا(})21
شرح الكلمات:
{كَرْها} :بدون رضاهن.
العضل :المنع بشدة كأنه إمساك بالعضلت أو من العضلت.
{بِ َب ْعضِ مَا آتَيْ ُتمُوهُنّ} :أي :من المهور.
الفاحشة :الخصلة القبيحة الشديدة القبح؛ كالزنا.
{مُبَيّنَةٍ : }1ظاهرة واضحة ليست مجرد تهمة أو مقالة سوء.
{بِا ْل َمعْرُوفِ : }2ما عرفه الشرع واجبا أو مندوبا أو مباحا.
{قِ ْنطَارا} :أي :من الذهب أو الفضة مهرا وصداقا.
__________
1قرئت{ :مبينة} بفتح الياء ،وقرئت بكسرها {مبينة} ،وقرأ ابن عباس {مبينة} بكسر الباء ،اسم
فاعل من أبان يبين ،فهو مبين ،وهي مبينة .والمعنى واحد.
2من المعاشرة بالمعروف :أن ل يعبس في وجهها بغير ذنب ،وأن يكون منطلقا في القول ل فظا
ول غليظا ،ول مظهرا ميلً إلى غيرها.
( )1/452
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{ ُبهْتَانا وَإِثْما} :أي :كذبا وافتراء ،وإثما حراما ل شك في حرمته؛ لنه ظلم.
ضكُمْ إِلَى َب ْعضٍ} :أي :خلص الزوج إلى عورة زوجته والزوجة كذلك.
{َأ ْفضَى َب ْع ُ
{مِيثَاقا غَلِيظا} :هو العقد وقول الزوج :إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
معنى اليات:
حلّ َلكُمْ أَنْ تَرِثُوا 1النّسَاءَ كَرْها} إبطال ما كان شائعا
تضمنت هذه الية{ :يَا أ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َي ِ
بين الناس قبل السلم من الظلم اللحق بالنساء ،فقد كان الرجل إ ذا مات والده على زوجته
ورثها أكبر أولده من غيرها فإن شاء زوجها وأخذ مهرها وإن شاء استبقاها حتى تعطيه ما
حلّ َلكُمْ أَنْ تَرِثُوا النّسَاءَ كَرْها}
يطلب منها من مال فأنزل ال تعالى قوله{ :يَا أ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل يَ ِ
.فبطل ذلك الحكم الجاهلي بهذه الية الكريمة وأصبحت المرأة إذا مات زوجها اعتدت في بيت
زوجها فإذا انقضت عدتها ذهبت حيث شاءت ولها ما لها وما ورثته من زوجها أيضا وقوله
حشَةٍ مُبَيّنَةٍ} .فهذا حكم آخر
تعالى{ :وَل َت ْعضُلُوهُنّ 2لِ َتذْهَبُوا بِ َب ْعضِ مَا آتَيْ ُتمُوهُنّ إِل أَنْ يَأْتِينَ ِبفَا ِ
وهو أن يحرم على الزوج إذا كره 3زوجته أن يضايقها ويضارها حتى تفتدي منه ببعض
مهرها ،إذ من معاني العضل المضايقة والمضارة ،هذا ما لم ترتكب الزوجة فاحشة الزنا أو
تترفع عن الزوج وتتمرد عليه وتبخسه حقه في الطاعة والمعاشرة بالمعروف أما إن أتت بفاحشة
مبينة ل شك فيها أو أنشزت نشوزا بينا فحينئذ للزوج أن يضايقها حتى تفتدي منه بمهرها أو
حشَةٍ مُبَيّنَةٍ} ثم أمر تعالى عباده المؤمنين
بأكثر حتى يطلقها ،وذلك لقوله تعالى{ :إِل أَنْ يَأْتِينَ ِبفَا ِ
بمعاشرة الزوجات بالمعروف وهو العدل والحسان ،فقال{ :وَعَاشِرُوهُنّ بِا ْل َمعْرُوفِ} ،وإن فرض
أن أحدا منكم كره زوجته وهي لم تأتي بفاحشة مبينة فليصبر عليها ول يطلقها فلعل ال تعالى
يجعل في بقائها في عصمته خيرا كثيرا له نتيجة الصبر عليها وتقوى ال تعالى فيها وفي غيرها،
فقد يرزق منها ولدا ينفعه ،وقد يذهب من نفسه ذلك الكره ويحل محله الحب والمودة .والمراد أن
ال تعالى أرشد المؤمن
__________
1روى البخاري في سند نزول هذه الية عن ابن عباس رضي ال عنهما قال" :كانوا إذا مات
الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها ،وإن شاءوا زوجوها ،وإن لم يشاءوا لم
حلّ َلكُمْ} ...إلخ.".
يزوجها ،فهم أحق بها من أهلها ،فنزلت هذه الية{ :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل يَ ِ
2جائز أن يكون فعل{ :و َتعْضلوهن} في محل نصب على تقدير ول تعضلون كما هي قراءة ابن
مسعود ،وجائز أن يكون في محل جزم على أن ل ناهية.
3كرها :لدمامة ،أو سوء خلق أو سلطة لسان على ذلك ،فإن الرسول صلى ال عليه وسلم قال:
"ل يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر" .رواه مسلم.
( )1/453
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إن كره زوجته أن يصبر ول يطلق لما في ذلك من العاقبة الحسنة ،لن الطلق بغير موجب غير
صالح ول مرغوب للشارع وكم من أمر يكرهه العبد ويصبر عليه فيجعل ال تعالى فيه الخير
الكثير .هذا ما تضمنته الية الولى ( ،)19أما اليتان بعدها فقد تضمنتا :تحريم أخذ شيء من
مهر المرأة إذا طلقها الزوج ل لتيانها بفاحشة ول لنشوزها ،ولكن لرغبة منه في طلقها ليتزوج
غيرها في هذه الحال ل يحل له أن يضارها لتفتدي منه بشيء ولو قل ،ولو كان قد أمهرها
قنطارا فل يحل أن يأخذ منه فلسا فضلً عن دينار أو درهم هذا معنى قوله تعالى{ :وَإِنْ أَرَدْ ُتمُ
حدَاهُنّ قِ ْنطَارا 1فَل تَ ْأخُذُوا مِنْهُ شَيْئا} أتأخذونه بهتانا ،أي :ظلما
ج وَآتَيْتُمْ إِ ْ
اسْتِ ْبدَالَ َزوْجٍ َمكَانَ َزوْ ٍ
بغير حق وكذبا وافتراء وإثما ،أي :ذنبا ًعظيما ،ثم قال تعالى منكرا على من يفعل ذلك :وكيف
تأخذونه أي :بأي وجه يحل لكم ذلك ،والحال أنه قد أفضى 2بعضهم إلى بعض أي :بالجماع ،إذ
ما استحل الزوج فرجها إل بذلك المهر فكيف إذا يسترده أو شيئا منه بهتانا وإثما مبينا ،فقال
ضكُمْ إِلَى َب ْعضٍ} ؟ وقوله تعالى{ :وََأخَذْنَ مِ ْنكُمْ مِيثَاقا غَلِيظا}
خذُونَ ُه َوقَدْ َأ ْفضَى َب ْع ُ
تعالىَ { :وكَ ْيفَ تَأْ ُ
يعني :عقد النكاح فهو عهد مؤكد يقول :الزوج نكحتها على مبدأ :إمساك بمعروف أو تسريح
بإحسان ،فأين التسريح بإحسان إذا كان يضايقها حتى تتنازل عن مهرها أو عن شيء منه ،هذا ما
خذُونَهُ} إذ هو استفهام إنكاري .3
أنكره تعالى بقولهَ { :وكَ ْيفَ تَأْ ُ
هداية اليات
من هداية اليات:
-1إبطال قانون الجاهلية القائم على أن ابن الزوج يرث امرأة أبيه.
-2حرمة العضل من أجل الفتداء بالمهر وغيره.
-3الترغيب في الصبر.
__________
1روى أصحاب السنن ،وصححه الترمذي :أن عمر بن الخطاب كان يخطب فقال" :أل ل تغالوا
في صدقات النساء ،فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند ال لكان أولكم بها رسول ال ما
أصدق قط امرأة من نساؤه ول بناته فوق اثنتي عشر أوقية ،فقامت إليه امرأة فقالت له يا عمر:
خذُوا مِنْهُ
حدَاهُنّ قِ ْنطَارا فَل تَأْ ُ
أيعطينا ال وتحرمنا؟ أليس ال سبحانه وتعالى يقول{ :وَآتَيْ ُتمْ إِ ْ
شَيْئا} ؟ قال عمر :أصابت امرأة وأخطأ عمر".
2اختلف في الفضاء الذي يجب به المهر ،قال عمر" :إن أغلق بابا وأرخى سترا ورأى عورة
فقد وجب الصداق وعليها العدة ،ولها الميراث وهو قول فصل .أما الفضاء الذي تحل به المطلقة
ثلثا من الوطء لحديث" :حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" والفضاء في هذه الية :الجماع
أيضا .قاله ابن عباس رضي ال عنهما.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
3نعم إنكاري ،وفيه معنى التعجب أيضا؛ لنه أمر مستنكر ومتعجب منه لفظاعته وخروجه عن
اللياقة والدب.
( )1/454
-4جواز أخذ الفدية من الزوجة بالمهر أو أكثر أو أقل إن هي أتت بفاحشة ظاهرة ل شك فيها؛
كالزنى أو النشوز.
-5جواز غلء المهر فقد يبلغ القنطار 1غير أن التيسير فيه أكثر بركة.
-6وجوب مراعاة العهود والوفاء بها.
{وَل تَ ْنكِحُوا مَا َنكَحَ آبَا ُؤكُمْ مِنَ النّسَاءِ إِل مَا قَدْ سََلفَ إِنّهُ كَانَ فَاحِشَةً َومَقْتا وَسَاءَ سَبِيلً()22
ت وَُأ ّمهَا ُتكُمُ
خ ِ
ت الُ ْ
عمّا ُتكُ ْم وَخَال ُتكُ ْم وَبَنَاتُ الَخِ وَبَنَا ُ
خوَا ُتكُ ْم وَ َ
حُ ّر َمتْ عَلَ ْيكُمْ ُأ ّمهَا ُتكُمْ وَبَنَا ُتكُمْ وَأَ َ
خوَا ُتكُمْ مِنَ ال ّرضَاعَ ِة وَُأ ّمهَاتُ نِسَا ِئكُ ْم وَرَبَائِ ُبكُمُ اللتِي فِي حُجُو ِركُمْ مِنْ نِسَا ِئ ُكمُ
ضعْ َنكُمْ وَأَ َ
اللتِي أَ ْر َ
خلْتُمْ ِبهِنّ فَإِنْ َلمْ َتكُونُوا دَخَلْ ُتمْ ِبهِنّ فَل جُنَاحَ عَلَ ْيكُ ْم وَحَل ِئلُ أَبْنَا ِئكُمُ الّذِينَ مِنْ َأصْل ِبكُ ْم وَأَنْ
اللتِي دَ َ
غفُورا َرحِيما(})23
ن الُخْتَيْنِ إِل مَا قَدْ سََلفَ إِنّ اللّهَ كَانَ َ
ج َمعُوا بَيْ َ
تَ ْ
شرح الكلمات:
{وَل تَ ْنكِحُوا مَا َنكَحَ آبَا ُؤكُمْ} :ل تتزوجوا امرأة الب أو الجد.
{إِل مَا قَدْ سََلفَ} :إل ما قد مضى قبل هذا التحريم.
__________
1ل خلف في أن أكثر الصداق ل حد له ،وإنما الخلف في أقله ،والذي عليه أكثر أهل العلم:
أنه ل يقل عن ربع دينار أو ما يعادله دارهم قياسا على ما تقطع فيه يد السارق لن الفرج محرم
كاليد.
( )1/455
( )1/456
قيل :يحرم 1من الرضاعة ما يحرم من النسب ،ثم ذكر تعالى المحرمات بالمصاهرة ،فقال:
{وَُأ ّمهَاتُ ِنسَا ِئكُمْ} ،فأم امرأة الرجل محرمة عليه بمجرد أن يعقد على بنتها تصبح أمها حراما.
وقال{ :وَرَبَائِ ُبكُمُ اللتِي فِي حُجُو ِركُمْ} ،فالربيبة :هي بنت الزوجة إذا نكح الرجل امرأة وبنى بها
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ل يحل له الزواج من ابنتها ،أما إذا عقد فقط ولم يبين فإن البنت تحل له لقوله { :مِنْ ِنسَا ِئكُمُ
خلْتُمْ ِبهِنّ فَإِنْ َلمْ َتكُونُوا دَخَلْ ُتمْ ِبهِنّ فَل جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ} ،أي :ل إثم ول حرج .2
اللتِي دَ َ
ومن المحرمات بالمصاهرة امرأة البن بنى بها أم ل يبن ،لقوله تعالىَ { :وحَل ِئلُ أَبْنَا ِئكُمُ الّذِينَ مِنْ
َأصْل ِبكُمْ} أي :ليس ابنا بالتبني ،أما البن من الرضاع فزوجته كزوجة البن من الصلب؛ لن
اللبن الذي تغذ به هو السبب فكان إذا كالولد للصلبن ،ومن المحرمات بالمصاهرة أيضا :أخت
الزوجة ،فمن تزوج امرأة ل يحل له أن يتزوج أختها حتى تموت أو يفارقها وتنتهي عدتها لقوله
ن الُخْتَيْنِ إِل مَا قَدْ سََلفَ} في الجاهلية فإنه عفو بشرط عدم القامة عليه.
ج َمعُوا بَيْ َ
تعالى{ :وَأَنْ تَ ْ
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1تحريم مناكح الجاهلية إل ما وافق السلم منها ،وخاصة أزواج الباء ،فزوجة الب محرمة
على البن ولو لم يدخل بها الب وطلقها أو مات عنها.
-2بيان المحرمات من النسب وهن سبع :المهات ،والبنات ،والخوات ،والعمات ،والخالت،
وبنات الخ ،وبنات الخت.
-3بيان المحرمات من الرضاع وهن :المحرمات من النسب؛ فالرضيع يحرم عليه 3أمه
المرضع له وبناته ،وأخواتها ،وعماته وخالته ،وبنات أخيه ،وبنات أخته.
-4بيان المحرمات من المصاهرة ،وهن سبع أيضا :زوجة الب بنى بها أو لم يبن ،أم امرأته
بنى بابنتها أو لم يبن ،و بنت امرأته وهي الربيبة إذا دخل بأمها ،وامرأة الولد من الصلب
__________
1القائل :هو الرسول صلى ال عليه وسلم ،والحديث متفق عليه.
2ولحديث الصحيحين" :إذا نكح الرجل المرأة فل يحل له أن يتزوج أمها دخل بالبنت أو لم
يدخل ،وإذا تزوج الم فلم يدخل بها ثم طلقها فإن شاء تزوج البنت" .
3هذا إذا كان الرضاع في الحولين ،أما بعدهما فل يحل إجماعا.
( )1/457
بنى بها الولد أو لم يبن ،1وكذا ابنه 2من الرضاع ،وأخت امرأته ما دامت اختها تحته لم يفارقها
بطلق أو وفاة .والمحصنات 3من النساء ،أي :المتزوجات قبل طلقهن أو وفاة أزواجهن
وانقضاء عدتهن.
__________
1حكى القرطبي :الجماع على أن الرجل إذا وطئ امرأة بنكاح فاسد أنها تحرم على أبيه وعلى
ابنه وعلى أجداده وأحفاده.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
2في عد المحصنات من المحرمات بالصهر تجوزا.
3لحديث" :حرم من الرضاع ما يحرم من النسب" وهو دليل الجمهور على أن امرأة البن من
الرضاع تحرم كما تحرم امرأة البن من الصلب.
( )1/458
الجزء الخامس
حلّ َلكُمْ مَا وَرَاءَ ذَِلكُمْ أَنْ تَبْ َتغُوا
حصَنَاتُ مِنَ النّسَاءِ إِل مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ وَأُ ِ
{وَا ْلمُ ْ
حصِنِينَ غَيْرَ مُسَا ِفحِينَ َفمَا اسْ َتمْ َتعْتُمْ بِهِ مِ ْنهُنّ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ فَرِيضَ ًة وَل جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ
بَِأ ْموَاِلكُمْ مُ ْ
طوْلً أَنْ
طعْ مِ ْنكُمْ َ
حكِيما(َ )24ومَنْ لَمْ يَسْتَ ِ
فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ َبعْدِ ا ْلفَرِيضَةِ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيما َ
ضكُمْ
حصَنَاتِ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ َفمِنْ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ مِنْ فَتَيَا ِتكُمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ وَاللّهُ أَعَْلمُ بِإِيمَا ِنكُمْ َب ْع ُ
يَ ْنكِحَ ا ْلمُ ْ
ت وَل
حصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَا ٍ
ن وَآتُوهُنّ ُأجُورَهُنّ بِا ْل َمعْرُوفِ مُ ْ
مِنْ َب ْعضٍ فَا ْن ِكحُوهُنّ بِإِذْنِ َأهِْلهِ ّ
حصَنَاتِ مِنَ ا ْل َعذَابِ ذَِلكَ
صفُ مَا عَلَى ا ْل ُم ْ
شةٍ َفعَلَ ْيهِنّ ِن ْ
حصِنّ فَإِنْ أَتَيْنَ ِبفَاحِ َ
مُتّخِذَاتِ َأخْدَانٍ فَإِذَا ُأ ْ
غفُورٌ رَحِيمٌ(})25
شيَ ا ْلعَ َنتَ مِ ْنكُ ْم وَأَنْ َتصْبِرُوا خَيْرٌ َلكُ ْم وَاللّهُ َ
خِِلمَنْ َ
شرح الكلمات:
حصَنَاتُ} :جمع محصنة ،1والمراد بها هنا :المتزوجة.
{وَا ْلمُ ْ
{إِل مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ} :المملوكة بالسبي والشراء ،ونحوهما.
{مَا وَرَاءَ ذَِلكُمْ} :أي :ما عداه ،أي :ما عدا ما حرم عليكم.
{غَيْرَ مُسَا ِفحِينَ} :المسافح :الزاني ،لن السفاح هو الزني.
__________
1وسميت المتزوجة :محصنة لن الرجل ،أي :الزوج قد أحصنها ،أي :حفظها باستقلله بها عن
غيره.
( )1/459
( )1/460
وبالرضاع ،وبالمصاهرة على شرط أن ل يزيد المرء على أربع كما هو ظاهر قوله تعالى في
حصِنِينَ غَيْرَ مُسَا ِفحِينَ} ،
ث وَرُبَاعَ} ،وقوله تعالى{ :أَنْ تَبْ َتغُوا بَِأ ْموَاِلكُمْ مُ ْ
أول السورة{ :مَثْنَى وَثُل َ
أي :ل حرج عليكم أن تطلبوا بأموالكم من النساء غير ما حرم عليكم فتتزوجوا ما طاب لكم حال
كونكم محصنين غير مسافحين ،وذلك بأن يتم النكاح بشروطه من الولي والصداق والصيغة
والشهود ،إذ أن نكاحا بغير هذه الشروط فهو السفاح ،أي :الزنا ،وقوله تعالىَ { :فمَا اسْ َتمْ َتعْتُمْ 1بِهِ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
مِ ْنهُنّ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ فَرِيضَةً} يريد تعالى :أيما رجل تزوج امرأة فأفضى إليها ،أي :وطئها إل
وجب لها المهر كاملً ،أما التي لم يتم الستمتاع بها بأن طلقها قبل البناء فليس لها إل نصف
المهر المسمى ،وإن لم يكن قد سمى لها إل المتعة ،فالمراد من قولهَ { :فمَا اسْ َتمْ َتعْتُمْ ِبهِ مِ ْنهُنّ}2
علَ ْيكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ ِبهِ مِنْ َبعْدِ ا ْلفَرِيضَةِ}
أي :بنيتم بهن ودخلتم عليهن .وقوله تعالى{ :وَل جُنَاحَ َ
يريد إذا أعطى الرجل زوجته ما استحل به فرجها ،وهو المهر كاملً فليس عليهما بعد ذلك من
حرج في أن تسقط المرأة من مهرها لزوجها ،أو تؤجله أو تهبه كله له أو بعضه إذ ذاك لها وهي
شيْءٍ مِنْهُ َنفْسا َفكُلُوهُ هَنِيئا مَرِيئا} [النساء.]4/
صاحبته كما تقدم {فَإِنْ طِبْنَ َلكُمْ عَنْ َ
حكِيما} المراد مه إفهام المؤمنين بأن ال تعالى عليم بأحوالهم
وقوله تعالى{ :إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيما َ
حكيم في تشريعه فليأخذوا بشرعة ورخصه وعزائمه ،فإنه مراعى فيه الرحمة والعدل ،ولنعم
تشريع يقوم على أساس الرحمة والعدل.
طعْ مِ ْنكُمْ
هذا ما تضمنته الية الولى( ،)24أما الية الثانية( )25وهي قوله تعالىَ { :ومَنْ لَمْ َيسْتَ ِ
ط ْولً }3 ...فقد تضمنت بيان رحمة ال بعباده المؤمنين إذ رخص لمن لم يستطع نكاح الحرائر
َ
لقلة ذات يده ،مع خوفه العنت الذي هو الضرر في دينه بالزنى ،أو في بدنه
__________
1استدل الروافض بهذه اليةَ { :فمَا اسْ َتمْ َتعْتُمْ ِبهِ مِ ْنهُنّ} على جواز نكاح المتعة ،وهو استدلل
فاسد وباطل ،ويكفي في بطلنه؛ إجماع أهل السنة والجماعة على بطلنه ،وإنه زنا إلى أنه ل
يقام على صاحبه حد الرجم بالشبهة ،والرسول صلى ال عليه وسلم يقول" :ادرءوا الحدود
بالشبهات" .ونكاح المتعة رخص فيه الرسول صلى ال عليه وسلم مرة ثم أعلن عن حرمته.
أعلن ذلك في حجة الوداع ليعلم كل إنسان ذلك ،ومن الدلة على حرمة المتعة :أن المتمتع بها ل
ترث ،والزوجة الشرعية ترث الربع والثمن.
2الستمتاع :التلذذ ،والجور :هي المهور ،وسمي المهر :أجرا؛ لنه أجر الستمتاع ،وهذا دليل
على أنه في مقابلة البضع ،إذ كل ما يقابل المنفعة يسمى أجرا.
3اختلف في تحديد معنى الطول وأرجح القوال أنه :سعة المال ،وعليه فل يباح نكاح المة إل
بشرطين :عدم السعة في المال ،وخوف العنت .فل يصح نكاح المة إل باجتماعهما ،ومن كانت
تحت حرة ل يجوز أن ينكح عليها أمة؛ لن الحرة تدفع الحرة تدفع العنت عنه .وحكى الجماع
على من كانت له أمة ل يحل له أن يتزوجها ،بل يطئها بملك اليمين ،وذلك لتعارض حق الملك
مع حق الزوجية ،وإذا أعتقها فأصبحت حرة فله؛ حينئذ أن يتزوجها.
( )1/461
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بإقامة الحد عليه ،رخص له أن يتزوج المملوكة بشرط أن تكون مؤمنة ،وأن يتزوجها بإذن 1
مالكها ،وأن يؤتيها صداقها وأن يتم ذلك على مبدأ الحصان الذي هو الزواج بشروطه ل السفاح،
الذي هو الزنى العلني المشار إليه بكلمة{ :غَيْرَ مُسَا ِفحَاتٍ} ،ول الخفي المشار إليه بكلمة{ :وَل
ط ْولً} ،أي :قدرة مالية
مُتّخِذَاتِ َأخْدَانٍ} أي :أخلء ،هذا معنى قوله تعالىَ { :ومَنْ َلمْ يَسْ َتطِعْ مِ ْنكُمْ َ
أن ينكح المحصنات ،أي :العفائف من {فَتَيَا ِتكُمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ} ،أي :من إمائكم المؤمنات ل الكافرات
ضكُمْ مِنْ
بحسب الظاهر ،أما الباطن فعلمه إلى ال ،ولذا قال{ :وَاللّهُ أَعَْلمُ بِإِيمَا ِنكُمْ} ،وقولهَ { :ب ْع ُ
َب ْعضٍ} فيه تطييب لنفس المؤمن إذ تزوج للضرورة المة فإن اليمان أذهب الفوارق بين
حصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ}
ن وَآتُوهُنّ ُأجُورَهُنّ بِا ْل َمعْرُوفِ مُ ْ
المؤمنين ،وقوله{ :فَا ْن ِكحُوهُنّ بِإِذْنِ َأهِْلهِ ّ
فيه ببيان الشروط التي ل بد منها وقد ذكرناها آنفا.
حشَةٍ} أي :زنين فعليهن
حصِنّ} –أي :الماء -بالزواج وبالسلم {فَإِنْ أَتَيْنَ ِبفَا ِ
وقوله تعالى{ :فَِإذَا ُأ ْ
حد هو نصف ما على المحصنات من العذاب وهو جلد خمسين جلدة وتغريب ستة أشهر؛ لن
الحرة إن زنت 2وهي بكر تجلد مائة جلدة وتغرب سنة .أما الرجم والذي هو الموت فإنه ل
ينصف ،فلذا فهم المؤمنون في تنصيف العذاب أنه الجلد ل الرجم وهو إجماع ل خلف فيه
شيَ ا ْلعَ َنتَ مِ ْنكُمْ} يريد أبحت لكم ذلك لم خاف على نفسه الزنى ،إذا لم يقدر
وقوله{ :ذَِلكَ ِلمَنْ خَ ِ
على الزواج من الحرة لفقره واحتياجه وقوله تعالى{ :وَأَنْ َتصْبِرُوا }...أي :على العزوبة خير لك
غفُورٌ رَحِيمٌ} أي :غفور للتائبين رحيم بالمؤمنين ،ولذا رخص لهم
من نكاح الماء .وقوله {وَاللّهُ َ
في نكاح الماء عند خوف العنت ،وأرشدهم إلى ما هو خير منه وهو الصبر .3فلله الحمد وله
المنة.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1تحريم المرأة المتزوجة حتى يفارقها زوجها بطلق أو موت وحتى تنقضي عدتها.
__________
1وأجمعوا على أنه ل يجوز للملوك أن يتزوج بغير إذن سيده ،وإن تزوج فسخ زواجه ،وهل
عليه الحد؟ خلف.
2دليل حد المة إن زنت قوله صلى ال عليه وسلم " :إذا زنت أمة أحدكم فليحدها الحد" ،وقال
علي في خطبته" :أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد ،من أحصن منهن ومن لم يحصن" .
الحديث رواه مسلم.
3قال أبو هريرة" :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول" :لحرائر صلح البيت ،واليماء
هلك البيت" أو قال " :فساد البيت".
( )1/462
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-2جواز نكاح المملوكة باليمين وإن كان زوجها حيا في دار الحرب إذا أسلمت؛ لن السلم
فصل بينهما.
-3وجوب المهور ،وجواز إعطاء المرأة مهرها لزوجها شيئا.
-4جواز التزوج من المملوكات لمن خاف العنت وهو عادم للقدرة على الزواج من الحرائر.
-5وجوب إقامة الحد على من زنت من الماء إن أحصن بالزواج والسلم.
-6الصبر على العزوبة خير من 1الزواج بالماء لرشاد ال تعالى إلى ذلك.
حكِيمٌ( )26وَاللّهُ يُرِيدُ
{يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيّنَ َلكُ ْم وَ َيهْدِ َيكُمْ سُنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلكُ ْم وَيَتُوبَ عَلَ ْي ُك ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ َ
خفّفَ عَ ْنكُمْ
ش َهوَاتِ أَنْ َتمِيلُوا مَيْلً عَظِيما( )27يُرِيدُ اللّهُ أَنْ ُي َ
علَ ْيكُ ْم وَيُرِيدُ الّذِينَ يَتّ ِبعُونَ ال ّ
أَنْ يَتُوبَ َ
ضعِيفا(})28
ن َ
وَخُلِقَ الِنْسَا ُ
شرح الكلمات:
{يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيّنَ َلكُمْ : }2يريد ال أن يبين لكم بما حرم عليكم وأحل لكم ما يكملكم ويسعدكم في
دنياكم وأخراكم.
{سُنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبِْل ُكمْ : }3طرائق الذين من قبلكم من النبياء والصالحين لتنهجوا نهجهم فتطهروا
وتكملوا وتفلحوا مثلهم.
{وَيَتُوبَ عَلَ ْي ُكمْ} :يرجع بكم عما كنتم عليه من ضلل الجاهلية إلى هداية السلم.
ش َهوَاتِ : }4من اليهود والنصارى والمجوس والزناة.
{الّذِينَ يَتّ ِبعُونَ ال ّ
__________
1يشهد لذلك قول عمر رضي ال عنه" :أيما رجل تزوج أمة فقد أرق نصفه ،يعني يصير ولده
رقيقا ،فالصبر على عدم التزوج بالماء أفضل ،لكي ل يرق الولد.
2الصل :يريد أن يبين لكم فحذفت أن ودخلت اللم على الفعل والتقدير يريد ال البيان لكم،
طفِئُوا نُورَ اللّهِ} في
والهدى والتوبة ،فاللم إذن لتوكيد معنى الفعل ،ومثلها في قوله{ :يُرِيدُونَ لِيُ ْ
طفِئُوا نُورَ اللّهِ} ،قال النحاس :سمى بعضهم هذه اللم :لم
آية ،وفي آية أخرى{ :يُرِيدُونَ أَنْ ُي ْ
"أن".
3فيكون معنى هذه الية ،كما في قوله تعالى{ :شَ َرعَ لَكمْ مِنَ الدِين ما وصّى به نُوح} .
4أي :تغلبهم شهواتهم مع مخالفة شرع ال لعباده من أمور الدين التي عليها مدار سعادة النسان
وكماله.
( )1/463
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عظِيما} :تحيدوا عن طريق الطهر والصفاء إلى طريق الخبث والكدر بارتكاب
{أَنْ َتمِيلُوا مَيْلً َ
المحرمات من المناكح وغيرها فتبتعدوا عن الرشد بعدا عظيما.
ضعِيفا} :ل يصبر عن النساء ،فلذا رخص تعالى لهم في الزواج من الفتيات
ن َ
ق الِنْسَا ُ
{وَخُِل َ
المؤمنات.
معنى اليات:
لما حرم تعالى ما حرم من المناكح وأباح ما أباح منها علل لذلك بقوله{ :يُرِيدُ اللّهُ }1أي :بما
شرع ليبين ما هو نافع لكم مما هو ضار بكم فتأخذوا النافع وتتركوا الضار ،كما يريد أن يهديكم
طرائق الصالحين من قبلكم من أنبياء ومؤمنين صالحين لتسلكوها فتكملوا وتسعدوا في الحياتين،
كما يريد بما بين لكم أن {وَيَتُوبَ عَلَ ْيكُمْ} أي :يرجع بكم من ضلل الجاهلية إلى هداية السلم
فتعيشوا على الطهر والصلح ،وهو تعالى عليم بما ينفعكم ويضركم حكيم في تدبيره لكم فاشكروه
بلزوم طاعته ،والبعد عن معصيته.
هذا ما تضمنته الية الولى( ،)26أما الية الثانية( )27فقد تضمنت الخبار بأن ال تعالى يريد
بما بينه من الحلل والحرام في المناكح وغيرها أن يرجع بالمؤمنين من حياة الخبث والفساد التي
كانوا يعيشونها قبل السلم إلى حياة الطهر والصلح في ظل تشريع عادل رحيم .وأن الذين
يتبعون الشهوات من الزناة والنصارى وسائر المنحرفين عن سنن الهدى فإنهم يريدون من
المؤمنين أن ينحرفوا مثلهم فينغمسوا في الملذ والشهوات البهيمية حتى يصبحوا مثلهم ل فضل
لهم عليهم ،وحينئذ ل حق لهم في قيادتهم أو هدايتهم.
هذا معنى الية الثانية ،أما الية الثالثة ( )28فقد أخبر تعالى أنه بإباحته للمؤمنين العاجزين عن
نكاح الحرائر نكاح الفتيات المؤمنات يريد بذلك التخفيف والتيسير 2عن المؤمنين رحمة بهم
وشفقة عليهم لما يعلم تعالى من ضعف النسان وعدم صبره عن النساء بما غرز فيه من غريزة
__________
1سيقت هذه الية تذييلً لما سبقها لغرض استئناس المسلمين واستنزال نفوسهم إلى امتثال أوامر
ال تعالى المتقدمة في أول السورة ،وهي إحكام النكاح والرث والمعاشرة.
ج َعلَ عَلَ ْيكُمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ} ،ومن السنة :قوله صلى
2شاهده الكتاب في قوله تعالىَ { :ومَا َ
ال عليه وسلم" :إن هذا الدين يسر ول يشاد هذا الدين أحد إل غلبه" ،وقوله لمعاذ وأبي موسى:
"يسرا ول تعسرا" ،وبذا كان التيسير من أصول الشريعة السلمية ويشهد لهذا وجود الرخص
في مسائل الدين.
( )1/464
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ق الِنْسَانُ
خفّفَ 1عَ ْن ُك ْم وَخُِل َ
الميل إلى أنثاه لحفظ النوع ولحكم عالية ،وقال تعالى{ :يُرِيدُ اللّهُ أَنْ ُي َ
ضعِيفا. }2
َ
هداية اليات
من هداية اليات:
-1منة ال تعالى علينا في تعليله الحكام لنا لتطمئن نفوسنا ويأتي العمل بانشراح صدر وطيب
خاطر.
-2منة ال على المؤمنين بهدايتهم إلى طرق الصالحين وسبيل المفلحين ممن كانوا قبلهم.
-3منته تعالى في تطهير المؤمنين من الخباث وضلل الجاهليات.
-4الكشف عن نفسية النسان ،إذ الزناة يرغبون في كون الناس كلهم زناة ،والمنحرفون يودون
أن ينحرف الناس مثلهم ،وهكذا كل منغمس في خبث أو شر أو فساد يود أن يكون كل الناس
مثله ،كما أن الطاهر يود أن يطهر ويصلح كل الناس.
-5ضعف النسان أمام غرائزه ل سيما غريزة الجنس.
طلِ إِل أَنْ َتكُونَ تِجَا َرةً عَنْ تَرَاضٍ مِ ْنكُمْ وَل َتقْتُلُوا
{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَ ْأكُلُوا َأ ْموَاَلكُمْ بَيْ َنكُمْ بِالْبَا ِ
س ْوفَ ُنصْلِيهِ نَارا َوكَانَ ذَِلكَ
ع ْدوَانا َوظُلْما فَ َ
سكُمْ إِنّ اللّهَ كَانَ ِبكُمْ َرحِيما(َ )29ومَنْ َي ْف َعلْ ذَِلكَ ُ
أَ ْنفُ َ
عَلَى اللّهِ َيسِيرا(})30
__________
1أي :في جميع الحكام ،وبخاصة في نكاح الماء ،لما علم من ضعف النسان في أمر النساء.
2معنى :ضعيفا ،أن هواه يستميله وشهوته وغضبه يستخفانه ،وهذا أشد الضعف ،ولذا احتاج إلى
التخفيف ،فخفف ال عنه والحمد ل.
( )1/465
شرح الكلمات:
{آمَنُوا} :صدقوا ال والرسول.
طلِ} :بغير حق يبيح أكلها.
{بِالْبَا ِ
{ ِتجَا َرةً : }1بيعا وشراءً فيحل لصاحب البضاعة أن يأخذ النقود ويحل لصاحب النقود أخذ
البضاعة ،إذا ل باطل.
سكُمْ} :أي :تزهقوا أرواح بعضكم بعضا.
{ َتقْتُلُوا أَ ْنفُ َ
ع ْدوَانا َوظُلْما} :اعتداء يكون فيه ظالما.
{ُ
{ ُنصْلِيهِ نَارا} :ندخله نار جهنم يحترق فيها.معنى اليتين:
ما زال السياق في بيان ما يحل وما يحرم من الموال والعراض والنفس ففي هذه الية ()29
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ينادي ال تعالى عباده المؤمنين بعنوان اليمان فيقول{ :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا} وينهاهم عن أكل
أموالهم بينهم بالباطل بالسرقة أو الغش أو القمار أو الربا وما إلى ذلك من وجوه التحريم 2
طلِ} ،أي :بغير عوض مباح ،أو طيب نفس ،ثم
العديدة فيقول{ :ل تَ ْأكُلُوا َأ ْموَاَلكُمْ بَيْ َنكُمْ بِالْبَا ِ
يستثنى ما كان حاصلً عن تجارة قائمة على مبدأ التراضي بين البيعين لحديث" :إنما البيع عن
تراض" و " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" فقال تعالى{ :إِل أَنْ َتكُونَ ِتجَا َرةً عَنْ تَرَاضٍ 3مِ ْنكُمْ} فل
بأس بأكله فإنه حلل لكم .هذا ما تضمنته الية كما قد تضمنت حرمة قتل المؤمنين لبعضهم
سكُمْ} والنهي شامل لقتل النسان نفسه وقتله أخاه المسلم؛ لن
بعضا ،فقال تعالى{ :وَل َتقْتُلُوا أَ ْنفُ َ
المسلمين كجسم واحد ،فالذي يتقل مسلما منهم كأنما قتل نفسه .وعلل تعالى هذا التحريم لنا فقال:
{إِنّ اللّهَ كَانَ ِبكُمْ رَحِيما} ،فلذا حرم عليكم قتل بعضكم بعضا.
__________
1كل معاوضة في مباح فهي تجارة حتى إن ال تعالى سمى ثمن طاعته وطاعة رسوله تجارة
في قوله تعالىَ { :هلْ أَدُّلكُمْ عَلَى ِتجَا َرةٍ }...الية.
2كبيع العربون بأن يقول لخيه :خذ هذه العشرة دنانير إن أخذت السلعة ،وإل فهي لك .هذا بيع
باطل؛ لنه لحق له في أخذ العربون إن عجز أخوه عن أخذ السلعة له.
3لم يختلف في بيع الخيار ،وذلك بأن يقول المسلم لخيه :بعني كذا ،أو بعت كذا ،أو اعطني
مهلة يوم أو يومين أفكر فيها .فهذا البيع جائز إن تم وإن لم يتم واختلف في معنى قول الرسول
صلى ال عليه وسلم" :المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا" .هل التفرق بالبدان ،أو بالكلم؟
والصحيح :أنه بالبدان ،فلكل منهما الفسخ والمضاء ماداما في المجلس فإن تفرقا مضى البيع.
( )1/466
هذا ما تضمنته الية الولى( ،)29أما الية الثانية( )30فقد تضمنت وعيدا شديدا بالصلء بالنار
والحراق فيها كل من يقتل مؤمنا عدوانا وظلما ،أي :بالعمد 1والصرار والظلم المحض ،فقال
س ْوفَ ُنصْلِيهِ نَارا َوكَانَ ذَِلكَ} أي :الصلء
ع ْدوَانا وَظُلْما فَ َ
تعالىَ { :ومَنْ َي ْف َعلْ ذَِلكَ} أي :القتل { ُ
والحراق في النار {عَلَى اللّهِ َيسِيرا} لكمال قدرته بهذا العذاب إذا ل يستطيع أن يدفع ذلك عن
نفسه بحال من الحوال.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1حرمة مال المسلم ،وكل مال حرام وسواء حازه بسرقة أو غش أو قمار أو ربا.
-2إباحة التجارة والترغيب 2فيها والرد على جهلة المتصوفة الذين يمنعون الكسب بحجة
التوكل.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-3تقرير مبدأ " إنما البيع عن تراض" ،و "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا".
-4حرمة قتل المسلم نفسه أو غيره من المسلمين؛ لنهم أمة واحدة.
-5الوعيد الشديد لقاتل النفس 3عدوانا وظلما بالصلء بالنار.
-6إن كان القتل غير عدوان بأن كان خطأ ،أو كان غير ظلم بأن كان عمدا ولكن بحق كقتل من
قتل والده وابنه أو أخاه فل يستوجب هذا الوعيد الشديد.
{إِنْ َتجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُ ْن َهوْنَ عَ ْنهُ ُن َكفّرْ عَ ْن ُكمْ سَيّئَا ِتكُمْ وَنُدْخِ ْل ُكمْ مُدْخَلً كَرِيما(})31
شرح الكلمات:
{إِنْ َتجْتَنِبُوا} :تبتعدوا لن الجتناب ترك الشيء عن جنب بعيدا عنه ل يقبل عليه ول يقربه.
__________
1أي :لم يكن سهوا منه ول خطأ ،وهو معنى{ :عدوانا} ،ول بحق؛ كقصاص وهو معنى:
{ظلما}.
2يكفي في الرد عليهم ثناء الرسول صلى ال عليه وسلم على التاجر المين في قوله" :التاجر
الصدوق المين المسلم مع النبين والصديقين والشهداء يوم القيامة" .إلى أنه يحرم على التاجر أن
يروج سلعته باليمان الكاذبة كما يكره أن يصلي على النبي عند عرض سلعته؛ كقوله :صلي على
محمد ،ما أجود هذا ،كما يكره له أن تشغله التجارة عن صلة الجماعة.
3ورد الوعيد الشديد في قاتل نفسه من ذلك قوله صلى ال عليه وسلم" :من قتل نفسه بشيء عذب
به يوم القيامة" .رواه الجماعة .وقوله صلى ال عليه وسلم" :من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده
يجأ بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ،ومن قتل نفسه بسم ،فسمه في يده يتحساه
في نار جهنم خالدا مخلدا أبدا ،ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو متردٍ في نار جهنم خالدا مخلدا
فيها أبدا".
( )1/467
{كَبَائِرَ مَا تُ ْن َهوْنَ عَنْهُ} :الكبائر :ضد الصغائر ،والكبيرة تعرف بالحد ل بالعد ،فالكبيرة ما توعد
ال ورسوله عليهما ،أو لعن ال ورسوله فاعلها أو شرع لها حد يقام على صاحبها ،وقد جاء في
الحديث الصحيح بيان العديد من الكبائر ،وعلى المؤمن أن يعلم ذلك ليجتنبه.
{ ُن َكفّرْ} :نغطي ونستر فل نطالب بها ول نؤاخذ عليها.
{مُ ْدخَلً كَرِيما} :المدخل الكريم هنا :الجنة دار المتقين.
معنى الية الكريمة:
يتفضل الجبار جل جلله وعظم إنعامه وسلطانه فيمن على المؤمنين من هذه المة المسلمة بأن
وعدها وعد الصدق بأن من اجتنب منها كبائر الذنوب كفر عنه صغائرها وأدخله الجنة دار
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
السلم وخلع عليه حلل الرضوان فقال تعالى{ :إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُ ْن َهوْنَ 1عَ ْنهُ} ،ما أنهاكم عنه
أنا ورسولي { ُن َكفّرْ عَ ْن ُكمْ سَيّئَا ِتكُمْ} التي هي دون الكبائر 2وهي الصغائر{ ،وَ ُندْخِ ْل ُكمْ مُ ْدخَلً كَرِيما}
الذي هو الجنة ،ول الحمد والمنة .لهذا كانت هذه الية مبشرات القرآن لهذه المة.
هداية الية
من هداية الية:
-1وجوب البتعاد عن سائر الكبائر ،والصبر على ذلك حتى الموت.
-2الذنوب قسمان :كبائر ،وصغائر .ولذا وجب العلم بها لجتناب كبائرها وصغائرها ما أمكن
ذلك ،ومن زل فليتب فإن التائب من الذنب كمن ل ذنب له .3
-3الجنة ل يدخلها إل ذوو النفوس الزكية الطاهرة باجتنابهم المدنسات لها من كبائر الذنوب
والثام والفواحش .4
__________
1اجتناب الكبائر إن كان المراد به :كبائر الذنوب فلبد من ضميمة أداء الفرائض ،فإن اجتناب
الكبائر مع تضييع الفرائض غير مجد ،وإن أريد باجتناب الكبائر تحاشي ترك الفرائض والحتماء
من فعل الكبائر فذاك ويشهد لهذا حديث الصحيح" :الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة
ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر" .
2اختلف في تحديد الكبيرة وفي عددها :أما العدد فقد قيل لبن عباس :الكبائر سبع؟ قال" :هي
إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع" وقد ورد النص في بعضها كحديث مسلم " :اجتنبوا السبع
الموبقات" فعد منها ستا .وفي أحاديث صحاح أخرى ذكر عددا آخر ،والذي عليه أهل العلم أنها ل
تعد ولكن تحد كما في التفسير ،وأما الصغيرة :فهي نسبية فالنظرة إلى اللمسة صغيرة ،واللمسة
إلى القبلة صغيرة وهكذا.
3شاهده في حديث ابن عباس رضي ال عنهما غير أنه ل كبيرة مع استغفار ول صغيرة مع
إصرار ،بعد قوله" :هي إلى السبعمائة أقرب".
4أهل الكبائر الذين ماتوا يزاولونها ولم يغفر لهم ويشفع لهم فإنهم يطهرون وتزكوا نفوسهم
بعذاب النار ثم يغسلون أيضا في نهر عند باب الجنة ،يقال له :نهر الحيوان ،فيدخلون الجنة
بنفوس زكية وأرواح طاهرة نقية.
( )1/468
ضكُمْ عَلَى َب ْعضٍ لِلرّجَالِ َنصِيبٌ ِممّا اكْتَسَبُوا وَلِلنّسَاءِ َنصِيبٌ ِممّا
ضلَ اللّهُ بِهِ َب ْع َ
{وَل تَ َتمَ ّنوْا مَا َف ّ
جعَلْنَا َموَاِليَ ِممّا تَ َركَ
شيْءٍ عَلِيما( )32وَِل ُكلّ َ
ن وَاسْأَلُوا اللّهَ مِنْ َفضْلِهِ إِنّ اللّهَ كَانَ ِب ُكلّ َ
اكْتَسَبْ َ
شهِيدا(})33
شيْءٍ َ
عقَ َدتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ فَآتُوهُمْ َنصِي َبهُمْ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَى ُكلّ َ
لقْرَبُونَ وَالّذِينَ َ
ن وَا َ
ا ْلوَالِدَا ِ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شرح الكلمات:
{وَل تَ َتمَ ّنوْا} :التمني :التشهي والرغبة في حصول الشيء ،وأداته :ليت ،ولو ،فإن كان مع زوال
المرغوب فيه عن شخص ليحصل للمتمني فهو الحسد.
ضكُمْ} :أي :ما فضل ال به أحدا منكم فأعطاه علما أو مالً أو جاها أو
ضلَ اللّهُ ِبهِ َب ْع َ
{مَا َف ّ
سلطانا.
{ َنصِيبٌ ِممّا اكْتَسَبُوا} :أي :حصة وحظ من الثواب والعقاب بحسب الطاعة والمعصية.
{ َموَاِليَ} :الموالي :من يلون التركة ويرثون الميت من أقارب.
عقَ َدتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ} :أي :حالفتموهم وتآخيتم معهم مؤكدين ذلك بالمصافحة واليمين.
{َ
{فَآتُوهُمْ َنصِي َبهُمْ} :من الرفادة والوصية والنصرة لنهم ليسوا ورثة.
معنى اليتين:
صح أو لم يصح أن أم سلمة رضي ال عنها قالت :ليتنا كنا رجالً فجاهدنا وكان لنا مثل أجر
الرجال فإن ال سميع عليم ،والذين يتمنون 1حسدا وغير حسد ما أكثرهم ومن هنا نهى
__________
1التمني :نوع إرادة يتعلق بالمستقبل ،وعلى خلفه التلهف؛ لنه يتعلق بالماضي ،وسر النهي
عنه :أن فيه تعلق البال بالمتمني ونسيان الجل ،ولذا حرم التمني الذي هو الحسد ،وهو نوعان:
تمني زوال النعمة من غيره لتحصل له ،وتمني زوال النعمة من غيره ولو لم تحصل له ،وهو
شر الحسد .وهل الغبطة من الحسد؟ والجواب :ل .والغبطة هي :أن يرى العبد نعمة علم أو مال
لحد فيغتبط ويسأل ال تعالى أن يكون له ذلك العلم ليعلمه ويعمل به ،أو يكون له ذلك المال
ليتصدق به .فهذه الغبطة محمودة لحديث البخاري" :ل حسد إل في اثنتين ،رجل أتاه ال مالً
فسلطه على هلكته في الحق ،فيقول الرجل :لو أن لي مثل مال فلن لعملت مثله فهم في الجر
سواء ".
( )1/469
ال تعالى في هذه الية الكريمة( )32عباده المؤمنين عن تمني ما فضل ال تعالى به بعضهم على
بعض فأعطى هذا وحرم ذاك لحكم اقتضت ذلك ،ومن أظهرها البتلء بالشكر والصبر ،فقال
ضكُمْ عَلَى
ضلَ اللّهُ بِهِ} –من علم أو مال .أو صحة أو جاه أو سلطانَ { -ب ْع َ
تعالى{ :وَل تَ َتمَ ّنوْا مَا َف ّ
َب ْعضٍ} وأخبر تعالى أن سنته في الثواب والعقاب الكسب والعمل ،فليعمل من أراد الجر والمثوبة
بموجبات ذلك من اليمان والعمل الصالح ،ول يتمنى ذلك تمنيا ،وليكف عن الشرك والمعاصي
من خاف العذاب والحرمان ول يتمنى النجاة تمنيا كما على من أراد المال والجاه فليعمل له بسنته
المنوطة به ،ول يتمنى فقط فإن التمني كما قيل بضائع النوكى ،أي :الحمقى ،فلذا قال تعالى:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{لِلرّجَالِ َنصِيبٌ ِممّا اكْتَسَبُوا وَلِلنّسَاءِ َنصِيبٌ ِممّا اكْ َتسَبْنَ} ،فرد القضية إلى سنته فيها وهي كسب
النسان .كقوله تعالى َ {:فمَنْ َي ْع َملْ مِ ْثقَالَ ذَ ّرةٍ خَيْرا يَ َر ُه َومَنْ َي ْع َملْ مِ ْثقَالَ ذَ ّرةٍ شَرّا يَ َرهُ} ثم بين
تعالى سنة أخرى في الحصول على المرغوب :وهي دعاء ال تعالى فقال{ :وَاسْأَلُوا اللّهَ مِنْ
شيْءٍ عَلِيما} فمن سأل ربه وألح 1عليه موقنا بالجابة أعطاه فيوفقه
َفضْلِهِ إِنّ اللّهَ كَانَ ِب ُكلّ َ
للتيان بالسباب ،ويصرف عنه الموانع ،ويعطيه بغير سب إن شاء ،وهو على كل شيء قدير،
بل ومن السباب المشروعة الدعاء والخلص فيه.
هذا ما تضمنته الية الولى( )33فإن ال تعالى يخبر مقررا حكما ً شرعيا قد تقدم في السياق،
جعَلْنَا َ 2موَاِليَ} أي :أقارب
وهو أن لكل من الرجال والنساء ورثة يرثون إذا مات فقال{ :وَِل ُكلّ َ
يرثونه إذا مات ،وذلك من النساء والرجال ،أما الذين هم موالي بالحلف أو الخاء فقط ،أي :ليسوا
من أولي الرحام ،فالواجب إعطاؤهم نصيبهم من النصرة والرفادة .والوصية لهم بشيء إذ لحظ
ضهُمْ َأوْلَى بِ َب ْعضٍ} ،ولما كان توزيع المال
لهم في الرث ،لقوله تعالى{ :وَأُولُوا الَرْحَامِ َب ْع ُ
وقسمته تتشوق له النفوس وقد يقع فيه حيف أو ظلم أخبر تعالى أنه على كل شيء شهيد فل يخفى
عليه من أمر الناس شيء فليتق ول يُعص.
__________
1لحديث الترمذي وغيره ،قال صلى ال عليه وسلم" :سلوا ال من فضله ،فإنه يحب أن يسأل،
وأفضل العبادة انتظار الفرج" أي :من ال تعالى ،وهو تعلق القلب بالرب تعالى.
2هذه الية ناسخة لكل من الرث بالتحالف والمؤاخاة ،وهي كقوله تعالى{ :وَأُولُوا الَرْحَامِ
عقَدت أيمَانكم} فقد كان
ضهُمْ َأوْلَى بِ َب ْعضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ} ،وهو المقصود بقوله تعالى{ :والّذين َ
َب ْع ُ
الرجل في الجاهلية يقوله لمن أراد محالفته :دمي دمك ،وهدمي هدمك ،وثأري ثأرك ،وحربي
حربك ،وسلمي سلمك ،وترثي وأرثك .وأما المؤاخاة :فقد كانت بين المهاجرين والنصار بأمر
رسول ال صلى ال عليه وسلم فتوارثوا بها حتى نسخت بهذه الية ،وآية النفال{ :وَأُولُوا الَرْحَامِ
ضهُمْ َأوْلَى بِ َب ْعضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ} .
َب ْع ُ
( )1/470
( )1/471
شرح الكلمات:
{ َقوّامُونَ} :جمع قوام :1وهو من يقوم على الشيء رعاية وحماية وإصلحا.
ضهُمْ} :بأن جعل الرجل أكمل في عقله ودينه وبدنه فصلح للقوامة.
ضلَ اللّهُ َب ْع َ
{ ِبمَا َف ّ
{وَ ِبمَا أَ ْنفَقُوا مِنْ َأ ْموَاِلهِمْ : }2وهذا عامل آخر مما ثبتت به القوامة للرجال على النساء فإن الرجل
بدفعه المهر وبقيامه بالنفقة على المرأة كان أحق بالقوامة التي هي الرئاسة.
{فَالصّالِحَاتُ : }3جمع صالحة :وهي المؤدية لحقوق ال تعالى وحقوق زوجها.
{قَانِتَاتٌ} :مطيعات ل ولزواجهن.
{حَافِظَاتٌ لِ ْلغَ ْيبِ} :حافظات لفروجهن وأموال أزواجهن.
{نُشُوزَهُنّ} :النشوز :الترفع عن الزوج وعدم طاعته.
{ َفعِظُوهُنّ} :بالترغيب في الطاعة والتنفير من المعصية.
{فَل تَ ْبغُوا عَلَ ْيهِنّ سَبِيلً} :أي :ل تطلبوا لهن طريقا تتوصلون به إلى ضربهن بعد أن أطعنكم.
شقَاقَ بَيْ ِن ِهمَا} :الشقاق :المنازعة والخصومة حتى يصبح كل واحد في شق مقابل.
{ِ
حكَما} :الحكم :الحاكم ،والمحكوم في القضايا للنظر والحكم فيها.معنى اليتين:
{َ
يروى في سبب نزول هذه الية أن :سعد 4بن الربيع رضي ال عنه أغضبته امرأته فلطمها،
فشكاه وليها إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،كأنه يريد القصاص فأنزل ال تعالى هذه الية:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ وَ ِبمَا أَ ْن َفقُوا مِنْ َأ ْموَاِلهِمْ} .فقال
ضلَ اللّهُ َب ْع َ
{الرّجَالُ َقوّامُونَ عَلَى النّسَاءِ ِبمَا َف ّ
ولي المرأة :أردنا أمرا وأراد ال غيره ،وما أراده ال خير .ورضي بحكم ال تعالى وهو أن
الرجل
__________
1قوام :ومثله ،قيام ،وقيوم ،وقيم .كلها بمعنى واحد مشتقة من القيام؛ لن من شأن من يهتم
بالشيء وتدبيره أن يقف عليه ويقوم.
2أخذ من هذه الجملة الفقهاء :أن من عجز عن النفقة كان للزوجة فسخ النكاح لنعدام القوامة
لها ،التي بها استحق الرجل العصمة ،وخالف أبو حنيفة :فلم يرَ الطلق بالعسار.
3أثنى رسول ال صلى ال عليه وسلم على هؤلء الصالحات بقوله" :خير النساء التي إذا نظرت
إليها سرتك ،وإذا أمرتك أطاعتك ،وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك" .وهو تفسير لقوله
تعالى{ :حَا ِفظَاتٌ لِ ْلغَ ْيبِ.}...
4ذكر في سبب نزولها عدة أسباب .وما ذكرناه أولى بالصحة والقبول.
( )1/472
ما دام قواما على المرأة يرعاها ويربيها ويصلحها بما أوتى من عقل أكمل من عقلها ،وعلمه
أغرز من علمها غالبا ،وبعد نظر في مبادئ المور ونهايتها أبعد من نظرها يضاف إلى ذلك أنه
دفع مهرا لم تدفعه ،والتزم بنفقات لم تلتزم هي بشيء منها فلما وجبت له الرئاسة عليها ،وهي
رئاسة شرعية كان له الحق أن يضربها بما ل يشين جارحة أو كيسر عضوا فيكون ضربه لها؛
كضرب المؤدب لمن يؤدبه ويربيه ،وبعد تقرير هذا السلطان للزوج على زوجته أمر ال تعالى
بإكرام المرأة والحسان إليها والرفق بها لضعفها وأثنى عليها فقال{ :فَالصّالِحَاتُ} ،وهن :اللئي
يؤدين حقوق ال تعالى بطاعته وطاعة رسوله صلى ال عليه وسلم ،وحقوق أزواجهن من الطاعة
والتقدير والحترام {قَانِتَاتٌ} :أي :مطيعات ل تعالى ،وللزوج{ ،حَافِظَاتٌ لِ ْلغَ ْيبِ} أي :حافظات
حفِظَ اللّهُ} أي:
مال الزوج وعرضه لحديث" :وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله ِ { "1بمَا َ
بحفظ ال تعالى لها وإعانته لها إذ لو وكلت إلى نفسها ل تستطيع حفظ شيء وإن قل .وفي سياق
الكلم ما يشير إلى محذوف يفهم ضمنا ،وذلك أن الثناء عليهن من قبل ال تعالى يستوجب من
الرجل إكرام المرأة الصالحة والحسان إليها والرفق بها لضعفها ،وهذا ما ذكرته أولً نبته عليه
هنا ليعلم أنه من دللة الية الكريمة ،وقد ذكره غير واحد من السلف.
ن وَا ْهجُرُوهُنّ فِي ا ْل َمضَاجِ ِع وَاضْرِبُوهُنّ فَإِنْ
وقوله تعالى{ :وَاللتِي َتخَافُونَ ُنشُوزَهُنّ َفعِظُوهُ ّ
طعْ َنكُمْ فَل تَ ْبغُوا عَلَ ْيهِنّ سَبِيلً} .فإنه تعالى يرشد الزواج إلى كيفية علج الزوجة إذا نشزت،
أَ َ
أي :ترفعت على زوجها ولم تؤدي إليه حقوقه الواجبة له بمقتضى العقد بينهما ،فيقول{ :وَاللتِي
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تَخَافُونَ نُشُوزَهُنّ} أي :ترفعهن بما ظهر لكم من علمات ودلئل كأن يأمرها فل تطيع ويدعوها
فل تجيب وينهاها فل تنتهي ،فاسلكوا معهن السبيل التيَ { :ف ِعظُوهُنّ} أولً ،والوعظ تذكيرها بما
للزوج عليها من حق يجب أداؤه وما يترتب على إضاعته من سخط ال تعالى وعذابه ،وبما قد
ينجم من إهمالها في ضربها أو طلقها ،فالوعظ ترغيب بأجر الصالحات القانتات ،وترهيب من
عقوبة المفسدات العاصيات فإن نفع الوعظ فيها وإل فالثانية وهي :أن يهجرها 2الزوج في
الفراش فل يكلمها وهو نائم معها على فراش واحد وقد
__________
1رواه أبو داود الطيالسي ،وقد تقدم في النهر آنفا ،وهو حديث صحيح.
2هذا الهجر في الفراش شهر فل يزيد عليه كما فعل النبي صلى ال عليه وسلم حين أسر إلى
حفصة فأفشته لعائشة ،ول يكون كاليلء أربعة أشهر.
( )1/473
أعطاها ظهره فل يكلمها ول يجامعها وليصبر على ذلك حتى تؤوب إلى طاعته وطاعة ال ربهما
معا ،وإن أصرت ولم يجد معها الهجران في الفراش ،فالثالثة وهي :أن يضربها 1ضربا غير
مبرح ل يشين جارحة ول يكسر 2عضوا .وأخيرا فإن هي أطاعت زوجها فل يحل بعد ذلك أن
طعْ َنكُمْ} أي :الزواج
يطلب الزوج طريقا إلى أذيتها ل يضرب ول بهجران لقوله تعالى{ :فَإِنْ َأ َ
{فَل تَ ْبغُوا} أي :تطلبوا {عَلَ ْيهِنّ سَبِيلً} لذيتهن باختلف السباب وإيجاد العلل والمبررات
علِيّا كَبِيرا} تذييل الكلم بما يشعر من أراد أن يعلو 3على
لذيتهن .وقوله تعالى{ :إِنّ اللّهَ كَانَ َ
غيره بما أوتي من قدرة بأن ال أعلى منه وأكبر فليخش ال وليترك من علوه وكبريائه.
هذا ما تضمنته هذه الية العظيمة( ،)34أما الية الثانية( )35فقد تضمنت حكما اجتماعيا آخر
وهو إن حصل شقاق بين زوج وامرأته فأصبح الرجل في شق والمرأة في شق آخر فل تلقي
بينهما ول وفاق ول وئام ذلك لصعوبة الحال ،فالطريق إلى حل هذا المشكل ما أرشد ال تعالى
إليه ،وهو أن يبعث ولي الزوجة حكما من قبله ،ويبعث ولي الزوج حكما من قبله ،أو يبعث
الزوج نفسه حكما وتبعث الزوجة أيضا حكما من قبلها ،أو يبعث القاضي كذلك ،الكل جائز لقوله
تعالى{ :فَا ْبعَثُوا} وهو يخاطب المسلمين على شرط أن يكون الحكم عدلً عالما بصيرا حتى يمكنه
الحكم والقضاء بالعدل .فيدرس الحكمان القضية أولً مع طرفي النزاع ويتعرفان إلى أسباب
الشقاق وبما في نفس الزوج من رضى وحب ،وكراهية وسخط ثم يجتمعان على إصلح ذات
البين ،فإن أمكن ذلك فيها وإل فرقا بينهما برضى الزوجين .مع العلم أنهما إذا ثبت لهما ظلم
أحدهما فإن عليهما أن يطالبا برفع الظلم ،فإن كان الزوج هو الظالم فليرفع ظلمه وليؤد ما و جب
عليه ،وإن كانت المرأة هي الظالمة فإنها ترفع ظلمها أو تفدي نفسها بمال فيخالعها به زوجها،
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هذا معنى قوله تعالى{ :وَإِنْ
__________
1لم يصرح ال تعالى بالضرب في كتابه إل في الحدود ،وهنا في ضرب الناشر ،وهذا دليل على
أن عصيان الزوجة لزوجها حرام ،ويشهد لهذا حديث" :إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت
عليه لعنتها الملئكة حتى تصبح" .رواه مسلم.
2لحديث مسلم في خطبة الوداع ،إذ فيه" :واتقوا ال في النساء فإنهن عندكم عوام ولكم عليهن أن
ل يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ،فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح ،ولهن رزقهن وكسوتهن
بالمعروف".
3روى أبو داود ،والنسائي ،وابن ماجة ،أنه لما قال الرسول صلى ال عليه وسلم" :ل تضربوا
إماء ال" .فجاء عمر وقال :يا رسول ال ذئرت النساء على أزواجهن فرخص صلى ال عليه
وسلم في ضربهن ،فأطاف بآل رسول ال نساء كثير يشتكين أزواجهن .فقال رسول ال صلى ال
عليه وسلم" :لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشتكين من أزواجهن ليس أولئك بخياركم" ومعنى
ذئرت النساء :أي :نشزت وتغير خلقهن ،أي :نشزن وأجترأن ،والجتراء هنا أولى بالمعنى.
( )1/474
شقَاقَ بَيْ ِن ِهمَا} ،و الخوف هنا بمعنى :التوقع الكيد بما ظهر من علمات ولح من دلئل
خفْتُمْ ِ
ِ
حكَما مِنْ َأهِْلهَا} ،لنهما أعرف بحال
حكَما مِنْ أَهْلِ ِه َو َ
فيعالج الموقف قبل التأزم الشديد {فَا ْبعَثُوا َ
الزوجين من غيرهما وقوله تعالى{ :إِنْ يُرِيدَا ِإصْلحا} فإنه يعني الحكمينُ { ،ي َوفّقِ اللّهُ بَيْ َن ُهمَا} ،
أي :إن كان قصدهما الصلح والجمع بين الزوجين وإزالة الشقاق والخلف بينهما فإن ال تعالى
يعينهما على مهمتهما ويبارك في مسعاهما ويكلله بالنجاح .وقوله تعالى{ :إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيما
خَبِيرا} .ذكر تعليلً لما واعد به تعالى من التوفيق بين الحكمين ،إذ لو لم يكن عليما خبيرا ما
عرف نيات الحكمين وما يجري في صدورهما من إرادة الصلح أو الفساد.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1تقرير مبدأ القيومية للرجال على النساء وبخاصة الزوج على زوجته.
-2وجوب إكرام الصالحات والحسان إليهن.
-3بيان علج مشكلة نشوز 1الزوجة وذلك بوعظها أولً ثم هجرانها في الفراش ثانيا.
-4ل يحل اختلف السباب وإيجاد مبررات لذية المرأة بضرب وبغيره.
-5مشروعية التحكيم في الشقاق بين الزوجين وبيان ذلك.
حسَانا وَبِذِي ا ْلقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي
{وَاعْبُدُوا اللّ َه وَل ُتشْ ِركُوا ِبهِ شَيْئا وَبِا ْلوَالِدَيْنِ إِ ْ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حبّ مَنْ كَانَ
ل َومَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ إِنّ اللّهَ ل ُي ِ
حبِ بِا ْلجَ ْنبِ وَابْنِ السّبِي ِ
ب وَالصّا ِ
ا ْلقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُ ُن ِ
ن وَيَ ْأمُرُونَ
مُخْتَالً فَخُورا( )36الّذِينَ يَبْخَلُو َ
__________
1النشوز :العصيان ،مأخوذ من النشز ،وهو ما ارتفع من الرض ،ويقال :نشز الرجل ينشز إذا
كان قاعدا فنهض قائما .ومنه قوله تعالى{ :وَإِذَا قِيلَ ا ْنشُزُوا فَا ْنشُزُوا} ،أي :ارتفعوا وقوموا.
فنشوز المرأة :ترفعها عن طاعة الزوج.
( )1/475
( )1/476
( )1/477
صلى ال عليه وسلم وصفاته الدالة عليه في التوراة والنجيل ،وبخلوا بأموالهم وأمروا بالبخل
بها ،إذ كانوا يقولون للنصار ل تنفقوا أموالكم على محمد فإنا نخشى عليكم الفقر ،وخبر
عذَابا ُمهِينا}
الموصول الذين محذوف تقديره هم الكافرون حقا دل عليه قوله{ :وَأَعْ َتدْنَا ِ 1ل ْلكَافِرِينَ َ
.هذا ما جاء في هذه الية الثانية.
أما اليتان الثالثة( )38والرابعة( )39فإن الولى منهما قد تضمنت بيان حال أناس آخرين غير
اليهود وهم المنافقون فقال تعالى{ :وَالّذِينَ يُ ْن ِفقُونَ َأ ْموَاَلهُمْ رِئَاءَ النّاسِ} أي :مراءاة لهم ليتقوا بذلك
المذمة ويحصلوا على المحمدة{ .وَل ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَل بِالْ َيوْمِ الخِرِ} .لنهم كفار مشركون وإنما
أظهروا السلم تقية فقط ،ولذا كان إنفاقهم رياء ل غير .وقولهَ { :ومَنْ َيكُنِ الشّيْطَانُ َلهُ قَرِينا
فَسَاءَ قَرِينا} أي :بئس القرين له الشيطان وهذه الجملةَ { :ومَنْ َيكُنِ الشّيْطَانُ }...دالة على خبر
الموصول المحذوف اكتفى بها عن ذكره كما في الموصول الول وقد يقدر بمثل :الشيطان 2
قرينهم ،هو الذي زين لهم الكفر بال واليوم الخر.
هذا ما تضمنته الية الثانية( )39وهي قوله تعالى { َومَاذَا عَلَ ْي ِهمْ َ 3لوْ آمَنُوا بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الخِرِ
وَأَنْ َفقُوا ِممّا رَ َز َقهُمُ اللّهُ} فقد تضمنت النكار والتوبيخ لولئك المنافقين الذين ينفقون رياء الناس
ول يؤمنون بال ول باليوم الخر بسب فتنة الشيطان لهم وملزمته إياهم ،فقال تعالىَ { :ومَاذَا
عَلَ ْيهِمْ} أي :أي شيء يضرهم أو أي أذى يلحقهم في العاجل أو الجل ،لو صدقوا ال ورسوله
وأنفقوا في سبيل ال مما رزقهم ال ،وفي الخطاب دعوة ربانية لهم لتصحيح إيمانهم واستقامتهم
بالخروج من دائرة النفاق التي أوقعهم فيها القرين عليه لعائن ال ،فلذا لم يذكر تعالى وعيدا لهم،
وإنما قالَ { :وكَانَ اللّهُ ِبهِمْ عَلِيما} وفي هذه تخويف لهم من سوء حالهم إذا استمروا على نفاقهم
فإن علم ال بهم يستوجب الضرب على أيديهم إن لم يتوبوا.
__________
1أصل{ :اعتدن} أعددن ،أبدلت الدال الولى تاء لثقل الدالين عند فك الدغام ،أما مع الدغام فل
إبدال ،نحو :أعد ،ومنه العتاد الحربي ،وهو عدة السلح.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
2أو فقرينهم الشيطان.
3ماذا :اسم استفهام بمعنى :أي شيء ،ويجوز أن تكون ما مبتدأ ،وذا خبره ،وهو بمعنى :الذي.
( )1/478
هداية اليات
من هداية اليات:
-1تقرير عشرة حقوق والمر بأدائها فورا وهي عبادة ال وحده والحسان بالوالدين ،وإلى كل
المذكورين 1في الية الولى.
-2ذم الختيال 2الناجم عن الكبر وذم الفخر وبيان كره ال تعالى لهما.
-3حرمة البخل 3والمر به وحرمة كتمان العلم وخاصة الشرعي منه.
-4حرمة الرياء وذم صاحبها.
-5ذم قرناء السوء لما يأمرون به ويدعون إليه قرنائهم حتى قيل:
عن المرء ل تسأل وسل عن قرينه ...فكل قرين بالمقارن يقتدى
{إِنّ اللّهَ ل يَظِْلمُ مِ ْثقَالَ 4ذَ ّر ٍة وَإِنْ َتكُ حَسَنَةً ُيضَاعِ ْفهَا وَ ُيؤْتِ مِنْ َلدُنْهُ َأجْرا عَظِيما(َ )40فكَ ْيفَ إِذَا
صوُا الرّسُولَ
ع َ
شهِيدا(َ )41ي ْومَئِذٍ َيوَدّ الّذِينَ َكفَرُوا وَ َ
شهِي ٍد وَجِئْنَا ِبكَ عَلَى َهؤُلءِ َ
جِئْنَا مِنْ ُكلّ ُأمّةٍ ِب َ
سوّى ِبهِ ُم الَ ْرضُ وَل َيكْ ُتمُونَ اللّهَ حَدِيثا(})42
َلوْ تُ َ
شرح الكلمات:
الظلم :وضع شيء في غير موضعه.
__________
1أخص المملوك بذكر ما ورد فيه ،ففي مسلم يقول صلى ال عليه وسلم" :للمملوك طعامه
وشرابه وكسوته ،ول يكلف من العمل ما ل يطيق" ،وقال" :ل يقل أحدكم :عبدي ،وأمتي .بل
يقل :فتاي ،وفتاتي" ،وفي هذا مراعاة لجانب التوحيد ،ومراعاة لشعور المملوك حتى ل يرى أنه
مهان مستضعف .وقال صلى ال عليه وسلم في فضل العبد الصالح " :للعبد المملوك المصلح
أجران"
2الختيال من أكبر الذنوب ،وفي الحديث الصحيح" :أن ال ل ينظر إلى من جر ثوبه خيلء ".
3شاهده قوله صلى ال عليه وسلم " :وأي داء أدوأ من البخل " ،وقال" :إ ياكم والشح فإنه أهلك
من كان قبلكم ،أمرهم بالقطيعة فقطعوا ،وأمرهم بالفجور ففجروا" ،وفي رواية " :حملهم على أن
سفكوا دمائهم واستحلوا محارمهم" .
4نصب {مِ ْثقَال} على المفعولية المطلقة ،إذ التقدير" :ل يظلمون ظلما مقدرا بمثقال ذرة،
والمثقال :ما يظهر به الثقل ،فهو كاسم الله "مفعال" والمراد به المقدار ،والذرة بيضة النملة".
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/479
{مِ ْثقَالَ ذَ ّرةٍ} :المثقال :الوزن مأخوذ من الثقل فكل ما يوزن فيه ثقل ،والذرة أصغر حجم في
الكون حتى قيل إنه الهباء أو رأس النملة.
الحسنة :الفعلة الجميلة من المعروف.
ع ْفهَا} :يريد فيها ضعفها.
{ ُيضَا ِ
{مِنْ َلدُنْهُ} :من عنده.
{َأجْرا عَظِيما} :جزاء كبيرا وثوابا عظيما.
الشهيد :الشاهد على الشيء لعلمه به.
{ َيوَدّ} :يحب.
سوّى ِبهِمُ الَرْضُ} :يكونون ترابا مثلها.
{تُ َ
حدِيثا} :أي :ل يخفون كلما.
{وَل َيكْ ُتمُونَ اللّهَ َ
معنى اليات:
لما أمر تعالى في اليات السابقة بعبادته والحسان إلى من ذكر من عباده .وأمر بالنفاق في
سبيله ،وندد بالبخل والكبر والفخر ،وكتمان العلم ،وكان هذا يتطلب الجزاء بحسبه خيرا أو شرا
عفْهَا وَ ُي ْؤتِ مِنْ َلدُنْهُ َأجْرا
ذكر في هذه الية({ )40إِنّ اللّ َه ل َيظْلِمُ 1مِ ْثقَالَ ذَ ّرةٍ وَإِنْ َتكُ حَسَ َنةً ُيضَا ِ
عَظِيما} ،ذكر عدله في المجازاة ورحمته ،فأخبر أنه عند الحساب ل يظلم عبده وزن ذرة وهي
أصغر شيء وذلك بأن ل ينقص من حسناته حسنة ،ول يزيد في سيئاته سيئة ،وإن توجد لدى
مؤمن حسنة واحدة يضاعفها بأضعاف يعلمها هو ويعط من عنده بدون مقابل أجرا عظيما ل
يقادر قدره ،فلله الحمد والمنة .هذا ما تضمنته الية الولى( ،)40أما الية الثانية( )41فإنه تعالى
لما ذكر الجزاء والحساب الدال عليه السياق ذكر ما يدل على هول يوم الحساب وفظاعة المر
شهِي ٍد وَجِئْنَا ِبكَ
فيه ،فخاطب رسوله صلى ال عليه وسلم قائلًَ { :فكَيْف 2إِذَا جِئْنَا مِنْ ُكلّ ُأمّةٍ ِب َ
شهِيدا} ؟ ومعنى الية :فكيف تكون حال أهل الكفر والشر والفساد إذا جاء ال تعالى
عَلَى َهؤُلءِ َ
بشهيد من كل أمة ليشهد 3عليهما فيما أطاعت وفيما عصت
__________
1روى عن ابن مسعود ،وابن عباس" :أن هذه الية إحدا آيات هي خير مما طلعت عليه الشمس"
ووجه ذلك في حديث الشفاعة في صحيح مسلم ،إذ فيه" :ثم يقول لهم ارجعوا فمن وجدتم في قلبه
مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها- ،أي :النار –
خيرا" .
2كيف فتحت فاؤها للتقاء الساكنين ،إذ المفروض فيها أنها ساكنة وهي هنا في محل نصب ،إذ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
التقدير :تكون حالهم كيف.
3هو رسولها الذي أرسل إليها.
( )1/480
ليتم الحساب بحسب البينات والشهود والجزاء بحسب الكفر واليمان والمعاصي والطاعات ،وجئنا
بك أيها الرسول الخليل صلى ال عليه وسلم شهيدا على هؤلء ،أي :على أمته صلى ال عليه
وسلم من آمن به ومن كفر ،إذ يشهد أنه بلغ رسالته وأدى أمانته صلى ال عليه وسلم .هذا ما
تضمنته الية الثانية ،أما الية الثالثة( )42فإنه تعالى لما ذكر ما يدل على هول يوم القيامة في
الية( )41ذكر مثلً لذلك الهول وهو أن الذين كفروا يودون وقد عصوا الرسول لو يسوون
بالرض فيكونون ترابا حتى ل يحاسبوا ول يجزوا بجهنم .وأنهم في ذلك اليوم ل يكتمون ال
كلما؛ إذ جوارحهم تنطق فتشهد عليهم .قال تعالىَ { :ي ْومَئِذٍ} أي :يوم يؤتى من كل أمة بشهيد { َيوَدّ
سوّى ِ 1ب ِه ُم الَ ْرضُ} فيكونون ترابا مثلها .2مرادهم أن يسووا
عصَوُا الرّسُولَ َلوْ تُ َ
الّذِينَ َكفَرُوا وَ َ
هم بالرض فيكونون ترابا وخرج الكلم على معنى :أدخلت رأسي في القلنسوة ،والصل :أدخلت
القلنسوة في رأسي ،وقوله {وَل َيكْ ُتمُونَ اللّهَ حَدِيثا} إخبار عن عجزهم عن كتمان شيء عن ال
تعالى؛ لن جوارحهم تشهد عليهم بعد أن يختم على أفواههم ،كما قال تعالى من سورة يس {الْ َيوْمَ
شهَدُ أَ ْرجُُلهُمْ ِبمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ} .
نَخْ ِتمُ عَلَى َأ ْفوَا ِههِ ْم وَ ُتكَّلمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَ ْ
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1بيان عدالة ال تعالى ورحمته ومزيد فضله.
-2بيان هول يوم القيامة حتى إن الكافر ليود أن لو سويت به الرض فكان ترابا.
-3معرفة رسول ال صلى ال عليه وسلم بآثار الشهادة على العبد بيوم القيامة إذ أخبر عبد ال
بن مسعود رضي ال عنه ،أنه قال له رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما" :اقرأ عليّ القرآن،
فقلت أقرأ عليك وعليك أنزل؟ فقال :أحب أن أسمعه من غيري .قال :فقرأت{ :يَا أَ ّيهَا النّاسُ ا ّتقُوا
شهِيدٍ} الية ،وإذا عينا رسول ال
رَ ّبكُمُ} حتى وصلت هذه اليةَ { :فكَ ْيفَِ 3إذَا جِئْنَا مِنْ ُكلّ ُأمّةٍ بِ َ
صلى ال عليه وسلم تذرفان الدموع 4وهو يقول :حسبك .أي :كفاك ما قرأت عليّ".
__________
سوّى} بتشديد كل من السين والواو مع فتح التاء في السبع ،وقرئت أيضا{ :تَسوى}
1قرئت{ :ت ّ
بفتح التاء وتخفيف السين وتشديد الواو ،وبضم التاء وتشديد الواو.
2أي :تمنوا لو انفتحت لهم الرض فساخوا فيها فتكون الباء بمعنى :على ،أي :لو تسوى عليهم،
أي :تنشق فتسوى عليهم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
3الستفهام للتعجب من حال الناس في عرصات القيامة ،وقد جيء بالشهود{ :وَأُزِْل َفتِ الْجَنّةُ
لِ ْلمُ ّتقِينَ* وَبُرّ َزتِ ا ْلجَحِيمُ لِ ْلغَاوِينَ} .
4إن بكاء الرسول صلى ال عليه وسلم هنا لسببين :الول :المسرة التي نالته بتشريف ال تعالى
له في هذا المشهد العظيم ،حيث يؤتى به شهيدا على أمته ،ل يعرف عدد أفرادها إل ال خالقها،
ويدخل الجنة بشهادته عدد ل يحصى .والثاني :السى والسف الذي يلحقه من رؤيته أعدادا هائلة
من أمته يدخلون النار بشهادته عليهم .واليكاء :يكون للمسرة والحزن معا.
( )1/481
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يعبر عليه من سفينة ونحوها ،وناقة عبر أسفار ،ل يزال يسافر عليها ويقطع بها الفلة ،والهاجرة:
لسرعة مشيها.
( )1/482
حسب رواية الترمذي أقام مأدبة لبعض الصحاب فأكلوا وشربوا وحضرت الصلة فقاموا لها
وتقدم أحدهم يصلي بهم ،فقرأ بسورة الكافرون ،وكان ثملن فقرا :قل يا أيها الكافرون أعبد ما
تعبدون ،وهذا باطل قراءته بحذف حروف النفي فنزلت{ :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ 1آمَنُوا }....أي :يا من
صدقتكم بال ورسوله{ ،ل َتقْرَبُوا الصّلة} أي :ل تدخلوا فيها ،والحال أنكم سكارى من الخمر إذ
كانت يومئذ حللً غير حرام ،حتى تكون عقولكم تامة تميزون بها الخطأ من الصواب فتعلموا ما
تقولون في صلتكم .ول تقربوا مساجد الصلة للجلوس فيها ،وأنتم جنب حتى تغتسلوا اللهم إل
من كان منكم عابر سبيل ،إذ كانت طرق بعضهم إلى منازلهم على المسجد النبوي{ .وَإِنْ كُنْ ُتمْ
مَ ْرضَى} بجراحات يضرها الماء أو مرضى مرضا ل تقدرون معه على استعمال الماء للوضوء
حدٌ مِ ْنكُمْ مِنَ ا ْلغَا ِئطِ َأ ْو لمَسْتُمُ النّسَاءَ} بمضاجعهن أو
سفَرٍَ 2أوْ جَاءَ أَ َ
علَى َ
أو الغسل ،أو كنتم { َ
جدُوا مَاءً} تغتسلون به إن كنتم جنبا أو تتوضأون به إن كنتم
مستموهن بقصد الشهوة {فََلمْ تَ ِ
صعِيدا طَيّبا} أي :اقصدوا ترابا طاهرا { فَامْسَحُوا ِبوُجُو ِه ُكمْ
محدثين حدثا أصغر {فَتَ َي ّممُوا َ
وَأَيْدِيكُمْ} مرة واحدة فإن ذلك مجزئ لكم عن الغسل والوضوء ،فإن صح المريض أو وجد الماء
فاغتسلوا أو توضأوا ول تيمموا لنتفاء الرخصة بزوال المرض أو وجود الماء .وقوله تعالى في
غفُورا} يخبر تعالى عن كماله المطلق فيصف نفسه بالعفو عن عباده
ع ُفوّا َ
ختام الية {إِنّ اللّهَ كَانَ َ
المؤمنين إذا خالفوا أمره ،وبالمغفرة لذنوبهم إذا هم تابوا إليه ،ولذا هو عز وجل لم يؤاخذهم لما
صلوا وهم سكارى لم يعرفوا ما يقولون ،وغفر لهم وأنزل هذا القرآن تعليما لهم وهداية لهم.
هداية الية الكريمة
من هداية الية الكريمة:
-1تقرير مبدأ النسخ للحكام الشرعية في القرآن والسنة.
-2حرمة مكث 3الجنب في المسجد ،وجواز العبور والجتياز بدون مكث.
__________
1روى أبو داود في سننه" :أنه لما نزلت أية البقرةَ { :يسْألوُنَك عَنْ الخَمر والمَيِسْر} قال عمر:
اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا ،ولما نزلت هذه الية من النساء قال :اللهم بين لنا في الخمر
بيانا شافيا ،ولما نزلت آية المائدة{ :فَهلْ أنْتم مُنتَهون} قال :انتهينا يا ربنا".
2هل السفر مبيح للتيمم ،وإن وجد الماء؟ الجواب :ل .وإنما ذكر السفر؛ لن الغالب فيه أنه ل
يوجد ماء .أما الحضر :فالماء فيه قلما ينقطع ول يوجد.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
3يحرم قراءة القرآن على الجنب لحديث ابن ماجة وغيره" :ل يقرأ الجنب والحائض شيئا من
القرآن" ،وحديث الدارقطني" :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يحجبه عن قراءة القرآن
شيء إل أن يكون جنبا".
( )1/483
-3وجوب الغسل على الجنب وهو من قامت به جنابة بأن احتلم فرأى الماء ،أ جامع أهله فأولج
ذكره 1في فرج امرأته ولم لم ينزل ماء.
وكيفية الغسل :أن يغسل كفيه قائلً :بسم ال ناويا رفع الحدث الكبر ثم يستنجي فيغسل فرجيه
وما حولهما ،ثم يتوضأ فيغسل كفيه ثلثا ،ثم يتمضمض ويستنشق الماء ،ويستثره ثلثا ،ثم يغسل
وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه وأذنيه مرة واحدة ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثم يغمس
كفيه في الماء ثم يخلل أصول شعر رأسه ،ثم يحثو الماء على رأسه بغسله بكل حثوة ،ثم يفيض
الماء على شقه اليمن يغسله ،ثم على شقه اليسر يغسله .من أعله إلى أسفله ،ويتعهد بالماء
إبطيه وكل مكان من جسمه ينبو عنه الماء كالسرة وتحت الركبتين .2
-4إذا لم يجد المرء التراب لمطر ونحوه تيمم بكل أجزاء الرض 3من رمل وسبخة وحجارة
والتيمم هو أن يضرب بكفه الرض ثم يمسح وجهه وكفيه بهما لحديث عمار رضي ال عنه في
الصحيح.
-5بيان عفو ال وغفرانه لعدم مؤاخذة من صلوا وهم سكارى.
{أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا َنصِيبا مِنَ ا ْلكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضّلَل َة وَيُرِيدُونَ أَنْ َتضِلّوا السّبِيلَ( )44وَاللّهُ
ضعِهِ
عدَا ِئكُ ْم َو َكفَى بِاللّ ِه وَلِيّا َوكَفَى بِاللّهِ َنصِيرا( )45مِنَ الّذِينَ هَادُوا ُيحَ ّرفُونَ ا ْلكَلِمَ عَنْ َموَا ِ
أَعْلَمُ بِأَ ْ
سمَ ٍع وَرَاعِنَا لَيّا بِأَ ْلسِنَ ِتهِمْ
سمَعْ غَيْرَ مُ ْ
عصَيْنَا وَا ْ
س ِمعْنَا وَ َ
وَيَقُولُونَ َ
__________
1لحديث مسلم " :إذا جلس شعبها الربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل" ،أما حديث
مسلم " :إنما الماء من الماء" فمنسوخ بالحديث المذكور أعله ،وعلى هذا جماهير الصحابة
والتابعين والئمة الربعة.
2لحديث" :تحت كل شعرة جنابة اغلسوا الشعر وأنفقوا البشرة" .قال ابن عيينة" :المراد وأنفقوا
البشرة :غسل الفرجين وتنظيفهما".
3الجماع على جوا ز التيمم بالتراب المنبت الطاهر غير المنقول ول المغصوب .والجماع على
عدم الجواز على الذهب والفضة والياقوت والزمرد والطعمة؛ كالخبز واللحم وغيرهما .وكذا
النجاسات واختلف فيه غير ما ذكر؛ كالحجارة والسبخة والرمل وما إلى ذلك.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/484
( )1/485
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
َتضِلّوا السّبِيلَ} أي :ألم ينته إلى علمك وإلى علم أصحابك ما يحملكم على التعجب :العلم بالذين
أتوا نصيبا من الكتاب وهم :رفاعة بن زيد وإخوانه من اليهود ،أعطوا حظا من التوراة فعرفوا
صحة الدين السلمي ،وصدق نبيه صلى ال عليه وسلم {يَشْتَرُونَ الضّللَةَ} وهو الكفر يشترونها
باليمان ،حيث جحدوا نعوت النبي وصفاته في التوراة للبقاء على مركزهم بين قومهم يسودون
ويتفضلون ،ويريدون مع ذلك أن تضلوا أيها المؤمنون السبيل سبيل الحق والرشد ،وهو اليمان
عدَا ِئكُمْ} الذين يودون ضركم
بال ورسوله والعمل بطاعتهما للسعاد والكمال { .وَاللّهُ أَعَْلمُ 1بِأَ ْ
ول يودون نفعكم ،ولذا أخبركم بهم لتعرفوهم وتجتنبوهم فتنجوا من مكرهم وتضليلهمَ { .و َكفَى بِاللّهِ
وَلِيّا} لكم تعتمدون عليه وتفوضون أموركم إليه { َو َكفَى بِاللّهِ َنصِيرا} ينصركم عليهم وعلى غيرهم
فاعبدوه وتوكلوا عليه{ .مِنَ 2الّذِينَ هَادُوا يُحَ ّرفُونَ ا ْلكَلِمَ عَنْ َموَاضِعِهِ} أي :هم من اليهود الذين
يحرفون الكلم عن مواضعه ،والكلم هو كلم ال تعالى في التوراة ،وتحريفه بالميل به عن
القصد ،أو بتبديله وتغييره تضليلً للناس وإبعادا لهم عن الحق المطلوب منهم اليمان به والنطق
سمَعْ غَيْرَ
عصَيْنَا 3وَا ْ
س ِمعْنَا وَ َ
والعمل به .ويقولون للنبي صلى ال عليه وسلك كفرا وعنادا { َ
سمَعٍ ، }4أي :ل أسمعك ال {وراعنا} وهي كلمة ظاهرها أنها من المراعاة وباطنها الطعن في
مُ ْ
رسول ال صلى ال عليه وسلم ،إذ اليهود يعدونها من الرعونة يقولونها لرسول ال صلى ال
طعْنا فِي
عليه وسلم سبا وشتما له قبحهم ال ولعنهم وقطع دابرهم ،وقوله تعالى{ :لَيّا بِأَلْسِنَ ِتهِمْ وَ َ
الدّينِ} أي :يلوون ألسنتهم بالكلمة التي يسبون بخا حتى ل تظهر عليهم ،ويطعنون بها رسول ال
صلى ال عليه وسلم.
سمَ ْع وَا ْنظُرْنَا} أي :انتظرنا بدل راعنا لكان خيرا
طعْنَا وَا ْ
س ِمعْنَا وَأَ َ
وقوله تعالى{ :وََلوْ أَ ّنهُمْ قَالُوا َ
لهم وأقوم ،أي :أعدل وأكثر لياقة وأدبا ،ولكن ل يقولون هذا؛ لن ال تعالى لعنهم وحرمهم من
كل توفيق بسبب كفرهم فهم ل يؤمنون إل قليلً .أي :إيمانا ل ينفعهم لقلته فهو ل يصلح أخلقهم
ول يطهر نفوسهم ول يهيئهم للكمال في الدنيا ول في الخرة.
__________
1جملة إعتراضية ،وهي تحمل التعريض بأن إرادة اليهود تضليل المسلمين ناجمة عن عداوة
وحسد للمسلمين.
{ 2مِنَ الّذينَ هَادُوا} خبر لمبتدأ محذوف تقديره :من الذين هادوا ،جماعة يحرفون الكلم عن
مواضعه ،و"من" تبعيضية.
3قال ابن عباس رضي ال عنهما" :إنهم كانوا يقولون :سمعنا قولك وعصينا أمرك".
سمَع غَيرْ مُسْمع} اسمع ل
4وعن ابن عباس رضي ال عنهما" :أن مرادهم من قولهم{ :وا ْ
سمعت".
( )1/486
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هداية اليات
من هداية اليات:
-1بيان مكر اليهود بالمؤمنين بالعمل على إضللهم في عهد النبوة وإلى اليوم.
-2في كفاية ال للمؤمنين ونصرته ما يغنيهم أن يطلبوا ذلك من أحد غير ربهم عز وجل.
-3اليمان 1القليل ل يجدي صاحبه ول ينفعه بحال.
س وُجُوها فَنَ ُردّهَا عَلَى
طمِ َ
{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ آمِنُوا ِبمَا نَزّلْنَا ُمصَدّقا ِلمَا َم َعكُمْ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ َن ْ
ت َوكَانَ َأمْرُ اللّهِ َمفْعُولً(})47
أَدْبَارِهَا َأوْ نَ ْلعَ َنهُمْ َكمَا َلعَنّا َأصْحَابَ السّ ْب ِ
شرح الكلمات:
{أُوتُوا ا ْلكِتَابَ} :اليهود والنصارى ،والمراد بهم هنا اليهود ل غير.
{ ِبمَا نَزّلْنَا ُمصَدّقا} :القرآن.
س وُجُوها} :نذهب آثارها بطمس العين وإذهاب أحداقها.
طمِ َ
{ َن ْ
{فَنَرُدّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} :نجعل الوجه قفا ،والقفا وجها.
{ َكمَا َلعَنّا َأصْحَابَ السّ ْبتِ} :لعنهم :مسخهم قردة خزيا لهم وعذابا مهينا.
{ َوكَانَ َأمْرُ اللّهِ مَ ْفعُولً} :أمر ال :مأموره كائن ل محالة لنه تعالى ل يعجزه شيء.معنى الية
الكريمة:
ما زال السياق في اليهود المجاورين للرسول صلى ال عليه وسلم ،ففي هذه الية ناداهم ال
تبارك 2
__________
1شاهده قوله تعالى{ :فَل يؤمنون إل قَليل} هذا يصح إن كانت الجملة دالة على شيء من
اليمان ،أما على رأي من يرى أن الكلم دال على نفي اليمان بالكلية فل دليل في الية على أن
قليل اليمان ل ينفع.
2قال القرطبي :قال ابن إسحاق :كلم رسول ال صلى ال عليه وسلم رؤساء من أحبار يهود
منهم :عبد ال بن صوريا ،وكعب بن أسد ،وقال لهم" :يا معشر يهود اتقوا ال وأسلموا فوال إنكم
لتعلمون أن الذي جئتكم به الحق" .قالوا :ما نعرف ذاك يا محمد .وجحدوا ما عرفوا وأصروا
على الكفر .فأنزل ال تعالى هذه الية{ :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ} .
( )1/487
وتعالى بعنوان العلم والمعرفة وهو نسبتهم إلى الكتاب الذي هو التوراة آمرا إياهم باليمان بكتابه،
أي :القرآن الكريم وبمن أنزله عليه محمد صلى ال عليه وسلم ،إذ اليمان بالمنزل إيمان بالمنزل
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عليه ضمنا .فقال{ :آمنوا} بالفرقان المصدق لما معكم من أصول الدين ونعوت الرسول والمر
باليمان به ونصرته خفوا إلى اليمان واتركوا التردد من قبل أن يحل بكم ما حل ببعض أسلفكم
س ُوجُوها }1فنذهب حدقة أعينها وشاخص أنوفها
طمِ َ
حيث مسخوا قردة وخنازير {مِنْ قَ ْبلِ أَنْ نَ ْ
ونُغلق أفواهها فتصبح الوجوه أقفاء ،والقفاء وجوها يمشون القهقراء وهو معنى قوله { :فَنَرُدّهَا
عَلَى أَدْبَارِهَا َأوْ نَ ْلعَ َن ُهمْ َكمَا َلعَنّا َأصْحَابَ السّ ْبتِ} أي :الذين اعتدوا منكم في السبت حيث صادوا
فيه ،وهو محرم عليهم فمسخهم قردة خاسئينَ { .وكَانَ َأمْرُ اللّهِ} أي :مأموره { َمفْعُولً} ناجزا ،ل
يتخلف ول يتأخر لن ال تعالى ل يعجزه شيء وهو على كل شيء قدير.
هداية الية
من هداية الية:
-1المفروض أن ذا العلم يكون أقرب إلى الهداية ،ولكن من سبقت شقوته لما يعلم ال تعالى من
اختياره الشر والصرار عليه ل ينفعه العلم ،ول يهتدي به هؤلء اليهود الذين دعاهم ال تعالى
إلى اليمان فلم يؤمنوا.
-2وجوب تعجيل التوبة قبل نزول العذاب وحلول ما ل يحب النسان من عذاب ونكال.
-3قد يكون المسخ في الوجه بمسخ الفكار والعقول فتفسد حياة المرء وتسوء ،وهذا الذي حصل
ليهود المدينة .فنقضوا عهودهم فهلك من هلك منهم وأجلى من أجلى نتيجة إصرارهم على الكفر
وعداء الرسول صلى ال عليه وسلم والمؤمنين.
{إِنّ اللّهَ ل َي ْغفِرُ أَنْ يُشْ َركَِ 2ب ِه وَ َيغْفِرُ مَا دُونَ ذَِلكَ ِلمَنْ يَشَا ُء َومَنْ ُيشْ ِركْ بِاللّهِ َفقَدِ افْتَرَى إِثْما
عَظِيما}
__________
1قال مالك رحمه ال تعالى" :كان أول إسلم كعب الحبار أنه مر برجل من الليل وهو يقرأ هذه
الية{ :يَا أهْل الكتاب }...إلخ .فوضع كفيه على وجهه ورجع القهقري إلى بيته فأسلم مكانه،
وقال :وال لقد خفت أل أبلغ بيتي حتى يطمس وجهي".
2روى الترمذي عن علي ابن أبي طالب رضي ال عنه أنه قال" :ما في القرآن آية أحب إلي من
هذه الية {إِنّ اللّهَ ل َي ْغفِرُ أَنْ يُشْ َركَ بِ ِه وَ َي ْغفِرُ مَا دُونَ ذَِلكَ ِلمَنْ َيشَاءُ} " ،قال هذا حديث حسن
غريب.
( )1/488
شرح الكلمات:
{ل َي ْغفِرُ} :ل يمحو ول يترك للمؤاخذة.
{أَنْ ُيشْ َركَ بِهِ} :أي :يعبد معه غيره تأليها له بحبه وتعظمه وتقديم القرابين له ،وصرف العبادات
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
له كدعائه والستعانة به والذبح والنذر له.
{وَ َي ْغفِرُ مَا دُونَ ذَِلكَ} :أي ما دون الشرك والكفر من سائر الذنوب والمعاصي التي ليست شركا
ول كفرا.
{ِلمَنْ َيشَاءُ} :أي :لمن يشاء المغفرة له من سائر المذنبين بغير الشرك والكفر.
عظِيما} :افترى :اختلق وكذب كبا بنسبته العبادة إلى غير الرب تعالى ،والثم :الذنب
{افْتَرَى إِثْما َ
العظيم الكبير.
معنى الية الكريمة:
سهِ ْم ل
يروى أنه لما نزل قول ال تعالى من سورة الزمرُ { :قلْ يَا عِبَا ِديَ الّذِينَ أَسْ َرفُوا عَلَى أَ ْنفُ ِ
جمِيعا} قام رجل فقال :والشرك يا نبي ال؟ فكره ذلك
حمَةِ اللّهِ إِنّ اللّهَ َي ْغفِرُ الذّنُوبَ َ
َتقْنَطُوا مِنْ رَ ْ
رسول ال صلى ال عليه وسلم وأنزل ال تعالى{ :إِنّ اللّهَ ل َي ْغفِرُ أَنْ يُشْ َركَِ 1ب ِه وَ َيغْفِرُ مَا دُونَ
ذَِلكَ ِلمَنْ َيشَاءُ} ،فأخبر تعالى عن نفسه بأنه ل يغفر الذنب المعروف بالشرك والكفر ،وأما سائر
الذنوب كبيرها وصغيرها فتحت المشيئة إن شاء غفرها لمرتكبها فلم يعذبه بها ،وإن شاء آخذه بها
وعذبه ،وأن من يشرك به تعالى فقد اختلق الكذب العظيم إذ عبد من ل يستحق العبادة وأنه من ل
حق له في التأليه فلذا هو قائل بالزور وعامل بالباطل ،ومن هنا كان ذنبه عظيما.
هداية الية الكريمة
من هداية الية:
-1عظم ذنب 2الشرك والكفر وأن كل الذنوب دونهما.
-2الشرك ذنب 3ل يغفر لمن مات بدون توبة منه.
__________
1ومع ظهور سبب النزول فإن الية تحمل تهديدا ووعيدا للناس شديدين يفهم ذلك من حرف
التعليل ،وهو{ :إن ال} كأنه يقول :يا أيها الناس ادخلوا في السلم إن ال ل يغفر أن يشرك به.
2وجه عظم ذنب الشرك يدرك بما يلي :أولً :أنه ذنب ل يغفر إل لمن تاب منه .ثانيا :إنه محبط
ك وَلَ َتكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} .
عمَُل َ
للعمل مهما كثر وعظم لقوله تعالى { :لَئِنْ أَشْ َر ْكتَ لَ َيحْبَطَنّ َ
3يعرف الشرك :بأنه عبادة غير ال مع ال .ومن أنواع العبادة :التعظيم ،والرغبة ،والرهبة،
والدعاء ،والذبح ،والنذر ،والركوع ،والسجود ،والصيام ،والحلف ،وهو من التعظيم.
( )1/489
-3سائر الذنوب دون الشرك والكفر ل ييأس فاعلها من مغفرة ال تعالى له وإنما يخاف.
-4الشرك زور وفاعله قائل بالزور فاعلٌ به.
س ُهمَْ 1بلِ اللّهُ يُ َزكّي مَنْ يَشَا ُء وَل يُظَْلمُونَ فَتِيلً( )49انْظُرْ كَيْفَ
{أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ يُ َزكّونَ أَ ْنفُ َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ب َوكَفَى بِهِ إِثْما مُبِينا(})50
َيفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذ َ
شرح الكلمات:
تزكية النفس :تبرئتها من الذنوب والثام.
{يُ َزكّي مَنْ يَشَاءُ} :يطهر من الذنوب من يشاء من عباده بتوفيقه للعمل بما يزكي النفس ،وإعانته
عليه.
الفتيل :الخيط البيض يكون في وسط النواة ،أو ما يفتله المرء بأصبعيه من الوسخ في كفه أو
جسمه وهو أقل الشياء وأتفهها.
{ا ْل َك ِذبَ} :عدم مطابقة الخير للواقع.
معنى اليتين:
عاد السياق إلى الحديث عن أهل الكتاب فقال تعالى لرسوله والمؤمنين{ :أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ يُ َزكّونَ
سهُمْ} وهو أمر يحمل على العجب والستغراب إذ المفروض أن المرء ل يزكي نفسه حتى
أَ ْنفُ َ
خلَ ا ْلجَنّةَ
يزكيه غيره ،فاليهود والنصارى قالوا{ :نَحْنُ أَبْنَاءُ اللّ ِه وَأَحِبّا ُؤهُ} .وقالواَ { :وقَالُوا لَنْ َيدْ ُ
إِل مَنْ كَانَ هُودا َأوْ َنصَارَى} .وقالت اليهود{ :لَنْ َتمَسّنَا النّارُ 2إِل أَيّاما َمعْدُودَاتٍ} ،إلى غير
ذلك من الدعاوي الباطلة ،ولما أنكر تعالى عليهم هذا الباطل الذي يعيشون عليه فعاقهم عن
اليمان والدخول في السلم وأخبر تعالى أنه عز وجل هو الذي يزكي من يشاء من عباده ،وذلك
بتوفيقه إلى اليمان وصالح العمال التي تزكو عليها النفس البشرية ،فقال تعالىَ { :بلِ اللّهُ يُ َزكّي
ظَلمُونَ فَتِيلً} أي :أقل قليل فل يزاد
مَنْ يَشَاءُ وَل يُ ْ
__________
1ل خلف في أن المراد بالذين يزكون أنفسهم في هذه الية هم اليهود.
2ومن جملة أقوالهم في تزكية نفوسهم بأفواههم قولهم" :ل ذنب لنا وما فعلناه نهارا يغفر لنا
ليلً" ،وما فعلناه ليلً يغفر لنا نهارا" وقولههم" :نحن كالطفال في عدم الذنوب" .وثناء بعضهم
على بعض.
( )1/490
في ذنوب العبد ول ينقص من حسناته .ثم أمر ال تعالى رسوله أن يتعجب من حال هؤلء اليهود
والنصارى وهم يكذبون على ال تعالى ،ويختلقون الكذب بتلك الدعاوي التي تقدمت آنفا .وكفى
بالكذب إثما مبينا .يغمس صاحبه في النار.
هداية اليتين:
من هداية اليتين:
-1حرمة تزكية المرء 1نفسه بلسانه والتفاخر بذلك ،إما طلبا للرئاسة ،وإما تخليا عن العبادة
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والطاعة بحجة أنه في غير حاجة إلى ذلك لطهارته ،ورضى ال تعالى عنه.
-2ال يزكي عبده بالثناء عليه في المل العلى ،ويزكيه بتوفيقه وإيمانه للعمل بما يزكي من
صلة وصدقات وسائر الطاعات المشروعة لتزكية النفس البشرية وتطهيرها.
-3عدالة الحساب والجزاء يوم القيامة لقوله تعالى{ :وَل يُظَْلمُونَ فَتِيلً} .
ت وَيَقُولُونَ لِلّذِينَ َكفَرُوا َهؤُلءِ
ت وَالطّاغُو ِ
{أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا َنصِيبا مِنَ ا ْلكِتَابِ ُي ْؤمِنُونَ بِالْجِ ْب ِ
أَهْدَى مِنَ الّذِينَ آمَنُوا سَبِيلً( )51أُولَ ِئكَ الّذِينَ َلعَ َن ُهمُ اللّ ُه َومَنْ يَ ْلعَنِ اللّهُ فَلَنْ َتجِدَ َلهُ َنصِيرا( )52أَمْ
سدُونَ النّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ
َلهُمْ َنصِيبٌ مِنَ ا ْلمُ ْلكِ فَإِذا ل ُيؤْتُونَ النّاسَ َنقِيرا( )53أَمْ َيحْ ُ
ح ْكمَ َة وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكا عَظِيما()54
َفضْلِهِ َفقَدْ آتَيْنَا آلَ 2إِبْرَاهِيمَ ا ْلكِتَابَ وَا ْل ِ
__________
1روى مسلم عن عمر بن عطاء ،قال :سميت ابنتي :برة .فقالت لي زينب بنت أبي سلمة :إن
رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن هذا السم ،وسميت برة .فقال رسول ال صلى ال عليه
وسلم" :أتزكون أنفسكم ال أعلم بأهل البر منكم" .فقالوا :بما نسميها؟ .فقال" :سموها زينب" .قال
الدارقطني :فدل الكتاب والسنة على المنع من تزكية النسان نفسه .ويجري هذا المجرى ما قد
كثر في هذه الديار المصرية .من نعت أنفسهم بالنعوت التي تقتضي التزكية :كزكي الدين ،ومحي
الدين ،وما أشبه ذلك ،لكن لما كثرت قبائح المسلمين بهذه السماء ظهر تخلف هذه النعوت عن
أصلها فصارت ل تفيد شيئا.
2آل إبراهيم هم :ذريته من أولد وأحفاد وما تناسل منهم؛ كداود وسليمان ومن بعدهم.
( )1/491
سعِيرا (})55
جهَنّمَ َ
ن صَدّ عَنْهُ َوكَفَى ِب َ
َفمِ ْنهُمْ مَنْ آمَنَ ِب ِه َومِ ْنهُمْ مَ ْ
شرح الكلمات:
{بِا ْلجِ ْبتِ وَالطّاغُوتِ} :الجبت :1اسم لكل ما عبد من دون ال وكذا الطاغون سواء كانا صنمين
أو رجلين.
أهدى سبيل :أكثر هداية في حياتهما وسلوكهما.
{ َنقِيرا} :النقير :نقرة في ظهر النواة يضرب بها المثل في صغرها.
الحسد :تمني زال النعمة عن الغير والحرص على ذلك.
ح ْكمَةَ} :السداد في القول والعمل مع الفقه في أسرار التشريع اللهي.
{وَالْ ِ
معنى اليات:
روي أن جماعة من اليهود منهم كعب بن الشرف وحيي بن أخطب ذهبوا إلى مكة يحزبون
الحزاب لحرب رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فلما نزلوا مكة قالت قريش :نسألهم فإنهم أهل
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
كتاب عن ديننا ودين محمد أيهما خير؟ فسألوهم فقالوا لهم دينكم خير من دين محمد وأنتم أهدى
عظِيما} .وهذا شرحها{ :أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ
منه وممن اتبعه .فأنزل ال تعالى هذه اليات إلى قوله { َ
أُوتُوا َنصِيبا مِنَ ا ْلكِتَابِ ُي ْؤمِنُونَ بِالْجِ ْبتِ 2وَالطّاغُوتِ} ألم ينته إلى علمك أيها الرسول :أن الذين
أوتوا حظا من العلم بالتوراة يصدقون بصحة عبادة الجبت والطاغوت ويقرون عليها ويحكمون
بأفضلية عبادتها على عبادة ال تعالى {وَ َيقُولُونَ لِلّذِينَ َكفَرُوا} وهم مشركوا قريش :دينكم خير من
دين محمد وأنتم أهدى طريقا في حياتكم الدينية والجتماعية ألم يك موقف هؤلء اليهود مثار
الدهشة والستغراب والتعجب لهل العلم والمعرفة بالدين الحق ،إذ يقرون الباطل ويصدقون به؟
{أُولَ ِئكَ الّذِينَ َلعَ َنهُمُ اللّهُ} أولئك الهابطون في حمأة الرذيلة ،البعيدون في أغوار الكفر والشر
والفساد لعنهم ال فأبعدهم عن ساحة الخير والهدىَ { ،ومَنْ
__________
1وقيل :الجبت :الساحر بلغة الحبشة ،والطاغوت :الكاهن .عن ابن عباس وأبي جبير وأبي
العالية ،وقال عمر رضي ال عنه :الجبت :السحر ،والطاغوت :الشيطان .وقال مالك :الطاغوت
ما عبد من دون ال .وقيل :هما كل ما عبد من دون ال أو مطاع في معصية ال .وهذا حسن
وهو ما ذكرناه في التفسير.
2أخرج أبو داود عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال" :الطرق والطيرة والعياثة من الجبت"
والمراد من الطرق :الخط بخط في الرض للبحث عن معرفة ما يحدث للنسان .والعياثة :زجر
الطير للتشاؤم والتيمن ،والطيرة :التطير .وأصل الجبت :الجبس ،وهو مال خير فيه.
( )1/492
جدَ لَهُ} يا رسولنا { َنصِيرا} ينصره من الخذلن الذي وقع فيه والهزيمة الروحية
يَ ْلعَنِ اللّهُ فَلَنْ تَ ِ
التي حلت به فأصبح وهو العالم يبارك الشرك ويفضله على التوحيد.
ثم قال تعالى في الية({ )53أَمْ َل ُهمْ َنصِيبٌ مِنَ ا ْلمُ ْلكِ فَإِذا ل ُ 1يؤْتُونَ النّاسَ َنقِيرا} .أي :ليس لهم
نصيب من الملك كما يدعون ،فالستفهام للنكار عليهم دعوة أن الملك يؤول إليهم ،وهم لشدة
بخلهم لو آل الملك لهم لما أعطوا أحدا أحقر الشياء وأتفهها ولو مقدار نواة ،وهذا ذم لهم بالبخل
بعد ذمهم بلزم الجهل ،وهو تفضيلهم الشرك على التوحيد.
وقوله تعالى{ :أَمْ َيحْسُدُونَ 2النّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ َفضْلِهِ َفقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ ا ْلكِتَابَ
عظِيما} أم بمعنى بل كسابقتها للضراب –النتقال من حال سيئة إلى
ح ْكمَ َة وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكا َ
وَالْ ِ
أخرى ،والهمزة للنكار ينكر تعالى عليهم حسدهم للنبي صلى ال عليه وسلم والمؤمنين على
النبوة والدولة ،وهو المراد من الناس وقوله تعالىَ { :فقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ ا ْلكِتَابَ} ؛ كصحف
إبراهيم والتوراة والزبور والنجيل ،والحكمة التي هي السنة التي كانت لولئك النبياء يتلقونها
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وحيا من ال تعالى ،وكلها علم نافع وحكم صائب سديد ،والملك العظيم هو ما كان لداود وسليمان
عليهما السلم كل هذا يعرفه اليهود فلم ل يحسدون محمدا والمسلمين ،والمراد من السياق ذم
اليهود بالحسد كما سبق ذمهم بالبخل والجهل مع العلم.
ن صَدّ عَ ْنهُ} يريد أن من اليهود المعاهدين
وقوله تعالى في الية(َ { :)55فمِ ْنهُمْ مَنْ آمَنَ بِ ِه َومِ ْنهُمْ مَ ْ
ن صَدّ عَ ْنهُ}
للنبي صلى ال عليه وسلم من آمن بالنبي 3محمد ورسالته ،وهم القليلَ { ،ومِ ْنهُمْ مَ ْ
سعِيرا} لمن كفر حسدا وصد عن
جهَنّمَ َ
أي :انصرف وصرف الناس عنهم وهم الكثرون { َو َكفَى ِب َ
سبيل ال بخلً ومكرا ،أي :حسبه جهنم ذات السعير جزاء له على الكفر والحسد والبخل ،والعياذ
بال تعالى.
__________
1إذا هنا :ملغاة ،فلم تنصب المضارع بعدها ،وذلك لدخول فاء العطف عليها ،لو نصب وكان في
غير القرآن بها لجاز النصب .قال سيبويه" :إذا في عوامل الفعال بمنزلة :ظن في عوامل
السماء ،أي :تلغى ول تعمل .إذا لم يكن الكلم معتمدا عليها".
2الحسد :كبيرة من كبائر الذنوب؛ لنه اعتراض على ال فيما قسمه بين عباده وورد فيه أنه
يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب .قيل فيه :إنه أول ذنب عصي ال به في السماء ،وأول ذنب
عصي ال به في الرض .إذ حسد إبليس آدم في السماء .وحسد قابيل هابيل في الرض.
3وجائز أن يكون الضمير عائدا إلى إبراهيم عليه السلم أو إلى الكتاب .وما ذكرناه في التفسير
هو الحق.
( )1/493
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب الكفر بالجبت والطاغوت.
-2بيان مكر اليهود وغشهم وأنهم ل يتورعون عن الغش والكذب والتضليل.
-3ذم الحسد والبخل.
-4إيمان بعض اليهود بالسلم ،وكفر أكثرهم مع علمهم بصحة السلم ووجوب اليمان به
والدخول فيه.
جتْ جُلُو ُدهُمْ َبدّلْنَاهُمْ جُلُودا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا
س ْوفَ ُنصْلِيهِمْ نَارا كُّلمَا َنضِ َ
{إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا بِآيَاتِنَا َ
عمِلُوا الصّالِحَاتِ سَنُ ْدخُِلهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ
حكِيما( )56وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ
ا ْلعَذَابَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَزِيزا َ
طهّ َر ٌة وَنُ ْدخُِلهُمْ ظِلّ ظَلِيلً(})57
تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا أَبَدا َلهُمْ فِيهَا أَ ْزوَاجٌ مُ َ
شرح الكلمات:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{ ُنصْلِيهِمْ نَارا : }1ندخلهم نارا يحترقون بها.
جتْ جُلُودُ ُهمْ : }2اشتوت فتهرت وتساقطت.
{ َنضِ َ
{لِ َيذُوقُوا ا ْل َعذَابَ} :ليستمر لهم العذاب مؤلما.
حكِيما} :غالبا ،يعذب من يستحق العذاب.
{عَزِيزا َ
{ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ} :تجري من خلل أشجارها وقصورها النهار.
طهّ َرةٌ} :من الذى والقذى مطلقا.
{مُ َ
{ظِلّ ظَلِيلً : }3الظل الظليل :الوارف الدائم ل حر فيه ول برد به.
__________
1يقال :صله يصليه صليا ،وأصله إصلء ،أي :اللحم إذا شواه على النار ،ويقال :فلن نضج
الرأي ،أي :محقه.
2يقال :نضج الشواء ،إذا بلغ حد الشي.
3صفة مؤكدة؛ كيوم أيوم ،وليل أليل ،والظليل هو :السجسج الذي ل حر فيه ول قر.
( )1/494
معنى اليتين:
على ذكر اليمان والكفر في الية السابقة ذكر تعالى في هاتين اليتين الوعيد والوعد الوعيد لهل
س ْوفَ ُنصْلِيهِمْ نَارا} يريد يدخلهم
الكفر والوعد لهل اليمان فقال تعالى{ :إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا بِآيَاتِنَا َ
جتْ جُلُودُ ُهمْ} تهرت وسقطت بدلهم 1ال تعالى
نار جهنم يحترقون فيها ويصطلون بها {كُّلمَا َنضِ َ
حكِيما}
فورا جلودا غيرها ليتجدد ذوقهم للعذاب وإحساسهم به ،وقوله تعالى{ :إِنّ اللّهَ كَانَ عَزِيزا َ
تذييل المقصود منه إنفاذ الوعيد فيهم؛ لن العزيز الغالب ل يعجز عن إنفاذ ما توعد به أعداءه،
كما أن الحكيم في تدبيره يعذب أهل الكفر به والخروج عن طاعته ،هذا ما تضمنته الية الولى(
)56من وعيد لهل الكفر.
وأما الية الثانية( )57فقد تضمنت البشرى السارة لهل اليمان وصالح العمال ،مع اجتناب
عمِلُوا الصّالِحَاتِ} أي :بعد تركهم الشرك
الشرك والمعاصي فقال تعالى{ :وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ
طهّ َرةٌ}
والمعاصي {سَ ُندْخُِل ُهمْ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ 2فِيهَا أَبَدا َلهُمْ فِيهَا أَ ْزوَاجٌ ُم َ
يريد نساء من الحور العين مطهرات من كل ما يؤذي أو يُخل بحسنهن وجمالهن نقيات من البول
ظلِيلً} وارفا كنينا يقيهم الحر والبرد .وحدث
والغائض ودم الحيض .وقوله تعالى{ :وَنُ ْدخُِلهُمْ ظِلّ َ
يوما رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال" :في الجنة شجرة تسمى 3شجرة الخلد يسير الراكب
في ظلها مائة سنة ما يقطع ظلها" .
هداية اليات
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
من هداية اليات:
-1الكفر والمعاصي موجبات 4للعذاب الخروي.
-2بيان الحكمة في تبديل الجلود لهل النار وهي أن يدوم إحساسهم بالعذاب.
-3اليمان والعمل الصالح مع ترك الشرك والمعاصي موجبات للنعيم الخروي.
__________
1روي أن جلودهم تبدل في الساعة مائة مرة ،وروي أن هذه الية تليت عند عمر رضي ال
عنه فقال عمر للقارئ :أعدها فأعادها عليه .وعنده كعب فقال :يا أمير المؤمنين أنا عندي تفسير
لها .فذكر أنه تبدل في الساعة الواحدة مائة وعشرين مرة.
2ذكر هذا الخلود إعظاما للمنة ،و {خالدين} منصوب على الحال المقدرة ،أي :حال كون خلودهم
مقدرا فيها قبل دخلوهم إياها.
3ذكره ابن كثير في تفسير هذه الية.
4وذلك لن الكفر والشرك والمعاصي التي هي ترك الواجبات وفعل المحرمات تدنس النفس فل
تصبح أهلً لدخول الجنة لقوله تعالى{ :قدْ َأفْلَح مَنْ َزكّاها وَقدْ خَابَ مَنْ َدسّاها} .
( )1/495
( )1/496
طلحة الحجبي ،1حيث كان مفتاح الكعبة عنده بوصفه سادنا ،2فطلبه رسول ال صلى ال عليه
وسلم منه صبيحة يوم الفتح ،فصلى في البيت ركعتين وخرج ،فقال العباس رضي ال عنه
أعطينيه يا رسول ال ،ليجمع بين السقاية والسدانة ،فانزل ال تعالى هذه الية والتي بعدها فقرأ
رسول ال صلى ال عليه وسلم الية على الناس ،ودعا عثمان بن طلحة وأعطاه المفتاح .غير أن
العبرة بعموم اللفظ ل بخصوص السبب ،ولذا فالية في كل أمانة فعلى كل مؤتمن على شيء أن
ح َكمْتُمْ
يحفظه ويرعاه حتى يؤديه 3إلى صاحبه ،والية تتناول حكام المسلمين أولً بقرينة {وَإِذَا َ
ح ُكمُوا بِا ْلعَ ْدلِ} الذي هو القسط ،وضد الجور ومعناه :إيصال الحقوق إلى مستحقيها
بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَ ْ
ظكُمِْ 4بهِ} يريد أن أمره تعالى أمة السلم حكاما
من أفراد الرعايا .وقوله تعالى{ :إِنّ اللّهَ ِن ِعمّا َي ِع ُ
ومحكومين بأداء المانات والحكم بالعدل هو شيء حسن ،وهو كذلك إذ قوام الحياة الكريمة هو
سمِيعا َبصِيرا} فيه الحث على
النهوض بأداء المانات والحكم بالعدل وقوله تعالى{ :إِنّ اللّهَ كَانَ َ
المأمور به بإيجاد ملكة مراقبة ال تعالى في النفس ،فإن من ذكر أن ال تعالى يسمع أقواله
ويبصر أعماله استقام في قوله فلم يكذب وفي عمله فلم يفرط .هذا ما دلت عليه الية الولى(.)58
أما الية الثانية( ،)59فإن ال تعالى لما أمر ولة أمور المسلمين بأداء المانات التي هي حقوق
الرعية ،وبالحكم بينهم بالعدل أمر المؤمنين المولي عليهم بطاعته وطاعة رسوله أولً ،ثم بطاعة
لمْرِ مِ ْنكُمْ} ،
ولة المور ثانيا ،فقال{ :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا َأطِيعُوا اللّ َه وََأطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي ا َ
والطاعة لولي المر مُقيد بما كان معروفا للشرع ،أما في غير المعروف فل طاعة في الختيار
لحديث" :إنما الطاعة في المعروف ،ول طاعة لمخلوق في معصية الخالق" .
شيْءٍ فَ ُردّوهُ ِإلَى اللّ ِه وَالرّسُولِ} فهو خطاب عام للولة والرعية،
وقوله تعالى{ :فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي َ
فمتى حصل خلف في أمر من أمور الدين والدنيا وجب رد ذلك إلى كتاب ال 5وسنة رسول ال
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
صلى ال عليه وسلم فيما حكما فيه وجب قبوله حلوا كان أو مرا ،وقوله تعالى{ :إِنْ كُنْتُمْ ُت ْؤمِنُونَ
__________
1المؤتمن إذا لم يفرط وضاعت المانة منه فل ضمان عليه إجماعا لقوله صلى ال عليه وسلم" :
ل ضمان على مؤتمن" رواه الدارقطني .والعارية مؤداة أيضا .لحديث خطبة الوداع" :العارية
مؤداة ،والمنحة مردودة ،والدين مقضي ،والزعيم غارم" أي :ضامن.
2أصل :نعما :نعم وكتبت معها ما بعد كسر عين نعم وتسكين ميمها وإدغامها في ما :هي إما
موصولة أو نكرة موصوفة أو نكرة تامة وأما الجملة بعد نعم فهي تجري حسب ما يناسب معنى
"ما".
3الحجبي :نسبة إلى حجابة البيت على غير قياس.
4السادن :الخادم للبيت ،وتسمى هذه المهنة :السدانة.
5وذلك يستلزم الرد إلى العلماء الفقهاء إذ هم الذين يعرفون الحكام ويحسنون استنباطها من
الكتاب والسنة .
( )1/497
بِاللّ ِه وَالْ َيوْ ِم الخِرِ} فيه أن اليمان يستلزم الذعان لقضاء ال ورسوله ،وهو يفيد أن رد المور
حسَنُ تَ ْأوِيلً} ،يريد
المتنازع فيها إلى غير الشرع قادح في إيمان المؤمن وقوله{ :ذَِلكَ خَيْ ٌر وَأَ ْ
ل ومآلً ،لما
ذلك الرد والرجوع بالمسائل والقضايا المختلف فيها إلى الكتاب والسنة هو خير حا ً
فيه من قطع النزاع والسير بالمة متحدة متحابة متعاونة.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1وجوب رد المانات بعد المحافظة عليها.
-2وجوب العدل في الحكم وحرمة الحيف والجور فيه.
-3وجوب طاعة ال وطاعة الرسول وولة المسلمين من حكام وعلماء 1فقهاء ،لن طاعة
الرسول من طاعة ال ،وطاعة الوالي من طاعة الرسول صلى ال عليه وسلم ،لحديث2" :من
أطاعني فقد أطاع ال ،ومن أطاع أميري فقط أطاعني ،ومن عصاني فقد عصى ال ومن عصى
أمري فقد عصاني" .3
-4وجوب رد المتنازع فيه عقيدة أو عبادة أو قضاء إلى الكتاب والسنة ووجوب الرضا
بقضائهما.
-5العاقبة الحميدة والحال الحسنة السعيدة في رد أمة السلم ما تنازع فيه إلى كتاب ربها وسنة
نبيها صلى ال عليه وسلم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ك َومَا أُنْ ِزلَ مِنْ قَبِْلكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَ َتحَا َكمُوا إِلَى
عمُونَ أَ ّن ُهمْ آمَنُوا ِبمَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْي َ
{أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ يَزْ ُ
ت َوقَدْ ُأمِرُوا أَنْ َي ْكفُرُوا ِب ِه وَيُرِيدُ الشّيْطَانُ أَنْ ُيضِّلهُ ْم ضَللً َبعِيدا( )60وَإِذَا قِيلَ َلهُمْ َتعَاَلوْا
الطّاغُو ِ
إِلَى مَا أَنْ َزلَ
__________
1قال سهل بن عبد ال :ل يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء فإن عظموا هذين
أصلح ال دنياهم وأخراهم ،وأن استخفوا بهذين فسدت دنياهم وأخراهم.
2رواه الشيخان وكذا حديث" :إنما الطاعة في المعروف" .إلخ.
3روي في الصحيح أن عبد ال بن حذافة النصاري البدري ،وكان به دعابة ،بعثه رسول ال
صلى ال عليه وسلم على سرية فأمرهم يوما أن يجمعوا حطبا ويوقدوا نارا ففعلوا ثم أمرهم أن
يدخلوها محتجا عليهم بقوله صلى ال عليه وسلم" :من أطاع أميري فقد أطاعني ،ومن عصى
أميري فقد عصاني" فلم يستجيبوا له ،وقالوا له :إنما أمنا وأسلمنا لننجو من النار فكيف نعذب
أنفسنا بها؟ وذكر ذلك لرسول ال صلى ال عليه وسلم فقال" :لو دخلوها ما خرجوا منها إنما
الطاعة في المعروف" .
( )1/498
اللّ ُه وَإِلَى الرّسُولِ رَأَ ْيتَ ا ْلمُنَا ِفقِينَ َيصُدّونَ عَ ْنكَ صُدُودا(َ )61فكَ ْيفَ 1إِذَا َأصَابَ ْتهُمْ ُمصِيبَةٌ ِبمَا
قَ ّد َمتْ أَيْدِيهِمْ ثُمّ جَاءُوكَ يَحِْلفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِل ِإحْسَانا وَ َت ْوفِيقا( )62أُولَ ِئكَ الّذِينَ َيعَْلمُ اللّهُ مَا فِي
سهِمْ َقوْلً بَلِيغا(})63
ظهُمْ َوقُلْ َلهُمْ فِي أَ ْنفُ ِ
قُلُو ِبهِمْ فَأَعْ ِرضْ عَ ْنهُ ْم وَعِ ْ
شرح الكلمات:
عمُونَ} :يقولون كاذبين.
{يَزْ ُ
{ ِبمَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ} :القرآن ،وما أنزل من قبلك :التوراة.
{الطّاغُوتِ} :كل ما عبد من دون ال ورضي بالعبادة ،والمراد به هنا :كعب بن الشرف
اليهودي أو كاهن من كهان العرب.
{ا ْلمُنَا ِفقِينَ} :جمع منافق :وهو من يبطن الكفر ،ويظهر اليمان خوفا من المسلمين.
{ َيصُدّونَ} :يعرضون عنك ويصرفون غيرهم كذلك.
{ ُمصِيبَةٌ} :عقوبة بسبب كفرهم ونفاقهم.
إن يريدون :أي :ما يريدون.
{إِل ِإحْسَانا} :أي :صلحا بين المتخاصمين.
{وَ َت ْوفِيقا} :جمعا وتأليفا بين المختلفين.
{فَأَعْ ِرضْ عَ ْنهُمْ : }2أي :اصفح عنهم فل تؤاخذهم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ظ ُهمْ} :مرهم بما ينبغي لهم ويجب عليهم.
{وَعِ ْ
{ َق ْولً َبلِيغا} :كلما قويا يبلغ شغاف قلوبهم لبلغته وفصاحته.
__________
1فكيف :خبر مبتدأ محذوف تقديره حالهم ،كيف تكون حين تصيبهم مصيبة ،أي :تكون عجبا
لفرط حزنهم وبكاءهم وندمهم.
2العراض :عدم اللتفات إلى الشيء بقصد التباعد عنه مشتق من العرض بضم العين ،وهو
الجانب ولعله مأخوذ من إعراض في الشيء إذ دخل فيه؛ كأصبح في الصباح فأعرض فلن عن
فلن ،أي :تنحى عنه جانبا ،أو أعطاه عرضه مدبرا عنه.
( )1/499
معنى اليات:
روي أن منافقا ويهوديا 1اختلفا في شيء فقال اليهودي نتحاكم إلى محمد صلى ال عليه وسلم
لعلمه أنه يحكم بالعدل ول يأخذ رشوة ،وقال المنافق نتحاكم إلى كعب بن الشرف اليهودي،
فتحاكما إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقضى لليهودي فنزلت 2فيهما هذه الية{ :أَلَمْ تَرَ
عمُونَ أَ ّنهُمْ آمَنُوا ِبمَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ} والمراد بهذا المنافقَ { ،ومَا أُنْ ِزلَ مِنْ قَبِْلكَ} ،والمراد
إِلَى الّذِينَ يَزْ ُ
به اليهودي ،والستفهام للتعجب .ألم ينته إلى علمك موقف هذين الرجلين {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَا َكمُوا
إِلَى الطّاغُوتِ} "كعب 3بن الشرف" أو الكاهن الجهني ،وقد أمرهم ال أن يكفروا به {وَيُرِيدُ
الشّ ْيطَانُ أَنْ ُيضِّلهُ ْم ضَللً َبعِيدا} ،حيث زين لهم لهم التحاكم عند الكاهن أو كعب اليهودي{ .وَإِذَا
قِيلَ َلهُمْ َتعَاَلوْا إِلَى مَا أَنْ َزلَ اللّ ُه وَإِلَى الرّسُولِ} ليحكم بينكم رأيت ياللعجب المنافقين يعرضون
عنك اعراضا هاربين من حكمك غير راضين بالتحاكم إليك لكفرهم بك وتكذيبهم لك { َفكَ ْيفَ ِإذَا
َأصَابَ ْتهُمْ ُمصِيبَةٌ} وحلت بهم بسبب ذنوبهم أيبقون معرضين عنك؟ أم ماذا؟ {ثُمّ جَاءُوكَ َيحِْلفُونَ
بِاللّهِ} قائلين ،4ما أردنا إل الحسان في عملنا ذلك والتوفيق بين المتخاصمين .هذا ما دلت عليه
اليات الثلث ،وأما الرابعة وهو قوله تعالى{ :أُولَ ِئكَ الّذِينَ َيعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُو ِبهِمْ فَأَعْ ِرضْ عَ ْنهُمْ
سهِمْ َق ْولً بَلِيغا} فإن ال تعالى يشير إليهم بأولئك لبعدهم في الخسة
ظهُ ْم َو ُقلْ َلهُمْ فِي أَ ْنفُ ِ
وَعِ ْ
والنحطاط ،فيقول{ :أُولَ ِئكَ الّذِينَ َيعَْلمُ اللّهُ مَا فِي قُلُو ِبهِمْ} أي :من النفاق والزيغ فهم عرضة للنقمة
ظهُمْ} آمرا إياهم بتقوى ال والسلم له
ع ْ
وسوء العذاب{ ،فَأَعْ ِرضْ عَ ْن ُهمْ} فل تؤاخذهم { ،5وَ ِ
ظاهرا وباطنا ،مخوفا إياهم من عاقبة سوء أفعالهم بترك التحاكم إليك وتحاكمهم إلى الطاغوت،
وقل لهم في خاصة أنفسهم قولً بليغا ينفذ إلى قلوبهم فيحركها ويذهب عنها غفلتها علهم يرجعون.
__________
1صيغة جمع الواردة في الية مثل{ :يُريدون أن يَتَحاكموا} تشير إلى كثرة المنافقين ،ومن أمثال
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
اليهودي والمنافق صاحبي القصة التي نزلت الية فيها.
2روي أن المنافق لم يرض بحكم رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وذهب باليهودي إلى أبي بكر
فحكم بحكم رسول ال صلى ال عليه وسلم فلم يرض المنافق فذهب بخصمه اليهودي إلى عمر،
فذكر له اليهودي القصة ،فقال عمر للمنافق وهو يشير :أكذا هو؟ قال :نعم .قال :رويدكما حتى
أخرج إليكما .فدخل وأخذ السيف ثم ضرب به المنافق حتى برد ،وقال هكذا أقضي على من لم
يرض بقضاء ال وقضاء رسوله .وهرب اليهودي ونزلت هذه الية وقال رسول ال صلى ال
عليه وسلم لعمر" :أنت الفاروق" .
3قيل فيه :طاغوت لنه ذو طغيان زائد في الظلم والشر والفساد.
4هؤلء هم :قوم القتيل المنافق جاءوا يطالبون بدية أخيهم في النفاق ،وقالوا :الكثير أكثر مما
ذكر في الية ،وكل أقوالهم باطلة أملها النفاق ،ولذا أمر الرسول بالعراض عنهم.
5أي :ل تؤاخذهم فيما يبطنونه من الكفر ما داموا لم يظهروه علنا.
( )1/500
هداية اليات
من هداية اليات:
-1حرمة التحاكم إلى غير كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم إذا وُجد عالم بهما.
-2وجوب الكفر بالطاغوت أيا كان نوعه.
-3وجوب الدعوة إلى التحاكم إلى الكتاب والسنة ووجوب قبولها.
-4استحباب العراض عن ذوي الجهالت ،ووعظهم بالقول البليغ الذي يصل إلى قلوبهم
فيهزها.
سهُمْ جَاءُوكَ فَاسْ َت ْغفَرُوا اللّهَ
{ َومَا أَرْسَلْنَا مِنْ َرسُولٍ إِل لِ ُيطَاعَ بِِإذْنِ اللّ ِه وََلوْ أَ ّن ُهمْ إِذْ ظََلمُوا أَ ْنفُ َ
شجَرَ
ح ّكمُوكَ فِيمَا َ
وَاسْ َت ْغفَرَ َل ُهمُ الرّسُولُ َلوَجَدُوا اللّهَ َتوّابا َرحِيما( )64فَل وَرَ ّبكَ ل ُي ْؤمِنُونَ حَتّى ُي َ
ت وَيُسَّلمُوا تَسْلِيما(})65
سهِمْ حَرَجا ِممّا َقضَ ْي َ
بَيْ َنهُمْ ُث ّم ل َيجِدُوا فِي أَ ْنفُ ِ
شرح الكلمات:
{بِِإذْنِ اللّهِ} :إذن ال :إعلمه بالشيء وأمره به.
سهُمْ} :بالتحاكم إلى الطاغوت وتركهم إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم.
{ظََلمُوا أَ ْنفُ َ
{فَاسْ َت ْغفَرُوا اللّهَ} :طلبوا منه أن يغفر لهم بلفظ اللهم اغفر لنا ،أو استغفروا ال.
ح ّكمُوكَ} :يجعلونك حكما بينهم ويفوضون المر إليك.
{ ُي َ
شجَرَ بَيْ َنهُمْ : }1أي :اختلفوا لختلط وجه الحق والصواب فيه بالخطأ والباطل.
{فِيمَا َ
{حَرَجا} :ضيفا وتحرجا.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{ ِممّا َقضَ ْيتَ} :حكمت فيه.
{وَيُسَّلمُوا} :أي :يذعنوا لقبول حكمك ويسلمون به تسليما تاما.
__________
1شجر :اختلط واختلف ،ومنه سمي الشجر شجرا لختلط أغصانه ،قال طرفة:
وهم الحكام أرباب الهدى ...
وسعاة الناس في المر الشجر
( )1/501
معنى اليتين:
بعد تقرير خطأ وضلل من أراد أن يتحاكما إلى الطاغوت ،كعب بن الشرف اليهودي ،وهما:
اليهودي والمنافق في اليات السابقة أخبر تعالى في هذه الية الكريمة أنه ما أرسل رسولً 1من
رسله المئات إل وأمر المرسل إليهم بطاعته واتباعه والتحاكم إليه وتحكيمه في كل ما يختلفون
فيه ،وذلك أمره وقضاؤه وتقديره فيما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن كما أخبر تعالى أن أولئك
الظالمين لنفسهم بتحاكمهم 2إلى الطاغوت وصدودهم عن التحاكم إليك أيها الرسول لو جاءوك
متنصلين من خطيئتهم مستغفرين ال من ذنوبهم واستغفرت لهم أنت أيها الرسول ،أي :سألت ال
تعالى لهم المغفرة لو حصل منهم هذا لدل ذلك على توبتهم وتاب ال تعالى عليهم فوجدوه عز
وجل { َتوّابا َرحِيما} .هذا معنى الية(َ { )64ومَا أَ ْرسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِل لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّ ِه وََلوْ أَ ّنهُمْ إِذْ
جدُوا اللّهَ َتوّابا َرحِيما} .
سهُمْ جَاءُوكَ فَاسْ َت ْغفَرُوا اللّ َه وَاسْ َت ْغفَرَ َلهُمُ الرّسُولُ َلوَ َ
ظََلمُوا أَ ْنفُ َ
جدُوا فِي
شجَرَ بَيْ َنهُمْ ُثمّ ل يَ ِ
ح ّكمُوكَ فِيمَا َ
وأما الية الثانية({ )65فَل وَرَ ّبكَ ل ُي ْؤمِنُونَ 3حَتّى ُي َ
سهِمْ حَرَجا ِممّا َقضَ ْيتَ وَيُسَّلمُوا َتسْلِيما} فإن ال تعالى يقول {فَل} أي :ليس المر كما يزعمون،
أَ ْنفُ ِ
ح ّكمُوكَ} أيها الرسول ،أي :يطلبون حكمك فيما
ثم يقسم تعالى فيقول{ :وَرَ ّبكَ ل ُي ْؤمِنُونَ حَتّى يُ َ
اختلفوا فيه واختلط عليهم من أمورهم ثم بعد حكمك ل يجدون في صدورهم أدنى شك في صحة
جدُوا فِي
حكمك وعدالته ،في التسليم له والرضا به وهو معنى الحرج المتبقي في قوله{ ،ثُمّ ل يَ ِ
سهِمْ حَرَجا ِممّا َقضَ ْيتَ وَيُسَّلمُوا َتسْلِيما} .
أَ ْنفُ ِ
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1وجوب طاعة الرسول صلى ال عليه وسلم فيما يأمر به وينهى عنه.
-2بطلن من يزعم أن في الية دليلً على جواز طلب الستغفار 4من الرسول صلى ال عليه
وسلم؛ لن
__________
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
1من هذه الية{ :وما أرسلنا من رسول} مزيدة لتقوية الكلم وإفادة العموم.
2تقدم أن الخطاب بصيغة الجمع وإن كان المتحاكمان اثنين فقط ،فإن الحكم فيهم وفي غيرهم،
فكل من يصدر عنه هذا النوع من الذنب فتوبته هي :ما ذكر تعالى في هذه الية.
3قيل أن هذه الية{ :فَل وَرَ ّبكَ ل ُي ْؤمِنُونَ} نزلت في الزبير والنصاري في قضية سقي البستان،
إذا اختلفا وأتيا رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم للزبير:
"اسقي يا زبير أرضك ثم أرسل الماء إلى أرض جارك" .أي :الول ،فقال النصاري :أراك
تحابي ابن عمتك .فتلون وجه رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وقال للزبير" :اسق ثم أحبس الماء
حتى يبلغ الجدر" ،فنزلت الية .والحديث في صحيح البخاري.
4وذلك أنه لو كان كل مذنب ل يغفر له إل إذا أتى الرسول صلى ال عليه وسلم واستغفر له لما
تاب أحد ،وللذم أن يبقى الرسول حيا ليستغفر للمذنبين بمثل هذا الذنب ،ول قائل بها ول يعقل ولم
يشرع أبدا ،وكل حكاية ذكرت في هذه المسألة فهي باطلة.
( )1/502
( )1/503
شرح الكلمات:
{كَتَبْنَا عَلَ ْيهِمْ} :فرضنا عليهم وأوحينا.
س ُكمْ} :أي :قتل أنفسهم.
{أَنِ اقْتُلُوا أَ ْنفُ َ
{مَا َفعَلُوهُ إِل قَلِيلٌ مِ ْنهُمْ} :أي :ما فعل القتل إل قليل 1منهم.
{مَا يُوعَظُونَ بِهِ} :أي :ما يؤمرون به وينهون عنه.
شدّ تَثْبِيتا} :أي :لليمان في قلوبهم.
{وَأَ َ
{وَالصّدّيقِينَ} :جمع صديق :وهو من غلب عليه الصدق في أقواله وأحواله لكثرة ما يصدق
ويتحرى الصدق.
ش َهدَاءِ} :جمع شهيد :من مات في المعركة ومثله من شهد بصحة السلم بالحجة والبرهان.
{وَال ّ
{وَالصّالِحِينَ} :جمع صالح :من أدى حقوق ال تعالى وأدى حقوق العباد ،وصلحت نفسه وصلح
عمله وغلب صلحه على فساده.
معنى اليات:
ما زال السياق في الحديث عن أولئك النفر الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن
سكُمْ} أي :يقتل بعضكم بعضا كما حصل
يكفروا به فقال تعالى{ :وََلوْ أَنّا كَتَبْنَا عَلَ ْيهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَ ْنفُ َ
ذلك لبني إسرائيل لما فعلوا كما أنا لو كتبنا عليهم أن يخرجوا من ديارهم مهاجرين في سبيلنا {مَا
َفعَلُوهُ إِل قَلِيلٌ} منهم .ثم قال تعالى داعيا لهم مرغبا لهم في الهداية{ :وََلوْ أَ ّنهُمْ َفعَلُوا مَا يُوعَظُونَ
بِهِ} أي :ما يذكرون به ترغيبا وترهيبا من أوامر ال تعالى لهم بالطاعة والتسليم لكان ذلك خيرا
في الحال والمآل{ ،وََأشَدّ تَثْبِيتا} لليمان في قلوبهم وللطاعة على جوارحهم ،لن اليمان يزيد
بالطاعة وينقص بالمعصية ،والحسنة تنتج حسنة ،والسيئة تتولد عنها سيئة .ويقول تعالىَ { :وإِذا
لتَيْنَاهُمْ مِنْ َلدُنّا أَجْرا عَظِيما} يريد لو أنهم استجابوا لنا وفعلوا ما أمرنا به من الطاعات ،وتركوا
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ما نهيناهم عنه من المعاصي لعطيناهم من لدنا أجرا يوم يلقوننا ولهديناهم في الدنيا {صِرَاطا
مُسْ َتقِيما} أل وهو السلم الذي هو طريق الكمال والسعاد في الحياتين وهدايتهم إليه هي توفيقهم
للسير فيه
__________
1قرئ{ :إل قليل} بالنصب ،و {إن ل قليل} بالرفع ،وقراءة الرفع مراعى فيها اللفظ وهو أولى،
ولذا هي أكثر وأشهر.
( )1/504
( )1/505
( )1/506
معنى اليات:
جمِيعا }2ينادي ال تعالى
حذْ َركُمْ 1فَا ْنفِرُوا ثُبَاتٍ َأوِ ا ْنفِرُوا َ
قوله تعالى{ :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا خُذُوا ِ
عباده المؤمنين ،وهم في فترة يستعدون فيها لفتح مكة وإدخاله في حظيرة السلم ،خذوا الهبة
والستعداد حتى ل تلقوا عدوكم وأنتم ضعفاء ،قوته أشد من قوتكم {فانفروا ثباتٍ} عصابة بعد
جمِيعا} بقيادتكم المحمدية وذلك بحسب ما يتطلبه الموقف
عصابة وجماعة بعد أخرى {َأوِ ا ْنفِرُوا َ
وتراه 3القيادة ثم أخبرهم وهو العليم أن منهم ،أي :من عدادهم وأفراد مواطنيهم لمن وال ليبطئن
عن الخروج إلى الجهاد نفسه وغيره معا؛ لنه ل يريد لكم نصرا لنه منافق كافر الباطن وإن
كان مسلم الظاهر ويكشف عن حال هذا النوع من الرجال الرخيص فيقول{ :فَإِنْ َأصَابَ ْتكُمْ} أيها
المؤمنون الصادقون { ُمصِيبَةٌ} قتل أو جراح أو هزيمة قال في فرح بما أصابكم وما نجا منه :لقد
ضلٌ مِنَ اللّهِ} أي:
أنعم ال عليّ إذ لم أكن معهم حاضرا فيصيبني ما أصابهم{ ،وَلَئِنْ َأصَا َبكُمْ َف ْ
نصر وغنيمة {لَ َيقُولَنّ كَأَنْ لَمْ َتكُنْ بَيْ َنكُمْ وَبَيْنَهُ َموَ ّدةٌ} أي :معرفة ول صلة يا ليتني متمنيا حاسدا –
عظِيما} بالنجاة من معرة التخلف والظفر بالغنائم والعودة سالما.
كنت معهم في الغزاة {فََأفُوزَ َفوْزا َ
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب أخذ الهبة والستعداد التام على أمة السلم في السلم والحرب سواء.
-2وجوب وجود خبرة عسكرية كاملة وقيادة رشيدة مؤمنة حكيمة عليمة.
-3وجود منهزمين روحيا مبطئين حسدة بين المسلمين وهم ضعاف اليمان فل يؤبه لهم ول
يلتفت إليهم.
__________
1أخذ الحذر هو توقي المكروه بالسباب الممكنة المشروعة ،وجملة{ :فَانفروا ثُبات} إلخ .تفريع
بذكر بعض أسباب توفي المحذور.
2أخذ الحذر واجب لنه سبب شرعه ال تعالى لتوقي المكروه ،ولكنه ل يمنع المقدور ،وأخطأت
القدرية إذا قالوا :الحذر يرد القدر ،ولول أنه كذلك ما أمروا به ،وهو خطأ اعتقادي ،فالسباب
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تؤتى طاعة ل تعالى ،وأما دفع المقدور ،أي :ما قدره ال على النسان فلبد من وقوعه ،وفائدة
الخذ بالسباب :إبعاد الخوف عن النفس وحصول شعور بالفوز والنجاة.
خفَافا وَ ِثقَالً} منسوخة بها؟.
3هل هذه الية وهي متقدمة في النزول على آية التوبة{ :ا ْنفِرُوا ِ
والجواب :أن فرض الجهاد على الكفاية ،ولذا فل نسخ ،وإنما هذه في حال وتلك في أخرى،
وهي :أن يرى المام النفير العام ل غير.
( )1/507
{فَلْ ُيقَا ِتلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الّذِينَ يَشْرُونَ ا ْلحَيَاةَ الدّنْيَا بِالخِ َرةِ َومَنْ ُيقَا ِتلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَ ُيقْ َتلْ َأوْ َيغِْلبْ
ضعَفِينَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ
عظِيما(َ )74ومَا َلكُمْ ل ُتقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَا ْلمُسْ َت ْ
س ْوفَ ُنؤْتِيهِ أَجْرا َ
فَ َ
ج َعلْ لَنَا
ج َعلْ لَنَا مِنْ َلدُ ْنكَ وَلِيّا وَا ْ
وَا ْلوِلْدَانِ الّذِينَ َيقُولُونَ رَبّنَا َأخْرِجْنَا مِنْ َه ِذهِ ا ْلقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهُْلهَا وَا ْ
مِنْ لَدُ ْنكَ َنصِيرا( )75الّذِينَ آمَنُوا ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَالّذِينَ َكفَرُوا ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطّاغُوتِ
ضعِيفا(})76
ن َ
َفقَاتِلُوا َأوْلِيَاءَ الشّيْطَانِ إِنّ كَيْدَ الشّيْطَانِ كَا َ
شرح الكلمات:
{سَبِيلِ اللّهِ} :الطريق الموصلة إلى إعلء كلمة ال تعالى بأن يعبد وحده ،ول يضطهد مسلم في
دينه ،ول من أجل دينه.
{يَشْرُونَ} :يبيعون ،إذ يطلق الشراء على البيع أيضا.
ض َعفِينَ} :المستضعف الذي قام به عجز فاستضعفه غيره فآذاه لضعفه.
{وَا ْلمُسْ َت ْ
{ا ْلقَرْيَةِ} :القرية في عرف القرآن :المدينة الكبيرة والجامعة والمراد بها هنا مكة المكرمة.
{فِي سَبِيلِ الطّاغُوتِ} :أي :في نصرة الشرك ومساندة الظلم والعدوان ،ونشر الفساد.
معنى اليتين:
بعد ما أمر ال تعالى عباده المؤمنين بأخذ حذرهم وهو الهبة للقتال أمرهم أن يقاتلوا فقال:
{ فَلْ ُيقَا ِتلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الّذِينَ يَشْرُونَ ا ْلحَيَاةَ الدّنْيَا بِالخِ َرةِ} أي :يبيعون الدنيا ليفوزوا بالخرة وهم
المؤمنون حقا فيقدمون أموالهم وأرواحهم طلبا للفوز بالدار الخرة يقاتلون من ل يؤمن بال ول
بلقائه بعد أن يدعوه إلى اليمان بربه والتوبة إليه ،ثم أخبرهم.
( )1/508
أن من يقاتل استجابة لمره تعالى فيقتل ،أي :يستشهد أو يغلب وينتصر على كل الحالين فسوف
يؤتيه 1ال تعالى أجرا عظيما ،وهو النجاة من النار ودخول الجنة .هذا ما دلت عليه الية
الولى(.)74
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أما الية الثانية( )75فإن ال تعالى بعدما أمر عباده بالجهاد استحثهم على المبادرة وخوض
ض َعفِينَ 3مِنَ
المعركة بقولهَ { :ومَا َلكُمْ ل ُتقَاتِلُونَ 2فِي سَبِيلِ اللّهِ} ليعبد وحده ويعز أولياءه {وَا ْلمُسْ َت ْ
ل وَالنّسَا ِء وَا ْلوِلْدَانِ} الذين يضطهدون من قبل المشركين ويعذبون من أجل دينهم حتى
الرّجَا ِ
ج َعلْ لَنَا مِنْ
صرخوا وجاروا بالدعاء إلى ربهم قائلين{ :رَبّنَا َأخْرِجْنَا مِنْ َه ِذهِ ا ْلقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهُْلهَا وَا ْ
ج َعلْ لَنَا مِنْ لَدُ ْنكَ َنصِيرا} ينصرنا على أعدائنا ،أي:
ك وَلِيّا} بلى أمرنا ويكفينا ما أهمنا{ ،وَا ْ
لَدُ ْن َ
شيء يمنعكم أيها المؤمنون من قتال في سبيل ال ،لُيعبد وحده ،وليتخلص 4المستضعفون من فتنة
المشركين لهم من أجل دينهم؟
ثم في الية الثالثة( )75أخبر تعالى عباده المؤمنين حاضا لهم على جهاد أعدائه وأعدائهم بقوله:
{الّذِينَ آمَنُوا ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ} لنهم يؤمنون به وبوعده ووعيده {وَالّذِينَ َكفَرُوا ُيقَاتِلُونَ فِي
سَبِيلِ الطّاغُوتِ} وهو الكفر 5والظلم لنهم ل يؤمنون بال تعالى ول بما عنده من نعيم ،ول بما
لديه من عذاب ونكال { َفقَاتِلُوا َأوْلِيَاءَ الشّ ْيطَانِ} وهم الكفار ،ول ترهبوهم {إِنّ كَيْدَ الشّيْطَانِ كَانَ}
ضعِيفا} ،فل يثبت هو وأولياؤه من الكفرة ،أمام جيش اليمان أولياء الرحمن.
وما زال { َ
__________
1ظاهر الية :التسوية بين من قتل شهيدا ،وبين من انتصر ورجع بنفسه وهناك حديثان :أحداهما
يقتضي التسوية وآخر ينفيها .فالول :حديث أبي هريرة "تضمن ال لمن خرج في سبيله ل
يخرجه إل جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسولي فهو علىَ ضامن أن أدخله الجنة ،أو
أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلً ما نال من أجر وغنيمة" رواه مسلم .والثاني" :ما من
غازية تغزو في سبيل ال فيصيبون الغنيمة إل تعجلوا ثلثي أجرهم من الخرة ويبقى لهم الثلث،
وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم" والجمع بينهما أن من غزا ناويا الجر والغنيمة ثم غنم وسلم
نقص أجره في الخرة ،فلم تكن درجته كالذي استشهد ولم يغنم ،ول كالذي نوى الجر دون
الغنيمة أيضا .والسبب الفارق :هو اشتراك النية وعدم خلوصها.
2الستفهام إنكاري؛ أي ينكر عليهم قعودهم على القتال في سبيل ال ،أي :لنقاذ المؤمنين من
فتنة المشركين وإنقاذ أولدهم من أن يشبوا ويكبروا على أحوال الكفر جاهلين باليمان والسلم.
3قال ابن عباس رضي ال عنهما" :كنت أنا وأمي من المستضعفين" .وفي رواية البخاري قال:
"كنت أنا وأمي ممن عذر ال وأنا من الولدان وأمي من النساء" ،وكان النبي صلى ال عليه وسلم
يقنت لهم فيقول" :اللهم أنجي الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة المستضعفين
من المؤمنين" .
4الجماع على وجوب تخليص السرى من المسلمين بالقتال أو بالمال ،ول يحل تركهم تحت
الكفر يضطهدهم ويعذبهم من أجل دينهم .وفي الحديث الصحيح" :فكوا العاني" وهو السير،
وسمي العاني لما يعانية من آلم وأتعاب .والمسلمون اليوم أسرى تحت اليهود في فلسطين،
والمسلمون تاركون لهم غير مهتمين بهم ،وهو ذنب عظيم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
5يطلق الطاغوت على ما عبد من دون ال ،ويطلق على من دعا إلى عبادة غير ال؛ كالشيطان
وغيره من الجن والنس الذين يدعون إلى عبادة الصنام والشخاص وغيرها ،وفي هذه الية
يناسب أن يكون الطاغوت هو الشيطان ،لقوله :بعد أولياء الشيطان ،وإطلقنا :الطاغوت على
الكفر والظلم مراعاة لحال الناس ،فإن أكثرهم يقاتل نصرا للكفر الذي هو عليه أو لبقاء ظلمه
واستعلؤه في الرض.
( )1/509
هداية اليات
من هداية اليات:
-1فرضية القتال في سبيل ال ولجل انقاذ المستضعفين من المؤمنين نصرة للحق وإبطالً
للباطل.
-2المقاتل في سبيل ال باع دنياه واعتاض عنها الخرة ،ولنعم البيع.
-3المجاهد يؤوب بأعظم صفقة سواء قتل ،أو انتصر وغلب وهي الجنة.
-4ل يمنع المؤمنين من الجهاد خوف أعدائهم ،لن قوتهم من قوة الشيطان وكيد الشيطان
ضعيف.
{ أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ قِيلَ َلهُمْ ُكفّوا أَ ْيدِ َيكُ ْم وََأقِيمُوا الصّلةَ وَآتُوا ال ّزكَاةَ فََلمّا كُ ِتبَ عَلَ ْي ِهمُ ا ْلقِتَالُ ِإذَا
شوْنَ النّاسَ كَخَشْ َيةِ اللّهِ َأوْ أَشَدّ خَشْ َي ًة َوقَالُوا رَبّنَا لِمَ كَتَ ْبتَ عَلَيْنَا ا ْلقِتَالَ َلوْل َأخّرْتَنَا
فَرِيقٌ مِ ْنهُمْ يَخْ َ
ل وَالخِ َرةُ خَيْرٌ ِلمَنِ ا ّتقَى وَل ُتظَْلمُونَ فَتِيلً( )77أَيْ َنمَا َتكُونُوا
جلٍ قَرِيبٍ ُقلْ مَتَاعُ الدّنْيَا قَلِي ٌ
إِلَى أَ َ
ت وََلوْ كُنْ ُتمْ فِي بُرُوجٍ ُمشَيّ َد ٍة وَإِنْ ُتصِ ْبهُمْ حَسَنَةٌ َيقُولُوا هَ ِذهِ مِنْ عِ ْندِ اللّ ِه وَإِنْ ُتصِ ْبهُمْ
يُدْ ِر ْككُمُ ا ْل َموْ ُ
حدِيثا( )78مَا
سَيّئَةٌ َيقُولُوا هَ ِذهِ مِنْ عِ ْن ِدكَ قُل ُكلّ مِنْ عِ ْندِ اللّهِ َفمَالِ َهؤُلءِ ا ْل َقوْمِ ل َيكَادُونَ َيفْ َقهُونَ َ
ل َو َكفَى بِاللّهِ
سكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنّاسِ َرسُو ً
َأصَا َبكَ مِنْ حَسَ َنةٍ َفمِنَ اللّهِ َومَا َأصَا َبكَ مِنْ سَيّ َئةٍ َفمِنْ َنفْ ِ
شهِيدا(})79
َ
شرح الكلمات:
{ ُكفّوا أَ ْيدِ َيكُمْ} :أي :عن القتال وذلك قبل أن يفرض.
{كُ ِتبَ عَلَ ْيهِمُ ا ْلقِتَالُ} :فرض عليهم.
( )1/510
شوْنَ} :يخافون.
{ َيخْ َ
{َلوْل أَخّرْتَنَا} :هل أخرتنا .1
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{فَتِيلً} :الفتيل :خيط يكو في وسط النواة.
{بُرُوجٍ مُشَيّ َدةٍ} :حصون مشيدة بالشيد ،وهو الجص.
{مِنْ حَسَنَةٍ} :الحسنة :ما سر ،والسيئة :ما ضر.
معنى اليات:
روى أن بعضا من أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم طالبوا بالذن لهم بالقتال ولم يؤذن لهم
لعدم توفر أسباب القتال ،فكانوا يؤمرون بإقام الصلة وإيتاء الزكاة ريثما بأذن ال تعالى لرسوله
جلٍ
بقتال المشركين ،ولما شرع القتال جبن فريق منهم عن القتال وقالواَ{ :لوْل َأخّرْتَنَا إِلَى أَ َ
قَرِيبٍ} متعللين 2بعلل واهية ،فأنزل ال تعالى فيهم هاتين اليتين()77و(َ { )78ألَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ
قِيلَ َلهُمْ ُكفّوا أَ ْيدِ َيكُمْ} أي :عن القتال {وََأقِيمُوا الصّل َة وَآتُوا ال ّزكَاةَ} ريثما يأذن ال بالقتال عندما
تتوفر إمكانياته ،فلما فرض القتال ونزل قوله تعالى{ :أُذِنَ لِلّذِينَ ُيقَاتَلُونَ بِأَ ّن ُهمْ ظُِلمُوا} جبنوا ولم
جلٍ قَرِيبٍ} يريدون أن يدافعوا اليام حتى يموتوا ولم
يخرجوا للقتال ،وقالواَ{ :لوْل أَخّرْتَنَا إِلَى َأ َ
ل وَالخِ َرةُ خَيْرٌ ِلمَنِ ا ّتقَى}
يلقوا عدوا خورا ،فأمر تعالى الرسول أن يقول لهم { :مَتَاعُ الدّنْيَا 3قَلِي ٌ
فعيشكم في الدنيا مهما طابت لكم الحياة هو قليل {وَالخِ َرةُ خَيْرٌ ِلمَنِ ا ّتقَى} ال بفعل أمره وترك
ظَلمُونَ فَتِيلً} ل
نهيه بعد اليمان به وبرسوله ،وسوف تحاسبون على أعمالكم وتجزون بها {وَل تُ ْ
ينقص حسنة ول بزيادة سيئة .هذا ما تضمنته الية الولى.
أما الية الثانية فقد قال تعالى لهم ولغيرهم ممن يخشون القتال ويجبنون عن الخروج للجهاد:
{أَيْ َنمَا َتكُونُوا يُدْ ِر ْككُمُ ا ْل َم ْوتُ} ،إذ الموت طالبكم ولبد أن يدرككم ،كما قال تعالى لمثالهمُ { :قلْ
إِنّ ا ْل َم ْوتَ الّذِي َتفِرّونَ مِ ْنهُ فَإِنّهُ مُلقِيكُمْ} ،ولو دخلتم حصونا 4ما فيها كوة ول نافذة
__________
1المراد من التأخير إلى أجل قريب :هو أن يتم استعدادهم للقتال لتوفر المال والرجال والعتاد ل
إلى أجل الموت فإنه غير وارد في قولههم :هذا ول معنى له ،وهل قولهم كان في أنفسهم أو
صرحوا به؟ كلهما وارد وجائز الوقوع.
2اختلف هل هذه الية نزلت في المؤمنين أو المنافقين؟ والصواب أنها نزلت في بعض المؤمنين
ممن ضعف إيمانهم ،أما كونها نزلت في اليهود فل معنى له ،وكونها شملت المنافقين فهذا حق
بدليل سياق اليات.
3يبين قلة متاع الدنيا قوله صلى ال عليه وسلم" :مثلي ومثل الدنيا كراكب قال قيلولة تحت
شجرة ثم راح وتركها" .
4تفسير لقوله تعالى{ :وََلوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيّ َدةٍ} إذ البرج :البناء المرتفع والقصر العظيم .قال
طرفة ،يصف ناقة:
كأنها برج رمي يكففها ...بانٍ بشيد وآج ٍر وأحجار
وفي الية رد على القدرية القائلين :المقتول لو لم يقتله عاش.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/511
فإن الموت يدخلها عليكم ويقبض أرواحكم ،ولما ذكر تعالى جبنهم وخوفهم ذكر تعالى سوء فهمهم
وفساد ذوقهم فقال{ :وَإِنْ ُتصِ ْبهُمْ حَسَنَةٌ َيقُولُوا هَ ِذهِ مِنْ عِنْدِ اللّ ِه وَإِنْ ُتصِ ْبهُمْ سَيّ َئةٌ َيقُولُوا َه ِذهِ مِنْ
عِنْ ِدكَ} يعني أنه إذا أصابهم خير من غنيمة أ خصب ورخاء ،قالواَ { :ه ِذهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ} ل شكرا
ل وإنما ل يريدون أن ينسبوا إلى رسول ال شيئا من خير كان ببركته وحسن قيادته ،وإن تصبهم
سيئة فقر أو مرض أو هزيمة يقولون{ :هَ ِذهِ مِنْ عِ ْن ِدكَ ، }1أي :أنت السبب فيها .قال تعالى
لرسوله :قل لهم { ُكلّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ} الحسنة والسيئة ،هو الخالق والواضع السنن لوجودها
حدِيثا} هذا
وحصولها .ثم عليهم في نفسياتهم الهابطة ،فقالَ { :فمَالِ َهؤُلءِ ا ْلقَوْمِ ل َيكَادُونَ َي ْفقَهُونَ َ
ما دلت عليه الية الثانية.
أما الية الثالثة والخيرة في هذا السياق ،وهي قوله تعالى { :مَا َأصَا َبكَ مِنْ حَسَنَةٍ َفمِنَ اللّ ِه َومَا
سكَ }3الية ،فإن ال تعالى يخاطب رسوله صلى ال عليه وسلم فيخبره
َأصَا َبكَ 2مِنْ سَيّ َئةٍ َفمِنْ َنفْ ِ
بأن الحسنة من ال تعالى ،إذ هو المر بقولها أو فعلها وموجد أسبابها الموفق للحصول عليها ،أما
السيئة فمن النفس ،إذ هي التي تأمر بها ،وتباشرها مخالفة فيها أمر ال أو نهيه ،فلذا ل يصح
شهِيدا} يُسلي به رسوله
ل َوكَفَى بِاللّهِ َ
نسبتها إلى ال تعالى .وقوله تعالى{ :وَأَ ْرسَلْنَاكَ لِلنّاسِ رَسُو ً
عما يلقيه من أذى الناس وما يصادفه من سوء أخلق بعضهم؛ كالذين ينسبون إليه السيئة تطيرا
به فيخبره بأن مهمته أداء الرسالة ،وقد أداها وال شاهد على ذلك ويجزيك عليه بما أنت أهله
وسيجزي من رد رسالتك وخرج عن طاعتك وكفى بال شهيدا.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1قبح الستعجال والجبن وسوء عاقبتهما.
-2الخرة خير لمن اتقى من الدنيا .4
__________
1لقد شارك يهود في هذا القول ،فقد روى أنهم لما نزل الرسول صلى ال عليه وسلم المدينة
مهاجرا ،قالوا :ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا ،ومزارعنا مذ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه!!.
2إن الخطاب وإن كان للنبي صلى ال عليه وسلم فهو عام في كل إنسان لسيما المؤمن ،أو هو
من باب :إياك أعني ،واسمعي يا جارة ،وكونه خاصا بالرسول صلى ال عليه وسلم ،ومعناه عام
هو الصحيح.
3زاد بعضهم جملة :وإنا كتبا عليك ،وهي ليست قرآنا إجماعا ،وإنما هي تفسير من بعض
الصحابة ،ول التفات لمن طعن في القرآن بمثل هذه الزيادة التفسيرية.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
4وما أحسن ما قيل في معنى الية شعرا:
ول خير في الدنيا لمن لم يكن له ...من ال في دار ا لمقام نصيب
فإن تعجب الدنيا رجالً فإنها ...
متاع قليل والزوال قريب
( )1/512
( )1/513
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{َأفَل يَ َتدَبّرُونَ} :تدبر القرآن ،قراءة الية أو اليات وإعادتها المرة بعد المرة ليفقه مراد ال
تعالى منها.
{َأذَاعُوا بِهِ} :أفشوه معلنينه للناس.
{يَسْتَنْ ِبطُونَهُ} :يستخرجون معناه الصحيح.
معنى اليات:
في قوله تعالى{ :مَنْ يُطِعِ الرّسُولَ }1إنذار إلى الناس كافة في أن من لم يطع الرسول محمدا
صلى ال عليه وسلم ما أطاع ال تعالى ،إن أمر الرسول من أمر ال ونهيه من نهي ال تعالى فل
عذر لحد في عدم طاعة الرسول صلى ال عليه وسلم .وقوله تعالىَ { :ومَنْ َتوَلّى} أي :عن
طاعتك فيما تأمر به وتنهى عنه ،فدعه ول تلتفت إليه إذ لم نرسلك لتحصي عليهم أعمالهم
وتحاسبهم عليها وتجزيهم بها ،إن عليك إل البلغ ،وقد بلغت فاعذرت .وقوله تعالى{ :وَ َيقُولُونَ
عةٌ} أي :ويقول أولئك المنافقون المنطيرون بك السيئو الفهم لما تقول :طاعة أي :أمرنا طاعة
طَا َ
لك ،أي :ليس لنا ما نقول إذا قلت ول ما نأمر به إذا أمرت ،فنحن مطيعون لك {فَِإذَا بَرَزُوا} أي:
خرجوا من مجلسك بدل طائفة منهم غير الذي تقول واعتزموه دون الذي وافقوا عليه أمامك ،وفي
مجلسك ،وال تعالى يكتب بواسطة ملئكته الكرام الكاتبين ما يبيتونه 2من الشر والباطل .وعليه
{فَأَعْ ِرضْ عَ ْنهُ ْم وَ َت َو ّكلْ عَلَى اللّهِ} ول تبال بهم { َو َكفَى بِاللّ ِه َوكِيلً} فهو حسبك وكافيك ما يبيتونه
من الشر لك.
وقوله تعالى في الية الثانية(َ{ )82أفَل يَتَدَبّرُونَ 3ا ْلقُرْآنَ} يؤتيهم بإعراضهم وجهلهم وسوء
فهمهم ،إذ لو تدبروا القرآن وهو يُتلى عليهم وسمعوه صباح مساء لعرفوا أن الرسول حق وأن ما
جاء به حق فآمنوا وأسلموا وحسن إسلمهم ،وانتهى نفاقهم الذي أفسد قلوبهم وعفن آرائهم ،إن
تدبر القرآن بالتأمل فيه وتكرار آياته مرة بعد أخرى يهدي إلى معرفة الحق
__________
1مصداقه في صحيح مسلم قوله صلى ال عليه وسلم " :من أطاعني فقد أطاع ال ومن عصاني
فقد عصى ال ومن يطع المير فقد أطاعني ومن يعصي المير فقد عصاني ".
2بيتوا :زوروا وبدلوا ،إن التبييت :هو تدبر المر بالليل حيث اتساع الوقت والفراغ من العمل
وقلة العيون ،وبيتوا العدو :أتوه ليلً ،قال الشاعر:
أجمعوا أمرهم بليل فلما ...أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
3في هذه اليةَ{ :أفَل يَ َتدَبّرُونَ ا ْلقُرْآنَ} مع آية سورة القتالَ{ :أفَل يَ َتدَبّرُونَ ا ْلقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ
َأ ْقفَاُلهَا} دليل على وجوب تدبر القرآن لفهم معانيه ،لعتقاد الحق والعمل به ،وفيه رد على من
زعم أنه ل يؤخذ من القرآن إل ما ثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم تفسيره ،ودليل على
وجوب النظر والستدلل وإبطال التقليد.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/514
من الباطل وأقرب ما يفهمونه لو تدبروا القرآن كلم ال تعالى وليس كلم بشر ،إذ لو كان كلم
بشر لوجد فيه التناقض والختلف والتضاد ،ولكنه كلم خالق البشر ،فلذا هو متسق الكلم متآلف
اللفاظ والمعاني محكم الي هادٍ إلى السعاد والكمال ،فهو بذلك كلم ال حقا ومن شرف بإنزاله
عليه رسول حق ول معنى أبدا للكفر بعد هذا والصرار عليه ،ومنافقة المسلمين فيه .هذا معنى
جدُوا فِيهِ اخْتِلفا كَثِيرا} .
قوله تعالى { :وََلوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ َلوَ َ
خ ْوفِ أَذَاعُوا ِبهِ} وهي الية الرابعة( )83فإن ال تعالى
لمْنِ َأوِ الْ َ
ناَ
وقوله{ :وَإِذَا جَاءَ ُهمْ َأمْرٌ مِ َ
يخبر عن أولئك المرضى بمرض النفاق ناعيا عليهم إرجافهم وهزائمهم المعنوية فيقول {وَإِذَا
خوْفِ} أي :إذا وصل من سرايا الجهاد خبر بنصر أو هزيمة سارعوا
لمْنِ َأوِ ا ْل َ
ناَ
جَاءَهُمْ َأمْرٌ مِ َ
بإفشائه وإذاعته ،وذلك عائد إلى مرض قلوبهم لن الخبر وأطلق عليه لفظ المر؛ لن حالة
الحرب غير حالة السلم إذا كان بالنصر المعبر عنه بالمن فهم يعلنونه حسدا أو طمعا ،وإذا كان
بالهزيمة المعبر عنها بالخوف يعلنونه فزعا وخوفا؛ لنهم جبناء كما تقدم وصفهم ،قال تعالى في
تعليمهم وتعليم غيرهم ما ينبغي أن يكون عليه المجاهدون في حال الحربَ { .وَلوْ َردّوهُ إِلَى
لمْرِ مِ ْنهُمْ} وهم أمراء السرايا المجاهدة {َلعَِلمَهُ الّذِينَ
الرّسُولِ} القائد العلى{ ،وَإِلَى أُولِي ا َ
يَسْتَنْ ِبطُونَهُ مِ ْنهُمْ }1أي :لستخرجوا سر الخبر وعرفوا ما يترتب عليه فإن كان نافعا أذاعوه ،وإن
حمَتُهُ} أيها المؤمنون {لتّ َبعْتُمُ
ضلُ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ وَرَ ْ
كان ضارا أخوفه .ثم قال تعالى{ :وََلوْل َف ْ
الشّ ْيطَانَ }2في قبول تلك الشاعات المغرضة والذاعات المثبطة {إِل قَلِيلً} منكم من ذوي الراء
الصائبة والحصافة العقلية ،إذ مثلهم ل تثيرهم الدعاوى ،ول تغيرهم الراجيف ،ككبار الصحابة
من المهاجرين والنصار رضي ال عنهم أجمعين.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب طاعة الرسول صلى ال عليه وسلم فإنه ل يطاع لذاته وإنما يطاع لذات ال عز
وجل.
__________
1الستنباط مأخوذ من :استنبط الماء ،إذا استخرجه من الرض ،والنبط :الماء المستنبط أول ما
يخرج من ماء البئر أو ما يحفر .وسمي النبط نبطا؛ لنهم يستخرجون ما في الرض ،والستنباط
لغة الستخراج ،وفي هذه الية دليل على الجتهاد.
2ما فسرنا به الية أصح مما فسرت به ،ول التفات إلى ما أورد القرطبي من آراء عدة ل طائل
تحتها.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/515
( )1/516
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{حَسِيبا} :محاسبا على العمل مجازيا به خيرا كان أو شرا.
معنى اليات:
سكَ
ما زال السياق في السياسة الحربية ،ففي هذه اليةَ { :فقَا ِتلْ 2فِي سَبِيلِ اللّهِ ل ُتكَّلفُ إِل َنفْ َ
وَحَ ّرضِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} يأمر تعالى رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم أن يقاتل المشركين لجل إعلء
كلمة ال تعالى بأن يعبد وحده وينتهي اضطهاد المشركين للمؤمنين وهو المراد من قوله {فِي
سكَ }3أي :ل يكلفك ربك إل نفسك وحدها ،أما من عداك فليس
سَبِيلِ اللّهِ} وقوله{ :ل ُتكَّلفُ إِل َنفْ َ
عسَى
عليك تكليفه ،ولكن حرض المؤمنين على القتال معك فحثهم على ذلك ورغبهم فيه .وقولهَ { :
اللّهُ أَنْ َي ُكفّ بَأْسَ الّذِينَ َكفَرُوا} ،وهذا وعد من عند ال تعالى بأن يكف بأس الذين كفروا فيسلط
عليهم رسوله والمؤمنين فيبددوا قوتهم ويهزموهم فل يبقى لهم بأس ول قوة وقد فعل ،4وله
شدّ تَ ْنكِيلً} من غيره بالظالمين من أعدائه.
شدّ بَأْسا} م كل ذي بأس {وَأَ َ
الحمد والمنة ،وهو تعالى {أَ َ
حسَنَةً َيكُنْ لَهُ
شفَاعَةً َ
شفَعْ َ
هذا ما دلت عليه الية( ،)84أما الية( )85وهي قوله تعالى{ :مَنْ يَ ْ
شيْءٍ ُمقِيتا} فهو إخبار
شفَاعَةً سَيّئَةً َيكُنْ َلهُ ِكفْلٌ مِ ْنهَا َوكَانَ اللّهُ عَلَى ُكلّ َ
شفَعْ َ
َنصِيبٌ مِ ْنهَا َومَنْ يَ ْ
منه تعالى بأن من يشفع شفاعة حسنة بأن يضم صوته مع مطالب بحق أو يضم نفسه إلى سرية
تقاتل في سبيل ال ،أو يتوسط لحد في قضاء حاجته فإن للشافع
__________
1شاهده قول الزبير بن عبد الملطب:
وذي صغن كففت النفس عنه ...وكنت على مساءته مقيتا
أي :مقتدرا
2هذه الفاء هي الفصيحة ،والتقدير :إذا كان المر كما علمت من وجود المثبطين والخائفين
والمرجوفين فقاتل في سبيل ال ل تكلف إل نفسك.
3في الية دليل على شجاعة الرسول صلى ال عليه وسلم الخارقة للعادة ،إذ كلفه ال به على
انفراد وأمره بتحريض المؤمنين على القتال ،ومعنى هذا :أنه أمره بالجهاد ولو كان وحده ،ولذا
قال صلى ال عليه وسلم" :وال لقاتلهنم حتى تنفرد سالفتي" ،أي :حتى أموت .وتحريض
المؤمنين هو أمرهم بالقتال وحثهم عليه ل على سبيل اللزام ،كما ألزم به هو صلى ال عليه
وسلم.
4فلم يقبض رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى دانت الجزيرة كلها بالسلم ،ولم يمض أكثر
من ربع قرن حتى دخلت دولتا :الفرس والروم في السلم؛ لن "عسى" من ال تعالى تفيد وجوب
الوقوع.
( )1/517
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شفَاعَةً سَيّئَةً} بأن يؤيد باطلً أو يتوسط في فعل شر
شفَعْ َ
قسطا من الجر والمثوبة ،كما أن { َومَنْ يَ ْ
أو ترك معروف يكون عليه نصيب من الوزر ،لن ال تعالى على كل شيء مقتدر وحفيظ عليم.
هذا ما دلت عليه الية المذكورة.
أما الية الخيرة( )86فإن ال تعالى يأمر عباده المؤمنين بأن يردوا تحية من يحييهم بأحسن منها
فإن لم يكن بأحسن فبالمثل ،فمن قال :السلم عليكم ،فليقل الراد :وعليكم السلم ورحمة ال ،ومن
قال :السلم عليكم ورحمة ال .فليرد عليه :وعليكم السلم ورحمة ال وبركاته ،وقوله تعالى{ :إِنّ
شيْءٍ حَسِيبا }1فيه تطمين للمؤمنين على أن ال تعالى يثيبهم على إحسانهم
علَى ُكلّ َ
اللّهَ كَانَ َ
ويجزيهم به.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1بيان شجاعة النبي صلى ال عليه وسلم بدليل أنه كلف بالقتال وحده وفعل.
-2ليس من حق الحاكم أن يجند المواطنين تجنيدا إجباريا ،وإنما عليه أن يحضهم على التجنيد
ويرغبهم فيه بوسائل الترغيب.
-3فضل الشفاعة في الخير ،وقبح الشفاعة في الشر .2
-4تأكيد سنة التحية ،ووجوب ردها بأحسن أو بمثل .3
-5تقرير ما جاء في السنة بأن السلم عليكم :يعطي عليها المسلم عشر حسنات ورحمة ال:
عشر حسنات .وبركاته :عشر كذلك.
ج َمعَ ّنكُمْ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ ل رَ ْيبَ فِي ِه َومَنْ َأصْ َدقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثا (َ )87فمَا َلكُمْ
{ اللّهُ ل إِلَهَ إِل ُهوَ لَ َي ْ
سهُمْ ِبمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ َتهْدُوا مَنْ
ن وَاللّهُ أَ ْركَ َ
فِي ا ْلمُنَافِقِينَ فِئَتَيْ ِ
__________
1حسيب ،هنا :بمعنى محاسب ،وحفيظ فل يضيع حسنات العبد.
2شاهده من السنة قوله صلى ال عليه وسلم" :اشفعوا تؤجروا" ،وليقضي ال على لسان نبيه ما
أحب.
3في الية سنية إلقاء السلم ووجوب رده وقد بينت السنة أن القليل يسلم على الكثير ،والقائم
على القاعد ،والراكب على الماشي ،وأن الراد يكون بزيادة :ورحمة ال وبركاته .وأنه ل يسلم
على المرأة الصغيرة خشية الفتنة .وأن المصلي إن سلم عليه رد السلم بالشارة إن شاء ال.
( )1/518
سوَاءً فَل
ضلّ اللّ ُه َومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ فَلَنْ َتجِدَ لَهُ سَبِيلً( )88وَدّوا َلوْ َت ْكفُرُونَ َكمَا َكفَرُوا فَ َتكُونُونَ َ
َأ َ
ث وَجَدْ ُتمُو ُه ْم وَل
خذُوهُ ْم وَاقْتُلُوهُمْ حَ ْي ُ
خذُوا مِ ْنهُمْ َأوْلِيَاءَ حَتّى ُيهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِنْ َتوَّلوْا فَ ُ
تَتّ ِ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
خذُوا مِ ْنهُ ْم وَلِيّا وَل َنصِيرا( )89إِل الّذِينَ َيصِلُونَ إِلَى َقوْمٍ بَيْ َنكُمْ وَبَيْ َنهُمْ مِيثَاقٌ َأوْ جَاءُوكُمْ
تَتّ ِ
طهُمْ عَلَ ْي ُكمْ فََلقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ
ت صُدُورُهُمْ أَنْ ُيقَاتِلُوكُمْ َأوْ ُيقَاتِلُوا َق ْو َمهُمْ وََلوْ شَاءَ اللّهُ لَسَلّ َ
حصِ َر ْ
َ
جدُونَ آخَرِينَ
ج َعلَ اللّهُ َلكُمْ عَلَ ْيهِمْ سَبِيلً( )90سَتَ ِ
اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ ُيقَاتِلُوكُ ْم وَأَ ْل َقوْا إِلَ ْيكُمُ السّلَمَ َفمَا َ
يُرِيدُونَ أَنْ يَ ْأمَنُوكُ ْم وَيَ ْأمَنُوا َقوْ َمهُمْ ُكلّ مَا رُدّوا ِإلَى ا ْلفِتْنَةِ أُ ْركِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ َيعْتَزِلُوكُ ْم وَيُ ْلقُوا
جعَلْنَا َلكُمْ عَلَ ْيهِمْ سُ ْلطَانا مُبِينا(
إِلَ ْيكُمُ السّلَ َم وَ َي ُكفّوا أَ ْيدِ َيهُمْ َفخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَ ْيثُ َث ِقفْ ُتمُوهُمْ وَأُولَ ِئكُمْ َ
})91
شرح الكلمات:
{ل إِلَهَ إِل ُهوَ : }1ل معبود بحق إل هو.
{فِئَتَيْنِ : }2جماعتين الواحدة فئة ،أي :جماعة.
س ُهمْ} :الرتكاس :التحول من حال حسنة إلى حال سيئة؛ كالكفر بعد اليمان ،أو الغدر بعد
{أَ ْركَ َ
المان وهو المراد هنا.
{سَبِيلً} :أي :طريقا إلى هدايتهم.
__________
1اسم الجللة{ :ال} مبتدأ ،و{ل إله إل ال} جملة معترضة ،وجملة القسم واقعة موقع الخبر.
2الفئة :الطائفة ،اشتق لفظها من الفيء الذي هو الرجوع ،إذ أفرادها يرجع بعضهم إلى بعض،
وأصلها فيء ،فحذفت الياء من وسطها لكثرة الستعمال فصارت :فئة ،بعد زيادة هاء التأنيث
عوضا عن الياء المحذوفة.
( )1/519
{وَلِيّا وَل َنصِيرا} :الولي :من يلي أمرك ،والنصير :من ينصرك على عدوك.
{ َيصِلُونَ} :أي :يتصلون بهم بموجب عقد معاهدة بينهم.
{مِيثَاقٌ} :عهد.
حصِ َرتْ صُدُورُ ُهمْ} :ضاقت.
{َ
{السّلَمَ} :الستسلم والنقياد.
{ا ْلفِتْنَةِ} :الشرك.
{ َث ِقفْتُمُوهُمْ} :وجدتموهم متمكنين منهم.
{ سُلْطَانا مُبِينا} :حجة بين على جواز قتالهم.
معنى اليات:
لما ذكر تعالى اليات قبل هذه أنه تعالى المقيت والحسيب ،أي :القادر على الحساب والجزاء،
أخبر عز وجل أنه ال الذي ل إله إل هو ،أي :المعبود دون سواه لربوبيته على خلقه ،إذ الله
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الحق ما كان ربا خالقا رازقا مدبرا بيده كل شيء وإليه مصير كل شيء ،وأنه جامع 1الناس ليوم
ل ريب في إتيانه وهو يوم القيامة.
ج َمعَ ّنكُمْ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ ل رَ ْيبَ فِيهِ} ،ولما
هذا ما دلت عليه الية الكريمة{ :اللّهُ ل إِلَهَ إِل ُهوَ لَيَ ْ
كان هذا خبرا يتضمن وعدا ووعيدا أكد تعالى إنجازه ،فقالَ { :ومَنْ َأصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثا} اللهم إنه
ل أحد أصدق منك.
أما اليات الربع الباقية ،وهي( )88و()89و( )90و( )91فقد نزلت لسبب معين وتعالج مسائل
حربية معينة ،أما السبب الذي نزلت فيه فهو اختلف المؤمنين من أصحاب الرسول صلى ال
عليه وسلم في طائفة من المنافقين أظهروا السلم وهم ضليعون في موالة الكافرين ،وقد يكونون
في مكة ،2وقد يكونون في المدينة ،فرأى بعض الصحاب أن من الحزم الضرب على أيديهم
وإنهاء نفاقهم ،ورأى آخرون تركهم والصبر عليهم ما داموا يدعون اليمان لعلهم
__________
1قوله تعالى{ :ليجمعنكم} جواب قسم ،وهذا الجمع دللة اللفظ أنه في القبور تحت الرض
ليبعثهم يوم القيامة ،وقد تكون {إلى} صلة ،ويكون الجمع هو جمع يوم القيامة.
2السياق الكريم صالح لن تكون الفئتان المختلف فيهما من مكة أو من المدينة ،وقد ورد في
الصحيح اختلف المؤمنين في ابن أبي ،ومن وافقه ،ورجع من أحد دون قتال حتى قال رسول ال
صلى ال عليه وسلم" :أنها طيبة وإنها تنفي الخبث كما يفني الكير خبث الحديد" كما ورد في غير
الصحيح :أن جماعة في مكة تكلموا بالسلم وكانوا يظاهرون المشركين ،وأبوا أن يهاجروا
فاختلف في شأنهم المؤمنون ،ول مانع من أن تعنى اليات منافقي المدينة ،ومنافقي مكة .إذ
الخلف وقع في كل منافقي مكة ومنافقي المدينة ،ويرجح هذا الرأي صحة الخبر الول وذكر
الهجرة في الثاني.
( )1/520
بمرور اليام يتوبون .فلما اختلفا واشتد الخلف في شأنهم أنزل ال تعالى هذه اليات فقالَ { :فمَا
ضلّ اللّ ُه َومَنْ ُيضِْللِ
سهُمِْ 1بمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ 2أَنْ َتهْدُوا مَنْ َأ َ
َلكُمْ فِي ا ْلمُنَا ِفقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَ ْركَ َ
جدَ لَهُ سَبِيلً} ومعنى الية ،أي :شيء صيركم في شأن المنافقين فئتين؟ وال تعالى قد
اللّهُ فَلَنْ تَ ِ
أركسهم في الكفر بسبب ما كسبوه من الذنوب العظام .أتريدون أيها المسلمون أن تهدوا من أضل
ال ،وهل يقدر أحد على هداية من أضله ال؟ وكيف ،ومن يضلل ال حسب سنته في إضلل
البشر ل يوجد له هادٍ ،ول سبيل لهدايته بحال من الحوال.
ثم أخبر تعالى عن نفسية أولئك المنافقين المختلف فيهم فقال وهي الية الثالثة({ )89وَدّوا َلوْ
سوَاءً} أي :أحبوا من قلوبهم كفركم لتكونوا مثلهم ،وفيه لزم وهو
َت ْكفُرُونَ َكمَا َكفَرُوا فَ َتكُونُونَ َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
انتهاء السلم ،وظهور الكفر وانتصاره.
ومن هنا قال تعالى محرما موالتهم إلى أن يهاجروا فقال{ :فَل تَتّخِذُوا مِ ْنهُمْ َأوْلِيَاءَ} تعولون عليهم
في نصرتكم على إخوانهم في الكفر .ظاهر هذا السياق أن هؤلء المنافقين هم بمكة وهو كذلك.
وقوله تعالى{ :حَتّى ُيهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ ، }3لن الهجرة إلى المدينة تقطع صلتهم بدار الكفر
فيفتر عزمهم ويراجعوا الصدق في إيمانهم فيؤمنوا فإن هاجروا ثم تولوا عن اليمان الصحيح إلى
جدْ ُتمُوهُ ْم وَل تَتّخِذُوا مِ ْنهُ ْم وَلِيّا وَل
ث وَ َ
خذُوهُ ْم وَاقْتُلُوهُمْ حَ ْي ُ
النفاق الكفر فأعلنوا الحرب عليهم {فَ ُ
َنصِيرا} ؛ لنهم بارتكاسهم ل خير فيهم ول يعول عليهم.
ثم في الية( )90استثنى لهم الرب تعالى صنفين من المنافقين المذكورين فل يأخذونهم أسرى ول
يقاتلونهم ،الصنف الول الذين ذكرهم تعالى بقوله {إِل الّذِينَ َيصِلُونَ} أي :يلجأون {إِلَى َقوْمٍ بَيْ َن ُكمْ
وَبَيْ َنهُمْ 4مِيثَاقٌ} فبحكم استجارتهم بهم طالبين المان منهم فأمنوهم أنتم حتى ل تنقضوا عهدكم.
والصنف الثاني قوم ضاقت صدورهم بقتالكم،
__________
1جملة{ :وال أ ْر َكسَهم} حالية.
2الستفهام إنكاري ،وهو دال على جملة محذوفة تقديرها :أنهم قد أضلهم ال.
3الهجرة :هجرتان ،هي لمنافقي المدينة .الخروج إلى الغزو مع رسول ال صلى ال عليه وسلم.
وهجرة لمنافقي مكة ،وهي إلى المدينة للقامة بها .والهجرة أنواع :منها ترك المعاصي ،لحديث:
"المهاجر من هجر ما نهى ال عنه ورسوله" ومنها هجرة الفساق وأهل البدع ليتوبوا من ذنوبهم.
4قد اختلف في هؤلء الذين بينهم وبين المؤمنين ميثاق وما دامت العبرة بعموم اللفظ ل
بخصوص السبب ،فل طائل تحت معرفتهم الن ،إذ العبرة أن في الية دليل على جواز الموادعة
بين أهل الحرب والمسلمين للضرورة.
( )1/521
وقتال قومهم فهؤلء الذين يلم يستسيغوا قتالكم ول قتال قومهم إن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم فل
تأخذوهم ول تقتلوهم واصبروا عليهم ،إذ لو شاء ال تعالى لسلطهم عليكم فلقاتلوكم هذا الصنف
ت صُدُورُ ُهمْ أَنْ ُيقَاتِلُوكُمْ َأوْ ُيقَاتِلُوا َق ْو َمهُ ْم وََلوْ شَاءَ اللّهُ
حصِ َر ْ
هو المعنى بقوله تعالىَ{ :أوْ جَاءُوكُمْ َ
طهُمْ عَلَ ْيكُمْ فََلقَاتَلُوكُمْ} فما دام ال تعالى قد كفهم عنكم فكفوا أنتم عنهم .هذا معنى قوله تعالى:
لَسَلّ َ
ج َعلَ اللّهُ َلكُمْ عَلَ ْيهِمْ
{فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فََلمْ ُيقَاتِلُوكُ ْم وَأَ ْلقَوْا إِلَ ْيكُمُ السَّلمَ} .أي :المسالمة والمهادنة { َفمَا َ
سَبِيلً .}1لخذهم وقتالهم .هذا وهناك صنف آخر ذكر تعالى حكم معاملته في الية الخامسة
والخيرة( ،)91وهي قوله تعالى :ستجدون قوما آخرين 2غير الصنفين السابقين { يُرِيدُونَ أَنْ
يَ ْأمَنُوكُمْ وَيَ ْأمَنُوا َق ْو َمهُمْ }3فهم إذا يلعبون على الحبلين كما يقال { ُكلّ مَا رُدّوا إِلَى ا ْلفِتْنَةِ} أي :إلى
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الشرك {أُ ْركِسُوا فِيهَا} أي :وقعوا فيها منتكسين ،إذ هم منافقون ،إذ كانوا معكم عبدوا ال وحده،
وإذا كانوا مع قومهم عبدوا الوثان لمجرد دعوة يدعونها يلبون فيرتدون إلى الشرك ،وهو معنى
قوله تعالىُ { :كلّ مَا رُدّوا إِلَى ا ْلفِتْنَةِ أُ ْركِسُوا فِيهَا} ،وقوله تعالى{ :فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ ُيقَاتِلُوكُمْ
وَأَ ْلقَوْا إِلَ ْيكُمُ السَّلمَ} أي :إن لم يعتزلوا قتالكم ويلقوا إليكم السلم ،وهو الذعان والنقياد لكم،
سلْطَانا
جعَلْنَا َلكُمْ عَلَ ْيهِمْ ُ
ويكفوا أيديهم فعلً عن قتالكم { َفخُذُو ُه ْم وَاقْتُلُوهُمْ حَ ْيثُ َث ِقفْ ُتمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ َ
مُبِينا} أي :حجة واضحة على جواز أخذهم وقتلهم حيثما تمكنتم منهم وعلى أي حال .هذا ما دلت
عليه اليات الخمس مع العلم أن الكف عن قتال المشركين قد نسخ بآيات براءة إل أن لمام
المسلمين أن يأخذ بهذا النظام عند الحاجة إليه فإنه نظام رباني ما أخذ به أحد وخاب أو خسر،
ولكن خارج جزيرة العرب إذ ل ينبغي أن يجتمع فيها دينان.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب توحيد ال تعالى في عبادته.
-2اليمان بالبعث والجزاء.
__________
{ 1سبيل} :أي :إذنا بقتالهم بعد أن أمركم بقتال غيرهم ،حيث وجدتموهم ممكنين منهم.
{ 2سَ َتجِدوُن} الوجدان هنا ،بمعنى الطلع والعثور ،أي :ستطلعون على قوم آخرين وصفهم كذا
أو كذا.
3أي :ل هم لهم إل حظوظ أنفسهم ،ول سعي لهم إل في خويصيتهم ،فهم يظهرون المودة
للمسلمين ليأمنوهم ويظهروها لقومهم ليؤمنوا أيضا ،قيل :هم غطفان وبنو أسد ،قبل أن يحسن
إسلمهم ،وبنو عبد الدار بمكة أيضا .إذ كانوا يأتون المدينة مظهرين السلم ،ثم إذا عادوا إلى
مكة عبدوا الصنام.
( )1/522
( )1/523
( )1/524
حكيما في تشريعه فل يشرع إل ما كان نافعا ومحققا غير ضار ،ومحققا للخير في الحال والمآل.
هذا ما دلت عليه الية الولى ،أما الية الثانية( )93فإنها بينت حكم من قتل مؤمنا عمدا عدوانا،
وهو أن الكفارة ل تغني عنه شيئا لما قضى ال تعالى له باللعن والخلود في جهنم إذ قال تعالى:
عظِيما}
ضبَ اللّهُ عَلَ ْي ِه وََلعَنَ ُه وَأَعَدّ َلهُ عَذَابا َ
غ ِ
جهَنّمُ خَالِدا فِيهَا وَ َ
{ َومَنْ َيقْتُلْ ُم ْؤمِنا مُ َت َعمّدا فَجَزَا ُؤهُ َ
إل أن الدية أو القصاص لزمان ما لم يعف أولياء الدم فإن عفوا عن القصاص ورضوا بالدية
أعطوها وإن طالبوا بالقصاص اقتصوا ،إذ هذا حقهم وأما حق ال تعالى :فإن القتيل عبده خلقه
ليعبده ،فمن قتله ،فال تعالى رب العبد خصمه وقد توعده بأشد العقوبات وأفظعها ،والعياذ بال
غضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ
جهَنّمُ خَالِدا فِيهَا وَ َ
تعالى وذلك حقه قال تعالىَ { :ومَنْ َيقْ ُتلْ ُم ْؤمِنا مُ َت َعمّدا َفجَزَا ُؤهُ َ
عظِيما} .
وََلعَنَ ُه وَأَعَدّ َلهُ عَذَابا َ
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1بيان أن المؤمن الحق ل يقع منه القتل العمد للمؤمن.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-2بيان جزاء القتل الخطأ وهو تحرير رقبة ودية مسلمة إلى أهله.
-3إذا كان القتيل مؤمنا وكان من قوم كافرين محاربين ،فالجزاء تحرير رقبة ول دية.
-4إذا كان القتيل من قوم بين المسلمين مثياق ،فالواجب الدية وتحرير رقبة.
-5من لم يجد الرقبة صام شهرين متتابعين .1
-6القتل العمد العدوان يجب له أحد شيئين :القصاص .أو الدية حسب رغبة أولياء الدم وإن عفوا
فلهم ذلك وأجرهم على ال تعالى ،وعذاب الخرة وعيد إن شاء ال أنجزه وإن شاء عفا عنه.
ستَ ُم ْؤمِنا
{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ِإذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيّنُوا وَل َتقُولُوا ِلمَنْ أَ ْلقَى إِلَ ْيكُمُ السّلمَ لَ ْ
تَبْ َتغُونَ
__________
1يسقط التتابع بالمرض والحيض ،ل بالسفر .ومعنى التتابع :أل يستأنف من أفطر لمرض ،وإنما
يبني على ما صامه ويواصل حتى يكمل الشهرين.
( )1/525
عَ َرضَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا َفعِنْدَ اللّهِ َمغَانِمُ كَثِي َرةٌ َكذَِلكَ كُنْتُمْ مِنْ قَ ْبلُ َفمَنّ اللّهُ عَلَ ْيكُمْ فَتَبَيّنُوا إِنّ اللّهَ كَانَ ِبمَا
َت ْعمَلُونَ خَبِيرا(})94
شرح الكلمات:
{ِإذَا ضَرَبْتُمْ} :خرجتم تضربون الرض بأرجلكم غزاة ومسافرين.
{فَتَبَيّنُوا} :فتثبتوا حتى ل تقتلوا مسلما تحسبونه كافرا.
{السّلمَ : }1الستسلم والنقياد.
{تَبْ َتغُونَ} :تطلبون.
{ َفمَنّ اللّهُ عَلَ ْيكُمْ} :بالهداية فاهتديتم وأصبحتم مسلمين.
معنى الية الكريمة:
روي أن نفرا من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم خرجوا فلقوا رجلً يسوق غنما من
بني سليم ،فلما رآهم سلم عليهم قائلً :السلم عليكم .فقالوا له :ما قلتها إل تقية لتحفظ نفسك
ومالك وقتلوه .2فنزلت هذه الية{ :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ} يريد خرجتم
مسافرين للغزو والجهاد {فَتَبَيّنُوا} ممن تلقونهم في طريقكم هل هم مسلمون فتكفوا عنهم ،أو
ستَ
كافرين فتقاتلوهم {وَل َتقُولُوا ِلمَنْ أَ ْلقَى إِلَ ْي ُكمُ السّلمَ} أعلن إسلمه لكم بالشهادة أو بالسلم {لَ ْ
ُم ْؤمِنا} فتكذبونه في دعواه السلم لتنالوا منه { :تَبْ َتغُونَ} بذلك {عَ َرضَ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا }3أي:
متاعها الزائل فإن كان قصدكم الغنيمة فإن عند ال مغانم كثيرة فأطيعوه وأخلصوا له النية والعمل
يرزقكم ويغنمكم خير ما تأملون وترجون وقولهَ { :كذَِلكَ كُنْتُمْ مِنْ قَ ْبلُ} أي :مثل هذا الرجل الذي
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
قتلتموه رغبة في غنمه كنتم تستخفون بإيمانكم خوفا من قومكم { َفمَنّ اللّهُ عَلَ ْيكُمْ} بأن أظهر دينه
ونصركم فلم تعودوا تخفون دينكم .وعليه فتبينوا
__________
1السلم :بكسر السين ،والسلم :بفتح السين واللم ،والسلم واحد .والسلم بالكسر هنا أولى؛ لنه
بمعنى :النقياد والطاعة.
2روى أن النبي صلى ال عليه وسلم حمل ديته إلى أهله ورد غنمه وهو كذلك.
3مي متاع الدنيا :عرضا؛ لنه عارض زائل ،ويطلق العرض بفتح الراء على الدراهم والدنانير،
وبإسكان الراء على المتاع من أثاث وغيره ،فلذا كل عرض بإسكان الراء ،عرض بفتحها ول
ينعكس ،وفي الحديث الصحيح" :ليس الغني عن كثرة العرض ،إنما الغني غني النفس" .رواه
مسلم.
( )1/526
مستقبلً ،ول تقتلوا أحدا حتى تتأكدوا من كفره 1وقوله{ :إِنّ اللّهَ كَانَ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرا} تذييل
يحمل الوعد والوعيد ،الوعد لمن أطاع ،والوعيد لمن عصى ،إذ لزم كونه تعالى خبيرا بالعمال
أنه يحاسب عليه ويجزي بها ،وهو على كل شيء قدير.
هداية الية
من هداية الية:
-1مشروعية السير في سبيل ال غزوا وجهادا.2
-2وجوب التثبت والتبين في المور التي يترتب على الخطأ فيها ضرر بالغ.
-3ذم الرغبة في الدنيا ل سيما إذا كانت تتعارض مع التقوى.
-4التعاظ بحال الغير والعتبار بالحداث المماثلة.
سهِمْ
{ل يَسْ َتوِي ا ْلقَاعِدُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضّرَ ِر وَا ْلمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بَِأ ْموَاِلهِمْ وَأَنْفُ ِ
ضلَ اللّهُ
عدَ اللّهُ الْحُسْنَى َو َف ّ
ج ًة َوكُلً وَ َ
سهِمْ عَلَى ا ْلقَاعِدِينَ دَرَ َ
ضلَ اللّهُ ا ْلمُجَاهِدِينَ بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَ ْنفُ ِ
َف ّ
غفُورا رَحِيما(
ح َم ًة َوكَانَ اللّهُ َ
ا ْلمُجَا ِهدِينَ عَلَى ا ْلقَاعِدِينَ َأجْرا عَظِيما( )95دَرَجَاتٍ مِنْ ُه َو َم ْغفِ َرةً وَرَ ْ
})96
شرح الكلمات:
{أُولِي الضّرَرِ} :هم العميان والعرج والمرضى.
{دَرَجَةً} :منزلة عالية في الجنة.
{ا ْلحُسْنَى} :الجنة.
__________
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
1لن قتل النفس عظيم ،ولذا لما أخبر الرسول صلى ال عليه وسلم بمن قتل :من قال ل إله إل
ال ظانا أنه قالها تقيه ،قال" :هل شققت عن قلبه" ،قاله ثلثا .ولذا لو أن كافرا صلى معنا ولم
يقل :ل إله إل ال لم نقتله حتى نطلب إليه قولها ،فإن قالها وإل قتل حينئذ ،هذا الكافر المحارب ل
المعاهد والمستئمن.
2بل فضيلة السير في سبيل ال سواء للجهاد أو لطلب علم أو صلة رحم أو حج أو عمرة أو
إبلغ دعوة وتعليم علم ،أو زيارة مؤمن لما ورد في ذلك من الجر العظيم.
( )1/527
معنى اليتين:
روى أن ابن أم مكتوم رضي ال تعالى عنه لما نزلت هذه الية بهذه الصيغة{ :ل يَسْ َتوِي
سهِمْ }...الية.
ا ْلقَاعِدُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضّرَ ِر وَا ْلمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَ ْنفُ ِ
أتى النبي صلى ال عليه وسلم فقال :كيف وأنا أعمى يا رسول ال فما برح حتى نزلت {غَيْرُ
أُولِي 1الضّرَرِ} فأدخلت بين جملتي {ل يَسْ َتوِي ا ْلقَاعِدُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضّرَرِ
سهِمْ ، }...ومعنى الية :إن ال تعالى ينفي أن يستوي في
وَا ْلمُجَا ِهدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَ ْنفُ ِ
الجر والمنزلة عنده تعالى من يجاهد بماله ونفسه ومن ل يجاهد بخلً بماله .وضنا بنفسه،
واستثنى تعالى أولي العذار من مرض ونحوه فإن لهم أجر المجاهدين وإن لم يجاهدوا لحسن
ضلَ اللّهُ
ل وَعَدَ اللّهُ ا ْلحُسْنَى} التي هي :الجنة ،وقولهَ { :ف ّ
نياتهم ،وعدم استطاعتهم ،فلذا قالَ { :وكُ ً
سهِمْ عَلَى ا ْلقَاعِدِينَ دَرَجَةً} أي :فضل ال المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على
ا ْلمُجَا ِهدِينَ بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَ ْنفُ ِ
ضلَ اللّهُ
القاعدين لعذر درجة ،وإن كان الجميع لهم الجنة ،وهي الحسنى .وقوله تعالىَ { :و َف ّ
عظِيما} وهو الدرجات 2العالية مع المغفرة والرحمة،
ا ْلمُجَا ِهدِينَ عَلَى ا ْلقَاعِدِينَ} لغير عذر {أَجْرا َ
وذلك لن ال تعالى كان أزلً وأبدا غفورا رحيما ،ولذا غفر لهم ورحمهم ،اللهم اغفر لنا وارحمنا
معهم.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1بيان فضل المجاهدين على غيرهم من المؤمنين الذين ل يجاهدون.
-2أصحاب العذار الشرعية ينالون أجر المجاهدين إن كانت لهم رغبة في الجهاد ولم يقدروا
عليه لما قام بهم من 3أعذار وللمجاهدين فعلً درجة تخصهم دون ذوي العذار.
__________
1قرئ{ :غير} بالرفع على أنه نعت للـ {قاعدون} ،وقرئ :بالنصب على الستثناء ،ويصح
أيضا على الحال.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
2روي في الصحاح أن في الجنة مائة درجة أعدها ال للمجاهدين في سبيله ما بين كل درجتين
كما بين السماء والرض ،وقال صلى ال عليه وسلم" :من رمى بسهم فله أجره درجة" .فقال
رجل يا رسول ال :وما الدرجة .قال" :إما إنها ليست بعتبة بابك ما بين الدرجتين مائة عام" .
3روى البخاري تعليقا ،وغير و احد أن النبي صلى ال عليه وسلم ،وقد قفل عائداَ من إحدى
غزواته ،قال" :إن بالمدينة رجالً ما قطعتم واديا ول سرتم مسيرا إل كانوا معكم ،أولئك قوم
حبسهم العذر" .
( )1/528
( )1/529
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سهِمْ}
تعالى في هذه اليات الهجرة وأحكامها ،فقال تعالى{ :إِنّ الّذِينَ َت َوفّاهُمُ 1ا ْلمَل ِئكَةُ ظَاِلمِي أَ ْنفُ ِ
حيث تركوا الهجرة ومكثوا في دار الهون يضطهدهم العدو ويمنعهم من دينهم ويحول بينهم وبين
عبادة ربهم .هؤلء الظالمون لنفسهم تقول لهم الملئكة عند قبض أرواحهم {فِيمَ كُنْتُمْ }2؟ تسألهم
هذا السؤال؛ لن أرواحهم مدساة مظلمة لنها لم تزك على الصالحات ،فيقولون متعذرين{ :كُنّا
ضعَفِينَ فِي الَ ْرضِ} فلم نتمكن من تطهير أرواحنا باليمان وصالح العمال ،فترد عليهم
مُسْ َت ْ
سعَةً فَ ُتهَاجِرُوا فِيهَا} وتعبدوا ربكم؟ ثم يعلن ال عن الحكم
الملئكة قولهمَ{ :ألَمْ َتكُنْ أَ ْرضُ اللّ ِه وَا ِ
جهَنّمُ} وساءت جهنم مصيرا يصيرون إليه ومأوى ينزلون
فيهم بقوله{ :فَأُولَ ِئكَ} البعداء {مَ ْأوَا ُهمْ َ
فيه .ثم استثنى تعالى أصحاب العذار كما استثناهم في القعود عن الجهاد في اليات قبل هذه فقال
ض َعفِينَ 3مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ} ،واستضعاف الرجال يكون بالعلل ،4
عز من قائل{ :إِل ا ْلمُسْ َت ْ
والنساء والولدان بالضعف الملزم لهم ،هؤلء الذين ل يستطيعون حيلة ،أي :ل قدرة لهم على
التحول والنتقال لضعفهم{ ،وَل َيهْتَدُونَ سَبِيلً} إلى دار الهجرة لعدم خبرتهم بالدروب والمسالك
عسَى اللّهُ أَنْ َي ْع ُفوَ عَ ْن ُهمْ} فل يؤاخذهم ويغفر
فطمعهم تعالى ورجاهم بقوله{ :فَأُولَ ِئكَ} المذكورون { َ
لهم بعض ما قصروا فيه ويرجمهم لضعفهم وكان ال غفورا رحيما.
هذا ما دلت عليه اليات الثلث.
أما الية الرابعة( )100فقد أخبر تعالى فيها أن من يهاجر في سبيله تعالى ل في سبيل دنيا
يصيبها أو امرأة يتزوجها يجد بإذن ال تعالى في الرض مذهبا يذهب إليه ودارا ينزل بها ورزقا
واسعا يراغم به عدوه الذي اضطهده حتى هاجر من بلده ،فقال تعالىَ { :ومَنْ ُيهَاجِرْ فِي سَبِيلِ
سعَةً} ثم أخبر تعالى أن من خرج مهاجرا
اللّهِ َيجِدْ فِي الَ ْرضِ مُرَاغَما كَثِيرا وَ َ
__________
1روى البخاري عن ابن عباس رضي ال عنهما أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين
يكثرون سواد المشركين على محمد صلى ال عليه وسلم ،يأتي السهم فيرمي به فيصيب أحدهم
فيقتله أو يضرب فيقتل ،فأنزل ال تعالى{ :إِنّ الّذِينَ َت َوفّاهُمُ ا ْلمَل ِئكَةُ }..الية.
2الستفهام للتوبيخ والتقريع.
3قال ابن عباس" :كنت أنا وأمي من عنى ال بهذه الية" .وأم ابن عباس هي :لبابة ،وتكنى أم
الفضل ،وهي أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي ال عنهما.
4وهي الزمانة ،وتكون بالعرج والعمي والشلل ونحوها.
( )1/530
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
في سبيل ال ،أي :لجل عبادته ونصرة دينه ثم مات في طريق هجرته وإن لم يصل إلى دار
الهجرة فقد وجب أجره على ال تعالى ،وسيوفاه كاملً غير منقوص ،ويغفر ال تعالى له ما كان
من تقصير سابق ويرحمه فيدخله جنته .إذ قال تعالىَ { :ومَنْ َيخْرُجْ مِنْ 1بَيْ ِتهِ ُمهَاجِرا إِلَى اللّهِ
غفُورا رَحِيما} .
علَى اللّ ِه َوكَانَ اللّهُ َ
وَرَسُولِهِ ثُمّ يُدْ ِركْهُ ا ْل َم ْوتُ َفقَ ْد َوقَعَ أَجْ ُرهُ َ
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب الهجرة 2عندما يحال بين المؤمن وعبادة ربه تعالى إذ لم يخلق إل لها.
-2ترك الهجرة كبيرة من كبائر الذنوب يستوجب صاحبها دخول النار.
-3أصحاب العذار كما سقط عنهم واجب الجهاد يسقط عنهم واجب الهجرة.
-4فضل الهجرة في سبيل ال تعالى.
-5من مات في طريق هجرته أعطى أجر المهاجر كاملً غير منقوص وهو الجنة.
خفْتُمْ أَنْ َيفْتِ َنكُمُ الّذِينَ
علَ ْيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ َت ْقصُرُوا مِنَ الصّلةِ إِنْ ِ
{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الَرْضِ فَلَيْسَ َ
َكفَرُوا إِنّ ا ْلكَافِرِينَ كَانُوا َلكُمْ عَ ُدوّا مُبِينا( )01وَإِذَا كُ ْنتَ فِيهِمْ فََأ َق ْمتَ َلهُمُ الصّلةَ فَلْ َتقُمْ طَا ِئفَةٌ مِ ْنهُمْ
سجَدُوا فَلْ َيكُونُوا مِنْ وَرَا ِئكُ ْم وَلْتَ ْأتِ طَا ِئفَةٌ أُخْرَى َلمْ ُيصَلّوا فَلْ ُيصَلّوا
َم َعكَ وَلْيَ ْأخُذُوا أَسِْلحَ َتهُمْ فَِإذَا َ
حذْرَ ُه ْم وَأَسْلِحَ َت ُه ْم وَدّ الّذِينَ
َم َعكَ وَلْيَ ْأخُذُوا ِ
__________
1روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي تعالى عنهما" :أن ضمرة بن جندب خرج إلى رسول
ال صلى ال عليه وسلم فمات في الطريق قبل أن يصل إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم.
فنزلت هذه اليةَ { :ومَنْ َيخْرُجْ مِنْ بَيته} .
2الهجرة :هي النتقال من بلد الكفر إلى بلد السلم ،وهي فريضة من فرائض السلم ،وهي
هجر متعددة ،منها :الهجرة من بلد البدعة ،قال مالك" :ل يحل لمؤمن أن يقيم بأرض يسب فيها
السلف الصالح" ،ومنها :الخروج من أرض غلب عليها الحرام ،إذ طلب الحلل فريضة ،ومنها:
أن يؤذى المسلم في دينه أو عرضه أو ماله ،ومنها :الخوف من المرض ما لم يكن طاعونا فإنه
يحرم الفرار منه ،ومنها :أل يكون في بلده من يعرف أحكام الشريعة فيها جر لطلب ذلك.
( )1/531
( )1/532
( )1/533
وَرَا ِئكُمْ} يريد الطائفة الواقعة تجاه العدو لتحميهم منه {وَلْتَ ْأتِ طَا ِئفَةٌ 1أُخْرَى لَمْ ُيصَلّوا فَلْ ُيصَلّوا
حذْرَ ُه ْم وَأَسْلِحَ َت ُهمْ} ،وقوله تعالى{ :وَدّ الّذِينَ َكفَرُوا َلوْ َت ْغفُلُونَ عَنْ أَسِْلحَ ِتكُمْ
َم َعكَ وَلْيَ ْأخُذُوا ِ
وََأمْ ِتعَتِكُمْ 2فَ َيمِيلُونَ عَلَ ْيكُمْ مَيْلَ ًة وَاحِ َدةً} سبق هذا الكلم لبيان علة الصلة طائفة بعد أخرى والمر
بالخذ بالحذر وحمل السلحة في الصلة ،ومن هنا رخص تعالى لهم إن كانوا مرضى وبهم
جراحات أو كان هناك مطر فيشق عليهم حمل السلح أن يضعوا أسلحتهم فقال عز وجل{ :وَل
حذْ َركُمْ، }3
ضعُوا أَسِْلحَ َتكُ ْم َوخُذُوا ِ
جُنَاحَ عَلَ ْي ُكمْ إِنْ كَانَ ِبكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ َأوْ كُنْ ُتمْ مَ ْرضَى أَنْ َت َ
عذَابا ُمهِينا} تذييل لكلم محذوف ودل عليه السياق قد يكون
وقوله تعالى{ :إِنّ اللّهَ أَعَدّ لِ ْلكَافِرِينَ َ
تقديره فإن الكفار فجرة ل يؤمن جانبهم ،ولذا أعد ال لهم عذابا مهينا ،وإنما وضع الظاهر مكان
المضمر إشارة إلى علة الشر والفساد التي هي الكفر.
وقوله تعالى في آية({ )103فَإِذَا َقضَيْتُمُ الصّلةَ فَا ْذكُرُوا 4اللّهَ قِيَاما َوقُعُودا وَعَلَى جُنُو ِبكُمْ} فإنه
تعالى يأمر المؤمنين بذكره في كل الحيان ل سيما في وقت لقاء العدو لما في ذلك من القوة
الروحية التي تقهر القوى المادية وتهزمها ،فل يكتفي المجاهدون بذكر ال في الصلة فقط بل إذا
طمَأْنَنْتُمْ فََأقِيمُوا الصّلةَ} يريد
قضوا الصلة ل يتركون ذكر ال في كل حال وقوله تعالى{ :فَإِذَا ا ْ
إذا ذهب الخوف وحل المن واطمأنت النفوس أقيموا الصلة بحدودها وشرائطها وأركانها تامة
كاملة ،ل تخفيف فيها كما كانت في حال الخوف إذ قد تصلي ركعة واحد ،وقد تصلي إيماء
وإشارة فقط وذلك إذا التحم المجاهدون بأعدائهم .وقوله{ :إِنّ الصّلةَ كَا َنتْ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ كِتَابا
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
َم ْوقُوتا} تعليل للمر بإقام الصلة فأخبر أن الصلة مفروضة على المؤمنين وأنها موقوتة بأوقات
ل تؤدى إل فيها.
وقوله تعالى في آية({ )104وَل َتهِنُوا فِي ابْ ِتغَاءِ ا ْل َقوْمِ} أي :ل تضعفوا في طلب العدو
__________
1قد اختلفت الروايات في صلة الخوف ،واختلف لذلك العلماء ،إذ صلى النبي صلى ال عليه
وسلم صلة الخوف أربعا وعشرين مرة .قال المام أحمد وهو إمام أهل الحديث :ل أعلم أنه
روي في صلة الخوف إل حديث صحيح ثابت ،وهو صحاح ثابتة ،فعلى أي حديث صلى منها
المصلي صلة الخوف أجزأه إن شاء ال .وذهب مالك إلى حديث سهل بن أبي حثمة ،وهو الذي
ذكرته في التفسير فهو واضح سهل.
2المتعة :جمع متاع؛ كالثاث والعروض وماله علقة بالسلح في حالة الحرب.
3في طلب الحذر التشريع للمة بأن تأخذ بأسباب النصر ول تهملها بحال ،فإن ال تعالى ربط
المسببات بأسبابها ،فمن طلب النصر عليه بإعداد ما يمكنه من العدد والعتاد.
4يرى جمهور المفسرين أن هذا الذكر المطلوب يكون بعد صلة الخوف ،كقوله تعالى { :إِذَا
َلقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَا ْذكُرُوا اللّهَ كَثِيرا} تقوية للقلوب وتوسلً لحصول النصر على العدو المرهوب.
( )1/534
لنزال الهزيمة به .ول تتعللوا في عدم طلبهم بأنكم تألمون لجراحتكم {إِنْ َتكُونُوا تَأَْلمُونَ فَإِ ّنهُمْ
ن وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ} من النصر والمثوبة العظيمة {مَا ل يَ ْرجُونَ} فأنتم أحق
يَأَْلمُونَ َكمَا تَأَْلمُو َ
حكِيما} فيه
علِيما َ
بالصبر والجلد والمطالبة بقتالهم حتى النصر عليهم ،وقوله تعالىَ { :وكَانَ اللّهُ َ
تشجيع للمؤمنين على مواصلة الجهاد ،لن علمهم بأن ال تعالى عليم بأحوالهم والظروف
الملبسة لهم وحكيم في شرعه بالمر والنهي لهم يطمئنهم على حسن العافية لهم بالنصر على
أعدائهم.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1مشروعية صلة القصر ،وهي رخصة 1أكدها رسول ال صلى ال عليه وسلم بقوله وعمله
فأصبحت سنة مؤكدة ل ينبغي تركها.
-2مشروعية صلة الخوف وبيان كيفيتها.
-3تأكد صلة الجماعة بحيث ل تترك حتى في ساعة الخوف والقتال.
-4استحباب ذكر ال تعالى بعد الصلة وعلى كل حال من قيام وقعود واضطجاع.
-5ةتقرير فريضة الصلة ووجوب أدائها في أوقاتها الموقوتة لها.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-6حرمة الوهن والضعف إزاء حرب العدو والستعانة على قتاله بذكر ال ورجائه.
خصِيما()105
حكُمَ بَيْنَ النّاسِ ِبمَا أَرَاكَ اللّهُ وَل َتكُنْ لِ ْلخَائِنِينَ َ
حقّ لِ َت ْ
{إِنّا أَنْ َزلْنَا إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ بِالْ َ
سهُمْ إِنّ اللّ َه ل
غفُورا َرحِيما( )106وَل تُجَا ِدلْ عَنِ الّذِينَ َيخْتَانُونَ أَ ْنفُ َ
وَاسْ َت ْغفِرِ اللّهَ إِنّ اللّهَ كَانَ َ
خفُونَ
س وَل يَسْ َت ْ
خفُونَ مِنَ النّا ِ
خوّانا أَثِيما( )107يَسْ َت ْ
حبّ مَنْ كَانَ َ
يُ ِ
__________
1كونها رخصه دل عليه قوله تعالى{ :فَلَيْسَ عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ َت ْقصُرُوا مِنَ الصّلةِ} كما دل عليه
قوله صلى ال عليه وسلم لعمر رضي ال عنه" :تلك صدقة تصدق ال بها عليكم فاقبلوا صدقته" ،
هذا وقد اختلف العلماء اختلفا كبيرا هل القصر واجب أم سنة؟ فمن قال بالوجوب :استدل بحديث
عائشة" :فرضت الصلة ركعتين ركعتين" ،ومن قال بالسنية وهم الجمهور ووهنوا حديثها
لمخالفتها له .حيث كانت تتم في السفر وذهب بعضهم إلى أن المسافر مخير بين القصر والتمام.
والراجح أنها سنة مؤكدة وذلك لكون النبي صلى ال عليه وسلم ما ترك القصر في أسفاره أبدا.
( )1/535
مِنَ اللّ ِه وَ ُهوَ َم َعهُمْ ِإذْ يُبَيّتُونَ مَا ل يَ ْرضَى مِنَ ا ْل َق ْولِ َوكَانَ اللّهُ ِبمَا َي ْعمَلُونَ ُمحِيطا( )108هَا أَنْتُمْ
َهؤُلءِ جَادَلْتُمْ عَ ْن ُهمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا َفمَنْ يُجَا ِدلُ اللّهَ عَ ْن ُهمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ أَمْ مَنْ َيكُونُ عَلَ ْي ِه ْم َوكِيلً(
})109
شرح الكلمات:
{ ِبمَا أَرَاكَ اللّهُ} :أي :بما علمكه بواسطة الوحي.
خصِيما} :أي :مخاصما بالغا في الخصومة مبلغا عظيما.
{َ
{ ُتجَا ِدلْ} :تخاصم.
سهُمْ} :يحاولون خيانة أنفسهم.
{ َيخْتَانُونَ أَ ْنفُ َ
خفُونَ} :يطلبون إخفاء أنفسهم عن الناس.
{يَسْ َت ْ
{وَ ُهوَ َم َعهُمْ} :بعلمه تعالى وقدرته.
{يُبَيّتُونَ} :يدبرون المر في خفاء ومكر وخديعة.
{ َوكِيلً} :الوكيل :من ينوب عن آخر في تحقيق غرض من الغراض.
معنى اليات:
روي أن هذه اليات نزلت في طعمة بن أبيرق وإخوته ،1وكان قد سرق درعا من دار جارٍ له
يقال له قتادة وودعها عند يهودي ،يقال له :يزيد بن السمين ،ولما اتهم طعمة وخاف هو وإخوته
المعرة رموا بها اليهودي ،وقالوا هو السارق ،وأتوا رسول ال صلى ال عليه وسلم وحلفوا على
براءة أخيهم فصدقهم رسول ال صلى ال عليه وسلم وهم بقطع يد اليهودي لشهادة بني أبيرق
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عليه وإذا باليات تنزل ببراءة اليهودي وإدانة طعمة ،ولما افتضح طعمة وكان منافقا أعلن عن
ردته وهرب إلى مكة المكرمة ونقب جدار منزل ليسرق فسقط عليه الجدار فمات تحته كافرا..
حكُمَ بَيْنَ2
وهذا تفسير ليات قوله تعالى{ :إِنّا أَنْزَلْنَا إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ} أي :القرآن ،أيها الرسول {لِتَ ْ
__________
1هم ثلثة أنفار :بشر ،وبشير ،ومبشر .يقال لهم :بنو أبيرق.
2يشهد لهذا قوله صلى ال عليه وسلم في الصحيح" :إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل
بعضكم أن يكون ألحن حجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه
فل يأخذه فإنما أقتطع له قطعة من نار" .
( )1/536
النّاسِ ِبمَا أَرَاكَ 1اللّهُ} أي :بما أعلمك وعرفك به ل بمجرد رأي رآه غيرك من الخائنين وعاتبه
خصِيما} أي :مجادلً عنهم ،فوصم تعالى بني أبيرق بالخيانة،
ربه تعالى بقوله{ :وَل َتكُنْ ِللْخَائِنِينَ َ
لنهم خانوا أنفسهم بدفعهم التهمة عنهم بأيمانهم الكاذبة{ .وَاسْ َت ْغفِرِ 2اللّهَ} من أجل ما هممت به
غفُورا َرحِيما} فيغفر لك ما هممت به ويرحمك {وَل تُجَا ِدلْ عَنِ
من عقوبة اليهودي{ ،إِنّ اللّهَ كَانَ َ
خوّانا أَثِيما}
حبّ مَنْ كَانَ َ
سهُمْ} حيث اتهموا اليهودي كذبا وزورا{ ،إِنّ اللّهَ ل يُ ِ
الّذِينَ َيخْتَانُونَ أَ ْنفُ َ
خفُونَ مِنَ اللّهِ} ول يستحيون منه،
خفُونَ 3مِنَ النّاسِ} حياء منهم{ ،وَل َيسْتَ ْ
كطعمة بن أبيرق { يَسْ َت ْ
وهو تعالى معهم في الوقت الذي كانوا يدبرون كيف يخرجون من التهمة بإلصاقها باليهودي
البريء ،وعزموا أن يحلفوا على براءة أخيهم واتهام اليهودي هذا القول مما ل يرضاه ال تعالى..
وقوله عز وجلَ { :وكَانَ اللّهُ ِبمَا َي ْعمَلُونَ مُحِيطا} فما قام به طعمة من سرقة الدرع ووضعها لدى
اليهودي ثم اتهامهم اليهودي ،وحلفهم على براءة أخيهم كل ذلك جرى تحت علم ال تعالى ،وال
به محيط ،فسبحانه من إله عظيم .وقوله تعالى{ :هَا أَنْ ُتمْ َهؤُلءِ} أي :يا هؤلء {جَادَلْتُمْ عَ ْنهُمْ فِي
الْحَيَاةِ الدّنْيَا َفمَنْ ُيجَا ِدلُ اللّهَ عَ ْنهُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َأمْ مَنْ َيكُونُ عَلَ ْيهِ ْم َوكِيلً} هذا الخطاب موجه إلى
الذين وقفوا إلى جنب بني أبيرق يدفعون عنهم التهمة فعاتبهم ال تعالى بقوله{ :هَا أَنْ ُتمْ َهؤُلءِ
جَادَلْتُمْ عَ ْن ُهمْ} ،اليوم في هذه الحياة الدنيا لتدفعوا عنهم تهمة السرقة { َفمَنْ 4يُجَا ِدلُ اللّهَ عَ ْن ُهمْ َيوْمَ
ا ْلقِيَامَةِ أَمْ مَنْ َيكُونُ عَلَ ْيهِمْ َوكِيلً} يتولى الدفاع عنهم في يوم ل تملك فيه نفس لنفس شيئا والمر
كله ل فتضمنت الية تقريعا شديدا ل يقف أحد بعد موقفا مخزيا كهذا.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1ل يجوز الحكم بغير ما أنزل ال تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى ال عليه وسلم.
-2ل يجوز الوقوف إلى جنب الخونة الظالمين نصرة لهم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
__________
ِ { 1بمَا أَرَاك ال} معناه :على قوانين الشرع ،إما بوحي ونص ،أو بنظر جار على سنن الوحي.
2فيه إرشاد للمة وتعليم لها ،إذ الرسول صلى ال عليه وسلم لم يقارف ذنبا ،وكل ما في المر
أنه هم على ظن منه ،ودفع ال عنه ما هم به بنزول الية ،أو استغفاره لما هم به ،هو من باب
حسنات البرار سيئات المقربين.
3أي :يستترون.
4الستفهام للنكار والتوبيخ والتقريع.
( )1/537
( )1/538
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سوءا يؤذي به غيره أو يظلم نفسه بارتكاب ذنب من الذنوب ثم يتوب إلى ال تعالى باستغفاره
والنابة إليه يتب ال تعالى عليه ويقبل توبته وهو معنى قوله تعالى في الية(َ { )110ومَنْ َي ْع َملْ
غفُورا رَحِيما} يغفر له ويرحمه.
سهُ ثُمّ 1يَسْ َت ْغفِرِ اللّهَ َيجِدِ اللّهَ َ
سُوءا َأوْ َيظْلِمْ َنفْ َ
سهِ} إذ
سبْ إِثْما} أي :ذنبا من الذنوب صغيرها وكبيرها {فَإِ ّنمَا َيكْسِبُهُ عَلَى َنفْ ِ
قوله تعالىَ { :ومَنْ َيكْ ِ
هي التي تتدسى به وتؤاخذ بمقتضاه إن لم يغفر لها .ول يؤاخذ به غيرها وكان ال عليما ،أي:
بذنوب عباده حكيما ،أي :في مجازاتهم بذنوبهم فل يؤاخذ نفسا بغير ما اكتسب ويترك نفسا قد
اكتسبت( )112يخبر تعالى أن من يرتكب خطيئة ضد أحد ،أو يكسب إثما ويرمي به أحداً بريئا
سبْ خَطِيئَةً َأوْ إِثْما ثُمّ
منه قد تحمل تبعة عظيمة قد تصليه نار جهنم وهو معنى قولهَ { :ومَنْ َيكْ ِ
يَرْمِ 2بِهِ بَرِيئا فَقَدِ احْ َت َملَ ُبهْتَانا وَإِثْما مُبِينا} .
وفي الية( )113يواجه ال تعالى رسوله بالخطاب ممتنا ًعليه بما حباه به من الفضل والرحمة
سهُمْ َومَا
ك َومَا ُيضِلّونَ إِل أَ ْنفُ َ
حمَتُهُ َل َه ّمتْ طَا ِئفَةٌ مِ ْنهُمْ أَنْ ُيضِلّو َ
ك وَ َر ْ
ضلُ اللّهِ عَلَ ْي َ
فيقول{ :وََلوْل َف ْ
شيْءٍ} ،والمراد بالطائفة التي ذكر ال تعالى هم بنو أبيرق أخوة طعمة وقوله:
َيضُرّونَكَ مِنْ َ
سهُمْ ، }3فهو كما قال عز وجل ضللهم عائد عليهم أما الرسول فلن يضره
{ َومَا ُيضِلّونَ إِل أَ ْنفُ َ
ضلُ اللّهِ
ح ْكمَ َة وَعَّل َمكَ مَا لَمْ َتكُنْ َتعَْل ُم َوكَانَ َف ْ
ذلك وقوله تعالى { :وَأَنْ َزلَ اللّهُ عَلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ وَا ْل ِ
عَلَ ْيكَ عَظِيما} امتنان من ال تعالى على رسوله بأنه أنزل عليه القرآن أعظم الكتب وأهداها وعلمه
الحكمة وهي ما كشف له من أسرار الكتاب الكريم ،وما أوحى إليه من العلوم والمعارف التي
كلها نور وهدى مبين ،وعلمه من المعارف الربانية ما لم يكن يعلم قبل ذلك وبهذا كان فضله على
رسوله عظيما ،فلله الحمد والمنة.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1تقرير مبدأ التوبة تجب ما قبلها ،ومن تاب تاب ال عليه.
-2عظم ذنب من يكذب على البرآء ،ويتهم المناء بالخيانة.
__________
1المراد بالستغفار :التوبة وطلب العفو من ال تعالى عما مضى من الذنوب قبل التوبة.
2أي :ينسبه إليه.
3إذ نتائج الضلل وعوائده وهي الخسران عائدة عليهم ل على الرسول صلى ال عليه وسلم.
( )1/539
-3تأثير الكلم على النفوس حتى أن الرسول صلى ال عليه وسلم كاد يضلله بنو أبيرق فيبرئ
الخائن ويدين البريء إل أن ال عصمه.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-4عاقبة الظلم عائدة على الظالم.
س َومَنْ َي ْفعَلْ ذَِلكَ
جوَاهُمْ إِل مَنْ َأمَرَ ِبصَ َد َقةٍ َأوْ َمعْرُوفٍ َأوْ ِإصْلحٍ بَيْنَ النّا ِ
{ل خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ َن ْ
سوْفَ ُنؤْتِيهِ َأجْرا عَظِيما(َ )114ومَنْ ُيشَاقِقِ الرّسُولَ مِنْ َب ْعدِ مَا تَبَيّنَ لَهُ
ابْ ِتغَاءَ مَ ْرضَاتِ اللّهِ َف َ
جهَنّ َم وَسَا َءتْ َمصِيرا(})115
ا ْلهُدَى وَيَتّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ُنوَلّهِ مَا َتوَلّى وَ ُنصْلِهِ َ
شرح الكلمات:
جوَاهُمْ : }1النجوى :المسارة بالكلم ،وجواهم :أحاديثهم التي يسرها بعضهم إلى بعض.
{ َن ْ
{َأوْ َمعْرُوفٍ : }2المعروف :ما عرفه الشرع فأباحه ،أو استحبه أو أوجبه.
{ابْ ِتغَاءَ مَ ْرضَاتِ اللّهِ} :أي :طلبا لمرضاة ال ،أي :للحصول على رضا ال عز وجل.
{ ُنؤْتِيهِ} :نعطيه والجر العظيم :الجنة وما فيها من نعيم مقيم.
{يُشَا ِققِ الرّسُولَ} :يحاده ويقاطعه ويعاديه .كمن يقف في شق ،والخر في شق.
{ وَيَتّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} :أي :يخرج عن إجماع المسلمين.
{ ُنوَلّهِ مَا َتوَلّى} :نخذله فتتركه وما توله من الباطل والشر والضلل حتى :يهلك فيه.
__________
1النجوى :مشتقة من نجوت الشيء ،أنجوه ،إذا خلصته وأفردته ،والنجوي من الرض ما ارتفع
منها دون ما حواليه ،ومن ناجى أحدا فقد خلصه وأفرده له .وتسمى الجماعة :نجوى نحوهم،
عدل .قال تعالى{ :وإذْ هُم نَجْوى} .
2المعروف لفظ يعم جميع ألفاظ البر ،أمر ال تعالى في كتابه فقال{ :خُذْ العُفوْ وأمر بالعُرف}
أي :المعروف .قال الحطيئة:
( )1/540
( )1/541
ل ضَللً
ضّ{إِنّ اللّهَ ل َي ْغفِرُ أَنْ يُشْ َركَ بِ ِه وَ َي ْغفِرُ مَا دُونَ ذَِلكَ ِلمَنْ َيشَا ُء َومَنْ يُشْ ِركْ بِاللّهِ َفقَ ْد َ
َبعِيدا( )116إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِل إِنَاثا وَإِنْ َيدْعُونَ إِل شَيْطَانا مَرِيدا(َ )117لعَ َنهُ اللّ ُه َوقَالَ
ن الَ ْنعَامِ
لمَنّيَ ّنهُ ْم وَلمُرَ ّنهُمْ فَلَيُبَ ّتكُنّ آذَا َ
لَتّخِذَنّ مِنْ عِبَا ِدكَ َنصِيبا َمفْرُوضا(َ )118ولُضِلّ ّنهُ ْم َو ُ
ن وَلِيّا مِنْ دُونِ اللّهِ َفقَدْ خَسِرَ خُسْرَانا مُبِينا()119
خذِ الشّ ْيطَا َ
وَلمُرَ ّنهُمْ فَلَ ُيغَيّرُنّ خَلْقَ اللّ ِه َومَنْ يَتّ ِ
جهَنّ ُم وَل َيجِدُونَ عَ ْنهَا
َيعِدُ ُه ْم وَ ُيمَنّيهِ ْم َومَا َي ِعدُهُمُ الشّيْطَانُ إِل غُرُورا( )120أُولَ ِئكَ مَ ْأوَاهُمْ َ
مَحِيصا(})121
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شرح الكلمات:
{أَنْ ُيشْ َركَ بِهِ} :أن يعبد معه غيره من مخلوقاته بأي عبادة كانت.
{إِنْ َيدْعُونَ} :أي :ما يدعون.
{إِل إِنَاثا} :جمع أنثى لن اللهة مؤنثة ،أو أمواتا لن الميت يطلق عليه لفظ أنثى بجامع عدم
النفع.
{مَرِيدا} :بمعنى ما رد على الشر والغواء للفساد.
{ َنصِيبا َمفْرُوضا} :حظا معينا .أو حصة معلومة.
{فَلَيُبَ ّتكُنّ : }1فليقطعن.
{خَلْقَ اللّهِ} :مخلوق ال :أي :ما خلقه ال تعالى.
{الشّيْطَانُ} :الخبيث الماكر الداعي إلى الشر سواء كان جنيا أو إنسيا.
__________
1البتك :القطع ،يقال :سيف باتك.
( )1/542
( )1/543
والشرك ،والمعاصي كالوشم والخصي .هذا ما قاله الشيطان ذكره تعالى لنا فله الحمد .ثم قال
ن وَلِيّا مِنْ دُونِ اللّهِ َفقَدْ خَسِرَ خُسْرَانا مُبِينا} لن من والى الشيطان عادى
تعالى { َومَنْ يَتّخِذِ الشّ ْيطَا َ
الرحمن ،ومن عادى الرحمن تم له وال أعظم الخسران يدل على ذلك قوله تعالىَ { :يعِ ُدهُمْ
وَ ُيمَنّيهِمْ} فيعقوهم عن طلب النجاة والسعادة { َومَا َيعِدُ ُهمُ الشّ ْيطَانُ إِل غُرُورا} إذ هو ل يملك من
المر شيئا فكيف يحقق لهم نجاة أو سعادة إذا؟.
جهَنّ ُم وَل َيجِدُونَ عَ ْنهَا
وهذا حكم ال تعالى يعلن في صراحة ووضوح فليسمعوه{ :أُولَ ِئكَ مَ ْأوَا ُهمْ َ
مَحِيصا} أي :معدلً أو مهربا.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1سائر الذنوب كبائرها وصغائرها قد يغفرها ال تعالى لمن شاء إل الشرك فل يغفر لصاحبه.
-2عبدة الصنام والوهام والشهوات والهواء هم في الباطن عبدة الشيطان إذ هو الذي أمرهم
فأطاعوه.
-3من مظاهر طاعة الشيطان المعاصي كبيرها وصغيرها إذ هو الذي أمر بها وأطيع فيها.
-4حرمة الوشم والوسم والخصاء إل ما أذن فيه الشارع .1
-5سلح الشيطان العدة الكاذبة والمنية الباطلة ،والزينة الخادعة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عمِلُوا الصّاِلحَاتِ سَنُ ْدخُِلهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدا وَعْدَ
{وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ
صدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلً(})122
حقّا َومَنْ َأ ْ
اللّهِ َ
شرح الكلمات:
{آمَنُوا} :صدقوا بال ورسوله .2
عمِلُوا الصّالِحَاتِ} :الطاعات إذ كل طاعة ل ورسوله هي عمل صالح.
{وَ َ
__________
1أذن الشارع في وسم الماشية ،ولكن في غير الوجه ،كما أذن وخصي الغنم ضائنًا أو ما عزًا
لمصلحة إصلح لحومها.
2وصدقوا بكل ما أخبر ال به ورسوله في شأن الغيب؛ كالملئكة ،والبعث ،والجزاء في الدار
الخرة.
( )1/544
( )1/545
( )1/546
فالسوء يخبث النفس فيحرمها من مجاورة البرار والتوحيد والعمل الصالح يزكيها فيؤهلها
جدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللّ ِه وَلِيّا وَل
لمجاورة البرار ،ويبعدها عن مجاورة الفجار .وقوله تعالى{ :وَل يَ ِ
َنصِيرا} لن سنن ال؛ كأحكامه ل يقدر أحد على تغييرها أو تبديلها بل تمضي كما هي فل ينفع
صاحب السوء أحد ،ول يضر صاحب الحسنات آخر .وقوله تعالىَ { :ومَنْ َي ْع َملْ مِنَ الصّالِحَاتِ
مِنْ َذكَرٍ َأوْ أُنْثَى وَ ُهوَ ُمؤْمِنٌ فَأُولَ ِئكَ يَ ْدخُلُونَ الْجَنّ َة وَل ُيظَْلمُونَ َنقِيرا} فإنه تقرير لسنته تعالى في
تأثير الكسب على النفس والجزاء بحسب حال النفس زكاة وطهرا وتدسية وخبثا ،فإنه من يعمل
الصالحات وهو مؤمن تطهر نفسه ذكرا كان أو أنثى ويتأهل بذلك لدخول الجنة ،ول يظلم مقدار
جهَهُ لِلّهِ وَ ُهوَ ُمحْسِنٌ
حسَنُ دِينا ِممّنْ َأسْلَ َم َو ْ
نقير فضلً عما هو أكثر وأكبر وقوله تعالىَ { :ومَنْ 1أَ ْ
وَاتّبَعَ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفا وَاتّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلً} إشادة منه تعالى وتفضيل للدين السلمي على
سائر الديان غذ هو قائم على أساس إسلم الوجه 2ل وكل الجوارح تابعة له تدور في فلك
طاعة ال تعالى مع الحسان الكامل ،وهو إتقان العبادة وأداؤها على نحو ما شرعها ال تعالى
واتباع ملة إبراهيم بعبادة ال تعالى وحده والكفر بما سواه من سائر اللهة .وقوله {وَاتّخَذَ اللّهُ
ل وقوله
إِبْرَاهِيمَ خَلِيلً} فيه زيادة تقرير فضل السلم الذي هو دين إبراهيم الذي اتخذه ربه خلي ً
شيْءٍ مُحِيطا} زيادة على أنه إخبار
سمَاوَاتِ َومَا فِي الَ ْرضِ َوكَانَ اللّهُ ِب ُكلّ َ
تعالى{ :وَِللّهِ مَا فِي ال ّ
بسعة ملك ال تعالى وسعة علمه وقدرته وفضله فإنه رفع لما قد يتوهم من خلة إبراهيم أن ال
تعالى مفتقر إلى إبراهيم أو له حاجة إليه ،فأخبر تعالى أن له ما في السموات والرض خلقا
وملكا ،وإبراهيم في جملة ذلك فكيف يفتقر إليه أو يحتاج إلى مثله وهو رب كل شيء وملكه.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1ما عند ال ل ينال بالتمني ولكن باليمان والعمل الصالح أو التقوى والصبر والحسان.
-2الجزاء أثر طبيعي للعمل وهو معنى {مَنْ َي ْع َملْ سُوءا ُيجْزَ بِهِ} { َومَنْ َي ْع َملْ مِنَ
__________
1الستفهام إنكاري ،أي :ينكر أن يوجد من هو أحسن دينا منه.
2أفادت هذه الية حكما عظيمًا ،وهو أنه :ل يصح عمل بدونه أبدًا .وهو الخلص والمتابعة،
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وهو أن يكون العمل خالصًا ل ،وأن يكون صوابًا ،أي :وفق ما شرع ال تعالى في كتابه ،وعلى
لسان رسوله محمد صلى ال عليه وسلم.
( )1/547
الصّالِحَاتِ مِنْ َذكَرٍ َأوْ أُنْثَى وَ ُهوَ ُم ْؤمِنٌ فَأُولَ ِئكَ َيدْخُلُونَ ا ْلجَنّةَ}.
-3فضل السلم على سائر الديان.
-4شرف إبراهيم عليه السلم باتخاذه ربه 1خليلً.
-5غنى ال تعالى عن سائر مخلوقاته ،وافتقار سائر مخلوقاته إليه عز وجل.
ن َومَا يُتْلَى عَلَ ْيكُمْ فِي ا ْلكِتَابِ فِي يَتَامَى النّسَاءِ اللتِي ل
{وَيَسْ َتفْتُو َنكَ فِي النّسَاءِ ُقلِ اللّهُ ُيفْتِيكُمْ فِيهِ ّ
ن وَأَنْ َتقُومُوا لِلْيَتَامَى
ض َعفِينَ مِنَ ا ْلوِ ْلدَا ِ
ن وَا ْلمُسْ َت ْ
ن وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَ ْنكِحُوهُ ّ
ُتؤْتُونَهُنّ مَا كُ ِتبَ َلهُ ّ
ط َومَا َت ْفعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيما( )127وَإِنِ امْرََأةٌ خَا َفتْ مِنْ َبعِْلهَا نُشُوزا َأوْ
بِا ْلقِسْ ِ
ح وَإِنْ
ت الَنْفُسُ الشّ ّ
حضِ َر ِ
علَي ِهمَا أَنْ ُيصْلِحَا بَيْ َن ُهمَا صُلْحا وَالصّلْحُ خَيْ ٌر وَأُ ْ
إِعْرَاضا فَل جُنَاحَ َ
حسِنُوا وَتَ ّتقُوا فَإِنّ اللّهَ كَانَ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرا( )128وَلَنْ تَسْ َتطِيعُوا أَنْ َتعْدِلُوا بَيْنَ النّسَا ِء وََلوْ
تُ ْ
غفُورا َرحِيما(
حَ َرصْتُمْ فَل َتمِيلُوا ُكلّ ا ْلمَ ْيلِ فَتَذَرُوهَا كَا ْل ُمعَّلقَ ِة وَإِنْ ُتصْلِحُوا وَتَ ّتقُوا فَإِنّ اللّهَ كَانَ َ
حكِيما(})130
سعَتِ ِه َوكَانَ اللّهُ وَاسِعا َ
)129وَإِنْ يَ َتفَ ّرقَا ُيغْنِ اللّهُ كُلً مِنْ َ
__________
1وقد شرف بالخلة محمد صلى ال عليه وسلم ،ففي الصحيحين أنه صلى ال عليه وسلم خطبهم
أخر خطبة ،فقال" :أما بعد أيها الناس :فلو كنت متخذا من أهل الرض خليلً ،لتخذت أبا بكر
ابن أبي قحافة خليلً ،ولكن صاحبكم خليل ال" .
( )1/548
شرح الكلمات:
{وَيَسْ َتفْتُو َنكَ : }1يطلبون منك الفتيا في شأن النساء وميراثهن.
{ َومَا يُتْلَى عَلَ ْيكُمْ} :يقرأ عليكم في القرآن.
{مَا كُ ِتبَ َلهُنّ} :ما فرض لهن من المهور والميراث.
سطِ} :بالعدل.
{بِا ْلقِ ْ
{نُشُوزا} :ترفعا وعدم طاعة.
ت الَ ْنفُسُ الشّحّ} :جلبت النفوس على الشح فل يفارقها أبدا.
حضِ َر ِ
{وَأُ ْ
{فَتَذَرُوهَا كَا ْل ُمعَلّقَةِ} :فتركتوها كالمعلقة ما هي بالمزوجة ول المطلقة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سعَ ِتهِ} :من رزقه الواسع.
{مِنْ َ
حكِيما} :واسع الفضل حكيما يعطي فضله حسب علمه وحكمته.
{ َوكَانَ اللّهُ وَاسِعا َ
معنى اليات:
هذه اليات الربع كل آية منها تحمل حكما شرعيا خاصا فالولى( )127نزلت إجابة لتساؤلت
من بعض الصحاب حول حقوق النساء ما لهن وما عليهن لن العرف الذي كان سائدا في
الجاهلية كان يمنع النساء والطفال من الميراث بالمر ،وكان اليتامى ل يراعى لهم جانب ول
يحفظ لهم حق كامل ،فلذا نزلت اليات الولى من هذه السورة وقررت حق المرأة والطفل في
الرث وحضت على المحافظة على مال اليتيم وكثرت التساؤلت لعل قرآنا ينزل إجابة لهم حيث
اضطربت نفوسهم لما نزل فنزلت هذه الية الكريمة تردهم إلى ما في أول السورة وأنه الحكم
النهائي في القضية فل مراجعة بعد هذه ،فقال تعالى وهو يخاطب نبيه صلى ال عليه وسلم:
{وَيَسْ َتفْتُو َنكَ فِي النّسَاءِ } أي :وما زالوا يستفتونك في النساء ،أي :في شأن مالهن وما عليهن من
حقوق؛ كالرث والمهر وما إلى ذلك .قل لهم أيها الرسول {اللّهُ ُيفْتِيكُمْ فِيهِنّ} وقد أفتاكم فيهن وبين
لكم مالهن وما عليهن .وقوله تعالىَ { :ومَا يُتْلَى عَلَ ْيكُمْ فِي ا ْلكِتَابِ فِي يَتَامَى النّسَاءِ اللتِي ل
ن وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَ ْنكِحُوهُنّ} أي :وما يتلى عليكم في يتامى النساء في أول
ُتؤْتُونَهُنّ مَا كُ ِتبَ َلهُ ّ
السورة كافٍ ل تحتاجون معه إلى من يفتيكم أيضا ،إذ بين لكم أن من كانت تحته يتيمة دميمة ل
يرغب في نكاحها فليعطها مالها وليزوجها غيره وليتزوج هو من
__________
1روى أشهب عن مالك أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يسأل فل يجيب حتى ينزل عليه
الوحي.
( )1/549
شاء ،ول يحل له أن يحبسها في بيته لجل مالها ،وإن كانت جميلة وأراد أن يتزوجها فليعطها
ض َعفِينَ مِنَ ا ْلوِلْدَانِ} أي :وقد
مهر مثيلتها ول يبخسها حقها من مهرها شيئا .وقوله{ :وَا ْلمُسْ َت ْ
أفتاكم بما يتلى عليكم من اليات في أول السورة في المستضعفين من الولدان حيث قد أعطاهم
حظّ الْأُنْثَيَيْنِ} الية.
حقهم وافيا في آية {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي َأوْل ِدكُمْ لِل ّذكَرِ مِ ْثلُ َ
فلم هذه المراجعات والستفتاءات؟ وقوله تعالى{ :وَأَنْ َتقُومُوا لِلْيَتَامَى بِا ْلقِسْطِ} أي :وما تلى عليكم
في أول السورة كان آمرا إياكم بالقسط لليتامى والعدل في أموالهم فارجعوا إليه في قوله{ :وَآتُوا
الْيَتَامَى َأ ْموَاَلهُمْ وَل تَتَبَدّلُوا الْخَبِيثَ بِالطّ ّيبِ وَل تَ ْأكُلُوا َأ ْموَاَلهُمْ إِلَى َأ ْموَاِلكُمْ إِنّهُ كَانَ حُوبا كَبِيرا} ،
وقوله تعالى في ختام الية { َومَا َت ْفعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيما} حث لهم على فعل الخير
بالحسان إلى الضعيفين المرأة واليتيم زيادة على توفيتهما حقوقهما وعدم المساس بها .هذا ما
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
دلت عليه الية الكريمة{ :وَيَسْ َتفْتُو َنكَ }...إلخ.
أما الية الثانية({ )128وَإِنِ امْرََأةٌ 1خَا َفتْ مِنْ َبعِْلهَا نُشُوزا َأوْ 2إِعْرَاضا فَل جُنَاحَ عَلَي ِهمَا أَنْ
ُيصْلِحَا بَيْ َن ُهمَا صُلْحا} فقد تضمنت حكما عادلً رحيما وإرشادا ربانيا سديدا وهو أن الزوجة إذا
توقعت من زوجها نشوزا ،أي :ترفعا أو إعراضا عنها ،وذلك لكبر سنها أو لقلة جمالها ،وقد
تزوج غيرها في هذا الحال في المكان أن تجري مع زوجها صلحا يحفظ لها بقاءها في بيتها
عزيزة محترمة فتتنازل له عن بعض حقها في الفراش وعن بعض ما كان واجبا لها وهذا خير
ت الَ ْنفُسُ الشّحّ }3يريد أن
حضِ َر ِ
لها من الفراق .ولذا قال تعالى{ :وَالصّلْحُ خَيْرٌ} وقوله تعالى{ :وَأُ ْ
الشح ملزم للنفس البشرية ل يفارقها والمرأة كالرجل في هذا إل أن المرأة أضمن وأشح بنصيبها
في الفراش وبباقي حقها من زوجها .إذا فليراع الزوج هذا ،ولذا قال تعالى { :وَإِنْ تُحْسِنُوا} أيها
الزواج إلى نسائكم {وَتَ ّتقُوا} ال تعالى
__________
1خافت ،أي :توقعت وليس بمعنى تيقنت.
2روى البخاري عن عائشة رضي ال عنها{ :وَإِنِ امْرََأةٌ خَا َفتْ مِنْ َبعِْلهَا نُشُوزا َأوْ إِعْرَاضا} ،
قالت :الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها ،يريد أن يفارقها ،فتقول له :أجعلك من شأني
في حل .فنزلت هذه الية .كما روي أن الية نزلت في سودة أم المؤمنين لما أسنت ،أراد رسول
ال صلى ال عليه وسلم أن يطلقها فآثرت الكون معه .فقالت له :امسكني واجعل يومي لعائشة.
ففعل صلى ال عليه وسلم ،وماتت وهي من أزواجه .رواه الترمذي .قالوا في الفرق بين النشوز
والعراض :أن النشوز هو :التباعد عنها .وأن العراض :أن ل يكلمها ول يأنس بها.
3الشح :هو البخل ،ومنه الحديث" :أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى" ،
غير أن الشح يطلق على حرص النفس على الحقوق وقلة التسامح فيها.
( )1/550
فيهن فل تحرمون مالهن من حق في الفراش وغيره فإن ال تعالى يجزيكم بالحسان إحسانا
وبالخير خيرا فإنه تعالى { ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرا} .
هذا ما دلت عليه الية( )128وأما الية الثالثة( )129وهي قوله تعالى{ :وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ َت ْعدِلُوا
بَيْنَ النّسَا ِء وََلوْ حَ َرصْتُمْ 1فَل َتمِيلُوا ُكلّ ا ْلمَ ْيلِ فَ َتذَرُوهَا كَا ْل ُمعَلّقَ ِة وَإِنْ ُتصِْلحُوا وَتَ ّتقُوا فَإِنّ اللّهَ كَانَ
غفُورا َرحِيما} فقد تضمنت حقيقة كبرى وهي عجز الزوج عن العدل بين زوجاته اللئي في
َ
عصمته ،فمهما حرص على العدل وتوخاه فإنه لن يصل إلى منتهاه أبدا ،والمراد بالعدل هنا في
الحب والجماع .أما في القسمة والكساء والغذاء والعشرة بالمعروف فهذا مستطاع له ،ولما علم
تعالى هذا من عبده رخص له في ذلك ولم يؤاخذه بميلة النفس ،كما قال رسول ال صلى ال عليه
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وسلم " :اللهم هذا قسمي 2فيما أملك فل تلمني فيما تملك ول أملك" والمحرم على الزوج هو
الميل 3الكامل إلى إحدى زوجاته عن باقيهن ،لن ذلك يؤدي أن تبقى المؤمنة في وضع ل هي
متزوجة تتمنع بالحقوق الزوجية ول هي مطلقة يمكنها أن تتزوج من رجل آخر تسعد بحقوقها
معه ،وهذا معنى قوله تعالى{ :فَتَذَرُوهَا كَا ْل ُمعَّلقَةِ} ،وقوله تعالى{ :وَإِنْ ُتصِْلحُوا} أي :أيها الزواج
في أعمالكم وفي القسم بين زوجاتكم وتتقوا ال تعالى في ذلك فل تميلوا كل الميل ،ول تجوروا
فيما تطيقون العدل فيه فإنه تعالى يغفر لكم ما عجزتم عن القيام به لضعفكم ويرحمكم في دنياكم
وأخراكم لن ال تعالى كان وما زال عفوا للتائبين رحيما ًبالمؤمنين.
هذا ما دلت عليه الية الثالثة ،أما الية الرابعة( )130وهي قوله تعالى { :وَإِنْ يَ َتفَ ّرقَا ُيغْنِ اللّهُ كُلً
حكِيما} فإن ال تعالى يعد الزوجين الذين لم يوفقا للصلح بينهما
سعَتِهَِ 4وكَانَ اللّ ُه وَاسِعا َ
مِنْ َ
لشح كل منهما بماله وعدم التنازل عن شيء من ذلك يعدهما ربهما إن هم تفرقا بالمعروف أن
يغني كل من سعته ،وهو الواسع الحكيم .فالمرأة يرزقها زوجا خيرا من زوجها الذي فارقته،
والرجل يرزقه كذلك امرأة خيرا ممن فارقها لتعذر الصلح بينهما.
__________
1هذا دال على أن المحبة أمر قهري ،يعجز النسان عن جلبها ،كما يعجز عن دفعها ،وإن كانت
لها أسباب ل يملك توفيرها ،فلذا عفي عن هذا الحب القهري وجودا وعدمًا.
2رواه أبو داود بإسناد صحيح ،ورواه غيره .والمراد بقوله" :فيما تملك ول أملك" .القلب؛ لن
القلوب بيد ال يقبلها كيف يشاء.
3ورد في ذنب الميل إلى إحدى الزوجات وعيد شديد ،وذلك فيما رواه أحمد وأصحاب السنن عن
النبي صلى ال عليه وسلم" :من كانت له امرأتان فمال إحداهما جاء يوم القيامة وإحدى شقيه
ساقط" .
4هناك إشارة إلى أن هذا الوعد اللهي مشروط بمحاولة الصلح أولً فإن لم يتم وتفرقا على
طاعة ال تعالى ،أنجز ال تعالى لهما ما وعد.
( )1/551
هداية اليات
من هداية اليات:
-1تقرير مبدأ إرث النساء والطفال ،والمحافظة على مال اليتامى وحرمة أكلها.
-2استحباب الصلح بين الزوجين عند تعذر البقاء مع بعضهما إل به.
-3تعذر العدل بين الزوجين في الحب والوطء استلزم عدم المؤاخذة به واكتفى الشارع بالعدل
في الفراش ،والطعام والشراب والكسوة والمعاشرة بالمعروف.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-4الترغيب في الصلح والتقوى وفعل الخيرات.
-5الفرقة بين الزوجين إن كانت على مبدأ الصلح والتقوى أعقبت خيرا عاجلً آجلً.
سمَاوَاتِ َومَا فِي الَ ْرضِ وََلقَ ْد َوصّيْنَا الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ مِنْ قَبِْلكُ ْم وَإِيّاكُمْ أَنِ ا ّتقُوا
{وَلِلّهِ 1مَا فِي ال ّ
حمِيدا( )131وَلِلّهِ مَا فِي
ض َوكَانَ اللّهُ غَنِيّا َ
ت َومَا فِي الَ ْر ِ
سمَاوَا ِ
اللّ َه وَإِنْ َت ْكفُرُوا فَإِنّ لِلّهِ مَا فِي ال ّ
ن َوكَانَ
س وَيَ ْأتِ بِآخَرِي َ
سمَاوَاتِ َومَا فِي الَ ْرضِ َوكَفَى بِاللّ ِه َوكِيلً( )132إِنْ يَشَأْ يُذْهِ ْبكُمْ أَ ّيهَا النّا ُ
ال ّ
علَى ذَِلكَ قَدِيرا( )133مَنْ كَانَ يُرِيدُ َثوَابَ الدّنْيَا َفعِنْدَ اللّهِ َثوَابُ الدّنْيَا وَالخِ َر ِة َوكَانَ اللّهُ
اللّهُ َ
سمِيعا َبصِيرا(})134
َ
__________
ت ومَا في الرض} ثلث مرات؟ فالجواب :أنه
1إن قيل ما وجه تكرار جملة{ :ل مَا في السمَوا ْ
تعالى لما ذكر أن الزوجين إذا تفرقا بعد مصالحة ،وعلى تقوى يغنيهما ال .برهن على ذلك بأن
له ما في السموات وما في الرض ،ومن كان كذلك قهو قادر على إغنائهما ،ولما وصى عباده
بتقواه وهي طاعته بفعل المر وترك النهي ،أعلم أنه قادر على عقوبة من عصاه ،وأنه لم يوص
بالتقوى لحاجة به ،إنه يملك ما في السموات وما في الرض ،ومن كان كذلك فل حاجة به إلى
أحد ،ولما ذكر غناه وحمده دلل عليهما بأن له ما في السموات ما في الرض وأنه الحفيظ لعباده
المدبر لهم.
( )1/552
شرح الكلمات:
ت َومَا فِي الَ ْرضِ} :أي :خلقا وملكا وتصرفا وتدبيرا.
سمَاوَا ِ
{وَلِلّهِ مَا فِي ال ّ
{ َوصّيْنَا} :عهدنا إليهم بذلك أي :التقوى.
{أُوتُوا ا ْلكِتَابَ} :اليهود والنصارى.
الوكيل :من يفوض إليه المر كله ويقوم بتدبيره على أحسن الوجوه.
{ َثوَابُ الدّنْيَا} :جزاء العمل لها.
ثواب الخرة :جزاء العمل لها ،وهو الجنة.
سمِيعا َبصِيرا} :سمعيا :لقوال العباد بصيرا :بأعمالهم وسيجزيهم بها خيرا أو شرا.
{َ
معنى اليتين:
لما وعد تبارك وتعالى كل من الزوجين المتفرقين بالغناء عن صاحبه ذكر أنه يملك ما في
السموات وما في الرض ،ولذا فهو قادر على إنائهما لسعة ملكه وعظيم فضله ،ثم واجه بالخطاب
الكريم المة جمعا ومن بينها بني أبيرق فقال{ :وََلقَ ْد َوصّيْنَا الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ مِنْ قَبِْلكُمْ} يريد من
اليهود والنصارى وغيرهم أوصاهم بتقواه عز وجل فل يقدموا على مشاقته ول يخرجوا عن
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
طاعته بترك ما أوجب أو بفعل ما حرم ،ثم أعلمهم أنهم وإن كفروا كما كفر طعمة وارتد فإن ذلك
غير ضائره شيئا ،لنه ذو الغنى والحمد ،وكيف وله جميع ما في السموات وما في الرض من
كائنات ومخلوقات وهو ربها ومالكها والمتصرف فيها.
هذا ما تضمنته الية الولى( ،)131أما الية الثانية( )132فقد كرر تعالى فيها العلن عن
استحقاقه الحمد والغنى ،وذلك لملكه جميع ما في السموات وما في الرض ولقيوميته عليهما،
وكفى به تعالى حافظا ووكيلً .وفي الية الثالثة( )133يخبر تعالى أنه قادر على إذهاب كافة
الجنس البشري واستبداله بغيره وهو على كل ذلك قدير ،فقال تعالى{ :إِنْ يَشَأْ ُيذْهِ ْبكُمْ أَ ّيهَا النّاسُ1
وَيَ ْأتِ بِآخَرِينَ} وذلك لعظيم قدرته وكفاية وكالته .وفي الية الرابعة والخيرة في هذا السياق(
)134يقول تعالى مرغبا عباده فيما عنده من خير الدنيا والخرة من كان يريد
__________
1الية تحمل تخويفا إيما تخويف لكل من يقصر في واجبه من أمير ،ومأمور ،وعالم ،وجاهل،
وغني ،وفقير ،إذ لكل واجبات يجب أن يقوم بها كل بحسب ما طولب به وفرض عليه .فالمير
عليه العدل ،والعالم أن يعلم ،والجاهل أن يتعلم ،وهكذا.
( )1/553
بعمله ثواب 1الدنيا { َفعِنْدَ اللّهِ َثوَابُ الدّنْيَا وَالخِ َرةِ} فلم يقصر العبد عمله على ثواب الدنيا ،وهو
يعلم أن ثواب الخرة عند ال أيضا ،فليطلب الثوابين معا من ال تعالى ،وذلك باليمان والتقوى
سمِيعا
والحسان ،وسيجزيه تعالى بعمله ول ينقصه له وذلك لعلمه تعالى وقدرتهَ { ،وكَانَ اللّهُ َ
َبصِيرا ، }2ومن كان كذلك فل يخاف معه ضياع العمال.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1الوصية بالتقوى ،وذلك بترك الشرك والمعاصي بعد اليمان وعمل الصالحات.
-2غنى ال تعالى عن سائر خلقه.
-3قدرة ال تعالى على إذهاب الناس كلهم والتيان بغيرهم.
-4وجوب الخلص في العمل ل تعالى وحرمة طلب الخرة بطلب الدنيا.
لقْرَبِينَ إِنْ َيكُنْ
ن وَا َ
سكُمْ َأوِ ا ْلوَالِدَيْ ِ
ش َهدَاءَ لِلّ ِه وََلوْ عَلَى أَ ْنفُ ِ
سطِ ُ
{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا َقوّامِينَ بِا ْلقِ ْ
غَنِيّا َأوْ َفقِيرا فَاللّهُ َأوْلَى ِب ِهمَا فَل تَتّ ِبعُوا ا ْل َهوَى أَنْ َتعْدِلُوا وَإِنْ تَ ْلوُوا َأوْ ُتعْ ِرضُوا فَإِنّ اللّهَ كَانَ ِبمَا
علَى َرسُولِهِ
َت ْعمَلُونَ خَبِيرا( )135يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ وَا ْلكِتَابِ الّذِي نَ ّزلَ َ
ل ضَلل
ضّوَا ْلكِتَابِ الّذِي أَنْ َزلَ مِنْ قَ ْبلُ َومَنْ َي ْكفُرْ بِاللّ ِه َومَل ِئكَتِ ِه َوكُتُبِ ِه وَرُسُلِهِ وَالْ َيوْمِ الخِرِ َفقَ ْد َ
َبعِيدا( )136إِنّ الّذِينَ آمَنُوا ُثمّ َكفَرُوا ُثمّ آمَنُوا
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
__________
1في هذه الية إرشاد عظيم للعباد ،لقد علم تعالى أن النسان بحكم وجوده في هذه الحياة ورغبته
في السعادة فيها ،هو يعمل لها جهده غافلً عن الحياة الخرة التي هي أعظم لبقاءها وكبر شأنها،
فلفت نظره إليها معلمًا إياه أنه لديه تعالى ثواب كل من الحياتين ،فليطلب ذلك منه باليمان به،
وطاعته كما طلب الدنيا بالعمال الموصلة إلى تحقيق السعادة فيها ،وفوق ذلك أن ثواب العملين
بديه تعالى ل بيد غيره.
2هذا التذييل يربي ملكة مراقبة ال تعالى ،إذ من علم أن ال سميع لقواله عليم بأعماله .راقبه
واتقاه.
( )1/554
ثُمّ َكفَرُوا ثُمّ ا ْزدَادُوا ُكفْرا لَمْ َيكُنِ اللّهُ لِ َي ْغفِرَ َلهُ ْم وَل لِ َيهْدِ َيهُمْ سَبِيلً(})137
شرح الكلمات:
{ َقوّامِينَ} :جمع قوام :وهو كثير القيام بالعدل.
سطِ} :بالعدل وهو الستقامة والتسوية بين الخصوم.
{بِا ْلقِ ْ
ش َهدَاءَ} :جمع شهيد :بمعنى شاهد.
{ُ
{ا ْل َهوَى} :ميل النفس إلى الشيء ورغبتها فيه.
{تَ ْلوُوا} :أي :ألسنتكم باللفظ تحريفا له حتى ل تتم الشهادة على وجهها.
{ ُتعْ ِرضُوا} :تتركوا الشهادة أو بعض كلماتها ليبطل الحكم.
معنى اليات:
شهَدَاءَ
قوله تعالى في هذه الية({ :)135يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا َقوّامِينَ بِا ْلقِسْطِ} أي :بالعدل { ُ
لِلّهِ} إذ بشهادتكم ينتقل الحق من شخص إلى آخر حيث أقامكم ال ربكم شهداء له في الرض
تؤدى بواسطتكم الحقوق إلى أهلها ،وبناء على هذا فأقيموا الشهادة ل ولو شهادتكم على أنفسكم 1
أو والديكم أو أقرب الناس إليكم وسواء كان المشهود عليه غنيا أو فقيرا فل يحملنكم غنى الغنى
ول فقر الفقير على تحريف الشهادة أو كتمانها ،فال تعالى ربهمها أولى بهما وهو يعطي ويمنع
بشهادتكم فأقيموها وحسبكم ذلك واعلموا أنكم إن تلووا 2ألسنتكم بالشهادة تحريفا لها وخروجا بها
عن أداء ما يترتب عليها أو تعرضوا عنها فتتركوها أو تتركوا بعض كلماتها فيفسد معناها ويبطل
مفعولها فإن ال بعملكم ذلك وبغيره خبير وسوف يجزيكم به فيعاقبكم في الدنيا أو في الخرة أل
فاحذروا.
هذه الية الكريمة يدخل فيها دخولً أوليا من شهدوا لبناء أبيرق بالسلم والصلح كما هي
__________
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
1القاعدة العامة منذ عهد بعيد :أن القريب ل يشهد لقريبه ،ولكن يشهد عليه .فل يشهد الب
لبنه ،ول البن لبيه ،لوجود تهمة المحاباة للقرابة ،وكذا ل يجوز شهادة على عدوه ،وهذا مذهب
عامة الفقهاء ،وحتى الخادم في البيت ل يجوز شهادته لهل البيت ،إذ قد يحابيهم لمنفعته.
2وفسر ابن عباس{ :تلووا} بقوله :هو في الخصمين يجلسان بين يدي القاضي فيكون لي القاضي
وإعراضه لحدهما على الخر ،فللي على هذا هو مطل الكلم وجره حتى يفوت فصل القضاء
وإنفاذه للذي يميل القاضي عليه ،ويشهد لهذا الحديث" :لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته" .
ول تنافي بين تفسير ابن عباس وما ذكرناه في التفسير.
( )1/555
خطاب للمؤمنين إلى يوم القيامة وهي أعظم آية في هذا الباب فليتق ال المؤمنون في شهاداتهم.
أما الية الثانية({ :)136يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللّهِ} فهي في خطاب أهل الكتاب خاصة وفي
سائر المؤمنين عامة ،فالمؤمنون تدعوهم إلى تقوية إيمانهم ليبلغوا فيه مستوى اليقين ،أما أهل
الكتاب فهي دعوة لهم لليمان الصحيح ،لن إيمانهم الذي هم عليه غير سليم ،فلذا دعوا إلى
اليمان الصحيح فقيل لهم{ :آمِنُوا بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ} محمد {وَا ْلكِتَابِ الّذِي نَ ّزلَ عَلَى َرسُولِهِ} وهو
القرآن الكريم{ ،وَا ْلكِتَابِ الّذِي أَنْ َزلَ مِنْ قَ ْبلُ} وهو التوراة والنجيل ،لن اليهود ل يؤمنون
بالنجيل ،ثم أخبرهم محذرا لهم أن { َومَنْ َي ْكفُرْ بِاللّهِ َومَل ِئكَتِ ِه َوكُتُبِ ِه وَرُسُِل ِه وَالْ َيوْمِ الخِرِ َفقَدْ
ضلّ} طريق الهدى والسعادة {ضَلل َبعِيدا} ل ترجى هدايته ،وعليه فسوف يهلك ويخسر خسرانا
َ
أبديا.
ثم أخبرهم تعالى في الية بعد هذه( )137مقررا الحكم بالخسران الذي تضمنته الية قبلها فقال
عز وجل{ :إِنّ الّذِينَ آمَنُوا ُثمّ َكفَرُوا ُثمّ آمَنُوا ثُمّ كَفَرُوا }1بمحمد صلى ال عليه وسلم ،وكتابه
وبما جاء به {َلمْ َيكُنِ اللّهُ} أي :لم يكن في سنة ال أن يغفر لهم ول ليهديهم سبيلً ينجون به
ويسعدون فيه أل فليحذر اليهود والنصارى هذا وليذكروه ،وإل فالخلود في نار جهنم لزم لهم ول
يهلك على ال إل هالك.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب العدل في القضاء والشهادة.
-2حرمة شهادة الزور وحرمة التخلي 2عن الشهادة لمن تعينت عليه.
-3وجوب الستمرار على اليمان وتقويته حتى الموت عليه.
-4بيان أركان اليمان وهي اليمان بال ،وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر .3
__________
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
1في هذه الية :أن الكافر إذا آمن غفر له كفره ،وإذا ارتد يؤاخذ بكفره الول والخير سواء.
وشاهده حديث مسلم :إذ قال أناس :يا رسول ال أتأخذنا بما عملنا في الجاهلية .قال" :أما من
أحسن منكم في السلم فل يؤاخذ بها ،ومن أساء –كفر -أخذ بعمله في الجاهلية والسلم " .
وفي رواية" :ومن أساء في السلم أخذ بالول والخير" .
2شاهده من السنة قوله صلى ال عليه وسلم في الصحيح" :أل أنبئكم بأكبر الكبائر" قلنا بلى يا
رسول ال .قال" :الشرك بال وعقوق الوالدين ،وكان متكئا فجلس ،وقال" :أل وشهادة الزور ،أل
وقول الزور" وما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت .أو كما قال.
شيْءٍ
3وبقي ركن :وهو القضاء والقدر ،جاء ذكره في قوله تعالى من سورة القمر { :إِنّا ُكلّ َ
خََلقْنَاهُ ِبقَدَرٍ} .
( )1/556
-5المرتد يستتاب ثلثة أيام وإل قتل كفرا أخذا من قوله{ :ثُمّ آمَنُوا ثُمّ َكفَرُوا} .
{بَشّرِ ا ْلمُنَا ِفقِينَ بِأَنّ َل ُهمْ عَذَابا أَلِيما( )138الّذِينَ يَتّخِذُونَ ا ْلكَافِرِينَ َأوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ أَيَبْ َتغُونَ
س ِمعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ ُي ْكفَرُ
جمِيعا(َ )139وقَدْ نَ ّزلَ عَلَ ْي ُكمْ فِي ا ْلكِتَابِ أَنْ إِذَا َ
عِنْدَ ُهمُ ا ْلعِ ّزةَ فَإِنّ ا ْلعِ ّزةَ لِلّهِ َ
ِبهَا وَيُسْ َتهْزَأُ ِبهَا فَل َت ْقعُدُوا َم َعهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْ ِرهِ إِ ّنكُمْ إِذا مِثُْل ُهمْ إِنّ اللّهَ جَامِعُ
جمِيعا( )140الّذِينَ يَتَرَ ّبصُونَ ِبكُمْ فَإِنْ كَانَ َلكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللّهِ قَالُوا َألَمْ
جهَنّمَ َ
ا ْلمُنَا ِفقِينَ وَا ْلكَافِرِينَ فِي َ
حكُمُ بَيْ َنكُمْ
حوِذْ عَلَ ْيكُمْ وَ َنمْنَ ْعكُمْ مِنَ ا ْل ُمؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَ ْ
َنكُنْ َم َعكُ ْم وَإِنْ كَانَ لِ ْلكَافِرِينَ َنصِيبٌ قَالُوا أََلمْ نَسْ َت ْ
ج َعلَ اللّهُ لِ ْلكَافِرِينَ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ سَبِيلً(})141
َيوْمَ ا ْلقِيَامَ ِة وَلَنْ يَ ْ
شرح الكلمات:
{بَشّرِ ا ْلمُنَا ِفقِينَ} :البشارة :الخير الذي تتأثر به بشرة من يلقى عليه خيرا كان أو شرا .والمنافق:
من يبطن الكفر ويظهر اليمان تقية ليحفظ دمه وماله.
{َأوْلِيَاءَ} :يوالونهم محبة ونصرة لهم على المؤمنين.
{ا ْلعِ ّزةَ} :الغلبة والمنعة.
{وَيُسْ َتهْزَأُ ِبهَا} :يذكونها استخفافا بها وإنكارا وجحودا لها.
{ َيخُوضُوا} :يتكلموا في موضوع آخر من موضوعات الكلم.
{مِثُْلهُمْ} :أي :في الكفر والثم.
{يَتَرَ ّبصُونَ ِبكُمْ} :ينتظرون متى يحصل لكم انهزام أو إنكسار :فيعلنون عن كفرهم.
{ َنصِيبٌ} :أي :من النصر وعبر عنه بالنصيب القليل لن انتصارهم على المؤمنين نادر.
( )1/557
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حوِذْ عَلَ ْي ُكمْ} :أي :نستول عليكم ونمنعكم من المؤمنين إن قاتلوكم.
{نَسْ َت ْ
{سَبِيلً} :أي :طريقا إلى إذللهم واستعبادهم والتسلط عليهم.
معنى اليات:
قوله تعالى{ :بَشّرِ ا ْلمُنَافِقِينَ بِأَنّ َلهُمْ عَذَابا أَلِيما} يأمر ال تعالى رسوله صلى ال عليه وسلم أن
يخبر المنافقين بلفظ البشارة؛ لن المخبر به يسوء وجوههم وهو العذاب الليم ،وقد يكون في
الدنيا بالذل والمهانة والقتل ،وأما في الخرة فهو أسوأ العذاب وأشده ،وهو لزم لهم لخبث نفوسهم
خذُونَ ا ْلكَافِرِينَ َأوْلِيَاءَ1
وظلمة أرواحهم ،ثم وصفهم تعالى بأخس صفاتهم وشرها فقال{ :الّذِينَ يَتّ ِ
مِنْ دُونِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} فيعطون محبتهم ونصرتهم وولءهم للكافرين ويمنعون ذلك المؤمنين وذلك
لن قلوبهم كافرة آثمة لم يدخلها إيمان ولم يُنرها عمل السلم ،ثم وبخهم تعالى ناعيا عليهم
جهلهم فقال{ :أَيَبْ َتغُونَ عِنْ َدهُمُ ا ْلعِ ّزةَ} أي :يطلبون العزة ،أي :المنعة والغلبة من الكافرين أجهلوا أم
جمِيعا} فمن أعزه ال عز ومن أذله ذل ،والعزة تطلب اليمان
عموا فلم يعرفوا أن {ا ْلعِ ّزةَ لِلّهِ َ
وصالح العمال ل بالكفر والشر والفساد .هذا ما دلت عليه اليتان الولى( )138والثانية(.)139
أما الية الرابعة( )140فإن ال تعالى يؤدب المؤمنين فيذكرهم بما أنزل عليهم في سورة النعام
حيث نهاهم عن مجالسة أهل الباطل إذا خاضوا في الطعن في آيات ال ودينه فقال تعالى{ :وَإِذَا
رَأَ ْيتَ الّذِينَ َيخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْ ِرضْ عَ ْنهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْ ِر ِه وَِإمّا يُنْسِيَ ّنكَ
الشّ ْيطَانُ فَل َت ْقعُدْ َبعْدَ ال ّذكْرَى مَعَ ا ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ} هذا الدب أخذ ال تعالى به رسوله والمؤمنين،
وهم في مكة قبل الهجرة لن سورة النعام مكية ولما هاجروا إلى المدينة ،وبدأ النفاق وأصبح
للمنافقين مجالس خاصة ينتقدون فيها المؤمنين ويخوضون فيها في آيات ال تعالى استهزاء
وسخرية ذكر ال تعالى المؤمنين بما أنزل عليهم في مكة فقالَ { :وقَدْ نَ ّزلَ عَلَ ْي ُكمْ فِي ا ْلكِتَابِ أَنْ إِذَا
س ِمعْتُمْ آيَاتِ 2اللّهِ ُيكْفَرُ ِبهَا وَيُسْ َتهْزَأُ ِبهَا فَل َت ْقعُدُوا َم َعهُمْ 3حَتّى
َ
__________
1في الية دليل على حرمة موالة الكافرين وأنها من صفات المنافقين ،ومن مظاهر الموالة
المحرمة الستعانة بهم على أمور الدين وعلى أذية المسلمين .وفي الحديث أن النبي صلى ال
عليه وسلم لحق به مشرك ليقاتل معه ،فقال له" :ارجع فإنا ل نستعين بمشرك" .في الصحيح.
2أوقع السماع على اليات ،والمراد سماع الكفر ،والستهزاء بها ،كما يقال :سمعت فلنًا يلم،
أي :سمعت اللوم فيه.
3قوله{ :في حديث غيره} أي :في غير الكفر والستهزاء باليات.
( )1/558
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْ ِرهِ إِ ّنكُمْ إِذا} أي :إذا رضيتم بالجلوس معهم ،وهم يخوضون في آيات ال
جمِيعا}
جهَنّمَ َ
{مِثُْلهُمْ} في الثم والجريمة ،1والجزاء أيضا{ ،إِنّ اللّهَ جَامِعُ ا ْلمُنَا ِفقِينَ وَا ْلكَافِرِينَ فِي َ
فهل ترضون أن تكونوا معهم في جهنم ،وإن قلتم ل إذا فل تجالسوهم .ثم ذكر تعالى وصفا آخر
للمنافقين يحمل التنفير منهم والكراهية والبغض لهم فقال{ :الّذِينَ يَتَرَ ّبصُونَ ِبكُمْ} أي :ينتظرون
بكم الدوائر ويتحينون الفرص {فَإِنْ كَانَ َلكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللّهِ} أي :نصر وغنيمة قالوا{ :أَلَمْ َنكُنْ َم َعكُمْ}
حوِذْ 2عَلَ ْيكُمْ}
فأشركونا في الغنيمة{ ،وَإِنْ كَانَ لِ ْلكَافِرِينَ َنصِيبٌ} في النصر ،قالوا لهمَ{ :ألَمْ نَسْ َت ْ
أي :نستول عليكم {وَ َنمْ َن ْعكُمْ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} أن يقاتلوكم ،فأعطونا مما غنمتم ،وهكذا المنافقون
يمسكون العصا من الوسط ،فأي جانب غلب كانوا معه .أل لعنة ال على المنافقين وما على
المؤمنين إل الصبر لن مشكلة المنافقين عويصة الحل ،فال يحكم بينهم يوم القيامة .أما الكافرون
الظاهرون فلن يجعل ال تعالى لهم على المؤمنين سبيلً ل لستئصالهم وإبادتهم ،ول لذللهم
والتسلط عليهم ما داموا مؤمنين صادقين في إيمانهم .3وهذا ما ختم ال تعالى به الية الكريمة إذ
ج َعلَ اللّهُ لِ ْلكَافِرِينَ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ سَبِيلً} .
قالَ { :ولَنْ يَ ْ
هداية اليات
من هداية اليات:
-1حرمة اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين.
-2الباعث للناس على اتخاذ الكافرين أولياء هو الرغبة في العزة ورفع المذلة وهذا باطل ،فالعزة
ل ول تطلب إل منه تعالى باليمان واتباع منهجه.
-3حرمة مجالسة أهل الباطل إذا كانوا يخوضون في آيات ال نقدا واستهزاء وسخرية.
-4الرضا بالكفر كفر ،والرضا بالثم إثم.
-5تكفل ال تعالى بعزة المؤمنين الصادقين ومنعتهم فل يسلط عليهم أعداءه
__________
1في الية دليل على حرمة الجلوس في مجالس المعاصي وغشيان الذنوب إلى أن ينكر ذلك على
أصحابها؛ لن الرضا بالمعصية معيصية ،بل الرضا بالكفر كفر بالجماع .ويدخل في هذا مجالس
أرباب الهواء وأصحاب البدع ،والية محكمة ل نسخ فيها.
2أصل الستحواذ :الحوط ،يقال :حاذه يحذه حوذًا ،إذ أحاطه ،فمعنى :استحوذ :أحاط واستولى
وغلب.
3يشهد لهذا حديث مسلم قوله صلى ال عليه وسلم" :إني سألت ربي أل يهلكها –أي :أمته -بسنة
عامة وأل يسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها
حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا ،ويسبي بعضهم بعضا" .وهو معنى قوله تعالىَ { :ومَا َأصَا َبكُمْ مِنْ
ُمصِيبَةٍ فَ ِبمَا كَسَ َبتْ أَيْدِيكُمْ} .
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/559
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يذكر ال فيها إل قليل " .وقال صلى ال عليه وسلم" :ل تجزئ صلة ل يقيم الرجل فيها صلبه
في الركوع والسجود " .صححه الترمذي.
( )1/560
وذلك لعدم إيمانهم بال تعالى وعدم حبهم له كما أخبر عنهم بأنهم مذبذبون بين الكفر واليمان
والمؤمنين والكافرين فل إلى اليمان والمؤمنين يسكنون ،ول إلى الكفر والمنافقين يسكنون فهم
في تردد وحسرة دائمون ،وهذه حال من يضله ال فإن من يضلل ال ل يوجد لهدايته سبيل.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1بيان صفات المنافقين .1
-2قبح الرياء وذم المرائين.
-3ذم ترك الذكر والتقليل منه لمر ال تعالى بالكثار منه في قوله {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ْذكُرُوا
اللّهَ ِذكْرا كَثِيرا} .
-4ذم الحيرة والتردد في المور كلها.
جعَلُوا لِلّهِ عَلَ ْيكُمْ
{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّخِذُوا ا ْلكَافِرِينَ َأوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَ ْ
جدَ َلهُمْ َنصِيرا( )145إِل الّذِينَ
س َفلِ مِنَ النّا ِر وَلَنْ تَ ِ
ك الَ ْ
سُ ْلطَانا مُبِينا( )144إِنّ ا ْلمُنَافِقِينَ فِي الدّ ْر ِ
سوْفَ ُي ْؤتِ اللّهُ
تَابُوا وََأصْلَحُوا وَاعْ َتصَمُوا بِاللّهِ وَأَخَْلصُوا دِي َنهُمْ ِللّهِ فَأُولَ ِئكَ مَعَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَ َ
شكَرْتُ ْم وَآمَنْتُ ْم َوكَانَ اللّهُ شَاكِرا عَلِيما(})147
عظِيما( )146مَا َي ْفعَلُ اللّهُ ِبعَذَا ِبكُمْ إِنْ َ
ا ْل ُم ْؤمِنِينَ َأجْرا َ
شرح الكلمات:
سلْطَانا مُبِينا} :حجة واضحة لتعذيبكم.
{ُ
__________
1وفي صحيح مسلم وصف بحال المنافقين في تذبذبهم وحيرتهم ،إذ قال صلى ال عليه وسلم:
"مثل المنافق؛ كمثل الشاة العائرة –المترددة بين قطيعين من الغنم -بين الغنمين تعير إلى هذه مرة
وإلى هذه أخرى" .
( )1/561
( )1/562
وأخيرا في الية( )147يقرر تعالى غناه عن خلقه وتنزهه عن الرغبة في حب النتقام فإن عبده
مهما جنى وأساء ،وكفر وظلم إذا تاب وأصلح فآمن وشكر .ل يعذبه أدنى عذاب إذا ل حاجة إلى
شكَرْتُ ْم وَآمَنْ ُت ْم َوكَانَ اللّهُ
تعذيب عباده فقال عز وجل هو يخاطب عباده {مَا َيفْ َعلُ اللّهُ ِب َعذَا ِبكُمْ إِنْ َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شَاكِرا عَلِيما} ل يضيع المعروف عنده .لقد شكر لبغي 1سفيها كلبا عطشان فغفر لها وأدخلها
الجنة.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1حرمة اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين.
-2إذا عصى المؤمنون ربهم فاتخذوا الكافرين أولياء سلط ال عليهم أعداءهم فساموهم الخسف.
-3التوبة تجب ما قبلها حتى إن التائب من ذنبه كمن ل ذنب له ومهما كان الذنب الذي غشيه.
-4ل يعذب ال تعالى المؤمن الشاكر ل في الدنيا ول في الخرة ،فاليمان والشكر أمان
النسان.
__________
1هذا مقتبس من حديث الصحيحين ،ونصه :روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول ال صلى
ال عليه وسلم قال" :بينما رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج ،فإذا
هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش ،فقال :لقد بلغ مثل الذي بلغ بي ،فمل خفه ثم أمسكه بفيه
ثم رقى فسقى الكلب ،فشكر ال له فغفر له" والشاهد في فضل الشكر واليمان.
( )1/563
الجزء السادس
سمِيعا عَلِيما( )148إِنْ تُبْدُوا خَيْرا َأوْ
جهْرَ بِالسّوءِ مِنَ ا ْل َق ْولِ إِل مَنْ ظُلِ َم َوكَانَ اللّهُ َ
حبّ اللّهُ ا ْل َ
{ل يُ ِ
ع ُفوّا قَدِيرا(})149
خفُوهُ َأوْ َت ْعفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنّ اللّهَ كَانَ َ
تُ ْ
شرح الكلمات:
{بِالسّوءِ : }1ما يسوء إلى من قيل فيه أو فعل به.
سمِيعا عَلِيما} :سميعا للقوال عليما بالعمال.
{َ
{إِنْ تُ ْبدُوا} :تظهروا ول تخفوا.
{ َت ْعفُوا عَنْ سُوءٍ} :أي :ل تؤاخذوا به.
معنى اليتين:
يخبر تعالى أنه ل يحب الجهر بالسوء ،ولزم هذا أن عباده المؤمنين يجب أن يكرهوا ما يكره
ربهم ويحبوا ما يحب وهذا شرط الولية وهي الموافقة وعدم المخالفة ،ولما حرم تعالى على
عباده الجهر بالسوء بأبلغ عبارة وأجمل أسلوب ،استثنى المظلوم فإن له أن يجهر 2بمظلمته لدى
جهْرَ بِالسّوءِ مِنَ 3ا ْل َقوْلِ إِل مَنْ 4ظُلِمَ َوكَانَ
حبّ اللّهُ ا ْل َ
الحاكم ليرفع عنه الظلم فقال تعالى{ :ل ُي ِ
سمِيعا عَلِيما} أل فليتق فل يعصى بفعل السوء ول بقوله .ثم انتدب عباده
اللّهُ –"وما زال"َ -
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المؤمنين إلى فعل الخير في السر أو العلن ،وإلى العفو عن صاحب السوء فقال{ :إِنْ تُبْدُوا خَيْرا
عفُوّا قَدِيرا} فسيكسب فاعل الخير خيرا أبداه أو أخفاه
خفُوهُ َأوْ َت ْعفُوا عَنْ 5سُوءٍ فَإِنّ اللّهَ كَانَ َ
َأوْ تُ ْ
وسيعفو عن صاحب العفو حينما تزل قدمه فيجني بيده أو بلسانه ما يستوجب به المؤاخذة فيشكر
ع ُفوّا قَدِيرا} .
ال تعالى له عفوه السابق فيعفو عنه {كَانَ َ
__________
1كاللسب والشتم والغيبة والنميمة ،والدعاء بالشر ،وألفاظ البذاءة وكلمات الفحش.
2روى ابن جرير عن مجاهد أن رجلً استضاف قومًا ،فلم يضيفوه ،أي :طلب منهم أن يطعموه
حبّ }...إلخ .ودلت على إن إطعام الضيف وإيواءه
فاشتكاهم فعوتب عليه ،فنزلت هذه الية { :ل ُي ِ
ليلة واجب ،لقوله صلى ال عليه وسلم" :ليلة الضيف واجبة" .رواه أحمد.
{ 3مِنَ ا ْل َقوْلِ} في محل نصب على الحال.
4في الية دليل على جواز الدعاء على الظالم ممن ظلمه ،وجواز رد الشتم والسب بمثله إل أن
ترك ذلك أفضل.
5شاهده من السنة قوله صلى ال عليه وسلم في الحديث الصحيح" :ما نقص مال من صدقة ،ول
زاد ال عبدًا بعفو إل عزا ،ومن تواضع ل رفعه" .
( )1/564
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1حرمة الجهر بالسوء والسر به كذلك فل يحل لمؤمن ول مؤمنة أن ينطق بما يسوء إلى
القلوب والنفوس إل في حالة الشكوى وإظهار الظلم ل غير.
-2استحباب فعل الخير وسره كجهره ل ينقص أجره بالجهر ول يزيد بالسر.
-3استحباب العفو عن المؤمن إذا بدا منه سوء ،ومن يعف يعف ال عنه.
ض وَ َنكْفُرُ
{إِنّ الّذِينَ َي ْكفُرُونَ بِاللّ ِه وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ ُيفَ ّرقُوا بَيْنَ اللّ ِه وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ ُن ْؤمِنُ بِ َب ْع ٍ
حقّا وَأَعْ َتدْنَا لِ ْلكَافِرِينَ عَذَابا
خذُوا بَيْنَ ذَِلكَ سَبِيلً( )150أُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلكَافِرُونَ َ
بِ َب ْعضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتّ ِ
س ْوفَ ُيؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ َوكَانَ
ُمهِينا( )151وَالّذِينَ آمَنُوا بِاللّ ِه وَرُسُلِهِ وَلَمْ ُيفَ ّرقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِ ْنهُمْ أُولَ ِئكَ َ
غفُورا رَحِيما(1 })152
اللّهُ َ
شرح الكلمات:
{وَرُسُِلهِ} :الرسل :جمع رسول وهم جم غفير ،قيل :عددهم ثلثمائة وأربعة عشر رسولً.2
{سَبِيلً} :أي :طريقا بين الكفر واليمان ،وليس ثم إل طريق واحد وهو اليمان أو الكفر فمن
آمن بكل الرسل فهو المؤمن ،ومن آمن بالبعض وكفر بالبعض فهو الكافر كمن لم يؤمن بأحد
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
منهم.
__________
1المناسبة بين هذه اليات وما سبقها ينظر إليها من حيث أن القرآن كتاب هداية للبشرية ،فلذا لما
ذكر حال المنافقين مبينا لهم طريق توبتهم إن أرادوا ذلك ذكر بعض بيان حكم حرمة النطق
بالسوء سرًا وجهرًا إل ما رخص فيه ذكر حال اليهود والنصارى مبينًا كفرهم ،وما أعد لهم من
العذاب إن أصروا على كفرهم وضللهم.
2جاء ذكر هذا العدد في حديث أبي ذر الغفاري ،إذ قال فيه" :قلت يا رسول ال كم كانت
النبياء ،وكم كانوا المرسلون؟ قال :كانت النبياء مائة ألف نبي ،وأربعة وعشرون ألف نبي.
وكان المرسلون ثلثمائة وثلثة عشر" .والحديث ضعيف .ولما لم يوجد غيره قال به أهل العلم
قديمًا وحديثًا.
( )1/565
{وَلَمْ ُيفَ ّرقُوا} :كما فرق اليهود فأمنوا بموسى وكفروا بعيسى ومحمد صلى ال عليه وسلم وكما
فرق النصارى آمنوا بموسى وعيسى وكفروا بمحمد صلى ال عليه وسلم فهم لذلك كفار.
{ُأجُورَهُمْ} :أجر إيمانهم برسل ال وعملهم الصالح ،وهو الجنة دار النعيم.
معنى اليات:
يخبر تعالى مقررا حكمه على اليهود والنصارى بالكفر الحق الذي ل مرية فيه ،فيقول{ :إِنّ الّذِينَ
َي ْكفُرُونَ بِاللّهِ 1وَرُسُلِ ِه وَيُرِيدُونَ أَنْ ُيفَ ّرقُوا بَيْنَ اللّ ِه وَرُسُلِ ِه وَ َيقُولُونَ ُن ْؤمِنُ بِ َب ْعضٍ وَ َنكْفُرُ بِ َب ْعضٍ
خذُوا بَيْنَ ذَِلكَ} أي :بين الكفر بالبعض واليمان بالبعض سبيلً ،أي :طريقا
وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتّ ِ
يتوصلون به إلى مذهب باطل فاسد وهو التخير بين رسل ال فمن شاءوا اليمان به آمنوا ،ومن
لم يشاءوا اليمان به كفروا به ولم يؤمنوا وبهذا كفروا كفرا ل ريب فيه ،ولهم بذلك العذاب
حقّا
المهين الذي يهانون به ويذلون جزاء كبريائهم وسوء فعالهم ،قال تعالى{ :أُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلكَافِرُونَ َ
عذَابا ُمهِينا} 2فسجل عليهم الكفر ثلث مرات :فالمرة الولى بقوله{ :إِنّ الّذِينَ
وَأَعْتَدْنَا لِ ْلكَافِرِينَ َ
حقّا} .والثالثة ،بقوله{ :وَأَعْ َتدْنَا
َي ْكفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ} .والثانية :بقوله{ :أُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلكَافِرُونَ َ
لِ ْلكَافِرِينَ عَذَابا ُمهِينا} حيث لم يقل واعتدنا لهم فأظهر في موضع الضمار لتسجيل الكفر عليهم
وللشارة إلى علة الحكم ،وهي الكفر.
هذا ما تضمنته الية الولى( ،)151أما الية الثانية وهي قوله تعالى{ :وَالّذِينَ آمَنُوا 3بِاللّهِ
وَرُسُلِهِ} فإنها مقابلة في ألفاظها ومدلولها للية قبلها ،فالولى تضمنت الحكم بالكفر على اليهود
والنصارى ،وبالعذاب المهين لهم ،والثانية تضمنت الحكم بإيمان المسلمين بالنعيم المقيم لهم وهو
ما وعدهم به ربهم بقوله :لهم ذنوبهم ورحمهم بأن أدخلهم دار كرامته في جملة أوليائه {.أُولَ ِئكَ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
غفُورا َرحِيما} .فغفر
س ْوفَ ُيؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ َوكَانَ اللّهُ َ
َ
__________
1نسبهم تعالى إلى الكفر به؛ لن إيمانهم بال تعالى باطل ،وذلك أن اليهود يصفون ال تعالى
بصفات المحدثين ،ونسبوا إليه الولد ،وكثير من صفات تنزه ال عنها .وأن النصارى يكفيهم كفرًا
قولهم :أن ال ثالث ثلثة وهو الكفر بعينه ،حسبهم بعد ذلك كفرهم بمحمد صلى ال عليه وسلم
وبما جاء به.
2توعدوا بالعذاب المهين مقابل ما كانوا يرتكبونه من إهانة المؤمنين وإذللهم ،والجزاء من جنس
العمل :و {حقًا} في الية :منصوب على المصدرية ،أي :حقه لهم أيها السامع حقًا.
3هذا أسلوب القرآن الكريم ،فإنه بعد أن ذكر الكافرين حقًا ،وبين جزاءهم ذكر المؤمنين حقًا
وبين جزاءهم ،وهذا أسلوب الترغيب والترهيب الذي عليه مدار الهداية والصلح بإذن ال
تعالى.
( )1/566
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1تقرير كفر اليهود والنصارى لفساد عقيدتهم وبطلن أعمالهم.
-2كفر من كذب بال ورسوله ولو في شيء واحد مما وجب اليمان به.
-3بطلن إيمان من يؤمن ببعض الرسل ويكفر ببعض.
-4صحة الدين السلمي وبطلن اليهودية 1والنصرانية حيث أوعد تعالى اليهود والنصارى
بالعذاب المهين ،ووعد المؤمنين بتوفية أجورهم والمغفرة والرحمة لهم.
سمَاءِ َفقَدْ سَأَلُوا مُوسَى َأكْبَرَ مِنْ ذَِلكَ َفقَالُوا أَرِنَا اللّهَ
{يَسَْأُلكَ أَ ْهلُ ا ْلكِتَابِ أَنْ تُنَ ّزلَ عَلَ ْيهِمْ كِتَابا مِنَ ال ّ
ك وَآتَيْنَا
جلَ مِنْ َبعْدِ مَا جَاءَ ْتهُمُ الْبَيّنَاتُ َفعَ َفوْنَا عَنْ ذَِل َ
خذُوا ا ْلعِ ْ
جهْ َرةً فََأخَذَ ْتهُمُ الصّاعِقَةُ ِبظُ ْل ِمهِمْ ُثمّ اتّ َ
َ
مُوسَى سُلْطَانا مُبِينا( )153وَ َر َفعْنَا َف ْو َقهُمُ الطّورَ ِبمِيثَا ِقهِ ْم َوقُلْنَا َلهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجّدا َوقُلْنَا َلهُ ْم ل
خذْنَا مِ ْنهُمْ مِيثَاقا غَلِيظا(})154
ت وَأَ َ
َتعْدُوا فِي السّ ْب ِ
شرح الكلمات:
جهْ َرةً} :عيانا نشاهده ونراه بأبصارنا.
{َ
عقَةُ} :صوت حاد ورجفة عنيفة صعقوا بها.
{الصّا ِ
{ ِبظُ ْل ِمهِمْ} :بسبب ظلمهم بطلبهم ما ل ينبغي.
جلَ} :أي :إلها فعبدوه.
{اتّخَذُوا ا ْل ِع ْ
{ َف َع َفوْنَا عَنْ ذَِلكَ} :أي :لم يؤاخذهم به.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سلْطَانا مُبِينا} :حجة واضحة وقدرة كاملة قهر بها أعداءه.
{ُ
__________
1وسائر الديان؛ كالمجوسية والصابئة وغيرهما من سائر الملل والنحل ،إذا ل دين حق إل
السلم .قال السلم تعالى{ :إنّ الدِين عِندَ ال السلم} .
( )1/567
( )1/568
سجّدا}
معنى قوله تعالى{ :وَ َر َفعْنَا َف ْو َقهُمُ الطّورَ ِبمِيثَا ِقهِمْ} ،وقوله تعالىَ { :وقُلْنَا َلهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ ُ
كان هذا عندما دخل يوشع بن نون فتى موسى مدينة القدس فاتحا أوحى ال تعالى إليه أن يأمر
بني إسرائيل أن يدخلوا باب المدينة خاضعين متطامنين شكرا ل تعالى على نعمة الفتح فبدل أن
يطيعوا ويدخلوا الباب راكعين متطامنين دخلوه زحفا على استاهم مكرا وعنادا والعياذ بال.
وقولهَ { :وقُلْنَا َلهُمْ ل َتعْدُوا فِي السّ ْبتِ} أي :ونهيناهم عن الصيد في السبت فتعدوا نهينا وصادوا
عصيانا وتمردا ،وقوله تعالى{ :وََأخَذْنَا مِ ْنهُمْ مِيثَاقا غَلِيظا} أي :على أن يعملوا بما شرعنا لهم
ل وتحريما في التوراة ،ومع هذا فقد عصوا وتمردوا وفسقوا ،إذا فل غرابة في سؤالهم إياك
تحلي ً
على رسالتك وليؤمنوا بك أ تنزل عليهم كتابا من السماء .هذا معنى قوله تعالى في الية()154
{وَ َر َفعْنَا َف ْو َقهُمُ الطّورَ ِبمِيثَا ِقهِ ْم َوقُلْنَا َلهُمُ ا ْدخُلُوا الْبَابَ سُجّدا َوقُلْنَا َلهُمْ ل َتعْدُوا فِي السّ ْبتِ} أي :ل
خذْنَا مِ ْنهُمْ مِيثَاقا غَلِيظا.}1
تتجاوزا ما أحللنا لكم إلى ما حرمنا عليكم {وَأَ َ
هداية اليتين:
من هداية اليتين:
-1تعنت أهل الكتاب إزاء الدعوة السلمية وكفرهم بها على علم إنها دعوة حق.
-2بيان قبائح اليهود وخبثهم الملزم لهم طوال حياتهم.
-3نفض اليهود للعهود والمواثيق أصبح طبعا لهم ل يفارقهم أبدا ،ولذا وجب عدم الثقة في
عهودهم ومواثيقهم.
ق َوقَوِْلهِمْ قُلُوبُنَا غُ ْلفٌ َبلْ طَ َبعَ اللّهُ
حّضهِمْ مِيثَا َقهُ ْم َوكُفْرِ ِهمْ بِآيَاتِ اللّ ِه َوقَتِْلهِ ُم الَنْبِيَاءَ ِبغَيْرِ َ
{فَ ِبمَا َن ْق ِ
عظِيما(َ )156و َقوْلِهِمْ
عَلَ ْيهَا ِب ُكفْرِهِمْ فَل ُي ْؤمِنُونَ إِل قَلِيلً( )155وَ ِب ُكفْرِهِ ْم َو َقوِْلهِمْ عَلَى مَرْيَمَ ُبهْتَانا َ
إِنّا قَتَلْنَا ا ْلمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ َرسُولَ اللّ ِه َومَا قَتَلُوهُ َومَا صَلَبُوهُ وََلكِنْ شُبّهَ َل ُه ْم وَإِنّ الّذِينَ
__________
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
1كل ما ذكر في هذه اليات هو تسلية للنبي صلى ال عليه وسلم وتخفيفا على نفسه ،مما يلقي
من تعنت اليهود ،وصلفهم ،وقساوة قلوبهم ومعاملتهم.
( )1/569
( )1/570
( )1/571
حكِيما}.1
إِلَيْ ِه َوكَانَ اللّهُ عَزِيزا َ
أما الية الخيرة في هذا السياق( )159فإن ال تعالى أخبر أنه ما من يهودي ول نصراني
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يحضره الموت ويكون في انقطاع عن الدنيا إل آمن بأن عيسى عبد ال ورسوله ،وليس هو ابن
زنى ول ساحر كما يعتقد اليهود ،ول هو ال ول ابن ال كما يعتقد النصارى ،ولكن هذا اليمان
ستِ ال ّتوْبَةُ لِلّذِينَ َي ْعمَلُونَ السّيّئَاتِ
ل نيفع صاحبه لن حصل عند معاينة الموت قال تعالى{ :وَلَيْ َ
حضَرَ َأحَدَ ُهمُ ا ْل َم ْوتُ قَالَ إِنّي تُ ْبتُ النَ} هذا ما دلت عليه الية الكريمةَ { :وإِنْ مِنْ أَ ْهلِ
حَتّى إِذَا َ
شهِيدا} أي :يشهد على كفرهم به وبما
ا ْلكِتَابِ إِل لَ ُي ْؤمِنَنّ بِهِ قَ ْبلَ َموْتِ ِه وَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َيكُونُ عَلَ ْيهِمْ َ
جاءهم به ،ووصاهم عليه من اليمان بمحمد صلى ال عليه وسلم ودين الحق الذي جاء به.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1بيان جرائم اليهود.
-2بطلن اعتقاد النصارى في أن عيسى صلب وقتل ،أما اليهود فإنهم وإن لم يقتلوا عيسى فهم
مؤاخذون على قصدهم حيث صلبوا وقتلوا من ظنوه أنه عيسى عليه السلم.
-3تقرير رفع عيسى عليه السلم إلى السماء ونزوله في آخر أيام الدنيا.
-4اليمان؛ كالتوبة عند معاينة ملك الموت ل تنفع ول تقبل وجودها كعدمها.
حّلتْ َل ُه ْم وَ ِبصَدّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرا()160
{فَ ِبظُلْمٍ مِنَ الّذِينَ هَادُوا حَ ّرمْنَا عَلَ ْيهِمْ طَيّبَاتٍ أُ ِ
عذَابا أَلِيما()161
طلِ وَأَعْ َتدْنَا لِ ْلكَافِرِينَ مِ ْنهُمْ َ
وَأَخْ ِذهِمُ الرّبا َوقَدْ ُنهُوا عَ ْن ُه وََأكِْلهِمْ َأ ْموَالَ النّاسِ بِالْبَا ِ
ك َومَا
سخُونَ فِي ا ْلعِلْمِ مِ ْنهُ ْم وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ ُي ْؤمِنُونَ ِبمَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْي َ
َلكِنِ الرّا ِ
__________
1عزة ال يتنافى معها تسلط اليهود على عبده ورسوله عليسى وقتلهم له وحكمته تتجلى في رفعه
إليه وإنزاله آخر أيام الدنيا.
( )1/572
أُنْ ِزلَ مِنْ قَبِْلكَ وَا ْلمُقِيمِينَ الصّل َة وَا ْل ُمؤْتُونَ ال ّزكَا َة وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ بِاللّهِ وَالْ َيوْمِ الخِرِ أُولَ ِئكَ سَ ُنؤْتِيهِمْ
أَجْرا عَظِيما(})162
شرح الكلمات:
{فَ ِبظُلْمٍ} :الباء سببية ،أي :فبسبب ظلمهم.
{هَادُوا} :اليهود إذ قالوا :أنا هدنا إليك.
{طَيّبَاتٍ أُحِّلتْ َلهُمْ} :هي كل ذي ظفر وشحوم البقر والغنم.
خذِهِمُ الرّبا} :قبوله والتعامل به وأكله.
{وَأَ ْ
{الرّاسِخُونَ فِي ا ْلعِلْمِ} :أصحاب القدم الثابتة في معرفة ال وشرائعه ممن علومهم راسخة في
نفوسهم ليست لنيات بل هي يقينات.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
معنى اليات:
ما زال السياق في اليهود من أهل الكتاب يبين جرائمهم ويكشف الستار عن عظائم ذنوبهم ،ففي
الية الولى( )160سجل عليهم الظلم العظيم والذي به استوجبوا عقاب ال تعالى حيث حرم عليهم
طيبات كثيرة كانت حللً لهم ،كما سجل عليهم أقبح الجرائم ،وهي صدهم أنفسهم وصد غيرهم
عن سبيل ال تعالى ،وذلك بجحودهم الحق وتحريفهم كلم ال ،وقبولهم الرشوة في إبطال الحكام
الشرعية .هذا ما تضمنته الية الولى ،أما الثانية( )161فقد تضمنت تسجيل جرائم أخرى على
اليهود وهي أولً استباحتهم للربا 1وهو حرام ،وقد نهوا عنه ،وثانيا أكلهم أموال الناس بالباطل؛
كالرشوة والفتاوى الباطلة التي كانوا يأكلون بها .وأما قوله تعالى في ختام الية{ :وَأَعْتَدْنَا
لِ ْلكَافِرِينَ مِ ْنهُمْ عَذَابا أَلِيما} فهو زيادة على عاقبهم به في الدنيا أعد لمن كفر منهم ومات على كفره
عذابا أليما موجعا يعذبون به يوم القيامة .وأما الية الثالثة( )162فقد نزلت في عبد ال بن سلم
وبعض العلماء من يهود المدينة فذكر تعالى؛ كالستثناء من أولئك الموصوفين بأقبح الصفات
وهي صفات جرائم
__________
1أورد القرطبي هنا سؤالً وهو مع علمنا :أن اليهود يأكلون الربا والسحت وجميع ما حرم ال
تعالى ،فهل يجوز التعامل معهم؟ وأجاب بالجواز استدللً بقول ال تعالى{ :وطَعامْ الذين أُوتوا
الكِتَاب حلً َلكُمْ} وبتعامل الرسول صلى ال عليه وسلم معهم ،فقد رهن درعه عند يهودي.
( )1/573
اكتسبوها ،وعظائم من الذنوب اقترفوها لجهلهم وعمى بصائرهم .إن الراسخين 1في العلم الثابتين
فيه الذين علومهم الشرعية يقينية ل ظنية هؤلء شأنهم في النجاة من العذاب والفوز بالنعيم في
دار السلم شأن المؤمنين من هذه المة يؤمنون بما أنزل إليك أيها الرسول وما أنزل من قبلك،
وخاصة المقيمين 2للصلة ،وكذا المؤتون الزكاة والمؤمنون بال واليوم الخر هؤلء جميعا
وعدهم ال تعالى بالجر العظيم الذي ل يقادر قدره ول يعرف كنهه فقال تعالى{ :أُولَ ِئكَ سَ ُنؤْتِيهِمْ
أَجْرا عَظِيما} .
هداية اليات
من هداية اليات:
-1المعاصي تورث الحرمان من خير الدنيا والخرة.
-2حرمة الصد عن السلم ولو بالسلوك الشائن والمعاملة الباطلة.
-3حرمة الربا وأنه موجب للعقوبة في الدنيا والخرة .
-4حرمة أكل أموال الناس بالباطل؛ كالسرقة والغش والرشوة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-5من أهل الكتاب صلحاء ربانيون وذلك؛ كعبد ال بن سلم وآخرين.
-6الرسوخ في العلم يأمن صاحبه الزلت والوقوع في المهلكات.
-7فضل إقام الصلة لنصب والمقيمي الصلة في الية على المدح والتخصيص.
سحَاقَ
ل وَإِ ْ
سمَاعِي َ
ح وَالنّبِيّينَ مِنْ َبعْ ِد ِه وََأوْحَيْنَا ِإلَى إِبْرَاهِي َم وَإِ ْ
{إِنّا َأ ْوحَيْنَا إِلَ ْيكَ َكمَا َأوْحَيْنَا إِلَى نُو ٍ
ن وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورا( )163وَرُسُلً َقدْ
ن وَسُلَ ْيمَا َ
س وَهَارُو َ
وَ َيعْقُوبَ وَالَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيّوبَ وَيُونُ َ
صصْنَاهُمْ عَلَ ْيكَ
َق َ
__________
1روي أنه لما نزلت آية{ :فَبِظُ ْلمٍ مِنَ الّذِينَ هَادُوا حَ ّرمْنَا} الية .قالت يهود منكرة ما أخبر به
تعالى عنهم :أن هذه الشياء كانت حراما في الصل وأنت تحلها ولم تكن حرمت بظلمنا ،فنزل:
ك َومَا أُنْ ِزلَ مِنْ قَبِْلكَ} ،وهم :عبد
{َلكِنِ الرّاسِخُونَ فِي ا ْلعِلْمِ مِ ْن ُه ْم وَا ْل ُمؤْمِنُونَ ُي ْؤمِنُونَ ِبمَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْي َ
ال بن سلم ،وأحبار اليهود المسلمون.
2قرأه الجمهور بنصب المقيمين على المدح ،أي :وأمدح المقيمين ،أو أعني المقيمين .والنصب
على المدح جائز في كلم فصحاء العرب وبلغائهم ،ومن ذلك قول شاعرهم:
وكل قوم أطاعوا أمر سيدهم ...إل نميرًا أطاعت أمر غاويها
( )1/574
ن َومُنْذِرِينَ لِئَل
ك َوكَلّمَ اللّهُ مُوسَى َتكْلِيما(ُ )164رسُلً مُبَشّرِي َ
صهُمْ عَلَ ْي َ
ص ْ
مِنْ قَ ْبلُ وَرُسُلً لَمْ َن ْق ُ
شهَدُ ِبمَا أَنْ َزلَ إِلَ ْيكَ
حكِيما(َ )165لكِنِ اللّهُ يَ ْ
ل َوكَانَ اللّهُ عَزِيزا َ
سَِيكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجّةٌ َبعْدَ الرّ ُ
شهِيدا(})166
ن َوكَفَى بِاللّهِ َ
شهَدُو َ
أَنْزَلَهُ ِبعِ ْلمِهِ وَا ْلمَل ِئكَةُ يَ ْ
شرح الكلمات:
{إِنّا َ 1أوْحَيْنَا إِلَ ْيكَ} :الوحي :2العلم السريع الخفي ،ووحي ال تعالى إلى أنبيائه :إعلمهم بما
يريد أن يعلمهم به من أمور الدين وغيره.
{وَالَسْبَاطِ} :أولد يعقوب عليه السلم.
{زَبُورا : }3الزبور :أحد الكتب اللهية أنزله على نبيه داود عليه السلم.
صصْنَاهُمْ عَلَ ْيكَ} :ورد منهم في سورة النعام ثمانية عشر رسولً وسبعة ذكروا في سور
{قَدْ َق َ
أخرى وهم :محمد صلى ال عليه وسلم ،وهو ،وشعيب ،وصالح ،وذو الكفل ،وإدريس ،وآدم.
{حُجّةٌ} :عذر يعتذر به إلى ربهم عز وجل.
معنى اليات:
روى أن اليهود لما سمعوا ما أنزل ال تعالى فيهم في الية السابقة أنكروا أن يكون هذا وحيا،
وقالوا لم يوح ال تعالى إلى غير موسى فرد ال تعالى قولهم بقوله{ :إِنّا َأوْحَيْنَا إِلَ ْيكَ َكمَا َأ ْوحَيْنَا
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إِلَى نُوحٍ 4وَالنّبِيّينَ مِنْ َبعْ ِدهِ} فذكر عددا من النبياء ،ثم قال :ورسلً ،أي :وأرسلنا رسلً قد
قصصناهم عليك من قبل ،أي :قص عليه أسماءهم وبعض 5ما جرى لهم مع أممهم وهم
__________
1هذا التوقيت بأن تطلبه إنكار اليهود الوحي إلى نبينا صلى ال عليه وسلم كما تطلبه بهذا الخبر
العظيم.
2الوحي :مصدر وحى يحي وحيًا؛ كرمى يرمي رميًا إليه بكذا أعلمه ،وأوحى يوحي إيحاء إليه
بكذا أعلمه به بطريق خفي.
3في قوله تعالى{ :وآتينا داود زبورا} وهي جملة معطوفة على جملة{ :إنّا َأوْحَينَا إِليِك} إشارة
إلى أن الزبور كتاب ،وهو كذلك .إذ هو أحد الكتب الربعة ،ولو لم يرد ذلك لعطف اسمه على
من سبقه فقط ،كأن يقول :وهارن وسليمان وداود.
4قدم نوح في الذكر باعتباره أول رسول حارب الشرك ،إذ لم يظهر الشرك على عهد من سبقه؛
كإدريس وشيث من قبله ،فلما ظهر الشرك أرسل ال تعالى نوحًا عليه السلم ،وهو نوح بن لمك
بن متوشلخ ،بن أخنوخ.
5قولهَ { :قصَصناهم عَليك مِنْ قَبْل} يعني في القرآن الكريم ،وهم :هود وصالح وشعيب ويحي
وإلياس واليسع ولوط.
( )1/575
يبلغون دعوة ربهم ،وأرسل رسلً لم يقصصهم عليه ،وفوق ذلك أنه كلم موسى تكليما ،فأسمعه
كلما بل واسطة ،فكيف ينكر اليهود ذلك ويزعمون أنه ما أنزل ال على بشر من شيء ،وقد
أرسلهم تعالى رسلً مبشرين من آمن وعمل صالحا بالجنة ،ومنذرين من كفر وأشرك وعمل سوء
بالنار وما فعل ذلك إل لقطع حجة الناس يوم القيامة حتى ل يقولوا ربنا ما أرسلت إلينا رسولً
سلِ} أي:
حجّةٌ َب ْعدَ الرّ ُ
ن َومُنْذِرِينَ لِئَل َيكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ ُ
هذا معنى قوله تعالىُ { :رسُلً مُبَشّرِي َ
حكِيما} في أفعاله وتدبيره ،هذا
بعد إرسالهمَ { ،وكَانَ اللّهُ عَزِيزا} غالبا ل يمانع في شيء أراده { َ
بعض ما تضمنته اليات الثلث( ،)165-164-163أما الية الرابعة( )166وهي قوله تعالى:
شهِيدا} .
ن َو َكفَى بِاللّهِ َ
شهَدُو َ
ش َهدُ ِبمَا أَنْ َزلَ إِلَ ْيكَ أَنْزَلَهُ ِبعِ ْل ِم ِه وَا ْلمَل ِئكَةُ يَ ْ
{َلكِنِ اللّهُ يَ ْ
فقد روي أن يهودا جمعهم النبي صلى ال عليه وسلم وأبلغهم أنه رسول ال صدقا وحقا ودعاهم
إلى اليمان وبما جاء به من الدين الحق فقالوا :من يشهد لك بالرسالة إذ كانت النبياء توجد في
ش َهدُ ِبمَا
وقت واحد فيشهد بعضهم لبعض ،وأنت من يشهد لك فأنزل ال تعالى قولهَ{ :لكِنِ 1اللّهُ يَ ْ
أَنْ َزلَ إِلَ ْيكَ} يريد إنزال الكتاب إليك شهادة منه لك بالنبوة والرسالة ،أنزله بعلمه بأنك أهل
للصطفاء والرسال ،وبكل ما تحتاج إليه البشرية في إكمالها وإسعادها ،إذ حوى أعظم تشريع
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تعجز البشرية لو اجتمعت أن تأتي بمثله ،أليس هذا كافيا في الشهادة لك بالنبوة والرسالة ،بلى،
شهِيدا} فل تطلب شهادة بعد شهادته تعالى لو كانوا يعقلون.
والملئكة أيضا يشهدون { َو َكفَى بِاللّهِ َ
هداية اليات
من هداية اليات:
-1تقرير مبدأ الوحي اللهي.
-2أول الرسل 2نوح عليه السلم وآخرهم محمد صلى ال عليه وسلم.
__________
1توضيح هذا الستدراك الذي هو رفع ما يتوهم ثبوته أو نفيه هو إذا رفض اليهود الشهادة لك
بالرسالة وطالبوا من يشهد لك .فال يشهد لك بما أنزله إليك ،والملئكة يشهدون كذلك.
2ذكر صاحب تفسير التحرير والتنوير :المام محمد الطاهر بن عاشور رحمه ال تعالى ،عند
تفسير هذه الية تاريخ المذكورين من الرسل نقلً عن أهل الكتاب قطعًا فللطلع ل غير .نذكر
ذلك كما ذكره ،وأما علم صحته فهو إلى ال تعالى ل غير :نوح عليه السلم ولد سنة 3974قبل
الهجرة النبوية .وإبراهيم توفى ببلدة الخليل سنة 2719قبل الهجرة .وإسماعيل توفى بمكة سنة
2676قبل الهجرة تقريبا .وإسحاق بن إبراهيم توفى سنة 2613قبل الهجرة .ويعقوب إسرائيل
توفى سنة 2586قبل الهجرة .وعيسى بن مريم ولد سنة 622قبل الهجرة ،ورفع إلى السماء
قبلها سنة .589وأيوب كان بعد إبراهيم وقبل موسى في القرن الخامس عشر قبل المسيح.
وهارون توفى سنة 1972قبل الهجرة .وداود توفى سنة 1626قبل الهجرة .وسليمان توفى سنة
1597قبل الهجرة.
( )1/576
( )1/577
كفروا وصدوا عن سبيل 1ال وهم اليهود 2قد ضلوا ضللً بعيدا قد يتعذر معه الرجوع إلى
الحق ،وهذا ما تضمنته الية الولى( )167كما أخبر في الية الثانية( )168أن الذين كفروا
وظلموا هم أيضا اليهود لم يكن ال ليغفر لهم ول ليهديهم طريقا ،اللهم إل طريق جهنم ،وهذا قائم
على سنته في خلقه وهي أن المرء إذا كفر كفر عناد وجحود وأضاف إلى الكفر الظلم لم يبق له
أي استعداد لقبول الهداية اللهية ،لم يبق له من طريق يرجى له سلوكه إل طريق جهنم يخلد فيها
خلودا أبديا ،وقوله تعالىَ { :وكَانَ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرا} في ختام الية يقرر فيه أن دخول أصحاب
هذه الصفات من اليهود جهنم وخلودهم فيها ليس بالمر الصعب على ال المتعذر عليه فعله بل
هو من السهل اليسير ،أما الية الخيرة( )170فهي تتضمن إعلنا إليها موجها إلى الناس كافة
مشركين وأهل كتاب{ :يَا أَ ّيهَا النّاسُ َقدْ جَا َءكُمُ الرّسُولُ }3الكامل الخاتم جاءكم بالدين الحق من
ربكم فآمنوا بخ خيرا لكم ،وإن أبيتم وأعرضتم إيثارا للشر على الخير والضلل على الهدى
فاعلموا أن ل ما في السموات 4والرض خلقا وملكا وتصرفا وسيجزيكم بما اخترتم من الكفر
والضلل جهنم وساءت مصيرا فإنه عليم بمن استجاب لندائه فآمن وأطاع ،وبمن أعرض فكفر
وعصى حكيم في وضع الجزاء في موضعه اللئق به .فل يجزي المحسن بالسوء ،ول المسيء
بالحسان.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1شر الكفر ما كان مع الصد عن سبيل اله والظلم ،وهذا كفر اليهود ،العياذ بال.
-2سنة ال تعالى في أن العبد إذا أبعد في الضلل ،وتوغل في الشر والفساد يتعذر عليه التوبة
فيموت على ذلك ويهلك.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
__________
1صدوا عن سبيل ال بقولهم :إنا ل نجد صفة محمد في كتابنا وإنما النبوة في ولد هارون وداود،
وأن في التوراة أن شرع موسى ل ينسخ.
ل ويعم كل من كفر بال ورسوله وصد عن سبيله الذي هو السلم.
2اللفظ يتناول اليهود أو ً
3التعريف في الرسول للعهد ،إذ هو معهود بين المخاطبين معروف لهم ،وكونه للعهد ل ينافي ما
ذكر في التفسير من أنه الكامل في رسالته؛ كأنه فرد فيها ل نظير له.
4إنه لم يدعكم إلى اليمان لحاجة به إنه عزيز إنه سبحانه وتعالى يملك الكائنات كلها حيها
وميتها ظاهرها وباطنها ويتصرف يها كما يشاء وهو الغني الحميد.
( )1/578
( )1/579
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{ا ْلمَسِيحُ} :هو عيسى عليه السلم ولقب بالمسيح لنه ممسوح من الذنوب ،أي :ل ذنب له قط.
{ َوكَِلمَتُهُ أَ ْلقَاهَا} :أي :قول ال تعالى له {كن} فكان –ألقاها إلى مريم :أوصلها لها وأبلغها إياها
وهي قول الملئكة لها إن ال يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم.
{وَرُوحٌ مِنْهُ} :أي :عيسى كان بنفخة جبريل روح ال في كم درعها.
{ َوكِيلً} :حفيظا وشاهدا عليما.
{لَنْ َيسْتَ ْن ِكفَ} :ل يرفض عبوديته ل تعالى أنفة وكبرا.
{وَيَسْ َتكْبِرْ} :يرى نفسه كبيرة فوق ما طلب منه أن يقوله أو يفعله إعجابا وغرورا.
{وَلِيّا وَل َنصِيرا} :أي :ل يجدون يوم القيامة وليا يتولى الدفاع عنهم ول نصيرا ينصرهم حتى
ل يدخلوا النار ويعذبوا فيها.
معنى اليات:
ما زال السياق مع أهل الكتاب ،ففي الية الولى( )171نادى الرب تبارك وتعالى النصارى بلقب
الكتاب الذي هو النجيل ونهاهم عن الغلو في دينهم من التنطع والتكلف؛ كالترهب واعتزال
النساء وما إلى ذلك من البدع التي حمل عليها الغلو ،كما نهاهم عن قولهم على ال تبارك وتعالى
غير الحق ،وذلك بنسبة الولد إليه تعالى عن ذلك علوا كبيرا ،وأخبرهم بأن عيسى لم يكن 1أبدا
غير رسول ال وكلمته التي ألقاها إلى مريم ،2حيث بعث إليها جبريل فبشرها بأن ال تعالى قد
يهبها غلما زكيا ،ونفخ وهو روح ال في كم درعها فكان عيسى بكلمة التكوين وهي {كن}
وبسبب تلك النفخة من روح ال جبريل عليه السلم فلم يكن عيسى ال ول ابن ال فارجعوا إلى
الحق وآمنوا بال ورسله جبريل وعيسى ومحمد صلى ال عليه وسلم ،ول تقولوا زورا وباطلً:
ال ثالث ثلثة آلهة .3انتهوا عن القول الكذب يكن
__________
1لن :إنما أداة قصر فمن هنا قصر عيسى عليه السلم على ثلث صفات ،وهي :الرسالة،
والكلمة ،والروح ،أي :هو لم يكون غير رسول ال وكلمته وروح منه ،والقصر إضافي كما هو
ظاهر.
2لم يذكر ال تعالى امرأة في القرآن باسمها العلم سوى مريم ،إذ ذكرها في القرآن في نحو من
ثلثين موضعًا ،وسر هذا أن العرب يتحاشون أن يذكروا أسماء نساؤهم إنما يكنون عنهن بالعرس
والهل والعائلة .وأما الماء فيذكرونهن بأسماؤهن ،لذا ذكر تعالى مريم وهي أمته باسمها العلم
ثلثين مرة.
3قال ابن عباس رضي ال عنهما :المراد من التثليث :ال تعالى وصاحبته وابنه .والقانيم عند
بعضهم هي :الب والبن وروح القدس .وعند بعضهم هو :الوجود والحياة والعلم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/580
( )1/581
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
جبريل 1عليه السلم.
-4حرمة الستنكاف عن الحق والستكبار عن قبوله.
-5بيان الجزاء الخروي وهو إما نعيم وإما جحيم.
{يَا أَ ّيهَا النّاسُ قَدْ جَا َءكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَ ّبكُ ْم وَأَنْزَلْنَا إِلَ ْيكُمْ نُورا مُبِينا( )174فََأمّا الّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ
ل وَ َيهْدِيهِمْ إِلَيْ ِه صِرَاطا مُسْ َتقِيما(})175
حمَةٍ مِنْ ُه َو َفضْ ٍ
صمُوا بِهِ َفسَيُ ْدخُِلهُمْ فِي رَ ْ
وَاعْ َت َ
شرح الكلمات:
{بُرْهَانٌ} :البرهان :الحجة ،والمراد به هنا :محمد 2صلى ال عليه وسلم.
{نُورا مُبِينا} :هو القرآن الكريم.
صمُوا} :أي :تمسكوا بالقرآن وبما يحمله من الشرائع.
{وَاعْ َت َ
حمَةٍ مِنْهُ} :الجنة.
{فِي رَ ْ
{صِرَاطا} :طريقا يفضي بهم إلى جوار ربهم في دار الكرامة.
معنى اليتين:
ينادي 3الرب تبارك وتعالى سائر الناس مشركين ويهود ونصارى مخبرا إياهم قاطعا للحجة
عليهم بأنه أرسل إليهم رسوله محمد صلى ال عليه وسلم ،وهو البرهان الساطع والدليل القاطع
على وجود ال تعالى وعلمه وقدرته ووجوب اليمان به وبرسله ولزوم عبادته بطاعته وطاعة
رسوله وأنه أنزل عليه كتابه شافيا كافيا هاديا نورا مبينا يهدي به ال من اتبع رضوانه سبل
السلم ،ويخرجه من الظلمات إلى النور .بهذا قد أعذر ال تعالى إلى الناس كافة وقطع عليهم كل
معذرة
__________
1قال أبي بن كعب رضي ال عنه" :خلق ال أرواح بني آدم لما أخذ عليهم الميثاق ثم ردها إلى
صلب آدم وأمسك عنده روح عيسى عليه السلم ،فلما أراد خلقه أرسل ملك الروح إلى مريم فكان
منه عيسى .فلذا قال{ :ورُوح مِنه} " .هذا الثر أحسن ما يقال في قوله تعالى{ :ورُوح مِنه} ".
2هذا الذي قرره ابن جرير وأن البرهان في هذه الية هو :النبي محمد صلى ال عليه وسلم.
3هذا النداء وما بعده؛ كالفذلكة لما تقدم من دعوة أهل الكتابين إلى الدخول في السلم لقامة
الحجة على الجميع .إذ وجه نداءه العام لكل البشر ،وهو يتناول أهل الكتابين والمشركين وغيرهم
لقامة الحجة على الجميع.
( )1/582
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وحجة ثم هم صنفان مؤمن وكافر ،فالذين آمنوا بال ربا وإلها وبرسوله نبيا ورسولً واعتصموا
بالقرآن فأحلوا حلله وحرموا حرامه وصدقوا أنباءه والتزموا آدابه فهؤلء سيدخلهم في رحمة 1
منه وفضل وذلك بأن ينجيهم من النار ويدخهلم الجنان ،وذلك هو الفوز العظيم كما قال تعالى:
خلَ الْجَنّةَ َفقَدْ فَازَ} .وأما الذين كفروا به وبرسوله وكتابه فمصيرهم
{ َفمَنْ ُزحْزِحَ عَنِ النّا ِر وَأُ ْد ِ
معروف وجزاءهم معلوم فل حاجة إلى ذكره :إنه الحرمان والخسران.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1الدعوة السلمية دعوة عامة فهي للبيض والصفر على حد سواء.
-2إطلق لفظ البرهان على النبي صلى ال عليه وسلم؛ لنه بأميته وكماله الذي ل مطمع لبشري
أن يساميه فيه برهان على وجود ال وعلمه ورحمته.
-3القرآن نور لما يحصل به من الهتداء إلى سبيل النجاة وطرق السعادة والكمال.
ثمن السعادة ودخول الجنة اليمان بال ورسوله ولقائه والعمل الصالح وهو التمسك بالكتاب
والسنة المعبر عنه بالعتصام.
ك وَ ُهوَ
ختٌ فََلهَا ِنصْفُ مَا تَ َر َ
{يَسْ َتفْتُو َنكَ ُقلِ اللّهُ ُيفْتِيكُمْ فِي ا ْلكَللَةِ إِنِ امْ ُرؤٌ َهَلكَ لَيْسَ لَهُ وَلَ ٌد وَلَهُ ُأ ْ
ل وَنِسَاءً
خ َوةً ِرجَا ً
ك وَإِنْ كَانُوا ِإ ْ
يَرِ ُثهَا إِنْ لَمْ َيكُنْ َلهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فََل ُهمَا الثّلُثَانِ ِممّا تَ َر َ
شيْءٍ عَلِيمٌ(})176
ظ الُنْثَيَيْنِ يُبَيّنُ اللّهُ َلكُمْ أَنْ َتضِلّوا وَاللّهُ ِب ُكلّ َ
حّفَلِل ّذكَرِ مِ ْثلُ َ
شرح الكلمات:
{يَسْ َتفْتُو َنكَ : }2يطلبون فتياك في كذا.
__________
1الرحمة :الجنة بعد النجاة من النار .والفضل :ما ينعم به عليهم في دار السلم ،وأعظمه النظر
إلى وجه الكريم ،وقوله تعالى{ :وَ َي ْهدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطا مُسْ َتقِيما} أي :يهديهم إلى ما يصل بهم إلى
رضاه وجواره ،وهو :السلم ،وذلك بأن يثبتهم عليه حتى الموت.
2روي أن هذه الية وتسمى آية الكللة نزلت في آخر ما نزل ،وسبب نزولها :أن جابر بن عبد
ال مرض فعاداه رسول ال صلى ال عليه وسلم مع أبي بكر فأغمى على عبد ال فتوضأ رسول
ال صلى ال عليه وسلم ثم صب عليه من فضل وضوءه فأفاق ،فقال يا رسول ال :كيف أقضي
في مالي؟ وكان له تسع أخوات ،فلم يرد عليه شيئا حتى نزلت هذه الية.
( )1/583
( )1/584
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يجهل شيئا ول يخفى عليه آخر ،وكيف وقد أحاط بكل شيء علما سبحانه ل إله غيره ول رب
سواه.
هداية الية
من هداية الية الكريمة:
-1جواز 1سؤال من ل يعلم من يعلم للحصول على العلم المطلوب له.
-2إثبات وجود ال تعالى عليما قديرا سميعا بصيرا ،وتقرير نبوة محمد صلى ال عليه وسلم ،إذ
سؤال الصحاب وإجابة الرب تعالى بواسطة وحيه المنزل على رسوله يقرر ذلك ويثبته.
-3بيان قسمة تركة من يورث كللة من رجل أو امرأة؛ فالخت الواحدة لها من أخيها نصف ما
ترك ،والختان لهما الثلثان ،والخوة مع الخوات للذكر مثل حظ النثيين ،والخ يرث أخته إن لم
يكن لها ولد ول ولد ولد ،والخوة والخوات يرثون أختهم للذكر مثل حظ النثيين إذا لم تترك
ولدا ول ولد ولد.
__________
1بل الواجب أن يسأل كل من ل يعلم حتى يعلم لقول ال تعالى{ :فَاسْأَلوا أَ ْهلَ ال ّذكْرِ إِنْ كُنْتُ ْم ل
َتعَْلمُونَ} .
( )1/585
سورة المائدة
...
سورة المائدة 2
مدنية
وآياتها مائة وعشرون آية
بسم ال الرحمن الرحيم
حلّي الصّ ْيدِ
علَ ْيكُمْ غَيْرَ مُ ِ
{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا َأ ْوفُوا بِا ْل ُعقُودِ أُحِّلتْ َلكُمْ َبهِيمَ ُة الَ ْنعَامِ إِل مَا يُتْلَى َ
شهْرَ ا ْلحَرَامَ وَل
شعَائِرَ اللّ ِه وَل ال ّ
حكُمُ مَا يُرِيدُ( )1يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تُحِلّوا َ
وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنّ اللّهَ َي ْ
ي وَل ا ْلقَلئِ َد وَل آمّينَ الْبَ ْيتَ
ا ْلهَ ْد َ
__________
2سورة المائة من آخر ما نزل من السور في القرآن وأحكامها كلها محكمة ما عدا قوله تعالى:
ي وَل ا ْلقَلئِدَ }...الية .وهو قول الشعبي رحمه ال تعالى ،وفيها
شهْرَ ا ْلحَرَا َم وَل ا ْلهَ ْد َ
{وَل ال ّ
حصَنَاتُ مِنَ الّذِينَ
أحكام لم توجد في غيرها من السور ،من ذلك حكم :المنخنقة ،وما بعدها {وَا ْلمُ ْ
أُوتُوا ا ْلكِتَاب} ،والوضوء ،وحكم السرقة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/585
صدّوكُمْ
ن َ
الْحَرَامَ يَبْ َتغُونَ َفضْلً مِنْ رَ ّب ِه ْم وَ ِرضْوَانا وَإِذَا حَلَلْ ُتمْ فَاصْطَادُوا وَل يَجْ ِرمَ ّنكُمْ شَنَآنُ َقوْمٍ أَ ْ
ن وَا ّتقُوا
سجِدِ ا ْلحَرَامِ أَنْ َتعْتَدُوا وَ َتعَاوَنُوا عَلَى الْبِ ّر وَال ّت ْقوَى وَل َتعَاوَنُوا عَلَى الِثْ ِم وَا ْلعُ ْدوَا ِ
عَنِ ا ْلمَ ْ
اللّهَ إِنّ اللّهَ شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ(})2
شرح الكلمات:
{َأ ْوفُوا بِا ْل ُعقُودِ} :العقود :هي العهود التي بين العبد والرب تعالى وبين العبد وأخيه والوفاء بها:
عدم نكثها والخلل بمقتضاها.
{ َبهِيمَ ُة الَ ْنعَامِ : }1هي البل والبقر والغنم.
{وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} :أي :محرمون بحج أو عمرة.
شعَائِرَ اللّهِ} :جمع شعيرة ،وهي هنا مناسك الحج والعمرة وسائر أعلم دين ال تعالى.
{َ
شهْرَ الْحَرَامَ} :رجب وهو شهر مضر الذي كانت تعظمه.
{ال ّ
{ا ْل َه ْديَ} :ما يُهدى للبيت والحرم من بهيمة النعام.
{ا ْلقَلئِدَ} :جمع قلدة ما يقلد الهدي ،وما يتقلده الرجل من لحاء شجر الحرم ليأمن.
{آمّينَ الْبَ ْيتَ الْحَرَامَ} :قاصديه يطلبون ربح تجارة أو رضوان ال تعالى.
{وَإِذَا حَلَلْ ُتمْ : }2أي :من إحرامكم.
{وَل يَجْ ِرمَ ّنكُمْ شَنَآنُ َقوْمٍ} :أي :ل يحملنكم بغض قوم أن تعتدوا عليهم.
صدّوكُمْ} :أي :لجل أن صدوكم.
ن َ
{أَ ْ
{الْبِ ّر وَال ّت ْقوَى} :البر :كل طاعة ل ورسوله .والتقوى :فعل ما أمر ال به ورسوله وترك ما نهى
عنه ال ورسوله صلى ال عليه وسلم.
__________
1سميت البهيمة :بهيمة؛ لبهامها من جهة نقص نطقها وفهمها وعدم تمييزها وعقلها ،ومنه باب
مبهم ،أي :مغلق ،وليل بهيم :ل يميز ما فيه من الظلم .وقولهم في الشجاع من الرجال :بهمة؛
لنه ل يدري من أين يؤتى.
حلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} الجماع على أن المر هنا للباحة وليس للوجوب ،وهذه
2قوله تعالى{ :وَِإذَا َ
قاعدة أصولية كل أمر بعد حظر ،فهو للباحة.
( )1/586
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{الِثْ ِم وَا ْلعُ ْدوَانِ} :الثم :سائر الذنوب ،والعدوان :الظلم وتجاوز الحدود.
شدِيدُ ا ْلعِقَابِ} :أي :عقابه شديد ل يطاق ول يحتمل.
{َ
معنى اليتين:
ينادي الحق تبارك وتعالى عباده المؤمنين بعنوان اليمان فيقول{ :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا} أي :يا من
آمنتم بي وبرسولي ووعدي ووعيدي {َأ ْوفُوا بِا ْل ُعقُودِ }1فل تحلوها وبالعهود فل تنكثوها ،فل
تتركوا واجبا ول ترتكبوا منهيا ،ول تحرموا حللً ول تحلو حراما أحللت لكم بهيمة النعام من
البل والبقر والغنم إل ما يتلى عليكم وهي التية في آية{ :حُ ّر َمتْ عَلَ ْيكُمُ ا ْلمَيْتَ ُة وَالدّمُ }...2فل
تحرموها وحرمت عليكم الصيد وأنتم حرم 3فل تحلوه .وسلموا المر لي فل تتنازعوا فيما أحل
حّلتْ
وأحرم فإني أحكم ما أريد .هذا ما تضمنته الية الولى{ :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا َأ ْوفُوا بِا ْل ُعقُودِ أُ ِ
ح ُكمُ مَا يُرِيدُ. }4
َلكُمْ َبهِيمَ ُة الَ ْنعَامِ إِل مَا يُتْلَى عَلَ ْيكُمْ غَيْرَ مُحِلّي الصّيْ ِد وَأَنْ ُتمْ حُ ُرمٌ إِنّ اللّهَ يَ ْ
أما الية الثانية فقد تضمنت أحكاما بعضها نُسخ العمل به وبعضها محكم يعمل به إلى يوم الدين،
فمن المحكم والواجب العمل به تحريم شعائر ال ،وهي أعلم دينه من سائر ما فرض وأوجب،
ونهى وحرم .فل تستحل بترك واجب ،ول بفعل محرم ،ومن ذلك مناسك الحج والعمرة .ومن
المنسوخ الشهر الحرام فإن القتال كان محرما في الشهر الحرم ثم نسخ بقول ال تعالى{ :فَاقْتُلُوا
ا ْلمُشْ ِركِينَ حَ ْيثُ َوجَدْ ُتمُوهُمْ} الية ،ومن المنسوخ أيضا :هدي المشركين وقلئدهم والمشركون
أنفسهم فل يسمح لهم بدخول الحرم ول يقبل منهم هدي ،ول يجيرهم من القتل تقليد أنفسهم بلحاء
شجر الحرم ولو تقلدوا شجر الحرم كله .هذا معنى قوله تعالى{ :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل ُتحِلّوا
شهْرَ الْحَرَا َم وَل ا ْلهَ ْديَ 5وَل ا ْلقَلئِدَ 6وَل آمّينَ
شعَائِرَ اللّ ِه وَل ال ّ
َ
__________
1قال الحسن :يعني عقود الدين ،وهو ما عقده المرء على نفسه من بيع وشراء وإجارة كراء،
ومناكحة وطلق ومزارعة ومصالحة وتمليك وتخيير وعتق وتدبير ،وكذلك ما عاهد عليه ال
تعالى من نذر وسائر التكاليف الشرعية وما خرج من عقد على شريعة ال رد وحل ،ول وفاء
فيه.
2وما حرم بالسنة ،وهو كل ذي ناب من السباع ،وذي مخلب من الطيور لثبوت ذلك في
الصحاح.
3أما إذا حلوا من إحرامهم فالصيد حلل ،كما هو في غير الحرام إل ما كان من صيد الحرم
فإنه حرام في الحرام والحلل.
4هذه الجملة تقتضي تسليم المر ل ،فل اعتراض عليه فيما يحل ويحرم وهو كذلك.
5الهدي :ما يهدى إلى الحرم ،ومن خصائصه :أنه يشعر وذلك يجرح سنامه من الجهة اليمنى
حتى يسيل الدم ،وبذلك يعلم أنه هدي ،وقال :بالشعار كافة الفقهاء إل أبا حنيفة ،ولموه وعنفوا
عليه لتركه السنة الصحيحة في الشعار.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
6يحرم بيع الهدي إذا أشعر وقلت لنه أصبح كالوقف ل تعالى ،ومعنى التقليد :أن يوضع في
عنقه قلدة يعلم بها أنه هدي ،وهذا يكون في الغنم لنها ل تشعر.
( )1/587
الْبَ ْيتَ الْحَرَامَ يَبْ َتغُونَ َفضْلً مِنْ رَ ّب ِه ْم وَ ِرضْوَانا} .والمراد بالفضل :الرزق بالتجارة في الحج،
والمراد بالرضوان :ما كان المشركون يطلبونه بحجهم من رضى ال ليبارك لهم في أرزاقهم
ويحفظهم في حياتهم.
حلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} خطاب للمؤمنين أذن لهم في الصطياد الذي كان محرما
وقوله تعالى{ :وَِإذَا َ
وهم محرمون إذن لهم فيه بعد تحللهم من إحرامهم .وقوله تعالى{ :وَل َيجْ ِرمَ ّنكُمْ شَنَآنُ َقوْمٍ أَنْ
سجِدِ الْحَرَامِ أَنْ َتعْتَدُوا} ينهي عباده المؤمنين أن يحملهم بغض قوم صدورهم يوم
صَدّوكُمْ عَنِ ا ْلمَ ْ
الحديبية عن دخول المسجد الحرام أن يعتدوا عليهم بغير ما أذن ال تعالى لهم فيه ،وهو قتالهم إن
قاتلوا وتركهم إن تركوا .ثم أمرهم تعالى بالتعاون على البر والتقوى ،أي :على أداء الواجبات
والفضائل ،وترك المحرمات والرذائل ،ونهاهم عن التعاون عن ضدها ،فقال عز وجل{ :وَ َتعَاوَنُوا
عَلَى الْبِرّ 1وَال ّت ْقوَى وَل َتعَاوَنُوا عَلَى الِثْمِ 2وَا ْلعُ ْدوَانِ} .ولما كانت التقوى تعم الدين كله فعلً
وتركا أمرهم بها ،فقال{ :وَا ّتقُوا اللّهَ} باليمان به ورسوله وبطاعتهما في الفعل والترك ،وحذرهم
شدِيدُ ا ْل ِعقَابِ} فاحذروه بلزوم التقوى.
من إهمال أمره بقوله{ :إِنّ اللّهَ َ
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1وجوب الوفاء بالعهود التي بين ال تعالى وبين العبد والمحافظة على العقود التي بين العبد
وأخيه العبد لشمول الية ذلك.
-2إباحة أكل لحوم البل والبقر والغنم إل الميتة منها.
-3تحريم الصيد في حال الحرام وحليته بعد التحلل من الحرام وهو صيد البر ل البحر .3
-4وجوب احترام شعائر الدين كلها أداء لما وجب أداؤه ،وتركا لما وجب تركه.
-5حرمة العتداء مطلقا على الكافر.
-6وجوب التعاون بين المؤمنين على إقامة الدين ،ورحمة تعاونهم على المساس به.
__________
1في البر ،وهو فعل الخير رضا الناس وفي التقوى رضا ال ،ومن جمع بين رضا الناس ورضا
ال فقد جمع الخير كله وتمت سعادته في دنياه وآخرته.
2أي :ول تعانوا على فعل الثم من سائر كبائر الذنوب والفواحش ول على الظلم والعتداء إذ
كلهما مما حرم ال تعالى.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حلّ لَك ْم صَيْد البَحْر ما ُدمْتم حُرما}
3لن صيد البحر حلل في الحرام وغيره لقوله تعالى{ :وَُأ ِ
الية من آخر هذه السورة.
( )1/588
حمُ ا ْلخِنْزِي ِر َومَا أُ ِهلّ ِلغَيْرِ اللّهِ ِب ِه وَا ْلمُنْخَ ِنقَ ُة وَا ْل َم ْوقُو َذةُ وَا ْلمُتَرَدّيَةُ
{حُ ّر َمتْ عَلَ ْي ُكمُ ا ْلمَيْتَ ُة وَالدّ ُم وَلَ ْ
سمُوا بِالَزْلمِ ذَِلكُمْ ِفسْقٌ
ب وَأَنْ تَسْ َتقْ ِ
ص ِ
وَالنّطِيحَ ُة َومَا َأ َكلَ السّبُعُ إِل مَا َذكّيْتُ ْم َومَا ذُبِحَ عَلَى الّن ُ
شوْنِ الْ َيوْمَ َأ ْكمَلْتُ َلكُمْ دِي َنكُ ْم وَأَ ْت َم ْمتُ عَلَ ْيكُمْ
شوْهُمْ وَاخْ َ
الْ َيوْمَ يَئِسَ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ دِي ِنكُمْ فَل َتخْ َ
غفُورٌ َرحِيمٌ(
ف لِثْمٍ فَإِنّ اللّهَ َ
خ َمصَةٍ غَيْرَ مُتَجَا ِن ٍ
ِن ْعمَتِي وَ َرضِيتُ َل ُكمُ السلم دِينا َفمَنِ اضْطُرّ فِي مَ ْ
})3
شرح الكلمات:
{ا ْلمَيْتَةُ} :ما مات من بهيمة النعام حتف أنفه ،أي :بدون تذكية .1
{ َومَا أُ ِهلّ ِلغَيْرِ اللّهِ بِهِ} :أي :ما ذكر عليه اسم غير اسم ال تعالى ،مثل المسيح ،أو الولي ،أو
صنم.
{وَا ْلمُنْخَ ِنقَةُ} :أي :بحبل ونحوه فماتت.
{وَا ْل َم ْوقُو َذةُ : }2أي :المضروبة بعصا أو حجر فماتت به.
{وَا ْلمُتَرَدّ َيةُ} :الساقطة من عال إلى أسفل ،مثل :السطح والجدار والجبل فماتت.
{وَالنّطِيحَةُ : }3ما ماتت بسبب نطح أختها لها بقرونها أو رأسها.
{ َومَا َأ َكلَ السّبُعُ} :أي :ما أكلها الذئب وغيره من الحيوانات المفترسة.
{إِل مَا َذكّيْ ُتمْ : }4أي :أدركتم فيه الروح مستقرة فذكيتموه 5بذبحه أو نحره.
صبِ} :أي :ما ذبح على الصنام المنصوبة التي تمثل إلها أو زعيما أو عظيما،
{ َومَا ذُبِحَ عَلَى الّن ُ
و مثلها ما ذبح على أضرحة الولياء وقبورهم وعلى الجان.
__________
1ومن غيرها من مأكول اللحم؛ كالضباء ،والرانب ،وأنواع الصيد باستثناء ما ذكر عليه اسم ال
حال صيده ،فإن ما مات منه يؤكل ولو لم يزك ،ول يقال فيه ميتة.
2يقال :وقذة ،يقذة ،وقذًا؛ إذا ضربه بحجر ونحوها ،والوكذ :شدة الضرب.
3فهي فعيلة بمعنى :مفعولة ،فالنطيحة :هي المنطوحة.
4ما ذبح من قفاه ل يؤكل إجماعًا ،واختلف فيما إذا رفع المذكي يده قبل إنهاء الذكاة ثم ردها
فورًا ،الصحيح أنها تؤكل ول خلف في جواز أكل البعير إذا ند أو وقع في بئر فإنه كيفما ذُكي
جاز أكله للحديث الصحيح.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
5الستثناء متصل ،وهو راجع على كل ما أدرك زكاته من المذكورات وفيه حياة ول اللتفات
إلى الخلف في هذه المسألة.
( )1/589
سمُوا} :أي :وحرم عليكم ما تحصلون عليه بالستقسام بالزلم ومثله ما يأخذه صاحب
{وَأَنْ تَسْ َتقْ ِ
الكهانة والشواقة وقرعة النبياء ،والحروز الباطلة التي فيها طلسم وأسماء الجن والعفاريت.
سقٌ} :أي :ما ذكر من أكل الميتة إلى الستقسام بالزلم خروج عن طاعة ال تعالى
{ذَِلكُمْ فِ ْ
ومعصية له سبحانه وتعالى.
{ َفمَنِ اضْطُرّ} :أي :من ألجأته ضرورة الجوع فخاف على نفسه الموت فل بأس أن يأكل مما
ذكر.
خ َمصَةٍ} :المخمصة :شدة الجوع حتى يضمر البطن لقلة الغذاء به.
{فِي مَ ْ
{غَيْرَ مُ َتجَا ِنفٍ} :غير مائل لثم يريد غير راغب في المعصية بأكل ما أكل من الميتة ،وذلك بأن
يأكل أكثر مما يسد به رمقه ويدفع به غائلة الجوع المهلك.
معنى الية الكريمة:
هذه الية الكريمة هي تفسير وتفصيل لقوله تعالى في الية الولى من هذه السورة ،وهو قوله:
{إِل مَا يُتْلَى عَلَ ْيكُمْ} حيث ذكر في هذه الية سائر المحرمات من اللحوم وهي عشر كما يلي:
الميتة ،والدم ،ولحم الخنزير ،وما أهل لغير ال به ،والمنخنقة ،والموقوذة ،والمتردية ،والنطيحة،
وما أكل السبع ،وما ذبح على النصب .1
وقوله تعالى{ :إِل مَا َذكّيْتُمْ }2يريد ما أدركتم فيه الروح مستقرة .بحيث إذا ذبحتموه اضطرب
للذبح وركض برجليه فإن هذا علمة أنه كان حيا وأنه مات بالذبح .3
سمُوا بِالَزْلمِ} يريد ول يحل لكم الستقسام بالزلم ،ول أكل ما يعطى عليها
وقوله{ :وَأَنْ تَسْ َتقْ ِ
وحقيقتها أنهم كانوا في الجاهلية يضعون القداح المعبر عنها بالزلم جمع زلم وهو رمح صغير
ل زج له ول ريش فيه ،يضعونها في خريطة كالكيس ،وقد كتب على واحد أمرني
__________
1ما ذبح على النصب ،وما أهل لغير ال به :هما كشيء واحد إلى أن ما أهل لغير ال به غالبًا
يكون مذبوحًا لغير الصنام؛ كالنبياء والولياء.
2الذكاة في لغة العرب :الذبح كقوله تعالى{ :إل ما ذَكيتم} ،أي :ذبحتم ما ذكر اسم ال عليها،
وفي الحديث" :ذكاة الجنين ذكاة أمه" ،والذكاة :سرعة الفطنة ،والتذكية :مأخوذة من التطيب،
فذكاها بمعنى :طيبها بالذبح ،ومنه رائحة ذكية :أي :طيبة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
3والذكاة تقع بكل حاد ينهر الدم ،ويفري الوداج ما عدا العظم والسن ،لقوله صلى ال عليه
وسلم" :ليس السن والظفر" ،لن السن عظم ،والظفر مدى الحبشة.
( )1/590
ربي ،وآخر :نهاني ثم يحيلها المستقسم بها في الخريطة ويخرج زلما منها فإن وجده مكتوبا عليه:
أمرني ربي ،مضى في عمله سفرا أو زواجا ،أو بيعا أو شراء ،وإن وجده مكتوبا عليه :نهاني
ربي ،ترك ما عزم على فعله 1فجاء السلم فحرم الستقسام بالزلم ،وسن الستخارة وهي :أن
يصلي المؤمن ركعتين من غير الفريضة ويقول :اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك
وأسألك من فضلك العظيم ،فإنك تقدر ول أقدر ،وتعلم ول أعلم وأنت علم الغيوب ،اللهم إن كنت
تعلم أن هذا المر خير لي في ديني ودنياي وعاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك
لي فيه ،وإن كنت تعلم أن هذا المر شر لي في ديني ودنياي وعاجل أمري وآجله فاصرفه عنى
واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به ،ويسمي حاجته .ويفعل أو يترك ما عزم
عليه ،والذي يأتيه هو الخير بإذن ال تعالى.
وقوله تعالى{ :ذَِلكُمْ ِفسْقٌ} يريد ما ذكرت لكم مما حرمت عليكم إتيانه هو الفسق فاتركوه.
شوْنِ} يخبر تعالى عباده
شوْهُ ْم وَاخْ َ
وقوله تعالى{ :الْ َيوْمَ يَئِسَ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ دِي ِنكُمْ فَل َتخْ َ
المؤمنين :أن الكافرين من المشركين وغيرهم قد يئسوا من أن يردوكم عن دينكم كما كان ذلك
قبل فتح مكة ودخول ثقيف وهوازن في السلم ،وظهوركم عليهم في كل معركة دارت بينكم
وبينهم إذا فل تخشوهم بعد الن أن يتمكنوا من قهركم وردكم إلى الكفر واخشوني أنا بدلهم ،وذلك
بطاعتي وطاعة رسولي ولزوم حدودي والخذ بسنتي في كوني حتى ل تتعرضوا لنقمتي بسلب
عطائي فإن نصرتي لهل طاعتي وإذللي لهل معصيتي.
وقوله تعالى{ :الْ َيوْمَ َأ ْكمَ ْلتُ َلكُمْ دِي َنكُ ْم وَأَ ْت َم ْمتُ عَلَ ْي ُكمْ ِن ْعمَتِي وَ َرضِيتُ َل ُكمُ السلم دِينا }2فهو
إخبار منه تعالى لعباده المؤمنين بما هو إنعام عليهم منه وامتنان فأول :إكمال الدين 3بجميع
عقائده وعباداته وأحكامه وآدابه حتى قيل أن هذه الية نزلت عشية يوم عرفة عام
__________
1هي ثلثة أزلم كتب على أحدها :أمرني ربي ،وعلى الثاني :نهاني ربي ،والثالث :مهمل لم
يكتب عليه شيء ويجعلها في خريطته ،فإذا خرج أمرني مضى في عمله ،وإذا خرج نهاني ترك
ما أراد فعله ،وإذا خرج المهمل أعاد الضرب في الخريطة ،وهناك نوعان من الستقسام غير ما
ذكرنا.
2هذه الية{ :الْ َيوْمَ َأ ْكمَ ْلتُ َلكُمْ دِي َنكُمْ }...نزلت بعرفة يوم الجمعة في حجة الوداع بعد العصر،
والرسول صلى ال عليه وسلم على ناقته :العضباء ،كما هو واضح في رواية مسلم في صحيحه.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
3ووجه إكمال الدين أنه كان قبل الهجرة مقصورًا على الشهادتين ،والصلة ولما هاجر صلى ال
عليه وسلم إلى المدينة أخذ التشريع ينزل يومًا بعد يوم حتى كمل وأعلن عنه الرب تعالى في حجة
الوداع بقوله { :الْ َيوْمَ َأ ْكمَلْتُ }...إلخ.
( )1/591
حجة الوداع ،ولم يعش بعدها رسول ال صلى ال عليه وسلم إل أحدى وثمانين ليلة ثم توفاه ال
تعالى .وثانيا :إتمام نعمته تعالى عليهم فآمنهم بعد الخوف وقواهم بعد ضعف ،ونصرهم وأعزهم
بعد قهر وذل وسودهم وفتح البلد لهم وأظهر دينهم ،وأبعد الكفر والكفار عنهم ،فعلمهم بعد جهل
وهداهم بعد ضلل فهذه من النعمة التي أتمها عليهم .وثالثا :رضاه بالسلم دينا لهم حيث بعث
رسوله به وأنزل كتابه فيه فين عقائده وشرائعه فأبعدهم عن الديان الباطلة؛ كاليهودية والنصرانية
والمجوسية ،وأغناهم عنها بما رضيه لهم أل وهو السلم القائم على الستسلم ل تعالى ظاهرا
وباطنا ،وذلك سلم العروج إلى الكمالت ومرقى كل الفواضل والفضائل والسعادات ،فلله الحمد
وله المنة.
غفُورٌ رَحِيمٌ} يريد تعالى من
خ َمصَةٍ غَيْرَ مُ َتجَا ِنفٍ لِثْمٍ فَإِنّ اللّهَ َ
ضطُرّ فِي مَ ْ
وقوله تعالىَ { :فمَنِ ا ْ
اضطر ،أي :ألجأته الضرورة وهي شدة الجوع وهي المخمصة 1والمسغبة إلى أكل ما حرمت
عليكم من الميتة وأنواعها فأكل فل إثم عليه فإني غفور لعبادي المؤمنين رحيم بهم إل أن يكون
قد أكل من الميتة وأنواعها متعمدا المعصية مائلً إليها غير مبال بتحريمي لها ،فذاك الذي
عصاني وتعرض لنقمتي وعذابي فإن تاب فإني غفور رحيم ،وإن أصر فإن عذابي أليم شديد.
هداية الية
من هداية الية:
-1حرمة الميتة وما ذكر معها وهي عشر من المحرمات.
-2حرمة الستقسام بالزلم ومثلها قرعة النبياء وخط الرمل والكهانة وما أشبه ذلك.
-3حرمة الذبح على القبور والقباب والنصب التذكارية وهي من الشرك.
-4جواز أكل ما أدركه المسلم حيا من الحيوان المأكول فذكاه وإن كان قد جرح أو كسر أو
أشرف على الموت بأي سبب مميت .2
__________
1المخمصة :لغة الجوع ،وخلء البطن من الطعام .والخمص :ضمور البطن ،ومنه الحديث" :إن
الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا" .وفي الحديث أيضًا" :خماص البطون خفاف الظهور".
والخميصة :ثوب ،وجمعها :خمائص ،ثياب خز وصوف ،وفي الحديث" :تعس عبد الخميصة ".
2من آداب التذكية :الرفق بالحيوان ،إحداد الشفرة ،إن يوجهها إلى القبلة ،تركها حتى تبرد قبل
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أن يشرع في سلخها ،إحضار نية الباحة قبل الشروع في الذبح ،بأن يقول :بسم ال ال اكبر.
والعتراف بالمنة ل؛ حيث سخر لنا هذا الحيوان ،ولو شاء لسلطه علينا ،وأباح لنا ما لو شاء
لحرمه علينا .وكل هذه الداب جاءت في قوله صلى ال عليه وسلم" :إن ال كتب الحسان على
كل شيء ،فإذا قتلتم فأحسنوا القتل ،وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح" .الذبح.
( )1/592
( )1/593
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{ُأجُورَهُنّ} :مهورهن وصدقاتهن.
{غَيْرَ مُسَا ِفحِينَ} :غير مجاهرين بالزنى.
{َأخْدَانٍ} :جمع خدن وهو الخليل والصاحب السري.
{ َومَنْ َي ْكفُرْ بِالِيمَانِ} :أي :يرتد عن اليمان ،فالباء بمعنى عن إذ يقال :ارتد عن كذا...
عمَُلهُ} :بطل عمله ما قدمه من الصالحات فل يثاب عليه.
{حَبِطَ َ
معنى اليتين:
ورد أن جبريل عليه السلم أتى النبي صلى ال عليه وسلم فاستأذن فأذن له النبي صلى ال عليه
وسلم ،فأبى أن يدخل لوجود كلب صغير في البيت فقال" :إنا ل ندخل بيتا فيه كلب" .فأمر النبي
بعدها بقتل الكلب ،فقتلت ثم جاء بعضهم يسأل عما يحل لهم من أمة الكلب ،فأنزل ال تعالى
حلّ َلكُمُ الطّيّبَاتُ} وهي كل ما لذ وطاب مما أباحه ال
حلّ َل ُهمْ ُقلْ أُ ِ
هذه الية{ :يَسْأَلو َنكَ 1مَاذَا أُ ِ
تعالى ولم ينه عنه ،وأحل لكم كذلك صيد ما علمتم من الجوارح وهي الكلب الخاصة بالصطياد
والفهود والنمور والطيور؛ كالصور ونحوها .مكبلين ،أي :مرسلين لها على الصيد لتمسكه لكم،
{ ُتعَّلمُو َنهُنّ ِممّا عَّل َم ُكمُ اللّهُ} .أي :تؤدبون تلك الجوارح بالدب الذي أدبكم ال تعالى به ،وحد
الجارحة المؤدبة أنها إذا اشليت ،أي :أرسلت على الصيد ذهبت إليه وإذا زُجرت انزجرت ،وإذا
سمَ اللّهِ عَلَيْهِ} يفيد شرطين
سكْنَ عَلَ ْيكُم 2وَا ْذكُرُوا ا ْ
دعيت أجابت .وقوله تعالىَ { :فكُلُوا ِممّا َأمْ َ
لحلية الصيد زيادة على كون الجارحة معلمة وهما :أولً :أن يذكر اسم ال عند إرسال الجارحة
بأن يقول :بسم ال هاته مثلً ،والثاني :3أن ل تأكل الجارحة منه فإن أكلت منه فقد أمسكت
لنفسها ولم تمسك لمن أرسلها ،اللهم إل إذا أدركت حية لم تمت
__________
1ذكر القرطبي أن اليةَ { :يسْألونك }...نزلت بسبب عدي بن حاتم ،وزيد الخيل الذي سماه
الرسول صلى ال عليه وسلم" :زيد الخير" ،إذ قال يا رسول ال :إنا قوم نصيد بالكلب والبذاة،
وإن الكلب تأخذ البقر والحمر والظباء فمنه ما ندرك ذكاته ومنه ما نقلته فل ندرك ذكاته ،وقد
حرم ال الميتة ،فماذا يحل لنا؟ فنزلت الية{ :يَسْألونك }..إلخ .ول منافاة بين ما ذكر في التفسير
وبين هذا ،إذ يسأل السائل فيقرأ عليه الرسول بالية فيرى أنها نزلت فيه.
سكْنّ عَلِيكُم} :على هنا بمعنى اللم ،أي :مما أمسكن لكم ولجلكم؛ كقولهم :سجن على
{ 2مما أمْ َ
كذا وضرب الصبي على قوله كذا.
3ذكر القرطبي الجماع على أن الكلب إذا لم يكن أسود وعلمه مسلم فيشلي إذا أشلى ،ويجيب إذا
دُعي ،وينزجر بعد ظفره بالصيد إذا زجر وأن يكون ل يأكل من صيده الذي صاده ،وأثر فيه
بجرح أو تنيب وصاد به مسلم وذكر اسم ال عند ارساله أن صيده صحيح .هذه الشروط داخلة
في الشرطين اللذين ذكرتهما الية ،كما في التفسير إل اشتراط أل يكون الكلب أسود ،وهذا الشرط
فيه خلف.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/594
ثم ذكيت فعند ذلك تحل بالتذكية ل بالصطياد ،1وقوله تعالى{ :وَا ّتقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ ا ْلحِسَاب}
وعيد لمن لم يتق ال في أكل ما حرم أكله من الميتة وأنواعها ،ومن صيد صاده غير معلم من
الجوارح ،أو صاده معلم ولكنه أكل منه فمات قبل التذكية .فلنتق عقوبة ال في ذلك فإن ال سريع
الحساب.
حلّ َلكُمُ
هذا ما دلت عليه الية الولى( ،)4أما الية الثانية( )5وهي قوله تعالى{ :الْ َيوْمَ أُ ِ
الطّيّبَاتُ} ،أي :في هذا اليوم الذي أكمل ال تعالى لكم فيه الدين أحل لكم ما سألتم عنه وهو سائر
الطيبات ،وكذا طعام الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وهم اليهود والنصارى خاصة فطعامهم ،أي:
ذبائحهم حل لكم ،وطعامكم حل لهم ،أي :ل بأس أن تطعموهم من طعامكم فإن ذلك جائز لكم
ولهم .وأحل لكم أيضا نكاح المحصنات ،أي :العفائف من المؤمنات ،والمحصنات من نساء الذين
أوتوا الكتاب من قبلكم وهن العفائف من اليهوديات والنصرانيات ،على شرط إتيانهن أجورهن،
أي :مهورهن حال كونكم محصنين ،أي :عاقدين عليهن عقدة النكاح المتوقفة على المهر والولي
والشهود وصيغة اليجاب والقبول ،ل مسافحين بإعطاء المرأة أجرة وطئها فقط بدون عقد
مستوف لشروطه ،ول متخذي أيضا بأن تنكوحهن سرا بحكم الصحبة والصداقة والمحبة إذ ذاك
عمَلُ ُه وَ ُهوَ
هو الزنى فل يحل بأجرة ول بغير أجرة ،وقوله تعالىَ { :ومَنْ َي ْكفُرْ 2بِالِيمَانِ َفقَدْ حَبِطَ َ
فِي الخِ َرةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} فيه إشارة إلى أن استباحة المحرمات والجرأة على ذلك قد تؤدي إلى
الكفر ،ومن يكفر بعد إيمانه فقد حبط عمله ،أي :بطل ثواب ما عمله في إسلمه ،حتى ولو راجع
السلم فليس له إل ما عمله بعد رجوعه إلى السلم ،وإن مات قبل العودة إلى السلم فهو قطعا
في الخرة من الخاسرين وبإلقائهم في نار جهنم خالدين فيها أبدا.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1مشروعية سؤال من ل يعلم عما ينبغي له أن يعلمه.
-2حلية الصيد إن توفرت شروطه ،وهي :أن يكون الجارح معلما وأن يذكر اسم ال تعالى عند
__________
1قوله صلى ال عليه وسلم" :إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم ال عليه فكل" دال على أن الصائد
يتعين عليه أن يقصد عند إرسال الكلب والطير التذكية والباحة إذا العمال بالنيات ولكل أمرء ما
نوى.
2لفظ اليمان مصدر آمن يؤمن إيمانًا ،أطلق وأريد به السلم؛ لن السلم واليمان متلزمان
ما أسلم من لم يؤمن ،وما آمن من لم يسلم ،ومعنى اليةَ { :ومَنْ يَرْتَدّ عَنْ السلم} .
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/595
إرساله وأن ل يأكل منه الجارح ،ويجوز أكل ما صيد برصاص أو بآلة حادة 1بشرط ذكر اسم
ال عند رميه ولو وجد ميتا فلم يذك.
-3إباحة طعام وذبائح أهل الكتاب.
-4إباحة نكاح الكتابيات بشرط أن تكون حرة 2عفيفة ،وأن يعقد عليها العقد الشرعي وهو القائم
على الولي والشهود والمهر ،والصيغة بأن يقول الخاطب لمن يخطبه من ولي ووكيل :زوجني
فلنة .فيقول له :قد زوجتكها.
-5حرمة نكاح المتعة ونكاح الخلة والصحبة الخاصة.
-6المعاصي قد تقود إلى الكفر.
-7المرتد عن السلم يحبط عمله فلو راجع السلم ل يثاب على ما فعله قبل الردة وإن مات
قبل العودة إلى السلم خسر نفسه وأهله يوم القيامة وذلك هو الخسران المبين.
سكُمْ
سحُوا بِ ُرؤُو ِ
ق وَامْ َ
سلُوا ُوجُو َهكُ ْم وَأَيْدِ َيكُمْ إِلَى ا ْلمَرَافِ ِ
{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ِإذَا ُقمْتُمْ ِإلَى الصّلةِ فَاغْ ِ
حدٌ مِ ْنكُمْ مِنَ
سفَرٍ َأوْ جَاءَ أَ َ
طهّرُوا وَإِنْ كُنْ ُتمْ مَ ْرضَى َأوْ عَلَى َ
وَأَرْجَُلكُمْ إِلَى ا ْل َكعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْ ُتمْ جُنُبا فَا ّ
صعِيدا طَيّبا فَامْسَحُوا ِبوُجُو ِه ُك ْم وَأَيْدِيكُمْ مِ ْنهُ مَا
ا ْلغَائِطِ َأ ْو لمَسْتُمُ النّسَاءَ فَلَمْ َتجِدُوا مَاءً فَتَ َي ّممُوا َ
شكُرُونَ()6
طهّ َركُمْ وَلِيُتِمّ ِن ْعمَتَهُ عَلَ ْيكُمْ َلعَّلكُمْ تَ ْ
ج وََلكِنْ يُرِيدُ لِيُ َ
ج َعلَ عَلَ ْي ُكمْ مِنْ حَرَ ٍ
يُرِيدُ اللّهُ لِ َي ْ
__________
1لفظ :حادة ،احتراز من غير الحادة؛ كالعصا ،وعرض المعراض ،والحجر ،ونحوها ،لحديث:
"إذا ضربت بالمعراض فخرق فكله ،وإن أصابه بعرض فإنه وقيذ فل تأكله" .إذ المعراض :سهم
بل ريش غليظ الوسط يصيب بحدة وعرضة معًا ،فإن أصاب بحدة جاز أكل ما أصابه ،وإن
أصاب بعرضة فهو كالموقوذة فل يؤكل.
2لن المة الكافرة ل تحل للمؤمن لقول ال تعالى{ :مِنْ فَتَياتِكم الْمؤمِنات} أي :ل الكافرات.
الية من سورة النساء.
( )1/596
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فَاغْسِلُوا وُجُو َهكُمْ :أي :بعد غسل الكفين ثلثا ،والمضمضة والستنشاق والستنثار ثلثا ثلثا
لبيان رسول 2ال صلى ال عليه وسلم ذلك.
وَأَرْجَُلكُمْ إِلَى ا ْل َكعْبَيْنِ :أي :واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين إل أن يكون عليها خف ساتر فإنه يجوز
المسح عليه دون حاجة إلى نزعه وغسل الرجلين ،وذلك إن لبسه بعد وضوء ولم يمض على
لبسه أكثر من يوم وليلة إن كان مقيما ،أو ثلثة أيام إن كان مسافرا بهذا جاءت السنة .3
وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبا :الجنب :من قامت به جنابة ،وهي شيئان :غياب رأس الذكر في الفرج ،وخروج
المني بلذة في نوم أو يقظة.
طهّرُوا :يعني :فاغتسلوا ،والغسل :هو غسل سائر الجسد بالماء.
فَا ّ
ا ْلغَائِطِ :كناية عن الخارج من أحد السبيلين من عذرة أو فساء أو ضراط ،أو بول أو مذي.
َأوْ لمَسْتُمُ النّسَاءَ :ملمسة النساء كناية عن الجماع ،كما أن من لمس امرأة ليلتذذ بها
__________
1إن خلفًا طويلً عريضًا ف تأويل هذه الية ،وهو يدور على هل الوضوء واجب لكل صلة أو
هو مستحب أو واجب على المحدث ل غير ،ومستحب لغيره ،وهل في الية تقديم وتأخير؟ والذي
عليه جمهور المة :أن الوضوء واجب على المحدث ل غير ومستحب لغيره ،وأن تأويل الية هو
كان في التفسير ،ومما ينبغي الشارة إليه أن الوضوء والغسل والتيمم كلها كانت مشروعة قبل
نزول هذه الية ،إذ ما صلى رسول ال صلى ال عليه وسلم صلة بغير وضوء ،ومشروعية
التيمم نزلت في غزوة المريسيع ،وكانت سنة خمس أو ست من الهجرة ،وعليه فالية شملت
الطهارة بأنواعها مؤكدة لها لتبقى خالدة تتلى في كتاب ال نتعبد بتلوتها ويعمل بمضمونها علمًا
وعملً ،إذ سورة المائدة من آخر ما نزلت من القرآن كما تقدم.
2ورد هذا في حديث عثمان في الصحيح ،إذ فيه" :ثم تمضمض واستنشق واستنثر" .
3لحديث مسلم عن علي رضي ال عنه أنه قال :جعل رسول ال صلى ال عليه وسلم ثلثة أيام
ولياليهن للمسافر ويومًا وليلة للمقيم .يعني في المسح على الخفين.
( )1/597
أو لمسها لغير قصد اللذة ووجد اللذة فقد انتقض وضوءه ،ومن هذا مس الفرج باليد لنه مظنة
اللذة ،لذا قال الرسول صلى ال عليه وسلم" :من أفضى منكم بيده إلى فرجه فليتوضأ" .
صعِيدا} :اقصدوا ترابا أو حجرا أو رملً أو سبخة مما صعد على وجه الرض.
{فَتَ َي ّممُوا َ
الحرج :المشقة والعسر والضيق.
{ َومِيثَاقَهُ} :أي :ميثاق ال تعالى ،وهو عهده المؤكد ،والمراد به هنا :شهادة أن ل إله إل ال وأن
محمدا رسول ال ،إذ بها وجب اللتزام بسائر التكاليف الشرعية.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
معنى اليتين:
نادى الرب تعالى عباده المؤمنين به وبرسوله ووعده ووعيده ليأمرهم بالطهارة ،إذا هم أرادوا
الصلة ،وهي مناجاة العبد لربه لحديث المصلى يناجي 1.2ربه ،وبين لهم الطهارة الصغرى منها
وهي الوضوء ،والكبرى وهي الغسل ،وبين لهم ما ينوب عنها إذا تعذر وجود الماء الذي به
الطهارة أو عجزوا عن استعماله ،وهو التيمم فقال تعالى{ :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ِإذَا ُقمْتُمْ إِلَى الصّلةِ
فَاغْسِلُوا وُجُو َهكُمْ} وحدُ الوجه طولً من منبت الشعر أعلى الجبهة إلى منتهى الذقن أسفل الوجه
وحده عرضا من وتد الذن اليمنى إلى وتد الذن اليسرى {وَأَيْدِ َيكُمْ إِلَى ا ْلمَرَافِقِ} فيشمل الغسل
سكُمْ} واللفظ
سحُوا بِ ُرؤُو ِ
الكفين والذراعين إلى بداية العضدين ،فيدخل في الغسل المرفقان {وَامْ َ
محتمل للكل والبعض ،والسنة بينت أن الماسح يقبل بيديه ويدبر بهما فيمسح جميع رأسه ،وهو
أكمل وذلك ببلل يكون في كفيه ،كما بينت السنة مسح الذنين ظاهرا وباطنا بعد مسح الرأس
{وَأَرْجَُل ُكمْ إِلَى ا ْل َكعْبَيْنِ} ،أي :واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين ،وهما العظمان النائتان عند بداية
الساق ،وبينت السنة رخصة المسح 3على الخفين بدلً من غسل الرجلين ،كما بينت غسل الكفين
والمضمضة والستنشاق والستنثار ،وكون
__________
1نص الحديث" :إذا كان أحدكم في الصلة فإنه يناجي ربه" ،وفي رواية البخاري " :إذا كان
أحدكم في الصلة فإن ربه بينه وبين القبلة" .
2وكل ما ذكر في التفسير من صفة الوضوء والغسل والتيمم هو ثابت في الصحاح والسنن،
وليس فيه ما هو ضعيف قط.
3وضلت الرافضة فأخذوا بقراءة{ :وأرجلكم} بالكسر ومسحوا أرجلهم في كل وضوء وتركوا
غسل الرجلين أبدًا ،والحامل لهم على ذلك أن رؤسائهم زينوا لهم ذلك وأوجبوه عليهم لعلة أن
يبقوا بعيدين عن السلم والمسلمين ليستغلوهم ماديًا ،وليعدوهم لقتال المسلمين لعادة دولة
المجوس التي يحلمون بها ،وأما أهل السنة والجماعة فإنهم عملوا بكتاب ربهم وسنة نبيهم فغسلوا
أرجلهم؛ لن نبيهم لم يمسح رجليه بدون خف قط ،ومسحوا على الخفين كما مسح نبيهم فأخذوا
بالقراءتين معًا.
( )1/598
الغسل ثلثا ثلثا على وجه الستحباب ،وقول بسم ال عند الشروع ،أي :البدء في الوضوء .كما
بينت السنة وجوب الترتيب بين العضاء المغسولة الول فالول ،ووجوب الفور بحيث ل يفصل
بزمن بين أعضاء الوضوء حال غسلها بل يفعلها في وقت واحد إن أمكن ذلك وأكدت وجوب
النية حتى لكأنه شرط في صحة الوضوء .1
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
طهّرُوا }2أي :وإن أصابت أحدكم جنابة وهي الجماع والحتلم
وقال تعالى{ :وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبا فَا ّ
فمن جامع زوجته فأولج ذكره في فرجها ولو لم ينزل ،أي :لم يخرج منه المني فقد أجنب ،كما أن
من احتلم فخرج منه مني فقد أجنب بل كل من خرج منه مني بلذة في نوم أو يقظة فقد أجنب
طهّرُوا} يريد
وانقطاع دم حيض المرأة ،ودم نفاسها؛ كالجنابة يجب منه الغسل ،وقوله{ :فَا ّ
فاغتسلوا وقد بينت السنة كيفية الغسل وهي :أن ينوي المرء رفع الحدث الكبر بقلبه ويغسل كفيه
قائلً :بسم ال ويغسل فرجه وا حولهما ،ثم يتوضأ الوضوء الصغر المعروف ،ثم يخلل أصول
شعر رأسه ببلل يديه ،ثم يغسل رأسه 3ثلث مرات ،ثم يقبض الماء على شق جسده اليمن كله
من أعله إلى أسفله ،ثم اليسر ،ويتعاهد الماكن التي قد ينبو عنها الماء فل يمسها؛ كالسرة
سفَرٍ َأوْ
وتحت البطين ،والرفقين وهما أصل الفخذين ،وقوله تعالى{ :وَإِنْ كُنْ ُتمْ مَ ْرضَى َأوْ عَلَى َ
جدُوا مَاءً} ذكر تعالى في هذه الجملة الكريمة
حدٌ مِ ْنكُمْ مِنَ ا ْلغَا ِئطِ َأ ْو لمَسْتُمُ النّسَاءَ فَلَمْ تَ ِ
جَاءَ أَ َ
نواقض الوضوء وموجب النتقال منه إلى التيمم فقال{ :وَإِنْ كُنْتُمْ مَ ْرضَى} ،فالمريض قد يعجز
عن الوضوء لضعف جسمه بعدم القدرة على التحرك ،وقد تكون به جراحات أو دماميل يتعذر
سفَرٍ} إذ السفر مظنة عدم
معها استعمال الماء حيث يزداد المرض بمس الماء ،وقولهَ{ :أوْ عَلَى َ
حدٌ مِ ْنكُمْ مِنَ
وجود الماء هذه موجبات النتقال من الوضوء إلى التيمم ،وقوله عز وجلَ{ :أوْ جَاءَ أَ َ
ا ْلغَائِطَِ 4أ ْو لمَسْتُمُ النّسَاءَ} .
__________
1بعض الفقهاء يعدون النية فرضًا من فروض الوضوء ،وبعضهم يعدها شرطًا ،وما دام
المشروط يتوقف على شرطه صحة وبطلنًا ،والفرض إذا ترك بطل الوضوء فإنه خلف لفظي
ل غير.
{ 2فاطهروا} :أصلها فتطهروا ،فأدغمت التاء في الطاء لتحاد مخرجيهما ،ومعنى :اطهروا:
اغتسلوا ،وفي الحديث الصحيح" :ل يقبل ال صلة بغير طهور. "...
3مع أذنيه ظاهرًا وباطنًا.
4أصل الغائط :أنه المكان المنخفض ،ولما كان من يريد قضاء حاجته يأتي المكان المنخفض
ليستتر عن أعين الناس ،أطلق لفظ الغائط على ما يحل فيه من بول وعذرة.
( )1/599
ذكر في الجملة الولى نواقض الوضوء إجمالً وهو الخارج من السبيلين من عذرة وفساء
وضراط وبول ومذي كنى عنه بقولهَ{ :أوْ جَاءَ َأحَدٌ مِ ْنكُمْ مِنَ ا ْلغَائِطِ} وهو مكان التغوط والتبول،
وذكر موجب الغسل وهو الجماع ،وكنى عنه بالملمسة ،تعليما لعباده المؤمنين الداب الرفيعة في
جدُوا مَاءً} للوضوء أو الغسل بعد أن طلبتموه فلم تجدوه فتيمموا ،اقصدوا
مخاطباتهم ،وقوله{ :فَلَمْ تَ ِ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
من أم الشيء إذا قصده صعيدا طيبا يريد ما صعد على وجه الرض من أجزائها؛ كالتراب
سحُوا
والرمل والسبخة والحجارة ،وقوله{ :طَيّبا} يريد به طاهرا من النجاسة والقذر ،وقوله{ :فَامْ َ
ِبوُجُو ِهكُ ْم وَأَيْدِي ُكمْ مِنْهُ} بين فيه كيفية التيمم ،وهي أن يقصد المرء التراب الطاهر وإن تعذر ذلك
فما تيسر له من أجزاء الرض فيضرب بكفيه الرض فيمسح بهما وجهه وكفيه طاهرا أو باطنا
مرة واحدة وقوله تعالى{ :مِنْهُ} أي :من ذلك الصعيد ،وبهذا بين تعالى كيفية التيمم ،وهي التي
علمها رسول ال صلى ال عليه وسلم عمار بن ياسر 1رضي ال عنه وقوله تعالى{ :مَا يُرِيدُ اللّهُ
ج َعلَ عَلَ ْيكُمْ مِنْ حَرَجٍ} يخبر تعالى أنه يأمرنا بالطهارة بقسميها الصغرى وهي الوضوء،
لِيَ ْ
والكبرى وهي الغسل ،وما ينوب عنهما عند العجز ،وهو التيمم ،ما يريد بذلك إيقاعنا في الضيق
والعنت ،ولكنه تعالى يريد بذلك تطهيرنا من الحداث والذنوب ،لن الوضوء كفارة لذنب
طهّ َركُ ْم وَلِيُ ِتمّ ِن ْعمَتَهُ عَلَ ْيكُمْ}
المتوضئ كما جاء بيانه في السنة 2وهو قوله تعالى{ :وََلكِنْ يُرِيدُ لِيُ َ
أي :بهدايتكم إلى السلم وتعليمكم شرائعه فيعدكم بذلك لشكره وهو طاعته بالعمل بما جاء به
شكُرُونَ} .
السلم من العمال الباطنة والظاهرة ،وهو معنى قولهَ{ :لعَّلكُمْ َت ْ
هذا ما دلت عليه الية الولى ( ،)6أما الية الخيرة ( )7وه قوله تعالى{ :وَا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ
علِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ} فإنه
طعْنَا وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ َ
س ِمعْنَا وََأ َ
عَلَ ْيكُ ْم َومِيثَاقَهُ الّذِي وَاثَ َقكُمْ ِبهِ إِذْ قُلْتُمْ َ
تعالى يأمر عباده المؤمنين أن يذكروا نعمته عليهم بهدايتهم إلى اليمان ليشكروه بالسلم ،كما
يذكروا ميثاقه الذي واثقهم به ،وهو العهد الذي قطعه المؤمن على نفسه لربه تعالى بالتزامه
بطاعته وطاعة رسوله محمد صلى ال عليه وسلم عندما تعهد أن ل إله إل ال وأن
__________
1إذ قال له" :إنما يكفيك أن تقول هكذا ثم ضرب بيديه الرض ضربة واحدة ،ثم مسح الشمال
على اليمين ،وظاهر كفيه ووجه" متفق عليه .وورد أنه يضرب الرض فيمسح وجه ثم يكررها
مرة أخرى فيمسح كفيه ،وورد عن ابن عمر مسحهما إلى المرفقين.
2ورد في فضل الوضوء أحاديث صحيحة كثيرة منها" :من توضأ فأحسن الوضوء ثم قام إلى
الصلة خرجت ذنوبه من سمعه وبصره ويديه ورجليه" ،ومنها" :ما من مسلم يتوضأ فيحسن
الوضوء ثم يرفع طرفه إلى السماء ويقول :أشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له وأشهد أن
محمدًا عبده ورسوله ،اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين إل فتحت له أبواب الجنة
الثمانية" .
( )1/600
( )1/601
جحِيمِ( )10يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ْذكُرُوا ِن ْع َمتَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ إِذْ َهمّ َقوْمٌ أَنْ يَ ْبسُطُوا إِلَ ْي ُكمْ أَيْدِ َيهُمْ َفكَفّ
الْ َ
أَيْدِ َيهُمْ عَ ْنكُ ْم وَا ّتقُوا اللّ َه وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ(})11
شرح الكلمات:
{ َقوّامِينَ لِلّهِ} :جمع قوام ،وهو كثير القيام ل تعالى بحقوقه وما وجب له تعالى ،وبحقوق الغير
أيضا ل يفرط في شيء من ذلك.
سطِ} :جمع شهيد بمعنى :شاهد ،والقسط :العدل.
ش َهدَاءَ بِا ْلقِ ْ
{ُ
{وَل يَجْ ِرمَ ّنكُمْ} :أي :ل يحملنكم.
{شَنَآنُ} :بغض وعداوة.
العدل :خلف الجور ،وهو المساواة بل حيف ول جور.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{ ُهوَ َأقْ َربُ لِل ّت ْقوَى} :أي :العدل أقرب للتقوى من الجور.
{ َهمّ َقوْمٌ} :أرادوا وعزموا على إنفاذ إرادتهم والقوم هم يهود بني النضير.
سطُوا إِلَ ْيكُمْ أَيْدِ َيهُمْ} :أي :ليقتلوا نبيكم صلى ال عليه وسلم.
{يَبْ ُ
{ َف َكفّ أَيْدِ َيهُمْ} :لم يمكنهم مما أرادوه من قتل النبي صلى ال عليه وسلم.
معنى اليات:
ما زال السياق الكريم في توجيه المؤمنين وإرشادهم إلى ما يكملهم ويسعدهم ،1ففي الية ()8
أمر ال تعالى المؤمنين أن يكونوا قوامين ل تعالى بسائر حقوقه عليهم من الطاعات ،وأن يكونوا
شهداء بالعدل ل يحيفون ول يجورون في شيء سواه كان المشهد عليه وليا أو عدوا ،ونهاهم أن
يحملهم بغض قوم أو عداوتهم على ترك العدل وقد أمروا به ،ثم أمرهم بالعدل وأعلمهم أن أهل
العدل هم أقرب الناس إلى التقوى ،2لن من كانت ملكة العدل
__________
1لما ذكرهم تعالى في اليات السابقة بنعمه العظيمة ،طلب إليهم في هذه الية أن يشكروا تلك
سطِ}.
شهَدَاءَ بِا ْلقِ ْ
النعم ،وذلك بالوفاء له بالعهد ،فقال لهم{ :كُونُوا َقوّامِينَ لِلّهِ ُ
2المراد من التقوى :التقوى الكاملة التامة التي هي ملك المر ،إذ بها تتحقق لهم ولية ربهم ما
داموا مؤمنين متقين.
( )1/602
صفة له كان أقدر على أداء الحقوق والواجبات ،وعلى ترك الظلم واجتناب المنهيات ،ثم أمرهم
بالتقوى مؤكدا شأنها؛ لنها ملك المر ،وأعلمهم بأنه خبير بما يعملون لتزداد ملكة مراقبة ال
تعالى في نفوسهم فيفوزون بالعدل والتقوى معا ،هذا ما دلت عليه الية الولى( )8أما الية( )9فقد
تضمنت بشرى سارة 1لهم ،وهي أن ربهم قد وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالمغفرة
لذنوبهم والجر العظيم لهم وهو الجنة ،وقلت بشرى سارة لهم ،لنهم هم أهل اليمان وصالح
العمال رضي ال عنهم وأرضاهم ،أما الية الثالثة( )10فقد تضمنت وعيدا شديدا للكافرين
المكذبين بآيات ال وحججه التي أرسل بها رسله وأيدهم بها ،ولزم لكذبهم وكفرهم خبث
أرواحهم ،ولذا فهم ل يلئمهم إل عذاب النار فكانوا بذلك أصحاب الجحيم 2الذين ل يفارقونها
أبدا ،وأما الية الرابعة( )11فقد ذكرهم تعالى بنعمة عظيمة من نعمه ،هي نجاة نبيهم محمد صلى
ال عليه وسلم من قتل أعدائه وأعدائهم وهم اليهود إذ ورد في سبب نزول هذه الية ما خلصته:
أن أولياء العامريين الذين قتل خطأ من قبل مسلم حيث ظنهما كافرين فقتلهما ،جاءوا يطالبون
بدية قتيلهم ،فخرج رسول ال صلى ال عليه وسلم ومعه الخلفاء الراشدون الربعة وعبد الرحمن
بن عوف رضي ال عنهم أجمعين إلى بني النضير يطالبونهم بتحمل شيء من هذه الدية بموجب
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عقد المعاهدة ،إذ من جملة موادها :تحمل أحد الطرفين معونة الطرف الخر في مثل هذه الحالة
المالية ،فلما وصلوا إلى ديارهم شرق المدينة استقبلوا رسول ال صلى ال عليه وسلم بالحفاوة
والتكريم وأجلسوه مكانا لئقا تحت جدار منزل من منازلهم وأفهموه أنهم يعدون الطعام والنقود،
وقد خلوا ببعضهم وتأمروا على قتله صلى ال عليه وسلم ،وقالوا فرصة متاحة فل نفوتها أبدا
وأمروا أحدهم أن يطلق من سطح المنزل حجر رحى كبيرة على رأس النبي صلى ال عليه وسلم
فتقتله ،وما زالوا يدبرون مكيدتهم حتى أوحى ال إلى رسوله بالمؤامرة الدنيئة ،فقام صلى ال
عليه وسلم وتبعه أصحابه ودخلوا إلى المدينة وفاتت فرصة اليهود واستوجبوا بذلك اللعن وإلغاء
المعاهدة وإجلئهم من المدينة ،وقصتهم في سورة الحشر ،والمقصود من هذا بيان المراد من قوله
تعالى{ :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ
__________
خ ْوفٌ عَلَ ْي ِه ْم وَل ُهمْ يَحْزَنُونََ ،ل ُهمُ الْبُشْرَى فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي
1لقوله تعالى{ :إِنّ َأوْلِيَاءَ اللّهِ ل َ
الخِ َرةِ} .
2في الية قصر إدعائي ،وهو قوله تعالى{ :أولئك أصْحَابْ ا ْلجَحيِم} ،أي :ل غيرهم؛ كأنهم
المتأهلون للعذاب والخلود فيه دون غيرهم ،وذلك لعظم جرمهم بالكفر والتكذيب.
( )1/603
سطُوا 1إِلَ ْيكُمْ أَيْدِ َيهُمْ} أي :بالقتل للنبي صلى ال
آمَنُوا ا ْذكُرُوا ِن ْع َمتَ اللّهِ عَلَ ْي ُكمْ إِذْ هَمّ َقوْمٌ أَنْ يَبْ ُ
عليه وسلم { َف َكفّ أَيْدِ َي ُهمْ عَ ْنكُمْ} حيث أوحى إلى رسوله ما دبره اليهود فانصرف وتركهم لم
يظفروا بما أرادوا ،وهو معنىَ { :ف َكفّ أَ ْيدِ َيهُمْ 2عَ ْن ُكمْ}.
ثم أمر ال تعالى المؤمنين بتقواه ،إذ هي سلم كمالهم وسبيل نجاحهم ،وهي عبارة عن امتثال أمره
وأمر رسوله واجتناب نهيهما وأرشدهم إلى التوكل عليه تعالى في جميع أمورهم بقوله{ :وَعَلَى 3
اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ} .
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب القيام بحق ال تعالى على العبد ،وهو ذكره وشكره بطاعته.
-2وجوب العدل في الحكم والقول والشهادة والفعل ومع الولي والعدو سواء.
-3تأكيد المر بتقوى ال عز وجل.
-4الترغيب والترهيب بذكر الوعد والوعيد كما في اليتين()9و(.)10
-5وجوب ذكر النعمة حتى يؤدى شكرها.
-6وجوب التوكل على ال تعالى والمضي في أداء ما أوجب ال تعالى.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عشَرَ َنقِيبا َوقَالَ اللّهُ إِنّي َم َعكُمْ لَئِنْ َأ َقمْتُمُ
{وََلقَدْ َأخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي ِإسْرائيلَ وَ َبعَثْنَا مِ ْنهُمُ اثْ َنيْ َ
لكَفّرَنّ عَ ْنكُمْ سَيّئَا ِت ُكمْ
الصّلةَ وَآتَيْتُمُ ال ّزكَا َة وَآمَنْ ُتمْ بِرُسُلِي وَعَزّرْ ُتمُوهُ ْم وََأقْ َرضْتُمُ اللّهَ قَرْضا حَسَنا ُ
وَلُ ْدخِلَ ّنكُمْ
__________
1ولهذه الحادثة نظيرتها ،فقد تعددت مؤامرات اليهود والمشركين على النبي صلى ال عليه وسلم
والمؤمنين ،ففي الحديبية حصل مثل هذا ،وحادثة غورث ،وعثور كذلك ،إذ الكل همه فيها ببسط
أيديهم بالذى ،ولكن ال كف أيديهم فله الحمد وله المنة.
2كف اليد :كناية عن عدم القتل والقتال .وبسطها :كناية عن السوء والذى الحاصل بها.
3في الية قصر حقيقي ،وهو أن التوكل ل يكون إل على ال ،إذ ل كافي إل هو سبحانه وتعالى.
( )1/604
سوَاءَ السّبِيلِ(})12
ضلّ َ
جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ َفمَنْ كَفَرَ َبعْدَ ذَِلكَ مِ ْنكُمْ َفقَ ْد َ
شرح الكلمات:
الميثاق :العهد المؤكد باليمان.
{بَنِي إِسْرائيلَ} :اليهود.
{ َنقِيبا : }1نقيب القوم :من ينقب عنهم ويبحث عن شؤونهم ويتولى أمورهم.
{وَعَزّرْ ُتمُوهُمْ : }2أي :نصرتموهم ودافعتم عنهم معظمين لهم.
{وََأقْ َرضْتُمُ اللّهَ} :أي :أنفقتم في سبيله ترجون الجزاء منه تعالى على نفقاتكم في سبيله.
ل َكفّرَنّ عَ ْنكُمْ سَيّئَا ِتكُمْ} :أسترها ولم أوآخذكم بها.
{ُ
سوَاءَ السّبِيلِ} :أخطأ طريق الهدى الذي يفلح سالكه بالفوز بالمحبوب والنجاة من
ضلّ َ
{ َفقَ ْد َ
المرهوب.
معنى الية الكريمة:
لما طالب تعالى المؤمنين بالوفاء بعهودهم واللتزام بمواثيقهم ذكرهم في هذه الية بما أخذ على
بني إسرائيل من ميثاق فنقضوه فاستوجبوا خزي الدنيا وعذاب الخرة ليكون هذا عبرة للمؤمنين
حتى ل ينكثوا عهدهم ول ينقضوا ميثاقهم كما هو إبطال لستعظام من استعظم غدر اليهود وهمهم
بقتل النبي صلى ال عليه وسلم فقال تعالى{ :وََلقَدْ َأخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي ِإسْرائيلَ} وهو قوله إني
عشَرَ َنقِيبا }3أي :من كل قبيلة من قبائلهم الثنى عشرة قبيلة نقيبا
معكم التي{ ،وَ َبعَثْنَا مِ ْنهُمُ اثْ َنيْ َ
يرعاهم ويفتش على أحوالهم كرئيس فيهم ،وهم الذين بعثهم موسى عليه
__________
1النقب ،والنقب بفتح القاف وضمها :الطريق في الجبل .والنقيب :المين على القوم ،وجمعه
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
نقباء ،وهو من ينقب عن أمور القوم ومصالحهم ليرعاها لهم .وقالوا النقيب أكبر من العريف،
وفي البخاري" :ارجعوا حتى يرفع إلينا عرفائكم أمركم" .
2التعزير :التعظيم .والتوقير والنصرة والدفاع عن المعزر .والتعزير في الشرع :الضرب دون
الحد لرد المخالف إلى الحق وسبيل الرشاد.
3من بين النقباء الثنى عشر :يوشع ،وكالب ،وهما رجلن صالحان ،والباقون هلكوا فل خير
فيهم.
( )1/605
السلم إلى فلسطين لتعرفوا على أحوال الكنعانيين 1قبل قتالهم .وقال ال تعالى{ :إِنّي َم َعكُمْ} ،
وهذا بند الميثاق {لَئِنْ َأ َقمْتُمُ الصّلةَ} أي :وعزتي وجللي {لَئِنْ َأ َقمْتُمُ الصّلةَ وَآتَيْ ُتمُ ال ّزكَا َة وَآمَنْتُمْ
بِرُسُلِي} صدقتموهم فيما جاءوكم به {وَعَزّرْ ُتمُوهُمْ} بنصرتهم وتعظيمهم{ ،وََأقْ َرضْتُمُ اللّهَ قَرْضا
حسَنا} أي :زيادة على الزكاة الواجبة والعامة في النفاق ،وفي تزكية النفس باليمان وصالح
َ
ل َكفّرَنّ عَ ْنكُمْ سَيّئَا ِت ُكمْ }2بإذهاب آثارها من نفوسكم حتى تطيب وتطهر { َولُدْخِلَ ّن ُكمْ} بعد
العمال { ُ
ذلك التطهير {جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا} ،أي :من تحت أشجارها وقصورها {الَ ْنهَارُ} هذا جزاء
سوَاءَ السّبِيلِ} أي :أخطأ
ضلّ َ
الوفاء بالميثاق { َفمَنْ َكفَرَ} فنقض وأهمل ما فيه فكفر بعده { َفقَ ْد َ
طريق الفلح في الدنيا والخرة ،أي :خرج عن الطريق المفضي بسالكه إلى النجاة والسعادة.
هداية الية
من هداية الية:
-1الحث على الوفاء باللتزامات الشرعية.
-2إبطال استغراب واستعظام من يستغرب من اليهود مكرهم ونقضهم وخبثهم ويستعظم ذلك
منهم.
-3إقام الصلة وإيتاء الزكاة والنفاق في سبيل ال تعبد ال بها 3من قبل هذه المة.
-4وجوب تعظيم 4الرسول صلى ال عليه وسلم ونصرته في أمته ودينه.
__________
1في الية دليل على قبول خبر الواحد فيما يحتاج إليه من الطلع على حاجة من الحاجات
الدينية والدنيوية ،وفيها دليل على اتخاذ العين ،أي :الجاسوس ،وقد بعث رسول ال صلى ال عليه
وسلم" :بسبسبة" عينًا في غزوة بدر بعثه لتقصي أخبار أبي سفيان .رواه مسلم.
2هذا جواب القسم في قوله{ :لَئِنْ َأ َقمْ ُتمُ الصّلةَ }...إلخ .وأما قوله تعالى{ :إِنيِ َمعَكم} فهو إخبار
بوعد ال تعالى لبني إسرائيل ،وهي معية نصرة وتأييد إن هم وفوا ال بما أخذ عليهم من عهد
وميثاق وجملة{ :لَئِنْ َأ َقمْتُمُ} جملة مستأنفة ول علقة لها بجملة الوعد { :إني معكم}.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
3ليس هذا من خصائص أمة السلم؛ لن هذه العبادات شرعت لسعاد وإكمال النسان ،لذا هي
مشروعة لكل المم لتوقف الكمال والسعادة على مثلها من مزكيات النفوس ومهذبات الخلق.
4لن مقام الرسل شريف ،وكيف وهم رسول ال تعالى ،ثم لول وجوب ذلك لهم مع وجوب
محبتهم لما أطاعهم من بعثوا فيهم وأرسلوا إليهم.
( )1/606
جعَلْنَا قُلُو َبهُمْ قَاسِ َيةً يُحَ ّرفُونَ ا ْلكَلِمَ عَنْ َموَاضِعِ ِه وَنَسُوا حَظّا ِممّا
ضهِمْ مِيثَا َقهُمْ َلعَنّاهُمْ وَ َ
{فَ ِبمَا َن ْق ِ
حبّ
صفَحْ إِنّ اللّهَ ُي ِ
عفُ عَ ْنهُ ْم وَا ْ
ُذكّرُوا بِ ِه وَل تَزَالُ تَطِّلعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِ ْنهُمْ إِل قَلِيلً مِ ْنهُمْ فَا ْ
خذْنَا مِيثَا َقهُمْ فَنَسُوا حَظّا ِممّا ُذكّرُوا ِبهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْ َنهُمُ
حسِنِينَ(َ )13ومِنَ الّذِينَ قَالُوا إِنّا َنصَارَى أَ َ
ا ْلمُ ْ
س ْوفَ يُنَبّ ُئ ُهمُ اللّهُ ِبمَا كَانُوا َيصْ َنعُونَ(})14
ا ْلعَدَا َو َة وَالْ َب ْغضَاءَ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَ ِة وَ َ
شرح الكلمات:
نقض الميثاق :حله بعدم اللتزام بما تضمنه من أمر ونهي.
{َلعَنّا ُهمْ} :طردناهم من موجبات الرحمة ومقتضيات العز والكمال.
{ ُيحَ ّرفُونَ ا ْلكَلِمَ :يبدلون الكلم ويؤولون معانيه لغراض فاسدة ،والكلم من الكلم.
حظّا ِممّا ُذكّرُوا} :تركوا قسطا كبيرا مما ذكرهم ال تعالى به ،أي :أمرهم به في كتابهم.
وَنَسُوا َ
{خَائِنَةٍ} :خيانة أو طائفة خائنة منهم.
صفَحْ} :أي :ل تؤاخذهم واصرف وجهك عنهم محسنا إليهم بذلك.
عفُ عَ ْنهُ ْم وَا ْ
{فَا ْ
{إِنّا َنصَارَى} :أي :ابتدعوها بدعة النصرانية ،فقالوا :إنا نصارى.
{فَأَغْرَيْنَا بَيْ َنهُمُ ا ْلعَدَا َوةَ} :الغراء :التحريش ،والمراد أوجدنا لهم أسباب الفرقة والخلف إلى يوم
القيامة بتدبيرنا الخاص فهم أعداء لبعضهم البعض أبدا.
معنى اليتين:
ما زال السياق الكريم في بيان خبث اليهود و غدرهم ،فقد أخبر تعالى في هذه الية الكريمة
( )1/607
( )13أن اليهود الذين أخذ ال ميثاقهم على عهد موسى عليه السلم بأن يعملوا بما في التوراة وأن
يقابلوا الكنعانيين ويخرجوهم من أرض القدس وبعث منهم أثنى عشر نقيبا قد نكثوا عهدهم
ونقضوا ميثاقهم ،وإنه لذلك لعنهم وجعل قلوبهم قاسية فهم يحرفون الكلم عن مواضعه فقال تعالى:
ضهِمْ }1أي :فبنقضهم ميثاقهم الذي أخذ عليهم بأن يعملوا بما في التوراة ويطيعوا رسولهم
{فَ ِبمَا َن ْق ِ
جعَلْنَا قُلُو َبهُمْ قَاسِيَةً }2شديدة
{َلعَنّا ُهمْ} أي :أبعدناهم من دائرة الرحمة وأفناء الخير والسلم {وَ َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ضعِهِ} فيقدمون ويؤخرون
غليظة ل ترق لموعظة ،ول تلين لقبول هدى {يُحَ ّرفُونَ ا ْلكَلِمَ عَنْ َموَا ِ
ويحذفون بعض الكلم ويؤولون معانيه لتوافق أهواءهم ،ومن ذلك تأويلهم اليات الدالة على نبوة
كل من عيسى ومحمد صلى ال عليهما وسلم في التوراة {وَنَسُوا حَظّا ِممّا ُذكّرُوا ِبهِ} وتركوا
كثيرا مما أمروا به من الشرائع والحكام معرضين عنها متناسين لها كأنهم لم يؤمروا بها ،فهل
يستغرب ممن كان هذا حالهم الغدر والنقض والخيانة ،ول تزال يا رسولنا { َتطّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِ ْنهُمْ
}3أي :على طائفة خائنة منهم كخيانة بني النضير {إِل قَلِيلً مِ ْنهُمْ} فإنهم ل يخونون؛ كعبد ال بن
عفُ 4عَ ْنهُمْ} فل تؤاخذهم بالقتل{ ،وَاصْفَحْ} عنهم فل تتعرض
سلم وغيره ،وبناء على هذا {فَا ْ
حبّ ا ْلمُحْسِنِينَ} .
لمكروههم فأحسن إليهم بذلك {إِنّ اللّهَ ُي ِ
هذا ما دلت عليها الية الولى( ،)13أما الية الثانية( )14في هذا السياق فقد أخبر تعالى عن
النصارى 5وأن حالهم كحال اليهود ل تختلف كثيرا عنهم ،فقد أخذنا ميثاقهم على اليمان بي
وبرسلي وبالعمل بشرعي فتركوا متناسين كثيرا مما أخذ عليهم العهد والميثاق فيه ،فكان أن
أغرينا بينهم 6العداوة والبغضاء كثمرة لنقضهم الميثاق فتعصبت كل طائفة لرأيها فثارت
__________
1الميم في قوله تعالى{ :فَبِما َنقْضُهم} زائدة لتقوية الكلم وتأكيده ولفت النظر إليه ليتأمل وتفهم
معانيه.
2قرئتَ { :قسْية} يقال :عام قسي ،أي :شديد ل مطر فيه ،فالمادة مأخوذة من الشدة والقساوة.
3لفط :خائنة ،صالح لن يكون صفة لطائفة محذوفة كما في التفسير ،وجائز أن تكون خائنة
بمعنى خيانة؛ كقولهم في القيلولة :قائلة ،والخيانة :هي المعصية ،يحدثونها؛ كالكذب والفجور،
وأصل الخيانة :عدم الوفاء بالعهد.
4هذا حمل له صلى ال عليه وسلم على مكارم الخلق؛ لن أذاهم كان منصبًا عليه صلى ال
عليه وسلم ،فأمره بعدم مقابلة الذى بالذى ،بل بالعفو والصفح ليعظم مقامه أمامه ويكبر في
أعينهم.
5التعبير بلفظ :النصارى ،فيه إشارتات مهمتان :الولى :أن النصرانية بدعة ابتدعوها وليست
مما شرع ال تعالى ،فهو ينفي عنهم ذلك .والثانية :بما أنهم راعوا في هذه البدعة نصرة الدين
والحق وأهله أخذًا من قول عيسى{ :مَنْ أَ ْنصَارِي إِلَى اللّهِ} ،فقَالَ الحواريونَ { :نحْنُ أَ ْنصَارُ اللّهِ}
إذا لم تنصرون الحق وهو السلم وأهله ،وهم المسلمون؟.
6من الجائز أن يقال{ :فَأَغْرَيْنَا بَيْ َنهُمُ ا ْلعَدَا َو َة وَالْ َب ْغضَاءَ} هو عائد على اليهود والنصارى؛ لن
العداوة بينهم ثابتة ،إلى أن السياق هو في النصارى فظوائفهم متعددة ومتعادية متباغضة ،كما
أخبر تعالى ،والفرق بين العداوة والبغضاء :أن العداوة من العدوان فقد ينتج عنها أذي بالضرب
أو القتل .وأما البغضاء :فهي من البغض القلبي فل يتوقع من صاحبها أذى.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/608
بينهم الخصومات وكثر الجدل فنشأ عن ذلك العداوات والبغضاء وستستمر إلى يوم القيامة،
وسوف ينبئهم ال تعالى بما كانوا يصنعون من الباطل والشر والفساد ويجازيهم به الجزاء الموافق
لخبث أرواحهم وسوء أعمالهم فإن ربك عزيز حكيم.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1حرمة نقض المواثيق ونكث العهود ول سيما ما كان بين العبد وربه.
-2الخيانة وصف لزم لكثر اليهود فقل من سلم منهم من هذا الوصف.
-3استحباب العفو عند القدرة ،وهو من خلل الصالحين.
-4حال النصارى 1ل تختلف كثيرا عن حال اليهود كأنهم شربوا من ماء واحد .وعليه فل
يستغرب منهم الشر ول يؤمنون على سر ،فهم على عداوة السلم والحرب عليه متعاونون
متواصون.
ب وَ َيعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ
خفُونَ مِنَ ا ْلكِتَا ِ
{يَا َأ ْهلَ ا ْلكِتَابِ َقدْ جَا َءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ َلكُمْ كَثِيرا ِممّا كُنْتُمْ ُت ْ
جهُمْ مِنَ
ضوَانَهُ سُ ُبلَ السّل ِم وَيُخْ ِر ُ
جَا َءكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ َوكِتَابٌ مُبِينٌ(َ )15يهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتّ َبعَ ِر ْ
الظُّلمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْ ِن ِه وَ َيهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ(})16
شرح الكلمات:
{أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ : }2هنا هم اليهود والنصارى معا.
__________
1جائز أن يكون النصارى :جمع نصارى منسوب إلى النصر ،كما قالوا :شعراني ،ولحياني،
منسوب إلى الشعر واللحية.
2الكتاب :اسم جنس ،يصدق على الواحد والثنين والكثر ،والمراد بأهل الكتاب :اليهود
والنصارى ،ونداءه لهم بعنوان الكتاب فيه معنى العيب عليهم سلوكهم الشائن وإنحرافهم الخطير
حيث بعدوا عن كل خير.
( )1/609
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{وَ َي ْعفُو 1عَنْ كَثِيرٍ} :ل يذكرها لكم لعدم الفائدة من ذكرها.
{نُو ٌر َوكِتَابٌ مُبِينٌ} :النور :محمد صلى ال عليه وسلم ،والكتاب :القرآن الكريم.
{إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ} :السلم :وهو الدين الحق الذي ل نجاة إل به .والمستقيم :الذي ل اعوجاج
فيه.
معنى اليتين:
ما زال السياق في أهل الكتاب فبعد أن بين تعالى باطلهم وما هم عليه من شر وسوء دعاهم ،وهو
ربهم وأرحم بهم من أنفسهم إلى سبيل نجاتهم وكمالهم دعاهم إلى اليمان رسوله وكتابه ذلك
الرسول الذي ما اتبعه أحد وندم وخزي ،والكتاب الذي ما ائتم به أحد وضل أو شقين فقال{ :يَا
أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ قَدْ جَا َءكُمْ َرسُولُنَا} أي :محمد صلى ال عليه وسلم {يُبَيّنُ َل ُكمْ} بوحينا {كَثِيرا} من
مسائل الشرع والدين التي تخفونها خشية الفضيحة لنها حق جحدتموه ،وذلك كنعوت النبي المي
وصفاته حتى ل يؤمن به الناس ،وكحكم الرجم في التوراة وما إلى ذلك{ .وَ َي ْعفُو} يترك كثيرا لم
يذكر لعدم الداعي إلى ذكره يا أهل الكتاب { َقدْ جَا َءكُمْ مِنَ اللّهِ} ربكم {نُورٌ} هو رسولنا محمد 2
صلى ال عليه وسلم { َوكِتَابٌ مُبِينٌ} وهو القرآن ،أذ بين كل شيء من أمور الدين والدنيا وكل ما
ضوَانَهُ} ،وذلك
تتوقف سعادة النسان وكماله عليه دنيا وأخرى { َيهْدِي بِهِ اللّهُ} تعالى {مَنِ اتّبَعَ ِر ْ
بالرغبة الصادقة في الحصول على رضا ال عز وجل بواسطة فعل محابه وترك مساخطه عن
جهُمْ} أي:
كل معتقد وقول وعمل يهديه به {سُ ُبلَ السّلمِ} أي :طريق السعادة والكمال{ ،وَ ُيخْرِ ُ
المتبعين رضوان ال {مِنَ الظُّلمَاتِ} وهي ظلمات الكفر والشرك والشك ،إلى نور اليمان الصحيح
والعبادة الصحيحة المزكية للنفس المهذبة للشعور بتوفيقه وعونه تعالى ويهديهم ،أي :أولئك
الراغبين حقا في رضا ال {وَ َيهْدِي ِهمْ إِلَى صِرَاطٍ
__________
{ 1يَعفو} معناه :يعرض ول يظهر ،يقال :عفا الرسم ،إذا لم يظهر ،فعفا عن كذا ،أعرض عنه
ولم يظهره
2واللفظ صالح لن يكون المراد بالنور :السلم ،فالنبي صلى ال عليه وسلم نور السلم ،نور
إذ كل منهما يهدي إلى دار السلم في الخرة وإلى الطهر والصفاء والكمال في دار الدنيا.
( )1/610
مُسْ َتقِيمٍ} ل يضلون معه ول يشقون أبدا ،وهو دينه الحق السلم الذي ل يقبل دينا غيره ،1والذي
ما اهتدى من جانبه ول سعد ول كمل من تركه.
هداية اليتين:
من هداية اليتين:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-1نصح ال تعالى لهل الكتاب بدعوتهم إلى سبل السلم بالدخول في السلم.
-2بيان جحود اليهود والنصارى لكثير من الحكام الشرعية ودلئل النبوة المحمدية مكرا وحسدا
حتى ل يؤمن الناس بالسلم ويدخلوا فيه.
-3اتباع السنة المحمدية يهدي صاحبه إلى سعادته وكماله.
-4القرآن حجة على الناس كافة لبيانه الحق في كل شيء.
-5طالب رضا 2ال بصدق يفوز بكل خبر وينجو من كل ضير.
{َلقَدْ َكفَرَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلمَسِيحُ ابْنُ مَرْ َيمَ ُقلْ َفمَنْ َيمِْلكُ مِنَ اللّهِ شَيْئا إِنْ أَرَادَ أَنْ ُيهِْلكَ
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ َومَا بَيْ َن ُهمَا َيخْلُقُ مَا
جمِيعا وَلِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ
ا ْلمَسِيحَ ابْنَ مَرْ َي َم وَُأمّ ُه َومَنْ فِي الَ ْرضِ َ
شيْءٍ قَدِيرٌ(َ )17وقَاَلتِ الْ َيهُو ُد وَال ّنصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللّهِ وَأَحِبّا ُؤهُ ُقلْ فَِلمَ
يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ
سمَاوَاتِ
ُيعَذّ ُبكُمْ ِبذُنُو ِبكُمْ َبلْ أَنْتُمْ َبشَرٌ ِممّنْ خََلقَ َي ْغفِرُ ِلمَنْ يَشَا ُء وَ ُيعَ ّذبُ مَنْ يَشَا ُء وَلِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ
ض َومَا بَيْ َن ُهمَا وَإِلَ ْيهِ ا ْل َمصِيرُ( )18يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ َقدْ جَا َءكُمْ
وَالَرْ ِ
__________
1شاهده قوله تعالى ،من سورة آل عمرانَ { :ومَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ السلم دِينا فَلَنْ ُيقْ َبلَ مِنْ ُه وَ ُهوَ فِي
الخِ َرةِ مِنَ ا ْلخَاسِرِينَ} .
2لنه يطلبه عن طريق السلم ،والسلم قائد أهله إلى النجاة من كل مرهوب ،وإلى الفوز بكل
محبوب مرغوب.
( )1/611
سلِ أَنْ َتقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ َبشِي ٍر وَل َنذِيرٍ َفقَدْ جَا َءكُمْ بَشِيرٌ
رَسُولُنَا يُبَيّنُ َلكُمْ عَلَى فَتْ َرةٍ مِنَ الرّ ُ
شيْءٍ َقدِيرٌ}
وَنَذِي ٌر وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ
شرح الكلمات:
{َلقَدْ َكفَرَ الّذِينَ} :لنهم جحدوا الحق ،وقالوا كذبا :ال هو المسيح بن مريم.
{ا ْلمَسِيحُ} :لقب لعيسى بن مريم عبد ال ورسوله عليه السلم.
{مَرْيَمَ} :بنت عمران ،من صلحاء بني إسرائيل ،والدة عيسى عليه السلم.
{ ُيهِْلكَ} :يميت ويبيد.
{قَدِيرٌ} :قادر على إيجاد وإعدام كل شيء أراد إيجاده أو إعدامه.
الحباء :واحده :حبيب ،كما أن البناء واحده :ابن.
{عَلَى فَتْ َرةٍ} :الفترة :زمن انقطاع الوحي لعدم إرسال ال تعالى رسولً.
{بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} :البشير :المبشر بالخير ،والنذير :المنذر من الشر ،وهو رسول ال صلى ال عليه
وسلم يبشر المؤمنين وينذر الكافرين.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
معنى اليات:
ما زال السياق الكريم في الحديث عن أهل الكتاب ،ففي الية الولى( )17أخبر تعالى مؤكدا
الخبر بالقسم المحذوف الدالة عليه اللم الواقعة في جواب القسم ،فقالَ{ :لقَدْ َكفَرَ 1الّذِينَ قَالُوا إِنّ
اللّهَ ُهوَ 2ا ْلمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} ووجه كفرهم أنهم جعلوا المخلوف المربوب هو ال الخالق الرب لكل
شيء ،وهو كفر من أقبح أنواع الكفر ،وهذا وإن لم يكن قول أكثر النصارى فإنهم بانتمائهم إلى
النصرانية وقولهم بها وانخراطهم في سلك مبادئها وتعاليمها يؤاخذون به ،لن الرضا بالكفر كفر.
__________
1المراد من ذكر هذا الخبرَ{ :لقَدْ َكفَرَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} هو بيان كفرهم
بهذه المقالة ،ل أنه تقرير لضللهم ونقضهم الميثاق.
2هذا عائد إلى قول بعضهم :إن المسيح لهوت ناسوت ،أي :إله وإنسان .وهو خلط وخبط ل
نظير لهما ،وأشهر طوائفهم ،وهم :اليعقوبية ،والملكائية ،والنسطورية ،ينكرون أن يكون ال هو
المسيح ،ولكن يقولون :إن عيسى ابن ال ،وأنه إله .وهو كذب صراح ،وكفر بواح.
( )1/612
وقوله تعالىُ { :قلْ َفمَنَْ 1يمِْلكُ مِنَ اللّهِ شَيْئا} يعلم رسوله كيف يتحج على أهل هذا الباطل فيقول
له :قل لهم :فمن يملك من ال شيئا إن أراد أن يهلك المسيح بن مريم وأمه عليهما السلم { َومَنْ
جمِيعا} ،والجواب قطعا :ل أحد ،إذا فكيف يكون عبد ال هو ال أو إلها مع ال؟
فِي الَ ْرضِ َ
ت وَالَ ْرضِ
سمَاوَا ِ
أليس هذا هو الضلل بعينه وذهاب العقول بكماله؟ ثم أخبر تعالى أنه له {مُ ْلكُ ال ّ
خلُقُ مَا َيشَاءُ} خلقه بل حجر عليه ول حظر ،و هو على كل
َومَا بَيْ َن ُهمَا} خلقا وتصرفا ،وأنه {يَ ْ
شيء قدير خلق آدم من تراب بل أب ول أم ،وخلق حواء من آدم ،وخلق عيسى من مريم بل
أب ،ويخلق ما يشاء وهو على كل شيء قدير فكون المسيح عليه السلم خلقه بكلمة كن بل أب ل
تستلزم عقلً ول شرعا أن يكون هو ال ،ول ابن ال ،ول ثالث مع ال ،كما هي عقيدة أكثر
النصارى ،والعجب من إصرارهم على هذا الباطل ،هذا ما دلت عليه الية الولى ،أما الية
الثانية( )18فقد تضمنت بيان ضلل اليهود والنصارى معا ،وهو دعواهم أنهم {أَبْنَاءُ اللّه
2وَأَحِبّا ُؤهُ} ،إذ قال تعالى عنهمَ { :وقَاَلتِ الْ َيهُو ُد وَال ّنصَارَى نَحْنُ 3أَبْنَاءُ اللّ ِه وَأَحِبّا ُؤهُ} وهو تبجح
وسفه وضلل ،فأمر ال تعالى رسوله أن يرد عليهم بقوله :قل لهم يا رسولنا{ :فَلِمَ ُيعَذّ ُبكُمْ
بِذُنُو ِبكُمْ} فهل الب يعذب أبناءه ،والحبيب يعذب محبيه ،وأنتم تقولون نعذب في النار أربعين يوما
بسب خطيئة عبادة أسلفهم العجل أربعين يوما ،كما جاء ذلك في قوله تعالى حكاية عنهمَ { :وقَالُوا
لَنْ َتمَسّنَا النّارُ إِل أَيّاما َمعْدُو َدةً} ،والحقيقة أن هذا القول منكم من جملة الترهات والباطيل التي
تعيشون عليها ،وأما أنتم فإنكم بشر ممن خلق ال فنسبتكم إليه تعالى نسبة مخلوق إلى خالق،
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وعبد إلى مالك من آمن منكم وعمل صالحا غفر له وأكرمه ،ومن كفر منكم وعمل سوء عذبه،
كما هي سنته في سائر عباده ،ول اعتراض عليه فإن له ملك السموات والرض وما بينهما وأنتم
من جملة مملوكيه ،وإليه المصير فسوف ترجعون إليه ويجزيكم بوصفكم إنه حكيم عليم.
هذا ما دلت عليه الية الثانية ،أما الية الثالثة( )19فقد تضمنت إقامة الحجة على أهل
__________
1الفاء :للعطف على جملة محذوفة متضمنة كذبهم في قولهم ،والتقدير :كل كذبتم فمن يملك...
إلخ.
2التعبير بالبوة والبنوة المنسوبة إلى ال تعالى تفيض بها التوراة والنجيل ،وهو من التحريف
الذي حصل لكتابيهم ،وأما قول من قال :هذه البوة والبنوة كانت تعني التشريف فاغتر بها
المتأخرون واعتقدوا حقيقتها .هذا القول فيه مجازفة ل تقبل.
3قال ابن عباس رضي ال عنهما" :خوف رسول ال صلى ال عليه وسلم قومًا من اليهود في
العقاب فقالوا :ل نخاف فإننا أبناء ال وأحباؤه ،فنزلت هذه الية.
( )1/613
الكتاب ،فقد ناداهم الرب تبارك وتعالى بقوله{ :يَا َأ ْهلَ ا ْلكِتَابِ} وأعلمهم أنه قد جاءهم رسوله
محمد صلى ال عليه وسلم يبين لهم الطريق المنجي والمسعد في وقت واحد على حين فترة من 1
الرسل ،إذ انقطع الوحي منذ رفع عيسى إلى السماء وقد مضى على ذلك قرابة خمسمائة وسبعين
سنة أرسلنا رسولنا إليكم حتى ل تقولوا معتذرين عن شرككم وكفركم وشركم وفسادكم{ :مَا جَاءَنَا
مِنْ بَشِي ٍر وَل نَذِيرٍ }2فها هو ذا البشير محمد 3صلى ال عليه وسلم قد جاءكم 4فآمنوا به واتبعوه
تنجوا وتسعدوا ،وإل؛ فالعذاب لزم لكم ،وال على تعذيبكم قدير كما هو على كل شيء قدير.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1كفر من ينسب إلى ال تعالى ما هو منزه عنه من سائر النقائص.
-2بطلن دعوى اليهود والنصارى أنهم أبناء ال وأحباؤه بالدليل العقلي.
-3نسبة المخلوقات ل تعالى ل تتجاوز كونها مخلوقة له مملوكة يتصرف فيها كما شاء ويحكم
فيها بما يريد.
-4قطع عذر أهل الكتاب بإرسال الرسول محمد صلى ال عليه وسلم على حين فترة من الرسل.
جعََلكُمْ مُلُوكا وَآتَا ُكمْ مَا
ج َعلَ فِيكُمْ أَنْبِيَا َء وَ َ
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى ِل َقوْمِهِ يَا َقوْمِ ا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ ِإذْ َ
لَمْ ُي ْؤتِ أَحَدا مِنَ ا ْلعَاَلمِينَ( )20يَا َقوْمِ ادْخُلُوا الَ ْرضَ ا ْل ُمقَدّسَةَ الّتِي كَ َتبَ اللّهُ َلكُ ْم وَل تَرْتَدّوا عَلَى
أَدْبَا ِركُمْ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
__________
1الفترة :مشتقة من فتر عن عمله ،يفتر فتورًا ،إذا سكن .والصل فيها النقطاع عما كان عليه
من الجد عليه .والمراد بها في الشرع :هي انقطاع ما بين الرسولين.
{ 2مَن بَشِير ول نَذِير} من زائدة وزيادتها لغرض المبالغة في نفي المجيء وتنكير بشير ونذير
للتقليل ،أي :ما جاءنا أقل بشير وأقل نذير.
3روي عن ابن عباس رضي ال عنهما :أن معاذ بن جبل وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب قالوا
لليهود :يا معشر يهود اتقوا ال فإنكم وال لتعلمون أن محمدًا رسول ال ولقد كنتم تذكرونه لنا قبل
مبعثه وتصفونه بصفته فقالوا :ما أنزل ال من كتاب بعد موسى ول أرسل بعد من بشير ول نذير
فنزلت هذه الية.
4قوله تعالىَ { :فقَدْ جَا َء ُكمْ بَشِيرٌ }...الية .الفاء :هي الفاء الفصيحة ،فقد أفصحت عن محذوف ما
بعدها يكون علة له ،وتقديره هنا :ل تعتذروا فقد جاءكم ...إلخ.
( )1/614
( )1/615
ج َعلَ فِيكُمْ
صلى ال عليه وسلم واذكر َ { 1وإِذْ قَالَ مُوسَى ِلقَ ْومِهِ يَا َقوْمِ ا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ ِإذْ َ
جعََل ُكمْ مُلُوكا }2تملكون أنفسكم ل سلطان لمة عليكم إل
أَنْبِيَاءَ} كموسى وهارون عليهما السلم {وَ َ
سةَ الّتِي كَ َتبَ اللّهُ َل ُكمْ} للسكن فيها
سلطان ربكم عز وجل { 3يَا َقوْمِ ا ْدخُلُوا الَ ْرضَ ا ْل ُمقَدّ َ
والستقرار بها فافتحوا باب المدينة وباغتوا العدو فإنكم تغلبون {وَل تَرْتَدّوا عَلَى َأدْبَا ِركُمْ} أي :ول
ترجعوا إلى الوراء منهزمين فتنقلبوا بذلك خاسرين ،ل أمر ال بالجهاد أطعتم ،ول المدينة المقدسة
دخلتم وسكنتم ،واسمع يا رسولنا جواب القوم ليزول استعظامك بكفرهم بك وهمهم بقتلك ،ولتعلم
أنهم قوم بهت سفلة ل خير لهم ،إذ قالوا في جوابهم لنبيهم موسى عليه السلم{ :يَا مُوسَى إِنّ فِيهَا
خلُونَ} !! وكان سبب
خَلهَا حَتّى يَخْ ُرجُوا مِ ْنهَا فَإِنْ يَخْ ُرجُوا مِ ْنهَا فَإِنّا دَا ِ
َقوْما جَبّارِينَ 4وَإِنّا لَنْ نَدْ ُ
هذه الهزيمة الروحية ما أذاعه النقباء من أخبار مهيلة مخيفة تصف العمالقة الكنعانيين بصفات ل
تكاد تتصور في العقول ،اللهم إل اثنين منهم ،وهما :يوشع بن نون ،وكالب بن يوحنا ،وهما اللذان
قال تعالى عنهما{ :قَالَ َرجُلنِ مِنَ الّذِينَ َيخَافُونَ} أي :أمر ال تعالى {أَ ْن َعمَ اللّهُ عَلَي ِهمَا} فعصمهما
من إفشاء سر ما رأوا من قوة الكنعانيين إل لموسى عليه السلم قال للقوم{ :ا ْدخُلُوا عَلَ ْيهِمُ الْبَابَ}
أي :باب المدينة {فَإِذَا دَخَلْ ُتمُوهُ فَإِ ّنكُمْ غَالِبُونَ} ،وذلك لعنصر المباغتة ،وهو عنصر مهم في
الحروب{ ،وَعَلَى اللّهِ فَ َت َوكّلُوا} وهاجموا القوم واقتحموا عليهم المدينة {إِنْ كُنْ ُتمْ ُم ْؤمِنِينَ} بما أوجب
ال عليكم من جهاد وكتب لكم من الستقرار بهذه البلد والعيش بها ،لنها أرض 5القدس
والطهر .هذا ما تضمنته اليات الربع ،وسنسمع رد اليهود على الرجلين في اليات التالية.
__________
1في هذه اليات تسلية لرسول ال صلى ال عليه وسلم عما يلقي من عنت وعناد له بالمدينة،
لذا أعلمهم بما لقى موسى منهم من غلظة وجفاء وتعنت وعناد.
2روي عن الحسن وزيد ابن أسلم" :أن من كانت له دار وزوجة وخادم فهو ملك" .وهو قول عبد
ال بن عمرو بن العاص ،كما في صحيح مسلم ،إذ سأله رجل قائلً" :ألسنا من فقراء المهاجرين.
فقال له عبد ال :ألك امرأة تأوي إليها .قال :نعم .قال :ألك منزل تسكنه؟ قال :نعم .قال :فأنت من
الغنياء .قال :فإن لي خادمًا .قال :فأنت ملك".
3سقطت هذه الية من التفسير{ :وَآتَاكُمْ مَا لَمْ ُي ْؤتِ أَحَدا مِنَ ا ْلعَاَلمِينَ} وهو قول موسى لقومه،
وما آتاهم منه :المن والسلوى والغمام .وكون النبياء في بني إسرائيل في هذا المذكور تبدوا
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الخصوصية المذكورة في قوله{ :مَا َلمْ ُي ْؤتِ َأحَدا مِنَ ا ْلعَاَلمِينَ} .
{ 4جَبّارِين} أي :عظام الجسام طوالها ،والجبار من الناس :المتعظم الممتنع من الذل والفقر ،أو
هو من يجبر الناس على مراده لقوته عليهم وقهره لهم ،وذكر القرطبي هنا حديثًا مسهبًا ،عن
عوج بن عناق ،وهو حديث خرافة لما فيه من التهاويل الباطلة.
5هي أرض فلسطين الواقعة بين البحر البيض المتوسط وبين نهر الردن والبحر الميت ،فتنتهي
إلى حماة شمالً وغزة وحرون جنوبًا "نقلً عن التنوير".
( )1/616
هداية اليات
من هداية اليات:
-1تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم بإعلمه تعالى بخبث اليهود وشدة ضعفهم ومرض
قلوبهم.
-2فضح اليهود بكشف اليات عن مخازيهم مع أنبيائهم.
-3بيان الثر السيئ الذي تركه إذاعة النقباء للخبار الكاذبة المهولة ،وقد استعملت ألمانيا النازية
هذا السلوب ونجحت نجاحا كبيرا حيث اجتاحت نصف أوربا في مدة قصيرة جدا.
-4بيان سنة ال تعالى من أنه ل يخلو زمان ول مكان من عبد صالح تقوم به الحجة على الناس.
-5فائدة عنصر المباغتة في الحرب وأنه عنصر فعال في كسب النتصار.
{قَالُوا يَا مُوسَى إِنّا لَنْ َندْخَُلهَا أَبَدا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْ َهبْ أَ ْنتَ وَرَ ّبكَ َفقَاتِل إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ()24
سقِينَ( )25قَالَ فَإِ ّنهَا مُحَ ّرمَةٌ عَلَ ْيهِمْ
قَالَ َربّ إِنّي ل َأمِْلكُ إِل َنفْسِي وََأخِي فَافْ ُرقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ا ْل َقوْمِ ا ْلفَا ِ
سقِينَ(})26
أَرْ َبعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الَ ْرضِ فَل تَأْسَ عَلَى ا ْل َقوْمِ ا ْلفَا ِ
شرح الكلمات:
{لَنْ َندْخَُلهَا} :أي :المدينة 1التي أمروا بمهاجمة أهلها والدخول عليهم فيها.
سقِينَ} :أي :عن أمر ال ورسوله بتركهم الجهاد جبنا وخوفا.
{ا ْلفَا ِ
{مُحَ ّر َمةٌ عَلَ ْيهِمْ} :أي :تحريما كونيا قضائيا ل شرعيا تعبديا.
{يَتِيهُونَ فِي الَ ْرضِ} :أي :في أرض سيناء متحيرين فيها ل يدرون أين يذهبون مدة أربعين
سنة.
{فَل تَأْسَ} :أي :ل تحزن ول تأسف.
__________
1إليا أو أريحا ل تعدو واحدة منها عند أكثر المفسرين والمؤرخين.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/617
معنى اليات:
هذا هو جواب القوم على طالب الرجلين الصالحين باقتحام المدينة على العدو ،إذ قالوا بكل وقاحة
ودناء وخسة{ :يَا مُوسَى إِنّا لَنْ نَ ْدخَُلهَا} أي :المدينة {أَبَدا مَا دَامُوا فِيهَا} أي :ما دام أهلها فيها
يدافعون عنها ولو لم يدافعوا { ،1فَاذْ َهبْ أَ ْنتَ 2وَرَ ّبكَ فَقَاتِل} أهل المدينة ،أما نحن ف {هَاهُنَا
قَاعِدُونَ} .أي تمرد وعصيان أكثر من هذا؟ وأي جبن وخور أعظم من هذا؟ وأي سوء أدب أحط
من هذا؟ وهنا قال موسى متبرئا من القوم الفاسقين :رب :أي يا رب {إِنّي ل َأمِْلكُ 3إِل َنفْسِي
سقِينَ} فطلب بهذا البراءة منهم 4ومن صنيعهم ،إذ
وَأَخِي} يريد هارون {فَافْ ُرقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ا ْل َقوْمِ ا ْلفَا ِ
قد استوجبوا العذاب قطعا ،فأجابه ربه تعالى بقوله في الية الثالثة({ )26فَإِ ّنهَا مُحَ ّر َمةٌ عَلَ ْيهِمْ} أي:
الرض المقدسة أربعين سنة ل يدخلونها وفعلً ما دخلوها إل بعد مضي الفترة المذكورة "أربعين
سنة" وكيف كانوا فيها؟ يتيهون 5في أرض سيناء متحيرين ل يدرون أين يذهبون ول من أين
يأتون ،وعليه فل تحزن يا رسولنا ول تأسف على القوم الفاسقين ،إذ هذا جزاؤهم من العذاب
عُجل لهم فليذوقوه!!.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1بيان جبن اليهود وسوء أدبهم مع ربهم وأنبيائهم.
-2وجوب البراءة من أهل الفسق ببغض عملهم وتركهم لنقمة ال تعالى تنزل بهم.
-3حرمة الحزن والتأسف على الفاسقين والظالمين إذا حلت بهم العقوبة اللهية جزاء فسقهم
وظلمهم لنفسهم ولغيرهم.
__________
1هذا الجبن والخور الذي أصاب القوم سببه :ما أذاعه النقباء فيهم ،ما عدا يوشع وكالب؛ من أن
العمالقة قوم جبارون ،أجسامهم كذا وكذا في طولها وعرضها ،وقوتهم كذا وكذا...
2هذه العبارة تدل على جهل القوم بال تعالى وبما يجب له من العظيم والوقار ،وهي كلمة كفر
إن لم يعذر صاحبها بجهل بال تعالى وصفاته
3ليس معنى الملك أن يملكه كعبد ل .أنه أخوه فكيف يملكه وإنما مراده :إني ل أملك إل نفسي
وأخي ل يملك ل نفسه أيضًا ل قدرة لي ول له على بني إسرائيل.
4أراد مفاصلتهم لما ظهر منهم من التمرد والعصيان والبعد عنهم حتى ل يصيبهما ما يصيبهم
من العقاب.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
5التيه في اللغة :الحيرة .يقال :تاه يتيه تيهًا ،إذا تحير ،والرض التيهاء التي ل يهتدي فيها ،وتاه
المرء في الرض ذهب فيها متحيرًا ل يدري ،أين يذهب أو يجيء.
( )1/618
لقْتُلَ ّنكَ
ل َ
حقّ إِذْ قَرّبَا قُرْبَانا فَ ُتقُبّلَ مِنْ َأحَدِ ِهمَا وَلَمْ يُ َتقَبّلْ مِنَ الخَرِ قَا َ
{وَا ْتلُ عَلَ ْيهِمْ نَبَأَ ابْ َنيْ آدَمَ بِالْ َ
لقْتَُلكَ إِنّي
ك َ
طتَ إَِليّ َي َدكَ لِ َتقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ َي ِديَ إِلَ ْي َ
قَالَ إِ ّنمَا يَ َتقَبّلُ اللّهُ مِنَ ا ْلمُ ّتقِينَ( )27لَئِنْ بَسَ ْ
أَخَافُ اللّهَ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ( )28إِنّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِ ْثمِي وَإِ ْث ِمكَ فَ َتكُونَ مِنْ َأصْحَابِ النّا ِر َوذَِلكَ جَزَاءُ
حثُ
عتْ َلهُ َنفْسُهُ قَ ْتلَ أَخِيهِ َفقَتَلَهُ فََأصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ( )30فَ َب َعثَ اللّهُ غُرَابا يَ ْب َ
طوّ َ
الظّاِلمِينَ(َ )29ف َ
سوْ َءةَ َأخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَ ْزتُ أَنْ َأكُونَ مِ ْثلَ َهذَا ا ْلغُرَابِ
فِي الَ ْرضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ ُيوَارِي َ
سوْ َءةَ أَخِي فََأصْبَحَ مِنَ النّا ِدمِينَ(})31
فَُأوَا ِريَ َ
شرح الكلمات:
{وَا ْتلُ عَلَ ْيهِمْ} :وأقرأ على اليهود الذين هموا بقتلك وقتل أصحابك.
{نَبَأَ ابْ َنيْ آدَمَ} :خبر ابني آدم هابيل وقابيل.
{قُرْبَانا} :القربان :ما يتقرب 1به إلى ال تعالى؛ كالصلة والصدقات.
طتَ إَِليّ يَ َدكَ} :مددت إليّ يدك.
س ْ
{بَ َ
{أَنْ تَبُوءَ بإِ ْثمِي وَإِ ْث ِمكَ} :ترجع إلى ال يوم القيامة بإثم قتلك إياي ،وإثمك في معاصيك.
طوّعَتْ لَهُ َنفْسُهُ} :شجعته على القتل وزينته حتى فعله.
{ َف َ
{غُرَابا} :طائرا أسود معروف يضرب به المثل في السواد .2
__________
1قيل كان قربان قابيل :حزمة من سنبل؛ لنه صاحب زرع فاختارها من أردئ زرعه ،حيث إنه
وجد فيها سنبلة طيبة ففركها وأكلها ،وأما قربان هابيل :فكان كبشًا؛ لنه صاحب غنم واختاره من
أجود غنمه.
2يقال :أسود غريب ،وقال الشاعر :حتى إذا شاب الغراب أتيت أهلي.
( )1/619
سوْ َءةَ َأخِيهِ} :يستر بالتراب جسد أخيه ،وقيل :فيه سوءة ،لن النظر إلي الميت تكرهه
{ ُيوَارِي َ
النفوس ،والسوءة :ما يكره النظر إليها.
معنى اليات:
ما زال السياق القرآني الكريم في الحديث عن يهود بني النضير الذين هموا بقتل النبي صلى ال
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عليه وسلم وأصحابه ،فال تعالى يقول لرسوله :واقرأ عليهم قصة ابني آدم هابيل وقابيل ليعلموا
بذلك عاقبة جريمة القتل الذي هموا به ،توبيخا لهم ،وإظهارا لموقفك الشريف منهم حيث عفوت
عنهم ،فلم تقتلهم بعد تمكنك منهم ،وكنت معهم كخير ابني آدمِ{ ،إذْ قَرّبَا قُرْبَانا ، }1أي :قرب كل
منهما قربانا ل تعالى فتقبل ال قربان 2أحدهما لنه كان من أحسن ماله وكانت نفسه به طيبة،
{وَلَمْ يُ َتقَ ّبلْ مِنَ الخَرِ} وهو قابيل؛ لنه كان من أردأ ماله ،ونفسه به متعلقة ،فقال لخيه هابيل
لقتلنك حسدا له –كما حسدتك اليهود وحسدوا قومك في نبوتك ورسالتك -فقال له أخوه إن عدم
قبول قربانك عائد إلى نفسك ل إلى غيرك {إِ ّنمَا يَ َتقَبّلُ اللّهُ مِنَ ا ْلمُ ّتقِينَ }3للشرك ،فلو اتقيت الشرك
لتقبل منك قربانك لن ال تعالى ل يتقبل إل ما كان خالصا له ،وأنت أشركت نفسك وهواك في
سطٍ يَ ِديَ إِلَ ْيكَ
طتَ إَِليّ يَ َدكَ لِ َتقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَا ِ
س ْ
قربانك ،فلم يتقبل منك .ووال قسما به { .لَئِنْ بَ َ
لقْتَُلكَ} ،وعلل ذلك بقوله{ :إِنّي أَخَافُ اللّهَ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ} ،أي :أن ألقاه بدم أرقته ظلما .وإن
َ
أبيت إل قتلي فإني ل أقتلك لني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك ،أي :ترجع إلى ربنا يوم القيامة بإثم
قتلك إياي ،وإثمك الذي فارقته في حياتك كلها ،فتكون بسبب ذلك من أصحاب النار الخالدين فيها
عتْ لَهُ َنفْسُهُ قَ ْتلَ َأخِيهِ} أي
طوّ َ
الذين ل يفارقونها أبدا ،قال تعالىَ { :وذَِلكَ جَزَاءُ الظّاِلمِينَ} { ،فَ َ
شجعته عليه وزينته له فقتله {فََأصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ }4النادمين لنه لم يدر ما يصنع به
__________
1القربان :اسم جنس يطلق على الواحد ،والمتعدد ،إذ لكل منهما قربان وليس قربانًا واحدًا
اشتراكًا فيه.
2إن قيل كيف عرف القبول من عدمه؟ فالجواب :إن سنة ال تعالى فيمن سبق أن من قرب ل
تعالى فقبله أرسل عليه نارًا من السماء فأحرقته ومن لم يتقبله لم يفعل به ذلك .ويشهد له حديث
الصحيح في غنائم بني إسرائيل إذ كانت محرمة عليهم ولم تحل إل لمة السلم ،إذ أخبر النبي
صلى ال عليه وسلم " :إن نارًا تنزل من السماء على الغنائم فتحرقها" .
3فيه دللة على أن قابيل لم يكن تقيًا ،وقابيل في لغة بني إسرائيل بالنوب :قابين ،وكذا هابيل،
وقوله{ :إنما يَتَقبل ال }...إلخ .مسبوق بكلم دل عليه السياق ،وهو مثل قوله :لم تقتلني ولم أجني
شيئًا ول ذنب لي في قبول ال قرباني وكونه تقبل مني ل يستوجب قتلي {إِ ّنمَا يَ َتقَ ّبلُ اللّهُ مِنَ
ا ْلمُ ّتقِينَ} .
4لما كان أول من سن القتل فإنه ل تقتل نفسًا ظلمًا إل وعليه كفل منها لقوله صلى ال عليه
وسلم" :ل تقتل نفس ظلمًا إل كان على ابن آدم كفل من دمها؛ لنه أول من سن القتل" .وفي
الحديث الخر" :من سن سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" .
( )1/620
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فكان يحمله على عاتقه ويمشي به حتى عفن ،وعندئذ بعث ال غرابا يبحث في الرض ،أي:
ينبش الرض برجليه ومنقاره وينشر التراب على ميت معه حتى واراه :أي بعث ال الغراب
ليريه كيف يواري ،أي :يستر سوءة أخيه ،أي جيفته ،فلما رأى قابيل ما صنع الغراب بأخيه
الغراب الميت قال متندما ًمتحسرا يا ويلنا ،أي :يا ويلتي احضري فهذا أوان حضورك ،ثم وبخ
سوْ َءةَ َأخِي} ،كما وارى الغراب سوءة
عجَ ْزتُ أَنْ َأكُونَ مِ ْثلَ هَذَا ا ْلغُرَابِ فَُأوَا ِريَ َ
نفسه قائلً{ :أَ َ
أخيه ،وأصبح من النادمين على حمله أو على قتله وعدم دفنه وبمجرد الندم ل يكون توبة مع أن
توبة القاتل عمدا ل تنجيه من النار.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1مشروعية التقرب إلى ال تعالى بما يجب أن يتقرب به إليه تعالى.
-2عظم جريمة الحسد وما يترتب عليها من الثار السيئة.
-3قبول العمال الصالحة يتوقف على الخلص فيها ل تعالى.
-4بيان أول من سن جريمة القتل ،وهو قابيل ،ولذا ورد :ما من نفس تقتل نفسا ظلما إل كان
على ابن آدم الول كفل "نصيب" ذلك بأنه أول من سن القتل.
-5مشروعية الدفن 1وبيان زمنه.
-6خير ابنى آدم المقتول ظلما ،وشرهما القاتل ظلما.2
جلِ ذَِلكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنّهُ مَنْ قَ َتلَ َنفْسا ِبغَيْرِ َنفْسٍ َأوْ فَسَادٍ فِي الَرْضِ َفكَأَ ّنمَا قَ َتلَ
{مِنْ َأ ْ
جمِيعا َومَنْ َأحْيَاهَا َفكَأَ ّنمَا َأحْيَا النّاسَ
النّاسَ َ
__________
1يستحب توسعة القبر لقوله صلى ال عليه وسلم" :احفروا وأوسعوا وأحسنوا اللحد" .واللحد
أفضل من الشق لقوله صلى ال عليه وسلم" :اللحد لنا والشق لغيرنا" .ويستحب لمن يضع الميت
في قبره أن يقول :بسم ال وعلى ملة رسول ال ،ولمن حضر الدفن أن يحثو على القبر من قبل
رأسه ثلثًا.
2وإن قيل ما تصنع بحديث الصحيح" :إذ التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار".
قلت هذا الحديث فيمن يقاتل في غير حق استوجب القتل والقتال .أما من ظلم فدافع عن نفسه فقتل
فهو شهيد بنص الحديث الصحيح .وكذا من بغى على المسلمين فقتاله واجب ،ومن قاتله فهو
مجاهد ومن قتل فهو شهيد.
( )1/621
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سلُنَا بِالْبَيّنَاتِ ثُمّ إِنّ كَثِيرا مِ ْنهُمْ َبعْدَ ذَِلكَ فِي الَ ْرضِ َلمُسْ ِرفُونَ(})32
جمِيعا وََلقَدْ جَاءَ ْتهُمْ رُ ُ
َ
شرح الكلمات:
{من أجل ذلك} :أي بسبب ذلك القتل.
}كتبنا} :أوحينا.
{أو فساد في الرض} :بحلبه ل ورسوله والمؤمنين.
{ومن أحياها} :قدرعلى قتلها وهي مستوجبه له فتركها.
{بالبينات} :اليات والواضحةات حاملة للشرائع والدلئل.
{لمسرفون} :مكثرون من المعاصي والذنوب.
معنى الية الكريمة:
يقول تعالى :إنه من أجل قبح جريمة القتل وما يترتب عليها من مفاسد ومضار ل يقادر قدرها،
أوحينا على بني إسرائيل لكثرة ما شاع بينهم من القتل وسفك الدماء ،فقد قتلوا النبياء والمرين
بالقسط من الناس لجل هذه الضراوة على القتل ،فقد قتلوا رسولين :زكريا ويحي ،وهموا بقتل
المرسلين العظيمين عيسى ومحمد صلى ال عليه وسلم ،من أجل ذلك 1شددنا 2عليهم في
العقوبة ،إذ من قتل منهم نفسا بغير نفس أي ظلما وعدوانا ،أو قتلها بغير فساد قامت به في
جمِيعا} بمعنى يعذب عذاب قتل
الرض ،وهو حرب ال ورسوله والمؤمنين { َفكَأَ ّنمَا قَ َتلَ النّاسَ َ
الناس جميعا يوم القيامةَ { ،ومَنْ أَحْيَاهَا} بأن استوجب القتل فعفا عنها وتركها ل إبقاء عليها
جمِيعا} يعني يُعطى أجر من أحيا الناس 4جمعيا ،كل هذا شرعه ال تعالى
{ َفكَأَ ّنمَا أَحْيَا النّاسََ 3
لهم تنفيرا
__________
1قوله{ :مِنْ أَجْل ذَلِك} :تعليل لقوله{ :كَتَبْنا} ومن :ابتدائية ،والجل :الجراء والسبب ،وهو
مصدر أجل يؤجل ويأجل بمعنى :جنى واكتسب .فلذا هو يقال في الخير كما يقال في الشر ،تقول:
أكرمته لجل علمه .كما تقول :أهنته لجل فسقه .أما الجراء في قولك :فعلت كذا من جراء كذا.
فهو مأخوذ من جر إذا سبب تقول :فعليّ كذا ،جرى لي كذا ،أي :سببه.
2خص بني إسرائيل بهذا دون من سبقهم من المم تغليظًا عليهم لجرأتهم على القتل علهم يكفون
من سفك الدماء ،إذ قتلوا حتى النبياء والمرين بالقسط من الناس.
3كأن للتشبيه ،ومن هنا يكون معنى الكلم :كتبنا مشابهة قتل نفس بغير نفس ...إلخ .بقتل الناس
أجمعين ،أي :في عظم الجرم ومشابهة من أحيا الناس جميًعا في عظم الجر.
4من أحياها :معناه :من استنقذها من الموت ،بأن عفى عنها بعد تعين القصاص عليها ،أو دافع
عنها حتى أنقذها ممن أراد قتلها لن الحياء بعد الموت ليس في مقدور النسان وإنما قد يهم
المرء بالقتل ويعفو فيكون كمن أحياها.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/622
لهم من القتل الذي أصروا عليه ،وترغيبا لهم في العفو الذي جافوه وبعدوا عنه فلم يعرفوه ،وقوله
تعالى{ :وََلقَدْ جَاءَ ْت ُهمُْ 1رسُلُنَا بِالْبَيّنَاتِ} يخبر تعالى عن حالهم مسليا رسوله محمدا عما يحمله من
همّ منهم ،وهم الذين تآمروا على قتله أن الشر الذي لزم اليهود والفساد الذي أصبح وصفا لزما
لهم وخاصة المؤامرات بالقتل وإيقاد نار الحروب لم يكن عن جهل وعدم معرفة منهم ل أبدا ،بل
جاءتهم رسلهم باليات البينات والشرائع القويمة والداب الرفيعة ،ولكنهم قوم بهت متمردون على
الشرائع مسرفون في الشر والفساد ،ولذا فإن كثيرا منهم وال لمسرفون في الشر والفساد ،وبنهاية
سطُوا
هذه الية ومن قوله تعالى { :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ْذكُرُوا ِن ْع َمتَ اللّهِ عَلَ ْي ُكمْ إِذْ هَمّ َقوْمٌ أَنْ يَبْ ُ
إِلَ ْيكُمْ أَ ْيدِ َيهُمْ} وهي الية( )11انتهى الحديث عن اليهود المتعلق بحادثة همهم بقتل الرسول صلى
ال عليه وسلم وأصحابه ،وقد ذكر تسلية لرسول ال وأصحابه ،كما هو تسلية لكل مؤمن يتعرض
لمكر اليهود عليهم لعائن ال.
هداية الية
من هداية الية:
-1تأديب الرب تعالى لبني إسرائيل ،ومع السف لم ينتفعوا به.
-2فساد بني إسرائيل لم ينشأ عن الجهل وقلة العلم ،بل كان اتباعا للهواء وجريا وراء عارض
الدنيا .فلذا غضب 2ال عليهم ولعنهم؛ لنهم عالمون.
-3بالرغم من تضعيف جزاء الجريمة على اليهود ،ومضاعفة أجر الحسنة لهم فإنهم أكثر الناس
إسرافا في الشر والفساد في الرض.
س َعوْنَ فِي الَ ْرضِ َفسَادا أَنْ ُيقَتّلُوا َأوْ ُيصَلّبُوا َأوْ ُتقَطّعَ
{إِ ّنمَا جَزَاءُ الّذِينَ ُيحَارِبُونَ اللّ َه وَرَسُولَ ُه وَيَ ْ
أَيْدِيهِمْ
__________
1هذه الجملة :تذييل لما سبق من حكم ال تعالى فيهم ،حيث شرع لهم وأعلمهم بأن من يقتل نفسًا
ظلمًا وعدوانًا يعتبر شرعًا كأنما قتل الناس جميعًا ،ذكر فيه أنه ل عذر لهم فيما عوقبوا به ،إذ لم
يكونوا جاهلين لمجيئتهم رسلهم باليات البينات تحمل الشرائع والهدايات ،ومع هذا فإن كثير منهم
مسرفون في المعاصي والجرائم العظام؛ كالقتل في الرض.
ضبَ اللّهُ عَلَ ْيهِمْ} من الممتحنة ،و {غير
غ ِ
2شاهده من القرآن{ :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَ َتوَّلوْا َقوْما َ
المغضوب عليهم} من الفاتحة.
( )1/623
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ن الَ ْرضِ ذَِلكَ َلهُمْ خِ ْزيٌ فِي الدّنْيَا وََلهُمْ فِي الخِ َرةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(
وَأَرْجُُلهُمْ مِنْ خِلفٍ َأوْ يُ ْنفَوْا مِ َ
غفُورٌ رَحِيمٌ(})34
)33إِل الّذِينَ تَابُوا مِنْ قَ ْبلِ أَنْ َتقْدِرُوا عَلَ ْيهِمْ فَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ َ
شرح الكلمات:
{ ُيحَارِبُونَ اللّ َه وَرَسُولَهُ} :بالخروج عن طاعتهما وحمل السلح على المؤمنين وقتلهم وسلب
أموالهم والعتداء على حرماتهم.
س َعوْنَ فِي الَ ْرضِ فَسَادا} :بإخافة الناس وقطع طرقهم وسلب أموالهم والعتداء على
{وَيَ ْ
أعراضهم.
{َأوْ ُيصَلّبُوا} :يشدون على أعواد الخشب ويقتلون ،أو بعد أن يقتلوا.
{مِنْ خِلفٍ} :بأن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ،والعكس.
ن الَ ْرضِ} :أي من أرض السلم.
{َأوْ يُ ْن َفوْا مِ َ
{خِ ْزيٌ فِي الدّنْيَا} :ذل ومهانة.
عظِيمٌ} :عذاب جهنم.
عذَابٌ َ
{َ
{أَنْ َتقْدِرُوا عَلَ ْي ِهمْ} :أي :تتمكنوا منهم بأن فروا بعيدا ثم جاءوا مسلمين.
معنى اليتين:
لما ذكر تعالى ما أوجبه على اليهود من شدة العقوبة وعلى جريمة القتل والفساد في الرض
كسرا لحدة جرءتهم على القتل والفساد ،ذكر هنا حكم وجزاء من يحارب المسلمين ويسعى بالفساد
في ديارهم فقال تعالى{ :إِ ّنمَا جَزَاءُ الّذِينَُ 1يحَارِبُونَ اللّ َه وَرَسُوَلهُ} بالكفر 2بعد اليمان
__________
1الجمهور على أن سبب نزول هذه الية{ :إ ْنمَا جَزاء }...إلخ .هو العرنيون الذين نزلوا المدينة
وادعوا أنهم اجتووها ،أي :أمرضهم مناخها فأمر لهم الرسول صلى ال عليه وسلم بلقاح وأمرهم
أن يشربوا من ألبانها وأبوالها فخرجوا خارج المدينة ،ولما شفوا وصحوا قتلوا الراعي ومثلوا به،
وذهبوا بالبل فلحقتهم خيل المسلمين فردتهم ونزلت هذه الية ببيان حكم ال فيهم ،والعبرة بعموم
اللفظ ل بخصوص السبب ،فبقى هذا تشريعًا يطبق على مثلهم إلى يوم القيامة.
2لن العرنيين وكانوا سبعة ثلثة من عُكل ،وأربعة من عرينة كفروا بعد إيمانهم الذي أظهروا
بالمدينة ،ثم ادعوا أنهم استوخموا المدينة فساعدهم الرسول صلى ال عليه وسلم رحمة منه بما
يشفيهم ،فلما شفوا وصحوا كفروا وقلتوا الراعي وساقوا البل ،والية عامة في المرتد وغيره،
والحكم ما بين ال تعالى في هذه الية ل غيره ،وصيغة الحصر فيها إنما ظاهرة.
( )1/624
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
س َعوْنَ فِي الَ ْرضِ َفسَادا} بتخويف المسملين ،وقطع طرقهم وأخذ
والقتل والسلب بعد المان{ ،وَيَ ْ
أموالهم ،والعتداء على حرماتهم وأعراضهم ،هو ما أذكره لكم ل غيره فاعلموه أنه {أَنْ ُيقَتّلُوا َأوْ
ن الَ ْرضِ} ،ومعنى :يقتلوا :واحدا بعد
ُيصَلّبُوا َأوْ ُتقَطّعَ أَيْدِي ِه ْم وَأَرْجُُلهُمْ مِنْ خِلفٍ َأوْ يُ ْنفَوْا مِ َ
واحد نكاية لهم وإرهابا وتعزيرا لغيرهم ،ومعنى :يصلبوا :بعد ما يقتل الواحد منهم يشد على
خشبة مدة ثلثة أيام ،ومعنى :ينفوا من الرض :يخرجوا من دار السلم ،أو إلى مكان ناءٍ
كجزيرة في بحر أو يحبسوا حتى ينجو المسلمون من شرهم وآذاهم ،ويكون ذلك الجزاء المذكور
عذَابٌ عَظِيمٌ} وهو عذاب النار ،وقوله تعالى{ :إِل
خزيا وذلً لهم 1في الدنيا {وََلهُمْ فِي الخِ َرةِ َ
الّذِينَ تَابُوا مِنْ قَ ْبلِ أَنْ َتقْدِرُوا عَلَ ْي ِهمْ} فهذا استثناء متصل من أولئك المحاربين بأن من عجزنا عنه
فلم نتمكن من القبض عليه ،وبعد فترة جاءنا تائبا فإن حكمه يختلف عمن قبله ،وقوله تعالى:
غفُورٌ َرحِيمٌ} يحمل إشارة واضحة إلى تخفيف الحكم عليه ،وذلك فإن كان كافرا
{فَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ َ
وأسلم فإن السلم يجب ما قبله ،فيسقط عنه كل ما ذكر في الية من عقوبات ..وإن كان مسلما
فيسقط بالصلب ويجب عليه ،رد المال الذي أخذه إن بقي في يده ،وإن قتل أو فجر وطالب بإقامة
الحد عليه أقيم عليه الحد ،وإل ترك ل وال غفور رحيم.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1بيان حكم الحرابة 2وحقيقتها :خروج جماعة اثنان فأكثر ويكون بأيديها سلح ولهم شوكة،
خروجهم إلى ا لصحراء بعيدا عن المدن والقرى ،يشنون هجمات على المسلمين فيقتلون ويسلبون
ويعتدون على العراض ،هذه هي الحرابة وأهلها ،يقال لهم :المحاربون وحكمهم ما ذكر تعالى
في الية الولى(.)33
__________
1إن كان المحاربون مسلمين؛ فالخزي لهم هو نزول العقوبة بهم في الدنيا من القتل والصلب
والنفي ،وفي الخرة ينجون من عذابها ،إن تابوا قبل موتهم .وإن كان المحاربون كافرين؛
فالخزي عذاب الدنيا والعذاب العظيم لهم في الخرة .وفرقنا بين المسلمين والكافرين؛ لن
المسلمين إقامة الحد عليهم يكفر ذنب الجريمة ،للحديث الصحيح في البيعة" :فمن وفى منكم فأجره
على ال ،ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له ،ومن أصاب منها شيئًا فستره ال،
فهو إلى ال إن شاء عذبه وإن شاء غفر له" .فقوله{ :فَه َو كفَارَة له} دليل على سقوط عذاب
الخرة بالحد.
2الجمهور على أن اللص كالمحارب يناشد بال تعالى أن يكف وينصرف وإن أبى يُقاتل ويقتل،
ومن قتله اللص فهو في الجنة ،وإن قتل اللص فهو النار ،لحديث الصحيح ،عن أبي هريرة قال:
جاء رجل إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم قال :أرأيت يا رسول ال إن جاء يريد أخذ مالي؟
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
قال" :فل تعطيه مالك" .قال :أرأيت إن قاتلني؟ قال" :قاتله" .قال :أرأيت إن قتلني؟ قال" :فأنت
شهيد" .قال :فإن قتلته؟ قال" :فهو في النار" .
( )1/625
-2المام مخير في إنزال العقوبة التي يرى أنها مناسبة 1لستتباب المن ،إن قلنا أو في الية
للتخيير ،وإل فمن قتل وأخذ المال وأخاف الناس قتل وصلب ،ومن قتل ولم يأخذ مالً قتل ،ومن
قتل وأخذ مالً قطعت 2يده ورجله من خلف فتقطع يده اليمنى ورجله اليسرى ،ومن لم يقتل ولم
يأخذ مالً يُنفى .3
-3من تاب من المحاربين قبل التمكن منه يعفى عنه إل أن يكون بيده مال سلبه فإنه يرده على
ذنوبه أو يطلب بنفسه إقامة الحد عليه فيجاب لذلك.
-4عظم عفو ال ورحمته بعباده لمغفرته لمن تاب ورحمته له.
{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّهَ وَابْ َتغُوا إِلَ ْيهِ ا ْلوَسِيلَ َة َوجَاهِدُوا فِي سَبِيِلهِ َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ( )35إِنّ الّذِينَ
جمِيعا َومِثْلَهُ َمعَهُ لِ َيفْتَدُوا ِبهِ مِنْ عَذَابِ َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ مَا ُتقُ ّبلَ مِ ْنهُمْ
َكفَرُوا َلوْ أَنّ َلهُمْ مَا فِي الَ ْرضِ َ
عذَابٌ مُقِيمٌ(})37
وََلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( )36يُرِيدُونَ أَنْ َيخْرُجُوا مِنَ النّارِ َومَا ُهمْ ِبخَارِجِينَ مِ ْنهَا وََلهُمْ َ
شرح الكلمات:
{ا ّتقُوا اللّهَ} :خافوا عذابه فامتثلوا أمره وأمر رسوله واجتنبوا نهيهما.
{وَابْ َتغُوا} :اطلبوا.
__________
1هذا مذهب الجمهور من الئمة ،وهو أرفق وأصلح وأكثر تمثيلً للية وانسجامًا معها.
2مذهب الجمهور ،وهو الحق ل تقطع يد المحارب إل في مال تقطع فيه يد السارق ،وهو زنة:
ربع دينار ذهب فأكثر.
3إن تعذر النفي فالسجن يقوم مقامه ،إذ هو نفي من ظاهر الرض إلى باطنها .كما قال الشاعر:
خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها ...فلسنا من الموات فيها ول الحيا
إذا جاءنا السجان يومًا لحاجة ...
عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا
( )1/626
{ا ْلوَسِيَلةَ : }1تقربوا إليه بفعل محابه وترك مساخطه تظفروا بالقرب 2منه.
{وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ} :أنفسكم بحملها على أن تتعلم وتعمل وتعليم ،وأعداءه بدعوتهم إلى السلم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وقتالهم على ذلك.
{ ُتفْلِحُونَ} :تنجون من النار وتدخلون الجنة.
عذَابٌ ُمقِيمٌ} :دائم ل يبرح ول يزول.
{َ
معنى اليتين:
ينادي الرب تبارك وتعالى عباده المؤمنين به وبرسوله ووعده ووعيده ليرشدهم إلى ما ينجيهم من
العذاب فيجتنبوه ،وإلى ما يدنيهم من الرحمة فيعملوه فيقول{ :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّهَ وَابْ َتغُوا
إِلَيْهِ 3ا ْلوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيِلهِ َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ} ومعنى اتقوا ال خافوا عذابه فأطيعوه بفعل أوامره
وأوامر رسوله واجتناب نواهيهما فإن عذاب ال ل يتقى إل بالتقوى .ومعنى { وَابْ َتغُوا ِإلَيْهِ
ا ْلوَسِيلَةَ} :اطلبوا إليه القربة ،أي :تقربوا إليه بفعل ما يحب وترك ما يكره تفوزوا بالقرب منه.
ومعنى {وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ} :جاهدوا أنفسكم في طاعته ،والشيطان في معصيته ،والكفار في
السلم إليه والدخول في دينه باذلين كل ما في وسعكم من جهد وطاقة .هذا ما دلت عليه الية
الولى( ،)35أما الية الثانية( )36وهي قوله تعالى { :إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا َلوْ أَنّ َلهُمْ مَا فِي الَ ْرضِ
جمِيعا َومِثْلَهُ َمعَهُ} فإنها علة لما دعت إليه الية الولى من المر بالتقوى وطلب القرب من ال
َ
تعالى وذلك باليمان وصالح العمال ،لن العذاب الذي أمروا باتقائه بالتقوى عذاب ل يطاق أبدا
جمِيعا} من مال صامت وناطق { َومِثْلَهُ َمعَهُ}
ناهيكم أن الذين كفروا {َلوْ أَنّ َل ُهمْ مَا فِي الَ ْرضَِ 4
وقبل منهم
__________
1الوسيلة :لغة :القربة ،والجمع :قرب ،وهي فيعلة ،بمعنى :مفعولة ،أي :متقرب بها .من توسل
إلى فلن تقرب إليه بكذا .وشاهده من قول العرب ،قول عنترة:
إن الرجال لهم إليك وسيلة ...أن يأخذوك تكحلي وتخضبي
والوسيلة :تجمع على وسائل ،ومنه قول القائل:
إذ غفل الواشون عدنا لوصلنا ...وعاد التصافي بيننا والوسائل
2فكل قربة :هي وسيلة تقرب من رضا ال والزلفى إليه .وعليه فكل العمال الصالحة هي
وسيلة ،وفي الحديث الصحيح" :ما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما أفترضت عليه" .
3تقديم الجار والمجرور على المفعول والمطلوب ،في قوله تعالى{ :وَابْتَغوُا إلَيه الوَسِيلة} مؤذن
بتوحيد ال تعالى بالعبادات التي يتقرب بها إليه فل يصح صرف شيء منها إلى غيره مهما كان.
4أي :لو ثبت لهم ما في الرض ومثله معه أيضًا لجل الفتداء به ل لجل أن يكنزوه في وجوه
النفاق المحبوبة لهم لفتدوا به ولكن أنى يكون لهم ذلك.
( )1/627
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فداء لنفسهم من ذلك العذاب لقدموه سخية به نفوسهم ،إنه عذاب أليم موجع أشد الوجع ومؤلم أشد
اللم إنهم يتمنون بكل قلوبهم أن يخرجوا من النار { َومَا هُمْ 1بِخَا ِرجِينَ مِ ْنهَا وََلهُمْ عَذَابٌ ُمقِيمٌ} دائم
ل يبرح ول يزول.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب تقوى ال عز وجل وطلب القربة إليه والجهاد في سبيله.
-2مشروعية التوسل إلى ال تعالى باليمان وصالح 2العمال.
-3عظم عذاب يوم القيامة وشدته غير المتناهية.
-4ل فدية يوم القيامة ول شفاعة تنفع الكافر فيخرج بها من النار.
-5حسن التعليل للمر والنهي بما يشجع على المتثال والترك.
حكِيمٌ(َ )38فمَنْ تَابَ
طعُوا أَيْدِ َي ُهمَا جَزَاءً ِبمَا كَسَبَا َنكَالً مِنَ اللّ ِه وَاللّهُ عَزِيزٌ َ
ق وَالسّا ِرقَةُ فَاقْ َ
{وَالسّا ِر ُ
غفُورٌ َرحِيمٌ( )39أَلَمْ َتعْلَمْ أَنّ اللّهَ لَهُ مُ ْلكُ
مِنْ َبعْدِ ظُ ْلمِ ِه وََأصْلَحَ فَإِنّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَ ْيهِ إِنّ اللّهَ َ
شيْءٍ َقدِيرٌ(})40
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ ُيعَ ّذبُ مَنْ يَشَا ُء وَ َيغْفِرُ ِلمَنْ يَشَا ُء وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ
ال ّ
شرح الكلمات:
{وَالسّا ِرقُ} :الذي أخذ مالً من حرز خفية يقدر بربع دينار فأكثر.
{وَالسّا ِر َقةُ} :التي أخذت مالً من حرز خفية يقدر بربع دينار فأكثر.
__________
1ذكر القرطبي :أن يزيد الفقير قال :قيل لجابر بن عبد ال رضي ال عنهما :إنكم يا أصحاب
محمد تقولون أن قومًا يخرجون من النار وال تعالى يقول{ :ومَا همُ ْ بِخَارِجين مِنْها} .فقال
جابر :إنكم تجعلون العام خاصًا ،والخاص عامًا .إنما هذه في الكفار خاصة .فقرئت الية كلها من
أولها إلى آخرها فإذا هي في الكفار خاصة.
2لذا وجب معرفة محاب ال تعالى ومكارهه من العتقادات والقوال والعمال والصفات
ل وتركًا للحصول على رضاه والفوز بالجنة والنجاة من النار.
ليتوسل بها إلى ال تعالى ،فع ً
( )1/628
( )1/629
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أن ظلم نفسه بذلك {وََأصْلَحَ} نفسه بالتوبة ،ومن ذلك رد المال المسروق {فَإِنّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} ؛
لنه تعالى غفور للتائبين رحيم بالمؤمنين ،وقوله تعالى في الية الثالثة ({ )40أََلمْ َتعْلَمْ أَنّ اللّهَ لَهُ
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ} يخاطب تعالى رسوله وكل من هو أهل للتلقي والفهم من ال تعالى
مُ ْلكُ ال ّ
ت وَالَ ْرضِ} ،والجواب :بلى ،وإذا
سمَاوَا ِ
فيقول مقررا المخاطبَ{ :ألَمْ َتعْلَمْ أَنّ اللّهَ لَهُ مُ ْلكُ ال ّ
فالحكم له تعالى ل ينازع فيه ،فلذا هو يعذب ويقطع يد السارق والسارقة ويغفر لمن تاب من
شيْءٍ َقدِيرٌ}.
علَى ُكلّ َ
السرقة وأصلح .وهو { َ
هداية اليات
من هداية اليات:
-1بيان حكم حد السرقة ،وهو قطع يد السارق والسارقة .
-2بيان أن التائب من السراق إذا اصلح يتوب ال عليه ،أي :يقبل توبته.
-3إذا لم يرفع السارق إلى الحاكم تصح توبته ولو لم تقطع يده ،وإن رفع فل توبة له إل بالقطع،
فإذا قطعت يده خرج من ذنبه كأن لم يذنب.
-4وجوب التسليم لقضاء ال تعالى والرضا بحكمه لنه عزيز حكيم.
{يَا أَ ّيهَا الرّسُولُ ل َيحْزُ ْنكَ الّذِينَ ُيسَارِعُونَ فِي ا ْل ُكفْرِ مِنَ الّذِينَ قَالُوا آمَنّا بَِأ ْفوَا ِههِ ْم وَلَمْ ُت ْؤمِنْ
سمّاعُونَ ِل َقوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ُيحَ ّرفُونَ ا ْلكَلِمَ مِنْ َبعْدِ
سمّاعُونَ لِ ْلكَ ِذبِ َ
قُلُو ُبهُ ْم َومِنَ الّذِينَ هَادُوا َ
خذُوهُ وَإِنْ لَمْ ُتؤْ َت ْوهُ فَاحْذَرُوا
َموَاضِعِهِ َيقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ َهذَا فَ ُ
__________
1الجماع على أن الوالد ل تقطع يده إذا سرق مال ولده ،لقوله صلى ال عليه وسلم" :أنت ومالك
لبيك" واختلف في العكس .والراجح :أنه ل قطع عليه .وهل تقطع اليد في السفر؟ وفي دار
الحرب خلف :مالك يرى :إقامة الحدود في دار الحرب .واليد تقطع من الرسخ ،والرجل من
المفصل ،ول قطع على الصبي والمجنون والعبد إن سرق من مال سيده ،ول السيد من مال عبده.
( )1/630
( )1/631
( )1/632
فِتْنَتَهُ} أي :إضلله عن الحق لما اقترف ن عظائم الذنوب وكبائر الثام {فَلَنْ َتمِْلكَ لَهُ مِنَ اللّهِ
طهّرَ
شَيْئا} إذا أراد ال إضلله ،إذا فل يحزنك مسارعتهم في الكفر{ ،أُولَ ِئكَ الّذِينَ لَمْ يُ ِردِ اللّهُ أَنْ يُ َ
قُلُو َبهُمْ} من الحسد والشرك والنفاق لسوابق الشر التي كانت لهم فحالت دون قبول اليمان ولحق،
عذَابٌ عَظِيمٌ} جزاء كفرهم وبغيهم .هذا ما
{َلهُمْ فِي الدّنْيَا خِ ْزيٌ} أي :ذل وعار{ ،وََلهُمْ فِي الخِ َرةِ َ
دلت عليه الية( ،)41أما الية الثانية( )42فقد تضمنت وصف أولئك اليهود بصفة كثرة استماع
الكذب مضافا إليه كثرة أكلهم للسحت ،وهو المال الحرام أشد حرمة؛ كالرشوة والربا ،1فقال
حتِ 2فَإِنْ جَاءُوكَ} أي :للتحاكم عندك فأنت مخير بين
سمّاعُونَ لِ ْل َك ِذبِ َأكّالُونَ لِلسّ ْ
تعالى عنهمَ { :
أن تحكم بحكم ال .3أو تعرض عنهم وتتركهم لحبارهم يحكمون بينهم كما شاءوا وإن تعرض
عنهم فلم تحكم بينهم لن يضروك شيئا ،أي :من الضرر ولو قل ،لن ال تعالى وليك وناصرك،
وإن حكمت بينهم فاحكم بينهم بالقسط أي :العدل ،لن ال تبارك وتعالى يحب ذلك فافعله لجله
ك وَعِنْدَهُمُ ال ّتوْرَاةُ
ح ّكمُو َن َ
إنه يحب القسط والمقسطين ،وقوله تعالى في الية الثالثة(َ { :)43وكَ ْيفَ يُ َ
حكْمُ اللّهِ} .أي :إنه مما يتعجب منه أن يحكموك فتحكم بينهم برجم الزناة ،وعندهم التوراة
فِيهَا ُ
فيها نفس الحكم فرفضوه معرضين عنه اتباعا لهوائهمَ { ،ومَا أُولَ ِئكَ بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ} ل بك ول بحكمك
ول بحكم التوراة.
هداية اليات
من هداية اليات:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-1استحباب ترك الحزن باجتناب أسبابه ومثيراته.
-2حرمة سماع الكذب لغير حاجة تدعو إلى ذلك.
-3حرمة تحريف الكلم وتشويهه للفساد.
__________
1الرشوة مشتقة من الرشى الذي هو الحبل الذي يستخرج به الماء من البئر بضميمة الدلو،
وعليه فكل مال أعطى لحاكم ليؤخذ به الراشي حق امرء فهو رشوة وسحت محرمان بل خلف.
وكذا ما يدفعه الواسطة لحاكم ليسقط عنه حقًا وجب عليه فهو رشوة .أما ما كان ليدفع به عن
نفسه أو ماله أو عرضه أو دينه فل يحرم ،وليس هو من الرشوة ،قال السمرقندي الفقيه ،وبهذا
نأخذ.
سحِ َتكُمْ ِبعَذَابٍ} ،وقال الفرزدق:
2أصل السحت :الهلك ،والشدة .قال تعالى{ :فَيُ ْ
وعض زمانٍ يا ابن مروان لم يدع ...من المال إل مسحتًا أو مجلف
وسمي المال الحرام كالربا والرشوة :سحتًا؛ لنه يسحت الطاعات ويبطل ثوابها ،ويسحت البركة
ويزيلها.
3يرى مالك والشافعي أن اليهود إذا رفعوا للمام قضية دم أو مال أو عرض حكم بينهم بما أنزل
ال ،وإن كان ما رفعوه ل يتعلق بالمال أو الدم أو العرض تركهم معرضًا عنهم ،وأبي حنيفة يرى
الحكم بينهم مطلقًا.
( )1/633
-4الحاكم المسلم مخير في الحكم بين أهل الكتاب إن شاء حكم بينهم وإن شاء أحالهم على
علمائهم.
-5وجوب العدل في الحكم ولو كان المحكوم عليه غير مسلم.
-6تقرير كفر 1اليهود وعدم إيمانهم.
ن وَالَحْبَارُ
ح ُكمُ ِبهَا النّبِيّونَ الّذِينَ أَسَْلمُوا لِلّذِينَ هَادُوا وَالرّبّانِيّو َ
ى وَنُورٌ يَ ْ
{إِنّا أَنْ َزلْنَا ال ّتوْرَاةَ فِيهَا هُد ً
ن وَل َتشْتَرُوا بِآيَاتِي َثمَنا
شوْ ِ
س وَاخْ َ
شوُا النّا َ
ش َهدَاءَ فَل َتخْ َ
حفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللّ ِه َوكَانُوا عَلَ ْيهِ ُ
ِبمَا اسْ ُت ْ
علَ ْيهِمْ فِيهَا أَنّ ال ّنفْسَ بِال ّنفْسِ
حكُمْ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلكَافِرُونَ(َ )44وكَتَبْنَا َ
ل َومَنْ لَمْ َي ْ
قَلِي ً
ن وَالْجُرُوحَ ِقصَاصٌ َفمَنْ َتصَدّقَ بِهِ َف ُهوَ
ن وَالسّنّ بِالسّ ّ
ف وَالُذُنَ بِالُذُ ِ
وَا ْلعَيْنَ بِا ْلعَيْنِ وَالَ ْنفَ بِالَنْ ِ
حكُمْ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ فَأُولَ ِئكَ هُمُ الظّاِلمُونَ(َ )45و َقفّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ ِبعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ
َكفّارَةٌ َل ُه َومَنْ َلمْ َي ْ
ى وَنُو ٌر َومُصَدّقا ِلمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ال ّتوْرَاةِ
ُمصَدّقا ِلمَا بَيْنَ يَدَ ْيهِ مِنَ ال ّتوْرَا ِة وَآتَيْنَا ُه الِنْجِيلَ فِيهِ هُد ً
حكُمْ
ى َو َموْعِظَةً لِ ْلمُ ّتقِينَ( )46وَلْيَ ْ
وَهُد ً
__________
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
1قالت العلماء :إن من طلب غير حكم ال تعالى من حيث لم يرض به فهو كافر ،وهذه حالة
اليهود وحال أكثر المسلمين اليوم حيث لم يرضوا بحكم ال تعالى وحكموا شرائع الباطل وقوانين
الكفر.
( )1/634
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/635
الناس في ذلك واخشوا ال تعالى فهو أحق أن يخشى ،ول تشتروا بآيات ال التي هي أحكامه
فتعطلوها مقابل ثمن قليل تأخذونه ممن تجاملونهم وتداهنونهم على حساب دين ال وكتابهَ { .ومَنْ
حكُمْ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلكَافِرُونَ} 1فكيف ترضون بالكفر بدل اليمان.
لَمْ َي ْ
هذا ما دلت عليه الية الولى( ،)44أما الية الثانية(َ { :)45وكَتَبْنَا عَلَ ْي ِهمْ فِيهَا أَنّ ال ّنفْسَ بِال ّنفْسِ}2
فقد أخبر تعالى أنه فرض على بني إسرائيل في التوراة القود في النفس والقصاص في
الجراحات؛ فالنفس تقتل بالنفس ،العين تفقأ بالعين 3والنف يجدع بالنف ،والذن 4تقطع بالذن
والسن تكسر إن كسرت 5بالسن ،وتقلع به إن قلع ،والجروح 6بمثلها قصاص ومساواة ،وأخبر
تعالى :أن من تصدق على الجاني بالعفو عنه وعدم المؤاخذة فإن ذلك يكون كفارة لذنوبه ،7وإن
لم يتصدق عليه واقتص منه يكون ذلك كفارة لجنايته بشرط وذلك بأن يقدم نفسه للقصاص تائبا،
حكُمْ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ
أي :نادما على فعله مستغفرا ربه .وقوله تعالى في ختام اليةَ { :ومَنْ لَمْ يَ ْ
فَأُولَ ِئكَ هُمُ الظّاِلمُونَ} ،وذلك بأن قتل غير القاتل أو قتل بالواحد اثنين أو فقأ بالعين عينين ،كما
كان بنو النضير يعاملون به قريظة بدعوى الشرف عليهم.
هذا ما دلت عليه الية الثالثة( )46وهي قوله تعالىَ { :و َقفّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ ِبعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} فقد
أخبر تعالى أنه أتبع أولئك النبياء السابقين من بني إسرائيل عيسى بن مريم عليه السلم ،أي:
أرسله بعدهم مباشرة { ُمصَدّقا ِلمَا بَيْنَ يَدَ ْيهِ مِنَ ال ّتوْرَاةِ} لم ينكرها أو يتجاهلها{ ،وَآتَيْنَا ُه الِنْجِيلَ} ،
أي :وأعطيناه النجيل وحيا أوحيناه إليه ،وهو كتاب مقدس أنزله ال تعالى عليه فيه ،أي :في
النجيل هدى من الضلل ونور لبيان الحكام من الحلل
__________
1القول الذي ل خلف فيه :هو أن المسلم ل يكفر لمجرد عدم حكمه بما أنزل ال تعالى ،وإنما
يفسق ويصبح في عداد الفاسقين من أمة السلم .أما الكفر فل يكفر ول يكفر إل بشرط أن ينكر
هداية القرآن وصلحيته ويعرض عنه مستخفًا به مفضلً عليه غيره.
2الذي عليه أكثر الفقهاء :أن المسلم ل يقتل بالذمي .لقول الرسول صلى ال عليه وسلم:
"المؤمنون تتكافأ دمائهم وهم يدُ على من سواهم ول يقتل مسلم بكافر ول ذو عهد في عهده" رواه
أبو داود والترمذي.
3ل خلف أن في العينين دية ،وفي العين الواحدة نصف دية ،وفي عين العور دية كاملة ،وفي
النف إذا جدع الدية كاملة.
4الدية في ذهاب السمع ،إما مع بقاء السمع ففيه حكومة.
5في السن خمس من البل لحديث الصحيح في ذلك.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
6وفي الشفتين الدية ،وفي الواحدة نصف الدية ،وفي اللسان إذا قطع الدية.
7اختلف في دية المرأة الكثرون على أن أصبعها كأصبع الرجل وسنها كسنه ،وموضوحتها
كموضوحته ،ومنقلتها كمنقلته ،فإذا بلغت ثلث الدية كانت على النصف من دية الرجل .وقالت
طائفة :دية المرأة فيما ذكر على النصف من دية الرجل.
( )1/636
والحرامَ { ،و ُمصَدّقا} ،أي :النجيل لما قبله من التوراة ،أي :مقررا أحكامها مثبتا لها إل ما نسخه
ى َو َموْعِظَةً لِ ْلمُ ّتقِينَ} أي :يجد فيه أهل التقوى الهداية الكافية للسير
ال تعالى منها بالنجيل{ ،وَهُد ً
في طريقهم إلى ال تعالى والموعظة التامة للتعاظ بها في الحياة .هذا ما دلت عليه الية الثالثة،
حكُمْ َأ ْهلُ الِ ْنجِيلِ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ فِيهِ} أي :وقلنا ليحكم أهل
أما الية( )47وهي قوله تعالى{ :وَلْ َي ْ
النجيل ،يريد وأمرنا أهل النجيل أن يحكموا بما أنزل ال فيه من الحكام ،وأخبرناهم أن من {َلمْ
سقُونَ} عن أمره الخارجون عن طاعته وقد يكون الفسق ظلما
حكُمْ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلفَا ِ
يَ ْ
وكفرا.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب خشية ال بأداء ما أوجب وترك ما حرم.
-2كفر من جحد أحكام ال فعطلها أو تلعب بها فحكم بالبعض دون البعض.
-3وجوب 1القود في النفس والقصاص في الجراحات؛ لن ما كتب على بني إسرائيل كتب على
هذه المة.
-4من الظلم أن يعتدى في القصاص بأن يقتل الواحد اثنان أو يقتل غير القاتل أو يفقأ بالعين
الواحدة عينان مثلً ،وهو كفر مع الستحلل وظلم في نفس الوقت.
-5مشروعية القصاص في النجيل وإلزام أهله بتطبيقه وتقرير فسقهم إن عطلوا تلك الحكام
وهم مؤمنون بها.
حكُمْ بَيْ َنهُمْ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ
{وَأَنْزَلْنَا إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ بِا ْلحَقّ ُمصَدّقا ِلمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ا ْلكِتَابِ َو ُمهَ ْيمِنا عَلَيْهِ فَا ْ
جعََلكُمْ ُأمّةً
جعَلْنَا مِ ْنكُمْ شِرْعَ ًة َومِ ْنهَاجا وََلوْ شَاءَ اللّهُ لَ َ
حقّ ِل ُكلّ َ
عمّا جَا َءكَ مِنَ الْ َ
وَل تَتّبِعْ أَ ْهوَاءَ ُهمْ َ
وَاحِ َد ًة وََلكِنْ لِيَبُْل َوكُمْ فِي مَا
__________
1إل إن يرضى الملظلوم بالدية فإنه يعطاها على نحو ما تقدم آنفًا.
( )1/637
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حكُمْ بَيْ َنهُمْ
جمِيعا فَيُنَبّ ُئ ُكمْ ِبمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَِلفُونَ( )48وَأَنِ ا ْ
ج ُعكُمْ َ
آتَاكُمْ فَاسْتَ ِبقُوا ا ْلخَيْرَاتِ إِلَى اللّهِ مَ ْر ِ
ِبمَا أَنْ َزلَ اللّ ُه وَل تَتّبِعْ َأ ْهوَاءَهُ ْم وَاحْذَرْ ُهمْ أَنْ َيفْتِنُوكَ عَنْ َب ْعضِ مَا أَنْ َزلَ اللّهُ إِلَ ْيكَ فَإِنْ َتوَّلوْا فَاعْلَمْ
حكْمَ ا ْلجَاهِلِيّةِ يَ ْبغُونَ
سقُونَ(َ )49أ َف ُ
أَ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ أَنْ ُيصِي َبهُمْ بِ َب ْعضِ ذُنُو ِبهِ ْم وَإِنّ كَثِيرا مِنَ النّاسِ َلفَا ِ
حكْما ِلقَوْمٍ يُوقِنُونَ(})50
َومَنْ َأحْسَنُ مِنَ اللّهِ ُ
شرح الكلمات:
{ا ْلكِتَابَ} :القرآن الكريم.
{مِنَ ا ْلكِتَابِ} :اسم جنس بمعنى الكتب السابقة قبله؛ كالتوراة والنجيل.
علَيْهِ} :حاكما عليه ،أي :محققا للحق الذي فيه ،مبطلً للباطل الذي التصق به.
{ َو ُمهَ ْيمِنا َ
عةًَ 1ومِ ْنهَاجا} :شريعة تعملون بها وسبيلً تسلكونه لسعادتكم وكمالكم من سنن الهدى.
{شِرْ َ
{ُأمّةً وَاحِ َدةً} :ل اختلف بينكم في عقيدة ول في عبادة ول قضاء.
{فَاسْتَ ِبقُوا} :أي :بادروا فعل الخيرات ليفوز السابقون.
{أَنْ َيفْتِنُوكَ} :يضلوك عن الحق.
{فَإِنْ َتوَّلوْا} :أعرضوا عن قبول الحق الذي دعوتهم إليه وأردت حكمهم به.
{حكم الجاهلية} :هو ما عليه أهل الجاهلية من الحكام القبلية التي ل تقوم على وحي ال تعالى
وإنما على الراء والهواء.
معنى اليات:
لما ذكر تعالى إنزاله التوراة وأن فيها الهدى والنور وذكر النجيل وأنه أيضا فيه الهدى والنور
حقّ} متلبسا به ل يفارقه
ناسب ذكر القرآن الكريم ،فقال{ :وَأَنْزَلْنَا إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ} ،أي :القرآن {بِالْ َ
الحق والصدق لخلوه من الزيادة والنقصان حال كونه { ُمصَدّقا ِلمَا بَيْنَ َيدَيْهِ} من
__________
1أصل الشريعة في اللغة :الطريقة التي يتوصل بها إلى الماء ،وهي هنا :ما شرع ال لعباده من
الدين الشامل من العقائد والعبادات والحكام القضائية يتوصل بها إلى سعادة الدارين.
( )1/638
الكتب السابقة ،ومهيمنا 1عليها حفيظا حاكما ،فالحق ما أحقه منها والباطل ما أبطله منها .وعليه
حكُمْ} يا رسولنا بين اليهود والمتحاكمين إليك { ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ} إليك بقتل القاتل ورجم الزاني ل
{فَا ْ
كما يريد اليهود {وَل تَتّبِعْ أَ ْهوَاءَ ُهمْ} في ذلك وترك ما جاءك من الحق ،واعلم أنا جعلنا لكل أمة
جعََلكُمْ
شرعة ومنهاجا ،أي :شرعا وسبيلً خاصا يسلكونه في إسعادهم وإكمالهم{ ،وََلوْ شَاءَ اللّهُ لَ َ
ح َدةً} على شريعة واحدة ل تختلف في قضاياها وأحكامها لفعل ،ولكن نوع الشرائع فأوجب
ُأمّ ًة وَا ِ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وأحل ونهى وحرم في شريعة ولم يفعل ذلك في شريعة أخرى من أجل أن يبتليكم فيما أعطاكم
وأنزل عليكم ليتبين المطيع من العاصي والمهتدي من الضال ،وعليه فهلم {فَاسْتَ ِبقُوا الْخَيْرَاتِ}2
أي :بادروا العمال الصالحة ،وليجتهد كل واحد أن يكن سابقا ،فإن مرجعكم إليه تعالى {فَيُنَبّ ُئكُمْ
ِبمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَِلفُونَ} ،ثم يجزيكم الخير بمثله والشر إن شاء كذلك .هذا ما دلت عليه الية
الولى ،أما الية الثانية ( )49فقد أمر ال تعالى فيها رسوله ونهاه وحذره وأعلمه وندد بأعدائه
حكُمْ 3بَيْ َن ُهمْ ِبمَا أَنْ َزلَ
أمره أن يحكم بين من يتحاكمون إليه بما أنزل عليه من القرآن فقال{ :وَأَنِ ا ْ
اللّهُ} ،ونهاه أن يتبع أهواء اليهود فقال{ :وَل تَتّبِعْ أَ ْهوَاءَ ُهمْ} وحذره من أن يتبع بعض آرائهم
حذَرْهُمْ 4أَنْ َيفْتِنُوكَ
فيترك بعض ما أنزل عليه ول يعمل به ويعمل بما اقترحوه عليه فقال{ :وَا ْ
عَنْ َب ْعضِ مَا أَنْ َزلَ اللّهُ إِلَ ْيكَ} وأعلمه أن اليهود إن تولوا ،أي :أعرضوا عن قبول حكمه وهو
الحكم الحق العادل فإنما يريد ال تعالى أن ينزل بهم عقوبة نتيجة ما قارفوا من الذنوب ،وما
ارتكبوا من الخطايا فقال{ :فَإِنْ َتوَلّوْا فَاعَْلمْ أَ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ أَنْ ُيصِي َبهُمْ 5بِ َب ْعضِ ذُنُو ِبهِمْ} .وندد
بأعدائه حيث أخبر أن أكثرهم فاسقون ،أي :عصاة خارجون عن طاعة ال تعالى ورسله ،فقال:
سقُونَ} .فسله بذلك وهون عليه ما قد يجده
{وَإِنّ كَثِيرا مِنَ النّاسِ َلفَا ِ
__________
1فسر{ :مهيمنًا} بعال مرتفع عليه وبمؤتمن عليه ،ويعود اللفظان إلى ما فسرناه به؛ لن المرتفع
العالي هو الحاكم .والمؤتمن هو الحافظ.
2فيه دليل على تقديم الواجبات وعدم تأخيرها لسيما الصلوات الخمس ،وخالف أبو حنيفة في
الصلة ،والية حجة عليه.
3هل هذه الية ناسخة للتخيير السابق ،أو ل نسخ ويقدر بعدها جملة –إن شئت -لتقدم ذكر
حكُمْ بَيْ َنهُمْ َأوْ أَعْ ِرضْ عَ ْن ُهمْ} ،يحدد معنى هذه الية.
التخيير وما تقدم من توجيه في آية{ :فَا ْ
4روى ابن إسحاق عن ابن عباس أن قومًا من الحبار اجتمعوا ،منهم :ابن صوريا ،وكعب،
وشاس ،وقالوا :إذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه ،فإنما هو بشر ،فأتوه وقالوا :قد عرفت يا
محمد إنا أحبار اليهود وإن اتبعناك لم يحالفنا أحد من اليهود ،وإن بيننا وبين قوم خصومة
فنحاكمهم إليك فاقض لنا عليهم حتى نؤمن بك .فأبى رسول ال صلى ال عليه وسلم ونزلت هذه
الية.
5وقد أصابهم فأجلوا من الحجاز وقتل بنو قريظة وضربت عليهم الجزية في ديار السلم.
( )1/639
من ألم تمرد اليهود والمنافقين وإعراضهم عن الحق الذي جاءهم به ودعاهم إليه .هذا ما دلت
عليه الية الثانية ،أما الية الثالثة( )50فقد أنكر تعالى فيها على اليهود طلبهم حكم أهل الجاهلية
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حيث ل وحي ول تشريع إلهي وإنما العادات والهواء والشهوات معرضين عن حكم الكتاب
ح ْكمَ الْجَاهِلِيّةِ 1يَ ْبغُون}َ .ثم أخبر تعالى نافيا أن
والسنة حيث العدل والرحمة ،فقال تعالىَ{ :أفَ ُ
يكون هناك حكم أعدل أو أرحم من حكم ال تعالى للمؤمنين به الموقنين بعدله تعالى ورحمته
حكْما ِلقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ؟.
فقالَ { :ومَنْ َأحْسَنُ 2مِنَ اللّهِ ُ
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب الحكم وفي كل القضايا بالكتاب والسنة.
-2ل يحوز تحكيم أية شريعة أو قانون غير الوحي اللهي الكتاب والسنة.
-3التحذير من اتباع أهواء الناس خشية الضلل عن الحق.
-4بيان الحكمة من اختلف الشرائع ،وهو البتلء.
-5أكثر المصائب في الدنيا ناتجة عن بعض الذنوب.
-6حكم الشريعة السلمية أحسن الحكام عدلً ورحمة.
ض َومَنْ يَ َتوَّلهُمْ مِ ْنكُمْ فَإِنّهُ
ضهُمْ َأوْلِيَاءُ َب ْع ٍ
{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّخِذُوا الْ َيهُو َد وَال ّنصَارَى َأوْلِيَاءَ َب ْع ُ
مِ ْنهُمْ إِنّ اللّهَ ل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ( )51فَتَرَى الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ ُيسَارِعُونَ فِيهِمْ َيقُولُونَ
خشَى أَنْ ُتصِيبَنَا دَائِ َرةٌ َفعَسَى اللّهُ أَنْ يَأْ ِتيَ بِا ْلفَتْحِ َأوْ َأمْرٍ مِنْ عِ ْن ِدهِ فَ ُيصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرّوا فِي
نَ ْ
سهِمْ نَا ِدمِينَ()52
أَ ْنفُ ِ
__________
{ 1أفحكم} منصوب بيبغون ،أي :أيبغون حكم الجاهلية ،إذ أهل الجاهلية من العرب يجعلون حكم
الشريف خلف حكم الوضيع .واليهود يقيمون الحدود على الضعفاء والفقراء دون القوياء
والغنياء.
2الستفهام إنكاري ،أي :ينكر أن يكون هناك حكم أحسن من ال تعالى.
( )1/640
عمَاُلهُمْ فََأصْبَحُوا
طتْ أَ ْ
ج ْهدَ أَ ْيمَا ِنهِمْ إِ ّنهُمْ َل َم َعكُمْ حَ ِب َ
سمُوا بِاللّهِ َ
وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا َأ َهؤُلءِ الّذِينَ َأقْ َ
خَاسِرِينَ(})53
شرح الكلمات:
{آمَنُوا} :صدقوا بال ورسوله ووعد ال ووعيده.
{َأوْلِيَاءَ} :لكم توالونهم بالنصرة والمحبة.
ضهُمْ َأوْلِيَاءُ َب ْعضٍ} :أي :اليهودي ولي أخيه اليهودي ،والنصراني ولي أخيه النصراني.
{ َب ْع ُ
{الظّاِلمِينَ} :الذين يوالون أعداء ال ورسوله ويتركون موالة ال ورسوله والمؤمنين.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{مَ َرضٌ} :نفاق وشك وشرك.
{يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} :أي :في البقاء على موالتهم ،أي :موالة اليهود والنصارى.
{دَائِ َرةٌ : }1تدور علينا من جدب ،أو انتهاء أمر السلم.
{بِا ْلفَتْحِ} :نصر المؤمنين على الكافرين والقضاء لهم بذلك؛ كفتح مكة.
جهْدَ 2أَ ْيمَا ِن ِهمْ} :أقصاها وأبلغها.
{َ
عمَاُلهُمْ} :بطلت وفسدت فلم ينتفعوا منها بشيء؛ لنها ما كانت ل تعالى.
طتْ أَ ْ
{حَبِ َ
معنى اليات:
ورد في سبب نزول هذه الية عن عبادة بن الصامت النصاري ،وعبد ال بن أبي كان لكل منهما
حلفاء من يهود المدينة ،ولما انتصر رسول ال صلى ال عليه وسلم والمؤمنون في بدر اغتاظ
اليهود وأعلنوا سوء نياتهم فتبرأ عبادة بن الصامت من حلفائه ورضي بموالة ال ورسوله
والمؤمنين وأبي بن أبي ،ذلك وقال بعض ما جاء في هذه اليات فأنزل ال تعالى قوله{ :يَا أَ ّيهَا
ضهُمْ
الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّخِذُوا الْ َيهُو َد وَال ّنصَارَى َأوْلِيَاءَ} أي :لكم من دون المؤمنين ،وقوله تعالىَ { :ب ْع ُ
__________
1الدائرة :اسم فاعل من دار يدو فهو دائر ،إذا عكس سيره فالدائرة تغير الحال ،وغلبت في
الخير والشر ،أي :من خير إلى شر .ودوائر الدهر :نوبه ودوله.
2حقيقة الجهد :التعب والمشقة ،ومنتهى الطاقة ،والمراد به في الية :آكد اليمان وأغلظها ،وفعل
الجهد :جهد؛ كمنع يجهد كيمنع جهدا كمنع.
( )1/641
َأوْلِيَاءُ َب ْعضٍ} تعليل لتحريم موالتهم ،1لن اليهودي ولي لليهودي والنصراني ولي للنصراني
على المسلمين فكيف تجوز إذا موالتهم ،وكيف يصدقون أيضا فيها فهل من المعقول أن يحبك
النصراني ويكره أخاه ،وهل ينصرك على أخيه؟ وقوله تعالىَ { :ومَنْ يَ َتوَّلهُمْ مِ ْنكُمْ} أي :أيها
المؤمنون {فَإِنّهُ مِ ْنهُمْ . }2لنه بحكم موالتهم سيكون حربا على ال ورسوله والمؤمنين ،وبذلك
يصبح منهم قطعا وقوله{ :إِنّ اللّهَ ل َيهْدِي ا ْلقَوْمَ الظّاِلمِينَ} جملة تعليلية تفيد أن من والى اليهود
والنصارى من المؤمنين أصبح مثلهم فيحرم هداية ال تعالى لن ال ل يهدي القوم الظالمين.
والظلم وضع الشيء في غير محله ،وهذا الموالي لليهود قد ظلم بوضع الموالة في غير محلها
حيث عادى ال ورسوله والمؤمنين ووالى اليهود والنصارى أعداء ال ورسوله والمؤمنين .هذا ما
دلت عليه الية الولى ،أما الية الثانية( )52فقد تضمنت بعض ما قال ابن أبي مبررا موقفه
المخزي وهو البقاء على موالته لليهود ،إذ قال تعالى لرسوله وهو يخبره بحالهم{ :فَتَرَى الّذِينَ
فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ} كابن أبي ،والمرض مرض النفاق { ُيسَارِعُونَ فِيهِمْ} أي :في موالتهم ولم يقل
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يسارعون إليهم لنهم ما خرجوا من دائرة موالتهم حتى يعودوا إليها بل هم في داخلها
يسارعون ،يقولون كالمعتذرين { َنخْشَى أَنْ ُتصِيبَنَا دَائِ َرةٌ} من تقلب الحوال فنجد أنفسنا مع أحلفنا
ننتفع بهم .وقوله تعالىَ { :فعَسَى اللّهُ أَنْ يَأْ ِتيَ بِا ْلفَتْحِ} وعسى من ال تعبد تحقيق الوقوع ،فهي
بشرى لرسول ال والمؤمنين بقرب النصر والفتح َ{ 3أوْ َأمْرٍ مِنْ عِ ْندِه 4فَ ُيصْ ِبحُوا} أي :أولئك
سهِمْ} من النفاق وبغض المؤمنين وحب الكافرين {نَا ِدمِينَ}
الموالون لليهود {عَلَى مَا أَسَرّوا فِي أَ ْنفُ ِ
حيث ل ينفعهم ندم .هذا ما تضمنته الية الثانية ،أما الية الثالثة( )53وهي قوله تعالى{ :وَ َيقُولُ
الّذِينَ آمَنُوا} عندما يأتي ال بالفتح أو أمر من عنده فيه نصرة المؤمنين وهزيمة الكافرين ،ويصبح
سمُوا بِاللّه} أغلظ اليمان
المنافقون نادمين ،يقول المؤمنون مشيرين إلى المنافقين{ :أَ َهؤُلءِ الّذِينَ َأقْ َ
عمَاُلهُمْ} لنها لم تكن ل {فََأصْبَحُوا خَاسِرِينَ} .
طتْ أَ ْ
{إِ ّنهُمْ َل َم َعكُمْ حَ ِب َ
__________
1الموالة حقيقتها :المودة والنصرة ،فمن والى اليهود والنصارى فأحبهم ونصرهم على المسلمين
لزمه أن أبغض المؤمنين وخذلهم ،وبهذا يصبح كافرًا.
2هذا الحكم باقٍ إلى يوم القيامة ،وهو حرمة موالة الكافرين ،ومن والهم تحرم موالته كما
تحرم موالتهم ووجبت له النار كما وجبت لهم.
3قال ابن عباس رضي ال عنهما :أتى ال بالفتح فقتلت مقاتلة بني قريضة ،وسبيت ذراريهم،
وأجلى بنو النضير.
4فسر الحسن قوله تعالى{ :أو أمر منْ عِنده} بأنه إظهار أمر المنافقين والخبار بأسمائهم،
والمر بقتلهم ،وهو تفسير عظيم عليه نور.
( )1/642
هداية اليات
من هداية اليات:
-1حرمة موالة اليهود والنصارى 1وسائر الكافرين.
-2موالة الكافر على المؤمن تعتبر ردة عن السلم.
-3موالة الكافرين ناجمة عن ضعف اليمان ،فلذا تؤدى إلى الكفر.
-4عاقبة النفاق سيئة ونهاية الكفر مريرة.
سوْفَ يَأْتِي اللّهُ ِبقَوْمٍ ُيحِ ّبهُ ْم وَيُحِبّونَهُ أَذِلّةٍ عَلَى
{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْ َتدّ مِ ْنكُمْ عَنْ دِينِهِ َف َ
ضلُ اللّهِ ُيؤْتِيهِ
ا ْل ُم ْؤمِنِينَ أَعِ ّزةٍ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ ُيجَا ِهدُونَ فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَل َيخَافُونَ َل ْومَ َة لئِمٍ ذَِلكَ َف ْ
علِيمٌ( )54إِ ّنمَا وَلِ ّيكُمُ اللّ ُه وَرَسُولُ ُه وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ ُيقِيمُونَ الصّلةَ وَ ُيؤْتُونَ
مَنْ يَشَاءُ وَاللّ ُه وَاسِعٌ َ
ال ّزكَا َة وَهُمْ رَا ِكعُونَ(َ )55ومَنْ يَ َت َولّ اللّ َه وَرَسُولَ ُه وَالّذِينَ آمَنُوا فَإِنّ حِ ْزبَ اللّهِ هُمُ ا ْلغَالِبُونَ(})56
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شرح الكلمات:
{مَنْ يَرْ َتدّ : }2أي :يرجع إلى الكفر بعد إيمانه.
{َأذِلّةٍ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} :أرقاء عليهم رحماء بهم.
{أَعِ ّزةٍ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ : }3أشداء غلظ عليهم.
{َل ْومَ َة لئِمٍ} :عذل عاذل.
{حِ ْزبَ اللّهِ} :أنصار ال تعالى.
__________
1ل يعد موالة استعمال اليهودي أو النصراني في عمل تجاري أو عمراني أو مهني ،إذا دعت
الحاجة إليه ،ول يصح اسبتطانهم ول الستعانة بهم في الجهاد.
2قرئ{ :يرتد} بالفتح وهي قراءة أهل المدينة والشام.
3قال ابن عباس :هم للمؤمنين كالوالد للولد،والسيد للعبد ،وهم في الغلظة على الكفار؛ كالسبع
على فريسته.
( )1/643
معنى اليات:
هذه الية الكريمة ({ :)54يَا أ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْ َتدّ مِ ْنكُمْ عَنْ دِينِهِ} تضمنت خبرا من أخبار
الغيب التي يخبر بها القرآن فتتم طبق ما أخبر به فتكون آية أنه كلم ال حقا وأن المنزل على
رسوله صدقا ،فقد أخبر تعالى أنه من يرتد من المؤمنين سوف يأتي ال عز وجل بخير منه ممن
يحبون ال ويحبهم ال تعالى رحماء بالمؤمنين أشداء على الكافرين يجاهدون في سبيل ال ول
يخافون لوم من يلوم ،ول عتاب من يعتب عليهم .وما إن مات الرسول صلى ال عليه وسلم حتى
ارتد فئات 1من أجلف العراف ومنعوا الزكاة وقاتلهم أبو بكر مع الصحابة رضوان ال عليهم
حتى أخضعوهم للسلم وحسن إسلمهم فكان أبو بكر وأصحابه ممن وصف ال تعالى يحبون ال
ويحبهم ال يجاهدون في سبيله ول يخافون لومة لئم ،وقد روي بل وصح أن النبي صلى ال
عليه وسلم لما نزلت هذه الية وتلها صلى ال عليه وسلم وأبو موسى الشعري أمامه فأشار إليه
وقال قوم هذا ،وفعلً بعد وفاة الرسول جاء الشعريون وظهرت الية وتمت المعجزة وصدق ال
ضلُ اللّهِ} الشارة إلى ما أولى 2أولئك المؤمنين من أبي بكر
العظيم .وقوله تعالى{ :ذَِلكَ َف ْ
الصديق والصحابة والشعريين من تلك الصفات الجليلة من حب ال والرقة والرأفة على
المؤمنين والشدة على الكافرين ،والجهاد في سبيل ال ،وقوله تعالى{ :وَاللّ ُه وَاسِعٌ عَلِيمٌ} أي :واسع
الفضل عليم بمن يستحقه .هذا ما دلت عليه الية الولى ،أما الثانية )55( 3فقد تضمنت طمأنة
الرب تعالى لعباده بن الصامت وعبد ال بن سلم ومن تبرأ من حلف اليهود ووالى ال ورسوله
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فأخبرهم تعالى أنه هو وليهم ورسوله والذين آمنوا {الّذِينَ ُيقِيمُونَ الصّلةَ وَيُؤْتُونَ ال ّزكَا َة وَهُمْ
رَا ِكعُونَ }4أي :خاشعون متطامنون ،وأما ولية اليهود والنصارى فل خير لهم فيها وهم منها
براء فقصرهم تعالى على وليته وولية رسوله والمؤمنين الصادقين ،وفي الية الثالثة أخبرهم
تعالى أن من يتول ال ورسوله والذين آمنوا ينصره ال ويكفه ما يهمه ،لنه أصبح من حزب ال،
وحزب ال أي أولياؤه وأنصاره هم الغالبون ،هذا ما دلت عليه الية الكريمة وهي قوله
__________
1قال ابن إسحاق لما قبض رسول ال صلى ال عليه وسلم ارتدت العرب إلى ثلثة مساجد:
مسجد المدينة ،ومسجد مكة ،ومسجد جؤاثي .جؤاثي :اسم حصن بالبحرين ،وكان المرتدون على
قسمين :قسم منعوا الزكاة واعترفوا بباقي الشريعة ،وقسم نبذوا الشريعة.
2أي :ما وهبهم وأعطاهم من الصفات الحميدة الجليلة.
3هي قوله تعالى{ :إِ ّنمَا وَلِ ّيكُمُ اللّهُ وَرَسُولُ ُه وَالّذِينَ آمَنُوا }...إلخ.
4يروى أن عليًا رضي ال عنه كان يصلي نافلة في المسجد فسأله أحد فرمى إليه بالخاتم وهو
يصلي فاستدل الفقهاء بهذا أن العمل اليسير ل يبطل الصلة.
( )1/644
تعالىَ { :ومَنْ يَ َت َولّ اللّهَ وَرَسُولَ ُه وَالّذِينَ آمَنُوا فَإِنّ حِ ْزبَ 1اللّهِ ُهمُ ا ْلغَالِبُونَ} .
هداية اليات
من هداية اليات:
-1إخبار القرآن الكريم بالغيب وصدقه في ذلك فكان آية أنه كلم ال.
-2فضيلة أبي بكر والصحابة والشعريين قوم أبي موسى الشعري وهم من أهل اليمن.
-3فضل حب ال والتواضع للمؤمنين وإظهار العزة على الكافرين ،وفضل الجهاد في سبيل ال
وقول الحق والثبات عليه وعدم المبالة بمن يلوم ويعذل في ذلك.
-4فضيلة إقام الصلة وإيتاء الزكاة والخشوع والتواضع.
-5ولية ال ورسوله والمؤمنين الصادقين توجب لصاحبها النصر والغلبة على أعدائه.
خذُوا دِي َنكُمْ هُزُوا وََلعِبا مِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ مِنْ قَبِْلكُمْ
{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّخِذُوا الّذِينَ اتّ َ
خذُوهَا هُزُوا وََلعِبا ذَِلكَ
وَا ْلكُفّارَ َأوْلِيَا َء وَا ّتقُوا اللّهَ إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ( )57وَإِذَا نَادَيْ ُتمْ إِلَى الصّلةِ اتّ َ
بِأَ ّنهُمْ َقوْمٌ ل َي ْعقِلُونَ(ُ )58قلْ يَا َأ ْهلَ ا ْلكِتَابِ َهلْ تَ ْن ِقمُونَ مِنّا إِل أَنْ آمَنّا بِاللّهِ َومَا أُنْ ِزلَ إِلَيْنَا َومَا
سقُونَ(ُ )59قلْ َهلْ أُنَبّ ُئكُمْ 2بِشَرّ مِنْ ذَِلكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللّهِ مَنْ َلعَنَهُ اللّهُ
أُنْ ِزلَ مِنْ قَ ْبلُ وَأَنّ َأكْثَ َركُمْ فَا ِ
سوَاءِ
ضلّ عَنْ َ
ج َعلَ مِ ْنهُمُ ا ْلقِرَ َد َة وَالْخَنَازِي َر وَعَبَدَ الطّاغُوتَ أُولَ ِئكَ شَرّ َمكَانا وََأ َ
غضِبَ عَلَيْهِ وَ َ
وَ َ
السّبِيلِ(})60
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
__________
1الحزب :الصنف من الناس ،وأصله من النائبة مأخوذ من قولهم :حزبه كذا ،أي :نابه؛ كأن
المحتزبين مجتمعون اجتماع أهل النائبة عليها.
2روى أنه لما نزلت أيةُ { :قلْ َهلْ أُنَبّ ُئ ُكمْ بِشَرّ مِنْ ذَِلكَ }...إلخ .قال المسلمون لهم يا أخوة القردة
والخنازير نكسوا رؤسهم افتضاحا ،وفيهم يقول الشاعر:
فلعنة ال على اليهود ...
إن اليهود أخوة القرود
( )1/645
شرح الكلمات:
{هُزُوا وََلعِبا} :الهزء :ما يُهزأ به ويسخر منه .واللعب :ما يعلب به.
{أُوتُوا ا ْلكِتَابَ} :هم اليهود في هذا السياق.
{وَا ْل ُكفّارَ} :المشركون.
{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصّلةِ} :أذنتم بها.
{ َهلْ تَ ْن ِقمُونَ مِنّا} :أي :ما تنقمون منا ،ومعنى تنقمون هنا تنكرون منا وتعيبون علينا.
{مَثُوبَةً} :جزاء.
سقُونَ} :خارجون عن طاعة ال تعالى بالكفر والمعاصي.
{فَا ِ
{ا ْلقِرَ َدةَ} :جمع قرد حيوان معروف مجبول على التقليد والمحاكاة.
{وَالْخَنَازِيرَ} :جمع خنزير حيوان خبيث معروف محرم الكل.
{شَرّ َمكَانا} :أي :منزلة يوم القيامة في نار جهنم.
معنى اليات:
مازال السياق في تحذير المؤمنين من موالة اليهود وأعداء ال ورسوله ،فقال تعالى{ :يَا أَ ّيهَا
خذُوا دِي َنكُمْ} السلمي
الّذِينَ آمَنُوا} بال ربا وبمحمد رسولً وبالسلم دينا {ل تَتّخِذُوا الّذِينَ اتّ َ
{هُزُوا} شيئا يهزءون به ،ولعبا ،أي :شيئا يلعبون به {مِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ} يعني اليهود،
والكفار ،1وهم المنافقون والمشركون {أولياء} أنصارا وأحلفا{ 2وَا ّتقُوا اللّهَ} في ذلك ،أي :في
اتخاذهم أولياء {إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ} صادقين في إيمانكم فإن حب ال ورسوله والمؤمنين يتنافى معه
حب أعداء ال ورسوله والمؤمنين .هذا ما دلت عليه الية الولى( ،)57أما الية الثانية( )58فقد
تضمنت إخبار ال تعالى بما يؤكد وجوب معاداة من يتخذ دين المؤمنين هزوا ولعبا وهم أولئك
الذين إذا سمعوا الذان ينادى 3للصلة اتخذوه هزوا ولعبا ،فهذا يقول ما هذا الصوت وآخر يقول
__________
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
1قرئ :والكفار بالجر ،وقرئ :بالنصب ،قال مكي :لول اتفاق الجماعة على قراءة النصب
لخترت قراءة الجر لقوته في العراب ،وفي التفسير والقرب من المعطوف عليه.
2هذه الية فيها دليل على عدم جواز التأييد والستنصار بالمشركين ،وقد روي عن جابر أن
النبي صلى ال عليه وسلم لما أراد الخروج إلى أحد جاء قوم من اليهود فقالوا :نسير معك .فقال
صلى ال عليه وسلم" :إنا ل نستعين على أمرنا بالمشركين" .
3لم يكن بمكة الذان وإنما كان ينادي للصلة باللفظ" :الصلة جامعة" ولما هاجر رسول ال
صلى ال عليه وسلم وصرفت القبلة إلى الكعبة أمر بالذان ،وبقيت" :الصلة جامعة" والمر
بعرض ،ولما همهم أمر الذان رأى عبد ال بن زيد النصاري الذان في المنام ،وكذا رآه عمر.
( )1/646
هذا نهيق حمار ،قبح ال قولهم وأقمأهم .فقال تعالى عنهم{ :وَِإذَا نَادَيْتُمِْ 1إلَى الصّلةِ اتّخَذُوهَا
هُزُوا وََلعِبا ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ َقوْ ٌم ل َي ْعقِلُونَ} .حقا إنهم ل يعقلون ،فلو كانوا يعقلون الكلم لكان النداء
إلى الصلة من أطيب ما يسمع العقلء لنه نداء إلى الطهر والصفاء وإلى الخير والمحبة واللفة،
نداء إلى ذكر ال وعبادته ،ولكن القوم كما أخبر تعالى عنهم{ :ل َي ْعقِلُونَ} شأنهم شأن البهائم
والبهائم أفضل منهم .هذا ما دلت عليه الية الثانية ،أما الية الثالثة( )59فقد تضمنت تعليم ال
تعالى لرسوله أن يقول لولئك اليهود والكفرة الفجرة :يا أهل الكتاب إنكم بمعاداتكم لنا وحربكم
علنيا ما تنقمون منا أي ما تكرهون منا ول تعيبون علينا إل إيماننا بال وما أنزل علينا من هذا
القرآن الكريم وما أنزل من قبل من التوراة والنجيل ،وكون أكثركم فاسقين فهل مثل هذا ينكر
من صاحبه ويعاب عليه؟ اللهم ل ،ولكنكم قوم ل تعقلون ،هذا معنى قوله تعالى في هذه اليةُ { :قلْ
يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ َهلْ تَ ْن ِقمُونَ مِنّا إِل أَنْ آمَنّا بِاللّ ِه َومَا أُنْ ِزلَ إِلَيْنَا َومَا أُنْ ِزلَ مِنْ قَ ْبلُ وَأَنّ َأكْثَ َركُمْ
سقُونَ} ،أما الية الرابعة في هذا السياق ( )60فقد تضمنت تعليم ال لرسوله كيف يرد على
فَا ِ
أولئك اليهود إخوان القردة والخنازير قولهم :ل نعلم دينا شرا من دينكم ،وذلك أنهم سألوا النبي
صلى ال عليه وسلم :بمن تؤمن؟ فقال :أؤمن بال وبما أنزل إلينا وما أنزل على موسى وما أنزل
على عيسى ،فلما قال هذا ،قالوا :ل نعلم دينا شرا من دينكم بغضا لعيسى عليه السلم وكرها له،
فأنزل ال تعالىُ { :قلْ َهلْ أُنَبّ ُئ ُكمْ بِشَرّ مِنْ ذَِلكَ مَثُوبَةً} أي :ثوابا وجزاء {عِ ْندَ اللّهِ} أنه {مَنْ َلعَنَهُ
ج َعلَ مِ ْنهُمُ ا ْلقِرَ َدةَ وَالْخَنَازِيرَ} إذ مسخ طائفة منهم قردة ،وأخرى خنازير على
ضبَ عَلَيْ ِه وَ َ
غ ِ
اللّ ُه وَ َ
عهد داود عليه السلم ،وقوله{ :وَعَ َبدَ الطّاغُوتَ }2أي :وجعل منهم من عبد الطاغوت وهو
الشيطان ،و ذلك بطاعته والنقياد لما يجلبه عليه ويزينه له من الشر والفساد ،إنه أنتم يا معشر
يهود ،إنكم لشر مكانا يوم القيامة وأضل سبيلً اليوم في هذه الحياة الدنيا.
__________
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
1الذان فرض في المدن والقرى ،وسن لجماعة تطلب غيرها ومستحب لمن ل يطلب غيره،
والسفر والحضر سواء إل أنه في السفر أعظم أجرًا لحديث الموطأ" :ل يسمع مدى صوت المؤذن
جن ول إنس ول شيء إل شهد له يوم القيامة" .وهذا الثواب عام لمن أذن في السفر والحضر
والقامة سنة مؤكدة لكل صلة ،ومن أذن أقام ولو أقام غير المؤذن جازت.
2قرئ :هذا اللفظ{ :عبد الطاغوت} بعدة قراءات ،منها{ :عبد} اسما؛ كفضل ،و {عبد الطاغوت}
أي :جمع عبد ،وعبد الطاغوت :جمع عابد؛ كشاهد وشهد.
( )1/647
هداية اليات
من هداية اليات:
-1حرمة اتخاذ اليهود والنصارى والمشركين أولياء ل سيما أهل الظلم منهم.
-2سوء أخلق اليهود وفساد عقولهم.
-3شعور اليهود بفسقهم وبعد ضللهم جعلهم يعملون على إضلل المسلمين.
-4تقرير وجود مسخ في اليهود قردة وخنازير.
-5اليهود شر الناس مكانا يوم القيامة ,وأضل الناس في هذه الدنيا.
{وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنّا َوقَدْ َدخَلُوا بِا ْل ُكفْرِ وَ ُهمْ قَدْ خَرَجُوا ِب ِه وَاللّهُ أَعَْلمُ ِبمَا كَانُوا َيكْ ُتمُونَ()61
حتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ(َ )62لوْل
ن وََأكِْلهِمُ السّ ْ
وَتَرَى كَثِيرا مِ ْن ُهمْ يُسَارِعُونَ فِي الِثْ ِم وَا ْلعُ ْدوَا ِ
حتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا َيصْ َنعُونَ(})63
يَ ْنهَاهُمُ الرّبّانِيّونَ وَالَحْبَارُ عَنْ َقوِْلهِمُ الِثْ َم وََأكِْلهِمُ السّ ْ
شرح الكلمات:
{ َيكْ ُتمُونَ} :أي :يضمرون في نفوسهم ويخفونه فيها.
{فِي الِثْ ِم وَا ْلعُ ْدوَانِ} :الثم :كل ضار وفاسد وهو ما حرمه ال تعالى من اعتقاد أو قول أو عمل،
والعدوان ،والعدوان :الظلم.
حتَ} :المال الحرام؛ كالرشوة والربا ،وما يأخذونه من مال مقابل تحريف الكلم وتأويله.
{السّ ْ
ن وَالَحْبَارُ} :الربانيون هنا العباد المربون؛ كمشايخ 1التصوف عندنا .والحبار:
{الرّبّانِيّو َ
العلماء.
معنى اليات:
ما زال السياق الكريم في فضح اليهود وبيان خبثهم زيادة في التنفير من موالتهم فأخبر
__________
1مشايخ الطرق –والحق يقال -لقد ربوا كثيرًا من الجهال على اليمان والتقوى ولكن لعدم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
علمهم بالكتاب والسنة ضلوا وأضلوا في المجالت كثيرة ،وخاصة في العقيدة .لذا ل يجوز
إقرارهم ول التربي على أيديهم.
( )1/648
تعالى في الية الولى عن منافقيهم فقالَ { :وإِذَا جَاءُوكُمْ }1يريد :غشوكم في مجالسكم{ ،قَالُوا آمَنّا}
وما آمنوا ولكنهم ينافقون ل غير فقد دخلوا بالكفر 2في قلوبهم وخرجوا به{ ,وَاللّهُ أَعْلَمُ ِبمَا كَانُوا
َيكْ ُتمُونَ} من الكفر والكيد لكم .هذا معنى قوله تعالى في الية الولى({ )61وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنّا
َوقَدْ َدخَلُوا بِا ْل ُكفْرِ وَ ُهمْ قَدْ خَرَجُوا ِب ِه وَاللّهُ أَعَْلمُ ِبمَا كَانُوا َيكْ ُتمُونَ} ،وأما الية الثانية( )62فقد
أخبر تعالى رسوله أنهم لكثرة ما يرتكبون من الذنوب ويغشون من المعاصي ترى كثيرا منهم 3
يسارعون في الثم والعدوان وأكلهم السحت علنا ل يستترون به ول يخفونه ثم ذمهم ال تعالى
ذلك وقبح فعلهم فقال{ :لَبِئْسَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ} .وفي الية الخيرة :أنكر على عبادهم وعلمائهم
سكوتهم عن جرائم عوامهم ورضوا بها مصانعة لهم ومداهنة ،فقال تعالىَ{ :لوْل يَ ْنهَاهُمُ4
ن وَالَحْبَارُ} أي :لم ل ينهونهم عن قولهم الثم ،أي :الكذب ،وأكلهم السحت .الرشوة
الرّبّانِيّو َ
والربا ،ثم ذم تعالى سكوت العلماء عنهم بقوله{ :لَبِئْسَ 5مَا كَانُوا َيصْ َنعُونَ} أي :وعزتي وجللي
لبئس صنيع هؤلء من صنيع حيث أصبح السكوت المتعمد لمنافع خاصة يحصلون عليها صنعة
لهم أتقنوها وحذقوها .والعياذ بال.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجود منافقين من اليهود على عهد الرسول صلى ال عليه وسلم بالمدينة.
-2بيان استهتار اليهود وعدم مبالتهم بارتكابهم الجرائم علنية.
-3قبح سكوت العلماء على المنكر وإغضائهم على فاعليه ،ولذا قال كثير من السلف في هذه
الية أشد آية وأخطرها على العلماء.
__________
1هذا اليات معطوفة على قوله تعالى{ :وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصّلةِ} السابقة ،وخص بهذه الصفات:
منافقوا اليهود ،وهم من جملة :من اتخذوا الدين هزوا ولعبا.
2أي :أنهم ما أمنوا قط ،ولم يخالط اليمان قلوبهم طرفة عين ،فهم دخلوا كافرين وخرجوا
كافرين.
3الرؤيا هنا :بصرية ،والخطاب عام لكل من يسمع ويرى ،والمعنى :أن حالهم ل تخفى على أحد
ذي بصر.
4قال ابن عباس رضي ال عنه :ما في القرآن آية أشد توبيخًا من هذه اليةَ { .لوْل يَ ْنهَاهُمُ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا َيصْ َنعُونَ} ،والية وإن نزلت
ن وَالَحْبَارُ عَنْ َقوِْلهِ ُم الِثْ َم وََأكِْلهِمُ السّ ْ
الرّبّانِيّو َ
في يهود المدينة ،فقد ذكرت النصارى لن حالهم سواء .والية تنطبق اليوم على علماء المسلمين
حيث تركوا المر والنهي ،والعياذ بال تعالى من عاقبة ذلك .فقد قال صلى ال عليه وسلم" :إن
الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم ال بعقاب من عنده" .الترمذي
وصححه .ولول هنا :أداة تحظيظ ،والمراد :توبيخ علماؤهم وعابديهم على ترك المر بالمعروف
والنهي عن المنكر.
5قال الزجاج :اللم في قوله تعالى{ :لبئس} للقسم والتأكيد.
( )1/649
{ َوقَاَلتِ الْ َيهُودُ يَدُ اللّهِ َمغْلُولَةٌ غُّلتْ أَ ْيدِيهِ ْم وَُلعِنُوا ِبمَا قَالُوا َبلْ َيدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُ ْنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ
طغْيَانا َوكُفْرا وَأَ ْلقَيْنَا بَيْ َنهُمُ ا ْل َعدَا َوةَ وَالْ َب ْغضَاءَ إِلَى َيوْمِ
وَلَيَزِيدَنّ كَثِيرا مِ ْنهُمْ مَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ ُ
حبّ ا ْل ُمفْسِدِينَ(
س َعوْنَ فِي الَ ْرضِ فَسَادا وَاللّهُ ل يُ ِ
طفَأَهَا اللّهُ وَيَ ْ
ا ْلقِيَامَةِ كُّلمَا َأ ْوقَدُوا نَارا لِ ْلحَ ْربِ َأ ْ
)64وََلوْ أَنّ أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ آمَنُوا وَا ّتقَوْا َل َكفّرْنَا عَ ْنهُمْ سَيّئَا ِت ِه ْم وَلَ ْدخَلْنَا ُهمْ جَنّاتِ ال ّنعِيمِ( )65وََلوْ أَ ّنهُمْ
حتِ أَ ْرجُِلهِمْ مِ ْنهُمْ ُأمّةٌ
لكَلُوا مِنْ َف ْو ِقهِ ْم َومِنْ تَ ْ
ل َومَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيهِمْ مِنْ رَ ّب ِه ْم َ
َأقَامُوا ال ّتوْرَاةَ وَالِنْجِي َ
ُمقْتَصِ َد ٌة َوكَثِيرٌ مِ ْنهُمْ سَاءَ مَا َي ْعمَلُونَ(})66
شرح الكلمات:
{ َيدُ اللّهِ َمغْلُولَةٌ : }1يريدون أنه تعالى ضيق عليهم الرزق ولم يوسع عليهم.
{غُّلتْ أَ ْيدِيهِمْ} :دعاء عليهم بأن يحرموا النفاق في الخير وفيما ينفعهم.
{وَُلعِنُوا ِبمَا قَالُوا} :طردوا من رحمة ال بسبب وصفهم الرب تعالى بالبخل.
{ َبلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} :ل كما قالوا لعنهم ال :يد ال مغلولة ،أي :ممسكة عن النفاق.
طغْيَانا} :تجاوزا لحد العتدال في قولهم الكاذب وعملهم الفاسد.
{ُ
{وَأَ ْلقَيْنَا بَيْ َنهُمُ} :أي :بين اليهود والنصارى.
{َأ ْوقَدُوا نَارا} :أي :نار الفتنة والتحريش والغراء والعداوات للحرب.
__________
1القائل :فنحاص اليهودي عليه لعائن ال وهو يعنى :بمغلولة :بخيلة ل تنفق ،وهو كاذب ،بل
يمين ال ملى ل يغيظها نفقة سحاء الليل والنهار" :أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والرض
فإنه لم يغض ما في يمينه" حديث الشيخين.
( )1/650
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{وََلوْ أَنّ أَ ْهلَ ا ْلكِتَاب}ِ :اليهود والنصارى.
حتِ أَ ْرجُِلهِمْ} :كناية عن بسط الرزق عليهم.
{مِنْ َف ْو ِقهِ ْم َومِنْ تَ ْ
{ُأمّةٌ مُقْ َتصِ َدةٌ} :معتدلة ل غالبة مفرطة ،ول جافية مفرطة.
معنى اليات:
يحبر تعالى عن كفر اليهود وجرأتهم على ال تعالى بباطل القول وسيء العمل ،فيقولَ { :وقَاَلتِ1
الْ َيهُودُ يَدُ اللّهِ َمغْلُولَةٌ} يريدون أنه تعالى أمسك عنهم الرزق وضيقه عليهم ،فرد ال تعالى عليهم
بقوله{ :غُّلتْ أَيْدِيهِمْ} هو دعاء عليهم بأن ل يوفقوا للنفاق فيما ينفعهم {ولعنوا بما قالوا} .ولعنهم
تعالى ولعنهم كل صالح في الرض والسماء بسبب قولهم الخبيث الفاسد .وأكذبهم تعالى في قولهم
{ َيدُ اللّهِ َمغْلُولَةٌ} فقالَ { :بلْ َيدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُ ْنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} كما قال عنه رسوله في الصحيح:
"يمين ال سحاء 2تنفق الليل والنهار" ثم أخبر تعالى نبيه محمدا صلى ال عليه وسلم ليسله
ويخفف عنه ما يجد في نفسه من جراء كفر اليهود وخبثهم فقال{ :وَلَيَزِيدَنّ كَثِيرا مِ ْنهُمْ} أي :من
اليهود {مَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ} من اليات التي تبين خبثهم وتكشف النقاب عن سوء أفعالهم المخزية لهم{ .
طغْيَانا َو ُكفْرا} أي :إبعادا في الظلم والشر وكفرا بتكذيبك وتكذيب ما أنزل إليك وذلك دفعا للحق
ُ
ليبرروا باطلهم وما هم عليه من العتقاد الفاسد والعمل السيء ،ثم أخبر تعالى رسوله بتدبيره
فيهم انتقاما منهم فقال عز وجل من قائل{ :وَأَ ْلقَيْنَا بَيْ َنهُمُ ا ْل َعدَا َوةَ 3وَالْ َب ْغضَاءَ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ} أي:
أن العداوة بين اليهود والنصارى ل تنتهي إلى يوم القيامة ،ثم أخبر عن اليهود أنهم {كُّلمَا َأ ْوقَدُوا
نَارا لِ ْلحَ ْربِ} وذلك بالتحريش بين الفراد والجماعات وحتى الشعوب والمم ،وبالغراء ،وقالة
طفَأَهَا اللّه} تعالى فلم يفلحوا فيما أرادوه ،وقد أذلهم ال على يد رسوله والمؤمنين
السوء{ ،أَ ْ
وأخزاهم وعن دار اليمان أجلهم وأخبر تعالى أنهم يسعون دائما وأبدا في الرض بالفساد ،فلذا
أبغضهم ال وغضب عليهم ،لنه تعالى ل يحب المفسدين ،هذا ما دلت عليه الية الولى(،)64
أما الية الثانية( )65وهي قوله تعالى{ :وََلوْ أَنّ أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ} من يهود ونصارى {آمَنُوا} بال
ورسوله وبما
__________
1إنه وإن القائل :فنحاص بن عازوراء فإن رضي اليهود بمقالته سلكهم في سلكه واعتبروا كلهم
قائلون ،إذ الرضى بالكفر كفر.
2هذا اللفظ معنى للحديث ل لفظه ،وقد تقدم قريبًا لفظه كما في الصحيحين.
جمِيعا َوقُلُو ُبهُمْ
حسَ ُبهُمْ َ
3الكلم صالح لن يكون{ :بينهم} المراد بهم اليهود أنفسهم كقوله تعالى{ :تَ ْ
خذُوا
شَتّى} ،وأن يكون المراد بين اليهود والنصارى لتقدم ذكرهم معًا في قوله تعالى{ :ل تَتّ ِ
الْ َيهُو َد وَال ّنصَارَى َأوْلِيَاءَ} ،والواقع شاهد.
( )1/651
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
جاء من الدين الحق وعملوا به{ ،وَا ّت َقوْا} الكفر والشرك وكبائر الذنوب الفواحش ،لكفر ال عنهم
سيئآتهم فلم يؤاخذهم ولم يفضحهم بها ولدخلهم جنات النعيم .وهذا وعد ال تعالى اليهود
والنصارى فلو أنهم آمنوا واتقوا لنجزه لهم قطعا .وهو ل يخلف الميعاد.
أما الية الخيرة( )66في هذا السياق فهي تتضمن وعدا إلهيا آخر وهو أن اليهود والنصارى لو
أقاموا التوراة والنجيل وما أنزل إليهم من ربهم ومن ذلك القرآن الكريم ،ومعنى أقاموا ذلك آمنوا
بالعقائد الصحيحة الواردة في تلك الكتب وعملوا بالشرائع السليمة والداب الرفيعة والخلق
الفاضلة التي تضمنتها تلك الكتب لو فعلوا ذلك لبسط ال تعالى عليهم الرزق وأسبغ عليهم النعم
ولصبحوا في خيرات وبركات تحوطهم من كل جانب هذا ما وعدهم ال به .ثم أخبر تعالى عن
واقعهم المرير فقال{ :مِ ْنهُمْ ُأمّةٌ ُمقْ َتصِ َدةٌ} لم تغل ولم تحف فلم تقل في عيسى أنه ابن ال ول هو
ابن زنى ،ولكن قالت عبد ال ورسوله ،ولذا لما جاء النبي المي بشارة عيسى 1عليه السلم
آمنوا به وصدقوا بما جاء به من الهدى والدين الحق وهم عبد ال بن سلم وبعض اليهود،
والنجاشي من النصارى وخلق كثير ل يحصون عدا .وكثير من أهل الكتاب ساء ،2أي :قبح ما
يعلمون من أعمال الكفر والشرك والشر والفساد.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1أقبح وصف ال تعالى بما ل يليق بجلله وكماله.
-2ثبوت صفة اليدين ل تعالى ووجوب اليمان بها على مراد ال تعالى ،وعلى ما يليق بجلله
وكماله.
-3تقرير ما هو موجود بين اليهود والنصارى من عداوة وبغضاء 3وهو من تدبير ال تعالى.
-4سعى اليهود الدائم في الفساد في الرض فقد ضربوا البشرية بالذهب المادي اللحادي
الشيوعي ،وضربوها أيضا بالباحة ومكائد الماسونية.
__________
1بشارة عيسى بدل من النبي المي ،وقلنا :بشارة عيسى؛ لن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :
أنا دعوة أبي إبراهيم ،وبشارة عيسى عليهم السلم" .
2أي :بئس :شيء عملوه ،إذ كذبوا الرسل وحرفوا الكتب وأكلوا السحت.
3وإن قيل :إن التعاون القائم اليوم بين اليهود والنصارى يرد ما في الية ،قلنا :إن اليهود احتالوا
على النصارى فضربوهم باللحاد ،فلما قضي على العقيدة الدينية فيهم أصبحوا سخرة لهم
يتحكمون فيهم ،وبذلك فرضوا عليهم حبهم وعدم عداوتهم.
( )1/652
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-5وعد ال لهل الكتاب على ما كانوا عليه لو آمنوا واتقوا لدخلهم الجنة.
-6وعده تعالى لهل الكتاب ببسط الرزق وسعته لو أقاموا التوراة والنجيل وما أنزل إليهم من
ربهم ،أي :لو أنهم أخذوا بما في التوراة والنجيل من دعوتهم إلى اليمان بالنبي المي والدخول
في السلم لحصل لهم ذلك كما حصل للمسلمين طيلة ثلثة قرون وزيادة .وما زال العرض كما
هو 1لكل المم والشعوب أيضا.
صمُكَ مِنَ النّاسِ
ك وَإِنْ لَمْ َتفْ َعلْ َفمَا بَّل ْغتَ ِرسَالَتَ ُه وَاللّهُ َي ْع ِ
{يَا أَ ّيهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّب َ
شيْءٍ حَتّى ُتقِيمُوا ال ّتوْرَاةَ
إِنّ اللّ َه ل َي ْهدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلكَافِرِينَ(ُ )67قلْ يَا َأ ْهلَ ا ْلكِتَابِ َلسْتُمْ عَلَى َ
طغْيَانا َو ُكفْرا فَل
وَالِنْجِيلَ َومَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكُمْ مِنْ رَ ّبكُ ْم وَلَيَزِيدَنّ كَثِيرا مِ ْنهُمْ مَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ ُ
تَأْسَ عَلَى ا ْل َقوْمِ ا ْلكَافِرِينَ( )68إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَادُوا وَالصّابِئُونَ وَال ّنصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ
خ ْوفٌ عَلَ ْيهِ ْم وَل هُمْ يَحْزَنُونَ(})69
ع ِملَ صَالِحا فَل َ
وَالْ َيوْمِ الخِ ِر وَ َ
شرح الكلمات:
{الرّسُولُ} :ذكر من بني آدم أوحي إليه شرع وأمر بتبليغه وهو هنا محمد صلى ال عليه وسلم.
{بَلّغْ مَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ : }2من التوحيد والشرائع والحكام.
ص ُمكَ} :يحفظك حفظا ل يصل إليك معه أحد بسوء.
{ َي ْع ِ
__________
1الوعد :هو ما عرضه ال تعالى عليهم ،وهو في قوله{ :وََلوْ أَ ّنهُمْ َأقَامُوا ال ّتوْرَا َة وَالِنْجِيلَ َومَا
لكَلُوا }...الية.
أُنْ ِزلَ إِلَ ْيهِمْ مِنْ رَ ّبهِمْ َ
2روى مسلم عن مسروق عن عائشة أنها قالت :من حدثك أن محمدًا صلى ال عليه وسلم كتم
ك وَإِنْ لَمْ
شيئًا من الوحي فقد كذب ،وال تعالى يقول{ :يَا أَ ّيهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّب َ
َت ْفعَلْ َفمَا بَّل ْغتَ رِسَالَتَهُ }...الية.
( )1/653
( )1/654
أهل الكتاب مما هو بيان لذنوبهم وضللهم .ومما هو أمر لهم باليمان بالنبي المي واتباعه على
الدين الحق الذي ارسل به يزيدهم ذلك طغيانا ،أي :علوا وعتوا وكفرا فوق كفرهم .ولذا فل تأس،
أي :ل تحزن 1على عدم إيمانهم بك وبما جئت به لنهم قوم كافرون .أما الية الثالثة( )69وهي
قوله تعالى{ :إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ 2هَادُوا وَالصّابِئُونَ 3وَال ّنصَارَى} فالذين آمنوا هم المسلمون،
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
واليهود والنصارى والصابئون وهم فرقة منهم هم أهل الكتاب فجميع هذه الطوائف من آمن منهم
اليمان الحق بال وباليوم الخر وأتى بلزم اليمان وهو التقوى وهي ترك الشرك والمعاصي
أفعالً وتروكا فل خوف عليه في الدنيا ول في البرزخ ول يوم القيامة ول حزن يلحقه في
الحيوات الثلث وعد ال حقا { َومَنْ َأصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثا} !.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب البلغ على الرسل ونهوض رسولنا محمد صلى ال عليه وسلم بهذا الواجب على
أكمل وجه وأتمه.
-2عصمة الرسول المطلقة.
-3كفر أهل الكتاب إل من آمن منهم بالنبي محمد صلى ال عليه وسلم واتبع ما جاء به من الدين
الحق.
-4أهل العناد والمكابرة ل تزيدهم الدلة والبراهين إل عتوا ونفورا وطغيانا وكفرا.
-5العبرة باليمان والعمل الصالح وترك الشرك و المعاصي ل بالنتساب إلى دين من الديان.
ل وَأَرْسَلْنَا ِإلَ ْيهِمْ رُسُلً كُّلمَا جَاءَ ُهمْ رَسُولٌ ِبمَا
{َلقَدْ َأخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائي َ
__________
1في هذا الرشاد اللهي تسلية للرسول صلى ال عليه وسلم وليس بنهي عن الحزن إذ ل يقدر
المرء على دفع الحزن وإنما يقدر على ترك مثيراته ،فإنه متى ترك العرض لها لم يوجد في نفسه
حزن.
2في ذكر المؤمنين ،وهم :المسلمون ،مع اليهود ،والصائبين ،والنصارى ،إشارة أبلغ من عبارة،
وهي :أن العبرة ليست بالنساب ول النتساب ول بزمان أو مكان .وإنما النجاة من النار ودخول
الجنة متوقفان على اليمان الصحيح بال واليوم الخر والعمل الصالح الذي جاء به كتاب ال
ورسوله محمد صلى ال عليه وسلم.
3اختلف في إعراب {والصابئون} على أقوال نكتفي بقول منها :وهو أن تكون مبتدأ وخبرها
محذوف تقديره :والصابئون كذلك على حد قول الشاعر:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ...فإني وقيار بها لغريب
أي :كذلك ،وتقدير الكلم{ :إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَادُوا وَال ّنصَارَى وَالصّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ
خوْفٌ عَلَ ْيهِمْ وَل ُهمْ يَحْزَنُونَ} والصابئون
ع ِملَ صَالِحا فََلهُمْ َأجْرُ ُهمْ عِنْدَ رَ ّب ِه ْم وَل َ
وَالْ َيوْمِ الخِ ِر وَ َ
كذلك.
( )1/655
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
صمّوا ُثمّ تَابَ اللّهُ
حسِبُوا أَل َتكُونَ فِتْنَةٌ َف َعمُوا َو َ
سهُمْ فَرِيقا كَذّبُوا َوفَرِيقا َيقْتُلُونَ( )70وَ َ
ل َت ْهوَى أَ ْنفُ ُ
صمّوا كَثِيرٌ مِ ْنهُ ْم وَاللّهُ َبصِيرٌ ِبمَا َي ْعمَلُونَ(َ )71لقَدْ َكفَرَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ ُهوَ
عمُوا وَ َ
عَلَ ْيهِمْ ُثمّ َ
ا ْلمَسِيحُ ابْنُ مَرْ َي َم َوقَالَ ا ْل َمسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْ ُبدُوا اللّهَ رَبّي وَرَ ّبكُمْ إِنّهُ مَنْ يُشْ ِركْ بِاللّهِ َفقَدْ حَرّمَ
علَيْهِ ا ْلجَنّ َة َومَ ْأوَاهُ النّا ُر َومَا لِلظّاِلمِينَ مِنْ أَ ْنصَارٍ(})72
اللّهُ َ
شرح الكلمات:
الميثاق :العهد المؤكد باليمين.
س ُهمْ} :بما ل يحبونه ول تميل إليه أنفسهم المريضة.
{ ِبمَا ل َت ْهوَى أَ ْنفُ ُ
{فَرِيقا كَذّبُوا} :أي :كذبوا طائفة من الرسل وقتلوا طائفة أخرى.
{أَل َ 1تكُونَ فِتْنَةٌ} :أي :أن ل يبتلوا بذنوبهم بالشدائد والمحن.
{ َف َعمُوا َوصَمّوا} :عموا عن العبر ،وصموا عن سماع المواعظ.
{مَنْ يُشْ ِركْ بِاللّهِ} :أي :يشرك بال غيره تعالى من سائر الكائنات فيعبده مع ال بأي نوع من
أنواع العبادات.
{حَرّمَ اللّهُ عَلَيْهِ الْجَنّةَ} :حكم بمنعه من دخولها أبدا إل أن يتوب من الشرك.
معنى اليات:
ما زال السياق الكريم في الحديث عن أهل الكتاب فقد أقسم تعالى على أنه أخذ ميثاق بني
إسرائيل ،وذلك في التوراة بأن يعبدوا ال وحده بما شرع لهم فيطيعوه في أمره ونهيه وأرسل
__________
1إن :هي المخففة من الثقيلة ،وحسبانهم ذلك هو الذي جعلهم يواصلون جرائمهم ،ولم يرتدعوا
عنها.
( )1/656
إليهم رسله 1تترا كلما جاءهم 2رسول بما ل يوافق أهواءهم 3كذبوه فيما جاءهم به ودعاهم
إليه .أو قتلوه .وحسبوا أن ل يؤاخذوا بذنوبهم فعموا عن الحق صموا عن سماع المواعظ فابتلهم
ربهم وسلط عليهم من سامهم سوء العذاب ،ثم تاب ال عليهم فتابوا واستقام أمرهم وصلحت
أحوالهم ثم عموا وصموا مرة أخرى إل قليلً منهم فسلط عليهم من سامهم 4سوء العذاب أيضا،
وهاهم أولء في عمى وصمم وال بصير بما يعملون وسوف ينزل بهم بأساه إن لم يتوبوا فيؤمنوا
بال ورسوله ويدينوا بالدين الحق الذي هو السلم.
هذا ما تضمنته اليتان الولى والثانية( ،)71-70أما الية الثالثة( )72وهو قوله تعالىَ{ :لقَدْ َكفَرَ5
الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلمَسِيحُ 6ابْنُ مَرْيَمَ} فقد أخبر تعالى مقررا حكمه بالكفر على من افترى
عليه وعلى رسوله فادعى أن ال جل جلله وعظم سلطانه هو المسيح بن مريم تعالى ال أن
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يكون عبدا من عباده ،وحاشا عيسى عبد ال ورسوله أن يرضى أن يقال له أنت ال .وكيف وهو
القائل{ :يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللّهَ رَبّي وَرَ ّبكُمْ إِنّهُ مَنْ ُيشْ ِركْ بِاللّهِ َفقَدْ حَرّمَ اللّهُ عَلَ ْيهِ الْجَنّةَ
َومَأْوَاهُ النّا ُر َومَا لِلظّاِلمِينَ مِنْ أَ ْنصَارٍ} فهل مثل هذا القول يصدر عمن يدعي أنه ال أو ابن ال؟
سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1بيان تاريخ بني إسرائيل ،والكشف عن مختبئات جرائمهم من الكفر والقتل.
-2إكرام ال تعالى لبني إسرائيل ولطفه بهم مع تمردهم عليه ورفض ميثاقه وقتل أنبيائه
وتكذيبهم ،والمكر بهم.
__________
1كموسى ،وهارون ،ومن جاء بعدهم ،وداود ،وسليمان ،وزكريا ،ويحي ،وعيسى عليهم السلم.
2كلما :نصبت على الظرفية ،وهي لستغراق الزمان الذي أتت فيه الرسل وأشربت معنى
الشرطية ،فكان العامل فيها بمنزلة الجواب.
{ 3أهوائهم} جمع :هوى ،وهو المحبوب ،وفعله :هوي يهوى؛ كرضي يرضى ،إذا أحب ومالته
نفسه إلى ملبسة شيء.
4إشارة إلى تاريخ بني إسرائيل ،فقد استقام أمرهم وقامت دولتهم في فلسطين على عهد يوشع بن
نون فتى موسى ،ثم دالت دولتهم بجرائمهم على عهد البابليين ثم اجتمعت كلمتهم وقامت دولتهم
على عهد داود وسليمان ،ثم دالت دولتهم بجرائمهم التي نعاها ال تعالى عليهم في هذه الية على
يد الرومان.
5هذا استئناف ابتدائي لبطال باطل النصارى بعد إبطال باطل اليهود ،فالمناسبة جد قوية لنهما
خصم السلم والمسلمين.
6هذا قول اليعقوبية ،وهم :فرقة من النصارى ،لنهم قالوا :باتحاد البن والب؛ فكأن المسيح هو
ال في اعتقادهم الباطل الفاسد.
( )1/657
( )1/658
الية(َ{ )73لقَدْ َكفَرَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ ثَاِلثُ ثَل َثةٍ} يعنون الب والبن وروح القدس ،وبعضهم
يقول الب والبن والم ،والثلثة إله واحد فأكذبهم تعالى في قيلهم هذا ،فقال ردا باطلهمَ { ،ومَا
حدٌ} أي :وليس المر كما يكذبون ،وإنما ال إله واحد ،وأما جبريل فأحد ملئكته،
مِنْ إِلَهٍ إِل إَِل ٌه وَا ِ
وعيسى عبده ورسوله ،ومريم أمته ،فالكل عبد ال وحده الذي ل إله غيره ول رب سواه .ثم قال
عذَابٌ
عمّا َيقُولُونَ لَ َيمَسّنّ الّذِينَ َكفَرُوا 1مِ ْنهُمْ َ
تعالى متوعدا هؤلء الكفرة الكذبة { :وَإِنْ لَمْ يَنْ َتهُوا َ
أَلِيمٌ} ،فأقسم تعالى أنهم إن لم ينتهوا عن قولهم الباطل وهو كفر ليمسنهم عذاب أليم موجع غاية
اليجاع .ثم لكمال رحمته عز وجل دعاهم في الية الثانية( )74إلى التوبة ليتوب عليهم ويغفر لهم
وهو الغفور الرحيم ،فقال عز وجلَ{ :أفَل يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ} بترك هذا الكفر والباطل ويستغفرون
ال منه ،وال غفور للتائبين رحيم بالمؤمنين ،وفي الية الثالثة( )75أخبر تعالى معلما رسوله
الحتجاج على باطل النصارى ،فقال{ :مَا ا ْلمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِل رَسُولٌ }2فلم يكن ربا ول إلها
وإنما هو رسول مفضل قد خلت من قبله رسل مفضلون كثيرون وأمه مريم لم تكن أيضا إلها كما
يزعمون ،وإنما هي امرأة من نساء بني إسرائيل صديقة 3كثيرة الصدق في حياتها ل تعرف
الكذب ول الباطل وأنها وولدها عيسى عليهما السلم بشران كسائر البشر يدل على ذلك أنهما
يأكلن الطعام 4احتياجا إليه لن بنيتهما ل تقوم إل عليه فهل أكل الطعام افتقارا إليه ،ثم يفرز
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فضلته ،يصلح أن يكون إلها .اللهم ل .وهنا قال لرسوله صلى ال عليه وسلم :انظر يا رسولنا
كيف نبين لهم اليات الدالة بوضوح على بطلن كفرهم ،ثم انظر كيف يؤفكون 5عن الحق ،أي:
كيف يصرفون عنه وهو واضح بين .وفي الية الخيرة( )76أمر رسوله أن يقول لولئك
المأفوكين عن الحق المصروفين عن دلئله ل ينظرون فيها أمره أن يقول لهم موبخا لهم:
{أَ َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ
__________
1الية نص في أن من يقول بقول النصارى كافر مستوجب للعذاب الليم.
2فيه قصر موصوف على صفة أي ،قصر عيسى على الرسالة ل يتجاوزها إلى اللوهية ،ولذا
فهو قصر قلب لرد اعتقاد النصارى في أنه ال.
3صديقة :كثيرة الصدق في قولها وعملها ،وفي تصديقها بآيات ربها ،وفي تصديقها لبنها ،وقد
ناداها ساعة ولدته وفي رضاعه ،وهل هي مع الصديقية نبية؟ في نداء الملئكة لها ما يرجح
نبوتها ،وال أعلم.
4إن من يأكل الطعام وولدته امرأة كيف ل يكون مخلوقًا مربوبًا محدثًا كسائر المخلوقين لم
يستطع دفع هذا نصراني مهما أوتى من العلم إلى أنهم يهربون من مواجهة الحق فيقولون تضليلً
لعقولهم وخداعًا لنفوسهم إنه يأكل الطعام بناسوته ل بلهوته ،ومعناه :أن النسان اختلط بالله،
وهذه هي الحلولية الباطلة الفاسدة عقلً وشرعا وواقعا.
5يقال :أفكه يأفكه أفكًا ،إذا صرفه صرفًا ،وهو من باب ضرب.
( )1/659
اللّهِ مَا ل َيمِْلكُ َلكُمْ ضَرّا وَل َنفْعا} وهو عيسى وأمه ،وتتركون عبادة من يملك ذلك ،وهو ال
السميع العليم.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1إبطال التثليث في عقيدة النصارى وتقرير التوحيد.
-2إبراء عيسى ووالدته عليهما السلم من دعوى اللوهية للناس.
-3فتح باب التوبة في وجه النصارى لو أنهم يتوبون.
-4تقرير بشرية عيسى ومريم عليهما السلم بدليل احتياجهما إلى الطعام بنيتهما ،ومن كان
مفتقرا ل تصح ألوهيته عقلً وشرعا.
-5ذم كل من يعبد غير ال إذ كل الخلئق مفتقرة ل تملك لنفسها ول لعابدها ضرا ول نفعا ،ل
تسمع دعاء من يدعوها ،ول تعلم عن حاله شيئا ،وال وحده السميع لقوال كل عباده العليم بسائر
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أحوالهم وأعمالهم ،فهو المعبود بحق وما عداه باطل.
{ ُقلْ يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ ل َتغْلُوا فِي دِي ِنكُمْ غَيْرَ ا ْلحَقّ وَل تَتّ ِبعُوا أَ ْهوَاءَ َقوْمٍ قَ ْد ضَلّوا مِنْ قَ ْبلُ وََأضَلّوا
علَى ِلسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى
سوَاءِ السّبِيلِ(ُ )77لعِنَ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ بَنِي ِإسْرائيلَ َ
كَثِيرا َوضَلّوا عَنْ َ
صوْا َوكَانُوا َيعْتَدُونَ( )78كَانُوا ل يَتَنَا َهوْنَ عَنْ مُ ْنكَرٍ َفعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا
ع َ
ابْنِ مَرْيَمَ ذَِلكَ ِبمَا َ
علَ ْيهِمْ
خطَ اللّهُ َ
سهُمْ أَنْ سَ ِ
َي ْفعَلُونَ( )79تَرَى كَثِيرا مِ ْنهُمْ يَ َتوَّلوْنَ الّذِينَ َكفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَ ّد َمتْ َلهُمْ أَ ْنفُ ُ
َوفِي ا ْلعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ()80
( )1/660
سقُونَ(})81
خذُوهُمْ َأوْلِيَا َء وََلكِنّ كَثِيرا مِ ْنهُمْ فَا ِ
ي َومَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيهِ مَا اتّ َ
وََلوْ كَانُوا ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالنّ ِب ّ
شرح الكلمات:
{ل َتغْلُوا فِي دِي ِنكُمْ : }1الغلو :الفراط في الشيء ومجاوزة الحد فيه ،فمثلً أمرنا بغسل اليدين في
الوضوء إلى المرفقين فغسلهما إلى الكتفين غلو ،أمرنا بتعظيم الرسول صلى ال عليه وسلم
فدعاؤه غلو في الدين.
{أَ ْهوَاءَ َقوْمٍ قَ ْد ضَلّوا} :جمع هوى ،وصاحب الهوى هو الذي يعتقد ويقول ويعمل بما يهواه ل بما
قامت به الحجة وأقره الدليل من دين ال تعالى.
{وََأضَلّوا كَثِيرا} :أي :أضلوا عددا كثيرا من الناس بأهوائهم وأباطيلهم.
سوَاءِ السّبِيلِ : }2سواء السبيل :وسط الطريق العدل ل ميل فيه إلى يمين ول إلى يسار.
{عَنْ َ
{ُلعِنَ} :دعى عليهم باللعنة التي هي البعاد من الخير والرحمة وموجباتها.
صوْا َوكَانُوا َيعْتَدُونَ} :أي :بسبب عصيانهم لرسلهم ،واعتدائهم في دينهم.
ع َ
{ ِبمَا َ
{ل يَتَنَا َهوْنَ} :أي :ل نهي بعضهم بعضا عن ترك المنكر.
{لَبِئْسَ 3مَا كَانُوا َيفْعَلُونَ} :قبح عملهم من عمل وهو تركهم المر بالمعروف والنهي عن المنكر.
{يَ َتوَّلوْنَ الّذِينَ َكفَرُوا} :يوادونهم ويتعاونون معهم دن المؤمنين.
{وََلوْ كَانُوا ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالنّ ِبيّ} :أي :لو كانوا صادقين في إيمانهم بال والنبي محمد صلى ال
عليه وسلم ما اتخذوا المشركين في مكة والمدينة من المنافقين أولياء.
معنى اليات:
مازال السياق في الحديث عن أهل الكتاب يهودا ونصارى فقال تعالى لنبيه محمد صلى ال عليه
وسلمُ { :قلْ} يا رسولنا{ :يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ} ،والمراد بهم هنا النصاري{ :ل َتغْلُوا فِي دِي ِن ُكمْ
__________
1الغلو :مصدر غل يغلو غلوًا في المر ،إذا جاوز حده المعروف.
2سواء السبيل هنا المراد به :السلم؛ لنهم ضلوا في دينهم قبل مجيء السلم ثم ضلوا عن
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
السلم بعد مجيئه.
3اللم :لم القسم ،جيئ بها لتدل عليه ،وتؤكد الذم بصورة فظيعة.
( )1/661
غَيْرَ ا ْلحَقّ} ،أي :ل تتشددوا في غير ما هو حق شرعه ال تعالى لكم ،فتبتدعون البدع وتتغالوا
ل وعملً ل في
في التمسك بها والدفاع عنها ،التشدد محمود في الحق الذي أمر ال به اعتقادا وقو ً
المحدثات الباطلة ،ول تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وهم اليهود ،إذ قالوا في عيسى وأمه
بأهوائهم فقالوا في عيسى ساحر ،وقالوا في أمه بغي وأضلوا كثيرا من الناس بأهوائهم المتولدة
عن شهواتهم ،وضلوا ،أي :وهم اليوم ضالون بعيدون عن جادة الحق والعدل في عقائدهم
وأعمالهم وأقوالهم .هذا ما تضمنته الية الولى ( ،)77أما اليات بعد فقد أخبر تعالى في الية
الثانية أن بني إسرائيل لعن منهم الذين كفروا على لسان كل من داود في الزبور ،وعلى لسان
عيسى بن مريم في النجيل وعلى لسان محمد صلى ال عليه و سلم في القرآن فقال تعالىُ{ :لعِنَ
علَى ِلسَانِ دَاوُدَ} .فقد مسخ منهم طائفة قردة{ ،وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}
الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ 1بَنِي ِإسْرائيلَ َ
حيث مسخ منهم خنازير كما لعنوا على لسان محمد صلى ال عليه وسلم في غير آية من القرآن
الكريم ،وهذا اللعن هو إبعاد من كل خير ورحمة ومن موجبات ذلك في الدنيا والخرة سببه ما
صوْا َوكَانُوا َيعْ َتدُونَ} .أي :بسبب عصيانهم ل تعالى ورسله بترك
ع َ
ذكر تعالى بقوله{ :ذَِلكَ ِبمَا َ
الواجبات وفعل المحرمات ،واعتدائهم في الدين بالغلو والبتداع ،وبقتل النبياء والصالحين منهم:
وأخبر تعالى في الية الثالثة بذكر نوع عصيانهم واعتدائهم الذي لعنوا بسببه فقال{ :كَانُوا ل
يَتَنَا َهوْنَ عَنْ مُ ْنكَرٍَ 2فعَلُوهُ} .أي :كانوا عندما استوجبوا اللعن يفعلون المنكر العظيم ول ينهى
بعضهم بعضا كما أخبر النبي صلى ال عليه وسلم في قوله" :إن أول ما دخل النقص على بني
إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول :يا هذا اتق ال ودع ما تصنع فإنه ل يحل ثم يلقاه من
الغد وهو على حاله فل يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده" .فلما فعلوا ذلك ضرب ال
على قلوبهم بعضهم ببعض ثم قال صلى ال عليه وسلم" :لعن الذين كفروا –إلى قوله -فاسقون" .
ثم قال" :كل وال لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ثم لتأخذن على ليد الظالم ولتأطرنه
(تعطفنه) على الحق أطرأ ولتقسرنه على الحق قسرا أو ليضربن ال قلوب بعضكم ببعض ثم
يلعنكم كما لعنهم "3وفي آخر الية قبح ال تعالى
__________
1في الية دليل على جواز لعن الكافر ،وإن كان من أولد النبياء ،وإن شرف النسب ل يمنع
إطلق اللعنة في حقه" :قرطبي".
2نقل القرطبي عن ابن عطية رحمهما ال تعالى :أن الجماع منعقد على أن النهي عن المنكر
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فرض لمن أطاقه وآمن الضرر على نفسه ،وعلى غيره من المسلمين ،فإن خاف فينكر بقلبه،
ويهجر صاحب المنكر ول يخالطه.
3أخرجه أبو داود عن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه.
( )1/662
عملهم فقال{ :لَبِئْسَ مَا كَانُوا َي ْفعَلُونَ} ثم قال لرسوله صلى ال عليه وسلم{ :تَرَى كَثِيرا مِ ْنهُمْ} ،
أي :اليهود في المدينة يتولون الذين كفروا يعني من المشركين والمنافقين في مكة والمدينة
يصاحبونهم ويوادونهم وينصرونهم وهم يعلمون أنهم كفار تحرم موالتهم في دينهم وكتابهم ،ثم
سهُمْ} نتيجة ما حملتهم عليه من الشر والكفر
قبح تعالى عملهم فقال{ :لَبِ ْئسَ مَا قَ ّد َمتْ َلهُمْ أَ ْنفُ ُ
والفساد ،وهو سخط ال تعالى عليهم وخلودهم في العذاب من موتهم إلى مال نهاية له فقال تعالى:
سخِطَ اللّهُ عَلَ ْيهِمْ َوفِي ا ْلعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} ل يخرجون منه أبدا.
سهُمْ أَنَْ 1
{لَبِئْسَ مَا قَ ّد َمتْ َلهُمْ أَ ْنفُ ُ
ثم زاد تعالى تقرير كفرهم وباطلهم وشرهم وفسادهم فقال{ :وََلوْ كَانُوا ُي ْؤمِنُونَ بِاللّهِ} كما يجب
اليمان به وبالنبي محمد وبما جاء به من الهدى ودين الحق وما أنزل إليه من القرآن واليات
البينات ما اتخذوا الكفار المشركين والمنافقين أولياء ،ولكن علة ذلك أنهم فاسقون إل قليلً منهم،
والفاسق عن أمر ال الخارج عن طاعته ل يقف في الفساد عند حد أبدا ،هذا معنى قوله تعالى:
سقُونَ.}3
ي َومَا أُنْ ِزلَ إِلَيْهِ مَا اتّخَذُو ُهمَْ 2أوْلِيَا َء وََلكِنّ كَثِيرا مِ ْنهُمْ فَا ِ
{وََلوْ كَانُوا ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالنّ ِب ّ
هداية اليات
من هداية اليات:
-1حرمة الغلو والبتداع في الدين ،واتباع أهل الهواء.
-2العصيان والعتداء ينتجان لصاحبهما الحرمان والخسران.
-3حرمة السكوت عن المنكر ووخامة عاقبته على المجتمع.
-4حرمة موالة أهل الكفر والشر والفساد.
-5موالة أهل الكفر بالمودة والنصرة دون المؤمنين آية الكفر وعلمته في صاحبه.
__________
1أن :في موضع رفع على البتداء ،والتقدير :لبئس ما قدمت لهم أنفسهم ،وهو سخط ال عليهم.
2في الية دليل واضح على أن من اتخذ الكافر وليًا ل يكون مؤمنًا ،إذ يجره ذلك الولء إلى قول
ما يقول ،وفعل ما يفعل ،وحتى اعتقاد ما يعتقد ،وبذلك يكفر مثله .وشاهده من الحديث" :من تشبه
بقوم فهو منهم" .
3أي :كافرون ،إذ فسقوا عند دين ال وخرجوا عنه باليهودية الباطلة ،وخرجوا عن السلم
بالنفاق .فهم كفرة منافقون يهود ملعونون.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )1/663
المجلد الثاني
تابع سورة المائدة
...
الجُزء السابع
شدّ النّاسِ عَدَا َوةً لّلّذِينَ آمَنُواْ الْ َيهُو َد وَالّذِينَ َأشْ َركُواْ وَلَتَجِدَنّ َأقْرَ َب ُهمْ ّموَ ّدةً لّلّذِينَ آمَنُواْ
جدَنّ أَ َ
* لَتَ ِ
س ِمعُواْ مَا
ن وَرُهْبَانًا وَأَ ّنهُ ْم لَ يَسْ َتكْبِرُونَ ( )82وَإِذَا َ
الّذِينَ قَاُلوَاْ إِنّا َنصَارَى ذَِلكَ بِأَنّ مِ ْنهُمْ ِقسّيسِي َ
أُن ِزلَ إِلَى الرّسُولِ تَرَى أَعْيُ َنهُمْ َتفِيضُ مِنَ ال ّدمْعِ ِممّا عَ َرفُواْ مِنَ ا ْلحَقّ َيقُولُونَ رَبّنَا آمَنّا فَاكْتُبْنَا مَعَ
طمَعُ أَن ُيدْخِلَنَا رَبّنَا مَعَ ا ْل َقوْمِ
ق وَنَ ْ
حّالشّا ِهدِينَ (َ )83ومَا لَنَا لَ ُن ْؤمِنُ بِالّل ِه َومَا جَاءنَا مِنَ الْ َ
الصّالِحِينَ ( )84فَأَثَا َبهُمُ اللّهُ ِبمَا قَالُواْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن َتحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَ َذِلكَ جَزَاء
جحِيمِ()86
صحَابُ الْ َ
حسِنِينَ ( )85وَالّذِينَ َكفَرُواْ َوكَذّبُواْ بِآيَاتِنَا ُأوْلَ ِئكَ َأ ْ
ا ْلمُ ْ
شرح الكلمات:
عداوة : 1العداوة :بغض نفسي تجعل صاحبها بعيدا ممن يعاديه فل يصله بخير ،ول يقربه
بمودة ،وقد تحمله على إرادة الشر بالعدو.
مودة :المودة :حب نفسي يجعل صاحبه يتقرب إلى من يوده بالخير ودفع الشر.
قسيسين :جمع قسيس :وهو الرئيس الديني لعلمه عند النصارى.
ورهبانا :الرهبان :جمع راهب :مشتق من الرهبة وهو الرجل في النصارى يتبتل وينقطع للعبادة
في دير أو صومعة.
ما أنزل إلى الرسول :الرسول محمد صلى ال عليه وسلم ومما أنزل إليه آيات القرآن الكريم
الدالة على تشريف عيسى ووالدته مريم عليهما السلم ،وأن عيسى عبدال
__________
{ 1عداوة} منصوب على التمييز مبيّنا لنسبة أشد وكذا مودّة.
( )2/4
الشاهدين :جمع شاهد :من شهد ل بالوحدانية وللنبي محمد بالرسالة واستقام على ذلك.
الصالحين :جمع صالح :وهو من أدّى حقوق ال تعالى كاملة من اليمان به وشكره على نعمه
بطاعته ،وأدّى حقوق الناس كاملة من الحسان إليهم ،وكف الذى عنهم.
فأثابهم ال بما قالوا :جزاهم بما قالوا من اليمان و ُوفّقوا له من العمل جنات تجري من تحتها
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
النهار.
معنى اليات:
يخبر تعالى رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم بعداوة كل من اليهود والمشركين للمؤمنين وأنهم
أشد عداوة من غيرهم ،فيقول {لتجدن 1أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا} أما
اليهود فلما توارثوه خَلفا عن سلف من إنكار الحق .والوقوف في وجه دعاته ،إضافة إلى أن أملهم
في إعادة مجدهم ودولتهم يتعارض مع الدعوة السلمية وأما المشركون فلجهلهم وإسرافهم في
المحرمات وما ألفوه لطول العهد من الخرافات والشرك والضللت .كما أخبر تعالى أن
النصارى هم أقرب مودة للذين آمنوا فقال{ :ولتجدن أقربهم 2مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا
نصارى} وعلل تعالى لهذا القرب من المودة بقوله{ :ذلك }...أي كان ذلك بسبب أن منهم
قسّيسين 3ورهبانا فالقسيسون علماء بالكتاب رؤساء دينّيون غالبا ما يؤثرون العدل والرحمة
والخير على الظلم والقسوة والشر والرهبان لنقطاعهم عن الدنيا وعدم رغبتهم فيها ويدل عليه
قوله{ :وأنهم ل يستكبرون} عن الحق وقبوله والقول به ولذا لما عمت المادية المجتمعات
النصرانّية ،وانتشر فيها اللحاد والباحية قلّت تلك المودة للمؤمنين إن لم تكن قد انقطعت .أما
توله تعالى{ :وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم
__________
1اللم في {لتجدن} لم القسم .وهذه اليات الربع كالفذلكة لما سبق من اليات في أهل الكتاب.
2هذه الية نزلت في النجاشي وأصحابه إذ هاجر إليه المؤمنون الهجرة الولى والثانية هروبا من
اضطهاد المشركين وأذاهم ،ولما بعثت قريش عمرو بن العاص وعبدال بن ربيعة بهدايا تطالب
برد المهاجرين إليها دعا النجاشي الرهبان والقسس وأسمعهم جعفر بن أبي طالب سورة مريم
فبكوا حتى فاضت أعينهم من الدمع فنزلت هذه الية.
س ويجمع على قساوسة ،والرهبان جمع راهب كراكب وركبان وفعله رهب يرهب رهبا
3جمع ق ّ
ورهبا ورهبة إذا خاف والرهبانية والترهب التعبّد في صومعة أو دير.
( )2/5
تفيض 1من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين} فالمعنيّ بها من
أسلم من النصارى بمجرد أن تُلي عليهم القرآن وسمعوه كأصحمة النجاشى وجماعة كثيرة ومعنى
قولهم {فاكتبنا مع الشاهدين} أنهم بعد ما سمعوا القرآن تأثروا به فبكوا من أجل ما عرفوا من
الحق وسألوا ال تعالى أن يكتبهم مع الشاهدين ليكونوا معهم في الجنة ،والشاهدون هم الذين
شهدوا ل تعالى بالوحدانية ولنبيه بالرسالة ،وأطاعوا ال ورسوله من هذه المة وقولهم( :ومالنا ل
نؤمن بال وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا 2مع القوم الصالحين} فإن معناه :أي شيء
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يمنعنا من اليمان بال ربا وإلها واحدا ل شريك له ول ولد ول والد .وبما جاء من الحق في
توحيده تعالى ونبّوة رسوله محمد صلى ال عليه وسلم ،ومن الطمع في أن يدخلنا ربنا الجنة مع
الصالحين من هذه المة .ولما قالوا هذا أخبرهم تعالى أنه أثابهم به {جنات 3تجري من تحتها
النهار خالدين فيها} ،وأخبر تعالى أن ذلك الجزاء الذي جزاهم به هو {جزاء المحسنين} وهم
الذين أحسنوا القول والعمل مع سلمة عقائدهم ،وطهارة أرواحهم حيث لم يتلوثوا بالشرك
والمعاصي ثم أخبر تعالى بأن الذين كفروا 4بال إلها واحدا وبرسوله نبيا ورسولً ،وكذبوا بآياته
القرآنية أولئك البعداء هم أصحاب 5الجحيم الذين ل يفارقونها أبدا.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1عظم عداوة اليهود والمشركين للسلم والمسلمين.
-2قرب النصارى الصادقين في نصرانيتهم من المسلمين.
-3فضيلة التواضع ،وقبح الكبر.
__________
1تفيض أعينهم من الدمع أي بالدمع :وحروف الجرّ تتناوب قال امرؤ القيس:
ل دمعي مِحملي
ففاضت دموع العين مني صبابة ...على النحر حتى َب ّ
أي غلف السيف.
2في الكلم إضمار أي :ونطمع أن يدخلنا ربنا الجنة مع القوم الصالحين ،وهم امّة محمد صلى
ال عليه وسلم الصادقين الصالحين.
3دل هذا الجزاء الحسن على إخلص إيمانهم وصدق مقالهم إذ به أجاب ال سؤالهم وحقق
طمعهم ورجاءهم وهكذا كل من خلص إيمانه وصدق يقينه يكون ثوابه الجنة.
4في هذا احتراس إذ ما كل النصارى آمنوا لما سمعوا القرآن وبكوا وسألوا ال في صدقٍ وآمنوا
وعملوا الصالحات فأثابهم ال الجنة ،ل بل منهم الذين كفروا وكذبوا وهم الكثرون فجزاؤهم
الجحيم يلزمونها أبدا لظلمة قلوبهم وخبث نفوسهم.
5يقال :نار جحمة على وزن نجمة أي :شديدة اللهب قال شاعر الحماسة الطائي:
نحن حبسنا بني جديلة في ...
نار من الحرب جحمةِ الضرَم
( )2/6
( )2/7
( )2/8
يحلف على الشيء يظنه كذا فيظهر على خلف ما ظن{ ،ولكن يؤاخذكم بما عقدتم اليمان} أي
قصدتموها عازمين 1عليها ،فمن حنث بعد الحلف فالواجب في حقه خروجا من الثم كفّارة وهي
{إطعام عشرة مساكين} لكل مسكين نصف صاع أي مدّان 2من أعدل {ما تطعمون أهليكم} ما هو
بالجود الغالي ،ول بالردأ الرخيص{ ،أو كسوتهم} كقميص وعمامة ،أو إزار ورداء{ ،أو تحرير
رقبة} أي عتق رقبة مؤمنة ذكرا كان أو أنثى صغيرة أو كبيرة فهذه الثلثة المؤمن مخيّر في
التكفير بأيها شاء ،فإن لم يجد فصيام ثلثة أيام مفرقة أو متتابعة كما شاء هذا معنى قوله تعالى
{فمن لم يجد فصيام ثلثة أيام} ،وقوله {ذلك كفارة أيمانكم} أي هذا الذي بين لكم هو ما تكفّرون به
ما علق بنفوسكم من إثم الحنث .وقوله {واحفظوا أيمانكم }3أي ل تكثروا الحلف فتحنثوا فتأثموا
فتجب عليكم الكفارة لذلك .وقوله تعالى { :كذلك يبين ال لكم آياته لعلكم تشكرون} معناه مثل هذا
التبيين الذي بينه لكم في مسألة الحنث في اليمين والكفارة له يبين لكم آياته المتضمنة لشرائعه
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وأعلم دينه ليعدكم بذلك لشكره بطاعته بفعل ما يأمركم به وترك ما ينهاكم عنه ،فله الحمد
والمنة.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1حرمة تحريم ما أباح ال ،كحرمة تحليل ما حرم ال عز وجل.
-2بيان مدى حرص الصحابة على طاعة ال خوفا من عقابه وطمعا في إنعامه.
-3حرمة الغلو في الدين والتنطع فيه.
-4بيان كفارة اليمين بالتفصيل.
__________
1هذا إذا لم يستثن بأن يقول إلّ أن يشاء ال أمّا من استثنى فل كفارة عليه إذ ل إثم مع الستثناء
ولبد للستثناء من النطق يقول :إلّ أن يشاء ال ول يتم إلّ بتحريك لسانه وشفتيه.
2وفي الية وجه آخر ذكره القرطبي وهو أن يبادر إلى إخراج الكفارة إذا حنث وهذا حفظها من
النسيان ظاهر.
3قال العلماء :اليمان أربعة :يمينان يكفر فيهما إذا حنث ويمينان ل كفارة فيهما فالوّلن أن
يقول :وال لفعلن كذا ثم يحنث والثاني أن يقول :وال ل أفعل كذا ويحنث ،واللّذان ل كفارة
فيهما :الولى :لغو اليمين وهو أن يحلف على الشيء يظنه كذا فيظهر خلفه ،والثانية :أن يجري
على لسانه الحلف وهو غير قاصد نحو :ل وال ،بلى وال ،والخامسة :اليمين الغموس ،وهو أن
يحلف متعمّدا الكذب وكفّارتها التوبة ل غير وان كفّر مع التوبة فحسن.
( )2/9
( )2/10
شرح الكلمات:
الخمر والميسر :الخمر :1كل مسكر كيفما كانت مادته وقلّت أو كثرت ،والميسر :القمار2 .
والنصاب :النصاب :جمع نصب .ما ينصب للتقرب به إلى ال أو التبرك به ،أو لتعظيمه
كتماثيل الرؤساء والزعماء في العهد الحديث.
الزلم :جمع زلم :وهي عيدان يستقسمون بها في الجاهلية لمعرفة الخير من الشر والربح من
الخسارة ،ومثلها قرعة النبياء ،وخط الرمل ،والحساب بالمسبحة.
رجس :الرجس :المستقذر حسا كان أو معنى ،إذ المحرمات كلها خبيثة وإن لم تكن مستقذرة.
من عمل الشيطان :أي مما يزينّه للناس ويحببه إليهم ويرغبهم فيه ليضلهم.
فاجتنبوه :اتركوه جانبا فل تقبلوا عليه بقلوبكم وابتعدوا عنه بأبدانكم.
تفلحون :تكملون وتسعدون في دنياكم وآخرتكم.
ويصدكم :أي يصرفكم.
فهل أنتم منتهون :أي انتهوا فالستفهام للمر ل للستخبار.
جناح فيما طعموا :أي إثم فيما شربوا من الخمر وأكلوا من الميسر قبل تحريم ذلك.
معنى اليات:
لما نهى ال تعالى المؤمنين عن تحريم ما أحل ال تعالى لهم بَيّنَ َلهُم ما حرّمه عليهم ودعاهم إلى
تركه واجتنابه لضرره بهم ،وإفساده لقلوبهم وأرواحهم فقال تعالى { :يا أيها الذين 3آمنوا} أي يا
من صدقتم بال ربا وبالسلم دينا وبمحمد نبيا ورسولً اعلموا {إنما الخمر والميسر
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
__________
1صحّ عن عمر رضي ال عنه أنه خطب يوما فقال" :أيّها الناس أل إنّه قد نزل تحريم الخمر
يوم نزل وهي من خمسة :من العنب والتمر ،والعسل والحنطة والشعير" والخمر ما خامر العقل
أي :ستره وغطّاه فأصبح المرء يهذي ويقول الخطأ والصواب.
2ما دامت علّة التحريم في الخمر والميسر هي إثارة العداوة بين إخوة اليمان ،والصدّ وهو
اللهاء عن ذكر ال وعن الصلة فإن كل ما ينشأ عنه إثارة العداوة والصدّ عن الذكر والصلة
فهو حرام.
3هذه الية نزلت بعد وقعة أحد وكانت في السنة الثالثة من الهجرة أي في آخرها ولكنها وقعت
هنا في سورة المائدة بعد نزولها وهذه الية هي الناسخة لباحة الخمر ويروى في سبب نزولها أن
ملحاة كانت بين سعد بن أبي وقاص ورجل من النصار سببها شرب خمر في ضيافة لهم.
( )2/11
والنصاب 1والزلم رجس} أي سخط وقذر مما يدعو إليه الشيطان ويزيّنه للنفوس ويحسنه لها
لترغب فيه ،وهو يهدف من وراء ذلك إلى إثارة العداوة والبغضاء بين المسلمين الذين هم كالجسم
الواحد .وإلى صدهم عن ذكر ال الذي هو عصمتهم وعن الصلة التي هي معراجهم إلى ال
ربهم ،وآمرتهم بالمعروف وناهيتهم عن المنكر ،ثم أمرهم بأبلغ أمر وأنفذه إلى قلوبهم لخطورة
هذه المحرمات الربع وعظيم أثرها في الفرد والمجتمع بالشر والفساد فقال{ :فهل أنتم منتهون
2؟!} وأمرهم بطاعته وطاعة رسوله وحذرهم من مغبة المعصية وآثارها السيئة فقال {وأطيعوا
ال وأطيعوا الرسول واحذروا} مغبة ذلك ثم أعلمهم أنهم إن تولوا عن الحق بعدما عرفوه
فالرسول ل يضيره توليهم ،إذ ما عليه إل البلغ المبين وقد بلّغ وأما هم فإن جزاءهم على توليهم
سيكون جزاء الكافرين وهو الخلود في العذاب المهين .هذا معنى قوله{ :وأطيعوا ال وأطيعوا
الرسول وأحذروا فإن توليتم فاعلموا 3أنما على رسولنا البلغ المبين} وقوله تعالى في الية
الخيرة ({ )93ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا
وعملوا الصالحات ثم اتقوا 4وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا وال يحب المحسنين} فقد نزلت لقول بعض
الصحاب 5لرسول ال صلى ال عليه وسلم" :يا رسول ال ما بال الذين ماتوا من إخواننا وهم
يشربون الخمر ويلعبون الميسر؟" أي كيف حالهم فهل يؤاخذون أو يعفى عنهم فأنزل ال تعالى
هذه الية فأعلم أنهم ليس عليهم جناح أي إثم أو مؤاخذة فيما شربوا وأكلوا قبل نزول التحريم
بشرط أن يكونوا قد اتقوا ال في محارمه وآمنوا به وبشرائعه ،وعملوا الصالحات استجابة لمره
وتقربا إليه .فكان رفع الحرج عليهم مقيدا بما ذكر .وقوله{ :ثم اتقوا }...كما ل جناح 6على
الحياء فيما طعموا وشربوا قبل التحريم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
__________
1ذكر النصاب والزلم مع الخمر والميسر المقصود منه تأكيد التحريم وتقويته نظرا لما ألفته
النفوس منهما ،والمراد من تحريم النصاب تحريم عبادتها وصنعها ،وبيعها
2هذه الصيغة تستعمل للحث على الفعل إذا المأمور بدا عليه التراخي أو عدم الهتمام مما أمر
بفعله أو تركه .والفاء في { فهل أنتم} تفريع عن قوله{ :إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم }..الية،
والمأمور بالنتهاء عنه هو الخمر والميسر فلذا يقدّر عنهما بعد {منتهون}.
{ 3فاعلموا} جواب الشرط أي فإن توليتم عن طاعة ال والرسول فاعلموا أن توليكم ل يضر
الرسول شيئا إنما على الرسول البلغ وقد بلّغكم.
4جملة{ :ثم اتقوا وآمنوا} تأكيد لفظي لجملة{ :إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات}.
5يروى أن القائل :أبو بكر الصديق رضي ال عنه وهو سؤال إشفاق ورحمة على من مات وهو
يشرب هذا المحرم.
6الجناح ،الثم المترتب عن الجنح الذي هو الميل إلى المعصية وعدم الطاعة.
( )2/12
وبشرط اليمان ،والعمل الصالح والتقوى لسائر المحارم ،ودوام اليمان والتقوى والحسان في
ذلك بالخلص فيه ل تعالى.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1حرمة الخمر والقمار ،وتعظيم النصاب والستقسام بالزلم.
-2وجوب النتهاء من تعاطي هذه المحرمات فورا وقول انتهينا يا ربنا كما قال عمر رضي ال
عنه.
-3بيان علة تحريم شرب الخمر ولعب الميسر وهي إثارة العداوة والبغضاء بين الشاربين
واللعبين والصد عن ذكر ال وعن الصلة وهما قوام حياة المسلم الروحية.
-4وجوب طاعة ال والرسول والحذر من معصيتهما.
-5وجوب التقوى حتى الموت ووجوب الحسان في المعتقد والقول والعمل.
ح ُكمْ لِ َيعْلَمَ اللّهُ مَن َيخَافُهُ بِا ْلغَ ْيبِ
شيْءٍ مّنَ الصّ ْيدِ تَنَالُهُ أَ ْيدِيكُ ْم وَ ِرمَا ُ
يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ لَيَبُْلوَ ّنكُمُ الّلهُ بِ َ
َفمَنِ اعْتَدَى َبعْدَ ذَِلكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ( )94يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ لَ َتقْتُلُواْ الصّيْ َد وَأَنتُمْ حُرُمٌ َومَن قَتََلهُ
طعَامُ
حكُمُ بِهِ َذوَا عَ ْدلٍ مّنكُمْ هَدْيًا بَاِلغَ ا ْل َكعْبَةِ َأوْ َكفّا َرةٌ َ
مِنكُم مّ َت َعمّدًا َفجَزَاء مّ ْثلُ مَا قَ َتلَ مِنَ ال ّنعَمِ َي ْ
عمّا سَلَف َومَنْ عَادَ فَيَن َتقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ
عفَا اللّهُ َ
ق وَبَالَ َأمْ ِرهِ َ
مَسَاكِينَ أَو عَ ْدلُ َذِلكَ صِيَامًا لّ َيذُو َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
طعَامُهُ مَتَاعًا ّلكُ ْم وَلِلسّيّا َر ِة َوحُرّمَ عَلَ ْي ُك ْم صَيْدُ الْبَرّ مَا
حلّ َلكُ ْم صَيْدُ الْبَحْ ِر َو َ
عَزِيزٌ ذُو انْ ِتقَامٍ(ُ )95أ ِ
ُدمْتُمْ حُ ُرمًا وَا ّتقُواْ الّلهَ الّ ِذيَ إِلَيْهِ ُتحْشَرُونَ()96
( )2/13
شرح الكلمات:
ليبلونكم :ليختبرونكم.
الصيد : 1ما يصاد2 .
تناله أيديكم : 3كبيض الطير وفراخه.
ورماحكم :جمع رمح ،وما ينال به هو الحيوان على اختلفه.
ليعلم القه من يخافه بالغيب : :ليظهر ال تعالى بذلك الختبار من يخافه بالغيب فل يصيد.
فمن اعتدى (بعد التحريم) :بأن صاد بعد ما بلغه التحريم.
وأنتم حرم :جمع حرام والحرام :المُحرم لحج أو عمرة ويقال رجل حرام وامرأة حرام.
من النعم :النعم :البل والبقر والغنم.
ذوا عدل منكم :أي صاحبا عدالة من أهل العلم.
وبال أمره :ثقل جزاء ذنبه حيث صاد والصيد حرام.
وللسيارة :المسافرين يتزوّدون به في سفرهم .وطعام البحر ما يقذف به إلى الساحل.
معنى اليات:
ينادي الرب تبارك وتعالى عباده المؤمنين ليعلمهم مؤكدا خبره بأنه يبلوهم اختبارا لهم ليظهر 4
المطيع من العاصي فقال{ :يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم ال بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم
ليعلم ال من يخافه بالغيب} فحرم عليهم تعالى الصيد وهم حرم ثم ابتلهم بوجوده بين أيديهم
بحيث تناله أيديهم ورماحهم بكل يسر وسهولة على نحو ما ابتلى به بني إسرائيل في تحريم
الصيد يوم السبت فكان السمك يأتيهم يوم سبتهم شرعا ويوم ل يسبتون ل يأتيهم كذلك بلهم ربهم
بما كانوا يفسقون بيد أن المسلمين استجابوا لربهم
__________
1أُذن للمحرم ولمن في الحرم في قتل ما يؤذي كالحية والعقرب ،والغراب والفأرة وكل ما يؤذي
كالسد والنمر والذئب والفهد لقوله صلى ال عليه وسلم" :خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم:
الحية والغراب البقع والفأرة والكلب العقور والحدأة".
2الصيد مصدر صاد بصيد صيدا وأطلق المصدر على اسم المفعول :المصيد فقالوا :صيدٌ.
3قوله{ :تناله أيديكم} يريد صغار الصيد ،وفراخه وبيضه{ .ورماحكم} هو كبار الصيد الذي ل
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يؤخذ باليد ولكن بآلة الصيد.
4أي ليظهر ذلك لهم إقامة للحجة عليهم أما هو سبحانه وتعالى فعلمه بذلك أزلي سابق.
( )2/14
وامتثلوا أمره ،على خلف بني إسرائيل فإنهم عصوا وصادوا فمسخهم قردة خاسئين .وقوله تعالى
{فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم} ،أي فمن صاد بعد هذا التحريم فله عذاب أليم هذا ما دلت
عليه الية الولى ( .)94أما الية الثانية ( )95وهي قوله تعالى{ :يا أيها 1الذين آمنوا ل تقتلوا 2
الصيد وأنتم حرم} فأكد لهم تحريم الصيد وبين لهم ما يترتب على ذلك من جزاء فقال {ومن قتله
منكم متعمدا} فالحكم الواجب على من قتله جزاءً {مثل ما قتل من النعم} وهى البل والبقر والغنم
{يحكم به ذوا عدل منكم} فالعدلن ينظران إلى الصيد وما يشبهه من النعم فالنعامة تشبه الجمل
وبقرة الوحش تشبه البقرة ،والغزال يشبه التيس وهكذا فإن شاء 3من وجب عليه بعير أو بقرة أو
تيس أن يسوقه إلى مكة الفقراء الحرم فليفعل وأن شاء اشترى بثمنه طعاما وتصدق به ،وإن شاء
صام بدل كل نصف صاع يوما لقوله تعالى{ :هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل
ذلك صياما} وقوله تعالى{ :ليذوق وبال أمره} أي ثقل جزاء مخالفته وقوله تعالى{ :عفا ال عما
سلف} أي ترك مؤاخذتكم على ما مضى ،وأما مستقبلً فإنه تعالى يقول{ :ومن عاد فينتقم 4ال
منه وال عزيز ذو انتقام} ومعناه أنه يعاقبه على معصيته ول يحول دون مراده تعالى حائل أل
فاتقوه واحذروا الصيد وأنتم حرم ،هذا ما دلت عليه الية الثانية أما الثالثة ( )96فقد أخبر تعالى
بعد أن حرم على المؤمنين الصيد وهم حرم وواجب الجزاء على من صاد .أخبر أنه امتنانا منه
عليهم أحل لهم صيد البحر أي ما يصيدونه من البحر وهم حرم كما أحل لهم طعامه وهو ما يقذفه
البحر من حيوانات 5ميتة على ساحله {متاعا لكم وللسيارة} وهم المسافرون يتزودون به في
سفرهم ويحرم عليهم صيد البر ما داموا حرما ،وأمرهم بتقواه أي بالخوف من عقوبته فيلزموا
طاعته بفعل ما أوجب وترك ما حرم ،وذكرهم بحشرهم جميعا إليه يوم القيامة للحساب والجزاء
فقال{ :واتقوا ال الذي إليه تحشرون}.
__________
1روي أن أبا اليسر عمرو بن مالك النصاري قتل حمار وحش وهو محرم بعمرة عام الحديبية
فنزلت هذه الية.
2القتل لغة :إفاتة الروح وهو أنواع منها النحر ،والذبح ،والخنق ،والرضخ وشبهه.
3قالت العلماء :ما يجزىء من الصيد شيئان دواب وطير فيجزىء ما كان من الدواب بنظيره في
الخلقة والصورة ففي النعامة بدنه والطير :القيمة إل الحمام ففيه شاة.
4الجمهور أنّ مَنْ صاد ودفع الجزاء ث ّم صاد كلما صاد لزمه الفداء ،وبعض أهل العلم يرى أنه
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ل يحكم عليه بشيء ويترك ل تعالى ويقال له :ينتقم ال منك.
5مذهب مالك حلية ميتة البحر مطلقا لحديث" :هو الطهور ماؤه الحل ميتته" وحديث العنبر.
( )2/15
هداية اليات
من هداية اليات:
-1ابتلء ال تعالى لصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم بالحديبية بكثرة الصيد بين أيديهم.
وحرم عليهم صيده فامتثلوا أمر ال تعالى ولم يصيدوا فكانوا خيرا من بني إسرائيل وأفضل منهم
على عهد أنبيائهم.
-2تحريم الصيد على المحرم إل صيد البحر فإنّه مباح له.
-3بيان جزاء من صاد وهو محرم وأنه جزاء مثل ما قتل من النعم.
-4وجوب التحكيم فيما صاده المحرم ،ول يصح أن يكفر الصائد بنفسه.
-5صيد الحرم حرام على الحرام من الناس والحلل.
ي وَا ْلقَلَئِدَ ذَِلكَ لِ َتعَْلمُواْ أَنّ اللّهَ َيعَْلمُ
شهْرَ ا ْلحَرَا َم وَا ْلهَ ْد َ
س وَال ّ
ج َعلَ اللّهُ ا ْل َكعْبَةَ الْبَ ْيتَ ا ْلحَرَامَ قِيَامًا لّلنّا ِ
َ
ب وَأَنّ
شيْءٍ عَلِيمٌ( )97اعَْلمُواْ أَنّ اللّهَ شَدِيدُ ا ْل ِعقَا ِ
سمَاوَاتِ َومَا فِي الَ ْرضِ وَأَنّ الّلهَ ِب ُكلّ َ
مَا فِي ال ّ
لغُ وَالّلهُ َيعْلَمُ مَا تُ ْبدُونَ َومَا َتكْ ُتمُونَ( )99قُل لّ
غفُورٌ رّحِيمٌ( )98مّا عَلَى الرّسُولِ ِإلّ الْبَ َ
اللّهَ َ
عجَ َبكَ كَثْ َرةُ الْخَبِيثِ فَا ّتقُواْ اللّهَ يَا ُأوْلِي الَلْبَابِ َلعَّل ُكمْ ُتفْلِحُونَ()100
ث وَالطّ ّيبُ وََلوْ أَ ْ
يَسْ َتوِي الْخَبِي ُ
شرح الكلمات:
الكعبة :الكعبة كل بناء مربع والمراد بها هنا بيت ال الحرام.
قياما للناس :يقوم به أمر دينهم بالحج إليه والعتمار ودنياهم بأمن داخله وجبي ثمرات كل شيء
إليه.
( )2/16
الشهر الحرام :أي المحرم والمراد به الشهر الحرم الربعة رجب والقعدة والحجة ومحرم.
الهدي :ما يهدى إلى البيت من أنواع الهدايا.
والقلئد :جمع قلدة ما يقلده البعير أو البقرة المهدى إلى الحرم.
البلغ :بلغ ما أمره بإبلغه.
ما تبدون وما تكتمون :أي ما تظهرون وما تخفون.
الخبيث :مقابل الطيب وهو الحرام وهو عام في المحسوسات والمعقولت.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أولي اللباب :أصحاب العقول.
معنى اليات:
قوله تعالى{ :جعل 1ال الكعبة البيت الحرام 2قياما للناس} المراد من الناس العرب في جاهليتهم
قبل السلم ومعنى قياما :أن مصالحهم قائمة على وجود البيت يحج ويعتمر يأمن التي إليه
والداخل في حرمه ،وكذا الشهر 3الحرام وهي أربعة أشهر القعدة والحجة ومحرم ورجب ،4
وكذا الهدي وهو ما يهدى إلى الحرم من النعام ،وكذا القلئد جمع قلدة وهي ما يقلده الهدي
إشعارا بأنه مهدى إلى الحرم ،وكذا ما يقلده الذاهب إلى الحرم نفسه من ِلحَاءَ 5شجر الحرم
إعلما بأنه آت من الحرم أو ذاهب إليه فهذه الربعة البيت الحرام والشهر الحرام والهدى والقلئد
كانت تقوم مقام السلطان بين العرب فتحقق المن والرخاء في ديارهم وخاصة سكان الحرم من
قبائل قريش فهذا من تدبير ال تعالى لعباده وهو دال على علمه وقدرته وحكمته ورحمته ولذا قال
تعالى{ :ذلك لتعلموا أن ال يعلم ما في السموات وما في الرض وأن ال بكل شيء عليم} أي
حقق ذلك المن والرخاء في وقت ل دولة لكم فيه ول نظام ليعلمكم أنه يعلم ما في السموات وما
في الرض من سائر الكائنات وشتى
__________
1ال الذي أوجد الكعبة إذ أمر خليله ببنائها فبناها هذا اليجاد الخير أمّا الول فكان على عهد
آدم عليه السلم ،وجعل هنا بمعني صيرها كذلك أي قياما للناس الذين هم العرب.
2قياما وقيما وهما من ذوات الواو فقلبت الواو ياء لن أصل الفعل قام يقوم قواما ،،وقياما.
3الشهر :اسم جنس ولذا أريد به هنا الشهر الحرم الربعة.
4يقال له رجب الصم لنه ل يسمع فيه قعقعة السلح ويقال :رجب مضر لن مضر كانت
تعظّمه أكثر من غيره ،والصب حيث يصب فيه الخير صبّا.
5لِحاء ككِساء :قشر الشجر.
( )2/17
المخلوقات ل يخفى عليه من أمرها شيء ،وأنه بكل شيء عليم فهو الله الحق الذي ل إله غيره
ول رب سواه فاعبدوه ،وتوكلوا عليه واتركوا عبادة غيره والنظر إلى سواه ،وإن لم تفعلوا فسوف
يعاقبكم بذلك أشد العقوبة وأقساها فإنه عز وجل شديد العقاب فاعلموا ذلك واتقوه.
هذا ما دلت عليه اليتان الولى ( )97والثانية ( )98أما الية الثالثة ( )99فقد أكدت مضمون قوله
تعالى في الية الثانية {اعلموا أن ال شديد العقاب} وهو وعيد شديد فقال تعالى {ما على الرسول
إل البلغ} 1وقد بلّغ ،فأنذر وأعذر ،وبقي المر إليكم إن أنبتم إلى ربكم وأطعتموه فإنه يغفر لكم
ويرحمكم لنه غفور رحيم ،وإن أعرضتم وعصيتم فإنه يعلم ذلك منكم ويؤاخذكم به ويعاقبكم عليه
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وهو شديد العقاب وقوله {وال يعلم ما تبدون وما تكتمون} وعد ووعيد لن علمه تعالى بالظواهر
والبواطن يترتب عليه الجزاء فإن كان العمل خيرا كان الجزاء خيرا وإن كان العمل شرا كان
الجزاء كذلك.
هذا مضمون الية الثالثة أما الرابعة ( )100فإنه تعالى يقول لرسوله صلى ال عليه وسلم قل
للناس أيها الناس أنه {ل يستوي الخبيث }2من المعتقدات والقوال والعمال والرجال والموال
{ ،3والطيّب} منها ،ولو أعجبتكم 4أي سرتكم كثرة الخبيث فإن العبرة ليست بالكثرة والقلة وإنما
هي بالطيب النافع غير الضار ولو كان قليلً ،وعليه {فاتقوا ال يا أولي اللباب} أي خافوه فامتثلوا
أمره واجتنبوا نهيه رجاء حصول الفلح لكم بالنجاة من المرهوب والحصول على المرغوب
المحبوب.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1بيان عظيم تدبير ال تعالى لخلقه ،إذ أمّن مصالح قريش والعرب فأوجد لهم أمنا
__________
1أي ليس عليه هداية الناس ول التوفيق ول الثواب .وأصل البلغ :البلوغ وهو الوصول ،بلغ
المكان يبلغه وصل إليه ،وأبلغه الشيء أوصله إليه فعلى الرسول إبلغ أمر ال ونهيه وأخباره إلى
عباده بأسلوب بلغي يصل به إلى نفوسهم في أطيب لفظ وأحسنه.
2الخبيث ل يساوي الطيب مقدارا ول انفاقا ومكانا ول ذهابا فالطيب يأخذ جهة اليمين ،والخبيث
يأخذ ذات الشمال ،والطيّب والطيّبون في الجنة ،والخبيث والخبثاء في النار.
3قالت العلماء :في قوله{ :ل يستوي الخبيث} الية دليل على أنّ البيع الفاسد يفسخ ويرد الثمن
على المبتاع وشاهده من السنة قوله صلى ال عليه وسلم" :من عمل عملً ليس عليه أمرنا فهو
ردّ".
4الخطاب في قوله {ولو أعجبك كثرة الخبيث} الخطاب صالح لكل من هو أهل للخطاب والنتفاع
به من عقلء هذه المة ولذا قلت في التفسير ولو أعجبتكم ولم أقل :أعجبتك.
( )2/18
واستقرارا وتبع ذلك هناءة عيش وطيب حياة بما ألقى في قلوب عباده من احترام وتعظيم للبيت
الحرام والشهر الحرام ،والهدي والقلئد ،المر الذي ل يقدر عليه إل ال.
-2بيان مسئولية الرسول أزاء الناس وأنها البلغ ل غير وقد بلغ صلى ال عليه وسلم.
-3تقرير الحكمة القائلة العبرة بالكيف ل بالكم فمؤمن واحد أنفع من عشرة كفرة ودرهم حلل
خير من عشرة حرام وركعتان متقبلتان خير من عشرة ل تقبل.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-4المر بالتقوى رجاء فلح المتقين1 .
س ْؤكُ ْم وَإِن تَسْأَلُواْ عَ ْنهَا حِينَ يُنَ ّزلُ ا ْلقُرْآنُ تُبْدَ
يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُو ْا لَ تَسْأَلُواْ عَنْ َأشْيَاء إِن تُ ْبدَ َلكُمْ َت ُ
غفُورٌ حَلِيمٌ ( )101قَدْ سَأََلهَا َقوْمٌ مّن قَبِْلكُمْ ُثمّ َأصْبَحُواْ ِبهَا كَافِرِينَ ()102
عفَا اللّهُ عَ ْنهَا وَاللّهُ َ
َلكُمْ َ
علَى اللّهِ ا ْلكَ ِذبَ
ل َوصِيلَ ٍة َولَ حَا ٍم وََلكِنّ الّذِينَ َكفَرُواْ َيفْتَرُونَ َ
ج َعلَ اللّهُ مِن بَحِي َر ٍة َولَ سَآئِبَ ٍة َو َ
مَا َ
وََأكْثَرُهُ ْم لَ َي ْعقِلُونَ ( )103وَإِذَا قِيلَ َلهُمْ َتعَاَلوْاْ إِلَى مَا أَن َزلَ الّل ُه وَإِلَى الرّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا
علَيْهِ آبَاءنَا َأوََلوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَ َيعَْلمُونَ شَيْئًا َولَ َيهْتَدُونَ()104
وَجَدْنَا َ
شرح الكلمات:
إن تبد لكم :تظهر لكم تضركم.
__________
1من الحناف من يمنع الحبس ،والوقف تعلّقا واستدللً بهذه الية وهو محجوج بإجماع الصحابة
لحديث عمر في الصحيح إذ قال له الرسول صلى ال عليه وسلم "احبس الصل وسبّل الثمرة".
2وذلك إذا نتجت خمسة أبطن فإن كان الخامس ذكرا نحروه فأكله الرجال والنساء وإن كان أنثى
بحروا أذنها أي شقوها وكانت حراما على النساء لحمها ولبنها ،والسائبة ،بعير يسيب بنذر ينذره
أحدهم لللهة إن حصل له كذا سيّب كذا وتترك فل تمنع من رعي ول ماء ول يركبها أحد.
( )2/19
( )2/20
المحرجة هذه قوم من قبلكم {فأصبحوا بها كافرين ، }1لنهم كلفوا ما لم يطيقوا وشق عليهم جزاء
تعنتهم في أسئلتهم لنبيائهم فتركوا العمل بها فكفروا .هذا ما دلت عليه اليتان الولى ()101
والثانية ( )102وأما الثالثة ( )103فقد قال تعالى{ :ما جعل ال من بحيرة ول سائبة ول وصيلة
ول حام} ومن الجائز أن يكون هناك من يسأل الرسول عن البحيرة وما بعدها فأنزل ال تعالى
حمَى
قوله{ :ما جعل ال من بحيرة} أي ما بحر ال بحيرة ول سيب سائبة ول وصل وصيلة ول َ
حَامِيا ،ولكن الذين كفروا هم الذين فعلوا ذلك افتراء على ال وكذبا عليه {وأكثرهم ل يعقلون} ،
ولو عقلوا ما افتروا على ال وابتدعوا وشرعوا من أنفسهم ونسبوا ذلك إلى ال تعالى ،وأول من
سيب السوائب وغير دين إسماعيل عليه السلم عمرو بن لحي الذي رآه رسول ال صلى ال عليه
وسلم يج ّر قصَبه في النار أي أمعاءه في جهنم .هذا ما تضمنته الية الثالثة أما الرابعة ( )104فقد
أخبر تعالى أن المشركين المفترين على ال الكذب بما ابتدعوه من الشرك إذ قيل لهم {تعالوا إلى
ما أنزل ال وإلى الرسول} ليبين لكم كذبكم وباطلكم في بحر البحائر وتسييب السوائب ،يرفضون
الرجوع إلى الحق ويقولون{ :حسبنا} أي يكفينا {ما وجدنا عليه آباؤنا} فلسنا في حاجة إلى غيره
فرد تعالى عليهم منكرا عليهم قولهم الفاسد {أو لو كان آباؤهم ل يعقلون شيئا} أي يتبعونهم
ويحتجون بباطلهم ولو كان أولئك الباء جهالً حمقا ل يعقلون شيئا من الحق{ ،ول يهتدون} إلى
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
خير أو معروف.
هداية اليات
من هداية اليات :
-1كراهية اللحاف في السؤال والتقعر في السئلة والتنطع فيها.
-2حرمة البتداع في الدين وأنه سبب وجود الشرك في الناس.
-3وجوب رد المختلف فيه إلى الكتاب والسنة والرضا بحكمهما.
-4حرمة تقليد الجهال واتباعهم في أباطيلهم.
__________
1من أمثلة ذلك :سؤال قوم صالح الناقة ،وقوم عيسى المائدة ،وفي الية تحذير للمؤمنين أن
يقعوا فيما وقع فيه غيرهم فيهلكوا كما هلكوا .وفي صحيح مسلم يقول الرسول صلى ال عليه
وسلم" :إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرْم عن المسلمين فحرم من
أجل مسألته".
( )2/21
( )2/22
موضعها ،وإني سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول" :إن الناس إذا رأوا المنكر ولم
يغيروه يوشك أن يعمهم ال بعقاب" وقوله تعالى{ :إلى ال مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون}
فيه وعد ووعيد ،وعد لمن أطاع ال ورسوله ،ووعيد لمن عصاهما.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب إصلح المؤمن نفسه وتطهيرها من آثار الشرك والمعاصي وذلك باليمان والعمل
الصالح.
-2ضلل الناس ل يضر المؤمن إذا أمرهم بالمعروف 1ونهاهم عن المنكر.
3تقرير مبدأ البعث الخر.
-4للعمل أكبر الثر في سعادة النسان أو شقائه.
ع ْدلٍ مّنكُمْ َأوْ
حضَرَ َأحَ َدكُمُ ا ْل َموْتُ حِينَ ا ْل َوصِيّةِ اثْنَانِ َذوَا َ
شهَا َدةُ بَيْ ِنكُمْ إِذَا َ
يِا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ َ
لةِ
آخَرَانِ مِنْ غَيْ ِركُمْ إِنْ أَنتُ ْم ضَرَبْتُمْ فِي الَ ْرضِ فََأصَابَ ْتكُم ّمصِيبَةُ ا ْل َم ْوتِ َتحْبِسُو َن ُهمَا مِن َبعْدِ الصّ َ
شهَا َدةَ الّلهِ إِنّا ِإذًا ّلمِنَ
سمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْ ُت ْم لَ نَشْتَرِي بِهِ َثمَنًا وََلوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَ َنكْتُمُ َ
فَ ُيقْ ِ
حقّا إِ ْثمًا فَآخَرَانِ ِيقُومَانُ َمقَا َم ُهمَا مِنَ الّذِينَ اسْ َتحَقّ عَلَ ْيهِمُ
ال ِثمِينَ( )106فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَ ّن ُهمَا اسْ َت َ
شهَادَ ِت ِهمَا َومَا اعْتَدَيْنَا إِنّا إِذًا ّلمِنَ الظّاِلمِينَ( )107ذَِلكَ
حقّ مِن َ
شهَادَتُنَا أَ َ
سمَانِ بِالّلهِ لَ َ
لوْلَيَانِ فَ ُيقْ ِ
اَ
__________
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
1قالت العلماء :المر بالمعروف والنهي عن المنكر يتعيّن متى رُجي القبول والتغيير فإن كان
هناك عدم رجاء فل يجب المر والنهي .وكذا يسقط إذا خاف ضررا يلحقه ل يقوى عليه أو
يلحق غيره من المسلمين.
( )2/23
س َمعُو ْا وَاللّهُ
ج ِههَا َأوْ يَخَافُواْ أَن تُ َردّ أَ ْيمَانٌ َبعْدَ أَ ْيمَا ِنهِمْ وَاتّقُوا اللّهَ وَا ْ
شهَا َدةِ عَلَى وَ ْ
أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِال ّ
سقِينَ)108( 1
لَ َي ْهدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلفَا ِ
شرح الكلمات:
شهادة بينكم :الشهادة :قول صادر عن علم حاصل بالبصر أو البصيرة ،وبينكم :أي شهادة
بعضكم على بعض.
إن أنتم ضربتم في الرض :أي بأن كنتم مسافرين.
من بعد الصلة :صلة العصر.
إن ارتبتم :شككتم في سلمة قولهما وعدالته.
فإن عثر :أي وقف على خيانة منهما فيما عهد به إليهما حفظه.
أدنى :أقرب.
على وجهها : 2أي صحيحة كما هي ل نقص فيها ول زيادة.
الفاسقين :الذين لم يلتزموا بطاعة ال ورسوله في المر والنهي.
معنى اليات:
ما زال السياق في إرشاد المؤمنين وتعليمهم وهدايتهم إلى ما يكملهم ويسعدهم ففي هذه اليات
الثلث ( )108( ،)107( ،)106ينادي ال تعالى عباده المؤمنين فيقول{ :يا أيها الذين آمنوا شهادة
بينكم إذ حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم} أي ليشهد اثنان {ذوا عدل منكم }
أي من المسلمين على وصية أحدكم إذا حضرته الوفاة ،أو ليشهد اثنان من غيركم أي من غير
المسلمين {إن أنتم ضربتم في الرض} أي كنتم مسافرين ولم يوجد مع من حضره الموت في
السفر إل كافر ،فإن ارتبتم في صدق خبرهما وصحة
__________
1هذه الية نزلت فيما ذهب إليه أكثر المفسرين :في تميم الداري وعدي بن بداء إذ روى
البخاري وغيره أن تميم الداري وابن بداء كانا يختلفان إلى مكة فخرج معهما :فتى من بني سهم
فتوفي بأرض ليس فيها مسلم فأوحى إليهما فدفعا تركته إلى أهله وحبسا جاما (إناء) من فضة
مخوصا بالذهب فاستحلفهما رسول ال صلى ال عليه وسلم "ما كتمتما ول أطلعتما" ثم وجد الجام
بمكة فقالوا اشتريناه من عدي وتميم فجاء رجلن من ورثة السهمي فحلفا أنّ هذا الحام للسهمي
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ولشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا قال :فأخذوا الجام وفيهم نزلت هذه الية.
"لفظ الدار قطني"والظاهر أن استحلف الرسول صلى ال عليه وسلم لهما :كان بعد نزول الية
مبيّنة طريق الحكم في هذه القضية فاتبعها الرسول صلى ال عليه وسلم وحكم بينهم بما في الية
نصّا وروحا وال أعلم.
2أي غير مشوّه بالتغيير والتبديل والنقص والزيادة ،والتعبير بالوجه شائع يقال :جاء بالشيء
الفلني على وجهه أي :من كمال أحواله.
( )2/24
شهادتهما فاحبسوهما أي أوقفوهما بعد صلة العصر في المسجد ليحلفا لكم فيقسمان بال فيقولن
وال ل نشتري بأيماننا ثمنا قليلً ،ولو كان المقسم عليه أو المشهود عليه ذا قربى أي قرابة{ ،ول
نكتم شهادة ال ،إنا إذا} أي إذا كتمنا شهادة ال {لمن الثمين} {فإن عثر على أنهما استحقا إثما}
أي وإن وجد أن الذين حضرا الوصية وحلفا على صدقهما فيما وصاهما به من حضره الموت إن
وجد عندهما خيانة أو كذب فيما حلفا عليه{ ،فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم
الوليان} 1فيقسمان بال قائلين وال :لشهادتنا أحق من شهادتهما أي ليماننا أصدق وأصح من
أيمانهما{ ،وما اعتدينا} أي عليهما باتهام باطل ،إذ لو فعلنا ذلك لكنا من الظالمين ،فإذا حلفا هذه
اليمين استحقا ما حلفا عليه ورد إلى ورثة الميت ما كان قد أخفاه وجحده شاهدا الوصية عند
الموت ،قال تعالى{ :ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها} أي أقرب إلى أن يأتوا بالشهادة
عادلة ل حيف فيها ول جور وقوله {أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم} ،أي وأقرب إلى أن
يخافوا أن ترد أيمانهم فل يكذبوا خوف الفضيحة ،وقوله تعالى{ :واتقوا ال} أي خافوه أيها
المؤمنون فل تخرجوا عن طاعته{ ،واسمعوا} ما تؤمرون به واستجيبوا ل فيه ،فإن ال ل يهدي
إلى سبيل الخير والكمال الفاسقين الخارجين عن طاعته ،فاحذروا الفسق واجتنبوه.
هداية اليات
من هداية اليات:
ا -مشروعية الوصية في الحضر والسفر معا ،والحث عليها والترغيب فيها.
-2وجوب الشهاد على الوصية.
-3يجوز شهادة غير المسلم 2على الوصية إذا تعذر وجود مسلم .3
- 4استحباب الحلف بعد صلة العصر تغليظا في شأن اليمين.
__________
1واحد الوليان :الولى بمعنى الجدر والحق ،وعرفا باللّم العهدية لنه معهود للمخاطب ذهنا،
والوليان :الحقّان بالشهادة لقرابتهما من الميت ،قال أهل العلم إن هذه الية في غاية الصعوبة
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إعرابا ونظما وحكما.
2هذا بناء على أن الية غير منسوخة وهو قول القلية كأحمد بن حنبل رحمة ال تعالى وهو
الراجح والية دللتها قوية عليه ،وأما التخوف من قوله تعالى{ :وأشهدوا ذوي عدل منكم} فل
داعي إليه مع وجود ضرورة السفر وانعدام وجود المسلم ،كما ل محذور من تحليف الشاهد إذا
حامت حوله ريبة أو شك في عدالته لسيما في ظروف تقل فيها العدالة لفساد أحوال الناس .ولهذا
ذهبت في تفسير الية على أنها محكمة والعمل بها جائر.
3وممن قال بعدم نسخ هذه الية وأنها محكمة والعمل بها من الصحابة :أبو موسى الشعري
وقضى بها ،وعبدال بن قيس ،وعبدال بن عباس ،ومن التابعين سعيد بن المسيب ،وسعيد بن
جبير ،وإبراهيم النخعي وغيرهم ،ومن الئمة إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحم ال الجميع.
( )2/25
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )2/26
( )2/27
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فيقول{ :وإذ علمتك الكتاب والحكمة} ،فكنت تكتب الخط وتقول وتعمل بالحكمة ،وعلمتك التوراة
كتاب موسى عليه السلم والنجيل الذي أوحاه إليه {وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني}
فيكون طيرا بإذني أي اذكر لما طالبك بنو إسرائيل بآية على نبوتك فقالوا لك اخلق لنا طيرا
فأخذت طينا وجعلته على صورة طائر وذلك بإذني لك ونفخت فيه بإذني فكان طائرا ،واذكر
أيضا {إذ تبرىء الكمة} وهو العمى الذي ل عينين له{ ،والبرص بإذني} أي بعوني لك
وإقداري لك على ذلك {وإذ تخرج الموتى} من قبورهم أحياء فقد أحيا عليه السلم عددا من
الموات بإذن ال تعالى ثم قال بنو إسرائيل أحيي لنا سام بن نوح فوقف على قبره وناداه فقام حيا
من قبره وهم ينظرون ،واذكر {إذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات }1فكذبوك وهموا
بقتلك وصلبك{ ،فقال الذين كفروا منهم إن هذا إل سحر مبين} .واذكر {إذ أوحيت إلى الحواريين
}2على لسانك {أن آمنوا بي وبرسولي} أي بك يا عيسى {قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون} أي
منقادون مطيعون لما تأمرنا به من طاعة ربنا وطاعتك.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1شدة هول يوم القيامة وصعوبة الموقف حتى إن الرسل ليذهلون.
-2وجوب الستعداد لذلك اليوم بتقوى ال تعالى.
-3توبيخ اليهود والنصارى بتفريط اليهود في عيسى وغلو النصارى فيه.
-4بيان إكرام ال تعالى لعيسى وما حباه به من الفضل والنعام.
-5ثبوت معجزات عيسى عليه السلم وتقريرها.
سمَاء قَالَ ا ّتقُواْ
حوَارِيّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ َهلْ َيسْتَطِيعُ رَ ّبكَ أَن يُنَ ّزلَ عَلَيْنَا مَآئِ َدةً مّنَ ال ّ
إِذْ قَالَ ا ْل َ
اللّهَ إِن كُنتُم
__________
1أي :الدللت والمعجزات وهي المذكورة في هذه اليات من إبراء الكمه والبرص وإحياء
الموتى.
2الوحي يكون بمعنى اللهام لغير الرسول أمّا الرسول فطرق الوحي إليهم جاءت في آخر سورة
الشورى.
( )2/28
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ك وَارْ ُزقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرّا ِزقِينَ( )114قَالَ اللّهُ إِنّي مُنَزُّلهَا عَلَ ْيكُمْ َفمَن َي ْكفُرْ َبعْدُ
وَآخِرِنَا وَآيَةً مّن َ
عذّبُهُ َأحَدًا مّنَ ا ْلعَاَلمِينَ()115
مِنكُمْ فَإِنّي أُعَذّبُهُ عَذَابًا لّ أُ َ
شرح الكلمات:
هل يستطيع :هل يطيع ويرضى.
مائدة من السماء :المائدة :الخوان وما يوضع عليه أو الطعام والمراد بها هنا الطعام.
وتطمئن قلوبنا :أي تسكن بزيادة اليقين فيها.
ونكون عليها من الشاهدين :أي نشهد أنها نزلت من السماء.
عيدا :أي يوما يعود علينا كل عام نذكر ال تعالى فيه ونشكره.
وآية منك :علمة منك على قدرتك ورحمتك ،ونبوة نبيك.
فمن يكفر بعد منكم : :فمن يكفر بعد نزول المائدة منكم أيها السائلون للمائدة.
أحدا من العالمين :أي من الناس أجمعين.
معنى اليات:
يقول تعالى لعبده ورسوله عيسى واذكر {إذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا
آمنا واشهد بأننا مسلمون}{ ،إذ قال الحواريون}{ :هل يستطيع 1ربك أن ينزل
__________
1اضطربت نفوس المؤمنين في توجيه هذه العبارة{ :هل يستطيع ربك }..كيف يقول هذا أنصار
ال الحواريون وهو دالّ دللة واضحة على جهل بال تعالى وعدم معرفة الدب مع نبيّه عيسى
عليه السلم ،فمن قائل :أنّ يستطيع بمعنى :يطيع أي :هل يطيعك ربّك في هذا؟ ومن قائل :إن
قراءة (هل يستطيع) بالتاء ،وربك معمول أي :هل تقدر على سؤال ربّك أن ينزل الخ ومن قائل
إنّ هذا كان منهم في أوّل أمرهم قبل أن يتعلموا ،ومن قائل :أن هذا صدر ممن كان مع الحواريين
ولم يكن من الحواريين ،وما ذكرته في التفسير أولى لنسجامه مع السياق إذ قول عيسى لهم:
اتقوا ال ،وقولهم :ونعلم أن قد صدقتنا دال على جهلهم بال ومقام عيسى عليه السلم ،وقد يكون
أصحاب هذا القول ليسوا من فضلء الحواريين ولكن كالذين قالوا لرسول ال صلى ال عليه
وسلم:اجعل لنا ذات أنواط وكالذين قالوا لموسى عليه السلم :اجعل لنا إلها كما لهم آلهة وال
أعلم.
( )2/29
علينا مائدة من السماء؟} ولما كان قولهم هذا دالً على شك في نفوسهم وعدم يقين في قدرة ربهم
قال لهم عيسى عليه السلم {اتقوا ال إن كنتم مؤمنين} فل تقولوا مثل هذا القول .فاعتذروا عن
قيلهم الباطل {قالوا :نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ،ونعلم أن قد صدقتنا ،ونكون عليها من
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الشاهدين} أنها نزلت من السماء بسؤالك ربك ذلك وهنا قال عيسى عليه السلم داعيا ربه ضارعا
إليه {اللهم} أي يا ال {ربنا أنزل علينا مائدة من السماء ،تكون لنا عيدا لولنا}) أي للموجودين
الن منا {وآخرنا} أي ولمن يأتون بعدنا{ ،وآية منك} ،أي وتكون آية منك أي علمة على
وحدانيتك وعظيم قدرتك ،وعلى صدقي في إرسالك لي رسولً إلى بني إسرائيل{ ،وارزقنا} وأدم
علينا رزقك وفضلك {وأنت خير الرازقين} ،فأجابه تعالى قائل{ :إني منزلها عليكم} ،وحقا قد
أنزلها { ،1فمن يكفر بعد منكم} يا بني إسرائيل السائلين المائدة بأن ينكر توحيدي أو رسالة
رسولي ،أو عظيم قدرتي {فإني أعذبه عذابا ل أعذبه أحدا من العالمين} ،ولذا مسخ من كفروا
منهم قردة وخنازير.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1جفاء اليهود وغطرستهم وسوء أدبهم مع أنبيائهم إذ قالوا لموسى {اذهب أنت وربك فقاتل إنا
ها هنا قاعدون} وقالوا لعيسى {هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء}.
-2في قول عيسى لهم {اتقوا ال} دال على أنهم قالوا الباطل كما أن قولهم { :ونعلم أن قد
صدقتنا} دال على شكهم وارتيابهم.
-3مشروعية العياد الدينية لعبادة ال بالصلة والذكر شكرا ل تعالى وفي السلم عيدان:
الضحى والفطر.
-4من أشد الناس عذابا يوم القيامة آل فرعون والمنافقون ومن كفر من أهل المائدة.
__________
1روى الترمذي عن عمار بن ياسر أنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم قال" :أنزلت المائدة من
السماء خبزا ولحما".
( )2/30
خذُونِي وَُأ ّميَ إَِلهَيْنِ مِن دُونِ الّلهِ قَالَ سُبْحَا َنكَ
وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنّاسِ اتّ ِ
علَمُ مَا فِي
مَا َيكُونُ لِي أَنْ َأقُولَ مَا لَيْسَ لِي ِبحَقّ إِن كُنتُ قُلُْتهُ َفقَدْ عَِلمْتَهُ َتعَْلمُ مَا فِي َنفْسِي َولَ أَ ْ
سكَ إِ ّنكَ أَنتَ عَلّمُ ا ْلغُيُوبِ( )116مَا قُ ْلتُ َلهُمْ ِإلّ مَا َأمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْ ُبدُواْ اللّهَ رَبّي وَرَ ّبكُ ْم َوكُنتُ
َنفْ ِ
شهِيدٌ()117
شيْءٍ َ
شهِيدًا مّا ُد ْمتُ فِيهِمْ فََلمّا َت َوفّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ ال ّرقِيبَ عَلَ ْي ِه ْم وَأَنتَ عَلَى ُكلّ َ
عَلَ ْيهِمْ َ
حكِيمُ( )118قَالَ اللّهُ هَذَا َيوْمُ يَنفَعُ
ك وَإِن َت ْغفِرْ َلهُمْ فَإِ ّنكَ أَنتَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ
إِن ُتعَذّ ْبهُمْ فَإِ ّنهُمْ عِبَا ُد َ
ضيَ اللّهُ عَ ْنهُمْ وَ َرضُواْ
ن صِ ْد ُقهُمْ َلهُمْ جَنّاتٌ َتجْرِي مِن تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَ َبدًا ّر ِ
الصّا ِدقِي َ
شيْءٍ قَدِيرٌ(
ن وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ َومَا فِيهِ ّ
عَنْهُ ذَِلكَ ا ْل َفوْزُ ا ْل َعظِيمُ( )119لِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ
)120
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شرح الكلمات:
إلهين :معبودين يعبدان من دوني.
سبحانك :تنزيها لك وتقديسا.
ما يكون لي :ما ينبغي لي ول يتأتى لي ذلك.
شهيدا :رقيبا.
الرقيب :الحفيظ.
إن تعذبهم :أي بنارك فإنهم عبادك تفعل بهم ما تشاء.
وإن تغفر لهم :أي تستر عليهم وترحمهم بأن تدخلهم جنتك.
العزيز الحكيم :العزيز :الغالب الذي ل يحال بينه وبين مراده ،الحكيم :الذي يضع كل شيء في
موضعه فيدخل المشرك النار ،والموحد الجنة.
( )2/31
( )2/32
سواه .ونفعه لهم أن ُأدْخِلُوا به جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها ل يخرجون منها أبدا،
مع رضى ال تعالى عنهم ورضاهم عنه بما أنعم به عليهم من نعيم ل يفنى ول يبيد{ ،ذلك الفوز
العظيم} إّنه النّجاة من النار ودخول الجنات .وفي الية الخيرة ( )120يخبر تعالى أن له {ملك 1
السموات والرض وما فيهن} من سائر المخلوقات والكائنات خلقا وملكا وتصرفا يفعل فيها ما
يشاء فيرحم ويعذب {وهو على كل شيء قدير }2ل يعجزه شيء في الرض ول في السماء وهو
السميع العليم.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1توبيخ النصارى في عرصات القيامة على تأليه عيسى ووالدته عليهما السلم.
-2براءة عيسى عليه السلم مِنْ مشركي النصارى وأهل الكتاب.
-3تعذيب المشركين وتنعيم الموحدين قائم على مبدأ الحكمة اللهية.
-4فضيلة الصدق وأنه نافع في الدنيا والخرة ،وفي الحديث" :عليكم بالصدق 3فإنه يدعو إلى
البر وأن البر يهدي إلى الجنة ،ول يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند ال
صديقا".
-5سؤال غير ال شيئا ضرب من الباطل والشرك ،لن غير ال ل يملك شيئا ،ومن ل يملك
كيف يعطي ومن أين يعطي؟
__________
1في هذه الية البرهنة الصحيحة على ألوهية ال تعالى وربوبيته للعالمين وإبطال دعوى
النصارى في تأليه عيسى وأمّه عليهما السلم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
2فما تعلقت إرادته بشيء فأراده إل كان كما أراد من سائر الممكنات.
3أخرجه غير واحد من أصحاب الصحاح والسنن.
( )2/33
سورة النعام
...
سورة النعام 1
مكية
وآياتها خمس وستون ومائة
بسم ال الرحمن الرحيم
ت وَالنّورَ ُثمّ الّذِينَ َكفَرُواْ بِرَ ّبهِم َي ْعدِلُونَ()1
ج َعلَ الظُّلمَا ِ
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضَ َو َ
ح ْمدُ لِلّهِ الّذِي خَلَقَ ال ّ
الْ َ
جلٌ مّسمّى عِن َدهُ ثُمّ أَن ُتمْ َتمْتَرُونَ( )2وَ ُهوَ اللّهُ فِي
ل وَأَ َ
ُهوَ الّذِي خََل َقكُم مّن طِينٍ ثُمّ َقضَى أَجَ ً
سمَاوَاتِ َوفِي الَ ْرضِ َيعْلَمُ سِ ّر ُك ْم وَجَه َركُ ْم وَ َيعْلَمُ مَا َت ْكسِبُونَ()3
ال ّ
شرح الكلمات:
الحمد : 2الثناء باللسان على المحمود بصفات الجمال والجلل.
خلق :أنشأ وأوجد.
يعدلون :يسوون به غيره فيعبدونه معه.
الجل :الوقت المحدد لعمل ما من العمال يتم فيه أو ينتهي فيه ،والجل الول أجل كل إنسان،
والثاني أجل الدنيا.
تمترون :تشكّون في البعث الخر والجزاء :كما تشكون في وجوب توحيده بعبادته وحده دون
غيره.
وهو ال في السموات :أي معبود في السموات وفي الرض.
__________
1روى الطبراني عن عبدال بن عمر رضي ال عنهما قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
" نزلت عليّ سورة النعام جملة واحدة وشيّعها سبعون ألفا من الملئكة لهم زجل بالتسبيح
والتحميد ،وسميت بالنعام لذكر لفظ النعام فيها ست مرّات نزلت بمكة ليلً".
2الحمد ل :تفيد استغراق المحامد ل تعالى إذ ال للستغراق واللّم للستحقاق فجميع المحامد
مستحقة ل تعالى ،والقصر في الحمد ل قصر إضافي دال على إبطال حمد المشركين للهتهم
الباطلة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )2/34
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عدم إمكان الحياة الخرة بكونهم بعد الموت يصيرون ترابا ،وجهلوا أن صيرورتهم إلى تراب هو
دليل إعادتهم إلى خلقهم من جديد إذ عادوا إلى أصل خلقهم ليعودوا إلى حياة أكمل من حياتهم
الولى.
6قال القرطبي في تفسير هذه الية{ :وهو ال في السموات وفي الرض} أي :وهو ال المعظّم
والمعبود في السموات وفي الرض كما تقول :زيد الخليفة في الشرق والغرب أي حكمه.
( )2/35
سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون} من خير وشر فهو تعالى فوق عرشه بائن من خلقه ويعلم سر
عباده وجهرهم ويعلم أعمالهم وما يكتسبون بجوارحهم يعلم خائنة العين وما تخفي الصدور ،لذا
وجبت الرغبة فيما عنده من خير ،والرهبة مما لديه من عذاب ،ويحصل ذلك لهم بالنابة إليه
وعبادته والتوكل عليه.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب حمد ال تعالى والثناء عليه بما هو أهله.
-2ل يصح حمد أحد بدون ما يوجد لديه من صفات الكمال ما يحمد عليه.
-3التعجب من حال من يسوون المخلوقات بالخالق عز وجل في العبادة.
-4التعجب من حال من يرى عجائب صنع ال ومظاهر قدرته ثم ينكر البعث والحياة الخرة.
-5صفة العلم ل تعالى وأنه تعالى ل يخفى عليه شيء في الرض ول في السماء يعلم السر
وأخفى.
س ْوفَ
َومَا تَأْتِيهِم مّنْ آ َيةٍ مّنْ آيات رَ ّبهِمْ ِإلّ كَانُواْ عَ ْنهَا ُمعْ ِرضِينَ(َ )4فقَدْ كَذّبُواْ بِا ْلحَقّ َلمّا جَاء ُهمْ فَ َ
يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ ِبهِ يَسْ َتهْ ِزؤُونَ( )5أَلَمْ يَ َروْاْ َكمْ أَهَْلكْنَا مِن قَبِْلهِم مّن قَرْنٍ ّمكّنّاهُمْ فِي الَ ْرضِ مَا
جعَلْنَا الَ ْنهَارَ تَجْرِي مِن َتحْ ِتهِمْ فَأَ ْهَلكْنَاهُم ِبذُنُو ِبهِمْ
سمَاء عَلَ ْيهِم مّدْرَارًا وَ َ
لَمْ ُن َمكّن ّل ُك ْم وَأَرْسَلْنَا ال ّ
وَأَنْشَأْنَا مِن َبعْدِ ِهمْ قَرْنًا آخَرِينَ()6
( )2/36
شرح الكلمات:
من آية :المراد بالية هنا آيات القرآن الكريم الدالة على توحيد ال تعالى واليمان برسوله ولقائه
يوم القيامة.
معرضين :غير ملتفتين إليها ول مفكرين فيها.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الحق :الحق هنا هو النبي صلى ال عليه وسلم وما جاء به من الدين الحق.
أنباء :أخبار ما كانوا به يستهزئون وهو عذاب الدنيا وعذاب الخرة.
من قرن :أي أهل قرن من المم السابقة ،والقرن مائة سنة.
مكنا لهم في الرض :أعطيناهم من القوة المادية ما لم نعط هؤلء المشركين.
مدرارا :مطرا متواصلً غزيرا.
بذنوبهم :أي بسبب ذنوبهم وهي معصية ال ورسله.
وأنشأنا :خلقنا بعد إهلك الولين أهل قرن آخرين.
معنى اليات:
ما زال السياق في الحديث عن أولئك الذين يعدلون بربهم غيره من مخلوقاته فيقول تعالى عنهم:
وما تأتيهم 1من آية من آيات ربهم التي 2يوحيها إلى رسوله ويضمها كتابه القرآن الكريم ،إل
قابلوها بالعراض التام ،وعدم اللتفات إلى ما تحمله من هدى ونور ،وسبب ذلك أنهم قد كذبوا
بالحق لما جاءهم وهو الرسول وما معه من الهدى ،وبناء على ذلك {فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا
به يستهزئون} وقد استهزأوا بالوعيد وسينزل بهم العذاب الذي كذبوا به واستهزأوا ،وأول عذاب
نزل بهم هزيمتهم يوم بدر ،ثم القحط سبع سنين ،ومن مات منهم على الشرك فسوف يعذب في
نار جهنم أبدا ،ويقال لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تستهزئون وقوله تعالى{ :ألم يروا كم
أهلكنا من 3قبلهم من قرن} أي كثيرا من أهل القرون
__________
{ 1من آية من آيات ربهم} من الولى لستغراق الجنس ،ومن الثانية للتبعيض.
2وجائز أن يراد بالية أيضا المعجزة كانشقاق القمر ونحوها.
3القرد :المّة من الناس ،وا لجمع :قرون قال الشاعر:
خّلفْتَ في قرن فأنت غريب.
إذا ذهب القرن الذي كنت فيهم ...و ُ
فالقرن :كل عالم في عصره مأخوذ من القتران أي عالم مقترن بعضهم ببعض وفي الحديث:
"خير الناس قرني "..ويطلق القرن على المائة سنة ،إذ قال النبي صلى ال عليه وسلم لعبد ال بر
بشر "تعيش قرنا" فعاش مائة سنة وقرن الشاة معروف.
( )2/37
الماضية مكن ال تعالى لهم في الرض من الدولة والسلطان والمال والرجال ما لم يمكن لهؤلء
المشركين من كفار قريش ،وأرسل على أولئك الذين مكن لهم السماء 1مدرارا بغزير 2المطر
وجعل لهم في أرضهم النهار تجري من تحت أشجارهم وقصورهم ،فلما أنكروا توحيدي وكذبوا
رسولي ،وعصوا أمري {فأهلكناهم بذنويهم} ،ل ظلما منا ولكن بظلمهم هم لنفسهم ،وأوجدنا
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بعدهم قوما آخرين ،وكان ذلك علينا يسيرا.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1التكذيب بالحق هو سبب العراض عنه فلو آمنوا به لقبلوا عليه.
-2الستهزاء والسخرية بالدين من موجبات العذاب وقرب وقوعه.
-3العبرة بهلك الماضين ،ومصارع الظالمين.
-4هلك المم كان بسبب ذنوبهم ،فما من مصيبة إل بذنب .3
وََلوْ نَزّلْنَا عَلَ ْيكَ كِتَابًا فِي قِ ْرطَاسٍ فََلمَسُوهُ بِأَيْدِي ِهمْ َلقَالَ الّذِينَ َكفَرُواْ إِنْ هَذَا ِإلّ سِحْرٌ مّبِينٌ(َ )7وقَالُواْ
جعَلْنَاهُ رَجُلً
جعَلْنَاهُ مََلكًا لّ َ
ضيَ المْرُ ُث ّم لَ يُنظَرُونَ( )8وََلوْ َ
َلوْل أُن ِزلَ عَلَ ْيهِ مََلكٌ وََلوْ أَنزَلْنَا مََلكًا ّلقُ ِ
سلٍ مّن قَبِْلكَ فَحَاقَ بِالّذِينَ سَخِرُواْ مِ ْنهُم مّا كَانُواْ ِبهِ
وَلَلَبَسْنَا عَلَ ْيهِم مّا يَلْبِسُونَ( )9وََلقَدِ اسْ ُتهْزِىءَ بِرُ ُ
يَسْ َتهْ ِزؤُونَ()10
__________
{ 1وأرسلنا السماء عليهم مدرارا} عبر عن المطر بالسماء لنّه منها ينزل قال الشاعر:
إذا سقط السماء بأرض قوم ...رعيناها وإن كانوا غضابا
2مدرارا :بناء دال على الكثرة نحو امرأة مذكار إذا كثر أولدها الذكور وهم مشتق من درّت
الشاة إذا أقبل لبنها على الحالب لها بكثرة.
3شاهده من القرآن الكريم :قول تعالى { :وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن
كثير}.
( )2/38
ُقلْ سِيرُواْ فِي الَ ْرضِ ثُمّ انظُرُواْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ ا ْل ُمكَذّبِينَ()11
شرح الكلمات:
قرطاسا :القرطاس :ما يكتب عليه جلدا أو كاغدا.
لمسوه بأيديهم :مسوه بأصابعهم ليتأكدوا منه.
ملك :الملك أحد الملئكة.
لقضي المر :أي أهلكوا وانتهت حياتهم.
ل ينظرون :ل يمهلون.
ولو جعلناه ملكا :ولو جعلنا الرسول إليهم ملكا لنكارهم البشر.
لبسنا :خلطنا عليهم.
استهزىء :سخر وتهكم واستخف.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حاق بهم :نزل بهم العذاب وأحاط بهم فأهلكوا.
معنى اليات
مازال السياق في شأن العادلين بربهم أصنامهم التي يعبدونها ويزعمون أنها تشفع لهم عند ال
يقول تعالى{ :ولو نزلنا عليك} أيها الرسول {كتابا} أي مكتوبا في ورق جلد أو كاغد ورأوه منزلً
من السماء 1ولمسوه بأيديهم ولمسوه بأصابعهم ما آمنوا ولقالوا{ :إن هذا إل سحر مبين} .أي
سحر واضح سحركم به محمد صلى ال عليه وسلم وإل كيف ينزل الكتاب من السماء{ ،وقالوا:
لول أنزل 2عليه ملك} أي هل أنزل عليه ،لم ل ينزل عليه ملك يساعده ويصدقه بأنه نبي ال
ورسوله ،فقال تعالى{ :ولو أنزلنا ملكا} ،وليس من شأن ال أن ينزل الملئكة ولو أنزل ملكا
فكذبوه لهلكهم ،إذ الملئكة ل تنزل إل لحقاق الحق وعليه فلو نزل ملك لقضي أمرهم بإهلكهم
وقطع دابرهم وهذا ما ل يريده ال تعالى لهم .وقوله { :ثم ل ينظرون} أي ل يمهلون ولو ساعة
ليتوبوا أو يعتذروا مثلً .وقوله تعالى{ :ولو
__________
1قال ابن عباس :كتابا معلقّا بين السماء والرض يشاهدونه .أمّا إنزال الوحي فهو حاصل وأبوا
أن يؤمنوا به.
2هذا اقتراح منهم حملهم عليه الكبر والعناد.
( )2/39
جعلناه ملكا} أي الرسول ملكا لقالوا كيف نفهم عن الملك ونحن 1بشر فيطالبون بأن يكون بشرا
وهكذا كما قال تعالى{ :ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلً ،وللبسنا عليهم} خلطنا وشبهنا ما يخلطون
على أنفسهم ويشبهون .ثم أخبر تعالى رسوله مسليا له قائلً {ولقد استهزئ 2برسل من قبلك} كما
استهزيء بك فاصبر ،فقد حاق بالمستهزئين ما كانوا به يستهزئون ،كانوا إذا خوفهم الرسل عذاب
ال سخروا منهم واستخفوا بهم وبالعذاب الذي خوفوهم به ،ثم أمر ال تعالى رسوله محمدا صلى
ال عليه وسلم أن يقول لولئك المستهزئين بما يعدهم من عذاب ربهم وهم أكابر مجرمي قريش:
ل لتقفوا على ديار ثمود ،أو غربا
{قل سيروا 3في الرض} جنوبا لتقفوا على ديار عاد أو شما ً
لتقفوا على بحيرة لوط فتعرفوا {كيف كان عاقبة المكذبين} من أمثالكم لعلكم تحققون من طغيانكم
وتكذيبكم فيسهل عليكم الرجوع.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1اليات بمعنى المعجزات والخوارق ل تستلزم اليمان بل قد تكون سببا للكفر والعناد ،ولذا لم
يستجب ال لقريش ولم يعط رسوله ما طالبوه به هن اليات.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-2إنكار رسالة البشر عام في كل المم وقالوا ما هذا إل بشر مثلكم في آيات كثيرة في حين أن
إرسال الملئكة ل يتم معه هدف لعدم قدرة النسان على التلقي عن الملئكة والتفاهم معهم ،ولو
أنزل ال ملكا رسولً لقالوا نريده بشرا مثلنا ولحصل الخلط واللبس بذلك.
-3الستهزاء بالرسل والدعاة سنة بشرية ل تكاد تتخلف ولذا وجب على الرسل والدعاة الصبر
على ذلك.
-4عاقبة التكذيب والستهزاء هلك المكذبين المستهزئين.
-5مشروعية زيارة القبور للوقوف 4على مصير النسان ومآل أمره فإن في ذلك ما يخفف
شهوة
__________
1لنّ سنة ال تعالى في التفاهم أن تكون بين متجانسين كإنسان مع إنسان أو حيوان مع حيوان
أمّا ملك مع إنسان أو إنسان مع حيوان فل ل.
2في هذه الية تعزية للرسول صلى ال عليه وسلم وتسلية له ليصبر على ما يلقيه من قومه من
سخرية واستهزاء وعناد ومكابرة.
3قال القرطبي :هذا السفر مندوب إليه إذا كان على سبيل العتبار بآثار من خل من المم وأهل
الديار ،وأقول على شرط أن يدخلوا تلك الديار باكين أو متباكين ل ضاحكين غافلين لهين بأنواع
الطعام والشراب.
4أخذا من قول تعالى في الية{ :قل سيروا في الرض} وشاهده من السنة قوله صلى ال عليه
وسلم في السنة الصحيحة" :كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور أل فزوروها فإنها تذكركم الخرة".
( )2/40
( )2/41
سلهم قائلً{ :لمن 1ما في السموات والرض} خلقا وإيجادا أو ملكا وتصرفا وتدبيرا ،واسبقهم إلى
الجواب فقل ل ،إذ ليس لهم من جواب إل هذا{ :ل} ،أي هو ال الذي {كتب 2على نفسه الرحمة}
قضى بها وأوجبها على نفسه ،ومظاهرها متجلية في الناس :إنهم يكفرونه ويعصونه وهو يطعمهم
ويسقيهم ويكلؤهم ويحفظهم ،وما حمدوه قط .ومن مظاهر رحمته جمعه الناس ليوم القيامة
ليحاسبهم ويجزيهم بعملهم الحسنة بعشر أمثالها أما السيئة فبسيئة مثلها فقط وهو ما دل عليه قوله:
{ليجمعنكم 3إلى يوم القيامة ل ريب فيه} أي الكائن التي بل ريب ول شك ،وقوله تعالى{ :الذين
خسروا أنفسهم فهم ل يؤمنون} يخبر تعالى أنّ الذين كتب خسرانهم أزلً في كتاب المقادير فهم
لذلك ل يؤمنون رما كتب أزلً لعلم تام بموقفهم هذا الذي هم وافقوه من الكفر والعناد والشرك
والشر والفساد ،بذلك استوجبوا الخسران هذا ما دلت عليه الية الولى ( )12أما الية الثانية (
{ )13وله ما سكن في الليل والنهار} وهذا تقرير بأنه رب كل شيء والمالك لكل شيء إذ ما هناك
إل ساكن ومتحرك وهو رب الجميع ،وهو السميع لحوال عباده وسائر مخلوقاته العليم بأفعالهم
الظاهرة والباطنة ولذا ل يسأل عما يفعل ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ومن هنا وجب اللجأ إليه
والتوكل عليه ،والنقياد لمره ونهيه .وقوله تعالى في الية الثالثة ({ )14قل أغير 4ال أتخذ وليا
طعَم} يأمر تعالى رسوله أن يرد على المشركين
طعِم ول يُ ْ
فاطر السموات والرض وهو ُي ْ
المطالبين منه أن يوافقهم على شركهم ويعبد معهم آلهتهم فيقول :أفغير ال فاطر السموات
والرض الذي يطعم غيره لفتقاره إليه ،ول يطعم 5لغناه المطلق أغيره تعالى أتخذ وليا أعبده
كما اتخذتم أنتم أيها المشركون أولياء تعبدونهم .إن هذا لن يكون أبدا كما أمره ربه تعالى أن يقول
في صراحة ووضوح{ ،إني أمرت أن أكون أول من أسلم} أي وجهه ل ،وأقبل عليه يعبده
__________
1هذا حجاج مع المشركين آخر :قل لهم لمن ما في السموات والرض؟ فإن قالوا :لمن هو؟ قل:
ل ،ولكن ل يقولون إلّ ال ،لمعرفتهم أن غير ال ل يخلق ول يرزق ول يملك.
2ولذا لم يعاجلهم بالعقوبة التي يقتضيها كفرهم وعنادهم ،روى الشيخان عن أبي هريرة رضي
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال" :إنّ ال لمّا خلق الخلق كتب كتابا عنده فوق
العرش إن رحمتي تغلب غضبي".
3اللّم :للقسم أي :وعزتي وجللي ليجمعنكم في يوم القيامة الذي كذّبتم به وهو ل شك فيه.
4الستفهام إنكاري وقدم المفعول الول{ :أغير ال} لنّه هو المقصود بالنكار.
5أي يرزُق ول يُرزق كقوله تعالى{ :ما أريد منهم من رزق ولها أريد أن يطعمون} وقرأ مجاهد
وسعيد بن جبير {وهو يُطعم ول يطعم} بفتح العين أي إنّه يُطعم عباده بالرزق وهو ل يطعم
لستحالة احتياجه إلى الغذاء كما يحتاجه المخلوقون من عباده.
( )2/42
بما شرع له ،ونهاني أن أكون من المشركين بقوله{ :ول تكونن من المشركين} الذين يعبدون مع
ال غيره من مخلوقاته وأمره في الية ( )15أن يقول للمشركين الراغبين في تركه التوحيد{ :إني
أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم }1وهو عذاب يوم القيامة .انه عذاب أليم ل يطاق من
يصرف 2عنه يومئذ فقد رحمه أي أدخله الجنة والنجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم
كما قال تعالى {فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز} نعم فاز وأي فوز أكبر من الخلود من
العذاب ودخول في دار السلم.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1عموم رحمة ال تعالى.
-2تقرير مبدأ الشقاوة والسعادة في الزل قبل خلق الخلق.
-3ال رب كل شيء ومليكه.
-4تحريم ولية غير ال ،وتحريم الشرك به تعالى.
-5بيان الفوز الخروي وهو النجاة من العذاب ودخول الجنة.
شيْءٍ قَدُيرٌ( )17وَ ُهوَ
سكَ بِخَيْرٍ َف ُهوَ عَلَى ُكلّ َ
سْشفَ لَهُ ِإلّ ُه َو وَإِن َيمْ َ
سكَ الّلهُ ِبضُرّ فَلَ كَا ِ
وَإِن َيمْسَ ْ
شهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْ َنكُمْ
شهَادةً ُقلِ اللّهِ َ
شيْءٍ َأكْبَرُ َ
حكِيمُ الْخَبِيرُ(ُ )18قلْ َأيّ َ
ا ْلقَاهِرُ َفوْقَ عِبَا ِدهِ وَ ُهوَ ا ْل َ
شهَدُ ُقلْ
ش َهدُونَ أَنّ مَعَ الّلهِ آِلهَةً أُخْرَى قُل لّ أَ ْ
ن لُنذِ َركُم بِ ِه َومَن بَلَغَ أَئِ ّنكُمْ لَتَ ْ
حيَ ِإَليّ هَذَا ا ْلقُرْآ ُ
وَأُو ِ
إِ ّنمَا ُهوَ إِلَهٌ وَاحِ ٌد وَإِنّنِي بَرِيءٌ ّممّا تُشْ ِركُونَ()19
__________
1قوله{ :إن عصيت ربي} عوضا عن اسم الجللة (ال) فيه إيماء وإشارة إلى أن عصيان الرب
قبيح قبحا أشد من عصيان المعبود ،لن الربّ هو المليك المربي المتولي الحافظ الولي فعصيان
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
من يربّي ويرزق قبيح جدا.
2أي :من يصرف ال عنه العذاب يوم القيامة فقد رحمه فأدخله جنّته بعد أن نجّاه من النار.
( )2/43
شرح الكلمات:
يمسسك :يصبك.
بضر :الضر :ما يؤلم الجسم أو النفس كالمرض والحزن.
بخير :الخير :كل ما يسعد الجسم أو الروح.
القاهر :الغالب المذل المعز.
شهادة :الشهادة :إخبار العالم بالشيء عنه بما ل يخالفه.
لنذركم به :لخوفكم بما فيه من وعيد ال لهل عداوته.
إله واحد :معبود واحد لنه رب واحد ،إذ ل يعبد إل الرب الخالق الرازق المدبر.
معنى اليات :
ما زال السياق في توجيه الرسول صلى ال عليه وسلم وتقوية موقفه من أولئك العادلين بربهم
المشركين به فيقول له ربه تعالى{ :وإن يمسسك ال بضر 1فل كاشف له إل هو} أي إن أصابك
ال بما يضرك في بدنك فل كاشف له عنك بإنجائك منه إل هو{ .وإن يمسسك بخير} أي وإن
يردك بخير فل 2راد له {فهو على كل شيء قدير} ،والخطاب وإن كان موجها للرسول صلى ال
عليه وسلم فإنه عام في كل أحد فل كاشف للضر إل هو ،ول راد لفضله أحد ،ومع كل أحد،
وقوله تعالى في الية الثانية ({ )18وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير} تقرير لربوييته
المستلزمة للوهيته فقهره لكل أحد ،وسلطانه على كل أحد مع علو كلمته وعلمه بكل شيء موجب
للوهيته وطاعته وطلب وليته ،وبطلن ولية غيره وعبادة سواه وقوله تعالى في الية الثالثة (
{ )19قل ال شهيد بيني وبينكم} نزلت لما قال المشركون بمكة للرسول صلى ال عليه وسلم إئتنا
بمن يشهد لك بالنبوة فإن أهل الكتاب أنكروها فأمره ربه تعالى أن يقول لهم ردا عليهم :أي شيء
أكبر شهادة؟ ولما كان ل جواب لهم إل أن يقولوا ال أمره أن يجيب به{ :قل ال شهيد بيني
وبينكم} .فشهادة ال تعالى لي بالنبوة إيحاؤه إليّ بهذا القرآن الذي أنذركم به ،وأنذر
__________
1الضر :هو ما يؤلم النسان وهو من الشر المنافي للنسان ويقابله النفع وهو من الخير الملئم
للنسان ولذا فالضر هنا أعم من المرض إذ يتناوله وغيره من سائر ما يضر النسان.
2شاهده حديث ابن عباس عند الترمذي وهو صحيح إذ قال له رسول ال صلى ال عليه وسلم "يا
غلم إذا سألت فاسأل ال ،وإذا استعنت فاستعن بال واعلم أن المة لو اجتمعوا على أن ينفعوك
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بشيء لم ينفعوك إل بشيء قد كتبه ال لك ،ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إل
بشيء قد كتبه ال عليك رفعت القلم وجفّت الصحف".
( )2/44
كل من بلغه وسمع به بأن من بلغه 1ولم يؤمن به ويعمل بما جاء فيه من العقائد والعبادات
والشرائع فإنه خاسر لنفسه يوم القيامة .ثم أمره أن ينكر عليهم الشرك بقوله :أئنكم 2لتشهدون مع
ال آلهة أخرى ،وذلك بإيمانكم بها وعبادتكم لها أما أنا فل أعترف بها بل أنكرها فضلً عن أن
أشهد بها .ثم أمره بعد إنكار آلهة المشركين أن يقرر ألوهيته ال وحده وأن يتبرأ من آلهتهم
المدعاة فقال له قل{ :إنما هو إله واحد ،وإنني بريء مما تشركون}.3
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب اللجأ إلى ال تعالى دون غيره من سائر خلقه إذ ل يكشف الضر 4إل هو.
-2شهادة ال تعالى لرسوله بالنبوة وما أنزل عليه من القرآن وما أعطاه من المعجزات.
-3نذارة الرسول بلغت كل من بلغه القرآن الكريم إلى يوم الدين.
-4تقرير مبدأ التوحيد ل إله إل ال ،ووجوب البراءة من الشرك.
سهُمْ َفهُ ْم لَ ُي ْؤمِنُونَ(َ )20ومَنْ
خسِرُواْ أَنفُ َ
الّذِينَ آتَيْنَا ُهمُ ا ْلكِتَابَ َيعْ ِرفُونَهُ َكمَا َيعْ ِرفُونَ أَبْنَاءهُمُ الّذِينَ َ
جمِيعًا ثُمّ
حشُرُهُمْ َ
أَظَْلمُ ِممّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ َكذِبًا َأوْ كَ ّذبَ بِآياتهِ إِنّ ُه لَ ُيفْلِحُ الظّاِلمُونَ( )21وَ َيوْمَ نَ ْ
عمُونَ( )22ثُمّ َلمْ َتكُن فِتْنَ ُتهُمْ ِإلّ أَن قَالُو ْا وَالّلهِ رَبّنَا
َنقُولُ لِلّذِينَ أَشْ َركُواْ أَيْنَ شُ َركَآ ُؤكُمُ الّذِينَ كُنتُمْ تَزْ ُ
ضلّ عَ ْنهُم مّا كَانُواْ َيفْتَرُونَ()24
سهِ ْم َو َ
مَا كُنّا مُشْ ِركِينَ( )23انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُ ِ
__________
1في البخاري" :بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ول حرج ،ومن كذب علي متعمدا
فليتبوأ مقعده من النار" وقال مقاتل :من بلغه القرآن من الجن والنس فهو نذير له ،وقال
القرطبي :من بلغه القرآن فكأنما خد رأي محمدا صلى ال عليه وسلم وسمع منه.
2الستفهام للتوبيخ والتقريع مع النكار لشهادتهم الباطلة وذلك بتأليههم الصنام ،والحجار جهل
وعنادا.
3أي من الشرك والشركاء معا.
4آية (يونس) في هذا الباب عظيمة إذ قال مخاطبا رسوله صلى ال عليه وسلم "{ :ول تدع من
دون ال مال ينفعك ول يضرك ،فإن فعلت فانك إذا من الظالمين ،وإن يمسسك ال بضر فل
كاشف له إل هو وإن يردك بخير فل راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور
الرحيم"}.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )2/45
شرح الكلمات:
الذين آتيناهم الكتاب :علماء اليهود والنصارى.
يعرفونه :يعرفون محمدا نبيا ل ورسولً له.
افترى على ال كذبا :اختلق الكذب وزوّره في نفسه وقال.
ل يفلح الظالمون :ل ينجون من عذاب ال يوم القيامة.
أين شركاؤكم :استفهام توبيخي لهم.
تزعمون :تدعون أنهم شركاء يشفعون لكم عند ال.
وضل عنهم :غاب عنهم ولم يحضرهم ما كانوا يكذبونه.
معنى اليات::
قوله تعالى{ :الذين آتيناهم الكتاب} أي علماء اليهود والنصارى {يعرفونه} أي النبي محمدا صلى
ال عليه وسلم أنه نبي ال ورسوله وأن القرآن كتاب ال أوحاه إليه يعرفونه بما ثبت من أخباره
ونعوته معرفة كمعرفة أبنائهم ،رد ال تعالى بهذا على العرب الذين قالوا :لو كنت نبيا لشهد لك
بذلك أهل الكتاب ثم أخبر تعالى أن الذين 1خسروا أنفسهم في قضاء ال وحكمه الزلي ل
يؤمنون ،وإن علموا ذلك في كتبهم وفهموه واقتنعوا به ،فهذا سر عدم إيمانهم ،فلن يكون إذا عدم
إيمانهم حجة ودليلً على النبي محمد صلى ال عليه وسلم بأن غير نبي ول رسول هذا ما دلت
عليه الية الولى ( )20وفي الية الثانية نداء ال تعالى يكلّ من مشركي العرب وكفار أهل
الكتاب بقوله {ومن 2أظلم ممن افترى على ال كذبا} وهم المشركون بزعمهم أن الصنام تشفع
لهم عند ال ولذا عبدوها ،أو كذبوا بآياته وهم أهل الكتاب ،وأخبر أن الجميع في موقفهم المعادي
للتوحيد والسلم ظالمون ،وإن الظالمون ل يفلحون فحكم بخسران الجميع إل من آمن منهم وعبد
ال ووحده وكان من المسلمين وقوله تعالى في الية الثالثة ({ )22ويوم نحشرهم 3جميعا}
مشركين وأهل كتاب أي ل يفلحون في الدنيا ول يوم
__________
{ 1والذين خسروا أنفسهم} في موضع النعت أو البدلية من قوله{ :الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه}.
{ 2ومن أظلم} الستفهام للنفي والتقريع أي ل أحد أعظم ظلما ممن افترى على ال الكذب أو كذّب
بآياته التي هي اليات القرآنية والمعجزات النبوية.
3الظرف معمول لفعل محذوف تقديره :واذكر لقومك الوقت الذي يجري فيه الستنطاق
والستجواب وكيف يكون موقف هؤلء المشركين الظالمين.
( )2/46
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
نحشرهم وهو يوم القيامة لنهم ظالمون ،ثم أخبر تعالى بمناسبة ذكر يوم القيامة أنه يسأل
المشركين منهم فيقول لهم{ :أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون} أنهم يشفعون لكم في هذا اليوم؟ ثم
لم تكن نتيجة هذه الفتنة أي الختبار إل قولهم{ :وال ربنا ما كنا 1مشركين} ،يكذبون هذا الكذب
لنهم رأوا أن المشركين ل يغفر لهم ول ينجون من النار.ثم أمر ال رسوله أن يتعجب من
موقفهم هذا المخزي لهم فقال له{ :أنظر كيف كذبوا على 2أنفسهم} أما ربهم فهو عليم بهم {وضل
عنهم} أي غاب فلم يروه{ .ما كانوا يفترون} أي يكذبون.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1لم يمنع أهل الكتاب من الدخول في السلم إل إيثار الدنيا على الخرة.
-2سببان في عظم الجريمة الكاذب على ال المفتري والمكذب الجاحد به وبكتاب وبنبيه.
-3تقرير عدم فلح الظالمين في الحياتين.
-4الشرك ل يغفر لصاحبه إذا لم يتب منه قبل موته.
جعَلْنَا عَلَى قُلُو ِبهِمْ َأكِنّةً أَن َي ْف َقهُو ُه َوفِي أذا ِنهِ ْم َوقْرًا وَإِن يَ َروْاْ ُكلّ آيَ ٍة لّ
ك َو َ
َومِ ْنهُم مّن يَسْ َتمِعُ إِلَ ْي َ
لوّلِينَ( )25وَ ُهمْ
ُي ْؤمِنُواْ ِبهَا حَتّى إذا جَآؤُوكَ يُجَادِلُو َنكَ َيقُولُ الّذِينَ َكفَرُواْ إِنْ َهذَا ِإلّ أَسَاطِي ُر ا َ
شعُرُونَ( )26وََلوْ تَ َرىَ ِإ ْذ ُو ِقفُواْ عَلَى النّارِ
سهُمْ َومَا َي ْ
يَ ْن َهوْنَ عَ ْن ُه وَيَنَْأوْنَ عَ ْن ُه وَإِن ُيهِْلكُونَ ِإلّ أَنفُ َ
َفقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَ ّد َولَ ُنكَ ّذبَ بِآيات رَبّنَا وَ َنكُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ()27
__________
1تبرّؤا من الشرك وانتفوا منه لما رأوا من تجاوز ال ومغفرته للموحدين ،قال ابن عباس رضي
ال عنهما :يغفر ال تعالى لهل الخلص ذنوبهم ول يتعاظم عليه ذنب أن يغفره فإذا رأى
المشركون ذلك قالوا :إن ربنا يغفر الذنوب ول يغفر الشرك فتعالوا نقول :وال ربّنا ما كنا
مشركين.
2وجه كذبهم :أنهم كانوا يقولون في الصنام تشفع لنا عند ال وتقرّبنا إليه زلفى .ففي هذا
الموقف غاب عنهم الكذب والفتراء وواجهوا الحقيقة المرّة كما هي.
( )2/47
ل وََلوْ رُدّواْ َلعَادُواْ ِلمَا ُنهُواْ عَنْهُ وَإِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ(َ )28وقَالُواْ إِنْ
خفُونَ مِن قَ ْب ُ
َبلْ بَدَا َلهُم مّا كَانُواْ ُي ْ
ِهيَ ِإلّ حَيَاتُنَا الدّنْيَا َومَا نَحْنُ ِبمَ ْبعُوثِينَ()29
شرح الكلمات:
أكنة :جمع كنان ما يكن فيه الشيء كالغطاء.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ل وصمما فهم ل يسمعون.
وقرا :ثق ً
يجادلونك :يخاصمونك.
أساطير الولين :جمع أسطورة :ما يكتب ويحكى من أخبار السابقين.
وينأون عنه :أي ويبعدون عنه.
بل بدا لهم :بل ظهر لهم.
إن هي إل حياتنا :ما هي إل حياتنا.
مبعوثين :بعد الموت أحياء كما كنا قبل أن نموت.
معنى اليات:
مازال السياق في الحديث عن أولئك العادلين بربهم المشركين به سواه فيخبر تعالى عن بعضهم
فيقول {ومنهم من يستمع إليك} حال قراءتك القرآن ولكنه ل يعيه قلبه ول يفقه ما فيه من أسرار
وحكم تجعله يعرف الحق ويؤمن به ،وذلك لما جعلنا حسب سنتنا في خلقنا من أكنة 1على قلوبهم
أي أغطية ،،ومن 2وقر أي ثقل وصمم في آذانهم ،فلذا هم يستمعون ول يسمعون ،ول يفقهون
وتلك الغطية وذلك الصمم هما نتيجة ما يحملونه من بغض للنبي صلى ال عليه وسلم وكره لما
جاء به من التوحيد ،ولذا فهم لو يرون كل آية مما يطالبون به من المعجزات كإحياء الموتى
ونزول الملئكة عيانا ل يؤمنون بها لنهم ل يريدون أن يؤمنوا ولذا قال تعالى:
__________
1الكنة :جمع كنان كأسنة جمع سنان ،والعنة جمع عنان ،والكنّة :امرأة الب لنّها في كنّه،
وكذا امرأة البن والخ.
2يقال :وقرت أذنه توقر وقرا ،إذا صمت ،والنخلة موقر وموقرة إذا كانت ذات ثمر كثير.
( )2/48
{وإن يروا كل آية ل يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك} أي في شأن التوحيد وآلهتهم {يقول
الذين كفروا 1إن هذا} أي ما هذا {إل أساطير الولين} ،أمليت عليك أو طلبت كتابتها فأنت
تقصها ،وليس لك من نبوة ول وحي ول رسالة .هذا ما دلت عليه الية الولى ( )25أما باقي
اليات فإن الثانية ( )26تضمنت إخبار ال تعالى عنهم بأنهم ينهون الناس عن اليمان بالنبي وبما
جاء به وعن متابعته والدخول في دينه ،وينأون هم بأنفسهم أي يبعدون عنه فل إيمان ول متابعة.
وهذه شر الصفات يصفهم ال تعالى بها وهي البعد عن الحق والخير ،وأمر الناس بالبعد عن
عنهما ونهيهم عن قربههما ولذا قال تعالى{ :وإن يهلكون إل 2أنفسهم} بهذا الموقف الشائن
المعادى للرسول والتوحيد ،وما يشعرون بذلك إذ لو شعروا لكفوا ،والذي أفقدهم الشعور هو حب
الباطل والشر الذي حملهم على عداوة الرسول وما جاء به من عبادة ال وتوحيده وها هم أولً قد
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حشروا في جهنم ،وال تعالى يقول للرسول{ :ولو ترى إذ وقفوا 3على النار} ول بد لهم من
دخولها والصطلء بحرها والحتراق بلهبها ،فقالوا وهم في وسطها {يا ليتنا نرد} إلى الحياة الدنيا
{ول نكذب بآيات ربنا ،ونكون من المؤمنين } ،وما هم وال بصادقين وإنما هي تمنيات حمل
عليها الشفاق من العذاب والخوف من نار جهنم ،والفضيحة حين ظهر لهم 4ما كانوا يخفون في
الدنيا من جرائم وفواحش وهم يغشونها الليل والنهار قال تعالى وهو العليم الخبير{ :ولو ردوا
لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون} ،وصدق ال لو ردوا لعادوا وفي الية الخيرة ( )29يسجل
ال تعالى عليهم سبب بلئهم ومحنتهم ،وإقدامهم في تلك الجرأة الغريبة على الشرك ومحاربة
التوحيد ،ومحاربة الموحدين بالضرب والقتل والتعذيب إنه كفرهم بالبعث والجزاء إذ قالوا ما
أخبر تعالى به عنهم{ :إن هي إل 5حياتنا الدنيا ،وما نحن بمبعوثين}.
__________
1قال ابن عباس :قالوا للنضر بن الحارث ما يقول محمد؟ قال :أرى تحريك شفتيه وما يقول إلّ
أساطير الوّلين مثل ما أحدّثكم أنا عن القرون الماضية إذ كان النضر صاحب قصص سمعها من
ديار العجم إذ كان سافر إليها للتجارة ،والساطير :جمع أسطار وأسطورة نحو :أحاديث وأحدوثة
ومعنى الساطير :ما كتب وسطر من أخبار الولين وهو ترّهاتهم وأباطيلهم.
{ 2وإن يهلكون} أي :ما يهلكون فإن بمعنى :ما النافية.
3أي :وهم على الصراط وهي تحتهم أو وقفوا بقربها وهم يعاينونها ،وجواب لو محذوف تقديره:
لرأيت منظرا هائلً ونحوه.
4قوله تعالى {وبدا لهم ما كانوا يخفون من قبل} أي في دار الدنيا من الكفر والتكذيب والعناد
وجائز أن يكون ظهر لهم صدق ما كانوا يعلمون أنّه حق من أمر الدين والتوحيد ولكن يخفونه في
أنفسهم حتى ل يعلم ذلك إخوانهم في الكفر واتباعهم في الشرك.
5هذا سبب شقائهم هو إنكارهم للبعث والجزاء ومغالطة أنفسهم بأنه ل حياة إلّ الحياة الدنيا.
( )2/49
هداية اليات
من هداية اليات:
-1بيان سنة ال تعالى في أن العبد إذا كره أحدا وأبغضه وتعالى في ذلك يصبح ل يسمع ما
يقول له ،ول يفهم معنى ما يسمع منه.
-2شر دعاة الشر من يعرض عن الهدى ويأمر بالعراض عنه ،وينهى من يقبل عليه.
-3سبب الشر في الرض الكفر بال ،وإنكار البعث والجزاء الخر.
وََلوْ تَرَى ِإ ْذ ُو ِقفُواْ عَلَى رَ ّبهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِا ْلحَقّ قَالُواْ بَلَى وَرَبّنَا قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ ِبمَا كُنتُمْ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حسْرَتَنَا عَلَى مَا
َت ْكفُرُونَ( )30قَدْ خَسِرَ الّذِينَ كَذّبُواْ بِِلقَاء اللّهِ حَتّى إذا جَاء ْتهُمُ السّاعَةُ َبغْتَةً قَالُواْ يَا َ
ظهُورِهِمْ َألَ سَاء مَا يَزِرُونَ(َ )31ومَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا ِإلّ َل ِعبٌ
حمِلُونَ َأوْزَارَهُمْ عَلَى ُ
فَرّطْنَا فِيهَا وَ ُهمْ يَ ْ
وََلهْ ٌو وَلَلدّارُ الخِ َرةُ خَيْرٌ لّلّذِينَ يَ ّتقُونَ َأفَلَ َت ْعقِلُونَ()32
شرح الكلمات:
وقفوا على ربهم :جيء بهم ووقفوا على قضائه وحكمه تعالى فيهم.
بلى وربنا :أي إنه للحق وال.
خسر الذين كذبوا :أي خسروا أنفسهم في جهنم.
الساعة بغتة :ساعة :البعث ليوم القيامة وبغتة :أي فجأة.
يا حسرتنا :الحسرة :التندم والتحسر على ما فات ينادون حسرتهم زيادة في التألم والتحزن.
أوزارهم :أحمال ذنوبهم إذ الوزر الحمل الثقيل.
لعب ولهو :اللعب :العمل الذي ل يجلب درهما للمعاش ،ول حسنة للمعاد.
واللهو.:ما يشغل النسان عما يعنيه مما يكسبه خيرا أو يدفع عنه ضيرا.
( )2/50
معنى اليات:
لقول تعالى لرسوله :ولو ترى 1إذ وقف أولئك لمنكرون للبعث القائلون {إن هي إل حياتنا الدنيا
وما نحن بمبعوثين} ،لو تراهم وقد حبسوا لقضاء ال وحكمه فيهم وقيل لهم وهم يشاهدون أهوال
القيامة وما فيها من حساب وجزاء وعذاب {أليس 2هذا بالحق} أي الذي كنتم تكذبون فيسارعون
بالجابة قائلين {بلى ،وربنا} ،فيحلفون بال تعالى تأكيدا لصحة جوابهم فيقال لهم { :3فذوقوا
العذاب بما كنتم تكفرون} ل ظلما منا ولكن بسبب كفركم إذ الكفر منع من طاعة ال ورسوله،
والنفس ل تطهر إل على تلك الطاعة ،هذا ما دلت عليه الية الولى ( )30أما الية الثانية ()31
فقد أعلن تعالى عن خسارة صفقة الكافرين الذين باعوا اليمان بالكفر والتوحيد بالشرك ،والطاعة
بالمعاصي فقال تعالى{ :قد خسر الذين كذبوا بلقاء ال }4أي بالحياة بعد الموت وهذا هو سبب
المحنة والكارثة {حتى إذا جاءتهم الساعة} ساعة فناء هذه الحياة وإقبال الحياة الخرة {بغتة} أي
فجأة لم يكونوا يفكرون فيها لكفرهم بها ،وعندئذ صاحوا بأعلى أصواتههم معلنين عن تندمهم {يا
حسرتنا 5على ما فرطنا} أي في صفقتنا حيث اشترينا الكفر باليمان والشرك بالتوحيد قال
تعالى{ :وهم يحملون أوزارهم} من الجائز أن تصور لهم أعمالهم من الكفر والشرك والظلم
والشر والفساد في صورة رجل قبيح أشوه فيحملونه على ظهورهم في عرصات القيامة وقد ورد
به خبر .ولذا قال تعالى{ :أل ساء ما يزرون} أي قبح ما يحملونه! وفي الية ( )32الخيرة يخبر
تعالى مذكرا واعظا ناصحا فيقول يا عباد ال{ :وما الحياة الدنيا إل لعب ولهو} فانتبهوا فل
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تغتروا بما فيها من ملذات فإن نعيمها إلى زوال ما شأنها إل شأن من يلعب أو يلهو ،ثم ل يحصل
على طائل من لعبة 6ولهوه ،أما الدار الخرة فإنها خير ولكن للذين يتقون الشرك والشر
__________
1جواب لو محذوف تقديره :لعَظم شأن الوقوف.
2الستفهام للتقريع والتوبيخ أي :أليس هذا البعث كائنا موجودا.
3جائز أن يكون القائل :ال تعالى ،وجائز أن تكون الملئكة وهو أولى لنهم ليسوا أهل لن
يكلّمهم الربّ تبارك وتعالى.
4أي بالبعث بعد الموت والجزاء على العمل في الدنيا هذا كقوله صلى ال عليه وسلم" :من حلف
على يمين ليقتطع بها مال امرىء مسلم لقي ال وهو عليه غضبان" في الصحيح ،إلّ أنه ل مانع
من حمل اللفظ على ظاهره لنّ لقاء ال كائن حقا وكيف وهو الذي يفصل بينهم في ساحة فصل
القضاء.
5أي :يا حسرتنا احضري فهذا أوان حضورك ،والحسرة :الندم الشديد ،والتلهف والنداء للتندّم
والتعجب من حالهم وما حلّ بهم.
6هي كما قال الحكيم:
أل إنّما الدنيا كأحلم نائم ...وما خير عيش ل يكون بدائم
تأمّل إذا ما نلت بالمس لذّة ...
فأفنيتها هل أنت إل كحالم
( )2/51
والمعاصي ،فما لكم مقبلين غلى الفاني معرضين عن الباقي {أفل تعقلون؟!}
هداية اليات
من هداية اليات:
-1تقرير مبدأ البعث والجزاء بذكر صور ومشاهد له.
-2قبح الذنوب وأنها أسوأ حمل يحمله صاحبها يوم القيامة.
-3حكم ال تعالى بالخسران على من كذب بلقائه فلم يؤمن ولم يعمل صالحا.
-4الساعة ل تأتي إل بغتة ،ول ينافي ذلك ظهور علماتها ،لن الزمن ما بين العلمة والعلمة
ل يعرف مقداره.
-5نصيحة القرآن للعقلء بأن ل يغتروا بالحياة الدنيا .ويهملوا شأن الخرة وهي خير للمتقين.
جحَدُونَ( )33وََلقَدْ
قَدْ َنعَْلمُ إِنّهُ لَ َيحْزُ ُنكَ الّذِي َيقُولُونَ فَإِ ّنهُ ْم لَ ُيكَذّبُو َنكَ وََلكِنّ الظّاِلمِينَ بِآيات اللّهِ يَ ْ
سلٌ مّن قَبِْلكَ َفصَبَرُواْ عَلَى مَا ُكذّبُواْ وَأُوذُواْ حَتّى أَتَاهُمْ َنصْرُنَا َولَ مُبَ ّدلَ ِلكَِلمَاتِ اللّ ِه وَلَقدْ
كُذّ َبتْ رُ ُ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ط ْعتَ أَن تَبْ َتغِيَ َن َفقًا فِي
ضهُمْ فَإِنِ اسْ َت َ
جَاءكَ مِن نّبَإِ ا ْلمُرْسَلِينَ( )34وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَ ْيكَ إِعْرَا ُ
ج َم َعهُمْ عَلَى ا ْلهُدَى فَلَ َتكُونَنّ مِنَ الْجَاهِلِينَ(
سمَاء فَتَأْتِ َيهُم بِآ َي ٍة وََلوْ شَاء اللّهُ َل َ
الَ ْرضِ َأوْ سُّلمًا فِي ال ّ
)35
شرح الكلمات:
ليحزنك :أي لوقعك في الحزن الذي هو ألم النفس من جراء فقد ما تحب من هدايتهم أو من أجل
ما تسمع منهم من كلم الباطل كتكذيبك وأذيتك.
( )2/52
فإنهم ل يكذبونك :أي ل ينسبونك إلى الكذب في بواطنهم ومجالسهم السرية لعلمهم اليقيني أنك
صادق.
كذبت رسل :أي كذبتهم أقوامهم وأممهم كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلم.
ول مبدل لكلمات ال :التي تحمل وعده بنصر أوليائه وإهلك أعدائه.
من نبإ المرسلين :أي أخبارهم في دعواتهم مع أممهم.
تبتغي نفقا :تطلب سربا تحت الرض.
أو سلما في السماء :أي مصعدا تصعد به إلى السماء.
بآية :أي خارقة من خوارق العادات وهي المعجزات.
فل تكونن من الجاهلين :أي فل تقف موقف الجاهلين بتدبير ال في خلقه.
معنى اليات:
هذه اليات من تربية ال تعالى لرسوله وإرشاده لما يشد من عزمه ويزيد في ثباته على دعوة
الحق التي أناط به بلغها وبيانها فقال له تعالى{ :قد نعلم 1أنه} أي الحال والشأن{ ،ليحزنك الذي
يقولون} أي الكلم الذي يقولون لك وهو تكذيبك واتهامك بالسحر ،والتقول على ال ،وما إلى ذلك
مما هو إساءة لك وفي الحقيقة إنهم ل يكذبونك 2لما يعلمون من صدقك وهم يلقبونك قبل إنبائك
لهم وإرسالك بالمين ولكن الظالمين هذا شأنهم فهم يرمون الرجل بالكذب وهم يعلمون أنه صادق
ويقرون هذا في مجالسهم الخاصة ،ولكن كي يتوصلوا إلى تحقيق أهدافهم في البقاء على عاداتهم
وما ألفوا من عبادة أوثانهم يقولون بألسنتهم من نسبتك إلى الكذب وهم يعلمون أنك صادق 3غير
كاذب فإذا عرفت هذا فل تحزن لقولهم.
__________
1قد نعلم إنه :كسرت إن في إنه لدخول اللم في {ليحزنك} ولولها لفتحت نحو أنه يحزنك.
2روي أن أبا جهل وجماعة معه من رجالت قريش مرّوا بالنبي صلى ال عليه وسلم فقالوا يا
محمد ما نكذّبك وإنّك عندنا لصادق ولكن نكذّب ما جئت به .وهذه الية شاهد لصحة هذه الرواية،
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ومعنى يكذّبونك ينسبونك إلى الكذب ويردون قولك.
3روى ابن اسحق وغبره أنّ الخنس بن شريق أتى أبا جهل فقال له :يا أبا الحكم ما رأيك فيما
سمعت من محمد إذ كانوا يأتون دار محمد وهو يصلي بالليل يستمعون القرآن فإذا طلع النهار
تفرّقوا قال ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا
وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا :منّا نبي يأتيه الوحي من
السماء فمتى ندرك نحن هذه وال ل نؤمن أبدا ول نصدقه فقام الخنس وتركه.
( )2/53
هذا أولً وثانيا فقد كذبت رسل من قبلك وأوذوا كما كُذبت أنت وأوذيت ،وصبروا حتى أتاهم
نصرنا فاصبر أنت حتى يأتيك النصر فإنه ل مبدل لكلمات ال التي تحمل وعده لوليائه ووعيده
لعدائه ،ولقد جاءك في هذا الكتاب الذي أوحينا إليك من نبأ المرسلين وأخبارهم ما يكون عونا
لك على الصبر حتى النصر فاصبر ،وثالثا {إن كان كبر 1عليك إعراضهم} عن دعوتك وعدم
إيمانهم بها حتى تأتيهم بآية تلجئهم إلى اليمان بك وبرسالتك كما يطلبون منك ويُلِحّون عليك وهم
كاذبون فإن استطعت أن تطلب لهم آية من تحت الرض أو من السماء فافعل ،وهذا ما ل تطيقه
ول تستطيعه لنه فوق طاقتك فل تكلف به وإذا فما عليك إل بالصبر هذا معنى قوله تعالى{ :وإن
كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الرض} أي 2سربا{ ،أو سلما في
السماء} أي مصعدا {فتأتيهم بآية} أي فافعل ،وما أنت بقادر فاصبر إذا ورابعا إن ال قادر على أن
يجمعهم كلهم على اليمان بك وبرسالتك والدخول في دينك ،ولكنه لم يشأ ذلك لحكم عالية فل
تطلب أنت مال يريده ربك ،فإنك إن فعلت كنت من الجاهلين ،3ول نريد لك ذلك .4
هداية اليات
من هداية اليات:
-1ثبوت بشرية الرسول صلى ال عليه وسلم ولذا هو يحزن لفوت محبوب كما يحزن البشر
لذلك.
-2تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم وحمله على الصبر حتى يأتيه موعود ربه بالنصر.
-3بيان سنة ال في المم السابقة.
-4إرشاد الرب تعالى رسوله إلى خير المقامات وأكمل الحالت بإبعاده عن ساحة الجاهلين.
جعُونَ(َ )36وقَالُواْ َل ْولَ نُ ّزلَ عَلَ ْيهِ آ َيةٌ
ن وَا ْل َموْتَى يَ ْبعَ ُثهُمُ اللّهُ ُثمّ إِلَيْهِ يُ ْر َ
س َمعُو َ
إِ ّنمَا يَسْ َتجِيبُ الّذِينَ َي ْ
مّن رّبّهِ ُقلْ إِنّ الّلهَ
__________
{ 1كَبُرَ} ثقل فشق عليه تحمله لثقله.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
2أي نفقا كالنفاق المعروفة اليوم تحت الرض ،والسلّم :الدرج وهو ما يرقى عليه وسمي السلم
من السلمة.
3ول يليق بمثلك مثله وهذا كلّه تسلية للرسول صلى ال عليه وسلم وتعزية وحمل له على الصبر
وهو لكلّ داعٍ إلى ال تعالى يواجه التكذيب والتعذيب إلى يوم الدين.
4جائز أن يكون المعنى :من الجهل الذي هو ضد العلم ،والجهل الذي هو ضد الحلم ويناسب
الوّل قوله {ولو شاء ال لجمعهم على الهدى} والثاني قوله{ :وإن كان كبر عليك إعراضهم}..
الية.
( )2/54
( )2/55
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وبغض أهله والداعين إليه فهؤلء هم الذين يستجيبون لنهم أحياء أما الموات فإنهم ل يسمعون
ولذا فهم ل يستجيبون ولكن سيبعثهم ال يوم القيامة أحياء ثم يرجع الجميع إليه من استجاب ،لحياة
قلبه ،ومن لم يستجب لموت قلبه ويجزيهم بما عملوا الجزاء الوفى وهو على كل شيء قدير ،هذا
ما دلت عليه الية الولى ( )36أما الية الثانية ( )37فقد أخبر تعالى رسوله بقولهم {لول نزل
عليه آية} ،وعلمه أن يقول لهم {إن ال قادر على أن ينزل آية} وهي الخارقة كإحياء الموتى أو
تسيير الجبال أو إنزال الملئكة يشاهدونهم عيانا ،ولكن لم ينزلها لحكم عالية وتدبير حكيم{ ،ولكن
أكثرهم ل يعلمون} الحكمة في 1ذلك ،ولو علموا أنها إذا نزلت كانت نهاية حياتهم لما سألوها.
هذا ما تضمنته الية الثانية أما الية الثالثة ( )38وهي قوله تعالى{ :وما من دابة في الرض ول
طائر يطير 2بجناحيه إل أمم أمثالكم} سيقت هذه الية لبيان كمال ال تعالى وشمول علمه وعظيم
قدرته ،وسعة تدبيره تدليلً على أنه تعالى قادر على إنزال اليات ،ولكن منع ذلك حكمته تعالى
في تدبير خلقه فما من دابة تدب في الرض ول طائر يطير في السماء إل أمم مثل المة 3
النسانية مفتقرة إلى ال تعالى في خلقها ورزقها وتدبير حياتها ،وال وحده القائم عليها ،وفوق
ذلك إحصاء عملها عليها ثم بعثها يوم القيامة ومحاسبتها ومجازاتها ،وكل ذلك حواه كتاب
المقادير وهو يقع في كل ساعة ول يخرج شيء عما كتب في كتاب المقادير ،اللوح المحفوظ {ما
فرطنا في الكتاب من شيء} فهل يعقل مع هذا أن يعجز ال تعالى عن إنزال آية ،وكل مخلوقاته
دالة على قدرته وعلمه ووحدانيته ،ووجوب عبادته وفق مرضاته ،وقوله {ثم إلى ربهم يحشرون}
4كل دابة وكل طائر يموت أحب أم كره ،ويبعث 5أحب أم كره ،وال وحده مميته ومحييه
ومحاسبه ومجازيه{ ،ثم إلى ربهم يحشرون} ،ومن هنا كان المكذبون بآيات ال {صم وبكم
__________
1قال القرطبي :القول بحشر البهائم هو الصحيح ،والبهائم وإن كان القلم ل يجري عليها في
الحكام ولكن فيما بينها تؤاخذ به ،وروي عن أبي ذرّ قال ،انتطحت شاتان عند رسول ال صلى
ال عليه وسلم فقال" :يا أبا ذر أتدري فيما انتطحتا .قلت :ل ،قال :لكن ال تعالى يدري وسيفضي
بينهم".
2من الحكمة في عدم إنزال الية أنه لو أنزلها ما آمنوا بها ،فاستوجبوا الهلك فأهلكهم ،ولكنّه
يريد البقاء عليهم ليخرج من أصلبهم مؤمنين يعبدونه ويوحدونه.
3ذكر الجناحين للتأكيد من جهة ،وإزالة البهام من جهة أخرى لن العرب تطلق لفظ الطيران
على غير الطائر فتقول للرجل ،طر في حاجتي أي أسرع في قضائها وطائر النسان ما قسم ال
ل قال تعالى{ :وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه}.
له أز ً
4وهذه المثلية بين النسان وبين دواب الرض وطائر السماء تقتضي أل يظلم النسان الحيوان
ول يؤذيه ول يتجاوز ما أمر به نحوه ،ووجه المثلية في كون كل من النسان والحيوان يسبح ال
تعالى ويدل على قدرته وعلمه وحكمته.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
5قيل في {يحشرون} أنّ حشرها الموت وهو مروي عن ابن عباس قال :موت البهائم :حشرها
وروي عن مجاهد والضحاك أيضا ،وقيل حشرها :هو بعثها يوم القيامة حيّة وهذا أصح لحديث:
"إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة".
( )2/56
في الظلمات }1أموات غير أحياء إذ الحياء يسمعون وينطقون ويبصرون وهؤلء صم بكم في
الظلمات فهم أموات غير أحياء وما يشعرون .وأخيرا أعلم تعالى عباده أن هدايتهم كإضللهم بيده
فمن شاء هداه ومن شاء أضله ،وعليه فمن أراد الهداية فليطلبها في صدق من ال جل جلله
وعظم سلطانه ومن رغب عنها فلن يعطاها.
هداية اليات
من بداية اليات:
-1اليمان بال ورسوله ولقائه حياة والكفر بذلك موت فالمؤمن حي والكافر ميت.
-2سبب تأخر اليات علم ال تعالى بأنهم لو أعطاهم اليات ما آمنوا وبذلك يستوجبون العذاب.
-3تعدد المم 2في الرض وتعدد أجناسها والكل خاضع لتدبير ال تعالى مربوب له.
-4تقرير ركن القضاء والقدر وإثباته في أم الكتاب.
ُقلْ أَرَأَيْ ُتكُم إِنْ أَتَا ُكمْ عَذَابُ الّلهِ َأوْ أَتَ ْتكُمُ السّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ َتدْعُونَ إِن كُنتُ ْم صَا ِدقِينَ(َ )40بلْ إِيّاهُ
سوْنَ مَا تُشْ ِركُونَ( )41وََلقَدْ أَ ْرسَلنَآ إِلَى ُأمَمٍ مّن قَبِْلكَ
شفُ مَا تَدْعُونَ إِلَ ْيهِ إِنْ شَاء وَتَن َ
تَدْعُونَ فَ َيكْ ِ
ستْ
خذْنَاهُمْ بِالْبَ ْأسَاء وَالضّرّاء َلعَّلهُمْ يَ َتضَرّعُونَ( )42فََلوْل إِذْ جَاء ُهمْ بَأْسُنَا َتضَرّعُو ْا وََلكِن قَ َ
فَأَ َ
قُلُو ُبهُ ْم وَزَيّنَ َلهُمُ الشّيْطَانُ مَا كَانُواْ َي ْعمَلُونَ( )43فََلمّا
__________
1إنها ظلمات الكفر والشرك والمعاصي وما ينتج عن ذلك من القلق والحيرة واضطراب النفس،
والخوف ،والهمّ.
2روى ابن كثير بسنده عن الحافظ أبي يعلى عن جابر بن عبدال أن الجراد لم يُرَفي سنة من
سِني عمر رضي ال عنه التي ولي فيها فسأل عنه فلم يخبر بشيء فاغتم لذلك فأرسل راكبا إلى
كذا وآخر إلى الشام ،وآخر إلى العراق يسأل هل رؤي من الجراد شيء أو ل؟ قال فأتاه الراكب
الذي من قبل اليمن بقبضة من جراد فألقاها بين يديه فلما رآها كبّر ثلثا ثم قال سمعت رسول ال
صلى ال عليه وسلم يقول" :خلق ال عز وجل ألف أمّة منها ستمائة في البحر وأربعمائة في البرّ
وأول شيء يهلك من هذه المم الجراد فإذا هلكت تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه .هذه الرواية
ذكر بعض أهل العلم بطلنها.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )2/57
شيْءٍ حَتّى إذا فَ ِرحُواْ ِبمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم َبغْتَةً فَإذا هُم
نَسُواْ مَا ُذكّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَ ْي ِهمْ أَ ْبوَابَ ُكلّ َ
حمْدُ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ()45
مّبْلِسُونَ(َ )44فقُطِعَ دَابِرُ ا ْل َقوْمِ الّذِينَ ظََلمُو ْا وَالْ َ
شرح الكلمات:
أرأيتكم :أخبروني.
الساعة :يوم القيامة.
يكشف :يزيل ويبعد وينجي.
البأساء والضراء :البأساء :الشدائد من الحروب والمراض ،والضراء :الضر.
يتضرعون :يتذللون في الدعاء خاضعون.
بغتة :فجأة وعل حين غفلة.
مبلسون :آيسون قنطون متحسرون حزنون.
دابر القوم :آخرهم أي أهلكوا من أولهم إلى آخرهم.
الحمد ل :الثناء بالجميل والشكر ل دون سواه.
معنى اليات:
مازال السياق في طلب هداية أولئك المشركين العادلين بربهم أصناما وأحجارا ،فيقول ال تعالى
لرسوله صلى ال عليه وسلم قل يا رسولنا لولئك الذين يعدلون بنا الصنام {أرأيتكم }1أي
أخبروني{ ،إن أتاكم عذاب ال} اليوم انتقاما منكم{ ،أو أتتكم الساعة} وفيها عذاب يوم القيامة،
{أغير ال تدعون} ليقيكم العذاب ويصرفه عنكم {إن كنتم صادقين} في أن آلهتكم تنفع وتضره تقي
السوء وتجلب الخير؟ والجواب معلوم أنكم ل تدعونها ليأسكم من إجابتها بل ال 2وحده هو الذي
تدعونه فيكشف ما تدعونه له إن شاء ،وتنسون عندها ما تشركون به من الصنام فل تدعونها
ليأسكم من إجابتها لضعفها وحقارتها.
__________
1قال القرطبي :هذه الية في محاجة المشركين ممن اعترف أنّ له صانعا أي :أنتم عند الشدائد
ترجعون إلى ال تعالى وسترجعون إليه يوم القيامة أيضا ،فلم تصرّون على الشرك في حال
الرفاهية؟! وكانوا يعبدون الصنام ويدعون ال في صرف العذاب.
{ 2بل إيّاه تدعون} بل :للضراب ،إضراب عن الوّل وهو دعاء غير ال تعالى وإيجاب للثاني
وهو دعاء ال عز وجل.
( )2/58
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هذا ما تضمنته اليتان الولى ( )40والثانية ( )41وأما اليات الربع بعدهما فإن ال تعالى يخبر
رسوله بقوله {ولقد أرسلنا إلى أمم 1من قبلك} أي أرسلنا رسلً من قبلك إلى أممهم فأمروهم
باليمان والتوحيد والعبادة فكفروا وعصوا فأخذناهم بالشدائد من حروب ومجاعات وأمراض
لعلهم يتضرعون إلينا فيرجعون إلى اليمان بعد الكفر والتوحيد بعد الشرك والطاعة بعد العصيان
ولما لم يفعلوا وبخهم تعالى بقوله{ :فلول إذ جاءهم بأسنا تضرعوا }2أي فهل إذ جاءهم بأسنا
تضرعوا إلينا {ولكن} حصل العكس حيث {قست قلوبهم وزين لهم الشيطان} أي حسن لهم {ما
كانوا يعملون} من الشرك والمعاصي .وهنا لما نسوا ما ذكرتهم به رسلهم فتركوا العمل به
معرضين عنه غير ملتفتين إليه فتح ال تعالى عليهم أبواب كل شيء من 3الخيرات حتى إذا
فرحوا بذلك 4وسكنوا إليه واطمأنوا ولم يبق بينهم من هو أهل للنجاة .قال تعالى {أخذناهم بغتة}
أي فجأة بعذاب من أنواع العذاب الشديدة {فإذا هم مبلسون} 5آيسون من الخلص متحسرون
{فقطع دابر 6القوم الذين ظلموا} أي استؤصلوا بالعذاب عن آخرهم .وانتهى أمرهم {والحمد ل
رب العالمين} ناصر أوليائه ومهلك أعدائه فاذكر هذا لقومك يا رسولنا لعلهم يثوبون إلى رشدهم
ويعودون إلى الحق الذي تدعوهم إليه وهم معرضون.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1من غريب أحوال النسان المشرك أنه في حال الشدة الحقيقية يدعو ال وحده ول يدعو معه
اللهة الباطلة التي كان في حال الرخاء والعافية يدعوها.
__________
ل مضمر وهناك إضمار آخر تقديره :فكذّبوهم فأهلكناهم.
1أي أرسلنا رسلً .فرس ً
2يتضرعون :يدعون ال ويتذلّلون له ،إذ التضرع مأخوذ من الرضاعة التي هي الذلة ،يقال:
ضرع إليه فهو ضارع أي :متذلل.
3أبواب كل شيء كان مغلقا عنهم وهو استدراج لهم وقد تطول مدّة الستدراج والمهال عشرين
سنة فأكثر.
4روى أحمد عن عقبة بن عامر عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال" :إذا رأيت ال يعطي
العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج ،ثم تل رسول ال صلى ال عليه وسلم:
{فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا
هم مبلسون}.
5قالوا :المبلس :هو الباهت الحزين اليس من الخير لشدة ما نزل به من سوء الحال قال
العجاج.
يا صاح هل تعرف رسما مكرسا ...قال نعم أعرفه وأبلسا
المكرّس :الذي به الكرس وهو أبوال البل وأبعارها.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
6الدابر :الخر يقال :دبر القوم يدبرهم دبرا إذا كان آخرهم .ومعناه أخذهم أجمعين إذ آخر من
يؤخذ هو من كان خلف القوم وآخرهم.
( )2/59
( )2/60
معنى اليات:
ما زال السياق في دعوة العادلين بريهم الصنام والوثان إلى التوحيد فقال تعالى لنبيه يلقنه
الحجج التي تبطل باطل المشركين {قل أرأيتم} أي أخبروني يا قوم {إن أخذ ال 1سمعكم} وجعلكم
صما ل تسمعون وأخذ {أبصاركم} فكنتم عميا ل تبصرون {وختم على قلوبكم} أي طبع عليها
فأصبحتم ل تعقلون ول تفهمون .أي إله غير ال يأتيكم بالذي أخذ ال منكم؟ والجواب ل أحد ،إذا
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فكيف تتركون عبادة من يملك سمعكم وأبصاركم وقلوبكم ويملك كل شيء فيكم وعندكم ،وتعبدون
مال يملك من ذلكم من شيء؟ أي ضلل أبعد من هذا الضلل! ثم قال تعالى لرسوله صلى ال
عليه وسلم {انظر} يا رسولنا {كيف 2نصرف اليات}.
أي ننوع أساليبها زيادة في بيانها لظهار الحجة بها {ثم هم يصدفون} أي يعرضون عادلين بربهم
مال يملك نفعا ول ضرا ثم أمره في الية الثانية ( )47أن يقول لهم وقد أقام الحجة عليهم في
الية الولى ( )46قل لهم {أرأيتكم} أي أخبروني { 3إن أتاكم عذاب ال} وقد استوجبتموه
بصدوفكم عن الحق وإعراضكم عنه {بغتة }4أي فجأة بدون سابق علمة{ ،أو جهرة} بعلمة
تقدمته تنذركم به أخبروني من يهلك منا ومنكم؟ {هل يهلك إل القوم الظالمون} 5بصرف العبادة
إلى هن ل يستحقها وترك من وجبت له وهو ال الذي ل إله إل هو ثم عزى الرحمن جل جلله
رسوله بقوله{ :وما نرسل المرسلين إل مبشرين 6ومنذرين } أي ما نكلفهم بغير حمل البشارة
بالنجاة ودخول الجنة لمن آمن وعمل صالحا والنذارة لمن كفر وعمل سوءا ،فقال تعالى{ :فمن
آمن وأصلح فل خوف عليهم ول هم يحزنون} {والذين
__________
1الخذ :انتزاع الشيء ،وتناوله من مقره وهو هنا بمعنى السلب والعدام.
2هذا التعجيب لرسول ال صلى ال عليه وسلم من عدم تأثرهم بما عاينوا من اليات الباهرة،
أي :انظر كيف نكررها ونلونها من أسلوب إلى آخر تارة نوردها بمقدمات عقلية وأخرى بأسلوب
الترغيب والترهيب ،والتنبيه والتذكير.
3وهذا تبكيت آخر غير الول لهم.
4وفُسّر بغتة وجهرة بليل ونهارا والكل صالح وصحيح.
5الستفهام في قوله{ :هل يهلك } ..الخ للتقرير وحصر الهلك في أهل الظلم تسجيل عليهم
الظلم وإيذانا بأن هلكهم كان سبب ظلمهم الذي هو وضعهم الشرك موضع التوحيد والكفر موضع
اليمان.
{ 6مبشرين ومنذرين} حالن مقدرتان من المرسلين أي ما نرسلهم إلّ مقدرين تبشيرهم وإنذارهم
وفيهما معنى التعليل للرسال والتبشير :الصل فيه الخبار بالمر السار ،والنذار :الخبار
بالخبر الضار دنيويا أو أخرويا .والمراد هنا لكل من البشارة والنذارة نعيم الخرة وعذابها.
( )2/61
كذبوا بآياتنا} التي نرسل نجا المرسلين فلم يؤمنوا ول يعملوا صالحا {يمسهم العذاب} 1عذاب
النار {بما كانوا يفسقون} بسبب فسقهم عن طاعتنا وطاعة رسلنا الفسق الذي أثمره لهم التكذيب
باليات ،إذ لو آمنوا بآيات ال لما فسقوا عن طاعته وطاعة رسوله فشؤمهم في تكذيبهم ،وذلك
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
جزاؤهم.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1افتقار العبد إلى ال في سمعه وبصره وقلبه وفي كل حياته موجب عليه عبادة ال وحده دون
سواه.
-2هلك الظالمين ل مناص منه عاجلً أو آجلً.
-3بيان مهمة الرسل وهي البشارة لمن أطاع والنذارة من عصى والهداية والخيرات على ال
تعالى.
-4الفسق عن طاعة ال ورسوله ثمرة التكذيب ،والطاعة ثمرة اليمان.
قُل لّ َأقُولُ َلكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّ ِه وَل أَعْلَمُ ا ْلغَ ْيبَ وَل َأقُولُ َل ُكمْ إِنّي مََلكٌ إِنْ أَتّبِعُ ِإلّ مَا يُوحَى إَِليّ
حشَرُواْ إِلَى رَ ّبهِمْ
عمَى وَالْ َبصِيرُ َأفَلَ تَ َتفَكّرُونَ( )50وَأَنذِرْ بِهِ الّذِينَ َيخَافُونَ أَن يُ ْ
ُقلْ َهلْ يَسْ َتوِي الَ ْ
شيّ
شفِيعٌ ّلعَّل ُهمْ يَ ّتقُونَ(َ )51ولَ َتطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَ ّبهُم بِا ْلغَدَا ِة وَا ْلعَ ِ
ي وَلَ َ
لَيْسَ َلهُم مّن دُونِ ِه وَِل ّ
حسَا ِبكَ
شيْ ٍء َومَا مِنْ ِ
علَ ْيكَ مِنْ حِسَا ِبهِم مّن َ
جهَهُ مَا َ
ن وَ ْ
يُرِيدُو َ
__________
1أي :العذاب الذي أنذروا به وهو عاجل كعذاب الدنيا أو آجل وهو عذاب الخرة.
( )2/62
( )2/63
يستوي العمى 1والبصير؟} والجواب ل ،فكذلك ل يستوي المؤمن والكافر ،والمهدي والضال
{أفل تتفكرون} أي مالكم ل تتفكرون فتهتدوا للحق وتعرفوا سبيل النجاة .هذا ما دلت عليه الية
الولى ( )50أما الية الثانية ( )51فإن ال تعالى يأمر رسوله أن ينذر بالقرآن المؤمنين العاصين
فقال {وأنذر 2به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم} يوم القيامة وهم مذنبون ،وليس لهم من
دون ال ولي ول شفيع 3فهؤلء ينفعهم إنذارك بالقرآن أما الكفرة المكذبون فهم كالموات ل
يستجيبون وهذا كقوله تعالى من سورة ق {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} فهؤلء إن أنذرتهم
يرجى لهم أن يتقوا معاصي ال ومعاصيك أيها الرسول وهو معنى قوله تعالى{ :لعلهم يتقون}.
هذا ما تضمنته الية الثانية ( )51أما الية الثالثة ( )52وهي قوله تعالى {ول تطرد 4للذين
يدعون ربهم بالغداة والعشي ،يريدون وجهه} فإن بعض المشركين في مكة اقترحوا على الرسول
صلى ال عليه وسلم أن يبعد من مجلسه فقراء المؤمنين كبلل وعمار وصهيب حتى يجلسوا إليه
ويسمعوا عنه فهمّ الرسول صلى ال عليه وسلم أن يفعل رجاء هداية أولئك المشركين فنهاه ال
تعالى عن ذلك بقوله {ول تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} في صلة الصبح ،وصلة
العصر ،يريدون وجه ال ليرضى عنهم ويقربهم ويجعلهم من أهل وليته وكرامته ،ومبالغة في
الزجر عن هذا الهم قال تعالى{ :ما عليك من حسابهم من شيء} أي ما أنت بمسؤول عن خطاياهم
إن كانت لهم خطايا ،ول هم بمسئولين عنك فلم تطردهم إذا؟ {فتطردهم 5فتكون من الظالمين} أي
فل تفعل ،ولم يفعل صلى ال عليه وسلم وصبر عليهم وحبس نفسه معهم وفي الية الخيرة ()53
يقول تعالى{ :وكذلك فتنا بعضهم ببعض}6
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
__________
1في هذا الخطاب الستفهامي إيماء إلى المفارقة التامة الحاصلة من المؤمنين والكافرين ،وأن
الكافرين عمي والمؤمنين بصراء ،والمؤمنون مهتدون ،والكافرون ضالّون ،فما لهم ل يتفكرون
لعلهم يخرجون من ظلمة كفرهم.
2وأنذر به أي :بالقرآن وقيل بيوم القيامة ،وكونه القرآن أولى وأصح لقوله تعالى{ :فذكّر بالقرآن
من يخاف وعيد}.
3في الية دليل على إبطال شفاعة الصنام لعابديها ،والولياء للمشركين ممن يذبحون لهم
وينذرون كما فيها إبطال لزعم أهل الكتاب القائلين نحن أبناء ال وأحباؤه فسوف يشفع لنا الب،
إذ شرط صحة الشفاعة يوم القيامة أن يأذن ال لمن يشفع وأن يرضى بنجاة المشفوع له.
4روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال :كنا مع النبي صلى ال عليه وسلم ستة نفر فقال
المشركون للنبي صلى ال عليه وسلم اطرد هؤلء عنك ل يجترئون علينا وكنت أنا وابن مسعود
ورجل من هذيل وبلل ورجلن لست أسميهما فوقع في نفس رسول ال صلى ال عليه وسلم ما
شاء ال أن يقع فحدّث نفسه فأنزل ال عز وجل{ :ول تطرد الذين يدعون ربهم } ...الية.
5في الية دليل على عدم جواز تعظيم الرجل لجاهه وثوبه وعدم احتقار الرجل لخموله ورثاثة
ثوبه.
6الفتنة :الختبار أي :عاملناهم معاملة المختبر لهم فأغنينا بعضا وأفقرنا بعضا واللّم في قوله
تعالى{ :ليقولوا} هي لم العاقبة أي :ليقول أغنياء وأشراف المشركين مشيرين إلى فقراء
المؤمنين :أهؤلء من ال عليهم بأن وفقهم لصابة الحق دوننا ،ونحن الرؤساء وهم العبيد.
( )2/64
أي هكذا ابتلينا بعضهم ببعض هذا غني وذاك فقير ،وهذا وضيع وذاك شريف ،وهذا قوي وذاك
ضعيف ليؤول المر ويقول الغنياء الشرفاء للفقراء الضعفاء من المؤمنين استخفافا بهم واحتقارا
لهم :أهؤلء الذين من ال عليهم بيننا بالهداية والرشد قال تعالى{ :أليس ال بأعلم بالشاكرين} .بلى
فالشاكرون هم المستحقون لنعام ال بكل خير وأما الكافرون فل يعطون ول يزادون لكفرهم
النعم ،وعدم شكرهم لها.
هداية اليات
من هداية اليات :
-1تقرير بشرية الرسول صلى ال عليه وسلم.
-2تقرير مبدأ أن الرسول ل يعلم الغيب ،وأنه ل يتصرف في شيء من الكون.
-3نفي مساواة المؤمن والكافر إذ المؤمن مبصر والكافر أعمى.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-4استحباب مجالسة أهل الفاقة وأهل التقوى واليمان.
-5بيان الحكمة في وجود أغنياء وفقراء وأشراف ووضعاء ،وأقوياء وضعفاء وهي الختبار.
-6الشاكرون مستوجبون لزيادة النعم ،والكافرون مستوجبون لنقصانها وذهابها.
ع ِملَ مِنكُمْ
حمَةَ أَنّهُ مَن َ
وَإِذَا جَاءكَ الّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ بِآيَاتِنَا َف ُقلْ سَلَمٌ عَلَ ْي ُكمْ كَ َتبَ رَ ّب ُكمْ عَلَى َنفْسِهِ الرّ ْ
ك ن َفصّلُ اليَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ
غفُورٌ 1رّحِيمٌ(َ )54وكَذَِل َ
جهَالَةٍ ُثمّ تَابَ مِن َبعْ ِد ِه وََأصْلَحَ فَأَنّهُ َ
سُوءًا ِب َ
ا ْلمُجْ ِرمِينَ(ُ )55قلْ إِنّي ُنهِيتُ أَنْ أَعْ ُبدَ الّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ الّلهِ قُل لّ أَتّبِعُ
__________
1قرئ {فأنه غفور} بالفتح أنّه وقرئ بكسرها على الستئناف ،أمّا على الفتح ففي توجيهه رأيان،
الوّل أن يكون في موضع رفع على البتداء كأنّه قال :فله أنه غفور رحيم أي :فله غفران ال،
ن وما وعملت فيه خبره ،فأمره غفران ال له ،وهذا الخير أولى
والثاني :أن يضم مبتدأ تكون أ ّ
من الول.
( )2/65
أَ ْهوَاءكُمْ قَ ْد ضَلَ ْلتُ إِذًا َومَا أَنَاْ مِنَ ا ْل ُمهْتَدِينَ(ُ )56قلْ إِنّي عَلَى بَيّ َنةٍ مّن رّبّي َوكَذّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا
ق وَ ُهوَ خَيْرُ ا ْلفَاصِلِينَ( )58قُل ّلوْ أَنّ عِندِي مَا تَسْ َتعْجِلُونَ
حكْمُ ِإلّ لِلّهِ َيقُصّ ا ْلحَ ّ
تَسْ َتعْجِلُونَ ِبهِ إِنِ ا ْل ُ
لمْرُ بَيْنِي وَبَيْ َنكُ ْم وَاللّهُ أَعَْلمُ بِالظّاِلمِينَ()58
ضيَ ا َ
بِهِ َل ُق ِ
شرح الكلمات:
سلم عليكم :دعاء بالسلمة من كل مكروه ،وهي تحية المؤمنين في الدنيا وفي الخرة في الجنة.
كتب ربكم على نفسه الرحمة :أي أوجب الرحمة على نفسه فلذا ل يعذب إل بعد النذار ،ويقبل
توبة من تاب.
سوءا :أي ذنبا أساء به إلى نفسه.
بجهالة :الجهالة أنواع منها :عدم تقدير عاقبة الذنب ،ونسيان عظمة الرب.
تستبين :تتضح وتظهر.
نهيت :أي نهاني ربي أي زجرني عن عبادة أصنامكم.
تدعون :تعبدون.
بينة :البينة :الحجة الواضحة العقلية الموجبة للحكم بالفعل أو الترك.
إن الحكم :أي ما الحكم إل ل.
يقص الحق :أي يخبر بالحق.
خير الفاصلين :الفصل في الشيء :القضاء والحكم فيه ،والفاصل في القضية :الحاكم فيها
ومنهيها.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
معنى اليات:
يرشد ال تبارك وتعالى رسوله إلى الطريقة المثلى في الدعوة إليه ،بعد أن نهاه عن الطريقة التي
هم بها وهي طرد المؤمنين من مجلسه ليجلس الكافرون رجاء هدايتهم فقال تعالى:
( )2/66
{وإذا جاءك الذين 1يؤمنون بآياتنا} أي يصدقون بنبوتك وكتابك وما جئت به من الدين الحق
فهؤلء رحب بهم وقل 2سلم عليكم ومهما كانت ذنوبهم التي ارتكبوها ،وأخبرهم أن ربهم تعالى
قد كتب 3على نفسه الرحمة فل يخافون ذنوبهم بعد توبتهم وإنابتهم إلى ربهم باليمان به وتوطين
النفس على طاعته{ ،أنه من عمل منكم سوءً 4بجهالة ثم تاب من بعده} أي أقلع عن الذنب نادما
مستغفرا ،وأصلح نفسه بالصالحات فإن ربه غفور رحيم فسيغفر له ويرحمه .هكذا يستقبل كل
عبد جاء مؤمنا مستفتيا يسأل عن طريق النجاة يستقبل بالبشر والطلقة والتحية والسلم ل بالعنف
والتقريع والتوبيخ .هذا ما دلت عليه الية الولى ( )54أما الية الثانية ( )55فإنه تعالى بعد أن
نهى رسوله عن الستجابة لقتراح المشركين المتكبرين ،وعن طرد المؤمنين وعن حكمته في
وجود أغنياء وفقراء وأقوياء وضعفاء في الناس وعن الطريقة المثلى في استقبال التائبين
المستفتين بعد هذا كله قال تعالى{ :وكذلك نفصل اليات} أي مثل هذا التفصيل نفصل اليات
مستقبلً لبيان الهداية اللهية ليهتدي من أراد ال له الهداية وقد طلبها ورغب فيها ،ولتستبين 5
وتتضح سبيل المجرمين ،فل تُتبع وَيَنْهى عن اتباعها ،لنها طريق الهلك والدمار .هذا ما أفادته
الية الثانية أما اليات الثالثة والرابعة والخامسة في هذا السياق فهي تحمل الهداية اللهية للرسول
صلى ال عليه وسلم في طريق دعوته إلى ربه فكل آية من تلك اليات مفتتحة بكلمة (قل) أي قل
أيها الرسول لولئك المشركين الذين يدعونك إلى موافقتهم على شركهم وعبادة غيري معهم {أني
نهيت} أي نهاني ربي أن أعبد ما تدعون 6من الصنام والوثان ،وقل لهم :ل أتبع أهواءكم في
عبادة غير ال تعالى الموروثة لكم عن آبائكم الضلل مثلكم إني إن فعلت أكون قد
__________
1روي عن الفضل بن عباس قول :جاء قوم من المسلمين إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقالوا
إنّا قد أصبنا من الذنوب فاستغفر لنا فأعرض عنهم فنزلت الية ،وروي عن أنس بن مالك مثله.
2أي :سلمكم ال في دينكم وأنفسكم ،كان النبي صلى ال عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلم وقال:
"الحمد ل الذي جعل من أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلم ".
3كتب :بمعنى أوجب ذلك على نفسه بفضله ورحمته ،وكتبه في اللوح المحفوظ فالكتابة على
بابها إذا.
{ 4سوءا} أي خطيئة من غير إرادة تحدي شرع ال وانتهاك حرماته وإنما ضعفا منه وعدم قدرة
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
على التغلب على طبعه وشهوته وميل هواه.
5قرىء{ :ليستبين} بالياء والتاء فقراءة التاء يكون الخطاب فيها لرسول ال صلى ال عليه وسلم
أي :ولتستبين يا رسولنا سبيل المجرمين ،وخطاب النبي صلى ال عليه وسلم خطاب لمته ،وإذا
بان سبيل المجرمين فقد بان سبيل المؤمنين وقراءة الياء ليستبين سبيل المجرمين ،فسبيل مرفوع
على الفاعلية.
6أطلق لفظ الدعاء وأريد به العبادة ،لنّ الدعاء هو العبادة ومخها أيضا لما في الدعاء من
مظاهر العبودية ل تعالى ومظاهر أسمائه وصفاته عز وجل.
( )2/67
ضللت 1إذا وما أنا من المهتدين إلى سبل الفوز والفلح .وقل {:إني على بينة من ربي} أي على
علم يقيني من وجوب اليمان بال ووجوب توحيده وطاعته ووجوب الدعوة إلى ذلك ،وكذبتم أنتم
بهذا كله وبالعذاب إذ أنذرتكم به وأنا ما عندي ما تستعجلون به من العذاب ،ولو كان عندي لحل
بكم وانتهى أمركم ،ولكن الحكم ل ليس لحد غيره وقد قص عليكم أخبار السابقين المطالبين 2
رسلهم بالعذاب ورأيتم كيف حل بهم العذاب{ ،وال يقص 3الحق وهو خير الفاصلين} فإذا أراد
أن يحكم بيني وبينكم فإنه نعم الحكم والعدل وهو خير الحاكمين .وقل لهم يا رسولنا {لو أن عندي
ما تستعجلون به} من العذاب {لقضي المر بيني وبينكم} بتدمير الظالم منا{ ،وال أعلم بالظالمين}،
ول يهلك غيرهم لنهم المستوجبون للعذاب بظلمهم.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب الرفق والتلطف بالمستفتين وعدم الشدة والغلظة عليهم.
-2إتباع أهواء أهل الهواء والباطل يضل ويهلك.
-3على المسلم الداعي إلى ربه أن يكون على علم كاف بال تعالى وبتوحيده ووعده ووعيده
وأحكام شرعه.
-4وجوب الصبر والتحمل مما يلقاه الداعي من أهل الزيغ والضلل من القتراحات الفاسدة.
سقُطُ مِن وَ َرقَةٍ ِإلّ َيعَْل ُمهَا َولَ
وَعِن َدهُ َمفَاتِحُ ا ْلغَ ْيبِ لَ َيعَْل ُمهَا ِإلّ ُهوَ وَ َيعْلَمُ مَا فِي الْبَ ّر وَالْبَحْ ِر َومَا تَ ْ
ب َولَ يَا ِبسٍ ِإلّ فِي كِتَابٍ مّبِينٍ()59
ط ٍ
حَبّةٍ فِي ظُُلمَاتِ الَ ْرضِ َولَ رَ ْ
__________
1قرئ {ضلَلِت} بفتح اللم وكسرها ،وهما لغتان ،فضلِلت :بكسر اللم لغة تميم ،والفتح لغة
الحجاز ،وهي أفصح.
2إذ أكثر أمم الوصل قالوا لرسلهم فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قالتها عاد لنبيها هود
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وقالها قوم نوح لنوح عليه السلم.
3أي :يقص القصص الحق ،قال القرطبي بهذا استدل من منع المجاز في القرآن ،وقرئ نقض
بالضاد من القضاء ويدل عليه قوله بعد{ :وهو خير الفاصلين} الفصل :القضاء والحكم.
( )2/68
ج ُعكُمْ
سمّى ُثمّ إِلَيْهِ مَرْ ِ
جلٌ مّ َ
ل وَ َيعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِال ّنهَارِ ثُمّ يَ ْبعَ ُث ُكمْ فِيهِ لِ ُي ْقضَى َأ َ
وَ ُهوَ الّذِي يَ َت َوفّاكُم بِاللّ ْي ِ
حفَظَةً حَ ّتىَ إِذَا جَاء َأحَ َدكُمُ
سلُ عَلَ ْيكُم َ
ثُمّ يُنَبّ ُئكُم ِبمَا كُنتُمْ َت ْعمَلُونَ( )60وَ ُهوَ ا ْلقَاهِرُ َفوْقَ عِبَا ِد ِه وَيُرْ ِ
حكْ ُم وَ ُهوَ أَسْ َرعُ
ا ْل َم ْوتُ َت َوفّتْهُ ُرسُلُنَا وَهُ ْم لَ ُيفَرّطُونَ()61ثُمّ ُردّواْ إِلَى اللّهِ َم ْولَهُمُ ا ْلحَقّ َألَ َلهُ ا ْل ُ
الْحَاسِبِينَ()62
شرح الكلمات:
مفاتح الغيب :المفاتح :جمع 1مفتح بفتح الميم أي المخزن.
البر والبحر :البر ضد البحر ،وهو اليابس من الرض ،والبحر ما يغمره الماء منها.
ورقة :واحدة الورق والورق للشجر كالسعف للنخل.
حبة :واحدة الحب من ذرة أو بر أو شعير أو غيرها.
ول رطب :الرطب ضد اليابس من كل شيء.
في كتاب مبين :أي في اللوح المحفوظ كتاب المقادير.
يتوفاكم بالليل :أي ينيمكم باستتار الرواح وحجبها عن الحياة كالموت.
جرحتم :أي كسبتم بجوارحكم من خير وشر.
ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى :أي يوقظكم لتواصلوا العمل إلى نهاية الجل المسمى لكل.
حفظة :الكرام الكاتبين.
رسلنا :ملك الموت وأعوانه.
__________
1المفتاح والجمع مفاتيح ،والمفتح :عبارة عن كل ما يحل مغلقا محسوسا كالقفل للباب ،أو معقولً
كالنظر .وفي الحديث" :إنّ من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر".
( )2/69
معنى اليات:
لما ذكر تعالى في نهاية الية السابقة أنه أعلم بالظالمين المستحقين للعقوبة أخبر عز وجل أن
المر كما قال ودليل ذلك أنه عالم الغيب والشهادة ،إذ {عنده مفاتح الغيب }1أي خزائن الغيب
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وهو الغيب الذي استأثر بعلمه فل يعلمه سواه 2ويعلم ما في البر والبحر وهذا من عالم الشهادة،
إضافة إلى ذلك أن كل شيء كان أو يكون من أحداث العالم قد حواه كتاب له اسمه اللوح
المحفوظ ،وهو ما دل عليه قوله{ :وما تسقط من ورقة إل يعلمها ول حبة في ظلمات الرض ول
رطب 3ول يابس إل في كتاب مبين} وما كتبه قبل وجوده فقد علمه إذا فهو عالم الغيب والشهادة
أحصى كل شيء عددا وأحاط بكل شيء علما ،فكيف إذا ل يعبد ول يرغب فيه ول يرهب منه
وأين هو في كماله وجلله من أولئك الموات من أصنام وأوثان.؟؟ هذا ما دلت عليه الية الولى
( )59وأما الية الثانية ( )65فقد قررت ما دلت عليه الية قبلها من قدرة ال وعلمه وحكمته فقال
تعالى مخبرا عن نفسه {وهو الذي يتوفاكم 4بالليل} حال نومكم إذ روح النائم تقبض ما دام نائما
ثم ترسل إليه عند إرادة ال بعثه من نومه أي يقظته ،وقوله {ثم يبعثكم فيه} أي في النهار المقابل
لليل ،وعلة هذا أن يقضى ويتم الجل الذي حدده تعالى للنسان يعيشه وهو مدة عمره طالت أو
قصرت ،وهو معنى قوله {ثم يبعثكم فيه ليُقضى أجل مسمى} وقوله تعالى {ثم إليه مرجعكم} ل
محالة وذلك بعد نهاية الجل{ ،ثم ينبئكم} بعلمه {بما كنتم تعملون} من خير وشر ويجازيكم بذلك
وهو خير الفاصلين .وفي الية الثالثة يخبر تعالى عن نفسه أيضا تقريرا لعظيم سلطانه الموجب
له بالعبادة والرغبة والرهبة إذ قال مخبرا عن نفسه {وهو القاهر فوق عباده} ،ذو القهر التام
__________
1روى البخاري عن ابن عمر رضي ال عنهما عن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :مفاتيح
الغيب خمس ل يعلمها إلّ ال :ل يعلم ما تغيض الرحام إل ال ،ول يعلم ما في غد إل ال ول
يعلم متى يأتي المطر أحد إل ال ،ول تدري نفس بأي أرض تموت إل ال ول يعلم متى تقوم
الساعة إل ال" ولذا قال صلى ال عليه وسلم" :من أتى عرّافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلة
أربعين ليلة" والعرّاف الحازي والمنجم الذي يدعي علم الغيب ،والمهنة :العرافة ،وصاحبها
عَرّاف .وفي مسلم عن عائشة أنها قالت سأل رسول ال أناس عن الكهانة فقال" :ليست بشيء.
فقالوا يا رسول ال انهم يحدّثون أحيانا بشيء فيكون حقا فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم تلك
الكلمة الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليّه قرّ الدجاجة فيخلطون معها مائة كذبة".
2روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي ال عنها قالت :من زعم أن رسول ال صلى ال
عليه وسلم يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على ال الفرية ،وال تعالى يقول{ :قل ل يعلم من في
السموات والرض الغيب إل ال}.
3يطلق لفظ الرطب على الماء وما ينبت والحيّ ،ولسان المؤمن ،واليابس على ضد ذلك كالياس
والتراب ومال ينبت ،ولسان الكافر لنّه ل يذكر ال تعالى.
4التوفي :استيفاء الشيء ،وتوفي الميت :استوفى عدد أيام عمره ،والنائم كأنه استوفى حركاته في
اليقظة ،والوفاة :الموت ،واستوفى دينه :أخذه كاملً.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )2/70
والسلطان الكامل على الخلق أجمعين {ويرسل عليكم} أيها الناس {حفظة }1بالليل والنهار يكتبون
أعمالكم وتحفظ لكم لتجزوا بها {حتى إذا جاء أحدكم الموت} لنقضاء أجله {توفته رسلنا} ملك
الموت وأعوانه{ ،وهم ل يفرطون} أي ل يضيعون ول يقصرون وأخيرا يقول تعالى مخبرا
بالمر العظيم إنه الوقوف بين يدي الرب تعالى المولى الحق الذي يجب أن يعبد دون سواه ،وقد
كفره أكثر الناس وعصوه ،وفسقوا عن أمره وتركوا طاعته وأدهى من ذلك عبدوا غيره من
مخلوقاته فكيف يكون حسابهم والحكم عليهم؟ وال يقول{ :ثم ردوا إلى ال مولهم الحق أل له
الحكم وهو أسرع الحاسبين .}2
هداية اليات
من هداية اليات:
-1بيان مظاهر القدرة والعلم والحكمة ل تعالى.
-2استئثار ال تعالى بعلم الغيب.
-3كتاب المقادير حوى كل شيء حتى سقوط الورقة من الشجرة وعلم ال بذلك.
-4صحة إطلق الوفاة على النوم ،وبهذا فسر قوله تعالى لعيسى إني متوفيك.
- 5تقرير مبدأ المعاد والحساب والجزاء.
خفْيَةً لّئِنْ أَنجَانَا مِنْ َه ِذهِ لَ َنكُونَنّ مِنَ
ُقلْ مَن يُ َنجّيكُم مّن ظُُلمَاتِ الْبَ ّر وَالْبَحْرِ َتدْعُونَهُ َتضَرّعا وَ ُ
الشّاكِرِينَ(ُ )63قلِ اللّهُ يُ َنجّيكُم مّ ْنهَا َومِن ُكلّ كَ ْربٍ ثُمّ أَنتُمْ تُشْ ِركُونَ(ُ )64قلْ ُهوَ ا ْلقَادِرُ عَلَى أَن
ضكُم
سكُمْ شِيَعا وَيُذِيقَ َب ْع َ
حتِ أَرْجُِل ُكمْ َأوْ يَلْبِ َ
يَ ْب َعثَ عَلَ ْي ُكمْ عَذَابًا مّن َف ْوقِكُمْ َأوْ مِن َت ْ
__________
1الحفظة :جمع حافظ كالكتبة جمع كاتب ،والمراد هنا :الملئكة الكرام الكاتبون وهم أربعة:
ملكان بالليل ،وملكان بالنهار ،وخامس ل يفارق أبدا.
{ 2أسرع الحاسبين} أي :ل يحتاج إلى فكرة وروية ول عقد يدٍ.
( )2/71
ستُ
بَأْسَ َب ْعضٍ انظُرْ كَيْفَ ُنصَ ّرفُ اليَاتِ َلعَّلهُمْ َيفْ َقهُونَ(َ )65وكَ ّذبَ بِهِ َق ْو ُمكَ وَ ُهوَ ا ْلحَقّ قُل لّ ْ
س ْوفَ َتعَْلمُونَ()67
عَلَ ْيكُم ِب َوكِيلٍ(ّ )66ل ُكلّ نَبَإٍ مّسْ َتقَ ّر وَ َ
شرح الكلمات:
ينجيكم :يخلصكم مما تخافون.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تضرعا وخفية :التضرع :الدعاء بتذلل وخفية بدون جهر بالدعاء.
من هذه :أي الهلكة.
من الشاكرين :المعترفين بفضلك الحامدين لك على فعلك.
كرب :الكرب :الشدّة الموجبة للحزن وألم الجسم والنفس.
تشركون :أي به تعالى بدعائهم أصنامهم وتقربهم إليها بالذبائح.
من فوقكم :كالصواعق ونحوها.
من تحت أرجلكم :كالزلزال والخسف ونحوها.
أو يلبسكم شيعا :أي يخلط عليكم أمركم فتختلفون شيعا وأحزابا.
ويذيق بعضكم بأس بعض :أي يقتل بعضكم بعضا فتذيق كل طائفة الخرى ألم الحرب.
يفقهون :معاني ما نقول لهم.
وكذب به قومك :أي قريش.
الوكيل :صن يوكل إليه الشيء أو المر يدبره.
لكل نبأ مستقر :المستقر :موضع الستقرار والنبأ :الخبر العظيم.
معنى اليات:
ما زال السياق مع المشركين العادلين بربهم فيقول ال تعالى لرسوله قل لهم{ :من ينجيكم من
ظلمات البر 1والبحر} إذا ضل أحدكم طريقه في الصحراء ودخل عليه ظلم الليل ،أو
__________
1ظلمات البر والبحر :كناية عن شدائدهما ،يقال :يوم مظلم أي :شديد ،وتقول العرب :يوم ذو
كواكب وأنشد سيبويه.
بني أسد هل تعلمون بلدنا ...إذا كان يوم ذو كواكب أشنعا
وجمع الظلمات لتعددها إذ هي ظلمة البر وظلمة البحر وظلمة الليل وظلمة الغيم.
( )2/72
ركب البحر فغشيته ظلمة السحاب والليل والبحر واضطربت نفسه من الخوف يدعو من؟ إنه
يدعو ال وحده لعلمه أنه ل ينجيه إل هو يدعوه ويتضرع إليه جهرا وسرا قائلً وعزتك لئن
أنجيتنا من هذه الهلكة التي حاقت بنا لنكونن من الشاكرين لك .ثم إذا نجاكم استجابة لدعائكم
وأمنتم المخاوف عدتم فجأة إلى الشرك به بدعاء غيره .هذا ما دلت عليه الية الولى ({ )63قل
من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية ،لئن أنجانا من هذه لنكونن من
الشاكرين} ،وفي الية الثانية ( )64يأمر ال تعالى رسوله أن يقول لهم جوابا لقوله من ينجيكم
{:ال ينجيكم منها }1أي من تلك الحالة التي اضطربت لها نفوسكم وخشيتم فيها الهلك وينجيكم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أيضا من كل كرب ،2ثم مع هذا يا للعجب أنتم تشركون 3به تعالى أصنامكم .قل لهم يا رسولنا
أن ال الذي ينجيكم من كل كرب هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من السماء فوقكم ،4أو
من الرض تحتكم ،أو يخلط عليكم أمركم فتتنازعوا فتختلفوا فتصبحوا شيعا وطوائف وفرقا
متعادية يقتل بعضكم بعضا ،فيذيق بعضكم بأس بعض ،ثم قال ال تعالى لرسوله انظر يا رسولنا
كيف نفصل اليات بتنويع الكلم وتوضيح معانيه رجاء أن يفقهوا معنى ما نقول لهم فيهتدوا إلى
الحق فيؤمنوا بال وحده ويؤمنوا بلقائه وبرسوله وما جاء به فيكملوا ويسعدوا وفي الية ()65
يخبر تعالى بواقع القوم :أنهم كذبوا بهذا القرآن وما أخبرهم به من الوعيد الشديد وهو الحق الذي
ليس بباطل ول يأتيه الباطل ،ويأمر رسوله أن يقول لهم بعد تكذيبهم له {لست عليكم بوكيل}
فأخاف من تبعة عدم إيمانكم وتوحيدكم {لكل نبأ مستقر }5وقد أنبأتكم بالعذاب على تكذيبكم
وشرككم {وسوف تعلمون} ذلك يوم يحل بكم وقد استقر نبأه يوم بدر والحمد ل.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1ل برهان أعظم على بطلن الشرك من أن المشركين يخلصون الدعاء ل تعالى في الشدة.
__________
1قرئ{ :ينجّيكم} بالتشديد ،و {ينجيكم} بالتخفيف ،والمعنى واحد والفعل :يقال نجّاه من كذا وأنجاه
من كذا.
2الكرب :الغمّ يأخذ النفس ويقال فيه :رجل مكروب ،والكربة مأخوذة منه.
3هذه الجملة تحمل لهم التقريع والتوبيخ أي :ومع هذا النجاء الذي يحصل لكم من ربكم إذا أنتم
مشركون يا للوقاحة والدناءة ،وإلّ فهم مشركون من قبل.
4من فوقكم كالحجارة ،والطوفان والصواعق ومن تحتكم كالخسف والرجفة.
{ 5لكل نبأ} أي :خبر مستقر أي وقت يقع فيه مضمونه فل يتقدّم ول يتأخر.
( )2/73
( )2/74
( )2/75
أما الثالثة ( )70فإن ال تعالى يأمر رسوله أن يترك الذين اتخذوا دينهم الحق الذي جاءهم به
رسول الحق لعبا ولهوا يلعبون به أو يسخرون منه ويستهزئون به وغرتهم الحياة الدنيا قال
تعالى{ :وذر الذين اتخذوا دينهم 1لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا} اتركهم فل يهمك أمرهم وفي
هذا تهديد لهم على ما هم عليه من الكفر والسخرية والستهزاء ،وقد أخبر تعالى في سورة الحجر
أنه كفاه أمرهم إذ قال {إنا كفيناك المستهزئين} ،وقوله تعالى {وذكر به} أي بالقرآن {أن تبسل
نفس} أي كي ل تبسل { 2بما كسبت} أي كي ل تسلم نفس للعذاب بما كسبت من الشرك
والمعاصي{ ،ليس لها} يوم تسلم للعذاب {من دون ال ولي} يتولى خلصها{ ،ول شفيع} يشفع لها
فينجيها من عذاب النار {وإن تعدل كل 3عدل ل يؤخذ منها} أي وإن تقدم ما أمكنها حتى ولو
كان ملء الرض ذهبا فداء لها لما نفعها ذلك ولما نجت من النار ،ثم قال تعالى{ :أولئك الذين
أبلسوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم} أبلسوا :أسِْلمُوا وأخذوا إلى جهنم بما كسبوا
من الذنوب والثام لهم في جهنم شراب من ماء حميم حار وعذاب موجع اليم .وذلك بسبب كفرهم
بال وآياته ورسوله حيث نتج عن ذلك خبث أرواحهم فما أصبح يلئم وصفهم إل عذاب النار قال
تعالى من هذه السورة سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم.
هداية اليات
من هداية اليات:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-1حرمة الجلوس في مجالس يسخر فيها من السلم وشرائعه وأحكامه وأهله.
-2وجوب القيام احتجاجا من أي مجلس يعصى فيه ال ورسوله.
-3مشروعية العراض في حال الضعف عن المستهزئين بالسلم الذين غرتهم الحياة الدنيا من
أهل القوة والسلطان وحسب المؤمن أن يعرض عنهم فل يفرح بهم ول يضحك لهم.
__________
1اختلف في الدين الذي اتخذه المشركون لهوا ولعبا ،والظاهر أنّه السلم الذي جاءهم الرسول
صلى ال عليه وسلم به إذ ل دين ل سواه وبعث ال تعالى إليهم رسوله به فهو دينهم ومع السف
رفضوه واتخذوه لهوا ولعبا يسخرون ويستهزئوا به.
2قال القرطبي تبسل أي ترتهن وتسلم للهلكة عن مجاهد وقتادة والحسن وعكرمة والبسال تسليم
المرء للهلك .قال الشاعر:
وابسالي بنيّ بغير جرم ...بعوناه ول بدم مراق
ومعنى بعوناه جنيناه .والشاهد في قوله وإبسالي بني حيث أسلم بنيه للهلك.
3العدل الفداء أو الفدية.
( )2/76
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الصور :بوق كالقرن ينفخ فيه إسرافيل عليه السلم.
الحكيم :في أفعاله الخبير بأحوال عباده.
( )2/77
معنى اليات:
يدل السياق على أن عرضا من المشركين كان لبعض المؤمنين لن يعبدوا معهم آلهتهم فأمر ال
تعالى رسوله أن يرد عليهم عرضهم الرخيص منكرا عليهم ذلك أشد النكار {قل أندعوا من دون
ال} ،الستفهام للنكار{ ،ما ل ينفعنا} إن عبدناه{ ،ول يضرنا} إن تركنا عبادته وبذلك نصبح وقد
رددنا على أعقابنا 1من التوحيد إلى الشرك بعد إذ هدانا ال إلى اليمان به ومعرفته ومعرفة
دينه ،ويكون حالنا كحال من أضلته الشياطين في الصحراء فتاه فيها فل يدرى أين يذهب ول أين
يجيئ{ ،وله أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا} وهو ل يقدر على إجابتهم ول التيان إليهم لشدة ما
فعل استهواء 2الشياطين في عقله .ثم أمره أن يقول أيضا قل إن الهدى الحق الذي ل ضلل ول
خسران فيه هدى ال الذي هدانا إليه أل إنه السلم ،وقد أمرنا ربنا أن نسلم 3له قلوبنا ووجوهنا
لنه رب العالمين فأسلمنا ،كما أمرنا أن نقيم الصلة فأقمناها وأن نتقيه فاتقيناه وأعلمنا أنا سنحشر
إليه يوم القيامة فصدقناه في ذلك نم هدانا فلن نرجع بعد إلى الضللة .هذا ما تضمنته اليتان
الولى والثانية أما الثالثة ( )73فقد تضمنت تمجيد الرب بذكر مظاهر قدرته وعلمه وعدله فقال
تعالى{ :وهو} أي ال رب العالمين الذي أمرنا أن نسلم له فأسلمنا {الذي خلق السموات والرض
بالحق }4فلم يخلقهما عبثا وباطلً بل خلقهما ليذكر فيهما ويشكر ،ويوم يقول لما أراد إيجاده أو
إعدامه أو تبديله كن فهو يكون كما أراد في قوله الحق دائما {وله الملك يوم 5ينفخ في الصور}6
نفخة الفناء فل يبقى شيء إل هو الواحد القهار فيقول جل ذكره {لمن الملك اليوم} فل
__________
1أي نرجع من الهدي إلى الضلل .والعقاب جمع عقب وهي مؤنثه فتصغر على عقبيه .ويقال
رجع على عقبيه إذا أدبر وأصابه من العاقبة والعقبى من ذلك عقب الرجل ومنه العقوبة لنها
تالية للترتيب وتكون نسبية.
2استهوته بمعنى استغوته وزينت له هواه ودعته إليه فهو إذا من هوى يهوى من هوى النفس
وليس هو يهوى إلى الشيء إذا أسرع إليه والحيران هو الذي ل يهتدي لجهله.
3الية وأمرنا لنسلم ومعناها أمرنا بأن نسلم تقول العرب أمرتك لتذهب وبأن تذهب بمعنى واحد
واللمات أربع :لم الجر ،لم البتداء ،لم التوكيد ،ولم المر.
4قال القرطبي :ومعنى {بالحق} أي بكلمة الحق يعني قوله {كن} وهو كما قال إل أن القول أن
ح ْكمَةٍ أي لم يخلقها لهوا أو لعبا هذا أوضح وأهم كما هو في التفسير.
بالحق بمعنى ب ِ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
5من أخطاء الناس قول من قال الصور جمع صورة ومعناه ينفخ في الصور فتتم الحياة وهذا
يتنافى مع الحاديث الصحاح ومع سياق الية .إذ قال ثم نفخ فيه أخرى أي مرة أخرى ولم يقل
فيها أي في الصور فأين معنى الصورة هنا؟
6الصور القرن والنافخ فيه إسرافيل عليه السلم والمراد بالنفخة هنا نفخة الفناء والنفخة التالية
لها نفخة البعث وهناك نفخة الصعقة وهم في ساحة القضاء ونفخة رابعة وهي التي يقومون فيها
لفصل القضاء.
( )2/78
يجيبه أحد فيجيب نفسه بنفسه قائل{ :ل الواحد القهار} {عالم الغيب والشهادة} أي يعلم ما غاب في
خزائن الغيب عن كل أحد ،ويعلم الشهادة والحضور ل يخفي عليه أحد وهو الحكيم في تصرفاته
وسائر أفعاله وتدابيره لمخلوقاته الخبير ببواطن المور وظواهرها ل يخفى عليه شيء في
الرض ول في السماء بهذا كان المعبود الحق الذي ل يجوز أن يعبد سواه بأي عبادة من
العبادات التي شرعها سبحانه وتعالى ل ُيعْبَد بها.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1قبح الردة وسوء عاقبتها.
-2حرمة إجابة أهل الباطل لما يدعون إليه من الباطل.
-3ل هدى إل هدى ال تعالى أي ل دين إل السلم.
-4وجوب السلم ل تعالى وإقامة الصلة واتقاء ال تعالى بفعل المأمور وترك المنهي.
-5تقرير المعاد والحساب والجزاء.
للٍ مّبِينٍ(َ )74وكَذَِلكَ نُرِي
ك َو َق ْو َمكَ فِي ضَ َ
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِي ُم لَبِيهِ آزَرَ أَتَتّخِذُ َأصْنَامًا آِلهَةً إِنّي أَرَا َ
ض وَلِ َيكُونَ مِنَ ا ْلمُوقِنِينَ( )75فََلمّا جَنّ عَلَيْهِ اللّ ْيلُ رَأَى َك ْوكَبًا قَالَ
ت وَالَرْ ِ
سمَاوَا ِ
إِبْرَاهِيمَ مََلكُوتَ ال ّ
ب الفِلِينَ( )76فََلمّا رَأَى ا ْل َقمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبّي فََلمّا َأ َفلَ قَالَ لَئِن لّمْ
ح ّ
هَذَا رَبّي فََلمّا َأ َفلَ قَالَ ل أُ ِ
شمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبّي هَذَآ َأكْبَرُ فََلمّا
َيهْدِنِي رَبّي لكُونَنّ مِنَ ا ْل َقوْمِ الضّالّينَ( )77فََلمّا رَأَى ال ّ
َأفََلتْ قَالَ يَا َقوْمِ إِنّي بَرِيءٌ ّممّا تُشْ ِركُونَ()78
( )2/79
( )2/80
ملكوت 1السموات} والرض أي كما أريناه الحق في بطلن عبادة أبيه للصنام نريه أيضا
مظاهر قدرتنا وعلمنا وحكمنا الموجبة للوهيتنا في ملك السموات والرض ،ليكون بذلك من
جملة الموقنين ،واليقين من أعلى مراتب اليمان .هذا ما دلت عليه الية الثانية وفي الثالثة ()76
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فصّل ال تعالى ما أجمله في قوله {نري إبراهيم ملكوت السموات والرض} فقال تعالى{ :فلما
جن عليه الليل} أي أظلم {رأى كوكبا} قد يكون الزهرة {قال هذا ربي 2فلما أفل} أي غاب
الكوكب {قال ل أحب الفلين}{ ،فلما رأى القمر 3بازغا} أي طالعا {قال هذا ربي ،فلما أفل} أي
غاب {قال لئن لم يهدني ربي لكونن من القوم الضالين} ،في معرفة ربهم الحق{ .فلما رأى
الشمس بازغة} أي طالعة {قال هذا ربي 4هذا أكبر} يعني من الكوكب والقمر {فلما أفلت }5أي
غابت بدخول الليل {قال يا قوم إني بريء مما تشركون} .هكذا واجه إبراهيم قومه عبدة الكواكب
التي تمثلها أصنام منحوتة واجههم بالحقيقة التي أراد أن يصل إليها معهم وهي إبطال عبادة غير
ال تعالى فقال {إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والرض حنيفا} ل كما توجهون أنتم
وجوهكم لصنام نحتموها بأيديكم وعبدتموها بأهوائكم ل بأمر ربكم ،وأعلن براءته في وضوح
وصراحة :فقال{ :وما أنا من المشركين}.6
هداية اليات
من هداية اليات :
-1إنكار الشرك على أهله ،وعدم إقرارهم ولو كانوا أقرب الناس إلى المرء.
-2فضل ال تعالى وتفضله على من يشاء بالهداية الموصلة إلى أعلى درجاتها.
__________
1الملكوت الملك زيدت فيه الواو والتاء للمبالغة في الصفة ،ومثله الرغبوت والرهبوت
والجبروت من الرغبة والرهبة والجبر قيل كشف له تعالى عن السموات والرض حتى رأى
العرش وأسفل الرضين.
2قوله هذا ربي في المواضع كلها في السياق ليس هو على ظاهره أبدا .بل هو تدرج بهم إلى
الوصول إلى الحقيقة وهو إنه ل إله إل ال فقوله :هذا ربي أي على قولكم أو زعمكم وهو كقوله
تعالى أين شركائي كما زعمتم أو على قولكم وإل فال تعالى يعلم أنه ل شريك له أبدا أو هو على
حذف حرف الستفهام أي أهو ربي؟ نحو أفإن مت فهم الخالدون أي أفهم الخالدون؟.
3بزغ القمر إذا بدأ في الطلوع وأصل البزغ الشق فالقمر يشق الظلم بنوره ومن بزغ البيطار
الدابة إذا أسال دمها .ومنه البزاغ وهو ما يسيل من الفم.
4هذا ربي أي هذا الطالع ربي وإلّ فالشمس مؤنثة وقد قال فيها بازغة.
5أفل يأفل أفولً إذا غاب.
6في أنا ثلث لغات أنّ وأنه ،وأنا وهي متعينة في الوقف (أنا).
( )2/81
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-3مطلب اليقين وأنه من أشرف المطالب وأعزها ،ويتم بالتفكر والنظر في اليات.
-4الستدلل بالحدوث على وجود الصانع الحكيم وهو ال عز وجل.
-5سنة التدرج في التربية والتعليم.
-6وجوب البراءة من الشرك وأهله.
وَحَآجّهُ َق ْومُهُ قَالَ أَتُحَاجّونّي فِي اللّ ِه َوقَدْ هَدَانِ وَلَ َأخَافُ مَا ُتشْ ِركُونَ ِبهِ ِإلّ أَن يَشَاء رَبّي شَيْئًا
شيْءٍ عِ ْلمًا َأفَلَ تَ َت َذكّرُونَ(َ )80وكَيْفَ َأخَافُ مَا َأشْ َركْتُ ْم َولَ تَخَافُونَ أَ ّنكُمْ َأشْ َركْتُم
وَسِعَ رَبّي ُكلّ َ
لمْنِ إِن كُن ُتمْ َتعَْلمُونَ( )81الّذِينَ آمَنُو ْا وَلَمْ
بِاللّهِ مَا َلمْ يُنَ ّزلْ بِهِ عَلَ ْي ُكمْ سُ ْلطَانًا فََأيّ ا ْلفَرِيقَيْنِ َأحَقّ بِا َ
حجّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى َق ْومِهِ
لمْنُ وَهُم ّمهْتَدُونَ( )82وَتِ ْلكَ ُ
يَلْبِسُواْ إِيمَا َنهُم ِبظُلْمٍ ُأوْلَ ِئكَ َل ُه ُم ا َ
حكِيمٌ عَلِيمٌ()83
نَ ْرفَعُ دَ َرجَاتٍ مّن نّشَاء إِنّ رَ ّبكَ َ
شرح الكلمات:
حاجه قومه :جادلوه وحاولوا غلبة بالحجة ،والحجة :البينة والدليل القوي.
أتحآجّوني في ال :أتجادلونني في توحيد ال وقد هداني إليه ،فكيف أتركه وأنا منه على بينة.
سلطانا :حجة وبرهانا.
( )2/82
( )2/83
المن} أي في الدنيا والخرة {وهم مهتدون} في حياتهم إلى طريق سعادتهم وكمالهم وهو السلم
الصحيح ثم قال تعالى{ :وتلك 1حجتنا آتيناها إبراهيم عل قومه} إشارة إلى ما سبق من محاجة
إبراهيم قومه ودحض باطلهم وإقامة الحجة عليهم .وقوله {نرفع درجات من نشاء} تقرير لما
فضّل به إبراهيم على غيره من اليمان واليقين والعلم المبين .ثم علل تعالى لذلك بقوله{ :إن ربك
حكيم عليم} .حكيم في تدبيره عليم بخلقه.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1مشروعية جدال المبطلين والمشركين لقامة الحجة عليهم علهم يهتدون.
-2بيان ضلل عقول أهل الشرك في كل زمان ومكان.
-3التعجب من حال مذنب ل يخاف عاقبة ذنوبه.
-4أحق العباد بالمن من الخوف من آمن بال ولم يشرك به شيئا.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-5تقرير معنى {ال ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور}.
سلَ ْيمَانَ وَأَيّوبَ
سحَقَ وَ َيعْقُوبَ كُلّ َهدَيْنَا وَنُوحًا َهدَيْنَا مِن قَ ْبلُ َومِن ذُرّيّتِهِ دَاوُو َد وَ ُ
َووَهَبْنَا لَهُ إِ ْ
ن َوكَذَِلكَ َنجْزِي ا ْلمُحْسِنِينَ( )84وَ َزكَرِيّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ ُكلّ مّنَ
ف َومُوسَى وَهَارُو َ
وَيُوسُ َ
ل فضّلْنَا عَلَى ا ْلعَاَلمِينَ(َ )86ومِنْ آبَا ِئهِمْ
س وَلُوطًا َوكُ ّ
ل وَالْيَسَعَ وَيُونُ َ
سمَاعِي َ
الصّالِحِينَ( )85وَإِ ْ
خوَا ِنهِمْ وَاجْتَبَيْنَا ُه ْم وَهَدَيْنَا ُهمْ إِلَى صِرَاطٍ مّسْ َتقِيمٍ()87
وَذُرّيّا ِتهِ ْم وَإِ ْ
__________
1ما هي تلك الحجة؟ هل هي جميع احتياجاته التي حاجهم بها فغلبهم وهذا هو الظاهر ،وقيل هي
قوله لهم :أما تخاف أن تخبلك آلهتنا لسبك إياها :قال لهم أفل تخافون أنتم منها إذ سويتم بين
الصغير والكبير في العبادة والتعظيم فيغضب الكبير فيخبلكم.
( )2/84
شرح الكلمات:
وهبنا له :أعطيناه تكرما منا وإفضال.
اسحق ويعقوب :إسحاق بن إبراهيم الخليل ويعقوب ولد إسحاق ويلقب بإسرائيل.
كل هدينا :أي كل واحد منهما هداه إلى صراطه المستقيم.
ومن ذريته :أي ذرية إبراهيم.
داود وسليمان :داود الوالد وسليمان الولد وكل منهما ملك ورسول.
وزكريا ويحيى :زكريا الوالد ويحيى الولد وكل منهما كان نبيا رسول.
على العالمين :أي عالمي زمانهم ل على الطلق ،لن محمدا صلى ال عليه وسلم أفضل
النبياء.
ومن ذرياتهم :أي من بعض الباء والذرية والخوة ل الجميع.
اجتبيناهم :اخترناهم للنبوة والرسالة وهديناهم إلى السلم.
معنى اليات:
بعد أن ذكر تعالى ما آتى إبراهيم خليله من قوة الحجة والغلبة على أعدائه ذكر منّة أخرى منّ بها
عليه وهي أنه 1وهبه اسحق ويعقوب بعد كبر سنه ،اسحق الولد ويعقوب الحفيد وأنه تعالى هدى
كلً منهم الوالد والولد والحفيد ،كما أخبر تعالى أنه هدى من قبلهم نوحا ،وهدى من ذريته 2أي
إبراهيم ،وإن كان الكل من ذرية نوح ،أي هدى من ذرية إبراهيم داود وسليمان وأيوب ويوسف
وموسى وهرون ،3وأشار تعالى إلى أنهم كانوا محسنين ،فجزاهم جزاء المحسنين والحسان هو
الخلص في العمل وأداؤه على الوجه الذي يرضي الرب تبارك وتعالى مع الحسان العام لسائر
المخلوقات بما يخالف الساءة إليهم في القول والعمل .هذا ما دلت عليه الية الولى ( )84وأما
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الية الثانية ( )85فقد ذكر تعالى أنه هدى كذلك إلى حمل رسالته والدعوة إليه والقيام بواجباته
وتكاليف شرعه كلً من زكريا ويحيى وعيسى وإلياس ،وأخبر أن كل واحد منهم كان من
الصالحين الذين يؤدون حقوق ال كاملة وحقوق
__________
1أي جزاء صبره وحجاجه وبذله نفسه في سبيل نصرّة دين ربه كافأه ال عز وجل بأن وهبه
من الذرية الصالحة.
2يصح عود الضمير على نوح كما يصح عوده على إبراهيم قاله غير واحد من أهل التفسير لن
ذكرها قد م ّر معا.
3قال ابن عباس :هؤلء النبياء جميعا مضافون إلى ذرية إبراهيم وإن كان منهم من لم تلحقه
ولدة من جهته ل من جهة الب ول الم لن لوطا ابن أخ إبراهيم وعُدّ عيسى من ذريته وهو
ابن البنت من هنا ذهب الشافعي وأبو حنيفة إلى أن من وقف وقفا على ولده وولد ولده دخل فيه
ولد بناته لن لفظ الولد يشمل الذكر والنثى كما يشمل عيسى عليه السلم وهو ولد البنت ل غير.
( )2/85
عباده كذلك كاملة غير ناقصة وكانت المجموعة الولى داود وسليمان ومن ذكر بعدهما الصفة
الغالبة عليهم الحسان لنه كان فيهم ملك وسلطان ودولة ،والمجموعة الثانية وهي زكريا ويحيى
وعيسى وإلياس الصفة الغالية عليهم الصلح لنهم كانوا أهل زهد في الدنيا وأعراضها،
والمجموعة الثالثة والخيرة في الية الثالثة ( )86وهم إسماعيل واليسع ويونس ولوط لم يغلب
عليهم وصف مما وصف به المجموعتان الولى والثانية ،لنهم وسط بين المجموعتين ،فذكر
تعالى أن كل واحد منهم فضله على عالمي زمانه ،وكفى بذلك شرفا وكرما وخيرا .وأما الية
الخيرة ( )87فإن ال تعالى يقول فيها ،ومن آباء المذكورين من النبياء ومن ذرياتهم 1وإخوانهم
هديناهم أيضا وإن لم نذكر أسماءهم فهم كثير هديناهم إلى ما هدينا إليه آباءهم من الحق والدين
الخالص الذي ل شائبة شرك فيه ،واجتبينا 2الجميع اخترناهم للنبوة والرسالة { 3وهديناهم إلى
صراط مستقيم} وهو الدين السلمي.
هداية اليات
هن هداية اليات:
-1سعة فضل ال.
2خير ما يعطى المرء في هذه الحياة الهداية إلى صراط مستقيم.
-3فضيلة كل من الحسان والصلح.
-4ل منافاة بين الملك والنبوة أو المارة والصلح.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-5فضيلة الزهد في الدنيا ،والرغبة في الخرة.
ذَِلكَ ُهدَى اللّهِ َيهْدِي بِهِ مَن َيشَاء مِنْ عِبَا ِد ِه وََلوْ َأشْ َركُواْ لَحَ ِبطَ عَ ْنهُم مّا كَانُواْ
__________
1من للتبعيض أي هدى بعض أبنائهم وبعض ذرياتهم ولم يهد كل أب وكل ولد.
2الجتباء مشتق من جبيت الماء في الحوض جمعته فالجتباء اختيار الشخص وضمه إلى
خاصتك من الناس ،والجبا مقصور مصدر جبيت الماء والجابية الحوض.
ل وبقى سبعة ذكروا في سورٍ أخرى وهم إدريس
3ذكر تعالى في هذه اليات ثمانية عشر رسو ً
وهود وصالح وشعيب وذو الكفل وآدم عليهم السلم وقد نظمهم البعض في ثلثة أبيات من الشعر
هي:
حتم على كل ذي التكليف معرفة ...بأنبياء على التفصيل قد عرفوا
في تلك حجتنا منهم ثمانية ...من بعد عشر ويبقى سبعة وهم
إدريس هود شعيب صالح وكذا ...
ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا
( )2/86
ح ْك َم وَالنّ ُب ّوةَ فَإِن َي ْكفُرْ ِبهَا َهؤُلء َفقَ ْد َوكّلْنَا ِبهَا َق ْومًا
ب وَالْ ُ
َي ْعمَلُونَ(ُ )88أوْلَ ِئكَ الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ا ْلكِتَا َ
لّيْسُواْ ِبهَا ِبكَافِرِينَ(ُ )89أوْلَ ِئكَ الّذِينَ َهدَى اللّهُ فَ ِبهُدَاهُمُ اقْ َت ِدهْ قُل لّ َأسْأَُلكُمْ عَلَ ْيهِ أَجْرًا إِنْ ُهوَ ِإلّ
ِذكْرَى لِ ْلعَاَلمِينَ()90
شرح الكلمات:
هدى ال :الهدى ضد الضلل ،وهدى ال ما يهدى إليه من أحب من عباده وهو اليمان
والستقامة.
حبط عنهم ما كانوا يعملون :أي بطلت أعمالهم فلم يثابوا عليها بقليل ول كثير.
الحكم :الفهم للكتاب مع الصابة في المور والسداد فيها.
يكفر بها هؤلء :يجحد بها أي بدعوتك السلمية هؤلء :أي أهل مكة.
قوما ليسوا بها بكافرين :هم المهاجرون والنصار بالمدينة النبوية.
اقتده :اقتد :أي اتبع وزيدت الهاء للسكت.
عليه أجرا :أي على إبلغ دعوة السلم ثمنا مقابل البلغ.
ذكرى :الذكرى :ما يذكر به الغافل والناسي فيتعظ.
معنى اليات:
ما زال السياق في ذكر ما وهب ال تعالى لمن شاء من عباده من هدايات وكمالت ل يقدر على
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عطائها إل هو فقال ذلك في الية الولى ( )88ذلك المشار إليه ما وهبه أولئك الرسل الثمانية
عشر رسولً وهداهم إليه من النبوة والدين الحق هو هدى ال يهدي به من يشاء من عباده .وقوله
تعالى{ :ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون }1يقرر به حقيقة علمية ،وهي أنّ الشرك محبط
للعمل فإن أولئك الرسل على كمالهم وعلو درجاتهم لو أشركوا بربهم سواه فعبدوا معه غيره لبطل
كل عمل عملوه ،وهذا من باب الفتراض ،وإل فالرسل معصومون
__________
1حبوط العمل بطلنه وقد عصم ال تعالى أنبياءه من الشرك فلذا لم تحبط ولم تبطل أعمالهم.
( )2/87
ولكن ليكون هذا عظة وعبرة للناس .هذا ما دلت عليه الية الولى أما الثانية ( )89فقد أشاد ال
تعالى بأولئك الرسل السابقي الذكر مخبرا أنهم هم الذين آتاهم الكتاب وهي صحف إبراهيم وتوراة
موسى وزبور داوود وإنجيل عيسى والحكم 1وهو الفهم والصابة والسداد في المور كلها .ثم
قال تعالى فإن يكفر بهذه اليات القرآنية وما تحمله من شرائع وأحكام وهداية السلم {إن يكفر
بها هؤلء} من أهل مكة {فقد وكلنا بها قوما} من قبل وهم الرسل المذكورون في هذا السياق
وقوما هم موجودون وهم المهاجرون والنصار من أهل المدينة ،ومن يأتي بعد من سائر البلد
والقطار وقوله تعالى{ :أولئك الذين هدى ال فبهداهم 2اقتده} ،يأمر رسوله صلى ال عليه وسلم
أن يقتدي بأولئك النبياء المرسلين 3في كمالتهم كلها حتى يجمع صلى ال عليه وسلم كل كمال
فيهم فيصبح بذلك أكملهم على الطلق .وكذلك كان ،وقوله تعالى في ختام الية الكريمة{ :قل ل
أسألكم عليه 4أجرا} يأمره تعالى أن يقول لولئك العادلين بربهم الصنام والوثان المكذبين بنبوته
وكتابه :ما أسألكم على القرآن الذي أمرت أن أقرأه عليكم لهدايتكم أجرا أي مالً مقابل تبليغه
إياكم {إن هو إل ذكرى للعالمين} أي ما القرآن إل موعظة للعالمين يتعظون بها إن هم القوا
أسماعهم وتجردوا من أهوائهم وأرادوا الهداية ورغبوا فيها.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1الشرك محبط للعمل كالردة والعياذ بال تعالى.
-2فضل الكتاب الكريم والسنة النبوية.
-3وجوب القتداء بالرسول صلى ال عليه وسلم وأهل العلم والصلح من هذه المة.
-4حرمة أخذ الجرة على تبليغ الدعوة السلمية.
__________
1قال القرطبي :والحكم العلم والفقه وهو كذلك إل أن ما في التفسير أوسع وأولى بالعتماد عليه.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
2قال القرطبي :القتداء طلب موافقة الغير في فعله .وقال :قد احتج بعض العلماء بهذه الية علي
وجوب إتباع شرائع النبياء فيما عدم فيه النص واستدلوا بحديث مسلم في حادثة الرُبيع إذ أمر
الرسول بكسر سنها محتجا بآية {والسن بالسن} وهو من أحكام بني إسرائيل ولم يوجد في القرآن
غيره.
3روى البخاري عن العوام قال سألت مجاهدا عن سجدة {ص} فقال سألت ابن عباس عن سجدة
{ص} فقال أو تقرأ {ومن ذريته داوود وسليمان} إلى قوله {أولئك هدى ال فبهداهم اقتده} وكان
داوود عليه السلم ممن أمر نبيكم عليه السلم بالقتداء بهم.
4أي جعل على القرآن.
( )2/88
-5القرآن الكريم ذكرى لكل من يقرأه أو يستمع إليه وهو شهيد حاضر القلب.
شيْءٍ ُقلْ مَنْ أَن َزلَ ا ْلكِتَابَ الّذِي جَاء
َومَا َقدَرُواْ اللّهَ حَقّ قَدْ ِرهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَن َزلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مّن َ
خفُونَ كَثِيرًا وَعُّلمْتُم مّا َلمْ َتعَْلمُواْ أَن ُتمْ
جعَلُونَهُ 1قَرَاطِيسَ تُ ْبدُو َنهَا وَتُ ْ
بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لّلنّاسِ تَ ْ
ضهِمْ يَ ْلعَبُونَ( )91وَ َهذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَا َركٌ ّمصَدّقُ الّذِي بَيْنَ
خ ْو ِ
وَلَ آبَا ُؤكُمْ ُقلِ اللّهُ ُثمّ ذَرْ ُهمْ فِي َ
علَى صَلَ ِتهِمْ ُيحَافِظُونَ(
حوَْلهَا وَالّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ بِالخِ َرةِ ُي ْؤمِنُونَ ِب ِه وَهُمْ َ
يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمّ ا ْلقُرَى َومَنْ َ
)92
شرح الكلمات:
وما قدروا ال حق قدره :ما عظموه التعظيم اللئق به ول عرفوه حق معرفته.
على بشر :أي إنسان من بني آدم.
الكتاب الذي جاء به موسى :التوراة.
قراطيس :جمع قرطاس :وهو ما يكتب عليه من ورق وغيره.
تبدونها :تظهرونها.
قل ال :هذا جواب :من أنزل الكتاب؟
ذرهم :اتركهم.
في خوضهم :أي ما يخوضون فيه من الباطل.
مبارك :أي مبارك فيه فخبره ل ينقطع ،وبركته ل تزول.
أم القرى :مكة المكرمة.
يحافظون :يؤدونها بطهارة في أوقاتها المحددة لها في جماعة المؤمنين.
معنى اليتين:
ما زال السياق مع العادلين بربهم أصنامهم وأوثانهم فقد أنكر تعالى عليهم إنكارهم للوحي
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
__________
1فسرت الية على قراءة يجعلونه بالياء وكذلك يبدون ويخفون أما على قراءة تجعلون بالتاء فإن
الخطاب يكون لليهود والسورة مكية فلذا رجح ابن جرير قراءة الياء.
( )2/89
اللهي وتكذيبهم بالقرآن الكريم إذ قالوا{ :ما أنزل ال على بشر من شيء} ،ومن هنا قال تعالى
{وما قدروا ال حق قدره} أي ما عظموه كما ينبغي تعظيمه لما قالوا{ :ما أنزل ال على بشر من
شيء} ،1ولقن رسوله الحجة فقال له قل لهم{ :من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا}
يستضاء به في معرفة الطريق إلى ال تعالى وهدى يهتدى به إلى ذلك وهو التوراة جعلها اليهود
قراطيس يبدون بعضها ويخفون بعضها حسب أهوائهم وأطماعهم ،وقوله{ :وعلمتم ما لم تعلموا
أنتم ول آباؤكم} أي وعلمكم ال بهذا القرآن من الحقائق العلمية كتوحيد ال تعالى وأسمائه
وصفاته ،والدار الخرة وما فيها من نعيم مقيم ،وعذاب أليم ،ثم أمر الرسول أن يجيب عن
السؤال الذي وجهه إليهم تبكيتا{ :قل ال } أي الذي أنزل التوراة على موسى هو ال{ .ثم ذرهم}
أي اتركهم {في خوضهم} أي في الباطل {يلعبون} 2حيث ل يحصلون من ذلك الخوض في الباطل
على أي فائدة تعود عليهم فهم كاللعبين من الطفال .هذا ما تضمنته الية الولى ( )91أما الية
الثانية ( )92فقد تضمنت أولً الرد على قول من قال{ :ما أنزل ال على بشر من شيء} أي كيف
يقال ما أنزل ال على بشر من شيء وهذا القرآن بين أيديهم يتلى عليهم أنزله ال مباركا ل ينتهي
خيره ول يقل نفعه ،مصدقا لما سبقه من الكتب كالتوراة والنجيل أنزلناه ليؤمنوا به{ ،ولتنذر أم
القرى }3أي أهلها {ومن حولها} من المدن والقرى القريبة والبعيدة لينذرهم عاقبة الكفر والضلل
فإنها الخسران التام والهلك الكامل ،وثانيا الخبار بأن الذين يؤمنون بالخرة أي بالحياة في الدار
الخرة يؤمنون 4بهذا القرآن ،وهم على صلتهم يحافظون وذلك مصداق إيمانهم وثمرته التي
يجنيها المؤمنون الصادقون.
__________
1بيان ذلك أنهم لما قالوا ما أنزل ال من شيء كانوا قد نسبوا إلى ال تعالى أنه ل يقيم الحجة
على عباده ول يأمرهم بما فيه صلحهم ول ينهاهم عما فيه خسرانهم وبهذا ما قدروا ال حق
قدره وما آمنوا أنه على كل شيء قدير.
2أي لعبين لنها حال من قوله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون إذ لو لم يكن حالً لجزم في وجوب
الطلب الذي هو ذرهم.
3أم القرى :مكة المكرمة.
4يريد إتباع محمد صلى ال عليه وسلم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )2/90
هداية اليات
من هداية اليات:
-1كل من كذب ال تعالى أو أشرك به أو وصفه بوصف ل يليق بجلله فإنه لم يقدر ال حق
قدره .1
-2بيان تلعب اليهود بكتاب ال في إبداء بعض أخباره وأحكامه وإخفاء بعض آخر وهو
تصرف ناتج من الهوى واتباع الشهوات وإيثار الدنيا على الخرة.
-3بيان فضل ال على العرب بإنزال هذا الكتاب العظيم عليهم بلغتهم لهدايتهم.
-4تعليم الرسول صلى ال عليه وسلم كيفية الحجاج والرد على المجادلين والكاذبين.
-5بيان علة ونزول الكتاب وهي اليمان به وإنذار المكذبين والمشركين.
-6اليمان بالخرة سبب لكل خير ،والكفر به سبب لكل باطل وشر.
شيْ ٌء َومَن قَالَ سَأُن ِزلُ مِ ْثلَ مَا
ي وَلَمْ يُوحَ إِلَ ْيهِ َ
حيَ إَِل ّ
علَى اللّهِ كَذِبًا َأوْ قَالَ ُأوْ ِ
َومَنْ َأظْلَمُ ِممّنِ افْتَرَى َ
سكُمُ الْ َيوْمَ
سطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْ ِرجُواْ أَنفُ َ
ت وَا ْلمَل ِئكَةُ بَا ِ
غمَرَاتِ ا ْل َموْ ِ
أَنَزلَ اللّ ُه وََلوْ تَرَى إِذِ الظّاِلمُونَ فِي َ
ق َوكُنتُمْ عَنْ آيَا ِتهِ تَسْ َتكْبِرُونَ( )93وََلقَدْ
حّتُجْ َزوْنَ عَذَابَ ا ْلهُونِ ِبمَا كُنتُمْ َتقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْ َ
شفَعَاء ُكمُ
ظهُورِكُمْ َومَا نَرَى َم َعكُمْ ُ
خوّلْنَاكُ ْم وَرَاء ُ
جِئْ ُتمُونَا فُرَادَى َكمَا خََلقْنَاكُمْ َأ ّولَ مَ ّر ٍة وَتَ َركْتُم مّا َ
عمُونَ()94
ضلّ عَنكُم مّا كُنتُمْ تَزْ ُ
عمْ ُتمْ أَ ّنهُمْ فِي ُكمْ شُ َركَاء َلقَد ّتقَطّعَ بَيْ َنكُ ْم َو َ
الّذِينَ زَ َ
شرح الكلمات :
افترى على ال كذبا :اختلق على ال كذبا قال عليه ما لم يقل ،أو نسب له ما هو منه
__________
1أي لم يعرفه حق معرفته ولم يعرف جلله وعظمته ول رحمته وحكمته فلهذا قال ما قال من
الباطل وهو نفيه إنزال الوحي اللهي على رسوله محمد صلى ال عليه وسلم.
( )2/91
براء.
أوحي إلي :الوحي :العلم السريع الخفي بواسطة الملك وبغيره.
غمرات الموت :شدائده عند نزع الروح.
باسطوا أيديهم :للضرب وإخراج الروح.
عذاب الهون :أي عذاب الذل والمهانة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فرادى :واحدا واحدا ليس مع أحدكم مال ول رجال.
ما خولناكم :ما أعطيناكم من مال ومتاع.
وراء ظهوركم :أي في دار الدنيا.
وضل عنكم :أي غاب.
تزعمون :تدعون كاذبين.
معنى اليات:
مازال السياق مع المشركين والمفترين الكاذبين على ال تعالى بإتخاذ النداد والشركاء فقال
تعالى{ :ومن أظلم ممن افترى على ال كذبا} بأن أدّعى 1أن ال نبأه وأنه نبيه ورسوله كما ادعى
سعد 2بن أبي سرح بمكة ومسيلمة 3في بني حنيفة بنجد والعنسى باليمن :اللهم ل أحد هو أظلم
منه ،وممن قال أوحى إلىّ شيء من عند ال ،ولم يوح إليه شيء وممن قال{ :سأنزل مثل ما أنزل
ال} من الوحي والقرآن،ثم قال تعالى لرسوله{ :ولو نرى} يا رسولنا {إذ الظالمون في غمرات
الموت} أي في شدائد سكرات الموت{ ،والملئكة} ملك الموت وأعوانه {باسطوا أيديهم} بالضرب
وإخراج الروح ،وهم يقولون لولئك المحتضرين تعجيزا
__________
1قال القرطبي :ومن هذا النمط أي المدعي للوحي ولم يوح إليه من أعرض عن الفقه والسنن
وما كان عليه السلف من السنن فيقول وقع في خاطري كذا أو أخبرني قلبي بكذا أو أخبرني قلبي
عن ربي فيحكمون بما وقع في قلوبهم ويغلب عليهم من خواطرهم ويزعمون أن ذلك لصفائها من
الكدار وخلوها عن الغيار فتنجلي لهم العلوم اللهية والحقائق الربانية فيستغنون بذلك عن أحكام
الشرع ويقولون هذه الحكام الشرعية العامة إنما يحكم بها على الغبياء والعامة وهي زندقة
وكفر يقتل قائله ول يستتاب ول يحتاج معه إلى سؤال ول جواب.
2أدعى عبد ال بن سعد الوحي لما كتب لرسول ال صلى ال عليه وسلم قوله تعالى ولقد خلقنا
النسان إلى قوله ثم أنشأناه خلقا آخر فأعجبه تفصيل خلق ال تعالى للنسان قال فتبارك ال
أحسن الخالقين .فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم هكذا أنزلت فشك عبدال بن سعد حينئذ
وارتد ولحق بالمشركين وأسلم عام الفتح وحسن إسلمه بشفاعة عثمان له إذ كان أخا له من
الرضاعة وهو فاتح أفريقيا ودعا ربه أن يموت وهو يصلي فمات في صلة الصبح.
3كانوا يسمونه رحمان اليمامة والعنسي هو السود العنسي ومنهم سجاح امرأة مسيلمة قال ابن
عباس وقتادة نزلت هذه الية في مسيلمة.
( )2/92
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وتعذيبا لهم{ :أخرجوا 1أنفسكم ،2اليوم تجزون عذاب الهون} بسبب استكباركم 3في الرض
بغير الحق إذ الحامل للعذرة وأصله نطفة قذرة ،ونهايته جيفة قذرة ،استكباره في الرض حقا إنه
استكبار باطل ل يصح من فاعله بحال من الحوال .هذا ما دلت عليه الية الولى ( )93أما الية
الثانية ( )94فإن ال تعالى يخبر عن حال المشركين المستكبرين يوم القيامة حيث يقول لهم {لقد
جئتمونا فرادى }4أي واحد واحدا {كما خلقناكم} حفاة 5عراة غُ ْزلً {وتركتم ما خولناكم} أي ما
وهبناكم من مال وولد {وراء ظهوركم} أي في دار 6الدنيا{ ،وما نرى معكم شفعاءكم الذين
زعمتم أنهم فيكم شركاء ،وأنتم كاذبون في زعمكم مبطلون في اعتقادكم {لقد نقطع بينكم} أي انحل
حبل الولء بينكم{ ،وضل عنكم ما كنتم تزعمون} أي ما كنتم تكذبون به في الدنيا.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1قبح الكذب على ال تعالى في أي شكل ،وأن صاحبه ل أظلم منه قط.
-2تقرير عذاب القبر ،وسكرات الموت وشدتها ،وفي الحديث :أن للموت سكرات.
-3قبح الستكبار وعظم جرمه.
-4تقرير عقيدة البعث الخر والجزاء على الكسب في الدنيا.
-5انعدام الشفعاء يوم القيامة إل ما قضت السنة الصحيحة من شفاعة النبي صلى ال عليه وسلم
والعلماء والشهداء بشروط هي :أن يأذن ال للشافع أن يشفع وأن يرضى عن المشفوع له.
حيّ مِنَ ا ْلمَ ّيتِ َومُخْرِجُ
ب وَال ّنوَى ُيخْرِجُ ا ْل َ
ح ّ
إِنّ الّلهَ فَالِقُ الْ َ
__________
1الغمرة الشدة وأصلها من غمر الشيء إذا غطاه ومنه غمر الماء.
2يقال لهم هذا توبيخا لهم وتقريعا أي خلصوها من هذا العذاب إن أمكنكم.
3تستكبرون أي تتعظمون وتأنفون من قول الحق الذي هو توحيد ال تعالى وعبادته بما شرع
لعباده المؤمنين.
4هذا يوم القيامة يوم يحشرون إلى ربهم ،وفرادى في موضع نصب على الحال.
5روي أن عائشة رضي ال عنها قرأت قول ال تعالى {ولقد جئتمونا فرادى ...الخ} فقالت يا
رسول ال واسوأتاه الرجال والنساء يحشرون جميعا ينظر بعضهم إلى سوءة بعض؟ فقال رسول
ال صلى ال عليه وسلم لكل امريء منهم يومئذ شأن يغنيه ل ينظر الرجال إلى النساء ول النساء
إلى الرجال شُغل بعضهم عن بعض.
6ثبت في الصحيح أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال :يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من
مالك إل ما أكلت فأثنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأبقيت وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس.
( )2/93
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
س وَا ْل َقمَرَ
شمْ َ
سكَنًا وَال ّ
ج َعلَ اللّ ْيلَ َ
لصْبَاحِ وَ َ
قاِ
حيّ ذَِل ُكمُ اللّهُ فَأَنّى ُت ْؤ َفكُونَ( )95فَاِل ُ
ا ْلمَ ّيتِ مِنَ الْ َ
ج َعلَ َل ُكمُ النّجُومَ لِ َتهْتَدُواْ ِبهَا فِي ظُُلمَاتِ الْبَرّ
حسْبَانًا ذَِلكَ َتقْدِيرُ ا ْلعَزِيزِ ا ْلعَلِيمِ( )96وَ ُهوَ الّذِي َ
ُ
س وَاحِ َدةٍ َفمُسْ َتقَ ّر َومُسْ َتوْ َدعٌ َقدْ
وَالْبَحْرِ َقدْ َفصّلْنَا اليَاتِ ِل َقوْمٍ َيعَْلمُونَ( )97وَ ُهوَ الّ ِذيَ أَنشََأكُم مّن ّنفْ ٍ
شيْءٍ
سمَاء مَاء فَأَخْ َرجْنَا بِهِ نَبَاتَ ُكلّ َ
َفصّلْنَا اليَاتِ ِل َقوْمٍ َيفْ َقهُونَ( )98وَ ُهوَ الّ ِذيَ أَن َزلَ مِنَ ال ّ
خلِ مِن طَ ْل ِعهَا قِ ْنوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنّاتٍ مّنْ أَعْنَابٍ
خضِرًا نّخْرِجُ مِنْهُ حَبّا مّتَرَاكِبًا َومِنَ النّ ْ
فَأَخْ َرجْنَا مِنْهُ َ
وَالزّيْتُونَ وَال ّرمّانَ مُشْتَ ِبهًا وَغَيْرَ مُتَشَا ِبهٍ انظُرُواْ ِإلِى َثمَ ِرهِ ِإذَا أَ ْثمَ َر وَيَ ْنعِهِ إِنّ فِي ذَِل ُك ْم ليَاتٍ ّل َقوْمٍ
ُي ْؤمِنُونَ()99
شرح الكلمات:
فالق الحب والنوى :شاق الحب كحب البر ليخرج منه الزرع ،والنوى واحده نواة وشقها ليخرج
منها الفسيلة (النخلة الصغيرة).
يخرج الحي من الميت :الدجاجة من البيضة.
ومخرج الميت من الحي : :البيضة من الدجاجة.
فأنى تؤفكون :كيف تصرفون عن توحيد ال الذي هذه قدرته إلى عبادة الجمادات.
فالق الصباح :الصباح :بمعنى الصبح وفلقه :شقه ليتفجر منه النور والضياء.
( )2/94
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وينعه :أي نضجه واستوائه.
معنى اليات:
ما زال السياق في بيان الدليل على وجوب توحيد ال تعالى وبطلن عبادة غيره فقال تعالى
واصفا نفسه بأفعاله العظيمة الحكيمة التي تثبت ربوبيته وتقرر ألوهيته وتبطل ربوبية وألوهية
غيره مما زعم المشركون أنها أرباب لهم وآلهة{ :إن ال فالق الحب والنوى} أي هو الذي يفلق
الحب ويخرج منه الزرع ل غيره وهو الذي يفلق النوى ،ويخرج منه الشجر والنخل ل غيره فهو
الله الحق إذا وما عداه باطل ،وقال{ :يخرج الحيّ من الميت} فيخرج الزرع الحيّ من الحب
الميت {ويخرج الميت 1من الحيّ} فيخرج الحب من الزرع الحيّ ،والنخلة والشجرة من النواة
الميتة ثم يقول{ :ذلكم ال} أي المستحق لللهية أي العبادة وحده {فأنى
__________
1أي يخرج النطفة الميتة من الحي وهو النسان ويخرج النسان الحي من النطفة الميتة.
( )2/95
تؤفكون} أي فكيف يا للعجب تصرفون عن عبادته وتأليهه إلى تأليه وعبادة غيره .ويقول{ :فالق،
الصباح }1أي هو ال الذي يفلق ظلم الليل فيخرج منه ضياء النهار {وجعل الليل سكنا} :أي
ظرف سكن وسكون وراحة تسكن فيه الحياء من تعب النهار والعمل فيه ليستريحوا ،وقوله:
{والشمس والقمر 2حسبانا} أي وجعل الشمس والقمر يدوران في فلكيهما بحساب تقدير ل يقدر
عليه إل هو ،وبذلك يعرف الناس الوقات وما يتوقف عليها من عبادات وأعمال وآجال وحقوق
ثم يشير إلى فعله ذلك فيقول{ :ذلك تقدير العزيز} الغالب على أمره {العليم} بسائر خلقه وأحوالهم
وحاجاتهم وقد فعل ذلك لجلهم فكيف إذا ل يستحق عبادتهم وتأليههم؟ عجبا لحال بني آدم ما
أضلهم؟!
ويقول تعالى في الية الثالثة ({ )97وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر
والبحر} هذه منة أخرى من مننه على الناس ومظهرا آخر من مظاهر قدرته حيث جعل لنا النجوم
لمهتدي به مسافرونا في البر والبحر حتى ل يضلوا طريقهم فيهلكوا فهي نعمة ل يقدر على
النعام بها إل ال ،فلم إذا يكفر به ويعبد سواه؟ وقوله{ :قد فصلنا اليات لقوم يعلمون} يخبر به
تعالى على نعمة أخرى وهي تفصيله تعالى لليات وإظهارها لينتفع بها العلماء الذين يميزون
بنور العلم بين الحق والباطل والضار والنافع ويقول في الية الرابعة ({ )98وهو الذي أنشأكم
-أي خلقكم -من نفس واحدة} هي آدم عليه السلم ،فبعضكم مستقر في الرحام وبعضنا 3
مستودع في الصلب وهو مظهر من مظاهر إنعامه وقدرته ولطفه وإحسانه ،ويختم الية بقوله
{قد فصلنا اليات لقوم يفقهون} لتقوم لهم الحجة على ألوهيته تعالى دون ألوهية ما عداه من سائر
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المخلوقات لفهمهم أسرار الكلم وعلل الحديث ومغزاه.
ويقول في الية ({ )99وهو الذي أنزل من السماء ماءً} وهو ماء المطر ويقول {فأخرجنا
__________
1الصباح مصدر أصبح يصبح إصباحا أي يخرج النور من الظلم إذ نور الفجر يشق ظلمة
الليل ويخرج عنها الصبح والصباح أول النهار ويجمع الصباح على أصباح بفتح الهمزة وقرىء
به.
2حسبانا أي بحساب يتعلق به مصالح العباد ،والحسبان جمع حساب مثل شهاب وشهبان أي جعل
ال سير الشمس والقمر بحساب ول يزيد ول ينقص ويطلق الحسبان على النار كما في قوله تعالى
ويرسل عليها حسبانا من السماء أي نارا.
3قال عبدال بن مسعود لها مستقر في الرحم ومستودع في الرض التي تموت فيها وهذا على
قراءة مستقر بفتح القاف بمعنى لها مستقر وأكثر المفسرين على ما جاء في التفسير أن المستقر ما
كان في الرحم والمستودع ما كان في الصلب قال سعيد بن جبير قال لي ابن عباس هل تزوجت
فقلت ل .قال فإن ال عز وجل يستخرج من ظهرك ما استودعه فيه .أما قوله تعالى {ولكم في
الرض مستقر ومستودع إلي حين} ف المستقر هو القبر مودع فيه النسان إلى يوم القيامة.
( )2/96
به نبات كل شيء} أي ينبت أي قابل للنبات من سائر الزروع والنباتات ويقول فأخرجنا من ذلك
النبات خضرا وهو 1القصيل للقمح والشعير ،ومن الخضر 2يخرج حبا متراكبا في سنابله،
ويقول عز وجل{ :ومن النخْل من طلعها قنوان دانية} أي ويخرج بإذن ال تعالى من طلع النخل
قنوان جمع قنو العذق دانية متدلية وقريبة ل يتكلف مشقة كبيرة من أراد جنيها والحصول عليها 3
وقوله {وجنات من أعناب} يقول وأخرجنا به بساتين من نخيل وأعناب ،وأخرجنا به كذلك
الزيتون والرمان حال كونه مشتبها في اللون وغير متشابه في الطعم ،كلوا من ثمره إذا أثمر
وينعه ينبت لديكم ذلك التشابه وعدمه ،وختم الية بقوله :إن في ذلكم المذكور كله {ليات}
علمات ظاهرات تدل على وجوب ألوهية ال تعالى وبطلن ألوهية غيره {لقوم يؤمنون} لنهم
أحياء يفعلون ويفكرون ويفهمون أما غيرهم من أهل الكفر فهم أموات القلوب لما ران عليها من
أوضار الشرك والمعاصي فهم ل يعقلون ول يفقهون فأنى لهم أن يجدوا في تلك اليات ما يدلهم
على توحيد ال عز وجل؟
هداية اليات
هن هداية اليات:
-1ال خالق كل شيء فهو رب كل شيء ولذا وجب أن يؤله وحده دون ما سواه.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-2تقرير قدرة ال على كل شيء وعلمه بكل شيء وحكمته في كل شيء.
-3فائدة خلق النجوم وهي الهتداء بها في السير في الليل في البر والبحر.
-4يتم إدراك ظواهر المور وبواطنها بالعقل.
-5يتم إدراك أسرار الشياء بالفقه.
-6اليمان بمثابة الحياة ،والكفر بمثابة الموت في إدراك المور.
عمّا
ن وَبَنَاتٍ ِبغَيْرِ عِ ْلمٍ سُ ْبحَانَ ُه وَ َتعَالَى َ
ن وَخََل َقهُ ْم وَخَ َرقُواْ لَهُ بَنِي َ
جعَلُواْ لِلّهِ شُ َركَاء ا ْلجِ ّ
وَ َ
__________
1خضر بمعنى أخضر كمطرة بمعنى ماطرة ومنه قولهم :أرنها نمرة أركها مطر أي أرني
سحابة كأنها نمرة في شكلها أركها ماطرة يتصبب منها الماء الغزير.
2قال ابن عباس رضي ال عنه يريد القمح والشعير والسلت والذرة والرز وسائر الحبوب.
3هذا قصار النخل إذ يجنى ثمارها لمدة عشر سنوات والمرء يتناول منها بيديه هو واقف عندها
وبعد ذلك ترتفع وتطول فيرقى إليها.
( )2/97
شيْءٍ
ت وَالَ ْرضِ أَنّى َيكُونُ لَ ُه وََل ٌد وَلَمْ َتكُن لّهُ صَاحِبَ ٌة َوخَلَقَ ُكلّ َ
سمَاوَا ِ
َيصِفُونَ(َ )100بدِيعُ ال ّ
شيْءٍ فَاعْبُدُو ُه وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ
شيْءٍ عَلِيمٌ( )101ذَِلكُمُ الّلهُ رَ ّبكُمْ ل إَِلهَ ِإلّ ُهوَ خَاِلقُ ُكلّ َ
و ُهوَ ِب ُكلّ َ
ك الَ ْبصَارَ وَ ُهوَ اللّطِيفُ ا ْلخَبِيرُ()103
شيْ ٍء َوكِيلٌ( )102لّ تُدْ ِركُ ُه الَ ْبصَا ُر وَ ُهوَ يُدْ ِر ُ
َ
شرح الكلمات:
شركاء :جمع شريك في عبادته تعالى.
الجن :عالم كعالم النس إل أنهم أجسام خفية ل ترى لنا إل إذا تشكلت بما يُرى.
وخرقوا :اختنقوا وافتاتوا.
يصفون :من صفات العجز بنسبة الولد والشريك إليه.
بديع السموات والرض :مبدع خلقهما حيث أوجدهما على غير مثال سابق.
أنى يكون له ولد :أي كيف يكون له ولد؟ كما يقول المبطلون.
ولم تكن له صاحبة :أي زوجة.
ل تدركه البصار :ل تراه في الدنيا ،ول تحيط به في الخرة.
وهو يدرك البصار :أي محيط علمه بها.
وهو اللطيف :الذي ينفذ علمه إلى بواطن المور وخفايا السرار فل يحجبه شيء.
معنى اليات:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لقد جاء في اليات السابقة من الدلة والبراهين العقلية ما يبهر العقول ويذلها لقبول التوحيد ،وأنه
ل إله إل ال ،ول رب سواه ،ولكن مع هذا فقد جعل الجاهلون ل من
( )2/98
الجن شركاء فأطاعوهم فيما زينوا لهم من عبادة الصنام والوثان ،وهذا ما أخبر به تعالى في
هذه الية الكريمة ( )100إذ قال {وجعلوا ل شركاء الجن 1وخلقهم 2وخرقوا له بنين وبنات
بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون} ومعنى الية وجعل العادلون بربهم الصنام والجن شركاء
ل في عبادته ،وذلك بطاعتهم فيما زينوا لهم من عبادة الصنام ،والحال أنه قد خلقهم فالكل
مخلوق له العابد والمعبود من الجن والصنام ،وزادوا في ضللهم شوطا آخر حيث اختلقوا له
البنين والبنات وهذا كله من تزيين الشياطين لهم وإل فأي معنى في أن يكون لخالق العالم كله بما
فيه النس والجن والملئكة أبناء وبنات .هذا ما عناه تعالى بقوله{ :وخرقوا له بنين وبنات بغير
علم سبحانه وتعالى عما يصفون} فنزه الرب تبارك وتعالى نفسه عما وصفوه به كذبا بحتا
وتخرّصا كاملً من أن له بنين وبنات وليس لهم على ذلك أي دليل علمي ل عقلي ول نقلي ،وقد
شارك في هذا الباطل العرب المشركون حيث قالوا الملئكة بنات ال ،واليهود حيث قالوا عزير
ابن ال ،والنصارى إذ قالوا المسيح ابن ال ،تعالى ال عما يقول المبطلون .هذا ما تضمنته الية
الولى أما الية الثانية ( )101فقد تضمنت إقامة الدليل الذي ل يرد على بطلن هذه الفرية
المنكرة فرية نسبة الولد ل سبحانه وتعالى ،فقال تعالى { :بديع السموات والرض} أي خالقهما
على غير مثال سابق {أنى 3يكون له ولد ولم تكن له صاحبة} أي يا للعجب كيف يكون ل ولد
ولم تكن له زوجة إذ التوالد يكون بين ذكر وأنثى لحاجة إليه لحفظ النوع وكثرة النسل لعمارة
الرض بل ولعبادة الرب تعالى بذكره وشكره ،أما الرب تعالى فهو خالق كل شيء ورب كل
شيء فأي معنى لتخاذ ولد له ،لول تزيين الشياطين للباطل حتى يقبله أولياؤهم من النس ،وقوله
تعالى{ :وهو بكل شيء عليم} دليل آخر على بطلن ما خرق أولئك الحمقى ل من ولد ،إذ لو كان
ل ولد لعلمه وكيف ل ،وهو بكل شيء عليم .هذا ما دلت عليه الية الثانية أما الثالثة ()102
__________
1صور اتخاذهم الجن شركاء ثلث الولى :أنهم أطاعوا الجن فجعلوهم بطاعتهم لهم شركاء ل
إذ المطاع الحق هو ال تعالى:
والثانية :قولهم الملئكة بنات ال مع عبادتهم لهم فذلك معنى جعلوا ل شركاء الجن لن الملئكة
ل يرون كالجن قال تعالى {وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا} فسمى الملئكة جنا لجتنابهم واستتارهم
عن عيون الناس والثالثة :أن الزنادقة قالوا ال خالق الماء والنور والدواب والنعام وإبليس خالق
الظلمة والسباع والحيات والعقارب.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
2قوله تعالى وخلقهم يصح عود الضمير فيه على العادلين كما في التفسير ويصح عوده على
الجن الذين اتخذوهم شركاء ل يعبدونهم معه.
3أي من أين يكون له ولد والولد ل يكون إلّ من صاحبة أي زوجة.
( )2/99
وهي قوله تعالى{ :ذلكم ال ربكم ل اله إل هو خالق كل شيء }1أي ذلكم ال الذي هو بديع
السموات والرض والخالق لكل شيء والعليم بكل شيء هو ربكم الذي ل إله إل هو خالق كل
شيء فاعبدوه ول تشركوا به سواه .وإنه لكفيل برزقكم وحفظكم ومجازاتكم على أعمالكم وهو
على كل شيء قدير .والية الخيرة في السياق الكريم ( )153يقرر تعالى حقيقة كبرى وهى أن
ال تعالى مباين لخلقه في ذاته وصفاته ليس كمثله شيء فكيف يشرك به وكيف لكون له ولد ،وهو
ل تدركه البصار 2وهو يدركها وهو اللطيف 3الذي ينفذ علمه وقدرته في كل ذرات الكون
علويّه وسفليّه الخبير بكل خلقه ل يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ول في الرض وهو العزيز
الحكيم.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1أن من النس من عبد الجن بطاعتهم وقبول ما يأمرونهم به ويزينونه لهم.
-2تنزه الرب تعالى عن الشريك والصاحبة والولد -3مباينة الرب تبارك وتعالى لخلقه.
-4استحالة رؤية الرب في الدنيا ،4وجوازها في الخرة لوليائه في دار كرامته.
حفِيظٍ(َ )104وكَذَِلكَ
ع ِميَ َفعَلَ ْيهَا َومَا أَنَاْ عَلَ ْيكُم بِ َ
قَدْ جَاءكُم َبصَآئِرُ مِن رّ ّب ُكمْ َفمَنْ أَ ْبصَرَ فَلِ َنفْسِ ِه َومَنْ َ
حيَ إِلَ ْيكَ مِن رّ ّبكَ ل إِلَهَ ِإلّ
ت وَلِنُبَيّنَهُ ِلقَوْمٍ َيعَْلمُونَ( )105اتّ ِبعْ مَا أُو ِ
س َ
ت وَلِيَقُولُواْ دَرَ ْ
ُنصَ ّرفُ اليَا ِ
ُه َو وَأَعْ ِرضْ عَنِ
__________
1هذا أكبر برهان على بطلن نسبة الولد له تعالى إذ كل شيء خلقه فهل من خلق شيئا يقال لمن
خلقه ولده؟ لو صح هذا لقالوا لكل من صنع شيئا هو أبو والمصنوع ولده ول قائل بهذا البتة.
2ل تدركه البصار بمعنى ل تحيط به ولذا يراه أولياؤه في الجنة رؤية بصرية فينظرون إلى
وجهه الكريم وأما رؤيته تعالى فمتعذرة في الحياة الدنيا إذ طلبها موسى ولم ينلها لعجز النسان
عن رؤية ال تعالى بهذه البصار المحدودة القدرة والطاقة.
3روي في الصحيحين ما يفيد تعذر رؤية ال في الدنيا لضعف النسان فقد قال رسول ال صلى
ال عليه وسلم" :إن ال ل ينام ول ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه ،يرفع ال عمك النهار
قبل الليل ،وعمل الليل قبل النهار حجابه النور أو النار لو كشفه لحرقت سبحات وجهه ما انتهى
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إليه بصره من خلقه".
4وفسر اللطيف بالرفيق بعباده واللطيف من أسماء ال تعالى .ولذا هو يلطف بعباده .كما هو
للطفه ل يدرك بالكيفية،واللطيف في الجسام الذي يدخل في كل شيء.
( )2/100
بك وبرسالتك والعياذ بال تعالى ،وفي الية الثالثة ( )106يأمر ال تعالى رسوله باتباع ما يوحى
إليه من الحق والهدى ،والعراض عن المشركين المعاندين الذين يقولون درست حتى ل يأخذوا
بما آتيتهم به ودعوتهم إليه من آيات القرآن الكريم إذ قال تعالى له{ :اتبع ما أوحي إليك من ربك
ل إله إل هو وأعرض عن المشركين ، }1وفي الية الرابعة ( )107يسلي الرب تعالى رسوله
ويخفف عنه آلم إعراض المشركين عن دعوته ومحاربته فيها فيقول له{ :ولو شاء ال ما
أشركوا} 2أي لو يشاء ال عدم إشراكهم لما قدروا على أن يشركوا إذا فل تحزن عليهم ،هذا
أولً ،وثانيا {وما جعلناك عليهم حفيظا} تراقبهم وتحصي عليهم أعمالهم وتجازيهم بها ،وما
أرسلناك عليهم وكيل تتولى هدايتهم بما فوق طاقتك {إن عليك إل البلغ} وقد بلغت إذا فل أسى
ول أسف!!
هداية اليات
من هداية اليات:
-1آيات القرآن بصائر من يأخذ بها يبصر طريق الرشاد وينجو ويسعد.
-2ينتفع بتصريف اليات وما تحمله من هدايات العالمون ل الجاهلون وذلك لقوله تعالى في
الية الثانية ({ )105ولنبينه لقوم يعلمون}.
-3بيان الحكمة في تصريف اليات وهي هداية من شاء ال هدايته.
-4وجوب اتباع الوحي المتمثل في الكتاب والسنة النبوية.
-5بيان بطلن مذهب القدرية "نفاة القدر".
عمََلهُمْ ُثمّ إِلَى
ع ْدوًا ِبغَيْرِ عِلْمٍ َكذَِلكَ زَيّنّا ِل ُكلّ ُأمّةٍ َ
وَلَ تَسُبّواْ الّذِينَ َيدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَ َيسُبّواْ اللّهَ َ
جهْدَ أَ ْيمَا ِنهِمْ لَئِن جَاء ْتهُمْ آ َيةٌ
سمُواْ بِاللّهِ َ
ج ُع ُهمْ فَيُنَبّ ُئهُم ِبمَا كَانُواْ َي ْعمَلُونَ( )108وََأقْ َ
رَ ّبهِم مّرْ ِ
__________
1هذا منسوخ بآية الجهاد.
2في الية دليل على إبطال مذهب القدرية وهم نفاة القدر والزاعمون أن أفعال العباد لم تقدر
عليهم وإنما هم الخالقون لهَا بدون إذن ال وإرادته.
( )2/102
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شرح الكلمات:
ول تسبوا :ول تشتموا آلهة المشركين حتى ل يسبوا ال تعالى.
عدوا :ظلما.
زينا لكل أمة عملهم :حسناه لهم خيرا كان أو شرا حتى فعلوه.
جهد أيمانهم :أي غاية اجتهادهم في حلفهم بال.
آية :معجزة كإحياء الموتى ونحوها.
وما يشعركم :وما يدريكم
ونذرهم :نتركهم.
يعمهون :حيارى يترددون.
معنى اليات:
عندما ظهر رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصبح يصدع بالدعوة جهرا بعد ما كانت سرا أخذ
بعض أصحابه يسبون أوثان المشركين ،فغضب لذلك المشركون وأخذوا يسبون ال تعالى إله
المؤمنين وربهم فنهاهم تعالى عن ذلك أي عن سب آلهة المشركين بقوله{ :ول تسبوا الذين
يدعون من دون ال} أي ل تسبوا آلهتهم {فيسبوا 1ال عدوا }2أي ظلما واعتداء بغير علم ،إذ لو
علموا جلل ال وكماله لما سبوه ،وقوله تعالى{ :وكذلك زينا لكل أمة عملهم} بيان منه تعالى
لسنته في خلقه وهي أن المرء إذا أحب شيئا ورغب فيه وواصل ذلك الحب وتلك الرغبة يصبح
زينا له ولو كان في الواقع شيئا ويراه حسنا وإن كان في حقيقة المر
__________
1قال ابن عباس رضي ال عنهما :قالت كفار قريش لبي طالب إما أن تنهى محمدا وأصحابه
عن سب آلهتنا والغضّ منها وإما أن نسب إلهه ونهجوه .فنزلت الية وهذا الحكم باق إلى نهاية
الحياة فإن كان سب المؤمن الكافر يؤدي إلى سب ال تعالى أو رسوله فل يحل للمؤمن أن يسب
الكافر أو دينه.
2وقرىء عُدوا بضم العين والدال ومعنى القراءتين واحد وهو الجهل والعتداء الذي هو الظلم.
( )2/103
قبيحا ،ومن هنا كان دفاع المشركين عن آلهتهم الباطلة من هذا الباب فلذا لم يرضوا أن تسب لهم
وهددوا الرسول والمؤمنين بأنهم لو سبوا آلهتهم لسبوا لهم آلهتهم وهو ال تعالى ،وقوله تعالى {ثم
إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون} يخبر تعالى أن مرجع الناس المزين لهم أعمالهم
خيرها وشرها ورجوعهم بعد نهاية حياتهم إلى ال ربهم فيخبرهم بأعمالهم ويطلعهم عليها
ويجزيهم بها الخير بالخير والشر بالشر .هذا ما دلت عليه الية الولى ( )108وأما اليتان الثانية
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )109والثالثة ( )110فقد أخبر تعالى أن المشركين أقسموا 1بال أبلغ إيمانهم وأقصاها أنهم إذا
جاءتهم آية كتحويل جبل الصفا إلى ذهب آمنوا عن آخرهم بنبوة محمد صلى ال عليه وسلم
ورسالته واتبعوه على دينه الذي جاء به ،قال هذا رؤساء المشركين ،وال يعلم أنهم إذا جاءتهم
الية ل يؤمنون ،فأمر رسوله أن يرد عليهم قائلً{ :إنما اليات عند ال} هو الذي يأتي بها إن شاء
أما أنا فل أملك ذلك .إل أن المؤمنين من أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم رغبوا في مجيء
الية حتى يؤمن المشركون وينتهي الصراع الدائر بين الفريقين فقال تعالى لهم{ :وما يشعركم }2
أيها المؤمنون {أنها إذا جاءت 3ل يؤمنون} أي وما يدريكم أن الية لو جاءت ل يؤمن بها
المشركون؟ وبين علة عدم إيمانهم فقال{ :ونقلب أفئدتهم } فل تعي ول تفهم {وأبصارهم} فل ترى
ول تبصر .فل يؤمنون كما لم يؤمنوا بالقرآن أول مرة لما دعوا إلى اليمان به {ونذرهم في
طغيانهم يعمهون} أي ونتركهم في شركهم وظلمهم حيارى يترددون ل يعرفون الحق من الباطل
ول الهداية من الضلل.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1حرمة قول أو فعل ما يتسبب 4عنه يسب ال ورسوله.
-2بيان سنة ال في تزيين العمال لصحابها خيرا كانت أو شرا.
-3بيان أن الهداية بيد ال تعالى وأن المعجزات قد ل يؤمن عليها من شاهدها.
__________
1في هذا دليل الموادعة والخذ بمبدأ سد الذرائع.
2كان المشركون يحلفون بآلهتهم ،وإذا حلفوا بال كان ذلك أقصى أيمانهم وأشدها .وهنا مسألة لو
قال المرء اليمان تلزمه ثم حنث فإن عليه إطعام ثلثين مسكينا لن أقل الجمع ثلثة ،وإن لم يكن
له مال صام تسعة أيام..
3الشعار مصدر أشعره إذا أعلمه بأمر من شأنه أن يخفى ويدق.
4قرئت إنها بكسر الهمزة على الستئناف فيكون الكلم قد انتهى عند قوله وما يشعركم ويكون
المعنى وما يدريكم أنكم تؤمنون إذا جاءت ثم قال إنها إذا جاءت ل يؤمنون .فذكر علة عدم
إيمانهم بقوله ونقلب أفئدتهم وأبصارهم.
( )2/104
الجزء الثامن
شيْءٍ قُبُلً مّا كَانُواْ لِ ُي ْؤمِنُواْ ِإلّ أَن
وََلوْ أَنّنَا نَزّلْنَا إِلَ ْيهِمُ ا ْلمَل ِئكَةَ َوكَّلمَهُمُ ا ْل َموْتَى وَحَشَرْنَا عَلَ ْيهِمْ ُكلّ َ
س وَالْجِنّ يُوحِي
ن الِن ِ
ع ُدوّا شَيَاطِي َ
جعَلْنَا ِل ُكلّ نِ ِبيّ َ
جهَلُونَ(َ )111وكَذَِلكَ َ
يَشَاء اللّ ُه وََلكِنّ َأكْثَرَ ُهمْ يَ ْ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ضهُمْ إِلَى َب ْعضٍ ُزخْ ُرفَ ا ْلقَ ْولِ غُرُورًا وََلوْ شَاء رَ ّبكَ مَا َفعَلُوهُ فَذَرْ ُه ْم َومَا َيفْتَرُونَ()112
َب ْع ُ
ض ْوهُ وَلِ َيقْتَ ِرفُواْ مَا هُم ّمقْتَ ِرفُونَ()113
ن لَ ُي ْؤمِنُونَ بِالخِ َر ِة وَلِيَ ْر َ
صغَى إِلَيْهِ َأفْئِ َدةُ الّذِي َ
وَلِ َت ْ
شرح الكلمات:
الملئكة :أجسام نورانية يعمرون السموات عباد مكرمون ل يعصون ال تعالى ويفعلون ما
يؤمرون ل يوصفون بذكورة ول أنوثة.
الموتى :جمع ميت :من فارقته الحياة أي خرجت منه روحه.
حشرنا :جمعنا.
قبل :معاينة
يجهلون :عظمة ال وقدرته وتدبيره وحكمته.
شياطين :جمع شيطان :وهو من خبث وتمرد من الجن والنس.
يوحي بعضهم :يعلم بطريق سريع خفي بعضهم بعضا.
زخرف القول :الكذب المحسن والمزين.
غرورا :للتغرير بالنسان.
يفترون :يكذبون.
ولتصغى إليه :تميل إليه.
وليقترفوا :وليرتكبوا الذنوب والمعاصي.
( )2/105
معنى اليات:
ما زال السياق في أولئك العادلين بربهم المطالبين باليات الكونية ليؤمنوا إذا شاهدوها فأخبر
تعالى في هذه اليات أنه لو نزل إليهم الملئكة من 1السماء وأحيى لهم الموتى فكلموهم وقالوا
لهم ل إله إل ال محمد رسول ال ،وحشر علمهم كل شيء 2أمامهم يعاينونه معاينة أو تأتيهم
المخلوقات قبيلً بعد قبيل وهم يشاهدونهم ويقولوا ل إله إل ال محمد رسول ال ،ما كانوا ليؤمنوا
بك ويصدقوك ويؤمنوا بما جئت به إل أن يشاء 3ال ذلك منهم .ولكن أكثر أولئك العادلين بربهم
الصنام والوثان يجهلون أن الهداية بيد ال تعالى وليست بأيديهم كما يزعمون وأنهم لو رأوا
اليات آمنوا.
هذا ما دلت عليه الية ( )111أما الية الثانية ( )112فإن ال تعالى يقول وكما كان لك يا رسولنا
من هؤلء العادلين أعداء يجادلونك ويحاربونك جعلنا لكل نبي أرسلناه أعداء يجادلونه ويحاربونه
{شياطين 4النس والجن يوحي 5بعضهم إلى بعض زخرف القول} أي القول المزين بالباطل
المحسن بالكذب {غرورا} أي للتغرير والتضليل{ ،ولو شاء ربك} أيها الرسول عدم فعل ذلك
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
اليحاء والوسواس {ما فعلوه} إذا {فذرهم} أي اتركهم {وما يفترون} من الكفر والكذب والباطل.
هذا ما دلت عليه الية الثانية أما الية الثالثة ( )113وهي قوله تعالى{ :ولتصغى إليه أفئدة الذين
ل يؤمنون بالخرة ،وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون} هذه الية بجملها الربع معطوفة على
قوله {زخرف القول غرورا} إذ إيحاء شياطين الجن والنس 6كان
__________
1فرأوهم عيانا.
2أي شيئا سألوه وطلبوه.
3الستثناء منفصل فهو بمعنى لكن إن شاء ال إيمانهم آمنوا والية تحمل التسلية والعزاء له
صلى ال عليه وسلم.
4شياطين النس والجن بدل من قوله عدوّا ويصح أن يكون نعتا أيضا.
5يوحي بمعنى يلقى إليه الباطل المزين بطريق الوسواس فيفهم عنه إذ اليحاء العلم السريع
الخفي وشاهده من السنة قوله صلى ال عليه وسلم "ما منكم من أحد إلّ قد وكل به قرينه من
الجن ،قيل ول أنت يا رسول ال قال ول أنا إلّ أن ال أعانني عليه فأسلم".
6روي عن مالك بن دينار أنه قال :شياطين النس أشد من شياطين الجن ،وذلك أني إذا تعوذت
بال ذهب عني شيطان الجن وشيطان النس يجيئني فيجرني إلى المعاصي عيانا .ويشهد لهذا ما
روي عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه سمع امرأة تنشد:
إن النساء رياحين خلقن لكم ...وكلكم يشتهي شم الرياحين
فأجابها عمر رضي ال عنه قائلً:
إن النساء شياطين خلقن لنا ...
نعوذ بال من شر الشياطين
( )2/106
للغرور أي ليغتر به المشركون{ ،ولتصغى إليه } أي تميل {أفئدة الذين ل يؤمنون بالخرة} وهم
المشركون العادلون بريهم {وليرضوه} ويقتنعوا به لنه مموه لهم مزين ،ونتيجة لذلك التغرير
والميل إليه وهو باطل والرضا به والقناع بفائدته فهم يقترفون من أنواع الكفر وضروب الشرك
والمعاصي والجرام ما يقترفون!.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1ما شاء ال كان وما لم يشأ لم يكن أبدا ،وبهذا تقررت ربوبيته وألوهيته للولين والخرين.
-2تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم وكل داع إلى ال تعالى بإعلمه أنه ما من نبي ول داع
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إل وله أعداء من الجن والنس يحاربونه حتى ينصره ال عليهم.
-3التحذير من التمويه والتغرير فإن أمضى سلح للشياطين هو التزيين والتغرير.
-4القلوب الفارغة من اليمان بال ووعده وعيده في الدار الخرة أكثر القلوب ميلً إلى الباطل
والشر والفساد.
ح َكمًا وَ ُهوَ الّذِي أَنَ َزلَ إِلَ ْيكُمُ ا ْلكِتَابَ ُم َفصّلً وَالّذِينَ آتَيْنَا ُهمُ ا ْلكِتَابَ َيعَْلمُونَ أَنّهُ
َأ َفغَيْرَ اللّهِ أَبْ َتغِي َ
ل لّ مُبَ ّدلِ
ك صِ ْدقًا وَعَ ْد ً
مُنَ ّزلٌ مّن رّ ّبكَ بِا ْلحَقّ فَلَ َتكُونَنّ مِنَ ا ْل ُممْتَرِينَ( )114وَ َتمّتْ كَِل َمتُ رَ ّب َ
سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ( )115وَإِن ُتطِعْ َأكْثَرَ مَن فِي الَ ْرضِ ُيضِلّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتّ ِبعُونَ
ِلكَِلمَاتِ ِه وَ ُهوَ ال ّ
ضلّ عَن سَبِيلِ ِه وَ ُهوَ أَعْلَمُ بِا ْل ُمهْتَدِينَ(
ن وَإِنْ هُمْ ِإلّ يَخْ ُرصُونَ( )116إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ أَعْلَمُ مَن َي ِ
ِإلّ الظّ ّ
)117
( )2/107
شرح الكلمات:
أبتغي :أطلب.
حكما :الحكم الحاكم ومن يتحاكم إليه الناس.
أنزل إليكم الكتاب :أي أنزله لجلكم لتهتدوا به فت ْكمُلُوا عليه وتسعدوا.
مفصلً :مبينا ل خفاء فيه ول غموض.
والذين آتيناهم الكتاب :أي علماء اليهود والنصارى.
الممترين :الشاكين ،إذ المتراء الشك.
صدقا وعدلً :صدقا في الخبار فكل ما أخبر به القرآن هو صدق ،وعدلً في الحكام فليس في
القرآن حكم جور وظلم أبدا بل كل أحكامه عادلة.
ل مبدل لكلماته :أي ل مغير لها ل بالزيادة والنقصان ،ول بالتقديم والتأخير.
السميع العليم :السميع لقوال العباد العليم بأعمالهم ونياتهم وسيجزيهم بذلك.
سبيل ال :السلم إذ هو المفضي بالمسلم إلى رضوان ال تعالى والكرامة في جواره.
يخرصون :يكذبون الكذب الناتج عن الحزر والتخمين.
من يضل :بمن يضل.
بالمهتدين :في سيرهم إلى رضوان ال باتباع السلم الذي هو سبيل ال.
معنى اليات:
ما زال السياق مع العادلين بربهم الصنام والوثان لقد كان المراد في طلبهم الية الحكم بها على
صحة دعوة النبي صلى ال عليه وسلم أنه نبي ال وأن القران كلم ال وأنه ل إله إل ال ،ولم
يكن هذا منهم إل من قبيل ما توسوس به الشياطين لهم وتزينه لهم تغريرا بهم وليواصلوا ذنوبهم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فل يؤمنون ول يتوبون ،ومن هنا أنزل تعال قوله{ :أفغير ال أبتغي 1حكما} .وهو تعليم لرسول
ال صلى ال عليه وسلم أن يقوله للمشركين أأميل إلى باطلكم وأقتنع به فغير ال أطلب حكما بيني
__________
1أفغير منصوب بأبتغي أي آبتغى غير ال؟ وكلما منصوب على الحال أو التمييز المبين لمبهم
البتغاء.
( )2/108
وبينكم في دعواكم أني غير رسول وأن ما جئت به ليس وحيا من ال؟ ينكر صلى ال عليه وسلم
تحكيم غير ربه تعالى وعلى ماذا يكون الحكم وال هو الذي أنزل إليهم الكتاب مفصلً فأي آية
تغلب القرآن وهو آلف اليات هذا أولً وثانيا هل الكتاب من قبلهم وهم علماء اليهود والنصارى
مقرون ومعترفون بأن ما ينفيه المشركون هو حق ل مرية فيه إذا فامض أيها الرسول في طريق
دعوتك:ل تكونن لسن الممترين فإنك عما قريب تظهر على المشركين ،لقد تمت كلمة 1ربك أي
في هذا القرآن الذي أوحي إليك صدقا في كل ما تحمله من أخبار ومن ذلك نصرك وهزيمة
أعدائك ،وعدلً في أحكامها التي تحملها ،ول يستطيع أحد تبديلها بتغيير 2لها بإخلف وع ٍد ول
بإبطال حكم ،وربك هو السميع لقوال عباده العليم بمقاصدهم وأفعالهم فما أقدره وأضعفهم فلذا لن
يكون إل مراده ويبطل جميع إراداتهم .واعلم يا رسولنا أنك {إن تطع أكثر من في الرض
يضلوك عن سبيل ال} أي لو أنك تسمع لهم وتأخذ بآرائهم وتستجيب لقتراحاتهم لضلوك قطعا
عن سبيل ال ،والعلة أن أكثرهم ل بصيرة له ول علم حق لديه وكل ما يقولونه هو هوى نفس،
وَوسواس شيطان .إنهم ما يتبعون إل أقوال الظن وما هم فيما يقولون إل خارصون 3كاذبون.
وحسبك علم ربك بهم فإنه تعالى هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين:
هداية اليات
من هداية اليات:
-1حرمة وبطلن التحاكم إلى غير الوحي اللهي.
-2تقرير صحة الدعوة السلمية بأمرين الول :القرآن الكريم ،الثاني :شهادة أهل الكتاب ممن
أسلموا كعبد ال بن سلم القرظي وأصحمة النجاشي وغيرهم.
-3ميزة القرآن الكريم :أن أخباره كلها صدق وأحكامه كلها عدل.
-4وعود ال تعالى ل تتخلف أبدا ،ول تتبدل بتقديم ول تأخير.
-5اتباع أكثر الناس يؤدي إلى الضلل فلذا ل يتبع إل أهل العلم الراسخون فيه لقوله
__________
1قرأ أهل الكوفة كلمة بالفراد وقرأها الباقون بالجمع كلمات قال ابن عباس رضي ال عنه في
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
كلمات ربك هي مواعيده تعالى.
2كما ل يستطيع أحد تبديل كلماتها وحروفها في القرآن الكريم كما بدلت التوراة والنجيل
بتحريف الكلمات وتغييرها.
3من هذا قيل لمن يقدر كمية التمر في النخل خراص لنه يقول بدون علم بقيني -وإنما بالحدس
والتخمين وأجازه الشارع للضرورة إليه.
( )2/109
( )2/110
( )2/111
والمجوس فقال{ :ول تأكلوا 1مما لم يذكر اسم ال عليه }2وأخبر أن الكل مما لم يذكر اسم ال
تعالى عليه وهو ذبائح المشركين والمجوس فسق خروج عن طاعة الرب تعالى وهو مقتضي
للكفر لما فيه من الرضا بذكر اسم اللهة التي تعبد من دون ال تعالى ،ثم أخبرهم تعالى بأن
الشياطين وهم المردة من الجن يوحون إلى الخباث من النس من أوليائهم الذين استجابوا لهم في
عبادة الوثان يوحون إليهم بمثل قولهم :كيف تحرمون ما قتل ال وتحلون ما قتلتم أنتم؟ ليجادلوكم
بذلك ،ويحذر تعالى المؤمنين من طاعتهم وقبول وسواسهم فيقول {وإن أطعتموهم} فأكلتم ذبائحهم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أو تركتم أكل ما ذبحتم أنتم وقد ذكرتم عليه اسم ال{ ،إنكم لمشركون }3لنكم استجبتم لما تأمر به
الشياطين تاركين ما يأمر به رب العالمين.
هداية اليات.
من هداية اليات:
حلّ أكل من ذبائح المسلمين.
ِ -1
-2وجوب ذكر اسم ال على بهيمة النعام عند تذكيتها .
-3حرمة إتباع الهواء ووجوب إتباع العلماء.
-4وجوب ترك الثم ظاهرا كان أو باطنا وسواء كان من أعمال القلوب أو أعمال الجوارح.
-5حرمة الكل من ذبائح المشركين والمجوس والملحدة البلشفة الشيوعيين.
-6اعتقاد حل طاعة الشياطين شرك والعياذ بال تعالى.
جعَلْنَا َلهُ نُورًا َيمْشِي بِهِ فِي النّاسِ َكمَن مّثَُلهُ فِي الظُّلمَاتِ لَيْسَ ِبخَارِجٍ
َأوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَا ُه وَ َ
مّ ْنهَا كَذَِلكَ
__________
1روى النسائي عن ابن عباس رضي ال عنهما في قوله تعالى {ول تأكلوا مما لم يذكر اسم ال
عليه} قال :خاصمهم المشركون فقالوا :ما ذبح ال فل تأكلوه ،وما ذبحتم أنتم أكلتموه فقال ال
سبحانه {ول تأكلوا مما لم يذكر اسم ال عليه}.
2إن هذا اللفظ الوارد على سبب معين ل يمنع العموم إذ القاعدة الصولية أن العبرة بعموم اللفظ
ل بخصوص السبب ومن هنا تعين معرفة ما يلي :أولً :وجوب التسمية عند الذبح والنحر .ثانيا:
إن ترك المسلم التسمية سهوا أكلت ذبيحته ،ثالثا :إن تركها عمدا لم تؤكل ذبيحته ،رابعا :قال
بعض الفقهاء ترك المسلم التسمية عمدا ل يحرم ذبيحته إل أن يكون تركها مستخفا بها.
3الية دليل على أن من استحل شيئا مما حرم ال تعالى صار به مشركا وقد حرّم ال سبحانه
الميتة نصا فإذا قبل تحليلها من غيره فقد أشرك .وقال ابن العربي إنما يكون المؤمن بطاعة
المشرك مشركا إذا أطاعه في العتقاد .أما إن أطاعه في الفعل وعقيدته سليمة مستمر على
التوحيد والتصديق فهو عاص غير كافر.
( )2/112
جعَلْنَا فِي ُكلّ قَرْيَةٍ َأكَابِرَ ُمجَ ِرمِيهَا لِ َي ْمكُرُواْ فِيهَا َومَا
زُيّنَ لِ ْلكَافِرِينَ مَا كَانُواْ َي ْعمَلُونَ(َ )122وكَذَِلكَ َ
شعُرُونَ( )123وَإِذَا جَاء ْتهُمْ آ َيةٌ قَالُواْ لَن ّن ْؤمِنَ حَتّى ُنؤْتَى مِ ْثلَ مَا أُو ِتيَ
سهِ ْم َومَا يَ ْ
َي ْمكُرُونَ ِإلّ بِأَنفُ ِ
صغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ ِبمَا
ج َعلُ رِسَالَتَهُ سَ ُيصِيبُ الّذِينَ َأجْ َرمُواْ َ
علَمُ حَ ْيثُ َي ْ
سلُ اللّهِ اللّهُ أَ ْ
رُ ُ
كَانُواْ َي ْمكُرُونَ()124
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شرح الكلمات:
ميتا :الميت فاقد الروح ،والمراد روح اليمان.
أحييناه :جعلناه حيا بروح اليمان.
مثله :صفته ونعته امرؤ في الظلمات ليس بخارج منها.
قرية :مدينة كبيرة.
ليمكروا فيها :بفعل المنكرات والدعوة إلى ارتكابها بأسلوب الخديعة والحتيال.
وما يمكرون إل بأنفسهم :لن عاقبة المكر تعود على الماكر نفسه لية {ول يحيق المكر السيئ
إل بأهله}.
وإذا جاءتهم آية :أي من القرآن الكريم تدعوهم إلى الحق.
صغار :الصغار :الذل والهران.
معنى اليات:
مازال السياق الكريم في حرب العادلين بربهم الصنام الذين يزين لهم الشيطان تحريم ما أحل ال
وتحليل ما حرم فقال تعالى{ :أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس} أي
أطاعة هذا العبد الذي كان ميتا بالشرك والكفر فأحييناه باليمان والتوحيد وهو عمر بن الخطاب
أو عمار بن ياسر كطاعة من مثله رجل في الظلمات ظلمات الشرك
( )2/113
والكفر والمعاصي ليس بخارج من تلك الظلمات وهو أبو جهل 1والجواب ل ،إذا كيف أطاع
المشركون أبا جهل وعصوا عمر رضي ال عنه والجواب :أن الكافرين لظلمة نفوسهم وإتباع
أهوائهم ل عقول لهم زُين لهم عملهم الباطل حسب سنة ال تعالى في أن من أحب شيئا وغالى في
حبه على غير هدى ول بصيرة يصبح في نظره زيّنا وهو شيْن وحسنا وهو قبيح ،فلذا قال تعالى:
{وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها 2ليمكروا فيها} فيهلكوا أيضا .وقوله{ :وما يمكرون
إل بأنفسهم وما يشعرون} هو كما قال :قوله الحق وله الملك ،فالماكر من أكابر المجرمين حيث
أفسدوا عقائد الناس وأخلقهم وصرفوهم عن الهدى بزخرف القول والحتيال والخداع ،هم في
الواقع يمكرون بأنفسهم إذ سوف تحل بهم العقوبة في الدنيا وفي الخرة ،إذ ل يحيق المكر السيئ
إل بأهله ولكنهم ل يشعرون أي ل يدرون 3ول يعلمون أنهم يمكرون بأنفسهم ،وقوله تعالى في
الية الثالثة ({ )124وإذا جاءتهم 4آية }..أي حجة عقلية مما تحمله آيات القرآن تدعوهم إلى
تصديق الرسول واليمان بما جاء به ويدعو إليه من التوحيد بدل أن يؤمنوا {قالوا لن نؤمن حتى
نؤتى 5مثل ما أوتي رسل ال } أي من المعجزات كعصا موسى وطير عيسى الذي نفخ فيه فكان
طائرا بإذن ال فرد ال تعالى عليهم هذا العلو والتكبر قائلً{ :ال أعلم حيث يجعل رسالته} فإنه
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يجعلها في القلوب المشرقة والنفوس الزكية ،ل في القلوب المظلمة والنفوس الخبيثة ،وقوله تعالى
{سيصيب الذين أجرموا} على أنفسهم بالشرك والمعاصي وعلى غيرهم حيث أفسدوا قلوبهم
وعقولهم{ ،صغار :}6أي ذل وهوان {عند ال} يوم يلقونه {وعذاب شديد} قاس ل يطاق {بما كانوا
يمكرون} :أي بالناس بتضليلهم وإفساد قلوبهم وعقولهم بالشرك والمعاصي التي كانوا
__________
1الية عامة في كل كافر ومؤمن والموت قد يطلق أيضا على الجهل .فالجاهل ميت وحياته
بالعلم كما قال الشاعر:
وفي الجهل قبل الموت موت لهله ...فأجسامهم قبل القبور قبور
وإن امرؤا لم يحيى بالعلم ميت ...فليس له حتى النشور نشور
2في الية تقديم وتأخير .الصل جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها والكابر جمع أكبر وهم
الرؤساء والعظماء وخصوا بالذكر لنهم أقدر على الفساد والفساد من عامة الناس.
3وذلك لفرط جهلهم ل يعلمون أن وبال مكرهم عائد عليهم.
4في الية شيء من بيان جهلهم وعملهم.
5هذه مقالة بعضهم قال الوليد بن المغيرة لرسول ال صلى ال عليه وسلم :لو كانت النبوة حقا
لكنت أولى بها منك لني أكبر سنا وأكثر منك مالً .وقال أبو جهل :وال ل نرضى به أبدا ول
نتبعه إلّ أن يأتينا وحي كما يأتيه.
6الصغار من الصغر ضد الكبر كأن الذل يُصغر إلى المرء نفسَه والفعل صغر يصغر من باب
نَصر ،وصغِر يصغر من باب علم يعلم .والمصدر الصغر بفتح الصاد والغين معا والصغار
السم واسم الفاعل صاغر وهو الراضي بالضيم.
( )2/114
( )2/115
شرح الكلمات:
شرح صدره :شرح الصدر توسعته لقبول الحق وتحمل الوارد عليه من أنوار اليمان وعلمة
ذلك :النابة إلى دار الخلود ،والتجافي عن دار الغرور والستعداد للموت قبل نزوله.
حرجا :ضيقا ل يتسع لقبول الحق ،ول لنور اليمان.
كأنما يصعد :يصعب عليه قبول اليمان حتى كأنه يتكلف الصعود إلى السماء.
الرجس :النجس وما ل خير فيه كالشيطان.
فصلنا اليات :بيناها وأوضحناها غاية البيان والتوضيح.
يذكرون :يذكرون فيتعظون.
دار السلم :الجنة ،والسلم اسم من أسماء ال تعالى فهي مضافة إلى ال تعالى.
استكثرتم :أي من إضلل النس وإغوائهم.
استمتع بعضنا ببعض :انتفع كل منّا بصاحبه أي تبادلنا المنافع بيننا حتى الموت.
أجلنا الذي أجلت لنا :أي الوقت الذي وقت لنا وهو أجل موتنا فمتنا.
مثواكم :مأواكم ومقر بقائكم وإقامتكم.
حكيم عليم :حكيم في وضع كل شيء في موضعه فل يخلد أهل اليمان في النار ،ول يخرج أهل
الكفر منها ،عليم بأهل اليمان وأهل الكفران.
معنى اليات:
بعد ذلك البيان والتفصيل لطريق الهداية في اليات من أول السورة إلى قوله تعالى حكاية عن
المدعوين إلى الحق العادلين به الصنام إذ قالوا{ :لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل ال}.
أعلم تعالى عباده أن الهداية بيده وأن الضلل كذلك يهدي من يشاء برحمته ويضل من يشاء
بعدله ،وأن لكل من الهداية والضلل سننا تتبع في ذلك فمن طلب الهداية ورغب
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )2/116
فيها صادقا علم تعالى ذلك منه وسهل له طرقها وهيأ له أسبابها ،ومن ذلك أنه يشرح 1صدره
لقبول اليمان وأنواره فيؤمن ويسلم ويحسن فيكمل ويسعد ،ومن طلب الغواية ورغب فيها صادقا
علم ال تعالى ذلك منه فهيأ له أسبابها وفتح له بابها فجعل صدره ضيقا 2حرجا ل يتسع لقبول
اليمان وحلول أنواره فيه حتى لكأنه يتكلف الصعود إلى السماء وما هو بقادر هذه سنته في
الهداية والضلل ،وقوله تعالى {كذلك يجعل ال الرجس على الذين ل يؤمنون} أي كذلك الفعل
في الهداية والضلل يجعل ال الرجس 3أي يلقي بكل ما ل خير فيه على قلوبهم من الكبر
والحسد والشرك والكفر والشيطان لقبول المحل لكل ذلك نتيجة خلوه من اليمان بال ولقائه.
وقوله تعالى {وهذا صراط ربك مستقيما} يقول تعالى لرسوله محمد صلى ال عليه وسلم مشيرا
إلى ما بينه من الهدى وهذا طريق ربك مستقيما فاسلكه والزمه فإنه يفضي بك إلى كرامة ربك
وجواره في جنات النعيم .وقوله{ :قد فصلنا اليات لقوم يذكرون} يمتن تعالى وله الحمد والمنة
بما أنعم به على هذه المة من تفصيل اليات حججا وبراهين وشرائع ليهتدي طالبوا الهدى
المشار إليهم بقوله {لقوم يذكرون} فيذكرون فيؤمنون ويعملون فيكملون ويسعدون في دار السلم
إذ قال تعالى {لهم 4دار السلم عند ربهم وهو وليهم} أي متوليهم بالنصر والتأييد في الدنيا
والنعام والتكريم في الخرة {بما كانوا يعملون} من الصالحات.
هذا ما دلت عليه اليات الولى والثانية والثالثة أما الية الرابعة ( )128فقد تضمنت عرضا
سريعا ليوم القيامة الذي هو ظرف للجزاء على العمل في دار الدنيا فقال تعالى { :ويوم يحشرهم
جميعا} 5إنسهم وجنهم ويقول سبحانه وتعالى {يا معشر الجن قد استكثرتم 6من النس} أي في
إغوائهم وإضللهم{ ،وقال أولياؤهم من النس} أي الذين كانوا
__________
1الشرح أصله التوسعة وشرح المر بيّنه وأوضحه ومنه تشريح اللحم والشريحة منه القطعة.
وشرح الصدر لقبول الحق توسعته لتقّبل ما يلقى إليه من الهدى وفي الحديث الصحيح "من يرد
ال به خيرا يفقهه في الدين".
2الحرج والحرج بالفتح والكسر قراءتان وهو الضيق وكل ضيق حرج والحرجة الغيضة والجمع
حروج وحرجات وقال ابن عباس رضي ال عنهما :الحرج موضع الشجر الملتف فقلب الكافر
لضيقه ل تصل إليه المعرفة كما ل تصل الشاة إلى الشجر الملتف أو تدخل رأسها بين الشجر
فيصعب عليها إخراجه فتقع في حرج ،والحرج الثم.
3أصل الرجس في اللغة النتن وقال مجاهد :الرجس ما ل خير فيه فكما يجعل صدر الكافر ضيقا
ل يقبل الهدى يجعل عليه الرجس فيقبل كل خبيث نتن من القوال والعتقادات.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
4دار السلم الجنة والسلم هو ال فدار السلم كبيت ال وهناك معنى آخر وهو أنها دار السلمة
من كل أذى ومكروه وآفة.
5نُصب الظرف بفعل محذوف تقديره يقول يوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن الخ.
6حذف لفظ الستمتاع إيجازا لدللة السياق وحرف الجر عليه أي قد استكثرتم من الستمتاع من
النس.
( )2/117
يوالونهم على الفساد والشر والشرك والكفر {ربنا} أي يا ربنا {استمتع بعضنا ببعض} أي كل منا
تمتع بخدمة الخر له وانتفع بها ،يريدون أن الشياطين زينت لهم الشهوات وحسنت لهم القبائح
وأغرتهم بالمفاسد فهذا انتفاعهم منهم وأما الجن فقد انتفعوا من النس بطاعتهم والستجابة لهم
حيث خبثوا خبثهم وضلوا ضللهم .وقولهم {وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا} أي واستمر ذلك منا إلى
أن انتهينا إلى أجلنا الذي أجلته لنا وهو نهاية الحياة الدنيا وها نحن بين يديك ،كأنهم يعتذرون
بقولهم هذا فرد ال تبارك وتعالى عليهم بإصدار حكمه فيهم قائلً{ :النار مثواكم 1خالدين فيها إل
ما شاء ال} ومعنى مثواكم :مقامكم الذي تقيمون فيه أبدا.
ومعنى قوله {إل ما شاء ال} هو استثناء 2لبيان إرادة ال المطلقة التي ل يقيدها شيء ،إذ لو شاء
أن يخرجهم من النار لخرجهم أي ليس هو بعاجز عن ذلك ،ومن الجائز أن يكون هذا الستثناء
المراد به من كان منهم من أهل التوحيد ودخل النار بالفسق والفجور وكبير الذنوب بإغواء
الشياطين له فإنه يخرج من النار بإيمانه ،ويكون معنى (ما) (من) أي إل من شاء ال .وال أعلم
بمراده ،وقوله في ختام الية{ ،إن ربك حكيم عليم} ،ومن مظاهر حكمنه وعلمه إدخال أهل الكفر
والمعاصي النار أجمعين النس والجن سواء.
هداية اليات
من هداية اليات .:
-1بيان سنة ال تعالى في الهداية والضلل.
-2بيان صعوبة وشدة ما يعاني الكافر إذا عرض عليه اليمان.
-3القلوب الكافرة يلقى فيها كل ما ل خير فيه من الشهوات والشبهات وتكون مقرا للشيطان.
-4فضيلة الذكر المنتج للتذكر الذي هو التعاظ فالعمل.
-5ثبوت التعاون بين أخباث النس والجن على الشر والفساد.
-6إرادة ال مطلقة يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فل يؤثر فيها شيء.
__________
1المثوى المقام أي النار موضع مقامكم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
2ذكر المفسرون أقوالً كثيرة في هذا الستثناء وما ذكرته في التفسير أحسن ما يؤول به هذا
الستثناء اللهي في هذه الية وفي آية هود.
( )2/118
سلٌ
ن وَالِنسِ أََلمْ يَأْ ِتكُمْ ُر ُ
َوكَذَِلكَ ُنوَلّي َب ْعضَ الظّاِلمِينَ َب ْعضًا ِبمَا كَانُواْ َيكْسِبُونَ( )129يَا َمعْشَرَ الْجِ ّ
علَى أَنفُسِنَا وَغَرّ ْتهُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا
شهِدْنَا َ
مّنكُمْ َي ُقصّونَ عَلَ ْيكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُو َنكُمْ ِلقَاء َي ْو ِمكُمْ َهذَا قَالُواْ َ
سهِمْ أَ ّنهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ( )130ذَِلكَ أَن لّمْ َيكُن رّ ّبكَ ُمهِْلكَ ا ْلقُرَى ِبظُلْ ٍم وَأَهُْلهَا
شهِدُواْ عَلَى أَنفُ ِ
وَ َ
عمّا َي ْعمَلُونَ()132
عمِلُواْ َومَا رَ ّبكَ ِبغَا ِفلٍ َ
غَافِلُونَ( )131وَِل ُكلّ دَرَجَاتٌ ّممّا َ
شرح الكلمات:
نولي بعض الظالمين بعضا :أي نجعل بعضهم أولياء بعض بجامع كسبهم الشر والفساد.
بما كانوا يكسبون :أي من الظلم والشر والفساد.
ألم يأتكم رسل منكم :الستفهام للتوبيخ والرسل جمع رسول من أوحى ال تعالى إليه شرعه وأمره
بإبلغه للناس ،هذا من النس أما من الجن فهم من يتلقون عن الرسل من النس ويبلغون ذلك
إخوانهم من الجن ،ويقال لهم النّذُر.
يقصون عليكم آياتي :يخبرونكم بما فيها من الحجج متتبعين ذلك حتى ل يتركوا شيئا إل بلغوكم
إياه وعرفوكم به.
وينذرونكم لقاء يومكم :أي يخوفونكم بما في يومكم هذا وهو يوم القيامة من العذاب والشقاء.
وأهلها غافلون :لم تبلغهم دعوة تعرفهم بربهم وطاعته ،ومالهم عليها من جزاء..
( )2/119
معنى اليات:
قوله تعالى{ :وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون} إخبار منه تعالى بسنته في
أهل الظلم وهي أن يجعل بعضهم أولياء بعض بمعنى يتوله بالنصرة والمودة بسبب الكسب السيئ
الذي يكسبونه على نحو موالة شياطين النس للجن فالجامع بينهم الخبث والشر وهؤلء الجامع
بينهم الظلم والعدوان ،ول مانع من حمل هذا اللفظ على تسليط الظالمين بعضهم على بعض على
حد :ول ظالم إل سيبتلى بأظلم .1كما أنه تعالى سيوالي يوم القيامة إدخالهم النار فريقا بعد فريق
وكل هذا حق وصالح لدللة اللفظ عليه.
وقوله تعالى{ :يا معشر الجن والنس} إخبار منه تعالى بأنه يوم القيامة ينادي الجن والنس موبخا
لهم فيقول{ :ألم يأتكم رسل منكم 2يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا} أي ألم يأتكم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
رسل من جنسكم تفهمون عنهم ويفهمون عنكم {يقصون عليكم آياتي} أي يتلونها عليكم ويخبرونكم
بما تحمله آياتي من حجج وبراهين لتؤمنوا بي وتعبدوني وحدي دون سائر مخلوقاتي ،وينذرونكم
أي يخوفونكم ،لقاء يومكم هذا الذي أنتم الن فيه وهو يوم القيامة والعرض على ال تعالى .وما
يتم فيه من جزاء على العمال خيرها وشرها وأن الكافرين هم أصحاب النار .فأجابوا قائلين:
شهدنا على أنفسنا -وقد سبق أن غرتهم 3الحياة الدنيا فواصلوا الكفر والفسق والظلم{ -وشهدوا
على أنفسهم 4أنهم كانوا كافرين}.
هذا ما دلت عليه اليتان الولى والثانية أما الثالثة ( )131فقد تضمنت الشارة إلى علة إرسال
الرسل إلى النس والجن إذ قال تعالى {ذلك 5أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم 6
__________
1في هذا المعنى قول الشاعر:
وما من يد إل يد ال فوقها ...ول ظالم إلّ سيبلى بظالم
2قوله منكم فيه تغليب الثر على الجن في الخطاب كما يغلب المذكر على المؤنث إذ الرسل من
النس ل غير ومن الجن نذر ينذرونهم بما يتلقونه عن الرسل من النس كما قال تعالى {فلما
قُضي ولوّا إلى قومهم منذرين} وشاهد آخر في قوله تعالى {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} ،
المراد البحر الملح فقط وفي وصف الرسل بلفظ منكم زيادة في إقامة الحجة عليهم.
3غرتهم إذ عجلت لهم طيباتهم فيها فانفردوا بزخارفها وزينتها وطول العمر فيها.
4قال مقاتل هذا معنى شهدت عليهم الجوارح بالشرك.
5ذلك في موضع رفع أي المر ذلك وإن مخففة من الثقيلة أي المشددة واسمها ضمير الشأن
محذوف وذلك لن هذا الخبر له شأن يجدر أن يعرف والتقدير المر ذلك لنه -أي الشأن -لم
يكن ربك مهلك القرى بظلم الخ.
6الباء في بظلم سببية أي بسبب ظلمهم وجملة وأهلها غافلون حالية.
( )2/120
وأهلها غافلون} أي ذلك الرسال كان لجل أنه تعالى لم يكن من شأنه ول مقتضى حكمته أنه
يهلك أهل القرى بظلم منه وما ربك بظلم للعبيد ول بظلم منهم وهو الشرك والمعاصي وأهلها
غافلون لم يؤمروا ولم ينهوا ،ولم يعلموا بعاقبة الظلم وما يحل بأهله من عذاب.
وفي الية الخيرة ( )132أخبر تعالى أن لكل عامل 1من خير أو شر درجات من عمله إن كان
العمل صالحا فهي درجات في الجنة ،وإن كان العمل سيئا فاسدا فهي دركات في النار ،وهذا يتم
حسب علم ال تعالى بعمل كل عامل وهو ما دل عليه قوله{ ،وما ربك بغافل عما يعملون}.
هداية اليات
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
من هداية اليات:
-1بيان سنة ال تعالى في أن العمال هي سبب الموالة بين النس والجن فذو العمل الصالح
يوالي أهل الصلح ،وذو العمل الفاسد يوالي أهل الفساد.
-2التحذير من الغترار بالحياة الدنيا.
-3بيان العلة في إرسال الرسل وهي إقامة الحجة على الناس ،وعدم إهلكهم قبل الرسال إليهم.
-4العمال بحسبها يتم الجزاء فالصالحات تكسب الدرجات ،والظلمات تكسب الدركات.
حمَةِ إِن يَشَأْ ُيذْهِ ْبكُ ْم وَيَسْ َتخِْلفْ مِن َبعْ ِدكُم مّا َيشَاء َكمَآ أَنشََأكُم مّن ذُرّيّةِ َقوْمٍ
وَرَ ّبكَ ا ْلغَنِيّ ذُو الرّ ْ
عمَلُواْ عَلَى َمكَانَ ِتكُمْ إِنّي
ت َومَا أَنتُم ِب ُمعْجِزِينَ(ُ )134قلْ يَا َقوْمِ ا ْ
آخَرِينَ( )133إِنّ مَا تُوعَدُونَ ل ٍ
سوْفَ َتعَْلمُونَ
عَا ِملٌ َف َ
__________
1لكل عامل أي من النس والجن.
( )2/121
( )2/122
ولذا سوف يجزي كلً بعمله خيرا كان أو شرا وهو على ذلك قدير.
هذا ما دلت عليه اليتان الولى والثانية أما الية الثالثة ( )135فقد تضمنت أمر ال تعالى
للرسول أن يقول للمشركين من قومه وهم كفار قريش بمكة {اعملوا 1على مكانتكم} ما دمتم
مصرين على الكفر والشرك {إني عامل} على مكانتي فسوف 2تعلمون من تكون له عاقبة دار 3
الدنيا وهي الجنة دار السلم أنا أم أنتم مع العلم أن الظالمين ل يفلحون بالنجاة من النار ودخول
الجنان ،ول شك أنكم أنتم الظالمون بكفركم بال تعالى وشرككم به.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1تقرير غنى ال تعالى المطلق عن سائر خلقه.
-2بيان قدرة ال تعالى على إذهاب الخلق كلهم والتيان بآخرين غيرهم.
-3صدق وعد ال تعالى وعدم تخلفه.
-4تهديد المشركين بالعذاب إن هم أصروا على الشرك والكفر والذي دل عليه قوله {اعملوا على
مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار} الدنيا {إنه ل يفلح الظالمون}.
ع ِمهِ ْم وَ َهذَا لِشُ َركَآئِنَا َفمَا كَانَ
جعَلُواْ لِلّهِ ِممّا ذَرَأَ مِنَ ا ْلحَ ْرثِ وَالَ ْنعَامِ َنصِيبًا َفقَالُواْ هَذَا ِللّهِ بِزَ ْ
وَ َ
صلُ إِلَى اللّهِ َومَا كَانَ لِّلهِ َف ُهوَ َيصِلُ إِلَى شُ َركَآ ِئهِمْ
لِشُ َركَآ ِئهِمْ فَلَ َي ِ
__________
1هذا المر للتهديد ،والمكانة هي المكان كالدارة والدار والمراد بها الحال التي عليها النسان من
قوة أو ضعف أو خير أو شر أو إصلح أو إفساد.
2الجملة تحمل التهديد الشديد وهي تشير إلى أن الرسول صلى ال عليه وسلم واثق من نصره
وحسن عاقبته وهو كذلك إذ ال تعالى الذي بيده المر هو الذي أمره أن يعلن عن هذا التهديد.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
3العاقبة لغة آخر المر وأثر عمل العامل ،فعاقبة كل شيء هي ما ينجلي عنه الشيء من نتيجة
وأثر وتأنيث العافية بالنظر إلى تأويلها بالحالة والحالة مؤنثة.
( )2/123
ح ُكمُونَ(َ )136وكَذَِلكَ زَيّنَ ِلكَثِيرٍ مّنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ قَ ْتلَ َأ ْولَدِ ِهمْ شُ َركَآؤُهُمْ لِيُ ْردُوهُ ْم وَلِيَلْ ِبسُواْ
سَاء مَا يَ ْ
عَلَ ْيهِمْ دِي َنهُ ْم وََلوْ شَاء اللّهُ مَا َفعَلُوهُ فَذَرْ ُه ْم َومَا َيفْتَرُونَ(َ )137وقَالُواْ َه ِذهِ أَ ْنعَا ٌم وَحَ ْرثٌ حِجْ ٌر لّ
ظهُورُهَا وَأَ ْنعَا ٌم لّ َي ْذكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَ ْيهَا افْتِرَاء عَلَيْهِ
ع ِمهِ ْم وَأَ ْنعَامٌ حُ ّر َمتْ ُ
ط َع ُمهَا ِإلّ مَن نّشَاء بِزَ ْ
يَ ْ
سَ َيجْزِيهِم ِبمَا كَانُواْ َيفْتَرُونَ(َ )138وقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ َه ِذهِ الَ ْنعَامِ خَاِلصَةٌ لّ ُذكُورِنَا َومُحَرّمٌ عَلَى
حكِيمٌ عَلِيمٌ( )139قَدْ خَسِرَ الّذِينَ قَتَلُواْ
صفَهُمْ إِنّهُ ِ
أَ ْزوَاجِنَا وَإِن َيكُن مّيْتَةً َف ُهمْ فِيهِ شُ َركَاء سَ َيجْزِيهِ ْم َو ْ
سفَهًا ِبغَيْرِ عِ ْل ٍم وَحَ ّرمُواْ مَا رَ َز َقهُمُ الّلهُ افْتِرَاء عَلَى الّلهِ قَ ْد ضَلّو ْا َومَا كَانُواْ ُمهْتَدِينَ()140
َأ ْولَدَهُمْ َ
شرح الكلمات:
مما ذرأ :ما خلق.
من الحرث والنعام :الحرث كل ما يحرث له الرض من الزروع ،والنعام :البل والبقر
والغنم.
نصيبا :حظا وقدرا معينا.
لشركائنا :شركاؤهم أوثانهم التي أشركوها في عبادة الخالق عز وجل.
( )2/124
( )2/125
ما يحكمون} أي بئس الحكم حكمهم هذا وقبح صنيعا ،صنيعهم هذا ،وما جعلوه ل ينفقون على
الضيفان والفقراء ،وما جعلوه للشركاء ينفقونه على السدنة والمقيمين على الصنام والوثان.
هذا ما دلت عليه الية الولى أما الثانية ( )137وهي قوله تعالى {وكذلك زين لكثير من
المشركين قتل أولدهم شركاؤهم} يريد وكذلك التحكم الباطل والدعاء الكاذب في جعل ل شيئا
مما ذرأ من الحرث والنعام ،ثم عدم العدل بين ال تعالى وبين شركائهم زين لكثير من المشركين
شركاؤهم وهم شياطينهم من الجن والنس قتل أولدهم كالمؤودة من البنات خوف العار ،وكقتل
الولد الصغار خوف الفقر ،أو لنذرها لللهة ،1وفعل الشياطين ذلك من أجل أن يردوهم أي
يهلكوهم ،ويلبسوا عليهم دينهم 2الحق أن يخلطوه لهم بالشرك ،وهو معنى قوله تعالى {ليردوهم 3
وليلبسوا عليهم دينهم} وقوله تعالى{ :ولو شاء ال ما فعلوه} هو كما قال إذ لو أراد تعالى منعهم
من ذلك لمنعهم 4وهو على كل شيء قدير ،إذا فذرهم أيها الرسول وما يفترون من الكذب في
هذا التشريع الجاهلي الباطل القبيح.
هذا ما دلت عليه الية الثانية أما الثالثة ( )138وهي قوله تعالى{ :وقالوا هذه أنعام وحرث حجر
5ل يطعمها إل من نشاء بزعمهم ،وأنعام حرمت ظهورها ،وأنعام ل يذكرون اسم ال عليها
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
افتراء عليه}.
فقد تضمنت هذه الية ثلثة ضروب من تشريع الجاهلية وأباطيلهم:
الول :تحريمهم بعض النعام والحرث وجعلها ل ولللهة التي يعبدونها مع ال.
الثاني :أنعام أي إبل حرموا ركوبها كالسائبة والحام.
الثالث :إبلٌ ل يذكرون اسم ال عليها فل يحجون عليها ول يذكرون اسم ال عليها إن ركبوها
بحال ول إن حملوا عليها.
__________
1كما نذر عبد المطلب ولده عبدال لللهة ،ثم فداه بمائة من البل.
2فإن قيل :وهل كان لهم دين حق؟ الجواب :نعم كان لهم دين حق وهو ما جاءهم به إسماعيل
بن إبراهيم عليه السلم وبطول الزمان وفتنة الشيطان فسد عليهم.
3اللم هنا لم العاقبة والصيرورة.
4في هذا رد على القدرية وفيه تسلية للرسول صلى ال عليه وسلم وتخفيف عليه.
5في لفظ حجر الفتح والضم والكسر ومعناه المنع وسمي العقل حجرا لنه يمنع من قول وفعل
القبيح وحجر القاضي على المفلس منعه من التصرف في المال وهو مشتق من الحرج بالكسر
وهي لغة في الحرج الذي هو الضيق والثم.
( )2/126
وقوله تعالى في ختام الية {افتراء عليه} أي كذبا على ال تعالى لنه تعالى ما حرم ذلك عليهم
وإنما حرموه هم بأنفسهم وقالوا حرمه ال علينا ،ولذا توعدهم ال تعالى على كذبهم هذا بقوله:
{سيجزيهم بما كانوا يفترون} أي سيثيبهم الثواب الملئم لكذبهم وهو العذاب الخروي.
هذا ما دلت عليه الية الثالثة أما الية الرابعة ({ )139وقالوا ما في بطون هذه النعام خالصة
لذكورنا ومحرم على أزواجنا ،وإن يكن ميتا فهم فيه شركاء} فقد تضمنت تشريعا آخر باطلً
اختلقوه بأنفسهم وزعموا أن ال شرعه لهم وهو أنهم حرموا ما في بطون بعض النعام على
الناث ،وجعلوها حللً للذكور خالصة لهم دون النساء فل يشرب النساء من ألبانها ول يأكلن
لحوم أجنتها إن ذبحوها ول ينتفعن بها بحال ،اللهم إل أن ولد الجنين ميتا فإنهم ل يحرمونه على
النساء ول يخصون به الذكور فيحل أكله للنساء والرجال معا ،ولذا توعدهم تعالى بقوله
{سيجزيهم وصفهم 1إنه حكيم عليم} أي سيثيبهم على هذا الكذب بما يستحقون من العذاب إنه
حكيم في قضائه عليم 2بعباده.
هذا ما دلت عليه الية الرابعة أما الخامسة ( )140فقد أخبر تعالى بخسران أولئك المشرعين
وضللهم وعدم هدايتهم بقوله {قد خسر الذين قتلوا أولدهم سفها} أي جهلً {بغير 3علم ،وحرموا
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ما رزقهم ال} مما سبق ذكره {افتراءً على ال} كذبا {قد ضلوا! وما كانوا مهتدين}.
هداية اليات.
من هداية اليات:
-1حرمة البتداع في الدين والتشريع المنافي لشرع ال تعالى وإن لم ينسب إلى ال تعالى.
-2ما ينذره الجهال اليوم من نذور للولياء وإعطائهم شيئا من النعام والحرث والشجر هو من
عمل المشركين زينه الشيطان لجهال المسلمين.
-3حرمة قتل النفس لي سبب كان وتحديد النسل اليوم وإلزام المة به من بعض
__________
1أي كذبهم وقيل في الوصف كذب لنهم وصفوا بعض الجنة بالحرمة وبعضا آخر بالحلية وهو
كقوله تعالى من سورة النحل {ول تقولوا لما تصف ألسنتكم هذا حلل وهذا حرام}.
2قال القرطبي في الية دليل على أن العالم ينبغي له أن يتعلم قول مخالفه وإن لم يأخذ به حتى
يعرف فساد قوله ويعلم كيف يرد عليه لن ال تعالى علّم نبيه وأصحابه قول من خالفهم في
زمانهم ليعرفوا فساد قولهم.
3في الية دليل واضح على حرمة القول بدون علم وكذا العتقاد والعمل فل يحل لحد أن يعتقد
أو بقول أو يعمل بدون علم شرعي قد تمكن من معرفته.
( )2/127
الحكام من عمل أهل الجاهلية الذين قتلوا أولدهم سفها بغير علم كقتل البنات خشية العار والولد
خشية الفقر.
ن وَال ّرمّانَ
ل وَالزّ ْرعَ مُخْتَِلفًا ُأكُلُ ُه وَالزّيْتُو َ
خَت وَالنّ ْ
وَ ُهوَ الّذِي أَنشَأَ جَنّاتٍ ّمعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ َمعْرُوشَا ٍ
حبّ
حصَا ِد ِه َولَ تُسْ ِرفُواْ إِنّهُ لَ ُي ِ
حقّهُ َي ْومَ َ
مُتَشَا ِبهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن َثمَ ِرهِ ِإذَا أَ ْثمَ َر وَآتُواْ َ
طوَاتِ الشّيْطَانِ إِنّهُ
خُحمُولَةً َوفَرْشًا كُلُواْ ِممّا رَ َز َق ُكمُ اللّ ُه َولَ تَتّ ِبعُواْ ُ
ن الَ ْنعَامِ َ
ا ْلمُسْ ِرفِينَ(َ )141ومِ َ
ن َومِنَ ا ْل َمعْزِ اثْنَيْنِ ُقلْ آل ّذكَرَيْنِ حَرّمَ َأ ِم الُنثَيَيْنِ
ع ُدوّ مّبِينٌ(َ )142ثمَانِيَةَ أَ ْزوَاجٍ مّنَ الضّأْنِ اثْنَيْ ِ
َلكُمْ َ
ن َومِنَ الْ َبقَرِ
ن الِ ْبلِ اثْنَيْ ِ
َأمّا اشْ َتمََلتْ عَلَيْهِ أَرْحَا ُم الُنثَيَيْنِ نَ ّبؤُونِي ِبعِلْمٍ إِن كُن ُت ْم صَا ِدقِينَ(َ )143ومِ َ
ش َهدَاء ِإ ْذ َوصّاكُمُ اللّهُ
علَيْهِ أَ ْرحَا ُم الُنثَيَيْنِ َأمْ كُنتُمْ ُ
اثْنَيْنِ ُقلْ آل ّذكَرَيْنِ حَرّمَ أَ ِم الُنثَيَيْنِ َأمّا اشْ َتمََلتْ َ
ضلّ النّاسَ ِبغَيْرِ عِ ْلمٍ إِنّ اللّ َه لَ َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ(
ِبهَذَا َفمَنْ َأظْلَمُ ِممّنِ افْتَرَى عَلَى الّلهِ كَذِبًا لِ ُي ِ
)144
( )2/128
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شرح الكلمات:
أنشأ جنات :خلق جنات جمع جنة وهي البستان.
معروشات :ما يعمل له العريش من العنب ،وما ل يعرش له من سائر الشجار.
مختلفا أكله :أي ثمره الذي يأكل منه.
متشابها :في الورق وغير متشابه في الحب والطعم.
حقه :ما وجب فيه من الزكاة.
يوم حصاده :يوم حصاده إن كان حبا وجذاذه إن كان نخلً.
ول تسرفوا :في إخراجه:أي بأن ل تبقوا لعيالكم منه شيئا.
حمولة :الحمولة ما يحمل عليها من البل.
وفرشا :الفرش الصغار من الحيوان.
خطوات الشيطان :مسالكه في التحريم والتحليل للضلل والغواية.
أم ما اشتملت عليه أرحام النثيين :أنثى الضأن وأنثى الماعز ذكرا كان أو أنثى.
نبئوني بعلم :خبروني بأيهما حرم بعلم صحيح ل بوسواس الشياطين.
أم كنتم شهداء :أي حاضرين وقت تحريمه تعالى ذلك عليهم إن كان قد حرمه كما تزعمون.
معنى اليات:
لما توعد الحق تبارك وتعالى المفترين عليه حيث حرموا وحللوا ما شاءوا ونسبوا ذلك إليه افتراء
عليه تعالى ،وما فعلوه ذلك إل لجهلهم بال تعالى وعدم معرفتهم بعلمه وقدرته وإل لما اتخذوا له
أندادا من الحجار وقالوا :شركاؤنا ،وشفعاؤنا عند ال .ذكر تعالى في هذه اليات الربع ظاهر
قدرته وعلمه وحكمته وأمره ونهيه وحجاجه في إبطال تحريم المشركين ما أحل ال لعباده فقال
تعالى{ :وهو الذي أنشأ جنات }1أي بساتين وحدائق من العنب
__________
1الجنّات :جمع جنة وهي البستان وسمي البستان جنة لنه لكثرة أشجاره يجن أي يستر الكائن
فيه ،وسمي الجنين في البطن جنينا لجتنانه واستتاره ببطن أمه.
( )2/129
معروشات 1أي محمول شجرها على العروش التي توضع للعنب ليرتفع فوقها وغير معروشات
أي غير معرش لها ،وأنشأ النخل والزرع مختلفا ثمره وطعمه ،وأنشأ الزيتون والرمان متشابها
في الورق ،وغير متشابه في الحب والطعم أيضا .وأذن تعالى في أكله وأباحه وهو مالكه وخالقه
فقال{ :كلوا من ثمره إذا أثمر} أي نضج بعض النضج وأمر بإخراج الواجب فيه وهو الزكاة فقال
{وآتوا حقه يوم 2حصاده} أي بعد درسه وتصفيته إذ ل يعطى السنبل ،ونهى عن السراف وهو
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
تجاوز الحد في إخراج الزكاة غلوا حتى ل يبقوا لمن يعولون ما يكفيهم ،فقال{ :ول تسرفوا إنه ل
يحب 3المسرفين} وأنشأ من النعام :البل والبقر والغنم {حمولة} وهي ما يحمل عليها لكبرها
{وفرشا} وهي الصغار التي ل يحمل عليهما ،وأذن مرة أخرى في الكل مما رزقهم سبحانه
وتعالى من الحبوب والثمار واللحوم وشرب اللبان ،فقال{ :كلوا مما رزقكم ال} ونهى عن اتباع
مسالك الشيطان في تحريم ما أحل ال وتحليل ما حرم فقال{ :ول تتبعوا خطوات الشيطان} وعلل
للنهي فقال{ :إنه لكم عدو مبين} ومن عرف عدوه اتقاه ولو بالبعد عنه ،وأنشأ {ثمانية أزواج من
الضأن اثنين}.
وهما الكبش والنعجة{ ،ومن المعز اثنين} وهما التيس والعنزة ،وأمر رسوله أن يحاج المفترين في
التحريم والتحليل فقال له {قل} يا رسولنا لهم {آلذكرين 4حرم } ال عليكم {أم النثيين أم ما
اشتملت عليه أرحام النثيين} أي النعجة والعنزة {نبؤني بعلم إن كنتم صادقين} فإن قلتم حرم
الذكرين فلزم ذلك جميع الذكور حرام ،وإن قلتم حرم النثيين
فلزمه أن جميع الناث حرام وإن قلتم حرم ما اشتملت عليه أرحام النثيين فكل ما ولد منهما
حرام ذكرا كان أو أنثى فكيف إذا حرمتم البعض وحللتم البعض فبأي علم أخذتم نبوئوني به إن
كنتم صادقين وقوله تعالى {ومن البل اثنين} وهما الناقة والجمل{ ،ومن البقر اثنين} وهما الثور
والبقرة {قل آلذكرين 5حرم أم النثيين أمّا اشتملت عليه أرحام 6
__________
1وقيل المعروشات :ما يعني به من الشجر على اختلفه ،وغير المعروشات وهو شجر البوادي
والجبال وما في التفسير أولى لقوته ودللة اللفظ عليه.
2كان قبل فريضة الزكاة يتعين على عن حصد أو جد ثمره وأتاه المساكين أن يعطيهم شيئا مما
بين يديه قل أو كثر ولما فرضت الزكاة وحددت مقاديرها خصص هذا بها حيث بُين الحق
المجمل هنا.
3في الية دليل حرمة السراف وهو محرم في كل شيء وهو الخروج عن حد العتدال
والقصد.
4الستفهام للنكار أي ينكر عليهم أن يكون ال حرم ذلك.
5إبطال لما حرموا من البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي.
6إبطال لقولهم :ما في بطون هذه النعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا.
( )2/130
النثيين} ،فهل حرم الذكرين أو النثين هذه الزواج الربعة فإن حرم الذكرين فسائر الذكور
محرمة ،وإن حرم النثيين فسائر الناث محرمة ،أم ما اشتملت عليه أرحام النثيين وحينئذ يكون
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
كل مولود منهما محرما ذكرا كان أو أنثى ،وبهذا تبين أنكم كاذبون على ال مفترون فال تعالى لم
يحرم من هذه الزواج الثمانية شيئا ،وإنما حرم الميتة ،وما لم يذكر اسم ال عليه.
وقوله تعالى {أم كنتم شهداء إذ وصاكم ال} بهذا التحريم فهو تبكيت لهم وتقريع ،إذ لم يحرم ال
تعالى هذا الذي حرموه ،ولم يوصهم بذلك ولم يكونوا حال الوصية حضورا ،وإنما هو الفتراء
والكذب على ال تعالى.
وأخيرا سجل عليهم أنهم كذبة ظالمون مضلون وخيرهم بغير علم ،وأنهم ل يستحقون الهداية فقال
عز وجل{ :فمن أظلم ممن افترى على ال كذبا ليضل 1الناس بغير علم إن ال ل يهدي القوم
الظالمين}.
هداية اليات.
من هداية اليات :
-1إباحة أكل التمر والعنب والرمان والزيتون.
-2وجوب الزكاة في الزيتون والتمر والحبوب إذا بلغت النصاب وهو خمسة أوسق والوسق
ستون صاعا ،والصاع أربع حفنات.
-3جواز الكل من الثمر قبل جذاذه وإخراج الزكاة 2منه.
-4حرمة السراف في المال بأن ينفقه فيما ل يعنى ،أو ينفقه كله ولم يترك لهله شيئا.
-5إباحة أكل بهيمة النعام وهي ثمانية أزواج ،ضأن 3وماعز ،وإبل وبقر وكلها ذكر وأنثى.
-6إبطال تشريع الجاهلية في التحريم والتحليل ،فالحلل ما أحله ال ورسول والحرام
__________
1يدخل في هذه الخطاب دخولً أوليا عمرو بن لحىّ أذ هو أول من جلب الصنام للحجاز ويدخل
فيه كذلك أول من سيب السوائب الخ..
2الضأن من ذوات الصوف والمعز من ذوات الشعر.
3اختلف في زكاة التين والراجح أنه إذا بلغ خمسة أوسق بعد يبسه يزكى لنه يدخر ويقتات
واختلف في الخرص للثمر والعنب والجمهور على جوازه للحديث الوارد في ذلك وهو "وإنما كان
أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم بالخرص لكي تحصى الزكاة قل أن تؤكل الثمار وتفرق".
رواه الدار قطني.
( )2/131
( )2/132
( )2/133
هذا معنى قوله تعالى{ :قل ل أجد فيما أوحي 1إلي مجرما على طاعم يطعمه إل أن يكون ميتة
أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير ال به}.
وقوله تعالى {فمن اضطر غير باغ ول عاد} أي غير ظالم بأكل الميتة وما ذكر معها وذلك بأن
يأكلها تلذذا بها ل دفعا لغائلة الموت وهو كاره لكلها {ول عاد} أي غير متجاوز القدر الذي أبيح
له وهو ما يدفع به غائلة الموت عن نفسه {فإن ربك غفور رحيم} ومن مظاهر مغفرته ورحمته
أنه أذن للمضطر بالكل مما هو حرام في الضرورة.
هذا ما دلت عليه الية الولى ( )145أما الية الثانية فبعد أن بين تعالى أنه لم يحرم على
المؤمنين غير ما ذكر من الميتة وما ذكر بعدها أخبر أنه حرم على اليهود أكل كل ذي ظفر وهو
ما ليس له أصابع مفرقة مثل البل والنعام والبط والوز ومن البقر والغنم حرم عليهم شحومهما
وهو الشحم اللصق بالكرش والكلى ،وأباح لهم من الشحوم ما حملته البقرة أو الشاة على
ظهرها ،وما كان لصقا بالماعز وهي الحوايا جمع حاوية وكذا الشحم المختلط بالعظام كشحم
اللية ،وشحم الجانب والذن والعين وما إلى ذلك.
هذا ما تضمنه قوله تعالى من الية الثانية {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر
والغنم حرمنا عليهم شحومهما إل ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم} ثم أخبر
تعالى بأن هذا التحريم عليهم كان عقوبة لهم بسبب ظلمهم وإجرامهم فقال {ذلك جزيناهم ببغيهم }2
أي ذلك التحريم منا عليهم كان جزاء ظلمهم ،وقوله {وإنا لصادقون} فيما أخبرنا به عنهم ،وهم
الكاذبون إذ قالوا إنما حرم هذا على إسرائيل ونحن أتباع له أما نحن فلم يحرم علينا شيء وإنهم
لكاذبون .وقوله تعالى {فإن كذبوك } 3أي اليهود فيما أخبرت به عنهم {فقل} لهم {ربكم ذو رحمة
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
واسعة }4ولذا لم يعاجلكم بالعقوبة وقد كذبتموه وكذبتم رسوله وافتريتم على رسله ،ولكن ليس
معنى ذلك أنكم نجوتم من
__________
1هل هذه الية منسوخة بآية المائدة؟ اختلف في ذلك والراجح أنها غير منسوخة إذ هي خبر
والخبار ل تنسخ وآية المائدة ذكرت المنخنقة وما بعدها وهي داخلة في حكم الميتة ،وما ذبح
على النصب داخل في وما أهل به لغير ال إذا فالية محكمة.
2من بغيهم قتلهم النبياء وأكل الربا وتبرج النساء واستحلل المحرمات بالحيل والفتاوى الفاسدة.
3قيل إن المراد بالمكذبين المشركون ،وقيل اليهود وكلهما مكذب وكافر واللفظ يصدق عليهما
معا.
4من مظاهر رحمته أنه يحلم على العصاة وينظرهم ويمهلهم لعلهم يتوبون فعدم تعجيله العقوبة
هو دليل رحمته الواسعة.
( )2/134
( )2/135
( )2/136
وقوله تعالى {قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا} يأمر ال تعالى رسوله أن يقول للمذنبين
العادلين بربهم {هل عندكم من علم فتخرجوه } أي ليس لديكم علم على ما تدعونه فتخرجوه لنا،
{إن تتبعون 1إل الظن} أي ما تتبعون في دعاويكم الباطلة إل الظن{ ،وإن أنتم إل تخرصون} أي
وما أنتم إل تخرصون أي تقولون بالحزر والخرص فتكذبون ،وقوله تعالى {قل فلله 2الحجة
البالغة} أي يعلم رسوله أن يقول لهم بعد أن دحض شبهتهم وأبطلها إن لم تكن لكم حجة فلله
الحجة البالغة ،ومع هذا {فلو شاء} هدايتكم {لهداكم أجمعين} وهو على ذلك قدير ،وإنما حكمه في
عباده وسنته فيهم أن يكلفهم اختبارا لهم ويوضح الطريق لهم ويقيم الحجة عليهم ،فمن اهتدى
فلنفسه ،ومن ضل فعليها.
هذا ما دلت عليه اليتان الولى والثانية وأما الية الثالثة ( )150وهي قوله تعالى{ :قل هلم
شهداءكم 3الذين يشهدون أن ال حرم هذا} أي الذين حرمتموه فإنهم ل يستطيعون أن يأتوا بهم
"{فإن شهدوا فل نشهد معهم}" وإن فرضنا أنهم يأتون بشهداء باطل يشهدون 4فل تقرهم أنت أبها
الرسول على باطلهم بل بين لهم بطلن ما ادعوه ،فإنهم ل يتبعون في دعاويهم إل الهواء ،وعليه
{ل تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا ،والذين ل يؤمنون بالخرة وهم بربهم يعدلون} ،وقد جمع
هؤلء المشركون كل هذه العظائم من الذنوب التكذيب بآيات ال ،وعدم اليمان بالخرة ،والشرك
بربهم فكيف يجوز اتباعهم وهم مجرمون ضالون.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1بطلن الحتجاج بالقدر على فعل المعاصي والستمرار فيها.
-2ل حجة إل في قام على أساس العلم الصحيح.
-3الحكمة في عدم هداية الخلق كلهم مع قدرة ال تعالى على ذلك هو التكليف
__________
1إن في الموضعين نافيه بمعنى (ما) كما هي في التفسير.
2فال الفاء هنا هي الفاء الفصيحة إذ هي مفصحة عن كلم سابق ترتب عليه ما بعدها ترتب
الجزاء على الشرط تقديره هنا فإن كان قولكم لمجرد إتباع الظن والخرص والحزر ول علم لكم
فلله تعالى الحجة البالغة التي تصل إلى الحقيقة وتؤكدها وتبطل ما عداها.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
3المر هنا للتعجيز والشهداء جمع شهيد بمعنى شاهد.
4أي كذبهم واعلم بأنهم شهداء زور فقوله تعالى فل تشهد معهم معناه كذبهم ول تقرهم فإنهم
شهداء زور ل غير.
( )2/137
والبتلء .
– 4مشروعية الشهادة وحضور الشهود.
-5عدم إقرار شهادة الباطل وحرمة السكوت عنها.
– 6حرمة اتباع أصحاب الهواء الذين كذبوا بآيات ال.
ُقلْ َتعَاَلوْاْ أَ ْتلُ مَا حَرّمَ رَ ّب ُكمْ عَلَ ْيكُمْ َألّ تُشْ ِركُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِا ْلوَالِدَيْنِ ِإحْسَانًا َولَ َتقْتُلُواْ َأ ْولَ َدكُم مّنْ
ظهَرَ مِ ْنهَا َومَا بَطَنَ وَلَ َتقْتُلُواْ ال ّنفْسَ الّتِي حَرّمَ
إمْلَقٍ نّحْنُ نَرْ ُز ُقكُ ْم وَإِيّا ُه ْم َولَ َتقْرَبُواْ ا ْلفَوَاحِشَ مَا َ
حسَنُ حَتّى
اللّهُ ِإلّ بِا ْلحَقّ ذَِلكُ ْم َوصّاكُمْ ِبهِ َلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ(َ )151ولَ َتقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ ِإلّ بِالّتِي ِهيَ أَ ْ
س َعهَا وَإِذَا قُلْ ُتمْ فَاعْدِلُو ْا وََلوْ كَانَ ذَا
ل وُ ْ
ط لَ ُنكَّلفُ َنفْسًا ِإ ّ
سِيَبْلُغَ َأشُ ّد ُه وََأ ْوفُواْ ا ْلكَ ْيلَ وَا ْلمِيزَانَ بِا ْلقِ ْ
قُرْبَى وَ ِب َعهْدِ اللّهِ َأ ْوفُواْ ذَِلكُمْ وَصّاكُم ِبهِ َلعَّلكُمْ َت َذكّرُونَ( )152وَأَنّ هَذَا صِرَاطِي مُسْ َتقِيمًا فَاتّ ِبعُوهُ
وَلَ تَتّ ِبعُواْ السّ ُبلَ فَ َتفَرّقَ ِب ُكمْ عَن سَبِيِلهِ ذَِل ُك ْم َوصّاكُم بِهِ َلعَّلكُمْ تَ ّتقُونَ()153
شرح الكلمات :
اتل :اقرأ.
( )2/138
( )2/139
أولدكم 1من إملق نحن نرزقكم وإياهم} فهذا المحرم الثالث وهو قتل الولد من الملق الذي
هو الفقر وهذا السبب غير معتبر إذ ل يجوز قتل الولد بحال من الحوال وإنما ذكر لن
المشركين كانوا يقتلون أطفالهم لجله وقوله تعالى {نحن نرزقكم وإياهم} تعليل للنهي عن قتل
الولد من الفقر إذ مادام ال تعالى يرزقكم أنتم أيها الباء ويرزق ابناءكم فلم تقتلونهم؟ وفي
الجملة بشارة للب الفقر بأن ال تعالى سيرزقه هو وأطفاله فليصبر وليرج ،ول يقتل أطفاله.
وقوله تعالى{ :ول تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن } .هذا المر الرابع مما حرم ال
تعالى ،وهو فعل الفاحشة التي هي الزنى وسواء ما كان منه ظاهرا أو باطنا والتحريم شامل لكل
خصلة قبيحة قد اشتد قبحها وفحش فأصبح فاحشة قولً كانت أو فعلً أو اعتقادا ،وقوله{ :ول
تقتلوا النفس التي حرم ال إل بالحق }2هذا هو المحرم الخامس وهو قتل النفس التي حرم ال
قتلها وهي كل نفس ما عدا نفس المحارب فإنها مباحة للقتل ،والحق الذي تقتل به النفس المحرمة
واحد من ثلثة وهي القود والقصاص فمن قتل نفسا متعمدا جاز قتله بها قصاصا .والزنى بعد
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الحصان فمن زنى وهو محصن وجب قتله رجما بالحجارة كفارة له ،والردة عن السلم ،وقد
بينت هذه الحقوق السنة فقد قال صلى ال عليه وسلم في الصحيح" :ل يحل دم امرىء مسلم إل
بإحدى ثلث النفس بالنفس والثيب الزاني ،والتارك لدينه المفارق للجماعة" وقوله تعالى في ختام
الية {لعلكم تعقلون} أي ليعدكم بترك هذه المحرمات الخمس لن تكونوا في عداد العقلء ،لن من
يشرك بربه صنما أو يسيء إلى أبويه أو يقتل أولده أو يفجر بنساء الناس أو يقتلهم ،ل يعتبر
عاقلً أبدا إذ لو كان له عقل ما أقدم على هذه العظائم من الذنوب والثام.
وفي الية الثانية وهي قوله تعالى {ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده ،3
وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ل نكلف نفسا إل وسعها ،وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان
__________
1استدل بهذه الية من قال بتحريم العزل ومثله اليوم استعمال الحبوب لمنع الحمل والجمهور
على الجواز للضرورة فقط لقول الرسول صلى ال عليه وسلم في العزل" :ذلك الوأد الخفي" فإنه
ان لم يدل على التحريم دل على الكراهية.
2قوله تعالى إل بالحق يخرج به نفس الكافر المحارب فقط فهي التي تقتل بحق الحرب والكفر،
وما عداها فكل نفس محرمة القتل ولذا حرم رسول ال صلى ال عليه وسلم نفس الكافر المعاهد
والذمّي بقول من قتل معاهدا في غير كنهه أي في غير الحقيقة التي توجب قتله كنقضه المعاهدة
مثلً .حرم ال عليه الجنة ،والحق الذي تقتل به النفس المحرمة القتل هو قتل النفس .وزنى
المحصن والردة والخروج عن إمام المسلمين والمفارقة للجماعة.
3قيل الشد مفرد ل جمع له بمنزلة النك أي الرصاص .وقيل واحده شدّ نحو فلس وافلس ،وهو
مأخوذ من شد النهار إذا ارتفع.
( )2/140
ذا قربى ،وبعهد ال أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون} ففي هذه الية جاء تحريم أربعة أمور
هي :كل مال اليتيم ،والتطفيف في الوزن ،والجور في القوال والحكام ،ونكث العهد .فقوله
تعالى{ :ول تقربوا مال اليتيم} أي بما ينقصه أو يفسده إل بالحالة التي هي أحسن له نماءً وحفظا
وقوله {حتى يبلغ أشده} بيان لزمن اليتم وهو من ولدته وفوت والده إلى أن يبلغ زمن الشد وهو
البلوغ ،والبلوغ يعرف بالحتلم أو نبات شعر العانة ،وفي الجارية بالحيض أو الحمل ،وببلوغ
الثامنة عشرة من العمر وعلى شرط أن يبلغ اليتيم 1عاقلً فإن كان غير عاقل يبقى في كفالة
كافله ،وقوله تعالى{ :وأوفوا الكيل 2والميزان بالقسط ل نكلف نفسا إل وسعها} أمر بتوفية الكيل
والوزن ،والمر بالشيء نهي عن ضده ،وبذا حرم بخس الكيل والوزن والتطفيف فيهما وقوله
{بالقسط} أي بالعدل بحيث ل يزيد ول ينقص ،وقوله {ل نكلف نفسا إل وسعها} أي طاقتها رفعا
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
للحرج عن المسلم في الكيل والوزن إذا هو نقص أو زاد بغير عمد ول تساهل.
وقوله تعالى {وإذا قلتم فاعدلوا 3ولو كان ذا قربى} هذا المحرم الثالث وهو قول الزور وشهادة
الزور ،إذ المر بالعدل في القول ولو كان المقول له أو فيه قريبا نهى عن ضده وهو الجور في
القول.
وقوله تعالى {وبعهد 4ال أوفوا} متضمن للمحرم الرابع وهو نكث العهد وخلف الوعد ،إذ المر
بالوفاء بالعهود نهي عن نكثها وعدم الوفاء بها ،وقوله تعالى {ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون}
إشارة إلى ما تضمنته هذه الية الثانية مما حرم تعالى على عباده ،وقوله {لعلكم تذكرون} أي
ليعدكم بذلك لن تذكروا فتتعظوا فتجتنبوا ما حرم عليكم .وقوله تعالى{ :وأن هذا صراطي
مستقيما فاتبعوه ول تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} هذه هي الية
الثالثة من آيات الوصايا العشر 5وقد تضمنت
__________
1لن الرشد ل يكون إل مع العقل وال يقول فإن آنستم منهم رشدا والرشد مقابل السفه وهو
إساءة التصرف فيما اسند إليه من مال وغيره.
2رد في التطفيف وعيد شديد قال تعالى ويل للمطففين ،وقال الرسول صلى ال عليه وسلم "ول
نقص قوم المكيال والميزان إل قطع عنهم الرزق.
3المر بالعدل في القول يتناول الحكام والشهادات.
4هذا الوفاء عام في كل ما عهد ال تعالى به إلى عباده من سائر الفرائض والواجبات وسائر
التكاليف كما يتضمن العهود التي تكون بين النسان وأخيه النسان.
5هذه الوصايا العشر موجودة في أول التوراة ومع السف أضاعها اليهود لشقائهم.
( )2/141
المر بالتزام السلم عقائدا وعبادات وأحكاما وأخلقا وآدابا ،كما تضمنت النهي عن إتباع غيره
من سائر الملل والنحل المعبر عنها بالسبل ،ومادام المر بالتزام السلم يتضمن النهي عن ترك
السلم فقد تضمنت الية تحريما أل وهو ترك السلم وإتباع غيره هذا الذي حرم ال تعالى على
عباده ل ما حرمه المشركون بأهوائهم وتزيين شركائهم وقوله تعالى { :ذلكم وصاكم به لعلكم
تتقون} إشارة إلى التزام السلم وترك ما عداه ليعدكم بذلك للتقوى وهي اتقاء غضب الرب تعالى
وعذابه.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1هذه الوصايا العشر عليها مدار السلم وسعادة النسان في الدارين كان عبدال بن مسعود
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يقول فيها "من سره أن ينظر إلى وصية رسول ال التي عليها خاتمه فليقرأ اليات الثلث من
آخر سورة النعام{ :قل تعالوا ....تتقون}.
-2حرمة الشرك وحقوق الوالدين وقتل الولد والزنى واللواط وكل قبيح من قول أو عمل أو
اعتقاد وقتل النفس إل بالحق ،وأكل مال اليتيم ،وبخس الكيل والوزن ،وقول الزور وشهادة
الزور ،ونكث العهد وخلف الوعد .والردة عن السلم ،وإتباع المذاهب الباطلة والطرق الضالة.
-3كمال المعقل باجتناب المحرمات الخمس الولى.
-4الحصول على ملكة المراقبة باجتناب المحرمات الربع الثانية.
-5النجاة من النار والخزي والعار في الدارين بالتزام السلم حتى الموت والبراءة من غيره من
سائر المذاهب 1والملل والطرق.
حمَةً ّلعَّلهُم بِِلقَاء
شيْ ٍء وَهُدًى وَرَ ْ
ثُمّ آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ َتمَامًا عَلَى الّ ِذيَ أَحْسَنَ وَتَ ْفصِيلً ّل ُكلّ َ
__________
1روى الدارمي عن ابن مسعود رضي ال عنه قال خط لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما
خطا ثم قال هذا سبيل ال ثم خط خطوطا عن يمينه وخطوطا عن يساره ثم قال هذه سبلٌ على كل
سبيل منها شيطان يدعو إليها .ثم قرأ هذه الية قل هذه سبيلي .وهذه صورة تقريبية.
( )2/142
( )2/143
موسى عليه السلم{ ،وتفصيلً لكل شيء} مما تحتاج إليه أمة بني إسرائيل في عقائدها ،وعباداتها
وأحكامها العامة والخاصة {وهدي} يتبينون به الحق والصواب{ ،ورحمة} لهم في دنياهم لما يحمله
من الدعوة إلى العدل والخير رجاء أن يوقنوا بلقاء ربهم.
هذا ما دلت عليه الية الولى وهي قوله تعالى{ :ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن
وتفصيلً لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم }1أي بني إسرائيل {يؤمنون} فيعملون
الصالحات ويتخلون عن المفاسد والشرور لما تجلبه لهم من غضب ال تعالى وعذابه.
أما الية الثانية ( )155فقد أشاد ال تعالى بالقرآن الكريم ممتنا بإنزاله وما أودع فيه من البركة
التي ينالها كل من يؤمن به ويعمل به ويتلوه تعبدا وتقربا وتعلما.
هذا معنى قوله تعالى{ :وهذا كتاب أنزلناه مبارك} وقوله {فاتبعوه }....2أمر للعباد بإتباع ما جاء
في القرآن الكريم من عقائد وعبادات وشرائع وأحكام فإن من اتبعه قاده إلى السعادة والكمال في
الحياتين ،وقوله {واتقوا 3لعلكم ترحمون} أي اتقوا ترك العمل به ليعدكم ذلك الذي هو متابعة
القرآن والتقوى للرحمة فترحمون في الدنيا والخرة.
وأما الية الثالثة وهي قوله تعالى{ :أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن
دراستهم لغافلين} فمعناها :إن ال تعالى أنزل الكتاب على رسوله محمد صلى ال عليه وسلم
وأمره بتلوته وإبلغه الناس لئل يقول الكافرون من العرب إنما أنزل الكتاب على طائفتين من
قبلنا اليهود والنصارى والمراد بالكتاب التوراة والنجيل{ ،وإن كنا عن دراستهم لغافلين} إذ لم
نعرف لغتهم ،ولم نعرف ما يقرأونه في كتابهم ،فتقوم الحجة لكم علينا فقطعا لهذه الحجة أنزلنا
الكتاب.
وقوله تعالى في الية الرابعة{ :أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة
من ربكم وهدى ورحمة} كما قطع تعالى عذرهم بإنزال كتابه الكريم لو قالوا يوم القيامة إنما أنزل
الكتاب على اليهود والنصارى ونحن لم ينزل إلينا شيء فلذا ما عرفنا ربنا ول عرفنا محابه
ومكارهه فنطيعه بفعل محابه وترك مكارهه ،قطع كذلك عذرهم لو قالوا
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
__________
1أي رجاء أن يؤمنوا بلقاء ربهم.
2أي اعملوا بما فيه متتبعين ما فيه من أوامر ونوه تفعلون المر وتتركون النهي.
3أي اتقوا تحريفه وتبديله كما فعلت اليهود.
( )2/144
لو أنا أنزل علينا الكتاب الهادي إلى الحق المعرف بالهدى لكنا أهدى من اليهود والنصارى الذين
أوتوا الكتاب قبلنا ،فقال تعالى {فقد جاءكم بينة من ربكم} وهو القرآن الكريم ورسوله المبلغ له
{وهدى ورحمة} أي وجاءكم الهدى والرحمة يحملهما القرآن الكريم ،فأي حجة بقيت لكم تحتجون
بها عند ال يوم القيامة إنكم إن لم تقبلوا هذه البينة وما تحمله من هدى ورحمة فقد كذبتم بآيات ال
وصدفتم عنها ول أحد أظلم ممن كذب بآيات ال وصدف عنها ،وسيجزيكم بما يجزي به المكذبين
بآيات ال الصادفين عنها.
هذا ما دلت عليه الية الرابعة ({ )157أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم} أي
كراهية أن تقولوا( .فقد جاءكم 1بينة من ربكم وهدى 2ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات ال
وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون}.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1بيان منة ال تعالى على موسى عليه السلم والثناء عليه لحسانه.
-2تقرير عقيدة البعث والجزاء يوم القيامة.
-الشادة بالقرآن الكريم ،وما أودع ال فيه من البركة والهدى والرحمة والخير.
-4قطع حجة المشركين بإنزال ال تعالى كتابه وإرسال رسوله محمد صلى ال عليه وسلم.
-5التنديد 3بالظلم ،وبيان جزاء الظالمين المكذبين بآيات ال المعرضين عنها.
َهلْ يَنظُرُونَ ِإلّ أَن تَأْتِيهُمُ ا ْلمَل ِئكَةُ َأوْ يَأْ ِتيَ رَ ّبكَ َأوْ يَأْ ِتيَ َب ْعضُ آيَاتِ رَ ّبكَ َيوْمَ يَأْتِي َب ْعضُ آيَاتِ
ك لَ يَنفَعُ َنفْسًا إِيمَا ُنهَا َلمْ َتكُنْ آمَ َنتْ مِن قَ ْبلُ َأوْ كَسَ َبتْ فِي إِيمَا ِنهَا خَيْرًا ُقلِ انتَظِرُواْ
رَ ّب َ
__________
1أي بطل عذركم بمجيء النبي المي صلى ال عليه وسلم لكم وهو البيّنة وسمي بينة لكماله
الخلقي والخلقي ولما معه من العلوم والمعارف اللهية وهو أميّ ل يقرأ ول يكتب.
2الهدى والرحمة المراد بهما ما في القرآن الكريم من هدى ورحمة للمؤمنين بقرينة .فمن أظلم
ممن كذب بآيات ال.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
3وفي الحديث الصحيح" :اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة" .وفي آخر الظلم يذر الديار
بل قع أي فقرا خالية.
( )2/145
مغربها إيذانا بقرب ساعة الفناء في هذه الحال يخبر تعالى أن نفسا لم تكن آمنت قبل ظهوره هذه
الية لو آمنت بعد ظهورها ل يقبل منها إيمانها ول تنتفع به لنه أصبح إيمانا اضطراريا ل
اختياريا ،كما أن نفسا آمنت به قبل الية ،ولكن لم نكسب في إيمانها خيرا وأرادت أن تكسب
الخير فإن ذلك ل ينفعها فل تثاب عليه ،لن باب التوبة مفتوح إلى هذا اليوم وهو يوم 1طلوع
الشمس من مغربها فإنه يغلق.
وقوله تعالى {قل انتظروا إنا منتظرون} يأمر ال رسوله أن يقول لولئك العادلين بربهم المصرين
على الشرك والتكذيب :مادمتم منتظرين انتظروا إنا منتظرون ساعة هلككم فإنها آتية ل محالة.
هذا ما تضمنته الية الولى ( )158أما اليتان بعدها فإن ال تعالى أخبر رسوله بأن الذين فرقوا
دينهم 2وكانوا شيعا أي طوائف وأحزابا وفرقا مختلفة كاليهود والنصارى ،ومن يبتدع من هذه
المة بدعا فيتابع عليها فيصبحون فرقا وجماعات ومذاهب مختلفة متطاحنة متحاربة هؤلء {لست
منهم في شيء} أي أنت بريء منهم ،وهم منك بريئون ،وإنما أمرهم إلى ال تعالى هو الذي يتولى
جزاءهم فإنه سيجمعهم يوم القيامة ثم ينبنهم بما كانوا يعملون من الشر والخير {من جاء بالحسنة
فله عشر أمثالها ،ومن جاء بالسيئة فل يجزى إل مثلها ،وهم ل يظلمون} من قبلنا فل ننقص
المحسن منهم حسنة من حسناته ،ول نضيف إلى سيئآته سيئة ما عملها ،هذا حكم ال فيهم.
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1إثبات صفة التيان في عرصات القيامة للرب تبارك وتعالى لفصل القضاء.
-2تقرير أشراط الساعة وإن طلوع الشمس منها وأنها متى ظهرت أغلق باب التوبة.
-3حرمة الفرقة في الدين وأن اليهود والنصارى فرقوا دينهم وأن أمة السلم أصابتها الفرقة
كذلك بل وهي أكثر لحديث وستفترق هذه المة على ثلث وسبعين فرقة.
__________
1روى البخاري عن أبي هريرة رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :ل تقوم
الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا رآها الناس آمن من عليها فذلك {حين ل ينفع نفسا
إيمانها لم تكن آمنت من قبل}.
2قرىء فارقوا دينهم أي تركوه وتخلوا عنه وقراءة الجمهور فرقوا بالتضعيف حيث أصبح لكل
فرقة اعتقاد وعمل خاص لها ومن فرّق فقد فارق أحب أم كره.
( )2/147
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-4براءة الرسول صلى ال عليه وسلم ممن فرقوا دينهم وترك المر ل يحكم بينهم بحكمه
العادل.
-5مضاعفة الحسنات ،وعدم مضاعفة السيئات عدل من ال ورحمة.
ُقلْ إِنّنِي هَدَانِي رَبّي إِلَى صِرَاطٍ مّسْ َتقِيمٍ دِينًا قِ َيمًا مّلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا َومَا كَانَ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ()161
ي َو َممَاتِي لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ( )162لَ شَرِيكَ لَ ُه وَ ِبذَِلكَ ُأمِ ْرتُ وَأَنَاْ
سكِي َومَحْيَا َ
ن صَلَتِي وَنُ ُ
ُقلْ إِ ّ
سبُ ُكلّ َنفْسٍ ِإلّ عَلَ ْيهَا َولَ
شيْ ٍء َولَ َت ْك ِ
َأ ّولُ ا ْل ُمسِْلمِينَ(ُ )163قلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَ ْبغِي رَبّا وَ ُهوَ َربّ ُكلّ َ
ج ُعكُمْ فَيُنَبّ ُئكُم ِبمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَِلفُونَ( )164وَ ُهوَ الّذِي
تَزِ ُر وَازِ َر ٌة وِزْرَ أُخْرَى ُثمّ إِلَى رَ ّبكُم مّرْ ِ
ضكُمْ َفوْقَ َب ْعضٍ دَرَجَاتٍ لّيَبُْل َوكُمْ فِي مَا آتَا ُكمْ إِنّ رَ ّبكَ سَرِيعُ
ف الَ ْرضِ وَ َرفَعَ َب ْع َ
جعََلكُمْ خَلَ ِئ َ
َ
ب وَإِنّهُ َل َغفُورٌ رّحِيمٌ ()165
ا ْل ِعقَا ِ
شرح الكلمات:
قيما :1أي مستقيما.
ملة إبراهيم :أي دين إبراهيم وهو السلم.
حنيفا :مائلً عن الضللة إلى الهدى.
ونسكي :ذبحي تقربا إلى ال تعالى.
ومحياي :حياتي.
أبغي ربا :أطلب ربا إلها معبودا أعبده.
ول تزر وازرة :أي ل تحمل نفس وازرة أي آثمة.
وزر أخرى :أي إثم نفس أخرى.
__________
1قيما مصدر على وزن شِبَع وصف به المنصوب وهو دينا ومعناه مستقيما ل عوج فيه وهو
السلم.
( )2/148
خلئف الرض :أي يخلف بعضكم بعضا جيل يموت وآخر يحيا إلى نهاية الحياة.
ليبلوكم فيما آتاكم :أي ليختبركم فيما أعطاكم من الصحة والمرض والمال والفقر والعلم والجهل.
معنى اليات:
في هذه اليات وهي خاتمة هذه السورة التي بلغت آياتها بضعا وستين ومائة آية وكانت كلها في
الحجاج مع العادلين بربهم وبيان طريق الهدى لهم لعلهم يؤمنون فيوحدون ويسلمون .في هذه
اليات أمر ال رسوله أن يعلن عن مفاصلته لولئك المشركين فقال له {قل إن صلتي ونسكي }1
أي ما أذبحه تقربا إلى ربي{ ،ومحياي} أي ما آتيه في حياتي {ومماتي} أي ما أموت عليه من 2
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الطاعات والصالحات {ل رب العالمين} وحده {ل شريك له وبذلك أمرت} أي أمرني ربي سبحانه
وتعالى{ ،وأنا أول المسلمين} ل يسبقني أحد أبدا .كما أمره أن ينكر على المشركين دعوتهم إليه
صلى ال عليه وسلم لن يعبد معهم آلهتهم ،ليعبدوا معه إلهه وقال { :قل أغير ال أبغي ربا} أي
أطلب إلها{ ،وهو رب كل شيء} أي ما من كائن في هذه الحياة إل وال ربه أي خالقه ورازقه،
وحافظه ،وأعلمه أنه ل تكسب نفس
من خير إل وهو لها ،ول تكسب من شر إل عليها ،وأنه {ول تزر وازرة وزر أخرى} أي ل
تحمل نفس مذنبة ذنب نفس مذنبة أخرى ،وأن مرد الجميع إلى ال تعالى {ثم إلى ربكم مرجعكم
فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون} أي ويقضي بينكم فينجو من ينجو ويهلك من يهلك ،كما أخبره أن
يقول{ :وهو الذي جعلكم خلئف الرض} أي يخلف بعضكم بعضا هذا يموت فيورث ،وهذا
الوارث يموت فيورث ،وقوله {ورفع بعضكم فوق بعض درجات} أي هذا غني وهذا فقير ،هذا
صحيح وهذا ضرير هذا عالم وذاك جاهل ،ثم علل تعالى لتدبيره فينا بقوله {ليبلوكم} أي يختبركم
فيما آتاكم ليرى الشاكر ويرى الكافر ولزم البتلء النجاح أو الخيبة فلذا قال {إن ربك سريع
العقاب وإنه لغفور رحيم} فيعذب الكافر ويغفر ويرحم الشاكر.
هداية اليات:
__________
1قيل المراد من الصلة هنا صلة العيد لمناسبة النسك وهو الذبح تقربا وقيل صلة نافلة
والعموم أولى .وكذا النسك يطلق على الذبح تقربا وهو مراد ها ويطلق على سائر العبادات من
الفرائض والنوافل لن النسك هو التعبد.
2وقال القرطبي في الية وما أوصى به بعد وفاتي وهو حسن ويشهد له قوله تعالى ونكتب ما
قدموا وآثارهم.
( )2/149
( )2/150
سورة العراف
...
سورة العراف
مكية 1
وآياتها خمس ومائتا آية
بسم ال الرحمن الرحيم
المص( )1كِتَابٌ أُن ِزلَ ِإلَ ْيكَ فَلَ َيكُن فِي صَدْ ِركَ حَرَجٌ مّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَ ِذكْرَى لِ ْل ُمؤْمِنِينَ( )2اتّ ِبعُواْ مَا
أُن ِزلَ إِلَ ْيكُم مّن رّ ّبكُمْ وَلَ تَتّ ِبعُواْ مِن دُونِهِ َأوْلِيَاء قَلِيلً مّا تَ َذكّرُونَ(َ )3وكَم مّن قَرْيَةٍ َأهَْلكْنَاهَا فَجَاءهَا
عوَاهُمْ ِإذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا ِإلّ أَن قَالُواْ إِنّا كُنّا ظَاِلمِينَ()5
بَأْسُنَا بَيَاتًا َأوْ هُمْ قَآئِلُونَ(َ )4فمَا كَانَ دَ ْ
__________
1إلّ قوله تعالى{ :واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر} إلى قوله {وإذ نتقنا الجبل فوقهم
.}.فإنها مدنيات.
( )2/150
شرح الكلمات:
المص :هذه أحد الحروف المقطعة ويقرأ هكذا :ألف لم ميم صَادْ .وال أعلم بمراده بها.
كتاب :أي هذا كتاب.
حرج :ضيق.
وذكرى :تذكرة بها يذكرون ال وما عنده وما لديه فيقبلون على طاعته.
أولياء :رؤساؤهم في الشرك.
ما تذكرون :أي تتعظون فترجعون إلى الحق.
وكم من قرية :أي كثيرا من القرى.
بأسنا بياتا :عذابنا ليلً وهم نائمون.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أو هم قائلون :أي نائمون بالقيلولة وهم مستريحون.
فما كان دعواهم :أي دعاؤهم إل قولهم إنا كنا ظالمين.
معنى اليات:
{المص} في هذه الحروف إشارة إلى أن هذا القرآن تألف من مثل هذه الحروف المقطعة وقد
عجزتم عن تأليف مثله فظهر بذلك أنه كلم ال ووحيه إلى رسوله فآمنوا به وقوله {كتاب} أي
هذا كتاب {أنزل إليك} 1يا رسولنا {فل يكن في صدرك حرج منه} أي ضيق منه {لتنذر به }
قومك عواقب شركهم وضللهم ،وتذكر به المؤمنين منهم ذكرى وقل لهم {اتبعوا ما أنزل إليكم
من ربكم} من الهدى والنور{ ،ول تتبعوا من دونه} أي من غيره {أولياء} 2ل يأمرونهم إل
بالشرك والشر والفساد ،وهم رؤساء الضلل في قريش {قليلً ما يذكرون} أي تتعظون فترجعون
إلى الحق الذي جانبتموه {وكم 3من قرية} أي وكثيرا من القرى أهلكنا أهلها لما جانبوا الحق
ولزموا الباطل {فجاءها 4بأسنا }5أي عذابنا الشديد
__________
1جملة{ :أنزل إليك} يصح إعرابها في محل نعت لكتاب ويصح إعرابها في محل نصب حالً من
هذا كتاب نحو (:هذا بعلي شيخا) وإن لم يقدر لفظ هذا تعرب جملة حينئذٍ في محل رفع خبر
كتاب ،ويكون التنكير في كتاب للتعظيم وهو كالوصف فيسوغ البتداء به وان كان نكرة نحو
قولهم :شرٌ أهو ذا ناب.
2قالت العلماء :كل من رضي مذهبا فأهل ذلك المذهب أولياؤه ،ومنع أولياء من الصرف لنّ فيه
ألف التأنيث.
3كم :للتكثير كما أنّ ذلك للتقليل وهي في موضع رفع على البتداء ،والخبر جملة أهلكناها،
والتقدير :وكثير من القرى أهلكناها.
{ 4فجاءها} في حرف الفاء هنا إشكال لنّ الهلك قد تمّ فما معنى مجيء البأس حينئذ؟ وعليه
فليكن تقدير الكلم :وكم من قرية أردنا إهلكها فجاءها بأسنا.
5البأس :العذاب التي على النفس.
( )2/151
{بياتا أو هم قائلون} أي ليلً أو نهارا ،فما كان دعاءهم 1يومئذ إل قولهم :يا ويلنا إنا كنا ظالمين
فاعترفوا بذنبهم ،ولكن هيهات إن ينفعهم العتراف بعد معاينة العذاب.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1القرآن الكريم هو مصدر نذارة الرسول صلى ال عليه وسلم وبشارته بما حواه من الوعد
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والوعيد ،والذكرى والبشرى.
-2وجوب إتباع الوحي ،وحرمة إتباع ما يدعو إليه أصحاب الهواء والمبتدعة.
-3العتبار بما حل بالمم الظالمة من خراب ودمار.
-4ل تنفع التوبة عند معاينة الموت أو العذاب.
سلَ إِلَ ْي ِه ْم وَلَنَسْأَلَنّ ا ْلمُ ْرسَلِينَ( )6فَلَ َن ُقصّنّ عَلَ ْيهِم ِبعِ ْل ٍم َومَا كُنّا غَآئِبِينَ( )7وَا ْلوَزْنُ
فَلَنَسْأَلَنّ الّذِينَ أُرْ ِ
خ ّفتْ َموَازِينُهُ فَُأوْلَ ِئكَ الّذِينَ خَسِرُواْ
حقّ َفمَن َثقَُلتْ َموَازِينُهُ فَُأوْلَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ(َ )8ومَنْ َ
َي ْومَئِذٍ الْ َ
جعَلْنَا َلكُمْ فِيهَا َمعَايِشَ قَلِيلً مّا
ظِلمُونَ( )9وََلقَدْ َمكّنّاكُمْ فِي الَ ْرضِ َو َ
سهُم ِبمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِ ْ
أَنفُ َ
شكُرُونَ()10
تَ ْ
شرح الكلمات:
أرسل إليهم :هم المم والقوام.
فلنقصن عليهم بعلم :فلنخبرنهم بأعمالهم متتبعين لها فل نترك منها شيئا.
وما كنا غائبين :أي عنهم أيام كانوا يعملون.
الوزن يومئذ الحق :أي العدل.
فمن ثقلت موازينه :أي بالحسنات فأولئك هم المفلحون بدخول الجنة.
خسروا أنفسهم :بدخولهم النار والصطلء بها أبدا.
معايش :جمع معيشة بمعنى العيش الذي يعيشه النسان.
__________
1الدعاء والدعوى بمعنى واحد ومنه :وآخر دعواهم أي :دعائهم.
( )2/152
( )2/153
بقوله {بما كانوا بآياتنا يظلمون} :أي يكذبون ويجحدون ،وأطلق الظلم وأريد به التكذيب والجحود
لمرين هما:
أولً :اكتفاء بحرف الجر الباء إذ ل تدخل على ظلم ولكن على كذب أو جحد يقال كذب به وجحد
به ول يقال ظلم به ولكن ظلمه وهذا من باب التضمين وهو سائغ في لغة العرب التي نزل بها
القرآن.
وثانيا :أنهم بدل أن يؤمنوا باليات وهي واضحات كذبوا بها فكانوا كأنهم ظلموا اليات ظلما
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حيث لم يؤمنوا بها وهي بينات.
هذا ما دلت عليه اليتان أما الية الخامسة ( )10فقد تضمنت امتنان ال تعالى على عباده ،وكان
المفروض أن يشكروا نعمه عليهم باليمان به وتوحيده وطاعته ،ولكن الذي حصل هو عدم الشكر
من أكثرهم قال تعالى {ولقد مكناكم في الرض} حيث جعلهم متمكنين في الحياة عليها يتصرفون
فيها ويمشون في مناكبها ،وقوله {وجعلنا لكم فيها معايش} 1هذه نعمة أخرى وهي أن جعل لهم
فيها معايش وأرزاقا يطلبونها فيها ويحصلون عليها وعليها قامت حياتهم ،وقوله {قليلً ما
تشكرون} أي ل تشكرون إل شكرا يسيرا ل يكاد يذكر.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1تقرير عقيدة البعث والسؤال والحساب ووزن العمال يوم القيامة.
-2صعوبة الموقف حيث تسأل المم والرسل عليهم السلم كذلك.
-3الفلح والخسران مبنيان على الكسب في الدنيا فمن كسب خيرا نجا ،ومن كسب شرا هلك.
-4وجوب شكر النعم باليمان والطاعة ل ورسوله.
جدُواْ
صوّرْنَاكُمْ ُثمّ قُلْنَا لِ ْلمَل ِئكَةِ اسْ ُ
وَلَقَدْ خََلقْنَاكُمْ ثُمّ َ
__________
1المعايش :جمع معيشة ،والمعيشة :ما يتوصل به إلى العيش الذي هو الحياة من المطاعم
والمشارب .والتمكين في الرض :معناه جعلها قارة ممهدة ل تضطرب ول تتحرك فيفسد ما
عليها.
( )2/154
( )2/155
به وطاعته فقال تعالى {ولقد خلقناكم ثم صورناكم }1أي خلقنا أباكم آدم من طين ثم صورناه
بالصورة البشرية التي ورثها بنوه عنه{ ،ثم قلنا للملئكة اسجدوا لدم} وفي هذا إنعام آخر وهو
تكريم أبيكم آدم بأمر الملئكة بالسجود له تحية له وتعظيما {فسجدوا إل إبليس 2لم يكن من
الساجدين} أي أبى وامتنع أن يسجد ،فسأله ربه تعالى قائلً { :ما منعك أل تسجد 3إذ أمرتك} أي:
أي شيء جعلك ل تسجد فأجاب إبليس قائلً{ :أنا خير منه خلقتني من نار ،وخلقته من طين } فأنا
أشرف منه فكيف أسجد له ،ولم لكن إبليس مصيبا في هذه القياس 4الفاسد أولً :ليست النار
أشرف من الطين بل الطين أكثر نفعا وأقل ضررا ،والنار كلها ضرر ،وما فيها من نفع ليس
بشيء إلى جانب الضرر وثانيا :إن الذي أمره بالسجود هو الرب الذي تجب طاعته سواء كان
ل أو مفضولً ،وهنا أمره الرب تعالى أن يهبط من الجنة فقال {اهبط منها فما
المسجود له فاض ً
يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين} أي الذليلين الحقيرين ،ولما وقع إبليس في
ورطته ،وعرف سبب هلكته وهو عدم سجوده لدم قال للرب تبارك وتعالى {انظرني} أي أمهلني
ل تمتني {إلى يوم يبعثون} فأجابه الرب بقوله {إلى يوم الوقت المعلوم} وهو فناء هذه الدنيا فقط
وذلك قبل البعث ،جاء هذا الجواب في سورة الحجر وهنا قال {إنك من المنظرين} ومراد إبليس
في المهال التمكن من إفساد أكبر عدد من بني آدم انتقاما منهم إذ كان آدم هو السبب في طرده
من الرحمة ،ولما أجابه الرب إلى طلبه قال{ :فبما أغويتني} أي أضللتني {لقعدن لهم صراطك
المستقيم} يريد آدم وذريته ،والمراد من الصراط السلم إذ هو الطريق المستقيم والموصل
بالسالك له إلى رضوان ال تعالى {ثم لتينهم من بين أيديهم 5ومن خلفهم وعن
__________
1ويصح أن يقال :خلقناكم نطفا ثم صورناكم ،وما في التفسير أولى بالية وأصح بدليل قوله{ :ثم
قلنا للملئكة اسجدوا لدم}.
ن ولم يكن من الملئكة.
2استثناء من غير الجنس إذ إبليس من الج ّ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{ 3ما منعك} ما :في موضع رفع بالبتداء فهي اسم استفهام والتقدير أي شيء منعك من السجود،
وأن المصدرية مدغمة في ل الزائدة بدليل عدم زيادتها في {ص} إذ قال{ :ما منعك أن تسجد}
أي :من السجود لدم.
4قال ابن عباس والحسن :أوّل من قاس إبليس فأخطأ القياس ،فمن قاس الدين برأيه قرنه ال
تعالى مع إبليس .قال العلماء :من جوهر الطين الرزانة والسكون والوقار والناة ولهذا تاب آدم،
ومن جوهر النار الخفة والحدة والطيش والرتفاع ولذا لم يتب إبليس.
5معناه :لصدنّهم عن الحق ،وأرغبهم في الدنيا وأشككهم في الخرة وهذا غاية الضلل ،وقال
بعضهم :المراد من قوله{ :من بين أيديهم} من دنياهم {ومن خلفهم} من آخرتهم{ ،وعن أيمانهم}
يعني حسناتهم {وعن شمائلهم} يعني سيئاتهم.
( )2/156
أيمانهم وعن شمائلهم} يريد يحيط بهم فيمنعهم سلوك الصراط المستقيم حتى ل ينجوا ويهلكوا كما
هلك هو زاده ال هلكا ،وقوله {ول تجد أكثرهم شاكرين} هذا قول إبليس للرب تعالى ،ول تجد
أكثر أولد آدم الذي أضللتني بسببه شاكرين لك باليمان والتوحيد والطاعات.
وهنا أعاد ال أمره بطرد اللعين فقال {اخرج منها} أي من الجنة {مذموما مدحورا} أي ممقوتا
مطرودا (لمن تبعك 1منهم لملن جهنم منكم أجمعين} أي فبعزتي لملن جهنم منك وممن اتبعك
منهم أجمعين.
هداية اليات
من هداية اليات :
-1خطر الكبر على النسان.
-2ضرر القياس 2الفاسد.
-3خطر إبليس وذريته على بني آدم ،والنجاة منهم بذكر ال تعالى وشكره.
-4الشكر هو اليمان والطاعة ل ورسوله صلى ال عليه وسلم.
جكَ ا ْلجَنّةَ َفكُلَ مِنْ حَ ْيثُ شِئْ ُتمَا َولَ َتقْرَبَا َه ِذهِ الشّجَ َرةَ فَ َتكُونَا مِنَ الظّاِلمِينَ(
ت وَ َزوْ ُ
سكُنْ أَن َ
وَيَا آ َدمُ ا ْ
سوْءَا ِت ِهمَا َوقَالَ مَا َنهَا ُكمَا رَ ّب ُكمَا عَنْ
سوَسَ َل ُهمَا الشّ ْيطَانُ لِيُبْ ِديَ َل ُهمَا مَا وُو ِريَ عَ ْن ُهمَا مِن َ
َ )19فوَ ْ
صحِينَ()21
س َم ُهمَا إِنّي َل ُكمَا َلمِنَ النّا ِ
هَ ِذهِ الشّجَ َرةِ ِإلّ أَن َتكُونَا مََلكَيْنِ َأوْ َتكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ(َ )20وقَا َ
طفِقَا
سوْءَا ُت ُهمَا وَ َ
فَ َدلّ ُهمَا ِبغُرُورٍ فََلمّا ذَاقَا الشّجَ َرةَ َب َدتْ َل ُهمَا َ
__________
1اللم في {لمن} موطئة للقسم ،واللم في {لملنّ} في جواب القسم والتقدير :وعزتي من تبعك
منهم لملن جهنم منك ومنهم أجمعين.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
2القياس من الكتاب والسنة وإجماع علماء المة مشروع محمود لنّه اعتصام بالكتاب والسنة
وإجماع المة ،وإنّما المذموم المحرّم :القياس على غير أصل من هذه الصول الثلثة :الكتاب،
السنة ،الجماع ،وهذا علي ابن أبي طالب لما قال له أبو بكر رضي ال عنهما أقيلوني بيعتي فقال
عليّ :وال ل نقيلك ول نستقيلك رضيك رسول ال صلى ال عليه وسلم على دنيانا أفل نرضاك
لديننا فقاس المامة على الصلة ل ،وقاس أبو بكر الزكاة على الصلة.
( )2/157
صفَانِ عَلَ ْي ِهمَا مِن وَرَقِ ا ْلجَنّ ِة وَنَادَا ُهمَا رَ ّب ُهمَا أََلمْ أَ ْن َه ُكمَا عَن تِ ْل ُكمَا الشّجَ َر ِة وََأقُل ّل ُكمَا إِنّ
خ ِ
يَ ْ
الشّ ْيطَآنَ َل ُكمَا عَ ُدوّ مّبِينٌ()22
شرح الكلمات :
وزوجك :هي حواء التي خلقها ال تعالى من ضلع آدم اليسر.
الجنة :دار السلم التي دخلها رسول ال صلى ال عليه وسلم ليلة السراء والمعراج.
في الظالمين :أي لنفسهم.
فوسوس :الوسوسة :الصوت الخفي ،وسوسة 1الشيطان لبن آدم إلقاء معانٍ فاسدة ضارة في
صدره مزينة ليعتقدها أو يقول بها أو يعمل.
ليبدي 2لهما ما ووري :ليظهر لهما ما ستر عنهما من عوراتهما.
وقاسمهما :حلف لكل واحد منهما.
فدلهما بغرور :أي أدناهما شيئا فشيئا بخداعه وتغريره حتى أكل من الشجرة.
وطفقا يخصفان :وجعل يشدان عليهما من ورق الجنة ليسترا عوراتهما.
معنى اليات:
ولما طرد الرحمن إبليس من الجنة نادى آدم قائلً له {يا آدم اسكن أنت وزوجك} أي حواء {الجنة
فكل من حيث شئتما} يعنى من ثمارها وخيراتها{ ،ول تقربا هذه الشجرة} أشار لهما إلى شجرة
من أشجار الجنة معينة ،ونهاهما عن الكل منها ،وعلمهما أنهما إذا أكل منها كانا من الظالمين
المستوجبين للعقاب ،واستغل إبليس هذه الفرصة التي أتيحت له فوسوس 3لهما مزينا لهما الكل
من الشجرة قائلً لهما {ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إل أن
__________
1الوسواس اسم للشيطان أيضا قال تعالى{ :من شر الوسواس الخناس}.
2اللم :لم العاقبة والصيرورة.
3ذهب الولون مذاهب في تحديد كيفية اتصال إبليس بآدم وحوارهما في الجنة وهو خارج منها
حتى وسوس لهما فأكل من الشجرة التي لم يأذن ال تعالى لهما في الكل منها إل أن المخترعات
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الحديثة بيّنت لنا كيفية ذلك التصال وبيانه :ان النسان في نفسه قابلية لتلقي الوسواس أشبه ما
تكون بجهاز اللسلكي بواسطتها يتم التصال بين النسان وعدّوه إبليس وذريته.
( )2/158
تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين} {وقاسمهما} أي حلف لهما أنه ناصح 1لهما وليس بغاش لهما،
{فدلهما بغرور} وخداع حتى أكل {فلما ذاقا الشجرة بدت }...أي ظهرت لهما سوءاتهما 2حيث
انحسر النور 3الذي كان يغطيهما ،فجعل يشدان من ورق الجنة على أنفسهما ليستر عوراتهما،
وهو معنى قوله تعالى {وطفقا يخصفا عليهما من ورق الجنة} وعندئذ ناداهما ربهما سبحانه
وتعالى ،قائلً :ألم أنهكما عن هذه الشجرة وهو استفهام تأديب وتأنيب{ ،وأقل لكما إن الشيطان
لكما عدو مبين} فكيف قبلتما نصحه وهو عدوكما.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1سلح إبليس الذي يحارب به ابن آدم هو الوسوسة والتزيين ل غير.
-2تقرير عداوة الشيطان للنسان.
-3النهي يقتضي التحريم إل أن توجد قرينة تصرف عنه إلى الكراهة.
-4وجوب ستر العورة من الرجال والنساء سواء.
-5جواز القسام بال تعالى ،ولكن ل يحلف إل صادقا.
ضكُمْ
حمْنَا لَ َنكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ( )23قَالَ اهْ ِبطُواْ َب ْع ُ
قَالَ رَبّنَا ظََلمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لّمْ َت ْغفِرْ لَنَا وَتَرْ َ
ن َومِ ْنهَا
ن َوفِيهَا َتمُوتُو َ
لِ َب ْعضٍ عَ ُد ّو وََلكُمْ فِي الَ ْرضِ مُسْ َتقَ ّر َومَتَاعٌ إِلَى حِينٍ( )24قَالَ فِيهَا َتحْ َيوْ َ
تُخْ َرجُونَ()25
شرح الكلمات:
ظلمنا أنفسنا :أي بأكلهما من الشجرة.
الخاسرين :الذين خسروا دخول الجنة والعيش فيها.
__________
1قال قتادة :حلف لهما بال أنه خلق قبلهما وأنه أعلم منهما وحلف أنه ناصح لهما فانغرا به ،على
حد قول العلماء :مَنْ خدعنا بال انخدعنا له.
2سُمي الفرجان سوأتين وعورة لن السوءة مشتقة مما يسيء إلى النفس باللم والعورة هي كل
ما استحيي من كشفه.
3روي عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه قال :تقلّص النور الذي كان لباسهما فصار أظفارا
في اليدي والرجل .وال أعلم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )2/159
( )2/160
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سوْءَا ِتكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ ال ّت ْقوَىَ ذَِلكَ خَيْرٌ ذَِلكَ مِنْ آيَاتِ الّلهِ
يَا بَنِي آ َدمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَ ْيكُمْ لِبَاسًا ُيوَارِي َ
س ُهمَا
َلعَّلهُمْ َي ّذكّرُونَ( )26يَا بَنِي آدَ َم لَ َيفْتِنَ ّنكُمُ الشّ ْيطَانُ َكمَا أَخْرَجَ أَ َبوَ ْيكُم مّنَ الْجَنّةِ يَن ِزعُ عَ ْن ُهمَا لِبَا َ
ن لَ
جعَلْنَا الشّيَاطِينَ َأوْلِيَاء لِلّذِي َ
سوْءَا ِت ِهمَا إِنّهُ يَرَاكُمْ ُه َو َوقَبِيلُهُ مِنْ حَ ْيثُ لَ تَ َروْ َنهُمْ إِنّا َ
لِيُرِ َي ُهمَا َ
جدْنَا عَلَ ْيهَا آبَاءنَا وَاللّهُ َأمَرَنَا ِبهَا ُقلْ إِنّ اللّ َه لَ يَ ْأمُرُ
حشَةً قَالُو ْا وَ َ
ُي ْؤمِنُونَ( )27وَإِذَا َفعَلُواْ فَا ِ
بِا ْلفَحْشَاء أَ َتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لَ َتعَْلمُونَ()28
شرح الكلمات:
وريشا :1لباس الزينة والحاجة.
يواري سوءاتكم :يستر عوراتكم.
لباس التقوى :.خير في حفظ العورات والجسام والعقول والخلق.
من آيات ال :دلئل قدرته.
ل يفتننكم :أي ل يصرفنكم عن طاعة ال الموجبة لرضاه ومجاورته في الملكوت العلى.
أبويكم :آدم وحواء.
قبيله :جنوده من الجن.
فاحشه :خصلة قبيحة شديدة القبح كالطواف بالبيت عراة.
__________
1الريش للطائر ما يستر جسمه ،وللنسان اللّباس وجمعه رياش وهو ما كان فاخرا من أنواع
اللبسة.
( )2/161
معنى اليات:
قوله تعالى {يا بني 1آدم قد نزلنا 2عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا} هذا النداء الكريم
المقصود منه تذكير للمشركين من قريش بنعم ال وقدرته عليهم لعلهم يذكرون فيؤمنون ويسلمون
بترك الشرك والمعاصي ،من نعمه عليهم أن أنزل عليهم لباسا يوارون به سوءاتهم{ ،وريشا}
لباسا يتجملون به ،في أعيادهم ومناسباتهم ،ثم أخبر تعالى أن لباس التقوى خير لصاحبه من لباس
الثياب ،لن المتقي عبد ملتزم بطاعة ال ورسوله ،وال ورسوله يأمران بستر العورات ،ودفع
الغائلت ،والمحافظة على الكرامات ،ويأمران بالحياء ،والعفة وحسن السمت ونظافة الجسم
والثياب فأين لباس الثياب مجردة عن التقوى 3من هذه؟؟.
وقوله تعالى {ذلك من آيات ال} أي من دلئل قدرته الموجبة لليمان به وطاعته ،وقوله {لعلهم
يذكرون} أي رجاء أن يذكروا هذه النعم فيشكروا باليمان والطاعة.
هذا ما دلت عليه الية الولى ( )26وفي الية الثانية ( )27ناداهم مرة ثانية فقال {يا بني آدم ل
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما 4سوءاتهما} يحذرهم من
إغواء الشيطان لهم مذكرا إياهم بما صنع مع أبويهما من إخراجهما 5من الجنة بعد نزعه لباسهما
عنهما فانكشفت سوءاتهما المر الذي سبب إخراجهما من دار السلم ،منبها لهم على خطورة
العدو من حيث أنه يراهم هو وجنوده ،وهم ل يرونهم .ثم أخبر تعالى أنه جعل الشياطين أولياء
للذين ل يؤمنون ،وذلك حسب سنته في خلقه ،فالشياطين يمثلون قمة الشر والخبث فالذين ل
يؤمنون قلوبهم مظلمة لنعدام نور اليمان فيها فهي متهيئة
__________
1ابتداء الخطاب بالنداء الحكمة منه ليقع إقبال المنادين على ما بعد النداء بكل قلوبهم.
2إنزال اللّباس من السماء يعود لمور منها :أن آدم أوّل من ستر عورته بورق التين من شجر
الجنة ومنها أنّ آدم نزل مكسوّا وورث عنه أولده ذلك ،ومنها أن الماء الذي به النبات ومنه يتخذ
اللباس كالقطن مثلً نزل من السماء وحتى ذوات الصوف والوبر حياتها متوقفة على ماء السماء.
3قال الشاعر في لباس التقوى ما يلي:
إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى ...تقلب عريانا وإن كان كاسيا
وخير لباس المرء طاعة ربه ...ول خير فيمن كان ل عاصيا
4في هذه الية دليل على حرص الشيطان على أن يكشف الدمي عورته لما يسبق ذلك من الفسق
والفجور الذين يرغب الشيطان في إيقاع الدمي فيهما.
5تكاد تكون هذه سنة بشرية ل تتخلّف إذ ما من أمّة تبرج نساؤها فكشفن محاسنهن وأبدين
عوراتهن إلّ أسرع إليها الهلك بزوال الملك وذهاب السلطان.
( )2/162
لقبول الشياطين وقبول ما يوسوسون به ويوحونه من أنواع المفاسد والشرور كالشرك والمعاصي
على اختلفها ،وبذلك تتم الولية بين الشياطين والكافرين ،وكبرهان على هذا الولء بينهم أن
المشركين إذا فعلوا فاحشة خصلة ذميمة قبيحة شديدة القبح ونهوا عنها احتجوا على فعلهم بأنهم
وجدوا آباءهم يفعلونها ،وأن ال تعالى أمرهم بها وهي حجة باطلة لما يلي:
أولً :فعل آبائهم ليس دينا ول شرعا.
ثانيا :حاشا ل تعالى الحكيم العليم أن يأمر بالفواحش إنما يأمر بالفواحش الذين يأتونها وهم
الشياطين وأولياؤهم من النس ولهذا رد ال تعالى عليهم بقوله { :إن ال ل يأمر بالفحشاء}
ووبخهم معنفا إياهم بقوله{ :أتقولون على ال ما ل تعلمون}.
هداية اليات:
من هداية اليات:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-1التذكير بنعم ال تعالى المقتضي للشكر عك ذلك باليمان والتقوى .1
-2التحذير من الشيطان وفتنته لسيما وأنه يرى النسان والنسان ل يراه.
-3القلوب الكافرة هي الثمة ،وكذلك تتم الولية بين الشياطين والكافرين.
-4قبح الفواحش وحرمتها.
-5بطلن الحتجاج بفعل الناس إذ ل حجة إل في الوحي اللهي.
-6تنزه الرب تعالى عن الرضا بالفواحش فضلً عن المر بها.
سجِ ٍد وَادْعُوهُ ُمخِْلصِينَ لَهُ الدّينَ َكمَا بَدََأكُمْ
ط وََأقِيمُواْ وُجُو َه ُكمْ عِندَ ُكلّ مَ ْ
سُِقلْ َأمَرَ رَبّي بِا ْلقِ ْ
حقّ عَلَ ْيهِمُ الضّلَلَةُ إِ ّنهُمُ اتّخَذُوا الشّيَاطِينَ َأوْلِيَاء مِن دُونِ الّلهِ
َتعُودُونَ( )29فَرِيقًا َهدَى َوفَرِيقًا َ
سجِ ٍد وكُلُو ْا وَاشْرَبُو ْا َولَ ُتسْ ِرفُواْ
خذُواْ زِينَ َت ُكمْ عِندَ ُكلّ مَ ْ
وَيَحْسَبُونَ أَ ّنهُم ّمهْتَدُونَ( )30يَا بَنِي آدَمَ ُ
حبّ ا ْلمُسْ ِرفِينَ()31
إِنّ ُه لَ ُي ِ
__________
1اليمان والتقوى بهما تحصل ولية الرب للعبد ،قال تعالى {:أل إنّ أولياء ال ل خوف عليهم
ول هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون}.
( )2/163
شرح الكلمات:
القسط : 1العدل في القول والحكمة والعمل.
أقيموا وجوهكم :أي أخلصوا العبادة ل واستقبلوا بيته.
كما بدأكم تعودون :كما بدأ خلقكم أول مرة يعيدكم بعد الموت أحياء.
أولياء من دون ال :يوالونهم محبة ونصرة وطاعة ،من غير ال تعالى.
زينتكم :أي البسوا ثيابكم عند الدخول في الصلة.
ول تسرفوا :في أكل ول شرب ،والسراف مجاوزة الحد المطلوب في كل شيء.
معنى اليات:
مازال السياق قي بيان أخطاء مشركي قريش فقد قالوا في اليات السابقة محتجين على فعلهم
الفواحش بأنهم وجدوا آباءهم على ذلك وأن ال تعالى أمرهم بها وأكذبهم ال تعالى في ذلك وقال
في هذه الية ({ )29قل} يا رسولنا {أمر ربي بالقسط} الذي هو العدل وهو اليمان بال ورسوله
وتوحيد ال تعالى في عبادته ،وليس هو الشرك بال وفعل الفواحش ،والكذب على ال تعالى بأنه
حلل كذا وهو لم يحلل ،وحرم كذا وهو لم يحرم ،وقوله تعالى {وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد}
أي وقل لهم يا رسولنا أقيموا وجوهكم عند كل مسجد 2أي أخلصوا ل العبادة ،واستقبلوا بيته
الحرام{ ،وادعوه} سبحانه وتعالى {مخلصين له الدين} أي ادعوه وحده ول تدعوا معه أحدا قوله:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{كما بدأكم تعودون} يذكرهم بالدار الخرة والحياة الثانية ،فإن من آمن بالحياة بعد الموت والجزاء
على كسبه خيرا أو شرا أمكنه أن يستقيم على العدل والخير طوال الحياة وقوله {فريقا 3هدى،
وفريقا حق عليهم الضللة }4بيان لعدله وحكمته ومظاهر قدرته فهو المبديء والمعيد والهادي
والمضل ،له الملك المطلق والحكم
__________
1القسط :العدل ،وهو وسط بين الشرك واللحاد .ولذا قال ابن عباس :القسط :ل إله إلّ ال أي:
بأن يعبد ال وحده.
2أي :في كل موضع للصلة من سائر بقاع الرض إذ موضع السجود هو المسجد وإقامة
الرجوه بالذات معناه أن ل يلتفت بقلبه ول بوجهه إلى غير ال تعالى وهو إخلص العبادة ل عز
وجل.
{ 3فريقا} نصب على الحال من الضمير في تعودون أي :حال كونكم فريقين فريقا مهديا سعيدا،
وفريقا وجبت عليه الضللة فجاء الموقف ضالً شقيا ،وقال القرطبي :من ابتدأ ال خلقه للضللة
صيّره للضللة ومن ابتدأ ال خلقه على الهدى صيّره إلى الهدى ،وشاهد قوله هذا آدم وإبليس فآدم
مخلوق للهداية وإبليس للضللة.
4اخرج مسلم عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه قال :كانت المرأة في الجاهلية تطوف بالبيت
وهي عريانة وتقول:
من يعيرني تطوافأ تجعله على فرجها وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله ...
وما بدا منه فل أحله
( )2/164
الوحد ،فكيف يعدل به أصنام وأوثان هدى فريقا من عباده فاهتدوا ،وأضل آخرين فضلوا ولكن
بسبب رغبتهم عن الهداية وموالتهم لهل الغواية{ ،إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون ال}
فضلوا ضللً بعيدا {ويحسبون} لتوغلهم في الظلم والضلل {أنهم مهتدون}.
وقوله تعالى{ :يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} أي :البسوا ثيابكم عند الطواف 1بالبيت
فل تطوفوا عراة ،وعند الصلة فل تصلوا وأنتم مكشوفوا العورات كما يفعل المشركون المتخذون
الشياطين أولياء فأضلتهم حتى زينت لهم الفواحش قولً وفعلً واعتقادا .وقوله{ :كلوا واشربوا ول
تسرفوا }2أي كلوا مما أحل ال لكم واشربوا ،ول تسرفوا بتحريم ما أحل ال ،وشرع ما لم يشرع
لكم فالزموا العدل ،فإنه تعالى ل يحب المسرفين فاطلبوا حبه بالعدل ،واجتنبوا بغضه بطاعته
وطاعة رسوله صلى ال عليه وسلم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
من هداية اليات:
-1وجوب العدل في القول وفي الحكم.
-2وجوب إخلص العبادة صلةً كانت أو دعا ًء ل تعالى.
-3ثبوت القدر.
-4وجوب ستر العورة في الصلة.
-5حرمة السراف في الكل والشرب وفي كل شيء.
__________
1هذه الية الكريمة أصل من أصول الدواء ،إذ أمرت بالكل والشرب وهما قوام الحياة وحرمت
السراف فيهما وهو سبب كافة المراض إذ قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :ما مل آدمي
وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان ل محالة فثلث لطعامه وثلث
سهِ" وشاهد آخر أنه كان لهارون الرشيد طبيب نصراني قال لعلي بن الحسين:
لشرابه وثلث لنفَ ِ
ليس في كتابكم من علم الطب شيء ،والعلم علمان علم أديان وعلم أبدان فقال له علي :قد جمع
ال الطب كلّه في نصف آية من كتابنا فقال له ما هي؟ قال :قوله عز وجل {وكلوا واشربوا ول
تسرفوا}.
2روي أن سمرة بن جندب رضي ال عنه سأل عن ابنه فقيل له :بشم البارحة؟ قال :بشم؟ قالوا:
نعم قال :أما إنه لو مات ما صليت عليه ،وقال العلماء :من السراف :الكل بعد الشبع ،وقال
لقمان لبنه :يا بني ل تأكل شبعا فوق شبع فإنك إن تنبذه للكلب خير من أن تأكله.
( )2/165
ُقلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ الّلهِ الّ ِتيَ أَخْرَجَ ِلعِبَا ِد ِه وَالْطّيّبَاتِ مِنَ الرّ ْزقِ ُقلْ هِي لِلّذِينَ آمَنُواْ فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا
ظهَرَ
حشَ مَا َ
صلُ اليَاتِ ِلقَوْمٍ َيعَْلمُونَ(ُ )32قلْ إِ ّنمَا حَرّمَ رَ ّبيَ ا ْلفَوَا ِ
خَاِلصَةً َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ كَذَِلكَ ُن َف ّ
ن وَالِثْ َم وَالْ َب ْغيَ ِبغَيْرِ ا ْلحَقّ وَأَن ُتشْ ِركُواْ بِاللّهِ مَا َلمْ يُنَ ّزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن َتقُولُواْ عَلَى
مِ ْنهَا َومَا َبطَ َ
ع ًة َولَ َيسْ َتقْ ِدمُونَ()34
جلٌ فَإِذَا جَاء أَجَُل ُه ْم لَ َيسْتَأْخِرُونَ سَا َ
اللّهِ مَا لَ َتعَْلمُونَ( )33وَِل ُكلّ ُأمّةٍ أَ َ
شرح الكلمات :
من حرم زينة ال :التحريم :المنع ،والزينة .ما يتزين به من ثياب وغيرها.
والطيبات :جمع طيب وهو الحلل غير المستخبث.
خالصة :ل يشاركهم فيها الكفار لنهم في النار.
الفواحش :جمع فاحشة والمراد بها هنا الزنى واللواط السري كالعلني.
والثم :كل ضار قبيح من الخمر وغيرها من سائر الذنوب.
والبغي بغير الحق :الظلم بغير قصاص ومعاقبة بالمثل.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وأن تشركوا :أي الشرك بال وهو عبادة غير ال تعالى.
السلطان :الحجة التي تثبت بها الحقوق المختلف فيها أو المتنازع عليها.
أجل :وقت محدد تنتهي إليه.
معنى اليات:
لما حرم المشركون الطواف بالبيت بالثياب وطافوا بالبيت عراة بدعوى أنهم ل يطوفون بثياب
عصوا ال تعالى فيها ،أنكر تعالى ذلك عليهم بقوله{ :قل من حرم 1زينة ال التي
__________
1الزينة :هنا الملبس الحسن من غير ما حرّم كالذهب والحرير على الرجال ويطلق لفظ الزينة
أيضا على مطلق اللباس ولو لم يكن حسنا.
( )2/166
أخرج لعباده والطيبات من الرزق }1كلحوم ما حرموه من السوائب ،فالستفهام في قوله {قل من
حرم زينة ال} للنكار .ومعنى أخرجها :أنه أخرج النبات من الرض كالقطن والكتان ومعادن
الحديد لن الدروع من الحديد ،وقوله تعالى{ :قل هي للذين 2آمنوا في الحياة الدنيا} بالصالة،
لن المؤمنين علماء فيحسنون العمل والنتاج والصناعة ،والكفار تبع هم في ذلك لجهلهم وكسلهم
وعدم بصيرتهم{ ،خالصة 3يوم القيامة} أي هي خالصة للمؤمنين يوم القيامة ل يشاركهم فيها
الكفار ولنهم في دار الشقاء النار والعياذ بال تعالى وقوله تعالى {كذلك نفصل اليات لقوم
يعلمون} أي كهذا التفصيل والبيان الذي بيناه وفصلناه في هذه اليات وما زلنا نفصل ونبين ما
ننزل من آيات القرآن الكريم لقوم يعلمون أما غيرهم من أهل الجهل والضلل فإنهم ل ينتفعون
بذلك لنهم محجوبون بظلمة الكفر والشرك ودخان الهواء والشهوات والشبهات.
هذا ما دلت عليه الية الولى ( )32أما الية الثانية ( )33فقد تضمنت بيان أصول المحرمات
وأمهات الذنوب وهي :الفواحش ما ظهر منها وما بطن ،والثم :وهو سائر المعاصي بترك
الواجب أو فعل الحرام والبغي :وهو الستطالة على الناس والعتداء عليهم بهضم حقوقهم وأخذ
أموالهم وضرب أجسامهم وذلك بغير حق أوجب ذلك العتداء وسوغه كأن يعتدي الشخص
فيقتص منه ويعاقب بمثل ما جنى وظلم ،والشرك بال تعالى بعبادة غيره ،والقول على ال تعالى
بدون علم منه وذلك كشرع ما لم يشرع ،بتحريم ما لم يحرم ،وإيجاب ما لم يوجب.
هذا ما دلت عليه الية الثانية أما الثالثة والخيرة في هذا السياق ( )34فقد أخبر تعالى فيها أن
لكل أمة أجلً محددا أي وقتا معينا يتم هلكها فيه ل تتقدمه بساعة ول تتأخر عنه بأخرى .وفي
هذا إشارة أفصح من عبارة وهي أن هلك المم والجماعات والفراد يتم بسبب
__________
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
1الطيبات :اسم عام لكل ما طاب كسبا وطعما وقد أكل الرسول صلى ال عليه وسلم اللحم
والعسل والحلوى والبطيخ والرطب ،وإنما الذي يكره الكثار منها والتكلف في شرائها وإعدادها،
وعمر لم ينكر الطيبات وإنما أنكر الكثرة منها ،فكاد يرى عدم الجمع بين الطيبات ويكتفي بنوع
واحد.
2في الية دليل على التجمل بأحسن الثياب وخاصة في العياد والجمع وزيارة الخوان ومقابلة
الوفود ،وليس من السنة لبس المرقعات والفوط وليس معنى{ :ولباس التقوى} :أنه لباس الخشن
والمرقعات أبدا وإنما هو تقوى ال بامتثال المر واجتناب النهي ،وقد تقدم معناها ،وفي الحديث
الصحيح" :إن ال جميل يحب الجمال".
3قرىء{ :خالصةٌ} بالرفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره :هي خالصة ،وقرىء {خالصة} بالنصب
على الحال أي :ثابتة لهم في الدنيا حال كونها خالصة لهم يوم القيامة.
( )2/167
انحرافهم عن منهج الحياة ،كالمرء يهلك بشرب السم ،وبإلقاء نفسه من شاهق ،أو إشعال النار في
جسمه كذلك ارتكاب أمهات الذنوب وأصول المفاسد التي ذكر تعالى في قوله {قل إنما حرم ربي
الفواحش }.....من شأنها أن تودي بحياة مرتكبيها ل محالة ما لم يتوبوا منها وتصلح حالهم
بالعودة إلى منهج الحياة الذي وضع ال في اليمان والتوحيد والطاعة ل ورسوله بفعل كل أمر
وترك كل نهي.
هداية اليات
هن هداية اليات :
-1النكار الشديد على من يحرم ما أحل ال من الطيبات كبعض المتنطعين .1
-2المستلذات من الطعام والشراب والمزينات من الثياب وغيرها المؤمنون أولى بها من غيرهم
لنهم يحسنون العمل ،ويبذلون الجهد لستخراجها والنتفاع بها .بخلف أهل الجهالت فإنهم عمي
ل يبصرون ومقعدون ل يتحركون .وإن قيل العكس هو الصحيح فإن أمم الكفر وأوربا وأمريكا
هي التي تقدمت صناعيا وتمتعت بما يتمتع به المؤمنون؟ فالجواب :أن المؤمنين صرفوا عن العلم
والعمل وأقعدوا عن النتاج والختراع بإفساد أعدائهم لهم عقولهم وعقائدهم ،فعوقوهم عن العمل
مكرا بهم وخداعا لهم .والدليل أن المؤمنين لما كانوا كاملين في إيمانهم كانوا أرقى المم وأكملها
حضارة وطهارة وقوة وإنتاجا مع أن الية تقول { ...لقوم يعلمون} فإذا حل الجهل محل العلم فل
إنتاج ول اختراع ول حضارة.
-3بيان أصول المفاسد وهي الفواحش وما ذكر بعدها إلى {.....وأن تقولوا على ال ما ل
تعلمون}.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
- 4ذكرت هذه المفاسد بطريق التدلي آخرها أخطرها وهكذا أخفها أولها.
-5أجل 2المم كأجل الفراد يتم الهلك عند انتظام المرض كامل المة أو أكثر أفرادها كما
يهلك الفرد عندما يستشري المرض في كامل جسمه.
__________
1روى النسائي بسند صحيح قوله صلى ال عليه وسلم" :كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير
مخيلة ول سرف فإن ال يحب أن يرى نعمته على عبده" وقال البخاري عن ابن عباس" :كل ما
شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان ،سرف ،ومخيلة.
2الجل :هو الوقت الموقت ،فأجل الموت هو :وقت الموت وأجل الدّين هو وقت حلوله وكل
شيء وقّت به شيء فهو أجل له.
( )2/168
( )2/169
الرسل بها وقصتها عليهم واستكبروا 1عن العمل بها كما استكبروا عن اليمان بها ،فأولئك
البعداء من كل خير {أصحاب النار} أي أهلها {هم فيها خالدون} ل يخرجون منها بحال من
الحوال.
هداية اليتين
من هداية اليتين :
-1قطع حجة بني آدم بإرسال الرسل إليهم.
-2أول ما يبدأ به في باب التقوى الشرك بأن يتخلى عنه النسان المؤمنين أولً.
-3الصلح يكون بالعمال الصالحة التي شرعها ال مزكية للنفوس مطهرة لها.
-4التكذيب كالستكبار كلهما مانع من التقوى والعمل الصالح .ولذا أصحابهما هم أصحاب
النار.
َفمَنْ أَظَْلمُ ِممّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ َكذِبًا َأوْ كَ ّذبَ بِآيَاتِهِ ُأوْلَ ِئكَ يَنَاُلهُمْ َنصِي ُبهُم مّنَ ا ْلكِتَابِ حَتّى إِذَا
سهِمْ
شهِدُواْ عَلَى أَنفُ ِ
جَاء ْتهُمْ رُسُلُنَا يَ َت َوفّوْ َنهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُن ُتمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُو ْا ضَلّواْ عَنّا وَ َ
ن وَالِنسِ فِي النّارِ كُّلمَا
أَ ّنهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ( )37قَالَ ا ْدخُلُواْ فِي ُأ َممٍ قَدْ خََلتْ مِن قَبِْلكُم مّن ا ْلجِ ّ
جمِيعًا قَاَلتْ أُخْرَاهُ ْم لُولَهُمْ رَبّنَا َهؤُلء َأضَلّونَا فَآ ِتهِمْ
َدخََلتْ ُأمّةٌ ّلعَ َنتْ أُخْ َتهَا حَتّى إِذَا ادّا َركُواْ فِيهَا َ
لخْرَاهُمْ َفمَا كَانَ َل ُكمْ
ف وََلكِن لّ َتعَْلمُونَ(َ )38وقَاَلتْ أُولَهُ ْم ُ
ض ْع ٌ
ض ْعفًا مّنَ النّارِ قَالَ ِل ُكلّ ِ
عَذَابًا ِ
ضلٍ َفذُوقُواْ ا ْل َعذَابَ ِبمَا كُنتُمْ َتكْسِبُونَ( )39إِنّ الّذِينَ كَذّبُواْ
عَلَيْنَا مِن َف ْ
__________
1الستكبار :المبالغة في التكبّر وضمن مع الستكبار العراض ،والمعنى :واستكبروا فأعرضوا
عنها.
( )2/170
سمّ ا ْلخِيَاطِ
ج َملُ فِي َ
خلُونَ الْجَنّةَ حَتّى يَلِجَ ا ْل َ
سمَاء َولَ يَدْ ُ
بِآيَاتِنَا وَاسْ َتكْبَرُواْ عَ ْنهَا لَ ُتفَتّحُ َلهُمْ أَ ْبوَابُ ال ّ
غوَاشٍ َوكَذَِلكَ نَجْزِي الظّاِلمِينَ()41
جهَنّمَ ِمهَا ٌد َومِن َف ْوقِهِمْ َ
َوكَذَِلكَ نَجْزِي ا ْل ُمجْ ِرمِينَ(َ )40لهُم مّن َ
شرح الكلمات:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فمن أظلم :الظلم وضع الشيء في غير موضعه ،ولذا المشرك ظالم لنه وضع العبادة في غير
موضعها حيث عبد بها من ل يستحقها.
نصيبهم :ما قدر لهم في كتاب المقادير.
رسلنا :المراد بهم ملك الموت وأعوانه.
قالوا ضلوا عنا :غابوا عنا فلم نرهم ولم نجدهم.
في أمم :أي في جملة أمم.
اداركو :أي تداركوا ولحق بعضهم بعضا حتى دخلوها كلهم.
أخراهم لولهم :التباع قالوا للرؤساء في الضللة وهم المتبوعون.
تكسبون :من الظلم والشر والفساد.
يلج الجمل في سم الخياط :أي يدخل الجمل في ثقب البرة.
المجرمين :الذين أجرموا على أنفسهم فأفسدوها بالشرك والمعاصي.
مهاد :فراش يمتهدونه من النار.
غواش :أغشية يتغطون بها من النار كذلك.
معنى اليات:
يخبر تعالى بأنه ل أظلم ول أجهل ول أضل ممن يفترى على ال الكذب فيقول اتخذ ولدا أو أمر
بالفواحش ،أو حرم كذا وهو لم يحرم ،أو كذب بآياته التي جاءت بها رسله فجحدها وعاند في ذلك
وكابر ،فهؤلء المفترون المكذبون يخبر تعالى أنه {ينالهم نصيبهم من الكتاب}
( )2/171
أي ما كتب لهم في اللوح المحفوظ من خير وشر وسعادة أو شقاء { 1حتى 2إذا جاءتهم رسلنا}
أي ملك الموت وأعوانه {يتوفونهم} يقولون لهم {أين ما كنتم تدعون من دون ال} أي تعبدون من
أولياء؟ فيجيبون قائلين{ :ضلوا عنا} أي غابوا فلم نرهم .قال تعالى{ :وشهدوا على أنفسهم أنهم
كانوا كافرين } ويوم القيامة يقال لهم {ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والنس} في
النار ،فيدخلون {كلما دخلت أمة لعنت أختها} فلعن المشركون بعضهم بعضا ،واليهود والنصارى
كذلك{ ،حتى إذا اداركوا فيها جميعا} أي تلحقوا وتم دخولهم النار أخذوا يشتكون {قالت أخراهم
لولهم ربنا} أي يا ربنا {هؤلء أضلونا} عن صراطك فلم نعبدك {فأتهم عذابا ضعفا} أي
مضاعفا {من النار} ،فأجابهم ال تعالى بقوله {لكل ضعف} لكل واحدة منكم ضعف من العذاب
{ولكن ل تعلمون} ،إذ الدار دار عذاب فهو يتضاعف على كل من فيها ،وحينئذ {قالت أولهم
لخراهم ما كان لكم علينا من 3فضل ،فذوقوا 4العذاب بما كنتم تكسبون} أي من الشرك
والفتراء على ال والتكذيب بآياته ،ومجانبة طاعته وطاعة رسوله.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هذا ما دلت عليه اليات الثلث أما اليتان الرابعة والخامسة فإن الرابعة قررت حكما عظيما وهو
أن الذين كذبوا بآيات ال واستكبروا 5عنها فلم يؤمنوا ولم يعملوا الصالحات وعاشوا عاد الشرك
والشر والفساد هؤلء إذا مات أحدهم وعرجت الملئكة بروحه إلى السماء ل تفتح له أبوب
السماء ،6ويكون مآلهم النار كما قال تعالى {ول يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط}
فعلق دخولهم الجنة على مستحيل وهو دخول الجمل في ثقب البرة ،والمعلق عاد مستحيل
مستحيل .قال تعالى{ :وكذلك نجزي المجرمين} على أنفسهم حيث أفسدوها بالشرك والمعاصي.
هذا ما تضمنته الية الرابعة ،وهي قوله تعالى{ :إن الذين
__________
1أي :في الدنيا ل في الخرة فهم أصحاب النار هم فيها خالدون ول سعادة مع دخول النار.
2حتى هنا :ابتدائية وليست غائية إذ هي بداية خبر المكذبين المستكبرين المعرضين .قال سيبويه:
حتى ،وإمّا ،وألّ ل ُيمَلْن لنهن حروف وكتبت حتى بالياء لنها أشبهت سكرى وحبلى.
{ 3مِنْ} زائدة لتأكيد نفي الفضل.
4الذوق هنا :مستعمل للهانة والتشفي والباء في {بما كنتم تكسبون} سببية.
5جملة{ :إنّ الدين} الخ مستأنفة استئنافا ابتدائيا سيقت لتحقيق خلود الفريقين في النار معا
والفريقان هما أولهما وأخراهما في الية إذ كل الفريقين كان مكذبا مستكبرا.
6القول بأنّ قوله تعالى{ :ل تفتح لهم أبواب السماء} :كلمة جامعة لمعنى الحرمان من الجزاءات
اللهية قول باطل لنّه تأويل يبطل به ما أخبر تعالى به من أنّ للسماء أبواب إذ أيّ مانع إن يكون
للسماء أبواب ل يدخل معها ملك ول جني ول إنسان إل بإذن ولكل بناء أبواب بحسبه.
( )2/172
كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها ل تفتح لهم أبواب السماء ول يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم
الخياط 1وكذلك نجزي المجرم}.2
أما الخامسة فقد تضمنت الخبر التالي{ :لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش} أمم أغطية من
النار وكما جزى تعالى هؤلء المكذبين المستكبرين والمجرمين يجزي بعدله الظالمين لنفسهم
حيث لوثوها وخبثوها بأوضار الذنوب والثام.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1شر الظلم ما كان كذبا على ال وتكذيباَ بشرائعه.
-2تقرير فتنة القبر 3وعذابه.
-3لعن أهل النار بعضهم بعضا حنقا على بعضهم بعضا إذ كان كل واحد سببا في عذاب
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الخرة.
-4بيان جزاء المكذبين بآيات ال والمستكبرين عنها وهو الحرمان من دخول الجنة وكذلك
المجرمون والظالمون.
س َعهَا ُأوْلَ ِئكَ َأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(
ت لَ ُنكَّلفُ َنفْسًا ِإلّ وُ ْ
عمِلُواْ الصّالِحَا ِ
وَالّذِينَ آمَنُو ْا وَ َ
حمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَانَا ِلهَذَا
غلّ تَجْرِي مِن َتحْ ِتهِ ُم الَ ْنهَا ُر َوقَالُواْ الْ َ
)42وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مّنْ ِ
سلُ رَبّنَا بِا ْلحَقّ وَنُودُواْ أَن ِت ْلكُمُ ا ْلجَنّةُ أُورِثْ ُتمُوهَا ِبمَا
َومَا كُنّا لِ َنهْ َت ِديَ َلوْل أَنْ هَدَانَا اللّهُ َلقَدْ جَاءتْ رُ ُ
كُنتُمْ َت ْعمَلُونَ()43
__________
1الخياط :أي المخيط.
2الجرام :فعل الجرم ،وأجرم إذا فعل الجرم وهو :الذنب والذنب :هو ما يفسد الروح وينجسها،
فأجرم معناه :أفسد.
3أخرج ابن كثير في تفسيره عن أبي داود حديثا طويلً أشتمل على بيان قبض روح العبد
والعروج بها إلى السماء ثم العودة بها إلى القبر وما يجري في القبر من فتنة وما يتم للعبد
الصالح من سعادة وللكافر من شقاوة فليُرجع إليه.
( )2/173
شرح الكلمات:
إل وسعها :طاقتها وما تتحمله وتقدر عليه من العمل.
ونزعنا :أي أقلعنا وأخرجنا.
من غل :أي من حقد وعداوة.
هدانا لهذا :أي للعمل الصالح في الدنيا الذي هذا جزاؤه وهو الجنة.
بما كنتم تعملون :أي بسبب أعمالكم الصالحة من صلة وصيام وصدقات وجهاد.
معنى اليتين:
لما ذكر تعالى جزاء أهل التكذيب والستكبار عن اليمان والعمل الصالح وكان شقاءً وحرمانا
ذكر جزاء أهل اليمان والعمل الصالح فقال { :والذين آمنوا وعملوا الصالحات} ،ولما كان العمل
منه الشاق الذي ل يطاق ومنه السهل الذي يقدر عليه قال{ :ل نكلف نفسا إل وسعها} أي ما تقدر
عليه من العمل ويكون في استطاعتها ،ثم أخبر عن المؤمنين العاملين للصالحات فقال {أولئك
أصحاب الجنة هم فيها خالدون} .كما أخبر في الية الثانية أنه طهرهم باطنا فنزع ما في
صدورهم من غل 1على بعضهم بعضا ،وأن النهار تجري من تحت قصورهم ،وأنهم قالوا
شاكرين نعم ال عليهم{ :الحمد ل الذي هدانا لهذا} أي لعمل صالح هذا جزاؤه أي الجنة وما فيها
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
من نعيم مقيم ،وقرروا حقيقة وهي أن هدايتهم التي كان جزاؤها الجنة لم يكونوا ليحصلوا عليها
لول أن ال تعالى هو الذي هداهم فقالوا{ :وما كنا لنهتدي لول أن هدانا ال} 2ثم قالوا وال {لقد
جاءت رسل ربنا بالحق} فهاهم أهل الكفر والمعاصي في النار ،وها نحن أهل اليمان والطاعات
في نعيم الجنة فصدقت الرسل فيما أخبرت به من وعد ووعيد ،وناداهم ربهم سبحانه وتعالى{ :أن
تلكم الجنة أورثتموها 3بما كنتم تعملون} فيزداد بذلك نعيمهم وتعظم سعادتهم.
__________
1الغل :الحقد الكامن في الصدر أي :أذهبنا -في الجنة -ما كان في قلوبهم من الغل في الدنيا
ولذا فل يكون لهم من تحاسد في الجنة على تفاوت درجاتهم في العلو والرتفاع .وقال علي
رضي ال عنه :فينا وال أهل بدر نزلت{ :ونزعنا ما في صدورهم من غل}.
2روى النسائي عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :كل أهل الجنة يرى مقعده من
النار فيقول لول أن ال هداني فيكون له شكرا ،وكل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول لو أن
ال هداني فيكون له حسرة".
3روى مسلم أن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة ،قالوا :ول أنت
يا رسول ال؟ قال :ول أنا إل أن يتغمدني ال برحمة منه وفضل" وعليه فالباء في قوله{ :بما كنتم
تعملون} سببية وليست باء العرض إذ أعمال العبد ل تعادل موضع سوط في الجنة فالعمل مورث
بفضل ال تعالى ورحمته.
( )2/174
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1اليمان والعمل الصالح موجبان لدخول الجنة مقتض للكرامة في الدارين.
-2ل مشقة ل تحتمل في الدين الصحيح الذي جاءت به الرسل إل ما كان عقوبة.
-3ل عداوة ول حسد في الجنة.
-4الهداية هبة من ال فل تطلب إل منه ،ول يحصل عليها إل بطلبها منه تعالى.
-5صدقت الرسل فيما أخْبَ َرتْ به من شأن الغيب وغيره.
حقّا
عدَ رَ ّبكُمْ َ
حقّا َف َهلْ وَجَدتّم مّا وَ َ
وَنَادَى َأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ َأصْحَابَ النّارِ أَن قَ ْد َوجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبّنَا َ
علَى الظّاِلمِينَ( )44الّذِينَ َيصُدّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَ ْبغُو َنهَا
قَالُواْ َنعَمْ فَأَذّنَ ُمؤَذّنٌ بَيْ َنهُمْ أَن ّلعْ َنةُ اللّهِ َ
حجَابٌ وَعَلَى الَعْرَافِ رِجَالٌ َيعْ ِرفُونَ كُلّ ِبسِيمَاهُمْ
عوَجًا وَهُم بِالخِ َرةِ كَافِرُونَ( )45وَبَيْ َن ُهمَا ِ
ِ
ط َمعُونَ( )46وَإِذَا صُ ِر َفتْ أَ ْبصَارُهُمْ تِ ْلقَاء
وَنَا َدوْاْ َأصْحَابَ ا ْلجَنّةِ أَن سَلَمٌ عَلَ ْيكُمْ لَمْ َيدْخُلُوهَا وَ ُهمْ يَ ْ
جعَلْنَا مَعَ ا ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ ()47
َأصْحَابِ النّارِ قَالُواْ رَبّنَا لَ َت ْ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شرح الكلمات:
فأذن مؤذن :أي أعلن بأعلى صوته أن لعنة ال على الظالمين.
لعنة ال :أي أمره بطرد الظالمين من الرحمة إلى العذاب.
يصدون عن سبيل ال :سبيل ال هي السلم والصد :الصرف فهم صرفوا أنفسهم وصرفوا
غيرهم.
ويبغونها عوجا :يطلبون الشريعة أن تميل مع ميولهم وشهواتهم فتخدم أغراضهم.
وبينهما حجاب .أي باب أهل الجنة وأهل النار حاجز فاصل وهو سور العراف.
وعلى العراف :سور بين الجنة والنار قال تعالى من سورة الحديد {فضرب بينهم بسور}.
( )2/175
( )2/176
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجود اتصال كامل بين أهل الجنة وأهل النار متى أراد أحدهم ذلك بحيث إذا أراد من في
الجنة أن ينظر إلى من في النار ويخاطبه تم له ذلك.
-2يجوز إطلق لفظ الوعد على الوعيد للمشاكلة أو التهكم كما في هذه اليات.
-3التنديد بالصد عن سبيل ال ،والظلم والكفر بالخرة وهي أسباب الشقاء في الدار الخرة.
-4تقرير مبدأ ثقل الحسنات ينجي وخفتها تردي ،ومن استوت حسناته وسيئاته ينجو آخر من
ينجو من دخول النار.
-5مشروعية الطمع إذا كان مقتضاه موجودا.
ج ْم ُعكُ ْم َومَا كُنتُمْ
ب الَعْرَافِ ِرجَالً َيعْ ِرفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَن ُكمْ َ
وَنَادَى َأصْحَا ُ
خ ْوفٌ عَلَ ْيكُ ْم َولَ أَنتُمْ
ح َمةٍ ا ْدخُلُواْ الْجَنّ َة لَ َ
سمْ ُت ْم لَ يَنَاُلهُمُ الّلهُ بِرَ ْ
تَسْ َتكْبِرُونَ(َ )48أ َهؤُلء الّذِينَ َأقْ َ
صحَابَ الْجَنّةِ أَنْ َأفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ا ْلمَاء َأوْ ِممّا رَ َز َقكُمُ اللّهُ
تَحْزَنُونَ( )49وَنَادَى َأصْحَابُ النّارِ َأ ْ
قَالُواْ إِنّ اللّهَ حَ ّر َم ُهمَا عَلَى ا ْلكَافِرِينَ( )50الّذِينَ اتّخَذُواْ دِي َن ُهمْ َل ْهوًا وََلعِبًا وَغَرّ ْتهُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا فَالْ َيوْمَ
حدُونَ()51
نَنسَا ُهمْ َكمَا نَسُواْ ِلقَاء َي ْو ِمهِمْ َهذَا َومَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا َيجْ َ
شرح الكلمات:
بسيماهم :السيما العلمة الدالة على من هي فيه.
جمعكم :أي للمال وللرجال كالجيوش.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )2/177
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بعد اليأس فقالوا :يا رب إنّ لنا قرابات من أهل الجنة فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم ،فنظروا إليهم
وإلى ما هم فيه من النعيم فعرفوهم ..فينادي الرجل أخاه أو قريبه قد احترقتُ فأغثني فيقول له إن
ال حرّمهما على الكافرين.
5في الية دليل على أفضلية صدقة الماء ،وفي الحديث" :أي الصدقة أعجب إليك؟ قال :الماء"
وليس أدل من حديث الذي سقى كلبا عطشان فشكر ال له فغفر له.
( )2/178
هداية اليات
من هداية اليات :
-1عدم إغناء المال والرجال أيّ إغناء لمن مات كافرا مشركا من أهل الظلم والفساد.
-2بشرى الضعفة من المسلمين بدخول الجنة وسعادتهم فيها.
-3تحريم اتخاذ شيء من الدين لهوا ولعبا.
-4التحذير من الغترار بالدنيا حتى ينسى العبد آخرته فلم يعد لها ما ينفعه فيها من اليمان
وصالح العمال.
حمَةً ّل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ(َ )52هلْ يَنظُرُونَ ِإلّ تَ ْأوِيلَهُ َيوْمَ
وَلَقَدْ جِئْنَاهُم ِبكِتَابٍ َفصّلْنَاهُ عَلَى عِ ْلمٍ ُهدًى وَرَ ْ
ش َفعُواْ لَنَا َأوْ
ش َفعَاء فَيَ ْ
حقّ َفهَل لّنَا مِن ُ
سلُ رَبّنَا بِالْ َ
يَأْتِي تَ ْأوِيُلهُ َيقُولُ الّذِينَ َنسُوهُ مِن قَ ْبلُ َقدْ جَاءتْ ُر ُ
ضلّ عَ ْنهُم مّا كَانُواْ َيفْتَرُونَ( )53إِنّ رَ ّبكُمُ الّلهُ
سهُمْ وَ َ
نُرَدّ فَ َن ْع َملَ غَيْرَ الّذِي كُنّا َن ْع َملُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُ َ
سمَاوَاتِ وَالَ ْرضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ ُيغْشِي اللّ ْيلَ ال ّنهَارَ يَطْلُ ُبهُ حَثِيثًا
الّذِي خَلَقَ ال ّ
لمْرُ تَبَا َركَ اللّهُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ()54
ق وَا َ
سخّرَاتٍ بَِأمْ ِرهِ َألَ َلهُ ا ْلخَلْ ُ
س وَا ْل َقمَرَ وَالنّجُومَ مُ َ
شمْ َ
وَال ّ
شرح الكلمات:
ولقد جئناهم :أي أهل أولً ثم سائر الناس.
بكتاب :القرآن العظيم.
فصلناه على علم :بيناه على علم منّا فبيّنا حلله وحرامه ووعده ووعيده وقصصه ومواعظه
وأمثاله.
( )2/179
( )2/180
كانوا به يجحدون ويكذبون ثم يتمنون ما ل يتحقّق لهم أبدا فيقولون{ :فهل 1لنا من شفعاء فيشفعوا
لنا؟ أو نردّ} إلى الدنيا {فنعمل غير الذي كنا نعمل} من الشرك والشر والفساد .وتذهب تمنياتهم
عهُمْ إل العلن التالي{ :قد خسروا 2أنفسهم وضل عنهم ما كانوا
أدراج الرياح ،ولم يرُ ْ
يفترون} ،خسروا أنفسهم في جهنم ،وضاع منهم كلّ أمل وغاب عنهم ما كانوا يفترون من أنّ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
آلهتهم وأولياءهم يشفعون لهم فينجونهم من النار ويدخلونهم الجنة.
وفي الية الخيرة يقول تعالى لولئك المتباطئين في إيمانهم {إنّ ربّكم} الذي يُحبّ أن تعبدوه
وتدعوه وتتقربوا إليه وتطيعوه {الُ الذي خلق السموات والرض في ستة أيام ثم استوى على
العرش ُيغْشِي اللّ ْيلَ النّهار يطلبه 3حثيثا والشمس والقمرَ والنجّومَ مسخراتٍ بأمره} هذا هو ربكم
الحق وإلهكم الذي ل إله لكم غيره ،ول ربّ لكم سواه ،أمّا الصنام والوثان فلن تكون ربّا ول
إلها لحد أبدا لنّها مخلوقة غير خالقة وعاجزة عن نفع نفسها ،ودفع الضّر عنها فكيف بغيرها؟
إنّ ربّكم ومعبودكم الحقّ الذي له 4الخلق كلّه ملكا وتصرفا وله المر وحده يتصرف كيف يشاء
في الملكوت كله .علويّه وسفليّه فتبارك ال رب العالمين.
هداية اليات
من هداية اليات :
-1ل ينفع اليمان عند معاينة الموت والعذاب كما ل ينفع يوم القيامة.
-2يحسن التثبت في المر والتأني عند العمل وترك العجلة ،فال قادرٌ على خلق السمّوات
والرض في ساعة ولكن خلقها في ستة 5أيام بمقدار أيام الدّنيا تعليما وإرشادا إلى التثبت في
المور والتأني فيها.
-3صفة من صفات الرب تعالى التي يجب اليمان بها ويحرم تأويلها أو تكييفها وهي
__________
{ 1فهل لنا من شفعاء} ؟ الستفهام مشوب بالتمني.
2خسران النفس أكبر خسران إذ هو آخر ما يخسر ،فإنّ مَنْ خسر نفسه فقد خسر كل شيء قال
تعالى { :قل إنّ الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة} ومعنى :خسران المس :عدم
النتفاع بها.
3أي :يطلبه طلبا حثيثا أي سريعا ،إذ الحث :العجال والسرعة.
4قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :من لم يحمد ال على ما عمل من عمل صالح وحمد نفسه
فقد كفر وحبط عمله" أخرجه ابن كثير نقلً عن ابن جرير .وقال ابن عيينة :فرّق ال بين الخلق
والمر فمن جمع بينهما لقد كفر إذ قال { :أل له الخلق والمر} فالخلق غير المر فمن قال :المر
مخلوق فقد كفر.
5أصل ستة :سدسة فأرادوا إدغام الدال في السين فالتقيا عند مخرج التاء فغلبت عليها فصارت
ستة ولذا تصغر على سديسة وتجمع على أسداس ،والجمع والتصغير يردّان السماء إلى أصولها،
ويقال :جاء فلن سادس ستة.
( )2/181
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
استواؤه تعالى على عرشه1 .
-4انحصار الخلق كلّ الخلق فيه تعالى فل خالق إل هو ،والمر كذلك فل آمر ول ناهي غيره.
هنا قال عمر :من بقي له شيء فليطلبه إذ لم يبق شيء ما دام الخلق والمر كلهما ل.
حهَا
حبّ ا ْل ُمعْ َتدِينَ(َ )55ولَ ُتفْسِدُواْ فِي الَرْضِ َبعْدَ ِإصْلَ ِ
خفْيَةً إِنّ ُه لَ يُ ِ
ادْعُواْ رَ ّبكُمْ َتضَرّعًا َو ُ
حسِنِينَ()56
ح َمتَ اللّهِ قَرِيبٌ مّنَ ا ْلمُ ْ
ط َمعًا إِنّ َر ْ
خ ْوفًا وَ َ
وَادْعُوهُ َ
شرح الكلمات:
ادعوا ربكم :سلوه حوائجكم الدنيوية والخروية فإنّه ربّكم فل تستحيوا من سؤاله.
تضرعا وخفية :أي حال كونكم ضارعين متذللين مخفي الدعاء غير رافعين أصواتكم به.
المعتدين :أي في الدعاء وغيره والعتداء في الدعاء أن يسأل ال ما لم تجر سنته بإعطائه أو
إيجاده أو تغييره كأن يسأل أن يكون نبيا أو أن يرد طفلً أو صغيرا ،أو يرفع صوته بالدعاء.
ول تفسدوا في الرض :أي بالشرك والمعاصي بعد إصلحها بالتوحيد والطاعات.
المحسنين :الذين يحسنون أعمالهم ونياتهم ،بمراقبتهم ال تعالى في كل أحوالهم.
معنى اليات:
ما عرّف تعالى عباده بنفسه وأنه ربهم الحق وإلههم ،وأنه الخالق المر المتصرف بيده كل شيء
أمرهم إرشادا لهم أن يدعوه ،وبين لهم الحال التي يدعونه عليها ،ليستجيب لهم
__________
1من أحسن ما يؤثر في مسألة الستواء قول مالك رحمه ال تعالى إذ قال :الستواء معلوم
والكيف مجهول والسؤال عن هذا بدعة ،ويروى مثله عن أم سلمة رضي ال عنها.
( )2/182
فقال{ :ادعوا ربكم تضرعا }1أي تذللً وخشوعا {وخفية} 2أي سرا ل جهرا ،ونهاهم عن
العتداء في الدعاء حيث أعلمهم أنه ل يحب المعتدين ،والعتداء في الدعاء أي يُدْعَى غير ال
تعالى أو يدعى معه غيره ،ومنه طلب ذوات السباب بدون إعداد أسبابها ،أو سؤال ما لم تجر
سنة ال به كسؤال المرء أن يكون نبيا أو يرد من كهولته إلى شبابه أو من شبابه إلى طفولته.
ثم بعد هذا الرشاد والتوجيه إلى ما يكملهم ويسعدهم نهاهم عن الفساد في الرض بعد أن أصلحها
تعالى والفساد في الرض يكون بالشرك والمعاصي ،والمعاصي تشمل سائر المحرمات كقتل
الناس وغصب أموالهم وإفساد زروعهم وإفساد عقولهم بالسحر والمخدرات وأعراضهم بالزنى
والموبقات .ومرة أخرى يحضهم على دعائه لن الدعاء هو العبادة وفي الحديث الصحيح "الدعاء
هو العبادة" فقال :ادعوا ربكم أي سلوه حاجاتكم حال كونكم في دعائكم خائفين من عذابه طامعين
راجين رحمته وبين لهم أن رحمته قريب 3من المحسنين الذين يحسنون نيّاتهم وأعمالهم ومن
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ذلك الدعاء فمن أحسن الدعاء ظفر بالجابة ،فثواب المحسنين قريب الحصول بخلف المسيئين
فإنه ل يستجاب لهم.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1وجوب دعاء ال تعالى فإن الدعاء هو العبادة.
-2بيان آداب الدعاء وهو :أن يكون الداعي ضارعا متذللً ،وأن يخفي دعاءه فل يجهر به ،وأن
يكون حال الدعاء خائفا طامعا ،4وأن ل يعتدي في الدعاء بدعاء غير ال تعالى أو سؤال ما لم
تجر سنة ال بإعطائه.
-3حرمة الفساد في الرض بالشرك والمعاصي بعد أن أصلحها ال تعالى بالسلم.
-4الترغيب في الحسان مطلقا خاصا وعاما حيث أن ال تعالى يحب أهله.
__________
1اختلف في رفع اليدين في الدعاء والكثرون على استحبابه لفعله صلى ال عليه وسلم.
2روي أنه صلى ال عليه وسلم قال" :خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي".
3عدم تأنيث قريب مع أنه خبر عن مؤنث ،تكلم فيه كثيرا وأحسن ما قيل في مثله أن لفظ قريب
وبعيد إذا أطلق على النسب تعيّن التذكير والتأنيث بحسب المخبر عنه نحو :زيد قريب عمر،
وعائشة قريبة بكر مثل ،وما كان لغير النسب جاز تذكيره وتأنيثه قال تعالى{ :وما يدريك لعل
ن الوصف عائد
الساعة تكون قريبا} وقال{ :وما هي من الظالمين ببعيد} فذكّر في الموضعين مع أ ّ
على مؤنث.
4ويصح نصب خوفا وطمعا مفعولين لجله أي ادعوه لجل الخوف منه والطمع فيه ،ونصبهما
على الحال كما في التفسير حسن أيضا.
( )2/183
( )2/184
معنى اليتين:
مازال السياق الكريم في بيان مظاهر القدرة الربانية والرحمة اللهية الموجبة لعبادته تعالى وحده
دون سواه قال تعالى {وهو الذي يرسل الرياح بشرا} وهو أي ربكم الحق الذي ل إله إل هو
وبشرا أي مبشرات 1ونشرا أي تنشر الرياح تحمل السحب الثقال ليسقي الرض الميتة فتحيا
بالزروع والنباتات لتأكلوا وترعوا أنعامكم ،وبمثل هذا التدبير ني إنزال المطر وإحياء الرض
بعد موتها يحييكم بعد موتكم فيخرجكم من قبوركم أحياء ليحاسبكم على كسبكم في هذه الدار
ويجزيكم به الخير بالخير والشر بمثله جزاء عادلً ل ظلم فيه وهذا الفعل الدال على القدرة
والرحمة ولطف التدبير يُريكموه فترونه بأبصاركم لعلكم به تذكرون أن القادر على إحياء موات
الرض قادر على إحياء موات الجسام فتؤمنوا بلقاء ربكم وتوقنوا به فتعملوا بمقتضى ما يسعدكم
ول يشقيكم فيه.
هذا ما تضمنته الية الولى ({ )57وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته} أي المطر
{حتى إذا أقلّت} أي حملت {سحابا ثقالً} أي ببخار الماء {سقناه} بقدرتنا ولطف تدبيرنا {لبلد ميت
}2ل حياة به ل نبات ول زرع ،ول عشب {فأنزلنا به} أي بالسحاب {الماء} العذب الفرات،
{فأخرجنا به من كل الثمرات} المختلفة اللوان والروائح والطعوم {كذلك نخرج الموتى} كهذا
الخراج للنبات من الرض الميتة نخرج الموتى 3من قبورهم وعملنا هذا نسمعكم إياه ونريكموه
بأبصاركم رجاء أن تذكروا فتذكروا أن القادر على إحياء الرض قادر على إحياء الموتى رحمة
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
منا بكم وإحسانا منا إليكم.
أما الية الثانية ( )58فقد تضمنت مثلً ضربه ال تعالى للعبد المؤمن والكافر إثر بيان قدرته على
إحياء الناس بعد موتهم فقال تعالى{ :والبلد الطيب} أي طيب التربة {يخرج نباته بإذن ربه} وذلك
بعد إنزال المطر به ،وهذا مثل العبد المؤمن ذي القلب الحي الطيب إذا سمع ما ينزل من اليات
يزداد إيمانه وتكثر أعماله الصالحة {والذي خبث} أي والبلد الذي تربته خبيثة سبخة أو حمأة
عندما ينزل به المطر ل يخرج نباته إل نكدا 4عسرا قليلً غير
__________
1قرىء {بُشرا} بضم الباء ،وقرئ {نشرا} بالنون المضمومة ،وهما قراءتان سبعيتان وفسرت
الكلمتان بحسب ما تدلن عليه فتأمل ،وفيهما قراءات أخرى من حيث الحركات كضم الباء مع
الشين ،وبشرى باللف المقصورة.
2البلد والبلدة بمعنى ويجمع على بلد وبلدان.
3روى مسلم قوله صلى ال عليه وسلم" :ثم يرسل ال أو قال :ينزل ال مطرا كأنّه الطلّ فتنبت
منه أجساد الناس ،ثم قال:أيها الناس هلموا إلى ربكم وقفوهم إنهم مسؤولون" الحديث.
4النكد :العسر الممتنع من إعطاء الخير من الناس ،وشبه به البلد الخبيث التربة كذات الحجارة
أو السبخة.
( )2/185
صالح وهذا مثل الكافر عندما يسمع اليات القرآنية ل يقبل عليها ول ينتفع بها في خُلقه ول
سلوكه فل يعمل خيرا ول يترك شرا.
وقوله تعالى{ :كذلك نصرف اليات} أي ببيان مظاهر قدرته تعالى وعلمه وحكمته ورحمته
وضرب المثال وسوق الشواهد والعبر {لقوم يشكرون} إذ هم المنتفعون بها أما الكافرون
الجاحدون فأنى لهم النتفاع بها وهم ل يعرفون الخير ول ينكرون الشر.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1تقرير عقيدة البعث والحياة بعد الموت للحساب والجزاء إذ هي من أهم أركان اليمان.
-2الستدلل بالحاضر على الغائب وهو من العلوم النافعة.
-3حسن ضرب المثال لتقريب المعاني إلى الذهان.
-4فضيلة الشكر وهو صرف النعمة فيما من أجله وهبها ال تعالى للعبد.
عذَابَ َيوْمٍ
َلقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى َق ْومِهِ َفقَالَ يَا َقوْمِ اعْ ُبدُواْ اللّهَ مَا َلكُم مّنْ إِلَهٍ غَيْ ُرهُ إِ ّنيَ أَخَافُ عَلَ ْيكُمْ َ
عَظِيمٍ( )59قَالَ ا ْلمَلُ مِن َق ْومِهِ إِنّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَلٍ مّبِينٍ( )60قَالَ يَا َقوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَلَ ٌة وََلكِنّي
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لتِ رَبّي وَأَنصَحُ َلكُ ْم وَأَعَْلمُ مِنَ اللّهِ مَا لَ َتعَْلمُونَ()62
رَسُولٌ مّن ّربّ ا ْلعَاَلمِينَ( )61أُبَّل ُغ ُكمْ رِسَا َ
حمُونَ(َ )63فكَذّبُوهُ
جلٍ مّنكُمْ لِيُنذِ َركُ ْم وَلِتَ ّتقُواْ وََلعَّلكُمْ تُ ْر َ
َأوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ِذكْرٌ مّن رّ ّب ُكمْ عَلَى رَ ُ
عمِينَ()64
فَأَنجَيْنَا ُه وَالّذِينَ َمعَهُ فِي ا ْلفُ ْلكِ وَأَغْ َرقْنَا الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا إِ ّنهُمْ كَانُواْ َقوْما َ
( )2/186
شرح الكلمات:
نوحا :هذا أول الرسل هذا العبد الشكور هو نوح بن َلمْك بن متوشلخ بن أخنوخ أي أدريس 1
عليهما السلم ،أحد أولى العزم الخمسة من الرسل عاش داعيا وهاديا ومعلما ألفا ومائتين وأربعين
سنة ،ومدة الدعوة ألف سنة إلّ خمسين عاما ،وما بعدها عاشها هاديا ومعلما وللمؤمنين.
عذاب يوم عظيم :هو عذاب يوم القيامة.
المل :أشراف القوم ورؤساؤهم الذين يملون العين والمجلس.
وأنصح لكم :أريد لكم الخير ل غير.
أوَ عجبتم :الستفهام للنكار ،وعجبتم الواو عاطفة والمعطوف عليه جملة :هي كذبتم أي أكذبتم
وعجبتم.
لينذركم :أي العذاب المترتب على الكفر والمعاصي.
ولتتقوا :أي ال تعالى باليمان به وتوحيده وطاعته فترحمون فل تعذبون.
والذين معه في الفلك :هم المؤمنون من قومه والفلك هي السفينة التي صنعها بأمر ال تعالى
وعونه.
عمين :جمع عمٍ 2وهو أعمى البصيرة أما أعمى العينين يقال فيه أعمى.
معنى اليات:
هذا شروع في ذكر قصص ستة من الرسل وهم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى عليهم
السلم والمراد من ذكر هذا القصص هو تنويع أسلوب الدعوة ليشاهد المدعون من كفار قريش
صورا ناطقة ومشاهد حية لمم سبقت وكيف كانت بدايتها وبم ختمت نهايتها ،وهي ل تختلف إل
يسيرا عما هم يعيشونه من أحداث الدعوة والصراع الدائر بينهم وبين نبيهم لعلهم يتعظون ،.ومع
هذا فالقصص يقرر نبوة محمد صلى ال عليه وسلم إذ لو لم يكن رسولً يوحى إليه لما تأتى له
أن يقص من أخبار الماضين ما بهر العقول كما أن المؤمنين مع نبيهم يكتسبون من العبر ما
يحملهم على الثبات والصبر ،ويجنبهم القنوط واليأس من حسن العافية والظفر والنصر.
__________
1الظاهر أن إدريس هنا ليس هو إدريس النبي الرسول عليه السلم -وال أعلم.
2يقال :رجل عمٍ أي جاهل بكذا.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )2/187
وهذا أول قصص بقوله تعالى فيه {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه }1أي وعزتنا لقد أرسلنا نوحا إلى
قومه كما أرسلناك أنت يا رسولنا إلى قومك من العرب والعجم ،فقال :أي نوح في دعوته{ :يا
قوم اعبدوا ال مالكم من إله غيره }2أي ليس لكم على الحقيقة إله غيره ،إذ إلله الحق من يخلق
ويرزق ويدبر فيحيي ويميت ويعطي ويمنع ،ويضر وينفع ،ويسمع ويبصر فأين هذا من آلهة
نحتموها بأيديكم ،ووضعتموها في بيوتكم عمياء ل تبصر صماء ل تسمع بكماء ل تنطق فكيف
يصح أن يطلق عليها اسم الله وتعبد {إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} أنذرهم عذاب يوم
القيامة إن هم أصروا على الشرك والعصيان فأجابه المل 3منهم وهم أهل الحل والعقد في البلد
قائلين{ :إنا لنراك في ضلل مبين} بسبب موقفك العدائي هذا للهتنا ،ولعبادتنا إياها فأجاب عليه
السلم قائلً{ :يا قوم ليس بي ضللة} مجرد ضللة فكيف بالضلل كله كما تقولون{ ،ولكني
رسول من رب العالمين} أي إليكم {أبلغكم رسالت ربي وأنصح 4لكم} أي بما هو خير لكم في
حالكم ومآلكم ،واعلموا أني {وأعلم من ال ما ل تعلمون} فأنا على علم بما عليه ربي من عظمة
وسلطان ،وجلل ،وجمال ،وما عنده من رحمة وإحسان ،وما لديه من نكال وعذاب ،وأنتم ل
تعلمون فاتقوا ال إذا وأطيعوني يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى آجالكم ،ول يعجل بفنائكم
وواصل حديثه معهم وقد دام ألف سنة إل خمسين عاما قائلً :أكذبتم بما دعوتكم إليه وجئتكم به
وعجبتم 5أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ،ولتتقوا ال بتوحيده وعبادته وطاعته
رجاء أن ترحموا فل تعذبوا أمن هذا يتعجب العقلء؟ وكانت النتيجة لهذه الدعوة المباركة الخيّرة
أن كذبوه فأنجاه ربه والمؤمنين معه ،وأغرق الظالمين المكذبين ،لنهم كانوا قوما عمين فل
يستحقون البقاء والنجاة قال تعالى {فكذبوه فأنجيناه والذين معه في
__________
1نوح :هو أوّل الرسل من حيث أنه حارب الشرك ودعا إلى التوحيد ،وهل إدريس من ذريته أو
من آبائه خلف ،أمّا شيت بن آدم فقطعا هو من آبائه.
2غيره :مرفوع على النعت لنه المرفوع تقديرا ،إذ الصل رفعه ،وجُرّ بحرف الجرّ الزائد الذي
هو مِنْ.
3المل :هم أشراف القوم ورؤساؤهم الذين إذا نظر إليهم ملوا العين وإذا جلسوا ملوا المجلس،
هذا أصل الكلمة.
4النصح :إخلص القول والعمل من شوائب الفساد ،بمعنى تخليص القول أو العمل مما هو ضار
أو غير نافع للمنصوح له ،ويقال نصحه ونصح له والمعنى واحد ،والسم النصيحة ،والناصح
الخالص من العسل مثل الناصح الذي ل شائبة فيه.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
5قوله تعالى { :أو عجبتم} الهمزة للستفهام ،والواو عاطفة على جملة محذوفة كما هي في
التفسير.
( )2/188
الفلك ،1وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين }2ل يبصرون اليات ول يرون النذر
والشواهد.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1تقرير نبوة محمد صلى ال عليه وسلم كنبوة نوح عليه السلم.
-2تقرير وتأكيد التوحيد ،وبيان معنى ل إله إل ال.
-3التحذير من عذاب يوم القيامة بالتذكير به.
-4أصحاب المنافع من مراكز وغيرها هم الذين يردون دعوه الحق لمنافاتها للباطل.
-5تقرير مبدأ العاقبة للمتقين.
-6عمى القلوب أخطرهن عمى العيون على صاحبه.
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودا قَالَ يَا َقوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا َلكُم مّنْ إِلَهٍ غَيْ ُرهُ َأفَلَ تَ ّتقُونَ( )65قَالَ ا ْلمَلُ الّذِينَ
سفَاهَةٌ
سفَاهَةٍ وِإِنّا لَنَظُ ّنكَ مِنَ ا ْلكَاذِبِينَ( )66قَالَ يَا َقوْمِ لَ ْيسَ بِي َ
َكفَرُواْ مِن َق ْومِهِ إِنّا لَنَرَاكَ فِي َ
وََلكِنّي رَسُولٌ مّن ّربّ ا ْلعَاَلمِينَ( )67أُبَّل ُغكُمْ ِرسَالتِ رَبّي وَأَنَاْ َلكُمْ نَاصِحٌ َأمِينٌ(َ )68أوَعَجِبْتُمْ أَن
جعََلكُمْ خَُلفَاء مِن َبعْدِ َقوْمِ نُوحٍ وَزَا َدكُمْ
جلٍ مّنكُمْ لِيُنذِ َركُ ْم وَاذكُرُواْ ِإذْ َ
جَاءكُمْ ِذكْرٌ مّن رّ ّب ُكمْ عَلَى رَ ُ
سطَةً فَا ْذكُرُواْ آلء اللّهِ َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ()69
فِي الْخَ ْلقِ بَ ْ
__________
1الفلك يكون واحدا وجمعا ويذكر ويؤنث.
عمٍ بكذا أي :جاهل
{ 2عمين} أي :عن الحق وعن معرفة ال وقدرته ولطفه ،وإحسانه يقال رجلٌ َ
به ل يعرفه.
( )2/189
شرح الكلمات:
وإلى عاد :أي ولقد أرسلنا إلى عاد وهم قبيلة عاد ،وعاد أبو القبيلة وهو عاد بن عوص ابن إرم
بن سام بن نوح عليه السلم.
أخاهم هودا :أخاهم في النسب ل في الدين .وهود هو هود بن شالخ بن أرفخشد بن سام ابن نوح
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عليه السلم.
أفل تتقون :أي أتصرّون على الشرك فل تتّقون عذاب ال باليمان به وتوحيده ،والستفهام
إنكاري أي ينكر عليهم عدم تقواهم ل عز وجل.
خفّة العقل ،وقلّة الدراك والحلم.
سفَه وهو ِ
في سفاهة :السفاهة كال ّ
أمين :ل أخونكم ول أغشكم ول أكْذِبُكم ،كما أني مأمون على رسالتي ل أفرط في إبلغها.
بسطة :أي طولً في الجسام ،إذ كانوا عمالق من عظم ص أجسادهم وطولها.
ي وإ ْلوٌ والجمع آلء.
ى واْل ٌ
آلء ال :نعمه واحدها أَلىً وإل ً
تفلحون :بالنجاة من النار في الخرة ،والهلك في الدنيا.
معنى اليات:
صصُ هود عليه السلم مع قومه عاد الولى التي أهلكها ال تعالى
هذا هو القصص الثانيَ ،ق َ
بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام .قوله تعالى {وإلى عاد }1أي وأرسلنا
إلى قبيلة عاد أخاهم من النسب هودا فماذا قال لهم {قال يا قوم اعبدوا ال} أي وحدوه في العبادة
ول تعبدوا معه آلهة أخرى .وقوله{ :مالكم من إله غيره} أي ليس لكم أي إله غير ال ،إذ ال هو
الله الحق وما عداه فآلهة باطلة ،لنه تعالى يخلق وهم ل يخلقون .ويرزق وهم ل يرزقون ويدبر
الحياة بكل ما فيها وهم مدبّرون ل يملكون نفعا ول ضرا ،ول موتا ول حياة ول نشورا فكيف
يكونون آلهة .ثم حضهم على التقوى وأنكر عليهم تركهم لها فقال عليه السلم لهم { :أفل تتقون}
أي ال ربّكم فتتركوا الشرك وتوحدوه؟ فأجاب المل الذين كفروا من قومه ،بأسوأ إجابة وذلك
لكبريائهم واغترارهم فقالوا{ :إنا لنراك في
__________
1عاد :آمّة عظيمة كانوا أكثر من عشر قبائل ،ومنازلهم كانت ببلد العرب من حضرموت
والشّحر إلى عُمان ،وعاد اسم القبيلة وصرف لنّه ثلثي ساكن الوسط كهند ودعد.
( )2/190
سفاهة} أي حمق وطيش وعدم بصيرة بالحياة وإل كيف تخرج عن إجماع قومك ،وتواجههم بعيب
آلهتهم وتسفيه أحلمهم{ ،وإنا لنظنك من الكاذبين} فيما جئت به أي من الرسالة ،ودعوت إليه من
التوحيد ونبذ اللهة غير ال تعالى ،فأجاب هود عليه السلم رادا شبهتهم فقال{ :يا قوم ليس بي
سفاهة ولكني رسول من رب العالمين} أي أني لست كما تزعمون أن بي سفاهة ولكني أحمل
رسالة أبلغكموها ،وأنا في ذلك ناصح لكم مريد لكم الخير أمين 1على وحي ال تعالى إلي ،أمين
ل أغشكم ول أخونكم فما أريد لكم إل الخير .ثم واصل دعوته فقال {أو عجبتم أن جاءكم ذكر من
ربّكم} أي أكذبتم برسالتي وعجبتم من مجيئكم ذكر من ربكم {على رجل منكم لينذركم} أي
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عواقب كفركم وشرككم ،أمن مثل هذا يتعجب العقلء أم أنتم ل تعقلون؟.
ثم ذكرهم بنعم ال تعالى عليهم لعلّها تُح ْدثُ لهم ذكرا في نفوسهم فيتراجعون بعد عنادهم
وإصرارهم فقال{ :واذكروا إذ جعلكم خلفاء 2من بعد قوم نوح} أي بعد أن أهلكهم بالطوفان
لصرارهم على الشرك {وزادكم في الخلق بسطة }3أي جعل أجسامكم قوية وقاماتكم طويلة هذه
نعم ال عليكم {فاذكروا آلء 4ال لعلكم تفلحون} لنكم إن ذكرتموها بقلوبكم شكرتموها بأقوالكم
وأعمالكم ،وبذلك يتم الفلح لكم ،وهو نجاتكم من المرهوب وظفركم بالمحبوب وذلك هو الفوز
المطلوب.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1الدعوة إلى عبادة ال وترك عبادة ما سواه وهو معنى ل إله إل ال.
-2مشروعية دفع التهام ،وتبرئة النسان نفسه مما يتهم به من الباطل.
-3من وظائف الرسل عليهم السلم البلغ لما أمروا بإبلغه.
__________
1المين :هو الموصوف بالمانة ،والمانة أعز أوصاف البشر وفي الحديث "ل إيمان لمن ل
أمانة له" ويروى" :لمن ل أمان له".
2الخلفاء :جمع خليفة وهو الذي يخلف غيره في شيء أي :يتولى العمل الذي كان يقوم به
الخر ،كما يجمع خليفة على خلئف.
3ويجوز بصطة :بالصاد أي طولً في الجسام قيل كان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين
ذراعا ،فالزيادة كانت على خلق من قبلهم ،وذكر القرطبي أمورا عجبا ل يحسن ذكرها.
4اللء :مفرده إلي ويعرف فيقال اللي وهو :النعمة وهو على وزن عِنَب وأعناب ونظيره إن
أي :الوقت والجمع آناء قال تعالى{ :ومن آناء الليل فسبّح} الخ.
( )2/191
( )2/192
معنى اليات:
مازال السياق في قصص هود عليه السلم ،فهاهم أولء يردّون على دعوة هود بقول المل منهم
{أجئتنا 1لنعبد ال وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا} وتهددنا إن نحن لم نترك عبادة آلهتنا{ ،فأتنا بما
تعدنا} به من العذاب { 2إن كنت من الصّادقين} في دعواك فرد هود عليه السلم على قولهم هذا
قائلً قد وقع 3عليكم رجس 4أي سخط وغضب من ال تعالى وأن عذابكم لذلك أصبح متوقعا في
حلّ بكم {إني معكم من المنتظرين} قال تعالى {فأنجيناه 5والذين معه
كل يوم فاضطروا ما سَ َي ِ
برحمة منّا} أي بعد إنزال العذاب ،ومن معه من المؤمنين برحمة منا خاصة ل تتم إل لمثلهم،
{وقطعنا دابر القوم الذين كذبوا بآياتنا ،وما كانوا مؤمنين} أهلكناهم بخارقة ريح تدمر كل شيء
بأمر بها فأصبحوا ل يرى إل مساكنهم ،وكذلك جزاء الظالمين.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1احتجاج المشركين على صحّة باطلهم بفعل آبائهم وأجدادهم يكاد يكون سنّةً مطّردةً في المم
والشعوب ،وهو التقليد المذموم.
-2من حمق الكافرين استعجالهم بالعذاب ،ومطالبتهم به.
-3آلهة الوثنيين مجرّد أسماء ل حقائق لها إذ إطلق المرء اسم إله على حجر ل يجعله إلها ينفع
ويضر ،ويحيى ويميت.
-4قدرة ال تعالى ولطفه تتجلّى في إهلك عاد وإنجاء هود والمؤمنين.
__________
1الستفهام هنا إنكاري أنكروا على نبي ال هود دعوته إيّاهم إلى التوحيد وكان جوابهم هذا أقل
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
جفوة من السابق الذي اتهموه فيه بالسفاهة والكذب.
2ذكر العذاب في سورة الحقاف إذ قال تعالى { :واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالحقاف وقد
خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألّ تعبدوا إلّ ال إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم}.
{ 3قد وقع} بمعنى :وجب ،يقال :وقع الحكم أو القول إذا وجب.
4وفسّر الرجس بالعذاب أو الرّين على القلوب بزيادة الكفر.
5روي أنّ هودا ومن معه من المؤمنين نزحوا إلى مكة وأقاموا بها بعد هلك قومهم.
( )2/193
وَإِلَى َثمُودَ َأخَا ُه ْم صَالِحًا قَالَ يَا َقوْمِ اعْ ُبدُواْ اللّهَ مَا َلكُم مّنْ إَِلهٍ غَيْ ُرهُ قَدْ جَاء ْتكُم بَيّنَةٌ مّن رّ ّبكُمْ هَ ِذهِ
عذَابٌ أَلِيمٌ( )73وَا ْذكُرُواْ
خ َذكُمْ َ
سوَءٍ فَيَأْ ُ
نَاقَةُ الّلهِ َلكُمْ آيَةً َفذَرُوهَا تَ ْأ ُكلْ فِي أَ ْرضِ الّل ِه َولَ َتمَسّوهَا ِب ُ
سهُوِلهَا ُقصُورًا وَتَنْحِتُونَ ا ْلجِبَالَ بُيُوتًا
خذُونَ مِن ُ
جعََلكُمْ خَُلفَاء مِن َبعْدِ عَا ٍد وَ َبوَّأكُمْ فِي الَ ْرضِ تَتّ ِ
إِذْ َ
سدِينَ( )74قَالَ ا ْلمَلُ الّذِينَ اسْ َتكْبَرُواْ مِن َق ْومِهِ لِلّذِينَ
فَا ْذكُرُواْ آلء اللّ ِه َولَ َتعْ َثوْا فِي الَ ْرضِ ُمفْ ِ
سلَ ِبهِ ُم ْؤمِنُونَ()75
سلٌ مّن رّبّهِ قَالُواْ إِنّا ِبمَا أُرْ ِ
ن صَالِحًا مّرْ َ
ض ِعفُواْ ِلمَنْ آمَنَ مِ ْنهُمْ أَ َتعَْلمُونَ أَ ّ
اسْ ُت ْ
قَالَ الّذِينَ اسْ َتكْبَرُواْ إِنّا بِالّ ِذيَ آمَن ُتمْ بِهِ كَافِرُونَ()76
شرح الكلمات:
وإلى ثمود :أي أرسلنا إلى ثمود ،وثمود قبيلة سميت باسم جدها وهو ثمود 1بن عابر بن إرم بن
سام بن نوح.
أخاهم صالحا :أي في النسب وصالح هو صالح بن عبيد بن آسف كاشح بن عبيد بن حاذر بن
ثمود.
آية :علمة على صدقي في أني رسول ال إليكم.
وبوأكم في الرض :أنزلكم فيها منازل تحبون فيها.
__________
1ثمود :هو أخو جديس.
( )2/194
( )2/195
الصادقة الهادفة إلى هداية القوم وإصلحهم لينجوا من عاقبة الشرك والشر والفساد {قال المل
الذين استكبروا من قومه} أي قوم صالح ،قالوا {للذين استضعفوا لمن آمن 1منهم} أي لمن آمن
من ضعفاء القوم{ :أتعلمون أن صالحا مرسلٌ من ربه} ،وهو استفهام سخرية واستهزاء دال على
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
صلف القوم وكبريائهم ،فأجاب المؤمنون من ضعفة القوم قائلين {إنا بما أرسل به مؤمنون} قالوها
واضحةً صريحةً ُمعْلنةً عن إيمانهم بما جاء به رسول ال صالح غير خائفين ،وهنا ردٌ
المستكبرون قائلين{ :إنا بالذي آمنتم به كافرون} وإمعانا منهم في الجحود والتكبّر ،لم يقولوا إنا
بما أرسل به كافرون حتى ل يعترفوا بالرسالة ولو في جواب رد الكلم فقالوا {إنا بالذي آمنتم به
كافرون}.
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1اتحاد دعوة الرسل في اليمان بال والكفر بالطاغوت أي في عبادة ال وحده.
-2تقرير إرسال الرسل باليات وهي المعجزات وآية صالح أعجب آية وهي الناقة.
-3وجوب التذكير بنعم ال إذ هو الباعث على الشكر ،والشكر هو الطاعة.
-4النهي عن الفساد في الرض والشرك وارتكاب المعاصي.
-5الضعفة هم غالبا أتباع النبياء :وذلك لخلوهم من الموانع كالمحافظة على المنصب أو الجاه
أو المال ،وعدم إنغماسهم في الملذ والشهوات.
َفعَقَرُواْ النّاقَ َة وَعَ َتوْاْ عَنْ َأمْرِ رَ ّب ِه ْم َوقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا ِبمَا َتعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ()77
جفَةُ فََأصْبَحُواْ فِي دَارِ ِهمْ جَا ِثمِينَ( )78فَ َتوَلّى عَ ْنهُمْ َوقَالَ يَا َقوْمِ َلقَدْ أَبَْلغْ ُتكُمْ رِسَاَلةَ رَبّي
خذَ ْتهُمُ الرّ ْ
فَأَ َ
حتُ َلكُ ْم وََلكِن لّ ُتحِبّونَ النّاصِحِينَ()79
وَ َنصَ ْ
__________
ض من كلّ.
{ 1لمن آمن} بدل من (الذين استضعفوا) بدل بع ٍ
( )2/196
شرح الكلمات:
فعقروا الناقة :نحروها بعد أن عقروا قوائمها أي قطعوها ،والناقة هي الية.
وعتوا عن أمر ربهم :تمردوا عن المر وعصوا فلم يطيعوا.
الرجفة :المرة من رجف إذا اضطرب ،وذلك لما سمعوا الصيحة أخذتهم الرجفة.
جاثمين : 1باركين على الركب كما يجثم الطير أي هلكى على ركبهم.
فتولى عنهم :بعد أن هلكوا نظر إليهم صالح وهم جاثمون وقال راثيا لحالهم {يا قوم لقد أبلغتكم
رسالة ربي} إلى قوله {ولكن ل تحبون الناصحين} ثم أعرض عنهم وانصرف.
معنى اليات:
مازال السياق في قصص صالح عليه السلم فإنه بعد تلك الدعوة الطويلة العريضة والمستكبرون
يردونها بصلف وكبرياء ،وطالبوا بالية لتدل على صدقه وأنه من المرسلين وأوتوا الناقة آية
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
مبصرة ولجوا في الجدال والعناد وأخيرا تمالؤوا على قتل الناقة وعقروها {فدمدم عليهم ربهم
بذنبهم فسواها ول يخاف عقباها}.
قوله تعالى في الية الولى ({ )77فعقروا 2الناقة وعتوا عن أمر ربهم} يخبر تعالى أن قوم
صالح عقروا الناقة قطعوا أرجلها ثم نحروها وهو العقر ،وعتوا بذلك وتكبروا متمردين عن أمر
ال تعالى حيث أمرهم أن يتركوها تأكل في أرض ال ول يمسوها بسوء فإذا بهم يعقرونها تحديا
وعنادا{ ،وقالوا يا صالح} بدل أن يقولوا يا رسول ال أو يا نبي ال {ائتنا بما تعدنا} أي من
العذاب إن مسسنا الناقة بسوء فقد نحرناها فأتنا بالعذاب إن كنت كما تزعم من المرسلين قال
تعالى {فأخذتهم الرجفة} وهي هزة عنيفة اضطربت لها القلوب والنفوس نتيجة صيحة لملك عظيم
صاح فيهم صباح السبت 3كما قال تعالى {فأخذتهم الصيحة
__________
1أصل الجثوم للرانب وما شابهها وموضع الجثوم يقال لهم :مجثم .قال زهير:
بها العين والرام يمشين خلفه ...وأطلؤها ينهضن من كل مجثم
2العقر :الجرح أو قطع عضو يؤثر في النفس ،يقال :عقر الفرس إذا ضرب قوائمه بالسيف،
وقيل للنحر عقر :لنّه بسبب النحر غالبا.
3هو بداية اليوم الرابع ،إذ قال لهم{ :تمتعوا في داركم ثلثة أيام} فكانت الربعاء والخميس
والجمعة والسبت أهلكهم ال تعالى.
( )2/197
مشرقين} ولما هلكوا وقف عليهم صالح كالمودع كما وقف رسول ال صلى ال عليه وسلم على
أهل القليب ببدرٍ فناداهم يا فلن يا فلن كذلك صالح عليه وعلى نبينا الصلة والسلم وقف عليهم
وهم خامدون وقال كالراثي المتحسر {يا قوم لقد أبلغتكم 1رسالة ربي ونصحت لكم ولكن ل
تحبون الناصحين} وتولى عنهم وانصرف.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1حلول نقمة ال تعالى بكل من عتا عن أمره سبحانه وتعالى.
-2مشروعية الرثاء لمن مات أو أصيب بمصاب عظيم.
-3علمة قرب ساعة الهلك إذا أصبح الناس يكرهون النصح ول يحبون الناصحين.
شةَ مَا سَ َب َقكُم ِبهَا مِنْ َأحَدٍ مّن ا ْلعَاَلمِينَ( )80إِ ّنكُمْ لَتَأْتُونَ الرّجَالَ
وَلُوطًا إِذْ قَالَ ِل َق ْومِهِ أَتَأْتُونَ ا ْلفَاحِ َ
جوَابَ َق ْومِهِ ِإلّ أَن قَالُواْ َأخْرِجُوهُم مّن
ش ْه َوةً مّن دُونِ النّسَاء َبلْ أَنتُمْ َقوْمٌ مّسْ ِرفُونَ(َ )81ومَا كَانَ َ
َ
طهّرُونَ( )82فَأَنجَيْنَا ُه وَأَهَْلهُ ِإلّ امْرَأَتَهُ كَا َنتْ مِنَ ا ْلغَابِرِينَ( )83وََأمْطَرْنَا عَلَ ْيهِم
قَرْيَ ِتكُمْ إِ ّنهُمْ أُنَاسٌ يَتَ َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
مّطَرًا فَانظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ ا ْلمُجْ ِرمِينَ()84
شرح الكلمات :
ولوطا :أي وأرسلنا لوطا ولوط هو لوط بن هاران ابن أخي إبراهيم عليه السلم .ولد في بابل
العراق.
الفاحشة :هي الخصلة القبيحة وهي إتيان الرجال في أدبارهم.
__________
1من الجائز أن يكون قد قال هذا وهم أحياء قبل موتهم كاليس منهم وكونه قاله بعد موتهم أقرب
كما في التفسير.
( )2/198
( )2/199
البلد ليلً قبل حلول العذاب بالقوم فخرجوا ،وما إن غادروا المنطقة حتى جعل ال تعالى عاليها
سافلها وأمطر عليها حجارة من سجين فأهلكوا أجمعين.
وقوله تعالى في ختام هذا القصص {فانظر كيف كان عاقبة المجرمين} فإنه خطاب عام لكل من
يسمع هذا القصص ليعتبر به حيث شاهد عاقبة المجرمين دمارا كاملً وعذابا أليما.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1شدة قبح جريمة اللواط.
-2أول من عرف هذه الجريمة القذرة هم قوم لوط 1عليه السلم.
-3السراف وعدم العتدال في القوال والفعال يتولد عنه كل شر وفساد.
-4الكفر والجرام يحل رابطة الخوة والقرابة بين أصحابه والبُراءة منه.
-5من أتى هذه الفاحشة من المحصنين يرجم 2بالحجارة حتى الموت.
شعَيْبًا قَالَ يَا َقوْمِ اعْبُدُواْ الّلهَ مَا َلكُم مّنْ إَِلهٍ غَيْ ُرهُ قَدْ جَاء ْتكُم بَيّنَةٌ مّن رّ ّبكُمْ فََأ ْوفُواْ
وَإِلَى َمدْيَنَ أَخَاهُمْ ُ
حهَا ذَِلكُمْ خَيْرٌ ّلكُمْ إِن
خسُواْ النّاسَ َأشْيَاء ُه ْم وَلَ ُتفْسِدُواْ فِي الَ ْرضِ َبعْدَ ِإصْلَ ِ
ا ْلكَ ْيلَ وَا ْلمِيزَانَ َولَ تَبْ َ
ل صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَ َتصُدّونَ
كُنتُم ّم ْؤمِنِينَ(َ )85ولَ َت ْقعُدُواْ ِب ُك ّ
__________
1روي أنّ إبليس هو الذي علّمهم إيّاها في نفسه بعد أن تشكّل بشكل إنسان.
2الجمهور على أن من أتى هذه الفاحشة من الذكران البالغين أنه يقتل وغير البالغ يضرب،
وخالف أبو حنيفة الجمهور وقال بعدم القتل واكتفى بالتعزير وهو محجوج بعمل الصحابة فقد
عمَل قوم لوط على عهد أبي بكر بإجماع رأي الصحابة على ذلك لحديث أبي
عمِل َ
أحرقوا مَنْ َ
داود والنسائي وابن ماجه والترمذي أي رسول ال صلى ال عليه وسلم قال" :من وجدتموه يعمل
عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به" وعند الترمذي "أحصنا أو لم يحصنا" واختلف في
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الفاعل في البهيمة هل يقتل أو يعزّر؟ فالراجح :القتل لحديث" :من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا
البهيمة معه".
( )2/200
عوَجًا وَا ْذكُرُواْ ِإذْ كُنتُمْ قَلِيلً َفكَثّ َركُ ْم وَانظُرُواْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ
عَن سَبِيلِ الّلهِ مَنْ آمَنَ ِب ِه وَتَ ْبغُو َنهَا ِ
حكُمَ
ا ْل ُمفْسِدِينَ( )86وَإِن كَانَ طَآ ِئفَةٌ مّنكُمْ آمَنُواْ بِالّذِي أُ ْرسِ ْلتُ ِب ِه وَطَآ ِئفَةٌ لّمْ ْي ْؤمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتّى َي ْ
اللّهُ بَيْنَنَا وَ ُهوَ خَيْرُ ا ْلحَا ِكمِينَ()87
شرح الكلمات:
وإلى مدين آخاهم شعيبا :مدين أبو القبيلة وهو مدين بن إبراهيم الخليل وشعيب من أبناء القبيلة
فهو أخوهم في النسب حقيقة إذ هو شعيب بن ميكائيل بن يشجر بن مدين.
ول تبخسوا الناس أشياءهم :أي ل تنقصوا الناس قيم سلعهم وبضائعهم ،إذ كانوا يفعلون ذلك.
صراط توعدون :طريق وتوعدون تخيفون المارة وتأخذون عليهم المكوس أو تسلبونهم أمتعتهم.
وتبغونها عوجا :أي تريدون سبيل ال -وهي شريعته -معوجةً حتى توافق ميولكم.
المفسدين :هم الذين يعملون بالمعاصي في البلد.
يحكم بيننا :يفصل بيننا فينجي المؤمنين ويهلك الكافرين.
معنى اليات:
هذا هو القصص الخامس في سورة العراف وهو قصص نبي ال شعيب مع قومه أهل مدين،
فقوله تعالى{ :وإلى مدين أخاهم شعيبا }1أي وأرسلنا إلى أهل مدين أخاهم شعيبا .فماذا قال لهم
لما أرسل إليهم؟ { قال يا قوم اعبدوا ال مالكم من إله غيره} أي قولوا ل إله إل ال ،ولزم ذلك
أن يصدقوا برسول ال شعيب حتى يمكنهم أن يعبدوا ال بما
__________
1شعيب :تصغير شعب أو شِعب ويقال له خطيب النبياء لحسن مراجعته قومه.
( )2/201
يحب أن يعبد به وبما من شأنه أن يكملهم ويسعدهم في الدارين وقوله {قد جاءتكم 1بينة من
ربكم} أي آية واضحة تشهد لي بالرسالة وبما أن ما آمركم به وأنهاكم عنه هو من عند ال تعالى
إذا {فأوفوا الكيل والميزان} أي بالقسط الذي هو العدل{ ،ول تبخسوا الناس أشياءهم} بل أعطوهم
ما تستحقه بضائعهم من الثمن بحسب جودتها ورداءتها {ول تفسدوا في الرض بعد إصلحها}
أي في البلد بعد إصلحها ،وذلك بترك الشرك والذنوب ومن ذلك ترك التلصص وقطع الطرق،
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وترك التطفيف في الكيل والوزن وعدم بخس سلع الناس وبضائعهم ذلكم الذي دعوتكم إليه من
ل ومالً إن كنتم مؤمنين وقوله{ :ول تقعدوا بكل صراط 2
الطاعة وترك المعصية خير لكم حا ً
توعدون وتصدون عن سبيل ال من آمن به وتبغونها عوجا }3ينهاهم عليه السلم عن أبشع
الجرام وهو أنهم يجلسون في مداخل البلد ،وعلى أفواه السكك ،ويتوعدون 4المارة بالعذاب إن
هم اتصلوا بالنبي شعيب وجلسوا إليه صرفا للناس عن اليمان والستقامة ،كما أنهم يقطعون
الطرق ويسلبون الناس ثيابهم وأمتعتهم أو يدفعون إليهم ضريبة خاصة.
وقوله {واذكروا إذ كنتم قليلً فكثركم} يذكرهم عليه السلم بنعمة ال تعالى عليهم وهي أنهم
أصبحوا شعبا كبيرا بعدما كانوا شعبا صغيرا ل قيمة له ول وزن بين الشعوب وقوله{ :وانظروا
كيف كان عاقبة المفسدين} يعظهم ببيان مصير الظلمة المفسدين من المم المجاورة والشعوب
حيث حلت بهم نقمة ال ونزل بهم عذابه فهلكوا يعظهم لعلهم يذكرون فيتركوا الشرك والمعاصي،
ويعملوا بالتوحيد والطاعة.
وأخيرا يخوفهم بال تعالى ويهددهم بأن حكما عدلً هو ال سيحكم بينهم وعندها يعلمون من هو
المحق ومن هو المبطل فقال{ :وإن كان طائفة منكم} أي جماعة {آمنوا بالذي أرسلت به} من
التوحيد والطاعة وترك الشرك والمعاصي{ ،وطائفة} أخرى {لم يؤمنوا} وبهذا كنا متخاصمين
نحتاج إلى من يحكم بيننا إذا {فاصبروا حتى يحكم ال بيننا وهو خير
__________
1من الجائز أن يكون ال تعالى قد أعطى نبيّه شعيبا آية ولم تذكر في القرآن ،والراجح أنّها حجة
قوية قهرهم بها ولم يتمكنوا من ردّها.
2قال ابن عباس ومجاهد وقتادة :كانوا يقعدون على الطرقات المفضية إلى شعيب فيتوعّدون من
أراد المجيىء إليه ويصدّونه عنه ويقولون :إنّه كذّاب فل تذهب إليه ،كما كانت قريش تفعله مع
النبي صلى ال عليه وسلم.
عوَجا في الجرام والذوات.
3قال أبو عبيدة والزجاج :كسر العين عوجا في المعاني ،والفتح َ
4قال أبو هريرة رضي ال عنه هذا نهي عن قطع الطريق وأخذ السلب وكان ذلك من فعلهم.
( )2/202
الجزء التاسع
الحاكمين}.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1دعوة الرسل واحدة في باب العقيدة إذ كلها تقوم على أساس التوحيد والطاعة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-2حرمة التطفيف في الكيل والميزان ،وبخس الناس أشياءهم ،ويدخل في ذلك الصناعات
وحرف المهن وما إلى ذلك.
-3حرمة الفساد في الرض بالمعاصي لسيما البلد التي طهرها ال بالسلم وأصلحها
بشرائعه.
-4حرمة التلصص وقطع 1الطرق وتخويف المارة.
-5حرمة الصد عن سبيل ال بمنع الناس من التدين واللتزام بالشريعة ظاهرا وباطنا.
شعَ ْيبُ وَالّذِينَ آمَنُواْ َم َعكَ مِن قَرْيَتِنَا َأوْ لَ َتعُودُنّ فِي
قَالَ ا ْلمَلُ الّذِينَ اسْ َتكْبَرُواْ مِن َق ْومِهِ لَ ُنخْرِجَ ّنكَ يَا ُ
عدْنَا فِي مِلّ ِتكُم َبعْدَ ِإذْ نَجّانَا اللّهُ مِ ْنهَا
مِلّتِنَا قَالَ َأوََلوْ كُنّا كَارِهِينَ(َ )88قدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِبًا إِنْ ُ
شيْءٍ عِ ْلمًا عَلَى الّلهِ َت َوكّلْنَا رَبّنَا
سعَ رَبّنَا ُكلّ َ
َومَا َيكُونُ لَنَا أَن ّنعُودَ فِيهَا ِإلّ أَن يَشَاء اللّهُ رَبّنَا وَ ِ
ق وَأَنتَ خَيْرُ ا ْلفَاتِحِينَ()89
حّافْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ َق ْومِنَا بِالْ َ
شرح الكلمات:
المل :أشراف القوم الذين يملؤون المجلس إذا جلسوا ،والعين إذا نظر إليهم.
استكبروا :تكلفوا الكبر وهم حقيرون ،حتى ل يقبلوا الحق.
__________
1ومثله الضرائب الفادحة التي تضرب على المسلمين في بلدهم والمكوس التي في السواق
وغيرها مما اقتدى فيه المسلمون بالكافرين.
( )2/203
( )2/204
ثم قال عليه السلم بعد أن أعلمهم أن العودة إلى دينهم غير واردة ول ممكنة بحال من الحوال
إلّ في حال مشيئة ال ذلك ،وهذا مما ل يشاءه ال تعالى قال{ :على ال توكلنا} في الثبات على
دينه الحق ،والبراءة من الباطل ثم سأل ربه قائلً{ :ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} أي احكم
بيننا وبينهم بالحق {وأنت خير 1الفاتحين} أي الحاكمين ،وذلك بإحقاق الحق وإبطال الباطل.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1بيان سنة بشرية وهي أن الظلمة والمتكبرين يجادلون بالباطل حتى إذا أعياهم الجدال وأفحموا
بالحجج بدل أن يسلموا بالحق ويعترفوا به ويقبلوه ،فيستريحوا ويريحوا يفزعون إلى القوة بطرد
أهل الحق ونفيهم أو إكراههم على قبول الباطل بالعذاب والنكال.
-2ل يصح من أهل الحق بعد أن عرفوه ودعوا إليه أن يتنكروا ويقبلوا الباطل بدله.
-3يستحب الستثناء في كل ما عزم عليه المؤمن مستقبلً وإن لم يرده أو حتى يفكر فيه.
-4وجوب التوكل على ال عند تهديد العدو وتخويفه ،والمضي في سبيل الحق.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-5مشروعية الدعاء وسؤال ال تعالى الحكم بين أهل الحق وأهل الباطل ،لن ال تعالى يحكم
بالحق وهو خير الحاكمين.
جفَةُ
خذَ ْتهُمُ الرّ ْ
شعَيْبا إِ ّن ُكمْ إِذا لّخَاسِرُونَ( )90فَأَ َ
َوقَالَ ا ْلمَلُ الّذِينَ َكفَرُواْ مِن َق ْومِهِ لَئِنِ اتّ َبعْ ُتمْ ُ
شعَيْبًا كَانُواْ ُهمُ
شعَيْبًا كَأَن لّمْ َيغْ َنوْاْ فِيهَا الّذِينَ كَذّبُواْ ُ
فََأصْبَحُواْ فِي دَارِ ِهمْ جَا ِثمِينَ( )91الّذِينَ كَذّبُواْ ُ
الْخَاسِرِينَ( )92فَ َتوَلّى عَ ْنهُمْ َوقَالَ يَا َقوْمِ َلقَدْ
__________
{ 1إلّ أن يشاء ال ربنا} هذا الستثناء منقطع بمعنى لكن أي :ما يقع منّا العودة إلى الكفر لكن إن
شاء ال ذلك كان ،وال ل يشاء ذلك فهو إذا كقولك" :ل أكلمك حتى يبيَض الغراب" أو {حتى يلج
الجمل في سمّ الخياط}.
2الفتح بمعنى القضاء والحكم وهو لغة :أزد عمان من اليمن أي :أحكم بيننا وبينهم وهي مأخوذة
من الفتح بمعنى النصر إذ كانوا ل يتحاكمون لغير السيف ويرون أن النصر حكم ال للغالب على
المغلوب.
( )2/205
( )2/206
أي كأن لم يعمروا تلك الديار ويقيموا بها زمنا طويلً ،وأكد هذا الخبر وهو حكمه في المكذبين
الظالمين فقال{ :الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين} أما الذين صدقوا شعيبا فهم المفلحون
الفائزون وودعهم شعيب كما ودع صالح قومه قال تعالى{ :فتولى عنهم} وهم جاثمون هلكى فقال
{يا قوم لقد أبلغتكم رسالت ربي ونصحت لكم} فأبيتم إل تكذيبي ورد قولي والصرار على
الشرك والفساد حتى هلكتم {فكيف آسَى على قوم كافرين }1أي ل معنى للحزن والسف على
مثلكم.
هداية اليات
هن هداية اليات:
-1ثمرة الصبر والثبات النصر العاجل أو الجل.
-2نهاية الظلم والطغيان والدمار والخسران.
-3ل أسىً ول حزنا على من أهلكه ال تعالى بظلمه وفساده في الرض.
-4مشروعية توبيخ الظالمين بعد هلكهم كما فعل رسول ال صلى ال عليه وسلم بأهل القليب
وكما فعل صالح وشعيب عليهما السلم.
خذْنَا أَهَْلهَا بِالْبَ ْأسَاء وَالضّرّاء َلعَّل ُهمْ َيضّرّعُونَ(ُ )94ثمّ بَدّلْنَا َمكَانَ
َومَا أَ ْرسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مّن نّ ِبيّ ِإلّ أَ َ
شعُرُونَ(
عفَو ْا ّوقَالُواْ َقدْ مَسّ آبَاءنَا الضّرّاء وَالسّرّاء فََأخَذْنَاهُم َبغْتَ ًة وَ ُه ْم لَ يَ ْ
حسَنَةَ حَتّى َ
السّيّ َئةِ الْ َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
)95
شرح الكلمات:
في قرية :القرية :المدينة الجامعة لعيان البلد ورؤسائها وهي المدينة.
بالبأساء :بالشدة كالقحط والجوع والحروب.
__________
1الستفهام إنكاري وهو موجه في الظاهر إلى نفس شعيب ،والمقصود نهي من معه من
المؤمنين الناجين من العذاب برحمة ال تعالى نهيهم عن الحزن عن قومهم وأقاربهم كأنه لحظ
ذلك فيهم.
( )2/207
( )2/208
-2تخويف كفار قريش بما دلت عليه هذه السنة من أخذ ال تعالى المصرين على الكفر
المتمردين على الحق.
-3التذكير والوعظ بتاريخ المم السابقة المنبىء عن أسباب هلكهم وخسرانهم ليتجنبها العقلء،
كما قال تعالى{ :لقد كان في قصصهم عبرة لولي اللباب}.
سمَاء وَالَ ْرضِ وََلكِن كَذّبُواْ فََأخَذْنَاهُم ِبمَا
وََلوْ أَنّ أَ ْهلَ ا ْلقُرَى آمَنُواْ وَاتّقَواْ َلفَتَحْنَا عَلَ ْيهِم بَ َركَاتٍ مّنَ ال ّ
كَانُواْ َي ْكسِبُونَ(َ )96أفََأمِنَ َأ ْهلُ ا ْلقُرَى أَن يَأْتِ َي ُهمْ بَأْسُنَا بَيَاتا وَ ُهمْ نَآ ِئمُونَ(َ )97أوَ َأمِنَ َأ ْهلُ ا ْلقُرَى أَن
يَأْتِ َيهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَ ْلعَبُونَ(َ )98أفََأمِنُواْ َمكْرَ اللّهِ فَلَ يَ ْأمَنُ َمكْرَ الّلهِ ِإلّ ا ْلقَوْمُ الْخَاسِرُونَ()99
ن الَ ْرضَ مِن َبعْدِ أَ ْهِلهَا أَن ّلوْ نَشَاء َأصَبْنَاهُم ِبذُنُو ِبهِ ْم وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُو ِبهِمْ َفهُمْ
َأوَلَمْ َيهْدِ لِلّذِينَ يَرِثُو َ
س َمعُونَ()100
لَ َي ْ
شرح الكلمات:
آمنوا واتقوا :أي آمنوا بال ورسوله ووعد ال ووعيده واتقوه تعالى بطاعته وعدم معصيته.
بركات من السماء والرض :جمع بركة وهي دوام الخير وبقاؤه والعلم واللهام والمطر من
بركات السماء والنبات والخصب والرخاء والمن والعافية من بركات الرض.
يكسبون :من الشرك والمعاصي.
ل وهم نائمون.
بياتا :أي لي ً
مكر ال :استدراجه تعالى لهم بإغداق النعم عليهم من صحة
( )2/209
البدان ورخاء العيش حتى إذا آمنوا مكره تعالى بهم أخذهم بغتة.
أولم يهد لهم :أي أولم يبين لهم بمعنى يتبين لهم.
بذنوبهم :أي بسبب ذنوبهم.
معنى اليات:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بعدما بين تعالى سنته في المم السابقة ،وهي أخذ المة بعد تكذيبها وعصيانها بالبأساء والضراء،
ثم إذا هي لم تتب واستمرت على كفرها وعصيانها أغدق عليها الخيرات حتى عفت بكثرة ما لها
وصلح حالها أخذها بغتة فأهلكها ،وتم خسرانها في الدارين ،فتح تعالى باب التوبة والرجاء
لعباده فقال{ :ولو 1أن أهل القرى }2المكذبين ككفار مكة والطائف وغيرهما من المدن {آمنوا}
أي بال ورسوله وبلقاء ال ووعده ووعيده{ ،واتقوا} ال تعالى في الشرك وفي معصيته ومعصية
رسوله لفتح عليهم أبواب السماء بالرحمات والبركات ،وفتح عليهم كنوز الرض ورزقهم من
الطيبات ولكن أهل القرى الولين كذبوا فأخذهم بالعذاب بما كانوا يكسبون ،وأهل القرى اليوم
وهم مكذبون فإما أن يعتبروا بما أصاب أهل القرى الولين فيؤمنوا ويوحدوا ويطيعوا ،وإما أن
يصروا على الشرك والتكذيب فينزل بهم ما نزل بمن قبلهم من عذاب البادة والستئصال ،هذا ما
دلت عليه الية الولى ( )96وهي قوله تعالى {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم
بركات 3من السماء والرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} أما اليات الثلث بعدها
فإن ال تعالى ينكر على أهل القرى غفلتهم موبخا لهم على تماديهم وإصرارهم على الباطل معجبا
من حالهم فيقول{ :أفأمن 4أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون؟} أي أجهلوا ما نزل بمن
قبلهم فأمنوا أن
__________
1لو :حرف امتناع ل متناع ،امتنع شرطها فامتنع جوابها ،وشرطها هنا :اليمان والتقوى
وجوابها فتح البركات على أهل القرى.
2يقال للمدينة :قرية لجتماع الناس فيها مأخوذ من التقرّى الذي هو التجمع يقال :قريت الماء في
الحوض :إذا جمعته ،وسمي القرآن قرآنا لجتماع الحروف والكلمات والجمل واليات فيه.
3البركات :جمع بركة ،وهي الخير الدائم الصالح الذي ل تبعة فيه في الدنيا ول في الخرة.
وتكون في العمر والمال وفي كل ما هو خير ونافع غير ضار للنسان.
4الستفهام للنكار والتعجب معا ،ومكر ال تعالى :إمهالهم وإغداق الخير عليهم مع شركهم
وكفرهم ،إذ المكر :أن يظهر المرء الحسان لمن يمكر به ليأخذه فجأة .والمن من مكر ال تعالى
زيادة على أنه كبيرة من كبائر الذنوب فإنه يؤدي بالمن إلى هلكه دنيا وأخرى.
( )2/210
يأتيهم عذابنا ليلً وهم نائمون؟ {أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا} أي عذابنا {ضحى وهم
يلعبون؟} أي أو غفل أهل القرى وأمنوا أن يأتيهم عذابنا ضحى وهم في أعمالهم التي ل تعود
عليهم بخير كأنها لعب أطفال يلعبون بها {أفأمنوا مكر ال}؟ أي أغرهم إمهالنا لهم واستدراجنا
إياهم فأمنوا مكر ال؟ إنهم في ذلك خاسرون إذ ل يأمن مكر ال إل القوم الخاسرون .وقوله تعالى
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
في الية الخامسة ({ )100أو لم يهد للذين يرثون الرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم
بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم ل يسمعون} أي عمى الذين يرثون الرض من بعد أهلها ولم
يتبين لهم بعد ولم يعلموا أنا لو نشاء أصبناهم بذنوبهم كما أصبنا الذين ورثوا ديارهم بذنوبهم
{ونطبع على قلوبهم فهم ل يسمعون} أي ونجعل على قلوبهم غشاوة حتى ل يعوا ما يقال لهم ول
يفهموا ما يراد بهم حتى يهلكوا كما هلك الذين من قبلهم.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1عرض الرحمن تبارك وتعالى رحمته على عباده ولم يطلب منهم أكثر من اليمان والتقوى.
-2حرّمة الغفلة ووجوب الذكر واليقظة.
-3حرمة المن من مكر ال تعالى.
-4إذا أمنت المة مكر ال تهيأت للخسران وحل بها ل محالة.
-5وجوب العتبار بما أصاب الولين ،وذلك بترك ما كان سببا لهلكهم.
سُلهُم بِالْبَيّنَاتِ َفمَا كَانُواْ لِ ُي ْؤمِنُواْ ِبمَا كَذّبُواْ مِن قَ ْبلُ
تِ ْلكَ ا ْلقُرَى َن ُقصّ عَلَ ْيكَ مِنْ أَنبَآ ِئهَا وََلقَدْ جَاء ْتهُمْ رُ ُ
جدْنَا َأكْثَرَ ُهمْ
عهْ ٍد وَإِن وَ َ
لكْثَرِهِم مّنْ َ
جدْنَا َ
كَذَِلكَ َيطْبَعُ الّلهُ عََلىَ قُلُوبِ ا ْلكَافِرِينَ(َ )101ومَا وَ َ
سقِينَ()102
َلفَا ِ
( )2/211
شرح الكلمات:
تلك القرى :الشارة إلى قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب.
من أنبائها :أي من أخبارها.
بالبينات :بالحجج والبراهين الدالة عل توحيد ال وصدق رسله.
من قبل :أي من قبل خلقهم ووجودهم ،إذ علم ال تعالى تكذيبهم عليهم في كتاب المقادير.
وما وجدنا لكثرهم من عهد :أي لم نجد لكثرهم وفاء بعهودهم التي أخذت عليهم يوم أخذ
الميثاق.
معنى اليتين:
يخاطب الرب تعالى 1رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم قائلً {تلك القرى نقص عليك من
أنبائها} أي من أخبارها مع أنبيائها كيف دعتهم رسلهم إلى اليمان والتوحيد والطاعة ،وكيف
ردت تلك المم دعوة ال واستكبرت على عبادته ،وكيف كان حكمنا فيهم لعل قومك يذكرون
فيؤمنوا ويوحدوا .وقوله تعالى {ولقد جاءتهم رسلهم بالبنيات} أي بالحجج الواضحات على صدق
دعوتهم ،وما جاءتهم به رسلهم من أمر ونهي من ربهم .وقوله {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من 2
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
قبل} أي لم يكن أولئك الهالكون من أهل القرى ليؤمنوا بما كذبوا به في علم ال وقدره إذ علم ال
أنهم ل يؤمنون فكتب ذلك عليهم فلذا هم ل يؤمنون .وقوله تعالى{ :كذلك يطبع ال على قلوب
الكافرين} أي كما كتب على الهالكين من أهل القرى أنهم ل يؤمنون ولم يؤمنوا فعلً فأهلكهم،
يطبع كذلك على قلوب الكافرين فل يؤمنون حتى يأخذهم العذاب وهم ظالمون بكفرهم .وهذا
الحكم اللهي قائم على مبدأ أن ال علم من كل إنسان قبل خلقه ما يرغب فيه وما يؤثره على
غيره ويعمله باختياره وإرادته فكتب ذلك عليه فهو عند خروجه
__________
1سرّ هذا الخطاب زيادة على التعليم لكمال الهداية فإنه تسلية للرسول صلى ال عليه وسلم مما
يلقى من صلف المشركين وعنادهم وجحودهم ،وهو تسلية لكل مؤمن ومؤمنة يعاني من صلف
المشركين وأذاهم.
2اختلف في المضاف إليه المحذوف في قوله{ :بما كذبوا من قبل} هل المراد :من قبل خروجهم
للحياة الدنيا وهم في عالم الرواح حيث أمروا باليمان فكذبّوا فكتب ال عليهم ذلك فلن يكون إل
هو أو لو أحييناهم بعد إهلكهم بذنوبهم لمّا آمنوا بما كذّبوا به فكان سبب هلكهم ،أو سألوا
المعجزات ليؤمنوا فلمّا رأوها لم يؤمنوا بما كذّبوا من قبل رؤيتهم المعجزات ،والراجح من هذه
المقولت ما هو في التفسير إذ هو قول ابن جرير إمام المفسرين.
( )2/212
إلى الدنيا ل يعمل إل به ليصل إلى ما كتب عليه ،وقدر له أزلً قبل خلق السموات والرض،
وقوله تعالى {وما وجدنا لكثرهم من عهد }1أي لم نجد لتلك المم التي أهلكنا وهم قوم نوح
وهود وصالح ولوط وشعيب .لم نجد لكثرهم وفاء بعهدهم الذي أخذناه عليهم قبل خلقهم من
اليمان بنا وعبادتنا وطاعتنا وطاعة رسلنا ،وما وجدنا 2أكثرهم إل فاسقين عن أمرنا خارجين
عن طاعتنا وطاعة رسلنا ،وكذلك أحللنا بهم نقمتنا وأنزلنا بهم عذابنا فأهلكناهم أجمعين.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1تقرير الوحي اللهي وإثبات نبوة محمد صلى ال عليه وسلم ،لنه ما ُقصّ من أنباء الولين ل
يُتََلقّى إل بوحي إلهي ول يتلقى عن ال تعالى إل رسول أَعِدّ لذلك.
-2وجود البينات مهما كانت قوية واضحة غير كاف في إيمان من لم يشأ ال هدايته.
-3المؤمن من آمن في الزل ،والكافر من كفر فيه.
-4الطبع على قلوب الكافرين سببه اختيارهم للكفر والشر والفساد وإصرارهم على ذلك كيفما
كانت الحال.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ن َومَلَئِهِ فَظََلمُواْ ِبهَا فَانظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ ا ْل ُمفْسِدِينَ(
عوْ َ
ثُمّ َبعَثْنَا مِن َب ْعدِهِم مّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْ َ
حقِيقٌ 3عَلَى أَن لّ َأقُولَ عَلَى
عوْنُ إِنّي رَسُولٌ مّن ّربّ ا ْلعَاَلمِينَ(َ )104
َ )103وقَالَ مُوسَى يَا فِرْ َ
سلْ َم ِعيَ بَنِي ِإسْرَائِيلَ( )105قَالَ إِن كُنتَ
اللّهِ ِإلّ ا ْلحَقّ قَدْ جِئْ ُتكُم بِبَيّنَةٍ مّن رّ ّبكُمْ فَأَرْ ِ
__________
{ 1من عهد} من زائدة لتقوية النفي والدللة على الجنس أي :جنس العهد ،والعهد من الجائز أن
يكون ما أخذ عليهم في عالم الذرّ وهو صحيح قاله ابن عباس وأن يكون ما أخذ عليهم من قِبل
النبياء أن يعبدوا ال وحده ويطيعوه ول يعصوه.
2الية{ :وإن وجدنا} وإن :بمعنى ما النافية فلذا اكتفينا في التفسير بما ولم نذكر إن اختصارا
وتقريبا للفهم.
3قرأ نافع( :حقيق عليّ) بياء الضمير المشدّدة وهي بمعنى :واجب علىّ خبر ثانٍ لنّ في قوله:
{إنّي رسول من ربّ العالمين} وقرأ غيره (على) حرف جرّ أي :محقوق بأن ل أقول على ال إلّ
الحق ،فحقيق :فعيل بمعنى مفعول كقتيل بمعنى مقتول.
( )2/213
( )2/214
رسالته وأحقية دعوته .وقوله تعالى {فظلموا 1بها} أي جحدوها ولم يعترفوا بها فكفروا بها وبذلك
ظلموا أنفسهم بسبب كفرهم بها ،واستمروا على كفرهم وفسادهم حتى أهلكهم ال تعالى بإغراقهم،
ثم قال لرسوله {فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} أي دمارا وهلكا وهى عاقبة كل مفسد في
الرض بالشرك والكفر والمعاصي .هذا ما دلت عليه الية الولى ( )103وأما اليات بعدها فإنها
في تفصيل أحداث هذا القصص العجيب .وأتى موسى فرعون وقال {يا فرعون 2إني رسول من
رب العالمين ،حقيق} أي جدير وخليق بي {أن ل أقول على ال إل الحق ،قد جئتكم ببينة من
ربكم} دالة على صدقي شاهدة بصحة ما أقول {فأرسل 3معي بني إسرائيل} لذهب بهم إلى
أرض الشام التي كتب ال لهم وقد كانت دار آبائهم .وهنا تكلم فرعون وطالب موسى بالية التي
ذكر أنه جاء بها فقال {إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين} أي فيما تدعيه وتقول
به وتدعوا إليه .وهنا ألقى موسى عصاه أي أمام فرعون المطالب بالية {فإذا هي ثعبان مبين} أي
حية عظيمة تهتز أمام فرعون وملئه كأنها جان ،4هذه آية وزاده أخرى فأدخل يده في جيبه كما
علمه ربه ونزعها {فإذا هي بيضاء للناظرين} بيضاء بياضا غير معهود مثله في أيدي الناس .هذا
ما تضمنته هذه اليات الخمس في هذا السياق.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1بيان سوء عاقبة المفسدين بالشرك والمعاصي.
-2تذكير موسى فرعون بأسلوب لطيف بأنه ليس ربا بل هناك رب العالمين وهو ال رب موسى
وهارون والناس أجمعين.
__________
{ 1فظلموا بها} أي :ظلموا أنفسهم بالتكذيب باليات ،وجائز أن يكون ظلموا بسببها غيرهم ممن
منعوهم من اليمان بها إذ هدّدوهم بالقتل وجائز أن يضمّن الظلم هنا معنى الكفر أي كفروا بها
وهو صحيح المعنى.
2فرعون :علم جنس لمن يملك مصر في القديم ككسرى :لكل من يملك فارسا وقيصر :لكل من
يملك الروم ونمرود :لمن ملك الكنعانيين ،والنجاشي :للحباش ،وتبع ،لحمير ونداء موسى له
بقوله يا فرعون :فيه نوع احترام ،إذ ناداه بعنوان الملك والسلطان.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
3الفاء تفريعية أي :ما بعدها متفرّع عمّا قبلها.
4الجانّ :هنا حية أكحل العينين تسكن البيوت ل تؤذى كثيرة التقلّب والهتزاز.
( )2/215
أي رجالً من الشرط يحشرون أي يجمعون أهل الفن من السحرة من كافة أنحاء اليالة أي القليم
المصري ،وأجر معه مناظرة فإذا انهزم انتهى أمره وأمنا من خطره على بلدنا وأوضاعنا .هذا
ما دلت عليه اليات الربع في هذا السياق.
هداية اليات
هن هداية اليات
-1جهل المل باليات أدى بهم إلى أن قالوا إن موسى ساحر عليم.
-2مكر المل وخبثهم إذ اتهموا موسى سياسيا بأنه يريد الملك وهو كذب بحت وإنما يريد إخراج
بني إسرائيل من مصر حيث طال استعبادهم وامتهانهم من قبل القباط وهم أبناء النبياء وأحفاد
إسرائيل واسحق وإبراهيم عليهم السلم.
-3فضيحة فرعون حيث نسي دعواه الربوبية ،فاستشار المل في شأنه ،إذ الرب الحق ل يستشير
عباده فيما يريد فعله لنه ل يجهل ما يحدث مستقبلً.
-4السحر صناعة من الصناعات يتعلم ويبرع فيها المرء ،ويتقدم حتى يتفوق على غيره.
-5حرمة السحر وحرمة تعلمه ،ووجوب إقامة الحد على من ظهر عليه وعرف به.
عوْنَ قَالْواْ إِنّ لَنَا لَجْرًا إِن كُنّا َنحْنُ ا ْلغَالِبِينَ( )113قَالَ َنعَ ْم وَإَ ّنكُمْ َلمِنَ ا ْل ُمقَرّبِينَ(
وَجَاء السّحَ َرةُ فِرْ َ
سحَرُواْ
)114قَالُواْ يَا مُوسَى ِإمّا أَن تُ ْل ِقيَ وَِإمّا أَن ّنكُونَ َنحْنُ ا ْلمُ ْلقِينَ( )115قَالَ أَ ْلقُوْاْ فََلمّا أَ ْل َقوْاْ َ
سحْرٍ عَظِيمٍ()116
س وَاسْتَرْهَبُوهُ ْم وَجَاءوا بِ ِ
أَعْيُنَ النّا ِ
شرح الكلمات:
السحرة :جمع ساحر وهو من يتقن فن السحر ويؤثر في أعين الناس بسحره.
إن لنا لجرا :أي ثوابا من عندك أي أجرا تعطيناه إن نحن غلبنا.
( )2/217
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أخرى ،فقد جاء في اليات السابقة أن المل أشاروا على فرعون بأن يحبس موسى وأخاه هارون
ويرسل شرطة في المدن يأتون بالخبراء في فن السحر لمناظرة موسى عسى أن يغلبوه ،وفعلً
أرسل فرعون في مدنه حاشرين يجمعون خبراء السحر ،وها هم أولء قد وصلوا قال تعالى
{وجاء السحرة فرعون }1وعرفوا أن الموقف جد صعب على فرعون فطالبوه بالجر العظيم إن
هم غلبوا موسى وأخاه فوافق فرعون على طلبهم ،وهو معنى قوله تعالى{ :وجاء السحرة فرعون
قالوا إن 2لنا لجرا إن كنا نحن الغالبين؟ قال نعم} وزادهم أيضا أن يجعلهم من خواصه ورجال
قصره فقال {وإنكم لمن المقربين} أي لدينا .وهنا تقدموا لموسى وكأنهم على ثقة في قوتهم
السحرية وأن الجولة ستكون لهم ،تقدموا بإلقاء آلتهم السحرية أو تقدم موسى عليهم فقالوا {يا
موسى 3إما أن تلقي ،وإما أن نكون نحن الملقين} أي ألق عصاك أو نلقي نحن عصينا فقال لهم
موسى {ألقوا} 4فألقوا فعلً فسحروا أعين 5الناس وجاءوا بسحر عظيم كما أخبر تعالى المر
الذي استرهب النظارة حتى إن موسى عليه السلم أوجس في نفسه خيفة فنهاه ربه تعالى عن ذلك
وأعلمه أنه الغالب بإذن ال تعالى جاء هذا الخبر في سورة طه.
__________
1لقد ذكر القرطبي في عدد السحرة أخبارا مثلها ل يصح ،إذ جاء في بعضهم أن عددهم كان
سبعين ألف ساحر ،والقرب إلى أن يكونوا سبعين رجلً.
2قرىء في السبع بهمزة الستفهام {أئن لنا لجرا} وقرىء بدونها {إنّ لنا لجرا}.
3قال القرطبي :تأدّبوا مع موسى إذ استشاروه فيمن يبدأ باللقاء فنفعهم ال بأدبهم مع نبيّه
فأسلموا وسعدوا برضوان ال تعالى.
4في إذنه لهم باللقاء توفيق ربّاني عظيم إذ معناه أنه احتفظ بالضربة الخيرة وصاحبها يغلب
بإذن ال دائما.
5أي :خيّلوا لهم وقلبوها عن صحة إدراكها بما يتخيل من التمويه الذي جرى مجرى الشعوذة
وخفة اليد.
( )2/218
هداية اليات
من هداية اليات:
-1مشروعية طلب الجرة على العمل الذي يقوم به النسان خارجا عن نطاق العبادة.
-2مشروعية الترقيات الحكومية لذي الخدمة الجُلى للدولة.
-3تأثير السحر على أعين الناس حقيقة بحيث يرون الشيء على خلف ما هو عليه إذ العصي
والحبال استحالت في أعين الناس إلى حيات وثعابين.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
طلَ مَا كَانُواْ
ق وَبَ َ
حّعصَاكَ فَإِذَا ِهيَ تَ ْلقَفُ مَا يَ ْأ ِفكُونَ(َ )117ف َوقَعَ الْ َ
وََأوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ َ
جدِينَ( )120قَالُواْ آمَنّا بِ ِربّ
ك وَانقَلَبُو ْا صَاغِرِينَ( )119وَأُ ْل ِقيَ السّحَ َرةُ سَا ِ
َي ْعمَلُونَ(َ )118فغُلِبُواْ هُنَاِل َ
ا ْلعَاَلمِينَ(َ )121ربّ مُوسَى وَهَارُونَ()122
شرح الكلمات:
تلقف :تأخذ بسرعة فائقة وحذق عجيب.
ما يأفكون :ما يقلبون بسحرهم وتمويههم.
فوقع الحق :ثبت وظهر.
صاغرين :ذليلين.
ساجدين :ساقطين على وجوههم سجدا لربهم رب العالمين.
معنى اليات:
ما زال السياق في المناظرة أو المباراة بين موسى عليه السلم وسحرة فرعون ،فبعد أن ألقى
السحرة حبالهم وعصيهم في الساحة وانقلبت بالتمويه السحري حيات وثعابين ورهب الناس من
الموقف وظن فرعون ومله أنهم غالبون أوحى ال تعالى إلى موسى أن يلقي عصاه فألقاها {فإذا
هي تلقف 1ما يأفكون} أي تأخذه وتبتلعه وبذلك وقع الحق أي ظهر وثبت
__________
1قرىء (تَ ْلقَف) و(تلَقّف) بتضعيف القاف ،والصل :تتلقف فحذف إحدى التاءين تخفيفا ،وقرىء
في الشاذ :تلقّم بالميم بدل الفاء ،ومعنى الكلّ تبتلع بسرعة وتزدرده ،وصيغة المضارع في الفعلين
لستحضار الماضي كأنّه حاضر ليكون أوقع في النفس.
( )2/219
واستقر {وبطل ما كانوا يعملون} أي السحر والتمويه وقوله تعالى {فغلبوا} أي فرعون ومله
وقومه {هنالك} أي في ساحة المباراة والمناظرة {وانقلبوا} إلى ديارهم {صاغرين} أي ذليلين
مهزومين .وقوله تعالى {وألقي السحرة ساجدين} أي إنهم بعد أن شاهدوا الية الكبرى بهرتهم
فخروا ساجدين كأنما ألقاهم 1أحد على وجه الرض ل حراك لهم وهم يقولون { 2آمنا برب
العالمين رب موسى وهارون} وضمن ذلك فقد كفروا بربوبية فرعون الباطلة ،لن اليمان بال
سيلزم الكفر بما عداه ،ولذا قالوا {آمنا برب العالمين رب موسى وهارون} تلويحا بكفرهم بفرعون
الطاغية وبكل إله غير ال.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1بيان سنته تعالى في أن الحق والباطل إذا التقيا في أي ميدان فالغلبة للحق دائما.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-2بطلن السحر وعدم فلح أهله ولقوله تعالى من سورة طه {ول يفلح الساحر حيث أتى}.
-3فضل العلم وأنه سبب الهداية فإيمان السحرة كان ثمرة العلم ،إذ عرفوا أن ما جاء به موسى
ليس سحرا وإنما هو آية له من ال فآمنوا.
-4مظهر من مظاهر القضاء والقدر فالسحرة أصبحوا كافرين وأمسوا مسلمين.
س ْوفَ
عوْنُ آمَنتُم بِهِ قَ ْبلَ أَن آذَنَ َلكُمْ إِنّ هَذَا َل َمكْرٌ ّمكَرْ ُتمُوهُ فِي ا ْلمَدِي َنةِ لِ ُتخْرِجُواْ مِ ْنهَا أَهَْلهَا فَ َ
قَالَ فِرْ َ
ج َمعِينَ( )124قَالُواْ إِنّا إِلَى رَبّنَا
لصَلّبَ ّنكُمْ َأ ْ
لفٍ ثُ ّم ُ
طعَنّ أَيْدِ َي ُك ْم وَأَرْجَُلكُم مّنْ خِ َ
لقَ ّ
َتعَْلمُونَ(ُ )123
مُنقَلِبُونَ(َ )125ومَا تَنقِمُ مِنّا ِإلّ أَنْ آمَنّا بِآيَاتِ رَبّنَا َلمّا جَاءتْنَا رَبّنَا َأفْ ِرغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَ َت َوفّنَا
مُسِْلمِينَ()126
__________
1أي :ألقوا أنفسهم على الرض ،وبني الفعل للمجهول لظهور الفاعل وهو أنفسهم.
2قالوا آمنّا بربّ العالمين حال هو يهم للسجود إعلما منهم إنهم ما سجدوا لفرعون كما يفعل
ب موسى وهارون.
القباط ،وإنّما سجدوا ل رب العالمين ر ّ
( )2/220
شرح الكلمات:
آمنتم به :أي صدقتموه فيما جاء به ودعا إليه.
مكر مكرتموه :أي حيلة احتلتموها وتواطأتم مع موسى على ذلك.
من خلف :بأن يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أو العكس.
ثم لصلبنكم :التصليب :الشد على خشبة حتى الموت.
منقلبون :أي راجعون.
وما تنقم منا :أي وما تكره منا وتنكر علينا إل إيماننا بآيات ربنا لما جاءتنا.
أفرغ علينا صبرا :أي أفض علينا صبرا قويا حتى نثبت على ما توعدنا فرعون من العذاب ول
نرتد بعد إيماننا.
معنى اليات:
ما زال السياق في أحداث قصص موسى وفرعون ففي اليات قبل هذه تمت المناظرة بين موسى
والسحرة بنصر موسى عليه السلم وهزيمة فرعون النكراء حيث سحرته بعد ظهور الحق لهم
واضحا مكشوفا آمنوا وأسلموا وسجدوا ل رب العالمين .وفي هذه اليات يخبر تعالى عن محاكمة
فرعون للسحرة فقال عز من قائل {قال فرعون} أي للسحرة {آمنتم 1به} أي بموسى {قبل أن آذن
لكم} أي في اليمان به ،وهي عبارة فيها رائحة الهزيمة والحمق ،وإل فهل اليمان يتأتي فيه
الذن وعدمه ،اليمان إذعان باطني ل علقة له بالذن إل من ال تعالى ،ثم قال لهم {إن هذا
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها} أي إن هذا الذي قمتم به من ادعاء الغلب لموسى
بعدما أظهرتم الحماس في بداية المباراة ما هو إل مكرا وتدبير خفي تم بينكم وبين موسى في
المدينة قبل الخروج إلى ساحة المباراة ،والهدف منه إخراجكم الناس 2من المدينة واستيلئكم
عليها .ثم تهددهم وتوعدهم بقوله {فسوف تعلمون} ما أنا صانع بكم .وذكر ما عزم عليه فقال
مقسما {لقطعن أيديكم وأرجلكم من خلف} يريد بقطع من كل واحد منهم يده اليمنى ورجله
اليسرى ،ثم يربطهم على أخشاب في ساحة معينة ليموتوا كذلك نكالً وعبرة لغيرهم .هذا ما أعلنه
فرعون وصرح به
__________
1الستفهام هنا للنكار والتهديد أي :ينكر على السحرة إيمانهم ويهددهم بالبطش بهم والتنكيل.
2قد يكون المراد بعض الناس وهم بنو إسرائيل إذ موسى جاء يطالب بهم ليخرج بهم إلى أرض
القدس.
( )2/221
للسحرة المؤمنين فما كان جواب السحرة {قالوا إنا إلى ربنا منقلبون} أي راجعون فقتلك إيانا لم
يزد على أن قربنا من ربنا وردنا إليه ونحن في شوق إلى لقاء ربنا ،وعليه فحكمك بقتلنا ما هو
بضائرنا ،وشيء آخر هو أنك {ما تنقم 1منا} يا فرعون أي ما تكره منا ول تنكر علينا إجراما
أجرمناه أو فسادا في الرض اشعناه إنما تنقم منا إيماننا بآيات ربنا لما جاءتنا وهذا شيء ل مذمة
فيه علينا ،ول عارا يلحقنا ،فلذا {اقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا} ثم أقبلوا على
ال ورفعوا أيديهم إليه وقالوا ضارعين سائلين {ربنا أفرغ علينا صبرا} حتى نتحمل العذاب في
ذاتك {وتوفنا مسلمين ،}2ونفذ فرعون جريمته 3ولكن أحدث ذلك اضطرابا في البلد ولم يكن
فرعون ول مله يتوقعون دل عليه اليات التالية.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1القلوب المظلمة بالكفر ولجرائم أصحابها ل يتورعون عن الكذب واتهام البرياء.
-2فضيلة السترجاع أن يقول {إنا ل وإنا إليه راجعون} حيث فزع إليها السحرة لما هددهم
فرعون إذ قالوا {إنا إل ربنا منقلبون} أي راجعون فهان عديهم ما تهددوا به.
-3مشروعية سؤال الصبر على البلء للثبات على اليمان.
-4فضل الوفاة على السلم وأنه مطلب عال لهل اليمان.
َوقَالَ ا ْلمَلُ مِن َقوْمِ فِرْعَونَ أَ َتذَرُ مُوسَى َو َق ْومَهُ لِ ُيفْسِدُواْ فِي الَ ْرضِ وَ َيذَ َركَ وَآِلهَ َتكَ قَالَ سَ ُنقَتّلُ
أَبْنَاء ُه ْم وَنَسْتَحْيِي ِنسَاء ُه ْم وَإِنّا َف ْوقَهُمْ قَاهِرُونَ( )127قَالَ مُوسَى ِل َق ْومِهِ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
__________
1يقال :نقَم ينقم من باب ضرب ،نقْما ونقَما على أنه من باب تعِب تعبا إذا أنكر الفعل وكره
صدوره وحقد على فاعله ،ويكون بالقول والفعل.
2كلمة السلم معروفة في كل زمان ومكان بين المؤمنين ويعبر عنها كل قوم بلغتهم إذ معناها
النقياد ل مع حبّه تعالى وتعظيمه والشوق إليه.
3لم يرد في القرآن ما يدل على أنّ فرعون نفّد وعيده في السحرة أو لم ينفذه ،وعدم ذكر القرآن
له لنه خالٍ من الفائدة ،وذكر القرطبي بصيغة التمريض فقال :قيل إنّ فرعون أخذ السحر
وقطعهم على شاطىء النهر وأنّه آمن بموسى عند إيمان السحرة ستمائة ألف وال أعلم.
??
( )2/222
ن الَ ْرضَ لِلّهِ يُورِ ُثهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَا ِد ِه وَا ْلعَاقِبَةُ لِ ْلمُ ّتقِينَ( )128قَالُواْ
اسْ َتعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِ ّ
ع ُد ّوكُ ْم وَيَسْتَخِْل َفكُمْ فِي الَ ْرضِ
أُوذِينَا مِن قَ ْبلِ أَن تَأْتِينَا َومِن َبعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَ ّبكُمْ أَن ُيهِْلكَ َ
فَيَنظُرَ كَ ْيفَ َت ْعمَلُونَ()129
شرح الكلمات:
قال المل :أي لفرعون.
أتذر :أي أتترك.
وقومه :أي بني إسرائيل.
ليفسدوا في الرض :أي في البلد بالدعوة إلى مخالفتك ،وترك طاعتك.
وآلهتك :أصناما صغارا وضعها ليعبدها الناس وقال أنا ربكم العلى وربها.
نستحيي نساءهم :نبقي على نسائهم ل تذبحهن كما تذبح الطفال الذكور.
ويستخلفكم في الرض :أي يجعلكم خلفاء فيها تخلفون الظالمين بعد هلكهم.
معنى اليات:
ما زال السياق في أحداث قصص موسى وفرعون أنه بعد انتصار موسى في المباراة وإيمان
السحرة ظهر أمر موسى واتبعه ستمائة ألف من بني إسرائيل ،وخاف قوم فرعون من إيمان
الناس بموسى ولما جاء به من الحق قالوا لفرعون على وجه التحريض والتحريك له {أتذر موسى
وقومه } يريدون بني إسرائيل {ليفسدوا في الرض} أي أرض مصر بإفساد خدمك 1أو عبيدك
{ويذرك وآلهتك }2أي ويتركك فل يخدمك ول يطيعك ويترك آلهتك فل
__________
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
1وإيقاع الفرقة وتشتيت الشمل أيضا.
2وقرىء {وإلهتك} أي :عبادتك وعلى هذا فإنه كان َيعْبُد ول يُعبد والوجه الوّل أظهر.
( )2/223
يعبدها إذ كان لفرعون أصنام يدعو الناس لعبادتها لتقربهم إليه وهو الرب العلى للكل.
وبعد هذا التحريش والغراء من رجال فرعون ليبطش بموسى وقومه قال فرعون {سنقتل 1
أبناءهم ونستحيي نساءهم} كما كان يفعل قبل عندما أخبر بأن سقوط ملكه سيكون على يد بني
إسرائيل {وإنا فوقهم قاهرون} هذه الكلمة من فرعون في هذا الظرف بالذات ل تعد وأن تكون
تعويضا عما فقد من جبروت ورهبوت كان له قبل هزيمته في المباراة وإيمان السحرة برب
العالمين رب موسى وهارون .هذا ما دلت عليه الية الولى ( )127وهي قوله تعالى {وقال المل
من قوم فرعون :أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الرض ،ويذرك وآلهتك .قال سنقتل أبناءهم
ونستحيي نساءهم ،وإنا فوقهم قاهرون} وكان رد موسى عليه السلم على هذا التهديد والوعيد
الذي أرعب بني إسرائيل وأخافهم ما جاء في الية الثانية ({ )128وقال موسى لقومه} أي من بني
إسرائيل {استعينوا بال} على ما قد ينالكم من ظلم فرعون ،وما قد يصيبكم من أذى انتقاما لما فقد
من علوه وكبريائه {واصبروا} على ذلك ،واعلموا {ان الرض ل يورثها من يشاء من عباده
والعاقبة للمتقين} فمتى صبرتم على ما يصيبكم فلم تجزعوا فترتدوا ،واتقيتم ال ربكم فلم تتركوا
طاعته وطاعة رسوله أهلك عدوكم وأورثكم أرضه ودياره ،وسبحان ال هذا الذي ذكره موسى
لبني إسرائيل قد تم حرفيا بعد فترة صبر فيها بنو إسرائيل واتقوا كما سيأتي في هذا السياق بعد
كذا آية ،وهنا قال بنو إسرائيل ما تضمنته الية الخيرة ({ )129قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا} بما
أتيتنا به من الدين واليات ،وذلك عندما كان فرعون يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم للخدمة {ومن
بعدما جئتنا} وهذه منهم كلمة اليس المهزوم نفسيا لطول ما عانوا من الضطهاد والعذاب من
فرعون وقومه القباط .فأجابهم موسى عليه السلم قائلً :محييا المل في نفوسهم وإيصالهم بقوة
ال التي ل تقهر {عسى 2ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الرض فينظر كيف 3تعملون}
وهذا الذي رجاه موسى ورجاه بني إسرائيل قد تم كاملً بل نقصان والحمد ل الكريم المنان.
__________
1آنس قومه بهذه الجملة من الكلم وأذهب عنهم روح الهزيمة ،ولم يقل سنقتل موسى لعلمه أنه
ل يقدر عليه ولما أصابه من الرّعب منه حتى قيل :إنه كان إذا رآه يبول من شدّة الخوف منه
وهي آية موسى عليه السلم.
2عسى من ال واجب أي ليست للرجاء فقط بل ما يذكر جمعها يقع ل ب ّد ول يتخلّف ،ولذا قد
تحقق ما ذكر معها هنا كاملً ل نقص فيه.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
3كيف :ليست للستفهام هنا وإنّما هي دالة على مجرّد كيفية أعمالهم هل هي أعمال صالحة أو
فاسدة أي :هل يشكرون؟
( )2/224
هداية اليات.
من هداية اليات:
-1خطر بطانة السوء على الملوك والرؤساء تجلت في إثارة فرعون ودفعه إلى البطش بقولهم
{أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الرض ...الخ}.
-2بيان فضيلة الصبر والتقوى وأنها مفتاح النصر وإكسير الكمال البشري.
-3النفوس المريضة علجها عسير ولكن بالصبر والمثابرة تشفى إن شاء ال تعالى.
-4بيان صدق ما رجاه موسى من ربه حيث تحقق بحذافيره.
-5استحسان رفع معنويات المؤمنين بذكر حسن العاقبة والتبشير بوعد ال لوليائه أهل اليمان
والتقوى.
ن وَ َن ْقصٍ مّن ال ّثمَرَاتِ َلعَّل ُهمْ يَ ّذكّرُونَ( )130فَِإذَا جَاء ْتهُمُ ا ْلحَسَنَةُ قَالُواْ
خذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسّنِي َ
وَلَقَدْ أَ َ
لَنَا َه ِذ ِه وَإِن ُتصِ ْبهُمْ سَيّئَةٌ يَطّيّرُواْ ِبمُوسَى َومَن ّمعَهُ أَل إِ ّنمَا طَائِرُ ُهمْ عِندَ اللّ ُه وََلكِنّ َأكْثَرَهُمْ لَ
سحَرَنَا ِبهَا َفمَا نَحْنُ َلكَ ِب ُم ْؤمِنِينَ( )132فَأَ ْرسَلْنَا عَلَ ْيهِمُ
َيعَْلمُونَ(َ )131وقَالُواْ َم ْهمَا تَأْتِنَا ِبهِ مِن آيَةٍ لّتَ ْ
لتٍ فَاسْ َتكْبَرُواْ َوكَانُواْ َق ْومًا مّجْ ِرمِينَ()133
ضفَا ِدعَ وَالدّمَ آيَاتٍ ّم َفصّ َ
ل وَال ّ
ن وَالْجَرَا َد وَا ْل ُقمّ َ
الطّوفَا َ
شرح الكلمات :
أخذنا آل فرعون بالسنين : 1أي عاقبناهم بِسِنِيى الجدب والقحط.
__________
1يقال :أصابتهم سنة أي :جدب وتقديره :جدب سنة وفي الحديث" :اللّهم اجعلها عليهم سنين
كسني يوسف" دعاء على قريش.
( )2/225
( )2/226
لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين} ولو علموا ما أصروا على الكفر ولما قالوا ما قالوا فأسباب
الحسنة اليمان والتقوى ،وأسباب السيئة الكفر والمعاصي ،إذ المراد بالحسنة والسيئة هنا :الخير
والشر .وهنا وبعد هذا الصرار والعناد والمكابرة رفع موسى يديه إلى ربه يدعوه فقال :يا رب
إن عبدك فرعون عل في الرض وبغا وعتا ،وأن قومه قد نقضوا العهد فخذهم بعقوبة تجعلها
عليهم نقمة ،ولقومي عظة ،ولمن بعدهم آية ،فاستجاب ال تعالى دعاءه فأرسل عليهم الطوفان
ل فكادوا يهلكون بالغرق فجاءوا موسى
والجراد والقمل والضفادع 1والدم فأخذهم الطوفان أو ً
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وطلبوا منه أن يدعو ربه ليرفع عنهم هذا العذاب فإن رفعه عنهم آمنوا وأرسلوا معه بني إسرائيل
فدعا ربه واستجاب ال تعالى فأخذوا شهرا في عافية فطلب منهم موسى ما وعدوه به فتنكروا
لوعدهم وأصروا على كفرهم فأرسل ال تعالى عليهم الجراد 2فأكل زروعهم وأشجارهم وثمارهم
حتى ضجوا وصاحوا وأتوا موسى وأعطوه وعودهم إن رفع ال عنهم هذا العذاب آمنوا وأرسلوا
معه بني إسرائيل فرفع ال عنهم ذلك فلبثوا مدة آمنين من هذه العاهة وطالبهم موسى بوعدهم
فتنكروا له ،وهكذا حتى تمت اليات الخمس مفصلت ما بين كل آية وأخرى مدة تقصر وتطول
فاستكبروا عن اليمان والطاعة وكانوا قوما مجرمين مفسدين ل خير فيهم ول عهد لهم.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1من تدبير ال تعالى أخذه عباده بالشدائد لعلهم يذكرون فيتعظون ويتوبون.
-2بطلن التطير مطلقا ،وإنما الشؤم في المعاصي بمخالفة شرع ال فيترتب على الفسق
والعصيان البلء والعذاب.
-3الجهل سبب الكفر والمعاصي وسوء الخلق وفساد الحوال.
-4عدم إيمان آل فرعون مع توارد اليات عليهم دال على أن إيمانهم لم يسبق به القدر .كما هو
دال على أن اليات المعجزات ل تستلزم اليمان بالضرورة.
-5التنديد بالجرام وهو إفساد النفس بالشرك والمعاصي.
__________
1صح النهي عن النبي صلى ال عليه وسلم "عن قتل الصّرد والضفدع والنملة والهدهد" من
رواية أبي داود وأحمد وابن ماجه.
2اختلف في قتل الجراد ،وأجمعوا أنه إذا أفسد جاز قتله .وأجمعوا على جواز أكله بأكل الرسول
صلى ال عليه وسلم منه هو وأصحابه في بعض الغزوات.
??
( )2/227
( )2/228
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
4وقيل إنه طاعون قتل منهم سبعين ألف نسمة إذ لفظ الرجز دالّ على مرض الطاعون لقوله
تعالى{ :فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون}.
( )2/229
قريش ومشركي العرب وكفارهم .وختم تعالى هذا القصص قصص موسى مع فرعون بقوله
{وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون} وهم بنو إسرائيل حيث استعبدهم فرعون الظالم وآله زمنا
غير قصير {مشارق الرض ومغاربها }1وهي أرض مصر والشام إذ الكل مما بارك ال تعالى
فيه إل أن أرض الشام أولً ثم أرض مصر ثانيا ،إذ دخل بنو إسرائيل أرض فلسطين بعد وفاة
موسى وهارون حيث غزا بهم يوشع بن نون العمالقة في أرض فلسطين وفتح البلد وسكنها بنو
إسرائيل وقوله تعالى {وتمت كلمة ربك الحسني على بنى إسرائيل بما صبروا} والمراد من كلمة
ال قوله في سورة القصص {ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الرض ونجعلهم أئمة
ونجعلهم الوارثين ،ونمكن لهم في الرض ،ونرى فرعون وهامان وجنودهما ما كانوا يحذرون}
وقوله تعالى {ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه} من سلح وعتاد ومبان شداد ،وقصور رفيعة
البنيان{ ،وما كانوا يعرشون} ويرفعون ويعلون من صروح عالية ،وحدائق أعناب زاهية زاهرة
وأورث أرضهم وديارهم وأموالهم قوما آخرين غيرهم ،وال يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .إلى
هنا انتهى قصص موسى عليه السلم مع فرعون وملئه وكانت العاقبة له والحمد ل.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1ضعف النسان يظهر عند نزول البلء به حيث يفزع إلى ال تعالى يدعوه ويضرع إليه وعند
رفعه حيث ينسى ما نزل به ويعود إلى عاداته وما كان عليه من الشرك والمعاصي إل من آمن
وعمل صالحا فأنه يخرج من دائرة الضعف حيث يصبر عند البلء ويشكر عند النعماء.
-2سبب العذاب في الدنيا والخرة التكذيب بآيات ال بعدم اليمان والعمل بها ،والغفلة عنها حيث
ل يتدبّر ول يفكر فيها وفي ما نزلت لجله.
-3مظاهر قدرة ال ،وصادق وعده ،وعظيم منته على خلقه ،وحسن تدبيره فيهم فسبحانه من إله
عليم حكيم رؤوف رحيم.
__________
1كما يصدق هذا على أرض الشام إذلها مشارق ومغارب ،ومن بينها الرض المقدّسة أرض
فلسطين يصدق أيضا على أرض مصر وغيرها إذ مملكة بني إسرائيل على عهد سليمان كانت قد
انتظمت المعمورة كلّها.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )2/230
( )2/231
ونزلوا على شاطئه سالمين مرّوا بأناس يعكفون 1على تماثيل لهم وهي عبارة عن أبقار حجرية
منحوتة نحتا يعبدونها وهم عاكفون عليها وما إن رأى بنو إسرائيل هؤلء العاكفين على الصنام
حتى قالوا لموسى يا موسى اجعل لنا إلها كما لهؤلء آلهة ،وهي كلمة دالة على جهلٍ بال تعالى
وآياته ،فما كان من موسى عليه السلم حتى جابههم بقوله{ :إنكم قوم تجهلون} وواصل تأنيبه لهم
وإنكاره الشديد عليهم فقال {إن هؤلء} أي العاكفين على الصنام والذين غرتكم حالهم {متبر 2ما
هم فيه وباطل ما كانوا يعملون} أي إنهم وما هم عليه من حال في هلك وخسار ،ثم قال لهم
منكرا متعجبا {أغير ال أبغيكم إلها} أي غير ربي عز وجل أطلب لكم إلها تعبدونه دون ال ما
لكم أين يذهب بعقولكم ،وهو سبحانه وتعالى فضلكم على العالمين وشرفكم على سائر سكان
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المعمورة 3أهكذا يكون شكركم له بطلب إلى غيره ،وهل هناك من يستحق العبادة غيره؟ وقوله
تعالى في الية الخيرة ({ )141وإذ أنجيناكم 4من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب} أي
واذكروا يا من قلتم اجعل لنا إلها كما للمشركين آلهة اذكروا فضل ال عليكم بإنجائه إياكم من
فرعون وآله وهم الذين كانوا على منهجه في الظلم والكفر من رجال حكمه وأفراد شرطه
وجيوشه {يسومونكم سوء العذاب :يقتلون أبناءكم} حتى ل تكثروا{ ،ويستحيون نساءكم} للمتهان
والخدمة ،وفي هذا التعذيب والنجاء منه {بلء من ربكم عظيم} يتطلب شكركم ل كفركم ،فكيف
تريدون أن تعبدوا غيره ،وتشركوا به أصناما ل تنفع ول تضر ،إن أمركم لجد مستغرب وعجب
فاتقوا ال وتوبوا إليه.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1طلب بني إسرائيل من موسى عليه السلم أن يجعل لهم إلها يعبدونه دال على جهل
__________
1قرىء {يعكُفون} بكسر الكاف وضمها سبعيتان ،والعكوف :القامة على الشيء وملزمته ،ومنه
العكوف في المساجد وهو القامة بها وملزمتها مدّه للعبادة.
2متبّر :مهلك ،والتبار :الهلك ،وكل إناء منكسر فهو متبّر.
3هذا التفضيل خاص بزمانهم الذي كانوا فيه مع أنبيائهم وهم صالحون.
4بعد أن أنكر عليهم طلبهم إلها غير ال في قوله {أغير ال أبغيكم إلها} ذكرهم بنعمة ال عليهم
وهي :إنجاؤهم من آل فرعون فهل يليق بمن ينعم ال عليه بنعمة عظيمة أن ينساه ويطلب إلها
غيره يعبده بدله أو معه؟
( )2/232
تام في بني إسرائيل ولذا قال لهم موسى {إنكم قوم تجهلون} فالعلة في هذا الطلب العجيب هي
الجهل بال تعالى وأسمائه وصفاته ،يشهد لهذا أن مسلمة الفتح لما خرج بهم رسول ال صلى ال
عليه وسلم إلى حنين مروا بسدرة قالوا للنبي صلى ال عليه وسلم أجعلها لنا ذات أنواط ننيط بها
أسلحتنا ،كما للمشركين نظيرها ينيطون بها أسلحتهم لينتصروا في القتال على أعدائهم فعجب
الرسول من قولهم وقال "سبحان ال ما زدتم أن قلتم كما قال بنو إسرائيل لموسى :اجعل لنا إلها
كما لهم آلهة" فجهل القائلين هو الذي سهل عليهم أن يقولوا مثل هذا القول ،ويشهد لذلك أن آلف
الشجار والمزارات في بلد المسلمين تزار ويتبرك بها وتقدم لها القرابين ول علة لذلك سوى
جهل المسلمين بربهم عز وجل.
-2إنكار المنكر عند وجوده والعثور عليه بالسلوب الذي يغيره.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-3استحباب التذكير بأيام ال خيرها وشرها لستجلب الموعظة للناس لعلهم يتوبون.
-4الرب تعالى يبتلى بالخير والغير ،وفي كل ذلك خير لمن صبر وشكر.
َووَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَثِينَ لَ ْيلَ ًة وَأَ ْت َممْنَاهَا ِبعَشْرٍ فَ َتمّ مِيقَاتُ رَبّهِ أَرْ َبعِينَ لَيْلَ ًة َوقَالَ مُوسَى لَخِيهِ هَارُونَ
ح َولَ تَتّبِعْ سَبِيلَ ا ْل ُمفْسِدِينَ( )142وََلمّا جَاء مُوسَى ِلمِيقَاتِنَا َوكَّلمَهُ رَبّهُ قَالَ
اخُْلفْنِي فِي َق ْومِي وََأصْلِ ْ
سوْفَ تَرَانِي فََلمّا
َربّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَ ْيكَ قَالَ لَن تَرَانِي وََلكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَ َبلِ فَإِنِ اسْ َتقَرّ َمكَانَهُ َف َ
ك وَأَنَاْ َأ ّولُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ(
ص ِعقًا فََلمّا َأفَاقَ قَالَ سُ ْبحَا َنكَ تُ ْبتُ إِلَ ْي َ
جعَلَهُ َدكّا َوخَرّ موسَى َ
تَجَلّى رَبّهُ لِلْجَ َبلِ َ
ك َوكُن مّنَ
لمِي َفخُذْ مَا آتَيْ ُت َ
علَى النّاسِ بِرِسَالَتِي وَ ِبكَ َ
طفَيْ ُتكَ َ
)143قَالَ يَا مُوسَى إِنّي اصْ َ
الشّاكِرِينَ(َ )144وكَتَبْنَا
( )2/233
حسَ ِنهَا
شيْءٍ َفخُذْهَا ِبقُ ّو ٍة وَ ْأمُرْ َق ْومَكَ يَ ْأخُذُواْ بِأَ ْ
شيْءٍ ّموْعِظَ ًة وَ َت ْفصِيلً ّل ُكلّ َ
لَهُ فِي الَ ْلوَاحِ مِن ُكلّ َ
سقِينَ()145
سَأُرِيكُمْ دَارَ ا ْلفَا ِ
شرح الكلمات:
ميقات :الميقات الوقت المعين.
أخلفني في قومي :أي كن خليفتي فيهم.
المفسدين :الذين يعملون بالمعاصي.
استقر مكانه :ثبت ولم يتحول.
خرّ :سقط على الرض.
أفاق :ذهب عنه الغماء وعاد إليه 1وعيه.
اصطفيتك :أخترتك .
معنى اليات:
ما زال السياق في ذكر أحداث موسى مع بني إسرائيل انه لما نجى ال تعالى بني إسرائيل من
فرعون وملئه ،وحدثت حادثة طلب بني إسرائيل من موسى أن يجعل لهم إلها كما للمشركين إلها
وقد أنبأهم موسى وأدبهم عن قولهم الباطل واعد ال تعالى موسى أن يناجيه بجبل الطور وجعل
له الموعد الذي يلقاه فيه شهرا ثلثين يوما وكانت شهر القعدة وزادها عشرا من أول الحجة فتم
الميقات أربعين 2ليلة .وعند خروجه عليه السلم استخلف في بني إسرائيل أخاه هارون 3
وأوصاه بالصلح ،ونهاه عن إتباع آراء المفسدين هذا معنى قوله تعالى {وواعدنا موسى ثلثين
ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لخيه هارون اخلفني في قومي
وأصلح ول تتبع سبيل المفسدين} وكان
__________
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
1في الحديث الصحيح أنّ النبي صلى ال عليه وسلم قال " :ل تخيروا بين النبياء فإنّ الناس
يصعقون يوم القيامة فأرفع رأسي فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فل أدري أصعق
فيمن صعق فأفاق قبلي أو جوزي بصعقة الطور".
2ذكر ابن عباس ومجاهد ومسروق في سبب زيادة العشرة أيام :أن موسى لمّا أكمل صيام
الثلثين يوما أنكر خلوف فمه فاستاك .فقالت له الملئكة" :إنّا كّنا نستنشق من فيك رائحة المسك
فأفسدته بالسواك فزيد فيه عشر ليال فتم له بذلك أربعون يوما .في الحديث الصحيح " خلوف فم
الصائم أطيب عند ال من ريح المسك".
3في الية دليل على استخلف المرء أخاه لينوب عنه في حفظ ورعاية ما كلّفه به ،ومن العجب
أن الروافض استدلوا بقول الرسول صلى ال عليه وسلم لعلي وقد استخلفه في إحدى غزواته "أما
ن الصحاب كفروا لتركهم
ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّ أنّه ل نبي بعدي" إ ّ
النّص في خلفة علي واجتهدوا واستخلفوا أبا بكر ،ومنهم من كفّر عليا لنه لم يطالب بالخلفة
وما دروا أنّ الرسول استخلف غير واحد ومنهم ابن أمّ مكتوم فهل دلّ ذلك على استخلفه على
أمته بعد موته؟ فما أضل القوم وأعظم جهلهم!
( )2/234
ذلك من أجل أن يأتي بني إسرائيل بكتاب من ربهم يتضمن شريعة كاملة يساسون بها وتحكمهم
ليكملوا وشحعدوا عليها.
وقوله تعالى {ولما جاء موسى لميقاتنا }1أي في الموعد الذي واعدنا والوقت الذي حددنا وكلمه
ربه بل واسطة بينهما بل كان يسمع كلمه ول يرى ذاته ،تاقت نفس موسى لرؤية ربه تعالى،
فطلب ذلك فقال {رب أرني أنظر إليك} فأجابه ربه تعالى بقوله إنك لن تراني أي رؤيتك لي غير
ممكنة لك ،ولكن إذا أردت أن تتأكد من أن رؤيتك لي في هذه الحياة غير ممكنة فانظر إلى الجبل
"جبل الطور"فإن استقر مكانه بعد أن أتجلى له ،فسوف لراني {فلما تجلى 2للجبل جعله دكا وخر
موسى} عند رؤية الجبل {صعقا} أي مغشيا عليه {فلما أفاق} مما اعتراه من الصعق {قال
سبحانك} أي تنزيها لك وتقديسا {تبت إليك }3فلم أسألك بعد مثل هذا السؤال {وأنا أول المؤمنين}
بك وبجللك وعظيم سلطانك وأنا عبدك عاجز عن رؤيتك في هذه الدار دار التكليف والعمل.
وهنا أجابه ربه تعالى قائل {يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالتي وبكلمي فخذ ما آتيتك}
من هذا الكمال 4والخير العظيم {وكن من الشاكرين} أي على إنعامي لزيدك وذلك بطاعتي
والتقرب إلى بفعل محابي وترك مكارهي .وقوله تعالى {وكتبنا له في اللواح 5من كل شيء
موعظة وتفصيلً لكل شيء} أي كتبت له في ألواحه من كل شيء
__________
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
1في الية دليل على مشروعية الموادعة والتوقيت وأن التاريخ يكون باللّيالي ل باليام ،قال ابن
العربي :حساب الشمس للمنافع وحساب القمر للمناسك.
2تجلّى معناه ظهر ،واندكاك الجبل على قوة بنيته وعظيم جسمه كان لعجزه عن رؤية الربّ
تبارك وتعالى وهذا كقوله تعالى{ :ولو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من
خشية ال}.
3الجماع على أنّ توبة موسى هذه لم تكن من ذنب وإنما هي بمعنى النابة إلى ال تعالى وعدم
طلب مثل هذا الذي طلب.
4فيه الدعوة إلى القناعة وهي خير ما يؤتى المرء في الحياة.
5اختلف في أيهما كان أوّل اللواح أو التوراة ،والظاهر أن اللواح كانت أ ّولً ثم أوحيت التوراة
عليها فصارت كتابا واحدا هو التوراة.
( )2/235
من أمور الدين والدنيا موعظة لقومه من أمر ونهي وترغيب وترهيب ،وتفصيلً لكل شيء
يحتاجون إلى بيانه وتفصيله .وقوله {فخذها بقوة} أي وقلنا له خذها بقوة أي بعزم وجد وذلك
ل وتركا{ ،وأمر قومك} أيضا {يأخذوا بأحسنها} أي بما هو عزائم فيها
بالعمل بحللها وحرامها فع ً
وليس برخص تربية لهم وتعويدا لهم على تحمل العظائم لما لزمهم من الضعف والخور دهرا
طويلً .وقوله تعالى {سأريكم دار الفاسقين } 1يتضمن النهي لبني إسرائيل عن ترك ما جاء في
اللواح من الشرائع والحكام فإنهم متى تركوا ذلك أو شيئا منه يعتبرون فاسقين ،وللفاسقين نار
جهنم هي جزاؤهم يوم يلقون ربهم ،وسيريهم إياها ،فهذه الجملة تحمل غاية الوعيد والتهديد للذين
يفسقون عن شرائع ال تعالى بإهمالها وعدم العمل بها ،فليحذر المؤمنون هذا فإنه أمر عظيم.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1المحافظة على المواعيد أمر محبوب للشارع مرغب فيه وهو من سمات الصادقين.
-2جواز الستخلف في الرض في مهام المور فضلً عما هو دون ذلك.
-3مشروعية الوصية للخلفاء بما هو خير.
-4امكان رؤية ال تعالى وهي ثابتة في الخرة لهل الجنة.
-5استحالة رؤية ال تعالى في الدنيا لضعف النسان على ذلك.
-6وجود المة القابلة لحكام ال قبل وجود الشرع الذي يحكمها.
ق وَإِن يَ َروْاْ ُكلّ آيَ ٍة لّ ُي ْؤمِنُواْ ِبهَا وَإِن
حّسََأصْ ِرفُ عَنْ آيَا ِتيَ الّذِينَ يَ َتكَبّرُونَ فِي الَ ْرضِ ِبغَيْرِ الْ َ
ل وَإِن يَ َروْاْ سَبِيلَ ا ْل َغيّ يَتّخِذُوهُ سَبِيلً ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ َكذّبُواْ بِآيَاتِنَا
خذُوهُ سَبِي ً
ش ِد لَ يَتّ ِ
يَ َروْاْ سَبِيلَ الرّ ْ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
__________
1وجائز أن يُراد بدار الفاسقين :بلد القدس والشام إذ سكانها كانوا فاسقين فواعد ال بني
إسرائيل بدخول تلك البلد والنتصار على أهلها الفاسقين.
( )2/236
( )2/237
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وقوله تعالى {ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا} التي جاءت بها رسلنا {وكانوا عنها غافلين} غير مبالين بها
ول ملتفتين 1إليها هذا هو التعليل الصحيح الذي نبهنا إليه فليتأمل ،وقوله تعالى في الية الثانية (
{ )147والذين كذبوا بآياتنا 2ولقاء الخرة حبطت أعمالهم} تقرير المراد به تأكيد سران أولئك
المصروفين عن آيات ال تعالى ،إذ أعمالهم لم تقم على أساس العدل والحق بل قامت على أساس
الظلم والباطل فلذا هي باطلة من جهة فل تكسبهم خيرا ،ومن جهة أخرى فهي أعمال سوء سوف
يجزون بها سوءا في دار الجزاء وهو عذاب الجحيم ،ولذا قال تعالى {هل يجزون إل ما كانوا
يعملون} أي ما يجزون إل ما كانوا يعملون من السوء ،وعدالة ال تعالى أن من جاء بالسيئة فل
يجزى إل مثلها وهم ل يظلمون.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1بيان سنة ال تعالى في صرف العباد عن آيات ال حتى يهلكوا كما هلك فرعون وآله.
-2من أقوى عوامل الصرف عن آيات ال الكبر.
-3التكذيب بآيات ال والغفلة عنها هما سبب كل ضلل وشر وظلم وفساد.
-4بطلن كل عمل لم يسلك فيه صاحبه سبيل الرشد التي هي سبيل ال التي تحدد اليات
القرآنية وتبين معالمها ،وترفع أعلمها.
خوَارٌ أَلَمْ يَ َروْاْ أَنّ ُه لَ ُيكَّل ُمهُ ْم َولَ َي ْهدِيهِمْ
وَاتّخَذَ َقوْمُ مُوسَى مِن َب ْع ِدهِ مِنْ حُلِ ّيهِمْ عِجْلً جَسَدًا لّهُ ُ
حمْنَا
سقِطَ فَي أَ ْيدِيهِ ْم وَرََأوْاْ أَ ّنهُمْ َق ْد ضَلّواْ قَالُواْ لَئِن لّمْ يَ ْر َ
سَبِيلً اتّخَذُو ُه َوكَانُواْ ظَاِلمِينَ( )148وََلمّا ُ
__________
1مع ما تحمله من الوعد والوعيد ،وبيان الهدى والضلل ،والخير والشر والحق والباطل فغفلتهم
الناشئة عن مرض قلوبهم بسبب الكبر والتكذيب هي التي حالت دون تذكرهم وتدبرّهم.
2اليات في الية السابقة عامة في المعجزات الكونية في النفس والفاق ،والتنزيلة القرآنية،
وفي هذه الية المراد بها :القرآنية بقرينة التكذيب بها ويوم القيامة.
( )2/238
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ولما سقط في أيديهم :أي ندموا على عبادته لنها عبادة باطلة.
معنى اليات:
هذا عود إلى قصص موسى عليه السلم مع قومه من بني إسرائيل ،فقد كان السياق مع موسى
في جبل الطور وطلبه الرؤية وتوبته من ذلك ثم اعترض السياق ببيان القاعدة العظيمة في تعليل
هلك العباد وبيان سببه وهو التكذيب بآيات ال المنزلة والغفلة عنها ،ثم عاد السياق لقصص
موسى مع بني إسرائيل فقال تعالى {واتخذ قوم موسى من بعده} أي من بعد غيبته في جبل الطور
لمناجاة ربه وليأتي بالكتاب الحاوي للشريعة التي سيسوسهم بها موسى ويحكمهم بموجبها
ومقتضى قوانينها اتخذوا {من حليهم} أي حلي نسائهم {عجلً جسدا له خوار }3وذلك أن السامري
4طلب من نسائهم حليهم بحجة واهية :أن هذا الحلي مستعار من نساء القباط ول يحل تملكه
فاحتال عليهم وكان صائغا فصهره وأخرج لهم منه {عجلً 5جسدا} أي ذاتا {له خوار} أي صوت
كصوت البقر ،وقال لهم هذا إلهكم وإله موسى فاعبدوه ولم يقل وإله هارون لن هارون كان
معهم خليفة
__________
ي وَحِلي كثدي يجمع على ثُدي بضم الياء وثِدي بكسرها.
1الحلي :يجمع على حُل ّ
2والثغاء .صوت الشاة ،والمواء :صوت القط ،والعراء :صوت الذئب ،واليعار :صوت المعز.
3الخوار :صوت العجل ،والجؤار :مثله ،وفعل الخوار خار يخور خوارا ،وفعل الجؤار جأر
يجأر جؤرا ،وأما خور يخور خورا فمعناه :جبن وضعف.
4نسبة إلى قرية نسمى :سامرة ،واسمه :موسى بن ظفر ،ولد عام قتل البناء كموسى عليه
السلم.
5العجل ولد البقرة كالحوار :ولدُ الناقة والمهر :ولدُ الفرس ،والجحش :ولد التان والحمل :ولدُ
الشاة ،والجسد :الجثة.
( )2/239
فخاف أن يكذبه هارون فلم ينسبه إليه ،وقوله تعالى {ألم يروا أنه ل يكلمهم 1ول يهديهم سبيلً}
توبيخ لهم وتقريع على غباوتهم وجهلهم ،وإل كيف يعتقدون إلها وهو ل يتكلم فيكلمهم ول يُعقل
فيهديهم سبيل الرشد إن ضلوا وقد ضلوا بالفعل ثم قال تعالى {اتخذوه} أي إلها {وكانوا ظالمين}
ل ول مخلوقا كائنا من كان فما أجهل
في ذلك ،لن ال رب موسى وهارون والعالمين لم يكن عج ً
القوم وما أسوأ فهمهم وحالهم .هذا ما دلت عليه الية الولى ( )148وأما الية الثانية ( )149فقد
أخبر تعالى عن حالهم بعد انكشاف المر لهم ،وبيان خطئهم فقال تعالى {ولما سقط 2في أيديهم}
أي ندموا ندما شديدا ورأوا أنهم بشركهم هذا قد ضلوا الطريق الحق والرشد ،صاحوا معلنين
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
توبتهم {لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر 3لنا} أي هذا الذنب العظيم {لنكونن من الخاسرين} في الدار
الخرة فنكون من أصحاب الجحيم.
هداية اليتين
من هداية اليتين :
-1بيان سنة من سنن الكون وهي أن المرء يتأثر بما يرى ويسمع ،والرؤية أكثر تأثيرا في النفس
من السماع فإن بني إسرائيل رؤيتهم للبقار اللهة التي مروا بأهل قرية يعكفون عليها وطلبوا من
موسى أن يجعل لهم إلها مثلها هو الذي جعلهم يقبلون عجل السامري الذي صنعه لهم ،ومن هذا
كان منظر الشياء في التلفاز وشاشات الفيديو مؤثرا جدا وكم أفسد من عقول ولوث من نفوس،
وأفسد من أخلق.
-2تقبيح الغباء والجمود في الفكر ،وذلك لقول ال تعالى {ألم يروا أنه ل يكلمهم}.
-3إذا أراد ال بعبده خيرا ألهمه التوبة بعد المعصية فندم واستغفر.
__________
1إذ الربّ وهو المربي والمصلح والمعبود المشرّع للعبادات يجب أن يكون متكلّما يهديهم سبل
كمالهم وسعادتهم.
2سُقط بضم السين ،وأسقط بضم الهمزة بالبناء للمفعول ،يقال للنادم المتحيّر :سقط في يده وأسقط
في يده ،وقرىء :سقط بالبناء للفاعل ،أي :سقط الندم في يده ،والندم يكون في القلب ،وإنما ذكروا
اليد هنا تشبيها بمن سقط شيء في يده وهو مثل :عض يده من الندم.
3أي :عادوا إلى الحق فتضرعوا إلى ال تعالى ودعوه معترفين بخطئهم مستنفرين ربّهم رجاء
أن ينجيهم من الخسران.
( )2/240
سمَا خََلفْ ُتمُونِي مِن َبعْ ِديَ أَعَجِلْ ُتمْ َأمْرَ رَ ّبكُ ْم وَأَ ْلقَى
سفًا قَالَ بِئْ َ
غضْبَانَ أَ ِ
وََلمّا َرجَعَ مُوسَى إِلَى َق ْومِهِ َ
ش ِمتْ
ض َعفُونِي َوكَادُواْ َيقْتُلُونَنِي فَلَ تُ ْ
ال ْلوَاحَ وََأخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُ ّرهُ إِلَ ْيهِ قَالَ ابْنَ أُمّ إِنّ ا ْل َقوْمَ اسْ َت ْ
حمَ ِتكَ
غفِرْ لِي َولَخِي وََأدْخِلْنَا فِي َر ْ
جعَلْنِي مَعَ ا ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ( )150قَالَ َربّ ا ْ
عدَاء َولَ تَ ْ
ِبيَ ال ْ
ضبٌ مّن رّ ّبهِ ْم وَ ِذلّةٌ فِي الْحَياةِ الدّنْيَا
غ َ
جلَ سَيَنَاُلهُمْ َ
حمِينَ( )151إِنّ الّذِينَ اتّخَذُواْ ا ْل ِع ْ
وَأَنتَ أَ ْرحَمُ الرّا ِ
عمِلُواْ السّيّئَاتِ ثُمّ تَابُواْ مِن َب ْعدِهَا وَآمَنُواْ إِنّ رَ ّبكَ مِن َبعْ ِدهَا
َوكَذَِلكَ نَجْزِي ا ْل ُمفْتَرِينَ( )152وَالّذِينَ َ
حمَةٌ لّلّذِينَ
ح َوفِي نُسْخَ ِتهَا هُدًى وَرَ ْ
ضبُ َأخَذَ الَلْوَا َ
س َكتَ عَن مّوسَى ا ْل َغ َ
َل َغفُورٌ رّحِيمٌ( )153وََلمّا َ
هُمْ لِرَ ّبهِمْ يَرْهَبُونَ()154
شرح الكلمات:
ولما رجع موسى :أي من جبل الطور بعد مرور أكثر من أربعين يوما.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أسفا :أي حزينا شديد الحزن والغضب.
أعجلتم أمر ربكم :أي استعجلتم.
برأس أخيه :أي هارون شقيقه.
قال ابن أم :أصلها يا ابن أمي فقلبت الياء ألفا نحو يا غلما ،ثم حذفت وهارون شقيق موسى
وإنما ناداه بأمه لنه أكثر عطفا وحنانا.
( )2/241
فل تشمت بي العداء :أي ل تجعل العداء يفرحون بإهانتك أو ضربك لي.
اتخذوا العجل :.أي إلها عبدوه.
المفترين :الكاذبين على ال تعالى بالشرك به أي يجعل شريك له.
ولما سكت عن موسى الغضب :زال غضبه وسكنت نفسه من القلق والضطراب.
أخذ اللواح :أي من الرض بعد أن طرحها فتكسرت.
وفي نسختها :أي وفي ما نسخه منها بعد تكسرها نسخة فيها هدى ورحمة.
يرهبون :يخافون ربهم ويخشون عقابه فل يعصونه.
معنى اليات:
مازال السياق في أحداث قصص موسى مع بني إسرائيل ففي هذا السياق الكريم يخبر تعالى أن
موسى عليه السلم لما رجع إلى قومه من مناجاته وقد أخبره ربه تعالى أنه قد فتن قومه من بعده
وأن السامري قد أضلهم فلذا رجع {غضبان أسفا }1أي شديد الغضب 2والحزن ،وما إن واجههم
حتى قال {بئسما خلفتموني من بعدي ،أعجلتم أمر ربكم؟} أي استعجلتم فلم تتموا ميعاد ربكم
أربعين يوما فقلتم مات موسى وبدلتم دينه فعبدتم العجل {وألقى اللواح} أي طرحها فتكسرت
{وأخذ بلحية} هارون ورأسه يؤنبه على تفريطه في مهام الخلفة فاعتذر هارون فقال يا ابن أم ل
تأخذ بلحيتي ول برأسي ،إني خشيث أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي هذا وارد
في سورة طه وأما السياق هنا فقد قال {يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني 3فل
تشمت بي العداء ول تجعلني مع القوم الظالمين} وهم الذين ظلموا بعبادة العجل ،ومعنى {ل
تشمت بي
__________
1غضبان شديد الغضب ومؤنثه غضبى غير مصروف لزيادة اللف والنون ،وأسفا :معناه شديد
الغضب قال أبو الدرداء ،السف منزلة وراء الغضب أشدّ منه والسيف :الحزين.
2الغضب من طباع البشر وقد أرشد الرسول صلى ال عليه وسلم من غضب وهو قائم أن يجلس
فإن ذهب عنه الغضب وإلّ اضطجع فقد روى أبو داود أنه صلى ال عليه وسلم قال" :وإنّ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الغضب من الشيطان ،وإن الشيطان خلق من نار وإنّما تطفأ النار بالماء ،فإذا غضب أحدكم
فليتوضأ".
3في الية دليل على أن من خاف على نفسه القتل أن يسكت عن المنكر ول يغيره بيده ول
بلسانه ولكن بقلبه.
( )2/242
العداء } ل تؤذني بضرب ول بغيره إذ ذاك يفرح أعدانا من هؤلء الجهلة الظالمين ،وهنا رق
له موسى وعطف عليه فقال {رب اغفر لي ولخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين}
توسل إلى ال تعالى في قبول دعائه بقوله {وأنت أرحم الراحمين} هذا ما تضمنته اليتان الولى (
)150والثانية ( )151أما الية الثالثة فقد أخبر تعالى بأن الذين اتخذوا العجل أي إلها {سينالهم
غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا} وكما جزاهم بالغضب المستوجب للعذاب والذلة المستلزمة
للهانة يجزي تعالى المفترين عليه الكاذبين باتخاذ الشريك له وهو بريء من الشركاء
والمشركين ،هذا ما دلت عليه الية الثالثة ( )151أما الية الرابعة فقد تضمنت فتح باب ال تعالى
لمن أراد أن يتوب إليه إذ قال تعالى {والذين عملوا السيئات} جمع سيئة وهي هنا سيئة الشرك {ثم
تابوا من بعدها} أي تركوا عبادة غير ال تعالى وآمنوا إيمانا صادقا فإن ال تعالى يقبل توبتهم
ويغفر لهم ذنوبهم ويرحمهم فيدخلهم جنته مع الصالحين من عباده ،هذا ما دلت عليه الية الرابعة
( )153أما الية الخامسة ( )154فقد تضمنت الخبار عن موسى عليه السلم
وانه لما سكت عنه الغضب أي ذهب أخذ اللواح التي ألقاها من شدة الغضب وأخبر تعالى أن في
نسخة 1تلك اللواح {هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون} وهم المؤمنون المتقون وخصوا
بالذكر لنهم الذين يجدون الهدى والرحمة في نسخة اللواح ،لنهم يقرأون ويفهمون ويعلمون
وذلك ليمانهم وتقواهم.
هداية اليات
من هداية اليات :
-1الغضب من طباع البشر فل يلم عليه المرء ومهما بلغ من الكمال كالنبياء ،ولكن أهل
الكمال ل يخرج بهم الغضب إلى حد أن يقولوا أو يعملوا ما ليس بخير وصلح.
-2مشروعية العتذار وقبول العذر من أهل المروءات.
-3مشروعية التوسل بأسماء ال وصفاته.
__________
1النسخة :بمعنى المنوسخ ،والنسخ :النقل للمكتوب في لوح أو غيره ،ويسمى المنوسخ نسخة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )2/243
-4كل وعيد ل تعالى توعد به عبدا من عباده مقيد بعدم توبة المتوعد.
-5كل رحمة وهدى ونور في كتاب ال ل ينتفع به إل أهل اليمان والتقوى.
جفَةُ قَالَ َربّ َلوْ شِ ْئتَ أَهَْلكْ َتهُم مّن قَ ْبلُ
وَاخْتَارَ مُوسَى َق ْومَهُ سَ ْبعِينَ رَجُلً ّلمِيقَاتِنَا فََلمّا َأخَذَ ْتهُمُ الرّ ْ
ضلّ ِبهَا مَن تَشَاء وَ َتهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيّنَا
سفَهَاء مِنّا إِنْ ِهيَ ِإلّ فِتْنَ ُتكَ ُت ِ
وَإِيّايَ أَ ُتهِْلكُنَا ِبمَا َف َعلَ ال ّ
حمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ا ْلغَافِرِينَ( )155وَاكْ ُتبْ لَنَا فِي هَ ِذهِ الدّنْيَا حَسَنَ ًة َوفِي الخِ َرةِ إِنّا هُدْنَا
غفِرْ لَنَا وَارْ َ
فَا ْ
شيْءٍ َفسََأكْتُ ُبهَا لِلّذِينَ يَ ّتقُونَ وَيُؤْتُونَ
س َعتْ ُكلّ َ
حمَتِي وَ ِ
إِلَ ْيكَ قَالَ عَذَابِي ُأصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَ ْ
جدُونَهُ َمكْتُوبًا
ل ّميّ الّذِي يَ ِ
ياُ
ال ّزكَا َة وَالّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا ُي ْؤمِنُونَ( )156الّذِينَ يَتّ ِبعُونَ الرّسُولَ النّ ِب ّ
حلّ َلهُمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ
ف وَيَ ْنهَاهُمْ عَنِ ا ْلمُنكَرِ وَيُ ِ
عِندَ ُهمْ فِي ال ّتوْرَاةِ وَالِنْجِيلِ يَ ْأمُرُهُم بِا ْل َمعْرُو ِ
للَ الّتِي كَا َنتْ عَلَ ْي ِهمْ فَالّذِينَ آمَنُواْ بِ ِه وَعَزّرُوهُ وَ َنصَرُوهُ
ث وَ َيضَعُ عَ ْنهُمْ ِإصْرَهُمْ وَالَغْ َ
عَلَ ْيهِمُ ا ْلخَبَآ ِئ َ
وَاتّ َبعُواْ النّورَ الّ ِذيَ أُن ِزلَ َمعَهُ ُأوْلَ ِئكَ هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ()157
شرح الكلمات:
واختار موسى قومه سبعين رجلً :أي أخذ خيار قومه وهم سبعون رجلً.
( )2/244
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
معنى اليات:
ما زال السياق في أحداث موسى مع بني إسرائيل فإنه بعد الحدث الجلل الذي حصل في غيبة
موسى وذلك هو عبادة جل بني إسرائيل العجل واتخاذهم له إلها فإن ال تعالى وقت لموسى وقتا
يأتيه فيه مع خيار بني إسرائيل يطلب لهم التوبة من ال سبحانه وتعالى.
قال تعالى {واختار 1موسى قومه سبعين رجلً} ولما انتهى بهم إلى جبل الطور وغشيت الجبل
غمامة وأخذ موسى يناجي ربه تعالى وهم يسمعون قالوا لموسى لن نؤمن لك بأن
__________
1اختار مزيد من خار :إذا طلب ما هو خير من غيره ،وقومه منصوب على نزع الخافض إذ
الصل من قومه ،ومنه قول الشاعر:
اخترتك الناس إذ رثت خلئقهم ...واختل من كان يُرجى عنده السّولُ
السّول بمعنى السؤل أي الطلب
( )2/245
الذي كان يكلمك الرب تعالى حتى نرى ال جهرة أي عيانا وهنا غضب ال تعالى عليهم فأخذتهم
صيحة رجفت لها قلوبهم والرض من تحتهم فماتوا كلهم ،وهو معنى قوله تعالى {فأخذتهم
الرجفة} وهنا أسف موسى عليه السلم لموت السبعين رجلً وقد اختارهم الخير فالخير فإذا بهم
يموتون أجمعون فخاطب ربه قائلً {رب لو شئت أهلكتهم من قبل} أي من قبل مجيئنا إليك
{وإياي} وذلك في منزل بني إسرائيل حيث عبدوا العجل {أتهلكنا بما فعل السفهاء منا }1أي بسبب
فعل السفهاء الذين ل رشد لهم ،وهم من عبدوا العجل كمن سألوا رؤية ال تعالى ،وقوله عليه
السلم {إن هي إل فتنتك} أي إل اختبارك وبليتك {تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء ،أنت ولينا}
فليس لنا سواك {فاغفر لنا} أي ذنوبنا {وارحمنا} برفع العذاب عنا {وأنت خير الغافرين} {واكتب
لنا في هذه الدنيا حسنة} بأن توفقنا لعمل الصالحات وتتقبلها منا{ ،وفي الخرة} تغفر ذنوبنا
وتدخلنا جنتك مع سائر عبادك الصالحين ،وقوله {إنا هدنا إليك} أي إنا قد تبنا إليك فأجابه الرب
تعالى بقوله {عذابي أصيب به من أشاء} أي من عبادي وهم الذين يفسقون عن أمري ويخرجون
عن طاعتي {ورحمتي وسعت 2كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا
يؤمنون} وبهذا القيد الوصفي ،وبما بعده خرج إبليس واليهود وسائر أهل الملل ودخلت أمة
السلم وحدها إل من آمن من أهل الكتاب واستقام على دين ال وهو السلم .وقوله {الذين
يتبعون الرسول النبي المي} هو محمد صلى ال عليه وسلم {الذي يجدونه 3مكتوبا عندهم في
التوراة والنجيل} وذلك بذكر صفاته والثناء عليه وعلى أمته ،وقوله {يأمرهم بالمعروف وينهاهم
عن المنكر ويحل لهم الطيبات} أي التي كانت قد حرمت عليهم بظلمهم {ويحرم عليهم الخبائث}
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الخمر ولحم الخنزير والربا وسائر المحرمات في السلم ،وقوله {ويضع عنهم إصرهم} أي
ويحط عنهم تبعة العهد الذي أخذ عليهم بالعمل فيما في التوراة والنجيل بأن يعملوا بكل ما جاء
في
__________
1الستفهام هنا للتحجج والجحد إي إنك ل تفعل ذلك ،وهو كما قال الشاعر:
ألستم خير من ركب المطايا ...وأندى العالمين بطون راح
2أي لم تضق عن مخلوق من المخلوقات التيّ أراد ال رحمتها .يحكى أن إبليس عليه لعائن ال
لمّا سمع هذه الية قال :أنا شيء فقال ال تعالى :سأكتبها للذين يتقون فقالت اليهود والنصارى
نحن :متقون فقال تعالى :الذين يتبعون الرسول النبي صلى ال عليه وسلم فخرجوا وبقيت لهذه
المة وحدها.
3قال كعب في ذكر صفاته صلى ال عليه وسلم في التوراة :مولده مكة وهجرته بطابة وملكه
بالشام ،وأمته الحمّادون يحمدون ال على كل حال ..إلى أن قال :يصلّون حيثما أدركتهم الصلة،
صفهم في الصلة كصفهم في القتال.
( )2/246
التوراة والنجيل ،وقوله {والغلل 1التي كانت عليهم} أي الشدائد المفروض عليهم القيام بها
وذلك كقتل النفس بالنفس إذ ل عفو ول دية وكقطع الثوب للنجاسة تصيبه وغير ذلك من التكاليف
الشاقة كل هذا يوضع عليهم إذا أسلموا بدخولهم في السلم وقوله تعالى {فالذين آمنوا به} أي
بمحمد صلى ال عليه وسلم {وعزروه }2أي وقروه وعظموه {ونصروه} على أعدائه من
المشركين والكافرين والمنافقين {واتبعوا النور الذي أنزل معه} وهو القرآن الكريم {أولئك هم
المفلحون} أي وحدهم دون سواهم الفائزون بالنجاة من النار ودخول الجنة.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب التوبة من كل ذنب ،ومشروعية صلة ركعتين وسؤال ال تعالى عقبها أن يقبل توبة
التائب ويغفر ذنبه.
-2كل سلوك ينافي الشرع فهو من السفه المذموم ،وصاحبه قد يوصف بأنه سقيه.
-3الهداية والضلل كلهما بيد ال تعالى فعلى العبد أن يطلب الهداية من ال تعالى ويسأله أن
ل يضله.
-4رحمة ال تعالى بأمة محمد صلى ال عليه وسلم فل تنال اليهود ول النصارى ول غيرهم.
-5بيان شرف النبي محمد صلى ال عليه وسلم وأمته.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-6بيان فضل تزكية النفس بعمل الصالحات وإبعادها عن المدسيات من الذنوب.
-7بيان فضل التقوى والمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
-8وجوب توقير النبي صلى ال عليه وسلم وتعظيمه ونصرته وإتباع الكتاب الذي جاء به
والسنن التي سنها لمته.
__________
1تقدّم لفظ الصر وهو دال على جمع لته مصدر يقع على الواحد والجمع ولذا عطف عليه
الغلل ،وجمع الصر :آصار ،ومعناه الثقل الذي يصعب معه التحرك والغلل جمع غلّ ،وهو
إطار من حديد يجعل في عنق السير ،والمراد من الصار والغلل التكاليف الشرعية الشاقة
التي اشتملت عليها التوراة منها :ترك العمل يوم السبت قيل :ومن أشدّها عدم مشروعية التوبة
من الذنوب ،وعدم استتابة المجرم.
2عزّروه :أيّدوه مع توقيره وتعظيمه.
( )2/247
( )2/248
شرح الكلمات:
ل إله إل هو :أي ل معبود بحق إل ال.
النبي المي :المنبئ عن ال والمنبأ من قبل ال تعالى ،والمي الذي لم يقرأ ولم يكتب .نسبة إلى
الم كأنه ما زال لم يفارق أمه فلم يتعلم بعد.
يؤمن بال وكلماته :الذي يؤمن بال ربا وإلها ،وبكلماته التشريعية والكونية القدريه.
تهتدون :ترشدون إلى طريق كمالكم وسعادتكم في الحياتين.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أمة يهدون بالحق :أي جماعة يهدون أنفسهم وغيرهم بالدين الحق وبه يعدلون في قضائهم
وحكمهم على أنفسهم وعلى غيرهم إنصافا وعدلً ل جور ول ظلم.
أسباطا :جمع سبط :وهو بمعنى القبيلة عند العرب.
استسقاه قومه :أي طلبوا منه الماء لعطشهم.
فانبجست :فانفجرت.
المن والسلوى :المن :حلوى كالعسل تنزل على أوراق الشجار ،والسلوى :طائر لذيذ لحمه.
اسكنوا هذه القرية :هي حاضرة فلسطين.
وقولوا حطة" ::أي احطط عنا خطايانا بمعنى العلن عن توبتهم.
رجزا من السماء :أي عذابا من عند ال تعالى.
معنى اليات:
بعد الشادة بالنبي المي وبأمته ،وقصر الفلح في الدارين على الذين آمنوا به وعزروه ونصروه
واتبعوا النور الذي أنزل معه قد يظن ظان أن هذا النبي شأنه شأن سائر النبياء قبله هو نبي
قومه خاصة وما ذكر من الكمال ل يتعدى قومه فرفع هذا الوهم بهذه الية ( )158حيث أمر ال
تعالى رسوله أن يعلن عن عموم رسالته بما ل مجال للشك فيه فقال
( )2/249
{قل يا أيها الناس إني رسول ال إليكم جميعا} وقوله {الذي له ملك السموات والرض} وصف ل
تعالى وقوله {ل إله إل هو} تقرير للوهية ال تعالى بعد ذكر قدرته وسلطانه وملكه وتدبيره لذا
وجب أن ل يكون معبود إل هو وهو كذلك إذ كل معبود غيره هو معبود عن جهل وعناد وظلم.
وقوله {فآمنوا بال ورسوله النبي المي} أمر الله الحق إلى الناس كافة باليمان به تعالى ربا
وإلها ،وبرسوله النبي المي نبيا ورسولً ،وقوله {الذي يؤمن بال وكلماته} صفة للنبي المي إذ
من صفات النبي المي محمد صلى ال عليه وسلم أنه يؤمن بال حق اليمان وأوفاه ويؤمن
بكلماته أي بكلمات الرب التشريعية 1وهي آيات القرآن الكريم ،والكونية التي يُكوّن ال بها ما
شاء من الكوان إذ بها يقول للشيء كن فيكون كما قال لعيسى بتلك الكلمة كن فكان عيسى عليه
السلم وقوله {واتبعوه لعلكم تهتدون} هذا أمر ال إلى الناس كافة بعد المر باليمان به وبرسوله
النبي المي أمر بإتباع نبيه محمد صلى ال عليه وسلم رجاء هداية 2من يتبعه فيما جاء به
فيهتدي إلى سبيل الفوز في الدارين هذا ما تضمنته الية الولى ( )158أما الية الثانية ()159
فقد تضمنت الخبار اللهي بأن قوم موسى وإن ضلوا أو أجرموا وفسقوا ليس معنى ذلك أنه لم
يكن فيهم أو بينهم من هم على هدى ال فهذه الية كانت كالحتراس من مثل هذا الفهم ،إذ أخبر
تعالى أن {من قوم موسى أمة} أي جماعة تكثر أو تقل {يهدون بالحق }3أي يعملون بالحق في
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عقائدهم وعباداتهم ويدعون إلى ذلك وبالحق يعدلون فيما بينهم وبين غيرهم فهم يعيشون على
النصاف والعدل ،ولم يذكر تعالى أين هم ول متى كانوا هم؟ فل يبحث ذلك ،إذ ل فائدة فيه ،ثم
عاد السياق إلى قوم موسي يذكر أحداثهم للعظة والعتبار وتقرير الحق في توحيد ال تعالى
وإثبات نبوة رسوله وتقرير عقيدة البعث والجزاء أو اليوم الخر.
فقال تعالى في الية الثالثة ({ )160وقطعناهم }4أي بني إسرائيل {اثنتى عشرة أسباطا
__________
1وبكلماته التنزيلية كالتوراة والنجيل والزبور.
2هذا الرجاء بالنسبة إلى المأمورين بالتباع ل إلى ال تعالى ،لنه بكل شيء عليم وعلى كل
شيء قدير.
3يهدون إلى ال تعالى عباده بواسطة ما شرع لهم وهداهم به من الوحي الذي أنزل على رسله
وأنزل به كتبه.
4التقطيع :الشدة في القطع والمراد به التقسيم إلى اثنتى عشرة فرقة كل فرقة بمنزلة القبيلة
العربية حيث تنتسب إلى أبيها العلى أي الوّل.
( )2/250
أمما} 1أصل السبط ابن البنت وأريد به هنا أولد كل سبط من أولد يعقوب عليه السلم .فالسباط
في بني إسرائيل كالقبائل في العرب كل قبيلة تنتسب إلى أبيها الول ،وأتت لفظ اثنتي عشرة لن
معنى السباط الفرق والفرقة مؤنثة ،وقوله { :وأوحينا إلى موسى إذا استسقاه قومه} أعلمناه
بطريق الوحي وهو العلم الخفي السريع ،ومعنى {استسقاه} طلبوا منه السقيا لنهم عطشوا لقلة
الماء في صحراء سينا{ .أن اضرب بعصاك الحجر} هذا الموحى به ،فضرب {فانبجست }2أي
انفجرت {منه اثنتا عشرة عينا} ليشرب كل سبط من عينه الخاصة حتى ل يقع اصطدام أو تدافع
فينجم عنه الذى وقوله تعالى {قد علم كل أناس مشربهم} يريد عرف كل جماعة ماءهم الخاص
بهم وقوله تعالى {وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى} هذا ذكر لنعامه تعالى على
بني إسرائيل وهم في معية موسى وهارون في حادثة التيه ،حيث أرسل تعالى الغمام وهو سحاب
أبيض بارد يظلهم من الشمس حتى ل تلفحهم ،وأنزل عليهم المن 3وهي حلوى كالعسل سقط ليلً
كالطل على الشجار ،وسخر لهم طائرا لذيذ اللحم يقال له السلوى وهو طائر السمانى المعروف
وقلنا لهم {كلوا من طيبات ما رزقناكم} وقوله تعالى {وما ظلمونا} بتمردهم على أنبيائهم وعدم
طاعتهم 4لربهم حتى نزل بهم ما نزل من البلء{ ،ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} 5هذا ما دلت
عليه الية الثانية أما الية الثالثة ( )161فقد تضمنت حادثة بعد أحداث التيه في صحراء سيناء
وذلك أن يوشع بن نون بعد أن تولى قيادة بني إسرائيل بعد وفاة موسى وهارون وانقضاء مدة
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
التيه وكانت أربعين سنة غزا يوشع ببني إسرائيل العمالقة في أرض القدس وفتح ال تعالى عليه
فقال لبني إسرائيل ادخلوا باب المدينة ساجدين أي منحنين خضوعا ل وشكرا على نعمة الفتح بعد
النصر والنجاة من
__________
{ 1أمما} بدل من {أسباطا} وفائدته :الخبار بأنهم باركهم ال تعالى فأصبح أهل كل سط أمة كاملة
والسبط أصله شجر يقال له السبط تعلفه البل.
2أصل الفعل بجس يقال :بجسته أي :شققته فانبجس مطاوع بجس الشيء إذا شقّة.
3المنّ :مادة بيضاء تنزل من السماء كالطل حلوة الطعم تشبه العسل ،وإذ جفّت كانت الصمغ،
سمَانى بضم السين وفتح النون على وزن حُبَارى.
والسلوى :طائر معروف يقال له ال ُ
4وبعدم شكرهم لهذه النعم أيضا إذا كفران النعم يسبب زوالها بعقوية تنزل بمن لم يشكر نعم ال
تعالى عليه.
5أي ظلموا أنفسهم فعرضوها للبلء ،أمّا ال تعالى فمحال أن يبلغ العبد ظلمه أو ضرّه .روى
مسلم عن النبي صلى ال عليه وسلم قوله ":إنّ ال تعالى قال :يا عبادي إني حرّمت الظلم على
نفسي ،وجعلته بينكم محرما فل تظالموا ..يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ،ولن تبلغوا
نفعي فتنفعوني.
( )2/251
التيه ،وقوله إثناء دخولكم الباب كلمة {حطة} الدالة على توبتكم واستغفاركم ربكم لذنوبكم فإن ال
تعالى يغفر لكم خطئياتكم ،وسيزيد ال المحسنين منكم النعام والخير الكثير مع رضاه عنكم
وإدخالكم الجنة ،هذا معنى قوله تعالى {وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية} أي مدينة فلسطين { 1وكلوا
منها حيث شئتم} لما فيها من الخيرات {وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم
سنزيد المحسنين} .أما الية الرابعة ( )162فهي قد تضمنت الخبار عن الذين ظلموا من بني
إسرائيل الذين أمروا بدخول القرية ودخول الباب سجدا .حيث بدلوا {قولً غير الذي قيل لهم} فبدل
حطة قالوا حنطة ،وبدل الدخول منحنين ساجدين دخلوا يزحفون على أستاههم ،فلما رأى تعالى
ذلك التمرد والعصيان وعدم الشكران أنزل عليهم وباء من السماء كاد يقضي على آخرهم هذا
معنى قوله تعالى {فبدل الذين ظلموا منهم قولً غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء
بما كانوا يظلمون}.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1عموم رسالة النبي محمد صلى ال عليه وسلم لكافه الناس عربهم وعجمهم أبيضهم وأصفرهم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
.2
-2هداية النسان فردا أو جماعة أو أمة إلى الكمال والسعاد متوقفة على إتباع النبي محمد
صلى ال عليه وسلم.
-3إنصاف القرآن للمم والجماعات فقد صرح أن في بني إسرائيل أمة قائمة على الحق ،وذلك
بعد فساد بني إسرائيل ،وقبل مبعث النبي الخاتم أما بعد البعثة المحمدية فلم يبق أحد على الحق،
إل من آمن به واتبعه لنسخ سائر الشرائع بشريعته.
4إذا أنعم ال على عبد أو أمة نعمة ثم لم يشكرها تسلب منه أحب أم كره وكائنا من كان.
__________
1اسم القرية :أريحا ،وكلمة فلسطين عامة في القطر كلّه.
2عموم الرسالة المحمدية يستوجب القيام بها ودعوة الناس إليها ،والمسلمون هم المطالبون بذلك
وإلّ فهم آثمون بتفريطهم وتقصيرهم.
( )2/252
واَسْأَ ْلهُمْ عَنِ ا ْلقَرْيَةِ الّتِي كَا َنتْ حَاضِ َرةَ الْبَحْرِ ِإذْ َيعْدُونَ فِي السّ ْبتِ ِإذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَا ُنهُمْ َيوْمَ سَبْ ِتهِمْ
سقُونَ( )163وَإِذَ قَاَلتْ ُأمّةٌ مّ ْنهُمْ ِلمَ
ن لَ تَأْتِيهِمْ كَ َذِلكَ نَبْلُوهُم ِبمَا كَانُوا َيفْ ُ
شُرّعا وَ َيوْ َم لَ يَسْبِتُو َ
َتعِظُونَ َق ْومًا اللّهُ ُمهِْل ُكهُمْ َأوْ ُمعَذّ ُبهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ َمعْذِ َرةً إِلَى رَ ّبكُ ْم وََلعَّلهُمْ يَ ّتقُونَ( )164فََلمّا
نَسُواْ مَا ُذكّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الّذِينَ يَ ْن َهوْنَ عَنِ السّوءِ وَأَخَذْنَا الّذِينَ ظََلمُواْ ِبعَذَابٍ بَئِيسٍ ِبمَا كَانُواْ
سقُونَ( )165فََلمّا عَ َتوْاْ عَن مّا ُنهُواْ عَنْهُ قُلْنَا َلهُمْ كُونُواْ قِرَ َدةً خَاسِئِينَ()166
َيفْ ُ
شرح الكلمات:
حاضرة البحر :أي على شاطئه وهي مدينة من مدن أرض القدس.
يعدون في السبت :أي يعتدون وذلك بالصيد المحرم عليهم فيه.
يوم سبتهم :أي يوم راحتهم من أعمال الدنيا وهو يوم السبت.
شرعا :جمع شارع أي ظاهرة بارزة تغريهم بنفسها.
كذلك نبلوهم :أي نمتحنهم ونختبرهم.
بما كانوا يفسقون :أي بسبب ما أعلنوه من الفسق وهو العصيان.
م عذرة إلى ربكم :أي ننهاهم فإن انتهوا فذاك وإل فنهينا يكون عذرا لنا عند ربنا.
فلما نسوا ما ذكروا به :أي أهملوه وتركوه فلم يمتثلوا ما أمروا به ول ما نهوا عنه.
عن السوء :السوء هو كل ما يسيء إلى النفس من سائر الذنوب والثام.
بعذاب بئيس :أي ذا بأس شديد.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )2/253
فلما عتوا عما نهوا عنه :أي ترفعوا وطغوا فلم يبالوا بالنهي.
قردة خاسئين :القردة جمع قرد معروف وخاسئين ذليلين حقيرين اخساء.
معنى اليات:
ما زال السياق في بني إسرائيل إل أنه هنا مع رسول ال محمد صلى ال عليه وسلم ويهود
المدينة فال تعالى يقول لنبيه محمد عليه الصلة والسلم أسألهم 1أي اليهود {عن القرية 2التي
كانت حاضرة البحر} أي قريبة منه على شاطئه وهي مدينة من مدن أرض القدس والشام ،3أي
أسألهم عن أهلها كيف كان عاقبة أمرهم ،أنهم مسخوا قردة وخنازير جزاء فسقهم عن أمر ربهم،
ل للعبرة والتعاظ فقال {إذ يعدون في السبت }4أي يعتدون ما أذن لهم
وفصل له الحادث تفصي ً
فيه إلى ما حرم عليهم ،أذن لهم أن يصيدوا ما شاءوا إل يوم السبت فإنه يوم عبادة ليس يوم لهو
وصيد وطرب{ ،إذ تأتيهم حيتانهم} أي أسماكهم {يوم سبتهم شرعا} ظاهرة على سطح الماء
تغريهم بنفسها {ويوم ل يسبتون} أي في باقي أيام السبوع {ل تأتيهم} إذا هم مبتلون ،قال تعالى
{كذلك} أي كهذا البتلء والختبار {نبلوهم بما كانوا يفسقون} أي بسبب فسقهم عن طاعة ربهم
ورسله ،إذ ما من معصية إل بذنب هكذا سنة ال تعالى في الناس .هذا ما تضمنته الية الولى (
)163وهي قوله تعالى {وأسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ
تأتيهم 5حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم ل يسبتون ل تأتيهم ،كذلك نبلوهم 6بما كانوا يفسقون}.
وأما الية الثانية ( )164فال تعالى يقول لرسوله اذكر لهم أيضا إذ قالت طائفة منهم أي من أهل
القرية لطائفة أخرى كانت تعظ المعتدين في السبت أي تنهاهم عنه لنه
__________
1هذا سؤال توبيخ وتقرير ،إذ كانوا يتبخحون بأنهم أبناء ال وأحباؤه وأنهم من سبط خليل
الرحمن إبراهيم ،ومن سبط إسرائيل ،فالسؤال عن القرية السؤال عن أهلها.
2هذه القرية هي أيلة ،والمسماة اليوم بالعقبة وهي مدينة على ساحل البحر الحمر.
3وهي مبدأ أرض الشام من جهة مصر.
4السبت :اليوم الذي بين الجمعة والحد ،ويجمع السبت على أسبت وسبوت وأسبات.
5قيل للحسين بن الفضل :هل تجد في كتاب ال تعالى أن الحلل ل يأتيك إل قوتا إن الحرام
يأتيك جزفا جزفا يعنى :بكثرة كاثرة قال :نعم في قصة داود وأيلة {إذ تأتيهم حيتانهم }....الية.
{ 6نبلوهم} :أي بالتشديد عليهم فبما يشرع لهم عقوبة لهم.
( )2/254
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
معصية وتحذرهم من مغبة العتداء على شرع ال تعالى قالت {لم تعظون قوما ال مهلكهم أو
معذبهم عذابا شديدا} وهذا القول من هذه الطائفة دال على يأسهم من رجوع إخوانهم عن فسقهم
وباطلهم ،فأجابتهم الطائفة الواعظة {معذرة 1إلى ربكم ولعلهم يتقون} أي وعظنا لهم هو معذرة
لنا عند ال تعالى من جهة ومن جهة أخرى {لعلهم يتقون} فيتوبوا ويتركوا هذا العتداء ،قال
تعالى {فلما نسوا ما ذكروا به} وخوفوا منه وهو تحريم ال تعالى عليهم الصيد يوم السبت ،ومعنى
نسوا تركوا ولم يلتفتوا إلى وعظ إخوانهم لهم وواصلوا اعتداءهم وفسقهم ،قال تعالى {أنجينا الذين
ينهون عن السوء} وهم الواعظون لهم من ملّوا ويئسوا فتركوا وعظهم ،وممن واصلوا نهيهم
ووعظهم {وأخذنا الذين ظلموا 2بعذاب بئيس} أي شديد البأس {بما كانوا يفسقون} عن طاعة ال
ربهم ،إذ قال تعالى لهم {كونوا قردة خاسئين }3فكانوا قردة خاسئين ذليلين صاغرين حقيرين ،ثم
لم يلبثوا (مسخا) 4إل ثلثة أيام وماتوا.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1تقرير الوحي والنبوة لرسول ال محمد صلى ال عليه وسلم إذ مثل هذا القصص الذي يذكر
لبني إسرائيل لن يتم إل عن طريق الوحي ،وإل فكيف علمه وذكر به اليهود أصحابه وأهله ،وقد
مضى عليه زمن طويل.
-2إذا أنعم ال على أمة نعمة ثم أعرضت عن شكرها تعرضت للبلء أولً ثم العذاب ثانيا.
-3جدوى المر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد نجى ال تعالى الناهين عن المنكر وأهلك
الذين باشروه ولم ينتهوا منه دون غيرهم.
__________
1المعذرة :مصدر ميمي فعله اعتذر على غير قياس ،والعذر :السبب الذي تبطل به المؤاخذة
بسبب ذنب أو تقصير.
2اختلف في هل الفرقة القائلة :لم تعظونا قوما ..الخ نجت من العذاب أولً؟ وقد روي أن ابن
عباس كان يرى أنها لم ننج حتى أقنعه تلميذه عكرمة فقال بنجاتها مع الفرقة الناهية ،لنّ ترك
النهي من الفرقة التي لم تنه كان ليأسهم من استجابة الظالمين.
3يقال :خسأته فخسا أي ،باعدته وطردته ،وفي هذا دليل على أنّ المعاصي سبب النقم كما أن
الطاعات سبب النعم.
4أي لم يلبثوا ممسوخين حتى هلكوا والعياذ بال.
( )2/255
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
– 4إطلق لفظ السوء على المعصية مؤذن بأن المعصية مهما كانت صغيرة تحدث السوء في
نفس فاعلها.
ب وَإِنّهُ
وَإِذْ تَأَذّنَ رَ ّبكَ لَيَ ْبعَثَنّ عَلَ ْيهِمْ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ مَن َيسُو ُمهُمْ سُوءَ ا ْل َعذَابِ إِنّ رَ ّبكَ لَسَرِيعُ ا ْل ِعقَا ِ
ك وَبََلوْنَا ُهمْ
ن َومِ ْنهُمْ دُونَ ذَِل َ
طعْنَا ُهمْ فِي الَ ْرضِ ُأ َممًا مّ ْنهُمُ الصّالِحُو َ
َل َغفُورٌ رّحِيمٌ(َ )167وقَ ّ
ف وَرِثُواْ ا ْلكِتَابَ يَ ْأخُذُونَ عَ َرضَ
جعُونَ(َ )168فخََلفَ مِن َبعْدِهِمْ خَ ْل ٌ
حسَنَاتِ وَالسّيّئَاتِ َلعَّلهُمْ يَرْ ِ
بِالْ َ
خذُوهُ أَلَمْ ُي ْؤخَذْ عَلَ ْيهِم مّيثَاقُ ا ْلكِتَابِ أَن لّ
هَذَا الدْنَى وَ َيقُولُونَ سَ ُيغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْ ِتهِمْ عَ َرضٌ مّثْلُهُ يَأْ ُ
ِيقُولُواْ عَلَى اللّهِ ِإلّ ا ْلحَقّ وَدَرَسُواْ مَا فِي ِه وَالدّارُ الخِ َرةُ خَيْرٌ لّلّذِينَ يَ ّتقُونَ َأفَلَ َت ْعقِلُونَ( )169وَالّذِينَ
لةَ إِنّا لَ ُنضِيعُ أَجْرَ ا ْل ُمصْلِحِينَ()170
سكُونَ بِا ْلكِتَابِ وََأقَامُواْ الصّ َ
ُيمَ ّ
شرح الكلمات :
تأذن : 1أعلم وأعلن.
ليبعثن :أي ليسلطن.
من يسومهم سوء العذاب :أي يذيقهم ويوليهم سوء العذاب كالذلة والمسكنة.
وقطعناهم :أي فرقناهم جماعات جماعات.
بلوناهم بالحسنات والسيئات :اختبرناهم بالخير والشر أو النعم والنقم.
__________
1آذن وأذن بمعنى واحد ،وهو أَعلم ومنه قول الشاعر:
فقلت تعلّم إنّ للصيد غرّة ...
فَإلّ تضيّعها فإنك قاتله
( )2/256
فخلف من بعدهم خلف :الخلف بإسكان اللم خلف سوء وبالتحريك خلف خير.
ورثوا الكتاب :أي التوراة.
عرض هذا الدنى :أي حطام الدنيا الفاني وهو المال.
يمسكون بالكتاب :أي يتمسكون بما في التوراة فيحلون ما أحل ال فيها ويحرمون ما حرم.
معنى اليات:
ما زال السياق في شأن اليهود فقد أمر تعالى رسوله أن يذكر إعلمه تعالى بأنه سيبعث بكل تأكيد
على اليهود إلى يوم القيامة من يذلهم ويضطهدهم عقوبة منه تعالى لهم على خبث طواياهم وسوء
أفعالهم ،وهذا الطلق في هذا الوعيد الشديد يقيد بأحد أمرين الول بتوبة من تاب منهم ويدل
على هذا القيد قوله تعالى في آخر هذه الية {إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم} أي لمن
تاب والثاني بجوار دولة قوية لهم وحمايتها وهذا مفهوم قوله تعالى من سورة آل عمران {ضربت
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عليهم الذلة والمسكنة أينما ثقفوا إل بحبل من ال} وهو السلم {وحبل من الناس} ،وهو ما ذكرناه
آنفا .هذا ما دلت عليه الية الولى في هذا السياق ( )167وهي قوله تعالى {وإذ تأذن ربك ليبعثن
عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم 1سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم} وأما
الية الثانية ( )168فقد تضمنت بيان فضل ال تعالى على اليهود وهو أن ال تعالى قد فرقهم في
الرض جماعات جماعات ،وأن منهم الصالحين ،وأن منهم دون ذلك وأنه اختبرهم بالحسنات
وهي النعم ،والسيئات وهي النقم تهيئة لهم وإعدادا للتوبة إن آثروا التوبة على الستمرار في
الجرام والشر والفساد .هذا ما تضمنته الية الثانية وهي قوله تعالى {وقطعناهم في الرض أمما
منهم الصالحون 2ومن دون ذلك ،وبلوناهم بالحسنات
__________
1يسومهم سوء العذاب :يجعل أسوأ العذاب وأشدّه كالقيمة لهم إذ هو حظهم المفروض عليهم،
أوّل من تسلط عليهم فسامهم سوء العذاب بختنصر البابلي.
2أي شتتناهم في البلد بعد تسلط البابليين عليهم وتمزيق ملكهم فعاشوا مشتتين فلم ينتظم ملكهم
مدّة طويلة وهم إذ ذاك ما بين صالح وفاسد وانتظم أمرهم مرة أخرى ث ّم فسقوا فسلّط عليهم
أطيطوس الروماني فتفرقوا مرّة أخرى وما زالوا مفرقين إلى هذه اليام ،باجتماعهم في فلسطين
وتكوينهم دولة إسرائيل وعمّا قريب تزول.
( )2/257
والسيئات لعلهم يرجعون} وأما الية الثالثة ( )169فقد أخبر تعالى أنه فد خلف من بعد تلك المة
خلف سوء 1ورثوا الكتاب الذي هو التوراة ورثوه عن أسلفهم ولم يتلزموا بما أخذ عليهم فيه من
عهود على الرغم من قراءتهم له فقد آثروا الدنيا على الخرة فاستباحوا الربا والرشا وسائر
المحرمات ،ويدعون أنهم سيغفر لهم ،وكلما أتاهم مال حرام أخذوه ومنوا أنفسهم بالمغفرة 2كذبا
على ال تعالى قال تعالى موبخا لهم {ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن ل يقولوا على ال إل الحق}
وقد قرأوا هذا في الكتاب وفهموه ومع هذا يجترئون على ال ويكذبون عليه بأنه سيغفر لهم ،ثم
يواجههم تعالى بالخطاب مذكرا لهم واعظا فيقول {والدار الخرة خير للذين يتقون أفل
تعقلون؟}ويفتح ال تعالى باب الرجاء لهم في الية الرابعة في هذا السياق فيقول {والذين يمسكون
بالكتاب }3أي يعملون بحرص وشدة بما فيه من الحكام والشرائع ول يفرطون في شيء من ذلك
{وأقاموا الصلة إنا ل نضيع أجر المصلحين} ،ومعنى هذا أنهم مصلحون إن تمسكوا بالكتاب
وأقاموا الصلة ،وان ال تعالى سيجزيهم على إصلحهم لنفسهم ولغيرهم أعظم الجزاء وأوفره،
لنه تعالى ل يضيع أجر المصلحين.
هداية اليات
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
من هداية اليات :
-1بيان موجز لتوبيخ اليهود في هذه اليات الربع.
-2من أهل الكتاب الصالحون ،ومنهم دون ذلك.
-3التنديد بإيثار الدنيا على الخرة ،وبتمني المغفرة مع الصرار على الجرام.
-4تفضيل الخرة على الدنيا بالنسبة للمتقين.
-5الحث على التمسك بالكتاب قراءة وتعلما وعملً بإحلل حلله وتحريم حرامه.
__________
1الخلف بسكون اللّم :الولد ،الواحد والجمع فيه سواء والخلَف :لفتح اللم الْ َبدَل ولدا كان أو
غيره ،وقيل الخلف بالفتح :الصالح وبالجزم :الطالح قال لبيد:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ...وبقيت في خلف كجلد الجرب
2روى الدارمي عن معاذ بن جبل رضي ال عنه الرواية التالية وهي منطبقة على واقعنا اليوم
ومن قبل اليوم قال :سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب فيتهافت يقرأونه ل يجدون له
شهوة ول لذة يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب أعمالهم طمع ل يخالطه خوف ،إن قصّروا
قالوا سنبلغ وإن أساءوا قالوا :سيغفر لنا إنّا ل نشرك بال شيئا.
3مسك وتمسّك بمعنى واحد.
( )2/258
( )2/259
معنى اليات:
الية الولى في هذا السياق هي خاتمة الحديث على اليهود إذ قال تعالى لرسوله {وإذ نتقنا الجبل
فوقهم كأنه ظلة }1أي اذكر لهم أيها الرسول إذ نتقنا أي رفعنا فوقهم جبل الطور من أصله
وصار فوقهم كأنه ظلة {وظنوا أنه واقع بهم} أي ساقط عليهم وقلنا لهم {خذوا ما آتيناكم بقوة }2
والمراد مما آتاهم أحكام التوراة وما تحمل من الشرائع وأخذها العمل بها واللتزام بكل ما أمرت
به ونهت عنه وقوله تعالى {واذكروا ما فيه} أي في الذي آتيناكم من الوامر والنواهي ،ول تنسوه
فإن ذكره من شأنه أن يعدكم للعمل به فتحصل لكم بذلك تقوى ال عز وجل ،هذا ما دلت عليه
الية الولى وهي خاتمة سياق الحديث عن اليهود.
أما الية الثانية ( )172وهي قوله تعالى {وإذ أخذ ربك من بني 3آدم من ظهورهم ذريتهم} 4فإنها
حادثة جديرة بالذكر والهتمام لما فيها من العتبار ،إن ال تعالى أخرج من صلب آدم ذريته
فأنطقها بقدرته التي ل يعجزها شيء فنطقت وعقلت الخطاب واستشهدها فشهدت ،وخاطبها
ففهمت وأمرها فالتزمت وهذا العهد العام الذي أخذ على بني آدم ،وسوف يطالبون به يوم القيامة،
وهو معنى قوله تعالى {وأشهدهم على أنفسهم :ألست بربكم؟ قالوا بلى شهدنا} أي أنك ربنا {أن
تقولوا} يوم القيامة {إنا كنا عن هذا غافلين ،أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من
بعدهم ،5أفتهلكنا بما فعل المبطلون} والعبرة من هذا أن النسان سرعان ما ينسى ،ويعاهد ول
يفي ،وما وجد من بني إسرائيل من عدم الوفاء هو عائد إلى أصل النسان ،وهناك عبرة أعظم
وهى أن التوحيد أخذ به العهد على كل آدمي ،ومع السف أكثر بني آدم ينكرونه ،ويشركون
بربهم وقوله تعالى {وكذلك نفصل اليات لعلهم يرجعون} وكهذا التفصيل الوارد في هذه السورة
وهذا
__________
1أي :كأنّه لرتفاعه سحابة تظلّ.
2أي :بجدّ وعزم.
3الثار والحاديث المثبتة لستخراج الرب تعالى الذريّة من ظهر آدم كثيرة منها في الموطأ
والسنن ونكتفي برواية الشيخين التية :قال صلى ال عليه وسلم :يقال للرجل من أهل النار يوم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
القيامة :أرأيت لو كان لك ما على الرض من شيء أكنت مفديا؟ فيقول :نعم ،فيقول :قد أردتُ
منك أهون من ذلك ،قد أخذت عليك في ظهر آدم أن ل نشرك بي شيئا فأبيت إلّ أن تشرك".
ُ 4وجّه نظم الية هكذا:وإذا أخذ ربك من ظهور بني آدم ذريتهم ولم يذكر ظهر آدم عليه السلم
لنه من المعلوم أن كل بني آدم منه وأخرجوا يوم الميثاق من ظهره .وقوله :ظهورهم :بدل
اشتمال من بين آدم.
5في الية دليل على أنه ل عذر لحد في تقليده آباءه وأجداده وآهل بلده في الشرك والمعاصي
كما ل عذر بالجهل أيضا.
( )2/260
السياق وهو تفصيل عجيب نفصل اليات تذكيرا للناس وتعليما ولعلهم يرجعون إلى الحق بعد
إعراضهم عنه ،والى اليمان والتوحيد بعد انصرافهم عنهما تقليدا وإتباعا لشياطين الجن والنس.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1بيان نفسيات اليهود وأنها نفسية غريبة وإل كيف وهم بين يدي ال يتمردون عليه ويعصونه
برفضهم اللتزام بما عهد إليهم من أحكام حتى يرفع فوقهم الطور تهديدا لهم ،وعندئذ التزموا ولم
يلبثوا إل قليلً حتى نقضوا عهدهم وعصوا ربهم.
-2عجيب تدبير ال تعالى في خلقه.
-3الكافر كفر مرتين كفر بالعهد الذي أخذ عليه وهو في عالم الذّر 1وكفر بال وهو في عالم
الشهادة ،والمؤمن آمن مرتين ،فلذا يضاعف للول العذاب ويضاعف للثاني الثواب.
-4تقرير مبدأ الخليقة ،ومبدأ المعاد الخر.
وَا ْتلُ عَلَ ْي ِهمْ نَبَأَ الّ ِذيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِ ْنهَا فَأَتْ َبعَهُ الشّيْطَانُ َفكَانَ مِنَ ا ْلغَاوِينَ( )175وََلوْ شِئْنَا
ح ِملْ عَلَيْهِ َي ْل َهثْ َأوْ تَتْ ُركْهُ
لَ َر َفعْنَاهُ ِبهَا وََلكِنّهُ أَخَْلدَ إِلَى الَ ْرضِ وَاتّبَعَ َهوَاهُ َفمَثَلُهُ َكمَ َثلِ ا ْلكَ ْلبِ إِن تَ ْ
صصَ َلعَّلهُمْ يَ َت َفكّرُونَ( )176سَاء مَثَلً ا ْل َقوْمُ
يَ ْلهَث ذِّلكَ مَ َثلُ ا ْلقَوْمِ الّذِينَ َكذّبُواْ بِآيَاتِنَا فَا ْقصُصِ ا ْل َق َ
الّذِينَ
__________
1لقد حاول كثيرون التخلص من قضية أخذ الرب تعالى من ظهر آدم ذريته وإشهادهم على
أنفسهم ،ونطق الرواح وشهادتها ،ول داعي لهذا أبدا ما دامت الحاديث والثار كثيرة وقدرة ال
صالحة لكل شيء ول يعجزها شيء ما هي النملة؟ وقد أنطقها ال فنطقت وأفصحت .إن الحيوان
المنوي الذي منه تكون الذرية قال العلماء لو جمعت الحيوانات المنوية كلها من آدم إلى اليوم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ووضعت في فنجان ما ملته .أمع هذا يحاول إبطال الحاديث وتأويل الية على غير ظاهرها
رجل من أهل العلم؟
( )2/261
سهُمْ كَانُواْ يَظِْلمُونَ( )177مَن َي ْهدِ اللّهُ َف ُهوَ ا ْل ُمهْتَدِي َومَن ُيضِْللْ فَُأوْلَ ِئكَ هُمُ
كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُ َ
الْخَاسِرُونَ()178
شرح الكلمات
واتل عليهم نبأ :إقرأ عليهم.
فانسلخ منها :كفر بها وتركها وراء ظهره مبتعدا عنها.
فأتبعه الشيطان :لحقه وأدركه.
من الغاوين :من الضالين غير المهتدين الهالكين غير الناجين.
أخلد إلى الرض :مال إلى الدنيا وركن إليها وأصبح ل هم له إل الدنيا.
يلهث :اللهث :التنفس الشديد مع إخراج اللسان من التعب والعياء.
ساء :قبح.
مثلً :أي صفة.
معنى اليات:
يقول تعالى لرسوله محمد صلى ال عليه وسلم {واتل عليهم} أي اقرأ على قومك وعلى كل من
يبلغه هذا الكتاب من سائر الناس {نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها} أي خبر الرجل 1الذي
أعطيناه آيتنا تحمل الدلة والحجج والشرائع والحكام والداب فتركها وابتعد عنها فلم يَتُْلهَا ولم
يفكر فيها ولم يعمل بها ل استدلل ول تطبيقا {فأتبعه الشيطان } أي لحقه وأدركه وتمكن منه
إبليس ،لنه بتخليه عن اليات وجد الشيطان له طريقا إليه {فكان من الغاوين} أي الضالين
الفاسدين الهالكين {ولو شئنا لرفعناه بها }2أي باليات إلى قمم
__________
1ذكر أهل التفسير ثلثة رجال قيل إنها نزلت في واحد منهم وهم :بلعم بن باعوراء الكنعاني
وكان على زمن موسى ،وقيل إنها نزلت في أميّة بن أبي الصلت الثقفي ،وقيل في أبي عامر بن
صيفي ،وأقرب القوال إنها نزلت في أميّة بن أبي الصلت إذ هو الذي قال فيه الرسول صلى ال
شعْ ُر ُه وكفر قلبه" إذ شعره كان يفيض باليمانيات من عقيدة البعث والجزاء،
عليه وسلم" :آمن ِ
والتوحيد ،والعدل والرحمة ومن شعره قوله:
كل دين يوم القيامة عند ال ...إل دين الحنيفية زور
2أي أنّ تلك اليات التي أعطاه ال إياها من شأنها أن تكون سببا للهداية ،وهذا شأن آيات ال
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فإنها ترفع كل من يؤمن بها ويعمل بما فيها ترفعه في الدنيا والخرة فهي آلة الرفع الحقيقية ل
المذاهب والنظريات المادية.
( )2/262
المجد والكمال ،وإلى الدرجات العل في الدار الخرة{ ،ولكنه أخلد إلى الرض} أي مال إليها
وركن فأكب على الشهوات والسرف في الملذات ،وأصبح ل هم له إل تحصيل ذلك {واتبع هواه}
وترك عقله ووحي ربه عنده ،فصار مثله أي صفته الملئمة له {كمثل الكلب} أي في اللهث
والعياء ،والتبعية وعدم الستقلل الذاتي {إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث} فحيرته وتعبه ل
ينقطعان أبدا .وقوله تعالى {ذلك مثل القوم الذي كذبوا بآياتنا} أي هذا المثل الذي ضربناه لذلك
الرجل الذي آتيناه آيتنا فانسلخ منها وكان من أمره ما قصصنا عليك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا
في كل زمان ومكان ،وعليه {فاقصص} يا رسولنا {القصص لعلهم يتفكرون} أي لعل قريشا تتفكر
فتعتبر وترجع إلى الحق فتكمل وتسعد ،وقوله تعالى {ساء مثلً القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم
كانوا يظلمون} أي قبح مثلً مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فجحدوا بها حتى ل يوحدوا ال تعالى
ول يسلموا إليه{ ،وأنفسهم كانوا يظلمون} بتدنيسها بآثار الشرك والمعاصي وقوله تعالى {من يهد
ال فهو المهتدي} أي من وفقه ال تعالى للهداية 1فآمن وأسلم واستقام على منهاج الحق فهو
المهتدي بحق ومن خذله ال لشدة إعراضه عن الحق وتكبره عنه فضل بإضلل ال تعالى له
فأولئك هم الخاسرون الخسران الحق المبين.
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1خطر شأن هذا الخبر الذي أمر تعالى رسوله أن يتلوه على الناس.
-2ترك القرآن الكريم بعدم تلوته والتدبر فيه ،وترك العمل به مفض بالعبد إلى أن يكون هو
صاحب المثل في هذه الية ،فأولً يتمكن منه الشيطان فيصبح من الغواة وثانيا يخلد إلى الرض
كما هو حال الكثيرين فل يكون لحدهم هم إل الدنيا .ثم يتبع هواه ل عقله ول شرع ال ،فإذا به
صورة لكلب يلهث ل تنقطع حيرته وإتباعه لغيره كالكلب سواء بسواءء وهذه حال من أعرضوا
عن كتاب ال تعالى في هذه الية فليتأملها العاقل.
-3ل رفعةَ ول سعادة ول كمال إل بالعمل بالقرآن فهي الية الرافعة لقوله تعالى {ولو شئنا
__________
1الهداية :هي إبانة الطريق الموصل إلى السعادة والكمال.
( )2/263
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لرفعناه بها} أي باليات 1التي انسلخ منها والعياذ بال.
-4الهداية بيد ال أل فليطلبها من أرادها من ال بصدق القلب وإخلص النية فإن ال تعالى ل
يحرمه منها ،ومن أعرض عن ال أعرض ال عنه.
ب لّ َيفْ َقهُونَ ِبهَا وََلهُمْ أَعْيُنٌ لّ يُ ْبصِرُونَ ِبهَا وََلهُمْ
ن وَالِنسِ َلهُمْ قُلُو ٌ
جهَنّمَ كَثِيرًا مّنَ ا ْلجِ ّ
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا ِل َ
سمَاء ا ْلحُسْنَى
ضلّ ُأوْلَ ِئكَ ُهمُ ا ْلغَافِلُونَ( )179وَلِلّهِ الَ ْ
س َمعُونَ ِبهَا ُأوْلَ ِئكَ كَالَ ْنعَامِ َبلْ ُهمْ َأ َ
ن لّ يَ ْ
آذَا ٌ
سمَآ ِئهِ سَ ُيجْ َزوْنَ مَا كَانُواْ َي ْعمَلُونَ(َ )180و ِممّنْ خََلقْنَا ُأمّةٌ
حدُونَ فِي أَ ْ
فَادْعُوهُ ِبهَا وَذَرُواْ الّذِينَ يُلْ ِ
ق وَبِهِ َيعْ ِدلُونَ()181
حَّيهْدُونَ بِالْ َ
شرح الكلمات:
ذرأنا لجهنم :خلقنا لجهنم أي للتعذيب بها والستقرار فيها.
ل يفقهون بها :كلم ال ول كلم رسوله.
ل يبصرون بها :آيات ال في الكون.
ل يسمعون بها :الحق والمعروف.
كالنعام :البهائم في عدم النتفاع بقلوبهم وأبصارهم وأسماعهم.
الغافلون :أي عن آيات ال ،وما خُلقوا له وما يراد لهم وبهم.
ول السماء الحسنى :السماء جمع اسم والحسنى مؤنث الحسن ،والسماء الحسنى ل خاصة
دون غيره فل يشاركه فيها أحد من مخلوقاته.
__________
1لقد جرب أتباع أتاتورك العثماني العلمانية وجرّب العرب القومية ثم جربوا الشتراكية حتى
قال قائلهم :اشتراكيتنا نوالي ،من يواليها ونعادي من يعاديها ،وجرّب بعضهم الشيوعية فهل غنوا
هل عزّوا هل كملوا هل شبعوا؟ اللهم ل ،ل ،ل فلم إذن ل يعملون بالقرآن.
( )2/264
وذروا :اتركوا.
يلحدون :يميلون بها إلى الباطل.
وممن خلقنا :أي من الناس.
معنى اليات:
على إثر ذكر الهدى والضلل وإن المهتدى من هداه ال ،والضال من أضله ال أخبر تعالى أنه قد
خلق لجهنم كثيرا من الجن والنس ،علما منه تعالى بأنهم يرفضون هدايته ويتكبرون عن عبادته،
ويحاربون أنبياءه ورسله ،وإن رفضهم للهداية وتكبرهم عن العبادة عطل حواسهم فل القلب يفقه
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ما يقال له ،ول العين تبصر ما تراه ،ول الذن تسمع ما تخبر به وتحدث عنه فأصبحوا كالنعام
1بل هم أضل لن النعام ما خرجت عن الطريق الذي سيقت له وخلقت لجله ،2وأما أولئك فقد
خرجوا عن الطريق الذي امروا بسلوكه ،وخلقوا له أل وهو عبادة ال تعالى وحده ل شريك له
لينجوا من العذاب ويسعدوا في دار النعيم ،وقوله تعالى {أولئك هم الغافلون} تقرير لحقيقة وهي
أن استمرارهم في الضلل كان نتيجة غفلتهم عن آيات ال الكونية فل يتأملوها فيعرفوا أن
المعبود الحق هو ال وحده ويعبدوه وعن آيات ال التنزيلية فل يتدبروها فيعلموا أن ال هو الحق
المبين فيعبدوه وحده بما شرع لهم في كتابه وسنة نبيه .هذا ما دلت عليه الية الولى ( )179وأما
الية الثانية في هذا السياق ( )180وهي قوله تعالى {ول السماء الحنسى فادعوه 3بها وذروا
الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} فقد أخبر تعالى فيها بأن السماء الحسنى له
تعالى خاصة ل يشاركه فيها أحد من خلقه ،وقد أخبر النبي صلى ال عليه وسلم أنها مائة اسم 4
إل اسما أي تسعة وتسعون إسما ًووردت مفرقة في القرآن الكريم ،وأمر تعالى عباده أن
__________
1قال عطاء :النعام تعرف ال والكافر ل يعرفه ،وقيل :النعام مطيعة ل ،والكافر غير مطيع.
2أي :ل همّة لهم إل الكل والشرب واللباس والنكاح ،وهم أضل من النعام لن النعام تبصر
مضارها ومنافعها وتتبع مالكها وهم على خلف ذلك.
3روى أحمد رحمه ال عن ابن مسعود رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال:
"ما أصاب أحداٌ قط ه ٌم ول حزم فقال :اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ
فيّ حكمك ،عدل فيّ قضاؤك ،أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ،أو أنزلته في كتابك أو
علّمته أحدا من خلقّك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي
ونور صدري وجلء حزني وذهاب همّي إلّ أذهب ال حزنه وهمّه وأبدل مكانه فرحا".
4روى الشيخان عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :إن ل تسعة وتسعين اسما
مائة إل واحدا من أحصاها دخل الجنة وهو وتر يحبّ الوتر".
( )2/265
يدعوه 1بها يا ال ،يا رحمن يا رحيم يا رب ،يا حي يا قيوم ،وذلك عند سؤالهم إياه وطلبهم منه
ما ل يقدرون عليه ،2كما أمرهم أن يتركوا أهل الزيغ والضلل الذين يلحدون في أسماء ال
فيؤلونها ،أو يعطلونها ،أو يشبهونها ،أمر عباده المؤمنين به أن يتركوا هؤلء له ليجزيهم الجزاء
العادل على ما كانوا يقولون ويعملون .لن جدالهم غير نافع فيهم ول مجد للمؤمنين ول لهم.
هذا ما دلت عليه الية الثانية أما الثالثة ( )181وهي قوله تعالى {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق
وبه يعدلون} إنه لما ذكر أنه خلق لجهنم كثيرا من الجن والنس ذكر هنا أنه خلق للجنة خلقا آخر
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
من النس والجن فذكر صفاتهم التي يستوجبون بها الجنة كما ذكر صفات أهل جهنم التي
استوجبوا بها جهنم ،فقال {وممن خلقنا} من الناس {أمة} كبيرة {يهدون} أنفسهم وغيرهم {بالحق}
الذي هو هدى ال ورسوله وبالحق يعدلون في قضائهم وأحكامهم فينصفون ويعدلون ول
يجورون ،ومن هذه المة كل صالح في أمة السلم يعيش على الكتاب والسنة اعتقادا وقولً
وعملً وحكما وقضاءً وأدبا وخلقا جعلنا الذي منهم وحشرنا في زمرتهم.
هداية اليات
من هداية اليات :
-1تقرير مبدأ أن السعادة والشقاء سبق بها قلم القضاء والقدر فكل ميسر لما خلق له.
-2هبوط الدمي إلى درك أهبط من درك الحيوان ،وذلك عندما يكفر بربه ويعطل حواسه عن
النتفاع بها ،ويقصر همه على الحياة الدنيا.
-3بيان أن البلء كامن في الغفلة عن آيات ال والعراض عنها.
-4المر بدعاء ال تعالى بأسمائه الحسنى نحو يا رب يا رحمن ،يا عزيز يا جبار.
__________
1ذكر أهل العلم كيفية الدعاء بها وهي؛ :أن يسأل باسم ال ما يناسب حاجته فيقول مثل :يا
رحمن ارحمني ،يا رزاق ارزقني ،يا حكيم احكم لي ،يا قوي يا قدير .قوّني واقدرني على كذا..
يا لطيف ألطف بي ،يا عليم علّمني وانفعني بما تعلمني وهكذا.
2قال مقاتل وغيره في سبب نزول هذه الية {ول السماء الحسنى} الخ أنً مشركا سمع مسلما
يدعو :يا رحمن يا رحيم فقال :أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا؟ فما بال هذا
يدعو ربين اثنين ،فأنزل ال تعالى {ول السماء الحسنى} الخ.
( )2/266
-5حرمة تأويل أسماء ال وصفاته وتحريفها كما قال المشركون في ال ،اللت ،وفي العزيز
العزى سموا بها آلهتهم الباطلة ،وهو اللحاد 1الذي توعد ال أهله بالجزاء عليه.
-6أهل الجنة الذين خلقوا لها هم الذين يهدون بالكتاب والسنة ويقضون بهما.
ث لَ َيعَْلمُونَ( )182وَُأمْلِي َلهُمْ إِنّ كَ ْيدِي مَتِينٌ(َ )183أوَلَمْ
جهُم مّنْ حَ ْي ُ
وَالّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْ َتدْرِ ُ
سمَاوَاتِ
يَ َت َفكّرُواْ مَا ِبصَاحِ ِبهِم مّن جِنّةٍ إِنْ ُهوَ ِإلّ نَذِيرٌ مّبِينٌ(َ )184أوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مََلكُوتِ ال ّ
شيْ ٍء وَأَنْ عَسَى أَن َيكُونَ قَدِ اقْتَ َربَ َأجَُلهُمْ فَبَِأيّ حَدِيثٍ َبعْ َدهُ ُي ْؤمِنُونَ(
ض َومَا خََلقَ اللّهُ مِن َ
وَالَرْ ِ
طغْيَا ِنهِمْ َي ْع َمهُونَ()186
)185مَن ُيضِْللِ الّلهُ فَلَ هَا ِديَ َل ُه وَيَذَرُ ُهمْ فِي ُ
شرح الكلمات:
كذبوا بآياتنا : :أي بآيات القرآن الكريم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سنستدرجهم : :2أي نستميلهم وهم هابطون إلى هوة العذاب درجة بعد درجة حتى ينتهوا إلى
العذاب ،وذلك بإدرار النعم عليهم مع تماديهم في التكذيب والعصيان حتى يبلغوا الجل المحدد لهم
ثم يؤخذوا أخذة واحدة.
__________
1اللحاد لغة :الميل عن وسط الشيء إلى جانبه واللحاد للميت دفنه في جانب القبر وكان من
إلحاد العرب في أسماء ال تعالى أن اشتقوا العزّى من العزيز واللت من ال ،ومناة من المنان
فألحدوا في أسماء ال تعالى ،ومن اللحاد في أسماء ال تعالى ما يفعله جهال المتصوّفة من وضع
أسماء ل تعالى ل توجد في كتاب ول سنة.
2الستدراج :هو الخذ بالتدريج منزلة بعد منزلة ،والدُرْج :لف الشيء ومنه إدراج الميت في
كفنه أي :لفه فيه .واستدراج ال تعالى لهل الغواية كلّما جددوا ل معصية جدد لهم نعمة حتى
يأخذهم بذنوبهم وهم ل يشعرون وأحسن من أنشد:
حسُنت ...ولم تخف سوء ما يأتي به القدر
أحسنت ظنك باليام إذ َ
وسالمتك الليالي فاغتررت بها ...
وعند صفر الليالي يحدث الكدر
( )2/267
وأملي لهم إن كيدي متين :أي أمهلهم فل أعجل بعقوبتهم حتى ينتهوا إليها بأعمالهم الباطلة وهذا
هو الكيد لهم وهو كيد متين شديد.
ما بصاحبهم من جنة :صاحبهم هو محمد صلى ال عليه وسلم ،والجنة الجنون والمتحدث عنهم
كفار قريش.
ملكوت السموات :أي ملك السموات إل أن لفظ الملكوت أعظم من لفظة الملك.
فبأي حديث بعده :أي بعد القرآن العظيم.
ونذرهم في طغيانهم :أي نتركهم في كفرهم وظلمهم.
يعمهون :حيارى يترددون ل يعرفون مخرجا ول سبيلً للنجاة.
معنى اليات:
يخبر تعالى أن الذين كذبوا بآياته التي أرسل بها رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم فلم يؤمنوا بها
وأصروا على الشرك والضلل معرضين عن التوحيد والهدى يخبر تعالى أنه سيستدرجهم بالخذ
شيئا فشيئا ودرجة بعد درجة حتى يحق عليهم العذاب فينزله بهم فيهلكون ويخبر أنه يملى لهم
أيضا كيدا بهم ومكرا ،أي يزيدهم في الوقت ويطول لهم زمن كفرهم وضللهم فل يعاجلهم
بالعقوبة بل إنه يزيد في إرزاقهم وأموالهم حتى يفقدوا الستعداد للتوبة ثم يأخذهم أخذ عزيز
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
مقتدر ،ولذا قال {وأملي 1لهم إن كيدي متين }2أي قوي شديد .هذا ما دلت عليه الية الولى (
)183أما الثانية فإنه تعالى يوبخهم على إعراضهم عن التفكير والتعقل فيقول {أو لم يتفكروا} في
سلوك الرسول 3صلى ال عليه وسلم وتصرفاته الرشيدة الحكيمة فيعلموا أنه ما به من جنة
وجنون كما يزعمون ،وإنما هو نذير لهم من عذاب يوم أليم إن هم استمروا على سلوك درب
الباطل والشر من الشرك والمعاصي ،ونذارته بينه ل لبس فيها ول غموض لو كانوا يتفكرون.
وفي الية الثالثة ( )185يوبخهم
__________
1قيل نزلت هذه الية{ :سنستدرجهم} إلى قوله{ :متين} نزلت في المستهزئين من قريش وقد
أخذوا بعد الملء لهم زمنا زاد على العشر سنين ،أخذهم في بدر وألقوا في القليب ووبخهم صلى
ال عليه وسلم بما هم أهله من الخزي والهوان.
2المتين :مأخوذ من المتن وهو اللحم الغليظ الذي عن جانب الصلب أي :الظهر.
3هو المراد بالصاحب في قوله{ :ما بصاحبكم من جنّة} وهي الجنون ،دعا ال تعالى قريشا
للتفكر.
( )2/268
على عدم نظرهم 1في ملكوت السموات والرض وفي ما خلق ال من شيء وفي أن عسى أن
يكون قد اقترب أجلهم ،إذ لو نظروا في ملكوت السموات والرض وما في ذلك من مظاهر القدرة
والعلم والحكمة لعلموا أن المستحق للعبادة هو خالق هذا الملكوت ،ل الصنام والتماثيل ،كما أنهم
لو نظروا فيما خلق ال من شيء من النملة إلى النخلة ومن الحبة إلى القبة لدركوا أن ال هو
الحق وأن ما يدعون هو الباطل كما أنه حرى بهم أن ينظروا في ما مضى من أعمارهم فيدركوا
أنه من الجائز أن يكون قد اقترب أجلهم ،وقد اقترب فعل فليعجلوا بالتوبة حتى ل يؤخذوا وهم
كفار أشرار فيهلكون ويخسرون خسرانا ًكاملً .ثم قال تعالى في ختام الية {فبأي حديث }2بعد
القرآن يؤمنون فالذي ل يؤمن بالقرآن وكله حجج وشواهد وبراهين وأدلة واضحة على وجوب
توحيد ال واليمان بكتابه ورسوله ولقائه ووعده ووعيده فبأي كلم يؤمن ،اللهم ل شيء ،فالقوم
إذا أضلهم ال ،ومن أضله ال فل هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون حيارى يترددون ل
يدرون ما يقولون ،ول أين يتجهون حتى يهلكوا كما هلك من قبلهم .وما ربك بظلم للعبيد.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1عظم خطر التكذيب بالقرآن الكريم حتى أن المكذب ليستدرج حتى يهلك وهو ل يعلم.
-2أكبر موعظة وهي أن على النسان أن يذكر دائما أن أجله قد يكون قريبا وهو ل يدري فيأخذ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بالحذر والحيطة حتى ل يؤخذ على غير توبة فيخسر.
-3من ل يتعظ بالقرآن وبما فيه من الزواجر ،والعظات والعبر ،ل يتعظ بغيره.
-4من أعرض عن كتاب ال مكذبا بما فيه من الهدى فضل ،ل ترجى له هداية أبدا.
__________
1استدل العلماء بهذه الية{ :أو لم ينظروا في ملكوت السموات والرض} ونظائر هذه الية وهي
كثيرة على وجوب النظر في اليات والعتبار بالمخلوقات وهو كذلك ،واختلف العلماء في :هل
اليمان يثبت بالتقليد أو لبد من النظر حتى يؤمن ،والصحيح :أنّ اليمان يصح بالتقليد المفيد
لليقين كإيمان عوام المسلمين ،وأفضل منه ما كان عن نظر واستدلل وهو إيمان العالمين.
2قوله{ :فبأي حديث} الخ :الستفهام لتوقيفهم على ما يجب أن يفكروا فيه وينظروا إليه وتوبيخهم
على ترك ذلك.
( )2/269
َ 1يسْأَلُو َنكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْسَاهَا ُقلْ إِ ّنمَا عِ ْل ُمهَا عِندَ رَبّي لَ ُيجَلّيهَا ِل َوقْ ِتهَا ِإلّ ُهوَ َثقَُلتْ فِي
حفِيّ عَ ْنهَا ُقلْ إِ ّنمَا عِ ْل ُمهَا عِندَ الّل ِه وََلكِنّ َأكْثَرَ
ض لَ تَأْتِيكُمْ ِإلّ َبغْتَةً َيسْأَلُو َنكَ كَأَ ّنكَ َ
سمَاوَاتِ وَالَ ْر ِ
ال ّ
ل ضَرّا ِإلّ مَا شَاء اللّ ُه وََلوْ كُنتُ أَعْلَمُ ا ْلغَ ْيبَ
س لَ َيعَْلمُونَ( )187قُل لّ َأمِْلكُ لِ َنفْسِي َن ْفعًا َو َ
النّا ِ
لَسْ َتكْثَ ْرتُ مِنَ ا ْلخَيْ ِر َومَا مَسّ ِنيَ السّوءُ إِنْ أَنَاْ ِإلّ نَذِي ٌر وَبَشِيرٌ ّلقَوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ()188
شرح الكلمات:
الساعة :أي الساعة بمعنى الوقت الذي تنتهي فيه الحياة الدنيا بالفناء التام.
أيان مرساها :2أي متى وقت قيامها.
ل يجلها لوقتها :أي ل يظهرها في وقتها المحدد لها إل هو سبحانه وتعالى.
بغتة :أي فجأة بدون توقع أو انتظار.
حفي عنها :أي ملحف مبالغ في السؤال عنها حتى أصبحت تعرف وقت مجيئها.
الغيب :الغيب ما غاب عن حواسنا وعن عقولنا فلم يدرك بحاسة ول بعقل .والمراد به هنا ما
سيحدث في المستقبل القريب أو البعيد.
السوء :كل ما يسوء العبد في روحه أو بدنه.
إن أنا إل نذير :أي ما أنا إل نذير وبشير فلست بإله يدبر المر ويعلم الغيب.
__________
1السائلون النبي صلى ال عليه وسلم عن الساعة كثيرون بعضهم مشركون يسألون للتعجيز
وبعضهم يهود يسألون اختبارا وامتحانا.
2اسم يسأل به عن الزمان ل غير ،قال الراجز:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أيّان تقضي حاجتي أيّان ...
جحِها أرانا
أما ترى لنُ ْ
( )2/270
معنى اليات:
ل شك أن أفرادا من قريش أو من غيرهم سألوا النبي صلى ال عليه وسلم عن الساعة متى قيامها
فأخبره تعالى بسؤالهم وعلمه الجواب فقال عز وجل وهو يخاطب رسوله صلى ال عليه وسلم
{يسألونك عن الساعة أيان مرساها }1أي متى وقت وقعوها وقيامها؟ قل لهم {إنما علمها عند
ربى} أي علم وقت قيامها عند ربي خاصة {ل يجليها لوقتها} أي ل يظهرها لول وقتها إل هو
{ثقلت في السموات والرض} أي ثقل أمر علمها عند أهل السموات والرض {ل تأتيكم إل بغتة}
أي فجأة ،ثم قال له يسألونك هؤلء الجهال عن الساعة {كأنك حفي عنها} أي كأنك ملحف في
السؤال مبالغ في طلب معرفتها حتى عرفتها ،قل لهم {إنما علمها 2عند ال} خاصة{ ،ولكن أكثر
الناس ل يعلمون} ،ولذا هم يسألونه ،إذ إخفاؤه لحكم عالية لو عرفها الناس ما سألوا ولن يسألوا
ولكن الجهل هو الذي ورطهم في مثل هذه السئلة وهذا ما دلت عليه الية الولى ( )187أما
الية الثانية ( )188فقد أمر تعالى رسوله أن يقول لولئك السائلين عن الساعة متى وقت مجيئها
{ل أملك لنفسي نفعا ول ضرا} خيرا ول شرا {إل ما شاء ال} شيئا من ذلك فإنه يُعينني على
جلبه أو على دفعه فكيف إذا أعلم وقت مجيء الساعة حتى تسألوني عنها {ولو كنت أعلم الغيب
}3كما تظنون لستكثرت من الخيرات وما مسني السوء .وذلك أني إذا عرفت متى الخصب
ومتى الجدب ،ومتى الغلء ومتى الرخاء يمكنني بسهولة أن استكثر من الخير عند وجوده،
وأتوقى الشر وأدفعه قبل حصوله ،يا قوم إنما أنا نذير بعواقب الشرك والمعاصي بشير بنتائج
اليمان والتوحيد والعمل الصالح فلست بإله أعلم الغيب ،ووظيفتي هذه صراحة هي البشارة
والنذارة ينتفع بها المؤمنون خاصة وهو معنى قوله تعالى {إن أنا إل نذير وبشير لقوم يؤمنون}.
__________
{ 1أيان مرساها} :مرساها مبتدأ ،والخبر أيّان ،وقدّم لنه اسم استفهام له الصدارة ومعنى
مرساها :مثبتها ،من قولهم أرسى كذا إذا أثبته ،أي :متى وقوعها.
2أي علم الساعة إذ إخفاء علم الساعة كان لحكم عالية لو عرفها السائلون عن الساعة ما سألوا
ولكنهم لجهلهم يسألون.
3الغيب :قسمان ،حقيقي :وهو ما استأثر ال تعالى به ومن علّمه تعالى منه شيئا علمه .وإضافي:
يعلمه بعض ويخفي عن بعض ،ومن ادعى علم الغيب فقد كذّب ال ونازعه فيما استأثر به فهو
بذلك كافر.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )2/271
هداية اليات
من هداية اليات:
-1مرد علم الساعة إلى ال وحده فكل مسؤول عنها غير ال ليس أعلم من السائل .1
-2للساعة أشراط بعضها في الكتاب وبعضها في السنة وليس معنى ذلك أنه تحديد لوقتها وإنما
هي مقدمات تدل على قربها فقط.
-3استأثر ال بعلم الغيب فل يعلم الغيب إل ال ،ومَنْ علّمه ال شيئا منه علم كما علم نبيه صلى
ال عليه وسلم بعض المغيبات ،والمعلم بالشيء ل يقال فيه يعلم الغيب وإنما يقال علّمه ربه غيب
كذا وكذا فعلمه:
-4إذا كان الرسول ل يملك لنفسه نفعا ول ضرا فكيف يطلب منه ذلك وإذ كان الرسول ل يملك
فهل من دونه من العباد يملك؟ إذا عرفت هذا ظهر لك ضلل أقوام يدعون الموتى سائلين
ضارعين عند قبورهم ويقولون أنهم ل يدعونهم ولكن يتوسلون بهم فقط.
خفِيفًا
حمْلً َ
حمََلتْ َ
سكُنَ إِلَ ْيهَا فََلمّا َتغَشّاهَا َ
جهَا لِ َي ْ
ج َعلَ مِ ْنهَا َزوْ َ
س وَاحِ َد ٍة َو َ
ُهوَ الّذِي خََل َقكُم مّن ّنفْ ٍ
عوَا اللّهَ رَ ّب ُهمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحا لّ َنكُونَنّ مِنَ الشّاكِرِينَ( )189فََلمّا آتَا ُهمَا
َفمَ ّرتْ ِبهِ فََلمّا أَ ْثقَلَت دّ َ
عمّا يُشْ ِركُونَ( )190أَ ُيشْ ِركُونَ مَا لَ َيخْلُقُ شَيْئا وَهُمْ
جعَلَ لَهُ شُ َركَاء فِيمَا آتَا ُهمَا فَ َتعَالَى الّلهُ َ
صَالِحا َ
سهُمْ يَنصُرُونَ( )192وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ا ْلهُدَى لَ
يُخَْلقُونَ(َ )191ولَ َيسْتَطِيعُونَ َلهُمْ َنصْرًا َولَ أَنفُ َ
عوْ ُتمُوهُمْ َأمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ()193
سوَاء عَلَ ْي ُكمْ أَدَ َ
يَتّ ِبعُوكُمْ َ
__________
1لحديث مسلم :فقد سأله جبريل عن السلم واليمان والحسان فبيّن له ذلك فصدقه جبريل
وسأله عن الساعة فقال له :ما المسؤول عنها بأعلم من السائل.
( )2/272
شرح الكلمات:
من نفس واحدة :هي نفس آدم عليه السلم.
وجعل منها زوجها :أي خلق منها زوجها وهي حواء خلقها من ضلع آدم اليسر.
ليسكن إليها :أي ليألفها ويأنس بها لكونها من جنسه.
فلما تغشاها :أي وطئها.
فمرت به :أي ذاهبة جائية تقضى حوائجها لخفت الحمل في الشهر الولى.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فلما أثقلت : 1أي أصبح الحمل ثقيلً في بطنها.
لئن أتيتنا صالحا :أي ولدا صالحا ليس حيوانا بل إنسانا.
جعل له شركاء :أي سموه عبد الحارث وهو عبدال جل جلله.
فتعالى ال عما يشركون :أي أهل مكة حيث أشركوا في عبادة ال أصناما.
وإن تدعوهم إلى الهدى :أي الصنام ل يتبعوكم.
معنى اليات:
يقول تعالى لولئك السائلين عن الساعة عنادا ومكابرة من أهل الشرك هو أي ال {الذي خلقكم من
نفس واحدة وخلق منها زوجها} الله المستحق للعبادة ل الصنام والوثان ،فالخالق لكم من نفس
واحدة وهي آدم وخلق منها زوجها حواء هو المستحق للتأليه والعبادة .دون غيره من سائر خلقه.
وقوله {ليسكن إليها} :علة لخلقه زوجها منها ،إذ لو كانت من جنس آخر لما حصلت اللفة والنس
بينهما وقوله {فلما تغشاها} أي للوطء ووطئها {حملت 2حملً خفيفا فمرت 3به} لخفته {فلما
أثقلت} أي أثقلها الحمل
__________
1قال الفقهاء كمالك :إذا بلغ الحمل ستة أشهر أصبحت الحامل مريضة فل يصح لها أن تهب من
مالها أكثر من الثلث ،ومثلها من دخل معركة القتال ،وكذا المريض الشديد المرض ،والمحبوس
للقتل ليس لهم من هبة إلّ ما كان الثلث فأقل.
2كل ما كان في البطن أو على رأس النخلة أو الشجرة فهو حمل بفتح الحاء وكل ما كان على
رأس أو ظهر إنسان أو حيوان فهو حمل بكسر الحاء.
3فمرت به لخفّته فلم نتفطّن له ولم تفكر في شأنه ومعنى أثقلت أي صارت ذات ثقل من أثقل
المريض فهو مثقل فأثقلت صارت مثقلة.
( )2/273
{دعوا ال} أي آدم 1وحواء ربهما تعالى أي سأله قائلين {لئن آتيتنا صالحا} أي غلما صالحا
{لنكونن من الشاكرين} أي لك .واستجاب الرب تعالى لهما وآتاهما صالحا .وقوله تعالى {فلما
آتاهما صالحا جعل له شركاء فيما آتاهما} حيث سمته حواء عبدالحارث بتغرير من إبليس ،إذ
اقترح عليهما هذه التسمية ،وهي من الشرك الخفي المعفو عنه نحو لول الطبيب هلك فلن ،وقوله
{فتعالى ال عما يشركون} عائد إلى كفار قريش الذين يشركون في عبادة ال أصنامهم وأوثانهم،
بدليل قوله بعد {أيشركون ما ل يخلق شيئا} أي من المخلوقات {وهم} أي الوثان وعبادها
{يخلقون ،ول يستطيعون لهم نصرا} إذا طلبوا منهم ذلك{ .ول أنفسهم ينصرون} لنهم جمادات ل
حياة بها ول قدرة لها وقوله {وإن تدعوهم} أي وإن تدعوا أولئك الصنام {إلى الهدى} وقد ضلوا
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الطريق {ل يتبعوكم }2لنهم ل يعقلون الرشد من الضلل ولذا فسواء عليكم {أدعوتموهم أم أنتم
صامتون} أي لم تدعوهم فإنهم ل يتبعونكم ومن هذه حاله وهذا واقعه فهل يصح أن يعبد فتقرب
له القرابين ويحلف به ،ويعكف عنده ،وينادى ويستغاث به؟؟ اللهم ل ،ولكن المشركين ل يعقلون.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1بيان أصل خلق البشر وهو آدم وحواء عليهما السلم.
-2بيان السر في كون الزوج من جنس الزوج وهو اللفة والنس والتعاون.
-3بيان خداع إبليس وتضليله للنسان حيث زين لحواء تسمية ولدها بعبد الحارث وهو عبد ال.
-4الشرك في التسمية 3شرك خفي معفو عنه وتركه أولى.
-5التنديد بالشرك والمشركين ،وبيان جهل المشركين وسفههم إذ يعبدون ما ل يسمع ول يبصر
ول يجيب ول يتبع.
__________
1ما ذهبت إليه في التفسير هو ما ذا إليه إمام المفسرين ابن جرير الطبري وهو مؤيد بقراءة
تشركون بالتاء وبحديث خدعهما مرتين خدعهما في الجنة وخدعهما في الرض وذهب آخرون
إلى أن الكلم على جنس الدميين تبينا لحال المشركين من ذرية آدم ودل على قولهم قراءة
يشركون بالياء وال أعلم.
2يقول بعضهم :اتبعه :إذا شيء وراءه ولم يدركه ،واتّبعه مشددا إذا مشى وراءه وأدركه.
3نحو :عبد النبي ،وعبد الرسول ،وعبد الضيف كما قال حاتم الطائي:
وإني لعبد الضيف ما دام ثاويا ...
وما في إل تيك من شيمة العبد
( )2/274
إِنّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ الّلهِ عِبَادٌ َأمْثَاُلكُمْ فَادْعُو ُهمْ فَلْيَسْ َتجِيبُواْ َلكُمْ إِن كُن ُت ْم صَا ِدقِينَ( )194أََل ُهمْ
س َمعُونَ ِبهَا ُقلِ
طشُونَ ِبهَا أَمْ َل ُهمْ أَعْيُنٌ يُ ْبصِرُونَ ِبهَا أَمْ َل ُهمْ آذَانٌ يَ ْ
جلٌ َيمْشُونَ ِبهَا َأمْ َلهُمْ أَ ْيدٍ يَبْ ِ
أَرْ ُ
ب وَ ُهوَ يَ َتوَلّى
ادْعُواْ شُ َركَاءكُمْ ثُمّ كِيدُونِ فَلَ تُنظِرُونِ( )195إِنّ وَلِيّيَ الّلهُ الّذِي نَ ّزلَ ا ْلكِتَا َ
سهُمْ يَ ْنصُرُونَ( )197وَإِن
الصّالِحِينَ( )196وَالّذِينَ َتدْعُونَ مِن دُونِ ِه لَ يَسْ َتطِيعُونَ َنصْ َركُ ْم وَل أَنفُ َ
ك وَهُ ْم لَ يُ ْبصِرُونَ()198
س َمعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَ ْي َ
تَدْعُوهُمْ إِلَى ا ْلهُدَى لَ يَ ْ
شرح الكلمات:
عباد أمثالكم :أي مملوكون مخلوقون أمثالكم لمالك واحد هو ال رب العالمين.
شركاءكم :أصنامكم التي تشركون بها.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ثم كيدون :بما استطعتم من أنواع الكيد.
فل تنظرون :أي فل تمهلون لني ل أبالي بكم.
إن وليي ال :أي المتولي أموري وحمايتي ونصرتي ال الذي نزل القرآن.
وتراهم ينظرون :أي وترى الصنام المنحوتة على شكل رجال ينظرون إليك وهم ل يبصرون.
معنى اليات:
هذه اليات الخمس في سياق ما قبلها جاءت مقررة لمبدأ التوحيد مؤكدة له منددة
( )2/275
بالشرك مقبحة له ،ولهله فقوله تعالى {إن الذين تدعون }1أي دعاء عبادة أيها المشركين هم
{عباد أمثالكم }2أي مملوكون ل ،ال مالكهم كما أنتم مملوكون ل مربوبون .فكيف يصح منكم
عبادتهم وهم مملكون مثلكم ل يملكون لكم ول لنفسهم نفعا ول ضرا ،وإن شككتم في صحة هذا
فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين في زعمكم أنهم آلهة يستحقون العبادة .إنكم لو
دعوتموهم ما استجابوا ،وكيف يستجيبون وهم جماد ول حياة لهم {ألهم أرجل يمشون بها أم لهم
أيد 3يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها ،أم لهم آذان يسمعون بها} إنه ل شيء لهم من ذلك
فكيف إذا يستجيبون ،وبأي حق يعبدون فيدعون ويرجون وهم فاقدوا آثار القدرة والحياة بالمرة.
ثم أمر ال تعالى رسوله أن يعلن لهم أنه ل يخافهم ول يعدهم شيئا إذا كانوا هم يعبدونهم
ويخافونهم فقال له قل لهؤلء المشركين {ادعوا شركاءكم ثم كيدون }4أنتم وإياهم {فل تنظرون}
أي ل تمهلوني ساعة ،وذلك لن {وليى 5ال الذي نزل الكتاب} أي القرآن {وهو يتولى
ي المؤمنين .أما أنتم {والذين
الصالحين} فهو ينصرني منكم ويحميني من كيدكم إنه ولي وول ّ
تدعون من دونه} أي من دون ال من هذه الوثان {ل يستطيعون نصركم ول أنفسهم ينصرون}
وشيء آخر وهو أنكم {إن تدعوهم إلى الهدى ل يسمعوا} فضلً عن إن تدعوهم إلى الضلل
فكيف تصح عبادة من ل يجيب داعية في الرخاء ول في الشدة .وأخيرا يقول تعالى لرسوله صلى
ال عليه وسلم{ ،وتراهم} أي ترى أولئك اللهة وهي تماثيل من حجارة {ينظرون إليك }6إذا
قابلتهم لن أعينهم مفتوحة دائما ،والحال أنهم ل يبصرون ،وهل تبصر الصور والتماثيل؟.
__________
1تدعون :بمعنى تعبدون لن الدعاء هو العبادة أو تدعون :بمعنى تدعونها عبادة فحذف المفعول
ليشمل التعبير المعنيين وهو من بلغة القرآن.
2أطلق لفظ عباد على الوثان لنها مملوكة ل تعالى كعابديها مخلوقة كما هم مخلوقون ،ولما
اعتقد المشركون أنّ أصنامهم تنفع وتضر عاملها معاملة المقلء فقال :عباد أمثالكم وقال:
{فادعوهم} بدل فادعوهن.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
3اليد والرجل والذن مؤنثات ولذا يصغّرن بالهاء ويقال :يُدية ورُجلية وأذينة وشدّدت الهاء من:
يدية لنّ الياء المحذوفة من يد ،ردّت في التصغير.
4أصل كيدون :كيدوني بالياء فحذفت تخفيفا ،والكيد .:المكر ،والحرب أيضا يقال :غزا فلم يلق
كيدا أي :حربا.
5وليّ الشيء :هو الذي يحفظه ويمنع الضرر عنه وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص قال:
سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول" :أل إن آل فلن ليسوا لي بأولياء إنما وليي ال
وصالح المؤمنين".
6النظر :فتح العينين إلى المنظور إليه ،وجملة وتراهم مستأنفة وينظرون في محل نصب على
الحال وجائز أن يكون المراد بـ تراهم ينظرون إليك المشركون أنفسهم وكونهم ل يبصرون
لنهم لم ينتفعوا بأبصارهم.
( )2/276
هداية اليات
من هداية اليات:
-1إقامة الحجة على المشركين بالكشف عن حقيقة ما يدعون أنها آلهة فإذا بها أصنام ل تسمع
ول تجيب ل أيد لها ول أرجل ول آذان ول أعين.
-2وجوب التوكل على ال تعالى ،وطرد الخوف من النفس والوقوف أمام الباطل وأهله في
شجاعة وصبر وثبات اعتمادا على ال تعالى ووليته إذ هو يتولى الصالحين.
-3جواز المبلغة في التنفير من الباطل والشر بذكر العيوب والنقائص.
خذِ ا ْل َعفْ َو وَ ْأمُرْ بِا ْلعُ ْرفِ وَأَعْ ِرضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ( )199وَِإمّا يَنزَغَ ّنكَ مِنَ الشّ ْيطَانِ نَ ْزغٌ فَاسْ َتعِذْ بِالّلهِ
ُ
سهُمْ طَا ِئفٌ مّنَ الشّ ْيطَانِ تَ َذكّرُواْ فَِإذَا هُم مّ ْبصِرُونَ()201
سمِيعٌ عَلِيمٌ( )200إِنّ الّذِينَ ا ّتقَواْ ِإذَا مَ ّ
إِنّهُ َ
خوَا ُنهُمْ َيمُدّو َنهُمْ فِي ا ْل َغيّ ثُ ّم لَ ُي ْقصِرُونَ()202
وَإِ ْ
شرح الكلمات:
العفو :ما كان سهلً ل كلفة فيه وهو ما يأتي بدون تكلف.
بالعرف :أي المعروف في الشرع بالمر به أو الندب إليه.
وأعرض عن الجاهلين :الجاهلون :هم الذين لم تستنر قلوبهم بنور العلم والتقوى ،والعراض
عنهم بعدم مؤاخذتهم على سوء قولهم أو فعلهم.
نزغ الشيطان :أي وسوسته بالشر.
فاستعذ بال :أي قل أعوذ بال يدفعه عنك إنه أي ال سميع عليم.
اتقوا :أي الشرك والمعاصي.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )2/277
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الوسوسة ،الستعاذة بال تعالى.
6الطيف ،والطائف ،بمعنى ،وقيل :الطيف :الخيال ،والطائف :الشيطان .وهو صحيح أيضا.
( )2/278
أمر ال ونهيه ووعده ووعيده {فإذا هم مبصرون} يرون قبح المعصية وسوء عاقبة فاعلها فكفوا
عنها ولم يرتكبوها .وقوله تعالى{ :وإخوانهم} أي إخوان الشياطين من أهل الشرك والمعاصي
{يمدونهم} أي الشياطين {في الغي} أي في المعاصي والضللت ويزيدونهم في تزيينها لهم
وحملهم عليها{ ،ثم ل يقصرون} عن فعلها ويكفون عن ارتكابها.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1المر بالتزام الداب والتحلي بأكمل 1الخلق ومن أرقاها العفو عمن ظلم وإعطاء من حرم،
وصلة من قطع.
-2وجوب الستعاذة بال عند 2الشعور بالوسوسة أو الغضب أو تزيين الباطل .3
-3فضيلة التقوى وهي فعل الفرائض وترك المحرمات.
-4شؤم أخوة الشياطين حيث ل يقصر صاحبها بمد الشياطين له عن الغي الذي هو الشر
والفساد.
وَإِذَا َلمْ تَأْ ِتهِم بِآ َيةٍ قَالُواْ َلوْلَ اجْتَبَيْ َتهَا ُقلْ إِ ّنمَا أَتّبِعُ مَا يوحَى إَِليّ مِن رّبّي هَذَا َبصَآئِرُ مِن رّ ّب ُكمْ
حمُونَ()204
حمَةٌ ّلقَوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ( )203وَإِذَا قُرِئ ا ْلقُرْآنُ فَاسْ َت ِمعُواْ َل ُه وَأَنصِتُواْ َلعَّلكُمْ تُرْ َ
وَهُدًى وَرَ ْ
وَا ْذكُر رّ ّبكَ
__________
1روي أنّ النبي صلى ال عليه وسلم قال" :أمرني ربي بتسع :الخلص في السر والعلنية
والعدل في الرضا والغضب ،والقصد في الغنى والفقر ،وأن أعفو عمّن ظلمني وأصل من
قطعني ،وأعطي من حرمني وأن يكون نطقي ذكرا وصمتي فكرا ونظري عبرة".
2روى مسلم عن أبي هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :يأتي
الشيطان أحدكم فيقول له من خلق كذا وكذا حتى يقول له :من خلق ربّك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ
بال ولينته" فقوله :فليستعذ :المر للوجوب إذ ل يدفع الشيطان إل ال تعالى فهو الذي ينجي منه
ويجير.
3روي أن النبي صلى ال عليه وسلم لما نزلت آية {خذ العفو} الية قال صلى ال عليه وسلم" :
كيف يا رب والغضب" فنزلت{ :وإمّا ينزغنك }...الخ.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )2/279
( )2/280
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وصحة ما أدعوكم إليه من اليمان والتوحيد وترك الشرك والمعاصي ،فهل آمنتم واتبعتم أم الية
الواحدة تؤمنون عليها واليات الكثيرة ل تؤمنون عليها أين يذهب بعقولكم؟ وعلى ذكر بيان حجج
القرآن وأنواره أمر ال تعالى عباده المؤمنين إذا قرىء عليهم القرآن أن يستمعوا وينصتوا وسواء
كان يوم الجمعة على المنبر أو كان في غير ذلك 1فقال تعالى {فإذا قرىء القرآن فاستمعوا له}
أي تكلفوا السماع وتعمدوه {وانصتوا} بترك الكلم {لعلكم ترحمون} أي رجاء أن ينالكم من هدى
القرآن رحمته فتهتدوا وترحموا لن القرآن هدى ورحمة للمؤمنين.
ثم أمر تعالى رسوله وأمته تابعة له في هذا الكمال فقال تعالى {واذكر ربك في نفسك} أي سرا
ل وخشوعا{ ،وخيفة }2أي وخوفا وخشية {ودون الجهر من القول} وهو السر
{تضرعا} أي تذل ً
بأن يسمع نفسه فقط أو من يليه ل غير وقوله {بالغدو والصال} أي أوائل النهار وأواخره ،ونهاه
عن ترك الذكر وهو الغفلة فقال {ول تكن من الغافلين} وذكر له تسبيح 3الملئكة وعبادتهم
ليتأسى بهم ،فيواصل العبادة والذكر ليل نهار فقال {إن الذين عند ربك} وهم الملئكة في الملكوت
العلى {ل يستكبرون عن عبادته} أي طاعته بما كلفهم به ووظفهم فيه {ويسبحونه وله يسجدون
}4فتأس بهم ول تكن من الغافلين.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1القرآن أكبر آية بل هو أعظم من كل اليات التي أعطيها الرسل عليهم السلم.
-2وجوب النصات عند تلوة القرآن وخاصة في خطبة الجمعة على المنبر وعند قراءة المام
في الصلة الجهرية.
__________
1أي :كيومي العيدين مثل ،وهذا المر بالستماع والنصات للقرآن عام يشمل المشركين إذ
كانوا يأمرون بعدم الستماع إليه كما قال تعالى{ :وقال الذين كفروا ل تسمعوا لهذا القرآن}...
كما يشمل المؤمنين ،إذ سماع القرآن سبيل الهداية ،والنصات :سماع مع عدم التكلم حال
الستماع.
2الخيفة :أصلها خوفة فقلبت الواو ياءُ لنكسار ما قبلها ،وهي مصدر خاف المرء يخاف خوفا
وخيفة ومخافة فهو خائف.
3تسبيح الملئكة معناه :تعظيمهم ل تعالى وتنزيههم له عزّ وجلّ عن الشريك والولد.
4صيغة المضارع في {يسبحون} و{يسجدون} لحصر السجود في ال تعالى وعدم جوازه لغيره
عز وجل.
( )2/281
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-3وجوب ذكر ال بالغدو والصال.
-4بيان آداب الذكر وهي:
-1السرية.
-2التضرع والتذلل.
-3الخوف والخشية.
-4السرار به وعدم رفع الصوت به ،ل كما يفعل المتصوفة.
-5مشروعية الئتساء بالصالحين والقتداء بهم في فعل الخيرات وترك المنكرات.
-6عزيمة السجود عند قوله {وله يسجدون }1وهذه أول سجدات القرآن ويسجد القارىء
والمستمع له ،أما السامع فليس عليه سجود ،ويستقبل بها القبلة ويكبر عند السجود وعند الرفع منه
ول يسلم وكونه متوضأً أفضل.
__________
1ولو سلم منها في غير الصلة جاز فقد روي عن بعض السلف ،ويستحب لمن سجد أن يقول:
"اللهم احطط عني بها وزرا واكتب لي بها أجرا واجعلها لي عندك ذخرا" رواه ابن ماجه عن ابن
عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم.
( )2/282
سورة النفال
...
سورة النفال
مدنية
وآياتها خمس وسبعون آية
بسم ال الرحمن الرحيم
ل الَنفَالُ لِلّ ِه وَالرّسُولِ فَا ّتقُواْ اللّ َه وََأصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْ ِن ُك ْم وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ
ن الَنفَالِ ُق ِ
يَسْأَلُو َنكَ عَ ِ
إِن كُنتُم ّم ْؤمِنِينَ( )1إِ ّنمَا ا ْل ُمؤْمِنُونَ الّذِينَ إِذَا ُذكِرَ اللّ ُه َوجَِلتْ قُلُو ُبهُمْ وَإِذَا تُلِ َيتْ عَلَ ْيهِمْ آيَاتُهُ زَادَ ْتهُمْ
إِيمَانًا وَعَلَى رَ ّب ِهمْ
( )2/282
( )2/283
وتخلف آخرون فحصلت تساؤلت بين المجاهدين لم يعطي هذا ولم ل يعطي ذاك فسألوا الرسول
صلى ال عليه وسلم فأنزل ال تعالى {يسألونك 1عن النفال؟} 2فأخبرهم أنها {ل والرسول} فال
يحكم فيها بما يشاء والرسول يقسمها بينكم كما يأمره ربه 3وعليه فاتقوا ال تعالى بترك النزاع
والشقاق{ ،وأصلحوا} ذات بينكم بتوثيق عرى المحبة بينكم وتصفية قلوبكم من كل ضغن أو حقد
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
نشأ من جراء هذه النفال واختلفكم في قسمتها{ ،وأطيعوا ال ورسوله} في كل ما يأمرانكم به
وينهيانكم عنه {إن كنتم مؤمنين} حقا فامتثلوا المر واجتنبوا النهي .وقوله تعالى {إنما المؤمنون}
أي الكاملون في إيمانهم الذين يستحقون هذا الوصف وصف المؤمنين هم {الذين إذا ذكر ال} أي
اسمه أو وعده أو وعيده {وجلت قلوبهم }4أي خافت فأقلعت عن المعصية ،وأسرعت إلى الطاعة،
{وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا} أي قوي إيمانهم وعظم يقينهم{ ،وعلى ربهم} ل على غيره
{يتوكلون} وفيه تعالى يثقون .وإليه تعالى أمورهم يفوضون{ ،الذين يقيمون الصلة} بأدائها بكامل
شروطها وكافة أركانها وسائر سننها وآدابها{ ،ومما رزقناهم} أي أعطيناهم {ينفقون} من مال
وعلم ،وجاه وصحة بدن من كل هذا ينفقون في سبيل ال {أولئك} الموصوفون بهذه الصفات
الخمس {هم المؤمنون حقاُ} وصدقا{ ،لهم درجات عند ربهم} أي منازل عالية متفاوتة العلو
والرتفاع في الجنة ،ولهم قبل ذلك {مغفرة} كاملة لذنوبهم{ ،ورزق كريم} 5طيب واسع ل
تنقيص فيه ول تكدير ،وذلك في الجنة دار المتقين.
__________
1السؤال معناه :الطلب فإن عدي بعن :كان لطلب معرفة شيء نحو{ :يسألونك عن النفال} وإن
عدي بنفسه نحو" :سأله مال فهو :لطلب إعطاء الشيء المطلوب".
2النفال :جمع نفلٌ بفتح النون والفاء معا ك َعمَلٌ وهو مشتق من النافلة التي هي الزيادة في
العطاء ،وقد أطلق العرب لفظ النفل على الغنائم في الحرب اعتبارا منهم لها على أنها زيادة عن
المقصود الهم الذي هو إبادة العدو ،ولذا كان بعض صناديدهم ل يأخذونها وهذا عنترة يقول:
يخبرك من شهد الوقيعة أنني ...أغشى الوغى وأعفّ عند المغنم
3اختلف في النفل هل يكون من الخمس أو هو خمس الخمس من الغنيمة؟ والصحيح أنه ما
يعطيه المام من شاء من المقاتلين لبلئه من الخمس.
4وجل :كضرب ،يوجل كيضرب ويجل كيلد بإسقاط فاء الكلمة والمصدر :الوجل كالعسل،
وموجل كموعد.
5لفظ (الكريم) يصف به العرب كل شيء حسن في بابه ل قبح فيه ول شكوى منه.
( )2/284
هداية اليات
من هداية اليات:
-1المر بتقوى ال عز وجل وإصلح ذات البين.
-2اليمان يزيد 1بالطاعة وينقص بالعصيان.
-3من المؤمنين من هو كامل اليمان ،ومنهم من هو ناقصه.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-4من صفات أهل اليمان الكامل ما ورد في الية الثانية من هذه السورة 2وما بعدها.
حقّ 3وَإِنّ فَرِيقا مّنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ َلكَارِهُونَ( )5يُجَادِلُو َنكَ فِي ا ْلحَقّ َب ْع َدمَا
جكَ رَ ّبكَ مِن بَيْ ِتكَ بِالْ َ
َكمَا أَخْ َر َ
تَبَيّنَ كَأَ ّنمَا يُسَاقُونَ إِلَى ا ْل َم ْوتِ وَ ُهمْ يَنظُرُونَ( )6وَإِذْ َيعِ ُدكُمُ اللّهُ ِإحْدَى الطّا ِئفَتِيْنِ أَ ّنهَا َلكُ ْم وَ َتوَدّونَ
حقّ ِبكَِلمَاتِ ِه وَ َيقْطَعَ دَابِرَ ا ْلكَافِرِينَ( )7لِ ُيحِقّ
ش ْوكَةِ َتكُونُ َلكُ ْم وَيُرِيدُ اللّهُ أَن ُيحِقّ ال َ
أَنّ غَيْرَ ذَاتِ ال ّ
طلَ وَلَوْ كَ ِرهَ ا ْل ُمجْ ِرمُونَ()8
طلَ الْبَا ِ
ق وَيُبْ ِ
حّالْ َ
شرح الكلمات:
من بيتك :أي المدينة المنورة.
لكارهون :أي الخروج للقتال.
إحدى الطائفتين :العير "القافلة" أو النفير :نفير قريش وجيشها.
__________
1سئل الحسن البصري فقيل له :يا أبا سعيد أمؤمن أنت؟ فقال :اليمان إيمانان ،فإن كنت تسألني
عن اليمان بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر والقدر فأنا به مؤمن ،وإن كنت تسألني عن
قول ال تعالى{ :إنما المؤمنون الذين ذكر ال وجلت قلوبهم} إلى قوله{ :أولئك هم المؤمنون حقا}
فوال ما أدري أنا منهم أم ل؟
2وهما الية الثالثة والرابعة.
3الباء للمصاحبة أي :أخرجه إخراجا مصاحبا للحق ليس فيه من الباطل شيء قط.
( )2/285
( )2/286
تبقوا منهم غير من فر وهرب ،وقوله {ليحق الحق} أي لينصره ويقرره وهو السلم {ويبطل
الباطل} وهو الشرك {ولو كره} ذلك {المجرمون} أي المشركون الذين أجرموا على أنفسهم
فأفسدوها بالشرك ،وعلى غيرهم أيضا حيث منعوهم من قبول السلم وصرفوهم عنه بشتى
الوسائل.
هداية اليات:
من هداية اليات:
-1تقرير قاعدة {عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} وذكر نبذة عن غزوة بدر الكبرى وبيان
ذلك أن النبي صلى ال عليه وسلم بلغه أن عيرا لقريش تحمل تجارة قادمة من الشام في طريقها
إلى مكة وعلى رأسها أبو سفيان بن حرب فانتدب النبي صلى ال عليه وسلم بعض أصحابه
للخروج إليها عسى ال تعالى أن يغنمهم إياها ،لن قريشا صادرت أموال بعضهم وبعضهم ترك
ماله بمكة وهاجر .فلما خرج النبي صلى ال عليه وسلم وأثناء مسيره أخبرهم أن ال تعالى
وعدهم إحدى الطائفتين ،ل على التعيين جائز أن تكون العير ،وجائز أن تكون النفير الذي خرج
من مكة للذب عن العير ودفع الرسول وأصحابه عنها حتى ل يستولوا عليها ،فلما بلغ الرسول نبأ
نجاة العير 1وقدوم النفير استشار أصحابه فوافقوا على قتال المشركين ببدر وكره بعضهم ذلك،
وقالوا :إنا لم نستعد للقتال فأنزل ال تعالى هذه اليات {يجادلونك في الحق بعد ما تبين} إلى قوله
{ ...ولو كره المجرمون}.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-2بيان ضعف النسان في رغبته في كل مال كلفة فيه ول مشقة.
-3إنجاز ال تعالى وعده للمؤمنين إذ أغنمهم طائفة النفير وأعزهم بنصر لم يكونوا مستعدين له.
__________
1لنّ أبا سفيان لما بلغه بواسطة بعض الركبان أنّ محمدا قد خرج برجاله يطلب عيره استأجر
ضمضم الغفاري فبعثه إلى أهل مكة يخبرهم بخروج الرسول صلى ال عليه وسلم ،وأمرهم أن
ينفروا لنقاذ قافلتهم ،وأما الرسول صلى ال عليه وسلم وأصحابه فإنهم لما بلغوا في مسيرهم
وادي ذفران وخرجوا منه أتاهم نبأ خروج قريش ليمنعوا قافلتهم فاستشار النبي صلى ال عليه
وسلم أصحابه فقام أبو بكر وقال فأحسن ثم قال عمر فقال فأحسن ،ثم قام المقداد بن عمرو فقال يا
رسول ال :امض لما أمرك ال به فنحن معك ،وال ل نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى:
{اذهب أنت وربك فقاتل إنا ها هنا قاعدون} ولكن اذهب أنت وربك فقاتل إنا معكما مقاتلون
فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دون حتى نبلغه فقال له الرسول
صلى ال عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ثم قال :أشيروا عليّ أيها الناس ،وهو يريد النصار فقال
له سعد بن معاذ :كأنك تعنينا يا رسول ال قال :أجل ،فقال سعد كلمة سرت النبي صلى ال عليه
وسلم وعندها قال :سيروا على بركة ال وأبشروا فإن ال قد وعدني إحدى الطائفتين.
( )2/287
-4ذكر نبذة عن وقعة بدر وهي من أشهر الوقائع وأفضلها وأهلها من أفضل الصحابة وخيارهم
إذ كانت في حال ضعف المسلمين حيث وقعت في السنة الثانية من الهجرة وهم أقلية والعرب
كلهم أعداء لهم وخصوم.
جعَلَهُ اللّهُ ِإلّ بُشْرَى
إِذْ َتسْ َتغِيثُونَ رَ ّب ُكمْ فَاسْ َتجَابَ َل ُكمْ أَنّي ُممِ ّدكُم بِأَ ْلفٍ مّنَ ا ْلمَل ِئكَةِ مُ ْر ِدفِينَ(َ )9ومَا َ
حكِيمٌ(ِ )10إذْ ُيغَشّيكُمُ الّنعَاسَ َأمَنَةً
طمَئِنّ بِهِ قُلُو ُبكُمْ َومَا ال ّنصْرُ ِإلّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ َ
وَلِتَ ْ
ن وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُو ِبكُمْ
طهّ َركُم بِهِ وَيُذْ ِهبَ عَنكُمْ ِرجْزَ الشّ ْيطَا ِ
سمَاء مَاء لّ ُي َ
مّنْ ُه وَيُنَ ّزلُ عَلَ ْيكُم مّن ال ّ
لقْدَامَ(ِ )11إذْ يُوحِي رَ ّبكَ إِلَى ا ْلمَل ِئكَةِ أَنّي َم َعكُمْ فَثَبّتُواْ الّذِينَ آمَنُواْ سَأُ ْلقِي فِي قُلُوبِ
وَيُثَ ّبتَ ِب ِه ا َ
ق وَاضْرِبُواْ مِ ْنهُمْ ُكلّ بَنَانٍ( )12ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ شَآقّواْ اللّهَ
عبَ فَاضْرِبُواْ َفوْقَ الَعْنَا ِ
الّذِينَ َكفَرُواْ الرّ ْ
عذَابَ
وَرَسُولَ ُه َومَن يُشَاقِقِ اللّ َه وَرَسُولَهُ فَإِنّ اللّهَ شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ( )13ذَِل ُكمْ فَذُوقُوهُ وَأَنّ لِ ْلكَافِرِينَ َ
النّارِ()14
شرح الكلمات:
تستغيثون :1أي تطلبون الغوث من ال تعالى وهو النصر على
__________
1روى مسلم عن عمر رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يوم بدر نظر إلى
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
المشركين وهم ألف ،وأصحابه ثلثمائة وبضعة عشر ،فاستقبل القبلة ثم مدّ يديه فجعل يهتف
بربه" :اللهم أنجز لي ما وعدتني ،اللهم ائتني ما وعدتني ،اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل
السلم ل تعبد في الرض" فما زال يهتف بربّه مادّا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن
منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه وقال يا نبي ال كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز
لك ما وعدك فأنزل ال تعالى{ :إذ تستغيثون ربكم }...الية.
( )2/288
أعدائكم
مردفين :أي متتابعين بعضهم ردف بعض أي متلحقين.
وما جعله ال إل بشرى :أي المداد بالملئكة إل بشرى لكم بالنصر.
إذ يغشيكم النعاس :أي يغطيكم به والنعاس :نوم خفيف جدا.
أمنة :.أي أمنا من الخوف الذي أصابكم لقلتكم وكثرة عدوكم.
منه :أي من ال تعالى.
رجز الشيطان :وسواسه لكم بما يؤلمكم ويحزنكم.
وليربط على قلوبكم :أي يشد عليها بالصبر واليقين.
ويثبت به القدام :أي بالمطر أقدامكم حتى ل تسوخ في الرمال.
الرعب :الخوف والفزع.
فاضربوا كل بنان :أي أطراف اليدين والرجلين حتى يعوقهم عن الضرب والمشي.
شاقوا ال ورسوله :أي خالفوه في مراده منهم فلم يطيعوه وخالفوا رسوله.
ذلكم فذوقوه :أي العذاب فذوقوه.
عذاب النار :أي في الخرة.
معنى اليات:
ما زال السياق في أحداث غزوة بدر ،وبيان منن ال تعالى على رسوله والمؤمنين إذ يقول تعالى
لرسوله {إذ تستغيثون ربكم} أي اذكر يا رسولنا حالكم لما كنتم خائفين لقلتكم وكثرة عدوكم
فاستغثتم ربكم قائلين :اللهم نصرك ،اللهم أنجز لي ما وعدتني {فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من
الملئكة مردفين} أي متتالين يتبع بعضهم بعضا {وما جعله ال إل بشرى} أي لم يجعل ذلك
المداد إل مجرد بشرى لكم بالنصر على عدوكم {ولتطمئن به قلوبكم} أي تسكن ويذهب منها
القلق والضطراب ،أما النصر فمن عند ال{ ،إن ال عزيز حكيم} عزيز غالب ل يحال بينه وبين
ما يريده ،حكيم بنصر من هو أهل للنصر ،هذه نعمة ،وثانية :اذكروا {إذ يغشيكم} ربكم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )2/289
{النعاس أمنة منه }1أي أمانا منه تعالى لكم فإن العبد إذا خامره النعاس هدأ وسكن وذهب الخوف
محنه ،وثبت في ميدان المعركة ل يفر ول يرهب ول يهرب{ ،وينزل عليكم من السماء ماء
ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان} وهذه نعمة أخرى ،فقد كانت الرض رملية تسوح فيها
أقدامهم ل يستطيعون عليها كرا ول فرا ،وقل ماؤهم فصاروا ظماءً عطاشا ،محدثين ،ل يجدون
ما يشربون ول ما يتطهرون به من أحداثهم ووسوس الشيطان لبعضهم بمثل قوله :تقاتلون
محدثين كيف تنصرون ،تقاتلون وأنتم عطاش وعدوكم ريان إلى أمثال هذه الوسوسة ،فأنزل ال
تعالى على معسكرهم خاصة مطرا غزيرا شربوا وتطهروا وتلبدت به التربة فأصبحت صالحة
للقتال عليها ،هذا معنى قوله تعالى {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز
الشيطان} أي وسواسه {وليربط على قلوبكم} أي يشد عليها بما أفرغ عليها من الصبر وما جعل
فيها من اليقين لها {ويثبت 2به القدام} ونعمة أخرى واذكر {إذ يوحي ربك إلى الملئكة أني
معكم} بتأييدي ونصري {فثبتوا الذين آمنوا} أي قولوا لهم من الكلم تشجيعا لهم ما يجعلهم يثبتون
في المعركة {سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب} أي الخوف أيها المؤمنون {فاضربوا فوق 3
العناق} أي اضربوا المذابح {واضربوا منهم كل بنان }4أي أطراف اليدين والرجلين حتى ل
يستطيعوا ضربا بالسيف ،ول فرارا بالرجل وقوله تعالى {ذلك 5بأنهم شاقوا ال ورسوله} أي
عادوهما وحاربوهما {ومن يشاقق ال ورسوله} ينتقم منه ويبطش به {فإن ال شديد العقاب} ،
وقوله تعالى {ذلكم فذوقوه} أي ذلكم العذاب القتل والهزيمة فذوقوه في الدنيا وأما الخرة فلكم فيها
عذاب النار.
هداية اليات.
من هداية اليات:
__________
1أمنة :مصدر أمن أمنة وأمنا وأمانا وهو منصوب على الحال ،أو المصدرية.
2هذا عائد على الماء الذي شدّ دهس أرض الوادي ،ويصح أن يكون عائدا إلى ربط القلوب،
فيكون تثبيت القدام عبارة عن النصر والمعونة في الحرب.
3هذا المر إرشادي للملئكة وللمؤمنين معا.
4واحد البنان :بنانة ،والمراد بها هتا الصابع الممسكة بالسيف والرمح حتى تعجز عن قتال
المسلمين وضربهم.
5ذلك :مبتدأ والخبر محذوف تقدير الكلم :المر ذلك ،والجملة تعليلية لنّ الباء في قوله{ :بأنهم}
سببية.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )2/290
-1مشروعية الستغاثة بال تعالى وهي عبادة فل يصح أن يستغاث بغير ال تعالى.
-2تقرير عقيدة أن الملئكة عباد ل يسخرهم في فعل ما يشاء ،وقد سخرهم للقتال مع المؤمنين
فقاتلوا ،ونصروا وثبتوا وذلك بأمر ال تعالى لهم بذلك.
-3تعداد نعم ال تعالى على المؤمنين في غزوة بدر وهي كثيرة.
-4مشاقة 1ال ورسوله كفر يستوجب صاحبها عذاب الدنيا وعذاب الخرة.
-5تعليم ال تعالى عباده كيف يقاتلون ويضربون أعداءهم ،وهذا شرف كبير للمؤمنين.
يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا َلقِيتُمُ الّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفا فَلَ ُتوَلّوهُ ُم الَدْبَارَ(َ )15ومَن ُيوَّلهِمْ َي ْومَئِذٍ دُبُ َرهُ ِإلّ
جهَنّ ُم وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ( )16فَلَمْ
ضبٍ مّنَ اللّ ِه َومَ ْأوَاهُ َ
مُتَحَرّفا ّلقِتَالٍ َأوْ مُ َتحَيّزا إِلَى فِئَةٍ َفقَدْ بَاء ِب َغ َ
َتقْتُلُو ُه ْم وََلكِنّ اللّهَ قَتََل ُه ْم َومَا َرمَ ْيتَ ِإذْ َرمَ ْيتَ وََلكِنّ الّلهَ َرمَى وَلِيُبِْليَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ مِنْهُ بَلء حَسَنا إِنّ
ح وَإِن
سمِيعٌ عَلِيمٌ( )17ذَِلكُ ْم وَأَنّ الّلهَ مُوهِنُ كَيْدِ ا ْلكَافِرِينَ( )18إِن تَسْ َتفْتِحُواْ َفقَدْ جَاءكُمُ ا ْلفَتْ ُ
اللّهَ َ
تَن َتهُواْ َف ُهوَ خَيْرٌ ّلكُ ْم وَإِن َتعُودُواْ َنعُ ْد وَلَن ُتغْ ِنيَ عَنكُمْ فِئَ ُتكُمْ شَيْئًا وََلوْ كَثُ َرتْ وَأَنّ اللّهَ مَعَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ(
)19
شرح الكلمات:
زحفا :2أي زاحفين لكثرتهم ولبطىء سيرهم كأنهم يزحفون على
__________
1أصل المشاقة :العداوة بعصيان وعناد ،مشتقة من الشق بكسر السين الذي هو الجانب ،فالمشاق
يقف عن مشاقه موقف العداء والعصيان ،والتمرد في جانب ل يلتقي معه.
2الزّحف :الدنوّ قليلً قليلً ،وأصله ،الندفاع على اللية ،ثم سمي كل ماشٍ إلى حرب آخر
زاحفا ،وازدحف القوم :إذا مشى بعضهم إلى بعض والزحاف :من علل الشعر وهو :أن يسقط من
الحرفين حرف فيزحف أحدهما إلى الخر.
( )2/291
الرض.
ل تولوا الدبار :أي ل تنهزموا فتفروا أمامهم فتولونهم أدباركم.
متحرفا لقتال :أي مائلً من جهة إلى أخرى ليتمكن من ضرب العدو وقتاله.
أو متحيزا إلى فئة :أي يريد النحياز إلى جماعة من المؤمنين تقاتل.
فقد باء بغضب :أي رجع من المعركة مصحوبا بغضب من ال تعالى لمعصيته إياه.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وليبلي :أي لينعم عليهم بنعمة النصر والظفر على قلة عددهم فيشكروا.
فئتكم :مقاتلتكم من رجالكم الكثيرين.
معنى اليات:
ما زال السياق في الحديث عن غزوة بدر وما فيها من جلئل النعم وخفى الحكم ففي أولى هذه
اليات ينادي الرب تبارك وتعالى عباده المؤمنين فيقول {يا أيها الذين آمنوا إذا 1لقيتم الذين
كفروا زحفا} أي وأنتم وإياهم زاحفون إلى بعضكم البعض {فل تولوهم الدبار }2أي ل تنهزموا
أمامهم فتعطوهم أدباركم فتمكنوهم من قتلكم ،إنكم أحق بالنصر منهم ،وأولى بالظفر والغلب إنكم
مؤمنون وهم كافرون فل يصح منكم انهزام أبدا {ومن يولهم يومئذ دبره} اللهم {إل متحرفا لقتال}
أي مائلً من جهة إلى أخرى ليكون ذلك أمكن له في القتال {أو متحيزا إلى فئة} أي منحازا إلى
جماعة من المؤمنين تقاتل فيقاتل معها ليقويها أو يقوى بها ،من ولى الكافرين دبره في غير هاتين
الحالتين {فقد باء بغضب من ال} أي رجع من جهاده مصحوبا بغضب من ال {ومأواه جهنم
وبئس المصير}3
__________
1هذه الجملة اعتراضية بين قوله تعالى{ :إذ يوحي ربك} وبين قوله{ :فلم تقتلوهم} ومن فوائدها
تدريب المؤمنين على الشجاعة ،والقدام والثبات عند اللقاء ،وهي خطة محمودة عند العرب
فزادها السلم تقوية ،قال شاعرهم وهو الحصين بن الحمام:
تأخرت أستبقي الحياة فلم ...أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما
{ 3فل تولوهم الدبار} فيه استبشاع الهزيمة بذكر لفظ الدبر ،وهو كذلك.
3الحمد ل أنه لم يقل خالدا فيها بل قال{ :مأواه جهنم} ولذا ورد أنه صلى ال عليه وسلم قال :
"من قال :استغفر ال الذي ل إله إل هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان قد فرّ من
الزحف".
( )2/292
وذلك بعد موته وانتقاله إلى الخرة ،وقوله تعالى {فلم تقتلوهم ولكن ال قتلهم} يخبر تعالى عباده
المؤمنين الذين حرم عليهم التولي ساعة الزحف وتوعدهم بالغضب وعذاب النار يوم القيامة أنهم
لم يقتلوا المشركين على الحقيقة وإنما الذي قتلهم هو ال فهو الذي أمرهم وقدرهم وأعانهم ،ولوله
ما قتل أحد ول مات فليعرفوا هذا حتى ل يخطر ببالهم أنهم هم المقاتلون وحدهم .وحتى رمي
رسوله المشركين بتلك التي وصلت إلى جل أعين المشركين في المعركة فأذهلتهم وحيرتهم بل
وعوقتهم عن القتال وسببت هزيمتهم كان ال تعالى هو الرامي الذي أوصل التراب إلى أعين
المشركين ،إذ لو ترك الرسول صلى ال عليه وسلم ل لقوته لما وصلت حثية التراب إلى أعين
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الصف الول من المقاتلين المشركين ،ولذا قال تعالى {وما رميت إذ رميت ولكن ال رمى }1
وقوله تعالى {وليبلي المؤمنين منه بلء حسنا} أي فعل تعالى ذلك القتل بالمشركين والرمي
بإيصال التراب إلى أعينهم ليذل الكافرين ويكسر شوكتهم {وليبلي 2المؤمنين} أي ولينعم عليهم
النعام الحسن بنصرهم وتأييدهم في الدنيا وإدخالهم الجنة في الخرة .وقوله تعالى {إن ال سميع
عليم} بمقتضى هاتين الصفتين كان البلء الحسن ،فقد سمع تعالى أقوال المؤمنين واستغاثتهم به،
وعلم ضعفهم وحاجتهم فأيدهم ونصرهم فكان ذلك منه إبلء حسنا ،وقوله تعالى {ذلكم وأن ال
موهن كيد الكافرين} أي ذلكم القتل والرمي والبلء كله حق واقع بقدرة ال تعالى {وأن ال
موهن} أي مضعف {كيد الكافرين} فكلما كادوا كيدا بأوليائه وأهل طاعته أضعفه وأبطل مفعوله،
وله الحمد والمنة .وقوله تعالى {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ،وإن تنتهوا فهو خير لكم} هذا
خطاب للمشركين حيث قال أبو جهل وغيره من رؤساء المشركين " 3اللهم أينا كان أفجر لك
واقطع للرحم فأحنه اليوم ،اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما ل نعرف فأحنه الغداة" أي أهلكه الغداة
يوم بدر فأنزل ال تعالى {إن
__________
1حصل الرمي من الرسول صلى ال عليه وسلم عدّة مرات منها يوم حنين ومنها يوم أحد ومنها
يوم خيبر إذ رمى سهما في حصن فسقط السهم على ابن أبي الحقيق فقتله وهو نائم في فراشه،
ومنها يوم بدر ،وهو المراد هنا إذ السورة مدنية ولم يسبق هذا الرمي إلّ الذي رمى به الواقفين
على بابه في مكة يريدون انفاذ القتل الذي حكمت به قريش عليه صلى ال عليه وسلم فقد روي
أنه رماهم بحثية من تراب ،فاشتغلوا بمسح أعينهم من التراب حتى نجا منهم صلى ال عليه
وسلم.
{ 2وليبلي} ،الجملة متعلقة بمحذوف تقديره :فعل ذلك أي النصر ،والهزيمة للكفار ليبلي
المؤمنين ...الخ.
3قالوا هذا وهم يتجهّزون للقتال في مكة ،وقالوه في ساحة بدر قبل القتال.
( )2/293
تستفتحوا} أي تطلبوا الفتح وهو القضاء بينكم وبين نبينا محمد {فقد جاءكم الفتح} وهي هزيمتهم
في بدر {وإن تنتهوا} تكفوا عن الحرب والقتال وتنقادوا لحكم ال تعالى فتسلموا {فهو خير لكم وإن
تعودوا} للحرب والكفر {نعد} فنسلط عليكم رسولنا والمؤمنين لنذيقكم على أيديهم الذل والهزيمة
{ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت} وبلغ تعداد المقاتلين منكم عشرات اللف ،هذا وأن ال
دوما مع المؤمنين فلن يتخلى عن تأييدهم ونصرتهم ما استقاموا على طاعة ربهم ظاهرا وباطنا.
هداية اليات
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هن هداية اليات:
-1حرمة الفرار من العدو الكافر عند 1اللقاء لما توعد ال تعالى عليه من الغضب والعذاب ولعد
الرسول له من الموبقات السبع في حديث مسلم "والتولي يوم الزحف".
-2تقرير مبدأ أن ال تعالى خالق كل شيء وأنه خلق العبد وخلق فعله ،إذ لما كان العبد مخلوقا
وقدرته مخلوقة ،ومأمورا ومنهيا ول يصدر منه فعل ول قول إل بإقدار ال تعالى له كان الفاعل
الحقيقي هو ال ،وما للعبد إل الكسب بجوارحه 2وبذلك يجزى الخير بالخير والشر بمثله .عدل
ال ورحمته.
-3آية وصول حثية التراب من كف الرسول صلى ال عليه وسلم إلى أغلب عيون المشركين في
المعركة.
-4إكرام ال تعالى وإبلؤه لولياءه البلء الحسن فله الحمد وله المنة.
-5ولية ال للمؤمنين الصادقين هي أسباب نصرهم وكمالهم وإسعادهم
س َمعُونَ(َ )20ولَ َتكُونُواْ كَالّذِينَ قَالُوا
يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ الّل َه وَرَسُولَ ُه َولَ َتوَّلوْا عَ ْن ُه وَأَنتُمْ تَ ْ
ن لَ َيعْقِلُونَ( )22وََلوْ عَِلمَ الّلهُ
س َمعُونَ( )21إِنّ شَرّ ال ّدوَابّ عِندَ اللّهِ الصّمّ الْ ُبكْمُ الّذِي َ
س ِمعْنَا وَهُ ْم لَ يَ ْ
َ
س َم َعهُمْ
فِيهِمْ خَيْرًا ل ْ
__________
1هذا التحريم مقيّد بما في آخر السورة من أنّ ما زاد على المثلين يجوز الفرار معه كالواحد مع
أكثر من اثنين ،والمائة مع أكثر من مائتين ،وألفين مع أكثر من أربعة آلف.
2مع ما وهبه ال من حرية الرادة والقدرة على الختيار ومع هذا فإنه ل يريد إل ما أراده ال
ول يقع اختياره إل على ما كتبه ال له أو عليه وقضى به أزل وهنا تتجلى عظمة الرب تبارك
وتعالى.
( )2/294
( )2/295
معصية ال ورسوله والعراض عن كتابه وهدي نبيه صلى ال عليه وسلم وقوله تعالى {ولو علم
ال فيهم خيرا لسمعهم} أي لجعلهم يسمعون آيات ال وما تحمله من بشارة ونذارة وهذا من باب
الفرض لقوله تعالى {ولو أسمعهم لتولوا عنه وهم معرضون} هؤلء طائفة من المشركين 1؟
توغلوا في الشر والفساد والظلم والكبر والعناد فحرموا لذلك هداية ال تعالى فقد هلك بعضهم في
بدر وبعض في أحد ولم يؤمنوا لعلم ال تعالى أنه ل خير فيهم وكيف ل وهو خالقهم وخالق
طباعهم{ ،أل يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}.
هداية اليات
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
من هداية اليات:
-1وجوب طاعة ال ورسوله في أمرهما ونهيهما ،وحرمة معصيتهما.
-2حرمة التشبه بالمشركين والكافرين وسائر أهل الضلل وفي كل شيء من سلوكهم.
-3بيان أن من الناس من هو شر من الكلب والخنازير فضلً عن البل والبقر والغنم أولئك
البعض كفروا وظلموا لم يكن ال ليغفر لهم ول ليهديهم سبيلً.
يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ اسْ َتجِيبُواْ لِلّ ِه وَلِلرّسُولِ ِإذَا دَعَاكُم ِلمَا يُحْيِيكُمْ وَاعَْلمُواْ أَنّ اللّهَ َيحُولُ بَيْنَ ا ْلمَرْءِ
حشَرُونَ( )24وَا ّتقُواْ فِتْ َن ًة لّ ُتصِيبَنّ الّذِينَ ظََلمُواْ مِنكُمْ خَآصّةً وَاعَْلمُواْ أَنّ اللّهَ
َوقَلْبِ ِه وَأَنّهُ إِلَ ْيهِ تُ ْ
ط َفكُمُ النّاسُ فَآوَاكُمْ
ضعَفُونَ فِي الَ ْرضِ تَخَافُونَ أَن يَ َتخَ ّ
شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ( )25وَا ْذكُرُواْ ِإذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مّسْ َت ْ
شكُرُونَ()26
وَأَيّ َدكُم بِ َنصْ ِر ِه وَرَ َز َقكُم مّنَ الطّيّبَاتِ َلعَّلكُمْ تَ ْ
__________
1في البخاري عن ابن عباس رضي ال عنهما { :إنّ شرّ الدواب عند ال الصم البكم الذين ل
يعقلون} قال :هم نفر من بني عبد الدار ،والية عامة في مَنْ تلك حالهم.
( )2/296
شرح الكلمات:
استجيبوا :1اسمعوا وأطيعوا.
لما يحييكم : 2أي لما فيه حياتكم ولما هو سبب في حياتكم كاليمان والعمل الصالح والجهاد.
فتنة :أي عذابا تفتنون به كالقحط أو المرض أو تسلط عدو.
مستضعفون :أي ضعفاء أمام أعدائكم يرونكم ضعفاء فينالون منكم.
ورزقكم من الطيبات :جمع طيب من سائر المحللت من المطاعم والمشارب وغيرها.
لعلكم تشكرون :رجاء أن تشكروه تعالى بصرف النعمة في مرضاته.
معنى اليات:
هذا هو النداء الثالث بالكرامة للمؤمنين الرب تعالى يشرفهم بندائه ليكرمهم بما يأمرهم به أو
ينهاهم عنه تربية لهم وإعدادا لهم لسعادة الدارين وكرامتهما فيقول {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا
ل وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} وهو بمعنى النداء الول أطيعوا ال ورسوله .وقوله {لما
يحييكم} إشعار بأن أوامر ال تعالى ورسوله كنواهيهما ل تخلوا أبدا مما يحيي المؤمنين 3أو يزيد
في حياتهم أو يحفظها عليهم ،ولذا وجب أن يطاع ال ورسوله ما أمكنت طاعتهما .وقوله
{واعلموا أن ال يحول بين المرء وقلبه} تنبيه عظيم للمؤمنين إذا سنحت لهم فرصة للخير ينبغي
أن يفترصوها قبل الفوات لسيما إذا كانت دعوة من ال أو رسوله ،لن ال تعالى قادر على أن
يحول بين المرء وما يشتهي وبين المرء وقلبه 4فيقلب القلب ويوجهه إلى وجهة أخرى فيكره فيها
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الخير ويرغب في الشر قوله {وأنه إليه
__________
1هذا بمعنى أجيبوا :الجابة معناها :إعطاء المطلوب ،وإن كانت أمرا ونهيا فهو الطاعة بفعل
المر وترك النهي ،ويعبر عنهما بالسمع والطاعة ،وفعل استجاب :يُعدّى باللّم يقال :استجاب له،
وفعل أجاب :يتعدى بنفسه ،يقال :أجابه ،إلّ أنّ استجاب قد يتعدى بنفسه ولكن بقلة ومنه قول
الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى ...فلم يستجبه عند ذاك مجيب
{ 2يحييكم} أصلها يحييُكم بضم الياء الثانية إلّ أن حركتها حذفت فسكنت تخفيفا.
3في الية دليل على أن الكفر والجهل موت معنوي للنسان ،إذ باليمان والعلم تكون الحياة
وبضدهما تكون الممات.
4روى غير واحد عنه صلى ال عليه وسلم قوله" :اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلبي على دينك"
وروى مسلم عنه صلى ال عليه وسلم قوله " :اللهم مصرف القلوب صرّف قلوبنا إلى طاعتك".
( )2/297
تحشرون} فالذي يعلم أنه سيحشر رغم أنفه إلى ال تعالى كيف يسرع له عقله أن يسمع نداءه
بأمره فيه أو ينهاه فيعرض عنه ،وقوله {واتقوا فتنة 1ل تصيبن 2الذين ظلموا منكم خاصة}
تحذير آخر عظيم للمؤمنين من أن يتركوا طاعة ال ورسوله ،ويتركوا المر بالمعروف والنهي
عن المنكر فينتشر الشر ويعم الفساد ،وينزل البلء فيعم الصالح والطالح ،والبار والفاجر ،3
والظالم والعادل ،وقوله {واعلموا أن ال شديد العقاب} .وهو تأكيد للتحذير بكونه تعالى إذا عاقب
بالذنب والمعصية فعقابه قاس شديد ل يطاق فليحذر المؤمنون ذلك بلزوم طاعة ال ورسوله.
وقوله تعالى{ :واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم
وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون} هذه موعظة ربانية لولئك المؤمنين الذين
عايشوا الدعوة السلمية من أيامها الولى بذكرهم ربهم بما كانوا عليه من قلة وضعف يخافون
أن يتخطفهم الناس لقلتهم وضعفهم ،فآواهم عز وجل إلى مدينة نبيه المنورة ونصرهم بجنده فعزوا
بعد ذلة واستغنوا بعد عيلة وفاقة ،ورزقهم من الطيبات من مطعم ومشرب وملبس ومركب،
ورزقهم من الطيبات إكراما لهم ،ليعدهم بذلك للشكر إذ يشكر النعمة من عاشها ولبسها ،والشكر
حمد المنعم والثناء عليه وطاعته ومحبته وصرف النعمة في سبيل مرضاته ،وال يعلم أنهم قد
شكروا فرضي ال عنهم وأرضاهم وألحقنا بهم صابرين شاكرين.
هداية اليات
من هداية اليات:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
__________
1قال ابن عباس في هذه الية أمر ال تعالى المؤمنين أن ل يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمّهم
العذاب ،وفي صحيح مسلم عن زينب بنت جحش أنها سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم
فقالت :يا رسول ال :أنهلك وفينا الصالحون قال :نعم إذا كثر الخبث".
2إعراب هذه الجملة مشكل نكتفي بعرض صورتين :الولى أنها كقوله{ :ادخلوا مساكنكم ل
يحطمنّكم} أي :إن تدخلوا ل يحطمنّكم فيكون معنى الية :إن تتقوا ...ل تصيبنّ فدخلت نون
التوكيد لما في التركيب من معنى الجزاء ،والثانية :تكون على حذف القول أي :اتقوا فتنة مقول
فيها :ل تصيبنّ الذين ظلموا ...كقول الشاعر:
حتى إذا جنّ الظلم واختلط ...جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط
أي مقول فيه :هل رأيت ..الخ فقوله فتنة موصوف بجملة مقول فيها :ل تصيبنّ.
3روى أحمد عن أم سلمة قالت سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول" :إذا ظهرت
المعاصي في أمتي عمهم ال بعذاب من عنده قالت .قلت :يا رسول ال أما فيهم أناس صالحون؟
قال بلى .قالت :كيف يصنع أولئك؟ قال :يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون إلى مغفرة من ال
ورضوان".
( )2/298
-1وجب الستجابة .لندا ال ورسوله 1بفعل المر وترك النهي لما في ذلك من حياة الفرد
المسلم.
-2تعين اغتنام فرصة الخير قبل فواتها فمتى سنحت للمؤمن تعين عليه اغتنامها.
-3وجوب المر بالمعروف والنهي عن المنكر اتقاء للفتن العامة التي يهلك فيها العادل والظالم.
-4وجوب ذكر النعم لشكرها بطاعة ال ورسوله صلى ال عليه وسلم.
-5وجوب شكر النعم بحمد ال تعالى والثناء عليه والعتراف بالنعمة له والتصرف فيها حسب
مرضاته.
ل وَتَخُونُواْ َأمَانَا ِتكُ ْم وَأَنتُمْ َتعَْلمُونَ( )27وَاعَْلمُواْ أَ ّنمَا
يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُو ْا لَ تَخُونُواْ اللّ َه وَالرّسُو َ
جعَل ّلكُمْ
عظِيمٌ( )28يِا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ إَن تَ ّتقُواْ اللّهَ َي ْ
َأ ْموَاُلكُ ْم وََأوْلَ ُد ُكمْ فِتْنَ ٌة وَأَنّ الّلهَ عِن َدهُ َأجْرٌ َ
ضلِ ا ْلعَظِيمِ()29
فُ ْرقَانا وَ ُيكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَا ِتكُ ْم وَ َي ْغفِرْ َل ُك ْم وَاللّهُ ذُو ا ْلفَ ْ
شرح الكلمات:
ل تخونوا ال والرسول :أي بإظهار اليمان والطاعة ومخالفتهما في الباطن.
وتخونوا أماناتكم :أي ول تخونوا أماناتكم التي يأتمن عليها بعضكم بعضا.
إنما أموالكم وأولدكم فتنة :أي الشتغال بذلك يفتنكم عن طاعة ال ورسوله.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
إن تتقوا ال :أي بامتثال أمره واجتناب نهيه في المعتقد والقول والعمل.
__________
1روى البخاري عن أبي سعيد بن المعلى قال :كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول ال صلى
ال عليه وسلم فلم أجبه ثم أتيته فقلت يا رسول ال إني كنت أصلي فقال ألم يقل ال عز وجل
{استجيبوا ل وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}؟ وذكر الحديث .قال العلماء .في هذا دليل على أن
الفعل الفرض أو القول الفرض إذا أتى به في الصلة ل تبطل.
( )2/299
يجعل لكم فرقانا :نورا في بصائركم تفرقون به بين النافع والضار والصالح والفاسد.
ويكفر عنكم سيآتكم :أي يمحوا عنكم ما سلف من ذنوبكم التي بينكم وبينه.
ويغفر لكم ذنوبكم :أي يغطيها فيسترها عليكم فل يفضحكم بها ول يؤاخذكم عليها.
معنى اليات:
هذا نداء رباني آخر يوجه إلى المؤمنين {يا أيها الذين آمنوا} أي يا من آمنتم بال ربا وبمحمد
رسولً وبالسلم دينا{ .ل تخونوا ال والرسول} بأن يظهر أحدكم الطاعة ل ورسوله ،ويستسر
المعصية ،ول تخونوا أماناتكم التي يأتمن بعضكم بعضا عليها {وأنتم تعلمون} عظيم جريمة
الخيانة وآثارها السيئة على النفس والمجتمع ،هذا ما دلت عليه الية الولى في هذا السياق {يا
أيها الذين آمنوا ل تخونوا 1ال والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون} وقوله تعالى {واعلموا
إنما 2أموالكم وأولدكم فتنة وأن ال عنده أجر عظيم} فيه إشارة إلى السبب الحامل على الخيانة
غالبا وهو المال والولد فأخبرهم تعالى أن أموالهم وأولدهم فتنة تصرفهم عن المانة والطاعة،
وأن ما يرجوه من مال أو ولد ليس بشيء بالنسبة إلى ما عند ال تعالى إن ال تعالى عنده أجر
عظيم لمن أطاعه واتقاه وحافظ على أمانته مع ال ورسوله ومع عباد ال وقوله تعالى في الية
الثالثة { يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا ال 3يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئآتكم ويغفر لكم} هذا
حض على التقوى وترغيب فيها بذكر أعظم النتائج لها وهي أولً إعطاء الفرقان وهو النصر
والفصل بين كل مشتبه ،والتمييز بين الحق والباطل والضار والنافع ،والصحيح والفاسد ،وثانيا
تكفير السيئآت ،وثالثا مغفرة الذنوب ورابعا الجر العظيم الذي هو الجنة ونعيمها إذ قال تعالى
__________
1لفظ الية عام في كل ذنب صغير وكبير ،وما روي أنها نزلت في أبي لبابة حيث بعثه رسول
ال صلى ال عليه وسلم إلى بني قريظة لينزلوا على حكم رسول ال صلى ال عليه وسلم
فاستشاروه في ذلك فأشار عليهم بذلك وأشار بيده إلى حلقه أي إنه الذبح ل ينافيه.
2وهذه الية عامّة أيضا وإن قيل إنها نزلت في أبي لبابة إذ كان له مال وولد في بني قريظة فل
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يُتهم لجل ذلك.
3قال بعضهم واصفا للتقوى المورثة للفرقان فقال :هي امتثال الوامر واجتناب المناهي ،وترك
الشبهات مخافة الوقوع في المحرمات وشحن القلب بالنية الخالصة ،والجوارح بالعمال الصالحة،
والتحفظ من شوائب الشرك الخفي والظاهر.
( )2/300
في ختام الية {وال ذو الفضل العظيم} إشارة إلى ما يعطيه ال تعالى أهل التقوى في الخرة وهو
الجنة ورضوانه على أهلها ،ولنعم الجر الذي من أجله يعمل العاملون.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1تحريم الخيانة مطلقا وأسوأها ما كان خيانة ل ورسوله.
-2في المال والولد فتنة قد تحمل على خيانة ال ورسوله ،فيلحذرها المؤمن.
-3من ثمرات التقوى تكفير السيآت وغفران الذنوب ،والفرقان وهو نور في القلب يفرق به
المتقى بين المور المتشابهات والتي خفي فيها وجه الحق والخير.
وَإِذْ َي ْمكُرُ ِبكَ الّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ َأوْ َيقْتُلُوكَ َأوْ يُخْ ِرجُوكَ وَ َي ْمكُرُونَ وَ َيمْكُرُ الّل ُه وَاللّهُ خَيْرُ
س ِمعْنَا َلوْ نَشَاء َلقُلْنَا مِ ْثلَ هَذَا إِنْ هَذَا ِإلّ َأسَاطِيرُ
ا ْلمَاكِرِينَ( )30وَإِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ َ
الوّلِينَ()31
شرح الكلمات:
وإذ يمكر بك :أي يبيتون لك ما يضرك.
ليثبتوك :أي ليحبسوك مثبتا بوثاق حتى ل تفر من الحبس.
أو يخرجوك :أي ينفوك بعيدا عن ديارهم.
ويمكرون ويمكر ال :أي يدبرون لك السوء ويبيتون لك المكروه ،وال تعالى يدبر لهم ما يضرهم
أيضا ويبيت لهم ما يسوءهم.
آياتنا :آيات القرآن الكريم.
أساطير الولين :الساطير جمع أسطورة ما يدرن ويسطر من أخبار الولين.
( )2/301
( )2/302
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سمَاء َأوِ ائْتِنَا ِب َعذَابٍ أَلِيمٍ
وَإِذْ قَالُواْ الّلهُمّ إِن كَانَ َهذَا ُهوَ ا ْلحَقّ مِنْ عِن ِدكَ فََأمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَا َرةً مّنَ ال ّ
(َ )32ومَا كَانَ اللّهُ لِ ُي َعذّ َبهُ ْم وَأَنتَ فِيهِ ْم َومَا كَانَ اللّهُ ُمعَذّ َب ُه ْم وَهُمْ َيسْ َتغْفِرُونَ (َ )33ومَا َلهُمْ َألّ
سجِدِ ا ْلحَرَامِ َومَا كَانُواْ َأوْلِيَاءهُ إِنْ َأوْلِيَآ ُؤهُ ِإلّ ا ْلمُ ّتقُونَ وََلكِنّ َأكْثَرَ ُهمْ
ُيعَذّ َبهُمُ اللّ ُه وَهُمْ َيصُدّونَ عَنِ ا ْلمَ ْ
ن صَلَ ُتهُمْ عِندَ الْبَ ْيتِ ِإلّ ُمكَاء وَ َتصْدِيَةً َفذُوقُواْ ا ْل َعذَابَ ِبمَا كُنتُمْ َت ْكفُرُونَ(
لَ َيعَْلمُونَ(َ )34ومَا كَا َ
)35
شرح الكلمات:
اللهم :أي يا ال حذفت ياء النداء من أوله وعوض عنها الميم من آخره.
إن كان هذا :أي الذي جاء به محمد ويخبر به.
فأمطر :أنزل علينا حجارة.
يصدون عن المسجد الحرام :يمنعون الناس من الدخول إليه للعتمار.
مكاء وتصدية :المكاء :التصفير ،والتصدية :التصفيق.
معنى اليات:
ما زال السياق في التنديد ببعض أقوال المشركين وأفعالهم فهذا النضر 1بن الحارث القائل في
اليات السابقة {لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إل أساطير الولين} يخبر تعالى عنه أنه قال {اللهم
إن كان هذا} أي القرآن {هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من
__________
1وقاله أيضا أبو جهل وهو دال على مدى عناد المشركين في مكة ومكابرتهم وحسدهم أيضا.
( )2/303
السماء} فنهلك بها ،ول نرى محمدا ينتصر 1دينه بيننا{ .أو ائتنا بعذاب أليم} حتى نتخلص من
وجودنا .فقال تعالى {وما كان ال ليعذبهم 2وأنت فيهم }3فوجودك بينهم أمان لهم {وما كان ال
معذبهم وهم يستغفرون} إذ كانوا إذا طافوا يقول بعضهم غفرانك ربنا غفرانك ،ثم قال تعالى {وما
لهم أل يعذبهم ال وهم يصدون عن المسجد الحرام} أي أيّ شيء يصرف العذاب عنهم وهم
يرتكبون أبشع جريمة وهي صدهم الناس عن دخول المسجد الحرام للطواف بالبيت الحرام ،فقد
كانوا يمنعون المؤمنين من الطواف بالبيت والصلة في المسجد الحرام .4وقوله تعالى {وما كانوا
أولياءه} رد على مزاعمهم بأنهم ولة الحرم والقائمون عليه فلذا لهم أن يمنعوا من شاءوا ويأذنوا
لمن شاءوا فقال تعالى ردا عليهم {وما كانوا أولياءه} أي أولياء المسجد الحرام ،كما لم يكونوا
أيضا أولياء ال إنّما أولياء ال والمسجد الحرام المتقون الذين يتقون الشرك والمعاصي {ولكن
أكثرهم ل يعلمون} هذا لجهل بعضهم وعناد آخرين .وقوله {وما كان صلتهم عند البيت إل مكاء
وتصدية} إذ كان بعضهم إذا طافوا يصفقون ويصفرون كما يفعل بعض دعاة التصوف حيث
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يرقصون وهم يصفقون ويصفرون ويعدون هذا حضرة أولياء ال ،والعياذ بال من الجهل
والضلل وقوله تعالى {فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} أذاقهموه يوم بدر إذ أذلهم فيه وأخزاهم
وقتل رؤساءهم.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1بيان ما كان عليه المشركون في مكة من بغض للحق وكراهية له حتى سألوا العذاب العام ول
يرون راية الحق تظهر ودين ال ينتصر.
__________
1ذكر القرطبي الحكاية التالية قال :حكي أن ابن عباس لقيه يهودي فقال له من أنت؟ قال :من
قريش .فقال أنت من القوم الذين قالوا{ :اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة
من السماء }...الية فهلّ عليهم أن يقولوا :إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له إنّ هؤلء
قوم يجهلون قال ابن عباس :وأنت يا إسرائيلي من القوم الذين لم تجف أرجلهم من بلل البحر
الذي أغرق فيه فرعون وقومه ،وانجى موسى وقومه حتى قالوا {:اجعل لنا إلها كما لهم آلهة فقال
لهم موسى أنكم قوم تجهلون} فأطرق اليهودي ملجما.
2روى مسلم انه لما قال أبو جهل .اللهم إن كان هذا هو الحق ..الية نزلت هذه الية{ :وما كان
ال ليعذبهم وأنت فيهم}.
3دليله إنهم لما خرج من بينهم صلى ال عليه وسلم عذبهم ال بالقتل في بدر وسني القحط
الجدب.
4أي أنهم مستحقون العذاب ولكن لكل أجل كتاب فإذا حان أوانه عذّبوا.
( )2/304
-2النبي صلى ال عليه وسلم أمان أمته من العذاب فلم تُصب هذه المة بعذاب الستئصال
والبادة الشاملة.
-3فضيلة الستغفار وأنه ينجى من عذاب الدنيا والخرة.
-4بيان عظم جرم من يصد عن المسجد الحرام للعبادة الشرعية فيه.
-5بيان أولياء ال تعالى والذين يحق لهم أن يلوا المسجد الحرام وهو المتقون.
-6كراهية الصفير 1والتصفيق ،وبطلن الرقص في التعبد.
حسْ َرةً ثُمّ ُيغْلَبُونَ
إِنّ الّذِينَ َكفَرُواْ يُنفِقُونَ َأ ْموَاَلهُمْ لِ َيصُدّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُن ِفقُونَهَا ُثمّ َتكُونُ عَلَ ْي ِهمْ َ
ج َعلَ الْخَبِيثَ َب ْعضَهُ عََلىَ
جهَنّمَ ُيحْشَرُونَ ( )36لِ َيمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطّ ّيبِ وَيَ ْ
وَالّذِينَ َكفَرُواْ ِإلَى َ
جهَنّمَ ُأوْلَ ِئكَ ُهمُ ا ْلخَاسِرُونَ()37
جعََلهُ فِي َ
جمِيعا فَيَ ْ
َب ْعضٍ فَيَ ْر ُكمَهُ َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شرح الكلمات:
إن الذين كفروا :أي كذبوا بآيات ال ورسالة رسوله محمد صلى ال عليه وسلم من قريش
ثم تكون عليهم حسرة :أي شدة ندامة.
ثم يغلبون :أي يهزمون.
ليميز :أي ليميز كل صنف من الصنف الخر.
الخبيث :هم أهل الشرك والمعاصي.
من الطيب :هم أهل التوحيد والعمال الصالحة.
فيركمه :أي يجعل بعضه فوق بعض في جهنم.
__________
1الصفير :تفسير للمكاء في الية وهو مأخوذ من صوت طائر يسمى المكاء قال الشاعر:
إذا غرّد المكاء في غير روضة ...
حمُرات
فويل لهل الشاء وال ُ
( )2/305
( )2/306
لوّلِينِ(َ )38وقَاتِلُوهُمْ
ضتْ سُنّ ُة ا َ
ف وَإِنْ َيعُودُواْ َفقَدْ َم َ
قُل لِلّذِينَ َكفَرُواْ إِن يَن َتهُواْ ُي َغفَرْ َلهُم مّا َقدْ سََل َ
حَتّى لَ َتكُونَ فِتْ َن ٌة وَ َيكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّه فَإِنِ ان َت َهوْاْ فَإِنّ الّلهَ ِبمَا َي ْعمَلُونَ َبصِيرٌ( )39وَإِن َتوَّلوْاْ
لكُمْ ِنعْمَ ا ْل َموْلَى وَ ِنعْمَ ال ّنصِيرُ()40
فَاعَْلمُواْ أَنّ اللّهَ َم ْو َ
شرح الكلمات:
إن ينتهوا :عن الكفر بال ورسوله وحرب الرسول والمؤمنين.
ما قد سلف :أي مضى من ذنوبهم من الشرك وحرب الرسول والمؤمنين.
مضت سنة الولين :في إهلك الظالمين.
ل تكون فتنة :أي شرك بال واضطهاد وتعذيب في سبيل ال.
ويكون الدين كله ل :أي حتى ل يعبد غير ال.
مولكم :متولي أمركم بالنصر والتأييد.
معنى اليات:
ما زال السياق الكريم في بيان الجراءات الواجب اتخاذها إزاء الكافرين فيقول تعالى لرسوله
صلى ال عليه وسلم {قل للذين كفروا} 1مبلغا عنا {إن ينتهوا} أي عن الشرك والكفر والعصيان
وترك حرب السلم وأهله {يغفر لهم ما قد سلف} يغفر ال لهم ما قد مضى 2من ذنوبهم العظام
وهي الشرك والظلم ،وهذا وعد صدق ممن ل يخلف الوعد سبحانه وتعالى{ .وإن يعودوا} إلى
الظلم والضطهاد والحرب فسوف يحل بهم ما حل بالمم السابقة قبلهم لما ظلموا فكذبوا الرسل
وآذوا المؤمنين وهو معنى قوله تعالى {فقد مضت سنة
__________
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
1نزلت في أبي سفيان ورجاله المشركين في مكة قبل الفتح.
2في الصحيح" :السلم يجبّ ما قبله ،والتوبة تجبّ ما قبلها".
( )2/307
الولين} أي سنة ال والطريقة المتبعة فيهم وهي أخذهم 1بعد النذار والعذار .ثم في الية
الثانية من هذا السياق يأمر ال تعالى رسوله والمؤمنين بقتال المشركين قتالً يتواصل بل انقطاع
إلى غاية هي :أن ل تبقى فتنة أي شرك ول اضطهاد لمؤمن 2أو مؤمنة من أجل دينه ،وحتى
يكون الدين كله ل فل يعبد 3مع ال أحد سواه {فإن انتهوا } أي عن الشرك والظلم فكفوا عنهم
وإن انتهوا في الظاهر ولم ينتهوا في الباطل فل يضركم ذلك {فإن ال بما يعملون بصير}
وسيظهرهم لكم ويسلطكم عليهم .وقوله في ختام السياق {وإن تولوا} أي نكثوا العهد وعادوا إلى
حربكم بعد الكف عنهم فقاتلوهم ينصركم ال عليهم واعلموا أن ال مولكم فل يسلطهم عليكم ،بل
ينصركم عليهم إنه {نعم المولى} لمن يتولى {ونعم النصير} لمن ينصر.
هداية اليات
من هداية اليات :
-1بيان سعة فضل ال ورحمته.
-2السلم يجبّ أي يقطع ما قبله ،فيغفر لمن أسلم كل ذنب قارفه من الكفر وغيره.
-3بيان سنة ال في الظالمين وهي إهلكهم وإن طالت مدة الملء والِنظار.
-4وجوب قتال المشركين على المسلمين ما بقي في الرض مشرك.
-5نعم المولى ال جل جلله لمن توله ،ونعم النصير لمن نصره.
__________
1أخذهم :أي بالعذاب العاجل والعقوبة الشديدة.
2الضطهاد :هو فتنة قريش للمؤمنين حيث فتنوهم حتى هاجروا إلى الحبشة وفتنوهم حتى
هاجروا إلى المدينة ومعنى :فتنوهم .عذّبوهم ليردّوهم إلى الشرك والكفر.
3يشهد له قوله صلى ال عليه وسلم" :أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل اله إلّ ال فإذا قالوها
عصموا مني دماءهم وأموالهم إلّ بحقّها ،وحسابهم على ال عز وجل" في الصحيحين.
( )2/308
الجزء العاشر
ن وَابْنِ
ل وَلِذِي ا ْلقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِي ِ
خ ُمسَ ُه وَلِلرّسُو ِ
شيْءٍ فَأَنّ لِّلهِ ُ
وَاعَْلمُواْ أَ ّنمَا غَ ِنمْتُم مّن َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ن وَاللّهُ عَلَى ُكلّ
ج ْمعَا ِ
السّبِيلِ إِن كُن ُتمْ آمَنتُمْ بِاللّ ِه َومَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا َيوْمَ ا ْلفُ ْرقَانِ َيوْمَ الْ َتقَى ا ْل َ
س َفلَ مِنكُمْ وََلوْ َتوَاعَدتّمْ
صوَى وَال ّر ْكبُ أَ ْ
شيْءٍ قَدِيرٌ(ِ )41إذْ أَنتُم بِا ْلعُ ْد َوةِ الدّنْيَا وَهُم بِا ْلعُ ْد َوةِ ا ْل ُق ْ
َ
حيّ
لَخْتََلفْتُمْ فِي ا ْلمِيعَا ِد وََلكِن لّ َي ْقضِيَ اللّهُ َأمْرا كَانَ َمفْعُولً لّ َيهِْلكَ مَنْ هََلكَ عَن بَيّنَ ٍة وَ َيحْيَى مَنْ َ
ل وََلوْ أَرَا َكهُمْ كَثِيرًا ّلفَشِلْتُمْ
سمِيعٌ عَلِيمٌ(ِ )42إذْ يُرِي َكهُمُ الّلهُ فِي مَنَا ِمكَ قَلِي ً
عَن بَيّنَ ٍة وَإِنّ اللّهَ لَ َ
علِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ( )43وَإِذْ يُرِي ُكمُو ُهمْ إِذِ الْ َتقَيْتُمْ فِي أَعْيُ ِن ُكمْ
لمْرِ وََلكِنّ الّلهَ سَلّمَ إِنّهُ َ
وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي ا َ
ل وَيُقَلُّلكُمْ فِي أَعْيُ ِن ِهمْ لِ َي ْقضِيَ اللّهُ َأمْرًا كَانَ َمفْعُولً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ المُورُ()44
قَلِي ً
شرح الكلمات :
أنما غنمتم من شيء :أي ما أخذتموه من مال الكافر قهرا لهم وغلبة قليلً كان أو كثيرا.
فأن ل خمسه :أي خمس الخمسة أقسام ،يكون ل والرسول ومن ذكر بعدهما.
ولذى القربى :هم قرابة الرسول صلى ال عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب.
وما أنزلنا على عبدنا :أي من الملئكة واليات.
( )2/309
يوم الفرقان :أي يوم بدر وهو السابع عشر من رمضان ،إذ فرق ال فيه بين الحق والباطل.
التقى الجمعان :.جمع المؤمنين وجمع الكافرين ببدر.
العدوة الدنيا :العدوة حافة الوادي ،وجانبه والدنيا أي القريبة إلى المدينة.
بالعدوة القصوى :أي البعيد من المدينة إذ هي حافة الوادي من الجهة الخرى.
والركب أسفل منكم :أي ركب أبى سفيان وهي العير التي خرجوا من أجلها .أسفل منكم مما يلي
البحر.
عن بينة :أي حجة ظاهرة.
لتنازعتم في المر :أي اختلفتم.
ويقللكم في أعينهم :هذا قبل اللتحام أما بعد فقد رأوهم مثليهم حتى تتم الهزيمة لهم.
معنى اليات:
هذه اليات ل شك أنها نزلت في بيان قسمة الغنائم بعدما حصل فيها من نزاع فافتكها ال تعالى
منهم ثم قسمها عليهم فقال النفال ل وللرسول في أول الية ثم قال هنا {واعلموا} أيها المسلمون
{أنما غنمتم 1من شيء }2حتى الخيط والمخيط ،ومعنى غنمتم أخذتموه من المال من أيدي الكفار
المحاربين لكم غلبة وقهرا لهم فقسمته هي أن {ل خمسه وللرسول ولذي القربى 3واليتامى
والمساكين وابن السبيل} والربعة أخماس 4الباقية هي لكم أيها المجاهدون للراجل قسمة وللفارس
قسمان لما له من تأثير
__________
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
1الغنيمة :ما يناله الرجل أو الجماعة بسعي وهو قتال الكافرين لغرض هدايتهم إلى السلم
ليكملوا ويسعدوا ،قال الشاعر:
وقد طوّفت في الفاق حتى ...رضيت من الغنيمة بالياب
2الجماع على أن هذا الحكم ليس على عمومه بل هو مخصص بقول المام :مَن قتل قتيلً فله
سَلَبه ،وكذا الرقاب ،فالمام مخيّر فيها بين القتل والفداء والمنّ وليس هذا للغانمين ،وكذا السلب
فإن من سلب مقاتلً شيئا كسلحه وفرسه فهو له أيضا.
3المراد بذي القربى :قرابة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وهم بنو هاشم ،وهو مذهب مالك،
وزاد الشافعي وأحمد :بني المطلب لن بني هاشم وبني المطلب شيء واحد ،ولن الرسول صلى
ال عليه وسلم لما قسم سهم ذي القربى بين بني هاشم وبين عبدالمطلب قال" :إنهم لم يفارقوني في
جاهلية ول إسلم ،إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد وشبّك بين أصابعه" رواه البخاري.
ن بعضا قال :الغنيمة خمسها ل والربعة أخماس للمام إن
4من باب الطلع ل غير أذكر أ ّ
شاء حبسها وإن شاء قسمها على الغانمين وهو قول مخالف لما عليه جمهور الفقهاء.
( )2/310
في الحرب ،ولن فرسه يحتاج إلى نفقة علف .والمراد من قسمة ال أنها تنفق في المصالح العامة
ولو أنفقت على بيوته لكان أولى وهي الكعبة وسائر المساجد ،وما للرسول فإنه ينفقه على عائلته،
وما لذي القربى فإنه ينفق على قرابة الرسول الذين يحرم عليهم أخذ الزكاة لشرفهم وهم بنو هاشم
وبنو المطلب ،وما لليتامى ينفق على فقراء المسلمين ،وما لبن السبيل ينفق على المسافرين
المنقطعين عن بلدهم إذا كانوا محتاجين إلى ذلك في سفرهم وقوله تعالى {إن كنتم آمنتم بال} أي
ربا {وما أنزلنا على عبدنا} أي محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم {يوم الفرقان يوم التقى
الجمعان} وهو يوم بدر حيث التقى المسلمون بالمشركين ،والمراد بما أنزل تعالى على عبده
ورسوله الملئكة واليات منها الرمية التي رمى بها المشركين فوصلت إلى أكثرهم فسببت
هزيمتهم .وقوله {وال على كل شيء قدير} أي كما قدر على نصركم على قلتكم وقدر على
هزيمة عدوكم على كثرتهم هو قادر على كل شيء يريده وقوله تعالى {إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم
بالعدوة القصوى والركب 1أسفل منكم} تذكير لهم بساحة المعركة التي تجلت فيها آيات ال وظهر
فيها إنعامه عليهم ليتهيئوا للشكر .وقوله تعالى {ولو تواعدتم لختلفتم في الميعاد} أي لو تواعدتم
أنتم والمشركون على اللقاء في بدر للقتال لختلفتم لسباب تقتضي ذلك منها أنكم قلة وهم كثرة
{ولكن ليقضي ال أمرا كان مفعولً} أي محكوما به في قضاء ال وقدره ،وهو نصركم وهزيمة
عدوكم .وجمعكم من غير تواعد ول اتفاق سابق .وقوله تعالى {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى
حيّ عن بينة} هذا تعليل لفعل ال تعالى يجمعكم في وادي بدر للقتال وهو فعل ذلك ليحيا
من َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
باليمان من حيى على بينة وعلم أن ال حق والسلم حق والرسول حق والدار الخرة حق حيث
أراهم ال اليات الدالة على ذلك ،ويهلك من هلك بالكفر على بينة إذ أتضح له أن ما عليه
المشركون كفر وباطل وضلل ثم رضي به واستمر عليه .وقوله تعالى {وإن ال لسميع عليم}
تقرير لما سبق وتأكيد له حيث أخبر تعالى أنه سميع لقوال عباده عليم بأفعالهم فما أخبر به
وقرره هو كما أخبر وقرر .وقوله تعالى {وإذ يريكهم ال في منامك قليلً} أي فأخبرت أصحابك
ففرحوا بذلك
__________
1ركب أبي سفيان ،ولفظ الركب ل يطلق إلّ على الراكبين ،والركب مبتدأ ،والخبر متعلّق أسفل
الظرف أي :كائن أسفل منكم.
( )2/311
وسرّوا ووطنوا أنفسهم للقتال ،وقوله{ :ولو أراكهم كثيرا} أي في منامك وأخبرت به أصحابك
لفشلتم أي جبنتم عن قتالهم ،ولتنازعتم في أمر قتالهم {ولكن ال سلّم} من ذلك فلم يريكهم كثيرا إنه
تعالى عليم بذات الصدور ففعل ذلك لعلمه بما يترتب عليه من خير وشر .وقوله تعالى {وإذ
يريكموهم} أي اذكروا أيها المؤمنون إذ يريكم ال الكافرين عند التقائكم بهم قليلً في أعينكم كأنهم
سبعون رجلً أو مائة مثلً ويقللكم سبحانه وتعالى في أعينهم حتى 1ل يهابوكم .وهذا كان عند
المواجهة وقبل اللتحام أما بعد اللتحام فقد أرى ال تعالى الكافرين أراهم المؤمنين ضعفيهم في
الكثرة وبذلك انهزموا كما جاء ذلك في سورة آل عمران في قوله {يرونهم مثليهم} وقوله تعالى
{ليقضي ال أمرا كان مفعولً} تعليل لتلك التدابير اللهية لوليائه لنصرتهم وإعزازهم وهزيمة
أعدائهم وإذللهم وقوله تعالى {إلى ال ترجع المور} إخبار منه تعالى بأن المور كلها تصير إليه
فما شاء منها كان وما لم يشأ لم يكن خبرا كان أو غيرا.
هداية اليات
من هداية اليات :
-1بيان قسمة الغنائم على الوجه الذي رضيه ال تعالى.
-2التذكير باليمان ،إذ هو الطاقة الموجهة باعتبار أن المؤمن حي بإيمانه يقدر على الفعل
والترك ،والكافر ميت فل يكلف.
-3فضيلة غزوة بدر وفضل أهلها.
-4بيان تدبير ال تعالى في نصر أوليائه وهزيمة أعدائه.
-5بيان أن مرد المور نجاحا وخيبة ل تعالى ليس لحد فيها تأثير إل بإذنه.
يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا َلقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُو ْا وَا ْذكُرُواْ الّلهَ كَثِيرًا ّلعَّلكُمْ ُتفْلَحُونَ()45
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
__________
1قال أبو جهل :إنهم أكلة جزور خذوهم أخذا واربطوهم بالحبال فلمّا أخذوا في القتال عظم
المسلمون في أعين الكفار وكثروا حتى أنهم يرونهم مثليهم.
( )2/312
( )2/313
( )2/314
( )2/315
وصدق وهو كذوب وقوله تعالى في نهاية الية ({ )49إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض
غر هؤلء دينهم} أي واذكروا أيها المؤمنون للعبرة والتعاظ إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم
1مرض أي ضعف في اليمان وتخلخل في العقيدة :غر هؤلء دينهم وإل لما خرجوا لقتال
قريش وهي تفوقهم عددا وعدة ،ومثل هذا الكلم يعتبر عاديا من ضعاف اليمان والمنافقين
المستترين بزيف إيمانهم ،فاذكروا هذا ،ول يفت في اعضادكم مثل هذا الكلم ،وتوكلوا على ال
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
واثقين في نصره فإنه ينصركم لنه عزيز ل يغالب ول يمانع في ما يريده أبدا .حكيم يضع
النصر في المتأهلين له باليمان والصبر والطاعة له ولرسوله ،والخلص له في العمل والطاعة.
هداية اليات.
من هداية اليات:
-1بيان أسباب النصر وعوامله ووجوب الخذ بها في كل معركة وهي :الثبات وذكر ال تعالى،
وطاعة ال ورسوله وطاعة القيادة وترك النزاع والخلف والصبر والخلص.
-2بيان عوامل الفشل والخيبة وهي النزاع والختلف والبطر والرياء والغترار.
-3بيان عمل الشيطان في نفوس الكافرين بتزيينه لهم الحرب ووعده وتمنيته لهم.
-4بيان حال المنافقين وضعفة اليمان عند وجود 2القتال ونشوب الحروب.
-5وجوب التوكل على ال والعتماد عليه مهما كانت دعاوى المبطلين والمثبطين والمنهزمين.
عذَابَ الْحَرِيقِ()50
ن وُجُو َههُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ َ
وََلوْ تَرَى ِإذْ يَ َت َوفّى الّذِينَ َكفَرُواْ ا ْلمَل ِئكَةُ َيضْرِبُو َ
ذَِلكَ ِبمَا َق ّد َمتْ أَ ْيدِيكُ ْم وَأَنّ الّلهَ لَيْسَ ِبظَلّمٍ لّ ْلعَبِيدِ()51
__________
1لقد اختلف في المراد بالمنافقين هنا ،وكذا الذين في قلوبهم مرض إذ يبعد أن يكون في
المشركين منافقون ،كما يبعد أن يكون في أهل بدر منافقون ،والذي يدو أنّه الراجح :أنّ القائلين
هذه المقالة هم منافقون وضعفة إيمان بالمدينة لما رأوا خروج الرسول صلى ال عليه وسلم
وأصحابه إلى بدر قالوا هذه القولة القبيحة ويكون الظرف "إذ" متعلّق بشديد العقاب ل بزين".
2ل يتعارض هذا القول مع ما رجحناه من أن القائلين هذه المقولة هم منافقون وضعاف إيمان
بالمدينة ،إذ هذه الحال تنطبق عليهم.
( )2/316
شدِيدُ ا ْلعِقَابِ(
ن وَالّذِينَ مِن قَبِْل ِهمْ َكفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَأَخَ َذهُمُ الّلهُ بِذُنُو ِبهِمْ إِنّ اللّهَ َق ِويّ َ
عوْ َ
كَدَ ْأبِ آلِ فِرْ َ
سمِيعٌ عَلِيمٌ(
سهِ ْم وَأَنّ اللّهَ َ
)52ذَِلكَ بِأَنّ اللّهَ َلمْ َيكُ ُمغَيّرًا ّن ْعمَةً أَ ْن َع َمهَا عَلَى َقوْمٍ حَتّى ُيغَيّرُواْ مَا بِأَنفُ ِ
ن وَالّذِينَ مِن قَبِْل ِهمْ كَذّبُواْ بآيَاتِ رَ ّبهِمْ فَأَهَْلكْنَاهُم ِبذُنُو ِبهِمْ وَأَغْ َرقْنَا آلَ فِرْعَونَ
عوْ َ
)53كَدَ ْأبِ آلِ فِرْ َ
َوكُلّ كَانُواْ ظَاِلمِينَ()54
شرح الكلمات:
إذ يتوفى :.أي يقبض أرواحهم لماتتهم.
وجوههم وأدبارهم :أي يضربونهم من أمامهم ومن خلفهم.
بظلم للعبيد :أي ليس بذي ظلم للعبيد كقوله {ول يظلم ربك أحدا}.
كدأب آل فرعون :أي دأب كفار قريش كدأب آل فرعون في الكفر والتكذيب والدأب العادة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لم يك مغيرا نعمة :تغيير النعمة تبديلها بنقمة بالسلب لها أو تعذيب أهلها.
آل فرعون :هم كل من كان على دينه من القباط مشاركا له في ظلمه وكفره.
معنى اليات:
ما زال السياق مع كفار قريش الذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس فيقول تعالى لرسوله
{ولو ترى إذ يتوفى الذين 1كفروا الملئكة يضربون وجوههم وأدبارهم }2وهم يقولون لهم
{وذوقوا عذاب 3الحريق} وجواب لول محذوف تقديره (لرأيت أمرا فظيعا) وقوله تعالى
__________
1جائز أن يكون المراد من هؤلء قتلى بدر المشركين وجائز أن يكونوا ممن لم يقتلوا ببدر،
وماتوا بمكة وغيرها.
2قال الحس البصري :المراد من أدبارهم :ظهورهم وقال" :إن رجلً قال لرسول ال صلى ال
عليه وسلم :يا رسول ال :إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشراك "أي :سير النعل"؟ قال :ذلك
ضرب الملئكة".
3يقال لهم عند قبض أرواحهم ،إذ بمجرد أن تقبض الروح يلقى بها في جهنم ،كما يقال لهم يوم
القيامة ذلك من قبل الملئكة.
( )2/317
{ذلك بما قدمت أيديكم وأن ال ليس بظلم للعبيد} هو قول الملئكة لمن يتوفونهم من الذين كفروا.
أي ذلكم الضرب والتعذيب بسبب ما قدمت أيديكم من الكفر والظلم والشر والفساد وأن ال تعالى
ليس بظالم لكم فإنه تعالى ل يظلم أحدا وقوله تعالى {كدأب آل فرعون 1والذين من قبلهم} أي
دأب هؤلء المشركين من كفار قريش في كفرهم وتكذيبهم كدأب آل فرعون والذين هن قبلهم
{كفروا بآيات ال فأخذهم ال بذنوبهم} وكفر هؤلء فأخذهم ال بذنوبهم ،وقوله {إن ال قوي شديد
العقاب} يشهد له فعله بآل فرعون والذين من قبلهم عاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين
والمؤتفكات وأخيرا أخذه تعالى كفار قريش في بدر أخذ العزيز المقتدر ،وقوله تعالى {ذلك بأن ال
2لم يك 3مغيرا نعمة أنعهما على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} إشارة إلى ما أنزله من عذاب
على المم المكذبة الكافرة الظالمة ،وإلى بيان سنته في عباده وهي أنه تعالى لم يكن من شأنه أن
يغير نعمة أنعمها على قوم كالمن والرخاء ،أو الطهر والصفاء حتى يغيروا هم ما بأنفسهم بأن
يكفروا ويكذبوا ،ويظلموا أو يفسقوا ويفجروا ،وعندئذ يغير تلك النعم بنقم فيحل محل المن
والرخاء الخوف والغلء ومحل الطهر والصفاء الخبث والشر والفساد .هذا إن لم يأخذهم بالبادة
الشاملة والستئصال التام .وقوله تعالى {وأن ال سميع عليم} أي لقوال عباده وأفعالهم فلذا بتم
الجزاء عادلً ل ظلم فيه .وقوله تعالى {كدأب آل 4فرعون والذين من قبلهم كذبوا 5بآيات ربهم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين} هذه الية تشبه الية السابقة إل أنها
تخالفها فيما يلي :في الولى الذنب الذي أخذ به الهالكون كان الكفر ،وفي هذه :كان التكذيب ،في
الولى :لم يذكر نوع العذاب ،وفي الثانية انه الغراق ،في الولى لم يسجل عليهم سوى الكفر
فهو ذنبهم ل غير وفي الثانية سجل على الكل ذنباَ آخر وهو الظلم إذ قال {وكل كانوا ظالمين} أي
بكفرهم وتكذيبهم ،وصدهم عن سبيل ال وفسقهم عن طاعة ال ورسوله مع زيادة التأكيد
__________
1الباء في قوله{ :ذلك بأنّ ال} سببية والجملة مسوقة للتعليل.
{ 2لم يك} أي :لم ينبغ له ،ولم يصحّ منه لبالغ حكمته وعدله ورحمته.
{ 3كدأب} خبر لمبتدأ محذوف تقديره :دأب هؤلء كدأب آل فرعون ،والدأب :العادة المستمرة.
{ 4كذبوا} الخ ..تفسير دأبهم الذي فعلوه من تغييرهم لحالهم.
5وجائز أن يكون المراد :كدأب آل فرعون أي :في تعذيبهم عند قبض أرواحهم ،وفي قبورهم
ويوم القيامة.
( )2/318
والتقرير.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1تقرير عذاب القبر بتقرير العذاب عند النزع.
-2هذه الية نظيرها آية النعام {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملئكة باسطوا
أيديهم} أي بالضرب.
-3تنزه الخالق عز وجل عن الظلم لحد .1
-4سنة ال تعالى في أخذ الظالمين وإبدال النعم بالنقم.
-5لم يكن من سنة ال تعالى في الخلق تغيير ما عليه الناس من خير أو شر حتى يكونوا هم
البادئين.
-6التنديد بالظلم وأهله ،وأنه الذنب الذي يطلق على سائر الذنوب.
ع ْهدَهُمْ
إِنّ شَرّ ال ّدوَابّ عِندَ الّلهِ الّذِينَ َكفَرُواْ َفهُ ْم لَ ُي ْؤمِنُونَ( )55الّذِينَ عَاهَدتّ مِ ْنهُمْ ثُمّ يَن ُقضُونَ َ
فِي ُكلّ مَ ّر ٍة وَهُ ْم لَ يَ ّتقُونَ( )56فَِإمّا تَ ْث َقفَ ّنهُمْ فِي ا ْلحَ ْربِ فَشَرّدْ ِبهِم مّنْ خَ ْلفَهُمْ َلعَّلهُمْ يَ ّذكّرُونَ()57
حسَبَنّ الّذِينَ
حبّ الخَائِنِينَ(َ )58ولَ يَ ْ
سوَاء إِنّ الّل َه لَ ُي ِ
وَِإمّا َتخَافَنّ مِن َقوْمٍ خِيَانَةً فَان ِبذْ إِلَ ْيهِمْ عَلَى َ
َكفَرُواْ سَ َبقُواْ إِ ّنهُ ْم لَ ُيعْجِزُونَ()59
شرح الكلمات:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
شر الدواب :2من إنسان أو حيوان الذين ذكر ال وصفهم وهم بنو قريظة.
__________
1شاهده حديث مسلم عن أبي ذر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أن ال تعالى يقول" :يا
عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فل تظالموا ،يا عبادي إنما هي أعمالكم
أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد ال ومن وجد غير ذلك فل يلومن إل نفسه".
2الدواب :كل ما يدب على وجه الرض من حيوان ،و{عند ال} :أي :في علمه وحكمه.
( )2/319
فهم ل يؤمنون :لما علم ال تعالى من حالهم أخبر أنهم يموتون على الكفر.
ينقضون عهدهم :أي يحلونه ويخرجون منه فل يلتزموا بما فيه.
في كل مرة :أي عاهدوا فيها.
فإما تثقفنّهم :أي أن تجدنّهم ،وما مزيدة أدغمت في إن الشرطية.
فشرد :أي فرق وشتت.
يذكرون :أي يتعظون.
فانبذ إليهم :أي اطرح عهدهم.
على سواء :1أي على حال من العلم تكون أنت وإياهم فيها سواء ،أي كل منكم عالم بنقض
المعاهدة.
الخائنين :الغادرين بعهودهم.
سبقوا :أي فاتوا ال ولم يتمكن منهم.
معنى اليات:
بمناسبة ذكر خصوم الدعوة السلمية والقائم عليها وهو النبي صلى ال عليه وسلم ذكر تعالى
خصوما لها آخرين غير المشركين من كفار قريش وهم بنو 2قريظة من اليهود .فأخبر تعالى
عنهم أنهم شر الدواب من النسان والحيوان ووصفهم محددا لهم ليعرفوا ،وأخبر أنهم ل يؤمنون
لتوغلهم في الشر والفساد ،فقال{ :إن شر الدواب عند ال} أي في حكمه وعلمه{ .الذين كفروا فهم
ل يؤمنون} وخصصهم بوصف آخر خاص بهم فقال{ :الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في
كل مرة وهم ل يتقون} وذلك أن النبي صلى ال عليه وسلم عاهدهم أول مرة على أن ل يحاربوه
ول يعينوا أحدا على حربه فإذا بهم يعينون قريشا بالسلح ،ولما انكشف أمرهم اعتذروا معترفين
بخطإهم ،وعاهدوا مرة أخرى على أن ل يحاربوا الرسول ول يعينوا من يحاربه فإذا بهم
ينقضون عهدهم مرة أخرى ويدخلون في حرب ضده حيث انضموا إلى الحزاب في غزوة
الخندق هذا ما دل عليه قوله تعالى {إن شر
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
__________
1أي :جهرا ل سرا حتى يكونوا وأنتم بالعلم بنبذ المعاهدة على حد سواء.
2وبنو النضير كذلك إذ أعانوا قريشا بالسلح ثم لمّا انكشف أمرهم اعتذروا ،وأما قريظة ،فقد
نقضوا عهدهم مرتين إذ انضموا إلى الحزاب في حربهم على رسول ال صلى ال عليه وسلم
والمؤمنين.
( )2/320
الدواب عند ال الذين كفروا فهم ل يؤمنون الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل 1مرة}
أي يعاهدون فيها{ .وهم ل يتقون} أي ل يخافون عاقبة نقض المعاهدات والتلعب بها حسب
أهوائهم .وقوله تعالى{ .فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم 2من خلفهم لعلهم يذكرون} يرشد
رسوله آمرا إياه بما يجب أن يتخذه إزاء هؤلء الناكثين للعهود المنغمسين في الكفر .بحيث ل
يخرجون منه بحال من الحوال ،ويشهد لهذه الحقيقة أنهم لما حوصروا في حصونهم ونزلوا منها
مستسلمين كان يعرض على أحدهم السلم حتى ل يقتل فيؤثر باختياره القتل على السلم وماتوا
كافرين وصدق ال إذ قال {فهم ل يؤمنون} فهؤلء إن ثقفتهم في حرب أي وجدتهم متمكنا منهم
فاضربهم بعنف وشدة وبل هوادة حتى تشرد أي تفرق بهم من خلفهم من أعداء السلم
المتربصين بك الدوائر من كفار قريش وغيرهم لعلهم يذكرون أي يتعظون فل يفكروا في حربك
وقتالك بعد ،وقوله {وإما تخافن من قوم خيانة فأنبذ 3إليهم على سواء إن ال ل يحب الخائنين}
هذا إرشاد آخر للرسول صلى ال عليه وسلم يتعلق بالخطط الحربية الناجحة وهو أنه صلى ال
عليه وسلم إن خاف من قوم معاهدين له خيانة ظهرت أماراتها وتأكد لديك علماتها فاطرح تلك
المعاهدة ملغيا لها معلنا ذلك لتكون وإياهم على علم تام بإلغائها ،وذلك حتى ل يتهموك بالغدر
والخيانة ،وال ل يحب الخائنين .وقاتلهم مستعينا بال عليهم وستكون الدائرة على الناكث الخائن،
وهذا ضرب من الحزم وصحة العزم إذ ما دام قد عزم العدو على النقض فقد نقص فليبادر
لفتكاك عنصر المباغتة من يده ،وهو عنصر مهم في الحروب .وقوله تعالى {ول يحسبن الذين
كفروا} وهم من هرب من بدر من كفار قريش {سبقوا }4أي فاتوا فلم يقدر ال تعالى عليهم {إنهم
ل يعجزون} أي إنهم ل يعجزون ال بحال فإنه
__________
1سبحان ال ،هذا الوصف الخسيس ما زال ملزما لليهود إلى اليوم فل يوفون بعهد ول ذمّة
أبدا ،وصدق ال العظيم إذ قال عنهم{ .كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم}.
2يقال :شرد البعير أو الدابة إن فارقت صاحبها ،وشرّده إذا عمل على تشريده بسبب ،وشردت
بني فلن :إذا حملتهم على مفارقة منازلهم قال الشاعر:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أطوّف ني الباطح كل يوم ...مخافة أن يُشرّد بي حكيم
3غشا ونقضا للعهد والية عامة ،فهي مبدأ حربي يأخذ به المسلمون إلى يوم القيامة ،ول وجه
لذكر الخلف هل هي في بني قريظة أو بني النضير؟ وخوف الخيانة ها معناه :الظن الغالب
وذلك بظهور علمات خيانة العدو واضحة.
4أي :من أفلت من وقعة بدر سبق إلى الحياة ،وقوله تعالى{ :إنهم ل يعجزون} أي :في الدنيا
حتى يظفرك ال بهم.
( )2/321
شرح الكلمات:
أعدوا :هيئوا وأحضروا.
ما استطعتم :ما قدرتم عليه.
من قوة :أي حربية من سلح على اختلف أنواعه.
يوفّ إليكم :أي أجره وثوابه.
وإن جنحوا للسلم :أي مالوا إلى عدم الحرب ورغبوا في ذلك.
فإن حسبك ال :أي يكفيك شرهم ،وينصرك عليهم.
ألف بين قلوبهم :أي جمع بين قلوب النصار بعدما كانت متنافرة مختلفة.
إنه عزيز حكيم :أي غالب على أمره ،حكيم في فعله وتدبير أمور خلقه.
معنى اليات:
بمناسبة انتهاء معركة بدر وهزيمة المشركين فيها ،وعودتهم إلى مكة وكلهم تغيظ على المؤمنين
وفعلً أخذ أبو سفيان يعد العدة للنتقام .وما كانت غزوة أحد إل نتيجة لذلك هنا أمر ال تعالى
رسوله والمؤمنين بإعداد القوة وبذل ما في الوسع والطاقة لذلك فقال تعالى {واعدوا لهم 1ما
استطعتم من قوة} وقد فسر النبي صلى ال عليه وسلم القوة بالرمي بقوله "أل إن القوة 2الرمي"
قالها ثلثا وقوله تعالى {ومن رباط الخيل ترهبون به عدو ال وعدوكم وآخرين من دونهم ل
تعلمونهم ال يعلمهم} يخبر تعالى عباده المؤمنين بعد أن أمرهم بإعداد القوة على اختلفها بأن
رباطهم للخيل وحبسها أمام دورهم معدة للغزو والجهاد عليها يرهب أعداء ال من الكافرين
والمنافقين أي يخوفهم حتى ل يفكروا في غزو المسلمين وقتالهم ،وهذا ما يعرف بالسلم المسلح،
وهو أن المة إذا كانت مسلحة قادرة على القتال يرهبها أعداؤها فل يحاربونها ،وإن رأوها ل
عدة لها ول عتاد ول قدرة على رد أعدائها أغراهم ذلك بقتالها فقاتلوها .وقوله تعالى {وآخرين
من دونهم} أي من دون كفار
__________
1روى مسلم عن عقبة بن عامر قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو على المنبر
يقول" :واعدوا لهم ما استطعتم من قوة أل إن القوة الرمي ،أل إن القوة الرمي أل إن القوة الرمي"
وعن عقبة أيضا قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول" :ستفتح عليكم أرضون ويكفيكم
ال فل يعجزه أحدكم آن يلهو بأسهمه" وقال صلى ال عليه وسلم" :كل شيء يلهو به الرجل باطل
إل رميه بقوسه وتأديبه فرسه ..وملعبته أهله فإنه من الحق".
2ومما يدل على فضل الرمي في سبيل ال قوله صلى ال عليه وسلم في حديث أبي داود
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
والترمذي والنسائي" :إن ال يدخل ثلثة نفر الجنة بسهم واحد صانعه يحتسب في صنعته الخير
والرامي ومُنبْلُه".
( )2/323
قريش ،وقوله {ل تعلمونهم ال يعلهم} من الجائز أن يكونوا اليهود أو المجوس أو المنافقين ،وأن
يكونوا الجن أيضا ،وما دام ال عز وجل لم يُسمهم فل يجوز أن يقال هم كذا ..بصيغة الجزم،
غير أنا نعلم أن أعداء المسلمين كل أهل الرض من أهل الشرك والكفر من النس والجن ،وقوله
تعالى {وما تنفقوا من شيء في سبيل ال يوفّ إليكم وأنتم ل تظلمون} إخبار منه تعالى أن ما ينفقه
المسلمون من نفقة قلت أو كثرت في سبيل ال التي هي الجهاد يوفّيهم ال تعالى إياها كاملة ول
ينقصهم منها شيئا فجملة {وأنتم ل تظلمون} جملة خالية ومعناها ل يظلمكم ال تعالى بنقص ثواب
نفقاتكم في سبيله هذا ما دلت عليه الية الولى ( )60أما الية الثانية وهي قوله تعالى {وإن
جنحوا 1للسلم فاجنح لها وتوكل على ال إنه هو السميع العليم} فإن ال تعالى يأمر رسوله وهو
قائد الجهاد يومئذ بقبول السلم متى طلبها 2أعداؤه ومالوا إليها ورغبوا بصدق فيها ،لنه صلى ال
عليه وسلم رسول رحمة ل رسول عذاب ،وأمره أن يتوكل على ال في ذلك أي يطيعه في قبول
السلم ويفوض أمره إليه ويعتمد عليه فإنه تعالى يكفيه شرّ أعدائه لنه سميع لقوالهم عليم بأفعالهم
وأحوالهم ل يخفى عليه من أمرهم شيء فلذا سوف يكفي رسوله شر خداعهم إن أرادوا خداعه
بطلب السلم والمسالمة ،وهذا معنى توله تعالى في اليتين ( )62و ({ )63وإن يريدوا أن
يخدعوك} أي بالميل إلى السلم والجنوح 3إليها {فإن حسبك ال } أي كافيك إنه {هو الذي أيدك
بنصره} أي في بدر {وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم} أي جمع بين تلك القلوب المتنافرة المنطوية
على الحن والعداوات ولقل السباب وأتفهها ،لقد كان النصار يعيشون على عداوة عظيمة فيما
بينهم حتى إن حربا وقعت بينهم مائة وعشرين سنة فلما دخلوا في السلم اصطلحوا وزالت كل
آثار العداوة والبغضاء وأصبحوا جسما واحدا مَنْ فعل هذا سوى ال تعالى؟ اللهم ل أحد ،ولذا قال
تعالى لرسوله {لو أنفقت ما في الرض جميعا} أي من مال
__________
{ 1جنحوا} :مالوا ،والجنوح :الميل أي :إذا مالوا إلى المسالمة التي هي الصلح فمِل إليها ،اختلف
هل هذه الية منسوخة بآية{ :فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} والصحيح ،والذي به العمل أن
الية محكمة غير منسوخة ،وأن المسلمين إذا كانوا في حالة ضعف يحتاجون فيها إلى تقوية بعقد
هدنة أو مصالحة لدفع ضرر أو تحصيل نفع ظاهر وهم في حاجة إلى ذلك فإن لهم أن يجنحوا
للسلم وإن كانوا أقوياء قادرين فل يحلّ لهم إلّ إنفاذ أمر ال تعالى بقتال العدو حتى يسلم أو
يستسلم لحكم السلم.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
2السلم :مؤنثه ولذا عاد الضمير إليها مؤنثا في قوله{ :فاجنح لها}.
3وهم يضمرون في نفوسهم نية الغدر بك والمكر ليخدعوك بذلك فامض في صلحك وال حسبك.
( )2/324
صامت وناطق {ما ألفت بين قلوبهم ولكن ال ألف بينهم إنه عزيز حكيم}.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب إعداد القوة وهي في كل زمان بحسبه إن كانت في الماضي الرمح والسيف ورباط
الخيل فهي اليوم النفاثة المقاتلة والصاروخ ،والهدروجين والدبابة والغواصة ،والبارجة.
-2تقرير مبدأ :السلم المسلح ،إرجع إلى شرح اليات.
-3ل يخلو المسلمون من أعداء ما داموا بحق مسلمين ،لن قوى الشر من إنس وجن كلها عدو
لهم.
-4نفقة الجهاد خير نفقة وهي مضمونة التضعيف.
-5جواز قبول 1السلم في ظروف معينه ،وعدم قبوله في أخرى وذلك بحسب حال المسلمين قوة
وضعفا.
حسْ ُبكَ اللّ ُه َومَنِ اتّ َب َعكَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ( )64يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ حَ ّرضِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ عَلَى ا ْلقِتَالِ إِن
ياأَ ّيهَا النّ ِبيّ َ
ن صَابِرُونَ َيغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن َيكُن مّنكُم مّئَةٌ َيغْلِبُواْ أَ ْلفًا مّنَ الّذِينَ َكفَرُواْ بِأَ ّنهُمْ َقوْمٌ
َيكُن مّنكُمْ عِشْرُو َ
ض ْعفًا فَإِن َيكُن مّنكُم مّئَ ٌة صَابِ َرةٌ َيغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ
خ ّففَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنّ فِيكُ ْم َ
لّ َي ْف َقهُونَ( )65النَ َ
وَإِن َيكُن مّنكُمْ أَ ْلفٌ َيغْلِبُواْ أَ ْلفَيْنِ بِِإذْنِ الّل ِه وَاللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ()66
__________
1المراد بالسلم :المهادنة ،والموادعة ،والصلح المؤقت ،وقد تقدم بيانه ،والمام الشافعي يرى أن
ل تزيد مدّة المسالمة على عشر سنين قياسا على صلح الحديبية إذ كانت المدة عشر سنين ل
غير.
( )2/325
شرح الكلمات:
حسبك ال : 1أي كافيك ال كل ما يهمك من شأن أعدائك وغيرهم.
ومن اتبعك من المؤمنين :أي ال حسبهم كذلك أي كافيهم ما يهمهم من أمر أعدائهم.
حرض المؤمنين على القتال :أي حثهم على القتال مرغبا لهم مرهبا.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
صابرون :أي على القتال فل يضعفون ول ينهزمون بل يثبتون ويقاتلون.
ل يفقهون :.أي ل يعرفون أسرار القتال ونتائجه بعد فنونه وحذق أساليبه.
معنى اليات:
ينادي الرب تبارك وتعالى رسوله بعنوان النبوة التي شرفه ال بها على سائر الناس فيقول {يا أيها
النبي} ويخبره بنعم الخبر مطمئنا إياه وأتباعه من المؤمنين بأنه كافيهم أمر أعدائهم فما عليهم إل
أن يقاتلوهم ما دام ال تعالى ناصرهم ومؤيدهم عليهم ،فيقول{ :حسبك ال ومن اتبعك من
المؤمنين} ثم يُنَاديه ثانية قائلً {يا أيها النبي} ليأمره بالخذ بالسباب الموجبة للنصر بإذن ال
تعالى وهي تحريض المؤمنين على القتال وحثهم عليه وترغيبهم فيه فيقول {حرض 2المؤمنين
على القتال} ويخبره آمرا له ولتباعه المؤمنين بأنه {إن يكن} أي يوجد منهم في المعركة
{عشرون 3صابرون يغلبوا مائتين} ،وإن يكن منهم مائة صابرة يغلبوا ألفا من الكافرين ،ويعلل
لذلك فيقول {بأنهم قوم ل يفقهون} أي ل يفقهون أسرار القتال وهي أن يعبد ال تعالى ويرفع الظلم
من الرض ويتخذ ال من المؤمنين شهداء فينزلهم منازل الشهداء عنده ،فالكافرون ل يفقهون هذا
فلذا
__________
{ 1حسبك} خبر مقدم ولفظ الجللة مبتدأ أي :ال حسبك بمعنى كافيك{ :ومن اتبعك} يصح أن
يكون في موضع نصب عطفا على الكاف في (حسبك) ،والصواب أنها في موضع رفع علّى
البتداء والخبر محذوف والتقدير :ومن اتبعك من المؤمنين حسبهم ال أيضا.
2يقال :حرّضه على كذا :حثه وحضّه وحارض على المر وواظب وواصب وأكب بمعنى،
والحارض :الذي أشرف على الهلك ومنه ( :حتى تكون حرضا) أي :تذوب عمّا فتقارب الهلك
فتكون من الهالكين.
{ 3إن يكن منكم عشرون صابرون }...الخ لفظ مضمّن وعدا إلهيا مشروط بشرط الصبر ،إذ
تقدير الكلم :إن يصبر منكم عشرون صابرون الخ.
( )2/326
هم ل يصبرون على القتال لنهم يقاتلون لجل حياتهم فقط فإذا خافوا عنها تركوا القتال طلبا
للحياة زيادة على ذلك أنهم جهال ل يعرفون أساليب الحرب ول وسائلها الناجعة بخلف المؤمنين
ضعُفِ اليمان ضعف تبعا له الفقه والعلم
فإنهم علماء ،علماء بكل شيء هذا هو المفروض ،وإن َ
وحل الجهل والضعف كما هو مشاهد اليوم في المسلمين وقوله تعالى {الن خفف 1ال عنكم
وعلم أن فيكم ضعفا 2فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين ،وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين
بإذن ال وال مع الصابرين} الن بعد علمه تعالى بضعفكم حيث ل يقوى الواحد على قتال
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
عشرة ،ول العشرة على قتال مائة ول المائة على قتال اللف خفف تعالى رحمة بكم ومنة عليكم،
فنسخ 3الحكم الول بالثاني الذي هو قتال الواحد للثنين ،والعشرة للعشرين والمائة للمائتين،
واللف لللفين ،ومفاده أن المؤمن ل يجوز له أن يفر من وجه اثنين ولكن يجوز له أن يفر إذا
كانوا أكثر من اثنين وهكذا سائر النِسب فالعشرة يحرم عليهم أن يفروا من عشرين ولكن يجوز
لهم أن يفروا من ثلثين أو أربعين مثلً .وهذا من باب رفع الحرج فقط وإل فإنه يجوز للمؤمن
أن يقاتل عشرة أو أكثر ،فقد قاتل ثلثة آلف صحابي يوم مؤتة مائة وخمسين ألفا من الروم
والعرب المتنصرة وقوله تعالى {بإذن ال} أي بمعونته وتأييده إذ ل نصر بدون عون من ال
تعالى وإذن ،وقوله {وال مع الصابرين} أي بالتأييد والنصر والصبر شرط في تأييد ال وعونه
فمن لم يصبر على القتال فليس له على ال وعد في نصره وتأييده.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1ل كافي إل ال تعالى ،ومن زعم أن هناك من يكفي سوى ال تعالى فقد أشرك.
-2وجوب تحريض .المؤمنين على الجهاد وحثهم عليه في كل زمان ومكان.
-3حرمة هزيمة الواحد من الواحد والواحد من الثنين ،ويجوز ما فوق ذلك.
__________
1لما شق على المؤمنين ثبات العشرة للمائة والعشرين للمائتين وثبات المائة لللف ،خفّف ال
تعالى عنهم وأنزل قوله{ :الن حففّ ال عنكم }..فرخّص للواحد أن يفر من أكثر من اثنين وهكذا
إن شاء فإنّه ل حرج.
2قرىء ضعفا بفتح الضاد وضمها ،وقيل إن الفتح في ضعف العقول والضم في ضعف الجسام،
والصحيح أنهما لغتان فصيحتان.
3ل بأس أن يسمى هذا نسخا لنه حكم جديد غاير الوّل ويسمى تخفيفا وهو حسن أيضا.
( )2/327
( )2/328
بن معاذ رضي ال عنهما رغبوا في مفاداة السرى بالمال للظروف المعاشية القاسية التي كانوا
يعيشونها ،وكانت رغبتهم في الفداء بدون علم من ال تعالى بإحللها أو تحريمها أما عمر فكان ل
يعثر على أسير إل قتله وأما سعد فقد قال (الثخان في القتال أولى من استبقاء الرجال) ولما تم
الفداء نزلت هذه الية الكريمة تعاتبهم أشد العتاب فيقول تعالى {ما كان لنبّي }1أي ما صح منه
ول كان ينبغي له أن يكون له أسرى حرب يبقيهم ليفاديهم أو يمن عليهم مجانا {حتى يثخن 2في
الرض} أرض العدو قتلً وتشريدا فإذا عرف بالبأس والشدة وهابه العداء جاز له السر أي
البقاء على السرى أحياء ليمن عليهم بل مقابل أو ليفاديهم بالمال ،وقوله تعالى {تريدون عرض
الدنيا} هذا من 3عتابه تعالى لهم ،إذ ما فادوا السرى إل لنهم يريدون حطام الدنيا وهو المال،
وقوله {وال يريد الخرة} فشتان ما بين مرادكم ومراد ربكم لكم تريدون العرض الفاني وال يريد
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لكم النعيم الباقي ،وقوله تعالى {وال عزيز حكيم} أي غالب على أمره ينصر من توكل عليه
وفوّض أمره إليه ،حكيم في تصرفاته فل يخذل أولياءه وينصر أعداءه فعليكم أيها المؤمنون بطلب
مرضاته بترك ما تريدون لما يريد هو سبحانه وتعالى ،وقوله تعالى {لول كتاب 4من ال سبق
لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} أي لول أنه مضى علم ال تعالى بحلية الغنائم لهذه المة وكتب
ذلك في اللوح المحفوظ لكان ينالكم جزاء رضاكم بالمفاداة وأخذ الفدية عذاب عظيم.
وقوله تعالى {فكلو مما غنمتم 5حللً طيبا} إذن منه تعالى لهل بدر أن يأكلوا مما
__________
1هذه الية دلت يوم بدر عتابا من ال تعالى لصحاب نبيّه محمد صلى ال عليه وسلم إذ لم
يثخنوا في قتل المشركين حتى يوجد منهم أسرى رغبوا في مفاداتهم منا بالمال.
2الثخان في الشيء :المبالغة فيه والكثار منه والمراد به هنا :المبالغة في قتل المشركين حتى
ل يبقى منهم أسير في ساحة المعركة.
3روى مسلم أن الني صلى ال عليه وسلم قال لبعض أصحابه ومن بينهم أبو بكر وعمر ( ما
ترون في هؤلء السرى؟ فقال أبو بكر يا رسول ال هم بنو العم والعشيرة أرى أن يؤخذ منهم
فدية فنكون لنا قوة على الكفار فعسى ال أن يهديهم للسلم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم
ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال .ل وال يا رسول ال ما أرى الذي رأى أبو بكر ولكني أرى أن
تمكنا فنضرب أعناقهم ،فتمكّن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكني من فلن فأضرب عنقه فإن
هؤلء أئمة الكفر وصناديده فهوى رسول ال صلى ال عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت
فلما كان من الغد جئت وإذا رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان ..إلى أن
قال :وأنزل ال عزّ وجلّ{ :ما كان لنبي} إلى قوله{ :حللً طييا}.
4من ذلك أن ال تعالى ل يعذب قوما حتى يبين لهم ما يتقون.
5هذا الذن واقع بعد تخميس الغنيمة ل على إطلقه.
( )2/329
غنموا ،وحتى ما فادوا به السرى وهي منة منه سبحانه وتعالى ،وقوله تعالى {واتقوا ال} أمر
منه عز وجل لهم بتقواه بفعل أوامره وأوامر رسوله وترك نواهيهما ،وقوله {إن ال غفور رحيم}
إخبار منه تعالى أنه غفور لمن تاب من عباده رحيم بالمؤمنين منهم ،وتجلى ذلك في رفع العذاب
عنهم حيث غفر لهم وأباح لهم ما رغبوا فيه وأرادوه .وفي الحديث" :لعل ال قد اطلع على أهل
بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفر لكم".
هداية اليات
من هداية اليات :
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-1إرشاد ال تعالى لقادة المة السلمية في الجهاد أن ل يفادوا السرى وأن ل يمنوا عليهما
بإطلقهم إل بعد أن يخنثوا في أرض العدو قتلً وتشريدا فإذا خافهم العدو ورهبهم عندئذ يمكنهم
أن يفادوا السرى أو يمنوا عليهم.
-2التزهيد في الرغبة في الدنيا لحقارتها ،والترغيب في الخرة لعظم أجرها.
-3إباحة الغنائم.
4ب وجوب تقوى ال تعالى بطاعته وطاعة رسوله في المر والنهي.
ن الَسْرَى إِن َيعْلَمِ الّلهُ فِي قُلُو ِبكُمْ خَيْرًا ُيؤْ ِتكُمْ خَيْرًا ّممّا ُأخِذَ مِنكُمْ
يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ قُل ّلمَن فِي أَ ْيدِيكُم مّ َ
غفُورٌ رّحِيمٌ ( )70وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَ َتكَ َفقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَ ْبلُ فََأ ْمكَنَ مِ ْنهُ ْم وَاللّهُ
وَ َيغْفِرْ َلكُ ْم وَالّلهُ َ
حكِيمٌ()71
عَلِيمٌ َ
شرح الكلمات:
من السرى :أسرى بدر الذين أخذ منهم الفداء كالعباس بن عبد المطلب رضي ال عنه.
إن يعلم ال في قلوبكم خيرا :أي إيمانا صادقا وإخلصا تاما.
مما أخذ منكم :من مال الفداء.
( )2/330
( )2/331
( )2/332
شرح الكلمات:
آمنوا :صدقوا ال ورسوله وآمنوا بلقاء ال وصدقوا بوعده ووعيده.
وهاجروا :أي تركوا ديارهم والتحقوا برسول ال صلى ال عليه وسلم بالمدينة المنورة.
في سبيل ال :أي من أجل أن يعبد ال ول يعبد معه غيره وهو السلم.
آووا :أي آووا المهاجرين فضموهم إلى ديارهم ونصروهم على أعدائهم.
وإن استنصروكم :أي طلبوا منكم نصرتهم على أعدائهم.
ميثاق :عهد أي معاهدة سلم وعدم اعتداء.
إلّ تفعلوه :أي إن لم توالوا المسلمين ،وتقاطعوا الكافرين تكن فتنة .1
أولوا الرحام :أي القارب من ذوي النسب.
بعضهم أولى ببعض :في التوارث أي يرث بعضهم بعضا.
معنى اليات:
بمناسبة انتهاء الحديث عن أحداث غزوة بدر الكبرى ذكر تعالى حال المؤمنين في تلك الفترة من
الزمن وأنهم مختلفون في الكمال ،فقال وقوله الحق {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم
وأنفسهم} فهذا صنف :جمع أهله بين اليمان والهجرة والجهاد بالمال والنفس ،والصنف الثاني في
قوله تعالى {والذين آووا ونصروا }2أي آووا الرسول صلى ال عليه وسلم والمهاجرين في
ديارهم ونصروهم .فهذان صنفا المهاجرين والنصار وهما أكمل المؤمنين وأعلهم درجة،
وسيذكرون في آخر السياق مرة أخرى ليذكر لهم جزاؤهم عند ربهم ،وقوله تعالى فيهم {أولئك
بعضهم أولياء بعض} أي في النصرة والموالة والتوارث إل أن التوارث نسخ بقوله تعالى في
آخر آية من هذا السياق {وأولوا الرحام بعضهم أولى ببعض} والصنف الثالث من أصناف
المؤمنين المذكور في قوله تعالى {والذين آمنوا ولم يهاجروا} أي آمنوا بال ورسوله والدار
الخرة ثم رضوا بالبقاء بين
__________
1محنة الحرب وما يتبع ذلك من الغارات والجلء والسر ،وما إلى ذلك من ويلت الحروب،
والفساد الكبير :هو ظهور الشرك.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
2قوله{ :والذين آووا ونصروا} معطوف على اسم إنّ والخبر :جملة {أولئك بعضهم أولياء
بعض}.
( )2/333
ظهراني الكافرين فلم يهجروا ديارهم وأموالهم ويلتحقوا بدار الهجرة بالمدينة النبوية ،فهؤلء
الناقصون في إيمانهم بتركهم الهجرة ،يقول تعالى فيهم لرسوله والمؤمنين {مالكم من وليتهم من
شيء} 1فل توارث ول موالة تقتضي النصرة والمحبة حتى يهاجروا إليكم ويلتحقوا بكم ،ويستثني
تعالى حالة خاصة لهم وهي أنهم إذا طلبوا نصرة المؤمنين في دينهم فإن على المؤمنين أن
ينصروهم وبشرط أن ل يكون الذي اعتدى عليهم وآذاهم فطلبوا النصرة لجله أن ل يكون بينه
وبين المؤمنين معاهدة سلم وترك الحرب ففي هذه الحال على المؤمنين أن يوفوا بعهدهم ول
يغدروا فينصروا أولئك القاعدين عن الهجرة هذا ما دل عليه قوله تعالى { وإن استنصروكم في
الدين فعليكم النصر إل على قوم بينكم وبينهم ميثاق وال بما تعملون بصير} ذيل الكلم بهذه
الجملة لعلم المؤمنين الكاملين كالناقصين بأن ال مطلع على سلوكهم خبير بأعمالهم وأحوالهم
فليراقبوه في ذلك حتى ل يخرجوا عن طاعته وقوله تعالى في الية ({ )73والذين كفروا بعضهم
أولياء بعض} 2يتناصرون ويتوارثون .وبناء على هذا يقول تعالى {إل تفعلوه تكن فتنة في
الرض وفساد كبير} أي إن ل تفعلوا ما أمرتم به من مولة المؤمنين محبة ونصرة وولء ،ومن
معاداة الكافرين بغضا وخذلنا لهم وحربا عليهم تكن فتنة عظيمة ل يقادر قدرها وفساد كبير ل
يعرف مداه ،والفتنة الشرك والفساد المعاصي وقوله تعالي في الية ({ )74والذين آمنوا وهاجروا
وجاهدوا في سبيل ال والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا} هذا هو الصنف الول أعيد
ذكره ليذكر له جزاؤه عند ربه بعد تقرير إيمانهم وتأكيده فقال تعالى فيهم {أولئك هم المؤمنون حقا
لهم مغفرة} أي لذنوبهم بسترها وعدم المؤاخذة عليها {ورزق كريم} أل وهو نعيم الجنة في جوار
ربهم سبحانه وتعالى والصنف الرابع من أصناف المؤمنين ذكره تعالى بقوله {والذين آمنوا من
بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم} فهذا الصنف أكمل من الصنف الثالث ودون الول
والثاني ،إذ الول والثاني فازوا بالسبق ،وهؤلء جاءوا من بعدهم ولكن ليمانهم وهجرتهم
وجهادهم ألحقهم ال تعالى
__________
1الولية :بكسر الواو وفتحها لغتان ،وقرىء بهما معا وهي هنا بمعنى النسب والنصرة ،وتكون
الولية بالكسرة والفتح أيضا بمعنى المارة وفي الية دليل على أن المسلم ل يلي عقد نكاح أخته
الكافرة لنعدام الموالة بينهما ،والكافر ل يلي عقد نكاح أخته المسلمة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
2روى الترمذي أنّ النبي صلى ال عليه وسلم قال" :إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه،
إلّ تفعلوا تكن فتنة في الرض وفساد كبير قالها ثلثا) وقال الترمذي هو حديث غريب.
( )2/334
بالسابقين فقال {فأولئك منكم} وقوله تعالى {وأولوا 1الرحام بعضهم أولى ببعض} أي في الرث
وبها نسخ التوارث بالهجرة والمعاقدة ،واستقر الرث بالمصاهرة والولء ،والنسب إلى يوم
القيامة ،وقوله تعالى {في كتاب ال} أي في حكمه وقضائه المدون في اللوح المحفوظ ،وقوله {إن
ال بكل شيء عليم} هذه الجملة تحمل الوعد والوعيد الوعد لهل اليمان والطاعة ،والوعيد لهل
الشرك والمعاصي.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1بيان تفاوت المؤمنين في كمالتهم وعلو درجاتهم عند ربهم.
-2أكمل المؤمنين الذين جمعوا بين اليمان والهجرة والجهاد وسبقوا لذلك وهم المهاجرون
الولون والذين جمعوا بين اليمان واليواء والنصرة والجهاد وهم النصار.
-3دون ذلك من آمنوا وهاجروا وجاهدوا ولكن بعد صلح الحدبيبة.
-4وأدنى أصناف المؤمنين من آمنوا ولم يهاجروا وهؤلء على خطر عظيم.
-5وجوب نصرة المؤمنين بموالتهم ومحبتهم ووجوب معاداة الكافرين وخذلنهم وبغضهم.
-6نسخ التوارث بغير المصاهرة والنسب والولء.
__________
1أولوا :واحدها ذو ،والرحم مؤنثة والجمع أرحام وهي مقر الولد في البطن والمراد بأولي
الرحام هنا :العصبات كالباء والبناء والخوة والعمام وأصحاب الفروض وهم الجد والب
والم والبنت والخت والزوجة يشهد لهذا قوله صلى ال عليه وسلم" :ألحقوا الفرائض بأهلها فما
بقي فلولي رجل ذكر" أما أولوا الرحام المختلف في إرثهم فهم :أولد البنات وأولد الخوات
وبنات الخ ،والعمة والخالة والعم أخو الب لم والجد أبر الم والجدة أم الم .هذا ومن أهل العلم
كابن كثير وغيره من أبقى اللفظ على ظاهره فجعل المراد من أولي الرحام :القرابة الناشئة عن
المومة على خلف ما قدّمناه عن القرطبي من أنّ المراد بأولي الرحام العصبات دون المولودين
بالرحم ،وعلى رأي ابن كثير أن الية ليست واردة في التوارث كما هو رأي مالك وإنما هي في
الموالة والنصرة.
( )2/335
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سورة التوبة
...
سورة التوبة
مدنية
وآياتها مائة وثلثون آية
بَرَاءةٌ مّنَ الّل ِه وَرَسُولِهِ إِلَى الّذِينَ عَاهَدتّم مّنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ()1
( )2/335
شهُ ٍر وَاعَْلمُواْ أَ ّنكُمْ غَيْرُ ُمعْجِزِي اللّهِ وَأَنّ اللّهَ ُمخْزِي ا ْلكَافِرِينَ()2
فَسِيحُواْ فِي الَ ْرضِ أَرْ َبعَةَ أَ ْ
ن وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْ ُتمْ
لكْبَرِ أَنّ اللّهَ بَرِيءٌ مّنَ ا ْلمُشْ ِركِي َ
وَأَذَانٌ مّنَ الّل ِه وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ َيوْمَ الْحَجّ ا َ
َف ُهوَ خَيْرٌ ّلكُ ْم وَإِن َتوَلّيْ ُتمْ فَاعَْلمُواْ أَ ّنكُمْ غَيْرُ ُمعْجِزِي اللّ ِه وَبَشّرِ الّذِينَ َكفَرُواْ ِبعَذَابٍ َألِيمٍ(ِ )3إلّ الّذِينَ
ع ْهدَهُمْ إِلَى ُمدّ ِتهِمْ
حدًا فَأَ ِتمّواْ إِلَ ْيهِمْ َ
عَاهَدتّم مّنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ ُثمّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وََلمْ يُظَاهِرُواْ عَلَ ْي ُكمْ أَ َ
حبّ ا ْلمُ ّتقِينَ()4
إِنّ الّلهَ يُ ِ
شرح الكلمات:
براءة : 1أي هذه براءة بمعنى تبرؤ وتباعد وتخلص.
عاهدتم :أي جعلتم بينكم وبينهم عهدا وميثاقا.
فسيحوا في الرض : 2أي سيروا في الرض طالبين لكم الخلص.
مخزي الكافرين :مذل الكافرين ومهينهم.
وأذان من ال :إعلم منه تعالى.
يوم الحج الكبر :أي يوم عيد النحر.
لم ينقصوكم شيئا :أي من شروط المعاهدة وبنود التفاقية.
ولم يظاهروا عليكم أحدا :أي لم يعينوا عليكم أحدا.
__________
1يقال :برئت من الشيء ابرأ براءة فأنا بريء منه إذا أزلته عن نفسي وقطعت سبب ما بيني
وبينه .وبراءة هنا :مبتدأ ،وجوّز البتداء به وهو نكرة :الوصف .والخبر {إلى الذين} ويصح أن
تكون براءة خبر ،والمبتدأ محذوف تقديره :هذه براءة.
2أي قل لهم :سيحوا في الرض أي :سيروا في الرض آمنين غير خائفين ،يقال :ساح يسيح
سياحة ،وسيوحا وسيحانا ومنه السّيح في الماء الجاري المنبسط.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )2/336
معنى اليات:.
هذه السورة القرآنية الوحيدة التي خلت 1من البسملة لنها مفتتحة بآيات عذاب فتنافى معها ذكر
الرحمة ،وهذه السورة من آخر ما نزل من سور القرآن الكريم وقد بعث رسول ال صلى ال
عليه وسلم عليا وبعض الصحابة في حج سنة تسع يقرأون هذه اليات في الموسم ،وهي تعلم
المشركين أن من كان له عهد مطلق بل حد شهر أو سنة مثلً أو كان له عهد دون أربعة أشهر،
أو كان له عهد فوق أربعة أشهر ونقضه ُتعِْل ُمهُم بأن عليهم أن يسيحوا في الرض بأمان كامل مدة
أربعة أشهر فإن أسلموا فهو خير لهم وإن خرجوا من الجزيرة فإن لهم ذلك وإن بقوا كافرين
فسوف يؤخذون ويقتلون حيثما وجدوا في ديار الجزيرة التي أصبحت دار إسلم بفتح مكة ودخول
أهل الطائف في السلم هذا معنى قوله تعالى {براءة من ال ورسوله} أي واصلة {إلى الذين
عاهدتم 2من المشركين فسيحوا في الرض أربعة أشهر} تبدأ من يوم العلن عن ذلك وهو يوم
العيد عيد الضحى .وقوله تعالى (واعلموا أنكم غير معجزي ال } أي غير فائتيه ول هاربين من
قهره وسلطانه عليكم هذا أولً ،وثانيا (وأن ال مخزي الكافرين} أي مذلهم وقوله تعالى {وأذان من
ال ورسوله } أي محمد صلى ال عليه وسلم والذان العلن والعلم{ ،إلى الناس} وهم
المشركون {يوم الحج 3الكبر }4أي يوم عيد الضحى حيث تفرّغ الحجاج للقامة بمنى للراحة
والستجمام قبل العودة إلى ديارهم ،وصورة العلن عن تلك البراءة هي قوله تعالى{ ،أن ال
بريء 5من المشركين ورسوله} أي كذلك بريء من المشركين وعليه {فإن تبتم} أيها المشركون
إلى ال تعالى بتوحيده واليمان برسوله وطاعته وطاعة رسوله {فهو خير لكم} من الصرار على
الشرك
__________
1روي عن ابن عباس رضي ال عنهما قال :سألت عليا رضي ال عنهِ :لمَ َلمْ يكتب في براءة
بسم ال الرحمن الرحيم قال :لن بسم ال الرحمن الرحيم أمان ،وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها
أمان .هذا أحد خمسة أوجه في عدم كتابة البسملة في براءة وهو أوجهها ،وهو ما ذكرناه في
التفسير.
2نسبت المعاهدة إلى المؤمنين كافة ،والمعاهد هو الرسول صلى ال عليه وسلم لنه المتولي لها
ولسائر العقود .وكان رضاهم لها واجبا عليهم فلذا نسبت إليهم.
3وقيل إنه يوم عرفة ،والصحيح ما ذكرناه في التفسير وأنه يوم النحر لحديث ابن عمر عن أبي
ج فيها فقال :أي يوم
داود إذ قال" :وقف النبي صلى ال عليه وسلم يوم النحر في الحجة التي ح ّ
هذا؟ فقالوا :يوم النحر فقال :هذا يوم الحج الكبر".
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
4اختلف في العلة في تسمية الحج بالكبر ،وأحسن القوال أنه قيل فيه الكبر :لنه حج حضره
الرسول صلى ال عليه وسلم وحضرت فيه أمة السلم التي وجدت في تلك السنة فحجّ أكبر عدد
في ذلك العام.
5قالت العلماء :في الية بيان جواز تطع المعاهدة بين المسلمين والكافرين لحد أمرين :الول:
أن تنقضي المدة المعاهد عليها فنعلمهم بانقضائها وبالحرب عليهم .والثاني :أن نخاف غدرهم
لظهور علمات تدلّ عليه.
( )2/337
والكفر والعصيان{ ،وإن توليتم} أي أعرضتم عن اليمان والطاعة {فاعلموا أنكم غير معجزي
ال} بحال من الحوال فلن تفوتوه ولن تهربوا من سلطانه فإن ال تعالى ل يغلبه غالب ،ول يفوته
هارب ثم قال تعالى لرسوله {وبشر الذين كفروا بعذاب أليم} أي أخبرهم به فإنه واقع بهم ل محالة
إل أن يتوبوا وقوله تعالى في الية الرابعة ({ )4إل الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم}
من شروط المعاهدة {شيئا ولم يظاهروا} أي لم يعاونوا {عليكم أحدا} ل برجال ول بسلح ول
حتى بمشورة ورأي فهؤلء لم يبرأ ال تعالى منهم ول رسوله ،وعليه {فأتموا إليهم عهدهم 1إلى
مدتهم} أي مدة أجلهم المحدد بزمن معين فوفوا لهم ول تنقضوا لهم عهدا إلى أن ينقضوه هم
بأنفسهم ،أو تنتهي مدتهم وحينئذ إما السلم وإما السيف إذ لم يبق مجال لبقاء الشرك في دار
السلم وقبته.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1جواز عقد المعاهدات بين المسلمين والكافرين إذا كان ذلك لدفع ضرر محقق عن المسلمين،
أو جلب نفع للسلم والمسلمين محققا كذلك.
-2تحريم الغدر والخيانة ،ولذا كان إلغاء المعاهدات علنيا وإمداد أصحابها بمدة ثلث سنة يفكرون
في أمرهم ويطلبون الصلح لهم.
-3وجوب الوفاء بالمعاهدات ذات الجال إلى أجلها إل أن ينقضها المعاهدون.
-4فضل التقوى وأهلها وهو اتقاء سخط ال بفعل المحبوب له تعالى وترك المكروه.
حصُرُوهُ ْم وَا ْقعُدُواْ َلهُمْ ُكلّ
ث وَجَدّتمُوهُمْ وَخُذُو ُه ْم وَا ْ
شهُرُ ا ْلحُرُمُ فَاقْتُلُواْ ا ْلمُشْ ِركِينَ حَ ْي ُ
خ الَ ْ
فَإِذَا انسَلَ َ
غفُورٌ رّحِيمٌ()5
ل َة وَآ َتوُاْ ال ّزكَاةَ َفخَلّواْ سَبِيَلهُمْ إِنّ اللّهَ َ
مَ ْرصَدٍ فَإِن تَابُو ْا وََأقَامُواْ الصّ َ
__________
1في الية إشارة أن هناك من خاس بعهده أي :نقضه ،ومنهم من ثبت عليه.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )2/338
لمَ اللّهِ ُثمّ أَبِْلغْهُ مَ ْأمَنَهُ ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ َقوْ ٌم لّ
سمَعَ كَ َ
حدٌ مّنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ اسْتَجَا َركَ فَأَجِ ْرهُ حَتّى يَ ْ
وَإِنْ أَ َ
جدِ الْحَرَامِ
ع ْهدٌ عِندَ اللّ ِه وَعِندَ َرسُولِهِ ِإلّ الّذِينَ عَاهَدتّمْ عِندَ ا ْلمَسْ ِ
َيعَْلمُونَ( )6كَ ْيفَ َيكُونُ لِ ْلمُشْ ِركِينَ َ
ظهَرُوا عَلَ ْيكُ ْم لَ يَ ْرقُبُواْ فِيكُمْ ِإلّ
ف وَإِن يَ ْ
حبّ ا ْلمُ ّتقِينَ()7كَ ْي َ
َفمَا اسْ َتقَامُواْ َل ُكمْ فَاسْ َتقِيمُواْ َل ُهمْ إِنّ الّلهَ يُ ِ
سقُونَ
وَلَ ِذمّةً يُ ْرضُو َنكُم بَِأ ْفوَا ِههِ ْم وَتَأْبَى قُلُو ُبهُمْ وََأكْثَرُهُمْ فَا ِ
شرح الكلمات:
فإذا انسلخ الشهر 1الحرم :انقضت وخرجت الشهر الربعة التي أمنتم فيها المشركين.
حيث وجدتموهم :أي في أي مكان لقيتموهم في الحل أو الحرم.
وخذوهم :أي أسرى.
وأحصروهم :أي حاصروهم حتى يسلموا أنفسهم.
واقعدوا لهم كل مرصد :2أي اقعدوا لهم في طرقاتهم وارصدوا تحركاتهم.
فإن تابوا :أي آمنوا بال ورسوله.
فخلوا سبيلهم :أي اتركوهم فل حصار ول مطاردة ول قتال.
استجارك :أي طلب جوارك أي حمايتك.
مأمنه :أي المكان الذي يأمن فيه.
فما استقاموا لكم :أي لم ينقضوا عهدهم ولم يخلوا بالتفاقية.
__________
1انسلخ :مطاوع سلخ ،وهو مأخوذ من سلخ الجلد :إذا أزاله عن لحم الحيوان.
2المرصد :مكان الرصد والرصد :المراقبة وتتبع النظر ،قال الشاعر:
ولقد علمت وما إخالك ناسيا ...
أن المنيّة للفتى بالمرصد
( )2/339
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
السلم وحوزته من بقايا الشرك والمشركين ،فقال تعالى لرسوله والمؤمنين {فإذا انسلخ الشهر
الحرم }1أي إذا انقضت وخرجت الشهر الحرم التي أمنتم فيها المشركين الذين ل عهد لهم أو
لهم عهد ولكن دون أربعة أشهر أو فوقها وبدون حد محدود {فاقتلوا المشركين 2حيث وجدتموهم}
في الحل والحرم سواء {وخذوهم} أسرى {واحصروهم} حتى يستسلموا{ ،واقعدوا لهم كل مرصد}
أي سدوا عليهم الطرق حتى يقدموا أنفسهم مسلمين أو مستسلمين وقوله تعالى {فإن تابوا} أي من
الشرك وحربكم {وأقاموا الصلة 3وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم }4إذ أصبحوا مسلمين مثلكم .وقوله
{إن ال غفور رحيم} أي أن ال سيغفر لهم ويرحمهم بعد إسلمهم ،لنه تعالى غفور رحيم ،هذا
ما دلت عليه الية الولى ( )5أما الية الثانية ( )6فقد أمر تعالى رسوله أن يجير من طلب
جواره من المشركين حتى يسمع كلم ال منه صلى ال عليه وسلم ويتفهم دعوة السلم ثم هو
بالخيار إن شاء أسلم وذلك خير له وإن لم يسلم رده 5رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى مكان
يأمن فيه من المسلمين أن يقتلوه.
__________
1ليس المراد بالشهر الحرم الثلثة السرد ،والواحد الفرد التي هي القعدة والحجة والمحرم
ورجب بل المراد منها ما هو مبين في التفسير ومعنى كونها حرما أنه يحرم قتال المشركين فيها
والتعرض لهم بالسوء والذى.
2لفظ المشركين عام في كل مشرك وهو مخصوص بالسنة إذ نهى رسول ال صلى ال عليه
وسلم عن قتل المرأة والصبي والراهب.
3شاهده حديث الصحاح" :أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول
ال ويقيموا الصلة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إل بحقها وحسابهم
على ال" وقال أبو بكر" :وال لقاتلن من فرق بين الصلة والزكاة فإن الزكاة حق المال".
4مالك والشافعي وأحمد على أن تارك الصلة استحللً لها أو غير استحلل يؤخر إلى أن يبقى
من الوقت الضروري قدر ما يصلي ركعة قبل خروج الوقت ويقتل ،وأبو حنيفة والظاهرية
يقولون :يسجن ويضرب حتى يصلي ول يقتل.
5إمام المسلمين هو الذي يتولى أمر التأمين لمن طلب ذلك من المشركين إذ هو نائب عن سائر
المسلمين ،ويجوز للمسلم ذكرا كان أو أنثى أن يؤمن شخصا ما لما له من حرمة لقول الرسول
صلى ال عليه وسلم " :المسلمون تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد واحدة على من
سواهم" .وخالف بعضهم في المرأة فقالوا :لبد من موافقة المام لها على تأمينها وخالف أبو
حنيفة في العبد.
( )2/340
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وهو معنى قوله تعالى {وإن أحد من 1المشركين استجارك فأجره حتى يسمع 2كلم ال ،ثم أبلغه
مأمنه ،ذلك بأنهم قوم ل يعلمون} فلذا قبل منهم ما طلبوه من الجوار حتى يسمعوا كلم ال تعالى
إذ لو علموا ما رغبوا عن التوحيد إلى الشرك .وقوله تعالى في الية الثالثة ({ )7كيف 3يكون
للمشركين عهد عند ال وعند رسوله} هذا الستفهام للنفي مع التعجب أي ليس لهم عهد أبدا وهم
كافرون غادرون ،وقوله تعالى {إل الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا
لهم إن ال يحب المتقين} هؤلء بعض بني بكر بن كنانة عاهدهم رسول ال صلى ال عليه وسلم
عام صلح الحديبية وهم عند الحرم فهؤلء لهم عهد وذمة ما استقاموا على عهدهم فلم ينقضوه.
فإن استقاموا استقام لهم المسلمون ولم يقتلوهم وفاء بعهدهم وتقوى ل تعالى لنه تعالى يكره الغدر
ل ول ذمة} الستفهام
ويحب المتقين لذلك .وقوله تعالى {كيف وإن يظهروا عليكم ل يرقبوا فيكم إ ّ
للتعجب أي كيف يكون للمشركين عهد يفون به لكم وهم إن يظهروا عليكم يغلبوكم في معركة،
{ل يرقبوا فيكم} أي ل يراعوا ال تعالى ول القرابة ول الذمة بل يقتلوكم قتلً ذريعا ،وقوله تعالى
{يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم} إخبار من ال تعالى عن أولئك المشركين الناكثين للعهد
الغادرين بأنهم يحاولون إرضاء المؤمنين بالكذب بأفواههم ،وقلوبهم الكافرة تأبى ذلك الذي يقولون
بألسنتهم أي فل تعتقده ول تقره{ ،وأكثرهم فاسقون} ل يعرفون الطاعة ول اللتزام ل بعهد ول
دين ،والجملة فيها تهييج للمسلمين على قتال المشركين ومحاصرتهم وأخذهم تطهيرا لرض
الجزيرة منهم قبل وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم.
هداية اليات
من هداية اليات :
-1وجوب الوفاء بالعهود ما لم ينقضها المعاهدون.
__________
1أحد ،مرفوع بفعل محذوف يفسره ما بعده والتقدير :وإن استجارك أحد المشركين فأجره.
2الية دليل على أن ما يسمع من صوت القارىء للقرآن هو كلم ال تعالى فيقول العبد :سمعت
كلم ال حقا وصدقا.
{ 3كيف يكون} الخ كيف :للتعجب نحو قولك :كيف يسبقني فلن؟! في الية إضمار كلمة غدر
أي كيف يكون لهم عهد مع إضمارهم الغدر بكم.
( )2/341
( )2/342
( )2/343
{ونفصل ليات لقوم يعلمون} أي نبين !اليات القرآنية المشتملة على الحجج والبراهين على
توحيد ال تعالى وتقرير نبوة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وعلى الحكام الشرعية في الحرب
والسلم كما في هذا السياق وقوله {لقوم يعلمون} لن الذين ل يعلمون من أهل الجهالت ل ينتفعون
بها لظلمة نفوسهم وفساد عقولهم بضلل الشرك والهواء وقوله تعالى في الية الرابعة ()12
{وإن نكثوا أيمانهم 1من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم} يريد تعالى أولئك المعاهدين من المشركين
إذ هم نكثوا أيمانهم التي أكدوا بها عهودهم فحلوا ما أبرموا ونقضوا ما أحكموا من عهد وميثاق
وعابوا السلم وطعنوا فيه فهم إذا أئمة الكفر ورؤساء الكافرين فقاتلوهم بل هوادة ،ول تراعوا
لهم أيمانا حلفوها لكم فإنهم ل أيمان لهم .قاتلوهم رجاء أن ينتهوا من الكفر والخيانة والغدر
فيوحدوا ويسلموا ويصبحوا 2مثلكم أولياء ال ل أعداءه.
هداية اليات.
من هداية اليات:
-1ذم سلوك الكافرين وتصرفاتهم في الحياة وحسبهم أن باعوا الحق س بالباطل ،واشتروا
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الضللة بالهدى.
-2من كان العتداء وصفا له ل يُؤمن على شيء ،ول يوثق فيه في شيء ،لفساد ملكته النفسية.
-3أخوة السلم تثبت بثلثة أمور التوحيد وإقام الصلة وإيتاء الزكاة .3
-4الطعن في الدين ردة وكفر موجب للقتل والقتال.
__________
1النكث :النقض وأصله في كل ما فتل أو أبرم ثم حل ،واستعملت في اليمان والعهود ،قال
الشاعر:
وإن حلفت ل ينقض النأي عهدها
فليس لمخضوب البنان يمين
2نعم ما مات رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى لم يبق منهم إلّ ثلثة ،ولم يبق من المنافقين
إل أربعة :روى البخاري عن زيد بن وهب قال :كنا عند حذيفة فقال :ما بقي من أصحاب هذه
الية يعني{ :فقاتلوا أئمة الكفر }..إل ثلثة ول يبقى من ا المناقفين إل أربعة فقال أعرابي :إنكم
أصحاب محمد تخبرون أخبارا ل ندري ما هي؟ تزعمون إلّ منافق إلّ أربعة ،فما بال هؤلء
الذين يبقرون بيوتنا ويسرقون أعلفنا -نفائس أموالنا -قال حذيفة رضي ال عنه :أولئك الفساق،
أجل لم يبق منهم إل أربعة أحدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد لما وجد برده ،أي :لذهاب
شهوته وفساد معدته.
3قال ابن عباس رضي ال عنهما هذه الية حرّمت دماء أهل القبلة يعني قوله تعالى {فإن تابوا
وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين}.
( )2/344
حقّ
شوْ َنهُمْ فَالّلهُ أَ َ
ل وَهُم بَ َدؤُوكُمْ َأ ّولَ مَ ّرةٍ أَ َتخْ َ
َألَ ُتقَاتِلُونَ َق ْومًا ّنكَثُواْ أَ ْيمَا َنهُمْ وَ َهمّواْ بِِإخْرَاجِ الرّسُو ِ
شفِ
ش ْوهُ إِن كُنتُم ّم ُؤمِنِينَ( )13قَاتِلُو ُهمْ ُيعَذّ ْبهُمُ اللّهُ بِأَ ْيدِيكُ ْم وَيُخْزِ ِه ْم وَيَنصُ ْركُمْ عَلَ ْيهِ ْم وَيَ ْ
خَأَن تَ ْ
حكِيمٌ( )15أَمْ
صُدُورَ َقوْمٍ ّم ْؤمِنِينَ( )14وَيُ ْذ ِهبْ غَ ْيظَ قُلُو ِبهِ ْم وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلِيمٌ َ
حسِبْتُمْ أَن تُتْ َركُو ْا وََلمّا َيعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُ ْم وَلَمْ يَتّخِذُواْ مِن دُونِ اللّ ِه َولَ رَسُولِ ِه َولَ
َ
ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَلِيجَ ًة وَاللّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ()16
شرح الكلمات:
أل : :أداة تحضيض.
نكثوا أيمانهم :نقضوها وحلوها فلم يلتزموا بها.
هموا بإخراج الرسول :من دار الندوة إذ عزموا على واحدة من ثلث الحبس أو النفي أو القتل.
أول مرة :أي في بدر أو في ماء الهجير 1حيث أعانت قريش بني بكر على خزاعة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ويخزهم :أي يذلهم ويهينهم.
ويشف صدور :أي يذهب الغيظ الذي كان بها على المشركين الظالمين.
ان تتركوا :أي بدون امتحان بالتكاليف كالجهاد.
__________
1حوض من ماء واسع كبير يسقون منه تقاتلت عنده خزاعة حلفاء النبي صلى ال عليه وسلم،
وبنو بكر حلفاء قريش وأعانت قريش حلفاءها بني بكر وبذلك نقضت عهدها مع رسول ال صلى
ال عليه وسلم ،وفي هذا يقول الخزاعي وافد الرسول صلى ال عليه وسلم :
إن قريشا أخلفوك الموعدا ...ونقضوا ميثاقك المؤكدا
هم بيّتونا بالهجيرهجّدا ...
وقتلونا ركعا وسجدا
( )2/345
وليجه :أي دخيله وهي الرجل يدخل في القوم وهو ليس منهم ويطلعونه على أسرارهم وبواطن
أمورهم.
معنى اليات:
ما زال السياق في الحديث عن المشركين وما يلزم إزاءهم من إجراءات فإنه بعد أن أعطاهم المدة
المذكورة وأمنهم فيها وهى أربعة أشهر ،وقد انسلخت فلم يبق إل قتالهم وأخذهم وإنهاء عصبة
المشركين وآثارها في ديار ال فقال تعالى حاضا المؤمنين مهيجا لهم {أل تقاتلون قوما نكثوا
أيمانهم} وهذه خطيئة كافية في وجوب قتالهم ،وثانية همهم بإخراج الرسول من بين أظهرهم من
مكة وثالثة بدؤهم إياكم بالقتال في بدر ،إذ عيرهم نجت وأبوا إل أن يقاتلوكم ،إذا فلم ل تقاتلونهم؟
أتتركون قتالهم خشية منهم وخوفا إن كان هذا {فال أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين} ،لن ما لدى
ال تعالى من العذاب ليس لدى المشركين فال أحق أن يخشى ،هذا ما تضمنته الية الولى ()13
وهي قوله تعالى {أل تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج 1الرسول وهم بدؤوكم أول مرة
أتخشونهم فال أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين} وفي الية الثانية ( )14يقول تعالى{ :قاتلوهم}
وهو أمر صريح بالقتال ،وبذكر الجزاء المترتب على قتالهم فيقول {يعذّبهم ال بأيدكم ويخزهم
وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين} وهم خزاعة تشفى صدورهم من الغيظ على بني بكر
الذين قاتلوهم وأعانتهم قريش عليهم بعد صلح الحديبية ،2وقوله تعالى{ :ويتوب ال على من
يشاء} هذه وإن لم تكن جزاء للمر بالقتال كالربعة التي قبلها .ولكن سنة ال تعالى أن الناس إذا
رأوا انتصار أعدائهم عليهم في كل معركة يميلون إليهم ويقبلون دينهم وما هم عليه من صفات
فقتال المؤمنين للكافرين وانتصارهم عليهم يتيح الفرصة لكثير من الكافرين فيسلمون وهو معنى
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
قوله تعالى {ويتوب ال على من يشاء} ،وقوله {وال عليم حكيم} تقرير للمر بالقتال والنتائج
الطيبة المترتبة عليه آخرها أن يتوب ال عدى من يشاء .وقوله تعالى في الية ( )16الخيرة {أم
__________
1إذ كانوا السبب في خروجه من مكة مهاجرا كما أخرجوه من المدينة لقتالهم في بدر ولفتح مكة
كما همّوا بإخراجه من المدينة هو وأصحابه في أحد والخندق وغير ذلك.
2إذ قريش أعانت بني بكر على خزاعة التي هي حلفاء رسول ال صلى ال عليه وسلم وذلك أنّ
رجل من بني بكر أنشد شعرا في هجاء الرسول صلى ال عليه وسلم ،فقال له بعض رجال
خزاعة لئن أعدته لكسرنّ فمك فأعاده فكسم فمه ،واندلعت الحرب بينهم فأعانت قريش بني بكر
فجاء عمرو بن سالم الخزاعي إلى النبي صلى ال عليه وسلم يطلب النصرة فخرج رسول ال
صلى ال عليه وسلم برجاله وكان فتح مكة.
( )2/346
حسبتم 1أن تتركوا} أي بدون امتحان .وأنتم خليط منكم المؤمن الصادق ومنكم المنافق الكاذب،
من جملة ما كان يوحى به المنافقون التثبيط عن القتال بحجة ان مكة فتحت وأن السلم عز فما
هناك حاجة إلى مطاردة فلول المشركين ،وهم يعلمون أن تكتلت يقودها الساخطون على السلم
حتى من رجالت قريش يريدون النقضاض على المسلمين وإهدار كل نصر تحقق لهم ،وهذا
المعنى ظاهر من سياق الية {أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم ال الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا
من دون ال ول رسوله ول المؤمنين وليجة} 2إذ هناك من اتخذوا من دون ال ورسوله
والمؤمنين وليجة يطلعونها على أمور المسلمين ،ويسترون عليهم وهي بينهم دخلية ،ويقرر هذه
الجملة التي ختمت بها الية وهي قوله تعالى {وال خبير بما تعملون}.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1مشروعية استعمال أسلوب التهييج والثارة للجهاد.
-2وجوب خشية ال تعالى بطاعته وترك معصيته.
-3لزم اليمان الشجاعة فمن ضعفت شجاعته ضعف إيمانه.
-4من ثمرات القتال دخول الناس في دين ال تعالى.
-5الجهاد عملية تصفية وتطهير لصفوف المؤمنين وقلوبهم أيضا.
عمَاُلهُ ْم َوفِي
طتْ أَ ْ
سهِمْ بِا ْلكُفْرِ ُأوْلَ ِئكَ حَ ِب َ
مَا كَانَ لِ ْلمُشْ ِركِينَ أَن َي ْعمُرُواْ مَسَاجِدَ ال شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُ ِ
النّارِ ُهمْ خَاِلدُونَ()17
__________
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
{ 1أم حسبتم} أم :هي المنقطعة بمعنى بل إضرابا عما سبق من الكلم وانتقال إلى آخر،
والستفهام للِنكار ،والحسبان بمعنى الظن والمعنى كيف تظنون أنكم تتركون بعد فتح مكة دون
جهاد لعداء ال ورسوله ،وهم ما زالوا يتآمرون ويتجمعون لقتالكم.
2الوليجة :البطانة من الولوج في الشيء وهو الدخول فيه ،والمراد من هذا الرجل يتخذ من
أعداء السلم صديقا يدخل عليه ويدخله عليه فيطلعه على أسرار المسلمين للنكاية بهم والتسلط
عليهم لضرارهم وإفسادهم وهلكهم.
( )2/347
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
2قيل الصل :وهم شاهدون فحذف {وهم} فنصب {شاهدين} على الحال.
3قال ابن عباس :شهادتهم بالكفر هي :سجودهم للصنام مع إقرارهم بأنها مخلوقة وال خالقها.
( )2/348
بطلت وضاعت لفقدها الخلص فيها ل تعالى {وفي النار هم خالدون} ل يخرجون منها متى
دخولها أبدا ،إذ ليس لهم من العمل ما يشفع لهم بالخروج منها .ثم قرر تعالى الحقيقة وهي أن
الذين يعمرون 1مساجد ال حقا وصدقا هم المؤمنون الموحدون الذين يقيمون الصلة ويؤتون
الزكاة ويخشون ال تعالى ول يخشون سواه هؤلء هم الجديرون بعمارة المساجد بالصلة والذكر
والتعلم للعلم الشرعي فيها زيادة على بنائها وتطهيرها وصيانتها هؤلء جديرون بالهداية لكل
كمال وخير يشهد لهذا قوله تعالى {فعسى 2أولئك أن يكونوا من المهتدين} إلى ما هو الحق
والصواب ،وإلى سبيل النجاة من النار والفوز بالجنة.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1حرمة دخول الكافر المساجد إل لحاجة وبإذن من المسلمين.
-2فضيلة عمارة المساجد بالعبادة فيها وتطهيرها وصيانتها.
-3فضيلة المسلم وشرفه ،إذ كل من يسأل عن دينه يجيب بجواب هو الكفر إل المسلم فإنه يقول:
مسلم أي ل تعالى فهو إذا المؤمن وغيره الكافر.
-4وجوب اليمان بال واليوم الخر وإقام الصلة وإيتاء الزكاة والخشية من 3ال تعالى.
-5أهل المن والنجاة من النار هم أصحاب الصفات الربع المذكورة في الية.
جدِ ا ْلحَرَامِ َكمَنْ آمَنَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الخِرِ
عمَا َرةَ ا ْلمَسْ ِ
ج وَ ِ
سقَايَةَ ا ْلحَا ّ
جعَلْ ُتمْ ِ
أَ َ
__________
1وردت أحاديث في فضل عمارة المساجد منها القوي ومنها الضعيف مجموعها يدل على المراد
منها وهو حسن الظن بمن يعمر مساجد ال وأظهر حديث "إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا
له باليمان".
2قالت العلماء" :عسى من ال واجبة أي :ما يرجى بها واجب الوقوع ،وقيل :هي هنا بمعنى:
خليق أي :فخليق أن يكونوا من المهتدين.
3تساءل البعض وقالوا :قوله تعالى{ :ولم يخش إلّ ال} دال على أن المؤمن الكامل اليمان ل
يخشى إل ال وإذا بالواقع أن النبياء يخشون العداء فضل عن غيرهم فقال بعضهم معناه :أنهم
ل يخشون إلّ ال مما يُعبد ،وقال بعضهم:
أي لم يخف إل ال في باب الدين .والجواب الصحيح أنّ النسان نبيا كان أو غيره من المؤمنين
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
العاملين ل يخشون إل ال تعالى فإذا خافوا عدوا ،ليس معناه أنهم خافوه لذاته وإنما خافوا من ال
أن يكون سلطة عليهم فخوفهم عائد في الحقيقة إلى ال تعالى فهو الذي بيده المر ،والخوف منه
ل من غيره.
( )2/349
وَجَا َهدَ فِي سَبِيلِ اللّ ِه لَ يَسْ َتوُونَ عِندَ اللّ ِه وَاللّهُ لَ َي ْهدِي ا ْلقَوْمَ الظّاِلمِينَ ( )19الّذِينَ آمَنُو ْا وَهَاجَرُواْ
جةً عِندَ اللّ ِه وَُأوْلَ ِئكَ هُمُ ا ْلفَائِزُونَ( )20يُبَشّرُ ُهمْ
عظَمُ دَرَ َ
سهِمْ أَ ْ
وَجَا َهدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَنفُ ِ
ضوَانٍ وَجَنّاتٍ ّلهُمْ فِيهَا َنعِيمٌ ّمقِيمٌ ( )21خَالِدِينَ فِيهَا أَ َبدًا إِنّ اللّهَ عِن َدهُ أَجْرٌ
حمَةٍ مّنْ ُه وَ ِر ْ
رَ ّبهُم بِ َر ْ
عَظِيمٌ ()22
شرح الكلمات:
سقاية الحاج :مكان يوضع فيه الماء في المسجد الحرام ويسقى منه الحجاج مجانا.
وعمارة المسجد الحرام :هنا عبارة عن بنائه وصيانته وسدانة البيت فيه.
ل يستوون عند ال :إذ عمارة المسجد الحرام مع الشرك والكفر ل تساوى شيئا.
وال ل يهدي القوم الظالمين :أي المشركين ل يهديهم لما فيه كمالهم وسعادتهم.
ورضوان :أي رضا ال عز وجل عنهم.
نعيم مقيم :أي دائم ل يزول ول ينقطع.
معاني اليات:
ما زال السياق في الرد على من رأى تفضيل عمارة المسجد 1الحرام بالسقاية والحجابة
__________
1روي عن السدي أنه قال :افتخر العباس بالسقاية وشيبة بالعمارة وعلي بالسلم والجهاد فصدق
ال عليا وكذبهما أي بهذه الية{ :أجعلتم سقاية الحاج } ...الخ فأخبر أن العمارة ل تكون بالكفر
وإنما تكون باليمان والعبادة وأداء الطاعة.
وقيل أيضا :إن المشركين سألوا اليهود وقالوا :نحن سقاة الحاج وعمار المسجد الحرام أفنحن
أفضل أم محمد وأصحابه؟
فقالت لهم اليهود مكرا وعنادا :أنتم أفضل وروى مسلم عن النعمان بن بشير قال :كنت عند منبر
رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال رجل :ما أبالي أل أعمل بعد السلم إل أن أسقي الحاج،
وقال آخر ما أبالي أل أعمل بعد السلم إل أن أعمر المسجد الحرام وقال آخر :الجهاد في سبيل
ال أفضل مما قلتم فزجرهم عمر وقال :ل ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول ال صلى ال عليه
وسلم ولكن إذا صليت الجمعة دخلت واستفتيته عما اختلفتم فيه .فأنزل ال عز وجل{ :أجعلتم }..
الية .وحل الشكال في هذه الخبار :أن الية تذكر دليلً ل أنها نزلت في ذلك الوقت.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )2/350
والسدانة على اليمان والفجرة والجهاد فقال تعالى موبخا لهم {أجعلتم 1سقاية الحاج 2وعمارة 3
المسجد الحرام كمن آمن بال واليوم الخر وجاهد في سبيل ال ل يستوون} في حكم ال وقضائه
بحال من الحوال ،والمشركون ظالمون كيف يكون لعمارتهم للمسجد الحرام وزن أو قيمة تذكر
{وال ل يهدي القوم الظالمين} بعد هذا التوبيخ والبيان للحال أخبر تعالى أن {الذين آمنوا وهاجروا
وجاهدوا في سبيل ال بأموالهم وأنفسهم } هم {أعظم درجة} ممن آمنوا ولم يستكملوا هذه الصفات
الربع ،وأخبر تعالى أنهم هم الفائزون بالنجاة من النار ودخول الجنة ،وأعظم من هذا ،جاء في
قوله {يبشرهم ربهم برحمة منه} وهي الجنة {ورضوان} منه تعالى وهو أكبر نعيم {وجنات} أي
بساتين في الملكوت العلى {لهم فيها نعيم مقيم} ل يحول ول يزول وأنهم خالدون فيها ل
يخرجون منها أبدا{ ،وإن ال عنده أجر عظيم} ل يقادر قدره جعلنا ال تعالى منهم وحشرنا في
زمرتهم.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1أكمل المؤمنين وأعلهم درجة ،لح وأقربهم من ال منزلة من جمع الصفات الثلث المذكورة
في الية ( )20وهي اليمان والهجرة والجهاد في سبيل ال بالمال والنفس.
-2فضل الهجرة والجهاد.
-3تفاوت أهل الجنة في علو درجاتهم.
-4حرمان الظالمين المتوغلين في الظلم من هداية ال تعالى.
خوَا َنكُمْ َأوْلِيَاء إَنِ اسْ َتحَبّواْ ا ْلكُفْرَ عَلَى الِيمَانِ
خذُواْ آبَاءكُمْ وَإِ ْ
يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُو ْا لَ تَتّ ِ
__________
1أي :أجعلتم أهل سقاية الحاج ،أو أصحاب سقاية الحاج ،إذ حذف المضاف وهو :أهل أو
أصحاب وبقي المضاف إليه وهو :سقاية فنصب انتصابه.
2الحاج :اسم جنس ناب مناب الحجاج جمع حاج.
ق وعمرة :جمع عامر ككتبة جمع كاتب.
3وقرىء :سُقاة بضم السين جمع سا ٍ
( )2/351
جكُمْ
خوَا ُنكُ ْم وَأَ ْزوَا ُ
َومَن يَ َتوَّلهُم مّنكُمْ فَُأوْلَ ِئكَ هُمُ الظّاِلمُونَ(ُ )23قلْ إِن كَانَ آبَا ُؤكُ ْم وَأَبْنَآ ُؤكُمْ وَإِ ْ
حبّ إِلَ ْيكُم مّنَ اللّهِ
ضوْ َنهَا َأ َ
شوْنَ كَسَادَهَا َومَسَاكِنُ تَ ْر َ
وَعَشِيرَ ُتكُ ْم وََأ ْموَالٌ اقْتَ َرفْ ُتمُوهَا وَتِجَا َرةٌ َتخْ َ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سقِينَ()24
جهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَ ّبصُواْ حَتّى يَأْ ِتيَ اللّهُ بَِأمْ ِر ِه وَالّل ُه لَ َيهْدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلفَا ِ
وَرَسُولِ ِه وَ ِ
شرح الكلمات:
أولياء :جمع وليّ وهو من تتوله بالمحبة والنصرة ويتولك بمثل ذلك.
استحبوا :أي أحبوا الكفر على اليمان.
الظالمون :الظلم وضع الشيء في غير موضعه ،ومن أحب من ل تجوز محبته فقد وضع شيئا في
غير موضعه فهو ظالم.
وعشيرتكم :أي قرابتكم من النسب كالعمام الباعد وأبنائهم.
اقترفتموها :أي اكتسبتموها.
كسادها :بوارها وعدم رواجها.
فتربصوا :أي انتظروا.
حتى يأتي ال بأمره :أي بعقوبة هذه المعصية يوم فتح مكة.
معنى اليتين:
هذا إنذار ال تعالى للمؤمنين ينهاهم فيه عن اتخاذ من كفر من آبائهم وإخوانهم أولياء لهم
يوادونهم ويناصرونهم ويطلعونهم على أسرار المسلمين وبواطن أمورهم .فيقول تعالى{ :يا أيها
الذين امنوا} أي بال ورسوله ولقاء ال ووعده ووعيده {ل تتخذوا آباءكم 1
__________
1هذه الية ما تضمنته من حكم حرمة موالة الكافرين ولو كانوا من اقرب القرباء وهو عام في
المة إلى يوم القيامة؟ وإن فهم منها بعضهم أنها للمؤمنين الذين كانوا بمكة وغيرها يدعوهم إلى
الهجرة والتخلي عن بلد الكفر.
( )2/352
وإخوانكم 1أولياء إن استحبوا 2الكفر على اليمان} أي اثروا الكفر والصرار عليه على اليمان
بال ورسوله ثم يهددهم إن لم يمتثلوا أمره ويفاصلوا آباءهم وإخوانهم المستحبين للكفر على
اليمان فيقول {ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون }3ووجه الظلم ظاهر وهو أنهم وضعوا
المحبة موضع البغضاء ،والنصرة موضع الخذلن .والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه .ثم
أمر تعالى رسوله أن يقول لهم ،وفي هذا العدول عن خطابهم مباشرة إلى الواسطة ما يشعر
بالغضب وعدم الرضى ،والتهديد والوعيد {قل إن كان 4آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم
وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من ال
ورسوله وجهاد في سبيله} فتركتم الهجرة والجهاد لذلك {فتربصوا حتى يأتي ال بأمره} أي
انتظروا أمر ال وهو فتح مكة عليكم وإنزال العقوبة بكم{ ،وال ل لهدي القوم الفاسقين} أي ل
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يوفقهم لسبل نجاتهم وسعادتهم.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1حرمة اتخاذ الكافرين أولياء يُوادون ولو كانوا من أقرب القرباء كالب والبن والخ.
-2من الظلم الفظيع موالة من عادى ال ورسوله والمؤمنين.
-3فرضية محبة ال ورسوله والجهاد في سبيله ،ومحبة سائر محاب ال تعالى وكره سائر مكاره
ال تعالى من العقائد والحوال والعمال والذوات والصفات.
-4حرمان أهل الفسق المتوغلين فيه من هداية ال تعالى إلى ما يكملهم ويسعدهم.
َلقَدْ َنصَ َركُمُ الّلهُ فِي َموَاطِنَ كَثِي َرةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ِإذْ أَعْجَبَ ْت ُكمْ كَثْرَ ُتكُمْ فََلمْ
__________
1لم يذكر البناء لنّ العادة أنّ البناء تبع لبائهم وذكر الباء والخوان ذكر لقوى القرابة.
2استحبوا :بمعنى أحبوا نحو :استجاب بمعنى :أجاب.
3قال ابن عباس :من تولهم هو مشرك مثلهم لنّ الرضا بالشرك شرك ويستثنى من هذه
المقاطعة الحسان والهبة للقارب الكفرة لحديث أسماء إذ قالت :يا رسول ال إنّ أمي قدمت عليّ
راغبة وهي شركة أفأصلها؟ قال :صلي أمك .رواه البخاري.
4هذه الية نزلت في الذين تخلفوا عن الهجرة إلى المدينة إيثارا لما ذكر تعالى على حب ال
ورسوله والجهاد في سبيل ال تعالى إذ توعدهم تعالى بقوله{ :فتربصوا} أي انتظروا ما سيحل
بكم إن لم تتوبوا فتهاجروا وتجاهدوا.
( )2/353
سكِينَتَهُ عَلَى
ُتغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا َوضَا َقتْ عَلَ ْيكُ ُم الَ ْرضُ ِبمَا رَحُ َبتْ ُث ّم وَلّيْتُم مّدْبِرِينَ(ُ )25ثمّ أَنَزلَ اللّهُ َ
رَسُولِ ِه وَعَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَأَن َزلَ جُنُودًا لّمْ تَ َروْهَا وَع ّذبَ الّذِينَ َكفَرُواْ وَذَِلكَ جَزَاء ا ْلكَافِرِينَ( )26ثُمّ
غفُورٌ رّحِيمٌ( )27يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِ ّنمَا ا ْلمُشْ ِركُونَ
يَتُوبُ الّلهُ مِن َبعْدِ ذَِلكَ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ َ
سوْفَ ُيغْنِيكُمُ اللّهُ مِن َفضْلِهِ إِن
خفْتُمْ عَيْلَةً َف َ
سجِدَ الْحَرَامَ َبعْدَ عَا ِمهِمْ هَذَا وَإِنْ ِ
نَجَسٌ فَلَ َيقْرَبُواْ ا ْلمَ ْ
حكِيمٌ()28
شَاء إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ َ
شرح الكلمات:
في مواطن :المواطن جمع موطن بمعنى الوطن وهو محل إقامة النسان.
حنين :وادٍ على بعد أميال يسيرة من الطائف.
إذ أعجبتكم كثرتكم :أي كثرة عددكم حتى قال من قال :لن نغلب اليوم من قلة.
فلم تغن عنكم شيئا :أي لم تجز عنكم شيئا من الجزاء إذ انهزمتم في أول اللقاء.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وضاقت عليكم الرض :أي لم تعرفوا أين تذهبون ،وكيف تتصرفون كأنكم محصورون في
مكان ضيق.
بما رحبت :أي على رحابتها وسعتها.
أنزل ال سكينته :أي الطمأنينة في نفوسهم ،فذهب القلق والضطراب.
وأنزل جنودا :.أي من الملئكة.
نجس :أي ذوو نجس وذلك لخبث أرواحهم بالشرك.
بعد عامهم هذا :عام تسعة من الهجرة.
( )2/354
( )2/355
وقوله تعالى {ثم يتوب ال على من يشاء} 1أي بعد قتالكم للكافرين وقتلكم من تقتلون يتوب ال
على من يشاء ممن بقوا أحياء بعد الحرب {وال غفور رحيم} فيغفر لمن يتوب عليه من
المشركين ماضي ذنوبه من الشرك وسائر الذنوب ويرحمه بأن يدخله الجنة مع من يشاء من
المؤمنين الصادقين في إيمانهم هذا ما دلت عليه اليات الثلث .أما الية الرابعة {يا أيها الذين
آمنوا إنما المشركون نجس 2فل يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} 3فإنه تعالى أمر
المؤمنين بأن يمنعوا من دخول المسجد الحرم كل مشرك ومشركة لن المشرك نجس الظاهر
والباطن فل يحل دخولهم إلى المسجد الحرام كل مشرك ومشركة لن المشرك نجس الظاهر
والباطن فل يحل دخولهم إلى المسجد الحرام وهو مكة والحرم حولها ،ومن يومئذ لم يدخل مكة
مشرك ،وقوله تعالى {وإن خفتم علية }4أي فقرا لجل انقطاع 5المشركين عن الموسم حيث
كانوا يحلبون التجارة يبيعون ويشترون فيحصل نفع للمسلمين {فسوف يغنيكم ال من فضله}
فامنعوا المشركين ول تخافوا الفقر وقوله تعالى {إن شاء إن ال عليم حكيم} استثناء منه تعالى
حتى تبقى قلوب المؤمنين متعلقة به سبحانه وتعالى راجية خائفة غير مطمئنة غافلة ،وكونه تعالى
عليما حكيما يرشح المعنى المذكور فإن ذا العلم والحكمة ل يضع شيئا إل في موضعه فل بد لمن
أراد رحمة ال أو فضل ال أن يجتهد أن يكون أهلً لذلك ،باليمان والطاعة العامة والخاصة.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1حرمة العجب بالنفس والعمل إذ هو أي العجب من العوائق الكبيرة عن النجاح.
-2بيان إفضال ال تعالى وإكرامه لعباده المؤمنين.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-3بيان الحكمة من القتال في سبيل ال تعالى.
-4تقرير نجاسة الكافر المعنوية.
__________
1كمالك بن عوف النصري رئيس حنين ومن أسلم معه من قومه.
2قيل :وصف المشرك بالنجس :لنه جنب ل يغتسل من جنابة غسلً شرعيا فهو لذلك نجس،
وقيل :الشرك هو الذي جعله نجسا إذ لو أسلم زال عنه الوصف.
3هو عام حجة الوداع وليس عام تسعة كما قال بعضهم .
4قال الشاعر:
وما يدري الفقير متى غناه ...وما يدري الغني متى يعيل
يقال :عال يعيل عيلة :إذا افتقر.
5في الية على مشروعية الخذ بالسباب إذ قال صلى ال عليه وسلم " :اعقلها وتوكل" قال
بعضهم :السباب التي يطلب بها الرزق هي الجهاد وأكل الرجل من عمل يده التجارة ،الحرث،
والغرس ،التعليم للعلوم بالجرة ،الستدانة بنيّة رد الدين.
( )2/356
-5منع دخول المشرك الحرم المكي كائنا من كان بخلف باقي المساجد فقد يؤذن للكافر
لمصلحة أن يدخل بإذن المسلمين.
-6ل يمنع المؤمن من امتثال أمر ربّه الخوف من الفاقة والفقر فإن ال تعالى تعهد بالغناء إن
شاء .
ن لَ ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه َولَ بِالْ َيوْمِ الخِ ِر َولَ يُحَ ّرمُونَ مَا حَرّمَ اللّهُ وَرَسُولُ ُه َولَ َيدِينُونَ دِينَ
قَاتِلُواْ الّذِي َ
حقّ مِنَ الّذِينَ أُوتُواْ ا ْلكِتَابَ حَتّى ُيعْطُواْ الْجِزْ َيةَ عَن َي ٍد وَهُ ْم صَاغِرُونَ()29
الْ َ
شرح الكلمات:
ل يؤمنون بال ول باليوم الخر :أي إيمانا صحيحا يرضاه ال تعالى لموافقة الحق والواقع.
ول يحرمون ما حرم ال ورسوله :أي كالخمر والربا وسائر المحرمات.
ول يدينون دين الحق :أي السلم إذ هو الدين الذي ل يقبل دينا سواه.
من الذين أوتوا الكتاب :أي اليهود والنصارى.
الجزية :أي الخراج المعلوم الذي يدفعه الذمي كل سنة.
عن يد وهم صاغرون : 1أي يقدمونه بأيديهم ل ينيبون فيه غيرهم ،وهم صاغرون :أي أذلء
منقادون لحكم السلم هذا.
معنى الية الكريمة:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
لما أمر ال تعالى رسوله والمؤمنين بقتال المشركين حتى يتوبوا من الشرك ويوحدوا ويعبدوا ال
تعالى بما شرع أمر رسوله في هذه الية والمؤمنين بقتال أهل الكتاب وهم
__________
1وفسّر قوله{ :عن يد} بالقوة على دفع الجزية بأن يكون المطالب بها قادرا على أدائها لغناه
وعدم فقره .وهو تفسير حق لنّ الفقير منهم ل يطالب بالجزية في حال فقره ،وما في التفسير
أصحّ.
( )2/357
اليهود والنصارى إلى أن يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ،وجعل إعطاء الجزية
غايةً لنهاية القتال ،ل السلم ،لن السلم يعرض أولً على أهل الكتاب فإن قبلوه فذاك وإن
رفضوه يطلب منهم الدخول في ذمة المسلمين وحمايتهم تحت شعار الجزية وهي رمز دال على
قبولهم حماية المسلمين وحكمهم بشرع ال تعالى فإذا أعطوها حقنوا دماءهم وحافظوا أموالهم،
وأمنوا في حياتهم المادية والروحية ،هذا ما تضمنته الية الكريمة{ :قاتلوا الذين ل يؤمنون 1بال
ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم ال ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب 2
حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} وإن قيل اليهود والنصارى يؤمنون بال وباليوم الخر
فكيف نفت الية عنهم ذلك؟ والجواب أن اليهود في إيمانهم بال مشبهة مجسمة يصفون ال تعالى
بصفات تعالى ال عنها علوا كبيرا ،والنصارى يعتقدون أن ال حلّ في المسيح ،وإن ال ثالث
ثلثة وال ليس كذلك فهم إذا ل يؤمنون بال تعالى كما هو ال الله الحق ،فلذا إيمانهم باطل
وليس بإيمان يضاف إلى ذلك أنهم لو آمنوا بال لمنوا برسوله محمد صلى ال عليه وسلم ولو
آمنوا باليوم الخر لطاعوا ال ورسوله لينجوا من عذاب اليوم الخر وليسعدوا فيه بدخول الجنة
فلما لم يؤمنوا ولم يعملوا كانوا حقا كافرين غير مؤمنين ،وصدق ال العظيم حيث نفى عنهم
اليمان به وباليوم الخر ،وال أعلم بخلقه من أنفسهم.
هداية الية الكريمة
من هداية الية الكريمة:
-1وجوب قتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يدخلوا في حكم السلم وذلك من أجل إعدادهم
للسلم ليكملوا عليه ويسعدوا به.
-2اليمان غير الصحيح ل يعتبر إيمانا منجيا ول مسعدا.
-3استباحة ما حرم ال من المطاعم والمشارب والمناكح كفر صريح.
__________
1الية صريحة في عدم اعتبار إيمان اليهود والنصارى بال واليوم الخر إيمانا صحيحا يزكى
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
النفس ويؤهل لدخول الجنة ،وهذا لمرين :الول :لما داخل إيمانهم من التحريف والتغيير فلم يكن
إيمانهم بركني اليمان العظيمين اليمان بال واليوم الخر إيمانا صحيحا مقبولً شرعا فلذا عُد كل
إيمان .والثاني :لنهم لو آمنوا بال ولقائه حق اليمان لمنوا برسوله محمد صلى ال عليه وسلم
وبما جاء به من الهدى ،ولستقاموا على شرع ال فأحلوا ما أحل وحرموا ما حرم.
2المجوس والصابئة لم يذكرا في الية ،والذي به العمل عند عامة الفقهاء أنهم يسنّ بهم سنة أهل
الكتاب في قبول الجزية منهم وإدخالهم في ذمة المسلمين.
( )2/358
-4مشروعية أخذ الجزية من أهل الكتاب وهي مقدّرة 1في كتب الفقه مبينة وهي بحسب غنى
المرء وفقره وسعته وضيقه.
َوقَاَلتِ الْ َيهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ َوقَالَتْ ال ّنصَارَى ا ْلمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَِلكَ َقوُْلهُم بَِأ ْفوَا ِههِمْ ُيضَا ِهؤُونَ َق ْولَ
الّذِينَ َكفَرُواْ مِن قَ ْبلُ قَاتََل ُهمُ اللّهُ أَنّى ُي ْؤ َفكُونَ( )30اتّخَذُواْ َأحْبَارَهُمْ وَرُهْبَا َنهُمْ أَرْبَابًا مّن دُونِ اللّهِ
عمّا يُشْ ِركُونَ()31
وَا ْلمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ َومَا ُأمِرُواْ ِإلّ لِ َيعْبُدُواْ إَِلهًا وَاحِدًا لّ إِلَهَ ِإلّ ُهوَ سُبْحَا َنهُ َ
طفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بَِأ ْفوَا ِه ِه ْم وَيَأْبَى الّلهُ ِإلّ أَن يُتِمّ نُو َرهُ وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلكَافِرُونَ(ُ )32هوَ الّذِي
يُرِيدُونَ أَن ُي ْ
ظهِ َرهُ عَلَى الدّينِ كُلّ ِه وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلمُشْ ِركُونَ()33
سلَ رَسُولَهُ بِا ْلهُدَى وَدِينِ ا ْلحَقّ لِيُ ْ
أَرْ َ
شرح الكلمات:
عُزير :هو الذي أماته ال مائة عام ثم بعتثه ،واليهود يسمونه :عِزْرا.
المسيح :هو عيسى بن مريم عليهما السلم.
يضاهئون :أي يشابهون.
قول الذين كفروا :أي من آبائهم وأجدادهم الماضين.
قاتلهم ال :أي لعنهم ال لجل كفرهم.
أنى يؤفكون :.أي كيف يصرفون عن الحق.
__________
1تقدّر بدينار من الذهب ،وإن صالحهم المام عن أكثر فهم على ما صالحهم عليه.
( )2/359
أحبارهم ورهبانهم :الحبار جمع حبر :علماء واليهود ،والرهبان جمع راهب عابد النصارى.
أربابا من دون ال :أي آلهة يشرعون لهم فيعملون بشرائعهم من حلل وحرام.
نور ال :أي السلم لنه هاد إلى السعاد والكمال في الدارين.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
بأفواههم :أي بالكذب عليه والطعن فيه وصرف الناس عنه.
رسوله :محمدا صلى ال علمه وسلم.
معنى اليات:
لما أمر تعالى بقتال أهل الكتاب لكفرهم وعدم إيمانهم اليمان الحق المنجي من النار ذكر في هذه
اليات الثلث ما هو مقرر لكفرهم ومؤكد له فقال {وقالت اليهود عزير 1ابن ال} ونسبة الولد
إلى ال تعالى كفر بجلله وكماله {وقالت النصارى المسيح ابن 2ال} ونسبه الولد إليه تعالى كفر
به عز وجل وبماله من جلل وكمال وقوله تعالى{ :ذلك قولهم بأفواههم} أي ليس له من الواقع
شيء إذ ليس ل تعالى ولد ،وكيف يكون له ولد ولم تكن له زوجة ،وإنما ذلك قولهم بأفواههم فقط
{يضاهئون به }3أي يشابهون به {قول الذين كفروا من قبل} 4وهم اليهود الولون وغيرهم
وقوله تعالى {قاتلهم ال أنى يؤفكون} دعاء عليهم باللعن والطرد من رحمة ال تعالى وقوله {أنى
يؤفكون} أي كيف يصرفون عن الحق ويبعدون عنه بهذه الصورة العجيبة وقوله {اتخذوا أحبارهم
5ورهبانهم أربابا من دون ال} 6هذا دليل آخر على كفرهم وشركهم إذ قبولهم قول علمائهم
وعبادهم والذعان
__________
1قرأ عاصم {عزير} بالتنوين ،وقرأ نافع بغير تنوين ،وقوله تعالى {وقالت اليهود} هو كقوله
تعالى{ :الذين قال لهم الناس } ..فهو لفظ عام ،والمراد به الخصوص إذ ما كلٌ اليهود قالوا بهذه
القولة ول كل الناس وإنما بعضهم.
2في الية دليل على أن حاكي الكفر ،وهو منكر له بقلبه ولسانه ل يكفر.
3يقال :امرأة ضهيا :للتي ل تحيض ول ثدي لها كأنها أشبهت الرجل.
4أي :شابه قولهم قول الكافرين من قبلهم وهم أسلفهم الذين قلدوهم أو قول العرب الذين قالوا:
الملئكة بنات ال .تعالى ال عن البنت والولد علوا كبيرا.
5الحِبر بكسر الحاء .المداد ،وبفتحها العالم ،والرهبان :جمع راهب مأخوذ من الرهبة ،والراهب
الحق .هو من حمله خوف ال على أن يخلص له النية في القول والعمل ويجعل زمانه له وعمله
له وأنسه به.
6روى الترمذي عن عدي بن حاتم قال :أتيت النبي صلى ال عليه وسلم وفي عنقي صليب من
ذهب فقال" :ما هذا يا عديّ أطرح عنك هذا الوثن" وسمعته يقرأ {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا
من دون ال والمسيح بن مريم} وسئل حذيفة رضي ال عنه عن قول ال تعالى{ :اتخذوا أحبارهم
ورهباناهم أربابا مر دون ال} هل عبدوهم؟ قال :ل ولكن أحلّوا لهم الحرام فاستحلوه وحرموا
عليهم الحلل فحرموه.
( )2/360
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
له والتسليم به حتى أنهم ليحلون لهم الحرام فيحلونه ويحرمون عليهم الحلل فيحرمونه ،شرك
وكفر والعياذ بال .وقوله {والمسيح 1ابن مريم} أي اتخذه النصارى ربا وإلها ،وقوله تعالى {وما
أمروا إل ليبعدوا إلها واحدا} أي لم يأمرهم أنبياؤهم كموسى وعيسى وغيرهما إل بعبادة ال تعالى
وحده ل إله إل هو ول رب سواه وقوله {سبحانه عما يشركون} نزه تعالى نفسه عن شركهم.
وقوله تعالى {يريدون ليطفئوا نور ال بأفواههم} أي يريد اليهود والنصارى أن يطفئوا نور ال
الذي هو السلم بأفواههم بالكذب والفتراء ،والعيب والنتقاص{ ،ويأبى ال إل أن يتم نوره ولو
كره الكافرون} ،2وقد فعل فله الحمد وله المنة ،وأصبح السلم الظاهر على الديان كلها ،هذا
ما دلت عليه اليات الثلث أما الية الرابعة ( )33فقد أخبر تعالى أنه {هو الذي أرسل رسوله}
أي محمدا {بالهدى} وهو القرآن {ودين الحق} الذي هو السلم .وقوله {ليظهره} أي الدين الحق
الذي هو السلم {على الدين كله ولو كره المشركون} 3وقد فعل فالسلم ظاهر في الرض كلها
سمع به أهل الشرق والغرب ودان به أهل الشرق والغرب وسيأتي يوم يسود فيه المسلمون أهل
الدنيا قاطبة بإذن ال تعالى
هداية اليات
من هداية اليات:
-1تقرير كفر اليهود والنصارى بذكر عقائدهم الكفرية.
-2طاعة العلماء ورجال الدين طاعة عمياء حتى يحلوا ويحرموا فيتبعوا شرك.
-3بيان عداء اليهود والنصارى للسلم وتعاونهم على إفساده وإفساد أهله.
-4بشرى المسلمين بأنهم سيسودون العالم في يوم من اليام ويصبح السلم هو الدين الذي يعبد
ال به في الرض ل غيره ،ويشهد لهذا آية {ويكون الدين كله ل} فلو لم يعلم ال أن ذلك كائن لم
يجعله غاية وطالب بالوصول إليها.
__________
1يطلق لفظ المسيح على العرق لنه إذا سال يُمسح من الجبين قال أحدهم شعرا:
افرح فسوف تألف الحزانا ...إذا شهدت الحشر والميزانا
وسال من جبينك المسيح ...كأنّه جداول تسيح
2صحّ دخول "إلّ" على الثبات هنا لنّ أبى يحذف معها الكلم فيقال :يأبي فلن كل شيء إل أن
يطاع مثل .فمعنى الية :يأبى ال كل شيء إل أن يتم نوره.
3شاهده :رواية أحمد :عن المقداد بن السود قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول:
"ل يبقى على ظهر الرض بيت مدر ول وبر إل دخلته كلمة السلم بعزّ عزيز أو بذل ذليل إمّا
يعزّهم ال فيجعلهم من أهلها وإمّا يذلهم فيدينون لها".
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )2/361
ل وَ َيصُدّونَ عَن
طِن الَحْبَارِ وَالرّهْبَانِ لَيَ ْأكُلُونَ َأ ْموَالَ النّاسِ بِالْبَا ِ
يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِنّ كَثِيرًا مّ َ
سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ َيكْنِزُونَ الذّ َهبَ وَا ْل ِفضّ َة َولَ يُن ِفقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّرْهُم ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ(َ )34يوْمَ
سكُمْ فَذُوقُواْ مَا
ظهُورُهُمْ َهذَا مَا كَنَزْتُ ْم لَنفُ ِ
جهَنّمَ فَ ُت ْكوَى ِبهَا جِبَا ُههُ ْم وَجُنو ُبهُ ْم َو ُ
حمَى عَلَ ْيهَا فِي نَارِ َ
يُ ْ
كُنتُمْ َتكْنِزُونَ()35
شرح الكلمات:
بالباطل :أي بدون حق أباح لهم أكلها.
ويصدون عن سبيل ال :أي يصرفون أنفسهم وغيرهم عن السلم الذي هو السبيل؟ المفضي
بالعبد إلى رضوان ال تعالى.
يكنزون :يجمعون المال ويدفنونه حفاظا عليه ول يؤدون حقه.
الذهب والفضة :هما النقدان المعروفان.
في سبيل ال :أي حيث رضا ال كالجهاد وإطعام الفقراء والمساكين.
فبشرهم :أي أخبرهم بعذاب أليم :أي موجع.
يحمى عليها :لنها تحول إلى صفائح ويحمى عليها ثم تكوى بها جباههم.
هذا ما كنزتم :أي يقال لهم عند كيهم بها :هذا ما كنزتم لنفسكم توبيخا لهم وتقريعا.
معنى اليتين:
بمناسبة ذكر عداء اليهود والنصارى للسلم والمسلمين ،وأنهم يريدون دوما وأبدا
( )2/362
إطفاء نور ال بأفواههم ،ذكر تعالى ما هو إشارة واضحة إلى أنهم ماديون ل همّ لهم إل المال
والرئاسة فأخبر المسلمين فقال {يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الحبار} 1وهم علماء اليهود
{والرهبان} وهم رجال الكنائس من النصارى {ليأكلون أموال الناس بالباطل} كالرشوة ،وكتابة
صكوك الغفران يبيعونها للسفلة منهم ،إلى غير ذلك من الحيل باسم 2الدين ،وقوله تعالى عنهم
{ويصدون عن 3سبيل ال} دليل واضح على أنهم يحاربون السلم باستمرار للبقاء على
مناصبهم الدينية يعيشون عليها يترأسون بها على السفلة والعوام من اليهود والنصارى ،وقوله
تعالى {والذين يكنزون الذهب والفضة} 4لفظ 5عام يشمل الحبار والرهبان وغيرهم من سائر
الناس من المسلمين ومن أهل الكتاب إل أن الرهبان والحبار يتناولهم اللفظ أولً ،لن من يأكل
أموال الناس بالباطل ويصد عن سبيل ال أقرب إلى أن يكنز الذهب والفضة ول ينفقها في سبيل
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ال ،وقوله تعالى لرسوله {فبشرهم بعذاب أليم} أي أخبرهم معجلً لهم الخبر في صورة بشارة،
وبين نوع العذاب الليم بقوله {يوم يحمى عليها} أي صفائح الذهب والفضة بعد تحويلها إلى
صفائح {في نار جهنم} فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم} أي من كل الجهات الربع من
أمام ومن خلف وعن يمين وعن شمال ويقال لهم تهكما بهم وازدراء لهم وهو نوع عذاب أشد
على النفس من عذاب الجسم (هذا ما كنزتم لنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}.
__________
1الية نزلت في أهل الكتاب كشفا عن عوراتهم المادية ،وأما قوله تعالى {والذين يكنزون الذهب
والفضة }..الخ فهو حكم عام يشمل المسلمين وأهل الكتاب.
2قيل كانوا يأخذون من غلت أتباعهم ومن أموالهم ضرائب باسم حماية الدين والقيام بالشرع،
وقلدهم الروافض ،فإن أئمتهم يأخذون منهم ضرائب هي خمس دخل كل فرد من أي جهة كان هذا
الدخل أخبرني بهذا أحد رجالهم في الكويت.
3من صدّهم عن سبيل ال إنهم كانوا يمنعون أتباعهم من الدخول في السلم ومن أتباع محمد
صلى ال عليه وسلم.
4دلت الية على زكاة العين :الذهب والفضة وهي تجب بأربعة شروط الحرية ،والسلم،
والحول ،والنصاب السليم من الدين ،والنصاب مائتا درهم فضة أو عشرون دينارا من الذهب،
ويكمل أحدهما من الخر ،ومن السنة قوله صلى ال عليه وسلم "ليس في مال زكاة حتى يحول
عليه الحول" رواه أبو داود .وقوله صلى ال عليه وسلم" :ليس في أقل من مائتي درهم زكاة،
وليس في أقل من عشرين دينارا زكاة" في الصحيح.
5روى أبو داود عن ابن عباس قال :لما نزلت هذه الية {والذين يكنزون الذهب والفضة} قال
كبر ذلك على المسلمين فقال عمر :أنا أفرج عنكم فانطلق قال :يا نبي ال إنه كبُر على أصحابك
هذه الية ،فقال" :إن ال لم يفرض الزكاة إل ليطيّب ما بقى من أموالكم وإنما فرض المواريث في
أموالكم لتكون لمن بعدكم فكبّر عمر فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم" :أل أخبرك بخير ما
يكنز المرء :المرأة الصالحة :إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته".
( )2/363
هداية اليتين
من هداية اليتين :
-1بيان حقيقة علماء اليهود والنصارى ،وهي أنهم ماديون باعوا آخرتهم بدنياهم يحاربون
السلم ويصدون عنه للمحافظة على الرئاسة وللكل على حساب السلم.
-2حرمة أكل أموال الناس بالباطل.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-3حرمة جمع المال وكنزه وعدم النفاق منه.
-4المال الذي تؤدى زكاته كل حول ل يقال له كنز ولو دفن تحت الرض.
-5بيان عقوبة من يكنز المال ول ينفق منه في سبيل ال وهي عقوبة شديدة.
سمَاوَات وَالَ ْرضَ مِ ْنهَا أَرْ َبعَةٌ
شهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ َيوْمَ خََلقَ ال ّ
عشَرَ َ
شهُورِ عِندَ الّلهِ اثْنَا َ
إِنّ عِ ّدةَ ال ّ
سكُ ْم َوقَاتِلُواْ ا ْلمُشْ ِركِينَ كَآفّةً َكمَا ُيقَاتِلُونَكُمْ كَآفّ ًة وَاعَْلمُواْ أَنّ
حُ ُرمٌ ذَِلكَ الدّينُ ا ْلقَيّمُ فَلَ َتظِْلمُواْ فِيهِنّ أَنفُ َ
ضلّ ِبهِ الّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلّونَهُ عَامًا وَيُحَ ّرمُونَهُ
اللّهَ َمعَ ا ْلمُ ّتقِينَ( )36إِ ّنمَا النّسِيءُ زِيَا َدةٌ فِي ا ْل ُكفْرِ ُي َ
عمَاِل ِه ْم وَاللّ ُه لَ َيهْدِي ا ْل َقوْمَ
طؤُواْ عِ ّدةَ مَا حَرّمَ الّلهُ فَيُحِلّواْ مَا حَرّمَ اللّهُ زُيّنَ َل ُهمْ سُوءُ أَ ْ
عَامًا لّ ُيوَا ِ
ا ْلكَافِرِينَ()37
شرح الكلمات:
عدة :أي عدد.
( )2/364
الشهور : 1جمع شهر والشهر تسعة وعشرون يوما ،أو ثلثون يوما
في كتاب ال :أي كتاب المقادير :اللوح المحفوظ.
أربعة حرم :هي رجب ،والقعدة ،والحجة ،ومحرم ،الواحد منها حرام والجمع حرم.
الدين القيم :2أي الشرع المستقيم الذي ل اعوجاج فيه.
فل تظلموا فيهن أنفسكم :أي ل ترتكبوا في الشهر الحرم المعاصي فإنها أشد حرمة.
كافة :أي جميعا وفي كل الشهور حللها وحرامها.
مع المتقين :أي بالتأييد والنصّر ،والمتقون هم الذين ل يعصون ال تعالى.
إنما النسيء :أي تأخير حرمة شهر المحرم إلى صفر.
يحلونه عاما ويحرمونه عاما :أي النسيء عاما يحلونه وعاما يحرمونه.
ليواطئوا عدة ما حرم ال :أي ليوافقوا عدد الشهور المحرمة وهي أربعة.
زين لهم سوء عملهم :أي زين لهم الشيطان هذا التأخير للشهر الحرام وهو عمل سيء لنه إفتيات
على الشارع واحتيال على تحليل الحرام.
معنى اليتين:
عاد السياق للحديث على المشركين بعد ذلك العتراض الذي كان للحديث عن أهل الكتاب فقال
تعالى {إن عدة الشهور عند ال اثنا عشر شهرا} ل تزيد ول تنقص ،وأنها هكذا في اللوح
المحفوظ {يوم خلق السموات والرض} . 3وأن منها أربعة أشهر حرم أي محرمات وهي رجب،
والقعدة والحجة ومحرم ،وحرمها ال تعالى أي حرم القتال فيها لتكون هدنة يتمكن العرب معها
من السفر للتجارة وللحج والعمرة ول يخافون أحدا ،ولما
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
__________
1المراد بالشهور :ما تتألف منه السنة القمرية ،واحدها :شهر ،مشتق من الشهرة سميت به اليام
من أوّل ظهور الهلل إلى سراره.
2أي :الصحيح ،والشارة في قوله{ :ذاك الدين القيّم} إلى عدة الشهور ،وتقسيمها إلى حُرم
وغيرها وإلى عدم ارتكاب الذنوب فيها.
3قوله{ :يوم خلق السموات والرض } ..قاله ليبيّن أن قضاء وقدره كان قبل ذلك وأنه سبحانه
وتعالى وضع هذه الشهور وسمّاها بأسمائها يوم خلق السماوات والرض.
( )2/365
جاء السلم وأعز ال أهله ،نسخ حرمة القتال فيها .وقوله تعالى (ذلك الدين القيّم} أي تحريم هذه
الشهر واحترامها بعدم القتال فيها هو الشرع المستقيم وقوله تعالى {فل تظلموا فيهن أنفسكم} أي
ل ترتكبوا الذنوب والمعاصي في الشهر الحرم فإن ذلك يوجب غضب ال تعالى وسخطه عليكم
فل تعرضوا أنفسكم له ،وقوله تعالى {وقاتلوا المشركين} هذا خطاب للمؤمنين يأمرهم تعالى بقتال
المشركين بعد انتهاء المدة التي جعلت لهم وهي أربعة أشهر وقوله {كافة} 1أي جميعا ل يتأخر
منكم أحد كما هم يقاتلونكم مجتمعين على قتالكم فاجتعموا أنتم على قتالهم ،وقوله {واعلموا أن ال
مع المتقين} وهم الذين اتقوا الشرك والمعاصي ومعناه أن ال معكم بنصره وتأييده على المشركين
العصاة وقوله عز وجل {إنما النسيء 2زيادة في الكفر} أي إنما تأخير حرمة محرم إلى صفر
كما يفعل أهل الجاهلية ليستبيحوا القتال في الشهر الحرام بهذه الفُتيا الشيطانية هذا التأخير زيادة
في كفر الكافرين ،3لنه محاربة لشرع ال وهي كفر قطعا لقوله تعالى {يضل به الذين كفروا}
آي بالنسيء يزدادون ضللً فوق ضللهم .وقوله {يحلونه عاما ويحرمونه عاما} يعني النسيء
وهو الشهر الذي أخروه أي أخروا حرمته إلى الشهر الذي بعده ليتمكنوا من القتال في الشهر
الحرام ،فعاما يحلون وعاما يحرمون حتى يوافقوا عدة الشهر الحُرُم ،بل زيادة ول نقصان ،ظنا
منهم أنهم ما عصوا مستترين بهذه الفتيا البليسية كما قال تعالى {زين لهم سوء أعمالهم} والمزين
للباطل قطعا هو الشيطان .وقوله تعالى {وال ل يهدى القوم الكافرين} يخبر تعالى أنه عز وجل ل
يهدي القوم الكافرين لما هو الحق والخير وذلك عقوبة لهم على كفرهم به وبرسوله ،وإصرارهم
على ذلك.
__________
1كافة :معناه جميعا ،وهو مصدر في موضع الحال أي :محيطين بهم ومجتمعين .قالوا :نظير
كافة :في كونه ل يبني ول يجمع :عاقبة وعامة وخاصة.
2قرأ الجمهور{ :النسيء} مهموزا وقرأ ورش{ :النسيّ} بالياء المشددة ،وهو فعيل بمعنى مفعول
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
في قولك :نسأت الشيء أنسأه إذا أخّرته ،فنقل من منسوء إلى نسيء كما نقل مفتول إلى فتيل لنّه
أخف ،وأصل هذا التشريع الجاهلي :أنّ العرب قبل السلم كانوا أهل حروب فإذا احتاجوا إلى
القتال في الشهر الحرام طلبوا من زعيمهم أن ينسيء المحرّم أي :يؤخره إلى صفر حتى يمكنهم
الحرب في المحرم بعد الحج وما زالوا يؤخرون ويقدمون حتى اختلطت الشهور وأصبح رجب
جمادى ورمضان شوال وهكذا ،ودارت الشهور دورتها ،وفي عام حجة الوداع أعلن الرسول
صلى ال عليه وسلم عن ذلك بقوله" :إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق ال السموات
والرض" يريد أن الشهور قد رجعت إلى مواضعها ،وأصبح كل شهر في موضعه فوقع حجّ
النبي صلى ال عليه وسلم في موضعه.
3إذ كفروا بالشرك وإنكار المعاد وتكذيب الرسل ،ونسبة الولد ل تعالى ثم بالنسيء ازدادوا كفرا.
( )2/366
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1بيان أن شهور السنة الهجرية اثنا عشر شهرا 1وأيامها ثلثمائة 2وخمسة وخمسون يوما.
-2بيان أن الشهر الحرم أربعة وقد بينها الرسول صلى ال عليه وسلم وهي رجب ،والقعدة
والحجة ومحرم.
-3حرمة الشهر ا الحرم ،ومضاعفة السيآت فيها أي قبح الذنوب فيها.
-4صفة المعيّة ل تعالى وهي معية خاصة بالنصر والتأييد لهل تقواه.
-5حرمة الحتيال على 3الشرع بالفتاوى الباطلة لحلل الحرام ،وأن هذا الحتيال ما هو إل
زيادة في الثم.
-6تزيين الباطل وتحسين المنكر من الشيطان.
ل ومآلً.
-7حرمان أهل الكفر والفسق من هداية ال تعالى وتوفيقه لما هو حق وخير حا ً
يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ مَا َلكُمْ ِإذَا قِيلَ َلكُ ُم انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الَ ْرضِ أَ َرضِيتُم بِا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا
مِنَ الخِ َرةِ َفمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا فِي الخِ َرةِ ِإلّ قَلِيلٌ()38
__________
1وهي :محرم ويجمع على محرمات ومحارم ومحاريم ،وصفر ويجمع على أصفار وربيع الول
ويجمع على أربعاء وأربعة وربيع الثاني وجمادى الولى ويجمع على جُماديات وتذكر وتؤنث
فيقال :الولى والول ،وجمادى الخرة والخر ،ورجب ويجمع على أرجاب ورجاب ،وشعبان
ويجمع على شعابين وشعبانات ،ورمضان ويجمع على رمضانات ،ورماضين وأرمضة وشوال
ويجمع على شواول وشواويل وشوالت ،القعدة ويجمع على ذوات القعدة والحِجة بكسر الحاء
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وفتحها ويجمع على ذوات الحجة.
2وهي :الحد ويجمع على آحاد وأوحاد ووحود ،والثنين ويجمع على أثانين ،والثلثاء يذكر
ويؤنث ويجمع على ثلثاوات وأثالث والربعاء ويجمع على أربعاوات وأرابيع ،والخميس ويجمع
على أخمسة وأخامس ،والجمعة بضم الميم وإسكانها وفتحها ويجمع على جمع وجمعات ،والسبت
ويجمع على سبوت كفتح وفتوح وأسبات كقمع وأقماع.
3اختلف فيمن كان أوّل من نسأ فقيل عمرو بن لحي ،وقيل :رجل من كنانة يقال له القلمّس قال
شاعرهم:
ومنا ناسىء الشهر القلمّس
وقال الكميت:
ألسنا الناسئين على معد ...
شهور الحل نجعلها حراما
( )2/367
شيْءٍ َقدِيرٌ (
ِإلّ تَنفِرُواْ ُيعَذّ ْبكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَ ْب ِدلْ َق ْومًا غَيْ َر ُك ْم وَلَ َتضُرّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ
جهُ الّذِينَ َكفَرُواْ ثَا ِنيَ اثْنَيْنِ إِذْ ُهمَا فِي ا ْلغَارِ إِذْ َيقُولُ
ِ )39إلّ تَنصُرُوهُ َفقَدْ َنصَ َرهُ الّلهُ إِذْ َأخْرَ َ
ج َعلَ كَِلمَةَ الّذِينَ
سكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيّ َدهُ بِجُنُودٍ لّمْ تَ َروْهَا وَ َ
ِلصَاحِبِهِ لَ َتحْزَنْ إِنّ الّلهَ َمعَنَا فَأَن َزلَ اللّهُ َ
حكِيمٌ()40
سفْلَى َوكَِلمَةُ اللّهِ ِهيَ ا ْلعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ َ
َكفَرُواْ ال ّ
شرح الكلمات:
مالكم؟ : 1أي أي شيء ثبت لكم من العذار.
انفروا :أي اخرجوا مستعجلين مندفعين.
اثاقلتم :أي تباطأتم كأنكم تحملون أثقالً.
إل تنصروه :.أي الرسول محمد صلى ال عليه وسلم.
ثاني اثنين :أي هو وأبو بكر رضي ال عنه.
في الغار :غار ثور أي في جبل يقال له ثور بمكة.
لصاحبه :هو أبو بكر الصديق رضي ال عنه.
سكينتهُ :أي طمأنينته.
كلمة الذين كفروا :هي الدعوة إلى الشرك.
السفلى :أي مغلوبة هابطة ل يسمع لها صوت.
وكلمة ال هي العليا :أي دعوة التوحيد "ل إله إل ال محمد رسول ال" هي العليا الغالبة الظاهرة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
__________
( 1ما) :حرف استفهام ومعناه التقرير والتوبيخ.
( )2/368
معنى اليات:
هذه اليات نزلت في غزوة تبوك فقد بلغ النبي صلى ال عليه وسلم أن هرقل ملك الروم قد جمع
جموعه لحرب الرسول صلى ال عليه وسلم ،فأعلن النبي صلى ال عليه وسلم التعبئة العامة،
وكان الزمن صيفا حارا وبالبلد جدب ومجاعة ،وكان ذلك في شوال من سنة تسع ،وسميت هذه
الغزوة بغزوة العسرة فاستحثّ الربّ تبارك وتعالى المؤمنين ليخرجوا مع نبيهم لقتال أعدائه الذين
عزموا على غزوه في عقر داره فأنزل تعالى قوله { يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا
في سبيل ال} والقائل هو رسول ال صلى ال عليه وسلم {انفروا في سبيل ال} أي اخرجوا
للجهاد {في سبيل ال} أي لجل رضاه سبحانه وتعالى وما عنده من نعيم مقيم .وقوله {مالكم} أي
أي شيء يجعلكم ل تنفرون؟ وأنتم المؤمنون طلب الكمال والسعاد في الدارين .وقوله {اثاقلتم
إلى الرض} 1أي تباطأتم عن الخروج راضين ببقائكم في دوركم وبلدكم{ .أرضيتم بالحياة
الدنيا من 2الخرة؟} ينكر تعالى على من هذه حاله منهم ،ثم يقول لهم {فما متاع الحياة الدنيا} أي
ما كل ما يوجد فيها من متع على اختلفها بالنسبة إلى ما في الخرة من نعيم مقيم في جوار رب
العالمين {إل قليل} تافه ل قيمة له؛ فكيف تؤثرون القليل على الكثير والفاني على الباقي .ثم قال
لهم {إلّ تنفروا} أي إن تخليتم عن نصرته صلى ال عليه وسلم وتركتموه يخرج إلى قتال الروم
وحده {يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم 3ول تضروه شيئا وال على كل شيء قدير} .وفي
هذا الخبر وعيد شديد اهتزت له قلوب المؤمنين.
وقوله تعالى {إل تنصروه} 4أي إن خذلتموه ولم تخرجوا معه في هذا الظرف الصعب فقد نصره
ال تعالى في ظرف أصعب منه نصره في الوقت الذي أخرجه الذين كفروا {ثاني اثنين} 5أي هو
وأبو بكر ل غير{ ،إذ هما في الغار} أي غار ثور{ ،إذ يقول
__________
1أصل {اثاقلتم} :تثاقلتم فأدغمت التاء في الثاء لقرب مخرجهما وزيدت همزة الوصل للتوصل
إلى النطق بالساكن ومثله :اداركوا وادّارأتم ،واطيرنا ،وازينت.
2أي :أرضيتم بنعيم الدنيا وراحتها بدلً من نعيم الخرة وسعادتها.
3أي :ل يقعدون عند استنفارهم للجهاد والخروج معه ،وأنتم بتخلفكم ل تضرونه شيئا ،في الية
دليل على حرمة التثاقل عن الجهاد إذا كان مع كراهته ول حرمة مع عدم الكراهة إلّ أن يعيّنه
المام فيجب.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
4أصلها إن الشرطية أدغمت فيها ل النافية ،والية تحمل عتابا شديدا ،ومعنى الية :إن تركتم
نصرته فقد تكفل ال بها.
5أي :أحد اثنين كثالث ثلثة ورابع أربعة.
( )2/369
لصاحبه} :لما قال لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا يا رسول ال{ ،ل تحزن إن ال معنا فأنزل ال
سكينته عليه} فسكنت نفسه واطمأن وذهب الخوف من قلبه { ،1وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة
الذين كفروا} وهي دعوتهم إلى الشرك جعلها {السفلى} مغلوبة هابطة {وكلمة ال} كلمة ل إله إل
ال محمد رسول ال {هي العليا} الغالبة الظاهرة {وال عزيز} غالب 2ل يغالب {حكيم} في
تصرفه وتدبيره ،ينصر من أراد نصره بل ممانع ويهزم من أراد هزيمته بل مغالب.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجوب الخروج إلى الجهاد إذا دعا المام بالدعوة العامة وهو ما يعرف بالتعبئة العامة أو
النفير العام.
-2يجب أن يكون النفير في سبيل ال ل في سبيلٍ غير سبيله تعالى.
-3بيان حقارة الدنيا وضآلتها أمام الخرة.
-4وجوب نصرة رسول ال صلى ال عليه وسلم في دينه في أمته في سنته.
-5شرف أبي بكر الصديق وبيان فضله.
-6السلم يعلو ول يعلى عليه.
سكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَِلكُمْ خَيْرٌ ّل ُكمْ إِن كُنتُمْ َتعَْلمُونَ(َ )41لوْ
خفَافًا وَ ِثقَالً وَجَاهِدُواْ بَِأ ْموَاِلكُ ْم وَأَنفُ ِ
ا ْنفِرُواْ ِ
طعْنَا
شقّ ُة وَسَيَحِْلفُونَ بِاللّهِ َلوِ اسْتَ َ
ك وََلكِن َبعُ َدتْ عَلَ ْيهِمُ ال ّ
صدًا لّتّ َبعُو َ
سفَرًا قَا ِ
كَانَ عَ َرضًا قَرِيبًا وَ َ
عفَا الّلهُ عَنكَ لِمَ َأذِنتَ َلهُمْ حَتّى يَتَبَيّنَ
سهُ ْم وَاللّهُ َيعَْلمُ إِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ(َ )42
لَخَ َرجْنَا َم َعكُمْ ُيهِْلكُونَ أَنفُ َ
َلكَ الّذِينَ
__________
1أي :قلب أبي بكر رضي ال عنه.
2إذ أحبط تعالى أعمال قريش في طلبها الرسول صلى ال عليه وسلم لتقتله حيث جعلت مائة
ناقة لمن يأتيها برأسه وأنجى ال رسوله منهم وانتهى إلى المدينة ونصره عليهم.
( )2/370
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
صَ َدقُو ْا وَ َتعْلَمَ ا ْلكَاذِبِينَ()43
شرح الكلمات:
خفافا وثقالً :الخفاف جمع خفيف :وهو الشاب القوي البدن ذا الجدة من زاد ومركوب .والثقال
جمع ثقيل :وهو الشيخ الكبير والمريض والفقير الذي ل جدة عنده.
ذلكم :أي الجهاد بالمال والنفس خير من التثاقل إلى الرض وترك الجهاد حالً ومآلً.
عرضا قريبا :غنيمة في مكان قريب غير بعيد.
أو سفرا قاصدا :أيما معتدلً ل مشقة فيه.
الشقة :الطريق الطويل الذي ل يقطع إل بمشقة وعناء.
عفا ال عنك :لم يؤاخذك.
معنى اليات:
ما زال السياق في الحث على الخروج إلى قتال الروم بالشام ففي هذه اليات يأمر تعالى المؤمنين
بالخروج إلى الجهاد على أي حال كان الخروج من قوة وضعف فليخرج الشاب القوي كالكبير
العاجز الضعيف والغني كالفقير فقال تعالى {انفروا خفافا وثقالً وجاهدوا 1بأموالكم وأنفسكم}
أعداء ال الكافرين به وبرسوله حتى يدخلوا في السلم أو يعطوا الجزية ويقبلوا أحكام السلم
{ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} أي نفوركم للجهاد وقتالكم الكافرين إلى النتهاء بهم إلى إحدى
الغايتين خير لكم من الخلود إلى الرض والرضا بالحياة الدنيا وهي متاع قليل ،إن كنتم تعلمون
ذلك ،وقوله تعالى {لو كان عرضا 2قريبا وسفرا قاصدا لتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة} 3يقول
تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم لو كان
__________
1الية محكمة ولم تنسخ ،والمراد منها :أن المام إذا أعلن عن النفير العام ،وجب السراع إلى
الخروج معه على أي حال من كبر وصغر وغنى وفقر.
2العرض :ما يعرض من منافع الدنيا ،والمراد به هنا :الغنيمة أي :لو كان الذي دعوا إليه
عرضا قريبا أو كان الذي دعوا إليه سفرا قاصدا أي :سهل معلوم الطرق لتبعوك.
3الشقة :بالضم :السفر إلى أرض بعيدة وهي هنا تبوك ،نظير هذه الية من السنة قوله صلى ال
عليه وسلم" :لو يعلم أحدهم أنه يحد عظما سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء "..المرماة:
ظلف الشاة.
( )2/371
أولئك المتخلفون عن الجهاد من المنافقين وضعفة اليمان قد دعوتهم إلى عرض قريب أي غنيمة
حاضرة أو إلى سفر سهل قاصد معتدل لتبعوك وخرجوا معك ،ولكن دعوتهم إلى تبوك وفي
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
زمن الحر والحاجة فبعدت عليهم الشقة فانتحلوا العذار إليك وتخلفوا .وقوله تعالى {وسيحلفون
بال} أي لكم قائلين :لو استطعنا أي الخروج لخرجنا معكم.
قال تعالى {يهلكون أنفسهم} حيث يجلبون لها سخط 1ال وعقابه {وال يعلم إنهم لكاذبون} في كل
ما اعتذروا به .هذا ما دلت عليه اليتان الولى والثانية ( )42 -41وأما الية الثالثة فقد تضمنت
عتاب ال تعالى لنبيه صلى ال عليه وسلم حيث أذن لمن طلب منه التخلف عن النفور والنهوض
إلى تبوك وكان من السياسة الرشيدة عدم الذن لحد حتى يتميز بذلك الصادق من الكاذب قال
تعالى {عفا ال عنك} 2أي تجاوز عنك ولم يؤاخذك وقدم هذا اللفظ على العتاب الذي تضمنه
الستفهام {لم أذنت لهم} تعجيلً للمسرة للنبي صلى ال عليه وسلم إذ لو أخر عن جملة العتاب
لوجد خوفا وحزنا ،وقوله تعالى {حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين} علة للعتاب على
الذن للمنافقين 3بالتخلف عن الخروج إلى تبوك.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1إذا أعلن المام التعبئة العامة يحرم التخلف عن الجهاد ول يقعد أحد ،إل بإذن لجل علة
قامت به فاستأذن فأذن له.
-2الجهاد كما يكون بالنفس يكون بالمال وهو خيرٌ من تركه حالً ومآلً.
-3اليمان الكاذبة لبطال حق أو إحقاق باطل توجب سخط ال تعالى وعذابه.
-4مشروعية العتاب للمحب.
-5جواز مخالفة الولى على النبي صلى ال عليه وسلم لعدم علمه ما لم يعلّمه ال تعالى.
__________
1بسبب كذبهم ونفاقهم وأيمانهم الكاذبة.
2أخبره بالعفو قبل العتاب رحمة به وإكراما له ،إذ لو قال له ِلمَ أذنت لهم أوّل لكان يطير قلبه
صلى ال عليه وسلم من الفرق أي :الخوف.
3هؤلء قوم منافقون قالوا نستأذنه في القعود فإن أذن لنا قعدنا ،وان لم يأذن لنا قعدنا .أمّا غير
هؤلء فقد رخّص له في الذن لمن شاء في قوله{ :فأذن لمن شئت منهم} من سورة النور.
( )2/372
( )2/373
وارتابت قلوبهم} في اليمان بال ورسوله ووعده ووعيده ،فهم حيارى مترددون ل يدرون أين
يتجهون وهي حالة المزعزع العقيدة كسائر المنافقين ،وأخبره تعالى أنهم كاذبون في اعتذارا تهم
إذ لو أرادوا الخروج لعدوا له عدته أي احضروا له أهبته من سلح وزاد وراحلة ولكنهم كانوا
عازمين على عدم الخروج بحال من الحوال ،ولو لم تأذن لهم بالتخلف لتخلفوا مخالفين قصدك
متحدين أمرك .وهذا عائد إلى أن ال تعالى كره خروجهم لما فيه من الضرر والخطر فثبطهم بما
ألقى في قلوبهم من الفشل رفي أجسامهم من الكسل كأنما قيل لهم اقعدوا مع القاعدين هذا ما دلت
عليه الية ({ )44ولو أرادوا الخروج لعدوا له عدته ولكن كره ال انبعاثهم 1فثبطهم وقيل
اقعدوا مع القاعدين }2وقوله تعالى في ختام الية الولى ({ )44وال عليم بالمتقين} 3فيه تقرير
لعلمه تعالى بأحوال ونفوس عباده فما أخبر به هو الحق والواقع ،فالمؤمنون الصادقون ل يطلبون
التخلف عن الجهاد ليمانهم وتقواهم ،والمنافقون هم الذين يطلبون التخلف لشكهم وفجورهم وال
أعلم بهم ،ول ينبئك مثل خبير.
هداية اليات
من هداية اليات :
-1فضيلة اليمان والتقوى إذ صاحبهما ل يمكنه أن يتخلف عن الجهاد بالنفس والمال.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-2خطر الشك في العقيدة وأنه سبب الحيرة والتردد ،وصاحبه ل يقدر على أن يجاهد بمال ول
نفس.
-3سوابق الشر تحول بين صاحبها وبين فعل الخير.
__________
{ 1انبعاثهم} :أي :خروجهم معك ،ومعنى ثبَطهم :حبسهم عنك وخذلهم لنهم قالوا :إن لم يأذن لنا
في القعود أفسدنا بين صفوف المؤمنين.
2القاعدون :هم أولو الضرر ،والعميان والزمنى ،والنساء والطفال .والقائل لهم اقعدوا هو
الرسول صلى ال عليه وسلم لما طلبوا منه الذن بالقعود وجائز أن يكون قاله بعضهم لبعض أو
قاله الرسول صلى ال عليه وسلم حال غضبه عليهم ،أو هو تمثيل لخلق ال تعالى داعية القعود
في قلوبهم حتى ل يخرجوا فيفسدوا.
3فيه شهادة للمؤمنين الصادقين بالتقوى وهي دعامة الولية الحقة ل تعالى ،فاليمان والتقوى
بهما تثبت ولية ال للعبد ومن واله ال فل خوف عليه ول حزن.
( )2/374
( )2/375
{ولوضعوا} 1أي أسرعوا ركائبهم {خللكم} أي بين صفوفكم بكلمات التخذيل والتثبيط {يبغونكم}
بذلك {الفتنة} وهي تفريق جمعكم وإثارة العداوة بينكم بما يحسنه المنافقون في كل زمان ومكان
من خبيث القول وفاسده وقوله تعالى {وفيكم سماعون لهم} أي وبينكم أيها المؤمنون ضعاف
اليمان يسمعون منكم وينقلون لهم أخبار أسراركم كما أن منكم من يسمع لهم ويطيعهم ولذا
وغيره كره ال انبعاثهم وثبطهم فقعدوا مع القاعدين من النساء والطفال والعجز والمرضى،
وقوله تعالى {وال عليم بالظالمين} الذين يعملون على إبطال دينه وهزيمة أوليائه .فلذا صرفهم
عن الخروج معكم إلى قتال أعدائكم من الروم والعرب المتنصرة بالشام .وقوله تعالى في الية
الثانية ({ )48لقد ابتغوا الفتنة من قبل} بل من يوم هاجرت إلى المدينة ووجد بها السلم وهم
يثيرون الفتن بين أصحابك لليقاع بهم ،وفي أحد رجع ابن أبي بثلث الجيش وهم بنو سلمة وبنو
حارثة بالرجوع عن القتال لول أن ال سلم {وقلبوا لك المور} 2وصرفوها في وجوه شتى بقصد
القضاء على دعوتك فظاهروا المشركين واليهود في مواطن كثيرة وكان هذا دأبهم {حتى جاء
الحق} بفتح مكة {وظهر أمر ال} بدخول أكثر العرب في دين ال {وهم كارهون} لذلك بل أسفون
حزنون ،ولذا فل تأسفوا على عدم خروجهم معكم ،ول تحفلوا به أو تهتموا له ،فإن ال رحمة بكم
ونصرا لكم صرفهم عن الخروج معكم .فاحمدوا ال وأثنوا عليه بما هو أهله ،ول الحمد والمنة.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1وجود منافقين في صفوف المؤمنين خطر عليهم وضرر كبير لهم فلذا ينبغي أن ل يُشركوا
في أمر ،وأن ل يعول عليهم في مهمة.
-2وجوب الخذ بالحيطة في المور ذات البال والثر على حياة السلم والمسلمين.
__________
1اليضاع :سرعة السير ،يقال :أوضع يوضع إيضاعا إذا أسرع في سيره .قال دريد بن الصمة:
يا ليتني فيها جذع ...أخبّ فيها وأضع
2المور :جمع أمر وهو اسم مبهم كشيء ،قال الشاعر:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
*ولكن مقادير جرت وأمور*
واللف واللم للجنس :أي :أمور تعرفونها وأمور تنكرونها ،وحتى :غائية لتقليبهم المور.
( )2/376
( )2/377
( )2/378
ربنا متوكلون ،وقال له{ :قل هل تربصون بنا} 1أي هل تنتظرون بنا إل إحدى الحسنيين2 :
النصر والظهور على أهل الشرك والكفر والنفاق أو الستشهاد في سبيل ال ،ثم النعيم المقيم في
جوار رب العالمين وعليه {فتربصوا إنا معكم متربصون} ،3وسوف ل نشاهد إل ما يسرنا
ويسوءكم.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1فضيحة الجد بن قيس وتسجيل اللعنة عليه وتبشيره بجهنم.
-2بيان فرح المنافقين والكافرين بما يسوء المسلمين ،وبيان استيائهم لما يفرح المسلمين وهي
علمة النفاق البارزة في كل منافق.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-3وجوب التوكل على ال وعدم الهتمام بأقوال المنافقين.
-4بيان أن المؤمنين بين خيارين في جهادهم :النصر أو الشهادة.
-5مشروعية القول الذي يغيط العدو ويحزنه.
سقِينَ(َ )53ومَا مَ َن َعهُمْ أَن ُتقْبَلَ مِ ْنهُمْ
طوْعًا َأوْ كَرْهًا لّن يُ َتقَ ّبلَ مِنكُمْ إِ ّنكُمْ كُن ُتمْ َق ْومًا فَا ِ
ُقلْ أَنفِقُواْ َ
ل وَ ُهمْ
ل وَهُمْ كُسَالَى َولَ يُنفِقُونَ ِإ ّ
لةَ ِإ ّ
َنفَقَا ُتهُمْ ِإلّ أَ ّنهُمْ َكفَرُواْ بِاللّ ِه وَبِرَسُولِهِ وَلَ يَأْتُونَ الصّ َ
كَارِهُونَ( )54فَلَ ُت ْعجِ ْبكَ َأ ْموَاُلهُ ْم َولَ َأ ْولَدُ ُهمْ إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِ ُي َعذّ َبهُم ِبهَا فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَتَزْ َهقَ
سهُ ْم وَهُمْ كَافِرُونَ()55
أَنفُ ُ
__________
1التربص :النتظار ،والستفهام للتوبيخ.
2الحسنيان :هما الغنيمة والشهادة.
{ 3فتربصوا} هذا المر للتهديد والوعيد ،كأنما يقول لهم :انتظروا مواعد الشيطان فإنا مُنتظرون
مواعد الرحمن ،وشتان بين ما ننتظر وما تنتظرون!!
( )2/379
شرح الكلمات:
طوعا أو كرها :.أي وأنتم طائعون أو أنتم مكرهون على النفاق.
إنكم كنتم قوما فاسقين :الجملة علة لعدم قبول نفقاتهم.
كسالى :متثاقلون لعدم إيمانهم في الباطن بفائدة الصلة.
فل تعجبك أموالهم :أي ل تستحسنوا أيها المسلمون ما عند المنافقين من مال وولد.
وتزهق أنفسهم :أي تفيض وتخرج من أجسامهم.
معنى اليات:
ما زال السياق في تعليم ال تعالى رسوله صلى ال عليه وسلم كيف يرد على المنافقين فقال له قل
لهم أيها الرسول {انفقوا} 1حال كونكم طائعين أو مكرهين {لن يتقبل منكم} ،أي أخبرهم أن ما
ينفقونه في هذا الخروج إلى تبوك وفي غيره سواء أنفقوه باختيارهم أو كانوا مكرهين عليه لن
يتقبله ال منهم لنهم 2كانوا قوما فاسقين بكفرهم بال وبرسوله وخروجهم عن طاعتهما .هذا ما
دلت عليه الية الولى ( )53أما الية الثانية ( )54فقد أخبر تعالى عن السباب الرئيسية التي
حالت دون قبول نفقاتهم وهى أولً الكفر بال وبرسوله ،وثانيا إتيانهم الصلة وهم كسالى
كارهون ،وثالثا كراهيتهم الشديدة لما ينفقونه قال تعالى {وما منعهم 3أن تقبل منهم نفقاتهم إل أنهم
كفروا بال وبرسوله ول يأتون الصلة إل وهم كسالى 4ول ينفقون إل وهم كارهون} 5هذا ما
تضمنته الية الثانية أما الية الثالثة ( )55فإن ال تعالى ينهى رسوله والمؤمنين عن أن تعجبهم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أموالهم وأولدهم مهما بلغت في الكثرة والحسن فيقول {فل تعجبك أموالهم ول أولدهم} أي ل
تستحسنوها ول تخبروهم بذلك .وبين تعالى لرسوله
__________
1روي أن هذه الية نزلت في الجد بن قيس إذ هو الذي قال للرسول صلى ال عليه وسلم إئذن
لي في القعود عن الخروج إلى قتال الروم وهذا مالي أعينك به والمر في قوله{ :انفقوا} للتسوية
أي :انفقوا أول تنفقوا فكل المرين سواء ،في عدم قبول ما تنفقون.
2الجملة تعليلية أي :قوله{ :لن يتقبل منكم} الخ ذكرت تعليلً لعدم قبول ما ينفقون.
3هذا بيان للتعليل السابق في عدم قبول نفقاتهم مع ذكر أسباب أخرى حالت دون قبول ما
ينفقون.
4قال ابن عباس رضي ال عنهما :إذا كان في جماعة صلى وإذا انفرد لم يصل .أي :المنافق
لنه ل يرجو على الصلة ثوابا ،ول يخشى على تركها عقابا وهذا منشأ الكسل في الصلة
وغيرها من سائر العبادات.
ن من مات على الكفر ل ينفعه ما عمله في الدنيا من خير إلّ انه يخفف
5هنا مسألتان :الولى :أ ّ
عنه العذاب لحديث أبي طالب ،وأنه في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه .كما أنه
قد يكون سببا في سعة رزقه في الدنيا للحديث ،وأما الكافر فيطعم .الثانية أن من أسلم منهم يثاب
على ما عمله من الخير أيام كفره.
( )2/380
علة إعطائهم ذلك وتكثيره لهم فقال {إنما يريد ال ليعذبهم 1بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم
وهم كافرون} ووجه تعذيبهم بها في الحياة الدنيا أن ما ينفقونه من المال في الزكاة والجهاد
يشعرون معه بألم ل نظير له لنه إنفاق يعتبرونه ضدهم وليس في صالحهم إذ ل يريدون نصر
السلم ول ظهوره ،وأما أولدهم فالتعذيب بهم هو أنهم يشاهدونهم يدخلون في السلم ويعملون
به ول يستطيعون أن يردوهم عن ذلك ،أيّ أَلمٌ نفسي أكبر من أن يكفر ولد الرجل بدينه ويدين
بآخر من شروطه أن يبغض الكافر به ولو كان أبا أو أما أو أخا أو أختا أو أقرب قريب؟ وزيادة
على هذا يموتون وهم كافرون فينتقلون من عذاب إلى عذاب أشد ،وبهذا سلى الرب تعالى رسوله
والمؤمنين بيان علة ما أعطى المنافقين من مال وولد ليعذبهم بذلك ل ليسعدهم.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1تقرير مبدأ أن الرياء مبطلة للعمل كالشرك محبط للعمل .2
-2إطلق الفسق على الكفر فكل كافر فاسق على الطلق.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-3حرمة التكاسل في الصلة وأن ذلك من صفات المنافقين.
-4وجوب رضا النفس بما ينفق العبد في سبيل ال زكاة أو غيرها.
-5كراهية استحسان المسلم ِلمَا عند أهل الفسق والنفاق من مال ومتاع.
جدُونَ مَ ْلجَأً َأوْ َمغَارَاتٍ َأوْ
وَيَحِْلفُونَ بِالّلهِ إِ ّنهُمْ َلمِنكُ ْم َومَا هُم مّنكُمْ وََلكِنّهُمْ َقوْمٌ َيفْ َرقُونَ(َ )56لوْ يَ ِ
جمَحُونَ(َ )57ومِ ْنهُم مّن يَ ْلمِ ُزكَ
مُدّخَلً ّلوَّلوْاْ إِلَ ْي ِه وَهُمْ َي ْ
__________
1فعل الرادة يعني بنفسه تقول :أردت خيرا ،وعدي هنا بللم لجل التعليل كقول الشاعر:
أريد لنسي حبها فكأنما ...تمثل لي ليلي بكل مكان
2لقوله تعالى{ :لئن أشركت ليحبطن عملك} الية ،وقول الرسول صلى ال عليه وسلم في عبدال
بن جدعان وقد قالت له عائشة رضي ال عنها يا رسول ال أن ابن جدعان كان في الجاهلية
يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه؟ قال ":ل ينفعه لنه لم يقل يوما رب اغفر لي
خطيئتي يوم الدين" رواه مسلم.
( )2/381
ضوْاْ مَا
سخَطُونَ( )58وََلوْ أَ ّن ُهمْ َر ُ
طوْاْ مِنهَا ِإذَا ُهمْ يَ ْ
فِي الصّ َدقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِ ْنهَا َرضُواْ وَإِن لّمْ ُيعْ َ
آتَا ُهمُ الّل ُه وَرَسُولُ ُه َوقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَ ُيؤْتِينَا اللّهُ مِن َفضْلِ ِه وَرَسُوُلهُ إِنّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ()59
شرح الكلمات:
وما هم منكم :أي في باطن المر لنهم كافرون ووجوههم وقلوبهم مع الكافرين.
يفرقون :أي يخافون خوفا شديدا منكم.
ملجأ :أي مكانا ًحصينا يلجأون إليه.
أو مغارات :جمع مغارة وهي الغار في الجبل.
أو مدخلً :أي سربا في الرض يستتر فيه الخائف الهارب.
يجمحون :يسرعون سرعة تتعذر مقاومتها وإيقافها.
يلمزك :أي يعيبك في شأن توزيعها ويطعن فيك.
إذا هم يسخطون :أي غير راضين.
حسبنا ال :أي كافينا ال كل ما يهمنا.
إلى ال راغبون :إلى ال وحده راغبون أي طامعون راجون.
معنى اليات:
ما زال السياق الكريم في هتك أستار المنافقين وإظهار عيوبهم وكشف عوراتهم ليتوب منهم من
أكرمه ال بالتوبة فقال تعالى عنهم {ويحلفون بال إنهم لمنكم} 1أي من أهل ملتكم ودينكم{ ،وما هم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
منكم} أي في واقع المر إذ هم كفار منافقون {ولكنهم قوم يفرقون} أي يخافون منكم خوفا شديدا
فلذا يحلفون لكم إنهم منكم لتؤمنوهم على أرواحهم وأموالهم ،ولبيان شدة فرقهم منكم وخوفهم من
سيوفكم قال تعالى{ :لو يجدون
__________
1لنهم يتخذون أيمانهم الكاذبة وقاية يتقون بها ما يخافونه من بطش المؤمنين بهم إذا عرفوا أنهم
كافرون كما قال تعالى من سورتهم {اتخذوا أيمانهم جنّة}.
( )2/382
ملجأ} 1أي حصنا {أو مغارات} أي غيرانا في جبال {أو مدخلً} 2أي سربا في الرض {لولوا}
أي أدبروا إليها {وهم يجمحون} 3أي مسرعين ليتمنعوا منكم .هذا ما دلت عليه الية الولى
والثانية أما الية الثالثة والرابعة ( )59 -58فقد أخبر تعالى أن من المنافقين من يلمز الرسول
صلى ال عليه وسلم أي يطعن فيه ويعيبه في شأن قسمة الصادقات وتوزيعها فيتهم الرسول صلى
ال عليه وسلم بأنه ل يعدل في القسمة فقال تعالى {ومنهم من يلمزك 4في الصدقات فإن أعطوا
منها رضوا} أ ي عن الرسول وقسمته {وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون} هذا ما تضمنته الية
( )58وأما الية الخيرة ( )59فقد أرشدهم ال تعالى إلى ما كان ينبغي أن يكونوا عليه فقال عز
وجل {ولو أنهم رضوا 5ما أتاهم ال ورسوله} ،أي من الصدقات {وقالوا حسبنا ال} أي كافينا ال
{سيؤتينا ال من فضله} الواسع العظيم ورسوله بما يقسم علينا ويوزعه بيننا {إنا إلى ال} وحده
{راغبون} طامعون راجعون أي لكان خيرا لهم وأدْ َركَ لحاجتهم.
هداية اليات
من هداية اليات.:
-1الَيمان الكاذب شعار المنافقين وفي الحديث آية المنافق ثلث( :إذا حدث كذب وإذا وعد
أخلف وإذا أتمن خان).
-2الجبن والخور والضعف والخوف من لوازم الكفر والنفاق.
-3عيب الصالحين والطعن فيهم ظاهرة دالة على فساد قلوب ونيات من يفعل ذلك.
-4مظاهر الرحمة اللهية تتجلى في إرشاد المنافقين إلى أحسن ما يكونوا عليه ليكملوا
__________
1الملجأ مكان اللجأ يقال لجأت إلى كذا :إذا أويت إليه واعتصمت به وألجأت أمري إليه أي:
أسندته.
2المدخل :مفتعل اسم كان للدّخال الذي هو افتعال من الدخول قلبت فيه تاء الفتعال دالً
لوقوعها بعد الدال فصارت مدخلً بدل متدخل ،ونظيره .إدّان أصلها إتدان ،وقرأها يعقوب وحده
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أو مدخلً بفتح الميم وإسكان الدال اسم مكان هي دخل.
3الجموح :نفور في إسراع.
4روي أن النبي صلى ال عليه وسلم أعطى بعض رعاة الغنم شيئا لفقرهم فطعن أبو الحواظ
المنافق فقال :ما هو بالعدل كيف يضع صدقاتكم في رعاء الغنم إعانة لهم .كما أنّ ذا الخويصرة
التميمي واسمه حرفوص بن زهير وهو أصل الخوارج قال للرسول صلى ال عليه وسلم :اعدل
يا رسول ال فقال له" :ويلك ومَن يعدل إذا لم اعدل" فنزلت الية وقال عمر دعني أضرب عنقه يا
رسول ال فقال رسول ال" :معاذ ال أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي".
5جواب لو محذوف تقديره :لكان خيرا لهم ،وهو مذكور في التسفير في آخر الحديث.
( )2/383
ويسعدوا في الدارين.
-5ل كافي إل ال ،ووجوب انحصار الرغبة فيه تعالى وحده دون سواه.
ن َوفِي
ب وَا ْلغَا ِرمِي َ
إِ ّنمَا الصّ َدقَاتُ لِ ْل ُفقَرَاء وَا ْلمَسَاكِينِ وَا ْلعَامِلِينَ عَلَ ْيهَا وَا ْل ُمؤَّلفَةِ قُلُو ُبهُ ْم َوفِي ال ّرقَا ِ
حكِيمٌ()60
سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السّبِيلِ فَرِيضَةً مّنَ الّل ِه وَاللّهُ عَلِيمٌ َ
شرح الكلمات:
الصدقات :جمع صدقة وهي هنا الزكاة المفروضة في الموال.
للفقراء :جمع فقير وهو من ليس له ما يكفيه من القوت ول يسأل الناس.
والمساكين :جمع مسكين وهو فقير ليس له ما يكفيه ويسأل الناس ويذل نفسه السؤال.
والعاملين عليها :أي على جمعها وجابتها وهم الموظفون لها.
والمؤلفة قلوبهم :هم أناس يرجى إسلمهم أو بقاؤهم عليه إن كانوا قد أسلموا وهم ذوو شأن
وخطر ينفع ال بهم إن أسلموا وحسن إسلمهم.
وفي الرقاب :أي في فك الرقاب أي تحريرها من الرق ،فيعطى المكاتبون ما يسددون به نجوم
أو أقساط كتابتهم.
وفي سبيل ال :أي الجهاد لعداد العدة وتزويد المجاهدين بما يلزمهم من نفقة.
وابن السبيل :أي المسافر المنقطع عن بلده ولو كان غنيا ببلده.
فريضة من ال :أي فرضها أدته تعالى فريضة على عباده المؤمنين.
معنى الية الكريمة:
بمناسبة لمز المنافقين الرسول صلى ال عليه وسلم والطعن في قسمته الصدقات بين تعالى في
هذه الية الكريمة أهل الصدقات المختصين بها والمراد بالصدقات الزكوات وصدقة التطوع
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )2/384
فقال عز وجل {إنما الصدقات} محصورة في الصناف الثمانية التي تذكر وهم:
( )1الفقراء 1وهم المؤمنون الذين ل يجدون ما يسد حاجتهم الضرورية من طعام وشراب وكساء
ومأوى.
( )2المساكين 2وهم الفقراء الذين ل يجدون ما يسد حاجتهم ولم يتعففوا 3فكانوا يسألون الناس
ويظهرون المسكنة 4لهم والحاجة.
( )3الموظفين فيها من سعاة جباة وأمناء وكتاب وموزعين يعطون على عملهم فيها أجرة أمثالهم
في العمل الحكومي.
( )4المؤلفة قلوبهم وهم من يرجى نفعهم للسلم والمسلمين لمناصبهم وشوكتهم في أقوامهم،
فيعطون من الزكاة تأليفا أي جمعا لقلوبهم على السلم ومحبته ونصرته ونصرة أهله ،وقد يكون
أحدهم يسلم بعد فيعطى ترغيبا له في السلم ،وقد يكون مسلما لكنه ضعيف السلم فيعطى تثبيتا
له وتقوية على السلم.
( )5في الرقاب وهو مساعدة المكاتبين على تسديد أقساطهم ليتحرروا أما شراء عبد بالزكاة
وتحريره فل يجوز لنه يعود بالنفع على دافع الزكاة لن ولء المعتوق له.
( )6الغارمين جمع غارم وهو من ترتبت عليه ديون بسبب ما أنفقه في طاعة ال تعالى على نفسه
وعائلته ،ولم يكن لديه مال ل نقد ول عرض يسدد به ديونه.
( )7في سبيل ال وهو تجهيز الغزاة والنفاق عليهم تسليحا وإركابا وطعاما ولباسا.
( )8ابن السبيل وهم المسافرون ينزلون ببلد وتنتهي نفقتهم فيحتاجون فيعطون من الزكاة
__________
1قيل :الفقير هو صفة مشبهة من الفقر أي المتصف بالفقر وهو :عدم امتلك ما به الكفافة
لحاجته المعاشية وضده الغنى ،والمسكين :ذو المسكنة وهي المذلة التي تحصل بسبب الفقر،
والفقير والمسكين يغني ذكر أحدهما عن الخر ،أمّا إذا ذكرا معا فلكلّ واحد حقيقة كما تقدم ،وفي
أيّهما أشدّ فقرا خلف ،وأحسن ما قيل هو أن الفقير هو الذي له بعض ما يكفيه ويقيمه،
والمسكين :الذي ل شيء له.
2قال القرطبي :فائدة الخلف في الفقراء والمساكين تظهر فيمن أوصى بثلث ماله لفلن وللفقراء
والمساكين فمن قال هما صنف واحد يكون الثلث الموصى به نصفه لفلن ونصفه الخر للفقراء،
ومن قال :هما صنفان يقسم الثلث الموصى به بينهم أثلثا.
3اختلف في حالة الفقر التي يصح للفقير أن يأخذ معها الزكاة ،فمن قائل إن لم يكن له مائتا درهم
جاز له أخذ الزكاة ،ومن قائل :خمسون درهما ومن قائل :أربعون درهما .ومن قائل :من كان
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
قويا على الكسب لقوة بدنه فل يعطى الزكاة لحديث" :ل تحل الصدقة لغني ول لذي مرّة سوي".
4ورد الوعيد الشديد فيمن يطلب الصدقة وهو غني عنها من ذلك قوله صلى ال عليه وسلم" :من
سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار" رواه أبو داود .قالت العلماء :إن الذي له شبع يوم
وليلة ل يحل له أن يسأل .اختلف في نقل الزكاة من بلد إلى بلد ،والراجح :الجواز لضرورة الفقر
وشدته.
( )2/385
( )2/386
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
جهَنّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَِلكَ الْخِ ْزيُ ا ْل َعظِيمُ()63
مَن يُحَادِدِ الّل َه وَرَسُولَهُ فَأَنّ َلهُ نَارَ َ
شرح الكلمات.
يؤذون النبي :أي الرسول محمدا صلى ال عليه وسلم ،والذى المكروه يصيب النسان كثيرا أو
يسيرا.
هو أذن :أي يسمع من كل من يقول له ويحدثه وهذا من الذى.
قل أذن خير لكم :أي هو يسمع من كل من يقول له ل يتكبر ولكن ل يقر إل الحق ول يقبل إل
الخير والمعروف فهو إذن خير لكم ل إذن شر مثلكم أيها المنافقون.
ويؤمن للمؤمنين :أي يصدق المؤمنين الصادقين من المهاجرين والنصار أما غيرهم فإنه وإن
يسمع منهم ل يصدقهم لنهم كذبة فجرة.
وال :.أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه.
من يُحادد ال ورسوله :أي يعاديهما ،ويقف دائما في حدّ وهما في حد فل ولء ول موالة أي ل
محبة ول نصرة.
معنى اليات:
ما زال السياق الكريم في هتك أستار المنافقين وبيان فضائحهم قال تعالى{ :ومنهم 1الذين يؤذون
النبي} أي من المنافقين أفراد يؤذون النبي بالطعن فيه وعيبه بما هو براء منه ،ويبين تعالى بعض
ذلك الذى فقال {ويقولون هو أذن} أي يسمع كل ما يقال له ،وحاشاه صلى ال عليه وسلم أن يقر
سماع الباطل أو الشر أو الفساد ،وإنما يسمع ما كان خيرا ولو كان من منافق يكذب ويحسن
القول .وأمر ال تعالى رسوله أن يرد عليهم بقوله {قل أذن خير 2لكم} يسمع ما فيه خير لكم ،ول
يسمع ما هو شر لكم .إنه لما كان ل يواجههم بسوء صنيعهم،
__________
1قيل هذه الية نزلت في عتاب بن قشير إذ قال :إنما محمد أذن يقبل كل ما قيل له .وقيل :نزلت
في نبتل بن الحارث الذي قال فيه الرسول صلى ال عليه وسلم" :من أراد أن ينظر إلى الشيطان
فلينظر إلى نبتل بن الحارث" وكان ماكرا خبيثا مشوّه الخلقة.
2قرىء بالرفع والتنوين {أذنٌ خيرٌ لكم } قرأ الجمهور بالضافة {أذن خيرٍ}.
( )2/387
وقبح أعمالهم حملهم هذا الجميل والحسان على أن قالوا{ :هو أذن} طعنا فيه صلى ال عليه وسلم
وعيبا له .وقوله تعالى {يؤمن بال ويؤمن للمؤمنين } هذا من جملة ما أمر الرسول صلى ال عليه
وسلم أن يقول للمنافقين ردا على باطلهم .أنه صلى ال عليه وسلم يؤمن بال ربا وإلها{ ،ويؤمن
للمؤمنين} أي بصدقهم فيما يقولون وهذا من خيريّته صلى ال عليه وسلم وقوله {ورحمة 1للذين
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
آمنوا منكم} أيضا من خيريّته فهو صلى ال عليه وسلم رحمة لمن آمن به واتبع النور الذي جاء
به فكمل عليه وسعد به في حياتيه .وقوله تعالى {والذين يؤذون رسول ال} أي بأي نوع من
الذى قل أو كثر توعدهم ال تعالى بقوله {لهم عذاب أليم} وهو ل محالة نازل بهم وهم ذائقوه
حتما هذا ما دلت عليه الية الولى ( )61أما الية الثانية ( )62فقد أخبر تعالى عن المنافقين أنهم
يحلفون للمؤمنين بأنهم ما طعنوا في الرسول ول قالوا فيه شيئا يريدون بذلك إرضاء المؤمنين
حتى ل يبطشوا بهم انتقاما لكرامة نبيهم قال تعالى {يحلفون بال 2لكم ليرضوكم وال ورسوله
أحق 3أن يرضوه إن كانوا مؤمنين} أي فبدل أن يرضوا المؤمنين كان الواجب أن يرضوا ال
تعالى بالتوبة إليه ويرضوا الرسول باليمان ومتابعته إن كانوا كما يزعمون أنهم مؤمنون.
وقوله في الية الثالثة ({ )63ألم يعلموا 4أنه من يحادد ال ورسوله} أي يشاقهما ويعاديهما فإن له
جزاء عدائه ومحاربته نار جهنم خالدا فيها {ذلك الخزي العظيم} أي كونه في نار جهنم خالدا فيها
ل يخرج منها هو الخزي العظيم.
هداية اليات
من هداية اليات:
__________
1أي :وهو رحمة .على أنّ رحمة :خبر لمبتدأ محذوف وقرىء :ورحمةٍ بالجر عطفا على {خيرٍ
لكم} وفيه بُعدٌ كبير.
2روي أنّ نفرا من المنافقين منهم الجلس بين سويد ووديعة بن ثابت فقالوا :إن كان ما يقول
محمد حقا لنحن شرّ من الحمير وبينهم غلم فغضب لقولهم هذا وأخبر به الرسول صلى ال عليه
وسلم فكذبوه في قوله فأنزل ال تعالى هذه الية{ :سيحلفون بال لكم }..الخ.
3قال سيبويه :تقدير الكلم ،وال أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه ثم حذف طلبا
لليجاز كما قال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما ...عندك راض والرأي مختلف
والحامل على هذا التقدير لن الرسول صلى ال عليه وسلم لم يرض بقول الرجل :ما شاء ال
وشئت فقال له " :قل ما شاء ال وحده" لنّ العطف بالواو ل يقتضي الترتيب.
4الستفهام للنكار والتوبيخ والمعنى :ألم يعلموا شأنا عظيما هو من يجادل ال ورسوله له نار
ن كل واحد واقف في حدّ ل يتصل بالخر ،والفاء في {فأن
جهنم ،والسحادة ،المعاداة والمشاقة كأ ّ
له } لربط جواب شرط {من} وأعيدت أنّ في الجواب لتوكيد أنّ المذكورة قبل الشرط توكيدا
لفظيا.
( )2/388
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-1حرمة أذية رسول ال بأي وجه من الوجوه.
-2كون النبي صلى ال عليه وسلم رحمة للمؤمنين دعوة لليمان والسلم.
-3توعد ال تعالى من يؤذى رسوله بالعذاب الليم دليل على كفر من يؤذي رسول ال صلى ال
عليه وسلم.
-4بيان كذب المنافقين وجبنهم حيث يحلفون 1للمؤمنين أنهم ما طعنوا في الرسول وقد طعنوا
بالفعل ،وإنما حلفهم الكاذب يدفعون به غضب المؤمنين والنتقام منهم.
-5وجوب طلب رضا ال تعالى بفعل محابه وترك مساخطه.
-6ترعد من يحادد ال ورسوله بالعذاب الليم.
حذَرُ ا ْلمُنَا ِفقُونَ أَن تُنَ ّزلَ عَلَ ْيهِمْ سُو َرةٌ تُنَبّ ُئهُمْ ِبمَا فِي قُلُو ِبهِم ُقلِ اسْ َتهْ ِزؤُواْ إِنّ اللّهَ ُمخْرِجٌ مّا
يَ ْ
ض وَنَ ْلعَبُ ُقلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِ ِه وَرَسُولِهِ كُن ُتمْ
حذَرُونَ( )64وَلَئِن سَأَلْ َتهُمْ لَ َيقُولُنّ إِ ّنمَا كُنّا نَخُو ُ
تَ ْ
تَسْ َتهْ ِزؤُونَ( )65لَ َتعْتَذِرُواْ َقدْ َكفَرْتُم َبعْدَ إِيمَا ِنكُمْ إِن ّن ْعفُ عَن طَآ ِئفَةٍ مّنكُمْ ُنعَ ّذبْ طَآ ِئفَةً بِأَ ّنهُمْ كَانُواْ
مُجْ ِرمِينَ()66
شرح الكلمات:
يحذر المنافقون :أي يخافون ويحترسون.
تنزّل عليهم سورة :أي في شأنهم فتفضحهم بإظهار عيبهم.
__________
1في الية دليل جواز الحلف بال وعدم جواز الحلف بغيره لقول الرسول صلى ال عليه وسلم
"من حلف فليحلف بال أو ليصمت ومن حلف له فليصدق".
( )2/389
( )2/390
نعف عن طائفة منكم} لنهم يتوبون كمخشي بن حمير { ،1نعذب طائفة} أخرى لنهم ل يتوبون
وقوله تعالى {بأنهم كانوا مجرمين} علة للحكم بعذابهم وهو إجرامهم بالكفر والستهزاء بالمؤمنين
إذ من جملة ما قالوه :قولهم في الرسول صلى ال عليه وسلم يظن هذا يشيرون إلى النبي وهم
سائرون يفتح قصور الشام وحصونها فأطلع ال نبيه عليهم فدعاهم فجاءوا واعتذروا بقولهم إنا كنا
نخوض 2أي في الحديث ونلعب تقصيرا للوقت ،ودفعا للملل عنا والسآمة فأنزل تعالى {قل أبال}
الية.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هداية اليات
من هداية اليات:
-1الكشف عن مدى ما كان يعيش عليه المنافقون من الحذر والخوف.
-2كفر من استهزأ بال أو آياته أو رسوله.
-3ل يقبل اعتذار 3من كفر بأي وجه وإنما التوبة أو السيف فيقتل كفرا.
-4مصداق ما أخبر به تعالى من أنه سيعذب طائفة فقد هلك عشرة بداء الدبيلة "خراج يخرج من
الظهر وينفذ ألمه إلى الصدر فيهلك صاحبه حتما".
ف وَ َيقْبِضُونَ أَيْدِ َيهُمْ
ضهُم مّن َب ْعضٍ يَ ْأمُرُونَ بِا ْلمُنكَ ِر وَيَ ْن َهوْنَ عَنِ ا ْل َمعْرُو ِ
ن وَا ْلمُنَا ِفقَاتُ َب ْع ُ
ا ْلمُنَا ِفقُو َ
جهَنّمَ
ت وَا ْل ُكفّارَ نَارَ َ
سقُونَ( )67وَعَدَ ال ا ْلمُنَا ِفقِينَ وَا ْلمُنَا ِفقَا ِ
نَسُواْ الّلهَ فَنَسِ َيهُمْ إِنّ ا ْلمُنَا ِفقِينَ ُهمُ ا ْلفَا ِ
خَاِلدِينَ
__________
1هو مخشي بن حمير الشجعي وقد تاب عند سماعه هذه الية وحسن إسلمه.
2الخوص :الدخول في الماء ،نم استعمل في كل دخول فيه تلويث وأذى.
3اختلف العلماء في الهزل في سائر الحكام كالبيع والنكاح والطلق على ثلثة أقوال ل يلزم
مطلقا ،يلزم مطلقا ،التفرقة بين البيع وغيره ،وهدا الراجح ،لنّ النكاح والطلق والعتاق ورد فيها
النص من السنة لحديث الترمذي وحسنه مع وصفه بالغرابة وبه العمل عد جماهير الصحابة
والتابعين والفقهاء وهو" :ثلث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلق والرجعة" وحديث الموطأ:
"ثلث ليس فيهن لعب :النكاح والطلق والعتق".
( )2/391
فِيهَا ِهيَ حَسْ ُب ُه ْم وََلعَ َنهُمُ اللّهُ وََلهُمْ عَذَابٌ ّمقِيمٌ( )68كَالّذِينَ مِن قَبِْل ُكمْ كَانُواْ أَشَدّ مِن ُكمْ ُق ّوةً وََأكْثَرَ
خضْتُمْ
ل ِقهِ ْم وَ ُ
ل ِقكُمْ َكمَا اسْ َتمْتَعَ الّذِينَ مِن قَبِْلكُمْ ِبخَ َ
ل وََأ ْولَدًا فَاسْ َتمْ َتعُواْ بِخَل ِقهِمْ فَاسْ َتمْ َتعْتُم بِخَ َ
َأ ْموَا ً
عمَاُلهُمْ فِي الّدنْيَا وَالخِ َرةِ وَُأوْلَئِكَ ُهمُ ا ْلخَاسِرُونَ( )69أَلَمْ يَأْ ِتهِمْ نَبَأُ
طتْ أَ ْ
كَالّذِي خَاضُواْ ُأوْلَ ِئكَ حَبِ َ
ن وَا ْل ُمؤْتَ ِفكَاتِ أَتَ ْتهُمْ رُسُُلهُم
ح وَعَا ٍد وَ َثمُو َد َو َقوْمِ إِبْرَاهِي َم وَِأصْحَابِ مَدْيَ َ
الّذِينَ مِن قَبِْل ِهمْ َقوْمِ نُو ٍ
سهُمْ َيظِْلمُونَ()70
بِالْبَيّنَاتِ َفمَا كَانَ اللّهُ لِ َيظِْل َمهُ ْم وََلكِن كَانُواْ أَنفُ َ
شرح الكلمات:
المنافقون :أي الذين يظهرون للمؤمنين اليمان بألسنتهم ويسترون الكفر في قلوبهم.
بعضهم هن بعض :1أي متشابهون في اعتقادهم وقولهم وعملهم فأمرهم واحد.
بالمنكر :أي ما ينكره الشرع لضرره أو قبحه وهو الكفر بال ورسوله.
عن المعروف :أي ما عرفه الشرع نافعا فأمر به من اليمان والعمل الصالح.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
يقبضون أيديهم :أي يمسكونها عن النفاق في سبيل ال.
نسوا ال فنسيهم :أي تركوا ال فلم يؤمنوا به وبرسوله فتركهم وحرمهم من توفيقه وهدايته.
عذاب مقيم :أي دائم ل يزول ول يبيد.
__________
{ 1بعضهم من بعض} :أي :هم كالشيء الواحد في الخروج عن الدين ،أو هم متشابهون في المر
بالمنكر والنهي عن المعروف.
( )2/392
( )2/393
تعالى رسوله أن يقول للمنافقين المستهزئين بال وآياته ورسوله؟ أنتم أيها المنافقون كأولئك الذين
كانوا من قبلكم في الغترار بالمال والولد والكفر بال والتكذيب لرسله حتى نزل بهم عذاب ال
ومضت فيهم سنته في إهلكهم هذا ما تضمنته الية الكريمة إذ قال تعالى {كالذين من قبلكم 1
كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالً وأولدا فاستمتعوا بخلقهم} أي بنصيبهم الذي كتب لهم في الدنيا
{فأستمتعتم بخلقكم} أي بما كتب لكم في هذه الحياة الدنيا {كما استمتع الذين من قبلكم} أي سواء
بسواء {وخضتم} في الباطل والشر وبالكفر والتكذيب {كالذي خاضوا }2أي كخوضهم سواء
بسواء أولئك الهالكون {حبطت أعمالهم في الدنيا والخرة} أي تلشت وذهبت ولم ينتفعوا منها
بشيء{ ،وأولئك هم الخاسرون} .وبما أنكم أيها المنافقون تسيرون على منهجهم في الكفر
والتكذيب والغترار بالمال والولد فسوف يكون مصيركم كمصيرهم وهو الخسران المبين .وقوله
تعالى في الية الرابعة ({ )70ألم يأتهم 3نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم
وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم 4رسلهم بالبينات} أي اليات الدالة على توحيد ال وصدق
رسوله وسلمة دعوتهم كما جاءكم أيها المنافقون رسولنا محمد صلى ال عليه وسلم بالبينات
فكذبتم كما كذب الذين من قبلكم فنزل بهم عذاب ال فهلك قوم نوح بالطوفان وعاد بالريح العاتية،
وثمود بالصاعقة ،وقوم إبراهيم 5بسلب النعم وحلول النقم ،وأصحاب مدين بالرجفة وعذاب
الظلمة ،والمؤتفكات 6بالمطر والئتفاك أي القلب بأن أصبح أعالي مدنهم الثلث 7أسافلها،
وأسافلها أعاليها ،وما ظلمهم ال تعالى بما أنزل عليهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ،وأنتم أيها
المنافقون إن لم تتوبوا إلى ربكم سيحل بكم ما حل بمن قبلكم أو أشد لنكم لم تعتبروا بما سبق.
__________
1الكاف :في محل نصب أي :وعدكم ال أيها المنافقون والمنافقات كما وعد الذين من قبلكم نار
جهنم تخلدون فيها.
2الكاف :في محل نصب نعت لمصدر محذوف أي :وخضتم خوضا كالذي خاضوا أي :في
الباطل والشر والفساد .والذي بمعنى الجمع ،ويحوز أن يكون الذين محذوف النون على لغةٍ هذيل
قال شاعرهم:
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ...هم القوم كل القوم يا أم خالد
3الستفهام للتقرير ،والتحذير بمعنى :ألم يسمعوا بإهلكنا الكفار من قبلهم؟
4أي بدلئل الحق والصدق ،والجملة تعليلية.
5هم نمرود بن كنعان وقومه.
6قوم لوط عليه السلم.
7تقدمت أسماء هذه المدن قريبا.
( )2/394
هداية اليات
من هداية اليات:
-1إن المنافقين لما كان مرضهم واحد وهو الكفر الباطني كان سلوكهم متشابها.
-2المر بالمنكر والنهي عن المعروف علمة النفاق وظاهرة الكفر وانتكاس الفطرة.
-3الغترار بالمال والولد من عوامل عدم قبول الحق والذعان له والتسليم به.
-4تشابه حال البشر وإتباع بعضهم لبعض في الباطل والفساد والشر.
-5حبوط العمال بالباطل وهلك أهلها أمر مقضى به ل يتخلف.
-6وجوب العتبار بأحوال السابقين والتعاظ بما لقاه أهل الكفر منهم من عذاب.
ضهُمْ َأوْلِيَاء َب ْعضٍ يَ ْأمُرُونَ بِا ْل َمعْرُوفِ وَيَ ْنهَوْنَ عَنِ ا ْلمُنكَ ِر وَ ُيقِيمُونَ
ن وَا ْل ُمؤْمِنَاتُ َب ْع ُ
وَا ْل ُمؤْمِنُو َ
حكِيمٌ( )71وَعَدَ
ح ُمهُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ َ
لةَ وَيُؤْتُونَ ال ّزكَا َة وَيُطِيعُونَ اللّ َه وَرَسُوَلهُ ُأوْلَ ِئكَ سَيَرْ َ
الصّ َ
ن وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ جَنّاتٍ َتجْرِي مِن تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا َومَسَاكِنَ طَيّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ
اللّهُ ا ْل ُمؤْمِنِي َ
وَ ِرضْوَانٌ مّنَ الّلهِ َأكْبَرُ ذَِلكَ ُهوَ ا ْلفَوْزُ ا ْلعَظِيمُ()72
شرح الكلمات:
والمؤمنون :أي الصادقون في إيمانهم بال ورسوله ووعد ال ووعيده.
أولياء بعض :أيما يتولىّ بعضهم بعضا في النّضرة والحماية والمحبة والتأييد.
ويقيمون الصلة" .أي يؤدونها في خشوع وافية الشروط والركان والسنن والداب.
ويؤتون الزكاة :أي يخرجون زكاة أموالهم الصامتة كالدراهم والدنانير والمعشرات ،والناطقة
كالنعام :البل والبقر والغنم.
( )2/395
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
في جنات عدن :أي إقامة دائمة ل يخرجون منها ول يتحولون 1عنها.
ورضوان من ال أكبر :أي رضوان ال الذي يحله عليهم أكبر من كل نعيم في الجنة.
معنى اليتين:
بمناسبة ذكر المنافقين وبيان سلوكهم ونهاية أمرهم ذكر تعالى المؤمنين وسلوكهم الحسن
ومصيرهم السعيد فقال {والمؤمنون والمؤمنات} أي المؤمنون بال ورسوله ووعده ووعيده
والمؤمنات بذلك {بعضهم أولياء بعض} أي يوالي بعضهم بعضا محبة 2ونصرة وتعاونا وتأييدا
{يأمرون بالمعروف} وهو ما عرفه الشرع حقا وخيرا من اليمان وصالح العمال{ ،وينهون عن
المنكر} وهو ما عرفه الشرع باطلً ضارا فاسدا من الشرك وسائر الجرائم فالمؤمنون والمؤمنات
على عكس المنافقين والمنافقات في هذا المر وقوله تعالى {ويقيمون 3الصلة ويؤتون الزكاة}
والمنافقون ل يأتون الصلة إل وهم كسالى فهم مضيعون لها غير مقيمين لها ،ويقبضون أيديهم
فل ينفقون ،والمؤمنون يطيعون ال ورسوله ،4والمنافقون يعصون ال ورسوله ،المؤمنون
سيرحمهم ال ،5والمنافقون سيعذبهم ال{ ،إن ال عزيز} غالب سينجز وعده ووعيده {حكيم}
يضع كل شيء في موضعه اللئق به فل يعذب المؤمنين وينعّم المنافقين بل ينعّم المؤمنين ويعذب
المنافقين.
وقوله تعالى في الية الثانية ({ )72وعد ال المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها النهار}
أي من خلل قصورها وأشجارها {خالدين فيها ومساكن} أي قصورا طيبة في غاية النظافة
وطيب الرائحة {في جنات عدن }6أي إقامة ،وقوله {ورضوان من ال }
__________
1قال تعالى من سورة الكهف{ :ل يبغون عنها حولً} أي :تحولً لنّ نعيمها ل يُمل ول تثشوق
النفس لغيره أبدا.
2شاهده من السنة قوله صلى ال عليه وسلم" :المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" وشبّك
بين أصابعه وقوله صلى ال عليه وسلم في الصحيح" :مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل
الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".
3يشمل اللفظ :الصلوات الخمس والنوافل كما شمل الزكوات المفروضة والصدقات إذ المدح
يحصل بهما معا فرضا ونفل.
4أي :يؤدون الفرائض والسنن فعل ويجتنبون المنهيات والمكروهات تركا.
5السين في {سيرحمهم} للتأكيد وتحمل معنى الخوف والرجاء وهما جناحا المؤمنين ل يطيرون
في سماء الكمالت إل بهما.
6شاهدهُ في الصحيح قوله صلى ال عليه وسلم" :جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ،وجنتان من
فضة آنيتهما وما فيهما ،وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلّ رداء الكبر على وجهه في
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها
جنة عدن" وقوله أيضا في الصحيح" :إ ّ
ستون ميل في السماء ،للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهن ل يرى بعضهم بعضا".
( )2/396
أي يحله عليهم أكبر من الجنات والقصور وسائر أنواع النعيم .وقوله {ذلك هو الفوز العظيم} ذلك
المذكور من الجنة ونعيمها ورضوان ال فيها هو الفوز العظيم .والفوز هو السلمة من المرهوب
والظفر بالمرغوب .هذا الوعد اللهي الصادق للمؤمنين والمؤمنات يقابله وعيد ال تعالى للمنافقين
والكفار في اليات السابقة ،ونصه {وعد ال المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها
هي حسبهم ولعنهم ال ولهم عذاب مقيم}.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1بيان صفات المؤمنين والمؤمنات والتي هي مظاهر إيمانهم وأدلته.
-2أهمية صفات أهل اليمان وهي الولء لبعضهم بعضا ،المر بالمعروف والنهي عن المنكر
إقامة الصلة ،إيتاء الزكاة ،طاعة ال ورسوله.
-3بيان جزاء أهل اليمان في الدار الخرة وهو النعيم المقيم في دار السلم.
-4أفضلية رضا 1ال تعالى على سائر النعيم.
-5بيان معنى الفوز وهو النجاة من النار ،ودخول الجنة.
جهَنّ ُم وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ( )73يَحِْلفُونَ بِاللّهِ
ن وَاغْلُظْ عَلَ ْيهِ ْم َومَ ْأوَاهُمْ َ
يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ جَاهِدِ ا ْل ُكفّا َر وَا ْلمُنَافِقِي َ
ل ِمهِ ْم وَ َهمّواْ ِبمَا لَمْ يَنَالُواْ َومَا َن َقمُواْ ِإلّ أَنْ أَغْنَاهُمُ
مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَِلمَةَ ا ْل ُكفْرِ َو َكفَرُواْ َبعْدَ إِسْ َ
اللّ ُه وَرَسُوُلهُ مِن َفضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ َيكُ خَيْرًا ّل ُه ْم وَإِن يَ َتوَّلوْا ُي َعذّ ْبهُمُ
__________
1أخرج الشيخان البخاري ومسلم ،ومالك في الموطأ عن أبي سعيد الخدري قال :قال رسول ال
ل يقول لهل الجنة :يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك
صلى ال عليه وسلم" :إنّ ال عزّ وج ّ
والخير بين يديك فيقول :هل رضيتم؟ فيقولون :وما لنا ل نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط
أحدا من خلقك فيقول :أل أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟
فيقول :أحل عليكم رضواني فل أسخط عليكم بعده أبدا"
( )2/397
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ي وَلَ َنصِيرٍ()74
عذَابًا أَلِيمًا فِي الدّنْيَا وَالخِ َرةِ َومَا َل ُهمْ فِي الَ ْرضِ مِن وَِل ّ
اللّهُ َ
شرح الكلمات:
جاهد الكفار :ابذل غاية جهدك في قتال الكفار والمنافقين.
واغلظ عليهم :أي في القول والفعل أي شدد عليهم ول تلن لهم.
كلمة الكفر :أي كلمة يكفر بها من قالها وهي قول الجلس بن سويد :إن كان ما جاء به محمد حقا
لنحن شرّ من الحمير.
وهموا بما لم ينالوا :أي هموا بقتل النبي صلى ال عليه وسلم في مؤامرة دنيئة 1وهم عائدون
من تبوك.
وما نقموا إل أن أغناهم :أي ما أنكروا أو كرهوا من السلم ورسوله إل أن أغناهم ال بعد فقر
أعلى مثل هذا يهمون بقتل رسول ال؟
معنى اليتين:
يأمر تعالى رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم بجهاد الكفار والمنافقين فيقول {يا أيها النبي 2
جاهد الكفار والمنافقين} وجهاد الكفار يكون بالسلح وجهاد المنافقين يكون باللسان 3 ،وقوله
تعالى {واغلظ عليهم }4أي شدد عملك وقولك ،فل هوادة مع من كفر بال ورسوله ،ومع من نافق
الرسول والمؤمنين فأظهر اليمان وأسر الكفر وقوله تعالى {ومأواهم جهنم وبئس المصير} أي
جهنم يريد ابذل ما في وسعك في جهادهم قتلً وتأدييا هذا لهم في الدنيا ،وفي الخرة مأواهم جهنم
وبئس المصير ،وقوله تعالى في الية الثانية ({ )74يحلفون بال ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر بعد
إسلمهم وهموا بما لم ينالوا} هذا الكلم علّة للمر بجهادهم والغلظ عليهم لقول الجلس بن
سويد المنافق :لئن كان ما جاء به محمد حقا لنحن شر من الحمير سمعه منه أحد المؤمنين فبلغه
رسول ال صلى ال عليه وسلم فجاء
__________
1اقرأ نصها في التفسير فإنها واضحة ومختصرة.
2يدخل في هذا الخطاب أمته صلى ال عليه وسلم.
3بأن يقول لهم الكدمة الغليظة الشديدة ويكفهر في وجوههم أي :يعبس ول يبسط وجهه فيهم.
4هذه الية نسخت كل شيء من العفو ،والصفح الذين كان الرسول صلى ال عليه وسلم يؤمر
بهما إزاء المشركين والمنافقين.
( )2/398
الجلس يعتذر ويحلف بال ما قال الذي قال فأكذبه ال تعالى في قوله في هذه الية {يحلفون بال
ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلمهم} والسياق دال على تكرر مثل هذا القول
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الخبيث وهو كذلك .وقوله تعالى {وهموا بما لم ينالوا }1يعني المنافقين الذين تآمروا على قتل
النبي صلى ال عليه وسلم عند عودته من تبوك في عقبة في الطريق إل أن ال فضحهم وخيّب
مسعاهم ونجى رسوله منهم حيث بعث عمار بن ياسر يضرب وجوه الرواحل لما غشوه فردوا
وتفرقوا بعد أن عزموا على أن لزاحموا رسول ال وهو على ناقته بنوقهم حتى يسقط منها فيهلك
أهلكهم ال .وقوله تعالى {وما نقموا} 2أي وما كرهوا من رسول ال ول من السلم شيئا إل أن
أغناهم ال ورسوله من فضله وهل الغنى بعد الفقر مما ينقم منه ،والجواب ل ولكنه الكفر والنفاق
يفسد الذوق والفطرة والعقل أيضا.
ومع هذا الذي قاموا به من الكفر والشر والفساد يفتح الرب الرحيم تبارك وتعالى باب التوبة في
وجوههم ويقول {فإن يتوبوا} 3من هذا الكفر والنفاق والشر والفساد 4يك ذلك {خيرا لهم} حالً
ومآلً أي في الدنيا والخرة{ ،وإن يتولوا } عن هذا العرض ويرفضوه فيصرون على الكفر
والنفاق {يعذبهم ال عذابا أليما} أي موجعا في الدنيا بالقتل والخزي ،وفي الخرة بعذاب النار،
{ومالهم في الرض من ولي} 5يتولهم ول ناصر ينصرهم ،أي وليس لهم في الدنيا من ولي
يدفع عنهم ما أراد ال أن ينزله بهم من الخزي والعذاب وما لهم من ناصر ينصرهم بعد أن
يخذلهم ال سبحانه وتعالى.
__________
1أخرج مسلم عن حذيفة" :أن اثني عشر رجلً سمّاهم رسول ال صلى ال عليه وسلم فعدهم
حذيفة واحدا واحدا قال قلت :يا رسول ال أل تبعث إليهم فتقتلهم؟ فقال :أكره أن يقول العرب لما
ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم ،بل يكفيهم ال بالدّبلة" وهي خراج يظهر في الظهر وينصب على
الصدر يقتل صاحبه فورا.
2أي :ليس بنقمون شيئا إل أنهم كانوا فقراء فأغناهم ال بما كان الرسول صلى ال عليه وسلم
يعطيهم من الغنائم ،قيل لحدهم :هل تجد في القرآن نظير قولهم اتق شر من أحسنت إليه؟ قال:
نعم هو قوله تعالى{ :وما نقموا إلّ أن أغناهم ال ورسوله من فضله}.
3هذه الجملة متفرعة عن الكلم السابق وهي باب ذكر الوعد بعد الوعيد والترغيب بعد
الترهيب ،وهو أسلوب القرآن الكريم.
4حذفت نون {يك} تخفيفا إذ الصل يكن.
5هذه الجملة معطوفة على جملة{ :يعذلهم ال} وهي وإن كانت اسمية ل يمتنع أن تكون جوابا
ثانيا معطوفا على جملة الجزاء ،لنه يغتفر في التابع مال يغتفر في المتبوع ،فالجزاء جزاءان،
الول :تعذيبهم والثاني :انعدام الولي والنصير لهم في الرض كلها.
( )2/399
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
هداية اليتين.
من هداية اليتين:
-1بيان آية السيف 1وهي {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين}.
-2تقرير مبدأ الردة وهي أن يقول المسلم كلمة الكفر فيكفر بها وذلك كالطعن في السلم أو سب
ال أو رسوله صلى ال عليه وسلم أو التكذيب بما أمر ال تعالى باليمان به والتصديق بضده أي
بما أمر ال بتكذيبه.
-3تقرير مبدأ التوبة من كل الذنوب ،وأن من تاب تقبل توبته.
-4الوعيد الشديد لمن يصر على الكفر ويموت عليه.
ن وَلَ َنكُونَنّ مِنَ الصّاِلحِينَ( )75فََلمّا آتَاهُم مّن َفضْلِهِ
َومِ ْنهُم مّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن َفضْلِهِ لَ َنصّ ّدقَ ّ
خَلفُواْ الّلهَ مَا
عقَ َبهُمْ ِنفَاقًا فِي قُلُو ِبهِمْ إِلَى َيوْمِ يَ ْل َقوْنَهُ ِبمَا أَ ْ
بَخِلُواْ ِب ِه وَ َتوَلّو ْا وّهُم ّمعْرِضُونَ( )76فَأَ ْ
جوَاهُمْ وَأَنّ اللّهَ عَلّمُ ا ْلغُيُوبِ()78
وَعَدُوهُ وَ ِبمَا كَانُواْ َيكْذِبُونَ( )77أَلَمْ َيعَْلمُواْ أَنّ اللّهَ َيعَْلمُ سِرّ ُه ْم وَنَ ْ
شرح الكلمات:
ومنهم :أي من المنافقين.
لئن آتانا من فضله :أي مالً كثيرا.
بخلوا به :أي منعوه فلم يؤدوا حقه من زكاة وغيرها.
فأعقبهم نفاقا :أي فأورثهم البخل نفاقا ملزما لقلوبهم ل يفارقها إلى يوم يلقون
__________
1يروى عن علي رضي ال عنه أنه قال :سيوف ال أربعة :واحد على المشركين قال تعالى:
{فاقتلوا المشركين }..وثان على الكافرين قال تعالى{ :قاتلوا الذين ل يؤمنون بال واليوم الخر}..
وثالث على المنافقين :قال تعالى{ :يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين }..ورابع على البغاة .قال
تعالى{ :فقاتلوا التي تبغي حتى تفيىء إلى أمر ال}.
( )2/400
ال تعالى.
بما أخلفوا ال :.أي بسبب إخلفهم ما وعدوا ال تعالى به.
سرهم ونجواهم :أي ما يسرونه في نفوسهم ويخفونه ،وما يتناجون به فيما بينهم.
علم الغيوب :يعلم كل غيب في الرض أو في السماء.
معنى اليات:
ما زال السياق في المنافقين وهم أصناف وهذا صنف 1آخر منهم قد عاهد ال تعالى لئن أغناهم
من فضله وأصبحوا ذوي ثروة ومال كثير ليصدقن منه ولينفقنّه في طريق البر والخير ،فلما
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
أعطاهم ال ما سألوا وكثر مالهم شحوا به وبخلوا ،وتولوا عما تعهدوا به وما كانوا عليه من تقوى
وصلح ،وهم معرضون .فأورثهم هذا البخل وخلف الوعد والكذب {نفاقا في قلوبهم }2ل يفارقهم
حتى يلقوا ربهم .هذا ما دل عليه قوله تعالى {ومنهم من 3عاهد ال لئن آتانا من فضله لنصدقن
ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم 4من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في
قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا ال ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} .أما الية الخيرة ( )78وهي
قوله تعالى {ألم يعلموا أن ال يعلم سرهم ونجواهم وأن ال علم الغيوب؟؟} فإنها تضمنت توبيخ
ال تعالى للمنافقين الذين عاهدوا ال وأخلفوه بموقفهم الشائن كأنهم ل يعلمون أن ال يعلم سرهم
ونجواهم وأنه تعالى علم الغيوب ،وإل كيف يعدونه ويحلفون له أم يحسبون أن ال ل يسمع
سرهم ونجواهم فموقفهم هذا موقف مخز لهم شائن ،وويل لهم حيث لزمهم ثمرته وهو النفاق
حتى الموت وبهذا أغلق باب التوبة في وجوههم وهلكوا مع الهالكين.
__________
1قال قتادة :هذا رجل من النصار قال :لئن رزقني ال شيئا لدين فيه حقه ولتصدقن فلما آتاه
ال ذلك فعل ما ُقصّ عليكم فاحذروا الكذب فإنه يؤدي إلى الفجور.
{ 2نفاقا} نكرة أي :نفاقا ما من نوع من أنواع النفاق وليس هو نفاق الكفر إنما هو نفاق العمل.
3الية صريحة ودللتها واضحة في أن أحد أفراد المؤمنين سأل ال المال سواء بواسطة الرسول
صلى ال عليه وسلم كأن قال له ادع ال لي ،أو سأل بنفسه وقطع عهدا لربه بما ذكر في الية،
ولما أخلف ما عاهد ال عليه أصيب بمرض النفاق في قلبه -والعياذ بال تعالى -وهل هو ثعلبة
بن حاطب أو غيره أما ثعلبة فقد شهد بدرا ،وأهل بدر ذُكر لهم وعد عظيم ،فل يصح أن يكون
أحدهم وتع في هذه الفتة وان كان غيره فهو حق ،وجائز أن يكون هذا الغير اسمه ثعلبة فتشابه
السم بالسم فطُن أنه البدري وليس هو وال اعلم .هذا وال إني لخائف من هذه الية أن تنطبق
عليّ فاللهم عفوك وغفرانك لي.
4صيغة الجمع تدل على أن من عاهد ال لم يكن فردا واحدا بل كان جماعة ولذا قال الضحاك:
إنّ الية نزلت في رجال من المنافقين :نبتل بن الحارث والجد بن قيس ومتعب بن قشير إلّ أن
قوله تعالى{ :فأعقبهم نفاقا} يتنافى مع كونهم منافقين ،إلّ أن يقال :زادهم نفاقا خُلْفهم هذا على
نفاقهم الول .وال أعلم.
( )2/401
هداية اليات.
من هداية اليات:
-1وجوب الوفاء بالعهود وخاصة عهود 1ال تعالى.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-2ذم البخل وأهله.
-3تقرير مبدأ أن السيئة يتولد عنها سيئة.
-4جواز تقريع وتأنيب أهل الباطل.
-5وجوب مراقبة ال تعالى إذ لو راقب هؤلء المنافقون 2ال تعالى لما خرجوا عن طاعته.
جهْ َدهُمْ فَ َيسْخَرُونَ مِ ْنهُمْ
ن لَ َيجِدُونَ ِإلّ ُ
ت وَالّذِي َ
طوّعِينَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ فِي الصّ َدقَا ِ
الّذِينَ َي ْلمِزُونَ ا ْل ُم ّ
سخِرَ اللّهُ مِ ْن ُه ْم وََلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( )79اسْ َت ْغفِرْ َلهُمْ َأ ْو لَ تَسْ َت ْغفِرْ َلهُمْ إِن َتسْ َت ْغفِرْ َل ُهمْ سَ ْبعِينَ مَ ّرةً فَلَن
َ
سقِينَ()80
َي ْغفِرَ الّلهُ َلهُمْ ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ َكفَرُواْ بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ وَاللّ ُه لَ َيهْدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلفَا ِ
شرح الكلمات:
يلمزون :أي يعيبون ويطعنون
__________
1اختلف في نية الطلق أو الصدقة بدون أن يلفظ هل يلزمه ما نواه بقلبه أو ل يلزمه ،الراجح:
أنه ل يلزمه ما لم يتلفظ به والدليل في قوله صلى ال عليه وسلم "إنّ ال تجاوز لمتى عمّا حدثت
به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به" رواه الترمذي وقال فيه حسن صحيح ،والشاهد في قوله" :أو
تتكلم به" والعمل بهذا عند أهل العلم.
2جاء في الصحيح قوله صلى ال عليه وسلم "آية المنافق ثلث :إذا حدّث كذب ،وإذا وعد أخلف
وإذا اؤتمن خان" ولي حديث آخر" :أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة
منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان ،وإذا حدّث كذب ،و إذا عاهد غدر
وإذا خاصم فجر" واختلف العلماء في تأويل هذين الحديثين ،وقسموا النفاق إلى اعتقادي وعملي،
فالعتقادي :ما كان صاحبه كافرا بال ورسوله مكذبا لهما ،والعملي :ما كان صاحبه مؤمنا
مصدقا ولكن يأتي منه المحظورات جهلً وفسقا .وهذا صحيح .ولكن يتأتى لعبد يؤمن بال
ورسوله أن يتعمد الكذب على المسلمين وإخلف الوعد لهم ،والغدر بهم ،وخيانتهم في أماناتهم
والفجور في التخاصم معهم ،ومن هنا كان المطلوب اجراء الخبر على ظاهره ما دام العبد يتعمد
هذه المحظورات نكاية بالمسلمين وبغضا لهم وعدم اعتراف بحقوقهم وظلما واعتداء عليهم ،إذ
مثل هذا ل يكون معه إيمان بال ورسوله صلى ال عليه وسلم.
( )2/402
( )2/403
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1حرمة لمز المؤمن والطعن فيه.
-2حرمة السخرية بالمؤمن.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-3غيرة ال على أوليائه حيث سخر ال ممن سخر من المطوعين.
-4من مات على الكفر ل ينفعه الستغفار له ،بل ول يجوز الستغفار له.
-5التوغل في الفسق أو الكفر أو الظلم يحرم صاحبه الهداية.
سهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ
لفَ َرسُولِ الّل ِه َوكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَنفُ ِ
فَرِحَ ا ْلمُخَّلفُونَ ِب َمقْعَ ِدهِمْ خِ َ
ل وَلْيَ ْبكُواْ
حكُواْ قَلِي ً
شدّ حَرّا ّلوْ كَانُوا َي ْف َقهُونَ ( )81فَلْ َيضْ َ
جهَنّمَ أَ َ
َوقَالُواْ لَ تَنفِرُواْ فِي ا ْلحَرّ ُقلْ نَارُ َ
ج َعكَ اللّهُ إِلَى طَآ ِئفَةٍ مّ ْنهُمْ فَاسْتَ ْأذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ َفقُل لّن
كَثِيرًا جَزَاء ِبمَا كَانُواْ َيكْسِبُونَ( )82فَإِن رّ َ
تَخْ ُرجُواْ َمعِيَ أَ َبدًا وَلَن ُتقَاتِلُواْ َم ِعيَ عَ ُدوّا إِ ّنكُمْ َرضِيتُم بِا ْل ُقعُودِ َأوّلَ مَ ّرةٍ فَا ْقعُدُواْ مَعَ ا ْلخَاِلفِينَ()83
شرح الكلمات:
فرح المخلفون :أي سرّ الذين تخلفوا عن الجهاد مع رسول ال صلى ال عليه وسلم.
وقالوا :ل تنفروا في الحر :أي قال المنافقون لبعضهم بعضا ل تخرجوا للغزو في الحر.
لو كانوا يفقهون :أي لو كانوا يفقهون أسرار المور وعواقبها ونتائجها لما قالوا :ل تنفروا في
الحر ولكنهم ل يفقهون.
ل وليبكوا :أي في الدنيا ،وليبكوا كثيرا في الدار الخرة.
فليضحكوا قلي ً
( )2/404
( )2/405
والطفال فإن هذا يزيد في همهم ويعظم حسرتهم جزاء تخلفهم عن رسول ال وكراهيتهم الجهاد
بالمال والنفس في سبيل ال.
هداية اللت
من هداية اليات :
-1من علمات النفاق الفرح بترك طاعة ال ورسوله.
-2من علمات النفاق كراهية طاعة ال ورسوله.
-3كراهية الضحك والكثار منه .1
-4تعمد ترك الطاعة قد يسبب الحرمان منها.
حدٍ مّ ْنهُم مّاتَ أَبَدًا َولَ َتقُمْ عََلىَ قَبْ ِرهِ إِ ّنهُمْ َكفَرُواْ بِاللّ ِه وَرَسُولِ ِه َومَاتُو ْا وَهُمْ
صلّ عَلَى أَ َ
وَلَ ُت َ
سهُمْ
سقُونَ(َ )84ولَ ُتعْجِ ْبكَ َأ ْموَاُلهُ ْم وََأ ْولَدُهُمْ إِ ّنمَا يُرِيدُ الّلهُ أَن ُيعَذّ َبهُم ِبهَا فِي الدّنْيَا وَتَزْ َهقَ أَنفُ ُ
فَا ِ
وَهُمْ كَافِرُونَ()85
شرح الكلمات:
ول تصل على أحد :أي صلة الجنازة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ول تقم على قبره :أي ل تتول دفنه والدعاء له كما تفعل مع المؤمنين.
وماتوا وهم فاسقون :.أي خارجون عن طاعة ال ورسوله.
وتزهق أنفسهم :أي تخرج أرواحهم بالموت وهم كافرون.
معنى اليتين:
ما زال السياق في شأن المنافقين المتخلفين عن غزوة تبوك ،وإن كانت هذه الية
__________
1صح عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال" :وال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلً ولبكيتم كثيرا
صعُدات تجأرون إلى ال تعالى" وورد أن كثرة الضحك تميت القلب وكان النبي
ولخرجتم إلى ال ّ
صلى ال عليه وسلم جل ضحكه البتسام.
( )2/406
نزلت في 1شأن عبدال بن أبي بن سلول كبير المنافقين وذلك أنه لما مات طلب ولده الحباب
الذي سماه رسول ال صلى ال عليه وسلم عبدال وقال له الحباب اسم الشيطان وسماه عبدال
جاءه فقال يا رسول ال إن أبي قد مات فأعطني قميصك 2أكفنه فيه" ،رجاء بركته" وصل عليه
واستغفر له يا رسول ال فأعطاه رسول ال صلى ال عليه وسلم القميص وقال له إذا فرغتم
فآذنوني فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر وقال له :أليس قد نهاك ال أن تصلي على المنافقين
فقال بل خيرني فقالوا استغفر لهم أو ل تستغفر لهم .فصلى عليه فأنزل ال تعالى هذه الية {ول
تصل على أحد منهم 3فات أبدا ،ول تقم على قبره} أي ل تتول دفنه والدعاء له بالتثبيت عند
المسألة .وعلل تعالى لهذا الحكم بقوله {إنهم كفروا بال ورسوله وماتوا وهم فاسقون} ،وقوله {ول
تعجبك أموالهم وأولدهم} أي ل تصل 4على أحد منهم مات يا رسول ال {ول تعجبك أموالهم
وأولدهم} فتصلي عليهم .إني إنما أعطيتهم ذلك ل كرامة لهم وإنما لعذبهم بها في الدنيا بالغموم
والهموم {وتزهق أنفسهم} أي ويموتوا {وهم كافرون} فسينقلون إلى عذاب أبدي ل يخرجون منه،
وذلك جزاء من كفر بال ورسوله.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1حرمة الصلة على الكافر مطلقا.
-2حرمة غسل الكافر والقيام على دفنه والدعاء له.
__________
1روى البخاري عن ابن عباس رضي ال عنهما قال" :فصلى عليه رسول ال صلى ال عليه
وسلم ثم انصرف فلم يمكث إل يسيرا حتى نزلت اليتان من براءة{ :ول تصل على أحد منهم
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
مات أبدا } وما في التفسير من خبر ابن أبيّ رواه مسلم.
2فإن قيل :كيف يعطي الرسول صلى ال عليه وسلم قميصه ليكفن فيه رئيس المنافقين وكيف
صلى عليه واستغفر له وهو يعلم أنّه منافق؟ والجواب :أما اعطاؤه ثوبه ليكفن فيه فقد سبق أن
أعطى عبدال بن أبي ثوبا للعباس عم الرسول صلى ال عليه وسلم فحفظ له هذه اليد فأعطاه ثوبه
وأما الصلة عليه فقد كانت قبل نهي ال تعالى عنها ،وأما الستغفار فقد خير فيه بقوله { استغفر
لهم أو ل تستغفر لهم} فرأى صلى ال عليه وسلم في استغفاره استئلفا للقلوب ففعل.
3في الية دليل على فرضية الصلة على أموات المسلمين ،ول خلف في هذا بين أهل العلم،
وفي الية إحدى موافقات عمر رضي ال عنه إذ أنزل ال تعالى هذا الحكم وهر ترك الصلة
على المنافقين بعد أن قال عمر :أليس قد نهاك ال أن تصلي على المنافقين ،فالصلة هنا هي
الدعاء والستغفار فلما صلى عليه نزلت الية {ول تصل على أحد }..الخ فترك الصلة على
المنافقين.
4صلة الجنازة هي :أن يكبر ثم يقرأ الفاتحة ثم يكبر ويصلي على النبي صلى ال عليه وسلم ثم
يكبر ويدعو للميت ،ثم يكبر الرابعة ويسلم لفعل الرسول صلى ال عليه وسلم هذا وقوله " :إذا
صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء" رواه أبو داود ،ويستحب أن يقف المام عند رأس الرجل،
وعجيزة المرأة ،لورود الحديث بذلك في مسلم وأبي داود.
( )2/407
طبع على قلوبهم :أي توالت ذنوبهم على قلوبهم فأصبحت طابعا عليها فحجبتها المعرفة.
لهم الخيرات :أي في الدنيا بالنصر والغنيمة .وفي الخرة بالجنة والكرامة فيها.
وأولئك هم المفلحون :أي الفائزون بالسلمة من المخوف والظفر بالمحبوب.
المعذرون :أي المعتذرون.
وقعد الذين كذبوا ال :أي ولم يأت إلى طلب الذن بالقعود عن الجهاد منافقوا العراب.
معنى اليات.:
ما زال السياق في كشف عورات المنافقين وبيان أحوالهم فقال تعالى {وإذا أنزلت 1سورة} أي
قطعة من القرآن آية أو آيات {أن آمنوا بال وجاهدوا مع 2رسوله} أي تأمر باليمان بال والجهاد
مع رسوله {استأذنك أولوا الطول منهم }3أي من المنافقين {وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين} أي
المتخلفين عن الجهاد للعجز كالمرضى والنساء والطفال قال تعالى :في عيبهم وتأنيبهم {رضوا
بأن يكونوا مع الخوالف} أي مع النساء وذلك لجبنهم وهزيمتهم النفسية وقوله تعالى {وطبع على
قلوبهم} أي طبع ال على قلوبهم بآثار ذنوبهم التي رانت على قلوبهم فلذ ا هم ل يفقهون معنى
الكلم وإل لما رضوا بوصمة العار وهي أن يكونوا في البيوت مع النساء هذه حال المنافقين
وتلك فضائحهم إذا أنزلت سورة تأمر باليمان والجهاد يأتون في غير حياء ول كرامة يستأذنون
في البقاء مع النساء (لكن 4الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم} ولم يستأذنوا
ففازوا بكرامة الدنيا
__________
1السورة .طائفة من آيات القران لها مبدأ ومختم ،والمراد بالسورة هنا :هذه السورة (التوبة) أو
بعض آياتها المرة بالجهاد واليمان.
{ 2أن آمنوا} أن :تفسيرية فسرت مضمون السورة وهو اليمان والجهاد.
3أي :في القعود والتخلف عن الجهاد وهم أصحاب القدرة على الجهاد لصحة أجسامهم وكثرة
أموالهم أما العجزة فإنهم غير مأمورين بالجهاد ،والطول معنا :الغنى والقدرة المالية.
4قوله{ :لكن} الخ استدراك بيّن فيه تعالى حال الرسول صلى ال عليه وسلم والمؤمنين وأنها
أكمل الحوال بعد ذكر حال المنافقين وما هم عليه من صفات النقص آذ أخبر أنهم لجبنهم يطلبون
القعود عن الجهاد وأنهم لما ران على قلوبهم من أوضار الكفر والفسق ل يفقهون الكلم ول
يعرفون ما يضرهم ول ما ينفعهم بخلف الرسول والمؤمنين فقد ذكر صفاتهم الكمالية ،وهي
الجهاد بالمال والنفس وما فازوا به من عظيم الخيرات ،وما آلوا إليه من الفلح وهو النجاة من
المرهوب والظفر بالمحبوب.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
( )2/409
والخرة قال تعالى {وأولئك لهم الخيرات} 1أي في الدنيا بالنتصارات والغنائم وفي الخرة
بالجنة ونعيمها ورضوان ال فيها .وقال {وأولئك هم المفلحون} أي الفائزون بالسلمة من كل
مرهوب وبالظفر بكل مرغوب وفسر تعالى تلك الخيرات وذلك الفلح بقوله في الية ( )89فقال
{أعد ال لهم جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها} وأخبر عما أعد لهم من ذلك النعيم المقيم
بأنه الفوز فقال {ذلك الفوز العظيم} .هذا ما دلت عليه اليات الربع أما الية الخامسة ( )90فقد
تضمنت إخبار ال تعالى عن منافقي العراب أي البادية ،فقال تعالى {وجاء المعذرون }2أي
المعتذرون أدغمت التاء في الذال فصارت المعذرون من العراب أي من سكان البادية كأسد
وغطفان ورهط عامر بن الطفيل جاءوا يطلبون الذن من رسول ال صلى ال عليه وسلم
بالتخلف بدعوى الجهد والمخمصة ،وقد يكونون معذورين حقا وقد ل يكونون كذلك .وقوله {وقعد
الذين كذبوا ال ورسوله} في دعوى اليمان بال ورسوله وما هم بمؤمنين بل هم كافرون
منافقون ،فلذا مال تعالى فيهم {سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم} في الدنيا وفي الخرة ،إن
ماتوا على كفرهم.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1القرآن هو مصدر التشريع اللهي الول والسنة الثاني.
-2مشروعية الستئذان للحاجة الملحة.
-3حرمة الستئذان للتخلف عن الجهاد مع القدرة عليه.
-4حرمة التخلف عن الجهاد بدون إذن من المام.
-5فضل الجهاد بالمال والنفس في سبيل ال.
-6بيان عظم الجر وعظيم الجزاء لهل اليمان والجهاد.
__________
1الخيرات :جمع خير على غير قياس كسرادقات ،وحمامات جمع سرادق وحمام.
{ 2المعذرون} هذا اللفظ صالح لن يكون المراد به المعتذرون لعلل قامت بهم وصالح لن يكون
المراد به المعذرون وهم الذين ل عذر لهم ويعتذرون بغير حق موجب للعذر يقال :عذر فلن:
إدا قصّر في الواجب واعتذر بدون عذر قام به .وهذا من بلغة القرآن ،اللفظ الواحد منه يحتمل
وجهين وكلهما حق ومراد.
( )2/410
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
ن لَ َيجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا َنصَحُواْ ِللّهِ
ض َعفَاء وَلَ عَلَى ا ْلمَ ْرضَى َولَ عَلَى الّذِي َ
لّيْسَ عَلَى ال ّ
حمَِلهُمْ
غفُورٌ رّحِيمٌ(َ )91ولَ عَلَى الّذِينَ إِذَا مَا أَ َت ْوكَ لِ َت ْ
ل وَاللّهُ َ
حسِنِينَ مِن سَبِي ٍ
وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ا ْلمُ ْ
حمُِلكُمْ عَلَ ْيهِ َتوَلّواْ وّأَعْيُ ُنهُمْ َتفِيضُ مِنَ ال ّدمْعِ حَزَنًا َألّ يَجِدُواْ مَا يُن ِفقُونَ()92
قُ ْلتَ لَ َأجِدُ مَا أَ ْ
شرح الكلمات :
على الضعفاء :أي كالشيوخ.
ول على المرضى :كالعمى وال َزمْنَى.
حرج :أي إثم على التخلف.
إذا نصحوا ل ورسوله :أي ل حرج عليهم في التخلف إذا نصحوا ل ورسوله وذلك بطاعتهم ل
ورسوله مع تركهم الرجاف والتثبيط.
ما على المحسنين من سبيل :أي من طريق إلى مؤاخذتهم.
لتحملهم :.أي على رواحل يركبونها.
تولوا " :أي رجعوا إلى بيوتهم.
تفيض من الدمع :أي تسيل بالدموع الغزيرة حزنا على عدم الخروج.
معنى اليتين:
لما ندد تعالى بالمتخلفين وتوعد بالعذاب الليم الذين لم يعتذروا منهم ذكر في هذه اليات أنه ل
حرج على أصحاب العذار وهم الضعفاء ،كالشيوخ والمرضى والعميان وذوو العرج 1والفقراء
الذين ل يجدون ما ينفقون ولكن بشرط نصحهم ل ورسوله فقال عز
__________
1شاهده في سورة الفتح{ :ليس على العمى حرج ول على العرج حرج ول على المريض
حرج} وقوله تعالى{ :ل يكلف ال نفسا إل وسعها}.
( )2/411
وجل {ليس على الضعفاء ول على المرضى ول على الذين ل يجدون ما ينفقون حرج} أي إثم
{إذا نصحوا ل ورسوله} 1ومعنى النصح ل ورسوله طاعتهما في المر والنهي وترك الرجاف
والتثبيط والدعاية المضادة ل ورسوله والمؤمنين والجهاد في سبيل ال وقوله تعالى {ما على
المحسنين من سبيل} أي ليس على من أحسنوا في تخلفهم لنه أولً بعذر شرعي 2وثانيا هم
مطيعون ل ورسوله وثالثا قلوبهم ووجوههم مع ال ورسوله وإن تخلفوا بأجسادهم للعذر فهؤلء
ما عليهم من طريق إلى انتقاصهم أو أذيتهم بحال من الحوال ،كما ليس من سبيل {على الذين إذا
ما أتوك لتحملهم} إلى الجهاد معك في سيرك {قلت} معتذرا إليهم {ل أجد ما أحملكم عليه تولوا}
أي رجعوا إلى منازلهم وهم يبكون والدموع تفيض من أعينهم 3حزنا {أل يجدوا ما ينفقون} في
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
سيرهم معكم وهم نفر منهم العرباص بن سارية وبنو مقرن وهم بطن من مزينة رضي ال تعالى
عنهم أجمعين.
هداية اليتين
من هداية اليتين:
-1ل حرج على أصحاب العذار الذين ذكر ال تعالى في قوله {ليس على العمى حرج ول
على العرج حرج ول على المريض حرج} وفي هذه الية {ول على الذين ل يجدون ما ينفقون}
حرج وبشرط طاعة ال والرسول فيما يستطيعون والنصح 4ل والرسول بالقول والعمل وترك
التثبيط والتخذيل والرجاف من الشاعات المضادة للسلم والمسلمين.
__________
1قال القرطبي{ :نصحوا ا ل ورسوله} إذا عرفوا الحق وأحبّوا أولياءه وأبغضوا أعداءه ،ومع
قبول أعذار أصحاب العذار فقد خرج ابن أم مكتوم إلى أحد وهو رجل أعمى ،وطلب أن يعطى
الراية ليحملها ،وخرج عمرو بن الجموح وهو أعرج خرج إلى أحد فقال له رسول ال صلى ال
عليه وسلم" :إنّ ال قد عذرك" فقال :وال لحفرنّ بعرجتي هذه في الجنة.
2روى أبو داود عن أنس رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال" :لقد تركتم
بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ول أنفقتم من نفقة ول قطعتم من وا ٍد إلّ وهم معكم فيه ،قالوا :يا
رسول ال وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ قال :حبسهم العذر؟"
{ 3حزنا} منصوب على أنه مفعول لجله ،وجملة{ :وأعينهم} :حال من {تولوا}.
4النصح :إخلص العمل من الغش يقال :نصح الشيء :إذا خلص ،ونصح له القول :أي أخلصه
له .وفي صحيح مسلم عن تميم الداري رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :الدين
النصحية -ثلثا -قلنا لمن يا رسول ال قال :ل ولكتابه ولرسوله ولئمة المسلمين وعامتهم" ذكر
القرطبي معاني هذه النصائح بالتفصيل عند تفسير هذه الية فليرجع إليها من طلب ذلك.
( )2/412
( )2/413
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
الجزء الحادي عشر
ف وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى
خوَاِل ِ
ك وَهُمْ أَغْنِيَاء َرضُواْ بِأَن َيكُونُواْ َمعَ الْ َ
إِ ّنمَا السّبِيلُ عَلَى الّذِينَ يَسْتَأْذِنُو َن َ
جعْتُمْ إِلَ ْيهِمْ قُل لّ َتعْتَذِرُواْ لَن ّن ْؤمِنَ َلكُمْ َقدْ نَبّأَنَا الّلهُ
قُلُو ِبهِمْ َفهُ ْم لَ َيعَْلمُونَ(َ )93يعْ َتذِرُونَ ِإلَ ْيكُمْ إِذَا رَ َ
شهَا َدةِ فَيُنَبّ ُئكُم ِبمَا كُنتُمْ
عمََل ُك ْم وَرَسُولُهُ ثُمّ تُرَدّونَ إِلَى عَالِمِ ا ْلغَ ْيبِ وَال ّ
مِنْ أَخْبَا ِر ُك ْم وَسَيَرَى اللّهُ َ
َت ْعمَلُونَ( )94سَيَحِْلفُونَ بِاللّهِ َل ُكمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَ ْيهِمْ لِ ُتعْ ِرضُواْ عَ ْنهُمْ فَأَعْ ِرضُواْ عَ ْنهُمْ إِ ّن ُهمْ رِجْسٌ
ضوْاْ عَ ْنهُمْ فَإِنّ الّلهَ
ضوْاْ عَ ْن ُهمْ فَإِن تَ ْر َ
جهَنّمُ جَزَاء ِبمَا كَانُواْ َيكْسِبُونَ(َ )95يحِْلفُونَ َل ُكمْ لِتَ ْر َ
َومَأْوَا ُهمْ َ
سقِينَ()96
لَ يَ ْرضَى عَنِ ا ْل َقوْمِ ا ْلفَا ِ
شرح الكلمات:
إنما السبيل :أي الطريق إلى المعاقبة.
أغنياء :واجدون لهبة الجهاد مع سلمة أبدانهم.
الخوالف :أي النساء والطفال والعجزة.
إذا رجعتم إليهم :أي إذا عدتم إليهم من تبوك ،وكانوا بضعا وثمانين رجلً.
لن نؤمن لكم :أي لن نصدقكم فيما تقولون.
ثم تُ َردّون :أي يوم القيامة.
إذا انقلبتم :أي رجعتم من تبوك.
( )2/414
( )2/415
الكفر والنفاق والمعاصي ..وقوله تعالى {يحلفون لكم} 1معتذرين بأنواع من المعاذير لترضوا
عنهم فإن ترضوا عنهم فلن ينفعهم رضاكم شيئا لنهم فاسقون وال ل يرضى عن القوم الفاسقين
وما دام ل يرضى عنهم فهو ساخط عليهم ،ومن سخط ال عليه أهلكه وعذبه فلذا رضاكم عنهم
وعدمه سواء.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1ل سبيل إلى أذِيّة المؤمنين الصادقين إذا تخلّفوا فإنهم ما تخلفوا إل لعذر .وإنما السبيل على
الغنياء القادرين على السير إلى الجهاد وقعدوا عنه لنفاقهم.
-2مشروعية العتذار على شرط أن يكون المؤمن صادقا في اعتذاره.
-3المنافقون كالمشركين رجْس أي نَجَس لن بواطنهم خبيثة بالشرك والكفر وأعمالهم الباطنة
خبيثة أيضا إذْ كلها تآمر على المسلمين ومكر بهم وكيد لهم.
-4حرمة الرضا على الفاسق المجاهر بفسقه ،إذ يجب ُبغْضه فكيف يُرضى عنه ويُحب؟
حكِيمٌ()97
جدَرُ َألّ َيعَْلمُواْ حُدُودَ مَا أَن َزلَ اللّهُ عَلَى رَسُوِل ِه وَاللّهُ عَلِيمٌ َ
الَعْرَابُ َأشَدّ ُكفْرًا وَ ِنفَاقًا وَأَ ْ
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
علِيمٌ(
سمِيعٌ َ
سوْ ِء وَالّلهُ َ
خذُ مَا يُنفِقُ َمغْ َرمًا وَيَتَرَ ّبصُ ِب ُكمُ ال ّدوَائِرَ عَلَ ْي ِهمْ دَآئِ َرةُ ال ّ
َومِنَ الَعْرَابِ مَن يَتّ ِ
َ )98ومِنَ الَعْرَابِ مَن ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه وَالْ َيوْ ِم الخِ ِر وَيَتّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ الّل ِه َوصَلَوَاتِ الرّسُولِ
غفُورٌ رّحِيمٌ()99
حمَتِهِ إِنّ اللّهَ َ
أَل إِ ّنهَا قُرْبَةٌ ّلهُمْ سَيُ ْدخُِلهُمُ اللّهُ فِي رَ ْ
شرح الكلمات :
__________
1المراد به :عبدال بن أبيّ إذ حلف أن ل يتخلّف بعد اليوم عن رسول ال صلى ال عليه وسلم
وطلب أن يرضى عنه.
( )2/416
( )2/417
لنه كافر بال ولقاء ال تعالى .وقوله عز وجل {ويتربص بكم الدوائر} أي وينتظر بكم أيها
المسلمون الدوائر متى تنزل بكم فيتخلص منكم ومن النفاق لكم والدوائر جمع دائرة المصيبة
والنازلة من الحداث وقوله تعالى {عليهم دائرة السوء} 1هذه الجملة دعاء عليهم .جزاء ما
يتربصون بالمؤمنين .وقوله {وال سميع عليم} أي سميع لقوالهم عليم بنيانهم فلذا دعا عليهم بما
يستحقون .وقوله تعالى في الية الثالثة ({ )99ومن العراب من يؤمن بال واليوم الخر 2ويتخذ
ما ينفق قربات عند ال وصلوات الرسول} 3إخبار منه تعالى بأن العراب ليسوا سواء بل منهم
من يؤمن بال واليوم الخر ،فلذا هو يتخذ ما ينفق من نفقة في الجهاد قربات عند ال أي قربا
يتقرب بها إلى ال تعالى ،ووسيلة للحصول على دعاء الرسول له ،لن الرسول صلى ال عليه
وسلم كان إذا أتاه المؤمن بزكاته أو صدقته يدعو له بخير ،كقوله لعبد ال بن أبي أوفى :اللهم
صل على آل أبي أوفى ،وقوله تعالى {أل إنها قربة لهم} إخبار منه تعالى بأنه تقبلها منهم صارت
قربة 4لهم عنده تعالى ،وقوله تعالى {سيدخلهم ال في رحمته} بشرى لهم بدخول الجنة ،وقوله
{إن ال غفور رحيم} يؤكد وعد ال تعالى لهم بإدخالهم في رحمته التي هي الجنة فإنه يغفر ذنوبهم
أولً ،ويدخلهم الجنة ثانيا هذه سنته تعالى في أوليائه ،يطهرهم ثم ينعم عليهم بجواره.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1بيان أن سكان البادية يُحرمون من كثير عن الداب والمعارف فلذا سكن البادية غير محمود
إل إذا كان فرارا من الفتن.
-2من العراب المؤمن والكافر والبر والتقي والعاصي والفاجر كسكان المدن إل أن كفار البادية
ومنافقيها أشد كفرا ونفاقا لتأثير البيئة.
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
-3فضل النفقة في سبيل ال والخلص فيها ل تعالى.
__________
1قرىء {السوء} بالفتح والضم إل قوله{ :وما كان أبوك امرأ سوء} ،فإنه بالفتح ل غير ،إذ السُوء
بالضم :المكروه ،والسوء بالفتح :الفساد .امرؤ سوء :أي :فاسد.
2قيل :هم بنو ُمقَرّن من مزينة.
3صلوات الرسول هي استغفاره ودعاؤه لهم بالخير والبركة.
4أي :تقرّبهم من ال تعالى.
( )2/418
إلى اليمان والهجرة والنصرة والجهاد ،والذين اتبعوهم 1في ذلك وأحسنوا أعمالهم فكانت موافقة
لما شرع ال وبين رسوله محمد صلى ال عليه وسلم الجميع رضي ال عنهم بإيمانهم وصالح
أعمالهم ،ورضوا عنه بما أنالهم من إنعام وتكريم ،وأعد لهم جنات تجرى من تحتها النهار
خالدين فيها أبدا أي وبشرهم بما أعد لهم من جنات وقوله {ذلك الفوز العظيم} أي ذلك المذكور
من رضاه تعالى عنهم ورضاهم عنه وإعداد الجنة لهم هو الفوز العظيم ،والفوز السلمة من
المرهوب والظفر بالمرغوب فالنجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم ،هذا ما دلت عليه
الية الولى ( )100وأما الية الثانية فقد تضمنت الخبار بوجود منافقين في العراب 2حول
المدينة ،ومنافقين في داخل المدينة ،إل أنهم لتمرسهم وتمردهم في النفاق أصبحوا ل يُعرفون ،لكن
ال تعالى يعلمهم هذا معنى قوله تعالى {وممن حولكم من العراب منافقون ومن أهل المدينة
مردوا 3على النفاق ل تعلمهم نحن نعلمهم} ،وقوله تعالى {سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب
عظيم} وعيد لهم نافذ فيهم ل محالة وهو أنه تعالى سيعذبهم في الدنيا مرتين مرة بفضحهم أو بما
شاء من عذاب ومرة في قبورهم ،ثم بعد البعث يردهم إلى عذاب النار وهو العذاب العظيم ،وقوله
تعالى في الية الثالثة ({ )102وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملً صالحا وآخر سيئا} 4هؤلء
أُناس آخرون تخلفوا عن الجهاد بغير عذر وهم أبو لبابة ونفر معه ستة أو سبعة أنفار ربطوا
أنفسهم في سواري المسجد لما سمعوا ما نزل في المتخلفين وقالوا لن نحل أنفسنا حتى يحلنا
رسول ال صلى ال عليه وسلم خلطوا عملً صالحا وهو إيمانهم وجهادهم وإسلمهم وعملً سيئا
وهو تخلفهم عن غزوة تبوك بغير عذر ،فقوله تعالى {عسى ال أن يتوب عليهم} إعلمهم بتوبة
ال تعالى عليهم فجاء رسول ال صلى ال عليه وسلم فحل رباطهم وقالوا لرسول ال صلى ال
عليه وسلم هذه أموالنا التي خلفتنا عنك خذها فتصدق بها واستغفر لنا فقال ما أمرت أن آخذ من
أموالكم شيئا.
__________
1التابعون :جمع تابع أو تابعي ،وهم الذين صحبوا الصحابة ،وأكبر التابعين :الفقهاء السبعة وهم:
سعيد بن المسيب ،والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير ،وخارجة بن زيد ،وأبو سلمة بن
عبدالرحمن ،وعبدال بن عتبة بن مسعود ،وسليمان بن يسار .وكلهم من المدينة النبوية وأفضل
نساء التابعين حفصة بنت سيرين وعمرة بنت عبدالرحمن وأم الدرداء.
2الحياء الذين كانوا حول المدينة هم :مزينة وجهينة وأسلم ،وغفار وأشجع ولحيان وعصيّة
وكان منهم منافقون.
3يقال :مرد على المر :إذا مرن عليه ودرب به ،ومنه الشيطان المارد سئل حذيفة عن المنافقين
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فأخبر أنهم اثنا عشر ،ستة ماتوا بالدبيلة وأربعة ماتوا موتا عاديا.
{ 4خلطوا} يريد خلطوا حسنات أعمالهم الصالحة بسيئات التخلف عن الغزو والنفاق في الجهاد
والسير مع رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى تبوك .وعسى :فعل رجاء وهي في كلم ال تعالى
كناية عن وقوع المرجو ل محالة.
( )2/420
هداية اليات
من هداية اليات:
-1فضل السبق للخير والفوز بالولية فيه.
-2فضل أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم على غيرهم ممن جاء بعدهم.
-3فضل التابعين لصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم إن أحسنوا المتابعة.
-4علْم ما في القلوب إلى ال تعالى فل يعلم أحد من الغيب إل ما علّمه ال عز وجل.
-5الرجاء لهل التوحيد الذين خلطوا عملً صالحا وآخر سيئا بأن يغفر ال لهم ويرحمهم.
سمِيعٌ عَلِيمٌ(
سكَنٌ ّلهُ ْم وَاللّهُ َ
طهّرُ ُه ْم وَتُ َزكّيهِم ِبهَا َوصَلّ عَلَ ْيهِمْ إِنّ صَلَ َتكَ َ
خذْ مِنْ َأ ْموَاِلهِ ْم صَ َدقَةً تُ َ
ُ
ت وَأَنّ اللّهَ ُهوَ ال ّتوّابُ الرّحِيمُ(
خذُ الصّ َدقَا ِ
)103أََلمْ َيعَْلمُواْ أَنّ الّلهَ ُهوَ َيقْبَلُ ال ّتوْبَةَ عَنْ عِبَا ِد ِه وَيَأْ ُ
شهَا َدةِ
ب وَال ّ
عمََلكُ ْم وَرَسُولُ ُه وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ وَسَتُ َردّونَ إِلَى عَاِلمِ ا ْلغَ ْي ِ
عمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ َ
َ )104و ُقلِ ا ْ
جوْنَ لَِأمْرِ الّلهِ ِإمّا ُيعَذّ ُبهُ ْم وَِإمّا يَتُوبُ عَلَ ْيهِ ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ
فَيُنَبّ ُئكُم ِبمَا كُنتُمْ َت ْعمَلُونَ( )105وَآخَرُونَ مُرْ َ
حكِيمٌ()106
َ
شرح الكلمات:
صدقة :مالً يتقرب به إلى ال تعالى.
تطهرهم وتزكيهم بها :أي تطهرهم من ذنوبهم ،وتزكيهم أنت أيها الرسول بها بدعائك لهم وثنائك
عليهم.
وصل عليهم :أي ادع لهم بالخير.
إن صلتك سكن لهم :أي دعاءك رحمة.
ويأخذ الصدقات :يتقبلها.
( )2/421
عليهم} هذا هو الصنف الثالث من أصناف المتخلفين فالول هم المنافقون والثاني هم التائبون
والثالث هو المقصود بهذه الية وهم ثلثة أنفار كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلل بن أمية
فهؤلء لم يأتوا الرسول صلى ال عليه وسلم ليعتذروا إليه كما فعل التائبون المتصدقون بأموالهم
منهم أبو لبابة حيث ربطوا أنفسهم في سواري المسجد فأمر الرسول صلى ال عليه وسلم
بمقاطعتهم 1حتى يحكم ال فيهم ،وهو معنى قوله تعالى {مرجون لمر ال إما يعذبهم وإما يتوب
عليهم وال عليم حكيم} فإن عذبهم أو تاب عليهم فذلك لعلمه وحكمته .وبقوا كذلك حتى ضاقت بهم
الرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم ثم تاب ال تعالى عليهم كما جاء ذلك بعد كذا آية من
آخر هذه السورة {إن ال هو التواب الرحيم}.
هداية اليات
من هداية اليات:
-1الصدقة تكفر الذنوب ونطهر الرواح من رذيلة الشح والبخل..
-2يستحب لمن يأخذ صدقة امرئ مسلم أن يدعو له بمثل :آجرك ال 2على ما أعطيت وبارك
لك فيما أبقيت.
-3ينبغي للتائب من الذنب الكبير أن يكثر بعده من الصالحات كالصدقات والصلوات ونحوها.
-4فضيلة الخوف والرجاء فالخوف يحمل على ترك المعاصي والرجاء يعمل على الكثار من
الصالحات.
سجِدًا ضِرَارًا َو ُكفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَإِ ْرصَادًا ّلمَنْ حَا َربَ الّل َه وَرَسُولَهُ مِن
وَالّذِينَ اتّخَذُواْ مَ ْ
شهَدُ إِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ( )107لَ َتقُمْ فِيهِ أَبَدًا ّل َمسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى
قَ ْبلُ وَلَ َيحِْلفَنّ إِنْ أَرَدْنَا ِإلّ ا ْلحُسْنَى وَاللّهُ َي ْ
ال ّت ْقوَى مِنْ َأ ّولِ
__________
1هؤلء هم :كعب بن مالك وهلل بن أمية ومرارة بن الربيع.
2هو معنى { :وصلّ عليهم} إذ الصلة الدعاء لغة.
( )2/423
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
حكِيمٌ()110
وَاللّهُ عَلِيمٌ َ
شرح الكلمات:
ضرارا :أي لجل الضرار.
وإرصادا :ا انتظارا وترقبا.
إل الحسنى :أي إل الخير والحال الحسن.
ل تقم فيه أبدا :أي ل تقم فيه للصلة أبدا.
أسس على التقوى :أي بني على التقوى وهو مسجد قبا.
فيه رجال :هم بنو عَمرو بن عوف.
على تقوى من ال :أي على خوف.
ورضوان :أي رجاء رضوان ال تعالى.
على شفا جرف هار :أي على طرف جرف مشرف على السقوط ،وهو مسجد الضرار.
ريبة في قلوبهم :أي شكا في نفوسهم.
إل أن تقطع قلوبهم :أي ُت ْفصَل من صدورهم فيموتوا.
معنى اليات:
ما زال السياق في فضح المنافقين وإغلق أبواب النفاق في وجوههم حتى يتوبوا إلى ال تعالى أو
يهلكوا وهم كافرون فقال تعالى ذاكرا فريقا منهم {والذين اتخذوا مسجدا 1
__________
1روي أن رأس الفتنة كان أبا عامر الراهب الذي ذهب يستعدي الروم على رسول ال صلى ال
عليه وسلم وأصحابه.
( )2/424
ضرارا وكفرا وتفريقا 1بين المؤمنين وإرصادا لمن 2حارب ال ورسوله من قبل} إن المراد من
هؤلء الذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا اثنا عشر رجلً من أهل المدينة كانوا قد أتوا النبي
صلى ال عليه وسلم وهو شاخص إلى تبوك فقالوا يا رسول ال إنا قد بنينا مسجدا للعاجز منا
صلّ لنا فيه فقال لهم صلى ال عليه وسلم أنا الن على جناح سفر وإن
والمريض واللّيلة المطيرة َف َ
عدنا نصلي لكم فيه إن شاء ال أو كما قال .فلما عاد صلى ال عليه وسلم من تبوك ووصل إلى
مكان قريب من المدينة يقال له ذواوان وهو بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار نزل عليه الوحي
بشأن مسجد الضرار فبعث مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف ومعن بن عدي أو أخاه
عاصما أخا بني العجلن فقال انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه فخرجا مسرعين
حتى أتيا بني سالم بن عوف وهم رهط مالك بن الدخشم فقال لمعن أنظرني حتى أخرج إليك بنار
http://daardesign.com/forum
منتدى دارنا
فخرج بسعف نخل قد أضرم فيه النار وأتيا المسجد وأهله فيه فأضرما فيه النار وهدماه وتفرق
أهله ونزل فيهم قوله تعالى {:والذين اتخذوا مسجدا ضرارا} أي لجل الضرار المسجد النبوي
ومسجد قباء حتى يأتيهما أهل الحي وقوله {كفرا} أي لجل الكفر بال ورسوله وقوله {وتفريقا بين
المؤمنين} علة ثالثة لبناء مسجد الضرار إذ كان أهل الحي مجتمعين في مسجد قباء فأرادوا
تفرقتهم في مسجدين حتى يجد هؤلء المنافقون مجالً للتشكيك والطعن وتفريق صفوف المؤمنين
على قاعدة( :فرق تسد) {وإرصادا لمن حارب ال ورسوله من قبل} وهو أبو عامر الراهب
الفاسق لنه عليه لعائن ال هو الذي أمرهم أن يبنوه ليكون وكرا للتآمر والكيد وهذا الفاسق قال
للنبي صلى ال عليه وسلم ما وجدت قوما يقاتلونك إل قاتلتك معهم فكان مع المشركين في
حروبهم كلها إلى أن أنهزم المشركون في هوازن وأيس اللعين ذهب إلى بلد الروم يستعديهم
على رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ومن هنا أمر المنافقين ببناء مسجد الضرار ليكون كما ذكر
تعالى حتى ينزل به مع جيوش الروم التي قد خرج يستعديها ويؤلّبها إل أنه خاب في مسعاه وهلك
بالشام إلى جهنم وبئس المصير فهذا معنى قوله تعالى {وإرصادا لمن حارب ال ورسوله من قبل}
ف والقمائم.
أي قبل بناء مسجد الضرار الذي هُدم وحُرق وأصبح موضع قمامة تلقى فيه الجِ َي ْ
__________
{ 1ضرارا} مفعول لجله أي :لجل مضارة أهل السلم بتفرقة المسلمين وإيجاد عداوات بينهم.
2هو أبو عامر الراهب ،وسمي الراهب :لنه تنصّر وتعبد على دين النصارى ولما انهزمت
ثقيف التحق بالروم ومات كافرا نالته دعوة النبي صلى ال عليه وسلم.
( )2/425
وقوله تعالى {وليحلفن إن أردنا إل الحسنى} هذا قولهم لما حرق عليهم المسجد وهدم وانفضح
أمرهم حلفوا ما أرادُوا ببنائه إل الحالة التي هي حسنى ل سوء فيها إذ قالوا بنيناه لجل ذي العلة
ولليلة المطيرة .وقوله تعالى {وال يشهد إنهم لكاذبون} تفيد لقولهم وتقرير لكذبهم .وقوله تعالى {ل