You are on page 1of 1269

‫الكتاب ‪ :‬أيسر التفاسير لكلم العلي الكبير‬

‫نسخة موافقة للمطبوع‬


‫المؤلف ‪ :‬جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري‬
‫الناشر ‪ :‬مكتبة العلوم والحكم‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬المملكة العربية السعودية‬
‫الطبعة ‪ :‬الخامسة‪1424 ،‬هـ‪2003/‬م‬
‫مصدر الكتاب ‪ :‬موقع مكتبة المدينة الرقمية‬
‫‪http://www.raqamiya.org‬‬
‫[ الكتاب موافق للمطبوع ‪ ،‬ومعه حاشيته المسماة نهر الخير على أيسر‬
‫التفاسير ]‬

‫المجلد الول‬
‫مقدمة‬
‫‪...‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫مقدمة‬
‫الحمد ل تعالى نحمده ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بال من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من‬
‫يهده ال فل مضل له ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له وأشهد‬
‫أن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة‪ .‬من يطع ال ورسوله فقد‬
‫رشد‪ ،‬ومن يعص ال ورسوله فل يضر إل نفسه ول يضر ال شيئا‪.‬‬
‫أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب ال وخير الهدي هدي محمد صلى ال عليه وسلم وشر المور‬
‫محدثاتها‪ ،‬وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضللة‪.‬‬
‫ثم أما بعد أيضا فهذا تفسير موجز لكتاب ال تعالى القرآن الكريم وضعته مراعيا فيه حاجة‬
‫المسلمين اليوم إلى فهم كلم ال تعالى الذي هو مصدر شريعتهم‪ ،‬وسبيل هدايتهم وهو عصمتهم‬
‫حمَةٌ لِ ْل ُم ْؤمِنِين}‬
‫شفَا ٌء وَرَ ْ‬
‫من الهواء وشفاؤهم من الدواء‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وَنُنَ ّزلُ مِنَ ا ْلقُرْآنِ مَا ُهوَ ِ‬
‫جمِيعا وَل َتفَ ّرقُوا} ‪ .‬وقال تعالى‪َ { :‬قدْ جَا َءكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ‬
‫صمُوا ِبحَ ْبلِ اللّهِ َ‬
‫وقال تعالى‪{ :‬وَاعْ َت ِ‬
‫جهُمْ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِهِ‬
‫ضوَانَهُ سُ ُبلَ السّل ِم وَيُخْ ِر ُ‬
‫َوكِتَابٌ مُبِينٌ َيهْدِي ِبهِ اللّهُ مَنِ اتّبَعَ ِر ْ‬
‫وَ َيهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ ُمسْ َتقِيمٍ} ‪ .‬ومراعيا فيه أيضا رغبة المسلمين اليوم في دراسة كتاب ال وفهمه‬
‫والعمل به‪ ،‬هي رغبة لم تكن لهم منذ قرون عدة حيث كان القرآن يقرأ على الموات دون الحياء‬
‫ويُعتبر تفسيره خطيئة من الخطايا وذنبا من الذنوب‪ ،‬إذ ساد بين المسلمين القول‪ :‬بأن تفسير‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جدَ لِلّهِ فَل تَدْعُو مَعَ اللّهِ أَحَدا} ‪.‬‬
‫القرآن‪ :‬صوابه خطأ وخطأه كفر‪ ،‬فلذا القارئ يقرأ‪{ :‬وَأَنّ ا ْلمَسَا ِ‬
‫والناس حول ضريح الولي المدفون في ناحية المسجد يدعونه بأعلى‬

‫( ‪)1/4‬‬

‫أصواتهم‪ :‬يا سيدي يا سيدي كذا وكذا ول يجرؤ أحد أن يقول‪ :‬يا إخواننا ل تدعوا السيد فإن ال‬
‫حكُمْ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ‬
‫جدَ لِلّهِ فَل تَدْعُو مَعَ اللّهِ َأحَدا} ويقرأ القارئ { َومَنْ لَمْ َي ْ‬
‫تعالى يقول‪{ :‬وَأَنّ ا ْلمَسَا ِ‬
‫فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلكَافِرُونَ} ‪ .‬ويسمعه من يسمعه‪ ،‬ول يخطر على باله أن الية تصرح بكفر من لم‬
‫يحكم بما أنزل ال‪ ،‬وأن أكثر المسلمين مورطون في هذا الكفر حيث تركوا تحكيم الشريعة‬
‫السلمية إلى تحكيم القوانين الملفقة من قوانين الشرق والغرب وهكذا كان يقرأ القرآن على‬
‫أموات الحياء وأحياء الموات فل يرى له أثر في الحياة‪.‬‬
‫هذا ونظرا لليقظة السلمية اليوم فقد تعين وضع تفسير سهل ميسر يجمع بين المعنى المراد من‬
‫كلم ال‪ ،‬وبين اللفظ الغريب من فهم المسلم اليوم‪ .‬نُبَين فيه العقيدة السلفية المنجية‪ .‬والحكام‬
‫الفقهية الضرورية‪ .‬مع تربية التقوى في النفوس‪ ،‬بتحبيب الفضائل وتبغيض الرذائل‪ ،‬والحث على‬
‫أداء الفرائض واتقاء المحارم‪ .‬مع التجمل بالخلق القرآنية والتحلي بالداب الربانية‪ .‬وقد هممت‬
‫بالقيام بهذا المتعين عدة مرات في ظرف سنوات‪ ،‬وكثيرا ما يطلب مني مستمعوا دروسي في‬
‫التفسير في المسجد النبوي أن لو وضعت تفسيرا للمسلمين سهل العبارة قريب الشارة يساعد‬
‫على فهم كلم ال تعالى‪ ،‬وكنت أعد أحيانا وأتهرب أحيانا أخرى‪ ،‬حتى ختمت التفسير ثلث‬
‫مرات وقاربت الرابعة‪ ،‬وأنا بين الخوف والرجاء وشاء ال تعالى أن أجلس في أواخر محرم عام‬
‫‪1406‬هـ‪ ،‬إلى فضيلة الدكتور عبد ال بن صالح العبيد رئيس الجامعة السلمية ويُلهم أن يقول‬
‫لي‪ :‬لو أنك وضعت تفسيرا على غرار الجللين يحل محله في المعاهد ودور الحديث تلتزم فيه‬
‫العقيدة السلفية التي خل منها تفسير الجللين فضّر كثيرا بقدر ما نفع‪ ،‬وصادف في النفس رغبتها‬
‫فأجبته بأن سأفعل إن شاء ال تعالى‪ .‬وبهذا الوعد تعينت واستعنت بال تعالى وشرعت وفي أوائل‬
‫رجب من العام نفسه تم تأليف المجلد الول الحاوي لثلث القرآن الكريم وفي أول رمضان كان‬
‫المجلد الول قد طبع والحمد ل‪ ،‬وواصلت التأليف وال أسأل أن يتم في أقرب وقت‪ ،‬وأن يتقبله‬
‫مني وهو منه وله‪ ،‬فينتفع به كل مسلم يقرأه بنية معرفة مراد ال تعالى‬

‫( ‪)1/5‬‬

‫من كلمه ليعرف ربه تكسبه خشيته ومحبته ويعرف محابه تعالى ليتقرب بفعلها إليه‪ ,‬ويعرف‬
‫مساخطه ليتجنبها خوفا مما لديه‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هذا وإن مميزات هذا التفسير التي بها رجوت أن يكون تفسير كل مسلم ومسلمة ل يخلو منه بيت‬
‫من بيوت المسلمين هي‪:‬‬
‫‪ -1‬الوسطية بين الختصار المخل‪ ،‬والتطويل الممل‪.‬‬
‫‪ -2‬اتباع منهج السلف في العقائد والسماء والصفات‪.‬‬
‫‪ -3‬اللتزام بعدم الخروج عن المذاهب الربعة في الحكام الفقهية‪.‬‬
‫‪ -4‬اخلؤه من السرائيليات صحيحها وسقيمها‪ .‬إل ما ل بد منه لفهم الية الكريمة وكان مما‬
‫تجوز روايته لحديث‪" ..‬وحدثوا عن بني إسرائيل ول حرج" ‪.‬‬
‫‪ -5‬إغفال الخلفات التفسيرية‪.‬‬
‫‪ -6‬اللتزام بما رجحه ابن جرير الطبري في تفسيره عند اختلف المفسرين في معنى الية‪ ،‬وقد‬
‫ل آخذ برأيه في بعض التوجيهات للية‪.‬‬
‫‪ -7‬إخلء الكتاب من المسائل النحوية والبلغية والشواهد العربية‪.‬‬
‫‪ -8‬عدم التعرض للقراءات إل نادرا جدا للضرورة حيث يتوقف معنى الية على ذلك وبالنسبة‬
‫للحاديث فقد اقتصرت على الصحيح والحسن منها دون غيرهما‪ ،‬ولذا لم أعزها إلى مصادرها‬
‫إل نادرا‪.‬‬
‫‪ -9‬خلو هذا التفسير من ذكر القوال وإن كثرت واللتزام بالمعنى الراجح والذي عليه جمهور‬
‫المفسرين من السلف الصالح‪ .‬حتى إن القارئ ل يفهم أن هناك معنىً غير الذي فهم من كلم ربه‬
‫تعالى‪ ،‬وهذه ميزة جليلة وذلك لحاجة جميع المسلمين على فكر إسلمي موحد صائب سليم‪.‬‬
‫‪ -10‬التزمت في هذا التفسير بالخطة التي مثلتها هذه المميزات رجاء أن يسهل على المسلمين‬
‫ل ل هم لهم إل مرضاة ال بفهم كلمه والعمل به‪ ،‬والحياة‬
‫تناول كتاب ال دراسة وتطبيقا وعم ً‬
‫عليه عقيدة وعبادة وخلقا وأدبا وقضاء وحكما‪ ،‬فلذا أخليته من كل ما من شأنه أن يشتت الذهن‪،‬‬
‫أو يصرف عن العمل إلى القول والجدل‪.‬‬

‫( ‪)1/6‬‬

‫ولذا فقد جعلت الكتاب دروسا منظمة متسقة فقد أجعل الية الواحدة درسا فأشرح كلماتها‪ ،‬ثم أبين‬
‫معناها‪ ،‬ثم أذكر هدايتها المقصودة منها للعتقاد والعمل‪.‬‬
‫وقد أجعل اليتين درسا‪ ،‬والثلث آيات والربع والخمس ول أزيد على الخمس إل نادرا‪ ،‬وذلك‬
‫طلبا لوحدة الموضوع وارتباط المعنى به‪.‬‬
‫وقد جعلت اليات مشكولة على قراءة حفص وبخط المصحف وإني أطالب المسلم أن يقرأ أولً‬
‫اليات حتى يحفظها‪ ،‬فإذا حفظها درس كلماتها حتى يفهمها‪ ،‬ثم يدرس معناها حتى يعيه‪ ،‬ثم يقرأ‬
‫هدايتها للعمل بها‪ .‬فيجمع بين حفظ كتاب ال تعالى وفهمه والعمل به‪ ،‬وبذلك يسود ويكمل ويسعد‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إن شاء ال تعالى‪ .‬وقد جاء في الحديث ‪" 1‬أن ال تعالى يرفع بهذا الكتاب أقواما‪ ،‬ويضع آخرين"‬
‫فمن قراه بحسن نية فحفظه وفهمه وعمل به وعلمه فقد يدعى في السماء عظيما‪ ،‬وفي الحديث‬
‫الصحيح‪" :‬خيركم من تعلم القرآن وعلمه"‪ .‬اللهم اجعلني وسائر المؤمنين ممن يفوزون بهذه‬
‫الخيرية فيتعلمون كتابك ويعملون به ويعلمونه يا حيّ يا قيوم‪.‬‬
‫وأخيرا أطالب كل مؤمن ومؤمنة يقرأ تفسيري هذا المسمى‪ :‬بأيسر التفاسير لكلم ال العلي الكبير‬
‫أن يستغفر لي ويترحم عليّ هذا حقي عليه اللهم وفقه لدائه واغفر لي وله وارحمني وإياه وسائر‬
‫المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد ل رب العالمين وصلى ال وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫وكتبه الراجي عفو ربه ورضوانه‬
‫أبو بكر الجزائري‬
‫المدينة المنورة ‪ 17‬رمضان ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬رواه مسلم‪.‬‬
‫[تنبيه]‬
‫مراجع هذا التفسير أربعة وهي‪ :‬جامع البيان في تفسير القرآن لبن جرير الطبري‪ ،‬تفسير‬
‫الجللين المحلى والسيوطي‪ ،‬تفسير المراغي‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن لعبد الرحمن بن ناصر‬
‫السعدي رحمهم ال أجمعين وجمعنا معهم في جنات النعيم‪.‬‬

‫( ‪)1/7‬‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬


‫مقدمة الطبعة الثالثة‬
‫الحمد ل ذي الفضل والنعام‪ ،‬والصلة والسلم على محمد خير النام‪ ،‬وآله الماجد وصحبه‬
‫الكرام‪ ،‬وبعد‪ :‬فإنه نظرا إلى حاجة طلبة العلم إلى المزيد من المعرفة وكان "أيسر التفاسير"قد‬
‫ُوضِعَ وضعا خاصا‪ ،‬إذ الباعث عليه كان تقريب معاني كتاب ال تعالى إلى أفهام عامة المسلمين‪،‬‬
‫وتجلية الحكام الشرعية لهم ليعبدوا ربهم باعتقاد الحق‪ ،‬وبالعمل بما شرُع دون ما ابتُدع مُزكّين‬
‫نفوسهم بذلك مكملين آدابهم مهذبين أخلقهم بما أودع ال جل جلله كتابه من مناهج التربية‬
‫الروحية والخلقية والداب النفسية‪ ،‬وهو ما صرحت به أم المؤمنين عائشة رضي ال عنها‪ ،‬وقد‬
‫سئلت عن خلق النبي صلى ال عليه وسلم فقالت‪ " :‬كان خلقه القرآن"‪ .‬إذ لم يقل ال تعالى –فيما‬
‫شيْءٍ} إل في القرآن الكريم‪ ،‬ومرة أخرى أقول‪ :‬إنه نظرا‬
‫علمنا‪ -‬في كتاب من كتبه {تِبْيَانا ِل ُكلّ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إلى حاجة طلبة العلم إلى المزيد من المعرفة وضعت هذه الحاشية التي هي أشبهُ بتعليق على‬
‫"أيسر التفاسير" وأسميتها (نهر الخير) أودعت فيها مع مراعاة الختصار بعض ما يرغب طالب‬
‫العلم في معرفته والحصول عليه من شاهد لغة‪ ،‬أو بيان‪ ،‬أو أثر جميل‪ ،‬أو مستند حديث جليل‪ ،‬أو‬
‫كشف عن وجه لية ذات وجوه‪ ،‬أو الوقوف على سر من أسرار القرآن أو عجيبة من عجائب‬
‫القرآن‪ ،‬التي ل تنقضي بمرور الزمان‪ ،‬ول تنتهي بتعاقب الملوان‪ .‬وأهم من ذلك تصويب رأي‪،‬‬
‫أو تصحيح خطأ وقعا في التفسير‪ ،‬مع إزالة إبهام‪ ،‬أو إضافة بعض الحكام‪.‬‬
‫وال تعالى أسأل أن يكون عملي فيه صالحا‪ ،‬ولوجهه خالصا‪ ،‬وأن ينفع بنهر الخير كما نفع بأيسر‬
‫التفاسير إنه بر رحيم وعلى كل شيء قدير‪.‬‬
‫أبو بكر الجزائري‬

‫( ‪)1/8‬‬

‫سورة الفاتحة‬
‫‪...‬‬
‫الجزء الول‬
‫سورة الفاتحة‬
‫وهي مكية وآياتها ‪ 1‬سبع‬
‫حمَنِ الرّحِيمِ (‪ )3‬مَاِلكِ َيوْمِ الدّينِ (‬
‫حمْدُ ِللّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )2‬الرّ ْ‬
‫حمَنِ الرّحِيمِ (‪ )1‬ا ْل َ‬
‫سمِ اللّهِ الرّ ْ‬
‫{بِ ْ‬
‫‪ )4‬إِيّاكَ َنعْ ُب ُد وَإِيّاكَ نَسْ َتعِينُ (‪ )5‬اهْدِنَا الصّرَاطَ ا ْلمُسْ َتقِيمَ (‪ )6‬صِرَاطَ الّذِينَ أَ ْن َع ْمتَ عَلَ ْيهِمْ غَيْرِ‬
‫ا ْل َم ْغضُوبِ عَلَ ْيهِ ْم وَل الضّالّينَ (‪})7‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫التفسير ‪ :2‬لغة الشرح والبيان‪ .‬واصطلحا‪ :‬شرح كلم ال ليُفهم مُرادُه تعالى منه فيطاع في أمره‬
‫ونهيه‪ ،‬ويؤخذ بهدايته وإرشاده‪ .‬ويُعتبر بقصصه‪ ،‬ويتعظ بمواعظه‪.‬‬
‫السورة‪ :‬السورة ‪ 3‬قطعة من كتاب ال تشتمل على ثلث آيات فأكثر‪ .‬وسور القرآن الكريم مائة‬
‫وأربع عشرة سورة أطولها "البقرة"‪ 4‬وأقصرها "الكوثر"‪.‬‬
‫الفاتحة‪ :‬فاتحة لكل شيء بدايته‪ .‬وفاتحة القرآن الكريم الحمد ل رب العالمين‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الية‪ :‬في اللغة العلمة‪ .‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫توهمت آيات لها فعرفتها ‪ ...‬لستة أعوام وإذا العام سابع‬
‫‪ 2‬مصدر فسر تفسيرا أو فعله المجرد فسر كنصر فسرا إذا أبان الكلم وكشف معناه‪.‬‬
‫‪ 3‬لفظ السورة مشتق إما من سور البلد لرتفاعها وعلو شأنها أو من سور الشراب وهي البقية إذ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هي بقية من كتاب ال تعالى أي قطعة منه‪ .‬وكونها مشتقة من الرفعة وعلو الشأن أولى‪ ،‬ويشهد‬
‫لذلك قول الشاعر‪:‬‬
‫ألم تر أن ال أعطاك سورة ‪ ...‬ترى كل ملك دونها يتذبذب‬
‫‪ 4‬أطول آية في القرآن‪ ،‬آية الدّين في آخر البقرة‪ ،‬وأقصر آية فيه {مدهامتان} ‪ ،‬من سورة‬
‫الرحمن‪.‬‬

‫( ‪)1/9‬‬

‫ولذا سميت الفاتحة‪ .‬ولها أسماء ‪ 1‬كثيرة منها أم القرآن‪ .‬والسبع ‪ 2‬المثاني‪ .‬وأم الكتاب ‪،3‬‬
‫والصلة ‪. -‬‬
‫مكية‪ :‬المكي من السور‪ :‬ما نزل بمكة‪ ،‬والمدني منه ما نزل بالمدينة‪ .‬والسور المكية غالبها يدور‬
‫على بيان العقيدة وتقريرها والحتجاج بها وضرب المثل لبيانها وتثبيتها‪ .‬وأعظم أركان العقيدة‪:‬‬
‫توحيد ال تعالى في عبادته‪ ،‬وإثبات نبوة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وتقرير مبدأ المعاد‬
‫والدار الخرة‪ .‬والسور المدنية يكثر فيها التشريع وبيان الحكام من حلل وحرام‪.‬‬
‫اليات‪ :‬جمع آية وهي لغةً‪ :‬العلمة‪ .‬وفي القرآن‪ :‬جملة من كلم ال تعالى تحمل الهدي للناس‬
‫بدللتها على وجود ال تعالى وقدرته وعلمه‪ ،‬وعلى نبوة محمد صلى ال عليه وسلم ورسالته‪.‬‬
‫وآيات القرآن الكريم ست آلف ومائتا آية وزيادة ‪ .4‬وآيات الفاتحة سبع ‪ 5‬بدون البسملة‪.‬‬
‫الستعاذة ‪6‬‬
‫أعوذ بال من الشيطان الرجيم‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الستعاذة‪ :‬قول العبد‪ :‬أعوذ بال من الشيطان الرجيم‬
‫أعوذ‪ :‬أستجير وأتحصن‬
‫بال‪ :‬برب كل شيء والقادر على كل شيء والعليم بكل شيء وإله الولين والخرين‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬بلغ بها صاحب التقان‪ ،‬نَيفا وعشرين اسما‪ ،‬ولم يرد في السنة من ذلك سوى أربع‪ :‬فاتحة‬
‫الكتاب‪ ،‬وأم القرآن‪ ،‬والسبع المثاني‪ ،‬وأم الكتاب‪.‬‬
‫‪ 2‬سميت بالسبع المثاني لنها تثنى أي تكرر في كل ركعة من الصلة‪.‬‬
‫‪ 3‬سميت بأم الكتاب لشتمالها على أصول ما جاء في القرآن من العقائد والعبادات والشرائع‬
‫والقصص‪.‬‬
‫‪ 4‬الزيادة تتراوح ما بين أربع آيات إلى أربعين آية على خلف بين القراء‪.‬‬
‫‪ 5‬وقيل البسملة هي الية السابعة‪ .‬وإليه ذهب الشافعي فأوجب قراءتها في الصلة وعلى القول‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الراجح بأن البسملة آية‪ ،‬فالية السابعة هي‪{ :‬غَيْرِ ا ْل َم ْغضُوبِ عَلَ ْيهِ ْم وَل الضّالّينَ} ويكون {صِرَاطَ‬
‫الّذِينَ أَ ْن َعمْتَ عَلَ ْيهِمْ} الية السادسة‪.‬‬
‫‪ 6‬العياذ بال تعالى للستجارة بال من المكروه‪ ،‬واللياذ بال تعالى يكون لطلب المحبوب‪ ،‬يشهد‬
‫لهذا قول الشاعر‪:‬‬
‫يا من ألوذ به فيما أؤمله ‪ ...‬ومن أعوذ به ممن أحاذره‬
‫ل يجبر الناس عظما أنت كاسره ‪ ...‬ول يهيضون عظما أنت جابره‬
‫‪ -‬لقول النبي صلى ال عليه وسلم عن ربه‪" :‬قسمت الصلة بيني وبين عبدي قسمين ولعبدي ما‬
‫سأل فإذا قال الحمد ل رب العالمين قال ال حمدني عبدي‪ "...‬الحديث رواه النسائي وغيره‪.‬‬

‫( ‪)1/10‬‬

‫الشيطان‪ :‬إبليس لعنه ال‬


‫الرجيم‪ :‬المرجوم المبعد المطرود من كل رحمة وخير‪.‬‬
‫معنى الستعاذة ‪ :‬أستجير وأتحصن بال ربي من الشيطان الرجيم أن يلبس علّي قراءتي‪ .‬أو‬
‫يضلني فأهلك وأشقى‪.‬‬
‫حكم الستعاذة‪ :‬يسن ‪ 1‬لكل من يريد قراءة شيء من القرآن سورة فأكثر أن يقول أعوذ بال من‬
‫الشيطان الرجيم ثم يقرأ‪ .‬كما يستحب لمن غضب‪ ،‬أو خطر بباله خاطر سوء أن يستعيذ كذلك‪.‬‬
‫البسملة‬
‫حمَنِ الرّحِيم(‪})1‬‬
‫{ ِبسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬
‫البسملة ‪ :‬قول العبد‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫سمّى يعرف به ويتميز عن غيره‪.‬‬
‫السم‪ :‬لفظ جُعل علمة على مُ َ‬
‫ال ‪ :2‬اسم علم على ذات الرب تبارك وتعالى يُعرف به‪.‬‬
‫حمَنِ ‪ :3‬اسم من أسماء ال تعالى مشتق من الرحمة دال على كثرتها فيه تعالى‪.‬‬
‫الرّ ْ‬
‫الرّحِيمِ‪ :‬اسم وصفة ل تعالى مشتق من الرحمة ومعناه ذو الرحمة بعباده المفيضة عليهم في الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬
‫معنى البسملة‪ :‬ابتدئ ‪ 4‬قراءتي متبركا باسم ال الرحمن الرحيم مستعينا به عز وجل‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لقول ال تعالى‪{ :‬فَِإذَا قَرَ ْأتَ ا ْلقُرْآنَ فَاسْ َت ِعذْ بِاللّهِ مِنَ الشّ ْيطَانِ الرّجِيمِ} من سورة النحل‪.‬‬
‫‪ 2‬اسم لم يُسم به غير ال تعالى‪ ،‬وهل هو جامد أو مشتق من ألِهَ يأله إلهة‪ ،‬وألوهة إذا عبد‪ ،‬فالله‬
‫بمعنى المألوه أي‪ :‬المعبود‪ ،‬فلفظ إله اسم جنس يطلق على كل معبود بباطل كسائر اللهة أو بحق‬
‫كال جل جلله‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 3‬روى أن عيسى عليه السلم قال‪ :‬الرحمن رحمان الدنيا والخرة‪ ،‬والرحيم رحيم الخرة وأعم‬
‫منه قول النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬رحمان الدنيا والخرة ورحيمهما" ‪.‬‬
‫‪ 4‬يقدر متعلق الجار والمجرور بحسب المقام‪ ،‬فالقارئ يقول‪ :‬ابتدئ قراءتي‪ ،‬والكاتب يقول‪ :‬أبتدئ‬
‫كتابتي‪ ،‬والكل يقول‪ :‬أبتدئ أكلي وهكذا‪.‬‬

‫( ‪)1/11‬‬

‫حكم البسملة‪:‬‬
‫مشروع للعبد مطلوب منه أن يُبسمل عند قراءة كل سورة من كتاب ال تعالى إل عند قراءة‬
‫سورة التوبة فإنه لييسمل وإن كان في الصلة المفروضة يبسمل سرا إن كانت الصلة جهرية‪.‬‬
‫ويسن للعبد أن يقول باسم ال ‪ .1‬عند الكل والشرب‪ ،‬ولبس الثوب‪ ،‬وعند دخول المسجد‬
‫والخروج منه‪ ،‬وعند الركوب‪ ،‬وعند كل أمر ‪ 2‬ذي بال‪.‬‬
‫كما يجب عليه أن يقول بسم ال وال أكبر عند الذبح والنحر‪.‬‬
‫حمْدُ‪ 3‬لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ(‪})2‬‬
‫{ا ْل َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫حمْدُ} ‪ :‬الوصف بالجميل‪ ،‬والثناء به على المحمود ذي الفضائل والفواضل‪ ،‬كالمدح ‪ ،4‬والشكر‬
‫{ا ْل َ‬
‫‪.5‬‬
‫{لِلّهِ}‪ :‬اللم حرف جر ومعناها الستحقاق أي‪ :‬أن ال مستحق لجميع المحامد وال علم على ذات‬
‫الرب تبارك وتعالى‪.‬‬
‫الرب‪ :‬السيد المالك المصلح المعبود ‪ 6‬بحق جل جلله‪.‬‬
‫{ا ْلعَاَلمِينَ}‪ :‬جمع عالم وهو كل ما سوى ال تعالى‪،‬كعالم الملئكة‪ ،‬وعالم الجن‪ ،‬وعالم النس‪،‬‬
‫وعالم الحيوان‪ ،‬وعالم النبات‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لحديث‪" :‬سم ال وكل بيمينك" وهو في الصحيح‪.‬‬
‫‪ 2‬لحديث‪" :‬كل أمر ذي بال ل يبدأ فيه ببسم ال فهو أبتر" والحديث وإن كان ضعيفا فإن العمل به‬
‫لما في معناه من أحاديث صحاح‪.‬‬
‫‪ 3‬الحمد ل أعظم سورة في القرآن لحديث البخاري عن أبي سعيد بن المعلى أن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم قال له‪" :‬لعلمنك أعظم سورة في القرآن‪ ،‬وقوله له ما أنزل في التوراة ول في‬
‫النجيل ول في القرآن مثلها" ‪.‬‬
‫‪ 4‬هناك فرق بين المدح والحمد‪ ،‬فالحمد يكون على الجميل الختياري كما يحمد ال تعالى على‬
‫لطفه ورحمته وإحسانه‪ .‬وأما المدح فإنه يكون على الختياري والضطراري كما يمدح النسان‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫على جمال وجهه وهو ليس فعله وعلى إحسانه الذي هو عمله الختياري والثناء المدح وتكراره‬
‫مرة بعد مرة‪.‬‬
‫‪ 5‬الشكر‪ :‬الثناء باللسان على المنعم بما أولى من النعم‪ ،‬فهو أخص ممن الحمد موردا إذ مورده‬
‫النعمة فقط وأعمّ متعلقا إذ متعلقه القلب واللسان والجوارح‪ ،‬لقول القائل‪:‬‬
‫أفادتك النعماء مني ثلثة ‪ ...‬يدي ولساني والضمير المحجبا‬
‫والحمد يعم المدح والشكر لحديث‪" :‬الحمد رأس الشكر"‪.‬‬
‫‪ 6‬مما شهد لطلق لفظ الرب على المعبود قول الشاعر‪:‬‬
‫أرب يبول الثعلبان برأسه ‪...‬‬
‫لقد هان من بالت عليه الثعالب‬

‫( ‪)1/12‬‬

‫معنى الية‪ :‬يخبر تعالى أن جميع أنواع المحامد من صفات الجلل والكمال هي له وحده دون من‬
‫سواه؛ إذ هو رب كل شيء وخالقه ومالكه‪.‬‬
‫وأن علينا ‪ 1‬أن نحمده ونثني عليه بذلك‪.‬‬
‫حمَنِ الرّحِيم(‪})3‬‬
‫{الرّ ْ‬
‫تقدم شرح هاتين الكلمتين في البسملة‪ .‬وأنهما اسمان وصف بهما اسم الجللة "ال" في قوله‪:‬‬
‫حمَنِ الرّحِيمِ} ثناء على ال تعالى لستحقاقه الحمد كله‪.‬‬
‫حمْدُ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ الرّ ْ‬
‫{ا ْل َ‬
‫{مَاِلكِ‪َ 2‬يوْمِ الدّينِ(‪})4‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{مَاِلكِ}‪ :‬المالك‪ :‬صاحب الملك المتصرف كيف يشاء‪.‬‬
‫{ملك}‪ :‬الملك ذو السلطان المر الناهي المعطي المانع بل ممانع ول منازع‪.‬‬
‫{ َيوْمِ الدّينِ}‪ :‬يوم الجزاء ‪ 3‬وهو يوم القيامة حيث يجزي ال كل نفس ما كسبت‪.‬‬
‫معنى الية‪ :‬تمجيد ل تعالى بأنه المالك لكل ما في يوم القيامة حيث ل تملك نفس لنفس شيئا‬
‫والملك الذي ل مَِلكَ يوم القيامة سواه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لن اللفظ خبر ومعناه النشاء أي قولوا‪ :‬الحمد ل‪.‬‬
‫‪ 2‬قرأ حفص {مالك} باسم الفاعل‪ ،‬وقرأ نافع {ملك} بدون ألف وهما قراءتان سبعيتان‪ ،‬وال حقا‬
‫هو الملك المالك‪.‬‬
‫‪ 3‬صح تفسير {يوم الدين} بيوم الحساب عن السلف من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫ولما كان الحساب غايته الجزاء صح إطلق لفظ الجزاء على يوم الدين‪ ،‬إذ يقال‪ :‬دانه يدينه بكذا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫دنيا ودينا‪ ،‬إذا حاسبه وجزاه‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬الكيس من دان نفسه أي‪ :‬حاسبها‪ ،‬وعمل لما بعد‬
‫الموت‪ ،‬والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على ال الماني" ‪ .‬رواه أحمد والترمذي وغيرهما‬
‫وهو صحيح‪.‬‬

‫( ‪)1/13‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫في هذه اليات الثلث من الهداية ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن ال تعالى يحب ‪ 1‬الحمد‪ ،‬فلذا حمد تعالى نفسه وأمر عباده به‪.‬‬
‫‪ -2‬أن المدح يكون لمقتضٍ‪ .‬وإل فهو باطل وزور‪ ،‬فال تعالى لما حمد نفسه ذكر مقتضى الحمد‬
‫وهو كونه رب العالمين والرحمن الرحيم ومالك يوم الدين‪.‬‬
‫{إِيّاكَ‪َ 2‬نعْبُ ُد وَإِيّاكَ نَسْ َتعِينُ(‪})5‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{إِيّاكَ}‪ :‬ضمير نصب يخاطب به الواحد‪.‬‬
‫{ َنعْ ُبدُ‪ :}3‬نطيع مع غاية الذل لك والتعظيم والحب‪.‬‬
‫{ َنسْ َتعِينُ } ‪ :‬نطلب عونك لنا على طاعتك ‪.4‬‬
‫معنى الية‪:‬‬
‫علّمنا ال تعالى كيف نتوسل إليه في قبول دعائنا فقال‪ :‬احمدوا ال واثنوا عليه ومجدوه‪ ،‬والتزموا‬
‫له بأن تعبدوه وحده ول تشركوا به وتستعينوه ول تستعينوا بغيره‪.‬‬
‫هداية الية‪:‬‬
‫من هداية هذه الية ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬آداب الدعاء ‪ 5‬حيث يقدم السائل بين يدي دعائه حمد ال والثناء عليه وتمجيده‪ .‬وزادت‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ " :‬ما من أحد أحب إليه الحمد من ال تعالى حتى إنه حمد‬
‫نفسه"‪ .‬ولفظ البخاري‪" .‬ل أحد أغير من ال‪ ،‬ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن‪ ،‬ول‬
‫شيء أحب إليه المدح من ال‪ ،‬ولذلك مدح نفسه" وقال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ما أنعم ال على‬
‫عبده بنعمة فقال‪ :‬الحمد ل إل كان الذي أعطى أفضل مما أخذ" ‪ .‬رواه الببيهقي عن أنس بسند‬
‫حسن‪.‬‬
‫‪ 2‬العدول عن نعبدك ونستعينك إلى {إياك نعبد وإياك نستعين} لفادة الختصاص والحصر‪ ،‬وفي‬
‫{إياك نعبد وإياك نستعين} نكتة بلغية وهي‪ :‬اللتفات من الغيبة إلى الخطاب وهي من المحسنات‬
‫البديعية‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪{ 3‬نعبد} مضارع عبده إذا أطاعه متذللً له خوفا منه وطمعا فيما عنده فأحبه لذلك غاية الحب‬
‫وعظمه غاية التعظيم وهكذا تكون عبادة المؤمن لربه تعالى‪.‬‬
‫‪ 4‬وعلى كل ما يهم العبد من أمور دينه ودنياه‪.‬‬
‫‪ 5‬روى أبو داود والترمذي‪ ،‬والنسائي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم سمع رجلً يدعو في‬
‫صلته فلم يصلي على النبي صلى ال عليه وسلم فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬عجل هذا‪ ،‬ثم‬
‫دعاه فقال له أو لغيره‪ :‬إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد ال والثناء عليه ثم ليصل على النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ثم ليدع بعد مما شاء" ‪.‬‬

‫( ‪)1/14‬‬

‫السنة الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ثم يسأل حاجته فإنه يستجاب ‪ 1‬له‪.‬‬
‫‪ -2‬أن ل يعبد غير ربه‪ .‬وأن ل يستعينه إل هو سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫{ا ْهدِنَا ‪ 2‬الصّرَاطَ ا ْلمُسْ َتقِيمَ(‪})6‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ا ْهدِنَا}‪ :‬أرشدنا وأدم هدايتنا‪.‬‬
‫{ الصّرَاطَ}‪ :‬الطريق الموصل إلى رضاك وجنتك وهو السلم لك‪.‬‬
‫{ا ْلمُسْ َتقِيمَ}‪ :‬الذي ل ميل فيه عن الحق ول زيغ عن الهدى‪.‬‬
‫معنى الية‪:‬‬
‫بتعليم من ال تعالى يقول العبد في جملة إخوانه المؤمنين سائلً ربه بعد أن توسل إليه بحمده‬
‫والثناء عليه وتمجيده‪ ،‬ومعاهدته أن ل يعبد هو وإخوانه المؤمنون إل هو‪ ،‬وأن ل يستعينوا إل به‪.‬‬
‫يسألونه أن يُديم هدايتهم ‪ 3‬للسلم حتى ل ينقطعوا عنه‪.‬‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫الترغيب في دعاء ال والتضرع إليه‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬الدعاء ‪ 4‬هو العبادة" ‪.‬‬
‫{صِرَاطَ الّذِينَ أَ ْن َع ْمتَ عَلَ ْيهِمْ(‪})6‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{الصّرَاطَ}‪ :‬تقدم بيانه‪.‬‬
‫علَ ْيهِمْ}‪ :‬هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون ‪ ،5‬وكل من أنعم ال‬
‫{الّذِينَ أَ ْن َع ْمتَ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى أحمد عن أبي سعيد رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬ما من مسلم يدعو‬
‫ال عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ول قطيعة رحم إل أعطاه ال بها إحدى ثلث خصال‪ :‬إما أن‬
‫يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الخرة‪ ،‬وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها‪ ،‬قالوا‪ :‬إذا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫نكثر‪ ،‬قال‪ :‬ال أكثر‪".‬‬
‫‪ 2‬فعل الهداية يتعدى بنفسه وبحرف الجر فمن الول قوله تعالى‪{ :‬اهْدِنَا الصّرَاطَ ا ْلمُسْ َتقِيمَ} ‪ ،‬ومن‬
‫الثاني‪ ،‬قوله تعالى‪{ :‬مِنْ دُونِ اللّهِ فَاهْدُو ُهمْ إِلَى صِرَاطِ ا ْلجَحِيمِ} ‪.‬‬
‫‪ 3‬الهداية نوعان‪ :‬هداية بيان وإرشاد‪ ،‬وهذه تطلب من ذوي العلم‪ ،‬فهم يبينون للسائل طرق الخير‬
‫ويرشدونه إليها‪ .‬هداية توفيق إلى اعتقاد الحق ولزمه في العتقاد والقول والعمل‪ ،‬وهذه ل تطلب‬
‫إل من ال تعالى‪ ،‬ومنها هذه الدعوة‪ :‬اهدنا الصراط المستقيم‪ ،‬ويشهد للهداية الولى‪ ،‬وهي هداية‬
‫البيان قوله تعالى‪{ :‬وَإِ ّنكَ لَ َتهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ} ‪ .‬ويشهد للثانية قوله تعالى‪{ :‬إِ ّنكَ ل َتهْدِي مَنْ‬
‫أَحْبَ ْبتَ} ‪ .‬فأثبت لنبيه هداية البيان ونفي عنه هداية التوفيق وهي الهداية القلبية الباطنة‪.‬‬
‫‪ 4‬رواه أصحاب السنن‪ ،‬وصححه الترمذي عن النعمان بن بشير رضي ال عنه‪.‬‬
‫‪ 5‬ورد هذا البيان في قوله تعالى من سورة النساء { َومَنْ يُطِعِ اللّ َه وَالرّسُولَ فَأُولَ ِئكَ مَعَ الّذِينَ أَ ْنعَمَ‬
‫حسُنَ أُولَ ِئكَ َرفِيقا} ‪.‬‬
‫ن وَ َ‬
‫شهَدَا ِء وَالصّالِحِي َ‬
‫ن وَال ّ‬
‫ن وَالصّدّيقِي َ‬
‫علَ ْيهِمْ مِنَ النّبِيّي َ‬
‫اللّهُ َ‬

‫( ‪)1/15‬‬

‫عليهم باليمان به تعالى ومعرفته‪ ،‬ومعرفة محابه‪ ،‬ومساخطه‪ ،‬والتوفيق لفعل المحاب وترك‬
‫المكاره‪.‬‬
‫معنى الية‪:‬‬
‫لما سأل المؤمن له ولخوانه الهداية إلى الصراط المستقيم‪ ،‬وكان الصراط مجملً بينه بقوله‪:‬‬
‫{صِرَاطَ الّذِينَ أَ ْن َع ْمتَ عَلَ ْيهِمْ} ‪ ،‬وهو المنهج القويم المفضي بالعبد إلى رضوان ال تعالى والجنة‪،‬‬
‫وهو السلم القائم على اليمان والعمل مع اجتناب الشرك ‪ 1‬والمعاصي‪.‬‬
‫هداية الية‪:‬‬
‫من هداية الية بما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬العتراف بالنعمة‪.‬‬
‫‪ -2‬طلب حسن القدوة‪.‬‬
‫{غَيْرِ ا ْل َم ْغضُوبِ عَلَ ْي ِه ْم وَل الضّالّينَ(‪})7‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{غَيْرِ}‪ :‬لفظ يستثنى ‪ 2‬به كإلّ‪.‬‬
‫ا ْل َم ْغضُوبِ عَلَ ْيهِمْ‪ :‬من غضب ال تعالى عليهم لكفرهم وافسادهم في الرض؛ كاليهود‪.‬‬
‫الضّالّينَ ‪ :‬من أخطأوا طريق الحق فعبدوا ‪ 3‬ال بما لم يشرعه؛ كالنصارى‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الشرك‪ :‬عبادة غير ال مع ال تعالى‪ ،‬أو اعتقاد ربوبية أو ألهية كائن من كان مع ال تعالى ولو‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لم يعبده إشراك المخلوق في صفات الخالق الذاتية أو الفعلية‪.‬‬
‫‪ 2‬لفظ غير مفرد مضاف دائما لفظا أو معنى وإدخال أل عليه خطأ وأصله الوصف ويستنثى به‪.‬‬
‫‪ 3‬الضلل ‪ :‬النحراف والبعد عن الهدي المطلوب وهو في الشرع نوعان‪ :‬ضلل في العتقاد‪،‬‬
‫ل أو بعضا للمعتقد السلمي‬
‫وضلل في العمل‪ .‬فالضلل في العتقاد‪ :‬هو كل اعتقاد مخالف ك ً‬
‫الذي بينه ال تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬والضلل في العمل‪:‬‬
‫هو عبادة ال تعالى بغير ما شرع والتقرب إليه عز وجل بما لم يشرعه قربة‪ ،‬ول ينجو من هذا‬
‫الضلل إل من تمسك بكتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)1/16‬‬

‫معنى الية‪:‬‬
‫لما سأل المؤمن ربّه الصراط المستقيم‪ ،‬وبينه بأنه صراط من أنعم عليهم بنعمة اليمان ‪ 1‬والعلم‬
‫والعمل‪ .‬ومبالغة في طلب الهداية إلى الحق‪ ،‬وخوفا من الغواية استثنى كلً من طريق المغضوب‬
‫عليهم‪ ،‬والضالين‪.‬‬
‫هداية الية‪:‬‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫الترغيب في سلوك سبيل الصالحين‪ ،‬والترهيب من سلوك سبيل الغاوين‪.‬‬
‫__________‬
‫[تنبيه أول]‪ :‬كلمة‪ :‬آمين ليست من الفاتحة‪ .‬ويستحب أن يقولها المام إذا قرأ الفاتحة يمد بها‬
‫صوته ويقولها المأموم‪ ،‬والمنفرد كذلك لقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬إذا أمن المام فأمنوا"‬
‫‪ .‬أي‪ :‬قولوا آمين بمعنى‪ :‬ال استجب دعاءنا‪ ،‬ويستحب الجهر بها؛ لحديث ابن ماجة‪ :‬كان النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم إذا قال‪{ ": :‬غَيْرِ ا ْل َم ْغضُوبِ عَلَ ْيهِ ْم وَل الضّالّينَ} ‪ .‬قال آمين حتى يسمعها‬
‫أهل الصف الول فيرتج بها المسجد"‪.‬‬
‫[تنبيه ثان]‪ :‬قراءة الفاتحة واجبة في كل ركعة من الصلة‪ ،‬أما المنفرد والمام فل خلف في‬
‫ذلك‪ ،‬وأما المأموم فإن الجمهور من الفقهاء على أنه يسن له قراءتها في السرية دون الجهرية‬
‫لحديث‪" :‬من كان له إمام فقراءة ‪ 2‬المام له قراءة" ‪ ،‬ويكون مخصصا لعموم حديث‪" :‬ل صلة‬
‫لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" ‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لفظ النعمة اسم جنس تحته أربعة أنواع‪ :‬الولى‪:‬نعمة اليمان بال وبما أوجب اليمان به‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬نعمة معرفة ال تعالى بأسمائه وصفاته‪ .‬والثالثة‪ :‬نعمة معرفة محابه ومكارهه‪ .‬والرابعة‪:‬‬
‫نعمة التوفيق لفعل المحاب وترك المكاره‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 2‬رواه البخاري عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬إذا أمّن المام فأمنوا‬
‫فإنه من وافق تأمينه تأمين الملئكة غفر له ما تقدم من ذنوبه" ‪.‬‬

‫( ‪)1/17‬‬

‫سورة البقرة‬
‫‪...‬‬
‫سورة البقرة ‪1‬‬
‫مدنية وآياتها مائتان وست أو سبع وثمانون آية‬
‫حمَنِ الرّحِيمِ‬
‫بِسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬
‫{الم(‪ )1‬ذَِلكَ ا ْلكِتَابُ ل رَ ْيبَ فِيهِ هُدىً لِ ْلمُ ّتقِينَ(‪ )2‬الّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ‪ 2‬بِا ْلغَ ْيبِ وَيُقِيمُونَ الصّلةَ َو ِممّا‬
‫ك وَبِالخِ َرةِ ُهمْ يُوقِنُونَ(‪)4‬‬
‫رَ َزقْنَاهُمْ يُ ْن ِفقُونَ(‪ )3‬وَالّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ ِبمَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ َومَا أُنْ ِزلَ مِنْ قَبِْل َ‬
‫أُولَ ِئكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَ ّبهِ ْم وَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُون(‪َ })5‬‬
‫(‪{) 1‬الم}‬
‫شرح الكلمات ‪:‬‬
‫{الم}‪ :‬هذه من الحروف المقطعة تكتب الم‪ .‬وتقرأ هكذا‪:‬‬
‫ألف لم ميم‪ .‬والسور المفتتحة بالحروف المقطعة تسع وعشرون سورة أولها البقرة هذه‪ ،‬وآخرها‬
‫القلم {ن} ومنها الحادية مثل‪{ :‬ص} ‪ ،‬و {ق} ‪ ،‬و {ن} ‪ ،‬ومنها الثنائية مثل‪{ :‬طه} ‪،‬و {يس} ‪،‬و‬
‫{حم} ‪ ،‬ومنها الثلثية والرباعية والخماسية‪ ،‬ولم يثبت في تفسيرها عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫شيء كونها من المتشابه الذي استأثر ال تعالى بعلمه أقرب إلى الصواب‪ ،‬ولذا يقال‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ورد وصح في فضل سورة البقرة قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬اقرأوا سورة البقرة فإن أخذها‬
‫بركة وتركها حسرة‪ ،‬ول يستطيعها البطلة" أي‪ :‬السحرة‪ .‬وروى الترمذي‪ ،‬وصححه‪ :‬أن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم بعث بعثا وهم ذوو عدد‪ ،‬وقدّم عليهم أحدثهم سنا لحفظه سورة البقرة‪ ،‬وقال‬
‫له‪" :‬اذهب فأنت أميرهم" ‪ .‬وروى أيضا أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬ل تجعلوا بيوتكم‬
‫مقابر‪ ،‬إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة" ‪.‬‬
‫‪ 2‬قرأ نافع يؤمنون بتخفيف الهمز ة جمعا وإفرادا في كامل القرآن‪ ،‬وقرأها حفص مهموزة في كل‬
‫القرآن‪.‬‬

‫( ‪)1/18‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فيها‪ :‬ألمْ‪ :‬ال أعلم ‪ 1‬بمراده ذلك‪.‬‬
‫وقد استخرج منها بعض أهل العلم فائدتين‪ :‬الولى‪ :‬أنه لما كان المشركون يمنعون سماع ‪2‬‬
‫القرآن مخافة أن يؤثر في نفوس السامعين كان النطق بهذه الحروف حم‪ .‬طس‪ .‬ق‪ .‬كهيعص‪.‬‬
‫وهو منطق غريب عنهم يستميلهم إلى سماع القرآن‪ ،‬فيسمعون فيتأثرون وينجذبون فيؤمنون‬
‫ويسمعون وكفى بهذه الفائدة من فائدة‪ .‬والثانية‪:‬لما أنكر المشركون كون القرآن كلم ال أوحاه إلى‬
‫رسوله محمد صلى ال عليه وسلم كانت هذه الحروف بمثابة المتحدي لهم كأنها‪ :‬أن هذا القرآن‬
‫مؤلف من مثل هذه الحروف فألفوا أنتم مثله‪ .‬ويشهد بهذه الفائدة ذكر لفظ القرآن بعدها غالبا نحو‪:‬‬
‫حكِيمِ} ‪{ ،‬طس ِت ْلكَ آيَاتُ ا ْلقُرْآنِ} ‪ ،‬كأنها تقول‪ :‬إنه من مثل هذه الحروف‬
‫{الر ِت ْلكَ آيَاتُ ا ْلكِتَابِ الْ َ‬
‫تألف القرآن فألفوا أنتم نظيره فإن عجزوا فسلموا أنه كلم ال ووحيه وآمنوا به تفلحوا‪.‬‬
‫{ذَِلكَ ا ْلكِتَابُ ل رَ ْيبَ فِيهِ هُدىً لِ ْلمُ ّتقِينَ} (‪)2‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ذَِلكَ} ‪ :‬هذا‪ ،‬وإنما عُدل عن لفظ هذا إلى ذلك‪ .‬لما تفيده الشارة بلم البعد ‪ 3‬من علو المنزلة‬
‫وارتفاع القدر والشأن‪.‬‬
‫{ا ْلكِتَابُ‪ : }4‬القرآن الكريم الذي يقرأه رسول ال صلى ال عليه وسلم على الناس‪.‬‬
‫{ل رَ ْيبَ‪ : }5‬لشك أنه وحي ال وكلمه أوحاه إلى رسوله‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى عن أبي بكر وعلي رضي ال عنهما وعن عامر الشعبي وسفيان الثوري إنهم قالوا‪:‬‬
‫الحروف المقطعة هي سر ال في القرآن ول في كل كتاب من كتبه سر‪ .‬فهي من المتشابهة الذي‬
‫انفرد ال بعلمه فل ينبغي أن نتكلم فيها ولكن نؤمن بها‪.‬‬
‫ن وَا ْل َغوْا فِيهِ َلعَّلكُمْ‬
‫س َمعُوا ِل َهذَا ا ْلقُرْآ ِ‬
‫‪ 2‬دليله قوله تعالى من سورة فصلت‪َ { :‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا ل َت ْ‬
‫َتغْلِبُونَ} ‪.‬‬
‫‪ 3‬اسم الشارة هو‪( :‬ذا) وهو للقريب ويقال (ذاك) للمتوسط البعد (وذلك) للبعيد‪.‬‬
‫علَ ْيكُمُ الصّيَام} ‪ .‬أي فرض‪ ،‬وعلى العقد بين العبد‬
‫‪ 4‬يطلق لفظ الكتاب على الفرض نحو‪{ :‬كُ ِتبَ َ‬
‫وسيده نحو‪{ :‬وَالّذِينَ يَبْ َتغُونَ ا ْلكِتَابَ} ‪ .‬وعلى القدر‪ ،‬نحو‪{ :‬كِتَابَ اللّهِ} ‪ ،‬أي قدره وقضاؤه‪ ،‬ويصح‬
‫في إعراب الكتاب أن يكون بدلً من اسم الشارة‪ ،‬ويصح أن يكون خبرا له‪.‬‬
‫‪ 5‬وريب الدهر‪ :‬صروفه وخطوبه‪ ،‬وأصل الريب‪ :‬قلق النفس لحديث الصحيح‪ " :‬دع ما يريبك‬
‫إلى ما ل يريبك‪ ،‬فإن الشك ريب وإن الصدق طمأنينة" ‪.‬‬

‫( ‪)1/19‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{فِيهِ هُدىً‪ :}1‬دللة على الطريق الموصل إلى السعادة والكمال في الدارين‪.‬‬
‫{لِ ْلمُ ّتقِينَ‪ :}2‬المتقين أي‪ :‬عذاب ال بطاعته بفعل أوامره واجتناب نواهيه‬
‫معنى الية‪:‬‬
‫يخبر تعالى أن ما أنزله على عبده ورسوله من قرآن يمثل كتابا فخما عظيما ل يحتمل الشك‪ ،‬ول‬
‫يتطرق إليه احتمال‪ ،‬كونه غير وحي ال وكتابه بحال‪ ،‬وذلك لعجازه‪ ،‬وما يحمله من هدى ونور‬
‫لهل اليمان والتقوى يهتدون بهما إلى سبيل السلم والسعادة والكمال‪.‬‬
‫هداية الية‪:‬‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬تقوية اليمان بال تعالى وكتابه ورسوله‪ ،‬الحث على طلب الهداية من الكتاب الكريم‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان فضيلة التقوى وأهلها‪.‬‬
‫ب وَ ُيقِيمُونَ الصّل َة َو ِممّا رَ َزقْنَا ُهمْ يُ ْنفِقُون}َ‪.‬‬
‫{الّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ بِا ْلغَ ْي ِ‬
‫ك َومَا أُنْ ِزلَ مِنْ قَبِْلكَ وَبِالخِ َرةِ هُمْ يُوقِنُونَ}‪.‬‬
‫{وَالّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ ِبمَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْي َ‬
‫أُولَ ِئكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَ ّبهِ ْم وَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُون}‪.‬‬
‫شرح الجمل‪:‬‬
‫{ ُي ْؤمِنُونَ بِا ْلغَ ْيبِ}‪ :‬يصدقون تصديقا جازما بكل ما هو غيب ‪ 3‬ل يدرك بالحواس كالرب تبارك‬
‫وتعالى ذاتا وصفاتٍ‪ ،‬والملئكة والبعث‪ ،‬والجنة ونعيمها والنار وعذابها‪.‬‬
‫{وَ ُيقِيمُونَ ‪ 4‬الصّلةَ ‪ :}5‬يُديمون أداء الصلوات الخمس في أوقاتها مع مراعاة شرائطها وأركانها‬
‫وسننها ونوافلها الراتبة وغيرها‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الهدي‪ :‬مصدر هدى‪ ،‬يهدي‪ .‬وهو مذكر‪ ،‬نحو‪ :‬هذا هدى هدىً‪ ،‬وهو من أسماء النهار‪ .‬وهو‬
‫على وزن السُرى والبكى واللقى‪ ،‬من لقي الشيء‪ ،‬يلقاه لقيا‪.‬‬
‫‪ 2‬المتقي‪ :‬اسم فاعل من اتقى‪ ،‬الذي أصله وقى إذا حفظ‪ .‬واتقى بزيادة تاء الفتعال لتخاذه وقاية‬
‫تقيه وابدلت واو وقي في اتقى تاء وزيدت فيها همزة وصل وتاء الفتعال فصارت اتقى‪ ،‬أي‪:‬‬
‫طلب الوقاية والحفظ مما يخاف ويكره‪.‬‬
‫‪ 3‬الغيب‪ :‬مصدر غاب‪ ،‬يغيب‪ ،‬غيبا‪ ،‬إذا لم يظهر فلم يرى للعيان‪ ،‬ومعناه‪ :‬محصل في الصدور‪.‬‬
‫واليمان‪ .‬بالغيب مفتاح كل التقوى وكل خير‪.‬‬
‫‪ 4‬إقام الصلة جعلها قائمة أي‪ :‬مؤداه ل تسقط ول تهمل‪ .‬نحو‪َ{ :‬أقِيمُوا الدّينَ} أي‪ :‬أظهروه‬
‫بالعمل به والدعوى إليه‪ ،‬والصلة عمود الدين فمن أقامها أقام الدين ومن أقعدها فلم يقمها فقد‬
‫ترك الدين وأهمله‪.‬‬
‫‪ 5‬الصلة اسم جامد وزنها فعلة‪ ،‬ولذا يجمع على صوات بفتح الفاء والعين واللم بمعنى الدعاء‪،‬‬
‫يقال‪ :‬صلى إذا دعا وهي =‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/20‬‬

‫{ َو ِممّا رَ َزقْنَاهُمْ ‪ 1‬يُ ْنفِقُونَ} ‪ :‬من بعض ما آتاهم ال من مال ينفقون وذلك بإخراجهم لزكاة أموالهم‬
‫وبإنفاقهم على أنفسهم وأزواجهم وأولدهم ووالديهم وتصدقهم على الفقراء والمساكين‪.‬‬
‫{ ُي ْؤمِنُونَ ِبمَا أُنْ ِزلَ ِإلَ ْيكَ}‬
‫‪ :‬يصدقون بالوحي الذي أنزل إليك أيها الرسول وهو الكتاب والسنة‪.‬‬
‫{ َومَا أُنْ ِزلَ مِنْ قَبِْلكَ} ‪ :‬ويصدقون بما انزل ال تعالى من كتب على الرسل من قبلك؛ كالتوراة‬
‫والنجيل والزبور‪.‬‬
‫{وَبِالخِ َرةِ ُهمْ يُوقِنُونَ ‪ : }2‬وبالحياة في الدار الخرة وما فيها من حساب وثواب وعقاب هم‬
‫عالمون متيقنون ل يشكون في شيء من ذلك ول يرتابون لكامل إيمانهم وعظم اتقائهم‪.‬‬
‫{أُولَ ِئكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَ ّب ِهمْ} ‪ :‬الشارة إلى أصحاب الصفات الخمس السابقة والخبار عنهم بأنهم‬
‫بما هداهم ال تعالى إليه من اليمان وصالح العمال هم متمكنون ‪ 3‬من الستقامة على منهج ال‬
‫المفضي بهم إلى الفلح‪.‬‬
‫{وَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلمُفِْلحُون} ‪ :‬الشارة إلى أصحاب الهداية ‪ 4‬الكاملة والخبار عنهم بأنهم هم المفلحون‬
‫‪ 5‬الجديرون بالفوز الذي هو دخول الجنة بعد النجاة من النار‪.‬‬
‫في الشرع عبادة ذات ركوع وسجود وتكبير وتلوة وتسبيح تفتح بالتكبير وتختم بالتسليم‪.‬‬
‫__________‬
‫= في الشرع عبادة ذات ركوع وسجود وتلوة وتسبيح تفتتح بالتكبير وتختتم بالتسليم‪.‬‬
‫‪ 1‬الرزق هو‪ :‬كل ما أوجده ال تعالى في الدنيا للنسان من صنوف الموال وضروب المأكولت‬
‫والمشروبات والملبوسات والمركوبات والمساكن‪ ،‬والمراد بالرزق في الية‪ :‬المال صامتا كان أو‬
‫ناطقا‪.‬‬
‫‪ 2‬اليقين‪ :‬اسم فاعل من يقن المر وضح وثبت‪ ،‬والمراد به‪ :‬العلم الحاصل عن نظر وتفكر‬
‫موجب لعدم الشك واضطراب النفس‪.‬‬
‫‪ 3‬دل على التمكن من الستقامة حرف‪( :‬على) في قولهم‪ :‬على هدى من ربهم فإن الستعلء‪ ،‬إذ‬
‫الراكب على الفرس متمكن منها يصرفها كيف يشاء لعلوه عليها‪.‬‬
‫‪ 4‬وهم المتقون أصحاب الصفات الخمس التي هي‪ :‬اليمان بالغيب‪ ،‬وإقام الصلة‪ ،‬وإنفاق مما‬
‫رزقهم ال‪ ،‬واليمان بما أنزل على محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وبما أنزل على من قبله‪ ،‬واليمان‬
‫بالخرة‪.‬‬
‫‪ 5‬الفلح‪ :‬مشتق من فلح الرض إذا شقها‪ ،‬إذ الفلح الشق والقطع كما قال الشاعر‪:‬‬
‫إن الحديد بالحديد يفلح‪ .‬أي يشق ويقطع‪ .‬ومنه الفلح‪ ،‬وهو الرجل يشق الرض بالمحراث‪،‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وعليه فالمفلح‪ :‬من شق طريقه بين صفوف أهل الموقف ودخل الجنة‪ ،‬ويطلق الفلح على الفوز‬
‫وهو السلمة من المرهوب‪ ،‬والظفر بالمرغوب‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫لو كان حي مدرك الفلح ‪...‬‬
‫أدركه ملعب الرماح ‪...‬‬
‫أي فاز به‪.‬‬

‫( ‪)1/21‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫ذكر تعالى في هذه اليات الثلث صفات المتقين من اليمان بالغيب وإقام الصلة وإيتاء الزكاة‪،‬‬
‫واليمان بما أنزل ال من كتب واليمان بالدار الخرة وأخبر عنهم بأنهم لذلك هم على أتم هداية‬
‫من ربهم‪ ،‬وأنهم هم الفائزون في الدنيا بالطهر والطمأنينة وفي الخرة بدخول الجنة بعد النجاة من‬
‫النار‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫دعوة المؤمنين وترغيبهم في التصاف بصفات أهل الهداية والفلح‪ ،‬ليسلكوا سلوكهم فيهتدوا‬
‫ويفلحوا في دنياهم وأخراهم‪.‬‬
‫سوَاءٌ عَلَ ْيهِمْ أَأَنْذَرْ َتهُمْ أَمْ َلمْ تُنْذِرْ ُهمْ ل ُي ْؤمِنُونَ(‪ )6‬خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُو ِبهِ ْم وَعَلَى‬
‫{إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا َ‬
‫غشَا َوةٌ وََلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(‪})7‬‬
‫س ْم ِعهِ ْم وَعَلَى أَ ْبصَارِهِمْ ِ‬
‫َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ل أو‬
‫{ َكفَرُوا} ‪ :‬الكفر‪ :‬لغة التغطية والجحود‪ ،‬وشرعا‪ :‬التكذيب ‪ 1‬بال وبما جاءت به رسله عنه ك ً‬
‫بعضا‪.‬‬
‫سوَاءٌ ‪ : }2‬بمعنى مُسْ َتوٍ انذارهم وعدمه‪ ،‬إذ ل فائدة منه لحكم ال بعدم هدايتهم‪.‬‬
‫{َ‬
‫{أَأَ ْنذَرْ َتهُمْ} ‪ :‬النذار التخويف بعاقبة الكفر والظلم والفساد‪.‬‬
‫__________‬
‫‪1‬وقد يطلق الكفر على جحود النعمة والحسان‪ ،‬ومن ذلك قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬يكفرن‬
‫العشير والحسان" ‪ ،‬لما قال‪" :‬رأيت النار ورأيت أكثر أهلها النساء" ‪ .‬فقيل له‪ :‬بم يا رسول ال؟‪.‬‬
‫قال‪ :‬يكفرن‪ ،‬قيل‪ :‬يكفرن بال؟ قال‪ :‬يكفرن العشير –أي الزوج‪ -‬ويكفر الحسان ‪.‬‬
‫‪ 2‬سواء عليهم‪ :‬هذا خبر إن الذين كفروا‪ .‬وسواء‪ :‬اسم مصدر‪ ،‬إذ فعله استوى‪ ،‬والمصدر‬
‫الستواء‪ ،‬واسم المصدر سواء‪ ،‬ولذا فهو بمعنى مستو‪ ،‬أي‪ :‬استوى إنذارهم وعدمه في إنهم ل‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يؤمنون‪ ،‬وهذا من العام الخاص‪ ،‬إذ ما كل الكافرين ل يؤمنون وإنما من كتبت عليهم الشقوة‬
‫إذللً؛ كأبي لهب وأبي جهل وعقبة والعاصي والنضر وغيرهم‪.‬‬

‫( ‪)1/22‬‬

‫{ختم ‪ 1‬ال} ‪ :‬طبع‪ ،‬إذ الختم والطبع واحد وهو وضع الخاتم أو الطابع على الظرف حتى ل يعلم‬
‫ما فيه‪ ،‬ول يتوصل إليه فيبدل أو يغير‪.‬‬
‫الغشاوة ‪ :‬الغطاء يغشى به ما يراد منع وصول شيء إليه‪.‬‬
‫العذاب‪ :‬اللم يزيل عذوبة الحياة ولذتها‪.‬مناسبة اليتين لما قبلهما ومعناهما‪:‬‬
‫لما ذكر أهل اليمان والتقوى والهداية والفلح ذكر بعدهم أهل الكفر والضلل والخسران‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫[إن الذين كفروا] ‪ 2‬إلخ‪ .‬فأخبر بعدم استعدادهم لليمان حتى استوى إنذارهم ‪ 3‬وعدمه وذلك‬
‫لمضي سنة ال فيهم بالطبع على قلوبهم حتى ل تفقه‪ ،‬وعلى آذانهم ‪ 4‬حتى ل تسمع‪ ،‬ويجعل‬
‫الغشاوة على أعينهم حتى ل تبصر‪ ،‬وذلك نتيجة مكابرتهم وعنادهم وإصرارهم على الكفر‪ .‬وبذلك‬
‫استوجبوا العذاب العظيم فحكم به عليهم‪ .‬وهذا حكم ال تعالى في أهل العناد والمكابرة والصرار‬
‫في كل زمان ومكان‪.‬‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان سنة ال تعالى في أهل العناد والمكابرة والصرار بأن يحرمهم ال تعالى الهداية‪ ،‬وذلك‬
‫بتعطيل حواسهم حتى ل ينتفعوا بها فل يؤمنوا ول يهتدوا‪.‬‬
‫‪ -2‬التحذير من الصرار على الكفر والظلم والفساد الموجب للعذاب العظيم‪.‬‬
‫{ َومِنَ النّاسِ مَنْ َيقُولُ آمَنّا بِاللّ ِه وَبِالْ َيوْمِ الْآخِ ِر َومَا ُهمْ ِب ُم ْؤمِنِينَ(‪)8‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الختم‪ :‬حقيقته السد على الناء‪ ،‬والغلق على الكتاب بطين ونحوه‪ ،‬والخاتم‪ :‬هو ما سد وأغلق‬
‫به‪.‬‬
‫‪ 2‬قطعت جملة‪ :‬إن الذين كفروا ولم تعطف على السابق لكمال النقطاع بينهما وهو التضاد‪ ،‬إذ‬
‫الولى في ذكر الهداية والمهتدين‪ ،‬وهذه في ذكر الكفر والكافرين‪.‬‬
‫‪ 3‬قد يقال‪ :‬ما دام قد علم ال تعالى أن بعضا ل يؤمنون فِلمَ ينذرون‪ ،‬إذا إنذارهم مع العلم بأنه ل‬
‫ينفعهم‪ ،‬تكليف بالمحال‪ .‬والجواب‪ :‬أن دعوة النبي صلى ال عليه وسلم لكل أحد‪ ،‬وهو صلى ال‬
‫عليه وسلم لم يعلم من كتب ال تعالى عليه الشقاء ممن كتب له السعادة‪ ،‬فلذا هو يدعو وينذر‪،‬‬
‫ومن كان من أهل السعادة أجاب الدعوة‪ ،‬ومن لم يكن من أهلها رفضها ولم يجب‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 4‬تقديم السمع على البصر في عدة آيات من القرآن يفيد أن حاسة السمع أنفع من حاسة البصر‪،‬‬
‫وهو كذلك والعقل أعظم‪.‬‬

‫( ‪)1/23‬‬

‫شعُرُونَ(‪ )9‬فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ فَزَادَ ُهمُ اللّهُ‬


‫سهُ ْم َومَا يَ ْ‬
‫يُخَادِعُونَ اللّ َه وَالّذِينَ آمَنُوا َومَا َيخْدَعُونَ إِل أَ ْنفُ َ‬
‫مَرَضا وََلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ِبمَا كَانُوا َي ْكذِبُونَ(‪})10‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ َومِنَ النّاسِ‪ : }1‬من بعض الناس ‪.2‬‬
‫{مَنْ َيقُولُ آمَنّا بِاللّهِ‪ : }3‬صدقنا بال ربا وإلها ل إله غيره ول رب سواه‪.‬‬
‫{وَبِالْ َيوْمِ الخِرِ} ‪ :‬صدقنا بالبعث والجزاء يوم القيامة‪.‬‬
‫{ ُيخَادِعُونَ‪ 4‬ال} ‪ :‬بإظهارهم اليمان وإخفائهم الكفر‪.‬‬
‫س ُهمْ‪ : }5‬إذ عاقبة خداعهم تعود عليهم ل على ال ول على رسوله ول على‬
‫خدَعُونَ إِل أَ ْنفُ َ‬
‫{ َومَا يَ ْ‬
‫المؤمنين‪.‬‬
‫شعُرُونَ} ‪ :‬ل يعلمون أن عاقبة خداعهم عائدة عليهم‪.‬‬
‫{ َومَا يَ ْ‬
‫{فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ} ‪ :‬في قلوبهم شك ونفاق وألم الخوف من افتضاح أمرهم والضرب على‬
‫أيديهم‪.‬‬
‫{فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضا} ‪ :‬شكا ونفاقا وألما وخوفا حسب سنة ال في أن السيئة ل تعقب إل سيئة‪.‬‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ} ‪ :‬موجع شديد الوقع على النفس‪.‬مناسبة الية لما قبلها وبيان معناها‪:‬‬
‫{َ‬
‫لما ذكر تعالى المؤمنين الكاملين في إيمانهم وذكر مقابلهم وهم الكافرون البالغون في الكفر‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لفظ الناس مشتق من الناس‪ ،‬ينوس إذا تحرك كذا قيل‪ :‬وهل هو من النسيان‪ ،‬أو النس الكل‬
‫محتمل لن آدم نسي ولنه حصل له النس بحواء‪.‬‬
‫‪ 2‬ومن الناس‪ :‬خبر‪ ،‬والمبتدأ من يقول‪ ،‬والسر في تقديم الخبر هنا‪ :‬هو إخفاء المخبر عنه‪ ،‬لنه‬
‫ذو صفات ذميمة‪ ،‬وأفعال شنيعة نحو‪ ،‬قول‪ :‬ما بال أقوام يقولون‪ :‬كذا وكذا بما هو مؤذن بالتعجب‬
‫من حالهم أيضا‪.‬‬
‫‪ 3‬أي اعتقدنا على علم إن ال ل إله إل هو ول رب سواه‪ ،‬إذ اليمان‪ :‬التصديق الجازم بوجود‬
‫ال تعالى ربا وإلها موصوفا بالكمال منزها عن كل نقصان‪ ،‬والتصديق بكل ما أمر ال تعالى‬
‫باليمان به من الملئكة والكتب‪ ،‬والرسل والبعث والقدر‪.‬‬
‫‪ 4‬وإن قيل‪ :‬ما وجه مخادعتهم ل تعالى والمؤمنين بإظهارهم اليمان والسلم تمويها في نظرهم‬
‫على ال‪ ،‬إذ لم يعرفوا جلله وكماله‪ ،‬وعلى المؤمنين ظنا منهم إنهم ل يعلمون ما يخفون في‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫نفوسهم من الكفر والعداء‪ .‬وأما مخادعة ال لهم فهي علمه تعالى بما يبطنون من الكفر والشر‬
‫وعدم فضيحتهم بذلك‪ ،‬فلم يكشف أسرارهم ولم يذكرهم في وحيه بأسمائهم‪ ،‬ومخادعة المؤمنين‬
‫لهم هي‪ :‬علمهم بنفاقهم وعدم مؤاخذتهم ونسبتهم إليه‪ .‬هذا ولو قلنا‪ :‬إن صيغة المفاعلة هنا ليست‬
‫على بابها فهي بمعنى خدع يخدع‪ ،‬وذلك نحو‪ :‬عاقبت اللص وعالجت المريض فلم نحتج إلى ما‬
‫ذكرنا‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫‪ 5‬قرأ نافع والجمهور‪ :‬وما يخادعون‪ ،‬بألف بعد الخاء‪ ،‬وقرأ حفص‪ :‬يخدعون‪ ،‬بسكون الخاء‪.‬‬

‫( ‪)1/24‬‬

‫منتهاه ذكر المنافقين وهم‪ :‬المؤمنون في الظاهر الكافرون في الباطن‪ ،‬وهم شر من الكافرين‬
‫البالغين في الكفر أشده‪.‬‬
‫أخبر تعالى أن فريقا من الناس وهم المنافقون ‪ 1‬يدّعون اليمان بألسنتهم ويضمرون الكفر في‬
‫قلوبهم يخادعون ‪ 2‬ال والمؤمنين بهذا النفاق‪ .‬ولما كانت عاقبة خداعهم عائدة عليهم‪ .‬كانوا بذلك‬
‫خادعين أنفسهم ل غيرهم ولكنهم ل يعلمون ذلك ول يدرون به‪.‬‬
‫كما أخبر تعالى أن في قلوبهم مرضا وهو الشك والنفاق والخوف‪ ،‬وأنه زادهم مرضا عقوبة لهم‬
‫في الدنيا وتوعدهم بالعذاب الليم في الخرة بسبب كذبهم وكفرهم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫التحذير من الكذب والنفاق والخداع‪ ،‬وأن عاقبة الخداع تعود على صاحبها كما أن السيئة ل يتولد‬
‫عنها إل سيئة مثلها‪.‬‬
‫سدُونَ وََلكِنْ ل‬
‫{وَإِذَا قِيلَ َل ُهمْ ل ُتفْسِدُوا فِي الَ ْرضِ قَالُوا إِ ّنمَا نَحْنُ ُمصْلِحُونَ(‪ )11‬أَل إِ ّنهُمْ هُمُ ا ْلمُفْ ِ‬
‫س َفهَاءُ‬
‫س َفهَاءُ أَل إِ ّنهُمْ هُمُ ال ّ‬
‫شعُرُونَ(‪ )12‬وَإِذَا قِيلَ َلهُمْ آمِنُوا َكمَا آمَنَ النّاسُ قَالُوا أَ ُن ْؤمِنُ َكمَا آمَنَ ال ّ‬
‫يَ ْ‬
‫وََلكِنْ ل َيعَْلمُونَ(‪})13‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الفساد في الرض ‪ :‬الكفر وارتكاب المعاصي فيها‪.‬‬
‫الصلح في الرض‪ :‬يكون باليمان الصحيح والعمل الصالح‪ ،‬وترك الشرك والمعاصي‪.‬‬
‫{ل يشعرون} ‪ :‬ل يدرون ول يعلمون‪.‬‬
‫{السفهاء} ‪ :‬جمع سفيه‪ :‬خفيف العقل ل يحسن التصرف والتدبير‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المنافق‪ :‬كل من يظهر اليمان ويبطن الكفر‪ ،‬والمذكرون كانوا على عهد رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وروي عن ابن عباس رضي ال عنهما‪ ،‬إنهم كانوا ثلث مائة رجل‪ ،‬ومائة وسبعون‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫امرأة‪ ،‬بعضهم من الوس والخزرج وبعضهم من اليهود ورأس منافقي المشركين عبد ال بن أبي‬
‫بن سلول‪ ،‬ولم يقبض رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى أسلم من أسلم وهلك من هلك إل ما‬
‫كان من عبد ال بن سبأ اليهودي الذي أوقد نار الفتنة بالتعاون مع المجوس‪.‬‬
‫‪ 2‬الخدع‪ :‬أصله الخفاء والفساد‪ ،‬ومنه مخدع البيت الذي تخفى فيه الشياء‪ ،‬والخادع والخادع‬
‫بمعنى واحد‪ :‬وهو أن يظهر بقوله أو فعله إنه يريد النفع وهو يريد الضر‪ ،‬وهو حرام إل في‬
‫الحرب فإنه جائز‪.‬‬

‫( ‪)1/25‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫يخبر تعالى عن المنافقين أنهم إذا ‪ 1‬قال لهم أحد المؤمنين ل تفسدوا ‪ 2‬في الرض بالنفاق وموالة‬
‫اليهود والكافرين ردوا عليه قائلين‪ :‬إنما نحن ‪ 3‬مصلحون في زعمهم‪ ،‬فأبطل ال تعالى هذا الزعم‬
‫وقرر أنهم هم وحدهم المفسدون ل من عرضوا بهم من المؤمنين‪ ،‬إل أنهم ل يعلمون ذلك‬
‫لستيلء الكفر على قلوبهم‪ .‬كما أخبر تعالى عنهم بأنهم إذا قال لهم أحد المؤمنين صدقوا في‬
‫إيمانكم وآمنوا إيمان فلن وفلن مثل‪ :‬عبد ال بن سلم‪ .‬ردوا قائلين‪ :‬أنؤمن ‪ 4‬إيمان السفهاء‬
‫الذين ل رشد لهم ول بصيرة ‪ 5‬فرد ال تعالى عليهم دعواهم وأثبت السفه لهم ونفاه عن المؤمنين‬
‫الصادقين ووصفهم بالجهل وعدم العلم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ذم الدعاء الكاذب وهو ل يكون غالبا إل من صفات المنافقين‪.‬‬
‫‪ -2‬الصلح في الرض يكون بالعمل بطاعة ال ورسوله‪ ،‬والفساد فيها يكون بمعصية ال‬
‫ورسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫العاملون بالفساد في الرض يبررون دائما إفسادهم بأنه إصلح وليس بإفساد‪.‬‬
‫{وَإِذَا َلقُوا الّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنّا وَإِذَا خََلوْا إِلَى شَيَاطِي ِنهِمْ قَالُوا إِنّا َم َعكُمْ إِ ّنمَا نَحْنُ ُمسْ َتهْزِئُونَ(‪)14‬‬
‫طغْيَا ِنهِمْ َي ْع َمهُونَ(‪ )15‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ اشْتَ َروُا الضّللَةَ بِا ْلهُدَى َفمَا‬
‫اللّهُ َيسْ َتهْ ِزئُ ِبهِ ْم وَ َيمُدّ ُهمْ فِي ُ‬
‫حتْ ِتجَارَ ُتهُ ْم َومَا كَانُوا ُمهْتَدِينَ(‪})16‬‬
‫رَبِ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أصل الفساد‪ :‬جعل منفعة الشيء مضرة؛ كإفساد الطعام ونحو بما يلقى فيه‪.‬‬
‫‪ 2‬إذا‪ :‬هنا ليست شرطية بل لمطلق الظرفية‪.‬‬
‫‪ 3‬قولهم‪ :‬إنما نحن مصلحون‪ :‬ل ذم فيه‪ ،‬وإنما جاءه الذم من كونهم مفسدين وادعوا إنه‬
‫مصلحون‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 4‬الستفهام هنا‪ :‬إنكاري‪ ،‬أي‪ :‬إذا دعوا إلى اليمان أنكروا دعوة من دعاهم طاعنين في إيمان‬
‫المؤمنين‪ ،‬إذ نسبوهم إلى السفه‪ ،‬وهو خفة العقل‪ ،‬وقلة إدراك المور مبادئ وعواقب‪.‬‬
‫‪ 5‬أي‪ :‬بقوله‪ :‬أل إنهم هم السفهاء‪ ،‬فبرأ المؤمنين من هذا العيب ووصم به المنافقين‪ ،‬وهم أهله‬
‫حقا‪ ،‬فإنه ل سفه أكبر من الكفر بالحق واليمان بالباطل‪.‬‬

‫( ‪)1/26‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{َلقُوا ‪ : }1‬اللقاء‪ :‬والملقاة‪ :‬المواجهة وجها لوجه‪.‬‬
‫{آمَنُوا} ‪ :‬اليمان الشرعي‪ :‬التصديق بال وبكل ما جاء به رسول ال عن ال‪ ،‬وأهله هم المؤمنون‬
‫بحق‪.‬‬
‫{خََلوْا} ‪ :‬الخلو بالشيء ‪ :2‬النفراد به‪.‬‬
‫{شَيَاطِي ِنهِمْ‪ : }3‬الشيطان كل بعيد عن الخير قريب من الشر يفسد ول يصلح من إنسان أو جان‪،‬‬
‫والمراد بهم هنا رؤساؤهم في الشر والفساد‪.‬‬
‫{مُسْ َتهْزِئُونَ‪ : }4‬الستهزاء‪ :‬الستخفاف والستسخار بالمرء‪.‬‬
‫الطغيان ‪ :‬مجاوزة الحد في المر والسراف فيه‪.‬‬
‫ال َعمَه ‪ :5‬للقلب؛ كالعمى للبصر‪ :‬عدم الرؤية وما ينتج عنه من الحيرة والضلل‪.‬‬
‫{اشْتَ َروُا ‪ : }6‬استبدلوا بالهدى الضللة‪ ،‬أي‪ :‬تركوا اليمان وأخذوا الكفر‪.‬‬
‫{ ِتجَارَ ُتهُمْ} ‪ :‬التجارة‪ :‬دفع رأس مال لشراء ما يربح إذا باعه‪ ،‬والمنافقون هنا دفعوا رأس مالهم‬
‫وهو اليمان لشراء الكفر آملين أن يربحوا عزا وغنى في الدنيا فخسروا ولم يربحوا إذ ذُلوا‬
‫وعُذبوا وافتقروا بكفرهم‪.‬‬
‫المهتدي ‪ :‬السالك سبيلً قاصدة تصل به إلى ما يريده في أقرب وقت وبل عناء‪ ،‬والضال خلف‬
‫المهتدي‪ :‬وهو السالك سبيلً غير قاصدة فل تصل به إلى مراده حتى يهلك قبل الوصول‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أصل لقوا‪ :‬لقيوا نقلت الضمة إلى القاف‪ ،‬وحذفت الياء للتقاء الساكنين‪ ،‬إذ فعله لقي كرضي‪.‬‬
‫‪ 2‬عدي فعل خلوا ب إلى ولم يعد بالباء‪ ،‬إذ يقال خل بكذا؛ لن خلو هنا بمعنى ذهبوا وانصرفوا‪.‬‬
‫‪ 3‬فسر بعضهم الشياطين بالكهان وبشياطين الجن‪ ،‬والصحيح إنهم رؤساؤهم في الكفر والشر‬
‫والفساد من منافقي اليهود وغيرهم‪.‬‬
‫‪ 4‬أي‪ :‬مكذبون بما ندعي إليه ساخرون من أهله‪.‬‬
‫‪ 5‬العمه‪ :‬انطماس البصيرة والتحير في الرأي وفعله‪ ،‬عمه فهو عامه وأعمه‪.‬‬
‫‪ 6‬الشتراء‪ :‬افتعال من شرى يشتري بمعنى‪ :‬باع‪ .‬إذ فعل شرى يكون بمعنى باع وبمعنى‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫اشترى‪ ،‬فاشترى كابتاع كلهما مطاوع فعله شرى أو باع‪ ،‬إذ كل من البائع والمشتري أخذ شيئا‬
‫وأعطى آخر‪.‬‬

‫( ‪)1/27‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زالت اليات تخبر عن المنافقين وتصف أحوالهم إذ أخبر تعالى عنهم في الية الولى (‪)14‬‬
‫أنهم لنفاقهم وخبثهم إذا لقوا الذين آمنوا في مكان ما أخبروهم بأنهم مؤمنون بال والرسول وما‬
‫جاء به من الدين‪ ،‬وإذا انفردوا برؤسائهم في الفتنة والضللة فلموهم عما ادّعوه من اليمان‪،‬‬
‫قالوا لهم‪ :‬إنا معكم على دينكم وما آمنا أبدا‪ .‬وإنما أظهرنا اليمان استهزاء وسخرية بمحمد‬
‫وأصحابه‪.‬‬
‫كما أخبر في الية الثانية (‪ )15‬أنه تعالى يستهزئ بهم معاملة لهم بالمثل جزاء وفاقا ويزيدهم ‪1‬‬
‫حسب سنته في أن السيئة تلد سيئة في طغيانهم لتزداد حيرتهم واضطراب نفوسهم وضلل‬
‫عقولهم‪ .‬كما أخبر في الية (‪ )16‬أن أولئك البعداء في الضلل قد استبدلوا اليمان بالكفر‬
‫والخلص بالنفاق‪ ،‬فلذلك ل تربح تجارتهم ‪ 2‬ول يهتدون إلى سبيل ربح أو نُجح محال‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬التنديد بالمنافقين والتحذير من سلوكهم في ملقاتهم هذا بوجه وهذا بوجه آخر وفي الحديث‪:‬‬
‫"شراركم ذو الوجهين"‪.3‬‬
‫‪ -2‬إن من الناس ‪ 4‬شياطين يدعون إلى الكفر والمعاصي ‪ ،5‬ويأمرون بالمنكر وينهون عن‬
‫المعروف‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان نقم ال‪ ،‬وإنزالها بأعدائه عز وجل‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬تفسير لقوله تعالى‪:‬ويمدهم‪ ،‬إذ المد بالزيادة‪ ،‬يقال‪ :‬مده بكذا‪ ،‬إذا زاده‪ ،‬وقيل‪ :‬يستعمل أمد في‬
‫الخير‪ ،‬نحو‪{ :‬وَ ُيمْدِ ْد ُكمْ بَِأ ْموَالٍ وَبَنِينَ} ويستعمل مد في الشر‪ ،‬كما في هذه الية‪{ :‬وَ َيمُدّهُمْ فِي‬
‫طغْيَا ِنهِمْ َي ْع َمهُونَ} ‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ 2‬إسناد الربح إلى التجارة لكونها سببا للربح‪ ،‬وإل فالربح للتاجر ل للتجارة‪ ،‬وهذا الستعمال في‬
‫اللغة نحو قول الشاعر‪:‬‬
‫نهارك هائم وليلك نائم ‪ ...‬كذلك في الدنيا تعيش البهائم‬
‫إذ أسند الهيام إلى النهار‪ ،‬والنوم إلى الليل‪.‬‬
‫‪ 3‬روى البخاري ومسلم‪ ،‬والشاهد في قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬وتجدون شر الناس ذا الوجهين‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الذي يأتي هؤلء بوجه وهؤلء بوجه‪.‬‬
‫‪ 4‬شياطين النس كشياطين الجن‪ ،‬إذ كل من بعد في الشر وتوغل فيه وأصبح ل يروم الخير ول‬
‫يحبه فهو شطان يستعاذ بال منه‪.‬‬
‫‪ 5‬المعاصي‪ :‬جمع معصية‪ ،‬وهو ترك ما أوجب ال ورسوله القيام أو فعل ما حرم ال ورسوله‬
‫فعله‪ ،‬سواء في ذلك العتقاد‪ ،‬والقول‪ ،‬والعمل إذا الواجبات والمنهيات تكون في العتقاد والقول‬
‫والعمل‪.‬‬

‫( ‪)1/28‬‬

‫تل‬
‫حوْلَهُ ذَ َهبَ اللّهُ بِنُورِ ِه ْم وَتَ َر َكهُمْ فِي ظُُلمَا ٍ‬
‫{مَثَُلهُمْ َكمَ َثلِ الّذِي اسْ َت ْوقَدَ نَارا فََلمّا َأضَا َءتْ مَا َ‬
‫سمَاءِ فِيهِ ظُُلمَاتٌ وَرَعْ ٌد وَبَرْقٌ‬
‫جعُون(‪َ )18‬أوْ َكصَيّبٍ مِنَ ال ّ‬
‫ع ْميٌ َفهُمْ ل يَرْ ِ‬
‫يُ ْبصِرُونَ(‪ )17‬صُمّ ُبكْمٌ ُ‬
‫ت وَاللّهُ ُمحِيطٌ بِا ْلكَافِرِينَ(‪َ )19‬يكَادُ الْبَرْقُ‬
‫صوَاعِقِ حَذَرَ ا ْل َموْ ِ‬
‫جعَلُونَ َأصَا ِب َعهُمْ فِي آذَا ِنهِمْ مِنَ ال ّ‬
‫يَ ْ‬
‫س ْم ِعهِمْ‬
‫شوْا فِي ِه وَِإذَا أَظَْلمَ عَلَ ْيهِمْ قَامُوا وََلوْ شَاءَ اللّهُ َلذَ َهبَ بِ َ‬
‫طفُ أَ ْبصَارَهُمْ كُّلمَا َأضَاءَ َل ُهمْ مَ َ‬
‫خَ‬‫يَ ْ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ(‪})20‬‬
‫وَأَ ْبصَارِهِمْ إِنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{مَثَُلهُمْ ‪ : }1‬صفتهم ‪ 2‬وحالهم‪.‬‬
‫{اسْ َت ْوقَدَ} ‪ :‬أوقد نارا‪.‬‬
‫ع ْميٌ} ‪ :‬ل يسمعون ول ينطقون ول يبصرون‪.‬‬
‫{صُمّ ُب ْكمٌ ُ‬
‫الصيب ‪ :‬المطر‪.‬‬
‫الظلمات ‪ :‬ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة المطر‪.‬‬
‫الرعد ‪ :‬الصوت القاصف يُسمع ‪ 3‬حال تراكم السحاب ونزول المطر‪.‬‬
‫البرق ‪ :‬ما يلمع من نور حال تراكم السحاب ونزول المطر‪.‬‬
‫صوَاعِقِ} ‪ :‬جمع صاعقة‪ :‬نار هائلة تنزل أثناء قصف الرعد ولمعان البرق يصيب ال تعالى‬
‫{ال ّ‬
‫بها من يشاء‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬القول السائر‪ :‬مثل‪ :‬أحشفا وسوء كيله؟ والصيف ضيعت اللبن‬
‫ويعرف المثل بأنه قول شبه مضر به بمورده ومضر به في الحال المشبه ومورده هو الحال‬
‫المشبه بها‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله تعالى‪{ :‬مَثَُل ُهمْ} اليات‪ :‬تضمن مثلين‪ :‬ناريا‪ :‬وهو المثل الول‪ .‬ومائيا‪ :‬هو المثل الثاني‪،‬‬
‫والمثلن وقعان من السياق الول موقع البيان والتقرير‪ ،‬والفذلكة‪ ،‬ولذا لم تعطف جملة مثلهم‬
‫لكمال التصال بينها وبين الجمل السابقة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 3‬ظاهرة الرعد والبرق يفسرها علماء الطبيعة؛ بأنه نتيجة اتحاد كهرباء السحاب الموجبة‬
‫بالسالبة‪.‬‬

‫( ‪)1/29‬‬

‫{حَذَرَ ا ْل َم ْوتِ} ‪ :‬توقيا للموت‪.‬‬


‫{مُحِيطٌ} ‪ :‬المحيط المكتنف للشيء من جميع جهاته‪.‬‬
‫{ َيكَادُ} ‪ :‬يقرب‪.‬‬
‫طفُ} ‪ :‬يأخذه بسرعة‪.‬‬
‫{ َيخْ َ‬
‫{وَأَ ْبصَارِهِمْ} ‪ :‬جمع بصر وهو العين المبصرة‪.‬معنى اليات‪:‬‬
‫مثل ‪ 1‬هؤلء المنافقين فيما يظهرون من اليمان مع ما هم مبطنون من الكفر كمثل ‪ 2‬من أوقد‬
‫نارا للستضاءة بها فلما أضاءت لهم ما حولهم وانتفعوا بها أدنى انتفاع ذهب ال بنورهم ‪3‬‬
‫وتركهم في ظلمات ل يبصرون‪ .‬لنهم بإيمانهم الظاهر صانوا دماءهم وأموالهم ونساءهم‬
‫وذراريهم من القتل والسبي‪ ،‬وبما يضمرون من الكفر إذا ماتوا عليه يدخلون النار فيخسرون كل‬
‫شيء حتى أنفسهم‪ .‬هذا المثل تضمنته الية الولى(‪ ،)17‬وأما الية الثاني(‪ )18‬فهي إخبار عن‬
‫أولئك ‪ 4‬المنافقين بأنهم قد فقدوا كل استعداد للهتداء فل آذانهم تسمع صوت الحق ول ألسنتهم‬
‫تنطق به‪ ،‬ول أعينهم تبصر آثاره‪ ،‬وذلك لتوغلهم في الفساد‪ .‬فلذا هم ل يرجعون عن الكفر إلى‬
‫اليمان بحال من الحوال‪ .‬وأما الية الثالثة والرابعة(‪ )20()19‬فهما تتضمنان مثلً آخر لهؤلء‬
‫المنافقين‪ .‬وصورة المثل العجيبة والمنطقية على حالهم هي مطر ‪5‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المثل‪ :‬متحرك الوسط‪ ،‬الصل فيه أنه النظير والمشابه وفيه لغات وهي‪ :‬المثل بكسر الميم‪،‬‬
‫والمثيل بفتح الميم وكسر المثلثة وإشباعها‪ .‬ونظير المثل الشبه والبديل‪ ،‬ففي كل واحد ثلث لغات‬
‫ولنظير لها في اللغة‪ ،‬يقال‪ :‬شبه وشبه وشبيه وبَدَل وبدْل وبديل‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله‪{ :‬الّذِي اسْ َت ْوقَدَ نَارا} ‪ .‬مفرد وقوله‪َ { :‬ذ َهبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ} ‪ .‬جمع‪ ،‬فهل الذي هنا بمعنى‪:‬‬
‫الذين على حد قول القائل‪:‬‬
‫وإن الذي حانت دمائهم ‪ ...‬هم القوم كل القوم يا أم خالد‬
‫من الجائز أن يكون الذي بمعنى الذين لوروده في فصيح اللغة‪ ،‬وهو من باب اللتفات ل غير‪.‬‬
‫‪ 3‬عدل عن لفظ‪ .‬ذهب ال بنارهم‪ .‬إلى قوله‪ :‬نورهم‪ .‬إشارة إلى أن السلم نور يهدي ل نار‬
‫تحرق‪.‬‬
‫‪ 4‬يرى ابن كثير أن هؤلء المنافقين كانوا قد آمنوا ثم بعد إيمانهم كفروا في الباطن مظهرين‬
‫اليمان في الظاهر‪ ،‬ويرى ابن جرير خلف ذلك‪ ،‬وهو‪ :‬ما آمنوا ثم كفروا‪ ،‬وإنما آمنوا في‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الظاهر ل غير‪ ،‬واحتج عليه ابن كثير بقول ال تعالى في سورة المنافقين‪ { :‬ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ آمَنُوا ثُمّ‬
‫َكفَرُوا} اليات‪.‬‬
‫‪ 5‬هو الصيب في قوله‪َ { :‬أوْ َكصَ ّيبٍ} ‪ ،‬وأصل صيب‪ :‬صيوب قلبت فيه الواو ياء وأدغمت في‬
‫الياء‪ ،‬نظيره‪ :‬سيد وميت؛ لن الفعل ساد يسود‪ ،‬ومات يموت‪ ،‬فسيد أصلها يسود‪ ،‬وميت أصلها‬
‫ميوت وقلبت الواو ياء وأدغمت واو في قوله‪َ { :‬أوْ َكصَ ّيبٍ} هي بمعنى الواو‪.‬‬

‫( ‪)1/30‬‬

‫غزير في ظلمات مصحوب برعد قاصف وبرق خاطف‪ ،‬وهم في وسطه مذعورون خائفون‬
‫يسدون آذانهم بأنامل أصابعهم حتى ل يسمعوا صوت الصواعق حذرا أن تنخلع قلوبهم فيموتوا‪،‬‬
‫ولم يحذروا مفرا ول مهربا لن ال تعالى محيط بهم هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن البرق‬
‫لشدته وسرعته يكاد يخطف أبصارهم فيعمون‪ ،‬فإذا أضاء لهم البرق الطريق مشوا في ضوئه‪،‬‬
‫س ْم ِعهِمْ وَأَ ْبصَارِهِمْ إِنّ اللّهَ‬
‫وإذا انقطع ضوء البرق وقفوا حيارى خائفين‪{ ،‬وََلوْ شَاءَ اللّهُ لَذَ َهبَ بِ َ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ} ‪ .‬هذه حال أولئك المنافقين‪ ،‬والقرآن ينزل بذكر الكفر‪ ،‬وهو‪ :‬ظلمات‪ ،‬وبذكر‬
‫عَلَى ُكلّ َ‬
‫الوعيد‪ ،‬وهو‪ :‬كالصواعق والرعد‪ ،‬وبالحجج والبينات‪ ،‬وهي‪ :‬كالبرق في قوة الضاءة‪ ،‬وهم‬
‫خائفون أن ينزل القرآن بكشفهم وإزاحة الستار عنهم فيؤخذوا‪ ،‬فإذا نزل بآية ل تشير إليهم ول‬
‫تتعرض بهم مشوا في إيمانهم الظاهر‪ .‬وإذا نزل بآية فيها التنديد بباطلهم وما هم عليه وقفوا‬
‫حائرين ل يتقدمون ول يتأخرون‪ ،‬ولو شاء ال أخذ أسماعهم وأبصارهم لفعل؛ لنهم لذلك أهل‬
‫وهو على كل شيء قدير ‪.1‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬استحسان ضرب المثال لتقريب المعاني إلى الذهان‪.‬‬
‫‪ -2‬خيبة سعي أهل الباطل وسوء عاقبة أمرهم‪.‬‬
‫‪ -3‬القرآن تحيا به القلوب كما تحيا الرض بماء المطر‪.‬‬
‫‪ -4‬شر الكفار المنافقون‪.‬‬
‫{يَا أَ ّيهَا ‪ 2‬النّاسُ اعْ ُبدُوا ‪ 3‬رَ ّب ُكمُ الّذِي خََل َقكُمْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬القدير‪ ،‬والقادر‪ ،‬والمقتدر‪ ،‬بمعنى‪ :‬واحد‪ ،‬إل أن القدير أبلغ لنه من أمثلة المبالغة‪ ،‬وقدرة ال‬
‫تتعلق بالممكنات القابلة بالوجود والعدم‪ ،‬فل يقولن قائل‪ :‬هل يقدر ال على خلق ذات كذاته سبحانه‬
‫وتعالى؟‪.‬‬
‫‪ 2‬ياء‪ :‬حرف نداء للبعيد وينادى بها القريب تعظيما له نحو‪ :‬يا ال ‪ ،‬يا رب‪ ،‬وهو تعالى أقرب‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من حبل الوريد‪ .‬أي‪ :‬صلة للتوصل بها لنداء ما فيه أل نحو‪ :‬أيها الناس‪ .‬ها‪ :‬حرف تنبيه أقحمت‬
‫بين (أي) والمنادى‪.‬‬
‫‪ 3‬أصل العبادة‪ :‬الخضوع والتذلل‪ ،‬مشتق من قولهم‪ :‬طريق معبد إذا كان موطوءا بالقدام‪ ،‬وهي‬
‫في الشرع طاعة ال ورسوله باليمان وفعل المر واجتناب النهي مع غاية الحب والتعظيم لهما‬
‫والتذلل وحده‪.‬‬

‫( ‪)1/31‬‬

‫سمَاءَ بِنَا ًء وَأَنْ َزلَ مِنَ‬


‫ج َعلَ‪َ 2‬ل ُك ُم الَ ْرضَ فِرَاشا وَال ّ‬
‫وَالّذِينَ مِنْ قَبِْلكُمْ َلعَّلكُمْ‪ 1‬تَ ّتقُونَ(‪ )21‬الّذِي َ‬
‫جعَلُوا لِلّهِ أَنْدَادا‪ 3‬وَأَنْ ُتمْ َتعَْلمُونَ(‪})22‬‬
‫سمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ ِبهِ مِنَ ال ّثمَرَاتِ رِزْقا َلكُمْ فَل َت ْ‬
‫ال ّ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{النّاسُ} ‪ :‬لفظ جمع ل مفرد له من لفظه‪ ،‬واحده إنسان‪.‬‬
‫{اعْ ُبدُوا} ‪ :‬أطيعوا باليمان والمتثال للمر والنهي مع غاية الحب ل والتعظيم‪.‬‬
‫{رَ ّبكُمُ} ‪ :‬خالقكم ومالك أمركم وإلهكم الحق‪.‬‬
‫{خََل َقكُمْ} ‪ :‬أوجدكم من العدم بتقدير عظيم‬
‫{تَ ّتقُونَ} ‪ :‬تتخذون وقاية تحفظكم من عذاب ال‪ ،‬وذلك باليمان والعمل الصالح بعد ترك الشرك‬
‫والمعاصي‪.‬‬
‫{فِرَاشا} ‪ :‬وطاء للجلوس عليها والنوم فوقها‪.‬‬
‫{بِنَاءً} ‪ :‬مبنية؛ كقبة فوقكم‪.‬‬
‫{ال ّثمَرَاتِ} ‪ :‬جمع ثمرة ‪ 4‬وهو ما تخرجه الرض من حبوب وخضر وتخرجه الشجار من‬
‫فواكه‪.‬‬
‫{رِزْقا َل ُكمْ} ‪ :‬قوتا لكم تقتاتون به فتحفظ حياتكم إلى أجلها‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لعل‪ :‬هنا على بابها‪ ،‬وهو الترجي والتوقع ولكن بالنظر إلى الناس ل إلى ال تعالى‪ ،‬فالناس هم‬
‫الذين يرجون حصول النجاة لهم؟ ويتوقعون بعبادتهم لربهم تعالى‪ ،‬وقد تكون لعل‪ ،‬بمعنى‪ :‬كي‪،‬‬
‫التعليلة أي‪ :‬اعبدوا ربكم كي تدفعوا عذابه‪ ،‬ويشهد له قول الشاعر‪:‬‬
‫وقلتم لنا كفوا الحروب لعلنا ‪ ...‬نكف ووثقتم لنا كل موثق‬
‫إذ المعنى‪ :‬كفوا‪ .‬لنكف‪.‬‬
‫‪ 2‬جعل هنا‪ :‬بمعنى‪ :‬صير؛ لنه ناصب لمفعولين الرض فراشا‪ ،‬ويكون فعل جعل بمعنى‪ :‬خلق‪،‬‬
‫نحو‪ :‬ما جعل ال من بحيرة‪.‬‬
‫‪ 3‬وتجمع الثمرة على ثمر كشجر‪ ،‬وثمر كخشب‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 4‬أندادا‪ :‬جمع ند بكسر النون‪ ،‬بمعنى الكفء والمثيل‪ ،‬والمراد به هنا‪ :‬الشريك ل في عبادته‪،‬‬
‫وقول الرسول صلى ال عليه وسلم في الصحيح وقد سأله ابن مسعود عن أعظم الذنب‪" :‬أن تجعل‬
‫ل ندا وهو خلقك" ‪ ،‬وقوله صلى ال عليه وسلم‪ :‬للذي قال‪ :‬ما شاء ال وشئت‪" .‬أجعلتني ل ندا‪،‬‬
‫قل‪ :‬ما شاء ال وحده" ‪ .‬رواه النسائي وغيره‪ .‬والند بفتح النون عود يتطيب به‪ ،‬وند البعير إذا‬
‫هرب وفر‪ ،‬وندت بفلن شهره وسمع به‪.‬‬

‫( ‪)1/32‬‬

‫أندادا ‪ :‬جمع ندّ‪ :‬النظير والمثيل تعبدونه دون ال أو مع ال تضادون به الرب تبارك وتعالى‪.‬‬
‫المناسبة ومعنى اليتين‪:‬‬
‫وجه المناسبة‪ :‬أنه تعالى لما ذكر المؤمنين المفلحين والكافرين الخاسرين ذكر المنافقين وهم بين‬
‫المؤمنين الصادقين والكافرين الخاسرين‪ ،‬ثم على طريقة اللتفات نادى الجميع بعنوان الناس‬
‫ليكون نداء عاما للبشرية جمعاء في كل مكان وزمان وأمرهم بعبادته ليقوا أنفسهم من الخسران‪.‬‬
‫معرفا لهم نفسه ليعرفوه بصفات الجلل والكمال فيكون ذلك أدعى لستجابتهم له فيعبدونه عبادة‬
‫تنجيهم من عذابه وتكسبهم رضاه وجنته‪ ،‬وختم نداءه لهم بتنبيههم عن اتخاذ شركاء له يعبدونهم‬
‫معه مع علمهم ‪ 1‬أنهم ل يستحقون العبادة لعجزهم عن نفعهم أو ضرهم‪.‬‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب عبادة ال تعالى‪ ،‬إذ هي ‪ 2‬علة الحياة كلها‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب معرفة ‪ 3‬ال تعالى بأسمائه وصفاته‪.‬‬
‫‪ -3‬تحريم الشرك صغيره وكبيره ظاهره وخفيه‪.‬‬
‫شهَدَا َء ُكمْ مِنْ دُونِ اللّهِ‬
‫{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَ ْيبٍ ِممّا نَزّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا ِبسُو َرةٍ مّنْ مِثِْل ِه وَادْعُوا ‪ُ 4‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أثبت لهم العلم الخاص بهم‪ ،‬وهو علمهم بأن ال هو الخالق الرازق المحي المميت‪ .‬إذا كانوا‬
‫يعلمون ذلك ويعترفون به كما أنه لما عرفهم بنفسه في السياق إذ قال‪ { :‬الّذِي خََلقَكُمْ وَالّذِينَ مِنْ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ الْأَ ْرضَ فِرَاشا} إلخ‪ .‬فلما عرفوا نهاهم عن اتخاذهم أندادا له يعبدونهم معه‪،‬‬
‫قَبِْلكُمْ‪ ...‬الّذِي َ‬
‫والحال إنهم يعلمون أنه وحده المستحق للعبادة‪.‬‬
‫‪ 2‬لما روي عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال‪" :‬يقول ال تعالى‪" :‬يا ابن آدم لقد خلقت كل شيء‬
‫ن وَالِنْسَ إِل‬
‫من أجلك وخلقتك من أجلي" ‪ ،‬أي لعبادته تعالى‪ ،‬وفي القرآن الكريم‪َ { :‬ومَا خََلقْتُ ا ْلجِ ّ‬
‫لِ َيعْبُدُونِ}‪.‬‬
‫‪ 3‬إذ معرفة ال تعالى بأسمائه وصفاته يتوقف عليها خشيته ومحبته لقوله تعالى‪{ :‬إِ ّنمَا َيخْشَى اللّهَ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مِنْ عِبَا ِدهِ ا ْلعَُلمَاء} وما يتوقف الواجب عليه فهو واجب عقل وشرعا‪.‬‬
‫‪ 4‬أي ادعوهم لمرين‪ :‬الول‪ :‬ليعينوكم على التيان بالمطلوب‪ .‬والثاني‪ :‬ليحضروا إتيانكم‬
‫ويشاهدوه فيشهدون لكم بذلك‪.‬‬

‫( ‪)1/33‬‬

‫حجَا َرةُ أُعِ ّدتْ‬


‫س وَالْ ِ‬
‫إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ(‪ )23‬فَإِنْ َلمْ َت ْفعَلُوا وَلَنْ َت ْفعَلُوا فَا ّتقُوا النّارَ الّتِي َوقُودُهَا النّا ُ‬
‫لِ ْلكَافِرِينَ(‪})24‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الريب ‪ :‬الشك مع اضطراب النفس وقلقها‪.‬‬
‫{عَ ْبدِنَا ‪ : }1‬محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫{مّنْ مِثْلِهِ} ‪ :‬مثل القرآن ومثل محمد في أميته‪.‬‬
‫ش َهدَا َءكُمْ} ‪ :‬أنصاركم‪ .‬وآلهتكم التي تدعون أنها تشهد لكم عند ال وتشفع‪.‬‬
‫{ُ‬
‫{ َوقُودُهَا} ‪ :‬ما تتقد به وتشتعل وهو‪ :‬الكفار والصنام المعبودة مع ال عز وجل‪.‬‬
‫ع ّدتْ} ‪ :‬هيئت وأحضرت‪.‬‬
‫{أُ ِ‬
‫{لِ ْلكَافِرِينَ} ‪ :‬الجاحدين لحق ال تعالى في العبادة له وحده المكذبين برسوله وشرعه‪.‬‬
‫مناسبة الية ومعناها‪:‬‬
‫لما قرر تعالى في الية السابقة أصل الدين وهو‪ :‬التوحيد الذي هو عبادة ال تعالى وحده قرر في‬
‫هذه الية أصل الدين الثاني وهو‪ :‬نبوة رسوله محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وذلك من طريق‬
‫برهاني وهو‪ :‬إن كنتم في شك من القرآن الذي أنزلناه على عبدنا رسولنا محمد فأتوا بسورة من‬
‫مثل سوره أو من رجل أمي مثل عبدنا في أميته‪ ،‬فإن لم تأتوا لعجزكم فقوا أنفسكم من النار‬
‫باليمان بالوحي اللهي وعبادة ال تعالى بما شرع فيه‪.‬‬
‫هداية الية‪:‬‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير نبوة رسول ال صلى ال عليه وسلم بإثبات نزول القرآن عليه‪.‬‬
‫‪ -2‬تأكد عجز البشر عن التيان بسورة مثل سور القرآن الكريم لمرور ألف سنة وأربعمائة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اسم العبد مأخوذ من التعبد والتذلل‪ :‬لن المملوك يذل مالكه بالخدمة ويعبده بكثرة استخدامه‪.‬‬
‫ولما كانت عبادة ال أشرف الخصال كان التسمية بها أشرف السماء‪ ،‬فلذا سمى ال تعالى رسوله‬
‫محمدا عبدا كما في هذه الية وآية السراء وأنشدوا لهذا قول الشاعر‪:‬‬
‫يا قوم قلبي عند زهراء ‪ ...‬يعرفه السامع والرائي‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ل تدعني إل بيا عبدها ‪...‬‬
‫لنه أشرف أسمائي‬

‫( ‪)1/34‬‬

‫وست سنين والتحدي قائم ولم يأتوا بسورة مثل سور القرآن‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وَلَنْ َت ْفعَلُوا} ‪.‬‬
‫‪ -3‬النار تتقى باليمان والعمل الصالح‪ ،‬وفي الحديث الصحيح‪" :‬اتقوا النار ولو بشق تمرة" ‪.1‬‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ أَنّ َلهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ كُّلمَا رُ ِزقُوا مِ ْنهَا‬
‫{وَبَشّرِ‪ 2‬الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫طهّ َرةٌ وَهُمْ فِيهَا‬
‫ل وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِها وََلهُمْ فِيهَا أَ ْزوَاجٌ ُم َ‬
‫مِنْ َثمَ َرةٍ رِزْقا قَالُوا هَذَا الّذِي رُ ِزقْنَا مِنْ قَ ْب ُ‬
‫خَاِلدُونَ(‪})25‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{وَبَشّرِ ‪ : }3‬التبشير‪ :‬الخبار السار‪ ،‬وذلك يكون بالمحبوب للنفس‪.‬‬
‫{ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ} ‪ :‬تجري النهار من خلل أشجارها وقصورها والنهار هي‪ :‬أنهار‬
‫الماء وأنهار اللبن وأنهار الخمر وأنهار العسل ‪.4‬‬
‫{وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِها} ‪ :‬أعطوا الثمار وقُدم لهم يشبه بعضه بعضا في اللون مختلف في الطعم‪.‬‬
‫طهّ َرةٌ} ‪ :‬من دم الحيض ‪ 5‬والنفاس وسائر المعائب والنقائص‪.‬‬
‫{مُ َ‬
‫{خَالِدُونَ} ‪ :‬باقون فيها ل يخرجون منها أبدا‪.‬‬
‫المناسبة والمعنى‪:‬‬
‫لما ذكر تعالى النار وأهلها ناسب أن يذكر الجنة وأهلها ليتم الترهيب والترغيب وهما أداة الهداية‬
‫والصلح‪.‬‬
‫في هذه الية الكريمة أمر ال تعالى رسوله أن يبشر المؤمنين المستقيمين بما رزقهم من جنات‬
‫تجري من تحتها النهار ‪ 6‬لهم فيها أزواج مطهرات نقيات من كل أذى وقذر وهم فيها‬
‫__________‬
‫‪ 1‬رواه البخاري‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا من باب ذكر الترغيب بعد الترهيب وعطفه عليه‪ ،‬فقد أنذر الكافرين وواعد المؤمنين ليكون‬
‫ذلك مثبطا عن العمال الفاسدة منشطا على العمال الصالحة‪.‬‬
‫‪ 3‬ويطلق لفظ التبشير على الخبر المحزن غير السار تهكما بصاحبه نحو قوله تعالى‪{ :‬فَ َبشّرْهُمْ‬
‫ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ} ‪.‬‬
‫‪ 4‬المذكورة في آية سورة القتال‪.‬‬
‫‪ 5‬وكذا البول والغائط‪.‬‬
‫‪ 6‬أي من تحت أشجارها‪ ،‬وإن لم يجر للشجار ذكر؛ لن الجنات دالة عليها‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/35‬‬

‫خالدون‪ .‬كما أخبر عنهم بأنهم إذا قُدم لهم أنواع الثمار المختلفة قالوا هذا الذي رزقنا مثله في‬
‫الدنيا‪ .‬كما أخبر تعالى أنهم أوتوه متشابها في اللون غير متشابه في الطعم زيادة في حسنه‬
‫وكماله‪ .‬وعظيم اللتذاذ به‪.‬‬
‫هداية الية‪:‬‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬فضل اليمان والعمل الصالح إذ بهما ‪ 1‬كان النعيم المذكور في الية لصحابهما‪.‬‬
‫‪ -2‬تشويق المؤمنين إلى دار السلم ‪ ،2‬وما فيها من نعيم مقيم ليزدادوا رغبة فيها وعملً لها‪.‬‬
‫بفعل الخيرات وترك المنكرات‪.‬‬
‫{إِنّ اللّهَ ل يَسْ َتحْيِي أَنْ َيضْ ِربَ مَثَلً مَا َبعُوضَةً َفمَا َف ْو َقهَا فََأمّا الّذِينَ آمَنُوا فَ َيعَْلمُونَ أَنّهُ ا ْلحَقّ مِنْ‬
‫ضلّ‬
‫ضلّ بِهِ كَثِيرا وَ َيهْدِي ِبهِ كَثِيرا َومَا ُي ِ‬
‫رَ ّبهِ ْم وََأمّا الّذِينَ كَفَرُوا فَ َيقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللّهُ ِبهَذَا مَثَلً ُي ِ‬
‫طعُونَ مَا َأمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ‬
‫عهْدَ اللّهِ مِنْ َب ْعدِ مِيثَاقِ ِه وَ َيقْ َ‬
‫سقِينَ(‪ )26‬الّذِينَ يَ ْن ُقضُونَ َ‬
‫بِهِ إِل ا ْلفَا ِ‬
‫سدُونَ فِي الَ ْرضِ أُولَ ِئكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(‪})27‬‬
‫وَيُفْ ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ل يستحيي ‪ : }3‬ل يمنعه الحياء ‪ 4‬من ضرب المثال‪ ،‬وإن صغرت؛ كالبعوضة‪ ،‬أو أصغر منها؛‬
‫كجناحها‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬بعد فضل ال تعالى ورحمته‪.‬‬
‫‪ 2‬سميت دار السلم‪ :‬لسلمتها من وجود المنغصات فيها‪ ،‬إذ ل مرض ول هرم ول ألم ول تعب‬
‫بها أبدا‪.‬‬
‫‪ 3‬ل يستحيي‪ :‬بياءين‪ ،‬ويتسحي‪ :‬بياء واحدة‪ ،‬هما قراءتان سبعيتان‪ ،‬والخيرة على لغة تميم‪،‬‬
‫واسم الفاعل من الولى مستحي‪ ،‬ومن الثانية‪ ،‬مستح‪.‬‬
‫‪ 4‬الحياء‪ :‬تغير وانكسار يعتري النسان عند الخوف مما يعاب به أو يذمه‪ ،‬وال يوصف بالحياء‬
‫على الوجه اللئق به‪ ،‬فصفة الحياء عنده تعالى ل تشبه صفات المحدثين كسائر صفاته سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬والستحياء والحياء بمعنى واحد‪ ،‬وفي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي‪،‬‬
‫يقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬إن ال حيي كريم يستحي أن يرفع العبد إليه العبد يديه‬
‫فيردهما صفرا" ‪ ،‬فقد أثبت صفة الحياء ل عز وجل‪ ،‬وهو قطعا حياء واستحياء ل يشبه حياء‪،‬‬
‫واستحياء البشر بحال من الحوال‪.‬‬

‫( ‪)1/36‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{أَنْ َيضْ ِربَ مَثَلً} ‪ :‬أن يجعل شيئا مثلً لخر يكشف عن صفته وحاله في القبح أو الحسن‪.‬‬
‫{مَا َبعُوضَةً} ‪ :‬ما‪ :‬نكرة بمعنى‪ :‬شيء‪ .‬أي شيء كان يجعله مثلً‪ ،‬أو زائدة‪ .‬وبعوضة المفعول‬
‫الثاني‪ .‬والبعوضة‪ :‬واحدة البعوض‪ ،‬وهو صغار البق‪.‬‬
‫{ا ْلحَقّ} ‪ :‬الواجب الثبوت الذي يحيل العقل عدم وجوده‪.‬‬
‫سقِينَ} ‪ :‬الفسق الخروج عن الطاعة‪ ،‬والفاسقون‪ :‬هم التاركون لمر ال تعالى باليمان والعمل‬
‫{ا ْلفَا ِ‬
‫الصالح‪ ،‬وبترك الشرك والمعاصي‪.‬‬
‫{يَ ْن ُقضُونَ} ‪ :‬النقض‪ :‬الحل بعد البرام‪.‬‬
‫عهْدَ اللّهِ} ‪ :‬ما عهد به إلى الناس من اليمان والطاعة له ولرسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫{َ‬
‫{مِنْ َبعْدِ مِيثَاقِهِ} ‪ :‬من بعد إبرامه وتوثيقه بالحلف أو الشهاد عليه‪.‬‬
‫صلَ} ‪ :‬من إدامة اليمان والتوحيد والطاعة وصلة الرحام‪.‬‬
‫طعُونَ مَا َأمَرَ اللّهُ ِبهِ أَنْ يُو َ‬
‫{وَ َيقْ َ‬
‫{وَ ُيفْسِدُونَ فِي الَرْضِ} ‪ :‬الفساد في الرض يكون بالكفر وارتكاب المعاصي‪.‬‬
‫{ا ْلخَاسِرُونَ} ‪ :‬الكاملون في الخسران بحيث يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة‪.‬‬
‫سبب النزول والمعاني‪:‬‬
‫لما ضرب ال تعالى المثلين السابقين الناري والمائي ‪ 1‬قال المنافقون‪ :‬ال أعلى وأجل أن يضرب‬
‫هذا المثل‪ .‬فأنزل ال تعالى ردا عليهم قوله {إِنّ اللّهَ ل َيسْتَحْيِي} الية‪.‬‬
‫ل بعوضة ‪ 2‬فما دونها ‪ 3‬فضلً عما هو أكبر ‪.4‬‬
‫فأخبر تعالى أنه ل يمنعه الستحياء أن يجعل مث ً‬
‫وإن الناس حيال ما يضرب ال من أمثال‪ ،‬قسمان‪ :‬مؤمنون‪ :‬فيعلمون أنه الحق من ربهم‪.‬‬
‫وكافرون‪ :‬فينكرونها‪ ،‬ويقولون؛ كالمعترضين‪ :‬ماذا أراد ال بهذا مثلً!؟‪.‬‬
‫كما أخبر تعالى أن ما يضرب من مثل يهدي به كثيرا من الناس ويضل به كثيرا‪ ،‬وأنه ل يضل‬
‫عهْدَ اللّهِ مِنْ َبعْدِ مِيثَاقِهِ‬
‫به إل الفاسقين الذين وصفهم بقوله‪{ :‬الّذِينَ يَ ْنقُضُونَ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أورده ابن جرير وارتضاه‪.‬‬
‫‪ 2‬في قوله‪ :‬ما بعوضة إعرابات كثيرة ل طائل تحتها فنصب بعوضة على إنها بدل من ما النكرة‬
‫التي هي في محل نصب فعل يضرب بمعنى يجعل‪ .‬ورفع بعوضة على إنها خبر‪ ،‬والمبتدأ هو‪:‬‬
‫ما على إنها موصولة والتقدير‪ :‬الذي هو بعوضة‪.‬‬
‫‪ 3‬كالذرة‪.‬‬
‫‪ 4‬كالفراشة والجرادة‪.‬‬

‫( ‪)1/37‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ل وَ ُيفْسِدُونَ فِي الَ ْرضِ} ‪ .‬وحكم عليهم بالخسران التام يوم‬
‫طعُونَ مَا َأمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَ َ‬
‫وَيَقْ َ‬
‫القيامة فقال‪{ :‬أُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلخَاسِرُونَ} ‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن الحياء ل ينبغي أن يمنع فعل المعروف وقوله والمر به‪.‬‬
‫‪ -2‬يستحسن ضرب المثال لتقريب المعاني إلى الذهان‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا أنزل ال خبرا من هدى وغيره‪ ،‬يزداد به المؤمنون هدى وخيرا‪ ،‬ويزداد به الكافرون‬
‫ضللً وشرا‪ ،‬وذلك لستعداد الفريقين النفسي المختلف ‪.1‬‬
‫‪ -4‬التحذير من الفسق ‪ 2‬وما يستتبعه من نقض العهد‪ ،‬وقطع الخير‪ ،‬ومنع المعروف‪.‬‬
‫جعُونَ(‪ُ )28‬هوَ الّذِي خََلقَ‬
‫{كَ ْيفَ َت ْكفُرُونَ بِاللّهِ َوكُنْتُمْ َأ ْموَاتا فََأحْيَاكُمْ ُثمّ ُيمِي ُتكُمْ ُثمّ يُحْيِيكُمْ ثُمّ إِلَ ْيهِ تُرْ َ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ(‪})29‬‬
‫ت وَ ُهوَ ِب ُكلّ َ‬
‫سمَاوَا ٍ‬
‫سوّاهُنّ سَبْعَ َ‬
‫سمَاءِ فَ َ‬
‫جمِيعا ثُمّ اسْ َتوَى إِلَى ال ّ‬
‫َلكُمْ مَا فِي الَ ْرضِ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{كَ ْيفَ ‪َ 3‬ت ْكفُرُونَ بِاللّهِ} ‪ :‬الستفهام هنا للتعجب مع التقريع والتوبيخ‪ ،‬لعدم وجود مقتض للكفر‪.‬‬
‫{ َوكُنْتُمْ َأ ْموَاتا فَأَحْيَا ُكمْ} ‪ :‬هذا برهان على بطلن كفرهم‪ ،‬إذ كيف يكفر العبد ربه وهو الذي خلقه‬
‫بعد أن لم يك شيئا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إذا المؤمنين مستعدون للخير والكافرون مستعدون للشر‪.‬‬
‫‪ 2‬الفسق‪ :‬الخروج عن طاعة ال ورسوله‪ ،‬فإن كان الخروج على الطاعة في أصول الدين‬
‫فصاحبه كافر‪ ،‬وإن كان في الفروع فل يكفر صاحبه‪ ،‬ول يقال‪ :‬الفاسق إل للذي أكثر من الفسق‬
‫فأصبح الفسق لزما له ل ينفك عنه لكثرته منه وتوغله فيه‪.‬‬
‫‪ 3‬اسم استفهام مبني على الفتح يسأل به عن الحال ويضمن معنى التعجب كما هنا‪ ،‬إذ كيف يصح‬
‫من العاقل أن ينكر خالقه وهو يعرف أنه مخلوق إذ كان عدما فأوجده‪.‬‬

‫( ‪)1/38‬‬

‫{ ُثمّ ُيمِي ُتكُمْ ثُمّ يُحْيِيكُمْ} ‪ :‬إن إماتة الحي وإحياء الميت كلهما دال على وجود الرب تعالى وقدرته‪.‬‬
‫جعُونَ} ‪ :‬يريد بعد الحياة الثانية وهو البعث الخر‪.‬‬
‫{ ُثمّ إِلَيْهِ تُ ْر َ‬
‫جمِيعا} ‪ :‬أي أوجد ما أوجده من خيرات الرض كل ذلك لجلكم كي‬
‫{خَلَقَ َل ُكمْ ‪ 1‬مَا فِي الَ ْرضِ َ‬
‫تنتفعوا به في حياتكم‪.‬‬
‫سمَاءِ} ‪ :‬عل وارتفع قهرا لها فكونها سبع سماوات‪.‬‬
‫{ ُثمّ اسْ َتوَى ‪ِ 2‬إلَى ال ّ‬
‫سوّاهُنّ} أتم خلقهن سبع سماوات تامات‪.‬‬
‫{فَ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫علِيمٌ} ‪ :‬إخبار بإحاطة علمه تعالى بكل شيء‪ ،‬وتدليل على قدرته وعلمه‬
‫شيْءٍ َ‬
‫{وَ ُهوَ ‪ِ 3‬ب ُكلّ َ‬
‫ووجوب عبادته‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال الخطاب مع الكافرين الذين سبق وصفهم بأخس الصفات وأسوأ الحوال‪ ،‬حيث قال لهم‬
‫على طريقة اللتفات موبخا مقرعا‪{ :‬كَ ْيفَ َت ْكفُرُونَ بِاللّهِ َوكُنْتُمْ َأ ْموَاتا فََأحْيَاكُمْ} الية‪.‬‬
‫وذكر من أدلة وجوده وكرمه‪ .‬ما يصبح الكفر به من أقبح المور وصاحبه من أحط الخلئق‬
‫وأسوأهم حالً ومآلً‪ .‬فمن أدلة وجوده الحياء بعد الموت والماتة بعد الحياء‪ .‬ومن أدلة كرمه‬
‫وقدرته أن خلق الناس في الرض جميعا لتوقف حياتهم عليه وخلق السموات السبع‪ ،‬وهو مع ذلك‬
‫كله محيط بكل شيء سبحانه ل إله إل هو ول رب سواه‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬إنكار الكفر بال تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬إقامة البرهان على وجود ال وقدرته ورحمته‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لحديث‪ " :‬يا ابن آدم لقد خلقت كل شيء من أجلك وخلقتك من أجلي‪ :‬أي‪ :‬من أجل أن تذكرني‬
‫وتشكرني" فعلة الحياة ذكر ال تعالى وشكره‪.‬‬
‫‪ 2‬ذهب ابن كثير إلى أن استوى هنا مضمن معنى قصد لتعديته بإلى‪ :‬إذ يقال استوى على كذا‪،‬‬
‫إذا كان بمعنى العلو والرتفاع‪ ،‬واستوى إلى كذا‪ ،‬إذا قصده‪ ،‬ويكون المعنى‪ :‬ثم قصد إلى السماء‪،‬‬
‫أي السموات فخلقهن سبع سموات‪ ،‬ولفظ‪ :‬السماء اسم جنس تحته أفراد لذا قال‪ :‬فسواهن بالجمع‪.‬‬
‫‪ 3‬قرئ في السبع بفتح الهاء‪ :‬من فهو‪ ،‬وقرئ بإسكانها وهذا عام في كل لفظ‪ ،‬إذا تقدمه واو أو فاء‬
‫عطف‪ .‬أدخلت عليه اللم نحو‪ :‬وهو كذا وهذا التسكين للتخفيف‪.‬‬

‫( ‪)1/39‬‬

‫‪ -3‬حلّية كل ‪ 1‬ما في الرض من مطاعم ومشارب وملبس ومراكب إل ما حرمه الدليل الخاص‬
‫جمِيعا} ‪.‬‬
‫من الكتاب أو السنة لقوله‪{ :‬خََلقَ‪َ 2‬ل ُكمْ مَا فِي الَرْضِ َ‬
‫س ِفكُ‬
‫ج َعلُ فِيهَا مَنْ ُيفْسِدُ فِيهَا وَيَ ْ‬
‫علٌ فِي الَ ْرضِ خَلِيفَةً قَالُوا ‪ 3‬أَتَ ْ‬
‫{وَإِذْ قَالَ رَ ّبكَ لِ ْلمَل ِئكَةِ إِنّي جَا ِ‬
‫ك وَ ُنقَدّسُ َلكَ قَالَ إِنّي أَعْلَمُ مَا ل َتعَْلمُونَ(‪})30‬‬
‫حمْ ِد َ‬
‫ال ّدمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبّحُ ِب َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{لِ ْلمَل ِئكَةِ} ‪ :‬جمع ملك ويخفف فيقال ملك‪ ،‬وهم خلق من عالم الغيب أخبر النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم أن ال تعالى خلقهم من نور ‪.4‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{الخليفة ‪ : }5‬من يخلف غيره‪ ،‬والمراد به هنا آدم عليه السلم‪.‬‬
‫{ ُيفْسِدُ فِيهَا} ‪ :‬الفساد في الرض يكون بالكفر وارتكاب المعاصي‪.‬‬
‫س ِفكُ ‪ : }6‬يسيل الدماء بالقتل والجرح‪.‬‬
‫{وَيَ ْ‬
‫حمْ ِدكَ} ‪ :‬نقول سبحان ال وبحمده‪ .‬والتسبيح‪ :‬التنزيه عما ل يليق بال تعالى‪.‬‬
‫{نُسَبّحُ بِ َ‬
‫{وَ ُنقَدّسُ َلكَ} ‪ :‬فننزهك عما ل يليق بك‪ .‬والتقديس‪ :‬التطهير والبعد عما ل ينبغي‪ .‬واللم في لك‬
‫زائدة لتقوية المعنى إذ فعل قدس يتعدى بنفسه يقال قدّسَه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ذهب بعضهم إلى أن الصل في الشياء الحظر حتى يأتي دليل الباحة؛ لن المملوكات ل تحل‬
‫إل بإذن مالكها‪ ،‬فهذا مذهب ثان‪ ،‬حسن ذكره‪.‬‬
‫‪ 2‬أي خلق لكم ما في الرض جميعا من أجل تتقوا به على طاعته ل على معصيته‪.‬‬
‫‪ 3‬المفروض أن يقترن‪( :‬قالوا) بالفاء ولكن نظرا إلى أسلوب الحوار لم يقترن بها كما في قوله‪:‬‬
‫{قَالُوا سُ ْبحَا َنكَ} ‪.‬‬
‫‪ 4‬خلق الملئكة من النور‪ ،‬صح عن النبي صلى ال عليه وسلم في صحيح مسلم‪.‬‬
‫‪ 5‬استدل بهذه الية على وجوب نصب خليفة للمسلمين يحكمهم بشريعة ربهم عز وجل‪.‬‬
‫‪ 6‬السفك‪ :‬الصب‪ :‬يقال‪ :‬سفك الدم إذا صبه‪ ،‬كما يقال‪ :‬سفحه‪ .‬والسفاك والسفاح بمعنى إل أن‬
‫السفاح قد يراد به كثير الكلم‪ ،‬وسفك الدمع كذلك‪ ،‬والدم المسفوح‪ ،‬المصبوب‪.‬‬

‫( ‪)1/40‬‬

‫معنى الية‪:‬‬
‫يأمر تعالى رسوله أن يذكر قوله للملئكة إني جاعل في الرض خليفة يخلفه في إجراء أحكامه‬
‫في الرض‪ ،‬وإن الملئكة تساءلت ‪ 1‬متخوفة من أن يكون هذا الخليفة ممن يسفك الدماء ويفسد‬
‫في الرض بالكفر والمعاصي قياسا على خلق من الجن حصل منهم ما تخوفوه‪ .‬فأعلمهم ربهم أنه‬
‫يعلم من الحكم والمصالح ما ل يعلمون‪.‬‬
‫والمراد من هذا التذكير‪ :‬المزيد من ذكر الدلة الدالة على وجود ال تعالى وقدرته وعلمه وحكمته‬
‫الموجبة لليمان به تعالى ولعبادته دون غيره‪.‬‬
‫هداية الية‪:‬‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬سؤال من ل يعلم غيره ممن يعلم‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم انتهار السائل وإجابته أو صرفه بلطف‪.‬‬
‫‪ -3‬معرفة بدء الخلق‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -4‬شرف آدم وفضله‪.‬‬
‫سمَاءِ َهؤُلءِ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ(‬
‫ضهُمْ عَلَى ا ْلمَل ِئكَةِ َفقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَ ْ‬
‫سمَاءَ كُّلهَا ُثمّ عَ َر َ‬
‫{وَعَلّمَ آ َد َم الَ ْ‬
‫سمَا ِئهِمْ‬
‫حكِيمُ(‪ )32‬قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِ ْئهُمْ بِأَ ْ‬
‫‪ )31‬قَالُوا سُ ْبحَا َنكَ ل عِ ْلمَ لَنَا إِل مَا عَّلمْتَنَا إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَلِيمُ الْ َ‬
‫ن َومَا كُنْتُمْ‬
‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُو َ‬
‫سمَا ِئهِمْ قَالَ أََلمْ َأ ُقلْ َلكُمْ إِنّي أَعْلَمُ غَ ْيبَ ال ّ‬
‫فََلمّا أَنْبَأَهُمْ بِأَ ْ‬
‫َتكْ ُتمُونَ(‪})33‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إذ هو سؤال استعلم واستكشاف عن الحكمة في ذلك‪ ،‬وليس هو من باب العتراض على ال‬
‫أبدا‪.‬‬

‫( ‪)1/41‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{آدَمَ ‪ : }1‬نبي ال أبو البشر عليه السلم‪.‬‬
‫سمَاءَ} أسماء الجناس كلها؛ كالماء والنبات والحيوان والنسان‪.‬‬
‫{الَ ْ‬
‫ضهُمْ} ‪ :‬عرض المسميات أمامهم‪ ،‬ولما كان بينهم العقلء غلب جانبهم‪ ،‬وإل لقال عرضها‪.‬‬
‫{عَ َر َ‬
‫{أَنْبِئُونِي} ‪ :‬أخبروني‪.‬‬
‫{ َهؤُلءِ}‪ :‬المعرضين عليهم من سائر المخلوقات‪.‬‬
‫{سُ ْبحَا َنكَ‪ :}2‬تنزيها لك وتقديسا‪.‬‬
‫سمَاوَاتِ} ‪ :‬ما غاب عن النظار في السموات والرض‪.‬‬
‫{غَ ْيبَ ال ّ‬
‫ج َعلُ فِيهَا مَنْ ُيفْسِدُ فِيهَا} الية‪.‬‬
‫{تُ ْبدُونَ} تظهرون من قولهم‪{ :‬أَ َت ْ‬
‫{ َتكْ ُتمُونَ} ‪ :‬تبطنون وتخفون‪ ،‬يريد ما أضمره إبليس من مخالفة أمر ال تعالى وعدم طاعته‪.‬‬
‫حكِيمُ ‪ : }3‬الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه‪ ،‬ول يفعل ول يترك إل لحكمة‪.‬‬
‫{ا ْل َ‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يخبر تعالى في معرض مظاهر قدرته وعلمه وحكمته الموجبة لعبادته دون سواه أنه علم آدم‬
‫أسماء الموجودات ‪ 4‬كلها‪ ،‬ثم عرض الموجودات على الملئكة وقال أنبوئني بأسماء هؤلء إن‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هل آدم مشتق من الدمة التي هي حمرة تضرب إلى بياض‪ ،‬أو هو اسم جامد أعجمي؛ كآزر‪،‬‬
‫وعابر‪ ،‬ذهب إلى كل وجه قوم‪.‬‬
‫‪ 2‬سبحان‪ :‬اسم مصدر فعله سبح مضعفا‪ .‬اختص بتنزيه ال تعالى فكان بذلك اسم تسبيح؛ كالعلم‬
‫عليه‪.‬‬
‫‪ 3‬الحكيم‪ :‬ذو الحكمة‪ ،‬وهو الذي ل يصدر عنه قول ول فعل خال من حكمة اقتضته‪ .‬والحكيم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مشتق من أحكم الشيء إذا أتقنه وخلصه من الخلل والفساد‪ ،‬ومنه حكمة الدابة‪ :‬وهي حديدة تجعل‬
‫في فمها تمنعها من اختلف سيرها‪ ،‬ويقال‪ :‬أحكم فلنا‪ :‬أي أمنعه من فعل كذا‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫أبني حنيفة احكموا سفهائكم ‪ ...‬إني أخاف عليكم أن أغضبا‬
‫‪ 4‬ليس في المسألة ما يدعو إلى الستغراب أو النكار إذ كتاب المقادير في أسماء الموجودات‬
‫كلها‪ ،‬وكذا سائر صفاتها وأحوالها‪ ،‬والعرض التلفازي اليوم يسهل على المرء إدراك كيفية عرض‬
‫ال تعالى الموجودات أمام الملئكة‪ .‬وذكر آدم لسمائها كما علمها بتعليم ال تعالى له‪.‬‬

‫( ‪)1/42‬‬

‫كنتم صادقين في دعوى أنكم أكرم المخلوقات وأعلمهم فعجزوا وأعلنوا اعترافهم بذلك‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫عّلمْتَنَا} ‪ ،‬ثم قال تعالى لدم‪ :‬أنبئهم بأسماء تلك المخلوقات المعروضة‬
‫{سُ ْبحَا َنكَ ل عِلْمَ لَنَا إِل مَا َ‬
‫فأنبأهم بأسمائهم واحدا واحدا حتى القصعة‪ ،‬والقُصَيْعة‪ ..‬وهنا ظهر شرف آدم عليهم‪ ،‬وعتب‬
‫ن َومَا كُنْتُمْ‬
‫ت وَالَ ْرضِ وَأَعَْلمُ مَا تُبْدُو َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫عليهم ربهم بقوله‪{ :‬أَلَمْ َأ ُقلْ َل ُكمْ إِنّي أَعْلَمُ غَ ْيبَ ال ّ‬
‫َتكْ ُتمُونَ} ‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان قدرة ال تعالى حيث علم آدم أسماء المخلوقات كلها فعلمها‪.‬‬
‫‪ -2‬شرف العلم وفضل العالم ‪ 1‬على الجاهل‪.‬‬
‫‪ -3‬فضيلة العتراف ‪ 2‬بالعجز والقصور‪.‬‬
‫‪ -4‬جواز العتاب على من ادعى دعوى هو غير متأهل لها‪.‬‬
‫جدُوا إِل إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْ َتكْبَ َر َوكَانَ مِنَ ا ْلكَافِرِينَ‪})34(3‬‬
‫سجُدُوا ل َدمَ فَسَ َ‬
‫{وَإِذْ قُلْنَا لِ ْلمَل ِئكَةِ ا ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{اسْجُدُوا} ‪ :‬السجود ‪ :4‬هو وضع الجبهة والنف على الرض‪ ،‬وقد يكون بانحناء الرأس دون‬
‫وضعه على الرض لكن مع تذلل وخضوع‪.‬‬
‫{إِبْلِيسَ} ‪ :‬قيل كان اسمه الحارث‪ ،‬ولما تكبر عن طاعة ال أبلسه ال أي‪ :‬أيأسه من كل خير‬
‫ومسخه شيطانا‪.‬‬
‫{أَبَى} ‪ :‬امتنع ورفض السجود لدم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يشهد لهذا حديث أبي داود إذ فيه‪" :‬وإن الملئكة لتضع أجنحتها رضى لطالب العلم" ‪.‬‬
‫‪ 2‬دل على هذا قولهم‪ :‬ل علم لنا إل ما علمتنا‪ ،‬ولذا قال العلماء‪ :‬الواجب على من سأل على ما ل‬
‫يعلم أن يقول‪ :‬ال أعلم‪ ،‬وروي عن علي رضي ال عنه‪ ،‬قال‪" :‬ما أبردها على الكبد"!! فقل له‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وما ذاك؟ فقال‪" :‬أن يسأل الرجل عما ل يعلم فيقول‪ :‬ال أعلم‪.‬‬
‫‪ 3‬ذكر القرطبي في تفسيره‪ :‬أن السجود الذي أمرت به الملئكة هو أن يسجدوا ل تعالى مستقبلين‬
‫وجه آدم وعليه فهو كصلتنا خلف المقام‪ ،‬الصلة ل والستقبال للمقام‪.‬‬
‫‪ 4‬أجمع أهل السلم قاطبة أن السجود ل يكون إل ل تعالى‪ .‬وفي الحديث‪" :‬ل ينبغي أن يسجد‬
‫لحد إل ل رب العالمين"‪.‬‬

‫( ‪)1/43‬‬

‫{وَاسْ َتكْبَرَ} ‪ :‬تعاظم في نفسه فمنعه الستكبار ‪ 1‬والحسد من الطاعة بالسجود لدم‪.‬‬
‫{ا ْلكَافِرِينَ} ‪ :‬جمع كافر‪ .‬من كذب بال تعالى أو كذب بشيء من آياته أو بواحد من رسله أو أنكر‬
‫طاعته‪.‬‬
‫معنى الية‪:‬‬
‫جدُوا ل َدمَ‪ }...‬سجود‬
‫يذكر تعالى عباده بعلمه وحكمته وإفضاله عليهم بقوله‪{ :‬وَِإذْ قُلْنَا لِ ْلمَل ِئكَةِ اسْ ُ‬
‫تحية وإكرام فسجدوا إل إبليس تعاظم في نفسه وامتنع عن السجود الذي هو طاعة ال‪ ،‬وتحية‬
‫آدم‪ .‬تكبرا وحسدا لدم في شرفه فكان بامتناعه عن طاعة ال من الكافرين الفاسقين عن أمر ال‪.‬‬
‫المر الذي استوجب ابلسه ‪ 2‬وطرده‪.‬‬
‫هداية الية‪:‬‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬التذكير بإفضال ال المر الذي يوجب الشكر ويرغب فيه‪.‬‬
‫‪ -2‬التحذير من الكبر والحسد حيث كانا سبب إبلس الشيطان‪ ،‬وامتناع اليهود من قبول السلم‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير عداوة إبليس‪ ،‬والتنبيه إلى أنه عدو تجب عداوته أبدا‪.‬‬
‫‪ -4‬التنبيه إلى أن من المعاصي ما يكون ‪ 3‬كفرا أو يقود إلى الكفر‪.‬‬
‫جكَ‪ 5‬الْجَنّةَ َوكُل مِ ْنهَا رَغَدا‬
‫ت وَ َزوْ ُ‬
‫سكُنْ‪ 4‬أَ ْن َ‬
‫{ َوقُلْنَا يَا آدَمُ ا ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستكبار‪ :‬طلب الكبر في النفس وتصوره فيها‪ ،‬وفي صحيح مسلم‪" :‬أن ال ل يدخل الجنة من‬
‫كان في قلبه مثقال ذرة من كبر‪.‬‬
‫‪ 2‬البلس‪ :‬اليأس من كل خير‪ ،‬وإبلس إبليس كان عقوبة له على كفره وكبره وحسده‪ ،‬وكان‬
‫قبل إبلسه يقال له‪ :‬عزازيل‪ ،‬وبالعربية‪ :‬الحارث‪.‬‬
‫‪ 3‬كترك الصلة وقتل المؤمن لقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬من ترك الصلة فقد كفر" ‪،‬‬
‫وقوله‪" :‬سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" ‪ .‬وقوله‪" :‬ل ترتدوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب‬
‫بعض" ‪ .‬والكفر كفران‪ :‬كفر مخرج من الملة‪ ،‬وكفر نعمة ل يخرج منها‪ ،‬ولكن صاحبه إن لم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يتب منه وتقبل توبته يدخل النار به‪.‬‬
‫جكَ الْجَنّةَ} بعد طرد إبليس منها‪ ،‬والمراد من السكن السكان‪ ،‬وهو‬
‫ت وَ َزوْ ُ‬
‫سكُنْ أَ ْن َ‬
‫‪ 4‬قال‪{ :‬ا ْ‬
‫القامة الطويلة ل السكون النفسي‪ ،‬وهدوء البال‪ ،‬وإن كان لزما للقامة الطيبة‪ ،‬ولفظ السكن‬
‫مشعر بعدم القامة الدائمة‪ ،‬لن من سكن دار لبد وأن يرحل منها يوما من اليام‪.‬‬
‫‪ 5‬لفظ الزوج يطلق على كل من الرجل وامرأته‪ ،‬لن كل واحد منهما صير الثاني زوجا له‪،‬‬
‫ويقال للمرأة زوجة بالتاء كما في قول الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬يا فلن هذه زوجتي فلنة"‬
‫‪ .‬وذلك أمنا من اللبس‪ ،‬وغلط الفرزدق في قوله‪:‬‬
‫وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي ‪ ...‬كساعي إلى أسد الشرى يستبلها‬
‫ول معنى لتغليطه وقد صح الحديث بلفظ زوجة‪.‬‬

‫( ‪)1/44‬‬

‫ج ُهمَا‬
‫حَ ْيثُ شِئْ ُتمَا وَل َتقْرَبَا هَ ِذهِ الشّجَ َرةَ فَ َتكُونَا مِنَ الظّاِلمِينَ(‪ )35‬فَأَزَّل ُهمَا الشّيْطَانُ عَ ْنهَا ‪ 1‬فَأَخْ َر َ‬
‫ِممّا كَانَا فِي ِه َوقُلْنَا اهْ ِبطُوا َب ْعضُكُمْ لِ َب ْعضٍ‪ 2‬عَ ُد ّو وََلكُمْ فِي الَ ْرضِ مُسْ َتقَرّ َومَتَاعٌ إِلَى حِينٍ(‪)36‬‬
‫فَتََلقّى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَِلمَاتٍ فَتَابَ عَلَ ْيهِ إِنّهُ ُهوَ ال ّتوّابُ الرّحِيمُ(‪})37‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{رَغَدا} ‪ :‬العيش الهني الواسع يقال له‪ :‬الرغد‪.‬‬
‫{الشّجَ َرةَ} ‪ :‬شجرة من أشجار الجنة وجائز أن تكون كرما أو نبيذا أو غيرهما وما دام ال تعالى‬
‫لم يعين نوعها فل ينبغي السؤال عنها‪.‬‬
‫{الظّاِلمِينَ} ‪ :‬لنفسهما بارتكاب ما نهى ال تعالى عنه‪.‬‬
‫{فَأَزَّل ُهمَا} ‪ :‬أوقعهما في الزلل‪ ،‬وهو مخالفتهما لنهي ال تعالى لهما عن الكل من الشجرة‪.‬‬
‫{مُسْ َتقَرّ} ‪ :‬المستقر‪ :‬مكان الستقرار والقامة‪.‬‬
‫{إِلَى حِينٍ} ‪ :‬الحين‪ :‬الوقت مطلقا قد يقصر أو يطول والمراد به نهاية الحياة‪.‬‬
‫{فَتََلقّى ‪ 3‬آدَمُ} ‪ :‬أخذ آدم ما ألقى ال تعالى إليه من كلمات التوبة‪.‬‬
‫حمْنَا لَ َنكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}‪.‬‬
‫{كَِلمَاتٍ} ‪ :‬هي قوله تعالى‪{ :‬رَبّنَا ظََلمْنَا أَ ْنفُسَنَا وَإِنْ َلمْ َت ْغفِرْ لَنَا وَتَرْ َ‬
‫{فَتَابَ عَلَيْهِ} ‪ :‬وفقه للتوبة فتاب ‪ 4‬وقبل توبته‪ ،‬لنه تعالى تواب رحيم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬عن‪ ،‬هنا‪ :‬هي كما في قوله تعالى‪{ :‬إِل عَنْ َموْعِ َدةٍ} بمعنى بسببها‪ ،‬أي أوقعهما في الزلل بسبب‬
‫الكل من الشجرة التي زينها لهما فضمير عنها عائد إلى الشجرة‪.‬‬
‫ع ُدوّ} تصح أن تكون حالً من ضمير {اهْبِطُوا} ويصح أن تكون مستأنفة‬
‫ضكُمْ لِ َب ْعضٍ َ‬
‫‪ 2‬جملة‪َ { :‬ب ْع ُ‬
‫استئنافا ابتدائيا‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 3‬لفظ‪" :‬فتلقى" مشعر بالكرام‪ ،‬والمسرة‪ ،‬كقوله تعالى‪{ :‬وَتَتََلقّاهُمُ ا ْلمَل ِئكَةُ} ‪.‬‬
‫‪ 4‬يتساءل البعض‪ :‬هل آدم ارتكب بأكله من الشجرة كبيرة‪ ،‬وهل يجوز في حق النبياء ارتكاب‬
‫الكبائر؟؟‬
‫والجواب‪ :‬أن آدم ما نبئ إل بعد أن هبط إلى الرض‪ ،‬إذ هي دار التكليف‪ .‬أما وهو في السماء‬
‫فما كان قد نبئ بعد وأكله من الشجرة لم يترتب عليه عقاب أكثر من الخروج من الجنة؛ لنها‬
‫ليست دار إقامة لمن يخالف فيها أمر ال تعالى‪ ،‬أما النبياء فل يجوز في حقهم ارتكاب الكبائر‬
‫ول الصغائر لعصمة ال تعالى لهم؛ لنهم محل أسوة لغيرهم‪.‬‬

‫( ‪)1/45‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫في الية الولى(‪ )35‬يخبر تعالى عن إكرامه لدم وزوجه حواء حيث أباح لهما جنته يسكنانها‬
‫ويأكلن من نعيمها ما شاءا إل شجرة واحدة فقد نهاهما عن قربها ‪ 1‬والكل من ثمرها حتى ل‬
‫يكونا من الظالمين‪.‬‬
‫وفي الية الثانية(‪ )36‬أخبر تعالى أن الشيطان أوقع آدم وزوجه في الخطيئة حيث زين لهما الكل‬
‫من الشجرة فأكل منها فبدت لهما سوءاتهما فلم يصبحا أهلً للبقاء في الجنة فأهبطا إلى الرض‬
‫مع عدوهما إبليس ليعيشوا بها بعضهم لبعض عدو إلى نهاية الحياة‪.‬‬
‫وفي الية الثالثة(‪ )37‬يخبر تعالى أن آدم تلقى كلمات التوبة من ربه تعالى وهو‪{ :‬رَبّنَا ظََلمْنَا‬
‫حمْنَا لَ َنكُونَنّ مِنَ ا ْلخَاسِرِينَ} فقالها توبة فتاب ال عليهما وهو التواب‬
‫أَ ْنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ َت ْغفِرْ لَنَا وَتَرْ َ‬
‫الرحيم‪.‬‬
‫هداية الية‪:‬‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬كرامة آدم وذريته على ربهم تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬شؤم المعصية وآثارها في تحويل النعمة إلى نقمة‪.‬‬
‫‪ -3‬عداوة الشيطان للنسان ووجوب معرفة ذلك لتقاء وسوسوته‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب التوبة ‪ 2‬من الذنب وهي الستغفار بعد العتراف بالذنب وتركه والندم على فعله‪.‬‬
‫خ ْوفٌ عَلَ ْيهِ ْم وَل هُمْ يَحْزَنُونَ(‬
‫جمِيعا فَِإمّا يَأْتِيَ ّنكُمْ مِنّي هُدىً َفمَنْ تَبِعَ ُهدَايَ فَل َ‬
‫{قُلْنَا اهْبِطُوا مِ ْنهَا َ‬
‫صحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَاِلدُونَ(‪})39‬‬
‫‪ )38‬وَالّذِينَ َكفَرُوا َوكَذّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَ ِئكَ َأ ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إذا كان الفعل قرب يقرب بالفتح فمعناه التلبس بالفعل‪ ،‬وإذا كان قرب بضم الراء فمعناه الدنو‬
‫من الشيء‪ .‬هكذا يرى بعضهم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 2‬التوبة‪ :‬هي الرجوع من المخالفة إلى المتابعة‪ ،‬أي من المعصية إلى الطاعة‪ ،‬هذا حدها لغة‪ .‬إما‬
‫شرعا‪ :‬فهي كما نص في الفائدة الرابعة من هذا التفسير‪.‬‬

‫( ‪)1/46‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫جمِيعا} ‪ :‬انزلوا من الجنة ‪ 1‬إلى الرض لتعيشوا فيها متعادين ‪.2‬‬
‫{قُلْنَا اهْبِطُوا مِ ْنهَا َ‬
‫{فَِإمّا يَأْتِيَ ّنكُمْ ‪ 3‬مِنّي هُدىً} ‪ :‬إن يجيئكم من ربكم هدى‪ :‬شرع ضمنه كتاب وبينه رسول‪.‬‬
‫{ َفمَنْ تَبِعَ هُدَايَ} ‪ :‬أخذ ‪ 4‬بشرعي فلم يخالفه ولم يحد عنه‪.‬‬
‫خوْفٌ عَلَ ْيهِمْ وَل ُهمْ يَحْزَنُونَ} ‪ :‬جواب شرط فمن اتبع هداي‪ ،‬ومعناه إتباع الهدى يفضي‬
‫{فَل َ‬
‫بالعبد إلى أن ل يخاف ول يحزن ل في الدنيا ول في الخرة‪.‬‬
‫{ َكفَرُوا َوكَذّبُوا} ‪ :‬كفروا‪ :‬جحدوا شرع ال‪ ،‬وكذبوا رسوله‪.‬‬
‫{َأصْحَابُ النّارِ} ‪ :‬أهلها الذين ل يفارقونها بحث ل يخرجون منها‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫يخبر تعالى أنه أمر آدم وحواء ‪ 5‬وإبليس بالهبوط إلى الرض بعد أن وسوس الشيطان لهما فأكل‬
‫من الشجرة‪ ،‬وأعلمهم أنه إن أتاهم منه هدى فاتبعوه ولم يحيدوا عنه يأمنوا ويسعدوا فلن يخافوا‬
‫ولن يحزنوا‪ ،‬وتوعد من كفر به وكذب رسوله فلم يؤمن ولم يعمل صالحا بالخلود ‪ 6‬في النار‪.‬‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬المعصية تسبب الشقاء والحرمان‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ذهب المعتزلة –أذهب ال ريحهم‪ -‬إلى أن الجنة التي هبطا منها آدم وحواء كانت بستانا في‬
‫الرض في مرتفع منها‪ ،‬وهو قول باطل ل يسمع له ول يلتفت إليه‪ ،‬إذ كل سياق القرآن دال على‬
‫إنها الجنة دار النعيم لولياء ال في الخرة‪.‬‬
‫‪ 2‬أي‪ :‬إبليس وذريته‪ ،‬وآدم وذريته‪ ،‬وكان هذا قبل أن يوجد لكل منهما ذرية‪ ،‬ثم أوجدت كما أخبر‬
‫تعالى‪ ،‬وكانت العداوة على أشدها‪.‬‬
‫‪ 3‬فإما‪ :‬أصلها فإن ما‪ ،‬فإن شرطية وأدخلت عليها ما الزائدة لتقوية الكلم وأدغمت فيها نون إن‬
‫فصارت إما‪.‬‬
‫‪ 4‬هذا عام في كل أجيال بني آدم فمن جاءه هدى ال بواسطة نبي وكتاب ال فأخذ به واتبعه نجا‬
‫مما يصيب غيره من الخوف والحزن في الدنيا والخرة معا‪.‬‬
‫‪ 5‬حواء‪ :‬لم تذكر باسمها في القرآن وإنما ذكرت بعنوان الزوج‪ ،‬ولكن ذكرت في السنة‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الصحيحة‪ ،‬إنها خلقت من ضلع آدم عليه السلم‪ ،‬والسر في عدم ذكرها باسمها‪ :‬إن المروءة تأبى‬
‫على صاحبها ذكر المرأة باسمها فلذا تذكر النساء تابعات لخطاب الرجال‪.‬‬
‫‪ 6‬روى مسلم أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬إما أهل النار الذين هم أهلها فل يموتون فيها‬
‫ول يحيون‪ ،‬ولكن أقوام أصابتهم النار بخطاياهم فأصابتهم إماتة حتى إذا صاروا فحما أذنت‬
‫الشفاعة"‪ ،‬ومعناه يخرجون من النار بالشفاعة لهم‪.‬‬

‫( ‪)1/47‬‬

‫‪ -2‬العمل بكتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم يسبب المن والسعاد والعراض عنهما‬
‫يسبب الخوف والحزن والشقاء والحرمان‪.‬‬
‫‪ -3‬الكفر والتكذيب جزاء صاحبهما الخلود في النار‪.‬‬
‫{يَا بَنِي إِسْرائيلَ ا ْذكُرُوا ِن ْعمَتِيَ الّتِي أَ ْن َع ْمتُ عَلَ ْيكُ ْم وََأ ْوفُوا ِب َعهْدِي أُوفِ ِب َعهْ ِدكُ ْم وَإِيّايَ فَارْهَبُون(‬
‫‪ )40‬وَآمِنُوا ِبمَا أَنْزَ ْلتُ ُمصَدّقا ِلمَا َم َعكُ ْم وَل َتكُونُوا َأ ّولَ كَافِرٍ ِب ِه وَل تَشْتَرُوا بِآيَاتِي َثمَنا قَلِيلً‬
‫ق وَأَنْ ُتمْ َتعَْلمُونَ(‪ )42‬وََأقِيمُوا الصّلةَ‬
‫ل وَ َتكْ ُتمُوا ا ْلحَ ّ‬
‫طِ‬‫وَإِيّايَ فَا ّتقُون(‪ )41‬وَل تَلْبِسُوا ا ْلحَقّ بِالْبَا ِ‬
‫وَآتُوا ال ّزكَا َة وَا ْر َكعُوا مَعَ الرّا ِكعِينَ(‪})43‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫بنو ‪ 1‬إسرائيل ‪ :‬إسرائيل‪ :‬هو يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلم وبنوه هم‪ :‬اليهود؛ لنهم‬
‫يعودون في أصولهم إلى أولد يعقوب الثنى عشر ‪2‬‬
‫النعمة ‪ :‬النعمة هنا اسم جنس بمعنى النعم‪ ،‬ونعم ال تعالى على بني إسرائيل كثيرة ‪ 3‬ستمر‬
‫أفرادها في اليات القرآنية التية‪.‬‬
‫{وََأ ْوفُوا ِب َعهْدِي} ‪ :‬الوفاء بالعهد‪ :‬إتمامه‪ ،‬وعهد ال عليهم أن يبينوا أمر محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫ويؤمنوا به‪.‬‬
‫{أُوفِ ِب َعهْ ِدكُمْ} ‪ :‬أتم لكم عهدكم بإدخالكم الجنة بعد إكرامكم في الدنيا وعزكم فيها‪.‬‬
‫{وَإِيّايَ فَارْهَبُونِ} ‪ :‬اخشوني ول تخشوا غيري‪.‬‬
‫{وَآمِنُوا ِبمَا أَنْزَ ْلتُ} ‪ :‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫{وَل تَشْتَرُوا ‪ 4‬بِآيَاتِي} ‪ :‬ل تعتاضوا على بيان الحق في أمر محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هم يوسف عليه السلم وأخوته يهوذا‪ ،‬وبنيامين‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫‪ 2‬بنو‪ :‬حمع ابن ‪ ،‬وقيل عن الولد‪ :‬البن من البناء‪ ،‬لنه مسند إليه موضوع عليه‪ .‬واسرا‪ :‬عبد‬
‫وئيل‪ :‬ال وقرئ‪ :‬إسرائين‪ .‬وهي لغة مشهورة‪.‬‬
‫‪ 3‬منها‪ :‬إنجائهم من فرعون‪ ،‬وتحررهم من سلطانه‪ ،‬ومنهم إهلك عدوهم‪ ،‬وإنزال المن والسلوى‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عليهم‪.‬‬
‫‪ 4‬الشتراء هنا‪ :‬بمعنى الستبدال‪ ،‬ولذا جاز دخول الباء على غير المشتري به‪ ،‬وهو الثمن‪ ،‬إذ‬
‫الصل أن تدخل الباء على المشترى به‪ .‬فتقول‪ ،‬اشتريت الثوب بدرهم‪.‬‬

‫( ‪)1/48‬‬

‫{ َثمَنا قَلِيلً}‪ :‬متاع الحياة الدنيا‪.‬‬


‫{وَإِيّايَ فَا ّتقُونِ} ‪ :‬واتقوني وحدي في كتمانكم الحق وجحدكم نبوة نبيي محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫أن أنزل بكم نقمتي‪.‬‬
‫طلِ} ‪ :‬أي ل تخلطوا الحق بالباطل حتى يعلم فيعمل به‪ ،‬وذلك قولهم‪ :‬محمد‬
‫{وَل تَلْبِسُوا ا ْلحَقّ بِالْبَا ِ‬
‫نبي ولكن مبعوث إلى العرب ل إلى بني إسرائيل‪.‬‬
‫{وَا ْر َكعُوا َمعَ الرّا ِكعِينَ} ‪ :‬الركوع الشرعي‪ :‬انحناء الظهر في امتداد واعتدال مع وضع الكفين‬
‫على الركبتين والمراد به هنا‪:‬الخضوع ‪ 1‬ل والسلم له عز وجل‪.‬‬
‫مناسبة اليات ومعناها‪:‬‬
‫لما كان السياق في اليات السابقة في شأن آدم وتكريمه‪ ،‬وسجود الملئكة له وامتناع إبليس لكبره‬
‫وحسده‪ ،‬وكان هذا معلوما لليهود؛ لنهم أهل كتاب‪ ،‬ناسب أن يخاطب ال تعالى بني إسرائيل‬
‫مذكرا إياهم بما يجب عليهم من اليمان والستقامة‪ .‬فناداهم بعنوان بنوتهم لسرائيل عليه السلم‪،‬‬
‫فأمرهم ونهاهم‪ ،‬أمرهم بذكر نعمته عليهم ليشكروه تعالى بطاعته فيؤمنوا برسوله محمد صلى ال‬
‫عليه وسلم وما جاء به من الهدى وأمرهم بالوفاء بما أخذ عليهم من عهد لينجز لهم ما وعدهم‪،‬‬
‫وأمرهم أن يرهبوه ‪ 2‬ول يرهبوا غيره من خلقه وأمرهم أن يؤمنوا بالقرآن الكريم‪ ،‬وأن ل يكونوا‬
‫أول من يكفر ‪ 3‬به‪ .‬ونهاهم عن العتياض عن بيان الحق في أمر اليمان برسوله محمد صلى ال‬
‫عليه وسلم ثمنا قليلً من متاع الحياة الدنيا وأمرهم بتقواه في ذلك وحذرهم أن هم كتموا الحق أن‬
‫ينزل بهم عذابه‪ .‬ونهاهم عن خلط الحق بالباطل دفعا للحق وبعدا عنه حتى ل يؤمنوا برسوله‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم وأمرهم بإقام ‪ 4‬الصلة وإيتاء الزكاة والذعان ل تعالى بقبول السلم‬
‫والدخول فيه كسائر المسلمين‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وجائز أن يراد به الصلة مع المصلين وهم‪ :‬الرسول وأصحابه‪ .‬إذ الخطاب ليهود المدينة‬
‫بصورة خاصة‪ ،‬ول منافاة بين ما شرحت به الية‪ ،‬وبين ما ذكر هنا تعليقا‪ ،‬إذ السلم ل يستلزم‬
‫الصلة وفي الية دليل تأكيد صلة الجماعة‪.‬‬
‫‪ 2‬الرهب‪ ،‬والرهبة‪ ،‬الخوف‪ ،‬ويجوز في الرهب إسكان الهاء وفتحها‪.‬‬
‫‪ 3‬هذه الجملة تأكيد لجملة ‪ :‬وأمنوا بما أنزلت‪ ..‬أي‪ :‬أمنوا بما أنزلت أي‪ ،‬من القرآن بمعنى ل‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تكونوا أولمن يكفر به منكم يا بني إسرائيل‪ ،‬إذ العرب سبق أن كفروا بالقرآن قبلهم فأول كافر به‪،‬‬
‫أي منهم وهو اليهود‪.‬‬
‫‪ 4‬أمرهم بإقام الصلة وإيتاء الزكاة بعد اليمان قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬أمرت أن أقاتل الناس‬
‫حتى يشهدوا أن ل إله إل ال‪ ،‬ويقيموا الصلة‪ ،‬ويؤتوا الزكاة‪ . "..‬الحديث‪ .‬ومعنى الخطاب أنه‬
‫أمرهم بالدخول في السلم والخروج من اليهودية الباطلة‪.‬‬

‫( ‪)1/49‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب ذكر النعم لشكر ال تعالى عليها‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب الوفاء بالعهد ل سيما ما عاهد عليه العبد ربه تعالى‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب بيان الحق وحُرمة كتمانه‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة خلط ‪ 1‬الحق بالباطل تضليلً للناس وصرفهم عنه كقول اليهود‪ :‬محمد نبي ولكن‬
‫للعرب خاصة حتى ل يؤمن به يهود‪.‬‬
‫سكُ ْم وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ا ْلكِتَابَ َأفَل َت ْعقِلُونَ(‪ )44‬وَاسْ َتعِينُوا بِالصّبْرِ‬
‫سوْنَ أَ ْنفُ َ‬
‫{أَتَ ْأمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرّ وَتَنْ َ‬
‫جعُونَ(‬
‫شعِينَ(‪ )45‬الّذِينَ َيظُنّونَ أَ ّن ُهمْ مُلقُو رَ ّب ِه ْم وَأَ ّنهُمْ إِلَيْهِ رَا ِ‬
‫وَالصّلةِ وَإِ ّنهَا َلكَبِي َرةٌ إِل عَلَى الْخَا ِ‬
‫‪})46‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫البر ‪ :‬البر‪ :‬لفظ جامع لكل خير‪ .‬والمراد هنا‪ :‬اليمان بمحمد صلى ال عليه وسلم والدخول في‬
‫السلم مقابل الذكر‪ ،‬وهو هنا الترك‪.‬‬
‫النسيان ‪ :‬مقابل الذكر‪ ،‬وهو هنا الترك‪.‬‬
‫تلوة الكتاب ‪ :‬قراءته‪ ،‬والكتاب هنا‪ :‬التوراة التي بأيدي اليهود‪.‬‬
‫العقل ‪ :‬قوة باطنية يميز بها المرء بين النافع والضار‪ ،‬والصالح والفاسد‪.‬‬
‫الستعانة ‪ :‬طلب العون للقدرة على القول والعمل‪.‬‬
‫الصبر ‪ : 2‬حبس النفس على ما تكره‪.‬‬
‫الخشوع ‪ :‬حضور القلب وسكون الجوارح‪ ،‬والمراد هنا‪ :‬الخضوع ل والطاعة لمره ونهيه‪.‬‬
‫__________‬
‫طلِ} إذ اللبس الخلط بين المتشابهات في الصفات‪ ،‬يقال‬
‫‪ 1‬مأخوذ من قوله‪{ :‬وَل تَلْبِسُوا ا ْلحَقّ بِالْبَا ِ‬
‫في المر لبسه‪ :‬أي اشتباه‪ ،‬فلبس الحق بالباطل ترويج الباطل في صورة الحق ليقبل ويضل به‬
‫الناس‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 2‬مواطن الصبر ثلثة‪ :‬صبر على الطاعة فل تفارق‪ ،‬وصبر عن المعصية فل ترتكب‪ ،‬وصبر‬
‫على المصائب فل يجزع منها ول يتسخط‪ ،‬ولكن يصبر‪ ،‬ويسترجع أي‪ :‬يقول‪ :‬إنا ل وإنا إليه‬
‫راجعون‪.‬‬

‫( ‪)1/50‬‬

‫{ َيظُنّونَ} ‪ :‬يوقنون ‪.1‬‬


‫{مُلقُو رَ ّبهِمْ} ‪ :‬بالموت‪ ،‬راجعون إليه يوم القيامة‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ينعي الحق تبارك وتعالى في الية الولى(‪ )44‬على علماء بني إسرائيل أمرهم بعض العرب‬
‫باليمان بالسلم ونبيه‪ ،‬ويتركون أنفسهم فل يأمرونها بذلك والحال أنهم يقرأون التوراة‪ ،‬وفيها‬
‫بعث النبي محمد والمر باليمان به واتباعه ويقرعهم موبخا لهم بقوله‪ :‬أفل تعقلون‪ ،‬إذ العاقل‬
‫يسبق إلى الخير ثم يدعو إليه‪.‬‬
‫وفي اليتين الثانية والثالثة(‪ )46-45‬يرشد ال تعالى بني إسرائيل إلى الستعانة بالصبر والصلة‬
‫حتى يقدروا على مواجهة الحقيقة والتصريح بها‪ ،‬وهي اليمان بمحمد والدخول في دينه‪ ،‬ثم‬
‫يعلمهم أن هذه المواجهة صعبة شاقة ‪ 2‬على النفس ل يقدر عليها إل المخبتون لربهم الموقنون‬
‫بلقاء ال‪ ،‬والرجوع إليه‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬قبح ‪ 3‬سلوك من يأمر غيره بالخير ول يفعله‪.‬‬
‫‪ -2‬السيئة قبيحة وكونها من ‪ 4‬عالم أشد قبحا‪.‬‬
‫‪ -3‬مشروعية الستعانة على صعاب المور وشاقها بالصبر والصلة‪ ،‬إذ كان النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم إذ حزبه أمر فزع ‪ 5‬إلى الصلة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يطلق الظن ويراد به اليقين‪ ،‬ل الظن المقابل للشك‪ ،‬أفاد ابن جرير في تفسيره‪ :‬وأورد أن الظن‬
‫من أسماء الضطاد فيطلق على الشك واليقين‪ ،‬فإطلق الصدفة على الضياء والظلمة معا‪.‬‬
‫‪ 2‬الجمهور على تفسير الضمير في‪{ :‬وَإِ ّنهَا َلكَبِيرَة} بالصلة وخالفتهم في ذلك لوجود من قال‪:‬‬
‫إنها ما أمروا به ونهوا عنه‪ ،‬وهو أعم من الصلة‪.‬‬
‫‪ 3‬ورد الوعيد الشديد فيمن يأمر بالمعروف ول يفعله وينهى عن المنكر ويرتكبه من ذلك قول‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬مررت ليلة أسرى بي على أناس تقرض شفاههم وألسنتهم‬
‫بمقاريض من نار‪ ،‬قلت من هؤلء يا جبريل قال‪ :‬هؤلء خطباء أمتك يأمرون الناس بالبر‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وينسون أنفسهم" ‪ .‬رواه أحمد‪ .‬ومثله كثير في السنن والصححاح‪ ،‬إل أن أهل العلم ممن السلف‬
‫قالوا‪ :‬ل يمنع العالم من أن يؤمر بالمعروف‪ ،‬وإن كان ل يأتيه ومن أن ينهي عن منكر وإن كان‬
‫يأتيه‪ ،‬وهو حق‪ ،‬إذ ل يسلم من الذنب إل المعصوم‪.‬‬
‫‪ 4‬لن من يعلم ليس كمن ل يعلم‪.‬‬
‫‪ 5‬رواه أحمد وأبو داود‪.‬‬

‫( ‪)1/51‬‬

‫‪ -4‬فضلية الخشوع ل والتطامن له‪ ،‬وذكر الموت‪ ،‬والرجوع إلى ال تعالى للحساب والجزاء‪.‬‬
‫{يَا بَنِي إِسْرائيلَ ا ْذكُرُوا ِن ْعمَتِيَ الّتِي أَ ْن َع ْمتُ عَلَ ْيكُ ْم وَأَنّي َفضّلْ ُتكُمْ عَلَى ا ْلعَاَلمِينَ(‪ )47‬وَا ّتقُوا َيوْما ل‬
‫ل وَل ُهمْ يُ ْنصَرُونَ(‪})48‬‬
‫ع ْد ٌ‬
‫شفَاعَ ٌة وَل ُيؤْخَذُ مِ ْنهَا َ‬
‫تَجْزِي َنفْسٌ عَنْ َنفْسٍ شَيْئا وَل ُيقْ َبلُ مِ ْنهَا َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{يَا بَنِي إِسْرائيلَ} ‪ :‬تقدم شرح هذه الجملة‪.‬‬
‫{ َفضّلْ ُتكُمْ عَلَى ا ْلعَاَلمِينَ‪ : }1‬آتاهم من النعم الدينية والدنيوية ما لم يؤت غيرهم من الناس وذلك‬
‫على عهد موسى عليه السلم وفي آزمنة صلحهم واستقامتهم‪.‬‬
‫{وَا ّتقُوا َيوْما} ‪ :‬المراد باليوم‪ :‬يوم القيامة بدليل ما وصف به‪ .‬واتقاؤه‪ :‬هو اتقاء ما يقع فيه من‬
‫الهوال والعذاب‪ .‬وذلك اليمان والعمل ‪ 2‬الصالح‪.‬‬
‫{ل تَجْزِي َنفْسٌ} ‪ :‬ل تغني نفس عن نفس أخرى أي غنى‪ .‬ما دامت كافرة ‪.3‬‬
‫شفَاعَةٌ‪ : }4‬هذه النفس الكافرة إذ هي التي ل تنفعها شفاعة الشافعين‪.‬‬
‫{وَل ُيقْبَلُ مِ ْنهَا َ‬
‫ع ْدلٌ} ‪ :‬على فرض أنها تقدمت بعدل‪ ،‬وهو الفداء فإنه ل يؤخذ منها‪.‬‬
‫{وَل ُيؤْخَذُ مِ ْنهَا َ‬
‫{وَل هُمْ يُ ْنصَرُونَ} ‪ :‬يدفع العذاب عنهم‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ينادي ال سبحانه وتعالى بني إسرائيل مطالبا إياهم بذكر نعمه عليهم ليشكروها باليمان برسوله‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم وقبول ما جاء به من الدين الحق‪ ،‬وهو السلم‪ ،‬محذرا إياهم من‬
‫عذاب يوم القيامة‪ ،‬آمرا لهم باتقائه باليمان وصالح العمال‪ .‬لنه يوم عظيم ل تقبل فيه شفاعة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المراد بالعالمين‪ :‬عالمو زمانهم‪.‬‬
‫‪ 2‬وترك الشرك‪ ،‬والمعاصي‪.‬‬
‫‪ 3‬لن أهل اليمان والتوحيد وإن دخلوا النار يخرجون منها بشفاعة شافع أو بإيمانهم‪ .‬بخلف من‬
‫مات كافرا أو مشركا‪.‬‬
‫‪ 4‬الشفاعة‪ :‬ضم جاه إلى جاه ليحصل النفع للمشفوع له‪ .‬والشفعة‪ :‬ضم ملك إلى ملك‪ ،‬والشفع‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الزوج مقابل الوتر‪ ،‬ول تقبل شفاعة أحد يوم القيامة إل بشرطين اثنين‪ .‬الول‪ :‬أن يكون الشافع قد‬
‫أذن ال تعالى له‪ .‬في الشفاعة‪ .‬والثاني‪ :‬أن يكون المشفوع له ممن رضي ال قوله وعمله وهو‬
‫المؤمن الموحد‪.‬‬

‫( ‪)1/52‬‬

‫لكافرٍ‪ ،‬ول يؤخذ منه عدل أي فداء‪ ،‬ول ينصره بدفع العذاب عنه أحد‪.‬‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب ذكر النعم لتشكر ‪ 1‬بحمد ال وطاعته‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب اتقاء عذاب يوم القيامة باليمان والعمل الصالح بعد ترك الشرك والمعاصي‬
‫‪ -3‬تقرير أن الشفاعة ل تكون لنفس كافرة‪ .‬وأن الفداء يوم القيامة ل يقبل ‪ 2‬أبدا‪.‬‬
‫عوْنَ يَسُومُو َنكُمْ سُوءَ ا ْل َعذَابِ يُذَبّحُونَ أَبْنَا َءكُ ْم وَيَسْ َتحْيُونَ ِنسَا َءكُمْ َوفِي‬
‫{وَإِذْ‪ 3‬نَجّيْنَا ُكمْ مِنْ آلِ فِرْ َ‬
‫عوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ(‬
‫عظِيمٌ (‪ )49‬وَإِذْ فَ َرقْنَا ِبكُمُ الْ َبحْرَ فَأَنْجَيْنَا ُك ْم وَأَغْ َرقْنَا آلَ فِرْ َ‬
‫ذَِلكُمْ بَلءٌ مِنْ رَ ّبكُمْ َ‬
‫ع َفوْنَا عَ ْنكُمْ‬
‫جلَ مِنْ َب ْع ِدهِ وَأَنْتُمْ ظَاِلمُونَ(‪ )51‬ثُمّ َ‬
‫‪ )50‬وَإِ ْذ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْ َبعِينَ لَيَْلةً ثُمّ اتّخَذْ ُتمُ ا ْلعِ ْ‬
‫ب وَا ْلفُ ْرقَانَ َلعَّلكُمْ َتهْتَدُونَ(‪})53‬‬
‫شكُرُونَ(‪ )52‬وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَا َ‬
‫مِنْ َبعْدِ ذَِلكَ َلعَّلكُمْ تَ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫النجاة ‪ :‬الخلص من الهلكة؛ كالخلص من الغرق‪ ،‬والخلص من العذاب‪.‬‬
‫عوْنَ} ‪ :‬اتباع ‪ 4‬فرعون‪ .‬وفرعون ‪ 5‬ملك مصر على عهد موسى عليه السلم‪.‬‬
‫{آلِ فِرْ َ‬
‫{يَسُومُو َنكُمْ سُوءَ ا ْلعَذَابِ} ‪ :‬يبغونكم سوء العذاب وهو أشده وأفظعه ويذيقونكم إياه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬شكر ال على نعمة يكون بالعتراف بالنعمة وحمدا ل تعالى عليها‪ ،‬وصرفها فيما فيه رضاه‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪ 2‬لقوله تعالى‪{ :‬إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا َومَاتُوا وَهُمْ ُكفّارٌ فَلَنْ ُيقْ َبلَ مِنْ َأحَ ِدهِمْ مِلءُ الْأَ ْرضِ ذَهَبا وََلوِ‬
‫افْتَدَى بِهِ} ‪.‬‬
‫‪ 3‬إذ ظرفية ويقدر لها العامل وهو‪ :‬اذكروا إن نجيناكم‪ .‬اذكروا إذ فرقنا بكم البحر‪..‬إلخ‪.‬‬
‫‪ 4‬ممن هم على دين الباطل‪ ،‬من القباط المصريين وسواء كانوا أقارب له‪ ،‬أم أباعد ويشهد له‬
‫حديث‪" :‬آل محمد كل تقي"‪.‬‬
‫‪ 5‬قيل أن فرعون مصر اسمه الوليد بن مصعب بن الريان‪.‬‬

‫( ‪)1/53‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وَيَسْتَحْيُونَ‪ِ 1‬نسَا َءكُمْ ‪ :‬يتركون ذبح البنات ليكبرن للخدمة‪ ،‬ويذبحون الولد خوفا منهم إذا كبروا‪.‬‬
‫بلء ‪ 2‬عظيم ‪ :‬ابتلء وامتحان شديد ل يطاق‪.‬‬
‫{فَ َرقْنَا ‪ِ 3‬ب ُكمُ الْبَحْرَ‪ : }4‬صيرناه فرقتين‪ ،‬وما بينهما يبس ل ماء فيه لتسلكوه فتنجوا‪ ،‬والبحر هو‪:‬‬
‫بحر القلزم (الحمر)‪.‬‬
‫جلَ} ‪ :‬عجل من ذهب صاغه لهم السامري ودعاهم إلى عبادته فعبده أكثرهم‪ ،‬وذلك في‬
‫{اتّخَذْ ُتمُ ا ْلعِ ْ‬
‫غيبة موسى عنهم‪.‬‬
‫الشكر ‪ :‬إظهار النعمة بالعتراف بها وحمد ال تعالى عليها وصرفها في مرضاته‪.‬‬
‫ب وَا ْلفُ ْرقَانَ‪ : }5‬الكتاب‪ :‬التوراة‪ ،‬والفرقان‪ :‬المعجزات التي فرق ال تعالى بها بين الحق‬
‫{ا ْلكِتَا َ‬
‫والباطل‪.‬‬
‫{ َتهْتَدُونَ} ‪ :‬إلى معرفة الحق في كل شئونكم من أمور الدين والدنيا‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫تضمنت هذه اليات الخمس أربع نعم عظمى أنعم ال تعالى بها على بني إسرائيل‪ ،‬وهي التي‬
‫أمرهم بذكرها ليشكروه عليها باليمان برسوله محمد صلى ال عليه وسلم ودينه السلم‪.‬‬
‫فالنعمة الولى‪ :‬انجاؤهم من فرعون وآله بتخليصهم من حكمهم الظالم وما كانوا يصبونه عليهم‬
‫من ألوان العذاب‪ .‬من ذلك‪ :‬ذبح الذكور من أولدهم وترك البنات لستخدامهن في المنازل‬
‫كرقيقات‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وقيل يكشفون عن حياء المرأة‪ :‬أي‪ :‬فرجها لينظروا هل هي حبلى أو ل؟ ليتمكنوا من قتل‬
‫الذكور وإبقاء الناث‪.‬‬
‫‪ 2‬البلء يكون بالخير والشر‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وَنَبْلُوكُمْ بِالشّ ّر وَالْخَيْرِ فِتْ َنةً} الية‪ .‬وهو هنا كذلك فقد‬
‫ابتلى بنو إسرائيل بالشر من قتل واستبعاد وبالخير من إنجائهم وإهلك أعدائهم‪.‬‬
‫‪ 3‬الفرق‪ :‬الفصل بين الشياء؛ كالفصل بين الحق والباطل‪ ،‬والفصل بين المجتمعين من كل شيء‪،‬‬
‫والباء في فرقنا بكم البحر‪ :‬للملبسة‪.‬‬
‫‪ 4‬البحر‪ :‬الماء المالح‪ ،‬والبلدة أيضا‪ ،‬ومن الخيل الواسع الجري‪ ،‬فقد قال صلى ال عليه وسلم في‬
‫فرس أبي طلحة‪" :‬وإن وجدناه لبحرا" ‪ .‬يعني واسع الجري‪.‬‬
‫‪ 5‬الفرقان‪ :‬لفظ عام يطلق على كل ما يفرق به بين الحق والباطل؛ كالمعجزات واليات والعلوم‬
‫الصحيحة‪.‬‬

‫( ‪)1/54‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والثانية ‪ :‬فلق البحر لهم وإغراق عدوهم بعد نجاتهم وهم ينظرون ‪.1‬‬
‫والثالثة ‪ :‬عفوه تعالى عن أكبر زلة زلوها وجريمة اقترفوها‪ ،‬وهي اتخاذهم عجل ‪ 2‬صناعيا إلها‬
‫وعبادتهم له‪ .‬فعفا تعالى عنهم ولم يؤاخذهم بالعذاب لعلة أن يشكروه تعالى بعبادته وحده دون‬
‫سواه‪.‬‬
‫والرابعة ‪ :‬ما أكرم به نبيهم موسى عليه السلم من التوراة التي فيها الهدى والنور والمعجزات‬
‫التي أبطلت باطل فرعون‪ ،‬وأحقت دعوة الحق التي جاء بها موسى عليه السلم‪.‬‬
‫هذه النعم هي محتوى اليات الخمس‪ ،‬ومعرفتها معرفة لمعاني اليات في الجملة اللهم إل جملة‬
‫عظِيمٌ} في الية الولى فإنها‪ :‬إخبار بأن الذي حصل لبني إسرائيل من‬
‫{ َوفِي ذَِلكُمْ بَلءٌ مِنْ رَ ّبكُمْ َ‬
‫عذاب على أيدي فرعون وملئه إنما كان امتحانا من ال واختبارا عظيما لهم‪ .‬كما أن الية الثالثة‬
‫فيها ذكر مواعدة ال تعالى لموسى بعد نجاة ‪ 3‬بني إسرائيل أربعين ليلة‪ ،‬وهي‪ :‬القعدة وعشر‬
‫الحجة ليعطيه التوراة يحكم ‪ 4‬بها بني إسرائيل فحدث في غيابه أن جمع السامري حُلي نساء بني‬
‫إسرائيل وصنع منه عجلً ودعاهم إلى عبادته فعبدوه فاستوجبوا العذاب إل أن ال منّ عليهم‬
‫بالعفو ليشكروه‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية هذه اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ذكر النعم يحمل ‪ 5‬على شكرها‪ ،‬والشكر هو الغاية من ذكر النعمة‪.‬‬
‫‪ -2‬أن ال تعالى يبتلي عباده لحكم عالية فل يجوز العتراض على ال تعالى فيما يبتلي به عباده‪.‬‬
‫‪ -3‬الشرك ظلم ‪ ،6‬لنه وضع العبادة في غير موضعها‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬جملة‪{َ :‬وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} في اليات حالية‪ ،‬وإن قيل الذين تم لهم هذا النعام هم من كانوا مع‬
‫موسى عليه السلم‪ ،‬فكيف يخاطب به يهود اليوم‪ .‬فالجواب‪ :‬أن النعم على السلف نعم على‬
‫الخلف‪.‬‬
‫‪ 2‬القوم الذين مروا بهم فوجدوهم عاكفين على أصنام لهم هم قوم من الكنعانيين‪ ،‬وهم الفينيقيون‬
‫سكان سواحل بلد الشام إذ كانوا يعبدون عجلً مقدسا لهم‪.‬‬
‫‪ 3‬كان يوم نجاة بني إسرائيل يوم عاشوراء المحرم‪ ،‬لما في البخاري وغيره من أن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم لما قدم المدينة مهاجرا وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم عن ذلك فقالوا‪:‬‬
‫يوم صالح أنجى ال تعالى فيه بني إسرائيل‪ .‬فصامه‪ .‬رسول ال صلى ال عليه وسلم وأمر‬
‫بصيامه وقال‪" :‬نحن أحق بموسى منهم" أو كما قال‪.‬‬
‫‪ 4‬ومما يؤسف ويحزن أن المسلمين لما ابتلهم ال باستعمار النصارى لهم كانوا كلما استقل‬
‫شعب أو إقليم طلب قانون الكافرين فحكم به المسلمين‪ ،‬وبنو إسرائيل لما استقلوا على يد موسى‬
‫ذهب يأتيهم بقانون الرب ليحكمهم به‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 5‬ولذا كان مبدأ الشكر‪ :‬العتراف بالنعمة أولً‪ ،‬وهو ذكرها بالقلب‪ ،‬واللسان‪.‬‬
‫عظِيمٌ} ‪.‬‬
‫ظلْمٌ َ‬
‫‪ 6‬قال تعالى‪{ :‬إِنّ الشّ ْركَ لَ ُ‬

‫( ‪)1/55‬‬

‫‪ -4‬إرسال الرسل وإنزال الكتب الحكمة فيهما هداية الناس إلى معرفة ربهم وطريقة التقرب إليه‬
‫ليعبدوه فيكملوا ويسعدوا في الحياتين‪.‬‬
‫س ُكمْ‬
‫جلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِ ِئكُمْ فَاقْتُلُوا أَ ْنفُ َ‬
‫سكُمْ بِاتّخَا ِذكُمُ ا ْلعِ ْ‬
‫{وَإِذْ قَالَ مُوسَى ِل َقوْمِهِ‪ 1‬يَا َقوْمِ إِ ّن ُكمْ ظََلمْ ُتمْ أَ ْنفُ َ‬
‫ذَِلكُمْ خَيْرٌ َل ُكمْ عِنْدَ بَارِ ِئ ُكمْ فَتَابَ عَلَ ْيكُمْ إِنّهُ ُهوَ ال ّتوّابُ الرّحِيم(‪ )54‬وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ ُن ْؤمِنَ َلكَ‬
‫جهْ َرةً فََأخَذَ ْتكُمُ الصّاعِقَ ُة وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ(‪ )55‬ثُمّ َبعَثْنَاكُمْ مِنْ َبعْدِ َموْ ِتكُمْ َلعَّلكُمْ‬
‫حَتّى نَرَى اللّهَ َ‬
‫ن وَالسّ ْلوَى كُلُوا مِنْ طَيّبَاتِ مَا رَ َزقْنَاكُ ْم َومَا‬
‫شكُرُونَ (‪ )56‬وَظَلّلْنَا عَلَ ْي ُكمُ ا ْل َغمَا َم وَأَنْزَلْنَا عَلَ ْي ُكمُ ا ْلمَ ّ‬
‫تَ ْ‬
‫سهُمْ يَظِْلمُونَ(‪})57‬‬
‫ظََلمُونَا وََلكِنْ كَانُوا أَ ْنفُ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ظلم النفس ‪ : 2‬تدسيتها بسيئة الجريمة‪.‬‬
‫جلَ} ‪ :‬بجعلكم العجل الذي صاغه السامري من حلي نسائكم إلها عبدتموه‪.‬‬
‫{بِاتّخَا ِذكُمُ ا ْلعِ ْ‬
‫البارئ ‪ :‬الخالق عز وجل‪.‬‬
‫سكُمْ ‪ : }3‬أمرهم أن يقتل من لم يعبد العجل من ‪ 4‬عبدَه منهم وجعل ذلك توبتهم ففعلوا‬
‫{فَاقْتُلُوا أَ ْنفُ َ‬
‫فتاب عليهم بقبول توبتهم‪.‬‬
‫جهْ َرةً ‪ : }5‬نراه عيانا‪.‬‬
‫{نَرَى اللّهَ َ‬
‫__________‬
‫سخَرْ َقوْمٌ مِنْ َقوْمٍ‪ ...‬وَل نِسَاءٌ‬
‫‪ 1‬لفظ القوم يراد به الرجال دون النساء كما في قوله تعالى‪ { :‬ل يَ ْ‬
‫مِنْ نِسَاءٍ} كقول زهير‪:‬‬
‫وما أدري وسوف إخال أدري ‪ ...‬أقوم آل حصن أم نساء‬
‫وقد يطلق على الرجال والنساء نحو قوله تعالى‪{ :‬إِنّا أَرْسَلْنَا نُوحا إِلَى َق ْومِهِ} الية‪.‬‬
‫‪ 2‬أصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه‪ ،‬ومرتكب الذنب بدل أن يزكي نفسه بعمل صالح‬
‫دساها بعمل سيء فكان بذلك واضعا شيئا في غير موضعه‪ ،‬إذ المطلوب من العبد تزكية نفسه‬
‫لتتأهل للكمال والسعاد‪ ،‬ل تدسيتها لتخيب وتخسر‪.‬‬
‫‪ 3‬قتل بعضهم بعضا‪ :‬كان عقوبة لمن عبدوا العجل‪ ،‬ولمن لم يعبدوه؛ لنهم ما غيروا المنكر وقد‬
‫رأوه‪.‬‬
‫‪ 4‬قال بعضهم‪ :‬قتل النفس هنا تذليلها بالطاعات وكفها عن الشهوات وليس بصحيح‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 5‬أصل الجهر‪ :‬الظهور ومنه‪ :‬قرأ جهرا أي أي أظهر القراءة‪ ،‬وجهر مصدر جهر‪ ،‬وقرأ بفتح‬
‫الهاء وإسكانها نحو زهرة‪ ،‬وزهرة ومعناه‪ :‬علنية أو عيانا‪.‬‬

‫( ‪)1/56‬‬

‫عقَةُ} ‪ :‬نار محرقة التي تكون مع السحب والمطار والرعود‪.‬‬


‫{الصّا ِ‬
‫{ َبعَثْنَاكُمْ} ‪ :‬أحييناكم ‪ 1‬بعد موتكم‪.‬‬
‫ن وَالسّ ْلوَى} ‪ :‬المن‪ :‬مادة لزجة حلوة كالعسل ‪ ،2‬والسلوى‪ :‬طائر يقال له السماني‪.‬‬
‫{ا ْلمَ ّ‬
‫الطيبات ‪ :‬الحلل‪.‬‬
‫المناسبة ومعنى اليات‪:‬‬
‫لما ذكر ال تعالى اليهود بما أنعم على أسلفهم مطالبا إياهم بشكرها فيؤمنوا برسوله‪ .‬ذكرهم هنا‬
‫ببعض ذنوب أسلفهم ليتعظوا فيؤمنوا‪ ،‬فذكرهم بحادثة اتخاذهم العجل إلها وعبادتهم له‪ .‬وذلك بعد‬
‫نجاتهم من آل فرعون وذهاب موسى لمناجاة ال تعالى‪ ،‬وتركه هارون خليفة له فيهم‪ ،‬فصنع‬
‫السامري لهم عجلً من ذهب وقال لهم هذا إلهكم وإله موسى فاعبدوه‪ ،‬فأطاعوه أكثرهم وعبدوا‬
‫العجل‪ ،‬فكانوا مرتدين بذلك فجعل ال توبتهم من ردتهم أن يقتل من لم يعبد العجل من عبدَه فقتلوا‬
‫منهم سبعين ألفا‪ ،‬فكان ذلك توبتهم فتاب ال عليهم إنه هو التواب الرحيم‪ ،‬كما ذكرهم بحادثة‬
‫أخرى وهي‪ :‬إنه لما عبدوا العجل وكانت ردة اختار موسى بأمر ال تعالى منهم سبعين رجلً من‬
‫خيارهم ممن لم يتورطوا في جريمة عبادة العجل‪ ،‬وذهب بهم إلى جبل الطور ليعتذروا إلى ربهم‬
‫سبحانه وتعالى من عبادة إخوانهم العجل فلما وصلوا قالوا لموسى اطلب لنا ربك أن يسمعنا‬
‫كلمه‪ ،‬فأسمعهم قوله‪{ :‬إِنّي أَنَا اللّهُ} ل إله إل أنا أخرجتكم من أرض مصر بيدٍ شديدة فاعبدوني‬
‫ول تعبدوا غيري‪ .‬ولما أعلمهم موسى بأن ال تعالى جعل توبتهم وقتلهم أنفسهم‪ ،‬قالوا‪ :‬لن نؤمن‬
‫لك‪ ،‬أي لن نتابعك على قولك فيما ذكرت من توبتنا بقتل بعضنا بعضا حتى نرى ال جهرة‪ ،‬وكان‬
‫هذا منهم ذنبا عظيما لتكذيبهم رسولهم فغضب ال عليهم فأنزل عليهم صاعقة فأهلكتهم فماتوا‬
‫واحدا واحدا وهم ينظرون ثم أحياهم تعالى بعد يوم وليلة‪ ،‬وذلك ليشكروه بعبادته وحده دون سواه‬
‫كما ذكرهم بنعمة أخرى‪ ،‬وهي إكرامه لهم وإنعامه عليهم بتظليل الغمام عليهم‪ ،‬وإنزال المن‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إحيائهم بعد موتهم دليل على البعث الخر‪ ،‬إذ كان موتهم بإخراج أرواحهم ولم يكن مجرد‬
‫همود كما قيل‪.‬‬
‫‪ 2‬وفي الحديث الذي رواه مسلم‪ :‬الكمأه من المن الذي أنزل ال على بني إسرائيل وماؤها شفاء‬
‫للعين‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/57‬‬

‫والسلوى ‪ 1‬أيام حادثة التيه في صحراء سيناء وفي قوله تعالى‪َ { :‬ومَا ظََلمْنَاهُمْ} إشارة إلى أن‬
‫محنة التيه كانت عقوبة لهم على تركهم الجهاد وجرأتهم على نبيهم إذ قالوا له‪{ :‬فَاذْ َهبْ أَ ْنتَ‬
‫وَرَ ّبكَ َفقَاتِل إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} ‪ .‬وما ظلمهم ‪ 2‬في محنة التيه‪ ،‬ولكن كانوا هم الظالمين لنفسهم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬عبادة المؤمن غير ال وهو يعلم أنها عبادة لغير ال تعالى تعتبر ردة منه ‪ ،3‬وشركا‪.‬‬
‫‪ -2‬مشروعية قتال المرتدين‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬من بدل دينه فاقتلوه"‪ ،‬ولكن بعد استتابته‪.‬‬
‫‪ -3‬علة الحياة كلها شكر ال تعالى ‪ 4‬بعبادته وحده‪.‬‬
‫‪ -4‬الحلل‪ ،‬من المطاعم والمشارب وغيرها‪ ،‬ما أحله ال‪ ،‬والحرام ما حرمه ال عز وجل‪.‬‬
‫حطّةٌ َن ْغفِرْ‬
‫سجّدا َوقُولُوا ِ‬
‫{وَإِذْ‪ 5‬قُلْنَا ادْخُلُوا َه ِذهِ ا ْلقَرْيَةَ َفكُلُوا مِ ْنهَا حَ ْيثُ شِئْ ُتمْ رَغَدا وَادْخُلُوا الْبَابَ ُ‬
‫َلكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ ا ْل ُمحْسِنِينَ(‪ )58‬فَبَ ّدلَ الّذِينَ ظََلمُوا َق ْولً‬
‫__________‬
‫‪ 1‬السلوى‪ :‬اسم جنس جمعي واحده‪ :‬سلواه‪ ،‬وقيل‪ :‬ل واحد له‪ ،‬وهو طائر بري لذيذ اللحم سهل‬
‫الصيد‪ ،‬تسوقه لهم ريح الجنوب كل مساء‪ ،‬ويسمى أيضا‪ :‬السماني كالحباري‪.‬‬
‫سهُمْ يَظِْلمُونَ} تقديم المفعول وهو أنفسهم على‬
‫‪ 2‬وفي قوله تعالى‪َ { :‬ومَا ظََلمُونَا وََلكِنْ كَانُوا أَ ْنفُ َ‬
‫الفاعل وهو الضمير في يظلمون لفادة القصر‪ ،‬وهو قصر ظلمهم على أنفسهم حيث لم يتجاوز‬
‫إلى غيرهم ل موسى ول ربه تعالى‪.‬‬
‫‪ 3‬بدليل أمر ال بني إسرائيل بأن يقتل من لم يعبد العجل من عبده لنه في حكم المرتد‪ ،‬والمرتد‬
‫يقتل لحديث الصحيح‪" :‬من بدل دينه فاقتلوه" ‪.‬‬
‫‪ 4‬دل عليه قوله تعالى‪ُ { :‬ثمّ َبعَثْنَاكُمْ} أي أحييناكم بعد موتكم لعلكم تشكرون‪ ،‬وأصرح قوله تعالى‪:‬‬
‫{ َومَا خََل ْقتُ الْجِنّ وَالْأِنْسَ ِإلّ لِ َيعْبُدُونِ} والعبادة هي الشكر‪.‬‬
‫‪ 5‬ذهب الشيخ محمد طاهر ابن عاشور‪ ،‬صاحب تفسير "التحرير والتنوير" إلى أن القائل لبني‬
‫إسرائيل‪{ :‬ادْخُلُوا هَ ِذهِ ا ْلقَرْيَةَ‪ }..‬الية‪ .‬هو موسى عليه السلم وأن هذا المر كان في بداية أمرهم‬
‫لما خرجوا من مصر‪ ،‬وأن الذين ظلموا منهم هم‪ :‬عشرة رجال من اثنا عشر بعث بهم موسى‬
‫عليه السلم جواسيس يكتشفون أمر العدو ويقدرون قوته قبل إعلن الحرب عليهم‪ ،‬فرجعوا وهم‬
‫يهولون من شأن العدو وقوته‪ ،‬وينشرون الفزع والرعب في بني إسرائيل ما عدا اثنين منهم‪،‬‬
‫وهما‪ :‬يوشع ابن نون قريب موسى‪ ،‬وطالب بن بقتة‪ ،‬الذين ذكرا في سورة المائدة‪{ :‬قَالَ‬
‫رَجُلنِ‪ }..‬الية‪ ،‬وخالف في هذا جمهور المفسرين‪ ،‬وادعى الغلط لهم‪ ،‬وما حمله على ذلك سوى‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أن السياق ما زال مع موسى وقومه مع أن ال تعالى لم يذكر موسى بل قال‪{ :‬وَإِذْ قُلْنَا ا ْدخُلُوا هَ ِذهِ‬
‫ا ْلقَرْيَةَ} والرسول صلى ال عليه وسلم في حديث البخاري قال‪ :‬قيل لبني إسرائيل ولم يقل قال‬
‫موسى لبني إسرائيل‪ ،‬ونص الحديث‪" :‬قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدا قولوا حطة يغفر لكم‬
‫خطاياكم فبدلوا وقالوا‪ :‬حطة حبة في شعرة" ‪ .‬والمر لهم حقيقة‪ .‬هو ال تعالى على لسان يوشع‪،‬‬
‫إذ هو الذي قاد الحملة ونصره ال‪ ،‬ودخل بيت المقدس‪ ،‬وأحاديث الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫شاهدة‪.‬‬

‫( ‪)1/58‬‬

‫سقُونَ(‪})59‬‬
‫سمَاءِ ِبمَا كَانُوا َيفْ ُ‬
‫غَيْرَ الّذِي قِيلَ َل ُهمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الّذِينَ ظََلمُوا رِجْزا مِنَ ال ّ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ا ْلقَرْيَةَ ‪ : }1‬مدينة القدس‪.‬‬
‫{رَغَدا} ‪ :‬عيشا واسعا هنيئا‪.‬‬
‫سجّدا} ‪ :‬ركعا‪ 2‬متطامنين ل‪ ،‬خاضعين شكرا ل على نجاتهم من التيه‪.‬‬
‫{ُ‬
‫{حِطّةٌ} ‪ :‬حطة ‪ :3‬فعلة مثل ردة‪ ،‬وحدة من ردت وحددت‪ ،‬أمرهم أن يقولوا حطة بمعنى أحطط‬
‫عنا خطايانا ورفع (حطة) ‪ 4‬على إنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره‪ :‬دخولنا الباب سجدا حطة لذنوبنا‬
‫{ َن ْغفِرْ} ‪ :‬نمحو ونستر‪.‬‬
‫{خَطَايَاكُمْ} ‪ :‬الخطايا‪ :‬جمعة خطيئة ‪ :5‬الذنب يقترفه العبد‪.‬‬
‫{فَبَ ّدلَ} غيروا ‪ 6‬القول الذي قيل لهم قولوه وهو حطة فقالوا‪ :‬حبة في شعره ‪.7‬‬
‫{ ِرجْزا ‪ : }8‬وباء الطاعون‪.‬‬
‫سقُونَ} ‪ :‬يخرجون عن طاعة ال ورسوله إليهم‪ ،‬وهو يوشع عليه السلم‪.‬‬
‫{ َيفْ ُ‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫تضمنت الية الولى (‪ )58‬تذكير اليهود بحادثة عظيمة حدثت لسلفهم تجلت فيها‬
‫__________‬
‫‪ 1‬سميت المدينة قرية‪ :‬من التقري الذي هو التجمع مأخوذ من قريت الماء في الحوض‪ ،‬إذ‬
‫جمعته‪ ،‬ومنه قرى الضيف‪ ،‬وهو ما يجمع له من طعام وشراب‪ ،‬وفراش‪.‬‬
‫‪ 2‬لن السجود الذي هو وضع الجبهة على الرض متعذر المشي معه‪ ،‬فلذا فسر السجود بانحناء‬
‫الركوع في تطامن وخضوع‪.‬‬
‫‪ 3‬يوجد باب حطة اليوم في المسجد القصى‪.‬‬
‫‪ 4‬وقرأ حطة بالنصب على تقدير أحطط عنا ذنوبنا حطة‪.‬‬
‫‪ 5‬المفروض أن تجمع خطيئة على خطائئي‪ ،‬نحو حميلة وحمائل‪ ،‬ولكنهم استثقلوا الجمع بين‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫همزتين فقلبوا الهمزة الولى ياء والثانية ألفا فصارت خطايا‪.‬‬
‫‪ 6‬من هذا أخذ حرمة تبديل لفظ تعبدنا ال به بلفظ أخر ولو أتى معناه مثل‪ :‬ال أكبر في افتتاح‬
‫الصلة‪ ،‬والسلم عليكم في الخروج منها‪ .‬وما لم يتعبدن ال بلفظ يجوز للعالم تبديله وذلك كرواية‬
‫الحديث بالمعنى للعالم دون الجاهل وعليه جمهور المة‪.‬‬
‫‪ 7‬و (في شعرة) كنوا بهذا عن كون فتحهم البلد‪ ،‬ودخولهم إياها من المحال كالذي يحاول ربط‬
‫حبة في شعرة‪.‬‬
‫‪ 8‬والرجس‪ :‬بالسين عذاب فيه نتن وعفونة وقذر‪.‬‬

‫( ‪)1/59‬‬

‫نعمة ال على بني إسرائيل وهي‪ :‬حال تستوجب الشكر‪ ،‬وذلك إنهم لما انتهت مدة التيه وكان قد‬
‫مات كل من‪ :‬موسى وهارون‪ ،‬وخلفهم في بني إسرائيل فتى موسى يوشع بن نون‪ ،‬وغزا بهم‬
‫العمالقة وفتح ال تعالى عليهم بلد القدس أمرهم ال تعالى أمر إكرام وإنعام فقال ادخلوا هذه‬
‫القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا‪ .‬واشكروا لي هذه النعام بأن تدخلوا باب المدينة راكعين‬
‫متطامنين قائلين‪ .‬دخولنا الباب سجدا حطة لذنوبنا التي اقترفناها بنقولنا عن الجهاد على عهد‬
‫موسى وهارون‪ .‬نثبكم بمغفرة ذنوبكم ونزيد المحسنين منكم ثوابا كما تضمنت الية الثانية(‪)59‬‬
‫حادثة أخرى تجلت فيها حقيقة سوء طباع اليهود وكثرة رعوناتهم وذلك بتغييرهم الفعل الذي‬
‫أمروا به والقول الذي قيل لهم فدخلوا الباب زاحفين على أستاههم قائلين‪ :‬حبة في شعيرة!! ومن‬
‫ثم انتقم ال منهم فانزل على الظالمين منهم طاعونا أفنى منهم خلقا كثيرا جزاء فسقهم عن أمر ال‬
‫عز وجل‪ .‬وكان فيما ذكر عظة لليهود لو كانوا يتعظون‪.‬‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬تذكير البناء بأيام ‪ 1‬الباء للعظة والعتبار‪.‬‬
‫‪ -2‬ترك الجهاد إذا وجب يسبب ‪ 2‬للمة الذل والخسران‪.‬‬
‫‪ -3‬التحذير عن عاقبة الظلم والفسق والتمرد على أوامر الشارع‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة ‪ 3‬تأويل النصوص الشرعية للخروج بها عن مراد الشارع منها‪.‬‬
‫‪ -5‬فضيلة الحسان ‪ 4‬في القول والعمل‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المراد باليام‪ :‬ما وقع فيها من خير وغيره‪ ،‬ثمرة كسبهم ونتاج أعمالهم بالطاعة ل تعالى‪ ،‬أو‬
‫المعصية ل عز وجل‪.‬‬
‫‪ 2‬يشهد له حديث أبي داود وأحمد إذ فيه وتركوا الجهاد في سبيل ال أنزل ال بهم بلء ل يرفعه‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حتى يراجعوا دينهم‪.‬‬
‫‪ 3‬كتأويل الروافض‪ ،‬لفظ‪ :‬بقرة بعائشة رضي ال عنها في قوله تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ يَ ْأمُ ُركُمْ أَنْ تَذْ َبحُوا‬
‫َبقَ َرةً} وكتأويل بعض المعاصرين إن ربا البنوك ليس هو ربا الجاهلية الحرام‪.‬‬
‫‪ 4‬المحسن‪ :‬من صح عقد توحيده‪ ،‬وأحسن سياسة نفسه‪ ،‬وأقبل على أداء فرضه‪ ،‬وكفى المسلمين‬
‫شره‪ .‬هكذا عرفه بعضهم‪ ،‬وأقرب من هذا‪ ،‬المحسن‪ :‬من راقب ال تعالى في نياته‪ ،‬ومعتقداته‪،‬‬
‫وأقواله‪ ،‬وأفعاله فأحسن في ذلك كله ولم يسيء فيه وبذل المعروف للناس‪ ،‬ولم يسيء إليهم‪،‬‬
‫وحسب الحسان فضيلة أن ال يحب المحسنين‪ ،‬ومن أحبه ال أسعده وما أشقاه‪.‬‬

‫( ‪)1/60‬‬

‫عشْ َرةَ عَيْنا قَدْ عَِلمَ ُكلّ‬


‫حجَرَ فَا ْنفَجَ َرتْ مِنْهُ اثْنَتَا َ‬
‫سقَى مُوسَى ِل َق ْومِهِ َفقُلْنَا اضْ ِربْ ِب َعصَاكَ الْ َ‬
‫{وَإِذِ اسْتَ ْ‬
‫أُنَاسٍ مَشْرَ َب ُهمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللّ ِه وَل َتعْ َثوْا فِي الَ ْرضِ ُمفْسِدِينَ(‪ )60‬وَإِذْ قُلْ ُتمْ يَا مُوسَى‬
‫طعَامٍ وَاحِدٍ فَا ْدعُ لَنَا رَ ّبكَ يُخْرِجْ لَنَا ِممّا تُنْ ِبتُ الَ ْرضُ مِنْ َبقِْلهَا َوقِثّائِهَا َوفُو ِمهَا‬
‫لَنْ َنصْبِرَ عَلَى َ‬
‫سهَا وَ َبصَِلهَا قَالَ أَ َتسْتَبْدِلُونَ الّذِي ُهوَ أَدْنَى بِالّذِي ُهوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا ِمصْرا فَإِنّ َلكُمْ مَا سَأَلْتُمْ‬
‫وَعَدَ ِ‬
‫ضبٍ مِنَ اللّهِ َذِلكَ بِأَ ّنهُمْ كَانُوا َي ْكفُرُونَ بآيَاتِ اللّ ِه وَ َيقْتُلُونَ‬
‫سكَنَ ُة وَبَاءُوا ِب َغ َ‬
‫َوضُرِبَتْ عَلَ ْيهِمُ الذّلّةُ وَا ْلمَ ْ‬
‫صوْا َوكَانُوا َيعْتَدُونَ(‪})61‬‬
‫ع َ‬
‫النّبِيّينَ ِبغَيْرِ ا ْلحَقّ ذَِلكَ ِبمَا َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫سقَى ‪ :‬طلب لهم من ال تعالى السقيا أي‪ :‬الماء للشرب وغيره‪.‬‬
‫اسْتَ ْ‬
‫ِب َعصَاكَ ا ْلحَجَرَ ‪ :‬عصا موسى التي كانت معه منذ خرج من بلد مدين‪ .‬وهل هي من شجر الجنة‬
‫هبط بها آدم‪ ،‬كذا قيل وال أعلم‪ .‬والحجر هو حجر مربع الشكل من نوع الكذان رخو كالمدر‪.‬‬
‫وهل هو الذي فر بثوب موسى في حادثة ‪ 1‬معروفة‪ ،‬كذا قيل‪ ،‬أو هو حجر من سائر الحجار ‪2‬؟‬
‫ال أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذه الحادثة كما هي في الصحيح‪ :‬أن موسى عليه السلم اتهمه قوم‪ :‬بالدرة‪( :‬انتفاخ في إحدى‬
‫الخصيتين)‪ .‬فأراد ال تعالى أن يبرئه منها‪ ،‬فدخل موسى البحر يغتسل‪ ،‬ووضع ثوبه على حجر‬
‫ففر الحجر بالثوب فلحقه موسى فمر به بني إسرائيل حتى أن علموا أن تهمته باطلة‪.‬‬
‫‪ 2‬كون ال في الحجر لبيان الجنس وأن أي‪ :‬حجر يضربه موسى يتفجر منه الماء أظهر في‬
‫المعجزة وأدل على قدرة ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)1/61‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{فَا ْنفَجَ َرتْ} ‪ :‬النفجار‪ :‬النفلق فانفجرت‪ :‬انفلقت من العصا العيون‪.‬‬
‫{مَشْرَ َب ُهمْ} ‪ :‬موضع شربهم‪.‬‬
‫{رِ ْزقِ اللّهِ} ‪ :‬ما رزق ال به العباد من سائر الغذية‪.‬‬
‫{وَل َتعْ َثوْا} ‪ :‬العَ َثيّ والعِثِيّ‪ :‬أكبر الفساد وفعله عثي كرضي‪ ،‬يعثي كيرضي‪ ،‬وعثا يعثو‪ ،‬كعدا‬
‫يعدو‪.‬‬
‫{ ُمفْسِدِينَ} ‪ :‬الفساد‪ :‬العمل بغير طاعة ال ورسوله في كل مجالت الحياة‪.‬‬
‫البقل ‪ :‬وجمعه البقول‪ :‬سائر أنواع الخضر؛ كالجزر والخردل والبطاطس‪ ،‬ونحوها‪.‬‬
‫القثاء ‪ :‬الخيار والقتة‪ ،‬ونحوهما‪.‬‬
‫الفوم ‪ :‬الفوم‪ :‬الحنطة‪ ،‬وقيل‪ :‬الثوم لذكر البصل ‪ 1‬بعده‪.‬‬
‫{أَ َتسْتَبْدِلُونَ} ‪ :‬الستبدال‪ :‬ترك شيء وأخذ آخر بدلً عنه‪.‬‬
‫{َأدْنَى} ‪ :‬أقل صلحا وخيرية ومنافع؛ كاستبدال المن والسلوى بالفوم والبقل‪.‬‬
‫{ ِمصْرا} ‪ :‬مدينة من ‪ 2‬المدن‪ ،‬قيل لهم هذا وهم في التيه؛ كالتعجيز لهم والتحدي لنهم نكلوا عن‬
‫قتال الجبارين فأصيبوا بالتيه وحرموا خيرات مدينة القدس وفلسطين‪.‬‬
‫{ َوضُرِ َبتْ عَلَ ْي ِهمُ الذّلّةُ} ‪ :‬أحاطت بهم ولزمتهم الذلة وهي الصغار والحتقار‪.‬‬
‫سكَنَةُ} ‪ :‬والمسكنة‪ :‬وهي الفقر والمهانة‪.‬‬
‫{وَا ْلمَ ْ‬
‫ضبٍ} ‪ :‬رجعوا من طول عملهم وكثرة كسبهم بغضب ال وسخطه عليهم وبئس ما‬
‫{وَبَاءُوا ِب َغ َ‬
‫رجعوا به‪.‬‬
‫{ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ} ‪ :‬ذلك إشارة إلى ما أصابهم ‪ .3‬من الذلة والمسكنة والغضب وبأنهم أي بسبب كفرهم‬
‫وقتلهم النبياء وعصيانهم‪ ،‬فالباء سببية‪.‬‬
‫العتداء ‪ :‬مجاوزة الحق إلى الباطل‪ ،‬والمعروف إلى المنكر والعدل إلى الظلم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لن إبدال التاء فاء شائع‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا بناءا على صرف مصر إذ هو منون منصوب‪ ،‬ولو أريد به مصر التي خرجوا منها لقرئ‬
‫مصر ممنوعا من الصرف للعلمية والتأنيث‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا عام في اليهود المعاصرين للدعوة السلمية‪ ،‬ومن قبلهم‪ ،‬ومن يأتي بعدهم‪ ،‬لن التعليل‬
‫كان بكفرهم بآيات ال‪ ،‬وقتلهم النبياء‪ ،‬والكل موافق راب بهذه الجرائم‪ ،‬وعصيانهم واعتدائهم‬
‫ملزم لهم ما فارقهم إلى اليوم‪.‬‬

‫( ‪)1/62‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫يُذكر ال تعالى اليهود المعاصرين لنزول القرآن بالمدينة النبوية بأياديه في أسلفهم وأيامه عز‬
‫وجل فيهم وفي الية الولى رقم(‪ )60‬ذكرهم بأنهم لما عطشوا في التيه‪ ،‬استسقى ‪ 1‬موسى ربه‬
‫فسقاهم بأمر خارق للعادة‪ ،‬ليكون لهم ذلك آية ليلزموا اليمان والطاعة وهو أن يضرب موسى‬
‫عليه السلم بعصاه الحجر ‪ 2‬فيتفجر الماء منه من اثنا عشر موضعا كل موضع يمثل عينا يشرب‬
‫منها سبط ‪ 3‬من أسباطهم الثنى عشر حتى ل يتزاحموا فيتضرروا‪ ،‬أكرمهم ال بهذه النعمة‪،‬‬
‫ونهاهم عن الفساد في الرض بارتكاب المعاصي‪.‬‬
‫وفي الية الثانية(‪ )61‬ذكرهم بسوء أخلق كانت في سلفهم‪ ،‬منها‪ :‬عدم الصبر‪ ،‬والتعنت‪ ،‬وسوء‬
‫التدبير‪ ،‬والجهالة بالخير‪ ،‬والرعونة‪ ،‬وغيرها‪ .‬وهذا ظاهر في قولهم يا موسى بدل يا نبي ال أو‬
‫رسول ال لن نصبر على طعام واحد‪ .‬وقولهم‪ :‬إدع لنا ربك بدل ادع ال تعالى لنا‪ ،‬أو ادع لنا‬
‫ل عنهما وفي قول موسى عليه‬
‫ربنا عز وجل‪ .‬وفي مللهم اللحم والعسل وطلبهم الفوم والبصل بد ً‬
‫السلم‪ :‬تستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ‪ 4‬ما يقرر ذلك كما ذكرهم بالعاقبة المرة التي‬
‫كانت لهم نتيجة كفرهم بآيات ال وقتلهم النبياء‪ ،‬واعتدائهم وعصيانهم‪ ،‬وهي‪ :‬أن ضرب ‪ 5‬ال‬
‫تعالى عليهم الذلة والمسكنة وغضب عليهم‪.‬‬
‫كل هذا وغيره مما ذكّر ال تعالى اليهود به في كتابه من أجل أن يذكروا فيتعظوا ويشكروا‪،‬‬
‫فيؤمنوا بنبيه محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ويدخلوا في دينه‪ ،‬فيكملوا ويسعدوا بعد أن ينجوا مما‬
‫حاق بهم من الذلة والمسكنة والغضب في الدنيا‪ ،‬ومن عذاب النار يوم القيامة‪.‬‬
‫هداية التيتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬استحسان الوعظ والتذكير بنعم ال تعالى ونقمه في الناس‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في الية مشروعية الستسقاء وهو سنة مؤكدة في السلم‪ ،‬فقد استسقى النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم وسقى ال المة بدعائه غير مرة‪.‬‬
‫‪ 2‬انفجار الماء من الحجر معجزة عظيمة‪ ،‬وانفجار الماء من بين أصابع النبي محمد صلى ال‬
‫عليه وسلم معجزة أعظم‪ ،‬لن انفجار الماء من الحجار معهود معروف ولكن من أصابع هي لحم‬
‫ودم غير معهود قط‪.‬‬
‫‪ 3‬السبط‪ :‬في بني إسرائيل كالقبيلة عند العرب‪.‬‬
‫‪ 4‬في قوله‪{ :‬أَتَسْتَبْدِلُونَ} إلخ‪ .‬إنكار عليهم وتوبيخ لهم‪.‬‬
‫‪ 5‬إحاطة الزل والمسكنة بهم ذكر في آية آل عمران مقيدا بما لم يكن لهم حبل من ال‪ :‬وهو‬
‫الدخول في السلم‪ ،‬وحبل من الناس‪ :‬وهو حماية دولة قوية لهم؛ كبريطانيا أولً‪ ،‬وأمريكا ثانيا‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/63‬‬

‫‪ -2‬مطالبة ذي النعمة بشكرها ‪ ،1‬وذلك بطاعة ال تعالى بفعل أوامره‪ .‬وترك نواهيه‪.‬‬
‫‪ -3‬ذم الخلق السيئة والتنديد بأهلها للعظة والعتبار‪.‬‬
‫‪ -4‬التنديد بكبائر الذنوب؛ كالكفر‪ ،‬وقتل النفس بغير الحق ل سيما قتل النبياء أو خلفائهم وهم‬
‫العلماء المرون بالعدل في المة‪.‬‬
‫ع ِملَ صَالِحا فََلهُمْ‬
‫{إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَادُوا وَال ّنصَارَى وَالصّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الخِ ِر وَ َ‬
‫علَ ْيهِ ْم وَل هُمْ َيحْزَنُونَ(‪})62‬‬
‫خ ْوفٌ َ‬
‫أَجْ ُرهُمْ عِ ْندَ رَ ّبهِ ْم وَل َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{الّذِينَ آمَنُوا ‪ : }2‬هم المسلمون آمنوا بال ووحده وآمنوا برسوله واتبعوه‪.‬‬
‫{وَالّذِينَ هَادُوا} ‪ :‬هم اليهود سموا ‪ 3‬يهودا لقولهم‪ :‬إنا هدنا إليك‪ ،‬أي‪ :‬تبنا ورجعنا‪.‬‬
‫{وَال ّنصَارَى} ‪ :‬الصليبيون سموا نصارى‪ :‬إما لنهم يتناصرون أو لنزول مريم بولدها عيسى قرية‬
‫الناصرة‪ ،‬والواحد‪ :‬نصران ‪ 4‬أو نصراني وهو الشائع على اللسنة‪.‬‬
‫{وَالصّابِئِينَ} ‪ :‬أمة كانت بالموصل يقولون ل إله إل ال‪ .‬ويقرأون الزبور‪ .‬ليسوا يهودا ول‬
‫نصارى‪ ،‬واحدهم صابئ ‪ ،5‬ولذا كانت قريش تقول لمن قال ل إله إل ال‪ :‬صابئ‪ ،‬أي مائل عن‬
‫حدَ فيه ال تعالى‪.‬‬
‫دين آبائه إلى دين جديد و ّ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬كما قيل‪ :‬من لم يشكر النعم تعرض لزوالها‪ ،‬ومن شكرها فقد قيدها بعقالها‪.‬‬
‫‪ 2‬يرى بعض المفسرين أن المراد (بالذين آمنوا)‪ :‬المنافقون‪ ،‬والصحيح ما ذكرناه وهم المسلمون‪،‬‬
‫وسموا بالمؤمنين لصحة إيمانهم‪ ،‬والفائدة من ذكره هي‪ :‬ليعلم اليهود وغيرهم أن النسب‬
‫والنتساب إلى الدين ل يؤهل للسعادة في الدار الخرة‪ ،‬وإنما يؤهل اليمان الصحيح والعمل‬
‫الصالح‪ ،‬إذ بهما تزكوا النفس وتطهر فتتأهل لجوار ال تعالى في الملكوت العلى‪.‬‬
‫‪ 3‬أو نسبة إلى يهودا وهو أكبر أولد يعقوب عليه السلم‪.‬‬
‫‪ 4‬نصرن على وزن سكران‪ ،‬والجمع‪ :‬نصارى؛ كسكارى‪.‬‬
‫‪ 5‬قرئ بالتخفيف‪ :‬الصابين‪ ،‬وهي قراءة وارش عن نافع‪.‬‬

‫( ‪)1/64‬‬

‫مناسبة الية ومعناها‪:‬‬


‫لما كانت الية في سياق دعوة اليهود إلى السلم ناسب أن يعلموا أن النسب ل قيمة لها وإنما‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫العبرة باليمان الصحيح والعمل الصالح المزكي للروح البشرية والمطهر لها‪ ،‬فلذا المسلمون‬
‫واليهود والنصارى والصابئون ‪ 1‬وغيرهم؛ كالمجوس وسائر أهل الديان من آمن منهم بال‬
‫واليوم الخر حق اليمان وعمل صالحا مما شرع ال تعالى من عبادات فل خوف عليهم بعد‬
‫توبتهم‪ ،‬ول حزن ينتابهم عند موتهم من أجل ما تركوا من الدنيا‪ ،‬إذ الخرة خير وأبقى‪.‬‬
‫واليمان الصحيح ل يتم لحد إل باليمان بالنبي الخاتم محمد صلى ال عليه وسلم والعمل الصالح‬
‫ل يكون إل بما جاء به النبي الخاتم في كتابه وما أوحى إليه‪ ،‬إذ بشريعته نسخ ال سائر الشرائع‬
‫قبله وبالنسخ بطل مفعولها فهي ل تزكي النفس ول تطهرها‪ .‬والسعادة الخروية متوقفة على زكاة‬
‫النفس ‪ 2‬وطهارتها‪.‬‬
‫هداية الية‪:‬‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬العبرة بالحقائق ل باللفاظ‪ ،‬فالمنافق إذا قال هو مؤمن أو مسلم‪ ،‬ولم يؤمن بقلبه ولم يسلم‬
‫بجوارحه ل تغني النسبة عنه شيئا‪ ،‬واليهودي والنصراني والصابئ‪ ،‬وكل ذي دين نسبته إلى دين‬
‫قد نسخ وبطل العمل بما فيه فأصبح ل يزكي النفس‪ ،‬هذه النسبة ل تنفعه‪ ،‬وإنما الذي ينفع اليمان‬
‫الصحيح والعمل الصالح‪.‬‬
‫‪ -2‬أهل اليمان الصحيح والستقامة على شرع ال الحق مبشرون بنفي الخوف عنهم والحزن‬
‫وإذا انتفى الخوف حصل المن‪ ،‬وإذا انتفى الحزن حصل السرور والفرح وتلك السعادة‪.‬‬
‫{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَا َقكُمْ‪ 3‬وَ َر َفعْنَا َف ْو َقكُمُ الطّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬عامة أهل العلم على أن الصابئة ليسوا أهل كتاب فل تنكح نسائهم ول تؤكل ذبائحهم؛ لنهم‬
‫وثنيون ول كتاب لهم على الصحيح‪.‬‬
‫‪ 2‬لقوله تعالى‪َ { :‬قدْ َأفْلَحَ مَنْ َزكّاهَا} ‪.‬‬
‫‪ 3‬مأخوذ من وثق الشيء بالحبل إذا شده به تقوية له‪.‬‬

‫( ‪)1/65‬‬

‫حمَتُهُ‬
‫ِبقُ ّو ٍة وَا ْذكُرُوا ‪ 1‬مَا فِيهِ َلعَّلكُمْ تَ ّتقُونَ(‪ُ )63‬ثمّ َتوَلّيْتُمْ مِنْ َبعْدِ ذَِلكَ فََلوْل َفضْلُ‪ 2‬اللّهِ عَلَ ْيكُمْ وَرَ ْ‬
‫َلكُنْتُمْ مِنَ ا ْلخَاسِرِينَ(‪ )64‬وََلقَدْ عَِلمْتُمُ الّذِينَ اعْ َت َدوْا مِ ْنكُمْ فِي السّ ْبتِ َفقُلْنَا َلهُمْ كُونُوا ‪ 3‬قِرَ َدةً خَاسِئِينَ(‬
‫جعَلْنَاهَا ‪َ 4‬نكَالً ِلمَا بَيْنَ يَدَ ْيهَا َومَا خَ ْل َفهَا َو َموْعِظَةً لِ ْلمُ ّتقِينَ(‪})66‬‬
‫‪ )65‬فَ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الميثاق ‪ :‬العهد المؤكد باليمين‪.‬‬
‫{الطّورَ} ‪ :‬جبل‪ .‬أو هو الجبل الذي ناجى ال تعالى عليه موسى عليه السلم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ ِب ُق ّوةٍ} ‪ :‬بجد وحزم وعزم‪.‬‬
‫{ َتوَلّيْتُمْ} ‪ :‬رجعتم عما التزمتم القيام به من العمل بما في التوراة‪.‬‬
‫{اعْ َت َدوْا مِ ْنكُمْ فِي السّ ْبتِ} ‪ :‬تجاوزوا الحد فيه حيث حرم عليهم الصيد فيه فصادوا‪.‬‬
‫{قِرَ َدةً} ‪ :‬القردة‪ :‬جمع قرد‪ ،‬حيوان معروف مسخ ال تعالى المعتدين في السبت على نحوه‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي اذكروا ما تضمنه الكتاب الذي هو التوراة‪ ،‬اذكروا حفظا لشرائعه وأحكامه وعملً به‪،‬‬
‫واذكروا وعد ال تعالى فيه ووعيده رجاء أن تحصل لكم التقوى فتنجوا من الخسران‪.‬‬
‫‪ 2‬من فضل ال تعالى عليهم إنه لم يعاجلهم بالعقوبة جزاء توليهم عن الطاعة‪ ،‬وإعراضهم عنها‬
‫بعد أخذ الميثاق عليهم‪ ،‬ومن رحمته أنه في أرسل فيهم الرسل فلم تنقطع سلسلتهم إلى عيسى ابن‬
‫مريم عليه السلم‪.‬‬
‫‪ 3‬المر هنا‪ :‬كوني ل شرعي إذ ل طاقة لهم على التحول إلى قردة‪ ،‬وإنما تحولوا بأمره اليرادي‬
‫الكوني الذي ل يتخلف فيه مراده عز وجل‪.‬‬
‫جعَلْنَاهَا} يعود إلى العقوبة التي هي مسخهم قردة‪.‬‬
‫‪ 4‬الضمير في قوله‪َ { :‬ف َ‬

‫( ‪)1/66‬‬

‫{خَاسِئِينَ} ‪ :‬مبعدين عن الخير ذليلين مهانين‪.‬‬


‫{ َنكَالً} ‪ :‬عقوبة شديدة تمنع من رآها أو علمها من فعل ما كانت سببا فيه‬
‫{ِلمَا بَيْنَ َيدَ ْيهَا َومَا خَ ْل َفهَا} ‪ :‬لما بين يدي العقوبة من الناس‪ ،‬ولمن يأتي بعدهم‪.‬‬
‫{ َو َموْعِظَةً لِ ْلمُ ّتقِينَ‪ : }1‬يتعظون ‪ 2‬بها فل يقدمون على معاصي ال عز وجل‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يذكر الحق عز وجل اليهود بما كان لسلفهم من أحداث لعلهم يعتبرون فيذكرهم بحادثة امتناعهم‬
‫من تحمل العمل بالتوراة‪ ،‬وإصرارهم على ذلك حتى رفع ال تعالى فوقهم جبلً فأصبح كالظلة‬
‫فوق رؤسهم‪ ،‬حينئذ أذعنوا غير أنهم تراجعوا بعد ذلك ولم يفوا بما التزموا به فاستوجبوا‬
‫الخسران لول رحمة ال بهم‪.‬‬
‫كما يذكرهم بجريمة كانت لبعض أسلفهم وهي أنه تعالى حرم عليهم الصيد يوم السبت فاحتالت‬
‫طائفة منهم على الشرع واصطادوا فنكل ال تعالى بهم فمسخهم ‪ 3‬قردة‪ ،‬وجعلهم عظة وعبرة‬
‫للمعتبرين ‪.4‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب الوفاء بالعهود والمواثيق‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -2‬يجب أخذ أحكام الشرع بحزم‪ ،‬وذكرها وعدم نسيانها أو تناسيها‪.‬‬
‫‪ -3‬ل تتم التقوى لعبد إل إذا أخذ أحكام الشرع بحزم وعزم‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة ‪ 5‬الحتيال لباحة المحرم وسوء عاقبة المحتالين المعتدين‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يمتنعون من فعل الذنب الذي كان سببا في العقوبة‪.‬‬
‫‪ 2‬خص المتقين بالموعظة؛ لنهم أحياء القلوب وذووا بصائر نيرة‪ ،‬فيشاهدون آثار المعاصي في‬
‫أصحابها فيتقونها ويبتعدون عنها‪.‬‬
‫‪ 3‬جرت سنة ال فيمن يسمخهم إنهم ل يعيشون ثلثا حتى يهلكوا ولم يبقى منهم أحد‪ ،‬كذا صح‬
‫عن ابن عباس رضي ال عنه‪.‬‬
‫‪ 4‬هم أهل البصائر من أهل اليمان والتقوى‪ ،‬إذ هم أرباب العقول‪ ،‬والعاقل من اعتبر بغيره‪.‬‬
‫‪ 5‬روى أحمد بسند جيد عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬ل ترتكبوا ما ارتكبت‬
‫اليهود فتستحلوا محارم ال بأدنى الحيل" ‪.‬‬

‫( ‪)1/67‬‬

‫{وَإِذْ قَالَ مُوسَى ِل َقوْمِهِ إِنّ اللّهَ يَ ْأمُ ُركُمْ أَنْ تَذْ َبحُوا َبقَ َرةً قَالُوا أَتَتّخِذُنَا هُزُوا قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ َأكُونَ‬
‫ض وَل ِبكْرٌ‬
‫مِنَ الْجَاهِلِينَ‪ )67(1‬قَالُوا ا ْدعُ لَنَا رَ ّبكَ يُبَيّنْ لَنَا مَا ِهيَ قَالَ إِنّهُ َيقُولُ إِ ّنهَا َبقَرَةٌ ل فَا ِر ٌ‬
‫عوَانٌ بَيْنَ ذَِلكَ فَا ْفعَلُوا مَا ُت ْؤمَرُونَ(‪ )68‬قَالُوا ا ْدعُ لَنَا رَ ّبكَ يُبَيّنْ لَنَا مَا َلوْ ُنهَا قَالَ إِنّهُ َيقُولُ إِ ّنهَا َبقَ َرةٌ‬
‫َ‬
‫صَفْرَاءُ فَاقِعٌ َلوْ ُنهَا تَسُرّ النّاظِرِينَ(‪ )69‬قَالُوا ا ْدعُ لَنَا رَ ّبكَ يُبَيّنْ لَنَا مَا ِهيَ إِنّ الْ َبقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنّا‬
‫سّلمَةٌ‬
‫سقِي الْحَ ْرثَ مُ َ‬
‫ض وَل َت ْ‬
‫إِنْ شَاءَ اللّهُ َل ُمهْتَدُونَ(‪ )70‬قَالَ إِنّهُ َيقُولُ إِ ّنهَا َبقَ َرةٌ ل َذلُولٌ تُثِي ُر الَ ْر َ‬
‫ل شِيَةَ فِيهَا قَالُوا النَ جِ ْئتَ بِا ْلحَقّ فَذَبَحُوهَا َومَا كَادُوا َي ْفعَلُونَ(‪})71‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫البقرة ‪ :‬واحدة البقر‪ ،‬والذكر ثور‪ ،‬والنثى بقرة‪.‬‬
‫الذبح‪ :‬قطع الودجين والمارن‪.‬‬
‫الهزؤ ‪ :‬السخرية واللعب‪.‬‬
‫الجاهل ‪ : 2‬الذي يقول أو يفعل ما ل ينبغي قوله أو فعله‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬استعاذ موسى بال أن يكون من الجاهلين‪ ،‬إذ الهزوء والسخرية‪ ،‬من أفعال أهل الجهل فكان‬
‫قول موسى هذا وصما لهم بالجهل وفساد العقل‪ .‬وسوء الخلق‪.‬‬
‫‪ 2‬الجاهل الذي جهل المر فقال أو عمل فيه بدون علم فأفسد وأساء‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/68‬‬

‫الفارض ‪ : 1‬المسنة‪ .‬والبكر الصغيرة التي لم تلد بعد‪ .‬والعوان‪ :‬النصف وسط بين المسنة‬
‫والصغيرة‪.‬‬
‫فاقع ‪ :‬يقال‪ :‬أصفر فاقع شديدة الصفرة؛ كأحمر قاني‪ ،‬وأبيض ناصع ‪2‬‬
‫الذلول ‪ :‬الريضة التي زالت صعوبتها فأصبحت سهلة منقادة‪.‬‬
‫{تُثِي ُر الَ ْرضَ} ‪ :‬تقلبها بالمحراث فيثور غبارها بمعنى‪ :‬أنها لم تستعمل في الحرث ول في سقاية‬
‫الزرع أي لم يُسن عليها‪ ،‬وذلك لصغرها‪.‬‬
‫{مسلّمة} ‪ :‬سليمة من العيوب؛ كالعور والعرج ‪.3‬‬
‫{ل شِ َيةَ فِيهَا} ‪ :‬الشية‪ :‬العلمة أي ل توجد فيها لون غير لونها ‪ 4‬من سواد أو بياض‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫واذكر يا رسولنا لهؤلء اليهود عيبا آخر من عيوب أسلفهم الذين يعتزون بهم وهو سوء سلوكهم‬
‫مع أنبيائهم فيكون توبيخا لهم لعلهم يرجعون عن غيهم فيؤمنوا بك وبما جئت به من الهدى ودين‬
‫الحق‪ .‬اذكر لهم قصة الرجل الذي قتله ابن أخيه استعجالً لرثه ثم ألقاه تعمية في حي غير الحي‬
‫الذي هو منه‪ ،‬ولما اختلفوا في القاتل‪ ،‬قالوا نذهب إلى موسى يدعو لنا ربه ليبين لنا من هو القاتل‬
‫فجاءوه‪ ،‬فقال لهم‪ :‬إن ال تعالى يأمركم أن تذبحوا بقرة من أجل أن يضربوا القتيل بجزء منها‬
‫فينطق مبينا من قتله فلما قال لهم ذلك‪ ،‬قالوا‪ :‬أتتخذنا هزوا‪ ،‬فوصفوا نبي ال بالسخرية واللعب‪،‬‬
‫وهذا ذنب قبيح وما زالوا يسألونه عن البقرة ويتشددون‪ ،‬حتى شدد ال تعالى عليهم المر الذي‬
‫كادوا معه ل يذبحون مع أنهم لو تناولوا بقرة من عرض الشارع وذبحوها لكفتهم ‪ .5‬ولكن شددوا‬
‫فشدد ال عليهم فعثروا على البقرة المطلوبة بعد جهد جهيد وغالى فيها صاحبها فباعها منهم بملء‬
‫جلدها ذهبا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الفارض‪ :‬المسنة التي فرضت سنها فقطعته‪ ،‬لن الفرض لغة القطع‪.‬‬
‫‪ 2‬هذه اللفاظ يؤتي بها لتأكيد الوصف‪ ،‬فيقال‪ :‬أخضر مدهام‪ ،‬وأورق خطباني "الخطباني‪ ،‬نبت"‪.‬‬
‫‪ 3‬استدل الجمهور بهذه الصفات المذكورة للبقرة على جواز بيع السلم في الحيوان‪ ،‬كما استدلوا‬
‫بقول الرسول صلى ال عليه وسلم في الصحيح‪" :‬ل تنعت المرأة المرأة لزوجها كأنه ينظر‬
‫إليها" ‪ ،‬وخالف أبو حنيفة بعدم صحة السلم في الحيوان‪.‬‬
‫‪ 4‬لن الشية مأخوذة من وشي الثوب إذا نسج على لونين‪ ،‬ولذا قيل النمام واش؛ لنه لون الكلم‬
‫بألوان من كذبه وباطله‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 5‬نقل ابن كثير عن ابن جرير الرواية التالية‪ :‬إنما أمروا بأدنى بقرة‪ ،‬ولكنهم لما شددوا‪ ،‬شدد ال‬
‫عليهم‪ ،‬وأيم ال لو أنهم لم يتثنوا لما بينت لهم آخر الدهر‪.‬‬

‫( ‪)1/69‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان ما كان عليه قوم موسى من بني إسرائيل من العجرفة وسوء الخلق‪ ،‬ليتجنب مثلها‬
‫المسلمون‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة العتراض على الشارع ووجوب تسليم أمره أو نهيه ولو لم تعرف فائدة المر والنهي‬
‫وعلتها‪.‬‬
‫‪ -3‬الندب إلى الخذ بالمتيسر وكراهة ‪ 1‬التشدد في المور‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان فائدة الستثناء بقول‪ :‬إن شاء ال‪ ،‬إذ لو لم يقل اليهود‪ :‬إن شاء ‪ 2‬ال لمهتدون ما كانوا‬
‫ليهتدوا إلى معرفة البقرة المطلوبة‪.‬‬
‫‪ -5‬ينبغي تحاشي الكلمات التي قد يفهم منها انتقاص النبياء مثل قولهم‪ :‬الن جئت بالحق‪ ،‬إذ‬
‫مفهومه أنه ما جاءهم بالحق إل في هذه المرة من عدة مرات سبقت!!‪.‬‬
‫ضهَا كَذَِلكَ يُحْيِي‬
‫{وَإِذْ قَتَلْ ُتمْ َنفْسا فَادّا َرأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ ُمخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ َتكْ ُتمُونَ(‪َ )72‬فقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِ َب ْع ِ‬
‫حجَا َرةِ َأوْ‪َ 4‬أشَدّ‬
‫ستْ قُلُو ُبكُمْ مِنْ َبعْدِ ذَِلكَ َف ِهيَ كَالْ ِ‬
‫‪ 3‬اللّهُ ا ْل َموْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ َلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ(‪ )73‬ثُمّ َق َ‬
‫شقّقُ فَ َيخْرُجُ مِنْهُ ا ْلمَاءُ وَإِنّ‬
‫س َوةً‪ 5‬وَإِنّ مِنَ ا ْلحِجَا َرةِ َلمَا يَ َتفَجّرُ مِنْ ُه الَ ْنهَا ُر وَإِنّ مِ ْنهَا َلمَا يَ ّ‬
‫قَ ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وشاهده من السنة قوله صلى ال عليه وسلم في الصحيحين‪" :‬يسروا ول تعسروا‪ ،‬بشروا ول‬
‫تنفروا" ‪ ،‬وقوله صلى ال عليه وسلم لصحابه‪ " :‬إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين"‪ .‬رواه‬
‫الترمذي‪.‬‬
‫‪ 2‬يشهد لصحة هذا أن نبي ال سليمان لما لم يتثن لم تلد له امرأة من المائة إل واحدة‪ ،‬وجاءت به‬
‫نصف ولد‪ ،‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬لو استثنى لكان دركا لحاجته "‪ ،‬كما في‬
‫البخاري‪.‬‬
‫‪ 3‬لما كانت عقيدة البعث والجزاء ذات تأثير كبير في إصلح النسان خلقا وسلوكا ذكرها تعالى‬
‫في أثناء سياق القصة مع أن اليهود مؤمنون بالبعث الخر‪.‬‬
‫‪ 4‬أو‪ :‬بمعنى الواو وليست لشك‪ ،‬وقد تكون بمعنى بل‪ ،‬وشاهد الول‪ :‬قول الشاعر‪:‬‬
‫أتى الخلفة أو كانت له قدرا‬
‫بمعنى وكانت وشاهد الثاني‪{ :‬وَأَ ْرسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَ ْلفٍ َأوْ يَزِيدُونَ}‪ .‬الية‪ :‬أي‪ :‬بل يزيدون‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لستحالة الشك على ال تعالى‪.‬‬
‫‪ 5‬القسوة في عرف اللغة‪ :‬اليبس والصلبة‪ ،‬ووصفت قلوب اليهود بذلك؛ لنها خالية من اللطف‬
‫والرحمة‪.‬‬

‫( ‪)1/70‬‬

‫عمّا َت ْعمَلُونَ(‪})74‬‬
‫مِ ْنهَا َلمَا َيهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّ ِه َومَا اللّهُ ِبغَا ِفلٍ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ َنفْسا} ‪ :‬نفس الرجل الذي قتله وارثه استعجالً للرث‪.‬‬
‫{فَادّارَأْتُمْ فِيهَا} ‪ :‬تدافعتم أمر قتلها كل قبيل يقول قتلها القبيل الخر‪.‬‬
‫{مَا كُنْتُمْ َتكْ ُتمُونَ} ‪ :‬من أمر القاتل سترا عليه دفعا للعقوبة والفضيحة‪.‬‬
‫ضهَا} ‪ :‬ببعض أجزاء البقرة كلسانها أو رجلها مثلً‪.‬‬
‫{بِ َب ْع ِ‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يقول تعالى لليهود موبخا لهم اذكروا إذ قتل أحد أسلفكم قريبه ليرثه‪ ،‬فاختصم في شأن القتل كل‬
‫جماعة تنفي أن يكون القاتل منها‪ ،‬والحال أن ال تعالى مظهر ما تكتمونه ل محالة إحقاقا للحق‬
‫وفضيحة للقاتلين‪ ،‬فأمركم أن تضربوا القتيل ببعض أجزاء البقرة‪ ،‬فيحيا ويخبر عن قاتله ففعلتم‬
‫وأحيا ال القتيل وأخبر بقاتله ‪ 1‬فقتل به‪ ،‬فأراكم ال تعالى بهذه القصة آية من آياته الدالة على‬
‫حلمه وعلمه وقدرته‪ ،‬وكان المفروض أن تعقلوا عن ال آياته فتكملوا في إيمانكم وأخلقكم‬
‫وطاعتكم‪ ،‬ولكن بدل هذا قست قلوبكم وتحجرت وأصبحت أشد قساوة من الحجارة فهي ل ترق‬
‫ول تلين ول تخشع على عكس الحجارة‪ ،‬إذ منها ما تتفجر منه العيون‪ ،‬ومنها ما يلين فيهبط من‬
‫خشية ال؛ كما اندك جبل الطور لما تجلى له الرب تعالى‪ ،‬وكما أضطرب أحد تحت قدمي رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه‪ .‬ثم توعدكم الرب تعالى بأنه ليس بغافل عما تعملون من‬
‫الذنوب والثام‪ ،‬وسيجزيكم به جزاء عادلً إن لم تتوبوا إليه وتنيبوا‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬صدق نبوة الرسول محمد صلى ال عليه وسلم وتقريرها أمام اليهود‪ ،‬إذ يخبرهم بأمور جرت‬
‫لسلفهم لم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في هذه الية شاهد لمالك في أن الجريح إذا أخبر عن جرحه‪ .‬ومات آن إخباره يعد لوثا‬
‫وتجري في الحادث القسامة‪ ،‬وخالفه الجمهور وقالوا‪ :‬إخبار القتيل ل يكفي في وجود اللوث‬
‫المقتضي للقسامة‪ ،‬ولرأي مالك شاهد من السنة‪ ،‬وهي الجارية التي رض رأسها كما في البخاري‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/71‬‬

‫يكن يعلمها‪ ،‬غيرهم وذلك إقامة الحجة عليهم‪.‬‬


‫‪ -2‬الكشف عن نفسيات اليهود وإنهم يتوارثون الرعونات والمكر والخداع‪.‬‬
‫‪ -3‬اليهود من أقسى البشر قلوبا إلى اليوم‪ ،‬إذ كل عام يرمون البشرية بقاصمة الظهر وهم‬
‫ضاحكون‪.‬‬
‫‪ -4‬من علمات الشقاء‪ :‬قساوة القلوب‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬من ل يرحم ل يرحم" ‪.1‬‬
‫عقَلُوهُ‪3‬‬
‫س َمعُونَ كَلمَ اللّهِ ُثمّ ُيحَ ّرفُونَهُ مِنْ َبعْدِ مَا َ‬
‫ط َمعُونَ‪ 2‬أَنْ ُي ْؤمِنُوا َلكُمْ َوقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِ ْنهُمْ يَ ْ‬
‫{َأفَ َت ْ‬
‫حدّثُو َنهُمْ ِبمَا‬
‫ضهُمْ إِلَى َب ْعضٍ قَالُوا أَتُ َ‬
‫وَهُمْ َيعَْلمُونَ(‪ )75‬وَإِذَا َلقُوا الّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنّا وَإِذَا خَل َب ْع ُ‬
‫فَتَحَ اللّهُ عَلَ ْيكُمْ لِ ُيحَاجّوكُمْ ِبهِ عِنْدَ رَ ّب ُكمْ َأفَل َت ْعقِلُونَ(‪َ )76‬أوَل َيعَْلمُونَ أَنّ اللّهَ َيعْلَمُ مَا ُيسِرّونَ َومَا‬
‫ي وَإِنْ هُمْ إِل َيظُنّونَ(‪})78‬‬
‫ُيعْلِنُونَ(‪َ )77‬ومِ ْنهُمْ ُأمّيّونَ ل َيعَْلمُونَ ا ْلكِتَابَ إِل َأمَا ِن ّ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ط َمعُونَ} ‪ :‬الهمزة للنكار الستبعادي‪ ،‬والطمع‪ :‬تعلق النفس بالشيء رغبة فيه‪.‬‬
‫{َأفَ َت ْ‬
‫{ ُي ْؤمِنُوا َلكُمْ} ‪ :‬يتابعونكم على دينكم (السلم)‪.‬‬
‫{كَلمَ اللّهِ‪ : }4‬في كتبه؛ كالتوراة والنجيل والقرآن‪.‬‬
‫{ ُيحَ ّرفُونَهُ ‪ : }5‬التحريف‪ :‬الميل بالكلم على وجه ل يدل على معناه كما قالوا في نعت‬
‫__________‬
‫‪ 1‬متفق عليه‪.‬‬
‫‪ 2‬الطمع والرجاء‪ ،‬وهو ترقب شيء محبوب وضدها اليأس‪.‬‬
‫‪ 3‬أي‪ :‬فهموه فهما جليا واضحا ومع هذا يجافونه على بصيرة‪.‬‬
‫‪ 4‬ويدخل في الجملة‪ :‬الذين سمعوا كلم ال مع موسى عليه السلم في جبل الطور وهم السبعون‬
‫الذين اختارهم موسى وخرج بهم إلى الطور طلبا لتوبتهم‪.‬‬
‫‪ 5‬التحريف‪ :‬مصدر حرف الشيء إذا مال به إلى الحرف الذي هو الطرف والبعد عن وسط‬
‫الجادة‪.‬‬

‫( ‪)1/72‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم في التوراة‪ :‬أكحل العينين ربعة‪ ،‬جعد الشعر‪ ،‬حسن الوجه‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫طويل أزرق العينين‪ ،‬سبط الشعر‪.‬‬
‫{وَإِذَا َلقُوا الّذِينَ آمَنُوا}‪ :‬إذا لقي منافقوا اليهود المؤمنين قالوا‪ :‬آمنا بنبيكم ودينكم‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{أَ ُتحَدّثُو َنهُمْ} ‪ :‬الهمزة‪ :‬للستفهام النكاري‪ ،‬وتحديثهم إخبار المؤمنين بنعوت النبي في التوراة‪.‬‬
‫{ ِبمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَ ْيكُمْ} ‪ :‬إذا خل منافقوا اليهود برؤسائهم أنكروا عليهم إخبارهم المؤمنين بنعوت‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم في التوراة‪ ،‬وهو مما فتح ‪ 1‬ال به عليهم ولم يعلمه غيرهم‪.‬‬
‫{لِ ُيحَاجّوكُمْ ِبهِ} ‪ :‬يقولون لهم ل تخبروا المؤمنين بما خصكم ال به من العلم حتى ل يحتجوا عليكم‬
‫به‪ ،‬فيغلبوكم وتقوم الحجة عليكم فيعذبكم ال ‪.2‬‬
‫{ُأمّيّونَ} ‪ :‬المي‪ :‬المنسوب إلى أمة كأنه ما زال في حجر أمه لم يفارقه‪ ،‬فلذا هو لم يتعلم الكتابة‬
‫والقراءة ‪.3‬‬
‫{َأمَا ِنيّ} ‪ :‬الماني‪ :‬جمع أمنية وهي إما ما يتمناه المرء في نفسه من شيء يريد الحصول عليه‪،‬‬
‫وإما القراءة من تمنى الكتاب إذا قرأه ‪.4‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ينكر تعالى على المؤمنين طمعهم في إيمان اليهود لهم بنبيهم ودينهم‪ ،‬ويذكر وجه استبعاده بما‬
‫عرف به اليهود سلفا وخلفا من الغش والحتيال بتحريف الكلم وتبديله‪ ،‬تعمية وتضليلً حتى ل‬
‫يُهتدى إلى وجه الحق فيه‪ ،‬ومن كان هذا حاله يبعد جدا تخلصه من النفاق والكذب وكتمان الحق‬
‫{وَإِذَا َلقُوا الّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنّا} وهم كاذبون وإذا خل بعضهم ببعض أنكروا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬من الجائز أن يكون معنى بما فتح ال به عليهم‪ ،‬أي‪ :‬قضى وحكم من إنزال المصائب بهم‬
‫والكوارث باسلفهم وهي كثيرة؛ لن فتح تكون بمعنى حكم ومنه قوله تعالى‪{ :‬رَبّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا‬
‫وَبَيْنَ َقوْمِنَا بِا ْلحَق} أي‪ :‬أحكم‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا الكلم جارٍ على عقيدة اليهود في تشبيههم الرب تعالى بحكام البشر في رواج الحيل عليه‪،‬‬
‫وإمكان مغالطته وإنه تعالى يوجد الشيء ثم يندم ويأسف كما هو صريح في التوراة فلذا أنكروا‬
‫على بعضهم إخبار المؤمنين بصدق النبوة المحمدية مخافة أن يحتجوا عليهم يوم القيامة بذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬وجائز أن يكون منسوبا إلى المة فيكون بمعنى العامي المنسوب إلى العامة‪.‬‬
‫‪ 4‬وشاهده قول الشاعر في عثمان رضي ال عنه‪:‬‬
‫تمنى كتاب ال أول ليلة ‪ ...‬وآخره لقى حمام المقادر‬
‫أي‪ :‬قرأ القرآن في أول الليل الذي قتل فيه رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)1/73‬‬

‫على أنفسهم ما فاه به بعضهم للمسلمين من صدق نبوة الرسول وصحة دينه‪ ،‬متعللين بأن مثل هذا‬
‫العتراف يؤدي إلى احتجاج المسلمين به عليهم وغلبهم في الحجة‪ ،‬وسبحان ال كيف فسد ذوق‬
‫القوم وساء فهمهم حتى ظنوا أن ما يخفونه يمكن إخفاؤه على ال‪ ،‬قال تعالى في التنديد بهذا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن َومَا ُيعْلِنُونَ} ؟‪.‬‬
‫الموقف الشائن‪َ{ :‬أوَ ل َيعَْلمُونَ أَنّ اللّهَ َيعَْلمُ مَا يُسِرّو َ‬
‫ومن جهل بعضهم بما في التوراة وعدم العلم بما فيها من الحق والهدى والنور ما دل عليه قوله‬
‫تعالى‪َ { :‬ومِ ْنهُمْ ُأمّيّونَ ل َيعَْلمُونَ ا ْلكِتَابَ إِل َأمَا ِنيّ} إل مجرد قراءة فقط‪ ،‬أما إدراك المعاني‬
‫الموجبة لمعرفة الحق واليمان به واتباعه فليس لهم فيها نصيب‪ ،‬وما يقولونه ويتفوهون به لم َي ْعدُ‬
‫الحرص والظن الكاذب‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬أن أبعد الناس عن قبول الحق والذعان له اليهود‪.‬‬
‫‪ -2‬قبح إنكار الحق بعد معرفته‪.‬‬
‫‪ -3‬قبح الجهل بال وبصفاته العل وأسمائه الحسنى‪.‬‬
‫‪ -4‬ما كل من يقرأ الكتاب يفهم معانيه فضلً عن معرفة حكمه وأسراره وواقع أكثر المسلمين‬
‫اليوم شاهد على هذا فإن حفظة القرآن منهم من ل يعرفون معانيه فضلً عن غير الحافظين له‪.‬‬
‫{ َفوَ ْيلٌ‪ 1‬لِلّذِينَ َيكْتُبُونَ ا ْلكِتَابَ بِأَ ْيدِيهِمْ‪ُ 2‬ثمّ َيقُولُونَ َهذَا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِ َيشْتَرُوا بِهِ َثمَنا قَلِيلً َفوَ ْيلٌ َلهُمْ‬
‫ِممّا كَتَ َبتْ أَ ْيدِيهِ ْم َووَ ْيلٌ َل ُهمْ ِممّا َيكْسِبُونَ(‪َ )79‬وقَالُوا لَنْ َتمَسّنَا النّارُ إِل أَيّاما َمعْدُو َدةً ُقلْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في قوله تعالى‪َ { :‬فوَ ْيلٌ َلهُمْ} إلخ‪ .‬بيان سبب عذابهم وهو كذبهم على ال بكتابة شيء‪ ،‬ونسبته‬
‫إلى ال تعالى كما هو أكلهم الحرام الذي كسبوه بالكتابة الباطلة‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله‪ :‬بأيديهم‪ .‬هو نحو نظرته بعيني‪ ،‬وقلته بلساني‪ ،‬تأكيد ل غير‪.‬‬

‫( ‪)1/74‬‬

‫سبَ‬
‫علَى اللّهِ مَا ل َتعَْلمُونَ(‪ )80‬بَلَى مَنْ كَ َ‬
‫ع ْه َدهُ أَمْ َتقُولُونَ َ‬
‫عهْدا فَلَنْ ُيخِْلفَ اللّهُ َ‬
‫خذْتُمْ عِ ْندَ اللّهِ َ‬
‫أَتّ َ‬
‫خطِيئَتُهُ فَأُولَ ِئكَ َأصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(‪})81‬‬
‫طتْ بِهِ َ‬
‫سَيّئَةً وَأَحَا َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ويل ‪ :‬الويل ‪ :1‬كلمة تقال لمن وقع في هلكة أو عذاب‪.‬‬
‫{ا ْلكِتَابَ} ‪ :‬ما يكتبه علماء اليهود من أباطيل وينسبونه إلى ال تعالى ليتوصلوا به إلى أغراض‬
‫دنية من متاع الدنيا القليل‪.‬‬
‫{مِنْ عِ ْندِ اللّهِ} ‪ :‬ينسبون ما كتبوه بأيديهم إلى التوراة بوصفها ‪ 2‬كتاب ال ووحيه إلى موسى عليه‬
‫السلم‪.‬‬
‫{ َيكْسِبُونَ} ‪ :‬الكسب يكون في الخير‪ ،‬وهو هنا في الشر فيكون من باب التهكم بهم‪.‬‬
‫{أَيّاما َمعْدُو َدةً} ‪ :‬أربعين ‪ 3‬يوما وهذا من كذبهم وتضليلهم للعوام منهم ليصرفوهم عن السلم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عهْدا} ‪ :‬الهمزة للستفهام النكاري‪ ،‬والعهد‪ :‬الوعد المؤكد‪.‬‬
‫{أَتّخَذْ ُتمْ عِنْدَ اللّهِ َ‬
‫{سَيّ َئةً} ‪ :‬هذه سيئة الكفر والكذب على ال تعالى‪.‬‬
‫طتْ ‪ِ 4‬بهِ} ‪ :‬الحاطة بالشيء‪ :‬اللتفاف به والدوران عليه‪.‬‬
‫{وَأَحَا َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الويل‪ :‬مصدر أمات‪ ،‬العرب فعله‪ ،‬ومؤنثه‪ :‬الويلة‪ ،‬والجمع‪ :‬الويلت‪ ،‬وإعرابه‪ :‬إن أفرد ولم‬
‫يضف الرفع بالبتداء وخبره المجرور بحرف الجر‪ ،‬وإن أضيف إلى ضمير نصب نحو‪ :‬ويلك ل‬
‫تفعل كذا‪ ،‬وإن أضيف إلى ظاهر رفع البتداء‪ ،‬نحو‪ :‬ويل أمه‪ .‬مسعر حرب الحديث‪.‬‬
‫‪ 2‬من المعلوم إن التوراة قد أخذت من اليهود في حملة بختنصر‪ ،‬وفي حملة القائد الروماني‪ ،‬ولذا‬
‫ضاع أكثرها وزيد فيها ونقص بحيث ما أصبحت صالحة لهداية البشرية‪ ،‬ومن هنا أصبح‬
‫علماؤهم يكتبون الكلمات وينسبونها إلى التوراة التي هي كتاب ال في الصل‪ ،‬ويزعمون أن ما‬
‫كتبوه هو من كتاب ال‪.‬‬
‫‪ 3‬ذكر ابن كثير في سبب نزول قوله تعالى‪َ { :‬وقَالُوا لَنْ َت َمسّنَا النّارُ إِل أَيّاما} أن عكرمة قال‪:‬‬
‫"خاصمت اليهود رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا‪ :‬لن ندخل النار إل أربعين ليلة‪ ،‬وسيخلفنا‬
‫فيها آخرون‪ ،‬يعنون محمدا وأصحابه‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم بيده على رؤسهم‪" :‬بل‬
‫أنتم خالدون مخلدون ل يخلفنكم فيها أحد" فأنزل ال عز وجل‪َ { :‬وقَالُوا لَنْ َتمَسّنَا النّارُ‪ }...‬الية‪.‬‬
‫‪ 4‬بين هذا رسول ال صلى ال عليه وسلم بقوله‪ :‬في رواية أحمد‪ ،‬فقال‪" :‬إياكم ومحقرات الذنوب‬
‫فإنهن يجتمعن على الرجل" ‪.‬‬

‫( ‪)1/75‬‬

‫{خَطِيئَتُهُ} ‪ :‬الخطيئة‪ :‬واحدة الخطايا وهي الذنوب عامة‪.‬‬


‫الخلود ‪ :‬البقاء الدائم الذي ل تحول معه ول ارتحال‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يتوعد الرب تبارك وتعالى بالعذاب الليم أولئك المضللين من اليهود الذين يحرفون كلم ال‪،‬‬
‫ويكتبون أمورا من الباطل وينسبونها إلى ال تعالى ليتوصلوا بها إلى أغراض دنيوية سافلة‪.‬‬
‫وينكر عليهم تبجحهم الفارغ بأنهم ل يعذبون بالنار مهما كانت ذنوبهم ما داموا على ملة اليهود إل‬
‫أربعين يوما ثم يخرجون‪ ،‬وجائز أن يتم هذا لو كان هناك عهد من ال تعالى قطعه لهم به ولكن‬
‫أين العهد؟ إنما هو الدعاء الكاذب فقط ثم يقرر العليم الحكيم سبحانه وتعالى حكمه في مصير‬
‫النسان بدخول النار أو الجنة ذلك الحكم القائم على العدل والرحمة البعيد عن التأثير بالنساب‬
‫والحساب‪ ،‬فيقول‪{ :‬بلى}‪ ،‬ليس المر كما تدعون‪ ،‬وإنما هي الخطايا والحسنات فمن كسب سيئة‬
‫وأحاطت ‪1‬به خطيئته ‪ 2‬فخبثت نفسه ولوثتها فهذا ل يلئم خبث نفسه إل النار‪ ،‬ومن آمن وعمل‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫صالحا فزكى باليمان والعمل الصالح نفسه وطهرها فإنه ل يلئم طهارة روحه وزكاة نفسه إل‬
‫الجنة دار النعيم‪ .‬أما الحسب والنسب والدعاءات الكاذبة فل تأثير لها البتة‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬التحذير الشديد من الفتاوى الباطلة التي تحرم ما أحل ال أو تحلل ما حرم ليتوصل بها‬
‫صاحبها إلى غرض دنيوي كمال‪ ،‬أو حظوة لدى ذي سلطان‪.‬‬
‫‪ -2‬إبطال النتفاع بالنسب والنتساب‪ ،‬وتقرير أن سعادة النسان؛ كشقائه مردهما في السعادة إلى‬
‫اليمان والعمل الصالح‪ .‬وفي الشقاوة إلى الشرك والمعاصي‪.‬‬
‫‪ -3‬التنبيه على خطر الذنوب صغيرها وكبيرها‪ ،‬وإلى العمل على تكفيرها بالتوبة والعمل الصالح‬
‫قبل أن تحوط بالنفس فتحجبها عن التوبة‪ .‬والعياذ بال‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬دل على هذا على أن المعلق على شرطين ل يتم بأقلهما‪ ،‬وهو في قوله صلى ال عليه وسلم‬
‫للذي قال له‪ :‬قل لي في السلم قولً ل أسأل عنه أحدا بعدك‪ .‬قال‪" :‬قل آمنت بال ثم استقم"‬
‫حديث حسن ذكره النووي في الربعين‪.‬‬
‫‪ 2‬قرأ نافع‪ :‬خطيئاته‪ ،‬بالجمع‪ .‬وقرأ حفص‪ :‬خطيئته بالفراد‪.‬‬

‫( ‪)1/76‬‬

‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولَ ِئكَ َأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ ُهمْ فِيهَا خَاِلدُونَ (‪ )82‬وَإِذْ َأخَذْنَا مِيثَاقَ‬
‫{وَالّذِينَ‪ 1‬آمَنُوا وَ َ‬
‫ن َوقُولُوا‬
‫بَنِي إِسْرائيلَ ل َتعْبُدُونَ‪ 2‬إِل اللّ َه وَبِا ْلوَالِدَيْن ‪ِ ِ 3‬إحْسَانا وَذِي ‪ 4‬ا ْلقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِي ِ‬
‫خذْنَا‬
‫لِلنّاسِ حُسْنا وََأقِيمُوا الصّلةَ وَآتُوا ال ّزكَاةَ ثُمّ َتوَلّيْتُمْ إِل قَلِيلً‪ 5‬مِ ْنكُ ْم وَأَنْتُمْ ُمعْ ِرضُونَ(‪ )83‬وَإِذْ أَ َ‬
‫ش َهدُونَ(‪ُ )84‬ثمّ أَنْتُمْ‪6‬‬
‫س ُكمْ مِنْ دِيَا ِركُمْ ثُمّ َأقْرَرْ ُت ْم وَأَنْتُمْ تَ ْ‬
‫س ِفكُونَ ِدمَا َءكُ ْم وَل تُخْ ِرجُونَ أَ ْنفُ َ‬
‫مِيثَا َقكُمْ ل تَ ْ‬
‫ن وَإِنْ‬
‫سكُ ْم وَ ُتخْرِجُونَ فَرِيقا مِ ْنكُمْ مِنْ دِيَارِ ِهمْ َتظَاهَرُونَ عَلَ ْيهِمْ بِالِثْ ِم وَا ْلعُ ْدوَا ِ‬
‫َهؤُلءِ َتقْتُلُونَ أَ ْنفُ َ‬
‫جهُمْ َأفَ ُت ْؤمِنُونَ بِ َب ْعضِ ا ْلكِتَابِ وَ َت ْكفُرُونَ بِ َب ْعضٍ َفمَا‬
‫يَأْتُوكُمْ أُسَارَى ُتفَادُوهُمْ وَ ُهوَ ُمحَرّمٌ عَلَ ْي ُكمْ إِخْرَا ُ‬
‫جَزَاءُ مَنْ َي ْفعَلُ ذَِلكَ مِ ْن ُكمْ إِل خِ ْزيٌ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ يُ َردّونَ ِإلَى َأشَدّ ا ْل َعذَابِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قوله تعالى‪{ :‬وَالّذِينَ آمَنُوا‪ }...‬إلخ‪ .‬بعد ذكر النار وأهلها من باب ذكر الترغيب بعد الترهيب‬
‫كما في سنة القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله‪{ :‬ل َتعْبُدُونَ‪ }..‬إلخ‪ .‬تفسير لمضمون الميثاق‪ .‬والجملة خبرية لفظا‪ ،‬إنشائية معنى‪ ،‬إذ هي‬
‫في معنى اعبدوا ال وحده‪ ،‬وأحسنوا بالوالدين‪ .‬وقولوا للناس حسنا‪ .‬إلخ‪.‬‬
‫‪ 3‬الوالدان‪ :‬الم‪ ،‬والب‪ .‬يقال‪ :‬للم‪ ،‬والد‪ ،‬ووالدة‪ .‬فلذا ثنى على الوالدين‪ ،‬أو هو من باب‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫التغليب؛ كالعمرين في أبي بكر وعمر رضي ال عنهما‪.‬‬
‫‪ 4‬ذي‪ :‬بمعنى صاحب‪.‬‬
‫‪ 5‬فيه إنصاف واحتراز حيث استثنى من لم يتل عما التزم به من بنود العهد‪ ،‬وإن كان قليلً‪.‬‬
‫‪ 6‬أعرب‪( :‬أنتم) خبر مقدم‪ ،‬وهؤلء مبتدأ مؤخر‪ ،‬وتقتلون‪ :‬حال‪ .‬وأعرب أيضا‪( :‬أنتم) مبتدأ‪،‬‬
‫وهؤلء منادى‪ ،‬والخبر‪ ،‬تقتلون‪ :‬أي‪ :‬ثم أنتم يا هؤلء تقتلون‪ .‬وفيه معنى التعجب من حالهم‬
‫والنكار عليهم‪.‬‬

‫( ‪)1/77‬‬

‫خ ّففُ عَ ْن ُهمُ‬
‫عمّا َت ْعمَلُونَ(‪ )85‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ اشْتَ َروُا ‪ 1‬ا ْلحَيَاةَ الدّنْيَا بِالخِ َرةِ فَل يُ َ‬
‫َومَا اللّهُ ِبغَا ِفلٍ َ‬
‫ب وَل هُمْ يُ ْنصَرُون(‪})86‬‬
‫ا ْلعَذَا ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الميثاق ‪ :‬العهد ‪ 2‬المؤكد باليمين‪.‬‬
‫حسنا ‪ :‬حسن القول‪ :‬المر بالمعروف والنهي عن المنكر والمخاطبة باللين‪ ،‬والكلم الطيب الخالي‬
‫من البذاءة والفحش‪.‬‬
‫توليتم ‪ :‬رجعتم عما التزمتم به مصممين على أن ل تتوبوا‪.‬‬
‫سفك الدماء ‪ : 3‬إراقتها وصبها بالقتل والجراحات‪.‬‬
‫تظاهرون ‪ :‬قرئ تظّاهرون‪ ،‬وتظاهرون بتاء واحدة ومعناه تتعاونون‪.‬‬
‫بالثم والعدوان ‪ :‬الثم‪ :‬الضار الموجب للعقوبة‪ ،‬والعدوان الظلم‪.‬‬
‫أسارى ‪ :‬جمع أسير‪ :‬من أخذ في الحرب‪.‬‬
‫الخزي ‪ :‬الذل والمهانة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في تذكير اليهود ‪ 4‬بما كان لسلفهم من خير وغيره والمراد هدايتهم لو‬
‫كانوا يهتدون‪ ،‬فقد ذكرهم في الية(‪ )83‬بما أخذ ال تعالى عليهم في التوراة من عهود ومواثيق‬
‫على أن يعبدوا ال وحده ول يشركوا في عبادته سواه‪ .‬وأن يحسنوا للوالدين ولذي‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬باعوا آخرتهم بدنياهم فخسروا خسرانا عظيما بحقارة الدنيا‪ ،‬وعظم الخرة‪ ،‬والشتراء في‬
‫الية بمعنى‪ :‬الستبدال‪ ،‬استبدلوا الخرة فلم يعملوا لها بالدنيا حيث قصروا أعمالهم على‬
‫تحصيلها‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا الميثاق تضمنه الوصايا العشر المنزلة على موسى عليه السلم‪ ،‬أو على القل بعضه‬
‫والبعض الخر تضمنه ما أخذ عليهم عند رفع الطور عليهم لما رفضوا اللتزام بما في التوراة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سكُمْ} ليس معناه أن أحدهم يقتل‬
‫س ِفكُونَ ِدمَا َء ُكمْ} ‪ ،‬وقوله‪َ { :‬تقْتُلُونَ أَ ْنفُ َ‬
‫‪ 3‬قوله تعالى في الية‪َ { :‬ت ْ‬
‫نفسه ويسفك‪ :‬أي يسيل دمه‪ ،‬وإنما ل يسفك بعضكم دم بعض‪ ،‬ول يقتل بعضكم بعضا؛ لنكم أمة‬
‫واحدة‪.‬‬
‫‪ 4‬هم يهود المدينة‪ ،‬وهم ثلث طوائف‪ :‬بنو قينقاع‪ ،‬وبنو النضير‪ ،‬وقريظة‪.‬‬

‫( ‪)1/78‬‬

‫القربى واليتامى والمساكين وأن يقولوا للناس الحسن من القول ويقيموا الصلة ويؤتوا الزكاة‪،‬‬
‫وندد بصنيعهم حيث نقض هذا العهد والميثاق أكثرهم ولم يفوا به وفي الية الثانية(‪ )84‬ذكرهم‬
‫بميثاق خاص أخذه عليهم في التوراة أيضا وهو السرائيلي ل يقتل السرائيلي ول يخرجه من‬
‫داره بغيا وعدوانا عليه‪ ،‬وإذا وقع في السر وجب فكاكه بكل وسيلة ول يجوز تركه أسيرا بحال‪،‬‬
‫أخذ عليهم بهذا ميثاقا غليظا وأقروا به وشهدوا عليه وفي الية الثالثة(‪ )85‬وبخهم على عدم‬
‫وفائهم بما التزموا به حيث صار اليهودي يقتل ‪ 1‬اليهودي ويخرجه من داره بغيا وعدوانا عليه‪.‬‬
‫وفي نفس الوقت إن أتاهم يهودي أسيرا‪ 2‬فَدوه بالغالي والرخيص‪ ،‬فندد ال تعالى بصنيعهم هذا‬
‫الذي هو إهمال واجب وقيام بآخر تبعا لهوائهم فكانوا كمن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض‪،‬‬
‫ومن هنا توعدهم بخزي الدنيا وعذاب الخرة‪ .‬وفي الية الرابعة(‪ )86‬أخبر أنهم بصنيعهم ذلك‬
‫اشتروا الحياة الدنيا بالخرة فكان جزاؤهم عذاب الخرة حيث ل يخفف عنهم ول ينصرون فيه‬
‫بدفعه عنهم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬مشروعية تذكير الناس ووعظهم بما يكون سببا لهدايتهم‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب عبادة ال وتوحيده فيها‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب الحسان إلى الوالدين ولذوي القربى واليتامى ‪ 3‬والمساكين‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب معاملة الناس بحسن ‪ 4‬الدب‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬حصل لهم هذا بالمدينة النبوية وذلك أن سكان المدينة كانوا يتألفون من قبيلتين‪ :‬الوس‪،‬‬
‫والخزرج‪ ،‬وقبائل اليهود الثلث‪ ،‬وكانت تندلع الحروب بينهم لتفه السباب‪ ،‬وكانوا بنو قينقاع‬
‫وبنو النضير حلفا للخزرج‪ ،‬وبنو قريظة حلفا للوس‪ ،‬فإذا اندلعت الحرب بين الوس والخزرج‬
‫قاتل اليهود مع حلفاؤهم‪ ،‬وبذلك يقتل اليهودي أخاه ويسفك دمه وإذا انتهت الحرب فادوا أسراهم‬
‫طاعة ل تعالى إذا أوجب ذلك عليهم‪.‬‬
‫‪ 2‬السر‪ :‬مأخوذ من السار وهو‪ :‬القد الذي يشد به المحمل فيسمى أخيذ الحرب‪ :‬أسيرا‪ ،‬لنه يشد‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وثاقه‪ ،‬وجمع‪ :‬أسرى‪ ،‬وأسارى؛ كسكرى‪ ،‬وسكارى‪ ،‬ثم سمي كل أخيه في الحرب‪ :‬أسيرا‪.‬‬
‫‪ 3‬روى مسلم عن أبي هريرة رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬كافل التيم له أو‬
‫لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة" وأشار الراوي بالسبابة والوسطى‪ .‬أي‪ :‬من أصابعه كما روي‬
‫أيضا عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬الساعي على الرملة والمسكين‬
‫كالمجاهد في سبيل ال" ‪.‬‬
‫‪ 4‬بأن يكون اللفظ طيبا والوجه منبسطًا‪.‬‬

‫( ‪)1/79‬‬

‫‪ -5‬تعرض أمة السلم لخزي الدنيا وعذاب الخرة بتطبيقها بعض أحكام الشريعة وإهمالها‬
‫البعض الخر‪.‬‬
‫‪ -6‬كفر من يتخير أحكام الشرع فيعمل ما يوافق مصالحه وهواه‪ ،‬ويعمل ما ل يوافق‪.‬‬
‫‪ -7‬كفر من ل يقيم دين ال إعراضا عنه ودعم مبالة به‪.‬‬
‫ت وَأَيّدْنَاهُ بِرُوحِ‬
‫ل وَآتَيْنَا عِيسَى ‪ 1‬ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيّنَا ِ‬
‫سِ‬‫ب َو َقفّيْنَا مِنْ َبعْ ِدهِ بِالرّ ُ‬
‫{وََلقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَا َ‬
‫س ُكمُ اسْ َتكْبَرْتُمْ فَفَرِيقا كَذّبْتُ ْم َوفَرِيقا َتقْتُلُونَ(‪)87‬‬
‫ا ْلقُدُسِ َأ َفكُّلمَا ‪ 2‬جَا َءكُمْ رَسُولٌ ِبمَا ل َت ْهوَى ‪ 3‬أَ ْنفُ ُ‬
‫َوقَالُوا قُلُوبُنَا غُ ْلفٌ َبلْ َلعَ َنهُمُ اللّهُ ِب ُكفْرِهِمْ َفقَلِيلً مَا ُي ْؤمِنُونَ(‪ )88‬وََلمّا جَا َءهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ‬
‫ُمصَدّقٌ ِلمَا َم َعهُمْ َوكَانُوا مِنْ قَ ْبلُ يَسْ َتفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ َكفَرُوا فََلمّا جَاءَهُمْ مَا عَ َرفُوا َكفَرُوا ِبهِ فََلعْنَةُ‬
‫سهُمْ أَنْ َي ْكفُرُوا ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ َبغْيا أَنْ يُنَ ّزلَ اللّهُ مِنْ‬
‫سمَا اشْتَ َروْا بِهِ أَ ْنفُ َ‬
‫علَى ا ْلكَافِرِينَ(‪ )89‬بِ ْئ َ‬
‫اللّهِ َ‬
‫ب وَلِ ْلكَافِرِينَ عَذَابٌ ُمهِينٌ(‪})90‬‬
‫غضَ ٍ‬
‫ضبٍ عَلَى َ‬
‫َفضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَا ِدهِ فَبَاءُوا ِب َغ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬عيسى‪ :‬معرب يسوع‪ ،‬أو يشوع؛ لن عيسى أخف منهما‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله تعالى‪َ{ :‬أ َفكُّلمَا جَا َء ُكمْ} ‪ .‬إلخ‪ .‬إيحاء باللوم والعتاب بل هو تقريع وتوبيخ لليهود على‬
‫تمردهم على رسلهم بتكذيب البعض وقتل البعض اتباعا لهوائهم وأغراضهم الدنية‪.‬‬
‫‪ 3‬تهوى‪ :‬مضارع هوى بكسر الواو‪ ،‬إذا أحب‪ ،‬ومنه حديث البخاري‪ :‬وال ما أرى ربك إل‬
‫يسارع في هواك أي حبك والقائلة عائشة رضي ال عنه‪ .‬ويجمع الهوى على أهواء‪.‬‬

‫( ‪)1/80‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{مُوسَى} ‪ :‬موسى بن عمران نبي مرسل إلى بني إسرائيل‪.‬‬
‫{ا ْلكِتَابَ} ‪ :‬التوراة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ َو َقفّيْنَا} ‪ :‬أرسلناهم ي ْقفُو بعضهم بعضا أي واحدا بعد واحد‪.‬‬
‫سلِ} ‪ :‬جمع رسول‪ :‬ذكر من بني آدم أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه‪.‬‬
‫{بِالرّ ُ‬
‫{الْبَيّنَاتِ} ‪ :‬المعجزات وآيات ال في النجيل‪.‬‬
‫{بِرُوحِ‪ 1‬ا ْلقُدُسِ} ‪ :‬جبريل عليه السلم‪.‬‬
‫{غُ ْلفٌ} ‪ :‬عليها غلف يمنعها من الفهم لما تدعونا إليه‪ ،‬أو هي أوعية للعلم فل نحتاج معها إلى أن‬
‫نتعلم عنك‪.‬‬
‫{كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ} ‪ :‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫{يَسْ َتفْتِحُونَ ‪ : }2‬يطلبون الفتح أي النصر‪.‬‬
‫سمَا} ‪ :‬بئس كلمة ذم‪ ،‬ضدها نِعمَ فإنها للمدح‪.‬‬
‫{بِئْ َ‬
‫{بغيا‪ : }3‬حسدا وظلما‪.‬‬
‫ضبٍ ‪ : }4‬رجعوا والغضب ضد الرضا‪ ،‬ومن غضب ال عليه أبعده ومن رضي ال‬
‫{فَبَاءُوا ِب َغ َ‬
‫عنه قربه وأدناه‪.‬‬
‫{ ُمهِينٌ} ‪ :‬عذاب فيه إهانة وصغار وذل للمعذب به‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في ذكر إنعام ال تعالى على بني إسرائيل‪ ،‬وذكر معايبهم وبيان مثالبهم‪،‬‬
‫لعل ذكر النعام يحملهم على الشكر فيؤمنوا‪ ،‬وذكر المعايب يحملهم على الصلح والتوبة فيتوبوا‬
‫ويصلحوا‪ ،‬ففي الية (‪ )87‬يذكر تعالى منته بإعطاء موسى التوراة وإرسال‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الروح‪ :‬جوهر نوراني لطيف ل يدرك بالحواس فيطلق على نفس النسان دون أنفس‬
‫الحيوانات‪ ،‬ويطلق على جبريل عليه السلم وعلى ملك عظيم من الملئكة‪ ،‬والقدس مصدر أو اسم‬
‫مصدر بمعنى‪ :‬النزاهة‪ ،‬والطهارة‪ ،‬والمقدس‪ :‬معناه المطهر المنزه عما ل يليق به‪.‬‬
‫‪ 2‬وذلك بإيمانهم واتباعهم للنبي المنتظر‪ .‬أل إنهم لما جاءهم كفروا به‪ ،‬وهذه طبيعتهم كما قيل‪:‬‬
‫شنشنه أعرفها من أخزم‪.‬‬
‫‪ 3‬مفعول لجله علة لكفرهم‪.‬‬
‫‪ 4‬هل تعدد الغضب لتعدد كفرهم بما أمروا باليمان به‪ ،‬إذ كفروا بعيسى فباؤا بغضب وكفروا‬
‫بمحمد صلى ال عليه وسلم فباؤا بغضب آخر‪ ،‬أو هو شدة الحال عليهم لكثرة كفرهم وفسقهم؟‪.‬‬

‫( ‪)1/81‬‬

‫الرسل بعده بعضهم على أثر بعض‪ ،‬وبإعطاء عيسى البينات وتأييده بروح القدس جبريل عليه‬
‫السلم ومع هذا فإنهم لم يستقيموا بل كانوا يقتلون النبياء ويكذبونهم‪ ،‬فوبخهم ال تعالى على ذلك‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سكُمُ اسْ َتكْبَرْتُمْ َففَرِيقا كَذّبْتُمْ َوفَرِيقا َتقْتُلُونَ} ‪ .‬وفي‬
‫بقوله‪َ { :‬أ َفكُّلمَا جَا َءكُمْ‪َ 1‬رسُولٌ ِبمَا ل َت ْهوَى أَ ْنفُ ُ‬
‫الية الثانية(‪ )88‬يذكر تعالى تبجحهم بالعلم واستغناءهم به‪ ،‬ويبطل دعواهم وثبت علة ذلك وهي‪:‬‬
‫أن ال لعنهم بكفرهم‪ ،‬فلذا هم ل يؤمنون‪ ،‬وفي الية الثالثة(‪ )89‬يذكر تعالى كفرهم بالقرآن ونبيه‬
‫بعد أن كانوا قبل بعثة النبي صلى ال عليه وسلم يقولون للعرب إن نبيا قد أظل زمانه وسوف‬
‫نؤمن به ونقاتلكم معه وننتصر ‪ 2‬عليكم‪ ،‬فما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة ال ‪ 3‬عليهم؛ لنهم‬
‫كافرون‪ .‬وفي الية الرابعة(‪ )89‬يقبح ال تعالى سلوكهم حيث باعوا أنفسهم رخيصة‪ ،‬باعوها‬
‫بالكفر فلم يؤمنوا بالقرآن ونبيه حسدا ‪ 4‬أن يكون في العرب نبي يوحى إليه‪ ،‬ورسول يطاع ويتبع‪،‬‬
‫فرجعوا من طول رحلتهم في الضلل بغضب عظيم سببه كفرهم بعيسى‪ ،‬وبغضب عظيم سببه‬
‫كفرهم بمحمد صلى ال عليه وسلم ومع الغضب العذاب المهين في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬واجب النعمة الشكر‪ ،‬وواجب الذنب التوبة‪.‬‬
‫‪ -2‬قبح رد الحق لعدم موافقته لهوى النفس‬
‫‪ -3‬فظاعة جريمة القتل والتكذيب بالحق‪.‬‬
‫‪ -4‬سوء عاقبة التبجح بالعلم وإدعاء عدم الحاجة إلى المزيد منه‪.‬‬
‫‪ -5‬ذم الحسد وأنه أخو البغي وعاقبتهما الحرمان والخراب‪.‬‬
‫‪ -6‬شر ما يخاف منه سوء الخاتمة والعياذ بال‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الجمهور من النحاة‪ :‬على أن همزة الستفهام في‪َ{ :‬أ َفكُّلمَا جَا َءكُمْ} ونحوها مقدمة من تأخير إذ‬
‫موقعها بعد الفاء العاطفة‪ ،‬ولما كان حرف الستفهام وخاصة الهمزة له الصدارة‪ ،‬قدمت الهمزة‬
‫على الفاء العاطفة فقال‪َ{ :‬أ َفكُّلمَا} وخلف الجمهور يرى أن الهمزة داخلة على محذوف يقدر‬
‫بحسب المقام‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا معنى قوله تعالى‪َ { :‬وكَانُوا مِنْ قَ ْبلُ يَسْ َتفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ َكفَرُوا فََلمّا جَاءَ ُهمْ مَا عَ َرفُوا كَفَرُوا‬
‫بِه} ‪.‬‬
‫‪ 3‬لم يقل ال تعالى‪ :‬فلعنة ال عليهم‪ ،‬وإنما قال‪{ :‬فلعنة ال على الكافرين} إشارة إلى سبب اللعنة‪،‬‬
‫وهو الكفر ل الجنس‪ ،‬أو العرق‪ ،‬وليعم كل كافر أيضا‪.‬‬
‫‪ 4‬سمي الحسد‪ :‬بغيا وظلما؛ لن البغي والظلم بمعنى‪ ،‬والظلم وضع الشيء في غير موضعه‪،‬‬
‫والحاسد متمني زوال النعمة عن المحسود وهو في هذا الحال ظالم متعد؛ لنه ل يناله من زوالها‬
‫نفع ول من بقاءها ضرر‪.‬‬

‫( ‪)1/82‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حقّ‬
‫{وَإِذَا قِيلَ َل ُهمْ آمِنُوا ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ قَالُوا ُن ْؤمِنُ ِبمَا أُنْ ِزلَ عَلَيْنَا وَ َي ْكفُرُونَ ِبمَا وَرَا َءهُ‪ 1‬وَ ُهوَ الْ َ‬
‫ُمصَدّقا‪ِ 2‬لمَا َم َعهُمْ ُقلْ فَِلمَ َتقْتُلُونَ‪ 3‬أَنْبِيَاءَ اللّهِ مِنْ قَ ْبلُ إِنْ كُنْتُمْ ُمؤْمِنِينَ(‪ )91‬وََلقَدْ جَا َء ُكمْ مُوسَى‬
‫جلَ مِنْ َبعْ ِد ِه وَأَنْ ُتمْ ظَاِلمُونَ(‪ )92‬وَإِذْ َأخَذْنَا مِيثَا َقكُ ْم وَ َر َفعْنَا َف ْو َقكُمُ الطّورَ خُذُوا‬
‫بِالْبَيّنَاتِ ثُمّ اتّخَذْ ُتمُ ا ْلعِ ْ‬
‫سمَا‬
‫جلَ ِب ُكفْرِهِمْ ُقلْ بِئْ َ‬
‫عصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُو ِبهِمُ ا ْلعِ ْ‬
‫س ِمعْنَا وَ َ‬
‫س َمعُوا ‪ 5‬قَالُوا َ‬
‫مَا آتَيْنَاكُمْ‪ِ 4‬ب ُقوّ ٍة وَا ْ‬
‫يَ ْأمُ ُركُمْ بِهِ إِيمَا ُنكُمْ إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ(‪})93‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ} ‪ :‬من القرآن‪.‬‬
‫{ ِبمَا أُنْ ِزلَ عَلَيْنَا} ‪ :‬التوراة‪.‬‬
‫{وَ ُهوَ ا ْلحَقّ ُمصَدّقا} ‪ :‬القرآن الكريم مقرر لصول الديان اللهية؛ كالتوحيد والنبوات والبعث‬
‫والجزاء في الدار الخرة‪.‬‬
‫البينات ‪ :‬المعجزات‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬بما سواه وهو القرآن الكريم دل عليه السياق‪.‬‬
‫صدّقا} حال مؤكدة‪ ،‬ويصح أن تكون حال مؤسسة‪.‬‬
‫حقّ} حالية‪ُ { : ،‬م َ‬
‫‪ 2‬جملة‪َ { :‬و ُهوَ الْ َ‬
‫‪ 3‬التيان بالمضارع في‪َ { :‬تقْتُلُونَ} مع أن القتل قد مضى لقصد استحضار الحالة الفظيعة كما في‬
‫إشارة إلى استعدادهم لفعل تلك الفعلة الشنيعة وهي قتل النبياء والعلماء‪.‬‬
‫‪ 4‬فإن قيل لقد سبق مثل هذا القصص‪ ،‬فما الفائدة من إعادته هنا؟ الجواب‪ :‬إنه ذكر فيه ما لم‬
‫س َمعُوا‪ .}...‬إلخ‪.‬‬
‫يذكر هناك‪ ،‬وهو قوله‪{ :‬وَا ْ‬
‫س َمعُوا‪ }...‬ليس المراد بالسماع بالحاسة‪ ،‬وإنما المراد الطاعة والمتثال؛ كقول المرء‪:‬‬
‫‪ 5‬قوله‪{ :‬وَا ْ‬
‫عصَيْنَا} ليس معناه‬
‫فلن ل يسمع كلمي‪ ،‬فإن معناه ل يمتثل أمري ول يطيعني كما أن قوله‪{ :‬وَ َ‬
‫بلفظ عصينا وإنما معناه إنهم لم يمتثلوا المر الصادر إليهم‪.‬‬

‫( ‪)1/83‬‬

‫جلَ} ‪ :‬يريد إلها عبدتموه في غيبة موسى عليه السلم‪.‬‬


‫{اتّخَذْ ُتمُ ا ْلعِ ْ‬
‫جلَ} ‪ :‬أي حب العجل الذي عبدوه بدعوة السامري لهم بذلك‪.‬‬
‫{وَأُشْرِبُوا فِي قُلُو ِبهِمُ ا ْلعِ ْ‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في بني إسرائيل وتقريعهم على سوء أفعالهم‪ ،‬ففي الية الولى(‪ )91‬يخبر‬
‫تعالى أن اليهود إذا دعوا إلى اليمان بالقرآن يدّعون أنهم في غير حاجة إلى إيمان جديد بحجة‬
‫أنهم مؤمنون من قبل بما أنزل ال تعالى في التوراة وبهذا يكفرون بغير التوراة وهو القرآن‪ ،‬مع‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أن القرآن حق‪ ،‬والدليل أنه مصدق لما معهم من حق في التوراة‪ ،‬ثم أمر ال رسوله أن يبطل‬
‫دعواهم موبخا إياهم بقوله‪ { :‬فَلِمَ َتقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللّهِ مِنْ قَ ْبلُ إِنْ كُنْ ُتمْ ُم ْؤمِنِينَ} إذ قتل النبياء يتنافى‬
‫مع اليمان تمام المنافاة‪.‬‬
‫وفي الية الثالثة(‪ )93‬يذكر تعالى اليهود بما أخذه على أسلفهم من عهد وميثاق بالعمل بما جاء‬
‫في التوراة عندما رفع الطور فوق رؤوسهم تهديدا لهم غير أنهم لم يفوا بما عاهدوا عليه‪ ،‬كأنهم‬
‫قالوا سمعنا وعصينا‪ ،‬فعبدوا العجل وأشربوا حبه في قلوبهم بسبب كفرهم ثم أمر رسوله صلى ال‬
‫عليه وسلم أن يقبح ما ادعوه من أن إيمانهم هو الذي أمرهم بقتل النبياء وعبادة العجل‪ ،‬والتمرد‬
‫والعصيان‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬مشروعية توبيخ أهل الجرائم على جرائمهم إذا أظهروها‪.‬‬
‫‪ -2‬جرأة اليهود على قتل النبياء والمصلحين من الناس‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب أخذ أمور الشرع بالحزم والعزم والقوة‪.‬‬
‫‪ -4‬اليمان بالحق ل يأمر صاحبه إل بالمعروف‪ ،‬واليمان بالباطل المزيف يأمر صاحبه بالمنكر‪.‬‬
‫{ ُقلْ إِنْ كَا َنتْ َلكُمُ‪ 1‬الدّارُ الخِ َرةُ عِنْدَ اللّهِ خَاِلصَةً مِنْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذه الية تحمل الرد على مزاعم أخرى لليهود وهي دعواهم إنهم أولياء ال وإن الجنة لهم دون‬
‫غيرهم‪ ،‬ولذا فهم في غير حاجة إلى دين جديد كالسلم الذي جاء محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫فأمر ال رسوله أن يباهلهم فطلب منهم أن يتمنوا الموت وسألوه فنكلوا ولم يباهلوا وظهر بذلك‬
‫كذبهم وتمت فضيحتهم‪.‬‬

‫( ‪)1/84‬‬

‫دُونِ النّاسِ فَ َتمَ ّنوُا ا ْل َم ْوتَ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ(‪ )94‬وَلَنْ يَ َتمَ ّن ْوهُ أَبَدا ِبمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِيهِ ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ‬
‫حدُهُمْ َلوْ ُي َعمّرُ أَ ْلفَ‬
‫بِالظّاِلمِينَ(‪ )95‬وَلَ َتجِدَ ّنهُمْ َأحْ َرصَ النّاسِ عَلَى حَيَا ٍة َومِنَ الّذِينَ َأشْ َركُوا َيوَدّ أَ َ‬
‫سَنَةٍ َومَا ُهوَ ِبمُ َزحْزِحِهِ مِنَ ا ْلعَذَابِ أَنْ ُي َعمّ َر وَاللّهُ َبصِيرٌ ِبمَا َي ْعمَلُونَ(‪ُ )96‬قلْ مَنْ كَانَ‪ 1‬عَ ُدوّا‬
‫ى وَبُشْرَى لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ(‪ )97‬مَنْ كَانَ‬
‫لِجِبْرِيلَ فَإِنّهُ نَزّلَهُ عَلَى قَلْ ِبكَ بِإِذْنِ اللّهِ ُمصَدّقا ِلمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُد ً‬
‫ع ُدوّ لِ ْلكَافِرِينَ(‪})98‬‬
‫سلِ ِه وَجِبْرِيلَ‪َ 2‬ومِيكَالَ فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫عَ ُدوّا لِلّ ِه َومَلئِكَتِ ِه وَرُ ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{الدّارُ الخِ َرةُ} ‪ :‬المراد منها نعيمها وما أعد ال تعالى فيها لوليائه‪.‬‬
‫{خَاِلصَةً} ‪ :‬خاصة ل يدخلها أحد سواكم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{فَ َتمَ ّنوُا ا ْل َم ْوتَ} ‪ :‬تمنوه في نفوسكم واطلبوه بألسنتكم‪ ،‬فإن من كانت له الدار الخرة ل خير له في‬
‫بقائه في الدنيا‪.‬‬
‫{إِنْ كُنْ ُت ْم صَا ِدقِينَ} ‪ :‬أي في دعوى أن نعيم الخرة خاص بكم ل يشارككم فيه غيركم‪.‬‬
‫{حَيَاةٍ} ‪ :‬التنكير فيها لتعم كل حياة ولو كانت ذميمة‪.‬‬
‫{ َيوَدّ} ‪ :‬يحب‪.‬‬
‫__________‬
‫ع ُدوّا لِجِبْرِيلَ‪ }...‬إلخ‪ .‬أن اليهود قالوا للنبي صلى ال‬
‫‪ 1‬روى الترمذي في سبب نزول‪{ :‬مَنْ كَانَ َ‬
‫عليه وسلم‪ :‬إنه ليس نبي من النبياء إل يأتيه ملك من الملئكة من عند ربه بالرسالة وبالوحي‪،‬‬
‫فمن صاحبك حتى نتابعك؟ قال جبريل‪" :‬قالوا‪ :‬ذلك الذي ينزل بالحرب وبالقتال ذلك عدونا لو‬
‫قلت‪ :‬ميكائيل الذي ينزل بالقطر والرحمة تابعناك‪ ،‬فأنزل ال الية إلى قوله‪{ :‬لِ ْلكَافِرِينَ} ‪.‬‬
‫‪ 2‬ذكر جبريل وميكائيل بعد ذكرهم في عموم الملئكة دليل على شرفهما وعلو مقامهما‪.‬‬

‫( ‪)1/85‬‬

‫{الّذِينَ أَشْ َركُوا} ‪ :‬هم غير أهل الكتاب من سائر الكفار‪.‬‬


‫{ ِبمُزَحْ ِزحِهِ} ‪ :‬بمبعده من العذاب‪.‬‬
‫{أَنْ ُي َعمّرَ} ‪ :‬تعميره ألف سنة‪.‬‬
‫جبريل ‪ :‬روح القدس الموكل بالوحي يتنزل به على رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫{نَزَّلهُ عَلَى قَلْ ِبكَ} ‪ :‬نزل جبريل القرآن على قلب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫{ ُمصَدّقا ِلمَا بَيْنَ َيدَيْهِ} ‪ :‬القرآن مصدق لما في الكتب السابقة من نعت الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم والبشارة به ومن التوحيد ووجوب السلم ل تعالى‪.‬‬
‫ميكال ‪ : 1‬ميكال وميكائيل‪ :‬ملك من أعاظم الملئكة‪ ،‬وقيل‪ :‬معناه عبيد ال‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في الرد على اليهود وإبطال حججهم الواهية‪ ،‬ففي الية الولى(‪ )94‬أمر ال‬
‫تعالى الرسول صلى ال عليه وسلم أن يقول لهم مباهلً إياهم‪ :‬إن كانت الدار الخرة خالصة لكم‬
‫ل يدخل الجنة معكم أحد فتمنوا الموت لتدخلوا الجنة وتستريحوا من عناء الدنيا ومكابدة العيش‬
‫فيها‪ ،‬فإن لم تتمنوا ظهر كذبكم وثبت كفركم وأنكم أصحاب النار‪ ،‬وفعلً ما تمنوا الموت ولو‬
‫تمنوه لماتوا عن آخرهم‪.‬‬
‫وفي الية الثانية(‪ )95‬أخبر تعالى أن اليهود لن يتمنوا الموت أبدا‪ ،‬وذلك بسبب ما قدموه من‬
‫الذنوب والخطايا العظام الموجبة لهم عذاب النار بأنهم مجرمون ظلمة وال عليم بالظالمين‪،‬‬
‫وسيجزيهم بظلمهم إنه حكيم عليم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وفي الية الثالثة(‪ )96‬يخبر ال تعالى أن اليهود أحرص الناس على الحياة حتى من المشركين‬
‫الذين يود الواحد منهم أن يعيش ألف سنة‪ ،‬فكيف يتمنون الموت إذا وهم على هذا الحال من‬
‫الحرص على الحياة‪ ،‬وذلك لعلمهم بسوء مصيرهم إن هم ماتوا‪ .‬كما يخبر تعالى أن الكافر ل‬
‫ينجيه من العذاب طول العمر ولو عاش أكثر من ألف سنة‪ ،‬ثم هدد ال تعالى اليهود وتوعدهم‬
‫بقوله‪{ :‬وَاللّهُ َبصِيرٌ ِبمَا َي ْعمَلُونَ} من الشر والفساد وسيجزيهم به‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في جبريل وميكائيل لغات عدة‪ ،‬أشهرها‪ :‬جبريل وجبرائيل وجبرين –بالنون‪ -‬وميكائيل‪،‬‬
‫وميكال‪ ،‬ميكائيل‪ .‬وعن ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬عبد ال‪ ،‬وميكائيل‪ ،‬عبيد ال‪.‬‬

‫( ‪)1/86‬‬

‫وفي الية الرابعة (‪ )97‬يأمر تعالى رسوله أن يرد على اليهود قولهم‪ :‬لو كان الملك الذي يأتيك‬
‫بالوحي ميكائيل لمنا بك‪ ،‬ولكن لما كان جبريل‪ ،‬فجبريل عدونا؛ لنه ينزل بالعذاب‪ ،‬بقوله‪{ :‬مَنْ‬
‫كَانَ عَ ُدوّا ِلجِبْرِيلَ} فليمت غيظا وحنقا‪ ،‬فإن جبريل هو الذي ينزل بالقرآن بإذن ربه على قلب‬
‫رسوله مصدقا –القرآن‪ -‬لما سبقه من الكتب وهدى يهتدى به وبشرى يبشر به المؤمنون‬
‫الصالحون‪.‬‬
‫وفي الية الخامسة (‪ )98‬يخبر تعالى أن من يعاديه عز وجل ويعادي أولياءه ‪ 1‬من الملئكة‬
‫والرسل وبخاصة جبريل فإنه كافر‪ ،‬وال عدو له ولسائر الكافرين‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬صحة السلم‪ ،‬وبطلن اليهودية‪ ،‬وذلك لفشل اليهود في المباهلة بتمني الموت‪.‬‬
‫‪ -2‬المؤمن الصالح يفضل الموت على الحياة لما يرجوه من الراحة والسعادة بعد الموت‪.‬‬
‫‪ -3‬صدق القرآن فيما أخبر به عن اليهود من حرصهم على الحياة ولو كانت رخيصة ذميمة‪ ،‬إذ‬
‫هذا أمر مشاهد منهم إلى اليوم‪.‬‬
‫‪ -4‬عداوة ال تعالى للكافرين‪ .‬ولذا وجب على المؤمن معاداة أهل الكفر لمعاداتهم ل‪ ،‬ومعاداة ال‬
‫تعالى لهم‪.‬‬
‫عهْدا نَبَ َذهُ فَرِيقٌ‬
‫سقُونَ‪َ )99(3‬أ َوكُّلمَا عَاهَدُوا َ‬
‫ت َومَا َيكْفُرُ ِبهَا إِل ا ْلفَا ِ‬
‫{وََلقَدْ‪ 2‬أَنْ َزلْنَا إِلَ ْيكَ آيَاتٍ بَيّنَا ٍ‬
‫مِ ْنهُمْ َبلْ َأكْثَرُهُمْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬يقول‬
‫ال تعالى‪ :‬من عادى لي وليا فقد أذنته بالحرب"‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سقُون} نزل ردا على ابن‬
‫‪ 2‬ذكر الطبري أن قوله تعالى‪{ :‬وََلقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَ ْيكَ آيَاتٍ‪ }...‬إلى قوله‪{ :‬ا ْلفَا ِ‬
‫صوريا اليهودي‪ ،‬حيث قال للرسول صلى ال عليه وسلم‪ :‬ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل عليك‬
‫من آية بينة فنتبعك بها‪.‬‬
‫‪ 3‬كابن صوريا‪ ،‬وأضرابه ممن تعمدوا الخروج عن منهج الحق وهم يعلمون‪.‬‬

‫( ‪)1/87‬‬

‫ل ُي ْؤمِنُونَ(‪ )100‬وََلمّا جَاءَ ُهمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ُمصَدّقٌ ِلمَا َم َعهُمْ نَبَذَ‪ 1‬فَرِيقٌ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا‬
‫ظهُورِهِمْ كَأَ ّنهُمْ ل َيعَْلمُونَ(‪})101‬‬
‫ا ْلكِتَابَ كِتَابَ اللّ ِه وَرَاءَ ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{آيَاتٍ بَيّنَاتٍ} ‪ :‬هي آيات القرآن الكريم الواضحة فيما تدل عليه من معان‪.‬‬
‫{ َي ْكفُرُ ِبهَا} ‪ :‬يجحد بكونها كتاب ال ووحيه إلى رسوله محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫سقُونَ} ‪ :‬الخارجون عما يجب أن يكونوا عليه من اليمان بال والسلم له ظاهرا وباطنا‪.‬‬
‫{ا ْلفَا ِ‬
‫{َأوَ كُّلمَا عَا َهدُوا}‪ :‬الهمزة للستفهام النكاري‪ ،‬والواو عاطفة على تقديره أكفروا بالقرآن ونبيه‪،‬‬
‫وكلما عاهدوا إلخ‪...‬‬
‫العهد ‪ :‬الوعد الملزم‪.‬‬
‫{نَ َبذَه} ‪ :‬طرحه وألقاه غير آبه به ول ملتفت إليه‪.‬‬
‫{رَسُولٌ} ‪ :‬التنكير للتعظيم‪ ،‬والرسول هو محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومن قبله عيسى عليه السلم‬
‫{ِلمَا َم َعهُمْ} ‪ :‬من نعت الرسول صلى ال عليه وسلم وتقرير نبوته‪ ،‬وسائر أصول الدين في‬
‫التوراة‪.‬‬
‫{كِتَابَ اللّهِ} ‪ :‬التوراة ‪ 2‬لدللتها على نبوة النبي محمد صلى ال عليه وسلم وصحة دينه السلم‪.‬‬
‫ظهُورِهِمْ} ‪ :‬أي أعرضوا عنه ولم يلتفتوا إليه لمنافاته لما هم معروفون عليه من الكفر‬
‫{وَرَاءَ ُ‬
‫بالنبي محمد صلى ال عليه وسلم؛ كأنهم ل يعلمون مع أنهم يعلمون حق العلم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في تقرير نبوة رسول ال صلى ال عليه وسلم وعموم رسالته والرد على‬
‫اليهود وإظهار‬
‫__________‬
‫‪ 1‬النبذ‪ :‬الطرح واللقاء‪ ،‬ولذا سمي اللقيط منبوذا‪ ،‬وسمي النبيذ‪ :‬نبيذا؛ لنه طرح التمر والزبيب‬
‫في الماء وعليه قول الشاعر‪:‬‬
‫نظرت إلى عنوانه فنبذته ‪ ...‬كنبذك نعلً من نعالك‬
‫يكون القرآن الكريم‪ ،‬فقد نبذوه أيضا بعد علمهم؛ بأنه الحق مصدقا لما معهم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/88‬‬

‫ما هم عليه من الفسق والظلم في الية الولى(‪ )99‬يرد تعالى على قول ابن صوريا اليهودي‬
‫ت َومَا َي ْكفُرُ ِبهَا إِل‬
‫للرسول صلى ال عليه وسلم ما جئتنا بشيء‪ ،‬بقوله‪ {:‬وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَ ْيكَ آيَاتٍ بَيّنَا ٍ‬
‫سقُونَ} ؛ كالعور بن صوريا اليهودي‪ .‬وفي الية الثانية(‪ )100‬ينكر الحق سبحانه وتعالى‬
‫ا ْلفَا ِ‬
‫على اليهود كفرهم ونبذهم للعهود والمواثيق وليسجل عليهم عدم إيمان أكثرهم بقوله‪َ { :‬بلْ َأكْثَرُهُمْ‬
‫ل ُي ْؤمِنُونَ} ‪ .‬وفي الية الثالثة(‪ )101‬ينعي البارئ عز وجل على علماء اليهود نبذهم للتوراة لما‬
‫رأوا فيها من تقرير نبوة محمد صلى ال عليه وسلم وإثباتها فقال‪{ :‬وََلمّا جَاءَهُمْ َرسُولٌ مِنْ عِ ْندِ‬
‫ظهُورِ ِهمْ‪ 2‬كَأَ ّنهُمْ ل‬
‫اللّهِ ُمصَدّقٌ ِلمَا َم َعهُمْ نَ َبذَ‪ 1‬فَرِيقٌ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاءَ ُ‬
‫َيعَْلمُونَ}‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬الفسق العام ينتج الكفر‪ ،‬إن العبد إذا فسق ‪ 3‬وواصل الفسق عن أوامر ال ورسوله سيؤدي به‬
‫ذلك إلى أن ينكر ما حرم ال وما أوجب فيكفر لذلك والعياذ بال‪.‬‬
‫‪ -2‬اليهود ل يلتزمون بوعد ول يفون بعهد‪ ،‬فيجب أن ل يوثق في عهودهم أبدا‪.‬‬
‫‪ -3‬التوراة أحد كتب ال عز وجل المنزلة أنزلها على عبده ورسوله موسى بن عمران عليه‬
‫السلم‪.‬‬
‫‪ -4‬قبح جريمة من تنكر للحق بعد معرفته‪ ،‬ويصبح وكأنه جاهل به‪.‬‬
‫ن َومَا َكفَرَ‬
‫{وَاتّ َبعُوا ‪ 4‬مَا تَتْلُوا الشّيَاطِينُ عَلَى مُ ْلكِ سُلَ ْيمَا َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال السدي في تفسير هذه الية‪ :‬لما جاءهم محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬عارضوه بالتوراة‬
‫فاتفقت التوراة والقرآن فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف‪ ،‬وسحر هاروت وماروت فلم توافق‬
‫القرآن‪ .‬فهذا معنى‪{ :‬وََلمّا جَاءَهُمْ‪. }...‬‬
‫‪ 2‬الظهور‪ :‬جمع ظهر ويجمع على ظهران يقال لمن أعرض عن شيء‪ :‬رماه وراء ظهره‪.‬‬
‫‪ 3‬الفسق‪ :‬مشتق من فسقت الرطبة‪ ،‬إذا خرجت من قشرتها‪ ،‬وبه سميت الفأرة فويسقة لخروجها‬
‫من جحرها على أهل الدار‪.‬‬
‫‪ 4‬اشتهر بين علماء السلف أن ما تتلوه الشياطين على عهد ملك سليمان كان سببه‪ :‬أن مردة من‬
‫الشياطين كتبوا كتابا ضمنوه الكثير من ضروب السحر والشعوذة والباطيل ونسبوه إلى كاتب‬
‫سليمان‪ ،‬وهو‪ :‬أصف ودفنوه تحت كرسي سليمان حين ابتلي بنزع ملكه‪ ،‬ولما مات سليمان أخرج‬
‫الكتاب شياطين الجن بالتعاون مع شياطين النس‪ ،‬وأعلنوا في الناس أن سليمان كان ساحرا‪ ،‬وما‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫غلب الجن والنس إل بالسحر‪ ،‬فصدقهم أناس وكذب آخرون‪ ،‬ولما بعث محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم وكفر به اليهود وتنكروا للتوراة لتفاقها مع القرآن أنزل ال تعالى قوله‪{ :‬وَاتّ َبعُوا مَا تَتْلُوا‬
‫الشّيَاطِينُ} فبرأ سليمان وكفر اليهود‪.‬‬

‫( ‪)1/89‬‬

‫ن وََلكِنّ الشّيَاطِينَ َكفَرُوا ُيعَّلمُونَ النّاسَ السّحْرَ‪َ 1‬ومَا أُنْ ِزلَ‪ 2‬عَلَى ا ْلمََلكَيْنِ بِبَا ِبلَ هَارُوتَ‬
‫سُلَ ْيمَا ُ‬
‫ت َومَا ُيعَّلمَانِ مِنْ َأحَدٍ حَتّى َيقُول إِ ّنمَا نَحْنُ فِتْ َنةٌ فَل َت ْكفُرْ فَيَ َتعَّلمُونَ مِ ْن ُهمَا مَا ُيفَ ّرقُونَ بِهِ بَيْنَ‬
‫َومَارُو َ‬
‫ا ْلمَرْ ِء وَ َزوْجِهِ َومَا ُهمْ ِبضَارّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِل بِِإذْنِ اللّ ِه وَيَ َتعَّلمُونَ مَا َيضُرّهُمْ وَل يَ ْن َف ُعهُ ْم وََلقَدْ‬
‫سهُمْ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ(‪)102‬‬
‫ق وَلَبِئْسَ مَا شَ َروْا بِهِ أَ ْنفُ َ‬
‫عَِلمُوا َلمَنِ اشْتَرَاهُ مَا َلهُ فِي الخِ َرةِ مِنْ خَل ٍ‬
‫وََلوْ أَ ّن ُهمْ آمَنُوا وَا ّتقَوْا َلمَثُوبَةٌ مِنْ عِ ْندِ اللّهِ خَيْرٌ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ (‪})103‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{مَا تَتْلُوا الشّيَاطِينُ} ‪ :‬الذي تتبعه وتقول به الشياطين من كلمات السحر‪.‬‬
‫{عَلَى مُ ْلكِ سُلَ ْيمَانَ} ‪ :‬على عهد سليمان ووقت حكمه‪.‬‬
‫{الشّيَاطِينَ} ‪ :‬جمع شيطان وهو من خبث وتمرد ولم يبق فيه قابلية للخير‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قيل‪ :‬السحر مشتق من قولهم‪ :‬سحرت الصبي‪ ،‬إذا خدعته أو عللته بشيء ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫أرانا موضعين لمر غيب ‪ ...‬ونسحر بالطعام والشراب‬
‫يريد أن الناس مسرعون إلى الموت وهم مخدعون بالطعام وبالشراب‪.‬‬
‫ل بمعنى الوحي اللهي ولكن إلهاما لهما فبرع فيه وتفوق على غيرهما‪.‬‬
‫‪ 2‬لم يكن إنزا ً‬

‫( ‪)1/90‬‬

‫{السّحْرَ ‪ : }1‬هو كل ما لطف مأخذه وخفي سببه مما له تأثير على أعين الناس أو نفوسهم أو‬
‫أبدانهم‪.‬‬
‫ت َومَارُوتَ} ‪ :‬ملكان وجدا للفتنة‪.‬‬
‫{هَارُو َ‬
‫{فَل َت ْكفُرْ} ‪ :‬ل تتعلم منا السحر لتضر به فتكفر بذلك‪.‬‬
‫{بَيْنَ ا ْلمَ ْر ِء وَ َزوْجِهِ} ‪ :‬بين الرجل وامرأته‪.‬‬
‫{اشْتَرَاهُ} ‪ :‬اشترى السحر بتعلمه والعمل به‪.‬‬
‫الخلق‪ :‬النصيب ‪ 2‬والحظ‪.‬‬
‫{مَا شَ َروْا} ‪ :‬ما باعوا به أنفسهم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{َلمَثُوبَةٌ} ‪ :‬ثواب وجزاء‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في بيان ما عليه اليهود من الشر والفساد‪ ،‬ففي الية الولى (‪ )102‬يخبر‬
‫تعالى‪ :‬أن اليهود لما نبذوا التوراة لتقريرها بنبوة محمد صلى ال عليه وسلم وتأكيدها لصحة دينه‬
‫اتبعوا الباطيل والترهات التي جمعها شياطين النس والجن في صورة رُقى وعزائم وكانوا‬
‫يحدثون بها‪ ،‬ويدّعون أنها من عهد سليمان بن داود عليهما السلم‪ ،‬وأنها هي التي كان سليمان‬
‫ل ول نبيا وإنما كان ساحرا كافرا‪ ،‬فلذا‬
‫يحكم بها النس والجن‪ ،‬ولزم هذا أن سليمان لم يكن رسو ً‬
‫نفى ال تعالى عنه ذلك بقوله‪َ { :‬ومَا َكفَرَ سُلَ ْيمَانُ} وأثبته للشياطين فقال‪َ { :‬وَلكِنّ الشّيَاطِينَ َكفَرُوا‬
‫ُيعَّلمُونَ النّاسَ السّحْرَ} ‪ .‬كما يعلمونهم ما ألهمه الملكان هاروت وماروت ‪ 3‬ببابل العراق من‬
‫ضروب السحر وفنونه‪ ،‬وهنا أخبرنا تعالى عن ملكي الفتنة أنهما يقولن لمن جاءهما يريد تعلم‬
‫السحر‪ :‬إنما نحن فتنة فل تكفر بتعلمك السحر وهذا القول منهما يفهم منه‬
‫__________‬
‫‪ 1‬حصر بعضهم أصول السحر في ثلثة هي‪ -1 :‬زجر النفوس بمقدمات توهيمية وإرهابية بما‬
‫اعتاده الساحر من التأثير النفساني في نفس المسحور الضعيف روحا المستعد لقبول التأثير ويشهد‬
‫س وَاسْتَرْهَبُو ُهمْ} ‪ -2 .‬استخدام مؤثرات من خصائص‬
‫لهذا قوله تعالى‪{ :‬سَحَرُوا أَعْيُنَ النّا ِ‬
‫الجسام من حيوان ومعادن؛ كالرئبق وسائر العقاقير المؤثرة ويشهد لهذا قوله تعالى‪ { :‬إِ ّنمَا‬
‫صَ َنعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ} ‪ -3‬الشعوذة باستخدام خفايا الحركة والسرعة حين يخيل أن الجماد يتحرك‪.‬‬
‫سعَى} الية‪.‬‬
‫سحْرِهِمْ أَ ّنهَا تَ ْ‬
‫ويشهد لهذا قوله تعالى‪{ :‬يُخَ ّيلُ إِلَ ْيهِ مِنْ ِ‬
‫‪ 2‬الحظ والنصيب من الخير خاصة لقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬إنما يلبس هذا من لخلق له" ‪.‬‬
‫‪ 3‬الملكان وهما‪ :‬هاروت وماروت ذكرا قصتهما علماء السلف ورواها مثل‪ :‬أحمد وعبد الرزاق‬
‫وابن أبي حاتم وابن جرير‪ ،‬وخلق كثير ولم يصح فيها حديث عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫ولكنها مروية عن ابن عمر‪ ،‬وابن عباس وعلي رضي ال عنهم‪ ،‬ولعلهم مروية عن كعب‬
‫الحبار‪ ،‬وفي اليات عبارة وإشارة ول مانعا شرعا ول عقلً من هذه القصة‪ ،‬ومفادها أن‬
‫الملئكة أنكروا على بني آدم =‬

‫( ‪)1/91‬‬

‫بوضوح أن أقوال الساحر وأعماله التي يؤثر بها على الناس منها ما هو كفر في حكم ال وشرعه‬
‫قطعا‪.‬‬
‫كما أخبر تعالى في هذه الية أن ما يتعلمه الناس من الملكين إنما يتعلمونه ليفرقوا بين الرجل‬
‫وامرأته‪ ،‬وأن ما يحدث به من ضرر هو حاصل بإذن ال تعالى حسب سنته في السباب‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والمسببات‪ ،‬ولو شاء ال أن يوجد مانعا يمنع من حصول المر بالضرر لفعل وهو على كل شيء‬
‫قدير‪ .‬فبهذا متعلموا السحر بسائر أنواعه إنما هم يتعلمون ما يضرهم ول ينفعهم‪ .‬وفي آخر الية‬
‫يقرر تعالى علم اليهود بكفر الساحر ومتعلم السحر ومتعاطيه حيث أخبر تعالى أنهم ل نصيب لهم‬
‫في الخرة من النعيم المقيم فيها‪ .‬فلذا هم كفار قطعا‪.‬‬
‫وأخيرا يقبح تعالى ما باع به اليهود أنفسهم‪ ،‬ويسجل عليهم الجهل بنفي العلم إذ قال تعالى‪:‬‬
‫سهُمْ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ} ‪.‬‬
‫{وَلَبِئْسَ مَا شَ َروْا ِبهِ أَ ْنفُ َ‬
‫وفي الية الثانية(‪ )103‬يفتح تعالى على اليهود باب التوبة فيعرض عليهم اليمان والتقوى فيقول‪:‬‬
‫{وََلوْ أَ ّنهُمْ آمَنُوا وَا ّت َقوْا َلمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ خَيْرٌ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ} ‪.‬‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬العراض عن الكتاب والسنة لتحريمهما الشر والفساد والظلم يفتح أمام المعرضين أبواب‬
‫الباطل من ا لقوانين الوضعية‪ ،‬والبدع الدينية‪ ،‬والضللت العقلية‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬ومَنْ َيعْشُ عَنْ‬
‫حمَنِ ُنقَ ّيضْ َلهُ شَ ْيطَانا َف ُهوَ َلهُ قَرِينٌ‪ ،‬وَإِ ّنهُمْ لَ َيصُدّو َنهُمْ عَنِ السّبِيلِ [سبيل السعادة والكمال]‬
‫ِذكْرِ الرّ ْ‬
‫وَيَحْسَبُونَ أَ ّنهُمْ ُمهْتَدُونَ}‪.‬‬
‫‪ -2‬كفر ‪ 1‬الساحر وحرمة تعلم السحر‪ ،‬وحرمة استعماله‪.‬‬
‫__________‬
‫= ما يرتكبون من الذنوب والمعاصي ويعجبون من ذلك‪ ،‬فأمرهم تعالى أن يختاروا ملكين منهم‬
‫ويركب فيهم غرائز بني آدم ويكلفهم وينزلهم إلى الرض يعبدون ال كبنى آدم ثم ينظرون هل‬
‫يعصون ال أو ل يعصونه‪ ،‬فلما نزل إلى الرض ارتكب كبائر الذنوب‪ ،‬فخير بين عذاب الدنيا‬
‫وعذاب الخرة‪ ،‬فاختار عذاب الدنيا فجعل في بابل يعلمان الناس السحر فإذا آتاهما من يريد ذلك‬
‫نصحا له بأن تعلم السحر كفر‪ ،‬فإذا أصر وجهاه إلى شيطان فأتاه فعلمه كيفية السحر وما يصل‬
‫إليها إل بعد أن يكفر أفظع أنواع الكفر‪.‬‬
‫‪ 1‬اختلف هل للسحر حقيقة أو هو مجرد خداع ل أصل له‪ .‬أهل السنة والجماعة‪ :‬أن له حقيقة‬
‫وهو أنواع عديدة‪ ،‬وحكمه أن من تعاطاه إذا أضر به فأفسد عقلً أو عضوا أو قتل فإنه يقتل بذلك‬
‫وإل فإنه يعذر حتى يتوب منه‪ ،‬ويشهد لمذهب الجمهور أن النبي صلى ال عليه وسلم سحره لبيد‬
‫بن العصم‪ ،‬وأنزل ال تعالى سورة الفلق فرقاه بها جبريل فشفي‪ ،‬وقال‪" :‬إن ال شفاني"‪.‬‬
‫والحديث في البخاري وغيره‪.‬‬

‫( ‪)1/92‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -3‬ال تعالى خالق الخير والضير‪ ،‬ول ضرر ول نفع إل بإذنه ‪ 1‬فيجب الرجوع إليه في جلب‬
‫النفع‪ ،‬ودفع الضر بدعائه والضراعة إليه‪.‬‬
‫‪ -4‬العلم المهم؛ كالظن الذي ل يقين معه ل يغير من نفسية صاحبه شيئا فل يحمله على فعل خير‬
‫ول على ترك شر بخلف الرسوخ في العلم فإن صاحبه يكون لديه من صادق الرغبة وعظيم‬
‫الرهبة ما يدفعه إلى اليمان والتقوى ويجنبه الشرك والمعاصي‪ .‬وهذا ظاهر في نفي ال تعالى‬
‫العلم عن اليهود في هاتين اليتين‪.‬‬
‫س َمعُوا وَلِ ْلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ(‪ )104‬مَا َيوَدّ‬
‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َتقُولُوا رَاعِنَا َوقُولُوا انْظُرْنَا وَا ْ‬
‫حمَ ِتهِ‬
‫ب وَل ا ْلمُشْ ِركِينَ أَنْ يُنَ ّزلَ عَلَ ْيكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَ ّبكُ ْم وَاللّهُ يَخْ َتصّ بِرَ ْ‬
‫الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَا ِ‬
‫ضلِ ا ْلعَظِيمِ(‪})105‬‬
‫مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو ا ْل َف ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{رَاعِنَا} ‪ :‬أمهلنا وانظرنا حتى نعي ما تقول‪.‬‬
‫{ا ْنظُرْنَا} ‪ :‬أمهلنا حتى نفهم ما تقول ونحفظ‪.‬‬
‫{وَلِ ْلكَافِرِينَ} ‪ :‬الجاحدين المكذبين ل ورسوله المستهزئين بهما أو بأحدهما‪.‬‬
‫{أَلِيمٌ} ‪ :‬كثير اللم شديد اليجاع‪.‬‬
‫ب وَل ا ْلمُشْ ِركِينَ} ‪ :‬اليهود والنصارى والوثنين من العرب وغيرهم‪.‬‬
‫{مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَا ِ‬
‫{مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَ ّبكُمْ} ‪ :‬من الوحي اللهي المشتمل على التشريع المتضمن لكل أنواع الهداية‬
‫وطرق السعاد والكمال في الدارين‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ذكر القرطبي‪ :‬أن ابن بطال قال‪ :‬في كتاب وهب بن منبه أن يأخذ المسحور سبع ورقات من‬
‫سدر أخضر فيدقها بين حجرين ثم يخلطلها بالماء ويقرأ عليها آية الكرسي ثم يحثو منها ثلث‬
‫حثيات ويغتسل به فإنه يذهب عن كل ما ألم إن شاء ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)1/93‬‬

‫ضلِ} ‪ :‬ما كان من الخير غير محتاج إليه صاحبه‪ .‬وال عز وجل هو صاحب الفضل إذ كل‬
‫{ا ْل َف ْ‬
‫ما يمن به ويعطيه عباده من الخير هو في غنى عنه ول حاجة به إليه أبدا‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫أما الية الولى(‪ )104‬فقد أمر ال تعالى المؤمنين أن يراعوا ‪ 1‬الدب في مخاطبة نبيهم صلى ال‬
‫عليه وسلم تجنبا للكلمات المشبوهة؛ ككلمة‪ :‬راعنا‪ ،‬إذ قد تكون من الرعونة‪ ،‬ولما تدل عليه صيغة‬
‫المفاعلة؛ إذ كأنهم يقولون‪ :‬راعنا نُراعك‪ ،‬وهذا ل يليق أن يخاطب به الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وأرشدهم تعالى إلى كلمة سليمة من كل شبهة تنافي الدب وهي انظرنا ‪ ،2‬وأمرهم أن يسمعوا‬
‫لنبيهم إذا خاطبهم حتى ل يضطروا إلى مراجعته‪ ،‬إذ الستهزاء بالرسول والسخرية منه‬
‫ومخاطبته بما يفهم الستخفاف بحقه وعلو شأنه وعظيم منزلته كفر بواح‪.‬‬
‫وفي الية الثانية(‪ )105‬أخبر تعالى عباده المؤمنين بأن الكافرين من أهل الكتاب ومن غيرهم من‬
‫المشركين الوثنيين ل يحبون أن يُنزل عليكم من خير من ربكم وسواء كان قرآنا يحمل أسمى‬
‫الداب وأعظم الشرائع وأهدى سبل السعادة والكمال‪ ،‬أو كان غير ذلك من سائر أنواع الخيرات‪،‬‬
‫وذلك حسدا منهم للمؤمنين كما أخبرهم أنه تعالى يختص برحمته من يشاء من عباده فحسد‬
‫الكافرين لكم ل يمنع فضل ال عليكم ورحمته بكم متى أرادكم بذلك‪.‬‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب التأدب مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في مخاطبته بعدم استعمال أي لفظة قد‬
‫تفهم غير الجلل والكبار له صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب السماع لرسول ال بامتثال أمره واجتناب نهيه‪ ،‬وعند مخاطبته لمن أكرمهم ال تعالى‬
‫بمعايشته والوجود معه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬سبب نزول هذه الية‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ‪ }...‬إلخ‪ .‬أن اليهود استغلوا كلمة‪ :‬راعنا‪ ،‬وصاروا يقولونها‬
‫لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهم ينوون بها سب رسول ال صلى ال عليه وسلم لوجود كلمة‬
‫في العبرية مثلها ومعناه‪ :‬السب والشتم؛ كالرعونة‪ .‬فأنزل ال هذه الية‪ ،‬أرشد فيها المسلمين إلى‬
‫ترك كلمة‪ :‬راعنا‪ ،‬وإبدالها‪ :‬بانظرنا‪ ،‬فانقطع الطريق عن اليهود لعنهم ال‪.‬‬
‫‪ 2‬معنى انظرنا‪ :‬هو معنى راعنا‪ ،‬ولكن لما استعملها اليهود وصاروا ينوون بها سب النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم؛ لنها عندهم من الرعونة لذلك أرشد ال المسلمين إلى كلمة‪ :‬انظر‪.‬‬

‫( ‪)1/94‬‬

‫التحذير ‪ 1‬من الكافرين كتابيين أو مشركين؛ لنهم أعداء حسدة للمؤمنين فل يحل الركون إليهم‬
‫والطمئنان إلى أقوالهم وأفعالهم‪ ،‬إذ الريبة ل تفارقهم‪.‬‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ(‪)106‬‬
‫علَى ُكلّ َ‬
‫سهَا نَ ْأتِ بِخَيْرٍ مِ ْنهَا َأوْ مِثِْلهَا أََلمْ َتعْلَمْ أَنّ اللّهَ َ‬
‫{مَا نَنْسَخْ‪ 2‬مِنْ آ َيةٍ َأوْ نُنْ ِ‬
‫ي وَل َنصِيرٍ(‪َ )107‬أمْ‬
‫ن وَِل ّ‬
‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ َومَا َل ُكمْ مِنْ‪ 3‬دُونِ اللّهِ مِ ْ‬
‫أَلَمْ َتعَْلمْ أَنّ اللّهَ لَهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫سوَاءَ‬
‫ضلّ َ‬
‫ل َومَنْ يَتَ َب ّدلِ ا ْل ُكفْرَ بِالِيمَانِ َفقَ ْد َ‬
‫تُرِيدُونَ‪ 4‬أَنْ تَسْأَلوا رَسُوَلكُمْ َكمَا سُ ِئلَ مُوسَى مِنْ قَ ْب ُ‬
‫السّبِيلِ(‪})108‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{نَنْسَخْ} ‪ :‬نبدل أو نزيل‪.‬‬
‫{مِنْ آيَةٍ} ‪ :‬من آيات القرآن‪ :‬جملة كلمات تحمل معنى صحيحا؛ كالتحريم أو التحليل‪ ،‬أو الباحة‪.‬‬
‫سهَا} ‪ :‬نمسحها من قلب النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫{نُنْ ِ‬
‫{أََلمْ َتعْلَمْ} ‪ :‬الستفهام للتقرير‪.‬‬
‫{وَِليّ} ‪ :‬حافظ يحفظكم بتولي أموركم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في هذه الية إرشاد المسلمين إلى عدم مشابهة الكافرين في القول والعمل وحتى في الزي‬
‫واللباس‪ ،‬ويشهد لهذه رواية أحمد عن ابن عمر رضي ال عنهما أن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد ال وحده ل شريك له وجعل رزقي تحت ظل‬
‫رمحي‪ ،‬وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم" ‪.‬‬
‫‪ 2‬معرفة الناسخ والمنسوخ ضرورية للعالم‪ .‬روى أن عليا رضي ال عنه أرسل إلى رجل كان‬
‫يخوف الناس في المسجد فجاءه فقال له‪ :‬أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فاخرج من‬
‫مسجدنا ول تذكر فيه‪ .‬وعن ابن عباس مثله‪ ،‬وقال له‪ :‬هلكت وأهلكت‪.‬‬
‫ي وَل َنصِيرٍ} صلة‪.‬‬
‫ن وَِل ّ‬
‫‪ 3‬من‪ :‬ابتداء الغاية والثانية وهي‪{ :‬مِ ْ‬
‫‪ 4‬أم‪ ،‬هنا‪ :‬هي المنقطعة بمعنى‪ :‬بل الضرابية‪.‬‬

‫( ‪)1/95‬‬

‫{ َنصِيرٍ} ‪ :‬ناصر يدفع عنكم المكروه‪.‬‬


‫{َأمْ تُرِيدُونَ} ‪ :‬بل أتريدون‪ ،‬إذ (أم) هنا للضراب النتقالي فهي بمعنى‪ :‬بل‪ ،‬والهمزة‪ ،‬وما سئله‬
‫موسى هو‪ ،‬قول بني إسرائيل له‪( :‬أرنا ال جهرة)‪.‬‬
‫سوَاءَ السّبِيلِ} ‪ :‬وسط الطريق المن من الخروج عن الطريق‪.‬معنى اليات‪:‬‬
‫{َ‬
‫يخبر تعالى رادا على الطاعنين في تشريعه الحكيم الذين قالوا‪ :‬إن محمدا يأمر أصحابه ‪ 1‬اليوم‬
‫بأمر وينهى عنه غدا‪ ،‬أنه تعالى ما ينسخ من آية تحمل حكما شاقا على المسلمين إلى حكم أخف؛‬
‫كنسخ الثبوت لعشرة في قتال الكافرين إلى الثبوت إلى اثنين‪ .‬أو حكما خفيفا إلى شاق زيادة في‬
‫الجر؛ كنسخ يوم عاشوراء بصيام رمضان‪ ،‬أو حكما خفيفا إلى حكم خفيف مثله؛ كنسخ القبلة من‬
‫بيت المقدس إلى الكعبة‪ ،‬أو حكما غير حكم آخر؛ كنسخ صدقة من أراد أن يناجي رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فإن الحكم رفع ولم يشرع حكم آخر بدلً عنه‪ ،‬أو نسخ الية بإزالتها من‬
‫التلوة‪ ،‬ويبقى حكمها؛ كآية الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالً من ال‪ ،‬فقد نسخ اللفظ‬
‫سهَا} ‪ ،‬وهي قراءة نافع‪،‬‬
‫من التلوة وبقي الحكم‪ .‬أو ينسخ الية وحكمها‪ .‬وهذا معنى قوله‪َ{ :‬أوْ نُ ْن ِ‬
‫فقد ثبت أن قرآنا نزل وقرأه رسول ال صلى ال عليه وسلم وبعض أصحابه ثم نسخه ال تعالى‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لفظا‪ ،‬ومعنى فمحاه من القلوب بالمرة فلم يقدر على قراءته أحد‪ .‬وهذا مظهر من مظاهر القدرة‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ} ‪ ،‬وهو أيضا مظهر من مظاهر‬
‫اللهية الدال عليه قوله‪َ{ :‬ألَمْ َتعْلَمْ أَنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫ت وَالَرْضِ} فهو تعال يتصرف‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫التصرف الحكيم الدال عليه قوله‪{ :‬أََلمْ َتعْلَمْ أَنّ اللّهَ َلهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫فينسخ ويبقي ويأتي بخير مما نسخ أو بمثله بحسب حاجة المة ومتطلبات حياتها الروحية‬
‫والمادية‪ .‬فسبحانه من إله قدير حكيم‪ :‬ينسي ما يشاء وينسخ ما يريد‪.‬‬
‫أما قوله تعالى في آية (‪َ{ :)108‬أمْ تُرِيدُونَ أَنْ َتسْأَلوا رَسُوَلكُمْ‪ ، }2‬فهو توبيخ لمن طالب‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في الكلم إشارة إلى سبب نزول هذه اليات‪ ،‬والمراد بالذين قالوا أن محمدا‪..‬إلخ ‪ :‬هم اليهود‪،‬‬
‫واليهود ينفون وجود النسخ في الشرائع وهم مخطئون في ذلك خطأ كبيرا‪ ،‬إذ قد أباح ال تعالى‬
‫أن لدم أن ينكح بناته بنيه فترة من الزمن‪ ،‬ثم نسخ ذلك‪ ،‬وأباح لنوح أكل سائر الحيوان بعد نزوله‬
‫من السفينة‪ ،‬ثم نسخ ذلك‪ .‬كما أوحى ال إلى إبراهيم أن يذبح ولده‪ ،‬ثم نسخ ذلك إذ فداه بذبح‬
‫عظيم قبل الذبح‪ ،‬وهذا نسخ للمر قبل فعله‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله تعالى‪َ { :‬كمَا سُ ِئلَ مُوسَى مِنْ قَ ْبلُ‪ . }..‬معنى سؤال بني إسرائيل موسى بأن يريهم ال‬
‫جهرة‪ ،‬أي‪ :‬مواجهة بعد أن سمعوا كلمه‪ ،‬كما سألوه غير هذا تعنتا وجهلً بمقام الرسول موسى‬
‫عليه السلم‪ ،‬ولذا حذر ال المؤمنين من مثل هذه المواقف القبيحة‪.‬‬

‫( ‪)1/96‬‬

‫الرسول صلى ال عليه وسلم بأمور ليس في مكنته‪ ،‬وإعلم من يجري على أسلوب التعنت وسوء‬
‫الدب مع الرسول صلى ال عليه وسلم قد يصاب بزيغ القلب فيكفر‪ ،‬دلّ على هذا قوله تعالى‪:‬‬
‫سوَاءَ السّبِيلِ} ‪.‬‬
‫ضلّ َ‬
‫{ َومَنْ يَتَبَ ّدلِ ا ْل ُكفْرَ بِالِيمَانِ َفقَ ْد َ‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ثبوت النسخ في القرآن الكريم‪ ،‬كما هو ثابت في السنة‪ ،‬وهما أصل التشريع ول نسخ في‬
‫قياس ول إجماع‪.‬‬
‫‪ -2‬رأفة ال تعالى بالمؤمنين في نسخ الحكام وتبديلها بما هو نافع لهم في دنياهم وآخرتهم‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب التسليم ل والرضا بأحكامه‪ ،‬وعدم العتراض عليه تعالى‪.‬‬
‫‪ -4‬ذم التنطع في الدين وطرح السئلة المحرجة ‪ 1‬والتحذير منم ذلك‪.‬‬
‫سهِمْ مِنْ َبعْدِ مَا‬
‫{وَدّ كَثِيرٌ‪ 2‬مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ َلوْ يَرُدّو َنكُمْ مِنْ َب ْعدِ إِيمَا ِنكُمْ ُكفّارا حَسَدا‪ 3‬مِنْ‪ 4‬عِنْدِ أَ ْنفُ ِ‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ(‪ )109‬وََأقِيمُوا‬
‫علَى ُكلّ َ‬
‫صفَحُوا حَتّى يَأْ ِتيَ اللّهُ بَِأمْ ِرهِ إِنّ اللّهَ َ‬
‫عفُوا ‪ 5‬وَا ْ‬
‫حقّ فَا ْ‬
‫تَبَيّنَ َلهُمُ الْ َ‬
‫سكُمْ‬
‫الصّلةَ وَآتُوا ال ّزكَا َة َومَا ُتقَ ّدمُوا لَ ْنفُ ِ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى مسلم أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬هلك المتنطعون" وفسر بالمتعين في السؤال عن‬
‫عويص المسائل التي يندر وقوعها‪.‬‬
‫‪ 2‬مناسبة هاتين اليتين لما قبلهما ظاهرة‪ ،‬وهي أنه لما حذر تعالى المؤمنين من مسلك اليهود مع‬
‫أنبياءهم في السئلة المحرجة المتعنتة‪ ،‬أعلمهم أن أعدائهم من اليهود يودون لهم الكفر بعد إيمانهم‬
‫حسدا لهم وعلى رأس هؤلء كعب بن الشرف‪ ،‬وحيي بن أخطب‪ ،‬وأبو ياسر وغيرهم‪ ،‬كما أن‬
‫ابن أبي‪ ،‬وجماعة من سكان المدينة كانوا يعملون جاهدين على صرف من آمن عن إيمانه‪ ،‬ولما‬
‫لم يحن الوقت للقتال‪ ،‬أمرهم تعالى بالصفح والعفو والعداد حتى يأتي المر بالقتال‪.‬‬
‫‪ 3‬الحسد ثلثة أنواع‪ :‬وهي‪ :‬تمني زوال نعمة عمن هي به‪ ،‬وتمني زوالها ولو لم تحصل‬
‫لمتمنيها‪ ،‬وهذا شر وأقبح من الول‪ ،‬وهما محرمان لها لما فيهما من تسفيه المنعم عز وجل‪ ،‬إذ‬
‫الحاسد معترض على قسمة ال وعطاؤه عباده ما شاء‪ .‬وتمني حصول نعمة كالتي حصلت لغيره‪،‬‬
‫وهذا مباح وليس حراما ويشهد له الحديث الصحيح‪" :‬ل حسد إل في اثنتين" الحديث ويسمى‬
‫غبضا‪.‬‬
‫سهِمْ} تأكيد لمضمون التي قبلها‪ .‬ومنه قوله تعالى‪َ َ{ :‬يكْتُبُونَ ا ْلكِتَابَ بِأَ ْيدِيهِمْ}‪،‬‬
‫‪ 4‬جملة‪{ :‬مِنْ عِنْدِ أَ ْنفُ ِ‬
‫{ َيقُولُونَ بَِأ ْفوَا ِههِم} ‪.‬‬
‫‪ 5‬فاعفوا‪ :‬أصلها‪ :‬فاعفووا‪ ،‬حذفت الضمة للثقل‪ ،‬وحذفت الواو للتقاء الساكنين‪ ،‬فصارت‪ :‬فاعفوا‪.‬‬

‫( ‪)1/97‬‬

‫مِنْ خَيْرٍ َتجِدُوهُ عِنْدَ اللّهِ إِنّ اللّهَ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ(‪.})110‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{وَدّ} ‪ :‬أحب‪.‬‬
‫{أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ} ‪ :‬اليهود والنصارى‪.‬‬
‫{حَسَدا} ‪ :‬الحسد تمني زوال النعمة على من هي به‪.‬‬
‫حقّ} ‪ :‬عرفوا أن محمدا رسول ال وأن دينه هو الدين الحق‪.‬‬
‫{تَبَيّنَ َل ُهمُ الْ َ‬
‫صفَحُوا} ‪ :‬ل تؤاخذهم ول تلوموهم‪ ،‬إذ العفو ترك العقاب‪ ،‬والصفح العراض عن‬
‫عفُوا وَا ْ‬
‫{فَا ْ‬
‫الذنب‪.‬‬
‫{حَتّى يَأْ ِتيَ اللّهُ بَِأمْ ِرهِ} ‪ :‬أي الذن بقتالهم والمراد بهم يهود المدينة‪ ،‬وهم‪ :‬بنو قينقاع‪ ،‬وبنو‬
‫النضير‪ ،‬وبنو قريظة‪.‬‬
‫{وََأقِيمُوا الصّلةَ} ‪ :‬إقامة الصلة‪ :‬أداؤها في أقواتها مستوفاة الشروط والركان والسنن‪.‬‬
‫{وَآتُوا ال ّزكَاةَ} ‪ :‬أعطوا زكاة أموالكم وافعلوا كل ما من شأنه يزكي أنفسكم من الطاعات‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫في الية الولى(‪ )109‬يخبر تعالى المؤمنين بنفسية كثير من أهل الكتاب وهي الرغبة الملحة في‬
‫أن يتخلى المسلمون عن دينهم الحق ليصبحوا كافرين‪ ،‬ومنشأ هذه الرغبة الحسد الناجم عن نفسية‬
‫ل ترغب أن ترى المسلمين يعيشون في نور اليمان بدل ظلمات الكفر‪ ،‬وبعد أن أعلم عباده‬
‫المؤمنين بما يضمر لهم أعداؤهم‪ ،‬أمرهم بالعفو ‪ 1‬والصفح؛ لن الوقت لم يحن بعد لقتالهم فإذا‬
‫حان الوقت قاتلوهم وشفوا منهم صدورهم‪.‬‬
‫وفي الية الثانية(‪ )110‬أمر ال تعالى المؤمنين بإقام الصلة وإيتاء الزكاة وفعل ‪ 2‬الخيرات‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا العفو والصفح نسخ بالذن بقتال اليهود وإجلئهم‪ ،‬وبقي العفو عن المسلم والصفح عنه إذا‬
‫عفَا وََأصْلَحَ فَأَجْ ُرهُ عَلَى اللّهِ} ‪،‬‬
‫أساء إلى أخيه المسلم لجهالة به‪ ،‬فإنه محمود‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬فمَنْ َ‬
‫وقال رسوله‪" :‬من غفر غفر له" ‪.‬‬
‫سكُمْ مِنْ خَيْرٍ َتجِدُوهُ عِنْدَ‬
‫‪ 2‬فعل الخيرات هنا مستفاد من قوله تعالى في الية‪َ { :‬ومَا ُتقَ ّدمُوا لَنْفُ ِ‬
‫اللّه} ‪.‬‬

‫( ‪)1/98‬‬

‫تهذيبا لخلقهم وتزكية لنفوسهم وواعدهم بحسن العاقبة بقوله‪{ :‬إِنّ اللّهَ‪ِ 1‬بمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ} ‪.‬‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬اليهود والنصارى يعلمون أن السلم حق وأن المسلمين على حق فحملهم ذلك على حسدهم‬
‫ثم عداوتهم‪ ،‬والعمل على تكفيرهم‪ ...‬وهذه النفسية ما زالت طابع أهل الكتاب إزاء المسلمين إلى‬
‫اليوم‪.‬‬
‫‪ -2‬في الظرف الذي لم يكن مواتيا للجهاد على المسلمين أن يشتغلوا فيه بالعداد للجهاد‪ ،‬وذلك‬
‫بتهذيب الخلق والرواح وتزكية النفوس بإقام الصلة وإيتاء الزكاة وفعل الخيرات إبقاء على‬
‫طاقاتهم الروحية والبدنية إلى حين يؤذن لهم بالجهاد‪.‬‬
‫‪ -3‬تقوية الشعور ‪ 2‬بمراقبة ال تعالى ليحسن العبد نيته وعمله‪.‬‬
‫خلَ الْجَنّةَ إِل مَنْ كَانَ هُودا َأوْ َنصَارَى تِ ْلكَ َأمَانِ ّيهُمْ ُقلْ هَاتُوا ‪ 3‬بُرْهَا َنكُمْ إِنْ كُنْتُمْ‬
‫{ َوقَالُوا لَنْ يَ ْد ُ‬
‫خ ْوفٌ عَلَ ْيهِ ْم وَل هُمْ‬
‫حسِنٌ فَلَهُ أَجْ ُرهُ عِ ْندَ رَبّ ِه وَل َ‬
‫ج َههُ لِلّ ِه وَ ُهوَ مُ ْ‬
‫صَا ِدقِين(‪ )111‬بَلَى مَنْ َأسْلَ َم وَ ْ‬
‫شيْءٍ‬
‫ستِ الْ َيهُودُ عَلَى َ‬
‫شيْ ٍء َوقَاَلتِ ال ّنصَارَى لَيْ َ‬
‫ستِ ال ّنصَارَى عَلَى َ‬
‫يَحْزَنُونَ(‪َ )112‬وقَاَلتِ الْ َيهُودُ لَيْ َ‬
‫حكُمُ بَيْ َن ُهمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ‬
‫وَهُمْ يَتْلُونَ ا ْلكِتَابَ كَذَِلكَ قَالَ الّذِينَ ل َيعَْلمُونَ مِ ْثلَ َقوِْلهِمْ فَاللّهُ َي ْ‬
‫يَخْتَِلفُون(‪})113‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬مثل هذه الجملة المذيل بها الكلم تكون للترغيب كما هنا‪ ،‬وتكون للترهيب‪ ،‬أي‪ :‬تصلح للوعد‬
‫والوعيد‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا مستفاد من قوله تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ} ‪.‬‬
‫‪ 3‬في الية دليل على بطلن التقليد‪ ،‬وهو قبول قول الغير بل دليل‪ ،‬وفي الية أن من ادعى شيئا‬
‫نفيا أو إثباتا يطالب بالدليل بطلت دعواه‪.‬‬

‫( ‪)1/99‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ا ْلجَنّةَ} ‪ :‬دار النعيم وتسمى دار السلم وهي فوق السماء السابعة‪.‬‬
‫{هُودا ‪ : }1‬يهودا‪.‬‬
‫{ َنصَارَى} ‪ :‬صليبيين مسيحيين‪.‬‬
‫{َأمَانِ ّيهُمْ ‪ : }2‬جمع أمنية ما يتمناه المرء بدون ما يعمل للفوز به‪ ،‬فيكون غرورا‪.‬‬
‫البرهان ‪ :‬الحجة الواضحة‪.‬‬
‫ح َكمِ‬
‫{بَلَى} ‪ :‬حرف إجابة يأتي بعد نفي مقرون باستفهام ‪ 3‬غالبا نحو قوله تعالى‪{ :‬أَلَيْسَ اللّهُ بِأَ ْ‬
‫الْحَا ِكمِينَ} ؟ بلى‪ ،‬أي‪ :‬هو أحكم الحاكمين‪ ،‬ولما ادعى اليهود والنصارى أن الجنة ل يدخلها إل‬
‫من كان يهوديا أو نصرانيا قال تعالى‪( :‬بلى) أي ليس المر كما تزعمون فل يدخل الجنة يهودي‬
‫ول نصراني ولكن يدخلها من أسلم وجهه ل وهو محسن أي‪ :‬عبد آمن فصدق وعمل صالحا‬
‫فأحسن‪.‬‬
‫ليست على شيء ‪ :‬أي‪ :‬من الدين الحق‪.‬‬
‫{يَتْلُونَ ا ْلكِتَابَ} ‪ :‬أي‪ :‬التوراة والنجيل‪.‬‬
‫الذين من قبلهم ‪ :‬هذا اللفظ صادق على مشركي العرب‪ ،‬وعلى غيرهم من أمم جاهلة سبقت‪.‬‬
‫سبب نزول اليتين ومعناهما‪:‬‬
‫لما جاء وفد نصارى نجران إلى المدينة التقى باليهود في مجلس النبي صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫ولعدائهم السابق تماروا فادعت اليهود أن الجنة ل يدخلها إل من كان يهوديا‪ ،‬وادعت النصارى‬
‫أن الجنة ل يدخلها إل من كان نصرانيا فرد ال تعالى عليهم وأبطل دعواهم حيث طالبهم‬
‫بالبرهان عليها فلم يقدروا وأثبت تعالى دخول الجنة لمن زكى نفسه باليمان الصحيح والعمل‬
‫الصالح‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هود‪ :‬جمع هائد‪ ،‬أي‪ :‬متبع اليهودية‪ ،‬ومثله‪ :‬عوذ‪ ،‬جمع عائد‪ ،‬وهي‪ :‬الحديثة النتاج من الظباء‪،‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والبل‪ ،‬والخيل‪.‬‬
‫‪ 2‬ما تمناه اليهود وأشير إليه هنا بقوله‪{ :‬تِ ْلكَ َأمَانِ ّيهُمْ} هو أن ل ينزل على المؤمنين خير من ربهم‬
‫وأن يردوهم كفارا‪ ،‬وأن يدخلون الجنة وحدهم دون غيرهم‪.‬‬
‫عظَامَهُ‪ ،‬بلى} فقد أجيب بها ولم‬
‫جمَعَ ِ‬
‫سبُ النْسَانُ أَلّنْ نَ ْ‬
‫‪ 3‬ومن غير الغالب قوله تعالى‪{ :‬أَ َيحْ َ‬
‫ج َههُ} ‪.‬‬
‫يتقدمها نفي مقرون باستفهام‪ ،‬ومنه هذه الية‪{ :‬بَلَى مَنْ َأسْلَ َم وَ ْ‬

‫( ‪)1/100‬‬

‫حسِنٌ} يريد قلبه وجوارحه ‪ 1‬فآمن ووحد وعمل صالحا‬


‫ج َههُ لِلّ ِه وَ ُهوَ مُ ْ‬
‫فقال‪{ :‬بَلَى مَنْ َأسْلَ َم وَ ْ‬
‫فأحسن فهذا الذي يدخل الجنة وهي أجره على إيمانه وصالح أعماله‪ ،‬فل هو يخاف ول يحزن‪.‬‬
‫هذا معنى اليتين الولى(‪ )111‬والثانية(‪ )112‬والثالثة(‪ )113‬فقد سجلت كفر كل من اليهود‬
‫والنصارى‪ ،‬بشهادتهم على بعضهم بعضا فقد كفر اليهود والنصارى بقولهم‪ :‬إنهم ليسوا على شيء‬
‫من الدين الحق الذي يعتد به ويؤبه له‪ ،‬وكفّر النصارى اليهود بقولهم‪ :‬ليست اليهود على شيء مع‬
‫أنهم يقرأون التوراة والنجيل‪ ،‬فلذا كان تكفيرهم لبعضهم لبعض حقا وصدقا‪ .‬ثم أخبر تعالى أن ما‬
‫وقع فيه اليهود والنصارى وهم أهل كتاب من الكفر والضلل قد وقع فيه أمم قبلهم دون علم منهم‬
‫وذلك لجهلهم‪ ،‬وأخبر تعالى أنه سيحكم بينهم يوم القيامة ويجزيهم بكفرهم وضللهم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬إبطال تأثير النسب ‪ 2‬في السعادة والشقاء‪ ،‬وتقرير أن السعادة بدخول الجنة مردها إلى تزكية‬
‫النفس باليمان والعمل الصالح‪ ،‬وإن الشقاوة بدخول النار مردها إلى الشرك‪ ،‬وارتكاب الذنوب فل‬
‫نسبة إلى يهودية أو نصرانية أو غيرهما تُغني عن صاحبها‪ ،‬وإنما المغني بعد فضل ال ورحمته‬
‫اليمان والعمل الصالح بعد التخلي عن الشرك والمعاصي‪.‬‬
‫‪ -2‬كفر اليهود والنصارى وهو شر كفر؛ لنه كان على علم‪.‬‬
‫‪ -3‬السلم الصحيح القائم على أسسه الثلثة اليمان والسلم والحسان هو سبيل ‪ 3‬النجاة من‬
‫النار والفوز بالجنة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬ذاته‪ ،‬إذ طاعة ال تعالى تكون بها قلبا وجوارح‪ ،‬ومن إطلق الوجه على الذات‪ ،‬قول‬
‫الشنفري‪:‬‬
‫إذا قطع رأسي وفي الرأس أكثري ‪ ...‬وغودر عند الملتقى ثم سائري‬
‫قوله وفي الرأس أكثري‪ :‬فيه تفصيل الرأس الذي هو بمعنى الوجه على سائر الجسد لفضليته‪،‬‬
‫فكذلك إطلق الوجه في الية و إرادة الذات‪ ،‬لن الوجه أشرف الذات‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 2‬ويشهد لهذا قول الرسول صلى ال عليه وسلم في صحيح مسلم‪" :‬ومن بطأ به عمله لم يسرع به‬
‫نسبه" الحديث‪.‬‬
‫جهَهُ لِلّ ِه وَ ُهوَ مُحْسِنٌ} الية‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا مستفاد من قوله تعالى‪{ :‬بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَ ْ‬

‫( ‪)1/101‬‬

‫سعَى فِي خَرَا ِبهَا أُولَ ِئكَ مَا كَانَ َلهُمْ أَنْ‬
‫سمُ ُه وَ َ‬
‫{ َومَنْ أَظَْلمُ ِممّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَنْ ُي ْذكَرَ فِيهَا ا ْ‬
‫عذَابٌ عَظِيمٌ(‪ )114‬وَلِلّهِ ا ْلمَشْ ِرقُ‬
‫ي وََلهُمْ فِي الخِ َرةِ َ‬
‫يَ ْدخُلُوهَا إِل خَا ِئفِينَ َلهُمْ فِي الدّنْيَا خِ ْز ٌ‬
‫جهُ اللّهِ إِنّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(‪})115‬‬
‫وَا ْل َمغْرِبُ فَأَيْ َنمَا ُتوَلّوا فَثَ ّم وَ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ َومَنْ أَظَْلمُ} ‪ :‬الستفهام للنكار والنفي‪ ،‬والظلم وضع الشيء في غير محله مطلقا‪.‬‬
‫سعَى ‪ 1‬فِي خَرَا ِبهَا} ‪ :‬عمل في هدمها وتخريبها حقيقة أو يمنع الصلة فيها وصرف الناس عن‬
‫{وَ َ‬
‫التعبد فيها إذ هذا من خرابها أيضا‪.‬‬
‫الخزي ‪ :‬الذل والهوان ‪.2‬‬
‫{فَثَمّ وَجْهُ اللّهِ} ‪ :‬هناك ال تعالى إذ ال عز وجل محيط بخلقه فحيثما اتجه العبد شرقا أو غربا‬
‫شمالً أو جنوبا وجد ال تعالى‪ ،‬إذ الكائنات كلها بين يديه وكيف ل يكون ذلك وقد أخبر عن نفسه‬
‫أن الرض قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه‪ ،‬فليس هناك جهة تخلو من علم ال‬
‫تعالى وإحاطته بها وقدرته عليها‪ .‬ويقرر هذا قوله‪{ :‬إِنّ اللّ َه وَاسِعٌ عَلِيمٌ} ‪ ،‬إنه واسع الذات والعلم‬
‫والفضل والجود والكرم عليم بكل شيء لنه محيط بكل شيء‪.‬‬
‫شرح اليتين‪:‬‬
‫ففي الية الولى(‪ )114‬ينفي تعالى أن يكون هناك من هو أكثر ظلما ممن منع مساجد ‪ 3‬ال تعالى‬
‫أن يعبد ال تعالى فيها‪ ،‬لن العبادة هي علة الحياة فمن منعها كان كمن أفسد‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أصل السعي‪ :‬المشي‪ ،‬ومنه السعي بين الصفا والمروة‪ ،‬وهو المشي بينهما ثم أطلق على‬
‫التسبب مطلقا يقال‪ :‬سعى فلن في مصلحتك وسعى فلن في الفساد بين فلن وفلن‪.‬‬
‫‪ 2‬وقد نال صناديد قريش حيث أزلهم وأخزاهم يوم الفتح على يد رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وأصحابه رضوان ال عليهم‪.‬‬
‫‪ 3‬المساجد‪ :‬جمع مسجد بكسر الجيم على غير قياس إذ فعل بالفتح‪ ،‬يفعل بالضم‪ ،‬السم منه‬
‫كالمصدر مفعل بالفتح‪ ،‬ونظير المسجد المطلع والمشرق والمسكن والمرفق‪ .‬والمسجد بالفتح‪:‬‬
‫جبهة المرء وأعضاء سجوده السبعة‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/102‬‬

‫الحياة كلها وعطلها‪ ،‬وفي نفس الوقت ينكر تعالى هذا الظلم على فاعليه وسواء كانوا قريشا‬
‫بصدهم النبي وأصحابه عن المسجد الحرام‪ ،‬أو فلطيوس ملك الروم الذي خرّب المسجد القصى‬
‫‪ ،1‬أو غيرهم ممن فعلوا هذا الفعل أو من سيفعلونه مستقبلً‪ ،‬ولذا ضمن تعالى قوله‪{ :‬مَا كَانَ َلهُمْ‬
‫أَنْ يَ ْدخُلُوهَا إِل خَا ِئفِينَ} ‪ ،‬أمر المسلمين بجهاد الكافرين وقتالهم حتى يسلموا أو تكسر شوكتهم‬
‫فيذلوا ويهونوا‪.‬‬
‫وفي الية الثانية(‪ )115‬يخبر تعالى رادا على اليهود الذين انتقدوا أمر تحويل القبلة من بين‬
‫المقدس إلى الكعبة‪ ،‬مؤذنا بجواز صلة من جهل القبلة أو خفيت عليه إلى أي جهة كانت‪ ،‬فأخبر‬
‫تعالى أن له المشرق والمغرب ‪ 2‬خلفا وملكا وتصرفا‪ ،‬يوجه عباده إلى الوجهة التي يشاؤها شرقا‬
‫أو غربا‪ ،‬جنوبا أو شمالً‪ ،‬فل اعتراض ول إنكار وأن ال تعالى محيط بالكائنات‪ ،‬فحيثما توجه‬
‫العبد في صلته فهو متوجه إلى ال تعالى‪ ،‬إل أنه تعالى أمر بالتوجه في الصلة إلى الكعبة بمن‬
‫عرف جهتها ل يجوز له أن يتجه إل إليها‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬عظم جريمة من يتعرض للمساجد بأي أذى ‪ 3‬أو إفساد‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب حماية المساجد من دخول الكافرين إل أن يدخلوها بإذن المسلمين وهم أذلء‬
‫صاغرون‪.‬‬
‫‪ -3‬صحة صلة ‪ 4‬النافلة على المركوب في السفر إلى القبلة وإلى غيرها‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب استقبال القبلة إل عند العجز ‪ 5‬فيسقط هذا الواجب‪.‬‬
‫‪ -5‬العلم بإحاطة ال تعالى بالعوالم كلها قدرة وعلما فل يخفى عليه من أمر العوالم شيء ول‬
‫يعجزه آخر‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وقد خرب بيت المقدس أيضا بختنصر اليهودي البابلي قبل النصارى‪.‬‬
‫‪ 2‬بناء على كروية الرض‪ ،‬فإن الرض كلها مشرق ومغرب‪ ،‬إذ كل مكان تشرق فيه هو مكان‬
‫تغرب فيه‪.‬‬
‫‪ 3‬من عظم ذنب من منع مساجد ال أن يذكر فيها اسمه أخذ المالكية أن المرأة الصرورة التي لم‬
‫تحج الفرض ل تمنع من الحج وإن لم يكن معها محرم‪ ،‬وعدو منعها من أداء الفريضة من الصد‬
‫عن المسجد عن الحرام‪.‬‬
‫‪ 4‬إذ صح عن ابن عمر رضي ال عنهما أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يصلي النافلة على‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫راحتله حيثما اتجهت به القبلة وإلى غيرها‪.‬‬
‫‪ 5‬للعجز صور منها‪ :‬أن يكون مريضا ل يقدر على التحول‪ ،‬ومنها‪ :‬أن يكون خائفا‪ ،‬ومنها‪ :‬أن‬
‫يكون مقاتلً أو هاربا‪ ،‬ومنها‪ :‬أن يكون جاهلً بها فطلبها ولم يعرف فصلى حيث ترجح القبلة وإن‬
‫لم يصبها‪.‬‬

‫( ‪)1/103‬‬

‫ت وَالَ ْرضِ ُكلّ لَهُ قَانِتُونَ(‪ )116‬بَدِيعُ‬


‫سمَاوَا ِ‬
‫{ َوقَالُوا ‪ 1‬اتّخَذَ اللّ ُه وَلَدا سُ ْبحَانَهُ َبلْ لَهُ مَا فِي ال ّ‬
‫ض وَإِذَا َقضَى َأمْرا فَإِ ّنمَا َيقُولُ لَهُ كُنْ فَ َيكُونُ(‪َ )117‬وقَالَ الّذِينَ ل َيعَْلمُونَ َلوْل ‪2‬‬
‫سمَاوَاتِ وَالَ ْر ِ‬
‫ال ّ‬
‫ُيكَّلمُنَا اللّهُ َأوْ تَأْتِينَا آيَةٌ َكذَِلكَ قَالَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ مِ ْثلَ َقوِْلهِمْ َتشَا َب َهتْ قُلُو ُبهُمْ َقدْ بَيّنّا الياتِ ِلقَوْمٍ‬
‫يُوقِنُونَ(‪ )118‬إِنّا أَرْسَلْنَاكَ بِا ْلحَقّ َبشِيرا وَنَذِيرا وَل تُسَْألُ عَنْ َأصْحَابِ ا ْلجَحِيمِ(‪})119‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫سبحانه ‪ :‬تنزه وتقدس عن كل نقص ومنه أن يكون له ولد‪.‬‬
‫قانتون ‪ :‬خاضعون مطيعون تجري عليهم أقداره وتنفذ فيهم أحكامه‪.‬‬
‫بديع السموات ‪ :‬مبدعها أي موجدها على غير مثال سابق‪.‬‬
‫قضى أمرا ‪ :‬حكم بإيجاده‪.‬‬
‫أو تأتيه آية ‪ :‬كآيات موسى وعيسى في العصا وإحياء الموتى‪.‬‬
‫ول تسأل ‪ :‬قرئ بالتاء للمجهول‪ ،‬ول نافية والفعل مرفوع‪ ،‬وقرئ بالبناء للمعلوم ول ناهية والفعل‬
‫مجزوم‪.‬‬
‫الجحيم ‪ :‬دركة من دركات النار وهي أشدها عذابا‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في ذكر أباطيل الكافرين من أهل الكتاب والمشركين والرد عليها بما يظهر‬
‫زيفها ويبطلها نهائيا ففي اليتين الولى(‪ )116‬والثانية(‪ )117‬يذكر تعالى قول‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الضمير المرفوع في {قالوا} عائد إلى الفرق الثلث‪ ،‬وهم‪ :‬أهل الكتاب‪ ،‬ومشركوا العرب‪.‬‬
‫‪ 2‬لول‪ :‬بمعنى لعل التحضيضية‪.‬‬

‫( ‪)1/104‬‬

‫أهل الكتاب والمشركين في أن ال اتخذ ولدا‪ ،‬إذ قالت اليهود‪ :‬العزير ابن ال‪ ،‬وقالت النصارى‪:‬‬
‫المسيح ابن ال‪ ،‬وقال بعض مشركي العرب‪ :‬الملئكة بنات ال‪ ،‬ذكر تعالى قولهم اتخذ ال ولدا ثم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫نزه ‪ 1‬نفسه عن هذا القول الباطل والفرية ‪ 2‬الممقوتة‪ ،‬وذكر الدلة العقلية على بطلن الدعوى‪.‬‬
‫فأولً‪ :‬مِلْكيةُ ال تعالى لما في السموات والرض‪ ،‬وخضوع ‪ 3‬كل من فيهما لحكمه وتصريفه‬
‫وتدبيره يتنافى عقلً مع اتخاذ ولد منهم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬قدرة ال تعالى المتجلية في إبداعه السموات والرض وفي قوله للشيء كن فيكون يتنافى‬
‫معها احتياجه إلى الولد ‪ ،4‬وهو مالك كل شيء ورب كل شيء‪ ،‬وفي الية الثالثة(‪ )118‬يرد تعالى‬
‫على قولة المشركين الجاهلين‪َ{ :‬لوْل ُيكَّلمُنَا اللّهُ َأوْ تَأْتِينَا آ َيةٌ} حيث اقترحوا ذلك ليؤمنوا ويوحدوا‪،‬‬
‫فأخبر تعالى أن مثل هذا الطلب طلبه من قبلهم فتشابهت قلوبهم في الظلمة والنتكاس‪ ،‬فقد قال‬
‫اليهود لموسى أرنا ال جهرة‪ ،‬أما رؤية ال وتكليمه إياهم فغير ممكن في هذه الحياة حياة المتحان‬
‫والتكليف‪ ،‬لذا لم يجب إليه أحدا من قبلهم ول من بعدهم‪ ،‬وأما اليات فما أنزل ال تعالى وبينه في‬
‫كتابه من اليات الدالة على اليمان بال ووجوب عبادته وتوحيده فيها‪ ،‬وعلى صدق نبيه في‬
‫رسالته ووجوب اليمان به واتباعه كاف ومغن عن أية آية مادية يريدونها‪ ،‬ولكن القوم لكفرهم‬
‫وعنادهم لم يروا في آيات القرآن ما يهديهم وذلك لعدم إيقانهم‪ ،‬واليات يراها وينتفع بها الموقنون‬
‫ل الشاكون المكذبون‪.‬‬
‫وفي الية الرابعة(‪ )119‬يخفف تعالى على نبيه همّ مطالبة المشركين باليات بأنه غير مكلف‬
‫بهداية أحد ول ملزم بإيمان آخر‪ ،‬ول هو مسئول ‪ 5‬يوم القيامة عمن يدخل النار من الناس‪ ،‬إذ‬
‫مهمته محصورة في التبشير ‪ 6‬والنذار تبشير من آمن وعمل صالحا بالفوز بالجنة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وذلك بقوله‪{ :‬سبحانه} مصدر معناه‪ :‬التبرئة والتنزيه والمحاشاة‪.‬‬
‫‪ 2‬أحرج البخاري عن ابن عباس رضي ال عنهما عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬قال ال‬
‫تعالى‪ :‬كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك‪ ،‬وشتمني ولم يكن له ذلك‪ .‬فأما تكذيبه إياي فزعم أني ل‬
‫أقدر أن أعيده كما كان‪ ،‬وأما شتمي إياي فقوله لي‪ :‬ولد‪ ،‬فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا" ‪.‬‬
‫‪ 3‬الخضوع هنا تفسير القنوت‪ ،‬والقنوت يكون بمعنى الطاعة في ذلة وانكسار وخشوع‪ ،‬كما هو‬
‫في هذا السياق ويكون بمعنى السكوت كما في الصلة‪ ،‬كقوله تعالى‪َ { :‬وقُومُوا لِلّهِ قَانِتِينَ} أي‪ :‬ل‬
‫تتكلموا في صلتكم‪ ،‬ويكون بمعنى الدعاء في الصلة‪.‬‬
‫‪ 4‬من الدلة العقلية على إبطال فرية اتخاذ ال تعالى الولد‪ :‬أن الولدية تقضي التجانس‪ ،‬وال تعالى‬
‫ليس كمثله شيء‪ ،‬وهو ل يجانسه شيء‪ ،‬ثم الولد يتنافى مع الرق والملك وال له ملك السموات‬
‫والرض‪ ،‬فكيف يكون الرقيق ولدا؟!‪.‬‬
‫جحِيمِ} ‪،‬‬
‫‪ 5‬قرأ نافع وحده {ول تَسأل} بفتح التاء وسكون اللم في قوله‪{ :‬وَل ُتسَْألُ عَنْ َأصْحَابِ الْ َ‬
‫وروي عن ابن عباس رضي ال عنهما أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬يا ليت شعري ما فعل‬
‫أبواي" فأنزل ال تعالى هذه الية‪.‬‬
‫‪ 6‬البشير كالنذير فعلهما بشر‪ ،‬وأنذر‪ .‬واسم الفاعل‪ :‬مبشر ومنذر‪ ،‬ونقل إلى بشير ونذير للمبالغة‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫في الفعل‪.‬‬

‫( ‪)1/105‬‬

‫والنجاة من النار‪ ،‬وإنذار من كفر وعمل سوءا بدخول النار والعذاب الدائم فيها‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة نسبة أي شيء إلى ال تعالى بدون دليل من الوحي اللهي‪ ،‬إذ أنكر تعالى نسبة الولد‬
‫إليه أنكره على أهل الكتاب والمشركين معا‪.‬‬
‫‪ -2‬تشابه قلوب أهل الباطل في كل زمان ومكان لستجابتهم للشيطان وطاعتهم له‪.‬‬
‫‪ -3‬ل ينتفع باليات إل أهل اليقين لصحة عقولهم وسلمة قلوبهم‪.‬‬
‫‪ -4‬على المؤمن أن يدعو إلى ال تعالى‪ ،‬وليس عليه أن يهدي‪ ،‬إذ الهداية بيد ال‪ ،‬وأما الدعوة‬
‫فهي في قدرة النسان‪ ،‬وهو مكلف بها‪.‬‬
‫{وَلَنْ تَ ْرضَى عَ ْنكَ الْ َيهُو ُد وَل ال ّنصَارَى حَتّى تَتّ ِبعَ مِلّ َتهُمْ‪ُ 1‬قلْ إِنّ هُدَى اللّهِ ُهوَ ا ْلهُدَى وَلَئِنِ اتّ َب ْعتَ‬
‫ن وَِليّ وَل َنصِيرٍ(‪ )120‬الّذِينَ آتَيْنَا ُهمُ ا ْلكِتَابَ‬
‫أَ ْهوَاءَ ُهمْ َبعْدَ الّذِي جَا َءكَ مِنَ ا ْلعِلْمِ‪ 2‬مَا َلكَ مِنَ اللّهِ مِ ْ‬
‫حقّ تِلوَتِهِ أُولَ ِئكَ ُي ْؤمِنُونَ ِب ِه َومَنْ َيكْفُرْ بِهِ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلخَاسِرُونَ(‪})121‬‬
‫يَتْلُونَهُ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ملتهم ‪ :‬دينهم الذي هم عليه من يهودية ونصرانية‪.‬‬
‫قل إن الهدى هدى ال ‪ :‬الهدى‪ :‬ما أنزل به كتابه وبعث به رسوله وهو السلم‪ ،‬ل ما ابتدعه‬
‫اليهود والنصارى من بدعة اليهودية والنصرانية‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ملتهم‪ :‬بمعنى مللهم‪ ،‬إذ لكل كافر ملة‪ ،‬ومن هنا ذهب الجمهور إلى أن الكفر ملة واحدة‪ ،‬وذهب‬
‫أحمد في رواية له ومالك إلى أن الكفر ملل‪ ،‬ولذا فل يرث اليهودي النصراني‪ ،‬ول النصراني‬
‫اليهودي‪ ،‬ول المجوسي‪ .‬إذ لكل ملة‪ ،‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل يتوارث أهل‬
‫ملتين" ويبقى معنى الكفر ملة واحدة‪ ،‬أي‪ :‬إنه ليس فيه فاضل‪ ،‬ومفضول‪.‬‬
‫‪ 2‬روي أن أحمد استدل على كفر من قال بخلق القرآن بهذه الية‪{ :‬مِنْ َب ْعدِ مَا جَا َءكَ مِنَ ا ْلعِلْمِ}‬
‫وهو القرآن‪ .‬فمن قال بخلق القرآن‪ ،‬قال بخلق علم ال تعالى‪ .‬وهو كفر صريح‪.‬‬

‫( ‪)1/106‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من ولي ول نصير ‪ :‬الولي من يتولك ويكفيك أمرك‪ ،‬والنصير من ينصرك ويدفع عنك الذي‪.‬‬
‫يتلونه حق ‪ 1‬تلوته ‪ :‬ل يحرفون كلمه عن مواضعه ول يكتمون الحق الذي جاء فيه من نعت‬
‫الرسول محمد صلى ال عليه وسلم وغيره‪.‬‬
‫أولئك هم الخاسرون ‪ :‬المشار إليهم كفار أهل الكتاب والخسران خسران الدنيا والخرة‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق في أهل الكتاب يكشف عوارهم ويدعوهم إلى الهدى لو كانوا يهتدون‪ ،‬ففي الية‬
‫الولى(‪ )120‬يخبر تعالى رسوله وأمته تابعة له أن اليهود والنصارى لن يرضوا عنه حتى يتبع‬
‫ملتهم الباطلة‪ ،‬وهي اليهودية أو النصرانية‪ ،‬وفي هذا نهي عن اتباعهم ثم أمره أن يخبرهم أن‬
‫الهدى هدى ‪ 2‬ال الذي هو السلم وليس اليهودية ول النصرانية‪ ،‬إذ هما بدعتان من وضع أرباب‬
‫الهواء والطماع المادية‪.‬‬
‫ثم يحذر ال رسوله وأمته من اتباع اليهود والنصارى بعد الذي جاءهم والنعمة التي أتمها عليهم‬
‫ي وَل‬
‫ن وَِل ّ‬
‫وهي السلم فيقول‪{ :‬وَلَئِنِ اتّ َب ْعتَ أَ ْهوَاءَ ُهمْ َبعْدَ الّذِي جَا َءكَ مِنَ ا ْلعِلْمِ مَا َلكَ مِنَ اللّهِ مِ ْ‬
‫َنصِير} ‪.‬‬
‫وفي الية الثانية(‪ )112‬يخبر تعالى أن الذين آتاهم ال الكتاب التوراة والنجيل فكانوا يتلونه حق‬
‫تلوته فل يحرفون ول يكتمون هؤلء يؤمنون بالكتاب حق اليمان‪ ،‬أما الذين يحرفون كلم ال‬
‫ويكتمون ما جاء فيه من نعوت النبي صلى ال عليه وسلم فهؤلء ل يؤمنون به وهم الخاسرون‬
‫دون غيرهم‪ ،‬ومن آمن ‪ 3‬من أهل الكتاب بكتابه وتله حق تلوته سوف يؤمن بالنبي المي‬
‫ويدخل في دينه قطعا‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬ل يحصل المسلم على رضا اليهود والنصارى إل بالكفر بالسلم واتباع دينهم الباطل‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هم أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وتابعوهم بإحسان كان أحدهم إذا مر بآية رحمة‬
‫سألها ال تعال‪،‬ى وإذ تعالى مر بآية عذاب تعوذ بال من العذاب‪.‬‬
‫‪ 2‬أن ما يهدي إليه الرب تعالى عباده المؤمنين بمعنى ما يوفقهم إليه من السلم ظاهرا وباطنا‪،‬‬
‫فيعملون بطاعته وطاعة رسوله في المنشط والمكره‪ ،‬ذلك هو هدى ال المبعد عن الضلل‬
‫والموصل إلى دار السلم‪.‬‬
‫‪ 3‬كعبد ال بن سلم‪ ،‬ومن آمن على عهد رسول ال من أحبار أهل الكتاب‪.‬‬

‫( ‪)1/107‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وهذا ما ل يكون للمسلم أبدا‪ ،‬فلذا طلب رضا اليهود والنصارى محرم ل يحل أبدا‪.‬‬
‫‪ -2‬ل دين ‪ 1‬حق إل السلم فل ينبغي أن يُلتفت إلى غيره بالمرة‪.‬‬
‫‪ -3‬من يوالي اليهود والنصارى باتباعهم على باطلهم يفقد ولية ال تعالى ويحرم نصرته‪.‬‬
‫‪ -4‬طريق الهداية في تلوة كتاب ال حق تلوته بأن يجوده قراءة ويتدبره هداية ويؤمن بحكمه‬
‫ومتشابهه‪ ،‬ويحلل حلله ويحرم حرامه‪ ،‬ويقيم حدوده كما يقيم حروفه‪.‬‬
‫{يَا بَنِي ‪ِ 2‬إسْرائيلَ ا ْذكُرُوا ِن ْعمَ ِتيَ الّتِي أَ ْن َع ْمتُ عَلَ ْيكُ ْم وَأَنّي َفضّلْ ُتكُمْ عَلَى ا ْلعَاَلمِينَ(‪ )122‬وَا ّتقُوا َيوْما‬
‫شفَاعَةٌ وَل ُهمْ يُ ْنصَرُونَ(‪})123‬‬
‫ع ْدلٌ وَل تَ ْن َف ُعهَا َ‬
‫ل َتجْزِي َنفْسٌ عَنْ َنفْسٍ شَيْئا وَل ُيقْبَلُ‪ 3‬مِ ْنهَا َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إسرائيل ‪ :‬لقب يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلم‪.‬‬
‫وبنو إسرائيل‪ :‬هم اليهود‪.‬‬
‫العالمين ‪ :‬البشر الذين كانوا في زمانهم مطلقا‪.‬‬
‫ل تجزي ‪ :‬ل تقضي ول تغني‪.‬‬
‫العدل ‪ :‬الفداء‪.‬‬
‫شفاعة ‪ :‬وساطة أحد‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يشهد لهذا قوله صلى ال عليه وسلم في الصحيح‪" :‬والذي نفسي بيده ما يسمع بي أحد من هذه‬
‫المة يهودي ول نصراني ثم ل يؤمن بي إل دخل النار"‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا النداء الثالث الذي نادى ال تعالى به بني إسرائيل يأمرهم بذكر نعمه ليشكروها باليمان‬
‫برسوله‪ ،‬والدخول في دين السلم‪ ،‬لكن حالهم كما قال القائل‪:‬‬
‫لقد أسمعت لو ناديت حيا ‪ ...‬ولكن ل حياة لمن تنادي‬
‫‪ 3‬يلحظ تقديم الشفاعة في النداء الثاني على أخذ العدل وتأخير الشفاعة في هذا النداء وتقديم‬
‫العدل وما هو إل تفنن في السلوب إذهابا للسآمة‪ .‬وهذا شأن الكلم البليغ‪.‬‬

‫( ‪)1/108‬‬

‫معنى اليتين‪:‬‬
‫يعظ الرحمن عز وجل اليهود فيناديهم ‪ 1‬بأشرف ألقابهم ويأمرهم نعمه تعالى عليهم وهي كثيرة‪،‬‬
‫ويأمرهم أن يذكروا تفضيله تعالى لهم على عالمي زمانهم‪ ،‬والمراد من ذكر النعم شكرها‪ ،‬فهو‬
‫تعالى في الحقيقة يأمرهم بشكر نعمه‪ ،‬وذلك باليمان به وبرسوله والدخول في دينه الحق‬
‫(السلم)‪.‬‬
‫كما يأمرهم باتقاء عذاب يوم القيامة حيث ل تغني نفس عن نفس شيئا ول يقبل منها فداء ول‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تنفعها شفاعة‪ ،‬وهذه هي نفس الكافر المشرك‪ ،‬حيث ل شفاعة تنال الكافر أو المشرك‪ ،‬ول يوجد‬
‫لهم ناصر ينصرهم فيدفع عنهم العذاب‪ ،‬إذ اتقاء عذاب يوم القيامة يكون باليمان بال ورسوله‬
‫والعمل الصالح‪ ،‬بعد التخلي عن الكفر والمعاصي‪.‬‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب ذكر نعم ال على العبد ليجد بذلك دافعا نفسيا لشكوها‪ ،‬إذ غاية الذكر هي الشكر‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب اتقاء عذاب يوم القيامة باليمان وصالح العمال بعد التخلي عن الشرك والعصيان‪.‬‬
‫‪ -3‬استحالة الفداء يوم القيامة‪ ،‬وتعذر وجود شافع يشفع لمن مات على الشرك ل بإخراجه من‬
‫النار‪ ،‬ول بتخفيف العذاب عنه‪.‬‬
‫{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ‪ 2‬رَبّهُ‪ِ 3‬بكَِلمَات ٍ‪4‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬بهذا النداء ختم الحجاج مع اليهود في هذه السورة‪ ،‬فلم يجري لهم ذكر بعد فكان من براعة‬
‫المقطع‪ .‬ذكر هذا صاحب التحرير والتنوير‪ ،‬وليس صحيحا‪ ،‬بل الصحيح‪ :‬أن ختم الحجاج مع‬
‫ظَلمُوا مِ ْنهُمْ} الية ‪.149‬‬
‫اليهود انتهى عند قوله تعالى‪{ :‬إِل الّذِينَ َ‬
‫‪ 2‬أبرهم بالسريانية والعبرية أيضا معناه‪ :‬أب رحيم‪ ،‬ولرحمته جعلها ال تعالى كافلً للطفال‬
‫المؤمنين في الجنة إلى يوم القيامة إن صح الحديث بذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬ذكر الربوبية هنا تشريف لبراهيم عليه السلم وإيذان بأن ابتلؤه كان تربية له وإعدادا له‬
‫لمر خطير‪.‬‬
‫‪ 4‬الكلمات‪ :‬جمع كلمة‪ ،‬وهي اللفظ المفرد‪ ،‬وتطلق على الكلم أيضا‪ ،‬والمراد بها هنا كلمات‬
‫تحمل الوامر التكليفية‪ ،‬ومن أبرزها ما يلي‪ :‬كسر الصنام‪ ،‬والهجرة‪ ،‬وذبح إسماعيل‪ ،‬وبناء‬
‫البيت العتيق‪ ،‬والختان‪ ،‬والصلة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬وخصال الفطرة‪ ،‬والصدق‪ ،‬والصبر‪ ،‬وبالجملة‪ :‬فقد‬
‫نهض إبراهيم بكل ما عاهد إليه ربه بالقيام به من الشرائع‪ ،‬فلذا أكرمه بالمامة وشرفه بها‪.‬‬

‫( ‪)1/109‬‬

‫عهْدِي الظّاِلمِينَ(‪})124‬‬
‫ل َومِنْ ذُرّيّتِي قَالَ ل يَنَالُ َ‬
‫فَأَ َت ّمهُنّ قَالَ إِنّي جَاعُِلكَ لِلنّاسِ ِإمَاما قَا َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ابتلى ‪ :‬اختبره بتكليفه بأمور شاقة عليه‪.‬‬
‫بكلمات ‪ :‬متضمنة أوامر ونواهي‪.‬‬
‫أتمهن ‪ :‬قام بهن وأداهن على أكمل الوجوه وأتمها‪.‬‬
‫إماما ‪ :‬قدوة صالحة يقتدى به في الخير والكمال‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الظالمين ‪ :‬الكافرين والمشركين والفاسقين المعتدين على الناس‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫بعد ذلك الحجاج الطويل الذي عاشه رسول ال مع طائفتي أهل الكتاب من اليهود والنصارى‪،‬‬
‫وكذا المشركين في اليات السابقة لهذه الية‪ ،‬أمر تعالى رسوله أن يذكر ابتلءه تعالى لنبيه‬
‫وخليله إبراهيم عليه السلم بما كلفه من أوامر ونواهي‪ ،‬فقام بها خير قيام فأنعم عليه بأكبر إنعام‪،‬‬
‫وهو أنه جعله إماما للناس‪ ،‬ومن أبرز تلك التكاليف وقوفه في وجه الوثنيين‪ ،‬وتحطيم أوثانهم‪،‬‬
‫والهجرة من ديارهم والهم بذبح ولده إسماعيل قربانا ل‪ ،‬وبناء البيت‪ ،‬وحجة الدعوة إليه مما‬
‫استحق به المامة للناس كافة‪ ،‬وفي هذا تبكيت للفرق الثلثة‪ :‬العرب المشركين‪ ،‬واليهود‪،‬‬
‫والنصارى‪ .‬إذ كلهم يدعي انتماءه لبراهيم والعيش على ملته فها هو ذا إبراهيم موحد وهم‬
‫مشركون‪ ،‬عادل وهم ظالمون‪ ،‬مُتبع للوحي اللهي وهم به كافرون ولصاحبه مكذبون‪ ،‬وفي الية‬
‫بيان رغبة إبراهيم في أن تكون المامة في ذريته وهي رغبة صالحة فجعلها ال تعالى في ذريته‬
‫‪ 2 1‬كما رغب واستثنى تعالى الظالمين فإنهم ل يستحقونها فهي ل تكون إل في أهل الخير‬
‫والعدل و الرحمة ل تكون في الجبابرة القساة ول الظالمين العتاة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الذرية‪ :‬مأخوذ من ذرأ ال الخلق درأً‪ ،‬أي‪ :‬خلقهم والجمع‪ :‬ذراري‪.‬‬
‫جعَلْنَا فِي ذُرّيّ ِتهِ النّ ُب ّو َة وَا ْلكِتَاب} الية من سورة العنكبوت‪.‬‬
‫‪ 2‬قال تعالى‪{ :‬وَ َ‬

‫( ‪)1/110‬‬

‫هداية الية‪:‬‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬المامة ل تنال إل بصحة اليقين ‪ 1‬والصبر على سلوك سبيل المهتدين‪.‬‬
‫‪ -2‬مشروعية ولية العهد‪ ،‬بشرط أن ل يعهد إل إلى من كان على غاية من اليمان والعلم‬
‫والعمل والعدل والصبر‪.‬‬
‫ل وعملً‪ 2‬يؤهل لن يكون صاحبه قدوة صالحة للناس‪.‬‬
‫‪ -3‬القيام بالتكاليف الشرعية قو ً‬
‫عهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ‬
‫ى وَ َ‬
‫خذُوا مِنْ َمقَامِ إِبْرَاهِيمَ ُمصَلّ ً‬
‫س وََأمْنا وَاتّ ِ‬
‫جعَلْنَا الْبَ ْيتَ مَثَابَةً‪ 3‬لِلنّا ِ‬
‫{ وَإِذْ َ‬
‫ج َعلْ‬
‫طهّرَا بَيْ ِتيَ لِلطّا ِئفِينَ وَا ْلعَا ِكفِينَ وَال ّركّعِ السّجُودِ(‪ )125‬وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ َربّ ا ْ‬
‫سمَاعِيلَ أَنْ َ‬
‫وَإِ ْ‬
‫هَذَا بَلَدا آمِنا وَارْزُقْ َأهْلَهُ مِنَ ال ّثمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِ ْن ُهمْ بِاللّ ِه وَالْ َيوْ ِم الخِرِ قَالَ َومَنْ َكفَرَ فَُأمَ ّتعُهُ قَلِيلً‬
‫ضطَ ّرهُ إِلَى عَذَابِ النّا ِر وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ(‪})126‬‬
‫ثُمّ َأ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫البيت ‪ :‬الكعبة التي هي البيت الحرام بمكة المكرمة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مثابة ‪ :‬مرجعا يثوب إليه العمار والحجاج‪.‬‬
‫أمنا ‪ :‬مكانا آمنا يأمن فيه كل من دخله‬
‫مقام إبراهيم ‪ :‬الحجر الذي كان قد قام عليه إبراهيم أيام كان يبني البيت وذلك أنه لما ارتفع البناء‬
‫احتاج إبراهيم إلى حجر عال يرقى عليه ليواصل بناء الجدران‪ ،‬فجيء بهذا الحجر فقام عليه‬
‫فسمي مقام إبراهيم‪.‬‬
‫__________‬
‫جعَلْنَا مِ ْنهُمْ أَ ِئمّةً َي ْهدُونَ بَِأمْرِنَا َلمّا صَبَرُوا‬
‫‪ 1‬شاهد هذا في كتاب ال تعالى إذ قال عز وجل‪َ { :‬و َ‬
‫َوكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} السجدة‪ .‬فلذا قيل‪ :‬بالصبر واليقين تنال المامة في الدين‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا مستفاد من قوله تعالى‪{ :‬وَِإذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ ِبكَِلمَاتٍ فَأَ َت ّمهُنّ قَالَ إِنّي جَاعُِلكَ لِلنّاسِ ِإمَاما}‬
‫‪.‬‬
‫‪ 3‬مثابة‪ :‬أصله‪ :‬ثاب مصدر ثاب يثوب مثابا‪ ،‬وزيدت فيه التاء للمبالغة كما زيدت في علمة‬
‫ونسابة‪ ،‬ويشهد لهذا قول الشاعر‪:‬‬
‫جعل البيت مثابة لهم ‪...‬‬
‫ليس منه الدهر يقضون الوطر‬

‫( ‪)1/111‬‬

‫مصلى ‪ :‬مكانا يصلى فيه أو عنده أو إليه‪.‬‬


‫عهدنا ‪ :‬وصينا وأمرنا‪.‬‬
‫تطهير البيت ‪ :‬تنزيه عن القذار الحسية؛ كالدماء والبوال‪ .‬ومعنوية؛ كالشرك والبدع والمفاسد‪.‬‬
‫اضطره ‪ :‬ألجأه مكرها إلى العذاب‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق في تذكير المشركين وأهل الكتاب معا بأبي النبياء وإمام الموحدين إبراهيم عليه‬
‫السلم‪ ،‬ومآثره الطيبة الحميدة‪ ،‬ومواقفه اليمانية العظيمة ليتجلى بذلك بطلن دعوى كل من أهل‬
‫الكتاب والمشركين في انتسابهم إلى إبراهيم كذبا وزورا‪ ،‬إذ هو موحد وهم مشركون‪ ،‬وهو مؤمن‬
‫وهم كافرون‪ ،‬فقال تعالى لنبيه صلى ال عليه وسلم‪ :‬اذكر لهم كيف جعلنا البيت مثابة للناس ‪1‬‬
‫يثوبون إليه في كل زمان حجاجا وعمارا‪ ،‬وأمنا دائما من دخله‪ ،‬أمن على نفسه وماله وعرض‪.‬‬
‫وقلنا لمن حجوا البيت أو اعتمروا اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى‪ ،‬فكان من سنة من طاف بالبيت‬
‫أن يصلي خلف المقام ركعتين‪ ،‬كما أوصينا ‪ 2‬من قبل إبراهيم وولده إسماعيل بتطهير البيت من‬
‫كل رجز معنويا؛ كالصنام وعبادة غير ال تعالى‪ ،‬أو حسيا؛ كالقذار والوساخ من دم أو بول‬
‫حتى يتمكن الطائفون والعاكفون ‪ 3‬والمصلون من آداء هذه العبادات بل أي أذى يلحقهم أو‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يضايقهم‪.‬‬
‫هذه ما تضمنته الية الولى(‪ ،)125‬أما الية الثانية(‪ )126‬فقد تضمنت أمر ال تعالى لرسوله أن‬
‫يذكر دعوة إبراهيم ربه بأن يجعل بلدا آمنا ‪ 4‬من دخله يأمن فيه ‪ 5‬على نفسه وماله وعرضه‪،‬‬
‫وأن يرزق أهله وسكانه المؤمنين من الثمرات وأن ال قد استجاب لبراهيم دعوته إل إن الكافرين‬
‫ل يحرمون الرزق في الدنيا ولكن يحرمون الجنة في الدار الخرة حيث‬
‫__________‬
‫‪ 1‬فقد أخبر النبي صلى ال عليه وسلم أن موسى عليه السلم حج البيت وإن هودا حجه من قبل‪،‬‬
‫وكذا سائر النبياء والمرسلين‪.‬‬
‫‪ 2‬الية وعهدنا‪ :‬إل إن الوعد المؤكد وقوعه يصير عهدا‪ ،‬فإن عدي بإلى صار وصية‪ ،‬فلذا‬
‫فسرنا‪ :‬العهد‪ ،‬هنا بالوصية‪.‬‬
‫‪ 3‬العكوف‪ :‬ملزمة المسجد للصلة والعبادة‪ ،‬والعاكفون الملزمون للمسجد الحرام من ساكن مكة‬
‫وغريب‪.‬‬
‫‪ 4‬الجمهور على أن الحدود تقام على أصحابها في الحرم‪ ،‬وخالف أبو حنيفة في هذا‪ ،‬وقول‬
‫الجمهور أصح وعليه العمل‪ .‬فقد روى البخاري أن عمر بن سعيد قال‪" :‬إن الحرم ل يعيذ عاصيا‪،‬‬
‫ول فارا بدم‪ ،‬ول فارا بخربة"‪.‬‬
‫‪ 5‬هل كانت مكة حراما قبل دعوة إبراهيم أو بعد دعوته خلف‪ ،‬ويشهد لقولها ما كانت حراما‬
‫قول النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬إن إبراهيم حرم مكة ودعا لهلها‪ "..‬الحديث في مسلم‪.‬‬

‫( ‪)1/112‬‬

‫يلجئهم تعالى مضطرا لهم إلى عذاب النار الغليظ وبئس هذا المصير الذي يصيرون إليه –وهو‬
‫النار‪ -‬من مصير‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬منة ال تعالى بجعل البيت مثابة للناس وأمنا توجب حمد ال على كل مؤمن‪.‬‬
‫‪ -2‬سنة صلة ركعتين خلف المقام لمن ‪ 1‬طاف البيت‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب حماية البيت والمسجد الحرام من أي ضرر يلحق من يوجد فيه من طائف وعاكف‬
‫وقائم وراكع وساجد‪.‬‬
‫‪ -4‬بركة دعوة إبراهيم لهل مكة‪ ،‬واستجابة ال تعالى له دعوته فلله الحمد والمنة‪.‬‬
‫‪ -5‬الكافر ل يحرم الرزق لكفره ‪ 2‬بل له الحق في الحياة إل أن يحارب فيقتل أو يسلم‪.‬‬
‫‪ -6‬مصير من مات كافرا إلى النار‪ ،‬ل محالة‪ ،‬والموت في الحرم ل يغني عن الكافر شيئا‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ(‪ )127‬رَبّنَا‬
‫سمَاعِيلُ‪ 4‬رَبّنَا َتقَبّلْ مِنّا إِ ّنكَ أَ ْنتَ ال ّ‬
‫{وَإِذْ يَ ْر َفعُ‪ 3‬إِبْرَاهِيمُ ا ْلقَوَاعِدَ مِنَ الْبَ ْيتِ وَإِ ْ‬
‫سكَنَا وَ ُتبْ عَلَيْنَا إِ ّنكَ أَ ْنتَ ال ّتوّابُ الرّحِيمُ(‬
‫ك وَأَرِنَا مَنَا ِ‬
‫ك َومِنْ ذُرّيّتِنَا ُأمّةً مُسِْلمَةً َل َ‬
‫جعَلْنَا مُسِْلمَيْنِ‪َ 5‬ل َ‬
‫وَا ْ‬
‫ح ْكمَةَ‬
‫ب وَالْ ِ‬
‫ك وَ ُيعَّل ُمهُمُ ا ْلكِتَا َ‬
‫‪ )128‬رَبّنَا وَا ْب َعثْ فِيهِمْ َرسُولً مِ ْنهُمْ يَتْلُو عَلَ ْيهِمْ آيَا ِت َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى البخاري عن عمر رضي ال عنه إنه قال‪" :‬وافقت ربي في ثلث‪ :‬قلت يا رسول ال لو‬
‫اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى‪ ،‬فنزلت‪{ :‬وَاتّخِذُوا مِنْ َمقَامِ إِبْرَاهِيمَ ُمصَّلىً} الية‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا مستفاد من قول ال تعالى‪َ { :‬ومَنْ َكفَرَ فَُأمَ ّتعُهُ قَلِيلً‪ }..‬إلخ‪ ،‬إذ إبراهيم عليه السلم سأل‬
‫الرزق للمؤمنين لغير نظرا إلى أن ال تعالى رد طلبه في سؤاله المامة لكافة ذريته‪ ،‬إذ قال‪{ :‬ل‬
‫عهْدِي الظّاِلمِينَ} فمن هنا استثنى إبراهيم غير المؤمنين فأعلمه ال أن الغذاء حق الحي مؤمنا‬
‫يَنَالُ َ‬
‫كان أو كافرا‪.‬‬
‫‪ 3‬التيان بالمضارع هنا مع أن السياق في أمور مضت من أجل استحضار الحالة كأنها مشاهدة‬
‫وذلك إبرازا لمواقف إمام الموحدين إبراهيم المشرفة ترغيبا في القتداء به‪.‬‬
‫‪ 4‬إسماعيل‪ :‬هو الولد البكر لبراهيم‪ ،‬وأمه‪ :‬هاجر الجارية المصرية‪ ،‬ومعنى إسماعيل‪ :‬سمع ال‪.‬‬
‫‪ 5‬هذا كسؤال المسلم في صلته‪{ :‬اهْدِنَا الصّرَاطَ ا ْلمُسْ َتقِيمَ} أي‪ :‬أدم هدايتنا واحفظ سيرنا عليه‬
‫جعَلْنَا مُسِْلمَيْنِ َلكَ} ‪ ،‬أي‪ :‬أدم لنا إسلمنا‬
‫حتى نفوز برضاك والجنة‪ ،‬فكذلك سؤال إبراهيم‪{ :‬رَبّنَا وَا ْ‬
‫واحفظها علينا حتى ل نتركه؛ لنه علة وجودنا وغاية أملنا في الحياة‪.‬‬

‫( ‪)1/113‬‬

‫حكِيمُ(‪})129‬‬
‫وَيُ َزكّيهِمْ إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫وإذ ‪ :‬ظرف لما مضى من الزمان ويعلق بمحذوف تقديره‪ :‬أذكر وقت كذا وكذا‪.‬‬
‫القواعد ‪ :‬جمع قاعدة ما يبنى عليه الجدار من أساس ونحوه‪.‬‬
‫البيت ‪ :‬الكعبة حماها ال وطهرها‪.‬‬
‫إنك أنت السميع العليم ‪ :‬هذه الجملة وسيلة توسل بها إبراهيم وولده لقبول دعائهم‪.‬‬
‫مسلمين ‪ :‬منقادين لك خاضعين لمرك ونهيك‪ ،‬راضين بحكمك‪ ،‬عابدين لك‪.‬‬
‫أرنا مناسكنا ‪ :‬علمنا كيف نحج بيتك‪ ،‬تمسكا وتعبدا لك‪.‬‬
‫تب علينا ‪ :‬وفقنا للتوبة إذا زللنا وأقبلها منا‪.‬‬
‫وابعث فيهم رسولً ‪ :‬هذا الدعاء استجابه ال تعالى‪ ،‬ومحمد صلى ال عليه وسلم هو ما طلباه‪.‬‬
‫الكتاب ‪ :‬القرآن‪.‬‬
‫الحكمة ‪ :‬السنة وأسرار الشرع والصابة في المور كلها‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يزكيهم ‪ :‬يطهر أرواحهم ويكمل عقولهم‪ ،‬ويهذب أخلقهم بما يعلمهم من الكتاب والحكمة‪ ،‬وما‬
‫بينه لهم من ضروب الطاعات‪.‬‬
‫العزيز الحكيم ‪ :‬العزيز الغالب الذي ل يغلب‪ .‬الحكيم في صنعه وتدبيره بوضع كل شيء في‬
‫موضعه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في ذكر مآثر إبراهيم عليه السلم المنبئة عن مكانته السامية في كمال‬
‫اليمان والطاعة‪ ،‬وعظيم الرغبة في الخير والرحمة‪ ،‬فقد تضمنت اليات الثلث ذكر إبراهيم‬
‫وإسماعيل وهما يبنيان البيت برفع قواعده وهما يدعوان ال تعالى بأن يتقبل ‪ 1‬منهما عملهما‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ} ‪.‬‬
‫متوسلين إليه بأسمائه وصفاته‪{ :‬إِ ّنكَ أَ ْنتَ ال ّ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذه من كمال الحال إذ هو في حال البناء‪ ،‬والتعب‪ ،‬والعرق‪ ،‬ويسأل أن يتقبل منه عمله‪ .‬هذا‬
‫شأن الكمال من الرجال‪ .‬قال تعالى عنهم‪{ :‬وَالّذِينَ ُيؤْتُونَ مَا آ َتوْا َوقُلُوبُهُ ْم َوجِلَةٌ} الية‪.‬‬

‫( ‪)1/114‬‬

‫كما يسألنه عز وجل أن يجعلها مسلمين له‪ ،‬وأن يجعل من ذريتهما أمة مسلمة ‪ 1‬له مؤمنة به‬
‫موحدة له ومنقادة لمره ونهيه مطيعة‪ ،‬وأن يعلمهما مناسك ‪ 2‬حج بيته العتيق ليحجاه على علم‪،‬‬
‫ويتوب عليهما‪ ،‬كما سأله عز وجل أن يبعث في ذريتهم رسولً منهم يتلو عليهم آيات ال ويعلمهم‬
‫الكتاب والحكمة ويزكيهم اليمان وصالح العمال‪ ،‬وجميل الخلل وطيب الخصال‪.‬‬
‫وقد استجاب ال تعالى دعاؤهما فبعث في ذريتهما من أولد إسماعيل إمام المسلمين وقائد الغر‬
‫المحجلين نبينا محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقد قرر هذا صلى ال عليه وسلم بقوله‪" :‬أنا دعوة ‪3‬‬
‫أبي إبراهيم وبشارة عيسى‪ "...‬عليهم جميعا السلم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬فضل السهام بالنفس في بناء المساجد ‪.4‬‬
‫‪ -2‬المؤمن البصير في دينه يفعل الخير وهو خائف أل يقبل منه فيسأل ال تعالى ويتوسل إليه‬
‫بأسمائه وصفاته أن يتقبله منه‪.‬‬
‫‪ -3‬مشروعية سؤال ال للنفس وللذرية الثبات على السلم حتى الموت عليه‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب تعلم مناسك الحج والعمرة على من أراد أن يحج أو يعتمر‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب طلب تزكية النفس باليمان والعمل الصالح‪ ،‬وتهذيب الخلق بالعلم والحكمة‪.‬‬
‫‪ -6‬مشروعية التوسل إلى ال تعالى في قبول الدعاء‪ ،‬وذلك بأسمائه تعالى وصفاته ل بحق فلن‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وجاه فلن‪ ،‬كما هو شأن المبتدعة والضلل‪ .‬ففي هذه اليات الثلث توسل إبراهيم وإسماعيل‬
‫بالجمل التالية‪:‬‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ}‬
‫‪{ -1‬إِ ّنكَ أَ ْنتَ ال ّ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هي أمة السلم التي أنشأها بعون ال تعالى محمد الذي بعثه ال رسولً في ذرية إسماعيل‬
‫للعالمين‪.‬‬
‫‪ 2‬النسك في اللغة‪ :‬الغسل بالماء‪ ،‬يقال‪ :‬نسك ثوبه إذا غسله‪ ،‬وهو في الشرع‪ :‬اسم للعبادة‪ ،‬لن‬
‫العبادة تطهر النفس وتزكيها‪ ،‬يقال‪ :‬رجل ناسك ومتنسك إذا لزم العبادة يغسل بها نفسه لتطهر‬
‫وتزكو فيفلح بذلك ويفوز‪ .‬ومناسك الحج‪ :‬هي العبادات المشروعة فيه من إحرام وطواف وذبح‬
‫الهدي وغير ذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬رواه أحمد بلفظ‪" :‬إني عند ال لخاتم النبيين وإن آدم لمجندل في طينته وسأنبئكم بأول ذك‪.‬‬
‫دعوة إبراهيم‪ ،‬وبشارة عيسى بي ورؤيا أمي التي رأت وكذلك أمهات النبيين يرين" ‪.‬‬
‫‪ 4‬وفي الحديث الصحيح‪" :‬من بنى ل مسجدا بنى ال له قصرا في الجنة" ‪.‬‬

‫( ‪)1/115‬‬

‫‪{ -2‬إِ ّنكَ أَ ْنتَ ال ّتوّابُ الرّحِيمُ} ‪.‬‬


‫حكِيمُ}‬
‫‪{ -3‬إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫طفَيْنَاهُ‪ 2‬فِي الدّنْيَا وَإِنّهُ فِي الخِ َرةِ َلمِنَ‬
‫سفِهَ َنفْسَ ُه وََلقَدِ اصْ َ‬
‫غبُ‪ 1‬عَنْ مِلّةِ إِبْرَاهِيمَ إِل مَنْ َ‬
‫{ َومَنْ يَرْ َ‬
‫الصّالِحِينَ(‪ )130‬إِذْ قَالَ َلهُ رَبّهُ َأسْلِمْ قَالَ َأسَْل ْمتُ لِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ(‪َ )131‬ووَصّى ‪ِ 3‬بهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ‬
‫شهَدَاءَ إِذْ‬
‫طفَى َلكُمُ الدّينَ فَل َتمُوتُنّ إِل وَأَنْ ُتمْ مُسِْلمُونَ(‪ )132‬أَمْ‪ 4‬كُنْتُمْ ُ‬
‫وَ َيعْقُوبُ يَا بَ ِنيّ إِنّ اللّهَ اصْ َ‬
‫ك وَإِلَهَ آبَا ِئكَ إِبْرَاهِيمَ‬
‫حضَرَ َي ْعقُوبَ ا ْل َم ْوتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا َتعْ ُبدُونَ مِنْ َبعْدِي قَالُوا َنعْبُدُ إَِل َه َ‬
‫َ‬
‫ت وََلكُمْ مَا‬
‫سمَاعِيلَ وَِإسْحَاقَ إِلَها وَاحِدا وَنَحْنُ َلهُ مُسِْلمُونَ(‪ )133‬تِ ْلكَ ُأمّةٌ َقدْ خََلتْ َلهَا مَا كَسَ َب ْ‬
‫وَإِ ْ‬
‫عمّا كَانُوا َي ْعمَلُونَ(‪})134‬‬
‫كَسَبْتُ ْم وَل تُسْأَلونَ َ‬
‫شرح الكلمات ‪:‬‬
‫ومن يرغب عن ملة إبراهيم ‪ :‬الرغبة عن الشيء عدم حبه وترك طلبه‪ ،‬وملة إبراهيم هي عبادة‬
‫ال وحده بما شرع لعباده‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستفهام للنفي والنكار‪ ،‬وملة إبراهيم هي عبادة ال وحده ل شريك له بما شرع ال تعالى‬
‫لعباده من أنواع العبادات في كتابه وعلى لسان رسوله محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 2‬الصطفاء‪ :‬مأخوذ من الصفوة‪ ،‬وهو تخير الصفى‪ :‬أي الكثر صفاء‪ ،‬واصطفى‪ :‬قلبت فيه‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫التاء طاء لتناسبها مع الصاد في الطباق‪ ،‬إذ الصل‪ :‬اصطفى‪ ،‬أي‪ :‬طلب الصفوة‪.‬‬
‫‪ 3‬وصى وأوصى‪ ،‬بمعنى‪ :‬عهد إليه بكذا‪ ،‬والموصى به هنا هو كلمة‪{ :‬أَسَْل ْمتُ لِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ} ‪،‬‬
‫وذلك بعبادته وحده بما شرع بعد خلع النداد‪ .‬وذي‪ :‬هي ملة إبراهيم‪.‬‬
‫‪ 4‬أم‪ :‬بمعنى‪ :‬بل‪ .‬والهمزة هي التي للستفهام النكاري وتقدير الكلم‪ :‬بل أكنتم شهداء حين‬
‫حضر يعقوب الموت فوصى بنيه‪ .‬يوبخهم على كذبهم وينكر عليهم‪.‬‬

‫( ‪)1/116‬‬

‫إل من سفه ‪ 1‬نفسه ‪ :‬ل يرغب عن ملة إبراهيم التي هي دين السلم إل عبد جهل قدر نفسه‬
‫فأزلها وأهانها بترك سبيل عزها وكمالها وإسعادها‪ ،‬وهي‪ :‬السلم‪.‬‬
‫اصطفيناه ‪ :‬اخترناه لرسالتنا والبلغ عنا‪ ،‬ومن ثم رفعنا شأنه وأعلينا مقامه‪.‬‬
‫أسلم ‪ :‬أنقد لمرنا ونهينا‪ ،‬فاعبدنا وحدنا ول تلتفت إلى غيرنا‪.‬‬
‫اصطفى لكم الدين ‪ :‬اختار لكم الدين السلمي ورضيه لكم‪ ،‬فل تموتن ‪ 2‬إل وأنتم مسلمون‪.‬‬
‫يعقوب ‪ :‬هو إسرائيل ابن إسحق بن إبراهيم‪ ،‬وبنوه هم‪ :‬يوسف وأخوته‪.‬‬
‫أمة خلت ‪ :‬جماعة أمرها واحد‪ .‬خلت‪ :‬مضت إلى الدار الخرة‪.‬‬
‫لها ما كسبت ‪ :‬أجر ما كسبته من الخير‪.‬‬
‫ولكم ما كسبتم ‪ :‬من خير ‪ 3‬أو غيره‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما ذكر تعالى في اليات السابقة مواقف إبراهيم السليمة الصحيحة عقيدة وإخلصا وعملً صالحا‬
‫غبُ عَنْ‬
‫وصدقا ووفاءا فوضح بذلك ما كان عليه إبراهيم من الدين الصحيح‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬ومَنْ يَرْ َ‬
‫مِلّةِ إِبْرَاهِيمَ} تلك الملة الحنيفية الواضحة السهلة‪ .‬اللهم ل أحد يرغب عنها إل عبد جهل قدر‬
‫نفسه‪ ،‬ولم يعرف لها حقها في الطهارة والصفاء والكمال والسعاد‪ ،‬وضمن هذا الخبر ذكر تعالى‬
‫إنعامه على إبراهيم وما تفضل به عليه من الصطفاء في الدنيا والسعاد في الخرة في جملة‬
‫الصالحين‪.‬‬
‫وفي الية الثانية (‪ )131‬يذكر تعالى إن ذاك إل اصطفاء تم لبراهيم عند استجابته لمر ربه‬
‫بالسلم‪ ،‬حيث أسلم ولم يتردد‪ .‬وفي الية الثالثة (‪ )132‬يذكر تعالى إقامة الحجة على‬
‫__________‬
‫‪ 1‬سفه نفسه‪ :‬استخف بقدرها جهلً به‪ .‬ولذا نصب نفسه لتضمن سفه معنى جهل‪.‬‬
‫‪ 2‬في قوله‪{ :‬فَل َتمُوتُنّ إل وَأَنْتُمْ ُمسِْلمُونَ} إيجاز بليغ‪ ،‬إذ معناه‪ :‬الزموا السلم ودموا عليه ول‬
‫تفارقوه حتى تموتوا‪ .‬وجملة‪{ :‬وَأَنْ ُتمْ مُسِْلمُونَ} في محل نصب على الحال‪ ،‬والمعنى‪ :‬مطيعون‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خاضعون‪.‬‬
‫سبُ ُكلّ َنفْسٍ إل عَلَ ْيهَا}‪.‬‬
‫‪ 3‬فيه معنى‪{ :‬وَل تَزِ ُر وَازِ َر ٌة وِزْرَ أُخْرَى} ومعنى {وَل َتكْ ِ‬

‫( ‪)1/117‬‬

‫المشركين وأهل الكتاب معا‪ ،‬إذ ملة السلم القائمة على التوحيد وصى بها إبراهيم بنيه‪ ،‬كما‬
‫وصى بها يعقوب بنيه وقال لهم‪ :‬ل تموتن إل على السلم‪ ،‬فأين الوثنية العربية واليهودية‬
‫والنصرانية من ملة إبراهيم‪ ،‬إل فليثب العقلء إلى رشدهم‪.‬‬
‫وفي الية الرابعة(‪ )133‬يوبخ تعالى اليهود القائلين كذبا وزورا للنبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬ألست‬
‫شهَدَاءَ} أي‪ :‬كنتم حاضرين لما حضر‬
‫تعلم أن يعقوب وصى بنيه باليهودية‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬أَمْ كُنْ ُتمْ ُ‬
‫يعقوب الموت فقال لبنيه مستفهما إياهم‪{ :‬مَا َتعْبُدُونَ مِنْ َبعْدِي} ؟ فأجابوه بلسان واحد‪َ { :‬نعْ ُبدُ إَِل َهكَ‬
‫سِلمُونَ}‪.‬‬
‫سمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَها وَاحِدا‪ 2‬وَ َنحْنُ لَهُ مُ ْ‬
‫وَإِلَهَ آبَا ِئكَ إِبْرَاهِيمَ‪ 1‬وَإِ ْ‬
‫فإن قالوا كنا حاضرين فقد كذبوا وبهتوا ولعنوا‪ ،‬وإن قالوا لم نحضر بطلت دعواهم أن يعقوب‬
‫وصى بنيه باليهودية‪ ،‬وثبت أنه وصاهم بالسلم ل باليهودية‪.‬‬
‫وفي الية الخيرة(‪ )134‬ينهى تعالى جدل اليهود الفارغ فيقول لهم‪{ :‬تِ ْلكَ ُأمّةٌ قَدْ خََلتْ} –يعني‬
‫إبراهيم وأولده‪ -‬لها ما كسبت من اليمان وصالح العمال‪ ،‬ولكم أنتم معشر يهود ما اكتسبتم من‬
‫الكفر والمعاصي وسوف ل تسألون يوم القيامة عن أعمال غيركم وإنما تسألون عن أعمالكم‬
‫وتجزون بها‪ ،‬فاتركوا الجدل وأقبلوا على ما ينفعكم في أخرتكم وهو اليمان الصحيح والعمل‬
‫الصالح‪ ،‬ول يتم لكم هذا إل بالسلم‪ ،‬فاسلموا‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ل يرغب عن السلم بتركه أو طلب غيره من الديان إل سفيه ل يعرف قدر نفسه‪.‬‬
‫‪ -2‬السلم دين البشرية ‪ 3‬جمعاء‪ ،‬وما عداه فهي أديان مبتدعة باطلة‪.‬‬
‫‪ -3‬استحباب الوصية للمريض يوصي فيها بنيه وسائر أفراد أسرته بالسلم حتى الموت عليه‪.‬‬
‫‪ -4‬كذب اليهود وبهتانهم وصدق من قال‪ :‬اليهود قوم بهت‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬فيه إطلق لفظ الب على العم؛ لن إسماعيل عم ليعقوب وليس بأب له‪ ،‬وفيه إطلق الب على‬
‫الجد أيضا‪ ،‬ومن هنا ذهب من ذهب إلى أن الجد كالب يحجب الخوة عن الرث؛ لن الب‬
‫يحجب الخوة حجب إسقاط‪.‬‬
‫‪ 2‬أن نوحده باللوهية‪ ،‬أي‪ :‬العبادة ول نشرك به في عبادته سواه‪.‬‬
‫‪ 3‬السلم هو ملة سائر النبياء‪ ،‬وأن تنوعت أنواع التكليف عندهم‪ ،‬واختلفت مناهج العمل بينهم‪،‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إذ السلم هو انقياد ل وخضوع‪ ،‬ولذا قال الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬نحن معشر النبياء‬
‫أولد علت ديننا واحد" ‪.‬‬

‫( ‪)1/118‬‬

‫‪ -5‬يحسن بالمرء ترك العتزاز بشرف وصلح ‪ 1‬الماضين ‪ ،2‬والقبال على نفسه بتزكيتها‬
‫وتطهيرها‪.‬‬
‫‪ -6‬سنة ال في الخلق أن المرء يجزى بعمله‪ ،‬ول يسأل عن عمل غيره‪.‬‬
‫‪ -7‬يطلق لفظ الب على العم تغليبا و تعظيما‪.‬‬
‫{ َوقَالُوا ‪ 3‬كُونُوا هُودا َأوْ َنصَارَى َتهْتَدُوا ُقلْ َبلْ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفا َومَا كَانَ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ(‪)135‬‬
‫ط َومَا‬
‫ب وَالَسْبَا ِ‬
‫ق وَ َي ْعقُو َ‬
‫سحَا َ‬
‫ل وَإِ ْ‬
‫سمَاعِي َ‬
‫قُولُوا آمَنّا بِاللّ ِه َومَا أُنْ ِزلَ إِلَيْنَا ‪َ 4‬ومَا أُنْ ِزلَ إِلَى إِبْرَاهِي َم وَإِ ْ‬
‫أُو ِتيَ مُوسَى وَعِيسَى َومَا أُو ِتيَ النّبِيّونَ مِنْ رَ ّبهِمْ ل ُنفَرّقُ‪ 5‬بَيْنَ َأحَدٍ مِ ْنهُ ْم وَ َنحْنُ لَهُ ُمسِْلمُونَ(‪)136‬‬
‫سمِيعُ‬
‫شقَاقٍ فَسَ َي ْكفِي َكهُمُ اللّ ُه وَ ُهوَ ال ّ‬
‫فَإِنْ آمَنُوا ِبمِ ْثلِ مَا آمَنْتُمْ ِبهِ َفقَدِ اهْ َت َدوْا وَإِنْ َتوَلّوْا فَإِ ّنمَا ُهمْ فِي ِ‬
‫ا ْلعَلِيمُ(‪ )137‬صِ ْبغَةَ اللّهِ َومَنْ َأحْسَنُ مِنَ اللّ ِه صِ ْبغَ ًة وَنَحْنُ لَهُ عَا ِبدُونَ(‪})138‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫تهتدوا ‪ :‬تصيبوا طريق الحق‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وفي الحديث الصحيح‪" :‬من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه"‪ ،‬وفي هذا المعنى قال الشاعر‬
‫الحكيم‪:‬‬
‫ل تقل أصلي وفصلي يا فتى‬
‫إنما أصل الفتى ما قد حصل ‪ 2‬ذكر ابن كثير عن ابن إسحاق ابن عبد ال بن صوريا العور‬
‫اليهودي قال لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬ما الهدى إل ما نحن عليه‪ ،‬فاتبعنا يا محمد تهتد‪،‬‬
‫وقال النصارى مثل ذلك‪ .‬فأنزل ال عز وجل‪َ { :‬وقَالُوا كُونُوا هُودا َأوْ َنصَارَى َتهْتَدُوا} الية‪.‬‬
‫‪ 3‬روى البخاري عن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية‬
‫ويفسرونها بالعربية لهل السلم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل تصدقوا أهل الكتاب‬
‫ول تكذبوهم وقولوا‪ :‬آمنا بال وما أنزل علينا‪ ،‬وما أنزل إليكم‪. "..‬‬
‫‪ 4‬السباط‪ :‬أولد يعقوب عليهم السلم وهم‪ :‬اثنا عشر ولدا‪ :‬يوسف وبنيامين وبوذا ولكل واحد‬
‫منهم أمة من الناس‪ .‬الواحد‪ :‬سبط والجمع‪ :‬أسباط‪ ،‬والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيبلة‪ ،‬وفي‬
‫ولد إسماعيل عليه السلم‪ ،‬وسموا السباط من السبط‪ ،‬وهو‪ :‬التتابع لنهم متتابعون‪.‬‬
‫‪ 5‬أي‪ :‬ل نؤمن ببعض ونكفر ببعض كصنيع اليهود والنصارى‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/119‬‬

‫ملة إبراهيم ‪ :‬دين إبراهيم الذي كان عليه‪.‬‬


‫حنيفا‪ : 1‬مستقيما على دين ال موحدا فيه ل يشرك بال شيئا‪.‬‬
‫ما أوتي موسى ‪ :‬التوراة‪.‬‬
‫وما أوتي عيسى ‪ :‬النجيل‪.‬‬
‫في شقاق ‪ :‬خلف وفراق وعداء لك وحرب عليك‪.‬‬
‫صبغة ال ‪ :‬دينه الذي طهرنا به ظاهرا وباطنا فظهرت آثاره علينا كما يظهر أثر الصبغ على‬
‫الثوب المصبوغ‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في حجاج أهل الكتاب ودعوتهم إلى السلم فقد قال اليهود للرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم وأصحابه‪ .‬كونوا يهودا تهتدوا إلى الحق‪ ،‬وقالت النصارى من وفد نجران‪ ،‬كذلك كونوا‬
‫نصارى تهتدوا‪ .‬فحكى ال تعالى قولهم‪ ،‬وعلم رسوله أن يقول لهم ل تتبع يهودية ول نصرانية بل‬
‫تتبع دين إبراهيم الحنيف المفضي بصاحبه إلى السعادة والكمال‪.‬‬
‫وفي الية الثانية(‪ )136‬أمر ال تعالى رسوله والمؤمنين أن يعلنوا في وضوح عن عقيدتهم الحقة‪،‬‬
‫وهي اليمان بال وما أنزل من القرآن‪ ،‬وما أنزل على النبياء كافة‪ ،‬وما أوتي موسى وعيسى من‬
‫التوراة والنجيل خاصة‪ ،‬مع عدم التفرقة بين رسول ورسول والسلم الظاهر والباطن ل رب‬
‫العالمين‪.‬‬
‫وفي الية الثالثة(‪ )137‬يقول تعالى لرسوله والمؤمنين إن آمن اليهود والنصارى إيمانا صحيحا‬
‫كإيمانكم ‪ 2‬فقد اهتدوا‪ ،‬وإن أبوا فتولوا وأعرضوا فأمرهم ل يعدو شقاقا وحربا ل ورسوله‪ ،‬وال‬
‫تعالى سيكفيكهم بما شاء وهو السميع لقوالهم الباطلة العليم بأعمالهم الفاسدة‪ ،‬وقد أنجز ‪ 3‬تعالى‬
‫وعده لرسوله فأخرج اليهود من المدينة بل ومن الحجاز مع ما‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أصل الحنف‪ :‬الميل ومنه قولهم‪ :‬رجل أحنف أي‪ :‬مائل القدمين إلى بعضهما بعضا‪ ،‬قالت أم‬
‫الحنف‪ :‬وال لول الحنف برجله ما كان في فتيانكم من مثله‪ .‬ولما مال إبراهيم عن أديان الشرك‬
‫إلى دين التوحيد قيل فيه‪ :‬حنيف‪ ،‬وصار بمعنى مستقيم‪ ،‬إذ هو على منهج الحق‪ ،‬وغيره على‬
‫الباطل‪.‬‬
‫‪ 2‬الية‪{ :‬فَإِنْ آمَنُوا ِبمِ ْثلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ‪ ، }..‬وكان ابن عباس يقرأها‪" :‬فإن آمنوا بالذي أمنتم به" وهو‬
‫تفسير ل قراءة‪ ،‬وعليه فمثل‪ :‬زائدة نظيرها‪ ،‬ليس كمثله شيء‪ ،‬أي ليس كهو شيء‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 3‬نعم‪ :‬أنجز ال تعالى وعده لرسوله فكفاه اليهود الذين وطنوا العزم على قتله صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فحاولوا وخابوا ولم يقدروا إذ كفاه ال تعالى إياهم‪.‬‬

‫( ‪)1/120‬‬

‫جللهم به من الخزي والعار‪.‬‬


‫وفي الية الرابعة(‪ 138‬يقول تعالى لرسوله ردا على اليهود والنصارى قولوا لهم‪ :‬نتبع ‪ 1‬صبغة‬
‫ال بها وفطرته عليها وهي السلم‪ ،‬ونحن له تعالى عابدون‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ل هداية إل في السلم ول سعادة ول كمال إل بالسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬الكفر برسول‪ ،‬كفر بكل الرسل فقد كفر اليهود بعيسى‪ ،‬وكفر النصاري بمحمد صلى ال عليه‬
‫وسلم فأصبحوا بذلك كافرين‪ ،‬وآمن المسلمون بكل الرسل فأصبحوا بذلك مؤمنين‪.‬‬
‫‪ -3‬ل يزال اليهود والنصارى في عداء للسلم وحرب على المسلمين‪ ،‬والمسلمون يكفيهم ال‬
‫تعالى شرهم إذا هم استقاموا على السلم عقيدة وعبادة وخلقا وأدبا وحكما‪.‬‬
‫‪ -4‬الواجب على من دخل السلم أن يغتسل غسلً كغسل الجنابة إذ هذا من صبغة ‪ 2‬ال تعالى‪،‬‬
‫ل المعمودية النصرانية التي هي غمس المولود يوم السابع من ولدته في ماء يقال له المعمودي‬
‫وإدعاء أنه طهر بذلك ول يحتاج إلى الختان‪.‬‬
‫عمَاُلكُ ْم وَنَحْنُ َلهُ مُخِْلصُونَ(‪َ )139‬أمْ‬
‫عمَالُنَا وََلكُمْ أَ ْ‬
‫{ ُقلْ أَتُحَاجّونَنَا فِي اللّ ِه وَ ُهوَ رَبّنَا وَرَ ّبكُ ْم وَلَنَا أَ ْ‬
‫ق وَ َي ْعقُوبَ‬
‫ل وَإِسْحَا َ‬
‫سمَاعِي َ‬
‫َتقُولُونَ إِنّ إِبْرَاهِي َم وَإِ ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الصبغ‪ :‬الشيء يصبغ به‪ ،‬فالصبح بدون تاء كالقشر‪ ،‬فزيدت فيه التاء‪ ،‬فقيل‪ :‬صبغة؛ كقشرة‪،‬‬
‫وهي في الية منصوبة "صبغة" إما إنها بدل من ملة المنصوبة بتقدير‪ :‬نتبع ملة‪ ،‬وإما إنها على‬
‫المفعولية المطلقة‪ ،‬أي‪ :‬صبغنا صبغة ال‪ ،‬نحو‪ :‬وعد ال حقا‪ ،‬وفي هذا رد على اليهود‬
‫والنصارى‪ ،‬إذ اليهود نشأت فيهم الصبغة‪ ،‬إذ كان الكاهن يغتسل كل عام ليكفر خطايا بني‬
‫إسرائيل في يوم عيد معلوم لهم‪ ،‬والنصارى ما زالوا يعمدون أطفالهم يوم السابع‪ ،‬فيغمسونهم في‬
‫الماء‪ .‬هذه صبغة اليهود والنصارى‪ ،‬أما صبغة المسلمين‪ ،‬فهي اتباع ملة إبراهيم عليه السلم‪،‬‬
‫وشتان ما بينهما‪.‬‬
‫‪ 2‬تعميد النصارى لطفالهم‪ ،‬وهو صبغهم بالماء؛ كالثوب يصبغ باللون من اللوان‪ ،‬فهم يرون أن‬
‫الولد لما يصبغ بالماء أصبح نصرانيا ل يفارقه‪ .‬أي هذا الثم الذي هو النصراني‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/121‬‬

‫شهَا َدةً‪ 2‬عِ ْن َدهُ مِنَ اللّهِ‬


‫وَالَسْبَاطَ كَانُوا هُودا َأوْ َنصَارَى ُقلْ أَأَنْتُمْ‪ 1‬أَعْلَمُ أَمِ اللّ ُه َومَنْ أَظَْلمُ ِممّنْ كَتَمَ َ‬
‫عمّا‬
‫ت وََلكُمْ مَا َكسَبْتُ ْم وَل تُسْأَلونَ َ‬
‫عمّا َت ْعمَلُونَ(‪ )140‬تِ ْلكَ ُأمّةٌ َقدْ خََلتْ َلهَا مَا كَسَ َب ْ‬
‫َومَا اللّهُ ِبغَا ِفلٍ َ‬
‫كَانُوا َي ْعمَلُون(‪})141‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫أتحاجوننا ‪ 3‬في ال ‪ :‬أتجادلوننا في دينه واليمان به وبرسوله‪ ،‬والستفهام للنكار‪.‬‬
‫له مخلصون ‪ : 4‬مخلصون العبادة له‪ ،‬ل نشرك غيره فيها‪ ،‬وأنتم مشركون‪.‬‬
‫شهادة عنده من ال ‪ :‬المراد بهذه الشهادة ما أخذ عليهم في كتابهم من اليمان بالنبي محمد صلى‬
‫ال عليه وسلم عند ظهوره‪.‬‬
‫الغافل ‪ :‬من ل يتفطن للمور لعدم مبالته بها‪.‬معنى اليات‪:‬‬
‫يأمر تعالى رسوله أن ينكر على أهل الكتاب جدالهم في ال تعالى إذ ادعوا أنهم أولى بال من‬
‫الرسول والمؤمنين‪ ،‬وقالوا نحن أبناء ال وأحباؤه‪ ،‬فعلّم ال رسوله كيف يرد عليهم منكرا عليهم‬
‫دعواهم الباطلة‪ .‬كما أفحمهم وقطع حجتهم في دعواهم أن إبراهيم والنبياء بعده كانوا هودا أو‬
‫نصارى ‪ ،5‬إذ قال له‪ :‬قل لهم‪{ :‬أَأَنْ ُتمْ أَعَْلمُ أَمِ اللّهُ؟} فإن قالوا نحن أعلم‪ ،‬كفروا‪ ،‬وإن قالوا ال أعلم‬
‫انقطعوا؛ لن ال تعالى أخبر أنهم ما كانوا أبدا يهودا ول نصارى‪ ،‬ولكن كانوا مسلمين‪ ،‬ثم هددهم‬
‫تعالى بجريمتهم الكبرى وهي كتمانهم الحق وجحودهم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستفهام‪.‬‬
‫‪ 2‬قال ابن كثير‪ ،‬عن الحسن البصري‪ :‬إن أهل الكتاب كانوا يقراءون في كتاب ال الذي آتاهم‪ :‬إن‬
‫الدين السلم وإن محمدا رسول ال وإن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط كانوا براء‬
‫من اليهودية والنصرانية فشهدوا ل بذلك وأقروا على أنفسهم ل‪ ،‬فكتموا شهادة ال عندهم من‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬والستفهام أيضا للتعجب من حالهم وللتوبيخ لهم على سوء سلوكهم‪ ،‬ومعنى في ال‪ ،‬أي‪ :‬في‬
‫دينه ووليته ونسخ شرائعه السابقة بالسلم وكفر من لم يؤمن بمحمد صلى ال عليه وسلم ودينه‬
‫الذي هو السلم‪.‬‬
‫‪ 4‬الخلص‪ :‬تخليص العبادة من اللتفات إلى غير ال تعالى‪ .‬وعرفه الجنيد فقال‪ :‬الخلص سر‬
‫بين العبد وبين ال تعالى ل يعلمه ملك فيكتبه ول شيطان فيفسده‪ ،‬ول هو فيميله‪.‬‬

‫( ‪)1/122‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شهَا َدةً عِنْ َدهُ مِنَ اللّ ِه َومَا‬
‫نعوت الرسول والمر باليمان به عند ظهوره فقال‪َ { :‬ومَنْ َأظْلَمُ ِممّنْ كَ َتمَ َ‬
‫عمّا َت ْعمَلُونَ}‪.‬‬
‫اللّهُ ِبغَا ِفلٍ َ‬
‫ثم أعاد لهم ما أدبهم به في اليات السابقة مبالغة في تأديبهم وإصلحهم لو كانوا أهلً لذلك‪،‬‬
‫فأعلمهم أن التمسح بأعتاب الماضين والتشبث بالنسب الفارغة إلى الولين غير مجد لهم ول نافع‪،‬‬
‫فليقبلوا على إنقاذ أنفسهم من الجهل والكفر باليمان والسلم والحسان‪ ،‬أما من مضوا فهم أمة قد‬
‫أفضوا إلى ما كسبوا وسيجزون به‪ ،‬وأنتم لكم ما كسبتم وستجزون به‪ ،‬ول تجزون بعمل غيركم‬
‫ول تسألون عنه‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬فضيلة الخلص وهو عدم اللتفات إلى غير ال تعالى عند القيام بالعبادات‪.‬‬
‫‪ -2‬كل امرئ يجزى بعمله‪ ،‬وغير مسئول عن عمل غيره‪ ،‬إل إذا كان سببا فيه‪.‬‬
‫‪ -3‬اليهودية والنصرانية ‪ 1‬بدعة ابتدعها اليهود والنصارى‪.‬‬
‫‪ -4‬تفاوت الظلم بحسب الثار المترتبة عليه‪.‬‬
‫‪ -5‬حرمة ‪ 2‬كتمان الشهادة ل سيما شهادة من ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -6‬عدم التكال على حسب الباء والجداد ووجوب القبال على النفس لتزكيتها وتطهيرها‬
‫باليمان الصحيح والعمل الصالح‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال تعالى‪{ :‬مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ َيهُودِيّا وَل َنصْرَانِيّا وََلكِنْ كَانَ حَنِيفا مُسْلِما} آل عمران‪.‬‬
‫شهَا َدةَ َومَنْ َيكْ ُت ْمهَا فَإِنّهُ آثِمٌ قَلْ ُبهُ} البقرة‪.‬‬
‫‪ 2‬إذ قال تعالى‪{ :‬وَل َتكْ ُتمُوا ال ّ‬

‫( ‪)1/123‬‬

‫الجزء الثاني‬
‫س َفهَاءُ مِنَ النّاسِ‪ 2‬مَا وَلهُمْ عَنْ قِبْلَ ِتهِمُ‪ 3‬الّتِي كَانُوا عَلَ ْيهَا ُقلْ لِلّهِ ا ْلمَشْرِقُ وَا ْل َمغْرِبُ‬
‫{سَ َيقُولُ‪ 1‬ال ّ‬
‫شهَدَاءَ عَلَى النّاسِ‬
‫جعَلْنَاكُمْ ُأمّ ًة وَسَطا لِ َتكُونُوا ُ‬
‫َيهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ(‪َ )142‬وكَذَِلكَ َ‬
‫علَ ْيهَا إِل لِ َنعَْلمَ مَنْ يَتّبِعُ الرّسُولَ ِممّنْ‬
‫جعَلْنَا ا ْلقِبْلَةَ الّتِي كُ ْنتَ َ‬
‫شهِيدا َومَا َ‬
‫وَ َيكُونَ الرّسُولُ عَلَ ْيكُمْ َ‬
‫عقِبَيْ ِه وَإِنْ كَا َنتْ َلكَبِي َرةً إِل عَلَى الّذِينَ َهدَى اللّ ُه َومَا كَانَ اللّهُ لِ ُيضِيعَ إِيمَا َنكُمْ إِنّ اللّهَ‬
‫يَ ْنقَلِبُ عَلَى َ‬
‫بِالنّاسِ لَ َرؤُوفٌ َرحِيمٌ(‪})143‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫السفهاء ‪ :‬جمع سفيه‪ ،‬وهو من به ضعف عقلي لتقليده وإعراضه عن النظر نجم عنه فساد خُلق‬
‫وسوء سلوك‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ما ولهم ‪ :‬ما صرفهم عن استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة بمكة‪.‬‬
‫القبلة ‪ :‬الجهة التي يستقبلها المرء وتكون قبالته في صلته‪.‬‬
‫أمة وسطا‪ :‬وسط كل شيء خياره‪ ،‬والمراد منه أن أمة محمد صلى ال عليه وسلم خير المم‬
‫وأعدلها‪.‬‬
‫ينقلب على عقبيه ‪ :‬يرجع إلى الكفر بعد اليمان‪.‬‬
‫لكبيرة ‪ :‬شاقة على النفس صعبة ل تطاق إل بجهاد كبير‪ ،‬وهي التحويلة من قبلة مألوفة إلى قبلة‬
‫حديثة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا إخبار بما سيقوله السفهاء من المنافقين واليهود والمشركين قبل أن يقوله‪ ،‬وفائدته‪ ،‬أولً‪:‬‬
‫تقرير النبوة المحمدية‪ ،‬إذ هذا إخبار بالغيب فكان كما أخبر‪ ،‬وثانيا‪ :‬توطين نفس الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم والمؤمنين به حتى ل يضرهم عند سماعه من السفهاء‪ ،‬لن مفاجأة المكروه أليمة‬
‫شديدة‪ ،‬فإن ذهبت المفاجأة هان المر‪ ،‬وخف اللم‪ ،‬وهذا من باب "قبل الرمي يراش السهم"‪.‬‬
‫ومناسبة اليات لما قبلها استمرار الحجاج إلى أنه كان في الصول وأصبح في الفروع‪.‬‬
‫‪{ 2‬من الناس} في محل نصب على الحال‪ ،‬وال فيه للجنس ليدخل في اللفظ كل سفيه‪.‬‬
‫‪ 3‬هي بيت المقدس‪ ،‬ومن جملة ما قالوه سفها واستهزاء التبس عليه أمره وتحير‪ :‬قد اشتاق محمد‬
‫إلى مولده‪.‬‬

‫( ‪)1/124‬‬

‫إيمانكم ‪ :‬صلتكم التي صليتموها إلى بيت المقدس قبل التحول إلى الكعبة‪.‬‬
‫رؤوف رحيم ‪ :‬يدفع الضرر عنكم ويفيض الحسان عليكم‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫يخبر ال تعالى بأمر يعلمه قبل وقوعه‪ ،‬وحكمة الخبار به قبل وقوعه تخفيف أثره على نفوس‬
‫المؤمنين‪ ،‬إذ يفقد نقدهم المرير عنصر المفاجأة فيه فل تضطرب له نفوس المؤمنين‪.‬‬
‫علَ ْيهَا ُقلْ} ؟ وحصل هذا‬
‫س َفهَاءُ مِنَ النّاسِ مَا وَلهُمْ عَنْ قِبْلَ ِت ِهمُ الّتِي كَانُوا َ‬
‫فقال تعالى‪{ :‬سَ َيقُولُ ال ّ‬
‫لما حول ال تعالى رسوله والمؤمنين من استقبال بيت المقدس ‪ 1‬في الصلة إلى الكعبة تحقيقا‬
‫لرغبة رسول ال صلى ال عليه وسلم في ذلك ولعلة الختبار ‪ 2‬التي تضمنتها الية التالية فأخبر‬
‫تعالى بما سيقوله السفهاء من اليهود والمنافقين والمشركين وعلّم المؤمنين كيف يردون على‬
‫ق وَا ْل َمغْ ِربُ َي ْهدِي مَنْ يَشَاءُ ِإلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ} فل اعتراض عليه‬
‫السفهاء‪ ،‬فقال‪ُ { :‬قلْ لِلّهِ ا ْلمَشْ ِر ُ‬
‫يوجه عباده حيث يشاء‪ ،‬ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم‪.‬‬
‫جعَلْنَاكُمْ ُأمّةً وَسَطا} خيارا عدولً‪ 3‬أي‪ :‬كما هديناكم‬
‫وفي الية الثانية(‪ )143‬يقول تعالى‪َ { :‬وكَذَِلكَ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إلى أفضل قبلة وهي الكعبة قبلة إبراهيم عليه السلم جعلناكم خير أمة وأعدلها فأهلناكم بذلك‬
‫للشهادة على المم يوم القيامة إذا أنكروا أن رسلهم قد بلغتهم رسالت ربهم‪ ،‬وأنتم لذلك ل تشهد‬
‫عليكم المم ولكن يشهد عليكم رسولكم‪ ،‬وفي هذا من التكريم والنعام ما ال به ‪ 4‬عليم‪ .‬ثم ذكر‬
‫جعَلْنَا ا ْلقِبْلَةَ الّتِي كُ ْنتَ عَلَ ْيهَا إِل لِ َنعْلَمَ مَنْ يَتّبِعُ الرّسُول}‬
‫تعالى العلة في تحويل القبلة فقال‪َ { :‬ومَا َ‬
‫فثبت على إيمانه وطاعته وانقياده ل ولرسوله ممن يؤثر فيه نقد السفهاء فتضطرب نفسه ويجازي‬
‫السفهاء فيهلك بالردة معهم‪ .‬ثم أخبر تعالى أن هذه التحويلة من بيت المقدس إلى الكعبة شاقة على‬
‫النفس إل على الذين هداهم ال‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إذ صلى المؤمنون قرابة سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس من قبل تحويل ال تعالى القبلة‬
‫بهذه اليات التي نزلت في شانها‪ .‬وروى مالك أن تحويل القبلة كان قبل غزوة بدر بشهرين‪.‬‬
‫جعَلْنَا ا ْلقِبْلَةَ الّتِي كُ ْنتَ عَلَ ْيهَا إِل لِ َنعْلَمَ مَنْ يَتّبِعُ الرّسُولَ ِممّنْ‬
‫‪ 2‬الختبار في قوله تعالى‪َ { :‬ومَا َ‬
‫عقِبَيْهِ} ‪.‬‬
‫يَ ْنقَلِبُ عَلَى َ‬
‫‪ 3‬في هذه الية دليل على صحة الجماع ووجوب الحكم به لعدالة المة بشهادة ربها‪ ،‬فإذا أجمعت‬
‫على أمر وجب الحكم به‪ ،‬وفي أي عصر من العصور إلى قيام الساعة‪.‬‬
‫‪ 4‬ومن هذا التكريم أنهم إذا شهدوا على أحدهم بالخير وجبت له الجنة لحديث الصحيح‪" :‬مرت‬
‫جنازة فأثنى عليها خير‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬وجبت وجبت وجبت" الحديث فسأل‬
‫فقال‪" :‬من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة‪ ،‬ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار‪ ،‬أنتم شهداء ال‬
‫في الرض"‪.‬‬

‫( ‪)1/125‬‬

‫إلى معرفته ومعرفة محابه ومكارهه فهم لذلك ل يجدون أي صعوبة في النتقال من طاعة إلى‬
‫طاعة ومن قبلة إلى قبلة‪ ،‬ما دام ربهم قد أحب ذلك وأمر به‪.‬‬
‫وأخيرا طمأنهم تعالى على أجور صلتهم التي صلوها إلى بيت ‪ 1‬المقدس وهي صلة قرابة سبعة‬
‫عشر شهرا ل يُضيعها لهم بل يجزيهم بها كاملة سواء من مات منهم وهو يصلي إلى بيت المقدس‬
‫أو من حي حتى صلى إلى الكعبة‪ ،‬وهذا مظهر من مظاهر رأفته تعالى بعباده ورحمته‪.‬‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬جواز النسخ في السلم فهذا نسخ إلى بدل من الصلة إلى بيت المقدس إلى الصلة إلى‬
‫الكعبة في مكة المكرمة‪.‬‬
‫‪ -2‬الراجيف وافتعال الزمات وتهويل المور شأن الكفار إزاء المسلمين طوال الحياة‪ ،‬فعلى‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫المؤمنين أن يثبتوا ول يتزعزوا حتى يظهر الباطل وينكشف والزيف وتنتهي الفتنة‪.‬‬
‫‪ -3‬أفضلية أمة السلم على سائر المم لكونها أمة الوسط والوسطية شعارها‪.‬‬
‫‪ -4‬جواز امتحان المؤمن وجريانه عليه‪.‬‬
‫‪ -5‬صحة صلة من صلى إلى غير القبلة وهو ل يعلم ذلك وله أجرها وليس عليه إعادتها ولو‬
‫صلى شهورا إلى غير القبلة ما دام قد اجتهد في معرفة القبلة ثم صلى إلى حيث أداه اجتهاده‪.‬‬
‫جدِ‬
‫ج َهكَ‪ 3‬شَطْرَ ا ْلمَسْ ِ‬
‫ل وَ ْ‬
‫سمَاءِ فَلَ ُنوَلّيَ ّنكَ قِبْلَةً تَ ْرضَاهَا َف َو ّ‬
‫ج ِهكَ فِي ال ّ‬
‫{قَدْ نَرَى َتقَلّبَ‪َ 2‬و ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ورد في الحديث عن البراء قال‪ :‬مات قوم كانوا يصلون نحو بيت المقدس‪ ،‬فقال الناس‪ :‬ما‬
‫حالهم في ذلك‪ ،‬فأنزل ال‪َ { :‬ومَا كَانَ اللّهُ لِ ُيضِيعَ إِيمَا َنكُمْ} ورواه الترمذي عن ابن عباس وصححه‪.‬‬
‫‪ 2‬روى البخارى في سبب نزول هذه الية أن البراء قال‪ :‬صلينا مع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس ثم علم ال هوى نبيه‪ ،‬أي‪ :‬حبه‪،‬‬
‫سمَاءِ} الية‪.‬‬
‫ج ِهكَ فِي ال ّ‬
‫ب وَ ْ‬
‫فنزلت‪{ :‬قَدْ نَرَى َتقَّل َ‬
‫‪ 3‬تحويل وجهك‪ :‬أي‪ :‬تحويل وجهك ونظرك بعينك إلى السماء تطلعا إلى نزول الوحي بذلك‪،‬‬
‫لسيما وقد نزلت اليات الولى‪{ :‬سيقول} الية‪ ،‬إذ هي موحية بذلك‪.‬‬

‫( ‪)1/126‬‬

‫حقّ مِنْ‬
‫شطْ َرهُ‪ 2‬وَإِنّ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ لَ َيعَْلمُونَ أَنّهُ الْ َ‬
‫الْحَرَا ِم وَحَ ْيثُ مَا كُنْتُمْ َفوَلّوا وُجُو َهكُمْ‪َ 1‬‬
‫ك َومَا‬
‫عمّا َي ْعمَلُونَ(‪ )144‬وَلَئِنْ أَتَ ْيتَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ ِب ُكلّ آيَةٍ مَا تَ ِبعُوا قِبْلَ َت َ‬
‫رَ ّبهِ ْم َومَا اللّهُ ِبغَافِلٍ َ‬
‫ض وَلَئِنِ اتّ َب ْعتَ أَ ْهوَا َءهُمْ مِنْ َبعْدِ مَا جَا َءكَ مِنَ ا ْلعِلْمِ‬
‫أَ ْنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَ َتهُمْ‪َ 3‬ومَا َب ْعضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ َب ْع ٍ‬
‫إِ ّنكَ إِذا َلمِنَ الظّاِلمِينَ(‪ )145‬الّذِينَ آتَيْنَا ُهمُ ا ْلكِتَابَ َيعْ ِرفُونَهُ َكمَا َيعْ ِرفُونَ أَبْنَا َءهُ ْم وَإِنّ فَرِيقا مِ ْنهُمْ‬
‫حقّ مِنْ رَ ّبكَ فَل َتكُونَنّ مِنَ ا ْل ُممْتَرِينَ(‪})147‬‬
‫لَ َيكْ ُتمُونَ ا ْلحَقّ وَهُمْ َيعَْلمُونَ(‪ )146‬الْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫تقلب وجهك في السماء ‪ :‬تردده بالنظر إليها مرة بعد أخرى انتظارا لنزول الوحي‪.‬‬
‫فلنولينك قبلة ترضاها ‪ :‬فلنحولنك إلى القبلة التي تحبها وهي الكعبة‪.‬‬
‫فول وجهك شطر المسجد ‪ :‬حول وجهك جهة المسجد الحرام بمكة‪.‬‬
‫الحرام ‪ :‬بمعنى‪ :‬المحرم ل يسفك فيه دم ول يقتل فيه أحد‪.‬‬
‫الشطر ‪ :‬هنا الجهة واستقبال الجهة يحصل به استقبال بعض البيت في المسجد الحرام‪ ،‬لن‬
‫الشطر لغة‪ :‬النصف أو الجزء مطلقا‪.‬‬
‫أنه الحق من ربهم ‪ :‬أي تحول القبلة جاء منصوصا عليه في الكتب السابقة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 1‬اختلف في أول صلة صلها رسول ال صلى ال عليه وسلم والمؤمنون إلى الكعبة‪ ،‬فقيل‪:‬‬
‫الظهر‪ ،‬وقيل‪ :‬العصر‪ ،‬ولم يرجح أحد القولين‪ ،‬وقيل‪ :‬كانت صلة الظهر في مسجد بني سلمة‪،‬‬
‫المعروف بمسجد القبلتين حتى صلوا بعض الصلة إلى بيت المقدس وبعضها إلى الكعبة‪ ،‬فسمي‬
‫لذلك مسجد القبلتين‪.‬‬
‫‪ 2‬اختلف في‪ :‬هل الغائب عن البيت الحرام يصلى إلى عين الكعبة أو إلى جهتها‪ .‬الصواب أنه‬
‫يصلي إلى جهة الكعبة ناويا استقبال البيت‪ ،‬لن استقبال عين الكعبة معتذر على غير الموجود في‬
‫المسجد الحرام‪ ،‬أما في المسجد الحرام فل تصح صلته إن لم يستقبل عين الكعبة‪.‬‬

‫( ‪)1/127‬‬

‫آية ‪ :‬حجة وبرهان‪.‬‬


‫يعرفونه ‪ :‬الضمير عائد إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أي‪ :‬يعلمون أنه نبي ال ورسوله لما‬
‫في كتبهم من صفاته الواضحة القطعية‪.‬‬
‫من الممترين ‪ :‬الشاكين والمتراء‪ :‬الشك وعدم التصديق‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يعلم ال تعالى رسوله أنه كان يراه وهو يقلب وجهه في السماء انتظارا لوحي يؤمر فيه باستقبال‬
‫الكعبة بدل بيت المقدس لرغبته في مخالفة اليهود لقبلة أبيه إبراهيم‪ ،‬إذ هي أول قبلة وأفضلها‬
‫سجِدِ ا ْلحَرَامِ} ‪ ،‬وبهذا المر اللهي تحولت القبلة‪ ،‬وروي أنه‬
‫ج َهكَ شَطْرَ‪1‬ا ْلمَ ْ‬
‫فبناء على ذلك { َف َولّ وَ ْ‬
‫كان يصلي الظهر في مسجد بني سلمة المعروف الن بمسجد القبلتين فصلى الرسول والمؤمنون‬
‫وراءه ركعتين إلى بيت المقدس‪ ،‬وركعتين إلى الكعبة‪ ،‬وكيل تكون القبلة خاصة بمن كان‬
‫بالمدينة‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وَحَ ْيثُ مَا كُنْتُمْ} أي‪ :‬في نواحي البلد وأقطار الرض { َفوَلّوا وُجُو َه ُكمْ‬
‫شطْ َرهُ} أي شطر المسجد الحرام‪ ،‬كما أخبر تعالى في هذه الية أن علماء أهل الكتاب يعرفون أن‬
‫َ‬
‫تحول القبلة حق وأنه بأمر ال تعالى وما أحدثوه من التشويش والتشويه إزاء تحول القبلة‪ ،‬فقد‬
‫علمه وسيجزيهم به إذ لم يكن تعالى بغاف عما يعملونه‪.‬‬
‫وفي الية الثانية(‪ )145‬يخبر تعالى بحقيقة ثابتة وهي أن النبي صلى ال عليه وسلم لو أتى ‪2‬‬
‫اليهود والنصارى بكل آية تدل على صدقه أو حقيقة القبلة إلى الكعبة ما كانوا ليتابعوه على ذلك‬
‫وصلوا إلى قبلته‪ ،‬كما إن النصارى لم يكونوا ليصلوا إلى بيت المقدس قبلة اليهود‪ ،‬ول اليهود‬
‫ليصلوا إلى مطلع الشمس قبلة النصارى‪ ،‬كما أن النبي صلى ال عليه وسلم والمؤمنين لم يكونوا‬
‫أبدا ليتابعوا أهل الكتاب على قبلتهم بعد أن هداهم ال إلى أفضل قبلة وأحبها إليهم‪.‬‬
‫وأخيرا يحذر ال رسوله أن يتبع أهواء اليهود فيوافقهم على بدعهم وضللتهم بعد الذي أعطاه‬
‫من العلم وهداه إليه من الحق‪ ،‬وحاشاه صلى ال عليه وسلم أن يفعل‪ ،‬ولو فعل لكان من الظالمين‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الشطر‪ :‬لغة‪ :‬النصف ومنه الحديث‪" :‬الطهور شطر اليمان" ‪ ،‬والشاطر من الناس ‪ :‬من أخذ‬
‫في نحو غير الستواء‪ ،‬وهو الذي أعيا أهله خبثا‪ ،‬وهو من بعُد عن طاعة ال ورسوله أيضا‪.‬‬
‫‪ 2‬قلت في التفسير‪ :‬لو أتى اليهود إلخ‪ :‬لن لئن في الية بمعنى لو‪ ،‬لنها أجيبت بجواب لو‪ ،‬وهو‬
‫المضي والوقوع‪ ،‬إذ قال تعالى‪{ :‬وَلَئِنْ أَتَ ْيتَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ ِب ُكلّ آيَةٍ مَا تَ ِبعُوا قِبْلَ َتكَ} ‪ ،‬فقوله‪:‬‬
‫{مَا تَ ِبعُوا} جواب لئن‪ ،‬والمفروض فيها أن يجاب بالمضارع‪.‬‬

‫( ‪)1/128‬‬

‫وفي الية الثالثة(‪ )146‬يخبر تعالى أن علماء أهل الكتاب يعرفون أن الرسول حق وأن ما حاء به‬
‫هو الحق معرفة تامة كمعرفتهم لبنائهم‪ ،‬ولكن فريقا كبيرا يكتمون الحق وهم يعلمون إنه الحق‪،‬‬
‫وفي الية الرابعة(‪ )147‬يخبر تعالى رسوله بأن ما هو عليه من الدين الحق هو الحق الوارد إليه‬
‫من ربه فل ينبغي أن يكون من الشاكين ‪ 1‬بحال من الحوال‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب استقبال القبلة في الصلة وفي أي مكان كان المصلي عليه أن يتجه ‪ 2‬إلى جهة مكة‪.‬‬
‫‪ -2‬كفر كثير من أهل الكتاب كان على علم إيثارا للدنيا على الخرة‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة موافقة المسلمين أهل الكتاب على بدعة من بدعهم الدينية مهما كانت‪.‬‬
‫‪ -4‬علماء أهل الكتاب المعاصرون للنبي صلى ال عليه وسلم يعرفون أنه النبي المبشر به وأنه‬
‫النبي الخاتم وأعرضوا عن اليمان به وعن متابعته إيثارا للدنيا على الخرة‪.‬‬
‫جمِيعا إِنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ‬
‫جهَةٌ ُهوَ ُموَلّيهَا فَاسْتَ ِبقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا َتكُونُوا يَ ْأتِ ِبكُمُ اللّهُ َ‬
‫{وَِل ُكلّ‪ 3‬وِ ْ‬
‫ك َومَا‬
‫حقّ مِنْ رَ ّب َ‬
‫جدِ الْحَرَا ِم وَإِنّهُ َللْ َ‬
‫شطْرَ‪ 4‬ا ْلمَسْ ِ‬
‫ج َهكَ َ‬
‫ل وَ ْ‬
‫جتَ َفوَ ّ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ(‪َ )148‬ومِنْ حَ ْيثُ خَ َر ْ‬
‫َ‬
‫__________‬
‫حقّ مِنْ رَ ّبكَ فَل َتكُونَنّ مِنَ ا ْل ُممْتَرِينَ} يقال‪ :‬امترى‪ .‬فلن في كذا إذا‬
‫‪ 1‬هذا تفسير قوله تعالى‪{ :‬الْ َ‬
‫اعتراه اليقين مرة والشك مرة أخرى فلدافع أحدهما بالخر‪ ،‬ومنه المتراء‪ ،‬لن كل واحد يشك‬
‫في قول صاحبه‪ ،‬والمتراء‪ :‬الشك‪.‬‬
‫‪ 2‬روي عن ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬البيت قبلة لهل المسجد‪ ،‬والمسجد‬
‫قبلة لهل الحرم‪ ،‬والحرم قبلة لهل الرض في مشارقها ومغاربها من أمتي" ‪.‬‬
‫‪ 3‬الوجهة‪ :‬من المواجهة وهي الجهة والوجه كلها بمعنى واحد‪ ،‬ومفعول موليها محذوف أي‬
‫وجهة‪ ،‬أو يكون موليها بمعنى متوليها وحينئذ فل حذف ول تقدير‪.‬‬
‫‪ 4‬اختلف في الجهة التي كان الرسول صلى ال عليه وسلم يستقبلها في مكة قبل الهجرة‪ ،‬والراجح‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أنه كان يجعل الكعبة أمامه وهو متجه إلى الشام‪ ،‬بمعنى أنه يصلي بين الركنين اليمانيين‪ ،‬ولما‬
‫قدم المدينة صلى إلى بيت المقدس حتى حول إلى الكعبة‪ ،‬وهل كان استقباله بيت المقدس باجتهاد‬
‫منه أو بوحي‪ ،‬الظاهر أنه باجتهاد منه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)1/129‬‬

‫جدِ الْحَرَا ِم وَحَ ْيثُ مَا‬


‫ج َهكَ‪ 1‬شَطْرَ ا ْلمَسْ ِ‬
‫ل وَ ْ‬
‫جتَ َفوَ ّ‬
‫عمّا َت ْعمَلُونَ(‪َ )149‬ومِنْ حَ ْيثُ خَ َر ْ‬
‫اللّهُ ِبغَا ِفلٍ َ‬
‫شوْ ُهمْ‬
‫حجّةٌ إِل الّذِينَ ظََلمُوا مِ ْنهُمْ فَل تَخْ َ‬
‫علَ ْيكُمْ ُ‬
‫كُنْتُمْ َفوَلّوا وُجُو َهكُمْ شَطْ َرهُ لِئَل َيكُونَ لِلنّاسِ َ‬
‫شوْنِي وَلُتِمّ ِن ْعمَتِي عَلَ ْيكُ ْم وََلعَّلكُمْ َتهْتَدُونَ(‪َ )150‬كمَا أَرْسَلْنَا ‪ 2‬فِيكُمْ َرسُولً مِ ْنكُمْ يَتْلُو عَلَ ْيكُمْ‬
‫وَاخْ َ‬
‫ح ْكمَ َة وَ ُيعَّل ُمكُمْ مَا َلمْ َتكُونُوا َتعَْلمُونَ(‪ )151‬فَا ْذكُرُونِي ‪َ 3‬أ ْذكُ ْركُمْ‬
‫ب وَالْ ِ‬
‫آيَاتِنَا وَيُ َزكّيكُ ْم وَ ُيعَّل ُمكُمُ ا ْلكِتَا َ‬
‫شكُرُوا لِي وَل َت ْكفُرُونِ(‪})152‬‬
‫وَا ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ولكلٍ وجهة هو موليها ‪ :‬التنوين في (كل) دال على محذوف‪ ،‬هو لكل أهل ملة؛ كالسلم‪،‬‬
‫واليهودية‪ ،‬والنصرانية قبلة يولون وجوههم لها في صلتهم‪.‬‬
‫الخيرات ‪ :‬البر والطاعة ل ورسوله‪.‬‬
‫الحجة ‪ :‬الدليل القوي الذي يظهر صاحبه على من يخاصمه‪.‬‬
‫نعمتي ‪ :‬نعم ال كثيرة وأعظمها نعمة السلم وإتمامها بمواصلة التشريع والعمل به إلى نهاية‬
‫الكمال‪ ،‬وكان ذلك في حجة الوداع بعرفات حيث نزلت آية‪ { :‬الْ َيوْمَ َأ ْكمَ ْلتُ َلكُمْ دِي َنكُ ْم وَأَ ْت َم ْمتُ‬
‫عَلَ ْيكُمْ ِن ْعمَتِي وَ َرضِيتُ َلكُ ُم الِسْلمَ دِينا} ‪.‬‬
‫__________‬
‫جدِ الْحَرَامِ}‬
‫ج َهكَ شَطْرَ ا ْلمَسْ ِ‬
‫‪ 1‬قال ابن كثير والقرطبي‪ :‬قبلة‪ :‬استدل مالك بقول ال تعالى‪َ { :‬ف َولّ َو ْ‬
‫أن المصلي ينظر أمامه ل إلى موضع سجوده كما هو مذهب الجمهور‪ ،‬أبي حنيفة والشافعي‬
‫ل لمر ال‬
‫وأحمد والذي أراه يحقق المطلوب من الية هو أن ينظر المصلي أولً أمامه امتثا ً‬
‫تعالى‪ ،‬ثم بعد ذلك ينظر إلى موضع سجوده‪.‬‬
‫‪ 2‬الكاف‪ :‬في محل نصب على النعت لمصدر محذوف تقديره ولتم نعمتي عليكم إتماما مثل ما‬
‫أرسلنا وهو التشبيه نعمة استقللكم في القبلة باستقللكم في الرسالة‪.‬‬
‫‪ 3‬أصل الذكر يكون بالقلب‪ ،‬ولما كان القلب باطنا جعل اللفظ باللسان دليلً عليه‪ ،‬فأصبح الذكر‬
‫يطلق على ذكر اللسان وإن كان المطلوب هما معا أي ذكر القلب واللسان‪ ،‬والجملة أمر وجواب‪:‬‬
‫فاذكروني أمر‪ ،‬وأذكركم جواب وجزاء‪ ،‬وذكر ال للعبد أعظم‪ ،‬وقد ورد في فضل الذكر الكثير‬
‫من الحاديث منها‪ :‬حديث ابن ماجة ونصه‪" :‬أن رجلً قال يا رسول ال إن شرائع السلم قد‬
‫كثرت علي فأنبئني منها بشيء أتشبث به‪ .‬قال‪ :‬ل يزال لسانك رطبا بذكر ال"‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/130‬‬

‫رسولً ‪ :‬هو محمد صلى ال عليه وسلم والتنكير فيه للتعظيم‪.‬‬


‫يزكيكم ‪ :‬يطهركم من الذنوب والخلق السيئة والملكات الرديئة‪.‬‬
‫الحكمة ‪ :‬السنة وهي كل قول صالح ل ينتهي صلحه ونفعه بمرور الزمن‪.‬‬
‫الشكر ‪ :‬إظهار النعمة ‪ 1‬بصرفها فيما من أجله وهبها ال تعالى لعباده‪.‬‬
‫والكفر ‪ :‬جحد النعمة وإخفائها وصرفها في غير ما يحبه ال تعالى‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بعد تقرير تلك الحقيقة التي تضمنتها آية‪َ { :‬ولَئِنْ أَتَ ْيتَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ} ‪ ...‬إلخ‪ .‬وهي أن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم لو أتى أهل الكتاب بكل آية تدل على صدقه في أمر القبلة ما اتبعوا قبلته‪،‬‬
‫وما هو بتابع قبلتهم‪ ،‬وما بعضهم بتابع قبلة بعض‪ ،‬فل اليهود يستقبلون مطلع الشمس‪ ،‬ول‬
‫النصارى يستقبلون بيت المقدس‪ .‬أخبر تعالى أن لكل أمة قبلة مولية وجهها إليها في صلتها‪،‬‬
‫فاتركوا أيها المسلمون أهل تلك الملل الضالة وسابقوا في الخيرات ونافسوا في الصالحات شكرا‬
‫لربكم على نعمة هدايته لكم لقبلة أبيكم إبراهيم فإنه تعالى جامعكم ليوم القيامة وسائلكم ومجازيكم‬
‫بأعمالكم إنه على كل شيء قدير‪ ،‬هذا ثم أمر ال رسوله أن يولي وجهه شطر المسجد الحرام‬
‫حيثما كان في الحضر كان أو في السفر وأعلمه أن تحوله إلى الكعبة حق ثابت من ربه تعالى فل‬
‫يتردد فيه‪.‬‬
‫هذا ما تضمنته اليتان(‪ )149-148‬وأما الية(‪ )150‬فإنه تعالى أمر رسوله والمؤمنين بأن يولوا‬
‫وجههم شطر المسجد ‪ 2‬الحرام حيثما كانوا وأينما وجدوا ويثبتوا على ذلك حتى ل يكون لعدائهم‬
‫من اليهود والمشركين حجة‪ ،‬إذ يقول اليهود‪ :‬ينكرون ديننا ويستقبلون قبلتنا‪ ،‬ويقول المشركون‪:‬‬
‫يدعون إنهم على ملة إبراهيم ويخالفون قبلته‪ .‬هذا بالنسبة للمعتدلين منهم‪ ،‬أما الظالمون‬
‫والمكابرون فإنه ل سبيل إلى إقناعهم إذ قالوا بالفعل‪ :‬ما تحول إلى الكعبة إل ميلً إلى دين آبائه‬
‫ظَلمُوا‬
‫ويوشك أن يرجع إليه‪ ،‬فمثل هؤلء ول يبالي بهم ول يلتفت إليهم كما قال تعالى‪{ :‬إِل الّذِينَ َ‬
‫شوْنِي} ‪ .‬فاثبتوا على قبلتكم الحق‬
‫شوْهُمْ‪ 3‬وَاخْ َ‬
‫خَ‬‫مِ ْنهُمْ فَل تَ ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ورد أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬أن ال تعالى إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن يرى‬
‫أثرها عليه" ‪.‬‬
‫‪ 2‬قد ورد في اليات المر بتولية الرسول والمؤمنين وجوههم شطر المسجد الحرام‪ ،‬وهو تكرار‬
‫تطلبه المقام فكان من مقتضيات الحال التي يوجبها الكلم البليغ الرفيع‪ ،‬ومن مقتضيات الحال‬
‫إسكات السفهاء وقطع الطريق عليهم ورفع معنويات المؤمنين حيت تأثر بعضهم بما أثاره اليهود‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والمنافقون والمشركون حول تحويل القبلة‪.‬‬
‫‪ 3‬الخشية‪ :‬مرادفة للخوف‪ ،‬والخوف هو فزع في القلب تخف له العضاء‪ ،‬ولخفة العضاء به‬
‫سمي خوفا‪.‬‬

‫( ‪)1/131‬‬

‫لتم نعمتي عليم بهدايتكم إلى أحسن الشرائع وأقومها‪ ،‬ولهيئكم لكل خير وكمال مثل ما أنعمت‬
‫عليكم بإرسال رسولي‪ ،‬يزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة‪ ،‬ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمونه من أمور‬
‫الدين والدنيا معا‪ ،‬وفي الية الخيرة(‪ )152‬أمر تعالى المؤمنين بذكره وشكره‪ ،‬ونهاهم عن نسيانه‬
‫شكُرُوا لِي وَل َت ْكفُرُونِ}‪ 1‬لما في ذكره بأسمائه وصفاته‬
‫وكفره‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬فَا ْذكُرُونِي أَ ْذكُ ْركُ ْم وَا ْ‬
‫ووعده ووعيده من موجبات محبته ورضاه ولما في شكره بإقامة الصلة وأداء سائر العبادات من‬
‫مقتضيات رحمته وفضله‪ ،‬ولما في نسيانه وكفرانه من التعرض لغضبه وشديد عقابه وأليم عذابه‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬العراض عن جدل المعاندين‪ ،‬والقبال على الطاعات تنافسا فيها وتسابقا إليها إذ هو أنفع‬
‫وأجدى من الجدل والخصومات مع من ل يرجى رجوعه إلى الحق‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب استقبال القبلة في الصلة وسواء كان في السفر أو في الحضر إل أن المسافر يجوز‬
‫أن يصلي النافلة حيث توجهت دابته أو طيارته أو سيارته إلى القبلة وإلى غيرها‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة خشية الناس ‪ 2‬ووجوب خشية ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب شكر ال تعالى على نعمه الظاهرة والباطنة‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب ‪ 3‬تعلم العلم الضروري ليتمكن العبد من عبادة ال عبادة تزكي نفسه‪.‬‬
‫‪ -6‬وجوب ‪ 4‬ذكر ال بالتهليل والتكبير والتسبيح ووجوب شكره بطاعته‪.‬‬
‫‪ -7‬حرمة نسيان ذكر ال‪ ،‬وكفران نعمه بترك شكرها‪.‬‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا اسْ َتعِينُوا بِالصّبْرِ وَالصّلةِ إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ(‪})153‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ورد في الصحيح أن ال تعالى يقول‪ " :‬من ذكرني في نفسي ذكرته في نفسي‪ ،‬ومن ذكرني في‬
‫مل ذكرته في مل خير منه" والمراد من المل‪ :‬الخير‪ ،‬الملئكة‪ ،‬وورد ‪" :‬أنا مع عبدي إذا هو‬
‫ذكرني وتحركت بي شفتاه"‪ .‬وقال معاذ بن جبل‪" :‬ما عمل ابن آدم عملً أنجى له من عذاب ال‬
‫من ذكر عز وجل"‪.‬‬
‫‪ 2‬في هذا إبطال للتقية التي جعلها الروافض من أصول دينهم‪.‬‬
‫‪ 3‬شاهده من السنة قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬طلب العلم فريضة على كل مسلم" وهو حديث‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫صحيح السناد‪.‬‬
‫‪ 4‬شاهده من القرآنك {يا أيها الذين أمنوا اذكروا ال ذكرا كثيرا} الحزاب‬

‫( ‪)1/132‬‬

‫شيْءٍ‪ 1‬مِنَ‬
‫شعُرُونَ(‪ )154‬وَلَنَبُْلوَ ّنكُمْ بِ َ‬
‫{وَل َتقُولُوا ِلمَنْ ُيقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ َأ ْموَاتٌ َبلْ َأحْيَا ٌء وََلكِنْ ل تَ ْ‬
‫س وَال ّثمَرَاتِ وَبَشّرِ‪ 2‬الصّابِرِينَ(‪ )155‬الّذِينَ ِإذَا َأصَابَ ْتهُمْ‬
‫ف وَالْجُوعِ وَنَ ْقصٍ مِنَ الَْأ ْموَالِ وَالْأَ ْنفُ ِ‬
‫خ ْو ِ‬
‫الْ َ‬
‫حمَ ٌة وَأُولَ ِئكَ ُهمُ‬
‫جعُونَ(‪ )156‬أُولَ ِئكَ عَلَ ْيهِ ْم صََلوَاتٌ مِنْ رَ ّبهِ ْم وَرَ ْ‬
‫ُمصِيبَةٌ قَالُوا إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ رَا ِ‬
‫ا ْل ُمهْتَدُونَ(‪})157‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الستعانة ‪ :‬طلب المعونة والقدرة على القول أو العمل‪.‬‬
‫الصبر ‪ :‬حمل النفس على المكروه وتوطينها على احتمال المكاره‪.‬‬
‫الشعور ‪ :‬الحساس بالشيء المفضي إلى العلم به‪.‬‬
‫البتلء ‪ :‬الختبار والمتحان لظهار ما عليه الممتحن من قوة أو ضعف‪.‬‬
‫الموال ‪ :‬جمع مال وقد يكون ناطقا وهو المواشي‪ ،‬ويكون صامتا وهو النقدان وغيرها‪.‬‬
‫المصيبة ‪ :‬ما يصيب العبد من ضرر في نفسه أو أهله أو ماله‪.‬‬
‫الصلوات ‪ :‬جمع صلة وهي من ال تعالى هنا المغفرة لعطف الرحمة عليها‪.‬‬
‫ورحمة ‪ :‬الرحمة‪ :‬النعام وهو جلب ما يسر‪ ،‬ودفع ما يضر‪ ،‬وأعظم ذلك دخول الجنة بعد النجاة‬
‫من النار‪.‬‬
‫المهتدون ‪ :‬إلى طريق السعادة والكمال بإيمانهم وابتلء ال تعالى لهم وصبرهم على ذلك‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫نادى الرب تعالى عباده المؤمنين وهم أهل ملة السلم المسلمون ليرشدهم إلى‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لفظ شيء يدل على تهويل الفاجعة الدال عليها الخوف والجوع وما بعدهما كما يدل أيضا على‬
‫أن ما يبتليهم به من ذلك هو هين فل يقاس بما يصيب به أهل عداوته من أهل الشرك والكفر‬
‫والفسق إذا أخذهم بذنوبهم‪.‬‬
‫‪ 2‬أسند التبشير إلى الرسول صلى ال عليه وسلم؛ لنه متأهل له بالرسالة فغيره ل يملكه‪ ،‬وقد ل‬
‫يصدق فيه‪ ،‬كما أن اللفظ دال على سمو مقامه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)1/133‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ما يكون عونا لهم على الثبات على قبلتهم التي اختارها لهم‪ ،‬وعلى ذكر ربهم وشكره وعدم‬
‫نسيانه وكفره فقال‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا اسْ َتعِينُوا} أي على ما طلب منكم من الثبات والذكر‬
‫والشكر‪ ،‬وترك النسيان والكفر بالصبر الذي هو توطين النفس وحملها على أمر ال تعالى به‬
‫وبإقام الصلة‪ ،‬وأعلمهم أنه مع الصابرين يمدهم بالعون والقوة‪ ،‬فإذا صبروا نالهم عون ال تعالى‬
‫وتقويته وهذا ما تضمنته الية الولى(‪ .)153‬أما الية الثانية(‪ )154‬فقد تضمنت نهيه تعالى لهم‬
‫أن يقولوا معتقدين أن من قتل في سبيل ال إذ هو حي في البرزخ وليس بميت‪ ،‬بل هو حي يرزق‬
‫في الجنة كما قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في‬
‫الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش"‪( .‬رواه مسلم)‪ .‬فلذا ل يقال لمن قتل في‬
‫سبيل ال‪ :‬مات ‪ 1‬ولكن استشهد وهو شهيد وحي عند ربه حياة ل نحسها ول نشعر بها بمفارقتها‬
‫للحياة في هذه الدار‪ .‬وأما الية الثالثة(‪ )155‬فإنه يقسم ‪ 2‬تعالى لعباده المؤمنين على أنه يبتليهم‬
‫بشيء من الخوف ‪ 3‬بواسطة أعداءه وأعدائهم وهم الكفار عندما يشنون الحروب عليهم وبالجوع‬
‫لحصار العدو ولغيره من السباب‪ ،‬وبنقص الموال الماشية للحرب والقحط‪ ،‬وبالنفس؛ كموت‬
‫الرجال‪ ،‬وبفساد الثمار بالجوائح‪ ،‬كل ذلك لظهار من يصبر على إيمانه وطاعة ربه بامتثال أمره‬
‫واجتناب نهيه‪ ،‬ومن ل يصبر فيحرم ولية ال وأجره‪ ،‬ثم أمره رسوله بأن يبشر الصابرين‪ ،‬وبين‬
‫في الية الرابعة(‪ )156‬حال الصابرين وهي أنهم إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا ل‪ ،‬فله أن يصيبنا‬
‫بما شاء لن ملكه وعبيده‪ ،‬وإن إليه راجعون بالموت‪ ،‬فل جزع إذا ولكن تسليم لحكمه ‪ 4‬ورضا‬
‫بقضاءه وقدره‪ ،‬وفي الية الخامسة(‪ )157‬أخبر تعالى مبشرا أولئك الصابرين بمغفرة ذنوبهم‬
‫وبرحمة من ربهم‪ ،‬وإنهم المهتدون إلى سعادتهم وكمالهم‪ ،‬فقال‪{ :‬أُولَ ِئكَ عَلَ ْيهِ ْم صََلوَاتٌ مِنْ رَ ّبهِمْ‬
‫حمَ ٌة وَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْل ُمهْتَدُونَ} ‪.‬‬
‫وَرَ ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ل يقال لمن قتل في سبيل ال مات‪ ،‬بمعنى انقطعت عنه الحياة والشهيد لم يمت وإنما انتقل من‬
‫حياة ناقصة إلى حياة كاملة دائمة‪ ،‬كما أن لفظ الموت مفزع للنسان فإذا دارت المعركة وسقط‬
‫الشهداء‪ ،‬وقيل‪ :‬مات فلن وفلن يؤثر ذلك في نفس من سمع كلمة‪ :‬الموت‪ ،‬ولذا ل يقال‪ :‬مات‪،‬‬
‫ولكن‪ :‬استشهد‪.‬‬
‫‪ 2‬دل على القسم‪ :‬اللم في قوله‪َ { :‬ولَنَبُْلوَ ّنكُمْ} إذ هي موطئة للقسم كأنما قال‪ :‬وعزتي وجللي‬
‫لنبلونكم ‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫‪ 3‬من فسر الخوف بالخوف من ال‪ ،‬والجوع‪ :‬بالصيام‪ ،‬ونقص من الموال‪ :‬بالزكاة لم يخطأ‪،‬‬
‫ولكن ما فسرت به الية هو الصواب الحق الذي عليه أئمة التفسير‪.‬‬
‫‪ 4‬روى أحمد والترمذي عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين بن علي رضي ال عنهما أن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬ما من مسلم ول مسلمة يصاب بمصيبة فيذكرها وإن طال عهدها‬
‫فيحدث لذلك استرجاعا إل جدد ال له عند ذلك فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب" ‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/134‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬فضيلة الصبر والمر به والستعانة بالصبر والصلة على المصائب والتكاليف في الحديث‬
‫كان النبي صلى ال عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلة‪.‬‬
‫‪ -2‬فضل الشهداء على غيرهم بحياتهم عند ربهم حياة أكمل من حياة غيرهم في الجنة‪.‬‬
‫‪ -3‬قد يبتلى المؤمن بالمصائب في النفس والهل والمال فيصبر فترتفع درجته ويعلو مقامه عند‬
‫ربه‪.‬‬
‫جعُونَ} وفي الصحيح يقول‬
‫‪ -4‬فضيلة السترجاع عند المصيبة وهو قول‪{ :‬إِنّا لِلّ ِه وَإِنّا إِلَ ْيهِ رَا ِ‬
‫جعُونَ} اللهم أجرني‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول ‪{ :‬إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ رَا ِ‬
‫في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إل آجره ال في مصيبته وأخلف له خيرا منها" (رواه مسلم)‪.‬‬
‫ط ّوفَ ِب ِهمَا َومَنْ‬
‫شعَائِرِ اللّهِ َفمَنْ حَجّ الْبَ ْيتَ َأوِ اعْ َتمَرَ فَل جُنَاحَ عَلَ ْيهِ أَنْ يَ ّ‬
‫{إِنّ الصّفَا ‪ 1‬وَا ْلمَ ْر َوةَ مِنْ َ‬
‫ط ّوعَ خَيْرا فَإِنّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ(‪})158‬‬
‫تَ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الصفا والمروة ‪ : 2‬جبل مقابل البيت في الجهة الشرقية الجنوبية‪ ،‬والمروة‪ :‬جبل آخر مقابل الصفا‬
‫من الجهة الشمالية والمسافة بينهما قرابة (‪)760‬ذراعا‪.‬‬
‫شعائر ال ‪ :‬أعلم دينية جمع شعيرة‪ ،‬وهي العلمة على عبادة ال تعالى‪ ،‬فالسعي بين الصفا‬
‫والمروة شعيرة لنه دال على طاعة ال تعالى‪.‬‬
‫الحج ‪ : 3‬زيارة بيت ال تعالى لداء عبادات معينة تسمى نسكا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أخرج البخاري عن عاصم ابن سليمان قال‪ :‬سألت أنس بن مالك عن الصفا والمروة فقال‪ :‬كنا‬
‫نرى أنهما من أمر الجاهلية فلما كان السلم أمسكنا عنهما فأنزل ال عز وجل‪{ :‬إِنّ الصّفَا‬
‫ط ّوفَ ِب ِهمَا} ‪.‬‬
‫علَيْهِ أَنْ َي ّ‬
‫شعَائِرِ اللّهِ َفمَنْ حَجّ الْبَ ْيتَ َأوِ اعْ َتمَرَ فَل جُنَاحَ َ‬
‫وَا ْلمَ ْروَةَ مِنْ َ‬
‫‪ 2‬الصفا‪ :‬لغة‪ :‬جمع صفاه‪ ،‬وتجمع على‪ :‬صفي وأصفاء‪ ،‬مثل‪ :‬أرجاء‪ :‬الحجارة الملساء الصلبة‬
‫البيضاء‪ .‬والمروة‪ :‬واحدة المرور وهي الحجارة الصغار التي فيها لين‪.‬‬
‫‪ 3‬الحج‪ :‬لغة‪ :‬القصد‪ ،‬والعمرة‪ :‬الزيارة‪ ،‬وشاهد الحج القصد قول الشاعر‪:‬‬
‫فاشهد من عوف حلولً كثيرة ‪ ...‬يحجون سب الزبرقان المعصفرة‬
‫الحلول‪ :‬الجماعة الكثيرة‪ ،‬ويحجون بمعنى‪ :‬يقصدون‪.‬‬

‫( ‪)1/135‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫العمرة ‪ :‬زيارة بيت ال تعالى للطواف به والسعي بين الصفا والمروة والتحلل بحلق شعر الرأس‬
‫أو تقصيره‪.‬‬
‫الجناح ‪ :‬الثم وما يترتب على المخالفة بترك الواجب أو بفعل المنهي عنه‪.‬‬
‫يطوف ‪ :‬يسعى بينهما ذاهبا جائيا‪.‬‬
‫خيرا ‪ :‬الخير‪ :‬اسم لكل ما يجلب المسرة‪ ،‬ويدفع المضرة‪ ،‬والمراد به هنا العمل الصالح‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫يخبر ال تعالى مقررا فريضة ‪ 1‬السعي بين الصفا والمروة‪ ،‬ودافعا ما توهمه بعض المؤمنين من‬
‫وجود إثم في السعي بينهما نظرا إلى أنه كان في الجاهلية على الصفا صنم يقال له‪ :‬إساف‪ ،‬وآخر‬
‫صفَا‬
‫على المروة يقال له‪ :‬نائلة‪ ،‬يتمسح بهما من يسعى بين الصفا والمروة‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬إِنّ ال ّ‬
‫وَا ْلمَ ْروَةَ} يعني السعي بينهما من شعائر ال‪ :‬أي عبادة من عبادته إذ تعبد بالسعي بينهما نبينه‬
‫إبراهيم وولده إسماعيل والمسلمون من ذريتهما‪ .‬فمن حج البيت لداء فريضة الحج أو اعتمر‬
‫لداء واجب العمرة فليسعى بينهما أداءً لركن الحج والعمرة ول إثم عليه في كون المشركين كانوا‬
‫يسعون بينهما لجل الصنمين‪ :‬إساف ونائلة‪.‬‬
‫ثم أخبر تعالى واعدا عباده المؤمنين أن من يتطوع منهم بفعل خير من الخيرات يجزه به ويثبه‬
‫عليه‪ ،‬لنه تعالى يشكر لعباده المؤمنين أعمالهم الصالحة ويثيبهم عليها لعلمه بتلك العمال ونيات‬
‫طوّعَ خَيْرا فَإِنّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} ‪.‬‬
‫أصحابها‪ ،‬هذا معنى قوله تعالى‪َ { :‬ومَنْ َت َ‬
‫هداية الية الكريمة‪:‬‬
‫من هداية هذه الية‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب السعي بين الصفا ‪ 2‬والمروة لكل من طاف بالبيت حاجا أو معتمرا‪ ،‬وقد قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬اسعوا فإن ال كتب عليكم السعي" ‪( .3‬رواه الدارقطني‪ ،‬ولم يعل)‬
‫وسعى‬
‫__________‬
‫‪ 1‬السعي‪ :‬ركن الحج عند مالك‪ ،‬وأحمد والشافعي ولم يره ركنا أبو حنيفة‪ ،‬وما ذهب إليه‬
‫الجمهور هو الذي يؤخذ به لحديث‪" :‬اسعوا فإن ال كتب عليكم السعي" ‪ ،‬وكتب بمعنى‪ :‬فرض‬
‫لغة‪ ،‬وشرعا‪.‬‬
‫‪ 2‬من ترك السعي وسافر‪ ،‬يعود إليه محرما فيطوف بالبيت ويسعى بحكم أنه فرض وركن‪ ،‬ومن‬
‫قال بوجوبه دون ركنيته يجزئه ذبح شاة‪.‬‬
‫‪ 3‬وفي الصحيح أن النبي صلى ال عليه وسلم خرج من باب الصفا بعد أن طاف بالبيت وهو‬
‫يقول‪" :‬إن الصفا والمرة من شعائر ال" ثم قال‪" :‬أبدأ بما بدأ ال به " فدل هذا على وجوب البدء‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫في السعي بالصفا قبل المروة‪ ،‬ودل فعلة صلى ال علية وسلم على أن السعى سبعة اشواط‬
‫لينقص وليزيد‪.‬‬

‫( ‪)1/136‬‬

‫صلى ال عليه وسلم في عمرته كلها وفي حجه كذلك‪.‬‬


‫‪ -2‬ل حرج في الصلة في كنيسة حولت مسجدا‪ ،‬ول يضر كونها كانت معبدا للكفار‪.‬‬
‫‪ -3‬الترغيب في فعل الخيرات من غير الواجبات‪ ،‬وذلك من سائر النوافل؛ كالطواف والصلة‬
‫والصيام والصدقات والرباط والجهاد‪.‬‬
‫ت وَا ْلهُدَى مِنْ َبعْدِ مَا بَيّنّاهُ لِلنّاسِ فِي ا ْلكِتَابِ أُولَ ِئكَ يَ ْلعَ ُن ُهمُ اللّهُ‬
‫{إِنّ الّذِينَ َيكْ ُتمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيّنَا ِ‬
‫وَيَ ْلعَ ُنهُمُ اللعِنُونَ(‪ )159‬إِل الّذِينَ تَابُوا وََأصْلَحُوا ‪ 1‬وَبَيّنُوا فَأُولَ ِئكَ أَتُوبُ عَلَ ْيهِ ْم وَأَنَا ال ّتوّابُ الرّحِيمُ(‬
‫ج َمعِينَ(‪)161‬‬
‫‪ )160‬إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا َومَاتُوا وَهُمْ ُكفّارٌ أُولَ ِئكَ عَلَ ْيهِمْ َلعْ َنةُ اللّ ِه وَا ْلمَل ِئكَ ِة وَالنّاسِ أَ ْ‬
‫ب وَل هُمْ يُ ْنظَرُونَ(‪})162‬‬
‫خ ّففُ عَ ْن ُهمُ ا ْلعَذَا ُ‬
‫خَاِلدِينَ فِيهَا ل يُ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫يكتمون ‪ : 2‬يخفون ويغطون حتى ل يظهر الشيء المكتوم ول يعرف فيؤخذ به‪.‬‬
‫البينات ‪ :‬جمع بينة وهي ما يثبت به شيء المراد إثباته‪ ،‬والمراد به هنا ما يثبت نبوة محمد صلى‬
‫ال عليه وسلم من نعوت وصفات جاءت في كتاب أهل الكتاب‪.‬‬
‫الهدى ‪ :‬ما يدل على المطلب الصحيح ويساعد على الوصول إليه والمراد به هنا ما جاء به‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم من الدين الصحيح المفضي بالخذ به إلى الكمال والسعادة في‬
‫الدنيا والخرة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬تابوا‪ :‬أي رجعوا إلى اليمان والدخول في السلم‪ ،‬وأصلحوا‪ :‬أي ما أفسدوه من عقائد الناس‪،‬‬
‫وأخلقهم وأرواحهم‪ ،‬وبينوا‪ :‬أي ما كتموهم من العمل الواجب بيانه والمحرم كتمانه‪.‬‬
‫‪ 2‬الكتمان يكون بإلغاء الحفظ المقرر‪ ،‬وإلغاء التدريس والتعليم للواجب بيانه وتعليمه والدعوة إليه‪.‬‬

‫( ‪)1/137‬‬

‫في الكتاب ‪ :‬التوراة والنجيل‪.‬‬


‫اللعنة ‪ :‬الطرد والبعد من كل خير ورحمة‪.‬‬
‫اللعنون ‪ :‬من يصدر عنهم اللعن؛ كالملئكة والمؤمنين‪.‬‬
‫أصلحوا ‪ :‬ما أفسدوه من عقائد الناس وأمور دينهم بإظهار ما كتموه واليمان بما كذبوا به‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وأنكروه‪.‬‬
‫ول هم ينظرون ‪ :‬أي بأن يمهلوا ليعتذروا‪ ،‬كقوله تعالى‪{ :‬وَل ُي ْؤذَنُ َلهُمْ فَ َيعْتَذِرُونَ} ‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫عاد الساق بعد الجابة عن تحرج بعض المسلمين من السعي بين الصفا والمروة عاد إلى التنديد‬
‫بجرائم علماء أهل الكتاب‪ ،‬ودعوتهم إلى التوبة بإظهار الحق واليمان به فأخبره تعالى أن الذين‬
‫يكتمون ما أنزله ‪ 1‬من البينات والهدى في التوراة والنجيل من صفات الرسول محمد صلى ال‬
‫عليه وسلم والمر باليمان به وبما جاء به من الدين‪ ،‬هؤلء البعداء يلعنهم ال تعالى وتلعنهم‬
‫الملئكة والمؤمنون ‪ .2‬هذا ما تضمنته الية الولى(‪ )159‬وفي الية الثانية(‪ )160‬استثنى تعالى‬
‫من المبعدين من رحمته من تاب من أولئك الكاتمين للحق بعد ما عرفوه فينوا وأصلحوا فهؤلء‬
‫يتوب عليهم ويرحمهم وهو التواب الرحيم‪.‬‬
‫وفي الية الثالثة(‪ )161‬والرابعة(‪ )162‬أخبر تعالى أن الذين كفروا من أهل الكتاب وغيرهم بنبيه‬
‫ودينه ولم يتوبوا فماتوا على كفرهم أن عليهم ‪ 3‬لعنة ال والملئكة والناس أجمعين‪.‬‬
‫ولذا فهم مطردون مبعدون من الرحمة اللهية وهي الجنة خالدون في جهنم ل يخفف عنهم‬
‫عذابها‪ ،‬ول يمهلون فيعتذرون‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الية عامة في كل من كتم علما واجب البيان ويعم العلم المنصوص والمستنبط وما لم يكن‬
‫واجب البيان فل يدخل صاحبه في هذا الوعيد‪ ،‬إذ من العلم ما ل يجوز بيانه لحديث‪" :‬حدث الناس‬
‫بما يفهمون‪ ،‬أتحبون أن يكذب ال ورسوله" وحديث الصحيح‪" :‬أفل أخبر الناس؟ قال‪ :‬ل إذا‬
‫فيتكلوا"‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرج ابن ماجة بسند حسن أن النبي صلى ال عليه وسلم قال في اللعنون‪" :‬دواب الرض" ‪،‬‬
‫ولذا فاللفظ عام يشمل كل من يتأتى منه اللعن‪ ،‬ويدخل الملئكة والمؤمنون دخولً أوليا‪.‬‬
‫‪ 3‬هل يجوز لعن المؤمن العاصي المعين؟ ل يجوز لعن المؤمن العاصي المعين وذلك للحديث‬
‫الصحيح‪" :‬ل تكونوا عون الشيطان على أخيكم" ‪ ،‬إذ لعنوا مؤمنا حال إقامة الحد عليه؛ حد شرب‬
‫الخمر‪.‬‬

‫( ‪)1/138‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة كتمان العلم وفي الحديث الصحيح‪" :‬من كتم علما ألجمه ال بلجام من نار" ‪ .‬وقال أبو‬
‫هريرة رضي ال عنه في ظروف معينة‪" :‬لول آية من كتاب ال ما حدثتكم حديثا" وتل‪{ :‬إِنّ الّذِينَ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫َيكْ ُتمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيّنَاتِ} إلخ‪...‬‬
‫‪ -2‬يشترط لتوبة من أفسد في ظلمه وجهله إصلح ما أفسد ببيان ما حرف أو بدل وغيره‪،‬‬
‫وإظهار ما كتم‪ ،‬وأداء ما أخذه بغير الحق‪.‬‬
‫‪ -3‬من كفر ومات على كفره من سائر الناس يلقى في جهنم بعد موته خالدا في العذاب مخلدا ل‬
‫يخفف عنه ول ينظر فيعتذر‪ ،‬ول يفتر عنه العذاب فيستريح‪.‬‬
‫‪ -4‬جواز لعن ‪ 1‬المجاهرين بالمعاصي؛ كشراب الخمر‪ ،‬والمرابين ‪ ،2‬والمتشبهين من الرجال‬
‫بالنساء ومن النساء بالرجال‪.‬‬
‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ وَاخْتِلفِ‬
‫حمَنُ الرّحِيمُ(‪ )163‬إِنّ فِي خَلْقِ ال ّ‬
‫ح ٌد ل إِلَهَ إِل ُهوَ الرّ ْ‬
‫{وَإَِل ُهكُمْ إَِل ٌه وَا ِ‬
‫سمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا‬
‫س َومَا أَنْ َزلَ اللّهُ مِنَ ال ّ‬
‫ل وَال ّنهَارِ وَالْفُ ْلكِ الّتِي تَجْرِي فِي الْ َبحْرِ ِبمَا يَ ْنفَعُ النّا َ‬
‫اللّ ْي ِ‬
‫سمَاءِ‬
‫سخّرِ بَيْنَ ال ّ‬
‫ح وَالسّحَابِ ا ْلمُ َ‬
‫بِ ِه الَ ْرضَ َبعْدَ َموْ ِتهَا وَ َبثّ فِيهَا مِنْ ُكلّ دَابّ ٍة وَ َتصْرِيفِ الرّيَا ِ‬
‫ض لياتٍ ِل َقوْمٍ َي ْعقِلُونَ(‪})164‬‬
‫وَالَرْ ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الله ‪ :‬المعبود بحق ‪ 3‬أو باطل‪ ،‬وال سبحانه وتعالى هو الله الحق المعبود بحق‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬فإن قيل‪ :‬ما كل الناس يلعنونهم‪ .‬فالجواب‪ :‬إما أن يكون من باب تغليب الكثر على القل‪ ،‬وإما‬
‫ض وَيَ ْلعَنُ َب ْعضُكُمْ َبعْضا} ‪.‬‬
‫ضكُمْ بِ َب ْع ٍ‬
‫أن يكون يوم القيامة لقوله تعالى‪{ :‬ثُمّ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َيكْفُرُ َب ْع ُ‬
‫‪ 2‬لكن ل على سبيل التعيين‪ ،‬وإنما على العموم؛ كلعن ال آكل الربا مثلً‪.‬‬
‫‪ 3‬لم يرد في القرآن لفظ الله إل ال سبحانه وتعالى‪ ،‬وأما إله بالتنكير فكثير‪.‬‬

‫( ‪)1/139‬‬

‫وإلهكم إله واحد ‪ :‬في ذاته وصفاته‪ ،‬وفي ربوبيته فل خالق ول رازق ول مدبر للكون والحياة إل‬
‫هو وفي ألوهيته أي في عبادته فل معبود بحق سواه‪.‬‬
‫اختلف الليل والنهار ‪ :‬بوجود أحدهما وغياب الثاني لمنافع العباد بحيث ل يكون النهار دائما ول‬
‫الليل دائما‪.‬‬
‫وبث فيها من كل دابة ‪ :‬وفرق في الرض ونشر فيها من سائر أنواع الدواب‪.‬‬
‫تصريف الرياح ‪ :‬باختلف مهابها مرة صبا‪ ،‬ومرة دبور‪ ،‬ومرة شمالية‪ ،‬ومرة غربية‪ ،‬أو مرة‬
‫ملقحة‪ ،‬ومرة عقيم‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫لما أوجب ال على العلماء بيان العلم والهدى وحرم كتمانهما أخبر أنه الله الواحد الرحمن‬
‫الرحيم‪ ،‬وأن هذا أول ما على العلماء أن يبينوه للناس وهو توحيده تعالى في ربوبيته وعبادته‪،‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وأسمائه وصفاته‪ ،‬ولما سمع بعض المشركين تقرير هذه الحقيقة‪ :‬وإلهكك إله واحد‪ ،‬قالوا‪ :‬هل من‬
‫سمَاوَاتِ‬
‫دليل –يريدون على أنه ل إله إل ال ‪ -1‬فانزل ال تعالى هذه الية‪{ :‬إِنّ فِي خَ ْلقِ ال ّ‬
‫وَالَرْضِ} إلى قوله‪َ { :‬ي ْعقِلُونَ} مشتملة على ست آيات كونية كل آية برهان ساطع ودليل قاطع‬
‫على وجود ال وقدرته وعلمه وحكمته‪ ،‬وهي كلها موجبة لعبادته وحده دون من سواه‪.‬‬
‫الولى‪ :‬خلق السموات ‪ 2‬الرض وهو خلق عظيم ل يتأتى إل للقادر الذي ل يعجزه شيء‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬اختلف الليل والنهار بتعاقبهما وطول هذا وقصر ذاك‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬جريان ‪ 3‬الفلك –السفن‪ -‬في البحر على ضخامتها وكبرها وهي تحمل مئات الطنان من‬
‫الرزاق وما ينتفع به الناس في حياتهم‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬إنزاله تعالى المطر من السماء لحياة الرض بالنباتات والزروع بعد جدبها وموتها‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬جملة ل إله إل ال أولها كفر وآخرها إيمان‪ ،‬لن أولها نفي لكل إله‪ ،‬وآخرها إثبات اللوهية ل‬
‫سبحانه وتعالى وحده دون سواه‪.‬‬
‫‪ 2‬جمع لفظ‪ :‬السموات؛ لنها أجسام متباينة‪ ،‬وأفرد لفظ الرض؛ لنها نوع واحد من تراب طبقة‬
‫فوق أخرى‪.‬‬
‫‪ 3‬في الية دليل على جواز ركوب البحر للجهاد والحج والتجارة إل في حالة غلبت الهلك‬
‫الطارئ‪ ،‬فإنه ل يجوز‪ ،‬وحديث أم حرام في الموطأ وغيره دليل على الجواز للنساء كالرجال‪.‬‬

‫( ‪)1/140‬‬

‫الخامسة‪ :‬تصريف الرياح ‪ 1‬حارة وباردة ملقحة وغير ملقحة‪ ،‬شرقية وغربية وشمالية وجنوبية‬
‫بحسب حاجة الناس وما تطلبه حياتهم‪.‬‬
‫السادسة‪ :‬السحاب ‪ 2‬المسخر بين السماء والرض تكوينه وسوقه من بلد إلى آخر ليمطر هنا ول‬
‫يمطر هناك حسب إرادة العزيز الحكيم‪.‬‬
‫ففي هذه اليات الست أكبر برهان وأقوى دليل على وجود ال تعالى وعلمه وقدرته وحكمته‬
‫ورحمته‪ ،‬وهو لذلك رب العالمين وإله الولين والخرين ول رب غيره‪ ،‬ول إله سواه‪.‬‬
‫إل أن الذي يجد هذه الدلة ويراها ماثلة في اليات المذكورة هو العاقل‪ ،‬أما من ل عقل له؛ لنه‬
‫عطل عقله فلم يستعمله في التفكير والفهم والدراك‪ ،‬واستعمل بدل العقل الهوى فإنه أعمى ل‬
‫يبصر شيئاَ وأصم ل يسمع شيئا‪ ،‬وأحمق ل يعقل شيئا‪ ،‬والعياذ بال تعالى‪.‬‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬ل إله إل ال فل تصح العبادة لغير ال تعالى‪ ،‬لنه ل إله حق ‪ 3‬إل هو‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -2‬اليات الكونية في السموات والرض تثبت وجود ال تعالى ربا وإلها موصوفا بكل كمال‬
‫منزها عن كل نقصان‪.‬‬
‫‪ -3‬اليات التنزيلية القرآنية ‪ 4‬تثبت وجود ال ربا وإليها وتثبت النبوة المحمدية وتقرر رسالته‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -4‬النتفاع باليات مطلقا –آيات الكتاب أو آيات الكون‪ -‬خاص بمن يستعملون عقولهم دون‬
‫أوهوائهم‪.‬‬
‫حبّ اللّهِ‬
‫{ َومِنَ النّاسِ مَنْ يَتّخِذُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَ ْندَادا يُحِبّو َنهُمْ َك ُ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن سب الريح‪ ،‬فقد روى ابن ماجة أن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬ل تسبوا الريح فإنها من روح ال‪ ،‬تأتي بالرحمة والعذاب‪ ،‬ولكن سلوا ال من‬
‫خيرها وتعوذوا بال من شرها" ‪.‬‬
‫‪ 2‬سمي السحاب‪ :‬سحابا لنه يسحب من موضع إلى آخر‪ ،‬أي من بلد إلى بلد آخر‪.‬‬
‫‪ 3‬في بعض تلبية الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬لبيك إله الحق لبيك"‪.‬‬
‫‪ 4‬اليات الكونية‪ :‬هي المنسوبة إلى الكون الذي هو الخلق الذي كونه ال تعالى فكان وذلك‬
‫السموات والرض وما فيهما وما بينهما من سائر المخلوقات واليات التنزيلية هي المنسوبة إلى‬
‫القرآن المنزل من ال على رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)1/141‬‬

‫جمِيعا وَأَنّ اللّهَ شَدِيدُ‬


‫ظَلمُوا ِإذْ يَ َروْنَ ا ْلعَذَابَ أَنّ ا ْلقُ ّوةَ لِلّهِ َ‬
‫وَالّذِينَ آمَنُوا َأشَدّ حُبّا لِلّهِ وََلوْ يَرَى الّذِينَ َ‬
‫ط َعتْ ِبهِ ُم الَسْبَابُ(‪)166‬‬
‫ا ْلعَذَابِ(‪ِ )165‬إذْ تَبَرّأَ الّذِينَ اتّ ِبعُوا مِنَ الّذِينَ اتّ َبعُوا وَرََأوُا ا ْلعَذَابَ وَ َتقَ ّ‬
‫عمَاَلهُمْ حَسَرَاتٍ‬
‫َوقَالَ الّذِينَ اتّ َبعُوا َلوْ أَنّ لَنَا كَ ّرةً فَنَتَبَرّأَ مِ ْنهُمْ َكمَا تَبَرّأُوا مِنّا َكذَِلكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَ ْ‬
‫عَلَ ْيهِ ْم َومَا ُهمْ بِخَا ِرجِينَ مِنَ النّارِ(‪})167‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫أندادا ‪ :‬جمع ند‪ ،‬وهو المثل والنظير‪ ،‬والمراد بالنداد هنا‪ :‬الشركاء يعبدونها بحبها والتقرب إليها‬
‫بأنواع العبادات؛ كالدعاء والنذر لها والحلف بها‪.‬‬
‫التبرؤ ‪ :‬التنصل من الشيء والتباعد عنه لكرهه‪.‬‬
‫الذين اتبعوا ‪ :‬المعبودون والرؤساء المضلون‪.‬‬
‫الذين اتبعوا ‪ :‬المشركون والمقلدون لرؤسائهم في الضلل‪.‬‬
‫السباب ‪ :‬جمع سبب وهي لغة الحبل ثم استعمل في كل ما يربط بين شيئين وفي كل ما يتوصل‬
‫به إلى مقصد وغرض خاص‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كرة ‪ :‬رجعة وعودة إلى الحياة الدنيا‪.‬‬
‫الحسرات‪ :‬جمع حسرة وهي الندم الشديد الذي يكاد يحسر صاحبه فيقعد به عن الحركة والعمل‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما تقرر في اليتين السابقتين بالدلة القاطعة والبراهين الساطعة أن إله الناس أي ربهم ومعبودهم‬
‫واحد وهو ال جل جلله وعظم سلطانه أخبر تعالى أنه مع هذا البيان والوضوح‬

‫( ‪)1/142‬‬

‫يوجد ناس يتخذون من دون ‪ 1‬ال آلهة أصناما ورؤساء يحبونهم ‪ 2‬كحبهم ‪ 3‬ل تعالى‪ ،‬أي يسوون‬
‫‪ 4‬بين حبهم وحب ال تعالى‪ ،‬والمؤمنون أشد منهم حبا ل تعالى‪ ،‬كما أخبر تعالى أنه لو يرى‬
‫المشركون عند معاينتهم العذاب يوم القيامة لرأوا أمرا فظيعا يعجز الوصف عنه‪ ،‬ولعلموا أن‬
‫القوة ل وأن ال شديد العذاب إذ تبرأ المتبعون وهم الرؤساء الظلمة دعاة الشرك والضللة من‬
‫متبوعيهم الجهلة المقلدين وعاينوا ‪ 5‬العذاب أمامهم وتقطعت لك الروابط التي كانت تربط بينهم‪،‬‬
‫وتمنى التابعون العودة إلى الحياة الدنيا لينتقموا من رؤسائهم في الضللة فيتبرءوا منهم في الدنيا‬
‫كما تبرءوا منهم في الخرة‪ ،‬وكما أراهم ال تعالى العذاب فعاينوه‪ ،‬يريهم أعمالهم القبيحة من‬
‫الشرك والمعاصي فتعظم حسرتهم ويشتد كربهم ويدخلون بها النار فل يخرجونهم منها أبدا‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب حب ‪ 6‬ال وحب كل ما يُحب ال عز وجل بحبه تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬من الشرك الحب ‪ 7‬مع ال تعالى‪ ،‬ومن التوحيد الحب بحب ال عز وجل‪.‬‬
‫‪ -3‬يوم القيامة تنحل جميع الروابط من صداقة ونسب ولم تبق إل رابطة اليمان والخوة فيه‪.‬‬
‫‪ -4‬تبرؤ ‪ 8‬رؤساء الشرك والضلل ودعاة الشر والفساد ممن أطاعوهم في الدنيا واتبعوهم على‬
‫الظلم والشر والفساد‪ ،‬وليس بنافعهم ذلك شيئا‪.‬‬
‫{يَا أَ ّيهَا ‪ 9‬النّاسُ كُلُوا ِممّا فِي الْأَ ْرضِ حَللً طَيّبا وَل تَتّ ِبعُوا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬دون‪ :‬تكون بمعنى غير وسوى‪ ،‬ول يطرد‪ ،‬إذ أصلها إنها ظرف مكان‪ ،‬نحو‪ :‬جلست دونك‪،‬‬
‫وتكون بمعنى‪ :‬الرديء‪ ،‬تقول‪ :‬هذا التمر‪ :‬دون‪.‬‬
‫‪ 2‬فالية الكريمة تعني‪ :‬المشركين عبدة الوثان ورؤساء أهل الكتاب‪ ،‬لقوله‪ :‬يحبونهم‪ ،‬وهي عامة‬
‫في كل من يحب غير ال تعالى من مخلوقاته وحب ال تعالى‪ ،‬إذ الحب إما أن يكون ل وإل فهو‬
‫شرك في حب ال تعالى‪.‬‬
‫‪ 3‬وذلك لنهم كانوا يدعون ال في الشدة‪ ،‬ويعظمون حرمات الحرم‪ ،‬والشهر الحرم‪ ،‬فلذا هم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يحبون ال تعالى ولكن يحبون آلهتهم ورؤسائهم أكثر من حب ال تعالى لجهلهم به سبحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫‪ 4‬لحديث ابن مسعود في الصحيح‪" :‬قلت أي الذنب أعظم يا رسول ال؟ قال‪ :‬أن تجعل ل ندا وهو‬
‫خلقك" ‪.‬‬
‫‪ 5‬معاينة العذاب تكون عند الموت وعند العرض والمسائلة يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ 6‬الحديث الصحيح‪" :‬أحب ال لما يغذوكم من النعم‪ ،‬وأحبوني بحب ال"‪.‬‬
‫‪ 7‬الحب‪ :‬حبان‪ :‬حب عبادة‪ ،‬وهذا ل يكون إل ل تعالى‪ .‬وحب غريزة؛ كحب الطعام والشراب‪،‬‬
‫وسائر الملذ‪ ،‬فهذا يجب القصد فيه وعدم الفراط فقط‪ ،‬وخير الحب ما كان لجل ال تعالى‪.‬‬
‫‪ 8‬وشواهد هذا في غير آية من القرآن كقوله تعالى‪ { :‬تَبَرّأْنَا إِلَ ْيكَ مَا كَانُوا إِيّانَا َيعْبُدُونَ} ‪.‬‬
‫‪ 9‬قيل‪ :‬هذه الية نزلت في ثقيف‪ ،‬وخزاعة‪ ،‬وبني مدلح‪ ،‬إذ حرموا من النعام ماحرموا‪ ،‬وعلى‬
‫كل فهي عامة في كل من حرم غير ما حرم ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)1/143‬‬

‫علَى اللّهِ مَا‬


‫طوَاتِ الشّيْطَانِ إِنّهُ َلكُمْ عَ ُدوّ مُبِينٌ(‪ )168‬إِ ّنمَا يَ ْأمُ ُركُمْ بِالسّو ِء وَا ْلفَحْشَاءِ‪ 1‬وَأَنْ َتقُولُوا َ‬
‫خُ‬‫ُ‬
‫علَيْهِ آبَاءَنَا َأوََلوْ كَانَ‬
‫ل َتعَْلمُونَ(‪ )169‬وَإِذَا قِيلَ َلهُمُ اتّ ِبعُوا مَا أَنْ َزلَ اللّهُ قَالُوا َبلْ نَتّبِعُ مَا أَ ْلفَيْنَا َ‬
‫آبَاؤُهُمْ ل َي ْعقِلُونَ شَيْئا وَل َيهْتَدُونَ(‪})170‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الحلل ‪ :‬ما انحلت عقدة الحظر عنه وهو ما أذن ال تعالى فيه‪.‬‬
‫الطيب ‪ :‬ما كان طاهرا غير نجس‪ ،‬ول مستقذر تعافه النفوس‪.‬‬
‫خطوات الشيطان ‪ :‬الخطوات‪ :‬جمع خطوة وهي المسافة بين قدمي الماشي‪ ،‬والمراد بها هنا‪:‬‬
‫مسالك الشيطان‪ ،‬وطرقه المفضية بالعبد إلى تحريم ما أحل ال وتحليل ما حرم‪.‬‬
‫عدو مبين ‪ :‬عداوته بينة وكيف وهو الذي أخرج أبوينا آدم وحواء من الجنة وأكثر الشرور‬
‫والمفاسد في الدنيا إنما هي بوسواسه وإغوائه‪.‬‬
‫السوء ‪ : 2‬كل ما يسوء النفس ويصيبها بالحزن والغم ويدخل فيها سائر الذنوب‪.‬‬
‫الفحشاء ‪ : 3‬كل خصلة قبيحة؛ كالزنا‪ ،‬واللواط‪ ،‬والبخل‪ ،‬وسائر المعاصي ذات القبح الشديد‪.‬‬
‫ألفينا ‪ :‬وجدنا‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بعد ذلك العرض لحوال أهل الشرك والمعاصي والنهاية المرة التي انتهوا إليها‪ ،‬وهي الخلود في‬
‫عذاب النار نادى الرب ذو الرحمة الواسعة البشرية ‪ 4‬جمعاء {يَا أَ ّيهَا النّاسُ كُلُوا ِممّا فِي‬
‫__________‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 1‬لفظ الفحشاء‪ :‬لم يطلق في القرآن إل على فاحشة واللواط‪ ،‬اللهم إل في آية واحدة‪{ :‬الشّ ْيطَانُ‬
‫َيعِ ُدكُمُ ا ْلفَقْ َر وَيَ ْأمُ ُركُمْ بِا ْلفَحْشَاءِ} ‪ ،‬فإن الفحشاء هنا بمعنى‪ :‬البخل‪ ،‬بمنع الزكاة‪.‬‬
‫‪ 2‬قيل‪ :‬السوء ما ل حد فيه من الذنوب‪ ،‬والفحشاء ما فيه حد‪.‬‬
‫‪ 3‬أصل الفحشاء‪ :‬قبح المنظر وعليه قول الشاعر‪ :‬وجيد كجيد الريم ليس بفاحش‪ .‬ثم توسع فيه‬
‫فأصبح يطلق على ما قبح من المعاني‪.‬‬
‫‪ 4‬أنه وإن كان سبب نزول الية خاصا فإن معناها عام‪ ،‬والعبرة بعموم اللفظ ل بخصوص‬
‫السبب‪.‬‬

‫( ‪)1/144‬‬

‫الَرْض} ‪ ،‬وهوِ عطاؤه وإفضاله‪ ،‬حللً طيبا‪ 1‬حيث أذن لهم فيه‪ ،‬وأما ما لم يأذن لهم فيه فإنه ل‬
‫خير لهم في أكله لما فيه من الذي لبدانهم وأرواحهم معا‪ ،‬ثم نهاهم عن اتباع آثار عدوه وعدوهم‬
‫فإنهم إن اتبعوا خطواته قادهم إلى حيث شقاؤهم وهلكهم‪ ،‬وأعلمهم وهو ربهم أن الشيطان ل‬
‫يأمرهم إل بما يضر أبدانهم وأرواحهم والسوء وهو كل ما يسوء النفس والفحشاء وهي أقبح‬
‫الفعال وأردى الخلق وأفظع من ذلك أن يأمرهم بأن يكذبوا على ال فيقولوا عليه ما ل يعلمون‬
‫فيحرمون ويحللون ويشرعون باسم ال‪ ،‬وال في ذلك بريء ‪ ،‬وهذه قاصمة الظهر والعياذ بال‬
‫تعالى‪ ،‬حتى إذا أعرضوا عن إرشاد ربهم واتبعوا خطوات الشيطان عدوهم ففعلوا السوء وارتكبوا‬
‫الفواحش وحللوا وشرعوا ما لم يأذن به ال ربهم‪ ،‬وقال لهم رسول ال اتبعوا ما أنزل ال قالوا ل‪،‬‬
‫بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا‪ ،‬يا سبحان ال يتبعون ما وجدوا عليه آباءهم ولو كان باطلً‪ ،‬أيقلدون‬
‫‪ 2‬آباءهم ولو كان آباءهم ل يعقلون شيئا من أمور الشرع والدين‪ ،‬ول يهتدون إلى ما فيه الصلح‬
‫والخير‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب طلب الحلل والقتصار على العيش منه ولو كان ضيقا قليلً‪.‬‬
‫‪ -2‬الحلل ما أحل ال‪ ،‬والحرام ما حرمه ال تعالى فل يستقل العقل بشيء من ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة اتباع مسالك الشيطان وهي كل معتقد أو قول أو عمل نهى ال تعالى عنه‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب البتعاد عن كل سوء وفحش لنهما مما يأمر بهما الشيطان‪.‬‬
‫‪ -5‬حرمة تقليد من ل علم له ول بصيرة في الدين‪.‬‬
‫‪ -6‬جواز اتباع أهل العلم والخذ بأقوالهم وآرائهم المستقاة من الوحي اللهي الكتاب والسنة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يصح إعراب‪{ :‬حَللً طَيّبا} على إنهما حالن من { ِممّا فِي الَ ْرضِ} ويصح أيكون طيبا‪ :‬صفة‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لحلل‪ ،‬كما يصح أن يكون حللً مفعول لكلوا‪.‬‬
‫‪ 2‬استدل بهذه الية على حرمة التقليد في العقائد مطلقا‪ ،‬أما في الفروع فهو أهون‪ ،‬والتقليد هو‬
‫قبول الحكم بل دليل ول حجة‪.‬‬

‫( ‪)1/145‬‬

‫عمْيٌ َفهُمْ ل َي ْعقِلُونَ(‬


‫سمَعُ إِل دُعَا ًء وَنِدَا ًء صُمّ ُبكْمٌ ُ‬
‫{ َومَ َثلُ الّذِينَ َكفَرُوا َكمَ َثلِ الّذِي يَ ْنعِقُ ِبمَا ل يَ ْ‬
‫‪})171‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫مثل ‪ :‬المثل‪ :‬الصفة والحال‪.‬‬
‫ينعق ‪ :‬يصيح‪ :‬والسم النعيق ‪ 1‬وهو الصياح ورفع الصوت‪.‬‬
‫الدعاء ‪ :‬طلب القريب؛ كدعاء المؤمن ربه‪ :‬يارب‪ .‬يارب‪.‬‬
‫النداء ‪ : 2‬طلب البعيد؛ كأذان الصلة‪.‬‬
‫الصم ‪ :‬جمع أصم فاقد حاسة السمع فهو ل يسمع‪.‬‬
‫البكم ‪ :‬جمع أبكم فاقد حاسة النطق فهو ل ينطق‪.‬‬
‫ل يعقلون ‪ :‬ل يدركون معنى الكلم ول يميزون بين الشياء لتعطل آلة الدراك عندهم‪ ،‬وهي‬
‫العقل‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫لما نددت الية قبل هذه(‪ )170‬بالتقليد والمقلدين الذي يعطلون حواسهم ومداركهم ويفعلون ما يقول‬
‫لهم رؤساؤهم ويطيقون ما يأمرونهم به مسلمين به ل يعرفون لم فعلوا ولم تركوا جاءت هذه الية‬
‫بصورة عجيبة ومثل غريب للذين يعطلون قواهم العقلية ويكتفون بالتبعية في كل شيء حتى‬
‫أصبحوا؛ كالشياه من الغنم يسوقها راعيها‪ ،‬حيث شاء فإذا نعق بها داعيا لها أجابته ولو كان‬
‫دعاؤه إياها لذبحها‪ ،‬وكذا إذا ناداها بأن كانت بعيدة أجابته وهي ل تدري لم نوديت‪ ،‬إذ هي ل‬
‫تسمع ول تفهم إل مجرد الصوت الذي ألفته بالتقليد ‪ 3‬الطويل والتباع بدون دليل‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬النعيق‪ :‬دعاء الراعي‪ ،‬وتصويته للغنم‪ ،‬وعليه قول الشاعر‪:‬‬
‫فانعق بضأنك يا جرير فإنما ‪ ...‬منتك نفسك في الخلء ضللً‬
‫‪ 2‬وفي الحديث‪" :‬أن بللً أندى صوتا" ‪.‬‬
‫‪ 3‬وهناك معنى آخر للية قاله الطبري‪ :‬وهو أن المراد مثل الكافرين في دعاؤهم آلهتهم؛ كمثل‬
‫الذي ينعق بشيء بعيد فهو ل يسمع من أجل البعد فليس للناعق من ذلك إل النداء الذي يتعبه‬
‫وينصبه وما فسرناه به أصح وأمثل‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/146‬‬

‫فقال تعالى‪َ { :‬ومَ َثلُ الّذِينَ َكفَرُوا} في جمودهم وتقليد آبائهم في الشرك والضلل كمثل غنم ‪ 1‬ينعق‬
‫بها راعيها فهو إذا صاح فيها داعيا لها أو مناديا لها سمعت الصوت وأجابت ولكن ل تدري لماذا‬
‫دعيت ول لماذا نوديت لفقدها العق‪ .‬وهذا المثل صالح لكل من يدعو أهل الكفر والضلل إلى‬
‫اليمان والهداية فهو مع من يدعوهم من الكفرة والمقلدين والضلل الجامدين كمثل الذي نعق‬
‫إلخ‪....‬‬
‫هداية الية‪:‬‬
‫من هداية الية الكريمة‪:‬‬
‫‪ -1‬تسلية الدعاة إلى ال تعالى عندما يواجهون المقلدة من أهل الشرك والضلل‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة التقليد لهل الهواء والبدع‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب طلب العلم والمعرفة حتى ل يفعل المؤمن ول يترك إل على علم بما فعل وبما ترك‪.‬‬
‫‪ -4‬ل يتابع إل أهل العلم والبصيرة في الدين؛ لن اتباع الجهال يعتبر تقليدا‪.‬‬
‫شكُرُوا لِلّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ َتعْ ُبدُونَ(‪ )172‬إِ ّنمَا‬
‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا كُلُوا ‪ 2‬مِنْ طَيّبَاتِ مَا رَ َزقْنَاكُ ْم وَا ْ‬
‫حمَ ا ْلخِنْزِي ِر َومَا أُ ِهلّ بِهِ ِلغَيْرِ اللّهِ َفمَنِ اضْطُرّ غَيْرَ بَاغٍ وَل عَادٍ فَل‬
‫حَرّمَ عَلَ ْيكُمُ ا ْلمَيْ َتةَ‪ 3‬وَالدّ َم وَلَ ْ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ(‪})173‬‬
‫إِثْمَ عَلَ ْيهِ إِنّ اللّهَ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يقال‪ :‬نعق الغراب‪ ،‬ونغق بالغين‪ ،‬ونعق‪ ،‬نعق إذا صوت من غير أن يمد عنقه ويحركها‪ ،‬ونغق‬
‫بمعناه‪ ،‬فإذا مد عنقه وحركها ثم صاح‪ ،‬قيل فيه نعب‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرج مسلم قول النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬يا آيها الناس إن ال طيب ل يقبل إل طيبا‪ ،‬وإن‬
‫عمَلُوا صَالِحا‬
‫سلُ كُلُوا مِنَ الطّيّبَاتِ وَا ْ‬
‫ال أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال ‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الرّ ُ‬
‫إِنّي ِبمَا َت ْعمَلُونَ عَلِيمٌ} ‪ ،‬وقال‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيّبَاتِ مَا رَ َزقْنَا ُكمْ‪ }..‬الية‪ .‬ثم ذكر‬
‫الرجل يطيل الرجل‪ ،‬أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب‪ ،‬ومطعمه حرام ومشربه حرام‬
‫وملبسه حرام‪ ،‬وغذي بالحرام‪ ،‬فأنى يستجاب لذلك؟! "‪.‬‬
‫‪ 3‬الميت والميتة بتسكين الياء‪ :‬هو مات قطعا وانتهت حياته‪ ،‬والميت‪ ،‬والميتة بتشديد الياء‪ :‬وهو‬
‫ما لم يمت بعد ولكنه آيل أمره إلى الموت‪ ،‬هكذا يرى أرباب اللغة واستشهدوا بقول ال تعالى‬
‫لرسوله‪{ :‬إِ ّنكَ مَ ّيتٌ وَإِ ّنهُمْ مَيّتُونَ} الية‪ ،‬وهذا دليل إطلق ميت بالتشديد على من لم يمت بعد كما‬
‫استشدوا بقول الشاعر‪:‬‬
‫ليس من مات فاستراح بميت ‪...‬‬
‫إنما الميت ميت الحياء‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/147‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الطيبات ‪ :‬جمع طيب وهو الحلل‪.‬‬
‫واشكروا ل ‪ :‬اعترفوا بنعم ال عليكم واحمدوه عليها واصرفوها في مرضاته‬
‫إن كنتم إياه تعبدون ‪ :‬إن كنتم مطيعين ل منقادين لمره ونهيه‪.‬‬
‫حرم ‪ :‬حظر ومنع‪.‬‬
‫الميتة ‪ :‬ما مات من الحيوان حتف أنفه بدون تذكية‪.‬‬
‫الدم ‪ :‬المسفوح السائل‪ ،‬ل المختلط باللحم‪.‬‬
‫الخنزير ‪ :‬حيوان خبيث معروف بأكل العذرة ول يغار على أنثاه‪.‬‬
‫وما أهل به لغير ال ‪ :‬الهلل‪ :‬رفع الصوت باسم من تذبح له من اللهة‪.‬‬
‫اضطر ‪ :‬ألجئ وأكره بحكم الضرر الذي لحقه من الجوع أو الضرب‪.‬‬
‫غير باغ ول عاد ‪ :‬الباغي الظالم الطالب لما ل يحل له والعادي المعتدي المجاوز لما له إلى ما‬
‫ليس له‪.‬‬
‫الثم ‪ :‬أثر المعصية على النفس بالظلمة والتدسية‪.‬‬
‫معنى اليتين الكريمتين‪:‬‬
‫بعد أن بينت الية السابقة(‪ )171‬حال الكفرة المقلدة لبائهم في الشرك وتحريم ما أحل ال من‬
‫النعام حيث سيبوا لللهة السوائب‪ ،‬وحموا لها الحامات‪ ،‬وبحروا لها البحائر‪ ،‬نادى الجبار عز‬
‫ل كلوا من‬
‫وجل عباده المؤمنين‪ :‬يا أيها الذين آمنوا بال ربا وإلها وبالسلم دينا وبمحمد رسو ً‬
‫طيبات ما رزقناكم واشكروا ل ربكم ما أنعم به عليكم من حلل اللحوم‪ ،‬ول تحرموها كما حرمها‬
‫مقلدة المشركين‪ ،‬فإنه تعالى لم يحرم عليكم ‪ 1‬إل أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغيره‬
‫تعالى‪ .‬ومع هذا من ألجأته الضرورة فخاف على نفسه الهلك فأكل فل إثم عليه على شرط أن ل‬
‫يكون في سفره باغيا على المسلمين ول عاديا بقطع الطريق عليهم وذلك؛ لن ال غفور لوليائه‬
‫التائبين إليه رحيم بهم ل يتركهم في ضيق ول حرج‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لما أباح تعالى لعباده المؤمنين الحلل الطيب وهو كثير لم يعدده لكثرته‪ ،‬وعدد الحرام لقلته‪،‬‬
‫فذكر الميتة والدم إلخ‪ ..‬كما فعل النبي صلى ال عليه وسلم لما سئل عما يلبس المحرم فعدل عن‬
‫بيان المباح لكثرته وذكره المحرم لقلته‪ ،‬فقال‪" :‬ل يبلس القميص ول السراويل‪ "...‬إلخ‪ .‬وهذا من‬
‫اليجاز البليغ‪.‬‬

‫( ‪)1/148‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬الندب إلى أكل الطيبات من رزق ال تعالى في غير إسراف‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب شكر ال تعالى بالعتراف بالنعمة له وحمده عليها وعدم صرفها في معاصيه‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة أكل الميتة ‪ ،1‬والدم المسفوح‪ ،‬ولحم الخنزير وما أهل به لغير ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -4‬جواز الكل من المذكورات عند الضرورة ‪ 2‬وهي خوف الهلك مع مراعاة الستثناء في‬
‫غ وَل عَادٍ} ‪.‬‬
‫الية وهو {غَيْرَ بَا ٍ‬
‫‪ -5‬أذن النبي صلى ال عليه وسلم في أكل السمك ‪ 3‬والجراد وهما من الميتة‪ ،‬وحرم أكل كل ذي‬
‫ناب ‪ 4‬من السباع وذي مخلب من الطيور‪.‬‬
‫ب وَيَشْتَرُونَ بِهِ َثمَنا قَلِيلً أُولَ ِئكَ مَا يَ ْأكُلُونَ فِي بُطُو ِنهِمْ إِل‬
‫{إِنّ الّذِينَ َيكْ ُتمُونَ مَا أَنْ َزلَ اللّهُ مِنَ ا ْلكِتَا ِ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ(‪ )174‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ اشْتَ َروُا الضّللَةَ‬
‫النّا َر وَل ُيكَّل ُمهُمُ اللّهُ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ وَل يُ َزكّيهِ ْم وََلهُمْ َ‬
‫ق وَإِنّ‬
‫بِا ْلهُدَى وَا ْلعَذَابَ بِا ْل َم ْغفِ َرةِ َفمَا َأصْبَرَ ُهمْ عَلَى النّارِ(‪ )175‬ذَِلكَ‪ 5‬بِأَنّ اللّهَ نَ ّزلَ ا ْلكِتَابَ بِا ْلحَ ّ‬
‫شقَاقٍ َبعِيدٍ(‪})176‬‬
‫الّذِينَ اخْتََلفُوا فِي ا ْلكِتَابِ َلفِي ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذه أصول المحرمات الربعة‪ ،‬وأما المختنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع وما‬
‫ذبح على النصب فهي متفرعة عن تلك الصول وهي مذكورة في أول المائدة‪.‬‬
‫‪ 2‬من وجد طعام ل تقطع فيه يد يأكله ول يأكل من الميتة بإذن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫للمحتاج أن يأكل من الثمر المعلق‪ ،‬فقال‪" :‬من أصاب منه من ذي حاجة بغية غير متخذ خبنة فل‬
‫شيء عليه" ‪ ،‬وقوله من‪ :‬أي من الثمر المعلق‪ ،‬إذ سئل عنه فقال‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫‪ 3‬للحديث الصحيح‪" :‬أحل لنا ميتتان‪ :‬الحوت والجراد‪ ،‬ودمان‪ :‬الكبد والطحال" ‪.‬‬
‫‪ 4‬لحديث صحيح‪" :‬نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي‬
‫مخلب من الطيور" ‪.‬‬
‫‪ 5‬إشارة إلى الحكم عليهم بأنهم من الخلود في النار‪ ،‬كما هو صالح أن يكون إشارة إلى ما تقدم‬
‫من الوعيد‪ ،‬والمعنى متقارب‪.‬‬

‫( ‪)1/149‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫يكتمون ‪ :‬يجحدون ويخفون‪.‬‬
‫ما أنزل ال من الكتاب ‪ :‬الكتاب‪ :‬التوراة وما أنزل ال فيه صفة النبي محمد صلى ال عليه وسلم‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والمر باليمان به‪.‬‬
‫ل يكلمهم ال ‪ : 1‬لسخطه عليهم ولعنه لهم‪.‬‬
‫ول يزكيهم ‪ :‬ل يطهرهم من ذنوبهم لعدم رضاه عليهم‪.‬‬
‫الضللة ‪ :‬العماية المانعة من الهداية إلى المطلوب‪.‬‬
‫الشقاق ‪ :‬التنازع والعداء حتى يكون صاحبه في شق‪ ،‬ومنازعة في آخر‪.‬‬
‫بعيد ‪ :‬يصعب إنهاؤه والوفاق بعده‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫هذه اليات الثلث نزلت قطعا في أحبار ‪ 2‬أهل الكتاب تندد بصنيعهم وتريهم جزاء كتمانهم الحق‬
‫وبيعهم العلم الذي أخذ عليهم أن يبينوه بعرض خسيس ‪ 3‬من الدنيا يجحدون أمر النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ودينه إرضاء للعوام حتى ل يقطعوا هداياهم ومساعدتهم المالية‪ ،‬وحتى يبقى لهم‬
‫السلطان الروحي عليهم‪ ،‬فهذا معنى قوله تعالى‪{ :‬إِنّ الّذِينَ َيكْ ُتمُونَ مَا أَنْ َزلَ اللّهُ مِنَ ا ْلكِتَابِ‬
‫وَيَشْتَرُونَ بِهِ َثمَنا قَلِيلً} ‪ ،‬وأخبر تعالى أن ما يأكلونه من رشوة في بطونهم إنما هو النار إذ هو‬
‫مسببها ومع النار غضب الجبار فل يكلمهم ول يزكيهم ولهم عذاب أليم‪.‬‬
‫كما أخبر تعالى عنهم في الية(‪ )175‬أنهم وهم البعداء اشتروا الضللة بالهدى أي الكفر باليمان‪،‬‬
‫والعذاب بالمغفرة أي النار بالجنة‪ ،‬فما أجرأ هؤلء على معاصي ال‪ ،‬وعلى التقحم في النار‪ ،‬فلذا‬
‫قال تعالى‪َ { :‬فمَا َأصْبَرَ ُهمْ‪ 4‬عَلَى النّارِ} ‪ .‬وكل هذا الذي تم مما توعد ال به هؤلء‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ل يكلمهم كلم تشريف وتكريم كما يكلم أولياؤه الصالحين‪ .‬أما ما كان من كلم وتحقير نحو‪:‬‬
‫{اخْسَأُوا فِيهَا وَل ُتكَّلمُونِ} ‪ ،‬فل يدخل في هذا النفي‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫‪ 2‬روي عن ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬أن هذه الية نزلت في أحبار اليهود‪ ،‬كانوا يصيبون من‬
‫سفلتهم هدايا‪ ،‬وكانوا يرجون أن يكون النبي المبعوث منهم‪ ،‬فلما بعث من غيرهم‪ ،‬غيروا صفته‬
‫وقالوا‪ :‬هذا نعت النبي الذي يخرج آخر الزمان حتى ل يتبع محمدا صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 3‬هو الرشوة التي يأخذها القاضي والمفتي والعياذ بال‪.‬‬
‫‪ 4‬هذا تعجب للمؤمنين من حالهم‪.‬‬

‫( ‪)1/150‬‬

‫الكفرة؛ لن ال نزل الكتاب بالحق مبينا فيه سبيل الهداية وما يحقق لسالكيه من النعيم المقيم ومبينا‬
‫سبيل الغواية وما يفضي بسالكيه إلى غضب ال وأليم عذابه‪.‬‬
‫وفي الية الخيرة(‪ )176‬أخبر تعالى أن الذين اختلفوا في الكتاب التوراة والنجيل وهم اليهود‬
‫والنصارى ‪ 1‬لفي عداء واختلف بينهم بعيد‪ ،‬وصدق ال فما زال اليهود والنصارى مختلفين‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫متعادين إلى اليوم‪ ،‬ثمرة اختلفهم في الحق الذي أنزله ال وأمرهم بالخذ به فتركوه وأخذوا‬
‫بالباطل فأثمر لهم الشقاق البعيد‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة كتمان الحق ‪ ،2‬ل سيما إذا كان للحصول على منافع دنيوية مالً أو رياسة‪.‬‬
‫‪ -2‬تحذير علماء السلم من سلوك مسالك علماء أهل الكتاب بكتمانهم الحق وإفتاء ‪ 3‬الناس‬
‫بالباطل للحصول على منافع مادية معينة‪.‬‬
‫‪ -3‬التحذير من الختلف في القرآن الكريم لما يفضي إليه من العداء والشقاق البعيد بين‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫ق وَا ْل َمغْ ِربِ وََلكِنّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْ َيوْمِ الخِرِ‬
‫{لَيْسَ الْبِرّ أَنْ ُتوَلّوا وُجُو َهكُمْ قِ َبلَ ا ْلمَشْ ِر ِ‬
‫ن وَآتَى ا ْلمَالَ عَلَى حُبّهِ َذوِي ا ْلقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِينَ وَابْنَ السّبِيلِ‬
‫ب وَالنّبِيّي َ‬
‫وَا ْلمَل ِئكَةِ وَا ْلكِتَا ِ‬
‫ن َوفِي ال ّرقَابِ وََأقَامَ الصّلةَ وَآتَى ال ّزكَاةَ وَا ْلمُوفُونَ ِب َعهْدِهِمْ إِذَا عَا َهدُوا‬
‫وَالسّائِلِي َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ويدخل في هذا مشركو العرب فقد اختلفوا في القرآن فقالوا‪ :‬شعر‪ ،‬وقالوا‪ :‬سحر‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫أساطير‪.‬‬
‫شهَا َد َة َومَنْ َيكْ ُت ْمهَا فَإِنّهُ آثِمٌ‬
‫‪ 2‬يدخل في كتمان الشهادة التي حرمها ال تعالى بقوله‪{ :‬وَل َتكْ ُتمُوا ال ّ‬
‫قَلْبُهُ} ‪.‬‬
‫‪ 3‬يشهد له حديث‪" :‬من سئل عن علم فكتمه ألجمه ال يوم القيامة بلجام من نار" ‪.‬‬

‫( ‪)1/151‬‬

‫ن صَ َدقُوا وَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلمُتّقُونَ(‪})177‬‬


‫وَالصّابِرِينَ‪ 1‬فِي الْبَأْسَاءِ وَالضّرّا ِء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَ ِئكَ الّذِي َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫البر ‪ :‬اسمُ جامع لكل خير وطاعة ل ورسوله محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ولكن البر من آمن بال ‪ :‬البر‪ :‬الحق برُ من آمن بال واليوم الخر إلى آخر الصفات‪.‬‬
‫وأتى المال على حبه ‪ :‬أعطى المال ‪ 2‬حيث تعين اعطاؤه مع شدة حبه ‪ 3‬له فآثر ما يحب ال على‬
‫ما يحب‪.‬‬
‫ذوي القربى ‪ :‬أصحاب القرابات‪ ،‬القرب فالقرب‪.‬‬
‫اليتامى ‪ :‬جمع يتيم وهو من مات والده وهو لم يبلغ الحنث‪.‬‬
‫ابن السبيل‪ :‬المسافر البعيد الدار المنقطع عن أهله وماله‪.‬‬
‫السائلين ‪ :‬جمع سائل‪ :‬الفقير المحتاج الذي أذن له في السؤال لدفع غائلة الحاجة عن نفسه‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫في الرقاب ‪ :‬الرقاب‪ :‬جمع رقبة والنفاق منها معناه في عتقها‪.‬‬
‫الباساء والضراء ‪ :‬البأساء‪ :‬شدة البؤس من الفقر‪ ،‬والضراء‪ :‬شدة الضر أو المرض‪.‬‬
‫وحين البأس ‪ :‬عند القتال واشتداده في سبيل ال تعالى‪.‬‬
‫أولئك الذين صدقوا ‪ : 4‬أي في دعواهم اليمان والبر والبرور‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫في اليات الثلث السابقة لهذه الية ندد ال تبارك وتعالى بأحبار أهل الكتاب وذكر ما توعدهم به‬
‫من غضبه وأليم عقابه يوم القيامة كما تضمن ذلك تخويف علماء السلم من أن‬
‫__________‬
‫‪ 1‬نصب‪{ :‬والصابرين } على المدح إذ هو معطوف على‪{ :‬والموفون} وهو مرفوع‪ ،‬ونظيره قوله‬
‫تعالى ‪ {:‬وَا ْل ُمقِيمِينَ الصّل َة وَا ْل ُمؤْتُونَ ال ّزكَاةَ} والنصب على المدح شائع في كلم العرب‪ ،‬وهو‬
‫إشارة وتنبيه على فضيلة الصبر وميزته‪ ،‬وقرئ‪{ :‬والصابرون} بالرفع على الصل‪.‬‬
‫‪ 2‬فيه دليل على أن في المال حقا غير الزكاة وشاهده قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬إن في المال‬
‫حقا سوى الزكاة" رواه ابن ماجة والترمذي‪.‬‬
‫‪ 3‬ويصح أن يكون على حب ال ل على شيء آخر‪ ،‬أي أعطى المال من أعطاهم لجل حب ال‬
‫عز وجل‪.‬‬
‫‪ 4‬ورد في فضل الصدق قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬عليكم بالصدق فإن الصدق يهدى إلى البر‬
‫وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الجنة يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند ال صديقا "‪.‬‬
‫في الصحيح‪.‬‬

‫( ‪)1/152‬‬

‫يكتموا العلم على الناس طلبا لحظوظ الدنيا الفانية‪ ،‬وفي هذه الية رد ال تعالى على أهل الكتاب‬
‫أيضا تبجحهم بالقبلة وادعاءهم اليمان والكمال فيه لمجرد أنهم يصلون إلى قبلتهم بين المقدس‬
‫بالمغرب أو طلوع الشمس بالمشرق‪ ،‬إذ الولى قبلة اليهود‪ ،‬والثانية قبلة النصارى‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬
‫ق وَا ْل َمغْ ِربِ} ‪ ،‬وفي هذا تنبيه عظيم للمسلم‬
‫{لَيْسَ‪ 1‬الْبِرّ} كل البر {أَنْ ُتوَلّوا وُجُو َهكُمْ قِ َبلَ ا ْل َمشْرِ ِ‬
‫الذي يقصر إسلمه على الصلة ول يبالي بعدها ما ترك من واجبات وما ارتكب من منهيات‪،‬‬
‫بين تعالى لهم البار الحق في دعوى اليمان والسلم والحسان فقال‪{ :‬وََلكِنّ الْبِرّ} ‪ 2‬أي‪ :‬ذا البر‬
‫أو البار حق هو {مَنْ آمَنَ بِاللّهِ} وذكر أركان اليمان إل السادس منها "القضاء والقدر"‪{ ،‬ال ّرقَابِ‬
‫وََأقَامَ الصّل َة وَآتَى ال ّزكَاةَ} وهما من أعظم أركان السلم‪ ،‬وأنفق المال في سبيل ال مع حبه له‬
‫وضنه به ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فهو ينفق ماله على من ل يرجو منه‬
‫جزاء ول مدحا ول ثناء؛ كالمساكين وأبناء السبيل والسائلين من ذوي الخصاصة والمسغبة‪ ،‬وفي‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تحرير الرقاء وفكاك السر وأقام الصلة أدامها وعلى الوجه الكمل في أدائها وأتى الزكاة‬
‫المستحقين لها‪ ،‬وإقام الصلة وإيتاء الزكاة من أعظم قواعد السلم‪ ،‬وذكر من صفاتهم الوفاء‬
‫بالعهود والصبر في أصعب الظروف وأشد الحوال‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬وَا ْلمُوفُونَ ِب َعهْ ِدهِمْ ِإذَا عَا َهدُوا‬
‫وَالصّابِرِينَ فِي الْبَ ْأسَا ِء وَالضّرّا ِء وَحِينَ الْبَأْسِ} وهذا هو مبدأ الحسان وهو مراقبة ال تعالى‬
‫والنظر إليه وهو يزاول عبادته‪ ،‬ومن هنا قرر تعالى أن هؤلء هم الصادقون في دعوى اليمان‬
‫والسلم‪ ،‬وهم المتقون بحق غضب ال وأليم عذابه‪ ،‬جعلنا ال منهم‪ ،‬فقال تعالى مشيرا لهم بلم‬
‫ص َدقُوا وَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلمُ ّتقُونَ} ‪.3‬‬
‫ن َ‬
‫البعد وكاف الخطاب ليعد مكانتهم وارتفاع درجاتهم {أُولَ ِئكَ الّذِي َ‬
‫هداية الية الكريمة‪:‬‬
‫من هداية الية الكريمة‪:‬‬
‫‪ -1‬الكتفاء ببعض أمور الدين دون القيام ببعض ل يعتبر صاحبه ‪ 4‬مؤمنا ول ناجيا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرأ حفص‪{ :‬البر} بالنصب على إنه خبر ليس مقدما والسم أن وما دخلت عليه‪ ،‬والتقدير‪:‬‬
‫تولية وجوهكم‪ ،‬وقرأ غيره‪{ :‬البر} مرفوعا على أنه اسم والخبر أن وما دخلت عليه‪.‬‬
‫‪ 2‬وقيل هو على حذف مضاف‪ ،‬أي‪ :‬ولكن البر بر من آمن على حد {واسأل القرية} أي‪ :‬أهل‬
‫القرية‪ ،‬وما أولناه به أقرب وأيسر‪.‬‬
‫‪ 3‬هذه الية‪{ :‬ليَسَ اَلْبِر} ‪...‬إلخ‪ .‬آية عظيمة تضمنت قواعد الشرع وأمهات الحكام لم تضمن آية‬
‫غيرها ما تضمنته هي‪ ،‬إذ تضمنت أركان اليمان وقاعدتي السلم؛ الصلة والزكاة‪ ،‬والجهاد‬
‫والصبر‪ ،‬والوفاء‪ ،‬والتقوى والنفاق العام والخاص‪.‬‬
‫ب وَ َت ْكفُرُونَ بِ َب ْعضٍ‪ }..‬الية‪.‬‬
‫‪ 4‬شاهدوه من القرآن في قوله تعالى‪َ{ :‬أفَ ُت ْؤمِنُونَ بِ َب ْعضِ ا ْلكِتَا ِ‬

‫( ‪)1/153‬‬

‫‪ -2‬أركان ‪ 1‬اليمان هي المذكورة في هذه الية‪ ،‬والمراد بالكتاب ‪ 2‬في الية الكتب‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان وجوه النفاق المرجو ثوابه يوم القيامة وهو ذوي القربى إلخ‪....‬‬
‫‪ -4‬بيان عظم شأن الصل والزكاة‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب الوفاء بالعهود‪.‬‬
‫‪ -6‬وجوب الصبر وخاصة عند القتال‪.‬‬
‫‪ -7‬التقوى هي ملك المر‪ ،‬والغاية التي ما بعدها للعاملين غاية‪.‬‬
‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا كُ ِتبَ عَلَ ْيكُمُ ا ْلقِصَاصُ فِي ا ْلقَتْلَى ا ْلحُرّ بِالْحُرّ وَا ْلعَبْدُ بِا ْلعَبْ ِد وَالُنْثَى بِالُنْثَى َفمَنْ‬
‫حمَةٌ َفمَنِ‬
‫خفِيفٌ مِنْ رَ ّبكُ ْم وَرَ ْ‬
‫ف وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِِإحْسَانٍ ذَِلكَ تَ ْ‬
‫شيْءٌ فَاتّبَاعٌ بِا ْل َمعْرُو ِ‬
‫عفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ َ‬
‫ُ‬
‫اعْتَدَى َبعْدَ ذَِلكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ(‪ )178‬وََلكُمْ فِي ا ْل ِقصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الَلْبَابِ َلعَّلكُمْ تَ ّتقُونَ(‪})179‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫كتب ‪ 3‬عليكم القصاص ‪4‬‬
‫‪ :‬كتب‪ :‬فرض‪ ،‬والقصاص‪ :‬إذا لم يرض ولي الدم بالدية ولم يعف‪.‬‬
‫في القتلى‬
‫‪ :‬الفاء سببية‪ ،‬أي بسبب القتل‪ ،‬والقتلى‪ :‬جمع قتيل وهو الذي أزهقت روحه فمات بأي آلة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أركان اليمان‪ :‬ستة‪ :‬جاءت في حديث جبريل الذي رواه مسلم وهي‪" :‬أن تؤمن بال وملئكته‬
‫وكتبه ورسله واليوم الخر تؤمن والقدر خيره وشره"‪ ،‬ولم يذكر القدر في الية؛ لن الكتاب دال‬
‫عليه‪.‬‬
‫‪ 2‬إن أل‪ :‬التي في الكتاب للجنس‪ ،‬والجنس تحته أفراد كالنسان‪ ،‬أفراده كثيرون‪ ،‬والكتب‬
‫المطلوب اليمان بها هي‪ :‬كل ما أنزل من كناب وأعظمها‪ :‬القرآن‪ ،‬والتوراة‪ ،‬والنجيل‪ ،‬والزبور‪،‬‬
‫وصحف إبراهيم عليه السلم‪.‬‬
‫‪ 3‬قيل‪ :‬كتب هنا‪ :‬هو إخبار عما كتب في اللوح المحفوظ وسبق به القضاء ول منافاة بين ما شرع‬
‫وفرض علينا في القرآن والسنة‪ ،‬وما كتب في كتاب المقادير إذا الكل سبق به علم ال وأراده‬
‫فكان كما أراد‪.‬‬
‫‪ 4‬القصاص‪ :‬مأخوذ من قص الثر إذا تتبعه‪ ،‬ومنهم‪ :‬قاص؛ لنه يتتبع الخبار والثار والقاتل؛‬
‫كأنه سلك طريقا فقص أثره فيها ومشى على سبيله في ذلك‪.‬‬

‫( ‪)1/154‬‬

‫الحر ‪ :‬الحر خلف العبد ‪ 1‬والعبد‪ ،‬هو‪ :‬الرقيق المملوك‪.‬‬


‫فمن عفي له من أخيه شيء ‪ :‬فمن تنازل له ولي الدم عن القود إلى الدية أو العفو‪.‬‬
‫فاتباع بمعروف ‪ :‬فالواجب أن تكون مطالبة الدية بالمعروف بالرفق واللين‪.‬‬
‫وأداء إليه بإحسان ‪ :‬وأن يكون أداء الدية بإحسان خاليا من المماطلة والنقص‪.‬‬
‫ل من القصاص‬
‫ذلك تخفيف من ربكم ‪ :‬أي ذلك الحكم العادل الرحيم وهو جواز أخذ الدية بد ً‬
‫تخفيف عنكم من ربكم إذ كان في شرع من قبلكم القصاص فقط أو الدية فقط‪ ،‬وأنتم مخبرون بين‬
‫العفو والدية والقصاص‪.‬‬
‫فمن اعتدى بعد ذلك ‪ :‬يريد من أخذ الدية ثم قتل فإنه يتعين قتله ‪ 2‬ل غير‪.‬‬
‫القصاص ‪ :‬المساواة في القتل والجراحات وفي آلة القتل أيضا‪.‬‬
‫حياة ‪ :‬إبقاء شامل عميم‪ ،‬إذ من يريد أن يقتل‪ ،‬يذكر أنه سيقتل فيترك القتل فيحيا‪ ،‬ويحيا من أراد‬
‫قتله‪ ،‬ويحيا بحياتهما خلق كثير وعدد كبير‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أولي اللباب ‪ :‬أصحاب العقول الراجحة‪ ،‬واحد اللباب‪ :‬لبٌ‪ :‬وهو في النسان العقل‪.‬‬
‫لعلكم تتقون ‪ :‬ليعدكم بهذا التشريع الحكيم لتقاء ما يضر ول يسر في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫هذه الية نزلت في حين من العرب كان أحد الحيين يرى أنه أشرف من الخر‪ ،‬فلذا يقتل الحر‬
‫بالعبد‪ ،‬والرجل بالمرأة تطاولً وكبرياء‪ ،‬فحدث بين الحيين قتل وهم في السلم‪ ،‬فشكوا ذلك إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فنزلت هذه الية تبطل ذحل ‪ 3‬الجاهلية وتقرر مبدأ العدل‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ذهب أبو حنيفة إلى أن الحر يقتل بالعبد مخالفا للجمهور لعموم آية المائدة‪{ :‬ال َنفْس بِالنَفسْ} ‪.‬‬
‫‪ 2‬اختلف فيمن قتل بعد أخذ الدية‪ ،‬فقال مالك والشافعي‪ ،‬وكثير من العلماء هو كمن قتل ابتداء إن‬
‫شاء الولي قتله وإن شاء عفا عنه وعذابه في الخرة‪ ،‬وقال آخرون عذابه أن يقتل ول يمكن‬
‫الحاكم الولي من العفو‪ .‬وقال عمر بن عبد العزيز‪ :‬أمره إلى المام‪.‬‬
‫‪ 3‬ذحل الجاهلية‪ :‬ثأر الجاهلية وعاداتها‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬إن من أعتى الناس‬
‫على ال يوم القيامة ثلثة‪ ،‬رجل قتل غير فاتلة‪ ،‬ورجل قتل في الحرم‪ ،‬ورجل أخذ بذحول‬
‫الجاهلية" ‪.‬‬

‫( ‪)1/155‬‬

‫والمساواة ‪ 1‬في السلم فقال تعالى‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا كُ ِتبَ عَلَ ْيكُمُ ا ْل ِقصَاصُ فِي ا ْلقَتْلَى ا ْلحُرّ‬
‫بِالْحُ ّر وَا ْلعَ ْبدُ بِا ْلعَبْ ِد وَالُنْثَى ‪ 2‬بِالُنْثَى} ‪ ،‬فل يقتل بالرجل رجلن‪ ،‬ول بالمرأة رجل ول امرأتان‬
‫ول بالعبد حر ول عبدان‪.‬‬
‫فمن تنازل له أخوه ‪ 3‬وهو ولي الدم عن القصاص إلى الدية أو العفو مطلقا فليتبع ذلك ول يقل‪ :‬ل‬
‫أقبل إل القصاص‪ ،‬بل عليه أن يقبل ما عفا عنه أخوه له من قصاص أو دية أو عفو‪،‬وليطلب ولي‬
‫الدم الدية بالرفق والدب‪ ،‬وليؤد القاتل الدية بإحسان بحيث ل يماطل ول ينقص منه شيئا‪.‬‬
‫ثم ذكر تعالى منته على المسلمين حيث وسع عليهم في هذه المسألة فجعل ولي الدم مخيرا بين‬
‫ثلثة‪ :‬العفو‪ ،‬أو الدية‪ ،‬أو القود "القصاص" في حين أن اليهود كان مفروضا عليهم القصاص فقط‪،‬‬
‫والنصارى الدية فقط‪ ،‬وأخبر تعالى بحكم أخير في هذه القصة‪ ،‬وهو أن من أخذ الدية وعفا عن‬
‫القتل ثم تراجع وقتل فقال‪َ { :‬فمَنِ اعْتَدَى َبعْدَ ذَِلكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ‪ .‬واختلف في هذا العذاب الليم‬
‫هل هو عذاب الدنيا‪ ،‬أو هو عذاب الخرة‪ ،‬ومن هنا قال مالك والشافعي‪ :‬حكم هذا المعتدي كحكم‬
‫القاتل ابتداء إن عفي عنه قبل‪ ،‬وإن طولب بالقود أو الدية أعطى‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬ترد منه الدية‬
‫ويترك لمر ال‪ ،‬وقال عمر بن العزيز –رحمه ال‪ :-‬يرد أمره إلى المام يحكم فيه يحقق‬
‫المصلحة العامة‪ .‬ثم أخبر تعالى‪ :‬أن في القصاص الذي شرع لنا‪ ،‬وكتبه علينا مع التخفيف حياة‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عظيمة لما فيه من الكف عن إزهاق الرواح وسفك الدماء‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬وََلكُمْ فِي ا ْل ِقصَاصِ حَيَاةٌ‬
‫يَا أُولِي الَلْبَابِ َلعَّلكُمْ تَ ّتقُونَ} ‪.‬‬
‫هداية الية الكريمة‬
‫من هداية الية الكريمة‪:‬‬
‫‪ -1‬حكم القصاص في السلم وهو المساواة والمماثلة فيقتل ‪ 4‬الرجل بالرجل‪ ،‬والمرأة بالمرأة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الجمهور على أن الجماعة تقتل بالواحد‪ ،‬وذلك إذا باشروا القتل فقتلوا لقول عمر رضي ال عنه‬
‫في قتل غلم قتله سبعة فقتلهم‪ ،‬وقال‪" :‬لو تمال عليه أهل صنعاء لقتلهم ولم يخالفه أحد فكان‬
‫إجماعا‪.‬‬
‫‪ 2‬ذهب بعض إلى أن الرجل ل يقتل بالمرأة وحالفهم الجمهور لية المائددة‪َ { :‬وكَتَبْنَا عَلَ ْيهِمْ فِيهَا‬
‫أَنّ ال ّنفْسَ بِال ّنفْسِ} الية‪.‬‬
‫‪ 3‬أخوة‪ :‬أي في السلم إذ ل يقتل المسلم بالذمي‪ ،‬لقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل يقتل‬
‫مسلم بكافر" ‪ ،‬وهو مذهب الجمهور‪ ،‬وذلك لعدم تكافؤا الدمين"‪.‬‬
‫‪ 4‬اختلف في هل يقتل الرجل بولده فذهب الجمهور إلى عدم قتله به‪ ،‬وذهب مالك إلى أنه إذا‬
‫أضجعه يقتل به‪ ،‬فإذا رماه بحجر أو بعصا أو بأي سبب فيه شبهة إنه لم يرد قتله فل يقتل به‬
‫لحديث‪ " :‬إدرأوا الحدود بالشبهات" ‪.‬‬

‫( ‪)1/156‬‬

‫والمرأة بالرجل والرجل بالمرأة‪ ،‬ويقتل القاتل بما قتل به مماثلة لحديث‪" :‬المرء مقتول بما قتل به"‬
‫‪.‬‬
‫ولما كان العبد مقوما بالمال فإنه ل يقتل به الحر‪ ،‬بل يدفع إلى سيده مال‪ .‬وبهذا حكم الصحابة‬
‫والتابعون وعليه الئمة الثلثة‪ :‬مالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وخالف أبو حنيفة فرأى القود فيقتل الحر‬
‫بالعبد أخذا بظاهر هذه الية‪.‬‬
‫‪ -2‬محاسن الشرع السلمي وما فيه من اليسر والرحمة حيث أجاز العفو ‪ 1‬والدية بدل‬
‫القصاص‪.‬‬
‫‪ -3‬بلغة القرآن الكريم‪ ،‬إذ كان حكماء العرب في الجاهلية يقولون‪ :‬القتل أنفى للقتل‪ ،‬فقال‬
‫القرآن‪{ :‬وََلكُمْ فِي ا ْل ِقصَاصِ حَيَاةٌ} ‪ .‬فلم يذكر لفظ القتل بالمرة فنفاه لفظا وواقعا‪.‬‬
‫حقّا‬
‫لقْرَبِينَ بِا ْل َمعْرُوفِ َ‬
‫ن وَا َ‬
‫حضَرَ َأحَ َدكُمُ ا ْل َموْتُ‪ 3‬إِنْ تَ َركَ خَيْرا ا ْلوَصِيّةُ لِ ْلوَالِدَيْ ِ‬
‫{كُ ِتبَ‪ 2‬عَلَ ْي ُكمْ إِذَا َ‬
‫سمِيعٌ عَلِيمٌ(‪)181‬‬
‫علَى الّذِينَ يُبَدّلُونَهُ إِنّ اللّهَ َ‬
‫س ِمعَهُ فَإِ ّنمَا إِ ْثمُهُ َ‬
‫عَلَى ا ْلمُ ّتقِينَ(‪َ )180‬فمَنْ َبدّلَهُ َبعْدَ مَا َ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ(‪})182‬‬
‫علَيْهِ إِنّ اللّهَ َ‬
‫َفمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفا َأوْ إِثْما فََأصْلَحَ بَيْ َن ُهمْ فَل إِثْمَ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫كتب ‪ :‬فرض وأثبت‪.‬‬
‫خيرا ‪ :‬مالً نقدا‪ ،‬أو عرضا‪ ،‬أو عقارا‪.‬‬
‫الوصية ‪ :‬الوصية ما يوصى به من مال وغيره‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اختلف في أخذ الدية من قاتل العمد فقال الجمهور‪ :‬ولي الدم يخير بين أخذ الدية والقصاص‪،‬‬
‫ول خيار للقاتل‪ ،‬فلو قال‪ :‬اقتصوا مني ليس له ذلك بل هو لولي الدم لنه مخير بين ثلثة‪.‬‬
‫‪ 2‬هذه الية‪{ :‬كُ ِتبَ عَلَ ْي ُكمْ} إلخ‪ .‬تسمى آية الوصية وذكر الفعل والوصية مؤنثة لحد أمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬الفصل بين الفعل والفاعل‪ ،‬والثاني‪ :‬ما ل فرج له يذكر ويؤنث‪.‬‬
‫‪ 3‬المراد من الموت هنا‪ :‬أسبابه‪ ،‬إذا العرب إذا أحضر السبب كنت به عن المسبب‪ ،‬قال جرير في‬
‫مهاجاته الفرزدق‪:‬‬
‫أنا الموت الذي حدثت عنه ‪ ...‬فليس لهارب مني نجاة‬
‫فكنى بنفسه عن الموت‪ ،‬إذ هو سبب مجيئه في نظره وزعمه‪.‬‬

‫( ‪)1/157‬‬

‫المعروف ‪ :‬ما تعارف عليه الناس كثيرا أو قليلً بحيث ل يزيد على الثلث‪.‬‬
‫التبديل ‪ :‬التغيير للشيء بآخر‪.‬‬
‫جنفا أو إثما ‪ :‬الجنف‪ :‬الميل عن الحق خطأ‪ ،‬والثم‪ :‬تعمد الخروج عن الحق والعدل‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بمناسبة ذكر آية القصاص وفيها أن القاتل عرضة للقتل‪ ،‬والمفروض فيه أن يوصي في ماله قبل‬
‫قتله‪ ،‬ذكر تعالى آية الوصية هنا فقال تعالى‪ :‬كتب عليكم أيها المسلمون إذا حضر أحدكم الموت‬
‫إن ترك مالً الوصية ‪ ،1‬أي‪ :‬اليصاء للوالدين والقربين بالمعروف حقا على المتقين‪ ،‬ثم نسخ ال‬
‫تعالى هذا الحكم بآية المواريث ‪ ،2‬ويقول رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬فل وصية لوارث" ‪،3‬‬
‫ونسخ الوجوب وبقي الستحباب ولكن لغير الوالدين والقربين الوارثين إل أن يجيز ذلك الورثة‬
‫وأن تكون الوصية ثلثا فأقل‪ ،‬فإن زادت وأجازها الورثة جازت لحديث ابن عباس عند الدارقطني‬
‫ل تجوز الوصية لوارث إل أن يشاء الورثة‪ ،‬ودليل استحباب الوصية حديث سعد في الصحيح‬
‫حيث أذن له الرسول في الوصية بالثلث‪ ،‬وقد تكون الوصية واجبة على المسلم وذلك إن ترك‬
‫ديونا لزمة‪ ،‬وحقوقا واجبة في ذمته فيجب أن يوصي بقضائها واقتضائها بعد موته لحديث ابن‬
‫عمر في الصحيح‪ " :‬ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إل ووصيته مكتوبة‬
‫عنده" ‪ ،‬هذا ما تضمنته الية الولى(‪ ،)180‬وأما الية الثانية ‪ )181( 4‬فيقول تعالى لعباده‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫المؤمنين فمن بدل إيصاء مؤمن أوصى به بأن زاد فيه أو نقص أو غيره أو بدل نوعا بآخر فل‬
‫إثم على الموصي ولكن الثم على من بدل وغير‪ ،‬وختم هذا الحكم بقوله‪ :‬أن ال سميع عليم‪،‬‬
‫تهديدا ووعيدا لمن يقدم على تغيير الوصايا لغرض فاسد وهوى سيء‪ ،‬وفي الية الخيرة(‪)182‬‬
‫أخر تعالى أن من خاف ‪ 5‬من موص جنفا أو ميلً عن الحق والعدل بأن جار في وصيته بدون‬
‫تعمد الجور ولكن خطأ أو خاف إيما على الموصى حيث جار‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬إِنْ تَ َركَ خَيْرا} ‪ :‬هذا شرط وجوبه الوصية إل أن الشائع أن جواب الشرط يكون مقرونا بالفاء‬
‫وسقطت هنا جوازا كما في قول الشاعر‪:‬‬
‫من يفعل الحسنات ال يشكرها ‪ ...‬والشر بالشر عند ال مثلن‬
‫أي‪ :‬فال يشكره‪.‬‬
‫حلِيمٌ}‪.‬‬
‫‪ 2‬آية المواريث في النساء وهي‪{ :‬يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي َأوْل ِدكُمْ‪ }...‬إلى آخر اليات إلى { َ‬
‫‪ 3‬نص الحديث‪" :‬إن ال أعطى كل ذي حق حقه فل وصية لوارث" ‪ .‬رواه أصحاب السنن‬
‫وغيرهم‪ ،‬وهو صحيح السناد‪.‬‬
‫‪ 4‬هي قوله تعالى‪َ { :‬فمَنْ خَافَ} إلخ‪ ..‬والخطاب لسائر المسلمين‪ ،‬والجماع على أن الموصي أن‬
‫يغير في وصيته ويرجع فيما شاء منها إل ما كان من تدبير العبد فإنه ل يرجع فيه‪.‬‬
‫‪ 5‬الخوف هنا‪ :‬بمعنى الظن والتوقع‪ ،‬وقرئ‪{ :‬موصٍ} ‪ ،‬من وصى المضاعف‪ ،‬أما {موصٍ} فهو‬
‫من أوصى فهو موصٍ‪.‬‬

‫( ‪)1/158‬‬

‫وتعدى على علم في وصيته فأصلح ‪ 1‬بينهم‪ ،‬أي‪ :‬بين الموصي والموصى لهم فل إثم عليه في‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ} وعدا‬
‫إصلح الخطأ وتصويب الخطأ والغلط‪ ،‬وختم هذا الحكم بقوله‪{ :‬إِنّ اللّهَ َ‬
‫بالمغفرة والرحمة لمن أخطأ غير عامد‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬نسخ الوصية للوارثين مطلقا بإجازة ‪ 2‬الورثة‪.‬‬
‫‪ -2‬استحباب ‪ 3‬الوصية بالمال لمن ترك مالً كثيرا يوصي به في وجوه البر والخير‪.‬‬
‫‪ -3‬تأكد الوصية حضر ‪ 4‬الموت أو لم يحضر لمن له أو عليه حقوق خشية أن يموت فتضيع‬
‫الحقوق فيأثم بإضاعتها‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة تبديل الوصية وتغييرها إلى غير ‪ 5‬الصالح‪.‬‬
‫علَى الّذِينَ مِنْ قَبِْلكُمْ َلعَّلكُمْ تَ ّتقُونَ(‪ )183‬أَيّاما‬
‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا كُ ِتبَ عَلَ ْيكُمُ الصّيَامُ َكمَا كُ ِتبَ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫طعَامُ‬
‫سفَرٍ َف ِع ّدةٌ مِنْ أَيّامٍ ُأخَ َر وَعَلَى الّذِينَ ُيطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ َ‬
‫َمعْدُودَاتٍ َفمَنْ كَانَ مِ ْنكُمْ مَرِيضا َأوْ عَلَى َ‬
‫ط ّوعَ خَيْرا َف ُهوَ خَيْرٌ لَ ُه وَأَنْ َتصُومُوا خَيْرٌ َلكُمْ إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ(‪})184‬‬
‫سكِينٍ َفمَنْ تَ َ‬
‫مِ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫كتب‬
‫‪ :‬فرض وأثبت‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬من أوصى بما ل يجوز النتفاع به أو تناوله واستعماله كمن أوصى أو بناء قبة على ميت أو‬
‫إحياء بدعة مولد ونحوه فإنه يجوز تبديله بما هو جائر ول يصح إمضاؤه‪.‬‬
‫‪ 2‬الحديث الصحيح‪" :‬فل وصية لوارث"‪.‬‬
‫‪ 3‬لحديث سعد في الصحيح‪.‬‬
‫‪ 4‬لحديث ابن عمر رضي ال عنهما في الصحيح‪.‬‬
‫‪ 5‬يجوز تبديل الوصية إذا كان فيها جور أو محرم لقوله تعالى‪َ { :‬فمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفا َأوْ‬
‫إِثْما فََأصْلَحَ بَيْ َنهُمْ فَل إِ ْثمَ عَلَيْهِ} ‪.‬‬

‫( ‪)1/159‬‬

‫الصيام ‪ :‬لغة المساك‪ ،‬والمراد به هنا‪ :‬المتناع عن الكل والشرب وغشيان النساء من طلوع‬
‫الفجر إلى غروب الشمس ‪.1‬‬
‫أياما معدودات ‪ :‬تسعة وعشرون أو ثلثون يوما بحسب شهر رمضان‪.‬‬
‫فعدة من أيام أخر ‪ :‬فعل من أفطر لعذر المرض أو السفر فعليه صيام أيام أخر بعدد اليام التي‬
‫أفطر فيها‪.‬‬
‫يطيقونه ‪ :‬أي‪ :‬يتحملونه بمشقة لكبر سن أو مرض ل يرجأ برؤه‪.‬‬
‫فدية طعام مسكين ‪ :‬فالواجب على من أفطر لعذر مما ذكر أن يطعم على كل يوم مسكينا‪ ،‬ول‬
‫قضاء عليه‪.‬‬
‫فمن تطوع خيرا ‪ :‬أي‪ :‬زاد على المُدّين ‪ 2‬أو أطعم أكثر من مسكين فهو خير له‪.‬‬
‫وأن تصوموا خيرا ‪ :‬الصيام على من يطيقه ولو بمشقة خير من الفطار مع الطعام‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫لما هاجر الرسول صلى ال عليه وسلم وأصبحت دار إسلم أخذ التشريع ينزل ويتوالى‪ ،‬ففي‬
‫اليات السابقة كان حكم القصاص والوصية ومراقبة ال في ذلك‪ ،‬وكان من أعظم ما يكون في‬
‫المؤمن من ملكة التقوى الصيام‪ ،‬فأنزل ال تعالى فرض الصيام في السنة الثانية للهجرة‪ ،‬فناداهم‬
‫بعنوان اليمان‪ :‬يا أيها الذين آمنوا‪ .‬وأعلمهم أنه كتب عليهم الصيام كما كتبه على الذين من قبلهم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من المم السابقة‪ ،‬فقال‪ { :‬كُ ِتبَ عَلَ ْيكُمُ الصّيَامُ َكمَا كُ ِتبَ عَلَى الّذِينَ مِنْ قَبِْلكُمْ‪ }...‬علل ذلك بقوله‪:‬‬
‫{َلعَّلكُمْ تَ ّتقُونَ} أي‪ :‬ليعدكم به للتقوى التي هي امتثال الوامر واجتناب النواهي‪ ،‬لما في الصيام من‬
‫مراقبة ال تعالى‪ ،‬وقوله‪{ :‬أَيّاما َمعْدُودَاتٍ} ذكره ليهون به عليهم كلفة الصوم ومشقته‪ ،‬إذ لم يجعله‬
‫شهورا ول أعواما‪ .‬وزاد في التخفيف أن أذن للمريض والمسافر أن يفطر ويقضي بعد الصحة أو‬
‫سفَرٍ‪َ 4‬فعِ ّدةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ} كما أن‬
‫العودة من السفر فقال لهم‪َ { :‬فمَنْ كَانَ مِ ْنكُمْ مَرِيضا َأوْ عَلَى ‪َ 3‬‬
‫غير المريض والمسافر إذا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي بنية امتثال أمر ال تعالى به‪ ،‬أو بنية التقرب إليه عز وجل‪.‬‬
‫‪ 2‬هل الواجب مد أو مدان خلف‪ ،‬فمن الفقهاء من يرى مدين‪ ،‬ومنهم من يرى مدا واحدا‪ ،‬والمد‪:‬‬
‫الحفنة بحفنة الرجل المعتدل بين القصر والطول‪.‬‬
‫‪ 3‬أي في حالة سفر فلذا ل ينبغي لمن عزم على السفر أن يفطر حتى يغادر بلده المقيم به شأن‬
‫الصيام كشأن الصلة فل يقصر حتى يغادر مباني البلد‪.‬‬
‫‪ 4‬أي فالواجب صيام عدة من أيام أخر‪.‬‬

‫( ‪)1/160‬‬

‫كان يطيق الصيام بمشقة وكلفة شديدة له أن يفطر ويطعم على كل يوم مسكينا‪ ،‬وأعلمهم أن‬
‫ش ِهدَ مِ ْنكُمُ‬
‫الصيام في هذه الحال خير‪ .‬ثم نسخ هذا الحكم الخير بقوله في الية التية‪َ { :‬فمَنْ َ‬
‫صمْهُ} وقوله‪{ :‬إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ} يريد‪ :‬تعلمون فوائد الصوم الدنيوية والخروية‪ ،‬وهي‬
‫شهْرَ فَلْ َي ُ‬
‫ال ّ‬
‫كثيرة أجلها مغفرة الذنوب وذهاب المراض‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬فرضية الصيام وهو شهر رمضان‪.‬‬
‫‪ -2‬الصيام يربي ملكة التقوى في المؤمن‪.‬‬
‫‪ -3‬الصيام يكفر الذنوب لحديث‪" :‬من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" ‪.‬‬
‫‪ -4‬رخصة الفطار للمريض ‪ 1‬والمسافر‪.‬‬
‫‪ -5‬المرأة الحامل أو المرضع دل قوله‪{ :‬وَعَلَى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ} أنه يجوز لهما الفطار مع‬
‫القضاء‪ ،‬وكذا الشيخ الكبير فإنه يفطر ول يقضي‪ ،‬والمريض مرضا ل يرجى برؤه كذلك‪ .‬إل أن‬
‫عليهما أن يطعما عن كل يوم مسكينا بإعطائه حفنتي طعام كما أن المرأة الحامل والمرضع ‪ 2‬إذا‬
‫خافت على حملها أو طفلها أو على نفسها أن عليها أن تطعم مع كل صوم تصومه قضاء مسكينا‪.‬‬
‫‪ -6‬في الصيام فوائد دينية واجتماعية عظيمة أشير إليها بلفظ‪{ :‬إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ}‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من هذه الفوائد‪:‬‬
‫‪ -1‬يعود الصائم الخشية من ال تعالى في السر والعلن‪.‬‬
‫‪ -2‬كسر حدة الشهوة‪ ،‬ولذا أرشد العازب ‪ 3‬إلى الصوم‪.‬‬
‫‪ -3‬يربي الشفقة والرحمة في النفس‪.‬‬
‫‪ -4‬فيه المساواة بين الغنياء والفقراء والشراف ‪ 4‬والوضاع‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المريض له حالتان‪ .‬الولى‪ :‬أن يكون مرضه شديدا فهذا يجب عليه أن يفطر‪ .‬والثانية‪ :‬أن‬
‫يكون مرضه غير شديد فيستحب له الفطر‪.‬‬
‫‪ 2‬في الكلم إجمال وهذا تفصيله‪ :‬الحامل والمرضع إذا خافتا على طفليهما فعليهما القضاء‬
‫والطعام‪ ،‬وإن خافتا على نفسيهما فعليهما الصيام دون الطعام‪.‬‬
‫‪ 3‬لحديث‪" :‬يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج‪ ،‬ومن لم يستطع فعليه فإنه له وجاء"‬
‫أي خصاء‪.‬‬
‫‪ 4‬الشراف‪ :‬جمع شريف‪ ،‬والوضاع‪ :‬جمع وضيع‪ ،‬وهو الدنيء‪.‬‬

‫( ‪)1/161‬‬

‫‪ -5‬تعويد المة النظام والوحدة والوئام‪.‬‬


‫‪ -6‬يذهب المواد المترسبة في البدن‪ ،‬وبذلك تتحسن ‪ 1‬صحة الصائم‪.‬‬
‫شهِدَ مِ ْنكُمُ‬
‫س وَبَيّنَاتٍ مِنَ ا ْلهُدَى وَا ْلفُ ْرقَانِ َفمَنْ َ‬
‫شهْرُ‪َ 2‬ر َمضَانَ الّذِي أُنْ ِزلَ فِيهِ ا ْلقُرْآنُ هُدىً لِلنّا ِ‬
‫{َ‬
‫سفَرٍ َفعِ ّدةٌ مِنْ أَيّامٍ ُأخَرَ يُرِيدُ اللّهُ ِبكُمُ الْيُسْ َر وَل يُرِيدُ‬
‫صمْهُ‪َ 3‬ومَنْ كَانَ مَرِيضا َأوْ عَلَى َ‬
‫شهْرَ فَلْ َي ُ‬
‫ال ّ‬
‫شكُرُونَ(‪})185‬‬
‫ِبكُمُ ا ْلعُسْرَ وَلِ ُت ْكمِلُوا ا ْلعِ ّدةَ وَلِ ُتكَبّرُوا اللّهَ عَلَى مَا هَدَا ُك ْم وََلعَّلكُمْ تَ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫شهْرُ َر َمضَانَ} ‪ :‬هو الشهر التاسع من شهور السنة القمرية‪ ،‬ولفظ الشهر مأخوذ من الشهرة‪،‬‬
‫{َ‬
‫ورمضان مأخوذ من رمض الصائم إذا جر جوفه من العطش ‪.4‬‬
‫{الّذِي أُنْ ِزلَ فِيهِ ا ْلقُرْآنُ} ‪ :‬هذه آية فضله على غيره من سائر الشهور حيث أنزل فيه القرآن‪،‬‬
‫وذلك في ليلة القدر منه لية‪{ :‬إِنّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَ ْيلَةِ ا ْلقَدْرِ} ‪ ،‬أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ‬
‫إلى بيت العزة في سماء الدنيا ثم نزل نجما بعد نجم‪ ،‬وابتدئ نزوله على رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم في رمضان أيضا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لحديث‪" :‬صوموا تصحوا وسافروا تغنموا "‪.‬‬
‫شهْر} بالنصب فيكون بدلً من قوله‪{ :‬أَيّاما َمعْدُودَاتٍ} ‪ ،‬وقرئ بالرفع فيكون مبتدأ‬
‫‪ 2‬قرئ‪َ { :‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شهْرَ }‪ .‬وقد يكون المبتدأ محذوفا تقديره هي‪ :‬أي اليام المعدودات‪.‬‬
‫شهِدَ مِ ْنكُمُ ال ّ‬
‫والخبر‪َ { ،‬فمَنْ َ‬
‫‪ 3‬قوله صلى ال عليه وسلم‪ " :‬صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان‬
‫ثلثين يوما" ‪ ،‬أوضح طريق للصوم والفطار وبه العمل والحمد ل‪.‬‬
‫‪ 4‬والرمضاء‪ :‬شدة الحر‪ ،‬ويشهد لذلك حديث مسلم‪ " :‬صلة الوابين إذا رمضت الفصال" ‪ ،‬أي‬
‫اشتد الحر في الرض فلم يقوى الفصيل على الوقوف على الرض بأخفافه فيبرك‪.‬‬

‫( ‪)1/162‬‬

‫{هُدىً لِلنّاسِ} ‪ :‬هاديا للناس إلى ما فيه كمالهم وسعادتهم في الدارين‪.‬‬


‫{وَبَيّنَاتٍ مِنَ ا ْلهُدَى وَا ْلفُ ْرقَانِ} ‪ :‬البينات‪ :‬جمع بينة‪ ،‬والهدى‪ :‬الرشاد‪ ،‬والمراد أن القرآن نزل‬
‫هاديا للناس ومبينا لهم سبيل الهدى موضحا طريق الفوز والنجاة فارقا لهم بين الحق والباطل في‬
‫كل شؤون الحياة‪.‬‬
‫شهد الشهر ‪ : 1‬حضر العلن ‪ 2‬عن رؤيته‪.‬‬
‫{ َفعِ ّدةٌ مِنْ أَيّامٍ ُأخَرَ} ‪ :‬فعليه القضاء بعدد اليام التي أفطرها مريضا أو مسافرا‪.‬‬
‫{وَلِ ُت ْكمِلُوا ا ْلعِدّة} ‪ :‬وجب القضاء من أجل إكمال عدة الشهر ثلثين أو تسعة وعشرون يوما‪.‬‬
‫{وَلِ ُتكَبّرُوا اللّهَ عَلَى مَا َهدَاكُمْ} ‪ :‬وذلك عند إتمام صيام رمضان من رؤية الهلل إلى العودة من‬
‫صلة العيد والتكبير مشروع وفيه أجر كبير‪ ،‬وصفته المشهورة‪ :‬ال أكبر ال أكبر ل إله إل ال‪،‬‬
‫ال أكبر ال أكبر ول الحمد‪.‬‬
‫شكُرُونَ} ‪ :‬فرض عليكم الصوم وندبكم إلى التكبير لتكونوا بذلك من الشاكرين ل تعالى‬
‫{وََلعَّلكُمْ َت ْ‬
‫على نعمه؛ لن الشكر ‪ 3‬هو الطاعة‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫لما ذكر تعالى أنه كتب على أمة السلم الصيام في الية السابقة وأنه أيام معدودات بين في هذه‬
‫الية أن المراد من اليام المعدودات أيام شهر رمضان المبارك الذي أنزل فيه القرآن هاديا‬
‫شهْرُ‪َ 4‬ر َمضَانَ الّذِي أُنْ ِزلَ فِيهِ‬
‫موضحا طرق الهداية‪ ،‬وفارقا به بين الحق والباطل‪ ،‬فقال تعالى‪َ { :‬‬
‫شهْرَ} يريد شهر رمضان‪،‬‬
‫شهِدَ مِ ْنكُمُ ال ّ‬
‫س وَبَيّنَاتٍ مِنَ ا ْلهُدَى وَا ْلفُ ْرقَانِ َفمَنْ َ‬
‫ا ْلقُرْآنُ هُدىً لِلنّا ِ‬
‫ومعنى‪ :‬شهد‪ ،‬كان حاضرا غير مسافر لما أعلن عن رؤية هلل رمضان‪ ،‬فليصمه على سبيل‬
‫الوجوب إن كان مكلفا‪ .‬ثم ذكر عذر المرض والسفر‪ ،‬وأن على من أفطر بهما قضاء ما‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اختلف في قبول شهادة الواحد في هلل رمضان‪ ،‬والذي عليه الكثر وهو الحوط للدين أن‬
‫الواحد إذا كان عدلً تقبل شهادته‪ ،‬هذا في الصام‪ ،‬أما في الفطار وهو رؤية هلل شوال فل بد‬
‫من شاهدين اثنين‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 2‬إذا أسلم الكافر ليلً وبلغ الصبي وجب عليهما الصيام من الغد‪ ،‬أما إذا أسلم الكافر وبلغ الغلم‬
‫في نهار رمضان فإنه يستحب لهما المساك ول يجب‪.‬‬
‫شكْرا} ‪ ،‬والشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح وهو‬
‫عمَلُوا آلَ دَاوُدَ ُ‬
‫‪ 3‬يشهد له قوله تعالى‪{ :‬ا ْ‬
‫العمل‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫أفادتكم النعماء مني ثلثة ‪ ...‬يدي ولساني والضمير المحجبا‬
‫‪ 4‬يجمع رمضان على رمضانات‪ ،‬وأرمضاء ويجوز أن يقال شهر رمضان‪ .‬ورمضان بدون شهر‬
‫لحديث‪" :‬إذا كان رمضان فاعتمري فإن عمرة فيه تعدل حجة" ‪.‬‬

‫( ‪)1/163‬‬

‫أفطر بعدده‪ ،‬وأخبر تعالى أنه يريد بالذن في الفطار للمريض والمسافر ليس بالمة‪ ،‬ول يريد‬
‫سفَرٍ َفعِ ّدةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ‬
‫بها العسر فله الحمد وله المنة‪ ،‬فقال تعالى‪َ { :‬ومَنْ كَانَ مَرِيضا َأوْ عَلَى َ‬
‫يُرِيدُ اللّهُ ِبكُمُ الْيُسْ َر وَل يُرِيدُ ِبكُمُ ا ْلعُسْرَ} ‪.‬‬
‫ثم علل تعالى للقضاء بقوله ولتكملوا العدة‪ ،‬أي‪ :‬عدة أيام رمضان‪ ،‬هذا أولً‪ ،‬وثانيا‪ :‬لتكبروا ال‬
‫على ما هداكم عندما تكملون الصيام برؤية هلل شوال وأخيرا ليعدكم بالصيام والذكر للشكر‪،‬‬
‫شكُرُونَ} ‪.‬‬
‫وقال عز وجل‪{ :‬وََلعَّل ُكمْ تَ ْ‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬فضل ‪ 1‬شهر رمضان وفضل القرآن‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب صيام رمضان على المكلفين‪ ،‬والمكلف هو‪ :‬المسلم العاقل مع سلمة المرأة من دمي‬
‫الحيض والنفاس‪.‬‬
‫‪ -3‬الرخصة للمريض الذي يخاف تأخر برئه أو زيادة مرضه‪ ،‬والمسافر مسافة ‪ 2‬قصر‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب القضاء على من أفطر لعذر ‪.3‬‬
‫‪ -5‬يسر الشريعة السلمية وخلوها من العسر ‪ 4‬والحرج‪.‬‬
‫‪ -6‬مشروعية التكبير ليلة العيد ويومه‪ ،‬وهذا التكبير جزء لشكر نعمة الهداية إلى السلم‪.‬‬
‫‪ -7‬الطاعات‪ :‬هي الشكر‪ ،‬فمن لم يطع ال ورسوله لم يكن شاكرا فيعد مع الشاكرين‪.‬‬
‫ع َوةَ الدّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْ َتجِيبُوا لِي وَلْ ُيؤْمِنُوا بِي َلعَّلهُمْ‬
‫{ وَإِذَا سَأََلكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَ ْ‬
‫يَرْشُدُونَ(‪})186‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يكفي في بيان فضل رمضان قول النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا جاء رمضان فتحت أبواب‬
‫الجنة وغلقت أبواب النار‪ ،‬وصفدت الشياطين"‪ .‬رواه مسلم‪ ،‬قوله صلى ال عليه وسلم‪ " :‬من صام‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه‪ ،‬ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم‬
‫من ذنبه " في الصحيح‪.‬‬
‫‪ 2‬أوسط ما قيل في مسافة القصر إنها أربعة بُرُد‪ ،‬وهي ثمانية وأربعون ميلً‪ ،‬والميل‪ :‬ألفا ذراع‬
‫عند أهل الندلس وهو يعادل الكيلو المتر المعروف الن‪.‬‬
‫‪ 3‬لقوله تعالى‪َ { :‬فعِ ّدةٌ مِنْ أَيّامٍ ُأخَرَ} أي فعليه قضاء أيام أخر بعدد ما أفطر‪.‬‬
‫ج َعلَ عَلَ ْيكُمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ} ‪ ،‬وقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬دين‬
‫‪ 4‬لقوله تعالى‪َ { :‬ومَا َ‬
‫ال يسر" ‪ ،‬وقوله لصحابه‪" :‬يسروا ول تعسروا‪ ،‬وبشروا ول تنفروا" ‪ .‬في الصحيح‪.‬‬

‫( ‪)1/164‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الداعي ‪ :‬السائل ربه حاجته‬
‫{فَلْيَسْ َتجِيبُوا لِي} ‪ :‬أي‪ :‬يجيبوا ندائي إذا دعوتهم لطاعتي وطاعة رسولي بفعل المأمور وترك‬
‫المنهي والتقرب إليّ بفعل القرب وترك ما يوجب السخط‪.‬‬
‫شدُونَ} ‪ :‬بكمال القوتين العلمية والعملية‪ ،‬إذ الرشد‪ :‬هو العلم بمحاب ال ومساخطه‪ ،‬وفعل‬
‫{يَرْ ُ‬
‫المحاب وترك المساخط‪ ،‬ومن ل علم له ول عمل فهو السفيه الغاوي والضال الهالك‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫ورد أن جماعة من الصحابة سألوا النبي قائلين‪ :‬أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فأنزل ال‬
‫ع َوةَ‪ 1‬الدّاعِ} الية‪ ،‬ومعنى المناجاة‪:‬‬
‫تعالى قوله‪ { :‬وَإِذَا سَأََلكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَ ْ‬
‫المكالمة بخفض الصوت‪ ،‬والمناداة برفع الصوت‪ ،‬وإجابة ال دعوة عبده قبول طلبه وإعطاؤه‬
‫مطلوبه ‪ .2‬وما على العباد إل أن يستجيبوا لربهم باليمان به وبطاعته في أمره ونهيه‪ ،‬وبذلك يتم‬
‫رشدهم ويتأهلون للكمال والسعاد في الدارين الدنيا والخرة‪.‬‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬قرب ال تعالى من عباده إذ العوالم كلها في قبضته وتحت سلطانه ول يبعد عن ال شيء من‬
‫خلقه إذ ما من كائن إل وال يراه ويسمعه ويقدر عليه‪ ،‬وهذه حقيقة القرب‪.‬‬
‫‪ -2‬كراهية رفع ‪ 3‬الصوت بالعبادات إل ما كان في التلبية والذان ‪ 4‬والقامة‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب الستجابة ل تعالى باليمان وصالح العمال‪.‬‬
‫‪ -4‬الرشد في طاعة ال والغي والسفه في معصيته تعالى‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬دل على فضل الدعاء أن النبي صلى ال عليه وسلم أطلق عليه لفظ العبادة‪ ،‬فقال‪" :‬الدعاء هو‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫العبادة" رواه أبو داود‪ ،‬ومما يحرم الجابة‪ :‬أكل الحرام‪ ،‬والستعجال‪ .‬وأن يقول دعوت فلم‬
‫يستجب لي‪ ،‬ذلك لحديث مسلم‪.‬‬
‫‪ 2‬على الداعي أن يعزم في دعوته ول يقل‪ :‬اللهم أعطني كذا إن شئت‪ ،‬فقد قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم في حديث البخاري‪" :‬إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة‪ ،‬ول يقولن اللهم إن شئت‬
‫فاعطني فإنه ل مستكره له" ‪.‬‬
‫خفِيّا} ‪.‬‬
‫‪ 3‬يستحب السرار بالدعاء لقوله تعالى‪{ :‬زكريّا‪ِ ،‬إذْ نَادَى رَبّهُ نِدَاءً َ‬
‫‪ 4‬من الوقات التي يرجى فيه استجابة الدعاء‪ :‬ما بين الذان والقامة‪ ،‬والسحر‪ ،‬ووقت الفطر‪،‬‬
‫وحال السفر‪ ،‬والمرض‪ ،‬وفي السجود‪ ،‬ودبر الصلوات‪ ،‬وعند اشتداد الكرب من ظلم وغيره‪ ،‬فقد‬
‫ورد من الحاديث والثار ما يصدق هذا ويؤكده‪.‬‬

‫( ‪)1/165‬‬

‫حلّ َلكُمْ لَيَْلةَ الصّيَامِ ال ّر َفثُ إِلَى ِنسَا ِئكُمْ هُنّ لِبَاسٌ َلكُ ْم وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ َلهُنّ عَِلمَ اللّهُ أَ ّنكُمْ كُنْتُمْ َتخْتَانُونَ‬
‫{ ُأ ِ‬
‫ن وَابْ َتغُوا مَا كَ َتبَ اللّهُ َلكُمْ َوكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيّنَ‬
‫عفَا عَ ْنكُمْ فَالنَ بَاشِرُوهُ ّ‬
‫سكُمْ فَتَابَ عَلَ ْيكُ ْم وَ َ‬
‫أَ ْنفُ َ‬
‫ن وَأَنْتُمْ‬
‫ل وَل تُبَاشِرُوهُ ّ‬
‫س َودِ مِنَ ا ْلفَجْرِ ثُمّ أَ ِتمّوا الصّيَامَ إِلَى اللّ ْي ِ‬
‫ط الَ ْ‬
‫َلكُمُ ا ْلخَيْطُ الَبْيَضُ مِنَ ا ْلخَيْ ِ‬
‫جدِ تِ ْلكَ حُدُودُ اللّهِ فَل َتقْرَبُوهَا كَذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ آيَا ِتهِ لِلنّاسِ َلعَّلهُمْ يَ ّتقُونَ(‪})187‬‬
‫عَا ِكفُونَ فِي ا ْلمَسَا ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{لَيَْلةَ الصّيَامِ‪ : }1‬الليلة التي يصبح العبد بعدها صائما‪.‬‬
‫{ال ّر َفثُ} ‪ :‬الجماع‪.‬‬
‫{لِبَاسٌ َلكُمْ} ‪ :‬كناية عن اختلط بعضكم ببعض؛ كاختلط الثوب بالبدن‪.‬‬
‫سكُمْ} ‪ :‬بتعريضها للعقاب‪ ،‬ونقصان حظها من الثواب بالجماع ليلة الصيام قبل أن‬
‫{ َتخْتَانُونَ أَ ْنفُ َ‬
‫يحل ال لكم ذلك‪.‬‬
‫{بَاشِرُوهُنّ} ‪ :‬جامعوهن‪ ،‬أباح لهم ذلك ليلً‪.‬‬
‫{وَابْ َتغُوا مَا كَ َتبَ اللّهُ َلكُمْ} ‪ :‬اطلبوا بالجماع الولد إن كان قد كتب لكم ‪ ،2‬ول يكن الجماع لمجرد‬
‫الشهوة‪.‬‬
‫ط الَبْ َيضُ} ‪ :‬الفجر الكاذب وهو بياض ‪ 3‬يلوح في الفق؛ كذنب السرحان ‪.4‬‬
‫{ا ْلخَيْ ُ‬
‫__________‬
‫حلّ َلكُمْ لَيْلَةَ الصّيَامِ ال ّر َفثُ إِلَى نِسَا ِئكُمْ} الية أن عمر رضي‬
‫‪ 1‬روي في سبب نزول هذه الية‪{ :‬أُ ِ‬
‫ال عنه بعد ما نام ووجب عليه الصوم وقع على أهله‪ ،‬ثم جاء إلى النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫حلّ َلكُمْ لَ ْيلَةَ الصّيَامِ ال ّر َفثُ} الية‪.‬‬
‫وشكى إليه ما حدث له من وقاع أهله ليلً‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪{ :‬أُ ِ‬
‫‪ 2‬ويحتمل اللفظ معاني أخرى مثل‪ :‬ما أبيح لكم‪ ،‬وليلة القدر‪ ،‬والرخصة‪ ،‬والتوسعة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 3‬لحديث مسلم‪" :‬ل يغرنكم من سحوركم آذان بلل‪ ،‬ول بياض الفق المستطيل هكذا حتى‬
‫يستطير هكذا وأشار بيديه يعني معترضا‪.‬‬
‫‪ 4‬السرحان‪ :‬الذئب‪.‬‬

‫( ‪)1/166‬‬

‫س َودِ} ‪ :‬سواد يأتي بعد البياض الول فينسخه تماما‪.‬‬


‫ط الَ ْ‬
‫{ا ْلخَيْ ِ‬
‫{ا ْلفَجْرِ} ‪ :‬انتشار الضوء أفقيا ينسخ سواد الخيط السود ويعم الضياء الفق كله‪.‬‬
‫جدِ} ‪ :‬منقطعون إلى العبادة في المسجد تقربا إلى ال تعالى‪.‬‬
‫{عَا ِكفُونَ‪ 1‬فِي ا ْلمَسَا ِ‬
‫{حُدُودُ اللّهِ} ‪ :‬جمع حد وهو ما شرع ال تعالى من الطاعات فعلً أو تركا‪.‬‬
‫{كَذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ آيَاتِهِ} ‪ :‬أي كما بين أحكام الصيام يبين أحكام سائر العبادات من أفعال وتروك‬
‫ليهيئهم للتقوى التي هي السبب المورث للجنة‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫كان في بداية فرض الصيام أن من نام بالليل لم يأكل ولم يشرب ولم يقرب امرأته حتى الليلة‬
‫التية‪ .‬كأن الصيام يبتدئ من النوم ل من طلوع الفجر‪ ،‬ثم إن ناسا أتوا نسائهم وأخبروا ذلك‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فأنزل ال تعالى هذه الية الكريمة تبيح لهم الكل والشرب‬
‫حلّ َلكُمْ لَيَْلةَ الصّيَامِ ال ّر َفثُ إِلَى نِسَا ِئ ُكمْ} أي‪:‬‬
‫والجماع طوال الليل إلى طلوع الفجر‪ ،‬فقال تعالى‪ُ{ :‬أ ِ‬
‫الختلط بهن‪ ،‬إذ ل غنى للرجل عن امرأته ول المرأة عن زوجها {هُنّ لِبَاسٌ َلكُ ْم وَأَنْ ُتمْ لِبَاسٌ‬
‫َلهُنّ}‪ .‬يسترها وتستره؛ كالثوب يستر الجسم‪ ،‬وأعلمهم أنه تعالى علم منهم ما فعلوه من إتيان‬
‫نسائهم ليلً بعد النوم قبل أن ينزل حكم ال فيه بالباحة أو المنع‪ ،‬فكان ذلك منهم خيانة لنفسهم‬
‫عفَا عَ ْنكُمْ} ‪ .‬وأعلن لهم عن الباحة‬
‫سكُمْ فَتَابَ عَلَ ْيكُ ْم وَ َ‬
‫فقال تعالى‪{ :‬عَلِمَ اللّهُ أَ ّن ُكمْ كُنْتُمْ َتخْتَانُونَ أَ ْنفُ َ‬
‫ن وَابْ َتغُوا مَا كَ َتبَ اللّهُ َلكُمْ} ‪ .‬يريد من الولد ‪ ،2‬لن الجماع ل يكون لمجرد‬
‫بقوله‪ { :‬فَالنَ بَاشِرُوهُ ّ‬
‫قضاء الشهوة بل للنجاب والولد‪ .‬وحدد لهم الظرف الذي يصومون فيه وهو النهار من طلوع‬
‫ط الَبْ َيضُ مِنَ الْخَ ْيطِ‬
‫الفجر إلى غروب الشمس فقال تعالى‪َ { :‬وكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيّنَ َل ُكمُ الْخَ ْي ُ‬
‫سوَدِ‪ 3‬مِنَ ا ْلفَجْرِ ثُمّ أَ ِتمّوا الصّيَامَ إِلَى اللّ ْيلِ} وحرم على المعتكفين في المساجد مباشرة نسائهم‬
‫الَ ْ‬
‫فل يحل للرجل وهو‬
‫__________‬
‫‪ 1‬العتكاف‪ :‬ملزمة المسجد للعبادة وهو من سنن السلم فقد اعتكف رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ويستحب أن يكون في العشر الواخر من رمضان‪ ،‬وأقله يوم وليلة‪ .‬ول يصح إل في‬
‫المسجد الذي تقام فيه صلة الجمعة‪ ،‬ويفسده الجماع ويجب قضاؤه على من أفسده بجماع أهله‪.‬‬
‫‪ 2‬تقدم ما يحتمله اللفظ من غير الولد في رقم (‪ )2‬من هذا التعليق‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 3‬فلذا قيل الفجر‪ :‬فجران‪ ،‬كاذب وصادق‪ ،‬وقد بينها الرسول صلى ال عليه وسلم في حديث‬
‫مسلم‪ :‬النف الذكر تحت رقم ‪.3‬‬

‫( ‪)1/167‬‬

‫معتكف أن يخرج من المسجد ويغشى امرأته وإن فعل أثم وفسد اعتكافه وجب عليه قضاؤه‪ .‬قال‬
‫تعالى‪{ :‬وَل تُبَاشِرُوهُنّ‪ 1‬وَأَنْتُمْ عَا ِكفُونَ فِي ا ْلمَسَاجِدِ} وأخبرهم أن ما بينه لهم من الواجبات‬
‫والمحرمات هي حدوده تعالى فل يحل القرب منها ول تعديها فقال عز وجل‪{ :‬تِ ْلكَ حُدُودُ اللّهِ فَل‬
‫َتقْرَبُوهَا} ثم قال‪َ { :‬كذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنّاسِ َلعَّلهُمْ يَ ّتقُونَ} فامتن تعالى على المسلمين بهذه النعمة‬
‫وهي بيان الشرائع والحكام والحدود بما يوحيه إلى رسوله من الكتاب والسنة ليعد بذلك المؤمنين‬
‫للتقوى‪ ،‬إذ ل يمكن أن تكون تقوى ما لم تكن شرائع تتبع وحدود تحترم‪ .‬وقد فعل فله الحمد وله‬
‫المنة‪.‬‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬إباحة الكل والشرب والجماع في ليال الصيام من غروب الشمس ‪ 2‬إلى طلوع الفجر‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان ظرف الصيام وهو من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان ما يسمك عنه الصائم وهو الكل الشرب والجماع‪.‬‬
‫‪ -4‬مشروعية العتكاف وخاصة في رمضان‪ ،‬وأن المعتكف ل يحل له مخالطة امرأته وهو‬
‫معتكف حتى تنتهي مدة اعتكافه التي عزم أن يعتكفها‪.‬‬
‫‪ -5‬استعمال الكتابة بدل التصريح فيما يتسحي من ذكره‪ ،‬حيث كنى بالمباشرة عن الوطء‪.‬‬
‫‪ -6‬حرمة انتهاك حرمات الشرع وتعدي حدوده‪.‬‬
‫‪ -7‬بيان الغاية من إنزال الشرائع ووضع الحدود وهي تقوى ال عز وجل‪.‬‬
‫‪ -8‬ثبت بالسنة‪ :‬سنة ‪ 3‬السحور واستحباب تأخيره ما لم يخش طلوع الفجر‪ ،‬واستحباب تعجيل‬
‫الفطر ‪.4‬‬
‫حكّامِ لِتَ ْأكُلُوا فَرِيقا مِنْ‬
‫طلِ وَتُدْلُوا ِبهَا إِلَى الْ ُ‬
‫{ وَل تَ ْأكُلُوا َأ ْموَاَلكُمْ بَيْ َنكُمْ بِالْبَا ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المباشرة‪ :‬كناية عن الجماع‪ :‬إذ البشرة تمس البشرة فيه‪.‬‬
‫‪ 2‬يحرم الوصال‪ :‬وهو صيام يومين فأكثر بل إفطار لقول رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬إياكم‬
‫والوصال‪ ،‬إياكم الوصال‪ ،‬يحذر منه "‪ .‬أخرجه البخاري‪.‬‬
‫‪ 3‬لحديث مسلم‪" :‬إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور" ‪.‬‬
‫‪ 4‬لحديث‪" :‬ل تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور" رواه أحمد‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/168‬‬

‫َأ ْموَالِ النّاسِ بِالِثْ ِم وَأَنْتُمْ َتعَْلمُونَ(‪})188‬‬


‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫طلَ ‪ :‬خلف الحق ‪.1‬‬
‫الْبَا ِ‬
‫َتُدْلُوا ‪ :‬الدلء بالشيء‪ ،‬إلقاؤه ‪ ،2‬والمراد هنا‪ :‬إعطاء القضاة والحكام الرشوة ليحكموا لهم‬
‫بالباطل حتى يتوصلوا إلى أموال غيرهم‪.‬‬
‫{فَرِيقا} ‪ :‬أي‪ :‬طائفة وقطعة من المال‪.‬‬
‫{بِالِثْمِ} ‪ :‬المراد به هنا‪ :‬بالرشوة وشهادة الزور‪ ،‬واليمين الفاجرة أي الحلف بالكذب ليقضي‬
‫القاضي لكم بالباطل في صورة حق‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫لما أخر تعالى في الية السباقة أنه يبين للناس ‪ 3‬أحكام دينه ليتقوه بفعل المأمور وترك المنهي بين‬
‫في هذه الية حكم أكل أموال المسلمين بالباطل‪ ،‬وأنه حرام فل يحل لمسلم أن يأكل مال أخيه بغير‬
‫طيب نفس منه‪ .‬وذكر نوعا هو شر أنواع أكل المال بالباطل‪ ،‬وهو دفع الرشوة إلى القضاة‬
‫والحاكمين ليحكموا لهم بغير الحق فيورطوا القضاة في الحكم بغير الحق ليأكلوا أمال إخوانهم‬
‫بشهادة الزور واليمين الغموس الفاجرة وهي التي يحلف فيها المرء كاذبا‪.‬‬
‫حكّامِ لِتَ ْأكُلُوا فَرِيقا مِنْ َأ ْموَالِ‬
‫طلِ وَتُدْلُوا ِبهَا إِلَى الْ ُ‬
‫وقال تعالى‪ { :‬وَل تَ ْأكُلُوا َأ ْموَاَلكُمْ بَيْ َنكُمْ بِالْبَا ِ‬
‫النّاسِ بِالِثْ ِم وَأَنْ ُتمْ َتعَْلمُونَ} أي‪ :‬وأنتم تعلمون حرمة ذلك‪.‬‬
‫هداية الية‪:‬‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة أكل مال المسلم بغير حق سواء كان بسرقة أو بغصب أو غش أو احتيال ومغالطة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الباطل‪ :‬لغة‪ :‬الذاهب الزائل‪.‬‬
‫‪ 2‬يقال‪ :‬أدلى دلوه في البئر إذا ألقاها فيها ليخرج الماء‪ ،‬والحبل الذي يلقى بالدلو يقال له‪ :‬الرشاء‪،‬‬
‫ومنه أخذ اسم الرشوة‪ ،‬فالراشي يعطي الرشوة ليستخلص الحكم له‪.‬‬
‫‪ 3‬إن هذه الية وإن نزلت في سبب خاص‪ :‬وهو تخاصم عبدان ابن أشوع الحضرمي مع أمرؤ‬
‫القيس الكندي‪ ،‬إذ ادعى الول مالً على الثاني‪ ،‬فأنكر وأراد أن يحلف‪ ،‬فنزلت فإنها عامة في أمة‬
‫السلم قاطبة‪ ،‬فل يحل أكل مال أمرء مسلم بغير حق‪ ،‬فيدخل فيه القمار والخداع‪ ،‬والغصوب‪،‬‬
‫وجحد الحقوق وكذا ما حرمته الشريعة وإن طابت به نفس مالكه‪ ،‬وذلك كمهر البغي‪ ،‬وحلوان‬
‫الكاهن‪ ،‬وأثمان بيع الخمر وغيرها‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/169‬‬

‫‪ -2‬حرمة الرشوة تدفع للحاكم ليحكم ‪ 1‬بغير الحق‪.‬‬


‫‪ -3‬مال الكافر غير المحارب كمال المسلم في الحرمة إل أن مال المسلم أشد حرمة لحديث‪" :‬كل‬
‫المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله "‪ .2‬ولقوله تعالى‪{ :‬وَل تَ ْأكُلُوا َأ ْموَاَلكُمْ} وهو يخاطب‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫ظهُورِهَا‬
‫س وَا ْلحَجّ‪ 5‬وَلَيْسَ الْبِرّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ُ‬
‫ن الَهِلّةِ ُقلْ ِهيَ َموَاقِيتُ‪ 4‬لِلنّا ِ‬
‫{يَسْأَلو َنكَ‪ 3‬عَ ِ‬
‫وََلكِنّ الْبِرّ مَنِ ا ّتقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَ ْبوَا ِبهَا وَا ّتقُوا اللّهَ َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ(‪})189‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{الَهِلّةِ} ‪ :‬جمع هلل‪ :‬وهو القمر في بداية ظهوره في الثلثة اليام الولى من الشهر؛ لن الناس‬
‫إذا رأوه رفعوا أصواتهم الهلل الهلل‪.‬‬
‫المواقيت ‪ :‬جمع ميقات‪ :‬الوقت المحدد المعلوم للناس‪.‬‬
‫إتيان البيوت من ظهورها ‪ :‬أن يتسور الجدار ويدخل البيت تحاشيا أن يدخل من الباب‪.‬‬
‫{وََلكِنّ الْبِرّ مَنِ ا ّتقَى} ‪ :‬البر الموصل إلى رضوان ال‪ .‬بر عبد‪ :‬اتقى ال تعالى بفعل أوامره‬
‫واجتناب نواهيه ليس البر دخول البيوت من ظهورها‪.‬‬
‫الفلح ‪ :‬الفوز‪ :‬وهو النجاة من النار ودخول الجنة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬حكم الحاكم ل يحل الحرام سواء أموالً أو فروجا لهذه الية ولقول الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم في الصحيحين عن أم سلمة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬أل إنما أنا بشر وإنما يأتيني‬
‫الخصم فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له‪ ،‬فمن قضيت له بحق مسلم فإنما‬
‫هي قطعة من نار فيلحملها أو ليذرها "‪.‬‬
‫‪ 2‬رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ 3‬حقيقة السؤال هي‪ :‬طلب أحد من آخر بذل شيء أو إخبارا عن شيء فإن كان طلب شيء تعدى‬
‫الفعل بنفسه نحو‪ :‬سأله مالً‪ ،‬وإن كان إخبارا عن شيء تعدى بعن نحو‪ :‬سأله عن كذا‪.‬‬
‫‪ 4‬الوقت والميقات‪ :‬بمعنى واحد‪ ،‬إل أن الميقات أخص من الوقت فإنه عام‪.‬‬
‫‪ 5‬ذكر الحج خصوصا لنه يفوت بفوات وقته إذا تقدم أو تأخر‪ ،‬إذ الحج يوم واحد وهو تاسع‬
‫الحجة‪ ،‬ومكان واحد وهو عرفة لحديث‪" :‬الحج عرفة" ‪.‬‬

‫( ‪)1/170‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫روى أن بعض الصحابة رضوان ال عليهم سألوا رسول ال صلى ال عليه وسلم قائلين‪ :‬ما بال‬
‫الهلل يبدوا دقيقا‪ ،‬ثم يزيد حتى يعظم ويصبح بدرا‪ ،‬ثم ل يزال ينقص حتى يعود كما كان أول‬
‫بدئه؟ فأنزل ال تعالى هذه الية‪َ { :‬يسْأَلو َنكَ عَنِ الَهِلّةِ} وأمر رسوله صلى ال عليه وسلم أن يقول‬
‫لهم‪ :‬هي مواقيت للناس‪ ،‬وعلة بدءها صغيرة ثم تتكامل ثم تنقص حتى المحاق‪ :‬هي أن يعرف‬
‫الناس بها مواقيتهم التي يؤقتونها لعمالهم ‪ 1‬فبوجود القمر على هذه الحوال تعرف عدة النساء‬
‫وتعرف الشهور‪ ،‬فنعرف رمضان ‪ 2‬ونعرف شهر الحج ووقته‪ ،‬كما نعرف آجال العقود في البيع‬
‫واليجار‪ ،‬وسداد الديون وما إلى ذلك‪ .‬وكان النصار في الجاهلية إذا أحرم أحدهم بحج أو عمرة‬
‫وخرج من بيته وأراد أن يدخل لغرض خاص ل يدخل من الباب حتى ل يظله نجف الباب‬
‫فيتسور الجدار ويدخل من ظهر البيت ل من بابه وكانوا يرون هذا طاعة وبرا‪ ،‬فأبطل ال تعالى‬
‫ظهُورِهَا وََلكِنّ الْبِرّ} ‪ .‬بر‬
‫هذا التعبد الجاهلي بقوله عز وجل‪{ :‬وَلَيْسَ الْبِرّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ُ‬
‫أهل التقوى والصلح‪ .‬وأمرهم أن يأتوا البيوت من أبوابها فقال‪{ :‬وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَ ْبوَا ِبهَا} ‪،‬‬
‫وأمرهم بتقواه عز وجل ليفلحوا في الدنيا والخرة‪ .‬فقال‪ { :‬وَاتّقُوا اللّهَ َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ} ‪.‬‬
‫هداية الية الكريمة‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يسأل المرء عما ينفعه ويترك السؤال ‪ 3‬عما ل يعنيه‪.‬‬
‫‪ -2‬فائدة الشهور القمرية عظيمة إذ بها تعرف كثير من العبادات‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة البتداع في الدين ‪ 4‬ولو كان برغبة في طاعة ال تعالى وحصول الجر‪.‬‬
‫‪ -4‬المر بالتقوى المفضية إلى فلح العبد ونجاته في الدارين‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬من ذلك بيوع الجال وبيع السلم فل بد من تحديد الوقت بعام معين أو شهر معين‪.‬‬
‫‪ 2‬لحديث عبد الرازق والحاكم عن ابن عمر قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬جعل ال‬
‫الهلة مواقيت للناس فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن غم عليكم فعدوا ثلثين يوما" فإن غم‬
‫في أول رمضان عددنا شعبان ثلثين يوما وإن غم في آخر رمضان عددنا رمضان ثلثين يوما‪.‬‬
‫‪ 3‬وشاهده في السنة قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬من حسن إسلم المرء تركه مال يعنيه" ‪.‬‬
‫‪ 4‬قال القرطبي في تفسير هذه الية‪ :‬بيان أن ما لم يشرعه ال قربة ول ندب إليه ل يصير قربة‬
‫يتقرب بها إلى ال تعالى واستشهد بحديث أبي إسرائيل إذ نذر أن يقوم ول يقعد ول يستظل ول‬
‫يتكلم ويصوم‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬مروه فليتكلم وليستظل وليقعد ولتم صومه" ‪.‬‬
‫فأبطل ما لم يكن قربة وصحح ما هو قربة‪.‬‬

‫( ‪)1/171‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حبّ ا ْل ُمعْتَدِينَ(‪ )190‬وَاقْتُلُوهُمْ حَ ْيثُ‬
‫{ َوقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الّذِينَ ُيقَاتِلُو َنكُ ْم وَل َتعْ َتدُوا إِنّ اللّهَ ل ُي ِ‬
‫جدِ ا ْلحَرَامِ‬
‫شدّ مِنَ ا ْلقَ ْتلِ وَل ُتقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ا ْلمَسْ ِ‬
‫َثقِفْ ُتمُوهُمْ‪ 1‬وََأخْرِجُوهُمْ مِنْ حَ ْيثُ َأخْرَجُوكُ ْم وَا ْلفِتْنَةُ أَ َ‬
‫غفُورٌ‬
‫حَتّى ُيقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَِلكَ جَزَاءُ ا ْلكَافِرِين َ(‪ )191‬فَإِنِ انْ َت َهوْا فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫ع ْدوَانَ إِل عَلَى الظّاِلمِينَ(‬
‫رَحِيمٌ(‪َ )192‬وقَاتِلُوهُمْ حَتّى ل َتكُونَ فِتْنَةٌ وَ َيكُونَ الدّينُ لِلّهِ فَإِنِ انْ َت َهوْا فَل ُ‬
‫‪})193‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{سَبِيلِ اللّهِ} ‪ :‬الطريق الموصل إلى رضوانه وهو السلم‪ ،‬والمراد إعلء كلمة ‪ 2‬ال‪.‬‬
‫{الّذِينَ ُيقَاتِلُونَكُمْ} ‪ :‬المشركون الذين يبدؤونكم بالقتال‪.‬‬
‫{وَل َتعْتَدُوا}‪ : 3‬ل تجاوزوا الحد فتقتلوا النساء والطفال ومن اعتزل القتال‪.‬‬
‫{ َث ِقفْتُمُوهُمْ} ‪ :‬تمكنتم من قتالهم‪.‬‬
‫{وَا ْلفِتْنَةُ} ‪ :‬الشرك ‪.4‬‬
‫سجِدِ الْحَرَامِ} ‪ :‬المراد به مكة والحرم من حولها‪.‬‬
‫{ا ْلمَ ْ‬
‫{وَ َيكُونَ الدّينُ لِلّهِ} ‪ :‬بأن لم يبق من يعبد غير ال تعالى‪.‬‬
‫ع ْدوَانَ} ‪ :‬أي‪ :‬ل اعتداء بالقتل والمحاربة إل على الظالمين‪ .‬أما من أسلم فل يقاتل‪.‬‬
‫{فَل ُ‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫هذه اليات الثلث‪َ { :‬وقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ} من أوائل ما نزل في شأن قتال المشركين‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يقال رجل ثقف لقف‪ ،‬إذا كان محكما لما يتناوله والمراد‪ :‬اقتلوهم حيث تمكنتم من ذلك غالبين‬
‫لهم قاهرين‪.‬‬
‫‪ 2‬لقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬من قاتل لتكون كلمة ال هي العليا فهو في سبيل ال" ‪ .‬في‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫‪ 3‬يدخل في هذا النهي كل محرم؛ كالميتة و تحريق الشجار وقتل الحيوان لحديث في الصحيح‪" :‬‬
‫اغزوا في سبيل ال قاتلوا من كفر بال‪ ،‬اغزوا ول تغلوا‪ ،‬ول تغدروا ول تمثلوا ول تقتلوا الوليد‬
‫ول أصحاب الصوامع" ‪.‬‬
‫‪ 4‬يصح تفسير الية‪ :‬بأن الفتنة التي حملوكم عليها وراموا رجعوكم بها إلى الكفر أشد من القتل‬
‫أي‪ :‬من قتل المؤمن‪.‬‬

‫( ‪)1/172‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وهي متضمنة الذن لرسول ال صلى ال عليه وسلم والمؤمنين بقتال من يقاتلهم والكف عمن‬
‫يكف عنهم‪ ،‬وقال تعالى‪َ { :‬وقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ} أي‪ :‬في سبيل إعلء كلمة ال ليعبد وحده‪{ .‬الّذِينَ‬
‫ُيقَاتِلُو َنكُمْ} ‪ ،‬واقتلوهم حيث تمكنتم منه‪ ،‬وأخرجوهم من ديارهم كما أخرجوكم أيها المهاجرون من‬
‫دياركم‪ ،‬ول تتحرجوا من القتل‪ ،‬فإن فتنتهم للمؤمنين لحملهم على الكفر بالضطهاد والتعذيب أشد‬
‫سجِدِ الْحَرَامِ حَتّى ُيقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} فل تكونوا البادئين فإن قاتلوكم‬
‫من القتل‪{ :‬وَل ُتقَاتِلُوهُمْ‪ 1‬عِ ْندَ ا ْلمَ ْ‬
‫فاقتلوهم‪ .‬كذلك القتل والخراج الواقع منكم لهم يكون جزاء كل كافر يعتدي ويظلم‪ .‬فإن انتهوا‬
‫عن الشرك والكفر وأسلموا فإن ال يغفر لهم ويرحمهم؛ لن ال تعالى غفور رحيم‪.‬‬
‫أما الية الرابعة(‪ )193‬وهي قوله تعالى‪َ { :‬وقَاتِلُو ُهمْ حَتّى ل َتكُونَ فِتْ َنةٌ} فهي مقررة لحكم‬
‫سابقاتها‪ ،‬إذ فيها المر بقتال المشركين الذين قاتلوهم قتالً يستمر حتى ل يبقى في مكة من‬
‫يضطهد في دينه ويفتن فيه ويكون الدين كله ل فل يعبد غيره‪ ،‬وقوله فإن انتهوا من الشرك بأن‬
‫اسلموا ووحدوا فكفوا عنهم ول تقاتلوهم‪ ،‬إذ ل عدوان ‪ 2‬إل على الظالمين وهم بعد إسلمهم ما‬
‫أصبحوا ظالمين‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب قتال من يقاتل المسلمين‪ ،‬والكف عمن يكف عن قتالهم‪ ،‬وهذا قبل نسخ هذه الية‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة العتداء في القتال بقتل الطفال والشيوخ والنساء إل أن يقاتلن‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة القتال عند المسجد الحرام‪ ،‬أي مكة والحرم إل أن يبدأ العدو بالقتال فيه فيقاتل‪.‬‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ} ‪.‬‬
‫‪ -4‬السلم يجب ما قبله لقوله تعالى‪{ :‬فَإِنِ انْ َت َهوْا فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫‪ -5‬وجوب الجهاد وهو فرض كفاية ما وجد مؤمن يضطهد لسلمه أو يفتن في دينه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬القول بأن هذه الية محكمة أصح لن دللتها على ذلك واضحة وهو أن ل يقاتل في الحرم‬
‫المكي وأن ل يبدأ به فإذا بدأ المشركون بقتال المؤمنين قاتلهم المؤمنون فيه‪ ،‬ويشهد لهذا حديث‬
‫ابن عباس في الصحيح‪" :‬إن هذا البلد حرمه ال يوم خلق السموات والرض فهو حرام لحرمة ال‬
‫تعالى إلى يوم القيامة" ‪ .‬الحديث‪.‬‬
‫‪ 2‬قتال من قاتل المسلمين ل يسمى عدوانا إل من باب المشاكلة نحو‪َ { :‬وجَزَاءُ سَيّ َئةٍ سَيّ َئةٌ مِثُْلهَا} ‪،‬‬
‫إذ الولى حقا سيئة‪ ،‬أما الثانية فإنها قصاص عادل وسميت سيئة مشاكلة في اللفظ‪.‬‬

‫( ‪)1/173‬‬

‫شهْرِ الْحَرَا ِم وَالْحُ ُرمَاتُ‪ِ 1‬قصَاصٌ َفمَنِ اعْتَدَى عَلَ ْي ُكمْ فَاعْتَدُوا عَلَ ْيهِ ِبمِ ْثلِ‪ 2‬مَا‬
‫شهْرُ الْحَرَامُ بِال ّ‬
‫{ال ّ‬
‫اعْتَدَى عَلَ ْي ُك ْم وَاتّقُوا اللّهَ وَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ مَعَ ا ْلمُتّقِينَ(‪ )194‬وَأَ ْن ِفقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَل تُ ْلقُوا بِأَ ْيدِيكُمْ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حسِنِينَ(‪})195‬‬
‫حبّ ا ْلمُ ْ‬
‫حسِنُوا إِنّ اللّهَ يُ ِ‬
‫إِلَى ال ّتهُْلكَ ِة وَأَ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫شهْرُ الْحَرَامُ} ‪ :‬الشهر المحرم القتال فيه والشهر الحرم أربعة ثلثة سرد وواحد فرد‪ .‬فالثلثة‬
‫{ال ّ‬
‫هي القعدة والحجة ومحرم‪ ،‬والرابع الفرد‪ :‬رجب‪.‬‬
‫الحرمات ‪ :‬جمع حرمة؛ كالشهر الحرام‪ ،‬والبلد الحرام‪ ،‬والحرام‪.‬‬
‫{أَنّ اللّهَ مَعَ ا ْلمُتّقِينَ} ‪ :‬المتقون‪ :‬هم المؤمنون الذين يتقون معاصي ال تعالى ومخالفة سنته في‬
‫الحياة وكونه تعالى معهم‪ :‬يسددهم ويعينهم وينصرهم‪.‬‬
‫{ال ّتهُْلكَةِ} ‪ :‬الهلكة والهلك مثلها‪.‬‬
‫الحسان ‪ :‬اتقان الطاعة وتخليصها من شوائب الشرك‪ ،‬وفعل الخير ‪ 3‬أيضا‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫الية الولى(‪ )194‬في سياق ما قبلها تشجع المؤمنين المعتدى عليهم على قتال أعدائهم وتعلمهم‬
‫أن من قاتلهم في الشهر الحرام فليقاتلوه في الشهر الحرام‪ ،‬ومن قاتلهم في الحرم فليقاتلوه في‬
‫الحرم‪ ،‬ومن قاتلهم وهم محرمون فليقاتلوه وهو محرم‪ ،‬وهكذا الحرمات قصاص‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الحرمات‪ :‬جمع حرمة‪ ،‬كالظلمات‪ :‬جمع ظلمة‪ ،‬والحرمة‪ :‬ما منع العبد من انتهاكه‪ ،‬والقصاص‬
‫يمعنى المساواة هذه الية ل خلف بين العلماء في أنها أصل المماثلة في القصاص‪ ،‬فمن جرح‬
‫جرح بمثل ما جرح‪ ،‬ومن قتل يقتل بمثل ما قتل به‪ ،‬اللهم إل من قتل بزنا أو لواط فهذا قطعا ل‬
‫مماثلة فيه ولكن يقتل بالسيف‪.‬‬
‫‪ 2‬لهذا الية نظيرها وهو قوله تعالى‪{ :‬وَإِنْ عَاقَبْتُمْ َفعَاقِبُوا ِبمِ ْثلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} وقوله‪{ :‬وَجَزَاءُ‬
‫سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مِثُْلهَا} ‪ ،‬وهي بالنسبة إلى المة قد نسخت بآيات الجهاد‪ ،‬أما بالنسبة للفراد فالجمهور‬
‫على أن الفرد ل يعاقب بنفسه ولكن بواسطة الحاكم‪ ،‬ولكن يرى بعضهم كالمام الشافعي‪ :‬أن‬
‫الفرد إذا لم يتوصل إلى أخذ حقه إل بالمعاقبة فلينظر إذا كان يمكنه أن يأخذ بقدر ما أخذ منه‬
‫مساواة بل زيادة فل بأس أن يأخذ بشرط أن يأمن من نسبته إلى السرقة حتى ل يتعرض إلى‬
‫إقامة الحد عليه‪.‬‬
‫‪ 3‬فعل الخير يشمل مواساة الفقراء والمساكين وصلة ذو الرحام كما يشمل عدم الساءة إلى‬
‫المسيء بالعفو والصفح عنه فهو باب واسع‪.‬‬

‫( ‪)1/174‬‬

‫بينهم ومساواة‪ .‬ومن اعتدى عليهم فليعتدوا عليه مثل اعتدائه عليهم‪ ،‬وأمرهم بتقواه عز وجل‬
‫وأعلمهم أنه معهم ما اتقوه بالتسديد والعون والنصر‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وأما الية ‪ )195(1‬فقد أمرهم بإنفاق المال للجهاد لعداد العدة وتسيير السرايا ولمقاتلين ونهاهم‬
‫أن يتركوا النفاق في سبيل ال الذي هو الجهاد فإنهم متى تركوا النفاق والجهاد كانوا كمن ألقى‬
‫بيده في الهلك‪ ،‬وذلك أن العدو المتربص بهم إذا رآهم قعدوا عن الجهاد غزاهم وقاتلهم وانتصر‬
‫عليهم فهلكوا‪ .‬كما أمرهم بالحسان في أعمالهم كافة وإحسان العمال إتقانها وتجويدها‪ ،‬وتنقيتها‬
‫من الخلل والفساد‪ ،‬وواعدهم إن هم أحسنوا أعمالهم بتأييدهم ونصرهم‪ ،‬فقال تعالى ‪{ :‬وََأحْسِنُوا إِنّ‬
‫حسِنِينَ} ومن أحبه ال أكرمه ونصره وما أهانه ول خذله‪.‬‬
‫حبّ ا ْلمُ ْ‬
‫اللّهَ ُي ِ‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬احترام الشهر الحرام وسائر الحرمات‪.‬‬
‫‪ -2‬جواز المقاصة والمجازاة لمن اعتدى بحيث يعامل بما عامل به سواء بسواء‪.‬‬
‫‪ -3‬رد العتداء والنيل من المعتدي الظالم البادي ‪ 2‬بالظلم والعتداء‪.‬‬
‫‪ -4‬معية ال تعالى لهل اليمان والتقوى والحسان‪.‬‬
‫‪ -5‬فضيلة الحسان لحب ال تعالى للمحسنين‪.‬‬
‫سكُمْ حَتّى يَبْلُغَ‬
‫ي وَل تَحِْلقُوا ُرؤُو َ‬
‫حصِرْتُمْ َفمَا اسْتَ ْيسَرَ مِنَ ا ْلهَ ْد ِ‬
‫{وَأَ ِتمّوا الْحَجّ‪ 3‬وَا ْل ُعمْ َرةَ لِلّهِ فَإِنْ ُأ ْ‬
‫__________‬
‫‪1‬روي أن أبا أيوب النصاري رضي ال عنه قال‪ :‬هذه الية نزلت فينا معاشر النصار‪ ،‬وذلك‬
‫أنه لما نصر ال رسوله وأظهر دينه قلنا‪ :‬هلم نقيم في أموالنا ونصلحها فأنزل ال عز وجل‪:‬‬
‫{وَأَ ْنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ} الية‪ ،‬واللقاء باليد في التهلكة‪ :‬أن نقيم في أموالنا‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا ليس على بابه وإنما هو في المعتدي الكافر‪ ،‬أما المسلم فإن العفو عنه محمود ومطلوب‬
‫عفَا وََأصْلَحَ فَأَجْ ُرهُ عَلَى اللّه} وقال رسوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬أدي‬
‫أيضا‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬فمَنْ َ‬
‫المانة لمن ائتمنك ول تخن من خانك" ‪.‬‬
‫‪ 3‬الية دليل على مشروعية العمرة وهي كذلك سنة واجبة‪ ،‬أما الحج فقد فرض بالكتاب في قوله‬
‫تعالى‪{ :‬وَِللّهِ عَلَى النّاسِ حِجّ الْبَ ْيتِ مَنِ اسْ َتطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلً} وبالنسبة في حديث ابن عمر‪" :‬بني‬
‫السلم على خمس" إذ فيه حج البيت والجماع أيضا‪.‬‬

‫( ‪)1/175‬‬

‫سكٍ فَِإذَا‬
‫ص َدقَةٍ َأوْ نُ ُ‬
‫ن صِيَامٍ َأوْ َ‬
‫سهِ َففِدْيَةٌ مِ ْ‬
‫حلّهُ َفمَنْ كَانَ مِ ْنكُمْ مَرِيضا َأوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْ ِ‬
‫ا ْلهَ ْديُ مَ ِ‬
‫جدْ َفصِيَامُ ثَلثَةِ أَيّامٍ فِي ا ْلحَجّ‬
‫َأمِنْتُمْ َفمَنْ َتمَتّعَ بِا ْل ُعمْ َرةِ إِلَى ا ْلحَجّ َفمَا اسْتَ ْيسَرَ مِنَ ا ْلهَ ْديِ َفمَنْ َلمْ يَ ِ‬
‫سجِدِ ا ْلحَرَامِ وَاتّقُوا اللّهَ‬
‫جعْ ُتمْ تِ ْلكَ عَشَ َرةٌ كَامِلَةٌ ذَِلكَ ِلمَنْ َلمْ َيكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ا ْلمَ ْ‬
‫وَسَ ْبعَةٍ ِإذَا رَ َ‬
‫وَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ(‪})196‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ج وَا ْل ُعمْ َرةَ لِلّهِ} ‪ :‬فإتمامهما ‪ 1‬أن يحرم بهما من الميقات وأن يأتي بأركانهما‬
‫{وَأَ ِتمّوا الْحَ ّ‬
‫وواجباتهما على الوجه المطلوب من الشارع‪ ،‬وأن يخلص فيهما ل تعالى‪.‬‬
‫حصِرْتُمْ} ‪ :‬الحصر والحصار ‪ 2‬أن يعجز الحاج أو المعتمر عن إتمام حجه أو عمرته إما‬
‫{فَإِنْ ُأ ْ‬
‫بعدو يصده عن دخول مكة أو مرض شديد ل يقدر معه على مواصلة السير إلى مكة ‪.3‬‬
‫{ َفمَا اسْتَ ْيسَرَ مِنَ ا ْلهَ ْديِ} ‪ :‬أي فالواجب على من أحصر ما تيسر له من الهدي شاة أو بقرة أو‬
‫بعير‪.‬‬
‫سكُمْ} ‪ :‬ل يتحلل المحصر من إحرامه حتى يذبح ما تيسر له من الهدي فإن ذبح‬
‫{وَل تَحِْلقُوا ُرؤُو َ‬
‫تحلل بحلق رأسه‪.‬‬
‫{ َففِدْيَةٌ} ‪ :‬فالواجب هو فدية من صيام أو صدقة أو نسك‪.‬‬
‫{ َفمَنْ َتمَتّعَ بِا ْل ُعمْ َرةِ إِلَى ا ْلحَجّ} ‪ :‬فمن أحرم بعمرة في أشهر الحج وتحلل وبقي في مكة ينتظر‬
‫الحج وحج فعلً فالواجب ما استيسر من الهدي‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ومن إتمامها أن يخرج لهما ل لتجارة ول غيرها فيخرج لهما ل غيرهما كما قال علي رضي‬
‫ال عنه‪" :‬أن تحرم بهما من دويرة أهلك‪ ،‬والحج تمامه عرفة‪ ،‬والعمرة والسعي بعد الطواف‬
‫والحلق أو التقصير"‪.‬‬
‫‪ 2‬ذهب مالك والشافعي إلى أن المحصر بمرض ل يحل له أن يتحلل بل عليه أن يبقى على‬
‫إحرامه حتى يطوف ولو بعد عام‪ ،‬وذهب غيرهما إلى أن المريض الشديد المرض حكمه حكم‬
‫المحصر بالعدو ينحر ويتحلل‪ ،‬وإن كان الحج فرضا عليه القضاء‪ ،‬وإن كان نفلً فل قضاء عليه‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا إذا لم يشترط عند إحرامه‪ ،‬أما إذا اشترط بقوله عند إحرامه‪" :‬محلي حيث حبستني" فإنه‬
‫يتحلل ول شيء عليه إل ما كان من مالك فإنه ل يرى الشتراط وهو محجوج بحديث ضباعة‪:‬‬
‫"حجي واشترطي"‪.‬‬

‫( ‪)1/176‬‬

‫جدْ َفصِيَامُ ثَلثَةِ أَيّامٍ} ‪ :‬فمن تمتع بالعمرة ولم يجد هديا لعجزه عنه‪ ،‬فالواجب صيام‬
‫{ َفمَنْ َلمْ يَ ِ‬
‫عشرة أيام ثلثة في مكة وسبعة في بلده‪.‬‬
‫جدِ ا ْلحَرَامِ} ‪ :‬أي ما وجب من الهدي أو الصيام عند العجز‬
‫{ذَِلكَ ِلمَنْ لَمْ َيكُنْ َأهْلُهُ حَاضِرِي ا ْلمَسْ ِ‬
‫وهو لغير أهل الحرم أما سكان مكة والحرم ‪ 1‬حولها وهم أهل الحرم فل يجب عليهم شيء إن‬
‫تمتعوا‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يتموا الحج والعمرة له سبحانه وتعالى فيأتوا بها على الوجه‬
‫المطلوب وأن يريدوا بهما ال تعالى‪ ،‬ويخبرهم أنهم إذا أحصروا فلم يتمكنوا من إتمامها‪ ،‬فالواجب‬
‫عليهم أن يذبحوا ما تيسر لهم‪ ،‬فإذا ذبحوا أو نحروا حلوا من إحرامهم‪ ،‬وذلك بحلق شعر رؤوسهم‬
‫أو تقصيره‪ ،‬كما أعلمهم أن من كان منهم مريضا أو به أذى من رأسه واضطر إلى حلق شعر‬
‫رأسه أو لبس ثوب أو تغطية رأس‪ ،‬فالواجب بعد أن يفعل ذلك فدية وهي واحد من ثلثة على‬
‫التخيير‪ :‬صيام ثلثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين حفنتان ‪ 2‬من طعام‪ ،‬أو ذبح شاة‪ .‬كما‬
‫أعلمهم أن من تمتع بالعمرة إلى الحج ولم يكن من سكان الحرم أن عليه ما استيسر من الهدي شاة‬
‫أو بقرة أو بعير فإن لم يجد ذلك صام ثلثة أيام في الحج من أول شهر الحجة إلى يوم التاسع منه‬
‫وسبعة أيام إذا رجع إلى بلده‪ .‬وأمرهم بتقواه عز وجل وهي امتثال أوامره والخذ بتشريعه و‬
‫شدِيدُ ا ْل ِعقَابِ}‬
‫حذرهم من إهمال أمره والستخفاف بشرعه فقال‪{ :‬وَا ّتقُوا اللّ َه وَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ َ‬
‫هداية الية‪:‬‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب إتمام الحج والعمرة لمن شرع فيهما بالحرام من الميقات‪ ،‬وإن كان الحج ‪ 3‬تطوعا‬
‫والعمرة غير واجبة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المكي وساكن الحرم إن حصرا بمرض ل يحل لهما التحلل بذبح الهدي بل عليهما أن يحمل‬
‫على نعش ويوقف بهما بعرفة ويطاف بهما وهما على النعش‪.‬‬
‫‪ 2‬ويجزئ اليوم كيلو رز أو بر أو تمر لكل مسكين ول يجوز إلقاء ذلك لحمام الحرم كما يفعل‬
‫الجهال‪.‬‬
‫ج وَا ْل ُعمْ َرةَ لِلّهِ} ‪ ،‬وقوله‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا َأطِيعُوا اللّ َه وَأَطِيعُوا‬
‫‪ 3‬لقول ال تعالى‪{ :‬وَأَ ِتمّوا ا ْلحَ ّ‬
‫عمَاَلكُمْ} فمن شرع في عبادة يجب أن يتمها‪.‬‬
‫ل وَل تُ ْبطِلُوا أَ ْ‬
‫الرّسُو َ‬

‫( ‪)1/177‬‬

‫‪ -2‬بيان حكم الحصار ‪ ،1‬وهو ذبح شاة من مكان الحصار ثم التحلل بالحلق أو التقصير‪ ،‬ثم‬
‫القضاء من قابل إن تيسر ذلك للعبد‪ ،‬لن الرسول صلى ال عليه وسلم قضى هو وأصحابه العمرة‬
‫التي صدوا فيها عن المسجد الحرام عام الحديبية‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان فدية الذى‪ :‬وهي أن من ارتكب محظورا من محظورات الحرام بأن حلق أو لبس‬
‫مخيطا أو غطى رأسه لعذر وجب عليه فدية وهي صيام أو إطعام أو ذبح شاة‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان حكم التمتع ‪ ،2‬وهو أن من كان من غير سكان مكة والحرم حولها إذا أحرم بعمرة في‬
‫أشهر الحج وتحلل منها وبقي في مكة وحج من عامه أن عليه ذبح ‪ 3‬شاة فإن عجز صام ثلثة‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أيام في مكة وسبعة في بلده‪.‬‬
‫‪ -5‬المر بالتقوى وهي طاعة ال تعالى بامتثال أمره واجتناب نهيه‪ ،‬والتحذير من "تركها لما‬
‫يترتب عليه من العقاب الشديد"‬
‫ج َومَا َت ْفعَلُوا‬
‫ق وَل جِدَالَ فِي الْحَ ّ‬
‫ث وَل فُسُو َ‬
‫شهُرٌ َمعْلُومَاتٌ َفمَنْ فَ َرضَ فِيهِنّ ا ْلحَجّ فَل َر َف َ‬
‫{ا ْلحَجّ أَ ْ‬
‫مِنْ خَيْرٍ َيعَْلمْهُ اللّ ُه وَتَ َزوّدُوا فَإِنّ خَيْرَ‪ 4‬الزّادِ ال ّت ْقوَى وَاتّقُونِ يَا أُولِي الَلْبَابِ(‪ )197‬لَ ْيسَ عَلَ ْيكُمْ‬
‫شعَرِ ا ْلحَرَا ِم وَا ْذكُرُوهُ‬
‫جُنَاحٌ أَنْ تَبْ َتغُوا َفضْلً مِنْ رَ ّبكُمْ فَإِذَا َأ َفضْتُمْ مِنْ عَ َرفَاتٍ فَا ْذكُرُوا اللّهَ عِنْدَ ا ْلمَ ْ‬
‫َكمَا هَدَا ُك ْم وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الواجب على المحصر أن يذبح هدي في الحرم وإن عجز ذبحه في مكان الحصار‪ ،‬وإن عجز‬
‫ذبحه حيث أمكنه وإن لم يجده لفقر صام عشرة أيام بدله‪ ،‬والواجب أن ل يتحلل إل بعد نحر‬
‫الهدي إن كان ذلك في مقدوره‪ ،‬هذا أوسط المذاهب في هذه المسألة الشائكة الكثيرة الراء‪.‬‬
‫‪ 2‬ل خلف في جواز الحرام بأي نسك من أنواع النسك الثلثة إل أن الفراد لمن يعتمر في غير‬
‫أشهر الحج ويحج من عامه أفضلها‪.‬‬
‫‪ 3‬شاه الحصار أولً ل بد وأن تكون سليمة؛ كشاة الضحية في سنها وسلمتها من العور‬
‫والعرج والهزال والمرض‪.‬‬
‫‪ 4‬روى البخاري عن ابن عباس قال‪" :‬كان أهل اليمن يحجون ول يتزودون ويقولون نحن‬
‫المتوكلون فإذا قدموا مكة سألوا الناس فأنزل ال تعالى‪{ :‬وتزودوا‪ " }....‬الية‪ ،‬والزاد‪ :‬التمر‪،‬‬
‫والسويق يومئذ وهو ما يتحاجه الحاج من سائر أنواع الزاد‪.‬‬

‫( ‪)1/178‬‬

‫غفُورٌ رَحِيمٌ(‪})199‬‬
‫س وَاسْ َت ْغفِرُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬
‫َلمِنَ الضّالّينَ(‪ُ )198‬ثمّ َأفِيضُوا مِنْ حَ ْيثُ َأفَاضَ النّا ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫شهُرٌ َمعْلُومَاتٌ} ‪ :‬هي شوال والقعدة وعشر ‪ 1‬ليال من الحجة هذه هي الشهر التي يحرم فيها‬
‫{َأ ْ‬
‫بالحج‪.‬‬
‫{فَ َرضَ} ‪ :‬نوى الحج وأحرم ‪ 2‬به‪.‬‬
‫{فَل َر َفثَ} ‪ :‬الرفث‪ :‬الجماع ومقدماته‪.‬‬
‫{وَل فُسُوقَ} ‪ :‬الفسق والفسوق‪ :‬الخروج عن طاعة ال بترك واجب أو فعل حرام‪.‬‬
‫الجدال ‪ :‬المخاصمة والمنازعة‪.‬‬
‫الجناح ‪ :‬الثم‪.‬‬
‫{تَبْ َتغُوا َفضْلً} ‪ :‬تطلبوا ربحا في التجارة من الحج‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{َأ َفضْتُمْ مِنْ عَ َرفَاتٍ} ‪ :‬الفاضة من عرفات تكون بعد الوقوف بعرفة يوم الحج وذلك بعد غروب‬
‫الشمس من يوم التاسع من شهر الحجة‪.‬‬
‫شعَرِ الْحَرَامِ} ‪ :‬مزدلفة وذكر ال تعالى عندها‪ :‬هو صلة المغرب والعشاء جمعا بها وصلة‬
‫{ا ْلمَ ْ‬
‫الصبح‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في بيان أحكام الحج والعمرة فأخبر تعالى أن الحج له أشهر ‪ 3‬معلومة وهي شوال‬
‫والقعدة وعشر ليال من الحجة فل يحرم بالحج إل فيها‪ .‬وأن من أحرم بالحج يجب عليه أن‬
‫يتجنب الرفث والفسق ‪ 4‬والجدال ‪ 5‬حتى ل يفسد حجه أو ينقص أجره‪ ،‬وانتدب الجاج‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لو أحرم ليلة العاشر وهي ليلة العيد ووصل إلى عرفة ووقف بها قبل طلوع الفجر صح حجه‪.‬‬
‫‪ 2‬يكره أن يحرم المسلم بالحج قبل أشهره‪ ،‬ولو أحرم صح إحرامه وعليه المضي فيه والفضل له‬
‫أن يتحلل بعمرة وإن بقى على إفراده كره له ذلك‪ ،‬وصح منه‪ ،‬هذا أرجح المذاهب في هذه‬
‫المسألة‪.‬‬
‫‪ 3‬لم يذكر أشهر الحج في الية بالتعيين وذلك للعلم بها ولبيان الرسول صلى ال عليه وسلم لها‪،‬‬
‫وقال أشهر وهي شهران وعشر ليال من باب التغليب‪.‬‬
‫‪ 4‬أنه بتجنب هذه الثلثة يكون حجه مبرور لقول الرسول صلى ال عليه وسلم في صحيح مسلم‪:‬‬
‫"من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه‪ ،‬الحج المبرور ليس له جزاء إل الجنة" ‪ .‬قالت‬
‫العلماء‪ :‬الحج المبرور‪ :‬الذي لم يعص ال تعالى فيه وحف بفعل الخيرات‪.‬‬
‫‪ 5‬الجدال‪ :‬مأخوذ من الجدال الذي هو الفتل للحبل ونحوه‪ ،‬فالمجادل يريد أن يفتل رأي من يجادله‬
‫أي يثنيه عنه ويرده عليه‪.‬‬

‫( ‪)1/179‬‬

‫إلى فعل الخير من صدقة وغيرها فقال‪َ { :‬ومَا َت ْفعَلُوا مِنْ خَيْرٍ َيعَْلمْهُ اللّهُ} ولزمه أنه يثيب عليه‬
‫ويجزي به‪ .‬وأمر الحجاج أن يتزودوا لسفرهم في الحج بطعام وشراب يكفون به وجوههم عن‬
‫السؤال فقال‪ :‬وتزودوا‪ ،‬وأرشد إلى خير الزاد‪ ،‬وهو التقوى‪ ،‬ومن التقوى عدم سؤال الناس‬
‫أموالهم والعبد غير محتاج وأمرهم بتقواه عز وجل‪ ،‬أي بالخوف منه حتى ل يعصوه في أمره‬
‫ونهيه فقال‪{ :‬وَا ّتقُونِ يَا أُولِي الَلْبَابِ} ‪ ،‬وال أحق أن يتقى؛ لنه الواحد القهار‪ ،‬ثم أباح لهم‬
‫التجار أثناء وجودهم في مكة ومنى فقال‪{ :‬لَ ْيسَ عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْ َتغُوا َفضْلً مِنْ رَ ّبكُمْ} يريد‬
‫رزقا حللً بطريق التجارة المباحة‪ ،‬ثم أمرهم بذكر ال تعالى في مزدلفة بصلة المغرب والعشاء‬
‫والصبح فيها وذلك بعد إفاضتهم من عرفة بعد غروب الشمس فقال عز من قائل‪{ :‬فَإِذَا َأ َفضْتُمْ مِنْ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شعَرِ ا ْلحَرَامِ} ثم ذكرهم بنعمة هدايته لهم بعد الضلل الذي كانوا‬
‫‪ 1‬عَ َرفَاتٍ فَا ْذكُرُوا اللّهَ عِنْدَ ا ْلمَ ْ‬
‫فيه وانتدبهم إلى شكره وذلك بالكثار من ذكره فقال تعالى ‪ {:‬وَا ْذكُرُوهُ َكمَا َهدَاكُ ْم وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ‬
‫قَبْلِهِ َلمِنَ الضّالّينَ} ثم أمرهم بالمساواة في الوقوف بعرفة والفاضة منها فليقفوا كلهم بعرفات‪،‬‬
‫وليفيضوا جميعا منها فقال عز وجل‪{ :‬ثُمّ َأفِيضُوا مِنْ حَ ْيثُ َأفَاضَ النّاسُ} ‪ ،‬وذلك أن الحمس ‪2‬‬
‫كانوا يفيضون من أدنى عرفات حتى ينجوا من الزحمة ويسلموا الحطمة‪ .‬وأخيرا أمرهم باستغفار‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ} ‪.‬‬
‫ال أي‪ :‬طلب المغفرة منه ووعدهم بالمغفرة بقوله‪{ :‬وَاسْ َت ْغفِرُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة الرفث والفسوق والجدال في الحرام‪.‬‬
‫‪ -2‬استحباب فعل الخيرات للحاج أثناء حجه ليعظم أجره ويبر حجه‪.‬‬
‫‪ -3‬إباحة التجار والعمل للحاج طلبا للرزق على أن ل يحج لجل ذلك‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب ‪ 3‬المبيت بمزدلفة لذكر ال تعالى‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الجماع على أن من وقف بعرفة قبل الزوال وخرج منها قبل الزوال إنه ما حج‪ ،‬أما من وقف‬
‫بعد الزوال وخرج قبل غروب الشمس فالجمهور على صحة حجه‪ ،‬وعليه ذبح شاه وقال مالك‪:‬‬
‫يبطل حجه‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫‪ 2‬الحمس‪ :‬جمع أحمس‪ ،‬من هو أشد تحمسا وحماسة لحماية الحرم وهم قريش ومن يمت إليهم‬
‫بنسب وكانوا يقولون‪ :‬نحن أهل ال في بلدته‪ ،‬وقبطان بيته‪.‬‬
‫‪ 3‬القول بركنية المبيت بمزدلفة قول شاذ ل يلتفت إليه‪ ،‬وأما الوجوب فمتأكد بالية والحديث‪،‬‬
‫والخروج منها بعد النزول بها بعد نصف الليل للعجزة والضعفة جائر بإذن الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم كما هو ثابت في السنن‪.‬‬

‫( ‪)1/180‬‬

‫‪ -5‬وجوب شكر ال تعالى بذكره وطاعته على هدايته وإنعامه‪.‬‬


‫‪ -6‬وجوب المساواة في أداء مناسك الحج بين سائر الحجاج فل يتميز بعضهم عن بعض في أي‬
‫شعيرة من شعائر الحج‪.‬‬
‫‪ -7‬الترغيب في الستغفار ‪ 1‬والكثار منه‪.‬‬
‫س َككُمْ فَا ْذكُرُوا اللّهَ كَ ِذكْ ِر ُكمْ‪ 2‬آبَا َءكُمْ َأوْ أَشَدّ ِذكْرا َفمِنَ النّاسِ مَنْ َيقُولُ رَبّنَا آتِنَا فِي‬
‫{فَإِذَا َقضَيْتُمْ مَنَا ِ‬
‫حسَنَةً‪َ 3‬وفِي الْآخِ َرةِ‬
‫الدّنْيَا َومَا َلهُ فِي الخِ َرةِ مِنْ خَلقٍ(‪َ )200‬ومِ ْنهُمْ مَنْ َيقُولُ رَبّنَا آتِنَا فِي الدّنْيَا َ‬
‫حسَابِ(‪ )202‬وَا ْذكُرُوا‬
‫حسَنَ ًة َوقِنَا عَذَابَ النّارِ(‪ )201‬أُولَ ِئكَ َلهُمْ َنصِيبٌ ِممّا كَسَبُوا وَاللّهُ سَرِيعُ الْ ِ‬
‫َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جلَ فِي َي ْومَيْنِ فَل إِ ْثمَ عَلَيْهِ َومَنْ تََأخّرَ فَل إِثْمَ عَلَيْهِ ِلمَنِ ا ّتقَى وَاتّقُوا‬
‫اللّهَ فِي أَيّامٍ َمعْدُودَاتٍ َفمَنْ َتعَ ّ‬
‫اللّ َه وَاعَْلمُوا أَ ّنكُمْ إِلَيْهِ ُتحْشَرُونَ(‪})203‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ َقضَيْتُمْ} ‪ :‬أديتم وفرغتم منها‪.‬‬
‫المناسك ‪ :‬جمع منسك وهي عبادات الحج المختلفة‪.‬‬
‫الخلق ‪ :‬الحظ والنصيب‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يسن الستغفار ثلثا بعد كل صلة فريضة لما صح عنه صلى ال عليه وسلم أنه كان إذا سلم‬
‫من صلته قال‪" :‬استغفر ال ثلثا " وسيد الستغفار هو‪" :‬اللهم أنت ربي ل إله إل أنت خلقتني‬
‫وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبو لك بنعمتك علي‬
‫وأبو بذنبي فاغفر لي فإنه ل يغفر الذنوب إل أنت "‪.‬‬
‫‪ 2‬الكاف‪ :‬في محل نصب‪ ،‬أي ذكرا كذكركم فهي بمعنى مثل‪ ،‬وأو هنا للضراب النتقالي‪ ،‬أي‬
‫بل اذكروه ذكرا أشد من ذكركم آبائكم‪.‬‬
‫‪ 3‬روي عن علي رضي ال عنه إنه كان يقول‪" :‬حسنة الدنيا‪ :‬المرأة الصالحة‪ ،‬وحسنة الخرة‪:‬‬
‫الحور العين‪ ،‬وقد ل يصح هذا عن علي‪ ،‬وما فسرنا به أعم وأشمل وأعظم‪.‬‬

‫( ‪)1/181‬‬

‫{حَسَنَةً} ‪ :‬حسنة الدنيا‪ :‬كل ما يسر ول يضر من زوجة صالحة وولد صالح ورزق حلل وحسنة‬
‫الخرة النجاة من النار ودخول الجنان‪.‬‬
‫{ َوقِنَا} ‪ :‬احفظنا ونجنا من عذاب النار‪.‬‬
‫{ َنصِيبٌ} ‪ :‬حظ وقسط من أعمالهم الصالحة ودعائهم الصالح‪.‬‬
‫اليام المعدودات ‪ : 1‬أيام التشريق الثلثة بعد يوم العيد‪.‬‬
‫جلَ فِي َي ْومَيْنِ} ‪ :‬رمى يوم الول والثاني وسافر‪.‬‬
‫{ َتعَ ّ‬
‫{ َومَنْ تَأَخّرَ} ‪ :‬رمى اليام الثلثة كلها‪.‬‬
‫{فَل إِ ْثمَ} ‪ :‬أي ل ذنب في التعجل ول في التأخر‪.‬‬
‫{ِلمَنِ ا ّتقَى} ‪ :‬للذي اتقى ربه بعدم ترك واجب أوجبه أو فعل حرام حرمه‪.‬‬
‫{ ُتحْشَرُونَ} ‪ :‬تجمعون للحساب والجزاء يوم القيامة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بهذا اليات الربع انتهى الكلم على أحكام الحج‪ ،‬ففي الية الولى(‪ )200‬يرشد تعالى المؤمنين‬
‫إذا فرغوا من مناسكهم بأن رموا جمرة العقبة ونحروا وطافوا طواف الفاضة‪ ،‬واستقروا بمنى‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫للراحة والستجمام أن يكثروا من ذكر ال تعالى عند رمي الجمرات‪ ،‬وعند الخروج من الصلوات‬
‫ذكرا مبالغا في الكثرة منه على النحو الذي كانوا في الجاهلية يذكرون فيه مفاخر آبائهم ‪2‬‬
‫وأحساب أجدادهم‪ .‬وبين تعالى حالهم وهي أن منهم من همه الدنيا فهو ل يسأل ال تعالى إل ما‬
‫يهمه منها‪ ،‬وهذا كان عليه أكثر الحجاج في الجاهلية‪ ،‬وأن منهم من يسأل ال تعالى خير الدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬وهم المؤمنون الموحدون فيقولون‪{ :‬رَبّنَا آتِنَا فِي ‪ 3‬الدّنْيَا حَسَ َن ًة َوفِي الخِ َرةِ حَسَ َن ًة َوقِنَا‬
‫عَذَابَ النّارِ} ‪ ،‬وهذا متضمن تعليم المؤمنين وإرشادهم إلى هذا الدعاء الجامع والقصد الصالح‬
‫النافع فلله الحمد والمنة‪ ،‬وفي الية(‪ )202‬يخبر تعالى أن لهل الدعاء الصالح وهم المؤمنون‬
‫الموحدون نصيبا من الجر على أعمالهم التي كسبوها في الدنيا‪،‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى أن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪ :‬اليام المعدودات‪ :‬أيام التشريق‪ ،‬واليام المعلومات‪:‬‬
‫أيام العشر من أول الحجة‪.‬‬
‫‪ 2‬قال أهل العلم‪ :‬إن عادة العرب في الجاهلية إنهم إذا قضوا حجهم وقفوا عند الجمرات يفاخرون‬
‫بآبائهم حتى أن الرجل ليقول اللهم إن أبي كان عظيم القبة عظيم الجفنة كثير المال فأعطني مثل‬
‫ما أعطيته‪ ،‬فل يذكر غير أبيه‪.‬‬
‫‪ 3‬هذه الية من جوامع الدعاء التي عمت الدنيا والخرة وفي الصحيحين أن أنس بن مالك‪ :‬قال‬
‫كان أكثر دعوة يدعو بها النبي صلى ال عليه وسلم يقول‪{ :‬ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الخرة‬
‫حسنة وقنا عذاب النار} ‪.‬‬

‫( ‪)1/182‬‬

‫وهو تعالى سريع الحساب فيعجل لهم تقديم الثواب وهو الجنة‪ ،‬وفي الية(‪ )203‬يأمر تعالى عباده‬
‫الحجاج المؤمنين بذكره تعالى في أيام التشريق عند رمي الجمار وبعد الصلوات الخمس قائلين‪:‬‬
‫ال أكبر ال أكبر ل إله إل ال‪ ،‬ال أكبر أل أكبر ول الحمد ثلث مرات إلى عصر اليوم الثالث‬
‫في أيام التشريق ‪ 1‬ثم أخبرهم ال تعالى بأنه ل حرج على من تعجل السفر إلى أهله بعد رمي‬
‫جلَ فِي َي ْومَيْنِ فَل‬
‫اليوم الثاني‪ ،‬كما ل حرج على من تأخر فرمى اليوم الثالث فقال تعالى‪َ { :‬فمَنْ َتعَ ّ‬
‫علَيْهِ} فالمر على التخيير وقيد نفي الثم بتقواه عز وجل فمن ترك‬
‫إِثْمَ‪ 2‬عَلَيْ ِه َومَنْ تََأخّرَ فَل إِثْمَ َ‬
‫واجبا أو فعل محرما فإن عليه إثم معصيته ول يطهره منها إل التوبة ففي الثم مقيد بالتعجل‬
‫ودعمه فقط‪ .‬فكان قوله تعالى لمن اتقى قيدا ً جميلً‪ ،‬ولذا أمرهم بتقواه عز وجل‪ ،‬ونبههم إلى‬
‫مصيرهم الحتمي‪ ،‬وهو الوقوف بين يديه سبحانه وتعالى‪ ،‬فليستعدوا لذلك بذكره وشكره والحرص‬
‫على طاعته‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب الذكر بمنى عند رمس الجمرات إذ يكبر مع كل حصاة قائلً‪ :‬ال أكبر‪.‬‬
‫‪ -2‬فضيلة الذكر ‪ 3‬والرغبة فيه؛ لنه من محاب ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -3‬فضيلة سؤال ال تعالى الخيرين وعدم القتصار على أحدهما‪ ،‬وشره القتصار على طلب‬
‫الدنيا وحطامها‪.‬‬
‫‪ -4‬فضيلة دعاء‪{ :‬رَبّنَا آتِنَا فِي الدّنْيَا حَسَنَ ًة َوفِي الْآخِ َرةِ حَسَ َن ًة َوقِنَا عَذَابَ النّارِ} ‪ .‬فهي جامعة‬
‫للخيرين معا‪ ،‬فكان النبي صلى ال عليه وسلم إذا طاف بالبيت يختم بها كل شوط‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب المبيت ثلث ليال بمنى ووجوب الحمرات إذ بها يتأتى ذكر ال في اليام المعدودات‪،‬‬
‫وهي أيام التشريق‪.‬‬
‫‪ -6‬الرخصة في التعجل لمن رمى اليوم الثاني‪.‬‬
‫‪ -7‬المر بتقوى ال وذكر الحشر والحساب والجزاء‪ ،‬إذ هذا الذكر يساعد على تقوى ال عز‬
‫وجل‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لقد رخص لمن لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق بل خلف‪.‬‬
‫‪ 2‬قيل أن هذا التخيير ونفي الثم على المتعجل والمتأخر لجل الحاج المتقي لنه حذر متحرز من‬
‫كل ما يريبه فرفع الثم حتى ل يبقى في نفسه ما يؤلمه من التقديم والتأخير وهو وجه حسن للية‪.‬‬
‫‪ 3‬روى أحمد أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر ال"‪.‬‬
‫وروى مسلم أيضا عنه صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل تصوموا هذه اليام فإنها أيام أكل وشرب وذكر‬
‫ال"‪.‬‬

‫( ‪)1/183‬‬

‫خصَامِ(‪)204‬‬
‫شهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِ ِه وَ ُهوَ أَلَدّ الْ ِ‬
‫{ َومِنَ النّاسِ مَنْ ُي ْعجِ ُبكَ َقوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَيُ ْ‬
‫حبّ ا ْلفَسَادَ(‪ )205‬وَإِذَا قِيلَ‬
‫ل وَاللّ ُه ل ُي ِ‬
‫سَ‬‫ث وَالنّ ْ‬
‫سعَى فِي الَ ْرضِ لِ ُيفْسِدَ فِيهَا وَ ُيهِْلكَ الْحَ ْر َ‬
‫وَإِذَا َتوَلّى َ‬
‫جهَنّ ُم وَلَبِئْسَ ا ْل ِمهَادُ(‪َ )206‬ومِنَ النّاسِ مَنْ َيشْرِي َنفْسَهُ ابْ ِتغَاءَ‬
‫خذَتْهُ ا ْلعِ ّزةُ بِالِثْمِ فَحَسْ ُبهُ َ‬
‫لَهُ اتّقِ اللّهَ أَ َ‬
‫مَ ْرضَاتِ اللّ ِه وَاللّهُ َرؤُوفٌ بِا ْلعِبَادِ(‪})207‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ ُيعْجِ ُبكَ}‪ : 1‬يروق لك وتستحسنه‪.‬‬
‫في الدنيا ‪ :‬إذا تحدث في أمور الدنيا‪.‬‬
‫خصَامِ} ‪ :‬فوي الخصومة شديدها‪ ،‬لذلقة لسانه‪.‬‬
‫{أََلدّ‪ 2‬الْ ِ‬
‫{ َتوَلّى} ‪ :‬رجع وانصرف‪ ،‬أو كانت له ولية‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سلَ} ‪ :‬الحرث‪ :‬الزرع‪ ،‬والنسل‪ :‬الحيوان‪.‬‬
‫{ا ْلحَ ْرثَ وَالنّ ْ‬
‫{َأخَذَتْهُ ا ْلعِ ّزةُ‪ 3‬بِالِثْمِ} ‪ :‬أخذته الحمية والنف بذنوبه فهو ل يتقي ال‪.‬‬
‫سهُ} ‪ :‬يبيع نفسه ل تعالى بالجهاد في سبيله بنفسه وماله‪.‬‬
‫{يَشْرِي َنفْ َ‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يخر تعالى رسوله والمؤمنين عن حال المنافقين‪ ،‬والمؤمنين الصادقين‪ ،‬فقال تعالى مخاطبا‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم‪ :‬ومن الناس رجل منافق يحسن القول‪ ،‬وإذا قال يعجبك قوله لما‬
‫عليه من طلء‬
‫__________‬
‫‪ 1‬العجاب‪ :‬إيجاد العجب في النفس‪ ،‬والعجب انفعال يعرض للنفس عند مشاهدة أمر غير مألوف‬
‫خفي السبب‪.‬‬
‫‪ 2‬اللد‪ :‬لغة العوج والمنافق في حال خصومته يكذب ويزور عن الحق‪ ،‬ول يستقيم وفي‬
‫الحديث‪" :‬إذ خاصم فجر" ‪.‬‬
‫‪ 3‬الخذ‪ :‬أخذ الشيء باليد‪ ،‬ويطلق ويراد به الستيلء على الشيء نحو‪{ :‬خذوهم واحصروهم} ‪،‬‬
‫وأخذته الحمى والعزة‪ :‬حال نفسية يرى صاحبها أنه ل يمانع فيما يفعل ويريد‪ ،‬وبالثم‪ :‬الباء‬
‫للمصاحبة‪ ،‬أي‪ :‬أخذته العزة مصاحبة للثم كائنة معه‪ ،‬وهو احتراز من العزة المصاحبة لما هو‬
‫محمود من الفعال؛ كالغضب ل تعالى‪.‬‬

‫( ‪)1/184‬‬

‫ورونق‪ ،‬وذلك إذا تكلم في أمور الحياة الدنيا بخلف أمور الخرة فإنه يجهلها وليس له دافع ليقول‬
‫فيها؛ لنه كافر‪ ،‬و عندما يحدث يشهد ال أنه يعتقد ما يقول‪ ،‬فيقول للرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫سعَى‬
‫يعلم ال أني مؤمن وأني أحبك‪ ،‬ويشهد ال أني كذا‪ ...‬وإذا قام من مجلسك وانصرف عنك‪َ { :‬‬
‫‪ 1‬فِي الَ ْرضِ} أي‪ :‬مشى فيها بالفساد ليهلك الحرث والنسل بارتكاب عظائم الجرائم فيمنع المطر‬
‫وتيبس المحاصيل الزراعية‪ ،‬وتمحل الرض وتموت البهائم وينقطع النسل وعمله هذا مبغوض ل‬
‫تعالى فل يحبه ول يحب فاعله‪ .‬كما أخبر تعالى أن هذا المنافق إذا أمر بمعروف أو نهى عن‬
‫منكر فقيل له اتق ال ل تفعل كذا أو اترك كذا تأخذه النفة والحمية بسبب ذنوبه التي هو متلبس‬
‫بها فل يتقي ال ول يتوب إليه فيكفيه جزاء على نفاقه وشره وفساده جهنم يمتهدها فراشا ل يبرح‬
‫منها أبدا‪ ،‬ولبئس المهاد جهنم‪.‬‬
‫كما يخبر تعالى عن المؤمن الصادق فيقول من الناس رجل مؤمن صادق اليمان باع نفسه وماله‬
‫ل تعالى طلبا لمرضاته والحياة في جواره في الجنة دار السلم فقال تعالى‪َ { :‬ومِنَ النّاسِ مَنْ‬
‫يَشْرِي َنفْسَهُ ابْ ِتغَاءَ مَ ْرضَاتِ اللّ ِه وَاللّهُ َرؤُوفٌ بِا ْلعِبَادِ} رحيم بهم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قيل‪ :‬أن الرجل المنافق الذي تضمنت الحديث عنه اليات الثلثة الولى‪ :‬هو الخنس ‪ 2‬بن‬
‫شريق‪ ،‬وأن الرجل المؤمن الذي تضمنت الحديث عنه الية الرابعة(‪ )207‬هو‪ :‬صهيب بن سنان‬
‫الرومي أبو يحي‪ ،‬إذ المشركون لما علموا به أنه سيهاجر إلى المدينة ليلحق بالرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم وأصحابه قالوا‪ :‬لن تذهب بنفسك ومالك لمحمد‪ ،‬فلن نسمح لك بالهجرة إل إذا أعطيتنا‬
‫مالك كله‪ ،‬فأعطاهم كل ما يملك وهاجر فلما وصل المدينة‪ ،‬ورآه رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قال له‪ :‬ربح البيع أبا يحي ربح البيع‪ .‬واليات وإن نزلت في شأن الخنس وصهيب فإن العبرة‬
‫بعموم اللفظ ل بخصوص السبب‪ ،‬فالخنس مثل سوء لكل من يتصف بصفاته‪ ،‬وصيب مثل الخير‬
‫والكمال لكل من يتصف بصفاته‪.‬‬
‫__________‬
‫سعَى َلهَا‬
‫‪ 1‬السعي‪ :‬المشي الحثيث‪ ،‬ويطلق على الكسب والعمل‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬ومَنْ أَرَادَ الْآخِ َر َة وَ َ‬
‫سعْ َيهَا} ‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ 2‬أن العبرة بعموم اللفظ ل بخصوص السبب‪ ،‬فقد روى ابن كثير عن نوف البكالي قوله‪ :‬إن ل‬
‫أجد صفة ناس من هذه المة في كتاب ال المنزل‪ ،‬قوم يحتالون على الدنيا ألسنتهم أحلى من‬
‫العسل وقلوبهم أمر من الصبر يلبسون للناس نسوك الضأن وقلوبهم قلوب الذئاب‪ ،‬يقول ال‬
‫تعالى‪" :‬عليّ يجترئون وبي يغترون حلفت بنفسي لبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران‪.‬‬
‫وذكر‪{ :‬ومن الناس‪ }...‬الية‪.‬‬

‫( ‪)1/185‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬التحذير من الغترار بفصاحة ‪ 1‬وبيان الرجل إذا لم يكن من أهل اليمان والخلص‪.‬‬
‫‪ -2‬شر الناس من يفسد في الرض بارتكاب الجرائم مما يسبب فسادا وهلكا للناس والمواشي‪.‬‬
‫‪ -3‬قول الرجل يعلم ال‪ ،‬ويشهد ال يعتبر يمينا فليحذر المؤمن أن يقول ذلك وهو يعلم من نفسه‬
‫أنه كاذب‪.‬‬
‫‪ -4‬إذا قيل للمؤمن اتق ال يجب عليه أن ل يغضب أو يكره من أمره بالتقوى بل عليه أن يعترف‬
‫بذنبه ويستغفر ال تعالى ويقلع عن المعصية فورا‪.‬‬
‫‪ -5‬الترغيب في الجهاد بالنفس ‪ 2‬والمال وجواز أن يخرج المسلم من كل ماله في سبيل ال تعالى‬
‫ول بعد ذلك إسرافا ول تبذيرا إذ السراف والتبذير في النفاق في المعاصي والذنوب‪.‬‬
‫ع ُدوّ مُبِينٌ(‪)208‬‬
‫طوَاتِ الشّيْطَانِ إِنّهُ َلكُمْ َ‬
‫خُ‬‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السّلْمِ كَافّ ًة وَل تَتّ ِبعُوا ُ‬
‫حكِيمٌ(‪َ )209‬هلْ يَ ْنظُرُونَ إِل أَنْ يَأْتِ َيهُمُ‬
‫فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ َبعْدِ مَا جَاءَ ْتكُمُ الْبَيّنَاتُ فَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ عَزِيزٌ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لمُورُ(‪})210‬‬
‫ج ُع ا ُ‬
‫لمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْ َ‬
‫ياَ‬
‫اللّهُ فِي ظَُللٍ مِنَ ا ْل َغمَا ِم وَا ْلمَل ِئكَ ُة َو ُقضِ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{السّلْم} ‪ :‬السلم ‪.3‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يشهد له حديث الرسول صلى ال عليه وسلم‪ " :‬أن من الشعر لحكمة وأن من البيان لسحرا" ‪.‬‬
‫سهُ ابْ ِتغَاءَ مَ ْرضَاتِ اللّهِ}‬
‫‪ 2‬تأول عمر وعلي وابن عباس هذه الية‪َ { :‬ومِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي َنفْ َ‬
‫فيمن يأمر أحدا بمعروف وينهاه عن منكر فتأخذه العزة بالثم فيقاتل الواعظ له‪ ،‬فيبيع ل الواعظ‬
‫نفسه ويقاتله‪.‬‬
‫‪ 3‬روي أن حذيفة بن اليمان قال في هذه الية‪" :‬السلم ثمانية أسهم‪ :‬الصلة سهم‪ ،‬والزكاة سهم‪،‬‬
‫والصوم سهم‪ ،‬والحج سهم‪ ،‬والعمرة سهم‪ ،‬والجهاد سهم‪ ،‬والمر بالمعروف سهم‪ ،‬والنهي عن‬
‫المنكر‪ .‬وقد خاب من ل سهم له في السلم"‪.‬‬

‫( ‪)1/186‬‬

‫{كَافّةً}‪ : 1‬جميعا ل يتخلف عن الدخول في السلم ‪ 2‬أحد‪ ،‬ول يترك من شرائعه ول من أحكامه‬
‫شيء‪.‬‬
‫طوَاتِ الشّ ْيطَانِ} ‪ :‬مسالكه في الدعوة إلى الباطل وتزيين الشر والقبح‪.‬‬
‫{خُ ُ‬
‫{فَإِنْ زَلَلْ ُتمْ} ‪ :‬وقعتم في الزلل ‪ 3‬وهو الفسق والمعاصي‪.‬‬
‫{الْبَيّنَاتُ} ‪ :‬الحجج والبراهين‪.‬‬
‫{ َهلْ يَ ْنظُرُونَ} ‪ :‬ما ينظرون‪ :‬الستفهام للنفي‪.‬‬
‫الظلل ‪ :‬جمع ظلة‪ :‬ما يظلل من سحاب أو شجر ونحوهما‪.‬‬
‫{ا ْل َغمَامِ} ‪ :‬السحاب الرقيق البيض‪.‬‬
‫معنى اليتبن‪:‬‬
‫ينادي الحق تبارك وتعالى عباده المؤمنين آمرا إياهم الدخول في السلم دخولً شموليا‪ ،‬بحيث ل‬
‫يتخيرون بين شرائعه وأحكامه ما وافق مصالحهم وأهواءهم قبلوه وعملوا به‪ ،‬وما لم يوافق ردوه‬
‫أو تركوه وأهملوه‪ ،‬وإنما عليهم أن يقبلوا شرائع السلم وأحكامه كافة‪ ،‬ونهاهم عن اتباع خطوات‬
‫الشيطان في تحسين القبيح وتزيين المنكر‪ ،‬إذ هو الذي زين لبعض مؤمني أهل الكتاب تعظيم‬
‫السبت وتحريم أكل البل بحجة أن هذا من دين ال الذي كان عليه صلحاء بني إسرائيل فنزلت‬
‫هذه الية فيهم تأمرهم وتأمر سائر المؤمنين بقبول كافة شرائع السلم وأحكامه‪ ،‬وتحذرهم من‬
‫عاقبة اتباع الشيطان فإنها الهلك التام وهو ما يريده الشيطان بحكم عداوته للنسان‪ .‬هذا ما‬
‫تضمنته الية(‪ ،)208‬أما الية الثانية(‪ )209‬فقد تضمنت أعظم تهديد وأشد وعيد لمن أزله‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الشيطان فقبل بعض شرائع السلم ولم يقبل البعض الخر‪ ،‬وقد عرف أن السلم حق‪ ،‬وشرائعه‬
‫أحق فقال تعالى‪{ :‬فَإِنْ زَلَلْ ُتمْ مِنْ َبعْدِ مَا جَاءَ ْت ُكمُ الْبَيّنَاتُ} يحملها كتاب ال القرآن ويبينها رسول ال‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فإن ال سينتقم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬كآفة‪ :‬اسم يفيد الحاطة بأجزاء ما وصف به‪ ،‬فقوله تعالى‪{ :‬ادْخُلُوا فِي السّ ْلمِ كَافّةً} ‪ ،‬أي‪ :‬حتى‬
‫ل يبقى مشروع ما يعمل به أو ل يبقى فرد ل يدخل فيه‪.‬‬
‫‪ 2‬اختلف في تحديد معنى السلم في الية‪ ،‬والراجح أنها بمعنى السلم ويكون الخطاب معنيا به‬
‫بعض من آمن من أهل الكتاب وبقى متمسكا ببعض شرائع التوراة؛ كتحريم يوم السبت‪ ،‬وتحريم‬
‫شرب لبن البل‪ ،‬أمروا بالدخول في السلم كافة‪ ،‬أي‪ :‬بقبول شرائعه كلها وترك شرائع غيره‬
‫وتكون بمعنى الصلح وترك الحرب والتهارج ويكون الخطاب للمسلمين عامة بترك التهارج بينهم‬
‫والتقاتل‪.‬‬
‫‪ 3‬أصل الزلل‪ :‬الزلق‪ ،‬وهو اضطراب القدم وتحركها في الموضع المراد إثباتها فيه‪ ،‬والمراد هنا‬
‫عدم الثبات على طاعة ال ورسوله بفعل المر وترك النهي بتزيين الشيطان ذلك للعبد حتى يقع‬
‫في الضرر‪.‬‬

‫( ‪)1/187‬‬

‫منكم؛ لنه تعالى غالب على أمره حكيم في تدبيره وإنجاز وعده ووعيد‪ ،‬وأما الية الثالثة(‪)210‬‬
‫فقد تضمنت حث المتباطئين على الدخول في السلم‪ ،‬إذ ل عذر لهم في ذلك حيث قامت الحجة‬
‫وظهرت ولحت الحجة‪ ،‬فقال تعالى‪َ { :‬هلْ يَ ْنظُرُونَ} أي‪ :‬ما ينظرون ‪{ 1‬إِل أَنْ يَأْتِ َيهُمُ اللّهُ فِي ظَُللٍ‬
‫مِنَ ا ْل َغمَا ِم وَا ْلمَل ِئكَة}ُ وعند ذلك يؤمنون‪ ،‬ومثل هذا اليمان الضطراري ل ينفع حيث يكون‬
‫لمْرُ} إذا جاء ال تعالى لفصل القضاء‬
‫ياَ‬
‫العذاب لزاما‪ .‬بقضاء ال العادل‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬و ُقضِ َ‬
‫وانتهى المر إليه فحكم وانتهى كل شيء‪ ،‬فعلى أولئك المتباطئين المترددين في الدخول في‬
‫السلم المعبر عنه بالسلم؛ لن الدخول فيه حقا سلم‪ ،‬والخروج منه أو عدم الدخول فيه حقا حرب‬
‫عليهم أن يدخلوا في السلم أل إلى السلم يا عباد ال! فإن السلم خير من الحرب!‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب ‪ 2‬قبول شرائع السلم كافة وحرمة التخير فيها‪.‬‬
‫‪ -2‬ما من مستحل حراما‪ ،‬أو تارك واجبا إل وهو متبع للشيطان في ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب توقع العقوبة عند ظهور المعاصي العظام لئل يكون أمن من مكر ‪ 3‬ال‪.‬‬
‫‪ -4‬إثبات صفة المجيء للرب تعالى‪ :‬لفصل القضاء يوم القيامة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -5‬حرمة التسويق والمماطلة في التوبة‪.‬‬
‫شدِيدُ‬
‫سلْ بَنِي إِسْرائيلَ َكمْ آتَيْنَا ُهمْ مِنْ آ َيةٍ بَيّنَ ٍة َومَنْ يُ َب ّدلْ ِن ْعمَةَ اللّهِ مِنْ َب ْعدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫{َ‬
‫ا ْل ِعقَابِ(‪ )211‬زُيّنَ لِلّذِينَ َكفَرُوا الْحَيَاةُ الدّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ ا ّتقَوْا َف ْو َقهُمْ َيوْمَ‬
‫ا ْلقِيَامَ ِة وَاللّهُ يَرْ ُزقُ مَنْ يَشَاءُ ِبغَيْرِ حِسَابٍ(‪})212‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الكلم صالح لن يعود إلى من يعجب قوله ويقبح عمله في قوله تعالى‪َ { :‬ومِنَ النّاسِ مَنْ ُيعْجِ ُبكَ‬
‫َقوْلُهُ ‪ }...‬الية‪ ،‬وصالح لن يعود إلى المترددين من أهل الكتاب لعدم خلوصهم في السلم كله‪،‬‬
‫وصالح لن يكون عائدا إلى كل متردد في السلم غير صادق في الدخول فيه إلى يوم القيامة‪،‬‬
‫وهذا من إعجاز القرآن‪ ،‬وكونه كتاب هداية للناس كافة وفي كل زمان ومكان‪.‬‬
‫‪ 2‬شاهده قوله تعالى‪َ{ :‬أفَ ُت ْؤمِنُونَ بِ َب ْعضِ ا ْلكِتَابِ وَ َتكْفُرُونَ بِ َبعْض} الية‪.‬‬
‫‪ 3‬إذ حصول المن لزمه الستمرار على المعاصي وعدم التوبة‪ ،‬وال يقول‪َ{ :‬أفََأمِنُوا َمكْرَ اللّهِ‬
‫فَل يَ ْأمَنُ َمكْرَ اللّهِ إِل ا ْل َقوْمُ ا ْلخَاسِرُونَ}‪.‬‬

‫( ‪)1/188‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫سلْ} ‪ :‬إسأل‪ :‬سقطت منه الهمزتان للتخفيف‪.‬‬
‫{َ‬
‫{بَنِي إِسْرائيلَ} ‪ :‬ذرية يعقوب بن إسحق بن إبراهيم وإسرائيل لقب يعقوب‪.‬‬
‫{آيَةٍ} ‪ :‬خارقة للعادة؛ كعصا موسى تدل على أن من أعطاه ال تلك اليات هو رسول ال حقا‪.‬‬
‫وآيات بني إسرائيل التي آتاهم ال تعالى منها فلق البحر لهم‪ ،‬وإنزال المن والسلوى في التيه‬
‫عليهم‪.‬‬
‫{ ِن ْعمَةَ‪ 1‬اللّهِ} ‪ :‬ما يهبه لعباده من خير يجلب له المسرة ويدفع عنه المضرة ونعم ال كثيرة‪.‬‬
‫سخَرُونَ} ‪ :‬يحتقرون ويستهزئون‪.‬‬
‫{َيَ ْ‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫يأمر ال تعالى رسوله أن يسأل بني إسرائيل عن اليات الكثيرة التي آتاهم ال‪ ،‬وكيف كفروا بها‬
‫فلم تنفعهم شيئا‪ ،‬والمراد تسليته صلى ال عليه وسلم من اللم النفسي الذي يحصل له من عدم‬
‫إيمان أهل الكتاب والمشركين به وبما جاء به من الهدى وضمن ذلك تقريع اليهود وتأنيبهم على‬
‫كفرهم بآيات ال وإصرارهم على عدم الدخول في السلم‪ .‬ثم أخبر تعالى أن من يبدل نعمة ال‬
‫التي هي السلم بالكفر به ونبيه محمد صلى ال عليه وسلم فإن عقوبة ال تعالى تنزل به ل‬
‫محالة في الدنيا أو في الخرة لن ال شديد العقاب ‪.2‬‬
‫هذا ما تضمنته الية الولى(‪ ،)211‬وأما الية الثانية(‪ )212‬فقد أخبر تعالى أن الشيطان زين للذين‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كفروا بال ورسوله وشرائعه الحياة الدنيا فرغبوا فيها وعملوا لها وأصبحوا لم يروا غيرها‪،‬‬
‫ولذلك سخروا من المؤمنين الزاهدين فيها لعلمهم بزوالها وقلة نفعها فلم يكرسوا كل جهدهم‬
‫لجمعها والحصول عليها بل أقبلوا على طاعة ربهم وأنفقوا ما في أيدهم في سبيل ال طلبا لرضاه‪.‬‬
‫كما أخبر أن المؤمنين المتقين سيجازيهم يوم القيامة خير الجزاء وأوفره فيسكنهم دار السلم في‬
‫عليين‪ ،‬ويخزي أعدائهم الساخرين منهم ويهينهم فيسكنهم الدرك السفل من النار‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬فسرت نعمة ال هنا‪ :‬بالسلم‪ ،‬وهو كذلك فإن السلم أكبر نعمة لما يجلبه من السعادة والكمال‬
‫وما يدفعه من العقاب في الدارين‪.‬‬
‫‪ 2‬جملة‪{ :‬أَنّ اللّهَ شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ} خبرية متضمنة للوعيد ذيل بها الكلم‪ ،‬والعقاب من العقب كأن‬
‫المعاقب يمشي بالمجازاة في أثار عقبه ليجزيه به‪.‬‬

‫( ‪)1/189‬‬

‫وهو تعالى المتفضل ذو الحسان إذا رزق يرزق بغير ‪ 1‬حساب وذلك لواسع فضله وعظيم ما‬
‫عنده‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫جلّ النعم؛‬
‫‪ -1‬التحذير من كفر النعم لما يترتب على ذلك من أليم العذاب وشديد العقاب ومن أ َ‬
‫نعمة السلم‪ ،‬فمن كفر به وأعرض عنه فقد تعرض لشد العقوبات وأقساها وما حل ببني‬
‫إسرائيل من ألوان الهون والدون دهرا طويلً شاهد قوي وما حل بالمسلمين يوم أعرضوا عن‬
‫السلم واستبدلوا به الخرافات ثم القوانين الوضعية شاهد أكبر أيضا‪.‬‬
‫‪ -2‬التحذير من زينة الحياة الدنيا والرغبة فيها والجمع لها نسيان الدار الخرة وترك العمل لها‪.‬‬
‫فإن أبناء الدنيا اليوم يسخرون من أبناء الخرة‪ ،‬ولكن أبناء الخرة أهل اليمان والتقوى يكونون‬
‫يوم القيامة فوقهم درجات إذ هم في أعالي الجنان والخرون في أسافل النيران‪.‬‬
‫حكُمَ بَيْنَ‬
‫ن وَأَنْ َزلَ َم َعهُمُ ا ْلكِتَابَ بِا ْلحَقّ لِيَ ْ‬
‫ن َومُنْذِرِي َ‬
‫ح َدةً فَ َب َعثَ اللّهُ النّبِيّينَ مُ َبشّرِي َ‬
‫{كَانَ النّاسُ ُأمّ ًة وَا ِ‬
‫النّاسِ فِيمَا اخْتََلفُوا فِيهِ َومَا اخْتََلفَ فِيهِ إِل الّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ َبعْدِ مَا جَاءَ ْت ُهمُ الْبَيّنَاتُ َبغْيا بَيْ َنهُمْ َفهَدَى‬
‫اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا ِلمَا اخْتََلفُوا فِيهِ مِنَ ا ْلحَقّ بِِإذْنِ ِه وَاللّهُ َيهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ(‪})213‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الية‪ :‬ترغيب في طلب فضل ال تعالى وفي الحديث الصحيح‪ " :‬يا ابن آدم أنفق أنفق عليك" ‪،‬‬
‫شيْءٍ َف ُهوَ ُيخِْلفُهُ} ‪ ،‬وفي الصحيح أيضا‪" :‬يقول ابن آدم‪ :‬مالي مالي‪،‬‬
‫وقال تعالى‪َ { :‬ومَا أَ ْنفَقْتُمْ مِنْ َ‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وهل لك من مالك إل ما أكلت فأفنيت‪ ،‬وما لبست فأبليت‪ ،‬وما تصدقت فأبقيت‪ ،‬وما سوى ذلك‬
‫فذاهب وتاركه للناس" ‪.‬‬

‫( ‪)1/190‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{كَانَ النّاسُ‪ُ 1‬أمّ ًة وَاحِ َدةً} ‪ :‬كانوا قبل وجود الشرك فيهم أمة ‪ 2‬واحدة على السلم والتوحيد وذلك‬
‫قبل قوم نوح‪.‬‬
‫{النّبِيّينَ} ‪ :‬جمع نبي والمراد بهم الرسل إذ كل نبي ‪ 3‬رسول بدليل رسالتهم القائمة على البشارة‬
‫والنذارة والمستمدة من كتب ال تعالى المنزلة عليهم‪.‬‬
‫{ا ْلكِتَابَ} ‪ :‬اسم جنس يدخل فيه كل الكتب اللهية‪.‬‬
‫{أُوتُوهُ} ‪ :‬أعطوه‪.‬‬
‫{الْبَيّنَاتُ} ‪ :‬الحجج والبراهين تحملها الرسل إليهم وتورثها فيهم شرائع وأحكاما وهدايات عامة‪.‬‬
‫{ َبغْيا}‪ : 4‬البغي‪ :‬الظلم والحسد‪.‬‬
‫الصراط المستقيم ‪ :‬السلم المفضي بصاحبه إلى السعادة والكمال في الحياتين‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫يخبر تعالى أن الناس ‪ 5‬كانوا ما بين آدم ونوح عليهما السلم في فترة طويلة أمة واحدة على دين‬
‫السلم لم يعبد بينهم إل ال تعالى حتى زين الشيطان لبعضهم عبادة غير ال تعالى فكان الشرك‬
‫والضلل فبعث ال تعالى لهدايتهم نوحا عليه السلم فاختلفوا إلى مؤمن وكافر وموحد ومشرك‪،‬‬
‫وتوالت الرسل تحمل كتب ال تعالى المتضمنة الحكم الفصل في كل ما يختلفون فيه‪ .‬ثم أخبر‬
‫تعالى عن سننه في الناس وهي أن الذين يختلفون في الكتاب‪ ،‬أي فيما‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي الذين كانوا على الدين الحق وهم عشرة قرون من آدم إلى أن حدث فيهم الشرك‪ ،‬فبعث ال‬
‫تعالى فيهم عبده الشكور نوحا عليه السلم‪.‬‬
‫‪ 2‬لفظ‪ :‬المة‪ :‬مأخوذ من أممت كذا إذا قصدته‪ ،‬فسميت الجماعة مقدصهم واحد أمة‪ ،‬وقد يطلق‬
‫على الواحد أمة‪ ،‬إذ كان مقصده واحدا على خلف غيره‪ ،‬ومنه قول الرسول صلى ال عيه وسلم‬
‫في قس بن ساعدة‪" :‬يحشر يوم القيامة أمة وحده"‪.‬‬
‫‪ 3‬عدد النبياء مائة وأربعة وعشرون ألف نبي‪ ،‬والرسل منهم‪ :‬ثلثمائة وثلثة عشر‪ ،‬هذا قول‬
‫جمهور أهل السنة والجماعة‪ ،‬والرسل المذكورون بالسم العلم في القرآن‪ :‬خمسة وعشرون‬
‫رسولً‪ ،‬وأول النبياء‪ :‬آدم‪ ،‬وأول الرسل‪ :‬نوح‪ ،‬وخاتم الرسل والنبياء محمد صلى ال عليهم‬
‫وسلم أجمعين‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 4‬منصوب على المفعول لجله‪ ،‬أي‪ :‬لم يختلفوا إل للبغي الذي هو الظلم الذي صار طبعا لهم‬
‫لكثرة ممارستهم له والحسد الذي مل قلوبهم فأكلها أو كاد والعياذ بال‪.‬‬
‫‪ 5‬لفظ‪ :‬الناس‪ :‬اسم جمع ليس له مفرد من لفظه‪ ،‬وإنما واحده من غير لفظه‪ ،‬وهو انسان‪ ،‬وآل فيه‬
‫للستغراق‪ ،‬أي‪ :‬جميع أفراده‪ ،‬أي‪ :‬البشر كلهم‪.‬‬

‫( ‪)1/191‬‬

‫يحويه من الشرائع والحكام هم الذين سبق أن أوتوه وجاءتهم البينات فهؤلء يحملهم الحسد وحب‬
‫الرئاسة‪ ،‬والبقاء على مصالحهم على عدم قبول ما جاء به الكتاب‪ ،‬واليهود هم المثل لهذه السنة‪،‬‬
‫فإنهم أوتوا التوراة فيها حكم ال تعالى وجاءتهم البينات على أيدي العابدين من أنبيائهم ورسلهم‬
‫واختلفوا في كثير من الشرائع والحكام‪ ،‬وكان الحامل لهم على ذلك البغي والحسد‪ .‬والعياذ بال‪.‬‬
‫وهدى ال تعالى أمة محمد صلى ال عليه وسلم لما اختلف فيه أهل الكتابين اليهود والنصارى‪،‬‬
‫فقال تعالى‪َ { :‬فهَدَى اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا ‪ }1‬لما اختلف فيه أولئك المختلفون من الحق هداهم {بإذنه ‪}2‬‬
‫ولطفه وتوفيقه‪ ،‬فله الحمد وله المنة‪ .‬ومن ذلك الحق الذي اختلف فيه أهل الكتاب من قبلنا وهدانا‬
‫ال تعالى إليه‪:‬‬
‫‪ -1‬اليمان بعيسى عبد ال ورسوله حيث كفر بن اليهود وكذبوه واتهموه بالسحر وحاولوا قتله؟‬
‫وألّهه النصارى‪ ،‬وجعلوه إلها مع ال‪ ،‬وقالوا فيه‪ :‬إنه ابن ال‪ .‬تعالى ال عن الصاحبة والولد‪.‬‬
‫‪ -2‬يوم الجمعة وهو أفضل اليام‪ .‬أخذ اليهود السبت‪ ،‬والنصارى الحد‪ ،‬وهدى ال تعالى إليه أمة‬
‫السلم‪.‬‬
‫‪ -3‬القبلة قبلة أبي النبياء إبراهيم استقبل اليهود بيت المقدس‪ ،‬واستقبل النصارى مطلع الشمس‪،‬‬
‫وهدى ال أمة السلم إلى استقبال البيت العتيق؛ قبلة إبراهيم عليه السلم‪ .‬وال يهدي من شاء‬
‫إلى صراط مستقيم‪.‬‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬الصل هو التوحيد‪ ،‬والشرك طارئ على البشرية‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي من أمة محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهم المسلمون هداهم لليمان بكل الكتب وسائر الرسل‬
‫ونجاهم مما اختلف فيه من قبلهم‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫‪ 2‬الذن‪ :‬الخطاب بإباحة الشيء‪ ،‬وهو مشتق من فعل أذن إذا أصغى إذنه يستمع إلى كلم من‬
‫يكلمه ثم أطلق على الخطاب بالباحة مطلقا‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/192‬‬

‫‪ -2‬الصل في مهمة الرسل البشارة ‪ 1‬لمن آمن واتقى؟ والنذارة لمن كفر وفجر‪ ،‬وقد يشرع لهم‬
‫قتال من يقاتلهم فيقاتلونه كما شرع ذلك لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -3‬من علمات خذلن المة وتعرضها للخسار والدمار أن تختلف في كتابها ودينها‪ ،‬فيحرفون‬
‫كلم ال ويبدلون شرائعه طلبا للرئاسة وجريا وراء الهواء والعصبيات‪ ،‬وهذا الذي تعاني منه‬
‫أمة السلم اليوم وقبل اليوم‪ ،‬وكان سبب دمار بني إسرائيل‪.‬‬
‫‪ -4‬أمة السلم التي تعيش على الكتاب والسنة عقيدة وعبادة وقضاء هي المعنية بقوله تعالى‪:‬‬
‫حقّ‪ 2‬بِِإذْنِهِ} ‪.‬‬
‫{ َفهَدَى اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا ِلمَا اخْتََلفُوا فِيهِ مِنَ الْ َ‬
‫‪ -5‬الهداية بيد ال فليطلب العبد دائما الهداية من ال تعالى بسؤاله المتكرر أن يهديه دائما إلى‬
‫الحق ‪.3‬‬
‫حسِبْتُمْ‪ 4‬أَنْ َتدْخُلُوا ا ْلجَنّ َة وََلمّا يَأْ ِتكُمْ مَ َثلُ الّذِينَ خََلوْا مِنْ قَبِْل ُكمْ مَسّ ْتهُمُ الْبَ ْأسَا ُء وَالضّرّا ُء وَزُلْزِلُوا‬
‫{َأمْ َ‬
‫ل وَالّذِينَ آمَنُوا َمعَهُ مَتَى َنصْرُ اللّهِ أَل إِنّ َنصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ(‪})214‬‬
‫حَتّى َيقُولَ الرّسُو ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫حسِبْتُمْ} ‪ :‬أظننتم – أم هي المنقطعة فتفسر ببل والهمزة‪ ،‬والستفهام إنكاري ينكر عليهم ظنهم‬
‫{َأمْ َ‬
‫هذا لنه غير واقع موقعه‪.‬‬
‫{وََلمّا} ‪ :‬بمعنى لم النافية‪.‬‬
‫{مَ َثلُ} ‪ :‬صفة وحال الذين من قبلكم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬البشارة‪ :‬العلم بخير حصل أو سيحصل للمبشر به‪ ،‬والنذارة‪ :‬إعلم بشر أو ضر حصل أو‬
‫سيحصل لمن أنذر به‪ ،‬والبشارة‪ :‬وعد‪ ،‬والنذارة‪ :‬وعيد‪.‬‬
‫‪ 2‬في صحيح مسلم عن عائشة رضي ال عنها‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كان إذا قام من‬
‫الليل يصلي يقول‪" :‬اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والرض عالم الغيب‬
‫والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون إهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك‬
‫تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم"‪ .‬والتوسل بهذا الدعاء نافع للخروج من ظلمة الختلف‪.‬‬
‫‪ 3‬ومن الدعاء المأثور في ذلك‪ :‬اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل وارزقنا اجتنابه‬
‫ول تجعله ملتبسا علينا فنضل‪ ،‬واجعلنا للمتقين إماما‪.‬‬
‫‪ 4‬في الية إشارة إلى مثل قول القائل‪" :‬على قدر أهل العزم تأتي العزائم‪ ،‬ومن طلب العل سهر‬
‫الليالي‪ ،‬ومن يخطب الحسناء فل يغله المهر"‪.‬‬

‫( ‪)1/193‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{الْبَ ْأسَا ُء وَالضّرّاءُ} ‪ :‬البأساء‪ :‬الشدة‪ ،‬من الحاجة وغيرها والضراء‪ :‬المرض والجراحات والقتل‪.‬‬
‫{مَتَى َنصْرُ اللّهِ} ‪ :‬الستفهام للستبطاء‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫ينكر تعالى على المؤمنين ‪ ،1‬وهم في أيام شدة ولواء ظنهم أنهم يدخلون الجنة بدون امتحان‬
‫وابتلء في النفس والمال بل وأن يصيبهم ما أصاب غيرهم من البأساء ‪ 2‬والضراء والزلزال وهو‬
‫الضطراب والقلق من الهوال حتى يقول الرسول والمؤمنون معه – استبطاءا للنصر الذي‬
‫وُعدوا به‪ :‬متى نصر ال؟ فيجيبهم ربهم تعالى بقوله‪{ :‬أَل إِنّ َنصْرَ‪ 3‬اللّهِ قَرِيبٌ}‪.‬‬
‫هداية الية الكريمة‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬البتلء بالتكاليف الشرعية‪ ،‬ومنها الجهاد بالنفس والمال ضروري لدخول الجنة‪.‬‬
‫‪ -2‬الترغيب في التساء بالصالحين والقتداء بهم في العمل والصبر‪.‬‬
‫‪ -3‬جواز العراض البشرية على الرسل كالقلق والستبطاء للوعد اللهي انتظارا له‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان ما أصاب الرسول صلى ال عليه وسلم وأصحابه من شدة وبلء أيام الجهاد وحصار‬
‫المشركين لهم‪.‬‬
‫ن وَابْنِ السّبِيلِ‬
‫لقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِي ِ‬
‫ن وَا َ‬
‫{يَسْأَلو َنكَ مَاذَا يُ ْنفِقُونَ ُقلْ مَا أَ ْن َفقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِ ْلوَالِدَيْ ِ‬
‫َومَا َت ْفعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنّ اللّهَ ِبهِ عَلِيمٌ(‪})215‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ما من شك في أن المؤمنين وعلى رأسهم وقائدهم وإمامهم ورسولهم محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫قد مستهم البأساء والضراء في ظروف مختلفة منها‪ :‬هجرتهم وحروبهم في بدر وأحد والخندق‬
‫وغيرها‪ ،‬والية تعنى كل ذلك وهو من مقتضيات النزول لهذه الية‪.‬‬
‫‪ 2‬وعن السلف تفسير البأساء بالفقر‪ ،‬والضراء بالنقم‪ ،‬والزلزل بالخوف من العداء‪ ،‬إذ الخوف‬
‫يحدث اضطراب النفس وحركة العضاء‪.‬‬
‫‪ 3‬وفي هذا المعنى حديث أبي رزين‪" :‬عجب ربك من قنوت عباده وقرب غيثه فينظر إليهم‬
‫قانطين فيظل يضحك يعلم أن فرجهم قريب" وحديث صحيح‪" :‬وال ليتمن ال هذا المر حتى يسير‬
‫الراكب من صنعاء إلى حضرموت ل يخاف إل ال والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون" ‪.‬‬

‫( ‪)1/194‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{مِنْ خَيْرٍ} ‪ :‬من مال إذ المال يطلق عليه لفظ الخير‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫القربين ‪ :‬كالخوة والخوات وأولدهم‪ ،‬والعمام والعمات وأولدهم والخوال والخالت‬
‫وأولدهم‪.‬‬
‫{ َومَا َت ْفعَلُوا مِنْ خَيْرٍ‪ : }1‬ما شرطية‪ ،‬ومن‪ :‬نيابية والخير هنا لسائر أنواع البر والحسان‪.‬‬
‫علِيمٌ} ‪ :‬الجملة علة لجواب الشرط المحذوف والمقدر يثبكم عليه‪.‬‬
‫{فَإِنّ اللّهَ بِهِ َ‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫سال عمر و بن الجموح وكان ذا مال‪ .‬سأل ‪ 2‬رسول ال صلى ال علية وسلم‪ ،‬مادا ينفق وعلى‬
‫من ينفق؟‪ .‬فنزلت الية جوابا لسؤاله‪ ،‬فبينت أن ما ينفق هو المال وسائر الخيرات وأن الحق‬
‫بالنفاق عليهم هم الوالدان ‪ ،3‬والقربون‪ ،‬واليتامى‪ ،‬والمساكين‪ ،‬وابن السبيل‪ .‬وأعلمهم تعالى أن‬
‫ما يفعله العبد من خير يعلمه ال تعالى ويجزي به فرغب بذلك في فعل الخير مطلقا‪.‬‬
‫هداية ألية الكريمة‪:‬‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬سؤال من ل يعلم حتى يعلم‪ ،‬و هذا طريق العلم‪ ،‬ولذا قالوا‪" :‬السؤال نصف العلم"‪.‬‬
‫‪ -2‬أفضلية النفاق على المذكورين ‪ 4‬في الية إن كان المنفق غنيا وهم فقراء محتاجون‪.‬‬
‫‪ -3‬الترغيب في فعل الخير والوعد من ال تعالى بالجزاء الوفى عليه‪.‬‬
‫ل وَ ُهوَ كُ ْرهٌ َلكُ ْم وَعَسَى أَنْ َتكْرَهُوا‬
‫{كُ ِتبَ عَلَ ْيكُمُ ا ْلقِتَا ُ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الية في نفقة التطوع وقوله‪{ :‬من خير} إشارة إلى أن ما ينفق يجب أن يكون طيبا ل خبيثا‪ ،‬إذ‬
‫لفظ الخير يدل على ذلك ويرمز له‪{ :‬من خير}‪.‬‬
‫‪ 2‬وقيل الية نزلت فيمن سألوا من المسلمين عن الوجوه التي ينفقون فيها فأجابهم ال تعالى مبينا‬
‫لهم ذلك‪ ،‬وما ذهبنا إليه أن السائل عمرو بن الجموح وسؤاله عما ينفق من أنواع المال‪ ،‬وفيما‬
‫ينفق أولى وألصق‪.‬‬
‫‪ 3‬لحديث صحيح في بيان من أحق بالنفاق عليه‪" :‬أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك" أي‪:‬‬
‫القرب إليك فالقرب‪.‬‬
‫‪ 4‬روى أن ميمون بن مهران تل هذه الية‪َ { :‬يسْأَلو َنكَ مَاذَا يُ ْنفِقُونَ‪ }...‬الية‪ ،‬وقال‪ :‬هذا مواضع‬
‫ل ول مزمارا ول تصاوير الخشب ول كسوة الحيطان‪.‬‬
‫النفقة ما ذكر فيها طب ً‬

‫( ‪)1/195‬‬

‫شَيْئا وَ ُهوَ خَيْرٌ َلكُ ْم وَعَسَى أَنْ ُتحِبّوا شَيْئا وَ ُهوَ شَرّ َل ُك ْم وَاللّهُ َيعَْل ُم وَأَنْتُمْ ل َتعَْلمُونَ(‪})216‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{كُتِب}َ ‪ :‬فرض فرضا مؤكدا حتى لكأنه مكتوب كتابة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ا ْلقِتَالُ} ‪ :‬قال الكافرون بجهادهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية‪.‬‬
‫{كُ ْرهٌ} ‪ :‬مكروه في نفوسكم طبعا‪.‬‬
‫َعَسَى ‪ :‬هذا الفعل معناه الترجي والتوقع أعني أن ما دخلت عليه مرجو الحصول متوقع ل على‬
‫سبيل الجزم‪ ،‬إل أنها إن كانت من ال تعالى تفيد اليقين‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫يخبر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بأنه فرض عليهم قتال ‪ 1‬المشركين والكافرين وهم يعلم أنه‬
‫مكروه لهم بطبعهم لما فيه من اللم والتعاب وإضاعة المال والنفس‪ ،‬وأخبرهم أن ما يكرهونه‬
‫قد يكون خيرا‪ ،‬وأن ما يحبونه قد يكون شرا‪ ،2‬ومن ذلك الجهاد فإنه مكروه لهم وهو خير لهم لما‬
‫فيه من عزتهم ونصرتهم ونصره دينهم مع حسن الثواب وعظم الجزاء في الدار الخرة‪ ،‬كما أن‬
‫ترك الجهاد محبوب لهم وهو شر لهم؛ لنه يشجع عدوهم على قتالهم واستباحة بيضتهم‪ ،‬وانتهاك‬
‫حرمات دينهم مع سوء الجزاء في الدار الخرة‪ .‬وهذا الذي أخبرهم تعالى به من حبهم لشياء‬
‫وهي شر لهم وكراهيتهم لشياء وهي خير لهم هو كما أخبر لعلم ال به قبل خلقه‪ ،‬وال يعلم وهم‬
‫ل يعلمون فيجب التسليم ل تعالى في أمره وشرعه مع حب ما أمر به وما شرعه واعتقاد أنه‬
‫خير ل شر فيه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرئت الية‪{ :‬وكتب عليكم القتل} وقراءة القتال أشهر وأظهر‪ ،‬والفرق بين القتل والقتال ظاهر‪،‬‬
‫وجاء كل اللفظين في قول عمرو بن ربيعة‪:‬‬
‫كتب القتل والقتال علينا ‪ ...‬وعلى الغانيات جر الذيول‬
‫‪ 2‬قال القرطبي‪ :‬كما اتفق في بلد الندلس تركوا الجهاد وجبنوا عن القتال وأكثروا من الفرار‬
‫فاستولى العدو على البلد وأسر وقتل وسب واسترق فإن ل وإنا إليه راجعون‪ .‬ذلك بما قدمت‬
‫أيدينا وكسبته‪ ،‬وأنشد لبي سعيد الضرير قوله شاهدا لمعنى الية الكريمة‪:‬‬
‫رب امرء تتقيه ‪ ...‬جر أمرا ترتضيه‬
‫خفي المحبوب منه ‪...‬‬
‫وبدا المكروه فيه‬

‫( ‪)1/196‬‬

‫هداية الية الكريمة‬


‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب الجهاد على أمة السلم ما بقيت فتنة في الرض وشرك فيها‪.‬‬
‫‪ -2‬جهل النسان بالعواقب يجعله يحب المكروه‪ ،‬ويكره المحبوب‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -3‬أوامر ال كلها خير‪ ،‬ونواهيه ‪ 1‬كلها شر‪ .‬فلذا يجب فعل أوامره واجتناب نواهيه‪.‬‬
‫سجِدِ‬
‫شهْرِ ا ْلحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ُقلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِي ٌر َوصَدّ عَنْ سَبِيلِ اللّ ِه َو ُكفْرٌ بِ ِه وَا ْلمَ ْ‬
‫{يَسْأَلو َنكَ عَنِ ال ّ‬
‫الْحَرَا ِم وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِ ْنهُ َأكْبَرُ عِنْدَ اللّ ِه وَا ْلفِتْنَةُ َأكْبَرُ مِنَ ا ْلقَ ْتلِ وَل يَزَالُونَ ُيقَاتِلُو َنكُمْ حَتّى يَرُدّوكُمْ‬
‫عمَاُلهُمْ فِي‬
‫طتْ أَ ْ‬
‫عَنْ دِي ِن ُكمْ إِنِ اسْ َتطَاعُوا َومَنْ يَرْ َتدِدْ مِ ْن ُكمْ عَنْ دِي ِنهِ فَ َي ُمتْ وَ ُهوَ كَافِرٌ فَأُولَ ِئكَ حَ ِب َ‬
‫الدّنْيَا وَالخِ َر ِة وَأُولَ ِئكَ َأصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(‪ )217‬إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَاجَرُوا‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ(‪})218‬‬
‫ح َمتَ اللّ ِه وَاللّهُ َ‬
‫وَجَا َهدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أُولَ ِئكَ يَرْجُونَ َر ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ا ْلحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} ‪ :‬أي المحرم‪ :‬قتال بدل اشتمال من الحرام‪ ،‬إذ السؤال عن القتال في الشهر‬
‫الحرام (رجب)‪.‬‬
‫{كَبِيرٌ} ‪ :‬أي ذنب عظيم‪.‬‬
‫{ َوصَدّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ} ‪ :‬صرف عن دين ال‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المراد بالوامر‪ :‬ما أمر ال تعالى به في كتابه وعلى لسان رسوله من المعتقدات والعبادات‬
‫والحكام‪ ،‬ومن النواهي ما نهى ال عنه في كتابه وعلى لسانه رسوله من المعتقدات الباطلة‬
‫والعبادات المبتدعة والحكام الفاسدة‪.‬‬

‫( ‪)1/197‬‬

‫{ َو ُكفْرٌ ِبهِ} ‪ :‬كفر بال تعالى‪.‬‬


‫سجِدِ ا ْلحَرَامِ} ‪ :‬مكة والمسجد الحرام فيها‪.‬‬
‫{وَا ْلمَ ْ‬
‫{أَ ْهلِهِ} ‪ :‬النبي صلى ال عليه وسلم والمهاجرون‪.‬‬
‫{َأكْبَرُ} ‪ :‬أعظم وزرا‪.‬‬
‫{وَا ْلفِتْنَةُ} ‪ :‬الشرك واضطهاد المؤمنين ليكفروا‪.‬‬
‫عمَاُلهُمْ‪ : }1‬بطل أجرها فل يثابون عليها لردتهم‪.‬‬
‫طتْ أَ ْ‬
‫{حَبِ َ‬
‫{هَاجَرُوا} ‪ :‬تركوا ديارهم خوف الفتنة والضطهاد في ذات ال‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫لما أخبر تعالى أنه كتب على المؤمنين القتال أرسل النبي صلى ال عليه وسلم سرية بقيادة عبد‬
‫ال بن جحش إلى بطن نخلة يتعرف على أحوال الكفار‪ .‬فشاء ال تعالى أن يلقى عبد ال ورجاله‬
‫عيرا لقريش فقاتلوهم فقتلوا منهم رجلً يدعى عمرو بن الحضرمي وأسروا اثنين وأخذوا العير‬
‫وقفلوا راجعين وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الثانية‪ ،‬وهي أول ليلة من رجب‪ .‬فثارت ثائرة‬
‫قريش وقالت‪ :‬محمد يحل الشهر الحرام بالقتال فيه‪ ،‬وردد صوتها اليهود‪ ،‬والمنافقون بالمدينة حتى‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أن الرسول صلى ال عليه وسلم وقف العير والسيرين ولم يقض فيهما بشيء‪ ،‬وتعرض عبد ال‬
‫بن جحش ورفاقه لنقد ولوم عظيمين من أكثر الناس‪ ،‬وما زال المر كذلك حتى أنزل ال تعالى‬
‫شهْرِ ا ْلحَرَامِ‪ 2‬قِتَالٍ فِيهِ} أي‪ :‬عن القتال فيه‪ ،‬أجبهم يا رسولنا وقل‬
‫هاتين اليتين { َيسْأَلو َنكَ عَنِ ال ّ‬
‫لهم القتال فيه وزر كبير بيد أن الصد عن دين ال والكفر به تعالى‪ ،‬وكذا الصد عن المسجد‬
‫الحرام‪ ،‬وإخراج الرسول منه والمؤمنين وهم أهله وولته بحق أعظم وزرا في حكم ال تعالى‪،‬‬
‫كما أن شرك المشركين في الحرم وفتنة المؤمنين فيه لرجاعهم عنه دينهم الحق إلى الكفر بشتى‬
‫أنواع التعذيب أعظم من القتل في الشهر الحرام‪ .‬مضافا إلى كل هذا عزمهم على قتال المؤمنين‬
‫إلى أن يردوهم عن دينهم إن استطاعوا‪ .‬ثم أخبر تعالى المؤمنين محذرا إياهم من الرتداد مهما‬
‫كان العذاب أن من يرتد عن دينه ولم يتب بأن مات كافرا فإن‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إن وفاهم الموت على ذلك أما إن تابوا وماتوا على السلم ففي إثباتهم على أعمالهم قبل الردة‬
‫خلف انظره على الصفحة التالية تحت رقم ‪.1‬‬
‫‪ 2‬هذا كان قبيل نسخ حرمة القتال في الشهر الحرام‪.‬‬

‫( ‪)1/198‬‬

‫أعماله الصالحة كلها ‪ 1‬تبطل ويصبح من أهل النار الخالدين فيها أبدا‪ .‬هذا ما تضمنته الية‬
‫الولى‪ ،‬أما الية الثانية(‪{ )218‬إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَاجَرُوا ‪ }2‬فقد نزلت في عبد ال بن جحش‬
‫وأصحابه طمأنهم ال تعالى على أنهم غير آثمين لقتالهم في الشهر الحرام كما شنع عليهم الناس‬
‫بذلك‪ ،‬وأنه يرجون رحمة ال أي الجنة وأنه تعالى غفور لذنوبهم رحيم بهم‪ ،‬وذلك ليمانهم‬
‫وهجرتهم وجهادهم في سبيل ال‪ ،‬وقال تعالى فيهم‪{ :‬إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ}‬
‫ح َمتَ اللّ ِه وَاللّهُ َ‬
‫سَبِيلِ اللّهِ أُولَ ِئكَ يَ ْرجُونَ‪َ 3‬ر ْ‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة الشهر الحرام والبلد الحرام‪.‬‬
‫‪ -2‬نسخ القتال في الشهر الحرام بدليل قتال الرسول صلى ال عليه وسلم هوازن وثقيف في‬
‫شوال وأول القعدة وهما في الشهر الحرم‪.‬‬
‫‪ -3‬الكشف عن نفسية الكافرين وهي عزمهم الدائم على قتال المسلمين إلى أن يردوهم عن‬
‫السلم ويخرجوهم منه‪.‬‬
‫‪ -4‬الردة ‪ 4‬محبطة للعمل فإن تاب المرتد ‪ 5‬يستأنف العمل من جديد‪ ،‬وإن مات قبل التوبة فهو‬
‫من أهل النار الخالدين فيها أبدا‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -5‬بيان فضل اليمان والهجرة والجهاد في سبيل ال‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬على هذا مالك وأبو حنيفة خلفا للشافعي إذ يرى رحمه ال تعالى أن من ارتدد ثم تاب يعود‬
‫إليه كل عمل صالح عمله قبل الردة فل يعيد الحج إذا حج‪ ،‬والراجح ما قررناه في التفسير إذ أقل‬
‫ما يقال عليه إعادة الحج طمعا في مغفرة ذنوبه وعدم مؤاخذاته‪ ،‬أما من مات كافرا فالجماع على‬
‫عمَُلكَ} الية‪ ،‬وحمله الشافعي‬
‫خلوده في النار‪ ،‬ودليل الجمهور قوله تعالى‪{ :‬لَئِنْ أَشْ َر ْكتَ لَ َيحْبَطَنّ َ‬
‫على أنه مطلق مقيد بآية الموت على الكفر فما دام لم يمت كافرا فإن أعماله قبل الردة ل تبطل‪،‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫‪ 2‬نقل فعل هجر الشيء إذا تركه إلى هاجر‪ ،‬وهي صيغة المفاعلة إما أنه للمبالغة في الترك كما‬
‫قيل عافاك ال‪ ،‬والمعافي واحد وهو ال تعالى‪ ،‬وأما لنه ترك شيئا عن عداوة ول تكون إل بين‬
‫اثنين‪ ،‬فقيل‪ :‬هاجر‪ ،‬والمكان المهاجر منه يقال له‪ :‬مهاجر‪.‬‬
‫‪ 3‬الرجاء‪ :‬ترقب الخير مع تغليب ظن حصوله‪.‬‬
‫‪ 4‬اختلف في المرتد هل يستتاب أو يقتل بالردة فورا والجمهور على أنه يستتاب أولً فإن أصر‬
‫قتل ومالك يرى أن من سب النبي صلى ال عليه وسلم ل يستتاب ويقتل واستشهد بالمرأة التي‬
‫قتلت خادمها بسب النبي صلى ال عليه وسلم وأخبرت الرسول صلى ال عليه وسلم فلم ينكر‬
‫عليها‪ ،‬وكذلك الزنديق يقتل ول يستتاب‪.‬‬
‫‪ 5‬الصل في قتل المرتد حديث صحيح‪" :‬من بدل دينه فاقتلوه" واختلف في قتل المرأة إذا ارتددت‬
‫الجمهور إنها ل تقتل لنهي النبي صلى ال عليه وسلم عن قتل النساء والطفال في الحرب‪.‬‬

‫( ‪)1/199‬‬

‫س وَإِ ْث ُمهُمَا َأكْبَرُ مِنْ َن ْف ِع ِهمَا وَيَسْأَلو َنكَ‬


‫خمْ ِر وَا ْلمَيْسِرِ ُقلْ فِي ِهمَا إِثْمٌ كَبِي ٌر َومَنَافِعُ لِلنّا ِ‬
‫{يَسْأَلو َنكَ عَنِ الْ َ‬
‫مَاذَا يُ ْن ِفقُونَ ُقلِ ا ْل َعفْوَ كَذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ َل ُك ُم الياتِ َلعَّل ُكمْ تَ َت َفكّرُونَ(‪ )219‬فِي الدّنْيَا وَالخِ َرةِ وَيَسْأَلو َنكَ‬
‫ح وََلوْ شَاءَ‬
‫سدَ مِنَ ا ْل ُمصْلِ ِ‬
‫خوَا ُنكُمْ وَاللّهُ َيعْلَمُ ا ْلمُفْ ِ‬
‫عَنِ الْيَتَامَى ُقلْ ِإصْلحٌ َل ُهمْ خَيْ ٌر وَإِنْ ُتخَالِطُو ُهمْ فَإِ ْ‬
‫حكِيمٌ(‪})220‬‬
‫اللّهُ لعْنَ َتكُمْ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫خمْرِ‪ : }1‬كل ما خامر العقل وغطاه فأصبح شاربه ل يميز ول يعقل‪ ،‬ويطلق لفظ الخمر على‬
‫{ا ْل َ‬
‫عصير العنب أو التمر أو الشعير وغيرها‪.‬‬
‫الميسر ‪ : 2‬القمار‪ ،‬وسمي ميسرا؛ لن صاحبه ينال المال بيسر وسهولة‪.‬‬
‫الثم ‪ : 3‬كل ضار فاسد يضر بالنفس أو العقل أو البدن أو المال أو العرض‪.‬‬
‫المنافع ‪ : 4‬جمع منفعة‪ ،‬وهي ما يسر ول يضر من سائر القوال والفعال والمواد‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ا ْل َع ْفوَ} ‪ :‬العفو هنا‪ :‬ما فضل وزاد عن حاجة النسان من المال‪.‬‬
‫{تَ َت َفكّرُونَ} ‪ :‬فتعرفون ما ينفع في كل منهما فتعلمون لدنياكم ما يصلحها‪ ،‬وتعملون لخرتكم ما‬
‫يسعدكم فيها‪ ،‬وينجيكم من عذابها‪.‬‬
‫{ ُتخَالِطُو ُهمْ} ‪ :‬تخلطون مالهم مع مالكم ليكون سواء‪.‬‬
‫{لعْنَ َتكُمْ} ‪ :‬العنت‪ :‬المشقة الشديدة‪ ،‬يقال‪ :‬أعنته إذا كلفه مشقة شديدة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الخمر‪ :‬مأخوذ من خمر الشيء إذا ستره وغطاه‪ ،‬ومنه خمار المرأة التي يغطي رأسها‪ ،‬وفي‬
‫الحديث‪" :‬خمروا الناء" أي‪ :‬غطوه‪ ،‬والخمر تطلق أساسا على ماء العنب إذا على أو طبخ ثم‬
‫أطلقت على كل ما خمر العقل وغطاه من سائر المسكرات‪.‬‬
‫‪ 2‬الميسر‪ :‬مأخوذ من اليسر‪ ،‬وهو‪ :‬وجوب الشيء لصاحبه‪ ،‬يقال‪ :‬يسر لي كذا‪ ،‬إذا وجب شرط –‬
‫والمضارع‪ :‬ييسر يسرا وميسرا‪ ،‬وهو القمار‪ ،‬وسواء كان بالزلم‪ ،‬أو النرد‪ ،‬أو الكعاب‪ ،‬أو‬
‫الجوز‪ ،‬أو الكيرم‪.‬‬
‫‪ 3‬والخمر كلها إثم‪ ،‬إذ ما فيها كله ضرر‪ ،‬وقد سماها العرب‪ :‬الثم‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫شربت الثم حتى ضل عقلي ‪ ...‬كذلك الثم يذهب بالعقول‬
‫‪ 4‬والنفع الذي هو الربح إذ كانوا يشترونها من الشام بالرخص ويبيعونها بالغلء في ديارهم كان‬
‫في الجاهلية‪ ،‬إما بعد ما حرمها ال تعالى وحرم بيعها فلم يبقى فيها نفع البنة‪.‬‬

‫( ‪)1/200‬‬

‫معنى اليتين‪:‬‬
‫كان العرب في الجاهلية يشربون الخمور ويقامرون وجاء السلم فبدأ دعوتهم إلى التوحيد‬
‫واليمان بالبعث الخر‪ ،‬إذ هما الباعث القوي على الستقامة في الحياة‪ ،‬ولما هاجر الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم والعديد من أصحابه وأصبحت المدينة تمثل مجتمعا إسلميا وأخذت الحكام تنزل‬
‫شيئا فشيئا فحدث يوما أن صلى أحد الصحابة بجماعة وهو ثملن فخلط في القراءة فنزلت آية‬
‫سكَارَى} فكانوا ل يشربونها إل في أوقات‬
‫النساء‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َتقْرَبُوا الصّلةَ وَأَنْتُمْ ُ‬
‫خمْ ِر وَا ْلمَيْسِرِ}‬
‫معينة‪ ،‬وهنا كثرت التساؤلت حول شرب الخمر فنزلت هذه الية‪{ :‬يَسْأَلو َنكَ عَنِ ا ْل َ‬
‫س وَإِ ْث ُم ُهمَا َأكْبَرُ مِنْ َن ْف ِع ِهمَا} فترك الكثير ‪1‬‬
‫فأجابهم ال تعالى بقوله‪ُ { :‬قلْ فِي ِهمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ َومَنَافِعُ لِلنّا ِ‬
‫كلً من شرب الخمر ولعب القمار لهذه الية‪ .‬وبقي آخرون فكان عمر يتطلع إلى منعهما منعا باتا‬
‫ويقول‪" :‬اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا" فاستجاب ال تعالى له‪ ،‬ونزلت آية المائدة‪{ :‬يَا أَ ّيهَا‬
‫خمْ ُر وَا ْلمَيْسِرُ} إلى قوله‪َ { :‬ف َهلْ أَنْتُمْ مُنْ َتهُونَ} فقال عمر‪" :‬انتهينا ربنا" وبذلك‬
‫الّذِينَ آمَنُوا إِ ّنمَا الْ َ‬
‫حرمت الخمر وحرم الميسر تحريما قطعيا كاملً‪ ،‬ووضع الرسول صلى ال عليه وسلم حد الخمر‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وهو الجلد‪ .‬وحذر من شربها وسماها أم الخبائث وقال‪" :‬مدمن الخمر ل يكلمه ال يوم القيامة ول‬
‫يزكيه" في ثلثة نفر وهم‪ :‬العاق لوالديه‪ ،‬ومسبل إزاره‪ ،‬ومدمن الخمر‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬فِي ِهمَا إِ ْثمٌ كَبِيرٌ‪َ 2‬ومَنَافِعُ لِلنّاسِ} فهو كما قال تعالى فقد بين في سورة المائدة منشأ‬
‫الثم‪ ،‬وهو أنهما يسببان العداوة والبغضاء بين المسلمين ويصدان عن ذكر ال وعن الصلة‪ ،‬وأي‬
‫إثم أكبر في زرع العداوة والبغضاء بين أفراد المسلمين‪ ،‬والعراض عن ذكر ال‪ ،‬وتضييع‬
‫الصلة حقا إن فيهما لثما كبيرا‪ ،‬وأما المنافع فهي إلى جانب هذا الثم قليلة ومنها‪ :‬الربح في‬
‫تجارة الخمر وصنعها‪ ،‬وما تكسب شاربها من النشوة والفرح والسخاء والشجاعة‪ ،‬وأما الميسر‬
‫فمن منافعه الحصول على المال بل كد ول تعب وانتفاع بعض الفقراء به‪ ،‬إذ كانوا يقامرون على‬
‫الجزور من البل ثم يذبح ويعطى للفقراء والمساكين‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يرى كثير من المفسرين أن أية البقرة هذه نزلت قبل آية النساء وما رجحته في التفسير أولى‪،‬‬
‫لن آية البقرة تعتبر محرمة للخمر والميسر بخلف آية النساء‪.‬‬
‫‪ 2‬لما كان تحريم الخمر تدريجيا كان من الحكمة ذكر ما كانوا يرونه من المنافع في التجار بها‬
‫وشربها وكذا منافع الميسر إذ كانوا يعطون ما يربحونه للفقراء‪ ،‬وحسبهم وهم المؤمنون صرفا‬
‫لهم عن الخمر والميسر قوله‪{ :‬وَإِ ْث ُم ُهمَا َأكْبَرُ مِنْ َن ْف ِع ِهمَا} ‪ ،‬وإذا زادت المضرة على المنفعة بطل‬
‫العمل عقلً وشرعا‪.‬‬

‫( ‪)1/201‬‬

‫أما قوله تعالى في الية‪{ :‬وَ َيسْأَلو َنكَ مَاذَا يُ ْن ِفقُونَ} فهو سؤال نشأ عن استجابتهم لقول ال تعالى‪:‬‬
‫{وَأَ ْنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ} فأرادوا أن يعرفوا الجزء الذي ينفقونه من أموالهم في سبيل ال‪ .‬فأجابهم‬
‫ال تبارك وتعالى بقوله‪ُ { :‬قلِ ا ْل َع ْفوَ} أي‪ :‬ما زاد على حاجتكم وفضل عن نفقتكم على أنفسكم‪ .‬ومن‬
‫هنا قال الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" رواه البخاري‪.‬‬
‫وقوله‪{ :‬كَذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ َلكُمُ الياتِ َلعَّلكُمْ تَ َتفَكّرُونَ‪ ،‬فِي الدّنْيَا وَالخِ َرةِ} أي‪ :‬مثل هذا البيان يبين ال‬
‫لكم الشرائع والحكام والحلل ليعدكم بذلك إلى التفكير الواعي البصير في أمر الدنيا والخرة‬
‫فتعملون لدنياكم على حسب حاجتكم إليها وتعملون لخرتكم التي مردكم إليها وبقاؤكم فيها على‬
‫حسب ذلك‪.‬‬
‫وهذا ما تضمنته الية الولى(‪ ،)219‬أما الية الثانية(‪{ :)220‬وَيَسْأَلو َنكَ عَنِ الْيَتَامَى} الية‪ ،‬فإنه‬
‫لما نزل قوله تعالى من سورة النساء‪{ :‬إِنّ الّذِينَ يَ ْأكُلُونَ َأ ْموَالَ الْيَتَامَى ظُلْما إِ ّنمَا يَ ْأكُلُونَ فِي‬
‫سعِيرا} خاف المؤمنون والمؤمنات من هذا الوعيد الشديد‪ ،‬وفصل من كان‬
‫بُطُو ِنهِمْ نَارا وَسَ َيصَْلوْنَ َ‬
‫في بيته يتيم يكفله‪ ،‬فصل طعامه عن طعامه‪ ،‬وشرابه عن شرابه‪ ،‬وحصل بذلك عنت ومشقة‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كبيرة وتساءلوا عن المخرج‪ ،‬فنزلت هذه الية‪ ،‬وبينت لهم أن المقصود هو إصلح مال اليتامى‬
‫وليس هو فصله أو خلطه‪ ،‬فقال تعالى‪ُ { :‬قلْ ِإصْلحٌ َلهُمْ‪ }...‬مع الخلط خير من الفصل مع عدم‬
‫خوَا ُنكُمْ} ‪ ،‬والخ يخالط أخاه في ماله‪،‬‬
‫الصلح‪ ،‬ودفع الحرج في الخلط فقال‪{ :‬وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ‪ 1‬فَإِ ْ‬
‫وأعلمهم أنه تعالى يعلم المفسد لمال اليتيم من المصلح له ليكونوا دائما على حذر‪ ،‬وكل هذا حماية‬
‫لمال اليتيم الذي فقد والده‪ .‬ثم زاد ال في منته عليهم برفع الحرج في المخالطة فقال تعالى‪{ :‬وََلوْ‬
‫شَاءَ اللّهُ لعْنَ َتكُمْ‪ }2‬أي‪ :‬أبقاكم في المشقة المترتبة على فصل أموالكم عن أموال يتاماكم‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫حكِيمٌ} أي غالب على ما يريده حكيم فيما يفعله ويقضي به‪.‬‬
‫{إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ َ‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬فإخوانكم} ‪ :‬الفاء واقعة في جواب إن الشرطية‪ ،‬وإخوانكم‪ :‬خبر‪ ،‬والمبتدأ محذوف تقديره‪ :‬فهم‬
‫إخوانكم‪.‬‬
‫‪ 2‬مفعول المشيئة محذوف كما هو الغالب فيه‪ ،‬والتقدير‪ :‬ولو شاء ال عنتكم لعنتكم‪ ،‬أي‪ :‬كلفكم‬
‫ما فيه العنت والمشقة‪ ،‬ولكنه لم يفعل رحمة بكم ولطفا بحالكم‪.‬‬

‫( ‪)1/202‬‬

‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة ‪ 1‬الخمر والميسر حيث نسخت هذه الية بآية المائدة‪ ،‬لقوله تعالى فيها‪{ :‬فاجتنبوه}‬
‫وقوله {فهل أنتم منتهون} ‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان أفضل صدقة التطوع وهي ما كانت عن ظهر غنى وهو ‪ 2‬العفو في هذه الية‪.‬‬
‫‪ -3‬استحباب التفكر في أمر الدنيا والخرة لعطاء الولى بقدر فنائها والخرة بحسب بقائها‪.‬‬
‫‪ -4‬جواز خلط مال اليتيم بما كافله إذا كان أربح له وأوفر‪ ،‬وهو معنى الصلح في الية‪.‬‬
‫‪ -5‬حرمة مال اليتيم‪ ،‬والتحذير من المساس به وخلطه إذا كان يسبب نقصا فيه أو إفسادا‪.‬‬
‫لمَةٌ ُم ْؤمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْ ِركَ ٍة وََلوْ أَعْجَبَ ْت ُك ْم وَل تُ ْن ِكحُوا‬
‫ن وَ َ‬
‫{وَل تَ ْنكِحُوا ا ْلمُشْ ِركَاتِ حَتّى ُي ْؤمِ ّ‬
‫ك وََلوْ أَعْجَ َب ُكمْ أُولَ ِئكَ يَدْعُونَ إِلَى النّا ِر وَاللّهُ‬
‫ا ْلمُشْ ِركِينَ حَتّى ُي ْؤمِنُوا وََلعَبْدٌ ُم ْؤمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْ ِر ٍ‬
‫يَدْعُو إِلَى ا ْلجَنّ ِة وَا ْل َم ْغفِرَةِ بِِإذْنِ ِه وَيُبَيّنُ آيَا ِتهِ لِلنّاسِ َلعَّل ُهمْ يَتَ َذكّرُونَ(‪})221‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{وَل تَ ْنكِحُوا} ‪ :‬ل تتزوجوا‪.‬‬
‫المة ‪ :‬خلف الحرة‪.‬‬
‫{وََلوْ أَعْجَبَ ْت ُكمْ} ‪ :‬أي أعجبكم حسنها وجمالها‪.‬‬
‫{ َيدْعُونَ ِإلَى النّارِ} ‪ :‬بحالهم ومقالهم وأفعالهم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{آيَاتِهِ} ‪ :‬أحكام دينه ومسائل شرعه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أن كل مسكر داخل في إثم الخمر‪ ،‬وقليله ككثيره في الحرمة سواء بإجماع المة‪ ،‬وكل أنواع‬
‫الميسر ولو اختلفت المسميات؛ كاليانصيب وغيرها محرمة‪.‬‬
‫‪ 2‬شاهده حديث مسلم‪" :‬ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلهلك فإن فضل شيء عن‬
‫أهلك فلذي قرابتك فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا" أي‪ :‬تصدق به على الفقراء‬
‫والمساكين‪.‬‬

‫( ‪)1/203‬‬

‫معنى الية الكريمة‪:‬‬


‫ينهى ال تعالى المؤمنين أن يتزوجوا المشركات إل أن يؤمن بال ورسوله‪ ،‬فإن آمن جاز‬
‫نكاحهن‪ ،‬وأعلمهم منفرا من نكاح المشركات مرغبا في نكاح المؤمنات‪ :‬ولمة مؤمنة فضلً عن‬
‫حرة خير من حرة مشركة‪ ،‬ولو أعجبتكم المشركة لحسنها وجمالها‪ ،‬كما نهاهم محرما عليهم أن‬
‫يزوجوا المؤمنات بالمشركين حتى يؤمنوا‪ ،‬فإن آمنوا جاز لهم أن ينكحوهم بناتهم ونساءهم فقال‬
‫تعالى‪{ :‬وَل تُ ْنكِحُوا ا ْلمُشْ ِركِينَ حَتّى ُي ْؤمِنُوا} وقال منفرا مرغبا ولعبد مؤمن خير من حرٍ مشرك‬
‫ولو أعجبهم المشرك لشرفه أو ماله أو سلطانه‪ ،‬وعلل لذلك بقوله‪{ :‬أولئك} أي المشركات‬
‫والمشركون يدعون إلى النار فمخالطتهم مضرة ومفسدة ل سيما بالتزوج منهم‪ ،‬وال عز وجل‬
‫يدعو إلى الجنة باليمان والعمل الصالح‪ ،‬وإلى المغفرة بالتوبة الصادقة‪ .‬فاستجيبوا له وأطيعوه‬
‫فيما أمركم به ونهاكم عنه‪ .‬كما أنه تعالى يبين آياته للناس ليعدهم للتذكر والتعاظ فيقبلون على‬
‫طاعته الموصلة إلى رضاه والجنة‪ ،‬ويبعدون عن معصيته المؤدية إلى سخطه والنار‪.‬‬
‫هداية الية الكريمة‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫حصَنَاتُ‬
‫‪ -1‬حرمة نكاح المشركات‪ ،‬أما الكتابيات فقد أباحهن ال تعالى بآية المائدة‪ ،‬إذ قال‪{ :‬وَا ْلمُ ْ‬
‫مِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ‪ 1‬مِنْ قَبِْل ُكمْ} ‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة نكاح المؤمنة الكافر مطلقا‪ 2‬مشركا كان أو كتابيا‪.‬‬
‫‪ -3‬شرط الولية في نكاح المرأة لقوله تعالى‪{ :‬وَل تُ ْن ِكحُوا ا ْلمُشْ ِركِينَ} فهو هنا يخاطب أولياء‬
‫النساء المؤمنات‪ ،‬ولذا ل يصح نكاح إل بولي ‪.3‬‬
‫‪ -4‬التنفير من مخالطة المشركين والترغيب في البعد عنهم؛ لنهم يدعون إلى الكفر بحالهم‬
‫ومقالهم وأعمالهم‪ ،‬وبذلك هم يدعون إلى النار‪.‬‬
‫__________‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 1‬الخلف في حرمة نكاح الكتابيات ضئيل ول وزن له‪ ،‬وإن كان عدم التزوج بهن أفضل وأسلم‪،‬‬
‫وهذا في الذميات‪ ،‬أما الحربيات فل يجوز نكاحهن‪ ،‬وعلى هذا مالك‪ ،‬وقد سئل ابن عباس عن‬
‫نكاح الحربية الكتابية‪ ،‬فقال‪ :‬ل تحل‪.‬‬
‫حلّ َل ُه ْم وَل هُمْ َيحِلّونَ} الممتحنة‪.‬‬
‫‪ 2‬شاهده من القرآن قوله تعالى‪{ :‬ل هُنّ ِ‬
‫‪ 3‬لحديث‪" :‬ل نكاح إل بولي" وحديث أبي داود‪" :‬أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل‬
‫باطل باطل" وهو حديث صحيح‪ .‬والولي‪ :‬عصبة المرأة القرب فالقرب فإن لم يكونوا فالسلطان‬
‫ولي من ل ولي لها‪ .‬ومن أركان النكاح الشهاد عليه بشاهدين فأكثر وعليه الجمهور‪.‬‬

‫( ‪)1/204‬‬

‫‪ -5‬وجوب موالة أهل اليمان ومعاداة أهل الكفر والضلل؛ لن الولين يدعون إلى الجنة‪،‬‬
‫والخرين يدعون إلى النار‪.‬‬
‫طهُرْنَ فَإِذَا‬
‫ض وَل َتقْرَبُوهُنّ حَتّى َي ْ‬
‫{وَيَسْأَلو َنكَ عَنِ ا ْل َمحِيضِ ُقلْ ُهوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النّسَاءَ فِي ا ْلمَحِي ِ‬
‫طهّرِينَ(‪ )222‬نِسَا ُؤكُمْ حَ ْرثٌ‬
‫حبّ ا ْلمُ َت َ‬
‫ن وَيُ ِ‬
‫حبّ ال ّتوّابِي َ‬
‫طهّرْنَ فَأْتُوهُنّ مِنْ حَ ْيثُ َأمَ َركُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ يُ ِ‬
‫تَ َ‬
‫سكُ ْم وَا ّتقُوا اللّ َه وَاعَْلمُوا أَ ّنكُمْ مُلقُو ُه وَبَشّرِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ(‪})223‬‬
‫َلكُمْ فَأْتُوا حَرْ َثكُمْ أَنّى شِئْ ُت ْم َوقَ ّدمُوا لَ ْنفُ ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ا ْل َمحِيضِ‪ : }1‬مكان الحيض وزمنه‪ ،‬والحيض‪ :‬دم يخرج من رحم المرأة إذا خل من الجنين‪.‬‬
‫{أَذىً} ‪ :‬ضرر يضر المجامع في أيامه‪.‬‬
‫{فَاعْتَزِلُوا النّسَاءَ فِي ا ْلمَحِيضِ} ‪ :‬اتركوا جماعهن ‪ 2‬أيام الحيض‪.‬‬
‫طهُرْنَ} ‪ :‬أي‪ :‬ل تجامعوهن حتى ينقطع دم ‪ 3‬حيضهن‪.‬‬
‫{وَل َتقْرَبُوهُنّ حَتّى َي ْ‬
‫طهّرْنَ} ‪ :‬إي‪ :‬إذا انقطع دم حيضهن واغتسلن منه‪.‬‬
‫{فَإِذَا تَ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يطلق على الحيض أيضا لنه مصدر حاضت المرأة حيضة ومحاضا ومحيضا‪ ،‬فهي حائض‪،‬‬
‫وقد يقال‪ :‬حائضة‪ ،‬وعليه قول الشاعر‪:‬‬
‫كحائضة يزني بها غير طاهر‬
‫والحيضة‪ :‬المرأة الواحدة ‪ ،‬والحيضة بكسر الحاء‪ :‬الثم‪ ،‬والحيضة أيضا‪ :‬الخرقة تستثفر بها‬
‫الحائض‪ .‬قالت عائشة‪ :‬يا ليتني كنت حيضة ملقاة‪ ،‬واشتقاق الكلمة من السيلن ومنعه الحوض‬
‫لن الماء يسيل إليه‪.‬‬
‫‪ 2‬الجمهور على أن من وطأ امرأته في الحيض ل كفارة عليه‪ ،‬وإنما عليه التوبة والستغفار‪،‬‬
‫وضعفوا حديث‪" :‬الكفارة بنصف دينار أو دينار" لضطرابه‪ ،‬وبه قال أحمد وعمل به‪.‬‬
‫‪ 3‬أجمع العلماء على أن للمرأة ثلثة أحكام في رؤيتها الدم السائل من فرجها‪ :‬فإن كان أسود‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫غائرا تعلوه حمرة فذلك الحيض‪ ،‬ويحرم عليها الصوم والصلة ويحرم وطئها‪ ،‬وتقضي الصوم‬
‫ول تقضي الصلة للحاديث الصحيحة في ذلك‪ ،‬وأكثر الحيض خمسة عشر يوما‪ ،‬وأقله ل حد له‬
‫على الصحيح‪ ،‬وأقل الطهر أيضا خمسة عشر يوما ليكمل الشهر حيضا وطهرا‪ ،‬وإن كان الدم‬
‫زائدا على مدة الحيض فهو الستحاضة وتصلي معه وتصوم وتوطأ أيضا‪ .‬والحكم الثالث‪ :‬دم‬
‫النفاس وأكثره أربعين يوما‪ ،‬وأقله يوم وليلة وحكمه حكم الحيض‪.‬‬

‫( ‪)1/205‬‬

‫{فَأْتُوهُنّ مِنْ حَ ْيثُ َأمَ َركُمُ اللّهُ} ‪ :‬أي‪ :‬جامعهن في قبلهن‪ ،‬وهن طاهرات متطهرات ‪.1‬‬
‫{نِسَا ُؤكُمْ حَ ْرثٌ َلكُمْ} ‪ :‬يريد مكان إنجاب الولد‪ ،‬فشبه النساء بالحرث؛ لن الرض إذا حرثت‬
‫أنبت الزرع‪ ،‬والمرأة إذا وطئت أنبتت الولد بإذن ال تعالى‪.‬‬
‫{فَأْتُوا حَرْ َث ُكمْ أَنّى شِئْتُمْ} ‪ :‬إذن بجماع المرأة مقبلة أو مدبرة إذا كان في القبل الذي هو منبت‬
‫الزرع‪ ،‬وهي طاهرة من الحيض والنفاس‪.‬‬
‫س ُكمْ} ‪ :‬يريد العمال الصالحة‪ ،‬ومنها إرادة تحصين النفس والزوجة بالجماع وإرادة‬
‫{ َوقَ ّدمُوا لَنْفُ ِ‬
‫انجاب الولد الصالحين الذين يوحدون ال ويدعون لوالديهم طوال حياتهم‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫يخبر تعالى رسوله بأن بعض المؤمنين ‪ 2‬عن المحيض هل تساكن المرأة معه وتؤاكل وتشارب‬
‫أو تهجر بالكلية حتى تطهر إذ كان هذا من عادة أهل الجاهلية‪ ،‬وأمره أن يقول لهم‪ :‬الحيض أذى‬
‫يضر بالرجل المواقع فيه‪ ،‬وعليه فليعتزلوا النساء الحيض في الجماع فقط ل في المعاشرة‬
‫والمأكلة والمشاربة‪ ،‬وإنما في الجماع فقط أيام سيلن الدم بل ل بأس بمباشرة الحائض في غير‬
‫ما بين السرة والركبة‪ ،‬للحديث الصحيح في هذا كما أكد هذا المنع بقوله لهم‪{ :‬وَل َتقْرَبُوهُن}ّ ‪3‬‬
‫طهّرْنَ} أي‪ :‬اغتسلن‪،‬‬
‫أي‪ :‬ل تجامعوهن حتى يطهرن بإنقطاع دمهن والغتسال بعده لقوله‪{ :‬فَِإذَا َت َ‬
‫{فَأْتُوهُنّ مِنْ حَ ْيثُ َأمَ َركُمُ اللّهُ} بإتياهن وهو القبل ل الدبر فإنه محرم وأعلمهم تعالى أنه يحب‬
‫التوابين من الذنوب المتطهرين من النجاسات والقذار‪ ،‬فليتوبوا وليتطهروا ليفوزوا بحب مولهم‬
‫عز وجل هذا معنى الية الولى(‪ )222‬أما الية الثانية(‪ )223‬وهي قوله تعالى‪{ :‬نِسَا ُؤكُمْ حَ ْرثٌ‬
‫َلكُمْ} فهي تضمنت جواب سؤال هو هل يجوز جماع المرأة مدبرة بأن يأتيها الرجل من ورائها إذ‬
‫حصل هذا السؤال من بعضهم فعلً‪ ،‬فأخبر تعالى‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هل الزوجة الكتابية يحبرها زوجها أن تغتسل من الحيض والنفاس؟ أرى أن يأمرها مرغبا لها‬
‫في ذلك وليس عليه إجبارها لنه ل إكراه في الدين‪ .‬وهي غير متعبدة به‪.‬‬
‫‪ 2‬روى مسلم عن أنس رضي ال عنه أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها‪ ،‬ولم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يجامعوها في البيوت‪ ،‬فسأل أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم النبي صلى ال عليه وسلم فأنزل‬
‫ال تعالى‪{ :‬وَ َيسْأَلو َنكَ عَنِ ا ْلمَحِيض} الية‪.‬‬
‫‪ 3‬إذا قيل ل تقرب بفتح الراء معناها ل تتلبث بالشيء‪ ،‬وإن قيل‪ :‬ل تقرب فمعناها‪ :‬ل تدنوا‪ ،‬ولذا‬
‫جاز للزوج أن يقرب من زوجته الحائض أو النفساء ويباشرها من غير الفرج‪.‬‬

‫( ‪)1/206‬‬

‫أنه ل مانع من ذلك إذا كان في القبل‪ ،‬وكانت المرأة طاهرة من دمي الحيض والنفاس‪ ،‬وسمى‬
‫المرأة حرثا؛ لن رحمها ينبت فيه الولد كما ينبت الزرع في الرض الطيبة وما دام المر كذلك‬
‫فيأت الرجل امرأته كما شاء مقبلة أو مدبرة إذ المقصود حاصل وهو الحصان وطلب الولد‪.‬‬
‫فقوله تعالى‪{ :‬أَنّى شِئْتُمْ} يريد على أي حال من إقبال أو إدبار شئتم شرط أن يكون ذلك في القبل‬
‫سكُمْ} من الخير ما ينفعكم في آخرتكم‬
‫ل في الدبر ‪ .1‬ثم وعظ تعالى عباده بقوله‪َ { :‬وقَ ّدمُوا لَ ْنفُ ِ‬
‫واعلموا أنكم ملقوا ال تعالى فل تغفلوا عن ذكره وطاعته‪ ،‬إذ هذا هو الزاد الذي ينفعكم يوم‬
‫تقفون بين يدي ربكم‪ .‬وأخيرا أمر رسوله أن يبشر المؤمنين بخير الدنيا والخرة وسعادتهما من‬
‫كان إيمانه صحيحا مثمرا التقوى والعمل الصالح‪.‬‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة الجماع أثناء الحيض والنفاس لما فيه من الضرر‪ ،‬ولقوله تعالى‪ { :‬فَاعْتَزِلُوا النّسَاءَ فِي‬
‫طهُرْنَ} ‪.‬‬
‫ض وَل َتقْرَبُوهُنّ حَتّى َي ْ‬
‫ا ْلمَحِي ِ‬
‫طهّرْنَ‬
‫‪ -2‬حرمة وطء المرأة إذا انقطع دم حيضها أو نفاسها ولم تغتسل‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬فَِإذَا تَ َ‬
‫فَأْتُوهُنّ} ‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة ‪ 2‬نكاح المرأة في دبرها لقوله تعالى‪{ :‬فَأْتُوهُنّ مِنْ حَ ْيثُ َأمَ َركُمُ اللّهُ} وهو القبل‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب التطهير من الذنوب بالتوبة‪ ،‬والتطهير من القذار والنجاسات بالماء‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب تقديم ما أمكن من العمل الصالح ليكون زاد المسلم إلى الدار الخرة لقوله تعالى‪:‬‬
‫س ُكمْ} ‪.‬‬
‫{ َوقَ ّدمُوا لَنْفُ ِ‬
‫‪ -6‬وجوب تقوى ال تعالى بفعل ما أمر وترك ما نهى عنه وزجر‪.‬‬
‫‪ -7‬بشرى ال تعالى على لسان رسوله صلى ال عليه وسلم لكل مؤمن ‪ 3‬ومؤمنة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وذلك لتحريم وطء المرأة في دبرها للية الكريمة وللحاديث الصحاح وما أكثرها ومنها قوله‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬أيها الناس إن ال ل يستحي من الحق ل تأتوا النساء في أعجازهن" ‪،‬‬
‫وقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬من أتى امرأة في دبرها لم ينظر ال إليه يوم القيامة" وور‪ :‬تلك‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫اللوطية الصغرى‪.‬‬
‫‪ 2‬تقدمت الحاديث المحرمة لنكاح المرأة في دبرها ذات رقم ‪ 1‬في هذه الصفحة‪.‬‬
‫‪ 3‬أي‪ :‬صادق اليمان كما تقدم وعلمة صدقه أن يحركه للعمل الصالح ويحمله على ترك الشرك‬
‫والمعاصي‪.‬‬

‫( ‪)1/207‬‬

‫سمِيعٌ عَلِيمٌ(‬
‫س وَاللّهُ َ‬
‫جعَلُوا ‪ 1‬اللّهَ عُ ْرضَةً‪ 2‬لَ ْيمَا ِنكُمْ أَنْ‪ 3‬تَبَرّوا وَتَ ّتقُوا وَ ُتصْلِحُوا بَيْنَ النّا ِ‬
‫{وَل تَ ْ‬
‫غفُورٌ حَلِيمٌ(‪)225‬‬
‫خ ُذكُمُ اللّهُ بِالّل ْغوِ فِي أَ ْيمَا ِن ُك ْم وََلكِنْ ُيؤَاخِ ُذكُمْ ِبمَا كَسَ َبتْ قُلُو ُبكُمْ وَاللّهُ َ‬
‫‪ )224‬ل ُيؤَا ِ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ(‪ )226‬وَإِنْ عَ َزمُوا‬
‫شهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫لِلّذِينَ ُيؤْلُونَ مِنْ نِسَا ِئ ِهمْ تَرَ ّبصُ أَرْ َبعَةِ َأ ْ‬
‫سمِيعٌ عَلِيمٌ(‪})227‬‬
‫الطّلقَ فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫العرضة ‪ :‬ما يوضع مانعا من شيء‪ ،‬واليمين يحلفها المؤمن أن ل يفعل خيرا‪.‬‬
‫اليمان ‪ :‬جمع يمين‪ ،‬نحو‪ :‬وال ل أفعل كذا أو وال لفعلن كذا‪.‬‬
‫البرور ‪ :‬الطاعة وفعل البر‪.‬‬
‫اللغو ‪ :‬الباطل‪ ،‬وما ل خير فيه‪ .‬ولغو اليمين أن يحلف العبد على الشيء يظنه كذا فيتبين خلفه‪،‬‬
‫أو ما يجري على لسانه من أيمان من غير أرادة الحلف‪.‬‬
‫{كَسَ َبتْ قُلُو ُبكُم}ْ ‪ :‬ما تعمد القلب وقصد اليمين لجله لفعله حتما أو منعه‪.‬‬
‫{ ُيؤْلُونَ} ‪ :‬اليلء ‪ :4‬الحلف على عدم وطء الزوجة‪.‬‬
‫التربص ‪ :‬النتظار والتمهل‪.‬‬
‫{فَاءُوا} ‪ :‬رجعوا إلى وطء نسائهم بعد المتناع عنه باليمين‪.‬‬
‫{الطّلقَ} ‪ :‬فك رابطة الزوجية وحلها بقوله‪ :‬هي طالق أو مطلقة أو طلقتك‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قيل نزلت الية في أبي بكر الصديق لما حلف أن ل ينفق على ابن خالته مسطح‪ ،‬لنه خاض‬
‫في الفك‪ ،‬وقيل‪ :‬نزلت في عبد ال بن رواحة حين حلف أن ل يكلم ختنه بشير بن النعمان‪.‬‬
‫‪ 2‬العرضة‪ :‬ما ينصب في الطريق مانعا‪ ،‬فيعترض طريق السائرين وأصبح يطلق على كل ما‬
‫يوضع أمام الناس‪ ،‬يقال‪ :‬فلن أصبح عرضة للناس‪ .‬أي‪ :‬يقعون فيه‪ ،‬ويقال‪ :‬المرأة عرضة‬
‫للنكاح‪ ،‬أي‪ :‬إذا بلغت فهي أمام أنظار الرجال‪.‬‬
‫‪{ 3‬أن تبروا} أصلها‪ :‬أن ل تبروا فحذفت ل كما حذفت في {يُبَيّنُ اللّهُ َلكُمْ أَنْ َتضِلّوا} أي‪ :‬أن ل‬
‫تضلوا‪ ،‬وحذفها للتخفيف ولظهور المعنى المراد‪.‬‬
‫‪ 4‬يقال‪ :‬ألى يؤلي إيلء‪ ،‬وائتلى وائتلي يأتلي ائتلء‪ ،‬وتألى تأليا إذا حلف على كذا‪ ،‬واليلء جائز‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لتأديب الزواج ولكن ل يصل أربعة أشهر فقد ألى رسول ال صلى ال عليه وسلم من نسائه‬
‫شهرا تأديبا لهن‪.‬‬

‫( ‪)1/208‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫ينهى ال تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يجعلوا الحلف به مانعا من فعل الخير‪ ،‬وذلك كأن‬
‫يحلف العبد أن ل يتصدق على فلن أو أن ل يكلم فلنا أو أن ل يصلح بين اثنين فقال تعالى‪:‬‬
‫جعَلُوا اللّهَ} يريد الحلف به عرضة ليمانكم ‪ ،1‬أي‪ :‬مانعا لكم من فعل خير أو ترك إثم أو‬
‫{وَل تَ ْ‬
‫إصلح بين الناس‪ .‬وأخبرهم أنه سميع لقوالهم عليهم بنياتهم وأفعالهم فليتقوه عز وجل‪.‬‬
‫ثم أخبرهم أنه تعالى ل يؤاخذهم باللغو ‪ 2‬في أيمانهم وهو أن يحلف الرجل على الشيء يظنه كذا‬
‫فيظهر على خلف ما ظن‪ ،‬أو أن يجري على لسانه ما ل يقصده من الحلف كقوله‪ :‬ل‪ ،‬وال‪ ،‬بل‬
‫وال‪ ،‬فهذا مما عفا عنه لعباده فل إثم فيه ول كفارة تجب فيه‪ .‬لكن يؤاخذهم بما كسبت قلوبهم من‬
‫الثم‪ ،‬وذلك كأن يحلف المرء كاذبا ليأخذ حق أخيه المسلم بيمينه الكاذبة فهذه هي اليمين الغموس‬
‫التي تغمس صاحبها في الثم ثم في النار وهذه ل تنفع فيها الكفارة الموضوعة لمن حلف على أن‬
‫ل يفعل ثم حنث‪ ،‬وإنما على صاحب اليمين الغموس التوبة بتكذيب نفسه والعتراف بذنبه ورد‬
‫الحق الذي أخذه بيمينه الفاجرة إلى صاحبه وبذلك يغفر ال تعالى له ويرحمه‪ ،‬وال غفور رحيم‪.‬‬
‫وبمناسبة ذكر اليمين ذكر تعالى حكم من يولي من امرأته أي يحلف أن ل يطأها فأخبر تعالى أن‬
‫على المولي تربص أربعة أشهر‪ ،‬فإن فاء إلى امرأته أي رجع إلى وطئها فبها ونعمت‪ ،‬وعليه أن‬
‫يكفر عن يمينه‪ ،‬وإن لم يفيء إلى وطئها وأصر على ذلك فإن على القاضي أن يوفقه أمامه‬
‫ويطالبه بالفيء فإن أبى طلقها عليه‪.‬‬
‫غفُورٌ رَحِيم} يغفر‬
‫شهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫قال ال تعالى‪{ :‬لِلّذِينَ ُيؤْلُونَ مِنْ نِسَا ِئهِمْ تَرَ ّبصُ أَرْ َبعَةِ أَ ْ‬
‫لهم ما ارتكبوه من الذنب في حق نسائهم ويرحمهم لتوبتهم‪.‬‬
‫وإن عزموا ‪ 3‬الطلق بأن أبوا أن يفيئوا طلقوا‪ ،‬وال سميع لقوالهم عليهم بما في قلوبهم‪.‬‬
‫فليحذروه بعدم فعل ما يكره‪ ،‬وترك فعل ما يجب‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اليمان جمع يمين وهو الحلف‪ ،‬وسمي الحلف يمينا أخذا من اليمين؛ لن عادة العرب إذا حلف‬
‫أحدهم للخر وضع يده اليمنى على يده اليمنى‪ ،‬ويقال أعطاه يمينا إذا حلف له مؤكدا حلفه بوضع‬
‫يده اليمنى على يد صاحبه اليمنى‪.‬‬
‫‪ 2‬اللغو‪ :‬مصدر لغى يلغو لغوا‪ .‬إذا قال كلما خطأ وباطلً‪ ،‬ولذا المؤمنون إذا سمعوا اللغو‬
‫أعرضوا ولم يلتفتوا إليه ولم يأبهوا له {وَالّذِينَ هُمْ عَنِ الّل ْغوِ ُمعْ ِرضُونَ} ‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 3‬عزم الطلق‪ :‬هو التصميم عليه فإن لم يفيئوا فقد وجب عليهم الطلق وعليه فالمولى بين خير‬
‫النظرين‪ ،‬وهما الفيء أو الطلق‪.‬‬

‫( ‪)1/209‬‬

‫هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬كراهية منع الخير بسبب اليمين‪ ،‬وعليه فمن حلف أن ل يفعل خيرا فليكفر عن يمينه وليفعل‬
‫الخير لحديث الصحيح‪" :‬من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي‬
‫هو خير" ‪.‬‬
‫‪ -2‬لغو اليمين معفو عنها ولها صورتان‪ :‬الولى‪ :‬أن يجري على لسانه لفظ اليمين وهو ل يريد‬
‫أن يحلف نحو ل وال‪ ،‬وبلى وال‪ ،‬والثانية‪ :‬أن يحلف على شيء يظنه كذا فيتبين خلفه‪ ،‬مثل أن‬
‫يقول‪ :‬وال ما في جيبي درهم ول دينار وهو ظان أو جازم أنه ليس في جيبه شيء من ذلك ثم‬
‫يجده فهذه صورة لغو اليمين‪.‬‬
‫‪ -3‬اليمين المؤاخذ عليها العبد هي‪ :‬أن يحلف متعمدا الكذب قاصدا له من أجل الحصول على‬
‫منفعة دنيوية وهي المقصودة بقوله تعالى‪َ { :‬وَلكِنْ ُيؤَاخِ ُذكُمْ ِبمَا كَسَ َبتْ قُلُو ُبكُمْ} وتسمى باليمين‬
‫الغموس‪ ،‬واليمين الفاجرة‪.‬‬
‫‪ -4‬اليمين التي تجب فيها الكفارة هي التي يحلف فيها العبد أن يفعل كذا ويعجز فل يفعل‪ ،‬أو‬
‫يحلف أن ل يفعل كذا ثم يضطر ويفعل‪ ،‬ولم يقل أثناء حلفه إن شاء ال‪ ،‬والكفارة مبينة في آية‬
‫المائدة وهي إطعام عشرة مساكين‪ ،‬أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم يجد صام ثلثة أيام‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان حكم اليلء‪ ،‬وهو أن يحلف الرجل أن ل يطأ امرأته مدة فإن كانت أقل من ‪ 1‬أربعة‬
‫أشهر فله أن ل يحنث نفسه ويستمر ممتنعا عن الوطء‪ ،‬إلى أن تنتهي مدة الحلف إل أن الفضل‬
‫أن يطأ ويكفر عن ‪ 2‬يمينه‪ ،‬وإن كانت أكثر من أربعة أشهر فإن عليه أن يفئ إلى زوجته أو تطلق‬
‫عليه وإن كان ساخطا غير راض‪.‬‬
‫{وَا ْلمُطَّلقَاتُ‪ 3‬يَتَرَ ّبصْنَ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ما السر في الربعة أشهر؟ يبدو أنه ثلث السنة‪ ،‬والثلث كثير كما في حديث سعد في الوصية‪،‬‬
‫ويؤيد هذا ما أجراه عمر رضي ال عنه من سؤال النساء عن مدى صبر المرأة على زوجها‪.‬‬
‫فقلن شهران‪ ،‬ويقل صبرها في ثلثة أشهر وينفد في أربعة أشهر‪ .‬فأمر قواد الجناد أن ل يمسكوا‬
‫الرجل في الغزو أكثر من أربعة أشهر‪.‬‬
‫‪ 2‬لقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن‬
‫يمينه وليفعل الذي هو خير" ‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪{ 3‬والمطلقات} الجملة خبرية ومعناها النشاء وهو المر بالتربص ثلثة قروء‪ ،‬وهذا خاص‬
‫بالحرائر‪ ،‬أما الماء فيتربص قرأين ل غير‪ ،‬ثبت هذا بالسنة الصحيحة‪ ،‬وهو قوله صلى ال عليه‬
‫وسلم‪" :‬طلق المة تطليقتان وقرءها حيضتان"‪.‬‬

‫( ‪)1/210‬‬

‫خلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَا ِمهِنّ إِنْ كُنّ ُي ْؤمِنّ بِاللّهِ وَالْ َيوْمِ‬
‫حلّ َلهُنّ أَنْ َيكْ ُتمْنَ مَا َ‬
‫سهِنّ ثَلثَةَ قُرُو ٍء وَل َي ِ‬
‫بِأَ ْنفُ ِ‬
‫الخِ ِر وَ ُبعُولَ ُتهُنّ َأحَقّ بِرَدّهِنّ فِي َذِلكَ إِنْ أَرَادُوا ِإصْلحا وََلهُنّ مِ ْثلُ الّذِي عَلَ ْيهِنّ بِا ْل َمعْرُوفِ‬
‫حكِيمٌ(‪})228‬‬
‫وَلِلرّجَالِ عَلَ ْيهِنّ دَ َرجَ ٌة وَاللّهُ عَزِيزٌ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{وَا ْلمُطَّلقَاتُ} ‪ :‬جمع مطلقة وهي المرأة تسوء عشرتها فيطلقها زوجها أو القاضي‪.‬‬
‫{يَتَرَ ّبصْنَ} ‪ :‬ينتظرن‪.‬‬
‫{قُرُوءٍ} ‪ :‬القرء‪ :‬إما مدة الطهر‪ ،‬أو مدة الحيض‪.‬‬
‫{مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَا ِمهِنّ} ‪ :‬من الجنة فل يحل للمطلقة أن تكتم ذلك‪.‬‬
‫{وَ ُبعُولَ ُتهُنّ} ‪ :‬أزواجهن واحد البعولة‪ :‬بعل؛ كفحل ونخل‪.‬‬
‫{بِ َردّهِنّ فِي ذَِلكَ} ‪ :‬أي‪ :‬في مدة التربص والنتظار‪.‬‬
‫{وََلهُنّ مِ ْثلُ الّذِي عَلَ ْيهِنّ} ‪ :‬يريد على الزوجة حقوق لزوجها‪ ،‬ولها حقوق على زوجها‪.‬‬
‫جةٌ} ‪ :‬هي درجة القوامة ‪ 1‬أن الرجل شرعا هو القيم على المرأة‪.‬‬
‫{وَلِلرّجَالِ عَلَ ْيهِنّ دَرَ َ‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫بمناسبة طلق المؤلي إن أصر على عدم الفيئة ذكر تعالى في هذه الية‪{ :‬وَا ْلمُطَّلقَاتُ‪ }2‬إلخ‪ .‬أن‬
‫على المطلقة التي تحيض أن تنتظر‪ ،‬فل تتعرض للزواج ‪ 3‬مدة ثلثة أقراء فإن انتهت المدة ولم‬
‫يراجعها‬
‫زوجها فلها أن تتزوج‪ ،‬وهذا النتظار يسمى عدة‪ ،‬وهي واجبة مفروضة عليها لحق زوجها‪ ،‬إذ له‬
‫حقّ‬
‫الحق أن يراجعها ‪ 4‬فيها‪ ،‬وهذا معنى قوله تعالى في الية‪{ :‬وَ ُبعُولَ ُتهُنّ أَ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لفظ الدرجة دال على علو المنزلة وهو كذلك‪ ،‬وهو ظاهر في أنه يحميها‪ ،‬ويصونها وينفق‬
‫عليها وتجب طاعته عليها‪ ،‬كما أن هناك فضلً الخلق والكسب والعمل؛ كالجهاد وشهود الجمعة‬
‫والجماعات‪.‬‬
‫‪ 2‬المطلقات‪ :‬جنس يشتمل كل مطلقة ويخرج من ل تحيض لصغر سن أو كبر بدليل الكتاب من‬
‫سورة الطلق‪.‬‬
‫‪ 3‬القرء‪ :‬لفظ مشترك بين الحيض والطهر‪ ،‬ولذا ذهب مالك إلى أن القرء‪ :‬الطهر‪ ،‬فجعل العدة‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ثلثة أطهار‪ ،‬ورجحه قوله تعالى‪{ :‬فَطَّلقُوهُنّ ِلعِدّ ِتهِنّ} وهو أول الطهر‪ ،‬وذهب غيره إلى أن‬
‫القرء‪ :‬الحيض‪ ،‬والكل جائز وواسع والحمد ل‪ ،‬إلى أن العتداد بالطهار أرفق بالمطلقة إذ تكون‬
‫المدة أقصر لنها تطلق في طهر لم يجامعها فيه الزوج فيبقى عليها طهران فقط‪.‬‬
‫‪ 4‬جعل ال تعالى مدة العدة رحمة بالزوجين‪ ،‬إذ قد تحدث لهما ندامة فيتراجعان بل كلفة‪ ،‬قال‬
‫ح ِدثُ َب ْعدَ ذَِلكَ َأمْرا} ‪ ،‬أي‪ :‬المراجعة‪ ،‬وللرجعية‬
‫تعالى من سورة الطلق‪{ :‬ل تَدْرِي َل َعلّ اللّهَ يُ ْ‬
‫النفقة على الزوج‪ ،‬لنها محبوسة من أجله ول يجوز له أن يستمتع بها ل بالنظر ول غيره‪ ،‬ولو‬
‫و طئها بدون نية مراجعة إثم ول حد عليه للشبهة‪.‬‬

‫( ‪)1/211‬‬

‫بِرَدّهِنّ فِي ذَِلكَ إِنْ أَرَادُوا ِإصْلحا}‪.‬‬


‫كما أن على المطلقة أن ل تكتم الحيض بأن تقول‪ :‬ما حضت إل حيضة أو حيضتين وهي‬
‫حاضت ثلثا تريد بذلك الرجعة لزوجها‪ ،‬ول تقول حضت ثلثا وهي لم تحض من أجل أن ل‬
‫ترجع إلى زوجها‪ ،‬ول تكتم الحمل كذلك حتى إذا تزوجت من آخر تنسب إليه الولد وهو ليس‬
‫حلّ َلهُنّ أَنْ َيكْ ُتمْنَ مَا خََلقَ اللّهُ فِي‬
‫بولده‪ ،‬وهذا من كبائر الذنوب‪ .‬ولذا قال تعالى‪{ :‬وَل َي ِ‬
‫حقّ‬
‫أَرْحَا ِمهِنّ} ‪ ،‬يريد من حيض وحمل إن كن يؤمن بال واليوم الخر وقوله تعالى‪{ :‬وَ ُبعُولَ ُتهُنّ أَ َ‬
‫بِرَدّهِنّ فِي ذَِلكَ} يريد الزوج أحق بزوجته المطلقة ما دامت في عدتها وعلى شرط أن ل يريد‬
‫بإرجاعها المضارة بها بل ل بد وأن يريد برجعتها الصلح وطيب العشرة بينهما وهذا ظاهر‬
‫قوله تعالى‪{ :‬إِنْ أَرَادُوا ِإصْلحا} ‪ ،‬وعلى المطلقة أن تنوي برجوعها إلى زوجها الصلح أيضا‪.‬‬
‫ثم أخبر تعالى أن للزوجة من الحقوق على زوجها‪ ،‬مثل ما للزوج عليها من حقوق فقال تعالى‪:‬‬
‫{وََلهُنّ مِ ْثلُ الّذِي عَلَ ْيهِنّ بِا ْل َمعْرُوفِ} وأخبر أن للرجل على المرأة درجة لم ترقها المرأة ولم تكن‬
‫لها وهي القيومية المفهومة من قوله تعالى من سورة النساء‪{ :‬الرّجَالُ َقوّامُونَ عَلَى النّسَاءِ ِبمَا‬
‫حكِيمٌ}‬
‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ وَ ِبمَا أَ ْن َفقُوا مِنْ َأ ْموَاِلهِمْ} وختمت الية بجملة‪{ :‬وَاللّهُ عَزِيزٌ َ‬
‫ضلَ اللّهُ َب ْع َ‬
‫َف ّ‬
‫إشعارا بوجوب تنفيذ هذه التعاليم لعزة ال تعالى وحكمته فإن الغالب يجب أن يطاع والحكيم يجب‬
‫أن يسلم له في شرعه؛ لنه صالح نافع غير ضار‪.‬‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان عدة المطلقة إذا كانت تحيض وهو التربص ثلثة حيض أو أطهار‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة كتمان المطلقة حيضا أو حملً خلقه ال تعالى في رحمها‪ ،‬ولي غرض كان‪.‬‬
‫‪ -3‬أحقية ‪ 1‬الزوج بالرجعة من مطلقته إذا لم تنقض عدتها‪ ،‬حتى قبل الرجيعة زوجة بدليل أنها‬
‫لو ماتت يرثها زوجها ولو مات ترثه‪ .‬وأنه ل يحل أن تخطب أو تتزوج ما دامت في عدتها‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -4‬إثبات حقوق كل من ‪ 2‬الزوجين على صاحبه‪.‬‬
‫__________‬
‫حقّ بِرَدّهِنّ} أن المطلقة لها حق أن ل ترجع والزوج له حق‬
‫‪ 1‬معنى أحق في قوله‪{ :‬وَ ُبعُولَ ُتهُنّ أَ َ‬
‫أن يراجعها متى شاء فكان هناك حقان أقواهما حق الزوج‪ .‬أو يقال‪ :‬اسم التفضيل هنا ليس على‬
‫بابه‪ ،‬والول أظهر لقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬اليم أحق بنفسها" ‪.‬‬
‫‪ 2‬من الحقوق المتبادلة بين الزوجين أن يتزين كل منهما لصاحبه بما يكون زينة عرفية لهما مما‬
‫هو مباح‪.‬‬

‫( ‪)1/212‬‬

‫‪ -5‬تقرير سيادة الرجل على المرأة لما وهبه ال من ميزات ‪ 1‬الرجولة المفقودة في المرأة‪.‬‬
‫خذُوا ِممّا آتَيْ ُتمُوهُنّ شَيْئا‬
‫حلّ َل ُكمْ أَنْ تَأْ ُ‬
‫ن وَل يَ ِ‬
‫{الطّلقُ‪ 2‬مَرّتَانِ فَِإمْسَاكٌ ِب َمعْرُوفٍ َأوْ تَسْرِيحٌ بِِإحْسَا ٍ‬
‫حدُودَ اللّهِ فَل جُنَاحَ عَلَ ْي ِهمَا فِيمَا افْتَ َدتْ ِبهِ تِ ْلكَ‬
‫خفْتُمْ أَل ُيقِيمَا ُ‬
‫حدُودَ اللّهِ فَإِنْ ِ‬
‫إِل أَنْ يَخَافَا أَل ُيقِيمَا ُ‬
‫حدُودُ اللّهِ فَل َتعْتَدُوهَا َومَنْ يَ َتعَدّ حُدُودَ اللّهِ فَأُولَ ِئكَ هُمُ الظّاِلمُونَ(‪})229‬‬
‫ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{الطّلقُ‪ : }3‬السم من طلق وهو أن يقول لزوجته‪ :‬أنت طالق أو طلقتك‪.‬‬
‫{مَرّتَانِ‪ : }4‬يطلقها‪ ،‬ثم يردها‪ ،‬ثم يطلقها ثم يردها‪ .‬أي يملك الزوج الرجاع في طلقتين أما إن‬
‫طلق الثالثة فل يملك ذلك ول ترجع حتى تنكح زوجا غيره‪.‬‬
‫خفْتُمْ أَل ُيقِيمَا حُدُودَ اللّهِ} ‪ :‬حسن العشرة فإن خافت المرأة أو خاف الزوج أن ل يؤدي‬
‫{فَإِنْ ِ‬
‫حقوق الزوجية جاز الفداء وهو دفع مال للزوج ليخلي سبيل المرأة تذهب حيث شاءت‪ ،‬ويسمى‬
‫هذا خلعا‪.‬‬
‫{حُدُودَ اللّهِ} ‪ :‬ما يجب أن ينتهي إليه العبد من طاعة ال ول يتجاوزه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬تقدم ذكر بعضها في الصفحة قبل ذي تحت رقم ‪.4‬‬
‫‪ 2‬كان الطلق في الجاهلية وبرهة من الزمن في السلم ليس له حد فقد يطلق الرجل امرأته‬
‫عشرات المرات حتى إن رجلً قال لمرأته ل آويك ول أدعك تحلين‪ .‬قالت وكيف؟ قال‪ :‬أطلقك‬
‫فإذا دنا مضي عدتك راجعتك‪ ،‬فشكت ذلك إلى عائشة فذكرت ذلك لرسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فأنزل ال تعالى هذه الية‪{ :‬الطلق مرتان} إلخ‪.‬‬
‫‪ 3‬الطلق شرعا‪ :‬هو حل العصمة المنعقدة بين الزوجين بألفاظ مخصوصة منها‪ :‬أنت طالق‪.‬‬
‫والطلق مباح لرفع الضرر عن أحد الزوجين أو عن كليهما‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 4‬روى الدارقطني‪ ،‬عن أنس‪ :‬أن رجلً قال لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬قال ال تعالى‪:‬‬
‫{الطلق مرتان} فلما صار ثلثا؟‪ .‬قال‪{ :‬فَِإمْسَاكٌ ِب َمعْرُوفٍ َأوْ تَسْرِيحٌ بِِإحْسَانٍ} هي الثالثة‪.‬‬

‫( ‪)1/213‬‬

‫الظالم ‪ :‬المتجاوز لما حد ال تعالى‪ ،‬والظلم وضع الشيء في غير موضعه‪.‬‬


‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫ما زال السياق في بيان أحكام الطلق فيقرر تعالى في هذه الية أن الطلق الذي يملك الزوج‬
‫الرجعة فيه هو طلقتان‪ :‬أولى‪ ،‬وثانية فقط‪ ،‬ومن هنا فمن طلق الثانية فهو بين خيارين؛ إما أن‬
‫يمسك زوجته بمعروف‪ ،‬أو يطلقها بإحسان فإن طلقها فل تحل له حتى تنكح زوجا غيره‪ ،‬هذا‬
‫معنى قوله تعالى‪{ :‬الطّلقُ مَرّتَانِ فَِإمْسَاكٌ ِب َمعْرُوفٍ} لي يحسن العشرة وهو أداء ما للزوج من‬
‫حقوق‪ ،‬أو تسريح أي تطليق بإحسان بأن يعطيها باقي صداقها إن كان‪ ،‬ويمتعها بشيء من المال‬
‫ول يذكرها بسوء‪.‬‬
‫خذُوا ِممّا آتَيْ ُتمُوهُنّ شَيْئا} ‪ :‬حرم تعالى على الزوج أن يأخذ من‬
‫حلّ َل ُكمْ‪ 1‬أَنْ تَأْ ُ‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬وَل يَ ِ‬
‫مهر زوجته شيئا بدون رضاها‪ ،‬إل في حال واحدة وهي إذا كرهت المرأة الزوج ولم تطق البقاء‬
‫معه‪ ،‬وهو غير ظالم لها في هذه الحال يجوز أن تعطي الزوج مالً ويطلقها ويسمى هذا خلعا‪،‬‬
‫حدُودَ اللّهِ} وهي هنا‬
‫خفْتُمْ أَل ُيقِيمَا ُ‬
‫وهو ‪ 2‬حلل على الزوج غير الظالم‪ ،‬وهذا معنى‪{ :‬فَإِنْ ِ‬
‫المعاشرة الحسنة فل جناح أي ل إثم فميا فدت ‪ 3‬به نفسها فلها أن تعطي المال للزوج وله أن‬
‫يأخذه منها مقابل تركها وحل عصمة الزوجية بينهما‪.‬‬
‫حدُودُ اللّهِ‪ }4‬يريد أحكام شرعه فل يحل تجاوز الحلل إلى الحرام‪ ،‬ول تجاوز‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬تِ ْلكَ ُ‬
‫الحسان إلى الساءة ول المعروف إلى المنكر ومن يتعد حدود ال فقد ظلم نفسه‪ ،‬عرضها‬
‫للعذاب‪ ،‬وما ينبغي له ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫خفْتُمْ أَل ُيقِيمَا حُدُودَ اللّهِ} للحكام وولة المور‪.‬‬
‫‪ 1‬الخطاب هنا للزواج وفي قوله‪{ :‬فَإِنْ ِ‬
‫‪ 2‬ل خلف في أن المخالع منها بائنة ل يملك الزوج رجعتها في العدة‪ ،‬وهل يعتبر الخلع طلقا‬
‫أو فسخا‪ .‬الراجح أنه طلق فتعتد المخالع منها عدة الطلق ثلثة قروء‪.‬‬
‫‪ 3‬أما ما كان من الفدية مثل المهر أو أقل فل خلف فيه‪ ،‬أي‪ :‬في جوازه‪ ،‬وأما ما كان أكثر من‬
‫المهر ففيه خلف‪ .‬والراجح على أنه جائز ولكنه مناف لمكارم الخلق‪.‬‬
‫‪ 4‬القصر في جملة‪{ :‬فَأُولَ ِئكَ هُمُ الظّاِلمُونَ} ‪ ،‬قصر حقيقي‪ .‬إذ كل ظالم متعد لحدود ال‪.‬‬

‫( ‪)1/214‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة الطلق الثلث ‪ 1‬بلفظ واحد؛ لن ال تعالى قال‪{ :‬الطّلقُ مَرّتَانِ}‪.‬‬
‫‪ -2‬المطلقة ثلث طلقات ل تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره ‪ 2‬ويطلقها أو يموت عنها‪.‬‬
‫‪ -3‬مشروعية الخلع وهو أن تكره المرأة البقاء مع زوجها فتخلع نفسها منه بمال تعطيه إياه‬
‫عوضا عما أنفق عليها في الزواج بها‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب الوقوف عند حدود ال وحرمة تعديها‪.‬‬
‫‪ -5‬تحريم الظلم وهو ثلثة أنواع‪ :‬ظلم الشرك وهذا ل يغفر للعبد إل بالتوبة منه‪ ،‬وظلم العبد‬
‫لخيه النسان وهذا لبد من التحلل منه‪ ،‬وظلم العبد لنفسه بتعدي حد من حدود ال وهذا أمره إلى‬
‫ال إن شاء غفره وإن شاء واخذ به‪.‬‬
‫جعَا إِنْ‬
‫حلّ لَهُ مِنْ َبعْدُ حَتّى تَ ْنكِحَ َزوْجا غَيْ َرهُ فَإِنْ طَّل َقهَا فَل جُنَاحَ عَلَ ْي ِهمَا أَنْ يَتَرَا َ‬
‫{فَإِنْ طَّل َقهَا فَل َت ِ‬
‫حدُودُ اللّهِ يُبَيّ ُنهَا ِلقَوْمٍ َيعَْلمُونَ(‪})230‬‬
‫ظَنّا أَنْ ُيقِيمَا حُدُودَ اللّ ِه وَتِ ْلكَ ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫حلّ لَهُ} ‪ :‬الطلقة الثالثة فل تحل له إل بعد أن تنكح زوجا غيره‪.‬‬
‫{فَإِنْ طَّل َقهَا فَل َت ِ‬
‫{فَل جُنَاحَ عَلَ ْي ِهمَا} ‪ :‬أي ل إثم ول حرج عليهما في الزواج من جديد‪.‬‬
‫جعَا} ‪ :‬أن يرجع كل منهما إلى صاحبه بعقد جديد وبشرط أن يظنا إقامة حدود ال فيهما‪،‬‬
‫{أَنْ يَتَرَا َ‬
‫وإل فل يجوز نكاحهما‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫يقول تعالى مبينا حكم من طلق امرأته الطلقة الثالثة‪ :‬فإن طلقها فل تحل له حتى تنكح زوجا‬
‫غيره‪ ،‬ويكون النكاح صحيحا ويبني بها الزوج الثاني لحديث‪" :‬حتى تذوقي عسيلته‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وهو الطلق البدعي‪ ،‬والجمهور على أنه يقع ثلثة وخلف الجمهور يقولون‪ :‬طلق بدعي‬
‫سهِنّ ثَل َثةَ قُرُوءٍ} والطلق‬
‫ويقع واحدة‪ ،‬ودليلهم الية‪{ :‬الطلق مرتان}‪{ ،‬وَا ْلمُطَّلقَاتُ يَتَرَ ّبصْنَ بِأَ ْنفُ ِ‬
‫بلفظ الثلث ليس فيه مرتان ول إقراء‪ ،‬فلذا هو بدعي ول تبين المطلقة به‪ ،‬بل هي مطلقة واحدة‬
‫ل غير‪.‬‬
‫‪ 2‬ل يحل لمرء أن يتزوج مطلقة ثلثا ليحلها لزوجها للعن الرسول صلى ال عليه وسلم من‬
‫يفعل ذلك في قوله‪" :‬لعن ال المحلل والمحلل له" ‪ .‬وسماه‪ :‬بالتيس المستعار‪.‬‬

‫( ‪)1/215‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ويذوق عسيلتك" ‪ ،‬فإن طلقها الثاني بعد البناء و الخلوة والوطء أو مات عنها جاز لها أن تعود إلى‬
‫الول إن رغب هو في ذلك وعلما من أنفسهما أنهما يقيمان حدود ال فيهما بإعطاء كل واحد‬
‫حقوق صاحبه ‪ 1‬مع حسن العشرة وإل فل مراجعة تحل لهما‪ .‬ولذا قال تعالى‪{ :‬إِنْ ظَنّا أَنْ ُيقِيمَا‬
‫حدُودَ اللّهِ} ثم نوه ال تعالى بشأن تلك الحدود فقال‪{ :‬وَتِ ْلكَ حُدُودُ اللّهِ} وهي شرائعه‪ ،‬بينهما‬
‫ُ‬
‫سبحانه وتعالى لقوم يعلمون ‪ ،2‬إذ العالمون بها هم الذين يقفون عندها ول يتعدونها فيسلمون من‬
‫وصمه الظلم وعقوبة الظالمين‪.‬‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬المطلقة ثلثا ل تحل لمطلقها ‪ 3‬إل بشرطين‪ :‬الول‪ :‬أن تنكح زوجا ًغيره نكاحا صحيحا‪،‬‬
‫ويبنى بها ويطأها‪ .‬والثاني‪ :‬أن يغلب على ظن كل منهما أن العشرة بينهما تطيب وأن ل يتكرر‬
‫ذلك العتداء الذي أدى إلى الطلق ثلث مرات‪.‬‬
‫‪ -2‬موت الزوج الثاني كطلقه تصح معه الرجعة إلى الزوج الول بشرطه‪.‬‬
‫‪ -3‬إن تزوجت المطلقة ثلثا بنية التمرد على الزوج حتى يطلقها لتعود إلى الول فل يحلها هذا‬
‫النكاح لجل التحليل‪ ،‬لن الرسول صلى ال عليه وسلم أبطله وقال‪" :‬لعن ال المحلل والمحلل له"‬
‫ويسمى بالتيس المستعار‪ ،‬ذاك الذي يتزوج المطلقة ثلثا بقصد أن يحلها للول‪.‬‬
‫ن ضِرَارا‬
‫سكُوهُ ّ‬
‫ف وَل ُتمْ ِ‬
‫سكُوهُنّ ِب َمعْرُوفٍ َأوْ سَرّحُوهُنّ ِب َمعْرُو ٍ‬
‫{وَإِذَا طَّلقْتُمُ النّسَاءَ فَبََلغْنَ َأجََلهُنّ فََأمْ ِ‬
‫س ُه وَل تَتّخِذُوا آيَاتِ اللّهِ هُزُوا وَا ْذكُرُوا ِن ْع َمتَ اللّهِ عَلَ ْي ُك ْم َومَا‬
‫لِ َتعْتَدُوا َومَنْ َيفْ َعلْ ذَِلكَ َفقَدْ ظَلَمَ َنفْ َ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ(‪})231‬‬
‫ظكُمْ ِب ِه وَاتّقُوا اللّهَ وَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ ِب ُكلّ َ‬
‫ح ْكمَةِ َي ِع ُ‬
‫ب وَالْ ِ‬
‫أَنْ َزلَ عَلَ ْيكُمْ مِنَ ا ْلكِتَا ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ذهب بعض الفقهاء إلى أن ليس على الزوجة عمل لزوجها ول حق له عليها إل في الستمتاع‬
‫بها‪ ،‬وهو قول واهٍ يرده ما كان عليه بنات رسول ال صلى ال عليه وسلم وأزواجه وأزواج‬
‫أصحابه‪ ،‬إذ كن يطحن ويغسلن ويطبخن ويقمن بعمل المنزل ويأمرن بذلك بل ويضربن إن‬
‫قصرن فيه‪.‬‬
‫‪ 2‬أي الذين يفهمون الحكام فهما يهيئهم للعمل بها وبإدراك مصالحها فل يتحيلون في فهمها‬
‫ليتركوا العمل بها‪.‬‬
‫‪ 3‬اختلف فيمن طلقت طلقة أو طلقتين ثم تزوجت ومات زوجها وطلقها ورجعت إلى زوجها‬
‫الول‪ ،‬فهل النكاح الجديد يهدم السابق أو تبقى على ما كانت عليه؟‪ .‬الجمهور على أنها تبقى على‬
‫ما كانت عليه من طلقة أو طلقتين‪.‬‬

‫( ‪)1/216‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{َأجََلهُنّ} ‪ :‬أجل المطلقة مقاربة ‪ 1‬انتهاء أيام عدتها‪.‬‬
‫{َأوْ سَرّحُوهُنّ} ‪ :‬تسريح المطلقة تركها بل مراجعة لها حتى تنقضي عدتها وتبين من زوجها‪.‬‬
‫{ضِرَارا} ‪ :‬مضارة لها وإضرارا بها‪.‬‬
‫{لِ َتعْتَدُوا} ‪ :‬لتتجاوزوا حد الحسان إلى الساءة‪.‬‬
‫{هُزُوا‪ : }2‬لعبا بها بعدم التزامكم بتطبيق أحكامها‪.‬‬
‫{ ِن ْع َمتَ اللّهِ} ‪ :‬هنا هي السلم‪.‬‬
‫ح ْكمَةِ‪ : }3‬السنة النبوية‪.‬‬
‫{وَالْ ِ‬
‫ظ ُكمْ بِهِ} ‪ :‬بالذي أنزله من أحكام الحلل والحرام لتشكروه تعالى بطاعته‪.‬‬
‫{ َيعِ ُ‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫ما زال السياق في بيان أحكام الطلق والخلع والرجعة ففي هذه الية يأمر تعالى عباده المؤمنين‬
‫إذا طلق أحدهم امرأته وقاربت نهاية عدتها أن يراجعها فيمسكها ‪ 4‬بمعروف‪ ،‬والمعروف هو‬
‫حسن عشرتها أو يتركها حتى تنقضي عدتها ويسرحها بمعروف فعيطيها كامل حقوقها ول يذكرها‬
‫إل بخير ويتركها تذهب حيث شاءت‪ .‬وحرم على أحدهم أن يراجع امراته من أجل أن يضر بها‬
‫ن ضِرَارا لِ َتعْتَدُوا} يريد‬
‫سكُوهُ ّ‬
‫فل هو يحسن إليها ول يطلقها فتستريح منه‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬وَل ُتمْ ِ‬
‫عليهن حتى تضطر المرأة المظلومة إلى المخالعة فتفدي نفسها منه بمال وأخبر تعالى‪ :‬أن من‬
‫يفعل هذا الضرار فقد عرض نفسه للعذاب الخروي‪.‬‬
‫كما نهى تعالى المؤمنين عن التلعب بالحكام الشرعية‪ ،‬وذلك بإهمالها وعدم تنفيذها فقد قال‬
‫تعالى‪{ :‬وَل تَتّخِذُوا آيَاتِ‪ 5‬اللّهِ هُزُوا} وأمرهم أن يذكروا نعمة ال عليهم حيث من‬
‫__________‬
‫‪ 1‬بالجماع أن المراد من بلوغ الجل هنا‪ :‬مقاربة بلوغه لنه إذا بلغ الجل ل خيار له في‬
‫المساك‪.‬‬
‫‪ 2‬ل خلف بين أهل العلم أن من طلق هازلً أن الطلق يلزمه لحديث أبي داود أن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم قال‪" :‬ثلث جدهن جد وهزلهن جد‪ :‬النكاح والطلق والرجعة "‪.‬‬
‫‪ 3‬الحكمة‪ :‬هي السنة المبينة على لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم مراد ال فيما ل نص عليه‬
‫من الكتاب‪.‬‬
‫‪ 4‬قال أهل العلم‪ :‬إن من المساك بالمعروف أن الزوج إذا لم يجد ما ينفق على زوجته يطلقها‪،‬‬
‫فإن لم يطلقها خرج من حد المعروف‪.‬‬
‫‪ 5‬روي عن أبي الدرداء أنه قال‪ :‬كان الرجل في الجاهلية يطلق ويقول‪ :‬إنما طلقت وأنا لعب‪.‬‬
‫خذُوا آيَاتِ اللّهِ هُزُوا} ‪.‬‬
‫وينكح ويعتق ويقول‪ :‬كنت لعبا‪ .‬فنزلت هذه الية‪{ :‬وَل تَتّ ِ‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/217‬‬

‫عليهم بالسلم دين الرحمة والعدالة والحسان‪ ،‬وذلك ليشكروه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه‪.‬‬
‫كما عليهم أن يذكروا نعمة ال عليهم زيادة على السلم وهي نعمة إنزال الكتاب‪ .‬والحكمة‬
‫ليعظهم بذلك فيأمرهم بما فيه سعادتهم وكمالهم‪ ،‬وينهاهم عما فيه شقاؤهم وخسرانهم‪ :‬ثم أمرهم‬
‫بتقواه عز وجل‪ :‬فقال‪{ :‬وَا ّتقُوا اللّهَ} وأعلمهم أنه أحق أن يُتقى؛ لنه بكل شيء عليم ل يخفى عليه‬
‫من أمرهم شيء فليحذروا أن يراهم على معصيته مجانبين لطاعته‪.‬‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬ل يحل للمطلق أن يراجع امرأته من أجل أن يضر بها ويظلمها حتى تخالعه بمال‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة التلعب بالحكام الشرعية بعدم مراعتها وتنفيذها‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب ذكر نعمة ال على العبد وذلك بذكرها باللسان‪ ،‬والعتراف ‪ 1‬بها في الجنان‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب تقوى ال تعالى في السر والعلن‪.‬‬
‫‪ -5‬مراقبة ال تعالى في سائر شؤون الحياة؛ لنه بكل شيء عليم‪.‬‬
‫جهُنّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْ َنهُمْ بِا ْل َمعْرُوفِ‬
‫{وَإِذَا طَّلقْتُمُ النّسَاءَ فَبََلغْنَ َأجََلهُنّ فَل َت ْعضُلُوهُنّ أَنْ يَ ْنكِحْنَ أَ ْزوَا َ‬
‫طهَ ُر وَاللّهُ َيعَْل ُم وَأَنْتُ ْم ل‬
‫ذَِلكَ‪ 2‬يُوعَظُ ِبهِ مَنْ كَانَ مِ ْنكُمْ ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه وَالْ َيوْ ِم الخِرِ ذَِلكُمْ أَ ْزكَى َل ُك ْم وَأَ ْ‬
‫َتعَْلمُونَ(‪})232‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{فَبََلغْنَ َأجََلهُنّ} ‪ :‬أي انتهت عدتهن ‪.3‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وصرفها فيما يرضي المنعم عز وجل وذلك باستعمال القوى الفعلية والبدنية في طاعة ال‬
‫وإنفاق المال فيما يجب أن ينفق فيه‪.‬‬
‫‪{ 2‬ذَِلكَ يُوعَظُ بِهِ} الشارة فيه إلى حكم العضل المحرم والمخاطب به سائر المسلمين ولم يقل‪:‬‬
‫ذلكم‪ ،‬إذ الصل هو الشارة إلى المذكور وهو مفرد ولو قال‪ :‬ذلكم‪ ،‬جاز‪.‬‬
‫‪ 3‬بلوغ الجل في هذه الية هو نهايته وليس كالية السابقة‪ ،‬إذ بلوغ الجل فيها المراد‪ :‬قرب‬
‫نهايته‪ ،‬إذ لو بلغ الجل نهايته ما كان صحت مراجعتها‪.‬‬

‫( ‪)1/218‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{فَل َت ْعضُلُوهُنّ} ‪ :‬أي ل تمنعوهن من التزوج مرة أخرى بالعودة إلى الرجل الذي طلقها ولم‬
‫يراجعها حتى انقضت عدتها‪.‬‬
‫ضوْا بَيْ َنهُمْ بِا ْل َمعْرُوفِ} ‪ :‬إذا رضي الزوج المطلق أن يردها إليه ورضيت هي بذلك‪.‬‬
‫{ِإذَا تَرَا َ‬
‫{ذَِلكَ يُوعَظُ بِهِ} ‪ :‬أي النهي عن العضل يُكلف به أهل اليمان إذ هم القادرون على الطاعة‪.‬‬
‫{ذَِلكُمْ أَ ْزكَى َلكُمْ} ‪ :‬أي ترك العضل خير لكم من العضل وأطهر لقلوبكم؛ إذ العضل قد يسبب‬
‫ارتكاب الفاحشة‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫ينهى ال تعالى أولياء أمور النساء أن يمنعوا المطلقة طلقة أو طلقتين فقط من أن تعود إلى زوجها‬
‫الذي طلقها وبانت منه بانقضاء عدتها‪ ،‬إذا رضيت هي بالزواج منه مرة أخرى ورضي هو به‬
‫وعزما على المعاشرة الحسنة بالمعروف وكانت هذه الية استجابة لخت معقل بن يسار رضي‬
‫ال عنه حيث أرادت أن ترجع إلى زوجها ‪ 1‬الذي طلقها وبانت منه بانقضاء العدة فمنعها أخوها‬
‫معقل‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬ذَِلكَ يُوعَظُ ِبهِ} أي هذا النهي عن العضل يوجه إلى أهل اليمان بال واليوم الخر‬
‫فهم الحياء الذي يستجيبون ل ورسوله إذا أمروا أو نهوا‪.‬‬
‫ل ومآلً‪ ،‬وأطهر‬
‫وأخيرا أخبرهم تعالى أن عدم منع المطلقة من العودة إلى زوجها خير لهم‪ ،‬حا ً‬
‫لقلوبهم ومجتمعهم‪ .‬وأعلمهم أنه يعلم عواقب المور وهم ل يعلمون فيجب التسليم بقبول شرعه‪،‬‬
‫والنصياع لمره ونهيه‪ .‬فقال تعالى‪{ :‬وَاللّهُ َيعْلَ ُم وَأَنْتُمْ ل َتعَْلمُونَ} ‪.‬‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة العضل أي منع المطلقة أن ترجع إلى من طلقها‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب ‪ 2‬الولية على المرأة؛ لن الخطاب في الية كان للولياء {فَل َت ْعضُلُوهُنّ} ‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اسم هذا الزوج‪( :‬أبو البداح) وكان قد طلق أخت معقل بن يسار‪ ،‬ورغب في العودة إليها بنكاح‬
‫جديد بعد انقضاء عدتها‪ ،‬فأبى معقل وقال لها‪ :‬وجهي من وجهك حرام إن تزوجتيه‪ .‬فنزلت هذه‬
‫الية‪{ :‬وإذا طلقتم‪ }...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ 2‬دليله‪ :‬أن أخت معقل كانت ثيبة ومعنها أخوها من الزواج بمن طلقها وراجعها ثم طلقها مرة‬
‫ثانية وانقضت عدتها ولما نزلت هذه الية قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لمعقل‪ " :‬إن كنت‬
‫مؤمنا فل تمنع أختك من أبي البداح "‪ ،‬فقال آمنت بال وردها إلى أبي البداح‪ ،‬فهذا دليل على‬
‫شرطية الولي في النكاح البكر والثيب سواء‪.‬‬

‫( ‪)1/219‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -3‬المواعظ تنفع أهل اليمان لحياة قلوبهم‪.‬‬
‫‪ -4‬في امتثال أوامر ال واجتناب نواهيه الخير كله‪ ،‬والطهر جميعه‪.‬‬
‫حوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ِلمَنْ أَرَادَ أَنْ يُ ِتمّ ال ّرضَاعَ َة وَعَلَى ا ْل َموْلُودِ لَهُ رِ ْز ُقهُنّ‬
‫ضعْنَ َأوْلدَهُنّ َ‬
‫{وَا ْلوَالِدَاتُ يُ ْر ِ‬
‫س َعهَا ل ُتضَا ّر وَالِ َدةٌ ِبوَلَدِهَا وَل َموْلُودٌ لَهُ ِبوََل ِدهِ وَعَلَى‬
‫سوَ ُتهُنّ‪ 1‬بِا ْل َمعْرُوفِ ل ُتكَّلفُ َنفْسٌ إِل وُ ْ‬
‫َوكِ ْ‬
‫ا ْلوَا ِرثِ مِ ْثلُ ذَِلكَ فَإِنْ أَرَادَا ِفصَالً عَنْ تَرَاضٍ مِ ْن ُهمَا وَتَشَاوُرٍ فَل جُنَاحَ عَلَ ْي ِهمَا وَإِنْ أَ َردْتُمْ أَنْ‬
‫ضعُوا َأوْل َد ُكمْ فَل جُنَاحَ عَلَ ْي ُكمْ إِذَا سَّلمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِا ْل َمعْرُوفِ وَاتّقُوا اللّهَ وَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ ِبمَا‬
‫تَسْتَ ْر ِ‬
‫َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ(‪})233‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫حوْلَيْنِ} ‪ :‬عامين‪.‬‬
‫{َ‬
‫{وَعَلَى ا ْل َموْلُودِ لَهُ} ‪ :‬أي على الب‪.‬‬
‫{بِا ْل َمعْرُوفِ} ‪ :‬بحسب حاله يسارا أو إعسارا‪.‬‬
‫س َعهَا} ‪ :‬طاقتها وما تقدر عليه‪.‬‬
‫{وُ ْ‬
‫{ل ُتضَا ّر وَالِ َدةٌ ِبوَلَ ِدهَا ‪ : }2‬أي ل يحل أن تؤذي أم الولد بمنعها من إرضاع ولدها‪ ،‬أو بمنعها‬
‫الجرة على إرضاعه هذا في حال طلقها‪ ،‬أو موت زوجها‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قوله تعالى‪{ :‬كسوتهن} ‪ ،‬إما أن يكون المراد به المرضع غير المطلقة‪ ،‬فهي التي يجب لها‬
‫الكسوة‪ ،‬أما المرضع بأجرة فل كسوة لها وإنما لها ثمن الرضاع‪ ،‬أو يكون ذكر الكسوة من باب‬
‫مكارم الخلق‪ ،‬إذ ذو الخلق الكريم يكرم مرضعة ولده بالكسوة وغيرها‪.‬‬
‫‪ 2‬في الية دليل على أن الم أحق بالحضانة إذا طلقت أو مات الوالد ول خلف في ذلك ما لم‬
‫تتزوج فإن حضانتها تسقط بذلك لقول الرسول صلى ال عليه وسلم لمن شكت إليه‪" :‬إنت أحق به‬
‫ما لم تنكحي" ‪ .‬واختلف في مدة الحضانة‪ ،‬فمالك يرى‪ :‬أنها إلى بلوغ الغلم وتزوج الجارية‪،‬‬
‫ورأى الشافعي‪ :‬أنها إلى ثمان سنوات ثم يخبر الولد بين أبيه وأمه‪ ،‬فأيهما اختار له ذلك‪ ،‬والبنت‬
‫كذلك‪ .‬فقد صح أن النبي صلى ال عليه وسلم خير الولد بين أبيه وأمه‪.‬‬

‫( ‪)1/220‬‬

‫{وَل َموْلُودٌ َلهُ} ‪ :‬أي ول يضار ‪ 1‬الوالد كذلك بأن يجبر على إرضاع الولد من أمه المطلقة أو‬
‫يطالب بأجرة ل يطيقها‪.‬‬
‫{وَعَلَى ا ْلوَا ِرثِ} ‪ :‬الوارث هو الرضيع ‪ 2‬نفسه إن كان له مال وإل فعلى من يكفله من عصبته‪.‬‬
‫{ ِفصَالً} ‪ :‬فطاما للولد قبل نهاية العامين‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫بمناسبة بيان أحكام الطلق وقد تطلق المرأة أحيانا وهي حامل ذكر تعالى أحكام الرضاع‪ ،‬وقال‬
‫عةَ} أي‪ :‬على الم‬
‫حوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ِلمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمّ ال ّرضَا َ‬
‫ضعْنَ َأوْلدَهُنّ َ‬
‫تعالى‪{ :‬وَا ْلوَالِدَاتُ‪ 3‬يُ ْر ِ‬
‫المطلقة أن ترضع ولدها حولين كاملين إن أرادت هي وأب الرضيع إتمام الرضاعة‪ ،‬وأن على‬
‫المولود له وهو الب إن كان موجودا نفقة المرضعة طعاما وشرابا وكسوة بالمعروف بحسب‬
‫حال الوالد من الغنى والفقر‪ ،‬إذ ل يكلف ال نفسا إل ما آتاها من قدرة‪.‬‬
‫ثم نبه تعالى على أنه ل يجوز أن تؤذى الوالدة بسبب ولدها بأن تمنع من إرضاع ولدها أو تكره‬
‫على إرضاعه وهي ل تريد ذلك‪ ،‬أو تحرم النفقة مقابل الرضاع أو يضيق عليها فيها كما ل‬
‫يجوز أن يضار أي يؤذي المولود له وهو الب‪ :‬بأن يجبر على إرضاع ولده من أمه وقد طلقها‬
‫ول يأن يطالب بنفقة باهظة ل يقدر عليها‪ .‬وعلى الوارث وهو الرضيع نفسه إن كان له مال‪ .‬فإن‬
‫لم يكن له مال فعلى عصبته الذكور القرب فالقرب أي عليهم أجرة الرضاع فإن لم يكن للولد‬
‫مال وليس له عصبة وجب على الم أن ترضعه مجانا؛ لنها أقرب الناس إليه‪ ،‬ثم ذكر تعالى‬
‫رخصتين في الرضاع‪ :‬الولى‪ :‬فطام قبل عامين‪ ،‬فإن لهما ذلك بعد التشاور في ذلك وتقدير‬
‫مصلحة الولد من هذا الفطام المبكر‪ .‬فقال تعالى‪{ :‬فَإِنْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وفي الحديث الصحيح‪" :‬ل ضرر ول ضرار" ‪ ،‬ومن هنا رؤى في الحضانة جانب الولد فينظر‬
‫فيمن يقدر على حفظه وتربيته‪ ،‬ولما كانت الم أرحم به وأحن عليه أعطيته ما لم تتزوج وتشغل‬
‫عنه فإن تزوجت فأمها وهي جدته‪ ،‬وإما أم أبيه فخالته أحق به منها‪ ،‬والعبرة بمن يكون أرحم‬
‫وأحفظ بالولد‪.‬‬
‫‪ 2‬الجمهور على أن المراد بالوارث‪ ،‬ورثة الرضيع إذا هلك من نساء ورجال‪ ،‬ذكره القرطبي في‬
‫تفسيره‪ ،‬وقال غيره‪ :‬إن الوارث هو الرضيع إذا مات والده وترك مالً‪ .‬أجرة المرضع من ماله‪،‬‬
‫فإن كان ل مال له فمن مال ورثته هو ول تضار هي في واجب نفقتها ول الوالد أو وارثه في‬
‫أدائها‪ .‬وما فسرنا به الية واضح ومستقيم والحمد ل رب العالمين‪.‬‬
‫‪{ 3‬والوالدات} مبتدأ‪ ،‬وجملة‪ :‬يرضعن‪ ،‬خبر‪ .‬فالجملة خبرية‪ ،‬ومعناها النشاء‪ .‬إذ ما تضمنته‬
‫الجملة هو إرشاد من ال تعالى للمؤمنين في طريقة إرضاع أولدهن‪.‬‬

‫( ‪)1/221‬‬

‫أَرَادَا ِفصَالً عَنْ تَرَاضٍ مِ ْن ُهمَا وَتَشَاوُرٍ فَل جُنَاحَ عَلَ ْي ِهمَا} أي ل تضييق ول حرج‪ .‬والثانية إن‬
‫أراد المولود له أن يسترضع لولده من مرضعا غير أمه فله ذلك إن طابت به نفسه الم‪ ،‬قال‬
‫ضعُوا َأوْل َدكُمْ فَل جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ} بشرط أن يسلم الجرة ‪ 1‬المتفق عليها‬
‫تعالى‪{ :‬وَإِنْ أَرَدْ ُتمْ أَنْ تَسْتَ ْر ِ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بالمعروف بل إجحاف ول مماطلة‪ ،‬وأخيرا وعظ ال كلً من المرضِع والمرضَع له بتقواه في هذه‬
‫الحدود التي وضعها لهما‪ ،‬وأعلمهم أنه بما يعملون بصير فليحذروا مخالفة أمره‪ ،‬وارتكاب نهيه‪.‬‬
‫فسبحانه من إلهٍ عظيم برٍ رحيم‪.‬‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب إرضاع الم ولدها الرضعة الولى "اللّبا" إن كانت مطلقة وسائر الرضاع إن كانت‬
‫غير مطلقة‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان الحد العلى للرضاع وهو عامان ‪ 2‬تامان‪ .‬ولذا فالزيادة عليهما غير معتبرة شرعا‪.‬‬
‫‪ -3‬جواز أخذ الجرة على الرضاع‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب نفقة القارب على بعضهم في حال الفقر‪.‬‬
‫‪ -5‬جواز إرضاع الوالد ولده من ‪ 3‬مرضع غير والدته‪.‬‬
‫شهُ ٍر وَعَشْرا فَِإذَا بََلغْنَ َأجََلهُنّ فَل‬
‫سهِنّ أَرْ َب َعةَ أَ ْ‬
‫{وَالّذِينَ يُ َت َوفّوْنَ مِ ْنكُ ْم وَيَذَرُونَ أَ ْزوَاجا يَتَرَ ّبصْنَ بِأَ ْنفُ ِ‬
‫سهِنّ بِا ْل َمعْرُوفِ وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ(‪ )234‬وَل جُنَاحَ عَلَ ْي ُكمْ فِيمَا‬
‫جُنَاحَ عَلَ ْي ُكمْ فِيمَا َفعَلْنَ فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫علِمَ اللّهُ أَ ّنكُمْ سَتَ ْذكُرُو َنهُنّ‬
‫سكُمْ َ‬
‫خطْبَةِ النّسَاءِ َأوْ َأكْنَنْتُمْ فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫عَ ّرضْتُمْ بِهِ مِنْ ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المراد من الجرة هي تلك التي وجبت للمطلقة بإرضاعها ولدها قبل أخذ الوالد له ليرضعه عند‬
‫غيرها إن لم يكن قد سلمها لها أيام إرضاعها للولد‪.‬‬
‫‪ 2‬لحديث‪" :‬ل رضاع بعد فصال ول يتم بعد احتلم" رواه أبو دواد الطيالسي‪ .‬عن جابر ذكره ابن‬
‫كثير‪ .‬وحديث ابن عباس عند البخاري‪" :‬ل يحرم من الرضاع إل ما كان في الحولين"‪ .‬ولذا فما‬
‫كان من رضاع بعد الحولين فل يحرم بدللة هذا الحديث الصحيح‪.‬‬
‫‪ 3‬إذا كان في ذلك مصلحة للرضيع أو لعجز الوالدة عنه‪.‬‬

‫( ‪)1/222‬‬

‫عقْ َدةَ ال ّنكَاحِ حَتّى يَ ْبلُغَ ا ْلكِتَابُ أَجََلهُ‬


‫وََلكِنْ ل ُتوَاعِدُوهُنّ سِرّا إِل أَنْ َتقُولُوا َق ْولً َمعْرُوفا وَل َتعْ ِزمُوا ُ‬
‫غفُورٌ حَلِيمٌ(‪})235‬‬
‫حذَرُوهُ وَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ َ‬
‫سكُمْ فَا ْ‬
‫وَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ َيعَْلمُ مَا فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{يُ َت َو ّفوْنَ} ‪ :‬يوفيهم ال تعالى ما كتب لهم من العمر فيموتون‪.‬‬
‫{وَيَذَرُونَ أَ ْزوَاجا} ‪ :‬يتركون زوجات لهم‪.‬‬
‫سهِنّ} ‪ :‬ينتظرن حتى انقضاء عدتهن‪ ،‬وهي أربعة أشهر وعشر ليال‪.‬‬
‫{يَتَرَ ّبصْنَ بِأَ ْنفُ ِ‬
‫{بََلغْنَ َأجََلهُنّ} ‪ :‬بلغن انتهاء العدة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{فَل جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ} ‪ :‬ل حرج عليكم أيها الولياء فيما فعلن في أنفسهن من مس الطيب والتجمل‬
‫والتعرض للخطاب‪.‬‬
‫{فَل جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ} ‪ :‬ل إثم عليكم في التعريض دون التصريح بالخطبة‪ ،‬كما ل إثم في إضمار‬
‫الرغبة في النفس‪.‬‬
‫{حَتّى يَبُْلغَ ا ْلكِتَابُ أَجََلهُ} ‪ :‬أي حتى تنتهي العدة‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق في بيان أحكام الطلق والعدد والنفقات‪ ،‬ففي هذه الية(‪ )234‬أن على من مات ‪1‬‬
‫عليها زوجها أن تنتظر أربعة أشهر وعشر ليال إن كانت حرة‪ ،‬أو نصف المدة إن كانت أمة فل‬
‫تتجمل ول تمس طيبا‪ ،‬ول تتعرض للخطاب بحال حتى تنقضي عدتها المذكورة في الية إل أن‬
‫حمَالِ‬
‫ت الَ ْ‬
‫تكون حاملً فإن عدتها تنقضي ‪ 2‬بوضع حملها لقوله تعالى من سورة الطلق‪{ :‬وَأُول ُ‬
‫حمَْلهُنّ} فإذا بلغت أجلها‪ ،‬أي‪ :‬انتهت المدة التي هي‬
‫ضعْنَ َ‬
‫أَجَُلهُنّ أَنْ َي َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬من مات زوجها أو طلقها في غيبته عنها‪ :‬هل تعتد من يوم الطلق أو الوفاة أو من يوم يأتيها‬
‫الخبر بذلك؟‪ .‬الجمهور وهو الراجح أنها تعتد من يوم الوفاة أو الطلق‪ ،‬وعليه فلو مات ز وجها‬
‫أو طلقها ولم يلقها حتى انتهت مدة العدة فل عدة عليها بعد‪.‬‬
‫‪ 2‬يرى بعض السلف أن تعتد المتوفى عنها زوجها بأقصى الجلين‪ ،‬أي‪ :‬بأطولهما‪ ،‬فإن كانت مدة‬
‫الحمل أكثر من أربعة أشهر وعشر اعتدت به‪ ،‬وإل اعتدت بوضع الحمل‪ ،‬وما عليه الجمهور‬
‫أولى‪ ،‬وهو‪ :‬وضع الحمل‪.‬‬

‫( ‪)1/223‬‬

‫محدة فيها فل جناح على ذوي زوجها المتوفي ول على ذويها هي فيما تفعل بنفسها من ترك‬
‫الحداد ‪ 1‬والتعرض للخطاب للتزوج هذا معنى قوله تعالى‪{ :‬وَالّذِينَ يُ َت َو ّفوْنَ مِ ْنكُمْ وَيَذَرُونَ أَ ْزوَاجا‬
‫سهِنّ‬
‫شهُ ٍر وَعَشْرا فَإِذَا بََلغْنَ َأجََلهُنّ فَل جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ فِيمَا َفعَلْنَ فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫سهِنّ أَرْ َبعَةَ أَ ْ‬
‫يَتَرَ ّبصْنَ بِأَ ْنفُ ِ‬
‫بِا ْل َمعْرُوفِ} أي‪ :‬بما هو مباح لهن ووعظهم في ختام الية بقوله‪{ :‬وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ}‬
‫فاحذروه فل تعملون إل ما أذن فيه لكم‪.‬‬
‫أما الية الثانية(‪ )235‬فقد تضمنت تحريم خطبة المرأة المعتدة من طلق أو وفاة فل يحل خطبتها‬
‫لما في ذلك من الضرر؟ إذ قد تحمل هذه الخطبة من رجل مرغوب فيه لماله أو دينه أو نسبه أن‬
‫تدعي المرأة انقضاء عدتها وهي لم تنقض‪ ،‬وقد تفوت على زوجها المطلق لها فرصة المراجعة‪،‬‬
‫وهذا كله ضرر محرم‪ .‬كما تضمنت الية في صدرها رفع الحرج‪ ،‬أي‪ :‬الثم في التعريض‬
‫علَ ْيكُمْ} أيها المسلمون فيما عرضتم‬
‫بالخطبة دون اللفظ الصريح المحرم فقال تعالى‪{ :‬وَل جُنَاحَ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من خطبة النساء المعتدات نحو قوله‪ :‬إني راغب في الزواج‪ ،‬أو إذا انقضت عدتك تشاورينني إن‬
‫أردت الزواج‪ .‬كما تضمنت الكشف عن نفسية الرجل إذ قال تعالى‪{ :‬عَلِمَ اللّهُ أَ ّن ُكمْ سَتَ ْذكُرُو َنهُنّ}‬
‫مبدين رغبتكم منهن فرخص لكم في التعريض دون التصريح‪ ،‬ولكن ل تواعدوهن سرا هذا اللفظ‬
‫هو الدال على تحريم خطبة المعتدة من وفاة أو من طلق بائن‪ ،‬أما الطلق الرجعي فل يصح‬
‫الخطبة فيه تعريضا ول تصريحا؛ لنها في حكم الزوجة‪ ،‬وقوله‪{ :‬إِل أَنْ َتقُولُوا َقوْلً َمعْرُوفا} هو‬
‫الذن بالتعريض‪.‬‬
‫كما تضمنت هذه الية حرمة عقد النكاح على المعتدة حتى تنتهي عدتها إذ قال تعالى‪{ :‬وَل‬
‫عقْ َدةَ‪ 2‬ال ّنكَاحِ حَتّى يَبُْلغَ ا ْلكِتَابُ أَجََلهُ} ‪ ،‬والمراد من الكتاب المدة التي كتب ال على‬
‫َتعْ ِزمُوا ُ‬
‫المعتدة أن تتربص فيها‪ .‬وختمت الية بوعظ ال تعالى المؤمنين حيث أمرهم أن يعلموا أن ال‬
‫يعلم ما في أنفسهم ول يخفى عليه شيء من أعمالهم وتصرفاتهم فليحذروه غاية الحذر‪ ،‬فل‬
‫يخالفوه في أمره ول نهيه‪ .‬كما أعلمهم أنه تعالى غفور لمن تاب منهم بعد الذنب حليم عليهم ل‬
‫يعاجلهم بالعقوبة ليتمكنوا من التوبة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الحداد واجب على المتوفى عنها زوجها فقط لحديث الصحيح‪" :‬ل يحل لمرأة تؤمن بال‬
‫واليوم الخر أن تحد على ميت فوق ثلث ليال إل على زوج أربعة أشهر وعشرا" ‪ .‬والحداد‪:‬‬
‫هو ترك أنواع الزنية حتى الكحل والخضاب‪ ،‬وعليها لزوم البيت وعدم التعرض للخطاب‪.‬‬
‫‪ 2‬أي‪ :‬ل تعقدوا على المعتدة حتى تنقضي عدتها‪ .‬يقال‪ :‬عزم كذا‪،‬وعزم على كذا بمعنى واحد‪.‬‬

‫( ‪)1/224‬‬

‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان عدة الوفاة وهي أربعة أشهر ‪ 1‬وعشر ليال‪ ،‬وبينت السنة أن عدة المة على النصف‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب الحداد على المتوفى عنها زوجها وهو عدم التزين ومس الطيب وعدم التعرض‬
‫للخطاب وملزمة المنزل الذي توفى عنها زوجها وهي فيه فل تخرج منه إل لضرورة قصوى‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة خطبة المعتدة‪ ،‬وجواز التعريض لها بلفظ غير صريح‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة عقد النكاح على معتدة قبل انقضاء عدتها‪ ،‬وهذا من باب أولى ما دام الخطبة محرمة‬
‫ومن عقد على امرأة قبل انقضاء عدتها يفرق بينهما ول تحل له بعد عقوبة لهما ‪.2‬‬
‫‪ -5‬وجوب مراقبة ال تعالى في السر والعلن واتقاء السباب المفضية بالعبد إلى فعل محرم‪.‬‬
‫{ل جُنَاحَ‪ 3‬عَلَ ْيكُمْ إِنْ طَّلقْتُمُ‪ 4‬النّسَاءَ مَا لَمْ َتمَسّوهُنّ َأوْ‪َ 5‬تفْ ِرضُوا َلهُنّ فَرِيضَ ًة َومَ ّتعُوهُنّ عَلَى‬
‫علَى ا ْل ُمحْسِنِينَ(‪ )236‬وَإِنْ طَّلقْ ُتمُوهُنّ مِنْ‬
‫حقّا َ‬
‫ا ْلمُوسِعِ قَدَ ُرهُ وَعَلَى ا ْل ُمقْتِرِ قَدَ ُرهُ مَتَاعا بِا ْل َمعْرُوفِ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن َوقَدْ فَ َرضْتُمْ َلهُنّ فَرِيضَةً فَ ِنصْفُ‪ 6‬مَا فَ َرضْتُمْ إِل أَنْ َي ْعفُونَ َأوْ َي ْعفُوَ‬
‫قَ ْبلِ أَنْ َتمَسّوهُ ّ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قيل‪ :‬الحكمة في العشر ليال بعد الربعة أشهر‪ ،‬أنها التي ينفخ فيها الروح في الجنين لحديث‪:‬‬
‫"إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة" ‪ .‬الحديث‪ .‬فثلثة أربعينات بأربعة أشهر‪،‬‬
‫وفي العشر بعد ينفخ فيه الروح‪ .‬والحديث هو حديث ابن مسعود في مسلم‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا مذهب مالك‪ ،‬أما الجمهور فإنه يفارقها فإذا انتهت عدتها له أن يخطبها ويتزوجها‪ ،‬ول فرق‬
‫في هذا بين عدة الوفاة أو الطلق غير الرجعي‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا استئناف بياني كأن سائلً سأل عن جواز الطلق قبل البناء وعدمه‪ ،‬فأجاب تعالى بقوله‪:‬‬
‫{ل جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ} الية‪ .‬مبينا الجواز وحكم المهر للمطلقة قبل البناء‪.‬‬
‫‪ 4‬المطلقات أربع‪ :‬مطلقة قبل البناء‪ ،‬ولم يسم لها مهر فلها المتعة ول عدة عليها‪ .‬المطلقة قبل‬
‫البناء وسمي لها مهر فلها نصفه إل أن يعفو‪ ،‬ومطلقة بعد البناء لها ما سمي من المهر‪ ،‬وعليها‬
‫العدة‪ ،‬ومطلقة بعد البناء ولم يسم لها مهر فلها مهر مثيلتها‪.‬‬
‫‪ 5‬أو هنا بمعنى الواو‪ ،‬أي‪ :‬ولم تفرضوا‪.‬‬
‫‪ 6‬النصف‪ :‬فيه لغات‪ ،‬كسر النون‪ ،‬وضمها‪ ،‬ونصيف بفتح النون وإشباع الصاد‪ ،‬والنصيف أيضا‪:‬‬
‫قناع المرأة‪.‬‬

‫( ‪)1/225‬‬

‫ضلَ بَيْ َنكُمْ إِنّ اللّهَ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ(‬


‫سوُا ا ْل َف ْ‬
‫ح وَأَنْ َت ْعفُوا َأقْ َربُ لِل ّت ْقوَى وَل تَنْ َ‬
‫عقْ َدةُ ال ّنكَا ِ‬
‫الّذِي بِ َي ِدهِ ُ‬
‫خفْتُمْ فَ ِرجَالً َأوْ‬
‫سطَى َوقُومُوا لِلّهِ قَانِتِينَ(‪ )238‬فَإِنْ ِ‬
‫‪ )237‬حَافِظُوا عَلَى الصَّلوَاتِ وَالصّلةِ ا ْلوُ ْ‬
‫عّل َمكُمْ مَا لَمْ َتكُونُوا َتعَْلمُونَ(‪})239‬‬
‫ُركْبَانا فَإِذَا َأمِنْ ُتمْ فَا ْذكُرُوا اللّهَ َكمَا َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الجناح ‪ :‬الثم المترتب على المعصية‪.‬‬
‫{مَا َلمْ َتمَسّوهُنّ} ‪ :‬ما لم تجامعوهن‪.‬‬
‫{َأوْ َتفْ ِرضُوا} ‪ :‬تقدروا لهن ‪ 1‬مهرا‪.‬‬
‫{ا ْلمُوسِعِ قَدَ ُرهُ} ‪ :‬ذو الوسع في المال‪ ،‬وقدره‪ :‬ما يقدر عليه ويستطيعه‪.‬‬
‫{ا ْل ُمقْتِرِ} ‪ :‬الضيق العيش‪.‬‬
‫عقْ َدةُ ال ّنكَاحِ} ‪ :‬هو الزوج‪.‬‬
‫{الّذِي بِيَ ِدهِ ُ‬
‫سوُا ا ْل َفضْلَ بَيْ َنكُمْ} ‪ :‬أي المودة والحسان‪.‬‬
‫{وَل تَنْ َ‬
‫{حَافِظُوا عَلَى الصَّلوَاتِ} ‪ :‬بأدائها في أوقاتها في جماعة مع استيفاء شروطها وأركانها وسننها‪.‬‬
‫{وَالصّلةِ ا ْلوُسْطَى} ‪ :‬صلة العصر‪ ،‬أو الصبح فتجب المحافظة على كل الصلوات وخاصة‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫العصر والصبح لقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬من صلى البردين –العصر والصبح‪ -‬دخل‬
‫الجنة"‪.‬‬
‫{قَانِتِينَ} ‪ :‬خاشعين ساكنين ‪.2‬‬
‫{فَ ِرجَالً} ‪ :‬مشاة على أرجلكم أو ركبانا على الدواب وغيرها مما يركب‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اختلف في من مات زوجها قبل البناء بها ولم يسم لها صداق هل لها مثل صداق مثيلتها‪ ،‬أو‬
‫ل صداق لها؟ ولكن لها الميراث وعليها العدة‪ .‬فمن قال‪ :‬بالقياس‪ ،‬ل صداق لها‪ ،‬ومن أخذ بحديث‬
‫بروع الذي رواه الترمذي وصححه قال‪ :‬لها مهر المثل وترث وتعتد‪ .‬وبروع‪ :‬امرأة مات زوجها‬
‫قبل البناء بها ولم يسم لها مهرا فقضى رسول ال صلى ال عليه وسلم لها بمهر المثل والميراث‬
‫والعدة‪.‬‬
‫‪ 2‬الخشوع في الصلة مستلزم لترك الكلم فيها وكيف وقد سلم ابن مسعود على رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم وهو في صلته فلم يرد عليه‪ ،‬ثم اعتذر له بقوله‪" :‬إن في الصلة لشغل" أي‪ :‬عن‬
‫الكلم‪.‬‬

‫( ‪)1/226‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في بيان أحكام الطلق وما يتعلق به‪ ،‬ففي هذه الية (‪ :)236‬يخبر تعالى‬
‫عباده المؤمنين أنه ل إثم ول حرج عليهم إن هم طلقوا أزواجهم قبل البناء بهن‪ ،‬وقبل أن يسموا‬
‫لهن مهورا أيضا‪ ،‬وفي هذين الحالين يجب عليهم أن يمتعوهن ‪ 1‬بأن يعطوا المطلقة قبل البناء ولم‬
‫تكن قد أعطيت مهرا ول سمى لها فيعرف مقداره في هذه الحال‪ ،‬وقد تكون نادرة يجب على‬
‫الزوج المطلق جبرا لخاطرها أن يعطيها مالً على قدر غناه وفقره تتمتع به أياما عوضا عما‬
‫فاتها من التمتع بالزواج‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬ل جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ إِنْ طَّلقْتُمُ النّسَاءَ مَا َلمْ َتمَسّوهُنّ َأوْ َتفْ ِرضُوا‬
‫حقّا عَلَى‬
‫َلهُنّ فَرِيضَ ًة َومَ ّتعُوهُنّ عَلَى ا ْلمُوسِعِ قَدَ ُر ُه وَعَلَى ا ْل ُمقْتِرِ َقدَ ُرهُ مَتَاعا بِا ْل َمعْرُوفِ َ‬
‫حسِنِينَ}‪.‬‬
‫ا ْلمُ ْ‬
‫وأما الية الثانية(‪ )237‬فإنه تعالى يخبر أن من طلق امرأته قبل البناء بها وقد سمى لها صداقا قل‬
‫أو كثر فإن عليه أن يعطيها وجوبا نصفه إل أن تعفو عنه المطلقة فل تأخذه تكرما‪ ،‬أو يعفو‬
‫ل فقال عز وجل‪{ :‬وَإِنْ طَّلقْ ُتمُوهُنّ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ‬
‫المطلق تكرما فل يأخذ منه شيئا فيعطيها إياه كام ً‬
‫ن َوقَدْ فَ َرضْتُمْ َلهُنّ فَرِيضَةً فَ ِنصْفُ مَا فَ َرضْتُمْ} ‪-‬أي‪ :‬فالواجب نصف ما فرضتم‪ -‬إل أن‬
‫َتمَسّوهُ ّ‬
‫يعفون –المطلقات‪ -‬أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وهو الزوج‪ .‬ثم بعد تقرير هذا الحكم العادل‬
‫الرحيم دعا الطرفين ‪ 2‬إلى العفو‪ ،‬وأن من عفا منهما كان أقرب إلى التقوى فقال عز وجل‪{ :‬وَأَنْ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سوُا‬
‫َت ْعفُوا َأقْ َربُ لِل ّت ْقوَى} ونهاهم مع هذا عن عدم نسيان المودة والحسان بينهما فقال‪{ :‬وَل تَنْ َ‬
‫ا ْل َفضْلَ بَيْ َنكُمْ إِنّ اللّهَ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ} ‪.‬‬
‫وأما الية الثانية(‪ )238‬فإنه تعالى يرشد عباده المؤمنين إلى ما يساعدهم على اللتزام بهذه‬
‫الواجبات الشرعية والداب السلمية الرفيعة وهو المحافظة على إقامة الصلوات الخمس عامة‬
‫ت وَالصّلةِ ا ْلوُسْطَى} ‪ ،‬وكانوا قبلها‬
‫والصلة الوسطى خاصة فقال تعالى‪{ :‬حَا ِفظُوا عَلَى الصَّلوَا ِ‬
‫يتكلمون في الصلة فمنعهم من ذلك بقوله‪َ { :‬وقُومُوا لِلّهِ قَانِتِينَ} أي ساكنين خاشعين‪ .‬وإن حصل‬
‫خوف ل يتمكنون معه من أداء الصلة على الوجه‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المتعة واجبة للمطلقة قبل البناء ولم يكن سمي لها مهرا ‪ ،‬ومستحبة لغيرها‪ .‬هذا أشهر المذاهب‬
‫وأقربها من الحق‪ ،‬ومقدار المتعة موكول إلى المطلق‪ ،‬فليمتع بحسب حاله غنيا وفقرا‪ ،‬هذا في‬
‫غير المطلقة قبل البناء ولم يسم لها مهرا ؛ لن متعتها واجبة‪ ،‬إذ ليس لها غيرها فقد يتولى‬
‫القاضي بيان مقدارها‪.‬‬
‫‪ 2‬وإن كان الخطاب صالحا لكل من الزوج والزوجة إل إن العفو من الزوجة أولى؛ لن الطلق‬
‫كان منه‪ ،‬ولو كانت هي سببه لكان عفوها هي أولى‪ ،‬ولعل هذا سر قوله‪{ :‬أقرب للتقوى} ‪.‬‬

‫( ‪)1/227‬‬

‫المطلوب من السكون والخشوع فليؤدوها وهم مشاة على أرجلهم أو راكبون على خيولهم‪ ،‬حتى‬
‫إذا زال الخوف وحصل المن فليصلوا على الهيئة التي كانوا يصلون عليها من سكون وسكوت‬
‫خفْتُمْ فَ ِرجَالً َأوْ ُركْبَانا فَإِذَا َأمِنْتُمْ فَا ْذكُرُوا اللّهَ‪َ 1‬كمَا عَّل َمكُمْ مَا َلمْ َتكُونُوا‬
‫وخشوع‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬فَإِنْ ِ‬
‫َتعَْلمُونَ} يريد ال تعالى بالذكر هنا إقام الصلة أولً‪ ،‬ثم الذكر العام مذكرا إياهم بنعمة العلم مطالبا‬
‫إياهم بشكرها وهو أن يؤدوا الصلة على أكمل وجوهها وأتمها؛ لنها المساعد على سائر‬
‫الطاعات وحسبها أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر‪ .‬هذا ما تضمنته الية الرابعة(‪.)239‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان حكم المطلقة قبل البناء وقبل تسمية المهر‪ ،‬وأن لها المتعة فقط بحسب حال المطلق من‬
‫غنى وفقر‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان حكم المطلقة قبل البناء وقد سمى لها صداق فإن لها نصفه وجوبا إل أن تتنازل عنه‬
‫برضاها فلها ذلك كما أن الزوج المطلق إذا تنازل عن النصف وأعطاها المسمى كاملً فله ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬الدعوة إلى إبقاء المودة والفضل والحسان بين السرتين‪ :‬أسرة المرأة المطلقة‪ ،‬وأسرة الزوج‬
‫المطلق‪ ،‬حتى ل يكون الطلق سببا في العداوات والتقاطع‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -4‬وجوب المحافظة على الصلوات الخمس وخاصة صلة العصر ‪ 2‬وصلة الصبح "الصلة‬
‫الوسطى"‪.3‬‬
‫‪ -5‬منع الكلم في الصلة لغير إصلحها‪.‬‬
‫‪ -6‬وجوب الخشوع في الصلة‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬فَإِذَا َأمِنْ ُتمْ فَا ْذكُرُوا اللّهَ} أي‪ :‬أتموا الصلة كما أمركم فأتموا ركوعها وسجودها وقيامها‬
‫وجلوسها كما تفعلون ذلك في حال المن وعدم الخوف‪.‬‬
‫‪ 2‬اختلف في بيان الصلة الوسطى بلغ الخلف عشرة أقوال حتى عدت كل صلة الصلة‬
‫الوسطى حتى يتم المحافظة على الصلوات الخمس كلها‪ ،‬وأقوى القوال إنها الصبح أو العصر‪،‬‬
‫ورجح مالك‪ :‬الصبح‪ ،‬ورجح غيره‪ :‬العصر‪ ،‬والسنة الصحيحة شاهدة لمن قال أنها العصر‪ ،‬وذلك‬
‫لحديث الصحيح‪" :‬شغلونا عن الصلة الوسطى صلة العصر" ‪.‬‬
‫‪ 3‬الوسطى مؤنث الوسط‪ ،‬ووسط الشيء خيره وأعدله‪ ،‬وفي هذا المعنى قال الشاعر‪ ،‬يمدح‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫يا أوسط الناس طرا في مفاخرهم ‪ ...‬وأكرم الناس أما برةً وأبا‬
‫وأفردت الصلة الوسطى بالذكر تشريفا لها‪.‬‬

‫( ‪)1/228‬‬

‫‪ -7‬بيان صلة الخائف من عدو وغيره وأنه يجوز له أن يصلي وهو ماش أو راكب‪.‬‬
‫‪ -8‬المر بملزمة ذكر ال‪ ،‬والشكر على نعمه وبخاصة نعمة العلم بالسلم‪.‬‬
‫ح ْولِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَ َرجْنَ‬
‫ج ِهمْ مَتَاعا‪ِ 1‬إلَى ا ْل َ‬
‫{وَالّذِينَ يُ َت َوفّوْنَ مِ ْنكُ ْم وَيَذَرُونَ أَ ْزوَاجا َوصِيّةً لَزْوَا ِ‬
‫طّلقَاتِ مَتَاعٌ‬
‫حكِيمٌ(‪ )240‬وَلِ ْلمُ َ‬
‫سهِنّ مِنْ َمعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ‪َ 2‬‬
‫فَل جُنَاحَ عَلَ ْي ُكمْ فِي مَا َفعَلْنَ فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫حقّا عَلَى ا ْلمُ ّتقِينَ(‪ )241‬كَذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ َلكُمْ آيَاتِهِ َلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ(‪})242‬‬
‫بِا ْل َمعْرُوفِ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ح ْولِ} ‪ :‬العام‪.‬‬
‫{ا ْل َ‬
‫{فَإِنْ خَرَجْنَ} ‪ :‬من بيت الزوج المتوفي قبل نهاية السنة‪.‬‬
‫{مَتَاعٌ بِا ْل َمعْرُوفِ} ‪ :‬أي متعة ل مبالغة فيها‪ ،‬ول تقصير‪.‬‬
‫حقّا} ‪ :‬متعينا على المطلقين التقياء‪.‬‬
‫{َ‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في بيان حقوق النساء المطلقات والمتوفى عنهن ففي هذه الية(‪ )240‬يخبر تعالى‬
‫أن الذين يتوفون من المؤمنين ويتركون أزواجا فإن لهن من ال تعالى وصية على ورثة الزوج‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫المتوفى أن ينفذوها وهي أن يسمحوا لزوجة المتوفى عنها أن تبقى معهم في البيت تأكل وتشرب‬
‫إلى نهاية السنة بما فيها مدة العدة وهي أربعة أشهر وعشر ليال إل إذا رغبت في الخروج بعد‬
‫انقضاء العدة فلها ذلك‪ ،‬هذا معنى قوله تعالى‪{ :‬وَالّذِينَ‪ 3‬يُ َت َو ّفوْنَ مِ ْنكُمْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المراد بالمتاع هنا‪ :‬هو السكنى في بيت زوجها المتوفى عنها إن كان له سكنى يملكها‪.‬‬
‫حكِيمٌ} إشارة إلى وجوب تنفيذ وصية ال تعالى؛ لنه غالب على‬
‫‪ 2‬في قوله تعالى‪{ :‬وَاللّهُ عَزِيزٌ َ‬
‫أمره قاهر لعباده فكيف يخرجون عن طاعته‪ ،‬والحكيم ل يعترض عليه بل يسلم المر إليه رزقنا‬
‫ال طاعته بالسلم إليه ظاهرا وباطنا‪.‬‬
‫‪ 3‬اختلف في توجيه هذه الية فمن قائل‪ :‬بنسخها وأن الناسخ لها الية التي قبلها‪{ :‬وَالّذِينَ يُ َت َو ّفوْنَ‬
‫شهُ ٍر وَعَشْرا} ‪ ،‬ومن قائل‪ :‬بنسختها آية المواريث‪،‬‬
‫سهِنّ أَرْ َبعَةَ أَ ْ‬
‫مِ ْنكُ ْم وَيَذَرُونَ أَ ْزوَاجا يَتَرَ ّبصْنَ بِأَ ْنفُ ِ‬
‫إذ المتوفى عنها إن لم يكن للزوج ولد الربع من التركة‪ ،‬ومن قائل‪ :‬وهو مجاهد ورجحه ابن‬
‫جرير الطبري بعدم النسخ وأنه رحمة بالمؤمنة المتوفى عنها زوجها إذا أتمت عدة الوفاة أربعة‬
‫أشهر وعشرا يسمح لها بالبقاء في بيت زوجها الهالك إلى نهاية السنة‪ ،‬وهذا حسب اختيارها‬
‫ورغبتها فكانت هذه الوصية وصية رحمة مندوبا إليها‪ ،‬وهذا الذي رجحته في تفسير الية‬
‫فليتأمل‪.‬‬

‫( ‪)1/229‬‬

‫ح ْولِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَل جُنَاحَ عَلَ ْي ُكمْ فِي مَا‬
‫جهِمْ مَتَاعا إِلَى ا ْل َ‬
‫وَيَذَرُونَ أَ ْزوَاجا َوصِيّ ًة لَ ْزوَا ِ‬
‫حكِيمٌ} وقوله فل جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن تقدم‬
‫سهِنّ مِنْ َمعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ َ‬
‫َفعَلْنَ فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫معناه‪ ،‬وهو أن للمعتدة إذا انقضت عدتها أن تتزين وتمس الطيب وتتعرض للخطاب لتتزوج‪ .‬وما‬
‫حكِيمٌ} إشارة إلى أن هذه الوصية قد شرعها عزيز حكيم فهي متعينة‬
‫ختمت به الية‪{ :‬وَاللّهُ عَزِيزٌ َ‬
‫التحقيق والتنفيذ‪.‬‬
‫حقّا عَلَى ا ْلمُ ّتقِينَ} ففيها حكم آخر وهو أن‬
‫وأما الية الثانية(‪{ )241‬وَلِ ْلمُطَّلقَاتِ مَتَاعٌ بِا ْل َمعْرُوفِ َ‬
‫المطلقة المبني بها على مطلقها أن يمتعها بشيء من المال كثياب أو دابة أو خادمة‪ ،‬وعليه‬
‫فالمطلقة قبل البناء وقبل تسمية المهر لها المتعة واجبة لها إذ ليس لها سواها‪ ،‬والمطلقة قبل البناء‬
‫وقد سمى لها المهر فإن لها نصف المهر ل غير‪ ،‬والمطلقة بعد البناء وهي هذه المقصودة في هذه‬
‫الية لها متعة بالمعروف سواء قيل بالوجوب أو الستحباب ‪1‬؛ لنها لها المهر كاملً‪.‬‬
‫وقوله تعالى في الية الثالثة(‪{ )242‬كَذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ َلكُمْ آيَاتِهِ َلعَّل ُكمْ َت ْعقِلُونَ} معناه كهذا التبيين‬
‫لحكام الطلق والخلع والرضاع والعدد والمنع يبين تعالى لنا آياته المتضمنة أحكام شرعه لنعقلها‬
‫ونعمل بها فنكمل عليها ونسعد في الحياتين الدنيا والخرة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬البقاء على المعتدة عدة وفاة في بيت الهالك سنة إن طابت نفسها بذلك وذلك بعد انقضاء‬
‫العدة الواجبة‪ ،‬فالزائد وهو سبعة أشهر وعشرون يوما في هذه الوصية إل أن جمهور أهل العلم‬
‫يقولون بنسخ هذه الوصية‪ ،‬وعدم القول بالنسخ أولى‪ ،‬لختلفهم في الناسخ لها ‪.2‬‬
‫‪ -2‬حق ‪ 3‬المطلقة المدخول بها في المتعة بالمعروف‬
‫‪ -3‬منة ال على هذه المة ببيان الحكام لها لتسعد بها وتكمل عليها‪ ،‬فلله الحمد والشكر‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬تقدم مثل هذا البيان في اليات السابقة تحت رقم صفحة ‪ 227‬من نهر الخير‪.‬‬
‫‪ 2‬رجح هذا القول شيخ السلم أحمد ابن تيمية‪ ،‬ومال إليه تلميذه‪ :‬ابن القيم‪ ،‬ولم يفصح عنه‪.‬‬
‫‪ 3‬أي‪ :‬تقرير حق المتعة للمدخول بها على سبيل السنية والستحباب كما تقدمت في النهر‪.‬‬

‫( ‪)1/230‬‬

‫حذَرَ ا ْل َم ْوتِ فَقَالَ َلهُمُ اللّهُ مُوتُوا ‪ 1‬ثُمّ أَحْيَا ُهمْ إِنّ‬
‫{أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ خَ َرجُوا مِنْ دِيَارِ ِه ْم وَهُمْ ُألُوفٌ َ‬
‫شكُرُونَ(‪َ )243‬وقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَاعَْلمُوا أَنّ‬
‫ضلٍ عَلَى النّاسِ وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل يَ ْ‬
‫اللّهَ لَذُو َف ْ‬
‫ضعَافا كَثِي َر ًة وَاللّهُ َيقْ ِبضُ‬
‫عفَهُ لَهُ َأ ْ‬
‫سمِيعٌ عَلِيمٌ(‪ )244‬مَنْ ذَا الّذِي ُيقْ ِرضُ اللّهَ قَرْضا حَسَنا فَ ُيضَا ِ‬
‫اللّهَ َ‬
‫جعُونَ(‪})245‬‬
‫ط وَإِلَ ْيهِ تُرْ َ‬
‫وَيَبْسُ ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{أََلمْ تَرَ} ‪ :‬ألم ينته إلى علمك ‪ ...‬فالرؤية قلبية والستفهام للتعجب‪.‬‬
‫{أُلُوفٌ} ‪ :‬جمع ألف‪ ،‬وهي صيغة كثرة فهم إذا عشرات اللوف‪.‬‬
‫{فِي سَبِيلِ اللّهِ} ‪ :‬الطريق الموصل إلى مرضاته وهو طاعته بامتثال أمره واجتناب نهيه ومن ذلك‬
‫جهاد الكفار والظالمين حتى ل تكون فتنة‪.‬‬
‫{ ُيقْ ِرضُ اللّهَ} ‪ :‬يقتطع شيئا من ماله وينفقه في الجهاد لشراء السلح وتسيير المجاهدين‪.‬‬
‫{ َيقْ ِبضُ وَيَبْسُطُ} ‪ :‬يضيق ويبسط يوسع‪ ،‬يقبض ابتلء‪ ،‬ويبسط امتحانا‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يخاطب ال تعالى رسوله صلى ال عليه وسلم فيقول‪ :‬ألم ينته إلى علمك قصة الذين خرجوا من‬
‫ديارهم فرارا من الموت وهم ألوف‪ ،‬وهم أهل مدينة من مدن ‪ 2‬بني إسرائيل أصابها ال تعالى‬
‫بمرض ‪ 3‬الطاعون ففروا هاربين من الموت فأماتهم ال عن آخرهم ثم أحياهم بدعوة نبيهم حزقيل‬
‫عليه السلم‪ ،‬فهل أنجاهم فرارهم من الموت‪ ،‬فكذلك من يفر من القتال هل ينجيه فراره من‬
‫__________‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 1‬هذا المر أمر تكويني ل شرعي تعبدي‪.‬‬
‫‪ 2‬ذكر القرطبي أن اسم هذه القرية‪" :‬داوردان" وهي من نواحي شرق واسط بينهما فرسخ (معجم‬
‫ياقوت)‪.‬‬
‫‪ 3‬روى الترمذي وصححه أن النبي صلى ال عليه وسلم ذكر الطاعون فقال‪" :‬بقيت رجز أو‬
‫عذاب أرسل على طائفة من بني إسرائيل فإذا وقع بأرض وأنتم بها فل تخرجوا منها‪ ،‬وإذا وقع‬
‫بأرض ولستم بها فل تهبطوا عليها" ‪ .‬قلت‪ :‬هذا ما يعرف الن بالحجر الصحي‪.‬‬

‫( ‪)1/231‬‬

‫الموت؟ والجواب‪ :‬ل‪ ،‬وإذا فلم الفرار من الجهاد إذا تعين؟ وفي تأديب تلك الجماعة بإماتتها ثم‬
‫بإحيائها فضل من ال عليها عظيم‪ ،‬ولكن أكثر الناس ل يشكرون‪ .‬وإذا فقاتلوا أيها المسلمون في‬
‫سبيل ‪ 1‬ال ول تتأخروا متى دعيتم إلى الجهاد بالنفس والمال‪ ،‬واعلموا أن ال سميع لقوالكم عليم‬
‫بنياتكم وأعمالكم فاحذروه‪ ،‬ثم فتح تعالى باب الكتتاب المالي للجهاد فقال‪{ :‬مَنْ ذَا الّذِي ‪ُ 2‬يقْ ِرضُ‬
‫اللّهَ قَرْضا حَسَنا} ل شائبة شرك فيه لحد والنفس طيبة به فإن ال تعالى يضاعفه له أضعافا‬
‫كثيرة الدرهم بسبعمائة درهم فأنفقوا أيها المؤمنون في سبيل إعلء كلمة ال‪ ،‬ول تخافوا الفقر فإن‬
‫ربكم يقبض ويبسط‪ :‬يضيق على العبد ابتلء ويوسع امتحانا‪ ،‬فمنعكم النفاق في سبيل ال ل يغير‬
‫من تدبير ال شيئا‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬إذا نزل الوباء ببلد ل يجوز الخروج فرارا منه‪ ،‬بهذا ثبتت السنة‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب ذكر النعم وشكرها‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب القتال في سبيل ال إذا تعين‪.‬‬
‫‪ -4‬فضل النفاق في سبيل ال‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان الحكمة في تضييق ال على العبد رزقه‪ ،‬وتوسيعه‪ ،‬وهو البتلء لجل الصبر والمتحان‬
‫لجل الشكر‪ ،‬فيالخيبة من لم يصبر‪ ،‬عند التضييق عليه‪ ،‬ولم يشكر عند التوسعة له‪.‬‬
‫{ أََلمْ تَرَ إِلَى ا ْلمَلِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ َب ْعدِ مُوسَى ِإذْ قَالُوا لِنَ ِبيّ َلهُمُ ا ْب َعثْ لَنَا مَلِكا ُنقَا ِتلْ فِي سَبِيلِ‬
‫عسَيْتُمْ إِنْ كُ ِتبَ عَلَ ْيكُمُ ا ْلقِتَالُ أَل ُتقَاتِلُوا قَالُوا َومَا لَنَا أَل ُنقَا ِتلَ فِي سَبِيلِ اللّ ِه َوقَدْ‬
‫اللّهِ قَالَ َهلْ َ‬
‫أُخْ ِرجْنَا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬القتال في سبيل ال‪ :‬هو ما كان لعلء كلمة ال تعالى‪.‬‬
‫‪ 2‬الستفهام هنا للتخصيص والتهييج على النفاق في سبيل ال‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/232‬‬

‫مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فََلمّا كُ ِتبَ عَلَ ْيهِمُ ا ْلقِتَالُ َتوَّلوْا إِل قَلِيلً مِ ْن ُه ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظّاِلمِينَ(‪َ )246‬وقَالَ َل ُهمْ‬
‫حقّ بِا ْلمُ ْلكِ مِنْ ُه وَلَمْ‬
‫نَبِ ّيهُمْ إِنّ اللّهَ قَدْ َب َعثَ َل ُكمْ طَالُوتَ مَلِكا قَالُوا أَنّى َيكُونُ َلهُ ا ْلمُ ْلكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَ َ‬
‫س ِم وَاللّهُ ُيؤْتِي مُ ْلكَهُ مَنْ‬
‫سطَةً فِي ا ْلعِ ْل ِم وَالْجِ ْ‬
‫طفَاهُ عَلَ ْي ُك ْم وَزَا َدهُ بَ ْ‬
‫صَ‬‫سعَةً مِنَ ا ْلمَالِ قَالَ إِنّ اللّهَ ا ْ‬
‫ُي ْؤتَ َ‬
‫علِيمٌ(‪})247‬‬
‫يَشَاءُ وَاللّ ُه وَاسِعٌ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ا ْلمَلِ} ‪ :‬أشراف الناس من أهل الحل والعقد بينهم إذا نظر المرء إليهم ملوا عينه رواء وقلبه‬
‫هيبة‪.‬‬
‫عسى ‪ :‬كلمة توقع وترج‪.‬‬
‫{كُ ِتبَ} ‪ :‬فرض ولزم‪.‬‬
‫{مَلِكا} ‪ :‬يسوسهم في السلم والحرب‪.‬‬
‫{أَنّى َيكُونُ} ‪ :‬الستفهام للنكار بمعنى كيف يكون له الملك‪.‬‬
‫طفَاهُ} ‪ :‬فضله عليكم واختاره لكم‪.‬‬
‫{اصْ َ‬
‫بسطة في الجسم ‪ :‬أي طولً زائدا يعلو به من عداه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لقد فرض ال تعالى على المؤمنين القتال‪ ،‬ودارت رحى المعارك بداية من معركة بدر وكان لبد‬
‫من المال والرجال البطال الشجعان‪ ،‬فاقتضى هذا الموقف شحذ الهمم وإلهاب المشاعر لتقوى‬
‫الجماعة المسلمة بالمدينة على مواجهة حرب العرب والعجم معا‪ ،‬ومن هنا لمطاردة الجبن والبخل‬
‫وهما من شر الصفات في الرجال ذكر تعالى حادثة الفارين من الموت‬

‫( ‪)1/233‬‬

‫التاركين ديارهم لغيرهم كيف أماتهم ال ولم ينجيهم فرارهم‪ ،‬ثم أحياهم ليكون ذلك عبرة لهم‬
‫ولغيرهم‪ ،‬فالفرار من الموت ل يجدي الصبر والصمود حتى النصر‪ ،‬ثم أمر تعالى المؤمنين بعد‬
‫أن أخذ ذلك المنظر من نفوسهم مأخذه فقال‪َ { :‬وقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ} ‪ ،‬ولما كان المال المقدم في‬
‫القتال فتح ال لهم اكتتابا ماليا وضاعف لهم الربح في القرض بشرط خلوصه وطيب النفس به‪ ،‬ثم‬
‫قدم لهم هذا العرض التفصيلي لحادثة أخرى تمنل في ثناياها العظات والعبر لمن هو في موقف‬
‫المسلمين الذين يحاربهم البيض والحمر وبل هوادة وعلى طول الزمن فقال تعالى وهو يخاطبهم‬
‫في شخص نبيهم صلى ال عليه وسلم‪{ :‬أَلَمْ تَرَ إِلَى ا ْلمَلِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ َبعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لِنَ ِبيّ‪َ 1‬لهُمُ ا ْب َعثْ لَنَا مَلِكا ُنقَا ِتلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ} يريد ألم ينته إلى علمك بإخبارنا إياك قول أشراف‬
‫بني إسرائيل –بعد وفادة موسى‪ -‬لنبي لهم ابعث لنا ‪ 2‬ملكا نقاتل في سبيل ال فنطرد أعداءنا من‬
‫بلدنا ونسترد سيادتنا ونحكم شريعة ربنا‪ .‬ونظرا إلى ضعفهم الروحي والبدني والمالي تخوف‬
‫عسَيْتُمْ إِنْ كُ ِتبَ عَلَ ْي ُكمُ ا ْلقِتَالُ} بتعيين الملك‬
‫النبي أن ل يكونوا صادقين فيما طالبوه به فقال‪َ { :‬هلْ‪َ 3‬‬
‫القائد أن ل تقاتلوا!؟ فدفعتهم الحمية فقالوا‪ :‬وما لنا أل نقاتل في سبيل الحال أنا قد أخرجنا من‬
‫ديارنا ‪ 4‬وأبنائنا‪ ،‬وذلك أن العدو وهم البابليون لما غزوا فلسطين بعد أن فسق بنو إسرائيل‬
‫فتبرجت نساؤهم واستباحوا الزنى والربا وعطلوا الكتاب وأعرضوا عن هدى أنبيائهم فسلط ال‬
‫عليهم هذا العدو الجبار فشردهم فأصبحوا لجئين‪.‬وما كان من نبي ال شمويل إل أن بعث من‬
‫تلك الجماعات الميتة موتا معنويا رجلً منهم هو طالوت وقادهم فلما دنوا من المعركة جبنوا‬
‫عسَيْتُمْ إِنْ كُ ِتبَ‬
‫وتولى أكثرهم ‪ 5‬منهزمين قبل القتال‪ ،‬وصدق نبيهم في فراسته إذ قال لهم‪َ { :‬هلْ َ‬
‫عَلَ ْيكُمُ ا ْلقِتَالُ أَل ُتقَاتِلُوا} ‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هو شمويل بن بال بن علقمة‪ ،‬هكذا ذكره القرطبي في تفسيره‪ ،‬ويقال فيه‪ :‬شمعون أيضا‬
‫ويعرف بابن العجوز؛ لن أمه كانت عجوزا فسألت ال الولد فوهبها إياه بعد عقم وكبر سن‪.‬‬
‫‪{ 2‬ا ْب َعثْ لَنَا مَلِكا ُنقَاتِلْ‪ }..‬فيه دليل على أن الجهاد لعلء كلمة ال لبد له من إمام تجتمع عليه‬
‫كلمة المة وأيما جهاد يخلو من إمامة شرعية يقاتل تحت رايتها فعاقبتها خسر‪ ،‬وشاهد هذا حال‬
‫المسلمين اليوم فقد قاتلوا الستعمار تحت شعار الحزاب فلما انتصروا خسروا كل شيء حتى‬
‫دينهم‪.‬‬
‫‪ 3‬عسيتم‪ :‬بكسر السين‪ ،‬وعسيتم بفتح السين‪ ،‬وهما قراءتان سبعيتان‪ .‬الولى لنافع‪ ،‬والثانية‬
‫لحفص‪.‬‬
‫‪ 4‬أن الخروج من الوطن صعب على النفوس البشرية‪ ،‬وهذا رسول ال صلى ال عليه وسلم عند‬
‫خروجه من مكة قال‪" :‬إني أعلم أنك أحب البلد إلى ال ولول أن قومك أخرجوني ما خرجت" ‪،‬‬
‫ويقول‪" :‬اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أكثر" ‪.‬‬
‫‪ 5‬ولذا نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم أمته عن تمني لقاء العدو فقال‪" :‬ل تتمنوا لقاء العدو‬
‫وسلوا ال العافية فإذا لقيتموه فاثبتوا" ‪.‬‬

‫( ‪)1/234‬‬

‫هذا ما تضمنته الية الولى(‪ )246‬من هذا القصص أما الية الثانية(‪ )247‬فقد تضمنت اعتراض‬
‫مل بني إسرائيل على تعيين طالوت ملكا عليهم بحجة أنه فقير من أسرة غير شريفة‪ ،‬وأنهم أحق‬
‫علَ ْيكُ ْم وَزَا َدهُ َبسْطَةً فِي ا ْلعِ ْلمِ‬
‫طفَاهُ َ‬
‫بهذا المنصب منه‪ ،‬ورد عليهم حجتهم الباطلة بقوله‪{ :‬إِنّ اللّهَ اصْ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫علِيمٌ} ‪ .‬كان هذا رد شمويل على قول المل‪{ :‬أَنّى‬
‫‪ 1‬وَا ْلجِسْمِ وَاللّهُ ُيؤْتِي مُ ْل َكهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللّ ُه وَاسِعٌ َ‬
‫سعَةً مِنَ ا ْلمَالِ} ‪ .‬وكأنهم لما دمغتهم الحجة‬
‫حقّ بِا ْلمُ ْلكِ مِنْهُ‪2‬وَلَمْ ُي ْؤتَ َ‬
‫َيكُونُ َلهُ ا ْلمُ ْلكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَ َ‬
‫وهي أن ال تعالى قد اختار طالوت وفضله عليهم بهذا الختيار وأهله للولية بما أعطاه وزاده‬
‫من العلم وقوة الجسم‪ ،‬والقيادات القتالية تعتمد على غزارة العلم وقوة البدن بسلمة الحواس‬
‫وشجاعة العقل والقلب أقول كأنهم لما بطل اعتراضهم ورضوا بطالوت على عادة بني إسرائيل‬
‫في التعنت طالبوا بآية تدل على أن ال حقا اختاره لقيادتهم فقال لهم إلخ وهي الية(‪ )248‬التية‪.‬‬
‫سكِينَةٌ مِنْ رَ ّب ُك ْم وَبَقِيّةٌ ِممّا تَ َركَ آلُ مُوسَى وَآلُ‬
‫{ َوقَالَ َلهُمْ نَبِ ّيهُمْ إِنّ آيَةَ مُ ْلكِهِ أَنْ يَأْتِ َيكُمُ التّابُوتُ فِيهِ َ‬
‫ك ليَةً َلكُمْ إِنْ كُنْتُمْ ُمؤْمِنِينَ(‪})248‬‬
‫حمُِلهُ ا ْلمَل ِئكَةُ إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫هَارُونَ تَ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{نَبِ ّيهُمْ} ‪ :‬شمويل‪.‬‬
‫{آيَةَ مُ ْلكِهِ} ‪ :‬علمة أن ال تعالى ملكه عليكم‪.‬‬
‫{التّابُوتُ} ‪ :‬صندوق خشبي فيه بقية من آثار آل موسى وآل هارون‪.‬‬
‫سكِي َنةٌ} ‪ :‬طمأنينة القلب وهدوء نفسي‪.‬‬
‫{َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في تقديم العلم على الجسم إشارة إلى أن إمامة الجاهل وقيادته ل خير فيها‪ ،‬والمراد من العلم‬
‫علم الشرائع وهي تتناول السلم والحرب فلذا هو كامل الهلية وحسبه اصطفاء ال تعالى واختياره‬
‫له‪.‬‬
‫‪ 2‬لن الملك في سبط يهوذا والنبوة في بني لوي‪ ،‬وطالوت من سبط بنيامين فما هو من سبط‬
‫الملك ول في بني لوي أهل النبوة‪.‬‬

‫( ‪)1/235‬‬

‫{وَ َبقِيّةٌ} ‪ :‬بقية الشيء ما تبقى منه بعد ذهاب أكثره وهي هنا رضاض من اللواح التي تكسرت‪،‬‬
‫وعصا موسى وشيء من آثار أنبيائهم‪.‬‬
‫حمِلُهُ ا ْلمَل ِئكَةُ} ‪ :‬من أرض العمالقة فتضعه بين يدي بني إسرائيل في مخيماتهم‪.‬‬
‫{ َت ْ‬
‫{إِنّ فِي َذِلكَ ليَةً َلكُمْ} ‪ :‬أي في إتيان التابوت الذي أخذه العدو بالقوة منكم في رده إليكم علمة‬
‫قوية على اختيار ال تعالى لطالوت ملكا عليكم‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫قد أصبح بشرح الكلمات معنى الية واضحا وخلصته أن شمويل النبي أعلمهم أن آية تمليك ال‬
‫تعالى لطالوت عليهم أن يأتيهم التابوت المخصوب منهم وهو رمز تجمعهم واتحادهم ومصدر‬
‫استمداد قوة معنوياتهم لما حواه من آثار آل موسى وآل هارون؛ كرضاض اللواح‪ ،‬وعصا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫موسى ونعله وعمامة هارون وشيء من المن الذي كان ينزل عليهم في التيه‪ ،‬فكان هذا التابوت‬
‫بمثابة الراية يقاتلون تحتها فإنهم إذا خرجوا للقتال حملوه معهم إلى داخل المعركة ول يزالون‬
‫يقاتلون ما بقي التابوت بأيديهم لم يغلبهم عليه عدوهم‪ ،‬ومن هنا وهم يتحفزون للقتال جعل ال‬
‫تعالى لهم إتيان ‪ 1‬التابوت آية على تمليك طالوت عليهم وفي نفس الوقت يحملونه معهم في قتالهم‬
‫فتسكن ‪ 2‬به قلوبهم وتهدأ نفوسهم فيقاتلون وينتصرون بإذن ال تعالى‪" ،‬أما كيفية حمل الملئكة‬
‫للتابوت فإن الخبار تقول إن العمالقة تشاءموا بالتابوت عندهم إذا ابتلوا بمرض البواسير وبآفات‬
‫زراعية وغيرها ففكروا في أن يردوا هذا التابوت لنبي إسرائيل وساق ال أقدارا لقدار‪ ،‬فجعلوه‬
‫في عربة يجرها بقرتان أو فرسان ووجهوها إلى جهة منازل بني إسرائيل فمشت العربة فساقتها‬
‫‪ 3‬الملئكة حتى وصلت بها إلى منازل بني‬
‫__________‬
‫‪ 1‬نسبة التيان إلى التابوت أسلوب عربي‪ ،‬نحو‪" :‬عزم المر"‪ .‬و"جدار يريد أن ينقض" وال في‬
‫التابوت للعهد فهو معروف لهم معهود عندهم‪ ،‬وقيل‪ :‬طوله ثلثة أذرع وعرضه ذراعان‪ ،‬وهو‬
‫من خشب تعمل منه المشاط يقال له الشمشار وعليه صفائح الذهب‪.‬‬
‫‪ 2‬السكينة‪ :‬قال فيها مجاهد إنها حيوان كالهر له جناحان وذنب ولعينه شعاع إلى آخر ما قال‪،‬‬
‫والصحيح ما في التفسير ويؤيده قول ابن عطية‪ ،‬إذ قال‪" :‬والصحيح أن التابوت كانت فيه أشياء‬
‫فاضلة من بقايا النبياء وأثارهم فكانت النفوس تسكن إلى ذلك وتأنس به وتقوى إلى أنه صح عن‬
‫نبينا صلى ال عليه وسلم أن السكينة تكون ملكا كما في حديث مسلم‪ :‬إذ كان رجل يقرأ سورة‬
‫الكهف وعنده فرس مربوط فغشيته سحابة فجعلت تدور وتدنو وجعل الفرس منها فلما أصبح أخبر‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم بذلك‪ ،‬فلما قال‪" :‬تلك السكينة نزلت للقرآن" ‪ .‬وتكون السكينة‬
‫بمعناها‪ :‬وهو السكون كما في حديث مسلم‪" :‬إل نزلت عليهم السكينة‪ ،‬وحفتهم الملئكة" ‪ .‬الحديث‪.‬‬
‫‪ 3‬هكذا تقول الروايات على أن حمل الملئكة كان يدفع العربة والسير بها إلى ديار بني إسرائيل‬
‫ول مانع من حمل الية على ظاهرها وهو أن الملئكة أخذت التابوت وحملته إلى بني إسرائيل‬
‫وهو الظاهر‪.‬‬

‫( ‪)1/236‬‬

‫إسرائيل" فكانت آية وأعظم آية‪ ،‬وقبل بنو إسرائيل بقيادة طالوت‪ ،‬وباسم ال تعالى قادهم في الية‬
‫التالية(‪ )249‬بيان السير إلى ساحات القتال‪.‬‬
‫ط َعمْهُ‬
‫صلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنّ اللّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِ َنهَرٍ َفمَنْ شَ ِربَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنّي ‪َ 1‬ومَنْ َلمْ يَ ْ‬
‫{فََلمّا َف َ‬
‫فَإِنّهُ مِنّي إِل مَنِ اغْتَ َرفَ غُ ْر َفةً بِيَ ِدهِ َفشَرِبُوا مِ ْنهُ إِل قَلِيلً مِ ْنهُمْ فََلمّا جَاوَ َزهُ ُه َو وَالّذِينَ آمَنُوا َمعَهُ‬
‫ت وَجُنُو ِدهِ قَالَ الّذِينَ يَظُنّونَ‪ 2‬أَ ّنهُمْ مُلقُو اللّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَ َبتْ‬
‫قَالُوا ل طَاقَةَ لَنَا الْ َيوْمَ بِجَالُو َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فِئَةً كَثِي َرةً بِإِذْنِ اللّ ِه وَاللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ(‪})249‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫صلَ طَالُوتُ}‪ : 3‬انفصل من الديار وخرج يريد العدو‪.‬‬
‫{ َف َ‬
‫{بِا ْلجُنُودِ}‪ : 4‬العسكر وتعداده –كما قيل‪ :‬سبعون ألف مقاتل‪.‬‬
‫{مُبْتَلِيكُمْ بِ َنهَرٍ} ‪ :‬مختبركم بنهر جار لعل هو نهر الردن الن‪.‬‬
‫ط َعمْهُ} ‪ :‬لم يشرب منه‪.‬‬
‫{ َومَنْ لَمْ َي ْ‬
‫{غُ ْرفَةً}‪ : 5‬الغرفة بالفتح المرة‪ ،‬وبالضم السم من الغتراف‪.‬‬
‫{وَالّذِينَ آمَنُوا َمعَهُ} ‪ :‬هم الذين لم يشربوا من النهر‪ ،‬أما من شرب فقد كفر وأشرك‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬ليس من أصحابي في هذه الحرب ول من جندي الذين أقاتل بهم ولم يرد خروجه من‬
‫اليمان وهو كقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬من غش فليس منا" ‪" ،‬ومن رغب عن سنتي‬
‫فليس مني" ‪ ،‬فإنه ل يعني كفره‪.‬‬
‫‪ 2‬الظن هنا‪ :‬بمعنى اليقين‪ ،‬أو يكون الظن على بابه وليس هو في لقاء ال تعالى وإنما هو في‬
‫الموت في هذه الحرب هل يقتلون فيلقون ال أو لم يقتلوا‪.‬‬
‫طفَاهُ عَلَ ْيكُمْ} وبقوله‪{ :‬إِنّ اللّهَ‬
‫‪ 3‬هل كان طالوت نبيا؟ يستدل على نبوته بقوله تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ اصْ َ‬
‫مُبْتَلِيكُمْ بِ َنهَرٍ} وال أعلم وعلى كل فهو عبد صالح‪.‬‬
‫‪ 4‬لفظ الجند وجمعه‪ :‬جنود وأجناد‪ ،‬مشتق من الجند الذي هو غليظ الرض‪ ،‬إذ الجنود يعتصم‬
‫بعضهم ببعض فيقوون ويغلظون على عدوهم‪.‬‬
‫‪ 5‬الغرفة بالضمة‪ :‬اسم ل يعرف كالكلة‪ ،‬اسم لما يؤكل‪ ،‬والغرفة أيضا‪ :‬البناء العالي‪ ،‬والجمع‪:‬‬
‫غرف‪.‬‬

‫( ‪)1/237‬‬

‫{أَ ّنهُمْ مُلقُو اللّهِ} ‪ :‬أي‪ :‬يوم القيامة فهم يؤمنون بالبعث الخر‪.‬‬
‫{كَمْ مِنْ فِئَةٍ} ‪ :‬كم للتكثير‪ ،‬والفئة‪ :‬الجماعة يفيء بعضها إلى بعض‪.‬‬
‫{وَاللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ} ‪ :‬يسددهم ويعينهم وينصرهم‪.‬‬
‫معنى الية‪:‬‬
‫إنه لما خرج طالوت بالجيش أخبرهم أن ال تعالى مختبرهم في سيرهم هذا إلى قتال عدوهم بنهر‬
‫ينتهون إليه وهم في حر شديد وعطش شديد‪ ،‬ولم يأذن لهم في الشرب منه إل ما كان من غرفة‬
‫واحدة‪ ،‬فمن أطاع ولم يشرب فهو المؤمن‪ ،‬ومن عصى وشرب بغير المأذون به فهو الكافر ولما‬
‫وصلوا إلى النهر شربوا منه يكرعون؛ كالبهائم إل قليلً منهم‪ .‬وواصل طالوت السير فجاوز النهر‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وهو ومن معه‪ ،‬ولما كانوا على مقربة من جيش العدو وكان قرابة مائة ألف قال الكافرون‬
‫والمنافقون‪{ :‬ل طَاقَةَ لَنَا الْ َيوْمَ ِبجَالُوتَ َوجُنُو ِدهِ} فأعلنوا انهزامهم‪ ،‬وانصرفوا فارين‪ ،‬وقال‬
‫المؤمنون الصادقون وهم الذين قال ال فيهم‪{ :‬قَالَ الّذِينَ َيظُنّونَ أَ ّنهُمْ مُلقُو اللّهِ َكمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيَلةٍ‬
‫غَلَ َبتْ فِئَةً كَثِي َرةً بِإِذْنِ اللّ ِه وَاللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ} كانت هذه الية في بيان سير طالوت إلى العدو‪،‬‬
‫وفي اليتين التاليتين(‪250‬و ‪ )251‬بيان المعركة وما انتهت إليه من نصر حاسم للمؤمنين‬
‫الصادقين قال تعالى‪:‬‬
‫{وََلمّا بَرَزُوا ‪ِ 1‬لجَالُوتَ وَجُنُو ِدهِ قَالُوا رَبّنَا ‪َ 2‬أفْ ِرغْ عَلَيْنَا صَبْرا وَثَ ّبتْ َأقْدَامَنَا وَا ْنصُرْنَا عَلَى ا ْل َقوْمِ‬
‫ح ْكمَ َة وَعَّلمَهُ ِممّا يَشَاءُ‬
‫ا ْلكَافِرِينَ(‪َ )250‬فهَ َزمُوهُمْ‪ 3‬بِإِذْنِ اللّ ِه َوقَ َتلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ ا ْلمُ ْلكَ وَا ْل ِ‬
‫ضهُمْ‬
‫وََلوْل َدفْعُ اللّهِ النّاسَ َب ْع َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬البراز‪ :‬المكان الفسيح في الرض والمتسع منها والمتبرز الذاهب في البراز وكانوا يخرجون‬
‫لقضاء الحاجة في البراز فأطلق لفظ‪ :‬البراز على ما يحل فيه‪ ،‬وهو‪ :‬العذرة‪.‬‬
‫‪ 2‬فيه مشروعية الدعاء في مثل هذا الموقف‪ ،‬وقد دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم في بدر‬
‫حتى سقط ردائه‪ ،‬وكان إذا لقى العدو قال‪" :‬اللهم بك أصول وبك أجول" ويقول‪" :‬اللهم إني أعوذ‬
‫بك من شرورهم وأجعلك في نحورهم" ‪ .‬وعلم أصحابه ذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬الهزم‪ :‬الكسر‪ ،‬ومنه قولهم‪ :‬سقاء متهزم‪ ،‬إذا أثنى بعضه على بعض مع الجفاف‪ ،‬وقيل في‬
‫زمزم‪ :‬هزمه جبريل‪ ،‬أي‪ :‬هزمها جبريل برجله‪ ،‬فتكسرت الرض وخرج الماء‪.‬‬

‫( ‪)1/238‬‬

‫علَى ا ْلعَاَلمِينَ(‪ )251‬تِ ْلكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَ ْيكَ بِا ْلحَقّ‬
‫ضلٍ َ‬
‫بِ َب ْعضٍ َلفَسَ َدتِ الَ ْرضُ وََلكِنّ اللّهَ ذُو َف ْ‬
‫وَإِ ّنكَ َلمِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ(‪})252‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{بَرَزُوا ِلجَالُوتَ} ‪ :‬ظهروا في ميدان المعركة وجالوت قائد قوات العمالقة‪.‬‬
‫{َأفْ ِرغْ عَلَيْنَا صَبْرا} ‪ :‬أصبب الصبر في قلوبنا صبا حتى تمتلئ فلم يبقى للخوف والجزع موضع‪.‬‬
‫{وَثَ ّبتْ َأقْدَامَنَا} ‪ :‬في أرض المعركة حتى ل ننهزم وذلك بتقوية قلوبنا والشد من عزائمنا‪.‬‬
‫{دَاوُدُ} ‪ :‬هو نبي ال ورسوله داود‪ ،‬وكان يومئذ غير نبي ‪ 1‬ول رسول في جيش طالوت‪.‬‬
‫ح ْكمَةَ} ‪ :‬كان ذلك بعد موت شمويل النبي وموت طالوت الملك‪.‬‬
‫ك وَالْ ِ‬
‫{وَآتَاهُ اللّهُ ا ْلمُ ْل َ‬
‫{وَعَّلمَهُ ِممّا يَشَاءُ} ‪ :‬فعلمه صنعة الدروع‪ ،‬وفهم منطق الطير هو وولده سليمان عليهما السلم‪.‬‬
‫ت الَ ْرضُ} ‪ :‬وذلك بغلبة أهل الشرك على أهل التوحيد‪ ،‬وأهل الكفر على أهل اليمان‪.‬‬
‫{َلفَسَ َد ِ‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لما التقى الجيشان جيش اليمان وجيش الكفر طالب جالوت بالمبارزة فخرج ‪ 2‬له داود من جيش‬
‫طالوت فقتله والتحم الجيشان فنصر ال جيش طالوت وكان عدد أفراده ثلثمائة وأربعة عشر‬
‫مقاتلً ل غير لقول الرسول صلى ال عليه وسلم لهل بدر‪" :‬إنكم على عدة أصحاب طالوت"‬
‫وكانوا ثلثمائة وأربعة عشر رجلً فهزم ال جيش الباطل على كثرته ونصر جيش الحق على‬
‫قلته‪ .‬وهنا ظهر كوكب داود في الفق بقتله رأس الشر جالوت فمن ال عليه بالنبوة والملك بعد‬
‫موت‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬لم ينبأ بعد ولم يرسل‪ ،‬إذ الرسل ينبئون ويرسلون غالبا في سن الربعين‪.‬‬
‫‪ 2‬لم يقص ال تعالى علينا شيئا عن كيفية قتل داود لجالوت لعدم الفائدة الكبيرة منها‪ ،‬وخلصتها‬
‫كما يلي‪ :‬كان والد داود في جيش طالوت وله ستة أبناء معه‪ ،‬واسمه‪ :‬إيشا‪ ،‬وكان داود أصغرهم‬
‫وكان يرعى الغنم‪ ،‬وكان لنبيهم درع وأوحى ال أن من استوت عليه درعه هو الذي يقاتل جالوت‬
‫فاستوت على داود وقبل البراز‪ ،‬قال طالوت‪ :‬من قتل جالوت أشاطره ملكي وأزوجه ابنتي وكان‬
‫داود قد مر بحجر فناداه أن خذني يا داود وقاتل بي فجعله في مخلته واحتفظ به‪ ،‬فلما برز‬
‫لجالوت جعل الحجر في مقلعه وكان راميا فرمى جالوت فقتله‪ .‬وهذه بداية أمره عليه السلم‪.‬‬

‫( ‪)1/239‬‬

‫ح ْكمَةَ‪1‬‬
‫ك وَالْ ِ‬
‫ت وَآتَاهُ اللّهُ ا ْلمُ ْل َ‬
‫كل من النبي شمويل والملك طالوت قال تعالى‪َ { :‬وقَ َتلَ دَا ُودُ جَالُو َ‬
‫وَعَّلمَهُ ِممّا يَشَاءُ} ‪.‬‬
‫ضهُمْ بِ َب ْعضٍ}‬
‫وختم ال القصة ذات العبر والعظات العظيمة بقوله‪{ :‬وََلوْل َد ْفعُ اللّهِ النّاسَ َب ْع َ‬
‫بالجهاد ‪ 2‬والقتال‪ ،‬لستولى أهل الكفر وأفسدوا الرض بالظلم والشرك والمعاصي‪ ،‬ولكن ال‬
‫تعالى بتدبيره الحكيم يسلط بعضا على بعض‪ ،‬ويدفع بعضا ببعض منة منه وفضلً‪ .‬كما قال عز‬
‫ضلٍ عَلَى ا ْلعَاَلمِينَ} ‪.‬‬
‫وجل‪{ :‬وََلكِنّ اللّهَ ذُو َف ْ‬
‫ثم التفت إلى رسوله محمد صلى ال عليه وسلم وقال له تقريرا لنبوته وعلو مكانته‪{ :‬تِ ْلكَ آيَاتُ‬
‫ق وَإِ ّنكَ َلمِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ} صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫حّ‬‫اللّهِ} التي تقدمت في هذا السياق {نَتْلُوهَا عَلَ ْيكَ بِالْ َ‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬الجهاد الشرعي يشترط له المام المبايع بيعة شرعية‪.‬‬
‫‪ -2‬يشترط للولية الكفاءة وأهم خصائصها العلم‪ ،‬وسلمة العقل والبدن‪.‬‬
‫‪ -3‬جواز التبرك بآثار النبياء كعمامة النبي أو ثوبه أو نعله مثلً‪.‬‬
‫‪ -4‬جواز اختبار أفراد الجيش لمعرفة مدى استعدادهم للقتال والصبر عليه‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -5‬فضيلة اليمان بلقاء ال‪ ،‬وفضيلة الصبر على طاعة ال خاصة في معارك الجهاد في سبيل‬
‫ال‪.‬‬
‫‪ -6‬بيان الحكمة في مشروعية الجهاد‪ ،‬وهي دفع أهل الكفر والظلم بأهل اليمان والعدل‪ ،‬لتنتظم‬
‫الحياة ويعمر الكون‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬فسر ابن كثير الحكمة بالنبوة لقرينة الملك‪ ،‬إذ جعله ال تعالى ملكا نبيا؛ كولده سليمان عليهما‬
‫السلم‪.‬‬
‫‪ 2‬وفي صحيح الحديث‪" :‬وهل تنصرون وترزقون إل بضعفائكم" وفيه معنى‪{ :‬وََلوْل َدفْعُ اللّهِ‬
‫ضهُمْ بِ َبعْض} ‪ ،‬وأورد ابن كثير أحاديث في هذا المعنى وضعفها‪.‬‬
‫النّاسَ َب ْع َ‬
‫* في قول طالوت في رقم ‪ 1‬من قتل جالوت‪ :‬أشركه في ملكي وأزوجه ابنتي موجود نظيره في‬
‫السلم‪ .‬إذ للمام أن يقول‪ :‬من جاءني برأس فلن فله كذا‪ ،‬ومن دخل حصن كذا فله كذا وكذا‪.‬‬

‫( ‪)1/240‬‬

‫الجزء الثالث‬
‫ضهُمْ دَ َرجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ‬
‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ مِ ْنهُمْ مَنْ كَلّمَ اللّ ُه وَ َرفَعَ َب ْع َ‬
‫سلُ‪َ 1‬فضّلْنَا َب ْع َ‬
‫{تِ ْلكَ الرّ ُ‬
‫ت وَأَيّدْنَاهُ بِرُوحِ ا ْلقُدُسِ وََلوْ شَاءَ اللّهُ مَا اقْتَ َتلَ الّذِينَ مِنْ َب ْعدِهِمْ مِنْ َب ْعدِ مَا جَاءَ ْتهُمُ‬
‫مَرْيَمَ الْبَيّنَا ِ‬
‫ن َومِ ْنهُمْ مَنْ َكفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلُوا وََلكِنّ اللّهَ َي ْف َعلُ مَا‬
‫ت وََلكِنِ اخْتََلفُوا َفمِ ْنهُمْ مَنْ آمَ َ‬
‫الْبَيّنَا ُ‬
‫يُرِيدُ(‪ )253‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا أَ ْن ِفقُوا ِممّا رَ َزقْنَاكُمْ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ َيوْمٌ ل بَيْعٌ فِي ِه وَل خُلّ ٌة وَل‬
‫شفَاعَ ٌة وَا ْلكَافِرُونَ هُمُ الظّاِلمُونَ(‪})254‬‬
‫َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫سلُ} ‪ :‬أولئك الرسل الذين قص ال تعالى على رسوله بعضا منهم وأخبره أنه منهم في‬
‫{تِ ْلكَ الرّ ُ‬
‫قوله‪{ :‬وَإِ ّنكَ َلمِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ} ‪ .‬في الية قبل هذه‪.‬‬
‫{مَنْ كَلّمَ اللّهُ} ‪ :‬كموسى عليه السلم‪.‬‬
‫ضهُمْ دَرَجَاتٍ} ‪ :‬وهو محمد صلى ال عليه وسلم حيث فضله ‪ 2‬تفضيلً على سائر‬
‫{وَ َرفَعَ َب ْع َ‬
‫الرسل‪.‬‬
‫{الْبَيّنَاتِ} ‪ :‬المعجزات الدالة على صدق عيسى في نبوته ورسالته‪.‬‬
‫{بِرُوحِ ا ْلقُدُسِ} ‪ :‬جبريل عليه السلم كان يقف دائما إلى جانب عيسى يسدده ويقويه إلى أن رفعه‬
‫ال تعالى إليه‪.‬‬
‫{اقْتَتَلُوا} ‪ :‬قتل بعضهم بعضا‪.‬‬
‫{أَ ْن ِفقُوا ِممّا رَ َزقْنَاكُمْ} ‪ :‬النفقة الواجبة وهي الزكاة‪ ،‬ونفقة التطوع المستحبة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى أحمد عن أبي ذر أنه سأل النبي صلى ال عليه وسلم قائلً‪ :‬أي النبياء كان أول؟ قال‪:‬‬
‫"آدم" قلت‪ :‬رسول ونبي كان؟ قال‪" :‬نعم نبي مكلم" ‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول ال كم المرسلون؟ قال‪:‬‬
‫"ثلثمائة وبضعة عشر جما غفيرا" ‪.‬‬
‫‪ 2‬شاهده قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬أنا سيد ولد آدم ول فخر" ‪ .‬ومع هذا زيادة في كماله قال‪" :‬ل‬
‫تفضلوني على موسى" ‪ ،‬وقال على يونس بن متى‪" :‬فصلى ال عليّه ما أرفع مقامه" ‪.‬‬

‫( ‪)1/241‬‬

‫{ل بَيْعٌ فِيهِ}‪ : 1‬ل يشتري أحد نفسه بمال يدفعه فداء لنفسه من العذاب‪.‬‬
‫{وَل خُلّةٌ} ‪ :‬أي‪ :‬صداقة تنفع صاحبها‪.‬‬
‫شفَاعَةٌ} ‪ :‬تقبل إل أن يأذن ال لمن يشاء ويرضى‪.‬‬
‫{وَل َ‬
‫{وَا ْلكَافِرُونَ} ‪ :‬بمنع الزكاة والحقوق الواجبة ل تعالى ولعباده هم الظالمون‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫بعد أن قص ال تبارك وتعالى على رسوله قصة مل بني إسرائيل في طلبهم نبيهم شمويل بأن‬
‫يعين لهم ملكا يقودهم إلى الجهاد‪ ،‬وكانت القصة تحمل في ثناياها أحداثا من غير الممكن أن‬
‫يعلمها أمي مثل محمد صلى ال عليه وسلم بدون ما يتلقاها وحيا يوحيه ال تعالى إليه وختم‬
‫القصة بتقرير نبوته ورسالته بقوله‪{ :‬وَإِ ّنكَ َلمِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ}‪ ،‬أخبر ال تعالى أن أولئك الرسل فضل‬
‫بعضهم على بعض‪ ،‬منهم من فضله بتكليمه كموسى عليه السلم‪ ،‬ومنهم من فضله بالخلة‬
‫كإبراهيم عليه السلم‪ ،‬ومنهم من رفعه إليه وأدناه وناجاه وهو محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومنهم‬
‫من آتاه الملك ‪ 2‬والحكمة وعلمه صنعة الدروع كداود عليه السلم‪ ،‬ومنهم من آتاه الملك والحكمة‬
‫وسخر له الجن وعلمه منطق الطير كسليمان عليه السلم‪ ،‬ومنهم من آتاه البينات وأيده بروح‬
‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ‪ 3‬مِ ْنهُمْ مَنْ كَلّمَ‬
‫سلُ َفضّلْنَا َب ْع َ‬
‫القدس وهو عيسى عليه السلم‪ .‬فقال تعالى‪{ :‬تِ ْلكَ الرّ ُ‬
‫ضهُمْ دَرَجَاتٍ} كنبينا محمد صلى ال عليه وسلم إذ فضله بعموم رسالته وبختم‬
‫اللّ ُه وَ َرفَعَ َب ْع َ‬
‫النبوات بنبوته‪ ،‬وبتفضيل أمته‪ ،‬وبإدخاله الجنة في حياته قبل مماته‪ ،‬وبتكليمه ومناجاته مع ما‬
‫خصه من الشفاعة يوم القيامة‪ .‬ثم أخبر تعالى أنه لو يشاء هداية الناس لهداهم فلم يختلفوا بعد‬
‫رسلهم ولم يقتتلوا من بعد ما جائتهم البينات وذلك لعظيم قدرته‪ ،‬وحرية إرادته فهو يفعل ما يشاء‬
‫ويحكم ما يريد‪ .‬هذا بعض ما أفادته الية الولى(‪ )253‬أما الية الثانية(‪ )254‬فقد نادى ال تعالى‬
‫عباده المؤمنين وأمرهم بالنفاق في سبيل ال تقربا إليه وتزودا للقائه قبل يوم القيامة حيث ل‬
‫__________‬
‫شفَاعَةٌ} بالنصب من غير تنوين‪ .‬وأنشد‬
‫‪ 1‬قرأ ابن كثير‪ ،‬وأبو عمرو‪{ :‬ل بَيْعٌ فِي ِه وَل خُلّ ٌة وَل َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حسان‪ ،‬وهو شاهد هذه القراءة‪:‬‬
‫أل طعان ول فرسان عادية ‪ ...‬أل تجشؤكم عند التنانير‬
‫يهجو ناسا فيصفهم بالقعود عن القتال وملزمة التنور للطعام‪.‬‬
‫‪ 2‬الحكمة هنا‪ :‬هي النبوة كما تقدم عن ابن كثير في‪" :‬نهر الخير"‪.‬‬
‫‪ 3‬هل يجوز للمسلم أن يقول مثل موسى أفضل من هارون‪ ،‬أو إبراهيم أفضل من عيسى مثلً؟‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬ل‪ .‬لقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل تخيروا بين النبياء ول تفضلوا بين أنبياء ال" ‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ل تقولون فلن خير من فلن‪ ،‬ول فلن أفضل من فلن‪ .‬إذ نحن ل نقدر على التفضيل‪ ،‬وإنما‬
‫يقدر عليه ال وحده‪ ،‬إذ هو يهب ما يشاء لمن يشاء‪.‬‬

‫( ‪)1/242‬‬

‫فداء ببيع وشراء‪ ،‬ول صداقة تجدي ول شفاعة تنفع‪ ،‬والكافرون بنعم ال وشرائعه هم الظالمون‬
‫المستوجبون ‪ 1‬للعذاب والحرمان والخسران‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬تفاضل الرسل فيما بينهم بحسب جهادهم وصبرهم وما أهلهم ال تعالى له من الكمال‪.‬‬
‫‪ -2‬صفة الكلم ل تعالى حيث كلم موسى في الطور‪ ،‬وكلم محمدا في الملكوت العلى‪.‬‬
‫‪ -3‬الكفر واليمان والهداية والضلل‪ ،‬والحرب والسلم كل ذلك تبع لمشيئته تعالى وحكمته‪.‬‬
‫‪ -4‬ذم الختلف في الدين وأنه مصدر شقاء وعذاب‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب النفاق في سبيل ال مما رزق ال تعالى عبده‪.‬‬
‫‪ -6‬التحذير من الغفلة والخذ بأسباب النجاة يوم القيامة حيث ل فداء ول خلة تنفع ول شفاعة‬
‫ومن أقوى السباب اليمان والعمل الصالح وإنفاق المال تقربا إلى ال تعالى في الجهاد وغيره‪.‬‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الَ ْرضِ مَنْ ذَا‬
‫خ ُذهُ سِ َن ٌة وَل َنوْمٌ َلهُ مَا فِي ال ّ‬
‫حيّ ا ْلقَيّومُ ل تَأْ ُ‬
‫{اللّهُ ل ‪2‬إَِلهَ إِل ُهوَ الْ َ‬
‫شيْءٍ مِنْ عِ ْلمِهِ إِل ِبمَا شَاءَ‬
‫شفَعُ عِنْ َدهُ إِل بِإِذْ ِنهِ َيعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِ ْم َومَا خَ ْلفَهُمْ وَل يُحِيطُونَ بِ َ‬
‫الّذِي َي ْ‬
‫ظ ُهمَا وَ ُهوَ ا ْلعَِليّ ا ْل َعظِيمُ(‪})255‬‬
‫حفْ ُ‬
‫ض وَل َيؤُو ُدهُ ِ‬
‫ت وَالَرْ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫وَسِعَ كُرْسِيّهُ ال ّ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال القرطبي عند هذه الية‪{ :‬وَا ْلكَافِرُونَ هُمُ الظّاِلمُونَ} أي‪ :‬فكافحوهم بالقتال بالنفس وإنفاق‬
‫المال‪ ،‬قال‪ :‬وقال عطاء ابن دينار‪ :‬الحمد ل الذي قال‪ :‬الكافرون هم الظالمون‪ ،‬ولم يقل الظالمون‬
‫هم الكافرون‪.‬‬
‫‪ 2‬صح أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬يا أبا المنذر –أبي بن كعب‪ -‬أتدري أي آية من كتاب‬
‫ال معك أعظم؟" قال‪ :‬قلت ال ل إله إل هو الحي القيوم‪ .‬فضرب في صدري وقال‪" :‬ليهنك العلم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يا أبا المنذر"‪ .‬وروى أحمد‪" :‬أن آية الكرسي تعدل ربع القرآن وأن الزلزلة والكافرون والنصر‬
‫كل واحدة تعدل ربع القرآن‪ ،‬وأن الصمد تعدل ثلث القرآن"‪.‬‬

‫( ‪)1/243‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{اللّهُ} ‪ :‬علم على ذات الرب تبارك وتعالى‪.‬‬
‫{ل إِلَهَ إِل ُهوَ} ‪ :‬الله المعبود‪ ،‬ول معبود بحق إل ال‪ ،‬إذ هو الخالق الرازق المدبر بيده كل‬
‫شيء وإليه مصير كل شيء‪ ،‬وما عداه من اللهة فعبادتها بدون حق فهي باطلة‪.‬‬
‫حيّ}‪ : 1‬ذو الحياة العظيمة التي ل تكون لغيره تعالى وهي مستلزمة للقدرة والرادة والعلم‬
‫{ا ْل َ‬
‫والسمع والبصر والكلم‪.‬‬
‫{ا ْلقَيّومُ}‪ : 2‬القائم بتدبير الملكوت كله علويه وسفليه‪ ،‬القائم على كل نفس بما كسبت‪.‬‬
‫السّنة ‪ :‬النعاس يسبق النوم‪.‬‬
‫{كُرْسِيّهُ} ‪ :‬الكرسي‪ :‬موضع القدمين‪ ،‬ول يعلم كنهه إل ال تعالى‪.‬‬
‫{ َيؤُو ُدهُ} ‪ :‬يثقله ويشق عليه‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫لما أخبر تعالى عن يوم القيامة وأنه يوم ل بيع فيه ول شفاعة وأن الكافرين هم الظالمون‪ ،‬أخبر‬
‫عن جلله وكماله وعظيم سلطانه وأنه هو المعبود بحق وأن عبادته هي التي تنجي من أهوال يوم‬
‫حيّ‬
‫القيامة فقال‪ { :‬اللّهُ ل ‪3‬إَِلهَ إِل ُهوَ} ‪ :‬أي‪ :‬أنه ال المعبود بحق ول معبود بحق سواه‪{ .‬ا ْل َ‬
‫ا ْلقَيّومُ} الدائم الحياة التي لم تسبق بموت ولم يطرأ عليها موت‪ .‬القيوم‪ :‬العظيم القيومية على كل‬
‫شيء‪ ،‬لول قيوميته على الخلئق ما استقام من أمر العوالم شيء {ل تَ ْأخُ ُذهُ سِ َن ٌة وَل َنوْمٌ‪ : }4‬إذ‬
‫النعاس والنوم من صفات النقص وهو تعالى ذو الكمال المطلق‪ .‬وهذه الجملة برهان على الجملة‬
‫قبلها‪ ،‬إذ من ينعس وينام ل يتأتى له القيومية على‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الحي‪ :‬أصلها الحيي؛ كالحذر فحذفت كسرة الياء الولى فسكنت وأدغمت في الثانية فصارت‬
‫الحي‪ ،‬والقيوم أصلها القيووم‪ ،‬فقلبت الواو الولى ياء وأدغمت في الياء فصارت القيوم‪.‬‬
‫‪ 2‬روى الترمذي وقال حديث حسن صحيح‪" :‬إن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت‪ :‬سمعت رسول‬
‫حيّ ا ْلقَيّومُ} ‪ ،‬و { الم اللّهُ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يقول‪ " :‬في هاتين اليتين ‪{ :‬اللّهُ ل إِلَهَ إِل ُهوَ ا ْل َ‬
‫حيّ ا ْلقَيّومُ} ‪ ،‬إن فيهما اسم ال العظم " ورواه أبو داود‪ ،‬أيضا‪.‬‬
‫ل إِلَهَ إِل ُهوَ ا ْل َ‬
‫‪ 3‬هذه آية الكرسي قال فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من قرأ دبر كل صلة مكتوبة آية‬
‫الكرسي لم يمنعه من دخول الجنة إل أن يموت" رواه النسائي وغيره‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 4‬ورد في الصحيح عن أبي موسى قال‪" :‬قام فينا رسول ال صلى ال عليه وسلم بأربع كلمات‬
‫فقال‪ :‬إن ال ل ينام ول ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل النهار قبل عمل‬
‫الليل‪ ،‬وعمل الليل قبل عمل النهار‪ ،‬وحجابه النور أو النار لو كشفه لحرقت سبحات وجهه ما‬
‫انتهى إليه بصره من خلقه" ‪.‬‬

‫( ‪)1/244‬‬

‫ت َومَا فِي الَ ْرضِ} ‪ :‬خلقا وملكا‬


‫سمَاوَا ِ‬
‫الخلئق ول يسعها حفظا ورزقا وتدبيرا‪{ .‬لَهُ مَا فِي ال ّ‬
‫شفَعُ عِنْ َدهُ إِل بِِإذْنِهِ} ‪ :‬ينفي تعالى وهو الذي له ما في السموات وما في‬
‫وتصرفا‪{ ،‬مَنْ ذَا الّذِي يَ ْ‬
‫الرض ينفي أن يشفع عنده في الدنيا أو في الخرة أحد كائن من كان بدون أن يأذن له في‬
‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضَ}‬
‫الشفاعة‪َ { .‬يعْلَمُ مَا بَيْنَ أَ ْيدِيهِ ْم َومَا خَ ْل َفهُمْ‪ : }1‬لكمال عجزهم‪َ { .‬وسِعَ كُرْسِيّهُ‪ 2‬ال ّ‬
‫ظ ُهمَا} ‪ :‬ول يثقله أو يشق عليه حفظ السموات والرض وما فيهما‬
‫حفْ ُ‬
‫‪ :‬لكمال ذاته‪{ .‬وَل َيؤُو ُدهُ ِ‬
‫وما بينهما‪{ .‬وَ ُهوَ ا ْلعَِليّ ا ْل َعظِيمُ} ‪ :‬العلي الذي ليس فوقه شيء والقاهر الذي ل يغلبه شيء‪ ،‬العظيم‬
‫الذي كل شيء أمام عظمته صغير حقير‪.‬‬
‫هداية الية الكريمة‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬أنها أعظم آية في كتاب ال تعالى اشتملت على ثمانية عشر إسما ل تعالى ما بين ظاهر‬
‫ومضمر‪ ،‬وكلماتها خمسون كلمة وجملها عشر جمل كلها ناطقة بربوبيته تعالى وألوهيته وأسمائه‬
‫وصفاته الدالة على كمال ذاته وعلمه وقدرته وعظيم سلطانه‪.‬‬
‫‪ -2‬تستحب قراءتها بعد الصلة المكتوبة‪ ،‬وعند النوم‪ ،‬وفي البيوت لطرد الشيطان‪.‬‬
‫سكَ بِا ْلعُ ْر َوةِ‬
‫{ل ِإكْرَاهَ فِي الدّينِ َقدْ تَبَيّنَ الرّشْدُ مِنَ ا ْل َغيّ َفمَنْ َي ْكفُرْ بِالطّاغُوتِ وَ ُي ْؤمِنْ بِاللّهِ َفقَدِ اسْ َتمْ َ‬
‫ج ُهمْ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى النّورِ‬
‫سمِيعٌ عَلِيمٌ(‪ )256‬اللّ ُه وَِليّ الّذِينَ آمَنُوا ُيخْرِ ُ‬
‫ا ْلوُ ْثقَى ل ا ْنفِصَامَ َلهَا وَاللّهُ َ‬
‫وَالّذِينَ َكفَرُوا َأوْلِيَاؤُ ُهمُ الطّاغُوتُ يُخْ ِرجُو َنهُمْ مِنَ النّورِ إِلَى الظُّلمَاتِ أُولَ ِئكَ َأصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا‬
‫خَاِلدُونَ(‪})257‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا كناية عن إحاطة علم ال بكل شيء‪ ،‬إذ ل يعزب على علمه مثقال ذرة في السموات ول في‬
‫الرض وهو بكل شيء عليم‪ ،‬وأما الخلق فإنهم ل يعلمون إل ما شاء أن يعلمهم إياه‪.‬‬
‫‪ 2‬أورد ابن كثير عن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪" :‬الكرسي موضع القدمين والعرش ل يقدر‬
‫أحد قدره" رواه الحاكم موقوفا وقال صحيح على شرط الشيخين‪ ،‬ولم يخرجاه‪.‬‬

‫( ‪)1/245‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ل ِإكْرَاهَ فِي الدّينِ} ‪ :‬ل يكره المرء على الدخول في الدين ‪ ،1‬وإنما يعتنقه بإرادته واختياره‪.‬‬
‫{الرّشْدُ}‪ : 2‬الهدى الموصل إلى السعاد والكمال‪.‬‬
‫{ا ْل َغيّ} ‪ :‬الضلل المفضي بالعبد إلى الشقاء والخسران‪.‬‬
‫{بِالطّاغُوتِ}‪ : 3‬كل ما صرف عن عبادة ال تعالى من إنسان أو شيطان أو غيرهما‪.‬‬
‫{بِا ْلعُ ْر َوةِ ا ْلوُ ْثقَى}‪ : 4‬ل إله إل ال محمد رسول ال‪.‬‬
‫{ل ا ْن ِفصَامَ َلهَا} ‪ :‬ل تنفك ول تنحل بحال من الحوال‪.‬‬
‫{اللّ ُه وَِليّ الّذِينَ آمَنُوا} ‪ :‬مُتوليهم بحفظه ونصره وتوفيقه‪.‬‬
‫{الظُّلمَاتِ} ‪ :‬ظلمات الجهل والكفر‪.‬‬
‫{النّورِ} ‪ :‬نور اليمان والعلم‪.‬‬
‫{َأوْلِيَاؤُهُمُ الطّاغُوتُ} ‪ :‬المتولون لهم الشياطين الذين زينوا لهم عبادة الوثان فأخرجوهم من‬
‫اليمان إلى الكفر ومن العلم إلى الجهل‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫يخبر ال تعالى بعد ذكر صفات جلله وكماله في آية الكرسي أنه ل إكراه في دينه‪ ،‬وذلك حين‬
‫أراد بعض النصار إكراه من تهود أو تنصر من أولدهم على الدخول في دين السلم‪ ،‬ولذا فإن‬
‫أهل الكتابين ومن شابههم تؤخذ منهم الجزية ويقرون على دينهم فل يخرجون منه إل باختيارهم‬
‫وإرادتهم الحرة‪ ،‬أما الوثنيون والذين ل دين لهم سوى الشرك والكفر فيقاتلون حتى يدخلوا في‬
‫السلم إنقاذا لهم من الجهل والكفر وما لزمهم من الضلل والشقاء‪.‬‬
‫ثم أخبر تعالى أنه بإنزال كتابه وبعثه رسوله ونصر أولياءه قد تبين الهدى من الضلل والحق من‬
‫الباطل‪ ،‬وعليه فمن يكفر بالطاغوت وهو الشيطان الذي زين عبادة الصنام ويؤمن بال فيشهد أن‬
‫ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال فقد استمسك ‪ 5‬من الدين بأمتن عروة وأوثقها‪ ،‬ومن يصر‬
‫على الكفر بال واليمان بالطاغوت فقد تمسك بأوهى من خيط العنكبوت‪ .‬وال‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الكراه‪ :‬الحمل على فعل المكروه‪ ،‬والدين هنا‪ :‬السلم‪ ،‬وجملة "ل إكراه" خبر بمعنى النشاء‪.‬‬
‫‪ 2‬يقال‪ :‬رشد يرشد رشدا‪ ،‬ورشد يرشد رشدا‪ ،‬إذا اهتدى واستقام‪ ،‬وغوى ضده‪ ،‬وألغي مصدر من‬
‫غوي يغوي‪ ،‬إذ ضل في معتقد أو رأي‪.‬‬
‫‪ 3‬كان العرب في الجاهلية يسمون الصنم المعبود‪ :‬الطاغية‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬كان يهلون لمناة‬
‫الطاغية"‪.‬‬
‫‪ 4‬الوثقى‪ :‬مؤنث الوثق‪ ،‬وجمع الوثقى‪ :‬الوثائق‪ ،‬مثل‪ :‬الفضلى‪ ،‬والفضل‪.‬‬
‫‪ 5‬السين والتاء في استمسك للتأكيد كما في استجاب بمعنى‪ :‬أجاب‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/246‬‬

‫سميع لقوال عباده عليم بنياتهم وخفيات أعمالهم وسيجزي كلً بكسبه‪ .‬ثم أخبر تعالى أنه ولي‬
‫عباده المؤمنين فهو يخرجهم من ظلمات ‪ 1‬الكفر والجهل إلى نور العلم واليمان فيكملون‬
‫ويسعدون‪ ،‬وأن الكافرين أوليائهم الطاغون من شياطين الجن والنس الذين حسنوا لهم الباطل‬
‫والشرور‪ ،‬وزينوا لهم الكفر والفسوق والعصيان‪ ،‬فأخرجوهم بذلك من النور إلى الظلمات فأهلوهم‬
‫لدخول النار فكانوا أصحابها الخالدين فيها‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬ل يكره أهل الكتابين ومن في حكمهم كالمجوس والصابئة على الدخول ‪ 2‬في السلم إل‬
‫باختيارهم وتقبل منهم الجزية فيقرون على دينهم‪.‬‬
‫‪ -2‬السلم ‪ 3‬كله رشد‪ ،‬وما عداه ضلل وباطل‪.‬‬
‫‪ -3‬التخلي عن الرذائل مقدم على التحلي بالفضائل‪.‬‬
‫‪ -4‬معنى ل إله إل ال‪ ،‬وهي اليمان بال والكفر بالطاغون‪.‬‬
‫‪ -5‬ولية ال تعالى تنال باليمان والتقوى‪.‬‬
‫‪ -6‬نصرة ال تعالى ورعايته لولياءه دون أعداءه‪.‬‬
‫{ أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِي حَاجّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ ا ْلمُ ْلكَ ِإذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَ ّبيَ الّذِي يُحْيِي وَ ُيمِيتُ‬
‫شمْسِ مِنَ ا ْلمَشْرِقِ فَ ْأتِ ِبهَا مِنَ ا ْل َمغْ ِربِ فَ ُب ِهتَ‬
‫قَالَ أَنَا أُحْيِي وَُأمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنّ اللّهَ يَأْتِي بِال ّ‬
‫الّذِي َكفَ َر وَاللّهُ ل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ(‪})258‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وحد تعالى لفظ النور‪ ،‬وجمع لفظ الظلمة‪ ،‬لن الحق واحد‪ ،‬والكفر أجناس كثيرة وكلها باطلة‪.‬‬
‫‪ 2‬هل هذه الية‪{ :‬ل ِإكْرَاهَ فِي الدّينِ} منسوخة بآية السيف؟ الراجح أنها محكمة غير منسوخة هل‬
‫تؤخذ الجزية من غير أهل الكتاب ومن لهم شبهة كتاب؟ أما كفار قريش‪ ،‬الجماع على أن ل‬
‫تؤخذ منهم الجزية‪ ،‬ومن عداهم مذهب مالك يرى أخذ الجزية منهم‪ ،‬والبقاء عليهم‪ ،‬ولعل هذا إن‬
‫دعت الضرورة إلى ذلك‪ ،‬وما ذكرته في التفسير أصح المذاهب وأعدلها‪.‬‬
‫‪ 3‬جاء في صحيح البخاري ما ملخصه‪ :‬أن عبد ال بن سلم رأى رؤيا كأنه في دوحة خضراء‬
‫وفي وسطها عمود حديد أسفله في الرض وأعله في السماء في أعله عروة‪ "..‬الحديث وفسر له‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬الروضة بالسلم‪ ،‬والعمود عمود السلم‪ ،‬والعروة هي العروة‬
‫الوثقى"‪ .‬أي أنت على السلم حتى تموت‪ .‬فكان مبشرا بالجنة رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)1/247‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{أََلمْ تَرَ} ‪ :‬ألم ينته إلى علمك يا رسولنا‪ ،‬والستفهام يفيد التعجب من الطاغية المحاج لبراهيم‪.‬‬
‫{حَاجّ} ‪ :‬جادل ومارى وخاصم‪.‬‬
‫{فِي رَبّهِ} ‪ :‬في شأن ربه من وجوده تعالى وربوبيته وألوهيته للخلق كلهم‪.‬‬
‫{آتَاهُ اللّهُ ا ْلمُ ْلكَ‪ : }1‬أعطاه الحكم والسيادة على أهل بلده وديار قومهم‪.‬‬
‫{إِبْرَاهِيمُ} ‪ :‬هو أبو النبياء إبراهيم الخليل عليه السلم‪ ،‬وكان هذا الحجاج قبل هجرة إبراهيم إلى‬
‫أرض الشام‪.‬‬
‫{فَ ُب ِهتَ الّذِي َكفَرَ} ‪ :‬انقطع عن الحجة متحيرا مدهوشا ذاك الطاغية الكافر وهو النمرود البابلي‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫لما ذكر ال تعالى وليته لولياءه وأنه مؤيدهم وناصرهم ومخرجهم من الظلمات إلى النور ذكر‬
‫مثالً لذلك وهو محاجة النمرود ‪ 2‬البابلي لبراهيم عليه السلم فقال تعالى مخاطبا رسوله محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم‪{ :‬أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِي حَاجّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبّهِ} أي‪ :‬لم ينته إلى علمك حجاج ذاك‬
‫الطاغية الذي بطرته نعمة الملك الذي آتيناه امتحانا له فكفر وادعى الربوبية وحاج خليلنا فبين إنه‬
‫لمر عجب‪ .‬إذ قال له إبراهيم ربي الذي يحي ويميت‪ ،‬وأنت ل تحيي ول تميت‪ ،‬فقال أنا أحيي ‪3‬‬
‫وأميت‪ ،‬فرد عليه إبراهيم حجته قائلً‪ :‬ربي يأتي بالشمس من المشرق فآت بها أنت من المغرب‪،‬‬
‫فاندهش وتحير وانقطع وأيد ال وليه إبراهيم فانتصر ‪ ،4‬فهذا مثال لخراج ال تعالى أولياؤه من‬
‫ظلمة الجهل إلى نور العلم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إذ هو ملك بابل وقيل أنه أحد الربعة الذين ملكوا المعمورة وهم مسلمان‪ ،‬وكافران‪ ،‬فالمسلمان‪:‬‬
‫سليمان‪ ،‬وذو القرنين عليهما السلم‪ .‬والكافران‪ :‬النمرود‪ ،‬وبختنصر عليهما لعائن الرحمن‪.‬‬
‫‪ 2‬يقال له النمرود بن كؤتن بن كنعان بن سام بن نوح عليه السلم‪ ،‬وفي الية دليل على جواز‬
‫إطلق اسم الملك على الحاكم الكافر ولما حارب ال تعالى أهلكه مع جيشه بالبعوض إذ فتح‬
‫عليهم بابا من البعوض فأكلت الجيش فلم تتركه إل عظاما‪ ،‬وأما النمرود فقد دخلت بعوضة في‬
‫دماغه فصار يضرب على دماغه حتى هلك بذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬يريد أنه يحيي من أراد حياته‪ ،‬ويميت من أراد موته‪ ،‬وهذا مجرد تمويه وسفسطة فلذا عدل‬
‫إبراهيم عنها وألزمه الحجة إن كان صادقا في دعواه بالتيان بالشمس من المغرب كما يأتي بها‬
‫ال من المشرق‪.‬‬
‫‪ 4‬يذكر أهل التفسير هنا أن إبراهيم ذهب يمتار من عند الملك كغيره فجادله الملك ومنعه الميرة‬
‫فعاد بل شيء وفي أثناء طريقه وجد رملً أحمر فمل منه غرارتين حتى ل يفاجئ أهله بالخيبة‬
‫ولما وصل ونام قامت زوجته سارة ففتحت الغرارة فوجدتها دقيقا من أجود الدقيق الحواري‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/248‬‬

‫هداية الية‪:‬‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬النعم تبطر صاحبها إذا حرم ولية ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬نصرة ال لولياءه وإلهامهم الحجة لخصم أعدائهم‪.‬‬
‫‪-3‬إذا ظلم العبد ووالى الظلم حتى أصبح وصفا له يحرم هداية ال تعالى فل يهتدي أبدا‪.‬‬
‫‪ -4‬جواز المجادلة والمناظرة في إثبات العقيدة الصحيحة السليمة‪.‬‬
‫شهَا قَالَ أَنّى ُيحْيِي هَ ِذهِ اللّهُ َبعْدَ َموْتِهَا فََأمَاتَهُ اللّهُ‬
‫{َأوْ كَالّذِي مَرّ عَلَى قَرْيَةٍ وَ ِهيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُو ِ‬
‫مِائَةَ عَامٍ ثُمّ َبعَثَهُ قَالَ َكمْ لَبِ ْثتَ قَالَ لَبِ ْثتُ َيوْما َأوْ َب ْعضَ َيوْمٍ قَالَ َبلْ لَبِ ْثتَ مِا َئةَ عَامٍ فَا ْنظُرْ إِلَى‬
‫س وَانْظُرْ إِلَى ا ْل ِعظَامِ كَ ْيفَ نُنْشِزُهَا‬
‫جعََلكَ آيَةً لِلنّا ِ‬
‫ك وَلِنَ ْ‬
‫حمَا ِر َ‬
‫ك وَشَرَا ِبكَ لَمْ يَتَسَنّ ْه وَا ْنظُرْ إِلَى ِ‬
‫طعَا ِم َ‬
‫َ‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ(‪})259‬‬
‫ثُمّ َنكْسُوهَا لَحْما فََلمّا تَبَيّنَ َلهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{قَرْيَةٍ}‪ : 1‬مدينة لم يذكر ال تعالى اسمها فل يبحث عنها لعدم جدوى معرفتها‪.‬‬
‫{خَاوِيَةٌ} ‪ :‬فارغة من سكانها ساقطة ‪ 2‬عروشها على مبانيها وجدرانها‪.‬‬
‫{أَنّى يُحْيِي} ‪ :‬كيف يحيي ‪.3‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬سميت القرية قرية‪ :‬لجتماع الناس فيها‪ ،‬مأخوذ من قريت الماء إذا جمعته‪ ،‬وهي في القرآن‪،‬‬
‫المدينة الكبيرة‪ ،‬والمراد بها هنا بيت المقدس‪ ،‬وقد خربها الطاغية بختنصر ثم بعد سبعين سنة‬
‫أعيد بناؤها كما كانت‪.‬‬
‫‪ 2‬العريش‪ :‬سقف البيت‪ ،‬وجمعه‪ :‬عروش ‪ ،‬وهو كل ما يهيأ ليظل أو يكن من ينزل تحته‪ ،‬ومنه‬
‫عريش الدالية‪ ،‬أي شجرة العنب‪ ،‬إذ يعرش لها عريش تمد عليه أغصانها لتتدلى منه عناقيدها‪.‬‬
‫‪ 3‬اختلف فيمن هو المار على القرية‪ ،‬هل هو عزيز أو إرميا‪ ،‬أو الخضر‪ ،‬وأرجح القوال إنه‬
‫عزيز‪ ،‬وما دام ال ورسوله لم يذكرا اسمه فل داعي إلى ذكره‪ ،‬والتعرف إليه‪ ،‬ولذا لم أذكره في‬
‫التفسير‪.‬‬

‫( ‪)1/249‬‬

‫{ َبعْدَ َموْتِهَا} ‪ :‬بعد خوائها وسقوطها على عروشها‪.‬‬


‫{لَبِ ْثتَ} ‪ :‬مكثت وأقمت‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{َلمْ يَتَسَنّهْ‪ : }1‬لم يتغير بمر السنين عليه‪.‬‬
‫{آيَةً} ‪ :‬علمة على قدرة ال على بعث الناس أحياء يوم القيامة‪.‬‬
‫{نُنْشِ ُزهَا} ‪ :‬في قراءة ورش‪ :‬ننشرها‪ ،‬بمعنى‪ :‬نحييها بعد موتها‪ .‬وننشزها‪ :‬نرفعها ونجمعها لتكون‬
‫حمارا كما كانت‪.‬‬
‫معنى الية‪:‬‬
‫هذا مثل آخر معطوف على الول الذي تجلت فيه على حقيقتها ولية ال لبراهيم حيث أيده‬
‫علَى قَرْ َي ٍة وَ ِهيَ خَاوِيَةٌ}‬
‫بالحجة القاطعة ونصره على عدوه النمرود‪ ،‬قال تعالى‪َ{ :‬أوْ كَالّذِي مَرّ َ‬
‫فارغة من سكانها ساقطة سقوفها على مبانيها فقال المار بها مستبعدا حياتها مرة ثانية‪ :‬كيف يحيي‬
‫ال هذه القرية بعد خرابها؟ فأماته ال مائة عام ثم أحياه‪ ،‬وسأله‪ :‬كم لبتث؟ قال‪ :‬حسب عادة من‬
‫نام في يوم واستيقظ فيه‪ ،‬فإنه يرى أنه نام يوما أو بعض يوم‪ ،‬فأجابه مصوبا له فهمه‪َ { :‬بلْ لَبِ ْثتَ‬
‫مِائَةَ عَامٍ} ‪ ،‬ولكي تقتنع بما أخبرت به‪ ،‬فانظر إلى طعامك وكان سلة من تين وشرابك وكان‬
‫عصيرا من عنب فإنه لم يتغير طعمه ول لونه‪ ،‬وقد مر عليه قرن من الزمن‪ ،‬و انظر إلى‬
‫حمارك فإنه هلك بمرور الزمن ولم يبقى منه إل عظامه تلوح بيضاء فهذا دليل قاطع على موته‬
‫وفناؤه لمرور مائة سنة عليه‪ ،‬وانظر إلى العظام كيف نجمعها ونكسوها لحما فإذا هي حمارك‬
‫الذي كنت تركبه من مائة سنة‪ ،‬ونمت وتركته إلى جانبك يرتع‪ ،‬وتجلت قدرة ال تعالى في عدم‬
‫تغير الذي جرت العادة أنه يتغير في ظرف يوم واحد‪ ،‬وهو سلة التين وشراب العصير‪ .‬وفي‬
‫تغير الذي جرت العادة أنه ل يتغير إل في عشرات العوام‪ ،‬وهو الحمار‪ .‬كما هي ظاهرة في‬
‫موت صاحبهما وحياته بعد لبثه على وجه الرض ميتا لم يعثر عليه أحد طيلة مائة عام‪ .‬وقال له‬
‫الرب تبارك وتعالى بعد أن وقفه على مظاهر قدرته فعلنا هذا بك لنريك ‪ 2‬قدرتنا على إحياء‬
‫القرية متى أردنا إحياءها ولنجعلك في قصتك هذه آية للناس‪،‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬مشتق من السنة لن مر السنين يوجب التغير فتسنه تغير بمر السنين عليه‪ ،‬مثل تحجر الطين‬
‫صار حجرا بمرور اليام أو الساعات عليه‪.‬‬
‫جعََلكَ} قيل‪ :‬الواو مقحمة‪ ،‬والًصل‪ :‬لنجعلك‪ ،‬وعلى أصالة الواو وعدم إقحامها‬
‫‪ 2‬قوله تعالى‪{ :‬وَلِ َن ْ‬
‫يكون المعنى‪ ،‬أريناك ذلك لتعلم قدرتنا ولنجعلك آية للناس‪ ،‬فالواو عاطفة إذا وهو وظيفتها أي‪:‬‬
‫العطف‪.‬‬

‫( ‪)1/250‬‬

‫تهديهم إلى اليمان بنا وتوحيدنا في عبادتنا وقدرتنا على البعث الخر الذي ل ريب فيه لتجزى‬
‫كل نفس بما كسبت‪ ،‬وأخيرا لما لحت أنوار ولية ال في قلب هذا العبد المؤمن الذي أثار تعجبه‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خراب القرية فاستبعد حياتها قال‪ :‬أعلم ‪ 1‬أن ال على كل شيء قدير‪ ،‬فهذا مصداق قوله تعالى‪:‬‬
‫ج ُهمْ مِنَ الظُّلمَاتِ‪ِ 2‬إلَى النّورِ}‬
‫{اللّ ُه وَِليّ الّذِينَ آمَنُوا ُيخْرِ ُ‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬جواز طروء استبعاد ما يؤمن به العبد أنه حق وكائن‪ ،‬كما استبعد هذا المؤمن المار بالقرية‬
‫حياة القرية مرة أخرى بعد ما شاهد من خرابها وخوائها‪.‬‬
‫‪ -2‬عظيم قدرة ال تعالى بحيث ل يعجزه تعالى شيء وهو على كل شيء قدير‪.‬‬
‫‪ -3‬ثبوت البعث الخر وتقريره‪.‬‬
‫‪ -4‬ولية ال تعالى للعبد المؤمن التقي تجلت في إذهاب الظلمة التي ظهرت على قلب المؤمن‬
‫علَمُ‬
‫باستبعاده قدرة ال على إحياء القرية‪ ،‬فأراه ال تعالى من مظاهر قدرته ما صرح في قوله‪{ :‬أَ ْ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ} ‪.‬‬
‫أَنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫طمَئِنّ قَلْبِي قَالَ َفخُذْ‬
‫{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ َربّ أَرِنِي كَ ْيفَ ُتحْيِي ا ْل َموْتَى قَالَ َأوَلَمْ ُت ْؤمِنْ قَالَ بَلَى وََلكِنْ لِ َي ْ‬
‫سعْيا وَاعْلَمْ أَنّ‬
‫عهُنّ يَأْتِي َنكَ َ‬
‫ج َعلْ عَلَى ُكلّ جَ َبلٍ مِ ْنهُنّ جُزْءا ثُمّ ادْ ُ‬
‫أَرْ َبعَةً مِنَ الطّيْرِ َفصُرْهُنّ إِلَ ْيكَ ُثمّ ا ْ‬
‫حكِيمٌ(‪})260‬‬
‫اللّهَ عَزِيزٌ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وقرئ‪ :‬أعلم‪ ،‬والقائل له حينئذ ال تبارك وتعالى أو ملك من ملئكته‪ ،‬أو هو خاطب نفسه قائلً‬
‫لها اعلمي يا نفسي هذا العلم اليقيني الذي ما كنت تعلمينه‪.‬‬
‫‪ 2‬لما قرر تعالى وليته للذين آمنوا وإنه يخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم ذكر لذلك ثلثة‬
‫أحداث تجلى في كل واحد منها مصداق ما أخبر به‪ ،‬فالول محاجة النمرود لبراهيم وإعطاءه‬
‫تعالى نور العلم الذي أسكت به المجادل الكافر النمرود‪ .‬والثاني‪ :‬استبعاد عزيز إحياء ال مدينة‬
‫القدس بعد تدميرها وتخريبها فأراه ال من آياته ما أذهب عنه ما وجده في نفسه من استبعاد حياة‬
‫تلك المدينة‪ ،‬والثالث‪ :‬طلب إبراهيم ربه أن يريه كيف يحيي الموتى‪ ،‬وقد أراه ذلك فأذهب به ما‬
‫وجده إبراهيم من التطلع إلى معرفة ذلك‪.‬‬

‫( ‪)1/251‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{إِبْرَاهِيمُ} ‪ :‬هو خليل الرحمن أبو النبياء عليه السلم‪.‬‬
‫طمَئِنّ قَلْبِي} ‪ :‬يسكن ويهدأ من التطلع والتشوق إلى الكيفية‪.‬‬
‫{لِ َي ْ‬
‫{ َفصُرْهُنّ‪ 1‬إِلَ ْيكَ} ‪ :‬أملهن واضممهن إليك وقطعهن أجزاء‪.‬‬
‫سعْيا} ‪ :‬مشيا سريعا وطيرانا‪.‬‬
‫{َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{عَزِيزٌ} ‪ :‬غالب ل يمتنع عنه ول منه شيء أراده بحال من الحوال‪.‬‬
‫حكِيمٌ} ‪ :‬ل يخلق عبثا ول يوجد لغير حكمة‪ ،‬ول يضع شيئا في غير موضعه اللئق به‪.‬‬
‫{َ‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫هذا مثل ثالث يوجه إلى الرسول والمؤمنين حيث تتجلى لهم وليته تعالى لعباده المؤمنين‬
‫بإخراجهم من الظلمات إلى النور حتى مجرد ظلمة باستبعاد شيء عن قدرة ال تعالى‪ ،‬أو تطلع‬
‫إلى كيفية إيجاد شيء ومعرفة صورته‪ .‬فقال تعالى‪ :‬اذكروا {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ َربّ أَرِنِي كَ ْيفَ‬
‫تُحْيِي ‪ 2‬ا ْل َموْتَى} ‪ .‬سأل إبراهيم ربه أن يريه طريقة الحياء كيف تتم هل هي جارية على نواميس‬
‫معينة أم هي مجرد قدرة يقول صاحبها للشيء كن فيكون‪ ،‬فسأله ربه وهو عليم به أتقول الذي‬
‫تقول ولن تؤمن؟ قال إبراهيم‪ :‬بلى أنا مؤمن بأنك على كل شيء قدير‪ ،‬ولكن أريد أن أرى صورة‬
‫لذلك يطمئن لها قلبي ويسكن من التطلع والتشوق إلى معرفة المجهول لدي‪ .‬فأمره تعالى إجابه له‬
‫لنه وليه فلم يشأ أن يتركه يتطلع إلى كيفية إحياء ربه الموتى‪ ،‬أمره بأخذ أربعة طيور ‪ 3‬وذبحها‬
‫وتقطيعها أجزاء وخلطها مع بعضها بعضا ثم وضعها على أربعة جبال ‪ 4‬على كل جبل ربع‬
‫الجزاء المخلوطة‪ ،‬ففعل‪ ،‬ثم أخذ برأس كل طير على حدة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬فسر‪{ :‬صرهن} بأملهن وقطعهن كما في التفسير‪ ،‬والكل صحيح‪ ،‬إذ إما إمالتهن أولً ثم‬
‫تقطيعهن وشاهد أملهن في قول العرب‪ :‬رجل أصور إذا كان مائل العنق‪ .‬وامرأة صوراء‪ ،‬وجمع‬
‫صور؛ كسوداء وسود‪ ،‬وعليه قول الشاعر‪:‬‬
‫ال يعلم أنا في تلفتنا ‪ ...‬يوم الفراق إلى جيراننا صور‬
‫وشاهد قطعهن قوله‪ :‬صار الشيء يصوره إذا قطعه‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫بنهضي وقد كاد ارتقائي يصورها‬
‫‪ 2‬هذا السؤال وال ما كان عن شك من إبراهيم أبدا‪ ،‬وكيف وقد قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪" :‬نحن أحق بالشك من إبراهيم" ‪ ،‬أي لو شك إبراهيم لكنا نحن أحرى بذلك لضعفنا ولكن ما‬
‫شك إبراهيم‪ ،‬وكل ما طلبه زيادة اليقين برؤية كيفية الحياء كيف تتم‪ ،‬فسلم على إبراهيم الخليل‬
‫وعلى محمد في العالمين‬
‫‪ 3‬يروى عن ابن عباس وبعض علماء السلف إنها كانت حمامة وديكا وغرابا وطاووسا وليس في‬
‫معرفتها كبير فائدة فلذا لم أذكرها في التفسير‪.‬‬
‫‪ 4‬الجبل‪ :‬قطعة عظيمة من الرض أرسى ال تعالى بها الرض حتى ل تضطرب وتتحرك‬
‫ومنافعها كثيرة منها‪ :‬أن بعض الناس يتخذونها حصونا مانعة من وصول العدو إليهم‪ .‬قال‬
‫السموأل‪:‬‬
‫لنا جبل يحتله من نجيره ‪ ...‬منيع يرد الطرف وهو كليل‬
‫وهو أحد جبال طيء شمال الحجاز‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/252‬‬

‫ودعاه فاجتمعت أجزائه المفرقة المختلطة بأجزاء غيره وجاءه يسعى فقدم له رأسه فالتصق به‬
‫وطار في السماء وإبراهيم ينظر ويشاهد مظاهر قدرة ربه العزيز الحكيم‪ .‬سبحانه ل إله غيره ول‬
‫رب سواه‪.‬‬
‫هداية الية الكريمة‬
‫من هداية الية الكريمة‪:‬‬
‫‪ -1‬غريزة ‪ 1‬النسان في حب معرفة المجهول والتطلع إليه‪.‬‬
‫‪ -2‬ولية ال تعالى لبراهيم حيث أراه من آياته ما اطمئن به قلبه وسكنت له نفسه‪.‬‬
‫‪ -3‬ثبوت ‪ 2‬عقيدة الحياة الثانية ببعث الخلئق أحياء بالحساب والجزاء‪.‬‬
‫‪ -4‬زيادة اليمان واليقين كلما نظر العبد إلى آيات ال الكونية‪ ،‬أو قرأ وتدبر آيات ال القرآنية‪.‬‬
‫{مَ َثلُ الّذِينَ يُ ْنفِقُونَ َأ ْموَاَلهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ َكمَ َثلِ حَبّةٍ أَنْبَ َتتْ سَبْعَ سَنَا ِبلَ فِي ُكلّ سُنْبَُلةٍ مِائَةُ حَبّ ٍة وَاللّهُ‬
‫عفُ ِلمَنْ َيشَا ُء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(‪ )261‬الّذِينَ يُ ْنفِقُونَ َأ ْموَاَلهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ُث ّم ل يُتْ ِبعُونَ مَا‬
‫ُيضَا ِ‬
‫خ ْوفٌ عَلَ ْيهِ ْم وَل هُمْ يَحْزَنُونَ(‪َ )262‬ق ْولٌ َمعْرُوفٌ‬
‫أَ ْنفَقُوا مَنّا وَل أَذىً َلهُمْ َأجْرُهُمْ عِنْدَ رَ ّبهِمْ وَل َ‬
‫ى وَاللّهُ غَ ِنيّ حَلِيمٌ(‪})263‬‬
‫ن صَ َد َقةٍ يَتْ َب ُعهَا أَذ ً‬
‫َو َمغْفِ َرةٌ خَيْرٌ مِ ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قالت العلماء‪ :‬من غرائز النسان التي جبل عليها حبه معرفة المجهول والية أكبر شاهد‪ ،‬إذ‬
‫الخليل أحب أن يعرف كيفية إحياء الموتى‪.‬‬
‫‪ 2‬إذ رؤية إبراهيم لكيفية إحياء ال تعالى الموتى من الطير أكبر دليل على قدرة ال تعالى على‬
‫إحياء العباد يوم القيامة ومن هداية هذه الية إراءه المشركين المنكرين للبعث الخر هذه الحادثة‬
‫العجيبة كأنهم يشاهدونها فتقوم بذلك الحجة عليهم وعلى كل منكر للبعث والحياة الخرة‪.‬‬

‫( ‪)1/253‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{مَ َثلُ الّذِينَ يُ ْنفِقُونَ‪ : }1‬صفتهم المستحسنة العجيبة‪.‬‬
‫{سَبِيلِ اللّهِ} ‪ :‬كل ما يوصل إلى مرضاة ال تعالى من اليمان وصالح العمال‪.‬‬
‫عفُ} ‪ :‬يزيد ويكثر حتى يكون الشيء أضعاف ما كان‪.‬‬
‫{ ُيضَا ِ‬
‫{مَنّا وَل أَذىً} ‪ :‬المن ‪ :2‬ذكر الصدقة وتعدادها على من تصدق بها عليه على الوجه التفضل‬
‫عليه‪ .‬والذى‪ :‬التطاول على المتصدق عليه وإذلله بالكلمة النابية أو التي تمس كرامته وتحط من‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شرفه‪.‬‬
‫{ َق ْولٌ َمعْرُوفٌ} ‪ :‬كلم طيب يقال للسائل المحتاج‪ ،‬نحو‪ :‬ال يرزقنا وإياكم‪ ،‬ال كريم‪ .‬ال يفتح‬
‫علينا وعليك‪.‬‬
‫{ َو َمغْفِ َرةٌ} ‪ :‬ستر على الفقير بعدم إظهار فقره‪ ،‬والعفو عن سوء خلقه إن كان كذلك‪.‬‬
‫{غَ ِنيّ} ‪ :‬غني ذاتي ل يفتقر معه إلى شيء أبدا‪.‬‬
‫{حَلِيمٌ} ‪ :‬ل يعاجل بالعقوبة بل يعفو ويصفح‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يخبر تعالى مرغبا في الجهاد بالمال لتقدمه على الجهاد بالنفس؛ لن العدة أولً والرجال ثانيا‪ ،‬أن‬
‫مثل ما ينفقه المؤمن في سبيل ال وهو هنا الجهاد‪ ،‬في نماءه وبركته وتضاعفه‪ ،‬كمثل حبة ‪ 3‬بر‬
‫بذرت في أرض طيبة فأنبتت سبع ‪ 4‬سنابل في كل سنبلة مائة حبة فأثمرت الحبة الواحدة سبعمائة‬
‫حبة‪ ،‬وهكذا الدرهم الواحد ينفقه المؤمن في سبيل ال يضاعف إلى سبعمائة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ذكر القرطبي‪ :‬أنه روي أن هذه الية‪{ :‬مَ َثلُ الّذِينَ يُ ْنفِقُونَ} نزلت في شأن عثمان بن عفان وعبد‬
‫الرحمن بن عوف‪ ،‬إذ عثمان جهز جيش العسرة في غزوة تبوك‪ ،‬وعبد الرحمن خرج بنصف ماله‬
‫وهو أربعة آلف‪ ،‬فدعا له الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬بارك ال لك فيما أمسكت وفيما‬
‫أعطيت" ‪.‬‬
‫‪ 2‬المن‪ :‬من كبائر الذنوب‪ ،‬إذ صاحبه أحد ثلثة ل ينظر ال إليهم يوم القيامة ول يزكيهم ولهم‬
‫عذاب أليم "في صحيح مسلم" والمنان هو الذي ل يعطي شيئا إل منة‪.‬‬
‫‪ 3‬الحب‪ :‬اسم جنس لكل ما يزرعه النسان ويقتاته وأكثر ما يراد بالحب‪ :‬البر‪ ،‬ومنه قول‬
‫المتلمس‪:‬‬
‫أليت حب العراق الدهر أطعمه ‪ ...‬والحب يأكله في القرية السوس‬
‫والحبة بكسر الحاء‪ :‬بذور البقول مما ليس بقوت‪ ،‬وفي حديث الشفاعة‪" :‬فينبتون كما تنب الحبة‬
‫في حميل السيل" وحبة القلب سويدائه‪ ،‬والحب معروف ضد الكره‪.‬‬
‫‪ 4‬في الية‪ :‬دليل على مشروعية الزراعة‪ ،‬وهي واجب كفائي وورد فيها‪" :‬التمسوا الرزق في‬
‫خبايا الرض" ‪ .‬رواه الترمذي عن عائشة رضي ال عنها‪.‬‬

‫( ‪)1/254‬‬

‫عفُ ِلمَنْ َيشَا ُء وَاللّ ُه وَاسِعٌ عَلِيمٌ} هذا ما‬


‫ضعف‪ ،‬وقد يضاعف إلى أكثر لقوله تعالى‪{ :‬وَاللّهُ ُيضَا ِ‬
‫تضمنته الية الولى(‪ ،)261‬وأما الية الثانية(‪ )262‬فهي تحمل بشرى ال تعالى للمنفقين في‬
‫سبيله الذين ل يتبعون ما أنفقوه منا به ول أذى لمن أنفقوه عليه بأن ل خوف عليهم فيما يستقبلونه‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من حياتهم ول هم يحزنون على ما يتركون وراءهم ويخلفون‪ .‬وهذه هي السعادة حيث خلت‬
‫حياتهم من الخوف والحزن حل محلها المن والسرور‪ .‬وأخيرا الية الثالثة(‪ )263‬وهي‪َ { :‬ق ْولٌ‬
‫َمعْرُوفٌ‪ }...‬فإن ال تعالى يخبر بأن الكلمة الطيبة تقال للفقير ينشرح لها صدره وتطيب لها نفسه‬
‫خير من مال يعطاه صدقة عليه يهان به ويذل فيشعر بمرارة الفقر أكثر‪ ،‬وألم الحاجة أشد‪،‬‬
‫ومغفرة وستر لحالته وعدم فضيحته أو عفو عن سوء خلقه؛ كإلحاحه في المسألة‪ ،‬خير أيضا من‬
‫صدقة يفضح ‪ 1‬به ويعاتب ويشنع عليه بها‪ ،‬وقوله في آخر الية‪{ :‬وَاللّهُ غَ ِنيّ حَلِيمٌ} أي‪ :‬مستغن‬
‫عن الخلق حليم ل يعاجل بالعقوبة من يخالف أمره‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬فضل النفقة في الجهاد وإنها أفضل النفقات‪.‬‬
‫‪ -2‬فضل الصدقات وعواقبها الحميدة‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة المن بالصدقة وفي الحديث‪" :‬ثلثة ل يدخلون الجنة‪ "...‬وذكر من بينهم المنان‪.‬‬
‫‪ -4‬الرد الجميل على الفقير إذا لم يوجد ما يعطاه‪ ،‬وكذا العفو عن سوء القول منه ومن غيره خير‬
‫من الصدقة يتبعها أذى‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬الكلمة الطيبة صدقة"‪.‬‬
‫س وَل ُي ْؤمِنُ بِاللّهِ‬
‫ن وَالَذَى كَالّذِي يُ ْنفِقُ مَاَلهُ رِئَاءَ النّا ِ‬
‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تُ ْبطِلُوا صَ َدقَا ِتكُمْ بِا ْلمَ ّ‬
‫صفْوَانٍ عَلَ ْيهِ‬
‫ل َ‬
‫وَالْ َيوْمِ الخِرِ َفمَثَلُهُ َكمَ َث ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وصح عنه صلى ال عليه وسلم قوله‪" :‬الكلمة الطيبة صدقة" وقوله‪" :‬ولو أن تلقى أخاك بوجه‬
‫طلق" ‪ ،‬قال‪" :‬ل يدخل الجنة مدمن خمر‪ ،‬ول عاق لوالديه ول منان"‪.‬‬

‫( ‪)1/255‬‬

‫شيْءٍ ِممّا كَسَبُوا وَاللّهُ ل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلكَافِرِينَ(‬


‫تُرَابٌ فََأصَابَ ُه وَا ِبلٌ فَتَ َركَهُ صَلْدا ل َيقْدِرُونَ عَلَى َ‬
‫‪})264‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إبطال الصدقة ‪ : 1‬حرمان من ثوابها‪.‬‬
‫{بِا ْلمَنّ‪ 2‬وَالَذَى} ‪ :‬تقدم معناهما‪.‬‬
‫{رِئَاءَ النّاسِ} ‪ :‬مراءاة لهم ليكسب محمدتهم‪ ،‬أو يدفع مذمتهم‪.‬‬
‫ص ْفوَانٍ}‪ : 3‬حجر أملس‪.‬‬
‫{ َ‬
‫{وَا ِبلٌ}‪ : 4‬مطر شديد‪.‬‬
‫{صَلْدا} ‪ :‬أملس ليس عليه شيء من التراب‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ل َيقْدِرُونَ} ‪ :‬يعجزون عن النتفاع بشيء من صدقاتهم الباطلة‪.‬‬
‫معنى الية‪:‬‬
‫بعد أن رغب تعالى في الصدقات ونبه إلى ما يبطل أحرها وهو المن والذى نادى عباده‬
‫المؤمنين فقال‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا‪ }...‬ناهيا عن إفساد صدقاتهم وإبطال ثوابها فقال‪{ :‬ل تُ ْبطِلُوا‬
‫ن وَالَذَى} مشبها حال إبطال الصدقات بحال صدقات المرائي الذي ل يؤمن بال‬
‫صَ َدقَا ِتكُمْ بِا ْلمَ ّ‬
‫س وَل ُي ْؤمِنُ بِاللّهِ وَالْ َيوْمِ‪6‬‬
‫واليوم الخر في بطلنها فقال‪{ :‬وَالَذَى كَالّذِي يُ ْنفِقُ‪ 5‬مَاَلهُ رِئَاءَ النّا ِ‬
‫الخِرِ} وضرب مثلً لبطلن صدقات من يتبع صدقاته منا أو أذى أو يرائي بها الناس أو هو كافر‬
‫ل يؤمن بال ول باليوم الخر فقال‪َ { :‬فمَثَلُهُ َكمَ َثلِ صَ ْفوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ}‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قالت العلماء‪ :‬إن الصدقة التي يعلم ال من صاحبها إنه يمن أو يؤذي بها فإنها ل تقبل‪ ،‬وهو‬
‫ن وَالَذَى} وإبطالها هو عدم قبولها وإذا لم‬
‫كما قالوا‪ :‬لن ال تعالى قال‪{ :‬ل تُبْطِلُوا صَ َدقَا ِت ُكمْ بِا ْلمَ ّ‬
‫تقبل فل يعطي صاحبها ثوابا عليها وهو معنى ل تقبل‪.‬‬
‫‪ 2‬يقال طعم اللء أحلى من المن‪ ،‬وهو أمرّ من اللء عند المن‪ .‬اللء الول‪ :‬النعم‪ ،‬والثاني‪:‬‬
‫شجر من الورق‪ .‬والمن الول‪ :‬شيء يشبه العسل‪ ،‬والثاني‪ :‬تذكير المنعم عليه بالنعمة‪.‬‬
‫‪ 3‬الصفوان‪ :‬واحدة صفوانه‪.‬‬
‫‪ 4‬يقال‪ :‬وبلت السماء تبل والرض مبولة‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪{ :‬فََأخَذْنَاهُ َأخْذا وَبِيلً} أي‪ :‬شديدا‪.‬‬
‫‪ 5‬إن الكافر قد يعطي المال ولكن ليراه الناس فيمدحوه ويشكروه وهذا عمل أهل الجاهلية الماضية‬
‫والحاضرة أيضا‪.‬‬
‫‪ 6‬أي‪ :‬إنفاقا؛ كإنفاق الذي ينفق ماله رئاء الناس طلبا لمحمدتهم أو خوفا من مذمتهم‪.‬‬

‫( ‪)1/256‬‬

‫أي حجر أملس عليه تراب ‪{ ،1‬فََأصَابَ ُه وَا ِبلٌ فَتَ َر َك ُه صَلْدا} أي‪:‬نزل عليه مطر شديد فأزال التراب‬
‫عنه فتركه أملس عاريا ليس عليه شيء‪ ،‬فكذلك تذهب الصدقات الباطلة ولم يبق منها لصاحبها‬
‫شيْءٍ ِممّا كَسَبُوا} أي‪ :‬مما تصدقوا به‪،‬‬
‫علَى َ‬
‫شيء ينتفع به يوم القيامة‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬ل َيقْدِرُونَ َ‬
‫{وَاللّهُ ل َي ْهدِي ا ْلقَوْمَ‪ 2‬ا ْلكَافِرِينَ} إلى ما يسعدهم ويكملهم لجل كفرانهم به تعالى‪.‬‬
‫هداية الية‪:‬‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة المن والذى في الصدقات وفسادها بها‪.‬‬
‫‪ -2‬بطلن صدقة المان والمؤذي والمرائي بهما‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة الرياء وهي من الشرك لحديث‪" :‬وإياكم والرياء فإنه الشرك الصغر" ‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سهِمْ َكمَ َثلِ جَنّةٍ بِرَ ْب َوةٍ َأصَا َبهَا وَا ِبلٌ‬
‫{ َومَ َثلُ الّذِينَ يُ ْن ِفقُونَ َأ ْموَاَلهُمُ ابْ ِتغَاءَ مَ ْرضَاتِ اللّ ِه وَتَثْبِيتا مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫ح ُدكُمْ أَنْ َتكُونَ‬
‫ل وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ(‪ )265‬أَ َيوَدّ أَ َ‬
‫طّ‬‫ض ْعفَيْنِ فَإِنْ لَمْ ُيصِ ْبهَا وَا ِبلٌ فَ َ‬
‫فَآ َتتْ ُأكَُلهَا ِ‬
‫ت وََأصَابَهُ ا ْلكِبَ ُر وَلَهُ‬
‫لَهُ جَنّةٌ مِنْ َنخِيلٍ وَأَعْنَابٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ ُكلّ ال ّثمَرَا ِ‬
‫عصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَ َر َقتْ كَذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ َلكُ ُم الياتِ َلعَّلكُمْ تَ َت َفكّرُونَ(‪})266‬‬
‫ضعَفَاءُ فََأصَا َبهَا إِ ْ‬
‫ذُرّيّةٌ ُ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬التراب على الصفوان‪ :‬عندما يراه الفلح يعجبه لنعومة التربة وصفائها فيبذر فيه رجاء أن‬
‫يحصد ولكن إذا نزل عليه المطر الشديد وذهب به وبالبذر معه فيصاب صاحبه بخيبة المل‪،‬‬
‫فكذلك المنفق رئاء الناس‪.‬‬
‫‪ 2‬هذه الجملة زيل بها الكلم لتحمل تحذيرا شديدا للمؤمنين أن يسلكوا مسالك الكافرين في إنفاقهم‬
‫وأعمالهم فإنها باطلة خاسرة‪.‬‬

‫( ‪)1/257‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫المثل ‪ :‬الصفة المستملحة المستغربة‪.‬‬
‫{ابْ ِتغَاءَ مَ ْرضَاتِ اللّهِ} ‪ :‬طلبا لرضا ال تعالى‪.‬‬
‫{وَتَثْبِيتا}‪ : 1‬تحقيقا وتيقنا بمثوبة ال تعالى لهم على إنفاقهم في سبيله‪.‬‬
‫{جَنّةٍ بِرَ ْب َوةٍ‪ : }2‬بستان كثير الشجار بمكان مرتفع‪.‬‬
‫ض ْعفَيْنِ} ‪ :‬مضاعفا مرتين‪ ،‬أو ضعفي ما يثمر غيرها‪.‬‬
‫{ ِ‬
‫الوابل ‪ :‬المطر الغزير الشديد‪.‬‬
‫الطل ‪ :‬المطر الخفيف‪.‬‬
‫عصَارٌ} ‪ :‬ريح عاصف فيها سموم‪.‬‬
‫{إِ ْ‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫لما ذكر ال تعالى خيبة المنفقين أموالهم رياء الناس محذرا المؤمنين من ذلك ذكر تعالى مرغبا‬
‫في النفقة التي يريد بها العبد رضا ال وما عنده من الثواب الخروي فقال ضاربا لذلك مثلً‪:‬‬
‫س ِهمْ} أي‪:‬‬
‫{ َومَ َثلُ الّذِينَ يُ ْن ِفقُونَ َأ ْموَاَلهُمُ ابْ ِتغَاءَ مَ ْرضَاتِ اللّهِ} أي‪ :‬طلبا لمرضاته {وَتَثْبِيتا مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫تحققا وتيقنا منهم بأن ال تعالى سيثيبهم عليها مثلهم في الحصول ما أمّلوا من رضا ال وعظيم‬
‫الجر؛ كمثل جنة بمكان مرتفع عالٍ أصابها مطر غزير فأعطت ثمرها ضعفي ما يعطيه غيرها‬
‫من البساتين‪ ،‬ولما كانت هذه الجنة بمكان عال مرتفع فإنها إن لم يصبها المطر الغزير فإن الندى‬
‫والمطر اللين الخفيف كافٍ في سقيها وريها حتى تؤتي ثمارها مضاعفا مرتين‪ ،‬وختم تعالى هذا‬
‫الكلم الشريف بقوله‪{ :‬وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ} قواعد به المنفقين ابتغاء مرضاته وتثبيتا من‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أنفسهم بعظم الجر وحسن المثوبة‪ ،‬وأوعد به المنفقين الذين يتبعون ما أنفقوا بالمن والذى‬
‫والمنفقين رياء الناس بالخيبة والخسران‪.‬‬
‫كان هذا معنى الية الولى(‪ )265‬وأما الية الثانية(‪ )266‬فإنه تعالى بسائل عباده تربية‬
‫__________‬
‫سهِمْ} ورجح ما فسرناه به في التفسير وهناك معنى آخر‬
‫‪ 1‬لقد اختلف في معنى‪{ :‬وَتَثْبِيتا مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫لطيف وهو‪ :‬وتثبيتا لنفسهم على اليمان وأفعال البر لن الحسنة تلد الحسنة‪ ،‬فهم ينفقون أموالهم‬
‫طلبا لرضوان ال وترويضا منهم لنفسهم على فعل الخير والحسان‪.‬‬
‫‪ 2‬الربوة‪ :‬مثلثة الراء‪ :‬المكان المرتفع‪.‬‬

‫( ‪)1/258‬‬

‫ح ُدكُمْ‪ }1‬أي‪ :‬أيحب‬


‫لهم وتهذيبا لخلقهم وسموا بهم إلى مدارج الكمال الروحي فيقول‪{ :‬أَ َيوَدّ أَ َ‬
‫أحدكم أيها المنفقون في غير مرضاة ال تعالى أن يكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من‬
‫تحتها النهار وله فيها من كل الثمرات والحال أنه قد تقدمت به السن وأصبح شيخا كبيرا‪ ،‬ومع‬
‫هذا العجز فإنه له ذرية صغارا ل يقدرون على الكسب وجلب عيشهم بأنفسهم‪ ،‬وأصاب ذلك‬
‫البستان الذي هو مصدر عيش الوالد وأولده أصابه ريح عاتية تحمل حرارة السموم ‪ 2‬فأتت على‬
‫ذلك البستان فأحرقته‪ ،‬كيف يكون حال الرجل ‪ 3‬الكبير وأولده؟ هكذا الذي ينفق أمواله رئاء‬
‫الناس يخسرها كلها في وقت هو أحوج إليها من الرجل العجوز وأطفاله الصغار‪ ،‬وذلك يوم ‪4‬‬
‫القيامة‪ ،‬وأخيرا يمتن تعالى على عباده بما يبين لهم من اليات في العقائد والعبادات والمعاملت‬
‫والداب ليتفكروا فيها فيهتدوا على ضوئها إلى كمالهم وسعادتهم فقال تعالى‪{ :‬كَذَِلكَ} أي‪ :‬كذلك‬
‫التبيين {يُبَيّنُ اللّهُ َل ُك ُم الياتِ َلعَّل ُكمْ تَ َت َفكّرُونَ‪. }5‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬استحسان ضرب المثال تقريبا للمعاني إلى الذهان لينتفع بها‪.‬‬
‫‪ -2‬مضاعفة أجر الصدقة الخالية من المن والذى ومراءاة الناس‪.‬‬
‫‪ -3‬بطلن صدقات المان والمؤذي والمرائي وعدم النتفاع بشيء منها‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب التفكر في آيات ال ل سيما تلك التي تحمل بيان العقائد والحكام والداب والخلق‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الود‪ :‬حب الشيء مع تمنيه‪.‬‬
‫‪ 2‬ولذا قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬أبردوا بصلتكم في الحر فإن شدة الحر من فيح جهنم" رواه‬
‫البخاري وغيره‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 3‬روى الحاكم وذكره ابن كثير أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يدعو فيقول‪" :‬اللهم اجعل أوسع‬
‫رزقك علي عند كبر سني وانقضاء عمري"‪.‬‬
‫‪ 4‬روى البخاري أن عمر رضي ال عنه سأل يوما أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم عن‬
‫هذه الية‪{ :‬أَ َيوَدّ َأحَ ُد ُكمْ} فقالوا‪ :‬ال أعلم‪ .‬فقال‪ :‬قولوا ‪ :‬نعلم ول نعلم‪ .‬فقال عبد ال ابن عباس‬
‫رضي ال عنهما‪ :‬في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين‪ .‬فقال عمر‪ :‬يا ابن أخي قل ول تحقر‬
‫نفسك‪ .‬فقال‪ :‬ضربت مثلً لرجل غني يعمل بطاعة ال ثم بعث ال له الشيطان فعمل بالمعاصي‬
‫حتى أغرق أعماله‪.‬‬
‫‪ 5‬أي‪ :‬في زوال الدنيا وفنائها‪ ،‬وإقبال الخرة وبقاءها‪ ،‬وهذا ل يتنافى مع ما فسرنا به الية‪ .‬في‬
‫التفسير‪.‬‬

‫( ‪)1/259‬‬

‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا أَ ْن ِفقُوا مِنْ طَيّبَاتِ مَا كَسَبْتُ ْم َو ِممّا أَخْ َرجْنَا َلكُمْ مِنَ الَ ْرضِ وَل تَ َي ّممُوا ا ْلخَبِيثَ‬
‫حمِيدٌ(‪ )267‬الشّيْطَانُ َي ِع ُدكُمُ‬
‫ن وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِل أَنْ ُت ْغ ِمضُوا فِي ِه وَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ غَ ِنيّ َ‬
‫مِنْهُ تُ ْن ِفقُو َ‬
‫ح ْكمَةَ مَنْ‬
‫سعٌ عَلِيمٌ(‪ُ )268‬يؤْتِي ا ْل ِ‬
‫ل وَاللّ ُه وَا ِ‬
‫ا ْلفَقْ َر وَيَ ْأمُ ُركُمْ بِا ْلفَحْشَا ِء وَاللّهُ َي ِع ُدكُمْ َم ْغفِ َرةً مِنْهُ َوفَضْ ً‬
‫ح ْكمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرا كَثِيرا َومَا يَ ّذكّرُ إِل أُولُو الَلْبَابِ(‪})269‬‬
‫يَشَاءُ َومَنْ ُي ْؤتَ الْ ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{مِنْ طَيّبَاتِ مَا َكسَبْتُمْ} ‪ :‬من جيد أموالكم وأصلحها‪.‬‬
‫ن الَ ْرضِ} ‪ :‬من الحبوب وأنواع الثمار‪.‬‬
‫{ َو ِممّا أَخْ َرجْنَا َلكُمْ مِ َ‬
‫{وَل تَ َي ّممُوا ا ْلخَبِيثَ} ‪ :‬ل تقصدوا الرديء تنفقون منه‪.‬‬
‫{إِل أَنْ ُت ْغ ِمضُوا فِيهِ‪ : }1‬إل أن تغضوا أبصاركم عن النظر في رداءته فتأخذونه بتساهل منكم‬
‫وتسامح‪.‬‬
‫حمِيدٌ} ‪ :‬محمود في الرض والسماء في الولى والخرى لما أفاض ويفيض من النعم على‬
‫{َ‬
‫خلقه‪.‬‬
‫{ َيعِ ُد ُكمُ ا ْلفَقْرَ} ‪ :‬يخوفكم من الفقر ليمنعكم من النفاق في سبيل ال‪.‬‬
‫{وَيَ ْأمُ ُركُمْ بِا ْلفَحْشَاءِ} ‪ :‬يدعوكم إلى ارتكاب الفواحش ومنها البخل والشح‪.‬‬
‫ح ْكمَةَ} ‪ :‬فهم أسرار الشرع‪ ،‬وحفظ الكتاب والسنة‪.‬‬
‫{ا ْل ِ‬
‫{أُولُو الَلْبَابِ} ‪ :‬أصحاب العقول الراجحة المفكرة فيما ينفع أصحابها‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يقال‪ :‬أغمض الرجل في أمر كذا إذا تساهل فيه ورضي ببعض حقه وتجاوز‪ ،‬وما في التفسير‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فهو مأخوذ من تغميض العين لعدم رؤية العيب والرداءة‪ ،‬وقراءة الجمهور تشهد للمعنيين‬
‫التجاوز‪ ،‬وتغميض العين‪.‬‬

‫( ‪)1/260‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫بعدما رغب تعالى عباده المؤمنين في النفاق في سبيله في الية السابقة ناداهم هنا بعنوان‬
‫اليمان‪ ،‬وأمرهم بإخراج زكاة أموالهم من جيد ما يكسبون فقال تعالى‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ‪ 1‬آمَنُوا أَ ْنفِقُوا‬
‫مِنْ طَيّبَاتِ مَا كَسَبْ ُتمْ‪َ 2‬و ِممّا أَخْ َرجْنَا} يريد الحبوب والثمار كما أن ما يكسبونه يشمل النقدين‬
‫والماشية من إبل وبقر وغنم‪ ،‬ونهاهم عن التصدق بالرديء من أموالهم‪ ،‬فقال‪{ :‬وَل تَ َي ّممُوا ‪3‬‬
‫خذِيهِ إِل أَنْ ُت ْغ ِمضُوا فِيهِ} يريد ل ينبغي لكم أن تنفقوا الرديء وأنتم‬
‫الْخَبِيثَ مِنْه ُ‪ 4‬تُ ْن ِفقُونَ وَلَسْ ُتمْ بِآ ِ‬
‫لو أعطيتموه في حق لكم ما كنتم لتقبلوه لول أنكم تغمضون وتتساهلون في قبوله‪ ،‬وهذا منه تعالى‬
‫تأديب لهم وتربية‪ .‬وأعلمهم أخيرا أنه تعالى غني عن خلقه ونفقاتهم فلم يأمرهم بالزكاة والصدقات‬
‫لحاجة به‪ ،‬وإنما أمرهم بذلك لكمالهم وإسعادهم‪ ،‬وأنه تعالى حميد محمود بماله من إنعام على‬
‫سائر خلقه‪ ،‬كان هذا معنى الية(‪ )267‬أما الية(‪ )268‬فإنه تعالى يحذر عباده من الشيطان‬
‫ووسواسه فأخبرهم أن الشيطان يعدهم الفقر ‪ ،5‬أي‪ :‬يخوفهم منه حتى ل يزكوا ول يتصدقوا‬
‫ويأمرهم بالفحشاء فينفقون أموالهم في الشر والفساد ويبخلون بها في الخير‪ ،‬والصالح العام‪ ،‬أما‬
‫هو تعالى فإنه بأمره إياهم بالنفاق يعدهم مغفرة ذنوبهم؛ لن الصدقة تكفر الخطيئة‪ ،‬وفضلً منه‬
‫وهو الرزق الواسع الحسن‪ ،‬وهو الواسع الفضل العليم بالخلق‪ .‬فاستجيبوا أيها المؤمنون لنداء ال‬
‫تعالى‪ ،‬وأعرضوا عن نداء الشيطان فإنه عدوكم ل يعدكم إل بالشر‪ ،‬يأمركم إل بالسوء والباطل‪،‬‬
‫كان هذا ما تضمنته الية الثانية‪ ،‬أما الية الثالثة(‪ )269‬فإن ال تعالى يرغب في تعلم العلم النافع‬
‫الذي يحمل على العمل الصالح‪ ،‬ول يكون ذلك إل علم الكتاب والسنة حفظا وفهما وفقها فيهما‬
‫فقال‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال ابن عباس رضي ال عنهما في هذه الية‪{ :‬الشّيْطَانُ َيعِ ُد ُكمُ‪ }...‬إلخ‪ .‬اثنتان من ال تعالى‪،‬‬
‫واثنتان من الشيطان‪ .‬ويفسره حديث الترمذي إذ فيه قول صلى ال عليه وسلم‪" :‬إن للشيطان لمة‬
‫بابن آدم وللملك لمة‪ ،‬فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق‪ ،‬وأما لمة الملك‪ :‬فإيعاد بالخير‬
‫وتصديق بالحق‪ ،‬فمن وجد ذلك فليعلم أنه من ال‪ ،‬ومن وجد الخرى فليتعوذ بال من الشيطان ‪،‬‬
‫ثم قرأ‪{ :‬الشّ ْيطَانُ‪ }...‬الية‪.‬‬
‫‪ 2‬الية في الزكاة قطعا‪ ،‬والنهي عن النفاق من الرديء يشمل الزكاة‪ .‬والتطوع معا‪.‬‬
‫‪ 3‬روى الحاكم وصححه على شرط الشيخين في سبب نزول هذه الية عن البراء قال‪ :‬هذه الية‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫نزلت فينا‪ ،‬كنا أصحاب نخل فكان الرجل يأتي من نخله بقدر كثرته وقلته فيأتي الرجل بالقنو‬
‫فيعلقه في المسجد‪ ،‬وكان أهل الصفة ليس لهم طعام فكان أحدهم إذا جاع جاء فضربه بعصاه‬
‫فيسقط من البسر والتمر فيأكل وكان أناس مما ل يرغبون في الخير يأتي بالقنو الحشف والشيص‬
‫فيعلقه فنزلت‪{ :‬وَل تَ َي ّممُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُ ْنفِقُونَ} الية‪.‬‬
‫‪ 4‬أي‪ :‬من الخبيث الذي هو الرديء‪.‬‬
‫‪ 5‬تفتح فاء الفقر‪ ،‬وتضم كالضعف والضُعف‪.‬‬

‫( ‪)1/261‬‬

‫ح ْكمَةَ مَنْ‪ 1‬يَشَاءُ} من طلبها وتعرض لها راغبا فيها سائلً ال‬
‫تعالى‪ُ { :‬يؤْتِي} أي‪ :‬هو تعالى‪{ :‬الْ ِ‬
‫تعالى أن يعلمه‪ ،‬وأخبر أخيرا أن من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا‪ 2‬فليطلب العاقل الحكمة‬
‫قبل طلب الدنيا هذه تذكرة { َومَا يَ ّذكّرُ إِل أُولُو الَلْبَابِ}‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب الزكاة في المال الصامت من ذهب وفضة وما يقوم مقامهما من العمل وفي الناطق‬
‫من البل والبقر والغنم إذ الكل داخل في قوله‪{ :‬مَا َكسَبْتُمْ} وهذا بشرط الحول ‪ 3‬وبلوغ النصاب‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب الزكاة في الحرث‪ :‬الحبوب والثمار وذلك فيما بلغ نصابا‪ ،‬وكذا في المعادن إذ يشملها‬
‫لفظ الخارج من الرض‪.‬‬
‫‪ -3‬قبح النفاق من الرديء وترك الجيد‪.‬‬
‫‪ -4‬التحذير من الشيطان ووجوب مجاهدته بالعراض عن وساوسه ومخالفة أوامره‪.‬‬
‫‪ -5‬إجابة نداء ال والعمل بإرشاده‪.‬‬
‫‪ -6‬فضل العلم على المال‪.‬‬
‫{ َومَا أَ ْنفَقْتُمْ مِنْ َن َفقَةٍ َأوْ نَذَرْ ُتمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنّ اللّهَ َيعَْلمُهُ َومَا لِلظّاِلمِينَ مِنْ أَ ْنصَارٍ(‪ )270‬إِنْ تُبْدُوا‬
‫خفُوهَا وَ ُتؤْتُوهَا ا ْل ُفقَرَاءَ‬
‫ي وَإِنْ تُ ْ‬
‫الصّ َدقَاتِ فَ ِن ِعمّا ‪ِ 4‬ه َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الحكمة‪ :‬النبوة والقرآن والصابة في المور بوضع كل شيء في موضعه‪ ،‬فأعلى الحكمة النبوة‬
‫ثم القرآن والسنة‪ .‬وفي الصحيح‪" :‬ل حسد إل في اثنين‪ :‬رجل آتاه ال مالً فسلطه على هلكته في‬
‫الحق‪ ،‬ورجل آتاه ال الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها" ‪ .‬واللفظ يشمل القرآن والسنة‪.‬‬
‫‪ 2‬أصل الحكمة‪ :‬إحكام الشيء وإتقانه‪ ،‬وعليه فحفظ القرآن والسنة وفهما والعمل بهما هو الحكمة‪،‬‬
‫وفي الصحيح‪" :‬من يرد ال به خيرا يفقهه في الدين"‪ .‬وورد‪ :‬رأس الحكمة مخافة ال‪.‬‬
‫‪ 3‬الحول‪ :‬هو مرور سنة كاملة على زكاة النقدين والنعام وعروض التجارة‪ ،‬والنصاب في‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الحبوب والثمار خمسة أوسق لحديث الصحيح‪" :‬ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" والوسق‪:‬‬
‫ستون صاعا‪ ،‬والصاع‪ :‬أربعة أمداد‪ .‬وفي النقدين‪ :‬الذهب عشرون دينارا ما يعادل سبعين غراما‪،‬‬
‫وفي الفضة‪ :‬مائتا درهم‪ :‬ما يعادل ‪ 460‬غراما‪ ،‬وفي الغنم أربعون شاة‪ ،‬وفي البقر ثلثون بقرة‪،‬‬
‫وفي البل خمس منها‪.‬‬
‫خفُوهَا وَ ُتؤْتُوهَا ا ْلفُقَرَاءَ} حكم‬
‫‪ 4‬قوله تعالى‪ { :‬فَ ِن ِعمّا ِهيَ} ثناء على إبداء الصداقة وقوله‪{ :‬وَإِنْ ُت ْ‬
‫على أن الخفاء خير من البداء‪ ،‬قال أحد الحكماء‪ :‬إذا اصطنعت المعروف فاستره‪ ،‬وإذا اصطنع‬
‫إليك فانشره‪ .‬قال دعبل الخزاعي‪:‬‬
‫إذا انتقموا أعلنوا أمرهم ‪...‬‬
‫وإن أنعموا أنعموا باكتتام‬

‫( ‪)1/262‬‬

‫َف ُهوَ خَيْرٌ َلكُ ْم وَ ُي َكفّرُ عَ ْنكُمْ مِنْ سَيّئَا ِت ُك ْم وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ(‪})271‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{مِنْ َن َفقَةٍ} ‪ :‬يريد قليلة أو كثيرة من الجيد أو الرديء‪.‬‬
‫{مِنْ َنذْرٍ} ‪ :‬النذر ‪ :1‬التزام المؤمن بما لم يلزمه به الشارع‪ ،‬كأن يقول‪ :‬ل عليّ أن أتصدق بألف؛‬
‫أو أصوم شهرا أو أصلى كذا ركعة يقول‪ :‬إن حصل ‪ 2‬لي كذا من الخير أفعل كذا من الطاعات‪.‬‬
‫{إِنْ تُ ْبدُوا الصّ َدقَاتِ} ‪ :‬أي تظهروها‪.‬‬
‫{فَ ِن ِعمّا ِهيَ} ‪ :‬فنعم تلك الصدقة التي أظهرتموها لُيفتدى بكم بها‪.‬‬
‫{وَ ُي َكفّرُ عَ ْن ُكمْ مِنْ سَيّئَا ِتكُمْ} ‪ :‬يكفر بمعنى‪ :‬يسترها ول يطالب بها‪ ،‬ومن للتبعيض إذ حقوق العباد‬
‫ل تكفرها الصدقة‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫بعدما دعا تعالى عباده إلى النفاق في الية السابقة أخبر تعالى أنه يعلم ما ينفقه عباده فإن كان‬
‫المنفق جيدا صالحا يعلمه ويجزي به وإن كان خبيثا رديئا يعلمه ويجزي به‪ ،‬وقال تعالى مخاطبا‬
‫عباده المؤمنين‪َ { :‬ومَا أَ ْنفَقْتُمْ مِنْ َنفَقَةٍ َأوْ نَذَرْ ُتمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنّ اللّهَ َيعَْلمُهُ‪ }3‬فما كان مبتغي به وجه ال‬
‫ومن جيد المال فسوف يكفر به السيئات ويرفع به الدرجات‪ ،‬وما كان رديئا ونذرا لغير ال تعالى‬
‫فإن أهله ظالمون وسيغرمون أجر نفقاتهم ونذرهم لغير ال ول يجدون من يثيبهم على شيء منها‬
‫لنهم ظالمون فيها حيث وضعوها في غير موضعها‪َ { ،‬ومَا لِلظّاِلمِينَ مِنْ أَ ْنصَارٍ} هذا ما تضمنته‬
‫الية الولى(‪.)270‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬مما يجب علمه أنه شاع في العامة بين المسلمين النذر للولياء والصالحين وهو محرم قطعا إذ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هو من شرك العبادة فبعضهم يقول يا سيدى فلن إن قضى ال حاجتي فعلت لك كذا‪ ،‬وآخر يقول‪:‬‬
‫إن حصل لي كذا ذبحت لك أو جددت بناء قبتك أو أنرت ضريحك‪ ،‬فيجب أن ينهى عن هذا كله‬
‫ويعلم من يفعله عن هذا كله ويعلم من يفعله أنه أشرك بعبادة ربه‪.‬‬
‫‪ 2‬النذر المشروط مكروه لقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬النذر ل يأتي بخير وإنما يستخرج‬
‫به من مال البخيل" ‪ .‬أو كما قال صلى ال عليه وسلم‪ .‬أم النذر المطلق فهو قربة من أفضل‬
‫القرب‪ ،‬وفي التفسير بيان لكل من المطلق والمشروط فانظره‪.‬‬
‫‪ 3‬في الية إبجاز بليغ إذ التقدير‪ :‬وما أنفقتم من نفقة فإن ال يعلهما‪ ،‬أو نذرتم من نذر فإن ال‬
‫يعلمه‪ ،‬فحذف من الول لدللة الخير عليه تجنبا للتكرار المنافي لبلغة الكلم ‪.‬‬

‫( ‪)1/263‬‬

‫أما الية الثانية(‪ )271‬فقد أعلم تعالى عباده المؤمنين أن ما ينفقونه لوجهه ومن طيب أموالهم علنا‬
‫وجهرا هو مال رابح‪ ،‬ونفقة مقبولة يثاب عليها صاحبها‪ ،‬إل أن ما يكون من تلك النفقات سرا‬
‫ويوضع في أيدي الفقراء يكون خيرا لصاحبه لبعده من شائبة الرياء‪ ،‬ولكرام الفقراء‪ ،‬وعدم‬
‫تعريضهم لمذلة التصدق عليهم وإنه تعالى يكفر عن المنفقين سيئاتهم بصدقاتهم‪ ،‬وأخبر أنه عليم‬
‫بأعمالهم فكان هذا تطمينا لهم على الحصول على أجور صدقاتهم‪ ،‬وسائر أعمالهم الصالحة‪.‬‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬الترغيب في الصدقات ولو قلت والتحذير من الرياء فيها وإخراجها من رديء الموال‪.‬‬
‫‪ -2‬جواز إظهار الصدقة ‪ 1‬عن سلمتها من الرياء‪.‬‬
‫‪ -3‬فضل صدقة السر وعظم أجرها‪ ،‬وفي الحديث الصحيح‪ " :‬ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى‬
‫ل تعلم شماله ما تنفق يمينه" ذكر من السبعة الذين يظلهم ال بظل عرشه يوم ل ظل إل ظله‪.‬‬
‫سكُ ْم َومَا تُ ْنفِقُونَ إِل ابْ ِتغَاءَ‬
‫{لَيْسَ عَلَ ْيكَ هُدَاهُ ْم وََلكِنّ اللّهَ َيهْدِي مَنْ يَشَا ُء َومَا تُ ْن ِفقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَ ْنفُ ِ‬
‫حصِرُوا فِي سَبِيلِ‬
‫وَجْهِ اللّ ِه َومَا تُ ْنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ ُي َوفّ إِلَ ْيكُ ْم وَأَنْ ُت ْم ل ُتظَْلمُونَ(‪ )272‬لِ ْلفُقَرَاءِ‪ 2‬الّذِينَ أُ ْ‬
‫اللّهِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬صدقة التطوع السرار بها أفضل‪ ،‬ففي الحديث‪" :‬صدقة السر تطفئ غضب الرب عز وجل" ‪،‬‬
‫وفي الصحيح‪" :‬سبعة يظلهم ال في ظله يوم ل ظل إل ظله‪ :‬إمام عادل‪ ،‬وشاب نشأ في عبادة ال‪،‬‬
‫ورجلن تحابا في ال اجتمعا عليه وتفرقا عليه‪ ،‬ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى‬
‫يعود إليه‪ ،‬ورجل ذكر ال خاليا ففاضت عيناه‪ ،‬ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال‪ :‬إني‬
‫أخاف ال رب العالمين‪ ،‬ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى ل تعلم شماله ما تنفق يمينه" ‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والصدقة الواجبة وهي الزكاة إعلنها من أفضل إسرارها‪ .‬هذا ومرد القضية إلى حال المتصدق‬
‫والمتصدق عليه فإن كان المتصدق بإعلنه يتبعه غيره ويكون كمن سن سنة حسنة فالعلن‬
‫أفضل وإن كان المتصدق عليه يخجل ويستحي من الصدقة عليه فالسرار له أفضل من غيره‪.‬‬
‫‪ 2‬من قال بوجوب صدقة الفطر‪ :‬منع إعطائها لفقراء أهل الذمة‪ ،‬ومن قال بثنيتها دون وجوبها‪:‬‬
‫قال يجوز‪ ،‬والصحيح إنها حق لفقراء المسلمين لنشغالهم بصلة العيد وبالعبادة في رمضان‪،‬‬
‫وأهل الذمة يعملون الليل والنهار‪.‬‬

‫( ‪)1/264‬‬

‫ن ضَرْبا فِي الَرْضِ َيحْسَ ُبهُمُ الْجَا ِهلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ ال ّت َعفّفِ َتعْ ِر ُفهُمْ بِسِيمَاهُمْ ل يَسْأَلونَ‬
‫ل َيسْتَطِيعُو َ‬
‫النّاسَ إِ ْلحَافا َومَا تُ ْنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ(‪ )273‬الّذِينَ‪ 1‬يُ ْن ِفقُونَ َأ ْموَاَلهُمْ بِاللّ ْيلِ وَال ّنهَارِ سِرّا‬
‫خوْفٌ عَلَ ْيهِ ْم وَل ُهمْ يَحْزَنُونَ(‪})274‬‬
‫وَعَلنِيَةً فََلهُمْ َأجْرُهُمْ عِنْدَ رَ ّبهِمْ وَل َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ ُهدَا ُهمْ} ‪ :‬هدايتهم إلى اليمان وصالح العمال‪.‬‬
‫{مِنْ خَيْرٍ} ‪ :‬من مال‪.‬‬
‫سكُمْ} ‪ :‬ثوابه العاجل بالبركة وحسن الذكر والجل يوم القيامة عائد على أنفسكم‪.‬‬
‫{فَلَ ْنفُ ِ‬
‫{ ُي َوفّ إِلَ ْيكُمْ} ‪ :‬يرد أجره كاملً ل ينقص منه شيء‪.‬‬
‫حصِرُوا} ‪ :‬حبسوا ومنعوا من التصرف لنهم هاجروا من بلدهم‪.‬‬
‫{ُأ ْ‬
‫{ضَرْبا فِي الَ ْرضِ} ‪ :‬أي‪ :‬سيرا فيها لطلب الرزق بالتجارة وغيرها لحصار العدو لهم‪.‬‬
‫{بِسِيمَاهُمْ} ‪ :‬علمات حاجتهم من رثاثة الثياب وصفرة الوجه‪.‬‬
‫{مِنَ ال ّت َع ّففِ} ‪ :‬ترك سؤال الناس والكف عنه‪.‬‬
‫{إِ ْلحَافا}‪ : 2‬إلحاحا وهو ملزمة السائل من يسأله حتى يعطيه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما أمر تعالى بالصدقات ورغب فيها وسألها غير المؤمنين من الكفار واليهود فتحرج الرسول‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قيل نزلت في علي‪ ،‬إذ كان له أربعة دراهم فأنفقها على ما ذكر في الية‪ ،‬والية عامة في‬
‫المنفقين من غير تبذير ول تقتير وفي كل حالة تتطلب النفاق سواء بالليل أو بالنهار سرا أو‬
‫علنية‪.‬‬
‫‪ 2‬اللحاح واللحاف‪ ،‬والحفاء مصادر ألح في السؤال‪ ،‬والحف وأحفى واللحاف مشتق من‬
‫اللحاف؛ لنه يشتمل على الملتحق به‪ ،‬كذلك اللحاف في السؤال؛ لن المحلف يأتي أمام المسؤال‬
‫ويأتي عن يمينه وعن شماله يسأله ل يفارقه حتى يعطيه أو يمنعه‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/265‬‬

‫والمؤمنون من التصدق على الكافرين فأذهب ال تعالى عنهم هذا الحرج وأذن لهم بالتصدق على‬
‫غير المؤمنين والمراد من الصدقة‪ :‬صدقة التطوع ل الواجبة وهي الزكاة‪ ،‬فقال تعالى مخاطبا‬
‫رسوله وأمته تابعة له‪{ :‬لَيْسَ عَلَ ْيكَ ُهدَا ُهمْ} لم يوكل إليك أمر هدايتهم لعجزك عن ذلك‪ ،‬وإنما‬
‫الموكل إليك بيان الطريق لغير‪ ،‬وقد فعلت فل عليك أن ل يهتدوا‪ ،‬ولو شاء ال هدايتهم لهداهم‪،‬‬
‫وما تنفقوا من مال تثابوا عليه‪ ،‬سواء كان على مؤمن أو كافر إذا أردتم به وجه ال وابتغاء‬
‫مرضاته‪ ،‬وأكد تعالى هذا الوعد الكريم بقوله‪َ { :‬ومَا تُ ْن ِفقُوا مِنْ خَيْرٍ ُي َوفّ إِلَ ْي ُكمْ} والحال أنكم ل‬
‫تظلمون بنقص ما أنفقتم ولو كان النقص قليلً‪ .‬كان هذا معنى الية الولى(‪ ،)272‬أما الية الثانية‬
‫حصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ‪ }...‬فقد بين تعالى فيها أفضل جهة ينفق فيها المال‬
‫وهي‪{ :‬لِ ْلفُقَرَاءِ الّذِينَ ُأ ْ‬
‫ويتصدق به عليها‪ ،‬وهي فقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم وأحصروا في‬
‫المدينة بجوار رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يستطيعون ضربا في الرض للتجارة ول للعمل‪،‬‬
‫ووصفهم تعالى بصفات يعرفهم بها رسوله والمؤمنون ولول تلك الصفات لحسبهم لعفتهم وشرف‬
‫حسَ ُبهُمُ ا ْلجَا ِهلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ ال ّت َع ّففِ َتعْ ِر ُفهُمْ‬
‫نفوسهم الجاهل بهم أغنياء غير محتاجين‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬يَ ْ‬
‫بِسِيمَا ُهمْ} ل يسألون ‪ 1‬مجرد ‪ 2‬سؤال فضلً عن أن يلحوا ويلحفوا‪ .‬ثم في نهاية الية أعاد تعالى‬
‫وعده الكريم بالمجازاة على ما ينفق في سبيله‪ ،‬فقال‪َ { :‬ومَا تُ ْنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنّ اللّهَ ِبهِ عَلِيمٌ}‬
‫ولزمه أن يثيبكم عليه أحسن ثواب فابشروا واطمأنوا‪.‬‬
‫وأما الية الثالثة(‪ )274‬في آخر آيات الدعوة إلى النفاق جاءت تحمل أعظم بشر للمنفقين في كل‬
‫أحوالهم بالليل والنهار سرا وعلنية بأن أجر نفقاتهم مدخر لهم عند ربهم يتسلمونه يوم يلقونه‪،‬‬
‫ول خوف عليهم ول هم يحزنون في الدنيا والبرزخ والخرة‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬جواز التصدق على الكافر المحتاج بصدقة التطوع ل الزكاة فإنها حق ‪ 3‬المؤمنين‬
‫__________‬
‫‪ 1‬متى تحل المسألة؟ قال أحمد‪ :‬إذا لم يكن للمرء ما يغديه ويعشيه جاز له السؤال‪ ،‬وقال‪ :‬ل يسأل‬
‫الرجل لغيره‪ ،‬ولكن يقول لغيره تصدقوا لقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬اشفعوا تؤجروا" ‪.‬‬
‫‪ 2‬أي ل يسألون بإلحاح ول بدونه فهم ل يسألون غيرهم البتة‪.‬‬
‫‪ 3‬شاهده قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬أمرت أن آخد الصدقة من أغنيائكم وأردها على فقرائكم" ‪،‬‬
‫وشاهده في الصحيح‪" :‬خذ الصدقة من أغنيائهم وردها على فقرائهم" ‪.‬‬

‫( ‪)1/266‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -2‬ثواب الصدقة عائد على المتصدق عليه فلذا ل يضر إن كان كافرا‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب الخلص في الصدقة أي‪ :‬يجب أن يراد بها وجه ال تعالى ل غير‪.‬‬
‫‪ -4‬تفاضل أجر الصدقة بحسب فضل وحاجة المتصدق عليه‪.‬‬
‫‪ -5‬فضيلة التعفف وهو ترك السؤال مع الحتياج ‪ ،1‬وذم اللحاح في الطلب من غير ال تعالى‬
‫أما ال عز وجل فإنه يحب الملحين في دعائه‪.‬‬
‫‪ -6‬ل جواز التصدق بالليل والنهار وفي السر والعلن إذ الكل يثيب ال تعالى فعليه ما دام قد أريد‬
‫به وجهه ل وجه سواه‪.‬‬
‫بشرى ال تعالى للمؤمنين المنفقين بادخار أجرهم عنده تعالى و نفي الخوف والحزن عنهم مطلقا‪.‬‬
‫{الّذِينَ يَ ْأكُلُونَ الرّبا ل َيقُومُونَ إِل َكمَا َيقُومُ الّذِي يَتَخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ ا ْلمَسّ ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ قَالُوا إِ ّنمَا‬
‫ف وََأمْ ُرهُ‬
‫حلّ اللّهُ الْبَ ْي َع وَحَرّمَ الرّبا َفمَنْ جَا َءهُ َموْعِظَةٌ مِنْ رَبّهِ فَانْ َتهَى فَلَهُ مَا سََل َ‬
‫الْبَيْعُ مِ ْثلُ الرّبا وََأ َ‬
‫حقُ اللّهُ الرّبا وَيُرْبِي الصّ َدقَاتِ‬
‫صحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَاِلدُونَ(‪َ )275‬يمْ َ‬
‫إِلَى اللّ ِه َومَنْ عَادَ فَأُولَ ِئكَ َأ ْ‬
‫ت وََأقَامُوا الصّلةَ وَآ َتوُا ال ّزكَاةَ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَا ِ‬
‫حبّ ُكلّ َكفّارٍ أَثِيمٍ(‪ )276‬إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫وَاللّهُ ل يُ ِ‬
‫خوْفٌ عَلَ ْيهِ ْم وَل ُهمْ يَحْزَنُونَ(‪})277‬‬
‫َلهُمْ َأجْرُهُمْ عِنْدَ رَ ّبهِمْ وَل َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬من أعطى شيئا من غير طلب ول تشوف جاز له أخذه لحديث الصحيح‪" :‬أن النبي صلى ال‬
‫ل فقال عمر أعطه أفقر إليه مني‪ .‬فقال صلى ال عليه وسلم‪" :‬خذه وما‬
‫عليه وسلم أعطى عمر ما ً‬
‫جاءك من المال وأنت غير مشرف ول سائل فخذه ومال فل تتبعه نفسك" ‪.‬‬

‫( ‪)1/267‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{يَ ْأكُلُونَ الرّبا ‪ : }1‬يأخذونه ويتصرفون فيه بالكل في بطونهم‪ ،‬وبغير الكل‪ ،‬والربا هنا‪ :‬ربا‬
‫النسيئة وحقيقته أن يكون لك على المرء دين فإذا حل أجله ولم يقدر على تسديده تقول له‪ :‬أخر‬
‫وزد‪ .‬فتؤخره أجلً وتزيد في رأس المال قدرا معينا‪ ،‬هذا هو ربا الجاهلية والعمل به اليوم في‬
‫البنوك الربوية فيسلفون المرء مبلغا إلى أجل ويزيدون قدرا آخر نحو العشر أو أكثر أو أقل‪،‬‬
‫والربا حرام بالكتاب والسنة والجماع وسواء كان ربا فضل ‪ 2‬أو ربا نسيئة‪.‬‬
‫{ل َيقُومُونَ} ‪ :‬من قبوهم يوم القيامة‪.‬‬
‫{يَ َتخَبّطُهُ‪ 3‬الشّ ْيطَانُ} ‪ :‬يضر به الشيطان ضربا غير منتظم‪.‬‬
‫{مِنَ ا ْلمَسّ‪ : }4‬المس‪ :‬الجنون‪ ،‬يقال‪ :‬بفلن مس من جنون‪.‬‬
‫{ َموْعِظَةٌ} ‪ :‬أمر أو نهي بترك الربا‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{فَلَهُ مَا سََلفَ} ‪ :‬ليس عليه أن يرد الموال التي سبقت توبته‪.‬‬
‫حقُ اللّهُ الرّبا} ‪ :‬أي‪ :‬يذهبه شيئا فشيئا حتى ل يبقى منه شيء؛ كمحاق القمر آخر الشهر‪.‬‬
‫{ َيمْ َ‬
‫{وَيُرْبِي الصّ َدقَاتِ} ‪ :‬يبارك في المال الذي أخرجت منه‪ ،‬ويزيد فيه‪ ،‬ويضاعف أجرها أضعافا‬
‫كثيرة‪.‬‬
‫{ َكفّارٍ أَثِيمٍ} ‪ :‬الكفار‪ :‬شديد الكفر‪ ،‬يكفر بكل حق وعدل وخير‪ ،‬أثيم‪ :‬منغمس في الذنوب ل يترك‬
‫كبيرة ول صغيرة إل ارتكبها‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لغة الزيادة وشاهده الحديث‪" :‬وال ما أخذنا من لقمة إل ربا من تحتها" أي‪ :‬الطعام وعبر عن‬
‫الخذ بالكل‪ ،‬لن الخذ يراد للكل غالبا‪ ،‬وكل حرام قد يطلق عليه الربا تجوزا‪.‬‬
‫‪ 2‬ربا الفضل بيانه في حديث مسلم‪" :‬الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير‬
‫والتمر والتمر بالملح بالملح مثل بمثل‪ ،‬يدا بيد‪ ،‬فمن زاد أو استزاد فقد أربى الخذ والمعطي‬
‫سواء" ‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم في حديث آخر‪" :‬فإذا اختلفت الجناس فيبيعوا كيف شئتم إذا‬
‫كان يدا بيد" ‪.‬‬
‫‪ 3‬يقال‪ :‬خطة وتخبطة كملكه وتملكه‪ ،‬وعبده وتعبده‪ ،‬والتخبط‪ :‬الضرب في غير استواء‪ ،‬ومنهم‬
‫قولهم‪ :‬خبط عشواء‪.‬‬
‫‪ 4‬أصل المس‪ :‬اللمس باليد‪ ،‬ومن مسه الشيطان اختلط عقله وأصبح يصيح بسبب مس الشيطان له‬
‫فيقال‪ :‬فلن يصرع من الجن‪ ،‬أي‪ :‬من مس الجن له‪ ،‬والشيطان من الجن‪ ،‬فالمرابي يقوم يوم‬
‫القيامة من قبره كالمجنون الذي به مس الجن يصرع صرعه‪.‬‬

‫( ‪)1/268‬‬

‫معنى اليتين‪:‬‬
‫لما حث ال على الصد قات وواعد عليها بعظيم الجر ومضا عف الثواب ذكر المرابين الذين‬
‫يضاعفون مكاسبهم المالية بالربا وهم بذلك يسدون طرق البر‪ ،‬ويصدون عن سبيل المعروف فبدل‬
‫أن ينموا أموالهم بالصدقات نموها بالربويات‪ ،‬فذكر تعالى حالهم عند القيام من قبورهم وهم‬
‫يقومون‪ ،‬ويقعدون ويغفون ‪ 1‬ويُصرعون‪ ،‬حالهم من حال يصرع في الدنيا بمس الجنون‪ ،‬علمة‬
‫يعرفون بها يوم القيامة كما يعرفون بانتفاخ بطونهم وكأنها خيمة مضروبة بين أيديهم‪ .‬قال تعالى‪:‬‬
‫{الّذِينَ يَ ْأكُلُونَ الرّبا ل َيقُومُونَ إِل َكمَا َيقُومُ الّذِي يَتَخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ ا ْلمَسّ} ‪ ,‬وذكر تعالى سبب‬
‫هذه النقمة عليهم فقال‪{ :‬ذَِلكَ} أي‪ :‬أصابهم ذلك الخزي والعذاب بأنهم ردوا علينا حكمنا بتحريم‬
‫الربا‪ ،‬وقالوا إنما البيع مثل الربا‪ ،‬إذ الربا الزيادة في نهاية الجر‪ ،‬والبيع في أوله‪ ،‬ورد تعالى‬
‫حلّ اللّهُ الْبَيْعَ‪َ 2‬وحَرّمَ الرّبا} فما دام قد حرم الربا فل معنى للعتراض‪ ،‬ونسوا‬
‫عليهم‪ ،‬فقال‪{ :‬وََأ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أن الزيادة في البيع هي في قيمة سلعة تغلو وترخص‪ ،‬وهي جارية على قانون الذن في التجار‪،‬‬
‫وأما الزيادة في آخر البيع فهي زيادة في الوقت فقط‪ .‬ثم قال تعالى مبينا لعباده سبيل النجاة محذرا‬
‫من طريق الهلك‪َ { :‬فمَنْ جَا َءهُ َموْعِظَةٌ مِنْ رَبّهِ} وهي تحريمه تعالى للربا ونهيه عنه فانتهى عنه‬
‫فله ما سلف قبل معرفته للتحريم‪ ،‬أو قبل توبته منه‪ ،‬وأمره بعد ذلك إلى ال إن شاء ثبته على‬
‫التوبة فنجاه‪ ،‬وإن شاء خذله لسوء عمله‪ ،‬وفساد نيته فأهلكه وأرداه‪ ،‬وهذا معنى قوله تعالى‪{ :‬اللّهِ‬
‫َومَنْ عَادَ فَأُولَ ِئكَ َأصْحَابُ النّارِ ُهمْ فِيهَا خَاِلدُونَ} ‪ .‬أخبر تعالى أنه بعدله يمحق ‪ 3‬الربا‪ ،‬وبفضله‬
‫يربي الصدقات‪ ،‬وأنه ل يحب كل كفار لشرع ال وحدوده‪ ،‬أثيم بغشيانه الذنوب وارتكابه‬
‫المعاصي‪ .‬كان هذا معنى الية الولى(‪ ،)275‬أما الية الثانية(‪ )276‬فهي وعد رباني صادق‬
‫وبشرى إلهية سارة لكل من آمن وعمل صالحا وأقام الصلة على الوجه الذي تقام به وآتي الزكاة‬
‫بأن له أجره‪ ،‬وافٍ عند ربه يتسلمه يوم الحاجة إليه في عرصات القيامة وأنه ل يخاف مما‬
‫يستقبله في الحياة الدنيا والخرة ول يحزن أيضا في الدنيا ول في الخرة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال ابن عطية‪ :‬وأما ألفاظ الية فيحتمل تشبيه حال القائم بحرص وجشع إلى تجارة الربا بقيام‬
‫المجنون لن الطمع والرغبة تستفزه حتى تضطرب أعضاؤه كما يقوم المسرع في مشيه يخلط في‬
‫هيئة حركاته حتى يقال‪ :‬قد جن هذا‪ ،‬ولكن ما جاءت به قراءة ابن مسعود‪ ،‬إذا كان يقرأ‪ :‬ل‬
‫يقومون يوم القيامة مع –تظافر أقوال المفسرين يضعف هذا التأويل‪.‬‬
‫‪ 2‬في هذا دليل على أنه ل قياس مع‪ ،‬النص‪ ،‬فالمشركون قاسوا الربا على البيع فأبطل ال قياسهم؛‬
‫لن الربا حرام فل يقاس على البيع الحلل‪.‬‬
‫‪ 3‬روى ابن مسعود أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬إن الربا وإن كثر فعاقبته إلى قل " أي‪:‬‬
‫إلى قلة ونقصان‪.‬‬

‫( ‪)1/269‬‬

‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان عقوبة آكل الربا يوم القيامة لستباحتهم وأكلهم له‪ ،‬وعدم التوبة منه‪.‬‬
‫‪ -2‬تحريم الربا وكل مال حرام لما جاء في الية من الوعيد الشديد‪.‬‬
‫‪ -3‬صفة الحب ل تعالى وأنه تعالى يحب أولياءه وهم أهل اليمان به وطاعته ويكره أعداءه وهم‬
‫أهل الكفر به ومعاصيه من أكل الربا وغيره من كبائر الذنوب‪.‬‬
‫‪ -4‬حلية البيع إن تم على شروطه المبنية في كتب الفقه‪.‬‬
‫‪ -5‬من تاب من الربا تقبل توبته‪ ،‬ويحل له ما أفاده منه قبل التوبة بشرط سيأتي في اليات بعد‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هذه‪.‬‬
‫‪ -6‬وعيد ال تعالى بمحق الربا ووعده بإرباء ‪ 1‬الصدقة‪.‬‬
‫‪ -7‬بشرى ال تعالى لهل اليمان والعمل الصالح مع إقامتهم للصلة وإيتائهم للزكاة‪.‬‬
‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا َبقِيَ مِنَ الرّبا إِنْ كُنْ ُتمْ ُم ْؤمِنِينَ(‪ )278‬فَإِنْ لَمْ َتفْعَلُوا فَأْذَنُوا‬
‫ن وَل ُتظَْلمُونَ(‪ )279‬وَإِنْ كَانَ ذُو‬
‫بِحَ ْربٍ مِنَ اللّ ِه وَرَسُولِ ِه وَإِنْ تُبْتُمْ فََلكُمْ ُرؤُوسُ َأ ْموَاِلكُمْ ل تَظِْلمُو َ‬
‫جعُونَ فِيهِ‬
‫عُسْ َرةٍ فَ َنظِ َرةٌ إِلَى مَيْسَ َر ٍة وَأَنْ َتصَ ّدقُوا خَيْرٌ َل ُكمْ إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ(‪ )280‬وَا ّتقُوا َيوْما تُ ْر َ‬
‫ت وَهُمْ ل ُيظَْلمُونَ(‪})281‬‬
‫إِلَى اللّهِ ُثمّ ُت َوفّى ُكلّ َنفْسٍ مَا كَسَ َب ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ا ّتقُوا اللّهَ} ‪ :‬خافوا عقابه بطاعته بأن تجعلوا طاعته وقاية تقيكم غضبه وعقابه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬شاهده من الكتاب‪َ { :‬يمْحَقُ اللّهُ الرّبا وَيُرْبِي الصّ َدقَاتِ} ومن السنة قوله صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫"إن الربا وإن كثر فعاقبته إلى قل" ‪ ،‬وقوله‪" :‬إن العبد إذا تصدق من طيب يقبلها ال منه فيأخذها‬
‫بيمينه ويربيها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله‪ ،‬وإن الرجل يتصدق باللقمة فتربوا في يد ال ‪-‬أو‬
‫قال‪ -‬في كف ال حتى تكون مثل أحد فتصدقوا" ‪.‬‬

‫( ‪)1/270‬‬

‫{وَذَرُوا مَا َب ِقيَ مِنَ الرّبا} ‪ :‬اتركوا ما بقي عندكم من المعاملت الربوية‪.‬‬
‫{فَأْذَنُوا ِبحَ ْربٍ} ‪ :‬اعلموا بحرب من ال ورسوله واحملوا سلحكم ولينفعكم ‪ 1‬سلح فإنكم‬
‫المهزومون الهالكون‪.‬‬
‫{فََلكُمْ ُرؤُوسُ َأ ْموَاِلكُمْ} ‪ :‬بعد التوبة مالكم إل رأس المال الذي عند المدين لكم فخذوه واتركوا‬
‫زيادة الربا‪.‬‬
‫العسرة ‪ :‬الشدة والضائقة المالية‪.‬‬
‫{فَ َنظِ َرةٌ إِلَى مَيْسَ َرةٍ} ‪ :‬أي انتظار للمدين إلى أن ييسر ال عليه فيعطيكم رأس مالكم الذي أخذه‬
‫منكم‪.‬‬
‫{وَأَنْ َتصَ ّدقُوا} ‪ :‬وأن تتصدقوا على المعسر بترك ما لكم عليه فذلك خير لكم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بمناسبة ذكر عقوبة آكل الربا في اليات السابقة نادى ال تعالى عباده المؤمنين آمرا إياهم بتقواه‬
‫تعالى‪ ،‬وذلك بطاعته وترك معصيته‪ ،‬وبالتخلي عما بقي عند بعضهم من المعاملت الربوية‬
‫مذكرا إياهم بإيمانهم إذ من شأن المؤمن الستجابة لنداء ربه فعل ما يأمره به وترك ما ينهاه عنه‬
‫فقال تعالى‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّ َه وَذَرُوا مَا َب ِقيَ مِنَ الرّبا إِنْ كُنْتُمْ ُمؤْمِنِينَ} ‪ ،‬ثم هذه‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫المتباطئين بقوله‪ :‬فإن لم تفعلوا فاعلموا بحرب ‪ 2‬قاسية ضروس من ال ورسوله‪ ،‬ثم بين لهم‬
‫طريق التوبة وسبيل الخلص من محنة الربا بقوله‪ :‬وإن تبتم بترك الربا فلكم رؤوس ‪ 3‬أموالكم ل‬
‫غير ل تظلمون بأخذ زيادة‪ ،‬ول تظلمون بنقص من رأس مالكم‪ .‬وإن وجد مدين لكم في حالة‬
‫إعسار فالواجب انتظاره إلى ميسرته ‪ ،4‬وشيء آخر وهو خير لكم أن تتصدقوا بالتنازل عن‬
‫ديونكم كلها تطهيرا لموالكم التي لمسها الربا وتزكية لنفسكم من آثاره السيئة‪ .‬ثم ذكر تعالى‬
‫سائر عباده يوم القيامة وافيه من أهوال ومواقف‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪" :‬من كان مقيما على الربى ل ينزع فحق على إمام المسلمين‬
‫أن يستتيبه فإن نزع وإل ضرب عنقه"‪.‬‬
‫‪ 2‬حرمة الربا مجمع عليها‪ ،‬والحاديث الواردة في تحريمه كثيرة جدا‪ ،‬أذكر منها‪ ،‬حديث مسلم‪:‬‬
‫"اجتنبوا السبع الموبقات" وذكر منها أكل الربا‪ ،‬وحديث أبي داود‪" :‬لعن ال آكل الربا وموكله‬
‫وكاتبه وشاهديه" ‪.‬‬
‫‪ 3‬استدل بعض الفقهاء بهذه الية على أن كل ما طرأ على البيع قبل القبض مما يوجب تحريم‬
‫العقد أبطل العقد‪.‬‬
‫‪ 4‬ورد في فضل إنذار المعسر أحاديث منها‪" :‬من أنظر معسرا كان له بكل يوم صدقة" ‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫"من سره أن ينجيه من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه" ‪.‬‬

‫( ‪)1/271‬‬

‫صعبة حيث يتم الحساب الدقيق وتجزي فيه كل نفس مؤمنة أو كافرة بارة أو فاجرة ما كسبته من‬
‫جعُونَ‬
‫خير وشر وهو ل يظلمون بنقص حسناتهم أو زيادة سيئاتهم فقال تعالى‪ { :‬وَاتّقُوا َيوْما تُ ْر َ‬
‫ت وَ ُه ْم ل ُيظَْلمُونَ} وهذا التوجيه الذي حملته هذه الية ذات‬
‫فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمّ ُت َوفّى ُكلّ َنفْسٍ مَا كَسَ َب ْ‬
‫الرقم (‪ )280‬آخر توجيه تلقته البشرية من ربها تعالى إذ هذه آخر ما نزل من السماء على رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب التوبة من الربا ومن كل المعاصي‪.‬‬
‫‪ -2‬المصر على المعاملت الربوية يحب على الحاكم أن يحاربه ‪ 1‬بالضرب على يديه حتى يترك‬
‫الربا‪.‬‬
‫‪ -3‬من تاب من الربا ل يظلم بالخذ من رأس ماله بل يعطاه وافيا كاملً إل أن يتصدق بالتنازل‬
‫ل ومآلً‪.‬‬
‫عن ديونه الربوية فذلك خير له حا ً‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -4‬وجوب ذكر الدار الخرة والستعداد لها باليمان والعمل الصالح وترك الربا والعاصي‪.‬‬
‫س ّمىً فَاكْتُبُو ُه وَلْ َيكْ ُتبْ بَيْ َن ُكمْ كَا ِتبٌ بِا ْلعَ ْدلِ وَل يَ ْأبَ‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ‪ 2‬آمَنُوا إِذَا َتدَايَنْتُمْ ِبدَيْنٍ‪ِ 3‬إلَى َأ َ‬
‫ق وَلْيَتّقِ اللّهَ رَبّهُ وَل يَ ْبخَسْ مِنْهُ شَيْئا‬
‫حّ‬‫ب وَلْ ُيمِْللِ الّذِي عَلَيْهِ الْ َ‬
‫كَا ِتبٌ أَنْ َيكْ ُتبَ َكمَا عَّلمَهُ اللّهُ فَلْ َيكْ ُت ْ‬
‫ضعِيفا َأوْ ل يَسْ َتطِيعُ‬
‫سفِيها َأ ْو َ‬
‫فَإِنْ كَانَ الّذِي عَلَ ْيهِ ا ْلحَقّ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال ابن خويز منداد‪" :‬ولو أن أهل بلد اصطلحوا على الربا استحللً له كانوا مرتدين‪ ،‬والحكم‬
‫فيهم كالحكم في أهل الردة‪ ،‬وإن لم يكن ذلك منهم استحللً‪ ،‬للمام محاربتهم‪ ،‬أل ترى أن ال‬
‫تعالى قد أذن في ذلك فقال‪{ :‬فَ ْأذَنُوا بِحَ ْربٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} ‪.‬‬
‫‪ 2‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪" :‬نزلت هذه الية في السلم خاصة‪ ،‬يعني‪ :‬إن سلم أهل المدينة‬
‫كان سبب نزولها وهي عامة في كل الديون بل خلف‪.‬‬
‫‪ 3‬رفع بلفظ‪" :‬يدين"‪ ،‬الشتراك‪ ،‬إذ التداين معناه‪ :‬دان بعضهم بعضا‪ ،‬إذا جازاه بعمله ومنه قولهم‪:‬‬
‫"دناهم كما دنوا فلما قال بدين رفع المعنى العام وأصبح خاصا بالتداين المالي‪.‬‬

‫( ‪)1/272‬‬

‫جلٌ‬
‫شهِيدَيْنِ مِنْ ِرجَاِلكُمْ فَإِنْ َلمْ َيكُونَا رَجُلَيْنِ فَ َر ُ‬
‫ش ِهدُوا َ‬
‫ل وَاسْتَ ْ‬
‫أَنْ ُي ِملّ ُهوَ فَلْ ُيمِْللْ وَلِيّهُ بِا ْلعَ ْد ِ‬
‫شهَدَاءُ إِذَا‬
‫حدَا ُهمَا الُخْرَى وَل يَ ْأبَ ال ّ‬
‫ش َهدَاءِ أَنْ َتضِلّ ِإحْدَا ُهمَا فَ ُت َذكّرَ إِ ْ‬
‫ضوْنَ مِنَ ال ّ‬
‫وَامْرَأَتَانِ ِممّنْ تَ ْر َ‬
‫شهَا َد ِة وَأَدْنَى‬
‫صغِيرا َأوْ كَبِيرا إِلَى َأجَلِهِ ذَِلكُمْ َأ ْقسَطُ عِ ْندَ اللّهِ وََأقْوَمُ لِل ّ‬
‫مَا دُعُوا وَل َتسَْأمُوا أَنْ َتكْتُبُوهُ َ‬
‫شهِدُوا ِإذَا‬
‫أَل تَرْتَابُوا إِل أَنْ َتكُونَ ِتجَا َرةً حَاضِ َرةَ ُتدِيرُو َنهَا بَيْ َنكُمْ فَلَيْسَ عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ أَل َتكْتُبُوهَا وَأَ ْ‬
‫شهِي ٌد وَإِنْ َت ْفعَلُوا فَإِنّهُ فُسُوقٌ ِبكُ ْم وَا ّتقُوا اللّ َه وَ ُيعَّل ُمكُمُ اللّ ُه وَاللّهُ ِب ُكلّ‬
‫ب وَل َ‬
‫تَبَا َيعْتُ ْم وَل ُيضَارّ كَا ِت ٌ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ(‪})282‬‬
‫َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ َتدَايَنْتُمْ‪ : }1‬داين بعضكم بعضا في شراء أو بيع أو سلم أو قرض‪.‬‬
‫س ّمىً‪ : }2‬وقت محدد باليام أو الشهور أو العوام‪.‬‬
‫جلٍ ُم َ‬
‫{إِلَى َأ َ‬
‫{بِا ْلعَ ْدلِ} ‪ :‬بل زيادة ول نقصان ول غش أو احتيال بالحق والنصاف‪.‬‬
‫{وَل يَ ْأبَ} ‪ :‬ل يمتنع الذي يحسن الكتابة أن يكتب‪.‬‬
‫حقّ} ‪ :‬لن إملءه اعتراف منه وإقرار بالذي عليه من الحق‪.‬‬
‫{وَلْ ُيمِْللِ الّذِي عَلَ ْيهِ الْ َ‬
‫{وَل يَبْخَسْ مِ ْنهُ شَيْئا} ‪ :‬ل ينقص من الدين الذي عليه شيء ولو قل كفلس وليذكره كله‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬تداين‪ :‬تفاعل من الدين‪ ،‬يقال‪ :‬داينت الرجل‪ ،‬عاملته بدين معطيعا أو آخذا كما بايعته إذا بعته‬
‫أو باعك‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 2‬ذكر الجل المسمى يجعل الية في بيع السلم لحديث الصحيح‪" :‬من أسلف في تمر فليسلف في‬
‫كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم" ‪ .‬والسلم والسلف واحد‪ .‬ويقال له‪ :‬بيع المحاويج‪.‬‬

‫( ‪)1/273‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ضعِيفا} ‪ :‬السفيه‪ :‬الذي ل يحسن التصرفات المالية‪ ،‬والضعيف‪ :‬العاجز عن الملء؛‬
‫سفِيها َأ ْو َ‬
‫{َ‬
‫كالخرس‪ ،‬أو الشيخ الهرم‪.‬‬
‫{وَلِيّهُ} ‪ :‬من يلي أمره ويتولى شؤونه لعجزه وقصوره‪.‬‬
‫{مِنْ ِرجَاِلكُمْ} ‪ :‬أي المسلمين الحرار دون العبيد والكفار‪.‬‬
‫ضلّ ِإحْدَا ُهمَا} ‪ :‬تنسى أو تخطئ لقصر إدراكها‪.‬‬
‫{أَنْ َت ِ‬
‫{وَل تَسَْأمُوا} ‪ :‬ل تضجروا أو تملوا من الكتابة ولو كان الدين صغيرا مبلغه‪.‬‬
‫سطُ عِ ْندَ اللّهِ} ‪ :‬أعدل في حكم ال وشرعه‪.‬‬
‫{َأقْ َ‬
‫شهَا َدةِ} ‪ :‬أثبت لها وأكثر تقريرا؛ لن الكتابة ل تنسى والشهادة تنسى أو يموت الشاهد أو‬
‫{وََأ ْقوَمُ لِل ّ‬
‫يغيب‪.‬‬
‫{وَأَدْنَى أَل تَرْتَابُوا ‪ : }1‬أقرب أن ل تشكوا بخلف الشهادة بدون كتابة‪.‬‬
‫{ ُتدِيرُو َنهَا بَيْ َنكُمْ} ‪ :‬أي‪ :‬تتعاطونها‪ ،‬البائع يعطي البضاعة والمشتري يعطي النقود فل حاجة إلى‬
‫كتابتها ول حرج أو إثم يترتب عليها‪.‬‬
‫شهِدُوا ِإذَا تَبَا َيعْتُمْ} ‪ :‬إذا باع أحد أحدا دارا أو بستانا أو حيوانا يشهد على ذلك البيع‪.‬‬
‫{وَأَ ْ‬
‫شهِيدٌ} بأن يكلف مالً يقدر عليه بأن يدعي ليشهد في مكان بعيد يشق عليه‬
‫ب وَل َ‬
‫{وَل ُيضَارّ كَا ِت ٌ‬
‫أو يطلب إليه أن يكتب زورا أو يشهد به‪.‬‬
‫{فُسُوقٌ ِبكُمْ} ‪ :‬أي‪ :‬خروج عن طاعة ربكم لحق بكم إثمه وعليكم تبعته يوم القيامة‪.‬‬
‫{وَا ّتقُوا اللّهَ} ‪ :‬في أوامره فافعلوها‪ ،‬وفي نواهيه فاتركوها‪ ،‬وكما علمكم هذا يعلمكم كل ما‬
‫تحتاجون فاحمدوه بألسنتكم واشكروه بأعمالكم‪ ،‬وسيجزيكم بها وهو بكل شيء عليم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى أبو داود والترمذي أن أول من جحد آدم‪ ،‬إذ أراه ال تعالى ذريته فرأى رجلً أزهر‬
‫ساطع النور فسأل ال تعالى فقال‪ :‬إنه داود ‪ .‬فقال‪ :‬رب كم عمره؟ قال‪ :‬ستون‪ .‬قال‪ :‬فزده من‬
‫عمري أربعين ليكمل له مائة فزاده‪ ،‬وكان عمر آدم ألف سنة وكتب ال ذلك في كتاب ولما عاش‬
‫آدم وحضرته الوفاة قال‪ :‬رب بقي من عمري أربعون سنة‪ .‬فقال ال تعالى‪ :‬ألم تكن قد وهبتها‬
‫لولدك داود‪ .‬فجحد آدم فأخرج الكتاب قد شهد عليه الملئكة إلى أن ال تعالى وفى لدم ألف سنة‬
‫ولداود مائة‪" .‬نقلناه بالمعنى"‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/274‬‬

‫معنى الية الكريمة‪:‬‬


‫لما حث تعالى على الصدقات وحرم الربا‪ ،‬ودعا إلى العفو على المعسر‪ ،‬والتصدق عليه بإسقاط‬
‫الدين المر الذي قد يتبادر إلى الذهن أن المال ل شأن له ول قيمة في الحياة فجاءت هذه الية‪،‬‬
‫آية الدين الكريمة لتعطي للمال حقه وترفع من شأنه فإنه قوام الحياة فقررت واجب الحفاظ عليه‬
‫بكتابة الديون والشهاد عليها بمن ترضى عدالتهم وكون الشهود رجلين مسلمين حرين‪ ،‬فإن انعدام‬
‫رجل من الثنين قامت امرأتان ‪ 1‬مقامه‪ ،‬واستحث ‪ 2‬ال تعالى من يحسن الكتابة أن يكتب إذا كان‬
‫في سعة من أمره‪ ،‬وحرم على الشهود إذا ما دعوا لداء الشهادة أن يتخلوا عنها‪ ،‬وحرم على‬
‫صغِيرا‬
‫المتداينين أن ل يكتبوا ديونهم ولو كانت صغيرة قليلة‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬وَل تَسَْأمُوا أَنْ َتكْتُبُوهُ َ‬
‫َأوْ كَبِيرا إِلَى أَجَِلهِ} ‪ ،‬ورخص تعالى رحمة منه في عدم كتابة التجارة الحاضرة التي يدفع فيها‬
‫السلعة في المجلس ويقبض الثمن فيه فقال‪{ :‬إِل أَنْ َتكُونَ ِتجَا َرةً حَاضِ َرةَ ُتدِيرُو َنهَا بَيْ َنكُمْ فَلَيْسَ‬
‫شهِدُوا ِإذَا تَبَا َيعْتُمْ‪ ، }...‬ونهى عن‬
‫عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ أَل َتكْتُبُوهَا‪ ، }...‬وأمر بالشهاد على البيع فقال‪{ :‬وَأَ ْ‬
‫الضرار بالكاتب أو الشهيدين‪ ،‬بأن يلزم الكاتب أن يكتب إذا كان في شغله‪ ،‬أو الشاهد بأن يطلب‬
‫منه أن يشهد وهو كذلك في شغله‪ ،‬أو أن يدعي إلى مسافات بعيدة تشق عليه إذ أمره تطوع وفعل‬
‫خير ل غير فليطلب كاتب وشاهد غيرهما إذا تعذر ذلك منهما لنشغالهما‪ .‬وحذر من كتمان‬
‫الشهادة أو الحيف والجور في الكتابة والضرار بالكاتب والشهيد فقال‪{ :‬وَإِنْ َت ْفعَلُوا فَإِنّهُ فُسُوقٌ‬
‫ِبكُمْ‪ }...‬وأكد ذلك بأمره بتقواه فقال‪{ :‬وَا ّتقُوا اللّهَ‪ }...‬بامتثال أمره ونهيه لتكملوا وتسعدوا وكما‬
‫علمكم هذا العلم النافع ما زال يعلمكم وهو بكل شيء عليم‪ .‬هذا معنى الية الكريمة‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ‬
‫س ّمىً فَاكْتُبُوهُ‪. }...‬‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْ ُتمْ بِدَيْنٍ إِلَى َأ َ‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب كتابة الديون سواء كانت بيعا‪ ،‬أو شراءً‪ ،‬أو سلفا‪ ،‬أو قرضا هذا ما قرره ابن جرير‪،‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الجمهور على أن اليمين تقوم مقام شاهد‪ ،‬أي‪ :‬أن إن عدم الشاهد الثاني قضى القاضي بالشاهد‬
‫واليمين التي يحلفها المطالب بالبينة ومن هنا إن وجد من الشهود امرأتان فقط اعتبرنا شاهدا‬
‫وزيدت اليمين وقضى القاضي بذلك‪ ،‬وهذا في الموال خاصة‪.‬‬
‫‪ 2‬نعم إذا كان في سعة من أمره فليكتب على سبيل الندب‪ ،‬وإن لم يوجد غيره وجب عليه أن‬
‫يكتب وفي قوله‪َ { .‬كمَا عَّلمَهُ اللّهُ فَلْ َيكْ ُتبْ} أمر له أن يكتب الوثائق على طريقتها فل يبدل ول‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يغير‪ ،‬وفيه تذكير له بالنعمة إذ كان ل يعرف الكتابة فعلمه ال إذا فليشكر ال هذه النعمة بالكتابة‬
‫لمن طلبها منه‪.‬‬

‫( ‪)1/275‬‬

‫ورد القول بالرشاد والندب ‪.1‬‬


‫‪ -2‬رعاية النعمة بشكرها لقوله تعالى للكاتب‪ :‬كما علمه ال فليكتب إذ علمه الكتابة وحرم غيره‬
‫منها‪.‬‬
‫‪ -3‬جواز النيابة في الملء لعجز عنه وعدم قدرة عليه‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب العدل والنصاف في كل شيء ل سيما في كتابة الديون المستحقة المؤجلة‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب الشهاد على الكتابة لتأكدها به‪ ،‬وعدم نسيان قدر الدين وأجله‪.‬‬
‫‪ -6‬شهود ‪ 2‬المال ل يقلّون عن رجلين عدلين من الحرار ‪ 3‬المسلمين ل غير‪ ،‬والمرأتان‬
‫المسلمتان اللتان فرض شهادتهما تقومان مقام الرجل الواحد‪.‬‬
‫‪ -7‬الحرص على كتابة الديون والعزم على ذلك ولو كان الدين صغيرا تافها‪.‬‬
‫‪ -8‬الرخصة في عدم كتابة التجارة الحاضرة السلعة والثمن المدارة بين البائع والمشتري‪.‬‬
‫‪ -9‬وجوب الشهاد على بيع العقارات والمزارع والمصانع مما هو ذو بال‪.‬‬
‫‪ -10‬حرمة الضرار بالكاتب ‪ 4‬والشهيد‪.‬‬
‫‪ -11‬تقوى ال تعالى بسبب العلم‪ ،‬وتُكسب المعرفة ‪ 5‬بإذن ال تعالى‪.‬‬
‫ضكُمْ َبعْضا فَلْ ُيؤَدّ الّذِي اؤْ ُتمِنَ‬
‫جدُوا كَاتِبا فَ ِرهَانٌ َمقْبُوضَةٌ فَإِنْ َأمِنَ َب ْع ُ‬
‫سفَرٍ وَلَمْ تَ ِ‬
‫علَى َ‬
‫{وَإِنْ كُنْتُمْ َ‬
‫شهَا َدةَ َومَنْ َيكْ ُت ْمهَا فَإِنّهُ آثِمٌ قَلْ ُب ُه وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ عَلِيمٌ(‪ )283‬لِلّهِ‬
‫َأمَانَتَ ُه وَلْيَتّقِ اللّهَ رَبّ ُه وَل َتكْ ُتمُوا ال ّ‬
‫سمَاوَاتِ‬
‫مَا فِي ال ّ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬القرب إلى الصواب أن بعض المور تجب فيها الكتابة كبيع الدور والمزارع وغيرها وبعضها‬
‫ل تجب وإنما تندب الكتابة ل غير‪.‬‬
‫‪ 2‬كون الشهود ل يقلون عن اثنين هذا عام في كل شهادة إل شهادة الزنى فإنهم ل يقلون عن‬
‫أربعة أبدا‪.‬‬
‫‪ 3‬اختلف في شهادة العبيد والصبيان والجمهور على عدم جواز شهادتهم إل في المور التافهة فل‬
‫بأس بذلك‪.‬‬
‫‪ 4‬قوله تعالى‪{ :‬إذا ما دُعوا} دل على أن الشهود يأتون الحاكم ليشهدوا‪ ،‬ودل على أن من لم يدع‬
‫ليس عليه أن يشهد‪ ،‬ولكن ورد في السنة الترغيب في أداء الشهادة ولو لم يدع إليها المسلم ل‬
‫سيما إذا توقف على شهادته إثبات حق من الحقوق فقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬خير‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الشهود الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها" رواه الئمة‪.‬‬
‫‪ 5‬قوله تعالى‪{ :‬وَا ّتقُوا اللّ َه وَ ُيعَّل ُمكُمُ اللّهُ} هو وعد منه تعالى بأن يجعل للمتقي نورا في قلبه يفهم‬
‫ج َعلْ َلكُمْ فُ ْرقَانا}‬
‫به ما يلقى إليه ويفرق بين الحق والباطل يشهد لهذا قوله تعالى‪{ :‬إِنْ تَ ّتقُوا اللّهَ يَ ْ‬
‫النفال‪.‬‬

‫( ‪)1/276‬‬

‫خفُوهُ يُحَاسِ ْب ُكمْ بِهِ اللّهُ فَ َي ْغفِرُ ِلمَنْ يَشَا ُء وَ ُيعَ ّذبُ مَنْ‬
‫سكُمْ أَو تُ ْ‬
‫َومَا فِي الَ ْرضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ(‪})284‬‬
‫يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫السفر ‪ :‬الخروج من الدار والبلد ظاهرا أو بعيدا بمسافة أربعة برد فأكثر‪.‬‬
‫{وَلَمْ َتجِدُوا كَاتِبا} ‪ :‬من يكتب لكم‪ ،‬أو لم تجدوا أدوات الكتابة من دواة وقلم‪.‬‬
‫{فَرِهَانٌ َمقْبُوضَةٌ} ‪ :‬فاعتاضوا عن الكتابة الرهن فليضع المدين رهنا لدى الدائن‪.‬‬
‫ضكُمْ َبعْضا} ‪ :‬فل حاجة إلى الرهن‪.‬‬
‫{فَإِنْ َأمِنَ َب ْع ُ‬
‫فليؤد المؤتمن أمانته ‪ :‬أي‪ :‬فليعط الدين الذي أؤتمن عليه حيث تعذرت الكتابة ولم يأخذ دائنه منه‬
‫رهنا على دينه‪.‬‬
‫{آثِمٌ قَلْبُهُ} ‪ :‬لن الكتمان من عمل القلب فنسب الثم إلى القلب‪.‬‬
‫{وَإِنْ تُبْدُوا} ‪ :‬تظهروا‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫لما أمر تعالى بالشهاد والكتابة في البيوع والسلم والفروض في اليات السابقة أمر هنا –عند‬
‫تعذر الكتابة لعدم وجود كاتب أو أدوات الكتابة وذلك في السفر‪ -‬أمر بالستعاضة عن الكتابة‬
‫بالرهن وذلك بأن يضع المدين رهنا لدى دائنه عوضا عن الكتابة يستوثق به دينه هذا في حال‬
‫عدم ائتمانه والخوف منه‪ ،‬وأما إن أمن بعضهم بعضا فل باس بعدم الرتهان فقال تعال‪{ :‬وَإِنْ‬
‫سفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبا فَ ِرهَانٌ َمقْبُوضَةٌ‪ }...2‬والرهان جمع رهن ‪ .3‬وقال‪{ :‬فَإِنْ َأمِنَ‬
‫كُنْتُمْ‪ 1‬عَلَى َ‬
‫ضكُمْ َبعْضا} فلم تأخذوا رهانا‪{ ،‬فَلْ ُيؤَدّ الّذِي اؤْ ُتمِنَ َأمَانَتَ ُه وَلْيَتّقِ اللّهَ رَبّهُ} في ذلك‪ .‬ثم‬
‫َب ْع ُ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الرهن جائز بالكتاب وهذه الية نص في الرهن في السفر‪ ،‬وأما في الحضر فهو جائز بالسنة‬
‫وإجماع المة‪ ،‬فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى ال عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما‪،‬‬
‫فطلب اليهودي رهنا فرهنه درعه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فمات ودرعه مرهونة في ثلثين صاعا‬
‫من شعير‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله‪َ { :‬مقْبُوضة} دل على اشتراط القبض ولو بالوكالة ولو أن عدلً من الناس وضع الرهن‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تحت يده جاز‪ ،‬إذ هو معنى القبض‪ ،‬ويجوز رهن ما في الذمة كأن يرهن المدين دينا له ثابتا في‬
‫ذمة مالي معترف غير منكر‪ ،‬لن الستيثاق يحصل بذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬أصل الرهن الدوام‪ ،‬وشرعا‪ :‬حبس عين في دين لستيفاء الدين من العين أو من منافعها إذا‬
‫عجز المدين عن التسديد‪ ،‬ويجمع الرهن على رهان‪ ،‬ورهن‪.‬‬

‫( ‪)1/277‬‬

‫شهَا َدةَ‪ }...‬وبين تعالى عظم هذا‬


‫نهى تعالى نهيا جازما عن كتمان شهادتهم فقال‪{ :‬وَل َتكْ ُتمُوا ال ّ‬
‫الذنب فقال‪َ { :‬ومَنْ َيكْ ُت ْمهَا فَإِنّهُ آثِمٌ قَلْ ُبهُ‪ }...1‬وأعلم أنه عليم بما يعملونه فيجازيهم بعلمه‪ ،‬وهو‬
‫تهديد ووعيد منه سبحانه وتعالى لكاتمي الشهادة والقائلين بالزور فيها‪ .‬هذا معنى الية الولى(‬
‫‪ ،)282‬أما الية الثانية(‪ )283‬فإنه تعالى قد أخبر بأن له جميع ما في السموات وجميع ما في‬
‫الرض خلفا وملكا وتصرفا‪ ،‬وبناء على ذلك فإن من يبدي ما في نفسه من خير أو شر أو يخفه‬
‫يحاسب به‪ ،‬ثم هو تعالى بعد الحساب يغفر لمن يشاء من أهل اليمان والتقوى‪ ،‬ويعذب من يشاء‬
‫من أهل الشرك والمعاصي‪ ،‬له كامل التصرف؛ لن الجميع خلقه وملكه وعبيده‪.‬‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬جواز أخذ الرهن في السفر والحضر توثيقا من الدائن لدينه‪.‬‬
‫‪ -2‬جواز ترك أخذ الرهن ‪ 2‬إن حصل المن من سداد الدين وعدم الخوف منه‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة كتمان الشهادة والقول بالزور فيها وأن ذلك من أكبر الكبائر كما في الصحيح‪.‬‬
‫‪ -4‬محاسبة العبد بما يخفي في نفسه من الشك والشرك والنفاق وغير ذلك من بغض أولياء ال‬
‫وحب لعدائه‪ ،‬ومؤاخذته بذلك‪ ،‬والعفو عن الهم بالخطيئة والذنب دون الشك والشرك والحب‬
‫والبغض من المؤمن الصادق اليمان للحديث الصحيح الذي أخرجه الستة‪" :‬إن ال تجاوز لي عن‬
‫أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل" ‪.‬‬
‫{آمَنَ الرّسُولُ ِبمَا أُنْ ِزلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبّهِ وَا ْلمُ ْؤمِنُونَ ُكلّ آمَنَ بِاللّ ِه َومَل ِئكَتِ ِه َوكُتُبِ ِه وَرُسُِل ِه ل ُنفَرّقُ‪3‬‬
‫س ِمعْنَا‬
‫حدٍ مِنْ رُسُِل ِه َوقَالُوا َ‬
‫بَيْنَ أَ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬القول محذوف‪ ،‬أي‪ :‬يقولون‪ :‬ل تفرق‪ ،‬وهذا الحذف للقول شائع نحو‪{ :‬وَا ْلمَل ِئكَةُ َيدْخُلُونَ عَلَ ْي ِهمْ‬
‫مِنْ ُكلّ بَابٍ‪ ،‬سَلمٌ عَلَ ْيكُمْ} أي‪ :‬يقولون‪ :‬سلم عليكم‪{ ،‬رَبّنَا مَا خََل ْقتَ هَذَا بَاطِلً} أي‪ :‬يقولون‪:‬‬
‫ربنا‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ 2‬إذا كان الرهن دابة تركب أو شاة تحلب أو دارا تسكن أو نخلً بتمر‪ ،‬فعلى المرتهن نفقة علف‬
‫الدابة والشاة‪ ،‬مقابل الركوب واللبن‪ ،‬وإن سكن الدار دفع أجرتها‪ ،‬وإن جز التمر أخذه بثمنه‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لحديث‪" :‬ل تغلق الرهن لصاحبه غنمه وعليه غرمه" ‪.‬‬
‫‪ 3‬قال العلماء‪" :‬إثم القلب‪ :‬سبب مسخه"‪.‬‬

‫( ‪)1/278‬‬

‫ت وَعَلَ ْيهَا مَا‬


‫س َعهَا َلهَا مَا كَسَ َب ْ‬
‫غفْرَا َنكَ رَبّنَا وَإِلَ ْيكَ ا ْل َمصِيرُ(‪ )285‬ل ُيكَّلفُ اللّهُ َنفْسا إِل وُ ْ‬
‫طعْنَا ُ‬
‫وَأَ َ‬
‫حمَلْتَهُ عَلَى الّذِينَ مِنْ‬
‫ح ِملْ عَلَيْنَا ِإصْرا َكمَا َ‬
‫اكْتَسَ َبتْ رَبّنَا ل ُتؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا َأوْ َأخْطَأْنَا رَبّنَا وَل َت ْ‬
‫حمْنَا أَ ْنتَ َموْلنَا فَا ْنصُرْنَا عَلَى‬
‫غفِرْ لَنَا وَارْ َ‬
‫عفُ عَنّا وَا ْ‬
‫حمّلْنَا مَا ل طَا َقةَ لَنَا بِ ِه وَا ْ‬
‫قَبْلِنَا رَبّنَا وَل ُت َ‬
‫ا ْل َقوْمِ ا ْلكَافِرِينَ(‪})286‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{آمَنَ} ‪ :‬صدق جازما بصحة الخبر ولم يتردد أو يشك فيه قط‪.‬‬
‫{الرّسُولُ} ‪ :‬نبينا محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫{ ُكلّ} ‪ :‬كل من الرسول والمؤمنين‪.‬‬
‫{ل ُنفَرّقُ بَيْنَ َأحَدٍ مِنْ ُرسُلِهِ‪ : }1‬نؤمن بهم جميعا ول نكون؛ كاليهود والنصارى نؤمن ببعض‬
‫ونكفر ببعض‪.‬‬
‫س ِمعْنَا} ‪ :‬سماع فهم واستجابة طاعة‪.‬‬
‫{َ‬
‫{ا ْل َمصِيرُ} ‪ :‬المرجع‪ :‬أي رجوعنا إليك يا ربنا فاغفر لنا‪.‬‬
‫{ل ُيكَّلفُ اللّهُ َنفْسا‪ : }2‬التكليف‪ :‬اللزام مما فيه كلفة ومشقة تحتمل‪.‬‬
‫س َعهَا ‪ : }3‬إل ما تتسع لها طاقتها ويكون في قدرتها‪.‬‬
‫{إِل وُ ْ‬
‫{َلهَا مَا كَسَ َبتْ} ‪ :‬من الخير‪.‬‬
‫{وَعَلَ ْيهَا مَا اكْتَسَ َبتْ} ‪ :‬من الشر‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرئ‪{ :‬ورسله} بإسكان السين تخفيفا‪ ،‬وهو شائع في تخفيف المتحرك للسكون نحو‪ :‬عنق‪.‬‬
‫‪ 2‬روى القرطبي عن أبي هريرة أنه قال‪ :‬ما وددت أن أحدا ولدتني أمه إل جعفر أبي طالب‪،‬‬
‫فإني تبعته يوما وأنا جائع فلما بلغ منزله فلم يجد فيه سوى نحي سمن قد بقي فيه أثاره فشق بين‬
‫أيدينا فجعلنا نلعق ما فيه من السمن ونربه‪ ،‬وهو يقول‪ :‬ما كلف ال نفسا فوق طاقتها‪ :‬ول تجود يد‬
‫إل بما تجد‪ .‬الرب بضم الراء‪ :‬ما يطبخ من التمر‪.‬‬
‫‪ 3‬وسواس الصدر مما ل طاقة للعبد بدفعه بحال وقد سأل عنه النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪ ،‬ما‬
‫رواه مسلم عن علقمة بن عبد ال قال‪ :‬سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الوسوسة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫"تلك صريح اليمان" ‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/279‬‬

‫خذْنَا} ‪ :‬ل تعاقبنا‪.‬‬


‫{ل ُتؤَا ِ‬
‫{إِنْ َنسِينَا} ‪ :‬فتركنا ما أمرتنا به أو فعلنا ما نهيتنا عنه نسيانا منا غير عمد‪.‬‬
‫{َأوْ َأخْطَأْنَا} ‪ :‬فعلنا غير ما أمرتنا خطأ منا بدون إرادة فعل منا له ول عزيمة‪.‬‬
‫{ِإصْرا}‪ : 1‬تكليفا شاقا يثقل علينا وياسرنا فيحبسنا عن العمل‪.‬‬
‫{ َموْلنَا} ‪ :‬مالكنا وسيدنا ومتولي أمرنا ل مولى لنا سواك‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫سكُمْ أَو‬
‫سمَاوَاتِ‪ }...‬وفيها {‪...‬وَإِنْ تُ ْبدُوا مَا فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫ورد أنه لما نزلت الية(‪{ )284‬لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫خفُوهُ ُيحَاسِ ْب ُكمْ بِهِ اللّهُ‪ }...‬اضطربت لها نفوس المؤمنين‪ ،‬وقالوا من ينجو منا إذا كنا نؤاخذ بما‬
‫تُ ْ‬
‫يخفى في أنفسنا من الهم والوسواس وحديث النفس فأمرهم الرسول صلى ال عليه وسلم بالرضا‬
‫س ِمعْنَا‬
‫بحكم ال تعالى والتسليم به فقال لهم‪" :‬قولوا سمعنا وأطعنا ول تكونوا كاليهود ‪{ :‬قَالُوا َ‬
‫عصَيْنَا‪ }...‬فلما قالوها صادقين أنزل ال تعالى هاتين اليتين‪{ :‬آمَنَ الرّسُولُ‪ }...‬فأخبر عن‬
‫وَ َ‬
‫إيمانهم مقرونا بإيمان نبيهم تكريما لهم وتطمينا فقال‪{ :‬آمَنَ الرّسُولُ ِبمَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيهِ مِنْ رَبّهِ‬
‫حدٍ مِنْ رُسُلِهِ‪ }...‬وأخبر عنهم‬
‫وَا ْل ُمؤْمِنُونَ ُكلّ آمَنَ بِاللّ ِه َومَل ِئكَتِ ِه َوكُتُبِ ِه وَرُسُِلهِ ل ُنفَرّقُ‪ 2‬بَيْنَ أَ َ‬
‫غفْرَا َنكَ رَبّنَا‬
‫طعْنَا ُ‬
‫س ِمعْنَا وََأ َ‬
‫بقولهم الذي كان سبب استجابة ال تعالى لهم فقال عنهم‪َ ...{ :‬وقَالُوا َ‬
‫وَإِلَ ْيكَ ا ْل َمصِيرُ} وأخبرهم تعالى أنه لرحمته بهم وحكمته في تصرفه في خلقه ل يكلف نفسا إل ما‬
‫تتسع له طاقتها وتقدر على فعله‪ ،‬وإن لها ما كسبت من الخير فتجزى به خيرا وعليها ما اكتسبت‬
‫س َعهَا َلهَا مَا‬
‫من الشر فتجزى به شرا إل أن يعفو عنها ويعفر لها فقال‪{ :‬ل ُيكَّلفُ‪ 3‬اللّهُ َنفْسا إِل وُ ْ‬
‫ت وَعَلَ ْيهَا مَا اكْ َتسَ َبتْ‪ }...‬وعلمهم كيف يدعونه ليقول لهم قد فعلت‪ ،‬كما صح به الخبر فقال‬
‫كَسَ َب ْ‬
‫حمَلْتَهُ عَلَى الّذِينَ مِنْ‬
‫ح ِملْ عَلَيْنَا ِإصْرا َكمَا َ‬
‫قولوا‪{ :‬رَبّنَا ل ُتؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا َأوْ َأخْطَأْنَا رَبّنَا وَل تَ ْ‬
‫حمْنَا أَ ْنتَ َموْلنَا فَا ْنصُرْنَا عَلَى‬
‫غفِرْ لَنَا وَارْ َ‬
‫عفُ عَنّا وَا ْ‬
‫حمّلْنَا مَا ل طَا َقةَ لَنَا بِ ِه وَا ْ‬
‫قَبْلِنَا رَبّنَا وَل ُت َ‬
‫ا ْل َقوْمِ ا ْلكَافِرِينَ‪ }4‬وفعلً‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الصر‪ :‬المر الغليظ الصعب أو هو الذنب الذي ليس فيه توبة ول كفارة ويطلق الصر على‬
‫العهد ومنه‪{ :‬وََأخَذْ ُتمْ عَلَى ذَِلكُمْ ِإصْرِي} أي‪ :‬عهدي وميثاقي‪ ،‬لن الصر يطلق على الحبل الذي‬
‫تربط الحمال ونحوها‪.‬‬
‫سكُمْ‪ }...‬الية‪ ،‬قال‪ :‬دخل قلوبهم منها‬
‫‪ 2‬روى مسلم عن ابن عباس لما نزلت‪{ :‬وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫شيء فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا"‪ .‬قال‪ :‬فألقى ال في قلوبهم‬
‫س َعهَا} الية‪.‬‬
‫اليمان فلما فعلوا ذلك نسخها ال تعالى فأنزل قوله‪{ :‬ل ُيكَّلفُ اللّهُ َنفْسا إِل وُ ْ‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 3‬ورد في فضل خاتمة البقرة أحاديث كثيرة منها‪ :‬قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬أوتيت هذه اليات‬
‫من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يؤتهن نبي قبلي" ‪.‬‬

‫( ‪)1/280‬‬

‫قد عفا عنهم في النسيان والخطأ وخفف عنهم في التشريع فما جعل عليهم في الدين من حرج‪،‬‬
‫وعفا عنهم وغفر لهم ورحمهم ونصرهم على الكافرين بالحجة والبيان وفي المعارك بالسيف‬
‫والسنان فله الحمد والمنة وهو الكبير المتعال‪.‬‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير أركان اليمان وهي اليمان وملئكته وكتبه ورسله‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب اليمان بكافة الرسل وحرمه اليمان ببعض وترك البعض وهو كفر والعياذ بال‬
‫تعالى‪,‬‬
‫‪ -3‬وجوب طاعة ال ورسوله والتسليم والرضا بما شرع ال ورسوله وحرمة رد شيء من ذلك‪.‬‬
‫‪ -4‬رفع الحرج ‪ 1‬عن هذه المة رحمة بها‪.‬‬
‫‪ -5‬عدم المؤاخذة بالنسيان ‪ 2‬أو الخطأ فمن نسي وأكل أو شرب وهو صائم فل إثم عليه أو أخطأ‬
‫فقتل فل إثم عليه‪.‬‬
‫‪ -6‬العفو عن حديث النفس ‪ 3‬لنزول الية فيه ما لم يتكلم المؤمن أو يعمل‪.‬‬
‫‪ -7‬تعليم هذا الدعاء واستحباب الدعاء به إئتساء بالرسول صلى ال عليه وسلم وأصحابه وقد‬
‫ورد من قرأ هاتين اليتين ‪ 4‬عند النوم كفتاه {آمَنَ الرّسُولُ‪ }...‬السورة‪.‬‬
‫__________‬
‫ج َعلَ عَلَ ْي ُكمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ} ‪.‬‬
‫‪ 1‬شاهده قوله تعالى من سورة الحج‪َ { :‬ومَا َ‬
‫‪ 2‬حديث‪" :‬رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" ‪ .‬أي‪ :‬رفع إثمه‪ .‬أما أحكامه‪ ،‬ففيها‬
‫تفصيل‪ :‬فالغرامات ل تسقط‪ ،‬فمن كسر آنية خطأ أو نسيانا يغرمها لصاحبها‪ ،‬ومن نسى صلة‬
‫مفروضة قضاها‪ ،‬ومن قتل خطأ دفع الدية ويسقط القصاص بالخطأ‪ ،‬كما يسقط الكفر بالنطق خطأ‬
‫وسهوا‪.‬‬
‫‪ 3‬شاهده حديث‪" :‬إن ال تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل" ‪ .‬رواه‬
‫الجماعة‪.‬‬
‫‪ 4‬لحديث مسلم عن ابن مسعود رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬من قرأ هاتين‬
‫اليتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه" ‪ .‬أي‪ :‬من قام الليل لحديث‪" :‬من قرأ بعد العشاء‬
‫مرتين أجزأتاه من قيام الليل‪ ،‬وكفتاه من شر الشيطان‪ ،‬فل يكون له عليه سلطان" ‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/281‬‬

‫سورة آل عمران‬
‫‪...‬‬
‫سورة آل عمران ‪1‬‬
‫مدنية‬
‫وآياتها مائتا آية بل خلف‬
‫حمَنِ الرّحِيمِ‬
‫بِسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬
‫حيّ ا ْلقَيّومُ(‪ )2‬نَ ّزلَ عَلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ‬
‫{الم(‪ )1‬اللّهُ ل إِلَهَ إِل ُهوَ الْ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬صدر هذه السورة إلى ثلث وثمانين آية نزلت في وفد نجران سنة تسع من الهجرة‪.‬‬

‫( ‪)1/281‬‬

‫س وَأَنْ َزلَ ا ْلفُ ْرقَانَ إِنّ‬


‫حقّ ُمصَدّقا ِلمَا بَيْنَ َيدَيْ ِه وَأَنْ َزلَ ال ّتوْرَاةَ والنجيل(‪ )3‬مِنْ قَ ْبلُ هُدىً لِلنّا ِ‬
‫بِالْ َ‬
‫شيْءٌ فِي‬
‫خفَى عَلَ ْيهِ َ‬
‫شدِي ٌد وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْ ِتقَامٍ(‪ )4‬إِنّ اللّهَ ل يَ ْ‬
‫الّذِينَ َكفَرُوا بآيَاتِ اللّهِ َل ُهمْ عَذَابٌ َ‬
‫حكِيمُ(‬
‫صوّ ُركُمْ فِي الَ ْرحَامِ كَ ْيفَ يَشَاءُ ل ِإلَهَ إِل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫سمَاءِ(‪ُ )5‬هوَ الّذِي ُي َ‬
‫الَ ْرضِ وَل فِي ال ّ‬
‫‪})6‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{الم} ‪ :‬تقدم الكلم على مثله من سورة البقرة فليرجع إليه هناك‪.‬‬
‫{اللّهُ} ‪ :‬المعبود بحق ‪.1‬‬
‫{ل إِلَهَ إِل ُهوَ} ‪ :‬ل معبود بحق سواه‪.‬‬
‫حيّ}‪ :‬ذو الحياة المستلزمة للرادة والعلم والسمع والبصر والقدرة‪.‬‬
‫{ا ْل َ‬
‫{ا ْلقَيّومُ} ‪ :‬القيم على كل مخلوقاته بالتربية والرعاية والحفظ‪.‬‬
‫{ا ْلكِتَابَ} ‪ :‬القرآن‪.‬‬
‫{بِا ْلحَقّ} ‪ :‬متلبسا به إذ كل ما فيه حق وصدق ل باطل فيه بأي وجه من الوجوه‪.‬‬
‫{ ُمصَدّقا ِلمَا بَيْنَ َيدَيْهِ‪ : }2‬من الكتب السابقة ل يخالفها ول يبطلها؛ لن مصدر الجميع واحد هو‬
‫ال تعالى‪.‬‬
‫{ال ّتوْرَاةَ}‪ : 3‬كتاب موسى عليه السلم ومعناه بالعبرية الشريعة ‪.4‬‬
‫__________‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 1‬ال‪ :‬اسم علم على ذات الرب تبارك وتعالى ومعناه‪ :‬الله الحق الذي ل يستحق العبادة سواه‪،‬‬
‫ولذا فسرناه في التفسير بأنه المعبود الحق لكونه الله الحق الذي ل يعبد بحق غيره‪.‬‬
‫‪ 2‬معنى بين يديه‪ :‬أنها تقدمته في النزول فكانت كأنها أمامه وهو وراءها‪ ،‬وهو معنى‪ :‬بين يديه‪.‬‬
‫‪ 3‬اختلف في لفظ التوراة هل هو مشتق من ورى الزند إذا أوقد به النار فهي لنور الهداية فيما‬
‫سميت التوراة‪ ،‬أو هي معربة عن كلمة‪" :‬طورا" العبرية‪ ،‬ومعنى طورا‪ :‬الهدي‪ ،‬وعلى كل حال‬
‫فهذا علم ل ينفع وجهالة ل تضر‪.‬‬
‫‪ 4‬وهي عند اليهود‪ :‬خمسة أسفار‪ :‬سفر التكوين‪ ،‬سفر الخروج‪ ،‬وسفر اللويين‪ ،‬وسفر العدد‪،‬‬
‫وسفر تثنية الشتراع‪.‬‬

‫( ‪)1/282‬‬

‫{وَالِنْجِيلَ}‪ : 1‬كتاب عيسى عليه السلم ومعناه باليونانية‪ :‬التعليم الجديد ‪.2‬‬
‫{ا ْلفُ ْرقَانَ}‪ : 3‬ما فرق ال به بين الحق والباطل من الحجج القرآنية والمعجزات اللهية والعقول‬
‫النيرة البشرية التي لم يغلب عليها التقليد والجمود والهوى‪.‬‬
‫صوّ ُركُمْ فِي الَرْحَامِ} ‪ :‬التصوير إيجاد الصورة للشيء لم تكن له من قبل‪ ،‬والرحام‪ :‬جمع‬
‫{ ُي َ‬
‫رحم‪ :‬مستودع الجنين‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫أخرج ابن جرير الطبري بأسانيد صحيحة أن وفد ‪ 4‬نجران والمكون من ستين راكبا فيهم أشرافهم‬
‫وأهل الحل والعقد منهم‪ ،‬وفدوا على رسول ال صلى ال عليه وسلم يحاجونه في أمر المسيح عليه‬
‫السلم‪ ،‬ويريدون أن يثبتوا إلهيته بالدعاء الباطل فأنزل ال تعالى نيفا وثمانين آية من فاتحة‬
‫السورة {ألم} إلى ما يقرب الثمانين‪ .‬وذلك ردا لباطلهم‪ ،‬وإقامة للحجة عليهم‪ ،‬وسيلحظ هذا‬
‫المتدبر لليات ويراه واضحا جليا في السياق القرآني في هذه اليات‪.‬‬
‫فقد قال تعالى‪{ :‬الم‪ ،‬اللّهُ ل إِلَهَ‪ 5‬إِل ُهوَ} فأخبر أنه تعالى ل معبود بحق إل هو‪ ،‬فأبطل عبادة‬
‫حيّ ا ْلقَيّومُ}‬
‫المسيح عليه السلم وعبادة كل معبود سوى ال تعالى من سائر المعبودات‪ ،‬وقال‪{ :‬ا ْل َ‬
‫فذكر برهان استحقاقه للعبادة دون غيره‪ ،‬وهو كونه تعالى حيا أزلً وأبدا وكل حي غيره مسبوق‬
‫بالعدم ويلحقه الفناء‪ .‬فلذا ل يستحق اللوهية إل هو عز وجل‪ .‬والمسيح عليه السلم مسبوق بالعدم‬
‫ويلحقه الفناء فكيف يكون إلها؟ وقال تعالى القيوم أي القائم على كل الخلق بالتربية والرعاية‬
‫والحفظ والتدبير والرزق‪ ،‬وما عداه فليس له ذلك بل هو مربوب مرزوق فكيف يكون إلها مع ال؟‬
‫ودليل ذلك أنه نزل عليك الكتاب‪ :‬القرآن بالحق مصحوبا به ليس فيه‬
‫__________‬
‫‪ 1‬النجيل‪ ،‬قيل‪ :‬معناه الصل‪ ،‬إذ هو أصل العلوم والحكم‪ ،‬وجمعه‪ :‬أناجيل‪ ،‬وجمع التوراة‪ :‬توارٍ‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 2‬ويطلق النجيل على أربعة كتب‪ :‬إنجيل يوحنا‪ ،‬ومرقص‪ ،‬ولوقا‪ ،‬وبرنابا‪.‬‬
‫‪ 3‬وفسر الفرقان بالقرآن‪ ،‬وهو حق لقوله تعالى‪{ :‬تَبَا َركَ الّذِي نَ ّزلَ ا ْلفُ ْرقَانَ عَلَى عَبْ ِدهِ لِ َيكُونَ‬
‫لِ ْلعَاَلمِينَ نَذِيرا} ‪ ،‬وسمي فرقانا لنه فرق بين الحق والباطل‪.‬‬
‫‪ 4‬كان مجيء هذا الوفد في السنة التاسعة من الهجرة التي هي عام الوفود‪ ،‬ولذا كان آخر السورة‬
‫متقدما في النزول عن أولها‪ ،‬إذ آخرها كان في غزوة أحد‪ ،‬وكانت في السنة الثالثة‪.‬‬
‫حيّ ا ْلقَيّومُ} هذه الجملة مع جملة‪{ :‬وَإَِل ُهكُمْ إَِل ٌه وَاحِدٌ ل ِإلَهَ إِل ُهوَ‬
‫‪ 5‬قوله‪{ :‬اللّهُ ل ِإلَهَ إِل ُهوَ ا ْل َ‬
‫حمَنُ الرّحِيمُ} قيل‪ :‬أن فيهما اسم ال العظم‪.‬‬
‫الرّ ْ‬

‫( ‪)1/283‬‬

‫من الباطل شيء فآياته كلها مثبتة لللوهية ل نافية لها عما سواه‪ ،‬فكيف يكون المسيح إلها مع ال‬
‫أو يكون هو ال‪ ،‬أو ابن ال كما يزعم نصارى نجران وغيرهم من نصارى اليونان والرومان‬
‫وغيرهم نزله مصدقا لما بين يديه من الكتب التي سبقته ل يخالفها ول يتناقض معها‪ ،‬فدل ذلك أنه‬
‫وحي ال‪ ،‬وأنزل من قبله التوراة والنجيل هدى للناس وأنزل الفرقان ‪ 1‬ففرق به بين الحق‬
‫والباطل في كل ما يلبس أمره على الناس فتبين أن الرب الخالق الرازق المدبر للحياة المحيي‬
‫المميت الحي الذي ل يموت هو الله الحق وما عداه مربوب مخلوق ل حق له في اللوهية‬
‫والعبادة وإن شفى مريضا أو أنطق أبكم أو أحيا ميتا بإذن ال تعالى فإن ذلك ل يؤهله لن يكون‬
‫إلها مع ال؛ كعيسى بن مرين عليه السلم فإن ما فعله من إبراء الكمه والبرص وإحياء الموتى‬
‫كان بقدرة ال وإذنه بذلك لعيسى وإل لما قدر على شيء من ذلك شأنه شأن عباد ال تعالى‪ ،‬ولما‬
‫رد الوفد ما حاجهم به الرسول وأقام به الحجة عليهم تأكد بذلك كفرهم فتوعدهم الرب تعالى‬
‫شدِي ٌد وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْ ِتقَامٍ} وهذا وعيد شديد لكل‬
‫عذَابٌ‪َ 2‬‬
‫بقوله‪{ :‬إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا بآيَاتِ اللّهِ َلهُمْ َ‬
‫من كذب بآيات ال وجحد بالحق الذي تحمله من توحيد ال تعالى ووجوب طاعته وطاعة رسوله‬
‫سمَاءِ } فلو‬
‫ض وَل فِي ال ّ‬
‫شيْءٌ فِي الَ ْر ِ‬
‫علَيْهِ َ‬
‫خفَى َ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقال تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ ل يَ ْ‬
‫كان هناك من يستحق اللوهية معه لعلمه وأخبر عنه‪ ،‬كما قرر بهذه الجملة أن عزته تعالى ل‬
‫ترام وأنه على النتقام من أهل الكفر به لقدير‪ .‬وذكر دليلً آخر على بطلن ألوهية المسيح فقال‪:‬‬
‫صوّ ُركُمْ فِي الَرْحَامِ كَ ْيفَ يَشَاءُ‪ }3‬وعيسى عليه السلم قد صور في رحم مريم فهو‬
‫{ ُهوَ الّذِي ُي َ‬
‫قطعا ممن صور ال تعالى‪ ،‬فكيف يكون إذا إلها أو إبنا ل كما زعم النصارى؟ وهنا قرر الحقيقة‬
‫حكِيمُ} فالعزة التي ل ترام والحكمة التي ل تخطئ هما مقتضيات‬
‫فقال‪{ :‬ل إَِلهَ إِل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫ألوهيته الحقة التي ل يجادل فيها إل مكابر ول يجاحد فيها إل معاند؛ كوفد نصارى نجران ومن‬
‫على شاكلتهم من أهل الكفر والعناد‪.‬‬
‫__________‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 1‬الفرقان‪ :‬وإن أطلق على القرآن لكونه فرق بين الحق والباطل والهدى والضلل والغي‬
‫والرشاد‪ ،‬فإنه يطلق على كل ما يفرق بين الهدى والضلل؛ كالمعجزات‪ ،‬وما يحصل للمؤمن‬
‫المتقي من نور يفرق بين الضار والنافع‪ ،‬والخطأ والصواب‪.‬‬
‫‪ 2‬التنوين في عذاب‪ :‬للتفخيم‪ ،‬والشديد هو الذي ل يقادر قدره‪.‬‬
‫‪ 3‬أي‪ :‬من حسن وقبح وسواد وبياض وطول وقصر‪ ،‬وعاهة وسلمة وسعادة وشقاء‪.‬‬

‫( ‪)1/284‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير ألوهية ال تعالى بالبراهين ونفي اللوهية ‪ 1‬عن غيره من سائر خلقه‪.‬‬
‫‪ -2‬ثبوت رسالة النبي محمد صلى ال عليه وسلم بإنزال ال تعالى الكتاب عليه‪.‬‬
‫‪ -3‬إقامة ال تعالى الحجة على عباده بإنزال كتبه والفرقان فيها الحق والباطل في كل شؤون‬
‫الحياة‪.‬‬
‫‪ -4‬بطلن ألوهية المسيح؛ لنه مخلوق مصور في الرحام كغيره صوره ال تعالى على ما شاء‬
‫فكيف يكون بعد ذلك إلها مع ال ‪ 2‬أو ابنا له تعالى عن ذلك علوا كبيرا‪.‬‬
‫ح َكمَاتٌ هُنّ ُأمّ ا ْلكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَا ِبهَاتٌ فََأمّا الّذِينَ فِي‬
‫{ ُهوَ الّذِي أَنْ َزلَ‪ 3‬عَلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُ ْ‬
‫سخُونَ‬
‫قُلُو ِبهِمْ زَيْغٌ فَيَتّ ِبعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْ ِتغَاءَ ا ْلفِتْنَةِ وَابْ ِتغَاءَ تَ ْأوِيلِ ِه َومَا َيعْلَمُ تَ ْأوِيلَهُ إِل اللّ ُه وَالرّا ِ‬
‫فِي ا ْلعِلْمِ َيقُولُونَ آمَنّا بِهِ ُكلّ مِنْ عِنْدِ رَبّنَا َومَا َي ّذكّرُ إِل أُولُو الَلْبَابِ(‪ )7‬رَبّنَا ل تُ ِزغْ قُلُوبَنَا َب ْعدَ إِذْ‬
‫حمَةً إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلوَهّابُ(‪ )8‬رَبّنَا إِ ّنكَ جَامِعُ النّاسِ لِ َيوْمٍ ل رَ ْيبَ فِيهِ إِنّ‬
‫هَدَيْتَنَا وَ َهبْ لَنَا مِنْ لَدُ ْنكَ َر ْ‬
‫اللّهَ ل ُيخِْلفُ ا ْلمِيعَادَ(‪})9‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬بالبراهين كذلك‪.‬‬
‫‪ 2‬ضلل النصارى أعظم ضلل وأسوأه‪ ،‬إذ كيف يعقل أن يكون عيسى إلها وقد قتل وصلب في‬
‫اعتقادهم‪ ،‬وكيف يكون إلها وهو ابن امرأة اسمها مريم‪ ،‬وهم يعترفون بذلك‪ ،‬فسبحان ال أين‬
‫تذهب عقول العقلء؟‪.‬‬
‫‪ 3‬أخرج مسلم عن عائشة رضي ال عنها أن رسول ال صلى ال عليه وسلم تلى ‪ُ { :‬هوَ الّذِي‬
‫ي الَلْبَابْ} ثم قال‪" :‬إذا رأيتم الذين يبتغون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم‬
‫أَنْ َزلَ عَلَ ْيكَ} إلى‪{ :‬أول ِ‬
‫ال‪ :‬فاحذروهم" ‪.‬‬

‫( ‪)1/285‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ح َكمَاتٌ‪ : }1‬الظاهرة الدللة البينة المعنى التي ل تحتمل إل معنى واحدا‪ ،‬وذلك كآيات الحكام‬
‫{مُ ْ‬
‫من حلل وحرام وحدود‪ ،‬وعبادات‪ ،‬وعبر وعظات‪.‬‬
‫{مُتَشَا ِبهَاتٌ} ‪ :‬غير ظاهرة الدللة محتملة لمعان يصعب على غير الراسخون في العلم القول فيها‬
‫وهي كفواتح السور‪ ،‬وكأمور الغيب ‪ .2‬ومثل قول ال تعالى في عيسى عليه السلم‪َ ...{ :‬وكَِلمَتُهُ‬
‫ح ْكمُ إِل لِلّهِ ‪. }..4‬‬
‫أَ ْلقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ‪ 3‬وَرُوحٌ مِنْهُ‪ }...‬وكقوله تعالى‪...{ :‬إِنِ الْ ُ‬
‫{فِي قُلُو ِبهِمْ زَيْغٌ} ‪ :‬الزيغ‪ :‬الميل عن الحق بسبب شبهة أو شهوة أو فتنة‪.‬‬
‫{ابْ ِتغَاءَ ا ْلفِتْنَةِ} ‪:‬أي‪ :‬طلبا لفتنة المؤمنين في دينهم ومعتقداتهم‪.‬‬
‫{وَابْ ِتغَاءَ تَ ْأوِيلِهِ} ‪ :‬طلبا لتأويله ليوافق معتقداتهم الفاسدة‪.‬‬
‫{ َومَا َيعْلَمُ تَ ْأوِيلَهُ إِل اللّهُ} ‪ :‬وما يعلم ما يؤول إليه أمر المتشابه إل ال منزله‪.‬‬
‫سخُونَ فِي ا ْلعِلْمِ‪ : }5‬هم أهل العلم اليقيني في نفوسهم الذين رسخت أقدامهم في معرفة الحق‬
‫{وَالرّا ِ‬
‫فل يزلون ول يشتطون في شبهة أو باطل‪.‬‬
‫{ ُكلّ مِنْ عِنْدِ رَبّنَا} ‪ :‬أي المحكم والمتشابه فنؤمن به جميعا‪.‬‬
‫{إِل أُولُو الَلْبَابِ} ‪ :‬أصحاب العقول الراجحة والفهوم السليمة‪.‬‬
‫{رَبّنَا ل تُ ِزغْ قُلُوبَنَا ‪ : }6‬أي‪ :‬ل تمل قلوبنا عن الحق بعدما هديتنا إليه وعرفتنا به فعرفناه‪.‬‬
‫حمَةً} ‪ :‬أعطنا من عندك رحمة‪.‬‬
‫{وَ َهبْ لَنَا مِنْ َلدُ ْنكَ رَ ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال جابر بن عبد ال رضي ال عنهما‪ :‬المحكمات‪ ،‬أي‪ :‬في القرآن ما عرف تأويله وفهم معناه‬
‫وتفسيره‪ ،‬والمتشابه ما لم يكن لحد إلى علمه سبيل مما استأثر ال تعالى بعلمه دون خلقه‪.‬‬
‫‪ 2‬قال بعضهم‪ :‬وذلك مثل وقت قيام الساعة وخروج يأجوج ومأجوج والدجال ونزول عيسى‪،‬‬
‫ونحو الحروف المقطعة في أوائل السور‪.‬‬
‫‪ 3‬سورة النساء‪.171 :‬‬
‫‪ 4‬سورة النعام‪.57 :‬‬
‫‪ 5‬روى أن النبي صلى ال عليه وسلم سأل عن الراسخين في العلم‪" :‬هو من برت يمينه وصدق‬
‫لسانه واستقام قلبه" ‪.‬‬
‫‪ 6‬سئلت أم سلمة رضي ال عنها في حديث حسن رواه الترمذي عن ما كان أكثر دعاء رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم عندها فقالت‪" :‬كان أكثر دعاؤه‪ :‬يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" ‪.‬‬

‫( ‪)1/286‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال تعالى يقرر ربوبيته وألوهيته ونبوة رسوله ويبطل دعوى نصاري نجران في ألوهية‬
‫المسيح عليه السلم‪ ،‬فيقول‪ :‬هو أي‪ :‬ال الحي القيوم الذي أنزل عليك الكتاب‪ ،‬أي‪ :‬القرآن منه‬
‫آيات محكمات‪ ،‬ل نسخ فيها ول خفاء في معناها ول غموض في دللتها على ما نزلت فيه وهذه‬
‫معظم آي الكتاب وهي أمة واصلة‪ ،‬ومنه آيات أخر متشابهات و هي قليلة والحكمة من إنزالها‬
‫كذلك المتحان والختبار بالحلل والحرام‪ ،‬وبأمور الغيب ليثبت على الهداية واليمان من شاء ال‬
‫هدايته‪ ،‬ويزيغ في إيمانه وضل عن سبيله من شاء ال تعالى ضلله وعدم هدايته‪ .‬فقال تعالى‪:‬‬
‫{فََأمّا الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ زَيْغٌ‪ }...‬أي‪ :‬ميل عن الحق {فَيَتّ ِبعُونَ مَا َتشَابَهَ مِنْهُ ابْ ِتغَاءَ ا ْلفِتْنَ ِة وَابْ ِتغَاءَ‬
‫تَ ْأوِيلِهِ} للخروج به عن طريق الحق وهداية الخلق كما فعل النصارى حيث ادعوا أن ال ثالث‬
‫ثلثة؛ لنه يقول نخلق ونحيي‪ ،‬ونميت‪ ،‬وهذا كلم جماعة فأكثر‪ ،‬وكما قالوا في قوله تعالى في‬
‫شأن عيسى‪ ...{ :‬وَرُوحٌ مِنْهُ‪ }...1‬أنه جزء منه متحد به وكما قال الخوارج في قوله تعالى‪:‬‬
‫حكْمُ إِل لِلّهِ‪ }...2‬فل يجوز لحد أن يحكم في شيء وكفروا عليا وخرجوا ‪ 3‬عنه لتحكيمه‬
‫{‪...‬إِنِ ا ْل ُ‬
‫أبا موسى الشعري في حقيقة الخلف بين على ومعاوية‪ ،‬وهكذا يقع أهل الزيغ في الضلل حيث‬
‫يتبعون المتشابه ول يردونه إلى المحكم فيظهر لهم معناه ويفهمون مراد ال تعالى منه‪ .‬وأخبر‬
‫تعالى أنه ل يعلم تأويله إل هو سبحانه وتعالى‪ ،‬وأن الراسخين ‪ 4‬في العلم يفوضون أمره إلى ال‬
‫منزله فيقولون {‪...‬آمَنّا بِهِ‪ُ 5‬كلّ مِنْ عِنْدِ رَبّنَا َومَا يَ ّذكّرُ إِل أُولُو الَلْبَاب ‪ ، }6‬ويسألون ربهم الثبات‬
‫__________‬
‫‪ 1‬سورة النساء‪.171 :‬‬
‫‪ 2‬سورة النعام‪.57 :‬‬
‫‪ 3‬روى أن أبا أمامة رضي ال عنه مر برؤوس منصوبة عند باب مسجد دمشق فسأل عنها‪،‬‬
‫فقيل‪ :‬إنها رؤوس خوارج جيء بها من العراق فقال‪" :‬أولئك كلب النار ثلثا شر قتلة تحت ظل‬
‫السماء طوبى لمن قتلهم ثلثا ثم بكى‪ ،‬فقيل ما يبكيك‪ .‬فقال‪ :‬رحمة بهم إنهم كانوا من أهل السلم‬
‫علَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ} إلى قوله‪{ :‬أولو اللباب} ‪.‬‬
‫فخرجوا منه‪ ،‬ثم قرأ‪ُ { :‬هوَ الّذِي أَنْ َزلَ َ‬
‫‪ 4‬روى أن ابن عباس رضي ال عنه قال‪" :‬التفسير على أربعة أنحاء‪ :‬تفسير ل يعذر أحد في‬
‫فهمه‪ ،‬وتفسير تعرفه العرب من لغتها‪ ،‬وتفسير يعلمه الراسخون في العلم‪ ،‬وتفسير ل يعلمه إل‬
‫ال"‪ .‬كما يروى هذا عن عائشة وغيرها‪.‬‬
‫‪ 5‬الجمهور على أن الوقف على قوله‪َ { :‬ومَا َيعْلَمُ تَ ْأوِيلَهُ إِل اللّهُ} ومن هنا قالوا‪ :‬ل يعلم المتشابهة‬
‫إل ال‪ ،‬وهو مما استأثر به دون عباده ومن قال‪" :‬أن قوله تعالى‪{ :‬وَالرّاسِخُونَ فِي ا ْلعِلْمِ} معطوف‬
‫على قوله‪َ { :‬ومَا َيعْلَمُ تَ ْأوِيلَهُ إِل اللّهُ} ‪ ،‬قالوا‪ :‬إن الراسخين في العلم قد يعلمون المتشابه دون‬
‫البعض ويدل عليه قولهم‪ُ { :‬كلّ مِنْ عِ ْندِ رَبّنَا} أي‪ :‬ما علمناه وما لم نعلمه‪ ،‬وروى أن ابن عباس‬
‫قال‪" :‬أنا ممن يعلم تأويله"‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 6‬هذه الجملة ليست من كلم الراسخين ولكنها من كلم ال تعالى فهي تذييل للكلم السابق سيقت‬
‫للثناء عليهم‪.‬‬

‫( ‪)1/287‬‬

‫حمَةً‪ }..‬ترحمنا بها في‬


‫على الحق فيقولون‪{ :‬رَبّنَا ل تُ ِزغْ قُلُوبَنَا َبعْدَ ِإذْ هَدَيْتَنَا وَ َهبْ لَنَا مِنْ لَدُ ْنكَ َر ْ‬
‫دنيانا وأخرانا إنك أنت وحدك الوهاب‪ ،‬ل إله غيرك ول رب سواك‪ ،‬ويقررون مبدأ المعاد والدار‬
‫الخرة فيقولون سائلين ضارعين {رَبّنَا إِ ّنكَ جَامِعُ النّاسِ لِ َي ْو ٍم ل رَ ْيبَ فِيهِ} لمحاسبتهم ومجازاتهم‬
‫على أعمالهم فاغفر لنا وارحمنا يومئذ حيث آمنا بك وبرسولك و بكتابك محكم آيه ومتشابهه‪ ،‬إنك‬
‫ل تخلف الميعاد‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬في كتاب ال المحكم والمتشابه‪ ،‬فالمحكم يجب اليمان به‪ ،‬والعمل بمقتضاه‪ ،‬والمتشابه يجب‬
‫اليمان به ويفوض أمر تأويله إلى ال منزله ويقال‪{ :‬آمَنّا بِهِ ُكلّ مِنْ عِ ْندِ رَبّنَا} ‪.‬‬
‫‪ -2‬أهل الزيغ الذين يتبعون ما تشابه ‪ 1‬يجب هجرانهم والعراض عنهم؛ لنهم مبتدعة وأهل‬
‫أهواء‪.‬‬
‫‪ -3‬استحباب الدعاء بطلب النجاة عند ظهور الزيغ ورؤية الفتن ‪ 2‬والضلل‪.‬‬
‫‪ -4‬تقرير مبدأ المعاد والدار الخرة‪.‬‬
‫{إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا لَنْ ُتغْ ِنيَ عَ ْنهُمْ َأ ْموَاُلهُ ْم وَل َأوْلدُ ُهمْ مِنَ اللّهِ شَيْئا وَأُولَ ِئكَ هُ ْم َوقُودُ النّارِ(‪)10‬‬
‫خذَ ُهمُ اللّهُ ِبذُنُو ِبهِ ْم وَاللّهُ شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ(‪ُ )11‬قلْ‬
‫ن وَالّذِينَ مِنْ قَبِْل ِهمْ كَذّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَ َ‬
‫عوْ َ‬
‫كَدَ ْأبِ آلِ فِرْ َ‬
‫لِلّذِينَ َكفَرُوا سَ ُتغْلَبُونَ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال أهل العلم‪ :‬التشابه يكون حقيقيا وإضافيا‪ .‬فالحقيقي ل سبيل إلى فهم معناه‪ ،‬وهو المراد من‬
‫الية‪َ { :‬ومَا َيعْلَمُ تَ ْأوِيلَهُ إِل اللّهُ} ‪ ،‬والضافي‪ :‬ما اشتبه معناه لحتياجه إلى طلب دليل آخر‪ ،‬فإذا‬
‫جمِيعا} فهذا يبين معناه‪{ :‬وَإِنّي‬
‫طلبه العالم وجده وهو كثير‪ .‬منه قوله تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ َي ْغفِرُ الذّنُوبَ َ‬
‫َل َغفّارٌ ِلمَنْ تَابَ} ‪.‬‬
‫‪ 2‬روي أن أبا بكر الصديق رضي ال عنه أيام حروب الردة كان يصلي المغرب فيقرأ بالفاتحة‬
‫وسورة من قصار المفصل‪ ،‬وفي الركعة الثالثة بأم القرآن ويقرأ قوله تعالى سرا‪{ :‬رَبّنَا ل تُ ِزغْ‬
‫ح َمةً إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلوَهّابُ} يقنت بها‪ .‬كما روي عن عائشة‬
‫قُلُوبَنَا َبعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَ َهبْ لَنَا مِنْ لَدُ ْنكَ رَ ْ‬
‫أنها قالت‪" :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل قال‪" :‬ل إله إل أنت‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سبحانك أستغفرك لذنبي‪ ،‬وأسألك رحمتك‪ ،‬اللهم زدني علما‪ ،‬ول تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب‬
‫لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب" ‪.‬‬

‫( ‪)1/288‬‬

‫جهَنّ َم وَبِئْسَ ا ْل ِمهَادُ(‪َ )12‬قدْ كَانَ َلكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْ َتقَتَا فِئَةٌ ُتقَا ِتلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ‬
‫وَتُحْشَرُونَ إِلَى َ‬
‫ن وَاللّهُ ُيؤَيّدُ بِ َنصْ ِرهِ مَنْ يَشَاءُ إِنّ فِي ذَِلكَ َلعِبْ َر ًة لُولِي‬
‫وَأُخْرَى كَافِ َرةٌ يَ َروْ َنهُمْ مِثْلَ ْيهِمْ‪ 1‬رَ ْأيَ ا ْلعَيْ ِ‬
‫الَ ْبصَارِ(‪})13‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{{إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا} ‪ :‬هم وفد نجران ويهود المدينة والمشركون والمنافقون‪.‬‬
‫{لَنْ ُتغْ ِنيَ عَ ْنهُمْ} ‪ :‬لن تجزي عنهم ولن تقيهم عذاب ال إذا حل بهم‪.‬‬
‫{ َوقُودُ النّارِ} ‪ :‬الوقود ما توقد به النار من حطب أو فحم حجري أو غاز‪.‬‬
‫عوْنَ} ‪ :‬كعادتهم وسننهم في كفرهم وتكذيبهم وما حل بهم من عذاب في الدنيا‬
‫{كَدَ ْأبِ آلِ فِرْ َ‬
‫والخرة‪.‬‬
‫{ ُقلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا ‪ : }2‬هم يهود المدينة بنو قينقاع‪.‬‬
‫{آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ‪ : }3‬علمة واضحة‪ ،‬والفئتان‪ :‬المسلمون وقريش إلتقتا في بدر‪.‬‬
‫{ ُيؤَيّدُ بِ َنصْ ِرهِ} ‪ :‬يقوي‪.‬‬
‫{َلعِبْ َر ًة لُولِي الَ ْبصَارِ} العبرة‪ :‬العظة‪ ،‬وما يعبر به ذو البصيرة مواضع الخطر فينجو‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما أصر وفد نجران على الكفر والتكذيب واتباع المتشابه من آي الكتاب ابتغاء الفتنة وابتغاء‬
‫التأويل من الحق والخروج عنه‪ .‬توعد الرب تعالى جنس الكافرين من نصارى ويهود وعرب‬
‫وعجم فقال‪{ :‬إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا‪ }..‬بالحق لما جاءهم وعرفوه معرفة ل لبس فيها ول‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الضمير عائد على المسلمين على أسلوب اللتفات والصل‪ :‬ترونهم مثليكم‪ ،‬ويحتمل أن يكون‬
‫الضمير عائدا على المشركين‪ ،‬ولكن الصواب أنه عائد على المؤمنين‪ ،‬لن ال تعالى قلل‬
‫المشركين في أعين المؤمنين ليقدموا على قتالهم‪.‬‬
‫‪ 2‬استئناف ابتدائي للنتقال من النذارة إلى التهديد حيث تطلب المقام ذلك إذا تبجح اليهود‬
‫وتطاولوا على رسول ال صلى ال عليه وسلم مخوفين له بكلمهم السخيف‪.‬‬
‫‪ 3‬الفئة‪ :‬الجماعة من الناس‪ ،‬وسميت فئة لنه يفاء إليها‪ ،‬أي‪ :‬يرجع إليها في وقت اشتداد الحرب‪.‬‬

‫( ‪)1/289‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫غموض‪ ،‬ولكن منعهم من قبوله الحفاظ على المناصب والمنافع هؤلء جميعهم سيعذبهم ال تعالى‬
‫في نار جهنم ولن تغني عنهم أموالهم ول أولدهم من عذاب ال شيئا‪ ،‬واعلم أنهم وقود النار‪ ،‬التي‬
‫مهدوا لها بكفرهم وبئس المهاد مهدوه لنفسهم‪ .‬ثم أخبر تعالى أنهم في كفرهم وعنادهم حتى‬
‫يأتيهم العذاب كدأب آل فرعون والذين من قبلهم من المم التي كذبت رسلها؛ كقوم نوح وقوم هود‬
‫وقوم صالح حتى أخذهم ال بالعذاب في الدنيا بالهلك والدمار‪ ،‬وفي الخرة بعذاب النار وبئس‬
‫المهاد‪ ،‬وكان ذلك بذنوبهم ل بظلم ال تعالى ثم أمر ال تعالى رسوله محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫أن يقول ليهود المدينة الذين قالوا للرسول ل يغرنك أنك قاتلت من ل يحسن الحرب فانتصرت‬
‫عليهم يريدون قريشا في موقعة بدر‪ ،‬إنك إن قاتلتنا ستعلم أنا نحن الناس‪ ،‬لما قالوا قولتهم هذه‬
‫يهددون بها رسول ال صلى ال عليه وسلم والمسلمين أمره أن يقول لهم ‪{ 1‬سَ ُتغْلَبُونَ} يريد في‬
‫المعركة وتنهزمون وتموتون‪ ،‬وبعد موتكم تحشرون إلى جهنم وبئس المهاد جهنم مهدتموها‬
‫لنفسكم بكفركم وعنادكم وجحودكم للحق بعد معرفته‪ .‬وفتح أعينهم على حقيقة لو تأملوها لما‬
‫تورطوا في حرب الرسول حتى هزمهم وقتل من قتل منهم وأجلى من أجلهم‪ .‬وهي أن المسلمين‬
‫الذين قاتلوا المشركين في بدر وانتصروا عليهم كانوا أقل عدد وأنقص عدة‪ ،‬ومع ذلك انتصروا؛‬
‫لنهم يقاتلون في سبيل ال‪ ،‬والكافرون يقاتلون في سبيل الطاغوت والشرك والظلم والطغيان‪،‬‬
‫ونصر ال الفئة القليلة المسلمة ‪ 2‬وهزم الفئة الكافرة الكثيرة‪ ،‬فلو اعتبر اليهود بهذه الحقيقة لما‬
‫تورطوا في حرب مع الرسول صلى ال عليه وسلم أبدا‪ .‬ولكنها ل تعمى البصار ولكن تعمى‬
‫القلوب التي في الصدور وهي البصائر‪ .‬فقال تعالى لهم‪{ :‬قَدْ كَانَ َلكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْ َتقَتَا} –في‬
‫بدر‪ -‬جماعة‪ -‬تقاتل في سبيل ال‪ -‬إعلء لكلمته‪ -‬وأخرى فئة كافرة تقاتل في سبيل الطاغوت‬
‫{يَ َروْ َنهُمْ‪3‬مِثْلَ ْيهِمْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬فعلً فقد جمعهم رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال لهم‪" :‬يا معشر يهود احذروا من ال مثل‬
‫ما نزل بقريش يوم بدر قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم‪ ،‬وقد عرفتم إني نبي مرسل تجدون ذلك في‬
‫كتابكم وعهد ال إليكم" ‪.‬‬
‫‪ 2‬إذ كان عدد المسلمين ثلثمائة وثلثة عشر رجلً‪ ،‬وكان عدد المشركين رابيا على التسعمائة‬
‫مقاتل‪.‬‬
‫‪ 3‬رأى المسلمون الكافرين مثليهم‪ ،‬أي‪ :‬مثلي عدد المسلمين‪ ،‬وهذا معنى التقليل إذ الكافرون‬
‫تسعمائة فرأوهم ستمائة وهو التقليل المذكور‪.‬‬

‫( ‪)1/290‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫رَ ْأيَ ا ْلعَيْنِ} لقربهم منهم‪ .‬ومع هذا نصر ال القلية وهم الكثرية الكافرة‪ ،‬وذلك لن ال تعالى‬
‫يؤيد بنصره من يشاء‪ ،‬فأيد أولياءه وهزم أعداءه‪ ،‬وإن في هذه الحادثة لعبرة وعظة ومتفكر ولكن‬
‫لمن كان ذا بصيرة‪ .‬أما من ل بصيرة له فإنه ل يرى شيئا حتى يقع في الهاوية‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬إِنّ‬
‫فِي ذَِلكَ} المذكور لهم‪َ{ :‬لعِبْ َر ًة لُولِي الَ ْبصَارِ} ‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬الكفر مورث لعذاب يوم القيامة والكافر معذب قطعا‪.‬‬
‫‪ -2‬الموال والولد والرجال والعتاد مهما كثروا لن يغنوا من بأس ال شيئا إذا أراده بالكافرين‬
‫في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫‪ -3‬الذنوب بريد العذاب ‪ 1‬العاجل والجل‪.‬‬
‫‪ -4‬ذم الفخر والتعالي وسوء عاقبتهما‪.‬‬
‫‪ -5‬العاقل من اعتبر بغيره‪ ،‬ول عبرة لغير أولي البصار أي البصائر‪.‬‬
‫‪ -6‬صدق خبر القرآن في ما أخبر به اليهود من هزيمتهم‪ ،‬فكان هذا دليل صدق على أن القرآن‬
‫وحي ال‪ ،‬وأن محمدا رسول ال‪ ،‬وأن السلم دين ال الحق‪.‬‬
‫ب وَا ْلفِضّ ِة وَا ْلخَ ْيلِ‬
‫ن وَا ْلقَنَاطِيرِ ا ْل ُمقَنْطَ َرةِ مِنَ الذّ َه ِ‬
‫ش َهوَاتِ مِنَ النّسَا ِء وَالْبَنِي َ‬
‫حبّ ال ّ‬
‫{زُيّنَ لِلنّاسِ ُ‬
‫س ّومَ ِة وَالَ ْنعَا ِم وَالْحَ ْرثِ ذَِلكَ مَتَاعُ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا وَاللّهُ عِنْ َدهُ حُسْنُ ا ْلمَآبِ(‪})14‬‬
‫ا ْلمُ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ش َهوَاتِ} ‪ :‬جعل حبها مستحسنا في نفوسهم ل يرون فيه قبحا ول دمامة‪.‬‬
‫حبّ ال ّ‬
‫{زُيّنَ لِلنّاسِ‪ُ 2‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬شاهده في كتاب ال‪{ :‬مَنْ َي ْع َملْ سُوءا ُيجْزَ بِهِ}‪َ { ،‬ومَا َأصَا َبكُمْ مِنْ ُمصِيبَةٍ فَ ِبمَا كَسَ َبتْ أَ ْيدِيكُمْ}‪.‬‬
‫حبّ‪ }...‬إلخ‪ .‬قال‪:‬‬
‫‪ 2‬روى البخاري أن عمر رضي ال عنه لما نزلت هذه الية‪{ :‬زُيّنَ لِلنّاسِ ُ‬
‫الن يارب حين زينتها لنا‪ .‬فأنزل ال تعالى‪ُ { :‬قلْ َأؤُنَبّ ُئكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَِلكُمْ} الية‪.‬‬

‫( ‪)1/291‬‬

‫ش َهوَاتِ‪ : }1‬جمع شهوة بمعنى المشتهى طبعا وغريزة؛ كالطعام والشراب اللذيذين‪.‬‬
‫{ال ّ‬
‫َا ْلقَنَاطِيرِ ا ْل ُمقَنْطَ َرةِ ‪ :‬القنطار‪ :‬ألف ومائة أوقية فضة‪ ،‬والمقنطرة‪ :‬الكثيرة بعضها فوق بعض‪.‬‬
‫س ّومَةِ‪ : 2‬ذات السمات الحسان والمعدة للركوب عليها للغزو والجهاد‪.‬‬
‫َالْخَ ْيلِ ا ْل ُم َ‬
‫َالَ ْنعَامِ ‪ :‬البل والبقر والغنم وهي الماشية‪.‬‬
‫َالْحَ ْرثِ‪ 3‬الزروع والحقول وسائر النباتات النافعة‪.‬‬
‫{ذَِلكَ مَتَاعُ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا} أي‪ :‬ذلك المذكور من النساء والبنين إلخ‪ .‬متاع الحياة الدنيا يريد يستمتع‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫به فيها ويموت صاحبها ويتركها‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫لما ذكر تعالى عناد من كفر من النصارى‪ ،‬واليهود‪ ،‬والمشركين‪ ،‬وجحودهم‪ ،‬وكفرهم‪ ،‬ذكر علة‬
‫الكفر وبين سببه أل وهو ما زينه تعالى لبني البشر عامة ليفتنهم فيه ويمتحنهم به وهو حب‬
‫الشهوات‪ ،‬أي‪ :‬المشتهيات بالطبع البشري من النساء ‪ ،4‬والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب‬
‫والفضة والخيل المسمومة والنعام والحرث وهو كل ما يحرث من سائر الحبوب والنباتات‬
‫الغذائية والعطرية وغيرها‪ .‬هذا الذي جعل تلك الجماعات ترفض الحق وتدفعه؛ لنه يحول بينهم‬
‫وبين هذه المشتهيات غالبا فل يحصلون عليها‪،‬ولم يعلموا أنها مجرد متاع زائل فل يبيعوا بها‬
‫الجنة دار الخلد والسلم‪ ،‬ولذا قال تعالى ذلك أي ما ذكر من أصناف المحبوبات متاع الحياة الدنيا‬
‫ل غير إما الخرة فل ينفع فيها شيء من ذلك بل ل ينفع فيها إل الزهد فيه والعراض عنه إل‬
‫ما لبد منه للبلغة به إلى عمل الدار الخرة وهو اليمان وصالح العمال‪ ،‬والتخلي عن الكفر‬
‫والشرك وسائر الذنوب والمعاصي‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في صحيح مسلم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬حفت الجنة بالمكاره وحفت النار‬
‫بالشهوات" ‪ ،‬ومعناه‪ :‬أن الجنة ل تنال إل بقطع مغاور المكاره والصبر عليها‪ ،‬وأن النار ل ينجي‬
‫منها إل ترك الشهوات وفطام النفس عنها‪.‬‬
‫‪ 2‬ما ذكرناه مأخوذ من السومة وهي‪ :‬السمة‪ ،‬أي‪ :‬العلمة‪ ،‬وقد تكون المسومة مأخوذ من السوم‪،‬‬
‫وهي‪ :‬الرعي في المرعى‪ ،‬يقال‪ :‬أسام الماشية إذا رعى بها في المرعى‪ .‬والخيل مؤنثة‪.‬‬
‫‪ 3‬الحرف‪ :‬مصدر أطلق على المحروثات نفسها من المزارع الحدائق‪.‬‬
‫‪ 4‬روى الشيخان عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال‪" :‬ما تركت بعدي فتنة أشد على الرجال من‬
‫النساء" ‪ .‬وفي حديث آخر‪" :‬اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"‬
‫رواه مسلم‪.‬‬

‫( ‪)1/292‬‬

‫وختم تعالى الية بقوله مرغبا في العمل للدار الخرة داعيا عباده إلى الزهد في المتاع الفاني‬
‫للتعلق قلوبهم بالنعيم الباقي فقال‪{ :‬وَاللّهُ عِنْ َدهُ حُسْنُ ا ْلمَآبِ} ‪ ،‬أي‪ :‬المرجع الحسن‪ ،‬والنزول الكريم‬
‫والجوار الطيب السعيد‪.‬‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬يزين ال تعالى بمعنى يجعل الشيء زينا محبوبا للناس للبتلء والختبار قال تعالى‪{ :‬إِنّا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عمَلً‪ }1‬ويزين الشيطان للضلل والغواء‪،‬‬
‫جعَلْنَا مَا عَلَى الَ ْرضِ زِينَةً َلهَا لِنَبُْلوَ ُهمْ أَ ّيهُمْ أَحْسَنُ َ‬
‫َ‬
‫فال يزين الزين ويقبح القبيح‪ ،‬والشيطان يزين القبيح‪ ،‬ويقبح الزين‪ .‬فانظر الفرق وتأمل‪.‬‬
‫‪ -2‬المزينات في هذه الية من تزيين ال تعالى للبتلء‪ ،‬وكلها زينة في الواقع وليس فيها قبيح إل‬
‫إذا طلبت من غير حلها وأخذت بشره ونهم فأفسدت أخلق آخذها أو طغت عليه محبتها فأنسته‬
‫لقاء ال وما عنده فهلك بها كاليهود والنصارى والمشركين‪.‬‬
‫‪ -3‬كل ما في الدنيا مجرد متاع‪ ،‬والمتاع دائما قليل وزائل فعلى العاقل أن ينظر إليه كما هو فل‬
‫يطلبه بما يحرمه حسن ‪ 2‬المآب عند ال‪ .‬اللهم ل تحرمنا حسن مآبك يا ال يا رحمن يا رحيم‪.‬‬
‫{ ُقلْ َأؤُنَبّ ُئكُمْ ِبخَيْرٍ مِنْ ذَِلكُمْ لِلّذِينَ ا ّت َقوْا عِنْدَ رَ ّب ِهمْ جَنّاتٌ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا‬
‫غفِرْ لَنَا‬
‫طهّ َرةٌ وَ ِرضْوَانٌ مِنَ اللّ ِه وَاللّهُ َبصِيرٌ بِا ْلعِبَادِ(‪ )15‬الّذِينَ َيقُولُونَ رَبّنَا إِنّنَا آمَنّا فَا ْ‬
‫وَأَ ْزوَاجٌ ُم َ‬
‫سحَارِ(‬
‫ن وَا ْلمُسْ َت ْغفِرِينَ بِالَ ْ‬
‫ن وَا ْلمُ ْنفِقِي َ‬
‫ن وَا ْلقَانِتِي َ‬
‫ن وَالصّا ِدقِي َ‬
‫ذُنُوبَنَا َوقِنَا عَذَابَ النّارِ(‪ )16‬الصّابِرِي َ‬
‫‪})17‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬سورة الكهف‪.7 :‬‬
‫‪ 2‬المآب‪ :‬المرجع‪ ،‬يقال‪ :‬آب يؤب أوبا‪ ،‬ومآبا إذا رجع‪ ،‬ومنه قول امرؤ القيس‪:‬‬
‫وقد طفت في الفاق حتى ‪ ...‬رضيت من الغنيمة بالياب‬
‫والمراد بالمآب‪ :‬ما أعده ال تعالى لولياءه من النعيم المقيم في دار السلم‪.‬‬

‫( ‪)1/293‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{َأؤُنَبّ ُئكُمْ‪ : }1‬أخبركم بنبأ عظيم لن النبأ ل يكون إل بالمر العظيم‪.‬‬
‫{ ِبخَيْرٍ مِنْ ذَِل ُكمْ} ‪ :‬أي‪ :‬المذكور في الية السابقة من النساء والبنين‪ .‬إلخ‪.‬‬
‫{ا ّت َقوْا} ‪ :‬خافوا ربهم فتركوا الشرك به ومعصيته ومعصية رسوله‪.‬‬
‫{مِنْ َتحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ} ‪ :‬من خلل قصورها وأشجارها أنهار ‪ 2‬الماء‪ ،‬وأنهار اللبن وأنهار العسل‬
‫وأنهار الخمر‪.‬‬
‫{خَالِدِينَ فِيهَا} ‪ :‬مقيمين فيها إقامة ل يرحلون بعدها أبدا‪.‬‬
‫طهّ َرةٌ ‪ :‬زوجات‪ :‬هي الحور العين نقيات من دم الحيض والبوم وكل أذى وقذر‪.‬‬
‫َأَ ْزوَاجٌ مُ َ‬
‫الصّابِرِينَ ‪ :‬على الطاعات ل يفارقونها وعلى المكروه ل يتسخطون‪ ،‬وعن المعاصي ل‬
‫يقارفونها‪.‬‬
‫َالصّا ِدقِينَ ‪ :‬في إيمانهم وأقوالهم وأعمالهم‪.‬‬
‫َا ْلقَانِتِينَ ‪ :‬العابدين المحسنين الداعين الضارعين‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫َا ْلمُ ْنفِقِينَ‪ :‬المؤدين للزكاة المتصدقين بفضول أموالهم‪.‬‬
‫َا ْلمُسْ َت ْغفِرِينَ‪ 3‬بِالَسْحَارِ ‪ :‬السائلين ربهم المغفرة في آخر الليل وقت السحور‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما بين ال تعالى ما زينه للناس من حب الشهوات من النساء والبنين اوالقناطير المنقطرة من‬
‫الذهب والفضة إلى آخر ما ذكر تعالى‪ ،‬وبين أن حسن المآب عنده سبحانه وتعالى فليطلب منه‬
‫باليمان والصالحات أمر رسوله أن يقول للناس كافة أؤنبئكم بخير من ذلك المذكور لكم‪ .‬وبينه‬
‫بقوله‪ { :‬لِلّذِينَ ا ّتقَوْا عِ ْندَ رَ ّبهِمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يصح أن يكون منتهى الستفهام قوله تعالى‪{ :‬مِنْ ذَِلكُمْ} و {لِلّذِينَ ا ّت َقوْا} خبر مقدم‪ ،‬وجنات‪:‬‬
‫المبتدأ‪ ،‬ويصح أن يكون منتهى الستفهام‪{ :‬عِ ْندَ رَ ّبهِمْ} و{جَنّاتٌ} ‪ :‬خبر‪ ،‬والمبتدأ محذوف‪.‬‬
‫‪ 2‬شاهد هذا في قوله تعالى من سورة محمد صلى ال عليه وسلم‪{ :‬مَ َثلُ الْجَنّةِ الّتِي وُعِدَ ا ْلمُ ّتقُونَ‬
‫ن وَأَ ْنهَارٌ‬
‫خمْرٍ لَ ّذةٍ لِلشّارِبِي َ‬
‫ط ْعمُ ُه وَأَ ْنهَارٌ مِنْ َ‬
‫ن وَأَ ْنهَارٌ مِنْ لَبَنٍ َلمْ يَ َتغَيّرْ َ‬
‫فِيهَا أَ ْنهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِ ٍ‬
‫سلٍ ُمصَ ّفىً} ‪.‬‬
‫مِنْ عَ َ‬
‫‪ 3‬المختار من ألفاظ الستغفار ما رواه الطبراني‪" :‬اللهم أنت ربي ل إله إل أنت خلقتني وأنا‬
‫عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت‪ ،‬أبو لك بنعمتك عليّ‪،‬‬
‫وأبو بذنبي فاغفر لي فإنه ل يغفر الذنوب إل أنت" ‪ .‬وقول العبد‪" :‬اللهم ل إله إل أنت سبحانك‬
‫عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي فإنه ل يغفر الذنوب إل أنت"‪.‬‬

‫( ‪)1/294‬‬

‫طهّ َرةٌ وَ ِرضْوَانٌ مِنَ اللّهِ‪ }...‬وهو رضاه عز ‪ 1‬وجل عنهم وهو أكبر من النعيم‬
‫وَأَ ْزوَاجٌ ُم َ‬
‫ضوَانٌ مِنَ اللّهِ َأكْبَرُ‪. }...‬‬
‫المذكورقبله‪ ،‬قال تعالى في آية أخرى ‪{ :2‬وَ ِر ْ‬
‫ثم أخبر تعالى أنه بصير بعباده يعلم المؤمن الصادق والمنافق الكاذب‪ ،‬والعامل المحسن والعامل‬
‫المسيء وسيجزي كل بعدله وفضله‪ ،‬ثم ذكر صفات المتقين التي ورثوا بها ما وصف من النعيم‬
‫غفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا َوقِنَا عَذَابَ النّارِ} فذكر صفة اليمان والخشية‬
‫فقال‪{ :‬الّذِينَ َيقُولُونَ رَبّنَا إِنّنَا آمَنّا فَا ْ‬
‫ن وَا ْلقَانِتِينَ‬
‫ن وَالصّا ِدقِي َ‬
‫والضراعة والدعاء لهم ثم كر باقي الصفات الكمالية فقال‪{ :‬الصّابِرِي َ‬
‫وَا ْلمُنْ ِفقِينَ وَا ْلمُسْ َتغْفِرِينَ بِالَسْحَارِ} ‪ ،‬يتهجدون آخر الليل وقبيل طلوع الفجر يكثرون من الستغفار‬
‫وهو طلب المغفرة‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬نعيم الخرة خير من نعيم الدنيا مهما كان‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -2‬نعيم الخرة خاص بالمتقين البرار‪ ،‬ونعيم الدنيا غالبا ما يكون للفجار‪.‬‬
‫‪ -3‬التقوى وهي ترك الشرك والمعاصي هي العامل الوراثي لدار السلم‪.‬‬
‫‪ -4‬استحباب الضراعة والدعاء والستغفار ‪ 3‬في آخر الليل‪.‬‬
‫‪ -5‬الصفات المذكورة لهل التقوى هنا كلها واجبة ل يحل أن ل يتصف بها مؤمن ول مؤمنة في‬
‫الحياة‪.‬‬
‫ش ِهدَ‪ 4‬اللّهُ أَنّ ُه ل إِلَهَ إِل ُه َو وَا ْلمَل ِئكَ ُة وَأُولُو ‪ 5‬ا ْلعِلْمِ قَائِما بِا ْلقِسْطِ‬
‫{َ‬
‫__________‬
‫عدَ اللّهُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ‬
‫‪ 1‬في قوله تعالى من سورة التوبة‪{ :‬وَ َ‬
‫ضوَانٌ مِنَ اللّهِ َأكْبَرُ ذَِلكَ ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ}‪.‬‬
‫ن وَ ِر ْ‬
‫خَاِلدِينَ فِيهَا َومَسَاكِنَ طَيّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْ ٍ‬
‫‪ 2‬أخرج مسلم عنه صلى ال عليه وسلم‪" :‬أن أهل الجنة إذ أدخلوها يقول ال تعالى لهم‪ :‬تريدون‬
‫شيئا أزيدكم؟ فيقولون‪ :‬يا ربنا وأي شيء أفضل من هذا؟ فيقول‪ :‬رضاي فل أسخط عليكم بعده‬
‫أبدا"‪.‬‬
‫‪ 3‬شاهده ما رواه الئمة عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪" :‬ينزل ال عز‬
‫وجل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الول فيقول‪" :‬أنا الملك من ذا الذي يدعوني‬
‫فأستجيب له‪ ،‬من ذا الذي يسألني فأعطيه‪ ،‬من ذا الذي يستغفرني فأغفر له‪ .‬فل يزال كذلك حتى‬
‫يطلع الفجر" ‪ .‬رواه مسلم‬
‫‪ 4‬روى الكلبي‪ ،‬ونقل ذلك القرطبي فقال‪" :‬لما ظهر رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قدم عليه‬
‫حبران من أحبار الشام فلما أبصرا المدينة‪ ،‬قال أحدهما لصاحبه‪ :‬ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة‬
‫النبي الذي يخرج في آخر الزمان‪ ،‬فلما دخل على النبي صلى ال عليه وسلم عرفاه بالصفة‬
‫والنعت‪ ،‬فقال له‪ :‬أنت محمد؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬وأنت أحمد؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬نسألك عن شهادة فإن‬
‫أنت أخبرتنا بها آمنا بك‪ .‬وصدقناك‪ .‬فقال لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬اسألني‪ :‬فقال‪:‬‬
‫ش ِهدَ اللّهُ أَنّهُ ل إِلَهَ إِل ُهوَ}‬
‫أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب ال؟ فأنزل ال تعالى على نبيه‪َ { :‬‬
‫الية‪.‬‬
‫‪ 5‬في عطف شهادة أولي العلم على شهادة ال تعالى شرف كبير لولي العلم‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬أن‬
‫العلماء ورثة النبياء" ‪" ،‬العلماء أمناء ال على خلقه" ‪.‬‬

‫( ‪)1/295‬‬

‫حكِيمُ(‪ )18‬إِنّ الدّينَ‪ 1‬عِنْدَ اللّ ِه الِسْل ُم َومَا اخْتََلفَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ إِل‬
‫ل إِلَهَ إِل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫مِنْ َبعْدِ مَا جَاءَ ُهمُ ا ْلعِلْمُ َبغْيا بَيْ َن ُه ْم َومَنْ َيكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنّ اللّهَ سَرِيعُ ا ْلحِسَابِ(‪ )19‬فَإِنْ حَاجّوكَ‬
‫لمّيّينَ أََأسَْلمْتُمْ فَإِنْ َأسَْلمُوا َفقَدِ اهْتَ َدوْا‬
‫ب وَا ُ‬
‫ن َو ُقلْ لِلّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَا َ‬
‫ج ِهيَ لِلّهِ َومَنِ اتّ َبعَ ِ‬
‫ت وَ ْ‬
‫َفقُلْ أَسَْل ْم ُ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫غ وَاللّهُ َبصِيرٌ بِا ْلعِبَادِ(‪})20‬‬
‫وَإِنْ َتوَّلوْا فَإِ ّنمَا عَلَ ْيكَ الْبَل ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ش ِهدَ} ‪ :‬أخبر عن علم بحضوره المر المشهود به‪.‬‬
‫{َ‬
‫{ل إِلَهَ إِل ُهوَ} ‪ :‬ل معبود بحق في الرض ول في السماء إل ال تبارك وتعالى‪.‬‬
‫{وَأُولُو ا ْلعِلْمِ} ‪ :‬أصحاب العلم الصحيح المطابق للواقع وهم النبياء والعلماء‪.‬‬
‫القسط ‪ :‬العدل في الحكم والقول والعمل‪.‬‬
‫حكِيمُ} ‪ :‬الغالب ذو العزة التي ل تغلب‪ ،‬الحكيم في خلقه وفعله وسائر تصرفاته‪.‬‬
‫{ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫{الدّينَ} ‪ :‬ما يدان ال تعالى به أي‪ :‬يطاع فيه ويخضع له به من الشرائع والعبادات‪.‬‬
‫{الِسْلمُ‪ : }2‬النقياد ل بالطاعة والخلوص من الشرك‪ ،‬والمراد به هنا ملة السلم‪.‬‬
‫{ َبغْيا} ‪ :‬ظلما وحسدا‪.‬‬
‫{حَاجّوكَ} ‪ :‬جادلوك وخاصموك بحجج باطلة واهية‪.‬‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬إِنّ الدّينَ عِنْدَ اللّ ِه الِسْلمُ} صيغة حصر‪ ،‬أي‪ :‬حصر المسند إليه الذي هو الدين في المسند‬
‫الذي هو السلم‪ ،‬أي‪ :‬ل دين إل السلم‪ ،‬وقد أكد هذا الحصر بحرف التوكيد‪ :‬إن‪ ،‬والمعنى‪ :‬إن‬
‫الدين الصحيح هو السلم ل غيره‪.‬‬
‫‪ 2‬حقيقة السلم الشرعية‪ :‬إنه اعتقاد الحق والنطق به‪ ،‬والعمل بموجبه‪ ،‬عبادة وخلقا وحكما حتى‬
‫تكون حياة المسلم كلها وفق مراد ال تعالى منه وما دعاه إليه وخلقه من أجله‪.‬‬

‫( ‪)1/296‬‬

‫ج ِهيَ لِلّهِ} ‪ :‬أخلصت كل أعمالي القلبية والبدنية ل وحده ل شريك له‪.‬‬


‫{َأسَْل ْمتُ وَ ْ‬
‫{ َومَنِ اتّ َبعَنِ} ‪ :‬كذلك أخلصوا ل كل أعماله له وحده ل شريك له‪.‬‬
‫{أُوتُوا ا ْلكِتَابَ} ‪ :‬اليهود والنصارى‪.‬‬
‫الميين ‪ :‬العرب المشركين سموا بالميين لقلة من يقرأ ويكتب فيهم‪.‬‬
‫{أََأسَْلمْتُمْ} ‪ :‬الهمزة الولى للستفهام والمراد به المر أي‪ :‬أسلموا خيرا لكم لظهور الحق وانبلج‬
‫نوره بينكم بواسطة كتاب ال ورسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫{فَإِنْ َأسَْلمُوا} ‪ :‬فإن أجابوك وأسلموا فقد اهتدوا إلى سبيل النجاة‪.‬‬
‫{وَإِنْ َتوَّلوْا} ‪ :‬أدبروا عن الحق بعد رؤيته وأعرضوا عه بعد معرفته فل يضرك أمرهم إذ ما‬
‫عليك إل البلغ وقد بلغت‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يخبر الجبار عز وجل أنه ‪ 1‬شهد أنه ل إله إل هو وأن الملئكة وأولي العلم يشهدون كذلك شهادة‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫علم وحق قامت على مبدأ الحضور الذاتي‪ ،‬والفعلي وأنه تعالى قائم في الملكوت كله‪ ،‬علويه‬
‫وسفليه‪ ،‬بالعدل‪ ،‬فل رب غيره ول إله سواه‪ ،‬العزيز في ملكه وخلقه الحكيم في تدبيره وتصريفه‬
‫فل يضع شيئا في غير موضعه اللئق به‪ .‬فرد بهذه الشهادة على باطل نصارى نجران‪ ،‬ومكر‬
‫اليهود‪ ،‬وشرك العرب‪ ،‬وأبطل كل باطلهم سبحانه وتعالى‪ ،‬ثم أخبر أيضا أن الدين الحق الذي ل‬
‫يقبل تعالى دينا سواه‪ ،‬هو السلم‪ ،‬القائم على مبدأ النقياد الكامل ل تعالى بالطاعة‪ ،‬والخلوص‬
‫التام من سائر أنواع الشرك فقال‪{ :‬إِنّ الدّينَ عِنْدَ اللّهِ} في حكمه وقضائه السلم‪ ،‬وما عداه فل‬
‫يقبله ‪ 2‬ول يرضاه‪ .‬ثم أخبر تعالى عن حال نصارى نجران‪ ،‬المجادلين لرسوله‪ ،‬في شأن تأليه‬
‫عيسى بالباطل فقال‪َ { :‬ومَا اخْتََلفَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ إِل مِنْ َبعْدِ مَا جَاءَ ُهمُ ا ْلعِ ْلمُ َبغْيا بَيْ َنهُمْ} يريد‬
‫أن خلف أهل الكتاب لم يكن عن جهل منهم بالحق ومعرفته ‪ 3‬و لكن كان عن علم حقيقي وإنما‬
‫حملهم على الخلف المسبب للفتن‬
‫__________‬
‫ش ِهدَ اللّهُ} إلخ‪ .‬وأنا أشهد بما شهد ال به وأستودع ال‬
‫‪ 1‬ورد أن من قال عند تلوة هذه الية‪َ { :‬‬
‫هذه الشهادة وهي لي عند ال وديعة –يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول عز وجل‪" :‬عبدي عهد إليّ‬
‫وأنا أحق من وفى بالعهد‪ ،‬أدخلوا عبدي الجنة"‪.‬‬
‫‪ 2‬روى مسلم أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬والذي نفسي بيده ل يسمع بي أحد من هذه‬
‫المة يهودي ول نصراني ومات ولم يؤمن بما أرسلت به إل كان من أهل النار" ‪.‬‬
‫‪ 3‬يشهد لهذه الحقيقة ما رواه البخاري‪ " :‬أن غلما يهوديا كان يضع للنبي صلى ال عليه وسلم‬
‫وضوءه ويناوله لعنه فمرض فآتاه النبي صلى ال عليه وسلم فدخل عليه وأبوه قائم عند رأسه‪،‬‬
‫فقال له النبي صلى ال عليه وسلم يا فلن قل ل إله إل ال فنظر إلى أبيه فسكت أبوه‪ ،‬فأعاد عليه‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم فنظر إلى أبيه فقال أبوه‪ :‬أطع أبا القاسم‪ .‬فقال الغلم‪ :‬أشهد أن ل إله‬
‫إل ال وأنك رسول ال‪ .‬فخرج النبي صلى ال عليه وسلم وهو يقول‪ :‬الحمد ل الذي أخرجه بي‬
‫من النار"‪.‬‬

‫( ‪)1/297‬‬

‫والحروب وضياع الدين‪ ،‬البغي والحسد إذ كل فرقة تريد الرئاسة والسلطة الدينية والدنيوية لها‬
‫دون غيرها‪ ،‬وبذلك يفسد أمر الدين والدنيا‪ ،‬وهذه سنة بشرية تورط فيها المسلمون ‪ 1‬بعد القرون‬
‫المفضلة أيضا‪ ،‬والتاريخ شاهد‪ .‬ثم قال تعالى‪َ { :‬ومَنْ َيكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنّ اللّهَ سَرِيعُ ا ْلحِسَابِ}‬
‫يتوعد تعالى ويهدد كل من يكفر بآياته الحاملة لشرائعه فيجحدها ويعرض عنها فإنه تعالى يحصي‬
‫عليه ذنوب كفره وسيئات عصيانه ويحاسبه بها ويجزيه وإنه سريع الحساب؛ لنه ل يشغله شيء‬
‫عن آخر ول يعيبه إحصاء ول عدد‪ ،‬ثم يلتفت بالخطاب إلى رسوله قائلً له‪{ :‬فَإِنْ حَاجّوكَ} يريد‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وفد نجران النصراني فاختصر الحجاج معهم بإظهار موقفك المؤيس لهم داعيا إياهم إلى السلم‬
‫ج ِهيَ لِلّ ِه َومَنِ اتّ َبعَنِ}‬
‫الذي عرفوه وأنكروه حفاظا على الرئاسة والمنافع بينهم فقل لهم‪َ{ :‬أسَْل ْمتُ َو ْ‬
‫أيضا أسلم وجهه ل فليس فينا شيء لغير ال وقلوبنا وأعمالنا وحياتنا كلها فأسلموا ‪ 2‬أنتم يا أهل‬
‫الكتاب ويا أميون {فَإِنْ أَسَْلمُوا َفقَدِ اهْ َت َدوْا} وإن تولوا وأعرضوا فل يضرك إعراضهم‪ ،‬إذ ما كلفت‬
‫إل البلغ وقد بلغت‪ ،‬أما الحساب والجزاء فهو إلى ال تعالى البصير بأعمال عباده العليم بنياتهم‬
‫وسوف يجزيهم بعلمه ويقضي بينهم بحكمه وهو العزيز الحكيم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬اعتبار الشهادة والخذ بها إن كانت قائمة على العلم وكان الشاهد أهلً لذلك بأن كان مسلما‬
‫عدل ً‪.‬‬
‫‪ -2‬شهادة ال أعظم شهادة تثبت بها الشرائع والحكام وتليها شهادة الملئكة وأولي العلم‪.‬‬
‫‪ -3‬بطلن كل دين بعد السلم و كل ملة غير ملته لشهادة ال تعالى بذلك وقوله‪َ { :‬ومَنْ يَبْ َتغِ غَيْرَ‬
‫الِسْلمِ دِينا فَلَنْ ُيقْ َبلَ مِنْهُ وَ ُهوَ فِي الخِ َرةِ مِنَ ا ْلخَاسِرِينَ} الية(‪ )85‬من هذه السورة والتي‬
‫تفسيرها إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -4‬الخلف بين أهل العلم والدين يتم عندما يؤثرون الحياة الدنيا على الخرة فيتورطون في‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وما زال المسلمون متفرقين إلى اليوم‪ ،‬بل تفرقهم اليوم أسوأ من الول‪ ،‬ودولهم دويلت‪،‬‬
‫وشريعتهم التي يسوسون بها المة المسلمة شرائع‪.‬‬
‫‪ 2‬روى محمد بن إسحاق أن وفد نجران لما دخل مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم تكلم منهم‬
‫السيد والعاقب‪ ،‬فقال لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬أسلما" ‪ .‬قال‪ :‬قد أسلمنا قبلك‪ .‬فرد‬
‫عليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم قائلً‪" :‬كذبتما يمنعكما من السلم دعاؤكما ل ولدا‬
‫وعبادتكما الصليب" ‪.‬‬

‫( ‪)1/298‬‬

‫المطاعم والمشارب‪ ،‬ويتشوقون إلى الكراسي والمناصب‪ ،‬ويرغبون في الشرف يومئذ يختلفون‬
‫بغيا بينهم وحسدا لبعضهم بعضا‪.‬‬
‫‪ -5‬من أسلم قلبه ل وجوارحه وأصبح وقفا في حياته على ال فقد اهتدى إلى سبيل النجاة‬
‫والسلم‪.‬‬
‫‪ -6‬من علق قلبه بالحياة الدنيا وأعرض عما يصرفه عنها من العبادات ضل في حياته وسعيه‬
‫وحسابه على ال وسيلقى جزاءه‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ق وَ َيقْتُلُونَ الّذِينَ يَ ْأمُرُونَ بِا ْلقِسْطِ مِنَ النّاسِ‬
‫{إِنّ الّذِينَ َي ْكفُرُونَ بآيَاتِ اللّ ِه وَ َيقْتُلُونَ النّبِيّينَ ِبغَيْرِ حَ ّ‬
‫عمَاُلهُمْ فِي الدّنْيَا وَالخِ َر ِة َومَا َلهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ(‬
‫طتْ أَ ْ‬
‫فَبَشّرْ ُهمْ ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ(‪ )21‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ حَ ِب َ‬
‫‪})22‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ َي ْكفُرُونَ} ‪ :‬يجحدون ويكذبون‪.‬‬
‫{النّبِيّينَ} ‪ :‬جمع نبي وهو ذكر من بنى آدم أوحى إليه ال تعالى‪.‬‬
‫القسط ‪ :‬العدل والحق والخير والمعروف‪.‬‬
‫{فَبَشّ ْرهُمْ ِبعَذَابٍ َألِيمٍ} ‪ :‬أخبرهم إخبارا يظهر أثره على بشرة وجوههم ألما وحسرة‪.‬‬
‫عمَاُلهُمْ} ‪ :‬بطلت وذهبت لم يجنوا منها شيئا ينفعهم‪ ،‬ويهلكون بذلك ويعدمون الناصر‬
‫طتْ أَ ْ‬
‫{حَبِ َ‬
‫لهم؛ لن ال خذلهم وأراد إهلكهم وعذابهم في جهنم‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق في هتك أستار الكفرة من أهل الكتابيين اليهود والنصارى‪ ،‬فذكر تعالى هنا أن‬
‫الذين يكفرون ‪ 1‬بآيات ال وهي حججه وأعلم دينه‪ ،‬وما بعث بها رسله‪ ،‬ويقتلون مع‬
‫__________‬
‫‪ 1‬جيء بالفعال المضارعة في صلة الذين يكفرون يقتلون النبيين ويقتلون إلخ‪ .‬لجل استحضار‬
‫الحالة الفظيعة من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى عن نيات اليهود فإنهم ما زالوا مصرين على قتل‬
‫النبياء‪ ،‬وكيف وقد حاولوا قتل النبي صلى ال عليه وسلم غير مرة‪.‬‬

‫( ‪)1/299‬‬

‫ذلك النبيين بغير حق ‪ 1‬ول موجب للقتل‪ ،‬ويقتلون الذين يأمرونهم ‪ 2‬من أتباع النبياء المؤمنين‬
‫الصالحين‪ ،‬هذه جرائم بعض أهل الكتاب فبشرهم بعذاب أليم‪ ،‬ثم أخبر أن أولئك البعداء في‬
‫مهاوي الشر والفساد والظلم والعناد حبطت أعمالهم في الدنيا فل يجنون منها عاقبة حسنة ول‬
‫مدحا ول ثناء بل سُجلت لهم بها عليهم لعنات في الحياة والممات‪ ،‬والخرة كذلك وليس لهم فيها‬
‫من ناصرين ينصرونهم فيخلصونهم من عذاب ال وهيهات هيهات أن يوجد من دون ال ولي أو‬
‫نصير‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬الكفر والظلم من موجبات هلك الدنيا ولزوم عذاب الخرة‪.‬‬
‫‪ -2‬قتل المرين بالمعروف ‪ 3‬والناهين عن المنكر كقتل النبياء في عظم الحرم‪.‬‬
‫‪ -3‬الشرك محبط للعمال مفسد لها في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -4‬من خذله ال تعالى ل ينصره أحد‪ ،‬ومن ينصره ال ل يغلبه أحد‪.‬‬
‫ح ُكمَ بَيْ َنهُمْ ُثمّ يَ َتوَلّى فَرِيقٌ مِ ْنهُمْ‬
‫عوْنَ ِإلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَ ْ‬
‫{أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا َنصِيبا مِنَ ا ْلكِتَابِ ُيدْ َ‬
‫ت وَغَرّهُمْ فِي دِي ِنهِمْ مَا كَانُوا‬
‫وَهُمْ ُمعْ ِرضُونَ(‪ )23‬ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ قَالُوا لَنْ َت َمسّنَا النّارُ إِل أَيّاما َمعْدُودَا ٍ‬
‫ج َمعْنَاهُمْ‬
‫َيفْتَرُونَ(‪َ )24‬فكَ ْيفَ ِإذَا َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬بغير حق‪ :‬حال مؤكدة إذ ل يقع قتل نبي إل بغير حق‪ ،‬فقتلهم النبياء متأكد وهو قبيح‪ ،‬وكونه‬
‫بغير حق هو أشد قبحا‪ ،‬والية تشنيع لفعالهم القبيحة‪.‬‬
‫‪ 2‬روى ابن أبي حاتم وابن جرير عن أبي عبيدة رضي ال عنه قال‪" :‬قلت يا رسول ال أي‬
‫ل أمر بمعروف ونهى عن منكر ثم قرأ‬
‫الناس أشد عذابا يوم القيامة؟ قال‪" :‬رجل قتل نبيا أو رج ً‬
‫الية ‪{ :‬إِنّ الّذِينَ َي ْكفُرُونَ} إلخ‪ .‬ثم قال‪ :‬يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلثة وأربعون نبيا أول‬
‫النهار في ساعة واحدة‪ ،‬فقام مائة وسبعون رجلً من عباد بني إسرائيل فأمروا من قتلهم‬
‫بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعا من آخر النهار من ذلك اليوم فهم الذين ذكر ال‬
‫تعالى" ‪.‬‬
‫‪ 3‬ذكر القرطبي في تفسيره الرواية التالية‪ :‬كل بلدة يكون فيها أربعة فأهلها معصومون من البلء‪:‬‬
‫إمام عادل ل يظلم‪ ،‬وعالم على سبيل الهدى‪ ،‬ومشايخ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‬
‫ويحرسون على طلب العلم والقرآن ونساؤهم مستورات ل يتبرجن تبرج الجاهلية الولى‪ .‬وأخرج‬
‫ابن ماجة عن أنس بن مالك قال‪ :‬قيل‪ :‬يا رسول ال متى يترك المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر؟ قال‪" :‬إذا ظهر فيكم ما ظهر في المم من قبلكم" قلنا‪ :‬يا رسول ال وما ظهر في المم‬
‫قبلنا؟ قال‪" :‬الملك في صغاركم‪ ،‬والفاحشة في كباركم‪ ،‬والعلم في رذالتكم" ‪ .‬الرذالة‪ :‬كالحسالة‪.‬‬
‫ومعناه‪ :‬فيمن ل خير فيهم‪.‬‬

‫( ‪)1/300‬‬

‫لِ َيوْمٍ ل رَ ْيبَ فِي ِه َو ُوفّيَتْ ُكلّ َنفْسٍ مَا كَسَ َبتْ وَهُمْ ل يُظَْلمُونَ(‪}25‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{أُوتُوا َنصِيبا مِنَ ا ْلكِتَابِ} ‪ :‬اعطوا حظا وقسطا من التوراة‪.‬‬
‫عوْنَ} ‪ :‬يُطلب ‪ 1‬إليهم أن يتحاكموا فيما اختلفوا فيه من الحق إلى كتابهم الذي يؤمنون به وهو‬
‫{ ُيدْ َ‬
‫التوراة فيأبون ويعرضون‪.‬‬
‫{يَ َتوَلّى} ‪ :‬يرجع وهو مصمم على عدم العودة إلى الحق‪.‬‬
‫{أَيّاما َمعْدُودَاتٍ} ‪ :‬هذا قول اليهود ويعنون باليام الربعين يوما تلك التي عبدوا فيها العجل بع‬
‫غياب موسى عليه السلم عنهم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ َيفْتَرُونَ} ‪ :‬يكذبون‪.‬‬
‫{لِ َيوْمٍ ل رَ ْيبَ فِيهِ} ‪ :‬هو يوم القيامة‪.‬‬
‫{مَا كَسَ َبتْ} ‪ :‬ما عملت من خير أو شر‪.‬‬
‫{ل يُظَْلمُونَ} ‪ :‬بأن يعذبوا بدون المقتضي لعذابهم من الشرك والكفر والمعاصي‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في فضح أهل الكتاب بذكر ذنوبهم وجرائمهم‪ ،‬فيقول تعالى لرسوله حاملً له على‬
‫التعجب من حال اليهود ألم تر يا رسولنا إلى الذين أوتوا نصيبا‪ 2‬من الكتاب‪ ،‬أي ألم ينته إلى‬
‫علمك أمرهم حيث يدعون إلى التحاكم ‪ 3‬إلى كتاب ال تعالى فيما انكروه ‪ 4‬واختلفوا فيه من‬
‫صفاتك وشأن نبوتك ورسالتك‪ ،‬ثم يتولى عدد منهم وهم مصممون على عدم العودة وطلب الحق‬
‫والقرار به إنها حال تدعو إلى التعجب حقا‪ ،‬وصارفهم عن قبول الحق‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال ابن عباس‪" :‬هذه الية نزلت بسبب أن رسول ال صلى ال عليه وسلم دخل على يهود في‬
‫بيت المدراس فدعاهم إلى السلم فقالوا له‪ :‬على أي دين أنت؟ فقال‪ " :‬على ملة إبراهيم" ‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫إن إبراهيم كان يهوديا‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬هلموا إلى التوراة‪ ،‬فهي بيننا وبينكم"‪.‬‬
‫فأبوا عليه‪ .‬فنزلت هذه الية"‪.‬‬
‫‪ 2‬التنكير للتقليل وليس للتعظيم بأن السياق في ذمهم وتقبيح سلوكهم‪.‬‬
‫‪ 3‬الية دليل على وجوب من دعا إلى التحاكم إلى شرع ال أن يجيب إلى ذلك ول يمتنع وإل‬
‫يقدح في إيمانه‪.‬‬
‫‪ 4‬أي من كون إبراهيم عليه السلم لم يكن يهوديا‪ ،‬حيث زعموا إنه كان يهوديا كما تقدم في سبب‬
‫نزول الية‪{ :‬ألم ترى الذين‪.}...‬‬

‫( ‪)1/301‬‬

‫ومراجعته هو اعتقادهم الفاسد بأن النار ل تمسهم إذا ألقوا فيها إل مدة أربعين يوما‪ ،‬وهي المدة‬
‫التي عبد فيها أسلفهم العجل يوم غاب موسى عنهم لمناجاته ربه تعالى في جبل الطور‪ .‬وهذه‬
‫الدعوى باطلة ل أساس لها من الصحة بل يُخلدون في النار ل بعبادة أسلفهم العجل أربعين يوما‬
‫بل بكفرهم وظلمهم وجحودهم وعنادهم‪ ،‬ويبين تعالى الحقيقة لرسوله والمؤمنين وهي أن هذه‬
‫الدعوى اليهودية ما هي إل فرية ‪ 1‬افتراها علماؤهم ليهونوا عليهم ارتكاب الجرائم وغثيان عظائم‬
‫الذنوب‪ .‬كما حصل للمسلمين في القرون المظلمة من تاريخ السلم حيث أصبح مشايخ التصوف‬
‫يدجلون على المريدين بأنه يستغفرون لهم ويغفر لهم‪ .‬ثم قال تعالى معظما حالهم مهولً موقفهم‪:‬‬
‫فكيف ‪ 2‬أي‪ :‬حالهم‪ .‬إذا جمعناهم ليوم ل ريب فيه‪ ،‬وهو يوم القيامة كيف تكون حالهم أنها حال‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يعجز الوصف عنها‪َ { ،‬و ُوفّيَتْ ُكلّ َنفْسٍ مَا َكسَ َبتْ} من خير أو شر وهم ل يظلمون بنقص حسناتهم‬
‫إن كانت لهم حسنات‪ ،‬ول بالزيادة في سيئاتهم وما لهم إل السيئات‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬من العراض عن الدين والكفر به رفض التحاكم إليه قال قال تعالى‪{ :‬فَل وَرَ ّبكَ ل ُي ْؤمِنُونَ‬
‫ت وَيُسَّلمُوا تَسْلِيما} [سورة‬
‫سهِمْ حَرَجا ِممّا َقضَ ْي َ‬
‫شجَرَ بَيْ َنهُمْ ُث ّم ل َيجِدُوا فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫ح ّكمُوكَ فِيمَا َ‬
‫حَتّى يُ َ‬
‫النساء‪.]65 :‬‬
‫‪ -2‬أفسد شيء للديان بعقائدها وشرائعها وعباداتها الفتراء فيها والبتداع عليها والقول فيها بغير‬
‫علم‪.‬‬
‫‪ -3‬مضرة الغترار بما يقوله بعض المفسرين والمحشين على الكتب الدينية من الحكايات‬
‫والباطيل بحجة الترغيب أو الترهيب فيغتر بها الناس فيضلوا ويهلكوا‪.‬‬
‫‪ -4‬فضيلة ذكر أهوال يوم القيامة وما يلقي فيها أهل الظلم والفساد وفي القرآن‪{ :‬إِنّا َأخَْلصْنَاهُمْ‬
‫بِخَاِلصَةٍ ِذكْرَى الدّارِ} [سورة ص‪]46 :‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬من جملة افتراءاتهم قولهم‪ :‬أن ال وعد يعقوب أن ل يعذب أبناءه‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا خطاب للنبي صلى ال عليه وسلم وأمته على جهة التوقيف والتعجيب‪.‬‬

‫( ‪)1/302‬‬

‫{ ُقلِ الّلهُمّ مَاِلكَ ا ْلمُ ْلكِ ُتؤْتِي ا ْلمُ ْلكَ مَنْ تَشَا ُء وَتَنْ ِزعُ ا ْلمُ ْلكَ ِممّنْ َتشَا ُء وَ ُتعِزّ مَنْ تَشَاءُ وَتُ ِذلّ مَنْ َتشَاءُ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ(‪ )26‬تُولِجُ اللّ ْيلَ فِي ال ّنهَا ِر وَتُولِجُ ال ّنهَارَ فِي اللّ ْيلِ وَتُخْرِجُ‬
‫بِيَ ِدكَ ا ْلخَيْرُ إِ ّنكَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫حسَابٍ(‪})27‬‬
‫ي وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ ِبغَيْرِ ِ‬
‫حّ‬‫ت وَتُخْرِجُ ا ْلمَ ّيتَ مِنَ ا ْل َ‬
‫حيّ مِنَ ا ْلمَ ّي ِ‬
‫الْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{الّل ُهمّ} ‪ :‬يا ال حذف حرف النداء "يا" وعوض عنه الميم المشددة وهو خاص بنداء ال تعالى‪.‬‬
‫{مَاِلكَ} ‪ :‬المالك‪ :‬الحاكم المتصرف يفعل في الملك ما يشاء ويحكم ما يريد لعظم سلطانه وقوة‬
‫إرادته‪.‬‬
‫{ا ْلمُ ْلكَ} ‪ :‬المملوك‪ :‬والمقصود به ما سوى المالك عز وجل‪ ،‬من سائر الكائنات‪.‬‬
‫{ ُتؤْتِي ا ْلمُ ْلكَ} ‪ :‬السلطان والتصرف في بعض الملكوت‪.‬‬
‫{تُولِجُ اللّ ْيلَ فِي ال ّنهَارِ} ‪ :‬تدخل الليل في النهار فل يبقى ليل‪ ،‬و تولج النهار في الليل فل يبقى‬
‫نهار‪.‬‬
‫حيّ مِنَ ا ْلمَ ّيتِ} ‪ :‬أي تخرج جسما حيا من جسم ميت في المحسوسات؛ كالدجاجة من‬
‫{وَتُخْرِجُ الْ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫البيضة‪ ،‬والبيضة من الدجاجة‪ ،‬ومن المعنويات تخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن‪.‬‬
‫{ ِبغَيْرِ حِسَابٍ‪ : }1‬بغير عدد ول حد لواسع فضله وغناه عما سواه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الرزق هو كل ما ينتفع به النسان فيطلق على الطعام على اختلفه من حب وتمر ولحم وعلى‬
‫كل ما يحتاج إليه النسان في حفظ دنيته صالحة للعبادة‪.‬‬

‫( ‪)1/303‬‬

‫معنى اليتين‪:‬‬
‫من المناسبات التي قيلت في نزول هاتين اليتين‪ :‬أن الرسول صلى ال عليه وسلم لما أخبر‬
‫أصحابه أن ملك أمته سيبلغ كذا وكذا في أحاديث صحاح سخر اليهود والمنافقون من إخبار‬
‫الرسول بذلك مستبعدين له غاية البعد لجهلهم وكفرهم فأنزل ال تعالى هاتين اليتين ضمن الرد‬
‫على نصارى نجران فأمره أن يقول‪{ :‬الّلهُمّ‪ 1‬مَاِلكَ ا ْلمُ ْلكِ ُتؤْتِي ا ْلمُ ْلكَ مَنْ تَشَاءُ‪ }...‬إلخ‪ ..‬أمره أن‬
‫يقول ذلك ليعطيه ما وعده بن من اتساع ملك أمته حتى تشمل ملك فارس والروم‪ ،‬وليرد على‬
‫ضلل النصارى في تأليه عيسى عليه السلم‪ ،‬إذ المعبود بحق المستحق للعبادة والتأليه دون سواه‬
‫من هو مالك الملك كله‪ ،‬ويتصرف فيه وحده يؤتي منه ما يشاء لمن يشاء‪ ،‬وينزع عمن أعطاهم‬
‫ما شاء ومتى شاء ل يحول دون تصرفه حائل‪ ،‬ول يقف دون إعطائه أو نزعه واقف‪ .‬يعز الذليل‬
‫متى شاء ويذل العزيز متى شاء‪ ،‬بيده الخير ‪ 2‬ل بيد غيره يُفيضه على من يشاء‪ ،‬ويمنعه عمن‬
‫يشاء وهو على كل شيء قدير‪ .‬يولج النهار في الليل فل يبقى نهار‪ ،‬ويولج الليل في النهار فل‬
‫يبقى ليل‪ ،‬مظهر من مظاهر القدرة الموجبة للوهيته وطاعته ومحبته‪ ،‬ويدخل ساعات من الليل‬
‫في النهار فيقصر الليل ويطول النهار‪ ،‬ويدخل ساعت من النهار في الليل فيطول‪ ،‬مظهر من‬
‫مظاهر الحكمة والقدرة والرحمة‪ ،‬يخرج الحي من الميت؛ النسان من النطفة‪ ،‬والنبتة من الحبة‪.‬‬
‫ويخرج الميت من الحي؛ النطفة من النسان الحي‪ ،‬والبيضة من الدجاجة‪ ،‬والكافر من المؤمن‬
‫الحي‪ ،‬والعكس كذلك‪ ،‬هذه مظاهر ربوبيته المستلزمة للوهيته تفرر أنه الله الحق‪ ،‬ل رب غيره‬
‫ول إله سواه‪ ،‬وبذلك تأكد أمران‪ :‬الول‪ :‬أن ال قادر على إعطاء رسوله ما وعده لمته‪ ،‬وقد‬
‫فعل‪ .‬والثاني‪ :‬أن عيسى لم يكن إل عبدا مربوبا ل بالعبودية وشرفه بالرسالة وأيده‪ ،‬بالمعجزات‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬فضل الدعاء ‪ 3‬بهاتين اليتين بأن يقرأهما العبد ثم يقول‪" :‬رحمن الدنيا والخرة ورحيمهما‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ذكر القرطبي‪ :‬أن النضر بن شميل‪ ،‬قال‪ :‬من قال اللهم فقد دعا ال تعالى بجميع أسماؤه كلها‪،‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقال الحسن البصري‪" :‬اللهم‪ :‬تجمع الدعاء"‪.‬‬
‫‪ 2‬والشر بيده أيضا‪ ،‬وحذف للتطلب المقام ذلك نحو‪{ :‬سَرَابِيلَ َتقِيكُمُ الْحَرّ} أي‪ :‬والبرد‪.‬‬
‫‪ 3‬أخرج أبو نعيم في الحلية أن معاذا حبس يوما عن صلة الجمعة مع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فسأله عما حبسه فقال‪ :‬كان على دين=‬

‫( ‪)1/304‬‬

‫تعطي منهما من تشاء‪ ،‬وتمنع من تشاء اقض عني الدين‪ ،‬فإنه يقضى بإذن ال تعالى ويعطى إن‬
‫سأل حاجة له من حوائج الدنيا والخرة‪.‬‬
‫‪ -2‬استجابة ال تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم وإنجازه ‪ 1‬ما وعده في أمته‪.‬‬
‫‪ -3‬بطلن ألوهية عيسى عليه السلم وثبوت عبوديته ورسالته وكرامته‪.‬‬
‫شيْءٍ إِل‬
‫خذِ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ ا ْلكَافِرِينَ َأوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ َومَنْ َي ْف َعلْ ذَِلكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي َ‬
‫{ل يَتّ ِ‬
‫خفُوا مَا فِي صُدُو ِركُمْ َأوْ‬
‫حذّ ُركُمُ اللّهُ َنفْسَ ُه وَإِلَى اللّهِ ا ْل َمصِيرُ(‪ُ )28‬قلْ إِنْ ُت ْ‬
‫أَنْ تَ ّتقُوا مِ ْنهُمْ ُتقَاةً وَيُ َ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ(‪َ )29‬يوْمَ تَجِدُ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الَ ْرضِ وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫تُبْدُوهُ َيعَْلمْهُ اللّ ُه وَ َيعْلَمُ مَا فِي ال ّ‬
‫عمَِلتْ مِنْ سُوءٍ َتوَدّ َلوْ أَنّ بَيْ َنهَا وَبَيْنَهُ َأمَدا َبعِيدا‬
‫حضَرا َومَا َ‬
‫عمَِلتْ مِنْ خَيْرٍ مُ ْ‬
‫ُكلّ َنفْسٍ مَا َ‬
‫س ُه وَاللّهُ َرؤُوفٌ بِا ْلعِبَادِ(‪})30‬‬
‫وَيُحَذّ ُر ُكمُ اللّهُ َنفْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫خذِ} ‪ :‬ل يجعل‪.‬‬
‫{ل يَتّ ِ‬
‫{َأوْلِيَاءَ} ‪ :‬جمع ولي يتولونهم بالنصر والمحبة والتأييد‪.‬‬
‫شيْءٍ‪ : }2‬أي‪ :‬بريء ال تعالى منه‪ ،‬ومن برئ ال منه هلك‪.‬‬
‫{فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي َ‬
‫__________‬
‫= ليحنا اليهودي‪ ،‬فوقف عند بابي يرصدني‪ ،‬فقال له النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬أتحب أن يقضي‬
‫حسَابٍ} ثم‬
‫عنك ربك؟" قال‪ :‬قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬اقرأ كل يوم { ُقلِ الّل ُهمّ مَاِلكَ ا ْلمُ ْلكِ} إلى قوله‪ِ { :‬بغَيْرِ ِ‬
‫قل‪ :‬رحمن الدنيا والخرة ورحيمهما تعطي منها من تشاء وتمنع من تشاء‪ ،‬اقضي عني ديني‪ .‬فلو‬
‫كان عليك ملء الرض ذهبا لداها عنك" ‪.‬‬
‫‪ 1‬إذ لم يقبض الرسول صلى ال عليه وسلم حتى دانت الجزيرة كلها بالسلم ولم يمضي ربع‬
‫قرن حتى بلغ ملك أمته من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق‪ ،‬ومن جملة ذلك دولة فارس والروم‪.‬‬
‫شيْءٍ}‬
‫‪ 2‬هذا نحو‪{ :‬واسئل القرية} أي‪ :‬أهل القرية على حذف مضاف كذلك‪{ :‬فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي َ‬
‫أي‪ :‬ليس في ولية ال وحزبه في شيء‪.‬‬

‫( ‪)1/305‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ ُتقَاةً‪ : }1‬وقاية باللسان وهما الكلمة الملينة للجانب‪ ،‬المبعدة للبغضاء‪.‬‬
‫حضَرا} ‪ :‬حاضرا يوم القيامة‪.‬‬
‫{مُ ْ‬
‫{َأمَدا َبعِيدا} ‪ :‬مدى وغاية بعيدة‪.‬‬
‫حذّ ُركُمُ اللّهُ َنفْسَهُ} ‪ :‬أي‪ :‬يخوفكم عقابه إن عصيتموه‪.‬‬
‫{وَيُ َ‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ينهى تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذهم الكافرين أولياء من دون المؤمنين‪ ،‬أي‪ :‬أعوانا وأنصارا‬
‫يبادلونهم المحبة والمناصرة على إخوانهم المؤمنين‪ ،‬وأعلمهم تعالى أن من يفعل ذلك فقد برئ ال‬
‫تعالى منه‪ ،‬وذلك لكفره وردته‪ ،‬حيث والى أعداء ال وعادى أولياءه‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬ل يَتّخِذِ‬
‫شيْءٍ} أي‪ :‬برئ‬
‫ن َومَنْ َي ْفعَلْ ذَِلكَ فَلَ ْيسَ مِنَ اللّهِ فِي َ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنُونَ ا ْلكَافِرِينَ َأوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ‪ 2‬ا ْل ُمؤْمِنِي َ‬
‫ال تعالى منه وانقطعت صلته وانبت حبل الولية بينه وبين ال تعالى‪ ،‬ويا هلكه‪ ،‬ثم رخص‬
‫تعالى للمؤمنين المستضعفين الذين يعيشون تحت سلطان الكافرين في أن يعطوهم حلوة لسانهم‬
‫دون قلوبهم وأعمالهم ‪ 3‬فيتقون بذلك شرهم وأذاهم‪ ،‬وذلك بكلمة المصانعة والمجاملة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫{إِل أَنْ تَ ّتقُوا مِ ْنهُمْ ُتقَاة‪ }...‬ولما كان أمر البراء والولء ذا خطر عظيم‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وَ ُيحَذّ ُركُمُ اللّهُ‬
‫َنفْسَهُ} أي‪ :‬في أن تتخذوا أعداءه أولياء ضد أوليائه وأخبرهم أن المصير إليه ل إلى غيره فليحذر‬
‫العصاة من وقوفهم بين يدي ال‪ ،‬فقال‪{ :‬وَإِلَى اللّهِ ا ْل َمصِيرُ}‪.‬‬
‫هذا ما تمضنته الية الولى(‪ ،)28‬وأما الية الثانية(‪ )29‬فقد أمر تعالى رسوله صلى ال عليه‬
‫خفُوا مَا فِي صُدُو ِركُمْ‪ }...‬من حب أو بغض‪ ،‬من‬
‫وسلم أن يقول للناس مؤمنهم وكافرهم {‪ ...‬إِنْ تُ ْ‬
‫رضى أو سخط فل تنطقوا به ول تظهروه بحال من الحوال‪ ،‬أو أن تظهروه بقول أو عمل أو‬
‫حال فإنه تعالى يعلمه ويعلم ما في السموات والرض‪ ،‬ويحاسب به ويجزي عليه وهو‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال ابن عباس‪" :‬التقاة هي‪ :‬أن يتكلم بلسانه وقلبه مطمئن باليمان‪ ،‬ول يقتل ول يأتي مأثما‪،‬‬
‫وقرئ‪{ :‬إل أن تتقوا منهم تقية} ‪ ،‬وقالوا في التقية‪ :‬أن يكون المؤمن في دار الكفار قائما بينهم فله‬
‫أن يداريهم بلسانه إذا كان خائفا على نفسه وقلبه مطمئن باليمان‪ .‬وأصل تقاة‪ :‬وقي على وزن‬
‫فعلة‪ ،‬كتؤدة‪ ،‬فقلبت الواو تاء وقلبت الياء ألفا فصارت تقاة‪.‬‬
‫‪{ 2‬مِنْ دُونِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} ‪ ،‬حرف الجر‪{ :‬من} لتأكيد الظرفية‪ ،‬وهو تقييد للنهي في الظاهر فيكون‬
‫المنهى عنه اتخاذ الكافرين أولياء دون المؤمنين‪ ،‬وهو المراد من الية‪ ،‬ولذلك صور منها‪ :‬أن‬
‫يتخذ المسلم أو المسلمون جماعة الكفر أولياء لهم ميلً إلى كفرهم ومناوئة للمسلمين وهذه كفر بل‬
‫خلف‪ ،‬ومنها أن يوالي الكفار لجل الضرار بالمسلمين‪ ،‬وهذه كالولى‪ ،‬ومنها‪ :‬ما أذن فيها‪،‬‬
‫وهي التقية‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 3‬روى البخاري أن النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬إنا لنكشر في أقوام وقلوبنا تلعنهم" يريد‬
‫المنافقين‪ .‬والتكشير‪ :‬كالبتسام إل أنه متكلف فيه‪.‬‬

‫( ‪)1/306‬‬

‫على كل شيء قدير‪ .‬أل فليراقب ال العاقل وليتقه‪ ،‬فل يقدم على معاصيه‪ ،‬وخاصة موالة أعدائه‬
‫جدُ ُكلّ َنفْسٍ ‪ }...‬ففيها يذكر تعالى عباده بيوم القيامة‬
‫على أوليائه‪ .‬وأما الية الثالثة(‪َ { )30‬يوْمَ تَ ِ‬
‫ليقصروا عن الشر ويرعووا من الظلم والفساد فيقول أذكروا يوم تجد كل نفس ما عملت من خير‬
‫محضرا‪ ،‬أي‪ :‬حاضرا تجزى به‪ ،‬وما عملت من سوء وشر حاضرا أيضا ويسوءها مرآة فتود‬
‫بكل قلبها لو أن بينها وبينه غاية من المسافة ل تدرك وينهي تعالى تذكيره وإرشاده سبحانه‬
‫حذّ ُركُمُ اللّهُ َنفْسَهُ} مؤكدا التحذير الول به‪ ،‬ويختم الية بقوله‪{ :‬وَاللّهُ َرؤُوفٌ‬
‫وتعالى بقوله‪{ :‬وَيُ َ‬
‫بِا ْلعِبَادِ} ‪ ،‬ونعم ما ختم به إذ لوله لطارت قلوب العالمين فزعا وخوفا فذو الرأفة بعباده ول يوأس‬
‫من رحمته‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة موالة الكافرين ‪ 1‬مطلقا‪.‬‬
‫‪ -2‬موالة الكافرين على المؤمنين ردة وكفر وبراءة من ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -3‬جواز التقية في حال ضعف المؤمنين وقوة الكافرين ‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب الحذر من عذاب ال تعالى وذلك بطاعته تعالى‪.‬‬
‫‪ -5‬خطورة الموقف يوم القيامة ووجوب الستعداد له باليمان والتقوى‪.‬‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ(‪ُ )31‬قلْ َأطِيعُوا‬
‫{ ُقلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ فَاتّ ِبعُونِي يُحْبِ ْب ُكمُ اللّ ُه وَ َي ْغفِرْ َلكُمْ ذُنُو َبكُمْ وَاللّهُ َ‬
‫حبّ ا ْلكَافِرِينَ(‪})32‬‬
‫اللّ َه وَالرّسُولَ فَإِنْ َتوَّلوْا فَإِنّ اللّ َه ل ُي ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ ُتحِبّونَ اللّهَ} ‪ :‬لكمال ذاته وإنعامه عليكم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬وإن لم يكن فيها ضرر للمسلمين‪ ،‬وما أذن فيه للتقية فإنه مؤقت ول يجوز الستمرار فيه‬
‫إل حال العجز عن الهجرة خشية أن يولد للمسلم أولد فيوالون الكافرين‪ ،‬وهم ل يعلمون أن ما‬
‫كان عليه آباؤهم كان تقية لغير‪.‬‬

‫( ‪)1/307‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ ُيحْبِ ْبكُمُ اللّهُ} ‪ :‬لطاعتكم إياه وطهارة أرواحكم بتقواه‪.‬‬
‫{وَ َي ْغفِرْ َل ُكمْ ذُنُو َبكُمْ} ‪ :‬يسترها عليكم ول يؤاخذكم بها‪.‬‬
‫{فَإِنْ َتوَّلوْا} ‪ :‬أعرضوا عن اليمان والطاعة‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫لما ادعى وفد نصارى نجران أن تعظيمهم المسيح وتقديسهم له ولمه إنما هو من باب طلب حب‬
‫‪ 1‬ال تعالى بحب ما يحب وتعظيم ما يعظم‪ ،‬أمر ال تعالى رسوله محمد صلى ال عليه وسلم في‬
‫هذه الية أن يقول لهم‪ :‬إن كنتم تحبون ال تعالى ليحبكم فاتبعوني على ما جئت به من التوحيد‬
‫والعبادة يحببكم ال تعالى‪ ،‬ويغفر لكم ذنوبكم أيضا وهو الغفور الرحيم‪ .‬وبهذا أبطل دعواهم في‬
‫أنهم ما ألهوا المسيح عليه السلم إل طلبا لحب ال تعالى والحصول عليه‪ .‬وأرشدهم إلى أمثل‬
‫طريق على حب ‪ 2‬ال تعالى وهو متابعة الرسول على ما جاء به من اليمان والتوحيد والعبادة‬
‫المزكية بالروح المورثة لحب ال تعالى وهذا ما تضمنته الية الولى(‪ ،)31‬وأما الية الثانية(‪)32‬‬
‫فقد أمر تعالى رسوله أن يأمر وفد نصارى نجران وغيرهم من أهل الكتاب والمشركين بطاعته‬
‫وطاعة رسوله إذ هما طريق الكمال والسعاد في الدنيا والخرة‪ .‬فإن أبوا وأعرضوا أو تولوا فقد‬
‫باءوا بغضب ال وسخطه عليهم؛ لنهم كافرون وال ل يحب الكافرين هذا معنى قوله تعالى‪ُ { :‬قلْ‬
‫حبّ ا ْلكَافِرِينَ} ‪.‬‬
‫أَطِيعُوا اللّ َه وَالرّسُولَ فَإِنْ َتوَلّوْا فَإِنّ اللّهَ ل يُ ِ‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬محبة العبد للرب تعالى واجب وإيمان لقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬أحبوا ال تعالى‬
‫لما يغذوكم به من النعم وأحبوني بحب ‪ 3‬ال تعالى" ‪ ،‬وقوله صلى ال عليه وسلم‪ " :‬ل يؤمن‬
‫أحدكم حتى يكون ال ورسوله‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الحب‪ :‬المحبة‪ ،‬والحب بالكسر‪ :‬كالحب‪ ،‬والحب أيضا‪ :‬المحبوب‪ ،‬ومنه الثر‪ :‬أسامة حب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وابن حبه‪ :‬أي‪ :‬زيد مولى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وورد‬
‫حبه يحب ولم يأت اسم الفاعل منه‪ :‬حاب كما لم يأت اسم المفعول من أحب محب وإنما أتى‬
‫محبوب‪.‬‬
‫‪ 2‬روى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬أن ال إذا أحب عبدا دعا‬
‫جبريل فقال‪ :‬إني أحب فلنا فأحبه‪ .‬قال‪ :‬فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول‪ :‬إن ال يحب‬
‫فلنا فأحبوه‪ .‬فيحبه أهل السماء ‪ ،‬قال‪ :‬ثم يوضع له القبول في الرض‪ ،‬وإذا أبغض عبدا دعا‬
‫جبريل فيقول‪ :‬إني أبغض فلنا فأبغضه‪ .‬قال‪ :‬فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن ال‬
‫يبغض فلنا فأبغضوه‪ .‬قال‪ :‬فيبغضونه‪ ،‬ثم توضع له البغضاء في الرض" ‪.‬‬
‫‪ 3‬الحب‪ :‬الميل إلى ما في إدراكه لذة روحية؛ كحب ال ورسوله وحب ما يحب ال ورسوله‪،‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ويستلزم الحب طاعة المحبوب‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫تعصي الله وأنت تظهر حبه ‪ ...‬هذا لعمري في القياس بديع‬
‫لو كان حبك صادقا لعطته ‪...‬‬
‫إن المحب لمن يحب مطيع‬

‫( ‪)1/308‬‬

‫أحب إليه مما سواهما"‪.‬‬


‫‪ -2‬محبة ال تعالى للعبد هي غاية ما يسعى إليه أولوا العلم في الحياة‪.‬‬
‫‪ -3‬طريق الحصول على محبة ال تعالى للعبد هو اتباع النبي محمد صلى ال عليه وسلم باليمان‬
‫بما جاء به واتباع شرعه وطاعته في المنشط والمكره‪ ،‬للية‪ُ { :‬قلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ فَاتّ ِبعُونِي‬
‫يُحْبِ ْبكُمُ اللّهُ} إذ ليس الشأن أن يحُب العبد‪ ،‬وإنما الشأن أن يُحبّ!‪.‬‬
‫‪ -4‬دعوى محبة ال ورسوله مع مخالفة أمرهما ونهيهما دعوى باطلة وصاحبها خاسر ل محالة‪.‬‬
‫ضهَا مِنْ‬
‫عمْرَانَ عَلَى ا ْلعَاَلمِينَ(‪ )33‬ذُرّيّةً َب ْع ُ‬
‫طفَى آدَمَ‪ 1‬وَنُوحا وَآلَ إِبْرَاهِي َم وَآلَ ِ‬
‫صَ‬‫{ إِنّ اللّهَ ا ْ‬
‫عمْرَانَ َربّ إِنّي نَذَ ْرتُ َلكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّرا فَ َتقَبّلْ‬
‫علِيمٌ(‪ )34‬إِذْ قَاَلتِ امْرََأتُ ِ‬
‫سمِيعٌ َ‬
‫َب ْعضٍ وَاللّهُ َ‬
‫ض َعتْ‬
‫ضعْ ُتهَا أُنْثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ ِبمَا َو َ‬
‫ضعَ ْتهَا قَاَلتْ َربّ إِنّي َو َ‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ(‪ )35‬فََلمّا َو َ‬
‫مِنّي إِ ّنكَ أَ ْنتَ ال ّ‬
‫ك وَذُرّيّ َتهَا مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ(‪ )36‬فَ َتقَبَّلهَا‬
‫سمّيْ ُتهَا مَرْيَمَ وَإِنّي أُعِيذُهَا ِب َ‬
‫وَلَيْسَ ال ّذكَرُ كَالُنْثَى وَإِنّي َ‬
‫ب وَجَدَ عِنْدَهَا‬
‫خلَ عَلَ ْيهَا َزكَرِيّا ا ْلمِحْرَا َ‬
‫ن وَأَنْبَ َتهَا نَبَاتا حَسَنا َوكَفَّلهَا َزكَرِيّا كُّلمَا َد َ‬
‫حسَ ٍ‬
‫رَ ّبهَا ِبقَبُولٍ َ‬
‫حسَابٍ(‪})37‬‬
‫رِزْقا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنّى َلكِ َهذَا قَاَلتْ ُهوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ إِنّ اللّهَ يَرْ ُزقُ مَنْ يَشَاءُ ِبغَيْرِ ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫طفَى آدَمَ} ‪ :‬اختار وآدم هو أبو البشر عليه السلم‪.‬‬
‫{اصْ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اصطفاء آدم كان بالوحي إليه وبإكرام له بأن خلقه بيديه ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملئكته‬
‫واصطفاء نوح بإرساله وجعله أبا للبشر بعد الطوفان‪ ،‬وبإطالة عمره وأهلك الظالمين بدعوته‪،‬‬
‫وآل إبراهيم بأن جعل النبوة بعد إبراهيم فيهم وختمهم بمحمد صلى ال عليه وسلم فخرهم وسيد‬
‫أولهم وآخرهم‪ .‬واصطفى آل عمران ومنهم‪ :‬حنا ومريم‪ ،‬وعيسى اصطفاهم بكلمات لم تكن لحد‬
‫في أيامهم سواهم‪.‬‬

‫( ‪)1/309‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{َآلَ إِبْرَاهِيمَ} ‪ :‬آل الرجل‪ :‬أهله واتباعه على دينه الحق‪.‬‬
‫عمْرَانَ} ‪ :‬رجل صالح من صلحاء بني إسرائيل في عهدهم الخير‪ :‬هو زوج حنة وأبو مريم‬
‫{ِ‬
‫عليهم السلم‪.‬‬
‫{ا ْلعَاَلمِينَ} ‪ :‬هم الناس المعاصرون لهم‪.‬‬
‫عمْرَانَ} ‪ :‬حنة ‪.1‬‬
‫امْرََأتُ ِ‬
‫{ َنذَ ْرتُ َلكَ مَا فِي َبطْنِي} ‪ :‬ألزمت نفسها أن تجعله ل يعبده ويخدم بيته الذي هو بيت المقدس‪.‬‬
‫{مُحَرّرا‪ : }2‬خالصا ل شركة فيه لحد غير ال بحيث ل تنتفع به أبدا‪.‬‬
‫{مَرْيَمَ} ‪ :‬خادمة الرب تعالى‪.‬‬
‫{إِنّي أُعِي ُذهَا} ‪ :‬أحصنها وأحفظها بجنابك من الشيطان‪.‬‬
‫{ َو َكفَّلهَا َزكَرِيّا} ‪ :‬زكريا أبو يحي عليهما السلم وكانت امرأته أختا لحنة‪.‬‬
‫{ا ْل ِمحْرَابَ} ‪ :‬مقصورة ملصقة للمسجد‪.‬‬
‫{أَنّى َلكِ َهذَا}؟ ‪ :‬من أين لك هذا‪ ،‬أي من أين جاءك‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما ادعى نصارى وفد نجران ما ادعوه في المسيح عليه السلم من تأليهه وتأليه أمه أنزل ال‬
‫تعالى هذه اليات يبين فيها مبدأ أمر عيسى وأمه وحقيقة أمرهما فأخبر تعالى أنه اصطفى آدم‬
‫ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران اصطفاهم لدينه واختارهم لعبادته ففضلهم بذلك على الناس وأخبر‬
‫أنهم ذرية ‪ 3‬بعضهم من بعض لم تختلف عقائدهم‪ ،‬ولم تتباين فضائلهم وكمالتهم الروحية‪ ،‬وذلك‬
‫لحفظ ال تعالى لهم وعنايته بهم‪ .‬وأخبر تعالى أنه سميع عليم‪ ،‬أي سميع لقول امرأة عمران عليم‬
‫بحالها لما قالت‪َ ...{ :‬ربّ إِنّي َنذَ ْرتُ َلكَ مَا فِي َبطْنِي ُمحَرّرا‪ }..‬وذلك أنها كانت ل تلد‪ ،‬فرأت‬
‫في حديقة منزلها طائرا يطعم أفراخه فحنت إلى الولد وسألت ربها أن يرزقها ولدا وتجعله له‬
‫يعبده ويخدم بيته‪ ،‬فاستجاب ال تعالى لها فحملت ومات زوجها وهي‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هي حنة بنت ماقودة‪ ،‬مات زوجها وهي حبلى‪.‬‬
‫‪ 2‬أي خالصا لعبادة ال ل تبقي بها أنسا لها ول خدمة‪.‬‬
‫‪ 3‬ذرية‪ :‬منصوب على الحال في الية الكريمة‪ ،‬ولفظ ذرية يطلق على الواحد‪ ،‬وعلى الجمع‪،‬‬
‫ويطلق على الولد والوالد‪ ،‬وهو مشتق من الذرء الذي هو الخلق‪ ،‬فذرأ بمعنى خلق‪.‬‬

‫( ‪)1/310‬‬

‫عمْرَانَ َربّ إِنّي َنذَ ْرتُ‪َ 1‬لكَ مَا‬


‫حبلى‪ ،‬وقالت ما قص ال تعالى عنها في قوله‪ِ{ :‬إذْ قَاَلتِ امْرََأتُ ِ‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ} ‪ ،‬وحان وقت الولدة فولدت ولكن أنثى ل‬
‫فِي َبطْنِي مُحَرّرا فَ َتقَ ّبلْ مِنّي إِ ّنكَ أَ ْنتَ ال ّ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ضعَتْ} وكيف ل يعلم وهو‬
‫ضعْتُهَا أُنْثَى وَاللّهُ أَعَْلمُ ِبمَا َو َ‬
‫ذكرا فتحسرت لذلك‪ ،‬وقالت‪َ { :‬ربّ إِنّي َو َ‬
‫الخلق العليم‪ .‬وقالت‪ ..{ :‬وَلَيْسَ ال ّذكَرُ كَالُنْثَى‪ }..‬في باب الخدمة في بيت المقدس‪ ،‬فلذا هي آسفة‬
‫جدا‪ ،‬وأسمت مولودتها‪ :‬مريم‪ ،‬أي خادمة ال‪ ،‬وسألت ربها أن يحفظها وذريتها من الشيطان‬
‫الرجيم‪ ،‬واستجاب ال تعالى لها‪ ،‬فحفظها وحفظ ‪ 2‬ولدها عيسى عليه السلم‪ ،‬فلم يقربه شيطان‬
‫قط‪ .‬وتقبل ‪ 3‬ال تعالى ما نذرته له وهو مريم‪ ،‬فأنبتها نباتا حسنا فكانت تنمو نماء عجيبا على‬
‫خلف ا لمواليد‪ ،‬وكفلها زكريا فتربت في بيت خالتها وذلك أن حنة لما وضعتها أرضعتها ولفتها‬
‫في قماطها وبعثت بها إلى صلحاء بني إسرائيل يسندونها إلى من يرون تربيتها في بيته‪ ،‬لن أمها‬
‫نذرتها ل تعالى‪ ،‬فل يصح منها أن تبقيها في بيتها ووالدها مات أيضا‪ ،‬فأحب كل واحد أن يكفلها‬
‫فكفلها زكريا وأصبحت في بيت خالتها ‪ 4‬بتدبير ال تعالى لها‪ ،‬ولما كبرت أدخلها المحراب لتتعبد‬
‫فيه‪ ،‬وكان يأتيها بطعامها‪ ،‬فيجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء‪ ،‬وفاكهة الشتاء في الصيف‪،‬‬
‫فيعجب لذلك ويسألها قائلً‪{ :‬يَا مَرْيَمُ أَنّى َلكِ هَذَا} ؟ فتجيبه قائلة‪ُ { :‬هوَ مِنْ عِنْدِ‪ 5‬اللّهِ} وتعلل لذلك‬
‫فتقول‪{ :‬إِنّ اللّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ ِبغَيْرِ حِسَابٍ} ‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان إفضال ال تعالى وإنعامه على من يشاء‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان أن عيسى عليه السلم ليس بابن ال ول هو ال‪ ،‬ول ثالث ثلثة‪ ،‬بل هو عبد ال ورسوله‬
‫أمه مريم‪ ،‬وجدته حنة‪ ،‬وجده عمران‪ ،‬من بيت شرف وصلح في بني إسرائيل‪.‬‬
‫‪ -3‬استجابة ال تعالى لدعاء أولياؤه كما استجاب لحنة ورزقها الولد وأعاذ بنتها وولدها من‬
‫الشيطان الرجيم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬جريا على سنتهم في نذر أولدهم الذكور لخدمة بيت المقدس‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬ما من مولود يولد إل‬
‫نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان إل ابن مريم وأمه‪ ،‬ثم قال أبو هريرة‪ :‬اقرأوا‬
‫إن شئتم‪{ :‬وَإِنّي أُعِيذُهَا ِبكَ وَذُرّيّ َتهَا مِنَ الشّ ْيطَانِ الرّجِيمِ}" ‪.‬‬
‫‪ 3‬أي‪ :‬رضيعها منها وقبلها كالشيء يهدى للكريم فيقبله ويثيب عليه‪.‬‬
‫‪ 4‬روى عن ابن عباس أن زكريا استأجر لها بئرا فأرضعتها حولين كاملين‪.‬‬
‫‪ 5‬تريد أنه يحصل لها بغير طريقة السباب المعروفة وإنما يوضع بين يديها كرامة لها وال هو‬
‫الرازق لها سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫( ‪)1/311‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -4‬مشروعية ‪ 1‬النذر ل تعالى وهو التزام المؤمن الطاعة تقربا إلى ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان فضل الذكر على النثى في باب النهوض بالعمال والواجبات‪.‬‬
‫‪ -6‬جواز التحسر والتأسف لما يفوت العبد من الخير الذي كان يأمله‪.‬‬
‫‪ -7‬ثبوت كرامات الولياء كما تم لمريم في محرابها‪.‬‬
‫‪ -8‬تقرير نبوة محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬إذ مثل هذه القصص ل يتأتى لمي أن يقصه إل أن‬
‫يكون رسولً يوحى إليه‪ .‬ولهذا ختمه بقوله‪{ :‬ذَِلكَ مِنْ أَنْبَاءِ ا ْلغَ ْيبِ نُوحِيهِ} ‪.‬‬
‫سمِيعُ الدّعَاءِ(‪ )38‬فَنَادَتْهُ‬
‫{هُنَاِلكَ دَعَا َزكَرِيّا رَبّهُ قَالَ َربّ َهبْ لِي مِنْ َلدُ ْنكَ ذُرّيّةً طَيّبَةً إِ ّنكَ َ‬
‫ا ْلمَل ِئكَ ُة وَ ُهوَ قَائِمٌ ُيصَلّي فِي ا ْلمِحْرَابِ أَنّ اللّهَ يُبَشّ ُركَ بِ َيحْيَى ُمصَدّقا ِبكَِلمَةٍ مِنَ اللّهِ وَسَيّدا‬
‫حصُورا وَنَبِيّا مِنَ الصّالِحِينَ(‪ )39‬قَالَ َربّ أَنّى َيكُونُ لِي غُل ٌم َوقَدْ بََلغَ ِنيَ ا ْلكِبَ ُر وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ‬
‫وَ َ‬
‫ج َعلْ لِي آ َيةً قَالَ آيَ ُتكَ أَل ُتكَلّمَ النّاسَ ثَلثَةَ أَيّامٍ إِل‬
‫قَالَ َكذَِلكَ اللّهُ َيفْ َعلُ مَا يَشَاءُ(‪ )40‬قَالَ َربّ ا ْ‬
‫ي وَالِ ْبكَارِ}‬
‫شّ‬‫َرمْزا وَا ْذكُرْ رَ ّبكَ كَثِيرا وَسَبّحْ بِا ْلعَ ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{هُنَاِلكَ} ‪ :‬ثم عندما ‪ 2‬رأى كرامة ال لمريم عليها السلم‪.‬‬
‫{ َزكَرِيّا} ‪ :‬أحد أنبياء بني إسرائيل ورسلهم‪.‬‬
‫{ َهبْ لِي} ‪ :‬أعطني‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ذكر القرطبي‪ :‬أن ولدا قال لمه‪ :‬يا أمة ذريني ل أتعبد له وأتعلم العلم له‪ .‬فقالت‪ :‬نعم‪ .‬فسار‬
‫يتعبد ويطلب العلم فلما كمل في علمه وحاله آتاها فطرق الباب‪ .‬فقالت‪ :‬من؟ فقال‪ :‬ابنك فلن‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬قد تركتك ل فل نعود فيك‪.‬‬
‫‪ 2‬أي‪ :‬في ذلك المكان‪ ،‬وهو المحراب‪ .‬تنبه إلى الدعاء لما شاهد من خوارق العادات فدعا طالبا‬
‫الولد فاستجاب ال تعالى له‪ ،‬ول يقال‪ :‬كيف يأخذ الرسول على من دونه ومن امرأة بالذات؟ فإن‬
‫الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها التقطها‪ ،‬وأهل الكمال من الناس يعتبرون دائما بما يرون‬
‫ويسمعون‪.‬‬

‫( ‪)1/312‬‬

‫{مِنْ َلدُ ْنكَ} ‪ :‬من عندك‪.‬‬


‫{ذُرّيّةً طَيّبَةً} ‪ :‬أولدا أطهارا صالحين‪.‬‬
‫{ ِبكَِلمَةٍ مِنَ اللّهِ} ‪ :‬هي‪ :‬عيسى عليه السلم؛ لنها كان بكلمة ال تعالى‪" :‬كن"‪.‬‬
‫حصُورا‪ : }2‬شريفا ذا علم وحلم‪ ،‬ول رغبة له في النساء لقلة مائه‪.‬‬
‫{وَسَيّدا‪َ 1‬و َ‬
‫{غُلمٌ} ‪ :‬ولد ذكر‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{عَاقِرٌ‪ : }3‬عقيم ل تلد لعقهما وعقرها‪.‬‬
‫{آيَةً} ‪ :‬علمة أستدل بها على بداية الحمل لشكر نعمتك‪.‬‬
‫{إِل َرمْزا} ‪ :‬إلى إشارة بالرأس أو باليد يفهم منها ما يفهم من الكلم‪.‬‬
‫{َالِ ْبكَارِ} ‪ :‬أول النهار‪ ،‬والعشي‪ :‬آخره‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما شاهد زكريا من كرامات ال لمريم أنها تؤتى بفاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في‬
‫الصيف‪ ،‬ذكر أن ال تعالى قد يعطي ما شاء لمن يشاء على غير نظام السنن الكونية‪ ،‬فكبر سنه‬
‫وعقم امرأته ل يمنعان أن يعطيه ال تعالى ولدا‪ ،‬فسأل ربه الولد فاستجاب ‪ 4‬له ربه فبشرته‬
‫الملئكة بالولد وهو قائم يصلي في محرابه قائلة‪ :‬أن ال يبشرك بولد اسمه يحي ‪ 5‬مصدقا بكلمة‬
‫من ال يريد أنه يصدق بعيسى بن مريم ويكون على نهجه‪ ،‬لن عيسى هو الكلمة إذا قال بقول‬
‫تعالى له‪" :‬كن" فكان‪ ،‬ووصفه بأنه سيد ذو علم وحلم وتقى وحصور ل يأتي ‪ 6‬النساء‪ ،‬ونبي من‬
‫الصالحين‪ ،‬فلما سمع البشارة من الملئكة جاءه الشيطان وقال له‪ :‬إن الذي سمعته من البشرى هو‬
‫من الشيطان ولو كان من الرحمن لوحاه إليك وحيا‪ ،‬وهنا أراد زكريا أن يتثبت من الخبر فقال‪{ :‬‬
‫َربّ أَنّى َيكُونُ لِي غُل ٌم َوقَدْ بََلغَ ِنيَ ا ْلكِبَ ُر وَامْرَأَتِي‬
‫__________‬
‫‪ 1‬السيد في عرف الشرع‪ :‬من يقوم بإصلح حال الناس في دنياهم وآخراهم معا‪ ،‬وشاهده قوله‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬أنا سيد ولد آدم ول فخر" وقوله في الحسن‪" :‬إن ابني هذا سيد" ‪.‬‬
‫‪ 2‬قال المفسرون في الحصور أقوالً كثيرة‪ :‬أمثلها أنه كان معصوما من الفواحش والقاذورات‪،‬‬
‫وغير مانعة ذلك من تزويج النساء الحلل وغشيانهم وإيلدهن‪ ،‬إذ يفهم من دعاء زكريا المتقدم‬
‫أنه يكون له أولد طيبون صالحون‪.‬‬
‫‪ 3‬مأخود من عقرت المرأة رحمها‪ ،‬أي‪ :‬قطعتها فلم تحبل ولم تلد‪ ،‬وهو وصف خاص بالنساء‪،‬‬
‫فلذا يقال‪ :‬عاقر ول يلبس‪ ،‬إذ ل يوجد في الرجال عاقر حتى يفرق بينهما بالتاء‪.‬‬
‫‪ 4‬الفاء في قوله تعالى‪{ :‬فَنَادَتْهُ ا ْلمَل ِئكَةُ} هي للترتيب‪ ،‬أي‪ :‬فور دعاؤه استجاب ال تعالى له‪،‬‬
‫وفيها معنى السببية أيضا‪ :‬أي‪ :‬بسبب دعاؤه أعطاه وال على ما يشاء قدير‪.‬‬
‫‪ 5‬يحي‪ :‬معرب يوحنا بالعبرانية نطق بها العرب على صيغة المضارع‪.‬‬
‫‪ 6‬هذا قول الجمهور وقد تقدم في النهر ما هو أمثل ما قيل في الحصور مراعاة لكمال النبياء‬
‫وعلو مقاماتهم‪.‬‬

‫( ‪)1/313‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عَاقِرٌ} فأوحى إليه‪ :‬أن هذا فعل ال وال يفعل ما يشاء‪ .‬وهنا قال زكريا‪ :‬رب اجعل لي آية يريد‬
‫علمة يستدل بها على وجود الحمل ليستقبل النعمة بالشكر فأجابه ربه قائلً‪{ :‬آيَ ُتكَ أَل ُتكَلّمَ النّاسَ‬
‫ثَلثَةَ أَيّامٍ} يريد أنك تصبح وأنت عاجز عن الكلم لمدة ثلثة أيام‪ ،‬فل تقدر أن تخاطب أحدا إل‬
‫بالشارة وهي الرمز فيفهم عنك‪ ،‬وأمره تعالى أن يقابل هذا النعام بالشكر التام فقال له‪{ :‬وَا ْذكُرْ‪1‬‬
‫رَ ّبكَ كَثِيرا وَسَبّحْ} يريد صل بالعشي آخر النهار والبكار أوله‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬العتبار بالغير‪ ،‬إذ زكريا دعا بالولد لما رأى كرامة ال تعالى لمريم‪.‬‬
‫‪ -2‬مشروعية الدعاء وكونه سرا أقرب إلى الجابة‪ ،‬وكونه في الصلة كذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬جواز تلبيس إبليس على المؤمن‪ ،‬ولكن ال تعالى يذهب كيده ووسوسته‪.‬‬
‫‪ -4‬جواز سؤال الولد الصالح‪.‬‬
‫‪ -5‬كرامات ال تعالى لولياؤه –استجابة دعاؤهم‪.‬‬
‫‪ -6‬فضل الكثار من الذكر‪ ،‬وفضيلة صلتي الصبح والعصر وفي الحديث‪" :‬من صلى البردين‬
‫دخل الجنة" ‪.‬‬
‫علَى ِنسَاءِ ا ْلعَاَلمِينَ(‪ )42‬يَا مَرْيَمُ‬
‫طفَاكِ َ‬
‫ك وَاصْ َ‬
‫طهّ َر ِ‬
‫ك وَ َ‬
‫طفَا ِ‬
‫{وَإِذْ قَاَلتِ ا ْلمَل ِئكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنّ اللّهَ اصْ َ‬
‫جدِي وَا ْركَعِي مَعَ الرّا ِكعِينَ(‪ )43‬ذَِلكَ مِنْ أَنْبَاءِ ا ْلغَ ْيبِ نُوحِيهِ ِإلَ ْيكَ َومَا كُ ْنتَ لَدَ ْي ِهمْ‬
‫اقْنُتِي لِرَ ّبكِ وَاسْ ُ‬
‫صمُونَ(‪})44‬‬
‫إِذْ يُ ْلقُونَ َأقْل َمهُمْ أَ ّيهُمْ َي ْك ُفلُ مَرْيَ َم َومَا كُ ْنتَ َلدَ ْيهِمْ ِإذْ يَخْ َت ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى عن كعب القرظي قوله‪ :‬لو رخص لحد في ترك الذكر لرخص لزكريا إذ جعل له آية‬
‫الولد له أل يكلم الناس ثلثة أيام إلرمزا‪ ،‬ولم يعفه من الذكر بل أمره بقوله‪{ :‬وَا ْذكُرْ رَ ّبكَ كَثِيرا‬
‫ي وَالِ ْبكَارِ} ولرخص للرجل في الحرب‪ ،‬إ ذ قال تعالى‪{ :‬إِذَا َلقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَا ْذكُرُوا‬
‫شّ‬‫وَسَبّحْ بِا ْلعَ ِ‬
‫اللّهَ كَثِيرا}‪.‬‬

‫( ‪)1/314‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{وَإِذْ قَاَلتِ ا ْلمَل ِئكَةُ} ‪ :‬اذكر لوفد نصارى نجران ما قالت الملئكة فإن ذلك دليل على صحة‬
‫نبوتك‪ ،‬وصدقك في أمر التوحيد‪ ،‬وعدم ألوهية عيسى‪.‬‬
‫طفَاكِ} ‪ :‬اختارك لعبادته وحسن طاعته‪.‬‬
‫{اصْ َ‬
‫طهّ َركِ} ‪ :‬من الذنوب وسائر النقائص المخلة بالولية ل تعالى‪.‬‬
‫{وَ َ‬
‫طفَاكِ عَلَى ِنسَاءِ ا ْلعَاَلمِينَ‪ : }1‬أي فضلك على نساء العالمين بما أهلك له من كرامة ولدة‬
‫{وَاصْ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عيسى من غير أب‪.‬‬
‫{اقْنُتِي ‪ : }2‬أطيعي ربك وأقنتي له واخشعي‪.‬‬
‫{وَا ْر َكعِي مَعَ الرّا ِكعِينَ} ‪ :‬اشهدي صلة الجماعة في بيت المقدس‪.‬‬
‫{ذَِلكَ مِنْ أَنْبَاءِ ا ْلغَ ْيبِ} ‪ :‬أي ما ذكرت من قصة مريم وزكريا من أخبار الغيب‪.‬‬
‫{َلدَ ْيهِمْ} ‪ :‬عندهم وبينهم‪.‬‬
‫{ِإذْ يُ ْلقُونَ َأقْل َمهُمْ‪ : }3‬جمع قلم وهو ما يكتب به وإلقاءها لجل القتراع بها على كفالة مريم‪.‬‬
‫صمُونَ} ‪ :‬في شأن كفالة مريم عليها و عليهم السلم‪.‬‬
‫{ َيخْ َت ِ‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يقول تعالى لنبيه اذكر لوفد نجران الذين يحاجونك في ألوهية المسيح‪ ،‬إذ قالت الملئكة مخاطبة‬
‫مريم أم المسيح بما أهلها ال تعالى له وأكرمها به من اصطفاء ‪ 4‬ال تعالى لها لتكون من صالحي‬
‫عباده‪ ،‬وتطهيره إياها من سائر الذنوب والنقائص والعيوب مفضلً على نساء عالمها حيث برأها‬
‫وأكرمها وأظهر آية قدرته فيها فولدت عيسى بكلمة ال وليس على سنته‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قيل في سبب لقبها بالصدّيقة‪ ،‬أنها لم تسأل الية عندما بشرت بالولد كما سألها زكريا عليه‬
‫السلم‪ ،‬وأثنى عليها تعالى بقوله‪َ { :‬وصَ ّد َقتْ ِبكَِلمَاتِ رَ ّبهَا َوكُتُبِ ِه َوكَا َنتْ مِنَ ا ْلقَانِتِينَ} ‪.‬‬
‫‪ 2‬روى عن الوزاعي أنه قال‪ :‬لما أمر تعالى مريم بالقنوت قامت في الصلة حتى ورمت‬
‫قدماها‪ ،‬وسألت دما وقبحا‪.‬‬
‫‪ 3‬ألقوها في نهر الردن‪ ،‬وهو نهر جار وأفادت هذه الية مشروعية القرعة وأنها وإن كانت في‬
‫شرع من قبلنا إل أنها شرعت لنا على لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذ كان صلى ال‬
‫عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها وكذا حديث‪" :‬لو يعلم‬
‫الناس ما في النداء والصف الول ثم لم يجدوا إل أن يستهموا عليه لستهموا" ‪.‬‬
‫‪ 4‬اختلف في نبوة النساء‪ ،‬ورجح كثيرون نبوة مريم لخطاب الملئكة لها وإخبارهم باصطفاء ال‬
‫تعالى لها وهذا يرجح نبوتها‪ .‬أما الرسالة فل لن الرسالة تتطلب التصال بالرجال‪ ،‬وهذا بتنافى‬
‫مع كمال النساء وما خلقن له من الستر والحجاب‪.‬‬

‫( ‪)1/315‬‬

‫تعالى في تناسل البشر من ذكر وأنثى‪ ،‬وأمرها بمواصلة الطاعة والخبات والخشوع ل تعالى‬
‫طفَاكِ عَلَى نِسَاءِ ا ْلعَاَلمِينَ‪ ،‬يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَ ّبكِ‬
‫ك وَاصْ َ‬
‫طهّ َر ِ‬
‫ك وَ َ‬
‫طفَا ِ‬
‫فقال‪{ :‬يَا مَرْ َيمُ إِنّ اللّهَ اصْ َ‬
‫جدِي ‪ 1‬وَا ْر َكعِي مَعَ الرّا ِكعِينَ‪ ، }2‬وخص الصلة بالذكر لهميتها وذكرها بأعظم أركانها وهو‬
‫وَاسْ ُ‬
‫السجود والركوع وفي بيت المقدس مع الراكعين‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هذا معنى اليتين الولى(‪ )42‬والثانية(‪ ،)42‬أما الية الثالثة(‪ )44‬فقد خاطب الرب تبارك وتعالى‬
‫رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم مشيرا إلى ما سبق في هذا القصص المتعلق بآل عمران حنة‬
‫ومريم وزكريا ويحي‪ ،‬ومريم أخيرا بأنه كله من أنباء الغيب‪ ،‬وإخباره يوحيه تعالى إليه فهو بذلك‬
‫نبيه ورسوله‪ ،‬وما جاء به من الدين هو الحق‪ ،‬وما عداه فهو باطل‪ ،‬وبذلك تقرر مبدأ التوحيد‪،‬‬
‫وأنه ل إله إل ال‪ ،‬وبطل باطل أهل الكتاب فل عزير ابن ال‪ ،‬ول المسيح ابن ال‪ ،‬ول هو إله مع‬
‫ال‪ ،‬وإنما هو عبد ال ورسول ال‪ .‬ثم تقريرا لمبدأ الوحي وتأكيدا له قال تعالى لرسوله أيضا‪ ،‬وما‬
‫كنت لديهم أي عند علماء بني إسرائيل وصلحائهم وفي حضرتهم‪ ،‬وهم يقترعون على النذيرة‪:‬‬
‫"مريم" من يكفلها فرموا بأقلمهم في النهر فمن وقف قلمه في الماء كان كافلها بإذن ال‪ ،‬فالقوا‬
‫أقلمهم تلك القلم التي كانت تكتب الحق والهدى ل الباطل والضلل كما هي أغلب أقلم أرباب‬
‫الصحف والمجلت اليوم‪ ،‬فوقف قلم زكريا ففاز بكفالتها ‪ 3‬بإذن ال تعالى وقد تقدم قول ال‬
‫تعالى‪ :‬فكفلها زكريا‪ ،‬بهذا قامت الحجة على أهل الكتاب وغيرهم بأنه ل إله إل ال‪ ،‬وأن محمدا‬
‫رسول ال‪ ،‬وأن الدين الحق هو السلم وما عداه فباطل وضلل!‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬فضل مريم عليها السلم وأنها ولية صديقة‪ ،‬وقد أخبر النبي صلى ال عليه وسلم أنه من كمل‬
‫النساء ففي‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قدم السجود على الركوع في الذكر وإن كان مؤخرا في الفعل؛ لنه ألصق بالشكر والمقام مقام‬
‫شكر‪.‬‬
‫‪ 2‬فيه دليل على صلة المرأة في الجماعة‪ ،‬وقد سن ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم في مثل‬
‫قوله‪" :‬ل تمنعوا إماء ال مساجد ال" وإن كان قوله {وَا ْر َكعُوا َمعَ الرّا ِكعِينَ} ل يستلزم الصلة في‬
‫جماعة إذ هو أمر بالركوع فقد تركع وحدها أو مع غيرها‪.‬‬
‫‪ 3‬قال القرطبي دلت هذه الية‪َ { :‬و َكفَّلهَا َزكَرِيّا} على أن الخالة أحق بالحضانة من سائر القرابات‬
‫ما عدا الجدة‪ .‬وقد قضى رسول ال صلى ال عليه وسلم في ابنة حمزة "أمة ال" لجعفر لن‬
‫خالتها كانت تحته‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم‪" :‬إنما الخالة بمنزلة الم" ‪.‬‬

‫( ‪)1/316‬‬

‫الصحيح‪" :‬كمل من الرجال كثير‪ ،‬ولم يكمل النساء ‪ 1‬إل آسيا امرأة فرعون‪ ،‬ومريم بنت عمران‪،‬‬
‫وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" ‪.‬‬
‫‪ -2‬أهل القرب من ال هم أهل طاعته القانتون له‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -3‬الصلة سلم العروج إلى الملكوت العلى‪.‬‬
‫‪ -4‬ثبوت الوحي المحمدي وتقريره‪.‬‬
‫‪ -5‬مشروعة القتراع عند الختلف وهذه وإن كانت في شرع من قبلنا إل أنها مقررة في‬
‫شرعنا والحمد ال‪.‬‬
‫سمُهُ ا ْلمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَ َم َوجِيها فِي الدّنْيَا‬
‫{ِإذْ قَاَلتِ ا ْلمَل ِئكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنّ اللّهَ يُ َبشّ ُركِ ِبكَِلمَةٍ مِنْهُ ا ْ‬
‫ل َومِنَ الصّالِحِينَ(‪ )46‬قَاَلتْ‪َ 2‬ربّ أَنّى‬
‫وَالخِ َرةِ َومِنَ ا ْل ُمقَرّبِينَ(‪ )45‬وَ ُيكَلّمُ النّاسَ فِي ا ْل َمهْدِ َوكَهْ ً‬
‫َيكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ َيمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ َكذَِلكِ اللّهُ َيخُْلقُ مَا يَشَاءُ إِذَا َقضَى َأمْرا فَإِ ّنمَا َيقُولُ لَهُ كُنْ‬
‫فَ َيكُونُ(‪})47‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{يُبَشّ ُركِ} ‪ :‬يخبرك بخبر سار مفرح لك‪.‬‬
‫{ ِبكَِلمَةٍ مِ ْنهُ‪ : }3‬هو المسيح عليه السلم وسمي كلمة لنه كان بكلمة ال تعالى‪{ :‬كن}‬
‫{ا ْلمَسِيحُ‪ : }4‬لقب عيسى عليه السلم ومن معانيه الصديق‪.‬‬
‫الوجيه ‪ :‬ذو الجاه والقدر والشرف بين الناس‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وفي رواية أخرى‪" :‬خير نساء العالمين أربع‪ :‬مريم بنت عمران‪ ،‬وآسيا امرأة فرعون‪ ،‬وخديجة‬
‫بنت خويلد‪ ،‬وفاطمة بنت رسول ال صلى ال عليه وسلم" ‪.‬‬
‫‪ 2‬ذهب القرطبي إلى أن كلمة‪ :‬رب‪ ،‬تعني سيدي‪ ،‬أي‪ :‬جبريل‪ ،‬وهو خطأ واضح بل المراد به‬
‫الرب تبارك وتعالى‪ ،‬فهي تخاطب ربها طالبة معرفة سبب الولد‪ ،‬إذ السباب المعتادة لم تكن‪،‬‬
‫فكيف يكون الولد؟‪.‬‬
‫‪ 3‬المراد بكلمة‪ :‬هو‪ ،‬كلمة التكوين‪ ،‬ووصف عيسى بكلمة‪ ،‬مراد به‪ :‬كلمة خاصة‪ ،‬وهي كلمة‪:‬‬
‫{كن}‪.‬‬
‫‪ 4‬اختلف في سبب تلقيب عيسى بالمسيح‪ ،‬والمشهور أنه لقب تشريف؛ كالفاروق مثلً‪ ،‬أو الملك‪،‬‬
‫أو الصديق‪ ،‬وأما عيسى فهو‪ :‬معرب‪ ،‬أيشوع‪ ،‬ومعناه السيد‪ ،‬وهل المسيح مشتق من المسح؟ وهل‬
‫هو بمعنى الماسح‪ ،‬أو الممسوح خلف‪.‬‬

‫( ‪)1/317‬‬

‫{فِي ا ْل َمهْدِ} ‪ :‬المهد‪ :‬مضجع الصبي وهو رضيع‪.‬‬


‫{ َو َكهْلً} ‪ :‬الكهولة‪ :‬سن ما بين الشباب والشيخوخة‪.‬‬
‫{وَلَمْ َي ْمسَسْنِي بَشَرٌ} ‪ :‬تريد لم يقربها ذكر ل للوقاع ول لغيره‪ ،‬وذلك لعقمها وبعدها عن الرجال‬
‫الجانب‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ َقضَى َأمْرا} ‪ :‬أراده وحكم بوجوده‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في حِجَاج وفد نصارى نجران إذ قال ال تعالى لرسوله واذكر ‪ 1‬لهم‪ِ{ :‬إذْ‬
‫قَاَلتِ ا ْلمَل ِئكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنّ اللّهَ يُ َبشّ ُركِ ِبكَِلمَةٍ مِنْهُ} الية‪ ،‬حيث أخبرتها الملئكة‪ ،‬أي‪ :‬جبريل عليه‬
‫السلم بأن ال تعالى يبشرها بولد يكون بكلمة ال تعالى اسمه المسيح عيسى بن مريم‪ ،‬وأنه ذو‬
‫جاه وشرف في الدنيا وفي الخرة ومن المقربين‪ ،‬وأنه يكلم الناس وهو في مهده وقت رضاعه‪،‬‬
‫كما يكلمهم في شبابه وكهولته ‪ ،2‬وأنه من الصالحين الذين يؤدون حقوق ال تعالى وحقوق عباده‬
‫وافية غير منقوصة‪ ،‬فردت مريم قائلة‪َ { :‬ربّ أَنّى َيكُونُ لِي وَلَدٌ} أي‪ :‬كيف يكون لي ولد ولم‬
‫يغشني بشر بجماع وسنة ال في خلق الولد الغشيان‪ .‬فأجابها جبريل قائلً‪ :‬المر هكذا سيخلق ال‬
‫تعالى منك ولدا من غير أب‪ ،‬وهو سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء‪ ،‬وإذا حكم بوجود شيء من غير‬
‫ذوات السباب فإنما يقول له‪{ :‬كن} فهو يكون‪ ،‬كما قضى ال تعالى وأراد‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان شرف مريم وكرامتها على ربها إذا كلمها جبريل وبشرها بعد أن تمثل لها بشرا‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان شرف عيسى عليه السلم ووجاهته في الدنيا والخرة وأنه من المقربين والصالحين‪.‬‬
‫‪ -3‬تكلم عيسى في المهد ‪ 3‬آي من آيات ال تعالى حيث لم تجر العادة أن الرضيع يتكلم في زمان‬
‫رضاعه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إذ الظرفية هنا بدل من نظيراتها السابقة‪ ،‬وهي معمولة لفعل محذوف‪ ،‬أي‪ :‬أذكر‪.‬‬
‫‪ 2‬ذكر الكهولة هنا تطمين لمه أنه ل يموت صغيرا وتكليمه في الكهولة يكون بعد نزوله من‬
‫السماء؛ لنه عليه السلم رفع مع نهاية سن الشباب‪ ،‬وهو ثلث وثلثون سنة ل غير‪.‬‬
‫‪ 3‬لقد تكلم في المهد غير واحد‪ ،‬منهم شاهد يوسف‪ ،‬وصاحب جريج‪ ،‬وكلم عيسى في المهد هو‬
‫قوله‪{ :‬إِنّي عَبْدُ اللّهِ آتَا ِنيَ ا ْلكِتَابَ} الية في سورة مريم‪.‬‬

‫( ‪)1/318‬‬

‫‪ -4‬جواز طلب الستفسار ‪ 1‬عما يكون مخالفا للعادة لمعرفة سر ذلك أو علته أو حكمته‪.‬‬
‫ح ْكمَ َة وَال ّتوْرَا َة وَالِنْجِيلَ(‪ )48‬وَرَسُولً إِلَى بَنِي ِإسْرائيلَ أَنّي قَدْ جِئْ ُتكُمْ بِآيَةٍ مِنْ‬
‫ب وَالْ ِ‬
‫{وَ ُيعَّلمُهُ ا ْلكِتَا َ‬
‫ل ْكمَهَ‬
‫ئاَ‬
‫رَ ّبكُمْ أَنّي َأخْلُقُ َل ُكمْ مِنَ الطّينِ َكهَيْئَةِ الطّيْرِ فَأَ ْنفُخُ فِيهِ فَ َيكُونُ طَيْرا بِإِذْنِ اللّ ِه وَأُبْ ِر ُ‬
‫ك ليَةً َل ُكمْ‬
‫ص وَأُحْيِي ا ْل َموْتَى بِِإذْنِ اللّ ِه وَأُنَبّ ُئكُمْ ِبمَا تَ ْأكُلُونَ َومَا َتدّخِرُونَ فِي بُيُو ِتكُمْ إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫وَالَبْرَ َ‬
‫حلّ َلكُمْ َب ْعضَ الّذِي حُرّمَ عَلَ ْيكُ ْم وَجِئْ ُت ُكمْ‬
‫إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ(‪َ )49‬و ُمصَدّقا ِلمَا بَيْنَ يَ َديّ مِنَ ال ّتوْرَا ِة َولُ ِ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بِآيَةٍ مِنْ رَ ّبكُمْ فَا ّتقُوا اللّ َه وَأَطِيعُونِ(‪ )50‬إِنّ اللّهَ رَبّي وَرَ ّبكُمْ فَاعْبُدُوهُ َهذَا صِرَاطٌ مُسْ َتقِيمٌ(‪})51‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ا ْلكِتَابَ} ‪ :‬الخط والكتابة‪.‬‬
‫ح ْكمَةَ} ‪ :‬العلم الصحيح والصابة في المور وفهم أسرار التشريع اللهي‪.‬‬
‫{وَالْ ِ‬
‫{وَرَسُولً} ‪ :‬أي وابعثه رسولً‪.‬‬
‫آية ‪ :‬علمة دالة على رسالته وصدق نبوته‪.‬‬
‫{َأخْلُقُ َلكُمْ} ‪ :‬أي أصور لكم‪ ،‬ل الخلق الذي هو النشاء والختراع إذ ذاك ل تعالى‪.‬‬
‫{ َكهَيْئَةِ الطّيْرِ‪ : }2‬كصورة الطير‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا من قولها‪َ { :‬ربّ أَنّى َيكُونُ لِي وََلدٌ} الية‪.‬‬
‫‪ 2‬قيل‪ :‬اليهود هم الذين طلبوا أن يخلق لهم خفاشا؛ لنه أعجب من سائر الخلق‪ ،‬ومن عجائبه أنه‬
‫لحم ودم يطير بغير ريش‪ ،‬ويلد كما يلد الحيوان ول يبيض كما يبيض سائر الطيور وله لبن‬
‫يرضع به أولده ويضحك كما يضحك النسان ويحيض كما تحيض المرأة‪ ،‬ول يبصر في ضوء‬
‫النهار‪ ،‬ول في ظلمة الليل وإنما يبصر في ساعين؛ بعد غروب الشمس ساعة‪ ،‬وبعد طلوع الفجر‬
‫ساعة‪.‬‬

‫( ‪)1/319‬‬

‫ل ْكمَهَ} ‪ :‬الذي ولد أعمى‪.‬‬


‫{ا َ‬
‫البرص ‪ :‬ذو البرص وهو مرض عياء عجز عنه الطب القديم والحديث‪ ،‬والبرص‪ :‬بياض‬
‫يصيب الجلد البشري‪.‬‬
‫{ َتدّخِرُونَ} ‪ :‬تحبسونه وتخفونه عن أطفالكم من الطعام وغيره‪.‬‬
‫{ِلمَا بَيْنَ َي َديّ} ‪ :‬من قبلي‪.‬‬
‫{إِنّ اللّهَ رَبّي وَرَ ّبكُمْ} ‪ :‬إلهي وإلهكم فاعبدوه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في بيان حقيقة عيسى عليه السلم‪ ،‬وأنه عبد ال ورسوله وليس بابن ال ول بإله‬
‫مع ال فأخبر تعالى أنه يخلقه بكلمة كن ويعلمه الكتاب والنجيل والتوراة والنجيل‪ ،‬وقد فعل‪،‬‬
‫وأ‪،‬ه يبعثه رسولً إلى بني إسرائيل وقد فعل فأخبرهم عيسى أنه قد جاءهم بآية من ربهم تدل على‬
‫صدق رسالته وهذه الية ‪ 1‬هي أنه يخلق لهم من الطين على صور الطير وينفخ فيها فتكون طيرا‬
‫بإذن ال‪ ،‬و أنه يبرئ الكمه والبرص ويحي الموتى بإذن ال‪ ،‬وفعلً كان يمسح على ذي العاهة‬
‫المستعصاة كالبرص فيبرأ صاحبها فورا‪ ،‬وطلبوا منه أن يحي لهم سام بن نوح ‪ 2‬فأحياه بإذن ال‪،‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وأنه يخبرهم بما يأكلون في بيوتهم وما يدخرون‪ ،‬فما يخطئ أبدا‪ ،‬ثم قال لهم‪ :‬إن في ذلك المذكور‬
‫لية لكم دالة على صدقي إن كنتم مؤمنين فآمنوا بي ول تكذبوني وقد جئتكم مصدقا لما بين يدي‬
‫من التوراة‪ ،‬ولحل لكم بعض الذي حرم ‪ 3‬عليكم‪ ،‬وفي ذلكم خير لكم ورحمة فآمنوا بي‪ ،‬فكذبوه‬
‫فقال لهم‪ :‬اتقوا ال وأطيعوني تنجوا وتسعدوا وأعلمهم أخيرا أن ال تعالى هو ربه وربهم وأن‬
‫عليهم أن يعبدوه ليكلموا ويسعدوا وأن عبادة ال تعالى وحده وبما شرع هي الصراط المستقيم‬
‫المفضي بالسالكين إلى الكمال والسعاد في الحياتين‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قوله تعالى‪َ { :‬وجِئْ ُتكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَ ّبكُمْ} وحد آية وهي آيات لنها جنس كنعمة بمعنى جنس النعم‪،‬‬
‫خلُقُ َل ُكمْ مِنَ الطّينِ َكهَيْئَةِ‬
‫والمراد من الية ما تقدم في قوله‪{ :‬أَنّي قَدْ جِئْ ُتكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَ ّبكُمْ أَنّي أَ ْ‬
‫الطّيْر} إلخ‪.‬‬
‫‪ 2‬روى أنه أحيا لهم أربعة وهم‪ :‬سام بن نوح‪ ،‬والعاذر‪ ،‬وكان صديقا له‪ .‬وابن العجوز‪ ،‬وابنة‬
‫العاشر‪.‬‬
‫‪ 3‬هو ما حرمه ال عليهم على عهد موسى من أكل الشحوم ونحوها‪ ،‬أما ما كان محرما أصلً‬
‫لضرورة فل يحله لهم ذلك؛ كالسرقة والقتل والزنا والربا‪ ،‬فإنه ل يحله لهم أبدا‪.‬‬

‫( ‪)1/320‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬شرف الكتابة وفضلها‪.‬‬
‫‪ -2‬فضل الحكمة ‪ 1‬وهي الفقه في أسرار الشرع والصابة في المور‪.‬‬
‫‪ -3‬الغيب ل‪ ،‬ويعلم أنبياءه منه ما يشاء‪.‬‬
‫‪ -4‬ثبوت معجزات عيسى عليه السلم‪.‬‬
‫‪ -5‬ل إله إل ال‪ ،‬ومحمد رسول ال‪ ،‬وعيسى كلمة ال وروح منه ورسول إلى بني إسرائيل‪.‬‬
‫‪ -6‬المر بالتقوى وطاعة الرسول لتوقف السعادة والكمال عليهما‪.‬‬
‫حوَارِيّونَ َنحْنُ أَ ْنصَارُ اللّهِ آمَنّا بِاللّهِ‬
‫{فََلمّا َأحَسّ عِيسَى مِ ْنهُمُ ا ْلكُفْرَ قَالَ مَنْ أَ ْنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ ا ْل َ‬
‫ت وَاتّ َبعْنَا الرّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشّاهِدِينَ(‪َ )53‬و َمكَرُوا‬
‫شهَدْ بِأَنّا ُمسِْلمُونَ(‪ )52‬رَبّنَا آمَنّا ِبمَا أَنْزَ ْل َ‬
‫وَا ْ‬
‫طهّ ُركَ مِنَ‬
‫ي َومُ َ‬
‫َو َمكَرَ اللّ ُه وَاللّهُ خَيْرُ ا ْلمَاكِرِينَ(‪ )54‬إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنّي مُ َت َوفّيكَ وَرَا ِف ُعكَ إَِل ّ‬
‫حكُمُ بَيْ َن ُكمْ‬
‫ج ُعكُمْ فَأَ ْ‬
‫علُ الّذِينَ اتّ َبعُوكَ َفوْقَ الّذِينَ َكفَرُوا إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ ُثمّ إَِليّ مَرْ ِ‬
‫الّذِينَ َكفَرُوا وَجَا ِ‬
‫عذّ ُبهُمْ عَذَابا شَدِيدا فِي الدّنْيَا وَالخِ َر ِة َومَا َلهُمْ مِنْ‬
‫فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ َتخْتَِلفُونَ(‪ )55‬فََأمّا الّذِينَ َكفَرُوا فَأُ َ‬
‫عمِلُوا‬
‫نَاصِرِينَ(‪ )56‬وََأمّا الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫ح ْكمَةَ َفقَدْ أُوتِيَ خَيْرا كَثِيرا} وقول‬
‫ل قول ال تعالى‪َ { :‬ومَنْ ُي ْؤتَ الْ ِ‬
‫‪ 1‬يكفي الحكمة شرفا وفض ً‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬ورجل أتاه ال الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها" ‪.‬‬

‫( ‪)1/321‬‬

‫ت وَال ّذكْرِ‬
‫حبّ الظّاِلمِينَ(‪ )57‬ذَِلكَ نَتْلُوهُ عَلَ ْيكَ مِنَ الْآيا ِ‬
‫الصّالِحَاتِ فَ ُي َوفّيهِمْ ُأجُورَهُ ْم وَاللّهُ ل ُي ِ‬
‫حكِيمِ(‪})58‬‬
‫الْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{َأحَسّ‪ 1‬عِيسَى مِ ْن ُهمُ ا ْل ُكفْرَ} ‪ :‬علم منهم الكفر به وبما جاء به‪ ،‬وهمهم بأذيته‪.‬‬
‫حوَارِيّونَ‪ : }2‬جمع حواري‪ ،‬والمراد بهم أصفياؤه وأصحابه‪.‬‬
‫{ا ْل َ‬
‫{مُسِْلمُونَ} ‪ :‬منقادون لمر ال ورسوله مطيعون‪.‬‬
‫{الشّاهِدِينَ} ‪ :‬الذين يشهدون أن ل إله إل ال‪ ،‬ويعبدونه بما يجب أن يعبد به‪.‬‬
‫مكروا ‪ :‬دبروا القتل للمسيح عليه السلم‪.‬‬
‫{ َو َمكَرَ اللّهُ} ‪ :‬دبر تعالى لنجائه وخيبهم فيما عزموا عليه‪.‬‬
‫{خَيْرُ ا ْلمَاكِرِينَ} ‪ :‬أحسن المدبرين لنقاذ أوليائه وإهلك أعدائه‪.‬‬
‫{مُ َت َوفّيكَ} ‪ :‬متمم لك ما كتب لك من أيام بقاءك مع قومك‪.‬‬
‫{وَرَا ِف ُعكَ إَِليّ} ‪ :‬إلي جواري في الملكوت العلى‪.‬‬
‫طهّ ُركَ} ‪ :‬منزهك ومبعدك من رجسهم وكفرهم‪.‬‬
‫{ َومُ َ‬
‫علَ ْيكَ} ‪ :‬ذلك المذكور من أمر عيسى نقرؤه عليك من جملة آيات القرآن الحكيم‪.‬‬
‫{ذَِلكَ نَتْلُوهُ َ‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في الحجاج مع وفد نصارى نجران فذكر تعالى من شأنه أنه لما علم عيسى‬
‫بكفر قومه وهمهم بقتله غيلة استصرخ المؤمنين قائلً‪{ :‬مَنْ أَ ْنصَارِي ‪ِ 3‬إلَى اللّهِ} فأجابه‬
‫الحواريون وهم أصفياؤه وأحباؤه قائلين‪َ { :‬نحْنُ أَ ْنصَارُ اللّهِ} آمنا بال واشهد يا روح ال بأنا‬
‫ت وَاتّ َبعْنَا الرّسُولَ‪ 4‬فَاكْتُبْنَا مَعَ الشّاهِدِينَ} لك بالوحدانية‬
‫مسلمون‪ { :‬رَبّنَا آمَنّا ِبمَا أَنْزَ ْل َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أحس بالشيء‪ :‬عرفه وعلمه بواسطة الحاسة والحواس‪ :‬السمع والبصر واللسان والبدن والشم‪،‬‬
‫والحساس‪ :‬العلم بالشيء‪ ،‬والحس‪ :‬القتل يقال حسه إذا قتله‪.‬‬
‫‪ 2‬كانوا اثني عشر رجلً‪ ،‬وسمى الناصر للنبي حواريا لبياض قلبه وصفاء روحه‪ ،‬وفي الحديث‬
‫"لكل نبي حواري وجواري الزبير "‪ ،‬والحور لغة‪ :‬البياض‪ ،‬والحواري‪ :‬الخبز البيض‪.‬‬
‫‪ 3‬هل (إلى) هنا بمعنى مع‪ ،‬أي ‪ :‬من أنصاري مع ال نظيره‪{ :‬وَل تَ ْأكُلُوا َأ ْموَاَلهُمْ إِلَى َأ ْموَاِلكُمْ}‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أي‪ :‬مع أموالكم‪ ،‬أو هي على بابها‪ ،‬ويكون الكلم "من أنصاري" في الطريق إلى ال؟‪.‬‬
‫‪ 4‬أي‪ :‬عيسى عليه السلم‪.‬‬

‫( ‪)1/322‬‬

‫ولرسلك بالرسالة‪ .‬قال تعالى‪ :‬ونفذ اليهود مكرهم في محاصرتهم لمنزل عيسى ليأخذوه ويصلبوه‪،‬‬
‫ومكر ال تعالى وهو خير الماكرين إذ قال لعبده ورسوله عيسى‪{ :‬إِنّي مُ َت َوفّيكَ} أي‪ :‬قابضك‬
‫ورافعك إلى جواري‪ ،‬فقبضه تعالى فأخرجه من روزنة ‪ 1‬المنزل ورفعه ‪ 2‬إليه وألقى الشبه على‬
‫رئيس شرطة المهاجمين فظنوه هو المسيح فقتلوه وصلبوه فسبحان المدبر الحكيم‪ ،‬وهكذا‪:‬‬
‫طهّ ُركَ مِنَ الّذِينَ َكفَرُوا} يريد منزهه‬
‫{ َو َمكَرُوا َو َمكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ ا ْلمَاكِرِينَ‪ ، }3‬وقوله له‪َ { :‬و ُم َ‬
‫من تهم اليهود الباطلة‪ ،‬إذ قالوا ساحر وابن زنا‪ ،‬ومبعده من ساحة مجتمعهم الذي تعفن بكفرهم‬
‫والخبث والشر والفساد وواعده بأنه سيجعل الذين اتبعوه فيما جاء به من اليمان والسلم‬
‫والحسان فوق الذين كفروا بذلك إلى يوم القيامة وقد أنجز ال تعالى وعده فأعز أهل السلم‬
‫ونصرهم‪ ،‬وأزل اليهود والكفار وأخزاهم‪ .‬كما واعده أيضا أن يرد الجميع إليه يوم القيامة ويحكم‬
‫بينهم فيما اختلفوا فيه في الدنيا من اليمان والكفر‪ ،‬والصلح والفساد ويجزي كل فريق بما كسب‬
‫حكُمُ بَيْ َن ُكمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَِلفُونَ‪ ،‬فََأمّا الّذِينَ َكفَرُوا‬
‫ج ُعكُمْ فَأَ ْ‬
‫من خير أو شر فقال‪ { :‬ثُمّ إَِليّ مَرْ ِ‬
‫شدِيدا} في الدنيا بالقتل والسباء والذلة والمسكنة‪ ،‬وفي الخرة بعذاب النار‪ ،‬وما لهم‬
‫عذَابا َ‬
‫فَأُعَذّ ُبهُمْ َ‬
‫من ناصرين يخلصهم من عذابنا‪ ،‬وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجور إيمانهم‬
‫وصالح أعمالهم في الدنيا نصرا وتمكينا وفي الخرة جنات ونعيما‪ ،‬وال عز وجل ل يحب‬
‫الظالمين فكيف يظلم عباده إذ جزاهم بأعمالهم؟ إنه ل يظلم أحدا من عباده مؤمنهم وكافرهم مثقال‬
‫ذرة بل يجزي بعدله ويرحم بفضله‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬قيام الحجة على نصارى نجران‪ ،‬إذ أخبرهم الرسول صلى ال عليه وسلم بالوحي فقرر به‬
‫بطلن ألوهية عيسى عليه السلم بذكر أوصافه وأحواله مع قومه‪ ،‬وكرامة ال تعالى له‪ ،‬ولتباعه‬
‫معه ومن بعده في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الروزنة‪ :‬الكوة في السقف أو الجدار‪.‬‬
‫‪ 2‬لم أر داعيا إلى استشكال الكثيرين رفع عيسى حيا إلى الملكوت العلى وإبقاءه هناك إلى أن‬
‫ينزله في آخر أيام هذه الدنيا‪ ،‬حيث صرح رسول ال صلى ال عليه وسلم بنزول عيسى بما ل‬
‫مجال للشك فيه‪ ،‬إن السنن الكونية خلقها ال تعالى فهو قدير على تبديل ما شاء منها أليس ال‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫على كل شيء قديرا؟ بلى‪ .‬فلم إذا يرتبك المؤمنون في شأن رفع عيسى حيا وإبقائه في دار السلم‬
‫حيا حتى ينزل في آخر الدنيا؟‪.‬‬
‫‪ 3‬ورد أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يقول في دعائه‪" :‬اللهم امكر لي ول تمكر عليّ " ومما‬
‫يجب أن يعلم أن أفعال ال ل تشبه أفعال العباد لن ذاته ل تشبه ذواتهم‪.‬‬

‫( ‪)1/323‬‬

‫‪ -2‬السلم دين النبياء وسائر المم البشرية ول دين ‪ 1‬حق غيره فكل دين غيره باطل‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير حديث الرسول صلى ال عليه وسلم في أن لكل نبي حواريين ‪ 2‬وأنصارا‪.‬‬
‫‪ -4‬فضل أهل ل إله إل ال إذ هم شاهدون بالحق والناطقون به‪.‬‬
‫‪ -5‬تقرير قبض ال تعالى لعيسى ورفعه إليه حيا‪ .‬ونزوله في آخر الدنيا ليحكم زمنا ثم ليموت‬
‫الموتة التي كتب ال على كل إنسان‪ ،‬فلم يجمع ال تعالى له بين موتتين‪ .‬هذا دليل أنه رفع إلى‬
‫السماء حيا ل ميتا‪.‬‬
‫‪ -6‬صادق وعد ال تعالى بعزة أهل السلم‪ ،‬وذلة اليهود على مدى الحياة‪.‬‬
‫{إِنّ مَ َثلَ عِيسَى عِ ْندَ اللّهِ َكمَ َثلِ آدَمَ خََلقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ قَالَ َلهُ كُنْ فَ َيكُونُ(‪ )59‬ا ْلحَقّ مِنْ رَ ّبكَ فَل‬
‫جكَ فِيهِ مِنْ َبعْدِ مَا جَا َءكَ مِنَ ا ْلعِلْمِ فَ ُقلْ َتعَاَلوْا نَ ْدعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَا َء ُكمْ‬
‫َتكُنْ مِنَ ا ْل ُممْتَرِينَ(‪َ )60‬فمَنْ حَا ّ‬
‫ج َعلْ َلعْ َنتَ اللّهِ عَلَى ا ْلكَاذِبِينَ(‪ )61‬إِنّ َهذَا َل ُهوَ‬
‫س ُكمْ ثُمّ نَبْ َت ِهلْ فَنَ ْ‬
‫وَنِسَاءَنَا وَنِسَا َءكُ ْم وَأَ ْنفُسَنَا وَأَنْفُ َ‬
‫حكِيمُ(‪ )62‬فَإِنْ َتوَّلوْا فَإِنّ اللّهَ عَلِيمٌ‬
‫ق َومَا مِنْ إَِلهٍ إِل اللّ ُه وَإِنّ اللّهَ َل ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫ا ْل َقصَصُ ا ْلحَ ّ‬
‫بِا ْل ُمفْسِدِينَ(‪})63‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫المثل ‪ : 3‬الصفة المستغربة البديعة‪.‬‬
‫{ا ْلحَقّ مِنْ رَ ّبكَ} ‪ :‬أي ما قصصناه عليك في شأن عيسى ‪ 4‬هو الحق الثابت من ربك‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬تقدم شاهده في قوله تعالى‪{ :‬إِنّ الدّينَ عِنْدَ اللّ ِه الِسْلمُ} ‪.‬‬
‫‪ 2‬تقدم الحديث أنفا‪ ،‬وهو حديث صحيح‪.‬‬
‫‪ 3‬المماثلة الحاصلة بين آدم وعيسى عليهما السلم في شيء واحد وهو‪ :‬أن كل منهما خلق من‬
‫غير أب وخلق بكلمة التكوين وهي‪{ :‬كن}‪.‬‬
‫‪ 4‬وهو أن ال تعالى أرسل جبريل عليه السلم فنفخ في كم درع مريم فسرت النفخة فيها فحملت‬
‫بعيسى وولدته في ساعة من نهار‪ ،‬وتكلم بعد وضعها له‪ ،‬وطمأن والدته وأرشدها إلى ما تقوله‬
‫لمن يتصدى لها يعيبها‪ .‬وحاصله أنه كان بكلمة التكوين وهي‪{ :‬كن} كما كان آدم بها فل أب له‬
‫ول أم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/324‬‬

‫{ا ْل ُممْتَرِينَ} ‪ :‬الشاكين‪ ،‬إذ المتراء‪ :‬الشك‪.‬‬


‫جكَ} ‪ :‬جادلك بالحجج‪.‬‬
‫{حَا ّ‬
‫{نَبْ َت ِهلْ} ‪ :‬نلتعن أي‪ :‬نلعن الكاذب منا‪.‬‬
‫حقّ} ‪ :‬ما قصه ال تعالى هو القصص الحق الثابت الذي ل شك فيه‪.‬‬
‫صصُ الْ َ‬
‫{ا ْل َق َ‬
‫المفسدون ‪ :‬الذين يعملون بمعاصي ال تعالى في الرض من الشرك وكبائر الذنوب‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في تقرير عبودية عيسى ورسالته دون ربوبيته وألوهيته‪ ،‬فقد روي أن وفد‬
‫نجران قالوا للرسول صلى ال عليه وسلم فيما قالوا‪ :‬كل آدمي له أب فما شأن عيسى ل أب له؟‬
‫فأنزل ال تعالى على رسوله‪{ :‬إِنّ مَ َثلَ عِيسَى عِنْدَ اللّهِ َكمَ َثلِ آدَمَ خََلقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ قَالَ لَهُ كُنْ}‬
‫فإذا هو كائن‪ ،‬فأي داع لتخاذ عيسى إلها‪ ،‬ألكونه خلقه ال من غير أب فآدم كذلك خلق بدون أب‬
‫ول أم‪ ،‬وإنما كان بكلمة ال‪ ،‬فكذلك عيسى خلق بكلمة ال التي هي‪{ :‬كُنْ} فكان‪ ،‬هذا هو الحق‬
‫الثابت من ال تعالى في شأن عيسى عليه السلم فل تكونن من الشاكين فيه‪ ،‬وحاشاه صلى ال‬
‫عليه وسلم أن يشك ‪ 1‬ولما أكثروا عليه صلى ال عليه وسلم من التردد والمجادلة أرشده ربه‬
‫تعالى إلى طريق التخلص منهم وهو المباهلة بأن يجتمعوا ويقول كل فريق‪ :‬اللهم العن الكاذب‬
‫منا‪ ،‬ومن كان كاذبا منهم يهلك على الفور‪ ،‬فقال له ربه تعالى‪ :‬فإن حاجوك { َف ُقلْ‪َ :‬تعَاَلوْا} "هلموا"‬
‫ج َعلْ َلعْ َنتَ اللّهِ عَلَى ا ْلكَاذِبِينَ}‬
‫سكُمْ ثُمّ نَبْ َت ِهلْ فَ َن ْ‬
‫{ َن ْدعُ أَبْنَاءَنَا ‪ 2‬وَأَبْنَا َء ُك ْم وَنِسَاءَنَا وَنِسَا َءكُ ْم وَأَ ْنفُسَنَا وَأَ ْنفُ َ‬
‫وخرج في الغد رسول ال صلى ال عليه وسلم ومعه الحسن والحسين وفاطمة رضي ال عنهم ‪3‬‬
‫أجمعين إل أن النصارى عرفوا الحق وخافوا إن لعنوا هلكوا فهربوا ‪ 4‬من الملعنة‪ ،‬ودعاهم‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم إلى السلم فأبوا ورضوا بالكفر إبقاء على زعامتهم ودنياهم‬
‫ورضوا بالمصالحة فالتزموا بأداء الجزية للمسلمين والبقاء على دينهم الباطل‪ .‬ثم قال تعالى‪{ :‬إِنّ‬
‫حقّ} فالذي قصصناه عليك في شأن عيسى عليه السلم‪ ،‬وأنه عبد ال‬
‫صصُ‪ 5‬الْ َ‬
‫هَذَا َل ُهوَ ا ْلقَ َ‬
‫ورسوله وكلمته‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أن الخطاب وإن كان موجها إلى النبي صلى ال عليه وسلم فإن المراد غيره من سائر الناس‬
‫الذين يتأتى لهم الشك‪ ،‬أما هو فإنه المعصوم مما هو أقل من الشك الذي هو كفر‪.‬‬
‫‪ 2‬في هذا دليل على أن أبناء البنات يطلق عليهم أبناء فيسمون بذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬أنه قال لهم‪ ،‬أي‪ :‬لعلي وفاطمة والحسن والحسين‪" :‬إن أنا دعوت فأمنوا" ‪ ،‬أي‪ :‬قولوا بعدي‬
‫آمين‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 4‬في هروب نصارى نجران "وهم علماء" من الملعنة دليل قاطع على أن محمدا صلى ال عليه‬
‫وسلم رسول ال وأن دينه هو الدين الحق وما عداه باطل‪.‬‬
‫‪ 5‬القصص‪ :‬اسم لما يقص‪ ،‬وهو الخبار بما فيه طول وتفصيل‪ ،‬مشتق من قص الثر‪ ،‬إذا تتبعه‪.‬‬

‫( ‪)1/325‬‬

‫ألقاها إلى مريم وروح منه‪ ،‬وأنه ل إله إل ال‪ ،‬أي‪ :‬ل معبود بحق إل هو تعالى‪ ،‬وأن ال لهو‬
‫العزيز الغالب الذي ل يمانع في شيء أراده‪ ،‬الحكيم في خلقه وتدبيره ثم توعد نصارى نجران‬
‫وغيرهم من أهل الفساد في الرض بأنه عليم بهم وسوف يحل نقمته بهم‪ ،‬وينزل لعنته عليهم وهو‬
‫على كل شيء قدير‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ولية ال تعالى لرسوله بإرشاده إلى الطريقة التي أنهى بها جدال النصارى الذي ألمه وأتعبه‪.‬‬
‫‪ -2‬مشروعية المباهلة غير أنها تكون في الصالحين الذين يستجاب لهم‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير ألوهية ال تعالى دون سواه وبطلن دعوى النصارى في تأليه عيسى عليه السلم‪.‬‬
‫‪ -4‬تهديد ال تعالى لهل الفساد في الرض وهم الذين يعملون بالشرك والمعاصي‪.‬‬
‫سوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْ َنكُمْ أَل َنعْبُدَ إِل اللّ َه وَل ُنشْ ِركَ بِهِ شَيْئا وَل يَتّخِذَ‬
‫{ ُقلْ يَا َأ ْهلَ ا ْلكِتَابِ َتعَاَلوْا إِلَى كَِلمَةٍ َ‬
‫شهَدُوا بِأَنّا مُسِْلمُونَ(‪ )64‬يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ لِمَ‬
‫َب ْعضُنَا َبعْضا أَرْبَابا مِنْ دُونِ اللّهِ فَإِنْ َتوَلّوْا َفقُولُوا ا ْ‬
‫تُحَاجّونَ فِي إِبْرَاهِي َم َومَا أُنْزَِلتِ ال ّتوْرَا ُة وَالِنْجِيلُ إِل مِنْ َب ْع ِدهِ َأفَل َت ْعقِلُونَ(‪ )65‬هَا أَنْ ُتمْ َهؤُلءِ‬
‫حَاجَجْ ُتمْ فِيمَا َلكُمْ ِبهِ عِلْمٌ فَِلمَ تُحَاجّونَ فِيمَا لَيْسَ َلكُمْ بِهِ عِ ْل ٌم وَاللّهُ َيعَْل ُم وَأَنْتُمْ ل َتعَْلمُونَ(‪ )66‬مَا كَانَ‬
‫إِبْرَاهِيمُ َيهُودِيّا وَل َنصْرَانِيّا وََلكِنْ كَانَ حَنِيفا مُسْلِما َومَا كَانَ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ(‪ )67‬إِنّ َأوْلَى النّاسِ‬
‫ي وَالّذِينَ آمَنُوا وَاللّهُ وَلِيّ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ(‪})68‬‬
‫بِإِبْرَاهِيمَ لَلّذِينَ اتّ َبعُو ُه وَهَذَا النّ ِب ّ‬

‫( ‪)1/326‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ} ‪ :‬اليهود والنصارى لن اليهود عندهم التوراة‪ ،‬والنصارى عندهم النجيل‪.‬‬
‫سوَاءٍ‪ : }1‬الكلمة السواء‪ :‬هي العادلة وهي أن نعبد ال وحده ل شريك له ول يتخذ‬
‫{إِلَى كَِلمَةٍ َ‬
‫بعضنا بعضا أربابا من دون ال‪.‬‬
‫{أَرْبَابا‪ : }2‬الرباب‪ :‬جمع رب‪ ،‬وهو المألوه المطاع بغير طاعة ال تعالى‪.‬‬
‫{فَإِنْ َتوَّلوْا} ‪ :‬أعرضوا عن التوحيد‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شهَدُوا} ‪ :‬اعلموا علم رؤيا ومشاهدة بأنا مسلمون‪.‬‬
‫{ا ْ‬
‫{ ُتحَاجّونَ} ‪ :‬تجادلون بحجج ‪ 3‬باطلة‪.‬‬
‫{ َيهُودِيّا وَل َنصْرَانِيّا} ‪ :‬لم يكن إبراهيم على ملة اليهود‪ ،‬ول على ملة النصارى‪.‬‬
‫سلِما} ‪ :‬مائلً عن الملل الباطلة إلى ملة الحق وهي السلم‪.‬‬
‫{كَانَ حَنِيفا مُ ْ‬
‫{َأوْلَى النّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ} ‪ :‬أحق بالنسبة إلى إبراهيم وموالته الذين اتبعوه على التوحيد‪.‬‬
‫{وَاللّهُ وَلِيّ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} ‪ :‬متولي أمرهم وناصرهم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في إبطال باطل أهل الكتابين إذا قال تعالى لرسوله قل لهم يا أهل الكتاب من يهود‬
‫ونصارى تعالوا ارتفعوا من وهدة الباطل التي أنتم واقعون فيها إلى كلمة سواء كلمة عدل نصف‬
‫بيننا وهي أن نعبد ال وحده ل نشرك به سواه وأن ل يتخذ بعضنا ‪ 4‬بعضا أربابا من دون ال‬
‫فيفرض طاعته على غيره ‪ 5‬ويلزمه بالسجود له تعظيما وتقديسا فإن أبوا عليك ذلك‬
‫__________‬
‫‪ 1‬كلمة‪ :‬سوىً‪ ،‬وسوى‪ ،‬وسواء‪ :‬بمعنى واحد إلى أن السين إذا فتحت مدت‪.‬‬
‫‪ 2‬نظيرها قوله تعالى‪{ :‬اتّخَذُوا َأحْبَارَ ُه ْم وَرُهْبَا َنهُمْ أَرْبَابا مِنْ دُونِ اللّهِ} معناه‪ :‬أنهم أنزلوهم منزلة‬
‫ربهم في قبول تحريمهم وتحليلهم لما لم يحرمه ال ولم يحلله‪ ،‬وسجدوا لهم أيضا‪.‬‬
‫‪ 3‬المجادلة بالتي هي أحسن والقائمة على أساس العلم الصحيح ممدوحة غير مذمومة‪ ،‬وهذه‬
‫صورة لها‪ :‬أتى رجل إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول ال‪ :‬إن امرأتي ولدت‬
‫غلما أسود‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬هل لك من إبل؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬ما لونها؟‬
‫قال‪ :‬حمر‪ .‬قال‪ :‬هل فيها من أورق؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فمن أين ذلك؟ قال‪ :‬لعل عرقا نزعه‪ .‬فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬لعل عرقا نزعه"‪.‬‬
‫‪ 4‬وقد راسل النبي صلى ال عليه وسلم ملوك الروم بمضمون هذه الية‪ ،‬إذ كتب إلى هرقل قائلً‪:‬‬
‫"بسم ال الرحمن الرحيم من محمد رسول ال إلى هرقل عظيم الروم‪ ،‬سلم على من اتبع الهدى‪،‬‬
‫أما بعد‪ :‬فإني أدعوك بدعاية السلم‪ .‬أسلم تسلم يؤتك ال أجرك مرتين‪ ،‬وإن توليت فإن عليك اثم‬
‫سوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْ َنكُمْ} ‪ ..‬إلى‬
‫الريسيين (الكارين) (وهم الفلحون) {يَا َأ ْهلَ ا ْلكِتَابِ َتعَاَلوْا إِلَى كَِلمَةٍ َ‬
‫قوله {مسلمون} "‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ 5‬وذلك بأن يحرم عليه ما أحل ال ويحل له ما حرم ال ويلزمه بقبول ذلك والذعان له‪.‬‬

‫( ‪)1/327‬‬

‫وتولوا عنه فقولوا أيها المؤمنون‪ :‬اشهدوا أيها المتولون عن الحق بأنا مسلمون‪ .‬وفي هذا تعريض‬
‫بل تصريح بأن غيرهم ليسوا مسلمين‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هذا معنى الية الولى(‪ )64‬أما الية الثانية(‪ )65‬فيأمر تعالى رسوله أيضا أن يقول للمتولين عن‬
‫الحق يا أهل الكتاب لم تحاجون في شأن إبراهيم وتدعي كل طائفة منكم أن إبراهيم كان على‬
‫دينها مع أن اليهودية ما كانت إل بعد نزول التوراة‪ ،‬والنصرانية ما كانت إل بعد نزول النجيل‪،‬‬
‫وإبراهيم كان قبل نزول الكنابين بمائات السنين‪ ،‬مالكم تقولون بما ل يقبل ول يعقل أفل تعقلون؟‬
‫ثم وبخهم بما هم أهله قائلً لهم‪ :‬اسمعوا يا هؤلء أنتم جادلتم فيما لكم به علم في شأن دينكم‬
‫وكتابكم فلم تجادلون فيما ليس لكم به علم في شأن إبراهيم وملته الحنيفية التي قامت على مبدأ‬
‫التوحيد وإخلص العبادة ل وحده‪ ،‬وال يعلم من شأن إبراهيم ودينه ما ل تعلمون أننتم فليس من‬
‫حقكم القول فيما ل تعلمونه‪ .‬ثم أكذبهم بعد أن وبخهم فقال‪ { :‬مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ َيهُودِيّا وَل َنصْرَانِيّا}‬
‫وإنما كان حنيفا موحدا مطيعا لربه مسلما له ولم يكن من المشركين‪ .‬وبعد أن وبخ تعالى‬
‫المجادلين لرسوله وكذبهم في دعواهم أن إبراهيم على دينهم قرر حقيقة كبرى ينبغي أن يعلموها‬
‫ويقروا بها وهي أن أحق ‪ 1‬الناس بالنسبة لبراهيم والنتماء إليه هم الذين اتبعوه على ملة التوحيد‬
‫وعبادة ال تعالى بما شرع وهذا النبي الكريم العظيم محمد صلى ال عليه وسلم والذين آمنوا معه‬
‫واتبعوا الهدى الذي جاء به‪ ،‬وال تعالى ولي المؤمنين‪ ،‬وعدو الكافرين والمشركين‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ل يصلح حال البشرية ول يستقيم أمرها إل إذا أخذت بمبدأ‪ :‬الكلمة السواء وهي أن تعبد ربها‬
‫وحده ل تشرك به سواه‪ ،‬وأل يعلو بعضها على بعض تحت أي قانون أو شعار‪.‬‬
‫‪ -2‬حجية التاريخ وبيان الحاجة إليه‪ ،‬إذ رد ال تعالى على أهل الكتاب في دعواهم أن إبراهيم‬
‫كان على دينهم بأن التوراة والنجيل لم ينزل إل بعد وفاته فكيف يكون يهوديا أو نصرانيا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى أن ابن عباس قال‪" :‬قال رؤساء اليهود‪ :‬وال يا محمد لقد علمت إنا أولى الناس بدين‬
‫إبراهيم منك ومن غيرك فإنه كان يهوديا وما بك إل الحسد فأنزل ال تعالى هذه الية‪{ :‬ما كان‬
‫إبراهيم يهوديا‪- ...‬إلى قوله ‪ -:‬وال ولي المؤمنين}‪.‬‬

‫( ‪)1/328‬‬

‫‪ -3‬ذم من يجادل ‪ 1‬فيما ل علم له به‪ ،‬ول شأن له فيه‪.‬‬


‫‪ -4‬اليهودية كالنصرانية لم تكن دين ال تعالى‪ ،‬وإنما هما بدعتان ل غير‪.‬‬
‫‪ -5‬المؤمنون بعضهم أولياء بعض وإن تناءت ديارهم وتباعدت أقطارهم وال ولي المؤمنين‪.‬‬
‫شعُرُونَ(‪ )69‬يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ‬
‫سهُ ْم َومَا يَ ْ‬
‫{وَ ّدتْ طَا ِئفَةٌ مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ َلوْ ُيضِلّو َنكُ ْم َومَا ُيضِلّونَ إِل أَ ْنفُ َ‬
‫حقّ‬
‫طلِ وَ َتكْتُمُونَ الْ َ‬
‫شهَدُونَ(‪ )70‬يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ ا ْلحَقّ بِالْبَا ِ‬
‫لِمَ َت ْكفُرُونَ بآيَاتِ اللّ ِه وَأَنْتُمْ َت ْ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وَأَنْتُمْ َتعَْلمُونَ(‪})71‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{وَ ّدتْ طَا ِئفَةٌ‪ : }2‬أحبت فرقة وهم الحبار والرؤساء فيهم‪.‬‬
‫{َلوْ ُيضِلّو َنكُمْ‪ : }3‬أي‪ :‬تمنوا إيقاعكم في الضلل لتشقوا وتهلكوا مثلهم‪.‬‬
‫شعُرُونَ} ‪ :‬أي‪ :‬وما يدرون ول يعلمون بأنهم بمحاولة إضلل المؤمنين إنما هم يضلون‬
‫{ َومَا يَ ْ‬
‫أنفسهم حيث يتوغلون في الشر فيضاعف لهم العذاب‪.‬‬
‫لبس الحق بالباطل ‪ :‬خلطه به كأنما كسا الباطل ثوب الحق وكسا الحق ثوب الباطل حتى ل‬
‫يُعرف فيؤخذ به‪ ،‬ويهتدي عليه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يخبر تعالى عباده المؤمنين أن فرقة من أهل الكتاب تمنوا لو توقعكم في الضلل لتهلكوا والغالب‬
‫أن هذه الطائفة تكون في رؤسائهم من أحبار وقسس وإن كان أغلب اليهود‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال القرطبي‪" :‬نزلت هذه الية في معاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر حين دعاهم‬
‫يهود من بني النضير وقريضة وبني قينقاع إلى دينهم والعبرة بعموم اللفظ ل بخصوص السبب‪.‬‬
‫‪ 2‬الضلل‪ :‬يكون بمعنى الهلك كما هو هنا وعليه قول الشاعر‪:‬‬
‫كنت القذى في موج أكدر مزبد ‪ ...‬قذف الوتي به فضل ضللً‬
‫أي‪ :‬هلك هلكا‪ ،‬والوتي‪ :‬السيل يأتي من حيث ل يعلم‪.‬‬
‫‪ 3‬تقدم أنهم من يهود المدينة وأن العبرة بعموم اللفظ‪ ،‬لذا فإن هذا النوع ما زال إلى اليوم يود‬
‫إضلل المسلمين‪.‬‬

‫( ‪)1/329‬‬

‫والنصارى يودون إضلل المسلمين حسدا لهم على الحق الذي هم عليه‪ ،‬وأخبر تعالى أنهم بتمنيهم‬
‫هلك المسلمين إنما يهلكون أنفسهم وما يدرون ذلك ول يعلمون به وقال عز وجل‪َ { :‬ومَا ُيضِلّونَ‬
‫شعُرُونَ} ‪.‬‬
‫سهُ ْم َومَا يَ ْ‬
‫إِل أَ ْنفُ َ‬
‫هذا معنى الية(‪ )69‬أما الية(‪ )70‬فقد نادى الرب تعالى أهل الكتاب ليوبخهم وينعي عليهم‬
‫ضللهم فقال‪{ :‬يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ لِمَ َت ْكفُرُونَ‪ 1‬بآيَاتِ اللّهِ} أي‪ :‬لم تجحدون اليات التي بها نعت‬
‫الرسول وصفته ل في التوراة والنجيل والحال أنكم تشهدون أنها صفات الرسول ونعوته وإنها‬
‫منطبقة عليه؟ أليس هذا قبحا منكم وشرا تعود عاقبته عليكم؟‪.‬‬
‫وفي الية(‪ )71‬وبخهم أيضا على خلطهم الحق بالباطل حتى ل يعرف ويؤخذ به ويهتدي عليه‬
‫فقال تعالى‪{ :‬يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ‪ِ 2‬لمَ تَلْبِسُونَ ا ْلحَقّ بِالْبَاطِل}ِ وشنع عليهم بكتمانهم الحق الذي هو نبوة‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الرسول محمد صلى ال عليه وسلم المبينة في كتبهم وعلى ألسنة رسلهم فقال‪{ :‬وَ َتكْ ُتمُونَ ا ْلحَقّ‬
‫وَأَنْتُمْ َتعَْلمُونَ} أنه الحق من ال‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان رغبة كثير من اليهود والنصارى في إضلل المسلمين وإهلكهم‪.‬‬
‫‪ -2‬عاقبة الشر والفساد تعود على صاحبها في نهاية المر‪.‬‬
‫‪ -3‬قبح من يكتم الحق وهو يعرفه‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة التدليس والتلبيس في كل شيء ل سيما في دين ال تعالى لبعاد الناس عنه‪.‬‬
‫‪ -5‬حرمة كتمان الحق في الشهادة وغيرها‪.‬‬
‫{ َوقَاَلتْ طَا ِئفَةٌ مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ آمِنُوا بِالّذِي أُنْ ِزلَ عَلَى الّذِينَ آمَنُوا َوجْهَ ال ّنهَا ِر وَا ْكفُرُوا آخِ َرهُ َلعَّل ُهمْ‬
‫جعُونَ(‪ )72‬وَل ُت ْؤمِنُوا إِل ِلمَنْ تَبِعَ دِي َن ُكمْ ُقلْ إِنّ‬
‫يَرْ ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستفهام إنكاري‪ ،‬واليات هي المشتملة على صفات الرسول محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫ونعوته‪ ،‬ومن اليات المعجزات التي تجلت على يد النبي محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 2‬إعادة النداء مرة ثانية‪{ :‬يا أهل الكتاب} لجل توبيخهم وتسجيل باطلهم عليهم‪.‬‬

‫( ‪)1/330‬‬

‫ضلَ بِيَدِ اللّهِ ُيؤْتِيهِ مَنْ‬


‫ا ْلهُدَى ُهدَى اللّهِ أَنْ ُيؤْتَى َأحَدٌ مِ ْثلَ مَا أُوتِيتُمْ َأوْ ُيحَاجّوكُمْ عِ ْندَ رَ ّبكُمْ ُقلْ إِنّ ا ْلفَ ْ‬
‫علِيمٌ(‪})73‬‬
‫يَشَاءُ وَاللّ ُه وَاسِعٌ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫وجه النهار ‪ 1‬وآخره ‪ :‬أوله‪ :‬وهو الصباح‪ ،‬وأخره‪ :‬وهو المساء‪.‬‬
‫{وَل ُت ْؤمِنُوا ‪ 2‬إِل ِلمَنْ تَ ِبعَ دِي َنكُمْ} ‪ :‬أي‪ :‬ل تصدقوا إل ما كان على ملتكم‪.‬‬
‫{ا ْل ُهدَى هُدَى اللّهِ} ‪ :‬البيان الحق والتوفيق الكامل بيان ال وهداه ل ما يخلط اليهود ويلبسون‬
‫تضليلً للناس‪.‬‬
‫حدٌ مِ ْثلَ مَا أُوتِيتُمْ} ‪ :‬أن يعطى أحد نبوة ودينا وفضلً‪.‬‬
‫{أَنْ ُيؤْتَى أَ َ‬
‫{َأوْ ُيحَاجّوكُمْ عِ ْندَ رَ ّبكُمْ} ‪ :‬يخاصموكم يوم القيامة عند ربكم‪.‬‬
‫ضلَ بِ َيدِ اللّه} ‪ :‬قل إن التوفيق لليمان والهداية للسلم بيد ال ل بيد غيره‪.‬‬
‫{ ُقلْ إِنّ ا ْل َف ْ‬
‫{وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} ‪ :‬ذو سعة بفضله‪ ،‬عليم بمن يستحق فضله فيمن عليه‪.‬معنى اليات‪:‬‬
‫يخبر تعالى عن كيد اليهود ومكرهم بالمسلمين فيقول‪َ { :‬وقَاَلتْ‪ 3‬طَا ِئفَةٌ مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ آمِنُوا بِالّذِي‬
‫جعُونَ} وذلك أن كعب بن الشرف‬
‫أُنْ ِزلَ عَلَى الّذِينَ آمَنُوا َوجْهَ ال ّنهَا ِر وَا ْكفُرُوا آخِ َرهُ َلعَّلهُمْ يَرْ ِ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ومالك بن الصيف عليهما لعائن ال قال لبعض إخوانهم صلوا مع المسلمين صلة الصبح إلى‬
‫الكعبة‪ ،‬وصلوا العصر إلى الصخرة بيت المقدس فإن قيل لكم‪ :‬لم عدلتم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬سمي أول النهار‪ :‬وجها‪ :‬لنه أحسنه‪ ،‬وأول ما يواجه‪ ،‬ومنه قال الشاعر‪:‬‬
‫وتضيء في وجه النهار منيرة ‪ ...‬كجمانة البحرية سل نظامها‬
‫‪ 2‬هذا نهي من يهود خيبر إلى إخوانهم من يهود المدينة‪.‬‬
‫‪ 3‬عطف على‪{ :‬ودت طائفة} ‪ ،‬فالطائفة الولى ودت إضلل المسلمين جهرا وعلنا‪ ،‬وهذه حاولته‬
‫بالخداع والتضليل بأساليب المكر والحتيال‪.‬‬

‫( ‪)1/331‬‬

‫عن الكعبة بعد ما صليتم إليها؟ قولوا لهم قد تبين لنا أن الحق هو استقبال الصخرة ل الكعبة‪.‬‬
‫هذا معنى قوله تعالى فيهم‪َ { :‬وقَاَلتْ طَا ِئفَةٌ‪ 1‬مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ آمِنُوا ‪ 2‬بِالّذِي أُنْ ِزلَ عَلَى الّذِينَ آمَنُوا}‬
‫جهَ ال ّنهَارِ} أي‪ :‬صباحا {وَا ْكفُرُوا آخِ َرهُ} أي‪ :‬واجحدوا به مساءا‪َ{ ،‬لعَّلهُمْ‬
‫يعني في شأن القبلة‪{ ،‬وَ ْ‬
‫جعُونَ} أي‪ :‬إلى استقبال الصخرة بدلً عن الكعبة‪ ،‬والغرض هو بلبلة أفكار المسلمين وإدخال‬
‫يَرْ ِ‬
‫الشك عليهم ‪ 3‬وقوله تعالى عنهم‪{ :‬وَل ُت ْؤمِنُوا إِل ِلمَنْ تَ ِبعَ دِي َنكُمْ} يريد أنهم قالوا لبعضهم بعضا ل‬
‫تصدقوا أحدا إل لمن تبع دينكم من أهل ملتكم وهذا صرف من رؤسائهم لليهود عن السلم‬
‫وقبوله‪ ،‬أي ل تصدقوا المسلمين فيما يقولون لكم‪ ،‬وهنا رد تعالى عليهم بقوله قل يا رسولنا‪{ :‬إِنّ‬
‫ا ْلهُدَى ُهدَى اللّهِ}‪ ،‬ل ما يحتكره اليهود من الضلل ويزعمون أنه الحق والهدى وهو البدعة‬
‫حدٌ مِ ْثلَ مَا أُوتِيتُمْ َأوْ يُحَاجّوكُمْ عِنْدَ رَ ّب ُكمْ} هو قول اليهود‬
‫اليهودية‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬أَنْ ُيؤْتَى أَ َ‬
‫معطوف على قولهم‪{ :‬وَل ُت ْؤمِنُوا إِل ِلمَنْ تَ ِبعَ دِي َنكُمْ} ‪ ،‬أما قوله تعالى‪ُ { :‬قلْ إِنّ ا ْل ُهدَى‪ }...‬فهو‬
‫حدٌ‪ }...‬إلخ‪.‬‬
‫كلم معترض بين كلم اليهود الذي قُدم تعجيلً للرد عليهم‪ ،‬ومعنى قولهم‪{ :‬أَنْ ُيؤْتَى أَ َ‬
‫أي‪ :‬كراهة أن يعترف من قبلكم بأن محمدا نبي حق وأن دينه حق فيتابعه اليهود والمشركون عليه‬
‫فيسلمون‪ ،‬أو على القل يثبت المسلمون عليه‪ ،‬ونحن نريد زلزلتهم وتشكيكهم حتى يعودوا إلى‬
‫دين آبائهم‪ ،‬أو يحاجوكم عند ربكم يوم القيامة وتكون لهم الحجة عليكم إن أنتم اعترفتم لهم اليوم‬
‫بأن نبيهم حق ودينهم حق‪ ،‬فلذا واصلوا الصرار أنه ل دين حق إل اليهودية وأن ما عداها باطل‬
‫وهنا أمر تعالى رسوله أن يقول لهم مبكتا لهم‪{ :‬إِنّ ا ْل َفضْلَ بِيَدِ اللّهِ} ‪ ،‬ل بيد اليهود { ُيؤْتِيهِ} أي‪:‬‬
‫الفضل الذي هو النبوة والهدى والتوفيق وما يتبع ذلك من خير الدنيا والخرة‪{ ،‬مَنْ يَشَاءُ} من‬
‫حمَتِهِ مَنْ‬
‫عباده ويحرمه من يشاء‪ ،‬وهو الواسع الفضل العليم بمن يستأهله ويحق له {يَخْ َتصّ بِ َر ْ‬
‫ضلِ ا ْلعَظِيمِ} ‪.‬‬
‫يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو ا ْل َف ْ‬
‫__________‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 1‬الطائفة‪ :‬الجماعة‪ ،‬وسميت بها؛ لنها يسوى بها حلقة يطاف حولها‪.‬‬
‫‪ 2‬ول مانع أن يكون مرادا من الية أنهم قالوا لسفلتهم أظهروا اليمان بمحمد ودينه في أول‬
‫النهار ثم أكفروا به آخره فإنكم إن فعلتم ذلك ارتاب من يتبعه في دينه فيرجع عن دينه إلى دينكم‬
‫إل أن ما فسرنا به الية أظهر‪.‬‬
‫‪ 3‬وهذا ل يمنع أن يكون قولهم‪{ :‬آمِنُوا بِالّذِي أُنْ ِزلَ عَلَى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ ال ّنهَارِ} إظهارا منهم‬
‫للدخول في السلم والعتراف به في أول النهار‪ ،‬مكرا وخديعة‪ ،‬فإذا ولى النهار أظهروا‬
‫رجوعهم عنه لظن من رآهم أنهم يريدون الحق‪ ،‬ولذلك أسلموا‪ ،‬فلما تبين لهم بطلن السلم‬
‫وعدم صحته رجعوا عنه‪.‬‬

‫( ‪)1/332‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تسجيل المكر والخداع على اليهود وأنه صفة من صفاتهم اللزمة لهم إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ -2‬الكشف عن التعصب اليهودي وأساليب التمويه والتضليل‪ ،‬والعلم العالمي اليوم مظهر من‬
‫مظاهر التضليل اليهودي‪.‬‬
‫‪ -3‬سذاجة اليهود المتناهية في فهم مسائل الدين والعتقاد توارثوها إلى اليوم‪ ،‬وإل فأي مؤمن‬
‫بال واليوم الخر يقول‪ :‬ل تعترفوا للمسملين بأنهم على حق حتى ل يحتجوا عليكم بإعترافكم يوم‬
‫القيامة؟‪.‬‬
‫إن ال تعالى يعلم أن اليهود يجحدون السلم وهو الحق ويكفرون به وهو الحق من ربهم‬
‫وسيعذبهم في نار جهنم يخلدون فيها‪ ،‬وكونهم ل يصرحون للمسلمين بأنهم على حق وهم يعلمون‬
‫أنهم على الحق في دينهم ينجيهم هذا من عذاب ال على كفرهم بالسلم؟‪.‬‬
‫اللهم ل‪ .‬فما معنى قولهم ل تعترفوا بالسلم حتى ل يحتج عليكم المسلمون باعترافكم يوم‬
‫القيامة؟؟ إنه الجهل والسذاجة في الفهم‪ .‬وسبحان ال ماذا في الخلق من عجائب!!‪.‬‬
‫ك َومِ ْنهُمْ مَنْ إِنْ تَ ْأمَنْهُ ِبدِينَارٍ ل ُيؤَ ّدهِ إِلَ ْيكَ إِل مَا‬
‫{ َومِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ مَنْ إِنْ تَ ْأمَنْهُ ِبقِنْطَارٍ ُيؤَ ّدهِ إِلَ ْي َ‬
‫ب وَهُمْ‬
‫ل وَ َيقُولُونَ عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذ َ‬
‫لمّيّينَ سَبِي ٌ‬
‫ُد ْمتَ عَلَيْهِ قَائِما ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ا ُ‬
‫حبّ ا ْلمُ ّتقِينَ(‪ )76‬إِنّ الّذِينَ َيشْتَرُونَ ِب َع ْهدِ اللّهِ‬
‫َيعَْلمُونَ(‪ )75‬بَلَى مَنْ َأ ْوفَى ِب َعهْ ِد ِه وَاتّقَى فَإِنّ اللّهَ يُ ِ‬
‫وَأَ ْيمَا ِنهِمْ َثمَنا قَلِيلً أُولَ ِئكَ ل خَلقَ َلهُمْ فِي الخِ َر ِة وَل ُيكَّل ُمهُمُ اللّ ُه وَل يَنْظُرُ إِلَ ْي ِهمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَ ِة وَل‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ(‪})77‬‬
‫يُ َزكّيهِ ْم وََلهُمْ َ‬

‫( ‪)1/333‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{إِنْ تَ ْأمَ ْنهُ} ‪ :‬ائتمنه على كذا وضعه عنده أمانة وأمنه عليه فلم يخفه‪.‬‬
‫{ ِبقِنْطَارٍ} ‪ :‬وزن معروف‪ ،‬والمراد هنا أنه من ذهب بدليل الدينار‪.‬‬
‫{إِل مَا ُد ْمتَ عَلَيْهِ قَائِما} ‪ :‬أي ملزما له تطالبه ‪ 1‬به ليل نهار‪.‬‬
‫لمّيّينَ} ‪ :‬العرب والمشركين‪.‬‬
‫{ا ُ‬
‫{سَبِيلٌ} ‪ :‬أي‪ :‬ل يؤاخذنا ال إن نحن أكلنا أموالهم؛ لنهم مشركون‪.‬‬
‫{بَلَى} ‪ :‬أي‪ :‬ليس المر كما يقول اليهود من أنه ليس عليهم حرج ول إثم في أكل أموال العرب‬
‫المشركين بل عليهم الثم والمؤاخذة ‪.2‬‬
‫{ل خَلقَ َلهُمْ} ‪ :‬أي‪ :‬ل حظ ول نصيب لهم في خيرات الخرة ونعيم الجنان‪.‬‬
‫{وَل يُ َزكّيهِمْ}‪ :‬ل يطهرهم من ذنوبهم ول يكفرها عنهم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫مازال السياق الكريم في هتك أستار أهل الكتاب وبيان نفسياتهم المريضة وصفاتهم الذميمة ففي‬
‫هذه الية(‪ )75‬يخبر تعالى أن في اليهود من إن أمنته على أكبر مال أداه إليك وافيا كاملً‪ ،‬ومنهم‬
‫من إذا أمنته على دينار فأقل خانك فيه وأنكره عليك فل يؤديه إليك إل بمقاضاتك له وملزمتك‬
‫ك َومِ ْنهُمْ مَنْ‬
‫إياه‪ ...‬فقال تعالى في خطاب رسوله‪َ { :‬ومِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ مَنْ إِنْ تَ ْأمَنْهُ ِبقِنْطَارٍ ُيؤَ ّدهِ إِلَ ْي َ‬
‫علَيْهِ قَائِما} ‪ ،‬ويعلل الرب تعالى سلوكهم هذا بأنهم‬
‫إِنْ تَ ْأمَنْهُ ِبدِينَارٍ ل ُيؤَ ّدهِ‪ِ 3‬إلَ ْيكَ إِل مَا ُد ْمتَ َ‬
‫لمّيّينَ سَبِيلٌ} أي‪ :‬ل حرج علينا ول إثم في أكل أموال العرب لنهم‬
‫يقولون‪{ :‬لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ا ُ‬
‫مشركون فل نؤاخذ بأكل أموالهم وكذبهم ال تعالى في هذه الدعوة الباطلة فقال تعالى‪{ :‬وَ َيقُولُونَ‬
‫عَلَى اللّهِ ا ْل َك ِذبَ وَهُمْ َيعَْلمُونَ} أي‪ :‬أنه كذب على ال ولكن يكذبون ليسوغوا كذبهم وخيانتهم‪.‬‬
‫وفي الية الثانية(‪ )76‬يقول تعالى‪{ :‬بَلَى} أي‪ :‬ليس المر كما يدعون بل عليهم الثم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬استدل أبو حنيفة بقوله تعالى‪{ :‬إِل مَا ُد ْمتَ عَلَ ْيهِ قَائِما} ‪ ،‬على جواز ملزمة الغريم‪ ،‬ولم يرضه‬
‫العلماء واستدل بعض العلماء على حبس المدين بهذه الية‪.‬‬
‫‪ 2‬قال رجل لبن عباس رضي ال عنهما‪" :‬إنا نصيف في العمد من أموال أهل الذمة الدجاجة‬
‫والشاة ونقول ليس علينا في ذلك بأس‪ .‬فقال له‪ :‬هذا كما قال أهل الكتاب‪ :‬ليس علينا في الميين‬
‫سبيل‪ ،‬إنهم إذا أدوا الجزية ل تحل لكم أموالهم إل عن طيب أنفسهم‪.‬‬
‫‪ 3‬ما دام في أهل الكتاب المين والخائن والتمييز بينهم متعذر‪ ،‬إذا تعين اجتنابهم جميعا‪.‬‬

‫( ‪)1/334‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والحرج والمؤاخذة‪ ،‬وإنما ل إثم ول حرج ول مؤاخذة على من أوفى بعهد ال تعالى فآمن برسوله‬
‫وبما جاء به‪ ،‬واتقى الشرك والمعاصي فهذا الذي يحبه ال فل يعذبه؛ لنه عز وجل يحب المتقين‪.‬‬
‫وأما الية الخيرة(‪ )77‬فيتوعد الرب تعالى بأشد أنواع العقوبات أولئك الذين يعاهدون ويخونون‬
‫ويحلفون ويكذبون من أجل حطام الدنيا ومتاعها القليل فيقول‪{ :‬إِنّ الّذِينَ يَشْتَرُونَ ِب َعهْدِ اللّهِ‬
‫وَأَ ْيمَا ِنهِمْ‪َ 1‬ثمَنا قَلِيلً أُولَ ِئكَ ل خَلقَ َلهُمْ فِي الخِ َرةِ} أي‪ :‬ل حظ ول نصيب لهم في نعيم الدار‬
‫الخرة ول يكلمهم تشريفا لهم وإكراما‪ ،‬ول يزكيهم بالثناء عليهم ول بتطهيرهم من ذنوبهم‪ ،‬ولهم‬
‫عذاب مؤلم في دار الشقاء وهو عذاب دائم مقيم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬يجب أن ل يغتر باليهود ول يوثق فيهم لما عرفوا به من الخيانة‪.‬‬
‫‪ -2‬من كذب على ال أحرى به أن يكذب على الناس‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان اعتقاد اليهود في أن البشرية غير اليهود نجس وأن أموالهم وأعراضهم مباحة لليهود‬
‫حلل لهم‪ ،‬لنهم المؤمنون في نظرهم وغيرهم الكفار‪.‬‬
‫‪ -4‬عظم ذنب من يخون عهده من أجل المال‪ ،‬وكذا من يحلف كاذبا لجل المال‪ ،‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬من حلف على يمين يستحق بها مالً وهو فيها فاجر لقي ‪ 2‬ال وهو عليه‬
‫غضبان"‪.‬‬
‫ب وَ َيقُولُونَ ُهوَ مِنْ‬
‫حسَبُوهُ مِنَ ا ْلكِتَابِ َومَا ُهوَ مِنَ ا ْلكِتَا ِ‬
‫{وَإِنّ مِ ْنهُمْ َلفَرِيقا يَ ْلوُونَ أَ ْلسِنَ َتهُمْ بِا ْلكِتَابِ لِتَ ْ‬
‫ب وَهُمْ َيعَْلمُونَ(‪})78‬‬
‫عِنْدِ اللّ ِه َومَا ُهوَ مِنْ عِنْدِ اللّ ِه وَ َيقُولُونَ عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{وَإِنّ مِ ْنهُمْ َلفَرِيقا} ‪ :‬طائفة من اليهود المعاصرين للنبي صلى ال عليه وسلم بالمدينة النبوية‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أخرج أهل السنن وغيرهم عن ابن مسعود رضي ال عنه أنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪" :‬من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقطع حق امرء مسلم لقي ال وهو عليه غضبان"‬
‫‪.‬‬
‫‪ 2‬رواه أحمد وله شواهد في الصحاح‪ ،‬وروى الئمة عنه صلى ال عليه وسلم قوله‪ :‬من اقتطع‬
‫حق امرء مسلم بيمينه فقد أوجب له النار وحرم عليه النار" فقال له رجل‪ :‬وإن كان شيئا يسيرا يا‬
‫رسول ال؟ قال‪" :‬وإن كان قضيبا من آراك" ‪.‬‬

‫( ‪)1/335‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{يَ ْلوُونَ‪َ 1‬ألْسِنَ َتهُمْ} ‪ :‬يحرفون السنتهم بالكلم كأنهم يقرأون الكتاب‪.‬‬
‫{ َومَا ُهوَ مِنَ ا ْلكِتَابِ} ‪ :‬وليس هو من الكتاب‪.‬‬
‫{وَ َيقُولُونَ عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذبَ} ‪ :‬أي‪ :‬يكذبون على ال لغراض مادية‪.‬‬
‫معنى الية‪:‬‬
‫ما زال السياق في اليهود وبيان فضائحهم فأخبر تعالى أن طائفة منهم يلوون ألسنتهم بمعنى‬
‫يحرفون نطقهم بالكلم تمويها على السامعين كأنهم يقرأون التوراة وما أنزل ال فيها‪ ،‬ولي هو من‬
‫الكتاب المنزل في شيء بل هو الكذب البحت‪ ،‬ويقولون لكم إنه من عند ال وما هو من عند ال‪،‬‬
‫ويقولون على ال الكذب لجل الحفاظ على الحطام الخسيس والرئاسة الكاذبة‪.‬‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان مكر اليهود وتضليلهم وخداعهم لهم باسم الدين والعلم‪.‬‬
‫‪ -2‬جرأة اليهود على الكذب على الناس وعلى ال مع علمهم بأنهم يكذبون وهو قبح أشد وظلم‬
‫أعظم‪.‬‬
‫‪ -3‬التحذير للمسلم من سلوك اليهود في التضليل والقول على ال والرسول لجل الغراض‬
‫الدنيوية الفاسدة‪.‬‬
‫حكْ َم وَالنّ ُب ّوةَ ثُمّ َيقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا عِبَادا لِي مِنْ دُونِ اللّهِ‬
‫ب وَالْ ُ‬
‫{مَا كَانَ لِ َبشَرٍ أَنْ ُيؤْتِيَهُ اللّهُ ا ْلكِتَا َ‬
‫ب وَ ِبمَا كُنْتُمْ تَدْ ُرسُونَ(‪ )79‬وَل يَ ْأمُ َركُمْ أَنْ تَتّخِذُوا‬
‫وََلكِنْ كُونُوا رَبّانِيّينَ ِبمَا كُنْتُمْ ُتعَّلمُونَ ا ْلكِتَا َ‬
‫ا ْلمَل ِئكَ َة وَالنّبِيّينَ أَرْبَابا أَيَ ْأمُ ُركُمْ بِا ْلكُفْرِ َبعْدَ إِذْ أَنْ ُتمْ مُسِْلمُونَ(‪})80‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرئ‪{ :‬يلوون} على التكثير‪ ،‬والمعنى يحرفون الكلم عن القصد‪ ،‬وأصل اللي‪ ،‬الميل‪ .‬يقال‪ :‬لوى‬
‫رأسه‪ ،‬إذا أماله‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪{ :‬ليا بألسنتهم} أي‪ :‬ميلً عن الحق‪ ،‬واللي‪ :‬المطل أيضا لحديث‪:‬‬
‫"لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته" في الصحيح‪.‬‬

‫( ‪)1/336‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{مَا كَانَ لِ َبشَرٍ‪ : }1‬لم يكن من شأن النسان ‪ 2‬الذي يؤتيه ال الكتاب والحكمة والنبوة‪.‬‬
‫ح ْك َم وَالنّ ُب ّوةَ} ‪ :‬الكتاب‪ :‬وحي ال المكتوب والحكم‪ :‬بمعنى الحكمة وهي الفقه في أسرار‬
‫ب وَالْ ُ‬
‫{ا ْلكِتَا َ‬
‫الشرع‪ ،‬والنبوة‪ :‬ما يشرف ال تعالى به عبده من إنباءه بالغيب وتكليمه بالوحي‪.‬‬
‫{رَبّانِيّينَ‪ : }3‬جمع رباني‪ :‬من ينسب إلى الرب لكثرة عبادته وغزارة علمه‪ ،‬أو إلى الربان وهو‬
‫الذي يرب الناس فيصلح أمورهم ويقوم عليها‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{أَرْبَابا} ‪ :‬جمع رب بمعنى السيد المعبود‪.‬‬
‫{أَيَ ْأمُ ُركُمْ بِا ْلكُفْرِ} ‪ :‬الستفهام للنكار‪ ،‬والكفر هنا‪ :‬الردة عن السلم‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق في الرد على أهل الكتاب وفي هذه الية(‪ )79‬الرد على وفد نصارى نجران‬
‫خاصة وهم الذين يؤلهون المسيح عليه السلم‪ .‬قال تعالى‪ :‬ليس من شأن أي إنسان يعطيه ال‬
‫الكتاب أن ينزل عليه كتابا ويعطيه الحكم فيه وهو الفهم والفقه في أسراره فيشرفه بالنبوة فيوحي‬
‫إليه‪ ،‬ويجعله في ذمة أنبيائه‪ ،‬ثم هو ‪ 4‬يدعو الناس إلى عبادة نفسه فيقول للناس‪{ :‬كُونُوا عِبَادا لِي‬
‫مِنْ دُونِ اللّهِ} ‪ .‬إن هذا ما كان ولن يكون أبدا‪ .‬ل مما هو متصور الوقوع أيضا فما لكم أنتم يا‬
‫معشر النصارى تعتقدون هذا في المسيح عليه السلم؟ إن من أوتى مثل هذا الكمال ل يقول للناس‬
‫كونوا عبادا لي ولكن يقول لهم كونوا ربانيين تصلحون الناس وتهدونهم إلى ربهم ليكملوا بطاعته‬
‫ويسعدوا عليها‪ ،‬وذلك بتعليمهم الكتاب وتدريسه ودراسته‪.‬‬
‫هذا معنى الية(‪ )79‬أما الية(‪ )80‬فإن ال تعالى يخبر عن رسوله محمد صلى ال عليه وسلم أنه‬
‫ل يؤمر الناس بعبادة غير ربه تعالى سواء كان ذلك الغير ملكا مكرما أو نبيا مرسلً‪ ،‬وينكر على‬
‫من‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لفظ‪ :‬البشر‪ :‬يطلق على الواحد‪ ،‬والجمع؛ لنه كالمصدر‪ ،‬والمراد به هنا‪ :‬عيسى عليه السلم‪.‬‬
‫‪ 2‬أي‪ :‬ل يجتمع لنبي إتيان النبوة مع قوله‪{ :‬كُونُوا عِبَادا لِي مِنْ دُونِ اللّهِ} ‪ ،‬وإنما الذي يجتمع له‬
‫مع إتيان النبوة هو قوله‪{ :‬كونُوا رَبّانيِين} ‪.‬‬
‫‪ 3‬الرباني‪ :‬والجمع‪ :‬ربانيين‪ ،‬مشتق من‪ :‬ربه يربه‪ ،‬فهو ربان له إذا دبره وأصلحه‪.‬‬
‫‪ 4‬قالت اليهود يوما لرسول ال صلى ال عليه وسلم يوما‪ :‬أتريد أن نتخذك يا محمد ربا؟ فأنزل‬
‫حكْ َم وَالنّ ُب ّوةَ ثُمّ َيقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا عِبَادا لِي‬
‫ال تعالى قوله‪{ :‬مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ ُيؤْتِيَهُ اللّهُ ا ْلكِتَابَ وَالْ ُ‬
‫مِنْ دُونِ اللّهِ} الية‪.‬‬

‫( ‪)1/337‬‬

‫نسبوا ذلك إليه صلى ال عليه وسلم فيقول‪{ :‬أَيَ ْأمُ ُركُمْ‪ 1‬بِا ْل ُكفْرِ َب ْعدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسِْلمُونَ} فهذا ل يصح‬
‫منه ول يصدر بحال‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬لم يكن من الممكن لمن آتاه ال الكتاب والحكمة وشرفه بالنبوة أن يدعو الناس لعبادة نفسه‬
‫فضلً عن عبادة غيره‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -2‬سادات الناس هم الربانيون الذين يربون الناس بالعلم والحكمة فيصلحونهم ويهدونهم‪.‬‬
‫‪ -3‬عظماء الناس ‪ 2‬من يعلمون الناس الخير ويهدونهم إليه‪.‬‬
‫‪ -4‬السجود لغير ال تعالى كفر لما ورد أن الية نزلت ردا على من أرادوا أن يسجدوا لرسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فقال تعالى‪{ :‬أَيَ ْأمُ ُركُمْ بِا ْل ُكفْرِ َبعْدَ ِإذْ أَنْتُمْ مُسِْلمُون} ؟!‪.‬‬
‫ح ْكمَةٍ ُثمّ جَا َءكُمْ رَسُولٌ ُمصَدّقٌ ِلمَا َم َعكُمْ لَ ُت ْؤمِنُنّ‬
‫ب وَ ِ‬
‫{وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النّبِيّينَ َلمَا آتَيْ ُتكُمْ مِنْ كِتَا ٍ‬
‫شهَدُوا وَأَنَا َم َعكُمْ مِنَ‬
‫بِ ِه وَلَتَ ْنصُرُنّهُ قَالَ أََأقْرَرْتُمْ وَأَخَذْ ُتمْ عَلَى ذَِلكُمْ ِإصْرِي قَالُوا َأقْرَرْنَا قَالَ فَا ْ‬
‫سلَمَ مَنْ فِي‬
‫ن وَلَهُ أَ ْ‬
‫سقُونَ(‪َ )82‬أ َفغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَ ْبغُو َ‬
‫الشّا ِهدِينَ(‪َ )81‬فمَنْ َتوَلّى َبعْدَ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلفَا ِ‬
‫جعُونَ(‪})83‬‬
‫طوْعا َوكَرْها وَإِلَيْهِ يُ ْر َ‬
‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ َ‬
‫ال ّ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الميثاق ‪ :‬العهد المؤكد باليمين‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستفهام إنكاري‪ ،‬وفيه معنى التعجب‪ ،‬إذ ليس من شأن النبي صلى ال عليه وسلم أن يتخذ‬
‫الناس عبادا يتأله لهم‪ ،‬ومن هنا قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل يقولون أحدكم عبدي وأمتي‪ ،‬وليقل‪:‬‬
‫فتاي وفتاتي‪ .‬وليقل أحدكم ربي وليقل سيدي" ‪.‬‬
‫‪ 2‬روى ابن عبد البر عن على رضي ال عنه قوله‪" :‬من علم وعمل وعلّم دعي في ملكوت‬
‫السموات عظيما" وهو مروي عن عيسى عليه السلم‪.‬‬

‫( ‪)1/338‬‬

‫{َلمَا ‪ 1‬آتَيْ ُت ُكمْ‪ : }2‬مهما آتيتكم‪.‬‬


‫{لَ ُت ْؤمِنُنّ‪ : }3‬لتصدقن برسالته‬
‫{أََأقْرَرْ ُتمْ} ‪ :‬الهمزة الولى للستفهام التقرير‪ ،‬وأقررتم‪ :‬بمعنى اعترفتم‪.‬‬
‫{ِإصْرِي} ‪ :‬عهدي وميثاقي‪.‬‬
‫{ َفمَنْ َتوَلّى} ‪ :‬رجع عما اعترف به وأقر‪.‬‬
‫سقُونَ} ‪ :‬الخارجون عن طاعة ال ورسوله‪.‬‬
‫{ا ْلفَا ِ‬
‫{َأ َفغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَ ْبغُونَ} ‪ :‬الستفهام للنكار‪ ،‬ويبغون‪ :‬بمعنى يطلبون‪.‬‬
‫{وَلَهُ َأسْلَمَ} ‪ :‬انقاد وخضع لمجاري أقدار ال وأحكامه عليه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في الرد على نصارى نجران فيقول تعالى لرسوله اذكر لهم ما أخذ ال على‬
‫النبيين وأممهم من ميثاق أنه مهما آتاهم من كناب وحكمة ثم جاءهم رسول مصدق لما معهم من‬
‫النور والهدى ليؤمنن به ولينصرنه على أعداءه ومناؤيه من أهل الكفر وأنه تعالى قررهم فأقروا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫واعترفوا ثم استشدهم على ذلك فشهدوا وشهد تعالى فقال‪{ :‬وَأَنَا َم َعكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ} ثم أكد تعالى‬
‫ذلك مرة أخرى بأن من يعرض عن هذا الميثاق ولم يف به يعتبر فاسقا ويلقى جزاء الفاسقين فقال‬
‫سقُونَ} ‪.‬‬
‫تعالى‪َ { :‬فمَنْ َتوَلّى ‪َ 4‬ب ْعدَ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلفَا ِ‬
‫وقد نقض هذا الميثاق كل من اليهود والنصارى‪ ،‬إذ لم يؤمنوا بمحمد صلى ال عليه وسلم وبما‬
‫جاء به وقد أخذ عليهم الميثاق باليمان به‪ ،‬وبنصره‪ ،‬فكفروا به‪ ،‬وخذلوه‪ ،‬فكانوا بذلك الفاسقين‬
‫المستوجبين لعذاب ال‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرأ نافع‪{ :‬لما آتيناكم} بنون العظمة‪ ،‬وقرأ حفص‪{ :‬لما أتيتكم} بتاء المتلكم وصيغة الميثاق هي‪:‬‬
‫{َلمَا آتَيْ ُتكُمْ} إلى قوله‪{ :‬ولتنصرنه} ‪.‬‬
‫‪ 2‬قرأ أهل الكوفة‪ِ{ :‬لمَا آتَيْ ُتكُمْ} بكسر لم لما‪ ،‬أي‪ :‬لجل ما آتيتكم من كتاب‪ ...‬إلخ‪ .‬وتكون‪{ :‬ما}‬
‫موصولة بمعنى الذي‪ ،‬أي‪ :‬للذي آتيتكم‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ 3‬روى ابن كثير عن علي وابن عباس رضي ال عنهم‪ ،‬أنهما قال‪" :‬ما بعث ال نبيا من النبياء‬
‫إل أخذ عليه الميثاق لن بعث ال محمدا وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ الميثاق‬
‫على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرننه‪ ،‬وهذا غير مناف لما قال قتادة وغيره‪:‬‬
‫أن ال أخذ من النبيين ميثاقهم أن يصدق بعضهم بعضا‪.‬‬
‫‪ 4‬التولي والفسق مستحيل في حق أنبياء ال ورسله‪ ،‬ولذا فالمأخوذ عليهم‪ :‬العهد والميثاق‪ ،‬هم‬
‫أتباع النبياء والرسل‪ ،‬وإنما قال‪ :‬ميثاق النبيين؛ لنهم هم المبلغون أممهم لما أخذ عليهم‪ ،‬ويوضح‬
‫هذا قوله‪{ :‬فاشهدوا} أي‪ :‬على أممكم‪.‬‬

‫( ‪)1/339‬‬

‫ثم وبخ تعالى أهل الكتاب قائلً‪َ { :‬أ َفغَيْرَ دِينِ اللّهِ‪– 1‬يريد السلم‪ -‬يَ ْبغُونَ} أي يطلبون‪ ،‬ول أسلم‪،‬‬
‫أي‪ :‬انقاد وخضع من في السموات من الملئكة والرض من سائر المخلوقات الرضية طوعا أو‬
‫كرها‪ :2‬طائعين أو مكرهين وفوق هذا أنكم ترجعون إليه فيحاسبكم‪ ،‬ويجزيكم بأعمالكم‪.‬‬
‫سمَاوَاتِ‬
‫هذا ما تضمنته الية الخيرة(‪ )83‬إذ قال تعالى ‪َ{:‬أ َفغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَ ْبغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي ال ّ‬
‫جعُونَ} ‪.‬‬
‫طوْعا َوكَرْها وَإِلَيْهِ يُرْ َ‬
‫وَالَرْضِ َ‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان سنة ال تعالى في النبياء السابقين وهي أن يؤمن بعضهم ببعض وينصر بعضهم بعضا‪.‬‬
‫‪ -2‬كفر أهل الكتاب وفسقهم بنقضهم الميثاق وتوليهم عن السلم وإعراضهم عنه بعد كفرهم‬
‫بالنبي محمد صلى ال عليه وسلم وقد أخذ عليهم الميثاق بأن يؤمنوا به ويتبعوه‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -3‬بيان عظم شأن العهود والمواثيق عند ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -4‬النكار على من يعرض عن دين ال السلم‪ .‬مع أن الكون كله خاضع منقاد لمر ال‬
‫ومجاري أقداره مسلم له‪.‬‬
‫ط َومَا‬
‫ب وَالَسْبَا ِ‬
‫ق وَ َي ْعقُو َ‬
‫سحَا َ‬
‫ل وَإِ ْ‬
‫سمَاعِي َ‬
‫{ ُقلْ آمَنّا بِاللّ ِه َومَا أُنْ ِزلَ عَلَيْنَا َومَا أُنْ ِزلَ عَلَى إِبْرَاهِي َم وَإِ ْ‬
‫حدٍ مِ ْنهُ ْم وَنَحْنُ لَهُ مُسِْلمُونَ(‪َ )84‬ومَنْ يَبْتَغِ‬
‫أُو ِتيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنّبِيّونَ مِنْ رَ ّبهِمْ ل ُنفَرّقُ بَيْنَ أَ َ‬
‫غَيْ َر الِسْلمِ دِينا فَلَنْ ُيقْ َبلَ مِ ْن ُه وَ ُهوَ فِي الخِ َرةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ(‪})85‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستفهام للتقريع والتوبيخ‪ ،‬وروى عن الكلبي أن كعب بن الشرف اليهودي وأصحابه‬
‫اختصموا مع النصارى إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقالوا‪ :‬أينا أحق بدين إبراهيم؟ فقال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪" :‬كل الفريقين بريء من دينه" فقالوا‪ :‬ما نرضى ول نأخذ بدينك‪ .‬فنزل قوله تعالى‪:‬‬
‫{َأ َفغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَ ْبغُونَ} الية‪.‬‬
‫‪ 2‬طوعا وكرها‪ :‬مصدران في موضع الحال‪ ،‬أي‪ :‬طائعين ومكرهين‪ ،‬إذ كل مخلوق منقاد مستسلم‬
‫لما جبله ال عليه وقضاه وقدره له ل يخرج عنه بحال‪.‬‬

‫( ‪)1/340‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{الَسْبَاطِ} ‪ :‬جمع سبط والسبط الحفيد‪ ،‬والمراد بالسباط هنا أولد يعقوب الثنا عشر والسباط في‬
‫اليهود كالقبائل في العرب‪.‬‬
‫{يَبْتَغِ} ‪ :‬يطلب ويريد دينا غير الدين السلمي‪.‬‬
‫{ا ْلخَاسِرِينَ} ‪ :‬الهالكين بالخلد في نار جهنم والذين خسروا كل شيء حتى أنفسهم‪.‬معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق في حجاج أهل الكتاب فبعد أن وبخهم تعالى بقوله في اليات السابقة‪ :‬أفغير دين‬
‫ال تبتغون يا معشر اليهود والنصارى؟ فإن قالوا‪ :‬نعم‪ .‬فقل أنت ‪ 1‬يا رسولنا‪{ :‬آمَنّا بِاللّ ِه َومَا أُنْ ِزلَ‬
‫عَلَيْنَا َومَا أُنْ ِزلَ} علينا من وحي وشرع وآمنا بما أنزل على إبراهيم خليل الرحمن وما أنزل على‬
‫ولديه إسماعيل وإسحق وما أنزل على يعقوب وأولده السباط‪ ،‬وآمنا بما أوتي موسى من التوراة‬
‫وعيسى من النجيل‪ ،‬وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد من أنبياءه بل نؤمن بهم وبما‬
‫جاؤا به فل نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما هي حالكم يا معشر اليهود والنصارى‪ .‬ونحن ل‬
‫تعالى مسلمون‪ ،‬أي‪ :‬منقادون مطيعون ل نعبده بغير ما شرع ول نعبد معه سواه‪ .‬هذا معنى الية‬
‫الولى(‪ )84‬أما الية الثانية(‪ )85‬فإن ال تعالى يقرر أن كل دين غير السلم باطل‪ ،‬وأن من‬
‫يطلب دينا غير السلم لن يقبل منه بحال ويخسر في الخرة خسرانا كبيرا فقال تعالى‪َ { :‬ومَنْ‪2‬‬
‫يَبْتَغِ غَيْ َر الِسْلمِ دِينا فَلَنْ ُيقْبَلَ مِنْ ُه وَ ُهوَ فِي الخِ َرةِ مِنَ ا ْلخَاسِرِينَ} الذين يخسرون أنفسهم وأهليهم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يوم القيامة‪ ،‬وذلك هو الخسران المبين‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬ل يصح إيمان عبد يؤمن ببعض الرسل ويكفر ببعض‪ ،‬كما ل يصح إيمان عبد يؤمن ببعض‬
‫ما أنزل ال تعالى على رسله ويكفر ببعض‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في الية تعليم لرسول ال صلى ال عليه وسلم وللمؤمنين عقيدة اليمان الصحيحة التي أحبها‬
‫ال لهم ليكملوا بها ويسعدوا عليها بإذن ال تعالى‪.‬‬
‫‪ 2‬روى المام أحمد عن أبي هريرة رضي ال عنه‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬تجيء‬
‫العمال يوم القيامة فتجيء الصلة فتقول يا رب أنا الصلة فيقول‪ :‬إنك على خير‪ ،‬وتجيء‬
‫الصدقة فتقول‪ :‬يا رب أنا الصدقة‪ .‬فيقول‪ :‬إنك على خير‪ ،‬ثم يجيء الصيام فيقول‪ :‬يا رب أن‬
‫الصيام‪ .‬فيقول‪ :‬إنك على خير‪ ،‬ثم تجيء العمال كل ذلك ويقول ال تعالى إنك على خير‪ ،‬ثم‬
‫يجيء السلم فيقول‪ :‬يا رب أنت السلم‪ ،‬وأنا السلم‪ .‬فيقول ال تعالى‪ :‬إنك على خير اليوم بك‬
‫آخذ وبك أعطي‪ ،‬قال ال تعالى في كتابه ‪َ { :‬ومَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ السْلمِ دِينا فَلَنْ ُيقْبَلَ مِنْ ُه وَ ُهوَ فِي‬
‫الخِ َرةِ مِنَ ا ْلخَاسِرِينَ} "‪ .‬تفرد به أحمد‪.‬‬

‫( ‪)1/341‬‬

‫‪ -2‬السلم‪ :‬هو النقياد والخضوع ل تعالى‪ ،‬وهو يتنافى مع التخيير بين رسل ال ووحيه إليهم‪.‬‬
‫‪ -3‬بطلن سائر الديان والملل سوى الدين السلمي وملة محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ت وَاللّهُ ل َي ْهدِي‬
‫ق وَجَا َءهُمُ الْبَيّنَا ُ‬
‫حّ‬‫ش ِهدُوا أَنّ الرّسُولَ َ‬
‫{كَ ْيفَ َيهْدِي اللّهُ َقوْما َكفَرُوا َبعْدَ إِيمَا ِنهِ ْم وَ َ‬
‫ج َمعِينَ(‪ )87‬خَالِدِينَ فِيهَا‬
‫علَ ْيهِمْ َلعْنَةَ اللّ ِه وَا ْلمَل ِئكَ ِة وَالنّاسِ َأ ْ‬
‫ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ(‪ )86‬أُولَ ِئكَ جَزَاؤُهُمْ أَنّ َ‬
‫غفُورٌ‬
‫ك وََأصْلَحُوا فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫ب وَل هُمْ يُ ْنظَرُونَ(‪ )88‬إِل الّذِينَ تَابُوا مِنْ َبعْدِ ذَِل َ‬
‫خ ّففُ عَ ْنهُمُ ا ْلعَذَا ُ‬
‫ل ُي َ‬
‫رَحِيمٌ(‪})89‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{كَ ْيفَ َيهْدِي اللّهُ َقوْما} ‪ :‬الستفهام هنا للستبعاد ‪ ،1‬والهداية‪ :‬الخروج من الضلل‪.‬‬
‫{الْبَيّنَاتُ} ‪ :‬الحجج من معجزات الرسل وآيات القرآن المبينة للحق في المعتقد والعمل‪.‬‬
‫{الظّاِلمِينَ} ‪ :‬المتجاوزين الحد في الظلم المسرفين فيه حتى أصبح الظلم وصفا لزما لهم‪.‬‬
‫{َلعْنَةَ اللّهِ} ‪ :‬طرد ال لهم من كل خير‪ ،‬ولعنة الملئكة والناس‪ :‬دعائهم عليهم بذلك‪.‬‬
‫{وَل هُمْ يُ ْنظَرُونَ} ‪ :‬ول هم يمهلون من أنظره إذا أمهله ولم يعجل بعذابه‪.‬‬
‫ََأصْلَحُوا ‪ :‬أصلحوا ما أفسدوه من أنفسهم ومن غيرهم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستفهام للنفي والستبعاد‪ ،‬إذ هو بمعنى‪ :‬ل يهدي ال قوما‪ ..‬إلخ‪ .‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫كيف نومي على الفراش ولما ‪...‬‬
‫يشمل القوم غارة شعواء‬

‫( ‪)1/342‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في أهل الكتاب ‪ 1‬وإن تناولت غيرهم ممن ارتد عن السلم من بعض النصار ثم‬
‫عاد إلى السلم فأسلم وحسن إسلمه ففي كل هؤلء يقول تعالى‪{ :‬كَ ْيفَ َي ْهدِي اللّهُ َقوْما َكفَرُوا‬
‫َبعْدَ إِيمَا ِنهِمْ} فقد كفر اليهود بعيسى عليه السلم‪ ،‬وشهدوا أن الرسول محمدا حق وجاءتهم الحجج‬
‫والبراهين على صدق نبوته وصحة ما جاء به من الدين الحق‪ ،‬وال حسب سنته في خلقه ل يهدي‬
‫من أسرف في الظلم وتجاوز الحد فيه فأصبح الظلم طبعا من طباعه‪ ،‬فلهذا كانت هداية من هذه‬
‫حاله مستبعدة للغاية‪ ،‬وإن لم تكن مستحيلة ثم أخبر تعالى عنهم متوعدا لهم فقال‪{ :‬أُولَ ِئكَ جَزَاؤُهُمْ‬
‫ج َمعِينَ} {خَالِدِينَ فِيهَا} أي‪ :‬في تلك اللعنة الموجبة لهم عذاب‬
‫أَنّ عَلَ ْيهِمْ َلعْنَةَ اللّهِ وَا ْلمَل ِئكَةِ وَالنّاسِ أَ ْ‬
‫ب وَل ُهمْ يُنْظَرُونَ} أي‪ :‬ول يمهلون ليعتذروا‪ ،‬أو ل يخفف عنهم‬
‫خفّفُ عَ ْنهُمُ ا ْلعَذَا ُ‬
‫النار {ل ُي َ‬
‫العذاب‪ .‬ثم لما لم تكن توبتهم مستحيلة ولن ال تعالى يحب توبة عباده ويقبلها منهم قال تعالى‬
‫فاتحا باب رحمته لعباده مهما كانت ذنوبهم {إِل الّذِينَ تَابُوا ‪ 2‬مِنْ َب ْعدِ ذَِلكَ} الكفر والظلم‪،‬‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ} فكان هذا كالوعد منه‬
‫{وََأصْلَحُوا} نفوسهم باليمان وصالح العمال { فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫سبحانه وتعالى بأن يغفر لهم ذنوبهم ويرحمهم بدخول الجنة‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬التوغل في الشر والفساد أو الظلم والكفر قد يمنع ‪ 3‬العبد من التوبة‪ .‬ولذا وجب على العبد إذا‬
‫أذنب ذنبا أن يتوب منه فورا‪ ،‬ول يواصله مصرا عليه خشية أن يحال بنيه وبين التوبة‪.‬‬
‫‪ -2‬التوبة مقبولة متى قامت على أسسها واستوفت شروطها ومن ذلك القلع عن الذنب فورا‪،‬‬
‫والندم على ارتكابه‪ ،‬والستغفار والعزم على عدم العودة إلى الذنب الذي تاب منه وإصلح ما‬
‫أفسده مما يمكن إصلحه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى عن ابن عباس رضي ال عنهما‪" :‬أن الية نزلت في رجل من النصار أسلم ثم ارتد‬
‫ولحق بالشرك ثم راسل قومه ليسألوا له رسول ال صلى ال عليه وسلم هل له توبة فجاء قومه‬
‫وسألوا له فأنزل ال هذه الية‪{ :‬كَ ْيفَ َيهْدِي اللّهُ َقوْما} إلى {غفور رحيم} ‪ ،‬و الية تتناول اليهود‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من باب أولى وتنطبق عليهم تماما فتشمل من تاب منهم ومن لم يتب على حد سواء"‪.‬‬
‫‪ 2‬روى ابن كثير والقرطبي أن الحارث بن سويد آخا الجلس بن سويد النصاري قد ارتد بعد‬
‫إسلمه مع اثنى عشر رجلً والتحقوا بمكة ثم تاب الحارث فأسلم وحسن إسلمه‪.‬‬
‫‪ 3‬أورد هنا القرطبي سؤالً‪ ،‬وهو‪ :‬أن ظاهر الية‪{ :‬وَاللّهُ ل َي ْهدِي ا ْلقَوْمَ الظّاِلمِينَ} دال على أن‬
‫من كفر بعد إسلمه ل يهديه ال وكثيرا من الظالمين تابوا من الظلم؟‪ .‬وأجاب بقوله إن معنى ل‬
‫يهديهم ما داموا مقيمين على كفرهم وظلمهم ول يقبلون على السلم فأما إن أسلموا وتابوا فقد‬
‫وفقهم ال لذلك‪ .‬وال أعلم‪ .‬أ‪.‬هـ كلمه‪.‬‬

‫( ‪)1/343‬‬

‫{إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا َب ْعدَ إِيمَا ِنهِمْ ُثمّ ازْدَادُوا كُفْرا لَنْ ُتقْ َبلَ َتوْبَ ُتهُ ْم وَأُولَ ِئكَ هُمُ الضّالّونَ(‪ )90‬إِنّ الّذِينَ‬
‫حدِ ِهمْ مِل ُء الَ ْرضِ ذَهَبا وََلوِ افْتَدَى بِهِ أُولَ ِئكَ َلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‬
‫َكفَرُوا َومَاتُوا وَ ُهمْ ُكفّارٌ فَلَنْ ُيقْبَلَ مِنْ أَ َ‬
‫َومَا َل ُهمْ مِنْ نَاصِرِينَ(‪})91‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الكفر ‪ :‬الجحود ل تعالى والتكذيب لرسوله وما جاء به من الدين والشرع‪.‬‬
‫{ َبعْدَ إِيمَا ِنهِمْ} ‪ :‬أي‪ :‬ارتدوا عن السلم إلى الكفر‪.‬‬
‫{الضّالّونَ} ‪ :‬المخطئون طريق الهدى‪.‬‬
‫{مِل ُء الَ ْرضِ} ‪ :‬ما يملها من الذهب‪.‬‬
‫{وََلوِ افْتَدَى بِهِ} ‪ :‬ولو قدموا فداء لنفسه من النار ما قبل منه‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق في أهل الكتاب وهو هنا في اليهود خاصة إذ أخبر تعالى عنهم أنهم كفروا بعد‬
‫إيمانهم كفروا بعيسى والنجيل بعد إيمانهم بموسى والتوراة‪ .‬ثم ازدادوا ‪ 1‬كفرا بمحمد صلى ال‬
‫عليه وسلم والقرآن‪ ،‬فلن تقبل توبتهم إل إذا تابوا باليمان بمحمد صلى ال عليه وسلم والقرآن‬
‫لكنهم مصرون على الكفر بهما فكيف تقبل توبتهم‪ ،‬إذا مع إصرارهم على الكفر‪ ،‬ولذا أخبر تعالى‬
‫أنهم هم الضالون البالغون أبعد الحدود في الضلل ومن كانت هذه حاله فل يتوب ول تقبل توبته‪،‬‬
‫ثم قرر مصيرهم بقوله عز وجل‪{ :‬إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا َومَاتُوا وَهُمْ ُكفّارٌ فَلَنْ ُيقْ َبلَ مِنْ َأحَدِ ِهمْ مِلءُ‬
‫الَ ْرضِ ذَهَبا} يريد يوم القيامة مع أنه ل مال يومئذ ولكن من باب الفرض والتقدير ل غير‪ .‬فلو‬
‫أن لحدهم ملء الرض ذهبا وقبل منه فداء لنفسه من عذاب ال لفتدى‪ ،‬ولكن‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أورد القرطبي إشكالً عن قوله تعالى‪{ :‬لَنْ ُتقْ َبلَ َتوْبَ ُتهُمْ} مع العلم أن ال تعالى يقبل توبة العبد‬
‫ما لم يغرر‪ ،‬كما صح في الخبر‪ ،‬وكيف وهو القائل‪{ :‬وَ ُهوَ الّذِي َيقْبَلُ التّوبَةَ عَنْ عِبَا ِد ِه وَ َيعْفُو عَنِ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫السّيّئَات} ‪ ،‬وذكر ثلثة أجوبة‪ :‬الول‪ :‬أنه ل يقبل توبتهم عند الموت‪ ،‬كما هو نص الية‪{ :‬حَتّى‬
‫حدَ ُهمُ ا ْل َم ْوتُ قَالَ إِنّي تُ ْبتُ النَ‪ . }...‬الثاني‪ :‬أنها ل تقبل توبتهم التي كانت قبل كفرهم‬
‫حضَرَ أَ َ‬
‫إِذَا َ‬
‫إن الكفر محبط للعمل‪ .‬والثالث‪ :‬أنها ل تقبل وهم مصرون على الكفر‪ .‬قلت‪ :‬وهذا أمثلها وهو ما‬
‫ذكرته في تفسير الية‪ .‬وال أعلم‪.‬‬

‫( ‪)1/344‬‬

‫هيهات هيهات ‪ 1‬إنه يوم ل ينفع فيه مال ول بنون‪ ،‬ولكن من جاء ربه بقلب سليم من الشرك‬
‫والشك وسائر أمراض القلوب نجا من النار ودخل الجنة بإذن ال تعالى‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬سنة ال فيمن توغل في الكفر أو الظلم أو الفسق وبلغ حدا ًبعيدا أنه ل يتوب‪.‬‬
‫‪ -2‬اليأس من نجاة من مات كافرا يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ -3‬ل فدية تقبل يوم القيامة من أحد ول فداء لحد فيه‪.‬‬
‫شيْءٍ فَإِنّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ(‪})92‬‬
‫ن َومَا تُ ْنفِقُوا مِنْ َ‬
‫{لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتّى تُ ْنفِقُوا ِممّا تُحِبّو َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{لَنْ تَنَالُوا} ‪ :‬لن تحصلوا عليه وتظفروا به‪.‬‬
‫{الْبِرّ} ‪ :‬كلمة جامعة لكل خير‪ ،‬والمراد به هنا ثوابه وهو الجنة‪.‬‬
‫{تُ ْن ِفقُوا} ‪ :‬تتصدقوا‪.‬‬
‫{ ِممّا تُحِبّونَ} ‪ :‬من المال الذي تحبونه لنفسكم وهو أفضل أموالكم عندكم‪.‬‬
‫شيْءٍ} ‪ :‬يريد قلّ أو كثر‪.‬‬
‫{مِنْ َ‬
‫علِيمٌ} ‪ :‬لزمه أنه يجزيكم به بحسب كثرته أو قلته‪.‬‬
‫{فَإِنّ اللّهَ بِهِ َ‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫يخبر تعالى عباده المؤمنين الراغبين في بره ‪ 2‬تعالى وإفضاله بأن ينجيهم من النار ويدخلهم الجنة‬
‫بأنهم لن يظفروا بمطلوبهم من بر ربهم حتى ينفقوا من أطيب أموالهم وأنفسها عندهم وأحبها‬
‫إليهم‪ .‬ثم أخبرهم مطمئنا لهم على إنفاقهم أفضل أموالهم بأن ما ينفقونه من قليل‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى البخاري ومسلم عن أبي قتادة عن أنس أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬يجاء بالكافر‬
‫يوم القيامة فيقال له‪ :‬أرأيت لو كان لك ملء الرض ذهبا أكنت تفتدي به؟ فيقول‪ :‬نعم‪ .‬فيقال له‪:‬‬
‫كذبت‪ ،‬قد سئلت ما هو أيسر من ذلك فلم تفعل" ‪.‬‬
‫‪ 2‬يطلق لفظ البر على العمل الصالح أو هو جماعه وثوابه‪ ،‬وفي الصحيح‪ ،‬يقول الرسول صلى‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ال عليه وسلم‪" :‬عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ول يزال‬
‫الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند ال صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى‬
‫الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ول يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند ال‬
‫كذابا" ‪.‬‬

‫( ‪)1/345‬‬

‫أو كثير نفيس أو خسيس هو به عليم وسيجزيهم به‪ ،‬وبهذا حبب إليهم النفاق ورغبهم فيه فجاء‬
‫أبو طلحة رضي ال عنه يقول يا رسول ال‪ :‬أن ال تعالى‪{ :‬لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتّى تُ ْن ِفقُوا ِممّا‬
‫تُحِبّونَ} ‪ ،‬وإن من أحب أموالي إليّ بيرحا "حديقة" فأجعلها حيث أراك ال يا رسول ال‪ ،‬فقال له‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬مال رابح أو رائج اجعلها في أقربائك" فجعلها في أقربائه حسان بن ثابت‬
‫وأبي بن كعب رضي ال عنهم أجمعين‪.‬‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬البر وهو فعل الخير يهدي إلى الجنة‪.‬‬
‫‪ -2‬لن يبلغ العبد بر ال وما عنده من نعيم الخرة حتى ينفق من أحب أمواله إليه‪.‬‬
‫‪ -3‬ل يضيع المعروف عند ال تعالى قل أو كثر طالما أريد وجهه تعالى‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لما نزلت هذه الية‪{ :‬لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتّى تُ ْن ِفقُوا ِممّا ُتحِبّونَ} بادر الصحاب رضي ال عنهم‬
‫بالتصدق بأحب أموالهم إليها فأعتق عمر جارية له من أحب الجواري إليه‪ ،‬وأعتق ولده موله‬
‫نافعا‪ ،‬وتصدق زيد بن حارثة بفرس له كانت أحب ما يملك‪ ،‬وتصدق أبو طلحة ببستانه "بيرحا"‬
‫فدل هذا على فقه الصحابة ومدى استجابتهم لما هو خير عند ال وأعظم أجرا‪ .‬فرضى ال عنهم‬
‫وأرضاهم ول حرمنا حبهم وجوارهم‪.‬‬

‫( ‪)1/346‬‬

‫الجزء الرابع‬
‫طعَامِ كَانَ حِلّ لِبَنِي ِإسْرائيلَ إِل مَا حَرّمَ إِسْرائيلُ عَلَى َنفْسِهِ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ تُنَ ّزلَ ال ّتوْرَاةُ ُقلْ‬
‫{ ُكلّ ال ّ‬
‫فَأْتُوا بِال ّتوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ(‪َ )93‬فمَنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذبَ مِنْ َبعْدِ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ هُمُ‬
‫الظّاِلمُونَ(‪ُ )94‬قلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتّ ِبعُوا مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفا َومَا كَانَ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ(‪ )95‬إِنّ َأوّلَ بَ ْيتٍ‬
‫ُوضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي بِ َبكّةَ مُبَارَكا وَهُدىً لِ ْلعَاَلمِينَ(‪ )96‬فِيهِ آيَاتٌ بَيّنَاتٌ َمقَامُ إِبْرَاهِي َم َومَنْ َدخَلَهُ كَانَ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ل َومَنْ َكفَرَ فَإِنّ اللّهَ غَ ِنيّ عَنِ ا ْلعَاَلمِينَ(‪)97‬‬
‫علَى النّاسِ حِجّ الْبَ ْيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَ ْيهِ سَبِي ً‬
‫آمِنا وَلِلّهِ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫طعَامِ‪ : }1‬اسم لكل ما يطعم من أنواع المأكولت‪.‬‬
‫{ال ّ‬
‫حل ‪ :‬الحل‪ :‬الحلل‪ ،‬وسمى حللً لنحلل عقدة الحظ عنه‪.‬‬
‫بني إسرائيل ‪ :‬أولد يعقوب الملقب بإسرائيل المنحدرون من أبنائه الثنى عشر إلى يومنا هذا‪.‬‬
‫{حَرّمَ} ‪ :‬حظر ومنع‪.‬‬
‫{ال ّتوْرَاةُ} ‪ :‬كتاب أنزل على موسى عليه السلم وهو من ذرية إسرائيل‪.‬‬
‫{فَاتْلُوهَا} ‪ :‬اقرأوها على رؤوس المل لنتبين صحة دعواكم من بطلنها‪.‬‬
‫افترى ‪ 2‬الكذب ‪ :‬اختلقه وزوره وقاله‪.‬‬
‫{مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ} ‪ :‬دينه وهي عبادة ال تعالى بما شرع‪ ،‬ونبذ الشرك والبدع‪.‬‬
‫{حَنِيفا‪ : }3‬مائلً عن الشرك إلى التوحيد‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الطعام‪" :‬أل" للجنس‪ ،‬ولفظ‪ :‬كل‪ ،‬للتنصيص على العموم‪.‬‬
‫‪ 2‬الفتراء‪ :‬كالختلق سواء‪ ،‬والفتراء مأخوذ من الفري‪ ،‬وهو قطع الجلد قطعا ليصلح بها قربة‬
‫وحذاء ونحوهما‪.‬‬
‫‪ 3‬حنيفا منصوب على الحال وصاحبها إبراهيم المجرور بالضافة‪.‬‬

‫( ‪)1/347‬‬

‫بِ َبكّةَ ‪ :‬مكة‪.‬‬


‫لِ ْلعَاَلمِينَ ‪ :‬للناس أجمعين‪.‬‬
‫َمقَامُ إِبْرَاهِيمَ‪ : 1‬آية من اليات وهو الحجر الذي قام عليه أثناء بناء البيت فارتسمت قدماه وهو‬
‫صخر فكان هذا آية‪.‬‬
‫َمَنْ َدخَلَهُ ‪ :‬الحرم الذي حول البيت يحددوه المعروفة‪.‬‬
‫آمِنا ‪ :‬ل يخاف على نفس ول مال ول عرض‪.‬‬
‫الحج ‪ :‬قصد البيت للطواف به وأداء بقية المناسك‪.‬‬
‫سَبِيلً ‪ :‬طريقا والمراد القدرة على السير إلى البيت والقيام بالمناسك‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في الحجاج مع أهل الكتاب فقد قال يهود للنبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬كيف تدعي‬
‫أنك على دين إبراهيم‪ ،‬وتأكل ما هو محرم في دينه من لحوم البل وألبانها‪ ،‬فرد ال تعالى على‬
‫طعَامِ كَانَ حِلّ} أي حللً لبني إسرائيل‪ ،‬وهم ذرية يعقوب الملقب‬
‫هذا الزعم الكاذب بقوله‪ُ { :‬كلّ ال ّ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بإسرائيل‪ ،‬ولم يكن هناك شيء محرم عليهم في دين إبراهيم اللهم إل ما حرم إسرائيل "يعقوب"‬
‫على نفسه خاصة وهو لحوم البل وألبانها لنذر نذره وهو أنه مرض ‪ 2‬مرضا آلمه فنذر ‪ 3‬ل‬
‫تعالى إن شفاه ترك أحب الطعام والشراب إليه‪ ،‬وكانت لحوم البل وألبانها من أحب الطعمة‬
‫طعَامِ كَانَ حِلّ لِبَنِي إِسْرائيلَ إِل مَا‬
‫والشربة إليه فتركها ل تعالى‪ ،‬هذا معنى قوله تعالى‪ُ { :‬كلّ ال ّ‬
‫حَرّمَ إِسْرائيلُ عَلَى َنفْسِهِ} من قبل أن تنزل التوراة‪ ،‬إذ التوراة نزلت على موسى بعد إبراهيم‬
‫ويعقوب بقرون عدة‪ ،‬فكيف تدعون أن إبراهيم كان ل يأكل لحوم البل ول يشرب ألبانها فأتوا‬
‫بالتوراة فاقرؤوها فسوف تجدون أن ما حرم ال تعالى على اليهود إنما كان لظلمهم واعتدائهم‬
‫فحرم عليهم أنواعا من الطعمة‪ ،‬وذلك بعد إبراهيم ويعقوب‬
‫__________‬
‫‪ 1‬مقام إبراهيم من جملة اليات‪ ،‬إذ أثر قدمي إبراهيم باقية على المقام الذي هو صخرة‪ ،‬وفيه قال‬
‫أبو طالب‪:‬‬
‫وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة ‪ ...‬على قدميه حافيا غير ناعل‬
‫وأمر تعالى بالصلة خلفه في قوله‪{ :‬وَاتّخِذُوا مِنْ َمقَامِ إِبْرَاهِيمَ ُمصَّلىً} فمن طاف بالبيت يختم‬
‫طوافه بصلة ركعتين خلفه‪.‬‬
‫‪ 2‬أكثر الروايات على أن مرض يعقوب كان بعرق النساء‪ ,‬وأن ما نذره من ترك أحب الطعام‬
‫والشراب إليه كان باجتهاد منه وليس شرعا عنده‪ ،‬إذ هو من المباح‪ ،‬وللعبد أن يترك مباحا متى‬
‫شاء لسيما إن تركه ل تقربا إليه وتوسلً لقضاء حاجته؛ كشفاء من مرض مثلً‪.‬‬
‫‪ 3‬روى ابن ماجة في سننه عن أنس ابن مالك قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫"شفاء عرق النساء إلية شاه (عربية)"‪ ،‬تذاب ثم تجزأ ثلثة أجزاء‪ ،‬ثم يشرب على الريق كل يوم‬
‫جزء"‪ .‬قال أنس فوصفته لكثر من مائة فبرأ بإذن ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)1/348‬‬

‫بقرون طويلة‪ .‬قال تعالى في سورة النساء‪{ :‬فَ ِبظُلْمٍ مِنَ الّذِينَ هَادُوا "اليهود" حَ ّرمْنَا عَلَ ْيهِمْ طَيّبَاتٍ‬
‫ظفُرٍ‪َ 1‬ومِنَ الْ َبقَ ِر وَا ْلغَنَمِ‬
‫أُحِّلتْ َل ُهمْ} وقال في سورة النعام‪{ :‬وَعَلَى الّذِينَ هَادُوا حَ ّرمْنَا ُكلّ ذِي ُ‬
‫شحُومَ ُهمَا} الية‪.‬‬
‫حَ ّرمْنَا عَلَ ْي ِهمْ ُ‬
‫ولما طولبوا بالتيان بالتوراة وقراءتها بهتوا ولم يفعلوا فقامت الحجة لرسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم عليهم‪.‬‬
‫علَى اللّهِ ا ْلكَ ِذبَ} بعد قيام الحجة بأن ال تعالى لم يحرم على إبراهيم‬
‫وقوله تعالى‪َ { :‬فمَنِ افْتَرَى َ‬
‫ول على بني إسرائيل شيئا من الطعام والشراب إل بعد نزول التوراة باستثناء ما حرم إسرائيل‬
‫على نفسه من لحمان البل وألبانها فاؤلئك هم الظالمون بكذبهم على ال تعالى وعلى الناس‪ .‬ومن‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هنا أمر ال تعالى رسوله أن يقول‪ :‬صدق ال فيما أخبر به رسوله ويخبره به وهو الحق من ال‪،‬‬
‫إذا فاتبعوا يا معشر اليهود ملة إبراهيم الحنيف الذي لم يكن أبدا من المشركين‪.‬‬
‫هذا ما تضمنته اليات الثلث‪ ،95-94-93 :‬وأما قوله تعالى‪ { :‬إِنّ َأ ّولَ بَ ْيتٍ‪ُ 2‬وضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي‬
‫بِ َبكّةَ مُبَارَكا وَهُدىً لِ ْلعَاَلمِينَ} فإنه متضمن الرد ‪ 3‬على اليهود الذين قالوا إن بيت المقدس هو أول‬
‫قبلة شرع للناس استقبالها فلم يعدل محمد وأصحابه عنها إلى استقبال الكعبة؟ وهي متأخرة الوجود‬
‫فأخبر تعالى أن أول بيت وضع للناس هو الكعبة ل بيت المقدس وأنه جعله مباركا يدوم بدوام‬
‫الدنيا والبركة ل تفارقه‪ ،‬فكل من يلتمسها بزيارته وحجه والطواف به يجدها ويحظى بها‪ ،‬كما‬
‫جعله هدى للعالمين‪ ،‬فالمؤمنون يأتون حجاجا وعمارا فتحصل لهم بذلك أنواع من الهداية‪،‬‬
‫والمصلون في مشارق الرض ومغاربها يستقبلونه في صلتهم‪ ،‬وفي ذلك من الهداية للحصول‬
‫على الثواب وذكر ال والتقرب إليه أكبر هداية‪ ،‬وقوله تعالى في آيات بينات يريد‪ :‬في المسجد‬
‫الحرام دلئل واضحات منها‪ :‬مقام إبراهيم وهو الحجر الذي كان يقوم عليه أثناء بناء البيت حيث‬
‫بقى أثر قدميه عليه مع إنه صخرة من الصخور ومنها زمزم والحجر والصفا والمروة وسائر‬
‫المشاعر كلها آيات ومنها‪ :‬المن التام لمن دخله فل‬
‫__________‬
‫‪ 1‬راجع تفسير هذه الية في موضعها من سورة النعام‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرج مسلم في صحيحه عن أبي ذر الغفاري رضي ال عنه قال‪" :‬سألت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الرض قال‪ :‬المسجد الحرام‪ .‬قلت‪ :‬ثم أي؟ قال‪ :‬المسجد‬
‫القصى‪ .‬قلت‪ :‬كم بينهما؟ قال‪ :‬أربعون عاما‪ ،‬ثم جعلت الرض لك مسجدا فحيثما أدركتك‬
‫الصلة فصلِ"‪.‬‬
‫‪ 3‬ذكر القرطبي عن مجاهد قوله‪ :‬تفاخر المسلمون واليهود‪ .‬فقالت اليهود‪ :‬بيت المقدس أفضل‬
‫وأعظم من الكعبة لنه مهاجر النبياء في الرض المقدسة‪ .‬وقال المسلمون‪ :‬بل الكعبة أفضل‪.‬‬
‫ت ُوضِعَ لِلنّاسِ‪ }..‬الية‪.‬‬
‫فأنزل ال تعالى هذه الية‪{ :‬إِنّ َأ ّولَ بَ ْي ٍ‬

‫( ‪)1/349‬‬

‫يخاف غير ال تعالى‪ .‬قال تعالى‪َ { :‬ومَنْ دَخََلهُ‪ 1‬كَانَ آمِنا} ثم هذا المن له والعرب يعيشون في‬
‫جاهلية جهلء وفوضى ل حد لها‪ ،‬ولكن ال جعل في قلوبهم حرمة الحرم وقدسيته ووجوب أمن‬
‫كل من يدخله ليحجه أو يعتمره‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجّ الْبَ ْيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ‪2‬‬
‫سَبِيلً} ‪ ،‬لما ذكر تعالى البيت الحرام وما فيه من بركات وهدايات وآيات ألزم عباده المؤمنين به‬
‫وبرسوله بحجه ليحصل لهم الخير والبركة والهداية‪ ،‬ففرضه بصيغة‪َ { :‬ولِلّهِ عَلَى النّاسِ} وهي أبلغ‬
‫صيغ اليجاب‪ ،‬واستثنى العاجزين عن حجه واعتماره بسبب مرض أو خوف قلة نفقة للركوب‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والنفاق على النفس والهل أيام السفر‪.‬‬
‫وقوله تعالى في آخر الية‪َ { :‬ومَنْ َكفَرَ فَإِنّ اللّهَ غَ ِنيّ عَنِ ا ْلعَاَلمِينَ} فإنه خبر منه تعالى بأن من‬
‫كفر بال ورسوله وحج بيته بعد ما ذكر من اليات والدلئل الواضحات فإنه ل يضر إل نفسه‪،‬‬
‫أما ال تعالى فل يضره شيء وكيف وهو القاهر فوق عباده والغني عنهم أجمعين‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ثبوت النسخ في الشرائع اللهية‪ ،‬إذ حرم ال تعالى على اليهود بعض ما كان حلً لهم‪.‬‬
‫‪ -2‬إبطال دعوى دعوى اليهود أن إبراهيم كان محرما عليه البل وألبانها‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير النبوة المحمدية لتحدي اليهود وعجزهم عن دفع الحق الذي جاء به محمد صلى ال‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -4‬البيت الحرام كان قبل بيت المقدس وأن البيت الحرام أول بيت وضع للتعبد بالطواف به‪.‬‬
‫‪ -5‬مشروعية طلب البركة لزيارة ا لبيت وحجه والطواف به والتعبد حوله‪.‬‬
‫‪ -6‬وجوب الحج على الفور ‪ 3‬لمن لم يكن له مانع يمنعه من ذلك‪.‬‬
‫‪ -7‬الشارة إلى كفر من يترك الحج وهو قادر عليه‪ ،‬ول مانع يمنعه منه غير ‪ 4‬عدم المبالة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬سورة اللفظ خبر‪ ،‬ومعناه النشاء‪ ،‬أي‪ :‬المر بمعنى‪ :‬فمن دخله فأمنوه‪ ،‬هكذا قال بعضهم ول‬
‫منافاة بين القولين‪ ،‬فإن الحرم كان آمنا في عهد الجاهلية قرونا بما ألقى ال في قلوب العرب من‬
‫حرمة الحرم إن بيت المقدس تسلط عليه الجبابرة‪ ،‬فخربوه غير مرة‪ ،‬ومكة رد ال الطغاة عنها‪.‬‬
‫‪ 2‬تواردت طرق حديث‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم سئل عن السبيل في قوله تعالى‪ { :‬مَنِ‬
‫اسْ َتطَاعَ ِإلَيْهِ سَبِيلً} فقال‪" :‬الزاد والرحلة" ‪ .‬وهو كذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬مما يدل على فورية الحج إذا توفرت النفقة وآمن الطريق وزالت الموانع‪ ،‬قوله صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ " :‬تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم ل يدري ما يعرض له" ‪ .‬رواه أحمد‪ .‬فما دمنا مأمورين‬
‫بالتعجل كان الفور ألزم والتراخي أبعد‪ .‬وال أعلم وأعز وأحكم‪.‬‬
‫‪ 4‬الجماع على أن الحج مرة واحدة في العمر لقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل‪ ،‬ولو قلت نعم‬
‫لوجبت" إذ سأل سأئل قائلً‪ :‬أفي كل عام يا رسول ال‪ ،‬وذلك لما نزلت‪{ :‬ول على الناس حج‬
‫البيت‪ .}...‬ومما يؤكد فرضيته وهي مؤكدة بخطاب ال تعالى أن عمر رضي ال عنه قال‪" :‬من‬
‫أطاق الحج فلم يحج فسواء عليه مات يهوديا أو نصرانيا" قال ابن كثير اسناده صحيح‪.‬‬

‫( ‪)1/350‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شهِيدٌ عَلَى مَا َت ْعمَلُونَ(‪ُ )98‬قلْ يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ لِمَ‬
‫{ ُقلْ يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ ِلمَ َت ْكفُرُونَ بِآيَاتِ اللّ ِه وَاللّهُ َ‬
‫عمّا َت ْعمَلُونَ(‪})99‬‬
‫شهَدَاءُ َومَا اللّهُ ِبغَا ِفلٍ َ‬
‫عوَجا وَأَنْتُمْ ُ‬
‫َتصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَ ْبغُو َنهَا ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الكفر ‪ :‬الجحود‪.‬‬
‫آيات ال ‪ :‬ما أنزل تعالى من الحجج والبينات في القرآن المقررة لنبوة محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫وما أنزله تعالى في التوراة والنجيل من صفات النبي صلى ال عليه وسلم ونعوته الموجبة‬
‫لليمان به واتباعه على دين الحق الذي جاء به وهو السلم‪.‬‬
‫شهِيدٌ عَلَى مَا َت ْعمَلُونَ‪ : }1‬عليم به مطلع عليه‪ ،‬وما يعملونه هو الكفر والشر والفساد‪.‬‬
‫{َ‬
‫{ َتصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ‪ : }2‬تصرفون الناس ممن آمن منكم ومن العرب عن السلم الذي هو‬
‫سبيل ال تعالى المفضي بأهله إلى سعادة الدارين‪.‬‬
‫عوَجا‪ : }3‬تطلبون لها العوج حتى تخرجوا بها عن الحق والهدى فيضل سالكها وذلك‬
‫{تَ ْبغُو َنهَا ِ‬
‫بالتحريف والتضليل‪.‬‬
‫شهَدَاءُ} ‪ :‬بعلمكم بأن السلم حق‪ ،‬وأن ما تبغونه له من من الضلل لهله والتضليل هو‬
‫{وَأَنْتُمْ ُ‬
‫كفر وباطل‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫بعد دحض ال تعالى شبه أهل الكتاب وأبطلها في اليات السابقة أمر تعالى رسوله‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا دال على أن أهل الكتاب يؤمنون بعموم علم ال وأنه ل يخفى عليه شيء في الرض ول‬
‫في السماء‪ ،‬فلهذا كان توبيخهم أشد‪.‬‬
‫‪ 2‬قرئ‪{ :‬يصدون} من صد‪ ،‬إذ يقال‪ :‬صده وأصده عن كذا‪ ،‬صرفه عنه‪.‬‬
‫‪ 3‬أصلها تبغون لها فحذفت اللم‪ ،‬نحو‪{ :‬كالوهم} أي‪ :‬كالوا لهم‪.‬‬

‫( ‪)1/351‬‬

‫أن يقول لهم موبخا مسجلً عليهم الكفر يا أهل الكتاب لم تكفرون بحجج ال تعالى وبراهينه‬
‫المثبتة لنبوة نبيه محمد صلى ال عليه وسلم ودينه السلم تلك الحجج والبراهين التي جاء بها‬
‫القرآن والتوراة والنجيل معا؟ وال جل جلله مطلع على كفركم عليم به‪ ،‬أما تخافون عقابه أما‬
‫تخشون عذابه؟‪.‬‬
‫كما أمر تعالى رسوله أيضا أن يقول لهم مؤنبا موبخا لهم على صرفهم المؤمنين عن السلم‬
‫بأنواع الحيل والتضليل‪{ :‬يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ‪ }1‬أي‪ :‬يا أهل العلم الول لم تصرفون المؤمنون عن‬
‫السلم الذي هو سبيل ال بما تثيرونه بينهم من الشكوك والوهام تطلبون للسلم العوج‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لينصرف المؤمنون عنه‪ ،‬مع علمكم التام بصحة السلم وصدق نبيه محمد عليه الصلة والسلم‬
‫أما تخافون ال‪ ،‬أما تخشونه تعالى وهو مطلع على سوء تدبيركم غير غافل عن مكركم وغشكم‬
‫وخداعكم‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬شدة قبح كفر وظلم من كان عالما من أهل الكتاب بالحق ثم كفره وجحده بغيا وحسدا‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة صرف الناس عن الحق والمعروف بأنواع الحيل وضروب الكذب والخداع‪.‬‬
‫‪ -3‬علم ال تعالى بكل أعمال عباده من خير وشر وسيجزيهم بها فضلً منه وعدلً‪.‬‬
‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقا مِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ يَرُدّوكُمْ َبعْدَ إِيمَا ِنكُمْ كَافِرِينَ(‪)100‬‬
‫ن وَأَنْتُمْ تُ ْتلَى عَلَ ْي ُكمْ آيَاتُ اللّ ِه َوفِيكُمْ رَسُولُ ُه َومَنْ َيعْ َتصِمْ بِاللّهِ َفقَدْ ُه ِديَ إِلَى صِرَاطٍ‬
‫َوكَيْفَ َت ْكفُرُو َ‬
‫مُسْ َتقِيمٍ(‪)101‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أخرج ابن إسحاق في سبب نزول هذه الية‪{ :‬يا أهل الكِتَابْ‪ }...‬إن شماس بن قيس اليهودي‬
‫رأى جماعة من المسلمين من الوس والخزرج باديا عليهم الوثام "المحبة" فغاظه ذلك‪ ،‬فأمر أحد‬
‫اليهود أن يجلس بينهم ويذكرهم بحرب بعاث‪ ،‬وفعل فحدث نزاع بينهم أدى إلى الخروج إلى‬
‫الحرة للتقاتل وفعلً خرجوا وسمع بذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم فخرج إليهم وهدأهم‬
‫بقوله‪" :‬أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم" ‪ ،‬وما زال يعظهم حتى ألقوا السلح وتعانقوا وهم‬
‫يبكون وعرفوا أنها مكرة يهود وخدعتهم عليهم لعائن ال وأنزل تعالى هذه الية والتي قبلها‪.‬‬

‫( ‪)1/352‬‬

‫صمُوا ِبحَ ْبلِ اللّهِ‬


‫ل وَأَنْتُمْ مُسِْلمُونَ(‪ )102‬وَاعْ َت ِ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّهَ حَقّ ُتقَاتِ ِه وَل َتمُوتُنّ ِإ ّ‬
‫خوَانا‬
‫جمِيعا وَل َتفَ ّرقُوا وَا ْذكُرُوا ِن ْع َمتَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَّلفَ بَيْنَ قُلُو ِبكُمْ فََأصْبَحْتُمْ بِ ِن ْعمَتِهِ إِ ْ‬
‫َ‬
‫حفْ َرةٍ مِنَ النّارِ فَأَ ْنقَ َذكُمْ مِ ْنهَا كَذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ َل ُكمْ آيَا ِتهِ َلعَّلكُمْ َتهْتَدُونَ(‪})103‬‬
‫شفَا ُ‬
‫َوكُنْتُمْ عَلَى َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{فَرِيقا} ‪ :‬طائفة ‪ 1‬من الحاقدين على الٍسلم العاملين على الكيد له والمكر به وبأهله‪.‬‬
‫{يَ ُردّوكُمْ} ‪ :‬يرجعوكم إلى الكفر بعد إيمانكم‪.‬‬
‫{ َوكَ ْيفَ َت ْكفُرُونَ} ‪ :‬الستفهام للنكار والتعجب من كفرهم بعد إيمانهم‪.‬‬
‫{آيَاتُ اللّهِ} ‪ :‬آيات القرآن الكريم‪.‬‬
‫{ َيعْ َتصِمْ} ‪ :‬يتمسك بشدة‪.‬‬
‫{حَقّ ُتقَاتِهِ} ‪ :‬باستفراغ الوسع في إمتثال أمره‪ ،‬واجتناب نهيه‪ ،‬وتقاته ‪ 2‬هي تقواه‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ ِبحَ ْبلِ اللّهِ} ‪ :‬كتابه القرآن ودينه السلم‪ ،‬لن الكتاب والدين هما الصلة التي تربط المسلم بربه‪،‬‬
‫وكل ما يربط ويشد شيئا بآخر هو سبب وحبل‪.‬‬
‫{فَأَّلفَ بَيْنَ قُلُو ِبكُمْ} ‪ :‬جمعها على أخوة اليمان ووحد ببنها بعد الختلف والنفرة‪.‬‬
‫حفْ َرةٍ} ‪ :‬شفا الحفرة‪ :‬حافتها وطرفها بحيث لو غفل الواقف عليها وقع فيها‪.‬‬
‫شفَا ُ‬
‫{َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قالوا هم‪ :‬شاس اليهودي وأصحابه الذين أثاروا الفتنة بين الوس والخزرج ولكن العبرة بعموم‬
‫اللفظ ل بخصوص السبب فطاعة أعداء السلم من اليهود والنصارى كانت وما زالت سبب دمار‬
‫أمة السلم‪.‬‬
‫‪ 2‬التقاء اسم مصدر اتقى يتقي إتقاءا‪ ،‬وأصلها‪ :‬وقي فتحرك حرف العلة فانفتح ما قبله فقلبه واوا‪،‬‬
‫فصارت وقاه‪ ،‬وأبدلت الواو تاء فصارت تقاة‪.‬‬

‫( ‪)1/353‬‬

‫أنقذكم منها ‪ :‬بهدايتكم إلى السلم وبذلك أنجاكم من النار‪.‬معنى اليات‪:‬‬


‫بعد أن وبخ تعالى اليهود على خداعهم ومكرهم وتضليلهم للمؤمنين وتوعدهم على ذلك‪ ،‬نادى‬
‫المؤمنين محذرا إياهم من الوقوع في شباك المضللين من اليهود فقال‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ‬
‫تُطِيعُوا فَرِيقا مِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ يَرُدّوكُمْ َب ْعدَ إِيمَا ِنكُمْ كَافِرِينَ} ‪ ،‬وذلك أن نفرا من الوس‬
‫والخزرج كانوا جالسين في مجلس يسودهم الود والتصافي ببركة السلم الذي هداهم ال تعالى‬
‫إليه فمر بهم شاس بن قيس اليهودي فآلمه ذلك التصافي والتحابب وأحزنه بعد أن كان اليهود‬
‫يعيشون في منجاة من الخوف من جيرانهم الوس والخزرج لما كان بينهم من الدمار والخراب‪،‬‬
‫فأمر شاس شابا أن يذكرهم بيوم بعاث فذكروه وتناشدوا الشعر فثارت الحمية القبلية بينهم فتسابوا‬
‫وتشاتموا حتى هموا بالقتال فأتاهم الرسول صلى ال عليه وسلم وذكرهم بال تعالى وبمقامه‬
‫فهدأوا‪ ،‬وذهب الشر ونزلت هذه الية‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقا مِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ‬
‫يَرُدّوكُمْ َبعْدَ إِيمَا ِنكُمْ كَافِرِينَ} فحذرهم من مكر أهل المكر من اليهود والنصارى‪ ،‬وأنكر عليهم ما‬
‫حدث منهم حاملً لهم على التعجب من حالهم أو كفروا بعد إيمانهم فقال عز وجل‪َ { :‬وكَ ْيفَ‬
‫ن وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَ ْيكُمْ آيَاتُ اللّهِ} صباح مساء في الصلوات وغيرها‪َ { ،‬وفِيكُمْ َرسُولُهُ‪ }1‬هاديا‬
‫َت ْكفُرُو َ‬
‫ومبشرا ونذيرا وأرشدهم إلى العتصام بدين ال وبشر المعتصمين بالهداية إلى طريق السعادة‬
‫والكمال فقال‪َ { :‬ومَنْ َيعْ َتصِمْ بِاللّهِ} أي‪ :‬بكتابه وسنة نبيه { َفقَدْ هُ ِديَ إِلَى صِرَاطٍ ُمسْ َتقِيمٍ} ثم كرر‬
‫تعالى نداءه ‪ 2‬لهم بعنوان اليمان تأكيدا لهم به وأمرهم بأن يبذلوا وسعهم في تقوى ال عز وجل‬
‫وذلك بطاعته كامل الطاعة بامتثال أمره واجتناب نهيه حاضا لهم على الثبات على دين ال حتى‬
‫يموتوا عليه فل يبدلوا ول يغيروا فقال‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّهَ حَقّ ُتقَاتِهِ‪ 3‬وَل َتمُوتُنّ إِل‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وَأَنْتُمْ مُسِْلمُونَ} وأمرهم بالتمسك بالسلم عقيدة وشريعة‪ ،‬ونهاهم عن التفرق والختلف وأرشدهم‬
‫إلى ذكر نعمته تعالى عليهم باللفة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬عصمة هذه المة من الذنوب والسقوط في هذين المرين الكتاب والسنة‪ ،‬فمهما تمسكت أمة‬
‫السلم بهما فإنها ل تضل ول تسقط ولو كادها أهل الرض أجمعون‪ ،‬ومهما أعرضت عنهما‬
‫سقطت وهانت ولو دعمها أهل الرض أجمعون‪.‬‬
‫‪ 2‬من مظاهر إكرا م ال تعالى للمؤمنين أن ناداهم مباشرة بيا أيها الذين آمنوا بخلف أهل الكتاب‬
‫فإنه أمر رسوله أن يناديهم إشعارا لهم بعدم رضاه عنهم وغضبه عليهم‪.‬‬
‫‪ 3‬روى أن تقوى ال حق تقاته تتمثل في أن يطاع تعالى ول يعصى ويشكر ول يكفر‪ ،‬ويذكر ول‬
‫ينسى‪ ،‬وخصصتها آية التغابن‪{ :‬فاتقوا ال ما استطعتم} ‪ ،‬إذ ل تكليف مع العجز عن القيام به‪.‬‬

‫( ‪)1/354‬‬

‫والمحبة التي كانت ثمرة هدايتهم لليمان والسلم‪ ،‬بعد أن كانوا أعداء متناحرين مختلفين فألف‬
‫بين قلوبهم فأصبحوا بها إخوانا متحابين متعاونين‪ ،‬كما كانوا قبل نعمة الهداية إلى اليمان على‬
‫شفا جهنم لو مات أحدهم يومئذ لوقع فيها خالدا أبدا‪ ،‬وكما أنعم عليهم وأنقذهم من النار ما زال‬
‫يبين لهم اليات الدالة على طريق الهداية الداعية إليه ليثبتهم على الهداية ويكملهم فيها فقال تعالى‪:‬‬
‫جمِيعا وَل َتفَ ّرقُوا ‪ 1‬وَا ْذكُرُوا ِن ْع َمتَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَّلفَ بَيْنَ‬
‫صمُوا ِبحَ ْبلِ اللّهِ َ‬
‫{وَاعْ َت ِ‬
‫حفْ َرةٍ مِنَ النّارِ فَأَنْقَ َذ ُكمْ مِ ْنهَا كَذَِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ َلكُمْ آيَاتِهِ‬
‫شفَا ُ‬
‫خوَانا َوكُنْتُمْ عَلَى َ‬
‫قُلُو ِبكُمْ فََأصْبَحْتُمْ بِ ِن ْعمَتِهِ إِ ْ‬
‫‪َ 2‬لعَّل ُكمْ َتهْتَدُونَ} ‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬طاعة كثير من علماء اليهود والنصارى بالخذ بنصائحهم وتوجيهاتهم وما يشيرون به على‬
‫المسلم تؤدي بالمسلم إلى الكفر شعر بذلك أم لم يشعر‪ ،‬فلذا وجب الحذر كل الحذر منهم‪.‬‬
‫‪ -2‬العصمة في التمسك بكتاب ال ورسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فمن تمسك بهما لم يضل‪.‬‬
‫‪ -3‬الخذ بالسلم جملة والتمسك به عقيدة وشريعة أمان من الزيغ والضلل‪ ،‬وأخيرا من الهلك‬
‫والخسران‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب التمسك بشدة بالدين السلمي وحرمة ‪ 3‬الفرقة والختلف فيه‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب ذكر النعم لجل شكر ال تعالى عليها بطاعته وطاعة رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -6‬القيام على الشرك والمعاصي وقوف على شفير جهنم فمن مات على ذلك وقع في جهنم حتما‬
‫بقضاء ال وحكمه‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ف وَيَ ْن َهوْنَ عَنِ ا ْلمُ ْنكَرِ وَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ(‬
‫{وَلْ َتكُنْ مِ ْنكُمْ ُأمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَ ْأمُرُونَ بِا ْل َمعْرُو ِ‬
‫‪ )104‬وَل‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في الية حرمة التفرق في الدين‪ ،‬ومنه التفرق في الحكم‪ ،‬فكلهما محرم‪ ،‬لما يفضي بالمتفرقين‬
‫إلى الهلك والخسران‪ ،‬عرف هذا أعداء السلم فعملوا على تفرقة أمة السلم‪ ،‬وفرقوها مذاهب‬
‫وطوائف ثم دويلت وحكومات‪ ،‬ثم أذلوها وأهانوها‪.‬‬
‫‪ 2‬وهذه نعمة أخرى مواصلة إنزال القرآن بالحكام والشرائع والداب والمواعظ والعبر‪ ،‬ليتم لهم‬
‫كمالهم وسعادتهم في الدنيا والخرة‪ ،‬فلله الحمد والمنة‪.‬‬
‫‪ 3‬في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم‪" :‬أن ال يرضى لكم ثلثا ويكره لكم ثلثا‪ .‬يرضى لكم أن‬
‫تعبدوه ول تشركوا به شيئا‪ ،‬وأن تعتصموا بحبل ال جميعا ول تفرقوا‪ ،‬وأن تناصحوا من وله ال‬
‫أمركم‪ .‬ويكره لكم‪ :‬قيل وقال‪ ،‬وكثرة السؤال‪ ،‬وإضاعة المال" ‪.‬‬

‫( ‪)1/355‬‬

‫عظِيمٌ(‪َ )105‬يوْمَ‬
‫ت وَأُولَ ِئكَ َل ُهمْ عَذَابٌ َ‬
‫َتكُونُوا كَالّذِينَ َتفَ ّرقُوا وَاخْتََلفُوا مِنْ َبعْدِ مَا جَاءَ ُهمُ الْبَيّنَا ُ‬
‫ت وُجُو ُههُمْ َأ َكفَرْتُمْ َبعْدَ إِيمَا ِنكُمْ فَذُوقُوا ا ْلعَذَابَ ِبمَا كُنْتُمْ‬
‫سوَ ّد ْ‬
‫سوَ ّد وُجُوهٌ فََأمّا الّذِينَ ا ْ‬
‫ض وُجُوهٌ وَتَ ْ‬
‫تَبْ َي ّ‬
‫حمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(‪ )107‬تِ ْلكَ آيَاتُ اللّهِ‬
‫ضتْ ُوجُو ُههُمْ َففِي َر ْ‬
‫َت ْكفُرُونَ(‪ )106‬وََأمّا الّذِينَ ابْ َي ّ‬
‫ض وَإِلَى‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الَرْ ِ‬
‫ق َومَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْما لِ ْلعَاَلمِينَ(‪ )108‬وَلِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫نَتْلُوهَا عَلَ ْيكَ بِا ْلحَ ّ‬
‫لمُورُ(‪})109‬‬
‫اللّهِ تُ ْرجَ ُع ا ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫المة ‪ :‬أفراد من البشر أو غيرهم تربطهم رابطة جنس أو لغة أو دين ويكون أمرهم واحدا‪،‬‬
‫والمراد بالمة هنا المجاهدون وهيئات المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫{ا ْلخَيْرِ} ‪ :‬السلم وكل ما ينفع النسان في حياته الولى والخرة من اليمان والعمل الصالح‪.‬‬
‫المعروف ‪ :‬المعروف كل ما عرفه الشرع فأمر به لنفعه وصلحه للفرد أو الجماعة‪.‬‬
‫{ا ْلمُ ْنكَرِ} ‪ :‬ضد المعروف‪ ،‬وهو ما نهى عنه الشرع لضرر وإفساد‪ ،‬للفرد أو الجماعة‪.‬‬
‫الذين تفرقوا ‪ :‬هم أهل الكتاب من اليهود ‪ 1‬والنصارى‪.‬‬
‫ض وُجُوهٌ‪ : }2‬هذا يوم القيامة‪.‬‬
‫{ َيوْمَ تَبْ َي ّ‬
‫حمَةِ اللّهِ} ‪ :‬رحمة ال هنا‪ :‬الجنة جعلنا ال تعالى من أهلها‪ ،‬آمين‪.‬‬
‫{ َففِي َر ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وقيل هم‪ :‬الحرورية‪ ،‬وقيل‪ :‬المبتدعة من هذه المة‪ ،‬وكونهم اليهود والنصارى‪ ،‬هذا الراجح‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والحق وعليه جمهور المفسرين‪.‬‬
‫‪ 2‬تبيض وجوه المؤمنين المتقين وتسود وجوه الكافرين والمبتدعين من أصحاب الهواء‪.‬‬

‫( ‪)1/356‬‬

‫تلك آيات ال نتلوها عليك بالحق‪ :‬هذه آياتنا نقرأها عليك متلبسة بالحق‪ ،‬ل باطل فيها أبدا‪ .‬وإلى‬
‫ال ترجع المور‪ :‬إلى ال تصير المور فيقضي فيها بما يشاء ويحكم ما يريد فضلً وعدلً‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بعدما أمر الحق تبارك وتعالى عباده المؤمنين بتقواه والتمسك بدينه ونهاهم عن الفرقة والختلف‬
‫وحضهم على ذكر نعمه ليشكروها بطاعته أمرهم في هذه الية(‪ )104‬بأن يوجدوا من أنفسهم‬
‫جماعة تدعو إلى السلم وذلك بعرضه على المم والشعوب ودعوتهم إلى الدخول فيه‪ ،‬كما تأمر‬
‫بالمعروف وتنهى عن المنكر في ديار السلم وبين أهله فقال تعالى مخاطبا إياهم‪ :‬ولتكن منكم ‪1‬‬
‫أي‪ :‬يجب أن تكون منكم طائفة يدعون إلى الخير‪ ،‬أي‪ :‬السلم‪ ،‬ويأمرون بالمعروف وينهون عن‬
‫المنكر‪ ،‬وبشرهم بأن المة التي تنهض بهذا الواجب هي الفائزة بسعادة الدنيا والخرة فقال‪:‬‬
‫فأولئك هم المفلحون الفائزون بالنجاة من العار والنار‪ ،‬وبدخول الجنة مع البرار‪.‬‬
‫وفي اليات(‪ )107()105‬نهاهم أن يسلكوا أهل الكتاب في التفرق في السياسة والختلف في‬
‫الدين فيهلكوا هلكهم فقال تعالى‪ :‬مخاطبا إياهم‪{ :‬وَل َتكُونُوا كَالّذِينَ َتفَ ّرقُوا وَاخْ َتَلفُوا مِنْ َبعْدِ مَا‬
‫جَاءَهُمُ الْبَيّنَاتُ} فل ينبغي أن يكون العلم والمعرفة بشرائع ال سببا في الفرقة والخلف ‪ ،2‬وهما‬
‫أداة الوحدة والئتلف‪ ،‬وأعلمهم بجزاء المختلفين من أهل الكتاب ليعتبروا ول يتفرقوا فقال تعالى‪:‬‬
‫عظِيمٌ} ل يغادر قدره ول يعرف مداه‪ ،‬وأخبرهم عن موعد حاول هذا العذاب‬
‫عذَابٌ َ‬
‫{وَأُولَ ِئكَ َلهُمْ َ‬
‫العظيم بهم‪ ،‬وأنه يوم القيامة حينما تبيض وجوه المؤمنين القائمين على الكتاب والسنة‪ ،‬وتسود‬
‫ض وُجُوهٌ‪3‬‬
‫وجوه الكافرين المختلفين القائمين على البدع والهواء‪ ،‬فقال تعالى‪َ { :‬يوْمَ تَبْ َي ّ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬من‪ :‬للتبعيض‪ ،‬وعليه فسرنا الية‪ ،‬وقلنا بوجود طائفة ل كل المة‪ ،‬إذ لبد من العلم لمن يأمر‬
‫بالمعروف وينهى عن المنكر‪ ،‬والعلم ل يتوفر لكل فرد أبدا‪ ،‬ولذا فالمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر فرض على الكفاية‪.‬‬
‫‪ 2‬نهاهم تعالى عن التفرق والختلف‪ ،‬وقد وقع ما نهاهم عنه‪ ،‬وثبت ما أخبر به رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬فقد قال‪" :‬تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو اثنتين وسبعين فرقة‪،‬‬
‫النصارى مثل ذلك‪ ،‬وتفرقت أمتي على ثلث وسبعين فرقة" ‪ .‬رواه الترمذي وقال هذا حديث‬
‫صحيح‪ ،‬وفعلً وقد وجدت ست فرق‪ ،‬وهي‪ :‬الحرورية –والقدرية –والجهمية –والمرجئة –‬
‫والرافضة –والجبرية‪ .‬انقسمت كل فرقة من هذه إلى اثنتي عشرة فرقة فصارت اثنتين وسبعين‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فرقة كلها في النار إلى أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫‪ 3‬روى ابن القاسم عن مالك في العتبية أنه قال ما آية في كتاب ال أشد على أهل الختلف من‬
‫سوَدّ وُجُوهٌ} ‪ ،‬قال مالك‪ :‬إنما هذه الية لهل‬
‫أهل الهواء من هذه الية‪َ { :‬يوْمَ تَبْ َيضّ ُوجُوهٌ وَتَ ْ‬
‫القبلة بدليل قوله تعالى‪َ{ :‬أكَفَرْتُمْ َب ْعدَ إِيمَا ِنكُمْ‪. }...‬‬

‫( ‪)1/357‬‬

‫سوَ ّد وُجُوهٌ} وبين جزاء الفريقين فقال‪ :‬فأما الذين اسودت وجوههم من سوء ما عاينوه من أهل‬
‫وَتَ ْ‬
‫الموقف وما أيقنوا أنهم صائرون إليه من عذاب النار فيقال لهم تفريعا وتوبيخا‪َ{ :‬أ َكفَرْتُمْ َبعْدَ‬
‫إِيمَا ِنكُمْ} إذ هذه وجوه من تلك حالهم‪ ،‬فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون بال وشرائعه‪.‬‬
‫وأما الذين ابيضت وجوههم فلم يطل في الهول موقفهم حتى يدخلوا جنة ربهم قال تعالى‪َ { :‬ففِي‬
‫حمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}‪.‬‬
‫رَ ْ‬
‫وفي الية(‪ )108‬شرف ال تعالى نبيه محمدا صلى ال عليه وسلم بخطابه والوحي إليه فقال‪{ :‬تِ ْلكَ‬
‫حقّ} أي‪ :‬هذه اليات المتضمنة للهدى والخير نقرأها عليك بالحق‬
‫آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا ‪ 1‬عَلَ ْيكَ بِالْ َ‬
‫الثابت الذي ل مرية فيه‪ ،‬ول شك يعتريه فبلغها عنا وادع بها إلينا فمن استجاب لك نجا ومن‬
‫أعرض هلك‪ ،‬وما ال يريد ظلما للعالمين‪ .‬فل يعذب إل بعد العلم والنذار‪.‬‬
‫وفي الية الخيرة(‪ )109‬يخبر تعالى أنه له ملك السموات والرض خلقا وتصرفا وتدبيرا‪ ،‬وأن‬
‫مصير المور إليه وسيجزي المحسن بالحسنى و المسيء بالسوأى‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب وجود طائفة من أمة السلم تدعو المم والشعوب إلى السلم و تعرضه عليهم‬
‫وتقاتلهم إن قاتلوها عليه‪ ،‬ووجوب وجود هيئات المر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل مدن‬
‫وقرى المسلمين‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة الفرقة بين المسلمين والختلف في دين ال‪.‬‬
‫‪ -3‬أهل البدع والهواء يعرفون في عرصات القيامة باسوداد وجوههم‪.‬‬
‫‪ -4‬أهل السنة والجماعة وهم الذين يعيشون عقيدة وعبادة على ما كان عليه رسول ال ‪ 2‬صلى‬
‫ال عليه وسلم وأصحابه يعرفون يوم العرض بابيضاض وجوههم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬التلوة‪ :‬كالقراءة‪ ،‬إل أن القراءة عادة تكون لكلم مكتوب‪ ،‬وأما التلوة فهي مجرد حكاية كلم‬
‫لرادة تبليغه بلفظه‪.‬‬
‫‪ " 2‬افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة‪ ،‬وستفترق‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هذه الملة إلى ثلث وسبعين فرقة كلها في النار إل واحدة في الجنة‪ ،‬وقيل من هم يا رسول ال‪.‬‬
‫فقال‪ :‬هم الذين يكونون على ما أنا عليه وأصحابي"‪.‬‬

‫( ‪)1/358‬‬

‫‪ -5‬كرامة الرسول على ربه وتقرير نبوته‪ .‬وشرف من آمن به واتبع ما جاء به‪.‬‬
‫‪ -6‬مرد المور إلى ال تعالى في الدنيا والخرة فيجب على عقلء العباد أن يتخذوا لهم عند ال‬
‫عهدا باليمان به وتوحيده في عبادته بتحقيق ل إله إل ال محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ف وَتَ ْن َهوْنَ عَنِ ا ْلمُ ْنكَرِ وَ ُت ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وََلوْ آمَنَ أَ ْهلُ‬
‫جتْ لِلنّاسِ تَ ْأمُرُونَ بِا ْل َمعْرُو ِ‬
‫{كُنْتُمْ خَيْرَ ُأمّةٍ أُخْ ِر َ‬
‫ى وَإِنْ ُيقَاتِلُوكُمْ‬
‫سقُونَ(‪ )110‬لَنْ َيضُرّوكُمْ إِل أَذ ً‬
‫ا ْلكِتَابِ َلكَانَ خَيْرا َل ُهمْ مِ ْنهُمُ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ وََأكْثَرُ ُهمُ ا ْلفَا ِ‬
‫ُيوَلّوكُمُ الَدْبَارَ ثُمّ ل يُ ْنصَرُونَ(‪ )111‬ضُرِ َبتْ عَلَ ْي ِهمُ الذّلّةُ أَيْنَ مَا ُث ِقفُوا إِل ِبحَ ْبلٍ مِنَ اللّ ِه وَحَ ْبلٍ مِنَ‬
‫سكَ َنةُ ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ كَانُوا َي ْكفُرُونَ بِآيَاتِ اللّ ِه وَ َيقْتُلُونَ‬
‫ضبٍ مِنَ اللّ ِه َوضُرِ َبتْ عَلَ ْيهِمُ ا ْلمَ ْ‬
‫س وَبَاءُوا ِب َغ َ‬
‫النّا ِ‬
‫عصَوْا َوكَانُوا َيعْتَدُونَ(‪})112‬‬
‫حقّ َذِلكَ ِبمَا َ‬
‫الَنْبِيَاءَ ِبغَيْرِ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{كُنْتُمْ خَيْرَ ُأمّةٍ} ‪ :‬وجدتم أفضل وأبرك أمة وجدت على الرض‪.‬‬
‫جتْ لِلنّاسِ} ‪ :‬أظهرت وأبرزت لهداية الناس ونفعهم‪.‬‬
‫{ُأخْرِ َ‬
‫{أَذىً} ‪ :‬الذى‪ :‬الضرر اليسير‪.‬‬
‫{ ُيوَلّوكُ ُم الَدْبَارَ} ‪ :‬ينهزمون فيفرون من المعركة مولينكم أدبارهم‪ ،‬أي‪ :‬ظهورهم‪.‬‬
‫{ضُرِ َبتْ عَلَ ْيهِمُ الذّلّةُ} ‪ :‬أحاطت بهم المذلة ولصقت بهم حتى ل تفارقهم‪.‬‬
‫ضبٍ} ‪ :‬رجعوا من رحلتهم الطويلة في الكفر وعمل الشر بغضب ال‪.‬‬
‫{وَبَاءُوا ِب َغ َ‬
‫{ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ ‪ }...‬إلخ‪ :.‬ذلك إشارة إلى ما لصق بهم من الذلة والمسكنة وما عادوا به من غضب‬
‫ال تعالى وما تبعه من عذاب "فالباء" في بأنهم‬

‫( ‪)1/359‬‬

‫سببه‪ ،‬أي‪ :‬بسبب فعلهم كذا وكذا والمسكنة هي ذلة الفاقة والفقر‪.‬‬
‫{ َيعْتَدُونَ} ‪ :‬العتداء مجاوزة الحد في الظلم والفساد‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما أمر ال تعالى المؤمنين بتقواه والعتصام بحبله فامتثلوا وأمرهم بتكوين جماعة منهم يدعون‬
‫إلى السلم ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فامتثلوا ذكرهم بخير عظيم فقال لهم‪{ :‬كُنْتُمْ‬
‫جتْ لِلنّاسِ} كما قال لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬كنتم خير الناس للناس‪"..‬‬
‫خَيْرَ ُأمّةٍ أُخْ ِر َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ووصفهم بما كانوا به خير أمة فقال تأمرون بالمعروف وهو السلم وشرائع الهدى التي جاء بها‬
‫نبيه صلى ال عليه وسلم وتنهون عن المنكر وهو الكفر والشرك وكبائر الثم والفواحش‪،‬‬
‫وتؤمنون بال‪ .‬وبما يتضمنه اليمان بال من اليمان بكل ما أمر تعالى باليمان به من الملئكة‬
‫والكتب والرسل والبعث الخر والقدر‪ .‬ثم دعا تعالى أهل الكتاب إلى اليمان الصحيح المنجي من‬
‫عذاب ال‪ ،‬فقال عز وجل‪ ،‬ولو آمن أهل الكتاب بالنبي محمد وما جاء به من السلم لكان خيرا‬
‫لهم من دعوى اليمان الكاذبة التي يدعونها‪ .‬وأخبر تعالى عنهم بأن منهم المؤمنين الصادقين في‬
‫إيمانهم؛ كعبد ال بن سلم وأخيه‪ ،‬وثعلبة بن سعيد وأخيه‪ ،‬وأكثرهم الفاسقون الذين لم يعملوا بما‬
‫جاء في كتابهم من العقائد والشرائع من ذلك أمر ال تعالى باليمان بالنبي المي واتباعه على‬
‫مايجيء به من السلم ثم أخبر المسلمين أن فساق أهل الكتاب لن يضروهم إل أذى يسيرا‬
‫كإسماعهم الباطل وقولهم الكذب‪ .‬وأنهم لو قاتلوهم ينهزمون أمامهم مولينهم ظهورهم فارين من‬
‫القتال ثم ل ينصرون على المسلمين في أي قتال يقع بين الجانبين‪.‬‬
‫كما أخبر تعالى في الية(‪ )112‬أنه تعالى ضرب عليهم الذلة والمسكنة أينما ثقفوا وفي يا البلد‬
‫وجدوا لن تفارقهم الذلة والمسكنة في حال من الحوال إل في حال دخولهم في السلم وهو حبل‬
‫‪ 1‬ال‪ ،‬أو معاهدة وارتباط بدولة قوية وذلك هو حبل ‪ 2‬الناس‪ .‬كما أخبر تعالى عنهم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذه الية مخصصة لعموم آية العراف‪{ :‬وَِإذْ تَأَذّنَ رَ ّبكَ لَيَ ْبعَثَنّ عَلَ ْي ِهمْ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ مَنْ‬
‫يَسُو ُمهُمْ سُوءَ ا ْلعَذَابِ} إل في حال إسلمهم أو ارتباطهم بمعاداة دولة قوية كما هي الحال اليوم‪.‬‬
‫‪ 2‬الحبل مستعار هنا للعهد‪ ،‬أي‪ :‬المعاهدة التي تربطهم بدولة قوية كبريطانيا وأمريكا الن‪.‬‬

‫( ‪)1/360‬‬

‫أنهم رجعوا من عنادهم وكفرهم بغضب ال‪ ،‬وما يستتبعه من عذاب في الدنيا بحالة الفاقة والفقر‬
‫المعبر عنها بالمسكنة‪ ،‬وفي الخرة بعذاب جهنم كما ذكر تعالى علة عقوبتهم‪ ،‬وأنها الكفر بآيات‬
‫ال وقتل النبياء بغير حق وعصيانهم المستمر واعتداؤهم الذي ل ينقطع فقال تعالى {ذَِلكَ ِبمَا‬
‫صوْا َوكَانُوا َيعْتَدُونَ} ‪.‬‬
‫ع َ‬
‫َ‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬إثبات خيرية أمة السلم وفي الحديث‪" :‬أنتم تتمون ‪ 1‬سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على‬
‫ال" ‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان علة خيرية أمة ‪ 2‬السلم‪ ،‬وهي اليمان بال والجهاد والمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -3‬وعد ال تعالى لمة السلم –ما تمسكت به‪ -‬بالنصر على اليهود في أي قتال بينهم‪.‬‬
‫‪ -4‬صدق القرآن في إخباره عن اليهود بلزوم الذلة والمسكنة لهم أينما كانوا‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان جرائم اليهود التي كانت سببا في ذلتهم ومسكنتهم وهي الكفر المستمر‪ ،‬وقتل النبياء‬
‫بغير حق والعصيان والعتداء على حدود الشرع‪.‬‬
‫سجُدُونَ(‪ُ )113‬ي ْؤمِنُونَ‬
‫سوَاءً مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ ُأمّةٌ قَا ِئ َمةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاءَ اللّ ْيلِ وَهُمْ يَ ْ‬
‫{لَ ْيسُوا َ‬
‫بِاللّ ِه وَالْ َيوْ ِم الخِ ِر وَيَ ْأمُرُونَ بِا ْل َمعْرُوفِ وَيَ ْن َهوْنَ عَنِ ا ْلمُ ْنكَ ِر وَيُسَارِعُونَ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ومن هنا فعصر الصحابة أفضل ممن بعدهم‪ ،‬وذلك لتحقق الصفات التي كانت بها الخيرية‪،‬‬
‫ويشهد لهذا الحديث الصحيح‪" :‬خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" ‪ .‬فالخيرية‬
‫العامة لهذه المة ل جدال فيها‪ ،‬والخيرية الخاصة فهي‪ :‬تتوفر لهل الصفات الثلث‪ :‬المر‬
‫بالمعروف‪ ،‬والنهي عن المنكر‪ ،‬واليمان التام في كل زمان ومكان‪.‬‬
‫‪ 2‬يوضح هذا قول عمر في حجه‪ ،‬وقد رأى في الناس دعة فقال‪ ،‬بعد أن قرأ هذه الية‪{ :‬كُنْتُمْ‬
‫جتْ لِلنّاسِ} ‪ .‬من سره أن يكون في هذه المة فليؤد شرط ال فيها‪.‬‬
‫خَيْرَ ُأمّةٍ أُخْ ِر َ‬

‫( ‪)1/361‬‬

‫ت وَأُولَ ِئكَ مِنَ الصّالِحِينَ(‪َ )114‬ومَا َي ْفعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ ُي ْكفَرُوهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِا ْلمُ ّتقِينَ(‬
‫فِي الْخَيْرَا ِ‬
‫‪})115‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫سوَاءً} ‪ :‬غير متساوين‪.‬‬
‫{لَ ْيسُوا َ‬
‫{ُأمّةٌ قَا ِئمَةٌ} ‪ :‬جماعة قائمة ثابتة على اليمان والعمل الصالح‪.‬‬
‫{يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ} ‪ :‬يقرأون القرآن‪.‬‬
‫{آنَاءَ اللّ ْيلِ} ‪ :‬ساعات الليل جمع إني وإني‪.‬‬
‫جدُونَ} ‪ :‬يصلون‪.‬‬
‫{وَهُمْ يَسْ ُ‬
‫{وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} ‪ :‬يستدرونها خشية الفوات‪.‬‬
‫{فَلَنْ ُي ْكفَرُوهُ} ‪ :‬فلن يجحدوه بل يعترف لهم به ويجزون به وافيا‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بعد أن ذكر تعالى حال أهل الكتاب وأنهم فريقان مؤمن صالح‪ ،‬وكافر فاسد‪ .‬ذكر هنا في هذا‬
‫اليات الثلث‪ )115-114-113( :‬أن أهل الكتاب ليسوا سواء ‪ ،1‬أي‪ :‬غير متساوين في الحال‪،‬‬
‫سوَاءً مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ ُأمّةٌ قَا ِئمَةٌ‪ ، }2‬أي‪:‬‬
‫وأثنى على أهل الصلح منهم فقال جل ذكره {لَيْسُوا َ‬
‫على اليمان الحق والدين الصحيح وهم الذين أسلموا‪ .‬يتلون آيات ال يقرأونها في صلتهم آناء‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الليل‪ ،‬أي‪ :‬ساعات الليل في صلة العشاء وقيام الليل وهم يسجدون‪ ،‬وهذا ثناء عليهم بالسجود‪ ،‬إذ‬
‫هو أعظم مظاهر الخشوع ل تعالى كما أثنى تعالى عليهم باليمان الصادق والمر بالمعروف‬
‫وهو الدعوة إلى عبادة ال تعالى بعد اليمان به والسلم الظاهر والباطن له‪ .‬وينهون عن المنكر‬
‫وهو الشرك بعبادة ال تعالى والكفر به وبرسوله فقال عز وجل‪{ :‬وَيَ ْأمُرُونَ بِا ْل َمعْرُوفِ وَيَ ْن َهوْنَ‬
‫عَنِ ا ْلمُ ْنكَ ِر وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} أي‪ :‬يبادرون إليها قبل فواتها‪ ،‬والخيرات هي كل قول وعمل‬
‫صالح من سائر القربات‪ .‬وشهد‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يرى بعضهم أن الكلم تم عند قوله‪{ :‬ليسوا سواء} أي‪ :‬ليس المسلمون و أهل الكتاب سواء‪ ،‬ثم‬
‫استأنف فقال‪{ :‬من أهل الكتاب} إلخ‪ .‬وما ذكرته في التفسير أصح وأوضح‪.‬‬
‫‪ 2‬المراد بهم‪ :‬عبد ال بن سلم‪ ،‬وأخوه‪ ،‬وعمته‪ ،‬وسعيه أو سنعة بن غريض‪ ،‬وثعلبة بن سعية‪،‬‬
‫وأسد القرظي‪ ،‬وغيرهم ممن أسلموا وحسن إسلمهم في دنيا السلم والمسلمين إلى اليوم‪.‬‬

‫( ‪)1/362‬‬

‫تعالى لهم بالصلح فقال‪{ :‬وَأُولَ ِئكَ مِنَ الصّالِحِينَ} ‪.‬‬


‫وأخيرا في الية الخيرة(‪ )115‬أن ما يفعلونه من الصالحات وما يأتونه من الخيرات لن يجحدوه‬
‫بل يعترف لهم به ويجزون عليه أتم الجزاء‪ ،‬لنهم متقون وال عليهم بالمتقين فلن يضيع أجرهم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬فضل الثبات على الحق والقيام على الطاعات‪.‬‬
‫‪ -2‬فضل تلوة القرآن الكريم في صلة الليل‪.‬‬
‫‪ -3‬فضل اليمان والدعوة إلى السلم‪.‬‬
‫‪ -4‬فضل المسابقة في الخيرات والمبادرة إلى الصالحات‪.‬‬
‫‪ -5‬فضيلة الكتابي إذا أسلم وحسن إسلمه‪ ،‬وفي الصحيحين يقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫"ثلثة يؤتون أجرهم مرتين‪ :‬رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫فآمن به واتبعه وصدقه فله أجران" الحديث‪.‬‬
‫صحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا‬
‫{ إِنّ الّذِينَ‪َ 1‬كفَرُوا لَنْ ُتغْ ِنيَ عَ ْنهُمْ َأ ْموَاُلهُمْ وَل َأوْلدُهُمْ مِنَ اللّهِ شَيْئا وَأُولَ ِئكَ َأ ْ‬
‫خَاِلدُونَ(‪ )116‬مَ َثلُ مَا يُ ْن ِفقُونَ فِي َه ِذهِ الْحَيَاةِ الدّنْيَا َكمَ َثلِ رِيحٍ فِيهَا صِرّ َأصَا َبتْ حَ ْرثَ َقوْمٍ ظََلمُوا‬
‫ظِلمُونَ(‪})117‬‬
‫سهُمْ يَ ْ‬
‫سهُمْ فَأَهَْلكَتْهُ َومَا ظََل َمهُمُ اللّ ُه وََلكِنْ أَ ْنفُ َ‬
‫أَ ْنفُ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ َكفَرُوا} ‪ :‬كذبوا بال ورسوله وشرعه ودينه‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{لَنْ ُتغْ ِنيَ عَ ْنهُمْ} ‪ :‬لن تجزي عنهم يوم القيامة أموالهم ول أولدهم من عذاب ال شيئا‪ ،‬إذ ل مال‬
‫يومئذ ينفع‪ ،‬ول بنون‪.‬‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا} اسم إن‪ ،‬والخبر {لَنْ ُتغْ ِنيَ عَ ْن ُهمْ َأ ْموَاُلهُ ْم وَل َأوْلدُ ُهمْ مِنَ اللّهِ شَيْئا} ‪.‬‬

‫( ‪)1/363‬‬

‫{مَ َثلُ} ‪ :‬أي‪ :‬صفة وحال ما ينفقونه لبطال دعوة السلم‪ ،‬أو للتصدق به‪.‬‬
‫الصر ‪ : 1‬الريح الباردة الشديدة البرد التي تقتل الزرع وتفسده‪.‬‬
‫الحرث ‪ :‬ما تحرث له الرض وهو الزرع‪.‬‬
‫سهُمْ} ‪ :‬حيث دنسوها بالشرك والمعاصي فعرضوها للهلك والخسار‪.‬‬
‫{ظََلمُوا أَ ْنفُ َ‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما ذكر تعالى حال مؤمني أهل الكتاب وأثنى عليهم بما وهبهم من صفات الكمال ذكر هنا في‬
‫هاتين اليتين ما توعد به أهل الكفر من الكتابين وغيرهم من المشركين على طريقة القرآن في‬
‫الترغيب والترهيب ليهتدي من هيأه ال تعالى للهداية فقال‪ :‬إن الذين كفروا أي كذبوا ال ورسوله‬
‫فلم يؤمنوا ولم يوحدوا لن تغني عنهم أموالهم ول أولدهم ‪ 2‬أي‪ :‬في الدنيا والخرة مما أراد ال‬
‫تعالى بهم شيئا من الغناء؛ لن ال تعالى غالب على أمره وعزيز ذو انتقام‪ ،‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫{وَأُولَ ِئكَ َأصْحَابُ النّارِ ُهمْ فِيهَا خَاِلدُونَ} ‪ .‬فيه بيان حكم ال تعالى فيهم وهو أن أولئك البعداء في‬
‫الكفر والضلل المتوغلين في الشر والفساد هم أصحاب النار الذين يعيشون فيها ل يفارقونها أبدا‬
‫ولن تغني عنهم أموالهم التي كانوا يفاخرن بها‪ ،‬ول أولدهم الذين كانوا يعتزون بهم‬
‫ويستنصرون‪ ،‬إذ يوم القيامة ل ينفع فيه مال ول بنون إل من أتى ال بقلب سليم‪ :‬سليم من الشك‬
‫والشرك والكبر والعجب والنفاق‪.‬‬
‫هذا ما تضمنته الية‪ )116( :‬أما الية(‪ )117‬فقد ضرب تعالى فيها مثلً لبطلن نفقات الكفار‬
‫والمشركين وأعمالهم التي يرون أنها نافعة لهم في الدنيا والخرة ضرب لها مثلً‪ :‬ريحا باردة‬
‫شديدة البرودة أصابت زرع أناس كاد يُحصد وهم به فرحون وفيه مؤملون فأفسدته تلك الريح‬
‫وقضت عليه نهائيا فلم ينتفعوا بشيء منه‪ ،‬قال تعالى في هذا المثل‪ :‬مثل ما ينفقون‪ ،‬أي‪ :‬أولئك‬
‫الكفار في هذه الحياة الدنيا‪ ،‬أي‪ :‬مما يرونه نافعا لهم من بعض أنواع البر‪َ { .‬كمَ َثلِ رِيحٍ فِيهَا صِرّ‪3‬‬
‫َأصَابَت} أي تلك الريح الباردة حرث قوم‪ ،‬أي‪ :‬زرعهم النابت‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الصر‪ :‬مأخوذ من الصرير الذي هو الصوت‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬نهى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم عن أكل الجراد الذي الذي قتله الصر" أي‪ :‬البرد الشديد‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 2‬كرر حرف النفي‪{ :‬ول أولدهم} لتأكيد عدم إغناء الولد عنهم شيئا مع أن العرف‪ :‬أن الولد‬
‫يذبون عن آبائهم ويدفعون عنهم‪.‬‬
‫‪{ 3‬فيها صر} هذا التعبير أفاد شدة برد هذا الريح‪ ،‬إذ جعل الصر مظروفا فيها‪.‬‬

‫( ‪)1/364‬‬

‫فأهلكته‪ ،‬أي‪ :‬أفسدته‪ .‬فحرموا من حرثهم ما كانوا يؤملون‪ ،‬وما ظلمهم ‪ 1‬حيث أرسل عليهم الريح‬
‫فأهلكت زرعهم‪ ،‬إذ لم يفعل ال تعالى هذا بهم إل لنهم ظلموا بالكفر والشرك والفساد فجزاهم ال‬
‫سهُمْ يَظِْلمُونَ} ‪.‬‬
‫ظَل َمهُمُ اللّهُ وََلكِنْ أَ ْنفُ َ‬
‫بالحرمان وبذلك كانوا هم الظالمين لنفسهم‪ .‬قال تعالى‪َ { :‬ومَا َ‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬لن يغني عن المرء مال ول ولد متى ظلم وتعرض لنقمة ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬الكفر هم أهل النار وخلودهم فيها محكوم به مقدر عليهم ل نجاة منه‪.‬‬
‫‪ -3‬ان العمل الصالح بالشرك والموت على الكفر‪.‬‬
‫‪ -4‬حسان ضرب المثال في الكلم لتقريب المعاني إلى الذهان‪.‬‬
‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّخِذُوا بِطَا َنةً مِنْ دُو ِنكُمْ ل يَأْلُو َنكُمْ خَبَالً وَدّوا مَا عَنِتّمْ قَدْ بَ َدتِ الْ َب ْغضَاءُ مِنْ‬
‫خفِي صُدُورُهُمْ َأكْبَرُ َقدْ بَيّنّا َلكُ ُم الياتِ إِنْ كُنْتُمْ َتعْقِلُونَ(‪ )118‬هَا أَنْتُمْ أُولءِ ُتحِبّو َنهُمْ‬
‫َأ ْفوَا ِههِ ْم َومَا تُ ْ‬
‫عضّوا عَلَ ْيكُ ُم الَنَا ِملَ مِنَ ا ْلغَيْظِ‬
‫وَل ُيحِبّو َنكُ ْم وَ ُتؤْمِنُونَ بِا ْلكِتَابِ كُلّ ِه وَإِذَا َلقُوكُمْ قَالُوا آمَنّا وَإِذَا خََلوْا َ‬
‫سؤْهُمْ وَإِنْ ُتصِ ْبكُمْ سَيّئَةٌ‬
‫سكُمْ حَسَ َنةٌ تَ ُ‬
‫ظكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ(‪ )119‬إِنْ َتمْسَ ْ‬
‫ُقلْ مُوتُوا ِبغَيْ ِ‬
‫َيفْرَحُوا ِبهَا وَإِنْ َتصْبِرُوا وَتَ ّتقُوا ل َيضُ ّركُمْ كَيْ ُدهُمْ شَيْئا إِنّ اللّهَ ِبمَا َي ْعمَلُونَ ُمحِيطٌ(‪})120‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬نفى تعالى عن نفسه ظلم هؤلء المنفقين في الباطل والشر والفساد فلم يجنوا خيرا من إنفاقهم‬
‫وأثبت الظلم منهم لنفسهم لسوء إنفاقهم وفساده‪.‬‬

‫( ‪)1/365‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ ِبطَانَةً} ‪ :‬بطانة الرجل ‪ 1‬الذين يطلعهم على باطن ‪ 2‬أمره الذي يخفيه على الناس للمصلحة‪.‬‬
‫{مِنْ دُو ِنكُمْ} ‪ :‬من غيركم‪ ،‬أي‪ :‬من غير المسلمين؛ كالكفار وأهل الكتاب‪.‬‬
‫{ل يَأْلُو َنكُمْ} ‪ :‬ل يقصرون في إفساد المور عليكم‪.‬‬
‫{خَبَالً‪ : }3‬فسادا في أمور دينكم ودنياكم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{وَدّوا مَا عَنِتّمْ} ‪ :‬أحبوا عنتكم‪ ،‬أي‪ :‬مشقتكم‪.‬‬
‫{ َب َدتِ الْ َب ْغضَاءُ} ‪ :‬ظهرت شدة بغضهم لكم‪.‬‬
‫{أُولءِ} ‪ :‬هؤلء حذفت منه هاء التنبيه لوجودها في ها أنتم قبلها‪.‬‬
‫{بِا ْلكِتَابِ كُلّهِ} ‪ :‬أي‪ :‬بالكتب اللهية كلها‪.‬‬
‫عضّوا عَلَ ْيكُ ُم الَنَا ِملَ مِنَ ا ْلغَيْظِ} ‪ :‬من شدة الغيظ عليكم؛ لن المغتاظ إذا اشتد به الغيظ بعض‬
‫{َ‬
‫أصبعه على عادة البشر‪ ،‬والغيظ‪ :‬شدة الغضب‪.‬‬
‫{حَسَنَةٌ} ‪ :‬ما يحسن من أنواع الخير؛ كالنصر والتأييد والقوة والخير‪.‬‬
‫{سَيّ َئةٌ} ‪ :‬ما يسوءكم؛ كالهزيمة أو الموت أو المجاعة‪.‬‬
‫{كَيْ ُدهُمْ} ‪ :‬مكرهم بكم وتبييت الشر لكم‪.‬‬
‫{ ِبمَا َي ْعمَلُونَ مُحِيطٌ} ‪ :‬علما به وقدرة عليه‪ ،‬إذ هم واقعون تحت قهره وعظيم سلطانه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما أخبر تعالى عن مصير الكافرين في الخرة‪ ،‬وأن ذلك المصير المظلم كان نتيجة كفرهم‬
‫وظلمهم حذر المؤمنين من موالتهم دون المؤمنين وخاصة أولئك الذين يحملون في صدورهم‬
‫الغيظ والبغضاء للمسلمين الذين ل يقصرون في العمل على إفساد أحوال المسلمين والذين‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أصل البطانة‪ :‬بطانة الثوب شبه بها بطانة الرجل ووليجته‪ ،‬وهم من يطلعهم على أسراره ثقة‬
‫فيهم‪ ،‬ومثل البطانة الشعار وهو الثوب الذي يلي الجسد‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬النصار شعار والناس‬
‫دثار" ‪.‬‬
‫‪ 2‬روى البخاري تعليقا‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬ما بعث ال من نبي ول استخلف من‬
‫خليفة إل كانت له بطانتان‪ :‬بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه‪ ،‬وبطانة تأمره بالسوء وتحضه‬
‫عليه‪ .‬والمعصوم من عصمه ال "‪.‬‬
‫‪ 3‬الخبال‪ :‬الخبل‪ ،‬وهو الفساد‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬من أصيب بدم أو خبل" أي‪ :‬جرح يفسد العضو‪،‬‬
‫ويقال‪ :‬رجل خبل‪ ،‬وخبله الحب‪ :‬أفسده‪.‬‬

‫( ‪)1/366‬‬

‫يسوءهم أن يروا المسلمين متآلفين متحابين أقوياء ظاهرين متصورين على أهل الشرك والكفر‪،‬‬
‫ويسرهم أيضا أن يروا المسلمين مختلفين أو ضعفاء منكسرين مغلوبين‪ .‬فقال تعالى –وقوله‬
‫الحق‪{ -‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا} أي‪ :‬بال ربا وبالسلم دينا وبمحمد صلى ال عليه وسلم نبيا‬
‫ورسولً‪{ .‬ل تَتّخِذُوا ِبطَانَةً} أي‪ :‬أفرادا من دونكم ‪ 1‬أي‪ :‬من غير أهل دينكم؛ كاليهود والنصارى‬
‫والمنافقين والمشركين تستشيرونهم وتطلعونهم على أسراركم وبواطن أموركم‪ ،‬ووصفهم تعالى‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تعريفا بهم فقال‪{ :‬ل يَأْلُو َنكُمْ‪ 2‬خَبَالً} ‪ ،‬يعني‪ :‬ل يقصرون في إفساد أموركم الدينية والدنيوية‪.‬‬
‫{وَدّوا مَا عَنِتّمْ} أي‪ :‬أحبوا عنتكم ومشقتكم‪ ،‬فلذا هم ل يشيرون عليكم إل بما يفسد عليكم أموركم‬
‫خفِي‬
‫ويسبب لكم الكوارث والمصائب في حياتكم وقوله تعالى‪َ { :‬قدْ بَ َدتِ الْ َب ْغضَاءُ مِنْ َأ ْفوَا ِه ِه ْم َومَا ُت ْ‬
‫صُدُورُهُمْ َأكْبَرُ} وصف آخر مشخص لهؤلء العداء المحرم اتخاذهم بطانة‪ ،‬أل وهو ظهور‬
‫البغضاء من أفواههم ‪ 3‬بما تنطق به ألسنتهم من كلمات الكفر والعداء للسلم وأهله‪ ،‬وما يخفونه‬
‫من ذلك في صدورهم ‪ 4‬هو أكبر مما يتفلت من ألسنتهم‪ .‬ويؤكد عز وجل تحذيره للمؤمنين فيقول‪:‬‬
‫{ َقدْ بَيّنّا َلكُ ُم الياتِ} المتضمنة لبيان أعدائكم وأحوالهم وصفاتهم لتعتبروا {إِنْ كُنْتُمْ َت ْعقِلُونَ} أي‪:‬‬
‫الخطاب وما يتلى عليم ويقال لكم‪ .‬ثم يقول تعالى معلما محذرا ها أنتم أيها المسلمون تحبونهم ول‬
‫يحبونكم‪ .‬قد علم ال أن من بين المؤمنين من يحب بعض الكافرين لعلقة الحسان الظاهرة بينهم‬
‫فأخبر تعالى عن هؤلء كما أن رحمة المؤمن وشفقته قد تتعدى حتى لعدائه فلذا ذكر تعالى هذا‬
‫وأخبر به وهو الحق‪ ،‬وقال‪{ :‬وَ ُت ْؤمِنُونَ} أي‪ :‬وهم ل يؤمنون بكتابكم فانظروا إلى الفرق بينكم‬
‫وبينهم فكيف إذا تتخذونهم بطانة تفضون إليهم بأسراركم‪ .‬وأخبر تعالى عن المنافقين أنهم إذا لقوا‬
‫المؤمنين قالوا إنا مؤمنون وإذا تفرقوا عنهم وخلوا بأنفسهم ذكروهم وتغيظوا عليهم حتى يعضوا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قيل لعمر رضي ال عنه‪ :‬إن ها هنا رجل من نصارى الحيرة ل أحد أكتب منه ول أخط بقلم‬
‫أفل يكتب عنك؟ فقال‪" :‬ل آخذ بطانة من دون المؤمنين" وجاء أبو موسى الشعري بحساب‬
‫نصارى لعمر فانتهره وقال‪" :‬ل تدنهم‪ ،‬وقد أقصاهم ال‪ ،‬ول تكرمهم وقد أهانهم‪ ،‬ول تأمنهم وقد‬
‫خونهم ال"‪.‬‬
‫‪ 2‬هذه الجملة وإن كانت صفة لكلمة بطانة‪ ،‬فهي معنى العلة للنهي السابق‪.‬‬
‫‪ 3‬خصت الفواه بالذكر دون اللسن إشارة إلى أنهم يتشدقون بالكلم إيهاما وتضليلً‪.‬‬
‫‪ 4‬استدل أهل العلم بهذه الية على أن شهادة العدو ل تصح على عدوه‪ ،‬وكيف به إذا كان كافرا؟‪.‬‬

‫( ‪)1/367‬‬

‫عضّوا عَلَ ْيكُمُ‬


‫أطراف أصابعهم ‪ 1‬من شدة الغيظ‪ .‬فقال تعالى‪{ :‬وَِإذَا َلقُوكُمْ قَالُوا آمَنّا وَإِذَا خََلوْا َ‬
‫الَنَامِلَ‪ 2‬مِنَ ا ْلغَيْظِ} وهنا أمر رسوله أن يدعو عليهم بالهلك فقال له‪ :‬قل يا رسولنا لهم {مُوتُوا‬
‫علِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ} فلذا أخبر عنهم كاشفا الغطاء عما تكنه نفوسهم ويخفونه في‬
‫ظكُمْ إِنّ اللّهَ َ‬
‫ِبغَيْ ِ‬
‫صدورهم‪.‬‬
‫هذا ما تضمنته اليتان الولى(‪ )118‬والثانية(‪ )119‬وأما الية الثالثة(‪ )120‬فقد تضمنت أيضا بيان‬
‫صفة نفسية للكافرين المنهي عن اتخاذهم بطانة وهو استياؤهم وتألمهم لما يرونه من حسن حال‬
‫المسلمين كائتلفهم واجتماع كلمتهم ونصرهم وعزتهم وقوتهم وسعة رزقهم‪ ،‬كما هو أيضا فرحهم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وسرورهم بما قد يشاهدونه من خلف بين المسملين أو وقوع هزيمة لجيش من جيوشهم‪ ،‬أو تغير‬
‫حال عليهم بما يضر ول يسر وهذه نهاية العداوة وشدة البغضاء‪ ،‬فهل مثل هؤلء يتخذون‬
‫سؤْ ُه ْم وَإِنْ ُتصِ ْبكُمْ سَيّئَةٌ َيفْرَحُوا ِبهَا} ‪ .‬ولما وصف‬
‫سكُمْ حَسَنَةٌ‪ 3‬تَ ُ‬
‫أولياء؟‪ .‬فقال تعالى‪{ :‬إِنْ َت ْمسَ ْ‬
‫تعالى هؤلء الكفرة بصفات مهيلة مخيفة‪ ،‬قال لعباده المؤمنين مبعدا الخوف عنهم‪{ :‬وَإِنْ َتصْبِرُوا}‬
‫على ما يصيبكم وتتقوا ال تعالى في أمره ونهيه وفي سننه في خلقه ل يضركم ‪ 4‬كيدهم شيئا‪ ،‬لن‬
‫ال تعالى وليكم مطلع على تحركاتهم وسائر تصرفاتهم وسيحبطها كلها‪ ،‬دل على هذا المعنى قوله‬
‫في الجملة التذيلية {إِنّ اللّهَ ِبمَا َي ْعمَلُونَ مُحِيطٌ} ‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة اتخاذ مستشارين وأصدقاء من أهل الكفر عامة وحرمة إطلعهم على أسرار الدولة‬
‫السلمية‪ ،‬والمور التي يخفيها المسلمون على أعدائهم لما في ذلك من الضرر الكبير‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان رحمة المؤمنين وفضلهم على الكافرين‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان نفسيات الكافرين وما يحملونه من إرادة الشر والفساد للمسلمين‪.‬‬
‫‪ -4‬الوقاية من كيد الكفار ومكرهم تكمن في الصبر والتجلد وعدم إظهار الخوف للكافرين‬
‫__________‬
‫‪ 1‬العض‪ :‬مصدر عض‪ ،‬عض يعض عضا وعضيضا‪ ،‬إذا أخذ الشيء بأسنانه‪ ،‬والعض بضم‬
‫العين‪ :‬علف الدواب‪.‬‬
‫‪ 2‬النامل‪ :‬جمع أنملة‪ ،‬وهي طرف الصبع العلى‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا من شدة حسدهم للمسلمين‪ ،‬ولقد أحسن من قال‪:‬‬
‫كل العداوة قد ترجى إفاقتها ‪ ...‬إل عداوة من عداك من حسد‬
‫‪ 4‬قرئ‪{ :‬ل يضركم} من ضاره يضيره ضيرا‪ ،‬ومن قوله تعالى‪{ :‬ل ضَيْرَ} ‪ ،‬والضير‪،‬‬
‫والضرر‪ :‬بمعنى واحد‪.‬‬

‫( ‪)1/368‬‬

‫ثم تقوى ال تعالى بإقامة دينه ولزوم شرعه والتوكل عليه‪ ,‬والخذ بسننه في القوة والصبر‪.‬‬
‫سمِيعٌ عَلِيمٌ(‪ِ )121‬إذْ َه ّمتْ طَا ِئفَتَانِ مِ ْنكُمْ‬
‫غ َد ْوتَ مِنْ َأهِْلكَ تُ َب ّوئُ ا ْل ُمؤْمِنِينَ َمقَاعِدَ لِ ْلقِتَالِ وَاللّهُ َ‬
‫{وَإِذْ َ‬
‫أَنْ َتفْشَل وَاللّ ُه وَلِ ّي ُهمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ ا ْل ُمؤْمِنُونَ(‪ )122‬وََلقَدْ َنصَ َركُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَ ِذلّةٌ فَا ّتقُوا‬
‫شكُرُونَ(‪})123‬‬
‫اللّهَ َلعَّلكُمْ تَ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫غ َد ْوتَ} ‪ :‬أي‪ :‬واذكر إذ غدوت‪ ،‬والغدو‪ :‬الذهاب أول النهار‪.‬‬
‫{وَإِذْ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{مِنْ أَ ْهِلكَ} ‪ :‬أهل الرجل زوجه وأولده‪ .‬ومن لبتداء الغاية إذ خرج صلى ال عليه وسلم صباح‬
‫السبت من بيته إلى أحد حيث نزل المشركون به ‪ 1‬يوم الربعاء‪.‬‬
‫{تُ َب ّوئُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} ‪ :‬تنزل المجاهدين الماكن التي رأيتها صالحة للنزول فيها من ساحة المعركة‪.‬‬
‫{ َه ّمتْ} ‪ :‬حدثت نفسها بالرجوع إلى المدينة وتوجهت إرادتها إلى ذلك‪.‬‬
‫{طَا ِئفَتَانِ} ‪ :‬هما بنو سلمة‪ ،‬وبنو حارثة من النصار‪.‬‬
‫{ َتفْشَل} ‪ :‬تضعفا وتعودا إلى ديارهما تاركين الرسول ومن معه يخوضون المعركة وحدهم‪.‬‬
‫{وَاللّهُ وَلِ ّيهُمَا} ‪ :‬متولي أمرهما وناصرهما ولذا عصمهما من ترك السير إلى المعركة‪.‬‬
‫{بِ َبدْرٍ} ‪ :‬بدر اسم رجل وسمي المكان به؛ لنه كان له فيه ماء وهو الن قرية تبعد عن المدينة‬
‫ل "كيلو متر"‪.‬‬
‫النبوية بنحو من مائة وخمسين مي ً‬
‫{وَأَنْتُمْ أَذِلّةٌ} ‪ :‬لقلة عددكم وعُد ِدكُم وتفوق العدو عليكم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الموافق للثاني عشر من شوال سنة ثلث من الهجرة‪" :‬وقد رأى النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫رؤيا فرأى أن في سيفه ثلمة‪ ،‬وأن بقرا له تذبح‪ ،‬وأنه أدخل يده في درع حصينه‪ ،‬فتأولها أن نفرا‬
‫من أصحابه يقتلون وأن رجلً من أهل بيته يصاب وأن الدرع الحصينة‪ :‬المدينة"‪ .‬أخرجه مسلم‪.‬‬

‫( ‪)1/369‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما حذر ال تعالى المؤمنين من اتخاذ بطانة من أهل الكفر والنفاق‪ ،‬وأخبرهم أنهم متى صبروا‬
‫واتقوا ل يضرهم كيد أعدائهم شيئا ذكرهم بموقفين‪ :‬أحدهما لم يصبروا فيه ولم يتقوا فأصابتهم‬
‫الهزيمة وهو غزوة أحد‪ ،‬والثاني صبروا فيه واتقوا فانتصروا وهزموا عدوهم وهو غزوة بدر‪،‬‬
‫غ َد ْوتَ مِنْ َأهِْلكَ تُ َب ّوئُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ َمقَاعِدَ لِ ْلقِتَالِ} أي‪ :‬اذكر يا رسولنا لهم غدوك‬
‫فقال تعالى‪{ :‬وَإِذْ َ‬
‫صباحا من بيتك إلى ساحة المعركة بأحد‪ ،‬تبوء المؤمنين مقاعد للقتال‪ ،‬أي‪ :‬تنزلهم الماكن‬
‫الصالحة للقتال الملئمة لخوض المعركة‪ ،‬وال سميع لكل القوال التي دارت بينكم في شأن‬
‫الخروج إلى العدو‪ ،‬أو عدمه و قتاله داخل ‪ 1‬المدينة عليم بنياتكم وأعمالكم‬
‫ومن ذلك هم بنى سلمه وبنى حارثة بالرجوع من الطريق لول أن ال سلم فعصمهما من الرجوع‬
‫لنه وليهما ‪.‬هذا معنى قوله تعالى ‪ {:‬إِذْ َه ّمتْ طَا ِئفَتَانِ مِ ْنكُمْ أَنْ َتفْشَل} أي تجبنا وتحجما عن‬
‫ملقاة العدو ‪،‬وال وليهما فعصمهما من ذنب ‪ 2‬الرجوع وترك الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫يخوض المعركة بدون جناحيها وهما بنو حارثة وبنو سلمة { وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ ا ْل ُمؤْمِنُونَ}‬
‫فتوكلت الطائفتان على ال وواصلتا سيرهما مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فسلمهما ال من‬
‫شر ذنب وأقبحه‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والحمد ل‪.‬‬
‫هذا موقف والمقصود منه التذكير بعدم الصبر وترك التقوى فيه حيث أصاب المؤمنين فيه شر‬
‫هزيمة واستشهد من النصار سبعون ومن المهاجرين أربعه وشج ‪3‬رأس صلى ال علية وسلم‬
‫وكسرت رباعيتة واستشهد عمه حمزة ‪ 4‬رضى ال عنة‪.‬‬
‫والموقف الثاني هو غزوة بدر حيث صير فيها المؤمنون واتقوا أسباب الهزيمة فنصرهم ال‬
‫وأنجز لهم ما وعدهم لنهم صبروا واتقوا‪ ،‬فقتلوا سبعين رجلً وأسروا سبعين وغنموا غنائم طائلة‬
‫قال تعالى‪{ :‬وََلقَدْ َنصَ َركُمُ اللّهُ بِ َبدْ ٍر وَأَنْتُمْ‪َ 5‬أذِلّةٌ} فاتقوا ال بالعمل بطاعته‪ ،‬ومن ذلك‬
‫__________‬
‫‪ 1‬خرج الرسول صلى ال عليه وسلم بألف رجل من المدينة وفي أثناء مسيره‪ ،‬رجع ابن أبي‬
‫بثلثمائة رجع غاضبا‪ ،‬إذ كان يرى عدم قتال العدو خارج المدينة‪ ،‬فلم يطع في ذلك فغضب‪،‬‬
‫ورجوعه هو الذي سبب الهم بالرجوع لني حارثة وبني سلمة‪.‬‬
‫‪ 2‬روى البخاري عن جابر بن عبد ال رضي ال عنهما أنه قال فينا نزلت‪{ :‬إِذْ َه ّمتْ طَا ِئفَتَانِ‬
‫مِ ْنكُمْ أَنْ َتفْشَل وَاللّهُ وَلِ ّيهُمَا} قال‪ :‬نحن الطائفتان‪ :‬بنو حارثة‪ ،‬وبنو سلمة‪ .‬وما أحب أنها لم تنزل‬
‫لقول ال عز وجل‪{ :‬وَاللّ ُه وَلِ ّي ُهمَا}‪.‬‬
‫‪ 3‬الذي رمى رسول ال صلى ال عليه وسلم فشج وجهه‪ :‬هو ابن قميئة‪ ،‬أقماه ال ولعنه‪ .‬والذي‬
‫أدمى شفة رسول ال صلى ال عليه وسلم وكسر رباعيته‪ :‬هو عتبة ابن أبي وقاص‪ ،‬أخو سعد بن‬
‫أبي وقاص‪.‬‬
‫‪ 4‬وقتل حمزة‪ :‬وحشي‪ ،‬كانت تحرضه على قتل حمزة‪ :‬هند بنت عتبة‪ ،‬وتقول له‪ :‬إيها أبا دسمة‬
‫أشف واستشف (والدسمة‪ :‬غبرة في سواد)‪.‬‬
‫‪ 5‬كانت غزوة بدر في السابع عشر من رمضان يوم جمعة‪ ،‬وكان جيش العدو بها ما بين‬
‫التسعمائة إلى اللف‪ ،‬وجيش المسلمين ثلثمائة وأربعة عشر رجلً‪ ،‬وغزوة بدر أول غزوة غزاها‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)1/370‬‬

‫ترك اتخاذ بطانة من أعدائكم لتكونوا بذلك شاكرين نعم ال عليكم فيزيدكم‪ ،‬فذكر تعالى في هذا‬
‫الموقف النصر؛ لنه خير‪ ،‬فقال {وََلقَدْ َنصَ َركُمُ اللّهُ بِ َبدْ ٍر وَأَنْتُمْ َأذِلّةٌ} ‪ ،‬ولم يقل في الموقف الول‪،‬‬
‫ولقد هزمكم ال بأحد وأنتم أعزة؛ لنه تعالى حيي كريم فاكتفى بتذكيرهم بالغزوة فقط وهم‬
‫يذكرون هزيمتهم فيها ويعلمون أسبابها وهي عدم الطاعة وقلة الصبر‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -1‬فضيلة الصبر والتقوى وأنهما عدة الجهاد في الحياة‪.‬‬
‫‪ -2‬استحسان التذكير بالنعم والنقم للعبرة والتعاظ‪.‬‬
‫‪ -3‬ولية ال تعالى للعبد تقيه مصارع السوء‪ ،‬وتجنبه الخطار‪.‬‬
‫‪ -4‬تقوى ال تعالى بالعمل بأوامره واجتناب نواهيه هي الشكر الواجب على العبد‪.‬‬
‫{ِإذْ َتقُولُ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ أَلَنْ َي ْكفِيَكُمْ أَنْ ُيمِ ّدكُمْ رَ ّب ُكمْ بِثَلثَةِ آلفٍ مِنَ ا ْلمَل ِئكَةِ مُنْزَلِينَ(‪ )124‬بَلَى إِنْ‬
‫س ّومِينَ(‪)125‬‬
‫خمْسَةِ آلفٍ مِنَ ا ْلمَل ِئكَةُ مُ َ‬
‫َتصْبِرُوا وَتَ ّتقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ َفوْرِهِمْ هَذَا ُيمْدِ ْدكُمْ رَ ّبكُمْ ِب َ‬
‫حكِيمِ(‪)126‬‬
‫طمَئِنّ قُلُو ُبكُمْ بِهِ َومَا ال ّنصْرُ إِل مِنْ عِ ْندِ اللّهِ ا ْلعَزِيزِ الْ َ‬
‫جعَلَهُ اللّهُ إِل بُشْرَى َل ُك ْم وَلِتَ ْ‬
‫َومَا َ‬
‫لِ َيقْطَعَ طَرَفا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا َأوْ َيكْبِ َتهُمْ فَيَ ْنقَلِبُوا خَائِبِينَ(‪})127‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{أَلَنْ َي ْكفِ َيكُمْ} ‪ :‬الستفهام انكاري ‪ ،1‬أي‪ :‬ينكر عدم الكفاية‪ .‬ومعنى يكفيكم يسد حاجتكم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ذهب بعض إلى أن الستفهام هنا‪ :‬تقريري؛ لنه مجاب ببلى‪ ،‬وجائر أن يكون للستفهام معنيان‬
‫في آن واحد لدللة اللفظ عليهما معا‪ .‬فتأمل!!‪.‬‬

‫( ‪)1/371‬‬

‫{أَنْ ُي ِم ّدكُمْ} ‪ :‬أي‪ :‬بالملئكة عونا على قتال أعدائكم المتفوقين عليكم بالعدد والعتاد‪.‬‬
‫{ا ْلمَل ِئكَةِ} ‪ :‬واحدهم ملك وهم عباد ال مكرمون مخلقون من نور ل يعصون ال ما أمرهم‪،‬‬
‫ويفعلون ما يؤمرون‪.‬‬
‫{بَلَى} ‪ :‬حرف إجابة‪ ،‬أي‪ :‬يكفيكم‪.‬‬
‫{مِنْ َفوْرِهِمْ‪َ 1‬هذَا} ‪ :‬أي‪ :‬من وجههم في وقتهم هذا‪.‬‬
‫س ّومِينَ} ‪ :‬معلمين بعلمات تعرفونهم بها‪.‬‬
‫{مُ َ‬
‫{إِل بُشْرَى َل ُكمْ} ‪ :‬البشرى‪ :‬الخبر السار الذي يتهلل له الوجه بالبشر والطلقة‪.‬‬
‫طمَئِنّ قُلُو ُبكُمْ ِبهِ} ‪ :‬اطمئنان القلوب سكونها وذهاب الحروف والقلق عنها‪.‬‬
‫{وَلِتَ ْ‬
‫{لِ َيقْطَعَ طَرَفا} ‪ :‬الطرف الطائفة‪ ،‬يريد ليهلك من جيش العدو طائفة‪.‬‬
‫{َأوْ َيكْبِ َتهُمْ} ‪ :‬أي‪ :‬يخزيهم ويذلهم‪.‬‬
‫{فَيَ ْنقَلِبُوا خَائِبِينَ} ‪ :‬يرجعوا إلى ديارهم خائبين لم يحرزوا النصر الذي أملوه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في تذكير الرسول صلى ال عليه وسلم والمؤمنين بما تم لهم من النصر في موقف‬
‫الصبر والتقوى في بدر فقال‪{ :‬إِذْ َتقُولُ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ‪ }2‬عندما بلغهم وهم حول المعركة أن كرز بن‬
‫جابر المحاربي يريد أن يمد المشركين برجاله يقاتلون معهم فشق ذلك على أصحابه فقلت‪{ :‬أَلَنْ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫َي ْكفِيَكُمْ أَنْ ُيمِ ّدكُمْ رَ ّب ُكمْ بِثَلثَةِ آلفٍ مِنَ ا ْلمَل ِئكَةِ مُنْزَلِينَ} أي‪ :‬يكفيكم‪{ .‬إِنْ َتصْبِرُوا وَتَتّقُوا وَيَأْتُوكُمْ‪3‬‬
‫س ّومِينَ}‬
‫خمْسَةِ آلفٍ مِنَ ا ْلمَل ِئكَةُ مُ َ‬
‫مِنْ َفوْرِهِمْ َهذَا} أي‪ :‬من وجههم ووقتهم هذا { ُيمْ ِد ْدكُمْ رَ ّبكُمْ ِب َ‬
‫بعلمات وإشارات خاصة بهم‪ ،‬ولما انهزم كرز قبل تحركه وقعد عن إمداد قريش بالمقاتلين لم‬
‫يمد ال تعالى رسوله والمؤمنين بما ذكر من الملئكة فلم يزدهم على اللف التي أمدهم بها لما‬
‫استغاثوه في أول المعركة جاء ذلك في سورة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الفور‪ :‬مصدر فارت القدر فورا واستعير للولية مع السرعة في الحال بدون بطء أو تأخر أو‬
‫تراخ‪.‬‬
‫‪ 2‬ذهب بعض المفسرين؛ كمجاهد‪ ،‬وعكرمة‪ ،‬وغيرهما أن قوله تعالى‪{ :‬إِذْ َتقُول للمؤمنين} إلخ‪،‬‬
‫كان يوم أحد فهو وعد لهم بالمدد المذكور من الملئكة على شرط الصبر والتقوى‪ ،‬فلما لم‬
‫يصبروا ولم يتقوا كما هو معلوم لم يمدهم بالعدد المذكور من الملئكة‪ ،‬وما ذهبنا إليه في التفسير‬
‫أقرب إلى الواقع‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫‪ 3‬أي‪ :‬المشركون من أصحاب كرز‪.‬‬

‫( ‪)1/372‬‬

‫النفال في قوله تعالى‪{ :‬إِذْ َتسْ َتغِيثُونَ رَ ّبكُمْ فَاسْتَجَابَ َل ُكمْ أَنّي ُممِ ّدكُمْ بِأَ ْلفٍ مِنَ ا ْلمَل ِئكَةِ} فهذه‬
‫اللف هي التي نزلت فعلً وقاتلت مع المؤمنين وشوهد ذلك وعلم به يقينا‪ ،‬أما الوعد بالمداد‬
‫الخير فلم يتم؛ لنه كان مشروطا بإمداد كرز لقريش فلما لم يمدهم‪ ،‬لم يمد ال تعالى المؤمنين‪،‬‬
‫جعَلَهُ اللّهُ} أي‪ :‬المداد المذكور {إِل بُشْرَى} للمؤمنين تطمئن له قلوبهم وتسكن‬
‫فقال تعالى‪َ { :‬ومَا َ‬
‫له نفوسهم فيزول القلق والضطراب الناتج عن الخوف من إمداد كرز المشركين بالمقاتلين‪ ،‬ولذا‬
‫حكِيمِ‪ }1‬العزيز أي‪ :‬الغالب‪ ،‬الحكيم الذي يضع‬
‫قال تعالى‪َ { :‬ومَا ال ّنصْرُ إِل مِنْ عِنْدِ اللّهِ ا ْلعَزِيزِ الْ َ‬
‫النصر في موضعه فيعطيه مستحقه من أهل الصبر والتقوى {لِ َيقْطَعَ طَرَفا مِنَ الّذِينَ َكفَرُوا} وقد‬
‫فعل فأهلك من المشركين سبعين‪ ،‬أو يكبتهم أي‪ :‬يخزيهم ويذلهم إذ أسر منهم سبعون‪ ،‬وانقبلوا‬
‫خائبين لم يحققوا النصر الذي أرادوه‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان سبب هزيمة المسلمين في أحد وهو عدم صبرهم وإخللهم بمبدأ التقوى إذ عصى الرماة‬
‫أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم ونزلوا من الجبل يجرون وراء الغنيمة هذا على تفسير أن‬
‫الوعد بالثلثة آلف وبالخمسة كان بأحد ‪ ،2‬وكان الوعد مشروطا بالصبر والتقوى فلما لم يصبروا‬
‫ولم يتقوا لم يمدهم بالملئكة الذين ذكر لهم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -2‬النصر وإن كانت له عوامله من كثرة العدد وقوة العدة فإنه بيد ال تعالى فقد ينصر الضعيف‬
‫ويخذل القوى‪ ،‬فلذا وجب تحقيق ولية ال تعالى أولً قبل إعداد العدد‪ .‬وتحقيق الولية يكون‬
‫باليمان والصبر والطاعة التامة ل ولرسوله ثم التوكل على ال عز وجل‪.‬‬
‫‪ -3‬ثبوت قتال الملئكة مع أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم في بدر قتالً حقيقيا؛ لنهم‬
‫نزلوا في صورة بشر يقاتلون على خيول‪ ،‬وعليهم شاراتهم وعلماتهم‪ .‬ول يقولن قائل ‪ :3‬الملك‬
‫الواحد يقدر على أن يهزم مليين البشر‪ ،‬فكيف يعقل اشتراك ألف ملك في قتال المشركين وهم ل‬
‫يزيدون عن اللف رجل‪ ،‬وذلك أن ال تعالى أنزلهم في صورة بشر ‪ 4‬فأصبحت صورتهم وقوتهم‬
‫قوة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الحكيم‪ :‬الذي يضع الشياء في مواضعها ويفعل دائما على ما تقتضيه الحكمة في سائر أفعاله‪.‬‬
‫‪ 2‬وهو الراجح من قولي المفسرين‪ :‬كابن جرير‪ ،‬وغيره‪.‬‬
‫‪ 3‬قاله الصم‪ ،‬كأنه فعلً أصم فلم يسمع كلم ال تعالى‪ ،‬واسم هذا الصم أبو بكر‪ ،‬وهو من أهل‬
‫العتزال‪ ،‬وإذا فل غرابة في إنكاره‪.‬‬
‫‪ 4‬بدل لذلك قوله تعالى‪{ :‬مسومين} ‪ ،‬فالمسوّم‪ :‬ذو السمة‪ ،‬أي‪ :‬العلمة‪ ،‬و ذلك أن البطل المقاتل‬
‫يجعل على رأسه أو على رأس فرسه ريشا ملونا يرمز به إلى أنه ل يخاف أن يعرفه عدوه حتى‬
‫ل يسدد إليه سهامه‪.‬‬

‫( ‪)1/373‬‬

‫البشر‪ ،‬ويدل على ذلك ويشهد له أن ملك الموت لما جاء موسى في صورة رجل يريد أن يقبض‬
‫روحه ضربه موسى عليه السلم ففقأ عينه‪ ،‬وعاد إلى ربه تعالى ولم يقبض روح موسى عليهما‬
‫معا السلم‪ .‬من رواية البخاري‪.‬‬
‫سمَاوَاتِ‬
‫شيْءٌ َأوْ يَتُوبَ عَلَ ْيهِمْ َأوْ ُيعَذّ َبهُمْ فَإِ ّنهُمْ ظَاِلمُونَ(‪ )128‬وَلِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫لمْرِ َ‬
‫{لَيْسَ َلكَ مِنَ ا َ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ(‪ )129‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل‬
‫َومَا فِي الَ ْرضِ َيغْفِرُ ِلمَنْ َيشَا ُء وَ ُيعَ ّذبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ َ‬
‫ع ّدتْ لِ ْلكَافِرِينَ(‬
‫ضعَافا ُمضَاعَفَ ًة وَا ّتقُوا اللّهَ َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ(‪ )130‬وَا ّتقُوا النّارَ الّتِي أُ ِ‬
‫تَ ْأكُلُوا الرّبا َأ ْ‬
‫حمُونَ(‪})132‬‬
‫‪ )131‬وََأطِيعُوا اللّ َه وَالرّسُولَ َلعَّلكُمْ تُ ْر َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫لمْرِ} ‪ :‬الشأن والمراد هنا توبة ال على الكافرين أو تعذيبهم‪.‬‬
‫{ا َ‬
‫شيْءٌ} ‪ :‬شيء نكرة متوغلة في اليهام‪ .‬وأصل الشيء‪ :‬ما يعلم ويخبر به‪.‬‬
‫رَ‬
‫{َأوْ} ‪ :‬هنا بمعنى حتى‪ ،‬أي‪ :‬فاصبر حتى يتوب عليهم أو يعذبهم‪.‬‬
‫سمَاوَاتِ} ‪ :‬أي‪ :‬مالكا وخلقا وعبيدا يتصرف كيف يشاء ويحكم كما يريد‪.‬‬
‫{وَلِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ل تَ ْأكُلُوا الرّبا} ‪ :‬ل مفهوم للكل بل كل تصرف بالربا حرام سواء كان أكلً أو شربا أو لباسا‪.‬‬
‫{الرّبا ‪ : }1‬لغة‪ :‬الزيادة‪ ،‬وفي الشرع نوعان‪ :‬ربا فضل وربا نسيئة‪ ،‬ربا الفضل‪ :‬يكون في الذهب‬
‫والفضة والبر والشعير والتمر والملح فإذا بيع الجنس بمثله يحرم الفضل أي الزيادة ويحرم‬
‫التأخير‪،‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ربا البنوك اليوم شر من ربا الجاهلية هو‪ :‬أن يبيع الرجل أخاه شيئا إلى أجل فإذا حلّ الجل‬
‫ولم يد سدادا قال له أخر وزد‪ ،‬أما ربا البنوك فإنه يبيعه نقدا بنقد إلى أجل بزيادة فورية يسجلها‬
‫عليه‪.‬‬

‫( ‪)1/374‬‬

‫وربا النسيئة‪ :‬هو أن يكون على المرء دين إلى أجل فيحل الجل ولم يجد سدادا لدينه فيقول له‬
‫أخرني وزد في الدين‪.‬‬
‫ضعَافا ُمضَاعَفَةً} ‪ :‬ل مفهوم لهذا؛ لنه خرج مخرج الغالب‪ ،‬إذ الدرهم الواحد حرام كاللف‪،‬‬
‫{َأ ْ‬
‫وإنما كانوا في الجاهلية يؤخرون الدين ويزيدون مقابل التأخير حتى يتضاعف الدين فيصبح‬
‫أضعافا كثيرة‪.‬‬
‫{ ُتفْلِحُونَ} ‪ :‬تنجون من العذاب وتظفرون بالنعيم المقيم في الجنة‪.‬‬
‫ع ّدتْ لِ ْلكَافِرِينَ} ‪ :‬هيئت وأحضرت للمكذبين ل ورسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫{أُ ِ‬
‫حمُونَ} ‪ :‬لترحموا فل تُعذبوا بما صدر منكم من ذنب المعصية‪.‬معنى اليات‪:‬‬
‫{َلعَّلكُمْ تُرْ َ‬
‫صح ‪ 1‬أن النبي صلى ال عليه وسلم كان قد دعا على أفراد من المشركين بالعذاب‪ ،‬وقال يوم‬
‫أحد لما شج رأسه وكسرت رباعيته‪" :‬كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيه م؟ " فأنزل ال تعالى عليه‬
‫شيْءٌ} أي‪ :‬فاصبر حتى يتوب ‪ 2‬ال تعالى عليهم أو يعذبهم بظلمهم‬
‫لمْرِ َ‬
‫ناَ‬
‫قوله‪{ :‬لَيْسَ َلكَ مِ َ‬
‫فإنهم ظالمون ول ما في السموات وما في الرض ملكا وخلقا يتصرف كيف يشاء ويحكم ما يريد‬
‫فإن عذب فبعدله‪ ،‬وإن رحم فبفضله‪ ،‬وهو الغفور لمن تاب الرحيم بمن أناب‪.‬‬
‫هذا ما تضمنته اليتان الولى(‪ )128‬والثانية(‪ )129‬وأما الية الثالثة(‪ )130‬فإن ال تعالى نادى‬
‫عباده المؤمنين بعد أن خرجوا من الجاهلية ودخلوا في السلم بأن يتركوا أكل الربا وكل تعامل‬
‫ضعَافا}‬
‫به فقال‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا} أي‪ :‬بال ربا وبالسلم دينا وبمحمد رسولً {ل تَ ْأكُلُوا الرّبا َأ ْ‬
‫إذ كان الرجل يكون عليه دين ويحل أجله ولم يجد ما يسدد به فيأتي إلى دائنه ويقول أخر ديني ‪3‬‬
‫وزد عليّ وهكذا للمرة الثانية والثالثة حتى يصبح الدين بعد ما كان عشرا عشرين وثلثين‪ .‬وهذا‬
‫عفَةً} ‪ ،‬ثم أمرهم بتقواه عز وجل‬
‫ضعَافا ُمضَا َ‬
‫معنى قوله‪َ{ :‬أ ْ‬
‫__________‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 1‬رواه مسلم‪ ،‬وهذا نص الحديث‪" :‬لما كسرت رباعية الرسول صلى اله عليه وسلم وشج في‬
‫رأسه فجعل يسلت الدم عنه‪ ،‬ويقول كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم وكسروا رباعيته "سنة‬
‫شيْءٌ} الية‪.‬‬
‫المامية" وهو يدعوهم إلى ال تعالى فأنزل ال تعالى‪{ :‬لَيْسَ َلكَ مِنَ الَْأمْرِ َ‬
‫‪ 2‬لما نزلت الية وفيها‪{ :‬أو يتوب عليهم} وهي تحمل إطماعه صلى ال عليه وسلم في إسلمهم‬
‫قال‪ " :‬اللهم اغفر لقومي فإنهم ل يعلمون" ‪ ،‬روى مسلم عن ابن مسعود قوله‪" :‬كأني أنظر إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يحكى نبيا من النبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه‬
‫ويقول‪ :‬رب اغفر لقومي فإنهم ل يعلمون"‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا إن كان الطالب التاجر المدين أما إن كان المطالب هو الدائن فإنه يقول له‪ :‬أتقضي أم‬
‫تُربي؟‪.‬‬

‫( ‪)1/375‬‬

‫وواعدهم بالفلح فقال عز وجل‪{ :‬وَا ّتقُوا اللّهَ َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ} أي‪ :‬كي تفلحوا بالنجاة من العذاب‬
‫والحصول على الثواب وهو الجنة‪.‬‬
‫وفي الية الرابعة(‪ )131‬أمرهم تعالى باتقاء النار التي أعدها للكافرين فهي مهيئة محضرة لهم‪،‬‬
‫واتقاؤها يكون بطاعته تعالى وطاعة رسوله صلى ال عليه وسلم فقال عز وجل‪{ :‬وَا ّتقُوا النّارَ‬
‫الّتِي أُعِ ّدتْ لِ ْلكَافِرِينَ‪ ، }1‬أي‪ :‬المكذبين بال ورسوله فلذا لم يعلموا بطاعتهما لن التكذيب مانع من‬
‫الطاعة‪ ،‬وفي الية الخيرة(‪ )132‬أمرهم تعالى بطاعته وطاعة رسوله وودعهم على ذلك بالرحمة‬
‫في الدنيا والخرة وكأنه يشير ‪ 2‬إلى الذين عصوا رسول ال في أحد وهم الرماة الذين تخلوا عن‬
‫مراكزهم الدفاعية فتسبب عن ذلك هزيمة المؤمنين أسوأ هزيمة فقال تعالى‪{ :‬وََأطِيعُوا اللّهَ‬
‫حمُونَ} أي‪ :‬كي يرحمكم فيتوب عليكم ويغفر لكم ويدخلكم دار السلم والنعيم‬
‫وَالرّسُولَ َلعَّل ُكمْ تُرْ َ‬
‫المقيم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬استقلل الرب تعالى بالمر كله فليس لحد من خلقه تصرف في شيء إل ما أذن فيه للعبد‪.‬‬
‫‪ -2‬الظلم مستوجب للعذاب ما لم يتدارك الرب العبد بتوبة فيتوب ويغفر له ويعفو عنه‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة أكل الربا مطلقا مضاعفا كان أو غير مضاعف‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان الجاهلية إذ هو هذا الذي نهى ال تعالى عنه بقوله‪{ :‬ل تَ ْأكُلُوا الرّبا} ‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب التقوى لمن أراد الفلح في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫‪ -6‬وجوب اتقاء النار ولو بشق تمرة ‪.3‬‬
‫‪ -7‬وجوب طاعة ال ورسوله للحصول على الرحمة اللهية وهي العفو والمغفرة ودخول الجنة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في الية إشارة واضحة إلى أن مستحل الربا يكفر به ويستحق عذاب النار‪.‬‬
‫‪ 2‬وعليه فآية تحريم الربا هي‪ :‬معترضة في سياق الحديث عن غزوة بدر وأحد وفي هذا‬
‫العتراض جماله وحسن وقعه في النفوس‪ ،‬ومن فوائده دفع السآمة عن السامع‪ ،‬إذا استمر الكلم‬
‫في موضوع واحد‪.‬‬
‫‪ 3‬حديث‪" :‬اتقوا النار ولو بشق تمرة" رواه البخاري في صحيحه ورواه غيره‪.‬‬

‫( ‪)1/376‬‬

‫ع ّدتْ لِ ْلمُ ّتقِينَ(‪ )133‬الّذِينَ‬


‫ت وَالَ ْرضُ أُ ِ‬
‫سمَاوَا ُ‬
‫ضهَا ال ّ‬
‫{وَسَارِعُوا إِلَى َم ْغفِ َرةٍ مِنْ رَ ّبكُمْ وَجَنّةٍ عَ ْر ُ‬
‫حبّ ا ْلمُحْسِنِينَ(‪)134‬‬
‫س وَاللّهُ ُي ِ‬
‫ظ وَا ْلعَافِينَ عَنِ النّا ِ‬
‫ظمِينَ ا ْلغَيْ َ‬
‫يُ ْنفِقُونَ فِي السّرّا ِء وَالضّرّا ِء وَا ْلكَا ِ‬
‫سهُمْ َذكَرُوا اللّهَ فَاسْ َتغْفَرُوا لِذُنُو ِبهِ ْم َومَنْ َي ْغفِرُ الذّنُوبَ إِل اللّهُ‬
‫شةً َأوْ ظََلمُوا أَ ْنفُ َ‬
‫وَالّذِينَ ِإذَا َفعَلُوا فَاحِ َ‬
‫وَلَمْ ُيصِرّوا عَلَى مَا َفعَلُوا وَ ُهمْ َيعَْلمُونَ(‪ )135‬أُولَ ِئكَ جَزَاؤُ ُهمْ َمغْفِ َرةٌ مِنْ رَ ّبهِ ْم َوجَنّاتٌ َتجْرِي مِنْ‬
‫تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا وَ ِنعْمَ َأجْرُ ا ْلعَامِلِينَ(‪})136‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{وَسَارِعُوا ‪ : }1‬المسارعة إلى الشيء المبادرة إليه بدون توانٍ ول تراخ‪.‬‬
‫{إِلَى َم ْغفِ َرةٍ} ‪ :‬المغفرة‪ :‬ستر الذنوب وعدم المؤاخذة بها‪ .‬والمراد هنا‪ :‬المسارعة إلى التوبة بترك‬
‫الذنوب‪ ،‬وكثرة الستغفار وفي الحديث‪" :‬ما من رجل يذنب ذنبا ثم يتوضأ ثم يصلي ويستغفر ال‬
‫إل غفر له" ‪.2‬‬
‫{وَجَنّةٍ} ‪ :‬الجنة دار النعيم فوق السموات‪ ،‬والمسارعة إليها تكون بالكثار من الصالحات‪.‬‬
‫ع ّدتْ} ‪ :‬هيئت وأحضرت فهي موجودة الن مهيأة‪.‬‬
‫{أُ ِ‬
‫{لِ ْلمُ ّتقِينَ} ‪ :‬المتقون هم الذين اتقوا ال تعالى فلم يعصوه بترك واجب ول‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرئ في السبع‪{ :‬سارعوا} بدون واو‪ ،‬وهي قراءة ورش عن نافع‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرجه الطبراني عن علي عن أبي بكر الصديق رضي ال عنهما‪.‬‬

‫( ‪)1/377‬‬

‫بفعل محرم‪ ،‬وإن حدث منهم ذنب تابوا منه فورا‪.‬‬


‫{فِي السّرّاءِ‪ 1‬وَالضّرّاءِ} ‪ :‬السراء‪ :‬الحال المسرة وهي اليسر والغنى‪ ،‬والضراء‪ :‬الحال المضرة‬
‫وهي الفقر‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ظمِينَ‪ 2‬ا ْلغَيْظَ} ‪ :‬كظم الغيظ‪ :‬حبسه‪ ،‬والغيظ‪ :‬ألم نفسي يحدث إذا أوذي المرء في بدنه أو‬
‫{وَا ْلكَا ِ‬
‫عرضه أو ماله‪ ،‬وحبس الغيظ‪ :‬عدم إظهاره على الجوارح بسبب أو ضرب ونحوهما للتشفي‬
‫والنتقام‪.‬‬
‫{وَا ْلعَافِينَ عَنِ النّاسِ} ‪ :‬العفو عدم المؤاخذة للمسيء مع القدرة على ذلك‪.‬‬
‫حبّ ا ْلمُحْسِنِينَ} ‪ :‬المحسنون هم الذين يبرون ول يسيئون في قول أو عمل‪.‬‬
‫{ ُي ِ‬
‫{فَاحِشَةً} ‪ :‬الفاحشة‪ :‬الفعلة القبيحة الشديدة القبح؛ كالزنى وكبائر الذنوب‪.‬‬
‫س ُهمْ} ‪ :‬بترك واجب أو فعل محرم فدنسوها بذلك فكان هذا ظلما لها‪.‬‬
‫{َأوْ ظََلمُوا أَ ْنفُ َ‬
‫{وَلَمْ ُيصِرّوا ‪ : }3‬أي‪ :‬يسارعون إلى التوبة‪ ،‬لن الصرار هو الشد على الشيء والربط عليه‬
‫مأخوذ من الصر‪ ،‬والصرة معروفة‪.‬‬
‫{وَهُمْ َيعَْلمُونَ} ‪ :‬أي‪ :‬أنهم مخالفون للشرع بتركهم ما أوجب‪ ،‬أو بفعلهم ما حرم‪.‬‬
‫{وَ ِنعْمَ َأجْرُ ا ْلعَامِلِينَ} ‪ :‬الذي هو الجنة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما نادى ال تعالى المؤمنين ناهيا لهم عن أكل الربا آمرا لهم بتقواه عز وجل‪ ،‬وباتقاء النار وذلك‬
‫بترك الربا وترك سائر المعاصي الموجبة لعذاب ال تعالى‪ ،‬ودعاهم إلى طاعته وطاعة رسوله‬
‫كي يرحموا في دنياهم وأخراهم‪ .‬أمرهم في الية الولى(‪ )133‬بالمسارعة إلى شيئين‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قيل في السراء والضراء‪ :‬الرخاء والشدة‪ ،‬وقيل‪ ،‬في السراء‪ :‬العرس والولئم‪ ،‬والضراء‪:‬‬
‫النوائب والمآتم‪ .‬وما فسرنا به الية أعم وأحسن‪.‬‬
‫‪ 2‬يقول كضمت السقاء‪ ،‬أي‪ :‬ملته وسدت عليه‪ ،‬والكضامة‪ :‬ما يسد به السقاء‪.‬‬
‫‪ 3‬ذكر القرطبي هنا مسألة‪ ،‬وهي‪ :‬من وطن نفسه على فعل ذنب فإنه يؤاخذ به‪ ،‬ولو لم يفعله‬
‫علَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} يعني‪:‬‬
‫غ َدوْا َ‬
‫لعجز قام به وهو مصر على فعله‪ ،‬واستشهد بقوله تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫أصحاب الجنة الذين عزموا على قطع ثمارها‪ ،‬دون إعطاء المساكين منها‪ ،‬كما استشهد بحديث‪:‬‬
‫"إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" ‪ .‬وكلمه في الجملة صحيح ولكن من‬
‫ترك ما أصر عليه خوفا من ال تعالى سيكتب له حسنة لحديث‪" :‬من هم بسيئة فلم يعملها كتب له‬
‫عند ال حسنة" ‪.‬‬

‫( ‪)1/378‬‬

‫الول مغفرة ذنوبهم وذلك بالتوبة النصوح‪ ،‬والثاني دخول الجنة التي وصفها لهم‪ ،‬وقال تعالى ‪{ :‬‬
‫ع ّدتْ ِل ْلمُتّقِينَ} أي‪ :‬أحضرت‬
‫ت وَالَرْضُ أُ ِ‬
‫سمَاوَا ُ‬
‫ضهَا ‪ 1‬ال ّ‬
‫وَسَارِعُوا إِلَى َمغْفِ َرةٍ مِنْ رَ ّبكُ ْم وَجَنّةٍ عَ ْر ُ‬
‫وهيئت للمتقين والمسارعة إلى الجنة هي المسارعة إلى موجبات دخولها‪ ،‬وهي اليمان والعمل‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الصالح إذ بهما تزكوا الروح وتطيب فتكون أهلً لدخول الجنة‪.‬‬
‫هذا ما تضمنته الية الولى‪ ،‬وأما اليتان الثانية والثالثة(‪ )135‬فقد تضمنتا صفات المتقين الذين‬
‫أعدت لهم الجنة دار السلم فقوله تعالى‪{ :‬الّذِينَ يُ ْنفِقُونَ فِي السّرّا ِء وَالضّرّاءِ} هذا وصف لهم‬
‫ظمِينَ‪2‬‬
‫بكثرة النفاق في سبيل ال‪ ،‬وفي كل أحايينهم من غنى وفقر وعسر ويسر‪ ،‬وقوله‪{ :‬وَا ْلكَا ِ‬
‫ا ْلغَيْظَ} وصف لهم بالحلم والكرم النفسي‪ ،‬وقوله‪{ :‬وَا ْلعَافِينَ عَنِ‪ 3‬النّاسِ} وصف لهم بالصفح‬
‫والتجاوز عن زلت الخرين تكرما‪ ،‬وفعلهم هذا إحسان ظاهر ومن هنا بشروا بحب ال تعالى‬
‫حبّ ا ْل ُمحْسِنِينَ} كما هو تشجيع على الحسان وملزمته في القول والعمل‬
‫لهم فقال تعالى‪{ :‬وَاللّهُ يُ ِ‬
‫سهُمْ َذكَرُوا اللّهَ فَاسْ َت ْغفَرُوا ِلذُنُو ِبهِمْ} وصف لهم‬
‫ظَلمُوا أَ ْنفُ َ‬
‫حشَةً َأوْ َ‬
‫وقوله‪{ :‬وَالّذِينَ ِإذَا َفعَلُوا فَا ِ‬
‫بملزمة ذكر ال وعدم الغفلة‪ ،‬ولذا إذا فعلوا فاحشة ذنبا كبيرا أو ظلموا أنفسهم بذنب ‪ 4‬دون‬
‫الفاحش ذكروا وعيد ال تعالى ونهيه علما فعلوا‪ ،‬فبادروا إلى التوبة وهي القلع عن الذنب‬
‫والندم عن الفعل والعزم على عدم العودة إليه‪ ،‬واستغفار ال تعالى منه‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَلَمْ ُيصِرّوا‬
‫عَلَى مَا َفعَلُوا وَ ُهمْ َيعَْلمُونَ‪ }5‬وصف لهم بعدم الصرار‪ ،‬أي‪ :‬المواظبة على الذنب وعدم تركه‬
‫وهم يعلمون أنه ذنب ناتج عن تركهم لواجب أو فعلهم محرم‪ ،‬وأما الية الرابعة(‪ )136‬فقد‬
‫تضمنت بأن جزائهم على إيمانهم وتقواهم وما اتصفوا به من كمالت نفسية‪ ،‬وطهارة روحية أل‬
‫وهو مغفرة ذنوبهم‪ ،‬كل ذنوبهم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ذكر العرض ولم يذكر الطول لن الطول ل يدل على العرض‪ ،‬أما العرض فإنه يدل على‬
‫الطول‪ :‬فطول كل شيء بحسب عرضه‪ ،‬وعرض السموات معناه بعرض السموات‪ ،‬فلو أخذت‬
‫السموات سماء بعد سماء‪ ،‬والرضون وألصقت ببعضها كان عرض الجنة كذلك‪ ،‬هذا الذي عليه‬
‫أهل التفسير من السلف‪ .‬قال الزهري‪" :‬أما طولها فل يعلمه إل ال"‪.‬‬
‫‪ 2‬ورد في كظم الغيظ أحاديث منها‪" :‬ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند‬
‫الغضب" ‪.‬‬
‫‪ 3‬ورد في فضل العفو أحاديث كثيرة منها‪" :‬من سر أن يشرف له البنيان وترفع له الدرجات‬
‫فليعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه ويصل من قطعه" ‪ .‬رواه الحاكم وصححه‪ .‬ومنها قوله صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ " :‬ثلث أقسم عليهن‪ :‬ما نقص مال من صدقة‪ ،‬وما زاد ال عبدا بعفو إل عزا‪،‬‬
‫ومن تواضع ل رفعه ال" ‪.‬‬
‫‪ 4‬في الصحيحين‪ ،‬قال عثمان‪ :‬أنه توضأ لهم وضوء النبي صلى ال عليه وسلم ثم قال‪" :‬سمعت‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم يقول‪" :‬من توضأ نحو وضوئي هذا ثم ل صلى ركعتين ل يحدث فيهما‬
‫نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه" ‪.‬‬
‫‪ 5‬أي‪ :‬أن من تاب تاب ال عليه‪ .‬هكذا روي عن مجاهد ول يتنافى مع ما فسرنا به الية‪ ،‬وورد‬
‫"ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة" ‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/379‬‬

‫وجنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها‪ ،‬ومدح المنان عز وجل ما جازاهم به من المغفرة‬
‫والخلود في الجنة ذات النعيم المقيم‪ ،‬فقال‪{ :‬وَ ِن ْعمَ أَجْرُ ا ْلعَامِلِينَ} ‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب تعجيل التوبة وعدم التسويف فيها لقوله تعالى‪{ :‬وَسَارِعُوا} ‪.‬‬
‫ع ّدتْ} ‪.‬‬
‫‪ -2‬سعة ‪ 1‬الجنة‪ ،‬وأنها مخلوقة الن لقوله تعالى‪{ :‬أُ ِ‬
‫‪ -3‬المتقون هم أهل الجنة وورثتها بحق‪.‬‬
‫‪ -4‬فضل استمرار النفاق في سبيل ال‪ ،‬ولو بالقليل‪.‬‬
‫‪ -5‬فضيلة خلة كظم الغيظ بترك المبادرة إلى التشفي والنتقام‪.‬‬
‫‪ -6‬فضل العفو عن الناس مطلقا مؤمنهم وكافرهم‪ ،‬بارهم وفاجرهم‪.‬‬
‫‪ -7‬فضيلة الستغفار وترك الصرار على المعصية للية والحديث‪ " :‬ما أصر من استغفر ولو‬
‫عاد في اليوم سبعين مرة" ‪ .‬رواه الترمذي وأبو داود وحسنه ابن كثير‪.‬‬
‫{قَدْ خََلتْ مِنْ قَبِْلكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الَ ْرضِ فَا ْنظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ ا ْل ُمكَذّبِينَ(‪ )137‬هَذَا بَيَانٌ‬
‫ظةٌ لِ ْلمُ ّتقِينَ(‪ )138‬وَل َتهِنُوا وَل َتحْزَنُوا وَأَنْتُ ُم الَعَْلوْنَ إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ(‪)139‬‬
‫س وَهُدىً َومَوْعِ َ‬
‫لِلنّا ِ‬
‫س وَلِ َيعَْلمَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا‬
‫س ُكمْ قَرْحٌ َفقَدْ مَسّ ا ْل َقوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِ ْلكَ الَيّامُ نُدَاوُِلهَا بَيْنَ النّا ِ‬
‫إِنْ َيمْسَ ْ‬
‫حصَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َيمْحَقَ ا ْلكَافِرِينَ(‬
‫حبّ الظّاِلمِينَ(‪ )140‬وَلِ ُيمَ ّ‬
‫شهَدَا َء وَاللّهُ ل ُي ِ‬
‫وَيَتّخِذَ مِ ْن ُكمْ ُ‬
‫‪})141‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى أن النبي صلى ال عليه وسلم سئل ما دامت الجنة عرضها السموات والرض فأين النار؟‬
‫فأجاب قائلً‪" :‬سبحان ال فأين الليل إذا جاء النهار" ‪ .‬قال حيث شاء ال تعالى‪ .‬قال‪" :‬وكذلك النار‬
‫تكون حيث شاء ال تعالى" ‪ .‬رواه البزار مرفوعا‪ ،‬وما دل عليه الكتاب والسنة‪ :‬أن الجنة فوق‬
‫السماء السابعة وسقفها عرش الرحمن‪ ،‬وأن النار في أسفل سافلين ول منافاة بينهما أبدا‪.‬‬

‫( ‪)1/380‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ َقدْ خََلتْ} ‪ :‬خلت‪ :‬مضت‪.‬‬
‫{سُنَنٌ‪ : }1‬جمع سنة‪ ،‬وهي السيرة والطريقة التي يكون عليها الفرد أو الجماعة‪ ،‬وسنن ال تعالى‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫في خلقه قانونه الماضي في الخلق‪.‬‬
‫{فَسِيرُوا فِي الَ ْرضِ} ‪ :‬المر للرشاد‪ ،‬للوقوف على ديار الهالكين الغابرين لتعتبروا‪.‬‬
‫{عَاقِبَةُ ا ْل ُمكَذّبِينَ} ‪ :‬عاقبة أمرهم‪ ،‬وهي ما حل بهم من الدمار والخسار كعاد وثمود‪.‬‬
‫{ َهذَا بَيَانٌ لِلنّاسِ} ‪ :‬أي‪ :‬ما ذكر في اليات بيان للناس به يتبينون الهدى من الضلل وما لزمهما‬
‫من الفلح‪ ،‬والخسران‪.‬‬
‫{ َو َموْعِظَةٌ} ‪ :‬الموعظة‪ :‬الحال التي يتعظ بها المؤمن فيسلك سبيل النجاة‪.‬‬
‫{وَل َتهِنُوا} ‪ :‬ل تضعفوا‪.‬‬
‫{قَرْحٌ} ‪ :‬القرح‪ :‬أثر السلح في الجسم؛ كالجرح‪ ،‬وتضم القاف فيكون بمعنى اللم‪.‬‬
‫{الَيّامُ‪ : }2‬جمع يوم والليالي معها‪ ،‬والمراد بها ما يجريه ال من تصاريف الحياة من خير‬
‫وغيره‪ ،‬وإعزاز وإذلل‪.‬‬
‫ش َهدَاءَ‪ : }3‬جمع شهيد وهو المقتول في سبيل ال‪ ،‬وشاهد‪ :‬وهو من يشهد على غيره‪.‬‬
‫{ُ‬
‫حصَ} ‪ :‬ليخلص المؤمنين من أدران المخالفات وأوضار الذنوب‪.‬‬
‫{وَلِ ُيمَ ّ‬
‫حقَ} ‪ :‬يمحو ‪ 4‬ويذهب آثار الكفر والكافرين‪.‬معنى اليات‪:‬‬
‫{وَ َيمْ َ‬
‫لما حدث ما حدث من انكسار المؤمنين بسب عدم الصبر‪ ،‬والطاعة اللزمة للقيادة ذكر تعالى تلك‬
‫الحداث مقرونة بفقهها لتبقى هدى موعظة للمتقين من المؤمنين وبدأها بقوله‪:‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬السنة‪ :‬الطريق المستقيم‪ ،‬يقال‪ :‬فلن على السنة‪ ،‬أي‪ :‬على طريق الستواء ل يميل إلى شيء‬
‫من الهواء‪ ،‬وكل من يعمل بسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم فهو على الطريق المستقيم الذي‬
‫ل يميل بصاحبه إل الهواء والمبتدعات‪.‬‬
‫‪ 2‬تداولها بين الناس فرح وغم وصحة وسقم وفقر وانتصار وانكسار والدولة الكرة ومنه قول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫فيوم لنا ويوم علينا ‪ ...‬ويوما نساء ويوما نسر‬
‫‪ 3‬سمي القتيل في سبيل ال‪ :‬شهيدا؛ لنه الحاضر للجنة ومشهود له بها‪ ،‬ومن فضل الشهيد أن ل‬
‫يجد من ألم القتل إل كما يجده النسان في القرحة ل غير‪.‬‬
‫‪ 4‬قال ابن كثير في‪{ :‬ويمحق الكافرين} أي‪ :‬فإنهم إذا ظفروا بغوا وبطروا ويكون ذلك سبب‬
‫دمارهم وهلكهم ومحقهم وفنائهم‪.‬‬

‫( ‪)1/381‬‬

‫{قَدْ خََلتْ مِنْ قَبِْلكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا ‪ 1‬فِي الَ ْرضِ فَانْظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ ا ْل ُمكَذّبِينَ} فأخبر تعالى‬
‫المؤمنين بأن سننه قد مضت فيمن قبلهم من المم كقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم‪ ،‬فقد أرسل ال‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تعالى إليهم رسله فكذبوهم فأمضى تعالى سننه فيهم فأهلك المكذبين وأنجى المؤمنين بعد ما نالهم‬
‫من أذى المكذبين ‪ ،‬وستمضي سننه اليوم كذلك‪ ،‬فينجيكم وينصركم ويهلك المكذبين أعداءكم‪ .‬وإن‬
‫ارتبتم فسيروا في الرض وقفوا على آثار الهالكين‪ ،‬وانظروا كيف كانت عاقبتهم‪ ،‬ثم قال تعالى‪:‬‬
‫هذا الذي ذكرت في هذه اليات بيان للناس يتبينون به الحق من الباطل والهدى من الضلل‪،‬‬
‫وهدى يهتدون به إلى سبيل السلم وموعظة يتعظ بها المتقون لستعدادهم بإيمانهم وتقواهم‬
‫للتعاظ فيطيعون ال ورسوله فينجون ويفلحون هذا ما تضمنته اليتان الولى(‪ )137‬والثانية(‬
‫‪ )138‬وأما اليتان الثالثة(‪ )139‬والرابعة(‪ )140‬فقد تضمنتا تعزيه الرب تعالى للمؤمنين فيما‬
‫أصابهم يوم أحد‪ ،‬إذ قال تعالى مخاطبا لهم {وَل َتهِنُوا} أي‪ :‬ل تضعفوا فتقعدوا عن الجهاد‬
‫والعمل‪ ،‬ول تحزنوا على ما فاتكم من رجالكم‪{ ،‬وَأَنْتُمُ الَعَْلوْنَ} أي‪ :‬الغالبون لعدائكم‬
‫المنتصرون عليهم‪ ،‬وذلك فيما مضى وفيما هو آتٍ مستقبل بشرط إيمانكم وتقواكم واعلموا أنه إن‬
‫يمسسكم قرح بموت أو جراحات ل ينبغي أن يكون ذلك موهنا لكم قاعدا بكم عن مواصلة الجهاد‬
‫فإن عدوكم قد مسه قرح مثله‪ ،‬وذلك في معركة بدر‪ ،‬والحرب سجال يوم لكم ويوم عليكم وهي‬
‫ك الَيّامُ ُندَاوُِلهَا بَيْنَ النّاسِ} ‪ ،‬ثم بعد هذا‬
‫سنة من سنن ربكم في الحياة‪ .‬هذا معنى قوله تعالى‪{ :‬وَتِ ْل َ‬
‫العزاء الكريم الحكيم ذكر تعالى لهم علة هذا الحدث الجلل‪ ،‬والسر فيه وقال‪{ :‬وَلِ َيعْلَمَ اللّهُ الّذِينَ‬
‫شهَدَاءَ} أي‪ :‬ليظهر بهذا الحادث المؤلم إيمان المؤمنين وفعلً فالمنافقون رجعوا‬
‫آمَنُوا وَيَتّخِذَ مِ ْنكُمْ ُ‬
‫من الطريق بزعامة رئيسهم المنافق الكبر عبد ال بن أبي بن سلول‪ ،‬والمؤمنون واصلوا سيرهم‬
‫وخاضوا معركتهم فظهر إيمانكم واتخذ ال منهم شهداء‪ ،‬وكانوا نحوا من سبعين شهيدا منهم أربعة‬
‫من المهاجرين وعلى رأسهم حمزة بن عبد المطلب عم رسول ال صلى ال عليه وسلم ومصعب‬
‫حصَ‪ 3‬اللّهُ الّذِينَ‬
‫بن عمير ‪ 2‬والباقون من النصار رضي ال عنهم أجمعين‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَلِ ُي َم ّ‬
‫آمَنُوا} أي‪ :‬أوجد هذا الذي أوجده في أحد من جهاد وانكسار تخليصا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬بإقدامكم أو بأفهامكم‪ ،‬وعقولكم‪.‬‬
‫‪ 2‬وعبد ال بن جحش ابن عمة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وعثمان بن شماس‪.‬‬
‫‪ 3‬اصل التمحيص‪ :‬تخليص الشيء من كل عيب‪ ،‬يقال‪ :‬محصت الذهب؛ إذا أزلت خبثه‪.‬‬

‫( ‪)1/382‬‬

‫للمؤمنين من ذنوبهم وتطهيرا لهم ليصفوا الصفاء الكامل‪ ،‬ويمحق الكافرين بإذهابهم وإنهاء‬
‫وجودهم‪.‬‬
‫إن هذا الدرس نفع المؤمنين فيما بعد فلم يخرجوا من طاعة نبيهم‪ ،‬وبذلك توالت انتصاراتهم حتى‬
‫أذهبوا ريح الكفر والكافرين من كل أرض ‪ 1‬الجزيرة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬عاقبة المكذبين بدعوة الحق الخسار والوبال‪.‬‬
‫‪ -2‬في آي القرآن الهدى والبيان والمواعظ لمن كان من أهل اليمان والتقوى‪.‬‬
‫‪ -3‬أهل اليمان هم العلون في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫‪ -4‬الحياة دول وتارات فليقابلها المؤمن بالشكر والصبر‪.‬‬
‫‪ -5‬الفتن تمحص الرجال‪ ،‬وتودي بحياة العاجزين الجزعين‪.‬‬
‫حسِبْتُمْ أَنْ َتدْخُلُوا الْجَنّةَ وََلمّا َيعَْلمِ اللّهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِ ْنكُمْ وَ َيعْلَمَ الصّابِرِينَ(‪ )142‬وََلقَدْ كُنْتُمْ‬
‫{َأمْ َ‬
‫حمّدٌ إِل رَسُولٌ قَدْ خََلتْ مِنْ‬
‫َتمَ ّنوْنَ ا ْل َموْتَ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ تَ ْل َق ْوهُ َفقَدْ رَأَيْ ُتمُو ُه وَأَنْتُمْ تَ ْنظُرُونَ(‪َ )143‬ومَا ُم َ‬
‫عقِبَيْهِ فَلَنْ َيضُرّ اللّهَ شَيْئا‬
‫عقَا ِبكُ ْم َومَنْ يَ ْنقَِلبْ عَلَى َ‬
‫سلُ َأفَإِنْ مَاتَ َأوْ قُ ِتلَ ا ْنقَلَبْتُمْ عَلَى أَ ْ‬
‫قَبْلِهِ الرّ ُ‬
‫ل َومَنْ يُرِدْ‬
‫وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ(‪َ )144‬ومَا كَانَ لِ َنفْسٍ أَنْ َتمُوتَ إِل بِإِذْنِ اللّهِ كِتَابا ُمؤَجّ ً‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وخارج الجزيرة‪ ،‬فالفتوحات التي فتحها أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم في الغرب‬
‫والشرق لم يفتحها غيرهم ممن جاء بعدهم من التابعين ول من غيرهم‪ ،‬وهو إنجاز وعد ال تعالى‬
‫في قوله‪{ :‬وأنت ْم الَعْلَونْ} أي‪ :‬الغالبون القاهرون‪.‬‬

‫( ‪)1/383‬‬

‫َثوَابَ الدّنْيَا ُنؤْتِهِ مِ ْنهَا َومَنْ يُرِدْ َثوَابَ الْآخِ َرةِ ُنؤْتِهِ مِ ْنهَا وَسَنَجْزِي الشّاكِرِينَ(‪})145‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫حسِبْتُمْ} ‪ :‬بل أظننتم فل ينبغي أن تظنوا هذا الظن فالستفهام إنكاري‪.‬‬
‫{َأمْ َ‬
‫{وََلمّا َيعْلَمِ} ‪ :‬ولم يبتلكم بالجهاد حتى يعلم علم ظهور ‪ 1‬من يجاهد منكم ممن ل يجاهد كما هو‬
‫عالم به في باطن المر وخفيه‪.‬‬
‫{خََلتْ مِنْ قَبْلِهِ} ‪ :‬أي مضت من قبله الرسل بلغوا رسالتهم وماتوا‪.‬‬
‫{َأفَإِنْ مَاتَ‪َ 2‬أوْ قُ ِتلَ} ‪ :‬ينكر تعالى على من قال عندما أشيع أن النبي قتل‪":‬هيا بنا نرجع إلى دين‬
‫عقَا ِبكُمْ} ل على فإن مات أو قتل‪ ،‬وإن دخل‬
‫قومنا"‪ ،‬فالستفهام منصب على قوله‪ { :‬ا ْنقَلَبْتُمْ عَلَى أَ ْ‬
‫عليها‪.‬‬
‫عقَا ِبكُمْ} ‪ :‬رجعتم عن السلم إلى الكفر‪.‬‬
‫{ا ْنقَلَبْتُمْ عَلَى أَ ْ‬
‫{كِتَابا ُمؤَجّلً‪ : }3‬كتب تعالى آجل الناس مؤقتة يمواقيتها فل تتقدم ول تتأخر‪.‬‬
‫{ َثوَابَ الدّنْيَا} ‪ :‬الثواب‪ :‬الجزاء على النية والعمل معا‪ ،‬وثواب الدنيا الرزق وثواب الخرة الجنة‪.‬‬
‫{الشّاكِرِينَ} ‪ :‬الذين ثبتوا على إسلمهم فاعتبر ثباتهم شكرا ل‪ ،‬وما يجزيهم به هو الجنة ذات‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫النعيم المقيم‪ ،‬وذلك بعد موتهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬علم شهادة حتى يقع عليه الجزاء بحسب الظاهر المشاهد للناس‪.‬‬
‫‪ 2‬مات رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم الثنين في وقت دخوله المدينة مهاجرا وذلك ضحى‬
‫حين اشتد الضحاء‪ ،‬ودفن يوم الثلثاء أول ليلة الربعاء‪ ،‬قال أنس‪ :‬لما كان اليوم الذي دخل فيه‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء‪ ،‬ولما كان اليوم الذي مات فيه أظلم‬
‫منها كل شيء‪ ،‬وما نفضنا أيدينا من دفن الرسول صلى ال عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا‪.‬‬
‫‪{ 3‬كتابا} ‪ :‬منصوب على المصدر‪ ،‬أي‪ :‬كتب ذلك كتابا‪ ،‬ومؤجلً‪ :‬نعت‪.‬‬

‫( ‪)1/384‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق متعلقا بغزوة أحد فأنكر تعالى على المؤمنين ظنهم أنهم بمجرد إيمانهم يدخلون‬
‫الجنة بدون أن يبتلوا بالجهاد والشدائد تمحيصا لهم وإظهارا للصادقين منهم في دعوى اليمان‬
‫والكاذبين فيها‪ ،‬كما يظهر الصابرين الثابتين والجزعين المرتدين فقال تعالى‪{ :‬أَمْ حَسِبْ ُتمْ أَنْ َتدْخُلُوا‬
‫الْجَنّ َة وََلمّا َيعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جَا َهدُوا مِ ْنكُ ْم وَ َيعْلَمَ الصّابِرِينَ} ثم عابهم تعالى على قلة صبرهم‬
‫وانهزامهم في المعركة مذكرا إياهم بتمنيات الذين لم يحضروا وقعة بدر‪ ،‬وفاتهم فيها ما حازه من‬
‫حضرها من الجر والغنيمة بأنهم إذا قُدر لهم قتال في يوم ما من اليام يبلون فيه البلء الحسن‬
‫فلما قدر تعالى ذلك لهم في وقعة أحد جزعوا وما صبروا وفروا منهزمين فقال تعالى‪َ { :‬وَلقَدْ كُنْتُمْ‬
‫َتمَ ّنوْنَ ا ْل َموْتَ‪ 1‬مِنْ قَ ْبلِ أَنْ تَ ْل َق ْوهُ َفقَدْ رَأَيْ ُتمُوهُ وَأَنْ ُتمْ تَنْظُرُونَ} أي‪ :‬فلما انهزمتم وما وفيتم ما‬
‫واعدتم أنفسكم به؟ هذا ما تضمنته اليتان الولى(‪ )142‬والثانية(‪ ،)143‬وأما الية الثالثة(‪)144‬‬
‫فقد تضمنت عتابا شديدا لصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم عندما اشتدت المعركة وحمي‬
‫وطيسها واستحر القتل في المؤمنين نتيجة خلو ظهورهم من الرماة الذين كانوا يحمونهم من‬
‫ورائهم وضرب ابن قميئة –أقمأه ال‪ -‬رسول ال صلى ال عليه وسلم بحجر في وجهه فشجه‬
‫وكسر رباعيته‪ ،‬وأعلن أنه قتل محمدا فانكشف المسلمون وانهزموا‪ ،‬وقال من قال منهم لم نقاتل‬
‫وقد مات رسول ال‪ ،‬وقال بعض المنافقين نبعث إلى ابن أبي رئيس المنافقين يأتي يأخذ لنا المان‬
‫حمّدٌ‪ 2‬إِل َرسُولٌ قَدْ خََلتْ مِنْ قَبْلِهِ‬
‫من أبي سفيان‪ ،‬ونعود إلى دين قومنا!! فقال تعالى‪َ { :‬ومَا مُ َ‬
‫سلُ} وما دام رسولً كغيره من الرسل‪ ،‬وقد مات الرسل قبله فلم ينكر موته‪ ،‬أو يندهش له إذا؟‬
‫الرّ ُ‬
‫بعد تقرير هذه الحقيقة العلمية الثابتة أنكر تعالى بشدة على أولئك الذين سمعوا صرخة إبليس في‬
‫المعركة "قتل محمد" ففروا هاربين إلى المدينة‪ ،‬ومنهم من أعلن ردته في صراحة وهم المنافقون‪،‬‬
‫عقِبَيْهِ فَلَنْ َيضُرّ اللّهَ شَيْئا‬
‫عقَابِكُمْ َومَنْ يَ ْنقَِلبْ عَلَى َ‬
‫فقال تعالى‪َ{ :‬أفَإِنْ مَاتَ َأوْ قُ ِتلَ ا ْنقَلَبْتُمْ عَلَى أَ ْ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ} فعاتبهم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وكان منهم من وفى بما وعد وقاتل حتى استشهد‪ ،‬وهو‪ :‬أنس بن النضر‪ ،‬عم أنس بن مالك‪،‬‬
‫فإنه لما رأى المسلمين قد انكشوا قال‪" :‬اللهم إني أبرأ إليك مما صنع هؤلء" وباشر القتال وهو‬
‫يقول‪ :‬إني لجد ريح الجنة‪ ،‬ولما قتل وجد به أكثر من ثمانين ضربة وفيه نزل قول ال تعالى‪:‬‬
‫ص َدقُوا مَا عَاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ} ‪.‬‬
‫{ ِرجَالٌ َ‬
‫‪ 2‬لما قبض صلى ال عليه وسلم قام عمر في الناس وقال‪" :‬أن الرسول لم يمت ولن يموت حتى‬
‫يقطع أيدي وأرجل أقوام" وكان في دهشة عظيمة حتى جاء أبو بكر من العوالي فدخل على رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم وهو مسجي فكشف الغطاء عن وجهه وقبله بين عينيه ثم خرج فسمع ما‬
‫قال عمر فرقي المبنر وقال‪" :‬من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد ال فإن ال‬
‫سلُ} الية‪ .‬فرجع عمر إلى رشده‬
‫حمّدٌ إِل رَسُولٌ قَدْ خََلتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّ ُ‬
‫حي ل يموت" وقرئ‪َ { :‬ومَا ُم َ‬
‫واعترف بموت نبيه وبكاه‪.‬‬

‫( ‪)1/385‬‬

‫منكرا على المنهزمين والمرتدين من المنافقين ردتهم‪ ،‬وأعلمهم أن ارتداد من ارتد أو يرتد لن‬
‫يضر ال تعالى شيئا‪ ،‬فال غني عن إيمانهم ونصرهم‪ ،‬وأنه تعالى سيجزي الثابتين على إيمانهم‬
‫وطاعة ربهم ورسوله صلى ال عليه وسلم وسيجزيهم دنيا وآخرة بأعظم الجور وأحسن‬
‫المثوبات‪.‬‬
‫هذا ما تضمنته الية الثالثة أما الرابعة (‪ )145‬فقد تضمنت حقيقتين علميتين‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أن موت النسان متوقف حصوله على إذن ال خالقه ومالكه فل يموت أحد بدون علم ال‬
‫تعالى بذلك فلم يكن لملك الموت أن يقبض روح إنسان قبل إذن ال تعالى له بذلك‪ ،‬وشي آخر‬
‫وهو أن موت كل إنسان قد ضبط تاريخ وفاته باللحظة فضلً عن اليوم والساعة‪ ،‬وذلك في كتاب‬
‫‪ 1‬خاص‪ ،‬فليس من الممكن أن يتقدم أجل إنسان أو يتأخر بحال من الحوال‪ ،‬هذه حقيقة يجب أن‬
‫تعلم‪ ،‬من قول ال تعالى‪َ { :‬ومَا كَانَ لِ َنفْسٍ أَنْ َتمُوتَ إِل بِإِذْنِ اللّهِ كِتَابا ُمؤَجّلً}‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬أن من دخل المعركة يقاتل باسم ال فإن كان يريد بقتاله ثواب الدنيا فال عز وجل يؤتيه‬
‫من الدنيا ما قدره له‪ ،‬وليس له من ثواب الخرة شيء‪ ،‬وإن كان يريد ثواب الخرة ل غير‪ ،‬فال‬
‫عز وجل يعطيه في الدنيا ما كتب له ويعطيه ثواب الخرة وهو الجنة وما فيها من نعيم مقيم وأن‬
‫ال تعالى سيجزي الشاكرين بما ل عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على قلب بشر‪ .‬هذه‬
‫الحقيقة التي تضمنها قوله تعالى‪َ { :‬ومَنْ يُ ِردْ َثوَابَ الدّنْيَا ُنؤْتِهِ مِ ْنهَا َومَنْ يُرِدْ َثوَابَ الْآخِ َرةِ ُنؤْتِهِ‬
‫مِ ْنهَا وَسَنَجْزِي الشّاكِرِينَ} ‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬البتلء بالتكاليف الشرعية الصعبة منها والسهلة من ضروريات اليمان‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير رسالة النبي محمد صلى ال عليه وسلم وبشريته المفضلة‪ ،‬وموتته المؤلمة ‪ 2‬لكل‬
‫مؤمن ‪.3‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هو كتاب المقادير‪ :‬اللوح المحفوظ‪.‬‬
‫‪ 2‬رثت صفية عمة رسول ال صلى ال عليه وسلم نبي ال بآيات دلت على مدى ما أصاب‬
‫المؤمنين من حزن وألم بفراق نبيهم نذكر منها ثلث أبيات‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أفاطم صلى ال رب محمد ‪ ...‬على حدث أمسى بيثرب ثاويا‬
‫فدى لرسول ال أمي وخالتي ‪ ...‬وعمي وآبائي ونفسي وماليا‬
‫فلو أن رب الناس أبقى نبيا ‪ ...‬سعدنا ولكن أمره كان ماضيا‬
‫‪ 3‬إن قيل لم تأخر دفن النبي صلى ال عليه وسلم يومين‪ ،‬وهو القائل‪" :‬عجلوا دفن جيفتكم ول‬
‫تؤخرهوها" ‪ .‬والجواب كان ذلك لمور‪ :‬أولً‪ :‬اختلفهم في المكان الذي يدفنوه فيه‪ ،‬حتى أخبرهم‬
‫الصديق بأنه صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬ما دفن نبي إل حيث يموت" ‪ .‬ثانيا‪ :‬اختلفهم في تعيين‬
‫الخليفة للهمية‬

‫( ‪)1/386‬‬

‫‪ -3‬الجهاد وخوض المعارك ل يقدم أجل العبد‪ ،‬والفرار من الجهاد ل يؤخره أيضا‪.‬‬
‫‪ -4‬ثواب العمال موقوف على نية العاملين وحسن قصدهم‪.‬‬
‫‪ -5‬فضيلة الشكر بالثبات على اليمان والطاعة ل ورسوله في المر والنهي‪.‬‬
‫ضعُفُوا َومَا‬
‫{ َوكَأَيّنْ مِنْ نَ ِبيّ قَا َتلَ َمعَهُ رِبّيّونَ كَثِيرٌ َفمَا وَهَنُوا ِلمَا َأصَا َبهُمْ فِي سَبِيلِ اللّ ِه َومَا َ‬
‫غفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي‬
‫حبّ الصّابِرِينَ(‪َ )146‬ومَا كَانَ َقوَْلهُمْ إِل أَنْ قَالُوا رَبّنَا ا ْ‬
‫اسْ َتكَانُوا وَاللّهُ ُي ِ‬
‫علَى ا ْل َقوْمِ ا ْلكَافِرِينَ(‪ )147‬فَآتَاهُمُ اللّهُ َثوَابَ الدّنْيَا وَحُسْنَ َثوَابِ‬
‫َأمْرِنَا وَثَ ّبتْ َأ ْقدَامَنَا وَا ْنصُرْنَا َ‬
‫حسِنِينَ(‪})148‬‬
‫حبّ ا ْلمُ ْ‬
‫الخِ َر ِة وَاللّهُ ُي ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ َوكَأَيّنْ‪ 1‬مِنْ نَ ِبيّ} ‪ :‬كثير من النبياء‪ .‬وتفسر‪ :‬كأين بكم وتكون حينئذ للتكثير‪.‬‬
‫{رِبّيّونَ‪ : }2‬ربانيون علماء وصلحاء وأتقياء عابدون‪.‬‬
‫{ َفمَا وَهَنُوا ِلمَا َأصَا َبهُمْ} ‪ :‬ما ضعفوا عن القتال ول انهزموا لجل ما أصابهم من قتل وجراحات‪.‬‬
‫{ َومَا اسْ َتكَانُوا} ‪ :‬ما خضعوا ول ذلوا لعدوهم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫السراف ‪ :‬مجاوزة الحد في المور ذات الحدود التي أن يوقف عندها‪.‬‬
‫{فَآتَا ُهمُ اللّهُ َثوَابَ الدّنْيَا} ‪ :‬أعطاهم ال تعالى ثواب الدنيا النصر والغنيمة‪.‬‬
‫{ا ْل ُمحْسِنِينَ} ‪ :‬الذين يحسنون نياتهم فيخلصون أعمالهم ل‪ ،‬ويحسنون أعمالهم فيأتون بها موافقة لما‬
‫شرعت عليه في كيفياتها وأعدادها وأوقاتها‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال الخليل‪" :‬وكأين أصلها‪ ،‬أي‪ :‬دخلت عليها كاف التشبيه‪ ،‬وبنيت معها فصارت مثل‪ :‬كم‬
‫للدللة على التكثير‪ ،‬وفيها لغات منها‪ :‬كائن‪ ،‬وقرأ بها ابن كثير‪ ،‬وكئن‪ ،‬وقرأ بها ابن محيصن‪،‬‬
‫وكأين‪ ،‬وبها قرأ الجمهور‪.‬‬
‫‪ 2‬في الربيين ثلث لغات‪ :‬كسر الراء وضمها وفتحها‪ ،‬وهم الجماعة الكثيرة‪ .‬والواحد‪ :‬ربي‪،‬‬
‫بكسر الراء وضمها أيضا‪ ،‬وما ذكرناه في التفسير هو الحق‪.‬‬

‫( ‪)1/387‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في الحديث عن أحداث غزوة أحد فذكر تعالى هنا ما هو في تمام عتابه للمؤمنين‬
‫في اليات السابقة عن عدم صبرهم وانهزامهم وتخليهم عن نبيهم في وسط المعركة وحده حتى‬
‫ناداهم‪ :‬إليّ عباد ال إليّ عباد ال فثاب إليه رجال‪ .‬فقال تعالى مخبرا بما يكون عظة للمؤمنين‬
‫وعبرة لهم‪َ { :‬وكَأَيّنْ مِنْ نَ ِبيّ} أي‪ :‬وكم من نبي من النبياء السابقين قاتل معه جموع كثيرة من‬
‫العلماء والتقياء والصالحين فما وهنوا‪ ،‬أي‪ :‬ما ضعفوا‪ ،‬ول ذلوا لعدوهم ول خضعوا له كما هم‬
‫بعضكم أن يفعل أيها المؤمنون‪ ،‬فصبروا على القنال مع أنبيائهم متحملين آلم القتل والجرح‬
‫فأحبهم ربهم تعالى لذلك لنه يحب الصابرين‪.‬‬
‫هذا ما تضمنته الية الولى(‪ )146‬ونصها‪َ { :‬وكَأَيّنْ مِنْ نَ ِبيّ قَا َتلَ َمعَهُ رِبّيّونَ كَثِيرٌ َفمَا وَهَنُوا ِلمَا‬
‫حبّ الصّابِرِينَ} و أما الية الثانية فأخبر‬
‫ض ُعفُوا َومَا اسْ َتكَانُوا ‪ 1‬وَاللّهُ يُ ِ‬
‫َأصَا َبهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ َومَا َ‬
‫تعالى فيها عن موقف أولئك الربيين وحالهم أثناء الجهاد في سبيله تعالى فقال‪َ { :‬ومَا كَانَ َقوَْلهُمْ إِل‬
‫غفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا ‪ 2‬فِي َأمْرِنَا وَثَبّتْ َأ ْقدَامَنَا وَا ْنصُرْنَا عَلَى ا ْل َقوْمِ ا ْلكَافِرِينَ} ‪.‬‬
‫أَنْ قَالُوا رَبّنَا ا ْ‬
‫ولزم هذا كأنه تعالى يقول للمؤمنين لم ل تكونوا أنتم مثلهم وتقولوا قولتهم الحسنة الكريمة وهي‬
‫الضراعة ل تعالى بدعائه واستغفاره لذنوبهم الصغيرة والكبيرة والتي كثيرا ما تكون سببا للهزائم‬
‫والنتكاسات كما حصل لكم أيها المؤمنون فلم يكن لولئك الربانيين من قول سوى قولهم‪ :‬ربنا‬
‫اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين‪ ،‬فسألوا ال مغفرة‬
‫ذنوبهم وتثبيتهم أقدامهم في أرض المعركة حتى ل يتزلزلوا فينهزموا‪ ،‬والنصرة على القوم‬
‫الكافرين أعداء ال وأعدائهم فاستجاب لهم ربهم فأعطاهم ما سألوا وهو ثواب الدنيا بالنصر‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والتمكين وحسن ثواب الخرة وهو رضوانه الذي أحله عليهم وهم في الجنة دار المتقين‬
‫حسْنَ‪َ 3‬ثوَابِ الخِ َرةِ‬
‫والبرار‪ ،‬هذا ما دلت عليه الية الخيرة(‪{ )148‬فَآتَا ُهمُ اللّهُ َثوَابَ الدّنْيَا وَ ُ‬
‫حبّ ا ْلمُحْسِنِينَ}‬
‫وَاللّهُ ُي ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬استكان‪ :‬مشتق من السكون لن الذليل العاجز يسكن لمن خضع له‪ ،‬ول يتحرك ليدفع عنه‬
‫الذى وما ناله من عدوه الغالب له‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرج مسلم في صحيحه عن أبي موسى الشعري رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم كان يدعو بهذا الدعاء‪" :‬اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به‬
‫مني" وهو دعاء تواضع منه عظيم‪.‬‬
‫‪ 3‬في حسن الثواب والمحسنين جناس تام‪ ،‬والجملة تذييلية تحمل البشرى للقوم المحسنين في‬
‫قتالهم ولقاء أعدائهم مع إحسانهم في عبادة ربهم وسواء منها القلبية والبدينة‪.‬‬

‫( ‪)1/388‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬الترغيب في التساء ‪ 1‬بالصالحين في إيمانهم وجهادهم وصبرهم وحسن أقوالهم‪.‬‬
‫‪ -2‬فضيلة الصبر والحسان‪ ،‬يحب ال تعالى الصابرين والمحسنين‪.‬‬
‫‪ -3‬فضيلة الشتغال بالذكر ‪ 2‬والدعاء عند المصائب والشدائد بدل التأوهات وإبداء التحسرات‬
‫والتمنيات‪ ،‬وشر من ذلك التصخت والتضجر والبكاء والعويل‪.‬‬
‫‪ -4‬كرم ال تعالى المتجلي في استجابة دعاء عباده الصابرين المحسنين‪.‬‬
‫عقَا ِبكُمْ فَتَ ْنقَلِبُوا خَاسِرِينَ(‪َ )149‬بلِ اللّهُ‬
‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الّذِينَ كَفَرُوا يَرُدّوكُمْ عَلَى أَ ْ‬
‫عبَ ِبمَا أَشْ َركُوا بِاللّهِ مَا لَمْ‬
‫َموْلكُ ْم وَ ُهوَ خَيْرُ النّاصِرِينَ(‪ )150‬سَنُ ْلقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ َكفَرُوا الرّ ْ‬
‫يُنَ ّزلْ بِهِ سُ ْلطَانا َومَ ْأوَاهُمُ النّارُ وَبِئْسَ مَ ْثوَى الظّاِلمِينَ(‪})151‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{إِنْ ُتطِيعُوا الّذِينَ َكفَرُوا} ‪ :‬المراد من طاعة الكافرين قبول قولهم والخذ باراشادتهم‪.‬‬
‫عقَابِكُمْ} ‪ :‬يرجعوكم إلى الكفر بعد اليمان‪.‬‬
‫{يَ ُردّوكُمْ عَلَى أَ ْ‬
‫{خَاسِرِينَ} ‪ :‬فاقدين لكل خير في الدنيا‪ ،‬ولنفسكم وأهليكم يوم القيامة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬شاهده أن ال تعالى جعل لنا رسوله بعد أن كمله وعصمه‪ ،‬جعله لنا أسوة يأتسي بفعاله وأخلقه‬
‫وأحواله المؤمنون المتقون والعالمون الصابرون‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 2‬شاهده ما صح عنه صلى ال عليه وسلم أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلة‪ ،‬الصلة أكبر‬
‫مظهر لذكر ال تعالى‪ ،‬ومن الذكر المشروع عند المصائب قول‪ :‬إنا ل وإنا إليه راجعون‪.‬‬

‫( ‪)1/389‬‬

‫{ َبلِ اللّهُ َموْلكُمْ} ‪ :‬بل أطيعوا ال ربكم ووليكم ومولكم فإنه خير من يطاع وأحق من يطاع‪.‬‬
‫عبَ} ‪ :‬شدة الخوف من توقع الهزيمة والمكروه‪.‬‬
‫{الرّ ْ‬
‫{ َومَ ْأوَاهُمُ} ‪ :‬مقر إيوائهم ونزولهم‪.‬‬
‫{مَ ْثوَى} ‪ :‬المثوى مكان الثوى‪ ،‬وهو القامة والستقرار‪.‬‬
‫{الظّاِلمِينَ} ‪ :‬المشركين الذين أطاعوا غير ال تعالى وعبدوا سواه‪.‬معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في أحداث ‪ 1‬غزوة أحد‪ ،‬فقد روى أن بعض المنافقين لما رأى هزيمة المؤمنين في‬
‫أحد‪ ،‬قال في المؤمنين ارجعوا إلى دينكم وإخوانكم‪ ،‬ولو كان محمد نبيا لما قتل إلى آخر ما من‬
‫شأنه أن يقال في تلك الساعة الصعبة من القتراحات التي قد كشف عنها هذا النداء اللهي‬
‫للمؤمنين‪ ،‬وهو يحذرهم من طاعة الكافرين بقوله عز وجل‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الّذِينَ‬
‫عقَا ِبكُمْ فَتَ ْنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} فل شك أن الكافرين قد طالبوا المؤمنين بطاعته‬
‫َكفَرُوا يَرُدّوكُمْ‪ 2‬عَلَى أَ ْ‬
‫بتنفيذ بعض القتراحات التي ظاهرها النصح وباطنها الغش والخديعة‪ ،‬فنهاهم ال تعالى عن‬
‫طاعتهم في ذلك وهذا النهي وإن نزل في حالة خاصة‪ ،‬فإنه عام في المسلمين على مدى الحياة‪،‬‬
‫فل يحل طاعة الكافرين من أهل الكتاب وغيرهم وفي كل ما يأمرون به أو يقترحونه‪ ،‬ومن‬
‫أطاعهم ردوه عن دينه إلى دينهم فينقلب‪ :‬يرجع خاسرا في دنياه وآخرته‪ ،‬والعياذ بال‪ .‬هذا ما‬
‫تضمنته الولى(‪ )149‬وأما الية الثانية(‪ )150‬فقد تضمنت المر بطاعته تعالى‪ ،‬إذ هو أولى بذلك‬
‫لنه ربهم ووليهم ومولهم‪ ،‬فهو أحق بطاعتهم من الكافرين‪ ،‬فقال تعالى‪َ { :‬بلِ اللّهُ َموْلكُمْ‪}3‬‬
‫فأطيعوه‪ ،‬ول تطيعوا أعداءه وإن أردتم أن تطلبوا النصر بطاعة الكافرين فإن ال تعالى خير‬
‫الناصرين فاطلبوا النصر منه بطاعته فإنه ينصركم‪ ،‬وفي الية الثالثة (‪ )151‬لما امتثل المؤمنون‬
‫أمر ربهم فلم يطيعوا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لفظ الكافرين شامل لكل ما أولت الية به من المشركين والمنافقين واليهود‪ ،‬وهذا أمر ل ينكر‬
‫فإن طاعة الكافرين ل تقضي بمن أطاعهم إل إلى الخيبة والخسران في الدارين‪.‬‬
‫‪ 2‬وجه المناسبة هو أنه لما أمر تعالى المؤمنين بالقتداء بالصالحين من أتباع النبياء‪ ،‬وذلك‬
‫بالصبر والحتساب حذرهم في هذه اليات من اتباع الكافرين وقبول ما يطلبون ويقترحونه عليه‬
‫فإنه مفضي بهم إلى الكفر أولً ثم إلى الثم والخسران ثانيا‪.‬‬
‫‪ 3‬قرئ بنصب اسم الجللة‪ ،‬ويكون معمولً لفعل مقدر وتقديره‪ :‬بل أطيعوا ال مولكم فهو أحق‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بطاعته من الكافرين والمنافقين‪ ،‬وفي هذا رد على من قال ساعة الهزيمة‪ :‬لو كلمنا ابن أبي يأخذ‬
‫لنا أمنا من أبي سفيان‪.‬‬

‫( ‪)1/390‬‬

‫الكافرين وعدهم ربهم سبحانه وتعالى بأنه سيلقي في قلوب الكافرين الرعب ‪ 1‬وهو الخوف‬
‫والفزع والهلع حتى تتمكنوا من قتالهم والتغلب عليهم وذلك هو النصر المنشود منكم‪ ،‬وعلل تعالى‬
‫فعله ذلك بالكافرين بأنهم أشركوا به تعالى آلهة عبدوها معه لم ينزل بعبادتها حجة ول سلطانا‪،‬‬
‫عبَ ِبمَا أَشْ َركُوا بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَ ّزلْ ِبهِ سُ ْلطَانا} وأخيرا‬
‫وقال تعالى‪{ :‬سَُن ْلقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ َكفَرُوا الرّ ْ‬
‫مأواهم النار‪ ،‬أي‪ :‬محل إقامتهم النار‪ ،‬وذم تعالى القامة في النار فقال‪َ { :‬ومَ ْأوَاهُمُ النّا ُر وَبِئْسَ‬
‫مَ ْثوَى الظّاِلمِينَ} ‪ ،‬يريد النار بئس المقام للظالمين وهم المشركون ‪.2‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تحرم طاعة الكافرين في حال الختيار ‪.3‬‬
‫‪ -2‬بيان السر في تحريم طاعة الكافرين‪ ،‬وهو أنه يترتب عليها الردة‪ .‬والعياذ بال‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان قاعدة من طلب النصر من غير ال أذله ال‪.‬‬
‫‪ -4‬وعد ال المؤمنين بنصرهم بعد إلقاء الرعب في قلوب أعدائهم‪ ،‬إذ هم أبو سفيان بالعودة إلى‬
‫المدينة بعد انصرافه من أحد ليقضي عمن بقى في المدينة من الرجال‪ ،‬كذا سولت له نفسه‪ ،‬ثم‬
‫ألقى ال تعالى في قلبه الرعب فعدل عن الموضوع بتدبير ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -5‬بطلن كل دعوى ما لم يكن لصحابها حجة وهي المعبر عنها بالسلطان ‪ 4‬في الية إذ الحجة‬
‫يثبت بها الحق ويناله صاحبه بواسطتها‪.‬‬
‫عصَيْتُمْ مِنْ َب ْعدِ مَا‬
‫لمْرِ وَ َ‬
‫{وََلقَ ْد صَ َد َقكُمُ اللّ ُه وَعْ َدهُ ِإذْ َتحُسّو َنهُمْ بِإِذْ ِنهِ حَتّى ِإذَا فَشِلْ ُت ْم وَتَنَازَعْتُمْ فِي ا َ‬
‫أَرَاكُمْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الرعب بإسكان العين وطمسها الخوف الذي يمل النفس خوفا‪ ،‬لن مادة الرعب مأخوذة من‬
‫الماء‪ ،‬يقال‪ :‬سيل راعب يمل الوادي‪ ،‬وكانت هذه الية ردا على أبي سفيان لما فكر في العودة‬
‫إلى المدينة بعد انصرافه من أحد‪ ،‬إل أن ال تعالى هزمه لما ألقى في نفسه من الرعب‪ ،‬فعاد إلى‬
‫مكة‪ ،‬كما هي بشرى للمؤمنين متى أطاعوا ربهم وثبتهم فإنه يلقى الرعب في قلوب أعدائهم‪ ،‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬نصرت بالرعب مسيرة شهر‪.‬‬
‫‪ 2‬لقوله تعالى‪{ :‬وَا ْلكَافِرُونَ هُمُ الظّاِلمُونَ} ‪ ،‬والكافرون مشركون بل شك‪.‬‬
‫‪ 3‬أما في حال الكراه فإن من لم يطق العذاب يرخص له في إعطائهم ما طلبوا منه على شرط‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أن يكون كارها بقلبه ساخطا في نفسه غير راضٍ عنهم ول عن صنيعهم وذلك للية‪{ :‬إِل مَنْ‬
‫طمَئِنّ بِالِيمَانِ} ‪.‬‬
‫ُأكْ ِر َه َوقَلْبُهُ مُ ْ‬
‫‪ 4‬السلطان‪ :‬الحجة لن الحق يؤخذ بالحجة ويؤخذ بالسلطان‪ ،‬وهل السلطان مأخوذ من السليط‪،‬‬
‫وهو ما يضاء السراج‪ ،‬وهو دهن السمسم‪ ،‬وسمي الحاكم سلطانا للستضاءة به في إظهار الحق‬
‫وقمع الباطل؟ نعم‪ ،‬وجائز‪.‬‬

‫( ‪)1/391‬‬

‫عفَا عَ ْنكُمْ‬
‫مَا تُحِبّونَ مِ ْنكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدّنْيَا َومِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الخِ َرةَ ُث ّم صَ َر َفكُمْ عَ ْنهُمْ لِيَبْتَلِ َيكُ ْم وََلقَدْ َ‬
‫ن وَل تَ ْلوُونَ عَلَى َأحَ ٍد وَالرّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي‬
‫صعِدُو َ‬
‫ضلٍ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ(‪ )152‬إِذْ ُت ْ‬
‫وَاللّهُ ذُو َف ْ‬
‫غمّا ِبغَمّ ِلكَيْل تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَا َتكُ ْم وَل مَا َأصَا َبكُ ْم وَاللّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ(‪})153‬‬
‫أُخْرَا ُكمْ فَأَثَا َبكُمْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{صَ َد َقكُمُ اللّ ُه وَعْ َدهُ‪ : }1‬أنجزكم ما وعدكم على لسان رسوله بقوله للرماة اثبتوا أماكنكم فإنا ل‬
‫نزال غالبين ما ثبتم مكانكم‪.‬‬
‫{ َتحُسّو َنهُمْ} ‪ :‬تقتلونهم إذ‪ ،‬الحس‪ :‬القتل‪ .‬يقال‪ :‬حسه‪ ،‬إذا قتله فأبطل حسه‪.‬‬
‫{بِِإذْنِهِ} ‪ :‬بإذنه لكم في قتالهم وبإعانته لكم على ذلك‪.‬‬
‫{فَشِلْ ُتمْ} ‪ :‬ضعفتم وجبنتم عن القتال‪.‬‬
‫صعِدُونَ‪ : }2‬تذهبون في الرض فارين من المعركة‪ ،‬يقال‪ :‬أصعد إذا ذهب في صعيد الرض‪.‬‬
‫{ ُت ْ‬
‫{وَل تَ ْلوُونَ عَلَى َأحَدٍ} ‪ :‬ل تلوون رؤوسكم على أحد تلتفتون إليه‪.‬‬
‫{وَالرّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي ُأخْرَاكُمْ} ‪ :‬أي‪ :‬يناديكم من خلفكم إليّ عباد ال ارجعوا إليّ عباد ال‬
‫ارجعوا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬صدق الوعد‪ :‬تحقيقه والوفاء به‪ ،‬لن الصدق هو مطابقة الخبر للواقع‪ ،‬وهذا الوعد كان لهم‬
‫على لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذ أخبرهم به وهو يهيئ صفوفهم للقتال‪.‬‬
‫‪ 2‬صعد يصعد‪ ،‬إذا طلع المنبر أو سطحا‪ ،‬وأصعد يصعد إصعادا‪ ،‬إذا سار في بطن الرض أو‬
‫الوادي جريا على صعيد الرض فكان الصعاد إبعادا في الرض‪.‬‬

‫( ‪)1/392‬‬

‫غمّا ِب َغمّ‪ : }1‬جزاكم على معصيتكم وفراركم غما على غم‪ .‬والغم‪ :‬ألم النفس وضيق‬
‫{فَأَثَا َبكُمْ َ‬
‫الصدر‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{مَا فَا َتكُمْ} ‪ :‬من الغنائم‪.‬‬
‫{وَل مَا َأصَا َبكُمْ} ‪ :‬من الموت والجراحات واللم والتعاب‪.‬معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق في أحداث أحد‪ ،‬فقد تقدم في السياق قريبا نهى ال تعالى المؤمنين عن طاعة‬
‫الكافرين في كل ما يقترحون‪ ،‬ويشيرون به عليهم‪ .‬ووعدهم بأنه سيلقي الرعب في قلوب‬
‫الكافرين‪ ،‬وقد فعل فله الحمد حيث عزم أبو سفيان على أن يرجع إلى المدينة ليقتل من بها‬
‫ويستأصل شأفتهم‪ ،‬فأنزل ال تعالى في قلبه وقلوب أتباعه الرعب فعدلوا عن غزو المدينة مرة‬
‫ثانية‪ ،‬وذهبوا إلى مكة‪ .‬ورجع الرسول والمؤمنون من حمراء السد‪ ،‬ولم يلقوا أبا سفيان وجيشه‪.‬‬
‫وفي هاتين اليتين يخبرهم تعالى بمنته عليهم حيث أنجزهم ما وعدهم من النصر‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬
‫{وََلقَ ْد صَ َد َقكُمُ‪ 2‬اللّهُ وَعْ َدهُ إِذْ َتحُسّو َنهُمْ بِِإذْنِهِ} ‪ ،‬وذلك أن الرسول صلى ال عليه وسلم لما بوأ‬
‫الرماة مقاعدهم‪ .‬وكانوا ثلثين راميا وجعل عليهم عبد ال بن جبير أمرهم بأن ل يبرحوا أماكنهم‬
‫كيفما كانت الحال‪ ،‬وقال لهم‪ :‬إنا ل نزال غالبين ما بقيتم في أماكنكم ترمون العدو فتحمون‬
‫ظهورنا بذلك‪ ،‬وفعلً دارت المعركة وأنجز ال تعالى لهم وعده ففر المشركون أمامهم تاركين كل‬
‫شيء هاربين بأنفسهم والمؤمنون يحسونهم حسا‪ ،‬أي‪ :‬يقتلونهم قتلً بإذن ال وتأييده لهم‪ ،‬ولما رأى‬
‫الرماة هزيمة المشركين والمؤمنون يجمعون الغنائم‪ ،‬قالوا‪ :‬ما قيمة بقاءنا هنا‪ ،‬والناس يغنمون‬
‫فهيا بنا ننزل إلى ساحة المعركة لنغنم‪ ،‬فذكرهم عبد ال بن جبير قائدهم بأمر رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فتأولوه ونزلوا إلى ساحة المعركة يطلبون الغنائم‪ ،‬وكان على خيل المشركين خالد بن‬
‫الوليد‪ ،‬فما رأى الرماة أخلوا مراكزهم إل قليلً منهم كر بخيله عليهم فاحتل أماكنهم وقتل من بقي‬
‫فيها‪ ،‬ورمى المسلمين من ظهورهم فتضعضعوا لذلك‪ ،‬فعاد المشركون إليهم ووقعوا بين الرماة‬
‫الناقمين والمقاتلين الهاجئين‪ ،‬قوقعت الكارثة فقتل سبعون من المؤمنين ومن‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الباء قد تكون هنا للمصاحبة‪ ،‬أي أصابكم غما مصحوبا بغم‪ .‬والغم الول‪ :‬القتل والجراح‪،‬‬
‫والثاني‪ :‬الرجاف بقتل الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ول بأس أن يكون الغم الول هو الذي‬
‫أغموا به الرسول بمخالتفهم إياه وأصابهم غم الهزيمة‪.‬‬
‫‪ 2‬في هذه الية عود إلى التسلية على ما أصابهم وإظهار لستمرار عناية ال تعالى بهم‪.‬‬

‫( ‪)1/393‬‬

‫بينهم حمزة عم الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وجرح رسول ال في وجه‪ ،‬وكسرت رباعيته‪،‬‬
‫ل منهم‪ ،‬وفي‬
‫وصاح الشيطان قائلً‪ :‬إن محمدا قد مات‪ ،‬وفر المؤمنون من ميدان المعركة إل قلي ً‬
‫لمْرِ‪ }1‬يريد تنازع الرماة مع قائدهم عبد ال بن‬
‫هذا يقول تعالى‪{ :‬حَتّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ا َ‬
‫جبير‪ ،‬حيث نهاهم عن ترك مقاعدهم وذكرهم بأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم فنازعوه في‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فهمه وخالفوا المر ونزلوا‪ ،‬وكان ذلك بعد أن رأوا إخوانهم قد انتصروا وأعدائهم قد انهزموا ‪،2‬‬
‫عصَيْتُمْ مِنْ َبعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا ُتحِبّونَ} أي‪ :‬من النصر {مِ ْنكُمْ مَنْ يُرِيدُ‪3‬‬
‫وهو معنى قوله تعالى‪{ :‬وَ َ‬
‫الدّنْيَا} وهم الذين نزلوا إلى الميدان يجمعون الغنائم‪َ { ،‬ومِ ْنكُمْ مَنْ يُرِيدُ الخِ َرةَ} وهم‪ :‬عبد ال بن‬
‫جبير والذين صبروا معه في مراكزهم حتى استشهدوا فيها‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬ثُ ّم صَ َر َفكُمْ عَ ْن ُهمْ‬
‫لِيَبْتَلِ َيكُمْ} وذلك إخبار عن ترك القتال لما أصابهم من الضعف حينما رأوا أنفسهم محصورين بين‬
‫رماة المشركين ومقاتليهم فأصعدوا في الوادي هاربين بأنفسهم‪ ،‬وحصل هذا بعلم ال تعالى‬
‫وتدبيره‪ ،‬والحكمة فيه أشار إليها تعالى بقوله‪{ :‬لِيَبْتَلِ َي ُكمْ} أي‪ :‬يختبركم فيرى المؤمن الصادق من‬
‫عفَا عَ ْنكُمْ} يريد أنه لو شاء يؤاخذهم‬
‫المنافق الكاذب‪ ،‬والصابر من الجزع‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وََلقَدْ َ‬
‫بمعصيتهم أمر رسوله‪ ،‬فسلط عليهم المشركين فقتلوهم أجمعين‪ ،‬ولم يبقوا منهم أحدا إذ تمكنوا‬
‫ضلٍ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} هذا ما‬
‫عفَا عَ ْنكُ ْم وَاللّهُ ذُو َف ْ‬
‫منهم تماما ولكن ال سلم‪ .‬هذا معنى‪{ :‬وََلقَدْ َ‬
‫تضمنته الية الولى(‪ ،)152‬أما الية الثانية(‪ )153‬فهي تصور الحال التي كان عليها المؤمنون‬
‫صعِدُونَ} أي‪ :‬عفا عنكم في الوقت الذي‬
‫بعد حصول النكسار والهزيمة ‪ 4‬فيقول تعالى‪ِ{ :‬إذْ ُت ْ‬
‫فررتم في المصعدين في الودية هاربين من المعركة والرسول يدعوكم من ورائكم إليّ عباد ال‬
‫غمّا ِب َغمّ}‬
‫ارجعوا‪ ،‬وأنتم فارون ل تلوون على أحد‪ ،‬أي‪ :‬ل تلتفتوا إليه‪ .‬وقوله تعالى ‪{ :‬فَأَثَا َبكُمْ َ‬
‫يريد جزاكم على معصيتكم غما‪ ،‬والغم‪ :‬ألم النفس لضيق الصدر وصعوبة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬آل في المر‪ :‬نائبة عن المضاف‪ ،‬إذ التقدير في أمركم وشأنكم‪.‬‬
‫‪ 2‬نعم انهزم المشركون في أول المعركة حتى شوهدت نسائهم عن سوقهن هاربات في أعلى‬
‫الجبل خوفا من السر‪ ،‬ومن بينهم هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان‪.‬‬
‫‪ 3‬إرادة الدنيا وحدها غير معصية ولكن ما ترتبت عنها من ترك طاعة رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فطالب الدنيا إذا طلبها من حلها ولم يخل طلبه بواجب ولم يحمله على فعل حرام ل يأثم ول‬
‫يلم‪.‬‬
‫‪ 4‬لما تمت الهزيمة جلس رسول ال صلى ال عليه وسلم مع بعض أصحابه على صخرة من‬
‫سفح أحد فجاء أبو سفيان فارتفع على نشز من الرض‪ ،‬وقال‪ :‬أفي القوم محمد؟ فقال لهم رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل تجيبوه" ثم قال‪ :‬أفي القوم ابن أبي قحافة؟ فقال النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم‪" :‬ل تجيبوه" ‪ .‬ثم قال‪ :‬أفي القوم عمر؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل تجيبوه"‪ .‬ثم‬
‫التفت إلى أصحابه وقال‪ :‬أما هؤلء فقد قتلوا‪ .‬فقال له عمر‪ :‬كذبت يا عدوا ال‪ ،‬فقد أبقى لك ال‬
‫من يخزيك به‪ .‬فقال‪ :‬أعل هبل‪ .‬مرتين‪ .‬فأجابوه بأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم قائلين‪ .‬ال‬
‫أعلى وأجل‪ .‬فقال‪ :‬لنا العزة ول عزة لكم‪ .‬فقالوا بأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬ال مولنا‬
‫ول مولى لكم‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/394‬‬

‫الحال‪ ،‬وقوله‪ِ { :‬ب َغمّ} أي‪ :‬على غم‪ ،‬وسبب الغم الول فوات النصر والغنيمة‪ ،‬والثاني‪ :‬القتل‬
‫والجراحات‪ ،‬وخاصة جراحات نبيهم وإذاعة قتله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ِ{ :‬لكَيْل تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَا َتكُ ْم وَل مَا َأصَا َبكُمْ} أي‪ :‬ما أصابكم بالغم الثاني الذي هو‬
‫خبر قتل الرسول صلى ال عليه وسلم لكي ل تحزنوا على ما فاتكم من النصر والغنيمة‪ ،‬ول على‬
‫ما أصابكم من القتل والجراحات فأنساكم الغم الثاني ما غمكم به الغم الول الذي هو فوات النصر‬
‫والغنيمة‪ .‬وقوله‪{ :‬وَاللّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ} يخبرهم تعالى أنه بكل ما حصل منهم من معصية‬
‫وتنازع وفرار‪ ،‬وترك للنبي صلى ال عليه وسلم في المعركة وحده وانهزامهم وحزنهم خبير‬
‫مطلع عليه عليم به وسيجزي به المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته أو يعفو عنه‪ ،‬وال عفو كريم‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬مخالفة القيادة الرشيدة والتنازع في حال الحرب يسبب الهزيمة ‪ 1‬المنكرة‪.‬‬
‫‪ -2‬معصية ال ورسوله والختلفات بين أفراد المة تعقب أثارا سيئة أخفها عقوبة الدنيا بالهزائم‬
‫وذهاب الدولة والسلطان ‪.2‬‬
‫‪ -3‬ما من مصيبة تصيب العبد إل وعند ال ما هو أعظم منها‪ ،‬فلذا يجب حمد ال تعالى على أنها‬
‫لم تكن أعظم‪.‬‬
‫‪ -4‬ظاهر هزيمة أحد النقمة وباطنها النعمة‪ ،‬وبيان ذلك أن علم المؤمنون أن النصر والهزيمة‬
‫يتمان حسب سنن إلهية فما أصبحوا بعد هذه الحادثة المؤلمة يغفلون تلك السنن أو يهملونها‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان حقيقة كبرى وهي أن معصية الرسول صلى ال عليه وسلم مرة واحدة وفي شيء واحد‬
‫ترتب عليها ألم وجراحات وقتل وهزائم وفوات خير كبير وكثير‪ ،‬فكيف بالذين يعصون رسول ال‬
‫طوال حياتهم وفي كل أوامره ونواهيه‪ ،‬وهم يضحكون ول يبكون‪ ،‬وآمنون غير خائفين ‪.3‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الخلف كله شر ولكنه في ساحة الحرب أشد‪ ،‬ولهذا قال تعالى‪ِ{ :‬إذَا َلقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} إلى أن‬
‫حكُم} ‪ .‬الية من سورة النفال‪.‬‬
‫قال‪{ :‬وَل تَنَازَعُوا فَ َتفْشَلُوا وَتَذْ َهبَ رِي ُ‬
‫‪ 2‬شاهد هذا حال المسلمين اليوم‪ ،‬وقبل اليوم أنهم بعد أن عصوا ال ورسوله بالعراض عن‬
‫شرع ال وإهمال أحكامه والتعصب للمذاهب والرضا بالنقسام والخلف حل بهم ما حل من الذل‬
‫والهون والدون‪.‬‬
‫‪ 3‬هذه حال أكثر المسلمين اليوم ومنذ قرون عدة‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال‪ ،‬وكذا لم يبرحوا أذلء‬
‫تابعين للكافرين ل يستقلون في عمل أو تدبير‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/395‬‬

‫سهُمْ َيظُنّونَ بِاللّهِ‬


‫{ ُثمّ أَنْ َزلَ عَلَ ْيكُمْ مِنْ َبعْدِ ا ْلغَمّ َأمَنَةً ُنعَاسا َيغْشَى طَا ِئفَةً مِ ْنكُمْ وَطَا ِئفَةٌ قَدْ َأ َهمّ ْتهُمْ أَ ْنفُ ُ‬
‫سهِمْ‬
‫خفُونَ فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫لمْرَ كُلّهُ لِلّهِ يُ ْ‬
‫ناَ‬
‫شيْءٍ ُقلْ إِ ّ‬
‫لمْرِ مِنْ َ‬
‫ناَ‬
‫غَيْرَ ا ْلحَقّ ظَنّ ا ْلجَاهِلِيّةِ َيقُولُونَ َهلْ لَنَا مِ َ‬
‫شيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا ُقلْ َلوْ كُنْتُمْ فِي بُيُو ِتكُمْ لَبَرَزَ الّذِينَ‬
‫لمْرِ َ‬
‫ناَ‬
‫مَا ل يُ ْبدُونَ َلكَ َيقُولُونَ َلوْ كَانَ لَنَا مِ َ‬
‫حصَ مَا فِي قُلُو ِبكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ‬
‫ج ِعهِمْ وَلِيَبْتَِليَ اللّهُ مَا فِي صُدُو ِركُ ْم وَلِ ُيمَ ّ‬
‫كُ ِتبَ عَلَ ْي ِهمُ ا ْلقَ ْتلُ ِإلَى َمضَا ِ‬
‫ج ْمعَانِ إِ ّنمَا اسْتَزَّلهُمُ الشّيْطَانُ بِ َب ْعضِ مَا‬
‫بِذَاتِ الصّدُورِ(‪ )154‬إِنّ الّذِينَ َتوَّلوْا مِ ْنكُمْ َيوْمَ الْ َتقَى ا ْل َ‬
‫غفُورٌ حَلِيمٌ(‪})155‬‬
‫عفَا اللّهُ عَ ْنهُمْ إِنّ اللّهَ َ‬
‫كَسَبُوا وََلقَدْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{َأمَنَةً ُنعَاسا‪ : }1‬المنة‪ :‬المن‪ ،‬والنعاس‪ :‬استرخاء يصيب الجسم قبل النوم‪.‬‬
‫{ َيغْشَى ‪ 2‬طَا ِئفَةً مِ ْنكُمْ} ‪ :‬يصيب المؤمنين ليستريحوا ول يصيب المنافقين‪.‬‬
‫س ُهمْ} ‪ :‬أي‪ :‬ل يفكرون إل في نجاة أنفسهم غير مكترثين بما أصاب رسول ال صلى‬
‫{أَ َهمّ ْت ُهمْ‪ 3‬أَ ْنفُ ُ‬
‫ال عليه وسلم وأصحابه‪.‬‬
‫{ظَنّ الْجَاهِلِيّةِ} ‪ :‬هو اعتقادهم ‪ :4‬أن النبي قُتل أو أنه ل ينصر‪.‬‬
‫لمْرِ} ‪ :‬أي‪ :‬ما لنا من المر من شيء‪.‬‬
‫ناَ‬
‫{ َهلْ لَنَا مِ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المنة‪ :‬وقيل‪ :‬إن المنة تكون عند الخوف والمن يكون مع الخوف وعدمه‪ ،‬وقرئ المنة‬
‫بإسكان الميم‪.‬‬
‫‪ 2‬قرئ‪ :‬يغشى بالياء‪ ،‬وهو عائد إلى النعاس‪ ،‬وقرئ‪ :‬تغشى بالتاء ويعود على المنة‪.‬‬
‫‪ 3‬من أفراد هذه الطائفة‪ :‬معتب بن قشير وأصحابه خرجوا طمعا للغنيمة ل غير‪.‬‬
‫‪ 4‬قال ابن عباس‪ :‬وهو تكذيبهم بالقدر‪.‬‬

‫( ‪)1/396‬‬

‫{مَا ل يُبْدُونَ َلكَ} ‪ :‬أي‪ :‬ما ل يظهرون لك‪.‬‬


‫{لَبَرَزَ الّذِينَ} ‪ :‬لخرجوا من المدينة ظاهرين ليلقوا مصارعهم هناك‪.‬‬
‫{كُ ِتبَ عَلَ ْيهِمُ ا ْلقَ ْتلُ} ‪ :‬يريد كتب في كتاب المقادير‪ ،‬أي‪ :‬اللوح المحفوظ‪.‬‬
‫ج ِعهِمْ} ‪ :‬جمع مضجع‪ ،‬وهو مكان النوم‪ ،‬والضطجاع والمراد المكان الذي صرعوا في‬
‫{ َمضَا ِ‬
‫قتلى‪.‬‬
‫{وَلِيَبْتَِليَ‪ : }1‬ليختبر‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حصَ} ‪ :‬التمحيص‪ :‬التمييز وهو إظهار شيء من شيء كإظهار اليمان من النفاق‪ ،‬والحب‬
‫{وَلِ ُيمَ ّ‬
‫من الكره‪.‬‬
‫{اسْتَزَّلهُمُ الشّيْطَانُ} ‪ :‬أوقعهم في الزلل وهو الخطيئة والتي كانت الفرار من الجهاد‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال الساق في الحديث عن غزوة أحد فأخبر تعالى في الية الولى (‪ )153‬عن أمور عظام‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنه تعالى بعد الغم الذي أصاب به المؤمنين أنزل على أهل اليقين خاصة أمنا كاملً فذهب‬
‫الخوف عنهم حتى أن أحدهم ‪ 2‬لينام والسيف في يده فيسقط من يده ثم يتناوله‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ثُمّ‬
‫أَنْ َزلَ عَلَ ْيكُمْ مِنْ َبعْدِ ا ْلغَمّ َأمَنَةً ُنعَاسا َيغْشَى طَا ِئفَةً مِ ْنكُمْ} ‪ ،‬والثاني‪ :‬أن أهل الشرك والنفاق حرمهم‬
‫ال تعالى من تلك المنة فما زال الخوف يقطع قلوبهم‪ ،‬والغم يسيطر على أنفسهم وهم ل يفكرون‬
‫إل في أنفسهم كيف ينجون من الموت‪ ،‬وهم المعنيون بقوله تعالى ‪{ :‬وَطَا ِئفَةٌ قَدْ أَ َهمّ ْتهُمْ‪3‬‬
‫حقّ ظَنّ‬
‫سهُمْ} ‪ ،‬والثالث‪ :‬أن ال تعالى قد كشف عن سرائرهم‪ ،‬فقال‪{ :‬يَظُنّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْ َ‬
‫أَ ْنفُ ُ‬
‫الْجَاهِلِيّةِ} ‪ ،‬والمراد من ظنهم بال غير الحق ظن المشركين أنهم يعتقدون أن السلم باطل وأن‬
‫محمدا ليس رسولً‪ ،‬وأن المؤمنين سيهزمون ويموتون وينتهي السلم ومن يدعو إليه‪ .‬والرابع‪:‬‬
‫شيْءٍ} هذا القول قالوه‬
‫لمْرِ مِنْ‪َ 4‬‬
‫ناَ‬
‫أن ال تعالى قد كشف سرهم فقال عنهم‪َ { :‬يقُولُونَ َهلْ لَنَا مِ َ‬
‫سرا فيما بينهم‪ ،‬ومعناه ليس لنا من المر من شيء‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬ل يعاملهم معاملة المختبر لهم وليصبح ما كان غيبا ل مشاهدة لهم‪.‬‬
‫‪ 2‬قال أبو طلحة والزبير وأنس‪ :‬غشينا النعاس حتى إن السيف ليسقط من يد أحدنا فيتناوله من‬
‫الرض‪.‬‬
‫‪ 3‬حدثتهم أنفسهم بما يدخل الهم عليهم‪ ،‬وهو تكذيبهم بالقدر والحرص على نجاتهم وحزنهم على‬
‫ما فاتهم من الغنيمة‪ ،‬وهذه كلها موجبات الهم والغم‪.‬‬
‫‪ 4‬هذه الجملة بدل اشتمال من جملة‪{ :‬يظنون بال غير الحق} ‪ .‬لن ظنهم مشتمل على قولهم‪:‬‬
‫{ َهلْ لَنا من الَمر مِنْ شَيئْ} أي‪ :‬ليس لنا من المر من شيء‪ .‬وهذا القول قاله‪ :‬ابن أبي بما سمع‬
‫باستشهاد من استشهد من الخزرج‪.‬‬

‫( ‪)1/397‬‬

‫ولو كان لنا ما خرجنا ول قاتلنا ول أصابنا الذي أصابنا فأطلعه ال تعالى على سرهم‪ ،‬وقال له‪:‬‬
‫خفُونَ‬
‫رد عليهم بقولك‪ :‬إن المر كله ل‪ .‬ثم هتك تعالى مرة أخرى سترهم وكشف سرهم فقال‪{ :‬يُ ْ‬
‫س ِهمْ مَا ل يُ ْبدُونَ َلكَ} أي‪ :‬يخفون في أنفسهم من الكفر والبغض والعداء لك ولصحابك ما‬
‫فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫شيْءٌ مَا‬
‫لمْرِ َ‬
‫ناَ‬
‫ل يظهرونه لك‪ .‬والرابع‪ :‬لما تحدث المنافقون ‪ 1‬في سرهم‪ ،‬وقالوا‪َ{ :‬لوْ كَانَ لَنَا مِ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قُتِلْنَا هَاهُنَا} ‪ :‬يريدون لو كان المر بأيديهم ما خرجوا لقتال المشركين لنهم إخوانهم في الشرك‬
‫والكفر‪ ،‬ولو قتلوا مع من قتل في أحد فأمر ال تعالى رسوله أن يرد عليهم‪ُ { :‬قلْ َلوْ كُنْتُمْ فِي‬
‫ج ِعهِمْ} وصرعوا فيها وماتوا‪،‬‬
‫بُيُو ِتكُمْ} بالمدينة لبرز‪ ،‬أي‪ :‬ظهر {الّذِينَ كُ ِتبَ عَلَ ْيهِمُ ا ْلقَ ْتلُ إِلَى َمضَا ِ‬
‫لن ما قدره ال نافذ على كل حال‪ ،‬ول حذر مع ‪ 2‬القدر‪ ،‬ول بد أن يتم خروجكم إلى أحد بتدبير‬
‫ال تعالى ليبتلي ال‪ ،‬أي‪ :‬يمتحن ما في صدوركم ويميز ما في قلوبكم فيظهر ما كان غيبا ل‬
‫يعلمه إل هو إلى عالم المشاهدة ليعلمه ويراه على حقيقته رسوله والمؤمنون‪ ،‬وهذا لعلم ال تعالى‬
‫بذات الصدور‪ .‬هذا معنى قوله تعالى‪ُ { :‬قلْ َلوْ كُنْ ُتمْ فِي بُيُو ِتكُمْ لَبَرَزَ الّذِينَ كُ ِتبَ عَلَ ْيهِمُ ا ْلقَتْلُ إِلَى‬
‫علِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ}‪.‬‬
‫حصَ مَا فِي قُلُو ِبكُ ْم وَاللّهُ َ‬
‫ج ِعهِ ْم وَلِيَبْتَِليَ اللّهُ مَا فِي صُدُو ِركُ ْم وَلِ ُيمَ ّ‬
‫َمضَا ِ‬
‫هذا ما تضمنته الية الولى‪ ،‬أما الية الثانية(‪ )154‬فقد تضمنت إخبار ال تعالى عن حقيقة واحدة‬
‫ينبغي أن تعلم وهي أن الذين فروا من المعركة لما اشتد القتال وعظم الكرب‪ ،‬الشيطان هو الذي‬
‫أوقعهم في هذه الزلة‪ ،‬وهي توليهم عن القتال بسبب ‪ 3‬بعض الذنوب كانت لهم‪ ،‬ولذا عفا ال عنهم‬
‫ولم يؤاخذهم بهذه الزلة‪ ،‬وذلك لن ال غفور حليم‪ ،‬فلذا يمهل عبده حتى يتوب فيتوب عليه ويغفر‬
‫له‪ ،‬ولو لم يكن حليما لكان يؤاخذ لول الذنب والزلة فل يمكن أحدا من التوبة والنجاة‪ .‬هذا معنى‬
‫قوله تعالى‪{ :‬إِنّ الّذِينَ َتوَّلوْا مِ ْنكُمْ} أي‪ :‬عن القتال‪ ،‬يوم التقى الجمعان‪ ،‬أي‪ :‬جمع المؤمنين وجمع‬
‫الكافرين بأحد‪{ .‬إِ ّنمَا اسْتَزَّلهُمُ‪ 4‬الشّ ْيطَانُ بِ َب ْعضِ مَا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬تقدم آنفا أن هذا قاله‪ :‬رئيس المنافقين‪ :‬ابن أبي‪ ،‬وقد عاد من الطريق مع ثلثمائة رجل ممن‬
‫استجاب لدعوته المثبطة عن القتال‪ ،‬ول مانع أن يقوله غير واحد من المنافقين‪ ،‬وهو كذلك‪.‬‬
‫‪ 2‬أي‪ :‬بنافع‪ ،‬ولكن طلب الحذر من جملة السباب المطلوب اتخاذها طاعة ل‪ ،‬وال يقول‪{ :‬خُذواْ‬
‫حذْرَكم} ‪ ،‬وإنما لما يقع ما قدره ال تعالى ولم ينفع في رده حذر وجب الرضا به والتسليم ل في‬
‫ِ‬
‫إجراءه على مقتضى مراده‪ ،‬وعليه فل أسف ول حزن ول سخط‪ ،‬إذ ما قضاه ال هو الخير‬
‫والخير كله‪.‬‬
‫‪ 3‬في هذه الية بيان بسبب الهزيمة الخفي‪ ،‬وهو مخالفة أمر الرسول صلى ال عليه وسلم حيث‬
‫تركوا مواقعهم ونزلوا لطلب الغنيمة‪ ،‬والمراد إلقاء تبعة الهزيمة عليهم‪ ،‬إذ هم السبب فيها‪.‬‬
‫‪ 4‬استزلهم‪ :‬أي‪ :‬أزلهم بمعنى جعلهم زالين‪ ،‬والزلل‪ :‬إن كان معناه‪ :‬انزلق القدم وسقوط صاحبها‪،‬‬
‫فإن معناها هنا‪ :‬الوقوع في الذلة التي هي الخطيئة‪ ،‬والسين والتاء في استزلهم للتأكيد‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫استفاد كذا واستنشق الماء أو الهواء‪{ :‬واسْ َتغْنَى اللّه} ‪.‬‬

‫( ‪)1/398‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫غفُورٌ حَلِيمٌ} ‪.‬‬
‫عفَا اللّهُ عَ ْنهُمْ} فلم يؤاخذهم {إِنّ اللّهَ َ‬
‫كَسَبُوا} ‪{ ،‬وََلقَدْ َ‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬إكرام ال تعالى لولياءه بالمان الذي أنزله في قلوبهم‪.‬‬
‫‪ -2‬إهانة ال تعالى لعدائه بحرمانهم مما أكرم به أولياءه وهم في مكان واحد‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير مبدأ القضاء والقدر‪ ،‬وأن من كتب موته في مكان ل بد وأن يموت فيه‪.‬‬
‫‪ -4‬أفعال ال تعالى ل تخلو أبدا من حكم عالية فيجب التسليم ل تعالى والرضا بأفعاله في خلقه‪.‬‬
‫‪ -5‬الذنب يولد الذنب‪ ،‬والسيئة تتولد عنها سيئة أخرى‪ ،‬فلذا وجبت التوبة من الذنب فورا‪.‬‬
‫خوَا ِنهِمْ ِإذَا ضَرَبُوا فِي الَ ْرضِ َأوْ كَانُوا غُ ّزىً‬
‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َتكُونُوا كَالّذِينَ َكفَرُوا َوقَالُوا لِ ْ‬
‫حسْ َرةً فِي قُلُو ِبهِ ْم وَاللّهُ يُحْيِي وَ ُيمِيتُ وَاللّهُ ِبمَا‬
‫ج َعلَ اللّهُ ذَِلكَ َ‬
‫َلوْ كَانُوا عِ ْندَنَا مَا مَاتُوا َومَا قُتِلُوا لِ َي ْ‬
‫ج َمعُونَ(‬
‫حمَةٌ خَيْرٌ ِممّا يَ ْ‬
‫َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ(‪ )156‬وَلَئِنْ قُتِلْ ُتمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ َأوْ مُتّمْ َل َمغْفِ َرةٌ مِنَ اللّ ِه وَرَ ْ‬
‫‪ )157‬وَلَئِنْ مُتّمْ َأوْ قُتِلْتُ ْم لِلَى اللّهِ ُتحْشَرُونَ(‪})158‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{آمَنُوا} ‪ :‬صدقوا ال ورسوله فيما أخبرا به من وعد ووعيد‪.‬‬
‫خوَا ِنهِمْ} ‪ :‬هذه أخوة العقيدة ل أخوة النسب‪ ،‬وهي هنا أخوة النفاق‪.‬‬
‫{لِ ْ‬
‫{ضَرَبُوا فِي الَ ْرضِ} ‪ :‬ضربوا في الرض بأقدامهم مسافرين ‪ 1‬للتجارة غالبا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وقد يكون السفر لمصالح المسلمين‪.‬‬

‫( ‪)1/399‬‬

‫{غُ ّزىً‪ : }1‬جمع غاز وهو من يخرج لقتال ونحوه من شؤون الحرب‪.‬‬
‫الحسرة ‪ : 2‬ألم يأخذ بخناق النفس بسبب فوت مرغوب أو فقد محبوب‪.‬معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في أحداث غزوة أحد ونتائجها المختلفة‪ ،‬ففي هذه الية(‪ )156‬ينادي ال المؤمنين‬
‫الصادقين في إيمانهم بال ورسوله ووعد ال تعالى ووعيده يناديهم ‪ 3‬لينهاهم عن التصاف‬
‫بصفات الكافرين النفسية وهو من ذلك قول الكافرين لخوانهم في الكفر‪ :‬إذ هم ضربوا في‬
‫الرض لتجارة أو لغزو فمات من مات منهم أو قتل من قتل بقضاء ال وقدره‪ ،‬لو كانوا عندنا‪،‬‬
‫أي‪ :‬ما فارقونا وبقوا في ديارنا ما ماتوا وما قتلوا وهذا دال على نفسية الجهل ومرض الكفر‪،‬‬
‫وحسب سنة ال تعالى فإن هذا القول منهم يتولد‪ ،‬لهم عنه بإذنه تعالى غم نفسي وحسرات قلبية‬
‫تمزقهم‪ ،‬وقد تودي بحياتهم‪ ،‬وما درى أولئك الكفرة الجهال أن ال يحيي ويميت‪ ،‬فل السفر ول‬
‫القتال يميتان‪ ،‬ول القعود في البيت جبنا وخورا يحيي‪ ،‬هذا معنى قوله تعالى في هذه الية‪{ :‬يَا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خوَا ِنهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الَرْضِ َأوْ كَانُوا غُ ّزىً َلوْ‬
‫أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َتكُونُوا كَالّذِينَ َكفَرُوا َوقَالُوا لِ ْ‬
‫حسْ َرةً فِي قُلُو ِبهِمْ وَاللّهُ يُحْيِي وَ ُيمِيتُ} وقوله تعالى‬
‫ج َعلَ اللّهُ ذَِلكَ َ‬
‫كَانُوا عِ ْندَنَا مَا مَاتُوا َومَا قُتِلُوا لِ َي ْ‬
‫في ختام هذه الية‪{ :‬وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ} في وعد للمؤمنين إن انتهوا عما نهاهم عنه في الية‬
‫ووعيد إن لم ينتهوا فيجزيهم بالخير خيرا‪ ،‬وبالشر إن لم يعفوا شرا‪ .‬أما الية الثانية (‪ )157‬فإن‬
‫ال تعالى يبشر عباده المؤمنين مخبرا إياهم بأنهم إن قتلوا في سبيل ال أو ماتوا فيه يغفر لهم‬
‫ويرحمهم وذلك خير مما يجمع الكفار من حطام الدنيا ذلك الجمع للحطام الذي جعلهم يجبنون على‬
‫القتال والخروج في سبيل ال فقال تعالى‪{ :‬وَلَئِنْ قُتِلْ ُتمْ‪ 4‬فِي سَبِيلِ اللّهِ َأوْ مُتّمْ‪َ 5‬ل َم ْغفِ َرةٌ مِنَ اللّهِ‬
‫ج َمعُونَ‪ ، }6‬وفي الية الثالثة (‪ )158‬يؤكد تلك الخيرية التي تضمنتها الية‬
‫حمَةٌ خَيْرٌ ِممّا يَ ْ‬
‫وَرَ ْ‬
‫السابقة فيقول‪ { :‬وَلَئِنْ مُتّمْ َأوْ قُتِلْتُمْ}‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الغزو‪ :‬قصد الشيء‪ ،‬والمغزى‪ :‬المقصد‪ ،‬والمغزية‪ :‬المرأة التي غزا زوجها‪ ،‬والنسبة إلى‬
‫الغزو‪ ،‬غزي‪.‬‬
‫‪ 2‬والحسرة‪ :‬شدة السف على الحزن‪.‬‬
‫‪ 3‬في نداء ال المؤمنين بعنوان اليمان‪ ،‬وهي صفة جامعة لهم فيه تلطف بعد تقريع فريق منهم‪،‬‬
‫وهم الذين تولوا عن القتال يوم التقى الجمعان‪.‬‬
‫‪ 4‬اللم موطئة للقسم‪ :‬أي‪ :‬مؤذنة بأن قبلها قسما مقدرا‪ ،‬واللم‪{ :‬ال َمغْفِرة} هي في جواب القسم‬
‫الذي هو المغفرة‪.‬‬
‫‪ 5‬أهل الحجاز يقولون‪ :‬متم بكسر الميم‪ ،‬نحو‪ :‬نمتم من نام ومات وغيرهم يقولون‪ :‬مُتم بضم الميم‬
‫في متم‪ ،‬ونمتم‪ ،‬نحو‪ :‬كنتم وقلتم‪.‬‬
‫جمَعون} بالتاء‪ ،‬أي‪ :‬أنتم أيها المؤمنون‪{ :‬ويَجمَعوُن} بالياء‪ ،‬أي‪ :‬الكافرون والمنافقون‪.‬‬
‫‪ 6‬قرئ‪{ :‬تَ ْ‬

‫( ‪)1/400‬‬

‫في سبيلنا {لِلَى اللّهِ تُحْشَرُونَ‪ }1‬حتما‪ ،‬وثم يتم لكم جزاؤنا على استشهادكم وموتكم في سبيلنا‪،‬‬
‫ولنعم ما تجزون به في جوارنا الكريم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة التشبه بالكفار ظاهرا وباطنا‪.‬‬
‫‪ -2‬الندم يولد الحسران والحسرة غم وكرب عظيمان‪ ،‬والمؤمن يدفع ذلك بذكره القضاء والقدر‬
‫فل يأسى على ما فاته ول يفرح بما آتاه من حطام الدنيا‪.‬‬
‫‪ -3‬موتة في سبيل ال خير من الدنيا وما فيها‪.‬‬
‫عفُ عَ ْنهُ ْم وَاسْ َت ْغفِرْ‬
‫حوِْلكَ فَا ْ‬
‫حمَةٍ مِنَ اللّهِ لِ ْنتَ َلهُ ْم وََلوْ كُ ْنتَ َفظّا غَلِيظَ ا ْلقَ ْلبِ ل ْن َفضّوا مِنْ َ‬
‫{فَ ِبمَا َر ْ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حبّ ا ْلمُ َتوَكّلِينَ(‪ )159‬إِنْ يَ ْنصُ ْركُمُ‬
‫لمْرِ فَإِذَا عَ َز ْمتَ فَ َت َو ّكلْ عَلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ ُي ِ‬
‫َلهُ ْم وَشَاوِرْ ُهمْ فِي ا َ‬
‫خذُ ْلكُمْ َفمَنْ ذَا الّذِي يَ ْنصُ ُركُمْ مِنْ َبعْ ِد ِه وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ ا ْل ُمؤْمِنُونَ(‪})160‬‬
‫اللّهُ فَل غَاِلبَ َل ُك ْم وَإِنْ يَ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{لِ ْنتَ َلهُمْ} ‪ :‬كنت رفيقا بهم‪ ،‬تعاملهم بالرفق واللطف‪.‬‬
‫{ َفظّا} ‪ :‬خشنا في معاملتك شرسا في اختلفك وحاشاه ‪ 2‬صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫{ل ْنفَضّوا} ‪ :‬تفرقوا وذهبوا تاركينك وشأنك‪.‬‬
‫عفُ عَ ْنهُمْ} ‪ :‬يريد إن زلوا أو أساءوا‪.‬‬
‫{فَا ْ‬
‫لمْرِ} ‪ :‬اطلب مشورتهم في المر ذي الهمية؛ كمسائل الحرب والسلم‪.‬‬
‫{وَشَاوِرْهُمْ فِي ا َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬فيه وعظ وعظهم ال به حيث أعلمهم أنهم سواء ماتوا حتف أنوفهم‪ ،‬أو قتلوا فإن رجوعهم إلى‬
‫ال وسيجزيهم على قتالهم وموتهم في سبيل ال‪.‬‬
‫‪ 2‬ومن صفاته صلى ال عليه وسلم في التوراة كما في رواية البخاري أنه صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫ليس بفظ ول غليظ ول صخاب في السواق‪ .‬والغليظ القلب‪ :‬من قلت شفقته وعزت رحمته‪ ،‬كما‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫يبكى علينا ول نبكي على أحد ‪...‬‬
‫لنحن أغلظ أكبادا من البل‬

‫( ‪)1/401‬‬

‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق في الداب و النتائج المترتبة على غزوة أحد‪ ،‬ففي هذه الية(‪ )119‬يخبر تعالى‬
‫ح َمةٍ مِنَ اللّهِ} أي‪:‬‬
‫عما وهب رسوله من الكمال الخلقي الذي هو قوام المر فيقول‪{ :‬فَ ِبمَا ‪ 1‬رَ ْ‬
‫فبرحمة من عندنا رحمناهم بها لنت ‪ 2‬لهم‪{ ،‬وََلوْ كُ ْنتَ َفظّا} أي‪ :‬قاسيا جافا جافيا قاسي القلب‬
‫حوِْلكَ} أي‪ :‬تفرقوا عنك‪ ،‬وحرموا بذلك سعادة الدارين‪ .‬وبناء على هذا‬
‫غليظة {ل ْن َفضّوا مِنْ‪َ 3‬‬
‫فاعف ‪ 4‬عن مسيئهم‪ ،‬واستغفر لمذنبهم‪ ،‬و شاور ذي الرأي منهم‪ ،‬وإذا بدا لك رأي راجح‬
‫المصلحة فاعزم على تنفيذه متوكلً على ربك فإنه يحب المتوكلين‪ ،‬والتوكل‪ :‬القدام على فعل ما‬
‫أمر ال تعالى به أو أذن فيه بعد إحضار السباب الضرورية له‪ .‬وعدم التفكير فيما يترتب عليه‬
‫بل يفوض أمر النتائج إليه تعالى‪.‬‬
‫هذا ما تضمنته الية الولى‪ ،‬أما الية الثانية(‪ )160‬فقد تضمنت حقيقة كبرى يجب العلم بها‬
‫والعمل دائما بمقتضاها‪ ،‬وهي أن النصر بيد ال‪ ،‬والخذلن كذلك فل يطلب نصر إل منه تعالى‪،‬‬
‫ول يرهب خذلن إل منه عز وجل‪ ،‬وطلب نصره هو إنفاذ أمره بعد إعداد السباب اللزمة له‪،‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وتحاشي خذلنه تعالى يكون بطاعته والتوكل عليه هذا ما دل عليه قوله تعالى في هذه الية‪{ :‬إِنْ‬
‫خذُ ْلكُمْ َفمَنْ ذَا الّذِي يَ ْنصُ ُركُمْ مِنْ َبعْ ِد ِه وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ‬
‫يَ ْنصُ ْركُمُ اللّهُ فَل غَاِلبَ َلكُ ْم وَإِنْ يَ ْ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنُونَ}‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬كمال رسول ال صلى ال عليه وسلم الخلقي‪.‬‬
‫‪ -2‬فضل الصحابة رضوان ال عليهم وكرامتهم على ربهم سحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير مبدأ المشورة بين ‪ 5‬الحاكم وأهل الحل والعقد في المة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الميم‪ :‬صلة‪ ،‬أي مزيدة لتوكيد الكلم وتقويته‪ ،‬نحو‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬فَبِما َن ْقضِهمْ ميِثَاقهمْ} ‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫عمّا قَلِيلٍ لَ ُيصْبِحُنّ نَا ِدمِينَ} وجند ما هنالك‪.‬‬
‫{َ‬
‫‪ 2‬وذلك لنه صلى ال عليه وسلم لم يعنف الذين تولوا يوم أحد بل رفق بهم‪ .‬فأخبر تعالى أن ذلك‬
‫كان بتوفيق منه عز وجل لرسوله‪.‬‬
‫‪ 3‬قيل‪ :‬يمنعهم الحياء والحتشام والهيبة من القرب منك بعد ما كان من توليهم‪ ،‬وهذا شأن‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 4‬هذا الترتيب مقصود فأولً‪ :‬يعفو عنهم لما كان بينه وبينهم‪ .‬وثانيا‪ :‬يتستغفر ال لهم لم كان بينهم‬
‫وبين ربهم من تبعات‪ .‬وبعد هذا العداد يصبحون أهلً للمشورة فيشاورهم‪.‬‬
‫‪ 5‬الستشارة مأخوذة من شرت الدابة‪ ،‬إذا علمت خبرها كجري ونحوه‪ ،‬ويقال للموضع الذي‬
‫تركض فيه المشوار‪ ،‬قال ابن عطية‪ :‬والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الحكام‪ .‬من ل‬
‫يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب‪ .‬وقد قيل‪ :‬ما ندم من استشار ومن أعجب برأيه ضل‪.‬‬
‫وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ " :‬ما ندم من استشار ول خاب من استخار ول عال من‬
‫اقتصد" ‪.‬‬

‫( ‪)1/402‬‬

‫‪ -4‬فضل العزيمة ‪ 1‬الصادقة مقرونة بالتوكل على ال تعالى‪.‬‬


‫‪ -5‬طلب النصر من غير ال خذلن‪ ،‬والمنصور من نصره ال‪ ،‬والمخذول من خذله ال عز‬
‫وجل‪.‬‬
‫ت وَ ُه ْم ل‬
‫غلّ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ ثُمّ ُت َوفّى ُكلّ َنفْسٍ مَا كَسَ َب ْ‬
‫ل َومَنْ َيغُْللْ يَ ْأتِ ِبمَا َ‬
‫{ َومَا كَانَ لِنَ ِبيّ أَنْ َي ُغ ّ‬
‫جهَنّ ُم وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ(‪)162‬‬
‫خطٍ مِنَ اللّ ِه َومَأْوَاهُ َ‬
‫ضوَانَ اللّهِ َكمَنْ بَاءَ بِسَ َ‬
‫يُظَْلمُونَ(‪َ )161‬أ َفمَنِ اتّ َبعَ ِر ْ‬
‫هُمْ دَرَجَاتٌ عِ ْندَ اللّهِ وَاللّهُ َبصِيرٌ ِبمَا َي ْعمَلُونَ(‪َ )163‬لقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ِإذْ َب َعثَ فِيهِمْ رَسُولً‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ح ْكمَ َة وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَ ْبلُ َلفِي ضَللٍ مُبِينٍ(‬
‫ب وَالْ ِ‬
‫سهِمْ يَتْلُو عَلَ ْيهِمْ آيَاتِ ِه وَيُ َزكّيهِ ْم وَ ُيعَّل ُمهُمُ ا ْلكِتَا َ‬
‫مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫‪})164‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{أَنْ َي ُغلّ} ‪ :‬أي‪ :‬يأخذ من الغنيمة خفية‪ ،‬إذ الغل والغلول بمعنى السرقة من الغنائم قبل قسمتها‪.‬‬
‫{ ُت َوفّى} ‪ :‬تجزى ما كسبته في الدنيا وافيا تاما يوم القيامة‪.‬‬
‫ضوَانَ اللّهِ} ‪ :‬المراد به ما يوجب رضوانه من اليمان والصدق والجهاد‪.‬‬
‫{ ِر ْ‬
‫وسخط ال ‪ :‬غضبه الشديد على الفاسقين عن أمره المؤذين لرسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬من الحزم المشورة‪ ،‬والحزم‪ :‬جودة النظر في المر وتنقيحه‪ ،‬والحذر من الخطأ فيه والعزم‬
‫قصد المضاء فيما حزم فيه ومن مظاهر الحزم والعزم للرسول صلى ال عليه وسلم‪ :‬أنه استشار‬
‫أصحابه في الخروج إلى قتال المشركين خارج المدينة أو البقاء فيها‪ .‬والقتال داخلها‪ .‬ورأى عدم‬
‫الخروج أصلح‪ ،‬ورأى أكثر الصحاب الخروج فوافقهم فدخل بيته فلبس آلت حربه وخرج فلما‬
‫رأوا كذلك تراجعوا واعتذروا ولكنه أبى أن يتراجع‪ ،‬فتلجى حزمه وعزمه‪ ،‬وقال‪" :‬ل ينبغي لنبي‬
‫لبس لمته أن يضعها حتى يحكم ال بينه وبين أعدائه" ‪.‬‬

‫( ‪)1/403‬‬

‫{مَنّ} ‪ :‬أنعم وتفضل‪.‬‬


‫سهِمْ} ‪ :‬هو محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫{رَسُولً مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫{وَيُ َزكّيهِمْ} ‪ :‬بما يرشدهم إليه من العمال الصالحة والخلق الفاضلة والداب العالية‪.‬‬
‫ح ْكمَةَ} ‪ :‬كل قول صالح نافع أبدا ومنه السنة النبوية‪.‬معنى اليات‪:‬‬
‫{وَالْ ِ‬
‫الغل والغلول ‪ 1‬والغلل بمعنى واحد‪ ،‬وهو أخذ المرء شيئا من الغنائم قبل قسمتها وما دام‬
‫السياق في غزوة أحد‪ ،‬فالمناسبة قائمة بين اليات وهذه‪ ،‬ففي الية الولى (‪ )161‬ينفي تعالي أن‬
‫يكون من شأن النبياء أو مما يتأتى صدوره عنهم الغلل وضمن تلك أن أتباع النبياء يحرم‬
‫عليهم أن يغلوا‪ ،‬ولذا قرئ في السبع أن يُغل بضم ‪ 2‬الياء وفتح الغين‪ ،‬أي‪ :‬يفعله أتباعه بأخذهم‬
‫من الغنائم بدون إذنه‪ .‬هذا معنى قوله تعالى‪َ { :‬ومَا كَانَ لِنَ ِبيّ أَنْ َي ُغلّ} ثم ذكر تعالى جزاء وعقوبة‬
‫غلّ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ ثُمّ ُت َوفّى ُكلّ َنفْسٍ مَا َكسَ َبتْ وَ ُهمْ ل يُظَْلمُونَ}‬
‫من يفعل وقال‪َ { :‬ومَنْ َيغُْللْ يَ ْأتِ ِبمَا َ‬
‫فأخبرهم تعالى أن من أغل شيئا يأت به يوم القيامة يحمله حتى البقرة والشاة كما يبين ذلك في‬
‫الحديث ‪ ،3‬ثم يحاسب عليه كغيره ويجزي به‪ ،‬كما تجزى كل نفس بما كسبت من خير أو شر ول‬
‫تظلم نفس شيئا لغنى الرب تعالى عن الظلم وعدله‪ .‬هذا مضمون الية الولى‪ ،‬أما الثانية (‪)162‬‬
‫ينفي تعالى أن تكون حال المتبع لرضوان ال تعالى باليمان به ورسوله وطاعتهما بفعل المر‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫واجتناب النهي‪ ،‬كحال المتبع لسخط ال تعالى بتكذيبه تعالى وتكذيب رسوله ومعصيتهما بترك‬
‫الواجبات وفعل المحرمات فكانت جهنم مأواه‪ ،‬وبئس المصير جهنم‪ .‬هذا معنى قوله تعالى‪َ{ :‬أ َفمَنِ‬
‫جهَنّ ُم وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ} ثم ذكر تعالى أن كلً من‬
‫سخَطٍ مِنَ اللّ ِه َومَ ْأوَاهُ َ‬
‫ضوَانَ اللّهِ َكمَنْ بَاءَ بِ َ‬
‫اتّبَعَ ِر ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬سمي الغلول‪ :‬غلولً‪ ،‬لن اليدي فيها مغلولة‪ ،‬أي‪ :‬ممنوعة‪ ،‬كأن فيها غلً‪ ،‬وهو الحديدة التي‬
‫تجمع يد السير إلى عنقه‪.‬‬
‫‪ 2‬فتح الياء قراءة حفص‪ ،‬وهي رد على من تصور أن النبي في إمكانه أن يأخذ شيئا من الغنيمة‬
‫قبل قسمتها فأخبر تعالى أنه من غير الممكن أن يغل النبي لعصمة ال تعالى لنبياءه‪ ،‬وقراءة‬
‫الضم قراءة نافع‪ ،‬وهي‪ :‬تحرم على اتباع النبي الغلول بصيغة بليغة‪ ،‬إذ تجعل غلولهم من قبيل‬
‫المعتذر الذي ل يحدث‪.‬‬
‫‪ 3‬في صحيح مسلم أن أبا هريرة قال‪ :‬قام فينا رسول ال صلى ال عليه وسلم ذات يوم فذكر‬
‫الغلول فعظمه وعظم أمره ثم قال‪" :‬ل ألقين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء‬
‫يقول يا رسول ال أعنى‪ ،‬فأقول ل أملك لك شيئا قد أبغلتك‪ ،‬ثم ذكر الفرس والشاة والنفس‬
‫والرقاع" ‪ .‬والرقاع‪ :‬جمع رقعة وهي ما يكتب عليها‪.‬‬

‫( ‪)1/404‬‬

‫أهل الرضوان‪ ،‬وأصحاب السخط متفاوتون في درجاتهم ‪ 1‬عند ال‪ ,‬بحسب أثر أعمالهم في‬
‫نفوسهم قوة وضعفا فقال‪{ :‬هُمْ دَ َرجَاتٌ عِ ْندَ اللّ ِه وَاللّهُ َبصِيرٌ ِبمَا َي ْعمَلُونَ} ‪ ،‬فدل ذلك على عدالة‬
‫العليم الحكيم‪ .‬هذا ما دلت الية(‪ ،)163‬أما الية الخيرة(‪ )164‬فقد تضمنت امتنان ال تعالى على‬
‫المؤمنين من العرب ببعثه رسوله فيهم‪ ،‬يتلو عليهم آيات ال ويدعوهم إليه فيؤمنون ويكملون في‬
‫إيمانهم ويزكيهم من أوضار الشرك وظلمة الكفر بما يهديهم به‪ ،‬ويدعوهم إليه من اليمان وصالح‬
‫العمال وفاضل الخلق وسامي الداب‪ ،‬ويعلمهم الكتاب المتضمن للشرائع والهدايات والحكمة‬
‫التي هي فهم أسرار الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬وتتجلي هذه النعمة أكثر لمن يذكر حال العرب في جاهليتهم‬
‫قبل هذه النعمة العظيمة عليهم‪ ،‬هذا معنى قوله تعالى في الية الخيرة‪َ{ :‬لقَدْ مَنّ‪ 2‬اللّهُ عَلَى‬
‫ح ْكمَ َة وَإِنْ‬
‫سهِمْ‪ 3‬يَتْلُو عَلَ ْي ِهمْ آيَا ِت ِه وَيُ َزكّيهِمْ وَ ُيعَّلمُهُمُ ا ْلكِتَابَ وَا ْل ِ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ِإذْ َب َعثَ فِيهِمْ رَسُولً مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫كَانُوا مِنْ قَ ْبلُ َلفِي ضَللٍ مُبِينٍ} ‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تحريم ‪ 4‬الغلول‪ ،‬وأنه من كبائر الذنوب ‪.5‬‬
‫‪ -2‬طلب رضوان ال واجب‪ ،‬وتجنب سخطه واجب كذلك‪ ،‬والول يكون باليمان وصالح‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫العمال والثاني يكون بترك الشرك والمعاصي‪.‬‬
‫‪ -3‬السلم أكبر نعمة وأجلها على المسلمين فيجب شكرها بالعمل به والتقيد بشرائعه وأحكامه‪.‬‬
‫‪ -4‬فضل العلم بالكتاب والسنة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المشهور‪ :‬أن أهل النار في دركات متوافتة كما أن أهل الجنة في درجات متوافتة‪ ،‬فالدرجة‪ :‬ما‬
‫أريد بها الرتفاع‪ ،‬والدركة‪ :‬ما أريد بها السفول والهبوط‪.‬‬
‫‪ 2‬من هنا‪ :‬بمعنى أسدى النعمة للمؤمنين‪ ،‬ببعثة الرسول فيهم‪ ،‬وليس هو من المن المذموم الذي‬
‫هو تعداد النعمة إلى أن ال تعالى له أن يمن وهو أمن من كل من‪ ،‬من وأعطى‪.‬‬
‫‪ 3‬قالت أم المؤمنين عائشة رضي ال عنها‪ :‬هذه للعرب خاصة‪ :‬إذ فهمت من كلمة‪{ :‬مِنْ أَنْفسهم}‬
‫إنها تعنى من جنسهم العربي‪ ،‬وبعضهم يرى العموم فيها لكل مؤمن ومؤمنة وهو كذلك‪ ،‬إذ هو‬
‫بشر مثلهم‪.‬‬
‫‪ 4‬شاهده قوله صلى ال عليه وسلم في الذي غل الشملة يوم خييبر‪" :‬والذي نفسي بيده إن الشملة‬
‫التي أخذ يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم تشتعل عليها نارا" ‪ .‬ولما سمع هذا الوعيد أحد‬
‫الصحاب جاء بشراك أو شراكين إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪" :‬شراك أو شراكين من نار" رواه مالك في الموطأ‪.‬‬
‫‪ 5‬الجماع على أن الغال ل تقطع يده ولكن يعذر‪ ،‬والغلول ل يكون إل في الغنائم وسمى الرسول‬
‫ل ويفضحون بها يوم القيامة‪ ،‬لحديث مسلم في قصة ابن‬
‫صلى ال عليه وسلم هدايا العمال غلو ً‬
‫اللتبية‪.‬‬

‫( ‪)1/405‬‬

‫شيْءٍ‬
‫سكُمْ إِنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫{َأوََلمّا َأصَابَ ْتكُمْ ُمصِيبَةٌ َقدْ َأصَبْتُمْ مِثْلَ ْيهَا قُلْ ُتمْ أَنّى هَذَا ُقلْ ُهوَ مِنْ عِ ْندِ أَ ْنفُ ِ‬
‫ج ْمعَانِ فَبِِإذْنِ اللّهِ وَلِ َيعْلَمَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ(‪ )166‬وَلِ َيعْلَمَ الّذِينَ نَا َفقُوا‬
‫قَدِيرٌ(‪َ )165‬ومَا َأصَا َبكُمْ َيوْمَ الْ َتقَى ا ْل َ‬
‫َوقِيلَ َلهُمْ َتعَاَلوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ َأوِ ا ْد َفعُوا قَالُوا َلوْ َنعْلَمُ قِتَالً لَاتّ َبعْنَاكُمْ هُمْ لِ ْل ُكفْرِ َي ْومَئِذٍ َأقْ َربُ‬
‫مِ ْنهُمْ لِلِيمَانِ َيقُولُونَ بَِأ ْفوَا ِههِمْ مَا لَ ْيسَ فِي قُلُو ِبهِمْ وَاللّهُ أَعَْلمُ ِبمَا َيكْ ُتمُونَ(‪ )167‬الّذِينَ قَالُوا‬
‫سكُمُ ا ْل َموْتَ إِنْ كُنْ ُت ْم صَا ِدقِينَ(‪})168‬‬
‫خوَا ِنهِ ْم َو َقعَدُوا َلوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ُقلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫لِ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫المصيبة ‪ :‬إحدى المصائب‪ :‬ما يصيب النسان من سوء وأسوأها مصيبة الموت‪.‬‬
‫{مِثْلَ ْيهَا} ‪ :‬ضعفيها إذ قتلوا في بدر سبعين من المشركين وأسروا ‪ 1‬سبعين‪.‬‬
‫{أَنّى َهذَا} ‪ :‬أي‪ :‬من أين أتانا الذي أتانا من القتل والهزيمة‪.‬‬
‫{فَبِإِذْنِ اللّهِ} ‪ :‬أي‪ :‬بإرادته تعالى وتقديره يربط المسببات بأسبابها‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{نَا َفقُوا} ‪ :‬أظهروا من اليمان مال يبطنون من الكفر‪.‬‬
‫{َأوِ ا ْد َفعُوا} ‪ :‬أي‪ :‬ادفعوا العدو عن دياركم وأهليكم وأولدكم‪ ،‬إن لم تريدوا ثواب الخرة‪.‬‬
‫{فَادْ َرأُوا} ‪ :‬أي‪ :‬ادفعوا‬
‫{إِنْ كُنْ ُت ْم صَا ِدقِينَ} ‪ :‬في دفع المكروه بالحذر‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اعتبر السير قتيلً؛ لن السر له يملك قتله متى شاء‪ ،‬فلذا قال تعالى‪َ { :‬قدْ َأصَبْتُمْ مِثْلَ ْيهَا} ‪.‬‬

‫( ‪)1/406‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في أحدث غزوة أحد ففي الية الولى‪ :‬ينكر ال تعالى على المؤمنين قولهم‬
‫بعد أن أصابتهم مصيبة القتل والجراحات والهزيمة‪{ :‬أَنّى ‪ 1‬هَذَا} أي‪ :‬من أي وجه جاءت هذه‬
‫المصيبة ونحن مسلمون ونقاتل في سبيل ال ومع رسوله؟ فقال تعالى‪َ{ :‬أوََلمّا ‪َ 2‬أصَابَ ْتكُمْ ُمصِيبَةٌ}‬
‫بأحد قد أصبتم مثليها ببدر‪ ،‬لن ما قتل من المؤمنين بأحد كان سبعين‪ ،‬وما قتل المشركين ببدر‬
‫كان سبعين قتيلً وسبعين أسيرا‪ ،‬وأمر رسوله صلى ال عليه و سلم أن يحييهم‪ :‬قل هو من عند‬
‫أنفسكم‪ ،‬وذلك بمعصيتكم لرسول ال خالف الرماة أمره‪ ،‬وبعدم صبركم إذ فررتم من المعركة‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ} إشعار بأن ال تعالى أصابهم بما أصابهم به‬
‫تاركين القتال‪ .‬وقوله‪{ :‬إِنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫عقوبة لهم حيث لم يطيعوا رسوله ولم يصبروا على قتال أعدائه‪ .‬هذا ما تضمنته الية الولى(‬
‫ج ْمعَانِ فَبِإِذْنِ اللّ ِه وَلِ َيعْلَمَ‬
‫‪ ،)165‬أما اليات الثلث بعدها فقوله تعالى‪َ { :‬ومَا َأصَا َبكُمْ َيوْمَ الْ َتقَى الْ َ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} يخبر تعالى المؤمنين أن ما أصابهم يوم أحد عند التقاء جمع المؤمنين وجمع المشركين‬
‫في ساحة المعركة كان بقضاء ال وتدبيره‪ ،‬وعلته إظهار المؤمنين على صورتهم الباطنية الحقة‬
‫وأنهم صادقون في إيمانهم‪ ،‬ولذا قال تعالى‪ :‬وليعلم المؤمنين علم انكشاف وظهور كما هو معلوم‬
‫له في الغيب وباطن المور هذا أولً‪ ،‬وثانيا‪ :‬ليعلم الذين نافقوا فأظهروا اليمان والولء ل‬
‫ولرسوله والمؤمنين ثم أبطنوا الكفر والعداء ل ورسوله والمؤمنين‪ ،‬فقال عنهم في اليتين الثالثة(‬
‫‪ )167‬والرابعة(‪{ )168‬وَلِ َيعْلَمَ الّذِينَ نَا َفقُوا} وهم عبد ال إبي بن سلول رئيس المنافقين وعصابته‬
‫الذين رجعوا من الطريق قبل الوصول إلى ساحة المعركة‪ ،‬وقد قال عبد ال بن حرام والد جابر‬
‫تعالوا قاتلوا في سبيل ال رجاء ثواب الخرة‪ ،‬وإن لم تريدوا ثواب الخرة فادفعوا عن أنفسكم‬
‫وأهليكم معرة جيش غاز يريد قتلكم إذ وقوفكم معنا يكثر سوادنا ويدفع عنا خطر العدو الداهم‪.‬‬
‫فأجابوا قائلين‪ :‬لو نعلم قتالً سيتم لتبعناكم‪ ،‬فأخبر تعالى عنهم بأنهم في هذه الحال‪ُ { :‬همْ لِ ْل ُكفْرِ‬
‫َي ْومَئِذٍ َأقْ َربُ مِ ْنهُمْ لِلِيمَانِ} إذ يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم‪{ ،‬وَاللّهُ أَعْلَمُ ِبمَا َيكْ ُتمُونَ} حتى‬
‫من أنفسهم يعلم أنهم يكتمون عداوة ال ورسوله والمؤمنين وإرادة السوء بالمؤمنين‪ ،‬وأن قلوبهم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أنى‪ :‬هذه جملة اسمية‪ ،‬فإني بمعنى أي وهو الخبر مقدم‪ ،‬وهذا مبتدأ مؤخر‪.‬‬
‫‪ 2‬الستفهام هنا للنكار والتعجب لن قولهم‪{ :‬أَنْى هَذا} مما ينكر ويتعجب منه‪ ،‬وذلك أن سبب‬
‫المصيبة غير خاف ول غامض فهو ظاهر مكشوف وهو عصيانهم للقيادة بمخالفة أمرهم‪ ،‬ولما‪:‬‬
‫اسم زمان مضمن معنى الشرط‪ ،‬و قلتم‪ :‬هو الجزاء‪.‬‬

‫( ‪)1/407‬‬

‫مع الكافرين الغازين‪ .‬ثم أخبر تعالى عنهم أنهم قعدوا عن الجهاد في أحد وقالوا لخوانهم في‬
‫النفاق –وهم في مجالسهم الخاصة‪ :-‬لو أنهم قعدوا فلم يخرجوا كما لم نخرج نحن ما قتلوا‪ .‬فأمر‬
‫ال تعالى رسوله أن يرد عليهم قائلً‪{ :‬فَادْرَأُوا} أي‪ :‬ادفعوا ‪ 1‬عن أنفسكم الموت إذا حضر أجلكم‬
‫إن كنتم صادقين في دعواكم أنهم لو قعدوا ما قتلوا‪.‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬المصائب ‪ 2‬ثمرة الذنوب‪.‬‬
‫‪ -2‬كل الحداث التي تتم في العالم سبق بها علم ال‪ ،‬ول تحدث إل بإذنه‪.‬‬
‫‪ -3‬قد يقول المرء قولً أو يظن ظنا يصبح به على حافة هاوية الكفر‪.‬‬
‫‪ -4‬الحذر ل يدفع ‪ 3‬القدر‪.‬‬
‫{وَل تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ َأ ْموَاتا َبلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَ ّبهِمْ يُرْ َزقُونَ(‪ )169‬فَرِحِينَ ِبمَا آتَاهُمُ‬
‫خ ْوفٌ عَلَ ْيهِ ْم وَل هُمْ يَحْزَنُونَ (‬
‫حقُوا ِبهِمْ مِنْ خَ ْل ِفهِمْ أَل َ‬
‫اللّهُ مِنْ َفضِْل ِه وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالّذِينَ لَمْ يَ ْل َ‬
‫ل وَأَنّ اللّهَ ل ُيضِيعُ أَجْرَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ(‪})171‬‬
‫‪َ )170‬يسْتَبْشِرُونَ بِ ِن ْعمَةٍ مِنَ اللّ ِه َو َفضْ ٍ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{وَل تَحْسَبَنّ} ‪ :‬ول تظنن‪.‬‬
‫{قُتِلُوا} ‪ :‬استشهدوا‪.‬‬
‫{َأحْيَاءٌ} ‪ :‬يحسون ويتنعمون في نعيم الجنة بالطعام والشراب‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا رد على ابن أبي كبير المنافقين‪ ،‬وسيدهم الذي قال‪ :‬لو أطاعونا ما قتلوا‪.‬‬
‫‪ 2‬قال تعالى من سورة الشورى‪َ { :‬ومَا َأصَا َبكُمْ مِنْ ُمصِيبَةٍ فَ ِبمَا كَسَ َبتْ أَ ْيدِيكُمْ} أي‪ :‬من الذنوب‬
‫والمعاصي‪.‬‬
‫‪ 3‬ومع أنه ل يدفع القدر فإن استعماله واجب لقوله تعالى‪{ :‬خُذوا حِذْرَكم} ‪.‬‬

‫( ‪)1/408‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{فَ ِرحِينَ} ‪ :‬مسرورين‪.‬‬
‫خ ْوفٌ عَلَ ْيهِمْ} ‪ :‬لما وجدوا من المن التام عند ربهم‪.‬‬
‫{أَل َ‬
‫{وَل هُمْ َيحْزَنُونَ} ‪ :‬على ما خلفوا وراءهم في الدنيا لما نالهم من كرامة في الجنة‪.‬‬
‫{يَسْتَ ْبشِرُونَ} ‪ :‬يفرحون‪.‬‬
‫ضلٍ} ‪ :‬وزيادة ‪.‬‬
‫{ َو َف ْ‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫حسَبَنّ‬
‫ما زال السياق في الحديث عن غزوة أحد فقال تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم‪{ :‬وَل تَ ْ‬
‫‪ }1‬أي‪ :‬ل تظنن الذين استشهدوا من المؤمنين في أحد وغيرها أمواتا ل يحسون ول يتنعمون‬
‫بطيب الرزق ولذيذ العيش بل هم أحياء عند ربهم يرزقون أرواحهم في حواصل طير خضر‬
‫يأكلون من ثمار الجنة ويأوون إلى قناديل معلقة بالعرش‪ .‬إنهم فرحون بما أكرمهم ‪ 2‬ال تعالى به‪،‬‬
‫ويستبشرون بإخوانهم المؤمنين الذين خلفوهم في الدنيا على اليمان والجهاد بأنهم إذا لحقوا بهم لم‬
‫يخافوا ولم يحزنوا لجل ما يصيرون إليه من نعيم الجنة وكرامة ال تعالى لهم فيها‪ .‬إن الشهداء‬
‫جميعا مستبشرون فرحون بما ينعم ‪ 3‬ال عليهم ويزيدهم وبأنه تعالى ل يضيع أجر المؤمنين‬
‫شهداء وغير شهداء بل يوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬الشهداء أحياء والمؤمنون أحياء في الجنة غير أن حياة الشهداء أكمل‪.‬‬
‫‪ -2‬الشهداء ‪ 4‬يستبشرون بالمؤمنين الذين خلفوهم على اليمان والجهاد بأنهم إذا لحقوا بهم نالهم‬
‫من الكرامة والنعيم ما نالهم هم قبلهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى أبي داود بسند صحيح عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬لما‬
‫أصيب إخوانكم بأحد جعل ال أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها‬
‫وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش‪ ،‬فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقامهم‬
‫قالوا‪ :‬من يبلغ إخواننا عنا‪ ،‬إنا أحياء في الجنة نرزق لئل يزهدوا في الجهاد ول ينقلوا عند‬
‫الحرب‪ ،‬فقال ال سبحانه‪ :‬أنا أبلغهم عنكم‪ ،‬فأنزل ال ‪{ :‬ول تحسبن} "‪ .‬الية‪.‬‬
‫‪ 2‬مما ورد في فضل الشهيد‪ :‬أن ال تعالى يغفر له كل ذنب أذنبه إل الدين‪ ،‬لقوله صلى ال عليه‬
‫وسلم‪" :‬القتيل في سبيل ال يكفر كل شيء إل الدين‪ ،‬كذلك قال لي جبريل عليه السلم آنفا" ‪ .‬قال‬
‫العلماء‪ :‬الدين يشمل كل الحقوق المتعلقة بالذمة‪.‬‬
‫‪ 3‬روى الترمذي وصححه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬للشهيد عند ال ست خصال‪ .‬يغفر‬
‫له في دفعه‪ ،‬ويرى مقعده من الجنة‪ ،‬ويجار من عذاب القبر‪ ،‬ويأمن من الفرع الكبر‪ ،‬ويوضع‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫على رأسه تاج الوقار‪ ،‬الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها‪ ،‬ويزوج اثنتي وسبعين زوجة من‬
‫الحور العين‪ ،‬ويشفع في سبعين من أقاربه" ‪.‬‬
‫‪ 4‬الجماع على أن شهيد المعركة بين الكفار والمسلمين‪ :‬أنه ل يغسل ول يصلى عليه لحديث‬
‫البخاري‪" :‬وادفنوهم بدمائهم" يعنى شهداء أحد ول يغسلهم‪ ,‬والعلة في عدم غسلهم‪ :‬أن دمائهم يوم‬
‫القيامة كريح المسك‪.‬‬

‫( ‪)1/409‬‬

‫‪ -3‬ل خوف ينال المؤمن الصالح إذا مات ول حزن يصيبه‪.‬‬


‫عظِيمٌ(‬
‫{الّذِينَ اسْ َتجَابُوا لِلّ ِه وَالرّسُولِ مِنْ َبعْدِ مَا َأصَا َبهُمُ ا ْلقَرْحُ لِلّذِينَ َأحْسَنُوا مِ ْنهُ ْم وَا ّت َقوْا أَجْرٌ َ‬
‫حسْبُنَا اللّهُ وَ ِنعْمَ‬
‫شوْ ُهمْ فَزَا َدهُمْ إِيمَانا َوقَالُوا َ‬
‫ج َمعُوا َلكُمْ فَاخْ َ‬
‫‪ )172‬الّذِينَ قَالَ َلهُمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ قَدْ َ‬
‫ضلٍ‬
‫ضوَانَ اللّ ِه وَاللّهُ ذُو َف ْ‬
‫سهُمْ سُو ٌء وَاتّ َبعُوا ِر ْ‬
‫ضلٍ لَمْ َي ْمسَ ْ‬
‫ا ْل َوكِيلُ(‪ )173‬فَا ْنقَلَبُوا بِ ِن ْعمَةٍ مِنَ اللّهِ َوفَ ْ‬
‫خ ّوفُ َأوْلِيَا َءهُ فَل تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ(‪})175‬‬
‫عَظِيمٍ(‪ )174‬إِ ّنمَا ذَِلكُمُ الشّيْطَانُ ُي َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{اسْتَجَابُوا ‪ : }1‬اجابوا الدعوة وقبلوا المر‪.‬‬
‫{ا ْلقَرْحُ‪ : }2‬ألم الجراحات‪.‬‬
‫{َأحْسَنُوا} ‪ :‬أعمالهم وأقوالهم أتوا بها وفق الشرع وأحسنوا إلى غيرهم‪.‬‬
‫{وَا ّت َقوْا} ‪ :‬ربهم فلم يشركوا به ولم يعصوه فيما أمرهم به أو نهاهم عنه‪.‬‬
‫ج َمعُوا َل ُكمْ} ‪ :‬جمعوا الجيوش لقتالكم‪.‬‬
‫{َ‬
‫{حَسْبُنَا اللّهُ} ‪ :‬يكفينا ال ما أرادونا به من الذى‪.‬‬
‫{وَ ِنعْمَ ا ْل َوكِيلُ} ‪ :‬نعم الوكيل ال نوكل إليه أمورنا ونفوضها إليه‪.‬‬
‫انقلبوا ‪ :‬رجعوا من حمراء السد إلى المدينة‪.‬‬
‫أولياء الشيطان ‪ :‬أهل طاعته والستجابة إليه فيما يدعوهم إليه من الشر والفساد‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قيل‪ :‬أن هذه الية‪{ :‬الذينَ اسْتَجابوُا} إلخ‪ .‬نزلت في رجلين من بني الشهل كانا مثخنين‬
‫بالجراح وخرجا إلى حمراء السد مع رسول ال صلى ال عليه وسلم يتوكأ أحدهما على صاحبه‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرج أصحاب الصحاح عن عروة بن الزبير أن عائشة أم المؤمنين رضي ال عنها قال له‪:‬‬
‫كان أبواك من الذين استجابوا ل وللرسول من بعد ما أصابهم القرح‪ .‬وتعني بأبويه‪ :‬الزبير وأبا‬
‫بكر الصديق رضي ال عنهما‪.‬‬

‫( ‪)1/410‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في أحداث غزوة أحد وما لبسها من أمور وأحوال واليات الربع كلها في‬
‫المؤمنين الذين حضروا غزوة أحد يوم السبت وخرجوا في طلب أبي سفيان يوم الحد وعلى‬
‫رأسهم نبيهم محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وذلك أن النبي صلى ال عليه وسلم رأى أن يرفع‬
‫معنويات أصحابه الذين كلموا وهزموا يوم السبت بأحد‪ ،‬وأن يرهب أعداءه فأمر مؤذنا يؤذن‬
‫بالخروج في طلب أبي سفيان وجيشه‪ ،‬فاستجاب المؤمنون وخرجوا وإن منهم للمكلوم والمجروح‪،‬‬
‫وإن أخوين جريحين كان أحدهما يحمل أخاه على ظهره فإذا تعب و ضعه فمشى قليلً‪ ،‬ثم حمله‬
‫حتى انتهى رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه إلى حمراء السد‪ ،‬وألقى ال تعالى الرعب‬
‫في قلب أبي سفيان فارتحل هاربا إلى مكة‪ ،‬وقد حدث هنا أن معبدا الخزاعي ‪ 1‬مر بمعسكر أبي‬
‫سفيان فسأله عن الرسول فأخبره أنه خرج في طلبكم وخرج معه جيش كبير وكلهم تغيظ عليكم‪،‬‬
‫أنصح لك أن ترحل فهرب برجاله خوفا من رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه‪ ،‬فأقام‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم بحمراء السد برجاله كذا ليلة ثم عادوا لم يمسسهم سوء وفيهم نزلت‬
‫هذه اليات الربع وهذا نصها‪:‬‬
‫الية(‪{ )172‬الّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلّ ِه وَالرّسُولِ مِنْ َبعْدِ مَا َأصَا َبهُمُ ا ْلقَرْحُ} يريد في أحد واستجابوا‪ :‬لبوا‬
‫نداء الرسول صلى ال عليه وسلم وخرجوا معه في ملحقة أبي سفيان‪{ ،‬لِلّذِينَ َأحْسَنُوا مِ ْنهُ ْم وَا ّت َقوْا‬
‫عظِيمٌ} ولكل من أحسن واتقى أجر عظيم‪ ،‬إل وهو الجنة الية الثانية(‪{ )173‬الّذِينَ قَالَ َل ُهمُ‬
‫أَجْرٌ َ‬
‫شوْ ُهمْ} ‪ .‬المراد من الناس القائلين هم‪ :‬نفر من عبد القيس‬
‫ج َمعُوا َلكُمْ فَاخْ َ‬
‫النّاسُ إِنّ النّاسَ‪َ 2‬قدْ َ‬
‫مروا بأبي سفيان وهو عازم على العودة إلى المدينة لتصفية المؤمنين بها في نظره فقال له أبو‬
‫سفيان أخبر محمدا وأصحابه أني ندمت على تركهم أحياء بعدما انتصرت عليهم وإني جامع‬
‫جيوشي وقادم عليهم‪ ،‬والمراد من الناس الذين جمعوا هم‪ :‬أبو سفيان‪ ،‬فلما بلغ هذا الخبر الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم وأصحابه زادهم ‪ 3‬إيمانا فوق إيمانهم بنصر ال تعالى ووليته لهم‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫حسبنا ال‪ ،‬أي‪ :‬يكفينا ال شرهم‪ ،‬ونعم الوكيل الذي يكفينا ما أهمنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لن خزاعة كانت حلفاء لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وعيبت نصحه‪ ،‬أي‪ :‬موضع سره‪.‬‬
‫‪ 2‬روى البخاري عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى‪{ :‬الذيِنَ قَاَل َلهْم النَاس} إلى‪{ :‬وَ ِن ْعمَ‬
‫الوَكيِل} قالها إبراهيم الخليل عليه السلم حين ألقي في النار‪ ،‬وقالها محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫ج َمعُوا َلكُمْ} ‪.‬‬
‫حين قال لهم الناس‪{ :‬إِنّ النّاسَ َقدْ َ‬
‫ج َمعُوا َلكُمْ} وهل اليمان يزيد وينقص‪:‬‬
‫‪ 3‬الذي زادهم إيمانا‪ :‬هو قول الناس‪{ :‬إِنّ النّاسَ َقدْ َ‬
‫الخلف قديم في هذه القضية‪ ،‬والقول الذي تشهد له نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬هو‪ :‬أن اليمان‬
‫يقوى ويضعف‪ ،‬فإذا قوي زاد عمل المؤمن في الطاعات بفعل الحسنات وترك السيئات‪ ،‬وإذا‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ضعف قل عمله الصالح وزاد عمله الطالح‪ ،‬فيستدل على اليمان قوة وضعفا بمتعلقه وهو الطاعة‬
‫والمعصية‪.‬‬

‫( ‪)1/411‬‬

‫ونفوض أمرنا إلى ال‪ .‬الية الثالثة(‪{ )174‬فَا ْنقَلَبُوا} أي‪ :‬رجعوا من حمراء السد؛ لن أبا سفيان‬
‫ألقى ال الرعب في قلبه فانهزم وهرب‪ ،‬رجعوا مع نبيهم سالمين في نعمة اليمان والسلم‬
‫سهُمْ سُوءٌ} أي‪ :‬أذى‪{ ،‬وَاتّ َبعُوا‬
‫ضلٍ} حيث أصابوا تجارة في طريق عودتهم {لَمْ َي ْمسَ ْ‬
‫والنصر‪َ { ،‬و َف ْ‬
‫ضوَانَ اللّهِ} بالستجابة لما دعاهم ال ورسوله وهو الخروج في سبيل ال لملحقة أبي سفيان‬
‫ِر ْ‬
‫ضلٍ عَظِيمٍ} وما أفاضه على رسوله كاف في التدليل عليه الية‬
‫وجيشه‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَاللّهُ ذُو َف ْ‬
‫خ ّوفُ َأوْلِيَا َءهُ‪ 1‬فَل تَخَافُو ُه ْم وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ} ‪ ،‬وذلك‬
‫الرابعة(‪{ )175‬إِ ّنمَا ذَِلكُمُ الشّيْطَانُ ُي َ‬
‫أن وفد عبد القيس آجره أبو سفيان بكذا حمل من زبيب إن هو خوف المؤمنين منه فبعثه كأنه‬
‫"طابور" يخذل له المؤمنين إل أن المؤمنين عرفوا أنها مكيدة‪َ { ،‬وقَالُوا حَسْبُنَا اللّ ُه وَ ِنعْمَ ا ْل َوكِيلُ} ‪،‬‬
‫فنزلت الية‪{ :‬إِ ّنمَا ذَِلكُمُ الشّيْطَانُ} الناطق على لسان النفر من عبد القيس يخوف المؤمنين من‬
‫أوليائه أبي سفيان وجمعه‪ ،‬فل تخافوهم فنهاهم عن الخوف منهم وأمرهم أن يخافوه ‪ 2‬تعالى‪ ،‬فل‬
‫يجبنوا ويخرجوا إلى قتال أبي سفيان وكذلك فعلوا لنهم المؤمنون بحق رضي ال عنهم أجمعين‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬فضل الحسان والتقوى وأنهما مفتاح كل خير‪.‬‬
‫‪ -2‬فضل أصحاب رسول ال على غيرهم‪ ،‬وكرامتهم على ربهم‪.‬‬
‫‪ -3‬فضل كلمة‪{ :‬حَسْبُنَا اللّ ُه وَ ِنعْمَ ا ْل َوكِيلُ‪ ، }3‬قالها رسول ال وقالها إبراهيم من قبل فصلى ال‬
‫عليهما وسلم‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان أن الشيطان يخوف ‪ 4‬المؤمنين من أوليائه‪ ،‬فعلى المؤمنين أن ل يخافوا غير ربهم تعالى‬
‫في الحياة‪ ،‬فيطيعونه ويعبدونه ويتوكلون عليه‪ ،‬وهو حسبهم ونعم الوكيل لهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬معنى يخوف أولياءه‪ :‬أنه يخوف المؤمنين بأولياءه‪ ،‬وهم المشركون‪ ،‬وذلك على لسان نعيم ابن‬
‫مسعود الذي أجره أبو سفيان ليخوف المؤمنين بعزم أبي سفيان على الكر عليهم لستئصالهم‬
‫وإبادتهم‪.‬‬
‫‪ 2‬الخوف من ال تعالى أمر ال به‪ ،‬وهو واجب على كل مؤمن‪ ،‬وحقيقته‪ :‬أن يترك العبد ما‬
‫يخاف أن يعذب عليه‪ ،‬وقيل‪ :‬الخائف الذي يبكي ويمسح عينيه‪ ،‬وإنما من يترك ما يخاف أن يعذب‬
‫به‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 3‬الوكيل‪ :‬فعيل‪ ،‬بمعنى‪ :‬مفعول‪ ،‬أي‪ :‬الموكول إليه المر‪.‬‬
‫‪ 4‬الشيطان‪ :‬يكون من الجن ومن النس‪ ،‬فإن كان من الجن فتخويفه يكون بواسطة الواسوس‪،‬‬
‫وإن كان من شياطين النس فتخويفه يكون بالكلم الشفوي الذي ظاهره النصح‪ ،‬وباطنه الخداع‬
‫والغش‪.‬‬

‫( ‪)1/412‬‬

‫حظّا فِي‬
‫ج َعلَ َل ُهمْ َ‬
‫{وَل يَحْزُ ْنكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ا ْل ُكفْرِ إِ ّن ُهمْ لَنْ َيضُرّوا اللّهَ شَيْئا يُرِيدُ اللّهُ أَل َي ْ‬
‫عظِيمٌ(‪ )176‬إِنّ الّذِينَ اشْتَ َروُا ا ْل ُكفْرَ بِالِيمَانِ لَنْ َيضُرّوا اللّهَ شَيْئا وََلهُمْ عَذَابٌ‬
‫عذَابٌ َ‬
‫الخِ َر ِة وََلهُمْ َ‬
‫سهِمْ إِ ّنمَا ُنمْلِي َلهُمْ لِيَ ْزدَادُوا إِثْما وََلهُمْ‬
‫أَلِيمٌ(‪ )177‬وَل َيحْسَبَنّ الّذِينَ َكفَرُوا أَ ّنمَا ُنمْلِي َلهُمْ خَيْ ٌر لَ ْنفُ ِ‬
‫عَذَابٌ ُمهِينٌ(‪})178‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الحزن ‪ :‬غم يصيب النفس لرؤية أو سماع ما يسوءه ويكرهه‪.‬‬
‫{ا ْل ُكفْرِ} ‪ :‬الكفر‪ :‬تكذيب ال تعالى ورسوله فيما جاء به الرسول وأخبر به‪.‬‬
‫{يُسَارِعُونَ} ‪ :‬يبادرون‪.‬‬
‫{حَظّا} ‪ :‬نصيبا‪.‬‬
‫{اشْتَ َروُا ا ْلكُفْرَ} ‪ :‬اعتاضوا الكفر عن اليمان‪.‬‬
‫{ ُنمْلِي َلهُمْ} ‪ :‬الملء‪ :‬المهال والرخاء بعدم البطش وترك الضرب على أيديهم بكفرهم‪.‬‬
‫{إِ ّثمَا} ‪ :‬الثم‪ :‬كل ضار قبيح ورأسه‪ :‬الكفر والشرك‪.‬معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في أحداث غزوة أحد‪ ،‬ففي هذه اليات الثلث –وقد كشفت الحداث عن أمور‬
‫خطيرة‪ ،‬حيث ظهر النفاق مكشوفا ل ستار عليه‪ ،‬وحصل من ذلك ألم شديد لرسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم والمؤمنين‪ -‬يخاطب ال تعالى رسوله قائلً له‪ :‬ل يحزنك ‪ 1‬مسارعة هؤلء المنافقين ‪2‬‬
‫في‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرأ نافع‪ :‬يحزنك‪ ،‬بضم الياء وكسر الزاي‪ ،‬من أحزن يحزن في كل القرآن إل قوله تعالى‪{ :‬ل‬
‫لكْبَرُ} ‪ ،‬وقرأ الجمهور {يحزنك} بفتح الياء وضم الزاي‪.‬‬
‫عاَ‬
‫يَحْزُ ُنهُمُ ا ْلفَزَ ُ‬
‫‪ 2‬قيل في هؤلء المسارعين في الكفر‪ :‬إنهم المنافقون‪ ،‬وقيل‪ :‬هم كفار قريش‪ ،‬وقيل‪ :‬هم اليهود‪،‬‬
‫واللفظ يشمل على ذلك‪ ،‬إذ الفئات الثلث كلها كانت تسارع في الكفر بنصرته والعمل فيه وبه‪.‬‬

‫( ‪)1/413‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الكفر‪ ،‬وقال في الكفر ولم يقل إلى الكفر إشارة إلى أنهم ما خرجوا منه؛ لن إسلمهم كان نفاقا‬
‫فقط‪{ ،‬إِ ّنهُمْ لَنْ َيضُرّوا اللّهَ شَيْئا} ‪ ،‬وال يريد أن ل يجعل لهم نصيبا من نعيم الخرة‪ .‬فلذا تركهم‬
‫عظِيمٌ} ‪.‬‬
‫في كفرهم كلما خرجوا منه عادوا إليه‪ ،‬وحكم عليهم بالعذاب العظيم فقال‪{ :‬وََل ُهمْ عَذَابٌ َ‬
‫هذا ما تضمنته الية الولى(‪ .)176‬أما الية الثانية (‪ )177‬فقد تضمنت حكم ال تعالى على الذين‬
‫يرتدون بعد إيمانهم فيبيعون اليمان بالكفر‪ ،‬ويشترون الضللة بالهدى حكم عليهم بأنهم لن‬
‫يضروا ‪ 1‬ال شيئا من الضرر‪ ،‬ولهم عذاب أليم فقال تعالى‪{ :‬إِنّ الّذِينَ اشْتَ َروُا ا ْل ُكفْرَ بِالِيمَانِ لَنْ‬
‫َيضُرّوا اللّهَ شَيْئا‪ 2‬وََلهُمْ عَذَابٌ َألِيمٌ} والعذاب الليم هو عذاب النار إذ ل آلم ول أشد إيجاعا منه‪.‬‬
‫وأما الية الثالثة(‪ )178‬فقد تضمنت بطلن حسبان الكافرين أن ال تعالى عندما يمهلهم ويمد في‬
‫أعمارهم ولم يعاجلهم بالعذاب أن ذلك خيرٌ لهم‪ ،‬ل‪ ،‬بل هو شر لهم‪ ،‬إذ كلما تأخروا يوما اكتسبوا‬
‫فيه إثما فيقدر ما تطول حياتهم بعظم ذنبهم وتكثر آثامهم‪ ،‬وحيئنذ يوبقون ويهلكون هلكا ل نظير‬
‫سهِمْ إِ ّنمَا ُنمْلِي َل ُهمْ لِيَزْدَادُوا إِثْما‬
‫له قال تعالى‪{ :‬وَل َيحْسَبَنّ‪ 3‬الّذِينَ كَفَرُوا أَ ّنمَا ُنمْلِي َلهُمْ خَيْ ٌر لَنْفُ ِ‬
‫وََلهُمْ عَذَابٌ ُمهِينٌ} أي‪ :‬ذو إهانة‪ ،‬لنهم كانوا ذوي كبر وعلو في الرض وفساد‪ ،‬فلذا ناسب أن‬
‫يكون عذابهم اهانات لهم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ل ينبغي للمؤمن أن يحزنه كفر كافر ول فسق فاسق‪ ،‬لن ذلك ل يضر ال تعالى شيئا‪،‬‬
‫وسيجزي ال الكافر والفاسق بعدله‪.‬‬
‫‪ -2‬ل ينبغي للعبد أن يغره إمهال ال له‪ ،‬وعليه أن يبادر بالتوبة من كل ذنب إذ ليس هناك إهمال‬
‫وإنما هو إمهال‪.‬‬
‫‪ -3‬الموت للعبد ‪ 4‬خير من الحياة؛ لنه إذا كان صالحا فالخرة خير له من الدنيا وإن كان غير‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬لَنْ َيضُرّوا اللّهَ شَيْئا} من الضرر ل في ذاته‪ ،‬ول في دينه في ملكه‪ ،‬وسلطانه‪ ،‬ول رسوله‪،‬‬
‫وفي الحديث القدسي الذي رواه مسلم‪" :‬ل يعبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني‪ ،‬ولن تبلغوا‬
‫نفعي فتنفعوني" ‪.‬‬
‫‪ 2‬كرر لفظ‪{ :‬لَنْ َيضُرّوا اللّهَ شَيْئا} لجل التأكيد والتقرير حتى ييأس المنافقون والكافرون من‬
‫إلحاق أي ضرر برسول ال صلى ال عليه وسلم وبدعوته‪ ،‬وشيئا‪ :‬منصوب على المصدرية‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ل ول كثيرا‪.‬‬
‫لن يضروا ال ضررا قلي ً‬
‫‪ 3‬فسر الملء بطول العمر ورغد العيش وهو كذلك مع إضافة عدم معاجلتهم بالعقوبة إنظارا‬
‫لهم‪.‬‬
‫‪ 4‬شاهده قول ابن مسعود رضي ال عنه‪" :‬ما من أحد بر ول فاجر إل والموت خير له لنه إن‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كان برا فقد قال ال تعالى‪َ { :‬ومَا عِ ْندَ اللّهِ خَيْرٌ لِلَبْرَارِ} ‪ ،‬وإن كان فاجرا فقد قال تعالى‪{ :‬إِ ّنمَا‬
‫ُنمْلِي َل ُهمْ لِيَزْدَادُوا إِثْما} "‪ .‬وروي مثله عن ابن عباس‪ ،‬أخرجه رزين‪.‬‬

‫( ‪)1/414‬‬

‫ذلك حتى ل يزداد إثما فيوبق بكثرة ذنوبه‪.‬‬


‫{مَا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ عَلَى مَا أَنْ ُتمْ عَلَيْهِ حَتّى َيمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطّ ّيبِ َومَا كَانَ اللّهُ لِ ُيطِْل َعكُمْ‬
‫سلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللّ ِه وَرُسُِل ِه وَإِنْ ُت ْؤمِنُوا وَتَ ّتقُوا فََلكُمْ أَجْرٌ‬
‫عَلَى ا ْلغَ ْيبِ وََلكِنّ اللّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُ ُ‬
‫حسَبَنّ الّذِينَ يَ ْبخَلُونَ ِبمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ َفضْلِهِ ُهوَ خَيْرا َلهُمْ َبلْ ُهوَ شَرّ َلهُمْ‬
‫عَظِيمٌ(‪ )179‬وَل يَ ْ‬
‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ(‪})180‬‬
‫خلُوا ِبهِ َيوْمَ ا ْلقِيَامَ ِة وَلِلّهِ مِيرَاثُ ال ّ‬
‫ط ّوقُونَ مَا بَ ِ‬
‫سَ ُي َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{لِ َيذَرَ} ‪ :‬ليترك‪.‬‬
‫{ َيمِيزَ} ‪ :‬يميز ويبين‪.‬‬
‫{ا ْلخَبِيثَ} ‪ :‬من خبثت نفسه بالشرك والمعاصي‪.‬‬
‫{الطّ ّيبِ} ‪ :‬من طهرت نفسه باليمان والعمل الصالح‪.‬‬
‫{ا ْلغَ ْيبِ} ‪ :‬ما غاب فلم يدرك بالحواس‪.‬‬
‫{ َيجْتَبِي} ‪ :‬يختار ويصطفي‪.‬‬
‫{يَ ْبخَلُونَ‪ : }1‬يمنعون ويضنون‪.‬‬
‫يطوقون به ‪ :‬يجعل طوقا في عنق أحدهم‪.‬معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق في أحداث وقعة أحد‪ ،‬وما لزمها من ظروف وأحوال‪ ،‬فأخبر تعالى في هذه الية‬
‫(‪ )179‬أنه ليس من شأنه تعالى أن يترك المؤمنين على ما هم عليه فيهم المؤمن الصادق‬
‫__________‬
‫‪ 1‬البخل بضم الباء وإسكان الخاء‪ ،‬والبخل بفتح الباء والخاء معا هو أن يمنع النسان الحق‬
‫الواجب عليه من زكاة أو ضيافة أو إطعام جائع وستر عارٍ‪ ،‬ولم يوجد من يقوم به سواه‪ ،‬وما ل‬
‫فل يقال فيه بخيل شرعا‪.‬‬

‫( ‪)1/415‬‬

‫في إيمانه‪ ،‬والكاذب فيه وهو المنافق‪ .‬بل ل بد من البتلء بالتكاليف الشاقة منها؛ كالجهاد‬
‫والهجرة والصلة والزكاة‪ ،‬وغير الشاقة من سائر العبادات حتى يميز المؤمن الصادق وهو‬
‫الطيب الروح‪ ،‬من المؤمن الكاذب وهو المنافق الخبيث الروح‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬مَا كَانَ‪ 1‬اللّهُ لِيَذَرَ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ عَلَى مَا أَنْ ُتمْ عَلَيْهِ حَتّى َيمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطّ ّيبِ} وذلك أن ال لم يكن من سننه في خلقه‬
‫أن يطلعهم على الغيب فيميز المؤمن من المنافق‪ ،‬و البار من الفاجر‪ ،‬وإنما يبتلي بالتكاليف‬
‫ويظهر بها المؤمن من الكافر والصالح من الفاسد‪ .‬إل أنه تعالى قد يجتبي من رسله من يشاء‬
‫فيطلعه على الغيب‪ ،‬ويظهره على مواطن المور وبناء على هذا ‪ 2‬فآمنوا بال ورسله حق‬
‫اليمان‪ ،‬فإنكم إن آمنتم صادق اليمان واتقيتم معاصي الرحمان كان لكم بذلك أعظم الجور وهو‬
‫الجنة دار الحبور والسرور هذا ما دلت عليه الية(‪ ،)179‬أما الية الثانية(‪ )180‬فإن ال تعالى‬
‫يخبر عن خط البخلء الذين يملكون المال ويبخلون به فيقول‪ :‬ول يحسن أي ول يظن الذين‬
‫يبخلون بما آتاهم ال من المال الذي تفضل ال به عليهم أن بخلهم به خير لنفسهم كما يظنون بل‬
‫هو أي البخل شر لهم‪ ،‬وذلك لسببين الول‪ :‬ما يلحقهم في الدنيا من معرة البخل وآثاره السيئة‬
‫على النفس‪ ،‬والثاني‪ :‬أن ال تعالى سيعذبهم به بحيث يجعله طوقا من نار في أعناقهم‪ ،‬أو بصورة‬
‫ثعبان فيطوقهم ‪ ،3‬ويقول لصاحبه‪" :‬أنا مالك أنا كنزك" كما جاء في الحديث‪ .‬فعلى من يظن هذا‬
‫الظن الباطل أن يعدل عنه‪ ،‬ويعلم أن الخير في النفاق ل في البخل‪ .‬وأن ما يبخل به هو مال‬
‫ال ‪ ،‬وسيرثه‪ ،‬ولم يجن البخلء إل المعرة في الدنيا والعذاب في الخرة‪ .‬قال تعالى‪{ :‬وَلِلّهِ مِيرَاثُ‬
‫ض وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ} ‪ ،‬فاتقوه فيما آتاكم فآتوا زكاته وتطوعوا بالفضل فإن‬
‫سمَاوَاتِ وَالَ ْر ِ‬
‫ال ّ‬
‫ذلك خير لكم‪ .‬وال يعلم وأنتم ل تعلمون‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روي أن الية نزلت إجابة لمن طالبوا بعلمة يفرقون بها بين المؤمن والمنافق فأجابهم ال‬
‫تعالى بأنه ليس من شأنه أن يترك المؤمنين على ما هم عليه في اختلطهم مع المنافقين حتى‬
‫ينزل من الشرائع والتكاليف وما يميز بفعله وتركه المؤمن من المنافق‪.‬‬
‫‪ 2‬إذ العبرة ليست بمعرفة الغيب‪ ،‬وإنما العبرة بالنجاة من النار والفوز بالجنة‪ ،‬وعليه فأعرضوا‬
‫عن المطالبة بمعرفة الغيب وأقبلوا على ما يحقق لكم نجاتكم وسعادتكم‪.‬‬
‫‪ 3‬روى البخاري عن أبي هريرة رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬من أتاه ال‬
‫مالً فلم يؤد زكاته مُثْل له شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة‪ ،‬يؤخذ بلهزمتيه –يعني‬
‫حسَبَنّ الّذِينَ يَبْخَلُونَ‪ }...‬الية‪.‬‬
‫شدقيه‪ -‬ثم يقول‪ :‬أنا مالك‪ ،‬أنا كنزك‪ ،‬ثم تل هذه الية‪{ :‬وَل يَ ْ‬

‫( ‪)1/416‬‬

‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬من حكم التكليف إظهار المؤمن الصادق من المؤمن الكاذب‪.‬‬
‫‪ -2‬استئثار الرب تعالى بعلم الغيب دون خلقه إل ما يطلع عليه رسله لحكمة اقتضت ذلك‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -3‬ثمن الجنة اليمان والتقوى‪.‬‬
‫‪ -4‬البخل بالمال شر لصاحبه‪ ،‬وليس بخير له كما يظن البخلء‪.‬‬
‫‪ -5‬من أوتي مالً ومنع حق ال فيه عذب به يوم القيامة دلت على ذلك هذه الية وآية ‪ 1‬التوبة‬
‫وحديث البخاري‪" :‬من آتاه ال مالً فلم يؤد زكاته مثل له شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم‬
‫القيامة فيأخذ بلهزمتيه –أي شدقيه‪ -‬يقول أنا مالك أنا كنزك‪ ،‬ثم تل الية {وَل َيحْسَبَنّ الّذِينَ‪}...‬‬
‫الية"‪.‬‬
‫سمِعَ اللّهُ َقوْلَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ َفقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَ َنكْ ُتبُ مَا قَالُوا َوقَتَْلهُ ُم الَنْبِيَاءَ ِبغَيْرِ حَقّ‬
‫{َلقَدْ َ‬
‫عذَابَ الْحَرِيقِ(‪ )181‬ذَِلكَ ِبمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِي ُك ْم وَأَنّ اللّهَ لَ ْيسَ بِظَلّامٍ لِ ْلعَبِيدِ(‪ )182‬الّذِينَ‬
‫وَنَقُولُ ذُوقُوا َ‬
‫سلٌ مِنْ قَبْلِي‬
‫عهِدَ إِلَيْنَا أَل ُن ْؤمِنَ لِرَسُولٍ حَتّى يَأْتِيَنَا ِبقُرْبَانٍ تَ ْأكُلُهُ النّارُ ُقلْ َقدْ جَا َءكُمْ رُ ُ‬
‫قَالُوا إِنّ اللّهَ َ‬
‫سلٌ مِنْ قَبِْلكَ‬
‫بِالْبَيّنَاتِ وَبِالّذِي قُلْتُمْ فَِلمَ قَتَلْ ُتمُوهُمْ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ(‪ )183‬فَإِنْ َكذّبُوكَ َفقَدْ ُك ّذبَ ُر ُ‬
‫جَاءُوا بِالْبَيّنَاتِ وَالزّبُ ِر وَا ْلكِتَابِ ا ْلمُنِيرِ(‪})184‬‬
‫__________‬
‫ب وَا ْل ِفضّ َة وَل يُ ْن ِفقُو َنهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّرْهُمْ ِبعَذَابٍ‬
‫‪ 1‬هي قوله تعالى‪{ :‬وَالّذِينَ َيكْنِزُونَ الذّ َه َ‬
‫سكُمْ‬
‫ظهُورُهُمْ َهذَا مَا كَنَزْتُ ْم ل ْنفُ ِ‬
‫جهَنّمَ فَ ُت ْكوَى ِبهَا جِبَا ُههُ ْم وَجُنُو ُبهُ ْم َو ُ‬
‫حمَى عَلَ ْيهَا فِي نَارِ َ‬
‫أَلِيمٍ* َي ْومَ يُ ْ‬
‫فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ َتكْنِزُونَ}‪.‬‬

‫( ‪)1/417‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫عذَابَ الْحَرِيقِ‪ : }1‬هو عذاب النار المحرقة تحرق أجسادهم‪.‬‬
‫{َ‬
‫{ذَِلكَ ِبمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِيكُمْ} ‪ :‬أي‪ :‬ذلك العذاب بسبب ما قدمته أيديكم من الجرائم‪.‬‬
‫عهِدَ إِلَيْنَا} ‪ :‬أمرنا ووصانا في كتابنا "التوراة"‪.‬‬
‫{َ‬
‫{أَل ُن ْؤمِنَ لِرَسُولٍ} ‪ :‬أي‪ :‬ل نتابعه‪ ،‬على ما جاء به ول نصدقه في نبوته‪.‬‬
‫{ ِبقُرْبَانٍ تَ ْأكُلُهُ النّارُ} ‪ :‬القربان‪ :‬ما يتقرب به إلى ال تعالى من حيوان وغيره يوضع في مكان‬
‫فتنزل عليه نار بيضاء من السماء فتحرقه‪.‬‬
‫{بِالْبَيّنَاتِ} ‪ :‬اليات والمعجزات‪.‬‬
‫{وَبِالّذِي قُلْ ُتمْ} ‪ :‬أي‪ :‬من القربان‪.‬‬
‫{فَِلمَ قَتَلْ ُتمُوهُمْ} ‪ :‬الستفهام للتوبيخ‪ ،‬ومن قتلوا من النبياء‪ :‬زكريا ويحي عليهما السلم‪.‬‬
‫{وَالزّبُرِ} ‪ :‬جمع زبور وهو الكتاب؛ كصحف إبراهيم‪.‬‬
‫{وَا ْلكِتَابِ ا ْلمُنِيرِ} ‪ :‬الواضح البين؛ كالتوراة والزبور والنجيل‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عفَهُ} ودخل أبو بكر الصديق‬
‫لما نزل قول ال تعالى‪{ :‬مَنْ ذَا الّذِي ُيقْ ِرضُ اللّهَ قَرْضا حَسَنا فَ ُيضَا ِ‬
‫رضي ال عنه بيت "المدراس ‪ "2‬واليهود به وهم يستمعون لكبر علمائهم وأجل أحبارهم فنحاص‬
‫فدعاه أبو بكر إلى السلم‪ ،‬فقال فنحاص‪ :‬إن ربا يستقرض‪ ،‬نحن أغنى منه! ينهانا صاحبك عن‬
‫الربا ويقبله فغضب أبو بكر رضي ال عنه وضرب اليهودي‪ ،‬فجاء إلى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فشكا أبا بكر فسأل الرسول أبا بكر قائلً‪" :‬ما حملك على ما صنعت" ؟ فقال إنه قال‪ :‬إن ال‬
‫سمِعَ اللّهُ َق ْولَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ‬
‫فقير ونحن أغنياء‪ .‬فأنكر اليهودي فأنزل ‪ 3‬ال تعالى الية {َلقَدْ َ‬
‫َفقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَ َنكْ ُتبُ مَا قَالُوا َوقَتَْلهُ ُم الَنْبِيَاءَ ِبغَيْرِ حَقّ} ‪ ،‬أي‪ :‬نكتبه أيضا‪ ،‬ونقول لهم‪:‬‬
‫{ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيق} ‪ ،‬وقولنا ذلك بسبب ما‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الحريق‪ :‬اسم للملتهبة من النار‪ ،‬إذ النار تشمل الملتهبة وغير الملتهبة‪.‬‬
‫‪ 2‬بيت المعلم من بني إسرائيل‪.‬‬
‫‪ 3‬إن من نزلت فيهم الية لم يقتلوا النبياء وإنما قتلهم سلفهم ولكن برضاهم عن أسلفهم‪ ،‬وما‬
‫صنعوا كان حكمهم حكم من قتل‪ ،‬لن الرضا بالمعصية معصية‪ .‬روى أن رجلً حسن قتل عثمان‬
‫عند الشعبي‪ ،‬فقال له الشعبي‪" :‬شاركت في دمه فجعل الرضا بالقتل قتلً"‪.‬‬

‫( ‪)1/418‬‬

‫قدمته أيديكم من الشر والفساد وأن ال ليس بظلم للعبيد‪ ،‬فلم يكن جزاؤهكم مجافيا للعدل ول‬
‫سمِعَ‬
‫مباعدا له أبدا لننزه الرب تعالى عن الظلم لعباده‪ ،‬هذا ما تضمنته الية الولى(‪َ{ )181‬لقَدْ َ‬
‫ق وَ َنقُولُ‬
‫اللّهُ َق ْولَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ فَقِي ٌر وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَ َنكْ ُتبُ مَا قَالُوا َوقَتَْلهُ ُم الَنْبِيَاءَ ِبغَيْرِ حَ ّ‬
‫ذُوقُوا عَذَابَ ا ْلحَرِيقِ} ‪ ،‬والية الثانية(‪{ )182‬ذَِلكَ ِبمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنّ اللّهَ لَ ْيسَ بِظَلّامٍ لِ ْلعَبِيدِ} ‪،‬‬
‫ع ِهدَ إِلَيْنَا أَل ُن ْؤمِنَ لِرَسُولٍ حَتّى‬
‫وأما الية الثالثة(‪ )183‬وهي قوله تعالى‪{ :‬الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ َ‬
‫سلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيّنَاتِ وَبِالّذِي قُلْتُمْ فَِلمَ قَتَلْ ُتمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ‬
‫يَأْتِيَنَا ِبقُرْبَانٍ تَ ْأكُلُهُ النّارُ ُقلْ قَدْ جَا َء ُكمْ رُ ُ‬
‫صَا ِدقِينَ} فقد تضمنت دعوى يهودية كاذبة بطالة ل صحة لها البتة‪ ،‬والرد عليها‪ ،‬فالدعوى هي‬
‫قولهم إن ال ‪ 1‬قد أمرنا موصيا لنا أن ل نؤمن لرسول فنصدقه ونتابعه على ما جاء به‪،‬حتى يأتينا‬
‫بقربان تأكله النار‪ ،‬يريدون صدقة من حيوان أو غيره توضع أمامهم فتنزل عليها نار من السماء‬
‫فتحرقها‪ ،‬فذلك آية نبوته‪ ،‬وأنت يا محمد ما أتيتنا بذلك فل نؤمن بك ول نتابعك على دينك‪ ،‬وأما‬
‫سلٌ مِنْ قَبْلِي‬
‫الرد فهو قول ال تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم قل يا رسولنا‪َ { :‬قدْ جَا َءكُمْ رُ ُ‬
‫بِالْبَيّنَاتِ} وهي المعجزات‪{ ،‬وَبِالّذِي قُلْ ُتمْ} وهو قربان تأكله النار فلم قتلتموهم‪ ،‬إذ قتلوا زكريا‬
‫ويحي وحاولوا قتل عيسى‪ ،‬إن كنتم صادقين في دعواكم؟‪ ،‬وأما الية الرابعة (‪ )184‬فإنها تحمل‬
‫العزاء لرسول ال صلى ال عليه وسلم إذ يقول له ربه تعالى‪{ :‬فَإِنْ كَذّبُوكَ} فلم يؤمنوا بك‪ ،‬فل‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تحزن ول تأسى لنك لست وحدك الذي كُذبت‪ ،‬فقد كذبت رسل كثر كرام‪ ،‬جاءوا أقوامهم‬
‫بالبينات‪ ،‬أي‪ :‬المعجزات‪ ،‬وبالزبر‪ ،‬والكتاب المنير؛ كالتوراة والنجيل وصحف إبراهيم وكذبتهم‬
‫أممهم كما كذبك هؤلء اليهود والمشركين معهم فاصبر ول تحزن‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬كفر اليهود وسوء أدبهم مع ال تعالى ومع أنبيائهم ومع الناس أجمعين‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير جريمة قتل اليهود للنبياء وهي من أبشع الجرائم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى القرطبي عن الكلبي‪ :‬أن هذه الية نزلت ردا على كعب بن الشرف ومالك بن الصيف‬
‫ووهب بن يهوذا وفنحاص بن عزريا أتوا النبي صلى ال عليه وسلم فقالوا له‪ :‬أتزعم إن ال‬
‫أرسلك إلينا وأنه أنزل علينا كتابا عهد إلينا فيه أل نؤمن لرسول يزعم أنه من عند ال حتى يأتينا‬
‫بقربان تأكله النار فإن جئتنا به صدقناك‪ ،‬فأنزل ال تعالى هذه الية‪.‬‬

‫( ‪)1/419‬‬

‫‪ -3‬بيان كذب اليهود في دعواهم أن ال عهد إليهم أن ل يؤمنوا بالرسول حتى ‪ 1‬يأتيهم بقربان‬
‫تأكله النار‪.‬‬
‫‪ -4‬تعزية الرسول صلى ال عليه وسلم وحمله على الصبر والثبات أمام ترهات اليهود وأباطيلهم‪.‬‬
‫خلَ ا ْلجَنّةَ َفقَدْ‬
‫{ ُكلّ َنفْسٍ ذَا ِئقَةُ ا ْل َم ْوتِ وَإِ ّنمَا ُت َو ّفوْنَ أُجُو َركُمْ َي ْومَ ا ْلقِيَامَةِ َفمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النّا ِر وَأُدْ ِ‬
‫س َمعُنّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا‬
‫سكُ ْم وَلَتَ ْ‬
‫فَا َز َومَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا إِل مَتَاعُ ا ْلغُرُورِ(‪ )185‬لَتُبَْلوُنّ فِي َأ ْموَاِلكُ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬
‫لمُورِ(‬
‫ا ْلكِتَابَ مِنْ قَبِْلكُ ْم َومِنَ الّذِينَ َأشْ َركُوا أَذىً كَثِيرا وَإِنْ َتصْبِرُوا وَتَتّقُوا فَإِنّ ذَِلكَ مِنْ عَ ْز ِم ا ُ‬
‫‪})186‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ذَا ِئقَةُ ا ْل َموْتِ‪ : }2‬أي‪ :‬ذائقة موت جسدها‪ ،‬أما هي فإنها ل تموت‪.‬‬
‫{ ُت َو ّفوْنَ} ‪ :‬تعطون جزاء أعمالكم خيرا أو شرا وافية ل نقص فيها‪.‬‬
‫{ ُزحْزِحَ} ‪ :‬نجي وأبعد‪.‬‬
‫{فَازَ} ‪ :‬نجا من مرهوبه وهو النار‪ ،‬وظفر بمرغوبه وهو الجنة‪.‬‬
‫{مَتَاعُ ا ْلغُرُورِ‪ : }3‬المتاع‪ :‬كل ما يستمتع به‪ ،‬والغرور‪ :‬الخداع‪ ،‬فشبهت الدنيا بمتاع خادع غار‬
‫صاحبه‪ ،‬ل يلبث أن يضمحل ويذهب‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وإن صحت دعواهم في التوراة فإن فيها استثناء عيسى ومحمد صلى ال عليه وسلم أو هي‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫منسوخة في النجيل ولكن ما رد ال تعالى به عليهم ل يتطلب مزيد حجج فإنه قاطع مفحم‬
‫مسكت‪ ،‬ونص التوراة تمامه‪" :‬حتى يأتيكما المسيح ومحمد فإذا أتياكما فآمنوا بهما من غير‬
‫قربان"‪.‬‬
‫‪ 2‬قرئ‪{ :‬ذائقة الموت} بالضافة‪ ،‬و {ذائقة الموت} بدونها‪ ،‬والولى قراءة العامة‪ ،‬وهذا مما ل‬
‫محيص للنسان عنه‪ .‬قال أمية بن الصلت‪:‬‬
‫من لم يمت عبطة يمت هرما ‪ ...‬للموت كأس والمرء ذائقها‬
‫ومعنى‪ :‬عبطة‪ :‬شابا‪ ،‬وللموت علمات من أبرزها عرق الجبين‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬المؤمن يموت‬
‫بعرق الجبين" ‪ .‬فإذا شوهدت لقن الميت لقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬لقنوا موتاكم ل إله إل ال" ‪.‬‬
‫‪ 3‬يوضح معنى متاع الغرور‪ :‬قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬وال ما الدنيا في الخرة إل كما يغمس‬
‫أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بما ترجع إليه" ‪ ،‬والغرور مصدر أضيف إليه المتاع‪ ،‬فالمتاع‪ :‬ما‬
‫يتمتع به ثم يضمحل‪ ،‬وكونه للغرور زاد في التحذير منه‪ ،‬فلذا قال فيها قتادة‪" :‬الدنيا متاع متروك‬
‫يوشك أن تضمحل بأهلها"‪.‬‬

‫( ‪)1/420‬‬

‫سكُمْ} ‪ :‬لتختبرن في أموالكم بأداء الحقوق الواجبة فيها‪ ،‬أو بذهابها وأنفسكم‬
‫{لَتُبَْلوُنّ فِي َأ ْموَاِلكُ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬
‫بالتكاليف الشاقة؛ كالجهاد والحج‪ ،‬أو المرض والموت‪.‬‬
‫{أُوتُوا ا ْلكِتَابَ} ‪ :‬اليهود والنصارى‪.‬‬
‫{الّذِينَ أَشْ َركُوا} ‪ :‬العرب‪.‬‬
‫لمُورِ} ‪ :‬يريد أن الصبر والتقوى من المور الواجبة التي هي عزائم وليس‬
‫{فَإِنّ ذَِلكَ مِنْ عَزْ ِم ا ُ‬
‫فيها رخص ول ترخيص بحال من الحوال‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في تعزية الرسول صلى ال عليه وسلم وأصحابه‪ ،‬لقد جاء في الية السابقة تسلية‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم عما آلمه من تكذيب اليهود والمشركين له‪ ،‬وفي هذه الية أعظم‬
‫تسلية وعزاء‪ ،‬إذ أخبر تعالى فيها بأن كل نفس مهما علت أو سفلت ذائقة الموت ‪ 1‬ل محالة‪ ،‬وإن‬
‫الدنيا ليست دار جزاء وإنما هي دار كسب وعمل‪ ،‬ولذا قد يجرم فيها المجرمون ويظلم الظالمون‪،‬‬
‫ول ينالهم مكروه‪ ،‬وقد يحسن فيها المحسنون ويصلح المصلحون ول ينالهم محبوب‪ ،‬وفي هذا‬
‫تسلية عظيمة وأخرى‪ :‬العلم بأن الحياة الدنيا بكل ما فيها ل تعدو كونها متاع الغرور‪ ،‬أي‪ :‬متاع‬
‫زائل غار ببهرجه وجمال منظره‪ ،‬ثم ل يلبث أن يذهب ويزول‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الولى(‬
‫‪ ،)185‬أما الية الثانية(‪ )186‬ففيها يخبر تعالى رسوله والمؤمنين بأنهم ل محالة مختبرون في‬
‫أموالهم وفي أنفسهم‪ .‬في أموالهم بالحوائج‪ ،‬وبالواجبات‪ ،‬وفي أنفسهم بالمرض والموت والتكاليف‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الشاقة؛ كالجهاد والحج والصيام‪ ،‬وإنهم ل بد وأن يسمعوا من أهل الكتاب والمشركين أذى كبيرا‬
‫كما قال فنحاص‪ :‬ال فقير ‪ 2‬ونحن أغنياء أو كما قال النصارى‪ :‬المسيح ابن ال‪ ،‬وكما قال‬
‫المشركون‪ :‬اللت والعزى ومناة آلهة مع ال‪ .‬حثهم تعالى على الصبر‬
‫__________‬
‫‪ 1‬من أحكام الحتضار‪ :‬تلقين ل إله ال ال وقراءة يس‪ ،‬لتخفيف سكرات الموت لقوله صلى ال‬
‫عليه وسلم‪" :‬ما من ميت يقرأ عنده يس إل هون ال عليه" ‪ ،‬وفي حديث أبي داود‪" :‬اقرأوا يس‬
‫على موتاكم" ‪ ،‬ومن أحكام الموت‪ :‬تغميض العينين‪ ،‬وغسل‪ ،‬وكفنه‪ ،‬والصلة عليه‪ ،‬ودفنه في‬
‫مقابر المسلمين‪ ،‬وتعجيل دفنه‪ ،‬والسراع في المشي به‪ ،‬لحديث‪" :‬اسرعوا بالجنازة‪ ،‬فإن تك‬
‫صالحا فخير تقدمونها إليه‪ ،‬وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم" ‪.‬‬
‫‪ 2‬قال ابن أبي لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬ارجع إلى رحلك ل تؤذنا في مجالسنا‪ .‬وكان‬
‫كعب بن الشرف ينظم القصائد يسب فيها المسلمون ويؤلب فيها عليهم الكافرين‪ ،‬بل كان يتشبب‬
‫بنساء المؤمنين‪ ،‬ولذا أذن الرسول في اغتياله فقتله غيلة‪ :‬محمد بن مسلمة‪ ،‬وأصحابه رضي ال‬
‫عنهم أجمعين‬

‫( ‪)1/421‬‬

‫والتقوى‪ ،‬فقال‪{ :‬وَإِنْ َتصْبِرُوا وَتَتّقُوا} فإن صبركم وتقواكم مما أوجب ال تعالى عليكم وليس هو‬
‫من باب الندب والستحباب بل هو من باب الفرض والوجوب‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ليست الدار الدنيا بدار جزاء وإنما هي دار عمل‪.‬‬
‫‪ -2‬تعريف الفوز الحق وهو الزحزحة عن النار ودخول الجنة‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان حقيقة هذه الحياة وأنها كمتاع خادع ل يلبث أن يتلشى ويضمحل‪.‬‬
‫‪ -4‬البتلء ضروري فيجب الصبر والتقوى فإنهما من عزائم المور ل من رخصها‪.‬‬
‫ظهُورِهِ ْم وَاشْتَ َروْا‬
‫س وَل َتكْ ُتمُونَهُ فَنَبَذُو ُه وَرَاءَ ُ‬
‫{وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ لَتُبَيّنُنّهُ‪ 1‬لِلنّا ِ‬
‫حمَدُوا ِبمَا َلمْ‬
‫بِهِ َثمَنا قَلِيلً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ(‪ )187‬ل تَحْسَبَنّ الّذِينَ َيفْرَحُونَ ِبمَا أَ َتوْا وَيُحِبّونَ أَنْ ُي ْ‬
‫ت وَالَ ْرضِ وَاللّهُ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ(‪ )188‬وَلِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫ب وََلهُمْ َ‬
‫َي ْفعَلُوا فَل َتحْسَبَ ّنهُمْ ِب َمفَا َزةٍ مِنَ ا ْلعَذَا ِ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ(‪})189‬‬
‫عَلَى ُكلّ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الميثاق ‪ :‬العهد المؤكد باليمين‪.‬‬
‫{أُوتُوا ا ْلكِتَابَ} ‪ :‬اليهود والنصارى‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الكتمان ‪ :‬إخفاء الشيء وجحوده حتى ل يرى ول يعلم‪.‬‬
‫ظهُورِهِمْ} ‪ :‬ألقوه وطرحوه ولم يلتفتوا إليه‪ ،‬وهو ما أخذ عليهم العهد والميثاق فيه‬
‫{فَنَبَذُو ُه وَرَاءَ ُ‬
‫من اليمان بمحمد صلى ال عليه وسلم وبما جاء به من السلم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الضمير عائد إلى الكتاب‪ ،‬أي‪ :‬أقسم عليكم بجللي وكمالي لتظهرن جميع ما في الكتاب من‬
‫الحكام والخبار‪ ،‬ومنها‪ :‬نعوت النبي محمد صلى ال عليه وسلم وصفاته‪.‬‬

‫( ‪)1/422‬‬

‫{وَاشْتَ َروْا بِهِ َثمَنا قَلِيلً} ‪ :‬اعتاضوا عنه حطام الدنيا ومتاعها الزائل إذ كتموه‪ .‬إبقاء على منافعهم‬
‫الدنيوية‪.‬‬
‫حمَدُوا ِبمَا َلمْ َي ْفعَلُوا} ‪ :‬أي‪ :‬يثني عليهم ويذكروا بخير وهم لم يفعلوا ما يوجب لهم ذلك‪.‬‬
‫{أَنْ ُي ْ‬
‫ب وََلهُمْ} ‪ :‬بمنجاة من العذاب في الدنيا‪ ،‬ولهم في الخرة عذاب أليم‪.‬‬
‫{ ِب َمفَا َزةٍ مِنَ ا ْلعَذَا ِ‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في اليهود فيقول تعالى لنبيه‪ ،‬واذكر لهم إذ أخذ ال ميثاق الذين أوتوا الكتاب‪ ،‬وهم‬
‫اليهود والنصارى أخذ على علمائهم العهد المؤكد بأن يبينوا للناس نعوت النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم في كتابهم‪ ،‬وأن يؤمنوا به ويتابعوه على ما جاء به من الهدى ودين الحق وهو السلم‪،‬‬
‫ولكنهم كتموه ونبذوه وراء ظهورهم فلم يلتفتوا إليه واستبدلوا بذلك ثمنا قليلً وهو الجاه والمنصب‬
‫والمال‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وَاشْتَ َروْا بِهِ َثمَنا قَلِيلً} وذم ال تعالى ذلك الثمن القليل فقال‪{ :‬فَبِئْسَ مَا‬
‫حسَبَنّ الّذِينَ َيفْرَحُونَ‬
‫يَشْتَرُونَ} ‪ ،‬هذا ما تضمنته الية الولى(‪ ،)187‬وأما الية الثانية(‪{ )188‬ل تَ ْ‬
‫ب وََلهُمْ عَذَابٌ َألِيمٌ} ‪ .‬فإن‬
‫حسَبَ ّنهُمْ ِب َمفَا َزةٍ مِنَ ا ْلعَذَا ِ‬
‫ح َمدُوا ‪ِ 1‬بمَا لَمْ َيفْعَلُوا فَل تَ ْ‬
‫ِبمَا أَ َتوْا وَيُحِبّونَ أَنْ يُ ْ‬
‫ال تعالى يقول لرسوله صلى ال عليه وسلم‪ :‬ل تحسبن يا رسولنا الذين يفرحون بما أتوا من الشر‬
‫والفساد بتحريف كلمنا وتبديل أوامرنا وتغيير شرائعنا وهم مع ذلك يحبون أن يحمدهم الناس أي‬
‫يشكروهم ويثنوا عليهم‪ ،‬ما لم يفعلوا من الخير والصلح إذ عملهم كان العكس وهو الشر والفساد‬
‫من اليهود‪ ،‬ول تحسبنهم بمفازة‪ ،‬أي‪ :‬بمنجاة من العذاب‪ ،‬ولهم عذاب أليم يوم القيامة‪ .‬وأما الية‬
‫الثالثة ‪ )189‬فقد أخبر تعالى أن له ملك السموات والرض‪ ،‬وأنه على كل شيء قدير فدلل بذلك‬
‫على قدرته على البطش بالقوم والنتقام منهم‪ ،‬وأنه منجز وعيده لهم وهو عذاب الدنيا‪ ،‬وعذاب‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ} ‪.‬‬
‫ض وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫ت وَالَرْ ِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫الخرة فقال‪{ :‬وَلِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى البخاري وغيره عن أبي سعيد الخدري‪ :‬أن رجالً من المنافقين كانوا إذا خرج الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلف رسول ال صلى ال عليه‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وسلم‪ ،‬فإذا قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم من الغزو اعتذروا وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما‬
‫لم يفعلوا‪ ،‬فنزلت هذه الية‪ .‬وروي في سبب نزولها الخبر التي‪ :‬إن مروان بعث بأحد رجاله إلى‬
‫ابن عباس يسأله قائلً‪ :‬لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا‬
‫لنعذبن أجمعين؟ فقال ابن عباس‪" :‬ما لكم وهذه إنما نزلت هذه في أهل الكتاب‪ ،‬ثم تل هذه الية‪:‬‬
‫{وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ} إلى قوله‪{ :‬ولَهمْ عَذَابْ أليِم} ‪.‬‬

‫( ‪)1/423‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬أخذ ال الميثاق على علماء أهل الكتاب ببيان الحق يتناول علماء ‪ 1‬السلم فإن عليهم أن‬
‫يبثوا الحق ويجهروا به‪ ،‬ويحرم عليهم كتمانه ‪ 2‬أو تأويله إرضاء للناس ليحوزوا على مكسب‬
‫دنيوي مالً أو جاها أو سلطانا‪.‬‬
‫‪ -2‬ل يجوز للمسلم أن يحب أن يحمد بما لم يفعل من الخير والمعروف‪ ،‬بل من الكمال أن ل‬
‫يرغب المسلم في مدح الناس وثنائهم وهو فاعل لما يستوجب ذلك فكيف بمن لم يفعل ثم يحب أن‬
‫يحمد‪ .‬بل بمن يفعل الشر والفساد ويحب أن يحمد عليه بالتصفيق ‪ 3‬له وكلمة يحي فلن‪...‬‬
‫‪ -3‬ملك ال تعالى لكل شيء وقدرته على كل شيء توجب الخوف منه والرغبة إليه وأكثر الناس‬
‫عن هذا غافلون‪ ،‬وبه جاهلون‪.‬‬
‫ت لُولِي الَلْبَابِ(‪ )190‬الّذِينَ‬
‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ وَاخْتِلفِ اللّ ْيلِ وَال ّنهَا ِر ليا ٍ‬
‫{إِنّ فِي خَلْقِ ال ّ‬
‫ت وَالَ ْرضِ رَبّنَا مَا خََل ْقتَ هَذَا‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫يَ ْذكُرُونَ اللّهَ قِيَاما َو ُقعُودا وَعَلَى جُنُو ِبهِ ْم وَيَ َت َفكّرُونَ فِي خَ ْلقِ ال ّ‬
‫خلِ النّارَ َفقَدْ َأخْزَيْتَ ُه َومَا لِلظّاِلمِينَ مِنْ‬
‫بَاطِلً سُبْحَا َنكَ َفقِنَا عَذَابَ النّارِ( ‪ )191‬رَبّنَا إِ ّنكَ مَنْ تُ ْد ِ‬
‫س ِمعْنَا مُنَادِيا يُنَادِي لِلِيمَانِ أَنْ‬
‫أَ ْنصَارٍ(‪ )192‬رَبّنَا إِنّنَا َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال محمد بن كعب ل يحل لعالم أن يسكت على علمه ول لجاهل أن يسكت على جهله‪ ،‬قال ال‬
‫تعالى‪{ :‬وَِإذْ َأخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ} الية‪ ،‬وقال‪{ :‬فأسْأَلوُا َأهْل الذِكرْ إنْ كُنتمْ ل‬
‫َتعْلَموُن} ‪ ،‬وقال على رضي ال عنه‪" :‬ما أخذ ال على الجاهلين أن يتعلموا حتى أخذ على العلماء‬
‫أن يعلموا"‪.‬‬
‫‪ 2‬شاهده ما جاء من طرق متعددة عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال‪" :‬من سُئل عن عمل فكتمه‬
‫ألجم يوم القيامة بلجام من نار" ‪ .‬وشاهده أيضا‪ :‬حديث البخاري‪" :‬من كتم علما ألجمه ال بلجام‬
‫من نار يوم القيامة" ‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 3‬هذا حال الكثير من زعماء أمة السلم في عصور انحطاطها وفساد عقائدها وأخلقها‬
‫وانحراف سلوكها نتيجة كيد المجوس لها واليهود والنصارى كذلك‪.‬‬

‫( ‪)1/424‬‬

‫غفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا َو َكفّرْ عَنّا سَيّئَاتِنَا وَ َت َوفّنَا مَ َع الَبْرَارِ(‪ )193‬رَبّنَا وَآتِنَا مَا‬
‫آمِنُوا بِرَ ّبكُمْ فَآمَنّا رَبّنَا فَا ْ‬
‫ك وَل تُخْزِنَا َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ إِ ّنكَ ل ُتخِْلفُ ا ْلمِيعَادَ(‪ )194‬فَاسْتَجَابَ َلهُمْ رَ ّب ُهمْ أَنّي ل‬
‫وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُِل َ‬
‫ضكُمْ مِنْ َب ْعضٍ فَالّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ‬
‫ع َملَ عَا ِملٍ مِ ْنكُمْ مِنْ َذكَرٍ َأوْ أُنْثَى َب ْع ُ‬
‫ُأضِيعُ َ‬
‫ل َكفّرَنّ عَ ْنهُمْ سَيّئَا ِت ِه ْم وَلُ ْدخِلَ ّنهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ‬
‫وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي َوقَاتَلُوا َوقُتِلُوا ُ‬
‫حسْنُ ال ّثوَابِ(‪})195‬‬
‫َثوَابا مِنْ عِنْدِ اللّ ِه وَاللّهُ عِ ْن َدهُ ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ت وَالَ ْرضِ} ‪ :‬أي‪ :‬في وجودهما من العدم‪.‬‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫{فِي خَ ْلقِ ال ّ‬
‫ل وَال ّنهَارِ} ‪ :‬تعاقبهما هذا يجيء وذاك يذهب‪ ،‬هذا مظلم وذاك مضيء‪.‬‬
‫{وَاخْتِلفِ اللّ ْي ِ‬
‫{لياتٍ} ‪ :‬دلئل واضحة على وجود ال تعالى وقدرته وعلمه وحكمته ورحمته‪.‬‬
‫{لُولِي الَلْبَابِ} ‪ :‬أصحاب العقول التي تُدرك بها الشياء وتفهم بها الدلة‪.‬‬
‫{رَبّنَا} ‪ :‬يقولون‪ :‬ربنا إلخ‪...‬‬
‫{بَاطِلً} ‪ :‬ل لشيء مقصود منه‪ ،‬وإنما هو من باب اللعب‪.‬‬
‫{سُ ْبحَا َنكَ‪ : }1‬تنزيها لك عن العبث واللعب‪ ،‬وعن الشريك والولد‪.‬‬
‫{ َفقِنَا عَذَابَ النّارِ} ‪ :‬أجرنا واحفظنا من عذاب النار بتوفيقك لنا للعمال الصالحة وتجنيبنا العمال‬
‫الفاسدة الموجبة لعذاب النار‪.‬‬
‫{َأخْزَيْتَهُ} ‪ :‬أذللته وأشقيته‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى أن النبي صلى ال عليه وسلم سئل عن معنى‪ :‬سبحان ال‪ ،‬فقال‪" :‬تنزيه ال عن السوء" ‪.‬‬

‫( ‪)1/425‬‬

‫{ َو َكفّرْ عَنّا} ‪ :‬استر وامح‪.‬‬


‫{الَبْرَارِ} ‪ :‬جمع بر أو بار‪ ،‬وهم المتمسكون بالشريعة‪.‬‬
‫{عَلَى رُسُِلكَ} ‪ :‬على ألسنة رسلك من النصر والتأييد‪.‬‬
‫{ا ْلمِيعَادَ} ‪ :‬الوعد‪.‬‬
‫{هَاجَرُوا} ‪ :‬تركوا بلدهم وديارهم وأموالهم وأهليهم فرارا بدينهم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي} ‪ :‬آذاهم المشركون من أجل اليمان بي ورسولي وطاعتنا‪.‬‬
‫{ َثوَابا مِنْ عِنْدِ اللّهِ} ‪ :‬أي‪ :‬أجرا جزاء كائنا من عند ال‪ ،‬وهو الجنات بعد تكفير السيئات‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما قال اليهود تلك المقالة السيئة‪ :‬إن ال تعالى فقير ونحن أغنياء‪ ،‬وحرفوا الكتاب وبدلوا وغيروا‬
‫ويحبون أن يحمدوا على باطلهم كانت مواقفهم هذه دالة على عمى في بصائرهم‪ ،‬وضلل في‬
‫عقولهم‪ ،‬فذكر تعالى من اليات الكونية ما يدل على غناء‪ ،‬وافتقار عباده إليه‪ ،‬كما يدل على‬
‫ربوبيته على خلقه‪ ،‬وتدبيره لحياتهم وتصرفه في أمورهم‪ ،‬وأنه ربهم ل رب لهم غيره وإلههم‬
‫الذي ل إله لهم سواه إل أن هذا ل يدركه إل أرباب العقول الحصيفة والبصائر النيرة‪ ،‬فقال‬
‫ت لُولِي الَلْبَابِ} نعم إن في‬
‫سمَاوَاتِ‪ 1‬وَالَ ْرضِ وَاخْتِلفِ اللّ ْيلِ وَال ّنهَارِ ليا ٍ‬
‫تعالى‪{ :‬إِنّ فِي خَ ْلقِ ال ّ‬
‫إيجاد السموات والرض من العدم وفي اختلف الليل والنهار بالطول والقصر والظلم والضياء‪،‬‬
‫والتعاقب بذهاب هذا ومجيء ذاك دلئل واضحات على غنى ال وافتقار عباده وبراهين ساطعة‬
‫على ربوبيته لخلقه‪ .‬وألوهيته لهم‪ .‬هذا ما تضمنته الية الولى(‪ ،)190‬وأما اليات الربع بعدها‬
‫فقد تضمنت وصفا لولي اللباب الذين يتفكرون في خلق السموات والرض فيهتدون إلى معرفة‬
‫الرب تعالى فيذكرونه ويشكرونه‪ .‬فقال تعالى عنهم‪{ :‬الّذِينَ يَ ْذكُرُونَ اللّهَ قِيَاما‪َ 2‬و ُقعُودا وَعَلَى‬
‫جُنُو ِبهِمْ} وهذا شامل لحالهم في الصلة ‪3‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬صح أن النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا قام من الليل قرأ هذه اليات العشر‪ ،‬فلذا استحب‬
‫لمن قام من ليله ليتجهد أن يقرأها ويتفكر فيها‪ ،‬وورد عن عثمان‪ :‬من قرأ آخر آل عمران في ليلة‬
‫كتب له قيام ليلة"‪.‬‬
‫‪ 2‬شاهد هذا قول عائشة في الصحيح‪" :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يذكر ال على كل‬
‫أحيانه"‪ .‬ومن الدب أن يستثنى من هذا لعموم حالة التبول وقضاء الحاجة في الكنف‪.‬‬
‫‪ 3‬لحديث عمران بن حصين رضي ال عنهما إذ قال‪" :‬كان بي البواسير فسألت رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم فقال‪ :‬صلي قائما فإن لم تستطع فقاعدا‪ ،‬فإن لم تستطع فعلى جنب" رواه الئمة‪،‬‬
‫وفي مسلم‪" :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم صلى النافلة قاعدا وذلك قبل موته بعام"‪.‬‬

‫( ‪)1/426‬‬

‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ} ‪ ،‬أي‪ :‬في إيجادهما‬


‫وخارج الصلة‪ .‬وقال عنهم‪{ :‬وَيَ َت َفكّرُونَ‪ 1‬فِي خَلْقِ ال ّ‬
‫وتكوينهما وإبداعهما‪ ،‬وعظيم خلقهما‪ ،‬وما أودع فيهما من مخلوقات‪ .‬فل يلبثون أن يقولوا‪{ :‬رَبّنَا‬
‫مَا خََل ْقتَ هَذَا بَاطِلً} ‪ ،‬أي‪ :‬ل لحكمة مقصودة ول لهدف مطلوب‪ ،‬بل خلقته بالحق‪ ،‬وحاشاك أن‬
‫تكون من اللعبين العابثين سبحانك تنزيها لك عن العبث واللعب بل خلقت ما خلقت لحكم عالية‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لجل أن تذكر وتشكر‪ ،‬فتكرم الشاكرين الذاكرين‪ ،‬في دار كرامتك وتهين الكافرين في دار‬
‫خلِ النّارَ َفقَدْ َأخْزَيْتَ ُه َومَا لِلظّاِلمِينَ مِنْ أَ ْنصَارٍ}‬
‫عذابك‪ ،‬ولذا قالوا‪ :‬في الية(‪{ )192‬رَبّنَا إِ ّنكَ مَنْ تُ ْد ِ‬
‫‪ .‬والظالمون هم الكافرون‪ ،‬ولذا يعدمون النصير ويخزون بالعذاب المهين‪ ،‬وقال عنهم في الية(‬
‫س ِمعْنَا مُنَادِيا يُنَادِي لِلِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَ ّبكُمْ فَآمَنّا} ‪ ،‬والمنادي هو القرآن الكريم‬
‫‪{ )193‬رَبّنَا إِنّنَا َ‬
‫والرسول ‪ 2‬صلى ال عليه وسلم وتوسلوا بإيمانهم لربهم طالبين أشرف المطالب وأسماها مغفرة‬
‫غفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا َو َكفّرْ عَنّا سَيّئَاتِنَا وَ َت َوفّنَا مَعَ الَبْرَارِ‪}3‬‬
‫ذنوبهم ووفائهم مع البرار فقالوا {رَبّنَا فَا ْ‬
‫وهو ما جاء في الية(‪ ،)193‬وأما الية الخامسة(‪ )194‬فقد سألوا ربهم أن يعطيهم ما وعدهم على‬
‫ألسنة رسله من النصر والتمكين في الرض‪ ،‬هذا في الدنيا‪ ،‬وأن ل يخزيهم يوم القيامة بتعذيبهم‬
‫ك ل ُتخِْلفُ ا ْلمِيعَادَ} ‪،‬‬
‫ك وَل تُخْزِنَا َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ إِ ّن َ‬
‫في النار‪ ،‬فقالوا‪{ :‬رَبّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُِل َ‬
‫أي‪ :‬وعدك الحق‪ ،‬وفي الية السادسة(‪ )195‬ذكر تعالى استجابته لهم فقال لهم‪{ :‬أَنّي ل ُأضِيعُ‬
‫ع َملَ عَا ِملٍ مِ ْنكُمْ مِنْ َذكَرٍ َأوْ أُنْثَى} بل أجازي الكل بعمله ل أنقصه له ذكرا كان أو أنثى لن‬
‫َ‬
‫بعضكم من بعض الذكر من النثى والنثى من الذكر فل معنى للتفرقة بينكم‪ ،‬وذكر تعالى بعض‬
‫أعمالهم الصالحة التي استوجبوا بها هذا النعام فقال‪{ :‬فَالّذِينَ هَاجَرُوا وَُأخْرِجُوا مِنْ دِيَا ِرهِمْ‬
‫لكَفّرَنّ عَ ْنهُمْ سَيّئَا ِتهِ ْم َولُدْخِلَ ّن ُهمْ جَنّاتٍ َتجْرِي‬
‫وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي َوقَاتَلُوا َوقُتِلُوا} ‪ ،‬وواعدهم قائلً‪ُ { :‬‬
‫مِنْ تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ} ‪ ،‬وكان ذلك ثوابا منه تعالى على أعمالهم الصالحة‪ ،‬وال عنده حسن الثواب‪،‬‬
‫فليرغب إليه‪ ،‬وليطمع فيه‪ ،‬فإنه البر الرحيم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الفكرة‪ :‬تردد القلب في الشيء‪ ،‬والتفكر ممدوح ما كان في خلق السموات والرض‪ ،‬وفي‬
‫أحوال القيامة والمعاد والجزاء والدار الخرة‪ ،‬وورد النهي عن التفكر في ذات ال‪ ،‬إذ قال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪" :‬تفكروا في الخلق ول تفكروا في الخالق فإنكم ل تقدرون قدره" ‪.‬‬
‫‪ 2‬أي‪ :‬محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قال ابن مسعود‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وأكثر المفسرين‪ ،‬وقال قتادة‬
‫وغيره‪ :‬هو القرآن‪ .‬والكل صحيح‪ ،‬والرسول نادى‪ ،‬والقرآن نادى إلى اليوم‪.‬‬
‫‪ 3‬لم ما قالوا‪ :‬وتوفنا مع البرار؟ إنهم هضما لنفسهم وتواضعا لربهم وإعلنا عن رغبتهم في‬
‫اللتحاق بربهم حبا في لقائه‪ ،‬والحياة إلى جواره في الملكوت العلى مع النبيين والصديقين‬
‫والشهداء والصالحين‪.‬‬

‫( ‪)1/427‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب التفكر في خلق السموات والرض للحصول على المزيد من اليمان واليقان‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سمَاوَاتِ‪ }...‬إلى آخر السورة‪ ،‬وذلك عند القيام‬
‫‪ -2‬استحباب تلوة هذه اليات‪{ :‬إِنّ فِي خَلْقِ ال ّ‬
‫للتهجد آخر الليل لثبوت ذلك في الصحيح ‪ 1‬عنه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -3‬استبحاب ذكر ال في كل حال ‪ 2‬من قيام أو قعود أو اضطجاع‪.‬‬
‫‪ -4‬استحباب التعوذ من النار بل وجوبه ولو مرة في العمر‪.‬‬
‫‪ -5‬مشروعية التوسل إلى ال تعالى باليمان وصالح العمال‪.‬‬
‫‪ -6‬فضل الهجرة والجهاد في سبيل ال‪.‬‬
‫‪ -7‬المساواة بين المؤمنين والمؤمنات في العمل والجزاء‪.‬‬
‫‪ -8‬استحباب الوفاة بين البرار وهم أهل الطاعة ل ولرسوله والصدق فيها وذلك بالحياة معهم‬
‫والعيش بينهم لتكون الوفاة بإذن ال معهم‪.‬‬
‫جهَنّ ُم وَبِئْسَ ا ْل ِمهَادُ(‪َ )197‬لكِنِ‬
‫{ل َيغُرّ ّنكَ َتقَلّبُ الّذِينَ َكفَرُوا فِي الْبِلدِ(‪ )196‬مَتَاعٌ قَلِيلٌ ُثمّ مَ ْأوَاهُمْ َ‬
‫الّذِينَ ا ّتقَوْا رَ ّبهُمْ َل ُهمْ جَنّاتٌ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا نُ ُزلً مِنْ عِنْدِ اللّ ِه َومَا عِنْدَ اللّهِ‬
‫شعِينَ‬
‫خَيْرٌ لِلَبْرَارِ(‪ )198‬وَإِنّ مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ َلمَنْ ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه َومَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكُ ْم َومَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيهِمْ خَا ِ‬
‫لِلّهِ ل يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ َثمَنا قَلِيلً أُولَ ِئكَ َلهُمْ َأجْرُ ُهمْ عِنْدَ رَ ّب ِهمْ إِنّ اللّهَ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى الشيخان عن ابن عباس‪ :‬أنه نام ليلة عند خالته ميمونة‪ ،‬قال‪ :‬فتحدث رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد‪ ،‬فلما كان ثلث الليل الخر قعد فنظر في السماء فقال‪{ :‬إنّ في‬
‫خَلْق السَموَات} اليات‪ ،‬ثم قام فتوضأ‪ ،‬واستن ثم صلى إحدى عشرة ركعة‪ ،‬ثم أذن بلل‪ ،‬فصلى‬
‫ركعتين‪ ،‬ثم خرج فصلى بالناس الصبح‪.‬‬
‫‪ 2‬شاهده حديث عائشة الصحيح‪" :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يذكر ال على كل أحيانه"‪.‬‬

‫( ‪)1/428‬‬

‫سَرِيعُ الْحِسَابِ(‪ )199‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا َوصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَا ّتقُوا اللّهَ َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ(‬
‫‪})200‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ل َيغُرّ ّنكَ} ‪ :‬ل يكن منك اغترار‪ ،‬المخاطب الرسول صلى ال عليه وسلم والمراد أصحابه‬
‫وأتباعه‪.‬‬
‫{ َتقَّلبُ الّذِينَ َكفَرُوا فِي الْبِلدِ} ‪ :‬تصرفهم فيها بالتجارة والزراعة والموال والمآكل والمشارب‪.‬‬
‫{مَتَاعٌ قَلِيلٌ} ‪ :‬تصرفهم ذلك هو متاع قليل يتمتعون به أعواما وينتهي‪.‬‬
‫جهَنّمُ} ‪ :‬مآلهم بعد التمتع القليل إلى جهنم يأوون إليها فيخلدون فيها أبدا‪.‬‬
‫{مَ ْأوَاهُمْ َ‬
‫{نُ ُزلً مِنْ عِنْدِ اللّهِ} ‪ :‬النزل‪ :‬ما يعد للضيعف من قرى‪ :‬طعام وشراب وفراش‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫البرار ‪ :‬جمع بار‪ ،‬وهو المطيع ل ولرسوله الصادق في طاعته‪.‬‬
‫{ َومَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكُمْ} ‪ :‬القرآن والسنة‪ ،‬وما أنزل إليهم؛ التوراة والنجيل‪.‬‬
‫شعِينَ لِلّهِ} ‪ :‬مطيعين مخبتين له عز وجل‪.‬‬
‫{خَا ِ‬
‫{ل يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ َثمَنا قَلِيلً} ‪ :‬ل يجحدون أحكام ال وما أمر ببيانه للناس مقابل منافع‬
‫تحصل لهم‪.‬‬
‫{اصْبِرُوا َوصَابِرُوا ‪ : }1‬الصبر‪ :‬حبس النفس على طاعة ال ورسولهن والمصابرة‪ :‬الثبات‬
‫والصمود أمام العدو‪.‬‬
‫{وَرَابِطُوا} ‪ :‬المرابطة‪ :‬لزوم الثغور منعا للعدو من التسرب إلى ديار المسلمين‪.‬‬
‫{ ُتفْلِحُونَ} ‪ :‬تفوزون بالظفر المرغوب‪ ،‬والسلمة من المرهوب في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الصبر المأمور به له مواطن ثلثة‪ :‬وهي صبر على الطاعات‪ ،‬وصبر دون المعاصي‪ ،‬وصبر‬
‫على البلء‪ .‬فل جزع ول تسخط‪ ،‬ولكن رضا وتسليما‪.‬‬

‫( ‪)1/429‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫ينهى ال تبارك وتعالى دعاة الحق من هذه المة في شخصية نبيهم صلى ال عليه وسلم أن‬
‫يغرهم ‪ ،1‬أي‪ :‬يخدعهم ما يتصرف فيه أهل الكفر والشرك والفساد من مكاسب وأرباح وما‬
‫يتمتعون به من مطاعم ومشارب ومراكب‪ ،‬فيظنوا أنهم على هدى أو أن ال تعالى راضٍ عنهم‬
‫وغير ساخط عليهم‪ ،‬ل‪ ،‬ل‪ ،‬إنما هو متاع في الدنيا قليل‪ ،‬ثم يردون إلى أسوأ مأوى وشر قرار إنه‬
‫جهنم التي طالما مهدوا لدخولها بالشرك والمعاصي‪ ،‬وبئس المهاد مهدوه لنفسهم الخلود في‬
‫جهنم‪ .‬هذا معنى اليتين الولى والثانية وهما قوله تعالى‪{ :‬ل َيغُرّ ّنكَ َتقَّلبُ‪ 2‬الّذِينَ كَفَرُوا فِي‬
‫جهَنّ ُم وَبِئْسَ ا ْل ِمهَادُ} ‪ ،‬أما الية الثالثة (‪ ،)198‬وهي قوله تعالى‪َ{ :‬لكِنِ‬
‫الْبِلدِ* مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمّ مَ ْأوَا ُهمْ َ‬
‫الّذِينَ ا ّتقَوْا رَ ّبهُمْ َل ُهمْ جَنّاتٌ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا نُ ُزلً مِنْ عِنْدِ اللّ ِه َومَا عِنْدَ اللّهِ‬
‫خَيْرٌ‪ 3‬لِلَبْرَارِ} فإنها قد تضمنت استدراكا حسنا وهو لما ذكر في الية قبلها مآل الكافرين وهو‬
‫شر مآل جهنم وبئس المهاد‪ ،‬ذكر في هذه الية مآل المؤمنين وهو خير مآل‪{ :‬جَنّاتٌ َتجْرِي مِنْ‬
‫تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا نُ ُزلً مِنْ عِنْدِ اللّهِ} ‪ ،‬وما عند ال تعالى من النعيم المقيم في دار السلم‬
‫خير لهل اليمان والتقوى من الدنيا وما فيها فل يضرهم أن يكونوا فقراء‪ ،‬وأهل الكفر أغنياء‬
‫موسرين‪ ،‬أما الية الرابعة(‪ )199‬وهي قوله تعالى‪{ :‬وَإِنّ مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَاب ِ‪َ 4‬لمَنْ ُي ْؤمِنُ بِاللّهِ} الية‬
‫فإنها تضمنت الرد اللهي على بعض المنافقين الذين أنكروا على رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫والمؤمنين صلتهم على النجاشي بعد موته‪ ،‬إذ قال بعضهم انظروا إلى محمد وأصحابه يصلون‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫على علج مات في غير ديارهم وعلى غير ملتهم‪ ،‬وهم يريدون بهذا الطعن على رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم والمؤمنين فرد ال تعالى عليهم بقوله‪ { :‬وَإِنّ مِنْ َأ ْهلِ ا ْلكِتَابِ} أي‪ :‬اليهود‬
‫والنصارى لمن يؤمن بال‪ ،‬وما أنزل إليكم أيها المؤمنون‪ ،‬وما أنزل‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬خير مما يتقلب فيه الكفار من متاع في الدنيا في الدنيا‪.‬‬
‫‪ 2‬روى في سبب نزول هذه الية‪ :‬أن بعضا من المسلمين قالوا‪ :‬هؤلء الكفار لهم تجائر وأموال‪،‬‬
‫واضطراب في البلد‪ ،‬وقد هلكنا نحن من الجوع‪ .‬فنزلت الية‪.‬‬
‫‪ 3‬الغر‪ ،‬والغرور‪ :‬هو الطماع في أمر محبوب على نية عدم وقوعه لمن يطمع به‪ ،‬ويغرر‪ .‬وهو‬
‫أيضا‪ :‬إظهار المر المضر في صورة النافع‪ ،‬وهو مشتق من الغرة‪ ،‬وهي الغفلة‪ .‬يقال‪ :‬رجل‬
‫غر‪ ،‬إذا كان ينخدع لمن يخدعه‪ .‬وفي الحديث‪" :‬المؤمن غر كريم"‪.‬‬
‫‪ 4‬ثبت في الصحيحين‪" :‬أن النجاشي لما مات نعاه النبي صلى ال عليه وسلم إلى أصحابه وقال‪:‬‬
‫"إن أخا لكم بالحبشة قد مات‪ ،‬فصلوا عليه" ‪ ،‬فخرجوا إلى الصحراء فصفهم وصلى عليه"‪ .‬وروى‬
‫غير واحد عن أنس بن مالك أنه قال‪" :‬لما توفى النجاشي‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫استغفروا لخيكم‪ .‬فقال بعض الناس‪ :‬يأمرنا أن نستغفر لعلج مات بأرض الحبشة‪{ :‬وإِنّ مِنْ أَهْل‬
‫الكِتَاب‪ }...‬الية‪.‬‬

‫( ‪)1/430‬‬

‫إليهم في التوراة والنجيل خاشعين ل‪ ،‬أي‪ :‬خاضعين له عابدين‪ ،‬ل يشترون بآيات ال ثمنا قليلً‬
‫كسائر اليهود والنصارى حيث يحرفون كلم ال ويخفون منه ما يجب أن يظهروه ويبينوه حفاظا‬
‫على منصب أو سمعة أو منفعة مادية‪ ،‬أما هؤلء وهم‪ :‬عبد ال بن سلم من اليهود وأصحمة‬
‫النجاشي من النصارى‪ ،‬وكل من أسلم من أهل الكتاب فإنهم المؤمنون حقا المستحقون للتكريم‬
‫والنعام قال تعالى فيهم أولئك لهم أجرهم عند ربهم يوفيهم إياه يوم القيامة إن اله سريع الحساب‪،‬‬
‫إذ يتم حساب الخلئق كلهم في مثل نصف يوم من أيام الدنيا‪.‬‬
‫هذا ما تضمنته الية الرابعة(‪ ،)199‬أما الية الخامسة والخيرة(‪ )200‬وهي قوله تعالى‪{ :‬يَا أَ ّيهَا‬
‫الّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا َوصَابِرُوا ‪ 1‬وَرَا ِبطُوا وَاتّقُوا اللّهَ َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ} فإنها تضمنت دعوة كريمة‬
‫ونصيحة غالية ثمينة للمة الرحيمة بأن تصبر على الطاعات وعلى الشدائد والملمات فتصابر‬
‫أعداءها حتى يُسلموا أو يسلموا القياد لها‪ .‬وترابط بخيولها وآلت حربها في حدودها وثغورها‬
‫مرهبة عدوها حتى ل يطمع في غزوها ودخول ديارها‪ .‬ولتتق ال تقوى تكون سببا في فوزها‬
‫وفلحها بهذه الرحمة الربانية ختمن سورة آل عمران المباركة ذات الحكم والحكام وتليها سورة‬
‫النساء‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تنبيه المؤمنين وتحذيره من الغترار بما يكون عليه الكافرون من سعة الرزق وهناءة العيش‬
‫فإن ذلك لم يكن عن رضى ال تعالى عنهم‪ ،‬وإنما هو متاع في الدنيا حصل لهم بحسب سنة ال‬
‫تعالى في الكسب والعمل ينتج لصاحبه بحسب كده وحسن تصرفه‪.‬‬
‫‪ -2‬ما أعد لهل اليمان والتقوى وهم البرار من نعيم مقيم في جوار ربهم خير من الدنيا وما‬
‫فيها‪.‬‬
‫‪ -3‬شرف مؤمني أهل الكتاب وبشارة القرآن لهم بالجنة وعلى رأسهم عبد ال بن سلم وأصحمة‬
‫النجاشي‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المصابرة‪ :‬هي الصبر في وجه العدو الصابر‪ ،‬ومن هنا كانت المصابرة أشد من الصبر؛ لنها‬
‫صبر في وجه عدو صابر‪ ،‬فأيهما لم يثبت على صبره هلك‪ ،‬وأصبح النجاح لطولهما صبرا‪ .‬قال‬
‫زفر بن الحارث في اعتذاره عن النهزام‪:‬‬
‫سقيناهم كأسا سقونا بمثلها ‪...‬‬
‫ولكنهم كانوا على الموت أصبرا‬

‫( ‪)1/431‬‬

‫‪ -4‬وجوب الصبر والمصابرة والتقوى والمرابطة ‪ 1‬للحصول على الفلح الذي هو الفوز‬
‫المرغوب والسلمة من المرهوب في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المرابطة‪ :‬مصدر رابط رباطا إذا حبس نفسه في ثغر من ثغور المسلمين يحرسها من مداهمة‬
‫العدو الكافر لها‪ ،‬وفضل الرباط عظيم‪ ،‬ووردت فيه أحاديث كثيرة‪ ،‬نكتفي منها بما يلي حديث‬
‫البخاري‪" :‬رباط يوم في سبيل ال خير من الدنيا وما فيها" ‪ .‬وحديث مسلم‪" :‬رباط يوم وليلة خير‬
‫من صيام شهر وقيامه" ‪ ،‬وإن مات مرابطا جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجرى عليه رزقه‬
‫وأمن الفتان‪.‬‬

‫( ‪)1/432‬‬

‫سورة النساء‬
‫‪...‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سورة النساء‬
‫مدنية ‪2‬‬
‫وآياتها ‪ 176‬آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫جهَا وَ َبثّ مِ ْن ُهمَا رِجَالً كَثِيرا‬
‫س وَاحِ َد ٍة َوخَلَقَ مِ ْنهَا َزوْ َ‬
‫{يَا أَ ّيهَا النّاسُ ا ّتقُوا رَ ّب ُكمُ الّذِي خََل َقكُمْ مِنْ َنفْ ٍ‬
‫وَنِسَا ًء وَا ّتقُوا اللّهَ الّذِي تَسَاءَلُونَ ِب ِه وَالَرْحَامَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَ ْي ُكمْ َرقِيبا (‪})1‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{النّاسُ} ‪ :‬البشر‪ ،‬واحد الناس من غير لفظه وهو إنسان‪.‬‬
‫{ا ّتقُوا رَ ّبكُمُ} ‪ :‬خافوه إن يعذبكم فامتثلوا أمره واجتنبوا نهيه‪.‬‬
‫ح َدةٍ‪ : }3‬هي آدم عليه السلم‪.‬‬
‫س وَا ِ‬
‫{مِنْ َنفْ ٍ‬
‫جهَا} ‪ :‬خلق حواء من آدم من ضلعه ‪.4‬‬
‫{وَخََلقَ مِ ْنهَا َزوْ َ‬
‫{وَ َبثّ} ‪ :‬نشر وفرق في الرض من آدم وزوجه رجالً ونساء كثيرا‪.‬‬
‫{تَسَاءَلُونَ بِهِ} ‪ :‬كقول الرجل لخيه‪ :‬أسألك بال أن تفعل لي كذا‪.‬‬
‫{وَالَرْحَامَ} ‪ :‬الرحام‪ :‬جمع رحم‪ ،‬والمراد من اتقاء الرحام صلتها وعدم قطعها‪.‬‬
‫{ َرقِيبا} ‪ :‬الرقيب‪ :‬الحفيظ العليم‪.‬‬
‫__________‬
‫لمَانَاتِ إِلَى أَهِْلهَا} فإنها مكية‪ ،‬فإنها نزلت يوم الفتح في مكة‬
‫‪ 2‬الية‪{ :‬إِنّ اللّهَ يَ ْأمُ ُركُمْ أَنْ ُتؤَدّوا ا َ‬
‫في شأن عثمان بن طلحة الحجي‪.‬‬
‫‪ 3‬لفظ النفس‪ :‬مؤنث قال تعالى‪{ :‬قَدْ َأفْلَحَ مَنْ َزكّاهَا} أي‪ :‬النفس‪ ،‬ولذا وصفت هنا بواحدة ل‬
‫بواحد‪.‬‬
‫‪ 4‬قال قتادة‪" :‬خلقت حواء من قصيراء آدم‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬المرأة من ضلع‪. "...‬‬

‫( ‪)1/432‬‬

‫معنى الية الكريمة‪:‬‬


‫ينادي الرب تبارك وتعالى عباده بلفظ عام يشمل مؤمنهم وكافرهم‪{ :‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ} ويأمرهم بتقواه‬
‫عز وجل وهي اتقاء عذابه في الدنيا والخرة بالسلم التام إليه ظاهرا وباطنا‪ .‬واصفا نفسه تعالى‬
‫بأنه ربهم الذي خلقهم من نفس واحدة وهي آدم الذي خلقه من طين‪ ،‬وخلق من تلك النفس زوجها‬
‫‪ 1‬وهي حواء‪ ،‬وأنه تعالى بث منهما أي‪ :‬نشر منهما في الرض رجالً كثيرا ونساء كذلك ثم‬
‫كرر المر بالتقوى‪ ،‬إذ هي ملك المر‪ ،‬فل كمال ول سعادة بدون اللتزام بها قائلً‪{ :‬وَا ّتقُوا اللّهَ‬
‫‪ 2‬الّذِي تَسَاءَلُونَ بِ ِه وَالَرْحَامَ‪ }3‬أي‪ :‬اتقوا ال ربكم الذي آمنت به قلوبكم فكنتم إذا أراد أحدكم من‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أخيه شيئا قال له أسألك بال إل أعطيتني كذا‪ ...‬واتقوا الرحام ‪ 4‬أن تقطعوها فإن في قطعها‬
‫فسادا كبيرا وخللً عظيما يصيب حياتكم فيفسدها عليكم‪ ،‬وتوعدهم تعالى إن لم يمتثلوا أمره بتقواه‬
‫ولم يصلوا أرحامهم بقوله‪{ :‬إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَ ْيكُمْ َرقِيبا} مراعيا لعمالكم محصيا لها حافظا يجزيكم‬
‫بها أل أيها الناس فاتقوه‪.‬‬
‫هداية الية الكريمة‬
‫من هداية الية الكريمة‪:‬‬
‫‪ -1‬فضل هذه الي إذ كان النبي صلى ال عليه وسلم خطب في حاجة تل آية آل عمران‪{ :‬يَا‬
‫حقّ ُتقَاتِ ِه وَل َتمُوتُنّ إِل وَأَنْتُمْ ُمسِْلمُون} ‪ .‬وتل هذه الية‪ ،‬ثم آية‬
‫أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّهَ َ‬
‫عمَاَلكُمْ وَ َيغْفِرْ َلكُمْ ذُنُو َبكُمْ‬
‫الحزاب {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّهَ َوقُولُوا َق ْولً سَدِيدا ُيصْلِحْ َلكُمْ أَ ْ‬
‫عظِيما} ‪ ،‬ثم يقول‪ :‬أما بعد ويذكر حاجته‪.‬‬
‫َومَنْ ُيطِعِ اللّ َه وَرَسُولَهُ َفقَدْ فَازَ َفوْزا َ‬
‫‪ -2‬أهمية المر بتقوى ال تعالى إذا كررت في آية واحدة مرتين في أولها وفي آخرها‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب صلة الرحام وحرمة قطعها‪.‬‬
‫‪ -4‬مراعاة الخوة البشرية بين الناس واعتبارها في المعاملت‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الفصيح هو‪ :‬لفظ زوج‪ ،‬ولذا لم يرد في القرآن بالتاء قط‪ ،‬وتساهل فيه الفقهاء لجل التفرقة بين‬
‫الرجل والمرأة‪ ،‬ولهذا يقولون للزوج كذا‪ ،‬وللزوجة كذا‪.‬‬
‫‪ 2‬التيان باسم الجللة هنا‪{ :‬واتقوا ال} بدل‪ :‬اتقوا ربكم من أجل تربية المهابة في نفس السامعين‬
‫لن المقام مقام تشريع فل بد من إعداد النفوس لقبوله والنهوض به‪.‬‬
‫‪ 3‬الرحام‪ :‬معطوف على اسم الجللة منصوب‪ ،‬أي‪ :‬اتقوا ال أن تعصوه‪ ،‬والرحام أن‬
‫تعطعوها‪ .‬وقرئ‪ :‬الرحام بالجر عطفا على الضمير في به‪ ،‬وهو قبيح‪ .‬إذ ل يعطف على‬
‫الضمير المجرور إل إذا أعيد حرف الجر إل ما كان ضرورة الشعر؛ كقول القائل‪:‬‬
‫فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا ‪ ...‬فاذهب فما بك واليام من عجب‬
‫وعظم القبح؛ لن في ذلك حلف بالرحم‪ ،‬والحلف بغير ال حرام‪.‬‬
‫‪ 4‬الرحام‪ :‬اسم لكل القارب من غير فرق بين المحرم وغيره‪ ،‬وصلة الرحم واجبة إجماعا‪ ،‬وفي‬
‫الحديث‪" :‬صلي أمك" أمر لسماء‪ ،‬وأمها كانت يومئذ كافرة‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من ملك‬
‫ذا رحم محرم فقد عتق عليه" ‪.‬‬

‫( ‪)1/433‬‬

‫ب وَل تَ ْأكُلُوا َأ ْموَاَلهُمْ إِلَى َأ ْموَاِلكُمْ إِنّهُ كَانَ حُوبا‬


‫{وَآتُوا الْيَتَامَى َأ ْموَاَلهُ ْم وَل تَتَ َبدّلُوا ا ْلخَبِيثَ بِالطّ ّي ِ‬
‫خفْتُمْ أَل ُتقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَا ْن ِكحُوا مَا طَابَ َلكُمْ مِنَ النّسَاءِ مَثْنَى وَثُلثَ وَرُبَاعَ‬
‫كَبِيرا(‪ )2‬وَإِنْ ِ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خفْتُمْ أَل َتعْ ِدلُوا َفوَاحِ َدةً َأوْ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ ذَِلكَ أَدْنَى أَل َتعُولُوا(‪ )3‬وَآتُوا النّسَا َء صَ ُدقَا ِتهِنّ‬
‫فَإِنْ ِ‬
‫شيْءٍ مِنْهُ َنفْسا َفكُلُوهُ هَنِيئا مَرِيئا(‪})4‬‬
‫نِحَْلةً فَإِنْ طِبْنَ َلكُمْ عَنْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{الْيَتَامَى} ‪ :‬جمع يتيم ذكرا كان أو أنثى‪ ،‬وهو من مات والده وهو غير بالغ الحلم‪.‬‬
‫{وَل تَتَبَدّلُوا ا ْلخَبِيثَ بِالطّ ّيبِ} ‪ :‬الخبيث‪ :‬الحرام‪ ،‬والطيب‪ :‬الحلل‪ ،‬والمراد بها هنا الرديء‬
‫والجيد‪.‬‬
‫{حُوبا كَبِيرا} ‪ :‬الحوب‪ :‬الثم العظيم‪.‬‬
‫{أَل ُتقْسِطُوا ‪ : }1‬أن ل تعدلوا‪.‬‬
‫ث وَرُبَاعَ} ‪ :‬أي‪ :‬اثنتين أو ثلث‪ ،‬أو أربع إذ لتحل الزيادة على الربع ‪.2‬‬
‫{مَثْنَى وَثُل َ‬
‫{َأدْنَى أَل َتعُولُوا} ‪ :‬أقرب أن ل تجوروا بترك العدل بين الزوجات‪.‬‬
‫{صَ ُدقَا ِتهِنّ ِنحْلَةً‪ : }3‬جمع صدقة‪ ،‬وهي الصداق والمهر‪ ،‬ونحلة بمعنى فريضة واجبة‪.‬‬
‫{هَنِيئا} ‪ :‬الهنيء‪ :‬ما يستلذ به عند أكله‪.‬‬
‫{مَرِيئا} ‪ :‬المريء‪ :‬ما تحسن عاقبته بأن ل يعقب آثارا سيئة‪.‬‬
‫__________‬
‫خفْتُمْ أَل ُتقْسِطُوا} إلى قوله‪{ :‬وَرُبَاعَ} ‪ ،‬قالت‬
‫‪ 1‬روى مسلم عن عائشة في قوله تعالى‪{ :‬وَإِنْ ِ‬
‫لعروة‪" :‬يا ابن أختي‪ :‬هى اليتيمة‪ ،‬تكون في حجر وليها تشاركه في ماله فيعجبه مالها وجمالها‬
‫فيريد وليها أن يتزوجها من غير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره‪ ،‬فنهوا أن‬
‫ينكحوهن إل أن يقسطوا ويبلغوا بهن سنتهن من الصداق‪ ،‬وأمره أن ينكحوا ما طاب لهم" الحديث‪.‬‬
‫‪ 2‬استبنط من إباحة أربع أن الزوج عليه أن يبيت مع زوجته ليلة من أربع‪ ،‬ول يجوز التقصير‬
‫في ذلك إل برضاها‪.‬‬
‫‪ 3‬وبنو تميم‪ ،‬يقولون‪ :‬صُدقة بضم الصاد‪ ،‬والجمع‪ :‬صدقات‪ .‬والنحلة‪ :‬بكسر النون وضمها‪،‬‬
‫أصلها‪ :‬العطاء‪ ،‬يقال‪ :‬نحلة نحله كذا أعطاه‪ .‬فالصداق عطية من ال للمرأة‪ ،‬وما دام عطية ال‪،‬‬
‫فهي إذا فريضة واجبة‪.‬‬

‫( ‪)1/434‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما أمر تعالى بصلة الرحام وحرم قطعها في الية السابقة أمر في هذه الية أوصياء اليتامى أن‬
‫يعطوا اليتامى ‪ 1‬أموالهم إذا هم بلغوا سن الرشد وآنسوا منهم الرشد‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬وَآتُوا الْيَتَامَى‬
‫َأ ْموَاَلهُمْ} ‪ .‬ونهاهم محرما عليهم أن يستبدلوا أموال اليتامى الجيدة بأموالهم الرديئة فقال تعالى‪:‬‬
‫{وَل تَتَبَدّلُوا ا ْلخَبِيثَ} ‪ ،‬أي‪ :‬الرديء من أموالكم بالطيب من أموالهم‪ ،‬مل في ذلك من أذية اليتيم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫في ماله‪ ،‬ونهاهم أيضا أن يأكلوا أموال يتاماهم مخلوطة مع أموالهم لما في ذلك من أكل مال التيم‬
‫بغير حق فقال تعالى‪{ :‬وَل تَ ْأكُلُوا َأ ْموَاَلهُمْ‪ 2‬إِلَى َأ ْموَاِلكُمْ} ‪ ،‬وعلل ذلك بأنه إثم عظيم فقال عز‬
‫وجل‪{ :‬إنه} أي‪ :‬الكل {كَانَ حُوبا كَبِيرا} والحوب الثم‪ .‬هذا معنى الية الولى(‪{ )2‬وَآتُوا الْيَتَامَى‬
‫ب وَل تَ ْأكُلُوا َأ ْموَاَلهُمْ إِلَى َأ ْموَاِلكُمْ إِنّهُ كَانَ حُوبا‪ 4‬كَبِيرا} ‪ ،‬وأما‬
‫‪َ 3‬أ ْموَاَلهُمْ وَل تَتَبَدّلُوا الْخَبِيثَ بِالطّ ّي ِ‬
‫الية الثانية(‪ )3‬فقد أرشد ال تعالى أولياء اليتيمات أن هم خافوا أن ل يعدلوا معهن إذا تزوج‬
‫أحدهم وليته أرشدهم أن يتزوجوا ما طاب لهم من النساء غير ولياتهم مثنى‪ ،‬وثلث ورباع ‪.5‬‬
‫يريد اثنتين أو ثلث أو أربع كل بحسب قدرته‪ ،‬فهذا خير من الزواج بالولية فيهضم حقها وحقها‬
‫خفْتُمْ أَل ُتقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَا ْنكِحُوا مَا طَابَ َلكُمْ مِنَ‬
‫آكد لقرابتها‪ .‬هذا معنى قوله تعالى‪{ :‬وَإِنْ ِ‬
‫خفْتُمْ أَل َت ْعدِلُوا َفوَاحِ َدةً َأوْ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ} يريد تعالى‬
‫ث وَرُبَاعَ} ‪ .‬وقوله‪{ :‬فَإِنْ ِ‬
‫النّسَاءِ مَثْنَى وَثُل َ‬
‫وإن خاف المؤمن أل يعدل بين زوجاته لضعفه فليكتف بواحدة ول يزد عليها غيرها أو يتسرى‬
‫بمملوكته إن كان له مملوكة فإن هذا أقرب إلى أن ل يجور المؤمن ويظلم نساءه‪ .‬هذا معنى قوله‬
‫خفْتُمْ أَل َت ْعدِلُوا َفوَاحِ َدةً َأوْ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ ذَِلكَ أَدْنَى أَل َتعُولُوا} ‪ .‬وفي الية الرابعة‬
‫تعالى‪ { :‬فَإِنْ ِ‬
‫والخيرة يأمر تعالى بأن يعطوا النساء مهورهن فريضة منه تعالى فرضها على‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا باعتبار ما كانوا عليه‪ ،‬أما اليوم فليسوا يتامى‪ ،‬إذ ل يتم مع البلوغ‪.‬‬
‫‪ 2‬قيل‪ :‬إلى هنا بمعنى مع‪ ،‬وهو سائغ إلى أنها على بابها أولى والتقدير ول تأكلوا أمواله مضافة‬
‫إلى أموالكم‪.‬‬
‫‪ 3‬أي‪ :‬أعطوا‪ ،‬يقال‪ :‬أتاه كذا‪ ،‬أعطاه إياه واليتاء مصدر العطاء‪ ،‬ويقال لفلن‪ :‬أتوا‪ ،‬أي‪ :‬عطاء‪،‬‬
‫ويقال‪ :‬أتوت الرجل أتوه إيتاوه وهي الرشوة‪ ،‬وليتاء اليتامى أموالهم صورتان‪ :‬الولى‪ :‬غذائهم‬
‫وكساؤهم ما داموا تحت الولية‪ ،‬والثانية‪ :‬دفع أموالهم إليهم‪ ،‬وذلك عند البلوغ والرشد‪.‬‬
‫‪ 4‬الحوب‪ :‬الثم‪ ،‬وفيه لغات‪ :‬الحوب بضم الحاء‪ ،‬والحوب بفتحها‪ ،‬والحيابة والحاب أيضا‪ ،‬وهو‬
‫ل وقالً‪ ،‬ويكون الحوب بالضم بمعنى الوحشة‪ ،‬ومنه قوله صلى ال‬
‫مصدر كالقال من قال‪ :‬قو ً‬
‫عليه وسلم لبي أيوب‪" :‬إن طلق أم أيوب لحوب" ‪ ،‬والحوبة‪ :‬الثم ومنه‪ :‬اللهم اغفر حوبتي‪،‬‬
‫والحوبة‪ :‬الحاجة‪ ،‬ومنه‪ :‬إليك أرفع حوبتي‪ ،‬أي‪ :‬حاجتي‪ .‬هذا في الدعاء‪.‬‬
‫ث وَرُبَاعَ} أن ينكح الرجل اثنتين أو ثلثا‬
‫‪ 5‬الجماع على أن المراد من قوله تعالى‪{ :‬مَثْنَى وَثُل َ‬
‫أو أربعا على التخيير‪ ،‬وليس معناه الجمع بين تسع نساء‪ ،‬ومن فعل وهو عالم يحد بالرجم‪ ،‬وإن‬
‫كان جاهلً يحد بالجلد‪.‬‬

‫( ‪)1/435‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الرجل لمرأته‪ ،‬فل يحل له ول لغيره أن يأخذ منها شيئا إل يرضى الزوجة فإن هي رضيت فل‬
‫شيْءٍ مِنْهُ َنفْسا َفكُلُوهُ هَنِيئا مَرِيئا} ‪.‬‬
‫حرج في الكل من الصداق لقوله تعالى‪{ :‬فَإِنْ طِبْنَ َلكُمْ عَنْ َ‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪-1‬كل مال حرام فهو خبيث‪ ،‬وكل حلل فهو طيب‪.‬‬
‫‪-2‬ل يحل للرجل أن يستبدل جيدا من مال يتيمه بمال رديء من ماله؛ كأن يأخذ شاة سمينة‬
‫ويعطيه هزيلة أو يأخذ تمرا جيدا ويعطيه رديئا خسيسا‪.‬‬
‫‪-3‬ل يحل خلط مال اليتيم مع مال الوصي ويؤكلن جميعا لما في ذلك من أكل مال اليتيم ظلما‪.‬‬
‫‪-4‬جواز نكاح أكثر من واحدة إلى أربع مع المن من الحيف والجور‪.‬‬
‫‪-5‬وجوب مهور النساء وحرمة الكل منها بغير طيب نفس صاحبة المهر وسواء في ذلك الزوج‪،‬‬
‫وهو المقصود في الية أو الب والقارب‪.‬‬
‫ج َعلَ اللّهُ َلكُمْ قِيَاما وَارْ ُزقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُ ْم َوقُولُوا َلهُمْ َق ْولً‬
‫سفَهَاءَ َأ ْموَاَلكُمُ الّتِي َ‬
‫{وَل ُتؤْتُوا ال ّ‬
‫َمعْرُوفا(‪ )5‬وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتّى ِإذَا بََلغُوا ال ّنكَاحَ فَإِنْ آ َنسْتُمْ مِ ْنهُمْ ُرشْدا فَا ْد َفعُوا إِلَ ْيهِمْ َأ ْموَاَلهُ ْم وَل‬
‫ف َومَنْ كَانَ َفقِيرا فَلْيَ ْأ ُكلْ بِا ْل َمعْرُوفِ فَإِذَا‬
‫تَ ْأكُلُوهَا إِسْرَافا وَبِدَارا أَنْ َيكْبَرُوا َومَنْ كَانَ غَنِيّا فَلْيَسْ َت ْعفِ ْ‬
‫ش ِهدُوا عَلَ ْيهِ ْم َو َكفَى بِاللّهِ حَسِيبا(‪})6‬‬
‫َد َفعْتُمْ إِلَ ْيهِمْ َأ ْموَاَلهُمْ فَأَ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{وَل ُتؤْتُوا ‪ : }1‬ل تعطوا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في الية دليل على مشروعية الحجر على السفيه‪ ،‬وسواء كان السفه لصغر أو لخفة عقل أو‬
‫عدم رشيد‪.‬‬

‫( ‪)1/436‬‬

‫سفَهَاءَ} ‪ :‬جمع سفيه‪ ،‬وهو من ل يحسن التصرف في المال‪.‬‬


‫{ال ّ‬
‫{قِيَاما‪ : }1‬القيام‪ :‬ما يقوم به الشيء‪ ،‬فالموال جعلها ال تعالى قياما‪ ،‬أي‪ :‬تقوم عليها معايش‬
‫الناس ومصالحهم الدنيوية والدينية أيضا‪.‬‬
‫{ َق ْولً َمعْرُوفا} ‪ :‬أي‪ :‬قولً تطيب ‪ 2‬به نفسه فل يغضب ول يحزن‪.‬‬
‫{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} ‪ :‬أي‪ :‬اختبروهم كي تعرفوا هل أصبحوا يحسنون التصرف في المال‪.‬‬
‫{بََلغُوا ال ّنكَاحَ} ‪ :‬أي‪ :‬سن الزواج‪ ،‬وهي البلوغ‪.‬‬
‫{آنَسْتُمْ} ‪ :‬أبصرتم الرشد في تصرفاتهم ‪.3‬‬
‫{ِإسْرَافا وَبِدَارا} ‪ :‬السراف‪ :‬النفاق في غير الحاجة الضرورية‪ ،‬والبدار‪ :‬المبادرة والمسارعة إلى‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الكل منه قبل أن ينقل إلى اليتيم بعد رشده‪.‬‬
‫{فَلْيَسْ َت ْع ِففْ} ‪ :‬أي‪ :‬يعف بمعنى يكف عن الكل من مال يتيمه‪.‬‬
‫{فَلْيَ ْأ ُكلْ بِا ْل َمعْرُوفِ} ‪ :‬أي‪ :‬بقدر الحاجة الضرورية‪.‬‬
‫{ َو َكفَى بِاللّهِ حَسِيبا} ‪ :‬شاهدا لقرينة فأشهدوا عليهم‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في إرشاد ال تعالى عباده المؤمنين إلى ما فيه خيرهم وصلحهم في الدنيا‪،‬‬
‫س َفهَاءَ َأ ْموَاَلكُمُ الّتِي‬
‫ونجاتهم وفلحهم في الخرة فقال تعالى في الية الولى (‪{ )5‬وَل ُتؤْتُوا ال ّ‬
‫ج َعلَ اللّهُ َلكُمْ قِيَاما وَارْ ُزقُوهُمْ‪ 4‬فِيهَا وَاكْسُوهُ ْم َوقُولُوا َلهُمْ َق ْولً َمعْرُوفا} ‪ ،‬فنهاهم تعالى أن يعطوا‬
‫َ‬
‫أموالهم التي هي قوام معاشهم السفهاء من امرأة وولد أو رجل قام به وصف السفه‪ ،‬وهو قلة‬
‫البصيرة بالمور المالية‪ ،‬والجهل بطرق التصرف الناجحة مخافة أن ينفقوها في غير وجوهها‪ ،‬أو‬
‫يفسدوها بأي نوع من الفساد‪ ،‬كالسراف ونحوه‪ ،‬وأمرهم أن يرزقوهم فيها ويكسوهم‪ ،‬وقال فيها‬
‫ولم يقل منها إشارة إلى أن المال ينبغي في تجارة أو صناعة أو‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قياما‪ :‬أصلها‪ :‬قواما‪ ،‬فكسر ما قبل الواو فقلبت ألفا قياما وقواما بمعنى واحد‪ ،‬والقيام والقوام ما‬
‫يقيم غيره‪ ،‬فالموال بها يتقوم المعاش‪ ،‬ولذا قيل‪ :‬ا لموال قوام العمال‪.‬‬
‫‪ 2‬كقوله لولد‪ :‬مالي إليك صائر‪ ،‬وكأن يدعو لهم‪ :‬بارك ال فيكم‪ ،‬أو يقول‪ :‬هذا مالكم احفظه لكم‬
‫لتأخذوه يوم ترشدون‪.‬‬
‫‪ 3‬دفع مال اليتيم إليه يتم بشرطين‪ :‬الرشد والبلوغ‪ .‬فإن وجد أحدهما دون الخر فل يتم تسليم‬
‫المال‪.‬‬
‫‪ 4‬في هذه الية دليل على مشروعية الوصاية والولية والكفالة على اليتام وبها دليل على وجوب‬
‫النفقة على الزوجة والولد‪ ،‬وفي الصحيح‪" :‬إفضل الصدفة ما ترك غني‪ ،‬واليد العليا خير من‬
‫اليد السفلى وابدأ بمن تعول" وهم الزوجة والولد والعبد‪.‬‬

‫( ‪)1/437‬‬

‫زراعة فيبقى رأس المال والكل يكون من الربح فقط‪ ،‬كما أمرهم أن يقولوا لسفائهم الذين منعوهم‬
‫ل معروفا؛ كالعدة الحسنة والكلمة الطيبة‪ ،‬هذا ما تضمنته الية الولى‪ ،‬أما‬
‫المال أن يقولوا لهم قو ً‬
‫الثانية (‪ )6‬فقد أمرهم تعالى باختبار ‪ 1‬اليتامى إذا بلغوا سن الرشد أو ناهزوا البلوغ ‪ 2‬بأن يعطوا‬
‫شيئا من المال ويطلبوا منهم أن يبيعوا أو يشتروا فإذا وجدوا منهم حسن تصرف دفعوا إليهم‬
‫أموالهم وأشهدوا عليهم‪ ،‬حتى ل يقول أحدهم في يوم من اليام ما أعطيتني مالي‪َ { ،‬وكَفَى بِاللّهِ‬
‫حسِيبا} أي‪ :‬شاهدا ورقيبا حفيظا‪ .‬ونهاهم عز وجل أن يأكلوا أموال اليتامى إسرافا وبدارا أن‬
‫َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يكبروا ويريد ل تأكلوا أموال يتاماكم أيها الولة والوصياء ‪ 3‬بطريق السراف‪ ،‬وهو النفاق‬
‫الزائد على قدر الحاجة‪ ،‬والمبادرة هي المسارعة قبل أن يرشد السفيه وينقل إليه المال‪ .‬ثم‬
‫أرشدهم إلى أقوم الطرق وأسدها في ذلك‪ ،‬فقال‪َ { :‬ومَنْ كَانَ غَنِيّا} فليكف عن مال اليتيم ول يأكل‬
‫منه شيئا‪َ { ،‬ومَنْ كَانَ فَقِيرا فَلْيَ ْأ ُكلْ بِا ْل َمعْرُوفِ} وذلك بأن يستقرض منه ثم يرده إليه بعد الميسرة‪،‬‬
‫وإن كان الولي فقيرا جاز له أن يعمل بأجر كسائر العمال‪ ،‬وإن كان غنيا فليعمل مجانا احتسابا‬
‫وأجره على ال‪ ،‬وال ل يضيع أجر من أحسن عمل‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬مشروعية الحجر على السفيه لمصلحته‪.‬‬
‫‪ -2‬استحباب تنمية الموال في الوجه الحلل لقرينة {وَارْ ُزقُوهُمْ فِيهَا} ‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب اختبار السفيه قبل دفع ماله إليه‪ ،‬إذ ل يدفع إليه المال إل بعد وجود الرشد‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب الشهاد على دفع المال إلى اليتيم بعد بلوغه ورشده‪.‬‬
‫‪ -5‬حرمة أكل مال اليتيم والسفيه مطلقا‪.‬‬
‫‪ -6‬الوالي على اليتيم إن كان غنيا فل يأكل من مال اليتيم شيئا‪ ،‬وإن كان فقيرا استقرض ورد‬
‫عند الوجد واليسار‪ ،‬وإن كان مال اليتيم يحتاج إلى أجير للعمل فيه جاز للوفي أن يعمل بأجرة‬
‫المثل‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا الية نزلت في ثابت بن رفاعة‪ ،‬وفي عمه‪ ،‬وذلك أن رفاعة توفى وترك ابنه وهو صغير‪،‬‬
‫فأتى عم ثابت إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬إن أبن أخي في حجري‪ ،‬فما يحل لي من‬
‫ماله‪ ،‬ومتى أدفع إليه ماله؟‪ .‬فأنزل ال تعالى هذه الية‪.‬‬
‫‪ 2‬يعرف البلوغ بالحتلم وإنبات شعر العانة‪ ،‬أو بلوغ ثمانية عشر سنة‪ ،‬هذا للغلم‪ .‬أما الجارية‬
‫فتزيد بعلمة أخرى هي الحيض والحمل‪.‬‬
‫‪ 3‬العاجز عن الوصاية لجهل أو عدم قدرته أو ضعف أرادته ينبغي له أن ل يلي مال يتيم أو‬
‫قاصر لقول الرسول صلى ال عليه وسلم لبي ذر‪ " :‬يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما‬
‫أحب لنفسي لتأمرن على اثنين ول تلينّ مال يتيم" رواه مسلم‪.‬‬

‫( ‪)1/438‬‬

‫لقْرَبُونَ ِممّا َقلّ‬


‫ن وَلِلنّسَاءِ َنصِيبٌ ِممّا تَ َركَ ا ْلوَالِدَانِ وَا َ‬
‫ن وَالَقْرَبُو َ‬
‫{لِلرّجَالِ َنصِيبٌ ِممّا تَ َركَ ا ْلوَالِدَا ِ‬
‫سمَةَ أُولُو ا ْلقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِينُ فَارْ ُزقُوهُمْ مِنْهُ‬
‫حضَرَ ا ْلقِ ْ‬
‫مِنْهُ َأوْ كَثُرَ َنصِيبا َمفْرُوضا(‪ )7‬وَإِذَا َ‬
‫ضعَافا خَافُوا عَلَ ْيهِمْ فَلْيَ ّتقُوا اللّهَ‬
‫َوقُولُوا َلهُمْ َق ْولً َمعْرُوفا(‪ )8‬وَلْ َيخْشَ الّذِينَ َلوْ تَ َركُوا مِنْ خَ ْل ِفهِمْ ذُرّيّ ًة ِ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سدِيدا(‪ )9‬إِنّ الّذِينَ يَ ْأكُلُونَ َأ ْموَالَ الْيَتَامَى ظُلْما إِ ّنمَا يَ ْأكُلُونَ فِي بُطُو ِنهِمْ نَارا‬
‫وَلْيَقُولُوا َقوْلً َ‬
‫سعِيرا (‪})10‬‬
‫وَسَ َيصَْلوْنَ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ َنصِيبٌ} ‪ :‬الحظ المقدر ‪ 1‬في كتاب ال‪.‬‬
‫{ا ْلوَاِلدَانِ} ‪ :‬الب والم‪.‬‬
‫لقْرَبُونَ} ‪ :‬جمع قريب‪ ،‬وهو هنا الوارث بنسب أو مصاهرة أو ولء‪.‬‬
‫{وَا َ‬
‫{ َنصِيبا َمفْرُوضا} ‪ :‬قدرا واجبا لزما‪.‬‬
‫{أُولُو ا ْلقُرْبَى} ‪ :‬أصحاب القرابات الذين ل يرثون لبعدهم عن عمودي النسب‪.‬‬
‫{فَارْ ُزقُوهُمْ مِ ْنهُ} ‪ :‬أعطوهم شيئا يرزقونه‪.‬‬
‫{ َق ْولً َمعْرُوفا} ‪ :‬ل إهانة فيه ول عتاب‪،‬ول تأفيف‪.‬‬
‫الخشية ‪ :‬الخوف في موضع المن‪.‬‬
‫{ َق ْولً سَدِيدا} ‪ :‬عدلً‪ 2‬صائبا‪.‬‬
‫{ظُلْما} ‪ :‬بغير حق يخول لهم أكل مال اليتيم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا النصيب الذي أوجبه ال للورثة مجمل وسيأتي تفصيله في آية‪{ :‬يُوصِيكُم ال فيِ َأوْلدكم}‬
‫الية‪.‬‬
‫‪ 2‬القول السديد هو قول النبي صلى ال عليه وسلم لسعد ابن أبي وقاص‪ ،‬وقد مرض مرضا شديدا‬
‫فعاده رسول ال صلى ال عليه وسلم فيه‪ ،‬فقال سعد‪ :‬يا رسول ال إني ذو مال ول يرثني إل ابنة‬
‫أفأتصدق بثلث مالي؟ قال‪" :‬ل" قال‪ :‬فشطره؟ قال‪" :‬ل" قال‪ :‬فالثلث؟ قال‪" :‬الثلث والثلث كثير"‪ .‬ثم‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون‬
‫الناس "‪.‬‬

‫( ‪)1/439‬‬

‫سعِيرا} ‪ :‬سيدخلون سعيرا نارا مستعرة يشوون فيها ويحرقون بها‪.‬‬


‫{وَسَ َيصَْلوْنَ َ‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لقد كان أهل الجاهلية ل يورثون النساء ول الطفال بحجة أن الطفل كالمرأة ل تركب فرسا ول‬
‫ل ول تنكي عدوا‪ ،‬يكسب ‪ 1‬ول تكسب‪ ،‬وحدث وحدث أن امرأة يقال لها‪ :‬أم كحة‪ ،‬مات‬
‫تحمل ك ً‬
‫زوجها وترك لها بنتين فمنعهما أخو الهالك من الرث فشكت‪ :‬أم كحة إلى ‪ 2‬رسول ال صلى ال‬
‫ن وَلِلنّسَاءِ‬
‫لقْرَبُو َ‬
‫ن وَا َ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فنزلت هذه الية الكريمة‪{ :‬لِلرّجَالِ َنصِيبٌ ِممّا تَ َركَ ا ْلوَاِلدَا ِ‬
‫لقْرَبُونَ} ‪ ،‬ومن ثم أصبحت المرأة؛ كالطفل الصغير يرثان كالرجال‪،‬‬
‫ن وَا َ‬
‫َنصِيبٌ ِممّا تَ َركَ ا ْلوَاِلدَا ِ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله تعالى‪ِ { :‬ممّا َقلّ مِنْهُ} أي‪ :‬من المال المتروك {َأوْ كَثُرَ} حال كون ذلك نصيبا مفروضا لبد‬
‫من إعطائه الوارث ذكرا كان أو أنثى صغيرا أو كبيرا‪ .‬والمراد من الوالدين‪ :‬الب والم‪،‬‬
‫القربون ‪3‬؛ كالبناء والخوان والبنات والخوات‪ ،‬والزوج والزوجات‪ ،‬هذا ما تضمنته ‪ 4‬الية‬
‫الولى (‪ ،)7‬وأما الية الثانية(‪ )8‬فقد تضمنت فضيلة جميلة غفل عنها المؤمنون وهي أن من البر‬
‫والصلة والمعروف إذا هلك هالك‪ ،‬وقدمت تركته للقسمة بين الورثة‪ ،‬وحضر قريب غير وارث‬
‫لحجبه أو بعده أو حضر يتيم أو مسكين من المعروف أن يعطوا شيئا من تلك التركة قبل قسمتها‬
‫وإن تعذر العطاء؛ لن الورثة يتامى أو غير عقلء يصرف أولئك الراغبون من قريب ويتيم‬
‫ومسكين بكلمة طيبة كاعتذار جميل تطيب به نفوسهم هذا ما تضمنته الية الثانية وهي قوله‬
‫سمَةَ أُولُو ا ْلقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِينُ فَارْ ُزقُوهُمْ مِنْهُ} أي‪ :‬من المال‬
‫حضَرَ‪ 5‬ا ْلقِ ْ‬
‫تعالى‪{ :‬وَِإذَا َ‬
‫المتروك { َوقُولُوا َلهُمْ َقوْلً َمعْرُوفا} إن تعذر إعطاؤهم لمانع يتم أو عقل‪ .‬أما الية الثالثة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يكسب‪ ،‬أي‪ :‬الرجل‪ ،‬ول تكسب‪ ،‬أي‪ :‬المرأة‪.‬‬
‫‪ 2‬فقال صلى ال عليه وسلم‪" :‬انصرفا حتى أنظر ما يحدث ال لي فيهن" ‪ .‬فأنزل ال تعالى هذه‬
‫ل لقولهم وتصرفهم الجاهلي‪ ،‬إذا المفروض أن الصغير والمرأة أولى‬
‫الية ردا عليهم وإبطا ً‬
‫بالرث لحاجتهما وخوفهما‪.‬‬
‫‪ 3‬لفظ القربون مجمل‪ ،‬ومن هنا أرسل النبي صلى ال عليه وسلم إلى سويد وعرفجة‪" :‬أل يفرقا‬
‫من مال أوس شيئا فإن ال جعل لبناته نصيبا ولم يبين كم هو حتى أنظر ما ينزل ربنا" ‪ .‬فنزلت‪:‬‬
‫{يوصِيكم ال} الية‪ ،‬فأرسل إليهما أن أعطي أم محة الثمن مما ترك أوس‪ ،‬ولبناته الثلثين ولكما‬
‫بقية المال‪.‬‬
‫‪ 4‬قوله تعالى‪ِ { :‬ممّا َقلّ مِنْهُ َأوْ كَثُرَ َنصِيبا َمفْرُوضا} اختلف أهل العلم في الشيء يتركه الموروث‪،‬‬
‫وهو ل يقبل كالدار الصغيرة‪ ،‬والجوهرة الواحدة‪ ،‬وما إلى ذلك‪ ،‬فذهب بعض إلى إنه لبد من‬
‫القسمة‪ ،‬وذهب آخرون‪ ،‬وهو الحق إن شاء ال تعالى‪ :‬أن مالً يقبل القسمة لفساده يباع ويقسم ثمنه‬
‫على الورثة ول شفعة فيه لنه ل تأتي فيه الحدود‪ ،‬والشفعة فيما يقسم وتوقع فيه الحدود‪ ،‬وهذا‬
‫ليس كذلك لتعذر قسمته‪ ،‬ويشهد لهذا الرأي حديث الدارقطني‪ ،‬ونصه‪" :‬ل تعضيه" أي‪ :‬ل تفرقه‬
‫على أهل الميراث إل ما حمل القسم‪ ،‬فقرر رسول ال صلى ال عليه وسلم أن مالً يقبل القسم ل‬
‫يحوز تعضيته أي‪ :‬تفريقه على الورثة لنه يفسد بالقسمة فتعين أن يباع ويقسم ثمنه‪.‬‬
‫‪ 5‬الجمهور على أن هذه الية منسوخة بأية‪{ :‬يُوصِيك ْم ال فيِ َأوْلدُكم} الية‪ ،‬وقال ابن عباس‪:‬‬
‫"إنها محكمة" وعلى إنها غير منسوخة شرحناها في التفسير‪ ،‬فليتأمل‪.‬‬

‫( ‪)1/440‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ضعَافا خَافُوا عَلَ ْيهِمْ فَلْيَ ّتقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُوا‬
‫وهي قوله تعالى‪{ :‬وَلْ َيخْشَ الّذِينَ َلوْ تَ َركُوا مِنْ خَ ْل ِفهِمْ ذُرّيّ ًة ِ‬
‫سدِيدا} ‪ ،‬فقد تضمنت إرشاد ال تعالى للمؤمن الذي يحضر مريضا على فراش الموت بأن ل‬
‫َقوْلً َ‬
‫يسمح له أن يحيف في الوصية بأن يوصي لوارث أو يوصي بأكثر من الثلث أو يذكر دينا ليس‬
‫عليه‪ ،‬وإنما يريد حرمان الورثة‪ .‬فقال تعالى آمرا عباده المؤمنين {وَلْ َيخْشَ الّذِينَ َلوْ تَ َركُوا مِنْ‬
‫ضعَافا خَافُوا عَلَ ْي ِهمْ} ‪ ،‬أي‪ :‬فليخشوا هذه الحال على أولد‬
‫خَ ْل ِفهِمْ} أي‪ :‬من بعد موتهم‪{ ،‬ذُرّيّ ًة ِ‬
‫غيرهم ممن حضروا وفاته‪ .‬كما يخشونها على أولدهم‪ .‬إذا فعليهم أن يتقوا ال في أولد غيرهم‪.‬‬
‫وليقولوا لمن حضروا وفاته ووصيته قولً سديدا‪ :‬صائبا ل حيف فيه ول جور معه‪ .‬هذا ما‬
‫تضمنته الية الثالثة (‪ ،)9‬أما الية الرابعة (‪ )10‬فقد تضمنت وعيدا شديدا لمن يأكل مال اليتيم‬
‫ظلما‪ ،‬إذ قال تعالى‪{ :‬إِنّ الّذِينَ يَ ْأكُلُونَ َأ ْموَالَ الْيَتَامَى ‪ 1‬ظُلْما إِ ّنمَا يَ ْأكُلُونَ فِي بُطُو ِنهِمْ نَارا‬
‫سعِيرا} ‪ .‬والمراد من الظلم أنهم أكلوها بغير حق أباح لهم ذلك كأجرة عمل ونحوه‪،‬‬
‫وَسَ َيصَْلوْنَ‪َ 2‬‬
‫ومعنى‪{ :‬يَ ْأكُلُونَ فِي بُطُو ِنهِمْ نَارا} إنهم يأكلون النار يوم القيامة‪ ،‬فقوله إنما يأكلون في بطونهم‬
‫نارا هو باعتبار ما يؤول إليه أمر أكلهم اليوم‪ ،‬والعياذ بال من نار السعير‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير مبدأ التوارث في السلم‪.‬‬
‫‪ -2‬استحباب إعطاء من حضر قسمة التركة من قريب أو يتيم ومسكين وإن تعذر إعطاؤهم‬
‫صُرفوا بالكلمة الطيبة‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬الكلمة الطيبة صدقة" ‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب النصح والرشاد للمحتضر حتى ل يجور في وصيته عند موته‪.‬‬
‫‪ -4‬على من يخاف على أطفاله بعد موته أن يحسن إلى أطفال غيره فإن ال تعالى يكفيه فيهم‪.‬‬
‫‪ -5‬حرمة أكل مال اليتامى ظلما‪ ،‬والوعيد الشديد فيه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الية دليل على أن أكل مال اليتيم بدون حق من كبائر الذنوب بل هو من الموبقات السبع‬
‫لحديث الصيحح‪" :‬اجتنبوا السبع الموبقات" وذكر الشرك‪ ،‬وعقوق الوالدين‪ ،‬والربا‪ ،‬وأكل مال‬
‫اليتيم‪ ،‬والتولي يوم الزحف‪ ،‬وقذف المحصنات الغافلت المؤمنات‪.‬‬
‫‪ 2‬قرأ أبو حيوة‪{ :‬وسيُصلّون} بضم الياء وتشديد اللم من التصلية التي هي كثرة الفعل مرة بعد‬
‫جحِيم صَلّوه} ‪ ،‬أي‪ :‬مرة بعد مرة‪ ،‬وعليه قول الشاعر‪:‬‬
‫أخرى ومنه‪ { :‬ثُمّ الْ َ‬
‫وقد تصليت حر حربهم ‪ ...‬كما تصلى المقرور من قرتين‬
‫يريد أنه اكتوى بنار حربهم مرة بعد مرة كما يفعل من به البرد الشديد فإنه يستدفئ مرة بعد مرة‪.‬‬

‫( ‪)1/441‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ك وَإِنْ‬
‫ظ الُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنّ نِسَاءً َفوْقَ اثْنَتَيْنِ فََلهُنّ ثُلُثَا مَا تَ َر َ‬
‫حّ‬‫{يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي َأوْل ِدكُمْ لِل ّذكَرِ مِ ْثلُ َ‬
‫حدٍ مِ ْن ُهمَا السّ ُدسُ ِممّا تَ َركَ إِنْ كَانَ لَ ُه وََلدٌ فَإِنْ لَمْ َيكُنْ لَهُ‬
‫ل وَا ِ‬
‫ف َولَبَوَيْهِ ِل ُك ّ‬
‫ص ُ‬
‫كَا َنتْ وَاحِ َدةً فََلهَا ال ّن ْ‬
‫لمّهِ السّدُسُ مِنْ َب ْع ِد َوصِيّةٍ يُوصِي ِبهَا َأوْ دَيْنٍ‬
‫خ َوةٌ فَ ُ‬
‫لمّهِ الثُّلثُ فَإِنْ كَانَ َلهُ إِ ْ‬
‫وَلَ ٌد َووَرِثَهُ أَ َبوَاهُ فَ ُ‬
‫حكِيما(‪})11‬‬
‫آبَا ُؤكُ ْم وَأَبْنَا ُؤكُمْ ل تَدْرُونَ أَ ّيهُمْ َأقْ َربُ َل ُكمْ َنفْعا فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيما َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{يُوصِيكُمُ} ‪ :‬يعهد إليكم‪.‬‬
‫{فِي َأوْل ِدكُمْ} ‪ :‬في شأن أولدكم والولد يطلق على الذكر والنثى‪.‬‬
‫{حَظّ} ‪ :‬الحظ‪ :‬الحصة أو النصيب‪.‬‬
‫{نِسَاءً} ‪ :‬بنات كبيرات أو صغيرات‪.‬‬
‫{ثُلُثَا مَا تَ َركَ} ‪ :‬الثلث‪ :‬واحد من ثلثة‪ ،‬والثلثان‪ :‬اثنان من ثلثة‪.‬‬
‫{السّدُسُ} ‪ :‬واحد من ستة‪.‬‬
‫{إِنْ كَانَ َل ُه وَلَدٌ} ‪ :‬ذكرا كان أو أنثى‪ ،‬أو كان له ولد ولدٍ أيضا ذكرا أو أنثى‪ ،‬فالحكم واحد‪.‬‬
‫خ َوةٌ} ‪ :‬اثنان فأكثر‪.‬‬
‫{فَإِنْ كَانَ َلهُ إِ ْ‬
‫{مِنْ َبعْدِ وَصِيّةٍ} ‪ :‬أي يُخرجُ الدين ‪ 1‬ثم الوصية ويقسم الباقي على الورثة‪.‬‬
‫{ل تَدْرُونَ} ‪ :‬ل تعلمون‪.‬‬
‫{فَرِيضَةً‪ : }2‬فرض ال ذلك عليكم فريضة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يرى المام الشافعي أن من مات وعليه زكاة أو حج الفرض أن يخرج ذلك من ماله قبل قسمة‬
‫التركة‪ ،‬وقال مالك‪ :‬إن أوصى به تنفذ تنفذ وصيته‪ ،‬وإن لم يوص فالمال للورثة‪ ،‬وهو أمره إلى‬
‫ال تعالى‪.‬‬
‫‪ 2‬الفرائض ست‪ :‬وهي النصف‪ ،‬والربع‪ ،‬والثمن‪ ،‬والثلثان‪ ،‬والثلث‪ ،‬والسدس‪.‬‬

‫( ‪)1/442‬‬

‫حكِيما} ‪ :‬عليما بخلقه وما يصلح لهم‪ ،‬حكيما في تصرفه في شؤون خلقه وتدبيره لهم‪.‬‬
‫{عَلِيما َ‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫ظ الُنْثَيَيْنِ} إلخ‪ .‬والتي بعدها(‬
‫حّ‬‫هذه الية الكريمة(‪{ )11‬يُوصِيكُمُ‪ 1‬اللّهُ فِي َأوْل ِدكُمْ‪ 2‬لِل ّذكَرِ مِ ْثلُ َ‬
‫جكُمْ} إلخ‪ .‬نزلت لتفصيل حكم الية (‪ )7‬والتي‬
‫صفُ مَا تَ َركَ أَ ْزوَا ُ‬
‫‪ )12‬وهي قوله تعالى‪{ :‬وََل ُكمْ ِن ْ‬
‫تضمنت شرعية التوارث بين القارب المسلمين فالية الولى(‪ )11‬بين تعالى فيها توارث البناء‬
‫ظ الُنْثَيَيْنِ}‬
‫مع الباء‪ ،‬فقال تعالى‪ { :‬يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي َأوْل ِدكُمْ} أي‪ :‬في شأن أولدكم {لِل ّذكَرِ مِ ْثلُ حَ ّ‬
‫يريد إذا مات الرجل وترك أولدا ذكورا وإناثا فإن التركة تقسم على أساس للذكر مثل نصيب‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫النثيين‪ ،‬فلو ترك ولدا وبنتا وثلثة دنانير فإن الولد يأخذ دينارين‪ ،‬والبنت تأخذ دينارا‪ ،‬وإن ترك‬
‫بنات اثنين أو أكثر ولم يترك معهن ذكرا فإن للبنتين فأكثر الثلثين‪ ،‬والباقي للعصبة‪ ،‬إذ قال تعالى‪:‬‬
‫{فَإِنْ كُنّ ِنسَاءً َفوْقَ اثْنَتَيْنِ فََلهُنّ ثُلُثَا مَا تَ َركَ} ‪ .‬وإن ترك بنتا واحدة فإن لها النصف والباقي‬
‫صفُ} ‪ ،‬وإن كان الميت قد ترك أبويه‪،‬‬
‫ت وَاحِ َدةً فََلهَا ال ّن ْ‬
‫للعصبة‪ ،‬وهو معنى قوله تعالى‪{ :‬وَإِنْ كَا َن ْ‬
‫أي‪ :‬أمه وأباه وترك أولدا ذكورا أو إناثا فإن لكل واحد من أبويه السدس والباقي للولد‪ ،‬وهو‬
‫معنى قوله تعالى‪َ { :‬ولَ َبوَيْهِ ِل ُكلّ وَاحِدٍ مِ ْن ُهمَا السّدُسُ ِممّا تَ َركَ إِنْ كَانَ َل ُه وَلَدٌ} ‪ ،‬يريد ذكرا كان أو‬
‫أنثى ‪ .3‬فإن لم يكن للهالك ولد ول وَل ْد ولَدٍ فلمه الثلث ‪ 4‬وإن كان له أخوة اثنان فأكثر فلمه‬
‫لمّهِ السّدُسُ} ‪ .‬أي‪ :‬تسقط من الثلث ‪ 6‬إلى‬
‫خ َوةٌ فَ ُ‬
‫السدس ‪ ،5‬هذا معنى قوله تعالى‪{ :‬فَإِنْ كَانَ لَهُ إِ ْ‬
‫السدس وهذا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذه الية مبينة لما أجمل في آية‪{ :‬للرجَال نَصيب‪ }..‬وتسمى آية المواريث وهي من أعظم‬
‫اليات قدرا؛ لن علم الفرائض يعتبر ثلث العلم لقوله صلى ال عليه وسلم في رواية أبي داود‬
‫وغيره‪" :‬العلم ثلثة وما سوى ذلك فهو فضل‪ :‬آية محكمة‪ ،‬أو سنة قائمة‪ ،‬أو فريضة عادلة" ‪.‬‬
‫ومعنى محكمة غير منسوخة‪ ،‬ومعنى قائمة ثابتة صحيحة‪ ،‬ومعنى عادلة لم يخرج بها عن مراد‬
‫ال تعالى منها‪ ،‬وذلك بإعطاء الوارث ما كتب ال له‪.‬‬
‫‪ 2‬خرج من لفظ‪ :‬الولد الكافر لنه ل حق له في الرث؛ لن الكفر مانع‪ ،‬وذلك لقوله صلى ال‬
‫عليه وسلم‪" :‬ل يرث المسلم الكافر‪ ،‬ول الكافر المسلم" ‪ .‬كما خرج ميراث النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم لقوله‪" :‬إنا معاشر النبياء ل نورث ما تركناه صدقة" ‪.‬‬
‫‪ 3‬إذا كان الولد خنثى فإنه يورث من حيث يبول‪ ،‬إن بال من حيث يبول الرجال يورث إرث‬
‫الذكر‪ ،‬وإن بال من حيث تبول النساء يورث إرث النساء‪ ،‬وإن أشكل ذلك يعطي نصف ميراث‬
‫ذكر ونصف ميراث أنثى‪ .‬على هذا الجمهور‪.‬‬
‫‪ 4‬هناك ما يعرف بالثلث الباقي‪ ،‬وهو أن تهلك هالكة وتترك زوجها وأبويها؛ فللزوج النصف‪،‬‬
‫والباقي ثلثه للم‪ ،‬والثلثان للب‪ ،‬قرر هذا ابن عباس‪ ،‬وزيد بن ثابت‪ ،‬وقرره كافة الصحاب‪،‬‬
‫وعليه الئمة‪ ،‬وحتى ل تأخذ المرأة أكثر من الرجل‪.‬‬
‫‪ 5‬قيل في سر حجب الخوة لمهم من الثلث إلى السدس‪ :‬أن والدهم هو الذي يلي نكاحهم وهو‬
‫الذي ينفق عليهم دون أمهم‪ .‬وهو رأي حسن‪.‬‬
‫‪ 6‬الجدة ترث السدس ول ترث الثلث‪ ،‬كما ترثه الم إجماعا‪.‬‬

‫( ‪)1/443‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يسمى بالحجب فحجبها إخوة ابنها الميت من الثلث إلى السدس‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬مِنْ َبعْ ِد َوصِيّةٍ‬
‫يُوصِي ِبهَا َأوْ دَيْنٍ} يريد أن قسمة التركة على النحو الذي بين تعالى يكون بعد قضاء دين الميت‬
‫وإخراج ما أوصى به إن كان الثلث فأقل وهو معنى قوله تعالى‪{ :‬مِنْ َب ْع ِد َوصِيّةٍ يُوصِي ِبهَا َأوْ‬
‫دَيْنٍ} ‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬آبَا ُؤكُ ْم وَأَبْنَا ُؤكُمْ ل تَدْرُونَ أَ ّيهُمْ َأقْ َربُ َل ُكمْ َنفْعا} معناه‪ :‬نفذوا هذه الوصية‬
‫المفروضة كما علمكم ال ول تحاولوا أن تفضلوا أحدا على أحد فإن هؤلء الوارثين آباؤكم‬
‫وأبناؤكم ول تدرون أيهم أقرب لكم نفعا في الدنيا والخرة‪ ،‬ولذا فاقسموا التركة كما علمكم بل‬
‫محاباة فإن ال تعالى هو القاسم والمعطي عليم بخلقه وبما ينفعهم أو يضرهم حكيم في تدبيره‬
‫لشؤونهم فليفوض المر إليه‪ ،‬وليرض بقسمته فإنها قسمة عليم حكيم‪.‬‬
‫هداية الية الكريمة‬
‫من هداية الية الكريمة‪:‬‬
‫‪ -1‬أن ال تعالى تولى قسمة التركات بنفسه فل يحل لحد أن يغر منها شيئا‪.‬‬
‫‪ -2‬الثنان يعتبران جمعا‪.‬‬
‫‪ -3‬ولد الولد ‪ 1‬حكمه حكم الولد نفسه في الحجب‪.‬‬
‫‪ -4‬الب عاصب فقد يأخذ فرضه مع أصحاب الفرائض وما بقي يرثه بالتعصيب لقوله صلى ال‬
‫عليه وسلم‪" :‬ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فالولى رجل ذكر‪.‬‬
‫ن وَلَدٌ فََل ُكمُ الرّبُعُ ِممّا تَ َركْنَ مِنْ َبعْدِ‬
‫ن وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ َلهُ ّ‬
‫جكُمْ إِنْ لَمْ َيكُنْ َلهُ ّ‬
‫صفُ مَا تَ َركَ أَ ْزوَا ُ‬
‫{وََلكُمْ ِن ْ‬
‫ن وََلهُنّ الرّبُعُ ِممّا تَ َركْتُمْ إِنْ لَمْ َيكُنْ َل ُك ْم وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ َلكُمْ وَلَدٌ فََلهُنّ الّثمُنُ‬
‫َوصِيّةٍ يُوصِينَ ِبهَا َأوْ دَيْ ٍ‬
‫ِممّا تَ َركْتُمْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لفظ‪ :‬الولد‪ ،‬يشمل المولود فعلً‪ ،‬والجنين في بطن أمه دنيا أو بعيدا من الذكور أو الناث على‬
‫حد سواء‪.‬‬

‫( ‪)1/444‬‬

‫ختٌ فَِل ُكلّ‬


‫جلٌ يُو َرثُ كَللَةً َأوِ امْرََأ ٌة وَلَهُ أَخٌ َأوْ ُأ ْ‬
‫ن وَإِنْ كَانَ رَ ُ‬
‫مِنْ َبعْ ِد َوصِيّةٍ تُوصُونَ ِبهَا َأوْ دَيْ ٍ‬
‫وَاحِدٍ مِ ْن ُهمَا السّدُسُ فَإِنْ كَانُوا َأكْثَرَ مِنْ ذَِلكَ َفهُمْ شُ َركَاءُ فِي الثُّلثِ مِنْ َبعْ ِد َوصِيّةٍ يُوصَى ِبهَا َأوْ‬
‫حلِيمٌ(‪})12‬‬
‫دَيْنٍ غَيْرَ ُمضَا ّر َوصِيّةً مِنَ اللّ ِه وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ج ُكمْ} ‪ :‬الزواج هنا‪ :‬الزوجات‪.‬‬
‫{أَ ْزوَا ُ‬
‫{وَلَدٌ} ‪ :‬المراد هنا بالولد‪ :‬ابن الصلب ذكرا كان أو أنثى‪ ،‬وولد الولد مثله‪.‬‬
‫{الرُّبعُ} ‪ :‬واحد من أربعة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{كَللَةً‪ : }1‬الكللة أن يهلك هالك ول يترك ولدا ول والدا ويرثه إخوته لمه‪.‬‬
‫ختٌ‪ : }2‬أي‪ :‬من الم‪.‬‬
‫{وَلَهُ أَخٌ َأوْ أُ ْ‬
‫{غَيْرَ ُمضَارّ} ‪ :‬بهما –أي‪ :‬الوصية والدين‪ -‬أحدا من الورثة‪.‬‬
‫{حَلِيمٌ} ‪ :‬ل يعاجل بالعقوبة على المعصية‪.‬معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫كانت الية قبل هذه في بيان الوراثة بالنسب وجاءت هذه في بيان الوراثة بالمصاهرة‪ ،‬والوارثون‬
‫جكُمْ} ‪ ،‬فمن ماتت وتركت‬
‫صفُ مَا تَ َركَ أَ ْزوَا ُ‬
‫بالمصاهرة‪ :‬الزوج والزوجات‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وََلكُمْ ِن ْ‬
‫مالً ولم تترك ولدا ول ولد ولدٍ ذكرا كان أو أنثى فإن لزوجها من تركتها النصف‪ ،‬وإن تركت‬
‫ولدا أو ولد ولد ذكرا كان أو أنثى فإن لزوجها من تركتها الربع ل غير لقول ال تعالى‪{ :‬فَإِنْ كَانَ‬
‫ن وَلَدٌ فََلكُمُ الرّبُعُ ِممّا تَ َركْنَ}‪ .‬وهذا من بعد سداد الدين إن كان على الهالكة دين‪ ،‬وبعد إخراج‬
‫َلهُ ّ‬
‫الوصية إن أوصت الهالكة بشيء‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬مِنْ َبعْ ِد َوصِيّةٍ يُوصِينَ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬من يكلله النسب إذا أحاط به وبه سمي الكليل؛ لحاطته بالرأس‪ ،‬وسمي القرابة‪ :‬كللة؛‬
‫لحاطتهم بالميت من جوانبه‪ ،‬وليسوا منه‪ ،‬ول هو منهم‪.‬‬
‫‪ 2‬أخ‪ :‬أصله أخو بدليل تثنيته على أخوين نصبا وجرا وأخوان رفعا‪.‬‬

‫( ‪)1/445‬‬

‫ِبهَا َأوْ دَيْنٍ}‪ .‬هذا ميراث الزوجة من زوجها فهو الربع إن لم يترك الزوج ولدا ول ولد ولد ذكرا‬
‫كان أو أنثى فإن ترك ولدا أو ولد ولد فللزوجة الثمن‪ ،‬وهذا معنى قوله تعالى‪{ :‬وََلهُنّ الرُّبعُ ِممّا‬
‫تَ َركْتُمْ إِنْ َلمْ َيكُنْ َلكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ َلكُ ْم وََلدٌ فََلهُنّ الّثمُنُ ِممّا تَ َركْتُمْ مِنْ َبعْدِ َوصِيّةٍ تُوصُونَ ِبهَا َأوْ‬
‫دَيْنٍ} ‪ .‬هذا وإن كان للزوج الهالك زوجتان أو أكثر فإنهن يشتركن في الربع بالتساوي إن لم يكن‬
‫جلٌ‬
‫للهالك ولد‪ ،‬وإن كان له ولد فلهن الثمن يشتركن فيه بالتساوى وقوله تعالى‪{ :‬وَإِنْ كَانَ رَ ُ‬
‫يُو َرثُ كَللَةً َأوِ امْرََأةٌ} أي تورث كللة أيضا‪ ،‬والموروث كللة وهو من ليس له والد ول ولد‪،‬‬
‫وإنما يرثه إخوته لمه كما في هذه الية أو إخوته لبيه وأمه كما في آي الكللة في آخر هذه‬
‫السورة‪ ،‬فإن كان له أخ من أمه فله السدس‪ ،‬وكذا إن كانت له أخت فلها السدس‪ ،‬وإن كانوا اثنين‬
‫ل وَاحِدٍ‬
‫ختٌ فَِل ُك ّ‬
‫جلٌ يُو َرثُ كَللَةً َأوِ امْرََأ ٌة وَلَهُ أَخٌ َأوْ أُ ْ‬
‫فأكثر فلهم الثلث ‪ 1‬لقوله تعالى‪{ :‬وَإِنْ كَانَ َر ُ‬
‫مِ ْن ُهمَا السّدُسُ فَإِنْ كَانُوا َأكْثَرَ مِنْ ذَِلكَ َفهُمْ شُ َركَاءُ فِي الثُّلثِ مِنْ َبعْدِ‪َ 2‬وصِيّةٍ يُوصَى ِبهَا َأوْ دَيْنٍ‬
‫غَيْرَ ُمضَارّ‪ }3‬بأن يوصى بأكثر من الثلث‪ ،‬أو يقر بدين وليس عليه دين وإنما حسد للورثة أو‬
‫بغضا لهم ل غير‪ ،‬فإن تبين ذلك فل تنفذ الوصية ول يسدد الدين وتقسم التركة كلها على الورثة‪،‬‬
‫وقوله تعالى‪َ { :‬وصِيّةً مِنَ اللّهِ} أي‪ :‬وصاكم أيها المؤمنون بهذا وصية فهي جديرة بالحترام‬
‫والمتثال‪ .‬وال عليم بنياتكم وأحوالكم وما يضركم وما ينفعكم فسلموا قسمته وأطيعوه فيها وهو‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حليم ل يعاجل بالعقوبة فل يغركم حلمه أن بطشه شديد وعذابه أليم‪.‬‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان ميراث الزوج من زوجته‪ ،‬والزوجة والزوجات من زوجهن‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان ميراث الكللة وهو من ل يترك والدا ول ولدا فيرثه إخوته فقط ‪ 4‬يحوطون به إحاطة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وهو ما يعرف بالحجرية‪ ،‬أو الحمارية‪ ،‬أو المشتركة وهي‪ :‬أن تموت امرأة وتترك زوجها‬
‫وأمها وأخوة لمها وأخا لبيها وأمها‪ ،‬فللزوج النصف‪ ،‬والم السدس‪ ،‬والباقي للخوة للم‪ ،‬ول‬
‫شيء للخ للب‪ ،‬أو لهما معا‪ .‬وسميت بالحمارية‪ :‬لنهم لما منعوا قالوا للقاضي بينهم‪ :‬هب أبانا‬
‫حمارا أليست أمنا واحدة‪ ،‬وقالوا هب أبانا حجرا أليست أمنا واحدة‪ ،‬وطالبوا بتشريكهم في الرث‬
‫فسميت المشتركة‪.‬‬
‫‪ 2‬ذكرت الوصية قبل الدين‪ ،‬والجماع على تقديم الدين على الوصية لحكم رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم بذلك وقيل في السر في ذلك‪ :‬أن تقديم الوصية في اللفظ كان بسبب أنه ل يوجد من‬
‫يطالب بها فقد تنسى‪ ،‬وأما الدين فأهله يطالبون به فل ينسى ول يترك‪.‬‬
‫‪ 3‬مضار‪ :‬اسم فاعل‪ ،‬أي‪ :‬مضارر‪ ،‬فأدغمت الراء في الراء فصارت مضار‪ ،‬أي‪ :‬حال كون‬
‫الموصي غير مريد الضرار بالورثة‪.‬‬
‫‪ 4‬أي‪ :‬لمه‪ ،‬ولهذا خالف أخوة الم الورثة في ثلث مسائل‪ :‬الولى‪ :‬أنهم يرثون مع من يدلون به‬
‫وهو أمهم‪ .‬والثانية‪ :‬إن ذكورهم وإناثهم في الميراث سواء‪ .‬والثالثة‪ :‬أنهم ل يرثون إل إذا كان‬
‫ميتهم يورث كللة‪.‬‬

‫( ‪)1/446‬‬

‫الكليل بالرأس فلذا سُميت الكللة‪.‬‬


‫‪ -3‬إهمال الوصية أو الدين إن علم إن الغرض منها الضرار بالورثة فقط‪.‬‬
‫‪ -4‬عظم شأن المواريث فيجب معرفة ذلك وتنفيذه كما وصى ال تعالى‪.‬‬
‫طعِ اللّ َه وَرَسُوَلهُ يُ ْدخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَِلكَ‬
‫{تِ ْلكَ حُدُودُ اللّ ِه َومَنْ يُ ِ‬
‫حدُو َدهُ يُ ْدخِلْهُ نَارا خَالِدا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ ُمهِينٌ(‬
‫ا ْل َفوْزُ ا ْل َعظِيمُ(‪َ )13‬ومَنْ َي ْعصِ اللّ َه وَرَسُوَل ُه وَيَ َتعَدّ ُ‬
‫‪})14‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{تِ ْلكَ حُدُودُ‪ 1‬اللّهِ} ‪ :‬تلك اسم إشارة أشير به إلى سائر ما تقدم من أحكام النكاح وكفالة اليتامى‬
‫وتحريم أكل مال اليتيم‪ ،‬وقسمة التركات‪ .‬وحدود ال هي ما حده لنا وبينه من طاعته وحرم علينا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الخروج عنه والتعدي له‪.‬‬
‫{ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ} ‪ :‬هو النجاة من النار ودخول الجنة‪.‬‬
‫العذاب المهين ‪ :‬ما كان فيه إهانة للمعذب بالتقريع والتوبيخ ونحو ذلك‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫حدُودُ اللّهِ} قد‬
‫لما بين تعالى ما شاء من أحكام الشرع وحدود الدين أشار إلى ذلك بقوله‪{ :‬تِ ْلكَ‪ُ 2‬‬
‫بينها لكم وأمرتكم بالتزامها‪َ { ،‬ومَنْ ُيطِعِ اللّ َه وَرَسُولَهُ} فيها وفي غيرها من الشرائع والحكام‬
‫فجزاؤه أنه يدخله جنات تجري من تحتها النهار‪ ،‬أنهار العسل واللبن والخمر والماء‪ ،‬وهذا هو‬
‫الفوز العظيم‪ ،‬حيث نجاه من النار وأدخله الجنة يخلد فيها أبدا‪َ { .‬ومَنْ َي ْعصِ اللّ َه وَرَسُولَهُ} بتعد‬
‫تلك الحدود وغيرها من الشرائع والحكام ومات على ذلك فجزاؤه أن‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الحدود‪ :‬جمع حد‪ ،‬وهو ظرف مكان يميز عن مكان آخر يمنع تجاوزه‪ .‬هذا هو الحد لغة‬
‫وشرعا‪ ،‬ما منع ال تجاوزه مما أحل إلى ما حرم فأحكام الشرع هي حدوده‪.‬‬
‫‪ 2‬يرى بعضهم أن الشارة لقرب مذكور‪ ،‬وهو قسمة المواريث وما فسرنا به أولى لنه أعم‬
‫يشمل كما تقدم من أحكام الشريعة‪.‬‬

‫( ‪)1/447‬‬

‫يدخله نارا يخلد فيها ‪ 1‬وله عذاب مهين‪ .‬والعياذ بال من عذابه وشر عقابه‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان حرمة تعدي حدود ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان ثواب طاعة ال ورسوله وهو الخلود في الجنة‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان جزاء معصية ال ورسوله وهو الخلود في ‪ 2‬النار والعذاب المهين فيها‪.‬‬
‫سكُوهُنّ فِي الْبُيُوتِ‬
‫ش ِهدُوا فََأمْ ِ‬
‫شهِدُوا عَلَ ْيهِنّ أَرْ َب َعةً مِ ْنكُمْ فَإِنْ َ‬
‫شةَ مِنْ نِسَا ِئكُمْ فَاسْتَ ْ‬
‫{وَاللتِي يَأْتِينَ ا ْلفَاحِ َ‬
‫ج َعلَ اللّهُ َلهُنّ سَبِيلً(‪ )15‬وَالّذَانِ يَأْتِيَا ِنهَا مِ ْنكُمْ فَآذُو ُهمَا فَإِنْ تَابَا وََأصْلَحَا‬
‫حَتّى يَ َت َوفّاهُنّ ا ْل َم ْوتُ َأوْ َي ْ‬
‫جهَالَةٍ ُثمّ‬
‫فَأَعْ ِرضُوا عَ ْن ُهمَا إِنّ اللّهَ كَانَ َتوّابا َرحِيما(‪ )16‬إِ ّنمَا ال ّتوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلّذِينَ َي ْعمَلُونَ السّوءَ ِب َ‬
‫ستِ ال ّتوْبَةُ لِلّذِينَ َي ْعمَلُونَ‬
‫حكِيما(‪ )17‬وَلَيْ َ‬
‫يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَ ِئكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَ ْيهِ ْم َوكَانَ اللّهُ عَلِيما َ‬
‫ن وَل الّذِينَ َيمُوتُونَ وَهُمْ ُكفّارٌ أُولَ ِئكَ أَعْ َتدْنَا‬
‫حضَرَ أَحَ َدهُمُ ا ْل َم ْوتُ قَالَ إِنّي تُ ْبتُ ال َ‬
‫السّيّئَاتِ حَتّى ِإذَا َ‬
‫عذَابا أَلِيما(‪})18‬‬
‫َلهُمْ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إن أريد بالعصيان هنا‪ :‬الكفر‪ ،‬فالخلود على بابه‪ .‬وإن أريد بها الكبائر‪ :‬فالخلود مستعار لمدة ما‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كقولنا‪ :‬خلد ال ملكك‪ .‬وكقول زهير‪ :‬ول أرى خالدا إل الجبال الرواسيا‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا الخلود لمن كانت معصيته مكفرة له‪ ،‬أما من لم يكفر بمعصيته فإنه ل يخلد في النار‪ ،‬بل‬
‫يخرج منها بإيمانه كما بينت ذلك السنة ا لصحيحة‪.‬‬

‫( ‪)1/448‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{وَاللتِي ‪ : }1‬جمع التي‪ ،‬اسم موصول للمؤنث المفرد‪ ،‬واللتي للجمع المؤنث‪.‬‬
‫حشَةَ‪ : }2‬المراد بها هنا‪ :‬الزنا‪.‬‬
‫{ا ْلفَا ِ‬
‫{مِنْ نِسَا ِئ ُكمْ} ‪ :‬المحصنات ‪.3‬‬
‫{سَبِيلً} ‪ :‬طريقا للخروج من سجن البيوت‪.‬‬
‫{يَأْتِيَا ِنهَا} ‪ :‬الضمير عائد إلى الفاحشة المتقدم ذكرها‪.‬‬
‫{فَأَعْ ِرضُوا عَ ْن ُهمَا} ‪ :‬اتركوا آذيتهما بعد أن ظهرت توبتهما‪.‬‬
‫{ال ّتوْبَةُ} ‪ :‬أصل التوبة الرجوع وحقيقتها الندم على فعل القبيح مع تركه‪ ،‬والعزم على عدم العودة‬
‫إليه‪.‬‬
‫{السّوءَ} ‪ :‬كل ما أساء إلى النفس والمراد به هنا‪ :‬السيئات‪.‬‬
‫جهَالَةٍ} ‪ :‬ل مع العمد والصرار وعدم المبالة‪.‬‬
‫{ ِب َ‬
‫{أَعْ َتدْنَا} ‪ :‬أعددنا وهيأنا‪.‬‬
‫{أَلِيما} ‪ :‬موجعا شديد اليجاع‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما ذكر تعالى بحدوده وذكر جزاء متعديها‪ ،‬ذكر هنا معصية من معاصيه وهي فاحشة الزنا‪،‬‬
‫ووضع لها حدا في البيوت حتى الموت أو إلى أن ينزل حكما آخر يخرجهن من الحبس وهذا‬
‫شهِدُوا عَلَ ْيهِنّ أَرْ َبعَةً‬
‫بالنسبة إلى المحصنات‪ .‬فقال تعالى‪{ :‬وَاللتِي يَأْتِينَ ا ْلفَاحِشَةَ مِنْ ِنسَا ِئكُمْ فَاسْ َت ْ‬
‫مِ ْنكُمْ‪ }4‬أي‪ :‬من المسلمين بشهدون بأن فلنة زنت بفلنة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ومثل اللتي‪ :‬اللئي‪ ،‬وجمع اللتي‪ ،‬اللواتي‪ ،‬وجمع اللئي‪ :‬اللوائي‪.‬‬
‫‪ 2‬سمي الزنا‪ :‬فاحشة لنه تجاوز الحد في الفساد‪ ،‬إذ به يفسد الخلق والعرض والنسب والدين‬
‫والمجتمع‪ ،‬وكفى بهذا فسادا عظيما‪.‬‬
‫‪ 3‬النساء‪ :‬اسم جمع واحدة من غير لفظ‪" :‬امرأة" والمحصنات‪ :‬جمع محصنة وهي التي تزوجت‬
‫زواجا شرعيا‪ ،‬وسواء بقيت عليه أو تأيمت بموت أو طلق‪.‬‬
‫‪ 4‬منكم‪ :‬أي من المسلمين‪ ،‬إذ ل بد من أربعة شهود من المسلمين يشهدون بأنهم رأوا الفرج في‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الفرج‪ .‬مثل‪ :‬الميل في المكحلة‪ ،‬لحديث أبي داود عن جابر قال‪" :‬جاءت اليهود برجل وامرأة منهم‬
‫زنيا‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ي بأعلم رجل منكم‪ ،‬فأتوه بابن صوريا‪ ،‬فناشدهما‪:‬‬
‫كيف تجدان أمر هذين في التوراة‪ .‬قال‪ :‬نجد في التوراة إذا شاهد أربعة أنهم رأوا ذكره في‬
‫فرجها‪ ،‬مثل الميل في المكحلة رجما‪ .‬قال‪ :‬فما يمنعمكا أن ترجموهما؟ قال‪ :‬ذهب سلطاننا فكرهنا‬
‫القتل‪ .‬فدعا الرسول صلى ال عليه وسلم الشهود فحضروا وشهدوا فأمر برجمهما فرجما"‪.‬‬

‫( ‪)1/449‬‬

‫فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن ‪ 1‬أو يجعل ال لهن سبيل‪ .‬أما غير المحصنات وهن البكار‬
‫فقد قال تعالى في شأنهن‪{ ،‬وَالّذَانِ يَأْتِيَا ِنهَا مِ ْنكُمْ} فآذوها‪ ،‬أي‪ :‬بالضرب الخفيف والتقريع والعتاب‪،‬‬
‫مع الحبس للنساء‪ ،‬أما الرجال فل يحبسون وإنما يكتفى بآذاهم إلى أن يتوبوا ويصلحوا فحين إذ‬
‫يعفو عنهم ويكفوا عن أذيتهم هذا معنى قوله تعالى‪{ :‬وَالّذَانِ‪ 2‬يَأْتِيَا ِنهَا مِ ْنكُمْ فَآذُو ُهمَا فَإِنْ تَابَا‬
‫وََأصْلَحَا فَأَعْ ِرضُوا عَ ْن ُهمَا إِنّ اللّهَ كَانَ َتوّابا َرحِيما} ‪.‬‬
‫ولم يمض على هذين الحدين إل القليل من الزمن حتى أنجز الرحمن ما وعد وجعل لهن سبيلً‪،‬‬
‫فقد صح أنه صلى ال عليه وسلم كان جالسا بين أصحابه حتى أنزل ال تعالى عليه الحكم النهائي‬
‫في جريمة الزنا فقال صلى ال عليه وسلم‪ " :‬خذوا عني‪ ،‬خذوا عني قد جعل ال لهن سبيل الثيب‬
‫بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة‪ ،‬والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام" ‪ .‬والمراد من الثيب‬
‫بالثيب‪ ،‬أي‪ :‬إذا ثيب بثيب‪ ،‬وكذا البكر بالبكر‪ .‬وبهذا أوقف الحد الول من النساء والرجال معا‬
‫ومضى الثاني‪ ،‬أما جلد البكرين فقد نزل فيه آية النور‪{ :‬الزّانِيَ ُة وَالزّانِي فَاجِْلدُوا ُكلّ وَاحِدٍ مِ ْن ُهمَا‬
‫مِائَةَ جَلْ َدةٍ} ‪ ،‬وأما رجم المحصنين فقد مضت فيه السنة‪ ،‬فقد رجم ماعز‪ ،‬والغامدية بأمر رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم وهو حد قائم إلى يوم القيامة‪ .‬هذا ما دلت عليه اليتان الولى(‪)15‬‬
‫والثانية(‪ ،)16‬وأما اليتان بعدهما وهما(‪)17‬و(‪ )18‬فقد أخبر تعالى أن الذين يستحقون التوبة‬
‫وثبتت لهم من ال تعالى هم المذنبون الذين يرتكبون المعصية بسب جهالة منهم‪ ،‬ثم يتوبون من‬
‫قريب ل يسوفون التوبة ول يؤخرونها أما الذين يجترحون السيئات مع علم منهم وإصرار‪ ،‬ول‬
‫يتوبون إثر غشيان الذنب فل توبة تضمن لهم فقد يموتون بل توبة شأنهم شأن الذين يعملون‬
‫السيئات ول يتوبون حتى إذا مرض أحدهما وظهرت عليه علمات الموت وأيقن إنه ميت ل‬
‫محالة قال إنه تائب كشأن الكافرين إذا تابوا عند ‪ 3‬معاينة الموت فل تقبل‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يتوفاهن‪ :‬يتقاضاهن‪ .‬يقال‪ :‬توفى فلن حقه من فلن بمعنى استوفاه‪ ،‬أي‪ :‬أخذه كامل لم يبقى‬
‫منه شيئا ولما كان العمر أياما تمر يوما بعد يوم حتى ينقضي العمر ويموت النسان‪ ،‬قيل في‬
‫الموت‪ :‬الوفاة‪ ،‬ويقال‪ :‬توفى فلن؛ لن أيامه أخذت يوما فيوما حتى انقضت على طريقة تسديد‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الدين جزءا فجزءا حتى كمل‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫إذ ما تقاضى المرء يوم وليلة ‪ ...‬تقاضاه شيء ل يمل التقضيا‬
‫‪ 2‬المراد من هذان‪ :‬المساك للمرأة الزانية دون الرجل؛ لن الرجل يعمل فل يحبس‪ ،‬فلذا غلب‬
‫جانب النساء في قوله‪{ :‬واللتي يأتِيَا الفَاحِشَة}‪ ،‬وغلب الرجل على المرأة في قوله‪{ :‬واللَذان‬
‫يَأْتْيانَها منكم} لن الذى صالح للمرأة والرجل معا‪ ،‬وهو عبارة عن السب والجفاء والتوبيخ‬
‫باللسان لغير‪.‬‬
‫ن وَهُمْ ُكفّارٌ} ليس على ظاهره‪ ،‬وإنما معناه يشرفون على‬
‫‪ 3‬وعليه‪ ،‬فقوله تعالى‪{ :‬وَل الّذِينَ َيمُوتُو َ‬
‫الموت‪ ،‬ومن أشرف على الموت‪ ،‬وحضره‪ ،‬فحكمه حكم من مات وهو سائغ في اللغة‪.‬‬

‫( ‪)1/450‬‬

‫منهم توبة أبدا‪ .‬هذا معنى اليتين الكريمتين الولى {إِ ّنمَا ال ّتوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلّذِينَ َي ْعمَلُونَ السّوءَ‬
‫جهَالَةٍ ثُمّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَ ِئكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَ ْيهِم} أي‪ :‬يقبل توبتهم لنه عليم بضعف عباده‬
‫بِ َ‬
‫حكيم يضع كل شيء في موضعه اللئق به‪ ،‬ومن ذلك قبول توبة من عصوه بجهالة ل بعناد‬
‫ستِ ال ّتوْبَةُ ِللّذِينَ‬
‫ومكابرة وتحدٍ‪ ،‬ثم تابوا من قريب لم يطيلوا ‪ 1‬مدة المعاصي‪ ،‬والثانية‪{ :‬وَلَيْ َ‬
‫حضَرَ َأحَدَ ُهمُ ا ْل َم ْوتُ قَالَ إِنّي تُ ْبتُ النَ} ‪ ،‬كما هي ليست للذين يعيشون‬
‫َي ْعمَلُونَ السّيّئَاتِ حَتّى إِذَا َ‬
‫على الكفر فإذا جاء أحدهم الموت قال تبت كفرعون فإنه لما عاين الموت بالغرق {قَالَ آمَ ْنتُ أَنّهُ‬
‫عصَ ْيتَ‬
‫ل وَأَنَا مِنَ ا ْل ُمسِْلمِينَ} ‪ .‬فرد ال تعالى عليه‪ { :‬آلنَ َوقَدْ َ‬
‫ل إِلَهَ إِل الّذِي آمَ َنتْ بِهِ بَنُو إِسْرائي َ‬
‫قَ ْبلُ َوكُ ْنتَ مِنَ ا ْل ُمفْسِدِينَ} ‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬أُولَ ِئكَ أَعْ َتدْنَا َلهُمْ عَذَابا أَلِيما} ‪ .‬إشارة إلى كل من مات‬
‫على غير توبة بارتكابه كبائر الذنوب أو بكفر وشرك إلى أن المؤمن الموحد يخرج من النار‬
‫بإيمانه والكافر يخلد فيها‪ .‬نعوذ بال من النار وحال أهلها‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬عظم قبح فاحشة الزنى‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان حد الزنى قبل نسخه بآية سورة النور‪ ،‬وحكم الرسول صلى ال عليه وسلم في رجم‬
‫المحصن والمحصنة‪.‬‬
‫‪ -3‬التوبة التي تفضل ال بها هي ما كان صاحبها أتى ما أتى من الذنوب بجهالة ل بعلم وإصرار‬
‫ثم تاب من قريب زمن‪.‬‬
‫‪ -4‬الذين يسوفون التوبة ويؤخرونها يخشى عليهم أن ل يتوبوا حتى يدركهم الموت وهم على ذلك‬
‫فيكونون من أهل النار‪ ،‬وقد يتوب أحدهما‪ ،‬لكن بندرة وقلة وتقبل توبته إذا لم يعاين أمارات‬
‫الموت لقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬إن ال يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" ‪ .‬رواه الترمذي‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وأحمد وغيرهما وإسناده حسن‪.‬‬
‫‪ -5‬ل تقبل توبة من حشرجت نفسه وظهرت عليه علمات الموت‪ ،‬وكذا الكافر من باب أولى ل‬
‫تقبل له توبة باليمان إذا عاين علمات الموت كما لم تقبل توبة فرعون‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لن سنة ال تعالى‪ :‬أن المرء إذا أدمن على معصية بطول فعلها يشربها قلبه فتحسن في نظره‬
‫وتجمل في طبعه‪ ،‬فل يقوى على تركها‪ ،‬وليس أدل على ذلك من فاحشة اللواط‪ ،‬فهي من أقبح‬
‫الفواحش‪ ،‬ومع هذا من زينت له ل يقدر على تركها‪.‬‬

‫( ‪)1/451‬‬

‫حلّ َل ُكمْ أَنْ تَرِثُوا النّسَاءَ كَرْها وَل َت ْعضُلُوهُنّ لِتَذْهَبُوا بِ َب ْعضِ مَا آتَيْ ُتمُوهُنّ‬
‫{يَا أ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َي ِ‬
‫ج َعلَ‬
‫شةٍ مُبَيّنَ ٍة وَعَاشِرُوهُنّ بِا ْل َمعْرُوفِ فَإِنْ كَ ِرهْ ُتمُوهُنّ َف َعسَى أَنْ َتكْرَهُوا شَيْئا وَيَ ْ‬
‫إِل أَنْ يَأْتِينَ ِبفَاحِ َ‬
‫اللّهُ فِيهِ خَيْرا كَثِيرا(‪ )19‬وَإِنْ أَ َردْتُمُ اسْتِبْدَالَ َزوْجٍ َمكَانَ َزوْجٍ وَآتَيْتُمْ ِإحْدَاهُنّ قِنْطَارا فَل تَ ْأخُذُوا‬
‫خذْنَ‬
‫ض وَأَ َ‬
‫ضكُمْ إِلَى َب ْع ٍ‬
‫خذُونَهُ ُبهْتَانا وَإِثْما مُبِينا(‪َ )20‬وكَ ْيفَ تَأْخُذُونَهُ َوقَدْ َأ ْفضَى َب ْع ُ‬
‫مِنْهُ شَيْئا أَتَأْ ُ‬
‫مِ ْنكُمْ مِيثَاقا غَلِيظا(‪})21‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{كَرْها} ‪ :‬بدون رضاهن‪.‬‬
‫العضل ‪ :‬المنع بشدة كأنه إمساك بالعضلت أو من العضلت‪.‬‬
‫{بِ َب ْعضِ مَا آتَيْ ُتمُوهُنّ} ‪ :‬أي‪ :‬من المهور‪.‬‬
‫الفاحشة ‪ :‬الخصلة القبيحة الشديدة القبح؛ كالزنا‪.‬‬
‫{مُبَيّنَةٍ‪ : }1‬ظاهرة واضحة ليست مجرد تهمة أو مقالة سوء‪.‬‬
‫{بِا ْل َمعْرُوفِ‪ : }2‬ما عرفه الشرع واجبا أو مندوبا أو مباحا‪.‬‬
‫{قِ ْنطَارا} ‪ :‬أي‪ :‬من الذهب أو الفضة مهرا وصداقا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرئت‪{ :‬مبينة} بفتح الياء‪ ،‬وقرئت بكسرها {مبينة} ‪ ،‬وقرأ ابن عباس {مبينة} بكسر الباء‪ ،‬اسم‬
‫فاعل من أبان يبين‪ ،‬فهو مبين‪ ،‬وهي مبينة‪ .‬والمعنى واحد‪.‬‬
‫‪ 2‬من المعاشرة بالمعروف‪ :‬أن ل يعبس في وجهها بغير ذنب‪ ،‬وأن يكون منطلقا في القول ل فظا‬
‫ول غليظا‪ ،‬ول مظهرا ميلً إلى غيرها‪.‬‬

‫( ‪)1/452‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ ُبهْتَانا وَإِثْما} ‪ :‬أي‪ :‬كذبا وافتراء‪ ،‬وإثما حراما ل شك في حرمته؛ لنه ظلم‪.‬‬
‫ضكُمْ إِلَى َب ْعضٍ} ‪ :‬أي‪ :‬خلص الزوج إلى عورة زوجته والزوجة كذلك‪.‬‬
‫{َأ ْفضَى َب ْع ُ‬
‫{مِيثَاقا غَلِيظا} ‪ :‬هو العقد وقول الزوج‪ :‬إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫حلّ َلكُمْ أَنْ تَرِثُوا ‪ 1‬النّسَاءَ كَرْها} إبطال ما كان شائعا‬
‫تضمنت هذه الية‪{ :‬يَا أ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َي ِ‬
‫بين الناس قبل السلم من الظلم اللحق بالنساء‪ ،‬فقد كان الرجل إ ذا مات والده على زوجته‬
‫ورثها أكبر أولده من غيرها فإن شاء زوجها وأخذ مهرها وإن شاء استبقاها حتى تعطيه ما‬
‫حلّ َلكُمْ أَنْ تَرِثُوا النّسَاءَ كَرْها}‬
‫يطلب منها من مال فأنزل ال تعالى قوله‪{ :‬يَا أ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل يَ ِ‬
‫‪ .‬فبطل ذلك الحكم الجاهلي بهذه الية الكريمة وأصبحت المرأة إذا مات زوجها اعتدت في بيت‬
‫زوجها فإذا انقضت عدتها ذهبت حيث شاءت ولها ما لها وما ورثته من زوجها أيضا وقوله‬
‫حشَةٍ مُبَيّنَةٍ} ‪ .‬فهذا حكم آخر‬
‫تعالى‪{ :‬وَل َت ْعضُلُوهُنّ‪ 2‬لِ َتذْهَبُوا بِ َب ْعضِ مَا آتَيْ ُتمُوهُنّ إِل أَنْ يَأْتِينَ ِبفَا ِ‬
‫وهو أن يحرم على الزوج إذا كره ‪ 3‬زوجته أن يضايقها ويضارها حتى تفتدي منه ببعض‬
‫مهرها‪ ،‬إذ من معاني العضل المضايقة والمضارة‪ ،‬هذا ما لم ترتكب الزوجة فاحشة الزنا أو‬
‫تترفع عن الزوج وتتمرد عليه وتبخسه حقه في الطاعة والمعاشرة بالمعروف أما إن أتت بفاحشة‬
‫مبينة ل شك فيها أو أنشزت نشوزا بينا فحينئذ للزوج أن يضايقها حتى تفتدي منه بمهرها أو‬
‫حشَةٍ مُبَيّنَةٍ} ثم أمر تعالى عباده المؤمنين‬
‫بأكثر حتى يطلقها‪ ،‬وذلك لقوله تعالى‪{ :‬إِل أَنْ يَأْتِينَ ِبفَا ِ‬
‫بمعاشرة الزوجات بالمعروف وهو العدل والحسان‪ ،‬فقال‪{ :‬وَعَاشِرُوهُنّ بِا ْل َمعْرُوفِ} ‪ ،‬وإن فرض‬
‫أن أحدا منكم كره زوجته وهي لم تأتي بفاحشة مبينة فليصبر عليها ول يطلقها فلعل ال تعالى‬
‫يجعل في بقائها في عصمته خيرا كثيرا له نتيجة الصبر عليها وتقوى ال تعالى فيها وفي غيرها‪،‬‬
‫فقد يرزق منها ولدا ينفعه‪ ،‬وقد يذهب من نفسه ذلك الكره ويحل محله الحب والمودة‪ .‬والمراد أن‬
‫ال تعالى أرشد المؤمن‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى البخاري في سند نزول هذه الية عن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪" :‬كانوا إذا مات‬
‫الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها‪ ،‬وإن شاءوا زوجوها‪ ،‬وإن لم يشاءوا لم‬
‫حلّ َلكُمْ} ‪ ...‬إلخ‪.".‬‬
‫يزوجها‪ ،‬فهم أحق بها من أهلها‪ ،‬فنزلت هذه الية‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل يَ ِ‬
‫‪ 2‬جائز أن يكون فعل‪{ :‬و َتعْضلوهن} في محل نصب على تقدير ول تعضلون كما هي قراءة ابن‬
‫مسعود‪ ،‬وجائز أن يكون في محل جزم على أن ل ناهية‪.‬‬
‫‪ 3‬كرها‪ :‬لدمامة‪ ،‬أو سوء خلق أو سلطة لسان على ذلك‪ ،‬فإن الرسول صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫"ل يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر" ‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬

‫( ‪)1/453‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إن كره زوجته أن يصبر ول يطلق لما في ذلك من العاقبة الحسنة‪ ،‬لن الطلق بغير موجب غير‬
‫صالح ول مرغوب للشارع وكم من أمر يكرهه العبد ويصبر عليه فيجعل ال تعالى فيه الخير‬
‫الكثير‪ .‬هذا ما تضمنته الية الولى (‪ ،)19‬أما اليتان بعدها فقد تضمنتا‪ :‬تحريم أخذ شيء من‬
‫مهر المرأة إذا طلقها الزوج ل لتيانها بفاحشة ول لنشوزها‪ ،‬ولكن لرغبة منه في طلقها ليتزوج‬
‫غيرها في هذه الحال ل يحل له أن يضارها لتفتدي منه بشيء ولو قل‪ ،‬ولو كان قد أمهرها‬
‫قنطارا فل يحل أن يأخذ منه فلسا فضلً عن دينار أو درهم هذا معنى قوله تعالى‪{ :‬وَإِنْ أَرَدْ ُتمُ‬
‫حدَاهُنّ قِ ْنطَارا‪ 1‬فَل تَ ْأخُذُوا مِنْهُ شَيْئا} أتأخذونه بهتانا‪ ،‬أي‪ :‬ظلما‬
‫ج وَآتَيْتُمْ إِ ْ‬
‫اسْتِ ْبدَالَ َزوْجٍ َمكَانَ َزوْ ٍ‬
‫بغير حق وكذبا وافتراء وإثما‪ ،‬أي‪ :‬ذنبا ًعظيما‪ ،‬ثم قال تعالى منكرا على من يفعل ذلك‪ :‬وكيف‬
‫تأخذونه أي‪ :‬بأي وجه يحل لكم ذلك‪ ،‬والحال أنه قد أفضى ‪ 2‬بعضهم إلى بعض أي‪ :‬بالجماع‪ ،‬إذ‬
‫ما استحل الزوج فرجها إل بذلك المهر فكيف إذا يسترده أو شيئا منه بهتانا وإثما مبينا‪ ،‬فقال‬
‫ضكُمْ إِلَى َب ْعضٍ} ؟ وقوله تعالى‪{ :‬وََأخَذْنَ مِ ْنكُمْ مِيثَاقا غَلِيظا}‬
‫خذُونَ ُه َوقَدْ َأ ْفضَى َب ْع ُ‬
‫تعالى‪َ { :‬وكَ ْيفَ تَأْ ُ‬
‫يعني‪ :‬عقد النكاح فهو عهد مؤكد يقول‪ :‬الزوج نكحتها على مبدأ‪ :‬إمساك بمعروف أو تسريح‬
‫بإحسان‪ ،‬فأين التسريح بإحسان إذا كان يضايقها حتى تتنازل عن مهرها أو عن شيء منه‪ ،‬هذا ما‬
‫خذُونَهُ} إذ هو استفهام إنكاري ‪.3‬‬
‫أنكره تعالى بقوله‪َ { :‬وكَ ْيفَ تَأْ ُ‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬إبطال قانون الجاهلية القائم على أن ابن الزوج يرث امرأة أبيه‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة العضل من أجل الفتداء بالمهر وغيره‪.‬‬
‫‪ -3‬الترغيب في الصبر‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى أصحاب السنن‪ ،‬وصححه الترمذي‪ :‬أن عمر بن الخطاب كان يخطب فقال‪" :‬أل ل تغالوا‬
‫في صدقات النساء‪ ،‬فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند ال لكان أولكم بها رسول ال ما‬
‫أصدق قط امرأة من نساؤه ول بناته فوق اثنتي عشر أوقية‪ ،‬فقامت إليه امرأة فقالت له يا عمر‪:‬‬
‫خذُوا مِنْهُ‬
‫حدَاهُنّ قِ ْنطَارا فَل تَأْ ُ‬
‫أيعطينا ال وتحرمنا؟ أليس ال سبحانه وتعالى يقول‪{ :‬وَآتَيْ ُتمْ إِ ْ‬
‫شَيْئا} ؟ قال عمر‪ :‬أصابت امرأة وأخطأ عمر"‪.‬‬
‫‪ 2‬اختلف في الفضاء الذي يجب به المهر‪ ،‬قال عمر‪" :‬إن أغلق بابا وأرخى سترا ورأى عورة‬
‫فقد وجب الصداق وعليها العدة‪ ،‬ولها الميراث وهو قول فصل‪ .‬أما الفضاء الذي تحل به المطلقة‬
‫ثلثا من الوطء لحديث‪" :‬حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" والفضاء في هذه الية‪ :‬الجماع‬
‫أيضا‪ .‬قاله ابن عباس رضي ال عنهما‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 3‬نعم إنكاري‪ ،‬وفيه معنى التعجب أيضا؛ لنه أمر مستنكر ومتعجب منه لفظاعته وخروجه عن‬
‫اللياقة والدب‪.‬‬

‫( ‪)1/454‬‬

‫‪ -4‬جواز أخذ الفدية من الزوجة بالمهر أو أكثر أو أقل إن هي أتت بفاحشة ظاهرة ل شك فيها؛‬
‫كالزنى أو النشوز‪.‬‬
‫‪ -5‬جواز غلء المهر فقد يبلغ القنطار ‪ 1‬غير أن التيسير فيه أكثر بركة‪.‬‬
‫‪ -6‬وجوب مراعاة العهود والوفاء بها‪.‬‬
‫{وَل تَ ْنكِحُوا مَا َنكَحَ آبَا ُؤكُمْ مِنَ النّسَاءِ إِل مَا قَدْ سََلفَ إِنّهُ كَانَ فَاحِشَةً َومَقْتا وَسَاءَ سَبِيلً(‪)22‬‬
‫ت وَُأ ّمهَا ُتكُمُ‬
‫خ ِ‬
‫ت الُ ْ‬
‫عمّا ُتكُ ْم وَخَال ُتكُ ْم وَبَنَاتُ الَخِ وَبَنَا ُ‬
‫خوَا ُتكُ ْم وَ َ‬
‫حُ ّر َمتْ عَلَ ْيكُمْ ُأ ّمهَا ُتكُمْ وَبَنَا ُتكُمْ وَأَ َ‬
‫خوَا ُتكُمْ مِنَ ال ّرضَاعَ ِة وَُأ ّمهَاتُ نِسَا ِئكُ ْم وَرَبَائِ ُبكُمُ اللتِي فِي حُجُو ِركُمْ مِنْ نِسَا ِئ ُكمُ‬
‫ضعْ َنكُمْ وَأَ َ‬
‫اللتِي أَ ْر َ‬
‫خلْتُمْ ِبهِنّ فَإِنْ َلمْ َتكُونُوا دَخَلْ ُتمْ ِبهِنّ فَل جُنَاحَ عَلَ ْيكُ ْم وَحَل ِئلُ أَبْنَا ِئكُمُ الّذِينَ مِنْ َأصْل ِبكُ ْم وَأَنْ‬
‫اللتِي دَ َ‬
‫غفُورا َرحِيما(‪})23‬‬
‫ن الُخْتَيْنِ إِل مَا قَدْ سََلفَ إِنّ اللّهَ كَانَ َ‬
‫ج َمعُوا بَيْ َ‬
‫تَ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{وَل تَ ْنكِحُوا مَا َنكَحَ آبَا ُؤكُمْ} ‪ :‬ل تتزوجوا امرأة الب أو الجد‪.‬‬
‫{إِل مَا قَدْ سََلفَ} ‪ :‬إل ما قد مضى قبل هذا التحريم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ل خلف في أن أكثر الصداق ل حد له‪ ،‬وإنما الخلف في أقله‪ ،‬والذي عليه أكثر أهل العلم‪:‬‬
‫أنه ل يقل عن ربع دينار أو ما يعادله دارهم قياسا على ما تقطع فيه يد السارق لن الفرج محرم‬
‫كاليد‪.‬‬

‫( ‪)1/455‬‬

‫شةً} ‪ :‬أي‪ :‬زواج نساء الباء فاحشة شديدة القبح‪.‬‬


‫{إِنّهُ كَانَ فَاحِ َ‬
‫{ َو َمقْتا‪ : }1‬ممقوتا مبغوضا للشارع‪ ،‬ولكل ذي فطرة سليمة‪.‬‬
‫{وَسَاءَ سَبِيلً} ‪ :‬أي‪ :‬قبح نكاح أزواج الباء طريقا يسلك‪.‬‬
‫{ُأ ّمهَا ُتكُمْ} ‪ :‬جمع ‪ 2‬أم‪ ،‬فالم محرمة ومثلها الجدة وإن علت‪.‬‬
‫{وَرَبَائِ ُبكُمُ} ‪ :‬الربائب‪ :‬جمع ربيبة هي بنت الزوجة‪.‬‬
‫{وَحَل ِئلُ أَبْنَا ِئكُمُ} ‪ :‬الحلئل ‪ :3‬جمع حليلة وهي امرأة البن من الصلب‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ما زال السياق الكريم في بيان الحكام الشرعية المتعلقة بالرث والنكاح وعشرة النساء‪ .‬وفي‬
‫هاتين اليتين ذكر تعالى محرمات النكاح من النسب والرضاع والمصاهرة‪ ،‬فبدأ بتحريم امرأة‬
‫الب وإن عل فقال‪{ :‬وَل تَ ْن ِكحُوا ‪ 4‬مَا َنكَحَ آبَا ُؤكُمْ} ‪ ،‬ولم يقل من ليشمل التحريم منكوحة الب‬
‫والطريقة التي كانت متبعة عندهم في الجاهلية‪ .‬ولذا قال إل ما قد سلف في الجاهلية فإنه معفو‬
‫عنه بالسلم بعد التخلي عنه وعدم المقام عليه‪ ،‬وبهذه اللفظ حرمت امرأة الب والجد على البن‬
‫وابن البن و لو لم يدخل بها الب‪ ،‬ثم ذكر محرمات النسب فذكر المهات والبنات والخوات‬
‫والعمات والخالت وبنات الخ‪ ،‬وبنات الخت فهؤلء سبع محرمات من النسب ‪ 5‬قال تعالى‪:‬‬
‫لخْت} ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫خ وَبَنَاتُ ا ُ‬
‫ت الَ ِ‬
‫عمّا ُتكُ ْم َوخَالتُكُمْ وَبَنَا ُ‬
‫خوَا ُتكُ ْم وَ َ‬
‫{حُ ّر َمتْ عَلَ ْي ُكمْ ُأ ّمهَا ُتكُ ْم وَبَنَا ُتكُ ْم وَأَ َ‬
‫خوَا ُتكُمْ مِنَ ال ّرضَاعَةِ} فمن رضع من‬
‫ضعْ َنكُ ْم وَأَ َ‬
‫المحرمات بالرضاع فقال‪{ :‬وَُأ ّمهَا ُتكُمُ اللتِي أَ ْر َ‬
‫امرأة خمس ‪ 6‬رضعات وهو في سن الحولين‪ ،‬تحرم عليه ويحرم عليه أمهاتها وبناتها وأخواتها‬
‫وكذا بنات زوجها وأمهاته حتى‬
‫__________‬
‫‪ 1‬سأل ابن العرابي عن نكاح المقت‪ ،‬فقال‪ :‬هو أن يتزوج الرجل امرأة أبيه إذا طلقها أو مات‬
‫عنها‪ ،‬ويقال لمن تزوج امرأة أبيه‪ :‬الضيزن‪.‬‬
‫‪ 2‬الصواب‪ :‬جمع أمهه‪،‬الم تجمع على‪ :‬أمات وأقل ما يقول به‪ .‬والية نص في تحريم كل انثى‬
‫لها على الرجل ولدة فتدخل الم فيه‪ ،‬وأمها‪ ،‬وجداتها‪.‬‬
‫‪ 3‬سميت امرأة البن‪ :‬حليلة؛ لنها تحل معه حيث حل فهي فعيلة بمعنى فاعلة‪ ،‬وقيل‪ :‬سميت‬
‫حليلة؛ لنها محللة له‪.‬‬
‫‪ 4‬روي أن أبا قيس توفى وكان من صالحي النصار فخطب ابنة قيس امرأة أبيه‪ ،‬فقالت له‪ :‬إني‬
‫أعدك ولدا‪ ،‬ولكني آتي رسول ال صلى ال عليه وسلم فأستمره‪ ،‬فأتته فأخبرته‪ ،‬فأنزل ال تعالى‬
‫هذه الية‪{ :‬وَل تَ ْن ِكحُوا مَا َنكَحَ آبَا ُؤكُمْ مِنَ النّسَاء} ‪.‬‬
‫‪ 5‬وحرم بالسنة المتواترة‪ :‬الجمع بين المرأة وعمتها‪ ،‬والمرأة وخالتها‪.‬‬
‫‪ 6‬خالف مالك رحمه ال تعالى ومن وافقه‪ ،‬فقالوا‪ :‬ل فرق بين قليل الرضاع وكثيره‪ ،‬إذا وصل‬
‫اللبن إلى المعاء ولو مصة واحدة مع أن الرسول صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬ل تحرم المصة ول‬
‫المصتان" رواه مسلم‪.‬‬

‫( ‪)1/456‬‬

‫قيل‪ :‬يحرم ‪ 1‬من الرضاعة ما يحرم من النسب‪ ،‬ثم ذكر تعالى المحرمات بالمصاهرة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫{وَُأ ّمهَاتُ ِنسَا ِئكُمْ} ‪ ،‬فأم امرأة الرجل محرمة عليه بمجرد أن يعقد على بنتها تصبح أمها حراما‪.‬‬
‫وقال‪{ :‬وَرَبَائِ ُبكُمُ اللتِي فِي حُجُو ِركُمْ} ‪ ،‬فالربيبة‪ :‬هي بنت الزوجة إذا نكح الرجل امرأة وبنى بها‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ل يحل له الزواج من ابنتها‪ ،‬أما إذا عقد فقط ولم يبين فإن البنت تحل له لقوله‪ { :‬مِنْ ِنسَا ِئكُمُ‬
‫خلْتُمْ ِبهِنّ فَإِنْ َلمْ َتكُونُوا دَخَلْ ُتمْ ِبهِنّ فَل جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ} ‪ ،‬أي‪ :‬ل إثم ول حرج ‪.2‬‬
‫اللتِي دَ َ‬
‫ومن المحرمات بالمصاهرة امرأة البن بنى بها أم ل يبن‪ ،‬لقوله تعالى‪َ { :‬وحَل ِئلُ أَبْنَا ِئكُمُ الّذِينَ مِنْ‬
‫َأصْل ِبكُمْ} أي‪ :‬ليس ابنا بالتبني‪ ،‬أما البن من الرضاع فزوجته كزوجة البن من الصلب؛ لن‬
‫اللبن الذي تغذ به هو السبب فكان إذا كالولد للصلبن‪ ،‬ومن المحرمات بالمصاهرة أيضا‪ :‬أخت‬
‫الزوجة‪ ،‬فمن تزوج امرأة ل يحل له أن يتزوج أختها حتى تموت أو يفارقها وتنتهي عدتها لقوله‬
‫ن الُخْتَيْنِ إِل مَا قَدْ سََلفَ} في الجاهلية فإنه عفو بشرط عدم القامة عليه‪.‬‬
‫ج َمعُوا بَيْ َ‬
‫تعالى‪{ :‬وَأَنْ تَ ْ‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬تحريم مناكح الجاهلية إل ما وافق السلم منها‪ ،‬وخاصة أزواج الباء‪ ،‬فزوجة الب محرمة‬
‫على البن ولو لم يدخل بها الب وطلقها أو مات عنها‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان المحرمات من النسب وهن سبع‪ :‬المهات‪ ،‬والبنات‪ ،‬والخوات‪ ،‬والعمات‪ ،‬والخالت‪،‬‬
‫وبنات الخ‪ ،‬وبنات الخت‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان المحرمات من الرضاع وهن‪ :‬المحرمات من النسب؛ فالرضيع يحرم عليه ‪ 3‬أمه‬
‫المرضع له وبناته‪ ،‬وأخواتها‪ ،‬وعماته وخالته‪ ،‬وبنات أخيه‪ ،‬وبنات أخته‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان المحرمات من المصاهرة‪ ،‬وهن سبع أيضا‪ :‬زوجة الب بنى بها أو لم يبن‪ ،‬أم امرأته‬
‫بنى بابنتها أو لم يبن‪ ،‬و بنت امرأته وهي الربيبة إذا دخل بأمها‪ ،‬وامرأة الولد من الصلب‬
‫__________‬
‫‪ 1‬القائل‪ :‬هو الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والحديث متفق عليه‪.‬‬
‫‪ 2‬ولحديث الصحيحين‪" :‬إذا نكح الرجل المرأة فل يحل له أن يتزوج أمها دخل بالبنت أو لم‬
‫يدخل‪ ،‬وإذا تزوج الم فلم يدخل بها ثم طلقها فإن شاء تزوج البنت" ‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا إذا كان الرضاع في الحولين‪ ،‬أما بعدهما فل يحل إجماعا‪.‬‬

‫( ‪)1/457‬‬

‫بنى بها الولد أو لم يبن ‪ ،1‬وكذا ابنه ‪ 2‬من الرضاع‪ ،‬وأخت امرأته ما دامت اختها تحته لم يفارقها‬
‫بطلق أو وفاة‪ .‬والمحصنات ‪ 3‬من النساء‪ ،‬أي‪ :‬المتزوجات قبل طلقهن أو وفاة أزواجهن‬
‫وانقضاء عدتهن‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬حكى القرطبي‪ :‬الجماع على أن الرجل إذا وطئ امرأة بنكاح فاسد أنها تحرم على أبيه وعلى‬
‫ابنه وعلى أجداده وأحفاده‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 2‬في عد المحصنات من المحرمات بالصهر تجوزا‪.‬‬
‫‪ 3‬لحديث‪" :‬حرم من الرضاع ما يحرم من النسب" وهو دليل الجمهور على أن امرأة البن من‬
‫الرضاع تحرم كما تحرم امرأة البن من الصلب‪.‬‬

‫( ‪)1/458‬‬

‫الجزء الخامس‬
‫حلّ َلكُمْ مَا وَرَاءَ ذَِلكُمْ أَنْ تَبْ َتغُوا‬
‫حصَنَاتُ مِنَ النّسَاءِ إِل مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ وَأُ ِ‬
‫{وَا ْلمُ ْ‬
‫حصِنِينَ غَيْرَ مُسَا ِفحِينَ َفمَا اسْ َتمْ َتعْتُمْ بِهِ مِ ْنهُنّ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ فَرِيضَ ًة وَل جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ‬
‫بَِأ ْموَاِلكُمْ مُ ْ‬
‫طوْلً أَنْ‬
‫طعْ مِ ْنكُمْ َ‬
‫حكِيما(‪َ )24‬ومَنْ لَمْ يَسْتَ ِ‬
‫فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ َبعْدِ ا ْلفَرِيضَةِ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيما َ‬
‫ضكُمْ‬
‫حصَنَاتِ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ َفمِنْ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ مِنْ فَتَيَا ِتكُمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ وَاللّهُ أَعَْلمُ بِإِيمَا ِنكُمْ َب ْع ُ‬
‫يَ ْنكِحَ ا ْلمُ ْ‬
‫ت وَل‬
‫حصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَا ٍ‬
‫ن وَآتُوهُنّ ُأجُورَهُنّ بِا ْل َمعْرُوفِ مُ ْ‬
‫مِنْ َب ْعضٍ فَا ْن ِكحُوهُنّ بِإِذْنِ َأهِْلهِ ّ‬
‫حصَنَاتِ مِنَ ا ْل َعذَابِ ذَِلكَ‬
‫صفُ مَا عَلَى ا ْل ُم ْ‬
‫شةٍ َفعَلَ ْيهِنّ ِن ْ‬
‫حصِنّ فَإِنْ أَتَيْنَ ِبفَاحِ َ‬
‫مُتّخِذَاتِ َأخْدَانٍ فَإِذَا ُأ ْ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ(‪})25‬‬
‫شيَ ا ْلعَ َنتَ مِ ْنكُ ْم وَأَنْ َتصْبِرُوا خَيْرٌ َلكُ ْم وَاللّهُ َ‬
‫خِ‬‫ِلمَنْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫حصَنَاتُ} ‪ :‬جمع محصنة ‪ ،1‬والمراد بها هنا‪ :‬المتزوجة‪.‬‬
‫{وَا ْلمُ ْ‬
‫{إِل مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ} ‪ :‬المملوكة بالسبي والشراء‪ ،‬ونحوهما‪.‬‬
‫{مَا وَرَاءَ ذَِلكُمْ} ‪ :‬أي‪ :‬ما عداه‪ ،‬أي‪ :‬ما عدا ما حرم عليكم‪.‬‬
‫{غَيْرَ مُسَا ِفحِينَ} ‪ :‬المسافح‪ :‬الزاني‪ ،‬لن السفاح هو الزني‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وسميت المتزوجة‪ :‬محصنة لن الرجل‪ ،‬أي‪ :‬الزوج قد أحصنها‪ ،‬أي‪ :‬حفظها باستقلله بها عن‬
‫غيره‪.‬‬

‫( ‪)1/459‬‬

‫{ُأجُورَهُنّ فَرِيضَةً} ‪ :‬مهورهن نحلة‪.‬‬


‫طوْلً‪ : }1‬سعة وقدرة على المهر‪.‬‬
‫{َ‬
‫حصَنَاتِ} ‪ :‬العفيفات‪.‬‬
‫{ا ْل ُم ْ‬
‫{ُأجُورَهُنّ} ‪ :‬مهورهن‪.‬‬
‫{وَل مُتّخِذَاتِ َأخْدَانٍ} ‪ :‬الخدين‪ :‬الخليل الذي يفجر بالمرأة سرا تحت شعار الصداقة‪.‬‬
‫حصِنّ} ‪ :‬بأن أسلمن أو تزوجن‪ ،‬إذ الحصان يكون بهما‪.‬‬
‫{فَإِذَا أُ ْ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ا ْلعَ َنتَ} ‪ :‬العنت‪ :‬الضرر في الدين والبدن‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق في بيان ما يحرم من النكاح وما يجوز‪ ،‬ففي الية الولى(‪ )24‬عطف تعالى على‬
‫حصَنَاتُ} أي‪ :‬ذوات الزواج‪ ،‬فل يحل‬
‫المحرمات في المصاهرة المرأة المتزوجة فقال‪{ :‬وَا ْلمُ ْ‬
‫نكاحهن إل بعد مفارقة الزوج بطلق أو وفاة‪ ،‬وبعد انقضاء العدة أيضا واستثنى تعالى من‬
‫المتزوجات المملوكة باليمين‪ ،‬وهي‪ :‬المرأة تسبى في الحرب الشرعية‪ ،‬وهي الجهاد في سبيل ال‪،‬‬
‫فهذه من الجائز أن يكون زوجها لم يمت في الحرب وبما أن صلتها قد انقطعت بدار الحرب‬
‫وبزوجها وأهلها وأصبحت مملوكة‪ ،‬أذن ال تعالى رحمة بها في نكاحها ممن ملكها من المؤمنين‪.‬‬
‫ولذا ورد أن الية نزلت في سبايا أوطاس وهي وقعة كانت بعد موقعة حنين فسبى فيها المسلمون‬
‫النساء والذراري‪ ،‬فتحرج المؤمنون في غشيان أولئك النسوة‪ ،‬ومنهم المتزوجات‪ ،‬فأذن لهم في‬
‫غشيانهن بعد أن تسلم إحداهن وتستبرأ بحيضة‪ ،‬أما قبل إسلمها فل تحل؛ لنها مشركة‪ ،‬هذا‬
‫حصَنَاتُ مِنَ النّسَاءِ إِل مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ} ‪ ،‬وقوله‪{ :‬كِتَابَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ} ‪،‬‬
‫معنى قوله تعالى‪ { :‬وَا ْل ُم ْ‬
‫يريد ما حرمه تعالى من المناكح‪ ،‬قد كتبه على المسلمين كتابا وفرضه فرضا ل يجوز إهماله أو‬
‫التهاون به‪ .‬فكتاب ال منصوب على المصدرية ‪.2‬‬
‫حلّ‪َ 3‬لكُمْ مَا وَرَاءَ ذَِلكُمْ‪ ، }4‬أي‪ :‬ما بعد الذي حرمه من المحرمات بالنسب‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬وَُأ ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الطول‪ :‬مصدر طال يطول طولً‪ ،‬بمعنى‪ :‬قدر على التناول من بعد‪ ،‬ولذا فسر‪ :‬بالقدرة على‬
‫المهر‪.‬‬
‫‪ 2‬ويجوز الرفع نحو‪ :‬هذا كتاب ال وفرضه‪.‬‬
‫‪ 3‬قرئ‪ :‬أحل‪ ،‬بالبناء للمعفول‪ ،‬وأحل‪ :‬للبناء للفاعل‪.‬‬
‫‪ 4‬لبد من مراعاة ما حرم بالسنة‪ ،‬وهو الجمع بين المرأة وعمتها‪ ،‬والمرأة خالتها‪ ،‬ول اللتفات‬
‫إلى مذهب الخوراج‪ :‬إذ يبيحون ذلك كما يبيحون الجمع بين الختين‪ ،‬وعلة المنع هي‪ :‬أن الجمع‬
‫يسبب قطعية الرحم‪.‬‬

‫( ‪)1/460‬‬

‫وبالرضاع‪ ،‬وبالمصاهرة على شرط أن ل يزيد المرء على أربع كما هو ظاهر قوله تعالى في‬
‫حصِنِينَ غَيْرَ مُسَا ِفحِينَ} ‪،‬‬
‫ث وَرُبَاعَ} ‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬أَنْ تَبْ َتغُوا بَِأ ْموَاِلكُمْ مُ ْ‬
‫أول السورة‪{ :‬مَثْنَى وَثُل َ‬
‫أي‪ :‬ل حرج عليكم أن تطلبوا بأموالكم من النساء غير ما حرم عليكم فتتزوجوا ما طاب لكم حال‬
‫كونكم محصنين غير مسافحين‪ ،‬وذلك بأن يتم النكاح بشروطه من الولي والصداق والصيغة‬
‫والشهود‪ ،‬إذ أن نكاحا بغير هذه الشروط فهو السفاح‪ ،‬أي‪ :‬الزنا‪ ،‬وقوله تعالى‪َ { :‬فمَا اسْ َتمْ َتعْتُمْ‪ 1‬بِهِ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مِ ْنهُنّ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ فَرِيضَةً} يريد تعالى‪ :‬أيما رجل تزوج امرأة فأفضى إليها‪ ،‬أي‪ :‬وطئها إل‬
‫وجب لها المهر كاملً‪ ،‬أما التي لم يتم الستمتاع بها بأن طلقها قبل البناء فليس لها إل نصف‬
‫المهر المسمى‪ ،‬وإن لم يكن قد سمى لها إل المتعة‪ ،‬فالمراد من قوله‪َ { :‬فمَا اسْ َتمْ َتعْتُمْ ِبهِ مِ ْنهُنّ‪}2‬‬
‫علَ ْيكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ ِبهِ مِنْ َبعْدِ ا ْلفَرِيضَةِ}‬
‫أي‪ :‬بنيتم بهن ودخلتم عليهن‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَل جُنَاحَ َ‬
‫يريد إذا أعطى الرجل زوجته ما استحل به فرجها‪ ،‬وهو المهر كاملً فليس عليهما بعد ذلك من‬
‫حرج في أن تسقط المرأة من مهرها لزوجها‪ ،‬أو تؤجله أو تهبه كله له أو بعضه إذ ذاك لها وهي‬
‫شيْءٍ مِنْهُ َنفْسا َفكُلُوهُ هَنِيئا مَرِيئا} [النساء‪.]4/‬‬
‫صاحبته كما تقدم {فَإِنْ طِبْنَ َلكُمْ عَنْ َ‬
‫حكِيما} المراد مه إفهام المؤمنين بأن ال تعالى عليم بأحوالهم‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيما َ‬
‫حكيم في تشريعه فليأخذوا بشرعة ورخصه وعزائمه‪ ،‬فإنه مراعى فيه الرحمة والعدل‪ ،‬ولنعم‬
‫تشريع يقوم على أساس الرحمة والعدل‪.‬‬
‫طعْ مِ ْنكُمْ‬
‫هذا ما تضمنته الية الولى(‪ ،)24‬أما الية الثانية(‪ )25‬وهي قوله تعالى‪َ { :‬ومَنْ لَمْ َيسْتَ ِ‬
‫ط ْولً‪ }3 ...‬فقد تضمنت بيان رحمة ال بعباده المؤمنين إذ رخص لمن لم يستطع نكاح الحرائر‬
‫َ‬
‫لقلة ذات يده‪ ،‬مع خوفه العنت الذي هو الضرر في دينه بالزنى‪ ،‬أو في بدنه‬
‫__________‬
‫‪ 1‬استدل الروافض بهذه الية‪َ { :‬فمَا اسْ َتمْ َتعْتُمْ ِبهِ مِ ْنهُنّ} على جواز نكاح المتعة‪ ،‬وهو استدلل‬
‫فاسد وباطل‪ ،‬ويكفي في بطلنه؛ إجماع أهل السنة والجماعة على بطلنه‪ ،‬وإنه زنا إلى أنه ل‬
‫يقام على صاحبه حد الرجم بالشبهة‪ ،‬والرسول صلى ال عليه وسلم يقول‪" :‬ادرءوا الحدود‬
‫بالشبهات" ‪ .‬ونكاح المتعة رخص فيه الرسول صلى ال عليه وسلم مرة ثم أعلن عن حرمته‪.‬‬
‫أعلن ذلك في حجة الوداع ليعلم كل إنسان ذلك‪ ،‬ومن الدلة على حرمة المتعة‪ :‬أن المتمتع بها ل‬
‫ترث‪ ،‬والزوجة الشرعية ترث الربع والثمن‪.‬‬
‫‪ 2‬الستمتاع‪ :‬التلذذ‪ ،‬والجور‪ :‬هي المهور‪ ،‬وسمي المهر‪ :‬أجرا؛ لنه أجر الستمتاع‪ ،‬وهذا دليل‬
‫على أنه في مقابلة البضع‪ ،‬إذ كل ما يقابل المنفعة يسمى أجرا‪.‬‬
‫‪ 3‬اختلف في تحديد معنى الطول وأرجح القوال أنه‪ :‬سعة المال‪ ،‬وعليه فل يباح نكاح المة إل‬
‫بشرطين‪ :‬عدم السعة في المال‪ ،‬وخوف العنت‪ .‬فل يصح نكاح المة إل باجتماعهما‪ ،‬ومن كانت‬
‫تحت حرة ل يجوز أن ينكح عليها أمة؛ لن الحرة تدفع الحرة تدفع العنت عنه‪ .‬وحكى الجماع‬
‫على من كانت له أمة ل يحل له أن يتزوجها‪ ،‬بل يطئها بملك اليمين‪ ،‬وذلك لتعارض حق الملك‬
‫مع حق الزوجية ‪ ،‬وإذا أعتقها فأصبحت حرة فله؛ حينئذ أن يتزوجها‪.‬‬

‫( ‪)1/461‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بإقامة الحد عليه‪ ،‬رخص له أن يتزوج المملوكة بشرط أن تكون مؤمنة‪ ،‬وأن يتزوجها بإذن ‪1‬‬
‫مالكها‪ ،‬وأن يؤتيها صداقها وأن يتم ذلك على مبدأ الحصان الذي هو الزواج بشروطه ل السفاح‪،‬‬
‫الذي هو الزنى العلني المشار إليه بكلمة‪{ :‬غَيْرَ مُسَا ِفحَاتٍ} ‪ ،‬ول الخفي المشار إليه بكلمة‪{ :‬وَل‬
‫ط ْولً} ‪ ،‬أي‪ :‬قدرة مالية‬
‫مُتّخِذَاتِ َأخْدَانٍ} أي‪ :‬أخلء‪ ،‬هذا معنى قوله تعالى‪َ { :‬ومَنْ َلمْ يَسْ َتطِعْ مِ ْنكُمْ َ‬
‫أن ينكح المحصنات‪ ،‬أي‪ :‬العفائف من {فَتَيَا ِتكُمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ} ‪ ،‬أي‪ :‬من إمائكم المؤمنات ل الكافرات‬
‫ضكُمْ مِنْ‬
‫بحسب الظاهر‪ ،‬أما الباطن فعلمه إلى ال‪ ،‬ولذا قال‪{ :‬وَاللّهُ أَعَْلمُ بِإِيمَا ِنكُمْ} ‪ ،‬وقوله‪َ { :‬ب ْع ُ‬
‫َب ْعضٍ} فيه تطييب لنفس المؤمن إذ تزوج للضرورة المة فإن اليمان أذهب الفوارق بين‬
‫حصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ}‬
‫ن وَآتُوهُنّ ُأجُورَهُنّ بِا ْل َمعْرُوفِ مُ ْ‬
‫المؤمنين‪ ،‬وقوله‪{ :‬فَا ْن ِكحُوهُنّ بِإِذْنِ َأهِْلهِ ّ‬
‫فيه ببيان الشروط التي ل بد منها وقد ذكرناها آنفا‪.‬‬
‫حشَةٍ} أي‪ :‬زنين فعليهن‬
‫حصِنّ} –أي‪ :‬الماء‪ -‬بالزواج وبالسلم {فَإِنْ أَتَيْنَ ِبفَا ِ‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬فَِإذَا ُأ ْ‬
‫حد هو نصف ما على المحصنات من العذاب وهو جلد خمسين جلدة وتغريب ستة أشهر؛ لن‬
‫الحرة إن زنت ‪ 2‬وهي بكر تجلد مائة جلدة وتغرب سنة‪ .‬أما الرجم والذي هو الموت فإنه ل‬
‫ينصف‪ ،‬فلذا فهم المؤمنون في تنصيف العذاب أنه الجلد ل الرجم وهو إجماع ل خلف فيه‬
‫شيَ ا ْلعَ َنتَ مِ ْنكُمْ} يريد أبحت لكم ذلك لم خاف على نفسه الزنى‪ ،‬إذا لم يقدر‬
‫وقوله‪{ :‬ذَِلكَ ِلمَنْ خَ ِ‬
‫على الزواج من الحرة لفقره واحتياجه وقوله تعالى‪{ :‬وَأَنْ َتصْبِرُوا‪ }...‬أي‪ :‬على العزوبة خير لك‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ} أي‪ :‬غفور للتائبين رحيم بالمؤمنين‪ ،‬ولذا رخص لهم‬
‫من نكاح الماء‪ .‬وقوله {وَاللّهُ َ‬
‫في نكاح الماء عند خوف العنت‪ ،‬وأرشدهم إلى ما هو خير منه وهو الصبر ‪ .3‬فلله الحمد وله‬
‫المنة‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬تحريم المرأة المتزوجة حتى يفارقها زوجها بطلق أو موت وحتى تنقضي عدتها‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وأجمعوا على أنه ل يجوز للملوك أن يتزوج بغير إذن سيده‪ ،‬وإن تزوج فسخ زواجه‪ ،‬وهل‬
‫عليه الحد؟ خلف‪.‬‬
‫‪ 2‬دليل حد المة إن زنت قوله صلى ال عليه وسلم‪ " :‬إذا زنت أمة أحدكم فليحدها الحد" ‪ ،‬وقال‬
‫علي في خطبته‪" :‬أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد‪ ،‬من أحصن منهن ومن لم يحصن" ‪.‬‬
‫الحديث رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ 3‬قال أبو هريرة‪" :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪" :‬لحرائر صلح البيت‪ ،‬واليماء‬
‫هلك البيت" أو قال‪ " :‬فساد البيت"‪.‬‬

‫( ‪)1/462‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -2‬جواز نكاح المملوكة باليمين وإن كان زوجها حيا في دار الحرب إذا أسلمت؛ لن السلم‬
‫فصل بينهما‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب المهور‪ ،‬وجواز إعطاء المرأة مهرها لزوجها شيئا‪.‬‬
‫‪ -4‬جواز التزوج من المملوكات لمن خاف العنت وهو عادم للقدرة على الزواج من الحرائر‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب إقامة الحد على من زنت من الماء إن أحصن بالزواج والسلم‪.‬‬
‫‪ -6‬الصبر على العزوبة خير من ‪ 1‬الزواج بالماء لرشاد ال تعالى إلى ذلك‪.‬‬
‫حكِيمٌ(‪ )26‬وَاللّهُ يُرِيدُ‬
‫{يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيّنَ َلكُ ْم وَ َيهْدِ َيكُمْ سُنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلكُ ْم وَيَتُوبَ عَلَ ْي ُك ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫خفّفَ عَ ْنكُمْ‬
‫ش َهوَاتِ أَنْ َتمِيلُوا مَيْلً عَظِيما(‪ )27‬يُرِيدُ اللّهُ أَنْ ُي َ‬
‫علَ ْيكُ ْم وَيُرِيدُ الّذِينَ يَتّ ِبعُونَ ال ّ‬
‫أَنْ يَتُوبَ َ‬
‫ضعِيفا(‪})28‬‬
‫ن َ‬
‫وَخُلِقَ الِنْسَا ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيّنَ َلكُمْ‪ : }2‬يريد ال أن يبين لكم بما حرم عليكم وأحل لكم ما يكملكم ويسعدكم في‬
‫دنياكم وأخراكم‪.‬‬
‫{سُنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبِْل ُكمْ‪ : }3‬طرائق الذين من قبلكم من النبياء والصالحين لتنهجوا نهجهم فتطهروا‬
‫وتكملوا وتفلحوا مثلهم‪.‬‬
‫{وَيَتُوبَ عَلَ ْي ُكمْ} ‪ :‬يرجع بكم عما كنتم عليه من ضلل الجاهلية إلى هداية السلم‪.‬‬
‫ش َهوَاتِ‪ : }4‬من اليهود والنصارى والمجوس والزناة‪.‬‬
‫{الّذِينَ يَتّ ِبعُونَ ال ّ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يشهد لذلك قول عمر رضي ال عنه‪" :‬أيما رجل تزوج أمة فقد أرق نصفه‪ ،‬يعني يصير ولده‬
‫رقيقا‪ ،‬فالصبر على عدم التزوج بالماء أفضل‪ ،‬لكي ل يرق الولد‪.‬‬
‫‪ 2‬الصل‪ :‬يريد أن يبين لكم فحذفت أن ودخلت اللم على الفعل والتقدير يريد ال البيان لكم‪،‬‬
‫طفِئُوا نُورَ اللّهِ} في‬
‫والهدى والتوبة‪ ،‬فاللم إذن لتوكيد معنى الفعل‪ ،‬ومثلها في قوله‪{ :‬يُرِيدُونَ لِيُ ْ‬
‫طفِئُوا نُورَ اللّهِ} ‪ ،‬قال النحاس‪ :‬سمى بعضهم هذه اللم‪ :‬لم‬
‫آية‪ ،‬وفي آية أخرى‪{ :‬يُرِيدُونَ أَنْ ُي ْ‬
‫"أن"‪.‬‬
‫‪ 3‬فيكون معنى هذه الية‪ ،‬كما في قوله تعالى‪{ :‬شَ َرعَ لَكمْ مِنَ الدِين ما وصّى به نُوح} ‪.‬‬
‫‪ 4‬أي‪ :‬تغلبهم شهواتهم مع مخالفة شرع ال لعباده من أمور الدين التي عليها مدار سعادة النسان‬
‫وكماله‪.‬‬

‫( ‪)1/463‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عظِيما} ‪ :‬تحيدوا عن طريق الطهر والصفاء إلى طريق الخبث والكدر بارتكاب‬
‫{أَنْ َتمِيلُوا مَيْلً َ‬
‫المحرمات من المناكح وغيرها فتبتعدوا عن الرشد بعدا عظيما‪.‬‬
‫ضعِيفا} ‪ :‬ل يصبر عن النساء‪ ،‬فلذا رخص تعالى لهم في الزواج من الفتيات‬
‫ن َ‬
‫ق الِنْسَا ُ‬
‫{وَخُِل َ‬
‫المؤمنات‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما حرم تعالى ما حرم من المناكح وأباح ما أباح منها علل لذلك بقوله‪{ :‬يُرِيدُ اللّهُ‪ }1‬أي‪ :‬بما‬
‫شرع ليبين ما هو نافع لكم مما هو ضار بكم فتأخذوا النافع وتتركوا الضار‪ ،‬كما يريد أن يهديكم‬
‫طرائق الصالحين من قبلكم من أنبياء ومؤمنين صالحين لتسلكوها فتكملوا وتسعدوا في الحياتين‪،‬‬
‫كما يريد بما بين لكم أن {وَيَتُوبَ عَلَ ْيكُمْ} أي‪ :‬يرجع بكم من ضلل الجاهلية إلى هداية السلم‬
‫فتعيشوا على الطهر والصلح‪ ،‬وهو تعالى عليم بما ينفعكم ويضركم حكيم في تدبيره لكم فاشكروه‬
‫بلزوم طاعته‪ ،‬والبعد عن معصيته‪.‬‬
‫هذا ما تضمنته الية الولى(‪ ،)26‬أما الية الثانية(‪ )27‬فقد تضمنت الخبار بأن ال تعالى يريد‬
‫بما بينه من الحلل والحرام في المناكح وغيرها أن يرجع بالمؤمنين من حياة الخبث والفساد التي‬
‫كانوا يعيشونها قبل السلم إلى حياة الطهر والصلح في ظل تشريع عادل رحيم‪ .‬وأن الذين‬
‫يتبعون الشهوات من الزناة والنصارى وسائر المنحرفين عن سنن الهدى فإنهم يريدون من‬
‫المؤمنين أن ينحرفوا مثلهم فينغمسوا في الملذ والشهوات البهيمية حتى يصبحوا مثلهم ل فضل‬
‫لهم عليهم‪ ،‬وحينئذ ل حق لهم في قيادتهم أو هدايتهم‪.‬‬
‫هذا معنى الية الثانية‪ ،‬أما الية الثالثة (‪ )28‬فقد أخبر تعالى أنه بإباحته للمؤمنين العاجزين عن‬
‫نكاح الحرائر نكاح الفتيات المؤمنات يريد بذلك التخفيف والتيسير ‪ 2‬عن المؤمنين رحمة بهم‬
‫وشفقة عليهم لما يعلم تعالى من ضعف النسان وعدم صبره عن النساء بما غرز فيه من غريزة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬سيقت هذه الية تذييلً لما سبقها لغرض استئناس المسلمين واستنزال نفوسهم إلى امتثال أوامر‬
‫ال تعالى المتقدمة في أول السورة‪ ،‬وهي إحكام النكاح والرث والمعاشرة‪.‬‬
‫ج َعلَ عَلَ ْيكُمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ} ‪ ،‬ومن السنة‪ :‬قوله صلى‬
‫‪ 2‬شاهده الكتاب في قوله تعالى‪َ { :‬ومَا َ‬
‫ال عليه وسلم‪" :‬إن هذا الدين يسر ول يشاد هذا الدين أحد إل غلبه" ‪ ،‬وقوله لمعاذ وأبي موسى‪:‬‬
‫"يسرا ول تعسرا" ‪ ،‬وبذا كان التيسير من أصول الشريعة السلمية ويشهد لهذا وجود الرخص‬
‫في مسائل الدين‪.‬‬

‫( ‪)1/464‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ق الِنْسَانُ‬
‫خفّفَ‪ 1‬عَ ْن ُك ْم وَخُِل َ‬
‫الميل إلى أنثاه لحفظ النوع ولحكم عالية‪ ،‬وقال تعالى‪{ :‬يُرِيدُ اللّهُ أَنْ ُي َ‬
‫ضعِيفا‪. }2‬‬
‫َ‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬منة ال تعالى علينا في تعليله الحكام لنا لتطمئن نفوسنا ويأتي العمل بانشراح صدر وطيب‬
‫خاطر‪.‬‬
‫‪ -2‬منة ال على المؤمنين بهدايتهم إلى طرق الصالحين وسبيل المفلحين ممن كانوا قبلهم‪.‬‬
‫‪ -3‬منته تعالى في تطهير المؤمنين من الخباث وضلل الجاهليات‪.‬‬
‫‪ -4‬الكشف عن نفسية النسان‪ ،‬إذ الزناة يرغبون في كون الناس كلهم زناة‪ ،‬والمنحرفون يودون‬
‫أن ينحرف الناس مثلهم‪ ،‬وهكذا كل منغمس في خبث أو شر أو فساد يود أن يكون كل الناس‬
‫مثله‪ ،‬كما أن الطاهر يود أن يطهر ويصلح كل الناس‪.‬‬
‫‪ -5‬ضعف النسان أمام غرائزه ل سيما غريزة الجنس‪.‬‬
‫طلِ إِل أَنْ َتكُونَ تِجَا َرةً عَنْ تَرَاضٍ مِ ْنكُمْ وَل َتقْتُلُوا‬
‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَ ْأكُلُوا َأ ْموَاَلكُمْ بَيْ َنكُمْ بِالْبَا ِ‬
‫س ْوفَ ُنصْلِيهِ نَارا َوكَانَ ذَِلكَ‬
‫ع ْدوَانا َوظُلْما فَ َ‬
‫سكُمْ إِنّ اللّهَ كَانَ ِبكُمْ َرحِيما(‪َ )29‬ومَنْ َي ْف َعلْ ذَِلكَ ُ‬
‫أَ ْنفُ َ‬
‫عَلَى اللّهِ َيسِيرا(‪})30‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬في جميع الحكام‪ ،‬وبخاصة في نكاح الماء‪ ،‬لما علم من ضعف النسان في أمر النساء‪.‬‬
‫‪ 2‬معنى‪ :‬ضعيفا‪ ،‬أن هواه يستميله وشهوته وغضبه يستخفانه‪ ،‬وهذا أشد الضعف‪ ،‬ولذا احتاج إلى‬
‫التخفيف‪ ،‬فخفف ال عنه والحمد ل‪.‬‬

‫( ‪)1/465‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{آمَنُوا} ‪ :‬صدقوا ال والرسول‪.‬‬
‫طلِ} ‪ :‬بغير حق يبيح أكلها‪.‬‬
‫{بِالْبَا ِ‬
‫{ ِتجَا َرةً‪ : }1‬بيعا وشراءً فيحل لصاحب البضاعة أن يأخذ النقود ويحل لصاحب النقود أخذ‬
‫البضاعة‪ ،‬إذا ل باطل‪.‬‬
‫سكُمْ} ‪ :‬أي‪ :‬تزهقوا أرواح بعضكم بعضا‪.‬‬
‫{ َتقْتُلُوا أَ ْنفُ َ‬
‫ع ْدوَانا َوظُلْما} ‪ :‬اعتداء يكون فيه ظالما‪.‬‬
‫{ُ‬
‫{ ُنصْلِيهِ نَارا} ‪ :‬ندخله نار جهنم يحترق فيها‪.‬معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق في بيان ما يحل وما يحرم من الموال والعراض والنفس ففي هذه الية (‪)29‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ينادي ال تعالى عباده المؤمنين بعنوان اليمان فيقول‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا} وينهاهم عن أكل‬
‫أموالهم بينهم بالباطل بالسرقة أو الغش أو القمار أو الربا وما إلى ذلك من وجوه التحريم ‪2‬‬
‫طلِ} ‪ ،‬أي‪ :‬بغير عوض مباح‪ ،‬أو طيب نفس‪ ،‬ثم‬
‫العديدة فيقول‪{ :‬ل تَ ْأكُلُوا َأ ْموَاَلكُمْ بَيْ َنكُمْ بِالْبَا ِ‬
‫يستثنى ما كان حاصلً عن تجارة قائمة على مبدأ التراضي بين البيعين لحديث‪" :‬إنما البيع عن‬
‫تراض" و " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" فقال تعالى‪{ :‬إِل أَنْ َتكُونَ ِتجَا َرةً عَنْ تَرَاضٍ‪ 3‬مِ ْنكُمْ} فل‬
‫بأس بأكله فإنه حلل لكم‪ .‬هذا ما تضمنته الية كما قد تضمنت حرمة قتل المؤمنين لبعضهم‬
‫سكُمْ} والنهي شامل لقتل النسان نفسه وقتله أخاه المسلم؛ لن‬
‫بعضا‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬وَل َتقْتُلُوا أَ ْنفُ َ‬
‫المسلمين كجسم واحد‪ ،‬فالذي يتقل مسلما منهم كأنما قتل نفسه‪ .‬وعلل تعالى هذا التحريم لنا فقال‪:‬‬
‫{إِنّ اللّهَ كَانَ ِبكُمْ رَحِيما} ‪ ،‬فلذا حرم عليكم قتل بعضكم بعضا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬كل معاوضة في مباح فهي تجارة حتى إن ال تعالى سمى ثمن طاعته وطاعة رسوله تجارة‬
‫في قوله تعالى‪َ { :‬هلْ أَدُّلكُمْ عَلَى ِتجَا َرةٍ‪ }...‬الية‪.‬‬
‫‪ 2‬كبيع العربون بأن يقول لخيه‪ :‬خذ هذه العشرة دنانير إن أخذت السلعة‪ ،‬وإل فهي لك‪ .‬هذا بيع‬
‫باطل؛ لنه لحق له في أخذ العربون إن عجز أخوه عن أخذ السلعة له‪.‬‬
‫‪ 3‬لم يختلف في بيع الخيار‪ ،‬وذلك بأن يقول المسلم لخيه‪ :‬بعني كذا‪ ،‬أو بعت كذا‪ ،‬أو اعطني‬
‫مهلة يوم أو يومين أفكر فيها‪ .‬فهذا البيع جائز إن تم وإن لم يتم واختلف في معنى قول الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا"‪ .‬هل التفرق بالبدان‪ ،‬أو بالكلم؟‬
‫والصحيح‪ :‬أنه بالبدان‪ ،‬فلكل منهما الفسخ والمضاء ماداما في المجلس فإن تفرقا مضى البيع‪.‬‬

‫( ‪)1/466‬‬

‫هذا ما تضمنته الية الولى(‪ ،)29‬أما الية الثانية(‪ )30‬فقد تضمنت وعيدا شديدا بالصلء بالنار‬
‫والحراق فيها كل من يقتل مؤمنا عدوانا وظلما‪ ،‬أي‪ :‬بالعمد ‪ 1‬والصرار والظلم المحض‪ ،‬فقال‬
‫س ْوفَ ُنصْلِيهِ نَارا َوكَانَ ذَِلكَ} أي‪ :‬الصلء‬
‫ع ْدوَانا وَظُلْما فَ َ‬
‫تعالى‪َ { :‬ومَنْ َي ْف َعلْ ذَِلكَ} أي‪ :‬القتل { ُ‬
‫والحراق في النار {عَلَى اللّهِ َيسِيرا} لكمال قدرته بهذا العذاب إذا ل يستطيع أن يدفع ذلك عن‬
‫نفسه بحال من الحوال‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة مال المسلم‪ ،‬وكل مال حرام وسواء حازه بسرقة أو غش أو قمار أو ربا‪.‬‬
‫‪ -2‬إباحة التجارة والترغيب ‪ 2‬فيها والرد على جهلة المتصوفة الذين يمنعون الكسب بحجة‬
‫التوكل‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -3‬تقرير مبدأ " إنما البيع عن تراض" ‪ ،‬و "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة قتل المسلم نفسه أو غيره من المسلمين؛ لنهم أمة واحدة‪.‬‬
‫‪ -5‬الوعيد الشديد لقاتل النفس ‪ 3‬عدوانا وظلما بالصلء بالنار‪.‬‬
‫‪ -6‬إن كان القتل غير عدوان بأن كان خطأ‪ ،‬أو كان غير ظلم بأن كان عمدا ولكن بحق كقتل من‬
‫قتل والده وابنه أو أخاه فل يستوجب هذا الوعيد الشديد‪.‬‬
‫{إِنْ َتجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُ ْن َهوْنَ عَ ْنهُ ُن َكفّرْ عَ ْن ُكمْ سَيّئَا ِتكُمْ وَنُدْخِ ْل ُكمْ مُدْخَلً كَرِيما(‪})31‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{إِنْ َتجْتَنِبُوا} ‪ :‬تبتعدوا لن الجتناب ترك الشيء عن جنب بعيدا عنه ل يقبل عليه ول يقربه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬لم يكن سهوا منه ول خطأ‪ ،‬وهو معنى‪{ :‬عدوانا} ‪ ،‬ول بحق؛ كقصاص وهو معنى‪:‬‬
‫{ظلما}‪.‬‬
‫‪ 2‬يكفي في الرد عليهم ثناء الرسول صلى ال عليه وسلم على التاجر المين في قوله‪" :‬التاجر‬
‫الصدوق المين المسلم مع النبين والصديقين والشهداء يوم القيامة" ‪ .‬إلى أنه يحرم على التاجر أن‬
‫يروج سلعته باليمان الكاذبة كما يكره أن يصلي على النبي عند عرض سلعته؛ كقوله‪ :‬صلي على‬
‫محمد‪ ،‬ما أجود هذا‪ ،‬كما يكره له أن تشغله التجارة عن صلة الجماعة‪.‬‬
‫‪ 3‬ورد الوعيد الشديد في قاتل نفسه من ذلك قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬من قتل نفسه بشيء عذب‬
‫به يوم القيامة" ‪ .‬رواه الجماعة‪ .‬وقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده‬
‫يجأ بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا‪ ،‬ومن قتل نفسه بسم‪ ،‬فسمه في يده يتحساه‬
‫في نار جهنم خالدا مخلدا أبدا‪ ،‬ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو متردٍ في نار جهنم خالدا مخلدا‬
‫فيها أبدا"‪.‬‬

‫( ‪)1/467‬‬

‫{كَبَائِرَ مَا تُ ْن َهوْنَ عَنْهُ} ‪ :‬الكبائر‪ :‬ضد الصغائر‪ ،‬والكبيرة تعرف بالحد ل بالعد‪ ،‬فالكبيرة ما توعد‬
‫ال ورسوله عليهما‪ ،‬أو لعن ال ورسوله فاعلها أو شرع لها حد يقام على صاحبها‪ ،‬وقد جاء في‬
‫الحديث الصحيح بيان العديد من الكبائر‪ ،‬وعلى المؤمن أن يعلم ذلك ليجتنبه‪.‬‬
‫{ ُن َكفّرْ} ‪ :‬نغطي ونستر فل نطالب بها ول نؤاخذ عليها‪.‬‬
‫{مُ ْدخَلً كَرِيما} ‪ :‬المدخل الكريم هنا‪ :‬الجنة دار المتقين‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫يتفضل الجبار جل جلله وعظم إنعامه وسلطانه فيمن على المؤمنين من هذه المة المسلمة بأن‬
‫وعدها وعد الصدق بأن من اجتنب منها كبائر الذنوب كفر عنه صغائرها وأدخله الجنة دار‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫السلم وخلع عليه حلل الرضوان فقال تعالى‪{ :‬إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُ ْن َهوْنَ‪ 1‬عَ ْنهُ} ‪ ،‬ما أنهاكم عنه‬
‫أنا ورسولي { ُن َكفّرْ عَ ْن ُكمْ سَيّئَا ِتكُمْ} التي هي دون الكبائر ‪ 2‬وهي الصغائر‪{ ،‬وَ ُندْخِ ْل ُكمْ مُ ْدخَلً كَرِيما}‬
‫الذي هو الجنة‪ ،‬ول الحمد والمنة‪ .‬لهذا كانت هذه الية مبشرات القرآن لهذه المة‪.‬‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب البتعاد عن سائر الكبائر‪ ،‬والصبر على ذلك حتى الموت‪.‬‬
‫‪ -2‬الذنوب قسمان‪ :‬كبائر‪ ،‬وصغائر‪ .‬ولذا وجب العلم بها لجتناب كبائرها وصغائرها ما أمكن‬
‫ذلك‪ ،‬ومن زل فليتب فإن التائب من الذنب كمن ل ذنب له ‪.3‬‬
‫‪ -3‬الجنة ل يدخلها إل ذوو النفوس الزكية الطاهرة باجتنابهم المدنسات لها من كبائر الذنوب‬
‫والثام والفواحش ‪.4‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اجتناب الكبائر إن كان المراد به‪ :‬كبائر الذنوب فلبد من ضميمة أداء الفرائض‪ ،‬فإن اجتناب‬
‫الكبائر مع تضييع الفرائض غير مجد‪ ،‬وإن أريد باجتناب الكبائر تحاشي ترك الفرائض والحتماء‬
‫من فعل الكبائر فذاك ويشهد لهذا حديث الصحيح‪" :‬الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة‬
‫ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر" ‪.‬‬
‫‪ 2‬اختلف في تحديد الكبيرة وفي عددها‪ :‬أما العدد فقد قيل لبن عباس‪ :‬الكبائر سبع؟ قال‪" :‬هي‬
‫إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع" وقد ورد النص في بعضها كحديث مسلم‪ " :‬اجتنبوا السبع‬
‫الموبقات" فعد منها ستا‪ .‬وفي أحاديث صحاح أخرى ذكر عددا آخر‪ ،‬والذي عليه أهل العلم أنها ل‬
‫تعد ولكن تحد كما في التفسير‪ ،‬وأما الصغيرة‪ :‬فهي نسبية فالنظرة إلى اللمسة صغيرة‪ ،‬واللمسة‬
‫إلى القبلة صغيرة وهكذا‪.‬‬
‫‪ 3‬شاهده في حديث ابن عباس رضي ال عنهما غير أنه ل كبيرة مع استغفار ول صغيرة مع‬
‫إصرار‪ ،‬بعد قوله‪" :‬هي إلى السبعمائة أقرب"‪.‬‬
‫‪ 4‬أهل الكبائر الذين ماتوا يزاولونها ولم يغفر لهم ويشفع لهم فإنهم يطهرون وتزكوا نفوسهم‬
‫بعذاب النار ثم يغسلون أيضا في نهر عند باب الجنة‪ ،‬يقال له‪ :‬نهر الحيوان‪ ،‬فيدخلون الجنة‬
‫بنفوس زكية وأرواح طاهرة نقية‪.‬‬

‫( ‪)1/468‬‬

‫ضكُمْ عَلَى َب ْعضٍ لِلرّجَالِ َنصِيبٌ ِممّا اكْتَسَبُوا وَلِلنّسَاءِ َنصِيبٌ ِممّا‬
‫ضلَ اللّهُ بِهِ َب ْع َ‬
‫{وَل تَ َتمَ ّنوْا مَا َف ّ‬
‫جعَلْنَا َموَاِليَ ِممّا تَ َركَ‬
‫شيْءٍ عَلِيما(‪ )32‬وَِل ُكلّ َ‬
‫ن وَاسْأَلُوا اللّهَ مِنْ َفضْلِهِ إِنّ اللّهَ كَانَ ِب ُكلّ َ‬
‫اكْتَسَبْ َ‬
‫شهِيدا(‪})33‬‬
‫شيْءٍ َ‬
‫عقَ َدتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ فَآتُوهُمْ َنصِي َبهُمْ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫لقْرَبُونَ وَالّذِينَ َ‬
‫ن وَا َ‬
‫ا ْلوَالِدَا ِ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{وَل تَ َتمَ ّنوْا} ‪ :‬التمني‪ :‬التشهي والرغبة في حصول الشيء‪ ،‬وأداته‪ :‬ليت‪ ،‬ولو‪ ،‬فإن كان مع زوال‬
‫المرغوب فيه عن شخص ليحصل للمتمني فهو الحسد‪.‬‬
‫ضكُمْ} ‪ :‬أي‪ :‬ما فضل ال به أحدا منكم فأعطاه علما أو مالً أو جاها أو‬
‫ضلَ اللّهُ ِبهِ َب ْع َ‬
‫{مَا َف ّ‬
‫سلطانا‪.‬‬
‫{ َنصِيبٌ ِممّا اكْتَسَبُوا} ‪ :‬أي‪ :‬حصة وحظ من الثواب والعقاب بحسب الطاعة والمعصية‪.‬‬
‫{ َموَاِليَ} ‪ :‬الموالي‪ :‬من يلون التركة ويرثون الميت من أقارب‪.‬‬
‫عقَ َدتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ} ‪ :‬أي‪ :‬حالفتموهم وتآخيتم معهم مؤكدين ذلك بالمصافحة واليمين‪.‬‬
‫{َ‬
‫{فَآتُوهُمْ َنصِي َبهُمْ} ‪ :‬من الرفادة والوصية والنصرة لنهم ليسوا ورثة‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫صح أو لم يصح أن أم سلمة رضي ال عنها قالت‪ :‬ليتنا كنا رجالً فجاهدنا وكان لنا مثل أجر‬
‫الرجال فإن ال سميع عليم‪ ،‬والذين يتمنون ‪ 1‬حسدا وغير حسد ما أكثرهم ومن هنا نهى‬
‫__________‬
‫‪ 1‬التمني‪ :‬نوع إرادة يتعلق بالمستقبل‪ ،‬وعلى خلفه التلهف؛ لنه يتعلق بالماضي‪ ،‬وسر النهي‬
‫عنه‪ :‬أن فيه تعلق البال بالمتمني ونسيان الجل‪ ،‬ولذا حرم التمني الذي هو الحسد‪ ،‬وهو نوعان‪:‬‬
‫تمني زوال النعمة من غيره لتحصل له‪ ،‬وتمني زوال النعمة من غيره ولو لم تحصل له‪ ،‬وهو‬
‫شر الحسد‪ .‬وهل الغبطة من الحسد؟ والجواب‪ :‬ل‪ .‬والغبطة هي‪ :‬أن يرى العبد نعمة علم أو مال‬
‫لحد فيغتبط ويسأل ال تعالى أن يكون له ذلك العلم ليعلمه ويعمل به‪ ،‬أو يكون له ذلك المال‬
‫ليتصدق به‪ .‬فهذه الغبطة محمودة لحديث البخاري‪" :‬ل حسد إل في اثنتين‪ ،‬رجل أتاه ال مالً‬
‫فسلطه على هلكته في الحق‪ ،‬فيقول الرجل‪ :‬لو أن لي مثل مال فلن لعملت مثله فهم في الجر‬
‫سواء "‪.‬‬

‫( ‪)1/469‬‬

‫ال تعالى في هذه الية الكريمة(‪ )32‬عباده المؤمنين عن تمني ما فضل ال تعالى به بعضهم على‬
‫بعض فأعطى هذا وحرم ذاك لحكم اقتضت ذلك‪ ،‬ومن أظهرها البتلء بالشكر والصبر‪ ،‬فقال‬
‫ضكُمْ عَلَى‬
‫ضلَ اللّهُ بِهِ} –من علم أو مال‪ .‬أو صحة أو جاه أو سلطان‪َ { -‬ب ْع َ‬
‫تعالى‪{ :‬وَل تَ َتمَ ّنوْا مَا َف ّ‬
‫َب ْعضٍ} وأخبر تعالى أن سنته في الثواب والعقاب الكسب والعمل‪ ،‬فليعمل من أراد الجر والمثوبة‬
‫بموجبات ذلك من اليمان والعمل الصالح‪ ،‬ول يتمنى ذلك تمنيا‪ ،‬وليكف عن الشرك والمعاصي‬
‫من خاف العذاب والحرمان ول يتمنى النجاة تمنيا كما على من أراد المال والجاه فليعمل له بسنته‬
‫المنوطة به‪ ،‬ول يتمنى فقط فإن التمني كما قيل بضائع النوكى‪ ،‬أي‪ :‬الحمقى‪ ،‬فلذا قال تعالى‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{لِلرّجَالِ َنصِيبٌ ِممّا اكْتَسَبُوا وَلِلنّسَاءِ َنصِيبٌ ِممّا اكْ َتسَبْنَ} ‪ ،‬فرد القضية إلى سنته فيها وهي كسب‬
‫النسان‪ .‬كقوله تعالى ‪َ {:‬فمَنْ َي ْع َملْ مِ ْثقَالَ ذَ ّرةٍ خَيْرا يَ َر ُه َومَنْ َي ْع َملْ مِ ْثقَالَ ذَ ّرةٍ شَرّا يَ َرهُ} ثم بين‬
‫تعالى سنة أخرى في الحصول على المرغوب‪ :‬وهي دعاء ال تعالى فقال‪{ :‬وَاسْأَلُوا اللّهَ مِنْ‬
‫شيْءٍ عَلِيما} فمن سأل ربه وألح ‪ 1‬عليه موقنا بالجابة أعطاه فيوفقه‬
‫َفضْلِهِ إِنّ اللّهَ كَانَ ِب ُكلّ َ‬
‫للتيان بالسباب‪ ،‬ويصرف عنه الموانع‪ ،‬ويعطيه بغير سب إن شاء‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪،‬‬
‫بل ومن السباب المشروعة الدعاء والخلص فيه‪.‬‬
‫هذا ما تضمنته الية الولى(‪ )33‬فإن ال تعالى يخبر مقررا حكما ً شرعيا قد تقدم في السياق‪،‬‬
‫جعَلْنَا ‪َ 2‬موَاِليَ} أي‪ :‬أقارب‬
‫وهو أن لكل من الرجال والنساء ورثة يرثون إذا مات فقال‪{ :‬وَِل ُكلّ َ‬
‫يرثونه إذا مات‪ ،‬وذلك من النساء والرجال‪ ،‬أما الذين هم موالي بالحلف أو الخاء فقط‪ ،‬أي‪ :‬ليسوا‬
‫من أولي الرحام‪ ،‬فالواجب إعطاؤهم نصيبهم من النصرة والرفادة‪ .‬والوصية لهم بشيء إذ لحظ‬
‫ضهُمْ َأوْلَى بِ َب ْعضٍ} ‪ ،‬ولما كان توزيع المال‬
‫لهم في الرث‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬وَأُولُوا الَرْحَامِ َب ْع ُ‬
‫وقسمته تتشوق له النفوس وقد يقع فيه حيف أو ظلم أخبر تعالى أنه على كل شيء شهيد فل يخفى‬
‫عليه من أمر الناس شيء فليتق ول يُعص‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لحديث الترمذي وغيره‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬سلوا ال من فضله‪ ،‬فإنه يحب أن يسأل‪،‬‬
‫وأفضل العبادة انتظار الفرج" أي‪ :‬من ال تعالى‪ ،‬وهو تعلق القلب بالرب تعالى‪.‬‬
‫‪ 2‬هذه الية ناسخة لكل من الرث بالتحالف والمؤاخاة‪ ،‬وهي كقوله تعالى‪{ :‬وَأُولُوا الَرْحَامِ‬
‫عقَدت أيمَانكم} فقد كان‬
‫ضهُمْ َأوْلَى بِ َب ْعضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ} ‪ ،‬وهو المقصود بقوله تعالى‪{ :‬والّذين َ‬
‫َب ْع ُ‬
‫الرجل في الجاهلية يقوله لمن أراد محالفته‪ :‬دمي دمك‪ ،‬وهدمي هدمك‪ ،‬وثأري ثأرك‪ ،‬وحربي‬
‫حربك‪ ،‬وسلمي سلمك‪ ،‬وترثي وأرثك‪ .‬وأما المؤاخاة‪ :‬فقد كانت بين المهاجرين والنصار بأمر‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فتوارثوا بها حتى نسخت بهذه الية‪ ،‬وآية النفال‪{ :‬وَأُولُوا الَرْحَامِ‬
‫ضهُمْ َأوْلَى بِ َب ْعضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ} ‪.‬‬
‫َب ْع ُ‬

‫( ‪)1/470‬‬

‫شهِيدا} ل يخفى عليه من أمركم شيء فاتقوه وأطيعوه ول‬


‫شيْءٍ َ‬
‫فقال‪{ :‬إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫تعصوه‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬قبح التمني وترك العمل‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة الحسد‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -3‬فضل الدعاء وأنه من السباب التي يحصل بها المراد‪.‬‬
‫‪ -4‬تقرير مبدأ التوارث في السلم‪.‬‬
‫‪ -5‬من عاقد أحدا على حلف أو آخى أحدا وجب عليه أن يعطيه حق النصرة والمساعدة وله أن‬
‫يوصي له بما دون الثلث ‪ ،1‬أما الرث فل حق له لنسخ ذلك‪.‬‬
‫‪ -6‬وجوب مراقبة ال تعالى؛ لنه بكل شيء عليم‪ ،‬وعلى كل شيء شهيد‪.‬‬
‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ وَ ِبمَا أَ ْن َفقُوا مِنْ َأ ْموَاِلهِمْ فَالصّاِلحَاتُ‬
‫ضلَ اللّهُ َب ْع َ‬
‫{الرّجَالُ َقوّامُونَ عَلَى النّسَاءِ ِبمَا َف ّ‬
‫جعِ‬
‫ن وَاهْجُرُوهُنّ فِي ا ْل َمضَا ِ‬
‫حفِظَ اللّ ُه وَاللتِي تَخَافُونَ ُنشُوزَهُنّ َفعِظُوهُ ّ‬
‫قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِ ْلغَ ْيبِ ِبمَا َ‬
‫شقَاقَ بَيْ ِن ِهمَا‬
‫خفْتُمْ ِ‬
‫علِيّا كَبِيرا(‪ )34‬وَإِنْ ِ‬
‫طعْ َنكُمْ فَل تَ ْبغُوا عَلَ ْيهِنّ سَبِيلً إِنّ اللّهَ كَانَ َ‬
‫وَاضْرِبُوهُنّ فَإِنْ َأ َ‬
‫حكَما مِنْ أَهِْلهَا إِنْ يُرِيدَا ِإصْلحا ُي َوفّقِ اللّهُ بَيْ َن ُهمَا إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيما‬
‫حكَما مِنْ أَهْلِهِ وَ َ‬
‫فَا ْبعَثُوا َ‬
‫خَبِيرا(‪})35‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يدخل في هذا المتبني فإن لمن تبناه بمعنى‪ :‬رباه أن يوصي له بما دون الثلث‪ ،‬أما أن ينسبه إليه‬
‫فل لنه محرم بالكتاب والسنة‪.‬‬

‫( ‪)1/471‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ َقوّامُونَ} ‪ :‬جمع قوام ‪ :1‬وهو من يقوم على الشيء رعاية وحماية وإصلحا‪.‬‬
‫ضهُمْ} ‪ :‬بأن جعل الرجل أكمل في عقله ودينه وبدنه فصلح للقوامة‪.‬‬
‫ضلَ اللّهُ َب ْع َ‬
‫{ ِبمَا َف ّ‬
‫{وَ ِبمَا أَ ْنفَقُوا مِنْ َأ ْموَاِلهِمْ‪ : }2‬وهذا عامل آخر مما ثبتت به القوامة للرجال على النساء فإن الرجل‬
‫بدفعه المهر وبقيامه بالنفقة على المرأة كان أحق بالقوامة التي هي الرئاسة‪.‬‬
‫{فَالصّالِحَاتُ‪ : }3‬جمع صالحة‪ :‬وهي المؤدية لحقوق ال تعالى وحقوق زوجها‪.‬‬
‫{قَانِتَاتٌ} ‪ :‬مطيعات ل ولزواجهن‪.‬‬
‫{حَافِظَاتٌ لِ ْلغَ ْيبِ} ‪ :‬حافظات لفروجهن وأموال أزواجهن‪.‬‬
‫{نُشُوزَهُنّ} ‪ :‬النشوز‪ :‬الترفع عن الزوج وعدم طاعته‪.‬‬
‫{ َفعِظُوهُنّ} ‪ :‬بالترغيب في الطاعة والتنفير من المعصية‪.‬‬
‫{فَل تَ ْبغُوا عَلَ ْيهِنّ سَبِيلً} ‪ :‬أي‪ :‬ل تطلبوا لهن طريقا تتوصلون به إلى ضربهن بعد أن أطعنكم‪.‬‬
‫شقَاقَ بَيْ ِن ِهمَا} ‪ :‬الشقاق‪ :‬المنازعة والخصومة حتى يصبح كل واحد في شق مقابل‪.‬‬
‫{ِ‬
‫حكَما} ‪ :‬الحكم‪ :‬الحاكم‪ ،‬والمحكوم في القضايا للنظر والحكم فيها‪.‬معنى اليتين‪:‬‬
‫{َ‬
‫يروى في سبب نزول هذه الية أن‪ :‬سعد ‪ 4‬بن الربيع رضي ال عنه أغضبته امرأته فلطمها‪،‬‬
‫فشكاه وليها إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كأنه يريد القصاص فأنزل ال تعالى هذه الية‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ وَ ِبمَا أَ ْن َفقُوا مِنْ َأ ْموَاِلهِمْ} ‪ .‬فقال‬
‫ضلَ اللّهُ َب ْع َ‬
‫{الرّجَالُ َقوّامُونَ عَلَى النّسَاءِ ِبمَا َف ّ‬
‫ولي المرأة‪ :‬أردنا أمرا وأراد ال غيره‪ ،‬وما أراده ال خير‪ .‬ورضي بحكم ال تعالى وهو أن‬
‫الرجل‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قوام‪ :‬ومثله‪ ،‬قيام‪ ،‬وقيوم‪ ،‬وقيم‪ .‬كلها بمعنى واحد مشتقة من القيام؛ لن من شأن من يهتم‬
‫بالشيء وتدبيره أن يقف عليه ويقوم‪.‬‬
‫‪ 2‬أخذ من هذه الجملة الفقهاء‪ :‬أن من عجز عن النفقة كان للزوجة فسخ النكاح لنعدام القوامة‬
‫لها‪ ،‬التي بها استحق الرجل العصمة‪ ،‬وخالف أبو حنيفة‪ :‬فلم يرَ الطلق بالعسار‪.‬‬
‫‪ 3‬أثنى رسول ال صلى ال عليه وسلم على هؤلء الصالحات بقوله‪" :‬خير النساء التي إذا نظرت‬
‫إليها سرتك‪ ،‬وإذا أمرتك أطاعتك‪ ،‬وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك" ‪ .‬وهو تفسير لقوله‬
‫تعالى‪{ :‬حَا ِفظَاتٌ لِ ْلغَ ْيبِ‪.}...‬‬
‫‪ 4‬ذكر في سبب نزولها عدة أسباب‪ .‬وما ذكرناه أولى بالصحة والقبول‪.‬‬

‫( ‪)1/472‬‬

‫ما دام قواما على المرأة يرعاها ويربيها ويصلحها بما أوتى من عقل أكمل من عقلها‪ ،‬وعلمه‬
‫أغرز من علمها غالبا‪ ،‬وبعد نظر في مبادئ المور ونهايتها أبعد من نظرها يضاف إلى ذلك أنه‬
‫دفع مهرا لم تدفعه‪ ،‬والتزم بنفقات لم تلتزم هي بشيء منها فلما وجبت له الرئاسة عليها‪ ،‬وهي‬
‫رئاسة شرعية كان له الحق أن يضربها بما ل يشين جارحة أو كيسر عضوا فيكون ضربه لها؛‬
‫كضرب المؤدب لمن يؤدبه ويربيه‪ ،‬وبعد تقرير هذا السلطان للزوج على زوجته أمر ال تعالى‬
‫بإكرام المرأة والحسان إليها والرفق بها لضعفها وأثنى عليها فقال‪{ :‬فَالصّالِحَاتُ} ‪ ،‬وهن‪ :‬اللئي‬
‫يؤدين حقوق ال تعالى بطاعته وطاعة رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وحقوق أزواجهن من الطاعة‬
‫والتقدير والحترام {قَانِتَاتٌ} ‪ :‬أي‪ :‬مطيعات ل تعالى‪ ،‬وللزوج‪{ ،‬حَافِظَاتٌ لِ ْلغَ ْيبِ} أي‪ :‬حافظات‬
‫حفِظَ اللّهُ} أي‪:‬‬
‫مال الزوج وعرضه لحديث‪" :‬وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله ‪ِ { "1‬بمَا َ‬
‫بحفظ ال تعالى لها وإعانته لها إذ لو وكلت إلى نفسها ل تستطيع حفظ شيء وإن قل‪ .‬وفي سياق‬
‫الكلم ما يشير إلى محذوف يفهم ضمنا‪ ،‬وذلك أن الثناء عليهن من قبل ال تعالى يستوجب من‬
‫الرجل إكرام المرأة الصالحة والحسان إليها والرفق بها لضعفها‪ ،‬وهذا ما ذكرته أولً نبته عليه‬
‫هنا ليعلم أنه من دللة الية الكريمة‪ ،‬وقد ذكره غير واحد من السلف‪.‬‬
‫ن وَا ْهجُرُوهُنّ فِي ا ْل َمضَاجِ ِع وَاضْرِبُوهُنّ فَإِنْ‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬وَاللتِي َتخَافُونَ ُنشُوزَهُنّ َفعِظُوهُ ّ‬
‫طعْ َنكُمْ فَل تَ ْبغُوا عَلَ ْيهِنّ سَبِيلً} ‪ .‬فإنه تعالى يرشد الزواج إلى كيفية علج الزوجة إذا نشزت‪،‬‬
‫أَ َ‬
‫أي‪ :‬ترفعت على زوجها ولم تؤدي إليه حقوقه الواجبة له بمقتضى العقد بينهما‪ ،‬فيقول‪{ :‬وَاللتِي‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تَخَافُونَ نُشُوزَهُنّ} أي‪ :‬ترفعهن بما ظهر لكم من علمات ودلئل كأن يأمرها فل تطيع ويدعوها‬
‫فل تجيب وينهاها فل تنتهي‪ ،‬فاسلكوا معهن السبيل التي‪َ { :‬ف ِعظُوهُنّ} أولً‪ ،‬والوعظ تذكيرها بما‬
‫للزوج عليها من حق يجب أداؤه وما يترتب على إضاعته من سخط ال تعالى وعذابه‪ ،‬وبما قد‬
‫ينجم من إهمالها في ضربها أو طلقها‪ ،‬فالوعظ ترغيب بأجر الصالحات القانتات‪ ،‬وترهيب من‬
‫عقوبة المفسدات العاصيات فإن نفع الوعظ فيها وإل فالثانية وهي‪ :‬أن يهجرها ‪ 2‬الزوج في‬
‫الفراش فل يكلمها وهو نائم معها على فراش واحد وقد‬
‫__________‬
‫‪ 1‬رواه أبو داود الطيالسي‪ ،‬وقد تقدم في النهر آنفا‪ ،‬وهو حديث صحيح‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا الهجر في الفراش شهر فل يزيد عليه كما فعل النبي صلى ال عليه وسلم حين أسر إلى‬
‫حفصة فأفشته لعائشة‪ ،‬ول يكون كاليلء أربعة أشهر‪.‬‬

‫( ‪)1/473‬‬

‫أعطاها ظهره فل يكلمها ول يجامعها وليصبر على ذلك حتى تؤوب إلى طاعته وطاعة ال ربهما‬
‫معا‪ ،‬وإن أصرت ولم يجد معها الهجران في الفراش‪ ،‬فالثالثة وهي‪ :‬أن يضربها ‪ 1‬ضربا غير‬
‫مبرح ل يشين جارحة ول يكسر ‪ 2‬عضوا‪ .‬وأخيرا فإن هي أطاعت زوجها فل يحل بعد ذلك أن‬
‫طعْ َنكُمْ} أي‪ :‬الزواج‬
‫يطلب الزوج طريقا إلى أذيتها ل يضرب ول بهجران لقوله تعالى‪{ :‬فَإِنْ َأ َ‬
‫{فَل تَ ْبغُوا} أي‪ :‬تطلبوا {عَلَ ْيهِنّ سَبِيلً} لذيتهن باختلف السباب وإيجاد العلل والمبررات‬
‫علِيّا كَبِيرا} تذييل الكلم بما يشعر من أراد أن يعلو ‪ 3‬على‬
‫لذيتهن‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ كَانَ َ‬
‫غيره بما أوتي من قدرة بأن ال أعلى منه وأكبر فليخش ال وليترك من علوه وكبريائه‪.‬‬
‫هذا ما تضمنته هذه الية العظيمة(‪ ،)34‬أما الية الثانية(‪ )35‬فقد تضمنت حكما اجتماعيا آخر‬
‫وهو إن حصل شقاق بين زوج وامرأته فأصبح الرجل في شق والمرأة في شق آخر فل تلقي‬
‫بينهما ول وفاق ول وئام ذلك لصعوبة الحال‪ ،‬فالطريق إلى حل هذا المشكل ما أرشد ال تعالى‬
‫إليه‪ ،‬وهو أن يبعث ولي الزوجة حكما من قبله‪ ،‬ويبعث ولي الزوج حكما من قبله‪ ،‬أو يبعث‬
‫الزوج نفسه حكما وتبعث الزوجة أيضا حكما من قبلها‪ ،‬أو يبعث القاضي كذلك‪ ،‬الكل جائز لقوله‬
‫تعالى‪{ :‬فَا ْبعَثُوا} وهو يخاطب المسلمين على شرط أن يكون الحكم عدلً عالما بصيرا حتى يمكنه‬
‫الحكم والقضاء بالعدل‪ .‬فيدرس الحكمان القضية أولً مع طرفي النزاع ويتعرفان إلى أسباب‬
‫الشقاق وبما في نفس الزوج من رضى وحب‪ ،‬وكراهية وسخط ثم يجتمعان على إصلح ذات‬
‫البين‪ ،‬فإن أمكن ذلك فيها وإل فرقا بينهما برضى الزوجين‪ .‬مع العلم أنهما إذا ثبت لهما ظلم‬
‫أحدهما فإن عليهما أن يطالبا برفع الظلم‪ ،‬فإن كان الزوج هو الظالم فليرفع ظلمه وليؤد ما و جب‬
‫عليه‪ ،‬وإن كانت المرأة هي الظالمة فإنها ترفع ظلمها أو تفدي نفسها بمال فيخالعها به زوجها‪،‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هذا معنى قوله تعالى‪{ :‬وَإِنْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لم يصرح ال تعالى بالضرب في كتابه إل في الحدود‪ ،‬وهنا في ضرب الناشر‪ ،‬وهذا دليل على‬
‫أن عصيان الزوجة لزوجها حرام‪ ،‬ويشهد لهذا حديث‪" :‬إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت‬
‫عليه لعنتها الملئكة حتى تصبح" ‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ 2‬لحديث مسلم في خطبة الوداع‪ ،‬إذ فيه‪" :‬واتقوا ال في النساء فإنهن عندكم عوام ولكم عليهن أن‬
‫ل يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه‪ ،‬فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح‪ ،‬ولهن رزقهن وكسوتهن‬
‫بالمعروف"‪.‬‬
‫‪ 3‬روى أبو داود‪ ،‬والنسائي‪ ،‬وابن ماجة‪ ،‬أنه لما قال الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل تضربوا‬
‫إماء ال" ‪ .‬فجاء عمر وقال‪ :‬يا رسول ال ذئرت النساء على أزواجهن فرخص صلى ال عليه‬
‫وسلم في ضربهن‪ ،‬فأطاف بآل رسول ال نساء كثير يشتكين أزواجهن‪ .‬فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪" :‬لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشتكين من أزواجهن ليس أولئك بخياركم" ومعنى‬
‫ذئرت النساء‪ :‬أي‪ :‬نشزت وتغير خلقهن‪ ،‬أي‪ :‬نشزن وأجترأن‪ ،‬والجتراء هنا أولى بالمعنى‪.‬‬

‫( ‪)1/474‬‬

‫شقَاقَ بَيْ ِن ِهمَا} ‪ ،‬و الخوف هنا بمعنى‪ :‬التوقع الكيد بما ظهر من علمات ولح من دلئل‬
‫خفْتُمْ ِ‬
‫ِ‬
‫حكَما مِنْ َأهِْلهَا} ‪ ،‬لنهما أعرف بحال‬
‫حكَما مِنْ أَهْلِ ِه َو َ‬
‫فيعالج الموقف قبل التأزم الشديد {فَا ْبعَثُوا َ‬
‫الزوجين من غيرهما وقوله تعالى‪{ :‬إِنْ يُرِيدَا ِإصْلحا} فإنه يعني الحكمين‪ُ { ،‬ي َوفّقِ اللّهُ بَيْ َن ُهمَا} ‪،‬‬
‫أي‪ :‬إن كان قصدهما الصلح والجمع بين الزوجين وإزالة الشقاق والخلف بينهما فإن ال تعالى‬
‫يعينهما على مهمتهما ويبارك في مسعاهما ويكلله بالنجاح‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيما‬
‫خَبِيرا} ‪ .‬ذكر تعليلً لما واعد به تعالى من التوفيق بين الحكمين‪ ،‬إذ لو لم يكن عليما خبيرا ما‬
‫عرف نيات الحكمين وما يجري في صدورهما من إرادة الصلح أو الفساد‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير مبدأ القيومية للرجال على النساء وبخاصة الزوج على زوجته‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب إكرام الصالحات والحسان إليهن‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان علج مشكلة نشوز ‪ 1‬الزوجة وذلك بوعظها أولً ثم هجرانها في الفراش ثانيا‪.‬‬
‫‪ -4‬ل يحل اختلف السباب وإيجاد مبررات لذية المرأة بضرب وبغيره‪.‬‬
‫‪ -5‬مشروعية التحكيم في الشقاق بين الزوجين وبيان ذلك‪.‬‬
‫حسَانا وَبِذِي ا ْلقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي‬
‫{وَاعْبُدُوا اللّ َه وَل ُتشْ ِركُوا ِبهِ شَيْئا وَبِا ْلوَالِدَيْنِ إِ ْ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حبّ مَنْ كَانَ‬
‫ل َومَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُنكُمْ إِنّ اللّهَ ل ُي ِ‬
‫حبِ بِا ْلجَ ْنبِ وَابْنِ السّبِي ِ‬
‫ب وَالصّا ِ‬
‫ا ْلقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُ ُن ِ‬
‫ن وَيَ ْأمُرُونَ‬
‫مُخْتَالً فَخُورا(‪ )36‬الّذِينَ يَبْخَلُو َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬النشوز‪ :‬العصيان‪ ،‬مأخوذ من النشز‪ ،‬وهو ما ارتفع من الرض‪ ،‬ويقال‪ :‬نشز الرجل ينشز إذا‬
‫كان قاعدا فنهض قائما‪ .‬ومنه قوله تعالى‪{ :‬وَإِذَا قِيلَ ا ْنشُزُوا فَا ْنشُزُوا} ‪ ،‬أي‪ :‬ارتفعوا وقوموا‪.‬‬
‫فنشوز المرأة‪ :‬ترفعها عن طاعة الزوج‪.‬‬

‫( ‪)1/475‬‬

‫عذَابا ُمهِينا(‪ )37‬وَالّذِينَ يُ ْن ِفقُونَ‬


‫خلِ وَ َيكْتُمُونَ مَا آتَا ُهمُ اللّهُ مِنْ َفضْلِ ِه وَأَعْتَدْنَا ِل ْلكَافِرِينَ َ‬
‫النّاسَ بِالْ ُب ْ‬
‫س وَل ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَل بِالْ َيوْمِ الخِ ِر َومَنْ َيكُنِ الشّيْطَانُ َلهُ قَرِينا فَسَاءَ قَرِينا(‪)38‬‬
‫َأ ْموَاَلهُمْ رِئَاءَ النّا ِ‬
‫َومَاذَا عَلَ ْيهِمْ َلوْ آمَنُوا بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الخِرِ وَأَنْ َفقُوا ِممّا رَ َز َقهُمُ اللّ ُه َوكَانَ اللّهُ ِبهِمْ عَلِيما(‪})39‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{وَاعْبُدُوا اللّهَ‪ : }1‬الخطاب للمؤمنين ومعنى‪ :‬اعبدوا‪ :‬أطيعوه في أمره ونهيه مع غاية الذل والحب‬
‫والتعظيم له عز وجل‪.‬‬
‫{وَل تُشْ ِركُوا بِهِ‪ 2‬شَيْئا} ‪ :‬أي‪ :‬ل تعبدوا معه غيره بأي نوع من أنواع العبادات التي تعبد ال‬
‫تعالى بها عباده من دعاء وخشية وذبح ونذر وركوع وسجود وغيرها‪.‬‬
‫{وَبِذِي ا ْلقُرْبَى} ‪ :‬أصحاب القرابات‪.‬‬
‫{وَابْنِ السّبِيلِ} ‪ :‬المسافر استضاف أو لم يستضف‪.‬‬
‫{وَالْجَارِ ذِي ا ْلقُرْبَى ‪ : }3‬أي‪ :‬القريب لنسب أو مصاهرة‪.‬‬
‫{وَالْجَارِ الْجُ ُنبِ} ‪ :‬أي‪ :‬الجنبي مؤمنا كان أو كافرا‪.‬‬
‫حبِ بِا ْلجَ ْنبِ} ‪ :‬الزوجة‪ ،‬والصديق الملزم؛ كالتلميذ والرفيق في السفر‪.‬‬
‫{وَالصّا ِ‬
‫{ َومَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُن ُكمْ} ‪ :‬من الرقاء العبيد فتيان وفتيات‪.‬‬
‫{مُخْتَالً َفخُورا} ‪ :‬الختيال‪ :‬الزهو في المشي‪ ،‬والفخر والفتخار بالحسب والنسب والمال بتعداد‬
‫ذلك وذكره‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذه الية محكمة إجماعا ل نسخ فيها البتة‪ ،‬وتسمى آية الحقوق العشرة‪.‬‬
‫‪ 2‬الشرك ثلثة أنواع‪ :‬شرك في ربوبية ال تعالى للعالمين‪ .‬شرك في أسماؤه تعالى وصفاته‪.‬‬
‫وشرك في عبادته تعالى‪ .‬والشرك بأنواعه الثلثة من الذنب الذي ل يغفر لصاحبه إل بالتوبة‬
‫الصادقة منه‪ .‬ومن شرك العبادة‪ :‬الرياء‪.‬‬
‫‪ 3‬قالت عائشة رضي ال عنها‪ :‬يا رسول ال إن لي جارين فإلى أيهما أهدي‪ .‬فقال‪" :‬إلى أقربهما‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫منك بابا" والجيران الثلثة‪ :‬جار له ثلثة حقوق‪ .‬وجار له حقان‪ .‬وجار له حق واحد‪ .‬فالجار الذي‬
‫له ثلثة حقوق‪ :‬فالجار المسلم القريب؛ حق الجوار‪ ،‬وحق القرابة‪ ،‬وحق السلم‪ .‬والجار الذي له‬
‫حقان‪ :‬فالجار المسلم له حق الجوار‪ ،‬وحق السلم‪ .‬والجار الذي له حق واحد‪ :‬هو الكافر له حق‬
‫الجواز‪.‬‬

‫( ‪)1/476‬‬

‫{يَ ْبخَلُونَ} ‪ :‬يمنعون الواجب بذله من المعروف مطلقا‪.‬‬


‫{وَ َيكْ ُتمُونَ} ‪ :‬يجحدون ما أعطاهم ال من علم ومال تفضلً منه عليهم‪.‬‬
‫{قَرِينا} ‪ :‬القرين‪ :‬الملزم الذي ل يفارق صاحبه مشدود معه بقرن‪ ،‬أي بحبل‪.‬‬
‫{ َومَاذَا عَلَ ْي ِهمْ‪ : }1‬أي‪ :‬أي شيء يضرهم أو ينالهم بمكروه إذا هم آمنوا؟‪.‬معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في هداية المؤمنين‪ ،‬وبيان الحكام الشرعية لهم ليعملوا بها فيكملوا‬
‫ويسعدوا‪ ،‬ففي الية الولى(‪ )36‬يأمر تعالى المؤمنين بعبادته وتوحيده ‪ 2‬فيها وبالحسان ‪ 3‬إلى‬
‫الوالدين وذلك بطاعتهم في المعروف وإسداء الجميل لهم‪ ،‬ودفع الذى عنهم‪ ،‬وكذا القرباء‪،‬‬
‫واليتامى‪ ،‬والمساكين‪ ،‬والجيران ‪ 4‬مطلقا أقرباء أو أجانب‪ ،‬والصاحب الملزم الذي ل يفارق؛‬
‫كالزوجة والمرافق في السفر والعمل والتلمذة والطلب‪ ،‬ونحو ذلك من الملزمة التي ل تفارق إل‬
‫نادرا‪ ،‬إذ الكل يصدق عليه لفظ الصاحب بالجنب‪ .‬وكذا ابن السبيل وما ملكت اليمين من أمة أو‬
‫عبد والمذكورون الحسان إليهم آكد وإل فالحسان معروف يبذل لكل الناس كما قال تعالى‪:‬‬
‫حبّ مَنْ‬
‫حبّ ا ْل ُمحْسِنِينَ} وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ ل ُي ِ‬
‫حسِنُوا إِنّ اللّهَ يُ ِ‬
‫حسْنا} ‪ ،‬وقال {وَأَ ْ‬
‫{ َوقُولُوا لِلنّاسِ ُ‬
‫كَانَ مُخْتَالً فَخُورا} دال على أن منع الحسان الذي هو كف الذى وبذل المعروف ناتج عن خلق‬
‫البخل والكبر وهما من شر الخلق هذا ما دلت عليه الية الولى(‪.)36‬‬
‫وأما الية الثانية(‪ )37‬وقد تضمنت بمناسبة ذم البخل والكبر والتنديد ببخل بعض أهل الكتاب‬
‫خلِ‬
‫ن وَيَ ْأمُرُونَ النّاسَ بِالْ ُب ْ‬
‫وكتمانهم الحق وهو ناتج عن بخلهم أيضا قال تعالى‪{ :‬الّذِينَ‪ 5‬يَبْخَلُو َ‬
‫وَ َيكْ ُتمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ َفضْلِه} أي‪ :‬من مال وعلم وقد كتموا نُعوت النبي‬
‫__________‬
‫‪ 1‬تفهام هنا إنكاري توبيخي‪.‬‬
‫‪ 2‬التوحيد ضد الشرك‪ ،‬وقد ورد في الشرك تحذيرا منه أحاديث صحاح منها حديث مسلم يقول‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬قال ال تبارك وتعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك‪ ،‬فمن عمل‬
‫عملً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" ‪.‬‬
‫‪ 3‬قرن تعالى في غير آية عبادته بالحسان إلى الوالدين نظرا إلى أن ال تعالى خلق ورزق فهو‬
‫أحق بالطاعة‪ ،‬وأن الوالدين تكون الولد منهما وربياه في صغره‪ ،‬فكانت المنة لهما بعد ال تعالى‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 4‬صح في الحسان إلى الجار العديد من الحاديث منها‪" :‬ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى‬
‫ظننت أنه سيورثه" ‪ ،‬ومنها‪" :‬من كان يؤمن بال واليوم الخر فيكرم جاره" ‪ ,‬ومنها‪" :‬وال ل‬
‫يؤمن‪ .‬فقيل من‪ :‬قال‪ :‬من ل يؤمن جاره بوائقه"‪.‬‬
‫‪ 5‬البخل المذموم شرعا‪ :‬هو المتناع من أداء الحقوق الواجبة‪ .‬والشح‪ :‬بخل مع حرص‪ ،‬وهو شر‬
‫من مجرد البخل‪.‬‬

‫( ‪)1/477‬‬

‫صلى ال عليه وسلم وصفاته الدالة عليه في التوراة والنجيل‪ ،‬وبخلوا بأموالهم وأمروا بالبخل‬
‫بها‪ ،‬إذ كانوا يقولون للنصار ل تنفقوا أموالكم على محمد فإنا نخشى عليكم الفقر‪ ،‬وخبر‬
‫عذَابا ُمهِينا}‬
‫الموصول الذين محذوف تقديره هم الكافرون حقا دل عليه قوله‪{ :‬وَأَعْ َتدْنَا ‪ِ 1‬ل ْلكَافِرِينَ َ‬
‫‪ .‬هذا ما جاء في هذه الية الثانية‪.‬‬
‫أما اليتان الثالثة(‪ )38‬والرابعة(‪ )39‬فإن الولى منهما قد تضمنت بيان حال أناس آخرين غير‬
‫اليهود وهم المنافقون فقال تعالى‪{ :‬وَالّذِينَ يُ ْن ِفقُونَ َأ ْموَاَلهُمْ رِئَاءَ النّاسِ} أي‪ :‬مراءاة لهم ليتقوا بذلك‬
‫المذمة ويحصلوا على المحمدة‪{ .‬وَل ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَل بِالْ َيوْمِ الخِرِ} ‪ .‬لنهم كفار مشركون وإنما‬
‫أظهروا السلم تقية فقط‪ ،‬ولذا كان إنفاقهم رياء ل غير‪ .‬وقوله‪َ { :‬ومَنْ َيكُنِ الشّيْطَانُ َلهُ قَرِينا‬
‫فَسَاءَ قَرِينا} أي‪ :‬بئس القرين له الشيطان وهذه الجملة‪َ { :‬ومَنْ َيكُنِ الشّيْطَانُ‪ }...‬دالة على خبر‬
‫الموصول المحذوف اكتفى بها عن ذكره كما في الموصول الول وقد يقدر بمثل‪ :‬الشيطان ‪2‬‬
‫قرينهم‪ ،‬هو الذي زين لهم الكفر بال واليوم الخر‪.‬‬
‫هذا ما تضمنته الية الثانية(‪ )39‬وهي قوله تعالى { َومَاذَا عَلَ ْي ِهمْ ‪َ 3‬لوْ آمَنُوا بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الخِرِ‬
‫وَأَنْ َفقُوا ِممّا رَ َز َقهُمُ اللّهُ} فقد تضمنت النكار والتوبيخ لولئك المنافقين الذين ينفقون رياء الناس‬
‫ول يؤمنون بال ول باليوم الخر بسب فتنة الشيطان لهم وملزمته إياهم‪ ،‬فقال تعالى‪َ { :‬ومَاذَا‬
‫عَلَ ْيهِمْ} أي‪ :‬أي شيء يضرهم أو أي أذى يلحقهم في العاجل أو الجل‪ ،‬لو صدقوا ال ورسوله‬
‫وأنفقوا في سبيل ال مما رزقهم ال‪ ،‬وفي الخطاب دعوة ربانية لهم لتصحيح إيمانهم واستقامتهم‬
‫بالخروج من دائرة النفاق التي أوقعهم فيها القرين عليه لعائن ال‪ ،‬فلذا لم يذكر تعالى وعيدا لهم‪،‬‬
‫وإنما قال‪َ { :‬وكَانَ اللّهُ ِبهِمْ عَلِيما} وفي هذه تخويف لهم من سوء حالهم إذا استمروا على نفاقهم‬
‫فإن علم ال بهم يستوجب الضرب على أيديهم إن لم يتوبوا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أصل‪{ :‬اعتدن} أعددن‪ ،‬أبدلت الدال الولى تاء لثقل الدالين عند فك الدغام‪ ،‬أما مع الدغام فل‬
‫إبدال‪ ،‬نحو‪ :‬أعد‪ ،‬ومنه العتاد الحربي‪ ،‬وهو عدة السلح‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 2‬أو فقرينهم الشيطان‪.‬‬
‫‪ 3‬ماذا‪ :‬اسم استفهام بمعنى‪ :‬أي شيء‪ ،‬ويجوز أن تكون ما مبتدأ‪ ،‬وذا خبره‪ ،‬وهو بمعنى‪ :‬الذي‪.‬‬

‫( ‪)1/478‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عشرة حقوق والمر بأدائها فورا وهي عبادة ال وحده والحسان بالوالدين‪ ،‬وإلى كل‬
‫المذكورين ‪ 1‬في الية الولى‪.‬‬
‫‪ -2‬ذم الختيال ‪ 2‬الناجم عن الكبر وذم الفخر وبيان كره ال تعالى لهما‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة البخل ‪ 3‬والمر به وحرمة كتمان العلم وخاصة الشرعي منه‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة الرياء وذم صاحبها‪.‬‬
‫‪ -5‬ذم قرناء السوء لما يأمرون به ويدعون إليه قرنائهم حتى قيل‪:‬‬
‫عن المرء ل تسأل وسل عن قرينه ‪ ...‬فكل قرين بالمقارن يقتدى‬
‫{إِنّ اللّهَ ل يَظِْلمُ مِ ْثقَالَ‪ 4‬ذَ ّر ٍة وَإِنْ َتكُ حَسَنَةً ُيضَاعِ ْفهَا وَ ُيؤْتِ مِنْ َلدُنْهُ َأجْرا عَظِيما(‪َ )40‬فكَ ْيفَ إِذَا‬
‫صوُا الرّسُولَ‬
‫ع َ‬
‫شهِيدا(‪َ )41‬ي ْومَئِذٍ َيوَدّ الّذِينَ َكفَرُوا وَ َ‬
‫شهِي ٍد وَجِئْنَا ِبكَ عَلَى َهؤُلءِ َ‬
‫جِئْنَا مِنْ ُكلّ ُأمّةٍ ِب َ‬
‫سوّى ِبهِ ُم الَ ْرضُ وَل َيكْ ُتمُونَ اللّهَ حَدِيثا(‪})42‬‬
‫َلوْ تُ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الظلم ‪ :‬وضع شيء في غير موضعه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أخص المملوك بذكر ما ورد فيه‪ ،‬ففي مسلم يقول صلى ال عليه وسلم‪" :‬للمملوك طعامه‬
‫وشرابه وكسوته‪ ،‬ول يكلف من العمل ما ل يطيق" ‪ ،‬وقال‪" :‬ل يقل أحدكم‪ :‬عبدي‪ ،‬وأمتي‪ .‬بل‬
‫يقل‪ :‬فتاي‪ ،‬وفتاتي" ‪ ،‬وفي هذا مراعاة لجانب التوحيد‪ ،‬ومراعاة لشعور المملوك حتى ل يرى أنه‬
‫مهان مستضعف‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم في فضل العبد الصالح‪ " :‬للعبد المملوك المصلح‬
‫أجران"‬
‫‪ 2‬الختيال من أكبر الذنوب‪ ،‬وفي الحديث الصحيح‪" :‬أن ال ل ينظر إلى من جر ثوبه خيلء "‪.‬‬
‫‪ 3‬شاهده قوله صلى ال عليه وسلم‪ " :‬وأي داء أدوأ من البخل "‪ ،‬وقال‪" :‬إ ياكم والشح فإنه أهلك‬
‫من كان قبلكم‪ ،‬أمرهم بالقطيعة فقطعوا‪ ،‬وأمرهم بالفجور ففجروا" ‪ ،‬وفي رواية‪ " :‬حملهم على أن‬
‫سفكوا دمائهم واستحلوا محارمهم" ‪.‬‬
‫‪ 4‬نصب {مِ ْثقَال} على المفعولية المطلقة‪ ،‬إذ التقدير‪" :‬ل يظلمون ظلما مقدرا بمثقال ذرة‪،‬‬
‫والمثقال‪ :‬ما يظهر به الثقل‪ ،‬فهو كاسم الله "مفعال" والمراد به المقدار‪ ،‬والذرة بيضة النملة"‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/479‬‬

‫{مِ ْثقَالَ ذَ ّرةٍ} ‪ :‬المثقال‪ :‬الوزن مأخوذ من الثقل فكل ما يوزن فيه ثقل‪ ،‬والذرة أصغر حجم في‬
‫الكون حتى قيل إنه الهباء أو رأس النملة‪.‬‬
‫الحسنة ‪ :‬الفعلة الجميلة من المعروف‪.‬‬
‫ع ْفهَا} ‪ :‬يريد فيها ضعفها‪.‬‬
‫{ ُيضَا ِ‬
‫{مِنْ َلدُنْهُ} ‪ :‬من عنده‪.‬‬
‫{َأجْرا عَظِيما} ‪ :‬جزاء كبيرا وثوابا عظيما‪.‬‬
‫الشهيد ‪ :‬الشاهد على الشيء لعلمه به‪.‬‬
‫{ َيوَدّ} ‪ :‬يحب‪.‬‬
‫سوّى ِبهِمُ الَرْضُ} ‪ :‬يكونون ترابا مثلها‪.‬‬
‫{تُ َ‬
‫حدِيثا} ‪ :‬أي‪ :‬ل يخفون كلما‪.‬‬
‫{وَل َيكْ ُتمُونَ اللّهَ َ‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما أمر تعالى في اليات السابقة بعبادته والحسان إلى من ذكر من عباده‪ .‬وأمر بالنفاق في‬
‫سبيله‪ ،‬وندد بالبخل والكبر والفخر‪ ،‬وكتمان العلم‪ ،‬وكان هذا يتطلب الجزاء بحسبه خيرا أو شرا‬
‫عفْهَا وَ ُي ْؤتِ مِنْ َلدُنْهُ َأجْرا‬
‫ذكر في هذه الية(‪{ )40‬إِنّ اللّ َه ل َيظْلِمُ‪ 1‬مِ ْثقَالَ ذَ ّرةٍ وَإِنْ َتكُ حَسَ َنةً ُيضَا ِ‬
‫عَظِيما} ‪ ،‬ذكر عدله في المجازاة ورحمته‪ ،‬فأخبر أنه عند الحساب ل يظلم عبده وزن ذرة وهي‬
‫أصغر شيء وذلك بأن ل ينقص من حسناته حسنة‪ ،‬ول يزيد في سيئاته سيئة‪ ،‬وإن توجد لدى‬
‫مؤمن حسنة واحدة يضاعفها بأضعاف يعلمها هو ويعط من عنده بدون مقابل أجرا عظيما ل‬
‫يقادر قدره‪ ،‬فلله الحمد والمنة‪ .‬هذا ما تضمنته الية الولى(‪ ،)40‬أما الية الثانية(‪ )41‬فإنه تعالى‬
‫لما ذكر الجزاء والحساب الدال عليه السياق ذكر ما يدل على هول يوم الحساب وفظاعة المر‬
‫شهِي ٍد وَجِئْنَا ِبكَ‬
‫فيه‪ ،‬فخاطب رسوله صلى ال عليه وسلم قائلً‪َ { :‬فكَيْف ‪ 2‬إِذَا جِئْنَا مِنْ ُكلّ ُأمّةٍ ِب َ‬
‫شهِيدا} ؟ ومعنى الية‪ :‬فكيف تكون حال أهل الكفر والشر والفساد إذا جاء ال تعالى‬
‫عَلَى َهؤُلءِ َ‬
‫بشهيد من كل أمة ليشهد ‪ 3‬عليهما فيما أطاعت وفيما عصت‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى عن ابن مسعود‪ ،‬وابن عباس‪" :‬أن هذه الية إحدا آيات هي خير مما طلعت عليه الشمس"‬
‫ووجه ذلك في حديث الشفاعة في صحيح مسلم‪ ،‬إذ فيه‪" :‬ثم يقول لهم ارجعوا فمن وجدتم في قلبه‬
‫مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها‪- ،‬أي‪ :‬النار –‬
‫خيرا" ‪.‬‬
‫‪ 2‬كيف فتحت فاؤها للتقاء الساكنين‪ ،‬إذ المفروض فيها أنها ساكنة وهي هنا في محل نصب‪ ،‬إذ‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫التقدير‪ :‬تكون حالهم كيف‪.‬‬
‫‪ 3‬هو رسولها الذي أرسل إليها‪.‬‬

‫( ‪)1/480‬‬

‫ليتم الحساب بحسب البينات والشهود والجزاء بحسب الكفر واليمان والمعاصي والطاعات‪ ،‬وجئنا‬
‫بك أيها الرسول الخليل صلى ال عليه وسلم شهيدا على هؤلء‪ ،‬أي‪ :‬على أمته صلى ال عليه‬
‫وسلم من آمن به ومن كفر‪ ،‬إذ يشهد أنه بلغ رسالته وأدى أمانته صلى ال عليه وسلم‪ .‬هذا ما‬
‫تضمنته الية الثانية‪ ،‬أما الية الثالثة(‪ )42‬فإنه تعالى لما ذكر ما يدل على هول يوم القيامة في‬
‫الية(‪ )41‬ذكر مثلً لذلك الهول وهو أن الذين كفروا يودون وقد عصوا الرسول لو يسوون‬
‫بالرض فيكونون ترابا حتى ل يحاسبوا ول يجزوا بجهنم‪ .‬وأنهم في ذلك اليوم ل يكتمون ال‬
‫كلما؛ إذ جوارحهم تنطق فتشهد عليهم‪ .‬قال تعالى‪َ { :‬ي ْومَئِذٍ} أي‪ :‬يوم يؤتى من كل أمة بشهيد { َيوَدّ‬
‫سوّى ‪ِ 1‬ب ِه ُم الَ ْرضُ} فيكونون ترابا مثلها ‪ .2‬مرادهم أن يسووا‬
‫عصَوُا الرّسُولَ َلوْ تُ َ‬
‫الّذِينَ َكفَرُوا وَ َ‬
‫هم بالرض فيكونون ترابا وخرج الكلم على معنى‪ :‬أدخلت رأسي في القلنسوة‪ ،‬والصل‪ :‬أدخلت‬
‫القلنسوة في رأسي‪ ،‬وقوله {وَل َيكْ ُتمُونَ اللّهَ حَدِيثا} إخبار عن عجزهم عن كتمان شيء عن ال‬
‫تعالى؛ لن جوارحهم تشهد عليهم بعد أن يختم على أفواههم‪ ،‬كما قال تعالى من سورة يس {الْ َيوْمَ‬
‫شهَدُ أَ ْرجُُلهُمْ ِبمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ} ‪.‬‬
‫نَخْ ِتمُ عَلَى َأ ْفوَا ِههِ ْم وَ ُتكَّلمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَ ْ‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان عدالة ال تعالى ورحمته ومزيد فضله‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان هول يوم القيامة حتى إن الكافر ليود أن لو سويت به الرض فكان ترابا‪.‬‬
‫‪ -3‬معرفة رسول ال صلى ال عليه وسلم بآثار الشهادة على العبد بيوم القيامة إذ أخبر عبد ال‬
‫بن مسعود رضي ال عنه‪ ،‬أنه قال له رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما‪" :‬اقرأ عليّ القرآن‪،‬‬
‫فقلت أقرأ عليك وعليك أنزل؟ فقال‪ :‬أحب أن أسمعه من غيري‪ .‬قال‪ :‬فقرأت‪{ :‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ ا ّتقُوا‬
‫شهِيدٍ} الية‪ ،‬وإذا عينا رسول ال‬
‫رَ ّبكُمُ} حتى وصلت هذه الية‪َ { :‬فكَ ْيفَ‪ِ 3‬إذَا جِئْنَا مِنْ ُكلّ ُأمّةٍ بِ َ‬
‫صلى ال عليه وسلم تذرفان الدموع ‪ 4‬وهو يقول‪ :‬حسبك‪ .‬أي‪ :‬كفاك ما قرأت عليّ"‪.‬‬
‫__________‬
‫سوّى} بتشديد كل من السين والواو مع فتح التاء في السبع‪ ،‬وقرئت أيضا‪{ :‬تَسوى}‬
‫‪ 1‬قرئت‪{ :‬ت ّ‬
‫بفتح التاء وتخفيف السين وتشديد الواو‪ ،‬وبضم التاء وتشديد الواو‪.‬‬
‫‪ 2‬أي‪ :‬تمنوا لو انفتحت لهم الرض فساخوا فيها فتكون الباء بمعنى‪ :‬على‪ ،‬أي‪ :‬لو تسوى عليهم‪،‬‬
‫أي‪ :‬تنشق فتسوى عليهم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 3‬الستفهام للتعجب من حال الناس في عرصات القيامة‪ ،‬وقد جيء بالشهود‪{ :‬وَأُزِْل َفتِ الْجَنّةُ‬
‫لِ ْلمُ ّتقِينَ* وَبُرّ َزتِ ا ْلجَحِيمُ لِ ْلغَاوِينَ} ‪.‬‬
‫‪ 4‬إن بكاء الرسول صلى ال عليه وسلم هنا لسببين‪ :‬الول‪ :‬المسرة التي نالته بتشريف ال تعالى‬
‫له في هذا المشهد العظيم‪ ،‬حيث يؤتى به شهيدا على أمته‪ ،‬ل يعرف عدد أفرادها إل ال خالقها‪،‬‬
‫ويدخل الجنة بشهادته عدد ل يحصى‪ .‬والثاني‪ :‬السى والسف الذي يلحقه من رؤيته أعدادا هائلة‬
‫من أمته يدخلون النار بشهادته عليهم‪ .‬واليكاء‪ :‬يكون للمسرة والحزن معا‪.‬‬

‫( ‪)1/481‬‬

‫ن وَل جُنُبا إِل عَابِرِي‬


‫سكَارَى حَتّى َتعَْلمُوا مَا َتقُولُو َ‬
‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َتقْرَبُوا الصّلةَ وَأَنْ ُتمْ ُ‬
‫حدٌ مِ ْنكُمْ مِنَ ا ْلغَا ِئطِ َأوْ لمَسْتُمُ النّسَاءَ‬
‫سفَرٍ َأوْ جَاءَ أَ َ‬
‫سَبِيلٍ حَتّى َتغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَ ْرضَى َأوْ عَلَى َ‬
‫غفُورا(‪})43‬‬
‫ع ُفوّا َ‬
‫صعِيدا طَيّبا فَامْسَحُوا ِب ُوجُو ِهكُ ْم وَأَيْدِيكُمْ إِنّ اللّهَ كَانَ َ‬
‫فَلَمْ َتجِدُوا مَاءً فَتَ َي ّممُوا َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ل َتقْرَبُوا} ‪ :‬ل تدنوا كناية عن الدخول فيها‪ ،‬أو ل تدنوا من مساجدها‪.‬‬
‫سكَارَى} ‪ :‬جمع سكران‪ ،‬وهو من شرب مسكرا فستر عقله وغطاه‪.‬‬
‫{ُ‬
‫{ َتعَْلمُوا مَا َتقُولُونَ} ‪ :‬لزوال السكر عنكم ببعد شربه عن قوت الصلة‪ ،‬وهذا كان قبل تحريم‬
‫الخمر وسائر المسكرات‪.‬‬
‫{وَل جُنُبا‪ : }1‬الجنب‪ :‬من به جنابة وللجنابة سببان جماع‪ ،‬أو احتلم‪.‬‬
‫{عَابِرِي ‪ 2‬سَبِيلٍ} ‪ :‬مارين بالمسجد مرورا بدون جلوس فيه‪.‬‬
‫{ا ْلغَا ِئطِ} ‪ :‬المكان المنخفض للتغوط‪ :‬أي‪ :‬التبرز فيه‪.‬‬
‫{لمَسْتُمُ النّسَاءَ} ‪ :‬جامعتموهن‪.‬‬
‫صعِيدا طَيّبا} ‪ :‬اقصدوا ترابا طاهرا‪.‬‬
‫{فَتَ َي ّممُوا َ‬
‫غفُورا} ‪ :‬عفوا‪ :‬ل يؤاخذ على كل ذنب‪ ،‬غفورا‪ :‬كثير المغفرة لذنوب عباده التائبين إليه‪.‬‬
‫ع ُفوّا َ‬
‫{َ‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫ل شك أن لهذه الية سببا نزلت بمقتضاه‪ ،‬وهو أن عبد الرحمن بن عوف رضي ال عنه‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬ول جُنبا} هذا معطوف على محل جملة‪{ :‬حتى َتعْلَموُا} أي‪ :‬ل تصلوا‪ ،‬وقد أجنبتم‪ ،‬لفظ‪:‬‬
‫الجنب‪ ،‬ل يؤنث ول يثنى ول يجمع؛ لنه على وزن المصدر؛ كالقرب والبعد‪ ،‬يقال‪ :‬هو جنب‪،‬‬
‫وهي جنب‪ ،‬وهم جنب‪ ،‬وهن جنب‪ ،‬بل فرق‪.‬‬
‫‪ 2‬يقال‪ :‬عبرت الطريق‪ .‬إذا قطعته من جانب إلى جانب آخر‪ ،‬وعبرت النهر كذلك‪ ،‬والمعبر‪ :‬ما‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يعبر عليه من سفينة ونحوها‪ ،‬وناقة عبر أسفار‪ ،‬ل يزال يسافر عليها ويقطع بها الفلة‪ ،‬والهاجرة‪:‬‬
‫لسرعة مشيها‪.‬‬

‫( ‪)1/482‬‬

‫حسب رواية الترمذي أقام مأدبة لبعض الصحاب فأكلوا وشربوا وحضرت الصلة فقاموا لها‬
‫وتقدم أحدهم يصلي بهم‪ ،‬فقرأ بسورة الكافرون‪ ،‬وكان ثملن فقرا‪ :‬قل يا أيها الكافرون أعبد ما‬
‫تعبدون‪ ،‬وهذا باطل قراءته بحذف حروف النفي فنزلت‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ‪ 1‬آمَنُوا‪ }....‬أي‪ :‬يا من‬
‫صدقتكم بال ورسوله‪{ ،‬ل َتقْرَبُوا الصّلة} أي‪ :‬ل تدخلوا فيها‪ ،‬والحال أنكم سكارى من الخمر إذ‬
‫كانت يومئذ حللً غير حرام‪ ،‬حتى تكون عقولكم تامة تميزون بها الخطأ من الصواب فتعلموا ما‬
‫تقولون في صلتكم‪ .‬ول تقربوا مساجد الصلة للجلوس فيها‪ ،‬وأنتم جنب حتى تغتسلوا اللهم إل‬
‫من كان منكم عابر سبيل‪ ،‬إذ كانت طرق بعضهم إلى منازلهم على المسجد النبوي‪{ .‬وَإِنْ كُنْ ُتمْ‬
‫مَ ْرضَى} بجراحات يضرها الماء أو مرضى مرضا ل تقدرون معه على استعمال الماء للوضوء‬
‫حدٌ مِ ْنكُمْ مِنَ ا ْلغَا ِئطِ َأ ْو لمَسْتُمُ النّسَاءَ} بمضاجعهن أو‬
‫سفَرٍ‪َ 2‬أوْ جَاءَ أَ َ‬
‫علَى َ‬
‫أو الغسل‪ ،‬أو كنتم { َ‬
‫جدُوا مَاءً} تغتسلون به إن كنتم جنبا أو تتوضأون به إن كنتم‬
‫مستموهن بقصد الشهوة {فََلمْ تَ ِ‬
‫صعِيدا طَيّبا} أي‪ :‬اقصدوا ترابا طاهرا { فَامْسَحُوا ِبوُجُو ِه ُكمْ‬
‫محدثين حدثا أصغر {فَتَ َي ّممُوا َ‬
‫وَأَيْدِيكُمْ} مرة واحدة فإن ذلك مجزئ لكم عن الغسل والوضوء‪ ،‬فإن صح المريض أو وجد الماء‬
‫فاغتسلوا أو توضأوا ول تيمموا لنتفاء الرخصة بزوال المرض أو وجود الماء‪ .‬وقوله تعالى في‬
‫غفُورا} يخبر تعالى عن كماله المطلق فيصف نفسه بالعفو عن عباده‬
‫ع ُفوّا َ‬
‫ختام الية {إِنّ اللّهَ كَانَ َ‬
‫المؤمنين إذا خالفوا أمره‪ ،‬وبالمغفرة لذنوبهم إذا هم تابوا إليه‪ ،‬ولذا هو عز وجل لم يؤاخذهم لما‬
‫صلوا وهم سكارى لم يعرفوا ما يقولون‪ ،‬وغفر لهم وأنزل هذا القرآن تعليما لهم وهداية لهم‪.‬‬
‫هداية الية الكريمة‬
‫من هداية الية الكريمة‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير مبدأ النسخ للحكام الشرعية في القرآن والسنة‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة مكث ‪ 3‬الجنب في المسجد‪ ،‬وجواز العبور والجتياز بدون مكث‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى أبو داود في سننه‪" :‬أنه لما نزلت أية البقرة‪َ { :‬يسْألوُنَك عَنْ الخَمر والمَيِسْر} قال عمر‪:‬‬
‫اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا‪ ،‬ولما نزلت هذه الية من النساء قال‪ :‬اللهم بين لنا في الخمر‬
‫بيانا شافيا‪ ،‬ولما نزلت آية المائدة‪{ :‬فَهلْ أنْتم مُنتَهون} قال‪ :‬انتهينا يا ربنا"‪.‬‬
‫‪ 2‬هل السفر مبيح للتيمم‪ ،‬وإن وجد الماء؟ الجواب‪ :‬ل‪ .‬وإنما ذكر السفر؛ لن الغالب فيه أنه ل‬
‫يوجد ماء‪ .‬أما الحضر‪ :‬فالماء فيه قلما ينقطع ول يوجد‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 3‬يحرم قراءة القرآن على الجنب لحديث ابن ماجة وغيره‪" :‬ل يقرأ الجنب والحائض شيئا من‬
‫القرآن" ‪ ،‬وحديث الدارقطني‪" :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يحجبه عن قراءة القرآن‬
‫شيء إل أن يكون جنبا"‪.‬‬

‫( ‪)1/483‬‬

‫‪ -3‬وجوب الغسل على الجنب وهو من قامت به جنابة بأن احتلم فرأى الماء‪ ،‬أ جامع أهله فأولج‬
‫ذكره ‪ 1‬في فرج امرأته ولم لم ينزل ماء‪.‬‬
‫وكيفية الغسل‪ :‬أن يغسل كفيه قائلً‪ :‬بسم ال ناويا رفع الحدث الكبر ثم يستنجي فيغسل فرجيه‬
‫وما حولهما‪ ،‬ثم يتوضأ فيغسل كفيه ثلثا‪ ،‬ثم يتمضمض ويستنشق الماء‪ ،‬ويستثره ثلثا‪ ،‬ثم يغسل‬
‫وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه وأذنيه مرة واحدة ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثم يغمس‬
‫كفيه في الماء ثم يخلل أصول شعر رأسه‪ ،‬ثم يحثو الماء على رأسه بغسله بكل حثوة‪ ،‬ثم يفيض‬
‫الماء على شقه اليمن يغسله‪ ،‬ثم على شقه اليسر يغسله‪ .‬من أعله إلى أسفله‪ ،‬ويتعهد بالماء‬
‫إبطيه وكل مكان من جسمه ينبو عنه الماء كالسرة وتحت الركبتين ‪.2‬‬
‫‪ -4‬إذا لم يجد المرء التراب لمطر ونحوه تيمم بكل أجزاء الرض ‪ 3‬من رمل وسبخة وحجارة‬
‫والتيمم هو أن يضرب بكفه الرض ثم يمسح وجهه وكفيه بهما لحديث عمار رضي ال عنه في‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان عفو ال وغفرانه لعدم مؤاخذة من صلوا وهم سكارى‪.‬‬
‫{أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا َنصِيبا مِنَ ا ْلكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضّلَل َة وَيُرِيدُونَ أَنْ َتضِلّوا السّبِيلَ(‪ )44‬وَاللّهُ‬
‫ضعِهِ‬
‫عدَا ِئكُ ْم َو َكفَى بِاللّ ِه وَلِيّا َوكَفَى بِاللّهِ َنصِيرا(‪ )45‬مِنَ الّذِينَ هَادُوا ُيحَ ّرفُونَ ا ْلكَلِمَ عَنْ َموَا ِ‬
‫أَعْلَمُ بِأَ ْ‬
‫سمَ ٍع وَرَاعِنَا لَيّا بِأَ ْلسِنَ ِتهِمْ‬
‫سمَعْ غَيْرَ مُ ْ‬
‫عصَيْنَا وَا ْ‬
‫س ِمعْنَا وَ َ‬
‫وَيَقُولُونَ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لحديث مسلم‪ " :‬إذا جلس شعبها الربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل" ‪ ،‬أما حديث‬
‫مسلم‪ " :‬إنما الماء من الماء" فمنسوخ بالحديث المذكور أعله‪ ،‬وعلى هذا جماهير الصحابة‬
‫والتابعين والئمة الربعة‪.‬‬
‫‪ 2‬لحديث‪" :‬تحت كل شعرة جنابة اغلسوا الشعر وأنفقوا البشرة" ‪ .‬قال ابن عيينة‪" :‬المراد وأنفقوا‬
‫البشرة‪ :‬غسل الفرجين وتنظيفهما"‪.‬‬
‫‪ 3‬الجماع على جوا ز التيمم بالتراب المنبت الطاهر غير المنقول ول المغصوب‪ .‬والجماع على‬
‫عدم الجواز على الذهب والفضة والياقوت والزمرد والطعمة؛ كالخبز واللحم وغيرهما‪ .‬وكذا‬
‫النجاسات واختلف فيه غير ما ذكر؛ كالحجارة والسبخة والرمل وما إلى ذلك‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/484‬‬

‫سمَ ْع وَانْظُرْنَا َلكَانَ خَيْرا َل ُه ْم وََأ ْقوَ َم وََلكِنْ َلعَ َنهُمُ‬


‫طعْنَا وَا ْ‬
‫س ِمعْنَا وََأ َ‬
‫ن وََلوْ أَ ّنهُمْ قَالُوا َ‬
‫طعْنا فِي الدّي ِ‬
‫وَ َ‬
‫اللّهُ ِب ُكفْرِهِمْ فَل ُي ْؤمِنُونَ إِل قَلِيلً(‪})46‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{أََلمْ تَرَ} ‪ :‬ألم تبصر‪ ،‬أي‪ :‬بقلبك‪ ،‬أي‪ :‬تعلم‪.‬‬
‫{ َنصِيبا} ‪ :‬حظا وقسطا‪.‬‬
‫{يَشْتَرُونَ الضّلَلةَ} ‪ :‬أي‪ :‬الكفر باليمان‪.‬‬
‫{العداء} ‪ :‬جمع عدو‪ ،‬وهو يقف بعيدا عنك يود ضرك ويكره نفعك‪.‬‬
‫{هَادُوا} ‪ :‬أي‪ :‬اليهود‪ ،‬قيل لهم ذلك لقولهم‪{ :‬إِنّا هُدْنَا إِلَ ْيكَ} ‪ ،‬أي‪ :‬تبنا ورجعنا‪.‬‬
‫{ ُيحَ ّرفُونَ} ‪ :‬التحريف‪ :‬الميل بالكلم عن معناه إلى معنى باطل للتضليل‪.‬‬
‫{ا ْلكَِلمَ} ‪ :‬الكلم‪ ،‬وهو كلم ال تعالى في التوراة‪.‬‬
‫سمَعٍ} ‪ :‬أي‪ :‬اسمع ما تقول ل أسمعك ال‪ .‬وهذا كفر منهم صريح‪.‬‬
‫سمَعْ غَيْرَ مُ ْ‬
‫{وَا ْ‬
‫طعْنا فِي الدّينِ} ‪ :‬سبهم للرسول صلى ال عليه وسلم هو الطعن العظم في الدين‪.‬‬
‫{وَ َ‬
‫{وَانْظُرْنَا} ‪ :‬وأمهلنا حتى تسمع فتفهم‪.‬‬
‫{وََأ ْقوَمَ} ‪ :‬أعدل وأصوب‪.‬‬
‫{َلعَ َنهُمُ اللّهُ ِب ُكفْرِهِمْ} ‪ :‬طردهم من رحمته وأبعدهم من هداه بسبب كفرهم برسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫روي أن هذه اليات نزلت في رفاعة بن زيد بن التابوت أحد عظماء اليهود بالمدينة‪ ،‬كان إذا كلم‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم لوى لسانه‪ ،‬وقال‪ :‬راعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك‪ ،‬ثم طعن في‬
‫السلم وعليه فأنزل ال تعالى هذه اليات الثلث إلى قوله {فَل ُي ْؤمِنُونَ إِل قَلِيلً} ‪ ،‬وهذا شرحها‪:‬‬
‫قوله تعالى‪{ :‬أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا َنصِيبا مِنَ ا ْلكِتَابِ يَشْتَرُونَ‪ 1‬الضّللَ َة وَيُرِيدُونَ أَنْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬جملة‪{ :‬يَشْتَروُن} في محل نصب حالية‪ ،‬وهي بضميمة جملة‪{ :‬وأُوتوا َنصِيبا مِنَ الكِتاب}‬
‫فيكون مثار العجب في نفس السامع لن اشتراء العالم الضللة أمر عجب بل شك‪.‬‬

‫( ‪)1/485‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫َتضِلّوا السّبِيلَ} أي‪ :‬ألم ينته إلى علمك وإلى علم أصحابك ما يحملكم على التعجب‪ :‬العلم بالذين‬
‫أتوا نصيبا من الكتاب وهم‪ :‬رفاعة بن زيد وإخوانه من اليهود‪ ،‬أعطوا حظا من التوراة فعرفوا‬
‫صحة الدين السلمي‪ ،‬وصدق نبيه صلى ال عليه وسلم {يَشْتَرُونَ الضّللَةَ} وهو الكفر يشترونها‬
‫باليمان‪ ،‬حيث جحدوا نعوت النبي وصفاته في التوراة للبقاء على مركزهم بين قومهم يسودون‬
‫ويتفضلون‪ ،‬ويريدون مع ذلك أن تضلوا أيها المؤمنون السبيل سبيل الحق والرشد‪ ،‬وهو اليمان‬
‫عدَا ِئكُمْ} الذين يودون ضركم‬
‫بال ورسوله والعمل بطاعتهما للسعاد والكمال‪ { .‬وَاللّهُ أَعَْلمُ‪ 1‬بِأَ ْ‬
‫ول يودون نفعكم‪ ،‬ولذا أخبركم بهم لتعرفوهم وتجتنبوهم فتنجوا من مكرهم وتضليلهم‪َ { .‬و َكفَى بِاللّهِ‬
‫وَلِيّا} لكم تعتمدون عليه وتفوضون أموركم إليه { َو َكفَى بِاللّهِ َنصِيرا} ينصركم عليهم وعلى غيرهم‬
‫فاعبدوه وتوكلوا عليه‪{ .‬مِنَ‪ 2‬الّذِينَ هَادُوا يُحَ ّرفُونَ ا ْلكَلِمَ عَنْ َموَاضِعِهِ} أي‪ :‬هم من اليهود الذين‬
‫يحرفون الكلم عن مواضعه‪ ،‬والكلم هو كلم ال تعالى في التوراة‪ ،‬وتحريفه بالميل به عن‬
‫القصد‪ ،‬أو بتبديله وتغييره تضليلً للناس وإبعادا لهم عن الحق المطلوب منهم اليمان به والنطق‬
‫سمَعْ غَيْرَ‬
‫عصَيْنَا ‪ 3‬وَا ْ‬
‫س ِمعْنَا وَ َ‬
‫والعمل به‪ .‬ويقولون للنبي صلى ال عليه وسلك كفرا وعنادا { َ‬
‫سمَعٍ‪ ، }4‬أي‪ :‬ل أسمعك ال {وراعنا} وهي كلمة ظاهرها أنها من المراعاة وباطنها الطعن في‬
‫مُ ْ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬إذ اليهود يعدونها من الرعونة يقولونها لرسول ال صلى ال‬
‫طعْنا فِي‬
‫عليه وسلم سبا وشتما له قبحهم ال ولعنهم وقطع دابرهم‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬لَيّا بِأَلْسِنَ ِتهِمْ وَ َ‬
‫الدّينِ} أي‪ :‬يلوون ألسنتهم بالكلمة التي يسبون بخا حتى ل تظهر عليهم‪ ،‬ويطعنون بها رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫سمَ ْع وَا ْنظُرْنَا} أي‪ :‬انتظرنا بدل راعنا لكان خيرا‬
‫طعْنَا وَا ْ‬
‫س ِمعْنَا وَأَ َ‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬وََلوْ أَ ّنهُمْ قَالُوا َ‬
‫لهم وأقوم‪ ،‬أي‪ :‬أعدل وأكثر لياقة وأدبا‪ ،‬ولكن ل يقولون هذا؛ لن ال تعالى لعنهم وحرمهم من‬
‫كل توفيق بسبب كفرهم فهم ل يؤمنون إل قليلً‪ .‬أي‪ :‬إيمانا ل ينفعهم لقلته فهو ل يصلح أخلقهم‬
‫ول يطهر نفوسهم ول يهيئهم للكمال في الدنيا ول في الخرة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬جملة إعتراضية‪ ،‬وهي تحمل التعريض بأن إرادة اليهود تضليل المسلمين ناجمة عن عداوة‬
‫وحسد للمسلمين‪.‬‬
‫‪{ 2‬مِنَ الّذينَ هَادُوا} خبر لمبتدأ محذوف تقديره‪ :‬من الذين هادوا‪ ،‬جماعة يحرفون الكلم عن‬
‫مواضعه‪ ،‬و"من" تبعيضية‪.‬‬
‫‪ 3‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪" :‬إنهم كانوا يقولون‪ :‬سمعنا قولك وعصينا أمرك"‪.‬‬
‫سمَع غَيرْ مُسْمع} اسمع ل‬
‫‪ 4‬وعن ابن عباس رضي ال عنهما‪" :‬أن مرادهم من قولهم‪{ :‬وا ْ‬
‫سمعت"‪.‬‬

‫( ‪)1/486‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان مكر اليهود بالمؤمنين بالعمل على إضللهم في عهد النبوة وإلى اليوم‪.‬‬
‫‪ -2‬في كفاية ال للمؤمنين ونصرته ما يغنيهم أن يطلبوا ذلك من أحد غير ربهم عز وجل‪.‬‬
‫‪ -3‬اليمان ‪ 1‬القليل ل يجدي صاحبه ول ينفعه بحال‪.‬‬
‫س وُجُوها فَنَ ُردّهَا عَلَى‬
‫طمِ َ‬
‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ آمِنُوا ِبمَا نَزّلْنَا ُمصَدّقا ِلمَا َم َعكُمْ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ َن ْ‬
‫ت َوكَانَ َأمْرُ اللّهِ َمفْعُولً(‪})47‬‬
‫أَدْبَارِهَا َأوْ نَ ْلعَ َنهُمْ َكمَا َلعَنّا َأصْحَابَ السّ ْب ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{أُوتُوا ا ْلكِتَابَ} ‪ :‬اليهود والنصارى‪ ،‬والمراد بهم هنا اليهود ل غير‪.‬‬
‫{ ِبمَا نَزّلْنَا ُمصَدّقا} ‪ :‬القرآن‪.‬‬
‫س وُجُوها} ‪ :‬نذهب آثارها بطمس العين وإذهاب أحداقها‪.‬‬
‫طمِ َ‬
‫{ َن ْ‬
‫{فَنَرُدّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} ‪ :‬نجعل الوجه قفا‪ ،‬والقفا وجها‪.‬‬
‫{ َكمَا َلعَنّا َأصْحَابَ السّ ْبتِ} ‪ :‬لعنهم‪ :‬مسخهم قردة خزيا لهم وعذابا مهينا‪.‬‬
‫{ َوكَانَ َأمْرُ اللّهِ مَ ْفعُولً} ‪ :‬أمر ال‪ :‬مأموره كائن ل محالة لنه تعالى ل يعجزه شيء‪.‬معنى الية‬
‫الكريمة‪:‬‬
‫ما زال السياق في اليهود المجاورين للرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ففي هذه الية ناداهم ال‬
‫تبارك ‪2‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬شاهده قوله تعالى‪{ :‬فَل يؤمنون إل قَليل} هذا يصح إن كانت الجملة دالة على شيء من‬
‫اليمان‪ ،‬أما على رأي من يرى أن الكلم دال على نفي اليمان بالكلية فل دليل في الية على أن‬
‫قليل اليمان ل ينفع‪.‬‬
‫‪ 2‬قال القرطبي‪ :‬قال ابن إسحاق‪ :‬كلم رسول ال صلى ال عليه وسلم رؤساء من أحبار يهود‬
‫منهم‪ :‬عبد ال بن صوريا‪ ،‬وكعب بن أسد‪ ،‬وقال لهم‪" :‬يا معشر يهود اتقوا ال وأسلموا فوال إنكم‬
‫لتعلمون أن الذي جئتكم به الحق" ‪ .‬قالوا‪ :‬ما نعرف ذاك يا محمد‪ .‬وجحدوا ما عرفوا وأصروا‬
‫على الكفر‪ .‬فأنزل ال تعالى هذه الية‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ} ‪.‬‬

‫( ‪)1/487‬‬

‫وتعالى بعنوان العلم والمعرفة وهو نسبتهم إلى الكتاب الذي هو التوراة آمرا إياهم باليمان بكتابه‪،‬‬
‫أي‪ :‬القرآن الكريم وبمن أنزله عليه محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬إذ اليمان بالمنزل إيمان بالمنزل‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عليه ضمنا‪ .‬فقال‪{ :‬آمنوا} بالفرقان المصدق لما معكم من أصول الدين ونعوت الرسول والمر‬
‫باليمان به ونصرته خفوا إلى اليمان واتركوا التردد من قبل أن يحل بكم ما حل ببعض أسلفكم‬
‫س ُوجُوها‪ }1‬فنذهب حدقة أعينها وشاخص أنوفها‬
‫طمِ َ‬
‫حيث مسخوا قردة وخنازير {مِنْ قَ ْبلِ أَنْ نَ ْ‬
‫ونُغلق أفواهها فتصبح الوجوه أقفاء‪ ،‬والقفاء وجوها يمشون القهقراء وهو معنى قوله ‪ { :‬فَنَرُدّهَا‬
‫عَلَى أَدْبَارِهَا َأوْ نَ ْلعَ َن ُهمْ َكمَا َلعَنّا َأصْحَابَ السّ ْبتِ} أي‪ :‬الذين اعتدوا منكم في السبت حيث صادوا‬
‫فيه‪ ،‬وهو محرم عليهم فمسخهم قردة خاسئين‪َ { .‬وكَانَ َأمْرُ اللّهِ} أي‪ :‬مأموره { َمفْعُولً} ناجزا‪ ،‬ل‬
‫يتخلف ول يتأخر لن ال تعالى ل يعجزه شيء وهو على كل شيء قدير‪.‬‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬المفروض أن ذا العلم يكون أقرب إلى الهداية ‪ ،‬ولكن من سبقت شقوته لما يعلم ال تعالى من‬
‫اختياره الشر والصرار عليه ل ينفعه العلم‪ ،‬ول يهتدي به هؤلء اليهود الذين دعاهم ال تعالى‬
‫إلى اليمان فلم يؤمنوا‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب تعجيل التوبة قبل نزول العذاب وحلول ما ل يحب النسان من عذاب ونكال‪.‬‬
‫‪ -3‬قد يكون المسخ في الوجه بمسخ الفكار والعقول فتفسد حياة المرء وتسوء‪ ،‬وهذا الذي حصل‬
‫ليهود المدينة‪ .‬فنقضوا عهودهم فهلك من هلك منهم وأجلى من أجلى نتيجة إصرارهم على الكفر‬
‫وعداء الرسول صلى ال عليه وسلم والمؤمنين‪.‬‬
‫{إِنّ اللّهَ ل َي ْغفِرُ أَنْ يُشْ َركَ‪ِ 2‬ب ِه وَ َيغْفِرُ مَا دُونَ ذَِلكَ ِلمَنْ يَشَا ُء َومَنْ ُيشْ ِركْ بِاللّهِ َفقَدِ افْتَرَى إِثْما‬
‫عَظِيما}‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال مالك رحمه ال تعالى‪" :‬كان أول إسلم كعب الحبار أنه مر برجل من الليل وهو يقرأ هذه‬
‫الية‪{ :‬يَا أهْل الكتاب‪ }...‬إلخ‪ .‬فوضع كفيه على وجهه ورجع القهقري إلى بيته فأسلم مكانه‪،‬‬
‫وقال‪ :‬وال لقد خفت أل أبلغ بيتي حتى يطمس وجهي"‪.‬‬
‫‪ 2‬روى الترمذي عن علي ابن أبي طالب رضي ال عنه أنه قال‪" :‬ما في القرآن آية أحب إلي من‬
‫هذه الية {إِنّ اللّهَ ل َي ْغفِرُ أَنْ يُشْ َركَ بِ ِه وَ َي ْغفِرُ مَا دُونَ ذَِلكَ ِلمَنْ َيشَاءُ} "‪ ،‬قال هذا حديث حسن‬
‫غريب‪.‬‬

‫( ‪)1/488‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ل َي ْغفِرُ} ‪ :‬ل يمحو ول يترك للمؤاخذة‪.‬‬
‫{أَنْ ُيشْ َركَ بِهِ} ‪ :‬أي‪ :‬يعبد معه غيره تأليها له بحبه وتعظمه وتقديم القرابين له‪ ،‬وصرف العبادات‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫له كدعائه والستعانة به والذبح والنذر له‪.‬‬
‫{وَ َي ْغفِرُ مَا دُونَ ذَِلكَ} ‪ :‬أي ما دون الشرك والكفر من سائر الذنوب والمعاصي التي ليست شركا‬
‫ول كفرا‪.‬‬
‫{ِلمَنْ َيشَاءُ} ‪ :‬أي‪ :‬لمن يشاء المغفرة له من سائر المذنبين بغير الشرك والكفر‪.‬‬
‫عظِيما} ‪ :‬افترى‪ :‬اختلق وكذب كبا بنسبته العبادة إلى غير الرب تعالى‪ ،‬والثم‪ :‬الذنب‬
‫{افْتَرَى إِثْما َ‬
‫العظيم الكبير‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫سهِ ْم ل‬
‫يروى أنه لما نزل قول ال تعالى من سورة الزمر‪ُ { :‬قلْ يَا عِبَا ِديَ الّذِينَ أَسْ َرفُوا عَلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫جمِيعا} قام رجل فقال‪ :‬والشرك يا نبي ال؟ فكره ذلك‬
‫حمَةِ اللّهِ إِنّ اللّهَ َي ْغفِرُ الذّنُوبَ َ‬
‫َتقْنَطُوا مِنْ رَ ْ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وأنزل ال تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ ل َي ْغفِرُ أَنْ يُشْ َركَ‪ِ 1‬ب ِه وَ َيغْفِرُ مَا دُونَ‬
‫ذَِلكَ ِلمَنْ َيشَاءُ} ‪ ،‬فأخبر تعالى عن نفسه بأنه ل يغفر الذنب المعروف بالشرك والكفر‪ ،‬وأما سائر‬
‫الذنوب كبيرها وصغيرها فتحت المشيئة إن شاء غفرها لمرتكبها فلم يعذبه بها‪ ،‬وإن شاء آخذه بها‬
‫وعذبه‪ ،‬وأن من يشرك به تعالى فقد اختلق الكذب العظيم إذ عبد من ل يستحق العبادة وأنه من ل‬
‫حق له في التأليه فلذا هو قائل بالزور وعامل بالباطل‪ ،‬ومن هنا كان ذنبه عظيما‪.‬‬
‫هداية الية الكريمة‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬عظم ذنب ‪ 2‬الشرك والكفر وأن كل الذنوب دونهما‪.‬‬
‫‪ -2‬الشرك ذنب ‪ 3‬ل يغفر لمن مات بدون توبة منه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ومع ظهور سبب النزول فإن الية تحمل تهديدا ووعيدا للناس شديدين يفهم ذلك من حرف‬
‫التعليل‪ ،‬وهو‪{ :‬إن ال} كأنه يقول‪ :‬يا أيها الناس ادخلوا في السلم إن ال ل يغفر أن يشرك به‪.‬‬
‫‪ 2‬وجه عظم ذنب الشرك يدرك بما يلي‪ :‬أولً‪ :‬أنه ذنب ل يغفر إل لمن تاب منه‪ .‬ثانيا‪ :‬إنه محبط‬
‫ك وَلَ َتكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ‪.‬‬
‫عمَُل َ‬
‫للعمل مهما كثر وعظم لقوله تعالى‪ { :‬لَئِنْ أَشْ َر ْكتَ لَ َيحْبَطَنّ َ‬
‫‪ 3‬يعرف الشرك‪ :‬بأنه عبادة غير ال مع ال‪ .‬ومن أنواع العبادة‪ :‬التعظيم‪ ،‬والرغبة‪ ،‬والرهبة‪،‬‬
‫والدعاء‪ ،‬والذبح‪ ،‬والنذر‪ ،‬والركوع‪ ،‬والسجود‪ ،‬والصيام‪ ،‬والحلف‪ ،‬وهو من التعظيم‪.‬‬

‫( ‪)1/489‬‬

‫‪ -3‬سائر الذنوب دون الشرك والكفر ل ييأس فاعلها من مغفرة ال تعالى له وإنما يخاف‪.‬‬
‫‪ -4‬الشرك زور وفاعله قائل بالزور فاعلٌ به‪.‬‬
‫س ُهمْ‪َ 1‬بلِ اللّهُ يُ َزكّي مَنْ يَشَا ُء وَل يُظَْلمُونَ فَتِيلً(‪ )49‬انْظُرْ كَيْفَ‬
‫{أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ يُ َزكّونَ أَ ْنفُ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ب َوكَفَى بِهِ إِثْما مُبِينا(‪})50‬‬
‫َيفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫تزكية النفس ‪ :‬تبرئتها من الذنوب والثام‪.‬‬
‫{يُ َزكّي مَنْ يَشَاءُ} ‪ :‬يطهر من الذنوب من يشاء من عباده بتوفيقه للعمل بما يزكي النفس‪ ،‬وإعانته‬
‫عليه‪.‬‬
‫الفتيل ‪ :‬الخيط البيض يكون في وسط النواة‪ ،‬أو ما يفتله المرء بأصبعيه من الوسخ في كفه أو‬
‫جسمه وهو أقل الشياء وأتفهها‪.‬‬
‫{ا ْل َك ِذبَ} ‪ :‬عدم مطابقة الخير للواقع‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫عاد السياق إلى الحديث عن أهل الكتاب فقال تعالى لرسوله والمؤمنين‪{ :‬أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ يُ َزكّونَ‬
‫سهُمْ} وهو أمر يحمل على العجب والستغراب إذ المفروض أن المرء ل يزكي نفسه حتى‬
‫أَ ْنفُ َ‬
‫خلَ ا ْلجَنّةَ‬
‫يزكيه غيره‪ ،‬فاليهود والنصارى قالوا‪{ :‬نَحْنُ أَبْنَاءُ اللّ ِه وَأَحِبّا ُؤهُ} ‪ .‬وقالوا‪َ { :‬وقَالُوا لَنْ َيدْ ُ‬
‫إِل مَنْ كَانَ هُودا َأوْ َنصَارَى} ‪ .‬وقالت اليهود‪{ :‬لَنْ َتمَسّنَا النّارُ‪ 2‬إِل أَيّاما َمعْدُودَاتٍ} ‪ ،‬إلى غير‬
‫ذلك من الدعاوي الباطلة‪ ،‬ولما أنكر تعالى عليهم هذا الباطل الذي يعيشون عليه فعاقهم عن‬
‫اليمان والدخول في السلم وأخبر تعالى أنه عز وجل هو الذي يزكي من يشاء من عباده‪ ،‬وذلك‬
‫بتوفيقه إلى اليمان وصالح العمال التي تزكو عليها النفس البشرية‪ ،‬فقال تعالى‪َ { :‬بلِ اللّهُ يُ َزكّي‬
‫ظَلمُونَ فَتِيلً} أي‪ :‬أقل قليل فل يزاد‬
‫مَنْ يَشَاءُ وَل يُ ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ل خلف في أن المراد بالذين يزكون أنفسهم في هذه الية هم اليهود‪.‬‬
‫‪ 2‬ومن جملة أقوالهم في تزكية نفوسهم بأفواههم قولهم‪" :‬ل ذنب لنا وما فعلناه نهارا يغفر لنا‬
‫ليلً"‪ ،‬وما فعلناه ليلً يغفر لنا نهارا" وقولههم‪" :‬نحن كالطفال في عدم الذنوب"‪ .‬وثناء بعضهم‬
‫على بعض‪.‬‬

‫( ‪)1/490‬‬

‫في ذنوب العبد ول ينقص من حسناته‪ .‬ثم أمر ال تعالى رسوله أن يتعجب من حال هؤلء اليهود‬
‫والنصارى وهم يكذبون على ال تعالى‪ ،‬ويختلقون الكذب بتلك الدعاوي التي تقدمت آنفا‪ .‬وكفى‬
‫بالكذب إثما مبينا‪ .‬يغمس صاحبه في النار‪.‬‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة تزكية المرء ‪ 1‬نفسه بلسانه والتفاخر بذلك‪ ،‬إما طلبا للرئاسة‪ ،‬وإما تخليا عن العبادة‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والطاعة بحجة أنه في غير حاجة إلى ذلك لطهارته‪ ،‬ورضى ال تعالى عنه‪.‬‬
‫‪ -2‬ال يزكي عبده بالثناء عليه في المل العلى‪ ،‬ويزكيه بتوفيقه وإيمانه للعمل بما يزكي من‬
‫صلة وصدقات وسائر الطاعات المشروعة لتزكية النفس البشرية وتطهيرها‪.‬‬
‫‪ -3‬عدالة الحساب والجزاء يوم القيامة لقوله تعالى‪{ :‬وَل يُظَْلمُونَ فَتِيلً} ‪.‬‬
‫ت وَيَقُولُونَ لِلّذِينَ َكفَرُوا َهؤُلءِ‬
‫ت وَالطّاغُو ِ‬
‫{أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا َنصِيبا مِنَ ا ْلكِتَابِ ُي ْؤمِنُونَ بِالْجِ ْب ِ‬
‫أَهْدَى مِنَ الّذِينَ آمَنُوا سَبِيلً(‪ )51‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ َلعَ َن ُهمُ اللّ ُه َومَنْ يَ ْلعَنِ اللّهُ فَلَنْ َتجِدَ َلهُ َنصِيرا(‪ )52‬أَمْ‬
‫سدُونَ النّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ‬
‫َلهُمْ َنصِيبٌ مِنَ ا ْلمُ ْلكِ فَإِذا ل ُيؤْتُونَ النّاسَ َنقِيرا(‪ )53‬أَمْ َيحْ ُ‬
‫ح ْكمَ َة وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكا عَظِيما(‪)54‬‬
‫َفضْلِهِ َفقَدْ آتَيْنَا آلَ‪ 2‬إِبْرَاهِيمَ ا ْلكِتَابَ وَا ْل ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى مسلم عن عمر بن عطاء‪ ،‬قال‪ :‬سميت ابنتي‪ :‬برة‪ .‬فقالت لي زينب بنت أبي سلمة‪ :‬إن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن هذا السم‪ ،‬وسميت برة‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪" :‬أتزكون أنفسكم ال أعلم بأهل البر منكم"‪ .‬فقالوا‪ :‬بما نسميها؟‪ .‬فقال‪" :‬سموها زينب"‪ .‬قال‬
‫الدارقطني‪ :‬فدل الكتاب والسنة على المنع من تزكية النسان نفسه‪ .‬ويجري هذا المجرى ما قد‬
‫كثر في هذه الديار المصرية‪ .‬من نعت أنفسهم بالنعوت التي تقتضي التزكية‪ :‬كزكي الدين‪ ،‬ومحي‬
‫الدين‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ ،‬لكن لما كثرت قبائح المسلمين بهذه السماء ظهر تخلف هذه النعوت عن‬
‫أصلها فصارت ل تفيد شيئا‪.‬‬
‫‪ 2‬آل إبراهيم هم‪ :‬ذريته من أولد وأحفاد وما تناسل منهم؛ كداود وسليمان ومن بعدهم‪.‬‬

‫( ‪)1/491‬‬

‫سعِيرا (‪})55‬‬
‫جهَنّمَ َ‬
‫ن صَدّ عَنْهُ َوكَفَى ِب َ‬
‫َفمِ ْنهُمْ مَنْ آمَنَ ِب ِه َومِ ْنهُمْ مَ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{بِا ْلجِ ْبتِ وَالطّاغُوتِ} ‪ :‬الجبت ‪ :1‬اسم لكل ما عبد من دون ال وكذا الطاغون سواء كانا صنمين‬
‫أو رجلين‪.‬‬
‫أهدى سبيل ‪ :‬أكثر هداية في حياتهما وسلوكهما‪.‬‬
‫{ َنقِيرا} ‪ :‬النقير‪ :‬نقرة في ظهر النواة يضرب بها المثل في صغرها‪.‬‬
‫الحسد ‪ :‬تمني زال النعمة عن الغير والحرص على ذلك‪.‬‬
‫ح ْكمَةَ} ‪ :‬السداد في القول والعمل مع الفقه في أسرار التشريع اللهي‪.‬‬
‫{وَالْ ِ‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫روي أن جماعة من اليهود منهم كعب بن الشرف وحيي بن أخطب ذهبوا إلى مكة يحزبون‬
‫الحزاب لحرب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فلما نزلوا مكة قالت قريش‪ :‬نسألهم فإنهم أهل‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كتاب عن ديننا ودين محمد أيهما خير؟ فسألوهم فقالوا لهم دينكم خير من دين محمد وأنتم أهدى‬
‫عظِيما} ‪ .‬وهذا شرحها‪{ :‬أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ‬
‫منه وممن اتبعه‪ .‬فأنزل ال تعالى هذه اليات إلى قوله { َ‬
‫أُوتُوا َنصِيبا مِنَ ا ْلكِتَابِ ُي ْؤمِنُونَ بِالْجِ ْبتِ‪ 2‬وَالطّاغُوتِ} ألم ينته إلى علمك أيها الرسول‪ :‬أن الذين‬
‫أوتوا حظا من العلم بالتوراة يصدقون بصحة عبادة الجبت والطاغوت ويقرون عليها ويحكمون‬
‫بأفضلية عبادتها على عبادة ال تعالى {وَ َيقُولُونَ لِلّذِينَ َكفَرُوا} وهم مشركوا قريش‪ :‬دينكم خير من‬
‫دين محمد وأنتم أهدى طريقا في حياتكم الدينية والجتماعية ألم يك موقف هؤلء اليهود مثار‬
‫الدهشة والستغراب والتعجب لهل العلم والمعرفة بالدين الحق‪ ،‬إذ يقرون الباطل ويصدقون به؟‬
‫{أُولَ ِئكَ الّذِينَ َلعَ َنهُمُ اللّهُ} أولئك الهابطون في حمأة الرذيلة‪ ،‬البعيدون في أغوار الكفر والشر‬
‫والفساد لعنهم ال فأبعدهم عن ساحة الخير والهدى‪َ { ،‬ومَنْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وقيل‪ :‬الجبت‪ :‬الساحر بلغة الحبشة‪ ،‬والطاغوت‪ :‬الكاهن‪ .‬عن ابن عباس وأبي جبير وأبي‬
‫العالية‪ ،‬وقال عمر رضي ال عنه‪ :‬الجبت‪ :‬السحر‪ ،‬والطاغوت‪ :‬الشيطان‪ .‬وقال مالك‪ :‬الطاغوت‬
‫ما عبد من دون ال‪ .‬وقيل‪ :‬هما كل ما عبد من دون ال أو مطاع في معصية ال‪ .‬وهذا حسن‬
‫وهو ما ذكرناه في التفسير‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرج أبو داود عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪" :‬الطرق والطيرة والعياثة من الجبت"‬
‫والمراد من الطرق‪ :‬الخط بخط في الرض للبحث عن معرفة ما يحدث للنسان‪ .‬والعياثة‪ :‬زجر‬
‫الطير للتشاؤم والتيمن‪ ،‬والطيرة‪ :‬التطير‪ .‬وأصل الجبت‪ :‬الجبس‪ ،‬وهو مال خير فيه‪.‬‬

‫( ‪)1/492‬‬

‫جدَ لَهُ} يا رسولنا { َنصِيرا} ينصره من الخذلن الذي وقع فيه والهزيمة الروحية‬
‫يَ ْلعَنِ اللّهُ فَلَنْ تَ ِ‬
‫التي حلت به فأصبح وهو العالم يبارك الشرك ويفضله على التوحيد‪.‬‬
‫ثم قال تعالى في الية(‪{ )53‬أَمْ َل ُهمْ َنصِيبٌ مِنَ ا ْلمُ ْلكِ فَإِذا ل ‪ُ 1‬يؤْتُونَ النّاسَ َنقِيرا} ‪ .‬أي‪ :‬ليس لهم‬
‫نصيب من الملك كما يدعون‪ ،‬فالستفهام للنكار عليهم دعوة أن الملك يؤول إليهم‪ ،‬وهم لشدة‬
‫بخلهم لو آل الملك لهم لما أعطوا أحدا أحقر الشياء وأتفهها ولو مقدار نواة‪ ،‬وهذا ذم لهم بالبخل‬
‫بعد ذمهم بلزم الجهل‪ ،‬وهو تفضيلهم الشرك على التوحيد‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬أَمْ َيحْسُدُونَ‪ 2‬النّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ َفضْلِهِ َفقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ ا ْلكِتَابَ‬
‫عظِيما} أم بمعنى بل كسابقتها للضراب –النتقال من حال سيئة إلى‬
‫ح ْكمَ َة وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكا َ‬
‫وَالْ ِ‬
‫أخرى‪ ،‬والهمزة للنكار ينكر تعالى عليهم حسدهم للنبي صلى ال عليه وسلم والمؤمنين على‬
‫النبوة والدولة‪ ،‬وهو المراد من الناس وقوله تعالى‪َ { :‬فقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ ا ْلكِتَابَ} ؛ كصحف‬
‫إبراهيم والتوراة والزبور والنجيل‪ ،‬والحكمة التي هي السنة التي كانت لولئك النبياء يتلقونها‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وحيا من ال تعالى‪ ،‬وكلها علم نافع وحكم صائب سديد‪ ،‬والملك العظيم هو ما كان لداود وسليمان‬
‫عليهما السلم كل هذا يعرفه اليهود فلم ل يحسدون محمدا والمسلمين‪ ،‬والمراد من السياق ذم‬
‫اليهود بالحسد كما سبق ذمهم بالبخل والجهل مع العلم‪.‬‬
‫ن صَدّ عَ ْنهُ} يريد أن من اليهود المعاهدين‬
‫وقوله تعالى في الية(‪َ { :)55‬فمِ ْنهُمْ مَنْ آمَنَ بِ ِه َومِ ْنهُمْ مَ ْ‬
‫ن صَدّ عَ ْنهُ}‬
‫للنبي صلى ال عليه وسلم من آمن بالنبي ‪ 3‬محمد ورسالته‪ ،‬وهم القليل‪َ { ،‬ومِ ْنهُمْ مَ ْ‬
‫سعِيرا} لمن كفر حسدا وصد عن‬
‫جهَنّمَ َ‬
‫أي‪ :‬انصرف وصرف الناس عنهم وهم الكثرون { َو َكفَى ِب َ‬
‫سبيل ال بخلً ومكرا‪ ،‬أي‪ :‬حسبه جهنم ذات السعير جزاء له على الكفر والحسد والبخل‪ ،‬والعياذ‬
‫بال تعالى‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إذا هنا‪ :‬ملغاة‪ ،‬فلم تنصب المضارع بعدها‪ ،‬وذلك لدخول فاء العطف عليها‪ ،‬لو نصب وكان في‬
‫غير القرآن بها لجاز النصب‪ .‬قال سيبويه‪" :‬إذا في عوامل الفعال بمنزلة‪ :‬ظن في عوامل‬
‫السماء‪ ،‬أي‪ :‬تلغى ول تعمل‪ .‬إذا لم يكن الكلم معتمدا عليها"‪.‬‬
‫‪ 2‬الحسد‪ :‬كبيرة من كبائر الذنوب؛ لنه اعتراض على ال فيما قسمه بين عباده وورد فيه أنه‬
‫يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب‪ .‬قيل فيه‪ :‬إنه أول ذنب عصي ال به في السماء‪ ،‬وأول ذنب‬
‫عصي ال به في الرض‪ .‬إذ حسد إبليس آدم في السماء‪ .‬وحسد قابيل هابيل في الرض‪.‬‬
‫‪ 3‬وجائز أن يكون الضمير عائدا إلى إبراهيم عليه السلم أو إلى الكتاب‪ .‬وما ذكرناه في التفسير‬
‫هو الحق‪.‬‬

‫( ‪)1/493‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب الكفر بالجبت والطاغوت‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان مكر اليهود وغشهم وأنهم ل يتورعون عن الغش والكذب والتضليل‪.‬‬
‫‪ -3‬ذم الحسد والبخل‪.‬‬
‫‪ -4‬إيمان بعض اليهود بالسلم‪ ،‬وكفر أكثرهم مع علمهم بصحة السلم ووجوب اليمان به‬
‫والدخول فيه‪.‬‬
‫جتْ جُلُو ُدهُمْ َبدّلْنَاهُمْ جُلُودا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا‬
‫س ْوفَ ُنصْلِيهِمْ نَارا كُّلمَا َنضِ َ‬
‫{إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا بِآيَاتِنَا َ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ سَنُ ْدخُِلهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ‬
‫حكِيما(‪ )56‬وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫ا ْلعَذَابَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَزِيزا َ‬
‫طهّ َر ٌة وَنُ ْدخُِلهُمْ ظِلّ ظَلِيلً(‪})57‬‬
‫تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا أَبَدا َلهُمْ فِيهَا أَ ْزوَاجٌ مُ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ ُنصْلِيهِمْ نَارا‪ : }1‬ندخلهم نارا يحترقون بها‪.‬‬
‫جتْ جُلُودُ ُهمْ‪ : }2‬اشتوت فتهرت وتساقطت‪.‬‬
‫{ َنضِ َ‬
‫{لِ َيذُوقُوا ا ْل َعذَابَ} ‪ :‬ليستمر لهم العذاب مؤلما‪.‬‬
‫حكِيما} ‪ :‬غالبا‪ ،‬يعذب من يستحق العذاب‪.‬‬
‫{عَزِيزا َ‬
‫{ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ} ‪ :‬تجري من خلل أشجارها وقصورها النهار‪.‬‬
‫طهّ َرةٌ} ‪ :‬من الذى والقذى مطلقا‪.‬‬
‫{مُ َ‬
‫{ظِلّ ظَلِيلً‪ : }3‬الظل الظليل‪ :‬الوارف الدائم ل حر فيه ول برد به‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يقال‪ :‬صله يصليه صليا‪ ،‬وأصله إصلء‪ ،‬أي‪ :‬اللحم إذا شواه على النار‪ ،‬ويقال‪ :‬فلن نضج‬
‫الرأي‪ ،‬أي‪ :‬محقه‪.‬‬
‫‪ 2‬يقال‪ :‬نضج الشواء‪ ،‬إذا بلغ حد الشي‪.‬‬
‫‪ 3‬صفة مؤكدة؛ كيوم أيوم‪ ،‬وليل أليل‪ ،‬والظليل هو‪ :‬السجسج الذي ل حر فيه ول قر‪.‬‬

‫( ‪)1/494‬‬

‫معنى اليتين‪:‬‬
‫على ذكر اليمان والكفر في الية السابقة ذكر تعالى في هاتين اليتين الوعيد والوعد الوعيد لهل‬
‫س ْوفَ ُنصْلِيهِمْ نَارا} يريد يدخلهم‬
‫الكفر والوعد لهل اليمان فقال تعالى‪{ :‬إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا بِآيَاتِنَا َ‬
‫جتْ جُلُودُ ُهمْ} تهرت وسقطت بدلهم ‪ 1‬ال تعالى‬
‫نار جهنم يحترقون فيها ويصطلون بها {كُّلمَا َنضِ َ‬
‫حكِيما}‬
‫فورا جلودا غيرها ليتجدد ذوقهم للعذاب وإحساسهم به‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ كَانَ عَزِيزا َ‬
‫تذييل المقصود منه إنفاذ الوعيد فيهم؛ لن العزيز الغالب ل يعجز عن إنفاذ ما توعد به أعداءه‪،‬‬
‫كما أن الحكيم في تدبيره يعذب أهل الكفر به والخروج عن طاعته‪ ،‬هذا ما تضمنته الية الولى(‬
‫‪ )56‬من وعيد لهل الكفر‪.‬‬
‫وأما الية الثانية(‪ )57‬فقد تضمنت البشرى السارة لهل اليمان وصالح العمال‪ ،‬مع اجتناب‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ} أي‪ :‬بعد تركهم الشرك‬
‫الشرك والمعاصي فقال تعالى‪{ :‬وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫طهّ َرةٌ}‬
‫والمعاصي {سَ ُندْخُِل ُهمْ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ‪ 2‬فِيهَا أَبَدا َلهُمْ فِيهَا أَ ْزوَاجٌ ُم َ‬
‫يريد نساء من الحور العين مطهرات من كل ما يؤذي أو يُخل بحسنهن وجمالهن نقيات من البول‬
‫ظلِيلً} وارفا كنينا يقيهم الحر والبرد‪ .‬وحدث‬
‫والغائض ودم الحيض‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَنُ ْدخُِلهُمْ ظِلّ َ‬
‫يوما رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪" :‬في الجنة شجرة تسمى ‪ 3‬شجرة الخلد يسير الراكب‬
‫في ظلها مائة سنة ما يقطع ظلها" ‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬الكفر والمعاصي موجبات ‪ 4‬للعذاب الخروي‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان الحكمة في تبديل الجلود لهل النار وهي أن يدوم إحساسهم بالعذاب‪.‬‬
‫‪ -3‬اليمان والعمل الصالح مع ترك الشرك والمعاصي موجبات للنعيم الخروي‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روي أن جلودهم تبدل في الساعة مائة مرة‪ ،‬وروي أن هذه الية تليت عند عمر رضي ال‬
‫عنه فقال عمر للقارئ‪ :‬أعدها فأعادها عليه‪ .‬وعنده كعب فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين أنا عندي تفسير‬
‫لها‪ .‬فذكر أنه تبدل في الساعة الواحدة مائة وعشرين مرة‪.‬‬
‫‪ 2‬ذكر هذا الخلود إعظاما للمنة‪ ،‬و {خالدين} منصوب على الحال المقدرة‪ ،‬أي‪ :‬حال كون خلودهم‬
‫مقدرا فيها قبل دخلوهم إياها‪.‬‬
‫‪ 3‬ذكره ابن كثير في تفسير هذه الية‪.‬‬
‫‪ 4‬وذلك لن الكفر والشرك والمعاصي التي هي ترك الواجبات وفعل المحرمات تدنس النفس فل‬
‫تصبح أهلً لدخول الجنة لقوله تعالى‪{ :‬قدْ َأفْلَح مَنْ َزكّاها وَقدْ خَابَ مَنْ َدسّاها} ‪.‬‬

‫( ‪)1/495‬‬

‫‪ -4‬الجنة دار النعيم خالية من كدرات الصفو والسعادة فيها‪.‬‬


‫ح ُكمُوا بِا ْلعَ ْدلِ إِنّ اللّهَ ِن ِعمّا‬
‫ح َكمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ َت ْ‬
‫لمَانَاتِ إِلَى أَهِْلهَا وَإِذَا َ‬
‫{إِنّ اللّهَ يَ ْأمُ ُركُمْ أَنْ ُتؤَدّوا ا َ‬
‫ل وَأُولِي‬
‫سمِيعا َبصِيرا(‪ )58‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا َأطِيعُوا اللّ َه وَأَطِيعُوا الرّسُو َ‬
‫ظكُمْ ِبهِ إِنّ اللّهَ كَانَ َ‬
‫َيعِ ُ‬
‫شيْءٍ فَ ُردّوهُ إِلَى اللّ ِه وَالرّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ ُت ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الخِرِ ذَِلكَ‬
‫لمْرِ مِ ْنكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي َ‬
‫اَ‬
‫خَيْ ٌر وََأحْسَنُ تَ ْأوِيلً(‪})59‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫لمَانَاتِ‪ : }1‬أداء المانة‪ :‬تسليمها إلى المؤتمن‪ ،‬والمانات جمع أمانة وهي ما يؤتمن‬
‫{أَنْ ُتؤَدّوا ا َ‬
‫عليه المرء من قول أو عمل أو متاع‪.‬‬
‫{ا ْل َع ْدلِ‪ : }2‬ضد الجور والنحراف بنقص أو زيادة‪.‬‬
‫ظ ُكمْ} ‪ :‬نعم شيء يعظكم‪ ،‬أي‪ :‬يأمركم به أداء المانات والحكم بالعدل‪.‬‬
‫{ ِن ِعمّا َيعِ ُ‬
‫لمْرِ مِ ْنكُمْ} ‪ :‬أولوا المر‪ :‬هم المراء والعلماء من المسلمين‪.‬‬
‫{وَأُولِي ا َ‬
‫شيْءٍ} ‪ :‬اختلفتم فيه كل فريق يريد أن ينتزع الشيء من يد الفريق الخر‪.‬‬
‫{تَنَازَعْ ُتمْ فِي َ‬
‫{فَرُدّوهُ إِلَى اللّ ِه وَالرّسُولِ} ‪ :‬أي‪ :‬إلى كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫حسَنُ تَ ْأوِيلً} ‪ :‬أحسن عاقبة‪ ،‬لن تأويل الشيء ما يؤول إليه في آخر المر‪.‬‬
‫{وَأَ ْ‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لمَانَاتِ} نزلت في شأن عثمان بن‬
‫روي أن الية الولى‪{ :‬إِنّ اللّهَ يَ ْأمُ ُركُمْ‪ 3‬أَنْ ُتؤَدّوا ‪ 4‬ا َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الجماع على وجوب رد المانات لصحابها كفارا أو مؤمنين‪ ،‬فجارا أو أبرارا‪.‬‬
‫‪ 2‬العدل وسط بين طرفي‪ ،‬فإن مال لحد الجانبين فقد جار وظلم ولم يعدل‪.‬‬
‫‪ 3‬إن هنا لمجرد الهتمام بالخبر‪ ،‬إذ مثل هذا الخبر ل يتطرق إليه الشك حتى يؤكد لزالته؛ لنه‬
‫إخبار عن إيجاد شيء ل عن وجوده فهو خبر كالنشاء‪.‬‬
‫‪ 4‬الداء‪ :‬مصدر أدى المخفف المستغنى عنه بالمضعف‪ ،‬أدى يؤدي تأدية‪ .‬إذا أوصل الشيء إلى‬
‫طلبه‪ ،‬ويتجوز فيه فيطلق على العتراف بالشيء والوفاء به‪ ،‬وذلك كقول الحق‪ ،‬وتبليغ العلم‬
‫الشرعي‪ ،‬والمراد به هنا‪ :‬إيصال الشيء إلى صاحبه‪.‬‬

‫( ‪)1/496‬‬

‫طلحة الحجبي ‪ ،1‬حيث كان مفتاح الكعبة عنده بوصفه سادنا‪ ،2‬فطلبه رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم منه صبيحة يوم الفتح‪ ،‬فصلى في البيت ركعتين وخرج‪ ،‬فقال العباس رضي ال عنه‬
‫أعطينيه يا رسول ال‪ ،‬ليجمع بين السقاية والسدانة‪ ،‬فانزل ال تعالى هذه الية والتي بعدها فقرأ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم الية على الناس‪ ،‬ودعا عثمان بن طلحة وأعطاه المفتاح‪ .‬غير أن‬
‫العبرة بعموم اللفظ ل بخصوص السبب‪ ،‬ولذا فالية في كل أمانة فعلى كل مؤتمن على شيء أن‬
‫ح َكمْتُمْ‬
‫يحفظه ويرعاه حتى يؤديه ‪ 3‬إلى صاحبه‪ ،‬والية تتناول حكام المسلمين أولً بقرينة {وَإِذَا َ‬
‫ح ُكمُوا بِا ْلعَ ْدلِ} الذي هو القسط‪ ،‬وضد الجور ومعناه‪ :‬إيصال الحقوق إلى مستحقيها‬
‫بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَ ْ‬
‫ظكُمْ‪ِ 4‬بهِ} يريد أن أمره تعالى أمة السلم حكاما‬
‫من أفراد الرعايا‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ ِن ِعمّا َي ِع ُ‬
‫ومحكومين بأداء المانات والحكم بالعدل هو شيء حسن‪ ،‬وهو كذلك إذ قوام الحياة الكريمة هو‬
‫سمِيعا َبصِيرا} فيه الحث على‬
‫النهوض بأداء المانات والحكم بالعدل وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ كَانَ َ‬
‫المأمور به بإيجاد ملكة مراقبة ال تعالى في النفس‪ ،‬فإن من ذكر أن ال تعالى يسمع أقواله‬
‫ويبصر أعماله استقام في قوله فلم يكذب وفي عمله فلم يفرط‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الولى(‪.)58‬‬
‫أما الية الثانية(‪ ،)59‬فإن ال تعالى لما أمر ولة أمور المسلمين بأداء المانات التي هي حقوق‬
‫الرعية‪ ،‬وبالحكم بينهم بالعدل أمر المؤمنين المولي عليهم بطاعته وطاعة رسوله أولً‪ ،‬ثم بطاعة‬
‫لمْرِ مِ ْنكُمْ} ‪،‬‬
‫ولة المور ثانيا‪ ،‬فقال‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا َأطِيعُوا اللّ َه وََأطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي ا َ‬
‫والطاعة لولي المر مُقيد بما كان معروفا للشرع‪ ،‬أما في غير المعروف فل طاعة في الختيار‬
‫لحديث‪" :‬إنما الطاعة في المعروف‪ ،‬ول طاعة لمخلوق في معصية الخالق" ‪.‬‬
‫شيْءٍ فَ ُردّوهُ ِإلَى اللّ ِه وَالرّسُولِ} فهو خطاب عام للولة والرعية‪،‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي َ‬
‫فمتى حصل خلف في أمر من أمور الدين والدنيا وجب رد ذلك إلى كتاب ال ‪ 5‬وسنة رسول ال‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫صلى ال عليه وسلم فيما حكما فيه وجب قبوله حلوا كان أو مرا‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬إِنْ كُنْتُمْ ُت ْؤمِنُونَ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المؤتمن إذا لم يفرط وضاعت المانة منه فل ضمان عليه إجماعا لقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬‬
‫ل ضمان على مؤتمن" رواه الدارقطني‪ .‬والعارية مؤداة أيضا‪ .‬لحديث خطبة الوداع‪" :‬العارية‬
‫مؤداة‪ ،‬والمنحة مردودة‪ ،‬والدين مقضي‪ ،‬والزعيم غارم" أي‪ :‬ضامن‪.‬‬
‫‪ 2‬أصل‪ :‬نعما‪ :‬نعم وكتبت معها ما بعد كسر عين نعم وتسكين ميمها وإدغامها في ما‪ :‬هي إما‬
‫موصولة أو نكرة موصوفة أو نكرة تامة وأما الجملة بعد نعم فهي تجري حسب ما يناسب معنى‬
‫"ما"‪.‬‬
‫‪ 3‬الحجبي‪ :‬نسبة إلى حجابة البيت على غير قياس‪.‬‬
‫‪ 4‬السادن‪ :‬الخادم للبيت‪ ،‬وتسمى هذه المهنة‪ :‬السدانة‪.‬‬
‫‪ 5‬وذلك يستلزم الرد إلى العلماء الفقهاء إذ هم الذين يعرفون الحكام ويحسنون استنباطها من‬
‫الكتاب والسنة ‪.‬‬

‫( ‪)1/497‬‬

‫بِاللّ ِه وَالْ َيوْ ِم الخِرِ} فيه أن اليمان يستلزم الذعان لقضاء ال ورسوله‪ ،‬وهو يفيد أن رد المور‬
‫حسَنُ تَ ْأوِيلً} ‪ ،‬يريد‬
‫المتنازع فيها إلى غير الشرع قادح في إيمان المؤمن وقوله‪{ :‬ذَِلكَ خَيْ ٌر وَأَ ْ‬
‫ل ومآلً‪ ،‬لما‬
‫ذلك الرد والرجوع بالمسائل والقضايا المختلف فيها إلى الكتاب والسنة هو خير حا ً‬
‫فيه من قطع النزاع والسير بالمة متحدة متحابة متعاونة‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب رد المانات بعد المحافظة عليها‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب العدل في الحكم وحرمة الحيف والجور فيه‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب طاعة ال وطاعة الرسول وولة المسلمين من حكام وعلماء ‪ 1‬فقهاء‪ ،‬لن طاعة‬
‫الرسول من طاعة ال‪ ،‬وطاعة الوالي من طاعة الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لحديث‪2" :‬من‬
‫أطاعني فقد أطاع ال‪ ،‬ومن أطاع أميري فقط أطاعني‪ ،‬ومن عصاني فقد عصى ال ومن عصى‬
‫أمري فقد عصاني" ‪.3‬‬
‫‪ -4‬وجوب رد المتنازع فيه عقيدة أو عبادة أو قضاء إلى الكتاب والسنة ووجوب الرضا‬
‫بقضائهما‪.‬‬
‫‪ -5‬العاقبة الحميدة والحال الحسنة السعيدة في رد أمة السلم ما تنازع فيه إلى كتاب ربها وسنة‬
‫نبيها صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ك َومَا أُنْ ِزلَ مِنْ قَبِْلكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَ َتحَا َكمُوا إِلَى‬
‫عمُونَ أَ ّن ُهمْ آمَنُوا ِبمَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْي َ‬
‫{أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ يَزْ ُ‬
‫ت َوقَدْ ُأمِرُوا أَنْ َي ْكفُرُوا ِب ِه وَيُرِيدُ الشّيْطَانُ أَنْ ُيضِّلهُ ْم ضَللً َبعِيدا(‪ )60‬وَإِذَا قِيلَ َلهُمْ َتعَاَلوْا‬
‫الطّاغُو ِ‬
‫إِلَى مَا أَنْ َزلَ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال سهل بن عبد ال‪ :‬ل يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء فإن عظموا هذين‬
‫أصلح ال دنياهم وأخراهم‪ ،‬وأن استخفوا بهذين فسدت دنياهم وأخراهم‪.‬‬
‫‪ 2‬رواه الشيخان وكذا حديث‪" :‬إنما الطاعة في المعروف" ‪ .‬إلخ‪.‬‬
‫‪ 3‬روي في الصحيح أن عبد ال بن حذافة النصاري البدري‪ ،‬وكان به دعابة‪ ،‬بعثه رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم على سرية فأمرهم يوما أن يجمعوا حطبا ويوقدوا نارا ففعلوا ثم أمرهم أن‬
‫يدخلوها محتجا عليهم بقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬من أطاع أميري فقد أطاعني‪ ،‬ومن عصى‬
‫أميري فقد عصاني" فلم يستجيبوا له‪ ،‬وقالوا له‪ :‬إنما أمنا وأسلمنا لننجو من النار فكيف نعذب‬
‫أنفسنا بها؟ وذكر ذلك لرسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪" :‬لو دخلوها ما خرجوا منها إنما‬
‫الطاعة في المعروف" ‪.‬‬

‫( ‪)1/498‬‬

‫اللّ ُه وَإِلَى الرّسُولِ رَأَ ْيتَ ا ْلمُنَا ِفقِينَ َيصُدّونَ عَ ْنكَ صُدُودا(‪َ )61‬فكَ ْيفَ‪ 1‬إِذَا َأصَابَ ْتهُمْ ُمصِيبَةٌ ِبمَا‬
‫قَ ّد َمتْ أَيْدِيهِمْ ثُمّ جَاءُوكَ يَحِْلفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِل ِإحْسَانا وَ َت ْوفِيقا(‪ )62‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ َيعَْلمُ اللّهُ مَا فِي‬
‫سهِمْ َقوْلً بَلِيغا(‪})63‬‬
‫ظهُمْ َوقُلْ َلهُمْ فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫قُلُو ِبهِمْ فَأَعْ ِرضْ عَ ْنهُ ْم وَعِ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫عمُونَ} ‪ :‬يقولون كاذبين‪.‬‬
‫{يَزْ ُ‬
‫{ ِبمَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ} ‪ :‬القرآن‪ ،‬وما أنزل من قبلك‪ :‬التوراة‪.‬‬
‫{الطّاغُوتِ} ‪ :‬كل ما عبد من دون ال ورضي بالعبادة‪ ،‬والمراد به هنا‪ :‬كعب بن الشرف‬
‫اليهودي أو كاهن من كهان العرب‪.‬‬
‫{ا ْلمُنَا ِفقِينَ} ‪ :‬جمع منافق‪ :‬وهو من يبطن الكفر‪ ،‬ويظهر اليمان خوفا من المسلمين‪.‬‬
‫{ َيصُدّونَ} ‪ :‬يعرضون عنك ويصرفون غيرهم كذلك‪.‬‬
‫{ ُمصِيبَةٌ} ‪ :‬عقوبة بسبب كفرهم ونفاقهم‪.‬‬
‫إن يريدون ‪ :‬أي‪ :‬ما يريدون‪.‬‬
‫{إِل ِإحْسَانا} ‪ :‬أي‪ :‬صلحا بين المتخاصمين‪.‬‬
‫{وَ َت ْوفِيقا} ‪ :‬جمعا وتأليفا بين المختلفين‪.‬‬
‫{فَأَعْ ِرضْ عَ ْنهُمْ‪ : }2‬أي‪ :‬اصفح عنهم فل تؤاخذهم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ظ ُهمْ} ‪ :‬مرهم بما ينبغي لهم ويجب عليهم‪.‬‬
‫{وَعِ ْ‬
‫{ َق ْولً َبلِيغا} ‪ :‬كلما قويا يبلغ شغاف قلوبهم لبلغته وفصاحته‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬فكيف‪ :‬خبر مبتدأ محذوف تقديره حالهم‪ ،‬كيف تكون حين تصيبهم مصيبة‪ ،‬أي‪ :‬تكون عجبا‬
‫لفرط حزنهم وبكاءهم وندمهم‪.‬‬
‫‪ 2‬العراض‪ :‬عدم اللتفات إلى الشيء بقصد التباعد عنه مشتق من العرض بضم العين‪ ،‬وهو‬
‫الجانب ولعله مأخوذ من إعراض في الشيء إذ دخل فيه؛ كأصبح في الصباح فأعرض فلن عن‬
‫فلن‪ ،‬أي‪ :‬تنحى عنه جانبا‪ ،‬أو أعطاه عرضه مدبرا عنه‪.‬‬

‫( ‪)1/499‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫روي أن منافقا ويهوديا‪ 1‬اختلفا في شيء فقال اليهودي نتحاكم إلى محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫لعلمه أنه يحكم بالعدل ول يأخذ رشوة‪ ،‬وقال المنافق نتحاكم إلى كعب بن الشرف اليهودي‪،‬‬
‫فتحاكما إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقضى لليهودي فنزلت ‪ 2‬فيهما هذه الية‪{ :‬أَلَمْ تَرَ‬
‫عمُونَ أَ ّنهُمْ آمَنُوا ِبمَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ} والمراد بهذا المنافق‪َ { ،‬ومَا أُنْ ِزلَ مِنْ قَبِْلكَ} ‪ ،‬والمراد‬
‫إِلَى الّذِينَ يَزْ ُ‬
‫به اليهودي‪ ،‬والستفهام للتعجب‪ .‬ألم ينته إلى علمك موقف هذين الرجلين {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَا َكمُوا‬
‫إِلَى الطّاغُوتِ} "كعب ‪ 3‬بن الشرف" أو الكاهن الجهني‪ ،‬وقد أمرهم ال أن يكفروا به {وَيُرِيدُ‬
‫الشّ ْيطَانُ أَنْ ُيضِّلهُ ْم ضَللً َبعِيدا} ‪ ،‬حيث زين لهم لهم التحاكم عند الكاهن أو كعب اليهودي‪{ .‬وَإِذَا‬
‫قِيلَ َلهُمْ َتعَاَلوْا إِلَى مَا أَنْ َزلَ اللّ ُه وَإِلَى الرّسُولِ} ليحكم بينكم رأيت ياللعجب المنافقين يعرضون‬
‫عنك اعراضا هاربين من حكمك غير راضين بالتحاكم إليك لكفرهم بك وتكذيبهم لك { َفكَ ْيفَ ِإذَا‬
‫َأصَابَ ْتهُمْ ُمصِيبَةٌ} وحلت بهم بسبب ذنوبهم أيبقون معرضين عنك؟ أم ماذا؟ {ثُمّ جَاءُوكَ َيحِْلفُونَ‬
‫بِاللّهِ} قائلين ‪ ،4‬ما أردنا إل الحسان في عملنا ذلك والتوفيق بين المتخاصمين‪ .‬هذا ما دلت عليه‬
‫اليات الثلث‪ ،‬وأما الرابعة وهو قوله تعالى‪{ :‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ َيعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُو ِبهِمْ فَأَعْ ِرضْ عَ ْنهُمْ‬
‫سهِمْ َق ْولً بَلِيغا} فإن ال تعالى يشير إليهم بأولئك لبعدهم في الخسة‬
‫ظهُ ْم َو ُقلْ َلهُمْ فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫وَعِ ْ‬
‫والنحطاط‪ ،‬فيقول‪{ :‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ َيعَْلمُ اللّهُ مَا فِي قُلُو ِبهِمْ} أي‪ :‬من النفاق والزيغ فهم عرضة للنقمة‬
‫ظهُمْ} آمرا إياهم بتقوى ال والسلم له‬
‫ع ْ‬
‫وسوء العذاب‪{ ،‬فَأَعْ ِرضْ عَ ْن ُهمْ} فل تؤاخذهم ‪{ ،5‬وَ ِ‬
‫ظاهرا وباطنا‪ ،‬مخوفا إياهم من عاقبة سوء أفعالهم بترك التحاكم إليك وتحاكمهم إلى الطاغوت‪،‬‬
‫وقل لهم في خاصة أنفسهم قولً بليغا ينفذ إلى قلوبهم فيحركها ويذهب عنها غفلتها علهم يرجعون‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬صيغة جمع الواردة في الية مثل‪{ :‬يُريدون أن يَتَحاكموا} تشير إلى كثرة المنافقين‪ ،‬ومن أمثال‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫اليهودي والمنافق صاحبي القصة التي نزلت الية فيها‪.‬‬
‫‪ 2‬روي أن المنافق لم يرض بحكم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وذهب باليهودي إلى أبي بكر‬
‫فحكم بحكم رسول ال صلى ال عليه وسلم فلم يرض المنافق فذهب بخصمه اليهودي إلى عمر‪،‬‬
‫فذكر له اليهودي القصة‪ ،‬فقال عمر للمنافق وهو يشير‪ :‬أكذا هو؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬رويدكما حتى‬
‫أخرج إليكما‪ .‬فدخل وأخذ السيف ثم ضرب به المنافق حتى برد‪ ،‬وقال هكذا أقضي على من لم‬
‫يرض بقضاء ال وقضاء رسوله‪ .‬وهرب اليهودي ونزلت هذه الية وقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم لعمر‪" :‬أنت الفاروق" ‪.‬‬
‫‪ 3‬قيل فيه‪ :‬طاغوت لنه ذو طغيان زائد في الظلم والشر والفساد‪.‬‬
‫‪ 4‬هؤلء هم‪ :‬قوم القتيل المنافق جاءوا يطالبون بدية أخيهم في النفاق‪ ،‬وقالوا‪ :‬الكثير أكثر مما‬
‫ذكر في الية‪ ،‬وكل أقوالهم باطلة أملها النفاق‪ ،‬ولذا أمر الرسول بالعراض عنهم‪.‬‬
‫‪ 5‬أي‪ :‬ل تؤاخذهم فيما يبطنونه من الكفر ما داموا لم يظهروه علنا‪.‬‬

‫( ‪)1/500‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة التحاكم إلى غير كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم إذا وُجد عالم بهما‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب الكفر بالطاغوت أيا كان نوعه‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب الدعوة إلى التحاكم إلى الكتاب والسنة ووجوب قبولها‪.‬‬
‫‪ -4‬استحباب العراض عن ذوي الجهالت‪ ،‬ووعظهم بالقول البليغ الذي يصل إلى قلوبهم‬
‫فيهزها‪.‬‬
‫سهُمْ جَاءُوكَ فَاسْ َت ْغفَرُوا اللّهَ‬
‫{ َومَا أَرْسَلْنَا مِنْ َرسُولٍ إِل لِ ُيطَاعَ بِِإذْنِ اللّ ِه وََلوْ أَ ّن ُهمْ إِذْ ظََلمُوا أَ ْنفُ َ‬
‫شجَرَ‬
‫ح ّكمُوكَ فِيمَا َ‬
‫وَاسْ َت ْغفَرَ َل ُهمُ الرّسُولُ َلوَجَدُوا اللّهَ َتوّابا َرحِيما(‪ )64‬فَل وَرَ ّبكَ ل ُي ْؤمِنُونَ حَتّى ُي َ‬
‫ت وَيُسَّلمُوا تَسْلِيما(‪})65‬‬
‫سهِمْ حَرَجا ِممّا َقضَ ْي َ‬
‫بَيْ َنهُمْ ُث ّم ل َيجِدُوا فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{بِِإذْنِ اللّهِ} ‪ :‬إذن ال‪ :‬إعلمه بالشيء وأمره به‪.‬‬
‫سهُمْ} ‪ :‬بالتحاكم إلى الطاغوت وتركهم إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫{ظََلمُوا أَ ْنفُ َ‬
‫{فَاسْ َت ْغفَرُوا اللّهَ} ‪ :‬طلبوا منه أن يغفر لهم بلفظ اللهم اغفر لنا‪ ،‬أو استغفروا ال‪.‬‬
‫ح ّكمُوكَ} ‪ :‬يجعلونك حكما بينهم ويفوضون المر إليك‪.‬‬
‫{ ُي َ‬
‫شجَرَ بَيْ َنهُمْ‪ : }1‬أي‪ :‬اختلفوا لختلط وجه الحق والصواب فيه بالخطأ والباطل‪.‬‬
‫{فِيمَا َ‬
‫{حَرَجا} ‪ :‬ضيفا وتحرجا‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ ِممّا َقضَ ْيتَ} ‪ :‬حكمت فيه‪.‬‬
‫{وَيُسَّلمُوا} ‪ :‬أي‪ :‬يذعنوا لقبول حكمك ويسلمون به تسليما تاما‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬شجر‪ :‬اختلط واختلف‪ ،‬ومنه سمي الشجر شجرا لختلط أغصانه‪ ،‬قال طرفة‪:‬‬
‫وهم الحكام أرباب الهدى ‪...‬‬
‫وسعاة الناس في المر الشجر‬

‫( ‪)1/501‬‬

‫معنى اليتين‪:‬‬
‫بعد تقرير خطأ وضلل من أراد أن يتحاكما إلى الطاغوت‪ ،‬كعب بن الشرف اليهودي‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫اليهودي والمنافق في اليات السابقة أخبر تعالى في هذه الية الكريمة أنه ما أرسل رسولً‪ 1‬من‬
‫رسله المئات إل وأمر المرسل إليهم بطاعته واتباعه والتحاكم إليه وتحكيمه في كل ما يختلفون‬
‫فيه‪ ،‬وذلك أمره وقضاؤه وتقديره فيما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن كما أخبر تعالى أن أولئك‬
‫الظالمين لنفسهم بتحاكمهم ‪ 2‬إلى الطاغوت وصدودهم عن التحاكم إليك أيها الرسول لو جاءوك‬
‫متنصلين من خطيئتهم مستغفرين ال من ذنوبهم واستغفرت لهم أنت أيها الرسول‪ ،‬أي‪ :‬سألت ال‬
‫تعالى لهم المغفرة لو حصل منهم هذا لدل ذلك على توبتهم وتاب ال تعالى عليهم فوجدوه عز‬
‫وجل { َتوّابا َرحِيما} ‪ .‬هذا معنى الية(‪َ { )64‬ومَا أَ ْرسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِل لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّ ِه وََلوْ أَ ّنهُمْ إِذْ‬
‫جدُوا اللّهَ َتوّابا َرحِيما} ‪.‬‬
‫سهُمْ جَاءُوكَ فَاسْ َت ْغفَرُوا اللّ َه وَاسْ َت ْغفَرَ َلهُمُ الرّسُولُ َلوَ َ‬
‫ظََلمُوا أَ ْنفُ َ‬
‫جدُوا فِي‬
‫شجَرَ بَيْ َنهُمْ ُثمّ ل يَ ِ‬
‫ح ّكمُوكَ فِيمَا َ‬
‫وأما الية الثانية(‪{ )65‬فَل وَرَ ّبكَ ل ُي ْؤمِنُونَ‪ 3‬حَتّى ُي َ‬
‫سهِمْ حَرَجا ِممّا َقضَ ْيتَ وَيُسَّلمُوا َتسْلِيما} فإن ال تعالى يقول {فَل} أي‪ :‬ليس المر كما يزعمون‪،‬‬
‫أَ ْنفُ ِ‬
‫ح ّكمُوكَ} أيها الرسول‪ ،‬أي‪ :‬يطلبون حكمك فيما‬
‫ثم يقسم تعالى فيقول‪{ :‬وَرَ ّبكَ ل ُي ْؤمِنُونَ حَتّى يُ َ‬
‫اختلفوا فيه واختلط عليهم من أمورهم ثم بعد حكمك ل يجدون في صدورهم أدنى شك في صحة‬
‫جدُوا فِي‬
‫حكمك وعدالته‪ ،‬في التسليم له والرضا به وهو معنى الحرج المتبقي في قوله‪{ ،‬ثُمّ ل يَ ِ‬
‫سهِمْ حَرَجا ِممّا َقضَ ْيتَ وَيُسَّلمُوا َتسْلِيما} ‪.‬‬
‫أَ ْنفُ ِ‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب طاعة الرسول صلى ال عليه وسلم فيما يأمر به وينهى عنه‪.‬‬
‫‪ -2‬بطلن من يزعم أن في الية دليلً على جواز طلب الستغفار ‪ 4‬من الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم؛ لن‬
‫__________‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 1‬من هذه الية‪{ :‬وما أرسلنا من رسول} مزيدة لتقوية الكلم وإفادة العموم‪.‬‬
‫‪ 2‬تقدم أن الخطاب بصيغة الجمع وإن كان المتحاكمان اثنين فقط‪ ،‬فإن الحكم فيهم وفي غيرهم‪،‬‬
‫فكل من يصدر عنه هذا النوع من الذنب فتوبته هي‪ :‬ما ذكر تعالى في هذه الية‪.‬‬
‫‪ 3‬قيل أن هذه الية‪{ :‬فَل وَرَ ّبكَ ل ُي ْؤمِنُونَ} نزلت في الزبير والنصاري في قضية سقي البستان‪،‬‬
‫إذا اختلفا وأتيا رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم للزبير‪:‬‬
‫"اسقي يا زبير أرضك ثم أرسل الماء إلى أرض جارك" ‪ .‬أي‪ :‬الول‪ ،‬فقال النصاري‪ :‬أراك‬
‫تحابي ابن عمتك‪ .‬فتلون وجه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقال للزبير‪" :‬اسق ثم أحبس الماء‬
‫حتى يبلغ الجدر" ‪ ،‬فنزلت الية‪ .‬والحديث في صحيح البخاري‪.‬‬
‫‪ 4‬وذلك أنه لو كان كل مذنب ل يغفر له إل إذا أتى الرسول صلى ال عليه وسلم واستغفر له لما‬
‫تاب أحد‪ ،‬وللذم أن يبقى الرسول حيا ليستغفر للمذنبين بمثل هذا الذنب‪ ،‬ول قائل بها ول يعقل ولم‬
‫يشرع أبدا‪ ،‬وكل حكاية ذكرت في هذه المسألة فهي باطلة‪.‬‬

‫( ‪)1/502‬‬

‫سهُمْ جَاءُوكَ} الية نزلت في الرجلين اللذين أرادا التحاكم إلى‬


‫قوله تعالى‪{ :‬وََلوْ أَ ّنهُمْ إِذْ ظََلمُوا أَ ْنفُ َ‬
‫كعب بن الشرف اليهودي وإعراضهما عن رسول ال صلى ال عليه وسلم فاشترط توبتهما‬
‫إتيانهما لرسول ال صلى ال عليه وسلم واستغفارهما ال تعالى‪ ،‬واستغفار الرسول لهما‪ ،‬وبذلك‬
‫تقبل توبتهما‪ ،‬وإل فل توبة لهما‪ ،‬أما من عداهما فتوبته ل تتوقف على إتيانه لرسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ول لستغفاره له وهذا محل إجماع بين المسلمين‪.‬‬
‫‪ -3‬كل ذنب كبر أو صغر يعتبر ظلما للنفس وتجب التوبة منه بالستغفار والندم والعزم على عدم‬
‫مراجعته بحال من الحوال‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب التحاكم إلى الكتاب والسنة وحرمة التحاكم إلى غيرهما‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب الرضا ‪ 1‬بحكم ال ورسوله والتسليم به‪.‬‬
‫سكُمْ َأوِ اخْ ُرجُوا مِنْ دِيَا ِر ُكمْ مَا َفعَلُوهُ إِل قَلِيلٌ مِ ْنهُ ْم وََلوْ أَ ّنهُمْ‬
‫{وََلوْ‪ 2‬أَنّا كَتَبْنَا ‪ 3‬عَلَ ْيهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَ ْنفُ َ‬
‫عظِيما(‪)67‬‬
‫شدّ تَثْبِيتا(‪ )66‬وَإِذا لتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنّا َأجْرا َ‬
‫عظُونَ ِبهِ َلكَانَ خَيْرا َلهُ ْم وَأَ َ‬
‫َفعَلُوا مَا يُو َ‬
‫طعِ اللّهَ وَالرّسُولَ فَأُولَ ِئكَ مَعَ الّذِينَ أَ ْنعَمَ اللّهُ عَلَ ْي ِهمْ مِنَ‬
‫وََلهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطا مُسْ َتقِيما(‪َ )68‬ومَنْ يُ ِ‬
‫ضلُ مِنَ اللّ ِه َو َكفَى بِاللّهِ‬
‫حسُنَ‪ 4‬أُولَ ِئكَ َرفِيقا(‪ )69‬ذَِلكَ ا ْل َف ْ‬
‫ن وَ َ‬
‫شهَدَا ِء وَالصّالِحِي َ‬
‫ن وَال ّ‬
‫ن وَالصّدّيقِي َ‬
‫النّبِيّي َ‬
‫عَلِيما(‪})70‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قضى أهل العلم أن السيل إذا كان بسبب مطر فإن العلى يقدم على السفل‪ ،‬فيسقي من وصل‬
‫إليه السيل حتى يبلغ الماء الكعبين في أرضه‪ ،‬ثم يرسل السيل كله إلى من تحته فيسقي‪ ،‬ثم يرسل‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إلى من تحته‪ ،‬وهكذا‪ .‬وهو قول المالكية مأخوذ من حكم رسول ال صلى ال عليه وسلم في قضية‬
‫الزبير والنصاري وهو الحق‪.‬‬
‫‪ 2‬لو حرف امتناع لمتناع أي امتناع شيء لمتناع غيره‪ ،‬إذ امتنع القتل لمتناع ا لكتب له‪.‬‬
‫‪ 3‬روي أنه لما نزلت هذه الية‪{ :‬وَلو أنا كَتبْنا} قال أبو بكر الصديق‪" :‬لو أمرنا لفعلنا"‪ ،‬فبلغ ذلك‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪" :‬إن من أمتي رجال اليمان أثبت في قلوبهم من الجبال‬
‫الرواسي" ‪.‬‬
‫‪" 4‬حسن" مضمن معنى التعجب‪ ،‬فهو كنعم المدح‪ ،‬أي‪ :‬مدح الحسن فيه‪ ،‬وأولئك فاعلة‪ ،‬ورفيقا‪:‬‬
‫منصوب على التمييز‪.‬‬

‫( ‪)1/503‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{كَتَبْنَا عَلَ ْيهِمْ} ‪ :‬فرضنا عليهم وأوحينا‪.‬‬
‫س ُكمْ} ‪ :‬أي‪ :‬قتل أنفسهم‪.‬‬
‫{أَنِ اقْتُلُوا أَ ْنفُ َ‬
‫{مَا َفعَلُوهُ إِل قَلِيلٌ مِ ْنهُمْ} ‪ :‬أي‪ :‬ما فعل القتل إل قليل ‪ 1‬منهم‪.‬‬
‫{مَا يُوعَظُونَ بِهِ} ‪ :‬أي‪ :‬ما يؤمرون به وينهون عنه‪.‬‬
‫شدّ تَثْبِيتا} ‪ :‬أي‪ :‬لليمان في قلوبهم‪.‬‬
‫{وَأَ َ‬
‫{وَالصّدّيقِينَ} ‪ :‬جمع صديق‪ :‬وهو من غلب عليه الصدق في أقواله وأحواله لكثرة ما يصدق‬
‫ويتحرى الصدق‪.‬‬
‫ش َهدَاءِ} ‪ :‬جمع شهيد‪ :‬من مات في المعركة ومثله من شهد بصحة السلم بالحجة والبرهان‪.‬‬
‫{وَال ّ‬
‫{وَالصّالِحِينَ} ‪ :‬جمع صالح‪ :‬من أدى حقوق ال تعالى وأدى حقوق العباد‪ ،‬وصلحت نفسه وصلح‬
‫عمله وغلب صلحه على فساده‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في الحديث عن أولئك النفر الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن‬
‫سكُمْ} أي‪ :‬يقتل بعضكم بعضا كما حصل‬
‫يكفروا به فقال تعالى‪{ :‬وََلوْ أَنّا كَتَبْنَا عَلَ ْيهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَ ْنفُ َ‬
‫ذلك لبني إسرائيل لما فعلوا كما أنا لو كتبنا عليهم أن يخرجوا من ديارهم مهاجرين في سبيلنا {مَا‬
‫َفعَلُوهُ إِل قَلِيلٌ} منهم‪ .‬ثم قال تعالى داعيا لهم مرغبا لهم في الهداية‪{ :‬وََلوْ أَ ّنهُمْ َفعَلُوا مَا يُوعَظُونَ‬
‫بِهِ} أي‪ :‬ما يذكرون به ترغيبا وترهيبا من أوامر ال تعالى لهم بالطاعة والتسليم لكان ذلك خيرا‬
‫في الحال والمآل‪{ ،‬وََأشَدّ تَثْبِيتا} لليمان في قلوبهم وللطاعة على جوارحهم‪ ،‬لن اليمان يزيد‬
‫بالطاعة وينقص بالمعصية‪ ،‬والحسنة تنتج حسنة‪ ،‬والسيئة تتولد عنها سيئة‪ .‬ويقول تعالى‪َ { :‬وإِذا‬
‫لتَيْنَاهُمْ مِنْ َلدُنّا أَجْرا عَظِيما} يريد لو أنهم استجابوا لنا وفعلوا ما أمرنا به من الطاعات‪ ،‬وتركوا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ما نهيناهم عنه من المعاصي لعطيناهم من لدنا أجرا يوم يلقوننا ولهديناهم في الدنيا {صِرَاطا‬
‫مُسْ َتقِيما} أل وهو السلم الذي هو طريق الكمال والسعاد في الحياتين وهدايتهم إليه هي توفيقهم‬
‫للسير فيه‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرئ‪{ :‬إل قليل} بالنصب‪ ،‬و {إن ل قليل} بالرفع‪ ،‬وقراءة الرفع مراعى فيها اللفظ وهو أولى‪،‬‬
‫ولذا هي أكثر وأشهر‪.‬‬

‫( ‪)1/504‬‬

‫وعدم الخروج عنه‪ .‬هذا ما دلت عليه اليات‪.)68-67-66(:‬‬


‫أما الية(‪ )69‬وهي قوله تعالى‪َ { :‬ومَنْ ُيطِعِ اللّ َه وَالرّسُولَ فَأُولَ ِئكَ مَعَ الّذِينَ أَ ْن َعمَ اللّهُ عَلَ ْيهِمْ مِنَ‬
‫ن وَحَسُنَ أُولَ ِئكَ َرفِيقا} فقد روى ابن جرير في تفسيره‪:‬‬
‫شهَدَا ِء وَالصّاِلحِي َ‬
‫ن وَالصّدّيقِينَ‪ 1‬وَال ّ‬
‫النّبِيّي َ‬
‫أنها نزلت حين قال بعض ‪ 2‬الصحابة يا رسول ال ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا فإنك إذا‬
‫فارقتنا رفعت فوقنا فلم نرك فأنزل ال تعالى‪َ { :‬ومَنْ ُيطِعِ اللّ َه وَالرّسُولَ فَأُولَئِك} الية‪ .‬وما أنعم‬
‫ال تعالى عليه هو اليمان بال تعالى ومعرفته عز وجل ومعرفة محابه ومساخطه والتوفيق لفعل‬
‫المحاب وترك المساخط هذا في الدنيا‪ ،‬وأما ما أنعم به عليهم في الخرة فهو الجوار الكريم في‬
‫دار النعيم‪ .‬والصديقين هم الذين آمنوا بال ورسوله وصدقوا بكل ما جاء به رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وأخبر به والشهداء‪ :‬جمع شهيد‪ ،‬وهو من قتل في سبيل ال‪ .‬والصالحون‪ :‬جمع‬
‫صالح‪ ،‬وهو من أدى حقوق ال تعالى وحقوق عباده كاملة غير منقوصة‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وَحَسُنَ‬
‫أُولَ ِئكَ َرفِيقا‪ }3‬يريد وحسن أولئك رفقاء في الجنة يستمتعون برؤيتهم والحضور في مجالسهم‪،‬‬
‫لنهم ينزلون إليهم‪ ،‬ثم يعودون إلى منازلهم العالية ودرجاتهم الرفيعة‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬ذَِلكَ‪4‬‬
‫ا ْل َفضْلُ مِنَ اللّهِ} يريد أن ذلك اللتقاء مع من ذكرتم لهم بفضل ال تعالى‪ ،‬ل بطاعتهم‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫{ َو َكفَى بِاللّهِ عَلِيما} أي‪ :‬بأهل طاعته وأهل معصيته وبطاعة المطيعين ومعصية العاصين‪ ،‬ولذلك‬
‫يتم الجزاء عادلً رحيما‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬قد يكلف ال تعالى بالشاق للمتحان والبتلء؛ كقتل النفس والهجرة من البلد ولكن ل يكلف‬
‫بما ل يطاق‪.‬‬
‫‪ -2‬اليمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعصيات‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في هذه الية إشارة أصرح من عبارة‪ :‬على خلفة أبي بكر لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إذ ذكر ال تعالى النبياء ثم ثنى بالصديقين‪ ،‬وقد أجمع المسلمون على تسمية أبي بكر بالصديق‪،‬‬
‫كما أجمعوا على تسمية محمد صلى ال عليه وسلم بالنبي‪ ،‬فدل على تعيين خلفة أبي بكر‪ ،‬إذ لم‬
‫يقدم عليه أحد في الذكر سوى النببياء‪.‬‬
‫‪ 2‬من بين القائلين‪ :‬ثوبان مولى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وعبد ال بن زيد بن عبد ربه‬
‫الذي أُري الذان في المنام‪.‬‬
‫‪ 3‬روى البخاري عن عائشة رضي ال عنها أنها قالت سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول‪" :‬ما من نبي يمرض إل خُيّر بين الدنيا والخرة" ولما كان في مرضه الذي قبض فيه أخذته‬
‫بحة شديدة فسمعته يقول‪{" :‬مَعَ الّذِينَ أَ ْنعَمَ اللّهُ عَلَ ْيهِم} "‪ .‬الية فعلمت أنه خير وكان يقول‪" :‬اللهم‬
‫الرفيق العلى" ‪ ،‬وهو يعاني سكرات الموت‪ ،‬فصلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ك ال َفضْل مِنَ ال} ‪ ،‬رد على المعتزلة‪ ،‬إذ قالوا‪ :‬إنما ينال العبد ما يناله‬
‫‪ 4‬في قوله تعالى‪{ :‬ذَِل َ‬
‫بعمله‪ ،‬وال قدر رد ذلك الكرام والنعام لفضله‪ ،‬وهو كذلك عقلً وشرعا‪ ،‬ويلزم اعتقادا‪.‬‬

‫( ‪)1/505‬‬

‫‪ -5‬الطاعات تثمر قوة اليمان وتؤهل لدخول الجنان‪.‬‬


‫‪ -4‬مواكبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في الجنة ثمرة من ثمار طاعة ال والرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫جمِيعا(‪ )71‬وَإِنّ مِ ْنكُمْ َلمَنْ لَيُبَطّئَنّ فَإِنْ‬
‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْ َركُمْ فَا ْنفِرُوا ثُبَاتٍ َأوِ ا ْنفِرُوا َ‬
‫ضلٌ مِنَ اللّهِ‬
‫شهِيدا(‪ )72‬وَلَئِنْ َأصَا َبكُمْ َف ْ‬
‫َأصَابَ ْتكُمْ ُمصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَ ْن َعمَ اللّهُ عََليّ ِإذْ َلمْ َأكُنْ َم َعهُمْ َ‬
‫لَ َيقُولَنّ كَأَنْ َلمْ َتكُنْ بَيْ َنكُ ْم وَبَيْنَهُ َموَ ّدةٌ يَا لَيْتَنِي كُ ْنتُ َم َعهُمْ فََأفُوزَ َفوْزا عَظِيما(‪})73‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫حذْ َركُمْ} ‪ :‬الحذر والحذر‪ :‬الحتراس والستعداد لدفع المكروه بحسبه‪.‬‬
‫{خُذُوا ِ‬
‫{فَا ْنفِرُوا ثُبَاتٍ‪ : }1‬النفور‪ :‬الخروج في اندفاع وانزعاج‪ ،‬والثبات‪ :‬جمع ثبت‪ ،‬وهي‪ :‬الجماعة‪.‬‬
‫{لَيُ َبطّئَنّ‪ : }2‬أي‪ :‬يتبطأ في الخروج فل يخرج‪.‬‬
‫{ ُمصِيبَةٌ} ‪ :‬قتل أو جراحات وهزيمة‪.‬‬
‫شهِيدا} ‪ :‬أي‪ :‬حاضرا الغزوة معهم‪.‬‬
‫{َ‬
‫ضلٌ} ‪ :‬نصر وغنيمة‪.‬‬
‫{ َف ْ‬
‫{ َموَ ّدةٌ} ‪ :‬صحبة ومعرفة مستلزمة للمودة ‪.3‬‬
‫{ َفوْزا عَظِيما} ‪ :‬نجاة من معرة التخلف عن الجهاد‪ ،‬والظفر بالسلمة والغنيمة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أصل ثبة‪ ،‬ثبي أو ثبوة بالباء والواو‪ ،‬وقد تصغر على ثبية‪ ،‬وهل اشتقاقها من ثبة الحوض‪ ،‬أي‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫محل اجتماع الماء فيه؛ لن الثبة‪ :‬الجماعة‪ ،‬وثاب الماء يثوب إذا اجتمع‪.‬‬
‫‪ 2‬حمل مجاهد وقتادة وابن جريج الية على المنافقين‪ ،‬وحملها بعضهم على ضعفة اليمان‪،‬‬
‫وحملها على الجميع أقرب إلى الصحة والصواب‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫‪ 3‬إذا كان الصاحب من ضعفة اليمان فهو كذلك‪ ،‬وإن كان منافقا فإن المودة هنا بمعنى‪ :‬مجرد‬
‫الصحبة ل غير لن المنافق ل يحب المؤمن إل نادرا‪.‬‬

‫( ‪)1/506‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫جمِيعا‪ }2‬ينادي ال تعالى‬
‫حذْ َركُمْ‪ 1‬فَا ْنفِرُوا ثُبَاتٍ َأوِ ا ْنفِرُوا َ‬
‫قوله تعالى‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا خُذُوا ِ‬
‫عباده المؤمنين‪ ،‬وهم في فترة يستعدون فيها لفتح مكة وإدخاله في حظيرة السلم‪ ،‬خذوا الهبة‬
‫والستعداد حتى ل تلقوا عدوكم وأنتم ضعفاء‪ ،‬قوته أشد من قوتكم {فانفروا ثباتٍ} عصابة بعد‬
‫جمِيعا} بقيادتكم المحمدية وذلك بحسب ما يتطلبه الموقف‬
‫عصابة وجماعة بعد أخرى {َأوِ ا ْنفِرُوا َ‬
‫وتراه ‪ 3‬القيادة ثم أخبرهم وهو العليم أن منهم‪ ،‬أي‪ :‬من عدادهم وأفراد مواطنيهم لمن وال ليبطئن‬
‫عن الخروج إلى الجهاد نفسه وغيره معا؛ لنه ل يريد لكم نصرا لنه منافق كافر الباطن وإن‬
‫كان مسلم الظاهر ويكشف عن حال هذا النوع من الرجال الرخيص فيقول‪{ :‬فَإِنْ َأصَابَ ْتكُمْ} أيها‬
‫المؤمنون الصادقون { ُمصِيبَةٌ} قتل أو جراح أو هزيمة قال في فرح بما أصابكم وما نجا منه‪ :‬لقد‬
‫ضلٌ مِنَ اللّهِ} أي‪:‬‬
‫أنعم ال عليّ إذ لم أكن معهم حاضرا فيصيبني ما أصابهم‪{ ،‬وَلَئِنْ َأصَا َبكُمْ َف ْ‬
‫نصر وغنيمة {لَ َيقُولَنّ كَأَنْ لَمْ َتكُنْ بَيْ َنكُمْ وَبَيْنَهُ َموَ ّدةٌ} أي‪ :‬معرفة ول صلة يا ليتني متمنيا حاسدا –‬
‫عظِيما} بالنجاة من معرة التخلف والظفر بالغنائم والعودة سالما‪.‬‬
‫كنت معهم في الغزاة {فََأفُوزَ َفوْزا َ‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب أخذ الهبة والستعداد التام على أمة السلم في السلم والحرب سواء‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب وجود خبرة عسكرية كاملة وقيادة رشيدة مؤمنة حكيمة عليمة‪.‬‬
‫‪ -3‬وجود منهزمين روحيا مبطئين حسدة بين المسلمين وهم ضعاف اليمان فل يؤبه لهم ول‬
‫يلتفت إليهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أخذ الحذر هو توقي المكروه بالسباب الممكنة المشروعة‪ ،‬وجملة‪{ :‬فَانفروا ثُبات} إلخ‪ .‬تفريع‬
‫بذكر بعض أسباب توفي المحذور‪.‬‬
‫‪ 2‬أخذ الحذر واجب لنه سبب شرعه ال تعالى لتوقي المكروه‪ ،‬ولكنه ل يمنع المقدور‪ ،‬وأخطأت‬
‫القدرية إذا قالوا‪ :‬الحذر يرد القدر‪ ،‬ولول أنه كذلك ما أمروا به‪ ،‬وهو خطأ اعتقادي‪ ،‬فالسباب‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تؤتى طاعة ل تعالى‪ ،‬وأما دفع المقدور‪ ،‬أي‪ :‬ما قدره ال على النسان فلبد من وقوعه‪ ،‬وفائدة‬
‫الخذ بالسباب‪ :‬إبعاد الخوف عن النفس وحصول شعور بالفوز والنجاة‪.‬‬
‫خفَافا وَ ِثقَالً} منسوخة بها؟‪.‬‬
‫‪ 3‬هل هذه الية وهي متقدمة في النزول على آية التوبة‪{ :‬ا ْنفِرُوا ِ‬
‫والجواب‪ :‬أن فرض الجهاد على الكفاية‪ ،‬ولذا فل نسخ‪ ،‬وإنما هذه في حال وتلك في أخرى‪،‬‬
‫وهي‪ :‬أن يرى المام النفير العام ل غير‪.‬‬

‫( ‪)1/507‬‬

‫{فَلْ ُيقَا ِتلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الّذِينَ يَشْرُونَ ا ْلحَيَاةَ الدّنْيَا بِالخِ َرةِ َومَنْ ُيقَا ِتلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَ ُيقْ َتلْ َأوْ َيغِْلبْ‬
‫ضعَفِينَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ‬
‫عظِيما(‪َ )74‬ومَا َلكُمْ ل ُتقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَا ْلمُسْ َت ْ‬
‫س ْوفَ ُنؤْتِيهِ أَجْرا َ‬
‫فَ َ‬
‫ج َعلْ لَنَا‬
‫ج َعلْ لَنَا مِنْ َلدُ ْنكَ وَلِيّا وَا ْ‬
‫وَا ْلوِلْدَانِ الّذِينَ َيقُولُونَ رَبّنَا َأخْرِجْنَا مِنْ َه ِذهِ ا ْلقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهُْلهَا وَا ْ‬
‫مِنْ لَدُ ْنكَ َنصِيرا(‪ )75‬الّذِينَ آمَنُوا ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَالّذِينَ َكفَرُوا ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطّاغُوتِ‬
‫ضعِيفا(‪})76‬‬
‫ن َ‬
‫َفقَاتِلُوا َأوْلِيَاءَ الشّيْطَانِ إِنّ كَيْدَ الشّيْطَانِ كَا َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{سَبِيلِ اللّهِ} ‪ :‬الطريق الموصلة إلى إعلء كلمة ال تعالى بأن يعبد وحده‪ ،‬ول يضطهد مسلم في‬
‫دينه‪ ،‬ول من أجل دينه‪.‬‬
‫{يَشْرُونَ} ‪ :‬يبيعون‪ ،‬إذ يطلق الشراء على البيع أيضا‪.‬‬
‫ض َعفِينَ} ‪ :‬المستضعف الذي قام به عجز فاستضعفه غيره فآذاه لضعفه‪.‬‬
‫{وَا ْلمُسْ َت ْ‬
‫{ا ْلقَرْيَةِ} ‪ :‬القرية في عرف القرآن‪ :‬المدينة الكبيرة والجامعة والمراد بها هنا مكة المكرمة‪.‬‬
‫{فِي سَبِيلِ الطّاغُوتِ} ‪ :‬أي‪ :‬في نصرة الشرك ومساندة الظلم والعدوان ‪،‬ونشر الفساد‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫بعد ما أمر ال تعالى عباده المؤمنين بأخذ حذرهم وهو الهبة للقتال أمرهم أن يقاتلوا فقال‪:‬‬
‫{ فَلْ ُيقَا ِتلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الّذِينَ يَشْرُونَ ا ْلحَيَاةَ الدّنْيَا بِالخِ َرةِ} أي‪ :‬يبيعون الدنيا ليفوزوا بالخرة وهم‬
‫المؤمنون حقا فيقدمون أموالهم وأرواحهم طلبا للفوز بالدار الخرة يقاتلون من ل يؤمن بال ول‬
‫بلقائه بعد أن يدعوه إلى اليمان بربه والتوبة إليه‪ ،‬ثم أخبرهم‪.‬‬

‫( ‪)1/508‬‬

‫أن من يقاتل استجابة لمره تعالى فيقتل‪ ،‬أي‪ :‬يستشهد أو يغلب وينتصر على كل الحالين فسوف‬
‫يؤتيه ‪ 1‬ال تعالى أجرا عظيما‪ ،‬وهو النجاة من النار ودخول الجنة‪ .‬هذا ما دلت عليه الية‬
‫الولى(‪.)74‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أما الية الثانية(‪ )75‬فإن ال تعالى بعدما أمر عباده بالجهاد استحثهم على المبادرة وخوض‬
‫ض َعفِينَ‪ 3‬مِنَ‬
‫المعركة بقوله‪َ { :‬ومَا َلكُمْ ل ُتقَاتِلُونَ‪ 2‬فِي سَبِيلِ اللّهِ} ليعبد وحده ويعز أولياءه {وَا ْلمُسْ َت ْ‬
‫ل وَالنّسَا ِء وَا ْلوِلْدَانِ} الذين يضطهدون من قبل المشركين ويعذبون من أجل دينهم حتى‬
‫الرّجَا ِ‬
‫ج َعلْ لَنَا مِنْ‬
‫صرخوا وجاروا بالدعاء إلى ربهم قائلين‪{ :‬رَبّنَا َأخْرِجْنَا مِنْ َه ِذهِ ا ْلقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهُْلهَا وَا ْ‬
‫ج َعلْ لَنَا مِنْ لَدُ ْنكَ َنصِيرا} ينصرنا على أعدائنا‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ك وَلِيّا} بلى أمرنا ويكفينا ما أهمنا‪{ ،‬وَا ْ‬
‫لَدُ ْن َ‬
‫شيء يمنعكم أيها المؤمنون من قتال في سبيل ال‪ ،‬لُيعبد وحده‪ ،‬وليتخلص ‪ 4‬المستضعفون من فتنة‬
‫المشركين لهم من أجل دينهم؟‬
‫ثم في الية الثالثة(‪ )75‬أخبر تعالى عباده المؤمنين حاضا لهم على جهاد أعدائه وأعدائهم بقوله‪:‬‬
‫{الّذِينَ آمَنُوا ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ} لنهم يؤمنون به وبوعده ووعيده {وَالّذِينَ َكفَرُوا ُيقَاتِلُونَ فِي‬
‫سَبِيلِ الطّاغُوتِ} وهو الكفر ‪ 5‬والظلم لنهم ل يؤمنون بال تعالى ول بما عنده من نعيم‪ ،‬ول بما‬
‫لديه من عذاب ونكال { َفقَاتِلُوا َأوْلِيَاءَ الشّ ْيطَانِ} وهم الكفار‪ ،‬ول ترهبوهم {إِنّ كَيْدَ الشّيْطَانِ كَانَ}‬
‫ضعِيفا} ‪ ،‬فل يثبت هو وأولياؤه من الكفرة‪ ،‬أمام جيش اليمان أولياء الرحمن‪.‬‬
‫وما زال { َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ظاهر الية‪ :‬التسوية بين من قتل شهيدا‪ ،‬وبين من انتصر ورجع بنفسه وهناك حديثان‪ :‬أحداهما‬
‫يقتضي التسوية وآخر ينفيها‪ .‬فالول‪ :‬حديث أبي هريرة "تضمن ال لمن خرج في سبيله ل‬
‫يخرجه إل جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسولي فهو علىَ ضامن أن أدخله الجنة‪ ،‬أو‬
‫أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلً ما نال من أجر وغنيمة" رواه مسلم‪ .‬والثاني‪" :‬ما من‬
‫غازية تغزو في سبيل ال فيصيبون الغنيمة إل تعجلوا ثلثي أجرهم من الخرة ويبقى لهم الثلث‪،‬‬
‫وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم" والجمع بينهما أن من غزا ناويا الجر والغنيمة ثم غنم وسلم‬
‫نقص أجره في الخرة‪ ،‬فلم تكن درجته كالذي استشهد ولم يغنم‪ ،‬ول كالذي نوى الجر دون‬
‫الغنيمة أيضا‪ .‬والسبب الفارق‪ :‬هو اشتراك النية وعدم خلوصها‪.‬‬
‫‪ 2‬الستفهام إنكاري؛ أي ينكر عليهم قعودهم على القتال في سبيل ال‪ ،‬أي‪ :‬لنقاذ المؤمنين من‬
‫فتنة المشركين وإنقاذ أولدهم من أن يشبوا ويكبروا على أحوال الكفر جاهلين باليمان والسلم‪.‬‬
‫‪ 3‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪" :‬كنت أنا وأمي من المستضعفين"‪ .‬وفي رواية البخاري قال‪:‬‬
‫"كنت أنا وأمي ممن عذر ال وأنا من الولدان وأمي من النساء"‪ ،‬وكان النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫يقنت لهم فيقول‪" :‬اللهم أنجي الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة المستضعفين‬
‫من المؤمنين" ‪.‬‬
‫‪ 4‬الجماع على وجوب تخليص السرى من المسلمين بالقتال أو بالمال‪ ،‬ول يحل تركهم تحت‬
‫الكفر يضطهدهم ويعذبهم من أجل دينهم‪ .‬وفي الحديث الصحيح‪" :‬فكوا العاني" وهو السير‪،‬‬
‫وسمي العاني لما يعانية من آلم وأتعاب‪ .‬والمسلمون اليوم أسرى تحت اليهود في فلسطين‪،‬‬
‫والمسلمون تاركون لهم غير مهتمين بهم‪ ،‬وهو ذنب عظيم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 5‬يطلق الطاغوت على ما عبد من دون ال‪ ،‬ويطلق على من دعا إلى عبادة غير ال؛ كالشيطان‬
‫وغيره من الجن والنس الذين يدعون إلى عبادة الصنام والشخاص وغيرها‪ ،‬وفي هذه الية‬
‫يناسب أن يكون الطاغوت هو الشيطان‪ ،‬لقوله‪ :‬بعد أولياء الشيطان‪ ،‬وإطلقنا‪ :‬الطاغوت على‬
‫الكفر والظلم مراعاة لحال الناس‪ ،‬فإن أكثرهم يقاتل نصرا للكفر الذي هو عليه أو لبقاء ظلمه‬
‫واستعلؤه في الرض‪.‬‬

‫( ‪)1/509‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬فرضية القتال في سبيل ال ولجل انقاذ المستضعفين من المؤمنين نصرة للحق وإبطالً‬
‫للباطل‪.‬‬
‫‪ -2‬المقاتل في سبيل ال باع دنياه واعتاض عنها الخرة‪ ،‬ولنعم البيع‪.‬‬
‫‪ -3‬المجاهد يؤوب بأعظم صفقة سواء قتل‪ ،‬أو انتصر وغلب وهي الجنة‪.‬‬
‫‪ -4‬ل يمنع المؤمنين من الجهاد خوف أعدائهم‪ ،‬لن قوتهم من قوة الشيطان وكيد الشيطان‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫{ أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ قِيلَ َلهُمْ ُكفّوا أَ ْيدِ َيكُ ْم وََأقِيمُوا الصّلةَ وَآتُوا ال ّزكَاةَ فََلمّا كُ ِتبَ عَلَ ْي ِهمُ ا ْلقِتَالُ ِإذَا‬
‫شوْنَ النّاسَ كَخَشْ َيةِ اللّهِ َأوْ أَشَدّ خَشْ َي ًة َوقَالُوا رَبّنَا لِمَ كَتَ ْبتَ عَلَيْنَا ا ْلقِتَالَ َلوْل َأخّرْتَنَا‬
‫فَرِيقٌ مِ ْنهُمْ يَخْ َ‬
‫ل وَالخِ َرةُ خَيْرٌ ِلمَنِ ا ّتقَى وَل ُتظَْلمُونَ فَتِيلً(‪ )77‬أَيْ َنمَا َتكُونُوا‬
‫جلٍ قَرِيبٍ ُقلْ مَتَاعُ الدّنْيَا قَلِي ٌ‬
‫إِلَى أَ َ‬
‫ت وََلوْ كُنْ ُتمْ فِي بُرُوجٍ ُمشَيّ َد ٍة وَإِنْ ُتصِ ْبهُمْ حَسَنَةٌ َيقُولُوا هَ ِذهِ مِنْ عِ ْندِ اللّ ِه وَإِنْ ُتصِ ْبهُمْ‬
‫يُدْ ِر ْككُمُ ا ْل َموْ ُ‬
‫حدِيثا(‪ )78‬مَا‬
‫سَيّئَةٌ َيقُولُوا هَ ِذهِ مِنْ عِ ْن ِدكَ قُل ُكلّ مِنْ عِ ْندِ اللّهِ َفمَالِ َهؤُلءِ ا ْل َقوْمِ ل َيكَادُونَ َيفْ َقهُونَ َ‬
‫ل َو َكفَى بِاللّهِ‬
‫سكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنّاسِ َرسُو ً‬
‫َأصَا َبكَ مِنْ حَسَ َنةٍ َفمِنَ اللّهِ َومَا َأصَا َبكَ مِنْ سَيّ َئةٍ َفمِنْ َنفْ ِ‬
‫شهِيدا(‪})79‬‬
‫َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ ُكفّوا أَ ْيدِ َيكُمْ} ‪ :‬أي‪ :‬عن القتال وذلك قبل أن يفرض‪.‬‬
‫{كُ ِتبَ عَلَ ْيهِمُ ا ْلقِتَالُ} ‪ :‬فرض عليهم‪.‬‬

‫( ‪)1/510‬‬

‫شوْنَ} ‪ :‬يخافون‪.‬‬
‫{ َيخْ َ‬
‫{َلوْل أَخّرْتَنَا} ‪ :‬هل أخرتنا ‪.1‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{فَتِيلً} ‪ :‬الفتيل‪ :‬خيط يكو في وسط النواة‪.‬‬
‫{بُرُوجٍ مُشَيّ َدةٍ} ‪ :‬حصون مشيدة بالشيد‪ ،‬وهو الجص‪.‬‬
‫{مِنْ حَسَنَةٍ} ‪ :‬الحسنة‪ :‬ما سر‪ ،‬والسيئة‪ :‬ما ضر‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫روى أن بعضا من أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم طالبوا بالذن لهم بالقتال ولم يؤذن لهم‬
‫لعدم توفر أسباب القتال‪ ،‬فكانوا يؤمرون بإقام الصلة وإيتاء الزكاة ريثما بأذن ال تعالى لرسوله‬
‫جلٍ‬
‫بقتال المشركين‪ ،‬ولما شرع القتال جبن فريق منهم عن القتال وقالوا‪َ{ :‬لوْل َأخّرْتَنَا إِلَى أَ َ‬
‫قَرِيبٍ} متعللين ‪ 2‬بعلل واهية‪ ،‬فأنزل ال تعالى فيهم هاتين اليتين(‪)77‬و(‪َ { )78‬ألَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ‬
‫قِيلَ َلهُمْ ُكفّوا أَ ْيدِ َيكُمْ} أي‪ :‬عن القتال {وََأقِيمُوا الصّل َة وَآتُوا ال ّزكَاةَ} ريثما يأذن ال بالقتال عندما‬
‫تتوفر إمكانياته‪ ،‬فلما فرض القتال ونزل قوله تعالى‪{ :‬أُذِنَ لِلّذِينَ ُيقَاتَلُونَ بِأَ ّن ُهمْ ظُِلمُوا} جبنوا ولم‬
‫جلٍ قَرِيبٍ} يريدون أن يدافعوا اليام حتى يموتوا ولم‬
‫يخرجوا للقتال‪ ،‬وقالوا‪َ{ :‬لوْل أَخّرْتَنَا إِلَى َأ َ‬
‫ل وَالخِ َرةُ خَيْرٌ ِلمَنِ ا ّتقَى}‬
‫يلقوا عدوا خورا‪ ،‬فأمر تعالى الرسول أن يقول لهم‪ { :‬مَتَاعُ الدّنْيَا ‪ 3‬قَلِي ٌ‬
‫فعيشكم في الدنيا مهما طابت لكم الحياة هو قليل {وَالخِ َرةُ خَيْرٌ ِلمَنِ ا ّتقَى} ال بفعل أمره وترك‬
‫ظَلمُونَ فَتِيلً} ل‬
‫نهيه بعد اليمان به وبرسوله‪ ،‬وسوف تحاسبون على أعمالكم وتجزون بها {وَل تُ ْ‬
‫ينقص حسنة ول بزيادة سيئة‪ .‬هذا ما تضمنته الية الولى‪.‬‬
‫أما الية الثانية فقد قال تعالى لهم ولغيرهم ممن يخشون القتال ويجبنون عن الخروج للجهاد‪:‬‬
‫{أَيْ َنمَا َتكُونُوا يُدْ ِر ْككُمُ ا ْل َم ْوتُ} ‪ ،‬إذ الموت طالبكم ولبد أن يدرككم‪ ،‬كما قال تعالى لمثالهم‪ُ { :‬قلْ‬
‫إِنّ ا ْل َم ْوتَ الّذِي َتفِرّونَ مِ ْنهُ فَإِنّهُ مُلقِيكُمْ} ‪ ،‬ولو دخلتم حصونا‪ 4‬ما فيها كوة ول نافذة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المراد من التأخير إلى أجل قريب‪ :‬هو أن يتم استعدادهم للقتال لتوفر المال والرجال والعتاد ل‬
‫إلى أجل الموت فإنه غير وارد في قولههم‪ :‬هذا ول معنى له‪ ،‬وهل قولهم كان في أنفسهم أو‬
‫صرحوا به؟ كلهما وارد وجائز الوقوع‪.‬‬
‫‪ 2‬اختلف هل هذه الية نزلت في المؤمنين أو المنافقين؟ والصواب أنها نزلت في بعض المؤمنين‬
‫ممن ضعف إيمانهم‪ ،‬أما كونها نزلت في اليهود فل معنى له‪ ،‬وكونها شملت المنافقين فهذا حق‬
‫بدليل سياق اليات‪.‬‬
‫‪ 3‬يبين قلة متاع الدنيا قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬مثلي ومثل الدنيا كراكب قال قيلولة تحت‬
‫شجرة ثم راح وتركها" ‪.‬‬
‫‪ 4‬تفسير لقوله تعالى‪{ :‬وََلوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيّ َدةٍ} إذ البرج‪ :‬البناء المرتفع والقصر العظيم‪ .‬قال‬
‫طرفة‪ ،‬يصف ناقة‪:‬‬
‫كأنها برج رمي يكففها ‪ ...‬بانٍ بشيد وآج ٍر وأحجار‬
‫وفي الية رد على القدرية القائلين‪ :‬المقتول لو لم يقتله عاش‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/511‬‬

‫فإن الموت يدخلها عليكم ويقبض أرواحكم‪ ،‬ولما ذكر تعالى جبنهم وخوفهم ذكر تعالى سوء فهمهم‬
‫وفساد ذوقهم فقال‪{ :‬وَإِنْ ُتصِ ْبهُمْ حَسَنَةٌ َيقُولُوا هَ ِذهِ مِنْ عِنْدِ اللّ ِه وَإِنْ ُتصِ ْبهُمْ سَيّ َئةٌ َيقُولُوا َه ِذهِ مِنْ‬
‫عِنْ ِدكَ} يعني أنه إذا أصابهم خير من غنيمة أ خصب ورخاء‪ ،‬قالوا‪َ { :‬ه ِذهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ} ل شكرا‬
‫ل وإنما ل يريدون أن ينسبوا إلى رسول ال شيئا من خير كان ببركته وحسن قيادته‪ ،‬وإن تصبهم‬
‫سيئة فقر أو مرض أو هزيمة يقولون‪{ :‬هَ ِذهِ مِنْ عِ ْن ِدكَ‪ ، }1‬أي‪ :‬أنت السبب فيها‪ .‬قال تعالى‬
‫لرسوله‪ :‬قل لهم { ُكلّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ} الحسنة والسيئة‪ ،‬هو الخالق والواضع السنن لوجودها‬
‫حدِيثا} هذا‬
‫وحصولها‪ .‬ثم عليهم في نفسياتهم الهابطة‪ ،‬فقال‪َ { :‬فمَالِ َهؤُلءِ ا ْلقَوْمِ ل َيكَادُونَ َي ْفقَهُونَ َ‬
‫ما دلت عليه الية الثانية‪.‬‬
‫أما الية الثالثة والخيرة في هذا السياق‪ ،‬وهي قوله تعالى‪ { :‬مَا َأصَا َبكَ مِنْ حَسَنَةٍ َفمِنَ اللّ ِه َومَا‬
‫سكَ‪ }3‬الية‪ ،‬فإن ال تعالى يخاطب رسوله صلى ال عليه وسلم فيخبره‬
‫َأصَا َبكَ‪ 2‬مِنْ سَيّ َئةٍ َفمِنْ َنفْ ِ‬
‫بأن الحسنة من ال تعالى‪ ،‬إذ هو المر بقولها أو فعلها وموجد أسبابها الموفق للحصول عليها‪ ،‬أما‬
‫السيئة فمن النفس‪ ،‬إذ هي التي تأمر بها‪ ،‬وتباشرها مخالفة فيها أمر ال أو نهيه‪ ،‬فلذا ل يصح‬
‫شهِيدا} يُسلي به رسوله‬
‫ل َوكَفَى بِاللّهِ َ‬
‫نسبتها إلى ال تعالى‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَأَ ْرسَلْنَاكَ لِلنّاسِ رَسُو ً‬
‫عما يلقيه من أذى الناس وما يصادفه من سوء أخلق بعضهم؛ كالذين ينسبون إليه السيئة تطيرا‬
‫به فيخبره بأن مهمته أداء الرسالة‪ ،‬وقد أداها وال شاهد على ذلك ويجزيك عليه بما أنت أهله‬
‫وسيجزي من رد رسالتك وخرج عن طاعتك وكفى بال شهيدا‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬قبح الستعجال والجبن وسوء عاقبتهما‪.‬‬
‫‪ -2‬الخرة خير لمن اتقى من الدنيا ‪.4‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لقد شارك يهود في هذا القول‪ ،‬فقد روى أنهم لما نزل الرسول صلى ال عليه وسلم المدينة‬
‫مهاجرا‪ ،‬قالوا‪ :‬ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا‪ ،‬ومزارعنا مذ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه!!‪.‬‬
‫‪ 2‬إن الخطاب وإن كان للنبي صلى ال عليه وسلم فهو عام في كل إنسان لسيما المؤمن‪ ،‬أو هو‬
‫من باب‪ :‬إياك أعني‪ ،‬واسمعي يا جارة‪ ،‬وكونه خاصا بالرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومعناه عام‬
‫هو الصحيح‪.‬‬
‫‪ 3‬زاد بعضهم جملة‪ :‬وإنا كتبا عليك‪ ،‬وهي ليست قرآنا إجماعا‪ ،‬وإنما هي تفسير من بعض‬
‫الصحابة‪ ،‬ول التفات لمن طعن في القرآن بمثل هذه الزيادة التفسيرية‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 4‬وما أحسن ما قيل في معنى الية شعرا‪:‬‬
‫ول خير في الدنيا لمن لم يكن له ‪ ...‬من ال في دار ا لمقام نصيب‬
‫فإن تعجب الدنيا رجالً فإنها ‪...‬‬
‫متاع قليل والزوال قريب‬

‫( ‪)1/512‬‬

‫‪ -3‬ل مفر من الموت ول مهرب منه بحال ‪ 1‬من الحوال‪.‬‬


‫‪ -4‬الخير والشر كلهما بتقدير ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -5‬الحسنة من ال والسيئة من النفس‪ ،‬إذ الحسنة أمر ال بأسبابها بعد أن أوجدها وأعان عليها‪،‬‬
‫وأبعد الموانع عنها‪ ،‬والسيئة من النفس؛ لن ال نهى عنها وتوعد على فعلها‪ ،‬ولم يوفق إليها ولم‬
‫يعن عليها فهي من النفس ‪ 2‬ل من ال تعالى‪.‬‬
‫حفِيظا(‪ )80‬وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا‬
‫{مَنْ ُيطِعِ الرّسُولَ َفقَدْ َأطَاعَ اللّ َه َومَنْ َتوَلّى َفمَا أَ ْرسَلْنَاكَ عَلَ ْيهِمْ َ‬
‫بَرَزُوا مِنْ عِنْ ِدكَ بَ ّيتَ طَا ِئفَةٌ مِ ْنهُمْ غَيْرَ الّذِي َتقُولُ وَاللّهُ َيكْ ُتبُ مَا يُبَيّتُونَ فَأَعْ ِرضْ عَ ْنهُمْ وَتَ َو ّكلْ‬
‫جدُوا فِيهِ‬
‫ن وََلوْ كَانَ مِنْ عِ ْندِ غَيْرِ اللّهِ َلوَ َ‬
‫عَلَى اللّ ِه َو َكفَى بِاللّ ِه َوكِيلً(‪َ )81‬أفَل يَ َتدَبّرُونَ ا ْلقُرْآ َ‬
‫ل وَإِلَى‬
‫خوْفِ َأذَاعُوا بِ ِه وََلوْ رَدّوهُ إِلَى الرّسُو ِ‬
‫لمْنِ َأوِ ا ْل َ‬
‫ناَ‬
‫اخْتِلفا كَثِيرا(‪ )82‬وَإِذَا جَاءَهُمْ َأمْرٌ مِ َ‬
‫حمَتُ ُه لتّ َبعْتُمُ الشّ ْيطَانَ إِل‬
‫ضلُ اللّهِ عَلَ ْيكُ ْم وَ َر ْ‬
‫لمْرِ مِ ْنهُمْ َلعَِلمَهُ الّذِينَ َيسْتَنْبِطُونَهُ مِ ْنهُمْ وَلَوْل َف ْ‬
‫أُولِي ا َ‬
‫قَلِيلً(‪})83‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫حفِيظا} ‪ :‬تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها‪.‬‬
‫{َ‬
‫{طَاعَةٌ} ‪ :‬أي‪ :‬أمرنا طاعة لك‪.‬‬
‫{بَرَزُوا} ‪ :‬خرجوا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال زهير بن سلمة‪:‬‬
‫ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ‪ ...‬ولو رام أسباب السماء بسلّم‬
‫‪ 2‬قال قتادة‪ :‬رواية ل يصيب رجلً خدش عود ول عثرة قدم ول اختلج عرق إل بذنب وما يعفو‬
‫ال عنه أكثر‪ ،‬وفي الحديث الصحيح‪" :‬والذي نفسه بيده ل يصيب هم ول حزن ول نصب حتى‬
‫الشوكة يشاكها إل كفر ال عنه بها من خطاياه" فهو دال على حديث قتادة الضعيف‪.‬‬

‫( ‪)1/513‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{َأفَل يَ َتدَبّرُونَ} ‪ :‬تدبر القرآن‪ ،‬قراءة الية أو اليات وإعادتها المرة بعد المرة ليفقه مراد ال‬
‫تعالى منها‪.‬‬
‫{َأذَاعُوا بِهِ} ‪ :‬أفشوه معلنينه للناس‪.‬‬
‫{يَسْتَنْ ِبطُونَهُ} ‪ :‬يستخرجون معناه الصحيح‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫في قوله تعالى‪{ :‬مَنْ يُطِعِ الرّسُولَ‪ }1‬إنذار إلى الناس كافة في أن من لم يطع الرسول محمدا‬
‫صلى ال عليه وسلم ما أطاع ال تعالى‪ ،‬إن أمر الرسول من أمر ال ونهيه من نهي ال تعالى فل‬
‫عذر لحد في عدم طاعة الرسول صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬ومَنْ َتوَلّى} أي‪ :‬عن‬
‫طاعتك فيما تأمر به وتنهى عنه‪ ،‬فدعه ول تلتفت إليه إذ لم نرسلك لتحصي عليهم أعمالهم‬
‫وتحاسبهم عليها وتجزيهم بها‪ ،‬إن عليك إل البلغ‪ ،‬وقد بلغت فاعذرت‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَ َيقُولُونَ‬
‫عةٌ} أي‪ :‬ويقول أولئك المنافقون المنطيرون بك السيئو الفهم لما تقول‪ :‬طاعة أي‪ :‬أمرنا طاعة‬
‫طَا َ‬
‫لك‪ ،‬أي‪ :‬ليس لنا ما نقول إذا قلت ول ما نأمر به إذا أمرت‪ ،‬فنحن مطيعون لك {فَِإذَا بَرَزُوا} أي‪:‬‬
‫خرجوا من مجلسك بدل طائفة منهم غير الذي تقول واعتزموه دون الذي وافقوا عليه أمامك‪ ،‬وفي‬
‫مجلسك‪ ،‬وال تعالى يكتب بواسطة ملئكته الكرام الكاتبين ما يبيتونه ‪ 2‬من الشر والباطل‪ .‬وعليه‬
‫{فَأَعْ ِرضْ عَ ْنهُ ْم وَ َت َو ّكلْ عَلَى اللّهِ} ول تبال بهم { َو َكفَى بِاللّ ِه َوكِيلً} فهو حسبك وكافيك ما يبيتونه‬
‫من الشر لك‪.‬‬
‫وقوله تعالى في الية الثانية(‪َ{ )82‬أفَل يَتَدَبّرُونَ‪ 3‬ا ْلقُرْآنَ} يؤتيهم بإعراضهم وجهلهم وسوء‬
‫فهمهم‪ ،‬إذ لو تدبروا القرآن وهو يُتلى عليهم وسمعوه صباح مساء لعرفوا أن الرسول حق وأن ما‬
‫جاء به حق فآمنوا وأسلموا وحسن إسلمهم‪ ،‬وانتهى نفاقهم الذي أفسد قلوبهم وعفن آرائهم‪ ،‬إن‬
‫تدبر القرآن بالتأمل فيه وتكرار آياته مرة بعد أخرى يهدي إلى معرفة الحق‬
‫__________‬
‫‪ 1‬مصداقه في صحيح مسلم قوله صلى ال عليه وسلم‪ " :‬من أطاعني فقد أطاع ال ومن عصاني‬
‫فقد عصى ال ومن يطع المير فقد أطاعني ومن يعصي المير فقد عصاني "‪.‬‬
‫‪ 2‬بيتوا‪ :‬زوروا وبدلوا‪ ،‬إن التبييت‪ :‬هو تدبر المر بالليل حيث اتساع الوقت والفراغ من العمل‬
‫وقلة العيون‪ ،‬وبيتوا العدو‪ :‬أتوه ليلً‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫أجمعوا أمرهم بليل فلما ‪ ...‬أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء‬
‫‪ 3‬في هذه الية‪َ{ :‬أفَل يَ َتدَبّرُونَ ا ْلقُرْآنَ} مع آية سورة القتال‪َ{ :‬أفَل يَ َتدَبّرُونَ ا ْلقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ‬
‫َأ ْقفَاُلهَا} دليل على وجوب تدبر القرآن لفهم معانيه‪ ،‬لعتقاد الحق والعمل به‪ ،‬وفيه رد على من‬
‫زعم أنه ل يؤخذ من القرآن إل ما ثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم تفسيره‪ ،‬ودليل على‬
‫وجوب النظر والستدلل وإبطال التقليد‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/514‬‬

‫من الباطل وأقرب ما يفهمونه لو تدبروا القرآن كلم ال تعالى وليس كلم بشر‪ ،‬إذ لو كان كلم‬
‫بشر لوجد فيه التناقض والختلف والتضاد‪ ،‬ولكنه كلم خالق البشر‪ ،‬فلذا هو متسق الكلم متآلف‬
‫اللفاظ والمعاني محكم الي هادٍ إلى السعاد والكمال‪ ،‬فهو بذلك كلم ال حقا ومن شرف بإنزاله‬
‫عليه رسول حق ول معنى أبدا للكفر بعد هذا والصرار عليه‪ ،‬ومنافقة المسلمين فيه‪ .‬هذا معنى‬
‫جدُوا فِيهِ اخْتِلفا كَثِيرا} ‪.‬‬
‫قوله تعالى‪ { :‬وََلوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ َلوَ َ‬
‫خ ْوفِ أَذَاعُوا ِبهِ} وهي الية الرابعة(‪ )83‬فإن ال تعالى‬
‫لمْنِ َأوِ الْ َ‬
‫ناَ‬
‫وقوله‪{ :‬وَإِذَا جَاءَ ُهمْ َأمْرٌ مِ َ‬
‫يخبر عن أولئك المرضى بمرض النفاق ناعيا عليهم إرجافهم وهزائمهم المعنوية فيقول {وَإِذَا‬
‫خوْفِ} أي‪ :‬إذا وصل من سرايا الجهاد خبر بنصر أو هزيمة سارعوا‬
‫لمْنِ َأوِ ا ْل َ‬
‫ناَ‬
‫جَاءَهُمْ َأمْرٌ مِ َ‬
‫بإفشائه وإذاعته‪ ،‬وذلك عائد إلى مرض قلوبهم لن الخبر وأطلق عليه لفظ المر؛ لن حالة‬
‫الحرب غير حالة السلم إذا كان بالنصر المعبر عنه بالمن فهم يعلنونه حسدا أو طمعا‪ ،‬وإذا كان‬
‫بالهزيمة المعبر عنها بالخوف يعلنونه فزعا وخوفا؛ لنهم جبناء كما تقدم وصفهم‪ ،‬قال تعالى في‬
‫تعليمهم وتعليم غيرهم ما ينبغي أن يكون عليه المجاهدون في حال الحرب‪َ { .‬وَلوْ َردّوهُ إِلَى‬
‫لمْرِ مِ ْنهُمْ} وهم أمراء السرايا المجاهدة {َلعَِلمَهُ الّذِينَ‬
‫الرّسُولِ} القائد العلى‪{ ،‬وَإِلَى أُولِي ا َ‬
‫يَسْتَنْ ِبطُونَهُ مِ ْنهُمْ‪ }1‬أي‪ :‬لستخرجوا سر الخبر وعرفوا ما يترتب عليه فإن كان نافعا أذاعوه‪ ،‬وإن‬
‫حمَتُهُ} أيها المؤمنون {لتّ َبعْتُمُ‬
‫ضلُ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ وَرَ ْ‬
‫كان ضارا أخوفه‪ .‬ثم قال تعالى‪{ :‬وََلوْل َف ْ‬
‫الشّ ْيطَانَ‪ }2‬في قبول تلك الشاعات المغرضة والذاعات المثبطة {إِل قَلِيلً} منكم من ذوي الراء‬
‫الصائبة والحصافة العقلية‪ ،‬إذ مثلهم ل تثيرهم الدعاوى‪ ،‬ول تغيرهم الراجيف‪ ،‬ككبار الصحابة‬
‫من المهاجرين والنصار رضي ال عنهم أجمعين‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب طاعة الرسول صلى ال عليه وسلم فإنه ل يطاع لذاته وإنما يطاع لذات ال عز‬
‫وجل‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستنباط مأخوذ من‪ :‬استنبط الماء‪ ،‬إذا استخرجه من الرض‪ ،‬والنبط‪ :‬الماء المستنبط أول ما‬
‫يخرج من ماء البئر أو ما يحفر‪ .‬وسمي النبط نبطا؛ لنهم يستخرجون ما في الرض‪ ،‬والستنباط‬
‫لغة الستخراج‪ ،‬وفي هذه الية دليل على الجتهاد‪.‬‬
‫‪ 2‬ما فسرنا به الية أصح مما فسرت به‪ ،‬ول التفات إلى ما أورد القرطبي من آراء عدة ل طائل‬
‫تحتها‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/515‬‬

‫‪ -2‬وجوب تدبر القرآن لتقوية اليمان ‪.1‬‬


‫‪ -3‬آية أن القرآن وحي ال وكلمه سلمته من التناقض والتضاد في اللفاظ والمعاني‪.‬‬
‫‪ -4‬تقرير مبدأ أن أخبار الحرب ل تذاع إل من قبل القيادة العليا حتى ل يقع الضطراب في‬
‫صفوف المجاهدين والمة كذلك‪.‬‬
‫‪ -5‬أكثر الناس يتأثرون بما يسمعون إل القليل من ذوي الحصافة العقلية والوعي السياسي‪.‬‬
‫ك وَحَ ّرضِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَنْ َي ُكفّ بَ ْأسَ الّذِينَ كَفَرُوا‬
‫سَ‬‫{ َفقَا ِتلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ل ُتكَّلفُ إِل َنفْ َ‬
‫شفَاعَةً‬
‫شفَعْ َ‬
‫شفَاعَةً حَسَ َنةً َيكُنْ لَهُ َنصِيبٌ مِ ْنهَا َومَنْ َي ْ‬
‫شفَعْ َ‬
‫وَاللّهُ َأشَدّ بَأْسا وَأَشَدّ تَ ْنكِيلً(‪ )84‬مَنْ يَ ْ‬
‫شيْءٍ ُمقِيتا(‪ )85‬وَإِذَا حُيّيتُمْ بِ َتحِيّةٍ َفحَيّوا بِأَحْسَنَ مِ ْنهَا َأوْ‬
‫سَيّئَةً َيكُنْ لَهُ ِك ْفلٌ مِ ْنهَا َوكَانَ اللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫شيْءٍ حَسِيبا(‪})86‬‬
‫رُدّوهَا إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{وَحَ ّرضِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} ‪ :‬حثهم على الجهاد وحرضهم على القتال‪.‬‬
‫{بَأْسَ الّذِينَ َكفَرُوا} ‪ :‬قوتهم الحربية‪.‬‬
‫روَأَشَدّ تَ ْنكِيلً} ‪ :‬أقوى تنكيلً‪ ،‬والتنكيل‪ :‬ضرب الظالم بقوة حتى يكون عبرة لمثله فينكل عن‬
‫الظلم‪.‬‬
‫الشفاعة ‪ : 2‬الوساطة في الخير أو في الشر فإن كانت في الخير فهي الحسنة وإن كانت في الشر‬
‫فهي السيئة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬واستنباط الحكام واستخراج أنواع الهدايات فيه‪ ،‬إذ هو كتاب هداية للمؤمنين به‪ ،‬يهتدون إلى‬
‫ما يكملهم ويسعدهم في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫‪ 2‬الشفاعة من الشفع‪ ،‬وهو الزوج ضد الفرد‪ ،‬وسميت شفاعة؛ لن الشفيع يصير مع المشفوع له‬
‫شفعا‪ ،‬أي‪ :‬زوجا‪ ،‬والشفعة‪ :‬ضم ملك إلى ملك‪.‬‬

‫( ‪)1/516‬‬

‫{ ِك ْفلٌ مِ ْنهَا} ‪ :‬نصيب منها‪.‬‬


‫{ ُمقِيتا‪ : }1‬مقتدرا عليه وشاهدا عليه حافظا له‪.‬‬
‫{بِ َتحِيّةٍ} ‪ :‬تحية السلم‪ ،‬هي السلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪.‬‬
‫{َأوْ رُدّوهَا} ‪ :‬أي‪ :‬يقول‪ :‬وعليكم السلم‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{حَسِيبا} ‪ :‬محاسبا على العمل مجازيا به خيرا كان أو شرا‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫سكَ‬
‫ما زال السياق في السياسة الحربية‪ ،‬ففي هذه الية‪َ { :‬فقَا ِتلْ‪ 2‬فِي سَبِيلِ اللّهِ ل ُتكَّلفُ إِل َنفْ َ‬
‫وَحَ ّرضِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} يأمر تعالى رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم أن يقاتل المشركين لجل إعلء‬
‫كلمة ال تعالى بأن يعبد وحده وينتهي اضطهاد المشركين للمؤمنين وهو المراد من قوله {فِي‬
‫سكَ‪ }3‬أي‪ :‬ل يكلفك ربك إل نفسك وحدها‪ ،‬أما من عداك فليس‬
‫سَبِيلِ اللّهِ} وقوله‪{ :‬ل ُتكَّلفُ إِل َنفْ َ‬
‫عسَى‬
‫عليك تكليفه‪ ،‬ولكن حرض المؤمنين على القتال معك فحثهم على ذلك ورغبهم فيه‪ .‬وقوله‪َ { :‬‬
‫اللّهُ أَنْ َي ُكفّ بَأْسَ الّذِينَ َكفَرُوا} ‪ ،‬وهذا وعد من عند ال تعالى بأن يكف بأس الذين كفروا فيسلط‬
‫عليهم رسوله والمؤمنين فيبددوا قوتهم ويهزموهم فل يبقى لهم بأس ول قوة وقد فعل ‪ ،4‬وله‬
‫شدّ تَ ْنكِيلً} من غيره بالظالمين من أعدائه‪.‬‬
‫شدّ بَأْسا} م كل ذي بأس {وَأَ َ‬
‫الحمد والمنة‪ ،‬وهو تعالى {أَ َ‬
‫حسَنَةً َيكُنْ لَهُ‬
‫شفَاعَةً َ‬
‫شفَعْ َ‬
‫هذا ما دلت عليه الية(‪ ،)84‬أما الية(‪ )85‬وهي قوله تعالى‪{ :‬مَنْ يَ ْ‬
‫شيْءٍ ُمقِيتا} فهو إخبار‬
‫شفَاعَةً سَيّئَةً َيكُنْ َلهُ ِكفْلٌ مِ ْنهَا َوكَانَ اللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫شفَعْ َ‬
‫َنصِيبٌ مِ ْنهَا َومَنْ يَ ْ‬
‫منه تعالى بأن من يشفع شفاعة حسنة بأن يضم صوته مع مطالب بحق أو يضم نفسه إلى سرية‬
‫تقاتل في سبيل ال‪ ،‬أو يتوسط لحد في قضاء حاجته فإن للشافع‬
‫__________‬
‫‪ 1‬شاهده قول الزبير بن عبد الملطب‪:‬‬
‫وذي صغن كففت النفس عنه ‪ ...‬وكنت على مساءته مقيتا‬
‫أي‪ :‬مقتدرا‬
‫‪ 2‬هذه الفاء هي الفصيحة‪ ،‬والتقدير‪ :‬إذا كان المر كما علمت من وجود المثبطين والخائفين‬
‫والمرجوفين فقاتل في سبيل ال ل تكلف إل نفسك‪.‬‬
‫‪ 3‬في الية دليل على شجاعة الرسول صلى ال عليه وسلم الخارقة للعادة‪ ،‬إذ كلفه ال به على‬
‫انفراد وأمره بتحريض المؤمنين على القتال‪ ،‬ومعنى هذا‪ :‬أنه أمره بالجهاد ولو كان وحده‪ ،‬ولذا‬
‫قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬وال لقاتلهنم حتى تنفرد سالفتي" ‪ ،‬أي‪ :‬حتى أموت‪ .‬وتحريض‬
‫المؤمنين هو أمرهم بالقتال وحثهم عليه ل على سبيل اللزام‪ ،‬كما ألزم به هو صلى ال عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫‪ 4‬فلم يقبض رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى دانت الجزيرة كلها بالسلم‪ ،‬ولم يمض أكثر‬
‫من ربع قرن حتى دخلت دولتا‪ :‬الفرس والروم في السلم؛ لن "عسى" من ال تعالى تفيد وجوب‬
‫الوقوع‪.‬‬

‫( ‪)1/517‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شفَاعَةً سَيّئَةً} بأن يؤيد باطلً أو يتوسط في فعل شر‬
‫شفَعْ َ‬
‫قسطا من الجر والمثوبة‪ ،‬كما أن { َومَنْ يَ ْ‬
‫أو ترك معروف يكون عليه نصيب من الوزر‪ ،‬لن ال تعالى على كل شيء مقتدر وحفيظ عليم‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه الية المذكورة‪.‬‬
‫أما الية الخيرة(‪ )86‬فإن ال تعالى يأمر عباده المؤمنين بأن يردوا تحية من يحييهم بأحسن منها‬
‫فإن لم يكن بأحسن فبالمثل‪ ،‬فمن قال‪ :‬السلم عليكم‪ ،‬فليقل الراد‪ :‬وعليكم السلم ورحمة ال‪ ،‬ومن‬
‫قال‪ :‬السلم عليكم ورحمة ال‪ .‬فليرد عليه‪ :‬وعليكم السلم ورحمة ال وبركاته‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ‬
‫شيْءٍ حَسِيبا‪ }1‬فيه تطمين للمؤمنين على أن ال تعالى يثيبهم على إحسانهم‬
‫علَى ُكلّ َ‬
‫اللّهَ كَانَ َ‬
‫ويجزيهم به‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان شجاعة النبي صلى ال عليه وسلم بدليل أنه كلف بالقتال وحده وفعل‪.‬‬
‫‪ -2‬ليس من حق الحاكم أن يجند المواطنين تجنيدا إجباريا‪ ،‬وإنما عليه أن يحضهم على التجنيد‬
‫ويرغبهم فيه بوسائل الترغيب‪.‬‬
‫‪ -3‬فضل الشفاعة في الخير‪ ،‬وقبح الشفاعة في الشر ‪.2‬‬
‫‪ -4‬تأكيد سنة التحية‪ ،‬ووجوب ردها بأحسن أو بمثل ‪.3‬‬
‫‪ -5‬تقرير ما جاء في السنة بأن السلم عليكم‪ :‬يعطي عليها المسلم عشر حسنات ورحمة ال‪:‬‬
‫عشر حسنات‪ .‬وبركاته‪ :‬عشر كذلك‪.‬‬
‫ج َمعَ ّنكُمْ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ ل رَ ْيبَ فِي ِه َومَنْ َأصْ َدقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثا (‪َ )87‬فمَا َلكُمْ‬
‫{ اللّهُ ل إِلَهَ إِل ُهوَ لَ َي ْ‬
‫سهُمْ ِبمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ َتهْدُوا مَنْ‬
‫ن وَاللّهُ أَ ْركَ َ‬
‫فِي ا ْلمُنَافِقِينَ فِئَتَيْ ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬حسيب‪ ،‬هنا‪ :‬بمعنى محاسب‪ ،‬وحفيظ فل يضيع حسنات العبد‪.‬‬
‫‪ 2‬شاهده من السنة قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬اشفعوا تؤجروا" ‪ ،‬وليقضي ال على لسان نبيه ما‬
‫أحب‪.‬‬
‫‪ 3‬في الية سنية إلقاء السلم ووجوب رده وقد بينت السنة أن القليل يسلم على الكثير‪ ،‬والقائم‬
‫على القاعد‪ ،‬والراكب على الماشي‪ ،‬وأن الراد يكون بزيادة‪ :‬ورحمة ال وبركاته‪ .‬وأنه ل يسلم‬
‫على المرأة الصغيرة خشية الفتنة‪ .‬وأن المصلي إن سلم عليه رد السلم بالشارة إن شاء ال‪.‬‬

‫( ‪)1/518‬‬

‫سوَاءً فَل‬
‫ضلّ اللّ ُه َومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ فَلَنْ َتجِدَ لَهُ سَبِيلً(‪ )88‬وَدّوا َلوْ َت ْكفُرُونَ َكمَا َكفَرُوا فَ َتكُونُونَ َ‬
‫َأ َ‬
‫ث وَجَدْ ُتمُو ُه ْم وَل‬
‫خذُوهُ ْم وَاقْتُلُوهُمْ حَ ْي ُ‬
‫خذُوا مِ ْنهُمْ َأوْلِيَاءَ حَتّى ُيهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِنْ َتوَّلوْا فَ ُ‬
‫تَتّ ِ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خذُوا مِ ْنهُ ْم وَلِيّا وَل َنصِيرا(‪ )89‬إِل الّذِينَ َيصِلُونَ إِلَى َقوْمٍ بَيْ َنكُمْ وَبَيْ َنهُمْ مِيثَاقٌ َأوْ جَاءُوكُمْ‬
‫تَتّ ِ‬
‫طهُمْ عَلَ ْي ُكمْ فََلقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ‬
‫ت صُدُورُهُمْ أَنْ ُيقَاتِلُوكُمْ َأوْ ُيقَاتِلُوا َق ْو َمهُمْ وََلوْ شَاءَ اللّهُ لَسَلّ َ‬
‫حصِ َر ْ‬
‫َ‬
‫جدُونَ آخَرِينَ‬
‫ج َعلَ اللّهُ َلكُمْ عَلَ ْيهِمْ سَبِيلً(‪ )90‬سَتَ ِ‬
‫اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ ُيقَاتِلُوكُ ْم وَأَ ْل َقوْا إِلَ ْيكُمُ السّلَمَ َفمَا َ‬
‫يُرِيدُونَ أَنْ يَ ْأمَنُوكُ ْم وَيَ ْأمَنُوا َقوْ َمهُمْ ُكلّ مَا رُدّوا ِإلَى ا ْلفِتْنَةِ أُ ْركِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ َيعْتَزِلُوكُ ْم وَيُ ْلقُوا‬
‫جعَلْنَا َلكُمْ عَلَ ْيهِمْ سُ ْلطَانا مُبِينا(‬
‫إِلَ ْيكُمُ السّلَ َم وَ َي ُكفّوا أَ ْيدِ َيهُمْ َفخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَ ْيثُ َث ِقفْ ُتمُوهُمْ وَأُولَ ِئكُمْ َ‬
‫‪})91‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ل إِلَهَ إِل ُهوَ‪ : }1‬ل معبود بحق إل هو‪.‬‬
‫{فِئَتَيْنِ‪ : }2‬جماعتين الواحدة فئة‪ ،‬أي‪ :‬جماعة‪.‬‬
‫س ُهمْ} ‪ :‬الرتكاس‪ :‬التحول من حال حسنة إلى حال سيئة؛ كالكفر بعد اليمان‪ ،‬أو الغدر بعد‬
‫{أَ ْركَ َ‬
‫المان وهو المراد هنا‪.‬‬
‫{سَبِيلً} ‪ :‬أي‪ :‬طريقا إلى هدايتهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اسم الجللة‪{ :‬ال} مبتدأ‪ ،‬و{ل إله إل ال} جملة معترضة‪ ،‬وجملة القسم واقعة موقع الخبر‪.‬‬
‫‪ 2‬الفئة‪ :‬الطائفة‪ ،‬اشتق لفظها من الفيء الذي هو الرجوع‪ ،‬إذ أفرادها يرجع بعضهم إلى بعض‪،‬‬
‫وأصلها فيء‪ ،‬فحذفت الياء من وسطها لكثرة الستعمال فصارت‪ :‬فئة‪ ،‬بعد زيادة هاء التأنيث‬
‫عوضا عن الياء المحذوفة‪.‬‬

‫( ‪)1/519‬‬

‫{وَلِيّا وَل َنصِيرا} ‪ :‬الولي‪ :‬من يلي أمرك‪ ،‬والنصير‪ :‬من ينصرك على عدوك‪.‬‬
‫{ َيصِلُونَ} ‪ :‬أي‪ :‬يتصلون بهم بموجب عقد معاهدة بينهم‪.‬‬
‫{مِيثَاقٌ} ‪ :‬عهد‪.‬‬
‫حصِ َرتْ صُدُورُ ُهمْ} ‪ :‬ضاقت‪.‬‬
‫{َ‬
‫{السّلَمَ} ‪ :‬الستسلم والنقياد‪.‬‬
‫{ا ْلفِتْنَةِ} ‪ :‬الشرك‪.‬‬
‫{ َث ِقفْتُمُوهُمْ} ‪ :‬وجدتموهم متمكنين منهم‪.‬‬
‫{ سُلْطَانا مُبِينا} ‪:‬حجة بين على جواز قتالهم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما ذكر تعالى اليات قبل هذه أنه تعالى المقيت والحسيب‪ ،‬أي‪ :‬القادر على الحساب والجزاء‪،‬‬
‫أخبر عز وجل أنه ال الذي ل إله إل هو‪ ،‬أي‪ :‬المعبود دون سواه لربوبيته على خلقه‪ ،‬إذ الله‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الحق ما كان ربا خالقا رازقا مدبرا بيده كل شيء وإليه مصير كل شيء‪ ،‬وأنه جامع ‪ 1‬الناس ليوم‬
‫ل ريب في إتيانه وهو يوم القيامة‪.‬‬
‫ج َمعَ ّنكُمْ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ ل رَ ْيبَ فِيهِ} ‪ ،‬ولما‬
‫هذا ما دلت عليه الية الكريمة‪{ :‬اللّهُ ل إِلَهَ إِل ُهوَ لَيَ ْ‬
‫كان هذا خبرا يتضمن وعدا ووعيدا أكد تعالى إنجازه‪ ،‬فقال‪َ { :‬ومَنْ َأصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثا} اللهم إنه‬
‫ل أحد أصدق منك‪.‬‬
‫أما اليات الربع الباقية‪ ،‬وهي(‪ )88‬و(‪)89‬و(‪ )90‬و(‪ )91‬فقد نزلت لسبب معين وتعالج مسائل‬
‫حربية معينة‪ ،‬أما السبب الذي نزلت فيه فهو اختلف المؤمنين من أصحاب الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم في طائفة من المنافقين أظهروا السلم وهم ضليعون في موالة الكافرين‪ ،‬وقد يكونون‬
‫في مكة ‪ ،2‬وقد يكونون في المدينة‪ ،‬فرأى بعض الصحاب أن من الحزم الضرب على أيديهم‬
‫وإنهاء نفاقهم‪ ،‬ورأى آخرون تركهم والصبر عليهم ما داموا يدعون اليمان لعلهم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قوله تعالى‪{ :‬ليجمعنكم} جواب قسم‪ ،‬وهذا الجمع دللة اللفظ أنه في القبور تحت الرض‬
‫ليبعثهم يوم القيامة‪ ،‬وقد تكون {إلى} صلة‪ ،‬ويكون الجمع هو جمع يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ 2‬السياق الكريم صالح لن تكون الفئتان المختلف فيهما من مكة أو من المدينة‪ ،‬وقد ورد في‬
‫الصحيح اختلف المؤمنين في ابن أبي‪ ،‬ومن وافقه‪ ،‬ورجع من أحد دون قتال حتى قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬أنها طيبة وإنها تنفي الخبث كما يفني الكير خبث الحديد" كما ورد في غير‬
‫الصحيح‪ :‬أن جماعة في مكة تكلموا بالسلم وكانوا يظاهرون المشركين‪ ،‬وأبوا أن يهاجروا‬
‫فاختلف في شأنهم المؤمنون‪ ،‬ول مانع من أن تعنى اليات منافقي المدينة‪ ،‬ومنافقي مكة‪ .‬إذ‬
‫الخلف وقع في كل منافقي مكة ومنافقي المدينة‪ ،‬ويرجح هذا الرأي صحة الخبر الول وذكر‬
‫الهجرة في الثاني‪.‬‬

‫( ‪)1/520‬‬

‫بمرور اليام يتوبون‪ .‬فلما اختلفا واشتد الخلف في شأنهم أنزل ال تعالى هذه اليات فقال‪َ { :‬فمَا‬
‫ضلّ اللّ ُه َومَنْ ُيضِْللِ‬
‫سهُمْ‪ِ 1‬بمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ‪ 2‬أَنْ َتهْدُوا مَنْ َأ َ‬
‫َلكُمْ فِي ا ْلمُنَا ِفقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَ ْركَ َ‬
‫جدَ لَهُ سَبِيلً} ومعنى الية‪ ،‬أي‪ :‬شيء صيركم في شأن المنافقين فئتين؟ وال تعالى قد‬
‫اللّهُ فَلَنْ تَ ِ‬
‫أركسهم في الكفر بسبب ما كسبوه من الذنوب العظام‪ .‬أتريدون أيها المسلمون أن تهدوا من أضل‬
‫ال‪ ،‬وهل يقدر أحد على هداية من أضله ال؟ وكيف‪ ،‬ومن يضلل ال حسب سنته في إضلل‬
‫البشر ل يوجد له هادٍ‪ ،‬ول سبيل لهدايته بحال من الحوال‪.‬‬
‫ثم أخبر تعالى عن نفسية أولئك المنافقين المختلف فيهم فقال وهي الية الثالثة(‪{ )89‬وَدّوا َلوْ‬
‫سوَاءً} أي‪ :‬أحبوا من قلوبهم كفركم لتكونوا مثلهم‪ ،‬وفيه لزم وهو‬
‫َت ْكفُرُونَ َكمَا َكفَرُوا فَ َتكُونُونَ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫انتهاء السلم‪ ،‬وظهور الكفر وانتصاره‪.‬‬
‫ومن هنا قال تعالى محرما موالتهم إلى أن يهاجروا فقال‪{ :‬فَل تَتّخِذُوا مِ ْنهُمْ َأوْلِيَاءَ} تعولون عليهم‬
‫في نصرتكم على إخوانهم في الكفر‪ .‬ظاهر هذا السياق أن هؤلء المنافقين هم بمكة وهو كذلك‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬حَتّى ُيهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ‪ ، }3‬لن الهجرة إلى المدينة تقطع صلتهم بدار الكفر‬
‫فيفتر عزمهم ويراجعوا الصدق في إيمانهم فيؤمنوا فإن هاجروا ثم تولوا عن اليمان الصحيح إلى‬
‫جدْ ُتمُوهُ ْم وَل تَتّخِذُوا مِ ْنهُ ْم وَلِيّا وَل‬
‫ث وَ َ‬
‫خذُوهُ ْم وَاقْتُلُوهُمْ حَ ْي ُ‬
‫النفاق الكفر فأعلنوا الحرب عليهم {فَ ُ‬
‫َنصِيرا} ؛ لنهم بارتكاسهم ل خير فيهم ول يعول عليهم‪.‬‬
‫ثم في الية(‪ )90‬استثنى لهم الرب تعالى صنفين من المنافقين المذكورين فل يأخذونهم أسرى ول‬
‫يقاتلونهم‪ ،‬الصنف الول الذين ذكرهم تعالى بقوله {إِل الّذِينَ َيصِلُونَ} أي‪ :‬يلجأون {إِلَى َقوْمٍ بَيْ َن ُكمْ‬
‫وَبَيْ َنهُمْ‪ 4‬مِيثَاقٌ} فبحكم استجارتهم بهم طالبين المان منهم فأمنوهم أنتم حتى ل تنقضوا عهدكم‪.‬‬
‫والصنف الثاني قوم ضاقت صدورهم بقتالكم‪،‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬جملة‪{ :‬وال أ ْر َكسَهم} حالية‪.‬‬
‫‪ 2‬الستفهام إنكاري‪ ،‬وهو دال على جملة محذوفة تقديرها‪ :‬أنهم قد أضلهم ال‪.‬‬
‫‪ 3‬الهجرة‪ :‬هجرتان‪ ،‬هي لمنافقي المدينة‪ .‬الخروج إلى الغزو مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وهجرة لمنافقي مكة‪ ،‬وهي إلى المدينة للقامة بها‪ .‬والهجرة أنواع‪ :‬منها ترك المعاصي‪ ،‬لحديث‪:‬‬
‫"المهاجر من هجر ما نهى ال عنه ورسوله" ومنها هجرة الفساق وأهل البدع ليتوبوا من ذنوبهم‪.‬‬
‫‪ 4‬قد اختلف في هؤلء الذين بينهم وبين المؤمنين ميثاق وما دامت العبرة بعموم اللفظ ل‬
‫بخصوص السبب‪ ،‬فل طائل تحت معرفتهم الن‪ ،‬إذ العبرة أن في الية دليل على جواز الموادعة‬
‫بين أهل الحرب والمسلمين للضرورة‪.‬‬

‫( ‪)1/521‬‬

‫وقتال قومهم فهؤلء الذين يلم يستسيغوا قتالكم ول قتال قومهم إن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم فل‬
‫تأخذوهم ول تقتلوهم واصبروا عليهم‪ ،‬إذ لو شاء ال تعالى لسلطهم عليكم فلقاتلوكم هذا الصنف‬
‫ت صُدُورُ ُهمْ أَنْ ُيقَاتِلُوكُمْ َأوْ ُيقَاتِلُوا َق ْو َمهُ ْم وََلوْ شَاءَ اللّهُ‬
‫حصِ َر ْ‬
‫هو المعنى بقوله تعالى‪َ{ :‬أوْ جَاءُوكُمْ َ‬
‫طهُمْ عَلَ ْيكُمْ فََلقَاتَلُوكُمْ} فما دام ال تعالى قد كفهم عنكم فكفوا أنتم عنهم‪ .‬هذا معنى قوله تعالى‪:‬‬
‫لَسَلّ َ‬
‫ج َعلَ اللّهُ َلكُمْ عَلَ ْيهِمْ‬
‫{فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فََلمْ ُيقَاتِلُوكُ ْم وَأَ ْلقَوْا إِلَ ْيكُمُ السَّلمَ} ‪ .‬أي‪ :‬المسالمة والمهادنة { َفمَا َ‬
‫سَبِيلً‪ .}1‬لخذهم وقتالهم‪ .‬هذا وهناك صنف آخر ذكر تعالى حكم معاملته في الية الخامسة‬
‫والخيرة(‪ ،)91‬وهي قوله تعالى‪ :‬ستجدون قوما آخرين ‪ 2‬غير الصنفين السابقين { يُرِيدُونَ أَنْ‬
‫يَ ْأمَنُوكُمْ وَيَ ْأمَنُوا َق ْو َمهُمْ‪ }3‬فهم إذا يلعبون على الحبلين كما يقال { ُكلّ مَا رُدّوا إِلَى ا ْلفِتْنَةِ} أي‪ :‬إلى‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الشرك {أُ ْركِسُوا فِيهَا} أي‪ :‬وقعوا فيها منتكسين‪ ،‬إذ هم منافقون‪ ،‬إذ كانوا معكم عبدوا ال وحده‪،‬‬
‫وإذا كانوا مع قومهم عبدوا الوثان لمجرد دعوة يدعونها يلبون فيرتدون إلى الشرك‪ ،‬وهو معنى‬
‫قوله تعالى‪ُ { :‬كلّ مَا رُدّوا إِلَى ا ْلفِتْنَةِ أُ ْركِسُوا فِيهَا} ‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ ُيقَاتِلُوكُمْ‬
‫وَأَ ْلقَوْا إِلَ ْيكُمُ السَّلمَ} أي‪ :‬إن لم يعتزلوا قتالكم ويلقوا إليكم السلم‪ ،‬وهو الذعان والنقياد لكم‪،‬‬
‫سلْطَانا‬
‫جعَلْنَا َلكُمْ عَلَ ْيهِمْ ُ‬
‫ويكفوا أيديهم فعلً عن قتالكم { َفخُذُو ُه ْم وَاقْتُلُوهُمْ حَ ْيثُ َث ِقفْ ُتمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ َ‬
‫مُبِينا} أي‪ :‬حجة واضحة على جواز أخذهم وقتلهم حيثما تمكنتم منهم وعلى أي حال‪ .‬هذا ما دلت‬
‫عليه اليات الخمس مع العلم أن الكف عن قتال المشركين قد نسخ بآيات براءة إل أن لمام‬
‫المسلمين أن يأخذ بهذا النظام عند الحاجة إليه فإنه نظام رباني ما أخذ به أحد وخاب أو خسر‪،‬‬
‫ولكن خارج جزيرة العرب إذ ل ينبغي أن يجتمع فيها دينان‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب توحيد ال تعالى في عبادته‪.‬‬
‫‪ -2‬اليمان بالبعث والجزاء‪.‬‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬سبيل} ‪ :‬أي‪ :‬إذنا بقتالهم بعد أن أمركم بقتال غيرهم‪ ،‬حيث وجدتموهم ممكنين منهم‪.‬‬
‫‪{ 2‬سَ َتجِدوُن} الوجدان هنا‪ ،‬بمعنى الطلع والعثور‪ ،‬أي‪ :‬ستطلعون على قوم آخرين وصفهم كذا‬
‫أو كذا‪.‬‬
‫‪ 3‬أي‪ :‬ل هم لهم إل حظوظ أنفسهم‪ ،‬ول سعي لهم إل في خويصيتهم‪ ،‬فهم يظهرون المودة‬
‫للمسلمين ليأمنوهم ويظهروها لقومهم ليؤمنوا أيضا‪ ،‬قيل‪ :‬هم غطفان وبنو أسد‪ ،‬قبل أن يحسن‬
‫إسلمهم‪ ،‬وبنو عبد الدار بمكة أيضا‪ .‬إذ كانوا يأتون المدينة مظهرين السلم‪ ،‬ثم إذا عادوا إلى‬
‫مكة عبدوا الصنام‪.‬‬

‫( ‪)1/522‬‬

‫‪ -3‬خطة حكيمة لمعاملة المنافقين بحسب الظروف والحوال‪.‬‬


‫‪ -4‬تقرير النسخ في القرآن‪.‬‬
‫{ َومَا كَانَ ِل ُم ْؤمِنٍ أَنْ َيقْتُلَ ُم ْؤمِنا إِل خَطًَأ َومَنْ قَ َتلَ ُم ْؤمِنا خَطَأً فَتَحْرِيرُ َرقَبَةٍ ُمؤْمِنَ ٍة وَدِ َيةٌ مُسَّلمَةٌ‬
‫إِلَى أَهْلِهِ إِل أَنْ َيصّ ّدقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ َقوْمٍ عَ ُدوّ َلكُمْ وَ ُهوَ ُم ْؤمِنٌ فَتَحْرِيرُ َرقَ َبةٍ ُم ْؤمِنَ ٍة وَإِنْ كَانَ مِنْ‬
‫شهْرَيْنِ‬
‫َقوْمٍ بَيْ َنكُ ْم وَبَيْ َنهُمْ مِيثَاقٌ فَدِ َيةٌ مُسَّلمَةٌ إِلَى َأهْلِ ِه وَتَحْرِيرُ َرقَ َبةٍ ُم ْؤمِنَةٍ َفمَنْ لَمْ َيجِدْ َفصِيَامُ َ‬
‫جهَنّمُ خَالِدا فِيهَا‬
‫حكِيما(‪َ )92‬ومَنْ َيقْ ُتلْ ُم ْؤمِنا مُ َت َعمّدا فَجَزَا ُؤهُ َ‬
‫مُتَتَا ِبعَيْنِ َتوْبَةً مِنَ اللّ ِه َوكَانَ اللّهُ عَلِيما َ‬
‫عذَابا عَظِيما(‪})93‬‬
‫عدّ لَهُ َ‬
‫غضِبَ اللّهُ عَلَيْ ِه وََلعَنَ ُه وَأَ َ‬
‫وَ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫خطَأً} ‪ :‬أي‪ :‬إل قتلً خطأ‪ ،‬وهو أن ل يتعمد قتله؛ كأن يرمي صيدا فيصيب إنسانا‪.‬‬
‫{إِل َ‬
‫{ َرقَبَةٍ} ‪ :‬أي‪ :‬مملوك عبدا كان أو أمة ‪.1‬‬
‫{مُسَّل َمةٌ} ‪ :‬مؤداة وافية ‪.2‬‬
‫{إِل أَنْ َيصّ ّدقُوا} ‪ :‬أي‪ :‬يتصدقوا بها على القاتل فل يطالبوا بها ول يأخذوها منه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لبد أن تكون الرقبة مؤمنة‪ ،‬وهل يجب أن تكون بالغة؟ إذ اليمان يتم بالبلوغ‪ ،‬والذي عليه‬
‫مالك‪ :‬أنها تجزئ إذا كانت سليمة العضاء ولو لم تكن بالغة‪ ،‬وهو الراجح‪.‬‬
‫‪ 2‬لقد بينت السنة أن دية الخطأ على العاقلة ول خلف فيها‪.‬‬

‫( ‪)1/523‬‬

‫{مِيثَاقٌ} ‪ :‬عهدا مؤكد باليمان‪.‬‬


‫{مُ َت َعمّدا} ‪ :‬مريدا قتله وهو ظالم له‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما ذكر تعالى في اليات السابقة قتال المنافقين متى يجوز ومتى ل يجوز ناسب ذكر قتل المؤمن‬
‫الصادق في إيمانه خطأ وعمدا وبيان حكم ذلك‪ ،‬فذكر تعالى في الية الولى(‪ )92‬أنه ل ينبغي ‪1‬‬
‫لمؤمن أن يقتل مؤمنا إل في حال الخطأ‪ ،‬أما في حال العمد فل يكون ذلك منه ول يتأتى له وهو‬
‫مؤمن؛ لن اليمان نور يكشف عن مدى قبح جريمة قتل المؤمن وما وراءها من غضب ال تعالى‬
‫وعذابه فل يقدم على ذلك اللهم إل في حال الخطأ‪ ،‬فهذا وارد وواقع‪ ،‬وحكم من قتل خطأ أن يعتق‬
‫رقبة ذكرا كانت أو أنثى مؤمنة وأن يدفع الدية لولياء القتيل إل أن يتصدقوا بها فل يطالبوا بها‬
‫ول يقبلونها والدية مائة من ‪ 2‬البل‪ ،‬أو ألف دينار ذهب‪ ،‬أو اثنا عشر ألف درهم فضة‪ .‬هذا معنى‬
‫خطَأً فَتَحْرِيرُ َرقَبَةٍ ُم ْؤمِنَةٍ‬
‫خطًَأ َومَنْ قَ َتلَ ُم ْؤمِنا َ‬
‫قوله تعالى‪َ { :‬ومَا كَانَ ِل ُمؤْمِنٍ أَنْ َيقْ ُتلَ ُم ْؤمِنا‪ 3‬إِل َ‬
‫سّلمَةٌ‪ِ 4‬إلَى َأهْلِهِ إِل أَنْ َيصّ ّدقُوا} فإن كان القتيل مؤمنا ولكن من قوم هم عدو للمسلمين‬
‫وَدِيَةٌ مُ َ‬
‫محاربين‪ ،‬فالواجب على القاتل تحرير رقبة مؤمنة ل غير‪ ،‬إذ ل تعطى الدية لعدو يستعين بها‬
‫على حرب المسلمين وإن كان القتيل من قوم كافرين وهو مؤمن أو كافر ولكن بيننا وبين قومه‬
‫معاهدة‪ ،‬على القاتل تحرير رقبة ودية مسلمة إلى أهله‪ ،‬فمن لم يجد الرقبة فصيام شهرين‬
‫شهْرَيْنِ مُتَتَا ِبعَيْنِ َتوْبَةً‪ 5‬مِنَ اللّ ِه َوكَانَ اللّهُ‬
‫متتابعين‪ ،‬فذلك توبته لقوله تعالى‪َ { :‬فمَنْ لَمْ َيجِدْ َفصِيَامُ َ‬
‫حكِيما} عليما بما يحقق المصلحة لعباده‬
‫عَلِيما َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬فالنفي في قوله تعالى‪َ { :‬ومَا كَانَ ِل ُم ْؤمِنٍ أَنْ َيقْ ُتلَ ُم ْؤمِنا} ليس نفي الفعل حتى يقال‪ :‬ما نفاه ال‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ل يجوز وجوده‪ ،‬وإنما هو نفي الحال والشأن ل الفعل‪ ،‬فليتأمل‪.‬‬
‫‪ 2‬ومن الغنم‪ :‬ألف شاة‪ ،‬وهل البل تخمس خلف‪ ،‬ومذهب الشافعي ومالك أنها تخمس؛ فعشرون‬
‫حقه‪ ،‬وعشرون جزعه‪ ،‬وعشرون بنات مخاص‪ ،‬وعشرون بنات لبون‪ ،‬وعشرون بنو لبون ذكور‪.‬‬
‫وتغلظ دية العمد‪ ،‬بأن يكون أربعون منها في بطونها أولده‪ ،‬وشبه العمد‪ :‬ما كان بأداة ل تقتل‬
‫عادة؛ كالعصا ونحوها لحديث‪" :‬أل أن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من‬
‫البل منها أربعون في بطونها أولدها" ‪.‬‬
‫‪ 3‬قيل‪ :‬نزلت هذه الية في عياش ابن أبي ربيعة‪ ،‬إذ قتل الحارث بن زيد العامري‪ ،‬لحنة كانت‬
‫بينهما‪ ،‬وكان الحارث قد أسلم‪ ،‬ولم يعلم عياش بإسلمه فكان قتله خطأ‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬فَ َتحْرِيرُ‬
‫َرقَبَةٍ ُم ْؤمِنَةٍ} أي‪ :‬فعليه تحرير رقبة‪.‬‬
‫‪ 4‬أكثر أهل العلم‪ :‬أن دية المرأة على نصف دية الرجل‪ ،‬وإن دية الجنين إذا سقط حيا دية كاملة‪،‬‬
‫وإذا سقط ميتا فديته غرة عبد أو أمة‪ ،‬ومعنى‪ :‬غرة‪ :‬أن يكون أبيض ل أسود فيقوم العبد وتعطي‬
‫قيمته دية‪.‬‬
‫‪{ 5‬تَوبة} منصوب على المصدر‪ ،‬أي‪ :‬تاب ال عليه توبة‪ ،‬أي‪ :‬مشروعية الكفارة في قتل الخطأ‬
‫كانت توبة من ال على العبد القاتل خطأ‪ .‬وعلة الكفارة أنه لم يتحرز ولم يتحفظ فلذا وقع منه‬
‫القتل‪ ،‬فكان لبد من مكفر لما لحقه من الثم بالتفريط‪ ،‬أما القاتل عمدا فل كفارة تجزئه‪ .‬وهل له‬
‫من توبة؟ عليه أن يتون‪ ،‬ومن توبته أن يعتق أو يتصدق ويصوم رجاء أن يتوب ال عليه‪.‬‬

‫( ‪)1/524‬‬

‫حكيما في تشريعه فل يشرع إل ما كان نافعا ومحققا غير ضار‪ ،‬ومحققا للخير في الحال والمآل‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه الية الولى‪ ،‬أما الية الثانية(‪ )93‬فإنها بينت حكم من قتل مؤمنا عمدا عدوانا‪،‬‬
‫وهو أن الكفارة ل تغني عنه شيئا لما قضى ال تعالى له باللعن والخلود في جهنم إذ قال تعالى‪:‬‬
‫عظِيما}‬
‫ضبَ اللّهُ عَلَ ْي ِه وََلعَنَ ُه وَأَعَدّ َلهُ عَذَابا َ‬
‫غ ِ‬
‫جهَنّمُ خَالِدا فِيهَا وَ َ‬
‫{ َومَنْ َيقْتُلْ ُم ْؤمِنا مُ َت َعمّدا فَجَزَا ُؤهُ َ‬
‫إل أن الدية أو القصاص لزمان ما لم يعف أولياء الدم فإن عفوا عن القصاص ورضوا بالدية‬
‫أعطوها وإن طالبوا بالقصاص اقتصوا‪ ،‬إذ هذا حقهم وأما حق ال تعالى‪ :‬فإن القتيل عبده خلقه‬
‫ليعبده‪ ،‬فمن قتله‪ ،‬فال تعالى رب العبد خصمه وقد توعده بأشد العقوبات وأفظعها‪ ،‬والعياذ بال‬
‫غضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ‬
‫جهَنّمُ خَالِدا فِيهَا وَ َ‬
‫تعالى وذلك حقه قال تعالى‪َ { :‬ومَنْ َيقْ ُتلْ ُم ْؤمِنا مُ َت َعمّدا َفجَزَا ُؤهُ َ‬
‫عظِيما} ‪.‬‬
‫وََلعَنَ ُه وَأَعَدّ َلهُ عَذَابا َ‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان أن المؤمن الحق ل يقع منه القتل العمد للمؤمن‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -2‬بيان جزاء القتل الخطأ وهو تحرير رقبة ودية مسلمة إلى أهله‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا كان القتيل مؤمنا وكان من قوم كافرين محاربين‪ ،‬فالجزاء تحرير رقبة ول دية‪.‬‬
‫‪ -4‬إذا كان القتيل من قوم بين المسلمين مثياق‪ ،‬فالواجب الدية وتحرير رقبة‪.‬‬
‫‪ -5‬من لم يجد الرقبة صام شهرين متتابعين ‪.1‬‬
‫‪ -6‬القتل العمد العدوان يجب له أحد شيئين‪ :‬القصاص‪ .‬أو الدية حسب رغبة أولياء الدم وإن عفوا‬
‫فلهم ذلك وأجرهم على ال تعالى‪ ،‬وعذاب الخرة وعيد إن شاء ال أنجزه وإن شاء عفا عنه‪.‬‬
‫ستَ ُم ْؤمِنا‬
‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ِإذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيّنُوا وَل َتقُولُوا ِلمَنْ أَ ْلقَى إِلَ ْيكُمُ السّلمَ لَ ْ‬
‫تَبْ َتغُونَ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يسقط التتابع بالمرض والحيض‪ ،‬ل بالسفر‪ .‬ومعنى التتابع‪ :‬أل يستأنف من أفطر لمرض‪ ،‬وإنما‬
‫يبني على ما صامه ويواصل حتى يكمل الشهرين‪.‬‬

‫( ‪)1/525‬‬

‫عَ َرضَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا َفعِنْدَ اللّهِ َمغَانِمُ كَثِي َرةٌ َكذَِلكَ كُنْتُمْ مِنْ قَ ْبلُ َفمَنّ اللّهُ عَلَ ْيكُمْ فَتَبَيّنُوا إِنّ اللّهَ كَانَ ِبمَا‬
‫َت ْعمَلُونَ خَبِيرا(‪})94‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ِإذَا ضَرَبْتُمْ} ‪ :‬خرجتم تضربون الرض بأرجلكم غزاة ومسافرين‪.‬‬
‫{فَتَبَيّنُوا} ‪ :‬فتثبتوا حتى ل تقتلوا مسلما تحسبونه كافرا‪.‬‬
‫{السّلمَ‪ : }1‬الستسلم والنقياد‪.‬‬
‫{تَبْ َتغُونَ} ‪ :‬تطلبون‪.‬‬
‫{ َفمَنّ اللّهُ عَلَ ْيكُمْ} ‪ :‬بالهداية فاهتديتم وأصبحتم مسلمين‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫روي أن نفرا من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم خرجوا فلقوا رجلً يسوق غنما من‬
‫بني سليم‪ ،‬فلما رآهم سلم عليهم قائلً‪ :‬السلم عليكم‪ .‬فقالوا له‪ :‬ما قلتها إل تقية لتحفظ نفسك‬
‫ومالك وقتلوه ‪ .2‬فنزلت هذه الية‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ} يريد خرجتم‬
‫مسافرين للغزو والجهاد {فَتَبَيّنُوا} ممن تلقونهم في طريقكم هل هم مسلمون فتكفوا عنهم‪ ،‬أو‬
‫ستَ‬
‫كافرين فتقاتلوهم {وَل َتقُولُوا ِلمَنْ أَ ْلقَى إِلَ ْي ُكمُ السّلمَ} أعلن إسلمه لكم بالشهادة أو بالسلم {لَ ْ‬
‫ُم ْؤمِنا} فتكذبونه في دعواه السلم لتنالوا منه‪ { :‬تَبْ َتغُونَ} بذلك {عَ َرضَ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا ‪ }3‬أي‪:‬‬
‫متاعها الزائل فإن كان قصدكم الغنيمة فإن عند ال مغانم كثيرة فأطيعوه وأخلصوا له النية والعمل‬
‫يرزقكم ويغنمكم خير ما تأملون وترجون وقوله‪َ { :‬كذَِلكَ كُنْتُمْ مِنْ قَ ْبلُ} أي‪ :‬مثل هذا الرجل الذي‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قتلتموه رغبة في غنمه كنتم تستخفون بإيمانكم خوفا من قومكم { َفمَنّ اللّهُ عَلَ ْيكُمْ} بأن أظهر دينه‬
‫ونصركم فلم تعودوا تخفون دينكم‪ .‬وعليه فتبينوا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬السلم‪ :‬بكسر السين‪ ،‬والسلم‪ :‬بفتح السين واللم‪ ،‬والسلم واحد‪ .‬والسلم بالكسر هنا أولى؛ لنه‬
‫بمعنى‪ :‬النقياد والطاعة‪.‬‬
‫‪ 2‬روى أن النبي صلى ال عليه وسلم حمل ديته إلى أهله ورد غنمه وهو كذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬مي متاع الدنيا‪ :‬عرضا؛ لنه عارض زائل‪ ،‬ويطلق العرض بفتح الراء على الدراهم والدنانير‪،‬‬
‫وبإسكان الراء على المتاع من أثاث وغيره‪ ،‬فلذا كل عرض بإسكان الراء‪ ،‬عرض بفتحها ول‬
‫ينعكس‪ ،‬وفي الحديث الصحيح‪" :‬ليس الغني عن كثرة العرض‪ ،‬إنما الغني غني النفس" ‪ .‬رواه‬
‫مسلم‪.‬‬

‫( ‪)1/526‬‬

‫مستقبلً‪ ،‬ول تقتلوا أحدا حتى تتأكدوا من كفره ‪ 1‬وقوله‪{ :‬إِنّ اللّهَ كَانَ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرا} تذييل‬
‫يحمل الوعد والوعيد‪ ،‬الوعد لمن أطاع‪ ،‬والوعيد لمن عصى‪ ،‬إذ لزم كونه تعالى خبيرا بالعمال‬
‫أنه يحاسب عليه ويجزي بها‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪.‬‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬مشروعية السير في سبيل ال غزوا وجهادا‪.2‬‬
‫‪ -2‬وجوب التثبت والتبين في المور التي يترتب على الخطأ فيها ضرر بالغ‪.‬‬
‫‪ -3‬ذم الرغبة في الدنيا ل سيما إذا كانت تتعارض مع التقوى‪.‬‬
‫‪ -4‬التعاظ بحال الغير والعتبار بالحداث المماثلة‪.‬‬
‫سهِمْ‬
‫{ل يَسْ َتوِي ا ْلقَاعِدُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضّرَ ِر وَا ْلمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بَِأ ْموَاِلهِمْ وَأَنْفُ ِ‬
‫ضلَ اللّهُ‬
‫عدَ اللّهُ الْحُسْنَى َو َف ّ‬
‫ج ًة َوكُلً وَ َ‬
‫سهِمْ عَلَى ا ْلقَاعِدِينَ دَرَ َ‬
‫ضلَ اللّهُ ا ْلمُجَاهِدِينَ بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬
‫َف ّ‬
‫غفُورا رَحِيما(‬
‫ح َم ًة َوكَانَ اللّهُ َ‬
‫ا ْلمُجَا ِهدِينَ عَلَى ا ْلقَاعِدِينَ َأجْرا عَظِيما(‪ )95‬دَرَجَاتٍ مِنْ ُه َو َم ْغفِ َرةً وَرَ ْ‬
‫‪})96‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{أُولِي الضّرَرِ} ‪ :‬هم العميان والعرج والمرضى‪.‬‬
‫{دَرَجَةً} ‪ :‬منزلة عالية في الجنة‪.‬‬
‫{ا ْلحُسْنَى} ‪ :‬الجنة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 1‬لن قتل النفس عظيم‪ ،‬ولذا لما أخبر الرسول صلى ال عليه وسلم بمن قتل‪ :‬من قال ل إله إل‬
‫ال ظانا أنه قالها تقيه‪ ،‬قال‪" :‬هل شققت عن قلبه" ‪ ،‬قاله ثلثا‪ .‬ولذا لو أن كافرا صلى معنا ولم‬
‫يقل‪ :‬ل إله إل ال لم نقتله حتى نطلب إليه قولها‪ ،‬فإن قالها وإل قتل حينئذ‪ ،‬هذا الكافر المحارب ل‬
‫المعاهد والمستئمن‪.‬‬
‫‪ 2‬بل فضيلة السير في سبيل ال سواء للجهاد أو لطلب علم أو صلة رحم أو حج أو عمرة أو‬
‫إبلغ دعوة وتعليم علم‪ ،‬أو زيارة مؤمن لما ورد في ذلك من الجر العظيم‪.‬‬

‫( ‪)1/527‬‬

‫معنى اليتين‪:‬‬
‫روى أن ابن أم مكتوم رضي ال تعالى عنه لما نزلت هذه الية بهذه الصيغة‪{ :‬ل يَسْ َتوِي‬
‫سهِمْ‪ }...‬الية‪.‬‬
‫ا ْلقَاعِدُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضّرَ ِر وَا ْلمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬
‫أتى النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬كيف وأنا أعمى يا رسول ال فما برح حتى نزلت {غَيْرُ‬
‫أُولِي ‪ 1‬الضّرَرِ} فأدخلت بين جملتي {ل يَسْ َتوِي ا ْلقَاعِدُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضّرَرِ‬
‫سهِمْ‪ ، }...‬ومعنى الية‪ :‬إن ال تعالى ينفي أن يستوي في‬
‫وَا ْلمُجَا ِهدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬
‫الجر والمنزلة عنده تعالى من يجاهد بماله ونفسه ومن ل يجاهد بخلً بماله‪ .‬وضنا بنفسه‪،‬‬
‫واستثنى تعالى أولي العذار من مرض ونحوه فإن لهم أجر المجاهدين وإن لم يجاهدوا لحسن‬
‫ضلَ اللّهُ‬
‫ل وَعَدَ اللّهُ ا ْلحُسْنَى} التي هي‪ :‬الجنة‪ ،‬وقوله‪َ { :‬ف ّ‬
‫نياتهم‪ ،‬وعدم استطاعتهم‪ ،‬فلذا قال‪َ { :‬وكُ ً‬
‫سهِمْ عَلَى ا ْلقَاعِدِينَ دَرَجَةً} أي‪ :‬فضل ال المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على‬
‫ا ْلمُجَا ِهدِينَ بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬
‫ضلَ اللّهُ‬
‫القاعدين لعذر درجة‪ ،‬وإن كان الجميع لهم الجنة‪ ،‬وهي الحسنى‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬و َف ّ‬
‫عظِيما} وهو الدرجات ‪ 2‬العالية مع المغفرة والرحمة‪،‬‬
‫ا ْلمُجَا ِهدِينَ عَلَى ا ْلقَاعِدِينَ} لغير عذر {أَجْرا َ‬
‫وذلك لن ال تعالى كان أزلً وأبدا غفورا رحيما‪ ،‬ولذا غفر لهم ورحمهم‪ ،‬اللهم اغفر لنا وارحمنا‬
‫معهم‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان فضل المجاهدين على غيرهم من المؤمنين الذين ل يجاهدون‪.‬‬
‫‪ -2‬أصحاب العذار الشرعية ينالون أجر المجاهدين إن كانت لهم رغبة في الجهاد ولم يقدروا‬
‫عليه لما قام بهم من ‪ 3‬أعذار وللمجاهدين فعلً درجة تخصهم دون ذوي العذار‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرئ‪{ :‬غير} بالرفع على أنه نعت للـ {قاعدون} ‪ ،‬وقرئ‪ :‬بالنصب على الستثناء‪ ،‬ويصح‬
‫أيضا على الحال‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 2‬روي في الصحاح أن في الجنة مائة درجة أعدها ال للمجاهدين في سبيله ما بين كل درجتين‬
‫كما بين السماء والرض‪ ،‬وقال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من رمى بسهم فله أجره درجة"‪ .‬فقال‬
‫رجل يا رسول ال‪ :‬وما الدرجة‪ .‬قال‪" :‬إما إنها ليست بعتبة بابك ما بين الدرجتين مائة عام" ‪.‬‬
‫‪ 3‬روى البخاري تعليقا‪ ،‬وغير و احد أن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقد قفل عائداَ من إحدى‬
‫غزواته‪ ،‬قال‪" :‬إن بالمدينة رجالً ما قطعتم واديا ول سرتم مسيرا إل كانوا معكم‪ ،‬أولئك قوم‬
‫حبسهم العذر" ‪.‬‬

‫( ‪)1/528‬‬

‫ض َعفِينَ فِي الَ ْرضِ قَالُوا أَلَمْ‬


‫سهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنّا مُسْ َت ْ‬
‫{إِنّ الّذِينَ َت َوفّاهُمُ ا ْلمَل ِئكَةُ ظَاِلمِي أَ ْنفُ ِ‬
‫ض َعفِينَ‬
‫جهَنّ ُم وَسَا َءتْ َمصِيرا(‪ )97‬إِل ا ْلمُسْ َت ْ‬
‫سعَةً فَ ُتهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَ ِئكَ مَ ْأوَاهُمْ َ‬
‫َتكُنْ أَ ْرضُ اللّ ِه وَا ِ‬
‫ل وَالنّسَا ِء وَا ْلوِلْدَانِ ل يَسْ َتطِيعُونَ حِيلَ ًة وَل َيهْتَدُونَ سَبِيلً(‪ )98‬فَأُولَ ِئكَ عَسَى اللّهُ أَنْ َي ْع ُفوَ‬
‫مِنَ الرّجَا ِ‬
‫س َعةً‬
‫غفُورا(‪َ )99‬ومَنْ ُيهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ َيجِدْ فِي الَ ْرضِ مُرَاغَما كَثِيرا وَ َ‬
‫عفُوّا َ‬
‫عَ ْنهُ ْم َوكَانَ اللّهُ َ‬
‫َومَنْ َيخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ ُمهَاجِرا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمّ ُيدْ ِركْهُ ا ْل َم ْوتُ َفقَ ْد َوقَعَ أَجْ ُرهُ عَلَى اللّ ِه َوكَانَ اللّهُ‬
‫غفُورا َرحِيما(‪})100‬‬
‫َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ َت َوفّاهُمُ} ‪ :‬تفيض أرواحهم عند نهاية آجالهم‪.‬‬
‫سهِمْ‪ : }1‬بتركهم الهجرة وقد وجبت عليهم‪.‬‬
‫{ظَاِلمِي أَ ْنفُ ِ‬
‫{فِيمَ كُنْتُمْ} ‪ :‬في أي شيء كنتم من دينكم؟‬
‫{ َمصِيرا} ‪ :‬مأوى ومسكنا‪.‬‬
‫{حِيلَةً} ‪ :‬قدرة على التحول‪.‬‬
‫{مُرَاغَما} ‪ :‬مكانا ودارا لهجرته يرغم ويذل به من كان يؤذيه في داره‪.‬‬
‫سعَةً} ‪ :‬في رزقه‪.‬‬
‫{وَ َ‬
‫{ َوقَعَ َأجْ ُرهُ عَلَى اللّهِ} ‪ :‬وجب أجره في هجرته على ال تعالى‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما كانت الهجرة من آثار الجهاد ناسب ذكر القاعدين عنها لضرورة ولغير ضرورة فذكر‬
‫__________‬
‫ل يؤول إلى مضرته‪ ،‬فهو بذلك ظالم لنفسه‪ ،‬والمراد به هنا‪ :‬ترك‬
‫‪ 1‬ظلم النفس‪ :‬أن يفعل العبد فع ً‬
‫الهجرة إذ يترتب عليها ترك العبادة فتخبث النفس‪ ،‬وذلك ظلم لها‪.‬‬

‫( ‪)1/529‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سهِمْ}‬
‫تعالى في هذه اليات الهجرة وأحكامها‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬إِنّ الّذِينَ َت َوفّاهُمُ‪ 1‬ا ْلمَل ِئكَةُ ظَاِلمِي أَ ْنفُ ِ‬
‫حيث تركوا الهجرة ومكثوا في دار الهون يضطهدهم العدو ويمنعهم من دينهم ويحول بينهم وبين‬
‫عبادة ربهم‪ .‬هؤلء الظالمون لنفسهم تقول لهم الملئكة عند قبض أرواحهم {فِيمَ كُنْتُمْ‪ }2‬؟ تسألهم‬
‫هذا السؤال؛ لن أرواحهم مدساة مظلمة لنها لم تزك على الصالحات‪ ،‬فيقولون متعذرين‪{ :‬كُنّا‬
‫ضعَفِينَ فِي الَ ْرضِ} فلم نتمكن من تطهير أرواحنا باليمان وصالح العمال‪ ،‬فترد عليهم‬
‫مُسْ َت ْ‬
‫سعَةً فَ ُتهَاجِرُوا فِيهَا} وتعبدوا ربكم؟ ثم يعلن ال عن الحكم‬
‫الملئكة قولهم‪َ{ :‬ألَمْ َتكُنْ أَ ْرضُ اللّ ِه وَا ِ‬
‫جهَنّمُ} وساءت جهنم مصيرا يصيرون إليه ومأوى ينزلون‬
‫فيهم بقوله‪{ :‬فَأُولَ ِئكَ} البعداء {مَ ْأوَا ُهمْ َ‬
‫فيه‪ .‬ثم استثنى تعالى أصحاب العذار كما استثناهم في القعود عن الجهاد في اليات قبل هذه فقال‬
‫ض َعفِينَ‪ 3‬مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ} ‪ ،‬واستضعاف الرجال يكون بالعلل ‪،4‬‬
‫عز من قائل‪{ :‬إِل ا ْلمُسْ َت ْ‬
‫والنساء والولدان بالضعف الملزم لهم‪ ،‬هؤلء الذين ل يستطيعون حيلة‪ ،‬أي‪ :‬ل قدرة لهم على‬
‫التحول والنتقال لضعفهم‪{ ،‬وَل َيهْتَدُونَ سَبِيلً} إلى دار الهجرة لعدم خبرتهم بالدروب والمسالك‬
‫عسَى اللّهُ أَنْ َي ْع ُفوَ عَ ْن ُهمْ} فل يؤاخذهم ويغفر‬
‫فطمعهم تعالى ورجاهم بقوله‪{ :‬فَأُولَ ِئكَ} المذكورون { َ‬
‫لهم بعض ما قصروا فيه ويرجمهم لضعفهم وكان ال غفورا رحيما‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه اليات الثلث‪.‬‬
‫أما الية الرابعة(‪ )100‬فقد أخبر تعالى فيها أن من يهاجر في سبيله تعالى ل في سبيل دنيا‬
‫يصيبها أو امرأة يتزوجها يجد بإذن ال تعالى في الرض مذهبا يذهب إليه ودارا ينزل بها ورزقا‬
‫واسعا يراغم به عدوه الذي اضطهده حتى هاجر من بلده‪ ،‬فقال تعالى‪َ { :‬ومَنْ ُيهَاجِرْ فِي سَبِيلِ‬
‫سعَةً} ثم أخبر تعالى أن من خرج مهاجرا‬
‫اللّهِ َيجِدْ فِي الَ ْرضِ مُرَاغَما كَثِيرا وَ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى البخاري عن ابن عباس رضي ال عنهما أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين‬
‫يكثرون سواد المشركين على محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬يأتي السهم فيرمي به فيصيب أحدهم‬
‫فيقتله أو يضرب فيقتل‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪{ :‬إِنّ الّذِينَ َت َوفّاهُمُ ا ْلمَل ِئكَةُ‪ }..‬الية‪.‬‬
‫‪ 2‬الستفهام للتوبيخ والتقريع‪.‬‬
‫‪ 3‬قال ابن عباس‪" :‬كنت أنا وأمي من عنى ال بهذه الية"‪ .‬وأم ابن عباس هي‪ :‬لبابة‪ ،‬وتكنى أم‬
‫الفضل‪ ،‬وهي أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي ال عنهما‪.‬‬
‫‪ 4‬وهي الزمانة‪ ،‬وتكون بالعرج والعمي والشلل ونحوها‪.‬‬

‫( ‪)1/530‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫في سبيل ال‪ ،‬أي‪ :‬لجل عبادته ونصرة دينه ثم مات في طريق هجرته وإن لم يصل إلى دار‬
‫الهجرة فقد وجب أجره على ال تعالى‪ ،‬وسيوفاه كاملً غير منقوص‪ ،‬ويغفر ال تعالى له ما كان‬
‫من تقصير سابق ويرحمه فيدخله جنته‪ .‬إذ قال تعالى‪َ { :‬ومَنْ َيخْرُجْ مِنْ‪ 1‬بَيْ ِتهِ ُمهَاجِرا إِلَى اللّهِ‬
‫غفُورا رَحِيما} ‪.‬‬
‫علَى اللّ ِه َوكَانَ اللّهُ َ‬
‫وَرَسُولِهِ ثُمّ يُدْ ِركْهُ ا ْل َم ْوتُ َفقَ ْد َوقَعَ أَجْ ُرهُ َ‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب الهجرة ‪ 2‬عندما يحال بين المؤمن وعبادة ربه تعالى إذ لم يخلق إل لها‪.‬‬
‫‪ -2‬ترك الهجرة كبيرة من كبائر الذنوب يستوجب صاحبها دخول النار‪.‬‬
‫‪ -3‬أصحاب العذار كما سقط عنهم واجب الجهاد يسقط عنهم واجب الهجرة‪.‬‬
‫‪ -4‬فضل الهجرة في سبيل ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -5‬من مات في طريق هجرته أعطى أجر المهاجر كاملً غير منقوص وهو الجنة‪.‬‬
‫خفْتُمْ أَنْ َيفْتِ َنكُمُ الّذِينَ‬
‫علَ ْيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ َت ْقصُرُوا مِنَ الصّلةِ إِنْ ِ‬
‫{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الَرْضِ فَلَيْسَ َ‬
‫َكفَرُوا إِنّ ا ْلكَافِرِينَ كَانُوا َلكُمْ عَ ُدوّا مُبِينا(‪ )01‬وَإِذَا كُ ْنتَ فِيهِمْ فََأ َق ْمتَ َلهُمُ الصّلةَ فَلْ َتقُمْ طَا ِئفَةٌ مِ ْنهُمْ‬
‫سجَدُوا فَلْ َيكُونُوا مِنْ وَرَا ِئكُ ْم وَلْتَ ْأتِ طَا ِئفَةٌ أُخْرَى َلمْ ُيصَلّوا فَلْ ُيصَلّوا‬
‫َم َعكَ وَلْيَ ْأخُذُوا أَسِْلحَ َتهُمْ فَِإذَا َ‬
‫حذْرَ ُه ْم وَأَسْلِحَ َت ُه ْم وَدّ الّذِينَ‬
‫َم َعكَ وَلْيَ ْأخُذُوا ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي تعالى عنهما‪" :‬أن ضمرة بن جندب خرج إلى رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فمات في الطريق قبل أن يصل إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫فنزلت هذه الية‪َ { :‬ومَنْ َيخْرُجْ مِنْ بَيته} ‪.‬‬
‫‪ 2‬الهجرة‪ :‬هي النتقال من بلد الكفر إلى بلد السلم‪ ،‬وهي فريضة من فرائض السلم‪ ،‬وهي‬
‫هجر متعددة‪ ،‬منها‪ :‬الهجرة من بلد البدعة‪ ،‬قال مالك‪" :‬ل يحل لمؤمن أن يقيم بأرض يسب فيها‬
‫السلف الصالح"‪ ،‬ومنها‪ :‬الخروج من أرض غلب عليها الحرام‪ ،‬إذ طلب الحلل فريضة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫أن يؤذى المسلم في دينه أو عرضه أو ماله‪ ،‬ومنها‪ :‬الخوف من المرض ما لم يكن طاعونا فإنه‬
‫يحرم الفرار منه‪ ،‬ومنها‪ :‬أل يكون في بلده من يعرف أحكام الشريعة فيها جر لطلب ذلك‪.‬‬

‫( ‪)1/531‬‬

‫ح َد ًة وَل جُنَاحَ عَلَ ْيكُمْ إِنْ كَانَ ِبكُمْ‬


‫َكفَرُوا َلوْ َت ْغفُلُونَ عَنْ َأسْلِحَ ِت ُك ْم وََأمْ ِتعَتِكُمْ فَ َيمِيلُونَ عَلَ ْي ُكمْ مَيْلَ ًة وَا ِ‬
‫عذَابا‬
‫عدّ لِ ْلكَافِرِينَ َ‬
‫ضعُوا َأسْلِحَ َتكُمْ وَخُذُوا حِذْ َركُمْ إِنّ اللّهَ أَ َ‬
‫أَذىً مِنْ َمطَرٍ َأوْ كُنْتُمْ مَ ْرضَى أَنْ َت َ‬
‫طمَأْنَنْ ُتمْ فََأقِيمُوا‬
‫ُمهِينا(‪ )102‬فَإِذَا َقضَيْتُمُ الصّلةَ فَا ْذكُرُوا اللّهَ قِيَاما َو ُقعُودا وَعَلَى جُنُو ِبكُمْ فَإِذَا ا ْ‬
‫علَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ كِتَابا َم ْوقُوتا(‪ )103‬وَل َتهِنُوا فِي ابْ ِتغَاءِ ا ْلقَوْمِ إِنْ َتكُونُوا‬
‫الصّلةَ إِنّ الصّلةَ كَا َنتْ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حكِيما(‪})104‬‬
‫ن َوكَانَ اللّهُ عَلِيما َ‬
‫ن وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا ل يَرْجُو َ‬
‫تَأَْلمُونَ فَإِ ّن ُهمْ يَأَْلمُونَ َكمَا تَأَْلمُو َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ضَرَبْتُمْ فِي الَ ْرضِ} ‪ :‬أي‪ :‬مسافرين مسافة قصر‪ ،‬وهي‪ :‬أربعة برد‪ ،‬أي‪ :‬ثمانية وأربعون ميلً‪.‬‬
‫{أَنْ َت ْقصُرُوا مِنَ الصّلةِ} ‪ :‬بأن تصلوا الظهرين ركعتين ركعتين‪ ،‬والعشاء ركعتين لطولها‪.‬‬
‫خفْتُمْ أَنْ َيفْتِ َنكُمُ} ‪ :‬هذا خرج مخرج الغالب‪ ،‬فليس الخوف بشرط في القصر وإنما الشرط‬
‫{إِنْ ِ‬
‫السفر ‪.1‬‬
‫{حِذْرَ ُهمْ} ‪ :‬الحيطة والهبة لما عسى أن يحدث من العدو‪.‬‬
‫{َأسْلِحَ ِتكُمْ} ‪ :‬جمع سلح ما يقاتل به من أنواع السلحة‪.‬‬
‫{وَل جُنَاحَ عَلَ ْي ُكمْ} ‪ :‬أي‪ :‬ل تضييق عليكم ول حرج في وضع السلحة للضرورة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬من أحكام صلة السفر‪ :‬أن المسافر ل يشرع في التقصير حتى يتجاوز مباني المدينة التي‬
‫يسكنها‪ ،‬وأن المسافر إذا صلى وراء مقيم يتم معه‪ ،‬وأن المسافر إذا أم غيره قصر والمقيم يتم‪،‬‬
‫وأنه يشرع له الجمع بين الظهرين‪ ،‬والعشاءين تقديما أو تأخيرا‪.‬‬

‫( ‪)1/532‬‬

‫{ َقضَيْتُمُ الصّلةَ} ‪ :‬أديتموها وفرغتم منها‪.‬‬


‫طمَأْنَنْ ُتمْ} ‪ :‬أي‪ :‬ذهب الخوف فحصلت الطمأنينة بالمن‪.‬‬
‫{فَإِذَا ا ْ‬
‫{كِتَابا َم ْوقُوتا} ‪ :‬فرضا ذات وقت معين تؤدى فيه ل تتقدمه ول تتأخر عنه‪.‬‬
‫{وَل َتهِنُوا} ‪ :‬أي‪ :‬ل تضعفوا‪.‬‬
‫{تَأَْلمُونَ} ‪ :‬تتألمون‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بمناسبة الهجرة والسفر من لوازمها ذكر تعالى رخصة قصر الصلة في السفر وذلك بتقصير‬
‫الرباعية إلى ركعتين فقال تعالى‪{ :‬وَِإذَا ضَرَبْتُمْ فِي الَ ْرضِ} أي‪ :‬سرتم فيها ‪ 1‬مسافرين { َفلَيْسَ‬
‫خفْتُمْ أَنْ َيفْتِ َنكُمُ الّذِينَ َكفَرُوا} وبينت‬
‫عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ} أي‪ :‬حرج وإثم في {أَنْ َتقْصُرُوا مِنَ الصّلةِ إِنْ ِ‬
‫السنة أن المسافر يقصر ولو أمن فهذا القيد غالي فقط‪ ،‬وقال تعالى‪{ :‬إِنّ ا ْلكَافِرِينَ كَانُوا َلكُمْ عَ ُدوّا‬
‫مُبِينا} تذييل أريد به تقرير عداوة الكفار للمؤمنين‪ ،‬فلذا شرع لهم هذه الرخصة‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه الية الولى(‪ ،)101‬أما اليتان بعدها فقد بينت صلة الخوف وصورتها‪ :‬أن‬
‫ينقسم الجيش قسمين قسم يقف تجاه العدو وقسم يصلي مع القائد ركعة‪ ،‬ويقف المام مكانه فيتمون‬
‫لنفسهم ركعة‪ ،‬ويسلمون ويقفون تجاه العدو‪ ،‬ويأتي القسم الذي كان واقفا تجاه العدو فيصلي بهم‬
‫المام القائد ركعة ويسلم ويتمون لنفسهم ركعة ويسلمون‪ ،‬وفي كل الحالين هم آخذون أسلحتهم ل‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يضعونها على الرض خشية أن يميل عليهم العدو وهم عزل فيكبدهم خسائر فادحة‪ ،‬هذا معنى‬
‫خذُوا أَسِْلحَ َتهُمْ فَإِذَا‬
‫ك وَلْيَأْ ُ‬
‫قوله تعالى‪{ :‬وَإِذَا كُ ْنتَ‪ 2‬فِي ِهمْ فََأ َق ْمتَ َل ُهمُ الصّلةَ فَلْ َتقُمْ طَا ِئفَةٌ مِ ْنهُمْ َم َع َ‬
‫سجَدُوا فَلْ َيكُونُوا مِنْ‬
‫َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اختلف في المسافة التي تقصر فيها الصلة والجمهور على أنها أربعة برد‪ ،‬واختلفوا في مسافة‬
‫الميل الذي هو جزء البريد‪ ،‬فالذي رجحه علماء المالكية‪ ،‬هو أن الميل ألفا ذراعا‪ ،‬وعليه فمسافة‬
‫القصر ثمانية وأربعون ميلً‪ ،‬أي‪ :‬كيلو متر‪ ،‬وهذا قول وسط بين قول من قال ل يقصر في أقل‬
‫من سبعين ميلً‪ ،‬وبين من قال كل سفر تقصر فيه الصلة طال أو قصر ولو كان ثلثة أميال‪.‬‬
‫‪ 2‬شذ أبو يوسف الحنفي فقال‪" :‬صلة الخوف ل تصلى إل مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ناظرا إلى قوله تعالى‪{ :‬وإذا كُنتَ فيهم} ‪ ،‬وعليه ما لم يكن فيهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فل تصلى صلة الخوف‪ .‬ورد هذا علماء السلف والخلف وقالوا‪ :‬بمشروعية صلة الخوف ما‬
‫وجد خوف‪.‬‬

‫( ‪)1/533‬‬

‫وَرَا ِئكُمْ} يريد الطائفة الواقعة تجاه العدو لتحميهم منه {وَلْتَ ْأتِ طَا ِئفَةٌ‪ 1‬أُخْرَى لَمْ ُيصَلّوا فَلْ ُيصَلّوا‬
‫حذْرَ ُه ْم وَأَسْلِحَ َت ُهمْ} ‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وَدّ الّذِينَ َكفَرُوا َلوْ َت ْغفُلُونَ عَنْ أَسِْلحَ ِتكُمْ‬
‫َم َعكَ وَلْيَ ْأخُذُوا ِ‬
‫وََأمْ ِتعَتِكُمْ‪ 2‬فَ َيمِيلُونَ عَلَ ْيكُمْ مَيْلَ ًة وَاحِ َدةً} سبق هذا الكلم لبيان علة الصلة طائفة بعد أخرى والمر‬
‫بالخذ بالحذر وحمل السلحة في الصلة‪ ،‬ومن هنا رخص تعالى لهم إن كانوا مرضى وبهم‬
‫جراحات أو كان هناك مطر فيشق عليهم حمل السلح أن يضعوا أسلحتهم فقال عز وجل‪{ :‬وَل‬
‫حذْ َركُمْ‪، }3‬‬
‫ضعُوا أَسِْلحَ َتكُ ْم َوخُذُوا ِ‬
‫جُنَاحَ عَلَ ْي ُكمْ إِنْ كَانَ ِبكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ َأوْ كُنْ ُتمْ مَ ْرضَى أَنْ َت َ‬
‫عذَابا ُمهِينا} تذييل لكلم محذوف ودل عليه السياق قد يكون‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ أَعَدّ لِ ْلكَافِرِينَ َ‬
‫تقديره فإن الكفار فجرة ل يؤمن جانبهم‪ ،‬ولذا أعد ال لهم عذابا مهينا‪ ،‬وإنما وضع الظاهر مكان‬
‫المضمر إشارة إلى علة الشر والفساد التي هي الكفر‪.‬‬
‫وقوله تعالى في آية(‪{ )103‬فَإِذَا َقضَيْتُمُ الصّلةَ فَا ْذكُرُوا ‪ 4‬اللّهَ قِيَاما َوقُعُودا وَعَلَى جُنُو ِبكُمْ} فإنه‬
‫تعالى يأمر المؤمنين بذكره في كل الحيان ل سيما في وقت لقاء العدو لما في ذلك من القوة‬
‫الروحية التي تقهر القوى المادية وتهزمها‪ ،‬فل يكتفي المجاهدون بذكر ال في الصلة فقط بل إذا‬
‫طمَأْنَنْتُمْ فََأقِيمُوا الصّلةَ} يريد‬
‫قضوا الصلة ل يتركون ذكر ال في كل حال وقوله تعالى‪{ :‬فَإِذَا ا ْ‬
‫إذا ذهب الخوف وحل المن واطمأنت النفوس أقيموا الصلة بحدودها وشرائطها وأركانها تامة‬
‫كاملة‪ ،‬ل تخفيف فيها كما كانت في حال الخوف إذ قد تصلي ركعة واحد‪ ،‬وقد تصلي إيماء‬
‫وإشارة فقط وذلك إذا التحم المجاهدون بأعدائهم‪ .‬وقوله‪{ :‬إِنّ الصّلةَ كَا َنتْ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ كِتَابا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫َم ْوقُوتا} تعليل للمر بإقام الصلة فأخبر أن الصلة مفروضة على المؤمنين وأنها موقوتة بأوقات‬
‫ل تؤدى إل فيها‪.‬‬
‫وقوله تعالى في آية(‪{ )104‬وَل َتهِنُوا فِي ابْ ِتغَاءِ ا ْل َقوْمِ} أي‪ :‬ل تضعفوا في طلب العدو‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قد اختلفت الروايات في صلة الخوف‪ ،‬واختلف لذلك العلماء‪ ،‬إذ صلى النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم صلة الخوف أربعا وعشرين مرة‪ .‬قال المام أحمد وهو إمام أهل الحديث‪ :‬ل أعلم أنه‬
‫روي في صلة الخوف إل حديث صحيح ثابت‪ ،‬وهو صحاح ثابتة‪ ،‬فعلى أي حديث صلى منها‬
‫المصلي صلة الخوف أجزأه إن شاء ال‪ .‬وذهب مالك إلى حديث سهل بن أبي حثمة‪ ،‬وهو الذي‬
‫ذكرته في التفسير فهو واضح سهل‪.‬‬
‫‪ 2‬المتعة‪ :‬جمع متاع؛ كالثاث والعروض وماله علقة بالسلح في حالة الحرب‪.‬‬
‫‪ 3‬في طلب الحذر التشريع للمة بأن تأخذ بأسباب النصر ول تهملها بحال‪ ،‬فإن ال تعالى ربط‬
‫المسببات بأسبابها‪ ،‬فمن طلب النصر عليه بإعداد ما يمكنه من العدد والعتاد‪.‬‬
‫‪ 4‬يرى جمهور المفسرين أن هذا الذكر المطلوب يكون بعد صلة الخوف‪ ،‬كقوله تعالى‪ { :‬إِذَا‬
‫َلقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَا ْذكُرُوا اللّهَ كَثِيرا} تقوية للقلوب وتوسلً لحصول النصر على العدو المرهوب‪.‬‬

‫( ‪)1/534‬‬

‫لنزال الهزيمة به‪ .‬ول تتعللوا في عدم طلبهم بأنكم تألمون لجراحتكم {إِنْ َتكُونُوا تَأَْلمُونَ فَإِ ّنهُمْ‬
‫ن وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ} من النصر والمثوبة العظيمة {مَا ل يَ ْرجُونَ} فأنتم أحق‬
‫يَأَْلمُونَ َكمَا تَأَْلمُو َ‬
‫حكِيما} فيه‬
‫علِيما َ‬
‫بالصبر والجلد والمطالبة بقتالهم حتى النصر عليهم‪ ،‬وقوله تعالى‪َ { :‬وكَانَ اللّهُ َ‬
‫تشجيع للمؤمنين على مواصلة الجهاد‪ ،‬لن علمهم بأن ال تعالى عليم بأحوالهم والظروف‬
‫الملبسة لهم وحكيم في شرعه بالمر والنهي لهم يطمئنهم على حسن العافية لهم بالنصر على‬
‫أعدائهم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬مشروعية صلة القصر‪ ،‬وهي رخصة ‪ 1‬أكدها رسول ال صلى ال عليه وسلم بقوله وعمله‬
‫فأصبحت سنة مؤكدة ل ينبغي تركها‪.‬‬
‫‪ -2‬مشروعية صلة الخوف وبيان كيفيتها‪.‬‬
‫‪ -3‬تأكد صلة الجماعة بحيث ل تترك حتى في ساعة الخوف والقتال‪.‬‬
‫‪ -4‬استحباب ذكر ال تعالى بعد الصلة وعلى كل حال من قيام وقعود واضطجاع‪.‬‬
‫‪ -5‬ةتقرير فريضة الصلة ووجوب أدائها في أوقاتها الموقوتة لها‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -6‬حرمة الوهن والضعف إزاء حرب العدو والستعانة على قتاله بذكر ال ورجائه‪.‬‬
‫خصِيما(‪)105‬‬
‫حكُمَ بَيْنَ النّاسِ ِبمَا أَرَاكَ اللّهُ وَل َتكُنْ لِ ْلخَائِنِينَ َ‬
‫حقّ لِ َت ْ‬
‫{إِنّا أَنْ َزلْنَا إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ بِالْ َ‬
‫سهُمْ إِنّ اللّ َه ل‬
‫غفُورا َرحِيما(‪ )106‬وَل تُجَا ِدلْ عَنِ الّذِينَ َيخْتَانُونَ أَ ْنفُ َ‬
‫وَاسْ َت ْغفِرِ اللّهَ إِنّ اللّهَ كَانَ َ‬
‫خفُونَ‬
‫س وَل يَسْ َت ْ‬
‫خفُونَ مِنَ النّا ِ‬
‫خوّانا أَثِيما(‪ )107‬يَسْ َت ْ‬
‫حبّ مَنْ كَانَ َ‬
‫يُ ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬كونها رخصه دل عليه قوله تعالى‪{ :‬فَلَيْسَ عَلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ َت ْقصُرُوا مِنَ الصّلةِ} كما دل عليه‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم لعمر رضي ال عنه‪" :‬تلك صدقة تصدق ال بها عليكم فاقبلوا صدقته" ‪،‬‬
‫هذا وقد اختلف العلماء اختلفا كبيرا هل القصر واجب أم سنة؟ فمن قال بالوجوب‪ :‬استدل بحديث‬
‫عائشة‪" :‬فرضت الصلة ركعتين ركعتين"‪ ،‬ومن قال بالسنية وهم الجمهور ووهنوا حديثها‬
‫لمخالفتها له‪ .‬حيث كانت تتم في السفر وذهب بعضهم إلى أن المسافر مخير بين القصر والتمام‪.‬‬
‫والراجح أنها سنة مؤكدة وذلك لكون النبي صلى ال عليه وسلم ما ترك القصر في أسفاره أبدا‪.‬‬

‫( ‪)1/535‬‬

‫مِنَ اللّ ِه وَ ُهوَ َم َعهُمْ ِإذْ يُبَيّتُونَ مَا ل يَ ْرضَى مِنَ ا ْل َق ْولِ َوكَانَ اللّهُ ِبمَا َي ْعمَلُونَ ُمحِيطا(‪ )108‬هَا أَنْتُمْ‬
‫َهؤُلءِ جَادَلْتُمْ عَ ْن ُهمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا َفمَنْ يُجَا ِدلُ اللّهَ عَ ْن ُهمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ أَمْ مَنْ َيكُونُ عَلَ ْي ِه ْم َوكِيلً(‬
‫‪})109‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ ِبمَا أَرَاكَ اللّهُ} ‪ :‬أي‪ :‬بما علمكه بواسطة الوحي‪.‬‬
‫خصِيما} ‪ :‬أي‪ :‬مخاصما بالغا في الخصومة مبلغا عظيما‪.‬‬
‫{َ‬
‫{ ُتجَا ِدلْ} ‪ :‬تخاصم‪.‬‬
‫سهُمْ} ‪ :‬يحاولون خيانة أنفسهم‪.‬‬
‫{ َيخْتَانُونَ أَ ْنفُ َ‬
‫خفُونَ} ‪ :‬يطلبون إخفاء أنفسهم عن الناس‪.‬‬
‫{يَسْ َت ْ‬
‫{وَ ُهوَ َم َعهُمْ} ‪ :‬بعلمه تعالى وقدرته‪.‬‬
‫{يُبَيّتُونَ} ‪ :‬يدبرون المر في خفاء ومكر وخديعة‪.‬‬
‫{ َوكِيلً} ‪ :‬الوكيل‪ :‬من ينوب عن آخر في تحقيق غرض من الغراض‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫روي أن هذه اليات نزلت في طعمة بن أبيرق وإخوته ‪ ،1‬وكان قد سرق درعا من دار جارٍ له‬
‫يقال له قتادة وودعها عند يهودي‪ ،‬يقال له‪ :‬يزيد بن السمين‪ ،‬ولما اتهم طعمة وخاف هو وإخوته‬
‫المعرة رموا بها اليهودي‪ ،‬وقالوا هو السارق‪ ،‬وأتوا رسول ال صلى ال عليه وسلم وحلفوا على‬
‫براءة أخيهم فصدقهم رسول ال صلى ال عليه وسلم وهم بقطع يد اليهودي لشهادة بني أبيرق‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عليه وإذا باليات تنزل ببراءة اليهودي وإدانة طعمة‪ ،‬ولما افتضح طعمة وكان منافقا أعلن عن‬
‫ردته وهرب إلى مكة المكرمة ونقب جدار منزل ليسرق فسقط عليه الجدار فمات تحته كافرا‪..‬‬
‫حكُمَ بَيْنَ‪2‬‬
‫وهذا تفسير ليات قوله تعالى‪{ :‬إِنّا أَنْزَلْنَا إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ} أي‪ :‬القرآن‪ ،‬أيها الرسول {لِتَ ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هم ثلثة أنفار‪ :‬بشر‪ ،‬وبشير‪ ،‬ومبشر‪ .‬يقال لهم‪ :‬بنو أبيرق‪.‬‬
‫‪ 2‬يشهد لهذا قوله صلى ال عليه وسلم في الصحيح‪" :‬إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل‬
‫بعضكم أن يكون ألحن حجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه‬
‫فل يأخذه فإنما أقتطع له قطعة من نار" ‪.‬‬

‫( ‪)1/536‬‬

‫النّاسِ ِبمَا أَرَاكَ‪ 1‬اللّهُ} أي‪ :‬بما أعلمك وعرفك به ل بمجرد رأي رآه غيرك من الخائنين وعاتبه‬
‫خصِيما} أي‪ :‬مجادلً عنهم‪ ،‬فوصم تعالى بني أبيرق بالخيانة‪،‬‬
‫ربه تعالى بقوله‪{ :‬وَل َتكُنْ ِللْخَائِنِينَ َ‬
‫لنهم خانوا أنفسهم بدفعهم التهمة عنهم بأيمانهم الكاذبة‪{ .‬وَاسْ َت ْغفِرِ‪ 2‬اللّهَ} من أجل ما هممت به‬
‫غفُورا َرحِيما} فيغفر لك ما هممت به ويرحمك {وَل تُجَا ِدلْ عَنِ‬
‫من عقوبة اليهودي‪{ ،‬إِنّ اللّهَ كَانَ َ‬
‫خوّانا أَثِيما}‬
‫حبّ مَنْ كَانَ َ‬
‫سهُمْ} حيث اتهموا اليهودي كذبا وزورا‪{ ،‬إِنّ اللّهَ ل يُ ِ‬
‫الّذِينَ َيخْتَانُونَ أَ ْنفُ َ‬
‫خفُونَ مِنَ اللّهِ} ول يستحيون منه‪،‬‬
‫خفُونَ‪ 3‬مِنَ النّاسِ} حياء منهم‪{ ،‬وَل َيسْتَ ْ‬
‫كطعمة بن أبيرق { يَسْ َت ْ‬
‫وهو تعالى معهم في الوقت الذي كانوا يدبرون كيف يخرجون من التهمة بإلصاقها باليهودي‬
‫البريء‪ ،‬وعزموا أن يحلفوا على براءة أخيهم واتهام اليهودي هذا القول مما ل يرضاه ال تعالى‪..‬‬
‫وقوله عز وجل‪َ { :‬وكَانَ اللّهُ ِبمَا َي ْعمَلُونَ مُحِيطا} فما قام به طعمة من سرقة الدرع ووضعها لدى‬
‫اليهودي ثم اتهامهم اليهودي‪ ،‬وحلفهم على براءة أخيهم كل ذلك جرى تحت علم ال تعالى‪ ،‬وال‬
‫به محيط‪ ،‬فسبحانه من إله عظيم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬هَا أَنْ ُتمْ َهؤُلءِ} أي‪ :‬يا هؤلء {جَادَلْتُمْ عَ ْنهُمْ فِي‬
‫الْحَيَاةِ الدّنْيَا َفمَنْ ُيجَا ِدلُ اللّهَ عَ ْنهُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َأمْ مَنْ َيكُونُ عَلَ ْيهِ ْم َوكِيلً} هذا الخطاب موجه إلى‬
‫الذين وقفوا إلى جنب بني أبيرق يدفعون عنهم التهمة فعاتبهم ال تعالى بقوله‪{ :‬هَا أَنْ ُتمْ َهؤُلءِ‬
‫جَادَلْتُمْ عَ ْن ُهمْ} ‪ ،‬اليوم في هذه الحياة الدنيا لتدفعوا عنهم تهمة السرقة { َفمَنْ‪ 4‬يُجَا ِدلُ اللّهَ عَ ْن ُهمْ َيوْمَ‬
‫ا ْلقِيَامَةِ أَمْ مَنْ َيكُونُ عَلَ ْيهِمْ َوكِيلً} يتولى الدفاع عنهم في يوم ل تملك فيه نفس لنفس شيئا والمر‬
‫كله ل فتضمنت الية تقريعا شديدا ل يقف أحد بعد موقفا مخزيا كهذا‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ل يجوز الحكم بغير ما أنزل ال تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬ل يجوز الوقوف إلى جنب الخونة الظالمين نصرة لهم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ِ { 1‬بمَا أَرَاك ال} معناه‪ :‬على قوانين الشرع‪ ،‬إما بوحي ونص‪ ،‬أو بنظر جار على سنن الوحي‪.‬‬
‫‪ 2‬فيه إرشاد للمة وتعليم لها‪ ،‬إذ الرسول صلى ال عليه وسلم لم يقارف ذنبا‪ ،‬وكل ما في المر‬
‫أنه هم على ظن منه‪ ،‬ودفع ال عنه ما هم به بنزول الية‪ ،‬أو استغفاره لما هم به‪ ،‬هو من باب‬
‫حسنات البرار سيئات المقربين‪.‬‬
‫‪ 3‬أي‪ :‬يستترون‪.‬‬
‫‪ 4‬الستفهام للنكار والتوبيخ والتقريع‪.‬‬

‫( ‪)1/537‬‬

‫‪ -3‬وجوب الستغفار من الذنب كبيرا كان أو صغيرا‪.‬‬


‫‪ -4‬وجوب بغض الخوان الثيم أيا كان‪.‬‬
‫‪ -5‬استحباب الوعظ والتذكير بأحوال يوم القيامة‪.‬‬
‫سبْ إِثْما فَإِ ّنمَا‬
‫غفُورا رَحِيما(‪َ )110‬ومَنْ َيكْ ِ‬
‫{ َومَنْ َي ْع َملْ سُوءا َأوْ يَظِْلمْ َنفْسَهُ ُثمّ يَسْ َت ْغفِرِ اللّهَ َيجِدِ اللّهَ َ‬
‫سبْ خَطِي َئةً َأوْ إِثْما ثُمّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئا َفقَدِ‬
‫حكِيما(‪َ )111‬ومَنْ َي ْك ِ‬
‫َيكْسِبُهُ عَلَى َنفْسِهِ َوكَانَ اللّهُ عَلِيما َ‬
‫ك َومَا‬
‫حمَُتهُ َل َه ّمتْ طَا ِئفَةٌ مِ ْنهُمْ أَنْ ُيضِلّو َ‬
‫ك وَرَ ْ‬
‫ضلُ اللّهِ عَلَ ْي َ‬
‫احْ َت َملَ ُبهْتَانا وَإِثْما مُبِينا(‪ )112‬وََلوْل َف ْ‬
‫ح ْكمَ َة وَعَّل َمكَ مَا َلمْ َتكُنْ‬
‫شيْ ٍء وَأَنْ َزلَ اللّهُ عَلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ وَا ْل ِ‬
‫سهُمْ َومَا َيضُرّو َنكَ مِنْ َ‬
‫ُيضِلّونَ إِل أَ ْنفُ َ‬
‫عظِيما(‪})113‬‬
‫ضلُ اللّهِ عَلَ ْيكَ َ‬
‫َتعْلَ ُم َوكَانَ َف ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{سُوءا} ‪ :‬السوء‪ :‬ما يسيء إلى النفس أو إلى الغير‪.‬‬
‫{َأوْ َيظْلِمْ َنفْسَهُ} ‪ :‬ظلم النفس‪ :‬بغشيان الذنوب وارتكاب الخطايا‪.‬‬
‫{إِثْما} ‪ :‬الثم‪ :‬ما كان ضارا بالنفس فاسدا‪.‬‬
‫{بَرِيئا} ‪ :‬البريء‪ :‬من لم يجن جناية قد اتهم بها‪.‬‬
‫{احْ َت َملَ ُبهْتَانا} ‪ :‬تحمل بهتانا‪ :‬وهو الكذب المحير لمن رمي به‪.‬‬
‫ح ْكمَةَ} ‪ :‬الكتاب‪ :‬القرآن والحكمة السنة‪.‬‬
‫ب وَالْ ِ‬
‫{ا ْلكِتَا َ‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫هذا السياق معطوف على سابقه في حادثة طعمة بن أبيرق‪ ،‬وهو يحمل الرحمة اللهية لولئك‬
‫الذين تورطوا في الوقوف إلى جنب الخائن ابن أبيرق فأخبرهم تعالى أن من يعمل‬

‫( ‪)1/538‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سوءا يؤذي به غيره أو يظلم نفسه بارتكاب ذنب من الذنوب ثم يتوب إلى ال تعالى باستغفاره‬
‫والنابة إليه يتب ال تعالى عليه ويقبل توبته وهو معنى قوله تعالى في الية(‪َ { )110‬ومَنْ َي ْع َملْ‬
‫غفُورا رَحِيما} يغفر له ويرحمه‪.‬‬
‫سهُ ثُمّ‪ 1‬يَسْ َت ْغفِرِ اللّهَ َيجِدِ اللّهَ َ‬
‫سُوءا َأوْ َيظْلِمْ َنفْ َ‬
‫سهِ} إذ‬
‫سبْ إِثْما} أي‪ :‬ذنبا من الذنوب صغيرها وكبيرها {فَإِ ّنمَا َيكْسِبُهُ عَلَى َنفْ ِ‬
‫قوله تعالى‪َ { :‬ومَنْ َيكْ ِ‬
‫هي التي تتدسى به وتؤاخذ بمقتضاه إن لم يغفر لها‪ .‬ول يؤاخذ به غيرها وكان ال عليما‪ ،‬أي‪:‬‬
‫بذنوب عباده حكيما‪ ،‬أي‪ :‬في مجازاتهم بذنوبهم فل يؤاخذ نفسا بغير ما اكتسب ويترك نفسا قد‬
‫اكتسبت(‪ )112‬يخبر تعالى أن من يرتكب خطيئة ضد أحد‪ ،‬أو يكسب إثما ويرمي به أحداً بريئا‬
‫سبْ خَطِيئَةً َأوْ إِثْما ثُمّ‬
‫منه قد تحمل تبعة عظيمة قد تصليه نار جهنم وهو معنى قوله‪َ { :‬ومَنْ َيكْ ِ‬
‫يَرْمِ‪ 2‬بِهِ بَرِيئا فَقَدِ احْ َت َملَ ُبهْتَانا وَإِثْما مُبِينا} ‪.‬‬
‫وفي الية(‪ )113‬يواجه ال تعالى رسوله بالخطاب ممتنا ًعليه بما حباه به من الفضل والرحمة‬
‫سهُمْ َومَا‬
‫ك َومَا ُيضِلّونَ إِل أَ ْنفُ َ‬
‫حمَتُهُ َل َه ّمتْ طَا ِئفَةٌ مِ ْنهُمْ أَنْ ُيضِلّو َ‬
‫ك وَ َر ْ‬
‫ضلُ اللّهِ عَلَ ْي َ‬
‫فيقول‪{ :‬وََلوْل َف ْ‬
‫شيْءٍ} ‪ ،‬والمراد بالطائفة التي ذكر ال تعالى هم بنو أبيرق أخوة طعمة وقوله‪:‬‬
‫َيضُرّونَكَ مِنْ َ‬
‫سهُمْ‪ ، }3‬فهو كما قال عز وجل ضللهم عائد عليهم أما الرسول فلن يضره‬
‫{ َومَا ُيضِلّونَ إِل أَ ْنفُ َ‬
‫ضلُ اللّهِ‬
‫ح ْكمَ َة وَعَّل َمكَ مَا لَمْ َتكُنْ َتعَْل ُم َوكَانَ َف ْ‬
‫ذلك وقوله تعالى‪ { :‬وَأَنْ َزلَ اللّهُ عَلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ وَا ْل ِ‬
‫عَلَ ْيكَ عَظِيما} امتنان من ال تعالى على رسوله بأنه أنزل عليه القرآن أعظم الكتب وأهداها وعلمه‬
‫الحكمة وهي ما كشف له من أسرار الكتاب الكريم‪ ،‬وما أوحى إليه من العلوم والمعارف التي‬
‫كلها نور وهدى مبين‪ ،‬وعلمه من المعارف الربانية ما لم يكن يعلم قبل ذلك وبهذا كان فضله على‬
‫رسوله عظيما‪ ،‬فلله الحمد والمنة‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير مبدأ التوبة تجب ما قبلها‪ ،‬ومن تاب تاب ال عليه‪.‬‬
‫‪ -2‬عظم ذنب من يكذب على البرآء‪ ،‬ويتهم المناء بالخيانة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المراد بالستغفار‪ :‬التوبة وطلب العفو من ال تعالى عما مضى من الذنوب قبل التوبة‪.‬‬
‫‪ 2‬أي‪ :‬ينسبه إليه‪.‬‬
‫‪ 3‬إذ نتائج الضلل وعوائده وهي الخسران عائدة عليهم ل على الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)1/539‬‬

‫‪ -3‬تأثير الكلم على النفوس حتى أن الرسول صلى ال عليه وسلم كاد يضلله بنو أبيرق فيبرئ‬
‫الخائن ويدين البريء إل أن ال عصمه‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -4‬عاقبة الظلم عائدة على الظالم‪.‬‬
‫س َومَنْ َي ْفعَلْ ذَِلكَ‬
‫جوَاهُمْ إِل مَنْ َأمَرَ ِبصَ َد َقةٍ َأوْ َمعْرُوفٍ َأوْ ِإصْلحٍ بَيْنَ النّا ِ‬
‫{ل خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ َن ْ‬
‫سوْفَ ُنؤْتِيهِ َأجْرا عَظِيما(‪َ )114‬ومَنْ ُيشَاقِقِ الرّسُولَ مِنْ َب ْعدِ مَا تَبَيّنَ لَهُ‬
‫ابْ ِتغَاءَ مَ ْرضَاتِ اللّهِ َف َ‬
‫جهَنّ َم وَسَا َءتْ َمصِيرا(‪})115‬‬
‫ا ْلهُدَى وَيَتّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ُنوَلّهِ مَا َتوَلّى وَ ُنصْلِهِ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫جوَاهُمْ‪ : }1‬النجوى‪ :‬المسارة بالكلم‪ ،‬وجواهم‪ :‬أحاديثهم التي يسرها بعضهم إلى بعض‪.‬‬
‫{ َن ْ‬
‫{َأوْ َمعْرُوفٍ‪ : }2‬المعروف‪ :‬ما عرفه الشرع فأباحه‪ ،‬أو استحبه أو أوجبه‪.‬‬
‫{ابْ ِتغَاءَ مَ ْرضَاتِ اللّهِ} ‪ :‬أي‪ :‬طلبا لمرضاة ال‪ ،‬أي‪ :‬للحصول على رضا ال عز وجل‪.‬‬
‫{ ُنؤْتِيهِ} ‪ :‬نعطيه والجر العظيم‪ :‬الجنة وما فيها من نعيم مقيم‪.‬‬
‫{يُشَا ِققِ الرّسُولَ} ‪ :‬يحاده ويقاطعه ويعاديه‪ .‬كمن يقف في شق‪ ،‬والخر في شق‪.‬‬
‫{ وَيَتّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} ‪ :‬أي‪ :‬يخرج عن إجماع المسلمين‪.‬‬
‫{ ُنوَلّهِ مَا َتوَلّى} ‪ :‬نخذله فتتركه وما توله من الباطل والشر والضلل حتى‪ :‬يهلك فيه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬النجوى‪ :‬مشتقة من نجوت الشيء‪ ،‬أنجوه‪ ،‬إذا خلصته وأفردته‪ ،‬والنجوي من الرض ما ارتفع‬
‫منها دون ما حواليه‪ ،‬ومن ناجى أحدا فقد خلصه وأفرده له‪ .‬وتسمى الجماعة‪ :‬نجوى نحوهم‪،‬‬
‫عدل‪ .‬قال تعالى‪{ :‬وإذْ هُم نَجْوى} ‪.‬‬
‫‪ 2‬المعروف لفظ يعم جميع ألفاظ البر‪ ،‬أمر ال تعالى في كتابه فقال‪{ :‬خُذْ العُفوْ وأمر بالعُرف}‬
‫أي‪ :‬المعروف‪ .‬قال الحطيئة‪:‬‬

‫( ‪)1/540‬‬

‫ونصله نار جهنم ‪ :‬أي‪ :‬ندخله النار ونحرقه فيها‪.‬‬


‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق في بني أبيرق ففي الية الولى(‪ )114‬يخبر تعالى أنه ل خير في كثير من أولئك‬
‫المتناجين ول في نجواهم لنفاقهم وسوء طواياهم اللهم إل في نجوى أمر أصحابها بصدقة تعطى‬
‫لمحتاج إليها من المسلمين‪ ،‬أو معروف ‪ 1‬استحبه الشارع أو أوجبه من البر والحسان أو إصلح‬
‫بين الناس للبقاء على اللفة والمودة بين المسلمين‪ .‬ثم أخبر تعالى أن من يفعل ذلك المذكور من‬
‫الصدقة والمعروف والصلح ‪ 2‬بين الناس طلبا لمرضاة ال تعالى فسوف يثيبه بأحسن الثواب أل‬
‫وهو الجنة دار السلم إذ ل أجر أعظم من أجر يكون الجنة‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه الية الولى‪ ،‬أما الثانية(‪ )115‬فإن ال تعالى يتوعد أمثال طعمة بن أبيرق‪،‬‬
‫فيقول جل ذكره‪َ { :‬ومَنْ ُيشَاقِقِ الرّسُولَ} أي‪ :‬يخالفه ويعاديه {مِنْ َبعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُ ا ْل ُهدَى} أي‪ :‬من‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بعد ما عرف أنه رسول ال حقا جاء بالهدى ودين الحق‪ ،‬ثم هو مع معاداته للرسول يخرج من‬
‫جماعة المسلمين ويتبع غير سبيلهم ‪ 3‬هذا الشقي الخاسر { ُنوَلّهِ مَا َتوَلّى} أي‪ :‬نتركه لكفره وضلله‬
‫خذلنا له في الدنيا ثم نصله نار جهنم يحترف فيها‪ ،‬وبئس المصير جهنم يصير إليها المرء ويخلد‬
‫فيها‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة تناجي اثنين دون الثالث لثبوت ذلك في السنة‪.‬‬
‫‪ -2‬الجتماعات السرية ل خير فيها إل اجماعا كان لجمع صدقة‪ ،‬أو لمر بمعروف أو إصلح‬
‫بين متنازعين من المسلمين مختلفين‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة الخروج عن أهل السنة والجماعة‪ ،‬واتباع الفرق الضالة التي ل تمثل السلم إل في‬
‫دوائر ضيقة كالروافض ونحوهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قيل لحكيم ما أعظم المصائب؟ قال‪ :‬أن تقدر على المعروف فل تصنعه‪ ،‬حتى يفوت‪ ،‬وقال في‬
‫هذا المعنى الشاعر‪:‬‬
‫إذا هبت رياحك فاغتنمها ‪ ...‬فإن لكل خافقة سكون‬
‫ول تغفل عن الحسان فيها ‪ ...‬فما تدري السكون متى يكون‬
‫‪ 2‬ورد في إصلح ذات البين الكثير من الحاديث‪ ،‬منها‪ :‬قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬أل أخبركم‬
‫بأفضل من درجة الصيام والصلة والصدقة؟" قالوا‪ :‬بلى يا رسول ال‪ .‬قال‪" :‬إصلح ذات البين"‬
‫رواه الترمذي وصححه وقال‪" :‬ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا" ‪.‬‬
‫‪ 3‬هذه الية هي دليل حرمة الخروج على جماعة المسلمين‪ ،‬روي أن الشافعي طلب دليلً على‬
‫صحة الجماع‪ ،‬فقرئ القرآن مرات حتى عثر على هذه الية‪ ،‬وقرر أنها دليل الجماع‪ ،‬وهو‬
‫كذلك‪.‬‬

‫( ‪)1/541‬‬

‫ل ضَللً‬
‫ضّ‬‫{إِنّ اللّهَ ل َي ْغفِرُ أَنْ يُشْ َركَ بِ ِه وَ َي ْغفِرُ مَا دُونَ ذَِلكَ ِلمَنْ َيشَا ُء َومَنْ يُشْ ِركْ بِاللّهِ َفقَ ْد َ‬
‫َبعِيدا(‪ )116‬إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِل إِنَاثا وَإِنْ َيدْعُونَ إِل شَيْطَانا مَرِيدا(‪َ )117‬لعَ َنهُ اللّ ُه َوقَالَ‬
‫ن الَ ْنعَامِ‬
‫لمَنّيَ ّنهُ ْم وَلمُرَ ّنهُمْ فَلَيُبَ ّتكُنّ آذَا َ‬
‫لَتّخِذَنّ مِنْ عِبَا ِدكَ َنصِيبا َمفْرُوضا(‪َ )118‬ولُضِلّ ّنهُ ْم َو ُ‬
‫ن وَلِيّا مِنْ دُونِ اللّهِ َفقَدْ خَسِرَ خُسْرَانا مُبِينا(‪)119‬‬
‫خذِ الشّ ْيطَا َ‬
‫وَلمُرَ ّنهُمْ فَلَ ُيغَيّرُنّ خَلْقَ اللّ ِه َومَنْ يَتّ ِ‬
‫جهَنّ ُم وَل َيجِدُونَ عَ ْنهَا‬
‫َيعِدُ ُه ْم وَ ُيمَنّيهِ ْم َومَا َي ِعدُهُمُ الشّيْطَانُ إِل غُرُورا(‪ )120‬أُولَ ِئكَ مَ ْأوَاهُمْ َ‬
‫مَحِيصا(‪})121‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{أَنْ ُيشْ َركَ بِهِ} ‪ :‬أن يعبد معه غيره من مخلوقاته بأي عبادة كانت‪.‬‬
‫{إِنْ َيدْعُونَ} ‪ :‬أي‪ :‬ما يدعون‪.‬‬
‫{إِل إِنَاثا} ‪ :‬جمع أنثى لن اللهة مؤنثة‪ ،‬أو أمواتا لن الميت يطلق عليه لفظ أنثى بجامع عدم‬
‫النفع‪.‬‬
‫{مَرِيدا} ‪ :‬بمعنى ما رد على الشر والغواء للفساد‪.‬‬
‫{ َنصِيبا َمفْرُوضا} ‪ :‬حظا معينا‪ .‬أو حصة معلومة‪.‬‬
‫{فَلَيُبَ ّتكُنّ‪ : }1‬فليقطعن‪.‬‬
‫{خَلْقَ اللّهِ} ‪ :‬مخلوق ال‪ :‬أي‪ :‬ما خلقه ال تعالى‪.‬‬
‫{الشّيْطَانُ} ‪ :‬الخبيث الماكر الداعي إلى الشر سواء كان جنيا أو إنسيا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬البتك‪ :‬القطع‪ ،‬يقال‪ :‬سيف باتك‪.‬‬

‫( ‪)1/542‬‬

‫{وَ ُيمَنّيهِمْ} ‪ :‬يجعلهم يتمنون كذا وكذا ليلهيهم عن العمل الصالح‪.‬‬


‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ ل َيغْفِرُ أَنْ ُيشْ َركَ‪ِ 1‬ب ِه وَ َيغْفِرُ مَا دُونَ ذَِلكَ ِلمَنْ يَشَاءُ} إخبار منه تعالى عن‬
‫طعمة بن أبيرق بأنه ل يغفر له وذلك لموته على الشرك‪ ،‬أما إخوته الذين لم يموتوا مشركين فإن‬
‫أمرهم إلى ال تعالى إن شاء غفر لهم وإن شاء آخذهم كسائر مرتكبي الذنوب غير الشرك‬
‫ل ضَللً َبعِيدا} أي‪ :‬ضل عن طريق النجاة‬
‫ضّ‬‫والفكر‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬ومَنْ ُيشْ ِركْ بِاللّهِ َفقَ ْد َ‬
‫والسعادة ببعده عن الحق بعدا كبيرا وذلك بإشراكه بربه تعالى غيره من مخلوقاته‪.‬‬
‫وقوله تعالى {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِل إِنَاثا} هذا بيان لقبح الشرك وسوء حال أهله‪ ،‬فأخبر تعالى أن‬
‫المشركين ما يعبدون إل أمواتا ل يسمعون ول يبصرون ول ينطقون ول يعقلون‪ .‬إذ أوثانهم ميتة‬
‫وكل ميت فهو مؤنث زيادة على أن أسماءها مؤنثة كاللت والعزى ومناة ونائلة‪ ،‬كما هم في واقع‬
‫المر يدعون شيطانا مريدا‪ ،‬إذ هو الذي دعاهم إلى عبادة الصنام فعبدوها فهم إذا عابدون‬
‫للشيطان في باطن المر ل الوثان‪ ،‬ولذا قال تعالى‪{ :‬وَإِنْ َيدْعُونَ إِل شَيْطَانا مَرِيدا‪ }2‬لعنه ال‬
‫ل لَتّخِذَنّ مِنْ عِبَا ِدكَ َنصِيبا َمفْرُوضا‪ }3‬أي‪ :‬عددا كبيرا منهم‬
‫وأبلسه عن إبائه السجود لدم‪َ { ،‬وقَا َ‬
‫يعبدونني ول يعبدونك وهم معلومون معروفون بمعصيتهم إياك‪ ،‬وطاعتهم لي‪ .‬وواصل العدو‬
‫لمَنّيَ ّنهُمْ} يريد أعوقهم عن طاعتك بالماني‬
‫لضِلّ ّنهُمْ} يريد عن طريق الهدى { َو ُ‬
‫تبجحه قائلً‪َ { :‬و ُ‬
‫ن الَ ْنعَامِ‪ }4‬أي‪:‬‬
‫الكاذبة بأنهم ل يلقون عذابا أو أنه سيغفر لهم‪{ .‬وَلمُرَنّهُمْ} فيطيعوني {فَلَيُبَ ّتكُنّ آذَا َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ليجعلون للهتهم نصيبا مما رزقنهم ويعلمونها بقطع آذانها لتعرف أنها لللهة؛ كالبحائر والسوائب‬
‫التي يجعلونها لللهة‪{ ،‬وَلمُرَ ّنهُمْ} أيضا فيطيعونني فيغيرون خلق ال بالبدع‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في هذه الية رد على الخوارج الذين يكفرون بالذنب دون الشرك‪ ،‬ويوجبون الخلود في النار‬
‫لمن مات على كبيرة‪ ،‬قال علي رضي ال عنه‪" :‬ما في القرآن أحب إلي من هذه‪ { :‬إِنّ اللّ َه ل‬
‫َي ْغفِرُ أَنْ ُيشْ َركَ بِ ِه وَ َي ْغفِرُ مَا دُونَ ذَِلكَ ِلمَنْ َيشَاءُ} " رواه الترمذي‪.‬‬
‫‪ 2‬أطلق الدعاء وأريد به العبادة‪ ،‬وهو إطلق شائع في القرآن الكريم؛ لن الدعاء هو العبادة‪ .‬إذ‬
‫خذُوا‬
‫طاعتهم للشيطان عبادة في حد ذاتها‪ ،‬إذا المطاع في معصية ال معبود‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬اتّ َ‬
‫أَحْبَا َرهُ ْم وَرُهْبَا َنهُمْ أَرْبَابا مِنْ دُونِ اللّهِ}‪ ،‬أي‪ :‬ألهة‪ ،‬وذلك لما أطاعوهم في معصية ال تعالى‪.‬‬
‫‪ 3‬قيل‪ :‬كان نصيبه من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين‪ ،‬لحديث مسلم‪" :‬أبعث بعث النار فيقول‬
‫وما بعث النار؟ فيقول‪ :‬من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين" ‪ .‬المخاطب‪ :‬آدم عليه السلم‪.‬‬
‫‪ 4‬أجاز الجمهور خصاء الغنم لفائدة اللحم‪ ،‬وحرموا خصاء غيرها‪ ،‬وخاصة الدمي‪ ،‬وأجازوا‬
‫الوسم في غير الوجه للحيوان ليعرف به‪ ،‬وهو كذلك‪ .‬أما الوشم‪ :‬فحرام للحاديث الصحاح فيه‪.‬‬

‫( ‪)1/543‬‬

‫والشرك‪ ،‬والمعاصي كالوشم والخصي‪ .‬هذا ما قاله الشيطان ذكره تعالى لنا فله الحمد‪ .‬ثم قال‬
‫ن وَلِيّا مِنْ دُونِ اللّهِ َفقَدْ خَسِرَ خُسْرَانا مُبِينا} لن من والى الشيطان عادى‬
‫تعالى { َومَنْ يَتّخِذِ الشّ ْيطَا َ‬
‫الرحمن‪ ،‬ومن عادى الرحمن تم له وال أعظم الخسران يدل على ذلك قوله تعالى‪َ { :‬يعِ ُدهُمْ‬
‫وَ ُيمَنّيهِمْ} فيعقوهم عن طلب النجاة والسعادة { َومَا َيعِدُ ُهمُ الشّ ْيطَانُ إِل غُرُورا} إذ هو ل يملك من‬
‫المر شيئا فكيف يحقق لهم نجاة أو سعادة إذا؟‪.‬‬
‫جهَنّ ُم وَل َيجِدُونَ عَ ْنهَا‬
‫وهذا حكم ال تعالى يعلن في صراحة ووضوح فليسمعوه‪{ :‬أُولَ ِئكَ مَ ْأوَا ُهمْ َ‬
‫مَحِيصا} أي‪ :‬معدلً أو مهربا‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬سائر الذنوب كبائرها وصغائرها قد يغفرها ال تعالى لمن شاء إل الشرك فل يغفر لصاحبه‪.‬‬
‫‪ -2‬عبدة الصنام والوهام والشهوات والهواء هم في الباطن عبدة الشيطان إذ هو الذي أمرهم‬
‫فأطاعوه‪.‬‬
‫‪ -3‬من مظاهر طاعة الشيطان المعاصي كبيرها وصغيرها إذ هو الذي أمر بها وأطيع فيها‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة الوشم والوسم والخصاء إل ما أذن فيه الشارع ‪.1‬‬
‫‪ -5‬سلح الشيطان العدة الكاذبة والمنية الباطلة‪ ،‬والزينة الخادعة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ سَنُ ْدخُِلهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدا وَعْدَ‬
‫{وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫صدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلً(‪})122‬‬
‫حقّا َومَنْ َأ ْ‬
‫اللّهِ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{آمَنُوا} ‪ :‬صدقوا بال ورسوله ‪.2‬‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ} ‪ :‬الطاعات إذ كل طاعة ل ورسوله هي عمل صالح‪.‬‬
‫{وَ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أذن الشارع في وسم الماشية‪ ،‬ولكن في غير الوجه‪ ،‬كما أذن وخصي الغنم ضائنًا أو ما عزًا‬
‫لمصلحة إصلح لحومها‪.‬‬
‫‪ 2‬وصدقوا بكل ما أخبر ال به ورسوله في شأن الغيب؛ كالملئكة‪ ،‬والبعث‪ ،‬والجزاء في الدار‬
‫الخرة‪.‬‬

‫( ‪)1/544‬‬

‫{قِيلً‪ : }1‬أي‪ :‬قولً‪.‬‬


‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫لما بين تعالى جزاء الشرك والمشركين عبدة الشيطان بين في ‪ 2‬هذه الية جزاء التوحيد‬
‫والموحدين عبيد الرحمن عز وجل‪ ،‬وأنه تعالى سيدخلهم بعد موتهم جنات تجري من تحت‬
‫قصورها وأشجارها النهار وأن خلودهم مقدر فيها بإذن ال ربهم فل يخرجون منها أبدا وعدهم‬
‫ربهم بهذا وعد الصدق‪ ،‬وليس هناك من هو أصدق وعدا ول قولً من ال تعالى‪.‬‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬اليمان الصادق والعمل الصحيح الصالح هما مفتاح الجنة وسبب ‪ 3‬دخولها‪.‬‬
‫‪ -2‬صدق وعد ال تعالى‪ ،‬وصدق قوله عز وجل‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب صدق الوعد من العبد لن خلف الوعد من النفاق لحديث ‪" :4‬وإذا واعد أخلف" ‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب صدق القول والحديث لن الكذب من النفاق لحديث وإذا حدث كذب‪.‬‬
‫{لَيْسَ بَِأمَانِ ّيكُ ْم وَل َأمَا ِنيّ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ مَنْ َي ْع َملْ سُوءا يُجْزَ بِ ِه وَل يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللّ ِه وَلِيّا وَل‬
‫َنصِيرا(‪َ )123‬ومَنْ َي ْع َملْ مِنَ الصّالِحَاتِ مِنْ َذكَرٍ َأوْ أُنْثَى وَ ُهوَ ُم ْؤمِنٌ فَأُولَ ِئكَ َيدْخُلُونَ ا ْلجَنّ َة وَل‬
‫يُظَْلمُونَ َنقِيرا(‪َ )124‬ومَنْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬القيل‪ ،‬والقول‪ ،‬والقال‪ :‬بمعنى واحد‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا من منهج القرآن الخاص به‪ ،‬وهو الجمع بين الترهيب والترغيب؛ لنه كتاب هداية وتربية‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فلذا يجمع بين الوعد والوعيد‪ ،‬وذكر الشيء وضده‪.‬‬
‫‪ 3‬لنه باليمان والعمل الصالح تزكو النفس البشرية وتطهر‪ ،‬وإذا زكت وطهرت تأهلت لدخول‬
‫الجنة؛ إذ هي دار البرار ودار المتقين‪.‬‬
‫‪ 4‬رواه البخاري وغيره‪" :‬آية المنافق ثلث‪ :‬إذا حدث كذب‪ ،‬وإذا واعد أخلف‪ ،‬وإذا أؤتمن خان" ‪.‬‬

‫( ‪)1/545‬‬

‫ن وَاتّبَعَ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفا وَاتّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلً(‬


‫ج َههُ لِلّ ِه وَ ُهوَ ُمحْسِ ٌ‬
‫حسَنُ دِينا ِممّنْ َأسْلَ َم وَ ْ‬
‫أَ ْ‬
‫شيْءٍ مُحِيطا(‪})126‬‬
‫ض َوكَانَ اللّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الَرْ ِ‬
‫‪ )125‬وَلِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{بَِأمَانِ ّيكُمْ} ‪ :‬جمع أمنية‪ :‬وهي ما يقدره المرء في نفسه ويشتهيه مما يتعذر غالبا تحقيقه‪.‬‬
‫{أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ} ‪ :‬اليهود والنصارى‪.‬‬
‫{سُوءا} ‪ :‬كل ما يسيء من الذنوب والخطايا‪.‬‬
‫{وَلِيّا} ‪ :‬يتولى أمره فيدفع عنه المكروه‪.‬‬
‫{ َنقِيرا} ‪ :‬النقير‪ :‬نقرة في ظهر النواة‪.‬‬
‫{مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ} ‪ :‬عبادة ال وحده ل شريك له بما شرعه ال تعالى‪.‬‬
‫{خَلِيلً} ‪ :‬الخليل‪ :‬المحب الذي تخلل حبه مسالك النفس فهو أكبر من الحبيب‪.‬‬
‫{مُحِيطا} ‪ :‬علما وقدرة إذ الكون كله تحت قهره ومدار بقدرته وعلمه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫روي أن هذه الية نزلت ‪ 1‬لما تلحى مسلم ويهودي وتفاخرا‪ ،‬فزعم اليهودي أن نبيهم وكتابهم‬
‫ودينهم وجد قبل كتاب ونبي المسلمين ودينهم فهم أفضل‪ ،‬ورد عليه المسلم بما هو الحق فحكم ال‬
‫تعالى بينهما بقوله‪{ :‬لَ ْيسَ بَِأمَانِ ّيكُمْ} أيها المسلمون {وَل َأمَا ِنيّ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ} من يهود ونصارى‪،‬‬
‫أي‪ :‬ليس المر والشأن بالماني العذاب‪ ،‬وإنما المر والشأن في هذه القضية أنه سنة ال تعالى‬
‫في تأثير الكسب الرادي على النفس بالتزكية أو التدسية فمن عمل ‪ 2‬سوءا من الشرك‬
‫والمعاصي‪ ،‬كمن عمل صالحا من التوحيد والطاعات يجز بحسبه‪،‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روي أيضا عن قتادة أنه قال‪ :‬تفاخرا و المؤمنون وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب‪ :‬نبينا قبل‬
‫نبيكم وكتابنا قبل كتابكم ونحن أحق بال منكم‪ .‬وقال المؤمنون‪ :‬نبينا خاتم النبيين‪ ،‬وكتابنا يقضي‬
‫على سائر الكتب‪ .‬فنزلت‪ ،‬ول تعارض بين الرأيين‪.‬‬
‫‪ 2‬هذه الية عامة في الكافر والمؤمن‪ ،‬ويؤكد عمومها رواية مسلم‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫لما نزلت وبلغت من المسلمين مبلغًا‪ ،‬قال‪" :‬قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حتى النكبة ينكبها‪ ،‬والشوكة يشاكها" ‪ ،‬ويفسرها لنا أيضا قوله صلى ال عليه وسلم في رواية‬
‫أحمد لبي بكر‪ ،‬وقد قال لما نزلت كيف الفلح يا رسول ال‪ ،‬بعد هذه الية؟ فكل سوء عملناه‬
‫جزينا به‪" .‬غفر ال لك يا أبا بكر‪ ،‬ألست تمرض؟ ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك‬
‫اللواء؟" قال‪ :‬بلى‪ .‬قال‪" :‬فهو مما تجزون" ‪.‬‬

‫( ‪)1/546‬‬

‫فالسوء يخبث النفس فيحرمها من مجاورة البرار والتوحيد والعمل الصالح يزكيها فيؤهلها‬
‫جدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللّ ِه وَلِيّا وَل‬
‫لمجاورة البرار‪ ،‬ويبعدها عن مجاورة الفجار‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَل يَ ِ‬
‫َنصِيرا} لن سنن ال؛ كأحكامه ل يقدر أحد على تغييرها أو تبديلها بل تمضي كما هي فل ينفع‬
‫صاحب السوء أحد‪ ،‬ول يضر صاحب الحسنات آخر‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬ومَنْ َي ْع َملْ مِنَ الصّالِحَاتِ‬
‫مِنْ َذكَرٍ َأوْ أُنْثَى وَ ُهوَ ُمؤْمِنٌ فَأُولَ ِئكَ يَ ْدخُلُونَ الْجَنّ َة وَل ُيظَْلمُونَ َنقِيرا} فإنه تقرير لسنته تعالى في‬
‫تأثير الكسب على النفس والجزاء بحسب حال النفس زكاة وطهرا وتدسية وخبثا‪ ،‬فإنه من يعمل‬
‫الصالحات وهو مؤمن تطهر نفسه ذكرا كان أو أنثى ويتأهل بذلك لدخول الجنة‪ ،‬ول يظلم مقدار‬
‫جهَهُ لِلّهِ وَ ُهوَ ُمحْسِنٌ‬
‫حسَنُ دِينا ِممّنْ َأسْلَ َم َو ْ‬
‫نقير فضلً عما هو أكثر وأكبر وقوله تعالى‪َ { :‬ومَنْ‪ 1‬أَ ْ‬
‫وَاتّبَعَ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفا وَاتّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلً} إشادة منه تعالى وتفضيل للدين السلمي على‬
‫سائر الديان غذ هو قائم على أساس إسلم الوجه ‪ 2‬ل وكل الجوارح تابعة له تدور في فلك‬
‫طاعة ال تعالى مع الحسان الكامل‪ ،‬وهو إتقان العبادة وأداؤها على نحو ما شرعها ال تعالى‬
‫واتباع ملة إبراهيم بعبادة ال تعالى وحده والكفر بما سواه من سائر اللهة‪ .‬وقوله {وَاتّخَذَ اللّهُ‬
‫ل وقوله‬
‫إِبْرَاهِيمَ خَلِيلً} فيه زيادة تقرير فضل السلم الذي هو دين إبراهيم الذي اتخذه ربه خلي ً‬
‫شيْءٍ مُحِيطا} زيادة على أنه إخبار‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الَ ْرضِ َوكَانَ اللّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫تعالى‪{ :‬وَِللّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫بسعة ملك ال تعالى وسعة علمه وقدرته وفضله فإنه رفع لما قد يتوهم من خلة إبراهيم أن ال‬
‫تعالى مفتقر إلى إبراهيم أو له حاجة إليه‪ ،‬فأخبر تعالى أن له ما في السموات والرض خلقا‬
‫وملكا‪ ،‬وإبراهيم في جملة ذلك فكيف يفتقر إليه أو يحتاج إلى مثله وهو رب كل شيء وملكه‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ما عند ال ل ينال بالتمني ولكن باليمان والعمل الصالح أو التقوى والصبر والحسان‪.‬‬
‫‪ -2‬الجزاء أثر طبيعي للعمل وهو معنى {مَنْ َي ْع َملْ سُوءا ُيجْزَ بِهِ} { َومَنْ َي ْع َملْ مِنَ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستفهام إنكاري‪ ،‬أي‪ :‬ينكر أن يوجد من هو أحسن دينا منه‪.‬‬
‫‪ 2‬أفادت هذه الية حكما عظيمًا‪ ،‬وهو أنه‪ :‬ل يصح عمل بدونه أبدًا‪ .‬وهو الخلص والمتابعة‪،‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وهو أن يكون العمل خالصًا ل‪ ،‬وأن يكون صوابًا‪ ،‬أي‪ :‬وفق ما شرع ال تعالى في كتابه‪ ،‬وعلى‬
‫لسان رسوله محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)1/547‬‬

‫الصّالِحَاتِ مِنْ َذكَرٍ َأوْ أُنْثَى وَ ُهوَ ُم ْؤمِنٌ فَأُولَ ِئكَ َيدْخُلُونَ ا ْلجَنّةَ}‪.‬‬
‫‪ -3‬فضل السلم على سائر الديان‪.‬‬
‫‪ -4‬شرف إبراهيم عليه السلم باتخاذه ربه ‪ 1‬خليلً‪.‬‬
‫‪ -5‬غنى ال تعالى عن سائر مخلوقاته‪ ،‬وافتقار سائر مخلوقاته إليه عز وجل‪.‬‬
‫ن َومَا يُتْلَى عَلَ ْيكُمْ فِي ا ْلكِتَابِ فِي يَتَامَى النّسَاءِ اللتِي ل‬
‫{وَيَسْ َتفْتُو َنكَ فِي النّسَاءِ ُقلِ اللّهُ ُيفْتِيكُمْ فِيهِ ّ‬
‫ن وَأَنْ َتقُومُوا لِلْيَتَامَى‬
‫ض َعفِينَ مِنَ ا ْلوِ ْلدَا ِ‬
‫ن وَا ْلمُسْ َت ْ‬
‫ن وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَ ْنكِحُوهُ ّ‬
‫ُتؤْتُونَهُنّ مَا كُ ِتبَ َلهُ ّ‬
‫ط َومَا َت ْفعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيما(‪ )127‬وَإِنِ امْرََأةٌ خَا َفتْ مِنْ َبعِْلهَا نُشُوزا َأوْ‬
‫بِا ْلقِسْ ِ‬
‫ح وَإِنْ‬
‫ت الَنْفُسُ الشّ ّ‬
‫حضِ َر ِ‬
‫علَي ِهمَا أَنْ ُيصْلِحَا بَيْ َن ُهمَا صُلْحا وَالصّلْحُ خَيْ ٌر وَأُ ْ‬
‫إِعْرَاضا فَل جُنَاحَ َ‬
‫حسِنُوا وَتَ ّتقُوا فَإِنّ اللّهَ كَانَ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرا(‪ )128‬وَلَنْ تَسْ َتطِيعُوا أَنْ َتعْدِلُوا بَيْنَ النّسَا ِء وََلوْ‬
‫تُ ْ‬
‫غفُورا َرحِيما(‬
‫حَ َرصْتُمْ فَل َتمِيلُوا ُكلّ ا ْلمَ ْيلِ فَتَذَرُوهَا كَا ْل ُمعَّلقَ ِة وَإِنْ ُتصْلِحُوا وَتَ ّتقُوا فَإِنّ اللّهَ كَانَ َ‬
‫حكِيما(‪})130‬‬
‫سعَتِ ِه َوكَانَ اللّهُ وَاسِعا َ‬
‫‪ )129‬وَإِنْ يَ َتفَ ّرقَا ُيغْنِ اللّهُ كُلً مِنْ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وقد شرف بالخلة محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ففي الصحيحين أنه صلى ال عليه وسلم خطبهم‬
‫أخر خطبة‪ ،‬فقال‪" :‬أما بعد أيها الناس‪ :‬فلو كنت متخذا من أهل الرض خليلً‪ ،‬لتخذت أبا بكر‬
‫ابن أبي قحافة خليلً‪ ،‬ولكن صاحبكم خليل ال" ‪.‬‬

‫( ‪)1/548‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{وَيَسْ َتفْتُو َنكَ‪ : }1‬يطلبون منك الفتيا في شأن النساء وميراثهن‪.‬‬
‫{ َومَا يُتْلَى عَلَ ْيكُمْ} ‪ :‬يقرأ عليكم في القرآن‪.‬‬
‫{مَا كُ ِتبَ َلهُنّ} ‪ :‬ما فرض لهن من المهور والميراث‪.‬‬
‫سطِ} ‪ :‬بالعدل‪.‬‬
‫{بِا ْلقِ ْ‬
‫{نُشُوزا} ‪ :‬ترفعا وعدم طاعة‪.‬‬
‫ت الَ ْنفُسُ الشّحّ} ‪ :‬جلبت النفوس على الشح فل يفارقها أبدا‪.‬‬
‫حضِ َر ِ‬
‫{وَأُ ْ‬
‫{فَتَذَرُوهَا كَا ْل ُمعَلّقَةِ} ‪ :‬فتركتوها كالمعلقة ما هي بالمزوجة ول المطلقة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سعَ ِتهِ} ‪ :‬من رزقه الواسع‪.‬‬
‫{مِنْ َ‬
‫حكِيما} ‪ :‬واسع الفضل حكيما يعطي فضله حسب علمه وحكمته‪.‬‬
‫{ َوكَانَ اللّهُ وَاسِعا َ‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫هذه اليات الربع كل آية منها تحمل حكما شرعيا خاصا فالولى(‪ )127‬نزلت إجابة لتساؤلت‬
‫من بعض الصحاب حول حقوق النساء ما لهن وما عليهن لن العرف الذي كان سائدا في‬
‫الجاهلية كان يمنع النساء والطفال من الميراث بالمر‪ ،‬وكان اليتامى ل يراعى لهم جانب ول‬
‫يحفظ لهم حق كامل‪ ،‬فلذا نزلت اليات الولى من هذه السورة وقررت حق المرأة والطفل في‬
‫الرث وحضت على المحافظة على مال اليتيم وكثرت التساؤلت لعل قرآنا ينزل إجابة لهم حيث‬
‫اضطربت نفوسهم لما نزل فنزلت هذه الية الكريمة تردهم إلى ما في أول السورة وأنه الحكم‬
‫النهائي في القضية فل مراجعة بعد هذه‪ ،‬فقال تعالى وهو يخاطب نبيه صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫{وَيَسْ َتفْتُو َنكَ فِي النّسَاءِ } أي‪ :‬وما زالوا يستفتونك في النساء‪ ،‬أي‪ :‬في شأن مالهن وما عليهن من‬
‫حقوق؛ كالرث والمهر وما إلى ذلك‪ .‬قل لهم أيها الرسول {اللّهُ ُيفْتِيكُمْ فِيهِنّ} وقد أفتاكم فيهن وبين‬
‫لكم مالهن وما عليهن‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬ومَا يُتْلَى عَلَ ْيكُمْ فِي ا ْلكِتَابِ فِي يَتَامَى النّسَاءِ اللتِي ل‬
‫ن وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَ ْنكِحُوهُنّ} أي‪ :‬وما يتلى عليكم في يتامى النساء في أول‬
‫ُتؤْتُونَهُنّ مَا كُ ِتبَ َلهُ ّ‬
‫السورة كافٍ ل تحتاجون معه إلى من يفتيكم أيضا‪ ،‬إذ بين لكم أن من كانت تحته يتيمة دميمة ل‬
‫يرغب في نكاحها فليعطها مالها وليزوجها غيره وليتزوج هو من‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى أشهب عن مالك أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يسأل فل يجيب حتى ينزل عليه‬
‫الوحي‪.‬‬

‫( ‪)1/549‬‬

‫شاء‪ ،‬ول يحل له أن يحبسها في بيته لجل مالها‪ ،‬وإن كانت جميلة وأراد أن يتزوجها فليعطها‬
‫ض َعفِينَ مِنَ ا ْلوِلْدَانِ} أي‪ :‬وقد‬
‫مهر مثيلتها ول يبخسها حقها من مهرها شيئا‪ .‬وقوله‪{ :‬وَا ْلمُسْ َت ْ‬
‫أفتاكم بما يتلى عليكم من اليات في أول السورة في المستضعفين من الولدان حيث قد أعطاهم‬
‫حظّ الْأُنْثَيَيْنِ} الية‪.‬‬
‫حقهم وافيا في آية {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي َأوْل ِدكُمْ لِل ّذكَرِ مِ ْثلُ َ‬
‫فلم هذه المراجعات والستفتاءات؟ وقوله تعالى‪{ :‬وَأَنْ َتقُومُوا لِلْيَتَامَى بِا ْلقِسْطِ} أي‪ :‬وما تلى عليكم‬
‫في أول السورة كان آمرا إياكم بالقسط لليتامى والعدل في أموالهم فارجعوا إليه في قوله‪{ :‬وَآتُوا‬
‫الْيَتَامَى َأ ْموَاَلهُمْ وَل تَتَبَدّلُوا الْخَبِيثَ بِالطّ ّيبِ وَل تَ ْأكُلُوا َأ ْموَاَلهُمْ إِلَى َأ ْموَاِلكُمْ إِنّهُ كَانَ حُوبا كَبِيرا} ‪،‬‬
‫وقوله تعالى في ختام الية { َومَا َت ْفعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيما} حث لهم على فعل الخير‬
‫بالحسان إلى الضعيفين المرأة واليتيم زيادة على توفيتهما حقوقهما وعدم المساس بها‪ .‬هذا ما‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫دلت عليه الية الكريمة‪{ :‬وَيَسْ َتفْتُو َنكَ‪ }...‬إلخ‪.‬‬
‫أما الية الثانية(‪{ )128‬وَإِنِ امْرََأةٌ‪ 1‬خَا َفتْ مِنْ َبعِْلهَا نُشُوزا َأوْ‪ 2‬إِعْرَاضا فَل جُنَاحَ عَلَي ِهمَا أَنْ‬
‫ُيصْلِحَا بَيْ َن ُهمَا صُلْحا} فقد تضمنت حكما عادلً رحيما وإرشادا ربانيا سديدا وهو أن الزوجة إذا‬
‫توقعت من زوجها نشوزا‪ ،‬أي‪ :‬ترفعا أو إعراضا عنها‪ ،‬وذلك لكبر سنها أو لقلة جمالها‪ ،‬وقد‬
‫تزوج غيرها في هذا الحال في المكان أن تجري مع زوجها صلحا يحفظ لها بقاءها في بيتها‬
‫عزيزة محترمة فتتنازل له عن بعض حقها في الفراش وعن بعض ما كان واجبا لها وهذا خير‬
‫ت الَ ْنفُسُ الشّحّ‪ }3‬يريد أن‬
‫حضِ َر ِ‬
‫لها من الفراق‪ .‬ولذا قال تعالى‪{ :‬وَالصّلْحُ خَيْرٌ} وقوله تعالى‪{ :‬وَأُ ْ‬
‫الشح ملزم للنفس البشرية ل يفارقها والمرأة كالرجل في هذا إل أن المرأة أضمن وأشح بنصيبها‬
‫في الفراش وبباقي حقها من زوجها‪ .‬إذا فليراع الزوج هذا‪ ،‬ولذا قال تعالى‪ { :‬وَإِنْ تُحْسِنُوا} أيها‬
‫الزواج إلى نسائكم {وَتَ ّتقُوا} ال تعالى‬
‫__________‬
‫‪ 1‬خافت‪ ،‬أي‪ :‬توقعت وليس بمعنى تيقنت‪.‬‬
‫‪ 2‬روى البخاري عن عائشة رضي ال عنها‪{ :‬وَإِنِ امْرََأةٌ خَا َفتْ مِنْ َبعِْلهَا نُشُوزا َأوْ إِعْرَاضا} ‪،‬‬
‫قالت‪ :‬الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها‪ ،‬يريد أن يفارقها‪ ،‬فتقول له‪ :‬أجعلك من شأني‬
‫في حل‪ .‬فنزلت هذه الية‪ .‬كما روي أن الية نزلت في سودة أم المؤمنين لما أسنت‪ ،‬أراد رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم أن يطلقها فآثرت الكون معه‪ .‬فقالت له‪ :‬امسكني واجعل يومي لعائشة‪.‬‬
‫ففعل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وماتت وهي من أزواجه‪ .‬رواه الترمذي‪ .‬قالوا في الفرق بين النشوز‬
‫والعراض‪ :‬أن النشوز هو‪ :‬التباعد عنها‪ .‬وأن العراض‪ :‬أن ل يكلمها ول يأنس بها‪.‬‬
‫‪ 3‬الشح‪ :‬هو البخل‪ ،‬ومنه الحديث‪" :‬أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى" ‪،‬‬
‫غير أن الشح يطلق على حرص النفس على الحقوق وقلة التسامح فيها‪.‬‬

‫( ‪)1/550‬‬

‫فيهن فل تحرمون مالهن من حق في الفراش وغيره فإن ال تعالى يجزيكم بالحسان إحسانا‬
‫وبالخير خيرا فإنه تعالى { ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرا} ‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه الية(‪ )128‬وأما الية الثالثة(‪ )129‬وهي قوله تعالى‪{ :‬وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ َت ْعدِلُوا‬
‫بَيْنَ النّسَا ِء وََلوْ حَ َرصْتُمْ‪ 1‬فَل َتمِيلُوا ُكلّ ا ْلمَ ْيلِ فَ َتذَرُوهَا كَا ْل ُمعَلّقَ ِة وَإِنْ ُتصِْلحُوا وَتَ ّتقُوا فَإِنّ اللّهَ كَانَ‬
‫غفُورا َرحِيما} فقد تضمنت حقيقة كبرى وهي عجز الزوج عن العدل بين زوجاته اللئي في‬
‫َ‬
‫عصمته‪ ،‬فمهما حرص على العدل وتوخاه فإنه لن يصل إلى منتهاه أبدا‪ ،‬والمراد بالعدل هنا في‬
‫الحب والجماع‪ .‬أما في القسمة والكساء والغذاء والعشرة بالمعروف فهذا مستطاع له‪ ،‬ولما علم‬
‫تعالى هذا من عبده رخص له في ذلك ولم يؤاخذه بميلة النفس‪ ،‬كما قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وسلم‪ " :‬اللهم هذا قسمي ‪ 2‬فيما أملك فل تلمني فيما تملك ول أملك" والمحرم على الزوج هو‬
‫الميل ‪ 3‬الكامل إلى إحدى زوجاته عن باقيهن‪ ،‬لن ذلك يؤدي أن تبقى المؤمنة في وضع ل هي‬
‫متزوجة تتمنع بالحقوق الزوجية ول هي مطلقة يمكنها أن تتزوج من رجل آخر تسعد بحقوقها‬
‫معه‪ ،‬وهذا معنى قوله تعالى‪{ :‬فَتَذَرُوهَا كَا ْل ُمعَّلقَةِ} ‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وَإِنْ ُتصِْلحُوا} أي‪ :‬أيها الزواج‬
‫في أعمالكم وفي القسم بين زوجاتكم وتتقوا ال تعالى في ذلك فل تميلوا كل الميل‪ ،‬ول تجوروا‬
‫فيما تطيقون العدل فيه فإنه تعالى يغفر لكم ما عجزتم عن القيام به لضعفكم ويرحمكم في دنياكم‬
‫وأخراكم لن ال تعالى كان وما زال عفوا للتائبين رحيما ًبالمؤمنين‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه الية الثالثة‪ ،‬أما الية الرابعة(‪ )130‬وهي قوله تعالى‪ { :‬وَإِنْ يَ َتفَ ّرقَا ُيغْنِ اللّهُ كُلً‬
‫حكِيما} فإن ال تعالى يعد الزوجين الذين لم يوفقا للصلح بينهما‬
‫سعَتِهِ‪َ 4‬وكَانَ اللّ ُه وَاسِعا َ‬
‫مِنْ َ‬
‫لشح كل منهما بماله وعدم التنازل عن شيء من ذلك يعدهما ربهما إن هم تفرقا بالمعروف أن‬
‫يغني كل من سعته‪ ،‬وهو الواسع الحكيم‪ .‬فالمرأة يرزقها زوجا خيرا من زوجها الذي فارقته‪،‬‬
‫والرجل يرزقه كذلك امرأة خيرا ممن فارقها لتعذر الصلح بينهما‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا دال على أن المحبة أمر قهري‪ ،‬يعجز النسان عن جلبها‪ ،‬كما يعجز عن دفعها‪ ،‬وإن كانت‬
‫لها أسباب ل يملك توفيرها‪ ،‬فلذا عفي عن هذا الحب القهري وجودا وعدمًا‪.‬‬
‫‪ 2‬رواه أبو داود بإسناد صحيح‪ ،‬ورواه غيره‪ .‬والمراد بقوله‪" :‬فيما تملك ول أملك"‪ .‬القلب؛ لن‬
‫القلوب بيد ال يقبلها كيف يشاء‪.‬‬
‫‪ 3‬ورد في ذنب الميل إلى إحدى الزوجات وعيد شديد‪ ،‬وذلك فيما رواه أحمد وأصحاب السنن عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬من كانت له امرأتان فمال إحداهما جاء يوم القيامة وإحدى شقيه‬
‫ساقط" ‪.‬‬
‫‪ 4‬هناك إشارة إلى أن هذا الوعد اللهي مشروط بمحاولة الصلح أولً فإن لم يتم وتفرقا على‬
‫طاعة ال تعالى‪ ،‬أنجز ال تعالى لهما ما وعد‪.‬‬

‫( ‪)1/551‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير مبدأ إرث النساء والطفال‪ ،‬والمحافظة على مال اليتامى وحرمة أكلها‪.‬‬
‫‪ -2‬استحباب الصلح بين الزوجين عند تعذر البقاء مع بعضهما إل به‪.‬‬
‫‪ -3‬تعذر العدل بين الزوجين في الحب والوطء استلزم عدم المؤاخذة به واكتفى الشارع بالعدل‬
‫في الفراش‪ ،‬والطعام والشراب والكسوة والمعاشرة بالمعروف‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -4‬الترغيب في الصلح والتقوى وفعل الخيرات‪.‬‬
‫‪ -5‬الفرقة بين الزوجين إن كانت على مبدأ الصلح والتقوى أعقبت خيرا عاجلً آجلً‪.‬‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الَ ْرضِ وََلقَ ْد َوصّيْنَا الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ مِنْ قَبِْلكُ ْم وَإِيّاكُمْ أَنِ ا ّتقُوا‬
‫{وَلِلّهِ‪ 1‬مَا فِي ال ّ‬
‫حمِيدا(‪ )131‬وَلِلّهِ مَا فِي‬
‫ض َوكَانَ اللّهُ غَنِيّا َ‬
‫ت َومَا فِي الَ ْر ِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫اللّ َه وَإِنْ َت ْكفُرُوا فَإِنّ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫ن َوكَانَ‬
‫س وَيَ ْأتِ بِآخَرِي َ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الَ ْرضِ َوكَفَى بِاللّ ِه َوكِيلً(‪ )132‬إِنْ يَشَأْ يُذْهِ ْبكُمْ أَ ّيهَا النّا ُ‬
‫ال ّ‬
‫علَى ذَِلكَ قَدِيرا(‪ )133‬مَنْ كَانَ يُرِيدُ َثوَابَ الدّنْيَا َفعِنْدَ اللّهِ َثوَابُ الدّنْيَا وَالخِ َر ِة َوكَانَ اللّهُ‬
‫اللّهُ َ‬
‫سمِيعا َبصِيرا(‪})134‬‬
‫َ‬
‫__________‬
‫ت ومَا في الرض} ثلث مرات؟ فالجواب‪ :‬أنه‬
‫‪ 1‬إن قيل ما وجه تكرار جملة‪{ :‬ل مَا في السمَوا ْ‬
‫تعالى لما ذكر أن الزوجين إذا تفرقا بعد مصالحة‪ ،‬وعلى تقوى يغنيهما ال‪ .‬برهن على ذلك بأن‬
‫له ما في السموات وما في الرض‪ ،‬ومن كان كذلك قهو قادر على إغنائهما‪ ،‬ولما وصى عباده‬
‫بتقواه وهي طاعته بفعل المر وترك النهي‪ ،‬أعلم أنه قادر على عقوبة من عصاه‪ ،‬وأنه لم يوص‬
‫بالتقوى لحاجة به‪ ،‬إنه يملك ما في السموات وما في الرض‪ ،‬ومن كان كذلك فل حاجة به إلى‬
‫أحد‪ ،‬ولما ذكر غناه وحمده دلل عليهما بأن له ما في السموات ما في الرض وأنه الحفيظ لعباده‬
‫المدبر لهم‪.‬‬

‫( ‪)1/552‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ت َومَا فِي الَ ْرضِ} ‪ :‬أي‪ :‬خلقا وملكا وتصرفا وتدبيرا‪.‬‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫{وَلِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫{ َوصّيْنَا} ‪ :‬عهدنا إليهم بذلك أي‪ :‬التقوى‪.‬‬
‫{أُوتُوا ا ْلكِتَابَ} ‪ :‬اليهود والنصارى‪.‬‬
‫الوكيل ‪ :‬من يفوض إليه المر كله ويقوم بتدبيره على أحسن الوجوه‪.‬‬
‫{ َثوَابُ الدّنْيَا} ‪ :‬جزاء العمل لها‪.‬‬
‫ثواب الخرة ‪ :‬جزاء العمل لها‪ ،‬وهو الجنة‪.‬‬
‫سمِيعا َبصِيرا} ‪ :‬سمعيا‪ :‬لقوال العباد بصيرا‪ :‬بأعمالهم وسيجزيهم بها خيرا أو شرا‪.‬‬
‫{َ‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫لما وعد تبارك وتعالى كل من الزوجين المتفرقين بالغناء عن صاحبه ذكر أنه يملك ما في‬
‫السموات وما في الرض‪ ،‬ولذا فهو قادر على إنائهما لسعة ملكه وعظيم فضله‪ ،‬ثم واجه بالخطاب‬
‫الكريم المة جمعا ومن بينها بني أبيرق فقال‪{ :‬وََلقَ ْد َوصّيْنَا الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ مِنْ قَبِْلكُمْ} يريد من‬
‫اليهود والنصارى وغيرهم أوصاهم بتقواه عز وجل فل يقدموا على مشاقته ول يخرجوا عن‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫طاعته بترك ما أوجب أو بفعل ما حرم‪ ،‬ثم أعلمهم أنهم وإن كفروا كما كفر طعمة وارتد فإن ذلك‬
‫غير ضائره شيئا‪ ،‬لنه ذو الغنى والحمد‪ ،‬وكيف وله جميع ما في السموات وما في الرض من‬
‫كائنات ومخلوقات وهو ربها ومالكها والمتصرف فيها‪.‬‬
‫هذا ما تضمنته الية الولى(‪ ،)131‬أما الية الثانية(‪ )132‬فقد كرر تعالى فيها العلن عن‬
‫استحقاقه الحمد والغنى‪ ،‬وذلك لملكه جميع ما في السموات وما في الرض ولقيوميته عليهما‪،‬‬
‫وكفى به تعالى حافظا ووكيلً‪ .‬وفي الية الثالثة(‪ )133‬يخبر تعالى أنه قادر على إذهاب كافة‬
‫الجنس البشري واستبداله بغيره وهو على كل ذلك قدير‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬إِنْ يَشَأْ ُيذْهِ ْبكُمْ أَ ّيهَا النّاسُ‪1‬‬
‫وَيَ ْأتِ بِآخَرِينَ} وذلك لعظيم قدرته وكفاية وكالته‪ .‬وفي الية الرابعة والخيرة في هذا السياق(‬
‫‪ )134‬يقول تعالى مرغبا عباده فيما عنده من خير الدنيا والخرة من كان يريد‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الية تحمل تخويفا إيما تخويف لكل من يقصر في واجبه من أمير‪ ،‬ومأمور‪ ،‬وعالم‪ ،‬وجاهل‪،‬‬
‫وغني‪ ،‬وفقير‪ ،‬إذ لكل واجبات يجب أن يقوم بها كل بحسب ما طولب به وفرض عليه‪ .‬فالمير‬
‫عليه العدل‪ ،‬والعالم أن يعلم‪ ،‬والجاهل أن يتعلم‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫( ‪)1/553‬‬

‫بعمله ثواب ‪ 1‬الدنيا { َفعِنْدَ اللّهِ َثوَابُ الدّنْيَا وَالخِ َرةِ} فلم يقصر العبد عمله على ثواب الدنيا‪ ،‬وهو‬
‫يعلم أن ثواب الخرة عند ال أيضا‪ ،‬فليطلب الثوابين معا من ال تعالى‪ ،‬وذلك باليمان والتقوى‬
‫سمِيعا‬
‫والحسان‪ ،‬وسيجزيه تعالى بعمله ول ينقصه له وذلك لعلمه تعالى وقدرته‪َ { ،‬وكَانَ اللّهُ َ‬
‫َبصِيرا‪ ، }2‬ومن كان كذلك فل يخاف معه ضياع العمال‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬الوصية بالتقوى‪ ،‬وذلك بترك الشرك والمعاصي بعد اليمان وعمل الصالحات‪.‬‬
‫‪ -2‬غنى ال تعالى عن سائر خلقه‪.‬‬
‫‪ -3‬قدرة ال تعالى على إذهاب الناس كلهم والتيان بغيرهم‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب الخلص في العمل ل تعالى وحرمة طلب الخرة بطلب الدنيا‪.‬‬
‫لقْرَبِينَ إِنْ َيكُنْ‬
‫ن وَا َ‬
‫سكُمْ َأوِ ا ْلوَالِدَيْ ِ‬
‫ش َهدَاءَ لِلّ ِه وََلوْ عَلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫سطِ ُ‬
‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا َقوّامِينَ بِا ْلقِ ْ‬
‫غَنِيّا َأوْ َفقِيرا فَاللّهُ َأوْلَى ِب ِهمَا فَل تَتّ ِبعُوا ا ْل َهوَى أَنْ َتعْدِلُوا وَإِنْ تَ ْلوُوا َأوْ ُتعْ ِرضُوا فَإِنّ اللّهَ كَانَ ِبمَا‬
‫علَى َرسُولِهِ‬
‫َت ْعمَلُونَ خَبِيرا(‪ )135‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ وَا ْلكِتَابِ الّذِي نَ ّزلَ َ‬
‫ل ضَلل‬
‫ضّ‬‫وَا ْلكِتَابِ الّذِي أَنْ َزلَ مِنْ قَ ْبلُ َومَنْ َي ْكفُرْ بِاللّ ِه َومَل ِئكَتِ ِه َوكُتُبِ ِه وَرُسُلِهِ وَالْ َيوْمِ الخِرِ َفقَ ْد َ‬
‫َبعِيدا(‪ )136‬إِنّ الّذِينَ آمَنُوا ُثمّ َكفَرُوا ُثمّ آمَنُوا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في هذه الية إرشاد عظيم للعباد‪ ،‬لقد علم تعالى أن النسان بحكم وجوده في هذه الحياة ورغبته‬
‫في السعادة فيها‪ ،‬هو يعمل لها جهده غافلً عن الحياة الخرة التي هي أعظم لبقاءها وكبر شأنها‪،‬‬
‫فلفت نظره إليها معلمًا إياه أنه لديه تعالى ثواب كل من الحياتين‪ ،‬فليطلب ذلك منه باليمان به‪،‬‬
‫وطاعته كما طلب الدنيا بالعمال الموصلة إلى تحقيق السعادة فيها‪ ،‬وفوق ذلك أن ثواب العملين‬
‫بديه تعالى ل بيد غيره‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا التذييل يربي ملكة مراقبة ال تعالى‪ ،‬إذ من علم أن ال سميع لقواله عليم بأعماله‪ .‬راقبه‬
‫واتقاه‪.‬‬

‫( ‪)1/554‬‬

‫ثُمّ َكفَرُوا ثُمّ ا ْزدَادُوا ُكفْرا لَمْ َيكُنِ اللّهُ لِ َي ْغفِرَ َلهُ ْم وَل لِ َيهْدِ َيهُمْ سَبِيلً(‪})137‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ َقوّامِينَ} ‪ :‬جمع قوام‪ :‬وهو كثير القيام بالعدل‪.‬‬
‫سطِ} ‪ :‬بالعدل وهو الستقامة والتسوية بين الخصوم‪.‬‬
‫{بِا ْلقِ ْ‬
‫ش َهدَاءَ} ‪ :‬جمع شهيد‪ :‬بمعنى شاهد‪.‬‬
‫{ُ‬
‫{ا ْل َهوَى} ‪ :‬ميل النفس إلى الشيء ورغبتها فيه‪.‬‬
‫{تَ ْلوُوا} ‪ :‬أي‪ :‬ألسنتكم باللفظ تحريفا له حتى ل تتم الشهادة على وجهها‪.‬‬
‫{ ُتعْ ِرضُوا} ‪ :‬تتركوا الشهادة أو بعض كلماتها ليبطل الحكم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫شهَدَاءَ‬
‫قوله تعالى في هذه الية(‪{ :)135‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا َقوّامِينَ بِا ْلقِسْطِ} أي‪ :‬بالعدل { ُ‬
‫لِلّهِ} إذ بشهادتكم ينتقل الحق من شخص إلى آخر حيث أقامكم ال ربكم شهداء له في الرض‬
‫تؤدى بواسطتكم الحقوق إلى أهلها‪ ،‬وبناء على هذا فأقيموا الشهادة ل ولو شهادتكم على أنفسكم ‪1‬‬
‫أو والديكم أو أقرب الناس إليكم وسواء كان المشهود عليه غنيا أو فقيرا فل يحملنكم غنى الغنى‬
‫ول فقر الفقير على تحريف الشهادة أو كتمانها‪ ،‬فال تعالى ربهمها أولى بهما وهو يعطي ويمنع‬
‫بشهادتكم فأقيموها وحسبكم ذلك واعلموا أنكم إن تلووا ‪ 2‬ألسنتكم بالشهادة تحريفا لها وخروجا بها‬
‫عن أداء ما يترتب عليها أو تعرضوا عنها فتتركوها أو تتركوا بعض كلماتها فيفسد معناها ويبطل‬
‫مفعولها فإن ال بعملكم ذلك وبغيره خبير وسوف يجزيكم به فيعاقبكم في الدنيا أو في الخرة أل‬
‫فاحذروا‪.‬‬
‫هذه الية الكريمة يدخل فيها دخولً أوليا من شهدوا لبناء أبيرق بالسلم والصلح كما هي‬
‫__________‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 1‬القاعدة العامة منذ عهد بعيد‪ :‬أن القريب ل يشهد لقريبه‪ ،‬ولكن يشهد عليه‪ .‬فل يشهد الب‬
‫لبنه‪ ،‬ول البن لبيه‪ ،‬لوجود تهمة المحاباة للقرابة‪ ،‬وكذا ل يجوز شهادة على عدوه‪ ،‬وهذا مذهب‬
‫عامة الفقهاء‪ ،‬وحتى الخادم في البيت ل يجوز شهادته لهل البيت‪ ،‬إذ قد يحابيهم لمنفعته‪.‬‬
‫‪ 2‬وفسر ابن عباس‪{ :‬تلووا} بقوله‪ :‬هو في الخصمين يجلسان بين يدي القاضي فيكون لي القاضي‬
‫وإعراضه لحدهما على الخر‪ ،‬فللي على هذا هو مطل الكلم وجره حتى يفوت فصل القضاء‬
‫وإنفاذه للذي يميل القاضي عليه‪ ،‬ويشهد لهذا الحديث‪" :‬لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته" ‪.‬‬
‫ول تنافي بين تفسير ابن عباس وما ذكرناه في التفسير‪.‬‬

‫( ‪)1/555‬‬

‫خطاب للمؤمنين إلى يوم القيامة وهي أعظم آية في هذا الباب فليتق ال المؤمنون في شهاداتهم‪.‬‬
‫أما الية الثانية(‪{ :)136‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللّهِ} فهي في خطاب أهل الكتاب خاصة وفي‬
‫سائر المؤمنين عامة‪ ،‬فالمؤمنون تدعوهم إلى تقوية إيمانهم ليبلغوا فيه مستوى اليقين‪ ،‬أما أهل‬
‫الكتاب فهي دعوة لهم لليمان الصحيح‪ ،‬لن إيمانهم الذي هم عليه غير سليم‪ ،‬فلذا دعوا إلى‬
‫اليمان الصحيح فقيل لهم‪{ :‬آمِنُوا بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ} محمد {وَا ْلكِتَابِ الّذِي نَ ّزلَ عَلَى َرسُولِهِ} وهو‬
‫القرآن الكريم‪{ ،‬وَا ْلكِتَابِ الّذِي أَنْ َزلَ مِنْ قَ ْبلُ} وهو التوراة والنجيل‪ ،‬لن اليهود ل يؤمنون‬
‫بالنجيل‪ ،‬ثم أخبرهم محذرا لهم أن { َومَنْ َي ْكفُرْ بِاللّهِ َومَل ِئكَتِ ِه َوكُتُبِ ِه وَرُسُِل ِه وَالْ َيوْمِ الخِرِ َفقَدْ‬
‫ضلّ} طريق الهدى والسعادة {ضَلل َبعِيدا} ل ترجى هدايته‪ ،‬وعليه فسوف يهلك ويخسر خسرانا‬
‫َ‬
‫أبديا‪.‬‬
‫ثم أخبرهم تعالى في الية بعد هذه(‪ )137‬مقررا الحكم بالخسران الذي تضمنته الية قبلها فقال‬
‫عز وجل‪{ :‬إِنّ الّذِينَ آمَنُوا ُثمّ َكفَرُوا ُثمّ آمَنُوا ثُمّ كَفَرُوا ‪ }1‬بمحمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وكتابه‬
‫وبما جاء به {َلمْ َيكُنِ اللّهُ} أي‪ :‬لم يكن في سنة ال أن يغفر لهم ول ليهديهم سبيلً ينجون به‬
‫ويسعدون فيه أل فليحذر اليهود والنصارى هذا وليذكروه‪ ،‬وإل فالخلود في نار جهنم لزم لهم ول‬
‫يهلك على ال إل هالك‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب العدل في القضاء والشهادة‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة شهادة الزور وحرمة التخلي ‪ 2‬عن الشهادة لمن تعينت عليه‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب الستمرار على اليمان وتقويته حتى الموت عليه‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان أركان اليمان وهي اليمان بال‪ ،‬وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر ‪.3‬‬
‫__________‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 1‬في هذه الية‪ :‬أن الكافر إذا آمن غفر له كفره‪ ،‬وإذا ارتد يؤاخذ بكفره الول والخير سواء‪.‬‬
‫وشاهده حديث مسلم‪ :‬إذ قال أناس‪ :‬يا رسول ال أتأخذنا بما عملنا في الجاهلية‪ .‬قال‪" :‬أما من‬
‫أحسن منكم في السلم فل يؤاخذ بها‪ ،‬ومن أساء –كفر‪ -‬أخذ بعمله في الجاهلية والسلم " ‪.‬‬
‫وفي رواية‪" :‬ومن أساء في السلم أخذ بالول والخير" ‪.‬‬
‫‪ 2‬شاهده من السنة قوله صلى ال عليه وسلم في الصحيح‪" :‬أل أنبئكم بأكبر الكبائر" قلنا بلى يا‬
‫رسول ال‪ .‬قال‪" :‬الشرك بال وعقوق الوالدين‪ ،‬وكان متكئا فجلس‪ ،‬وقال‪" :‬أل وشهادة الزور‪ ،‬أل‬
‫وقول الزور" وما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت‪ .‬أو كما قال‪.‬‬
‫شيْءٍ‬
‫‪ 3‬وبقي ركن‪ :‬وهو القضاء والقدر‪ ،‬جاء ذكره في قوله تعالى من سورة القمر ‪{ :‬إِنّا ُكلّ َ‬
‫خََلقْنَاهُ ِبقَدَرٍ} ‪.‬‬

‫( ‪)1/556‬‬

‫‪ -5‬المرتد يستتاب ثلثة أيام وإل قتل كفرا أخذا من قوله‪{ :‬ثُمّ آمَنُوا ثُمّ َكفَرُوا} ‪.‬‬
‫{بَشّرِ ا ْلمُنَا ِفقِينَ بِأَنّ َل ُهمْ عَذَابا أَلِيما(‪ )138‬الّذِينَ يَتّخِذُونَ ا ْلكَافِرِينَ َأوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ أَيَبْ َتغُونَ‬
‫س ِمعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ ُي ْكفَرُ‬
‫جمِيعا(‪َ )139‬وقَدْ نَ ّزلَ عَلَ ْي ُكمْ فِي ا ْلكِتَابِ أَنْ إِذَا َ‬
‫عِنْدَ ُهمُ ا ْلعِ ّزةَ فَإِنّ ا ْلعِ ّزةَ لِلّهِ َ‬
‫ِبهَا وَيُسْ َتهْزَأُ ِبهَا فَل َت ْقعُدُوا َم َعهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْ ِرهِ إِ ّنكُمْ إِذا مِثُْل ُهمْ إِنّ اللّهَ جَامِعُ‬
‫جمِيعا(‪ )140‬الّذِينَ يَتَرَ ّبصُونَ ِبكُمْ فَإِنْ كَانَ َلكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللّهِ قَالُوا َألَمْ‬
‫جهَنّمَ َ‬
‫ا ْلمُنَا ِفقِينَ وَا ْلكَافِرِينَ فِي َ‬
‫حكُمُ بَيْ َنكُمْ‬
‫حوِذْ عَلَ ْيكُمْ وَ َنمْنَ ْعكُمْ مِنَ ا ْل ُمؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَ ْ‬
‫َنكُنْ َم َعكُ ْم وَإِنْ كَانَ لِ ْلكَافِرِينَ َنصِيبٌ قَالُوا أََلمْ نَسْ َت ْ‬
‫ج َعلَ اللّهُ لِ ْلكَافِرِينَ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ سَبِيلً(‪})141‬‬
‫َيوْمَ ا ْلقِيَامَ ِة وَلَنْ يَ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{بَشّرِ ا ْلمُنَا ِفقِينَ} ‪ :‬البشارة‪ :‬الخير الذي تتأثر به بشرة من يلقى عليه خيرا كان أو شرا‪ .‬والمنافق‪:‬‬
‫من يبطن الكفر ويظهر اليمان تقية ليحفظ دمه وماله‪.‬‬
‫{َأوْلِيَاءَ} ‪ :‬يوالونهم محبة ونصرة لهم على المؤمنين‪.‬‬
‫{ا ْلعِ ّزةَ} ‪ :‬الغلبة والمنعة‪.‬‬
‫{وَيُسْ َتهْزَأُ ِبهَا} ‪ :‬يذكونها استخفافا بها وإنكارا وجحودا لها‪.‬‬
‫{ َيخُوضُوا} ‪ :‬يتكلموا في موضوع آخر من موضوعات الكلم‪.‬‬
‫{مِثُْلهُمْ} ‪ :‬أي‪ :‬في الكفر والثم‪.‬‬
‫{يَتَرَ ّبصُونَ ِبكُمْ} ‪ :‬ينتظرون متى يحصل لكم انهزام أو إنكسار‪ :‬فيعلنون عن كفرهم‪.‬‬
‫{ َنصِيبٌ} ‪ :‬أي‪ :‬من النصر وعبر عنه بالنصيب القليل لن انتصارهم على المؤمنين نادر‪.‬‬

‫( ‪)1/557‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حوِذْ عَلَ ْي ُكمْ} ‪ :‬أي‪ :‬نستول عليكم ونمنعكم من المؤمنين إن قاتلوكم‪.‬‬
‫{نَسْ َت ْ‬
‫{سَبِيلً} ‪ :‬أي‪ :‬طريقا إلى إذللهم واستعبادهم والتسلط عليهم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى‪{ :‬بَشّرِ ا ْلمُنَافِقِينَ بِأَنّ َلهُمْ عَذَابا أَلِيما} يأمر ال تعالى رسوله صلى ال عليه وسلم أن‬
‫يخبر المنافقين بلفظ البشارة؛ لن المخبر به يسوء وجوههم وهو العذاب الليم‪ ،‬وقد يكون في‬
‫الدنيا بالذل والمهانة والقتل‪ ،‬وأما في الخرة فهو أسوأ العذاب وأشده‪ ،‬وهو لزم لهم لخبث نفوسهم‬
‫خذُونَ ا ْلكَافِرِينَ َأوْلِيَاءَ‪1‬‬
‫وظلمة أرواحهم‪ ،‬ثم وصفهم تعالى بأخس صفاتهم وشرها فقال‪{ :‬الّذِينَ يَتّ ِ‬
‫مِنْ دُونِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} فيعطون محبتهم ونصرتهم وولءهم للكافرين ويمنعون ذلك المؤمنين وذلك‬
‫لن قلوبهم كافرة آثمة لم يدخلها إيمان ولم يُنرها عمل السلم‪ ،‬ثم وبخهم تعالى ناعيا عليهم‬
‫جهلهم فقال‪{ :‬أَيَبْ َتغُونَ عِنْ َدهُمُ ا ْلعِ ّزةَ} أي‪ :‬يطلبون العزة‪ ،‬أي‪ :‬المنعة والغلبة من الكافرين أجهلوا أم‬
‫جمِيعا} فمن أعزه ال عز ومن أذله ذل‪ ،‬والعزة تطلب اليمان‬
‫عموا فلم يعرفوا أن {ا ْلعِ ّزةَ لِلّهِ َ‬
‫وصالح العمال ل بالكفر والشر والفساد‪ .‬هذا ما دلت عليه اليتان الولى(‪ )138‬والثانية(‪.)139‬‬
‫أما الية الرابعة(‪ )140‬فإن ال تعالى يؤدب المؤمنين فيذكرهم بما أنزل عليهم في سورة النعام‬
‫حيث نهاهم عن مجالسة أهل الباطل إذا خاضوا في الطعن في آيات ال ودينه فقال تعالى‪{ :‬وَإِذَا‬
‫رَأَ ْيتَ الّذِينَ َيخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْ ِرضْ عَ ْنهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْ ِر ِه وَِإمّا يُنْسِيَ ّنكَ‬
‫الشّ ْيطَانُ فَل َت ْقعُدْ َبعْدَ ال ّذكْرَى مَعَ ا ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ} هذا الدب أخذ ال تعالى به رسوله والمؤمنين‪،‬‬
‫وهم في مكة قبل الهجرة لن سورة النعام مكية ولما هاجروا إلى المدينة‪ ،‬وبدأ النفاق وأصبح‬
‫للمنافقين مجالس خاصة ينتقدون فيها المؤمنين ويخوضون فيها في آيات ال تعالى استهزاء‬
‫وسخرية ذكر ال تعالى المؤمنين بما أنزل عليهم في مكة فقال‪َ { :‬وقَدْ نَ ّزلَ عَلَ ْي ُكمْ فِي ا ْلكِتَابِ أَنْ إِذَا‬
‫س ِمعْتُمْ آيَاتِ‪ 2‬اللّهِ ُيكْفَرُ ِبهَا وَيُسْ َتهْزَأُ ِبهَا فَل َت ْقعُدُوا َم َعهُمْ‪ 3‬حَتّى‬
‫َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في الية دليل على حرمة موالة الكافرين وأنها من صفات المنافقين‪ ،‬ومن مظاهر الموالة‬
‫المحرمة الستعانة بهم على أمور الدين وعلى أذية المسلمين‪ .‬وفي الحديث أن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم لحق به مشرك ليقاتل معه‪ ،‬فقال له‪" :‬ارجع فإنا ل نستعين بمشرك" ‪ .‬في الصحيح‪.‬‬
‫‪ 2‬أوقع السماع على اليات‪ ،‬والمراد سماع الكفر‪ ،‬والستهزاء بها‪ ،‬كما يقال‪ :‬سمعت فلنًا يلم‪،‬‬
‫أي‪ :‬سمعت اللوم فيه‪.‬‬
‫‪ 3‬قوله‪{ :‬في حديث غيره} أي‪ :‬في غير الكفر والستهزاء باليات‪.‬‬

‫( ‪)1/558‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْ ِرهِ إِ ّنكُمْ إِذا} أي‪ :‬إذا رضيتم بالجلوس معهم‪ ،‬وهم يخوضون في آيات ال‬
‫جمِيعا}‬
‫جهَنّمَ َ‬
‫{مِثُْلهُمْ} في الثم والجريمة ‪ ،1‬والجزاء أيضا‪{ ،‬إِنّ اللّهَ جَامِعُ ا ْلمُنَا ِفقِينَ وَا ْلكَافِرِينَ فِي َ‬
‫فهل ترضون أن تكونوا معهم في جهنم‪ ،‬وإن قلتم ل إذا فل تجالسوهم‪ .‬ثم ذكر تعالى وصفا آخر‬
‫للمنافقين يحمل التنفير منهم والكراهية والبغض لهم فقال‪{ :‬الّذِينَ يَتَرَ ّبصُونَ ِبكُمْ} أي‪ :‬ينتظرون‬
‫بكم الدوائر ويتحينون الفرص {فَإِنْ كَانَ َلكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللّهِ} أي‪ :‬نصر وغنيمة قالوا‪{ :‬أَلَمْ َنكُنْ َم َعكُمْ}‬
‫حوِذْ‪ 2‬عَلَ ْيكُمْ}‬
‫فأشركونا في الغنيمة‪{ ،‬وَإِنْ كَانَ لِ ْلكَافِرِينَ َنصِيبٌ} في النصر‪ ،‬قالوا لهم‪َ{ :‬ألَمْ نَسْ َت ْ‬
‫أي‪ :‬نستول عليكم {وَ َنمْ َن ْعكُمْ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} أن يقاتلوكم‪ ،‬فأعطونا مما غنمتم‪ ،‬وهكذا المنافقون‬
‫يمسكون العصا من الوسط‪ ،‬فأي جانب غلب كانوا معه‪ .‬أل لعنة ال على المنافقين وما على‬
‫المؤمنين إل الصبر لن مشكلة المنافقين عويصة الحل‪ ،‬فال يحكم بينهم يوم القيامة‪ .‬أما الكافرون‬
‫الظاهرون فلن يجعل ال تعالى لهم على المؤمنين سبيلً ل لستئصالهم وإبادتهم‪ ،‬ول لذللهم‬
‫والتسلط عليهم ما داموا مؤمنين صادقين في إيمانهم ‪ .3‬وهذا ما ختم ال تعالى به الية الكريمة إذ‬
‫ج َعلَ اللّهُ لِ ْلكَافِرِينَ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ سَبِيلً} ‪.‬‬
‫قال‪َ { :‬ولَنْ يَ ْ‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين‪.‬‬
‫‪ -2‬الباعث للناس على اتخاذ الكافرين أولياء هو الرغبة في العزة ورفع المذلة وهذا باطل‪ ،‬فالعزة‬
‫ل ول تطلب إل منه تعالى باليمان واتباع منهجه‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة مجالسة أهل الباطل إذا كانوا يخوضون في آيات ال نقدا واستهزاء وسخرية‪.‬‬
‫‪ -4‬الرضا بالكفر كفر‪ ،‬والرضا بالثم إثم‪.‬‬
‫‪ -5‬تكفل ال تعالى بعزة المؤمنين الصادقين ومنعتهم فل يسلط عليهم أعداءه‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في الية دليل على حرمة الجلوس في مجالس المعاصي وغشيان الذنوب إلى أن ينكر ذلك على‬
‫أصحابها؛ لن الرضا بالمعصية معيصية‪ ،‬بل الرضا بالكفر كفر بالجماع‪ .‬ويدخل في هذا مجالس‬
‫أرباب الهواء وأصحاب البدع‪ ،‬والية محكمة ل نسخ فيها‪.‬‬
‫‪ 2‬أصل الستحواذ‪ :‬الحوط‪ ،‬يقال‪ :‬حاذه يحذه حوذًا‪ ،‬إذ أحاطه‪ ،‬فمعنى‪ :‬استحوذ‪ :‬أحاط واستولى‬
‫وغلب‪.‬‬
‫‪ 3‬يشهد لهذا حديث مسلم قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬إني سألت ربي أل يهلكها –أي‪ :‬أمته‪ -‬بسنة‬
‫عامة وأل يسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها‬
‫حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا‪ ،‬ويسبي بعضهم بعضا" ‪ .‬وهو معنى قوله تعالى‪َ { :‬ومَا َأصَا َبكُمْ مِنْ‬
‫ُمصِيبَةٍ فَ ِبمَا كَسَ َبتْ أَيْدِيكُمْ} ‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/559‬‬

‫فيستأصلونهم‪ ،‬أو يذلونهم ويتحكمون فيهم‪.‬‬


‫س وَل‬
‫ع ُه ْم وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصّلةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النّا َ‬
‫{ إِنّ ا ْلمُنَافِقِينَ ُيخَادِعُونَ اللّهَ وَ ُهوَ خَادِ ُ‬
‫يَ ْذكُرُونَ اللّهَ إِل قَلِيلً(‪ )142‬مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَِلكَ ل إِلَى َهؤُل ِء وَل ِإلَى َهؤُل ِء َومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ فَلَنْ‬
‫جدَ لَهُ سَبِيلً(‪})143‬‬
‫تَ ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ ُيخَادِعُونَ اللّهَ} ‪ :‬بإظهارهم ما يحب وهو اليمان والطاعات‪ ،‬وإخفائهم الكفر والمعاصي‪.‬‬
‫عهُمْ} ‪ :‬بالستر عليهم وعدم فضيحتهم‪ ،‬وبعدم إنزال العقوبة بهم‪.‬‬
‫{وَ ُهوَ خَادِ ُ‬
‫{يُرَاؤُونَ} ‪ :‬أي‪ :‬يظهرون الطاعات للمؤمنين كأنهم مؤمنون وما هم بمؤمنين‪.‬‬
‫{مُذَ ْبذَبِينَ} ‪ :‬أي‪ :‬يترددون بين المؤمنين والكافرين فأي جانب عز كانوا معه‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫يخبر تعالى أن المنافقين في سلوكهم الخاص يخادعون ال تعالى بإظهارهم اليمان به وبرسوله‬
‫وهم غير مؤمنين إذ الخداع أن تري من تخادعه ما يحبه منك وتستر عليه ما يكرهه وال تعالى‬
‫عاملهم بالمثل فهو تعالى أراهم ما يحبونه وستر عليهم ما يكرهونه منه وهو العذاب ‪ 1‬المعد لهم‬
‫عاجلً أو آجلً‪ ،‬كما أخبر تعالى إذا قاموا إلى أداء الصلة قاموا كسالى ‪ 2‬متباطئين؛ لنهم ل‬
‫يؤمنون بالثواب الخروي‪ ،‬فلذا هم يراءون بالعمال الصالحة المؤمنين حتى ل يتهمونهم بالكفر‪،‬‬
‫ل في الصلة ‪ 3‬وخارج الصلة‪،‬‬
‫كما أنهم ل يذكرون ال تعالى إل ذكرا قلي ً‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال الحسن البصري في الية‪ :‬يعطي كل إنسان من مؤمن ومنافق نورًا يوم القيامة‪ ،‬فيفرح‬
‫المنافقون ويظنون أنهم قد نجوا فإذا جاءوا إلى السراط طفأ نور كل منافق‪ .‬فسر به قوله تعالى‪:‬‬
‫{وَهوَ خَادعهم} ‪ ،‬وما ذكرناه في التفسير أولى‪ ،‬وإن كان هذا حاصل لقوله تعالى‪{ :‬انْظُرُونَا َنقْتَبِسْ‬
‫مِنْ نُو ِركُمْ} ‪.‬‬
‫‪ 2‬شاهده من السنة قوله صلى ال عليه وسلم في الصحيح‪" :‬إن أثقل صلة على المنافقين العتمة –‬
‫العشاء‪ -‬والصبح" ؛ لن الصلة تقعان في الظلم‪ ،‬ولن العتمة يكون المرء فيها تعبًا مرهقًا من‬
‫أعمال النهار‪ ،‬وأما الصبح فإن غلبة النوم أشد على العبد‪ ،‬ولول الخوف من السيف ما شاهدوا‬
‫الصلتين‪.‬‬
‫‪ 3‬روى مالك في الموطأ‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬تلك صلة المنافقين –ثلثًا‪ -‬يجلس‬
‫أحدهم يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان أو على قرني شيطان قام فنقر أربعًا ل‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يذكر ال فيها إل قليل "‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل تجزئ صلة ل يقيم الرجل فيها صلبه‬
‫في الركوع والسجود "‪ .‬صححه الترمذي‪.‬‬

‫( ‪)1/560‬‬

‫وذلك لعدم إيمانهم بال تعالى وعدم حبهم له كما أخبر عنهم بأنهم مذبذبون بين الكفر واليمان‬
‫والمؤمنين والكافرين فل إلى اليمان والمؤمنين يسكنون‪ ،‬ول إلى الكفر والمنافقين يسكنون فهم‬
‫في تردد وحسرة دائمون‪ ،‬وهذه حال من يضله ال فإن من يضلل ال ل يوجد لهدايته سبيل‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان صفات المنافقين ‪.1‬‬
‫‪ -2‬قبح الرياء وذم المرائين‪.‬‬
‫‪ -3‬ذم ترك الذكر والتقليل منه لمر ال تعالى بالكثار منه في قوله {يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ْذكُرُوا‬
‫اللّهَ ِذكْرا كَثِيرا} ‪.‬‬
‫‪ -4‬ذم الحيرة والتردد في المور كلها‪.‬‬
‫جعَلُوا لِلّهِ عَلَ ْيكُمْ‬
‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّخِذُوا ا ْلكَافِرِينَ َأوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَ ْ‬
‫جدَ َلهُمْ َنصِيرا(‪ )145‬إِل الّذِينَ‬
‫س َفلِ مِنَ النّا ِر وَلَنْ تَ ِ‬
‫ك الَ ْ‬
‫سُ ْلطَانا مُبِينا(‪ )144‬إِنّ ا ْلمُنَافِقِينَ فِي الدّ ْر ِ‬
‫سوْفَ ُي ْؤتِ اللّهُ‬
‫تَابُوا وََأصْلَحُوا وَاعْ َتصَمُوا بِاللّهِ وَأَخَْلصُوا دِي َنهُمْ ِللّهِ فَأُولَ ِئكَ مَعَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَ َ‬
‫شكَرْتُ ْم وَآمَنْتُ ْم َوكَانَ اللّهُ شَاكِرا عَلِيما(‪})147‬‬
‫عظِيما(‪ )146‬مَا َي ْفعَلُ اللّهُ ِبعَذَا ِبكُمْ إِنْ َ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ َأجْرا َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫سلْطَانا مُبِينا} ‪ :‬حجة واضحة لتعذيبكم‪.‬‬
‫{ُ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وفي صحيح مسلم وصف بحال المنافقين في تذبذبهم وحيرتهم‪ ،‬إذ قال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫"مثل المنافق؛ كمثل الشاة العائرة –المترددة بين قطيعين من الغنم‪ -‬بين الغنمين تعير إلى هذه مرة‬
‫وإلى هذه أخرى" ‪.‬‬

‫( ‪)1/561‬‬

‫سفَلِ} ‪ :‬الدرك‪ :‬كالطابق‪ ،‬والدركة كالدرجة‪.‬‬


‫ك الَ ْ‬
‫{الدّ ْر ِ‬
‫{وََأصْلَحُوا} ‪ :‬ما كانوا قد أفسدوه من العقائد والعمال‪.‬‬
‫صمُوا بِاللّهِ} ‪ :‬تمسكوا بدينه وتوكلوا عليه‪.‬‬
‫{وَاعْ َت َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{وَأَخَْلصُوا دِي َنهُمْ لِلّهِ} ‪ :‬تخلوا عن النفاق والشرك‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق في إرشاد ال تعالى المؤمنين إلى ما يعزهم ويكملهم ويسعدهم ففي هذه الية(‪)144‬‬
‫يناديهم تعالى بعنوان اليمان‪ ،‬وهو الروح الذي به الحياة وينهاهم عن اتخاذ الكافرين أولياء من‬
‫خذُوا ا ْلكَافِرِينَ َأوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} ومعنى‬
‫دون المؤمنين فيقول‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّ ِ‬
‫اتخاذهم أولياء موادتهم ومناصرتهم والثقة فيهم والركون إليهم والتعاون معهم‪ ،‬ولما كان المر ذا‬
‫علَ ْيكُمْ سُ ْلطَانا مُبِينا‪ }1‬فيتخلى‬
‫جعَلُوا لِلّهِ َ‬
‫خطورة كاملة عليهم هددهم تعالى بقوله‪{ :‬أَتُرِيدُونَ أَنْ َت ْ‬
‫عنكم ويسلط عليكم أعداءه الكافرين فيستأصلوكم‪ ،‬أو يقهروكم ويستذلوكم ويتحكموا فيكم‪ .‬ثم‬
‫حذرهم من النفاق أن يتسرب إلى قلوبهم فأسمعهم حكمه العادل في المنافقين الذين هم رؤوس‬
‫س َفلِ مِنَ النّارِ} ‪ ،‬فأسفل طبقة في جهنم هي مأوى‬
‫الفتنة بينهم فقال‪{ :‬إِنّ ا ْلمُنَا ِفقِينَ فِي الدّ ْركِ‪ 2‬الَ ْ‬
‫المنافقين يوم ‪ 3‬القيامة‪ ،‬ولن يوجد لهم ولي ول نصير أبدا ثم رحمة بعباده تبارك وتعالى يفتح باب‬
‫التوبة للمنافقين على مصراعيه ويقوله لهم‪{ :‬إِل الّذِينَ تَابُوا} إلى ربهم فآمنوا به وبرسوله حق‬
‫صمُوا بِاللّهِ} ونفضوا أيديهم من أيدي الكافرين‪{ ،‬وَأَخَْلصُوا دِي َن ُهمْ‬
‫اليمان { َوَأصْلَحُوا} أعمالهم {وَاعْ َت َ‬
‫لِلّهِ} فلم يبقوا يراءون أحدا بأعمالهم‪ .‬فأولئك الذين ارتفعوا إلى هذا المستوى من الكمال هم مع‬
‫المؤمنين جزاؤهم واحد‪ ،‬وسوف يؤتي ال المؤمنين أجرا عظيما وهو كرامة الدنيا وسعادة‬
‫الخرة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال القرطبي في تفسيره‪{ :‬سلطانا مبينًا} أي‪ :‬في تعذيبه إياكم وبإقامة الحجة عليكم إذ قد نهاكم‪.‬‬
‫‪ 2‬الدرك بالسكان والفتح‪ ،‬والنار سبع دركات‪ ،‬يقال فيمن تعالى وارتفع‪ :‬درجة‪ ،‬وفيما سفل‬
‫ونزل‪ :‬دركة‪ .‬والدركات‪ :‬هي كالتالي‪ :‬جهنم‪ ،‬ثم لظي‪ ،‬ثم الحطمة‪ ،‬ثم السعير‪ ،‬ثم سقر‪ ،‬ثم‬
‫الجحيم‪ ،‬ثم الهاوية‪ .‬وقد تسمى جميعها باسم الطبقة الولى‪ :‬جهنم‪.‬‬
‫‪ 3‬روي عن ابن عمر رضي ال عنهما أنه قال‪ :‬أن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المنافقون‪ ،‬ومن‬
‫كفر من أصحاب المائدة‪ ،‬وآل فرعون تصديق ذلك في كتاب ال تعالى‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬إِنّ ا ْلمُنَا ِفقِينَ‬
‫عذّبُهُ َأحَدا مِنَ‬
‫س َفلِ مِنَ النّارِ} ‪ ،‬وقال في أصحاب المائدة‪{ :‬فَإِنّي أُعَذّ ُبهُ عَذَابا ل أُ َ‬
‫ك الَ ْ‬
‫فِي الدّ ْر ِ‬
‫شدّ ا ْلعَذَابِ}‪.‬‬
‫عوْنَ أَ َ‬
‫ا ْلعَاَلمِينَ} ‪ ،‬وقال في آل فرعون‪{ :‬أَ ْدخِلُوا آلَ فِرْ َ‬

‫( ‪)1/562‬‬

‫وأخيرا في الية(‪ )147‬يقرر تعالى غناه عن خلقه وتنزهه عن الرغبة في حب النتقام فإن عبده‬
‫مهما جنى وأساء‪ ،‬وكفر وظلم إذا تاب وأصلح فآمن وشكر‪ .‬ل يعذبه أدنى عذاب إذا ل حاجة إلى‬
‫شكَرْتُ ْم وَآمَنْ ُت ْم َوكَانَ اللّهُ‬
‫تعذيب عباده فقال عز وجل هو يخاطب عباده {مَا َيفْ َعلُ اللّهُ ِب َعذَا ِبكُمْ إِنْ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شَاكِرا عَلِيما} ل يضيع المعروف عنده‪ .‬لقد شكر لبغي ‪ 1‬سفيها كلبا عطشان فغفر لها وأدخلها‬
‫الجنة‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا عصى المؤمنون ربهم فاتخذوا الكافرين أولياء سلط ال عليهم أعداءهم فساموهم الخسف‪.‬‬
‫‪ -3‬التوبة تجب ما قبلها حتى إن التائب من ذنبه كمن ل ذنب له ومهما كان الذنب الذي غشيه‪.‬‬
‫‪ -4‬ل يعذب ال تعالى المؤمن الشاكر ل في الدنيا ول في الخرة‪ ،‬فاليمان والشكر أمان‬
‫النسان‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا مقتبس من حديث الصحيحين‪ ،‬ونصه‪ :‬روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم قال‪" :‬بينما رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج‪ ،‬فإذا‬
‫هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش‪ ،‬فقال‪ :‬لقد بلغ مثل الذي بلغ بي‪ ،‬فمل خفه ثم أمسكه بفيه‬
‫ثم رقى فسقى الكلب‪ ،‬فشكر ال له فغفر له" والشاهد في فضل الشكر واليمان‪.‬‬

‫( ‪)1/563‬‬

‫الجزء السادس‬
‫سمِيعا عَلِيما(‪ )148‬إِنْ تُبْدُوا خَيْرا َأوْ‬
‫جهْرَ بِالسّوءِ مِنَ ا ْل َق ْولِ إِل مَنْ ظُلِ َم َوكَانَ اللّهُ َ‬
‫حبّ اللّهُ ا ْل َ‬
‫{ل يُ ِ‬
‫ع ُفوّا قَدِيرا(‪})149‬‬
‫خفُوهُ َأوْ َت ْعفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنّ اللّهَ كَانَ َ‬
‫تُ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{بِالسّوءِ‪ : }1‬ما يسوء إلى من قيل فيه أو فعل به‪.‬‬
‫سمِيعا عَلِيما} ‪ :‬سميعا للقوال عليما بالعمال‪.‬‬
‫{َ‬
‫{إِنْ تُ ْبدُوا} ‪ :‬تظهروا ول تخفوا‪.‬‬
‫{ َت ْعفُوا عَنْ سُوءٍ} ‪ :‬أي‪ :‬ل تؤاخذوا به‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫يخبر تعالى أنه ل يحب الجهر بالسوء‪ ،‬ولزم هذا أن عباده المؤمنين يجب أن يكرهوا ما يكره‬
‫ربهم ويحبوا ما يحب وهذا شرط الولية وهي الموافقة وعدم المخالفة‪ ،‬ولما حرم تعالى على‬
‫عباده الجهر بالسوء بأبلغ عبارة وأجمل أسلوب‪ ،‬استثنى المظلوم فإن له أن يجهر ‪ 2‬بمظلمته لدى‬
‫جهْرَ بِالسّوءِ مِنَ‪ 3‬ا ْل َقوْلِ إِل مَنْ‪ 4‬ظُلِمَ َوكَانَ‬
‫حبّ اللّهُ ا ْل َ‬
‫الحاكم ليرفع عنه الظلم فقال تعالى‪{ :‬ل ُي ِ‬
‫سمِيعا عَلِيما} أل فليتق فل يعصى بفعل السوء ول بقوله‪ .‬ثم انتدب عباده‬
‫اللّهُ –"وما زال"‪َ -‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫المؤمنين إلى فعل الخير في السر أو العلن‪ ،‬وإلى العفو عن صاحب السوء فقال‪{ :‬إِنْ تُبْدُوا خَيْرا‬
‫عفُوّا قَدِيرا} فسيكسب فاعل الخير خيرا أبداه أو أخفاه‬
‫خفُوهُ َأوْ َت ْعفُوا عَنْ‪ 5‬سُوءٍ فَإِنّ اللّهَ كَانَ َ‬
‫َأوْ تُ ْ‬
‫وسيعفو عن صاحب العفو حينما تزل قدمه فيجني بيده أو بلسانه ما يستوجب به المؤاخذة فيشكر‬
‫ع ُفوّا قَدِيرا} ‪.‬‬
‫ال تعالى له عفوه السابق فيعفو عنه {كَانَ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬كاللسب والشتم والغيبة والنميمة‪ ،‬والدعاء بالشر‪ ،‬وألفاظ البذاءة وكلمات الفحش‪.‬‬
‫‪ 2‬روى ابن جرير عن مجاهد أن رجلً استضاف قومًا‪ ،‬فلم يضيفوه‪ ،‬أي‪ :‬طلب منهم أن يطعموه‬
‫حبّ‪ }...‬إلخ‪ .‬ودلت على إن إطعام الضيف وإيواءه‬
‫فاشتكاهم فعوتب عليه‪ ،‬فنزلت هذه الية‪ { :‬ل ُي ِ‬
‫ليلة واجب‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬ليلة الضيف واجبة"‪ .‬رواه أحمد‪.‬‬
‫‪{ 3‬مِنَ ا ْل َقوْلِ} في محل نصب على الحال‪.‬‬
‫‪ 4‬في الية دليل على جواز الدعاء على الظالم ممن ظلمه‪ ،‬وجواز رد الشتم والسب بمثله إل أن‬
‫ترك ذلك أفضل‪.‬‬
‫‪ 5‬شاهده من السنة قوله صلى ال عليه وسلم في الحديث الصحيح‪" :‬ما نقص مال من صدقة‪ ،‬ول‬
‫زاد ال عبدًا بعفو إل عزا‪ ،‬ومن تواضع ل رفعه" ‪.‬‬

‫( ‪)1/564‬‬

‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة الجهر بالسوء والسر به كذلك فل يحل لمؤمن ول مؤمنة أن ينطق بما يسوء إلى‬
‫القلوب والنفوس إل في حالة الشكوى وإظهار الظلم ل غير‪.‬‬
‫‪ -2‬استحباب فعل الخير وسره كجهره ل ينقص أجره بالجهر ول يزيد بالسر‪.‬‬
‫‪ -3‬استحباب العفو عن المؤمن إذا بدا منه سوء‪ ،‬ومن يعف يعف ال عنه‪.‬‬
‫ض وَ َنكْفُرُ‬
‫{إِنّ الّذِينَ َي ْكفُرُونَ بِاللّ ِه وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ ُيفَ ّرقُوا بَيْنَ اللّ ِه وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ ُن ْؤمِنُ بِ َب ْع ٍ‬
‫حقّا وَأَعْ َتدْنَا لِ ْلكَافِرِينَ عَذَابا‬
‫خذُوا بَيْنَ ذَِلكَ سَبِيلً(‪ )150‬أُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلكَافِرُونَ َ‬
‫بِ َب ْعضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتّ ِ‬
‫س ْوفَ ُيؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ َوكَانَ‬
‫ُمهِينا(‪ )151‬وَالّذِينَ آمَنُوا بِاللّ ِه وَرُسُلِهِ وَلَمْ ُيفَ ّرقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِ ْنهُمْ أُولَ ِئكَ َ‬
‫غفُورا رَحِيما(‪1 })152‬‬
‫اللّهُ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{وَرُسُِلهِ} ‪ :‬الرسل‪ :‬جمع رسول وهم جم غفير‪ ،‬قيل‪ :‬عددهم ثلثمائة وأربعة عشر رسولً‪.2‬‬
‫{سَبِيلً} ‪ :‬أي‪ :‬طريقا بين الكفر واليمان‪ ،‬وليس ثم إل طريق واحد وهو اليمان أو الكفر فمن‬
‫آمن بكل الرسل فهو المؤمن‪ ،‬ومن آمن بالبعض وكفر بالبعض فهو الكافر كمن لم يؤمن بأحد‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫منهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المناسبة بين هذه اليات وما سبقها ينظر إليها من حيث أن القرآن كتاب هداية للبشرية‪ ،‬فلذا لما‬
‫ذكر حال المنافقين مبينا لهم طريق توبتهم إن أرادوا ذلك ذكر بعض بيان حكم حرمة النطق‬
‫بالسوء سرًا وجهرًا إل ما رخص فيه ذكر حال اليهود والنصارى مبينًا كفرهم‪ ،‬وما أعد لهم من‬
‫العذاب إن أصروا على كفرهم وضللهم‪.‬‬
‫‪ 2‬جاء ذكر هذا العدد في حديث أبي ذر الغفاري‪ ،‬إذ قال فيه‪" :‬قلت يا رسول ال كم كانت‬
‫النبياء‪ ،‬وكم كانوا المرسلون؟ قال‪ :‬كانت النبياء مائة ألف نبي‪ ،‬وأربعة وعشرون ألف نبي‪.‬‬
‫وكان المرسلون ثلثمائة وثلثة عشر"‪ .‬والحديث ضعيف‪ .‬ولما لم يوجد غيره قال به أهل العلم‬
‫قديمًا وحديثًا‪.‬‬

‫( ‪)1/565‬‬

‫{وَلَمْ ُيفَ ّرقُوا} ‪ :‬كما فرق اليهود فأمنوا بموسى وكفروا بعيسى ومحمد صلى ال عليه وسلم وكما‬
‫فرق النصارى آمنوا بموسى وعيسى وكفروا بمحمد صلى ال عليه وسلم فهم لذلك كفار‪.‬‬
‫{ُأجُورَهُمْ} ‪ :‬أجر إيمانهم برسل ال وعملهم الصالح‪ ،‬وهو الجنة دار النعيم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يخبر تعالى مقررا حكمه على اليهود والنصارى بالكفر الحق الذي ل مرية فيه‪ ،‬فيقول‪{ :‬إِنّ الّذِينَ‬
‫َي ْكفُرُونَ بِاللّهِ‪ 1‬وَرُسُلِ ِه وَيُرِيدُونَ أَنْ ُيفَ ّرقُوا بَيْنَ اللّ ِه وَرُسُلِ ِه وَ َيقُولُونَ ُن ْؤمِنُ بِ َب ْعضٍ وَ َنكْفُرُ بِ َب ْعضٍ‬
‫خذُوا بَيْنَ ذَِلكَ} أي‪ :‬بين الكفر بالبعض واليمان بالبعض سبيلً‪ ،‬أي‪ :‬طريقا‬
‫وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتّ ِ‬
‫يتوصلون به إلى مذهب باطل فاسد وهو التخير بين رسل ال فمن شاءوا اليمان به آمنوا‪ ،‬ومن‬
‫لم يشاءوا اليمان به كفروا به ولم يؤمنوا وبهذا كفروا كفرا ل ريب فيه‪ ،‬ولهم بذلك العذاب‬
‫حقّا‬
‫المهين الذي يهانون به ويذلون جزاء كبريائهم وسوء فعالهم‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬أُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلكَافِرُونَ َ‬
‫عذَابا ُمهِينا} ‪ 2‬فسجل عليهم الكفر ثلث مرات‪ :‬فالمرة الولى بقوله‪{ :‬إِنّ الّذِينَ‬
‫وَأَعْتَدْنَا لِ ْلكَافِرِينَ َ‬
‫حقّا} ‪ .‬والثالثة‪ ،‬بقوله‪{ :‬وَأَعْ َتدْنَا‬
‫َي ْكفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ} ‪ .‬والثانية‪ :‬بقوله‪{ :‬أُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلكَافِرُونَ َ‬
‫لِ ْلكَافِرِينَ عَذَابا ُمهِينا} حيث لم يقل واعتدنا لهم فأظهر في موضع الضمار لتسجيل الكفر عليهم‬
‫وللشارة إلى علة الحكم‪ ،‬وهي الكفر‪.‬‬
‫هذا ما تضمنته الية الولى(‪ ،)151‬أما الية الثانية وهي قوله تعالى‪{ :‬وَالّذِينَ آمَنُوا ‪ 3‬بِاللّهِ‬
‫وَرُسُلِهِ} فإنها مقابلة في ألفاظها ومدلولها للية قبلها‪ ،‬فالولى تضمنت الحكم بالكفر على اليهود‬
‫والنصارى‪ ،‬وبالعذاب المهين لهم‪ ،‬والثانية تضمنت الحكم بإيمان المسلمين بالنعيم المقيم لهم وهو‬
‫ما وعدهم به ربهم بقوله‪ :‬لهم ذنوبهم ورحمهم بأن أدخلهم دار كرامته في جملة أوليائه ‪{.‬أُولَ ِئكَ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫غفُورا َرحِيما} ‪ .‬فغفر‬
‫س ْوفَ ُيؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ َوكَانَ اللّهُ َ‬
‫َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬نسبهم تعالى إلى الكفر به؛ لن إيمانهم بال تعالى باطل‪ ،‬وذلك أن اليهود يصفون ال تعالى‬
‫بصفات المحدثين‪ ،‬ونسبوا إليه الولد‪ ،‬وكثير من صفات تنزه ال عنها‪ .‬وأن النصارى يكفيهم كفرًا‬
‫قولهم‪ :‬أن ال ثالث ثلثة وهو الكفر بعينه‪ ،‬حسبهم بعد ذلك كفرهم بمحمد صلى ال عليه وسلم‬
‫وبما جاء به‪.‬‬
‫‪ 2‬توعدوا بالعذاب المهين مقابل ما كانوا يرتكبونه من إهانة المؤمنين وإذللهم‪ ،‬والجزاء من جنس‬
‫العمل‪ :‬و {حقًا} في الية‪ :‬منصوب على المصدرية‪ ،‬أي‪ :‬حقه لهم أيها السامع حقًا‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا أسلوب القرآن الكريم‪ ،‬فإنه بعد أن ذكر الكافرين حقًا‪ ،‬وبين جزاءهم ذكر المؤمنين حقًا‬
‫وبين جزاءهم‪ ،‬وهذا أسلوب الترغيب والترهيب الذي عليه مدار الهداية والصلح بإذن ال‬
‫تعالى‪.‬‬

‫( ‪)1/566‬‬

‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير كفر اليهود والنصارى لفساد عقيدتهم وبطلن أعمالهم‪.‬‬
‫‪ -2‬كفر من كذب بال ورسوله ولو في شيء واحد مما وجب اليمان به‪.‬‬
‫‪ -3‬بطلن إيمان من يؤمن ببعض الرسل ويكفر ببعض‪.‬‬
‫‪ -4‬صحة الدين السلمي وبطلن اليهودية ‪ 1‬والنصرانية حيث أوعد تعالى اليهود والنصارى‬
‫بالعذاب المهين‪ ،‬ووعد المؤمنين بتوفية أجورهم والمغفرة والرحمة لهم‪.‬‬
‫سمَاءِ َفقَدْ سَأَلُوا مُوسَى َأكْبَرَ مِنْ ذَِلكَ َفقَالُوا أَرِنَا اللّهَ‬
‫{يَسَْأُلكَ أَ ْهلُ ا ْلكِتَابِ أَنْ تُنَ ّزلَ عَلَ ْيهِمْ كِتَابا مِنَ ال ّ‬
‫ك وَآتَيْنَا‬
‫جلَ مِنْ َبعْدِ مَا جَاءَ ْتهُمُ الْبَيّنَاتُ َفعَ َفوْنَا عَنْ ذَِل َ‬
‫خذُوا ا ْلعِ ْ‬
‫جهْ َرةً فََأخَذَ ْتهُمُ الصّاعِقَةُ ِبظُ ْل ِمهِمْ ُثمّ اتّ َ‬
‫َ‬
‫مُوسَى سُلْطَانا مُبِينا(‪ )153‬وَ َر َفعْنَا َف ْو َقهُمُ الطّورَ ِبمِيثَا ِقهِ ْم َوقُلْنَا َلهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجّدا َوقُلْنَا َلهُ ْم ل‬
‫خذْنَا مِ ْنهُمْ مِيثَاقا غَلِيظا(‪})154‬‬
‫ت وَأَ َ‬
‫َتعْدُوا فِي السّ ْب ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫جهْ َرةً} ‪ :‬عيانا نشاهده ونراه بأبصارنا‪.‬‬
‫{َ‬
‫عقَةُ} ‪ :‬صوت حاد ورجفة عنيفة صعقوا بها‪.‬‬
‫{الصّا ِ‬
‫{ ِبظُ ْل ِمهِمْ} ‪ :‬بسبب ظلمهم بطلبهم ما ل ينبغي‪.‬‬
‫جلَ} ‪ :‬أي‪ :‬إلها فعبدوه‪.‬‬
‫{اتّخَذُوا ا ْل ِع ْ‬
‫{ َف َع َفوْنَا عَنْ ذَِلكَ} ‪ :‬أي‪ :‬لم يؤاخذهم به‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سلْطَانا مُبِينا} ‪ :‬حجة واضحة وقدرة كاملة قهر بها أعداءه‪.‬‬
‫{ُ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وسائر الديان؛ كالمجوسية والصابئة وغيرهما من سائر الملل والنحل‪ ،‬إذا ل دين حق إل‬
‫السلم‪ .‬قال السلم تعالى‪{ :‬إنّ الدِين عِندَ ال السلم} ‪.‬‬

‫( ‪)1/567‬‬

‫{وَ َر َفعْنَا َف ْو َقهُمُ الطّورَ} ‪ :‬أي‪ :‬جبل الطور بسيناء‪.‬‬


‫سجّدا} ‪ :‬أي‪ :‬راكعون متواضعين خاشعين ل شكرا لنعمه عليهم‪.‬‬
‫{ادْخُلُوا الْبَابَ ُ‬
‫{ل َتعْدُوا ‪ : }1‬ل تعتدوا‪ ،‬أي‪ :‬ل تتجاوزوا ما حد لكم فيه من ترك العمل إلى العمل فيه‪.‬‬
‫{مِيثَاقا غَلِيظا} ‪ :‬عهدا مؤكدا باليمان‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫لما نعى الرب تعالى على أهل الكتاب قولهم نؤمن ببعض الرسل ونكفر ببعض حيث آمن اليهود‬
‫بموسى وكفروا بعيسى وآمن النصارى بعيسى وكفروا بمحمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كما كفر به‬
‫اليهود أيضا ذكر تعالى لرسوله أن اليهود إذا سألوك أن تنزل عليهم ‪ 2‬كتابا من السماء فل تعجب‬
‫من قولهم‪ ،‬ول تحفل به إذ هذه سننهم وهذا دأبهم‪ ،‬فإنهم قد سألوا موسى قبلك أعظم من هذا‪،‬‬
‫فقالوا له‪ :‬أرنا ال جهرة‪ ،‬فأغضبوا ال تعالى‪ ،‬فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون واتخذوا العجل إلها‬
‫يعبدونه في غياب موسى عليهم‪ ،‬وكان ذلك منهم بعد مشاهداتهم البينات حيث فلق ال لهم البحر‬
‫وأنجاهم وأغرق عدوهم ومع هذا فقد عفا ال عنهم‪ ،‬وآتى نبيهم سلطانا مبينا‪ ،‬ولم يؤثر ذلك في‬
‫طباعهم هذا ما تضمنته الية الولى(‪ )153‬وهي قوله تعالى‪{ :‬يَسَْأُلكَ أَ ْهلُ ا ْلكِتَابِ أَنْ تُنَ ّزلَ عَلَ ْيهِمْ‬
‫عقَةُ بِظُ ْل ِمهِمْ‪4‬‬
‫جهْ َرةً‪ 3‬فََأخَذَ ْتهُمُ الصّا ِ‬
‫سمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى َأكْبَرَ مِنْ ذَِلكَ َفقَالُوا أَرِنَا اللّهَ َ‬
‫كِتَابا مِنَ ال ّ‬
‫سلْطَانا مُبِينا} ‪ .‬أما‬
‫ك وَآتَيْنَا مُوسَى ُ‬
‫جلَ‪ 5‬مِنْ َبعْدِ مَا جَاءَ ْتهُمُ الْبَيّنَاتُ َفعَ َفوْنَا عَنْ ذَِل َ‬
‫ثُمّ اتّخَذُوا ا ْل ِع ْ‬
‫الية الثانية(‪ )154‬فقد أخبر تعالى أنه رفع فوقهم الطور تهديدا لهم ووعيدا وذلك ما امتنعوا أن‬
‫يتعهدوا بالعمل بما في التوراة‪ ،‬فلما رفع الجبل فوقهم خافوا فتعهدوا معطين بذلك ميثاقا غير أنهم‬
‫نقضوه كما سيأتي الخبار بذلك‪ .‬هذا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرأ ورش‪{ :‬ل تعدّوا} بتشديد الدال وهو إدغام التاء في الدال لتقاربهما في المخرج‪ ،‬والصل‪:‬‬
‫ل تعتدوا من العتداء الذي هو العدوان‪.‬‬
‫‪ 2‬ذكر القرطبي بغير إسناد أن اليهود سألت النبي صلى ال عليه وسلم أن يصعد إلى السماء وهم‬
‫يرونه‪ ،‬فينزل عليهم كتابًا مكتوبًا فيما يدعيه على صدقه دفعة واحدة‪ ،‬كما أتى موسى باللواح‬
‫تعنتًا منهم فأنزل ال تعالى الية‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جهْرَة} نعت لمصدر محذوف تقديره‪ :‬رؤية جهرة‪ ،‬ويصح أن يكون حال‪ ،‬أي‪ :‬مجاهرة بل‬
‫‪َ{3‬‬
‫حجاب ساتر‪.‬‬
‫‪{ 4‬بِظلمهم} ‪ :‬الباء سببية‪ ،‬أي‪ :‬سبب ظلمهم‪ ،‬وليس المراد من ظلمهم طلب رؤية ال تعالى‪ .‬إذ‬
‫هذا طلبه موسى أيضا‪ ،‬ولكن ظلمهم‪ :‬كونهم اشترطوا ليمانهم بموسى حتى يريهم ال جهرة‪.‬‬
‫‪ 5‬العطف بثم هنا‪ :‬هو للتراخي الرتبي ل لفادة الترتيب الزمني‪ ،‬إذ اتخاذهم العجل كان قبل‬
‫طلبهم رؤية ال جهرة‪ ،‬إذ المراد من البينات التي جاءتهم انفلق البحر‪ ،‬وقبله آية العصا‪ ،‬وغيرها‬
‫من التسع آيات التي أتى ال موسى عليه السلم‪.‬‬

‫( ‪)1/568‬‬

‫سجّدا}‬
‫معنى قوله تعالى‪{ :‬وَ َر َفعْنَا َف ْو َقهُمُ الطّورَ ِبمِيثَا ِقهِمْ} ‪ ،‬وقوله تعالى‪َ { :‬وقُلْنَا َلهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ ُ‬
‫كان هذا عندما دخل يوشع بن نون فتى موسى مدينة القدس فاتحا أوحى ال تعالى إليه أن يأمر‬
‫بني إسرائيل أن يدخلوا باب المدينة خاضعين متطامنين شكرا ل تعالى على نعمة الفتح فبدل أن‬
‫يطيعوا ويدخلوا الباب راكعين متطامنين دخلوه زحفا على استاهم مكرا وعنادا والعياذ بال‪.‬‬
‫وقوله‪َ { :‬وقُلْنَا َلهُمْ ل َتعْدُوا فِي السّ ْبتِ} أي‪ :‬ونهيناهم عن الصيد في السبت فتعدوا نهينا وصادوا‬
‫عصيانا وتمردا‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وََأخَذْنَا مِ ْنهُمْ مِيثَاقا غَلِيظا} أي‪ :‬على أن يعملوا بما شرعنا لهم‬
‫ل وتحريما في التوراة‪ ،‬ومع هذا فقد عصوا وتمردوا وفسقوا‪ ،‬إذا فل غرابة في سؤالهم إياك‬
‫تحلي ً‬
‫على رسالتك وليؤمنوا بك أ تنزل عليهم كتابا من السماء‪ .‬هذا معنى قوله تعالى في الية(‪)154‬‬
‫{وَ َر َفعْنَا َف ْو َقهُمُ الطّورَ ِبمِيثَا ِقهِ ْم َوقُلْنَا َلهُمُ ا ْدخُلُوا الْبَابَ سُجّدا َوقُلْنَا َلهُمْ ل َتعْدُوا فِي السّ ْبتِ} أي‪ :‬ل‬
‫خذْنَا مِ ْنهُمْ مِيثَاقا غَلِيظا‪.}1‬‬
‫تتجاوزا ما أحللنا لكم إلى ما حرمنا عليكم {وَأَ َ‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬تعنت أهل الكتاب إزاء الدعوة السلمية وكفرهم بها على علم إنها دعوة حق‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان قبائح اليهود وخبثهم الملزم لهم طوال حياتهم‪.‬‬
‫‪ -3‬نفض اليهود للعهود والمواثيق أصبح طبعا لهم ل يفارقهم أبدا‪ ،‬ولذا وجب عدم الثقة في‬
‫عهودهم ومواثيقهم‪.‬‬
‫ق َوقَوِْلهِمْ قُلُوبُنَا غُ ْلفٌ َبلْ طَ َبعَ اللّهُ‬
‫حّ‬‫ضهِمْ مِيثَا َقهُ ْم َوكُفْرِ ِهمْ بِآيَاتِ اللّ ِه َوقَتِْلهِ ُم الَنْبِيَاءَ ِبغَيْرِ َ‬
‫{فَ ِبمَا َن ْق ِ‬
‫عظِيما(‪َ )156‬و َقوْلِهِمْ‬
‫عَلَ ْيهَا ِب ُكفْرِهِمْ فَل ُي ْؤمِنُونَ إِل قَلِيلً(‪ )155‬وَ ِب ُكفْرِهِ ْم َو َقوِْلهِمْ عَلَى مَرْيَمَ ُبهْتَانا َ‬
‫إِنّا قَتَلْنَا ا ْلمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ َرسُولَ اللّ ِه َومَا قَتَلُوهُ َومَا صَلَبُوهُ وََلكِنْ شُبّهَ َل ُه ْم وَإِنّ الّذِينَ‬
‫__________‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 1‬كل ما ذكر في هذه اليات هو تسلية للنبي صلى ال عليه وسلم وتخفيفا على نفسه‪ ،‬مما يلقي‬
‫من تعنت اليهود‪ ،‬وصلفهم‪ ،‬وقساوة قلوبهم ومعاملتهم‪.‬‬

‫( ‪)1/569‬‬

‫ن َومَا قَتَلُوهُ َيقِينا(‪َ )157‬بلْ َر َفعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ‬


‫شكّ مِنْهُ مَا َل ُهمْ بِهِ مِنْ عِ ْلمٍ إِل اتّبَاعَ الظّ ّ‬
‫اخْتََلفُوا فِيهِ َلفِي َ‬
‫حكِيما(‪ )158‬وَإِنْ مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ إِل لَ ُي ْؤمِنَنّ ِبهِ قَ ْبلَ َموْتِهِ وَيَوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َيكُونُ‬
‫َوكَانَ اللّهُ عَزِيزا َ‬
‫شهِيدا(‪})159‬‬
‫عَلَ ْيهِمْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ضهِمْ} ‪ :‬الباء سببية‪ :‬أي‪ :‬فبسبب نقضهم ميثاقهم‪ ،‬والنقض‪ :‬الحل بعد البرام‪.‬‬
‫{فَ ِبمَا َن ْق ِ‬
‫{ ِبغَيْرِ حَقّ} ‪ :‬أي‪ :‬بدون موجب لقتلهم‪ ،‬ول موجب لقتل النبياء قط‪.‬‬
‫{غُ ْلفٌ‪ : }1‬جمع أغلف‪ ،‬وهو ما عليه غلف يمنعه من وصول المعرفة والعلم إليه‪.‬‬
‫عظِيما} ‪ :‬البهتان‪ :‬الكذب الذي يحير من قبل فيه‪ ،‬والمراد هنا رميهم لها بالزنى‪.‬‬
‫{ ُبهْتَانا َ‬
‫{ َومَا صَلَبُوهُ} ‪ :‬أيك لم يصلبوه‪ ،‬والصلب شده على خشبة وقتله عليها‪.‬‬
‫{وَإِنْ مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ} ‪ :‬أي‪ :‬وما من أحد من أهل الكتاب إل ليؤمن عند حضور الموت أن عيسى‬
‫عبد ال ورسوله فما هو ابن زنى ول ساحر كما يقول اليهود‪ ،‬ول هو ال ول ابن ال كما يقول‬
‫النصارى‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في الحديث عن اليهود وبيان الجرائم التي كانت سببا في لعنهم وذلهم‪ ،‬وغضب ال‬
‫تعالى عليهم‪ ،‬وهذا تعداد تلك الجرائم الواردة في اليات الثلث الولى في هذا السياق وهي‪(:‬‬
‫‪.)157-156-155‬‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬غُلْف} ‪ :‬قد يكون جمع غلف‪ ،‬ومعناه حينئذ‪ :‬أن قلوبهم أوعية للعلم فل حاجة بهم إلى علم‬
‫سوى ما عندهم ول منافاة بين المعنيين في النهر وأيسر التفاسير‪.‬‬

‫( ‪)1/570‬‬

‫‪ -1‬نقضهم العهود والمواثيق وخاصة عهدهم بالعمل بها في التوراة‪.‬‬


‫‪ -2‬كفرهم بآيات ال والمنزلة على عبد ال عيسى ورسوله والمنزلة على محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫‪ -3‬قتلهم النبياء؛ كزكريا ويحي وغيرهم وهو كثير في عهود متباينة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -4‬قولهم قلوبنا غلف حتى ل يقبلوا دعوة السلم‪ ،‬وما أراد الرسول إعلمهم به وكذبهم ال‬
‫تعالى في هذه الدعوى‪ ،‬وأخبر أن ل أغطية على قلوبهم‪ ،‬ولكن طبع ال تعالى عليها بسبب ذنوبهم‬
‫ل وعملً‪ ،‬هذا ما تضمنته الية الولى‪ ،‬وهي‬
‫فران عليها الران فمنعها من قبول الحق اعتقادا وقو ً‬
‫قوله تعالى‪{ :‬فَ ِبمَا َن ْقضِهِمْ مِيثَا َقهُمْ} والباء سببية والميم صلة والصل‪ ،‬فبنقضهم‪ ،‬أي‪ :‬بسبب نقضهم‬
‫وكفرهم بآيات ال وقتلهم النبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع ال عليها بكفرهم‪{ .‬فَل‬
‫ُي ْؤمِنُونَ إِل قَلِيلً} أي‪ :‬إيمانا قليلً؛ كليمانهم بموسى وهارون والتوراة والزبور مثلً‪.‬‬
‫‪ -5‬كفرهم‪ :‬أي‪ :‬بعيسى ومحمد صلى ال عليه وسلم أيضا‪.‬‬
‫‪ -6‬قولهم على مريم بهتانا عظيما‪ 1‬حيث رموها بالفاحشة‪ ،‬وقالوا عيسى ابن مريم ابن زنى لعنهم‬
‫ال‪.‬‬
‫‪ -7‬قولهم متبجحين متفاخرين أنهم قتلوا المسيح عيسى بن مريم عليه السلم وهو رسول ال‪،‬‬
‫وأكذبهم ال تعالى في ذلك بقوله‪َ { :‬ومَا قَتَلُوهُ َومَا صَلَبُو ُه وََلكِنْ شُبّهَ َل ُهمْ} أي‪ :‬برحل آخر ظنوه أنه‬
‫هو فصلبوه وقتلوه‪ ،‬وأما المسيح فقد رفعه ال تعالى إليه وهو عنده في السماء كما قال تعالى في‬
‫حكِيما} أي‪ :‬غالبا على أمره حكيما في فعله‬
‫الية (‪َ { )158‬بلْ َر َفعَهُ اللّهُ إِلَيْ ِه َوكَانَ اللّهُ عَزِيزا َ‬
‫وتدبيره‪.‬‬
‫ن َومَا قَتَلُوهُ‬
‫شكّ مِ ْنهُ مَا َلهُمْ ِبهِ مِنْ عِلْمٍ إِل اتّبَاعَ الظّ ّ‬
‫وأما قوله تعالى‪{ :‬وَإِنّ الّذِينَ اخْتََلفُوا فِيهِ َلفِي َ‬
‫َيقِينا} ‪ ،‬هذا إخبار من ال تعالى بحقيقة أخرى وهي أن الذين طوقوا منزل المسيح وهجموا عليه‬
‫ليلقوا عليه القبض من أجل أن يقتلوه هؤلء اختلفوا ‪ 2‬في هل الرجل الذي ألقي عليه شبه عيسى‬
‫هو عيسى أو غيره إنهم لم يجزموا أبدا بأن من ألقوا عليه القبض وأخرجوه فصلبوه وقتلوه هو‬
‫المسيح عليه السلم‪ ،‬ولذا قال تعالى‪َ { :‬ومَا قَتَلُوهُ‪َ 3‬يقِينا‪َ ،‬بلْ َر َفعَهُ اللّهُ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬البهتان العظيم الذي قالوه على مريم‪ ،‬هو‪ :‬رميهم لها بالزنى مع يوسف النجار‪ ،‬وهو عبد‬
‫صالح‪.‬‬
‫‪ 2‬ذكر القرطبي للختلف عدة وجوه‪ ،‬كلها سائغة‪ ،‬وما ذكرناه في التفسير أولى‪ ،‬من بين الوجوه‬
‫قولهم‪ :‬إن كان صاحبنا فأين عيسى؟ وإن كان هذا عيسى فأين صاحبنا؟‪.‬‬
‫‪ 3‬ما زال الخلف قائمًا إلى اليوم‪ ،‬فالجمهور منهم يقولون‪ :‬صلب عيسى وقتل وبعد ثلثة أيام‬
‫رفع‪ .‬وخلف الجمهور يقولون‪ :‬لم يصلب عيسى ولم يقتل‪.‬‬

‫( ‪)1/571‬‬

‫حكِيما}‪.1‬‬
‫إِلَيْ ِه َوكَانَ اللّهُ عَزِيزا َ‬
‫أما الية الخيرة في هذا السياق(‪ )159‬فإن ال تعالى أخبر أنه ما من يهودي ول نصراني‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يحضره الموت ويكون في انقطاع عن الدنيا إل آمن بأن عيسى عبد ال ورسوله‪ ،‬وليس هو ابن‬
‫زنى ول ساحر كما يعتقد اليهود‪ ،‬ول هو ال ول ابن ال كما يعتقد النصارى‪ ،‬ولكن هذا اليمان‬
‫ستِ ال ّتوْبَةُ لِلّذِينَ َي ْعمَلُونَ السّيّئَاتِ‬
‫ل نيفع صاحبه لن حصل عند معاينة الموت قال تعالى‪{ :‬وَلَيْ َ‬
‫حضَرَ َأحَدَ ُهمُ ا ْل َم ْوتُ قَالَ إِنّي تُ ْبتُ النَ} هذا ما دلت عليه الية الكريمة‪َ { :‬وإِنْ مِنْ أَ ْهلِ‬
‫حَتّى إِذَا َ‬
‫شهِيدا} أي‪ :‬يشهد على كفرهم به وبما‬
‫ا ْلكِتَابِ إِل لَ ُي ْؤمِنَنّ بِهِ قَ ْبلَ َموْتِ ِه وَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َيكُونُ عَلَ ْيهِمْ َ‬
‫جاءهم به‪ ،‬ووصاهم عليه من اليمان بمحمد صلى ال عليه وسلم ودين الحق الذي جاء به‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان جرائم اليهود‪.‬‬
‫‪ -2‬بطلن اعتقاد النصارى في أن عيسى صلب وقتل‪ ،‬أما اليهود فإنهم وإن لم يقتلوا عيسى فهم‬
‫مؤاخذون على قصدهم حيث صلبوا وقتلوا من ظنوه أنه عيسى عليه السلم‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير رفع عيسى عليه السلم إلى السماء ونزوله في آخر أيام الدنيا‪.‬‬
‫‪ -4‬اليمان؛ كالتوبة عند معاينة ملك الموت ل تنفع ول تقبل وجودها كعدمها‪.‬‬
‫حّلتْ َل ُه ْم وَ ِبصَدّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرا(‪)160‬‬
‫{فَ ِبظُلْمٍ مِنَ الّذِينَ هَادُوا حَ ّرمْنَا عَلَ ْيهِمْ طَيّبَاتٍ أُ ِ‬
‫عذَابا أَلِيما(‪)161‬‬
‫طلِ وَأَعْ َتدْنَا لِ ْلكَافِرِينَ مِ ْنهُمْ َ‬
‫وَأَخْ ِذهِمُ الرّبا َوقَدْ ُنهُوا عَ ْن ُه وََأكِْلهِمْ َأ ْموَالَ النّاسِ بِالْبَا ِ‬
‫ك َومَا‬
‫سخُونَ فِي ا ْلعِلْمِ مِ ْنهُ ْم وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ ُي ْؤمِنُونَ ِبمَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْي َ‬
‫َلكِنِ الرّا ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬عزة ال يتنافى معها تسلط اليهود على عبده ورسوله عليسى وقتلهم له وحكمته تتجلى في رفعه‬
‫إليه وإنزاله آخر أيام الدنيا‪.‬‬

‫( ‪)1/572‬‬

‫أُنْ ِزلَ مِنْ قَبِْلكَ وَا ْلمُقِيمِينَ الصّل َة وَا ْل ُمؤْتُونَ ال ّزكَا َة وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ بِاللّهِ وَالْ َيوْمِ الخِرِ أُولَ ِئكَ سَ ُنؤْتِيهِمْ‬
‫أَجْرا عَظِيما(‪})162‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{فَ ِبظُلْمٍ} ‪ :‬الباء سببية‪ ،‬أي‪ :‬فبسبب ظلمهم‪.‬‬
‫{هَادُوا} ‪ :‬اليهود إذ قالوا‪ :‬أنا هدنا إليك‪.‬‬
‫{طَيّبَاتٍ أُحِّلتْ َلهُمْ} ‪ :‬هي كل ذي ظفر وشحوم البقر والغنم‪.‬‬
‫خذِهِمُ الرّبا} ‪ :‬قبوله والتعامل به وأكله‪.‬‬
‫{وَأَ ْ‬
‫{الرّاسِخُونَ فِي ا ْلعِلْمِ} ‪ :‬أصحاب القدم الثابتة في معرفة ال وشرائعه ممن علومهم راسخة في‬
‫نفوسهم ليست لنيات بل هي يقينات‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في اليهود من أهل الكتاب يبين جرائمهم ويكشف الستار عن عظائم ذنوبهم‪ ،‬ففي‬
‫الية الولى(‪ )160‬سجل عليهم الظلم العظيم والذي به استوجبوا عقاب ال تعالى حيث حرم عليهم‬
‫طيبات كثيرة كانت حللً لهم‪ ،‬كما سجل عليهم أقبح الجرائم‪ ،‬وهي صدهم أنفسهم وصد غيرهم‬
‫عن سبيل ال تعالى‪ ،‬وذلك بجحودهم الحق وتحريفهم كلم ال‪ ،‬وقبولهم الرشوة في إبطال الحكام‬
‫الشرعية‪ .‬هذا ما تضمنته الية الولى‪ ،‬أما الثانية(‪ )161‬فقد تضمنت تسجيل جرائم أخرى على‬
‫اليهود وهي أولً استباحتهم للربا ‪ 1‬وهو حرام‪ ،‬وقد نهوا عنه‪ ،‬وثانيا أكلهم أموال الناس بالباطل؛‬
‫كالرشوة والفتاوى الباطلة التي كانوا يأكلون بها‪ .‬وأما قوله تعالى في ختام الية‪{ :‬وَأَعْتَدْنَا‬
‫لِ ْلكَافِرِينَ مِ ْنهُمْ عَذَابا أَلِيما} فهو زيادة على عاقبهم به في الدنيا أعد لمن كفر منهم ومات على كفره‬
‫عذابا أليما موجعا يعذبون به يوم القيامة‪ .‬وأما الية الثالثة(‪ )162‬فقد نزلت في عبد ال بن سلم‬
‫وبعض العلماء من يهود المدينة فذكر تعالى؛ كالستثناء من أولئك الموصوفين بأقبح الصفات‬
‫وهي صفات جرائم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أورد القرطبي هنا سؤالً وهو مع علمنا‪ :‬أن اليهود يأكلون الربا والسحت وجميع ما حرم ال‬
‫تعالى‪ ،‬فهل يجوز التعامل معهم؟ وأجاب بالجواز استدللً بقول ال تعالى‪{ :‬وطَعامْ الذين أُوتوا‬
‫الكِتَاب حلً َلكُمْ} وبتعامل الرسول صلى ال عليه وسلم معهم‪ ،‬فقد رهن درعه عند يهودي‪.‬‬

‫( ‪)1/573‬‬

‫اكتسبوها‪ ،‬وعظائم من الذنوب اقترفوها لجهلهم وعمى بصائرهم‪ .‬إن الراسخين ‪ 1‬في العلم الثابتين‬
‫فيه الذين علومهم الشرعية يقينية ل ظنية هؤلء شأنهم في النجاة من العذاب والفوز بالنعيم في‬
‫دار السلم شأن المؤمنين من هذه المة يؤمنون بما أنزل إليك أيها الرسول وما أنزل من قبلك‪،‬‬
‫وخاصة المقيمين ‪ 2‬للصلة‪ ،‬وكذا المؤتون الزكاة والمؤمنون بال واليوم الخر هؤلء جميعا‬
‫وعدهم ال تعالى بالجر العظيم الذي ل يقادر قدره ول يعرف كنهه فقال تعالى‪{ :‬أُولَ ِئكَ سَ ُنؤْتِيهِمْ‬
‫أَجْرا عَظِيما} ‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬المعاصي تورث الحرمان من خير الدنيا والخرة‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة الصد عن السلم ولو بالسلوك الشائن والمعاملة الباطلة‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة الربا وأنه موجب للعقوبة في الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة أكل أموال الناس بالباطل؛ كالسرقة والغش والرشوة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -5‬من أهل الكتاب صلحاء ربانيون وذلك؛ كعبد ال بن سلم وآخرين‪.‬‬
‫‪ -6‬الرسوخ في العلم يأمن صاحبه الزلت والوقوع في المهلكات‪.‬‬
‫‪ -7‬فضل إقام الصلة لنصب والمقيمي الصلة في الية على المدح والتخصيص‪.‬‬
‫سحَاقَ‬
‫ل وَإِ ْ‬
‫سمَاعِي َ‬
‫ح وَالنّبِيّينَ مِنْ َبعْ ِد ِه وََأوْحَيْنَا ِإلَى إِبْرَاهِي َم وَإِ ْ‬
‫{إِنّا َأ ْوحَيْنَا إِلَ ْيكَ َكمَا َأوْحَيْنَا إِلَى نُو ٍ‬
‫ن وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورا(‪ )163‬وَرُسُلً َقدْ‬
‫ن وَسُلَ ْيمَا َ‬
‫س وَهَارُو َ‬
‫وَ َيعْقُوبَ وَالَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيّوبَ وَيُونُ َ‬
‫صصْنَاهُمْ عَلَ ْيكَ‬
‫َق َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روي أنه لما نزلت آية‪{ :‬فَبِظُ ْلمٍ مِنَ الّذِينَ هَادُوا حَ ّرمْنَا} الية‪ .‬قالت يهود منكرة ما أخبر به‬
‫تعالى عنهم‪ :‬أن هذه الشياء كانت حراما في الصل وأنت تحلها ولم تكن حرمت بظلمنا‪ ،‬فنزل‪:‬‬
‫ك َومَا أُنْ ِزلَ مِنْ قَبِْلكَ} ‪ ،‬وهم‪ :‬عبد‬
‫{َلكِنِ الرّاسِخُونَ فِي ا ْلعِلْمِ مِ ْن ُه ْم وَا ْل ُمؤْمِنُونَ ُي ْؤمِنُونَ ِبمَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْي َ‬
‫ال بن سلم‪ ،‬وأحبار اليهود المسلمون‪.‬‬
‫‪ 2‬قرأه الجمهور بنصب المقيمين على المدح‪ ،‬أي‪ :‬وأمدح المقيمين‪ ،‬أو أعني المقيمين‪ .‬والنصب‬
‫على المدح جائز في كلم فصحاء العرب وبلغائهم‪ ،‬ومن ذلك قول شاعرهم‪:‬‬
‫وكل قوم أطاعوا أمر سيدهم ‪ ...‬إل نميرًا أطاعت أمر غاويها‬

‫( ‪)1/574‬‬

‫ن َومُنْذِرِينَ لِئَل‬
‫ك َوكَلّمَ اللّهُ مُوسَى َتكْلِيما(‪ُ )164‬رسُلً مُبَشّرِي َ‬
‫صهُمْ عَلَ ْي َ‬
‫ص ْ‬
‫مِنْ قَ ْبلُ وَرُسُلً لَمْ َن ْق ُ‬
‫شهَدُ ِبمَا أَنْ َزلَ إِلَ ْيكَ‬
‫حكِيما(‪َ )165‬لكِنِ اللّهُ يَ ْ‬
‫ل َوكَانَ اللّهُ عَزِيزا َ‬
‫سِ‬‫َيكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجّةٌ َبعْدَ الرّ ُ‬
‫شهِيدا(‪})166‬‬
‫ن َوكَفَى بِاللّهِ َ‬
‫شهَدُو َ‬
‫أَنْزَلَهُ ِبعِ ْلمِهِ وَا ْلمَل ِئكَةُ يَ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{إِنّا ‪َ 1‬أوْحَيْنَا إِلَ ْيكَ} ‪ :‬الوحي ‪ :2‬العلم السريع الخفي‪ ،‬ووحي ال تعالى إلى أنبيائه‪ :‬إعلمهم بما‬
‫يريد أن يعلمهم به من أمور الدين وغيره‪.‬‬
‫{وَالَسْبَاطِ} ‪ :‬أولد يعقوب عليه السلم‪.‬‬
‫{زَبُورا‪ : }3‬الزبور‪ :‬أحد الكتب اللهية أنزله على نبيه داود عليه السلم‪.‬‬
‫صصْنَاهُمْ عَلَ ْيكَ} ‪ :‬ورد منهم في سورة النعام ثمانية عشر رسولً وسبعة ذكروا في سور‬
‫{قَدْ َق َ‬
‫أخرى وهم‪ :‬محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهو‪ ،‬وشعيب‪ ،‬وصالح‪ ،‬وذو الكفل‪ ،‬وإدريس‪ ،‬وآدم‪.‬‬
‫{حُجّةٌ} ‪ :‬عذر يعتذر به إلى ربهم عز وجل‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫روى أن اليهود لما سمعوا ما أنزل ال تعالى فيهم في الية السابقة أنكروا أن يكون هذا وحيا‪،‬‬
‫وقالوا لم يوح ال تعالى إلى غير موسى فرد ال تعالى قولهم بقوله‪{ :‬إِنّا َأوْحَيْنَا إِلَ ْيكَ َكمَا َأ ْوحَيْنَا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إِلَى نُوحٍ‪ 4‬وَالنّبِيّينَ مِنْ َبعْ ِدهِ} فذكر عددا من النبياء‪ ،‬ثم قال‪ :‬ورسلً‪ ،‬أي‪ :‬وأرسلنا رسلً قد‬
‫قصصناهم عليك من قبل‪ ،‬أي‪ :‬قص عليه أسماءهم وبعض ‪ 5‬ما جرى لهم مع أممهم وهم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا التوقيت بأن تطلبه إنكار اليهود الوحي إلى نبينا صلى ال عليه وسلم كما تطلبه بهذا الخبر‬
‫العظيم‪.‬‬
‫‪ 2‬الوحي‪ :‬مصدر وحى يحي وحيًا؛ كرمى يرمي رميًا إليه بكذا أعلمه‪ ،‬وأوحى يوحي إيحاء إليه‬
‫بكذا أعلمه به بطريق خفي‪.‬‬
‫‪ 3‬في قوله تعالى‪{ :‬وآتينا داود زبورا} وهي جملة معطوفة على جملة‪{ :‬إنّا َأوْحَينَا إِليِك} إشارة‬
‫إلى أن الزبور كتاب‪ ،‬وهو كذلك‪ .‬إذ هو أحد الكتب الربعة‪ ،‬ولو لم يرد ذلك لعطف اسمه على‬
‫من سبقه فقط‪ ،‬كأن يقول‪ :‬وهارن وسليمان وداود‪.‬‬
‫‪ 4‬قدم نوح في الذكر باعتباره أول رسول حارب الشرك‪ ،‬إذ لم يظهر الشرك على عهد من سبقه؛‬
‫كإدريس وشيث من قبله‪ ،‬فلما ظهر الشرك أرسل ال تعالى نوحًا عليه السلم‪ ،‬وهو نوح بن لمك‬
‫بن متوشلخ‪ ،‬بن أخنوخ‪.‬‬
‫‪ 5‬قوله‪َ { :‬قصَصناهم عَليك مِنْ قَبْل} يعني في القرآن الكريم‪ ،‬وهم‪ :‬هود وصالح وشعيب ويحي‬
‫وإلياس واليسع ولوط‪.‬‬

‫( ‪)1/575‬‬

‫يبلغون دعوة ربهم‪ ،‬وأرسل رسلً لم يقصصهم عليه‪ ،‬وفوق ذلك أنه كلم موسى تكليما‪ ،‬فأسمعه‬
‫كلما بل واسطة‪ ،‬فكيف ينكر اليهود ذلك ويزعمون أنه ما أنزل ال على بشر من شيء‪ ،‬وقد‬
‫أرسلهم تعالى رسلً مبشرين من آمن وعمل صالحا بالجنة‪ ،‬ومنذرين من كفر وأشرك وعمل سوء‬
‫بالنار وما فعل ذلك إل لقطع حجة الناس يوم القيامة حتى ل يقولوا ربنا ما أرسلت إلينا رسولً‬
‫سلِ} أي‪:‬‬
‫حجّةٌ َب ْعدَ الرّ ُ‬
‫ن َومُنْذِرِينَ لِئَل َيكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ ُ‬
‫هذا معنى قوله تعالى‪ُ { :‬رسُلً مُبَشّرِي َ‬
‫حكِيما} في أفعاله وتدبيره‪ ،‬هذا‬
‫بعد إرسالهم‪َ { ،‬وكَانَ اللّهُ عَزِيزا} غالبا ل يمانع في شيء أراده { َ‬
‫بعض ما تضمنته اليات الثلث(‪ ،)165-164-163‬أما الية الرابعة(‪ )166‬وهي قوله تعالى‪:‬‬
‫شهِيدا} ‪.‬‬
‫ن َو َكفَى بِاللّهِ َ‬
‫شهَدُو َ‬
‫ش َهدُ ِبمَا أَنْ َزلَ إِلَ ْيكَ أَنْزَلَهُ ِبعِ ْل ِم ِه وَا ْلمَل ِئكَةُ يَ ْ‬
‫{َلكِنِ اللّهُ يَ ْ‬
‫فقد روي أن يهودا جمعهم النبي صلى ال عليه وسلم وأبلغهم أنه رسول ال صدقا وحقا ودعاهم‬
‫إلى اليمان وبما جاء به من الدين الحق فقالوا‪ :‬من يشهد لك بالرسالة إذ كانت النبياء توجد في‬
‫ش َهدُ ِبمَا‬
‫وقت واحد فيشهد بعضهم لبعض‪ ،‬وأنت من يشهد لك فأنزل ال تعالى قوله‪َ{ :‬لكِنِ‪ 1‬اللّهُ يَ ْ‬
‫أَنْ َزلَ إِلَ ْيكَ} يريد إنزال الكتاب إليك شهادة منه لك بالنبوة والرسالة‪ ،‬أنزله بعلمه بأنك أهل‬
‫للصطفاء والرسال‪ ،‬وبكل ما تحتاج إليه البشرية في إكمالها وإسعادها‪ ،‬إذ حوى أعظم تشريع‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تعجز البشرية لو اجتمعت أن تأتي بمثله‪ ،‬أليس هذا كافيا في الشهادة لك بالنبوة والرسالة‪ ،‬بلى‪،‬‬
‫شهِيدا} فل تطلب شهادة بعد شهادته تعالى لو كانوا يعقلون‪.‬‬
‫والملئكة أيضا يشهدون { َو َكفَى بِاللّهِ َ‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير مبدأ الوحي اللهي‪.‬‬
‫‪ -2‬أول الرسل ‪ 2‬نوح عليه السلم وآخرهم محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬توضيح هذا الستدراك الذي هو رفع ما يتوهم ثبوته أو نفيه هو إذا رفض اليهود الشهادة لك‬
‫بالرسالة وطالبوا من يشهد لك‪ .‬فال يشهد لك بما أنزله إليك‪ ،‬والملئكة يشهدون كذلك‪.‬‬
‫‪ 2‬ذكر صاحب تفسير التحرير والتنوير‪ :‬المام محمد الطاهر بن عاشور رحمه ال تعالى‪ ،‬عند‬
‫تفسير هذه الية تاريخ المذكورين من الرسل نقلً عن أهل الكتاب قطعًا فللطلع ل غير‪ .‬نذكر‬
‫ذلك كما ذكره‪ ،‬وأما علم صحته فهو إلى ال تعالى ل غير‪ :‬نوح عليه السلم ولد سنة ‪ 3974‬قبل‬
‫الهجرة النبوية‪ .‬وإبراهيم توفى ببلدة الخليل سنة ‪ 2719‬قبل الهجرة‪ .‬وإسماعيل توفى بمكة سنة‬
‫‪ 2676‬قبل الهجرة تقريبا‪ .‬وإسحاق بن إبراهيم توفى سنة ‪ 2613‬قبل الهجرة‪ .‬ويعقوب إسرائيل‬
‫توفى سنة ‪ 2586‬قبل الهجرة‪ .‬وعيسى بن مريم ولد سنة ‪ 622‬قبل الهجرة‪ ،‬ورفع إلى السماء‬
‫قبلها سنة ‪ .589‬وأيوب كان بعد إبراهيم وقبل موسى في القرن الخامس عشر قبل المسيح‪.‬‬
‫وهارون توفى سنة ‪ 1972‬قبل الهجرة‪ .‬وداود توفى سنة ‪ 1626‬قبل الهجرة‪ .‬وسليمان توفى سنة‬
‫‪ 1597‬قبل الهجرة‪.‬‬

‫( ‪)1/576‬‬

‫‪ -3‬إثبات صفة الكلم ل تعالى‪.‬‬


‫‪ -4‬بيان الحكمة في إرسال الرسل‪ ،‬وهي الحجة على الناس يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ -5‬شهادة الرب تبارك وتعالى والملئكة بنبوة خاتم النبياء ورسالته صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -6‬ما حواه القرآن من تشريع وما ضمه بين دفتيه من معارف وعلوم أكبر شهادة للنبي محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم بالنبوة والرسالة‪.‬‬
‫{إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا َوصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ َق ْد ضَلّوا ضَللً َبعِيدا(‪ )167‬إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا وَظََلمُوا َلمْ‬
‫جهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدا َوكَانَ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ‬
‫َيكُنِ اللّهُ لِ َيغْفِرَ َلهُمْ وَل لِ َيهْدِ َي ُهمْ طَرِيقا(‪ )168‬إِل طَرِيقَ َ‬
‫يَسِيرا(‪ )169‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ قَدْ جَا َءكُمُ الرّسُولُ بِا ْلحَقّ مِنْ رَ ّبكُمْ فَآمِنُوا خَيْرا َل ُك ْم وَإِنْ َت ْكفُرُوا فَإِنّ لِلّهِ‬
‫حكِيما(‪})170‬‬
‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ َوكَانَ اللّهُ عَلِيما َ‬
‫مَا فِي ال ّ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ َكفَرُوا َوصَدّوا} ‪ :‬كفروا‪ :‬جحدوا بنبوة محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وصدوا‪ :‬صرفوا الناس عن‬
‫اليمان به صلى ال عليه وسلم بما يبذرون من بذور الشك‪.‬‬
‫{ َكفَرُوا َوظََلمُوا} ‪ :‬جحدوا نبوة محمد صلى ال عليه وسلم وظلموا ببقائهم على جحودهم بغيا منهم‬
‫وحسدا للعرب أن يكون فيهم رسول يخرجهم من الظلمات إلى النور‪.‬‬
‫{الرّسُولُ} ‪ :‬هو محمد صلى ال عليه وسلم الكامل في رسالته الصادق في دعوته‪.‬‬
‫{فَآمِنُوا خَيْرا َلكُمْ} ‪ :‬أي يكون إيمانكم خيرا لكم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بعد أن أقام ال تعالى الحجة على رسالة نبيه محمد صلى ال عليه وسلم بشهادته له بالرسالة‬
‫وشهادة ملئكته‪ ،‬وشهادة القرآن لما فيه من العلوم والمعارف اللهية بعد هذا أخبر تعالى أن الذين‬

‫( ‪)1/577‬‬

‫كفروا وصدوا عن سبيل ‪ 1‬ال وهم اليهود ‪ 2‬قد ضلوا ضللً بعيدا قد يتعذر معه الرجوع إلى‬
‫الحق‪ ،‬وهذا ما تضمنته الية الولى(‪ )167‬كما أخبر في الية الثانية(‪ )168‬أن الذين كفروا‬
‫وظلموا هم أيضا اليهود لم يكن ال ليغفر لهم ول ليهديهم طريقا‪ ،‬اللهم إل طريق جهنم‪ ،‬وهذا قائم‬
‫على سنته في خلقه وهي أن المرء إذا كفر كفر عناد وجحود وأضاف إلى الكفر الظلم لم يبق له‬
‫أي استعداد لقبول الهداية اللهية‪ ،‬لم يبق له من طريق يرجى له سلوكه إل طريق جهنم يخلد فيها‬
‫خلودا أبديا‪ ،‬وقوله تعالى‪َ { :‬وكَانَ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرا} في ختام الية يقرر فيه أن دخول أصحاب‬
‫هذه الصفات من اليهود جهنم وخلودهم فيها ليس بالمر الصعب على ال المتعذر عليه فعله بل‬
‫هو من السهل اليسير‪ ،‬أما الية الخيرة(‪ )170‬فهي تتضمن إعلنا إليها موجها إلى الناس كافة‬
‫مشركين وأهل كتاب‪{ :‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ َقدْ جَا َءكُمُ الرّسُولُ‪ }3‬الكامل الخاتم جاءكم بالدين الحق من‬
‫ربكم فآمنوا بخ خيرا لكم‪ ،‬وإن أبيتم وأعرضتم إيثارا للشر على الخير والضلل على الهدى‬
‫فاعلموا أن ل ما في السموات ‪ 4‬والرض خلقا وملكا وتصرفا وسيجزيكم بما اخترتم من الكفر‬
‫والضلل جهنم وساءت مصيرا فإنه عليم بمن استجاب لندائه فآمن وأطاع‪ ،‬وبمن أعرض فكفر‬
‫وعصى حكيم في وضع الجزاء في موضعه اللئق به‪ .‬فل يجزي المحسن بالسوء‪ ،‬ول المسيء‬
‫بالحسان‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬شر الكفر ما كان مع الصد عن سبيل اله والظلم‪ ،‬وهذا كفر اليهود‪ ،‬العياذ بال‪.‬‬
‫‪ -2‬سنة ال تعالى في أن العبد إذا أبعد في الضلل‪ ،‬وتوغل في الشر والفساد يتعذر عليه التوبة‬
‫فيموت على ذلك ويهلك‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬صدوا عن سبيل ال بقولهم‪ :‬إنا ل نجد صفة محمد في كتابنا وإنما النبوة في ولد هارون وداود‪،‬‬
‫وأن في التوراة أن شرع موسى ل ينسخ‪.‬‬
‫ل ويعم كل من كفر بال ورسوله وصد عن سبيله الذي هو السلم‪.‬‬
‫‪ 2‬اللفظ يتناول اليهود أو ً‬
‫‪ 3‬التعريف في الرسول للعهد‪ ،‬إذ هو معهود بين المخاطبين معروف لهم‪ ،‬وكونه للعهد ل ينافي ما‬
‫ذكر في التفسير من أنه الكامل في رسالته؛ كأنه فرد فيها ل نظير له‪.‬‬
‫‪ 4‬إنه لم يدعكم إلى اليمان لحاجة به إنه عزيز إنه سبحانه وتعالى يملك الكائنات كلها حيها‬
‫وميتها ظاهرها وباطنها ويتصرف يها كما يشاء وهو الغني الحميد‪.‬‬

‫( ‪)1/578‬‬

‫‪ -3‬الرسالة المحمدية عامة لسار الناس أبيضهم وأصفرهم‪.‬‬


‫إثبات صفتي العلم والحكمة ل تعالى‪ .‬وبموجبهما يتم الجزاء العادل الرحيم‪.‬‬
‫حقّ إِ ّنمَا ا ْلمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ‬
‫{يَا َأ ْهلَ ا ْلكِتَابِ ل َتغْلُوا فِي دِي ِنكُ ْم وَل َتقُولُوا عَلَى اللّهِ إِل الْ َ‬
‫رَسُولُ اللّ ِه َوكَِلمَتُهُ أَ ْلقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللّ ِه وَرُسُلِ ِه وَل َتقُولُوا ثَلثَةٌ انْ َتهُوا خَيْرا َلكُمْ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الَ ْرضِ َو َكفَى بِاللّ ِه َوكِيلً(‬
‫حدٌ سُ ْبحَانَهُ أَنْ َيكُونَ َل ُه وَلَدٌ َلهُ مَا فِي ال ّ‬
‫إِ ّنمَا اللّهُ إِلَ ٌه وَا ِ‬
‫‪ )171‬لَنْ يَسْتَ ْن ِكفَ ا ْلمَسِيحُ أَنْ َيكُونَ عَبْدا لِلّ ِه وَل ا ْلمَل ِئكَةُ ا ْل ُمقَرّبُونَ َومَنْ يَسْتَ ْن ِكفْ عَنْ عِبَادَ ِتهِ‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ فَ ُي َوفّيهِمْ ُأجُورَهُمْ‬
‫جمِيعا(‪ )172‬فََأمّا الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫حشُرُهُمْ إِلَيْهِ َ‬
‫وَيَسْ َتكْبِرْ فَسَيَ ْ‬
‫جدُونَ َلهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ‬
‫عذَابا أَلِيما وَل يَ ِ‬
‫وَيَزِيدُهُمْ مِنْ َفضْلِ ِه وََأمّا الّذِينَ اسْتَ ْن َكفُوا وَاسْ َتكْبَرُوا فَ ُيعَذّ ُبهُمْ َ‬
‫وَلِيّا وَل َنصِيرا(‪})173‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{يَا َأ ْهلَ ا ْلكِتَابِ} ‪ :‬المراد بهم ‪ 1‬هنا‪ :‬النصارى‪.‬‬
‫{ل َتغْلُوا ‪ 2‬فِي دِي ِن ُكمْ} ‪ :‬الغلو‪ :‬تجاوز الحد للشيء‪ ،‬فعيسى عليه السلم عبد ال ورسوله فغلوا فيه‬
‫فقالوا هو ال‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬النصارى غلوا في عيسى فتجاوزوا حد الفراط حيث ألهوه‪ ،‬أي‪ :‬جعلوه إلهًا وعبدوه‪،‬واليهود‬
‫غلوا في التفريط في عيسى‪ ،‬إذ قالوا‪ :‬ساحر وابن زنا والعياذ بال‪.‬‬
‫‪ 2‬الغلو مشتق من غلوة السهم‪ ،‬وهي منتهى اندفاعه‪ ،‬ويطلق الغلو في الشرع على الزيادة على‬
‫المطلوب في العتقاد والقول والعمل‪.‬‬

‫( ‪)1/579‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ا ْلمَسِيحُ} ‪ :‬هو عيسى عليه السلم ولقب بالمسيح لنه ممسوح من الذنوب‪ ،‬أي‪ :‬ل ذنب له قط‪.‬‬
‫{ َوكَِلمَتُهُ أَ ْلقَاهَا} ‪ :‬أي‪ :‬قول ال تعالى له {كن} فكان –ألقاها إلى مريم‪ :‬أوصلها لها وأبلغها إياها‬
‫وهي قول الملئكة لها إن ال يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم‪.‬‬
‫{وَرُوحٌ مِنْهُ} ‪ :‬أي‪ :‬عيسى كان بنفخة جبريل روح ال في كم درعها‪.‬‬
‫{ َوكِيلً} ‪ :‬حفيظا وشاهدا عليما‪.‬‬
‫{لَنْ َيسْتَ ْن ِكفَ} ‪ :‬ل يرفض عبوديته ل تعالى أنفة وكبرا‪.‬‬
‫{وَيَسْ َتكْبِرْ} ‪ :‬يرى نفسه كبيرة فوق ما طلب منه أن يقوله أو يفعله إعجابا وغرورا‪.‬‬
‫{وَلِيّا وَل َنصِيرا} ‪ :‬أي‪ :‬ل يجدون يوم القيامة وليا يتولى الدفاع عنهم ول نصيرا ينصرهم حتى‬
‫ل يدخلوا النار ويعذبوا فيها‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق مع أهل الكتاب‪ ،‬ففي الية الولى(‪ )171‬نادى الرب تبارك وتعالى النصارى بلقب‬
‫الكتاب الذي هو النجيل ونهاهم عن الغلو في دينهم من التنطع والتكلف؛ كالترهب واعتزال‬
‫النساء وما إلى ذلك من البدع التي حمل عليها الغلو‪ ،‬كما نهاهم عن قولهم على ال تبارك وتعالى‬
‫غير الحق‪ ،‬وذلك بنسبة الولد إليه تعالى عن ذلك علوا كبيرا‪ ،‬وأخبرهم بأن عيسى لم يكن ‪ 1‬أبدا‬
‫غير رسول ال وكلمته التي ألقاها إلى مريم ‪ ،2‬حيث بعث إليها جبريل فبشرها بأن ال تعالى قد‬
‫يهبها غلما زكيا‪ ،‬ونفخ وهو روح ال في كم درعها فكان عيسى بكلمة التكوين وهي {كن}‬
‫وبسبب تلك النفخة من روح ال جبريل عليه السلم فلم يكن عيسى ال ول ابن ال فارجعوا إلى‬
‫الحق وآمنوا بال ورسله جبريل وعيسى ومحمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ول تقولوا زورا وباطلً‪:‬‬
‫ال ثالث ثلثة آلهة ‪ .3‬انتهوا عن القول الكذب يكن‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لن‪ :‬إنما أداة قصر فمن هنا قصر عيسى عليه السلم على ثلث صفات‪ ،‬وهي‪ :‬الرسالة‪،‬‬
‫والكلمة‪ ،‬والروح‪ ،‬أي‪ :‬هو لم يكون غير رسول ال وكلمته وروح منه‪ ،‬والقصر إضافي كما هو‬
‫ظاهر‪.‬‬
‫‪ 2‬لم يذكر ال تعالى امرأة في القرآن باسمها العلم سوى مريم‪ ،‬إذ ذكرها في القرآن في نحو من‬
‫ثلثين موضعًا‪ ،‬وسر هذا أن العرب يتحاشون أن يذكروا أسماء نساؤهم إنما يكنون عنهن بالعرس‬
‫والهل والعائلة‪ .‬وأما الماء فيذكرونهن بأسماؤهن‪ ،‬لذا ذكر تعالى مريم وهي أمته باسمها العلم‬
‫ثلثين مرة‪.‬‬
‫‪ 3‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬المراد من التثليث‪ :‬ال تعالى وصاحبته وابنه‪ .‬والقانيم عند‬
‫بعضهم هي‪ :‬الب والبن وروح القدس‪ .‬وعند بعضهم هو‪ :‬الوجود والحياة والعلم‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/580‬‬

‫ل ومآلً‪ ،‬إنما ال سبحانه وتعالى إله واحد له ول ند ول ولد‪ .‬سبحانه تنزه‬


‫انتهاؤكم خيرا لكم حا ً‬
‫وعل وجل وعظم أن يكون له ولد‪ ،‬ولم تكن له صاحبة‪ ،‬ولم يكن ذا حاجة وله ما في السموات‬
‫وما في الرض خلقا وملكا وحكما وتدبيرا‪ ،‬وكفى به سبحانه وتعالى وكيلً شاهدا عليما فحسبكم‬
‫ال تعالى ربا وإلها فإنه يكفيكم كل ما يهمكم فل تلتفتون إلى غيره ول تطلبون سواه‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه الية الولى(‪ ،)171‬وأما اليتان الثانية(‪ )172‬والثالثة(‪ )173‬فقد أخبر تعالى أن‬
‫عبده ورسوله المسيح عليه السلم لن يستنكف أبدا أن يعبد ال وينسب إليه بعنوان العبودية فيقال‬
‫عبد ال ورسوله‪ ،‬حتى الملئكة المقربون منهم فضلً عن غيرهم ل يستنكفون عن عبادة ال‬
‫تعالى وعن لقب العبودية فهم عباد ال وملئكته‪ ،‬ثم توعد تعالي كل من يستنكف عن عبادته عنها‬
‫من سائر الناس بأنه سيحشرهم جميعا ويحاسبهم على أعمالهم فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات‬
‫آمنوا بألوهيته تعالى وحده وعبدوه وحده بما شرع لهم من أنواع العبادات وهي العمال الصالحة‬
‫فهؤلء يوفيهم أجورهم كاملة ويزيدهم من فضله الحسنة بعشر أمثالها‪ ،‬وقد يضاعف إلى سبعمائة‬
‫ضعف‪ .‬وأما الذين استنكفوا واستكبروا‪ ،‬أي‪ :‬حملتهم النفة والكبر على عدم قبول الحق والرجوع‬
‫إليه فأصروا على العتقاد الباطل والعمل الفاسد فيعذبهم تعالى عذابا أليما‪ ،‬أي‪ :‬موجعا ل يجدون‬
‫لهم من دونه وليا ول ناصرا فينتهي أمرهم إلى عذاب الخلد جزاء بما كانوا يعملون‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة الغلو في الدين إذ هي من السباب الموجبة للبتداع ‪ 1‬والضلل‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة القول على ال تعالى بدون علم مطلقا والقول عليه بغير الحق بصورة خاصة‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان المعتقد الحق في عيسى ‪ 2‬عليه السلم‪ ،‬وأنه عبد ال ورسوله كان بكلمة ال ونفخة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال مطرف بن عبيد ال‪ :‬والعدل حسنة بين سيئتين‪ :‬الولى‪ :‬الفراط‪ .‬والثانية‪ :‬التفريط‪ .‬فالغلو‪:‬‬
‫إفراط‪ .‬والتقصير‪ :‬تفريط‪ .‬كلهما مذموم‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وأوف ول تستوف حقك كله ‪ ...‬وسامح فلم يستوف قط كريم‬
‫ول تغل في شيء من المر واقتصد ‪ ...‬كل طرفي قصد المور ذميم‬
‫‪ 2‬ذكر القرطبي عند تفسير هذه الية قصة طويلة في سب فساد دين المسيح عليه السلم‪ ،‬وأن‬
‫الذي أفسده هو بولس اليهودي ولعنا نذكرها في تفسير آية المائدة‪ { :‬فَأَغْرَيْنَا بَيْ َن ُهمُ ا ْلعَدَا َوةَ‬
‫وَالْ َب ْغضَاءَ} إن شاء ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)1/581‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جبريل ‪ 1‬عليه السلم‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة الستنكاف عن الحق والستكبار عن قبوله‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان الجزاء الخروي وهو إما نعيم وإما جحيم‪.‬‬
‫{يَا أَ ّيهَا النّاسُ قَدْ جَا َءكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَ ّبكُ ْم وَأَنْزَلْنَا إِلَ ْيكُمْ نُورا مُبِينا(‪ )174‬فََأمّا الّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ‬
‫ل وَ َيهْدِيهِمْ إِلَيْ ِه صِرَاطا مُسْ َتقِيما(‪})175‬‬
‫حمَةٍ مِنْ ُه َو َفضْ ٍ‬
‫صمُوا بِهِ َفسَيُ ْدخُِلهُمْ فِي رَ ْ‬
‫وَاعْ َت َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{بُرْهَانٌ} ‪ :‬البرهان‪ :‬الحجة‪ ،‬والمراد به هنا‪ :‬محمد ‪ 2‬صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫{نُورا مُبِينا} ‪ :‬هو القرآن الكريم‪.‬‬
‫صمُوا} ‪ :‬أي‪ :‬تمسكوا بالقرآن وبما يحمله من الشرائع‪.‬‬
‫{وَاعْ َت َ‬
‫حمَةٍ مِنْهُ} ‪ :‬الجنة‪.‬‬
‫{فِي رَ ْ‬
‫{صِرَاطا} ‪ :‬طريقا يفضي بهم إلى جوار ربهم في دار الكرامة‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ينادي ‪ 3‬الرب تبارك وتعالى سائر الناس مشركين ويهود ونصارى مخبرا إياهم قاطعا للحجة‬
‫عليهم بأنه أرسل إليهم رسوله محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهو البرهان الساطع والدليل القاطع‬
‫على وجود ال تعالى وعلمه وقدرته ووجوب اليمان به وبرسله ولزوم عبادته بطاعته وطاعة‬
‫رسوله وأنه أنزل عليه كتابه شافيا كافيا هاديا نورا مبينا يهدي به ال من اتبع رضوانه سبل‬
‫السلم‪ ،‬ويخرجه من الظلمات إلى النور‪ .‬بهذا قد أعذر ال تعالى إلى الناس كافة وقطع عليهم كل‬
‫معذرة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال أبي بن كعب رضي ال عنه‪" :‬خلق ال أرواح بني آدم لما أخذ عليهم الميثاق ثم ردها إلى‬
‫صلب آدم وأمسك عنده روح عيسى عليه السلم‪ ،‬فلما أراد خلقه أرسل ملك الروح إلى مريم فكان‬
‫منه عيسى‪ .‬فلذا قال‪{ :‬ورُوح مِنه} "‪ .‬هذا الثر أحسن ما يقال في قوله تعالى‪{ :‬ورُوح مِنه} "‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا الذي قرره ابن جرير وأن البرهان في هذه الية هو‪ :‬النبي محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا النداء وما بعده؛ كالفذلكة لما تقدم من دعوة أهل الكتابين إلى الدخول في السلم لقامة‬
‫الحجة على الجميع‪ .‬إذ وجه نداءه العام لكل البشر‪ ،‬وهو يتناول أهل الكتابين والمشركين وغيرهم‬
‫لقامة الحجة على الجميع‪.‬‬

‫( ‪)1/582‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وحجة ثم هم صنفان مؤمن وكافر‪ ،‬فالذين آمنوا بال ربا وإلها وبرسوله نبيا ورسولً واعتصموا‬
‫بالقرآن فأحلوا حلله وحرموا حرامه وصدقوا أنباءه والتزموا آدابه فهؤلء سيدخلهم في رحمة ‪1‬‬
‫منه وفضل وذلك بأن ينجيهم من النار ويدخهلم الجنان‪ ،‬وذلك هو الفوز العظيم كما قال تعالى‪:‬‬
‫خلَ الْجَنّةَ َفقَدْ فَازَ} ‪ .‬وأما الذين كفروا به وبرسوله وكتابه فمصيرهم‬
‫{ َفمَنْ ُزحْزِحَ عَنِ النّا ِر وَأُ ْد ِ‬
‫معروف وجزاءهم معلوم فل حاجة إلى ذكره‪ :‬إنه الحرمان والخسران‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬الدعوة السلمية دعوة عامة فهي للبيض والصفر على حد سواء‪.‬‬
‫‪ -2‬إطلق لفظ البرهان على النبي صلى ال عليه وسلم؛ لنه بأميته وكماله الذي ل مطمع لبشري‬
‫أن يساميه فيه برهان على وجود ال وعلمه ورحمته‪.‬‬
‫‪ -3‬القرآن نور لما يحصل به من الهتداء إلى سبيل النجاة وطرق السعادة والكمال‪.‬‬
‫ثمن السعادة ودخول الجنة اليمان بال ورسوله ولقائه والعمل الصالح وهو التمسك بالكتاب‬
‫والسنة المعبر عنه بالعتصام‪.‬‬
‫ك وَ ُهوَ‬
‫ختٌ فََلهَا ِنصْفُ مَا تَ َر َ‬
‫{يَسْ َتفْتُو َنكَ ُقلِ اللّهُ ُيفْتِيكُمْ فِي ا ْلكَللَةِ إِنِ امْ ُرؤٌ َهَلكَ لَيْسَ لَهُ وَلَ ٌد وَلَهُ ُأ ْ‬
‫ل وَنِسَاءً‬
‫خ َوةً ِرجَا ً‬
‫ك وَإِنْ كَانُوا ِإ ْ‬
‫يَرِ ُثهَا إِنْ لَمْ َيكُنْ َلهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فََل ُهمَا الثّلُثَانِ ِممّا تَ َر َ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ(‪})176‬‬
‫ظ الُنْثَيَيْنِ يُبَيّنُ اللّهُ َلكُمْ أَنْ َتضِلّوا وَاللّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫حّ‬‫فَلِل ّذكَرِ مِ ْثلُ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{يَسْ َتفْتُو َنكَ‪ : }2‬يطلبون فتياك في كذا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الرحمة‪ :‬الجنة بعد النجاة من النار‪ .‬والفضل‪ :‬ما ينعم به عليهم في دار السلم‪ ،‬وأعظمه النظر‬
‫إلى وجه الكريم‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وَ َي ْهدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطا مُسْ َتقِيما} أي‪ :‬يهديهم إلى ما يصل بهم إلى‬
‫رضاه وجواره‪ ،‬وهو‪ :‬السلم‪ ،‬وذلك بأن يثبتهم عليه حتى الموت‪.‬‬
‫‪ 2‬روي أن هذه الية وتسمى آية الكللة نزلت في آخر ما نزل‪ ،‬وسبب نزولها‪ :‬أن جابر بن عبد‬
‫ال مرض فعاداه رسول ال صلى ال عليه وسلم مع أبي بكر فأغمى على عبد ال فتوضأ رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ثم صب عليه من فضل وضوءه فأفاق‪ ،‬فقال يا رسول ال‪ :‬كيف أقضي‬
‫في مالي؟ وكان له تسع أخوات‪ ،‬فلم يرد عليه شيئا حتى نزلت هذه الية‪.‬‬

‫( ‪)1/583‬‬

‫{ ُيفْتِيكُمْ} ‪ :‬يبين لكم ما أشكل عليكم من أمر الملئكة‪.‬‬


‫{ا ْلكَللَةِ} ‪ :‬أن يهلك الرجل ول يترك ولدا ول يترك ولد ولد‪ ،‬وإنما يترك أخا أو أختا‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الحظ ‪ :‬النصيب‪.‬‬
‫{أَنْ َتضِلّوا} ‪ :‬كيل تضلوا‪ ،‬أي‪ :‬تخطئوا في قسمة التركة‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫هذه الية تسمى آية الكللة ‪ ،1‬وآيات المواريث أربع‪ :‬الولى في شأن الولد والوالد‪{ :‬يُوصِيكُمُ اللّهُ‬
‫صفُ مَا تَ َركَ‬
‫ظ الُنْثَيَيْنِ‪ . }2‬والثانية‪ :‬في شأن الزوج والزوجة‪{ :‬وََلكُمْ ِن ْ‬
‫حّ‬‫فِي َأوْل ِدكُمْ لِل ّذكَرِ مِ ْثلُ َ‬
‫ختٌ}‬
‫جلٌ يُو َرثُ كَللَةً َأوِ امْرََأ ٌة وَلَهُ أَخٌ َأوْ أُ ْ‬
‫جكُمْ} إلخ‪ ...‬وفي شأن الخوة لم‪{ :‬وَإِنْ كَانَ َر ُ‬
‫أَ ْزوَا ُ‬
‫إلخ‪ ..‬وهاتان اليتان تقدمتا في أول سورة النساء‪ .‬والثالثة‪ ،‬هي هذه‪َ { :‬يسْ َتفْتُو َنكَ} إلخ‪ ..‬وهي في‬
‫شأن ميراث الخوة والخوات عند موت أحدهم ولم يترك ولدا ول ولد ولد‪ ..‬وهو معنى الكللة‪.‬‬
‫والرابعة‪ :‬في آخر سورة النفال وهي في شأن ذوي الرحام‪ ،‬وهي قوله تعالى‪{ :‬وَأُولُوا الَرْحَامِ‬
‫ضهُمْ َأوْلَى بِ َب ْعضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ} ‪.‬‬
‫َب ْع ُ‬
‫وهذه الية نزلت عند سؤال بعض الصحابة رضي ال عنهم عن الكللة‪ ،‬فقال تعالى‪ :‬يسألونك‬
‫أيها الرسول عن الكللة‪ .‬قل للسائلين‪{ :‬اللّهُ ُيفْتِيكُمْ فِي ا ْلكَللَةِ} ‪ ،‬وهذه فتواه‪ :‬إن هلك امرؤ ذكرا‬
‫كان أو أنثى‪ ،‬وليس له ولد ول ولد ولد وله أخت شقيقة أو لب فلها نصف ما ترك‪ ،‬وهو يرثها‬
‫أيضا إن لم يكن لها ولد ول ولد ولد‪ .‬فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالً‬
‫ونساء‪ ،‬أي‪ :‬ذكورا وإناثا فللذكر مثل حظ النثيين وبعد أن بين تعالى كيف يورث من مات كللة‬
‫قال مبينا حكمة هذا البيان‪{ :‬يُبَيّنُ اللّهُ َلكُمْ أَنْ َتضِلّوا} أي‪ :‬كيل ‪ 3‬تضلوا في قسمة التركات‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ‪ }4‬فل‬
‫فتخطئوا الحق وتجوروا في قسمة أموالكم‪{ .‬وَاللّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وتسمى آية الصيف لنها نزلت في زمن الصيف‪ ،‬وقال عمر رضي ال عنه‪" :‬إني وال ل أدع‬
‫شيئا أهم إليّ من أمر الكللة‪ ،‬وقد سألت رسول ال عنها فما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيها‬
‫حتى طعن في جنبي أو صدري وقال‪" :‬يا عمر أل تكفيك آية الصيف‪.‬‬
‫‪ 2‬الجمهور ما عدا ابن عباس والظاهرية على أن الخوات عصبة مع البنات‪ ،‬فلو هلك هالك‬
‫وترك أختًا له وبنتا فإن المال بينهما نصفين‪ ،‬وإن ترك ثلثًا فالمال بينهما أثلثًا‪ ،‬وهكذا الخوات‬
‫عصبة مع البنات‪ .‬قضى بهذا معاذ رضي ال عنه‪.‬‬
‫‪ 3‬بعضهم يقدر كراهة أن تضلوا‪ ،‬ولما كان الحذف لزمًا للتخفيف فتقدير‪ :‬كيل‪ ،‬أفضل من لفظ‪:‬‬
‫الكراهة‪ .‬وهو ما ذكرته في التفسير ولم أذكر غيره‪.‬‬
‫‪ 4‬من جملة الشياء العليم بها‪ :‬أحوالكم‪ ،‬وما تتطلبه حياتكم في الدنيا والخرة‪ ،‬وهذا يقتضي الثقة‬
‫والطمأنينة فيما شرع لكم وتنفيذه في إخلص وحسن أداء‪.‬‬

‫( ‪)1/584‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يجهل شيئا ول يخفى عليه آخر‪ ،‬وكيف وقد أحاط بكل شيء علما سبحانه ل إله غيره ول رب‬
‫سواه‪.‬‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية الكريمة‪:‬‬
‫‪ -1‬جواز ‪ 1‬سؤال من ل يعلم من يعلم للحصول على العلم المطلوب له‪.‬‬
‫‪ -2‬إثبات وجود ال تعالى عليما قديرا سميعا بصيرا‪ ،‬وتقرير نبوة محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬إذ‬
‫سؤال الصحاب وإجابة الرب تعالى بواسطة وحيه المنزل على رسوله يقرر ذلك ويثبته‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان قسمة تركة من يورث كللة من رجل أو امرأة؛ فالخت الواحدة لها من أخيها نصف ما‬
‫ترك‪ ،‬والختان لهما الثلثان‪ ،‬والخوة مع الخوات للذكر مثل حظ النثيين‪ ،‬والخ يرث أخته إن لم‬
‫يكن لها ولد ول ولد ولد‪ ،‬والخوة والخوات يرثون أختهم للذكر مثل حظ النثيين إذا لم تترك‬
‫ولدا ول ولد ولد‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬بل الواجب أن يسأل كل من ل يعلم حتى يعلم لقول ال تعالى‪{ :‬فَاسْأَلوا أَ ْهلَ ال ّذكْرِ إِنْ كُنْتُ ْم ل‬
‫َتعَْلمُونَ} ‪.‬‬

‫( ‪)1/585‬‬

‫سورة المائدة‬
‫‪...‬‬
‫سورة المائدة ‪2‬‬
‫مدنية‬
‫وآياتها مائة وعشرون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫حلّي الصّ ْيدِ‬
‫علَ ْيكُمْ غَيْرَ مُ ِ‬
‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا َأ ْوفُوا بِا ْل ُعقُودِ أُحِّلتْ َلكُمْ َبهِيمَ ُة الَ ْنعَامِ إِل مَا يُتْلَى َ‬
‫شهْرَ ا ْلحَرَامَ وَل‬
‫شعَائِرَ اللّ ِه وَل ال ّ‬
‫حكُمُ مَا يُرِيدُ(‪ )1‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تُحِلّوا َ‬
‫وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنّ اللّهَ َي ْ‬
‫ي وَل ا ْلقَلئِ َد وَل آمّينَ الْبَ ْيتَ‬
‫ا ْلهَ ْد َ‬
‫__________‬
‫‪ 2‬سورة المائة من آخر ما نزل من السور في القرآن وأحكامها كلها محكمة ما عدا قوله تعالى‪:‬‬
‫ي وَل ا ْلقَلئِدَ‪ }...‬الية‪ .‬وهو قول الشعبي رحمه ال تعالى‪ ،‬وفيها‬
‫شهْرَ ا ْلحَرَا َم وَل ا ْلهَ ْد َ‬
‫{وَل ال ّ‬
‫حصَنَاتُ مِنَ الّذِينَ‬
‫أحكام لم توجد في غيرها من السور‪ ،‬من ذلك حكم‪ :‬المنخنقة‪ ،‬وما بعدها {وَا ْلمُ ْ‬
‫أُوتُوا ا ْلكِتَاب} ‪ ،‬والوضوء‪ ،‬وحكم السرقة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/585‬‬

‫صدّوكُمْ‬
‫ن َ‬
‫الْحَرَامَ يَبْ َتغُونَ َفضْلً مِنْ رَ ّب ِه ْم وَ ِرضْوَانا وَإِذَا حَلَلْ ُتمْ فَاصْطَادُوا وَل يَجْ ِرمَ ّنكُمْ شَنَآنُ َقوْمٍ أَ ْ‬
‫ن وَا ّتقُوا‬
‫سجِدِ ا ْلحَرَامِ أَنْ َتعْتَدُوا وَ َتعَاوَنُوا عَلَى الْبِ ّر وَال ّت ْقوَى وَل َتعَاوَنُوا عَلَى الِثْ ِم وَا ْلعُ ْدوَا ِ‬
‫عَنِ ا ْلمَ ْ‬
‫اللّهَ إِنّ اللّهَ شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ(‪})2‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{َأ ْوفُوا بِا ْل ُعقُودِ} ‪ :‬العقود‪ :‬هي العهود التي بين العبد والرب تعالى وبين العبد وأخيه والوفاء بها‪:‬‬
‫عدم نكثها والخلل بمقتضاها‪.‬‬
‫{ َبهِيمَ ُة الَ ْنعَامِ‪ : }1‬هي البل والبقر والغنم‪.‬‬
‫{وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} ‪ :‬أي‪ :‬محرمون بحج أو عمرة‪.‬‬
‫شعَائِرَ اللّهِ} ‪ :‬جمع شعيرة‪ ،‬وهي هنا مناسك الحج والعمرة وسائر أعلم دين ال تعالى‪.‬‬
‫{َ‬
‫شهْرَ الْحَرَامَ} ‪ :‬رجب وهو شهر مضر الذي كانت تعظمه‪.‬‬
‫{ال ّ‬
‫{ا ْل َه ْديَ} ‪ :‬ما يُهدى للبيت والحرم من بهيمة النعام‪.‬‬
‫{ا ْلقَلئِدَ} ‪ :‬جمع قلدة ما يقلد الهدي‪ ،‬وما يتقلده الرجل من لحاء شجر الحرم ليأمن‪.‬‬
‫{آمّينَ الْبَ ْيتَ الْحَرَامَ} ‪ :‬قاصديه يطلبون ربح تجارة أو رضوان ال تعالى‪.‬‬
‫{وَإِذَا حَلَلْ ُتمْ‪ : }2‬أي‪ :‬من إحرامكم‪.‬‬
‫{وَل يَجْ ِرمَ ّنكُمْ شَنَآنُ َقوْمٍ} ‪ :‬أي‪ :‬ل يحملنكم بغض قوم أن تعتدوا عليهم‪.‬‬
‫صدّوكُمْ} ‪ :‬أي‪ :‬لجل أن صدوكم‪.‬‬
‫ن َ‬
‫{أَ ْ‬
‫{الْبِ ّر وَال ّت ْقوَى} ‪ :‬البر‪ :‬كل طاعة ل ورسوله‪ .‬والتقوى‪ :‬فعل ما أمر ال به ورسوله وترك ما نهى‬
‫عنه ال ورسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬سميت البهيمة‪ :‬بهيمة؛ لبهامها من جهة نقص نطقها وفهمها وعدم تمييزها وعقلها‪ ،‬ومنه باب‬
‫مبهم‪ ،‬أي‪ :‬مغلق‪ ،‬وليل بهيم‪ :‬ل يميز ما فيه من الظلم‪ .‬وقولهم في الشجاع من الرجال‪ :‬بهمة؛‬
‫لنه ل يدري من أين يؤتى‪.‬‬
‫حلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} الجماع على أن المر هنا للباحة وليس للوجوب‪ ،‬وهذه‬
‫‪ 2‬قوله تعالى‪{ :‬وَِإذَا َ‬
‫قاعدة أصولية كل أمر بعد حظر‪ ،‬فهو للباحة‪.‬‬

‫( ‪)1/586‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{الِثْ ِم وَا ْلعُ ْدوَانِ} ‪ :‬الثم‪ :‬سائر الذنوب‪ ،‬والعدوان‪ :‬الظلم وتجاوز الحدود‪.‬‬
‫شدِيدُ ا ْلعِقَابِ} ‪ :‬أي‪ :‬عقابه شديد ل يطاق ول يحتمل‪.‬‬
‫{َ‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ينادي الحق تبارك وتعالى عباده المؤمنين بعنوان اليمان فيقول‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا} أي‪ :‬يا من‬
‫آمنتم بي وبرسولي ووعدي ووعيدي {َأ ْوفُوا بِا ْل ُعقُودِ‪ }1‬فل تحلوها وبالعهود فل تنكثوها‪ ،‬فل‬
‫تتركوا واجبا ول ترتكبوا منهيا‪ ،‬ول تحرموا حللً ول تحلو حراما أحللت لكم بهيمة النعام من‬
‫البل والبقر والغنم إل ما يتلى عليكم وهي التية في آية‪{ :‬حُ ّر َمتْ عَلَ ْيكُمُ ا ْلمَيْتَ ُة وَالدّمُ‪ }...2‬فل‬
‫تحرموها وحرمت عليكم الصيد وأنتم حرم ‪ 3‬فل تحلوه‪ .‬وسلموا المر لي فل تتنازعوا فيما أحل‬
‫حّلتْ‬
‫وأحرم فإني أحكم ما أريد‪ .‬هذا ما تضمنته الية الولى‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا َأ ْوفُوا بِا ْل ُعقُودِ أُ ِ‬
‫ح ُكمُ مَا يُرِيدُ‪. }4‬‬
‫َلكُمْ َبهِيمَ ُة الَ ْنعَامِ إِل مَا يُتْلَى عَلَ ْيكُمْ غَيْرَ مُحِلّي الصّيْ ِد وَأَنْ ُتمْ حُ ُرمٌ إِنّ اللّهَ يَ ْ‬
‫أما الية الثانية فقد تضمنت أحكاما بعضها نُسخ العمل به وبعضها محكم يعمل به إلى يوم الدين‪،‬‬
‫فمن المحكم والواجب العمل به تحريم شعائر ال‪ ،‬وهي أعلم دينه من سائر ما فرض وأوجب‪،‬‬
‫ونهى وحرم‪ .‬فل تستحل بترك واجب‪ ،‬ول بفعل محرم‪ ،‬ومن ذلك مناسك الحج والعمرة‪ .‬ومن‬
‫المنسوخ الشهر الحرام فإن القتال كان محرما في الشهر الحرم ثم نسخ بقول ال تعالى‪{ :‬فَاقْتُلُوا‬
‫ا ْلمُشْ ِركِينَ حَ ْيثُ َوجَدْ ُتمُوهُمْ} الية‪ ،‬ومن المنسوخ أيضا‪ :‬هدي المشركين وقلئدهم والمشركون‬
‫أنفسهم فل يسمح لهم بدخول الحرم ول يقبل منهم هدي‪ ،‬ول يجيرهم من القتل تقليد أنفسهم بلحاء‬
‫شجر الحرم ولو تقلدوا شجر الحرم كله‪ .‬هذا معنى قوله تعالى‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل ُتحِلّوا‬
‫شهْرَ الْحَرَا َم وَل ا ْلهَ ْديَ‪ 5‬وَل ا ْلقَلئِدَ‪ 6‬وَل آمّينَ‬
‫شعَائِرَ اللّ ِه وَل ال ّ‬
‫َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال الحسن‪ :‬يعني عقود الدين‪ ،‬وهو ما عقده المرء على نفسه من بيع وشراء وإجارة كراء‪،‬‬
‫ومناكحة وطلق ومزارعة ومصالحة وتمليك وتخيير وعتق وتدبير‪ ،‬وكذلك ما عاهد عليه ال‬
‫تعالى من نذر وسائر التكاليف الشرعية وما خرج من عقد على شريعة ال رد وحل‪ ،‬ول وفاء‬
‫فيه‪.‬‬
‫‪ 2‬وما حرم بالسنة‪ ،‬وهو كل ذي ناب من السباع‪ ،‬وذي مخلب من الطيور لثبوت ذلك في‬
‫الصحاح‪.‬‬
‫‪ 3‬أما إذا حلوا من إحرامهم فالصيد حلل‪ ،‬كما هو في غير الحرام إل ما كان من صيد الحرم‬
‫فإنه حرام في الحرام والحلل‪.‬‬
‫‪ 4‬هذه الجملة تقتضي تسليم المر ل‪ ،‬فل اعتراض عليه فيما يحل ويحرم وهو كذلك‪.‬‬
‫‪ 5‬الهدي‪ :‬ما يهدى إلى الحرم‪ ،‬ومن خصائصه‪ :‬أنه يشعر وذلك يجرح سنامه من الجهة اليمنى‬
‫حتى يسيل الدم‪ ،‬وبذلك يعلم أنه هدي‪ ،‬وقال‪ :‬بالشعار كافة الفقهاء إل أبا حنيفة‪ ،‬ولموه وعنفوا‬
‫عليه لتركه السنة الصحيحة في الشعار‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 6‬يحرم بيع الهدي إذا أشعر وقلت لنه أصبح كالوقف ل تعالى‪ ،‬ومعنى التقليد‪ :‬أن يوضع في‬
‫عنقه قلدة يعلم بها أنه هدي‪ ،‬وهذا يكون في الغنم لنها ل تشعر‪.‬‬

‫( ‪)1/587‬‬

‫الْبَ ْيتَ الْحَرَامَ يَبْ َتغُونَ َفضْلً مِنْ رَ ّب ِه ْم وَ ِرضْوَانا}‪ .‬والمراد بالفضل‪ :‬الرزق بالتجارة في الحج‪،‬‬
‫والمراد بالرضوان‪ :‬ما كان المشركون يطلبونه بحجهم من رضى ال ليبارك لهم في أرزاقهم‬
‫ويحفظهم في حياتهم‪.‬‬
‫حلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} خطاب للمؤمنين أذن لهم في الصطياد الذي كان محرما‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬وَِإذَا َ‬
‫وهم محرمون إذن لهم فيه بعد تحللهم من إحرامهم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَل َيجْ ِرمَ ّنكُمْ شَنَآنُ َقوْمٍ أَنْ‬
‫سجِدِ الْحَرَامِ أَنْ َتعْتَدُوا} ينهي عباده المؤمنين أن يحملهم بغض قوم صدورهم يوم‬
‫صَدّوكُمْ عَنِ ا ْلمَ ْ‬
‫الحديبية عن دخول المسجد الحرام أن يعتدوا عليهم بغير ما أذن ال تعالى لهم فيه‪ ،‬وهو قتالهم إن‬
‫قاتلوا وتركهم إن تركوا‪ .‬ثم أمرهم تعالى بالتعاون على البر والتقوى‪ ،‬أي‪ :‬على أداء الواجبات‬
‫والفضائل‪ ،‬وترك المحرمات والرذائل‪ ،‬ونهاهم عن التعاون عن ضدها‪ ،‬فقال عز وجل‪{ :‬وَ َتعَاوَنُوا‬
‫عَلَى الْبِرّ‪ 1‬وَال ّت ْقوَى وَل َتعَاوَنُوا عَلَى الِثْمِ‪ 2‬وَا ْلعُ ْدوَانِ} ‪ .‬ولما كانت التقوى تعم الدين كله فعلً‬
‫وتركا أمرهم بها‪ ،‬فقال‪{ :‬وَا ّتقُوا اللّهَ} باليمان به ورسوله وبطاعتهما في الفعل والترك‪ ،‬وحذرهم‬
‫شدِيدُ ا ْل ِعقَابِ} فاحذروه بلزوم التقوى‪.‬‬
‫من إهمال أمره بقوله‪{ :‬إِنّ اللّهَ َ‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب الوفاء بالعهود التي بين ال تعالى وبين العبد والمحافظة على العقود التي بين العبد‬
‫وأخيه العبد لشمول الية ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬إباحة أكل لحوم البل والبقر والغنم إل الميتة منها‪.‬‬
‫‪ -3‬تحريم الصيد في حال الحرام وحليته بعد التحلل من الحرام وهو صيد البر ل البحر ‪.3‬‬
‫‪ -4‬وجوب احترام شعائر الدين كلها أداء لما وجب أداؤه‪ ،‬وتركا لما وجب تركه‪.‬‬
‫‪ -5‬حرمة العتداء مطلقا على الكافر‪.‬‬
‫‪ -6‬وجوب التعاون بين المؤمنين على إقامة الدين‪ ،‬ورحمة تعاونهم على المساس به‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في البر‪ ،‬وهو فعل الخير رضا الناس وفي التقوى رضا ال‪ ،‬ومن جمع بين رضا الناس ورضا‬
‫ال فقد جمع الخير كله وتمت سعادته في دنياه وآخرته‪.‬‬
‫‪ 2‬أي‪ :‬ول تعانوا على فعل الثم من سائر كبائر الذنوب والفواحش ول على الظلم والعتداء إذ‬
‫كلهما مما حرم ال تعالى‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حلّ لَك ْم صَيْد البَحْر ما ُدمْتم حُرما}‬
‫‪ 3‬لن صيد البحر حلل في الحرام وغيره لقوله تعالى‪{ :‬وَُأ ِ‬
‫الية من آخر هذه السورة‪.‬‬

‫( ‪)1/588‬‬

‫حمُ ا ْلخِنْزِي ِر َومَا أُ ِهلّ ِلغَيْرِ اللّهِ ِب ِه وَا ْلمُنْخَ ِنقَ ُة وَا ْل َم ْوقُو َذةُ وَا ْلمُتَرَدّيَةُ‬
‫{حُ ّر َمتْ عَلَ ْي ُكمُ ا ْلمَيْتَ ُة وَالدّ ُم وَلَ ْ‬
‫سمُوا بِالَزْلمِ ذَِلكُمْ ِفسْقٌ‬
‫ب وَأَنْ تَسْ َتقْ ِ‬
‫ص ِ‬
‫وَالنّطِيحَ ُة َومَا َأ َكلَ السّبُعُ إِل مَا َذكّيْتُ ْم َومَا ذُبِحَ عَلَى الّن ُ‬
‫شوْنِ الْ َيوْمَ َأ ْكمَلْتُ َلكُمْ دِي َنكُ ْم وَأَ ْت َم ْمتُ عَلَ ْيكُمْ‬
‫شوْهُمْ وَاخْ َ‬
‫الْ َيوْمَ يَئِسَ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ دِي ِنكُمْ فَل َتخْ َ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ(‬
‫ف لِثْمٍ فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫خ َمصَةٍ غَيْرَ مُتَجَا ِن ٍ‬
‫ِن ْعمَتِي وَ َرضِيتُ َل ُكمُ السلم دِينا َفمَنِ اضْطُرّ فِي مَ ْ‬
‫‪})3‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ا ْلمَيْتَةُ} ‪ :‬ما مات من بهيمة النعام حتف أنفه‪ ،‬أي‪ :‬بدون تذكية ‪.1‬‬
‫{ َومَا أُ ِهلّ ِلغَيْرِ اللّهِ بِهِ} ‪ :‬أي‪ :‬ما ذكر عليه اسم غير اسم ال تعالى‪ ،‬مثل المسيح‪ ،‬أو الولي‪ ،‬أو‬
‫صنم‪.‬‬
‫{وَا ْلمُنْخَ ِنقَةُ} ‪ :‬أي‪ :‬بحبل ونحوه فماتت‪.‬‬
‫{وَا ْل َم ْوقُو َذةُ‪ : }2‬أي‪ :‬المضروبة بعصا أو حجر فماتت به‪.‬‬
‫{وَا ْلمُتَرَدّ َيةُ} ‪ :‬الساقطة من عال إلى أسفل‪ ،‬مثل‪ :‬السطح والجدار والجبل فماتت‪.‬‬
‫{وَالنّطِيحَةُ‪ : }3‬ما ماتت بسبب نطح أختها لها بقرونها أو رأسها‪.‬‬
‫{ َومَا َأ َكلَ السّبُعُ} ‪ :‬أي‪ :‬ما أكلها الذئب وغيره من الحيوانات المفترسة‪.‬‬
‫{إِل مَا َذكّيْ ُتمْ‪ : }4‬أي‪ :‬أدركتم فيه الروح مستقرة فذكيتموه ‪ 5‬بذبحه أو نحره‪.‬‬
‫صبِ} ‪ :‬أي‪ :‬ما ذبح على الصنام المنصوبة التي تمثل إلها أو زعيما أو عظيما‪،‬‬
‫{ َومَا ذُبِحَ عَلَى الّن ُ‬
‫و مثلها ما ذبح على أضرحة الولياء وقبورهم وعلى الجان‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ومن غيرها من مأكول اللحم؛ كالضباء‪ ،‬والرانب‪ ،‬وأنواع الصيد باستثناء ما ذكر عليه اسم ال‬
‫حال صيده‪ ،‬فإن ما مات منه يؤكل ولو لم يزك‪ ،‬ول يقال فيه ميتة‪.‬‬
‫‪ 2‬يقال‪ :‬وقذة‪ ،‬يقذة‪ ،‬وقذًا؛ إذا ضربه بحجر ونحوها‪ ،‬والوكذ‪ :‬شدة الضرب‪.‬‬
‫‪ 3‬فهي فعيلة بمعنى‪ :‬مفعولة‪ ،‬فالنطيحة‪ :‬هي المنطوحة‪.‬‬
‫‪ 4‬ما ذبح من قفاه ل يؤكل إجماعًا‪ ،‬واختلف فيما إذا رفع المذكي يده قبل إنهاء الذكاة ثم ردها‬
‫فورًا‪ ،‬الصحيح أنها تؤكل ول خلف في جواز أكل البعير إذا ند أو وقع في بئر فإنه كيفما ذُكي‬
‫جاز أكله للحديث الصحيح‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 5‬الستثناء متصل‪ ،‬وهو راجع على كل ما أدرك زكاته من المذكورات وفيه حياة ول اللتفات‬
‫إلى الخلف في هذه المسألة‪.‬‬

‫( ‪)1/589‬‬

‫سمُوا} ‪ :‬أي‪ :‬وحرم عليكم ما تحصلون عليه بالستقسام بالزلم ومثله ما يأخذه صاحب‬
‫{وَأَنْ تَسْ َتقْ ِ‬
‫الكهانة والشواقة وقرعة النبياء‪ ،‬والحروز الباطلة التي فيها طلسم وأسماء الجن والعفاريت‪.‬‬
‫سقٌ} ‪ :‬أي‪ :‬ما ذكر من أكل الميتة إلى الستقسام بالزلم خروج عن طاعة ال تعالى‬
‫{ذَِلكُمْ فِ ْ‬
‫ومعصية له سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫{ َفمَنِ اضْطُرّ} ‪ :‬أي‪ :‬من ألجأته ضرورة الجوع فخاف على نفسه الموت فل بأس أن يأكل مما‬
‫ذكر‪.‬‬
‫خ َمصَةٍ} ‪ :‬المخمصة‪ :‬شدة الجوع حتى يضمر البطن لقلة الغذاء به‪.‬‬
‫{فِي مَ ْ‬
‫{غَيْرَ مُ َتجَا ِنفٍ} ‪ :‬غير مائل لثم يريد غير راغب في المعصية بأكل ما أكل من الميتة‪ ،‬وذلك بأن‬
‫يأكل أكثر مما يسد به رمقه ويدفع به غائلة الجوع المهلك‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫هذه الية الكريمة هي تفسير وتفصيل لقوله تعالى في الية الولى من هذه السورة‪ ،‬وهو قوله‪:‬‬
‫{إِل مَا يُتْلَى عَلَ ْيكُمْ} حيث ذكر في هذه الية سائر المحرمات من اللحوم وهي عشر كما يلي‪:‬‬
‫الميتة‪ ،‬والدم‪ ،‬ولحم الخنزير‪ ،‬وما أهل لغير ال به‪ ،‬والمنخنقة‪ ،‬والموقوذة‪ ،‬والمتردية‪ ،‬والنطيحة‪،‬‬
‫وما أكل السبع‪ ،‬وما ذبح على النصب ‪.1‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬إِل مَا َذكّيْتُمْ‪ }2‬يريد ما أدركتم فيه الروح مستقرة‪ .‬بحيث إذا ذبحتموه اضطرب‬
‫للذبح وركض برجليه فإن هذا علمة أنه كان حيا وأنه مات بالذبح ‪.3‬‬
‫سمُوا بِالَزْلمِ} يريد ول يحل لكم الستقسام بالزلم‪ ،‬ول أكل ما يعطى عليها‬
‫وقوله‪{ :‬وَأَنْ تَسْ َتقْ ِ‬
‫وحقيقتها أنهم كانوا في الجاهلية يضعون القداح المعبر عنها بالزلم جمع زلم وهو رمح صغير‬
‫ل زج له ول ريش فيه‪ ،‬يضعونها في خريطة كالكيس‪ ،‬وقد كتب على واحد أمرني‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ما ذبح على النصب‪ ،‬وما أهل لغير ال به‪ :‬هما كشيء واحد إلى أن ما أهل لغير ال به غالبًا‬
‫يكون مذبوحًا لغير الصنام؛ كالنبياء والولياء‪.‬‬
‫‪ 2‬الذكاة في لغة العرب‪ :‬الذبح كقوله تعالى‪{ :‬إل ما ذَكيتم} ‪ ،‬أي‪ :‬ذبحتم ما ذكر اسم ال عليها‪،‬‬
‫وفي الحديث‪" :‬ذكاة الجنين ذكاة أمه" ‪ ،‬والذكاة‪ :‬سرعة الفطنة‪ ،‬والتذكية‪ :‬مأخوذة من التطيب‪،‬‬
‫فذكاها بمعنى‪ :‬طيبها بالذبح‪ ،‬ومنه رائحة ذكية‪ :‬أي‪ :‬طيبة‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 3‬والذكاة تقع بكل حاد ينهر الدم‪ ،‬ويفري الوداج ما عدا العظم والسن‪ ،‬لقوله صلى ال عليه‬
‫وسلم‪" :‬ليس السن والظفر" ‪ ،‬لن السن عظم‪ ،‬والظفر مدى الحبشة‪.‬‬

‫( ‪)1/590‬‬

‫ربي‪ ،‬وآخر‪ :‬نهاني ثم يحيلها المستقسم بها في الخريطة ويخرج زلما منها فإن وجده مكتوبا عليه‪:‬‬
‫أمرني ربي‪ ،‬مضى في عمله سفرا أو زواجا ‪ ،‬أو بيعا أو شراء‪ ،‬وإن وجده مكتوبا عليه‪ :‬نهاني‬
‫ربي‪ ،‬ترك ما عزم على فعله ‪ 1‬فجاء السلم فحرم الستقسام بالزلم‪ ،‬وسن الستخارة وهي‪ :‬أن‬
‫يصلي المؤمن ركعتين من غير الفريضة ويقول‪ :‬اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك‬
‫وأسألك من فضلك العظيم‪ ،‬فإنك تقدر ول أقدر‪ ،‬وتعلم ول أعلم وأنت علم الغيوب‪ ،‬اللهم إن كنت‬
‫تعلم أن هذا المر خير لي في ديني ودنياي وعاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك‬
‫لي فيه‪ ،‬وإن كنت تعلم أن هذا المر شر لي في ديني ودنياي وعاجل أمري وآجله فاصرفه عنى‬
‫واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به‪ ،‬ويسمي حاجته‪ .‬ويفعل أو يترك ما عزم‬
‫عليه‪ ،‬والذي يأتيه هو الخير بإذن ال تعالى‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬ذَِلكُمْ ِفسْقٌ} يريد ما ذكرت لكم مما حرمت عليكم إتيانه هو الفسق فاتركوه‪.‬‬
‫شوْنِ} يخبر تعالى عباده‬
‫شوْهُ ْم وَاخْ َ‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬الْ َيوْمَ يَئِسَ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ دِي ِنكُمْ فَل َتخْ َ‬
‫المؤمنين‪ :‬أن الكافرين من المشركين وغيرهم قد يئسوا من أن يردوكم عن دينكم كما كان ذلك‬
‫قبل فتح مكة ودخول ثقيف وهوازن في السلم‪ ،‬وظهوركم عليهم في كل معركة دارت بينكم‬
‫وبينهم إذا فل تخشوهم بعد الن أن يتمكنوا من قهركم وردكم إلى الكفر واخشوني أنا بدلهم‪ ،‬وذلك‬
‫بطاعتي وطاعة رسولي ولزوم حدودي والخذ بسنتي في كوني حتى ل تتعرضوا لنقمتي بسلب‬
‫عطائي فإن نصرتي لهل طاعتي وإذللي لهل معصيتي‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬الْ َيوْمَ َأ ْكمَ ْلتُ َلكُمْ دِي َنكُ ْم وَأَ ْت َم ْمتُ عَلَ ْي ُكمْ ِن ْعمَتِي وَ َرضِيتُ َل ُكمُ السلم دِينا‪ }2‬فهو‬
‫إخبار منه تعالى لعباده المؤمنين بما هو إنعام عليهم منه وامتنان فأول‪ :‬إكمال الدين ‪ 3‬بجميع‬
‫عقائده وعباداته وأحكامه وآدابه حتى قيل أن هذه الية نزلت عشية يوم عرفة عام‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هي ثلثة أزلم كتب على أحدها‪ :‬أمرني ربي‪ ،‬وعلى الثاني‪ :‬نهاني ربي‪ ،‬والثالث‪ :‬مهمل لم‬
‫يكتب عليه شيء ويجعلها في خريطته‪ ،‬فإذا خرج أمرني مضى في عمله ‪ ،‬وإذا خرج نهاني ترك‬
‫ما أراد فعله‪ ،‬وإذا خرج المهمل أعاد الضرب في الخريطة‪ ،‬وهناك نوعان من الستقسام غير ما‬
‫ذكرنا‪.‬‬
‫‪ 2‬هذه الية‪{ :‬الْ َيوْمَ َأ ْكمَ ْلتُ َلكُمْ دِي َنكُمْ‪ }...‬نزلت بعرفة يوم الجمعة في حجة الوداع بعد العصر‪،‬‬
‫والرسول صلى ال عليه وسلم على ناقته‪ :‬العضباء‪ ،‬كما هو واضح في رواية مسلم في صحيحه‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 3‬ووجه إكمال الدين أنه كان قبل الهجرة مقصورًا على الشهادتين‪ ،‬والصلة ولما هاجر صلى ال‬
‫عليه وسلم إلى المدينة أخذ التشريع ينزل يومًا بعد يوم حتى كمل وأعلن عنه الرب تعالى في حجة‬
‫الوداع بقوله‪ { :‬الْ َيوْمَ َأ ْكمَلْتُ‪ }...‬إلخ‪.‬‬

‫( ‪)1/591‬‬

‫حجة الوداع‪ ،‬ولم يعش بعدها رسول ال صلى ال عليه وسلم إل أحدى وثمانين ليلة ثم توفاه ال‬
‫تعالى‪ .‬وثانيا‪ :‬إتمام نعمته تعالى عليهم فآمنهم بعد الخوف وقواهم بعد ضعف‪ ،‬ونصرهم وأعزهم‬
‫بعد قهر وذل وسودهم وفتح البلد لهم وأظهر دينهم‪ ،‬وأبعد الكفر والكفار عنهم‪ ،‬فعلمهم بعد جهل‬
‫وهداهم بعد ضلل فهذه من النعمة التي أتمها عليهم‪ .‬وثالثا‪ :‬رضاه بالسلم دينا لهم حيث بعث‬
‫رسوله به وأنزل كتابه فيه فين عقائده وشرائعه فأبعدهم عن الديان الباطلة؛ كاليهودية والنصرانية‬
‫والمجوسية‪ ،‬وأغناهم عنها بما رضيه لهم أل وهو السلم القائم على الستسلم ل تعالى ظاهرا‬
‫وباطنا‪ ،‬وذلك سلم العروج إلى الكمالت ومرقى كل الفواضل والفضائل والسعادات‪ ،‬فلله الحمد‬
‫وله المنة‪.‬‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ} يريد تعالى من‬
‫خ َمصَةٍ غَيْرَ مُ َتجَا ِنفٍ لِثْمٍ فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫ضطُرّ فِي مَ ْ‬
‫وقوله تعالى‪َ { :‬فمَنِ ا ْ‬
‫اضطر‪ ،‬أي‪ :‬ألجأته الضرورة وهي شدة الجوع وهي المخمصة ‪ 1‬والمسغبة إلى أكل ما حرمت‬
‫عليكم من الميتة وأنواعها فأكل فل إثم عليه فإني غفور لعبادي المؤمنين رحيم بهم إل أن يكون‬
‫قد أكل من الميتة وأنواعها متعمدا المعصية مائلً إليها غير مبال بتحريمي لها‪ ،‬فذاك الذي‬
‫عصاني وتعرض لنقمتي وعذابي فإن تاب فإني غفور رحيم‪ ،‬وإن أصر فإن عذابي أليم شديد‪.‬‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة الميتة وما ذكر معها وهي عشر من المحرمات‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة الستقسام بالزلم ومثلها قرعة النبياء وخط الرمل والكهانة وما أشبه ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة الذبح على القبور والقباب والنصب التذكارية وهي من الشرك‪.‬‬
‫‪ -4‬جواز أكل ما أدركه المسلم حيا من الحيوان المأكول فذكاه وإن كان قد جرح أو كسر أو‬
‫أشرف على الموت بأي سبب مميت ‪.2‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المخمصة‪ :‬لغة الجوع‪ ،‬وخلء البطن من الطعام‪ .‬والخمص‪ :‬ضمور البطن‪ ،‬ومنه الحديث‪" :‬إن‬
‫الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا" ‪ .‬وفي الحديث أيضًا‪" :‬خماص البطون خفاف الظهور"‪.‬‬
‫والخميصة‪ :‬ثوب‪ ،‬وجمعها‪ :‬خمائص‪ ،‬ثياب خز وصوف‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬تعس عبد الخميصة "‪.‬‬
‫‪ 2‬من آداب التذكية‪ :‬الرفق بالحيوان‪ ،‬إحداد الشفرة‪ ،‬إن يوجهها إلى القبلة‪ ،‬تركها حتى تبرد قبل‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أن يشرع في سلخها‪ ،‬إحضار نية الباحة قبل الشروع في الذبح‪ ،‬بأن يقول‪ :‬بسم ال ال اكبر‪.‬‬
‫والعتراف بالمنة ل؛ حيث سخر لنا هذا الحيوان‪ ،‬ولو شاء لسلطه علينا‪ ،‬وأباح لنا ما لو شاء‬
‫لحرمه علينا‪ .‬وكل هذه الداب جاءت في قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬إن ال كتب الحسان على‬
‫كل شيء‪ ،‬فإذا قتلتم فأحسنوا القتل‪ ،‬وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح" ‪ .‬الذبح‪.‬‬

‫( ‪)1/592‬‬

‫‪ -5‬وجوب خشية ال تعالى وحرمة خشية الكفار‪.‬‬


‫‪ -6‬حرمة البتداع في الدين وحرمة التشريع المنافي للشرع السلمي‪.‬‬
‫‪ -7‬جواز أكل الميتة للمضطر‪ ،‬وهو من لحقه ضرر من شدة الجوع فخاف على نفسه الهلك‬
‫على شرط أن ل يكون قاصدا المعصية مائلً إلى الثم‪.‬‬
‫جوَارِحِ ُمكَلّبِينَ ُتعَّلمُو َنهُنّ ِممّا عَّل َمكُمُ‬
‫عّلمْتُمْ مِنَ ا ْل َ‬
‫ت َومَا َ‬
‫حلّ َلكُمُ الطّيّبَا ُ‬
‫حلّ َلهُمْ ُقلْ ُأ ِ‬
‫{يَسْأَلو َنكَ مَاذَا أُ ِ‬
‫حلّ‬
‫حسَابِ(‪ )4‬الْ َيوْمَ ُأ ِ‬
‫علَيْ ِه وَا ّتقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ الْ ِ‬
‫سمَ اللّهِ َ‬
‫سكْنَ عَلَ ْي ُك ْم وَا ْذكُرُوا ا ْ‬
‫اللّهُ َفكُلُوا ِممّا َأمْ َ‬
‫حصَنَاتُ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ‬
‫حلّ َلهُ ْم وَا ْل ُم ْ‬
‫طعَا ُمكُمْ ِ‬
‫حلّ َلكُ ْم َو َ‬
‫طعَامُ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ ِ‬
‫ت وَ َ‬
‫َلكُمُ الطّيّبَا ُ‬
‫ن وَل‬
‫حصِنِينَ غَيْرَ مُسَا ِفحِي َ‬
‫حصَنَاتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ مِنْ قَبِْلكُمْ ِإذَا آتَيْ ُتمُوهُنّ ُأجُورَهُنّ مُ ْ‬
‫وَا ْلمُ ْ‬
‫عمَلُ ُه وَ ُهوَ فِي الخِ َرةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ(‪})5‬‬
‫ن َومَنْ َي ْكفُرْ بِالِيمَانِ َفقَدْ حَبِطَ َ‬
‫مُتّخِذِي أَخْدَا ٍ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{الطّيّبَاتُ} ‪ :‬ما أذن ال تعالى في أكله وأباحه لعباده المؤمنين‪.‬‬
‫جوَارِحِ} ‪ :‬جمع جارحة بمعنى كاسبة تخرج بمعنى تكسب‪.‬‬
‫{ا ْل َ‬
‫{ ُمكَلّبِينَ‪ : }1‬أي‪ :‬مرسلين الجارحة على الصيد سواء كانت الجارحة كلبا أو طيرا‪.2‬‬
‫طعَامُ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ} ‪ :‬ذبائح اليهود والنصارى‪.‬‬
‫{وَ َ‬
‫حصَنَاتُ} ‪ :‬جمع محصنة وهي العفيفة الحرة من النساء‪.‬‬
‫{وَا ْلمُ ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المكلب‪ :‬هو معلم الكلب‪ ،‬ومدربها على الصيد‪ ،‬ويقال للصائد‪ :‬مكلب‪ ،‬وعليه فقوله‪ُ { :‬مكَلّبين}‬
‫يكون بمعنى‪ :‬صائدين‪.‬‬
‫‪ 2‬يكتفي في الطير بأن تطيع إذا أمرت‪ ،‬إذ هي دون الكلب في الستعداد للفهم والستجابة‪،‬‬
‫ومثلها‪ :‬سباع الوحوش‪ ،‬فإنها دون الكلب أيضًا‪ ،‬إلى أن الجمهور يشترط فيها ما يشترط في‬
‫الكلب‪.‬‬

‫( ‪)1/593‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ُأجُورَهُنّ} ‪ :‬مهورهن وصدقاتهن‪.‬‬
‫{غَيْرَ مُسَا ِفحِينَ} ‪ :‬غير مجاهرين بالزنى‪.‬‬
‫{َأخْدَانٍ} ‪ :‬جمع خدن وهو الخليل والصاحب السري‪.‬‬
‫{ َومَنْ َي ْكفُرْ بِالِيمَانِ} ‪ :‬أي‪ :‬يرتد عن اليمان‪ ،‬فالباء بمعنى عن إذ يقال‪ :‬ارتد عن كذا‪...‬‬
‫عمَُلهُ} ‪ :‬بطل عمله ما قدمه من الصالحات فل يثاب عليه‪.‬‬
‫{حَبِطَ َ‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ورد أن جبريل عليه السلم أتى النبي صلى ال عليه وسلم فاستأذن فأذن له النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فأبى أن يدخل لوجود كلب صغير في البيت فقال‪" :‬إنا ل ندخل بيتا فيه كلب"‪ .‬فأمر النبي‬
‫بعدها بقتل الكلب‪ ،‬فقتلت ثم جاء بعضهم يسأل عما يحل لهم من أمة الكلب‪ ،‬فأنزل ال تعالى‬
‫حلّ َلكُمُ الطّيّبَاتُ} وهي كل ما لذ وطاب مما أباحه ال‬
‫حلّ َل ُهمْ ُقلْ أُ ِ‬
‫هذه الية‪{ :‬يَسْأَلو َنكَ‪ 1‬مَاذَا أُ ِ‬
‫تعالى ولم ينه عنه‪ ،‬وأحل لكم كذلك صيد ما علمتم من الجوارح وهي الكلب الخاصة بالصطياد‬
‫والفهود والنمور والطيور؛ كالصور ونحوها‪ .‬مكبلين‪ ،‬أي‪ :‬مرسلين لها على الصيد لتمسكه لكم‪،‬‬
‫{ ُتعَّلمُو َنهُنّ ِممّا عَّل َم ُكمُ اللّهُ} ‪ .‬أي‪ :‬تؤدبون تلك الجوارح بالدب الذي أدبكم ال تعالى به‪ ،‬وحد‬
‫الجارحة المؤدبة أنها إذا اشليت‪ ،‬أي‪ :‬أرسلت على الصيد ذهبت إليه وإذا زُجرت انزجرت‪ ،‬وإذا‬
‫سمَ اللّهِ عَلَيْهِ} يفيد شرطين‬
‫سكْنَ عَلَ ْيكُم ‪ 2‬وَا ْذكُرُوا ا ْ‬
‫دعيت أجابت‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬فكُلُوا ِممّا َأمْ َ‬
‫لحلية الصيد زيادة على كون الجارحة معلمة وهما‪ :‬أولً‪ :‬أن يذكر اسم ال عند إرسال الجارحة‬
‫بأن يقول‪ :‬بسم ال هاته مثلً‪ ،‬والثاني ‪ :3‬أن ل تأكل الجارحة منه فإن أكلت منه فقد أمسكت‬
‫لنفسها ولم تمسك لمن أرسلها‪ ،‬اللهم إل إذا أدركت حية لم تمت‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ذكر القرطبي أن الية‪َ { :‬يسْألونك‪ }...‬نزلت بسبب عدي بن حاتم‪ ،‬وزيد الخيل الذي سماه‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬زيد الخير"‪ ،‬إذ قال يا رسول ال‪ :‬إنا قوم نصيد بالكلب والبذاة‪،‬‬
‫وإن الكلب تأخذ البقر والحمر والظباء فمنه ما ندرك ذكاته ومنه ما نقلته فل ندرك ذكاته‪ ،‬وقد‬
‫حرم ال الميتة‪ ،‬فماذا يحل لنا؟ فنزلت الية‪{ :‬يَسْألونك‪ }..‬إلخ‪ .‬ول منافاة بين ما ذكر في التفسير‬
‫وبين هذا‪ ،‬إذ يسأل السائل فيقرأ عليه الرسول بالية فيرى أنها نزلت فيه‪.‬‬
‫سكْنّ عَلِيكُم} ‪ :‬على هنا بمعنى اللم‪ ،‬أي‪ :‬مما أمسكن لكم ولجلكم؛ كقولهم‪ :‬سجن على‬
‫‪{ 2‬مما أمْ َ‬
‫كذا وضرب الصبي على قوله كذا‪.‬‬
‫‪ 3‬ذكر القرطبي الجماع على أن الكلب إذا لم يكن أسود وعلمه مسلم فيشلي إذا أشلى‪ ،‬ويجيب إذا‬
‫دُعي‪ ،‬وينزجر بعد ظفره بالصيد إذا زجر وأن يكون ل يأكل من صيده الذي صاده‪ ،‬وأثر فيه‬
‫بجرح أو تنيب وصاد به مسلم وذكر اسم ال عند ارساله أن صيده صحيح‪ .‬هذه الشروط داخلة‬
‫في الشرطين اللذين ذكرتهما الية‪ ،‬كما في التفسير إل اشتراط أل يكون الكلب أسود‪ ،‬وهذا الشرط‬
‫فيه خلف‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/594‬‬

‫ثم ذكيت فعند ذلك تحل بالتذكية ل بالصطياد ‪ ،1‬وقوله تعالى‪{ :‬وَا ّتقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ ا ْلحِسَاب}‬
‫وعيد لمن لم يتق ال في أكل ما حرم أكله من الميتة وأنواعها‪ ،‬ومن صيد صاده غير معلم من‬
‫الجوارح‪ ،‬أو صاده معلم ولكنه أكل منه فمات قبل التذكية‪ .‬فلنتق عقوبة ال في ذلك فإن ال سريع‬
‫الحساب‪.‬‬
‫حلّ َلكُمُ‬
‫هذا ما دلت عليه الية الولى(‪ ،)4‬أما الية الثانية(‪ )5‬وهي قوله تعالى‪{ :‬الْ َيوْمَ أُ ِ‬
‫الطّيّبَاتُ} ‪ ،‬أي‪ :‬في هذا اليوم الذي أكمل ال تعالى لكم فيه الدين أحل لكم ما سألتم عنه وهو سائر‬
‫الطيبات‪ ،‬وكذا طعام الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وهم اليهود والنصارى خاصة فطعامهم‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ذبائحهم حل لكم‪ ،‬وطعامكم حل لهم‪ ،‬أي‪ :‬ل بأس أن تطعموهم من طعامكم فإن ذلك جائز لكم‬
‫ولهم‪ .‬وأحل لكم أيضا نكاح المحصنات‪ ،‬أي‪ :‬العفائف من المؤمنات‪ ،‬والمحصنات من نساء الذين‬
‫أوتوا الكتاب من قبلكم وهن العفائف من اليهوديات والنصرانيات‪ ،‬على شرط إتيانهن أجورهن‪،‬‬
‫أي‪ :‬مهورهن حال كونكم محصنين‪ ،‬أي‪ :‬عاقدين عليهن عقدة النكاح المتوقفة على المهر والولي‬
‫والشهود وصيغة اليجاب والقبول‪ ،‬ل مسافحين بإعطاء المرأة أجرة وطئها فقط بدون عقد‬
‫مستوف لشروطه‪ ،‬ول متخذي أيضا بأن تنكوحهن سرا بحكم الصحبة والصداقة والمحبة إذ ذاك‬
‫عمَلُ ُه وَ ُهوَ‬
‫هو الزنى فل يحل بأجرة ول بغير أجرة‪ ،‬وقوله تعالى‪َ { :‬ومَنْ َي ْكفُرْ‪ 2‬بِالِيمَانِ َفقَدْ حَبِطَ َ‬
‫فِي الخِ َرةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} فيه إشارة إلى أن استباحة المحرمات والجرأة على ذلك قد تؤدي إلى‬
‫الكفر‪ ،‬ومن يكفر بعد إيمانه فقد حبط عمله‪ ،‬أي‪ :‬بطل ثواب ما عمله في إسلمه‪ ،‬حتى ولو راجع‬
‫السلم فليس له إل ما عمله بعد رجوعه إلى السلم‪ ،‬وإن مات قبل العودة إلى السلم فهو قطعا‬
‫في الخرة من الخاسرين وبإلقائهم في نار جهنم خالدين فيها أبدا‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬مشروعية سؤال من ل يعلم عما ينبغي له أن يعلمه‪.‬‬
‫‪ -2‬حلية الصيد إن توفرت شروطه‪ ،‬وهي‪ :‬أن يكون الجارح معلما وأن يذكر اسم ال تعالى عند‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم ال عليه فكل" دال على أن الصائد‬
‫يتعين عليه أن يقصد عند إرسال الكلب والطير التذكية والباحة إذا العمال بالنيات ولكل أمرء ما‬
‫نوى‪.‬‬
‫‪ 2‬لفظ اليمان مصدر آمن يؤمن إيمانًا‪ ،‬أطلق وأريد به السلم؛ لن السلم واليمان متلزمان‬
‫ما أسلم من لم يؤمن‪ ،‬وما آمن من لم يسلم‪ ،‬ومعنى الية‪َ { :‬ومَنْ يَرْتَدّ عَنْ السلم} ‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/595‬‬

‫إرساله وأن ل يأكل منه الجارح‪ ،‬ويجوز أكل ما صيد برصاص أو بآلة حادة ‪ 1‬بشرط ذكر اسم‬
‫ال عند رميه ولو وجد ميتا فلم يذك‪.‬‬
‫‪ -3‬إباحة طعام وذبائح أهل الكتاب‪.‬‬
‫‪ -4‬إباحة نكاح الكتابيات بشرط أن تكون حرة ‪ 2‬عفيفة‪ ،‬وأن يعقد عليها العقد الشرعي وهو القائم‬
‫على الولي والشهود والمهر‪ ،‬والصيغة بأن يقول الخاطب لمن يخطبه من ولي ووكيل‪ :‬زوجني‬
‫فلنة‪ .‬فيقول له‪ :‬قد زوجتكها‪.‬‬
‫‪ -5‬حرمة نكاح المتعة ونكاح الخلة والصحبة الخاصة‪.‬‬
‫‪ -6‬المعاصي قد تقود إلى الكفر‪.‬‬
‫‪ -7‬المرتد عن السلم يحبط عمله فلو راجع السلم ل يثاب على ما فعله قبل الردة وإن مات‬
‫قبل العودة إلى السلم خسر نفسه وأهله يوم القيامة وذلك هو الخسران المبين‪.‬‬
‫سكُمْ‬
‫سحُوا بِ ُرؤُو ِ‬
‫ق وَامْ َ‬
‫سلُوا ُوجُو َهكُ ْم وَأَيْدِ َيكُمْ إِلَى ا ْلمَرَافِ ِ‬
‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ِإذَا ُقمْتُمْ ِإلَى الصّلةِ فَاغْ ِ‬
‫حدٌ مِ ْنكُمْ مِنَ‬
‫سفَرٍ َأوْ جَاءَ أَ َ‬
‫طهّرُوا وَإِنْ كُنْ ُتمْ مَ ْرضَى َأوْ عَلَى َ‬
‫وَأَرْجَُلكُمْ إِلَى ا ْل َكعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْ ُتمْ جُنُبا فَا ّ‬
‫صعِيدا طَيّبا فَامْسَحُوا ِبوُجُو ِه ُك ْم وَأَيْدِيكُمْ مِ ْنهُ مَا‬
‫ا ْلغَائِطِ َأ ْو لمَسْتُمُ النّسَاءَ فَلَمْ َتجِدُوا مَاءً فَتَ َي ّممُوا َ‬
‫شكُرُونَ(‪)6‬‬
‫طهّ َركُمْ وَلِيُتِمّ ِن ْعمَتَهُ عَلَ ْيكُمْ َلعَّلكُمْ تَ ْ‬
‫ج وََلكِنْ يُرِيدُ لِيُ َ‬
‫ج َعلَ عَلَ ْي ُكمْ مِنْ حَرَ ٍ‬
‫يُرِيدُ اللّهُ لِ َي ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لفظ‪ :‬حادة‪ ،‬احتراز من غير الحادة؛ كالعصا‪ ،‬وعرض المعراض‪ ،‬والحجر‪ ،‬ونحوها‪ ،‬لحديث‪:‬‬
‫"إذا ضربت بالمعراض فخرق فكله‪ ،‬وإن أصابه بعرض فإنه وقيذ فل تأكله" ‪ .‬إذ المعراض‪ :‬سهم‬
‫بل ريش غليظ الوسط يصيب بحدة وعرضة معًا‪ ،‬فإن أصاب بحدة جاز أكل ما أصابه‪ ،‬وإن‬
‫أصاب بعرضة فهو كالموقوذة فل يؤكل‪.‬‬
‫‪ 2‬لن المة الكافرة ل تحل للمؤمن لقول ال تعالى‪{ :‬مِنْ فَتَياتِكم الْمؤمِنات} أي‪ :‬ل الكافرات‪.‬‬
‫الية من سورة النساء‪.‬‬

‫( ‪)1/596‬‬

‫طعْنَا وَا ّتقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ‬


‫س ِمعْنَا وَأَ َ‬
‫وَا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْيكُ ْم َومِيثَاقَهُ الّذِي وَاثَ َقكُمْ ِبهِ إِذْ قُلْ ُتمْ َ‬
‫بِذَاتِ الصّدُورِ(‪})7‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إِذَا ُقمْ ُتمْ إِلَى الصّلةِ ‪ :‬أي‪ :‬إذا أردتم القيام إلى الصلة وأنتم محدثون ‪ ،1‬أي‪ :‬على غير وضوء‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فَاغْسِلُوا وُجُو َهكُمْ ‪ :‬أي‪ :‬بعد غسل الكفين ثلثا‪ ،‬والمضمضة والستنشاق والستنثار ثلثا ثلثا‬
‫لبيان رسول ‪ 2‬ال صلى ال عليه وسلم ذلك‪.‬‬
‫وَأَرْجَُلكُمْ إِلَى ا ْل َكعْبَيْنِ ‪ :‬أي‪ :‬واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين إل أن يكون عليها خف ساتر فإنه يجوز‬
‫المسح عليه دون حاجة إلى نزعه وغسل الرجلين‪ ،‬وذلك إن لبسه بعد وضوء ولم يمض على‬
‫لبسه أكثر من يوم وليلة إن كان مقيما‪ ،‬أو ثلثة أيام إن كان مسافرا بهذا جاءت السنة ‪.3‬‬
‫وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبا ‪ :‬الجنب‪ :‬من قامت به جنابة‪ ،‬وهي شيئان‪ :‬غياب رأس الذكر في الفرج‪ ،‬وخروج‬
‫المني بلذة في نوم أو يقظة‪.‬‬
‫طهّرُوا ‪ :‬يعني‪ :‬فاغتسلوا‪ ،‬والغسل‪ :‬هو غسل سائر الجسد بالماء‪.‬‬
‫فَا ّ‬
‫ا ْلغَائِطِ ‪ :‬كناية عن الخارج من أحد السبيلين من عذرة أو فساء أو ضراط‪ ،‬أو بول أو مذي‪.‬‬
‫َأوْ لمَسْتُمُ النّسَاءَ ‪ :‬ملمسة النساء كناية عن الجماع‪ ،‬كما أن من لمس امرأة ليلتذذ بها‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إن خلفًا طويلً عريضًا ف تأويل هذه الية‪ ،‬وهو يدور على هل الوضوء واجب لكل صلة أو‬
‫هو مستحب أو واجب على المحدث ل غير‪ ،‬ومستحب لغيره‪ ،‬وهل في الية تقديم وتأخير؟ والذي‬
‫عليه جمهور المة‪ :‬أن الوضوء واجب على المحدث ل غير ومستحب لغيره‪ ،‬وأن تأويل الية هو‬
‫كان في التفسير‪ ،‬ومما ينبغي الشارة إليه أن الوضوء والغسل والتيمم كلها كانت مشروعة قبل‬
‫نزول هذه الية‪ ،‬إذ ما صلى رسول ال صلى ال عليه وسلم صلة بغير وضوء‪ ،‬ومشروعية‬
‫التيمم نزلت في غزوة المريسيع‪ ،‬وكانت سنة خمس أو ست من الهجرة‪ ،‬وعليه فالية شملت‬
‫الطهارة بأنواعها مؤكدة لها لتبقى خالدة تتلى في كتاب ال نتعبد بتلوتها ويعمل بمضمونها علمًا‬
‫وعملً‪ ،‬إذ سورة المائدة من آخر ما نزلت من القرآن كما تقدم‪.‬‬
‫‪ 2‬ورد هذا في حديث عثمان في الصحيح‪ ،‬إذ فيه‪" :‬ثم تمضمض واستنشق واستنثر" ‪.‬‬
‫‪ 3‬لحديث مسلم عن علي رضي ال عنه أنه قال‪ :‬جعل رسول ال صلى ال عليه وسلم ثلثة أيام‬
‫ولياليهن للمسافر ويومًا وليلة للمقيم‪ .‬يعني في المسح على الخفين‪.‬‬

‫( ‪)1/597‬‬

‫أو لمسها لغير قصد اللذة ووجد اللذة فقد انتقض وضوءه‪ ،‬ومن هذا مس الفرج باليد لنه مظنة‬
‫اللذة‪ ،‬لذا قال الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬من أفضى منكم بيده إلى فرجه فليتوضأ" ‪.‬‬
‫صعِيدا} ‪ :‬اقصدوا ترابا أو حجرا أو رملً أو سبخة مما صعد على وجه الرض‪.‬‬
‫{فَتَ َي ّممُوا َ‬
‫الحرج‪ :‬المشقة والعسر والضيق‪.‬‬
‫{ َومِيثَاقَهُ} ‪ :‬أي‪ :‬ميثاق ال تعالى‪ ،‬وهو عهده المؤكد‪ ،‬والمراد به هنا‪ :‬شهادة أن ل إله إل ال وأن‬
‫محمدا رسول ال‪ ،‬إذ بها وجب اللتزام بسائر التكاليف الشرعية‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫نادى الرب تعالى عباده المؤمنين به وبرسوله ووعده ووعيده ليأمرهم بالطهارة‪ ،‬إذا هم أرادوا‬
‫الصلة‪ ،‬وهي مناجاة العبد لربه لحديث المصلى يناجي ‪ 1.2‬ربه‪ ،‬وبين لهم الطهارة الصغرى منها‬
‫وهي الوضوء‪ ،‬والكبرى وهي الغسل‪ ،‬وبين لهم ما ينوب عنها إذا تعذر وجود الماء الذي به‬
‫الطهارة أو عجزوا عن استعماله‪ ،‬وهو التيمم فقال تعالى‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ِإذَا ُقمْتُمْ إِلَى الصّلةِ‬
‫فَاغْسِلُوا وُجُو َهكُمْ} وحدُ الوجه طولً من منبت الشعر أعلى الجبهة إلى منتهى الذقن أسفل الوجه‬
‫وحده عرضا من وتد الذن اليمنى إلى وتد الذن اليسرى {وَأَيْدِ َيكُمْ إِلَى ا ْلمَرَافِقِ} فيشمل الغسل‬
‫سكُمْ} واللفظ‬
‫سحُوا بِ ُرؤُو ِ‬
‫الكفين والذراعين إلى بداية العضدين‪ ،‬فيدخل في الغسل المرفقان {وَامْ َ‬
‫محتمل للكل والبعض‪ ،‬والسنة بينت أن الماسح يقبل بيديه ويدبر بهما فيمسح جميع رأسه‪ ،‬وهو‬
‫أكمل وذلك ببلل يكون في كفيه‪ ،‬كما بينت السنة مسح الذنين ظاهرا وباطنا بعد مسح الرأس‬
‫{وَأَرْجَُل ُكمْ إِلَى ا ْل َكعْبَيْنِ} ‪ ،‬أي‪ :‬واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين‪ ،‬وهما العظمان النائتان عند بداية‬
‫الساق‪ ،‬وبينت السنة رخصة المسح ‪ 3‬على الخفين بدلً من غسل الرجلين‪ ،‬كما بينت غسل الكفين‬
‫والمضمضة والستنشاق والستنثار‪ ،‬وكون‬
‫__________‬
‫‪ 1‬نص الحديث‪" :‬إذا كان أحدكم في الصلة فإنه يناجي ربه" ‪ ،‬وفي رواية البخاري‪ " :‬إذا كان‬
‫أحدكم في الصلة فإن ربه بينه وبين القبلة" ‪.‬‬
‫‪ 2‬وكل ما ذكر في التفسير من صفة الوضوء والغسل والتيمم هو ثابت في الصحاح والسنن‪،‬‬
‫وليس فيه ما هو ضعيف قط‪.‬‬
‫‪ 3‬وضلت الرافضة فأخذوا بقراءة‪{ :‬وأرجلكم} بالكسر ومسحوا أرجلهم في كل وضوء وتركوا‬
‫غسل الرجلين أبدًا‪ ،‬والحامل لهم على ذلك أن رؤسائهم زينوا لهم ذلك وأوجبوه عليهم لعلة أن‬
‫يبقوا بعيدين عن السلم والمسلمين ليستغلوهم ماديًا‪ ،‬وليعدوهم لقتال المسلمين لعادة دولة‬
‫المجوس التي يحلمون بها‪ ،‬وأما أهل السنة والجماعة فإنهم عملوا بكتاب ربهم وسنة نبيهم فغسلوا‬
‫أرجلهم؛ لن نبيهم لم يمسح رجليه بدون خف قط‪ ،‬ومسحوا على الخفين كما مسح نبيهم فأخذوا‬
‫بالقراءتين معًا‪.‬‬

‫( ‪)1/598‬‬

‫الغسل ثلثا ثلثا على وجه الستحباب‪ ،‬وقول بسم ال عند الشروع‪ ،‬أي‪ :‬البدء في الوضوء‪ .‬كما‬
‫بينت السنة وجوب الترتيب بين العضاء المغسولة الول فالول‪ ،‬ووجوب الفور بحيث ل يفصل‬
‫بزمن بين أعضاء الوضوء حال غسلها بل يفعلها في وقت واحد إن أمكن ذلك وأكدت وجوب‬
‫النية حتى لكأنه شرط في صحة الوضوء ‪.1‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫طهّرُوا ‪ }2‬أي‪ :‬وإن أصابت أحدكم جنابة وهي الجماع والحتلم‬
‫وقال تعالى‪{ :‬وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبا فَا ّ‬
‫فمن جامع زوجته فأولج ذكره في فرجها ولو لم ينزل‪ ،‬أي‪ :‬لم يخرج منه المني فقد أجنب‪ ،‬كما أن‬
‫من احتلم فخرج منه مني فقد أجنب بل كل من خرج منه مني بلذة في نوم أو يقظة فقد أجنب‬
‫طهّرُوا} يريد‬
‫وانقطاع دم حيض المرأة‪ ،‬ودم نفاسها؛ كالجنابة يجب منه الغسل‪ ،‬وقوله‪{ :‬فَا ّ‬
‫فاغتسلوا وقد بينت السنة كيفية الغسل وهي‪ :‬أن ينوي المرء رفع الحدث الكبر بقلبه ويغسل كفيه‬
‫قائلً‪ :‬بسم ال ويغسل فرجه وا حولهما‪ ،‬ثم يتوضأ الوضوء الصغر المعروف‪ ،‬ثم يخلل أصول‬
‫شعر رأسه ببلل يديه‪ ،‬ثم يغسل رأسه ‪ 3‬ثلث مرات‪ ،‬ثم يقبض الماء على شق جسده اليمن كله‬
‫من أعله إلى أسفله‪ ،‬ثم اليسر‪ ،‬ويتعاهد الماكن التي قد ينبو عنها الماء فل يمسها؛ كالسرة‬
‫سفَرٍ َأوْ‬
‫وتحت البطين‪ ،‬والرفقين وهما أصل الفخذين‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وَإِنْ كُنْ ُتمْ مَ ْرضَى َأوْ عَلَى َ‬
‫جدُوا مَاءً} ذكر تعالى في هذه الجملة الكريمة‬
‫حدٌ مِ ْنكُمْ مِنَ ا ْلغَا ِئطِ َأ ْو لمَسْتُمُ النّسَاءَ فَلَمْ تَ ِ‬
‫جَاءَ أَ َ‬
‫نواقض الوضوء وموجب النتقال منه إلى التيمم فقال‪{ :‬وَإِنْ كُنْتُمْ مَ ْرضَى} ‪ ،‬فالمريض قد يعجز‬
‫عن الوضوء لضعف جسمه بعدم القدرة على التحرك‪ ،‬وقد تكون به جراحات أو دماميل يتعذر‬
‫سفَرٍ} إذ السفر مظنة عدم‬
‫معها استعمال الماء حيث يزداد المرض بمس الماء‪ ،‬وقوله‪َ{ :‬أوْ عَلَى َ‬
‫حدٌ مِ ْنكُمْ مِنَ‬
‫وجود الماء هذه موجبات النتقال من الوضوء إلى التيمم‪ ،‬وقوله عز وجل‪َ{ :‬أوْ جَاءَ أَ َ‬
‫ا ْلغَائِطِ‪َ 4‬أ ْو لمَسْتُمُ النّسَاءَ} ‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬بعض الفقهاء يعدون النية فرضًا من فروض الوضوء‪ ،‬وبعضهم يعدها شرطًا‪ ،‬وما دام‬
‫المشروط يتوقف على شرطه صحة وبطلنًا‪ ،‬والفرض إذا ترك بطل الوضوء فإنه خلف لفظي‬
‫ل غير‪.‬‬
‫‪{ 2‬فاطهروا} ‪ :‬أصلها فتطهروا‪ ،‬فأدغمت التاء في الطاء لتحاد مخرجيهما‪ ،‬ومعنى‪ :‬اطهروا‪:‬‬
‫اغتسلوا‪ ،‬وفي الحديث الصحيح‪" :‬ل يقبل ال صلة بغير طهور‪. "...‬‬
‫‪ 3‬مع أذنيه ظاهرًا وباطنًا‪.‬‬
‫‪ 4‬أصل الغائط‪ :‬أنه المكان المنخفض‪ ،‬ولما كان من يريد قضاء حاجته يأتي المكان المنخفض‬
‫ليستتر عن أعين الناس‪ ،‬أطلق لفظ الغائط على ما يحل فيه من بول وعذرة‪.‬‬

‫( ‪)1/599‬‬

‫ذكر في الجملة الولى نواقض الوضوء إجمالً وهو الخارج من السبيلين من عذرة وفساء‬
‫وضراط وبول ومذي كنى عنه بقوله‪َ{ :‬أوْ جَاءَ َأحَدٌ مِ ْنكُمْ مِنَ ا ْلغَائِطِ} وهو مكان التغوط والتبول‪،‬‬
‫وذكر موجب الغسل وهو الجماع‪ ،‬وكنى عنه بالملمسة‪ ،‬تعليما لعباده المؤمنين الداب الرفيعة في‬
‫جدُوا مَاءً} للوضوء أو الغسل بعد أن طلبتموه فلم تجدوه فتيمموا‪ ،‬اقصدوا‬
‫مخاطباتهم‪ ،‬وقوله‪{ :‬فَلَمْ تَ ِ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من أم الشيء إذا قصده صعيدا طيبا يريد ما صعد على وجه الرض من أجزائها؛ كالتراب‬
‫سحُوا‬
‫والرمل والسبخة والحجارة‪ ،‬وقوله‪{ :‬طَيّبا} يريد به طاهرا من النجاسة والقذر‪ ،‬وقوله‪{ :‬فَامْ َ‬
‫ِبوُجُو ِهكُ ْم وَأَيْدِي ُكمْ مِنْهُ} بين فيه كيفية التيمم‪ ،‬وهي أن يقصد المرء التراب الطاهر وإن تعذر ذلك‬
‫فما تيسر له من أجزاء الرض فيضرب بكفيه الرض فيمسح بهما وجهه وكفيه طاهرا أو باطنا‬
‫مرة واحدة وقوله تعالى‪{ :‬مِنْهُ} أي‪ :‬من ذلك الصعيد‪ ،‬وبهذا بين تعالى كيفية التيمم‪ ،‬وهي التي‬
‫علمها رسول ال صلى ال عليه وسلم عمار بن ياسر ‪ 1‬رضي ال عنه وقوله تعالى‪{ :‬مَا يُرِيدُ اللّهُ‬
‫ج َعلَ عَلَ ْيكُمْ مِنْ حَرَجٍ} يخبر تعالى أنه يأمرنا بالطهارة بقسميها الصغرى وهي الوضوء‪،‬‬
‫لِيَ ْ‬
‫والكبرى وهي الغسل‪ ،‬وما ينوب عنهما عند العجز‪ ،‬وهو التيمم‪ ،‬ما يريد بذلك إيقاعنا في الضيق‬
‫والعنت‪ ،‬ولكنه تعالى يريد بذلك تطهيرنا من الحداث والذنوب‪ ،‬لن الوضوء كفارة لذنب‬
‫طهّ َركُ ْم وَلِيُ ِتمّ ِن ْعمَتَهُ عَلَ ْيكُمْ}‬
‫المتوضئ كما جاء بيانه في السنة ‪ 2‬وهو قوله تعالى‪{ :‬وََلكِنْ يُرِيدُ لِيُ َ‬
‫أي‪ :‬بهدايتكم إلى السلم وتعليمكم شرائعه فيعدكم بذلك لشكره وهو طاعته بالعمل بما جاء به‬
‫شكُرُونَ} ‪.‬‬
‫السلم من العمال الباطنة والظاهرة‪ ،‬وهو معنى قوله‪َ{ :‬لعَّلكُمْ َت ْ‬
‫هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ ،)6‬أما الية الخيرة (‪ )7‬وه قوله تعالى‪{ :‬وَا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ‬
‫علِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ} فإنه‬
‫طعْنَا وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬
‫س ِمعْنَا وََأ َ‬
‫عَلَ ْيكُ ْم َومِيثَاقَهُ الّذِي وَاثَ َقكُمْ ِبهِ إِذْ قُلْتُمْ َ‬
‫تعالى يأمر عباده المؤمنين أن يذكروا نعمته عليهم بهدايتهم إلى اليمان ليشكروه بالسلم‪ ،‬كما‬
‫يذكروا ميثاقه الذي واثقهم به‪ ،‬وهو العهد الذي قطعه المؤمن على نفسه لربه تعالى بالتزامه‬
‫بطاعته وطاعة رسوله محمد صلى ال عليه وسلم عندما تعهد أن ل إله إل ال وأن‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إذ قال له‪" :‬إنما يكفيك أن تقول هكذا ثم ضرب بيديه الرض ضربة واحدة‪ ،‬ثم مسح الشمال‬
‫على اليمين‪ ،‬وظاهر كفيه ووجه" متفق عليه‪ .‬وورد أنه يضرب الرض فيمسح وجه ثم يكررها‬
‫مرة أخرى فيمسح كفيه‪ ،‬وورد عن ابن عمر مسحهما إلى المرفقين‪.‬‬
‫‪ 2‬ورد في فضل الوضوء أحاديث صحيحة كثيرة منها‪" :‬من توضأ فأحسن الوضوء ثم قام إلى‬
‫الصلة خرجت ذنوبه من سمعه وبصره ويديه ورجليه" ‪ ،‬ومنها‪" :‬ما من مسلم يتوضأ فيحسن‬
‫الوضوء ثم يرفع طرفه إلى السماء ويقول‪ :‬أشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له وأشهد أن‬
‫محمدًا عبده ورسوله‪ ،‬اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين إل فتحت له أبواب الجنة‬
‫الثمانية" ‪.‬‬

‫( ‪)1/600‬‬

‫طعْنَا} قد قالها الصحابة بلسان الحال عندما بايعوا‬


‫س ِمعْنَا وَأَ َ‬
‫محمدا رسول ال‪ .‬وأما قوله‪{ :‬إِذْ قُلْ ُتمْ َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره‪ ،‬وقد قالها كل مسلم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بلسان الحال لما شهد ل بالوحدانية وللنبي بالرسالة‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَا ّتقُوا اللّهَ} أمر بالتقوى التي‬
‫هي لزوم الشريعة والقيام بها عقيدة وعبادة وقضاء وأدبا وقوله‪{ :‬إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ}‬
‫يذكرهم بعلم ال تعالى بخفايا أمورهم حتى يراقبوه ويخشوه في السر والعلن‪ ،‬وهذا من باب تربية‬
‫ال تعالى لعباده المؤمنين لكمالهم وإسعادهم فله الحمد وله المنة‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬المر بالطهارة ‪ 1‬وبيان كيفية الوضوء وكيفية الغسل‪ ،‬وكيفية التيمم ‪.2‬‬
‫‪ -2‬بيان العذار الناقلة للمؤمن من الوضوء إلى التيمم‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان موجبات الوضوء والغسل‪.‬‬
‫‪ -4‬الشكر هو علة النعام‪.‬‬
‫‪ -5‬ذكر العهود يساعد على التزامها والمحافظة عليها‪.‬‬
‫ط وَل َيجْ ِرمَ ّنكُمْ شَنَآنُ َقوْمٍ عَلَى أَل َت ْعدِلُوا اعْدِلُوا‬
‫سِ‬‫ش َهدَاءَ بِا ْلقِ ْ‬
‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا َقوّامِينَ ِللّهِ ُ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ‬
‫ُهوَ َأقْ َربُ لِل ّتقْوَى وَا ّتقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ(‪ )8‬وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫َلهُمْ َم ْغفِ َرةٌ وََأجْرٌ عَظِيمٌ(‪ )9‬وَالّذِينَ َكفَرُوا َوكَذّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَ ِئكَ َأصْحَابُ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في الحديث الصحيح‪" :‬الطهور شطر اليمان" ‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ 2‬وكيفية المسح على الخفين هي‪ :‬أن يبل يده بالماء ثم يمسح ظاهر رجله اليمنى‪ ،‬ثم يمسح ظاهر‬
‫اليسرى دون باطنها‪ .‬حديث علي‪" :‬لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعله"‬
‫‪ .‬ويشترط في المسح أن يلبس خفيه على طهارة‪.‬‬

‫( ‪)1/601‬‬

‫جحِيمِ(‪ )10‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ْذكُرُوا ِن ْع َمتَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ إِذْ َهمّ َقوْمٌ أَنْ يَ ْبسُطُوا إِلَ ْي ُكمْ أَيْدِ َيهُمْ َفكَفّ‬
‫الْ َ‬
‫أَيْدِ َيهُمْ عَ ْنكُ ْم وَا ّتقُوا اللّ َه وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ(‪})11‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ َقوّامِينَ لِلّهِ} ‪ :‬جمع قوام‪ ،‬وهو كثير القيام ل تعالى بحقوقه وما وجب له تعالى‪ ،‬وبحقوق الغير‬
‫أيضا ل يفرط في شيء من ذلك‪.‬‬
‫سطِ} ‪ :‬جمع شهيد بمعنى‪ :‬شاهد‪ ،‬والقسط‪ :‬العدل‪.‬‬
‫ش َهدَاءَ بِا ْلقِ ْ‬
‫{ُ‬
‫{وَل يَجْ ِرمَ ّنكُمْ} ‪ :‬أي‪ :‬ل يحملنكم‪.‬‬
‫{شَنَآنُ} ‪ :‬بغض وعداوة‪.‬‬
‫العدل ‪ :‬خلف الجور‪ ،‬وهو المساواة بل حيف ول جور‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{ ُهوَ َأقْ َربُ لِل ّت ْقوَى} ‪ :‬أي‪ :‬العدل أقرب للتقوى من الجور‪.‬‬
‫{ َهمّ َقوْمٌ} ‪ :‬أرادوا وعزموا على إنفاذ إرادتهم والقوم هم يهود بني النضير‪.‬‬
‫سطُوا إِلَ ْيكُمْ أَيْدِ َيهُمْ} ‪ :‬أي‪ :‬ليقتلوا نبيكم صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫{يَبْ ُ‬
‫{ َف َكفّ أَيْدِ َيهُمْ} ‪ :‬لم يمكنهم مما أرادوه من قتل النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في توجيه المؤمنين وإرشادهم إلى ما يكملهم ويسعدهم ‪ ،1‬ففي الية (‪)8‬‬
‫أمر ال تعالى المؤمنين أن يكونوا قوامين ل تعالى بسائر حقوقه عليهم من الطاعات‪ ،‬وأن يكونوا‬
‫شهداء بالعدل ل يحيفون ول يجورون في شيء سواه كان المشهد عليه وليا أو عدوا‪ ،‬ونهاهم أن‬
‫يحملهم بغض قوم أو عداوتهم على ترك العدل وقد أمروا به‪ ،‬ثم أمرهم بالعدل وأعلمهم أن أهل‬
‫العدل هم أقرب الناس إلى التقوى ‪ ،2‬لن من كانت ملكة العدل‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لما ذكرهم تعالى في اليات السابقة بنعمه العظيمة‪ ،‬طلب إليهم في هذه الية أن يشكروا تلك‬
‫سطِ}‪.‬‬
‫شهَدَاءَ بِا ْلقِ ْ‬
‫النعم‪ ،‬وذلك بالوفاء له بالعهد‪ ،‬فقال لهم‪{ :‬كُونُوا َقوّامِينَ لِلّهِ ُ‬
‫‪ 2‬المراد من التقوى‪ :‬التقوى الكاملة التامة التي هي ملك المر‪ ،‬إذ بها تتحقق لهم ولية ربهم ما‬
‫داموا مؤمنين متقين‪.‬‬

‫( ‪)1/602‬‬

‫صفة له كان أقدر على أداء الحقوق والواجبات‪ ،‬وعلى ترك الظلم واجتناب المنهيات‪ ،‬ثم أمرهم‬
‫بالتقوى مؤكدا شأنها؛ لنها ملك المر‪ ،‬وأعلمهم بأنه خبير بما يعملون لتزداد ملكة مراقبة ال‬
‫تعالى في نفوسهم فيفوزون بالعدل والتقوى معا‪ ،‬هذا ما دلت عليه الية الولى(‪ )8‬أما الية(‪ )9‬فقد‬
‫تضمنت بشرى سارة ‪ 1‬لهم‪ ،‬وهي أن ربهم قد وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالمغفرة‬
‫لذنوبهم والجر العظيم لهم وهو الجنة‪ ،‬وقلت بشرى سارة لهم‪ ،‬لنهم هم أهل اليمان وصالح‬
‫العمال رضي ال عنهم وأرضاهم‪ ،‬أما الية الثالثة(‪ )10‬فقد تضمنت وعيدا شديدا للكافرين‬
‫المكذبين بآيات ال وحججه التي أرسل بها رسله وأيدهم بها‪ ،‬ولزم لكذبهم وكفرهم خبث‬
‫أرواحهم‪ ،‬ولذا فهم ل يلئمهم إل عذاب النار فكانوا بذلك أصحاب الجحيم ‪ 2‬الذين ل يفارقونها‬
‫أبدا‪ ،‬وأما الية الرابعة(‪ )11‬فقد ذكرهم تعالى بنعمة عظيمة من نعمه‪ ،‬هي نجاة نبيهم محمد صلى‬
‫ال عليه وسلم من قتل أعدائه وأعدائهم وهم اليهود إذ ورد في سبب نزول هذه الية ما خلصته‪:‬‬
‫أن أولياء العامريين الذين قتل خطأ من قبل مسلم حيث ظنهما كافرين فقتلهما‪ ،‬جاءوا يطالبون‬
‫بدية قتيلهم‪ ،‬فخرج رسول ال صلى ال عليه وسلم ومعه الخلفاء الراشدون الربعة وعبد الرحمن‬
‫بن عوف رضي ال عنهم أجمعين إلى بني النضير يطالبونهم بتحمل شيء من هذه الدية بموجب‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عقد المعاهدة‪ ،‬إذ من جملة موادها‪ :‬تحمل أحد الطرفين معونة الطرف الخر في مثل هذه الحالة‬
‫المالية‪ ،‬فلما وصلوا إلى ديارهم شرق المدينة استقبلوا رسول ال صلى ال عليه وسلم بالحفاوة‬
‫والتكريم وأجلسوه مكانا لئقا تحت جدار منزل من منازلهم وأفهموه أنهم يعدون الطعام والنقود‪،‬‬
‫وقد خلوا ببعضهم وتأمروا على قتله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقالوا فرصة متاحة فل نفوتها أبدا‬
‫وأمروا أحدهم أن يطلق من سطح المنزل حجر رحى كبيرة على رأس النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫فتقتله‪ ،‬وما زالوا يدبرون مكيدتهم حتى أوحى ال إلى رسوله بالمؤامرة الدنيئة‪ ،‬فقام صلى ال‬
‫عليه وسلم وتبعه أصحابه ودخلوا إلى المدينة وفاتت فرصة اليهود واستوجبوا بذلك اللعن وإلغاء‬
‫المعاهدة وإجلئهم من المدينة‪ ،‬وقصتهم في سورة الحشر‪ ،‬والمقصود من هذا بيان المراد من قوله‬
‫تعالى‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ‬
‫__________‬
‫خ ْوفٌ عَلَ ْي ِه ْم وَل ُهمْ يَحْزَنُونَ‪َ ،‬ل ُهمُ الْبُشْرَى فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي‬
‫‪ 1‬لقوله تعالى‪{ :‬إِنّ َأوْلِيَاءَ اللّهِ ل َ‬
‫الخِ َرةِ} ‪.‬‬
‫‪ 2‬في الية قصر إدعائي‪ ،‬وهو قوله تعالى‪{ :‬أولئك أصْحَابْ ا ْلجَحيِم} ‪ ،‬أي‪ :‬ل غيرهم؛ كأنهم‬
‫المتأهلون للعذاب والخلود فيه دون غيرهم‪ ،‬وذلك لعظم جرمهم بالكفر والتكذيب‪.‬‬

‫( ‪)1/603‬‬

‫سطُوا ‪ 1‬إِلَ ْيكُمْ أَيْدِ َيهُمْ} أي‪ :‬بالقتل للنبي صلى ال‬
‫آمَنُوا ا ْذكُرُوا ِن ْع َمتَ اللّهِ عَلَ ْي ُكمْ إِذْ هَمّ َقوْمٌ أَنْ يَبْ ُ‬
‫عليه وسلم { َف َكفّ أَيْدِ َي ُهمْ عَ ْنكُمْ} حيث أوحى إلى رسوله ما دبره اليهود فانصرف وتركهم لم‬
‫يظفروا بما أرادوا‪ ،‬وهو معنى‪َ { :‬ف َكفّ أَ ْيدِ َيهُمْ‪ 2‬عَ ْن ُكمْ}‪.‬‬
‫ثم أمر ال تعالى المؤمنين بتقواه‪ ،‬إذ هي سلم كمالهم وسبيل نجاحهم‪ ،‬وهي عبارة عن امتثال أمره‬
‫وأمر رسوله واجتناب نهيهما وأرشدهم إلى التوكل عليه تعالى في جميع أمورهم بقوله‪{ :‬وَعَلَى ‪3‬‬
‫اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ} ‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب القيام بحق ال تعالى على العبد‪ ،‬وهو ذكره وشكره بطاعته‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب العدل في الحكم والقول والشهادة والفعل ومع الولي والعدو سواء‪.‬‬
‫‪ -3‬تأكيد المر بتقوى ال عز وجل‪.‬‬
‫‪ -4‬الترغيب والترهيب بذكر الوعد والوعيد كما في اليتين(‪)9‬و(‪.)10‬‬
‫‪ -5‬وجوب ذكر النعمة حتى يؤدى شكرها‪.‬‬
‫‪ -6‬وجوب التوكل على ال تعالى والمضي في أداء ما أوجب ال تعالى‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عشَرَ َنقِيبا َوقَالَ اللّهُ إِنّي َم َعكُمْ لَئِنْ َأ َقمْتُمُ‬
‫{وََلقَدْ َأخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي ِإسْرائيلَ وَ َبعَثْنَا مِ ْنهُمُ اثْ َنيْ َ‬
‫لكَفّرَنّ عَ ْنكُمْ سَيّئَا ِت ُكمْ‬
‫الصّلةَ وَآتَيْتُمُ ال ّزكَا َة وَآمَنْ ُتمْ بِرُسُلِي وَعَزّرْ ُتمُوهُ ْم وََأقْ َرضْتُمُ اللّهَ قَرْضا حَسَنا ُ‬
‫وَلُ ْدخِلَ ّنكُمْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ولهذه الحادثة نظيرتها‪ ،‬فقد تعددت مؤامرات اليهود والمشركين على النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫والمؤمنين‪ ،‬ففي الحديبية حصل مثل هذا‪ ،‬وحادثة غورث‪ ،‬وعثور كذلك‪ ،‬إذ الكل همه فيها ببسط‬
‫أيديهم بالذى‪ ،‬ولكن ال كف أيديهم فله الحمد وله المنة‪.‬‬
‫‪ 2‬كف اليد‪ :‬كناية عن عدم القتل والقتال‪ .‬وبسطها‪ :‬كناية عن السوء والذى الحاصل بها‪.‬‬
‫‪ 3‬في الية قصر حقيقي‪ ،‬وهو أن التوكل ل يكون إل على ال‪ ،‬إذ ل كافي إل هو سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫( ‪)1/604‬‬

‫سوَاءَ السّبِيلِ(‪})12‬‬
‫ضلّ َ‬
‫جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ َفمَنْ كَفَرَ َبعْدَ ذَِلكَ مِ ْنكُمْ َفقَ ْد َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الميثاق ‪ :‬العهد المؤكد باليمان‪.‬‬
‫{بَنِي إِسْرائيلَ} ‪ :‬اليهود‪.‬‬
‫{ َنقِيبا‪ : }1‬نقيب القوم‪ :‬من ينقب عنهم ويبحث عن شؤونهم ويتولى أمورهم‪.‬‬
‫{وَعَزّرْ ُتمُوهُمْ‪ : }2‬أي‪ :‬نصرتموهم ودافعتم عنهم معظمين لهم‪.‬‬
‫{وََأقْ َرضْتُمُ اللّهَ} ‪ :‬أي‪ :‬أنفقتم في سبيله ترجون الجزاء منه تعالى على نفقاتكم في سبيله‪.‬‬
‫ل َكفّرَنّ عَ ْنكُمْ سَيّئَا ِتكُمْ} ‪ :‬أسترها ولم أوآخذكم بها‪.‬‬
‫{ُ‬
‫سوَاءَ السّبِيلِ} ‪ :‬أخطأ طريق الهدى الذي يفلح سالكه بالفوز بالمحبوب والنجاة من‬
‫ضلّ َ‬
‫{ َفقَ ْد َ‬
‫المرهوب‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫لما طالب تعالى المؤمنين بالوفاء بعهودهم واللتزام بمواثيقهم ذكرهم في هذه الية بما أخذ على‬
‫بني إسرائيل من ميثاق فنقضوه فاستوجبوا خزي الدنيا وعذاب الخرة ليكون هذا عبرة للمؤمنين‬
‫حتى ل ينكثوا عهدهم ول ينقضوا ميثاقهم كما هو إبطال لستعظام من استعظم غدر اليهود وهمهم‬
‫بقتل النبي صلى ال عليه وسلم فقال تعالى‪{ :‬وََلقَدْ َأخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي ِإسْرائيلَ} وهو قوله إني‬
‫عشَرَ َنقِيبا‪ }3‬أي‪ :‬من كل قبيلة من قبائلهم الثنى عشرة قبيلة نقيبا‬
‫معكم التي‪{ ،‬وَ َبعَثْنَا مِ ْنهُمُ اثْ َنيْ َ‬
‫يرعاهم ويفتش على أحوالهم كرئيس فيهم‪ ،‬وهم الذين بعثهم موسى عليه‬
‫__________‬
‫‪ 1‬النقب‪ ،‬والنقب بفتح القاف وضمها‪ :‬الطريق في الجبل‪ .‬والنقيب‪ :‬المين على القوم‪ ،‬وجمعه‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫نقباء‪ ،‬وهو من ينقب عن أمور القوم ومصالحهم ليرعاها لهم‪ .‬وقالوا النقيب أكبر من العريف‪،‬‬
‫وفي البخاري‪" :‬ارجعوا حتى يرفع إلينا عرفائكم أمركم" ‪.‬‬
‫‪ 2‬التعزير‪ :‬التعظيم‪ .‬والتوقير والنصرة والدفاع عن المعزر‪ .‬والتعزير في الشرع‪ :‬الضرب دون‬
‫الحد لرد المخالف إلى الحق وسبيل الرشاد‪.‬‬
‫‪ 3‬من بين النقباء الثنى عشر‪ :‬يوشع‪ ،‬وكالب‪ ،‬وهما رجلن صالحان‪ ،‬والباقون هلكوا فل خير‬
‫فيهم‪.‬‬

‫( ‪)1/605‬‬

‫السلم إلى فلسطين لتعرفوا على أحوال الكنعانيين ‪ 1‬قبل قتالهم‪ .‬وقال ال تعالى‪{ :‬إِنّي َم َعكُمْ} ‪،‬‬
‫وهذا بند الميثاق {لَئِنْ َأ َقمْتُمُ الصّلةَ} أي‪ :‬وعزتي وجللي {لَئِنْ َأ َقمْتُمُ الصّلةَ وَآتَيْ ُتمُ ال ّزكَا َة وَآمَنْتُمْ‬
‫بِرُسُلِي} صدقتموهم فيما جاءوكم به {وَعَزّرْ ُتمُوهُمْ} بنصرتهم وتعظيمهم‪{ ،‬وََأقْ َرضْتُمُ اللّهَ قَرْضا‬
‫حسَنا} أي‪ :‬زيادة على الزكاة الواجبة والعامة في النفاق‪ ،‬وفي تزكية النفس باليمان وصالح‬
‫َ‬
‫ل َكفّرَنّ عَ ْنكُمْ سَيّئَا ِت ُكمْ‪ }2‬بإذهاب آثارها من نفوسكم حتى تطيب وتطهر { َولُدْخِلَ ّن ُكمْ} بعد‬
‫العمال { ُ‬
‫ذلك التطهير {جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا} ‪ ،‬أي‪ :‬من تحت أشجارها وقصورها {الَ ْنهَارُ} هذا جزاء‬
‫سوَاءَ السّبِيلِ} أي‪ :‬أخطأ‬
‫ضلّ َ‬
‫الوفاء بالميثاق { َفمَنْ َكفَرَ} فنقض وأهمل ما فيه فكفر بعده { َفقَ ْد َ‬
‫طريق الفلح في الدنيا والخرة‪ ،‬أي‪ :‬خرج عن الطريق المفضي بسالكه إلى النجاة والسعادة‪.‬‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬الحث على الوفاء باللتزامات الشرعية‪.‬‬
‫‪ -2‬إبطال استغراب واستعظام من يستغرب من اليهود مكرهم ونقضهم وخبثهم ويستعظم ذلك‬
‫منهم‪.‬‬
‫‪ -3‬إقام الصلة وإيتاء الزكاة والنفاق في سبيل ال تعبد ال بها ‪ 3‬من قبل هذه المة‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب تعظيم ‪ 4‬الرسول صلى ال عليه وسلم ونصرته في أمته ودينه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في الية دليل على قبول خبر الواحد فيما يحتاج إليه من الطلع على حاجة من الحاجات‬
‫الدينية والدنيوية‪ ،‬وفيها دليل على اتخاذ العين‪ ،‬أي‪ :‬الجاسوس‪ ،‬وقد بعث رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪" :‬بسبسبة" عينًا في غزوة بدر بعثه لتقصي أخبار أبي سفيان‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا جواب القسم في قوله‪{ :‬لَئِنْ َأ َقمْ ُتمُ الصّلةَ‪ }...‬إلخ‪ .‬وأما قوله تعالى‪{ :‬إِنيِ َمعَكم} فهو إخبار‬
‫بوعد ال تعالى لبني إسرائيل‪ ،‬وهي معية نصرة وتأييد إن هم وفوا ال بما أخذ عليهم من عهد‬
‫وميثاق وجملة‪{ :‬لَئِنْ َأ َقمْتُمُ} جملة مستأنفة ول علقة لها بجملة الوعد‪ { :‬إني معكم}‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 3‬ليس هذا من خصائص أمة السلم؛ لن هذه العبادات شرعت لسعاد وإكمال النسان‪ ،‬لذا هي‬
‫مشروعة لكل المم لتوقف الكمال والسعادة على مثلها من مزكيات النفوس ومهذبات الخلق‪.‬‬
‫‪ 4‬لن مقام الرسل شريف‪ ،‬وكيف وهم رسول ال تعالى‪ ،‬ثم لول وجوب ذلك لهم مع وجوب‬
‫محبتهم لما أطاعهم من بعثوا فيهم وأرسلوا إليهم‪.‬‬

‫( ‪)1/606‬‬

‫جعَلْنَا قُلُو َبهُمْ قَاسِ َيةً يُحَ ّرفُونَ ا ْلكَلِمَ عَنْ َموَاضِعِ ِه وَنَسُوا حَظّا ِممّا‬
‫ضهِمْ مِيثَا َقهُمْ َلعَنّاهُمْ وَ َ‬
‫{فَ ِبمَا َن ْق ِ‬
‫حبّ‬
‫صفَحْ إِنّ اللّهَ ُي ِ‬
‫عفُ عَ ْنهُ ْم وَا ْ‬
‫ُذكّرُوا بِ ِه وَل تَزَالُ تَطِّلعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِ ْنهُمْ إِل قَلِيلً مِ ْنهُمْ فَا ْ‬
‫خذْنَا مِيثَا َقهُمْ فَنَسُوا حَظّا ِممّا ُذكّرُوا ِبهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْ َنهُمُ‬
‫حسِنِينَ(‪َ )13‬ومِنَ الّذِينَ قَالُوا إِنّا َنصَارَى أَ َ‬
‫ا ْلمُ ْ‬
‫س ْوفَ يُنَبّ ُئ ُهمُ اللّهُ ِبمَا كَانُوا َيصْ َنعُونَ(‪})14‬‬
‫ا ْلعَدَا َو َة وَالْ َب ْغضَاءَ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَ ِة وَ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫نقض الميثاق ‪ :‬حله بعدم اللتزام بما تضمنه من أمر ونهي‪.‬‬
‫{َلعَنّا ُهمْ} ‪ :‬طردناهم من موجبات الرحمة ومقتضيات العز والكمال‪.‬‬
‫{ ُيحَ ّرفُونَ ا ْلكَلِمَ ‪ :‬يبدلون الكلم ويؤولون معانيه لغراض فاسدة‪ ،‬والكلم من الكلم‪.‬‬
‫حظّا ِممّا ُذكّرُوا} ‪ :‬تركوا قسطا كبيرا مما ذكرهم ال تعالى به‪ ،‬أي‪ :‬أمرهم به في كتابهم‪.‬‬
‫وَنَسُوا َ‬
‫{خَائِنَةٍ} ‪ :‬خيانة أو طائفة خائنة منهم‪.‬‬
‫صفَحْ} ‪ :‬أي‪ :‬ل تؤاخذهم واصرف وجهك عنهم محسنا إليهم بذلك‪.‬‬
‫عفُ عَ ْنهُ ْم وَا ْ‬
‫{فَا ْ‬
‫{إِنّا َنصَارَى} ‪ :‬أي‪ :‬ابتدعوها بدعة النصرانية‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنا نصارى‪.‬‬
‫{فَأَغْرَيْنَا بَيْ َنهُمُ ا ْلعَدَا َوةَ} ‪ :‬الغراء‪ :‬التحريش‪ ،‬والمراد أوجدنا لهم أسباب الفرقة والخلف إلى يوم‬
‫القيامة بتدبيرنا الخاص فهم أعداء لبعضهم البعض أبدا‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في بيان خبث اليهود و غدرهم‪ ،‬فقد أخبر تعالى في هذه الية الكريمة‬

‫( ‪)1/607‬‬

‫(‪ )13‬أن اليهود الذين أخذ ال ميثاقهم على عهد موسى عليه السلم بأن يعملوا بما في التوراة وأن‬
‫يقابلوا الكنعانيين ويخرجوهم من أرض القدس وبعث منهم أثنى عشر نقيبا قد نكثوا عهدهم‬
‫ونقضوا ميثاقهم‪ ،‬وإنه لذلك لعنهم وجعل قلوبهم قاسية فهم يحرفون الكلم عن مواضعه فقال تعالى‪:‬‬
‫ضهِمْ‪ }1‬أي‪ :‬فبنقضهم ميثاقهم الذي أخذ عليهم بأن يعملوا بما في التوراة ويطيعوا رسولهم‬
‫{فَ ِبمَا َن ْق ِ‬
‫جعَلْنَا قُلُو َبهُمْ قَاسِيَةً‪ }2‬شديدة‬
‫{َلعَنّا ُهمْ} أي‪ :‬أبعدناهم من دائرة الرحمة وأفناء الخير والسلم {وَ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ضعِهِ} فيقدمون ويؤخرون‬
‫غليظة ل ترق لموعظة‪ ،‬ول تلين لقبول هدى {يُحَ ّرفُونَ ا ْلكَلِمَ عَنْ َموَا ِ‬
‫ويحذفون بعض الكلم ويؤولون معانيه لتوافق أهواءهم‪ ،‬ومن ذلك تأويلهم اليات الدالة على نبوة‬
‫كل من عيسى ومحمد صلى ال عليهما وسلم في التوراة {وَنَسُوا حَظّا ِممّا ُذكّرُوا ِبهِ} وتركوا‬
‫كثيرا مما أمروا به من الشرائع والحكام معرضين عنها متناسين لها كأنهم لم يؤمروا بها‪ ،‬فهل‬
‫يستغرب ممن كان هذا حالهم الغدر والنقض والخيانة‪ ،‬ول تزال يا رسولنا { َتطّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِ ْنهُمْ‬
‫‪ }3‬أي‪ :‬على طائفة خائنة منهم كخيانة بني النضير {إِل قَلِيلً مِ ْنهُمْ} فإنهم ل يخونون؛ كعبد ال بن‬
‫عفُ ‪ 4‬عَ ْنهُمْ} فل تؤاخذهم بالقتل‪{ ،‬وَاصْفَحْ} عنهم فل تتعرض‬
‫سلم وغيره‪ ،‬وبناء على هذا {فَا ْ‬
‫حبّ ا ْلمُحْسِنِينَ} ‪.‬‬
‫لمكروههم فأحسن إليهم بذلك {إِنّ اللّهَ ُي ِ‬
‫هذا ما دلت عليها الية الولى(‪ ،)13‬أما الية الثانية(‪ )14‬في هذا السياق فقد أخبر تعالى عن‬
‫النصارى ‪ 5‬وأن حالهم كحال اليهود ل تختلف كثيرا عنهم‪ ،‬فقد أخذنا ميثاقهم على اليمان بي‬
‫وبرسلي وبالعمل بشرعي فتركوا متناسين كثيرا مما أخذ عليهم العهد والميثاق فيه‪ ،‬فكان أن‬
‫أغرينا بينهم ‪ 6‬العداوة والبغضاء كثمرة لنقضهم الميثاق فتعصبت كل طائفة لرأيها فثارت‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الميم في قوله تعالى‪{ :‬فَبِما َنقْضُهم} زائدة لتقوية الكلم وتأكيده ولفت النظر إليه ليتأمل وتفهم‬
‫معانيه‪.‬‬
‫‪ 2‬قرئت‪َ { :‬قسْية} يقال‪ :‬عام قسي‪ ،‬أي‪ :‬شديد ل مطر فيه‪ ،‬فالمادة مأخوذة من الشدة والقساوة‪.‬‬
‫‪ 3‬لفط‪ :‬خائنة‪ ،‬صالح لن يكون صفة لطائفة محذوفة كما في التفسير‪ ،‬وجائز أن تكون خائنة‬
‫بمعنى خيانة؛ كقولهم في القيلولة‪ :‬قائلة‪ ،‬والخيانة‪ :‬هي المعصية‪ ،‬يحدثونها؛ كالكذب والفجور‪،‬‬
‫وأصل الخيانة‪ :‬عدم الوفاء بالعهد‪.‬‬
‫‪ 4‬هذا حمل له صلى ال عليه وسلم على مكارم الخلق؛ لن أذاهم كان منصبًا عليه صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فأمره بعدم مقابلة الذى بالذى‪ ،‬بل بالعفو والصفح ليعظم مقامه أمامه ويكبر في‬
‫أعينهم‪.‬‬
‫‪ 5‬التعبير بلفظ‪ :‬النصارى‪ ،‬فيه إشارتات مهمتان‪ :‬الولى‪ :‬أن النصرانية بدعة ابتدعوها وليست‬
‫مما شرع ال تعالى‪ ،‬فهو ينفي عنهم ذلك‪ .‬والثانية‪ :‬بما أنهم راعوا في هذه البدعة نصرة الدين‬
‫والحق وأهله أخذًا من قول عيسى‪{ :‬مَنْ أَ ْنصَارِي إِلَى اللّهِ} ‪ ،‬فقَالَ الحواريون‪َ { :‬نحْنُ أَ ْنصَارُ اللّهِ}‬
‫إذا لم تنصرون الحق وهو السلم وأهله‪ ،‬وهم المسلمون؟‪.‬‬
‫‪ 6‬من الجائز أن يقال‪{ :‬فَأَغْرَيْنَا بَيْ َنهُمُ ا ْلعَدَا َو َة وَالْ َب ْغضَاءَ} هو عائد على اليهود والنصارى؛ لن‬
‫العداوة بينهم ثابتة‪ ،‬إلى أن السياق هو في النصارى فظوائفهم متعددة ومتعادية متباغضة‪ ،‬كما‬
‫أخبر تعالى‪ ،‬والفرق بين العداوة والبغضاء‪ :‬أن العداوة من العدوان فقد ينتج عنها أذي بالضرب‬
‫أو القتل‪ .‬وأما البغضاء‪ :‬فهي من البغض القلبي فل يتوقع من صاحبها أذى‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/608‬‬

‫بينهم الخصومات وكثر الجدل فنشأ عن ذلك العداوات والبغضاء وستستمر إلى يوم القيامة‪،‬‬
‫وسوف ينبئهم ال تعالى بما كانوا يصنعون من الباطل والشر والفساد ويجازيهم به الجزاء الموافق‬
‫لخبث أرواحهم وسوء أعمالهم فإن ربك عزيز حكيم‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة نقض المواثيق ونكث العهود ول سيما ما كان بين العبد وربه‪.‬‬
‫‪ -2‬الخيانة وصف لزم لكثر اليهود فقل من سلم منهم من هذا الوصف‪.‬‬
‫‪ -3‬استحباب العفو عند القدرة‪ ،‬وهو من خلل الصالحين‪.‬‬
‫‪ -4‬حال النصارى ‪ 1‬ل تختلف كثيرا عن حال اليهود كأنهم شربوا من ماء واحد‪ .‬وعليه فل‬
‫يستغرب منهم الشر ول يؤمنون على سر‪ ،‬فهم على عداوة السلم والحرب عليه متعاونون‬
‫متواصون‪.‬‬
‫ب وَ َيعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ‬
‫خفُونَ مِنَ ا ْلكِتَا ِ‬
‫{يَا َأ ْهلَ ا ْلكِتَابِ َقدْ جَا َءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ َلكُمْ كَثِيرا ِممّا كُنْتُمْ ُت ْ‬
‫جهُمْ مِنَ‬
‫ضوَانَهُ سُ ُبلَ السّل ِم وَيُخْ ِر ُ‬
‫جَا َءكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ َوكِتَابٌ مُبِينٌ(‪َ )15‬يهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتّ َبعَ ِر ْ‬
‫الظُّلمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْ ِن ِه وَ َيهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ(‪})16‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ‪ : }2‬هنا هم اليهود والنصارى معا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬جائز أن يكون النصارى‪ :‬جمع نصارى منسوب إلى النصر‪ ،‬كما قالوا‪ :‬شعراني‪ ،‬ولحياني‪،‬‬
‫منسوب إلى الشعر واللحية‪.‬‬
‫‪ 2‬الكتاب‪ :‬اسم جنس‪ ،‬يصدق على الواحد والثنين والكثر‪ ،‬والمراد بأهل الكتاب‪ :‬اليهود‬
‫والنصارى‪ ،‬ونداءه لهم بعنوان الكتاب فيه معنى العيب عليهم سلوكهم الشائن وإنحرافهم الخطير‬
‫حيث بعدوا عن كل خير‪.‬‬

‫( ‪)1/609‬‬

‫{قَدْ جَا َء ُكمْ رَسُولُنَا} ‪ :‬محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬


‫خفُونَ مِنَ ا ْلكِتَابِ} ‪ :‬الكتاب‪ :‬التوراة والنجيل‪ ،‬وما يخفونه صفات النبي محمد صلى ال عليه‬
‫{ ُت ْ‬
‫وسلم وبعض الحكام‪ ،‬المخالفين لها يجحدونها خوف المعرة؛ كالرجم مثلً‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{وَ َي ْعفُو ‪ 1‬عَنْ كَثِيرٍ} ‪ :‬ل يذكرها لكم لعدم الفائدة من ذكرها‪.‬‬
‫{نُو ٌر َوكِتَابٌ مُبِينٌ} ‪ :‬النور‪ :‬محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والكتاب‪ :‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫{إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ} ‪ :‬السلم‪ :‬وهو الدين الحق الذي ل نجاة إل به‪ .‬والمستقيم‪ :‬الذي ل اعوجاج‬
‫فيه‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق في أهل الكتاب فبعد أن بين تعالى باطلهم وما هم عليه من شر وسوء دعاهم‪ ،‬وهو‬
‫ربهم وأرحم بهم من أنفسهم إلى سبيل نجاتهم وكمالهم دعاهم إلى اليمان رسوله وكتابه ذلك‬
‫الرسول الذي ما اتبعه أحد وندم وخزي‪ ،‬والكتاب الذي ما ائتم به أحد وضل أو شقين فقال‪{ :‬يَا‬
‫أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ قَدْ جَا َءكُمْ َرسُولُنَا} أي‪ :‬محمد صلى ال عليه وسلم {يُبَيّنُ َل ُكمْ} بوحينا {كَثِيرا} من‬
‫مسائل الشرع والدين التي تخفونها خشية الفضيحة لنها حق جحدتموه‪ ،‬وذلك كنعوت النبي المي‬
‫وصفاته حتى ل يؤمن به الناس‪ ،‬وكحكم الرجم في التوراة وما إلى ذلك‪{ .‬وَ َي ْعفُو} يترك كثيرا لم‬
‫يذكر لعدم الداعي إلى ذكره يا أهل الكتاب { َقدْ جَا َءكُمْ مِنَ اللّهِ} ربكم {نُورٌ} هو رسولنا محمد ‪2‬‬
‫صلى ال عليه وسلم { َوكِتَابٌ مُبِينٌ} وهو القرآن‪ ،‬أذ بين كل شيء من أمور الدين والدنيا وكل ما‬
‫ضوَانَهُ}‪ ،‬وذلك‬
‫تتوقف سعادة النسان وكماله عليه دنيا وأخرى { َيهْدِي بِهِ اللّهُ} تعالى {مَنِ اتّبَعَ ِر ْ‬
‫بالرغبة الصادقة في الحصول على رضا ال عز وجل بواسطة فعل محابه وترك مساخطه عن‬
‫جهُمْ} أي‪:‬‬
‫كل معتقد وقول وعمل يهديه به {سُ ُبلَ السّلمِ} أي‪ :‬طريق السعادة والكمال‪{ ،‬وَ ُيخْرِ ُ‬
‫المتبعين رضوان ال {مِنَ الظُّلمَاتِ} وهي ظلمات الكفر والشرك والشك‪ ،‬إلى نور اليمان الصحيح‬
‫والعبادة الصحيحة المزكية للنفس المهذبة للشعور بتوفيقه وعونه تعالى ويهديهم‪ ،‬أي‪ :‬أولئك‬
‫الراغبين حقا في رضا ال {وَ َيهْدِي ِهمْ إِلَى صِرَاطٍ‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬يَعفو} معناه‪ :‬يعرض ول يظهر‪ ،‬يقال‪ :‬عفا الرسم‪ ،‬إذا لم يظهر‪ ،‬فعفا عن كذا‪ ،‬أعرض عنه‬
‫ولم يظهره‬
‫‪ 2‬واللفظ صالح لن يكون المراد بالنور‪ :‬السلم‪ ،‬فالنبي صلى ال عليه وسلم نور السلم‪ ،‬نور‬
‫إذ كل منهما يهدي إلى دار السلم في الخرة وإلى الطهر والصفاء والكمال في دار الدنيا‪.‬‬

‫( ‪)1/610‬‬

‫مُسْ َتقِيمٍ} ل يضلون معه ول يشقون أبدا‪ ،‬وهو دينه الحق السلم الذي ل يقبل دينا غيره ‪ ،1‬والذي‬
‫ما اهتدى من جانبه ول سعد ول كمل من تركه‪.‬‬
‫هداية اليتين‪:‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -1‬نصح ال تعالى لهل الكتاب بدعوتهم إلى سبل السلم بالدخول في السلم‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان جحود اليهود والنصارى لكثير من الحكام الشرعية ودلئل النبوة المحمدية مكرا وحسدا‬
‫حتى ل يؤمن الناس بالسلم ويدخلوا فيه‪.‬‬
‫‪ -3‬اتباع السنة المحمدية يهدي صاحبه إلى سعادته وكماله‪.‬‬
‫‪ -4‬القرآن حجة على الناس كافة لبيانه الحق في كل شيء‪.‬‬
‫‪ -5‬طالب رضا ‪ 2‬ال بصدق يفوز بكل خبر وينجو من كل ضير‪.‬‬
‫{َلقَدْ َكفَرَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلمَسِيحُ ابْنُ مَرْ َيمَ ُقلْ َفمَنْ َيمِْلكُ مِنَ اللّهِ شَيْئا إِنْ أَرَادَ أَنْ ُيهِْلكَ‬
‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ َومَا بَيْ َن ُهمَا َيخْلُقُ مَا‬
‫جمِيعا وَلِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫ا ْلمَسِيحَ ابْنَ مَرْ َي َم وَُأمّ ُه َومَنْ فِي الَ ْرضِ َ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ(‪َ )17‬وقَاَلتِ الْ َيهُو ُد وَال ّنصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللّهِ وَأَحِبّا ُؤهُ ُقلْ فَِلمَ‬
‫يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫سمَاوَاتِ‬
‫ُيعَذّ ُبكُمْ ِبذُنُو ِبكُمْ َبلْ أَنْتُمْ َبشَرٌ ِممّنْ خََلقَ َي ْغفِرُ ِلمَنْ يَشَا ُء وَ ُيعَ ّذبُ مَنْ يَشَا ُء وَلِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا وَإِلَ ْيهِ ا ْل َمصِيرُ(‪ )18‬يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ َقدْ جَا َءكُمْ‬
‫وَالَرْ ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬شاهده قوله تعالى‪ ،‬من سورة آل عمران‪َ { :‬ومَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ السلم دِينا فَلَنْ ُيقْ َبلَ مِنْ ُه وَ ُهوَ فِي‬
‫الخِ َرةِ مِنَ ا ْلخَاسِرِينَ} ‪.‬‬
‫‪ 2‬لنه يطلبه عن طريق السلم‪ ،‬والسلم قائد أهله إلى النجاة من كل مرهوب‪ ،‬وإلى الفوز بكل‬
‫محبوب مرغوب‪.‬‬

‫( ‪)1/611‬‬

‫سلِ أَنْ َتقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ َبشِي ٍر وَل َنذِيرٍ َفقَدْ جَا َءكُمْ بَشِيرٌ‬
‫رَسُولُنَا يُبَيّنُ َلكُمْ عَلَى فَتْ َرةٍ مِنَ الرّ ُ‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ}‬
‫وَنَذِي ٌر وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{َلقَدْ َكفَرَ الّذِينَ} ‪ :‬لنهم جحدوا الحق‪ ،‬وقالوا كذبا‪ :‬ال هو المسيح بن مريم‪.‬‬
‫{ا ْلمَسِيحُ} ‪ :‬لقب لعيسى بن مريم عبد ال ورسوله عليه السلم‪.‬‬
‫{مَرْيَمَ} ‪ :‬بنت عمران‪ ،‬من صلحاء بني إسرائيل‪ ،‬والدة عيسى عليه السلم‪.‬‬
‫{ ُيهِْلكَ} ‪ :‬يميت ويبيد‪.‬‬
‫{قَدِيرٌ} ‪ :‬قادر على إيجاد وإعدام كل شيء أراد إيجاده أو إعدامه‪.‬‬
‫الحباء ‪ :‬واحده‪ :‬حبيب‪ ،‬كما أن البناء واحده‪ :‬ابن‪.‬‬
‫{عَلَى فَتْ َرةٍ} ‪ :‬الفترة‪ :‬زمن انقطاع الوحي لعدم إرسال ال تعالى رسولً‪.‬‬
‫{بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} ‪ :‬البشير‪ :‬المبشر بالخير‪ ،‬والنذير‪ :‬المنذر من الشر‪ ،‬وهو رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم يبشر المؤمنين وينذر الكافرين‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في الحديث عن أهل الكتاب‪ ،‬ففي الية الولى(‪ )17‬أخبر تعالى مؤكدا‬
‫الخبر بالقسم المحذوف الدالة عليه اللم الواقعة في جواب القسم‪ ،‬فقال‪َ{ :‬لقَدْ َكفَرَ‪ 1‬الّذِينَ قَالُوا إِنّ‬
‫اللّهَ ُهوَ‪ 2‬ا ْلمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} ووجه كفرهم أنهم جعلوا المخلوف المربوب هو ال الخالق الرب لكل‬
‫شيء‪ ،‬وهو كفر من أقبح أنواع الكفر‪ ،‬وهذا وإن لم يكن قول أكثر النصارى فإنهم بانتمائهم إلى‬
‫النصرانية وقولهم بها وانخراطهم في سلك مبادئها وتعاليمها يؤاخذون به‪ ،‬لن الرضا بالكفر كفر‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المراد من ذكر هذا الخبر‪َ{ :‬لقَدْ َكفَرَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} هو بيان كفرهم‬
‫بهذه المقالة‪ ،‬ل أنه تقرير لضللهم ونقضهم الميثاق‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا عائد إلى قول بعضهم‪ :‬إن المسيح لهوت ناسوت‪ ،‬أي‪ :‬إله وإنسان‪ .‬وهو خلط وخبط ل‬
‫نظير لهما‪ ،‬وأشهر طوائفهم‪ ،‬وهم‪ :‬اليعقوبية‪ ،‬والملكائية‪ ،‬والنسطورية‪ ،‬ينكرون أن يكون ال هو‬
‫المسيح‪ ،‬ولكن يقولون‪ :‬إن عيسى ابن ال‪ ،‬وأنه إله‪ .‬وهو كذب صراح‪ ،‬وكفر بواح‪.‬‬

‫( ‪)1/612‬‬

‫وقوله تعالى‪ُ { :‬قلْ َفمَنْ‪َ 1‬يمِْلكُ مِنَ اللّهِ شَيْئا} يعلم رسوله كيف يتحج على أهل هذا الباطل فيقول‬
‫له‪ :‬قل لهم‪ :‬فمن يملك من ال شيئا إن أراد أن يهلك المسيح بن مريم وأمه عليهما السلم { َومَنْ‬
‫جمِيعا} ‪ ،‬والجواب قطعا‪ :‬ل أحد‪ ،‬إذا فكيف يكون عبد ال هو ال أو إلها مع ال؟‬
‫فِي الَ ْرضِ َ‬
‫ت وَالَ ْرضِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫أليس هذا هو الضلل بعينه وذهاب العقول بكماله؟ ثم أخبر تعالى أنه له {مُ ْلكُ ال ّ‬
‫خلُقُ مَا َيشَاءُ} خلقه بل حجر عليه ول حظر‪ ،‬و هو على كل‬
‫َومَا بَيْ َن ُهمَا} خلقا وتصرفا‪ ،‬وأنه {يَ ْ‬
‫شيء قدير خلق آدم من تراب بل أب ول أم‪ ،‬وخلق حواء من آدم‪ ،‬وخلق عيسى من مريم بل‬
‫أب‪ ،‬ويخلق ما يشاء وهو على كل شيء قدير فكون المسيح عليه السلم خلقه بكلمة كن بل أب ل‬
‫تستلزم عقلً ول شرعا أن يكون هو ال‪ ،‬ول ابن ال‪ ،‬ول ثالث مع ال‪ ،‬كما هي عقيدة أكثر‬
‫النصارى‪ ،‬والعجب من إصرارهم على هذا الباطل‪ ،‬هذا ما دلت عليه الية الولى‪ ،‬أما الية‬
‫الثانية(‪ )18‬فقد تضمنت بيان ضلل اليهود والنصارى معا‪ ،‬وهو دعواهم أنهم {أَبْنَاءُ اللّه‬
‫‪2‬وَأَحِبّا ُؤهُ} ‪ ،‬إذ قال تعالى عنهم‪َ { :‬وقَاَلتِ الْ َيهُو ُد وَال ّنصَارَى نَحْنُ‪ 3‬أَبْنَاءُ اللّ ِه وَأَحِبّا ُؤهُ} وهو تبجح‬
‫وسفه وضلل‪ ،‬فأمر ال تعالى رسوله أن يرد عليهم بقوله‪ :‬قل لهم يا رسولنا‪{ :‬فَلِمَ ُيعَذّ ُبكُمْ‬
‫بِذُنُو ِبكُمْ} فهل الب يعذب أبناءه‪ ،‬والحبيب يعذب محبيه‪ ،‬وأنتم تقولون نعذب في النار أربعين يوما‬
‫بسب خطيئة عبادة أسلفهم العجل أربعين يوما‪ ،‬كما جاء ذلك في قوله تعالى حكاية عنهم‪َ { :‬وقَالُوا‬
‫لَنْ َتمَسّنَا النّارُ إِل أَيّاما َمعْدُو َدةً} ‪ ،‬والحقيقة أن هذا القول منكم من جملة الترهات والباطيل التي‬
‫تعيشون عليها‪ ،‬وأما أنتم فإنكم بشر ممن خلق ال فنسبتكم إليه تعالى نسبة مخلوق إلى خالق‪،‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وعبد إلى مالك من آمن منكم وعمل صالحا غفر له وأكرمه‪ ،‬ومن كفر منكم وعمل سوء عذبه‪،‬‬
‫كما هي سنته في سائر عباده‪ ،‬ول اعتراض عليه فإن له ملك السموات والرض وما بينهما وأنتم‬
‫من جملة مملوكيه‪ ،‬وإليه المصير فسوف ترجعون إليه ويجزيكم بوصفكم إنه حكيم عليم‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه الية الثانية‪ ،‬أما الية الثالثة(‪ )19‬فقد تضمنت إقامة الحجة على أهل‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الفاء‪ :‬للعطف على جملة محذوفة متضمنة كذبهم في قولهم‪ ،‬والتقدير‪ :‬كل كذبتم فمن يملك‪...‬‬
‫إلخ‪.‬‬
‫‪ 2‬التعبير بالبوة والبنوة المنسوبة إلى ال تعالى تفيض بها التوراة والنجيل‪ ،‬وهو من التحريف‬
‫الذي حصل لكتابيهم‪ ،‬وأما قول من قال‪ :‬هذه البوة والبنوة كانت تعني التشريف فاغتر بها‬
‫المتأخرون واعتقدوا حقيقتها‪ .‬هذا القول فيه مجازفة ل تقبل‪.‬‬
‫‪ 3‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪" :‬خوف رسول ال صلى ال عليه وسلم قومًا من اليهود في‬
‫العقاب فقالوا‪ :‬ل نخاف فإننا أبناء ال وأحباؤه‪ ،‬فنزلت هذه الية‪.‬‬

‫( ‪)1/613‬‬

‫الكتاب‪ ،‬فقد ناداهم الرب تبارك وتعالى بقوله‪{ :‬يَا َأ ْهلَ ا ْلكِتَابِ} وأعلمهم أنه قد جاءهم رسوله‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم يبين لهم الطريق المنجي والمسعد في وقت واحد على حين فترة من ‪1‬‬
‫الرسل‪ ،‬إذ انقطع الوحي منذ رفع عيسى إلى السماء وقد مضى على ذلك قرابة خمسمائة وسبعين‬
‫سنة أرسلنا رسولنا إليكم حتى ل تقولوا معتذرين عن شرككم وكفركم وشركم وفسادكم‪{ :‬مَا جَاءَنَا‬
‫مِنْ بَشِي ٍر وَل نَذِيرٍ‪ }2‬فها هو ذا البشير محمد ‪ 3‬صلى ال عليه وسلم قد جاءكم ‪ 4‬فآمنوا به واتبعوه‬
‫تنجوا وتسعدوا‪ ،‬وإل؛ فالعذاب لزم لكم‪ ،‬وال على تعذيبكم قدير كما هو على كل شيء قدير‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬كفر من ينسب إلى ال تعالى ما هو منزه عنه من سائر النقائص‪.‬‬
‫‪ -2‬بطلن دعوى اليهود والنصارى أنهم أبناء ال وأحباؤه بالدليل العقلي‪.‬‬
‫‪ -3‬نسبة المخلوقات ل تعالى ل تتجاوز كونها مخلوقة له مملوكة يتصرف فيها كما شاء ويحكم‬
‫فيها بما يريد‪.‬‬
‫‪ -4‬قطع عذر أهل الكتاب بإرسال الرسول محمد صلى ال عليه وسلم على حين فترة من الرسل‪.‬‬
‫جعََلكُمْ مُلُوكا وَآتَا ُكمْ مَا‬
‫ج َعلَ فِيكُمْ أَنْبِيَا َء وَ َ‬
‫{وَإِذْ قَالَ مُوسَى ِل َقوْمِهِ يَا َقوْمِ ا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ ِإذْ َ‬
‫لَمْ ُي ْؤتِ أَحَدا مِنَ ا ْلعَاَلمِينَ(‪ )20‬يَا َقوْمِ ادْخُلُوا الَ ْرضَ ا ْل ُمقَدّسَةَ الّتِي كَ َتبَ اللّهُ َلكُ ْم وَل تَرْتَدّوا عَلَى‬
‫أَدْبَا ِركُمْ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الفترة‪ :‬مشتقة من فتر عن عمله‪ ،‬يفتر فتورًا‪ ،‬إذا سكن‪ .‬والصل فيها النقطاع عما كان عليه‬
‫من الجد عليه‪ .‬والمراد بها في الشرع‪ :‬هي انقطاع ما بين الرسولين‪.‬‬
‫‪{ 2‬مَن بَشِير ول نَذِير} من زائدة وزيادتها لغرض المبالغة في نفي المجيء وتنكير بشير ونذير‬
‫للتقليل‪ ،‬أي‪ :‬ما جاءنا أقل بشير وأقل نذير‪.‬‬
‫‪ 3‬روي عن ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬أن معاذ بن جبل وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب قالوا‬
‫لليهود‪ :‬يا معشر يهود اتقوا ال فإنكم وال لتعلمون أن محمدًا رسول ال ولقد كنتم تذكرونه لنا قبل‬
‫مبعثه وتصفونه بصفته فقالوا‪ :‬ما أنزل ال من كتاب بعد موسى ول أرسل بعد من بشير ول نذير‬
‫فنزلت هذه الية‪.‬‬
‫‪ 4‬قوله تعالى‪َ { :‬فقَدْ جَا َء ُكمْ بَشِيرٌ‪ }...‬الية‪ .‬الفاء‪ :‬هي الفاء الفصيحة‪ ،‬فقد أفصحت عن محذوف ما‬
‫بعدها يكون علة له‪ ،‬وتقديره هنا‪ :‬ل تعتذروا فقد جاءكم‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫( ‪)1/614‬‬

‫ن وَإِنّا لَنْ نَ ْدخَُلهَا حَتّى َيخْرُجُوا مِ ْنهَا فَإِنْ‬


‫فَتَ ْنقَلِبُوا خَاسِرِينَ(‪ )21‬قَالُوا يَا مُوسَى إِنّ فِيهَا َقوْما جَبّارِي َ‬
‫يَخْ ُرجُوا مِ ْنهَا فَإِنّا دَاخِلُونَ(‪ )22‬قَالَ َرجُلنِ مِنَ الّذِينَ َيخَافُونَ أَ ْنعَمَ اللّهُ عَلَي ِهمَا ا ْدخُلُوا عَلَ ْيهِمُ الْبَابَ‬
‫ن وَعَلَى اللّهِ فَ َت َوكّلُوا إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ(‪})23‬‬
‫فَإِذَا دَخَلْ ُتمُوهُ فَإِ ّنكُمْ غَالِبُو َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ ِن ْعمَةَ‪ 1‬اللّهِ عَلَ ْيكُمْ} ‪ :‬منها نجاتهم من فرعون وملئه‪.‬‬
‫ج َعلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ‪ : }2‬منهم موسى وهارون عليهما السلم‪.‬‬
‫{ِإذْ َ‬
‫جعََلكُمْ مُلُوكا} ‪ :‬أي‪ :‬مالكين أمر أنفسكم بعد الستعباد الفرعوني لكم‪.‬‬
‫{وَ َ‬
‫{ا ْلعَاَلمِينَ} ‪ :‬المعاصرين لهم والسابقين لهم‪.‬‬
‫سةَ الّتِي كَ َتبَ} ‪ :‬المطهرة التي فرض ال عليكم دخولها والسكن فيها بعد طرد الكفار منها‪.‬‬
‫{ا ْل ُمقَدّ َ‬
‫{وَل تَرْتَدّوا عَلَى أَدْبَا ِركُمْ} ‪ :‬أي‪ :‬ترجعوا منهزمين إلى الوراء‪.‬‬
‫{ َقوْما جَبّارِينَ} ‪ :‬عظام الجسام أقوياء البدان يجبرون على طاعتهم من شاءوا‪.‬‬
‫{ َيخَافُونَ} ‪ :‬مخالفة أمر ال تعالى ومعصية رسوله‪.‬‬
‫{أَ ْنعَمَ اللّهُ عَلَي ِهمَا} ‪ :‬أي‪ :‬بنعمة العصمة حيث لم يفشوا سر ما شاهدوه لما دخلوا أرض الجبارين‬
‫لكشف أحوال العدو بها‪ ،‬وهما يوشع وكالب من النقباء الثنى عشر‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق مع أهل الكتاب‪ ،‬وهو هنا في اليهود خاصة‪ ،‬إذ قال ال تعالى لرسوله محمد‬
‫__________‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حصُوهَا}‬
‫‪ 1‬النعمة‪ :‬اسم جنس يطلق على الواحد والمتعدد؛ كقوله تعالى‪{ :‬وَإِنْ َت ُعدّوا ِن ْعمَةَ اللّهِ ل ُت ْ‬
‫فهو دال على العدد الذي ل يحصى‪.‬‬
‫‪ 2‬أنبياء‪ :‬جمع نبي‪ ،‬ولم يصرف لن فيه ألف التأنيث الممدودة‪.‬‬

‫( ‪)1/615‬‬

‫ج َعلَ فِيكُمْ‬
‫صلى ال عليه وسلم واذكر ‪َ { 1‬وإِذْ قَالَ مُوسَى ِلقَ ْومِهِ يَا َقوْمِ ا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ ِإذْ َ‬
‫جعََل ُكمْ مُلُوكا‪ }2‬تملكون أنفسكم ل سلطان لمة عليكم إل‬
‫أَنْبِيَاءَ} كموسى وهارون عليهما السلم {وَ َ‬
‫سةَ الّتِي كَ َتبَ اللّهُ َل ُكمْ} للسكن فيها‬
‫سلطان ربكم عز وجل ‪{ 3‬يَا َقوْمِ ا ْدخُلُوا الَ ْرضَ ا ْل ُمقَدّ َ‬
‫والستقرار بها فافتحوا باب المدينة وباغتوا العدو فإنكم تغلبون {وَل تَرْتَدّوا عَلَى َأدْبَا ِركُمْ} أي‪ :‬ول‬
‫ترجعوا إلى الوراء منهزمين فتنقلبوا بذلك خاسرين‪ ،‬ل أمر ال بالجهاد أطعتم‪ ،‬ول المدينة المقدسة‬
‫دخلتم وسكنتم‪ ،‬واسمع يا رسولنا جواب القوم ليزول استعظامك بكفرهم بك وهمهم بقتلك‪ ،‬ولتعلم‬
‫أنهم قوم بهت سفلة ل خير لهم‪ ،‬إذ قالوا في جوابهم لنبيهم موسى عليه السلم‪{ :‬يَا مُوسَى إِنّ فِيهَا‬
‫خلُونَ} !! وكان سبب‬
‫خَلهَا حَتّى يَخْ ُرجُوا مِ ْنهَا فَإِنْ يَخْ ُرجُوا مِ ْنهَا فَإِنّا دَا ِ‬
‫َقوْما جَبّارِينَ‪ 4‬وَإِنّا لَنْ نَدْ ُ‬
‫هذه الهزيمة الروحية ما أذاعه النقباء من أخبار مهيلة مخيفة تصف العمالقة الكنعانيين بصفات ل‬
‫تكاد تتصور في العقول‪ ،‬اللهم إل اثنين منهم‪ ،‬وهما‪ :‬يوشع بن نون‪ ،‬وكالب بن يوحنا‪ ،‬وهما اللذان‬
‫قال تعالى عنهما‪{ :‬قَالَ َرجُلنِ مِنَ الّذِينَ َيخَافُونَ} أي‪ :‬أمر ال تعالى {أَ ْن َعمَ اللّهُ عَلَي ِهمَا} فعصمهما‬
‫من إفشاء سر ما رأوا من قوة الكنعانيين إل لموسى عليه السلم قال للقوم‪{ :‬ا ْدخُلُوا عَلَ ْيهِمُ الْبَابَ}‬
‫أي‪ :‬باب المدينة {فَإِذَا دَخَلْ ُتمُوهُ فَإِ ّنكُمْ غَالِبُونَ} ‪ ،‬وذلك لعنصر المباغتة‪ ،‬وهو عنصر مهم في‬
‫الحروب‪{ ،‬وَعَلَى اللّهِ فَ َت َوكّلُوا} وهاجموا القوم واقتحموا عليهم المدينة {إِنْ كُنْ ُتمْ ُم ْؤمِنِينَ} بما أوجب‬
‫ال عليكم من جهاد وكتب لكم من الستقرار بهذه البلد والعيش بها‪ ،‬لنها أرض ‪ 5‬القدس‬
‫والطهر‪ .‬هذا ما تضمنته اليات الربع‪ ،‬وسنسمع رد اليهود على الرجلين في اليات التالية‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في هذه اليات تسلية لرسول ال صلى ال عليه وسلم عما يلقي من عنت وعناد له بالمدينة‪،‬‬
‫لذا أعلمهم بما لقى موسى منهم من غلظة وجفاء وتعنت وعناد‪.‬‬
‫‪ 2‬روي عن الحسن وزيد ابن أسلم‪" :‬أن من كانت له دار وزوجة وخادم فهو ملك"‪ .‬وهو قول عبد‬
‫ال بن عمرو بن العاص‪ ،‬كما في صحيح مسلم‪ ،‬إذ سأله رجل قائلً‪" :‬ألسنا من فقراء المهاجرين‪.‬‬
‫فقال له عبد ال‪ :‬ألك امرأة تأوي إليها‪ .‬قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬ألك منزل تسكنه؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فأنت من‬
‫الغنياء‪ .‬قال‪ :‬فإن لي خادمًا‪ .‬قال‪ :‬فأنت ملك"‪.‬‬
‫‪ 3‬سقطت هذه الية من التفسير‪{ :‬وَآتَاكُمْ مَا لَمْ ُي ْؤتِ أَحَدا مِنَ ا ْلعَاَلمِينَ} وهو قول موسى لقومه‪،‬‬
‫وما آتاهم منه‪ :‬المن والسلوى والغمام‪ .‬وكون النبياء في بني إسرائيل في هذا المذكور تبدوا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الخصوصية المذكورة في قوله‪{ :‬مَا َلمْ ُي ْؤتِ َأحَدا مِنَ ا ْلعَاَلمِينَ} ‪.‬‬
‫‪{ 4‬جَبّارِين} أي‪ :‬عظام الجسام طوالها‪ ،‬والجبار من الناس‪ :‬المتعظم الممتنع من الذل والفقر‪ ،‬أو‬
‫هو من يجبر الناس على مراده لقوته عليهم وقهره لهم‪ ،‬وذكر القرطبي هنا حديثًا مسهبًا‪ ،‬عن‬
‫عوج بن عناق‪ ،‬وهو حديث خرافة لما فيه من التهاويل الباطلة‪.‬‬
‫‪ 5‬هي أرض فلسطين الواقعة بين البحر البيض المتوسط وبين نهر الردن والبحر الميت‪ ،‬فتنتهي‬
‫إلى حماة شمالً وغزة وحرون جنوبًا "نقلً عن التنوير"‪.‬‬

‫( ‪)1/616‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم بإعلمه تعالى بخبث اليهود وشدة ضعفهم ومرض‬
‫قلوبهم‪.‬‬
‫‪ -2‬فضح اليهود بكشف اليات عن مخازيهم مع أنبيائهم‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان الثر السيئ الذي تركه إذاعة النقباء للخبار الكاذبة المهولة‪ ،‬وقد استعملت ألمانيا النازية‬
‫هذا السلوب ونجحت نجاحا كبيرا حيث اجتاحت نصف أوربا في مدة قصيرة جدا‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان سنة ال تعالى من أنه ل يخلو زمان ول مكان من عبد صالح تقوم به الحجة على الناس‪.‬‬
‫‪ -5‬فائدة عنصر المباغتة في الحرب وأنه عنصر فعال في كسب النتصار‪.‬‬
‫{قَالُوا يَا مُوسَى إِنّا لَنْ َندْخَُلهَا أَبَدا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْ َهبْ أَ ْنتَ وَرَ ّبكَ َفقَاتِل إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ(‪)24‬‬
‫سقِينَ(‪ )25‬قَالَ فَإِ ّنهَا مُحَ ّرمَةٌ عَلَ ْيهِمْ‬
‫قَالَ َربّ إِنّي ل َأمِْلكُ إِل َنفْسِي وََأخِي فَافْ ُرقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ا ْل َقوْمِ ا ْلفَا ِ‬
‫سقِينَ(‪})26‬‬
‫أَرْ َبعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الَ ْرضِ فَل تَأْسَ عَلَى ا ْل َقوْمِ ا ْلفَا ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{لَنْ َندْخَُلهَا} ‪ :‬أي‪ :‬المدينة ‪ 1‬التي أمروا بمهاجمة أهلها والدخول عليهم فيها‪.‬‬
‫سقِينَ} ‪ :‬أي‪ :‬عن أمر ال ورسوله بتركهم الجهاد جبنا وخوفا‪.‬‬
‫{ا ْلفَا ِ‬
‫{مُحَ ّر َمةٌ عَلَ ْيهِمْ} ‪ :‬أي‪ :‬تحريما كونيا قضائيا ل شرعيا تعبديا‪.‬‬
‫{يَتِيهُونَ فِي الَ ْرضِ} ‪ :‬أي‪ :‬في أرض سيناء متحيرين فيها ل يدرون أين يذهبون مدة أربعين‬
‫سنة‪.‬‬
‫{فَل تَأْسَ} ‪ :‬أي‪ :‬ل تحزن ول تأسف‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إليا أو أريحا ل تعدو واحدة منها عند أكثر المفسرين والمؤرخين‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/617‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫هذا هو جواب القوم على طالب الرجلين الصالحين باقتحام المدينة على العدو‪ ،‬إذ قالوا بكل وقاحة‬
‫ودناء وخسة‪{ :‬يَا مُوسَى إِنّا لَنْ نَ ْدخَُلهَا} أي‪ :‬المدينة {أَبَدا مَا دَامُوا فِيهَا} أي‪ :‬ما دام أهلها فيها‬
‫يدافعون عنها ولو لم يدافعوا ‪{ ،1‬فَاذْ َهبْ أَ ْنتَ‪ 2‬وَرَ ّبكَ فَقَاتِل} أهل المدينة‪ ،‬أما نحن ف {هَاهُنَا‬
‫قَاعِدُونَ} ‪ .‬أي تمرد وعصيان أكثر من هذا؟ وأي جبن وخور أعظم من هذا؟ وأي سوء أدب أحط‬
‫من هذا؟ وهنا قال موسى متبرئا من القوم الفاسقين‪ :‬رب‪ :‬أي يا رب {إِنّي ل َأمِْلكُ‪ 3‬إِل َنفْسِي‬
‫سقِينَ} فطلب بهذا البراءة منهم ‪ 4‬ومن صنيعهم‪ ،‬إذ‬
‫وَأَخِي} يريد هارون {فَافْ ُرقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ا ْل َقوْمِ ا ْلفَا ِ‬
‫قد استوجبوا العذاب قطعا‪ ،‬فأجابه ربه تعالى بقوله في الية الثالثة(‪{ )26‬فَإِ ّنهَا مُحَ ّر َمةٌ عَلَ ْيهِمْ} أي‪:‬‬
‫الرض المقدسة أربعين سنة ل يدخلونها وفعلً ما دخلوها إل بعد مضي الفترة المذكورة "أربعين‬
‫سنة" وكيف كانوا فيها؟ يتيهون ‪ 5‬في أرض سيناء متحيرين ل يدرون أين يذهبون ول من أين‬
‫يأتون‪ ،‬وعليه فل تحزن يا رسولنا ول تأسف على القوم الفاسقين‪ ،‬إذ هذا جزاؤهم من العذاب‬
‫عُجل لهم فليذوقوه!!‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان جبن اليهود وسوء أدبهم مع ربهم وأنبيائهم‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب البراءة من أهل الفسق ببغض عملهم وتركهم لنقمة ال تعالى تنزل بهم‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة الحزن والتأسف على الفاسقين والظالمين إذا حلت بهم العقوبة اللهية جزاء فسقهم‬
‫وظلمهم لنفسهم ولغيرهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا الجبن والخور الذي أصاب القوم سببه‪ :‬ما أذاعه النقباء فيهم‪ ،‬ما عدا يوشع وكالب؛ من أن‬
‫العمالقة قوم جبارون‪ ،‬أجسامهم كذا وكذا في طولها وعرضها‪ ،‬وقوتهم كذا وكذا‪...‬‬
‫‪ 2‬هذه العبارة تدل على جهل القوم بال تعالى وبما يجب له من العظيم والوقار‪ ،‬وهي كلمة كفر‬
‫إن لم يعذر صاحبها بجهل بال تعالى وصفاته‬
‫‪ 3‬ليس معنى الملك أن يملكه كعبد ل‍‍‪ .‬أنه أخوه فكيف يملكه وإنما مراده‪ :‬إني ل أملك إل نفسي‬
‫وأخي ل يملك ل نفسه أيضًا ل قدرة لي ول له على بني إسرائيل‪.‬‬
‫‪ 4‬أراد مفاصلتهم لما ظهر منهم من التمرد والعصيان والبعد عنهم حتى ل يصيبهما ما يصيبهم‬
‫من العقاب‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 5‬التيه في اللغة‪ :‬الحيرة‪ .‬يقال‪ :‬تاه يتيه تيهًا‪ ،‬إذا تحير‪ ،‬والرض التيهاء التي ل يهتدي فيها‪ ،‬وتاه‬
‫المرء في الرض ذهب فيها متحيرًا ل يدري‪ ،‬أين يذهب أو يجيء‪.‬‬

‫( ‪)1/618‬‬

‫لقْتُلَ ّنكَ‬
‫ل َ‬
‫حقّ إِذْ قَرّبَا قُرْبَانا فَ ُتقُبّلَ مِنْ َأحَدِ ِهمَا وَلَمْ يُ َتقَبّلْ مِنَ الخَرِ قَا َ‬
‫{وَا ْتلُ عَلَ ْيهِمْ نَبَأَ ابْ َنيْ آدَمَ بِالْ َ‬
‫لقْتَُلكَ إِنّي‬
‫ك َ‬
‫طتَ إَِليّ َي َدكَ لِ َتقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ َي ِديَ إِلَ ْي َ‬
‫قَالَ إِ ّنمَا يَ َتقَبّلُ اللّهُ مِنَ ا ْلمُ ّتقِينَ(‪ )27‬لَئِنْ بَسَ ْ‬
‫أَخَافُ اللّهَ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ(‪ )28‬إِنّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِ ْثمِي وَإِ ْث ِمكَ فَ َتكُونَ مِنْ َأصْحَابِ النّا ِر َوذَِلكَ جَزَاءُ‬
‫حثُ‬
‫عتْ َلهُ َنفْسُهُ قَ ْتلَ أَخِيهِ َفقَتَلَهُ فََأصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ(‪ )30‬فَ َب َعثَ اللّهُ غُرَابا يَ ْب َ‬
‫طوّ َ‬
‫الظّاِلمِينَ(‪َ )29‬ف َ‬
‫سوْ َءةَ َأخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَ ْزتُ أَنْ َأكُونَ مِ ْثلَ َهذَا ا ْلغُرَابِ‬
‫فِي الَ ْرضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ ُيوَارِي َ‬
‫سوْ َءةَ أَخِي فََأصْبَحَ مِنَ النّا ِدمِينَ(‪})31‬‬
‫فَُأوَا ِريَ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{وَا ْتلُ عَلَ ْيهِمْ} ‪ :‬وأقرأ على اليهود الذين هموا بقتلك وقتل أصحابك‪.‬‬
‫{نَبَأَ ابْ َنيْ آدَمَ} ‪ :‬خبر ابني آدم هابيل وقابيل‪.‬‬
‫{قُرْبَانا} ‪ :‬القربان‪ :‬ما يتقرب ‪ 1‬به إلى ال تعالى؛ كالصلة والصدقات‪.‬‬
‫طتَ إَِليّ يَ َدكَ} ‪ :‬مددت إليّ يدك‪.‬‬
‫س ْ‬
‫{بَ َ‬
‫{أَنْ تَبُوءَ بإِ ْثمِي وَإِ ْث ِمكَ} ‪ :‬ترجع إلى ال يوم القيامة بإثم قتلك إياي‪ ،‬وإثمك في معاصيك‪.‬‬
‫طوّعَتْ لَهُ َنفْسُهُ} ‪ :‬شجعته على القتل وزينته حتى فعله‪.‬‬
‫{ َف َ‬
‫{غُرَابا} ‪ :‬طائرا أسود معروف يضرب به المثل في السواد ‪.2‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قيل كان قربان قابيل‪ :‬حزمة من سنبل؛ لنه صاحب زرع فاختارها من أردئ زرعه‪ ،‬حيث إنه‬
‫وجد فيها سنبلة طيبة ففركها وأكلها‪ ،‬وأما قربان هابيل‪ :‬فكان كبشًا؛ لنه صاحب غنم واختاره من‬
‫أجود غنمه‪.‬‬
‫‪ 2‬يقال‪ :‬أسود غريب‪ ،‬وقال الشاعر‪ :‬حتى إذا شاب الغراب أتيت أهلي‪.‬‬

‫( ‪)1/619‬‬

‫سوْ َءةَ َأخِيهِ} ‪ :‬يستر بالتراب جسد أخيه‪ ،‬وقيل‪ :‬فيه سوءة‪ ،‬لن النظر إلي الميت تكرهه‬
‫{ ُيوَارِي َ‬
‫النفوس‪ ،‬والسوءة‪ :‬ما يكره النظر إليها‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق القرآني الكريم في الحديث عن يهود بني النضير الذين هموا بقتل النبي صلى ال‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عليه وسلم وأصحابه‪ ،‬فال تعالى يقول لرسوله‪ :‬واقرأ عليهم قصة ابني آدم هابيل وقابيل ليعلموا‬
‫بذلك عاقبة جريمة القتل الذي هموا به‪ ،‬توبيخا لهم‪ ،‬وإظهارا لموقفك الشريف منهم حيث عفوت‬
‫عنهم‪ ،‬فلم تقتلهم بعد تمكنك منهم‪ ،‬وكنت معهم كخير ابني آدم‪ِ{ ،‬إذْ قَرّبَا قُرْبَانا‪ ، }1‬أي‪ :‬قرب كل‬
‫منهما قربانا ل تعالى فتقبل ال قربان ‪ 2‬أحدهما لنه كان من أحسن ماله وكانت نفسه به طيبة‪،‬‬
‫{وَلَمْ يُ َتقَ ّبلْ مِنَ الخَرِ} وهو قابيل؛ لنه كان من أردأ ماله‪ ،‬ونفسه به متعلقة‪ ،‬فقال لخيه هابيل‬
‫لقتلنك حسدا له –كما حسدتك اليهود وحسدوا قومك في نبوتك ورسالتك‪ -‬فقال له أخوه إن عدم‬
‫قبول قربانك عائد إلى نفسك ل إلى غيرك {إِ ّنمَا يَ َتقَبّلُ اللّهُ مِنَ ا ْلمُ ّتقِينَ‪ }3‬للشرك‪ ،‬فلو اتقيت الشرك‬
‫لتقبل منك قربانك لن ال تعالى ل يتقبل إل ما كان خالصا له‪ ،‬وأنت أشركت نفسك وهواك في‬
‫سطٍ يَ ِديَ إِلَ ْيكَ‬
‫طتَ إَِليّ يَ َدكَ لِ َتقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَا ِ‬
‫س ْ‬
‫قربانك‪ ،‬فلم يتقبل منك‪ .‬ووال قسما به‪ { .‬لَئِنْ بَ َ‬
‫لقْتَُلكَ} ‪ ،‬وعلل ذلك بقوله‪{ :‬إِنّي أَخَافُ اللّهَ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ} ‪ ،‬أي‪ :‬أن ألقاه بدم أرقته ظلما‪ .‬وإن‬
‫َ‬
‫أبيت إل قتلي فإني ل أقتلك لني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك‪ ،‬أي‪ :‬ترجع إلى ربنا يوم القيامة بإثم‬
‫قتلك إياي‪ ،‬وإثمك الذي فارقته في حياتك كلها‪ ،‬فتكون بسبب ذلك من أصحاب النار الخالدين فيها‬
‫عتْ لَهُ َنفْسُهُ قَ ْتلَ َأخِيهِ} أي‬
‫طوّ َ‬
‫الذين ل يفارقونها أبدا‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬وذَِلكَ جَزَاءُ الظّاِلمِينَ} ‪{ ،‬فَ َ‬
‫شجعته عليه وزينته له فقتله {فََأصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ‪ }4‬النادمين لنه لم يدر ما يصنع به‬
‫__________‬
‫‪ 1‬القربان‪ :‬اسم جنس يطلق على الواحد‪ ،‬والمتعدد‪ ،‬إذ لكل منهما قربان وليس قربانًا واحدًا‬
‫اشتراكًا فيه‪.‬‬
‫‪ 2‬إن قيل كيف عرف القبول من عدمه؟ فالجواب‪ :‬إن سنة ال تعالى فيمن سبق أن من قرب ل‬
‫تعالى فقبله أرسل عليه نارًا من السماء فأحرقته ومن لم يتقبله لم يفعل به ذلك‪ .‬ويشهد له حديث‬
‫الصحيح في غنائم بني إسرائيل إذ كانت محرمة عليهم ولم تحل إل لمة السلم‪ ،‬إذ أخبر النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ " :‬إن نارًا تنزل من السماء على الغنائم فتحرقها" ‪.‬‬
‫‪ 3‬فيه دللة على أن قابيل لم يكن تقيًا‪ ،‬وقابيل في لغة بني إسرائيل بالنوب‪ :‬قابين‪ ،‬وكذا هابيل‪،‬‬
‫وقوله‪{ :‬إنما يَتَقبل ال‪ }...‬إلخ‪ .‬مسبوق بكلم دل عليه السياق‪ ،‬وهو مثل قوله‪ :‬لم تقتلني ولم أجني‬
‫شيئًا ول ذنب لي في قبول ال قرباني وكونه تقبل مني ل يستوجب قتلي {إِ ّنمَا يَ َتقَ ّبلُ اللّهُ مِنَ‬
‫ا ْلمُ ّتقِينَ} ‪.‬‬
‫‪ 4‬لما كان أول من سن القتل فإنه ل تقتل نفسًا ظلمًا إل وعليه كفل منها لقوله صلى ال عليه‬
‫وسلم‪" :‬ل تقتل نفس ظلمًا إل كان على ابن آدم كفل من دمها؛ لنه أول من سن القتل" ‪ .‬وفي‬
‫الحديث الخر‪" :‬من سن سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" ‪.‬‬

‫( ‪)1/620‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فكان يحمله على عاتقه ويمشي به حتى عفن‪ ،‬وعندئذ بعث ال غرابا يبحث في الرض‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ينبش الرض برجليه ومنقاره وينشر التراب على ميت معه حتى واراه‪ :‬أي بعث ال الغراب‬
‫ليريه كيف يواري‪ ،‬أي‪ :‬يستر سوءة أخيه‪ ،‬أي جيفته‪ ،‬فلما رأى قابيل ما صنع الغراب بأخيه‬
‫الغراب الميت قال متندما ًمتحسرا يا ويلنا‪ ،‬أي‪ :‬يا ويلتي احضري فهذا أوان حضورك‪ ،‬ثم وبخ‬
‫سوْ َءةَ َأخِي} ‪ ،‬كما وارى الغراب سوءة‬
‫عجَ ْزتُ أَنْ َأكُونَ مِ ْثلَ هَذَا ا ْلغُرَابِ فَُأوَا ِريَ َ‬
‫نفسه قائلً‪{ :‬أَ َ‬
‫أخيه‪ ،‬وأصبح من النادمين على حمله أو على قتله وعدم دفنه وبمجرد الندم ل يكون توبة مع أن‬
‫توبة القاتل عمدا ل تنجيه من النار‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬مشروعية التقرب إلى ال تعالى بما يجب أن يتقرب به إليه تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬عظم جريمة الحسد وما يترتب عليها من الثار السيئة‪.‬‬
‫‪ -3‬قبول العمال الصالحة يتوقف على الخلص فيها ل تعالى‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان أول من سن جريمة القتل‪ ،‬وهو قابيل‪ ،‬ولذا ورد‪ :‬ما من نفس تقتل نفسا ظلما إل كان‬
‫على ابن آدم الول كفل "نصيب" ذلك بأنه أول من سن القتل‪.‬‬
‫‪ -5‬مشروعية الدفن ‪ 1‬وبيان زمنه‪.‬‬
‫‪ -6‬خير ابنى آدم المقتول ظلما‪ ،‬وشرهما القاتل ظلما‪.2‬‬
‫جلِ ذَِلكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنّهُ مَنْ قَ َتلَ َنفْسا ِبغَيْرِ َنفْسٍ َأوْ فَسَادٍ فِي الَرْضِ َفكَأَ ّنمَا قَ َتلَ‬
‫{مِنْ َأ ْ‬
‫جمِيعا َومَنْ َأحْيَاهَا َفكَأَ ّنمَا َأحْيَا النّاسَ‬
‫النّاسَ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يستحب توسعة القبر لقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬احفروا وأوسعوا وأحسنوا اللحد"‪ .‬واللحد‬
‫أفضل من الشق لقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬اللحد لنا والشق لغيرنا" ‪ .‬ويستحب لمن يضع الميت‬
‫في قبره أن يقول‪ :‬بسم ال وعلى ملة رسول ال‪ ،‬ولمن حضر الدفن أن يحثو على القبر من قبل‬
‫رأسه ثلثًا‪.‬‬
‫‪ 2‬وإن قيل ما تصنع بحديث الصحيح‪" :‬إذ التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار"‪.‬‬
‫قلت هذا الحديث فيمن يقاتل في غير حق استوجب القتل والقتال‪ .‬أما من ظلم فدافع عن نفسه فقتل‬
‫فهو شهيد بنص الحديث الصحيح‪ .‬وكذا من بغى على المسلمين فقتاله واجب‪ ،‬ومن قاتله فهو‬
‫مجاهد ومن قتل فهو شهيد‪.‬‬

‫( ‪)1/621‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سلُنَا بِالْبَيّنَاتِ ثُمّ إِنّ كَثِيرا مِ ْنهُمْ َبعْدَ ذَِلكَ فِي الَ ْرضِ َلمُسْ ِرفُونَ(‪})32‬‬
‫جمِيعا وََلقَدْ جَاءَ ْتهُمْ رُ ُ‬
‫َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{من أجل ذلك}‪ :‬أي بسبب ذلك القتل‪.‬‬
‫}كتبنا}‪ :‬أوحينا‪.‬‬
‫{أو فساد في الرض} ‪ :‬بحلبه ل ورسوله والمؤمنين‪.‬‬
‫{ومن أحياها}‪ :‬قدرعلى قتلها وهي مستوجبه له فتركها‪.‬‬
‫{بالبينات}‪ :‬اليات والواضحةات حاملة للشرائع والدلئل‪.‬‬
‫{لمسرفون}‪ :‬مكثرون من المعاصي والذنوب‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫يقول تعالى‪ :‬إنه من أجل قبح جريمة القتل وما يترتب عليها من مفاسد ومضار ل يقادر قدرها‪،‬‬
‫أوحينا على بني إسرائيل لكثرة ما شاع بينهم من القتل وسفك الدماء‪ ،‬فقد قتلوا النبياء والمرين‬
‫بالقسط من الناس لجل هذه الضراوة على القتل‪ ،‬فقد قتلوا رسولين‪ :‬زكريا ويحي‪ ،‬وهموا بقتل‬
‫المرسلين العظيمين عيسى ومحمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬من أجل ذلك ‪ 1‬شددنا ‪ 2‬عليهم في‬
‫العقوبة‪ ،‬إذ من قتل منهم نفسا بغير نفس أي ظلما وعدوانا‪ ،‬أو قتلها بغير فساد قامت به في‬
‫جمِيعا} بمعنى يعذب عذاب قتل‬
‫الرض‪ ،‬وهو حرب ال ورسوله والمؤمنين { َفكَأَ ّنمَا قَ َتلَ النّاسَ َ‬
‫الناس جميعا يوم القيامة‪َ { ،‬ومَنْ أَحْيَاهَا} بأن استوجب القتل فعفا عنها وتركها ل إبقاء عليها‬
‫جمِيعا} يعني يُعطى أجر من أحيا الناس ‪ 4‬جمعيا‪ ،‬كل هذا شرعه ال تعالى‬
‫{ َفكَأَ ّنمَا أَحْيَا النّاسَ‪َ 3‬‬
‫لهم تنفيرا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قوله‪{ :‬مِنْ أَجْل ذَلِك} ‪ :‬تعليل لقوله‪{ :‬كَتَبْنا} ومن‪ :‬ابتدائية‪ ،‬والجل‪ :‬الجراء والسبب‪ ،‬وهو‬
‫مصدر أجل يؤجل ويأجل بمعنى‪ :‬جنى واكتسب‪ .‬فلذا هو يقال في الخير كما يقال في الشر‪ ،‬تقول‪:‬‬
‫أكرمته لجل علمه‪ .‬كما تقول‪ :‬أهنته لجل فسقه‪ .‬أما الجراء في قولك‪ :‬فعلت كذا من جراء كذا‪.‬‬
‫فهو مأخوذ من جر إذا سبب تقول‪ :‬فعليّ كذا‪ ،‬جرى لي كذا‪ ،‬أي‪ :‬سببه‪.‬‬
‫‪ 2‬خص بني إسرائيل بهذا دون من سبقهم من المم تغليظًا عليهم لجرأتهم على القتل علهم يكفون‬
‫من سفك الدماء‪ ،‬إذ قتلوا حتى النبياء والمرين بالقسط من الناس‪.‬‬
‫‪ 3‬كأن للتشبيه‪ ،‬ومن هنا يكون معنى الكلم‪ :‬كتبنا مشابهة قتل نفس بغير نفس‪ ...‬إلخ‪ .‬بقتل الناس‬
‫أجمعين‪ ،‬أي‪ :‬في عظم الجرم ومشابهة من أحيا الناس جميًعا في عظم الجر‪.‬‬
‫‪ 4‬من أحياها‪ :‬معناه‪ :‬من استنقذها من الموت‪ ،‬بأن عفى عنها بعد تعين القصاص عليها‪ ،‬أو دافع‬
‫عنها حتى أنقذها ممن أراد قتلها لن الحياء بعد الموت ليس في مقدور النسان وإنما قد يهم‬
‫المرء بالقتل ويعفو فيكون كمن أحياها‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/622‬‬

‫لهم من القتل الذي أصروا عليه‪ ،‬وترغيبا لهم في العفو الذي جافوه وبعدوا عنه فلم يعرفوه‪ ،‬وقوله‬
‫تعالى‪{ :‬وََلقَدْ جَاءَ ْت ُهمْ‪ُ 1‬رسُلُنَا بِالْبَيّنَاتِ} يخبر تعالى عن حالهم مسليا رسوله محمدا عما يحمله من‬
‫همّ منهم‪ ،‬وهم الذين تآمروا على قتله أن الشر الذي لزم اليهود والفساد الذي أصبح وصفا لزما‬
‫لهم وخاصة المؤامرات بالقتل وإيقاد نار الحروب لم يكن عن جهل وعدم معرفة منهم ل أبدا‪ ،‬بل‬
‫جاءتهم رسلهم باليات البينات والشرائع القويمة والداب الرفيعة‪ ،‬ولكنهم قوم بهت متمردون على‬
‫الشرائع مسرفون في الشر والفساد‪ ،‬ولذا فإن كثيرا منهم وال لمسرفون في الشر والفساد‪ ،‬وبنهاية‬
‫سطُوا‬
‫هذه الية ومن قوله تعالى‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ْذكُرُوا ِن ْع َمتَ اللّهِ عَلَ ْي ُكمْ إِذْ هَمّ َقوْمٌ أَنْ يَبْ ُ‬
‫إِلَ ْيكُمْ أَ ْيدِ َيهُمْ} وهي الية(‪ )11‬انتهى الحديث عن اليهود المتعلق بحادثة همهم بقتل الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم وأصحابه‪ ،‬وقد ذكر تسلية لرسول ال وأصحابه‪ ،‬كما هو تسلية لكل مؤمن يتعرض‬
‫لمكر اليهود عليهم لعائن ال‪.‬‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية‪:‬‬
‫‪ -1‬تأديب الرب تعالى لبني إسرائيل‪ ،‬ومع السف لم ينتفعوا به‪.‬‬
‫‪ -2‬فساد بني إسرائيل لم ينشأ عن الجهل وقلة العلم‪ ،‬بل كان اتباعا للهواء وجريا وراء عارض‬
‫الدنيا‪ .‬فلذا غضب ‪ 2‬ال عليهم ولعنهم؛ لنهم عالمون‪.‬‬
‫‪ -3‬بالرغم من تضعيف جزاء الجريمة على اليهود‪ ،‬ومضاعفة أجر الحسنة لهم فإنهم أكثر الناس‬
‫إسرافا في الشر والفساد في الرض‪.‬‬
‫س َعوْنَ فِي الَ ْرضِ َفسَادا أَنْ ُيقَتّلُوا َأوْ ُيصَلّبُوا َأوْ ُتقَطّعَ‬
‫{إِ ّنمَا جَزَاءُ الّذِينَ ُيحَارِبُونَ اللّ َه وَرَسُولَ ُه وَيَ ْ‬
‫أَيْدِيهِمْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذه الجملة‪ :‬تذييل لما سبق من حكم ال تعالى فيهم‪ ،‬حيث شرع لهم وأعلمهم بأن من يقتل نفسًا‬
‫ظلمًا وعدوانًا يعتبر شرعًا كأنما قتل الناس جميعًا‪ ،‬ذكر فيه أنه ل عذر لهم فيما عوقبوا به‪ ،‬إذ لم‬
‫يكونوا جاهلين لمجيئتهم رسلهم باليات البينات تحمل الشرائع والهدايات‪ ،‬ومع هذا فإن كثير منهم‬
‫مسرفون في المعاصي والجرائم العظام؛ كالقتل في الرض‪.‬‬
‫ضبَ اللّهُ عَلَ ْيهِمْ} من الممتحنة‪ ،‬و {غير‬
‫غ ِ‬
‫‪ 2‬شاهده من القرآن‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَ َتوَّلوْا َقوْما َ‬
‫المغضوب عليهم} من الفاتحة‪.‬‬

‫( ‪)1/623‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن الَ ْرضِ ذَِلكَ َلهُمْ خِ ْزيٌ فِي الدّنْيَا وََلهُمْ فِي الخِ َرةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(‬
‫وَأَرْجُُلهُمْ مِنْ خِلفٍ َأوْ يُ ْنفَوْا مِ َ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ(‪})34‬‬
‫‪ )33‬إِل الّذِينَ تَابُوا مِنْ قَ ْبلِ أَنْ َتقْدِرُوا عَلَ ْيهِمْ فَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ ُيحَارِبُونَ اللّ َه وَرَسُولَهُ} ‪ :‬بالخروج عن طاعتهما وحمل السلح على المؤمنين وقتلهم وسلب‬
‫أموالهم والعتداء على حرماتهم‪.‬‬
‫س َعوْنَ فِي الَ ْرضِ فَسَادا} ‪ :‬بإخافة الناس وقطع طرقهم وسلب أموالهم والعتداء على‬
‫{وَيَ ْ‬
‫أعراضهم‪.‬‬
‫{َأوْ ُيصَلّبُوا} ‪ :‬يشدون على أعواد الخشب ويقتلون‪ ،‬أو بعد أن يقتلوا‪.‬‬
‫{مِنْ خِلفٍ} ‪ :‬بأن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى‪ ،‬والعكس‪.‬‬
‫ن الَ ْرضِ} ‪ :‬أي من أرض السلم‪.‬‬
‫{َأوْ يُ ْن َفوْا مِ َ‬
‫{خِ ْزيٌ فِي الدّنْيَا} ‪ :‬ذل ومهانة‪.‬‬
‫عظِيمٌ} ‪ :‬عذاب جهنم‪.‬‬
‫عذَابٌ َ‬
‫{َ‬
‫{أَنْ َتقْدِرُوا عَلَ ْي ِهمْ} ‪ :‬أي‪ :‬تتمكنوا منهم بأن فروا بعيدا ثم جاءوا مسلمين‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫لما ذكر تعالى ما أوجبه على اليهود من شدة العقوبة وعلى جريمة القتل والفساد في الرض‬
‫كسرا لحدة جرءتهم على القتل والفساد‪ ،‬ذكر هنا حكم وجزاء من يحارب المسلمين ويسعى بالفساد‬
‫في ديارهم فقال تعالى‪{ :‬إِ ّنمَا جَزَاءُ الّذِينَ‪ُ 1‬يحَارِبُونَ اللّ َه وَرَسُوَلهُ} بالكفر ‪ 2‬بعد اليمان‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الجمهور على أن سبب نزول هذه الية‪{ :‬إ ْنمَا جَزاء‪ }...‬إلخ‪ .‬هو العرنيون الذين نزلوا المدينة‬
‫وادعوا أنهم اجتووها‪ ،‬أي‪ :‬أمرضهم مناخها فأمر لهم الرسول صلى ال عليه وسلم بلقاح وأمرهم‬
‫أن يشربوا من ألبانها وأبوالها فخرجوا خارج المدينة‪ ،‬ولما شفوا وصحوا قتلوا الراعي ومثلوا به‪،‬‬
‫وذهبوا بالبل فلحقتهم خيل المسلمين فردتهم ونزلت هذه الية ببيان حكم ال فيهم‪ ،‬والعبرة بعموم‬
‫اللفظ ل بخصوص السبب‪ ،‬فبقى هذا تشريعًا يطبق على مثلهم إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ 2‬لن العرنيين وكانوا سبعة ثلثة من عُكل‪ ،‬وأربعة من عرينة كفروا بعد إيمانهم الذي أظهروا‬
‫بالمدينة‪ ،‬ثم ادعوا أنهم استوخموا المدينة فساعدهم الرسول صلى ال عليه وسلم رحمة منه بما‬
‫يشفيهم‪ ،‬فلما شفوا وصحوا كفروا وقلتوا الراعي وساقوا البل‪ ،‬والية عامة في المرتد وغيره‪،‬‬
‫والحكم ما بين ال تعالى في هذه الية ل غيره‪ ،‬وصيغة الحصر فيها إنما ظاهرة‪.‬‬

‫( ‪)1/624‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫س َعوْنَ فِي الَ ْرضِ َفسَادا} بتخويف المسملين‪ ،‬وقطع طرقهم وأخذ‬
‫والقتل والسلب بعد المان‪{ ،‬وَيَ ْ‬
‫أموالهم‪ ،‬والعتداء على حرماتهم وأعراضهم‪ ،‬هو ما أذكره لكم ل غيره فاعلموه أنه {أَنْ ُيقَتّلُوا َأوْ‬
‫ن الَ ْرضِ} ‪ ،‬ومعنى‪ :‬يقتلوا‪ :‬واحدا بعد‬
‫ُيصَلّبُوا َأوْ ُتقَطّعَ أَيْدِي ِه ْم وَأَرْجُُلهُمْ مِنْ خِلفٍ َأوْ يُ ْنفَوْا مِ َ‬
‫واحد نكاية لهم وإرهابا وتعزيرا لغيرهم‪ ،‬ومعنى‪ :‬يصلبوا‪ :‬بعد ما يقتل الواحد منهم يشد على‬
‫خشبة مدة ثلثة أيام‪ ،‬ومعنى‪ :‬ينفوا من الرض‪ :‬يخرجوا من دار السلم‪ ،‬أو إلى مكان ناءٍ‬
‫كجزيرة في بحر أو يحبسوا حتى ينجو المسلمون من شرهم وآذاهم‪ ،‬ويكون ذلك الجزاء المذكور‬
‫عذَابٌ عَظِيمٌ} وهو عذاب النار‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬إِل‬
‫خزيا وذلً لهم ‪ 1‬في الدنيا {وََلهُمْ فِي الخِ َرةِ َ‬
‫الّذِينَ تَابُوا مِنْ قَ ْبلِ أَنْ َتقْدِرُوا عَلَ ْي ِهمْ} فهذا استثناء متصل من أولئك المحاربين بأن من عجزنا عنه‬
‫فلم نتمكن من القبض عليه‪ ،‬وبعد فترة جاءنا تائبا فإن حكمه يختلف عمن قبله‪ ،‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ} يحمل إشارة واضحة إلى تخفيف الحكم عليه‪ ،‬وذلك فإن كان كافرا‬
‫{فَاعَْلمُوا أَنّ اللّهَ َ‬
‫وأسلم فإن السلم يجب ما قبله‪ ،‬فيسقط عنه كل ما ذكر في الية من عقوبات‪ ..‬وإن كان مسلما‬
‫فيسقط بالصلب ويجب عليه‪ ،‬رد المال الذي أخذه إن بقي في يده‪ ،‬وإن قتل أو فجر وطالب بإقامة‬
‫الحد عليه أقيم عليه الحد‪ ،‬وإل ترك ل وال غفور رحيم‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان حكم الحرابة ‪ 2‬وحقيقتها‪ :‬خروج جماعة اثنان فأكثر ويكون بأيديها سلح ولهم شوكة‪،‬‬
‫خروجهم إلى ا لصحراء بعيدا عن المدن والقرى‪ ،‬يشنون هجمات على المسلمين فيقتلون ويسلبون‬
‫ويعتدون على العراض‪ ،‬هذه هي الحرابة وأهلها‪ ،‬يقال لهم‪ :‬المحاربون وحكمهم ما ذكر تعالى‬
‫في الية الولى(‪.)33‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إن كان المحاربون مسلمين؛ فالخزي لهم هو نزول العقوبة بهم في الدنيا من القتل والصلب‬
‫والنفي‪ ،‬وفي الخرة ينجون من عذابها‪ ،‬إن تابوا قبل موتهم‪ .‬وإن كان المحاربون كافرين؛‬
‫فالخزي عذاب الدنيا والعذاب العظيم لهم في الخرة‪ .‬وفرقنا بين المسلمين والكافرين؛ لن‬
‫المسلمين إقامة الحد عليهم يكفر ذنب الجريمة‪ ،‬للحديث الصحيح في البيعة‪" :‬فمن وفى منكم فأجره‬
‫على ال‪ ،‬ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له‪ ،‬ومن أصاب منها شيئًا فستره ال‪،‬‬
‫فهو إلى ال إن شاء عذبه وإن شاء غفر له" ‪ .‬فقوله‪{ :‬فَه َو كفَارَة له} دليل على سقوط عذاب‬
‫الخرة بالحد‪.‬‬
‫‪ 2‬الجمهور على أن اللص كالمحارب يناشد بال تعالى أن يكف وينصرف وإن أبى يُقاتل ويقتل‪،‬‬
‫ومن قتله اللص فهو في الجنة‪ ،‬وإن قتل اللص فهو النار‪ ،‬لحديث الصحيح‪ ،‬عن أبي هريرة قال‪:‬‬
‫جاء رجل إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬أرأيت يا رسول ال إن جاء يريد أخذ مالي؟‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قال‪" :‬فل تعطيه مالك"‪ .‬قال‪ :‬أرأيت إن قاتلني؟ قال‪" :‬قاتله"‪ .‬قال‪ :‬أرأيت إن قتلني؟ قال‪" :‬فأنت‬
‫شهيد"‪ .‬قال‪ :‬فإن قتلته؟ قال‪" :‬فهو في النار" ‪.‬‬

‫( ‪)1/625‬‬

‫‪ -2‬المام مخير في إنزال العقوبة التي يرى أنها مناسبة ‪ 1‬لستتباب المن‪ ،‬إن قلنا أو في الية‬
‫للتخيير‪ ،‬وإل فمن قتل وأخذ المال وأخاف الناس قتل وصلب‪ ،‬ومن قتل ولم يأخذ مالً قتل‪ ،‬ومن‬
‫قتل وأخذ مالً قطعت ‪ 2‬يده ورجله من خلف فتقطع يده اليمنى ورجله اليسرى‪ ،‬ومن لم يقتل ولم‬
‫يأخذ مالً يُنفى ‪.3‬‬
‫‪ -3‬من تاب من المحاربين قبل التمكن منه يعفى عنه إل أن يكون بيده مال سلبه فإنه يرده على‬
‫ذنوبه أو يطلب بنفسه إقامة الحد عليه فيجاب لذلك‪.‬‬
‫‪ -4‬عظم عفو ال ورحمته بعباده لمغفرته لمن تاب ورحمته له‪.‬‬
‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّهَ وَابْ َتغُوا إِلَ ْيهِ ا ْلوَسِيلَ َة َوجَاهِدُوا فِي سَبِيِلهِ َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ(‪ )35‬إِنّ الّذِينَ‬
‫جمِيعا َومِثْلَهُ َمعَهُ لِ َيفْتَدُوا ِبهِ مِنْ عَذَابِ َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ مَا ُتقُ ّبلَ مِ ْنهُمْ‬
‫َكفَرُوا َلوْ أَنّ َلهُمْ مَا فِي الَ ْرضِ َ‬
‫عذَابٌ مُقِيمٌ(‪})37‬‬
‫وََلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(‪ )36‬يُرِيدُونَ أَنْ َيخْرُجُوا مِنَ النّارِ َومَا ُهمْ ِبخَارِجِينَ مِ ْنهَا وََلهُمْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ا ّتقُوا اللّهَ} ‪ :‬خافوا عذابه فامتثلوا أمره وأمر رسوله واجتنبوا نهيهما‪.‬‬
‫{وَابْ َتغُوا} ‪ :‬اطلبوا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا مذهب الجمهور من الئمة‪ ،‬وهو أرفق وأصلح وأكثر تمثيلً للية وانسجامًا معها‪.‬‬
‫‪ 2‬مذهب الجمهور‪ ،‬وهو الحق ل تقطع يد المحارب إل في مال تقطع فيه يد السارق‪ ،‬وهو زنة‪:‬‬
‫ربع دينار ذهب فأكثر‪.‬‬
‫‪ 3‬إن تعذر النفي فالسجن يقوم مقامه‪ ،‬إذ هو نفي من ظاهر الرض إلى باطنها‪ .‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها ‪ ...‬فلسنا من الموات فيها ول الحيا‬
‫إذا جاءنا السجان يومًا لحاجة ‪...‬‬
‫عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا‬

‫( ‪)1/626‬‬

‫{ا ْلوَسِيَلةَ‪ : }1‬تقربوا إليه بفعل محابه وترك مساخطه تظفروا بالقرب ‪ 2‬منه‪.‬‬
‫{وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ} ‪ :‬أنفسكم بحملها على أن تتعلم وتعمل وتعليم‪ ،‬وأعداءه بدعوتهم إلى السلم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقتالهم على ذلك‪.‬‬
‫{ ُتفْلِحُونَ} ‪ :‬تنجون من النار وتدخلون الجنة‪.‬‬
‫عذَابٌ ُمقِيمٌ} ‪ :‬دائم ل يبرح ول يزول‪.‬‬
‫{َ‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ينادي الرب تبارك وتعالى عباده المؤمنين به وبرسوله ووعده ووعيده ليرشدهم إلى ما ينجيهم من‬
‫العذاب فيجتنبوه‪ ،‬وإلى ما يدنيهم من الرحمة فيعملوه فيقول‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّهَ وَابْ َتغُوا‬
‫إِلَيْهِ‪ 3‬ا ْلوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيِلهِ َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ} ومعنى اتقوا ال خافوا عذابه فأطيعوه بفعل أوامره‬
‫وأوامر رسوله واجتناب نواهيهما فإن عذاب ال ل يتقى إل بالتقوى‪ .‬ومعنى { وَابْ َتغُوا ِإلَيْهِ‬
‫ا ْلوَسِيلَةَ} ‪ :‬اطلبوا إليه القربة‪ ،‬أي‪ :‬تقربوا إليه بفعل ما يحب وترك ما يكره تفوزوا بالقرب منه‪.‬‬
‫ومعنى {وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ} ‪ :‬جاهدوا أنفسكم في طاعته‪ ،‬والشيطان في معصيته‪ ،‬والكفار في‬
‫السلم إليه والدخول في دينه باذلين كل ما في وسعكم من جهد وطاقة‪ .‬هذا ما دلت عليه الية‬
‫الولى(‪ ،)35‬أما الية الثانية(‪ )36‬وهي قوله تعالى‪ { :‬إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا َلوْ أَنّ َلهُمْ مَا فِي الَ ْرضِ‬
‫جمِيعا َومِثْلَهُ َمعَهُ} فإنها علة لما دعت إليه الية الولى من المر بالتقوى وطلب القرب من ال‬
‫َ‬
‫تعالى وذلك باليمان وصالح العمال‪ ،‬لن العذاب الذي أمروا باتقائه بالتقوى عذاب ل يطاق أبدا‬
‫جمِيعا} من مال صامت وناطق { َومِثْلَهُ َمعَهُ}‬
‫ناهيكم أن الذين كفروا {َلوْ أَنّ َل ُهمْ مَا فِي الَ ْرضِ‪َ 4‬‬
‫وقبل منهم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الوسيلة‪ :‬لغة‪ :‬القربة‪ ،‬والجمع‪ :‬قرب‪ ،‬وهي فيعلة‪ ،‬بمعنى‪ :‬مفعولة‪ ،‬أي‪ :‬متقرب بها‪ .‬من توسل‬
‫إلى فلن تقرب إليه بكذا‪ .‬وشاهده من قول العرب‪ ،‬قول عنترة‪:‬‬
‫إن الرجال لهم إليك وسيلة ‪ ...‬أن يأخذوك تكحلي وتخضبي‬
‫والوسيلة‪ :‬تجمع على وسائل‪ ،‬ومنه قول القائل‪:‬‬
‫إذ غفل الواشون عدنا لوصلنا ‪ ...‬وعاد التصافي بيننا والوسائل‬
‫‪ 2‬فكل قربة‪ :‬هي وسيلة تقرب من رضا ال والزلفى إليه‪ .‬وعليه فكل العمال الصالحة هي‬
‫وسيلة‪ ،‬وفي الحديث الصحيح‪" :‬ما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما أفترضت عليه" ‪.‬‬
‫‪ 3‬تقديم الجار والمجرور على المفعول والمطلوب‪ ،‬في قوله تعالى‪{ :‬وَابْتَغوُا إلَيه الوَسِيلة} مؤذن‬
‫بتوحيد ال تعالى بالعبادات التي يتقرب بها إليه فل يصح صرف شيء منها إلى غيره مهما كان‪.‬‬
‫‪ 4‬أي‪ :‬لو ثبت لهم ما في الرض ومثله معه أيضًا لجل الفتداء به ل لجل أن يكنزوه في وجوه‬
‫النفاق المحبوبة لهم لفتدوا به ولكن أنى يكون لهم ذلك‪.‬‬

‫( ‪)1/627‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فداء لنفسهم من ذلك العذاب لقدموه سخية به نفوسهم‪ ،‬إنه عذاب أليم موجع أشد الوجع ومؤلم أشد‬
‫اللم إنهم يتمنون بكل قلوبهم أن يخرجوا من النار { َومَا هُمْ‪ 1‬بِخَا ِرجِينَ مِ ْنهَا وََلهُمْ عَذَابٌ ُمقِيمٌ} دائم‬
‫ل يبرح ول يزول‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب تقوى ال عز وجل وطلب القربة إليه والجهاد في سبيله‪.‬‬
‫‪ -2‬مشروعية التوسل إلى ال تعالى باليمان وصالح ‪ 2‬العمال‪.‬‬
‫‪ -3‬عظم عذاب يوم القيامة وشدته غير المتناهية‪.‬‬
‫‪ -4‬ل فدية يوم القيامة ول شفاعة تنفع الكافر فيخرج بها من النار‪.‬‬
‫‪ -5‬حسن التعليل للمر والنهي بما يشجع على المتثال والترك‪.‬‬
‫حكِيمٌ(‪َ )38‬فمَنْ تَابَ‬
‫طعُوا أَيْدِ َي ُهمَا جَزَاءً ِبمَا كَسَبَا َنكَالً مِنَ اللّ ِه وَاللّهُ عَزِيزٌ َ‬
‫ق وَالسّا ِرقَةُ فَاقْ َ‬
‫{وَالسّا ِر ُ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ(‪ )39‬أَلَمْ َتعْلَمْ أَنّ اللّهَ لَهُ مُ ْلكُ‬
‫مِنْ َبعْدِ ظُ ْلمِ ِه وََأصْلَحَ فَإِنّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَ ْيهِ إِنّ اللّهَ َ‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ(‪})40‬‬
‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ ُيعَ ّذبُ مَنْ يَشَا ُء وَ َيغْفِرُ ِلمَنْ يَشَا ُء وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫ال ّ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{وَالسّا ِرقُ} ‪ :‬الذي أخذ مالً من حرز خفية يقدر بربع دينار فأكثر‪.‬‬
‫{وَالسّا ِر َقةُ} ‪ :‬التي أخذت مالً من حرز خفية يقدر بربع دينار فأكثر‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ذكر القرطبي‪ :‬أن يزيد الفقير قال‪ :‬قيل لجابر بن عبد ال رضي ال عنهما‪ :‬إنكم يا أصحاب‬
‫محمد تقولون أن قومًا يخرجون من النار وال تعالى يقول‪{ :‬ومَا همُ ْ بِخَارِجين مِنْها} ‪ .‬فقال‬
‫جابر‪ :‬إنكم تجعلون العام خاصًا‪ ،‬والخاص عامًا‪ .‬إنما هذه في الكفار خاصة‪ .‬فقرئت الية كلها من‬
‫أولها إلى آخرها فإذا هي في الكفار خاصة‪.‬‬
‫‪ 2‬لذا وجب معرفة محاب ال تعالى ومكارهه من العتقادات والقوال والعمال والصفات‬
‫ل وتركًا للحصول على رضاه والفوز بالجنة والنجاة من النار‪.‬‬
‫ليتوسل بها إلى ال تعالى‪ ،‬فع ً‬

‫( ‪)1/628‬‬

‫طعُوا أَ ْيدِ َي ُهمَا} ‪ :‬أي‪ :‬اقطعوا من سرق منهما يده من الكوع‪.‬‬


‫{فَاقْ َ‬
‫{ َنكَالً} ‪ :‬عقوبة من ‪ 1‬ال تجعل غيره ينكل أن يسرق‪.‬‬
‫حكِيمٌ} ‪ :‬عزيز‪ :‬غالب ل يحال بينه وبين مراده‪ ،‬حكيم‪ :‬في تدبيره وقضائه‪.‬‬
‫{عَزِيزٌ َ‬
‫{ َبعْدِ ظُ ْلمِهِ} ‪ :‬بعد ظلمه لنفسه بمعصية ال تعالى بأخذ أموال الناس‪.‬‬
‫{وََأصْلَحَ} ‪ :‬أي‪ :‬نفسه بتزكيتها بالتوبة والعمل الصالح‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫علَيْهِ} ‪ :‬أي‪ :‬يقبل توبته‪ ،‬ويغفر له ويرحمه إن شاء‪.‬‬
‫{فَإِنّ اللّهَ يَتُوبُ َ‬
‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ} ‪ :‬خلقا وملكا وتدبيرا‪.‬‬
‫{َلهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫{ ُيعَ ّذبُ مَنْ َيشَاءُ} ‪ :‬أي‪ :‬تعذيبه لنه مات عاصيا لمره كافرا بحقه‪.‬‬
‫{وَ َي ْغفِرُ ِلمَنْ َيشَاءُ} ‪ :‬ممن تاب من ذنبه وأناب إليه سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يخبر تعالى مقررا حكما من ‪ 2‬أحكام شرعه‪ ،‬وهو أن الذي يسرق مالً يقدر بربع دينار فأكثر من‬
‫حرز مثله ‪ 3‬خفية وهو عاقل بالغ‪ ،‬ورفع إلى الحاكم‪ ،‬والسارقة كذلك فالحكم أن تقطع يد السارق‬
‫اليمنى من الكوع‪ ،‬وكذا يد السارقة مجازاة لهما على ظلمهما بالعتداء على أموال غيرهما‪َ { ،‬نكَالً‬
‫مِنَ اللّهِ} أي‪ :‬عقوبة من ال تعالى لهما تجعل غيرهما ل يقدم على أخذ أموال الناس بطريق‬
‫حكِيمٌ} غالب على أمره حكيم في قضائه وحكمه‪ .‬هذا معنى قوله‬
‫السرقة المحرمة‪{ ،‬وَاللّهُ عَزِيزٌ َ‬
‫طعُوا أَيْدِ َي ُهمَا جَزَاءً ِبمَا كَسَبَا} ‪ 5‬من الثم { َنكَالً مِنَ اللّ ِه وَاللّهُ‬
‫تعالى‪{ :‬وَالسّارِقُ‪ 4‬وَالسّا ِرقَةُ فَا ْق َ‬
‫حكِيمٌ} ‪.‬‬
‫عَزِيزٌ َ‬
‫وقوله تعالى في الية الثانية(‪َ { )39‬فمَنْ تَابَ مِنْ َب ْعدِ ظُ ْل ِمهِ} أي‪ :‬تاب من السرقة بعد‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هل يكون غرم مع القطع؟ مالك يرى‪ :‬إن وجد المال عنده أخذ وإن كان موسرًا أخذ من ماله‪،‬‬
‫وإن معسرًا يكتفي بالقطع‪،‬وهذا أرحم وأحكم‪ .‬وتعلق يد السارق في عنقه لحديث الترمذي وأبي‬
‫داود والنسائي‪.‬‬
‫‪ 2‬لما ذكر تعالى حكم المحاربين ذكر حكم السارق والسارقة وما ذكر بينها من دعوة المؤمنين‬
‫إلى التقوى والتقرب إلى ال تعالى للحصول على رضاه هو من باب تنويع السلوب وتلوين‬
‫الكلم إذهابًا للسآمة والملل عن القارئ والسامع‪.‬‬
‫‪ 3‬السارق عن العرب‪ :‬هو من جاء مستترًا إلى حرز فأخذ منه ما ليس له‪ ،‬فإن أخذ من ظاهر‬
‫فهو مختلس ومستلب ومنتهب‪ ،‬فإن تمنع بما أخذ فهو غاصب‪.‬‬
‫‪ 4‬قرئ‪ :‬والسارق‪ :‬بالنصب على تقدير‪ :‬اقطعوا السارق والسارقة‪ .‬وقرئ‪ :‬بالرفع‪ ،‬وهو أشهر‪،‬‬
‫والعراب فيما فرض عليكم‪ :‬السارق والسارقة فاقطعوا‪ ,‬وأحسن من أن يكون السارق والسارقة‬
‫مبتدأ‪ ،‬وجملة‪ :‬فاقطعوا‪ ،‬خبر‪.‬‬
‫‪ 5‬أول سارق قطعت يده في السلم‪ ،‬هو‪ :‬الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف‪ .‬وأول سارقة‬
‫في السلم هي‪ :‬مرة بنت سفيان المخزومية‪.‬‬

‫( ‪)1/629‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أن ظلم نفسه بذلك {وََأصْلَحَ} نفسه بالتوبة‪ ،‬ومن ذلك رد المال المسروق {فَإِنّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} ؛‬
‫لنه تعالى غفور للتائبين رحيم بالمؤمنين‪ ،‬وقوله تعالى في الية الثالثة (‪{ )40‬أََلمْ َتعْلَمْ أَنّ اللّهَ لَهُ‬
‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ} يخاطب تعالى رسوله وكل من هو أهل للتلقي والفهم من ال تعالى‬
‫مُ ْلكُ ال ّ‬
‫ت وَالَ ْرضِ} ‪ ،‬والجواب‪ :‬بلى‪ ،‬وإذا‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫فيقول مقررا المخاطب‪َ{ :‬ألَمْ َتعْلَمْ أَنّ اللّهَ لَهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫فالحكم له تعالى ل ينازع فيه‪ ،‬فلذا هو يعذب ويقطع يد السارق والسارقة ويغفر لمن تاب من‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ}‪.‬‬
‫علَى ُكلّ َ‬
‫السرقة وأصلح‪ .‬وهو { َ‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان حكم حد السرقة‪ ،‬وهو قطع يد السارق والسارقة ‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان أن التائب من السراق إذا اصلح يتوب ال عليه‪ ،‬أي‪ :‬يقبل توبته‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا لم يرفع السارق إلى الحاكم تصح توبته ولو لم تقطع يده‪ ،‬وإن رفع فل توبة له إل بالقطع‪،‬‬
‫فإذا قطعت يده خرج من ذنبه كأن لم يذنب‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب التسليم لقضاء ال تعالى والرضا بحكمه لنه عزيز حكيم‪.‬‬
‫{يَا أَ ّيهَا الرّسُولُ ل َيحْزُ ْنكَ الّذِينَ ُيسَارِعُونَ فِي ا ْل ُكفْرِ مِنَ الّذِينَ قَالُوا آمَنّا بَِأ ْفوَا ِههِ ْم وَلَمْ ُت ْؤمِنْ‬
‫سمّاعُونَ ِل َقوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ُيحَ ّرفُونَ ا ْلكَلِمَ مِنْ َبعْدِ‬
‫سمّاعُونَ لِ ْلكَ ِذبِ َ‬
‫قُلُو ُبهُ ْم َومِنَ الّذِينَ هَادُوا َ‬
‫خذُوهُ وَإِنْ لَمْ ُتؤْ َت ْوهُ فَاحْذَرُوا‬
‫َموَاضِعِهِ َيقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ َهذَا فَ ُ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الجماع على أن الوالد ل تقطع يده إذا سرق مال ولده‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬أنت ومالك‬
‫لبيك" واختلف في العكس‪ .‬والراجح‪ :‬أنه ل قطع عليه‪ .‬وهل تقطع اليد في السفر؟ وفي دار‬
‫الحرب خلف‪ :‬مالك يرى‪ :‬إقامة الحدود في دار الحرب‪ .‬واليد تقطع من الرسخ‪ ،‬والرجل من‬
‫المفصل‪ ،‬ول قطع على الصبي والمجنون والعبد إن سرق من مال سيده‪ ،‬ول السيد من مال عبده‪.‬‬

‫( ‪)1/630‬‬

‫طهّرَ قُلُو َبهُمْ َلهُمْ فِي الدّنْيَا‬


‫َومَنْ يُ ِردِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ َتمِْلكَ َلهُ مِنَ اللّهِ شَيْئا أُولَ ِئكَ الّذِينَ لَمْ يُ ِردِ اللّهُ أَنْ يُ َ‬
‫حكُمْ بَيْ َنهُمْ‬
‫حتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَا ْ‬
‫سمّاعُونَ لِ ْل َك ِذبِ َأكّالُونَ لِلسّ ْ‬
‫عذَابٌ عَظِيمٌ(‪َ )41‬‬
‫ي وََلهُمْ فِي الخِ َرةِ َ‬
‫خِ ْز ٌ‬
‫سطِ إِنّ اللّهَ‬
‫حكُمْ بَيْ َنهُمْ بِا ْلقِ ْ‬
‫ح َكمْتَ فَا ْ‬
‫َأوْ أَعْ ِرضْ عَ ْنهُ ْم وَإِنْ ُتعْ ِرضْ عَ ْنهُمْ فَلَنْ َيضُرّوكَ شَيْئا وَإِنْ َ‬
‫ك َومَا‬
‫حكْمُ اللّهِ ثُمّ يَ َتوَّلوْنَ مِنْ َبعْدِ ذَِل َ‬
‫ح ّكمُو َنكَ وَعِنْ َدهُمُ ال ّتوْرَاةُ فِيهَا ُ‬
‫حبّ ا ْل ُمقْسِطِينَ(‪َ )42‬وكَ ْيفَ يُ َ‬
‫يُ ِ‬
‫أُولَ ِئكَ بِا ْل ُمؤْمِنِينَ(‪})43‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ل يَحْزُ ْنكَ} ‪ :‬الحزن‪ :‬ألم نفسي يسببه خوف فوات محبوب‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{يُسَارِعُونَ فِي ا ْل ُكفْرِ} ‪ :‬بمعنى‪ :‬يسرعون فيه إذ ما خرجوا منه كلما سنحت فرصة للكفر أظهروه‪.‬‬
‫{قَالُوا آمَنّا بَِأ ْفوَا ِه ِهمْ} ‪ :‬هؤلء هم المنافقون‪.‬‬
‫{ َومِنَ الّذِينَ هَادُوا} ‪ :‬أي‪ :‬اليهود‪.‬‬
‫سمّاعُونَ لِ ْل َك ِذبِ} ‪ :‬أي‪ :‬كثيرو الستماع للكذب‪.‬‬
‫{َ‬
‫{ ُيحَ ّرفُونَ ا ْلكَلِمَ} ‪ :‬يبدلون الكلم ويغيرونه ليوافق أهواءهم‪.‬‬
‫{إِنْ أُوتِي ُتمْ هَذَا} ‪ :‬أي‪ :‬أعطيتم‪.‬‬
‫{فِتْنَتَهُ} ‪ :‬أي‪ :‬ضللة لما سبق له من موجبات الضلل‪.‬‬
‫طهّرَ قُلُو َبهُمْ} ‪ :‬من الكفر والنفاق‪.‬‬
‫{أَنْ ُي َ‬
‫{خِ ْزيٌ} ‪ :‬ذل‪.‬‬

‫( ‪)1/631‬‬

‫حتِ} ‪ :‬كثيروا الكل للحرام؛ كالرشوة والربا‪.‬‬


‫{َأكّالُونَ لِلسّ ْ‬
‫{َأوْ أَعْ ِرضْ عَ ْنهُمْ} ‪ :‬أي‪ :‬ل تحكم بينهم‪.‬‬
‫سطِ} ‪ :‬أي‪ :‬بالعدل‪.‬‬
‫{بِا ْلقِ ْ‬
‫{ َومَا أُولَ ِئكَ بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ} ‪ :‬أي‪ :‬صدقا وحقا وإن ادعوه نطقا‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫عظِيمٌ} في‬
‫قوله تعالى‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الرّسُولُ‪ 1‬ل َيحْزُ ْنكَ الّذِينَ ُيسَارِعُونَ فِي ا ْل ُكفْرِ} إلى قوله‪{ :‬عَذَابٌ َ‬
‫نهاية الية نزل تسلية لرسول ال صلى ال عليه وسلم وتخفيفا مما كان يجده صلى ال عليه وسلم‬
‫من ألم نفسي من جراء ما يسمع ويرى من المنافقين واليهود فناداه ربه تعالى بعنوان الرسالة التي‬
‫كذب بها المنافقون واليهود معا‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الرّسُولُ} الحق‪ ،‬لينهاه عن الحزن الذي يضاعف ألمه‪:‬‬
‫{ل يَحْزُ ْنكَ} حال الذين { ُيسَارِعُونَ فِي ا ْل ُكفْرِ} بتكذيبك فإنهم ما خرجوا من الكفر‪ ،‬بل هم فيه‬
‫منغمسون‪ ،‬فإذا سمعت منهم قول الكفر ل تحفل به حتى ل يسبب لك حزنا في نفسك‪{ .‬مِنَ الّذِينَ‪2‬‬
‫قَالُوا آمَنّا بَِأ ْفوَا ِههِ ْم وََلمْ ُت ْؤمِنْ قُلُو ُبهُ ْم َومِنَ الّذِينَ هَادُوا} أي‪ :‬ل يحزنك كذلك حال اليهود الذين‬
‫سمّاعُونَ لِ ْل َك ِذبِ} سماعون ليهود آخرين لم يأتوك؛ كيهود‬
‫يكذبون بنبؤتك ويجحدون رسالتك‪َ { ،‬‬
‫خيبر وفدك‪ ،‬أي‪ :‬كثيروا السمع للكذب الذي يقوله أحبارهم لما فيه من الساءة إليك سماعون‬
‫لهمل قوم آخرين ينقلون إليهم أخبارك كوسائط‪ ،‬وهم لم يأتوك‪ ،‬وهم يهود خيبر إذ أوعزوا إليهم‬
‫ضعِهِ} ‪ ،‬أي‪:‬‬
‫أن يسألوا لهم النبي صلى ال عليه وسلم عن حد الزنى { ُيحَ ّرفُونَ ا ْلكَلِمَ مِنْ َبعْدِ َموَا ِ‬
‫يغيرون حكم ال الذي تضمنه الكلم‪ ،‬يقولون لهم إن أفتاكم في الزانين المحصنين بالجلد والتحميم‬
‫بالفحم‪ ،‬فاقبلوا ذلك وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا قبول ذلك‪ .‬هذا معنى تعالى في هذه الية‪ { :‬وكَ‬
‫حذَرُوا} ‪ ،‬وقال تعالى‬
‫ضعِهِ َيقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا َفخُذُو ُه وَإِنْ لَمْ ُتؤْ َت ْوهُ فَا ْ‬
‫يُحَ ّرفُونَ ا ْلكَلِمَ مِنْ َبعْدِ َموَا ِ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لرسوله‪َ { :‬ومَنْ يُ ِردِ اللّهُ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هو النبي محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬خاطبه ربه بعنوان الرسالة تشريفًا له وتعطيمًا وإشعارًا‬
‫له بعدم داعي الحزن‪ ،‬إذ من كان في مقامه ل يحزن مهما كانت المصائب‪ ،‬والية نزلت في‬
‫حادثة زنا اليهوديين‪ ،‬إذ روى في الصحيحين‪ ،‬أن جابرًا قال‪ :‬زنى رجل من أهل فدك‪ ،‬فكتب أهل‬
‫فدك إلى ناس من اليهود بالمدينة‪ ،‬أن سلوا محمدًا عن ذلك‪ ،‬فإن أمركم بالجلد فخذوه‪ ،‬وإن أمركم‬
‫بالرجم فل تأخذوه‪ .‬فسألوه‪ .‬فدعا ابن صوريا‪ ،‬وكان عالمهم‪ ،‬وكان أعور‪ .‬فقال له رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬أنشدك ال كيف تجدون حد الزنا في كتابكم"؟ فقال ابن صوريا‪ :‬فأما إذ‬
‫نشادتني ال فإنا نجد في التوراة‪ :‬النظر‪ :‬زنية‪ ،‬والعتناق‪ :‬زنية‪ ،‬والقبلة‪ :‬زنية‪ .‬فإن شهد أربعة‬
‫بأنهم رأوا ذكره في فرجها‪ .‬مثل الميل في المكحلة فقد وجب الرجم‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم‪" :‬هو ذاك" ‪.‬‬
‫‪ 2‬من‪ :‬بيانية‪ ،‬أي‪ :‬بينت أن المسارعين في الكفر‪ :‬هم من المنافقين‪.‬‬

‫( ‪)1/632‬‬

‫فِتْنَتَهُ} أي‪ :‬إضلله عن الحق لما اقترف ن عظائم الذنوب وكبائر الثام {فَلَنْ َتمِْلكَ لَهُ مِنَ اللّهِ‬
‫طهّرَ‬
‫شَيْئا} إذا أراد ال إضلله‪ ،‬إذا فل يحزنك مسارعتهم في الكفر‪{ ،‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ لَمْ يُ ِردِ اللّهُ أَنْ يُ َ‬
‫قُلُو َبهُمْ} من الحسد والشرك والنفاق لسوابق الشر التي كانت لهم فحالت دون قبول اليمان ولحق‪،‬‬
‫عذَابٌ عَظِيمٌ} جزاء كفرهم وبغيهم‪ .‬هذا ما‬
‫{َلهُمْ فِي الدّنْيَا خِ ْزيٌ} أي‪ :‬ذل وعار‪{ ،‬وََلهُمْ فِي الخِ َرةِ َ‬
‫دلت عليه الية(‪ ،)41‬أما الية الثانية(‪ )42‬فقد تضمنت وصف أولئك اليهود بصفة كثرة استماع‬
‫الكذب مضافا إليه كثرة أكلهم للسحت‪ ،‬وهو المال الحرام أشد حرمة؛ كالرشوة والربا ‪ ،1‬فقال‬
‫حتِ‪ 2‬فَإِنْ جَاءُوكَ} أي‪ :‬للتحاكم عندك فأنت مخير بين‬
‫سمّاعُونَ لِ ْل َك ِذبِ َأكّالُونَ لِلسّ ْ‬
‫تعالى عنهم‪َ { :‬‬
‫أن تحكم بحكم ال ‪ .3‬أو تعرض عنهم وتتركهم لحبارهم يحكمون بينهم كما شاءوا وإن تعرض‬
‫عنهم فلم تحكم بينهم لن يضروك شيئا‪ ،‬أي‪ :‬من الضرر ولو قل‪ ،‬لن ال تعالى وليك وناصرك‪،‬‬
‫وإن حكمت بينهم فاحكم بينهم بالقسط أي‪ :‬العدل‪ ،‬لن ال تبارك وتعالى يحب ذلك فافعله لجله‬
‫ك وَعِنْدَهُمُ ال ّتوْرَاةُ‬
‫ح ّكمُو َن َ‬
‫إنه يحب القسط والمقسطين‪ ،‬وقوله تعالى في الية الثالثة(‪َ { :)43‬وكَ ْيفَ يُ َ‬
‫حكْمُ اللّهِ} ‪ .‬أي‪ :‬إنه مما يتعجب منه أن يحكموك فتحكم بينهم برجم الزناة‪ ،‬وعندهم التوراة‬
‫فِيهَا ُ‬
‫فيها نفس الحكم فرفضوه معرضين عنه اتباعا لهوائهم‪َ { ،‬ومَا أُولَ ِئكَ بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ} ل بك ول بحكمك‬
‫ول بحكم التوراة‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -1‬استحباب ترك الحزن باجتناب أسبابه ومثيراته‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة سماع الكذب لغير حاجة تدعو إلى ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة تحريف الكلم وتشويهه للفساد‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الرشوة مشتقة من الرشى الذي هو الحبل الذي يستخرج به الماء من البئر بضميمة الدلو‪،‬‬
‫وعليه فكل مال أعطى لحاكم ليؤخذ به الراشي حق امرء فهو رشوة وسحت محرمان بل خلف‪.‬‬
‫وكذا ما يدفعه الواسطة لحاكم ليسقط عنه حقًا وجب عليه فهو رشوة‪ .‬أما ما كان ليدفع به عن‬
‫نفسه أو ماله أو عرضه أو دينه فل يحرم‪ ،‬وليس هو من الرشوة‪ ،‬قال السمرقندي الفقيه‪ ،‬وبهذا‬
‫نأخذ‪.‬‬
‫سحِ َتكُمْ ِبعَذَابٍ} ‪ ،‬وقال الفرزدق‪:‬‬
‫‪ 2‬أصل السحت‪ :‬الهلك‪ ،‬والشدة‪ .‬قال تعالى‪{ :‬فَيُ ْ‬
‫وعض زمانٍ يا ابن مروان لم يدع ‪ ...‬من المال إل مسحتًا أو مجلف‬
‫وسمي المال الحرام كالربا والرشوة‪ :‬سحتًا؛ لنه يسحت الطاعات ويبطل ثوابها‪ ،‬ويسحت البركة‬
‫ويزيلها‪.‬‬
‫‪ 3‬يرى مالك والشافعي أن اليهود إذا رفعوا للمام قضية دم أو مال أو عرض حكم بينهم بما أنزل‬
‫ال‪ ،‬وإن كان ما رفعوه ل يتعلق بالمال أو الدم أو العرض تركهم معرضًا عنهم‪ ،‬وأبي حنيفة يرى‬
‫الحكم بينهم مطلقًا‪.‬‬

‫( ‪)1/633‬‬

‫‪ -4‬الحاكم المسلم مخير في الحكم بين أهل الكتاب إن شاء حكم بينهم وإن شاء أحالهم على‬
‫علمائهم‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب العدل في الحكم ولو كان المحكوم عليه غير مسلم‪.‬‬
‫‪ -6‬تقرير كفر ‪ 1‬اليهود وعدم إيمانهم‪.‬‬
‫ن وَالَحْبَارُ‬
‫ح ُكمُ ِبهَا النّبِيّونَ الّذِينَ أَسَْلمُوا لِلّذِينَ هَادُوا وَالرّبّانِيّو َ‬
‫ى وَنُورٌ يَ ْ‬
‫{إِنّا أَنْ َزلْنَا ال ّتوْرَاةَ فِيهَا هُد ً‬
‫ن وَل َتشْتَرُوا بِآيَاتِي َثمَنا‬
‫شوْ ِ‬
‫س وَاخْ َ‬
‫شوُا النّا َ‬
‫ش َهدَاءَ فَل َتخْ َ‬
‫حفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللّ ِه َوكَانُوا عَلَ ْيهِ ُ‬
‫ِبمَا اسْ ُت ْ‬
‫علَ ْيهِمْ فِيهَا أَنّ ال ّنفْسَ بِال ّنفْسِ‬
‫حكُمْ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلكَافِرُونَ(‪َ )44‬وكَتَبْنَا َ‬
‫ل َومَنْ لَمْ َي ْ‬
‫قَلِي ً‬
‫ن وَالْجُرُوحَ ِقصَاصٌ َفمَنْ َتصَدّقَ بِهِ َف ُهوَ‬
‫ن وَالسّنّ بِالسّ ّ‬
‫ف وَالُذُنَ بِالُذُ ِ‬
‫وَا ْلعَيْنَ بِا ْلعَيْنِ وَالَ ْنفَ بِالَنْ ِ‬
‫حكُمْ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ فَأُولَ ِئكَ هُمُ الظّاِلمُونَ(‪َ )45‬و َقفّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ ِبعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ‬
‫َكفّارَةٌ َل ُه َومَنْ َلمْ َي ْ‬
‫ى وَنُو ٌر َومُصَدّقا ِلمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ال ّتوْرَاةِ‬
‫ُمصَدّقا ِلمَا بَيْنَ يَدَ ْيهِ مِنَ ال ّتوْرَا ِة وَآتَيْنَا ُه الِنْجِيلَ فِيهِ هُد ً‬
‫حكُمْ‬
‫ى َو َموْعِظَةً لِ ْلمُ ّتقِينَ(‪ )46‬وَلْيَ ْ‬
‫وَهُد ً‬
‫__________‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 1‬قالت العلماء‪ :‬إن من طلب غير حكم ال تعالى من حيث لم يرض به فهو كافر‪ ،‬وهذه حالة‬
‫اليهود وحال أكثر المسلمين اليوم حيث لم يرضوا بحكم ال تعالى وحكموا شرائع الباطل وقوانين‬
‫الكفر‪.‬‬

‫( ‪)1/634‬‬

‫حكُمْ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلفَاسِقُونَ(‪})47‬‬


‫ل الِنْجِيلِ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ فِي ِه َومَنْ لَمْ َي ْ‬
‫أَ ْه ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ال ّتوْرَاةَ} ‪ :‬كتاب موسى عليه السلم‪.‬‬
‫ى وَنُورٌ} ‪ :‬الهدى‪ :‬ما يوصل إلى المقصود‪ ،‬والنور‪ :‬ما يهدي السائر إلى غرضه‪.‬‬
‫{هُد ً‬
‫{هَادُوا} ‪ :‬اليهود‪.‬‬
‫{وَالرّبّانِيّونَ} ‪ :‬جمع رباني‪ :‬العالم المربي الحكيم‪.‬‬
‫{وَالَحْبَارُ‪ : }1‬جمع حبر‪ :‬العالم من أهل الكتاب‪.‬‬
‫{ َوكَتَبْنَا} ‪ :‬فرضنا عليهم وأوحينا‪.‬‬
‫{ ِقصَاصٌ} ‪ :‬مساواة‪.‬‬
‫{ َو َقفّيْنَا} ‪ :‬أتبعناهم بعيسى بن مريم‪.‬‬
‫سقُونَ} ‪ :‬الخارجون عن طاعة ال ورسله‪.‬‬
‫{ا ْلفَا ِ‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في الحديث على بني إسرائيل‪ ،‬إذ قال تعالى مخبرا عما أتى بنى إسرائيل‪{ :‬‬
‫ى وَنُورٌ} هدى من كل ضللة ونور مبين للحكام مُخرج من ظلمات‬
‫إِنّا أَنْزَلْنَا ال ّتوْرَاةَ فِيهَا هُد ً‬
‫سَلمُوا} ل قلوبهم ووجوههم فانقادوا ل‬
‫حكُمُ ِبهَا النّبِيّونَ} من بني إسرائيل {النّبِيّونَ الّذِينَ أَ ْ‬
‫الجهل { َي ْ‬
‫ظاهرا وباطنا‪ِ{ ،‬للّذِينَ هَادُوا}‪ ،2‬ويحكم بها الربانيون من أهل العلم والحكمة من بني إسرائيل { ِبمَا‬
‫حفِظُوا} بسبب استحفاظ ال تعالى إياهم كتابه التوراة فل يبدلونه ول يغيرون فيه‪َ { ،‬وكَانُوا عَلَ ْيهِ‬
‫اسْ ُت ْ‬
‫شهَدَاءَ} بأحقيته وسلمته من النقص والزيادة بخلفكم أيها اليهود‪ ،‬فقد حرفتم الكلم عن مواضعه‬
‫ُ‬
‫وتركتم الحكم به فما لكم؟ فأظهروا الحق من نعت محمد صلى ال عليه وسلم والمر باليمان به‪،‬‬
‫ومن ثبوت الرجم وإنفاذه في الزناة ول تخشوا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قالوا‪ :‬الحَبر بالفتح‪ :‬العالم بتحبير الكلم والعلم وتحسينه‪.‬‬
‫‪ 2‬قد تكون اللم هنا بمعنى على‪ ،‬أي‪ :‬على الذين هادوا‪ ،‬وقد تكون على بابها‪ ،‬ويكون لفظ‪:‬‬
‫عليهم‪ ،‬محذوفًا‪ ،‬أي‪ :‬يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا‪ .‬وعليهم فحذف‪" :‬عليهم"‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/635‬‬

‫الناس في ذلك واخشوا ال تعالى فهو أحق أن يخشى‪ ،‬ول تشتروا بآيات ال التي هي أحكامه‬
‫فتعطلوها مقابل ثمن قليل تأخذونه ممن تجاملونهم وتداهنونهم على حساب دين ال وكتابه‪َ { .‬ومَنْ‬
‫حكُمْ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلكَافِرُونَ} ‪ 1‬فكيف ترضون بالكفر بدل اليمان‪.‬‬
‫لَمْ َي ْ‬
‫هذا ما دلت عليه الية الولى(‪ ،)44‬أما الية الثانية(‪َ { :)45‬وكَتَبْنَا عَلَ ْي ِهمْ فِيهَا أَنّ ال ّنفْسَ بِال ّنفْسِ‪}2‬‬
‫فقد أخبر تعالى أنه فرض على بني إسرائيل في التوراة القود في النفس والقصاص في‬
‫الجراحات؛ فالنفس تقتل بالنفس‪ ،‬العين تفقأ بالعين ‪ 3‬والنف يجدع بالنف‪ ،‬والذن ‪ 4‬تقطع بالذن‬
‫والسن تكسر إن كسرت ‪ 5‬بالسن‪ ،‬وتقلع به إن قلع‪ ،‬والجروح ‪ 6‬بمثلها قصاص ومساواة‪ ،‬وأخبر‬
‫تعالى‪ :‬أن من تصدق على الجاني بالعفو عنه وعدم المؤاخذة فإن ذلك يكون كفارة لذنوبه ‪ ،7‬وإن‬
‫لم يتصدق عليه واقتص منه يكون ذلك كفارة لجنايته بشرط وذلك بأن يقدم نفسه للقصاص تائبا‪،‬‬
‫حكُمْ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ‬
‫أي‪ :‬نادما على فعله مستغفرا ربه‪ .‬وقوله تعالى في ختام الية‪َ { :‬ومَنْ لَمْ يَ ْ‬
‫فَأُولَ ِئكَ هُمُ الظّاِلمُونَ} ‪ ،‬وذلك بأن قتل غير القاتل أو قتل بالواحد اثنين أو فقأ بالعين عينين‪ ،‬كما‬
‫كان بنو النضير يعاملون به قريظة بدعوى الشرف عليهم‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه الية الثالثة(‪ )46‬وهي قوله تعالى‪َ { :‬و َقفّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ ِبعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} فقد‬
‫أخبر تعالى أنه أتبع أولئك النبياء السابقين من بني إسرائيل عيسى بن مريم عليه السلم‪ ،‬أي‪:‬‬
‫أرسله بعدهم مباشرة { ُمصَدّقا ِلمَا بَيْنَ يَدَ ْيهِ مِنَ ال ّتوْرَاةِ} لم ينكرها أو يتجاهلها‪{ ،‬وَآتَيْنَا ُه الِنْجِيلَ} ‪،‬‬
‫أي‪ :‬وأعطيناه النجيل وحيا أوحيناه إليه‪ ،‬وهو كتاب مقدس أنزله ال تعالى عليه فيه‪ ،‬أي‪ :‬في‬
‫النجيل هدى من الضلل ونور لبيان الحكام من الحلل‬
‫__________‬
‫‪ 1‬القول الذي ل خلف فيه‪ :‬هو أن المسلم ل يكفر لمجرد عدم حكمه بما أنزل ال تعالى‪ ،‬وإنما‬
‫يفسق ويصبح في عداد الفاسقين من أمة السلم‪ .‬أما الكفر فل يكفر ول يكفر إل بشرط أن ينكر‬
‫هداية القرآن وصلحيته ويعرض عنه مستخفًا به مفضلً عليه غيره‪.‬‬
‫‪ 2‬الذي عليه أكثر الفقهاء‪ :‬أن المسلم ل يقتل بالذمي‪ .‬لقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫"المؤمنون تتكافأ دمائهم وهم يدُ على من سواهم ول يقتل مسلم بكافر ول ذو عهد في عهده" رواه‬
‫أبو داود والترمذي‪.‬‬
‫‪ 3‬ل خلف أن في العينين دية‪ ،‬وفي العين الواحدة نصف دية‪ ،‬وفي عين العور دية كاملة‪ ،‬وفي‬
‫النف إذا جدع الدية كاملة‪.‬‬
‫‪ 4‬الدية في ذهاب السمع‪ ،‬إما مع بقاء السمع ففيه حكومة‪.‬‬
‫‪ 5‬في السن خمس من البل لحديث الصحيح في ذلك‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 6‬وفي الشفتين الدية‪ ،‬وفي الواحدة نصف الدية‪ ،‬وفي اللسان إذا قطع الدية‪.‬‬
‫‪ 7‬اختلف في دية المرأة الكثرون على أن أصبعها كأصبع الرجل وسنها كسنه‪ ،‬وموضوحتها‬
‫كموضوحته‪ ،‬ومنقلتها كمنقلته‪ ،‬فإذا بلغت ثلث الدية كانت على النصف من دية الرجل‪ .‬وقالت‬
‫طائفة‪ :‬دية المرأة فيما ذكر على النصف من دية الرجل‪.‬‬

‫( ‪)1/636‬‬

‫والحرام‪َ { ،‬و ُمصَدّقا} ‪ ،‬أي‪ :‬النجيل لما قبله من التوراة‪ ،‬أي‪ :‬مقررا أحكامها مثبتا لها إل ما نسخه‬
‫ى َو َموْعِظَةً لِ ْلمُ ّتقِينَ} أي‪ :‬يجد فيه أهل التقوى الهداية الكافية للسير‬
‫ال تعالى منها بالنجيل‪{ ،‬وَهُد ً‬
‫في طريقهم إلى ال تعالى والموعظة التامة للتعاظ بها في الحياة‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الثالثة‪،‬‬
‫حكُمْ َأ ْهلُ الِ ْنجِيلِ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ فِيهِ} أي‪ :‬وقلنا ليحكم أهل‬
‫أما الية(‪ )47‬وهي قوله تعالى‪{ :‬وَلْ َي ْ‬
‫النجيل‪ ،‬يريد وأمرنا أهل النجيل أن يحكموا بما أنزل ال فيه من الحكام‪ ،‬وأخبرناهم أن من {َلمْ‬
‫سقُونَ} عن أمره الخارجون عن طاعته وقد يكون الفسق ظلما‬
‫حكُمْ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْلفَا ِ‬
‫يَ ْ‬
‫وكفرا‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب خشية ال بأداء ما أوجب وترك ما حرم‪.‬‬
‫‪ -2‬كفر من جحد أحكام ال فعطلها أو تلعب بها فحكم بالبعض دون البعض‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب ‪ 1‬القود في النفس والقصاص في الجراحات؛ لن ما كتب على بني إسرائيل كتب على‬
‫هذه المة‪.‬‬
‫‪ -4‬من الظلم أن يعتدى في القصاص بأن يقتل الواحد اثنان أو يقتل غير القاتل أو يفقأ بالعين‬
‫الواحدة عينان مثلً‪ ،‬وهو كفر مع الستحلل وظلم في نفس الوقت‪.‬‬
‫‪ -5‬مشروعية القصاص في النجيل وإلزام أهله بتطبيقه وتقرير فسقهم إن عطلوا تلك الحكام‬
‫وهم مؤمنون بها‪.‬‬
‫حكُمْ بَيْ َنهُمْ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ‬
‫{وَأَنْزَلْنَا إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ بِا ْلحَقّ ُمصَدّقا ِلمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ا ْلكِتَابِ َو ُمهَ ْيمِنا عَلَيْهِ فَا ْ‬
‫جعََلكُمْ ُأمّةً‬
‫جعَلْنَا مِ ْنكُمْ شِرْعَ ًة َومِ ْنهَاجا وََلوْ شَاءَ اللّهُ لَ َ‬
‫حقّ ِل ُكلّ َ‬
‫عمّا جَا َءكَ مِنَ الْ َ‬
‫وَل تَتّبِعْ أَ ْهوَاءَ ُهمْ َ‬
‫وَاحِ َد ًة وََلكِنْ لِيَبُْل َوكُمْ فِي مَا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إل إن يرضى الملظلوم بالدية فإنه يعطاها على نحو ما تقدم آنفًا‪.‬‬

‫( ‪)1/637‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حكُمْ بَيْ َنهُمْ‬
‫جمِيعا فَيُنَبّ ُئ ُكمْ ِبمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَِلفُونَ(‪ )48‬وَأَنِ ا ْ‬
‫ج ُعكُمْ َ‬
‫آتَاكُمْ فَاسْتَ ِبقُوا ا ْلخَيْرَاتِ إِلَى اللّهِ مَ ْر ِ‬
‫ِبمَا أَنْ َزلَ اللّ ُه وَل تَتّبِعْ َأ ْهوَاءَهُ ْم وَاحْذَرْ ُهمْ أَنْ َيفْتِنُوكَ عَنْ َب ْعضِ مَا أَنْ َزلَ اللّهُ إِلَ ْيكَ فَإِنْ َتوَّلوْا فَاعْلَمْ‬
‫حكْمَ ا ْلجَاهِلِيّةِ يَ ْبغُونَ‬
‫سقُونَ(‪َ )49‬أ َف ُ‬
‫أَ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ أَنْ ُيصِي َبهُمْ بِ َب ْعضِ ذُنُو ِبهِ ْم وَإِنّ كَثِيرا مِنَ النّاسِ َلفَا ِ‬
‫حكْما ِلقَوْمٍ يُوقِنُونَ(‪})50‬‬
‫َومَنْ َأحْسَنُ مِنَ اللّهِ ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ا ْلكِتَابَ} ‪ :‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫{مِنَ ا ْلكِتَابِ} ‪ :‬اسم جنس بمعنى الكتب السابقة قبله؛ كالتوراة والنجيل‪.‬‬
‫علَيْهِ} ‪ :‬حاكما عليه‪ ،‬أي‪ :‬محققا للحق الذي فيه‪ ،‬مبطلً للباطل الذي التصق به‪.‬‬
‫{ َو ُمهَ ْيمِنا َ‬
‫عةً‪َ 1‬ومِ ْنهَاجا} ‪ :‬شريعة تعملون بها وسبيلً تسلكونه لسعادتكم وكمالكم من سنن الهدى‪.‬‬
‫{شِرْ َ‬
‫{ُأمّةً وَاحِ َدةً} ‪ :‬ل اختلف بينكم في عقيدة ول في عبادة ول قضاء‪.‬‬
‫{فَاسْتَ ِبقُوا} ‪ :‬أي‪ :‬بادروا فعل الخيرات ليفوز السابقون‪.‬‬
‫{أَنْ َيفْتِنُوكَ} ‪ :‬يضلوك عن الحق‪.‬‬
‫{فَإِنْ َتوَّلوْا} ‪ :‬أعرضوا عن قبول الحق الذي دعوتهم إليه وأردت حكمهم به‪.‬‬
‫{حكم الجاهلية} ‪ :‬هو ما عليه أهل الجاهلية من الحكام القبلية التي ل تقوم على وحي ال تعالى‬
‫وإنما على الراء والهواء‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما ذكر تعالى إنزاله التوراة وأن فيها الهدى والنور وذكر النجيل وأنه أيضا فيه الهدى والنور‬
‫حقّ} متلبسا به ل يفارقه‬
‫ناسب ذكر القرآن الكريم‪ ،‬فقال‪{ :‬وَأَنْزَلْنَا إِلَ ْيكَ ا ْلكِتَابَ} ‪ ،‬أي‪ :‬القرآن {بِالْ َ‬
‫الحق والصدق لخلوه من الزيادة والنقصان حال كونه { ُمصَدّقا ِلمَا بَيْنَ َيدَيْهِ} من‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أصل الشريعة في اللغة‪ :‬الطريقة التي يتوصل بها إلى الماء‪ ،‬وهي هنا‪ :‬ما شرع ال لعباده من‬
‫الدين الشامل من العقائد والعبادات والحكام القضائية يتوصل بها إلى سعادة الدارين‪.‬‬

‫( ‪)1/638‬‬

‫الكتب السابقة‪ ،‬ومهيمنا‪ 1‬عليها حفيظا حاكما‪ ،‬فالحق ما أحقه منها والباطل ما أبطله منها‪ .‬وعليه‬
‫حكُمْ} يا رسولنا بين اليهود والمتحاكمين إليك { ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ} إليك بقتل القاتل ورجم الزاني ل‬
‫{فَا ْ‬
‫كما يريد اليهود {وَل تَتّبِعْ أَ ْهوَاءَ ُهمْ} في ذلك وترك ما جاءك من الحق‪ ،‬واعلم أنا جعلنا لكل أمة‬
‫جعََلكُمْ‬
‫شرعة ومنهاجا‪ ،‬أي‪ :‬شرعا وسبيلً خاصا يسلكونه في إسعادهم وإكمالهم‪{ ،‬وََلوْ شَاءَ اللّهُ لَ َ‬
‫ح َدةً} على شريعة واحدة ل تختلف في قضاياها وأحكامها لفعل‪ ،‬ولكن نوع الشرائع فأوجب‬
‫ُأمّ ًة وَا ِ‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وأحل ونهى وحرم في شريعة ولم يفعل ذلك في شريعة أخرى من أجل أن يبتليكم فيما أعطاكم‬
‫وأنزل عليكم ليتبين المطيع من العاصي والمهتدي من الضال‪ ،‬وعليه فهلم {فَاسْتَ ِبقُوا الْخَيْرَاتِ‪}2‬‬
‫أي‪ :‬بادروا العمال الصالحة‪ ،‬وليجتهد كل واحد أن يكن سابقا‪ ،‬فإن مرجعكم إليه تعالى {فَيُنَبّ ُئكُمْ‬
‫ِبمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَِلفُونَ} ‪ ،‬ثم يجزيكم الخير بمثله والشر إن شاء كذلك‪ .‬هذا ما دلت عليه الية‬
‫الولى‪ ،‬أما الية الثانية (‪ )49‬فقد أمر ال تعالى فيها رسوله ونهاه وحذره وأعلمه وندد بأعدائه‬
‫حكُمْ‪ 3‬بَيْ َن ُهمْ ِبمَا أَنْ َزلَ‬
‫أمره أن يحكم بين من يتحاكمون إليه بما أنزل عليه من القرآن فقال‪{ :‬وَأَنِ ا ْ‬
‫اللّهُ} ‪ ،‬ونهاه أن يتبع أهواء اليهود فقال‪{ :‬وَل تَتّبِعْ أَ ْهوَاءَ ُهمْ} وحذره من أن يتبع بعض آرائهم‬
‫حذَرْهُمْ‪ 4‬أَنْ َيفْتِنُوكَ‬
‫فيترك بعض ما أنزل عليه ول يعمل به ويعمل بما اقترحوه عليه فقال‪{ :‬وَا ْ‬
‫عَنْ َب ْعضِ مَا أَنْ َزلَ اللّهُ إِلَ ْيكَ} وأعلمه أن اليهود إن تولوا‪ ،‬أي‪ :‬أعرضوا عن قبول حكمه وهو‬
‫الحكم الحق العادل فإنما يريد ال تعالى أن ينزل بهم عقوبة نتيجة ما قارفوا من الذنوب‪ ،‬وما‬
‫ارتكبوا من الخطايا فقال‪{ :‬فَإِنْ َتوَلّوْا فَاعَْلمْ أَ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ أَنْ ُيصِي َبهُمْ‪ 5‬بِ َب ْعضِ ذُنُو ِبهِمْ} ‪ .‬وندد‬
‫بأعدائه حيث أخبر أن أكثرهم فاسقون‪ ،‬أي‪ :‬عصاة خارجون عن طاعة ال تعالى ورسله‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫سقُونَ} ‪ .‬فسله بذلك وهون عليه ما قد يجده‬
‫{وَإِنّ كَثِيرا مِنَ النّاسِ َلفَا ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬فسر‪{ :‬مهيمنًا} بعال مرتفع عليه وبمؤتمن عليه‪ ،‬ويعود اللفظان إلى ما فسرناه به؛ لن المرتفع‬
‫العالي هو الحاكم‪ .‬والمؤتمن هو الحافظ‪.‬‬
‫‪ 2‬فيه دليل على تقديم الواجبات وعدم تأخيرها لسيما الصلوات الخمس‪ ،‬وخالف أبو حنيفة في‬
‫الصلة‪ ،‬والية حجة عليه‪.‬‬
‫‪ 3‬هل هذه الية ناسخة للتخيير السابق‪ ،‬أو ل نسخ ويقدر بعدها جملة –إن شئت‪ -‬لتقدم ذكر‬
‫حكُمْ بَيْ َنهُمْ َأوْ أَعْ ِرضْ عَ ْن ُهمْ} ‪ ،‬يحدد معنى هذه الية‪.‬‬
‫التخيير وما تقدم من توجيه في آية‪{ :‬فَا ْ‬
‫‪ 4‬روى ابن إسحاق عن ابن عباس أن قومًا من الحبار اجتمعوا‪ ،‬منهم‪ :‬ابن صوريا‪ ،‬وكعب‪،‬‬
‫وشاس‪ ،‬وقالوا‪ :‬إذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه‪ ،‬فإنما هو بشر‪ ،‬فأتوه وقالوا‪ :‬قد عرفت يا‬
‫محمد إنا أحبار اليهود وإن اتبعناك لم يحالفنا أحد من اليهود‪ ،‬وإن بيننا وبين قوم خصومة‬
‫فنحاكمهم إليك فاقض لنا عليهم حتى نؤمن بك‪ .‬فأبى رسول ال صلى ال عليه وسلم ونزلت هذه‬
‫الية‪.‬‬
‫‪ 5‬وقد أصابهم فأجلوا من الحجاز وقتل بنو قريظة وضربت عليهم الجزية في ديار السلم‪.‬‬

‫( ‪)1/639‬‬

‫من ألم تمرد اليهود والمنافقين وإعراضهم عن الحق الذي جاءهم به ودعاهم إليه‪ .‬هذا ما دلت‬
‫عليه الية الثانية‪ ،‬أما الية الثالثة(‪ )50‬فقد أنكر تعالى فيها على اليهود طلبهم حكم أهل الجاهلية‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حيث ل وحي ول تشريع إلهي وإنما العادات والهواء والشهوات معرضين عن حكم الكتاب‬
‫ح ْكمَ الْجَاهِلِيّةِ‪ 1‬يَ ْبغُون}َ ‪ .‬ثم أخبر تعالى نافيا أن‬
‫والسنة حيث العدل والرحمة‪ ،‬فقال تعالى‪َ{ :‬أفَ ُ‬
‫يكون هناك حكم أعدل أو أرحم من حكم ال تعالى للمؤمنين به الموقنين بعدله تعالى ورحمته‬
‫حكْما ِلقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ؟‪.‬‬
‫فقال‪َ { :‬ومَنْ َأحْسَنُ‪ 2‬مِنَ اللّهِ ُ‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب الحكم وفي كل القضايا بالكتاب والسنة‪.‬‬
‫‪ -2‬ل يحوز تحكيم أية شريعة أو قانون غير الوحي اللهي الكتاب والسنة‪.‬‬
‫‪ -3‬التحذير من اتباع أهواء الناس خشية الضلل عن الحق‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان الحكمة من اختلف الشرائع‪ ،‬وهو البتلء‪.‬‬
‫‪ -5‬أكثر المصائب في الدنيا ناتجة عن بعض الذنوب‪.‬‬
‫‪ -6‬حكم الشريعة السلمية أحسن الحكام عدلً ورحمة‪.‬‬
‫ض َومَنْ يَ َتوَّلهُمْ مِ ْنكُمْ فَإِنّهُ‬
‫ضهُمْ َأوْلِيَاءُ َب ْع ٍ‬
‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّخِذُوا الْ َيهُو َد وَال ّنصَارَى َأوْلِيَاءَ َب ْع ُ‬
‫مِ ْنهُمْ إِنّ اللّهَ ل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ(‪ )51‬فَتَرَى الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ ُيسَارِعُونَ فِيهِمْ َيقُولُونَ‬
‫خشَى أَنْ ُتصِيبَنَا دَائِ َرةٌ َفعَسَى اللّهُ أَنْ يَأْ ِتيَ بِا ْلفَتْحِ َأوْ َأمْرٍ مِنْ عِ ْن ِدهِ فَ ُيصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرّوا فِي‬
‫نَ ْ‬
‫سهِمْ نَا ِدمِينَ(‪)52‬‬
‫أَ ْنفُ ِ‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬أفحكم} منصوب بيبغون‪ ،‬أي‪ :‬أيبغون حكم الجاهلية‪ ،‬إذ أهل الجاهلية من العرب يجعلون حكم‬
‫الشريف خلف حكم الوضيع‪ .‬واليهود يقيمون الحدود على الضعفاء والفقراء دون القوياء‬
‫والغنياء‪.‬‬
‫‪ 2‬الستفهام إنكاري‪ ،‬أي‪ :‬ينكر أن يكون هناك حكم أحسن من ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)1/640‬‬

‫عمَاُلهُمْ فََأصْبَحُوا‬
‫طتْ أَ ْ‬
‫ج ْهدَ أَ ْيمَا ِنهِمْ إِ ّنهُمْ َل َم َعكُمْ حَ ِب َ‬
‫سمُوا بِاللّهِ َ‬
‫وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا َأ َهؤُلءِ الّذِينَ َأقْ َ‬
‫خَاسِرِينَ(‪})53‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{آمَنُوا} ‪ :‬صدقوا بال ورسوله ووعد ال ووعيده‪.‬‬
‫{َأوْلِيَاءَ} ‪ :‬لكم توالونهم بالنصرة والمحبة‪.‬‬
‫ضهُمْ َأوْلِيَاءُ َب ْعضٍ} ‪ :‬أي‪ :‬اليهودي ولي أخيه اليهودي‪ ،‬والنصراني ولي أخيه النصراني‪.‬‬
‫{ َب ْع ُ‬
‫{الظّاِلمِينَ} ‪ :‬الذين يوالون أعداء ال ورسوله ويتركون موالة ال ورسوله والمؤمنين‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{مَ َرضٌ} ‪ :‬نفاق وشك وشرك‪.‬‬
‫{يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} ‪ :‬أي‪ :‬في البقاء على موالتهم‪ ،‬أي‪ :‬موالة اليهود والنصارى‪.‬‬
‫{دَائِ َرةٌ‪ : }1‬تدور علينا من جدب‪ ،‬أو انتهاء أمر السلم‪.‬‬
‫{بِا ْلفَتْحِ} ‪ :‬نصر المؤمنين على الكافرين والقضاء لهم بذلك؛ كفتح مكة‪.‬‬
‫جهْدَ‪ 2‬أَ ْيمَا ِن ِهمْ} ‪ :‬أقصاها وأبلغها‪.‬‬
‫{َ‬
‫عمَاُلهُمْ} ‪ :‬بطلت وفسدت فلم ينتفعوا منها بشيء؛ لنها ما كانت ل تعالى‪.‬‬
‫طتْ أَ ْ‬
‫{حَبِ َ‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ورد في سبب نزول هذه الية عن عبادة بن الصامت النصاري‪ ،‬وعبد ال بن أبي كان لكل منهما‬
‫حلفاء من يهود المدينة‪ ،‬ولما انتصر رسول ال صلى ال عليه وسلم والمؤمنون في بدر اغتاظ‬
‫اليهود وأعلنوا سوء نياتهم فتبرأ عبادة بن الصامت من حلفائه ورضي بموالة ال ورسوله‬
‫والمؤمنين وأبي بن أبي‪ ،‬ذلك وقال بعض ما جاء في هذه اليات فأنزل ال تعالى قوله‪{ :‬يَا أَ ّيهَا‬
‫ضهُمْ‬
‫الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّخِذُوا الْ َيهُو َد وَال ّنصَارَى َأوْلِيَاءَ} أي‪ :‬لكم من دون المؤمنين‪ ،‬وقوله تعالى‪َ { :‬ب ْع ُ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الدائرة‪ :‬اسم فاعل من دار يدو فهو دائر‪ ،‬إذا عكس سيره فالدائرة تغير الحال‪ ،‬وغلبت في‬
‫الخير والشر‪ ،‬أي‪ :‬من خير إلى شر‪ .‬ودوائر الدهر‪ :‬نوبه ودوله‪.‬‬
‫‪ 2‬حقيقة الجهد‪ :‬التعب والمشقة‪ ،‬ومنتهى الطاقة‪ ،‬والمراد به في الية‪ :‬آكد اليمان وأغلظها‪ ،‬وفعل‬
‫الجهد‪ :‬جهد؛ كمنع يجهد كيمنع جهدا كمنع‪.‬‬

‫( ‪)1/641‬‬

‫َأوْلِيَاءُ َب ْعضٍ} تعليل لتحريم موالتهم ‪ ،1‬لن اليهودي ولي لليهودي والنصراني ولي للنصراني‬
‫على المسلمين فكيف تجوز إذا موالتهم‪ ،‬وكيف يصدقون أيضا فيها فهل من المعقول أن يحبك‬
‫النصراني ويكره أخاه‪ ،‬وهل ينصرك على أخيه؟ وقوله تعالى‪َ { :‬ومَنْ يَ َتوَّلهُمْ مِ ْنكُمْ} أي‪ :‬أيها‬
‫المؤمنون {فَإِنّهُ مِ ْنهُمْ‪ . }2‬لنه بحكم موالتهم سيكون حربا على ال ورسوله والمؤمنين‪ ،‬وبذلك‬
‫يصبح منهم قطعا وقوله‪{ :‬إِنّ اللّهَ ل َيهْدِي ا ْلقَوْمَ الظّاِلمِينَ} جملة تعليلية تفيد أن من والى اليهود‬
‫والنصارى من المؤمنين أصبح مثلهم فيحرم هداية ال تعالى لن ال ل يهدي القوم الظالمين‪.‬‬
‫والظلم وضع الشيء في غير محله‪ ،‬وهذا الموالي لليهود قد ظلم بوضع الموالة في غير محلها‬
‫حيث عادى ال ورسوله والمؤمنين ووالى اليهود والنصارى أعداء ال ورسوله والمؤمنين‪ .‬هذا ما‬
‫دلت عليه الية الولى‪ ،‬أما الية الثانية(‪ )52‬فقد تضمنت بعض ما قال ابن أبي مبررا موقفه‬
‫المخزي وهو البقاء على موالته لليهود‪ ،‬إذ قال تعالى لرسوله وهو يخبره بحالهم‪{ :‬فَتَرَى الّذِينَ‬
‫فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ} كابن أبي‪ ،‬والمرض مرض النفاق { ُيسَارِعُونَ فِيهِمْ} أي‪ :‬في موالتهم ولم يقل‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يسارعون إليهم لنهم ما خرجوا من دائرة موالتهم حتى يعودوا إليها بل هم في داخلها‬
‫يسارعون‪ ،‬يقولون كالمعتذرين { َنخْشَى أَنْ ُتصِيبَنَا دَائِ َرةٌ} من تقلب الحوال فنجد أنفسنا مع أحلفنا‬
‫ننتفع بهم‪ .‬وقوله تعالى‪َ { :‬فعَسَى اللّهُ أَنْ يَأْ ِتيَ بِا ْلفَتْحِ} وعسى من ال تعبد تحقيق الوقوع‪ ،‬فهي‬
‫بشرى لرسول ال والمؤمنين بقرب النصر والفتح ‪َ{ 3‬أوْ َأمْرٍ مِنْ عِ ْندِه ‪ 4‬فَ ُيصْ ِبحُوا} أي‪ :‬أولئك‬
‫سهِمْ} من النفاق وبغض المؤمنين وحب الكافرين {نَا ِدمِينَ}‬
‫الموالون لليهود {عَلَى مَا أَسَرّوا فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫حيث ل ينفعهم ندم‪ .‬هذا ما تضمنته الية الثانية‪ ،‬أما الية الثالثة(‪ )53‬وهي قوله تعالى‪{ :‬وَ َيقُولُ‬
‫الّذِينَ آمَنُوا} عندما يأتي ال بالفتح أو أمر من عنده فيه نصرة المؤمنين وهزيمة الكافرين‪ ،‬ويصبح‬
‫سمُوا بِاللّه} أغلظ اليمان‬
‫المنافقون نادمين‪ ،‬يقول المؤمنون مشيرين إلى المنافقين‪{ :‬أَ َهؤُلءِ الّذِينَ َأقْ َ‬
‫عمَاُلهُمْ} لنها لم تكن ل {فََأصْبَحُوا خَاسِرِينَ} ‪.‬‬
‫طتْ أَ ْ‬
‫{إِ ّنهُمْ َل َم َعكُمْ حَ ِب َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الموالة حقيقتها‪ :‬المودة والنصرة‪ ،‬فمن والى اليهود والنصارى فأحبهم ونصرهم على المسلمين‬
‫لزمه أن أبغض المؤمنين وخذلهم‪ ،‬وبهذا يصبح كافرًا‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا الحكم باقٍ إلى يوم القيامة‪ ،‬وهو حرمة موالة الكافرين‪ ،‬ومن والهم تحرم موالته كما‬
‫تحرم موالتهم ووجبت له النار كما وجبت لهم‪.‬‬
‫‪ 3‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬أتى ال بالفتح فقتلت مقاتلة بني قريضة‪ ،‬وسبيت ذراريهم‪،‬‬
‫وأجلى بنو النضير‪.‬‬
‫‪ 4‬فسر الحسن قوله تعالى‪{ :‬أو أمر منْ عِنده} بأنه إظهار أمر المنافقين والخبار بأسمائهم‪،‬‬
‫والمر بقتلهم‪ ،‬وهو تفسير عظيم عليه نور‪.‬‬

‫( ‪)1/642‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة موالة اليهود والنصارى ‪ 1‬وسائر الكافرين‪.‬‬
‫‪ -2‬موالة الكافر على المؤمن تعتبر ردة عن السلم‪.‬‬
‫‪ -3‬موالة الكافرين ناجمة عن ضعف اليمان‪ ،‬فلذا تؤدى إلى الكفر‪.‬‬
‫‪ -4‬عاقبة النفاق سيئة ونهاية الكفر مريرة‪.‬‬
‫سوْفَ يَأْتِي اللّهُ ِبقَوْمٍ ُيحِ ّبهُ ْم وَيُحِبّونَهُ أَذِلّةٍ عَلَى‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْ َتدّ مِ ْنكُمْ عَنْ دِينِهِ َف َ‬
‫ضلُ اللّهِ ُيؤْتِيهِ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ أَعِ ّزةٍ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ ُيجَا ِهدُونَ فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَل َيخَافُونَ َل ْومَ َة لئِمٍ ذَِلكَ َف ْ‬
‫علِيمٌ(‪ )54‬إِ ّنمَا وَلِ ّيكُمُ اللّ ُه وَرَسُولُ ُه وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ ُيقِيمُونَ الصّلةَ وَ ُيؤْتُونَ‬
‫مَنْ يَشَاءُ وَاللّ ُه وَاسِعٌ َ‬
‫ال ّزكَا َة وَهُمْ رَا ِكعُونَ(‪َ )55‬ومَنْ يَ َت َولّ اللّ َه وَرَسُولَ ُه وَالّذِينَ آمَنُوا فَإِنّ حِ ْزبَ اللّهِ هُمُ ا ْلغَالِبُونَ(‪})56‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{مَنْ يَرْ َتدّ‪ : }2‬أي‪ :‬يرجع إلى الكفر بعد إيمانه‪.‬‬
‫{َأذِلّةٍ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ} ‪ :‬أرقاء عليهم رحماء بهم‪.‬‬
‫{أَعِ ّزةٍ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ‪ : }3‬أشداء غلظ عليهم‪.‬‬
‫{َل ْومَ َة لئِمٍ} ‪ :‬عذل عاذل‪.‬‬
‫{حِ ْزبَ اللّهِ} ‪ :‬أنصار ال تعالى‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ل يعد موالة استعمال اليهودي أو النصراني في عمل تجاري أو عمراني أو مهني‪ ،‬إذا دعت‬
‫الحاجة إليه‪ ،‬ول يصح اسبتطانهم ول الستعانة بهم في الجهاد‪.‬‬
‫‪ 2‬قرئ‪{ :‬يرتد} بالفتح وهي قراءة أهل المدينة والشام‪.‬‬
‫‪ 3‬قال ابن عباس‪ :‬هم للمؤمنين كالوالد للولد‪،‬والسيد للعبد‪ ،‬وهم في الغلظة على الكفار؛ كالسبع‬
‫على فريسته‪.‬‬

‫( ‪)1/643‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫هذه الية الكريمة (‪{ :)54‬يَا أ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْ َتدّ مِ ْنكُمْ عَنْ دِينِهِ} تضمنت خبرا من أخبار‬
‫الغيب التي يخبر بها القرآن فتتم طبق ما أخبر به فتكون آية أنه كلم ال حقا وأن المنزل على‬
‫رسوله صدقا‪ ،‬فقد أخبر تعالى أنه من يرتد من المؤمنين سوف يأتي ال عز وجل بخير منه ممن‬
‫يحبون ال ويحبهم ال تعالى رحماء بالمؤمنين أشداء على الكافرين يجاهدون في سبيل ال ول‬
‫يخافون لوم من يلوم‪ ،‬ول عتاب من يعتب عليهم‪ .‬وما إن مات الرسول صلى ال عليه وسلم حتى‬
‫ارتد فئات ‪ 1‬من أجلف العراف ومنعوا الزكاة وقاتلهم أبو بكر مع الصحابة رضوان ال عليهم‬
‫حتى أخضعوهم للسلم وحسن إسلمهم فكان أبو بكر وأصحابه ممن وصف ال تعالى يحبون ال‬
‫ويحبهم ال يجاهدون في سبيله ول يخافون لومة لئم‪ ،‬وقد روي بل وصح أن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم لما نزلت هذه الية وتلها صلى ال عليه وسلم وأبو موسى الشعري أمامه فأشار إليه‬
‫وقال قوم هذا‪ ،‬وفعلً بعد وفاة الرسول جاء الشعريون وظهرت الية وتمت المعجزة وصدق ال‬
‫ضلُ اللّهِ} الشارة إلى ما أولى ‪ 2‬أولئك المؤمنين من أبي بكر‬
‫العظيم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬ذَِلكَ َف ْ‬
‫الصديق والصحابة والشعريين من تلك الصفات الجليلة من حب ال والرقة والرأفة على‬
‫المؤمنين والشدة على الكافرين‪ ،‬والجهاد في سبيل ال‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وَاللّ ُه وَاسِعٌ عَلِيمٌ} أي‪ :‬واسع‬
‫الفضل عليم بمن يستحقه‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الولى‪ ،‬أما الثانية ‪ )55( 3‬فقد تضمنت طمأنة‬
‫الرب تعالى لعباده بن الصامت وعبد ال بن سلم ومن تبرأ من حلف اليهود ووالى ال ورسوله‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فأخبرهم تعالى أنه هو وليهم ورسوله والذين آمنوا {الّذِينَ ُيقِيمُونَ الصّلةَ وَيُؤْتُونَ ال ّزكَا َة وَهُمْ‬
‫رَا ِكعُونَ‪ }4‬أي‪ :‬خاشعون متطامنون‪ ،‬وأما ولية اليهود والنصارى فل خير لهم فيها وهم منها‬
‫براء فقصرهم تعالى على وليته وولية رسوله والمؤمنين الصادقين‪ ،‬وفي الية الثالثة أخبرهم‬
‫تعالى أن من يتول ال ورسوله والذين آمنوا ينصره ال ويكفه ما يهمه‪ ،‬لنه أصبح من حزب ال‪،‬‬
‫وحزب ال أي أولياؤه وأنصاره هم الغالبون‪ ،‬هذا ما دلت عليه الية الكريمة وهي قوله‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال ابن إسحاق لما قبض رسول ال صلى ال عليه وسلم ارتدت العرب إلى ثلثة مساجد‪:‬‬
‫مسجد المدينة‪ ،‬ومسجد مكة‪ ،‬ومسجد جؤاثي‪ .‬جؤاثي‪ :‬اسم حصن بالبحرين‪ ،‬وكان المرتدون على‬
‫قسمين‪ :‬قسم منعوا الزكاة واعترفوا بباقي الشريعة‪ ،‬وقسم نبذوا الشريعة‪.‬‬
‫‪ 2‬أي‪ :‬ما وهبهم وأعطاهم من الصفات الحميدة الجليلة‪.‬‬
‫‪ 3‬هي قوله تعالى‪{ :‬إِ ّنمَا وَلِ ّيكُمُ اللّهُ وَرَسُولُ ُه وَالّذِينَ آمَنُوا‪ }...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ 4‬يروى أن عليًا رضي ال عنه كان يصلي نافلة في المسجد فسأله أحد فرمى إليه بالخاتم وهو‬
‫يصلي فاستدل الفقهاء بهذا أن العمل اليسير ل يبطل الصلة‪.‬‬

‫( ‪)1/644‬‬

‫تعالى‪َ { :‬ومَنْ يَ َت َولّ اللّهَ وَرَسُولَ ُه وَالّذِينَ آمَنُوا فَإِنّ حِ ْزبَ‪ 1‬اللّهِ ُهمُ ا ْلغَالِبُونَ} ‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬إخبار القرآن الكريم بالغيب وصدقه في ذلك فكان آية أنه كلم ال‪.‬‬
‫‪ -2‬فضيلة أبي بكر والصحابة والشعريين قوم أبي موسى الشعري وهم من أهل اليمن‪.‬‬
‫‪ -3‬فضل حب ال والتواضع للمؤمنين وإظهار العزة على الكافرين‪ ،‬وفضل الجهاد في سبيل ال‬
‫وقول الحق والثبات عليه وعدم المبالة بمن يلوم ويعذل في ذلك‪.‬‬
‫‪ -4‬فضيلة إقام الصلة وإيتاء الزكاة والخشوع والتواضع‪.‬‬
‫‪ -5‬ولية ال ورسوله والمؤمنين الصادقين توجب لصاحبها النصر والغلبة على أعدائه‪.‬‬
‫خذُوا دِي َنكُمْ هُزُوا وََلعِبا مِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ مِنْ قَبِْلكُمْ‬
‫{يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّخِذُوا الّذِينَ اتّ َ‬
‫خذُوهَا هُزُوا وََلعِبا ذَِلكَ‬
‫وَا ْلكُفّارَ َأوْلِيَا َء وَا ّتقُوا اللّهَ إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ(‪ )57‬وَإِذَا نَادَيْ ُتمْ إِلَى الصّلةِ اتّ َ‬
‫بِأَ ّنهُمْ َقوْمٌ ل َي ْعقِلُونَ(‪ُ )58‬قلْ يَا َأ ْهلَ ا ْلكِتَابِ َهلْ تَ ْن ِقمُونَ مِنّا إِل أَنْ آمَنّا بِاللّهِ َومَا أُنْ ِزلَ إِلَيْنَا َومَا‬
‫سقُونَ(‪ُ )59‬قلْ َهلْ أُنَبّ ُئكُمْ‪ 2‬بِشَرّ مِنْ ذَِلكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللّهِ مَنْ َلعَنَهُ اللّهُ‬
‫أُنْ ِزلَ مِنْ قَ ْبلُ وَأَنّ َأكْثَ َركُمْ فَا ِ‬
‫سوَاءِ‬
‫ضلّ عَنْ َ‬
‫ج َعلَ مِ ْنهُمُ ا ْلقِرَ َد َة وَالْخَنَازِي َر وَعَبَدَ الطّاغُوتَ أُولَ ِئكَ شَرّ َمكَانا وََأ َ‬
‫غضِبَ عَلَيْهِ وَ َ‬
‫وَ َ‬
‫السّبِيلِ(‪})60‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الحزب‪ :‬الصنف من الناس‪ ،‬وأصله من النائبة مأخوذ من قولهم‪ :‬حزبه كذا‪ ،‬أي‪ :‬نابه؛ كأن‬
‫المحتزبين مجتمعون اجتماع أهل النائبة عليها‪.‬‬
‫‪ 2‬روى أنه لما نزلت أية‪ُ { :‬قلْ َهلْ أُنَبّ ُئ ُكمْ بِشَرّ مِنْ ذَِلكَ‪ }...‬إلخ‪ .‬قال المسلمون لهم يا أخوة القردة‬
‫والخنازير نكسوا رؤسهم افتضاحا‪ ،‬وفيهم يقول الشاعر‪:‬‬
‫فلعنة ال على اليهود ‪...‬‬
‫إن اليهود أخوة القرود‬

‫( ‪)1/645‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{هُزُوا وََلعِبا} ‪ :‬الهزء‪ :‬ما يُهزأ به ويسخر منه‪ .‬واللعب‪ :‬ما يعلب به‪.‬‬
‫{أُوتُوا ا ْلكِتَابَ} ‪ :‬هم اليهود في هذا السياق‪.‬‬
‫{وَا ْل ُكفّارَ} ‪ :‬المشركون‪.‬‬
‫{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصّلةِ} ‪ :‬أذنتم بها‪.‬‬
‫{ َهلْ تَ ْن ِقمُونَ مِنّا} ‪ :‬أي‪ :‬ما تنقمون منا‪ ،‬ومعنى تنقمون هنا تنكرون منا وتعيبون علينا‪.‬‬
‫{مَثُوبَةً} ‪ :‬جزاء‪.‬‬
‫سقُونَ} ‪ :‬خارجون عن طاعة ال تعالى بالكفر والمعاصي‪.‬‬
‫{فَا ِ‬
‫{ا ْلقِرَ َدةَ} ‪ :‬جمع قرد حيوان معروف مجبول على التقليد والمحاكاة‪.‬‬
‫{وَالْخَنَازِيرَ} ‪ :‬جمع خنزير حيوان خبيث معروف محرم الكل‪.‬‬
‫{شَرّ َمكَانا} ‪ :‬أي‪ :‬منزلة يوم القيامة في نار جهنم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫مازال السياق في تحذير المؤمنين من موالة اليهود وأعداء ال ورسوله‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬يَا أَ ّيهَا‬
‫خذُوا دِي َنكُمْ} السلمي‬
‫الّذِينَ آمَنُوا} بال ربا وبمحمد رسولً وبالسلم دينا {ل تَتّخِذُوا الّذِينَ اتّ َ‬
‫{هُزُوا} شيئا يهزءون به‪ ،‬ولعبا‪ ،‬أي‪ :‬شيئا يلعبون به {مِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ} يعني اليهود‪،‬‬
‫والكفار ‪ ،1‬وهم المنافقون والمشركون {أولياء} أنصارا وأحلفا‪{ 2‬وَا ّتقُوا اللّهَ} في ذلك‪ ،‬أي‪ :‬في‬
‫اتخاذهم أولياء {إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ} صادقين في إيمانكم فإن حب ال ورسوله والمؤمنين يتنافى معه‬
‫حب أعداء ال ورسوله والمؤمنين‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الولى(‪ ،)57‬أما الية الثانية(‪ )58‬فقد‬
‫تضمنت إخبار ال تعالى بما يؤكد وجوب معاداة من يتخذ دين المؤمنين هزوا ولعبا وهم أولئك‬
‫الذين إذا سمعوا الذان ينادى ‪ 3‬للصلة اتخذوه هزوا ولعبا‪ ،‬فهذا يقول ما هذا الصوت وآخر يقول‬
‫__________‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 1‬قرئ‪ :‬والكفار بالجر‪ ،‬وقرئ‪ :‬بالنصب‪ ،‬قال مكي‪ :‬لول اتفاق الجماعة على قراءة النصب‬
‫لخترت قراءة الجر لقوته في العراب‪ ،‬وفي التفسير والقرب من المعطوف عليه‪.‬‬
‫‪ 2‬هذه الية فيها دليل على عدم جواز التأييد والستنصار بالمشركين‪ ،‬وقد روي عن جابر أن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم لما أراد الخروج إلى أحد جاء قوم من اليهود فقالوا‪ :‬نسير معك‪ .‬فقال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬إنا ل نستعين على أمرنا بالمشركين" ‪.‬‬
‫‪ 3‬لم يكن بمكة الذان وإنما كان ينادي للصلة باللفظ‪" :‬الصلة جامعة" ولما هاجر رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم وصرفت القبلة إلى الكعبة أمر بالذان‪ ،‬وبقيت‪" :‬الصلة جامعة" والمر‬
‫بعرض‪ ،‬ولما همهم أمر الذان رأى عبد ال بن زيد النصاري الذان في المنام‪ ،‬وكذا رآه عمر‪.‬‬

‫( ‪)1/646‬‬

‫هذا نهيق حمار‪ ،‬قبح ال قولهم وأقمأهم‪ .‬فقال تعالى عنهم‪{ :‬وَِإذَا نَادَيْتُمْ‪ِ 1‬إلَى الصّلةِ اتّخَذُوهَا‬
‫هُزُوا وََلعِبا ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ َقوْ ٌم ل َي ْعقِلُونَ} ‪ .‬حقا إنهم ل يعقلون‪ ،‬فلو كانوا يعقلون الكلم لكان النداء‬
‫إلى الصلة من أطيب ما يسمع العقلء لنه نداء إلى الطهر والصفاء وإلى الخير والمحبة واللفة‪،‬‬
‫نداء إلى ذكر ال وعبادته‪ ،‬ولكن القوم كما أخبر تعالى عنهم‪{ :‬ل َي ْعقِلُونَ} شأنهم شأن البهائم‬
‫والبهائم أفضل منهم‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الثانية‪ ،‬أما الية الثالثة(‪ )59‬فقد تضمنت تعليم ال‬
‫تعالى لرسوله أن يقول لولئك اليهود والكفرة الفجرة‪ :‬يا أهل الكتاب إنكم بمعاداتكم لنا وحربكم‬
‫علنيا ما تنقمون منا أي ما تكرهون منا ول تعيبون علينا إل إيماننا بال وما أنزل علينا من هذا‬
‫القرآن الكريم وما أنزل من قبل من التوراة والنجيل‪ ،‬وكون أكثركم فاسقين فهل مثل هذا ينكر‬
‫من صاحبه ويعاب عليه؟ اللهم ل‪ ،‬ولكنكم قوم ل تعقلون‪ ،‬هذا معنى قوله تعالى في هذه الية‪ُ { :‬قلْ‬
‫يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ َهلْ تَ ْن ِقمُونَ مِنّا إِل أَنْ آمَنّا بِاللّ ِه َومَا أُنْ ِزلَ إِلَيْنَا َومَا أُنْ ِزلَ مِنْ قَ ْبلُ وَأَنّ َأكْثَ َركُمْ‬
‫سقُونَ} ‪ ،‬أما الية الرابعة في هذا السياق (‪ )60‬فقد تضمنت تعليم ال لرسوله كيف يرد على‬
‫فَا ِ‬
‫أولئك اليهود إخوان القردة والخنازير قولهم‪ :‬ل نعلم دينا شرا من دينكم‪ ،‬وذلك أنهم سألوا النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ :‬بمن تؤمن؟ فقال‪ :‬أؤمن بال وبما أنزل إلينا وما أنزل على موسى وما أنزل‬
‫على عيسى‪ ،‬فلما قال هذا‪ ،‬قالوا‪ :‬ل نعلم دينا شرا من دينكم بغضا لعيسى عليه السلم وكرها له‪،‬‬
‫فأنزل ال تعالى‪ُ { :‬قلْ َهلْ أُنَبّ ُئ ُكمْ بِشَرّ مِنْ ذَِلكَ مَثُوبَةً} أي‪ :‬ثوابا وجزاء {عِ ْندَ اللّهِ} أنه {مَنْ َلعَنَهُ‬
‫ج َعلَ مِ ْنهُمُ ا ْلقِرَ َدةَ وَالْخَنَازِيرَ} إذ مسخ طائفة منهم قردة‪ ،‬وأخرى خنازير على‬
‫ضبَ عَلَيْ ِه وَ َ‬
‫غ ِ‬
‫اللّ ُه وَ َ‬
‫عهد داود عليه السلم‪ ،‬وقوله‪{ :‬وَعَ َبدَ الطّاغُوتَ‪ }2‬أي‪ :‬وجعل منهم من عبد الطاغوت وهو‬
‫الشيطان‪ ،‬و ذلك بطاعته والنقياد لما يجلبه عليه ويزينه له من الشر والفساد‪ ،‬إنه أنتم يا معشر‬
‫يهود‪ ،‬إنكم لشر مكانا يوم القيامة وأضل سبيلً اليوم في هذه الحياة الدنيا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 1‬الذان فرض في المدن والقرى‪ ،‬وسن لجماعة تطلب غيرها ومستحب لمن ل يطلب غيره‪،‬‬
‫والسفر والحضر سواء إل أنه في السفر أعظم أجرًا لحديث الموطأ‪" :‬ل يسمع مدى صوت المؤذن‬
‫جن ول إنس ول شيء إل شهد له يوم القيامة" ‪ .‬وهذا الثواب عام لمن أذن في السفر والحضر‬
‫والقامة سنة مؤكدة لكل صلة‪ ،‬ومن أذن أقام ولو أقام غير المؤذن جازت‪.‬‬
‫‪ 2‬قرئ‪ :‬هذا اللفظ‪{ :‬عبد الطاغوت} بعدة قراءات‪ ،‬منها‪{ :‬عبد} اسما؛ كفضل‪ ،‬و {عبد الطاغوت}‬
‫أي‪ :‬جمع عبد‪ ،‬وعبد الطاغوت‪ :‬جمع عابد؛ كشاهد وشهد‪.‬‬

‫( ‪)1/647‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة اتخاذ اليهود والنصارى والمشركين أولياء ل سيما أهل الظلم منهم‪.‬‬
‫‪ -2‬سوء أخلق اليهود وفساد عقولهم‪.‬‬
‫‪ -3‬شعور اليهود بفسقهم وبعد ضللهم جعلهم يعملون على إضلل المسلمين‪.‬‬
‫‪ -4‬تقرير وجود مسخ في اليهود قردة وخنازير‪.‬‬
‫‪ -5‬اليهود شر الناس مكانا يوم القيامة‪ ,‬وأضل الناس في هذه الدنيا‪.‬‬
‫{وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنّا َوقَدْ َدخَلُوا بِا ْل ُكفْرِ وَ ُهمْ قَدْ خَرَجُوا ِب ِه وَاللّهُ أَعَْلمُ ِبمَا كَانُوا َيكْ ُتمُونَ(‪)61‬‬
‫حتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ(‪َ )62‬لوْل‬
‫ن وََأكِْلهِمُ السّ ْ‬
‫وَتَرَى كَثِيرا مِ ْن ُهمْ يُسَارِعُونَ فِي الِثْ ِم وَا ْلعُ ْدوَا ِ‬
‫حتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا َيصْ َنعُونَ(‪})63‬‬
‫يَ ْنهَاهُمُ الرّبّانِيّونَ وَالَحْبَارُ عَنْ َقوِْلهِمُ الِثْ َم وََأكِْلهِمُ السّ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ َيكْ ُتمُونَ} ‪ :‬أي‪ :‬يضمرون في نفوسهم ويخفونه فيها‪.‬‬
‫{فِي الِثْ ِم وَا ْلعُ ْدوَانِ} ‪ :‬الثم‪ :‬كل ضار وفاسد وهو ما حرمه ال تعالى من اعتقاد أو قول أو عمل‪،‬‬
‫والعدوان‪ ،‬والعدوان‪ :‬الظلم‪.‬‬
‫حتَ} ‪ :‬المال الحرام؛ كالرشوة والربا‪ ،‬وما يأخذونه من مال مقابل تحريف الكلم وتأويله‪.‬‬
‫{السّ ْ‬
‫ن وَالَحْبَارُ} ‪ :‬الربانيون هنا العباد المربون؛ كمشايخ ‪ 1‬التصوف عندنا‪ .‬والحبار‪:‬‬
‫{الرّبّانِيّو َ‬
‫العلماء‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في فضح اليهود وبيان خبثهم زيادة في التنفير من موالتهم فأخبر‬
‫__________‬
‫‪ 1‬مشايخ الطرق –والحق يقال‪ -‬لقد ربوا كثيرًا من الجهال على اليمان والتقوى ولكن لعدم‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫علمهم بالكتاب والسنة ضلوا وأضلوا في المجالت كثيرة‪ ،‬وخاصة في العقيدة‪ .‬لذا ل يجوز‬
‫إقرارهم ول التربي على أيديهم‪.‬‬

‫( ‪)1/648‬‬

‫تعالى في الية الولى عن منافقيهم فقال‪َ { :‬وإِذَا جَاءُوكُمْ‪ }1‬يريد‪ :‬غشوكم في مجالسكم‪{ ،‬قَالُوا آمَنّا}‬
‫وما آمنوا ولكنهم ينافقون ل غير فقد دخلوا بالكفر ‪ 2‬في قلوبهم وخرجوا به‪{ ,‬وَاللّهُ أَعْلَمُ ِبمَا كَانُوا‬
‫َيكْ ُتمُونَ} من الكفر والكيد لكم‪ .‬هذا معنى قوله تعالى في الية الولى(‪{ )61‬وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنّا‬
‫َوقَدْ َدخَلُوا بِا ْل ُكفْرِ وَ ُهمْ قَدْ خَرَجُوا ِب ِه وَاللّهُ أَعَْلمُ ِبمَا كَانُوا َيكْ ُتمُونَ} ‪ ،‬وأما الية الثانية(‪ )62‬فقد‬
‫أخبر تعالى رسوله أنهم لكثرة ما يرتكبون من الذنوب ويغشون من المعاصي ترى كثيرا منهم ‪3‬‬
‫يسارعون في الثم والعدوان وأكلهم السحت علنا ل يستترون به ول يخفونه ثم ذمهم ال تعالى‬
‫ذلك وقبح فعلهم فقال‪{ :‬لَبِئْسَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ} ‪ .‬وفي الية الخيرة‪ :‬أنكر على عبادهم وعلمائهم‬
‫سكوتهم عن جرائم عوامهم ورضوا بها مصانعة لهم ومداهنة ‪ ،‬فقال تعالى‪َ{ :‬لوْل يَ ْنهَاهُمُ‪4‬‬
‫ن وَالَحْبَارُ} أي‪ :‬لم ل ينهونهم عن قولهم الثم‪ ،‬أي‪ :‬الكذب‪ ،‬وأكلهم السحت‪ .‬الرشوة‬
‫الرّبّانِيّو َ‬
‫والربا‪ ،‬ثم ذم تعالى سكوت العلماء عنهم بقوله‪{ :‬لَبِئْسَ‪ 5‬مَا كَانُوا َيصْ َنعُونَ} أي‪ :‬وعزتي وجللي‬
‫لبئس صنيع هؤلء من صنيع حيث أصبح السكوت المتعمد لمنافع خاصة يحصلون عليها صنعة‬
‫لهم أتقنوها وحذقوها‪ .‬والعياذ بال‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجود منافقين من اليهود على عهد الرسول صلى ال عليه وسلم بالمدينة‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان استهتار اليهود وعدم مبالتهم بارتكابهم الجرائم علنية‪.‬‬
‫‪ -3‬قبح سكوت العلماء على المنكر وإغضائهم على فاعليه‪ ،‬ولذا قال كثير من السلف في هذه‬
‫الية أشد آية وأخطرها على العلماء‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا اليات معطوفة على قوله تعالى‪{ :‬وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصّلةِ} السابقة‪ ،‬وخص بهذه الصفات‪:‬‬
‫منافقوا اليهود‪ ،‬وهم من جملة‪ :‬من اتخذوا الدين هزوا ولعبا‪.‬‬
‫‪ 2‬أي‪ :‬أنهم ما أمنوا قط‪ ،‬ولم يخالط اليمان قلوبهم طرفة عين‪ ،‬فهم دخلوا كافرين وخرجوا‬
‫كافرين‪.‬‬
‫‪ 3‬الرؤيا هنا‪ :‬بصرية‪ ،‬والخطاب عام لكل من يسمع ويرى‪ ،‬والمعنى‪ :‬أن حالهم ل تخفى على أحد‬
‫ذي بصر‪.‬‬
‫‪ 4‬قال ابن عباس رضي ال عنه‪ :‬ما في القرآن آية أشد توبيخًا من هذه الية‪َ { .‬لوْل يَ ْنهَاهُمُ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا َيصْ َنعُونَ} ‪ ،‬والية وإن نزلت‬
‫ن وَالَحْبَارُ عَنْ َقوِْلهِ ُم الِثْ َم وََأكِْلهِمُ السّ ْ‬
‫الرّبّانِيّو َ‬
‫في يهود المدينة‪ ،‬فقد ذكرت النصارى لن حالهم سواء‪ .‬والية تنطبق اليوم على علماء المسلمين‬
‫حيث تركوا المر والنهي‪ ،‬والعياذ بال تعالى من عاقبة ذلك‪ .‬فقد قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬إن‬
‫الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم ال بعقاب من عنده" ‪ .‬الترمذي‬
‫وصححه‪ .‬ولول هنا‪ :‬أداة تحظيظ‪ ،‬والمراد‪ :‬توبيخ علماؤهم وعابديهم على ترك المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫‪ 5‬قال الزجاج‪ :‬اللم في قوله تعالى‪{ :‬لبئس} للقسم والتأكيد‪.‬‬

‫( ‪)1/649‬‬

‫{ َوقَاَلتِ الْ َيهُودُ يَدُ اللّهِ َمغْلُولَةٌ غُّلتْ أَ ْيدِيهِ ْم وَُلعِنُوا ِبمَا قَالُوا َبلْ َيدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُ ْنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ‬
‫طغْيَانا َوكُفْرا وَأَ ْلقَيْنَا بَيْ َنهُمُ ا ْل َعدَا َوةَ وَالْ َب ْغضَاءَ إِلَى َيوْمِ‬
‫وَلَيَزِيدَنّ كَثِيرا مِ ْنهُمْ مَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ ُ‬
‫حبّ ا ْل ُمفْسِدِينَ(‬
‫س َعوْنَ فِي الَ ْرضِ فَسَادا وَاللّهُ ل يُ ِ‬
‫طفَأَهَا اللّهُ وَيَ ْ‬
‫ا ْلقِيَامَةِ كُّلمَا َأ ْوقَدُوا نَارا لِ ْلحَ ْربِ َأ ْ‬
‫‪ )64‬وََلوْ أَنّ أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ آمَنُوا وَا ّتقَوْا َل َكفّرْنَا عَ ْنهُمْ سَيّئَا ِت ِه ْم وَلَ ْدخَلْنَا ُهمْ جَنّاتِ ال ّنعِيمِ(‪ )65‬وََلوْ أَ ّنهُمْ‬
‫حتِ أَ ْرجُِلهِمْ مِ ْنهُمْ ُأمّةٌ‬
‫لكَلُوا مِنْ َف ْو ِقهِ ْم َومِنْ تَ ْ‬
‫ل َومَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيهِمْ مِنْ رَ ّب ِه ْم َ‬
‫َأقَامُوا ال ّتوْرَاةَ وَالِنْجِي َ‬
‫ُمقْتَصِ َد ٌة َوكَثِيرٌ مِ ْنهُمْ سَاءَ مَا َي ْعمَلُونَ(‪})66‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ َيدُ اللّهِ َمغْلُولَةٌ‪ : }1‬يريدون أنه تعالى ضيق عليهم الرزق ولم يوسع عليهم‪.‬‬
‫{غُّلتْ أَ ْيدِيهِمْ} ‪ :‬دعاء عليهم بأن يحرموا النفاق في الخير وفيما ينفعهم‪.‬‬
‫{وَُلعِنُوا ِبمَا قَالُوا} ‪ :‬طردوا من رحمة ال بسبب وصفهم الرب تعالى بالبخل‪.‬‬
‫{ َبلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} ‪ :‬ل كما قالوا لعنهم ال‪ :‬يد ال مغلولة‪ ،‬أي‪ :‬ممسكة عن النفاق‪.‬‬
‫طغْيَانا} ‪ :‬تجاوزا لحد العتدال في قولهم الكاذب وعملهم الفاسد‪.‬‬
‫{ُ‬
‫{وَأَ ْلقَيْنَا بَيْ َنهُمُ} ‪ :‬أي‪ :‬بين اليهود والنصارى‪.‬‬
‫{َأ ْوقَدُوا نَارا} ‪ :‬أي‪ :‬نار الفتنة والتحريش والغراء والعداوات للحرب‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬القائل‪ :‬فنحاص اليهودي عليه لعائن ال وهو يعنى‪ :‬بمغلولة‪ :‬بخيلة ل تنفق‪ ،‬وهو كاذب‪ ،‬بل‬
‫يمين ال ملى ل يغيظها نفقة سحاء الليل والنهار‪" :‬أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والرض‬
‫فإنه لم يغض ما في يمينه" حديث الشيخين‪.‬‬

‫( ‪)1/650‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{وََلوْ أَنّ أَ ْهلَ ا ْلكِتَاب}ِ ‪ :‬اليهود والنصارى‪.‬‬
‫حتِ أَ ْرجُِلهِمْ} ‪ :‬كناية عن بسط الرزق عليهم‪.‬‬
‫{مِنْ َف ْو ِقهِ ْم َومِنْ تَ ْ‬
‫{ُأمّةٌ مُقْ َتصِ َدةٌ} ‪ :‬معتدلة ل غالبة مفرطة‪ ،‬ول جافية مفرطة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يحبر تعالى عن كفر اليهود وجرأتهم على ال تعالى بباطل القول وسيء العمل‪ ،‬فيقول‪َ { :‬وقَاَلتِ‪1‬‬
‫الْ َيهُودُ يَدُ اللّهِ َمغْلُولَةٌ} يريدون أنه تعالى أمسك عنهم الرزق وضيقه عليهم‪ ،‬فرد ال تعالى عليهم‬
‫بقوله‪{ :‬غُّلتْ أَيْدِيهِمْ} هو دعاء عليهم بأن ل يوفقوا للنفاق فيما ينفعهم {ولعنوا بما قالوا} ‪ .‬ولعنهم‬
‫تعالى ولعنهم كل صالح في الرض والسماء بسبب قولهم الخبيث الفاسد‪ .‬وأكذبهم تعالى في قولهم‬
‫{ َيدُ اللّهِ َمغْلُولَةٌ} فقال‪َ { :‬بلْ َيدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُ ْنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} كما قال عنه رسوله في الصحيح‪:‬‬
‫"يمين ال سحاء ‪ 2‬تنفق الليل والنهار" ثم أخبر تعالى نبيه محمدا صلى ال عليه وسلم ليسله‬
‫ويخفف عنه ما يجد في نفسه من جراء كفر اليهود وخبثهم فقال‪{ :‬وَلَيَزِيدَنّ كَثِيرا مِ ْنهُمْ} أي‪ :‬من‬
‫اليهود {مَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ} من اليات التي تبين خبثهم وتكشف النقاب عن سوء أفعالهم المخزية لهم‪{ .‬‬
‫طغْيَانا َو ُكفْرا} أي‪ :‬إبعادا في الظلم والشر وكفرا بتكذيبك وتكذيب ما أنزل إليك وذلك دفعا للحق‬
‫ُ‬
‫ليبرروا باطلهم وما هم عليه من العتقاد الفاسد والعمل السيء‪ ،‬ثم أخبر تعالى رسوله بتدبيره‬
‫فيهم انتقاما منهم فقال عز وجل من قائل‪{ :‬وَأَ ْلقَيْنَا بَيْ َنهُمُ ا ْل َعدَا َوةَ‪ 3‬وَالْ َب ْغضَاءَ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ} أي‪:‬‬
‫أن العداوة بين اليهود والنصارى ل تنتهي إلى يوم القيامة‪ ،‬ثم أخبر عن اليهود أنهم {كُّلمَا َأ ْوقَدُوا‬
‫نَارا لِ ْلحَ ْربِ} وذلك بالتحريش بين الفراد والجماعات وحتى الشعوب والمم‪ ،‬وبالغراء‪ ،‬وقالة‬
‫طفَأَهَا اللّه} تعالى فلم يفلحوا فيما أرادوه‪ ،‬وقد أذلهم ال على يد رسوله والمؤمنين‬
‫السوء‪{ ،‬أَ ْ‬
‫وأخزاهم وعن دار اليمان أجلهم وأخبر تعالى أنهم يسعون دائما وأبدا في الرض بالفساد‪ ،‬فلذا‬
‫أبغضهم ال وغضب عليهم‪ ،‬لنه تعالى ل يحب المفسدين‪ ،‬هذا ما دلت عليه الية الولى(‪،)64‬‬
‫أما الية الثانية(‪ )65‬وهي قوله تعالى‪{ :‬وََلوْ أَنّ أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ} من يهود ونصارى {آمَنُوا} بال‬
‫ورسوله وبما‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إنه وإن القائل‪ :‬فنحاص بن عازوراء فإن رضي اليهود بمقالته سلكهم في سلكه واعتبروا كلهم‬
‫قائلون‪ ،‬إذ الرضى بالكفر كفر‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا اللفظ معنى للحديث ل لفظه‪ ،‬وقد تقدم قريبًا لفظه كما في الصحيحين‪.‬‬
‫جمِيعا َوقُلُو ُبهُمْ‬
‫حسَ ُبهُمْ َ‬
‫‪ 3‬الكلم صالح لن يكون‪{ :‬بينهم} المراد بهم اليهود أنفسهم كقوله تعالى‪{ :‬تَ ْ‬
‫خذُوا‬
‫شَتّى} ‪ ،‬وأن يكون المراد بين اليهود والنصارى لتقدم ذكرهم معًا في قوله تعالى‪{ :‬ل تَتّ ِ‬
‫الْ َيهُو َد وَال ّنصَارَى َأوْلِيَاءَ} ‪ ،‬والواقع شاهد‪.‬‬

‫( ‪)1/651‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جاء من الدين الحق وعملوا به‪{ ،‬وَا ّت َقوْا} الكفر والشرك وكبائر الذنوب الفواحش‪ ،‬لكفر ال عنهم‬
‫سيئآتهم فلم يؤاخذهم ولم يفضحهم بها ولدخلهم جنات النعيم‪ .‬وهذا وعد ال تعالى اليهود‬
‫والنصارى فلو أنهم آمنوا واتقوا لنجزه لهم قطعا‪ .‬وهو ل يخلف الميعاد‪.‬‬
‫أما الية الخيرة(‪ )66‬في هذا السياق فهي تتضمن وعدا إلهيا آخر وهو أن اليهود والنصارى لو‬
‫أقاموا التوراة والنجيل وما أنزل إليهم من ربهم ومن ذلك القرآن الكريم‪ ،‬ومعنى أقاموا ذلك آمنوا‬
‫بالعقائد الصحيحة الواردة في تلك الكتب وعملوا بالشرائع السليمة والداب الرفيعة والخلق‬
‫الفاضلة التي تضمنتها تلك الكتب لو فعلوا ذلك لبسط ال تعالى عليهم الرزق وأسبغ عليهم النعم‬
‫ولصبحوا في خيرات وبركات تحوطهم من كل جانب هذا ما وعدهم ال به‪ .‬ثم أخبر تعالى عن‬
‫واقعهم المرير فقال‪{ :‬مِ ْنهُمْ ُأمّةٌ ُمقْ َتصِ َدةٌ} لم تغل ولم تحف فلم تقل في عيسى أنه ابن ال ول هو‬
‫ابن زنى‪ ،‬ولكن قالت عبد ال ورسوله‪ ،‬ولذا لما جاء النبي المي بشارة عيسى ‪ 1‬عليه السلم‬
‫آمنوا به وصدقوا بما جاء به من الهدى والدين الحق وهم عبد ال بن سلم وبعض اليهود‪،‬‬
‫والنجاشي من النصارى وخلق كثير ل يحصون عدا‪ .‬وكثير من أهل الكتاب ساء ‪ ،2‬أي‪ :‬قبح ما‬
‫يعلمون من أعمال الكفر والشرك والشر والفساد‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬أقبح وصف ال تعالى بما ل يليق بجلله وكماله‪.‬‬
‫‪ -2‬ثبوت صفة اليدين ل تعالى ووجوب اليمان بها على مراد ال تعالى‪ ،‬وعلى ما يليق بجلله‬
‫وكماله‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير ما هو موجود بين اليهود والنصارى من عداوة وبغضاء ‪ 3‬وهو من تدبير ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -4‬سعى اليهود الدائم في الفساد في الرض فقد ضربوا البشرية بالذهب المادي اللحادي‬
‫الشيوعي‪ ،‬وضربوها أيضا بالباحة ومكائد الماسونية‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬بشارة عيسى بدل من النبي المي‪ ،‬وقلنا‪ :‬بشارة عيسى؛ لن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬‬
‫أنا دعوة أبي إبراهيم‪ ،‬وبشارة عيسى عليهم السلم" ‪.‬‬
‫‪ 2‬أي‪ :‬بئس‪ :‬شيء عملوه‪ ،‬إذ كذبوا الرسل وحرفوا الكتب وأكلوا السحت‪.‬‬
‫‪ 3‬وإن قيل‪ :‬إن التعاون القائم اليوم بين اليهود والنصارى يرد ما في الية‪ ،‬قلنا‪ :‬إن اليهود احتالوا‬
‫على النصارى فضربوهم باللحاد‪ ،‬فلما قضي على العقيدة الدينية فيهم أصبحوا سخرة لهم‬
‫يتحكمون فيهم‪ ،‬وبذلك فرضوا عليهم حبهم وعدم عداوتهم‪.‬‬

‫( ‪)1/652‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -5‬وعد ال لهل الكتاب على ما كانوا عليه لو آمنوا واتقوا لدخلهم الجنة‪.‬‬
‫‪ -6‬وعده تعالى لهل الكتاب ببسط الرزق وسعته لو أقاموا التوراة والنجيل وما أنزل إليهم من‬
‫ربهم‪ ،‬أي‪ :‬لو أنهم أخذوا بما في التوراة والنجيل من دعوتهم إلى اليمان بالنبي المي والدخول‬
‫في السلم لحصل لهم ذلك كما حصل للمسلمين طيلة ثلثة قرون وزيادة‪ .‬وما زال العرض كما‬
‫هو ‪ 1‬لكل المم والشعوب أيضا‪.‬‬
‫صمُكَ مِنَ النّاسِ‬
‫ك وَإِنْ لَمْ َتفْ َعلْ َفمَا بَّل ْغتَ ِرسَالَتَ ُه وَاللّهُ َي ْع ِ‬
‫{يَا أَ ّيهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّب َ‬
‫شيْءٍ حَتّى ُتقِيمُوا ال ّتوْرَاةَ‬
‫إِنّ اللّ َه ل َي ْهدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلكَافِرِينَ(‪ُ )67‬قلْ يَا َأ ْهلَ ا ْلكِتَابِ َلسْتُمْ عَلَى َ‬
‫طغْيَانا َو ُكفْرا فَل‬
‫وَالِنْجِيلَ َومَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكُمْ مِنْ رَ ّبكُ ْم وَلَيَزِيدَنّ كَثِيرا مِ ْنهُمْ مَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ ُ‬
‫تَأْسَ عَلَى ا ْل َقوْمِ ا ْلكَافِرِينَ(‪ )68‬إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَادُوا وَالصّابِئُونَ وَال ّنصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ‬
‫خ ْوفٌ عَلَ ْيهِ ْم وَل هُمْ يَحْزَنُونَ(‪})69‬‬
‫ع ِملَ صَالِحا فَل َ‬
‫وَالْ َيوْمِ الخِ ِر وَ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{الرّسُولُ} ‪ :‬ذكر من بني آدم أوحي إليه شرع وأمر بتبليغه وهو هنا محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫{بَلّغْ مَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ‪ : }2‬من التوحيد والشرائع والحكام‪.‬‬
‫ص ُمكَ} ‪ :‬يحفظك حفظا ل يصل إليك معه أحد بسوء‪.‬‬
‫{ َي ْع ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الوعد‪ :‬هو ما عرضه ال تعالى عليهم‪ ،‬وهو في قوله‪{ :‬وََلوْ أَ ّنهُمْ َأقَامُوا ال ّتوْرَا َة وَالِنْجِيلَ َومَا‬
‫لكَلُوا‪ }...‬الية‪.‬‬
‫أُنْ ِزلَ إِلَ ْيهِمْ مِنْ رَ ّبهِمْ َ‬
‫‪ 2‬روى مسلم عن مسروق عن عائشة أنها قالت‪ :‬من حدثك أن محمدًا صلى ال عليه وسلم كتم‬
‫ك وَإِنْ لَمْ‬
‫شيئًا من الوحي فقد كذب‪ ،‬وال تعالى يقول‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّب َ‬
‫َت ْفعَلْ َفمَا بَّل ْغتَ رِسَالَتَهُ‪ }...‬الية‪.‬‬

‫( ‪)1/653‬‬

‫{فَل تَأْسَ} ‪ :‬ل تأسف ول تحزن‪.‬‬


‫{هَادُوا} ‪ :‬اليهود‪.‬‬
‫{وَالصّابِئُونَ} ‪ :‬جمع صابئ‪ ،‬وهم فرقة من أهل الكتاب‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫في الية الولى(‪ )67‬ينادي الرب تبارك وتعالى رسوله معظما له بقوله‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الرّسُولُ} المبجل‬
‫ليأمره بإبلغ ما أوحاه إليه من العقائد والشرائع والحكام فيقول‪{ :‬يَا أَ ّيهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا أُنْ ِزلَ‬
‫إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ} ‪ .‬ويقول له‪{ :‬وَإِنْ لَمْ َتفْ َعلْ} أي‪ :‬إن قصرت في شيء لم تبلغه لي اعتبار من‬
‫العتبارات { َفمَا بَّل ْغتَ ِرسَالَتَهُ} أي‪ :‬فكأنك لم تبلغ ‪ 1‬شيئا‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وَاللّهُ َي ْعصِ ُمكَ‪ 2‬مِنَ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫النّاسِ} أي‪ :‬يمنعك من أن يمسوك بشيء من الذى‪ ،‬ولذا فل عذر لك في ترك إبلغ أي شيء‬
‫سواء كان مما يتعلق بأهل الكتاب أو بغيرهم‪ ،‬ولذا فلم يكتم رسول ال شيئاَ مما أمر بإبلغه البتة‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬إِنّ اللّهَ ل َي ْهدِي ا ْلقَوْمَ ا ْلكَافِرِينَ} تقرير لوعده تعالى بعصمة رسوله صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬إذ هو تعالى ل يوفق الكافرين لما يريدون ويرغبون فيه من أذية رسوله صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ولما نزلت هذه الية قال صلى ال عليه وسلم‪ " :‬ل تحرسوني فإن ال قد عصمني" هذا ما‬
‫شيْءٍ‬
‫دلت عليه الية الولى‪ ،‬أما الية الثانية(‪ )68‬وهي قوله تعالى‪ُ { :‬قلْ يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى َ‬
‫ل َومَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكُمْ مِنْ ‪ 3‬رَ ّبكُمْ} لقد تقدم هذا السياق وأعيد هنا تقريرا له‬
‫حَتّى ُتقِيمُوا ال ّتوْرَا َة وَالِنْجِي َ‬
‫وتأكيدا وهو إعلم من ال تعالى أن اليهود والنصارى ليسوا على شيء من الدين الحق ول من‬
‫ولية ال تعالى حتى يقيموا ما أمروا به وما نهوا عنه وما انتدبوا إليه من الخيرات والصالحات‬
‫مما جاء في التوراة والنجيل والقرآن أيضا‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وَلَيَزِيدَنّ كَثِيرا مِ ْنهُمْ مَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ‬
‫طغْيَانا َو ُكفْرا} هذا إخبار من ال تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم بأن كثيرا من اليهود‬
‫رَ ّبكَ ُ‬
‫والنصارى يزيدهم ما يوحي ال تعالى إلى رسوله وما ينزله عليه في كتابه من أخبار‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في الية رد على الرافضة القائلين‪ :‬بأن النبي صلى ال عليه وسلم كتم شيئًا مما أمر بإبلغه‬
‫تقية وكذبوا ورب الكعبة قالت أم المؤمنين عائشة رضي ال عنها‪ :‬لو كان في إمكان الرسول أن‬
‫س وَتَولّى} إذ هي عتاب له صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫يكتم شيئًا لكتم‪{ :‬عَ َب َ‬
‫‪ 2‬روى مسلم عن عائشة رضي ال عنها أنها قالت‪ :‬سهر رسول ال صلى ال عليه وسلم مقدمه‬
‫المدينة ليلة فقال‪ " :‬ليت رجلً صالحًا من أصحابي يحرسني الليلة" قالت‪ :‬فبينما كذلك سمعنا‬
‫خشخشة سلح فقال‪" :‬من هذا" قال سعد بن أبي وقاص‪ .‬فقال له‪" :‬ما جاء بك" فقال‪ :‬وقع في نفسي‬
‫خوف على رسول ال صلى ال عليه وسلم فجئت أحرسه ‪ .‬فدعا له رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ثم انصرف ونزلت هذه الية‪.‬‬
‫‪ 3‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬جاء جماعة من اليهود إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقالوا‪:‬‬
‫ألست تقر أن التوراة حق من عند ال‪ .‬قال‪" :‬بلى" فقالوا‪ :‬إنا نؤمن بها ول نؤمن بما عداها‪ .‬فنزلت‬
‫الية‪ { :‬لستم على شيء‪ }...‬إلخ‪.‬‬

‫( ‪)1/654‬‬

‫أهل الكتاب مما هو بيان لذنوبهم وضللهم‪ .‬ومما هو أمر لهم باليمان بالنبي المي واتباعه على‬
‫الدين الحق الذي ارسل به يزيدهم ذلك طغيانا‪ ،‬أي‪ :‬علوا وعتوا وكفرا فوق كفرهم‪ .‬ولذا فل تأس‪،‬‬
‫أي‪ :‬ل تحزن ‪ 1‬على عدم إيمانهم بك وبما جئت به لنهم قوم كافرون‪ .‬أما الية الثالثة(‪ )69‬وهي‬
‫قوله تعالى‪{ :‬إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ‪ 2‬هَادُوا وَالصّابِئُونَ‪ 3‬وَال ّنصَارَى} فالذين آمنوا هم المسلمون‪،‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫واليهود والنصارى والصابئون وهم فرقة منهم هم أهل الكتاب فجميع هذه الطوائف من آمن منهم‬
‫اليمان الحق بال وباليوم الخر وأتى بلزم اليمان وهو التقوى وهي ترك الشرك والمعاصي‬
‫أفعالً وتروكا فل خوف عليه في الدنيا ول في البرزخ ول يوم القيامة ول حزن يلحقه في‬
‫الحيوات الثلث وعد ال حقا { َومَنْ َأصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثا} !‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب البلغ على الرسل ونهوض رسولنا محمد صلى ال عليه وسلم بهذا الواجب على‬
‫أكمل وجه وأتمه‪.‬‬
‫‪ -2‬عصمة الرسول المطلقة‪.‬‬
‫‪ -3‬كفر أهل الكتاب إل من آمن منهم بالنبي محمد صلى ال عليه وسلم واتبع ما جاء به من الدين‬
‫الحق‪.‬‬
‫‪ -4‬أهل العناد والمكابرة ل تزيدهم الدلة والبراهين إل عتوا ونفورا وطغيانا وكفرا‪.‬‬
‫‪ -5‬العبرة باليمان والعمل الصالح وترك الشرك و المعاصي ل بالنتساب إلى دين من الديان‪.‬‬
‫ل وَأَرْسَلْنَا ِإلَ ْيهِمْ رُسُلً كُّلمَا جَاءَ ُهمْ رَسُولٌ ِبمَا‬
‫{َلقَدْ َأخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائي َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في هذا الرشاد اللهي تسلية للرسول صلى ال عليه وسلم وليس بنهي عن الحزن إذ ل يقدر‬
‫المرء على دفع الحزن وإنما يقدر على ترك مثيراته‪ ،‬فإنه متى ترك العرض لها لم يوجد في نفسه‬
‫حزن‪.‬‬
‫‪ 2‬في ذكر المؤمنين‪ ،‬وهم‪ :‬المسلمون‪ ،‬مع اليهود‪ ،‬والصائبين‪ ،‬والنصارى‪ ،‬إشارة أبلغ من عبارة‪،‬‬
‫وهي‪ :‬أن العبرة ليست بالنساب ول النتساب ول بزمان أو مكان‪ .‬وإنما النجاة من النار ودخول‬
‫الجنة متوقفان على اليمان الصحيح بال واليوم الخر والعمل الصالح الذي جاء به كتاب ال‬
‫ورسوله محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 3‬اختلف في إعراب {والصابئون} على أقوال نكتفي بقول منها‪ :‬وهو أن تكون مبتدأ وخبرها‬
‫محذوف تقديره‪ :‬والصابئون كذلك على حد قول الشاعر‪:‬‬
‫فمن يك أمسى بالمدينة رحله ‪ ...‬فإني وقيار بها لغريب‬
‫أي‪ :‬كذلك‪ ،‬وتقدير الكلم‪{ :‬إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَادُوا وَال ّنصَارَى وَالصّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ‬
‫خوْفٌ عَلَ ْيهِمْ وَل ُهمْ يَحْزَنُونَ} والصابئون‬
‫ع ِملَ صَالِحا فََلهُمْ َأجْرُ ُهمْ عِنْدَ رَ ّب ِه ْم وَل َ‬
‫وَالْ َيوْمِ الخِ ِر وَ َ‬
‫كذلك‪.‬‬

‫( ‪)1/655‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫صمّوا ُثمّ تَابَ اللّهُ‬
‫حسِبُوا أَل َتكُونَ فِتْنَةٌ َف َعمُوا َو َ‬
‫سهُمْ فَرِيقا كَذّبُوا َوفَرِيقا َيقْتُلُونَ(‪ )70‬وَ َ‬
‫ل َت ْهوَى أَ ْنفُ ُ‬
‫صمّوا كَثِيرٌ مِ ْنهُ ْم وَاللّهُ َبصِيرٌ ِبمَا َي ْعمَلُونَ(‪َ )71‬لقَدْ َكفَرَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ ُهوَ‬
‫عمُوا وَ َ‬
‫عَلَ ْيهِمْ ُثمّ َ‬
‫ا ْلمَسِيحُ ابْنُ مَرْ َي َم َوقَالَ ا ْل َمسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْ ُبدُوا اللّهَ رَبّي وَرَ ّبكُمْ إِنّهُ مَنْ يُشْ ِركْ بِاللّهِ َفقَدْ حَرّمَ‬
‫علَيْهِ ا ْلجَنّ َة َومَ ْأوَاهُ النّا ُر َومَا لِلظّاِلمِينَ مِنْ أَ ْنصَارٍ(‪})72‬‬
‫اللّهُ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الميثاق ‪ :‬العهد المؤكد باليمين‪.‬‬
‫س ُهمْ} ‪ :‬بما ل يحبونه ول تميل إليه أنفسهم المريضة‪.‬‬
‫{ ِبمَا ل َت ْهوَى أَ ْنفُ ُ‬
‫{فَرِيقا كَذّبُوا} ‪ :‬أي‪ :‬كذبوا طائفة من الرسل وقتلوا طائفة أخرى‪.‬‬
‫{أَل ‪َ 1‬تكُونَ فِتْنَةٌ} ‪ :‬أي‪ :‬أن ل يبتلوا بذنوبهم بالشدائد والمحن‪.‬‬
‫{ َف َعمُوا َوصَمّوا} ‪ :‬عموا عن العبر‪ ،‬وصموا عن سماع المواعظ‪.‬‬
‫{مَنْ يُشْ ِركْ بِاللّهِ} ‪ :‬أي‪ :‬يشرك بال غيره تعالى من سائر الكائنات فيعبده مع ال بأي نوع من‬
‫أنواع العبادات‪.‬‬
‫{حَرّمَ اللّهُ عَلَيْهِ الْجَنّةَ} ‪ :‬حكم بمنعه من دخولها أبدا إل أن يتوب من الشرك‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في الحديث عن أهل الكتاب فقد أقسم تعالى على أنه أخذ ميثاق بني‬
‫إسرائيل‪ ،‬وذلك في التوراة بأن يعبدوا ال وحده بما شرع لهم فيطيعوه في أمره ونهيه وأرسل‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إن‪ :‬هي المخففة من الثقيلة‪ ،‬وحسبانهم ذلك هو الذي جعلهم يواصلون جرائمهم‪ ،‬ولم يرتدعوا‬
‫عنها‪.‬‬

‫( ‪)1/656‬‬

‫إليهم رسله ‪ 1‬تترا كلما جاءهم ‪ 2‬رسول بما ل يوافق أهواءهم ‪ 3‬كذبوه فيما جاءهم به ودعاهم‬
‫إليه‪ .‬أو قتلوه‪ .‬وحسبوا أن ل يؤاخذوا بذنوبهم فعموا عن الحق صموا عن سماع المواعظ فابتلهم‬
‫ربهم وسلط عليهم من سامهم سوء العذاب‪ ،‬ثم تاب ال عليهم فتابوا واستقام أمرهم وصلحت‬
‫أحوالهم ثم عموا وصموا مرة أخرى إل قليلً منهم فسلط عليهم من سامهم ‪ 4‬سوء العذاب أيضا‪،‬‬
‫وهاهم أولء في عمى وصمم وال بصير بما يعملون وسوف ينزل بهم بأساه إن لم يتوبوا فيؤمنوا‬
‫بال ورسوله ويدينوا بالدين الحق الذي هو السلم‪.‬‬
‫هذا ما تضمنته اليتان الولى والثانية(‪ ،)71-70‬أما الية الثالثة(‪ )72‬وهو قوله تعالى‪َ{ :‬لقَدْ َكفَرَ‪5‬‬
‫الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلمَسِيحُ‪ 6‬ابْنُ مَرْيَمَ} فقد أخبر تعالى مقررا حكمه بالكفر على من افترى‬
‫عليه وعلى رسوله فادعى أن ال جل جلله وعظم سلطانه هو المسيح بن مريم تعالى ال أن‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يكون عبدا من عباده‪ ،‬وحاشا عيسى عبد ال ورسوله أن يرضى أن يقال له أنت ال‪ .‬وكيف وهو‬
‫القائل‪{ :‬يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللّهَ رَبّي وَرَ ّبكُمْ إِنّهُ مَنْ ُيشْ ِركْ بِاللّهِ َفقَدْ حَرّمَ اللّهُ عَلَ ْيهِ الْجَنّةَ‬
‫َومَأْوَاهُ النّا ُر َومَا لِلظّاِلمِينَ مِنْ أَ ْنصَارٍ} فهل مثل هذا القول يصدر عمن يدعي أنه ال أو ابن ال؟‬
‫سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان تاريخ بني إسرائيل‪ ،‬والكشف عن مختبئات جرائمهم من الكفر والقتل‪.‬‬
‫‪ -2‬إكرام ال تعالى لبني إسرائيل ولطفه بهم مع تمردهم عليه ورفض ميثاقه وقتل أنبيائه‬
‫وتكذيبهم‪ ،‬والمكر بهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬كموسى‪ ،‬وهارون‪ ،‬ومن جاء بعدهم‪ ،‬وداود‪ ،‬وسليمان‪ ،‬وزكريا‪ ،‬ويحي‪ ،‬وعيسى عليهم السلم‪.‬‬
‫‪ 2‬كلما‪ :‬نصبت على الظرفية‪ ،‬وهي لستغراق الزمان الذي أتت فيه الرسل وأشربت معنى‬
‫الشرطية‪ ،‬فكان العامل فيها بمنزلة الجواب‪.‬‬
‫‪{ 3‬أهوائهم} جمع‪ :‬هوى‪ ،‬وهو المحبوب‪ ،‬وفعله‪ :‬هوي يهوى؛ كرضي يرضى‪ ،‬إذا أحب ومالته‬
‫نفسه إلى ملبسة شيء‪.‬‬
‫‪ 4‬إشارة إلى تاريخ بني إسرائيل‪ ،‬فقد استقام أمرهم وقامت دولتهم في فلسطين على عهد يوشع بن‬
‫نون فتى موسى‪ ،‬ثم دالت دولتهم بجرائمهم على عهد البابليين ثم اجتمعت كلمتهم وقامت دولتهم‬
‫على عهد داود وسليمان‪ ،‬ثم دالت دولتهم بجرائمهم التي نعاها ال تعالى عليهم في هذه الية على‬
‫يد الرومان‪.‬‬
‫‪ 5‬هذا استئناف ابتدائي لبطال باطل النصارى بعد إبطال باطل اليهود‪ ،‬فالمناسبة جد قوية لنهما‬
‫خصم السلم والمسلمين‪.‬‬
‫‪ 6‬هذا قول اليعقوبية‪ ،‬وهم‪ :‬فرقة من النصارى‪ ،‬لنهم قالوا‪ :‬باتحاد البن والب؛ فكأن المسيح هو‬
‫ال في اعتقادهم الباطل الفاسد‪.‬‬

‫( ‪)1/657‬‬

‫‪ -3‬تقرير كفر النصارى بقولهم المسيح هو ال‪.‬‬


‫‪ -4‬تقرير عبودية عيسى عليه السلم لربه تعالى‪.‬‬
‫‪ -5‬تحريم الجنة على من لقي ربه وهو يشرك به سواه‪.‬‬
‫عمّا َيقُولُونَ لَ َيمَسّنّ‬
‫{َلقَدْ َكفَرَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ ثَاِلثُ ثَل َث ٍة َومَا مِنْ إِلَهٍ إِل إِلَهٌ وَاحِ ٌد وَإِنْ َلمْ يَنْ َتهُوا َ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ(‪ )74‬مَا‬
‫الّذِينَ َكفَرُوا مِ ْنهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(‪َ )73‬أفَل يَتُوبُونَ ِإلَى اللّ ِه وَيَسْ َت ْغفِرُونَهُ وَاللّهُ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫طعَامَ انْظُرْ كَ ْيفَ‬
‫صدّيقَةٌ كَانَا يَ ْأكُلنِ ال ّ‬
‫ل وَُأمّ ُه ِ‬
‫سُ‬‫ا ْلمَسِيحُ ابْنُ مَرْ َيمَ إِل رَسُولٌ قَدْ خََلتْ مِنْ قَبِْلهِ الرّ ُ‬
‫نُبَيّنُ َلهُ ُم الياتِ ثُمّ انْظُرْ أَنّى ُي ْؤ َفكُونَ(‪ُ )75‬قلْ أَ َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مَا ل َيمِْلكُ َلكُ ْم ضَرّا وَل َنفْعا‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ(‪})76‬‬
‫وَاللّهُ ُهوَ ال ّ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ثَاِلثُ ثَلثَةٍ‪ : }1‬الثلثة‪ :‬هي الب والبن وروح القدس‪ :‬وكلها إله واحد‪.‬‬
‫سلُ} ‪ :‬مضت قبله رسل كثيرون‪.‬‬
‫{خََلتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّ ُ‬
‫{وَُأمّ ُه صِدّيقَةٌ} ‪ :‬أي‪ :‬مريم كانت صديقة كثيرة الصدق في قولها وعملها‪.‬‬
‫{أَنّى ُي ْؤ َفكُونَ} ‪ :‬أي‪ :‬كيف يصرفون عن الحق وقد ظهر واضحا‪.‬‬
‫معنى اليات‬
‫مازال السياق في بيان كفر النصارى‪ ،‬ففي السياق الول ورد كفر من قالوا إن ال هو المسيح بن‬
‫مريم‪ ،‬وفي هذا السياق كفر من قالوا إن ال ثالث ثلثة‪ ،‬إذ قال تعالى في هذه‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬أحد ثلثة‪ ،‬وهو قول الملكانية‪ ،‬والنصطورية‪ ،‬واليعقوبية‪ ،‬ول يقولون‪ :‬ثلثة آلهة‪،‬‬
‫ويتمنعون من ذلك‪ ،‬وهو لزمهم‪.‬‬

‫( ‪)1/658‬‬

‫الية(‪َ{ )73‬لقَدْ َكفَرَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ ثَاِلثُ ثَل َثةٍ} يعنون الب والبن وروح القدس‪ ،‬وبعضهم‬
‫يقول الب والبن والم‪ ،‬والثلثة إله واحد فأكذبهم تعالى في قيلهم هذا‪ ،‬فقال ردا باطلهم‪َ { ،‬ومَا‬
‫حدٌ} أي‪ :‬وليس المر كما يكذبون‪ ،‬وإنما ال إله واحد‪ ،‬وأما جبريل فأحد ملئكته‪،‬‬
‫مِنْ إِلَهٍ إِل إَِل ٌه وَا ِ‬
‫وعيسى عبده ورسوله‪ ،‬ومريم أمته‪ ،‬فالكل عبد ال وحده الذي ل إله غيره ول رب سواه‪ .‬ثم قال‬
‫عذَابٌ‬
‫عمّا َيقُولُونَ لَ َيمَسّنّ الّذِينَ َكفَرُوا ‪ 1‬مِ ْنهُمْ َ‬
‫تعالى متوعدا هؤلء الكفرة الكذبة‪ { :‬وَإِنْ لَمْ يَنْ َتهُوا َ‬
‫أَلِيمٌ} ‪ ،‬فأقسم تعالى أنهم إن لم ينتهوا عن قولهم الباطل وهو كفر ليمسنهم عذاب أليم موجع غاية‬
‫اليجاع‪ .‬ثم لكمال رحمته عز وجل دعاهم في الية الثانية(‪ )74‬إلى التوبة ليتوب عليهم ويغفر لهم‬
‫وهو الغفور الرحيم‪ ،‬فقال عز وجل‪َ{ :‬أفَل يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ} بترك هذا الكفر والباطل ويستغفرون‬
‫ال منه‪ ،‬وال غفور للتائبين رحيم بالمؤمنين‪ ،‬وفي الية الثالثة(‪ )75‬أخبر تعالى معلما رسوله‬
‫الحتجاج على باطل النصارى‪ ،‬فقال‪{ :‬مَا ا ْلمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِل رَسُولٌ‪ }2‬فلم يكن ربا ول إلها‬
‫وإنما هو رسول مفضل قد خلت من قبله رسل مفضلون كثيرون وأمه مريم لم تكن أيضا إلها كما‬
‫يزعمون‪ ،‬وإنما هي امرأة من نساء بني إسرائيل صديقة ‪ 3‬كثيرة الصدق في حياتها ل تعرف‬
‫الكذب ول الباطل وأنها وولدها عيسى عليهما السلم بشران كسائر البشر يدل على ذلك أنهما‬
‫يأكلن الطعام ‪ 4‬احتياجا إليه لن بنيتهما ل تقوم إل عليه فهل أكل الطعام افتقارا إليه‪ ،‬ثم يفرز‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فضلته‪ ،‬يصلح أن يكون إلها‪ .‬اللهم ل‪ .‬وهنا قال لرسوله صلى ال عليه وسلم‪ :‬انظر يا رسولنا‬
‫كيف نبين لهم اليات الدالة بوضوح على بطلن كفرهم‪ ،‬ثم انظر كيف يؤفكون ‪ 5‬عن الحق‪ ،‬أي‪:‬‬
‫كيف يصرفون عنه وهو واضح بين‪ .‬وفي الية الخيرة(‪ )76‬أمر رسوله أن يقول لولئك‬
‫المأفوكين عن الحق المصروفين عن دلئله ل ينظرون فيها أمره أن يقول لهم موبخا لهم‪:‬‬
‫{أَ َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الية نص في أن من يقول بقول النصارى كافر مستوجب للعذاب الليم‪.‬‬
‫‪ 2‬فيه قصر موصوف على صفة أي‪ ،‬قصر عيسى على الرسالة ل يتجاوزها إلى اللوهية‪ ،‬ولذا‬
‫فهو قصر قلب لرد اعتقاد النصارى في أنه ال‪.‬‬
‫‪ 3‬صديقة‪ :‬كثيرة الصدق في قولها وعملها‪ ،‬وفي تصديقها بآيات ربها‪ ،‬وفي تصديقها لبنها‪ ،‬وقد‬
‫ناداها ساعة ولدته وفي رضاعه‪ ،‬وهل هي مع الصديقية نبية؟ في نداء الملئكة لها ما يرجح‬
‫نبوتها‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫‪ 4‬إن من يأكل الطعام وولدته امرأة كيف ل يكون مخلوقًا مربوبًا محدثًا كسائر المخلوقين لم‬
‫يستطع دفع هذا نصراني مهما أوتى من العلم إلى أنهم يهربون من مواجهة الحق فيقولون تضليلً‬
‫لعقولهم وخداعًا لنفوسهم إنه يأكل الطعام بناسوته ل بلهوته‪ ،‬ومعناه‪ :‬أن النسان اختلط بالله‪،‬‬
‫وهذه هي الحلولية الباطلة الفاسدة عقلً وشرعا وواقعا‪.‬‬
‫‪ 5‬يقال‪ :‬أفكه يأفكه أفكًا‪ ،‬إذا صرفه صرفًا‪ ،‬وهو من باب ضرب‪.‬‬

‫( ‪)1/659‬‬

‫اللّهِ مَا ل َيمِْلكُ َلكُمْ ضَرّا وَل َنفْعا} وهو عيسى وأمه‪ ،‬وتتركون عبادة من يملك ذلك‪ ،‬وهو ال‬
‫السميع العليم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬إبطال التثليث في عقيدة النصارى وتقرير التوحيد‪.‬‬
‫‪ -2‬إبراء عيسى ووالدته عليهما السلم من دعوى اللوهية للناس‪.‬‬
‫‪ -3‬فتح باب التوبة في وجه النصارى لو أنهم يتوبون‪.‬‬
‫‪ -4‬تقرير بشرية عيسى ومريم عليهما السلم بدليل احتياجهما إلى الطعام بنيتهما‪ ،‬ومن كان‬
‫مفتقرا ل تصح ألوهيته عقلً وشرعا‪.‬‬
‫‪ -5‬ذم كل من يعبد غير ال إذ كل الخلئق مفتقرة ل تملك لنفسها ول لعابدها ضرا ول نفعا‪ ،‬ل‬
‫تسمع دعاء من يدعوها‪ ،‬ول تعلم عن حاله شيئا‪ ،‬وال وحده السميع لقوال كل عباده العليم بسائر‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أحوالهم وأعمالهم‪ ،‬فهو المعبود بحق وما عداه باطل‪.‬‬
‫{ ُقلْ يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ ل َتغْلُوا فِي دِي ِنكُمْ غَيْرَ ا ْلحَقّ وَل تَتّ ِبعُوا أَ ْهوَاءَ َقوْمٍ قَ ْد ضَلّوا مِنْ قَ ْبلُ وََأضَلّوا‬
‫علَى ِلسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى‬
‫سوَاءِ السّبِيلِ(‪ُ )77‬لعِنَ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ بَنِي ِإسْرائيلَ َ‬
‫كَثِيرا َوضَلّوا عَنْ َ‬
‫صوْا َوكَانُوا َيعْتَدُونَ(‪ )78‬كَانُوا ل يَتَنَا َهوْنَ عَنْ مُ ْنكَرٍ َفعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا‬
‫ع َ‬
‫ابْنِ مَرْيَمَ ذَِلكَ ِبمَا َ‬
‫علَ ْيهِمْ‬
‫خطَ اللّهُ َ‬
‫سهُمْ أَنْ سَ ِ‬
‫َي ْفعَلُونَ(‪ )79‬تَرَى كَثِيرا مِ ْنهُمْ يَ َتوَّلوْنَ الّذِينَ َكفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَ ّد َمتْ َلهُمْ أَ ْنفُ ُ‬
‫َوفِي ا ْلعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ(‪)80‬‬

‫( ‪)1/660‬‬

‫سقُونَ(‪})81‬‬
‫خذُوهُمْ َأوْلِيَا َء وََلكِنّ كَثِيرا مِ ْنهُمْ فَا ِ‬
‫ي َومَا أُنْ ِزلَ إِلَ ْيهِ مَا اتّ َ‬
‫وََلوْ كَانُوا ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالنّ ِب ّ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫{ل َتغْلُوا فِي دِي ِنكُمْ‪ : }1‬الغلو‪ :‬الفراط في الشيء ومجاوزة الحد فيه‪ ،‬فمثلً أمرنا بغسل اليدين في‬
‫الوضوء إلى المرفقين فغسلهما إلى الكتفين غلو‪ ،‬أمرنا بتعظيم الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫فدعاؤه غلو في الدين‪.‬‬
‫{أَ ْهوَاءَ َقوْمٍ قَ ْد ضَلّوا} ‪ :‬جمع هوى‪ ،‬وصاحب الهوى هو الذي يعتقد ويقول ويعمل بما يهواه ل بما‬
‫قامت به الحجة وأقره الدليل من دين ال تعالى‪.‬‬
‫{وََأضَلّوا كَثِيرا} ‪ :‬أي‪ :‬أضلوا عددا كثيرا من الناس بأهوائهم وأباطيلهم‪.‬‬
‫سوَاءِ السّبِيلِ‪ : }2‬سواء السبيل‪ :‬وسط الطريق العدل ل ميل فيه إلى يمين ول إلى يسار‪.‬‬
‫{عَنْ َ‬
‫{ُلعِنَ} ‪ :‬دعى عليهم باللعنة التي هي البعاد من الخير والرحمة وموجباتها‪.‬‬
‫صوْا َوكَانُوا َيعْتَدُونَ} ‪ :‬أي‪ :‬بسبب عصيانهم لرسلهم‪ ،‬واعتدائهم في دينهم‪.‬‬
‫ع َ‬
‫{ ِبمَا َ‬
‫{ل يَتَنَا َهوْنَ} ‪ :‬أي‪ :‬ل نهي بعضهم بعضا عن ترك المنكر‪.‬‬
‫{لَبِئْسَ‪ 3‬مَا كَانُوا َيفْعَلُونَ} ‪ :‬قبح عملهم من عمل وهو تركهم المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫{يَ َتوَّلوْنَ الّذِينَ َكفَرُوا} ‪ :‬يوادونهم ويتعاونون معهم دن المؤمنين‪.‬‬
‫{وََلوْ كَانُوا ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالنّ ِبيّ} ‪ :‬أي‪ :‬لو كانوا صادقين في إيمانهم بال والنبي محمد صلى ال‬
‫عليه وسلم ما اتخذوا المشركين في مكة والمدينة من المنافقين أولياء‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫مازال السياق في الحديث عن أهل الكتاب يهودا ونصارى فقال تعالى لنبيه محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ُ { :‬قلْ} يا رسولنا‪{ :‬يَا أَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ} ‪ ،‬والمراد بهم هنا النصاري‪{ :‬ل َتغْلُوا فِي دِي ِن ُكمْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الغلو‪ :‬مصدر غل يغلو غلوًا في المر‪ ،‬إذا جاوز حده المعروف‪.‬‬
‫‪ 2‬سواء السبيل هنا المراد به‪ :‬السلم؛ لنهم ضلوا في دينهم قبل مجيء السلم ثم ضلوا عن‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫السلم بعد مجيئه‪.‬‬
‫‪ 3‬اللم‪ :‬لم القسم‪ ،‬جيئ بها لتدل عليه‪ ،‬وتؤكد الذم بصورة فظيعة‪.‬‬

‫( ‪)1/661‬‬

‫غَيْرَ ا ْلحَقّ} ‪ ،‬أي‪ :‬ل تتشددوا في غير ما هو حق شرعه ال تعالى لكم‪ ،‬فتبتدعون البدع وتتغالوا‬
‫ل وعملً ل في‬
‫في التمسك بها والدفاع عنها‪ ،‬التشدد محمود في الحق الذي أمر ال به اعتقادا وقو ً‬
‫المحدثات الباطلة‪ ،‬ول تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وهم اليهود‪ ،‬إذ قالوا في عيسى وأمه‬
‫بأهوائهم فقالوا في عيسى ساحر‪ ،‬وقالوا في أمه بغي وأضلوا كثيرا من الناس بأهوائهم المتولدة‬
‫عن شهواتهم‪ ،‬وضلوا‪ ،‬أي‪ :‬وهم اليوم ضالون بعيدون عن جادة الحق والعدل في عقائدهم‬
‫وأعمالهم وأقوالهم‪ .‬هذا ما تضمنته الية الولى (‪ ،)77‬أما اليات بعد فقد أخبر تعالى في الية‬
‫الثانية أن بني إسرائيل لعن منهم الذين كفروا على لسان كل من داود في الزبور‪ ،‬وعلى لسان‬
‫عيسى بن مريم في النجيل وعلى لسان محمد صلى ال عليه و سلم في القرآن فقال تعالى‪ُ{ :‬لعِنَ‬
‫علَى ِلسَانِ دَاوُدَ} ‪ .‬فقد مسخ منهم طائفة قردة‪{ ،‬وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}‬
‫الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ‪ 1‬بَنِي ِإسْرائيلَ َ‬
‫حيث مسخ منهم خنازير كما لعنوا على لسان محمد صلى ال عليه وسلم في غير آية من القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬وهذا اللعن هو إبعاد من كل خير ورحمة ومن موجبات ذلك في الدنيا والخرة سببه ما‬
‫صوْا َوكَانُوا َيعْ َتدُونَ} ‪ .‬أي‪ :‬بسبب عصيانهم ل تعالى ورسله بترك‬
‫ع َ‬
‫ذكر تعالى بقوله‪{ :‬ذَِلكَ ِبمَا َ‬
‫الواجبات وفعل المحرمات‪ ،‬واعتدائهم في الدين بالغلو والبتداع‪ ،‬وبقتل النبياء والصالحين منهم‪:‬‬
‫وأخبر تعالى في الية الثالثة بذكر نوع عصيانهم واعتدائهم الذي لعنوا بسببه فقال‪{ :‬كَانُوا ل‬
‫يَتَنَا َهوْنَ عَنْ مُ ْنكَرٍ‪َ 2‬فعَلُوهُ} ‪ .‬أي‪ :‬كانوا عندما استوجبوا اللعن يفعلون المنكر العظيم ول ينهى‬
‫بعضهم بعضا كما أخبر النبي صلى ال عليه وسلم في قوله‪" :‬إن أول ما دخل النقص على بني‬
‫إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول‪ :‬يا هذا اتق ال ودع ما تصنع فإنه ل يحل ثم يلقاه من‬
‫الغد وهو على حاله فل يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده" ‪ .‬فلما فعلوا ذلك ضرب ال‬
‫على قلوبهم بعضهم ببعض ثم قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬لعن الذين كفروا –إلى قوله‪ -‬فاسقون" ‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬كل وال لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ثم لتأخذن على ليد الظالم ولتأطرنه‬
‫(تعطفنه) على الحق أطرأ ولتقسرنه على الحق قسرا أو ليضربن ال قلوب بعضكم ببعض ثم‬
‫يلعنكم كما لعنهم ‪ "3‬وفي آخر الية قبح ال تعالى‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في الية دليل على جواز لعن الكافر‪ ،‬وإن كان من أولد النبياء‪ ،‬وإن شرف النسب ل يمنع‬
‫إطلق اللعنة في حقه‪" :‬قرطبي"‪.‬‬
‫‪ 2‬نقل القرطبي عن ابن عطية رحمهما ال تعالى‪ :‬أن الجماع منعقد على أن النهي عن المنكر‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فرض لمن أطاقه وآمن الضرر على نفسه‪ ،‬وعلى غيره من المسلمين‪ ،‬فإن خاف فينكر بقلبه‪،‬‬
‫ويهجر صاحب المنكر ول يخالطه‪.‬‬
‫‪ 3‬أخرجه أبو داود عن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)1/662‬‬

‫عملهم فقال‪{ :‬لَبِئْسَ مَا كَانُوا َي ْفعَلُونَ} ثم قال لرسوله صلى ال عليه وسلم‪{ :‬تَرَى كَثِيرا مِ ْنهُمْ} ‪،‬‬
‫أي‪ :‬اليهود في المدينة يتولون الذين كفروا يعني من المشركين والمنافقين في مكة والمدينة‬
‫يصاحبونهم ويوادونهم وينصرونهم وهم يعلمون أنهم كفار تحرم موالتهم في دينهم وكتابهم‪ ،‬ثم‬
‫سهُمْ} نتيجة ما حملتهم عليه من الشر والكفر‬
‫قبح تعالى عملهم فقال‪{ :‬لَبِ ْئسَ مَا قَ ّد َمتْ َلهُمْ أَ ْنفُ ُ‬
‫والفساد‪ ،‬وهو سخط ال تعالى عليهم وخلودهم في العذاب من موتهم إلى مال نهاية له فقال تعالى‪:‬‬
‫سخِطَ اللّهُ عَلَ ْيهِمْ َوفِي ا ْلعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} ل يخرجون منه أبدا‪.‬‬
‫سهُمْ أَنْ‪َ 1‬‬
‫{لَبِئْسَ مَا قَ ّد َمتْ َلهُمْ أَ ْنفُ ُ‬
‫ثم زاد تعالى تقرير كفرهم وباطلهم وشرهم وفسادهم فقال‪{ :‬وََلوْ كَانُوا ُي ْؤمِنُونَ بِاللّهِ} كما يجب‬
‫اليمان به وبالنبي محمد وبما جاء به من الهدى ودين الحق وما أنزل إليه من القرآن واليات‬
‫البينات ما اتخذوا الكفار المشركين والمنافقين أولياء‪ ،‬ولكن علة ذلك أنهم فاسقون إل قليلً منهم‪،‬‬
‫والفاسق عن أمر ال الخارج عن طاعته ل يقف في الفساد عند حد أبدا‪ ،‬هذا معنى قوله تعالى‪:‬‬
‫سقُونَ‪.}3‬‬
‫ي َومَا أُنْ ِزلَ إِلَيْهِ مَا اتّخَذُو ُهمْ‪َ 2‬أوْلِيَا َء وََلكِنّ كَثِيرا مِ ْنهُمْ فَا ِ‬
‫{وََلوْ كَانُوا ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالنّ ِب ّ‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة الغلو والبتداع في الدين‪ ،‬واتباع أهل الهواء‪.‬‬
‫‪ -2‬العصيان والعتداء ينتجان لصاحبهما الحرمان والخسران‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة السكوت عن المنكر ووخامة عاقبته على المجتمع‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة موالة أهل الكفر والشر والفساد‪.‬‬
‫‪ -5‬موالة أهل الكفر بالمودة والنصرة دون المؤمنين آية الكفر وعلمته في صاحبه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أن‪ :‬في موضع رفع على البتداء‪ ،‬والتقدير‪ :‬لبئس ما قدمت لهم أنفسهم‪ ،‬وهو سخط ال عليهم‪.‬‬
‫‪ 2‬في الية دليل واضح على أن من اتخذ الكافر وليًا ل يكون مؤمنًا‪ ،‬إذ يجره ذلك الولء إلى قول‬
‫ما يقول‪ ،‬وفعل ما يفعل‪ ،‬وحتى اعتقاد ما يعتقد‪ ،‬وبذلك يكفر مثله‪ .‬وشاهده من الحديث‪" :‬من تشبه‬
‫بقوم فهو منهم" ‪.‬‬
‫‪ 3‬أي‪ :‬كافرون‪ ،‬إذ فسقوا عند دين ال وخرجوا عنه باليهودية الباطلة‪ ،‬وخرجوا عن السلم‬
‫بالنفاق‪ .‬فهم كفرة منافقون يهود ملعونون‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)1/663‬‬

‫المجلد الثاني‬
‫تابع سورة المائدة‬
‫‪...‬‬
‫الجُزء السابع‬
‫شدّ النّاسِ عَدَا َوةً لّلّذِينَ آمَنُواْ الْ َيهُو َد وَالّذِينَ َأشْ َركُواْ وَلَتَجِدَنّ َأقْرَ َب ُهمْ ّموَ ّدةً لّلّذِينَ آمَنُواْ‬
‫جدَنّ أَ َ‬
‫* لَتَ ِ‬
‫س ِمعُواْ مَا‬
‫ن وَرُهْبَانًا وَأَ ّنهُ ْم لَ يَسْ َتكْبِرُونَ (‪ )82‬وَإِذَا َ‬
‫الّذِينَ قَاُلوَاْ إِنّا َنصَارَى ذَِلكَ بِأَنّ مِ ْنهُمْ ِقسّيسِي َ‬
‫أُن ِزلَ إِلَى الرّسُولِ تَرَى أَعْيُ َنهُمْ َتفِيضُ مِنَ ال ّدمْعِ ِممّا عَ َرفُواْ مِنَ ا ْلحَقّ َيقُولُونَ رَبّنَا آمَنّا فَاكْتُبْنَا مَعَ‬
‫طمَعُ أَن ُيدْخِلَنَا رَبّنَا مَعَ ا ْل َقوْمِ‬
‫ق وَنَ ْ‬
‫حّ‬‫الشّا ِهدِينَ (‪َ )83‬ومَا لَنَا لَ ُن ْؤمِنُ بِالّل ِه َومَا جَاءنَا مِنَ الْ َ‬
‫الصّالِحِينَ (‪ )84‬فَأَثَا َبهُمُ اللّهُ ِبمَا قَالُواْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن َتحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَ َذِلكَ جَزَاء‬
‫جحِيمِ(‪)86‬‬
‫صحَابُ الْ َ‬
‫حسِنِينَ (‪ )85‬وَالّذِينَ َكفَرُواْ َوكَذّبُواْ بِآيَاتِنَا ُأوْلَ ِئكَ َأ ْ‬
‫ا ْلمُ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫عداوة ‪ : 1‬العداوة‪ :‬بغض نفسي تجعل صاحبها بعيدا ممن يعاديه فل يصله بخير‪ ،‬ول يقربه‬
‫بمودة‪ ،‬وقد تحمله على إرادة الشر بالعدو‪.‬‬
‫مودة‪ :‬المودة‪ :‬حب نفسي يجعل صاحبه يتقرب إلى من يوده بالخير ودفع الشر‪.‬‬
‫قسيسين ‪ :‬جمع قسيس‪ :‬وهو الرئيس الديني لعلمه عند النصارى‪.‬‬
‫ورهبانا‪ :‬الرهبان‪ :‬جمع راهب‪ :‬مشتق من الرهبة وهو الرجل في النصارى يتبتل وينقطع للعبادة‬
‫في دير أو صومعة‪.‬‬
‫ما أنزل إلى الرسول ‪ :‬الرسول محمد صلى ال عليه وسلم ومما أنزل إليه آيات القرآن الكريم‬
‫الدالة على تشريف عيسى ووالدته مريم عليهما السلم‪ ،‬وأن عيسى عبدال‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬عداوة} منصوب على التمييز مبيّنا لنسبة أشد وكذا مودّة‪.‬‬

‫( ‪)2/4‬‬

‫الشاهدين ‪ :‬جمع شاهد‪ :‬من شهد ل بالوحدانية وللنبي محمد بالرسالة واستقام على ذلك‪.‬‬
‫الصالحين ‪ :‬جمع صالح‪ :‬وهو من أدّى حقوق ال تعالى كاملة من اليمان به وشكره على نعمه‬
‫بطاعته‪ ،‬وأدّى حقوق الناس كاملة من الحسان إليهم‪ ،‬وكف الذى عنهم‪.‬‬
‫فأثابهم ال بما قالوا ‪ :‬جزاهم بما قالوا من اليمان و ُوفّقوا له من العمل جنات تجري من تحتها‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫النهار‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يخبر تعالى رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم بعداوة كل من اليهود والمشركين للمؤمنين وأنهم‬
‫أشد عداوة من غيرهم‪ ،‬فيقول {لتجدن ‪ 1‬أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا} أما‬
‫اليهود فلما توارثوه خَلفا عن سلف من إنكار الحق‪ .‬والوقوف في وجه دعاته‪ ،‬إضافة إلى أن أملهم‬
‫في إعادة مجدهم ودولتهم يتعارض مع الدعوة السلمية وأما المشركون فلجهلهم وإسرافهم في‬
‫المحرمات وما ألفوه لطول العهد من الخرافات والشرك والضللت‪ .‬كما أخبر تعالى أن‬
‫النصارى هم أقرب مودة للذين آمنوا فقال‪{ :‬ولتجدن أقربهم ‪ 2‬مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا‬
‫نصارى} وعلل تعالى لهذا القرب من المودة بقوله‪{ :‬ذلك ‪ }...‬أي كان ذلك بسبب أن منهم‬
‫قسّيسين ‪ 3‬ورهبانا فالقسيسون علماء بالكتاب رؤساء دينّيون غالبا ما يؤثرون العدل والرحمة‬
‫والخير على الظلم والقسوة والشر والرهبان لنقطاعهم عن الدنيا وعدم رغبتهم فيها ويدل عليه‬
‫قوله‪{ :‬وأنهم ل يستكبرون} عن الحق وقبوله والقول به ولذا لما عمت المادية المجتمعات‬
‫النصرانّية‪ ،‬وانتشر فيها اللحاد والباحية قلّت تلك المودة للمؤمنين إن لم تكن قد انقطعت‪ .‬أما‬
‫توله تعالى‪{ :‬وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اللم في {لتجدن} لم القسم‪ .‬وهذه اليات الربع كالفذلكة لما سبق من اليات في أهل الكتاب‪.‬‬
‫‪ 2‬هذه الية نزلت في النجاشي وأصحابه إذ هاجر إليه المؤمنون الهجرة الولى والثانية هروبا من‬
‫اضطهاد المشركين وأذاهم‪ ،‬ولما بعثت قريش عمرو بن العاص وعبدال بن ربيعة بهدايا تطالب‬
‫برد المهاجرين إليها دعا النجاشي الرهبان والقسس وأسمعهم جعفر بن أبي طالب سورة مريم‬
‫فبكوا حتى فاضت أعينهم من الدمع فنزلت هذه الية‪.‬‬
‫س ويجمع على قساوسة‪ ،‬والرهبان جمع راهب كراكب وركبان وفعله رهب يرهب رهبا‬
‫‪ 3‬جمع ق ّ‬
‫ورهبا ورهبة إذا خاف والرهبانية والترهب التعبّد في صومعة أو دير‪.‬‬

‫( ‪)2/5‬‬

‫تفيض ‪ 1‬من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين} فالمعنيّ بها من‬
‫أسلم من النصارى بمجرد أن تُلي عليهم القرآن وسمعوه كأصحمة النجاشى وجماعة كثيرة ومعنى‬
‫قولهم {فاكتبنا مع الشاهدين} أنهم بعد ما سمعوا القرآن تأثروا به فبكوا من أجل ما عرفوا من‬
‫الحق وسألوا ال تعالى أن يكتبهم مع الشاهدين ليكونوا معهم في الجنة‪ ،‬والشاهدون هم الذين‬
‫شهدوا ل تعالى بالوحدانية ولنبيه بالرسالة‪ ،‬وأطاعوا ال ورسوله من هذه المة وقولهم‪( :‬ومالنا ل‬
‫نؤمن بال وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا ‪ 2‬مع القوم الصالحين} فإن معناه‪ :‬أي شيء‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يمنعنا من اليمان بال ربا وإلها واحدا ل شريك له ول ولد ول والد‪ .‬وبما جاء من الحق في‬
‫توحيده تعالى ونبّوة رسوله محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومن الطمع في أن يدخلنا ربنا الجنة مع‬
‫الصالحين من هذه المة‪ .‬ولما قالوا هذا أخبرهم تعالى أنه أثابهم به {جنات ‪ 3‬تجري من تحتها‬
‫النهار خالدين فيها}‪ ،‬وأخبر تعالى أن ذلك الجزاء الذي جزاهم به هو {جزاء المحسنين} وهم‬
‫الذين أحسنوا القول والعمل مع سلمة عقائدهم‪ ،‬وطهارة أرواحهم حيث لم يتلوثوا بالشرك‬
‫والمعاصي ثم أخبر تعالى بأن الذين كفروا ‪ 4‬بال إلها واحدا وبرسوله نبيا ورسولً‪ ،‬وكذبوا بآياته‬
‫القرآنية أولئك البعداء هم أصحاب ‪ 5‬الجحيم الذين ل يفارقونها أبدا‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬عظم عداوة اليهود والمشركين للسلم والمسلمين‪.‬‬
‫‪ -2‬قرب النصارى الصادقين في نصرانيتهم من المسلمين‪.‬‬
‫‪ -3‬فضيلة التواضع‪ ،‬وقبح الكبر‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬تفيض أعينهم من الدمع أي بالدمع‪ :‬وحروف الجرّ تتناوب قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫ل دمعي مِحملي‬
‫ففاضت دموع العين مني صبابة ‪ ...‬على النحر حتى َب ّ‬
‫أي غلف السيف‪.‬‬
‫‪ 2‬في الكلم إضمار أي‪ :‬ونطمع أن يدخلنا ربنا الجنة مع القوم الصالحين‪ ،‬وهم امّة محمد صلى‬
‫ال عليه وسلم الصادقين الصالحين‪.‬‬
‫‪ 3‬دل هذا الجزاء الحسن على إخلص إيمانهم وصدق مقالهم إذ به أجاب ال سؤالهم وحقق‬
‫طمعهم ورجاءهم وهكذا كل من خلص إيمانه وصدق يقينه يكون ثوابه الجنة‪.‬‬
‫‪ 4‬في هذا احتراس إذ ما كل النصارى آمنوا لما سمعوا القرآن وبكوا وسألوا ال في صدقٍ وآمنوا‬
‫وعملوا الصالحات فأثابهم ال الجنة‪ ،‬ل بل منهم الذين كفروا وكذبوا وهم الكثرون فجزاؤهم‬
‫الجحيم يلزمونها أبدا لظلمة قلوبهم وخبث نفوسهم‪.‬‬
‫‪ 5‬يقال‪ :‬نار جحمة على وزن نجمة أي‪ :‬شديدة اللهب قال شاعر الحماسة الطائي‪:‬‬
‫نحن حبسنا بني جديلة في ‪...‬‬
‫نار من الحرب جحمةِ الضرَم‬

‫( ‪)2/6‬‬

‫‪ -4‬فضل هذه المة وكرامتها على المم قبلها‪.‬‬


‫‪ -5‬فضل الكتابي إذا أسلم‪ .‬وحسن إسلمه‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -6‬بيان مصير الكافرين والمكذبين وهو خلودهم في نار جهنم‪.‬‬
‫‪ -7‬استعمال القرآن أسلوب الترغيب والترهيب بذكره الوعيد بعد الوعد‪.‬‬
‫حبّ ا ْل ُمعْتَدِينَ(‪)87‬‬
‫حلّ اللّهُ َل ُك ْم َولَ َتعْ َتدُواْ إِنّ اللّ َه لَ ُي ِ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُو ْا لَ تُحَ ّرمُواْ طَيّبَاتِ مَا َأ َ‬
‫للً طَيّبًا وَا ّتقُواْ الّلهَ الّ ِذيَ أَنتُم بِهِ ُمؤْمِنُونَ(‪ )88‬لَ ُيؤَاخِ ُذكُمُ اللّهُ بِالّل ْغوِ فِي‬
‫َوكُلُواْ ِممّا رَ َز َقكُمُ اللّهُ حَ َ‬
‫ط ِعمُونَ‬
‫سطِ مَا ُت ْ‬
‫طعَامُ عَشَ َرةِ مَسَاكِينَ مِنْ َأوْ َ‬
‫عقّدتّ ُم الَ ْيمَانَ َف َكفّارَتُهُ إِ ْ‬
‫أَ ْيمَا ِنكُ ْم وََلكِن ُيؤَاخِ ُذكُم ِبمَا َ‬
‫سوَ ُتهُمْ َأوْ تَحْرِيرُ َرقَ َبةٍ َفمَن لّمْ َيجِدْ َفصِيَامُ ثَلَثَةِ أَيّامٍ ذَِلكَ َكفّا َرةُ أَ ْيمَا ِنكُمْ إِذَا حََلفْتُمْ‬
‫أَهْلِيكُمْ َأوْ ِك ْ‬
‫شكُرُونَ(‪)89‬‬
‫حفَظُواْ أَ ْيمَا َنكُمْ كَ َذِلكَ يُبَيّنُ اللّهُ َلكُمْ آيَا ِتهِ َلعَّلكُمْ َت ْ‬
‫وَا ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ل تحرموا ‪ :‬التحريم‪ :‬المنع أي ل تمتنعوا‪.‬‬
‫مما أحل ال لكم‪ :‬أي ما أباحه لكم وأذن لكم فيه من نكاح وطعام وشراب‪.‬‬
‫حللً طيبا‪ :‬مباحا غير مستقذر ول مستخبث‪.‬‬
‫ل يؤاخذكم ال باللغو‪ :‬ل يعاقبكم ال باللغو الذي هو ما كان بغير قصد اليمين‪.‬‬
‫عقدتم اليمان ‪ :‬عزمتم عليها بقلوبكم بأن تفعلوا أو ل تفعلوا‪.‬‬
‫من أوسط ‪ :‬أغلبه ول هو من أعله‪ ،‬ول هو من أدناه‪.‬‬
‫أهليكم‪ :‬من زوجة وولد‪.‬‬

‫( ‪)2/7‬‬

‫تحرير رقبة‪ :‬عتقها من الرق القائم بها‪.‬‬


‫يبين ال لكم آياته ‪ :‬المتضمنة لحكام دينه من واجب وحلل وحرام‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫اليتان الولى (‪ )87‬والثانية (‪ )88‬نزلتا في بعض ‪ 1‬الصحابة منهم عبدال بن مسعود وعثمان بن‬
‫مظعون وغيرهما كانوا قد حضروا موعظة وعظهم إياها رسول ال صلى ال عليه وسلم فزهدوا‬
‫في الدنيا ورغبوا في الخرة‪ .‬وعزموا على التبتل والنقطاع عن الدنيا فأتوا أم المؤمنين عائشة‬
‫رضي ال عنها وسألوها عن صلة رسول ال صلى ال عليه وسلم وقيامه فكأنهم تقالّوا ذلك فقال‬
‫أحدهم‪ :‬أنا ل آتي النساء‪ ،‬وقال آخر‪ :‬أنا أصوم ل أفطر الدهر كله وقال آخر‪ :‬أنا أقوم فل أنام‪،‬‬
‫فبلغ ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم فخطب الناس‪ ،‬وقال‪" :‬ما بال أقوام يقولون كذا وكذا‬
‫وإني وأنا رسول ال لكل اللحم‪ ،‬وأصوم وأفطر وأصلي وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن‬
‫سنتي فليس مني" ونزلت هذه الية‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تحرموا طيبات ‪ 2‬ما أحل ال لكم} من‬
‫طعام وشراب ونساء‪{ ،‬ول تعتدوا} بمجاوزة ‪ 3‬ما أحل لكم إلى ما حرم عليكم فإن ال تعالى ربكم‬
‫{ل يحب المعتدين} {وكلوا مما رزقكم ال حللً طيبا} أما الحرام فل يكون رزقا لكم‪{ ،‬واتقوا ال}‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أي خافوه بترك الغلوّ والتنطع المفضى بكم إلى الترهب ول رهبانية في السلم‪{ .‬الذي أنتم به‬
‫مؤمنون} أي ربا يشرع فيحلل ويحرم‪ ،‬وإلها يطاع ويعبد‪ ،‬هذا ما دلت عليه اليتان الولى والثانية‬
‫أما الية الثالثة وهي قوله تعالى‪{ :‬ل يؤاخذكم ال باللغو في أيمانكم} فقد نزلت لما قال أولئك‬
‫الرهط من أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬لقد حلفنا على ما عزمنا عليه من التبتل فماذا‬
‫نصنع بأيماننا" فبين لهم تعالى ما يجب عليهم في أيمانهم لما حنثوا فيها بعدولهم عما حلفوا عليه‬
‫فقال‪{ :‬ل يؤاخذكم ال باللغو في أيمانكم} وهو ما ل قصد للحلف فيه وإنما جرى لفظ اليمين على‬
‫اللسان فقط نحو‪ :‬ل وال أو بلى وال‪ ،‬ومثله أن‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أخرج البخاري عن أنس قال‪ :‬جاء ثلثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫يسألون عن عبادته فلمّا أخبروا كأنّما تقالّوها فقالوا‪ :‬وأين نحن من النبي صلى ال عليه وسلم قد‬
‫غفر له من ذنبه ما تقدّم وما تأخّر‪ ،‬فقال أحدهم أمّا أنا فإني أصلي الليل أبدا وقال آخر أمّا أنا‬
‫فأصوم الدهر ول أفطر وقال آخر أمّا أنا فأعتزل النساء ول أتزوج أبدا فجاء رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فقال‪" :‬أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما واللّه إنّي لخشاكم للّه واتقاكم له لكني أصوم وأفطر‬
‫وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني"‪.‬‬
‫‪ 2‬قالت العلماء هذه الية وما شابهها والحاديث الواردة في معناها تردّ على غلة المترهبين‬
‫وأهل البطالة من المتصوفين‪ ،‬وقال الطبري ل يجوز لمسلم تحريم شيء مما أحل ال لعباده‬
‫المؤمنين على نفسه من الطيبات‪.‬‬
‫‪ 3‬إذا حرّم العبد على نفسه شيئا ل يحرم عليه إلّ امرأته فإنّها تحرم عليه بالطلق‪.‬‬

‫( ‪)2/8‬‬

‫يحلف على الشيء يظنه كذا فيظهر على خلف ما ظن‪{ ،‬ولكن يؤاخذكم بما عقدتم اليمان} أي‬
‫قصدتموها عازمين ‪ 1‬عليها‪ ،‬فمن حنث بعد الحلف فالواجب في حقه خروجا من الثم كفّارة وهي‬
‫{إطعام عشرة مساكين} لكل مسكين نصف صاع أي مدّان ‪ 2‬من أعدل {ما تطعمون أهليكم} ما هو‬
‫بالجود الغالي‪ ،‬ول بالردأ الرخيص‪{ ،‬أو كسوتهم} كقميص وعمامة‪ ،‬أو إزار ورداء‪{ ،‬أو تحرير‬
‫رقبة} أي عتق رقبة مؤمنة ذكرا كان أو أنثى صغيرة أو كبيرة فهذه الثلثة المؤمن مخيّر في‬
‫التكفير بأيها شاء‪ ،‬فإن لم يجد فصيام ثلثة أيام مفرقة أو متتابعة كما شاء هذا معنى قوله تعالى‬
‫{فمن لم يجد فصيام ثلثة أيام}‪ ،‬وقوله {ذلك كفارة أيمانكم} أي هذا الذي بين لكم هو ما تكفّرون به‬
‫ما علق بنفوسكم من إثم الحنث‪ .‬وقوله {واحفظوا أيمانكم ‪ }3‬أي ل تكثروا الحلف فتحنثوا فتأثموا‬
‫فتجب عليكم الكفارة لذلك‪ .‬وقوله تعالى‪ { :‬كذلك يبين ال لكم آياته لعلكم تشكرون} معناه مثل هذا‬
‫التبيين الذي بينه لكم في مسألة الحنث في اليمين والكفارة له يبين لكم آياته المتضمنة لشرائعه‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وأعلم دينه ليعدكم بذلك لشكره بطاعته بفعل ما يأمركم به وترك ما ينهاكم عنه‪ ،‬فله الحمد‬
‫والمنة‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة تحريم ما أباح ال‪ ،‬كحرمة تحليل ما حرم ال عز وجل‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان مدى حرص الصحابة على طاعة ال خوفا من عقابه وطمعا في إنعامه‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة الغلو في الدين والتنطع فيه‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان كفارة اليمين بالتفصيل‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا إذا لم يستثن بأن يقول إلّ أن يشاء ال أمّا من استثنى فل كفارة عليه إذ ل إثم مع الستثناء‬
‫ولبد للستثناء من النطق يقول‪ :‬إلّ أن يشاء ال ول يتم إلّ بتحريك لسانه وشفتيه‪.‬‬
‫‪ 2‬وفي الية وجه آخر ذكره القرطبي وهو أن يبادر إلى إخراج الكفارة إذا حنث وهذا حفظها من‬
‫النسيان ظاهر‪.‬‬
‫‪ 3‬قال العلماء‪ :‬اليمان أربعة‪ :‬يمينان يكفر فيهما إذا حنث ويمينان ل كفارة فيهما فالوّلن أن‬
‫يقول‪ :‬وال لفعلن كذا ثم يحنث والثاني أن يقول‪ :‬وال ل أفعل كذا ويحنث‪ ،‬واللّذان ل كفارة‬
‫فيهما‪ :‬الولى‪ :‬لغو اليمين وهو أن يحلف على الشيء يظنه كذا فيظهر خلفه‪ ،‬والثانية‪ :‬أن يجري‬
‫على لسانه الحلف وهو غير قاصد نحو‪ :‬ل وال‪ ،‬بلى وال‪ ،‬والخامسة‪ :‬اليمين الغموس‪ ،‬وهو أن‬
‫يحلف متعمّدا الكذب وكفّارتها التوبة ل غير وان كفّر مع التوبة فحسن‪.‬‬

‫( ‪)2/9‬‬

‫‪-5‬كراهة الكثار من الحلف‪ .‬وحرمة الحلف ‪ 1‬بغير ال تعالى مطلقا‪.‬‬


‫‪ -6‬استحباب حنث من ‪ 2‬حلف على ترك مندوب أو فعل مكروه‪ ،‬وتكفيره على ذلك أما إذا حلف‬
‫أن يترك واجبا أو يأتي محرما فإن حنثه واجب وعيه الكفارة‪.‬‬
‫‪ -7‬اليمان ثلثة ‪ :3‬لغو‪ :‬يمين ل كفارة لها إذ ل إثم فيها‪ ،‬الغموس ‪ :4‬وهي أن يحلف متعمدا‬
‫الكذب ول كفارة لها إل التوبة‪ ،‬اليمين المكفّرة‪ :‬وهي التي يتعمد فيها المؤمن الحلف ويقصده‬
‫ليفعل أو ل يفعل ثم يحنث فهذه التي ذكر تعالى كفارتها وبينها‪.‬‬
‫ع َملِ الشّ ْيطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ‬
‫ب وَالَزْلَمُ ِرجْسٌ مّنْ َ‬
‫خمْرُ وَا ْلمَيْسِ ُر وَالَنصَا ُ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِ ّنمَا ا ْل َ‬
‫خمْ ِر وَا ْلمَيْسِرِ‬
‫َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ (‪ )90‬إِ ّنمَا يُرِيدُ الشّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْ َنكُمُ ا ْل َعدَا َوةَ وَالْ َبغْضَاء فِي ا ْل َ‬
‫لةِ َف َهلْ أَنتُم مّن َتهُونَ (‪ )91‬وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ‬
‫وَ َيصُ ّدكُمْ عَن ِذكْرِ اللّ ِه وَعَنِ الصّ َ‬
‫عمِلُواْ‬
‫لغُ ا ْلمُبِينُ(‪ )92‬لَ ْيسَ عَلَى الّذِينَ آمَنُواْ وَ َ‬
‫وَاحْذَرُواْ فَإِن َتوَلّيْ ُتمْ فَاعَْلمُواْ أَ ّنمَا عَلَى َرسُولِنَا الْبَ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عمِلُواْ الصّاِلحَاتِ ثُمّ ا ّتقَو ْا وّآمَنُواْ ثُمّ ا ّتقَواْ‬
‫ط ِعمُواْ إِذَا مَا ا ّتقَو ْا وّآمَنُو ْا وَ َ‬
‫الصّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا َ‬
‫حسِنِينَ(‪)93‬‬
‫حبّ ا ْلمُ ْ‬
‫وّأَحْسَنُو ْا وَاللّهُ يُ ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لحديث الترمذي‪" :‬من حلف بغير ال فقد أشرك أو كفر" وحديث الصحيح‪" :‬أل إنّ ال ينهاكم أن‬
‫تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بال أو ليصمت"‪..‬‬
‫‪ 2‬لقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير‬
‫وليكفر عن يمينه"‪.‬‬
‫ن اليمان خمسة‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا العدد مجمل وقد تقدم تفصيله وأ ّ‬
‫‪ 4‬أخرج البخاري "أن النبي صلى ال عليه وسلم سأله إعرابي قائلً يا رسول ال ما الكبائر؟ قال‪:‬‬
‫الشراك بال قال ثمّ ماذا؟ قال‪ :‬عقوق الوالدين‪ .‬قال‪ :‬ثمّ ماذا؟ قال اليمين الغموس‪ .‬قلت وما اليمين‬
‫الغموس؟ قال‪ :‬التي يقتطع بها مال امرىء مسلم هو فيها كاذب"‪.‬‬

‫( ‪)2/10‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الخمر والميسر ‪ :‬الخمر ‪ :1‬كل مسكر كيفما كانت مادته وقلّت أو كثرت‪ ،‬والميسر‪ :‬القمار‪2 .‬‬
‫والنصاب ‪ :‬النصاب‪ :‬جمع نصب‪ .‬ما ينصب للتقرب به إلى ال أو التبرك به‪ ،‬أو لتعظيمه‬
‫كتماثيل الرؤساء والزعماء في العهد الحديث‪.‬‬
‫الزلم ‪ :‬جمع زلم‪ :‬وهي عيدان يستقسمون بها في الجاهلية لمعرفة الخير من الشر والربح من‬
‫الخسارة‪ ،‬ومثلها قرعة النبياء‪ ،‬وخط الرمل‪ ،‬والحساب بالمسبحة‪.‬‬
‫رجس ‪ :‬الرجس‪ :‬المستقذر حسا كان أو معنى‪ ،‬إذ المحرمات كلها خبيثة وإن لم تكن مستقذرة‪.‬‬
‫من عمل الشيطان ‪ :‬أي مما يزينّه للناس ويحببه إليهم ويرغبهم فيه ليضلهم‪.‬‬
‫فاجتنبوه‪ :‬اتركوه جانبا فل تقبلوا عليه بقلوبكم وابتعدوا عنه بأبدانكم‪.‬‬
‫تفلحون ‪ :‬تكملون وتسعدون في دنياكم وآخرتكم‪.‬‬
‫ويصدكم‪ :‬أي يصرفكم‪.‬‬
‫فهل أنتم منتهون‪ :‬أي انتهوا فالستفهام للمر ل للستخبار‪.‬‬
‫جناح فيما طعموا ‪ :‬أي إثم فيما شربوا من الخمر وأكلوا من الميسر قبل تحريم ذلك‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما نهى ال تعالى المؤمنين عن تحريم ما أحل ال تعالى لهم بَيّنَ َلهُم ما حرّمه عليهم ودعاهم إلى‬
‫تركه واجتنابه لضرره بهم‪ ،‬وإفساده لقلوبهم وأرواحهم فقال تعالى ‪{ :‬يا أيها الذين ‪ 3‬آمنوا} أي يا‬
‫من صدقتم بال ربا وبالسلم دينا وبمحمد نبيا ورسولً اعلموا {إنما الخمر والميسر‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬صحّ عن عمر رضي ال عنه أنه خطب يوما فقال‪" :‬أيّها الناس أل إنّه قد نزل تحريم الخمر‬
‫يوم نزل وهي من خمسة‪ :‬من العنب والتمر‪ ،‬والعسل والحنطة والشعير" والخمر ما خامر العقل‬
‫أي‪ :‬ستره وغطّاه فأصبح المرء يهذي ويقول الخطأ والصواب‪.‬‬
‫‪ 2‬ما دامت علّة التحريم في الخمر والميسر هي إثارة العداوة بين إخوة اليمان‪ ،‬والصدّ وهو‬
‫اللهاء عن ذكر ال وعن الصلة فإن كل ما ينشأ عنه إثارة العداوة والصدّ عن الذكر والصلة‬
‫فهو حرام‪.‬‬
‫‪ 3‬هذه الية نزلت بعد وقعة أحد وكانت في السنة الثالثة من الهجرة أي في آخرها ولكنها وقعت‬
‫هنا في سورة المائدة بعد نزولها وهذه الية هي الناسخة لباحة الخمر ويروى في سبب نزولها أن‬
‫ملحاة كانت بين سعد بن أبي وقاص ورجل من النصار سببها شرب خمر في ضيافة لهم‪.‬‬

‫( ‪)2/11‬‬

‫والنصاب ‪ 1‬والزلم رجس} أي سخط وقذر مما يدعو إليه الشيطان ويزيّنه للنفوس ويحسنه لها‬
‫لترغب فيه‪ ،‬وهو يهدف من وراء ذلك إلى إثارة العداوة والبغضاء بين المسلمين الذين هم كالجسم‬
‫الواحد‪ .‬وإلى صدهم عن ذكر ال الذي هو عصمتهم وعن الصلة التي هي معراجهم إلى ال‬
‫ربهم‪ ،‬وآمرتهم بالمعروف وناهيتهم عن المنكر‪ ،‬ثم أمرهم بأبلغ أمر وأنفذه إلى قلوبهم لخطورة‬
‫هذه المحرمات الربع وعظيم أثرها في الفرد والمجتمع بالشر والفساد فقال‪{ :‬فهل أنتم منتهون‬
‫‪2‬؟!} وأمرهم بطاعته وطاعة رسوله وحذرهم من مغبة المعصية وآثارها السيئة فقال {وأطيعوا‬
‫ال وأطيعوا الرسول واحذروا} مغبة ذلك ثم أعلمهم أنهم إن تولوا عن الحق بعدما عرفوه‬
‫فالرسول ل يضيره توليهم‪ ،‬إذ ما عليه إل البلغ المبين وقد بلّغ وأما هم فإن جزاءهم على توليهم‬
‫سيكون جزاء الكافرين وهو الخلود في العذاب المهين‪ .‬هذا معنى قوله‪{ :‬وأطيعوا ال وأطيعوا‬
‫الرسول وأحذروا فإن توليتم فاعلموا ‪ 3‬أنما على رسولنا البلغ المبين} وقوله تعالى في الية‬
‫الخيرة (‪{ )93‬ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا‬
‫وعملوا الصالحات ثم اتقوا ‪ 4‬وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا وال يحب المحسنين} فقد نزلت لقول بعض‬
‫الصحاب ‪ 5‬لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬يا رسول ال ما بال الذين ماتوا من إخواننا وهم‬
‫يشربون الخمر ويلعبون الميسر؟" أي كيف حالهم فهل يؤاخذون أو يعفى عنهم فأنزل ال تعالى‬
‫هذه الية فأعلم أنهم ليس عليهم جناح أي إثم أو مؤاخذة فيما شربوا وأكلوا قبل نزول التحريم‬
‫بشرط أن يكونوا قد اتقوا ال في محارمه وآمنوا به وبشرائعه‪ ،‬وعملوا الصالحات استجابة لمره‬
‫وتقربا إليه‪ .‬فكان رفع الحرج عليهم مقيدا بما ذكر‪ .‬وقوله‪{ :‬ثم اتقوا‪ }...‬كما ل جناح ‪ 6‬على‬
‫الحياء فيما طعموا وشربوا قبل التحريم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ذكر النصاب والزلم مع الخمر والميسر المقصود منه تأكيد التحريم وتقويته نظرا لما ألفته‬
‫النفوس منهما‪ ،‬والمراد من تحريم النصاب تحريم عبادتها وصنعها‪ ،‬وبيعها‬
‫‪ 2‬هذه الصيغة تستعمل للحث على الفعل إذا المأمور بدا عليه التراخي أو عدم الهتمام مما أمر‬
‫بفعله أو تركه‪ .‬والفاء في { فهل أنتم} تفريع عن قوله‪{ :‬إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم‪ }..‬الية‪،‬‬
‫والمأمور بالنتهاء عنه هو الخمر والميسر فلذا يقدّر عنهما بعد {منتهون}‪.‬‬
‫‪{ 3‬فاعلموا} جواب الشرط أي فإن توليتم عن طاعة ال والرسول فاعلموا أن توليكم ل يضر‬
‫الرسول شيئا إنما على الرسول البلغ وقد بلّغكم‪.‬‬
‫‪ 4‬جملة‪{ :‬ثم اتقوا وآمنوا} تأكيد لفظي لجملة‪{ :‬إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات}‪.‬‬
‫‪ 5‬يروى أن القائل‪ :‬أبو بكر الصديق رضي ال عنه وهو سؤال إشفاق ورحمة على من مات وهو‬
‫يشرب هذا المحرم‪.‬‬
‫‪ 6‬الجناح‪ ،‬الثم المترتب عن الجنح الذي هو الميل إلى المعصية وعدم الطاعة‪.‬‬

‫( ‪)2/12‬‬

‫وبشرط اليمان‪ ،‬والعمل الصالح والتقوى لسائر المحارم‪ ،‬ودوام اليمان والتقوى والحسان في‬
‫ذلك بالخلص فيه ل تعالى‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة الخمر والقمار‪ ،‬وتعظيم النصاب والستقسام بالزلم‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب النتهاء من تعاطي هذه المحرمات فورا وقول انتهينا يا ربنا كما قال عمر رضي ال‬
‫عنه‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان علة تحريم شرب الخمر ولعب الميسر وهي إثارة العداوة والبغضاء بين الشاربين‬
‫واللعبين والصد عن ذكر ال وعن الصلة وهما قوام حياة المسلم الروحية‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب طاعة ال والرسول والحذر من معصيتهما‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب التقوى حتى الموت ووجوب الحسان في المعتقد والقول والعمل‪.‬‬
‫ح ُكمْ لِ َيعْلَمَ اللّهُ مَن َيخَافُهُ بِا ْلغَ ْيبِ‬
‫شيْءٍ مّنَ الصّ ْيدِ تَنَالُهُ أَ ْيدِيكُ ْم وَ ِرمَا ُ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ لَيَبُْلوَ ّنكُمُ الّلهُ بِ َ‬
‫َفمَنِ اعْتَدَى َبعْدَ ذَِلكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ(‪ )94‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ لَ َتقْتُلُواْ الصّيْ َد وَأَنتُمْ حُرُمٌ َومَن قَتََلهُ‬
‫طعَامُ‬
‫حكُمُ بِهِ َذوَا عَ ْدلٍ مّنكُمْ هَدْيًا بَاِلغَ ا ْل َكعْبَةِ َأوْ َكفّا َرةٌ َ‬
‫مِنكُم مّ َت َعمّدًا َفجَزَاء مّ ْثلُ مَا قَ َتلَ مِنَ ال ّنعَمِ َي ْ‬
‫عمّا سَلَف َومَنْ عَادَ فَيَن َتقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ‬
‫عفَا اللّهُ َ‬
‫ق وَبَالَ َأمْ ِرهِ َ‬
‫مَسَاكِينَ أَو عَ ْدلُ َذِلكَ صِيَامًا لّ َيذُو َ‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫طعَامُهُ مَتَاعًا ّلكُ ْم وَلِلسّيّا َر ِة َوحُرّمَ عَلَ ْي ُك ْم صَيْدُ الْبَرّ مَا‬
‫حلّ َلكُ ْم صَيْدُ الْبَحْ ِر َو َ‬
‫عَزِيزٌ ذُو انْ ِتقَامٍ(‪ُ )95‬أ ِ‬
‫ُدمْتُمْ حُ ُرمًا وَا ّتقُواْ الّلهَ الّ ِذيَ إِلَيْهِ ُتحْشَرُونَ(‪)96‬‬

‫( ‪)2/13‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ليبلونكم ‪ :‬ليختبرونكم‪.‬‬
‫الصيد ‪ : 1‬ما يصاد‪2 .‬‬
‫تناله أيديكم ‪ : 3‬كبيض الطير وفراخه‪.‬‬
‫ورماحكم ‪ :‬جمع رمح‪ ،‬وما ينال به هو الحيوان على اختلفه‪.‬‬
‫ليعلم القه من يخافه بالغيب ‪ : :‬ليظهر ال تعالى بذلك الختبار من يخافه بالغيب فل يصيد‪.‬‬
‫فمن اعتدى (بعد التحريم)‪ :‬بأن صاد بعد ما بلغه التحريم‪.‬‬
‫وأنتم حرم‪ :‬جمع حرام والحرام‪ :‬المُحرم لحج أو عمرة ويقال رجل حرام وامرأة حرام‪.‬‬
‫من النعم‪ :‬النعم‪ :‬البل والبقر والغنم‪.‬‬
‫ذوا عدل منكم ‪ :‬أي صاحبا عدالة من أهل العلم‪.‬‬
‫وبال أمره ‪ :‬ثقل جزاء ذنبه حيث صاد والصيد حرام‪.‬‬
‫وللسيارة ‪ :‬المسافرين يتزوّدون به في سفرهم‪ .‬وطعام البحر ما يقذف به إلى الساحل‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ينادي الرب تبارك وتعالى عباده المؤمنين ليعلمهم مؤكدا خبره بأنه يبلوهم اختبارا لهم ليظهر ‪4‬‬
‫المطيع من العاصي فقال‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم ال بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم‬
‫ليعلم ال من يخافه بالغيب} فحرم عليهم تعالى الصيد وهم حرم ثم ابتلهم بوجوده بين أيديهم‬
‫بحيث تناله أيديهم ورماحهم بكل يسر وسهولة على نحو ما ابتلى به بني إسرائيل في تحريم‬
‫الصيد يوم السبت فكان السمك يأتيهم يوم سبتهم شرعا ويوم ل يسبتون ل يأتيهم كذلك بلهم ربهم‬
‫بما كانوا يفسقون بيد أن المسلمين استجابوا لربهم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أُذن للمحرم ولمن في الحرم في قتل ما يؤذي كالحية والعقرب‪ ،‬والغراب والفأرة وكل ما يؤذي‬
‫كالسد والنمر والذئب والفهد لقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم‪:‬‬
‫الحية والغراب البقع والفأرة والكلب العقور والحدأة"‪.‬‬
‫‪ 2‬الصيد مصدر صاد بصيد صيدا وأطلق المصدر على اسم المفعول‪ :‬المصيد فقالوا‪ :‬صيدٌ‪.‬‬
‫‪ 3‬قوله‪{ :‬تناله أيديكم} يريد صغار الصيد‪ ،‬وفراخه وبيضه‪{ .‬ورماحكم} هو كبار الصيد الذي ل‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يؤخذ باليد ولكن بآلة الصيد‪.‬‬
‫‪ 4‬أي ليظهر ذلك لهم إقامة للحجة عليهم أما هو سبحانه وتعالى فعلمه بذلك أزلي سابق‪.‬‬

‫( ‪)2/14‬‬

‫وامتثلوا أمره‪ ،‬على خلف بني إسرائيل فإنهم عصوا وصادوا فمسخهم قردة خاسئين‪ .‬وقوله تعالى‬
‫{فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}‪ ،‬أي فمن صاد بعد هذا التحريم فله عذاب أليم هذا ما دلت‬
‫عليه الية الولى (‪ .)94‬أما الية الثانية (‪ )95‬وهي قوله تعالى‪{ :‬يا أيها ‪ 1‬الذين آمنوا ل تقتلوا ‪2‬‬
‫الصيد وأنتم حرم} فأكد لهم تحريم الصيد وبين لهم ما يترتب على ذلك من جزاء فقال {ومن قتله‬
‫منكم متعمدا} فالحكم الواجب على من قتله جزاءً {مثل ما قتل من النعم} وهى البل والبقر والغنم‬
‫{يحكم به ذوا عدل منكم} فالعدلن ينظران إلى الصيد وما يشبهه من النعم فالنعامة تشبه الجمل‬
‫وبقرة الوحش تشبه البقرة‪ ،‬والغزال يشبه التيس وهكذا فإن شاء ‪ 3‬من وجب عليه بعير أو بقرة أو‬
‫تيس أن يسوقه إلى مكة الفقراء الحرم فليفعل وأن شاء اشترى بثمنه طعاما وتصدق به‪ ،‬وإن شاء‬
‫صام بدل كل نصف صاع يوما لقوله تعالى‪{ :‬هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل‬
‫ذلك صياما} وقوله تعالى‪{ :‬ليذوق وبال أمره} أي ثقل جزاء مخالفته وقوله تعالى‪{ :‬عفا ال عما‬
‫سلف} أي ترك مؤاخذتكم على ما مضى‪ ،‬وأما مستقبلً فإنه تعالى يقول‪{ :‬ومن عاد فينتقم ‪ 4‬ال‬
‫منه وال عزيز ذو انتقام} ومعناه أنه يعاقبه على معصيته ول يحول دون مراده تعالى حائل أل‬
‫فاتقوه واحذروا الصيد وأنتم حرم‪ ،‬هذا ما دلت عليه الية الثانية أما الثالثة (‪ )96‬فقد أخبر تعالى‬
‫بعد أن حرم على المؤمنين الصيد وهم حرم وواجب الجزاء على من صاد‪ .‬أخبر أنه امتنانا منه‬
‫عليهم أحل لهم صيد البحر أي ما يصيدونه من البحر وهم حرم كما أحل لهم طعامه وهو ما يقذفه‬
‫البحر من حيوانات ‪ 5‬ميتة على ساحله {متاعا لكم وللسيارة} وهم المسافرون يتزودون به في‬
‫سفرهم ويحرم عليهم صيد البر ما داموا حرما‪ ،‬وأمرهم بتقواه أي بالخوف من عقوبته فيلزموا‬
‫طاعته بفعل ما أوجب وترك ما حرم‪ ،‬وذكرهم بحشرهم جميعا إليه يوم القيامة للحساب والجزاء‬
‫فقال‪{ :‬واتقوا ال الذي إليه تحشرون}‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روي أن أبا اليسر عمرو بن مالك النصاري قتل حمار وحش وهو محرم بعمرة عام الحديبية‬
‫فنزلت هذه الية‪.‬‬
‫‪ 2‬القتل لغة‪ :‬إفاتة الروح وهو أنواع منها النحر‪ ،‬والذبح‪ ،‬والخنق‪ ،‬والرضخ وشبهه‪.‬‬
‫‪ 3‬قالت العلماء‪ :‬ما يجزىء من الصيد شيئان دواب وطير فيجزىء ما كان من الدواب بنظيره في‬
‫الخلقة والصورة ففي النعامة بدنه والطير‪ :‬القيمة إل الحمام ففيه شاة‪.‬‬
‫‪ 4‬الجمهور أنّ مَنْ صاد ودفع الجزاء ث ّم صاد كلما صاد لزمه الفداء‪ ،‬وبعض أهل العلم يرى أنه‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ل يحكم عليه بشيء ويترك ل تعالى ويقال له‪ :‬ينتقم ال منك‪.‬‬
‫‪ 5‬مذهب مالك حلية ميتة البحر مطلقا لحديث‪" :‬هو الطهور ماؤه الحل ميتته" وحديث العنبر‪.‬‬

‫( ‪)2/15‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ابتلء ال تعالى لصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم بالحديبية بكثرة الصيد بين أيديهم‪.‬‬
‫وحرم عليهم صيده فامتثلوا أمر ال تعالى ولم يصيدوا فكانوا خيرا من بني إسرائيل وأفضل منهم‬
‫على عهد أنبيائهم‪.‬‬
‫‪ -2‬تحريم الصيد على المحرم إل صيد البحر فإنّه مباح له‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان جزاء من صاد وهو محرم وأنه جزاء مثل ما قتل من النعم‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب التحكيم فيما صاده المحرم‪ ،‬ول يصح أن يكفر الصائد بنفسه‪.‬‬
‫‪ -5‬صيد الحرم حرام على الحرام من الناس والحلل‪.‬‬
‫ي وَا ْلقَلَئِدَ ذَِلكَ لِ َتعَْلمُواْ أَنّ اللّهَ َيعَْلمُ‬
‫شهْرَ ا ْلحَرَا َم وَا ْلهَ ْد َ‬
‫س وَال ّ‬
‫ج َعلَ اللّهُ ا ْل َكعْبَةَ الْبَ ْيتَ ا ْلحَرَامَ قِيَامًا لّلنّا ِ‬
‫َ‬
‫ب وَأَنّ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ(‪ )97‬اعَْلمُواْ أَنّ اللّهَ شَدِيدُ ا ْل ِعقَا ِ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الَ ْرضِ وَأَنّ الّلهَ ِب ُكلّ َ‬
‫مَا فِي ال ّ‬
‫لغُ وَالّلهُ َيعْلَمُ مَا تُ ْبدُونَ َومَا َتكْ ُتمُونَ(‪ )99‬قُل لّ‬
‫غفُورٌ رّحِيمٌ(‪ )98‬مّا عَلَى الرّسُولِ ِإلّ الْبَ َ‬
‫اللّهَ َ‬
‫عجَ َبكَ كَثْ َرةُ الْخَبِيثِ فَا ّتقُواْ اللّهَ يَا ُأوْلِي الَلْبَابِ َلعَّل ُكمْ ُتفْلِحُونَ(‪)100‬‬
‫ث وَالطّ ّيبُ وََلوْ أَ ْ‬
‫يَسْ َتوِي الْخَبِي ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الكعبة ‪ :‬الكعبة كل بناء مربع والمراد بها هنا بيت ال الحرام‪.‬‬
‫قياما للناس‪ :‬يقوم به أمر دينهم بالحج إليه والعتمار ودنياهم بأمن داخله وجبي ثمرات كل شيء‬
‫إليه‪.‬‬

‫( ‪)2/16‬‬

‫الشهر الحرام‪ :‬أي المحرم والمراد به الشهر الحرم الربعة رجب والقعدة والحجة ومحرم‪.‬‬
‫الهدي ‪ :‬ما يهدى إلى البيت من أنواع الهدايا‪.‬‬
‫والقلئد ‪ :‬جمع قلدة ما يقلده البعير أو البقرة المهدى إلى الحرم‪.‬‬
‫البلغ‪ :‬بلغ ما أمره بإبلغه‪.‬‬
‫ما تبدون وما تكتمون ‪ :‬أي ما تظهرون وما تخفون‪.‬‬
‫الخبيث‪ :‬مقابل الطيب وهو الحرام وهو عام في المحسوسات والمعقولت‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أولي اللباب‪ :‬أصحاب العقول‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى‪{ :‬جعل ‪ 1‬ال الكعبة البيت الحرام ‪ 2‬قياما للناس} المراد من الناس العرب في جاهليتهم‬
‫قبل السلم ومعنى قياما‪ :‬أن مصالحهم قائمة على وجود البيت يحج ويعتمر يأمن التي إليه‬
‫والداخل في حرمه‪ ،‬وكذا الشهر ‪ 3‬الحرام وهي أربعة أشهر القعدة والحجة ومحرم ورجب ‪،4‬‬
‫وكذا الهدي وهو ما يهدى إلى الحرم من النعام‪ ،‬وكذا القلئد جمع قلدة وهي ما يقلده الهدي‬
‫إشعارا بأنه مهدى إلى الحرم‪ ،‬وكذا ما يقلده الذاهب إلى الحرم نفسه من ِلحَاءَ‪ 5‬شجر الحرم‬
‫إعلما بأنه آت من الحرم أو ذاهب إليه فهذه الربعة البيت الحرام والشهر الحرام والهدى والقلئد‬
‫كانت تقوم مقام السلطان بين العرب فتحقق المن والرخاء في ديارهم وخاصة سكان الحرم من‬
‫قبائل قريش فهذا من تدبير ال تعالى لعباده وهو دال على علمه وقدرته وحكمته ورحمته ولذا قال‬
‫تعالى‪{ :‬ذلك لتعلموا أن ال يعلم ما في السموات وما في الرض وأن ال بكل شيء عليم} أي‬
‫حقق ذلك المن والرخاء في وقت ل دولة لكم فيه ول نظام ليعلمكم أنه يعلم ما في السموات وما‬
‫في الرض من سائر الكائنات وشتى‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ال الذي أوجد الكعبة إذ أمر خليله ببنائها فبناها هذا اليجاد الخير أمّا الول فكان على عهد‬
‫آدم عليه السلم‪ ،‬وجعل هنا بمعني صيرها كذلك أي قياما للناس الذين هم العرب‪.‬‬
‫‪ 2‬قياما وقيما وهما من ذوات الواو فقلبت الواو ياء لن أصل الفعل قام يقوم قواما‪ ،،‬وقياما‪.‬‬
‫‪ 3‬الشهر‪ :‬اسم جنس ولذا أريد به هنا الشهر الحرم الربعة‪.‬‬
‫‪ 4‬يقال له رجب الصم لنه ل يسمع فيه قعقعة السلح ويقال‪ :‬رجب مضر لن مضر كانت‬
‫تعظّمه أكثر من غيره‪ ،‬والصب حيث يصب فيه الخير صبّا‪.‬‬
‫‪ 5‬لِحاء ككِساء ‪ :‬قشر الشجر‪.‬‬

‫( ‪)2/17‬‬

‫المخلوقات ل يخفى عليه من أمرها شيء‪ ،‬وأنه بكل شيء عليم فهو الله الحق الذي ل إله غيره‬
‫ول رب سواه فاعبدوه‪ ،‬وتوكلوا عليه واتركوا عبادة غيره والنظر إلى سواه‪ ،‬وإن لم تفعلوا فسوف‬
‫يعاقبكم بذلك أشد العقوبة وأقساها فإنه عز وجل شديد العقاب فاعلموا ذلك واتقوه‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه اليتان الولى (‪ )97‬والثانية (‪ )98‬أما الية الثالثة (‪ )99‬فقد أكدت مضمون قوله‬
‫تعالى في الية الثانية {اعلموا أن ال شديد العقاب} وهو وعيد شديد فقال تعالى {ما على الرسول‬
‫إل البلغ} ‪ 1‬وقد بلّغ‪ ،‬فأنذر وأعذر‪ ،‬وبقي المر إليكم إن أنبتم إلى ربكم وأطعتموه فإنه يغفر لكم‬
‫ويرحمكم لنه غفور رحيم‪ ،‬وإن أعرضتم وعصيتم فإنه يعلم ذلك منكم ويؤاخذكم به ويعاقبكم عليه‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وهو شديد العقاب وقوله {وال يعلم ما تبدون وما تكتمون} وعد ووعيد لن علمه تعالى بالظواهر‬
‫والبواطن يترتب عليه الجزاء فإن كان العمل خيرا كان الجزاء خيرا وإن كان العمل شرا كان‬
‫الجزاء كذلك‪.‬‬
‫هذا مضمون الية الثالثة أما الرابعة (‪ )100‬فإنه تعالى يقول لرسوله صلى ال عليه وسلم قل‬
‫للناس أيها الناس أنه {ل يستوي الخبيث ‪ }2‬من المعتقدات والقوال والعمال والرجال والموال‬
‫‪{ ،3‬والطيّب} منها‪ ،‬ولو أعجبتكم ‪ 4‬أي سرتكم كثرة الخبيث فإن العبرة ليست بالكثرة والقلة وإنما‬
‫هي بالطيب النافع غير الضار ولو كان قليلً‪ ،‬وعليه {فاتقوا ال يا أولي اللباب} أي خافوه فامتثلوا‬
‫أمره واجتنبوا نهيه رجاء حصول الفلح لكم بالنجاة من المرهوب والحصول على المرغوب‬
‫المحبوب‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان عظيم تدبير ال تعالى لخلقه‪ ،‬إذ أمّن مصالح قريش والعرب فأوجد لهم أمنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي ليس عليه هداية الناس ول التوفيق ول الثواب‪ .‬وأصل البلغ‪ :‬البلوغ وهو الوصول‪ ،‬بلغ‬
‫المكان يبلغه وصل إليه‪ ،‬وأبلغه الشيء أوصله إليه فعلى الرسول إبلغ أمر ال ونهيه وأخباره إلى‬
‫عباده بأسلوب بلغي يصل به إلى نفوسهم في أطيب لفظ وأحسنه‪.‬‬
‫‪ 2‬الخبيث ل يساوي الطيب مقدارا ول انفاقا ومكانا ول ذهابا فالطيب يأخذ جهة اليمين‪ ،‬والخبيث‬
‫يأخذ ذات الشمال‪ ،‬والطيّب والطيّبون في الجنة‪ ،‬والخبيث والخبثاء في النار‪.‬‬
‫‪ 3‬قالت العلماء‪ :‬في قوله‪{ :‬ل يستوي الخبيث} الية دليل على أنّ البيع الفاسد يفسخ ويرد الثمن‬
‫على المبتاع وشاهده من السنة قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬من عمل عملً ليس عليه أمرنا فهو‬
‫ردّ"‪.‬‬
‫‪ 4‬الخطاب في قوله {ولو أعجبك كثرة الخبيث} الخطاب صالح لكل من هو أهل للخطاب والنتفاع‬
‫به من عقلء هذه المة ولذا قلت في التفسير ولو أعجبتكم ولم أقل‪ :‬أعجبتك‪.‬‬

‫( ‪)2/18‬‬

‫واستقرارا وتبع ذلك هناءة عيش وطيب حياة بما ألقى في قلوب عباده من احترام وتعظيم للبيت‬
‫الحرام والشهر الحرام‪ ،‬والهدي والقلئد‪ ،‬المر الذي ل يقدر عليه إل ال‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان مسئولية الرسول أزاء الناس وأنها البلغ ل غير وقد بلغ صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير الحكمة القائلة العبرة بالكيف ل بالكم فمؤمن واحد أنفع من عشرة كفرة ودرهم حلل‬
‫خير من عشرة حرام وركعتان متقبلتان خير من عشرة ل تقبل‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -4‬المر بالتقوى رجاء فلح المتقين‪1 .‬‬
‫س ْؤكُ ْم وَإِن تَسْأَلُواْ عَ ْنهَا حِينَ يُنَ ّزلُ ا ْلقُرْآنُ تُبْدَ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُو ْا لَ تَسْأَلُواْ عَنْ َأشْيَاء إِن تُ ْبدَ َلكُمْ َت ُ‬
‫غفُورٌ حَلِيمٌ (‪ )101‬قَدْ سَأََلهَا َقوْمٌ مّن قَبِْلكُمْ ُثمّ َأصْبَحُواْ ِبهَا كَافِرِينَ (‪)102‬‬
‫عفَا اللّهُ عَ ْنهَا وَاللّهُ َ‬
‫َلكُمْ َ‬
‫علَى اللّهِ ا ْلكَ ِذبَ‬
‫ل َوصِيلَ ٍة َولَ حَا ٍم وََلكِنّ الّذِينَ َكفَرُواْ َيفْتَرُونَ َ‬
‫ج َعلَ اللّهُ مِن بَحِي َر ٍة َولَ سَآئِبَ ٍة َو َ‬
‫مَا َ‬
‫وََأكْثَرُهُ ْم لَ َي ْعقِلُونَ (‪ )103‬وَإِذَا قِيلَ َلهُمْ َتعَاَلوْاْ إِلَى مَا أَن َزلَ الّل ُه وَإِلَى الرّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا‬
‫علَيْهِ آبَاءنَا َأوََلوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَ َيعَْلمُونَ شَيْئًا َولَ َيهْتَدُونَ(‪)104‬‬
‫وَجَدْنَا َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إن تبد لكم‪ :‬تظهر لكم تضركم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬من الحناف من يمنع الحبس‪ ،‬والوقف تعلّقا واستدللً بهذه الية وهو محجوج بإجماع الصحابة‬
‫لحديث عمر في الصحيح إذ قال له الرسول صلى ال عليه وسلم "احبس الصل وسبّل الثمرة"‪.‬‬
‫‪ 2‬وذلك إذا نتجت خمسة أبطن فإن كان الخامس ذكرا نحروه فأكله الرجال والنساء وإن كان أنثى‬
‫بحروا أذنها أي شقوها وكانت حراما على النساء لحمها ولبنها‪ ،‬والسائبة‪ ،‬بعير يسيب بنذر ينذره‬
‫أحدهم لللهة إن حصل له كذا سيّب كذا وتترك فل تمنع من رعي ول ماء ول يركبها أحد‪.‬‬

‫( ‪)2/19‬‬

‫عفا ال عنها ‪ :‬سكت عنها فلم يذكرها أو لم يؤاخذكم بها‪.‬‬


‫سألها قوم ‪ :‬طلبها غيركم من المم السابقة‪.‬‬
‫ما جعل ال ‪ :‬أي ما شرع‪.‬‬
‫بحيرة ول سائبة ‪ :‬البحيرة‪ :‬الناقة تبحر أذنها أي تشق‪ ،‬والسائبة‪ :‬الناقة تسيّب‪.‬‬
‫ول وصيلة ول حام‪ :‬الوصيلة‪ :‬الناقة يكون أول إنتاجها أنثى‪ ،‬والحام‪ :‬الجمل يحمى ظهره لللهة‪.‬‬
‫ما أنزل ال‪ :‬من الحق والخير‪.‬‬
‫ما وجدنا عليه آباءنا‪ :‬من الباطل والضلل‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لقد أكثر بعض الصحابة من سؤال رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى تضايق منهم فقام خطيبا‬
‫فيهم وقال‪" :‬ل تسألوني اليوم عن شيء إل بينته لكم"‪ . .‬فقام رجل يدعى عبدال بن حذافة كان إذا‬
‫تلمى مع رجل دعاه إلى غير أبيه فقال من أبي يا رسول ال؟ فقال‪ :‬أبوك حذافة‪ ،‬وقال أبو‬
‫هريرة‪ :‬خطبنا رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪" :‬أيها الناس قد فرض ال عليكم الحج فحجوا‬
‫فقال رجل أفي كل عام يا رسول ال؟ فسكت حتى قالها ثلثا فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ل ولو قلت نعم‪ ،‬لوجبت‪ ،‬ولو وجبت لما استطعتم‪ ،‬ثم قال‪ :‬ذروني ما تركتكم" فنزلت‪{ :‬يا أيها‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الذين آمنوا ل تسألوا عن أشياء ‪ 1‬إن تبد لكم تسؤكم} أي تظهر لكم جوابا لسؤالكم يحصل لكم بها‬
‫ما يسؤكم ويضركم‪{ ،‬وإن ‪ 2‬تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم} أي يبينها رسولنا لكم‪ .‬أما أن‬
‫تسألوا عنها قبل نزول القرآن بها فذلك مال ينبغي لكم لنه من باب إحفاء رسول ال وأذيته ثم‬
‫قال تعالى لهم‪{ :‬عفا ال عنها} أي لم يؤاخذكم بما سألتم {وال غفور حليم}‪ ،‬فتوبوا إليه يتب ‪3‬‬
‫عليكم واستغفروه يغفر لكم ويرحمكم فإنه غفور رحيم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬قد سألها قوم من قبلكم ثم‬
‫أصبحوا بها كافرين} أي قد سأل أسئلتكم التنطعية‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ممنوع من الصرف لنّه مشبه بحمراء‪ .‬في الية دليل على كراهة السؤال لغير حاجة وفي‬
‫صحيح مسلم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬إن ال حرّم عليكم عقوق المهات ووأد البنات‬
‫ومنعا وهات‪ ،‬وكره لكم ثلثا‪ :‬قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال"‪.‬‬
‫‪ 2‬إن قيل‪ :‬ما وجه أنه تعالى نهاهم عن السؤال ثم أذن لهم بقوله‪{ :‬وإن تسألوا عنها‪ }..‬الخ؟‬
‫الجواب‪ :‬إن تسألوا عن غيرها مما دعت الحاجة إليه‪ ،‬ففي الكلم حذف مضاف كما قدّمناه فتأمله‪.‬‬
‫‪ 3‬بعد انقطاع الوحي أمن الناس من نزول ما قد يسوء ومع هذا فإن سؤال التنطع والتعنت مكروه‬
‫دائما وفي الحديث الصحيح‪" :‬من حسن إسلم المرء تركه مال يعنيه"‪.‬‬

‫( ‪)2/20‬‬

‫المحرجة هذه قوم من قبلكم {فأصبحوا بها كافرين ‪ ، }1‬لنهم كلفوا ما لم يطيقوا وشق عليهم جزاء‬
‫تعنتهم في أسئلتهم لنبيائهم فتركوا العمل بها فكفروا‪ .‬هذا ما دلت عليه اليتان الولى (‪)101‬‬
‫والثانية (‪ )102‬وأما الثالثة (‪ )103‬فقد قال تعالى‪{ :‬ما جعل ال من بحيرة ول سائبة ول وصيلة‬
‫ول حام} ومن الجائز أن يكون هناك من يسأل الرسول عن البحيرة وما بعدها فأنزل ال تعالى‬
‫حمَى‬
‫قوله‪{ :‬ما جعل ال من بحيرة} أي ما بحر ال بحيرة ول سيب سائبة ول وصل وصيلة ول َ‬
‫حَامِيا‪ ،‬ولكن الذين كفروا هم الذين فعلوا ذلك افتراء على ال وكذبا عليه {وأكثرهم ل يعقلون} ‪،‬‬
‫ولو عقلوا ما افتروا على ال وابتدعوا وشرعوا من أنفسهم ونسبوا ذلك إلى ال تعالى‪ ،‬وأول من‬
‫سيب السوائب وغير دين إسماعيل عليه السلم عمرو بن لحي الذي رآه رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم يج ّر قصَبه في النار أي أمعاءه في جهنم‪ .‬هذا ما تضمنته الية الثالثة أما الرابعة (‪ )104‬فقد‬
‫أخبر تعالى أن المشركين المفترين على ال الكذب بما ابتدعوه من الشرك إذ قيل لهم {تعالوا إلى‬
‫ما أنزل ال وإلى الرسول} ليبين لكم كذبكم وباطلكم في بحر البحائر وتسييب السوائب‪ ،‬يرفضون‬
‫الرجوع إلى الحق ويقولون‪{ :‬حسبنا} أي يكفينا {ما وجدنا عليه آباؤنا} فلسنا في حاجة إلى غيره‬
‫فرد تعالى عليهم منكرا عليهم قولهم الفاسد {أو لو كان آباؤهم ل يعقلون شيئا} أي يتبعونهم‬
‫ويحتجون بباطلهم ولو كان أولئك الباء جهالً حمقا ل يعقلون شيئا من الحق‪{ ،‬ول يهتدون} إلى‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫خير أو معروف‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬كراهية اللحاف في السؤال والتقعر في السئلة والتنطع فيها‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة البتداع في الدين وأنه سبب وجود الشرك في الناس‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب رد المختلف فيه إلى الكتاب والسنة والرضا بحكمهما‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة تقليد الجهال واتباعهم في أباطيلهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬من أمثلة ذلك‪ :‬سؤال قوم صالح الناقة‪ ،‬وقوم عيسى المائدة‪ ،‬وفي الية تحذير للمؤمنين أن‬
‫يقعوا فيما وقع فيه غيرهم فيهلكوا كما هلكوا‪ .‬وفي صحيح مسلم يقول الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم‪" :‬إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرْم عن المسلمين فحرم من‬
‫أجل مسألته"‪.‬‬

‫( ‪)2/21‬‬

‫جمِيعًا فَيُنَبّ ُئكُم‬


‫ج ُعكُمْ َ‬
‫ضلّ ِإذَا اهْ َتدَيْتُمْ إِلَى الّلهِ مَرْ ِ‬
‫س ُك ْم لَ َيضُ ّركُم مّن َ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ عَلَ ْيكُمْ أَنفُ َ‬
‫ِبمَا كُنتُمْ َت ْعمَلُونَ(‪)105‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫آمنوا ‪ :‬صدقوا ال ورسوله واستجابوا لهما بفعل المأمور وترك المنهي‪.‬‬
‫عليكم أنفسكم ‪ : 1‬ألزموا أنفسكم هدايتها وإصلحها‪.‬‬
‫إذا اهتديتم ‪ :‬إلى معرفة الحق ولزوم طريقه‪.‬‬
‫إلى ال مرجعكم جميعا ‪ :‬ضلّلً ومهتدين‪.‬‬
‫فينبئكم‪ :‬يخبركم بأعمالكم ويجازيكم بها‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة ‪:‬‬
‫ينادي ال تعالى عباده المؤمنين فيقول ‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا} أي صدقوا بال ورسوله ووعد ال‬
‫ووعيده {عليكم أنفسكم ‪ }2‬ألزموها الهداية والطهارة باليمان والعمل الصالح وإبعادها عن الشرك‬
‫والمعاصي‪{ ،‬ل يضركم من ضل إذا اهتديتم}‪ :‬أي أن ضلل غيركم غير ضار بكم إن كنتم‬
‫مهتدين إذ ل تزر وازرة وزر أخرى‪ ،‬كل نفس تجزى بما كسبت ل بما كسب غيرها ومن اهتدى‬
‫فإنما يهتدي لنفسه‪ ،‬ومن ضل فإنما يضل عليها إل أن من الهتداء المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر فإن ترك المؤمنون المر بالمعروف والنهي عن المنكر ل يعتبرون مهتدين إذ بالسكوت‬
‫ل المؤمنون فيفقدون هدايتهم ولذا قام أبو بكر‬
‫عن المنكر يكثر وينتشر ويؤذّي حتما إلى أن يض ّ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الصديق رضي ال عنه خطيبا يوما فقال‪" :‬يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الية‪{ :‬يا أيها الذين ‪3‬‬
‫آمنوا عليكم أنفسكم ‪ ..4‬الخ} وإنكم تضعونها ‪ 5‬على غير‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وإن قيل في معنى احفظوا أنفسكم من الوقوع في المعاصي لكان وجيها لنّ عليكم اسم فعل‬
‫بمعنى احفظ كذا‪.‬‬
‫‪ 2‬في الية التحذير مما وقع فيه مَنْ تقدّم ذكرهم من التقليد العمى والبتداع المضر المهلك وهو‬
‫وجه المناسبة بين هذه الية وما سبقها من اليات‪.‬‬
‫‪ 3‬قيل هذه الية هي الوحيدة التي جمعت بين الناسخ والمنسوخ‪ ،‬فالناسخ فيها قوله‪{ :‬إذا اهتديتم}‬
‫والمنسوخ هو {عليكم أنفسكم} إذ من اهتدى ل يضره من ضل ول تتم الهداية إل بعد المر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫‪ 4‬أنفسكم منصوب على الغراء الدال عليه اسم الفعل عليكم‪.‬‬
‫‪ 5‬ورد بدل تضعونها‪ ...‬إلخ ‪ :‬وتتأوّلونها على غير تأويلها‪.‬‬

‫( ‪)2/22‬‬

‫موضعها‪ ،‬وإني سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪" :‬إن الناس إذا رأوا المنكر ولم‬
‫يغيروه يوشك أن يعمهم ال بعقاب" وقوله تعالى‪{ :‬إلى ال مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون}‬
‫فيه وعد ووعيد‪ ،‬وعد لمن أطاع ال ورسوله‪ ،‬ووعيد لمن عصاهما‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب إصلح المؤمن نفسه وتطهيرها من آثار الشرك والمعاصي وذلك باليمان والعمل‬
‫الصالح‪.‬‬
‫‪ -2‬ضلل الناس ل يضر المؤمن إذا أمرهم بالمعروف ‪ 1‬ونهاهم عن المنكر‪.‬‬
‫‪ 3‬تقرير مبدأ البعث الخر‪.‬‬
‫‪ -4‬للعمل أكبر الثر في سعادة النسان أو شقائه‪.‬‬
‫ع ْدلٍ مّنكُمْ َأوْ‬
‫حضَرَ َأحَ َدكُمُ ا ْل َموْتُ حِينَ ا ْل َوصِيّةِ اثْنَانِ َذوَا َ‬
‫شهَا َدةُ بَيْ ِنكُمْ إِذَا َ‬
‫يِا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ َ‬
‫لةِ‬
‫آخَرَانِ مِنْ غَيْ ِركُمْ إِنْ أَنتُ ْم ضَرَبْتُمْ فِي الَ ْرضِ فََأصَابَ ْتكُم ّمصِيبَةُ ا ْل َم ْوتِ َتحْبِسُو َن ُهمَا مِن َبعْدِ الصّ َ‬
‫شهَا َدةَ الّلهِ إِنّا ِإذًا ّلمِنَ‬
‫سمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْ ُت ْم لَ نَشْتَرِي بِهِ َثمَنًا وََلوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَ َنكْتُمُ َ‬
‫فَ ُيقْ ِ‬
‫حقّا إِ ْثمًا فَآخَرَانِ ِيقُومَانُ َمقَا َم ُهمَا مِنَ الّذِينَ اسْ َتحَقّ عَلَ ْيهِمُ‬
‫ال ِثمِينَ(‪ )106‬فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَ ّن ُهمَا اسْ َت َ‬
‫شهَادَ ِت ِهمَا َومَا اعْتَدَيْنَا إِنّا إِذًا ّلمِنَ الظّاِلمِينَ(‪ )107‬ذَِلكَ‬
‫حقّ مِن َ‬
‫شهَادَتُنَا أَ َ‬
‫سمَانِ بِالّلهِ لَ َ‬
‫لوْلَيَانِ فَ ُيقْ ِ‬
‫اَ‬
‫__________‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 1‬قالت العلماء‪ :‬المر بالمعروف والنهي عن المنكر يتعيّن متى رُجي القبول والتغيير فإن كان‬
‫هناك عدم رجاء فل يجب المر والنهي‪ .‬وكذا يسقط إذا خاف ضررا يلحقه ل يقوى عليه أو‬
‫يلحق غيره من المسلمين‪.‬‬

‫( ‪)2/23‬‬

‫س َمعُو ْا وَاللّهُ‬
‫ج ِههَا َأوْ يَخَافُواْ أَن تُ َردّ أَ ْيمَانٌ َبعْدَ أَ ْيمَا ِنهِمْ وَاتّقُوا اللّهَ وَا ْ‬
‫شهَا َدةِ عَلَى وَ ْ‬
‫أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِال ّ‬
‫سقِينَ‪)108( 1‬‬
‫لَ َي ْهدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلفَا ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫شهادة بينكم ‪ :‬الشهادة‪ :‬قول صادر عن علم حاصل بالبصر أو البصيرة‪ ،‬وبينكم‪ :‬أي شهادة‬
‫بعضكم على بعض‪.‬‬
‫إن أنتم ضربتم في الرض ‪ :‬أي بأن كنتم مسافرين‪.‬‬
‫من بعد الصلة ‪ :‬صلة العصر‪.‬‬
‫إن ارتبتم ‪ :‬شككتم في سلمة قولهما وعدالته‪.‬‬
‫فإن عثر ‪ :‬أي وقف على خيانة منهما فيما عهد به إليهما حفظه‪.‬‬
‫أدنى ‪ :‬أقرب‪.‬‬
‫على وجهها ‪ : 2‬أي صحيحة كما هي ل نقص فيها ول زيادة‪.‬‬
‫الفاسقين ‪ :‬الذين لم يلتزموا بطاعة ال ورسوله في المر والنهي‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في إرشاد المؤمنين وتعليمهم وهدايتهم إلى ما يكملهم ويسعدهم ففي هذه اليات‬
‫الثلث (‪ )108( ،)107( ،)106‬ينادي ال تعالى عباده المؤمنين فيقول‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا شهادة‬
‫بينكم إذ حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم} أي ليشهد اثنان {ذوا عدل منكم }‬
‫أي من المسلمين على وصية أحدكم إذا حضرته الوفاة‪ ،‬أو ليشهد اثنان من غيركم أي من غير‬
‫المسلمين {إن أنتم ضربتم في الرض} أي كنتم مسافرين ولم يوجد مع من حضره الموت في‬
‫السفر إل كافر‪ ،‬فإن ارتبتم في صدق خبرهما وصحة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذه الية نزلت فيما ذهب إليه أكثر المفسرين‪ :‬في تميم الداري وعدي بن بداء إذ روى‬
‫البخاري وغيره أن تميم الداري وابن بداء كانا يختلفان إلى مكة فخرج معهما‪ :‬فتى من بني سهم‬
‫فتوفي بأرض ليس فيها مسلم فأوحى إليهما فدفعا تركته إلى أهله وحبسا جاما (إناء) من فضة‬
‫مخوصا بالذهب فاستحلفهما رسول ال صلى ال عليه وسلم "ما كتمتما ول أطلعتما" ثم وجد الجام‬
‫بمكة فقالوا اشتريناه من عدي وتميم فجاء رجلن من ورثة السهمي فحلفا أنّ هذا الحام للسهمي‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ولشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا قال‪ :‬فأخذوا الجام وفيهم نزلت هذه الية‪.‬‬
‫"لفظ الدار قطني"والظاهر أن استحلف الرسول صلى ال عليه وسلم لهما‪ :‬كان بعد نزول الية‬
‫مبيّنة طريق الحكم في هذه القضية فاتبعها الرسول صلى ال عليه وسلم وحكم بينهم بما في الية‬
‫نصّا وروحا وال أعلم‪.‬‬
‫‪ 2‬أي غير مشوّه بالتغيير والتبديل والنقص والزيادة‪ ،‬والتعبير بالوجه شائع يقال‪ :‬جاء بالشيء‬
‫الفلني على وجهه أي‪ :‬من كمال أحواله‪.‬‬

‫( ‪)2/24‬‬

‫شهادتهما فاحبسوهما أي أوقفوهما بعد صلة العصر في المسجد ليحلفا لكم فيقسمان بال فيقولن‬
‫وال ل نشتري بأيماننا ثمنا قليلً‪ ،‬ولو كان المقسم عليه أو المشهود عليه ذا قربى أي قرابة‪{ ،‬ول‬
‫نكتم شهادة ال‪ ،‬إنا إذا} أي إذا كتمنا شهادة ال {لمن الثمين} {فإن عثر على أنهما استحقا إثما}‬
‫أي وإن وجد أن الذين حضرا الوصية وحلفا على صدقهما فيما وصاهما به من حضره الموت إن‬
‫وجد عندهما خيانة أو كذب فيما حلفا عليه‪{ ،‬فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم‬
‫الوليان} ‪ 1‬فيقسمان بال قائلين وال‪ :‬لشهادتنا أحق من شهادتهما أي ليماننا أصدق وأصح من‬
‫أيمانهما‪{ ،‬وما اعتدينا} أي عليهما باتهام باطل‪ ،‬إذ لو فعلنا ذلك لكنا من الظالمين‪ ،‬فإذا حلفا هذه‬
‫اليمين استحقا ما حلفا عليه ورد إلى ورثة الميت ما كان قد أخفاه وجحده شاهدا الوصية عند‬
‫الموت‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها} أي أقرب إلى أن يأتوا بالشهادة‬
‫عادلة ل حيف فيها ول جور وقوله {أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم}‪ ،‬أي وأقرب إلى أن‬
‫يخافوا أن ترد أيمانهم فل يكذبوا خوف الفضيحة‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬واتقوا ال} أي خافوه أيها‬
‫المؤمنون فل تخرجوا عن طاعته‪{ ،‬واسمعوا} ما تؤمرون به واستجيبوا ل فيه‪ ،‬فإن ال ل يهدي‬
‫إلى سبيل الخير والكمال الفاسقين الخارجين عن طاعته‪ ،‬فاحذروا الفسق واجتنبوه‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫ا‪ -‬مشروعية الوصية في الحضر والسفر معا‪ ،‬والحث عليها والترغيب فيها‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب الشهاد على الوصية‪.‬‬
‫‪ -3‬يجوز شهادة غير المسلم ‪ 2‬على الوصية إذا تعذر وجود مسلم ‪.3‬‬
‫‪ - 4‬استحباب الحلف بعد صلة العصر تغليظا في شأن اليمين‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬واحد الوليان‪ :‬الولى بمعنى الجدر والحق‪ ،‬وعرفا باللّم العهدية لنه معهود للمخاطب ذهنا‪،‬‬
‫والوليان‪ :‬الحقّان بالشهادة لقرابتهما من الميت‪ ،‬قال أهل العلم إن هذه الية في غاية الصعوبة‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إعرابا ونظما وحكما‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا بناء على أن الية غير منسوخة وهو قول القلية كأحمد بن حنبل رحمة ال تعالى وهو‬
‫الراجح والية دللتها قوية عليه‪ ،‬وأما التخوف من قوله تعالى‪{ :‬وأشهدوا ذوي عدل منكم} فل‬
‫داعي إليه مع وجود ضرورة السفر وانعدام وجود المسلم‪ ،‬كما ل محذور من تحليف الشاهد إذا‬
‫حامت حوله ريبة أو شك في عدالته لسيما في ظروف تقل فيها العدالة لفساد أحوال الناس‪ .‬ولهذا‬
‫ذهبت في تفسير الية على أنها محكمة والعمل بها جائر‪.‬‬
‫‪ 3‬وممن قال بعدم نسخ هذه الية وأنها محكمة والعمل بها من الصحابة‪ :‬أبو موسى الشعري‬
‫وقضى بها‪ ،‬وعبدال بن قيس‪ ،‬وعبدال بن عباس‪ ،‬ومن التابعين سعيد بن المسيب‪ ،‬وسعيد بن‬
‫جبير‪ ،‬وإبراهيم النخعي وغيرهم‪ ،‬ومن الئمة إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحم ال الجميع‪.‬‬

‫( ‪)2/25‬‬

‫‪ -5‬مشروعية تحليف الشهود إذا ارتاب القاضي فيهم أو شك في صدقهم‪.‬‬


‫سلَ فَ َيقُولُ مَاذَا ُأجِبْتُمْ قَالُو ْا لَ عِ ْلمَ لَنَا إِ ّنكَ أَنتَ عَلّمُ ا ْلغُيُوبِ(‪ِ )109‬إذْ قَالَ اللّهُ يَا‬
‫ج َمعُ اللّهُ الرّ ُ‬
‫َيوْمَ يَ ْ‬
‫ك وَعَلَى وَالِدَ ِتكَ ِإذْ أَيّد ّتكَ بِرُوحِ ا ْلقُدُسِ ُتكَلّمُ النّاسَ فِي ا ْل َم ْهدِ‬
‫عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ ا ْذكُرْ ِن ْعمَتِي عَلَ ْي َ‬
‫ل وَإِذْ َتخْلُقُ مِنَ الطّينِ َكهَيْئَةِ الطّيْرِ بِِإذْنِي فَتَنفُخُ‬
‫ح ْكمَ َة وَال ّتوْرَاةَ وَالِنجِي َ‬
‫عّلمْ ُتكَ ا ْلكِتَابَ وَا ْل ِ‬
‫ل وَإِذْ َ‬
‫َو َكهْ ً‬
‫ل ْكمَ َه وَالَبْ َرصَ بِِإذْنِي وَِإذْ تُخْرِجُ ا ْلمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ َك َففْتُ بَنِي‬
‫فِيهَا فَ َتكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِى ُء ا َ‬
‫سحْرٌ مّبِينٌ(‪ )110‬وَإِذْ َأوْحَ ْيتُ‬
‫إِسْرَائِيلَ عَنكَ ِإذْ جِئْ َتهُمْ بِالْبَيّنَاتِ فَقَالَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِ ْنهُمْ إِنْ هَذَا ِإلّ ِ‬
‫ش َهدْ بِأَنّنَا مُسِْلمُونَ(‪)111‬‬
‫حوَارِيّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَاُلوَاْ آمَنّا وَا ْ‬
‫إِلَى الْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫يوم ‪ 1‬يجمع ال الرسل ‪ :‬أي اذكر يوم يجمع ال الرسل وذلك ليوم القيامة‪.‬‬
‫الغيوب‪ :‬جمع غيب‪ :‬وهو ما غاب عن العيون فل يدرك بالحواس‪.‬‬
‫أيدتك ‪ :‬قويتك ونصرتك‪.‬‬
‫بروح القدس ‪ :‬جبريل عليه السلم‪.‬‬
‫المهد‪ :‬سرير الطفل الرضيع‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وجه اتصال هذه الية بسابق‬
‫تها ظاهر‪ ،‬إذ أمرهم تعالى في الية الولى بالتقوى والسمع والطاعة لوامره ونواهيه‪ ،‬وذكّرهم‬
‫في هذه الية بأهوال يوم القيامة ليكرر ذلك حافزا لهم على التقوى مقوّيا لهم على السمع‬
‫والطاعة‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/26‬‬

‫الكهل ‪ :‬من تجاوز سن الشباب أي ثلثين سنة‪.‬‬


‫الكتاب ‪ :‬الخط والكتابة‪.‬‬
‫والحكمة ‪ :‬فهم أسرار الشرع‪ ،‬والصابة في المور كلها‪.‬‬
‫تخلق كهيئة الطير‪ :‬أي توجد وتقدر هيئة كصورة الطير‪.‬‬
‫الكمه والبرص‪ :‬الكمه‪ :‬من ولد أعمى‪ ،‬والبرص‪ :‬من به مرض البرص‪.‬‬
‫تخرج الموتى ‪ :‬أي أحياء من قبورهم‪.‬‬
‫كففت ‪ :‬أي منعت‪.‬‬
‫الحواريون‪ :‬جمع حواري‪ :‬وهو صادق الحب في السر والعلن‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يحذر ال تبارك وتعالى عباده المؤمنين من أهوال البعث الخر يوم يجمع ‪ 1‬الرسل عليهم السلم‬
‫ويسألهم وهو أعلم بهم‪{ :‬فيقول‪ :‬ماذا أجبتم؟} أطاعتكم أممكم أم عصتكم؟ فيرتج عليهم ويذهلون‬
‫ويفوضون المر إليه تعالى ويقولون‪{ :‬ل علم لنا ‪ :2‬انك أنت علم الغيوب}‪ ،‬إذا كان هذا حال‬
‫الرسل فكيف بمن دونهم من الناس ويخص عيسى عليه السلم من بين الرسل بالكلم في هذا‬
‫الموقف العظيم‪ ،‬لن أمتين كبيرتين غوت فيه وضلت اليهود ادعوا أنه ساحر وابن زنى‪،‬‬
‫والنصارى ادعوا أنه ال وابن ال‪ ،‬فخاطبه ال تعالى وهم يسمعون‪{ :‬يا عيسى بن مريم اذكر‬
‫نعمتي عليك وعلى والدتك} فأنت عبدي ورسولي وأمك أمتي‪ ،‬وذكر له أنواع نعمه عليه فقال‪{ :‬إذ‬
‫أيدتك ‪ 3‬بروح القدس}‪ ،‬جبريل عليه السلم {تكلم الناس في المهد} وأنت طفل‪ .‬إذ قال وهو في‬
‫مهده {إني عبدال آتاني الكتاب وجعلني نبيا‪ ،‬وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلة والزكاة‬
‫ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلم علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث‬
‫حيا} وقوله {وكهلً} أي وتكلمهم وأنت كهل أيضا وفيه بشرى لمريم أن ولدها يكبر ول يموت‬
‫صغيرا وقد كلم الناس وهو شاب وسيعود إلى الرض ويكلم الناس وهو كهل ويعدد نعمه عليه‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬يومَ} منصوب على الظرفية معمول لـ اسمعوا لفعل محذوف يقدّر بـ اذكروا‪ ،‬أو اسمعوا‪ ،‬أو‬
‫احذروا‪.‬‬
‫‪ 2‬أي‪ :‬ل علم لنا بباطن ما أجاب به أممنا‪ ،‬وشهد له حديث الصحيح‪" :‬يرد على أقوام الحوض‬
‫فيختلجون فأقول‪ :‬أمتي فيقال‪ :‬إنك ل تدري ما أحدثوا بعدك"‪.‬‬
‫‪ 3‬أي‪ :‬قويتك مأخوذ من اليد الذي هو القوة ومنه قوله تعالى‪{ :‬والسماء بنيناها بأيد}‪.‬‬

‫( ‪)2/27‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فيقول‪{ :‬وإذ علمتك الكتاب والحكمة}‪ ،‬فكنت تكتب الخط وتقول وتعمل بالحكمة‪ ،‬وعلمتك التوراة‬
‫كتاب موسى عليه السلم والنجيل الذي أوحاه إليه {وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني}‬
‫فيكون طيرا بإذني أي اذكر لما طالبك بنو إسرائيل بآية على نبوتك فقالوا لك اخلق لنا طيرا‬
‫فأخذت طينا وجعلته على صورة طائر وذلك بإذني لك ونفخت فيه بإذني فكان طائرا‪ ،‬واذكر‬
‫أيضا {إذ تبرىء الكمة} وهو العمى الذي ل عينين له‪{ ،‬والبرص بإذني} أي بعوني لك‬
‫وإقداري لك على ذلك {وإذ تخرج الموتى} من قبورهم أحياء فقد أحيا عليه السلم عددا من‬
‫الموات بإذن ال تعالى ثم قال بنو إسرائيل أحيي لنا سام بن نوح فوقف على قبره وناداه فقام حيا‬
‫من قبره وهم ينظرون‪ ،‬واذكر {إذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات ‪ }1‬فكذبوك وهموا‬
‫بقتلك وصلبك‪{ ،‬فقال الذين كفروا منهم إن هذا إل سحر مبين}‪ .‬واذكر {إذ أوحيت إلى الحواريين‬
‫‪ }2‬على لسانك {أن آمنوا بي وبرسولي} أي بك يا عيسى {قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون} أي‬
‫منقادون مطيعون لما تأمرنا به من طاعة ربنا وطاعتك‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬شدة هول يوم القيامة وصعوبة الموقف حتى إن الرسل ليذهلون‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب الستعداد لذلك اليوم بتقوى ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -3‬توبيخ اليهود والنصارى بتفريط اليهود في عيسى وغلو النصارى فيه‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان إكرام ال تعالى لعيسى وما حباه به من الفضل والنعام‪.‬‬
‫‪ -5‬ثبوت معجزات عيسى عليه السلم وتقريرها‪.‬‬
‫سمَاء قَالَ ا ّتقُواْ‬
‫حوَارِيّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ َهلْ َيسْتَطِيعُ رَ ّبكَ أَن يُنَ ّزلَ عَلَيْنَا مَآئِ َدةً مّنَ ال ّ‬
‫إِذْ قَالَ ا ْل َ‬
‫اللّهَ إِن كُنتُم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي ‪ :‬الدللت والمعجزات وهي المذكورة في هذه اليات من إبراء الكمه والبرص وإحياء‬
‫الموتى‪.‬‬
‫‪ 2‬الوحي يكون بمعنى اللهام لغير الرسول أمّا الرسول فطرق الوحي إليهم جاءت في آخر سورة‬
‫الشورى‪.‬‬

‫( ‪)2/28‬‬

‫ص َدقْتَنَا وَ َنكُونَ عَلَ ْيهَا مِنَ‬


‫طمَئِنّ قُلُوبُنَا وَ َنعْلَمَ أَن قَ ْد َ‬
‫ّم ْؤمِنِينَ(‪ )112‬قَالُواْ نُرِيدُ أَن نّ ْأ ُكلَ مِ ْنهَا وَتَ ْ‬
‫سمَاء َتكُونُ لَنَا عِيدا لَّأوّلِنَا‬
‫الشّا ِهدِينَ(‪ )113‬قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْ َيمَ الّلهُمّ رَبّنَا أَن ِزلْ عَلَيْنَا مَآئِ َدةً مّنَ ال ّ‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ك وَارْ ُزقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرّا ِزقِينَ(‪ )114‬قَالَ اللّهُ إِنّي مُنَزُّلهَا عَلَ ْيكُمْ َفمَن َي ْكفُرْ َبعْدُ‬
‫وَآخِرِنَا وَآيَةً مّن َ‬
‫عذّبُهُ َأحَدًا مّنَ ا ْلعَاَلمِينَ(‪)115‬‬
‫مِنكُمْ فَإِنّي أُعَذّبُهُ عَذَابًا لّ أُ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫هل يستطيع‪ :‬هل يطيع ويرضى‪.‬‬
‫مائدة من السماء ‪ :‬المائدة‪ :‬الخوان وما يوضع عليه أو الطعام والمراد بها هنا الطعام‪.‬‬
‫وتطمئن قلوبنا ‪ :‬أي تسكن بزيادة اليقين فيها‪.‬‬
‫ونكون عليها من الشاهدين ‪ :‬أي نشهد أنها نزلت من السماء‪.‬‬
‫عيدا ‪ :‬أي يوما يعود علينا كل عام نذكر ال تعالى فيه ونشكره‪.‬‬
‫وآية منك‪ :‬علمة منك على قدرتك ورحمتك‪ ،‬ونبوة نبيك‪.‬‬
‫فمن يكفر بعد منكم‪ : :‬فمن يكفر بعد نزول المائدة منكم أيها السائلون للمائدة‪.‬‬
‫أحدا من العالمين‪ :‬أي من الناس أجمعين‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يقول تعالى لعبده ورسوله عيسى واذكر {إذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا‬
‫آمنا واشهد بأننا مسلمون}‪{ ،‬إذ قال الحواريون}‪{ :‬هل يستطيع ‪ 1‬ربك أن ينزل‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اضطربت نفوس المؤمنين في توجيه هذه العبارة‪{ :‬هل يستطيع ربك‪ }..‬كيف يقول هذا أنصار‬
‫ال الحواريون وهو دالّ دللة واضحة على جهل بال تعالى وعدم معرفة الدب مع نبيّه عيسى‬
‫عليه السلم‪ ،‬فمن قائل‪ :‬أنّ يستطيع بمعنى‪ :‬يطيع أي‪ :‬هل يطيعك ربّك في هذا؟ ومن قائل‪ :‬إن‬
‫قراءة (هل يستطيع) بالتاء‪ ،‬وربك معمول أي‪ :‬هل تقدر على سؤال ربّك أن ينزل الخ ومن قائل‬
‫إنّ هذا كان منهم في أوّل أمرهم قبل أن يتعلموا‪ ،‬ومن قائل‪ :‬أن هذا صدر ممن كان مع الحواريين‬
‫ولم يكن من الحواريين‪ ،‬وما ذكرته في التفسير أولى لنسجامه مع السياق إذ قول عيسى لهم‪:‬‬
‫اتقوا ال‪ ،‬وقولهم‪ :‬ونعلم أن قد صدقتنا دال على جهلهم بال ومقام عيسى عليه السلم‪ ،‬وقد يكون‬
‫أصحاب هذا القول ليسوا من فضلء الحواريين ولكن كالذين قالوا لرسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪:‬اجعل لنا ذات أنواط وكالذين قالوا لموسى عليه السلم‪ :‬اجعل لنا إلها كما لهم آلهة وال‬
‫أعلم‪.‬‬

‫( ‪)2/29‬‬

‫علينا مائدة من السماء؟} ولما كان قولهم هذا دالً على شك في نفوسهم وعدم يقين في قدرة ربهم‬
‫قال لهم عيسى عليه السلم {اتقوا ال إن كنتم مؤمنين} فل تقولوا مثل هذا القول‪ .‬فاعتذروا عن‬
‫قيلهم الباطل {قالوا‪ :‬نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا‪ ،‬ونعلم أن قد صدقتنا‪ ،‬ونكون عليها من‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الشاهدين} أنها نزلت من السماء بسؤالك ربك ذلك وهنا قال عيسى عليه السلم داعيا ربه ضارعا‬
‫إليه {اللهم} أي يا ال {ربنا أنزل علينا مائدة من السماء‪ ،‬تكون لنا عيدا لولنا}) أي للموجودين‬
‫الن منا {وآخرنا} أي ولمن يأتون بعدنا‪{ ،‬وآية منك}‪ ،‬أي وتكون آية منك أي علمة على‬
‫وحدانيتك وعظيم قدرتك‪ ،‬وعلى صدقي في إرسالك لي رسولً إلى بني إسرائيل‪{ ،‬وارزقنا} وأدم‬
‫علينا رزقك وفضلك {وأنت خير الرازقين}‪ ،‬فأجابه تعالى قائل‪{ :‬إني منزلها عليكم}‪ ،‬وحقا قد‬
‫أنزلها ‪{ ،1‬فمن يكفر بعد منكم} يا بني إسرائيل السائلين المائدة بأن ينكر توحيدي أو رسالة‬
‫رسولي‪ ،‬أو عظيم قدرتي {فإني أعذبه عذابا ل أعذبه أحدا من العالمين} ‪ ،‬ولذا مسخ من كفروا‬
‫منهم قردة وخنازير‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬جفاء اليهود وغطرستهم وسوء أدبهم مع أنبيائهم إذ قالوا لموسى {اذهب أنت وربك فقاتل إنا‬
‫ها هنا قاعدون} وقالوا لعيسى {هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء}‪.‬‬
‫‪ -2‬في قول عيسى لهم {اتقوا ال} دال على أنهم قالوا الباطل كما أن قولهم ‪{ :‬ونعلم أن قد‬
‫صدقتنا} دال على شكهم وارتيابهم‪.‬‬
‫‪ -3‬مشروعية العياد الدينية لعبادة ال بالصلة والذكر شكرا ل تعالى وفي السلم عيدان‪:‬‬
‫الضحى والفطر‪.‬‬
‫‪ -4‬من أشد الناس عذابا يوم القيامة آل فرعون والمنافقون ومن كفر من أهل المائدة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى الترمذي عن عمار بن ياسر أنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬أنزلت المائدة من‬
‫السماء خبزا ولحما"‪.‬‬

‫( ‪)2/30‬‬

‫خذُونِي وَُأ ّميَ إَِلهَيْنِ مِن دُونِ الّلهِ قَالَ سُبْحَا َنكَ‬
‫وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنّاسِ اتّ ِ‬
‫علَمُ مَا فِي‬
‫مَا َيكُونُ لِي أَنْ َأقُولَ مَا لَيْسَ لِي ِبحَقّ إِن كُنتُ قُلُْتهُ َفقَدْ عَِلمْتَهُ َتعَْلمُ مَا فِي َنفْسِي َولَ أَ ْ‬
‫سكَ إِ ّنكَ أَنتَ عَلّمُ ا ْلغُيُوبِ(‪ )116‬مَا قُ ْلتُ َلهُمْ ِإلّ مَا َأمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْ ُبدُواْ اللّهَ رَبّي وَرَ ّبكُ ْم َوكُنتُ‬
‫َنفْ ِ‬
‫شهِيدٌ(‪)117‬‬
‫شيْءٍ َ‬
‫شهِيدًا مّا ُد ْمتُ فِيهِمْ فََلمّا َت َوفّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ ال ّرقِيبَ عَلَ ْي ِه ْم وَأَنتَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫عَلَ ْيهِمْ َ‬
‫حكِيمُ(‪ )118‬قَالَ اللّهُ هَذَا َيوْمُ يَنفَعُ‬
‫ك وَإِن َت ْغفِرْ َلهُمْ فَإِ ّنكَ أَنتَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫إِن ُتعَذّ ْبهُمْ فَإِ ّنهُمْ عِبَا ُد َ‬
‫ضيَ اللّهُ عَ ْنهُمْ وَ َرضُواْ‬
‫ن صِ ْد ُقهُمْ َلهُمْ جَنّاتٌ َتجْرِي مِن تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَ َبدًا ّر ِ‬
‫الصّا ِدقِي َ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ(‬
‫ن وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ َومَا فِيهِ ّ‬
‫عَنْهُ ذَِلكَ ا ْل َفوْزُ ا ْل َعظِيمُ(‪ )119‬لِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫‪)120‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إلهين ‪ :‬معبودين يعبدان من دوني‪.‬‬
‫سبحانك ‪ :‬تنزيها لك وتقديسا‪.‬‬
‫ما يكون لي‪ :‬ما ينبغي لي ول يتأتى لي ذلك‪.‬‬
‫شهيدا‪ :‬رقيبا‪.‬‬
‫الرقيب ‪ :‬الحفيظ‪.‬‬
‫إن تعذبهم ‪ :‬أي بنارك فإنهم عبادك تفعل بهم ما تشاء‪.‬‬
‫وإن تغفر لهم ‪ :‬أي تستر عليهم وترحمهم بأن تدخلهم جنتك‪.‬‬
‫العزيز الحكيم‪ :‬العزيز‪ :‬الغالب الذي ل يحال بينه وبين مراده‪ ،‬الحكيم‪ :‬الذي يضع كل شيء في‬
‫موضعه فيدخل المشرك النار‪ ،‬والموحد الجنة‪.‬‬

‫( ‪)2/31‬‬

‫الصادقين ‪ :‬جمع صادق‪ :‬وهو من صدق ربه في عبادته وحده‪.‬‬


‫ورضوا عنه ‪ :‬لنه أثابهم بأعمالهم جنات تجرى من تحتها النهار‪.‬‬
‫على كل شيء قدير ‪ :‬أي على فعل أي شيء تعلقت به إرادته وأراد فعله فإنه يفعله ول يعجزه‬
‫بحال من الحوال‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يقول ال تعالى لرسوله محمد صلى ال عليه وسلم واذكر لقومك {إذ قال ال ‪ }1‬تعالى يوم يجمع‬
‫الرسل ويسألهم ماذا أجبتم‪ ،‬ويسأل عيسى بمفرده توبيخا للنصارى على شركهم {يا عيسى بن‬
‫مريم أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين} أي معبودين يقرره بذلك فينفي عيسى ذلك على الفور‬
‫ويقول منزها ربه تعالى مقدسا {سبحانك ‪ 2‬ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق}‪ ،‬ويؤكد تفصيه‬
‫مما وجه إليه توبيخا لقومه‪{ :‬إن كنت قلته فقد علمته} يا ربي‪ ،‬إنك {تعلم ما في نفسي} فكيف‬
‫بقولي وعملي‪ ،‬وأنا {ل أعلم ما في نفسك} إل أن تعلمني شيئا‪ ،‬لنك {أنت علم الغيوب} { ما قلت‬
‫لهم إل ما أمرتني به} أن أقوله لهم وهو {اعبدوا ال ربي وربكم‪ ،‬وكنت عليهم شهيدا‪ }3‬أي رقيبا‬
‫{فلما توفيتني } برفعي إليك {كنت أنت الرقيب عليهم} ترقب أعمالهم وتحفظها لهم لتجزيهم بها‪.‬‬
‫{وأنت على كل شيء شهيد} رقيب وحفيظ‪{ .‬إن تعذبهم} أي من مات منهم على الشرك بأن تصليه‬
‫نارك فأنت على ذلك قدير‪{ ،‬وإن تغفر لهم} أي لمن مات على التوحيد فتدخله جنتك فإنه لذلك أهل‬
‫فإنك أنت العزيز الغالب على أمره الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه فل ينعم من أشرك به‬
‫ول يعذب من أطاعه ووحده‪ .‬فأجابه الرب تبارك وتعالى قائل‪{ :‬هذا يوم ‪ 4‬ينفع الصادقين‬
‫صدقهم}‪ :‬صدقوا ال تعالى في إيمانهم به فعبدوه وحده ل شريك له ولم يشركوا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا مثل أتى أمر ال أتى بصيغة الماضي لتحقق الوقوع وكذلك هناك {إذ قال} فهو بمعنى‬
‫يقول‪ :‬اذكر إذ يقول ال يا عيسى ‪ ..‬الخ‪.‬‬
‫‪ 2‬أخرج الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال‪" :‬تلقى عيسى حجته ولقّاه ال في قوله‪{ :‬وإذ قال‬
‫ال يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأميّ إلهين من دون ال} قال أبو هريرة عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم فلقاه ال‪{ :‬سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق} الية‪.‬‬
‫‪ 3‬شهيدا‪ :‬أي رقيبا أراعي أحوالهم وأدعوهم إلى العمل بطاعتك وأنهاهم عن مخالفتك‪.‬‬
‫‪ 4‬قال ال {هذا يوم ينفع الصادقين‪ }...‬الخ كلم مستأنف ختم به الحديث عما يقع يوم يجمع ال‬
‫الرسل فذكر ثواب الصادقين وهو الجنة ورضوان ال وهو الفوز العظيم‪.‬‬

‫( ‪)2/32‬‬

‫سواه‪ .‬ونفعه لهم أن ُأدْخِلُوا به جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها ل يخرجون منها أبدا‪،‬‬
‫مع رضى ال تعالى عنهم ورضاهم عنه بما أنعم به عليهم من نعيم ل يفنى ول يبيد‪{ ،‬ذلك الفوز‬
‫العظيم} إّنه النّجاة من النار ودخول الجنات‪ .‬وفي الية الخيرة (‪ )120‬يخبر تعالى أن له {ملك ‪1‬‬
‫السموات والرض وما فيهن} من سائر المخلوقات والكائنات خلقا وملكا وتصرفا يفعل فيها ما‬
‫يشاء فيرحم ويعذب {وهو على كل شيء قدير ‪ }2‬ل يعجزه شيء في الرض ول في السماء وهو‬
‫السميع العليم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬توبيخ النصارى في عرصات القيامة على تأليه عيسى ووالدته عليهما السلم‪.‬‬
‫‪ -2‬براءة عيسى عليه السلم مِنْ مشركي النصارى وأهل الكتاب‪.‬‬
‫‪ -3‬تعذيب المشركين وتنعيم الموحدين قائم على مبدأ الحكمة اللهية‪.‬‬
‫‪ -4‬فضيلة الصدق وأنه نافع في الدنيا والخرة‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬عليكم بالصدق ‪ 3‬فإنه يدعو إلى‬
‫البر وأن البر يهدي إلى الجنة‪ ،‬ول يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند ال‬
‫صديقا"‪.‬‬
‫‪ -5‬سؤال غير ال شيئا ضرب من الباطل والشرك‪ ،‬لن غير ال ل يملك شيئا‪ ،‬ومن ل يملك‬
‫كيف يعطي ومن أين يعطي؟‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في هذه الية البرهنة الصحيحة على ألوهية ال تعالى وربوبيته للعالمين وإبطال دعوى‬
‫النصارى في تأليه عيسى وأمّه عليهما السلم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 2‬فما تعلقت إرادته بشيء فأراده إل كان كما أراد من سائر الممكنات‪.‬‬
‫‪ 3‬أخرجه غير واحد من أصحاب الصحاح والسنن‪.‬‬

‫( ‪)2/33‬‬

‫سورة النعام‬
‫‪...‬‬
‫سورة النعام ‪1‬‬
‫مكية‬
‫وآياتها خمس وستون ومائة‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫ت وَالنّورَ ُثمّ الّذِينَ َكفَرُواْ بِرَ ّبهِم َي ْعدِلُونَ(‪)1‬‬
‫ج َعلَ الظُّلمَا ِ‬
‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضَ َو َ‬
‫ح ْمدُ لِلّهِ الّذِي خَلَقَ ال ّ‬
‫الْ َ‬
‫جلٌ مّسمّى عِن َدهُ ثُمّ أَن ُتمْ َتمْتَرُونَ(‪ )2‬وَ ُهوَ اللّهُ فِي‬
‫ل وَأَ َ‬
‫ُهوَ الّذِي خََل َقكُم مّن طِينٍ ثُمّ َقضَى أَجَ ً‬
‫سمَاوَاتِ َوفِي الَ ْرضِ َيعْلَمُ سِ ّر ُك ْم وَجَه َركُ ْم وَ َيعْلَمُ مَا َت ْكسِبُونَ(‪)3‬‬
‫ال ّ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الحمد ‪ : 2‬الثناء باللسان على المحمود بصفات الجمال والجلل‪.‬‬
‫خلق ‪:‬أنشأ وأوجد‪.‬‬
‫يعدلون ‪ :‬يسوون به غيره فيعبدونه معه‪.‬‬
‫الجل‪ :‬الوقت المحدد لعمل ما من العمال يتم فيه أو ينتهي فيه‪ ،‬والجل الول أجل كل إنسان‪،‬‬
‫والثاني أجل الدنيا‪.‬‬
‫تمترون ‪ :‬تشكّون في البعث الخر والجزاء‪ :‬كما تشكون في وجوب توحيده بعبادته وحده دون‬
‫غيره‪.‬‬
‫وهو ال في السموات ‪ :‬أي معبود في السموات وفي الرض‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى الطبراني عن عبدال بن عمر رضي ال عنهما قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫" نزلت عليّ سورة النعام جملة واحدة وشيّعها سبعون ألفا من الملئكة لهم زجل بالتسبيح‬
‫والتحميد‪ ،‬وسميت بالنعام لذكر لفظ النعام فيها ست مرّات نزلت بمكة ليلً"‪.‬‬
‫‪ 2‬الحمد ل‪ :‬تفيد استغراق المحامد ل تعالى إذ ال للستغراق واللّم للستحقاق فجميع المحامد‬
‫مستحقة ل تعالى‪ ،‬والقصر في الحمد ل قصر إضافي دال على إبطال حمد المشركين للهتهم‬
‫الباطلة‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/34‬‬

‫ما تكسبون ‪ :.‬أي من خير وشر‪ ،‬وصلح فساد‪.‬‬


‫معنى اليات‪:‬‬
‫يخبر تعالى بأنه المستحق للحمد كله وهو الوصف بالجلل والجمال والثناء بهما عليه وضمن ذلك‬
‫يأمر عباده أن يحمدوه كأنما قال قولوا الحمد ل‪ ،‬ثم ذكر تعالى موجبات حمده دون غيره فقال‪:‬‬
‫{الذي خلق السموات ‪ 1‬والرض ‪ 2‬وجعل الظلمات والنور} فالذي أوجد السموات والرض وما‬
‫فيهما وما بينهما من سائر المخلوقات وجعل الظلمات ‪ 3‬والنور وهما من أقوى عناصر الحياة هو‬
‫المستحق للحمد والثناء ل غيره ومع هذا فالذين كفروا من الناس يعدلون به أصناما وأوثانا‬
‫ومخلوقات فيعبدونها معه يا للعجب!!‬
‫هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )1‬أما الية الثانية (‪ )2‬فإنه تعالى يخاطب المشركين موبخا لهم‬
‫على جهلهم منددا بباطلهم فيقول‪{ :‬هو الذي خلقكم من ‪ 4‬طين} لن آدم أباهم خلقه من طين ثم‬
‫تناسلوا منه فباعتبار أصلهم هم مخلوقون من طين ثم الغذاء الذي هو عنصر حياتهم من طين‪ ،‬ثم‬
‫قضى لكلٍ أجلً وهو عمره المحدد له وقضى أجل الحياة كلها الذي تنتهي فيه وهو مسمى عنده‬
‫معروف له ل يعرفه غيره ول يطلع عليه سواه ولحكم عالية أخفاه‪ ،‬ثم أنتم أيها المشركون الجهلة‬
‫تشكّون في وجوب توحيده‪ ،‬وقدرته على إحيائكم بعد موتكم ‪ 5‬لحسابكم ومجازاتكم على كسبكم‬
‫خيره وشره‪ ،‬حسنه وسيئه‪ ،‬وفي الية الثالثة (‪ )3‬يخبر تعالى أنه هو ال المعبود بحق في‬
‫السموات ‪ 6‬وفي الرض ل إله غيره ول رب سواه {يعلم‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬الذي خلق السموات والرض وجعل الظلمات والنور} هاتان الجملتان هما مقتضيات الحمد ل‬
‫وموجباته له تعالى‪ ،‬إذ من أوجد الكون كلّه وهو جواهر وإعراض‪ ،‬فالجواهر السموات والرض‬
‫وما فيهما وما بينهما‪ ،‬والعراض الظلمة والنور هو المستحق للعبادة دون غيره فأبطل بهذا عبادة‬
‫الجسام كالصنام والملئكة والنبياء‪ ،‬وعبادة العراض كالظلمة والنور إلها المانوية‪.‬‬
‫‪ 2‬الرض‪ :‬اسم جنس‪ ،‬فالمراد بالرض‪ :‬الرضون السبع كالنور اسم جنس والمراد به كل نور‪.‬‬
‫‪ 3‬من رشاقة الكلم جعل خلق للجسام وجعل للعراض في قوله‪{ :‬خلق السموات والرض وجعل‬
‫الظلمات والنور}‪.‬‬
‫‪ 4‬قال القرطبي هل في هذه الية دليل على أنّ الجواهر من جنس واحد؟ الجواب‪ :‬نعم لنّه إذا‬
‫جاز أن ينقلب الطين إنسانا حيا قادرا عليما جاز أن ينقلب إلى كل حال من أحوال الجواهر إذ‬
‫صح انقلب الجماد إلى حيوان بدللة هذه الية‪.‬‬
‫‪ 5‬ذكره تعالى أصل خلق الناس من طين فيه إشارة إلى الردّ على منكري البعث المحتجين على‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عدم إمكان الحياة الخرة بكونهم بعد الموت يصيرون ترابا‪ ،‬وجهلوا أن صيرورتهم إلى تراب هو‬
‫دليل إعادتهم إلى خلقهم من جديد إذ عادوا إلى أصل خلقهم ليعودوا إلى حياة أكمل من حياتهم‬
‫الولى‪.‬‬
‫‪ 6‬قال القرطبي في تفسير هذه الية‪{ :‬وهو ال في السموات وفي الرض} أي‪ :‬وهو ال المعظّم‬
‫والمعبود في السموات وفي الرض كما تقول‪ :‬زيد الخليفة في الشرق والغرب أي حكمه‪.‬‬

‫( ‪)2/35‬‬

‫سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون} من خير وشر فهو تعالى فوق عرشه بائن من خلقه ويعلم سر‬
‫عباده وجهرهم ويعلم أعمالهم وما يكتسبون بجوارحهم يعلم خائنة العين وما تخفي الصدور‪ ،‬لذا‬
‫وجبت الرغبة فيما عنده من خير‪ ،‬والرهبة مما لديه من عذاب‪ ،‬ويحصل ذلك لهم بالنابة إليه‬
‫وعبادته والتوكل عليه‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب حمد ال تعالى والثناء عليه بما هو أهله‪.‬‬
‫‪ -2‬ل يصح حمد أحد بدون ما يوجد لديه من صفات الكمال ما يحمد عليه‪.‬‬
‫‪ -3‬التعجب من حال من يسوون المخلوقات بالخالق عز وجل في العبادة‪.‬‬
‫‪ -4‬التعجب من حال من يرى عجائب صنع ال ومظاهر قدرته ثم ينكر البعث والحياة الخرة‪.‬‬
‫‪ -5‬صفة العلم ل تعالى وأنه تعالى ل يخفى عليه شيء في الرض ول في السماء يعلم السر‬
‫وأخفى‪.‬‬
‫س ْوفَ‬
‫َومَا تَأْتِيهِم مّنْ آ َيةٍ مّنْ آيات رَ ّبهِمْ ِإلّ كَانُواْ عَ ْنهَا ُمعْ ِرضِينَ(‪َ )4‬فقَدْ كَذّبُواْ بِا ْلحَقّ َلمّا جَاء ُهمْ فَ َ‬
‫يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ ِبهِ يَسْ َتهْ ِزؤُونَ(‪ )5‬أَلَمْ يَ َروْاْ َكمْ أَهَْلكْنَا مِن قَبِْلهِم مّن قَرْنٍ ّمكّنّاهُمْ فِي الَ ْرضِ مَا‬
‫جعَلْنَا الَ ْنهَارَ تَجْرِي مِن َتحْ ِتهِمْ فَأَ ْهَلكْنَاهُم ِبذُنُو ِبهِمْ‬
‫سمَاء عَلَ ْيهِم مّدْرَارًا وَ َ‬
‫لَمْ ُن َمكّن ّل ُك ْم وَأَرْسَلْنَا ال ّ‬
‫وَأَنْشَأْنَا مِن َبعْدِ ِهمْ قَرْنًا آخَرِينَ(‪)6‬‬

‫( ‪)2/36‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫من آية ‪ :‬المراد بالية هنا آيات القرآن الكريم الدالة على توحيد ال تعالى واليمان برسوله ولقائه‬
‫يوم القيامة‪.‬‬
‫معرضين ‪ :‬غير ملتفتين إليها ول مفكرين فيها‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الحق ‪ :‬الحق هنا هو النبي صلى ال عليه وسلم وما جاء به من الدين الحق‪.‬‬
‫أنباء ‪ :‬أخبار ما كانوا به يستهزئون وهو عذاب الدنيا وعذاب الخرة‪.‬‬
‫من قرن‪ :‬أي أهل قرن من المم السابقة‪ ،‬والقرن مائة سنة‪.‬‬
‫مكنا لهم في الرض ‪ :‬أعطيناهم من القوة المادية ما لم نعط هؤلء المشركين‪.‬‬
‫مدرارا ‪ :‬مطرا متواصلً غزيرا‪.‬‬
‫بذنوبهم‪ :‬أي بسبب ذنوبهم وهي معصية ال ورسله‪.‬‬
‫وأنشأنا‪ :‬خلقنا بعد إهلك الولين أهل قرن آخرين‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في الحديث عن أولئك الذين يعدلون بربهم غيره من مخلوقاته فيقول تعالى عنهم‪:‬‬
‫وما تأتيهم ‪ 1‬من آية من آيات ربهم التي ‪ 2‬يوحيها إلى رسوله ويضمها كتابه القرآن الكريم‪ ،‬إل‬
‫قابلوها بالعراض التام‪ ،‬وعدم اللتفات إلى ما تحمله من هدى ونور‪ ،‬وسبب ذلك أنهم قد كذبوا‬
‫بالحق لما جاءهم وهو الرسول وما معه من الهدى‪ ،‬وبناء على ذلك {فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا‬
‫به يستهزئون} وقد استهزأوا بالوعيد وسينزل بهم العذاب الذي كذبوا به واستهزأوا‪ ،‬وأول عذاب‬
‫نزل بهم هزيمتهم يوم بدر‪ ،‬ثم القحط سبع سنين‪ ،‬ومن مات منهم على الشرك فسوف يعذب في‬
‫نار جهنم أبدا‪ ،‬ويقال لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تستهزئون وقوله تعالى‪{ :‬ألم يروا كم‬
‫أهلكنا من ‪ 3‬قبلهم من قرن} أي كثيرا من أهل القرون‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬من آية من آيات ربهم} من الولى لستغراق الجنس‪ ،‬ومن الثانية للتبعيض‪.‬‬
‫‪ 2‬وجائز أن يراد بالية أيضا المعجزة كانشقاق القمر ونحوها‪.‬‬
‫‪ 3‬القرد‪ :‬المّة من الناس‪ ،‬وا لجمع‪ :‬قرون قال الشاعر‪:‬‬
‫خّلفْتَ في قرن فأنت غريب‪.‬‬
‫إذا ذهب القرن الذي كنت فيهم ‪ ...‬و ُ‬
‫فالقرن‪ :‬كل عالم في عصره مأخوذ من القتران أي عالم مقترن بعضهم ببعض وفي الحديث‪:‬‬
‫"خير الناس قرني‪ "..‬ويطلق القرن على المائة سنة‪ ،‬إذ قال النبي صلى ال عليه وسلم لعبد ال بر‬
‫بشر "تعيش قرنا" فعاش مائة سنة وقرن الشاة معروف‪.‬‬

‫( ‪)2/37‬‬

‫الماضية مكن ال تعالى لهم في الرض من الدولة والسلطان والمال والرجال ما لم يمكن لهؤلء‬
‫المشركين من كفار قريش‪ ،‬وأرسل على أولئك الذين مكن لهم السماء ‪ 1‬مدرارا بغزير ‪ 2‬المطر‬
‫وجعل لهم في أرضهم النهار تجري من تحت أشجارهم وقصورهم‪ ،‬فلما أنكروا توحيدي وكذبوا‬
‫رسولي‪ ،‬وعصوا أمري {فأهلكناهم بذنويهم} ‪ ،‬ل ظلما منا ولكن بظلمهم هم لنفسهم‪ ،‬وأوجدنا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بعدهم قوما آخرين‪ ،‬وكان ذلك علينا يسيرا‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬التكذيب بالحق هو سبب العراض عنه فلو آمنوا به لقبلوا عليه‪.‬‬
‫‪ -2‬الستهزاء والسخرية بالدين من موجبات العذاب وقرب وقوعه‪.‬‬
‫‪ -3‬العبرة بهلك الماضين‪ ،‬ومصارع الظالمين‪.‬‬
‫‪ -4‬هلك المم كان بسبب ذنوبهم‪ ،‬فما من مصيبة إل بذنب ‪.3‬‬
‫وََلوْ نَزّلْنَا عَلَ ْيكَ كِتَابًا فِي قِ ْرطَاسٍ فََلمَسُوهُ بِأَيْدِي ِهمْ َلقَالَ الّذِينَ َكفَرُواْ إِنْ هَذَا ِإلّ سِحْرٌ مّبِينٌ(‪َ )7‬وقَالُواْ‬
‫جعَلْنَاهُ رَجُلً‬
‫جعَلْنَاهُ مََلكًا لّ َ‬
‫ضيَ المْرُ ُث ّم لَ يُنظَرُونَ(‪ )8‬وََلوْ َ‬
‫َلوْل أُن ِزلَ عَلَ ْيهِ مََلكٌ وََلوْ أَنزَلْنَا مََلكًا ّلقُ ِ‬
‫سلٍ مّن قَبِْلكَ فَحَاقَ بِالّذِينَ سَخِرُواْ مِ ْنهُم مّا كَانُواْ ِبهِ‬
‫وَلَلَبَسْنَا عَلَ ْيهِم مّا يَلْبِسُونَ(‪ )9‬وََلقَدِ اسْ ُتهْزِىءَ بِرُ ُ‬
‫يَسْ َتهْ ِزؤُونَ(‪)10‬‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬وأرسلنا السماء عليهم مدرارا} عبر عن المطر بالسماء لنّه منها ينزل قال الشاعر‪:‬‬
‫إذا سقط السماء بأرض قوم ‪ ...‬رعيناها وإن كانوا غضابا‬
‫‪2‬مدرارا ‪ :‬بناء دال على الكثرة نحو امرأة مذكار إذا كثر أولدها الذكور وهم مشتق من درّت‬
‫الشاة إذا أقبل لبنها على الحالب لها بكثرة‪.‬‬
‫‪ 3‬شاهده من القرآن الكريم ‪ :‬قول تعالى ‪{ :‬وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن‬
‫كثير}‪.‬‬

‫( ‪)2/38‬‬

‫ُقلْ سِيرُواْ فِي الَ ْرضِ ثُمّ انظُرُواْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ ا ْل ُمكَذّبِينَ(‪)11‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫قرطاسا‪ :‬القرطاس‪ :‬ما يكتب عليه جلدا أو كاغدا‪.‬‬
‫لمسوه بأيديهم ‪ :‬مسوه بأصابعهم ليتأكدوا منه‪.‬‬
‫ملك ‪ :‬الملك أحد الملئكة‪.‬‬
‫لقضي المر‪ :‬أي أهلكوا وانتهت حياتهم‪.‬‬
‫ل ينظرون ‪ :‬ل يمهلون‪.‬‬
‫ولو جعلناه ملكا‪ :‬ولو جعلنا الرسول إليهم ملكا لنكارهم البشر‪.‬‬
‫لبسنا‪ :‬خلطنا عليهم‪.‬‬
‫استهزىء‪ :‬سخر وتهكم واستخف‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حاق بهم ‪ :‬نزل بهم العذاب وأحاط بهم فأهلكوا‪.‬‬
‫معنى اليات‬
‫مازال السياق في شأن العادلين بربهم أصنامهم التي يعبدونها ويزعمون أنها تشفع لهم عند ال‬
‫يقول تعالى‪{ :‬ولو نزلنا عليك} أيها الرسول {كتابا} أي مكتوبا في ورق جلد أو كاغد ورأوه منزلً‬
‫من السماء ‪ 1‬ولمسوه بأيديهم ولمسوه بأصابعهم ما آمنوا ولقالوا‪{ :‬إن هذا إل سحر مبين}‪ .‬أي‬
‫سحر واضح سحركم به محمد صلى ال عليه وسلم وإل كيف ينزل الكتاب من السماء‪{ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫لول أنزل ‪ 2‬عليه ملك} أي هل أنزل عليه‪ ،‬لم ل ينزل عليه ملك يساعده ويصدقه بأنه نبي ال‬
‫ورسوله‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬ولو أنزلنا ملكا}‪ ،‬وليس من شأن ال أن ينزل الملئكة ولو أنزل ملكا‬
‫فكذبوه لهلكهم‪ ،‬إذ الملئكة ل تنزل إل لحقاق الحق وعليه فلو نزل ملك لقضي أمرهم بإهلكهم‬
‫وقطع دابرهم وهذا ما ل يريده ال تعالى لهم‪ .‬وقوله ‪{ :‬ثم ل ينظرون} أي ل يمهلون ولو ساعة‬
‫ليتوبوا أو يعتذروا مثلً‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬ولو‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال ابن عباس‪ :‬كتابا معلقّا بين السماء والرض يشاهدونه‪ .‬أمّا إنزال الوحي فهو حاصل وأبوا‬
‫أن يؤمنوا به‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا اقتراح منهم حملهم عليه الكبر والعناد‪.‬‬

‫( ‪)2/39‬‬

‫جعلناه ملكا} أي الرسول ملكا لقالوا كيف نفهم عن الملك ونحن ‪ 1‬بشر فيطالبون بأن يكون بشرا‬
‫وهكذا كما قال تعالى‪{ :‬ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلً‪ ،‬وللبسنا عليهم} خلطنا وشبهنا ما يخلطون‬
‫على أنفسهم ويشبهون‪ .‬ثم أخبر تعالى رسوله مسليا له قائلً {ولقد استهزئ ‪ 2‬برسل من قبلك} كما‬
‫استهزيء بك فاصبر‪ ،‬فقد حاق بالمستهزئين ما كانوا به يستهزئون‪ ،‬كانوا إذا خوفهم الرسل عذاب‬
‫ال سخروا منهم واستخفوا بهم وبالعذاب الذي خوفوهم به‪ ،‬ثم أمر ال تعالى رسوله محمدا صلى‬
‫ال عليه وسلم أن يقول لولئك المستهزئين بما يعدهم من عذاب ربهم وهم أكابر مجرمي قريش‪:‬‬
‫ل لتقفوا على ديار ثمود‪ ،‬أو غربا‬
‫{قل سيروا ‪ 3‬في الرض} جنوبا لتقفوا على ديار عاد أو شما ً‬
‫لتقفوا على بحيرة لوط فتعرفوا {كيف كان عاقبة المكذبين} من أمثالكم لعلكم تحققون من طغيانكم‬
‫وتكذيبكم فيسهل عليكم الرجوع‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬اليات بمعنى المعجزات والخوارق ل تستلزم اليمان بل قد تكون سببا للكفر والعناد‪ ،‬ولذا لم‬
‫يستجب ال لقريش ولم يعط رسوله ما طالبوه به هن اليات‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -2‬إنكار رسالة البشر عام في كل المم وقالوا ما هذا إل بشر مثلكم في آيات كثيرة في حين أن‬
‫إرسال الملئكة ل يتم معه هدف لعدم قدرة النسان على التلقي عن الملئكة والتفاهم معهم‪ ،‬ولو‬
‫أنزل ال ملكا رسولً لقالوا نريده بشرا مثلنا ولحصل الخلط واللبس بذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬الستهزاء بالرسل والدعاة سنة بشرية ل تكاد تتخلف ولذا وجب على الرسل والدعاة الصبر‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫‪ -4‬عاقبة التكذيب والستهزاء هلك المكذبين المستهزئين‪.‬‬
‫‪ -5‬مشروعية زيارة القبور للوقوف ‪ 4‬على مصير النسان ومآل أمره فإن في ذلك ما يخفف‬
‫شهوة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لنّ سنة ال تعالى في التفاهم أن تكون بين متجانسين كإنسان مع إنسان أو حيوان مع حيوان‬
‫أمّا ملك مع إنسان أو إنسان مع حيوان فل ل‪.‬‬
‫‪ 2‬في هذه الية تعزية للرسول صلى ال عليه وسلم وتسلية له ليصبر على ما يلقيه من قومه من‬
‫سخرية واستهزاء وعناد ومكابرة‪.‬‬
‫‪ 3‬قال القرطبي‪ :‬هذا السفر مندوب إليه إذا كان على سبيل العتبار بآثار من خل من المم وأهل‬
‫الديار‪ ،‬وأقول على شرط أن يدخلوا تلك الديار باكين أو متباكين ل ضاحكين غافلين لهين بأنواع‬
‫الطعام والشراب‪.‬‬
‫‪ 4‬أخذا من قول تعالى في الية‪{ :‬قل سيروا في الرض} وشاهده من السنة قوله صلى ال عليه‬
‫وسلم في السنة الصحيحة‪" :‬كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور أل فزوروها فإنها تذكركم الخرة"‪.‬‬

‫( ‪)2/40‬‬

‫الدنيا والنهم فيها والتكالب عليها وهو سبب الظلم والفساد‪.‬‬


‫ج َمعَ ّنكُمْ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَ ِة لَ‬
‫حمَةَ لَيَ ْ‬
‫علَى َنفْسِهِ الرّ ْ‬
‫ت وَالَ ْرضِ قُل لِّلهِ كَ َتبَ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫قُل ّلمَن مّا فِي ال ّ‬
‫سمِيعُ‬
‫ل وَال ّنهَا ِر وَ ُهوَ ال ّ‬
‫سكَنَ فِي اللّ ْي ِ‬
‫سهُمْ َفهُ ْم لَ ُي ْؤمِنُونَ(‪ )12‬وَلَهُ مَا َ‬
‫خسِرُواْ أَنفُ َ‬
‫رَ ْيبَ فِيهِ الّذِينَ َ‬
‫ط َعمُ ُقلْ إِ ّنيَ ُأمِ ْرتُ‬
‫طعِمُ وَلَ يُ ْ‬
‫ض وَ ُهوَ يُ ْ‬
‫سمَاوَاتِ وَالَ ْر ِ‬
‫ا ْلعَلِيمُ(‪ُ )13‬قلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتّخِ ُذ وَلِيّا فَاطِرِ ال ّ‬
‫عذَابَ َيوْمٍ‬
‫عصَ ْيتُ رَبّي َ‬
‫أَنْ َأكُونَ َأ ّولَ مَنْ َأسْلَ َم َولَ َتكُونَنّ مِنَ ا ْلمُشْ ِركَينَ(‪ُ )14‬قلْ إِ ّنيَ َأخَافُ إِنْ َ‬
‫ح َم ُه وَذَِلكَ ا ْل َفوْزُ ا ْلمُبِينُ(‪)16‬‬
‫عَظِيمٍ(‪ )15‬مّن ُيصْ َرفْ عَ ْنهُ َي ْومَئِذٍ َفقَدْ رَ ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫كتب على نفسه الرحمة ‪ :‬أي أوجب على نفسه رحمة خلقه‪.‬‬
‫ل ريب فيه ‪ :‬ل شك في مجيئه وحصوله في أجله المحدد له‪.‬‬
‫خسروا أنفسهم ‪ :‬حيث لوثوها بأوضار الشرك والمعاصي فلم ينتفعوا بها‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وله ما سكن في الليل والنهار‪ :‬أي ما استقر فيها من ساكن ومتحرك أي له كل شيء‪.‬‬
‫وليا‪ :‬أحبه وأنصره واطلب نصرته ومحبته ووليته‪.‬‬
‫من يصرف عنه ‪ :‬أي من العذاب بمعنى يبعد عنه‪.‬‬
‫الفوز المبين ‪ :‬أي الواضح إذ النجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫مازال السياق في الحديث مع العادلين بربهم غيره من أهل الشرك فيقول تعالى لرسوله‬

‫( ‪)2/41‬‬

‫سلهم قائلً‪{ :‬لمن ‪ 1‬ما في السموات والرض} خلقا وإيجادا أو ملكا وتصرفا وتدبيرا‪ ،‬واسبقهم إلى‬
‫الجواب فقل ل‪ ،‬إذ ليس لهم من جواب إل هذا‪{ :‬ل}‪ ،‬أي هو ال الذي {كتب ‪ 2‬على نفسه الرحمة}‬
‫قضى بها وأوجبها على نفسه‪ ،‬ومظاهرها متجلية في الناس‪ :‬إنهم يكفرونه ويعصونه وهو يطعمهم‬
‫ويسقيهم ويكلؤهم ويحفظهم‪ ،‬وما حمدوه قط‪ .‬ومن مظاهر رحمته جمعه الناس ليوم القيامة‬
‫ليحاسبهم ويجزيهم بعملهم الحسنة بعشر أمثالها أما السيئة فبسيئة مثلها فقط وهو ما دل عليه قوله‪:‬‬
‫{ليجمعنكم ‪ 3‬إلى يوم القيامة ل ريب فيه} أي الكائن التي بل ريب ول شك‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬الذين‬
‫خسروا أنفسهم فهم ل يؤمنون} يخبر تعالى أنّ الذين كتب خسرانهم أزلً في كتاب المقادير فهم‬
‫لذلك ل يؤمنون رما كتب أزلً لعلم تام بموقفهم هذا الذي هم وافقوه من الكفر والعناد والشرك‬
‫والشر والفساد‪ ،‬بذلك استوجبوا الخسران هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )12‬أما الية الثانية (‬
‫‪{ )13‬وله ما سكن في الليل والنهار} وهذا تقرير بأنه رب كل شيء والمالك لكل شيء إذ ما هناك‬
‫إل ساكن ومتحرك وهو رب الجميع‪ ،‬وهو السميع لحوال عباده وسائر مخلوقاته العليم بأفعالهم‬
‫الظاهرة والباطنة ولذا ل يسأل عما يفعل ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ومن هنا وجب اللجأ إليه‬
‫والتوكل عليه‪ ،‬والنقياد لمره ونهيه‪ .‬وقوله تعالى في الية الثالثة (‪{ )14‬قل أغير ‪ 4‬ال أتخذ وليا‬
‫طعَم} يأمر تعالى رسوله أن يرد على المشركين‬
‫طعِم ول يُ ْ‬
‫فاطر السموات والرض وهو ُي ْ‬
‫المطالبين منه أن يوافقهم على شركهم ويعبد معهم آلهتهم فيقول‪ :‬أفغير ال فاطر السموات‬
‫والرض الذي يطعم غيره لفتقاره إليه‪ ،‬ول يطعم ‪ 5‬لغناه المطلق أغيره تعالى أتخذ وليا أعبده‬
‫كما اتخذتم أنتم أيها المشركون أولياء تعبدونهم‪ .‬إن هذا لن يكون أبدا كما أمره ربه تعالى أن يقول‬
‫في صراحة ووضوح‪{ ،‬إني أمرت أن أكون أول من أسلم} أي وجهه ل‪ ،‬وأقبل عليه يعبده‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا حجاج مع المشركين آخر‪ :‬قل لهم لمن ما في السموات والرض؟ فإن قالوا‪ :‬لمن هو؟ قل‪:‬‬
‫ل‪ ،‬ولكن ل يقولون إلّ ال‪ ،‬لمعرفتهم أن غير ال ل يخلق ول يرزق ول يملك‪.‬‬
‫‪ 2‬ولذا لم يعاجلهم بالعقوبة التي يقتضيها كفرهم وعنادهم‪ ،‬روى الشيخان عن أبي هريرة رضي‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬إنّ ال لمّا خلق الخلق كتب كتابا عنده فوق‬
‫العرش إن رحمتي تغلب غضبي"‪.‬‬
‫‪ 3‬اللّم‪ :‬للقسم أي‪ :‬وعزتي وجللي ليجمعنكم في يوم القيامة الذي كذّبتم به وهو ل شك فيه‪.‬‬
‫‪ 4‬الستفهام إنكاري وقدم المفعول الول‪{ :‬أغير ال} لنّه هو المقصود بالنكار‪.‬‬
‫‪ 5‬أي يرزُق ول يُرزق كقوله تعالى‪{ :‬ما أريد منهم من رزق ولها أريد أن يطعمون} وقرأ مجاهد‬
‫وسعيد بن جبير {وهو يُطعم ول يطعم} بفتح العين أي إنّه يُطعم عباده بالرزق وهو ل يطعم‬
‫لستحالة احتياجه إلى الغذاء كما يحتاجه المخلوقون من عباده‪.‬‬

‫( ‪)2/42‬‬

‫بما شرع له‪ ،‬ونهاني أن أكون من المشركين بقوله‪{ :‬ول تكونن من المشركين} الذين يعبدون مع‬
‫ال غيره من مخلوقاته وأمره في الية (‪ )15‬أن يقول للمشركين الراغبين في تركه التوحيد‪{ :‬إني‬
‫أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ‪ }1‬وهو عذاب يوم القيامة‪ .‬انه عذاب أليم ل يطاق من‬
‫يصرف ‪ 2‬عنه يومئذ فقد رحمه أي أدخله الجنة والنجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم‬
‫كما قال تعالى {فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز} نعم فاز وأي فوز أكبر من الخلود من‬
‫العذاب ودخول في دار السلم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬عموم رحمة ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير مبدأ الشقاوة والسعادة في الزل قبل خلق الخلق‪.‬‬
‫‪ -3‬ال رب كل شيء ومليكه‪.‬‬
‫‪ -4‬تحريم ولية غير ال‪ ،‬وتحريم الشرك به تعالى‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان الفوز الخروي وهو النجاة من العذاب ودخول الجنة‪.‬‬
‫شيْءٍ قَدُيرٌ(‪ )17‬وَ ُهوَ‬
‫سكَ بِخَيْرٍ َف ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫سْ‬‫شفَ لَهُ ِإلّ ُه َو وَإِن َيمْ َ‬
‫سكَ الّلهُ ِبضُرّ فَلَ كَا ِ‬
‫وَإِن َيمْسَ ْ‬
‫شهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْ َنكُمْ‬
‫شهَادةً ُقلِ اللّهِ َ‬
‫شيْءٍ َأكْبَرُ َ‬
‫حكِيمُ الْخَبِيرُ(‪ُ )18‬قلْ َأيّ َ‬
‫ا ْلقَاهِرُ َفوْقَ عِبَا ِدهِ وَ ُهوَ ا ْل َ‬
‫شهَدُ ُقلْ‬
‫ش َهدُونَ أَنّ مَعَ الّلهِ آِلهَةً أُخْرَى قُل لّ أَ ْ‬
‫ن لُنذِ َركُم بِ ِه َومَن بَلَغَ أَئِ ّنكُمْ لَتَ ْ‬
‫حيَ ِإَليّ هَذَا ا ْلقُرْآ ُ‬
‫وَأُو ِ‬
‫إِ ّنمَا ُهوَ إِلَهٌ وَاحِ ٌد وَإِنّنِي بَرِيءٌ ّممّا تُشْ ِركُونَ(‪)19‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قوله‪{ :‬إن عصيت ربي} عوضا عن اسم الجللة (ال) فيه إيماء وإشارة إلى أن عصيان الرب‬
‫قبيح قبحا أشد من عصيان المعبود‪ ،‬لن الربّ هو المليك المربي المتولي الحافظ الولي فعصيان‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من يربّي ويرزق قبيح جدا‪.‬‬
‫‪ 2‬أي ‪ :‬من يصرف ال عنه العذاب يوم القيامة فقد رحمه فأدخله جنّته بعد أن نجّاه من النار‪.‬‬

‫( ‪)2/43‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫يمسسك ‪ :‬يصبك‪.‬‬
‫بضر ‪ :‬الضر‪ :‬ما يؤلم الجسم أو النفس كالمرض والحزن‪.‬‬
‫بخير‪ :‬الخير‪ :‬كل ما يسعد الجسم أو الروح‪.‬‬
‫القاهر ‪ :‬الغالب المذل المعز‪.‬‬
‫شهادة‪ :‬الشهادة‪ :‬إخبار العالم بالشيء عنه بما ل يخالفه‪.‬‬
‫لنذركم به‪ :‬لخوفكم بما فيه من وعيد ال لهل عداوته‪.‬‬
‫إله واحد ‪ :‬معبود واحد لنه رب واحد‪ ،‬إذ ل يعبد إل الرب الخالق الرازق المدبر‪.‬‬
‫معنى اليات ‪:‬‬
‫ما زال السياق في توجيه الرسول صلى ال عليه وسلم وتقوية موقفه من أولئك العادلين بربهم‬
‫المشركين به فيقول له ربه تعالى‪{ :‬وإن يمسسك ال بضر ‪ 1‬فل كاشف له إل هو} أي إن أصابك‬
‫ال بما يضرك في بدنك فل كاشف له عنك بإنجائك منه إل هو‪{ .‬وإن يمسسك بخير} أي وإن‬
‫يردك بخير فل ‪ 2‬راد له {فهو على كل شيء قدير}‪ ،‬والخطاب وإن كان موجها للرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم فإنه عام في كل أحد فل كاشف للضر إل هو‪ ،‬ول راد لفضله أحد‪ ،‬ومع كل أحد‪،‬‬
‫وقوله تعالى في الية الثانية (‪{ )18‬وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير} تقرير لربوييته‬
‫المستلزمة للوهيته فقهره لكل أحد‪ ،‬وسلطانه على كل أحد مع علو كلمته وعلمه بكل شيء موجب‬
‫للوهيته وطاعته وطلب وليته‪ ،‬وبطلن ولية غيره وعبادة سواه وقوله تعالى في الية الثالثة (‬
‫‪{ )19‬قل ال شهيد بيني وبينكم} نزلت لما قال المشركون بمكة للرسول صلى ال عليه وسلم إئتنا‬
‫بمن يشهد لك بالنبوة فإن أهل الكتاب أنكروها فأمره ربه تعالى أن يقول لهم ردا عليهم‪ :‬أي شيء‬
‫أكبر شهادة؟ ولما كان ل جواب لهم إل أن يقولوا ال أمره أن يجيب به‪{ :‬قل ال شهيد بيني‬
‫وبينكم}‪ .‬فشهادة ال تعالى لي بالنبوة إيحاؤه إليّ بهذا القرآن الذي أنذركم به‪ ،‬وأنذر‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الضر‪ :‬هو ما يؤلم النسان وهو من الشر المنافي للنسان ويقابله النفع وهو من الخير الملئم‬
‫للنسان ولذا فالضر هنا أعم من المرض إذ يتناوله وغيره من سائر ما يضر النسان‪.‬‬
‫‪ 2‬شاهده حديث ابن عباس عند الترمذي وهو صحيح إذ قال له رسول ال صلى ال عليه وسلم "يا‬
‫غلم إذا سألت فاسأل ال‪ ،‬وإذا استعنت فاستعن بال واعلم أن المة لو اجتمعوا على أن ينفعوك‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بشيء لم ينفعوك إل بشيء قد كتبه ال لك‪ ،‬ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إل‬
‫بشيء قد كتبه ال عليك رفعت القلم وجفّت الصحف"‪.‬‬

‫( ‪)2/44‬‬

‫كل من بلغه وسمع به بأن من بلغه ‪ 1‬ولم يؤمن به ويعمل بما جاء فيه من العقائد والعبادات‬
‫والشرائع فإنه خاسر لنفسه يوم القيامة‪ .‬ثم أمره أن ينكر عليهم الشرك بقوله‪ :‬أئنكم ‪ 2‬لتشهدون مع‬
‫ال آلهة أخرى‪ ،‬وذلك بإيمانكم بها وعبادتكم لها أما أنا فل أعترف بها بل أنكرها فضلً عن أن‬
‫أشهد بها‪ .‬ثم أمره بعد إنكار آلهة المشركين أن يقرر ألوهيته ال وحده وأن يتبرأ من آلهتهم‬
‫المدعاة فقال له قل‪{ :‬إنما هو إله واحد‪ ،‬وإنني بريء مما تشركون}‪.3‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب اللجأ إلى ال تعالى دون غيره من سائر خلقه إذ ل يكشف الضر ‪ 4‬إل هو‪.‬‬
‫‪ -2‬شهادة ال تعالى لرسوله بالنبوة وما أنزل عليه من القرآن وما أعطاه من المعجزات‪.‬‬
‫‪ -3‬نذارة الرسول بلغت كل من بلغه القرآن الكريم إلى يوم الدين‪.‬‬
‫‪ -4‬تقرير مبدأ التوحيد ل إله إل ال‪ ،‬ووجوب البراءة من الشرك‪.‬‬
‫سهُمْ َفهُ ْم لَ ُي ْؤمِنُونَ(‪َ )20‬ومَنْ‬
‫خسِرُواْ أَنفُ َ‬
‫الّذِينَ آتَيْنَا ُهمُ ا ْلكِتَابَ َيعْ ِرفُونَهُ َكمَا َيعْ ِرفُونَ أَبْنَاءهُمُ الّذِينَ َ‬
‫جمِيعًا ثُمّ‬
‫حشُرُهُمْ َ‬
‫أَظَْلمُ ِممّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ َكذِبًا َأوْ كَ ّذبَ بِآياتهِ إِنّ ُه لَ ُيفْلِحُ الظّاِلمُونَ(‪ )21‬وَ َيوْمَ نَ ْ‬
‫عمُونَ(‪ )22‬ثُمّ َلمْ َتكُن فِتْنَ ُتهُمْ ِإلّ أَن قَالُو ْا وَالّلهِ رَبّنَا‬
‫َنقُولُ لِلّذِينَ أَشْ َركُواْ أَيْنَ شُ َركَآ ُؤكُمُ الّذِينَ كُنتُمْ تَزْ ُ‬
‫ضلّ عَ ْنهُم مّا كَانُواْ َيفْتَرُونَ(‪)24‬‬
‫سهِ ْم َو َ‬
‫مَا كُنّا مُشْ ِركِينَ(‪ )23‬انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُ ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في البخاري‪" :‬بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ول حرج‪ ،‬ومن كذب علي متعمدا‬
‫فليتبوأ مقعده من النار" وقال مقاتل‪ :‬من بلغه القرآن من الجن والنس فهو نذير له‪ ،‬وقال‬
‫القرطبي‪ :‬من بلغه القرآن فكأنما خد رأي محمدا صلى ال عليه وسلم وسمع منه‪.‬‬
‫‪ 2‬الستفهام للتوبيخ والتقريع مع النكار لشهادتهم الباطلة وذلك بتأليههم الصنام‪ ،‬والحجار جهل‬
‫وعنادا‪.‬‬
‫‪ 3‬أي من الشرك والشركاء معا‪.‬‬
‫‪ 4‬آية (يونس) في هذا الباب عظيمة إذ قال مخاطبا رسوله صلى ال عليه وسلم‪ "{ :‬ول تدع من‬
‫دون ال مال ينفعك ول يضرك‪ ،‬فإن فعلت فانك إذا من الظالمين‪ ،‬وإن يمسسك ال بضر فل‬
‫كاشف له إل هو وإن يردك بخير فل راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور‬
‫الرحيم"}‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/45‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الذين آتيناهم الكتاب‪ :‬علماء اليهود والنصارى‪.‬‬
‫يعرفونه‪ :‬يعرفون محمدا نبيا ل ورسولً له‪.‬‬
‫افترى على ال كذبا‪ :‬اختلق الكذب وزوّره في نفسه وقال‪.‬‬
‫ل يفلح الظالمون ‪ :‬ل ينجون من عذاب ال يوم القيامة‪.‬‬
‫أين شركاؤكم ‪ :‬استفهام توبيخي لهم‪.‬‬
‫تزعمون‪ :‬تدعون أنهم شركاء يشفعون لكم عند ال‪.‬‬
‫وضل عنهم‪ :‬غاب عنهم ولم يحضرهم ما كانوا يكذبونه‪.‬‬
‫معنى اليات‪::‬‬
‫قوله تعالى‪{ :‬الذين آتيناهم الكتاب} أي علماء اليهود والنصارى {يعرفونه} أي النبي محمدا صلى‬
‫ال عليه وسلم أنه نبي ال ورسوله وأن القرآن كتاب ال أوحاه إليه يعرفونه بما ثبت من أخباره‬
‫ونعوته معرفة كمعرفة أبنائهم‪ ،‬رد ال تعالى بهذا على العرب الذين قالوا‪ :‬لو كنت نبيا لشهد لك‬
‫بذلك أهل الكتاب ثم أخبر تعالى أن الذين ‪ 1‬خسروا أنفسهم في قضاء ال وحكمه الزلي ل‬
‫يؤمنون‪ ،‬وإن علموا ذلك في كتبهم وفهموه واقتنعوا به‪ ،‬فهذا سر عدم إيمانهم‪ ،‬فلن يكون إذا عدم‬
‫إيمانهم حجة ودليلً على النبي محمد صلى ال عليه وسلم بأن غير نبي ول رسول هذا ما دلت‬
‫عليه الية الولى (‪ )20‬وفي الية الثانية نداء ال تعالى يكلّ من مشركي العرب وكفار أهل‬
‫الكتاب بقوله {ومن ‪ 2‬أظلم ممن افترى على ال كذبا} وهم المشركون بزعمهم أن الصنام تشفع‬
‫لهم عند ال ولذا عبدوها‪ ،‬أو كذبوا بآياته وهم أهل الكتاب‪ ،‬وأخبر أن الجميع في موقفهم المعادي‬
‫للتوحيد والسلم ظالمون‪ ،‬وإن الظالمون ل يفلحون فحكم بخسران الجميع إل من آمن منهم وعبد‬
‫ال ووحده وكان من المسلمين وقوله تعالى في الية الثالثة (‪{ )22‬ويوم نحشرهم ‪ 3‬جميعا}‬
‫مشركين وأهل كتاب أي ل يفلحون في الدنيا ول يوم‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬والذين خسروا أنفسهم} في موضع النعت أو البدلية من قوله‪{ :‬الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه}‪.‬‬
‫‪{ 2‬ومن أظلم} الستفهام للنفي والتقريع أي ل أحد أعظم ظلما ممن افترى على ال الكذب أو كذّب‬
‫بآياته التي هي اليات القرآنية والمعجزات النبوية‪.‬‬
‫‪ 3‬الظرف معمول لفعل محذوف تقديره‪ :‬واذكر لقومك الوقت الذي يجري فيه الستنطاق‬
‫والستجواب وكيف يكون موقف هؤلء المشركين الظالمين‪.‬‬

‫( ‪)2/46‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫نحشرهم وهو يوم القيامة لنهم ظالمون‪ ،‬ثم أخبر تعالى بمناسبة ذكر يوم القيامة أنه يسأل‬
‫المشركين منهم فيقول لهم‪{ :‬أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون} أنهم يشفعون لكم في هذا اليوم؟ ثم‬
‫لم تكن نتيجة هذه الفتنة أي الختبار إل قولهم‪{ :‬وال ربنا ما كنا ‪ 1‬مشركين} ‪ ،‬يكذبون هذا الكذب‬
‫لنهم رأوا أن المشركين ل يغفر لهم ول ينجون من النار‪.‬ثم أمر ال رسوله أن يتعجب من‬
‫موقفهم هذا المخزي لهم فقال له‪{ :‬أنظر كيف كذبوا على ‪ 2‬أنفسهم} أما ربهم فهو عليم بهم {وضل‬
‫عنهم} أي غاب فلم يروه‪{ .‬ما كانوا يفترون} أي يكذبون‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬لم يمنع أهل الكتاب من الدخول في السلم إل إيثار الدنيا على الخرة‪.‬‬
‫‪ -2‬سببان في عظم الجريمة الكاذب على ال المفتري والمكذب الجاحد به وبكتاب وبنبيه‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير عدم فلح الظالمين في الحياتين‪.‬‬
‫‪ -4‬الشرك ل يغفر لصاحبه إذا لم يتب منه قبل موته‪.‬‬
‫جعَلْنَا عَلَى قُلُو ِبهِمْ َأكِنّةً أَن َي ْف َقهُو ُه َوفِي أذا ِنهِ ْم َوقْرًا وَإِن يَ َروْاْ ُكلّ آيَ ٍة لّ‬
‫ك َو َ‬
‫َومِ ْنهُم مّن يَسْ َتمِعُ إِلَ ْي َ‬
‫لوّلِينَ(‪ )25‬وَ ُهمْ‬
‫ُي ْؤمِنُواْ ِبهَا حَتّى إذا جَآؤُوكَ يُجَادِلُو َنكَ َيقُولُ الّذِينَ َكفَرُواْ إِنْ َهذَا ِإلّ أَسَاطِي ُر ا َ‬
‫شعُرُونَ(‪ )26‬وََلوْ تَ َرىَ ِإ ْذ ُو ِقفُواْ عَلَى النّارِ‬
‫سهُمْ َومَا َي ْ‬
‫يَ ْن َهوْنَ عَ ْن ُه وَيَنَْأوْنَ عَ ْن ُه وَإِن ُيهِْلكُونَ ِإلّ أَنفُ َ‬
‫َفقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَ ّد َولَ ُنكَ ّذبَ بِآيات رَبّنَا وَ َنكُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ(‪)27‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬تبرّؤا من الشرك وانتفوا منه لما رأوا من تجاوز ال ومغفرته للموحدين‪ ،‬قال ابن عباس رضي‬
‫ال عنهما‪ :‬يغفر ال تعالى لهل الخلص ذنوبهم ول يتعاظم عليه ذنب أن يغفره فإذا رأى‬
‫المشركون ذلك قالوا‪ :‬إن ربنا يغفر الذنوب ول يغفر الشرك فتعالوا نقول‪ :‬وال ربّنا ما كنا‬
‫مشركين‪.‬‬
‫‪ 2‬وجه كذبهم‪ :‬أنهم كانوا يقولون في الصنام تشفع لنا عند ال وتقرّبنا إليه زلفى‪ .‬ففي هذا‬
‫الموقف غاب عنهم الكذب والفتراء وواجهوا الحقيقة المرّة كما هي‪.‬‬

‫( ‪)2/47‬‬

‫ل وََلوْ رُدّواْ َلعَادُواْ ِلمَا ُنهُواْ عَنْهُ وَإِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ(‪َ )28‬وقَالُواْ إِنْ‬
‫خفُونَ مِن قَ ْب ُ‬
‫َبلْ بَدَا َلهُم مّا كَانُواْ ُي ْ‬
‫ِهيَ ِإلّ حَيَاتُنَا الدّنْيَا َومَا نَحْنُ ِبمَ ْبعُوثِينَ(‪)29‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫أكنة‪ :‬جمع كنان ما يكن فيه الشيء كالغطاء‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ل وصمما فهم ل يسمعون‪.‬‬
‫وقرا‪ :‬ثق ً‬
‫يجادلونك ‪ :‬يخاصمونك‪.‬‬
‫أساطير الولين‪ :‬جمع أسطورة‪ :‬ما يكتب ويحكى من أخبار السابقين‪.‬‬
‫وينأون عنه‪ :‬أي ويبعدون عنه‪.‬‬
‫بل بدا لهم ‪ :‬بل ظهر لهم‪.‬‬
‫إن هي إل حياتنا ‪ :‬ما هي إل حياتنا‪.‬‬
‫مبعوثين ‪ :‬بعد الموت أحياء كما كنا قبل أن نموت‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫مازال السياق في الحديث عن أولئك العادلين بربهم المشركين به سواه فيخبر تعالى عن بعضهم‬
‫فيقول {ومنهم من يستمع إليك} حال قراءتك القرآن ولكنه ل يعيه قلبه ول يفقه ما فيه من أسرار‬
‫وحكم تجعله يعرف الحق ويؤمن به‪ ،‬وذلك لما جعلنا حسب سنتنا في خلقنا من أكنة ‪ 1‬على قلوبهم‬
‫أي أغطية‪ ،،‬ومن ‪ 2‬وقر أي ثقل وصمم في آذانهم‪ ،‬فلذا هم يستمعون ول يسمعون‪ ،‬ول يفقهون‬
‫وتلك الغطية وذلك الصمم هما نتيجة ما يحملونه من بغض للنبي صلى ال عليه وسلم وكره لما‬
‫جاء به من التوحيد‪ ،‬ولذا فهم لو يرون كل آية مما يطالبون به من المعجزات كإحياء الموتى‬
‫ونزول الملئكة عيانا ل يؤمنون بها لنهم ل يريدون أن يؤمنوا ولذا قال تعالى‪:‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الكنة‪ :‬جمع كنان كأسنة جمع سنان‪ ،‬والعنة جمع عنان‪ ،‬والكنّة‪ :‬امرأة الب لنّها في كنّه‪،‬‬
‫وكذا امرأة البن والخ‪.‬‬
‫‪ 2‬يقال‪ :‬وقرت أذنه توقر وقرا‪ ،‬إذا صمت‪ ،‬والنخلة موقر وموقرة إذا كانت ذات ثمر كثير‪.‬‬

‫( ‪)2/48‬‬

‫{وإن يروا كل آية ل يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك} أي في شأن التوحيد وآلهتهم {يقول‬
‫الذين كفروا ‪ 1‬إن هذا} أي ما هذا {إل أساطير الولين}‪ ،‬أمليت عليك أو طلبت كتابتها فأنت‬
‫تقصها‪ ،‬وليس لك من نبوة ول وحي ول رسالة‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )25‬أما باقي‬
‫اليات فإن الثانية (‪ )26‬تضمنت إخبار ال تعالى عنهم بأنهم ينهون الناس عن اليمان بالنبي وبما‬
‫جاء به وعن متابعته والدخول في دينه‪ ،‬وينأون هم بأنفسهم أي يبعدون عنه فل إيمان ول متابعة‪.‬‬
‫وهذه شر الصفات يصفهم ال تعالى بها وهي البعد عن الحق والخير‪ ،‬وأمر الناس بالبعد عن‬
‫عنهما ونهيهم عن قربههما ولذا قال تعالى‪{ :‬وإن يهلكون إل ‪ 2‬أنفسهم} بهذا الموقف الشائن‬
‫المعادى للرسول والتوحيد‪ ،‬وما يشعرون بذلك إذ لو شعروا لكفوا‪ ،‬والذي أفقدهم الشعور هو حب‬
‫الباطل والشر الذي حملهم على عداوة الرسول وما جاء به من عبادة ال وتوحيده وها هم أولً قد‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حشروا في جهنم‪ ،‬وال تعالى يقول للرسول‪{ :‬ولو ترى إذ وقفوا ‪ 3‬على النار} ول بد لهم من‬
‫دخولها والصطلء بحرها والحتراق بلهبها‪ ،‬فقالوا وهم في وسطها {يا ليتنا نرد} إلى الحياة الدنيا‬
‫{ول نكذب بآيات ربنا‪ ،‬ونكون من المؤمنين }‪ ،‬وما هم وال بصادقين وإنما هي تمنيات حمل‬
‫عليها الشفاق من العذاب والخوف من نار جهنم‪ ،‬والفضيحة حين ظهر لهم ‪ 4‬ما كانوا يخفون في‬
‫الدنيا من جرائم وفواحش وهم يغشونها الليل والنهار قال تعالى وهو العليم الخبير‪{ :‬ولو ردوا‬
‫لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون} ‪ ،‬وصدق ال لو ردوا لعادوا وفي الية الخيرة (‪ )29‬يسجل‬
‫ال تعالى عليهم سبب بلئهم ومحنتهم‪ ،‬وإقدامهم في تلك الجرأة الغريبة على الشرك ومحاربة‬
‫التوحيد‪ ،‬ومحاربة الموحدين بالضرب والقتل والتعذيب إنه كفرهم بالبعث والجزاء إذ قالوا ما‬
‫أخبر تعالى به عنهم‪{ :‬إن هي إل ‪5‬حياتنا الدنيا‪ ،‬وما نحن بمبعوثين}‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال ابن عباس‪ :‬قالوا للنضر بن الحارث ما يقول محمد؟ قال‪ :‬أرى تحريك شفتيه وما يقول إلّ‬
‫أساطير الوّلين مثل ما أحدّثكم أنا عن القرون الماضية إذ كان النضر صاحب قصص سمعها من‬
‫ديار العجم إذ كان سافر إليها للتجارة‪ ،‬والساطير‪ :‬جمع أسطار وأسطورة نحو‪ :‬أحاديث وأحدوثة‬
‫ومعنى الساطير‪ :‬ما كتب وسطر من أخبار الولين وهو ترّهاتهم وأباطيلهم‪.‬‬
‫‪{ 2‬وإن يهلكون} أي‪ :‬ما يهلكون فإن بمعنى‪ :‬ما النافية‪.‬‬
‫‪ 3‬أي‪ :‬وهم على الصراط وهي تحتهم أو وقفوا بقربها وهم يعاينونها‪ ،‬وجواب لو محذوف تقديره‪:‬‬
‫لرأيت منظرا هائلً ونحوه‪.‬‬
‫‪ 4‬قوله تعالى {وبدا لهم ما كانوا يخفون من قبل} أي في دار الدنيا من الكفر والتكذيب والعناد‬
‫وجائز أن يكون ظهر لهم صدق ما كانوا يعلمون أنّه حق من أمر الدين والتوحيد ولكن يخفونه في‬
‫أنفسهم حتى ل يعلم ذلك إخوانهم في الكفر واتباعهم في الشرك‪.‬‬
‫‪ 5‬هذا سبب شقائهم هو إنكارهم للبعث والجزاء ومغالطة أنفسهم بأنه ل حياة إلّ الحياة الدنيا‪.‬‬

‫( ‪)2/49‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان سنة ال تعالى في أن العبد إذا كره أحدا وأبغضه وتعالى في ذلك يصبح ل يسمع ما‬
‫يقول له‪ ،‬ول يفهم معنى ما يسمع منه‪.‬‬
‫‪ -2‬شر دعاة الشر من يعرض عن الهدى ويأمر بالعراض عنه‪ ،‬وينهى من يقبل عليه‪.‬‬
‫‪ -3‬سبب الشر في الرض الكفر بال‪ ،‬وإنكار البعث والجزاء الخر‪.‬‬
‫وََلوْ تَرَى ِإ ْذ ُو ِقفُواْ عَلَى رَ ّبهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِا ْلحَقّ قَالُواْ بَلَى وَرَبّنَا قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ ِبمَا كُنتُمْ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حسْرَتَنَا عَلَى مَا‬
‫َت ْكفُرُونَ(‪ )30‬قَدْ خَسِرَ الّذِينَ كَذّبُواْ بِِلقَاء اللّهِ حَتّى إذا جَاء ْتهُمُ السّاعَةُ َبغْتَةً قَالُواْ يَا َ‬
‫ظهُورِهِمْ َألَ سَاء مَا يَزِرُونَ(‪َ )31‬ومَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا ِإلّ َل ِعبٌ‬
‫حمِلُونَ َأوْزَارَهُمْ عَلَى ُ‬
‫فَرّطْنَا فِيهَا وَ ُهمْ يَ ْ‬
‫وََلهْ ٌو وَلَلدّارُ الخِ َرةُ خَيْرٌ لّلّذِينَ يَ ّتقُونَ َأفَلَ َت ْعقِلُونَ(‪)32‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫وقفوا على ربهم‪ :‬جيء بهم ووقفوا على قضائه وحكمه تعالى فيهم‪.‬‬
‫بلى وربنا‪ :‬أي إنه للحق وال‪.‬‬
‫خسر الذين كذبوا‪ :‬أي خسروا أنفسهم في جهنم‪.‬‬
‫الساعة بغتة‪ :‬ساعة‪ :‬البعث ليوم القيامة وبغتة‪ :‬أي فجأة‪.‬‬
‫يا حسرتنا‪ :‬الحسرة‪ :‬التندم والتحسر على ما فات ينادون حسرتهم زيادة في التألم والتحزن‪.‬‬
‫أوزارهم‪ :‬أحمال ذنوبهم إذ الوزر الحمل الثقيل‪.‬‬
‫لعب ولهو‪ :‬اللعب‪ :‬العمل الذي ل يجلب درهما للمعاش‪ ،‬ول حسنة للمعاد‪.‬‬
‫واللهو‪.:‬ما يشغل النسان عما يعنيه مما يكسبه خيرا أو يدفع عنه ضيرا‪.‬‬

‫( ‪)2/50‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫لقول تعالى لرسوله‪ :‬ولو ترى ‪ 1‬إذ وقف أولئك لمنكرون للبعث القائلون {إن هي إل حياتنا الدنيا‬
‫وما نحن بمبعوثين}‪ ،‬لو تراهم وقد حبسوا لقضاء ال وحكمه فيهم وقيل لهم وهم يشاهدون أهوال‬
‫القيامة وما فيها من حساب وجزاء وعذاب {أليس ‪ 2‬هذا بالحق} أي الذي كنتم تكذبون فيسارعون‬
‫بالجابة قائلين {بلى‪ ،‬وربنا}‪ ،‬فيحلفون بال تعالى تأكيدا لصحة جوابهم فيقال لهم ‪{ :3‬فذوقوا‬
‫العذاب بما كنتم تكفرون} ل ظلما منا ولكن بسبب كفركم إذ الكفر منع من طاعة ال ورسوله‪،‬‬
‫والنفس ل تطهر إل على تلك الطاعة‪ ،‬هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )30‬أما الية الثانية (‪)31‬‬
‫فقد أعلن تعالى عن خسارة صفقة الكافرين الذين باعوا اليمان بالكفر والتوحيد بالشرك‪ ،‬والطاعة‬
‫بالمعاصي فقال تعالى‪{ :‬قد خسر الذين كذبوا بلقاء ال ‪ }4‬أي بالحياة بعد الموت وهذا هو سبب‬
‫المحنة والكارثة {حتى إذا جاءتهم الساعة} ساعة فناء هذه الحياة وإقبال الحياة الخرة {بغتة} أي‬
‫فجأة لم يكونوا يفكرون فيها لكفرهم بها‪ ،‬وعندئذ صاحوا بأعلى أصواتههم معلنين عن تندمهم {يا‬
‫حسرتنا ‪ 5‬على ما فرطنا} أي في صفقتنا حيث اشترينا الكفر باليمان والشرك بالتوحيد قال‬
‫تعالى‪{ :‬وهم يحملون أوزارهم} من الجائز أن تصور لهم أعمالهم من الكفر والشرك والظلم‬
‫والشر والفساد في صورة رجل قبيح أشوه فيحملونه على ظهورهم في عرصات القيامة وقد ورد‬
‫به خبر‪ .‬ولذا قال تعالى‪{ :‬أل ساء ما يزرون} أي قبح ما يحملونه! وفي الية (‪ )32‬الخيرة يخبر‬
‫تعالى مذكرا واعظا ناصحا فيقول يا عباد ال‪{ :‬وما الحياة الدنيا إل لعب ولهو} فانتبهوا فل‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تغتروا بما فيها من ملذات فإن نعيمها إلى زوال ما شأنها إل شأن من يلعب أو يلهو‪ ،‬ثم ل يحصل‬
‫على طائل من لعبة ‪ 6‬ولهوه‪ ،‬أما الدار الخرة فإنها خير ولكن للذين يتقون الشرك والشر‬
‫__________‬
‫‪ 1‬جواب لو محذوف تقديره‪ :‬لعَظم شأن الوقوف‪.‬‬
‫‪ 2‬الستفهام للتقريع والتوبيخ أي‪ :‬أليس هذا البعث كائنا موجودا‪.‬‬
‫‪ 3‬جائز أن يكون القائل‪ :‬ال تعالى‪ ،‬وجائز أن تكون الملئكة وهو أولى لنهم ليسوا أهل لن‬
‫يكلّمهم الربّ تبارك وتعالى‪.‬‬
‫‪ 4‬أي بالبعث بعد الموت والجزاء على العمل في الدنيا هذا كقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬من حلف‬
‫على يمين ليقتطع بها مال امرىء مسلم لقي ال وهو عليه غضبان" في الصحيح‪ ،‬إلّ أنه ل مانع‬
‫من حمل اللفظ على ظاهره لنّ لقاء ال كائن حقا وكيف وهو الذي يفصل بينهم في ساحة فصل‬
‫القضاء‪.‬‬
‫‪ 5‬أي‪ :‬يا حسرتنا احضري فهذا أوان حضورك‪ ،‬والحسرة‪ :‬الندم الشديد‪ ،‬والتلهف والنداء للتندّم‬
‫والتعجب من حالهم وما حلّ بهم‪.‬‬
‫‪ 6‬هي كما قال الحكيم‪:‬‬
‫أل إنّما الدنيا كأحلم نائم ‪ ...‬وما خير عيش ل يكون بدائم‬
‫تأمّل إذا ما نلت بالمس لذّة ‪...‬‬
‫فأفنيتها هل أنت إل كحالم‬

‫( ‪)2/51‬‬

‫والمعاصي‪ ،‬فما لكم مقبلين غلى الفاني معرضين عن الباقي {أفل تعقلون؟!}‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير مبدأ البعث والجزاء بذكر صور ومشاهد له‪.‬‬
‫‪ -2‬قبح الذنوب وأنها أسوأ حمل يحمله صاحبها يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ -3‬حكم ال تعالى بالخسران على من كذب بلقائه فلم يؤمن ولم يعمل صالحا‪.‬‬
‫‪ -4‬الساعة ل تأتي إل بغتة‪ ،‬ول ينافي ذلك ظهور علماتها‪ ،‬لن الزمن ما بين العلمة والعلمة‬
‫ل يعرف مقداره‪.‬‬
‫‪ -5‬نصيحة القرآن للعقلء بأن ل يغتروا بالحياة الدنيا‪ .‬ويهملوا شأن الخرة وهي خير للمتقين‪.‬‬
‫جحَدُونَ(‪ )33‬وََلقَدْ‬
‫قَدْ َنعَْلمُ إِنّهُ لَ َيحْزُ ُنكَ الّذِي َيقُولُونَ فَإِ ّنهُ ْم لَ ُيكَذّبُو َنكَ وََلكِنّ الظّاِلمِينَ بِآيات اللّهِ يَ ْ‬
‫سلٌ مّن قَبِْلكَ َفصَبَرُواْ عَلَى مَا ُكذّبُواْ وَأُوذُواْ حَتّى أَتَاهُمْ َنصْرُنَا َولَ مُبَ ّدلَ ِلكَِلمَاتِ اللّ ِه وَلَقدْ‬
‫كُذّ َبتْ رُ ُ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ط ْعتَ أَن تَبْ َتغِيَ َن َفقًا فِي‬
‫ضهُمْ فَإِنِ اسْ َت َ‬
‫جَاءكَ مِن نّبَإِ ا ْلمُرْسَلِينَ(‪ )34‬وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَ ْيكَ إِعْرَا ُ‬
‫ج َم َعهُمْ عَلَى ا ْلهُدَى فَلَ َتكُونَنّ مِنَ الْجَاهِلِينَ(‬
‫سمَاء فَتَأْتِ َيهُم بِآ َي ٍة وََلوْ شَاء اللّهُ َل َ‬
‫الَ ْرضِ َأوْ سُّلمًا فِي ال ّ‬
‫‪)35‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ليحزنك ‪ :‬أي لوقعك في الحزن الذي هو ألم النفس من جراء فقد ما تحب من هدايتهم أو من أجل‬
‫ما تسمع منهم من كلم الباطل كتكذيبك وأذيتك‪.‬‬

‫( ‪)2/52‬‬

‫فإنهم ل يكذبونك‪ :‬أي ل ينسبونك إلى الكذب في بواطنهم ومجالسهم السرية لعلمهم اليقيني أنك‬
‫صادق‪.‬‬
‫كذبت رسل ‪ :‬أي كذبتهم أقوامهم وأممهم كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلم‪.‬‬
‫ول مبدل لكلمات ال‪ :‬التي تحمل وعده بنصر أوليائه وإهلك أعدائه‪.‬‬
‫من نبإ المرسلين‪ :‬أي أخبارهم في دعواتهم مع أممهم‪.‬‬
‫تبتغي نفقا‪ :‬تطلب سربا تحت الرض‪.‬‬
‫أو سلما في السماء ‪ :‬أي مصعدا تصعد به إلى السماء‪.‬‬
‫بآية ‪ :‬أي خارقة من خوارق العادات وهي المعجزات‪.‬‬
‫فل تكونن من الجاهلين ‪ :‬أي فل تقف موقف الجاهلين بتدبير ال في خلقه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫هذه اليات من تربية ال تعالى لرسوله وإرشاده لما يشد من عزمه ويزيد في ثباته على دعوة‬
‫الحق التي أناط به بلغها وبيانها فقال له تعالى‪{ :‬قد نعلم ‪ 1‬أنه} أي الحال والشأن‪{ ،‬ليحزنك الذي‬
‫يقولون} أي الكلم الذي يقولون لك وهو تكذيبك واتهامك بالسحر‪ ،‬والتقول على ال‪ ،‬وما إلى ذلك‬
‫مما هو إساءة لك وفي الحقيقة إنهم ل يكذبونك ‪ 2‬لما يعلمون من صدقك وهم يلقبونك قبل إنبائك‬
‫لهم وإرسالك بالمين ولكن الظالمين هذا شأنهم فهم يرمون الرجل بالكذب وهم يعلمون أنه صادق‬
‫ويقرون هذا في مجالسهم الخاصة‪ ،‬ولكن كي يتوصلوا إلى تحقيق أهدافهم في البقاء على عاداتهم‬
‫وما ألفوا من عبادة أوثانهم يقولون بألسنتهم من نسبتك إلى الكذب وهم يعلمون أنك صادق ‪ 3‬غير‬
‫كاذب فإذا عرفت هذا فل تحزن لقولهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قد نعلم إنه‪ :‬كسرت إن في إنه لدخول اللم في {ليحزنك} ولولها لفتحت نحو أنه يحزنك‪.‬‬
‫‪ 2‬روي أن أبا جهل وجماعة معه من رجالت قريش مرّوا بالنبي صلى ال عليه وسلم فقالوا يا‬
‫محمد ما نكذّبك وإنّك عندنا لصادق ولكن نكذّب ما جئت به‪ .‬وهذه الية شاهد لصحة هذه الرواية‪،‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ومعنى يكذّبونك ينسبونك إلى الكذب ويردون قولك‪.‬‬
‫‪ 3‬روى ابن اسحق وغبره أنّ الخنس بن شريق أتى أبا جهل فقال له‪ :‬يا أبا الحكم ما رأيك فيما‬
‫سمعت من محمد إذ كانوا يأتون دار محمد وهو يصلي بالليل يستمعون القرآن فإذا طلع النهار‬
‫تفرّقوا قال ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا‬
‫وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا‪ :‬منّا نبي يأتيه الوحي من‬
‫السماء فمتى ندرك نحن هذه وال ل نؤمن أبدا ول نصدقه فقام الخنس وتركه‪.‬‬

‫( ‪)2/53‬‬

‫هذا أولً وثانيا فقد كذبت رسل من قبلك وأوذوا كما كُذبت أنت وأوذيت‪ ،‬وصبروا حتى أتاهم‬
‫نصرنا فاصبر أنت حتى يأتيك النصر فإنه ل مبدل لكلمات ال التي تحمل وعده لوليائه ووعيده‬
‫لعدائه‪ ،‬ولقد جاءك في هذا الكتاب الذي أوحينا إليك من نبأ المرسلين وأخبارهم ما يكون عونا‬
‫لك على الصبر حتى النصر فاصبر‪ ،‬وثالثا {إن كان كبر ‪ 1‬عليك إعراضهم} عن دعوتك وعدم‬
‫إيمانهم بها حتى تأتيهم بآية تلجئهم إلى اليمان بك وبرسالتك كما يطلبون منك ويُلِحّون عليك وهم‬
‫كاذبون فإن استطعت أن تطلب لهم آية من تحت الرض أو من السماء فافعل‪ ،‬وهذا ما ل تطيقه‬
‫ول تستطيعه لنه فوق طاقتك فل تكلف به وإذا فما عليك إل بالصبر هذا معنى قوله تعالى‪{ :‬وإن‬
‫كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الرض} أي ‪ 2‬سربا‪{ ،‬أو سلما في‬
‫السماء} أي مصعدا {فتأتيهم بآية} أي فافعل‪ ،‬وما أنت بقادر فاصبر إذا ورابعا إن ال قادر على أن‬
‫يجمعهم كلهم على اليمان بك وبرسالتك والدخول في دينك‪ ،‬ولكنه لم يشأ ذلك لحكم عالية فل‬
‫تطلب أنت مال يريده ربك‪ ،‬فإنك إن فعلت كنت من الجاهلين ‪ ،3‬ول نريد لك ذلك ‪.4‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ثبوت بشرية الرسول صلى ال عليه وسلم ولذا هو يحزن لفوت محبوب كما يحزن البشر‬
‫لذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم وحمله على الصبر حتى يأتيه موعود ربه بالنصر‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان سنة ال في المم السابقة‪.‬‬
‫‪ -4‬إرشاد الرب تعالى رسوله إلى خير المقامات وأكمل الحالت بإبعاده عن ساحة الجاهلين‪.‬‬
‫جعُونَ(‪َ )36‬وقَالُواْ َل ْولَ نُ ّزلَ عَلَ ْيهِ آ َيةٌ‬
‫ن وَا ْل َموْتَى يَ ْبعَ ُثهُمُ اللّهُ ُثمّ إِلَيْهِ يُ ْر َ‬
‫س َمعُو َ‬
‫إِ ّنمَا يَسْ َتجِيبُ الّذِينَ َي ْ‬
‫مّن رّبّهِ ُقلْ إِنّ الّلهَ‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬كَبُرَ} ثقل فشق عليه تحمله لثقله‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 2‬أي نفقا كالنفاق المعروفة اليوم تحت الرض‪ ،‬والسلّم‪ :‬الدرج وهو ما يرقى عليه وسمي السلم‬
‫من السلمة‪.‬‬
‫‪ 3‬ول يليق بمثلك مثله وهذا كلّه تسلية للرسول صلى ال عليه وسلم وتعزية وحمل له على الصبر‬
‫وهو لكلّ داعٍ إلى ال تعالى يواجه التكذيب والتعذيب إلى يوم الدين‪.‬‬
‫‪ 4‬جائز أن يكون المعنى‪ :‬من الجهل الذي هو ضد العلم‪ ،‬والجهل الذي هو ضد الحلم ويناسب‬
‫الوّل قوله {ولو شاء ال لجمعهم على الهدى} والثاني قوله‪{ :‬وإن كان كبر عليك إعراضهم‪}..‬‬
‫الية‪.‬‬

‫( ‪)2/54‬‬

‫ض َولَ طَائِرٍ َيطِيرُ‬


‫قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَ ّزلٍ آيَ ًة وََلكِنّ َأكْثَرَهُمْ لَ َيعَْلمُونَ(‪َ )37‬ومَا مِن دَآبّةٍ فِي الَ ْر ِ‬
‫شيْءٍ ُثمّ إِلَى رَ ّبهِمْ ُيحْشَرُونَ(‪ )38‬وَالّذِينَ كَذّبُواْ‬
‫بِجَنَاحَيْهِ ِإلّ ُأمَمٌ َأمْثَاُلكُم مّا فَرّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن َ‬
‫جعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مّسْ َتقِيمٍ(‪)39‬‬
‫بِآياتنَا صُ ّم وَ ُبكْمٌ فِي الظُّلمَاتِ مَن َيشَإِ اللّهُ ُيضْلِلْ ُه َومَن يَشَأْ َي ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إنما يستجيب‪ :‬أي لدعوة الحق التي دعا بها رسول ال صلى ال عليه وسلم فيؤمن ويهتدي‪.‬‬
‫يبعثهم ال ‪ :‬أي يوم القيامة‪.‬‬
‫لول نزل عليه آية ‪ :‬هل أداة تحضيض ل لول الشرطية‪.‬‬
‫آية من ربه ‪ :‬آية‪ :‬خارقة تكون علمة على صدقه‪.‬‬
‫ل يعلمون ‪ :‬أي ما يترتب على إيتائها مع عدم اليمان بعدها من هلك ودمار‪.‬‬
‫من دابة ‪ :‬الدابة كل ما يدب على الرض من إنسان وحيوان‪.‬‬
‫في الكتاب ‪ :‬كتاب المقادير أم الكتاب اللوح المحفوظ‪.‬‬
‫صم وبكم في الظلمات‪ :‬صم‪ :‬ل يسمعون وبكم‪ :‬ل ينطقون في الظلمات ل يبصرون‪.‬‬
‫صراط مستقيم ‪ :‬هو الدين السلمي المفضي بالخذ به إلى سعادة الدارين‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بعدما سلى الرب تعالى رسوله في اليات السابقة وحمله على الصبر أعلمه هنا بحقيقة علمية‬
‫تساعده على الثبات والصبر فأعلمه أن الذين يستجيبون لدعوته صلى ال عليه وسلم هم الذين‬
‫يسمعون لن حاسة السمع عندهم سليمة ما أصابها ما يخل بأداء وظيفتها من كره الحق‬

‫( ‪)2/55‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وبغض أهله والداعين إليه فهؤلء هم الذين يستجيبون لنهم أحياء أما الموات فإنهم ل يسمعون‬
‫ولذا فهم ل يستجيبون ولكن سيبعثهم ال يوم القيامة أحياء ثم يرجع الجميع إليه من استجاب‪ ،‬لحياة‬
‫قلبه‪ ،‬ومن لم يستجب لموت قلبه ويجزيهم بما عملوا الجزاء الوفى وهو على كل شيء قدير‪ ،‬هذا‬
‫ما دلت عليه الية الولى (‪ )36‬أما الية الثانية (‪ )37‬فقد أخبر تعالى رسوله بقولهم {لول نزل‬
‫عليه آية} ‪ ،‬وعلمه أن يقول لهم {إن ال قادر على أن ينزل آية} وهي الخارقة كإحياء الموتى أو‬
‫تسيير الجبال أو إنزال الملئكة يشاهدونهم عيانا‪ ،‬ولكن لم ينزلها لحكم عالية وتدبير حكيم‪{ ،‬ولكن‬
‫أكثرهم ل يعلمون} الحكمة في ‪ 1‬ذلك‪ ،‬ولو علموا أنها إذا نزلت كانت نهاية حياتهم لما سألوها‪.‬‬
‫هذا ما تضمنته الية الثانية أما الية الثالثة (‪ )38‬وهي قوله تعالى‪{ :‬وما من دابة في الرض ول‬
‫طائر يطير ‪ 2‬بجناحيه إل أمم أمثالكم} سيقت هذه الية لبيان كمال ال تعالى وشمول علمه وعظيم‬
‫قدرته‪ ،‬وسعة تدبيره تدليلً على أنه تعالى قادر على إنزال اليات‪ ،‬ولكن منع ذلك حكمته تعالى‬
‫في تدبير خلقه فما من دابة تدب في الرض ول طائر يطير في السماء إل أمم مثل المة ‪3‬‬
‫النسانية مفتقرة إلى ال تعالى في خلقها ورزقها وتدبير حياتها‪ ،‬وال وحده القائم عليها‪ ،‬وفوق‬
‫ذلك إحصاء عملها عليها ثم بعثها يوم القيامة ومحاسبتها ومجازاتها‪ ،‬وكل ذلك حواه كتاب‬
‫المقادير وهو يقع في كل ساعة ول يخرج شيء عما كتب في كتاب المقادير‪ ،‬اللوح المحفوظ {ما‬
‫فرطنا في الكتاب من شيء} فهل يعقل مع هذا أن يعجز ال تعالى عن إنزال آية‪ ،‬وكل مخلوقاته‬
‫دالة على قدرته وعلمه ووحدانيته‪ ،‬ووجوب عبادته وفق مرضاته‪ ،‬وقوله {ثم إلى ربهم يحشرون}‬
‫‪ 4‬كل دابة وكل طائر يموت أحب أم كره‪ ،‬ويبعث ‪ 5‬أحب أم كره‪ ،‬وال وحده مميته ومحييه‬
‫ومحاسبه ومجازيه‪{ ،‬ثم إلى ربهم يحشرون} ‪ ،‬ومن هنا كان المكذبون بآيات ال {صم وبكم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال القرطبي‪ :‬القول بحشر البهائم هو الصحيح‪ ،‬والبهائم وإن كان القلم ل يجري عليها في‬
‫الحكام ولكن فيما بينها تؤاخذ به‪ ،‬وروي عن أبي ذرّ قال‪ ،‬انتطحت شاتان عند رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم فقال‪" :‬يا أبا ذر أتدري فيما انتطحتا‪ .‬قلت‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬لكن ال تعالى يدري وسيفضي‬
‫بينهم"‪.‬‬
‫‪ 2‬من الحكمة في عدم إنزال الية أنه لو أنزلها ما آمنوا بها‪ ،‬فاستوجبوا الهلك فأهلكهم‪ ،‬ولكنّه‬
‫يريد البقاء عليهم ليخرج من أصلبهم مؤمنين يعبدونه ويوحدونه‪.‬‬
‫‪ 3‬ذكر الجناحين للتأكيد من جهة‪ ،‬وإزالة البهام من جهة أخرى لن العرب تطلق لفظ الطيران‬
‫على غير الطائر فتقول للرجل‪ ،‬طر في حاجتي أي أسرع في قضائها وطائر النسان ما قسم ال‬
‫ل قال تعالى‪{ :‬وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه}‪.‬‬
‫له أز ً‬
‫‪ 4‬وهذه المثلية بين النسان وبين دواب الرض وطائر السماء تقتضي أل يظلم النسان الحيوان‬
‫ول يؤذيه ول يتجاوز ما أمر به نحوه‪ ،‬ووجه المثلية في كون كل من النسان والحيوان يسبح ال‬
‫تعالى ويدل على قدرته وعلمه وحكمته‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 5‬قيل في {يحشرون} أنّ حشرها الموت وهو مروي عن ابن عباس قال‪ :‬موت البهائم‪ :‬حشرها‬
‫وروي عن مجاهد والضحاك أيضا‪ ،‬وقيل حشرها‪ :‬هو بعثها يوم القيامة حيّة وهذا أصح لحديث‪:‬‬
‫"إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة"‪.‬‬

‫( ‪)2/56‬‬

‫في الظلمات ‪ }1‬أموات غير أحياء إذ الحياء يسمعون وينطقون ويبصرون وهؤلء صم بكم في‬
‫الظلمات فهم أموات غير أحياء وما يشعرون‪ .‬وأخيرا أعلم تعالى عباده أن هدايتهم كإضللهم بيده‬
‫فمن شاء هداه ومن شاء أضله‪ ،‬وعليه فمن أراد الهداية فليطلبها في صدق من ال جل جلله‬
‫وعظم سلطانه ومن رغب عنها فلن يعطاها‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من بداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬اليمان بال ورسوله ولقائه حياة والكفر بذلك موت فالمؤمن حي والكافر ميت‪.‬‬
‫‪ -2‬سبب تأخر اليات علم ال تعالى بأنهم لو أعطاهم اليات ما آمنوا وبذلك يستوجبون العذاب‪.‬‬
‫‪ -3‬تعدد المم ‪ 2‬في الرض وتعدد أجناسها والكل خاضع لتدبير ال تعالى مربوب له‪.‬‬
‫‪ -4‬تقرير ركن القضاء والقدر وإثباته في أم الكتاب‪.‬‬
‫ُقلْ أَرَأَيْ ُتكُم إِنْ أَتَا ُكمْ عَذَابُ الّلهِ َأوْ أَتَ ْتكُمُ السّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ َتدْعُونَ إِن كُنتُ ْم صَا ِدقِينَ(‪َ )40‬بلْ إِيّاهُ‬
‫سوْنَ مَا تُشْ ِركُونَ(‪ )41‬وََلقَدْ أَ ْرسَلنَآ إِلَى ُأمَمٍ مّن قَبِْلكَ‬
‫شفُ مَا تَدْعُونَ إِلَ ْيهِ إِنْ شَاء وَتَن َ‬
‫تَدْعُونَ فَ َيكْ ِ‬
‫ستْ‬
‫خذْنَاهُمْ بِالْبَ ْأسَاء وَالضّرّاء َلعَّلهُمْ يَ َتضَرّعُونَ(‪ )42‬فََلوْل إِذْ جَاء ُهمْ بَأْسُنَا َتضَرّعُو ْا وََلكِن قَ َ‬
‫فَأَ َ‬
‫قُلُو ُبهُ ْم وَزَيّنَ َلهُمُ الشّيْطَانُ مَا كَانُواْ َي ْعمَلُونَ(‪ )43‬فََلمّا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إنها ظلمات الكفر والشرك والمعاصي وما ينتج عن ذلك من القلق والحيرة واضطراب النفس‪،‬‬
‫والخوف‪ ،‬والهمّ‪.‬‬
‫‪ 2‬روى ابن كثير بسنده عن الحافظ أبي يعلى عن جابر بن عبدال أن الجراد لم يُرَفي سنة من‬
‫سِني عمر رضي ال عنه التي ولي فيها فسأل عنه فلم يخبر بشيء فاغتم لذلك فأرسل راكبا إلى‬
‫كذا وآخر إلى الشام‪ ،‬وآخر إلى العراق يسأل هل رؤي من الجراد شيء أو ل؟ قال فأتاه الراكب‬
‫الذي من قبل اليمن بقبضة من جراد فألقاها بين يديه فلما رآها كبّر ثلثا ثم قال سمعت رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يقول‪" :‬خلق ال عز وجل ألف أمّة منها ستمائة في البحر وأربعمائة في البرّ‬
‫وأول شيء يهلك من هذه المم الجراد فإذا هلكت تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه‪ .‬هذه الرواية‬
‫ذكر بعض أهل العلم بطلنها‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/57‬‬

‫شيْءٍ حَتّى إذا فَ ِرحُواْ ِبمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم َبغْتَةً فَإذا هُم‬
‫نَسُواْ مَا ُذكّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَ ْي ِهمْ أَ ْبوَابَ ُكلّ َ‬
‫حمْدُ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ(‪)45‬‬
‫مّبْلِسُونَ(‪َ )44‬فقُطِعَ دَابِرُ ا ْل َقوْمِ الّذِينَ ظََلمُو ْا وَالْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫أرأيتكم ‪ :‬أخبروني‪.‬‬
‫الساعة ‪ :‬يوم القيامة‪.‬‬
‫يكشف ‪ :‬يزيل ويبعد وينجي‪.‬‬
‫البأساء والضراء‪ :‬البأساء‪ :‬الشدائد من الحروب والمراض‪ ،‬والضراء‪ :‬الضر‪.‬‬
‫يتضرعون‪ :‬يتذللون في الدعاء خاضعون‪.‬‬
‫بغتة‪ :‬فجأة وعل حين غفلة‪.‬‬
‫مبلسون ‪ :‬آيسون قنطون متحسرون حزنون‪.‬‬
‫دابر القوم ‪ :‬آخرهم أي أهلكوا من أولهم إلى آخرهم‪.‬‬
‫الحمد ل‪ :‬الثناء بالجميل والشكر ل دون سواه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫مازال السياق في طلب هداية أولئك المشركين العادلين بربهم أصناما وأحجارا‪ ،‬فيقول ال تعالى‬
‫لرسوله صلى ال عليه وسلم قل يا رسولنا لولئك الذين يعدلون بنا الصنام {أرأيتكم ‪ }1‬أي‬
‫أخبروني‪{ ،‬إن أتاكم عذاب ال} اليوم انتقاما منكم‪{ ،‬أو أتتكم الساعة} وفيها عذاب يوم القيامة‪،‬‬
‫{أغير ال تدعون} ليقيكم العذاب ويصرفه عنكم {إن كنتم صادقين} في أن آلهتكم تنفع وتضره تقي‬
‫السوء وتجلب الخير؟ والجواب معلوم أنكم ل تدعونها ليأسكم من إجابتها بل ال ‪ 2‬وحده هو الذي‬
‫تدعونه فيكشف ما تدعونه له إن شاء‪ ،‬وتنسون عندها ما تشركون به من الصنام فل تدعونها‬
‫ليأسكم من إجابتها لضعفها وحقارتها‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال القرطبي‪ :‬هذه الية في محاجة المشركين ممن اعترف أنّ له صانعا أي‪ :‬أنتم عند الشدائد‬
‫ترجعون إلى ال تعالى وسترجعون إليه يوم القيامة أيضا‪ ،‬فلم تصرّون على الشرك في حال‬
‫الرفاهية؟! وكانوا يعبدون الصنام ويدعون ال في صرف العذاب‪.‬‬
‫‪{ 2‬بل إيّاه تدعون} بل‪ :‬للضراب‪ ،‬إضراب عن الوّل وهو دعاء غير ال تعالى وإيجاب للثاني‬
‫وهو دعاء ال عز وجل‪.‬‬

‫( ‪)2/58‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هذا ما تضمنته اليتان الولى (‪ )40‬والثانية (‪ )41‬وأما اليات الربع بعدهما فإن ال تعالى يخبر‬
‫رسوله بقوله {ولقد أرسلنا إلى أمم ‪ 1‬من قبلك} أي أرسلنا رسلً من قبلك إلى أممهم فأمروهم‬
‫باليمان والتوحيد والعبادة فكفروا وعصوا فأخذناهم بالشدائد من حروب ومجاعات وأمراض‬
‫لعلهم يتضرعون إلينا فيرجعون إلى اليمان بعد الكفر والتوحيد بعد الشرك والطاعة بعد العصيان‬
‫ولما لم يفعلوا وبخهم تعالى بقوله‪{ :‬فلول إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ‪ }2‬أي فهل إذ جاءهم بأسنا‬
‫تضرعوا إلينا {ولكن} حصل العكس حيث {قست قلوبهم وزين لهم الشيطان} أي حسن لهم {ما‬
‫كانوا يعملون} من الشرك والمعاصي‪ .‬وهنا لما نسوا ما ذكرتهم به رسلهم فتركوا العمل به‬
‫معرضين عنه غير ملتفتين إليه فتح ال تعالى عليهم أبواب كل شيء من ‪ 3‬الخيرات حتى إذا‬
‫فرحوا بذلك ‪ 4‬وسكنوا إليه واطمأنوا ولم يبق بينهم من هو أهل للنجاة‪ .‬قال تعالى {أخذناهم بغتة}‬
‫أي فجأة بعذاب من أنواع العذاب الشديدة {فإذا هم مبلسون}‪ 5‬آيسون من الخلص متحسرون‬
‫{فقطع دابر ‪ 6‬القوم الذين ظلموا} أي استؤصلوا بالعذاب عن آخرهم‪ .‬وانتهى أمرهم {والحمد ل‬
‫رب العالمين} ناصر أوليائه ومهلك أعدائه فاذكر هذا لقومك يا رسولنا لعلهم يثوبون إلى رشدهم‬
‫ويعودون إلى الحق الذي تدعوهم إليه وهم معرضون‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬من غريب أحوال النسان المشرك أنه في حال الشدة الحقيقية يدعو ال وحده ول يدعو معه‬
‫اللهة الباطلة التي كان في حال الرخاء والعافية يدعوها‪.‬‬
‫__________‬
‫ل مضمر وهناك إضمار آخر تقديره‪ :‬فكذّبوهم فأهلكناهم‪.‬‬
‫‪ 1‬أي أرسلنا رسلً‪ .‬فرس ً‬
‫‪ 2‬يتضرعون‪ :‬يدعون ال ويتذلّلون له‪ ،‬إذ التضرع مأخوذ من الرضاعة التي هي الذلة‪ ،‬يقال‪:‬‬
‫ضرع إليه فهو ضارع أي‪ :‬متذلل‪.‬‬
‫‪ 3‬أبواب كل شيء كان مغلقا عنهم وهو استدراج لهم وقد تطول مدّة الستدراج والمهال عشرين‬
‫سنة فأكثر‪.‬‬
‫‪ 4‬روى أحمد عن عقبة بن عامر عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪" :‬إذا رأيت ال يعطي‬
‫العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج‪ ،‬ثم تل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫{فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا‬
‫هم مبلسون}‪.‬‬
‫‪ 5‬قالوا‪ :‬المبلس‪ :‬هو الباهت الحزين اليس من الخير لشدة ما نزل به من سوء الحال قال‬
‫العجاج‪.‬‬
‫يا صاح هل تعرف رسما مكرسا ‪ ...‬قال نعم أعرفه وأبلسا‬
‫المكرّس‪ :‬الذي به الكرس وهو أبوال البل وأبعارها‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 6‬الدابر‪ :‬الخر يقال‪ :‬دبر القوم يدبرهم دبرا إذا كان آخرهم‪ .‬ومعناه أخذهم أجمعين إذ آخر من‬
‫يؤخذ هو من كان خلف القوم وآخرهم‪.‬‬

‫( ‪)2/59‬‬

‫‪ -2‬بيان سنة ال تعالى في إهلك المم‪.‬‬


‫‪ -3‬إذا رأيت المة قد فسقت عن أمر ربها ورسوله فعوقبت فلم تتعظ بالعقوبة واستمرت على‬
‫فسقها وبسط ال تعالى لها في الرزق وأغدق علبها الخيرات فاعلم أنها قد استدرجت للهلك وأنها‬
‫هالكة ل محالة‪.‬‬
‫‪ -4‬شؤم الظلم هلك الظالمين‪.‬‬
‫‪ -5‬الرشاد إلى حمد ال تعالى عند نهاية كل عمل‪ ،‬وعاقبة كل أمر‪.‬‬
‫علَى قُلُو ِبكُم مّنْ ِإلَهٌ غَيْرُ الّلهِ يَأْتِيكُم ِبهِ انظُرْ كَ ْيفَ‬
‫س ْم َعكُ ْم وَأَ ْبصَا َركُ ْم وَخَتَمَ َ‬
‫ُقلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ َ‬
‫جهْ َرةً َهلْ ُيهَْلكُ ِإلّ‬
‫ُنصَ ّرفُ اليات ثُمّ هُمْ َيصْ ِدفُونَ(‪ُ )46‬قلْ أَرَأَيْ َتكُمْ إِنْ أَتَا ُكمْ عَذَابُ الّلهِ َبغْتَةً َأوْ َ‬
‫علَ ْيهِمْ‬
‫خ ْوفٌ َ‬
‫ن وََأصْلَحَ فَلَ َ‬
‫ن َومُنذِرِينَ َفمَنْ آمَ َ‬
‫سلُ ا ْلمُرْسَلِينَ ِإلّ مُبَشّرِي َ‬
‫ا ْل َقوْمُ الظّاِلمُونَ(‪َ )47‬ومَا نُ ْر ِ‬
‫سقُونَ(‪)49‬‬
‫سهُمُ ا ْلعَذَابُ ِبمَا كَانُواْ َيفْ ُ‬
‫وَلَ ُهمْ يَحْزَنُونَ(‪ )48‬وَالّذِينَ كَذّبُواْ بِآياتنَا َيمَ ّ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫أرأيتم‪ :‬أخبروني وفي هذه الصيغة نوع من التعجب‪.‬‬
‫أخذ سمعكم وأبصاركم‪ :‬أي أصمكم وأعماكم‪.‬‬
‫وختم على قلوبكم‪ :‬جعلها ل تعي ول تفهم‪.‬‬
‫نصرف اليات ‪ :‬ننوع الساليب لزيادة البيان واليضاح‪.‬‬
‫يصدفون‪ :‬يعرضون‪.‬‬
‫بغتة أو جهرة‪ :‬بغتة‪ :‬بدون إعلم ول علمة سابقة‪ ،‬والجهرة‪ :‬ما كان بإعلم وعلمة تدل عليه‪.‬‬
‫هل يهلك ‪ :‬أي ما يهلك‪.‬‬

‫( ‪)2/60‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في دعوة العادلين بريهم الصنام والوثان إلى التوحيد فقال تعالى لنبيه يلقنه‬
‫الحجج التي تبطل باطل المشركين {قل أرأيتم} أي أخبروني يا قوم {إن أخذ ال ‪ 1‬سمعكم} وجعلكم‬
‫صما ل تسمعون وأخذ {أبصاركم} فكنتم عميا ل تبصرون {وختم على قلوبكم} أي طبع عليها‬
‫فأصبحتم ل تعقلون ول تفهمون‪ .‬أي إله غير ال يأتيكم بالذي أخذ ال منكم؟ والجواب ل أحد‪ ،‬إذا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فكيف تتركون عبادة من يملك سمعكم وأبصاركم وقلوبكم ويملك كل شيء فيكم وعندكم‪ ،‬وتعبدون‬
‫مال يملك من ذلكم من شيء؟ أي ضلل أبعد من هذا الضلل! ثم قال تعالى لرسوله صلى ال‬
‫عليه وسلم {انظر} يا رسولنا {كيف ‪ 2‬نصرف اليات}‪.‬‬
‫أي ننوع أساليبها زيادة في بيانها لظهار الحجة بها {ثم هم يصدفون} أي يعرضون عادلين بربهم‬
‫مال يملك نفعا ول ضرا ثم أمره في الية الثانية (‪ )47‬أن يقول لهم وقد أقام الحجة عليهم في‬
‫الية الولى (‪ )46‬قل لهم {أرأيتكم} أي أخبروني ‪{ 3‬إن أتاكم عذاب ال} وقد استوجبتموه‬
‫بصدوفكم عن الحق وإعراضكم عنه {بغتة ‪ }4‬أي فجأة بدون سابق علمة‪{ ،‬أو جهرة} بعلمة‬
‫تقدمته تنذركم به أخبروني من يهلك منا ومنكم؟ {هل يهلك إل القوم الظالمون}‪ 5‬بصرف العبادة‬
‫إلى هن ل يستحقها وترك من وجبت له وهو ال الذي ل إله إل هو ثم عزى الرحمن جل جلله‬
‫رسوله بقوله‪{ :‬وما نرسل المرسلين إل مبشرين ‪ 6‬ومنذرين } أي ما نكلفهم بغير حمل البشارة‬
‫بالنجاة ودخول الجنة لمن آمن وعمل صالحا والنذارة لمن كفر وعمل سوءا‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬فمن‬
‫آمن وأصلح فل خوف عليهم ول هم يحزنون} {والذين‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الخذ‪ :‬انتزاع الشيء‪ ،‬وتناوله من مقره وهو هنا بمعنى السلب والعدام‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا التعجيب لرسول ال صلى ال عليه وسلم من عدم تأثرهم بما عاينوا من اليات الباهرة‪،‬‬
‫أي‪ :‬انظر كيف نكررها ونلونها من أسلوب إلى آخر تارة نوردها بمقدمات عقلية وأخرى بأسلوب‬
‫الترغيب والترهيب‪ ،‬والتنبيه والتذكير‪.‬‬
‫‪ 3‬وهذا تبكيت آخر غير الول لهم‪.‬‬
‫‪ 4‬وفُسّر بغتة وجهرة بليل ونهارا والكل صالح وصحيح‪.‬‬
‫‪ 5‬الستفهام في قوله‪{ :‬هل يهلك‪ } ..‬الخ للتقرير وحصر الهلك في أهل الظلم تسجيل عليهم‬
‫الظلم وإيذانا بأن هلكهم كان سبب ظلمهم الذي هو وضعهم الشرك موضع التوحيد والكفر موضع‬
‫اليمان‪.‬‬
‫‪{ 6‬مبشرين ومنذرين} حالن مقدرتان من المرسلين أي ما نرسلهم إلّ مقدرين تبشيرهم وإنذارهم‬
‫وفيهما معنى التعليل للرسال والتبشير‪ :‬الصل فيه الخبار بالمر السار‪ ،‬والنذار‪ :‬الخبار‬
‫بالخبر الضار دنيويا أو أخرويا‪ .‬والمراد هنا لكل من البشارة والنذارة نعيم الخرة وعذابها‪.‬‬

‫( ‪)2/61‬‬

‫كذبوا بآياتنا} التي نرسل نجا المرسلين فلم يؤمنوا ول يعملوا صالحا {يمسهم العذاب} ‪ 1‬عذاب‬
‫النار {بما كانوا يفسقون} بسبب فسقهم عن طاعتنا وطاعة رسلنا الفسق الذي أثمره لهم التكذيب‬
‫باليات‪ ،‬إذ لو آمنوا بآيات ال لما فسقوا عن طاعته وطاعة رسوله فشؤمهم في تكذيبهم‪ ،‬وذلك‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جزاؤهم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬افتقار العبد إلى ال في سمعه وبصره وقلبه وفي كل حياته موجب عليه عبادة ال وحده دون‬
‫سواه‪.‬‬
‫‪ -2‬هلك الظالمين ل مناص منه عاجلً أو آجلً‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان مهمة الرسل وهي البشارة لمن أطاع والنذارة من عصى والهداية والخيرات على ال‬
‫تعالى‪.‬‬
‫‪ -4‬الفسق عن طاعة ال ورسوله ثمرة التكذيب‪ ،‬والطاعة ثمرة اليمان‪.‬‬
‫قُل لّ َأقُولُ َلكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّ ِه وَل أَعْلَمُ ا ْلغَ ْيبَ وَل َأقُولُ َل ُكمْ إِنّي مََلكٌ إِنْ أَتّبِعُ ِإلّ مَا يُوحَى إَِليّ‬
‫حشَرُواْ إِلَى رَ ّبهِمْ‬
‫عمَى وَالْ َبصِيرُ َأفَلَ تَ َتفَكّرُونَ(‪ )50‬وَأَنذِرْ بِهِ الّذِينَ َيخَافُونَ أَن يُ ْ‬
‫ُقلْ َهلْ يَسْ َتوِي الَ ْ‬
‫شيّ‬
‫شفِيعٌ ّلعَّل ُهمْ يَ ّتقُونَ(‪َ )51‬ولَ َتطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَ ّبهُم بِا ْلغَدَا ِة وَا ْلعَ ِ‬
‫ي وَلَ َ‬
‫لَيْسَ َلهُم مّن دُونِ ِه وَِل ّ‬
‫حسَا ِبكَ‬
‫شيْ ٍء َومَا مِنْ ِ‬
‫علَ ْيكَ مِنْ حِسَا ِبهِم مّن َ‬
‫جهَهُ مَا َ‬
‫ن وَ ْ‬
‫يُرِيدُو َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي ‪ :‬العذاب الذي أنذروا به وهو عاجل كعذاب الدنيا أو آجل وهو عذاب الخرة‪.‬‬

‫( ‪)2/62‬‬

‫ضهُم بِ َب ْعضٍ لّ َيقُولواْ َأ َهؤُلء مَنّ‬


‫شيْءٍ فَتَطْرُ َدهُمْ فَ َتكُونَ مِنَ الظّاِلمِينَ(‪َ )52‬وكَذَِلكَ فَتَنّا َب ْع َ‬
‫عَلَ ْيهِم مّن َ‬
‫علَ ْيهِم مّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعَْلمَ بِالشّاكِرِينَ(‪)53‬‬
‫اللّهُ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫خزائن‪ :‬جمع خزانة أو خزينة ما يخزن فيه الشيء ويحفظ‪.‬‬
‫الغيب‪ :‬ما غاب عن العيون وكان محصلً في الصدور وهو نوعان غيب حقيقي وغيب إضافي‬
‫والحقيقي مال يعلمه إل ال تعالى‪ ،‬والضافي ما يعلمه أحد ويجهله آخر‪.‬‬
‫أنذر به ‪ :‬خوّف به أي بالقرآن‪.‬‬
‫الغداة‪ :‬من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس‪ ،‬والعشي من صلة العصر إلى غروب الشمس‪.‬‬
‫فتطردهم‪ :‬أي تبعدهم من مجلسك‪.‬‬
‫فتنا‪ :‬ابتلينا بعضهم ببعض الغني بالفقير‪ ،‬والشريف بالوضيع‪.‬‬
‫من ال علينا‪ :‬أي أعطاهم الفضل فهداهم إلى السلم في دوننا‪.‬‬
‫بالشاكرين‪ :‬المستوجبين لفضل ال ومنته بسبب إيمانهم وصالح أعمالهم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مازال السياق مع العادلين بربهم الصنام المنكرين للنبوة المحمدية فأمر ال تعالي رسوله أن يقول‬
‫لهم‪{ :‬ل أقول لكم عندي خزائن ال ‪ }1‬أي خزائن الرزاق {ول أعلم الغيب} أي ول أقول لكم إني‬
‫أعلم الغيب‪{ ،‬ول أقول لكم إني ملك} من الملئكة ما أنا إل عبد رسول أتبع ما يوحي ‪ 2‬إليّ ربي‬
‫فأقول وأعمل بموجب وحيه إليّ‪ .‬ثم قال له اسألهم قائلً {هل‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا ردّ على المشركين في اقتراحاتهم المتعددة المتنوعة فأمر تعالى رسوله أن يرد عليهم بأنه‬
‫ل يملك خزائن ال التي فيها الرزاق حتى يعطيهم ما يطلبون ويقترحون‪ ،‬ول هو يعلم الغيب‬
‫حتى يخبرهم بموعد العذاب الذي ينتظرهم‪ ،‬ول هو ملك يقدر على مال يقدر عليه البشر‪ ،‬وإنما‬
‫هو بشر يوحى إليه الخبر من ربّه فيخبر به ويعمل به ليس غير‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا غير ناف لجتهاد الرسول صلى ال عليه وسلم وكثيرا ما يجتهد وقد يقيس على‬
‫المنصوص عنه‪ ،‬ولكنه ل يقرّ على غير الحق وما يرضي الرب عز وجل‪.‬‬

‫( ‪)2/63‬‬

‫يستوي العمى ‪ 1‬والبصير؟} والجواب ل‪ ،‬فكذلك ل يستوي المؤمن والكافر‪ ،‬والمهدي والضال‬
‫{أفل تتفكرون} أي مالكم ل تتفكرون فتهتدوا للحق وتعرفوا سبيل النجاة‪ .‬هذا ما دلت عليه الية‬
‫الولى (‪ )50‬أما الية الثانية (‪ )51‬فإن ال تعالى يأمر رسوله أن ينذر بالقرآن المؤمنين العاصين‬
‫فقال {وأنذر ‪ 2‬به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم} يوم القيامة وهم مذنبون‪ ،‬وليس لهم من‬
‫دون ال ولي ول شفيع ‪ 3‬فهؤلء ينفعهم إنذارك بالقرآن أما الكفرة المكذبون فهم كالموات ل‬
‫يستجيبون وهذا كقوله تعالى من سورة ق {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} فهؤلء إن أنذرتهم‬
‫يرجى لهم أن يتقوا معاصي ال ومعاصيك أيها الرسول وهو معنى قوله تعالى‪{ :‬لعلهم يتقون}‪.‬‬
‫هذا ما تضمنته الية الثانية (‪ )51‬أما الية الثالثة (‪ )52‬وهي قوله تعالى {ول تطرد ‪ 4‬للذين‬
‫يدعون ربهم بالغداة والعشي‪ ،‬يريدون وجهه} فإن بعض المشركين في مكة اقترحوا على الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم أن يبعد من مجلسه فقراء المؤمنين كبلل وعمار وصهيب حتى يجلسوا إليه‬
‫ويسمعوا عنه فهمّ الرسول صلى ال عليه وسلم أن يفعل رجاء هداية أولئك المشركين فنهاه ال‬
‫تعالى عن ذلك بقوله {ول تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} في صلة الصبح‪ ،‬وصلة‬
‫العصر‪ ،‬يريدون وجه ال ليرضى عنهم ويقربهم ويجعلهم من أهل وليته وكرامته‪ ،‬ومبالغة في‬
‫الزجر عن هذا الهم قال تعالى‪{ :‬ما عليك من حسابهم من شيء} أي ما أنت بمسؤول عن خطاياهم‬
‫إن كانت لهم خطايا‪ ،‬ول هم بمسئولين عنك فلم تطردهم إذا؟ {فتطردهم ‪ 5‬فتكون من الظالمين} أي‬
‫فل تفعل‪ ،‬ولم يفعل صلى ال عليه وسلم وصبر عليهم وحبس نفسه معهم وفي الية الخيرة (‪)53‬‬
‫يقول تعالى‪{ :‬وكذلك فتنا بعضهم ببعض}‪6‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في هذا الخطاب الستفهامي إيماء إلى المفارقة التامة الحاصلة من المؤمنين والكافرين‪ ،‬وأن‬
‫الكافرين عمي والمؤمنين بصراء‪ ،‬والمؤمنون مهتدون‪ ،‬والكافرون ضالّون‪ ،‬فما لهم ل يتفكرون‬
‫لعلهم يخرجون من ظلمة كفرهم‪.‬‬
‫‪ 2‬وأنذر به أي‪ :‬بالقرآن وقيل بيوم القيامة‪ ،‬وكونه القرآن أولى وأصح لقوله تعالى‪{ :‬فذكّر بالقرآن‬
‫من يخاف وعيد}‪.‬‬
‫‪ 3‬في الية دليل على إبطال شفاعة الصنام لعابديها‪ ،‬والولياء للمشركين ممن يذبحون لهم‬
‫وينذرون كما فيها إبطال لزعم أهل الكتاب القائلين نحن أبناء ال وأحباؤه فسوف يشفع لنا الب‪،‬‬
‫إذ شرط صحة الشفاعة يوم القيامة أن يأذن ال لمن يشفع وأن يرضى بنجاة المشفوع له‪.‬‬
‫‪ 4‬روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال‪ :‬كنا مع النبي صلى ال عليه وسلم ستة نفر فقال‬
‫المشركون للنبي صلى ال عليه وسلم اطرد هؤلء عنك ل يجترئون علينا وكنت أنا وابن مسعود‬
‫ورجل من هذيل وبلل ورجلن لست أسميهما فوقع في نفس رسول ال صلى ال عليه وسلم ما‬
‫شاء ال أن يقع فحدّث نفسه فأنزل ال عز وجل‪{ :‬ول تطرد الذين يدعون ربهم‪ } ...‬الية‪.‬‬
‫‪ 5‬في الية دليل على عدم جواز تعظيم الرجل لجاهه وثوبه وعدم احتقار الرجل لخموله ورثاثة‬
‫ثوبه‪.‬‬
‫‪ 6‬الفتنة‪ :‬الختبار أي‪ :‬عاملناهم معاملة المختبر لهم فأغنينا بعضا وأفقرنا بعضا واللّم في قوله‬
‫تعالى‪{ :‬ليقولوا} هي لم العاقبة أي‪ :‬ليقول أغنياء وأشراف المشركين مشيرين إلى فقراء‬
‫المؤمنين‪ :‬أهؤلء من ال عليهم بأن وفقهم لصابة الحق دوننا‪ ،‬ونحن الرؤساء وهم العبيد‪.‬‬

‫( ‪)2/64‬‬

‫أي هكذا ابتلينا بعضهم ببعض هذا غني وذاك فقير‪ ،‬وهذا وضيع وذاك شريف‪ ،‬وهذا قوي وذاك‬
‫ضعيف ليؤول المر ويقول الغنياء الشرفاء للفقراء الضعفاء من المؤمنين استخفافا بهم واحتقارا‬
‫لهم‪ :‬أهؤلء الذين من ال عليهم بيننا بالهداية والرشد قال تعالى‪{ :‬أليس ال بأعلم بالشاكرين}‪ .‬بلى‬
‫فالشاكرون هم المستحقون لنعام ال بكل خير وأما الكافرون فل يعطون ول يزادون لكفرهم‬
‫النعم‪ ،‬وعدم شكرهم لها‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير بشرية الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير مبدأ أن الرسول ل يعلم الغيب‪ ،‬وأنه ل يتصرف في شيء من الكون‪.‬‬
‫‪ -3‬نفي مساواة المؤمن والكافر إذ المؤمن مبصر والكافر أعمى‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -4‬استحباب مجالسة أهل الفاقة وأهل التقوى واليمان‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان الحكمة في وجود أغنياء وفقراء وأشراف ووضعاء‪ ،‬وأقوياء وضعفاء وهي الختبار‪.‬‬
‫‪ -6‬الشاكرون مستوجبون لزيادة النعم‪ ،‬والكافرون مستوجبون لنقصانها وذهابها‪.‬‬
‫ع ِملَ مِنكُمْ‬
‫حمَةَ أَنّهُ مَن َ‬
‫وَإِذَا جَاءكَ الّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ بِآيَاتِنَا َف ُقلْ سَلَمٌ عَلَ ْي ُكمْ كَ َتبَ رَ ّب ُكمْ عَلَى َنفْسِهِ الرّ ْ‬
‫ك ن َفصّلُ اليَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ‬
‫غفُورٌ‪ 1‬رّحِيمٌ(‪َ )54‬وكَذَِل َ‬
‫جهَالَةٍ ُثمّ تَابَ مِن َبعْ ِد ِه وََأصْلَحَ فَأَنّهُ َ‬
‫سُوءًا ِب َ‬
‫ا ْلمُجْ ِرمِينَ(‪ُ )55‬قلْ إِنّي ُنهِيتُ أَنْ أَعْ ُبدَ الّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ الّلهِ قُل لّ أَتّبِعُ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرئ {فأنه غفور} بالفتح أنّه وقرئ بكسرها على الستئناف‪ ،‬أمّا على الفتح ففي توجيهه رأيان‪،‬‬
‫الوّل أن يكون في موضع رفع على البتداء كأنّه قال‪ :‬فله أنه غفور رحيم أي‪ :‬فله غفران ال‪،‬‬
‫ن وما وعملت فيه خبره‪ ،‬فأمره غفران ال له‪ ،‬وهذا الخير أولى‬
‫والثاني‪ :‬أن يضم مبتدأ تكون أ ّ‬
‫من الول‪.‬‬

‫( ‪)2/65‬‬

‫أَ ْهوَاءكُمْ قَ ْد ضَلَ ْلتُ إِذًا َومَا أَنَاْ مِنَ ا ْل ُمهْتَدِينَ(‪ُ )56‬قلْ إِنّي عَلَى بَيّ َنةٍ مّن رّبّي َوكَذّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا‬
‫ق وَ ُهوَ خَيْرُ ا ْلفَاصِلِينَ(‪ )58‬قُل ّلوْ أَنّ عِندِي مَا تَسْ َتعْجِلُونَ‬
‫حكْمُ ِإلّ لِلّهِ َيقُصّ ا ْلحَ ّ‬
‫تَسْ َتعْجِلُونَ ِبهِ إِنِ ا ْل ُ‬
‫لمْرُ بَيْنِي وَبَيْ َنكُ ْم وَاللّهُ أَعَْلمُ بِالظّاِلمِينَ(‪)58‬‬
‫ضيَ ا َ‬
‫بِهِ َل ُق ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫سلم عليكم‪ :‬دعاء بالسلمة من كل مكروه‪ ،‬وهي تحية المؤمنين في الدنيا وفي الخرة في الجنة‪.‬‬
‫كتب ربكم على نفسه الرحمة‪ :‬أي أوجب الرحمة على نفسه فلذا ل يعذب إل بعد النذار‪ ،‬ويقبل‬
‫توبة من تاب‪.‬‬
‫سوءا‪ :‬أي ذنبا أساء به إلى نفسه‪.‬‬
‫بجهالة ‪ :‬الجهالة أنواع منها‪ :‬عدم تقدير عاقبة الذنب‪ ،‬ونسيان عظمة الرب‪.‬‬
‫تستبين‪ :‬تتضح وتظهر‪.‬‬
‫نهيت ‪ :‬أي نهاني ربي أي زجرني عن عبادة أصنامكم‪.‬‬
‫تدعون ‪ :‬تعبدون‪.‬‬
‫بينة ‪ :‬البينة‪ :‬الحجة الواضحة العقلية الموجبة للحكم بالفعل أو الترك‪.‬‬
‫إن الحكم ‪ :‬أي ما الحكم إل ل‪.‬‬
‫يقص الحق ‪ :‬أي يخبر بالحق‪.‬‬
‫خير الفاصلين ‪ :‬الفصل في الشيء‪ :‬القضاء والحكم فيه‪ ،‬والفاصل في القضية‪ :‬الحاكم فيها‬
‫ومنهيها‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يرشد ال تبارك وتعالى رسوله إلى الطريقة المثلى في الدعوة إليه‪ ،‬بعد أن نهاه عن الطريقة التي‬
‫هم بها وهي طرد المؤمنين من مجلسه ليجلس الكافرون رجاء هدايتهم فقال تعالى‪:‬‬

‫( ‪)2/66‬‬

‫{وإذا جاءك الذين ‪ 1‬يؤمنون بآياتنا} أي يصدقون بنبوتك وكتابك وما جئت به من الدين الحق‬
‫فهؤلء رحب بهم وقل ‪ 2‬سلم عليكم ومهما كانت ذنوبهم التي ارتكبوها‪ ،‬وأخبرهم أن ربهم تعالى‬
‫قد كتب ‪ 3‬على نفسه الرحمة فل يخافون ذنوبهم بعد توبتهم وإنابتهم إلى ربهم باليمان به وتوطين‬
‫النفس على طاعته‪{ ،‬أنه من عمل منكم سوءً‪ 4‬بجهالة ثم تاب من بعده} أي أقلع عن الذنب نادما‬
‫مستغفرا‪ ،‬وأصلح نفسه بالصالحات فإن ربه غفور رحيم فسيغفر له ويرحمه‪ .‬هكذا يستقبل كل‬
‫عبد جاء مؤمنا مستفتيا يسأل عن طريق النجاة يستقبل بالبشر والطلقة والتحية والسلم ل بالعنف‬
‫والتقريع والتوبيخ‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )54‬أما الية الثانية (‪ )55‬فإنه تعالى بعد أن‬
‫نهى رسوله عن الستجابة لقتراح المشركين المتكبرين‪ ،‬وعن طرد المؤمنين وعن حكمته في‬
‫وجود أغنياء وفقراء وأقوياء وضعفاء في الناس وعن الطريقة المثلى في استقبال التائبين‬
‫المستفتين بعد هذا كله قال تعالى‪{ :‬وكذلك نفصل اليات} أي مثل هذا التفصيل نفصل اليات‬
‫مستقبلً لبيان الهداية اللهية ليهتدي من أراد ال له الهداية وقد طلبها ورغب فيها‪ ،‬ولتستبين ‪5‬‬
‫وتتضح سبيل المجرمين‪ ،‬فل تُتبع وَيَنْهى عن اتباعها‪ ،‬لنها طريق الهلك والدمار‪ .‬هذا ما أفادته‬
‫الية الثانية أما اليات الثالثة والرابعة والخامسة في هذا السياق فهي تحمل الهداية اللهية للرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم في طريق دعوته إلى ربه فكل آية من تلك اليات مفتتحة بكلمة (قل) أي قل‬
‫أيها الرسول لولئك المشركين الذين يدعونك إلى موافقتهم على شركهم وعبادة غيري معهم {أني‬
‫نهيت} أي نهاني ربي أن أعبد ما تدعون ‪ 6‬من الصنام والوثان‪ ،‬وقل لهم‪ :‬ل أتبع أهواءكم في‬
‫عبادة غير ال تعالى الموروثة لكم عن آبائكم الضلل مثلكم إني إن فعلت أكون قد‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روي عن الفضل بن عباس قول‪ :‬جاء قوم من المسلمين إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقالوا‬
‫إنّا قد أصبنا من الذنوب فاستغفر لنا فأعرض عنهم فنزلت الية‪ ،‬وروي عن أنس بن مالك مثله‪.‬‬
‫‪ 2‬أي‪ :‬سلمكم ال في دينكم وأنفسكم‪ ،‬كان النبي صلى ال عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلم وقال‪:‬‬
‫"الحمد ل الذي جعل من أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلم "‪.‬‬
‫‪ 3‬كتب‪ :‬بمعنى أوجب ذلك على نفسه بفضله ورحمته‪ ،‬وكتبه في اللوح المحفوظ فالكتابة على‬
‫بابها إذا‪.‬‬
‫‪{ 4‬سوءا} أي خطيئة من غير إرادة تحدي شرع ال وانتهاك حرماته وإنما ضعفا منه وعدم قدرة‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫على التغلب على طبعه وشهوته وميل هواه‪.‬‬
‫‪ 5‬قرىء‪{ :‬ليستبين} بالياء والتاء فقراءة التاء يكون الخطاب فيها لرسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫أي‪ :‬ولتستبين يا رسولنا سبيل المجرمين‪ ،‬وخطاب النبي صلى ال عليه وسلم خطاب لمته‪ ،‬وإذا‬
‫بان سبيل المجرمين فقد بان سبيل المؤمنين وقراءة الياء ليستبين سبيل المجرمين‪ ،‬فسبيل مرفوع‬
‫على الفاعلية‪.‬‬
‫‪ 6‬أطلق لفظ الدعاء وأريد به العبادة‪ ،‬لنّ الدعاء هو العبادة ومخها أيضا لما في الدعاء من‬
‫مظاهر العبودية ل تعالى ومظاهر أسمائه وصفاته عز وجل‪.‬‬

‫( ‪)2/67‬‬

‫ضللت ‪ 1‬إذا وما أنا من المهتدين إلى سبل الفوز والفلح‪ .‬وقل ‪{:‬إني على بينة من ربي} أي على‬
‫علم يقيني من وجوب اليمان بال ووجوب توحيده وطاعته ووجوب الدعوة إلى ذلك‪ ،‬وكذبتم أنتم‬
‫بهذا كله وبالعذاب إذ أنذرتكم به وأنا ما عندي ما تستعجلون به من العذاب‪ ،‬ولو كان عندي لحل‬
‫بكم وانتهى أمركم‪ ،‬ولكن الحكم ل ليس لحد غيره وقد قص عليكم أخبار السابقين المطالبين ‪2‬‬
‫رسلهم بالعذاب ورأيتم كيف حل بهم العذاب‪{ ،‬وال يقص ‪ 3‬الحق وهو خير الفاصلين} فإذا أراد‬
‫أن يحكم بيني وبينكم فإنه نعم الحكم والعدل وهو خير الحاكمين‪ .‬وقل لهم يا رسولنا {لو أن عندي‬
‫ما تستعجلون به} من العذاب {لقضي المر بيني وبينكم} بتدمير الظالم منا‪{ ،‬وال أعلم بالظالمين}‪،‬‬
‫ول يهلك غيرهم لنهم المستوجبون للعذاب بظلمهم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب الرفق والتلطف بالمستفتين وعدم الشدة والغلظة عليهم‪.‬‬
‫‪ -2‬إتباع أهواء أهل الهواء والباطل يضل ويهلك‪.‬‬
‫‪ -3‬على المسلم الداعي إلى ربه أن يكون على علم كاف بال تعالى وبتوحيده ووعده ووعيده‬
‫وأحكام شرعه‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب الصبر والتحمل مما يلقاه الداعي من أهل الزيغ والضلل من القتراحات الفاسدة‪.‬‬
‫سقُطُ مِن وَ َرقَةٍ ِإلّ َيعَْل ُمهَا َولَ‬
‫وَعِن َدهُ َمفَاتِحُ ا ْلغَ ْيبِ لَ َيعَْل ُمهَا ِإلّ ُهوَ وَ َيعْلَمُ مَا فِي الْبَ ّر وَالْبَحْ ِر َومَا تَ ْ‬
‫ب َولَ يَا ِبسٍ ِإلّ فِي كِتَابٍ مّبِينٍ(‪)59‬‬
‫ط ٍ‬
‫حَبّةٍ فِي ظُُلمَاتِ الَ ْرضِ َولَ رَ ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرئ {ضلَلِت} بفتح اللم وكسرها‪ ،‬وهما لغتان‪ ،‬فضلِلت‪ :‬بكسر اللم لغة تميم‪ ،‬والفتح لغة‬
‫الحجاز‪ ،‬وهي أفصح‪.‬‬
‫‪ 2‬إذ أكثر أمم الوصل قالوا لرسلهم فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قالتها عاد لنبيها هود‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقالها قوم نوح لنوح عليه السلم‪.‬‬
‫‪ 3‬أي‪ :‬يقص القصص الحق‪ ،‬قال القرطبي بهذا استدل من منع المجاز في القرآن‪ ،‬وقرئ نقض‬
‫بالضاد من القضاء ويدل عليه قوله بعد‪{ :‬وهو خير الفاصلين} الفصل‪ :‬القضاء والحكم‪.‬‬

‫( ‪)2/68‬‬

‫ج ُعكُمْ‬
‫سمّى ُثمّ إِلَيْهِ مَرْ ِ‬
‫جلٌ مّ َ‬
‫ل وَ َيعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِال ّنهَارِ ثُمّ يَ ْبعَ ُث ُكمْ فِيهِ لِ ُي ْقضَى َأ َ‬
‫وَ ُهوَ الّذِي يَ َت َوفّاكُم بِاللّ ْي ِ‬
‫حفَظَةً حَ ّتىَ إِذَا جَاء َأحَ َدكُمُ‬
‫سلُ عَلَ ْيكُم َ‬
‫ثُمّ يُنَبّ ُئكُم ِبمَا كُنتُمْ َت ْعمَلُونَ(‪ )60‬وَ ُهوَ ا ْلقَاهِرُ َفوْقَ عِبَا ِد ِه وَيُرْ ِ‬
‫حكْ ُم وَ ُهوَ أَسْ َرعُ‬
‫ا ْل َم ْوتُ َت َوفّتْهُ ُرسُلُنَا وَهُ ْم لَ ُيفَرّطُونَ(‪)61‬ثُمّ ُردّواْ إِلَى اللّهِ َم ْولَهُمُ ا ْلحَقّ َألَ َلهُ ا ْل ُ‬
‫الْحَاسِبِينَ(‪)62‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫مفاتح الغيب‪ :‬المفاتح‪ :‬جمع ‪ 1‬مفتح بفتح الميم أي المخزن‪.‬‬
‫البر والبحر‪ :‬البر ضد البحر‪ ،‬وهو اليابس من الرض‪ ،‬والبحر ما يغمره الماء منها‪.‬‬
‫ورقة‪ :‬واحدة الورق والورق للشجر كالسعف للنخل‪.‬‬
‫حبة‪ :‬واحدة الحب من ذرة أو بر أو شعير أو غيرها‪.‬‬
‫ول رطب ‪ :‬الرطب ضد اليابس من كل شيء‪.‬‬
‫في كتاب مبين‪ :‬أي في اللوح المحفوظ كتاب المقادير‪.‬‬
‫يتوفاكم بالليل‪ :‬أي ينيمكم باستتار الرواح وحجبها عن الحياة كالموت‪.‬‬
‫جرحتم‪ :‬أي كسبتم بجوارحكم من خير وشر‪.‬‬
‫ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى‪ :‬أي يوقظكم لتواصلوا العمل إلى نهاية الجل المسمى لكل‪.‬‬
‫حفظة ‪ :‬الكرام الكاتبين‪.‬‬
‫رسلنا‪ :‬ملك الموت وأعوانه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المفتاح والجمع مفاتيح‪ ،‬والمفتح‪ :‬عبارة عن كل ما يحل مغلقا محسوسا كالقفل للباب‪ ،‬أو معقولً‬
‫كالنظر‪ .‬وفي الحديث‪" :‬إنّ من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر"‪.‬‬

‫( ‪)2/69‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما ذكر تعالى في نهاية الية السابقة أنه أعلم بالظالمين المستحقين للعقوبة أخبر عز وجل أن‬
‫المر كما قال ودليل ذلك أنه عالم الغيب والشهادة‪ ،‬إذ {عنده مفاتح الغيب ‪ }1‬أي خزائن الغيب‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وهو الغيب الذي استأثر بعلمه فل يعلمه سواه ‪ 2‬ويعلم ما في البر والبحر وهذا من عالم الشهادة‪،‬‬
‫إضافة إلى ذلك أن كل شيء كان أو يكون من أحداث العالم قد حواه كتاب له اسمه اللوح‬
‫المحفوظ‪ ،‬وهو ما دل عليه قوله‪{ :‬وما تسقط من ورقة إل يعلمها ول حبة في ظلمات الرض ول‬
‫رطب ‪ 3‬ول يابس إل في كتاب مبين} وما كتبه قبل وجوده فقد علمه إذا فهو عالم الغيب والشهادة‬
‫أحصى كل شيء عددا وأحاط بكل شيء علما‪ ،‬فكيف إذا ل يعبد ول يرغب فيه ول يرهب منه‬
‫وأين هو في كماله وجلله من أولئك الموات من أصنام وأوثان‪.‬؟؟ هذا ما دلت عليه الية الولى‬
‫(‪ )59‬وأما الية الثانية (‪ )65‬فقد قررت ما دلت عليه الية قبلها من قدرة ال وعلمه وحكمته فقال‬
‫تعالى مخبرا عن نفسه {وهو الذي يتوفاكم ‪ 4‬بالليل} حال نومكم إذ روح النائم تقبض ما دام نائما‬
‫ثم ترسل إليه عند إرادة ال بعثه من نومه أي يقظته‪ ،‬وقوله {ثم يبعثكم فيه} أي في النهار المقابل‬
‫لليل‪ ،‬وعلة هذا أن يقضى ويتم الجل الذي حدده تعالى للنسان يعيشه وهو مدة عمره طالت أو‬
‫قصرت‪ ،‬وهو معنى قوله {ثم يبعثكم فيه ليُقضى أجل مسمى} وقوله تعالى {ثم إليه مرجعكم} ل‬
‫محالة وذلك بعد نهاية الجل‪{ ،‬ثم ينبئكم} بعلمه {بما كنتم تعملون} من خير وشر ويجازيكم بذلك‬
‫وهو خير الفاصلين‪ .‬وفي الية الثالثة يخبر تعالى عن نفسه أيضا تقريرا لعظيم سلطانه الموجب‬
‫له بالعبادة والرغبة والرهبة إذ قال مخبرا عن نفسه {وهو القاهر فوق عباده}‪ ،‬ذو القهر التام‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى البخاري عن ابن عمر رضي ال عنهما عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬مفاتيح‬
‫الغيب خمس ل يعلمها إلّ ال‪ :‬ل يعلم ما تغيض الرحام إل ال‪ ،‬ول يعلم ما في غد إل ال ول‬
‫يعلم متى يأتي المطر أحد إل ال‪ ،‬ول تدري نفس بأي أرض تموت إل ال ول يعلم متى تقوم‬
‫الساعة إل ال" ولذا قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من أتى عرّافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلة‬
‫أربعين ليلة" والعرّاف الحازي والمنجم الذي يدعي علم الغيب‪ ،‬والمهنة‪ :‬العرافة‪ ،‬وصاحبها‬
‫عَرّاف‪ .‬وفي مسلم عن عائشة أنها قالت سأل رسول ال أناس عن الكهانة فقال‪" :‬ليست بشيء‪.‬‬
‫فقالوا يا رسول ال انهم يحدّثون أحيانا بشيء فيكون حقا فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم تلك‬
‫الكلمة الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليّه قرّ الدجاجة فيخلطون معها مائة كذبة"‪.‬‬
‫‪ 2‬روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬من زعم أن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على ال الفرية‪ ،‬وال تعالى يقول‪{ :‬قل ل يعلم من في‬
‫السموات والرض الغيب إل ال}‪.‬‬
‫‪ 3‬يطلق لفظ الرطب على الماء وما ينبت والحيّ‪ ،‬ولسان المؤمن‪ ،‬واليابس على ضد ذلك كالياس‬
‫والتراب ومال ينبت‪ ،‬ولسان الكافر لنّه ل يذكر ال تعالى‪.‬‬
‫‪ 4‬التوفي‪ :‬استيفاء الشيء‪ ،‬وتوفي الميت‪ :‬استوفى عدد أيام عمره‪ ،‬والنائم كأنه استوفى حركاته في‬
‫اليقظة‪ ،‬والوفاة‪ :‬الموت‪ ،‬واستوفى دينه‪ :‬أخذه كاملً‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/70‬‬

‫والسلطان الكامل على الخلق أجمعين {ويرسل عليكم} أيها الناس {حفظة ‪ }1‬بالليل والنهار يكتبون‬
‫أعمالكم وتحفظ لكم لتجزوا بها {حتى إذا جاء أحدكم الموت} لنقضاء أجله {توفته رسلنا} ملك‬
‫الموت وأعوانه‪{ ،‬وهم ل يفرطون} أي ل يضيعون ول يقصرون وأخيرا يقول تعالى مخبرا‬
‫بالمر العظيم إنه الوقوف بين يدي الرب تعالى المولى الحق الذي يجب أن يعبد دون سواه‪ ،‬وقد‬
‫كفره أكثر الناس وعصوه‪ ،‬وفسقوا عن أمره وتركوا طاعته وأدهى من ذلك عبدوا غيره من‬
‫مخلوقاته فكيف يكون حسابهم والحكم عليهم؟ وال يقول‪{ :‬ثم ردوا إلى ال مولهم الحق أل له‬
‫الحكم وهو أسرع الحاسبين ‪.}2‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان مظاهر القدرة والعلم والحكمة ل تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬استئثار ال تعالى بعلم الغيب‪.‬‬
‫‪ -3‬كتاب المقادير حوى كل شيء حتى سقوط الورقة من الشجرة وعلم ال بذلك‪.‬‬
‫‪ -4‬صحة إطلق الوفاة على النوم‪ ،‬وبهذا فسر قوله تعالى لعيسى إني متوفيك‪.‬‬
‫‪ - 5‬تقرير مبدأ المعاد والحساب والجزاء‪.‬‬
‫خفْيَةً لّئِنْ أَنجَانَا مِنْ َه ِذهِ لَ َنكُونَنّ مِنَ‬
‫ُقلْ مَن يُ َنجّيكُم مّن ظُُلمَاتِ الْبَ ّر وَالْبَحْرِ َتدْعُونَهُ َتضَرّعا وَ ُ‬
‫الشّاكِرِينَ(‪ُ )63‬قلِ اللّهُ يُ َنجّيكُم مّ ْنهَا َومِن ُكلّ كَ ْربٍ ثُمّ أَنتُمْ تُشْ ِركُونَ(‪ُ )64‬قلْ ُهوَ ا ْلقَادِرُ عَلَى أَن‬
‫ضكُم‬
‫سكُمْ شِيَعا وَيُذِيقَ َب ْع َ‬
‫حتِ أَرْجُِل ُكمْ َأوْ يَلْبِ َ‬
‫يَ ْب َعثَ عَلَ ْي ُكمْ عَذَابًا مّن َف ْوقِكُمْ َأوْ مِن َت ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الحفظة ‪ :‬جمع حافظ كالكتبة جمع كاتب‪ ،‬والمراد هنا‪ :‬الملئكة الكرام الكاتبون وهم أربعة‪:‬‬
‫ملكان بالليل‪ ،‬وملكان بالنهار‪ ،‬وخامس ل يفارق أبدا‪.‬‬
‫‪{ 2‬أسرع الحاسبين} أي‪ :‬ل يحتاج إلى فكرة وروية ول عقد يدٍ‪.‬‬

‫( ‪)2/71‬‬

‫ستُ‬
‫بَأْسَ َب ْعضٍ انظُرْ كَيْفَ ُنصَ ّرفُ اليَاتِ َلعَّلهُمْ َيفْ َقهُونَ(‪َ )65‬وكَ ّذبَ بِهِ َق ْو ُمكَ وَ ُهوَ ا ْلحَقّ قُل لّ ْ‬
‫س ْوفَ َتعَْلمُونَ(‪)67‬‬
‫عَلَ ْيكُم ِب َوكِيلٍ(‪ّ )66‬ل ُكلّ نَبَإٍ مّسْ َتقَ ّر وَ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ينجيكم‪ :‬يخلصكم مما تخافون‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تضرعا وخفية ‪ :‬التضرع‪ :‬الدعاء بتذلل وخفية بدون جهر بالدعاء‪.‬‬
‫من هذه ‪ :‬أي الهلكة‪.‬‬
‫من الشاكرين ‪ :‬المعترفين بفضلك الحامدين لك على فعلك‪.‬‬
‫كرب ‪ :‬الكرب‪ :‬الشدّة الموجبة للحزن وألم الجسم والنفس‪.‬‬
‫تشركون ‪ :‬أي به تعالى بدعائهم أصنامهم وتقربهم إليها بالذبائح‪.‬‬
‫من فوقكم‪ :‬كالصواعق ونحوها‪.‬‬
‫من تحت أرجلكم‪ :‬كالزلزال والخسف ونحوها‪.‬‬
‫أو يلبسكم شيعا ‪ :‬أي يخلط عليكم أمركم فتختلفون شيعا وأحزابا‪.‬‬
‫ويذيق بعضكم بأس بعض‪ :‬أي يقتل بعضكم بعضا فتذيق كل طائفة الخرى ألم الحرب‪.‬‬
‫يفقهون ‪ :‬معاني ما نقول لهم‪.‬‬
‫وكذب به قومك ‪ :‬أي قريش‪.‬‬
‫الوكيل‪ :‬صن يوكل إليه الشيء أو المر يدبره‪.‬‬
‫لكل نبأ مستقر‪ :‬المستقر‪ :‬موضع الستقرار والنبأ‪ :‬الخبر العظيم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق مع المشركين العادلين بربهم فيقول ال تعالى لرسوله قل لهم‪{ :‬من ينجيكم من‬
‫ظلمات البر ‪ 1‬والبحر} إذا ضل أحدكم طريقه في الصحراء ودخل عليه ظلم الليل‪ ،‬أو‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ظلمات البر والبحر‪ :‬كناية عن شدائدهما‪ ،‬يقال‪ :‬يوم مظلم أي‪ :‬شديد‪ ،‬وتقول العرب‪ :‬يوم ذو‬
‫كواكب وأنشد سيبويه‪.‬‬
‫بني أسد هل تعلمون بلدنا ‪ ...‬إذا كان يوم ذو كواكب أشنعا‬
‫وجمع الظلمات لتعددها إذ هي ظلمة البر وظلمة البحر وظلمة الليل وظلمة الغيم‪.‬‬

‫( ‪)2/72‬‬

‫ركب البحر فغشيته ظلمة السحاب والليل والبحر واضطربت نفسه من الخوف يدعو من؟ إنه‬
‫يدعو ال وحده لعلمه أنه ل ينجيه إل هو يدعوه ويتضرع إليه جهرا وسرا قائلً وعزتك لئن‬
‫أنجيتنا من هذه الهلكة التي حاقت بنا لنكونن من الشاكرين لك‪ .‬ثم إذا نجاكم استجابة لدعائكم‬
‫وأمنتم المخاوف عدتم فجأة إلى الشرك به بدعاء غيره‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الولى (‪{ )63‬قل‬
‫من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية‪ ،‬لئن أنجانا من هذه لنكونن من‬
‫الشاكرين}‪ ،‬وفي الية الثانية (‪ )64‬يأمر ال تعالى رسوله أن يقول لهم جوابا لقوله من ينجيكم‬
‫‪{:‬ال ينجيكم منها ‪ }1‬أي من تلك الحالة التي اضطربت لها نفوسكم وخشيتم فيها الهلك وينجيكم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أيضا من كل كرب ‪ ،2‬ثم مع هذا يا للعجب أنتم تشركون ‪ 3‬به تعالى أصنامكم‪ .‬قل لهم يا رسولنا‬
‫أن ال الذي ينجيكم من كل كرب هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من السماء فوقكم ‪ ،4‬أو‬
‫من الرض تحتكم‪ ،‬أو يخلط عليكم أمركم فتتنازعوا فتختلفوا فتصبحوا شيعا وطوائف وفرقا‬
‫متعادية يقتل بعضكم بعضا‪ ،‬فيذيق بعضكم بأس بعض‪ ،‬ثم قال ال تعالى لرسوله انظر يا رسولنا‬
‫كيف نفصل اليات بتنويع الكلم وتوضيح معانيه رجاء أن يفقهوا معنى ما نقول لهم فيهتدوا إلى‬
‫الحق فيؤمنوا بال وحده ويؤمنوا بلقائه وبرسوله وما جاء به فيكملوا ويسعدوا وفي الية (‪)65‬‬
‫يخبر تعالى بواقع القوم‪ :‬أنهم كذبوا بهذا القرآن وما أخبرهم به من الوعيد الشديد وهو الحق الذي‬
‫ليس بباطل ول يأتيه الباطل‪ ،‬ويأمر رسوله أن يقول لهم بعد تكذيبهم له {لست عليكم بوكيل}‬
‫فأخاف من تبعة عدم إيمانكم وتوحيدكم {لكل نبأ مستقر ‪ }5‬وقد أنبأتكم بالعذاب على تكذيبكم‬
‫وشرككم {وسوف تعلمون} ذلك يوم يحل بكم وقد استقر نبأه يوم بدر والحمد ل‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ل برهان أعظم على بطلن الشرك من أن المشركين يخلصون الدعاء ل تعالى في الشدة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرئ‪{ :‬ينجّيكم} بالتشديد‪ ،‬و {ينجيكم} بالتخفيف‪ ،‬والمعنى واحد والفعل‪ :‬يقال نجّاه من كذا وأنجاه‬
‫من كذا‪.‬‬
‫‪ 2‬الكرب‪ :‬الغمّ يأخذ النفس ويقال فيه‪ :‬رجل مكروب‪ ،‬والكربة مأخوذة منه‪.‬‬
‫‪ 3‬هذه الجملة تحمل لهم التقريع والتوبيخ أي‪ :‬ومع هذا النجاء الذي يحصل لكم من ربكم إذا أنتم‬
‫مشركون يا للوقاحة والدناءة‪ ،‬وإلّ فهم مشركون من قبل‪.‬‬
‫‪ 4‬من فوقكم كالحجارة‪ ،‬والطوفان والصواعق ومن تحتكم كالخسف والرجفة‪.‬‬
‫‪{ 5‬لكل نبأ} أي‪ :‬خبر مستقر أي وقت يقع فيه مضمونه فل يتقدّم ول يتأخر‪.‬‬

‫( ‪)2/73‬‬

‫‪ -2‬ل منجى من الشدائد ول منقذ من الكروب إل ال سبحانه وتعالى‪.‬‬


‫‪ -3‬التحذير من الختلف المفضي ‪ 1‬إلى النقسام والتكتل‪.‬‬
‫‪{ -4‬لكل نبأ مستقر} ‪ .‬أجري مجرى المثل ‪ ،‬وكذا {سوف تعلمون}‪.‬‬
‫حدِيثٍ غَيْ ِرهِ وَِإمّا يُنسِيَ ّنكَ‬
‫وَإِذَا رَأَ ْيتَ الّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْ ِرضْ عَ ْنهُمْ حَتّى َيخُوضُواْ فِي َ‬
‫شيْءٍ‬
‫حسَا ِبهِم مّن َ‬
‫الشّ ْيطَانُ فَلَ َت ْقعُدْ َبعْدَ ال ّذكْرَى مَعَ ا ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ (‪َ )68‬ومَا عَلَى الّذِينَ يَ ّتقُونَ مِنْ ِ‬
‫وََلكِن ِذكْرَى َلعَّلهُمْ يَ ّتقُونَ(‪ )69‬وَذَرِ الّذِينَ اتّخَذُواْ دِي َنهُمْ َلعِبًا وََل ْهوًا وَغَرّ ْتهُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا وَ َذكّرْ ِبهِ أَن‬
‫خذْ مِ ْنهَا ُأوْلَ ِئكَ‬
‫ل لّ ُيؤْ َ‬
‫شفِي ٌع وَإِن َت ْع ِدلْ ُكلّ عَ ْد ٍ‬
‫ي وَلَ َ‬
‫سلَ َنفْسٌ ِبمَا كَسَ َبتْ لَيْسَ َلهَا مِن دُونِ اللّ ِه وَِل ّ‬
‫تُبْ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ ِبمَا كَانُواْ َي ْكفُرُونَ(‪)70‬‬
‫الّذِينَ أُبْسِلُواْ ِبمَا كَسَبُواْ َلهُمْ شَرَابٌ مّنْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫يخوضون في آياتنا ‪ :‬يتكلمون في القرآن طعنا فيه ونقدا له ولما جاء فيه‪.‬‬
‫فأعرض عنهم ‪ :‬قم محتجا على صنيعهم الباطل‪ ،‬غير ملتفت إليهم‪.‬‬
‫بعد الذكرى ‪ :‬أي بعد التذكر‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يحسن ذكر شاهد عظيم على معنى هذه الية‪{ :‬ويلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} روى‬
‫مسلم عن ثوبان قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬إنّ ال زوى لي الرض (أي جمعها)‬
‫فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها وأعطيت الكنزين الحمر‬
‫والبيض وإني سألت ربي لمّتي ألّ يهلكهم بسنة عامة وأل يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم‬
‫فيستبيح بيضتهم وإنّ ربي قال لي يا محمد‪ :‬إني إذا قضيت قضاء فإنه ل يرد وإني أعطيتك لمّتك‬
‫أل أهلكهم بسنة عامة وأل أسلط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم‬
‫من بأقطارها‪ ،‬أو قال من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا"‪.‬‬

‫( ‪)2/74‬‬

‫ولكن ذكرى ‪ :‬أي موعظة لهم‪.‬‬


‫وذر الذين ‪ :‬أي اترك الكافرين‪.‬‬
‫لعبأ ولهوا ‪ :‬كونه لعبا لنه ل يجنون منه فائدة قط‪ ،‬وكونه لهوا لنهم يتلهون به وشغلهم عن الدين‬
‫الحق الذي يكملهم ويسعدهم‪.‬‬
‫أن تبسل نفس‪ :‬أي تسلم فتؤخذ فتحبس في جهنم‪.‬‬
‫كل عدل‪ :‬العدل هنا‪ :‬الفداء‪.‬‬
‫أبسلو‪ :‬حبسوا في جنهم بما كسبوا من الشرك والمعاصي‪.‬‬
‫من حميم ‪ :‬الحميم الماء الشديد الحرارة الذي ل يطاق‪.‬‬
‫وعذاب أليم‪ :‬أي شديد اللم واليجاع وهو عذاب النار‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في الحديث مع أولئك العادلين المكذبين في!قول ال تعالى لرسوله {وإذا رأيت ‪1‬‬
‫الذين يخوضون في آياتنا} يستهزئون باليات القرآنية ويسخرون مما دلت عليه من التوحيد‬
‫والعذاب للكافرين {فأعرض عنهم} أي فصد عنهم وانصرف {حتى يخوضوا في حديث غيره} وإن‬
‫أنساك الشيطان نهينا هذا فجلست ثم ذكرت فقم ول تقعد مع القوم الظالمين‪،‬وقوله تعالى‪{ :‬وما‬
‫على الذين يتقون من حسابهم من شيء} أي وليس على المؤمنين المتقين أنت وأصحابك يا رسولنا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من تبعة ول مسئولية ولكن إذا خاضوا في الباطل فقوموا ليكون ذلك ذكرى لهم فيكفون عن‬
‫الخوض في آيات ال تعالى‪ .‬وهذا كان بمكة قبل قوة السلم‪ ،‬ونزل بالمدينة النهي عن الجلوس‬
‫مع الكافرين والمنافقين إذا خاضوا في آيات ال ومن جلس معهم يكون مثلهم وهو أمر عظيم قال‬
‫تعالى‪{ :‬وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات ال يكفر بها ويستهزأ بها فل تقعدوا معهم‬
‫حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم} هذا ما دلت عليه اليتان الولى والثانية‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الخطاب للرسول صلى ال عليه وسلم وأصحابه وأمته داخلة معه في هذا فمتى حصل لمؤمن‬
‫أو مؤمنة مثل هذا تعيّن عليه أن يقوم احتجاجا وعدم رضا‪ ،‬وفي الية دليل على أنّ مجالسة أهل‬
‫الكبائر ل تجوز لسيما في حال تلبسهم بالكبيرة‪ ،‬وهذه أقوال السلف في هذه المسألة قال ابن‬
‫خويز منداد‪ :‬من خاض في آيات ال تركت مجالسته وهجر مؤمنا كان أو كافرا قال القرطبي‪:‬‬
‫منع أصحابنا الدخول على أرض العدو ودخول كنائسهم ومجالسة الكفار وأهل البدع وأل تعتقد‬
‫مودّتهم ول يسمع كلمهم ول مناظرتهم‪ .‬قال الفضيل بن عياض من أحبّ صاحب بدعة أحبط ال‬
‫عمله وأخرج نور اليمان من قلبه‪.‬‬

‫( ‪)2/75‬‬

‫أما الثالثة (‪ )70‬فإن ال تعالى يأمر رسوله أن يترك الذين اتخذوا دينهم الحق الذي جاءهم به‬
‫رسول الحق لعبا ولهوا يلعبون به أو يسخرون منه ويستهزئون به وغرتهم الحياة الدنيا قال‬
‫تعالى‪{ :‬وذر الذين اتخذوا دينهم ‪ 1‬لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا} اتركهم فل يهمك أمرهم وفي‬
‫هذا تهديد لهم على ما هم عليه من الكفر والسخرية والستهزاء‪ ،‬وقد أخبر تعالى في سورة الحجر‬
‫أنه كفاه أمرهم إذ قال {إنا كفيناك المستهزئين} ‪ ،‬وقوله تعالى {وذكر به} أي بالقرآن {أن تبسل‬
‫نفس} أي كي ل تبسل ‪{ 2‬بما كسبت} أي كي ل تسلم نفس للعذاب بما كسبت من الشرك‬
‫والمعاصي‪{ ،‬ليس لها} يوم تسلم للعذاب {من دون ال ولي} يتولى خلصها‪{ ،‬ول شفيع} يشفع لها‬
‫فينجيها من عذاب النار {وإن تعدل كل ‪ 3‬عدل ل يؤخذ منها} أي وإن تقدم ما أمكنها حتى ولو‬
‫كان ملء الرض ذهبا فداء لها لما نفعها ذلك ولما نجت من النار‪ ،‬ثم قال تعالى‪{ :‬أولئك الذين‬
‫أبلسوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم} أبلسوا‪ :‬أسِْلمُوا وأخذوا إلى جهنم بما كسبوا‬
‫من الذنوب والثام لهم في جهنم شراب من ماء حميم حار وعذاب موجع اليم‪ .‬وذلك بسبب كفرهم‬
‫بال وآياته ورسوله حيث نتج عن ذلك خبث أرواحهم فما أصبح يلئم وصفهم إل عذاب النار قال‬
‫تعالى من هذه السورة سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -1‬حرمة الجلوس في مجالس يسخر فيها من السلم وشرائعه وأحكامه وأهله‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب القيام احتجاجا من أي مجلس يعصى فيه ال ورسوله‪.‬‬
‫‪ -3‬مشروعية العراض في حال الضعف عن المستهزئين بالسلم الذين غرتهم الحياة الدنيا من‬
‫أهل القوة والسلطان وحسب المؤمن أن يعرض عنهم فل يفرح بهم ول يضحك لهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اختلف في الدين الذي اتخذه المشركون لهوا ولعبا‪ ،‬والظاهر أنّه السلم الذي جاءهم الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم به إذ ل دين ل سواه وبعث ال تعالى إليهم رسوله به فهو دينهم ومع السف‬
‫رفضوه واتخذوه لهوا ولعبا يسخرون ويستهزئوا به‪.‬‬
‫‪ 2‬قال القرطبي تبسل أي ترتهن وتسلم للهلكة عن مجاهد وقتادة والحسن وعكرمة والبسال تسليم‬
‫المرء للهلك‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وابسالي بنيّ بغير جرم ‪ ...‬بعوناه ول بدم مراق‬
‫ومعنى بعوناه جنيناه‪ .‬والشاهد في قوله وإبسالي بني حيث أسلم بنيه للهلك‪.‬‬
‫‪ 3‬العدل الفداء أو الفدية‪.‬‬

‫( ‪)2/76‬‬

‫‪ -4‬وجوب التذكير بالقرآن وخاصة المؤمنين الذين يرجى توبتهم‪.‬‬


‫‪ -5‬من مات على كفره لم ينج من النار إذ ل يجد فداء ول شفيعا يخلصه من النار بحال‪.‬‬
‫عقَابِنَا َبعْدَ إِذْ هَدَانَا الّلهُ كَالّذِي اسْ َت ْهوَتْهُ‬
‫ُقلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ الّلهِ مَا لَ يَنفَعُنَا َولَ َيضُرّنَا وَنُرَدّ عَلَى أَ ْ‬
‫الشّيَاطِينُ فِي الَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ َأصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى ا ْل ُهدَى ائْتِنَا ُقلْ إِنّ هُدَى اللّهِ ُهوَ ا ْل ُه َدىَ‬
‫حشَرُونَ(‪ )72‬وَ ُهوَ‬
‫وَُأمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ(‪ )71‬وَأَنْ َأقِيمُواْ الصّل َة وَا ّتقُو ُه وَ ُهوَ الّ ِذيَ إِلَ ْيهِ تُ ْ‬
‫ق وَلَهُ ا ْلمُ ْلكُ َيوْمَ يُنفَخُ فِي‬
‫حّ‬‫ق وَ َيوْمَ َيقُولُ كُن فَ َيكُونُ َقوْلُهُ الْ َ‬
‫حّ‬‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضَ بِالْ َ‬
‫الّذِي خَلَقَ ال ّ‬
‫حكِيمُ ا ْلخَبِيرُ(‪)73‬‬
‫شهَا َد ِة وَ ُهوَ ا ْل َ‬
‫ب وَال ّ‬
‫صوَرِ عَالِمُ ا ْلغَ ْي ِ‬
‫ال ّ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫أندعوا ‪ : :‬أي نعبد‪.‬‬
‫ما ل ينفعنا ول يضرنا‪ :‬أي ما ل يقدر على نفعنا ول على ضرنا لو أراد ذلك لنا‪.‬‬
‫ونرد على أعقابنا ‪ :‬أي نرجع كفارا بعد أن كنا مؤمنين‪.‬‬
‫استهوته الشياطين ‪ :‬أي أضلته في الرض فهوى فيها تائه حيران ل يدري أين يذهب‪.‬‬
‫واتقوه‪ :‬أي اتقوا ال بتوحيده في عبادته وترك معصيته‪.‬‬
‫ويوم يقول كن فيكون ‪ :‬أي في يوم القيامة‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الصور ‪ :‬بوق كالقرن ينفخ فيه إسرافيل عليه السلم‪.‬‬
‫الحكيم‪ :‬في أفعاله الخبير بأحوال عباده‪.‬‬

‫( ‪)2/77‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫يدل السياق على أن عرضا من المشركين كان لبعض المؤمنين لن يعبدوا معهم آلهتهم فأمر ال‬
‫تعالى رسوله أن يرد عليهم عرضهم الرخيص منكرا عليهم ذلك أشد النكار {قل أندعوا من دون‬
‫ال}‪ ،‬الستفهام للنكار‪{ ،‬ما ل ينفعنا} إن عبدناه‪{ ،‬ول يضرنا} إن تركنا عبادته وبذلك نصبح وقد‬
‫رددنا على أعقابنا ‪ 1‬من التوحيد إلى الشرك بعد إذ هدانا ال إلى اليمان به ومعرفته ومعرفة‬
‫دينه‪ ،‬ويكون حالنا كحال من أضلته الشياطين في الصحراء فتاه فيها فل يدرى أين يذهب ول أين‬
‫يجيئ‪{ ،‬وله أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا} وهو ل يقدر على إجابتهم ول التيان إليهم لشدة ما‬
‫فعل استهواء ‪ 2‬الشياطين في عقله‪ .‬ثم أمره أن يقول أيضا قل إن الهدى الحق الذي ل ضلل ول‬
‫خسران فيه هدى ال الذي هدانا إليه أل إنه السلم‪ ،‬وقد أمرنا ربنا أن نسلم ‪ 3‬له قلوبنا ووجوهنا‬
‫لنه رب العالمين فأسلمنا‪ ،‬كما أمرنا أن نقيم الصلة فأقمناها وأن نتقيه فاتقيناه وأعلمنا أنا سنحشر‬
‫إليه يوم القيامة فصدقناه في ذلك نم هدانا فلن نرجع بعد إلى الضللة‪ .‬هذا ما تضمنته اليتان‬
‫الولى والثانية أما الثالثة (‪ )73‬فقد تضمنت تمجيد الرب بذكر مظاهر قدرته وعلمه وعدله فقال‬
‫تعالى‪{ :‬وهو} أي ال رب العالمين الذي أمرنا أن نسلم له فأسلمنا {الذي خلق السموات والرض‬
‫بالحق ‪ }4‬فلم يخلقهما عبثا وباطلً بل خلقهما ليذكر فيهما ويشكر‪ ،‬ويوم يقول لما أراد إيجاده أو‬
‫إعدامه أو تبديله كن فهو يكون كما أراد في قوله الحق دائما {وله الملك يوم ‪ 5‬ينفخ في الصور}‪6‬‬
‫نفخة الفناء فل يبقى شيء إل هو الواحد القهار فيقول جل ذكره {لمن الملك اليوم} فل‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي نرجع من الهدي إلى الضلل‪ .‬والعقاب جمع عقب وهي مؤنثه فتصغر على عقبيه‪ .‬ويقال‬
‫رجع على عقبيه إذا أدبر وأصابه من العاقبة والعقبى من ذلك عقب الرجل ومنه العقوبة لنها‬
‫تالية للترتيب وتكون نسبية‪.‬‬
‫‪ 2‬استهوته بمعنى استغوته وزينت له هواه ودعته إليه فهو إذا من هوى يهوى من هوى النفس‬
‫وليس هو يهوى إلى الشيء إذا أسرع إليه والحيران هو الذي ل يهتدي لجهله‪.‬‬
‫‪ 3‬الية وأمرنا لنسلم ومعناها أمرنا بأن نسلم تقول العرب أمرتك لتذهب وبأن تذهب بمعنى واحد‬
‫واللمات أربع‪ :‬لم الجر‪ ،‬لم البتداء‪ ،‬لم التوكيد‪ ،‬ولم المر‪.‬‬
‫‪ 4‬قال القرطبي‪ :‬ومعنى {بالحق} أي بكلمة الحق يعني قوله {كن} وهو كما قال إل أن القول أن‬
‫ح ْكمَةٍ أي لم يخلقها لهوا أو لعبا هذا أوضح وأهم كما هو في التفسير‪.‬‬
‫بالحق بمعنى ب ِ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 5‬من أخطاء الناس قول من قال الصور جمع صورة ومعناه ينفخ في الصور فتتم الحياة وهذا‬
‫يتنافى مع الحاديث الصحاح ومع سياق الية‪ .‬إذ قال ثم نفخ فيه أخرى أي مرة أخرى ولم يقل‬
‫فيها أي في الصور فأين معنى الصورة هنا؟‬
‫‪ 6‬الصور القرن والنافخ فيه إسرافيل عليه السلم والمراد بالنفخة هنا نفخة الفناء والنفخة التالية‬
‫لها نفخة البعث وهناك نفخة الصعقة وهم في ساحة القضاء ونفخة رابعة وهي التي يقومون فيها‬
‫لفصل القضاء‪.‬‬

‫( ‪)2/78‬‬

‫يجيبه أحد فيجيب نفسه بنفسه قائل‪{ :‬ل الواحد القهار} {عالم الغيب والشهادة} أي يعلم ما غاب في‬
‫خزائن الغيب عن كل أحد‪ ،‬ويعلم الشهادة والحضور ل يخفي عليه أحد وهو الحكيم في تصرفاته‬
‫وسائر أفعاله وتدابيره لمخلوقاته الخبير ببواطن المور وظواهرها ل يخفى عليه شيء في‬
‫الرض ول في السماء بهذا كان المعبود الحق الذي ل يجوز أن يعبد سواه بأي عبادة من‬
‫العبادات التي شرعها سبحانه وتعالى ل ُيعْبَد بها‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬قبح الردة وسوء عاقبتها‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة إجابة أهل الباطل لما يدعون إليه من الباطل‪.‬‬
‫‪ -3‬ل هدى إل هدى ال تعالى أي ل دين إل السلم‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب السلم ل تعالى وإقامة الصلة واتقاء ال تعالى بفعل المأمور وترك المنهي‪.‬‬
‫‪ -5‬تقرير المعاد والحساب والجزاء‪.‬‬
‫للٍ مّبِينٍ(‪َ )74‬وكَذَِلكَ نُرِي‬
‫ك َو َق ْو َمكَ فِي ضَ َ‬
‫وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِي ُم لَبِيهِ آزَرَ أَتَتّخِذُ َأصْنَامًا آِلهَةً إِنّي أَرَا َ‬
‫ض وَلِ َيكُونَ مِنَ ا ْلمُوقِنِينَ(‪ )75‬فََلمّا جَنّ عَلَيْهِ اللّ ْيلُ رَأَى َك ْوكَبًا قَالَ‬
‫ت وَالَرْ ِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫إِبْرَاهِيمَ مََلكُوتَ ال ّ‬
‫ب الفِلِينَ(‪ )76‬فََلمّا رَأَى ا ْل َقمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبّي فََلمّا َأ َفلَ قَالَ لَئِن لّمْ‬
‫ح ّ‬
‫هَذَا رَبّي فََلمّا َأ َفلَ قَالَ ل أُ ِ‬
‫شمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبّي هَذَآ َأكْبَرُ فََلمّا‬
‫َيهْدِنِي رَبّي لكُونَنّ مِنَ ا ْل َقوْمِ الضّالّينَ(‪ )77‬فََلمّا رَأَى ال ّ‬
‫َأفََلتْ قَالَ يَا َقوْمِ إِنّي بَرِيءٌ ّممّا تُشْ ِركُونَ(‪)78‬‬

‫( ‪)2/79‬‬

‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضَ حَنِيفًا َومَا أَنَاْ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ(‪)79‬‬


‫جهِيَ لِلّذِي فَطَرَ ال ّ‬
‫ج ْهتُ َو ْ‬
‫إِنّي وَ ّ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إبراهيم‪ :‬هو إبراهيم خليل الرحمن بن آزر من أولد سام بن نوح عليه السلم‪.‬‬
‫أصناما ‪ :‬جمع صنم تمثال من حجر‪.‬‬
‫آلهة ‪ :‬جمع إله بمعنى المعبود‪.‬‬
‫في ضلل‪ :‬عدول عن طريق الحق‪.‬‬
‫ملكوت ‪ :‬مُلك‪.‬‬
‫جن عليه الليل ‪ :‬أظلم‪.‬‬
‫فلما أفل ‪ :‬أي غاب‪.‬‬
‫بازغا ‪ :‬طالعا والبزوغ الطلوع‪.‬‬
‫الضالين ‪ :‬العادلين عن طريق الحق إلى طريق الباطل‪.‬‬
‫وجهت وجهي ‪ :‬أقبلت بقلبي على ربي وأعرضت عما سواه‪.‬‬
‫حنيفا‪ :‬مائلً عن الضلل إلى الهدى‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫مازال السياق في بيان الهدى للعادلين بربهم أصناما يعبدونها لعلهم يهتدون فقال تعالى لرسوله‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم‪{ :‬وإذ قال إبراهيم لبيه آزر}‪ 1‬أي واذكر لهم قول إبراهيم لبيه آزر‪:‬‬
‫{أتتخذ أصناما آلهة} ‪ 2‬أي أتجعل تماثيل من حجارة آلهة‪ .‬أربابا تعبدها أنت وقومك {إني أراك} يا‬
‫أبت {وقومك في ضلل مبين ‪ }3‬عن طريق الحق الذي ينجو ويفلح سالكه هذا ما دلت عليه الية‬
‫الولى (‪ )74‬أما الية الثانية (‪ )75‬فإن ال تعالى يقول ‪{ :‬وكذلك نُري إبراهيم ‪4‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قيل لزر اسم آخر هو تارح فيكون كيعقوب له اسم يعقوب وإسرائيل أما من قال آزر عمه‬
‫فخلط وخبط حملهم عليه عدم اطاقتهم أن يكون والد رسول في النار وهو غاية الجهل بأسرار‬
‫الشرع وحكمه وآزر بالرفع على تقدير النداء أي يا آزر‪.‬‬
‫‪ 2‬الستفهام للنكار وأصناما مفعول أول وآلهة مفعول ثان لن اتخذ تنصب مفعولين كعلم‪.‬‬
‫‪ 3‬كان قوم إبراهيم صابئين يعبدون الكواكب ويصورون لها أصناما وهي ديانة الكلدانيين قوم‬
‫ل وتقربا بها إلى ال تعالى ولذا فهم مشركون وليسوا ملحدة‪.‬‬
‫إبراهيم وكانوا يعبدونها توس ً‬
‫‪ 4‬نُري هو بمعنى أرينا الماضي‪.‬‬

‫( ‪)2/80‬‬

‫ملكوت ‪ 1‬السموات} والرض أي كما أريناه الحق في بطلن عبادة أبيه للصنام نريه أيضا‬
‫مظاهر قدرتنا وعلمنا وحكمنا الموجبة للوهيتنا في ملك السموات والرض‪ ،‬ليكون بذلك من‬
‫جملة الموقنين‪ ،‬واليقين من أعلى مراتب اليمان‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الثانية وفي الثالثة (‪)76‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فصّل ال تعالى ما أجمله في قوله {نري إبراهيم ملكوت السموات والرض} فقال تعالى‪{ :‬فلما‬
‫جن عليه الليل} أي أظلم {رأى كوكبا} قد يكون الزهرة {قال هذا ربي ‪ 2‬فلما أفل} أي غاب‬
‫الكوكب {قال ل أحب الفلين}‪{ ،‬فلما رأى القمر ‪ 3‬بازغا} أي طالعا {قال هذا ربي‪ ،‬فلما أفل} أي‬
‫غاب {قال لئن لم يهدني ربي لكونن من القوم الضالين} ‪ ،‬في معرفة ربهم الحق‪{ .‬فلما رأى‬
‫الشمس بازغة} أي طالعة {قال هذا ربي ‪ 4‬هذا أكبر} يعني من الكوكب والقمر {فلما أفلت ‪ }5‬أي‬
‫غابت بدخول الليل {قال يا قوم إني بريء مما تشركون}‪ .‬هكذا واجه إبراهيم قومه عبدة الكواكب‬
‫التي تمثلها أصنام منحوتة واجههم بالحقيقة التي أراد أن يصل إليها معهم وهي إبطال عبادة غير‬
‫ال تعالى فقال {إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والرض حنيفا} ل كما توجهون أنتم‬
‫وجوهكم لصنام نحتموها بأيديكم وعبدتموها بأهوائكم ل بأمر ربكم‪ ،‬وأعلن براءته في وضوح‬
‫وصراحة‪ :‬فقال‪{ :‬وما أنا من المشركين}‪.6‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬إنكار الشرك على أهله‪ ،‬وعدم إقرارهم ولو كانوا أقرب الناس إلى المرء‪.‬‬
‫‪ -2‬فضل ال تعالى وتفضله على من يشاء بالهداية الموصلة إلى أعلى درجاتها‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الملكوت الملك زيدت فيه الواو والتاء للمبالغة في الصفة‪ ،‬ومثله الرغبوت والرهبوت‬
‫والجبروت من الرغبة والرهبة والجبر قيل كشف له تعالى عن السموات والرض حتى رأى‬
‫العرش وأسفل الرضين‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله هذا ربي في المواضع كلها في السياق ليس هو على ظاهره أبدا‪ .‬بل هو تدرج بهم إلى‬
‫الوصول إلى الحقيقة وهو إنه ل إله إل ال فقوله‪ :‬هذا ربي أي على قولكم أو زعمكم وهو كقوله‬
‫تعالى أين شركائي كما زعمتم أو على قولكم وإل فال تعالى يعلم أنه ل شريك له أبدا أو هو على‬
‫حذف حرف الستفهام أي أهو ربي؟ نحو أفإن مت فهم الخالدون أي أفهم الخالدون؟‪.‬‬
‫‪ 3‬بزغ القمر إذا بدأ في الطلوع وأصل البزغ الشق فالقمر يشق الظلم بنوره ومن بزغ البيطار‬
‫الدابة إذا أسال دمها‪ .‬ومنه البزاغ وهو ما يسيل من الفم‪.‬‬
‫‪ 4‬هذا ربي أي هذا الطالع ربي وإلّ فالشمس مؤنثة وقد قال فيها بازغة‪.‬‬
‫‪ 5‬أفل يأفل أفولً إذا غاب‪.‬‬
‫‪ 6‬في أنا ثلث لغات أنّ وأنه‪ ،‬وأنا وهي متعينة في الوقف (أنا)‪.‬‬

‫( ‪)2/81‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -3‬مطلب اليقين وأنه من أشرف المطالب وأعزها‪ ،‬ويتم بالتفكر والنظر في اليات‪.‬‬
‫‪ -4‬الستدلل بالحدوث على وجود الصانع الحكيم وهو ال عز وجل‪.‬‬
‫‪ -5‬سنة التدرج في التربية والتعليم‪.‬‬
‫‪ -6‬وجوب البراءة من الشرك وأهله‪.‬‬
‫وَحَآجّهُ َق ْومُهُ قَالَ أَتُحَاجّونّي فِي اللّ ِه َوقَدْ هَدَانِ وَلَ َأخَافُ مَا ُتشْ ِركُونَ ِبهِ ِإلّ أَن يَشَاء رَبّي شَيْئًا‬
‫شيْءٍ عِ ْلمًا َأفَلَ تَ َت َذكّرُونَ(‪َ )80‬وكَيْفَ َأخَافُ مَا َأشْ َركْتُ ْم َولَ تَخَافُونَ أَ ّنكُمْ َأشْ َركْتُم‬
‫وَسِعَ رَبّي ُكلّ َ‬
‫لمْنِ إِن كُن ُتمْ َتعَْلمُونَ(‪ )81‬الّذِينَ آمَنُو ْا وَلَمْ‬
‫بِاللّهِ مَا َلمْ يُنَ ّزلْ بِهِ عَلَ ْي ُكمْ سُ ْلطَانًا فََأيّ ا ْلفَرِيقَيْنِ َأحَقّ بِا َ‬
‫حجّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى َق ْومِهِ‬
‫لمْنُ وَهُم ّمهْتَدُونَ(‪ )82‬وَتِ ْلكَ ُ‬
‫يَلْبِسُواْ إِيمَا َنهُم ِبظُلْمٍ ُأوْلَ ِئكَ َل ُه ُم ا َ‬
‫حكِيمٌ عَلِيمٌ(‪)83‬‬
‫نَ ْرفَعُ دَ َرجَاتٍ مّن نّشَاء إِنّ رَ ّبكَ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫حاجه قومه ‪ :‬جادلوه وحاولوا غلبة بالحجة‪ ،‬والحجة ‪ :‬البينة والدليل القوي‪.‬‬
‫أتحآجّوني في ال ‪ :‬أتجادلونني في توحيد ال وقد هداني إليه‪ ،‬فكيف أتركه وأنا منه على بينة‪.‬‬
‫سلطانا ‪ :‬حجة وبرهانا‪.‬‬

‫( ‪)2/82‬‬

‫المن ‪ : 1‬خلف الخوف‪.‬‬


‫ولم يلبسوا إيمانهم بظلم‪ :‬أي لم يخلطوا إيمانهم بشرك‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما أقام إبراهيم الدليل على بطلن عبادة غير ال تعالى وتبرأ من الشرك والمشركين حاجه قومه‬
‫في ذلك فقال منكرا عليهم ذلك‪{ :‬أتحاجوني ‪ 2‬في ال وقد هدان} أي كيف يصح منكم جدال لي في‬
‫توحيد ال وعبادته‪ ،‬وترك عبادة ما سواه من اللهة المدعاة وهي لم تخلق شيئا ولم تنفع ولم‬
‫تضر‪ ،‬ومع هذا فقد هداني إلى معرفته وتوحيده وأصبحت على بينة منه سبحانه وتعالى‪ ،‬هذا ما‬
‫دل عليه قوله تعالى‪{ :‬وحاجه قومه قال أتحاجوني في ال وقد هدان}‪ .‬ول شك أنهم لما تبرأ من‬
‫آلهتهم خوفوه بها وذكروا له أنها قد تصيبه بمكروه ‪ 3‬فرد ذلك عليهم قائلً‪{ :‬ول أخاف ما‬
‫تشركون به} من آلهة أن تصيبني بأذى‪{ ،‬إل أن يشاء ربي ‪ 4‬شيئا} فإنه يكون قطعا ففد {وسع‬
‫ربي كل شيء علما}‪ ،‬ثم وبخهم قائل {أفل تتذكرون} فتذكروا ما أنتم عليه هو الباطل‪ ،‬وأن ما‬
‫أدعوكم إليه هو الحق‪ ،‬ثم رد القول عليهم قائلً {وكيف أخاف ما أشركتم} وهي أصنام جامدة ل‬
‫تنفع ول تضر لعجزها وحقارتها وضعفها‪ ،‬ول تخافون أنتم الرب الحق ال الذي ل اله إل هو‬
‫المحيي المميت الفعال لما يريد‪ ،‬وقد أشركتم به أصناما ما أنزل عليكم في عبادتها حجة ول‬
‫برهانا تحتجون به على عبادتها معه سبحانه وتعالى‪ .‬ثم قال لهم استخلصا للحجة وانتزاعا لها‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫منهم فأي الفريقين أحق بالمن من الخوف‪ :‬أنا الموحد للرب‪ ،‬أم أنتم المشركون به؟ والجواب‬
‫معروف وهو من يعبد ربا واحدا أحق بالمن ممن يعبد آلهة شتى جمادات ل تسمع ول تبصر‪.‬‬
‫وحكم ال تعالى بينهم وفصل فقال‪{ :‬الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم ‪ 5‬بظلم} أي ولم يخلطوا إيمانهم‬
‫بشرك‪{ ،‬أولئك لهم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روي إنهم قالوا له أما تخاف أن تخبلك آلهتنا لسبك إياها؟‬
‫‪ 2‬قرأ نافع بتخفيف نون أتحاجونني وثقلها غيره وتخفيفها مبني على حذف النون الثانية تخفيفا‬
‫ومن ثقلها فقد ادغمها في نون الرفع‪.‬‬
‫‪ 3‬أخرج ابن كثير عن ابن مردويه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬من أُعطي فشكر‬
‫ومنع فصبر‪ .‬وأذنب فاستغفر وظلم فغفر وسكت فقلنا يا رسول ال ماله؟ قال أولئك لهم المن وهم‬
‫مهتدون‪.‬‬
‫‪ 4‬قال هذا احتياطا منه للتوحيد إذ من الجائز أن بعثر في حجر أو تشوكه شوكة أو يمرض بسبب‬
‫وآخر فيقولون هذه آلهتنا قد أصابتك لنك تسبها فهذا وجه الستثناء هنا‪.‬‬
‫‪ 5‬روي في الصحيح عن ابن مسعود رضي ال عنه أنه لما نزلت {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم‬
‫بظلم} الية شق ذلك على أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وقالوا أينا لم يظلم نفسه؟ فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لبنه‪{ :‬يا بني ل‬
‫تشرك بال إن الشرك لظلم عظيم}‪.‬‬

‫( ‪)2/83‬‬

‫المن} أي في الدنيا والخرة {وهم مهتدون} في حياتهم إلى طريق سعادتهم وكمالهم وهو السلم‬
‫الصحيح ثم قال تعالى‪{ :‬وتلك ‪ 1‬حجتنا آتيناها إبراهيم عل قومه} إشارة إلى ما سبق من محاجة‬
‫إبراهيم قومه ودحض باطلهم وإقامة الحجة عليهم‪ .‬وقوله {نرفع درجات من نشاء} تقرير لما‬
‫فضّل به إبراهيم على غيره من اليمان واليقين والعلم المبين‪ .‬ثم علل تعالى لذلك بقوله‪{ :‬إن ربك‬
‫حكيم عليم}‪ .‬حكيم في تدبيره عليم بخلقه‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬مشروعية جدال المبطلين والمشركين لقامة الحجة عليهم علهم يهتدون‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان ضلل عقول أهل الشرك في كل زمان ومكان‪.‬‬
‫‪ -3‬التعجب من حال مذنب ل يخاف عاقبة ذنوبه‪.‬‬
‫‪ -4‬أحق العباد بالمن من الخوف من آمن بال ولم يشرك به شيئا‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -5‬تقرير معنى {ال ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور}‪.‬‬
‫سلَ ْيمَانَ وَأَيّوبَ‬
‫سحَقَ وَ َيعْقُوبَ كُلّ َهدَيْنَا وَنُوحًا َهدَيْنَا مِن قَ ْبلُ َومِن ذُرّيّتِهِ دَاوُو َد وَ ُ‬
‫َووَهَبْنَا لَهُ إِ ْ‬
‫ن َوكَذَِلكَ َنجْزِي ا ْلمُحْسِنِينَ(‪ )84‬وَ َزكَرِيّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ ُكلّ مّنَ‬
‫ف َومُوسَى وَهَارُو َ‬
‫وَيُوسُ َ‬
‫ل فضّلْنَا عَلَى ا ْلعَاَلمِينَ(‪َ )86‬ومِنْ آبَا ِئهِمْ‬
‫س وَلُوطًا َوكُ ّ‬
‫ل وَالْيَسَعَ وَيُونُ َ‬
‫سمَاعِي َ‬
‫الصّالِحِينَ(‪ )85‬وَإِ ْ‬
‫خوَا ِنهِمْ وَاجْتَبَيْنَا ُه ْم وَهَدَيْنَا ُهمْ إِلَى صِرَاطٍ مّسْ َتقِيمٍ(‪)87‬‬
‫وَذُرّيّا ِتهِ ْم وَإِ ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ما هي تلك الحجة؟ هل هي جميع احتياجاته التي حاجهم بها فغلبهم وهذا هو الظاهر‪ ،‬وقيل هي‬
‫قوله لهم ‪ :‬أما تخاف أن تخبلك آلهتنا لسبك إياها‪ :‬قال لهم أفل تخافون أنتم منها إذ سويتم بين‬
‫الصغير والكبير في العبادة والتعظيم فيغضب الكبير فيخبلكم‪.‬‬

‫( ‪)2/84‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫وهبنا له ‪ :‬أعطيناه تكرما منا وإفضال‪.‬‬
‫اسحق ويعقوب ‪ :‬إسحاق بن إبراهيم الخليل ويعقوب ولد إسحاق ويلقب بإسرائيل‪.‬‬
‫كل هدينا ‪ :‬أي كل واحد منهما هداه إلى صراطه المستقيم‪.‬‬
‫ومن ذريته‪ :‬أي ذرية إبراهيم‪.‬‬
‫داود وسليمان‪ :‬داود الوالد وسليمان الولد وكل منهما ملك ورسول‪.‬‬
‫وزكريا ويحيى‪ :‬زكريا الوالد ويحيى الولد وكل منهما كان نبيا رسول‪.‬‬
‫على العالمين‪ :‬أي عالمي زمانهم ل على الطلق‪ ،‬لن محمدا صلى ال عليه وسلم أفضل‬
‫النبياء‪.‬‬
‫ومن ذرياتهم‪ :‬أي من بعض الباء والذرية والخوة ل الجميع‪.‬‬
‫اجتبيناهم ‪ :‬اخترناهم للنبوة والرسالة وهديناهم إلى السلم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بعد أن ذكر تعالى ما آتى إبراهيم خليله من قوة الحجة والغلبة على أعدائه ذكر منّة أخرى منّ بها‬
‫عليه وهي أنه ‪ 1‬وهبه اسحق ويعقوب بعد كبر سنه‪ ،‬اسحق الولد ويعقوب الحفيد وأنه تعالى هدى‬
‫كلً منهم الوالد والولد والحفيد‪ ،‬كما أخبر تعالى أنه هدى من قبلهم نوحا‪ ،‬وهدى من ذريته ‪ 2‬أي‬
‫إبراهيم‪ ،‬وإن كان الكل من ذرية نوح‪ ،‬أي هدى من ذرية إبراهيم داود وسليمان وأيوب ويوسف‬
‫وموسى وهرون ‪ ،3‬وأشار تعالى إلى أنهم كانوا محسنين‪ ،‬فجزاهم جزاء المحسنين والحسان هو‬
‫الخلص في العمل وأداؤه على الوجه الذي يرضي الرب تبارك وتعالى مع الحسان العام لسائر‬
‫المخلوقات بما يخالف الساءة إليهم في القول والعمل‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )84‬وأما‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الية الثانية (‪ )85‬فقد ذكر تعالى أنه هدى كذلك إلى حمل رسالته والدعوة إليه والقيام بواجباته‬
‫وتكاليف شرعه كلً من زكريا ويحيى وعيسى وإلياس‪ ،‬وأخبر أن كل واحد منهم كان من‬
‫الصالحين الذين يؤدون حقوق ال كاملة وحقوق‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي جزاء صبره وحجاجه وبذله نفسه في سبيل نصرّة دين ربه كافأه ال عز وجل بأن وهبه‬
‫من الذرية الصالحة‪.‬‬
‫‪ 2‬يصح عود الضمير على نوح كما يصح عوده على إبراهيم قاله غير واحد من أهل التفسير لن‬
‫ذكرها قد م ّر معا‪.‬‬
‫‪ 3‬قال ابن عباس‪ :‬هؤلء النبياء جميعا مضافون إلى ذرية إبراهيم وإن كان منهم من لم تلحقه‬
‫ولدة من جهته ل من جهة الب ول الم لن لوطا ابن أخ إبراهيم وعُدّ عيسى من ذريته وهو‬
‫ابن البنت من هنا ذهب الشافعي وأبو حنيفة إلى أن من وقف وقفا على ولده وولد ولده دخل فيه‬
‫ولد بناته لن لفظ الولد يشمل الذكر والنثى كما يشمل عيسى عليه السلم وهو ولد البنت ل غير‪.‬‬

‫( ‪)2/85‬‬

‫عباده كذلك كاملة غير ناقصة وكانت المجموعة الولى داود وسليمان ومن ذكر بعدهما الصفة‬
‫الغالبة عليهم الحسان لنه كان فيهم ملك وسلطان ودولة‪ ،‬والمجموعة الثانية وهي زكريا ويحيى‬
‫وعيسى وإلياس الصفة الغالية عليهم الصلح لنهم كانوا أهل زهد في الدنيا وأعراضها‪،‬‬
‫والمجموعة الثالثة والخيرة في الية الثالثة (‪ )86‬وهم إسماعيل واليسع ويونس ولوط لم يغلب‬
‫عليهم وصف مما وصف به المجموعتان الولى والثانية‪ ،‬لنهم وسط بين المجموعتين‪ ،‬فذكر‬
‫تعالى أن كل واحد منهم فضله على عالمي زمانه‪ ،‬وكفى بذلك شرفا وكرما وخيرا‪ .‬وأما الية‬
‫الخيرة (‪ )87‬فإن ال تعالى يقول فيها‪ ،‬ومن آباء المذكورين من النبياء ومن ذرياتهم ‪ 1‬وإخوانهم‬
‫هديناهم أيضا وإن لم نذكر أسماءهم فهم كثير هديناهم إلى ما هدينا إليه آباءهم من الحق والدين‬
‫الخالص الذي ل شائبة شرك فيه‪ ،‬واجتبينا ‪ 2‬الجميع اخترناهم للنبوة والرسالة ‪{ 3‬وهديناهم إلى‬
‫صراط مستقيم} وهو الدين السلمي‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫هن هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬سعة فضل ال‪.‬‬
‫‪ 2‬خير ما يعطى المرء في هذه الحياة الهداية إلى صراط مستقيم‪.‬‬
‫‪ -3‬فضيلة كل من الحسان والصلح‪.‬‬
‫‪ -4‬ل منافاة بين الملك والنبوة أو المارة والصلح‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -5‬فضيلة الزهد في الدنيا‪ ،‬والرغبة في الخرة‪.‬‬
‫ذَِلكَ ُهدَى اللّهِ َيهْدِي بِهِ مَن َيشَاء مِنْ عِبَا ِد ِه وََلوْ َأشْ َركُواْ لَحَ ِبطَ عَ ْنهُم مّا كَانُواْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬من للتبعيض أي هدى بعض أبنائهم وبعض ذرياتهم ولم يهد كل أب وكل ولد‪.‬‬
‫‪ 2‬الجتباء مشتق من جبيت الماء في الحوض جمعته فالجتباء اختيار الشخص وضمه إلى‬
‫خاصتك من الناس‪ ،‬والجبا مقصور مصدر جبيت الماء والجابية الحوض‪.‬‬
‫ل وبقى سبعة ذكروا في سورٍ أخرى وهم إدريس‬
‫‪ 3‬ذكر تعالى في هذه اليات ثمانية عشر رسو ً‬
‫وهود وصالح وشعيب وذو الكفل وآدم عليهم السلم وقد نظمهم البعض في ثلثة أبيات من الشعر‬
‫هي‪:‬‬
‫حتم على كل ذي التكليف معرفة ‪ ...‬بأنبياء على التفصيل قد عرفوا‬
‫في تلك حجتنا منهم ثمانية ‪ ...‬من بعد عشر ويبقى سبعة وهم‬
‫إدريس هود شعيب صالح وكذا ‪...‬‬
‫ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا‬

‫( ‪)2/86‬‬

‫ح ْك َم وَالنّ ُب ّوةَ فَإِن َي ْكفُرْ ِبهَا َهؤُلء َفقَ ْد َوكّلْنَا ِبهَا َق ْومًا‬
‫ب وَالْ ُ‬
‫َي ْعمَلُونَ(‪ُ )88‬أوْلَ ِئكَ الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ا ْلكِتَا َ‬
‫لّيْسُواْ ِبهَا ِبكَافِرِينَ(‪ُ )89‬أوْلَ ِئكَ الّذِينَ َهدَى اللّهُ فَ ِبهُدَاهُمُ اقْ َت ِدهْ قُل لّ َأسْأَُلكُمْ عَلَ ْيهِ أَجْرًا إِنْ ُهوَ ِإلّ‬
‫ِذكْرَى لِ ْلعَاَلمِينَ(‪)90‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫هدى ال ‪ :‬الهدى ضد الضلل‪ ،‬وهدى ال ما يهدى إليه من أحب من عباده وهو اليمان‬
‫والستقامة‪.‬‬
‫حبط عنهم ما كانوا يعملون ‪ :‬أي بطلت أعمالهم فلم يثابوا عليها بقليل ول كثير‪.‬‬
‫الحكم ‪ :‬الفهم للكتاب مع الصابة في المور والسداد فيها‪.‬‬
‫يكفر بها هؤلء ‪ :‬يجحد بها أي بدعوتك السلمية هؤلء‪ :‬أي أهل مكة‪.‬‬
‫قوما ليسوا بها بكافرين ‪ :‬هم المهاجرون والنصار بالمدينة النبوية‪.‬‬
‫اقتده‪ :‬اقتد ‪ :‬أي اتبع وزيدت الهاء للسكت‪.‬‬
‫عليه أجرا ‪ :‬أي على إبلغ دعوة السلم ثمنا مقابل البلغ‪.‬‬
‫ذكرى‪ :‬الذكرى ‪ :‬ما يذكر به الغافل والناسي فيتعظ‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في ذكر ما وهب ال تعالى لمن شاء من عباده من هدايات وكمالت ل يقدر على‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عطائها إل هو فقال ذلك في الية الولى (‪ )88‬ذلك المشار إليه ما وهبه أولئك الرسل الثمانية‬
‫عشر رسولً وهداهم إليه من النبوة والدين الحق هو هدى ال يهدي به من يشاء من عباده‪ .‬وقوله‬
‫تعالى‪{ :‬ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ‪ }1‬يقرر به حقيقة علمية‪ ،‬وهي أنّ الشرك محبط‬
‫للعمل فإن أولئك الرسل على كمالهم وعلو درجاتهم لو أشركوا بربهم سواه فعبدوا معه غيره لبطل‬
‫كل عمل عملوه‪ ،‬وهذا من باب الفتراض‪ ،‬وإل فالرسل معصومون‬
‫__________‬
‫‪ 1‬حبوط العمل بطلنه وقد عصم ال تعالى أنبياءه من الشرك فلذا لم تحبط ولم تبطل أعمالهم‪.‬‬

‫( ‪)2/87‬‬

‫ولكن ليكون هذا عظة وعبرة للناس‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الولى أما الثانية (‪ )89‬فقد أشاد ال‬
‫تعالى بأولئك الرسل السابقي الذكر مخبرا أنهم هم الذين آتاهم الكتاب وهي صحف إبراهيم وتوراة‬
‫موسى وزبور داوود وإنجيل عيسى والحكم ‪ 1‬وهو الفهم والصابة والسداد في المور كلها‪ .‬ثم‬
‫قال تعالى فإن يكفر بهذه اليات القرآنية وما تحمله من شرائع وأحكام وهداية السلم {إن يكفر‬
‫بها هؤلء} من أهل مكة {فقد وكلنا بها قوما} من قبل وهم الرسل المذكورون في هذا السياق‬
‫وقوما هم موجودون وهم المهاجرون والنصار من أهل المدينة‪ ،‬ومن يأتي بعد من سائر البلد‬
‫والقطار وقوله تعالى‪{ :‬أولئك الذين هدى ال فبهداهم ‪ 2‬اقتده}‪ ،‬يأمر رسوله صلى ال عليه وسلم‬
‫أن يقتدي بأولئك النبياء المرسلين ‪ 3‬في كمالتهم كلها حتى يجمع صلى ال عليه وسلم كل كمال‬
‫فيهم فيصبح بذلك أكملهم على الطلق‪ .‬وكذلك كان‪ ،‬وقوله تعالى في ختام الية الكريمة‪{ :‬قل ل‬
‫أسألكم عليه ‪ 4‬أجرا} يأمره تعالى أن يقول لولئك العادلين بربهم الصنام والوثان المكذبين بنبوته‬
‫وكتابه‪ :‬ما أسألكم على القرآن الذي أمرت أن أقرأه عليكم لهدايتكم أجرا أي مالً مقابل تبليغه‬
‫إياكم {إن هو إل ذكرى للعالمين} أي ما القرآن إل موعظة للعالمين يتعظون بها إن هم القوا‬
‫أسماعهم وتجردوا من أهوائهم وأرادوا الهداية ورغبوا فيها‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬الشرك محبط للعمل كالردة والعياذ بال تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬فضل الكتاب الكريم والسنة النبوية‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب القتداء بالرسول صلى ال عليه وسلم وأهل العلم والصلح من هذه المة‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة أخذ الجرة على تبليغ الدعوة السلمية‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال القرطبي‪ :‬والحكم العلم والفقه وهو كذلك إل أن ما في التفسير أوسع وأولى بالعتماد عليه‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 2‬قال القرطبي‪ :‬القتداء طلب موافقة الغير في فعله‪ .‬وقال‪ :‬قد احتج بعض العلماء بهذه الية علي‬
‫وجوب إتباع شرائع النبياء فيما عدم فيه النص واستدلوا بحديث مسلم في حادثة الرُبيع إذ أمر‬
‫الرسول بكسر سنها محتجا بآية {والسن بالسن} وهو من أحكام بني إسرائيل ولم يوجد في القرآن‬
‫غيره‪.‬‬
‫‪ 3‬روى البخاري عن العوام قال سألت مجاهدا عن سجدة {ص} فقال سألت ابن عباس عن سجدة‬
‫{ص} فقال أو تقرأ {ومن ذريته داوود وسليمان} إلى قوله {أولئك هدى ال فبهداهم اقتده} وكان‬
‫داوود عليه السلم ممن أمر نبيكم عليه السلم بالقتداء بهم‪.‬‬
‫‪ 4‬أي جعل على القرآن‪.‬‬

‫( ‪)2/88‬‬

‫‪ -5‬القرآن الكريم ذكرى لكل من يقرأه أو يستمع إليه وهو شهيد حاضر القلب‪.‬‬
‫شيْءٍ ُقلْ مَنْ أَن َزلَ ا ْلكِتَابَ الّذِي جَاء‬
‫َومَا َقدَرُواْ اللّهَ حَقّ قَدْ ِرهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَن َزلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مّن َ‬
‫خفُونَ كَثِيرًا وَعُّلمْتُم مّا َلمْ َتعَْلمُواْ أَن ُتمْ‬
‫جعَلُونَهُ‪ 1‬قَرَاطِيسَ تُ ْبدُو َنهَا وَتُ ْ‬
‫بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لّلنّاسِ تَ ْ‬
‫ضهِمْ يَ ْلعَبُونَ(‪ )91‬وَ َهذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَا َركٌ ّمصَدّقُ الّذِي بَيْنَ‬
‫خ ْو ِ‬
‫وَلَ آبَا ُؤكُمْ ُقلِ اللّهُ ُثمّ ذَرْ ُهمْ فِي َ‬
‫علَى صَلَ ِتهِمْ ُيحَافِظُونَ(‬
‫حوَْلهَا وَالّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ بِالخِ َرةِ ُي ْؤمِنُونَ ِب ِه وَهُمْ َ‬
‫يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمّ ا ْلقُرَى َومَنْ َ‬
‫‪)92‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫وما قدروا ال حق قدره‪ :‬ما عظموه التعظيم اللئق به ول عرفوه حق معرفته‪.‬‬
‫على بشر ‪ :‬أي إنسان من بني آدم‪.‬‬
‫الكتاب الذي جاء به موسى‪ :‬التوراة‪.‬‬
‫قراطيس ‪ :‬جمع قرطاس‪ :‬وهو ما يكتب عليه من ورق وغيره‪.‬‬
‫تبدونها‪ :‬تظهرونها‪.‬‬
‫قل ال‪ :‬هذا جواب‪ :‬من أنزل الكتاب؟‬
‫ذرهم ‪ :‬اتركهم‪.‬‬
‫في خوضهم‪ :‬أي ما يخوضون فيه من الباطل‪.‬‬
‫مبارك‪ :‬أي مبارك فيه فخبره ل ينقطع‪ ،‬وبركته ل تزول‪.‬‬
‫أم القرى ‪ :‬مكة المكرمة‪.‬‬
‫يحافظون‪ :‬يؤدونها بطهارة في أوقاتها المحددة لها في جماعة المؤمنين‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق مع العادلين بربهم أصنامهم وأوثانهم فقد أنكر تعالى عليهم إنكارهم للوحي‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬فسرت الية على قراءة يجعلونه بالياء وكذلك يبدون ويخفون أما على قراءة تجعلون بالتاء فإن‬
‫الخطاب يكون لليهود والسورة مكية فلذا رجح ابن جرير قراءة الياء‪.‬‬

‫( ‪)2/89‬‬

‫اللهي وتكذيبهم بالقرآن الكريم إذ قالوا‪{ :‬ما أنزل ال على بشر من شيء}‪ ،‬ومن هنا قال تعالى‬
‫{وما قدروا ال حق قدره} أي ما عظموه كما ينبغي تعظيمه لما قالوا‪{ :‬ما أنزل ال على بشر من‬
‫شيء}‪ ،1‬ولقن رسوله الحجة فقال له قل لهم‪{ :‬من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا}‬
‫يستضاء به في معرفة الطريق إلى ال تعالى وهدى يهتدى به إلى ذلك وهو التوراة جعلها اليهود‬
‫قراطيس يبدون بعضها ويخفون بعضها حسب أهوائهم وأطماعهم‪ ،‬وقوله‪{ :‬وعلمتم ما لم تعلموا‬
‫أنتم ول آباؤكم} أي وعلمكم ال بهذا القرآن من الحقائق العلمية كتوحيد ال تعالى وأسمائه‬
‫وصفاته‪ ،‬والدار الخرة وما فيها من نعيم مقيم‪ ،‬وعذاب أليم‪ ،‬ثم أمر الرسول أن يجيب عن‬
‫السؤال الذي وجهه إليهم تبكيتا‪{ :‬قل ال } أي الذي أنزل التوراة على موسى هو ال‪{ .‬ثم ذرهم}‬
‫أي اتركهم {في خوضهم} أي في الباطل {يلعبون}‪ 2‬حيث ل يحصلون من ذلك الخوض في الباطل‬
‫على أي فائدة تعود عليهم فهم كاللعبين من الطفال‪ .‬هذا ما تضمنته الية الولى (‪ )91‬أما الية‬
‫الثانية (‪ )92‬فقد تضمنت أولً الرد على قول من قال‪{ :‬ما أنزل ال على بشر من شيء} أي كيف‬
‫يقال ما أنزل ال على بشر من شيء وهذا القرآن بين أيديهم يتلى عليهم أنزله ال مباركا ل ينتهي‬
‫خيره ول يقل نفعه‪ ،‬مصدقا لما سبقه من الكتب كالتوراة والنجيل أنزلناه ليؤمنوا به‪{ ،‬ولتنذر أم‬
‫القرى ‪ }3‬أي أهلها {ومن حولها} من المدن والقرى القريبة والبعيدة لينذرهم عاقبة الكفر والضلل‬
‫فإنها الخسران التام والهلك الكامل‪ ،‬وثانيا الخبار بأن الذين يؤمنون بالخرة أي بالحياة في الدار‬
‫الخرة يؤمنون ‪ 4‬بهذا القرآن‪ ،‬وهم على صلتهم يحافظون وذلك مصداق إيمانهم وثمرته التي‬
‫يجنيها المؤمنون الصادقون‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬بيان ذلك أنهم لما قالوا ما أنزل ال من شيء كانوا قد نسبوا إلى ال تعالى أنه ل يقيم الحجة‬
‫على عباده ول يأمرهم بما فيه صلحهم ول ينهاهم عما فيه خسرانهم وبهذا ما قدروا ال حق‬
‫قدره وما آمنوا أنه على كل شيء قدير‪.‬‬
‫‪ 2‬أي لعبين لنها حال من قوله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون إذ لو لم يكن حالً لجزم في وجوب‬
‫الطلب الذي هو ذرهم‪.‬‬
‫‪ 3‬أم القرى‪ :‬مكة المكرمة‪.‬‬
‫‪ 4‬يريد إتباع محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/90‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬كل من كذب ال تعالى أو أشرك به أو وصفه بوصف ل يليق بجلله فإنه لم يقدر ال حق‬
‫قدره ‪.1‬‬
‫‪ -2‬بيان تلعب اليهود بكتاب ال في إبداء بعض أخباره وأحكامه وإخفاء بعض آخر وهو‬
‫تصرف ناتج من الهوى واتباع الشهوات وإيثار الدنيا على الخرة‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان فضل ال على العرب بإنزال هذا الكتاب العظيم عليهم بلغتهم لهدايتهم‪.‬‬
‫‪ -4‬تعليم الرسول صلى ال عليه وسلم كيفية الحجاج والرد على المجادلين والكاذبين‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان علة ونزول الكتاب وهي اليمان به وإنذار المكذبين والمشركين‪.‬‬
‫‪ -6‬اليمان بالخرة سبب لكل خير‪ ،‬والكفر به سبب لكل باطل وشر‪.‬‬
‫شيْ ٌء َومَن قَالَ سَأُن ِزلُ مِ ْثلَ مَا‬
‫ي وَلَمْ يُوحَ إِلَ ْيهِ َ‬
‫حيَ إَِل ّ‬
‫علَى اللّهِ كَذِبًا َأوْ قَالَ ُأوْ ِ‬
‫َومَنْ َأظْلَمُ ِممّنِ افْتَرَى َ‬
‫سكُمُ الْ َيوْمَ‬
‫سطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْ ِرجُواْ أَنفُ َ‬
‫ت وَا ْلمَل ِئكَةُ بَا ِ‬
‫غمَرَاتِ ا ْل َموْ ِ‬
‫أَنَزلَ اللّ ُه وََلوْ تَرَى إِذِ الظّاِلمُونَ فِي َ‬
‫ق َوكُنتُمْ عَنْ آيَا ِتهِ تَسْ َتكْبِرُونَ(‪ )93‬وََلقَدْ‬
‫حّ‬‫تُجْ َزوْنَ عَذَابَ ا ْلهُونِ ِبمَا كُنتُمْ َتقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْ َ‬
‫شفَعَاء ُكمُ‬
‫ظهُورِكُمْ َومَا نَرَى َم َعكُمْ ُ‬
‫خوّلْنَاكُ ْم وَرَاء ُ‬
‫جِئْ ُتمُونَا فُرَادَى َكمَا خََلقْنَاكُمْ َأ ّولَ مَ ّر ٍة وَتَ َركْتُم مّا َ‬
‫عمُونَ(‪)94‬‬
‫ضلّ عَنكُم مّا كُنتُمْ تَزْ ُ‬
‫عمْ ُتمْ أَ ّنهُمْ فِي ُكمْ شُ َركَاء َلقَد ّتقَطّعَ بَيْ َنكُ ْم َو َ‬
‫الّذِينَ زَ َ‬
‫شرح الكلمات ‪:‬‬
‫افترى على ال كذبا ‪ :‬اختلق على ال كذبا قال عليه ما لم يقل‪ ،‬أو نسب له ما هو منه‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي لم يعرفه حق معرفته ولم يعرف جلله وعظمته ول رحمته وحكمته فلهذا قال ما قال من‬
‫الباطل وهو نفيه إنزال الوحي اللهي على رسوله محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)2/91‬‬

‫براء‪.‬‬
‫أوحي إلي ‪ :‬الوحي‪ :‬العلم السريع الخفي بواسطة الملك وبغيره‪.‬‬
‫غمرات الموت ‪ :‬شدائده عند نزع الروح‪.‬‬
‫باسطوا أيديهم‪ :‬للضرب وإخراج الروح‪.‬‬
‫عذاب الهون ‪ :‬أي عذاب الذل والمهانة‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فرادى‪ :‬واحدا واحدا ليس مع أحدكم مال ول رجال‪.‬‬
‫ما خولناكم ‪ :‬ما أعطيناكم من مال ومتاع‪.‬‬
‫وراء ظهوركم ‪ :‬أي في دار الدنيا‪.‬‬
‫وضل عنكم ‪ :‬أي غاب‪.‬‬
‫تزعمون ‪ :‬تدعون كاذبين‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫مازال السياق مع المشركين والمفترين الكاذبين على ال تعالى بإتخاذ النداد والشركاء فقال‬
‫تعالى‪{ :‬ومن أظلم ممن افترى على ال كذبا} بأن أدّعى ‪ 1‬أن ال نبأه وأنه نبيه ورسوله كما ادعى‬
‫سعد ‪ 2‬بن أبي سرح بمكة ومسيلمة ‪ 3‬في بني حنيفة بنجد والعنسى باليمن‪ :‬اللهم ل أحد هو أظلم‬
‫منه‪ ،‬وممن قال أوحى إلىّ شيء من عند ال‪ ،‬ولم يوح إليه شيء وممن قال‪{ :‬سأنزل مثل ما أنزل‬
‫ال} من الوحي والقرآن‪،‬ثم قال تعالى لرسوله‪{ :‬ولو نرى} يا رسولنا {إذ الظالمون في غمرات‬
‫الموت} أي في شدائد سكرات الموت‪{ ،‬والملئكة} ملك الموت وأعوانه {باسطوا أيديهم} بالضرب‬
‫وإخراج الروح‪ ،‬وهم يقولون لولئك المحتضرين تعجيزا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال القرطبي‪ :‬ومن هذا النمط أي المدعي للوحي ولم يوح إليه من أعرض عن الفقه والسنن‬
‫وما كان عليه السلف من السنن فيقول وقع في خاطري كذا أو أخبرني قلبي بكذا أو أخبرني قلبي‬
‫عن ربي فيحكمون بما وقع في قلوبهم ويغلب عليهم من خواطرهم ويزعمون أن ذلك لصفائها من‬
‫الكدار وخلوها عن الغيار فتنجلي لهم العلوم اللهية والحقائق الربانية فيستغنون بذلك عن أحكام‬
‫الشرع ويقولون هذه الحكام الشرعية العامة إنما يحكم بها على الغبياء والعامة وهي زندقة‬
‫وكفر يقتل قائله ول يستتاب ول يحتاج معه إلى سؤال ول جواب‪.‬‬
‫‪ 2‬أدعى عبد ال بن سعد الوحي لما كتب لرسول ال صلى ال عليه وسلم قوله تعالى ولقد خلقنا‬
‫النسان إلى قوله ثم أنشأناه خلقا آخر فأعجبه تفصيل خلق ال تعالى للنسان قال فتبارك ال‬
‫أحسن الخالقين‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم هكذا أنزلت فشك عبدال بن سعد حينئذ‬
‫وارتد ولحق بالمشركين وأسلم عام الفتح وحسن إسلمه بشفاعة عثمان له إذ كان أخا له من‬
‫الرضاعة وهو فاتح أفريقيا ودعا ربه أن يموت وهو يصلي فمات في صلة الصبح‪.‬‬
‫‪ 3‬كانوا يسمونه رحمان اليمامة والعنسي هو السود العنسي ومنهم سجاح امرأة مسيلمة قال ابن‬
‫عباس وقتادة نزلت هذه الية في مسيلمة‪.‬‬

‫( ‪)2/92‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وتعذيبا لهم‪{ :‬أخرجوا ‪ 1‬أنفسكم ‪ ،2‬اليوم تجزون عذاب الهون} بسبب استكباركم ‪ 3‬في الرض‬
‫بغير الحق إذ الحامل للعذرة وأصله نطفة قذرة‪ ،‬ونهايته جيفة قذرة‪ ،‬استكباره في الرض حقا إنه‬
‫استكبار باطل ل يصح من فاعله بحال من الحوال‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )93‬أما الية‬
‫الثانية (‪ )94‬فإن ال تعالى يخبر عن حال المشركين المستكبرين يوم القيامة حيث يقول لهم {لقد‬
‫جئتمونا فرادى ‪ }4‬أي واحد واحدا {كما خلقناكم} حفاة ‪ 5‬عراة غُ ْزلً {وتركتم ما خولناكم} أي ما‬
‫وهبناكم من مال وولد {وراء ظهوركم} أي في دار ‪ 6‬الدنيا‪{ ،‬وما نرى معكم شفعاءكم الذين‬
‫زعمتم أنهم فيكم شركاء‪ ،‬وأنتم كاذبون في زعمكم مبطلون في اعتقادكم {لقد نقطع بينكم} أي انحل‬
‫حبل الولء بينكم‪{ ،‬وضل عنكم ما كنتم تزعمون} أي ما كنتم تكذبون به في الدنيا‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬قبح الكذب على ال تعالى في أي شكل‪ ،‬وأن صاحبه ل أظلم منه قط‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير عذاب القبر‪ ،‬وسكرات الموت وشدتها‪ ،‬وفي الحديث‪ :‬أن للموت سكرات‪.‬‬
‫‪ -3‬قبح الستكبار وعظم جرمه‪.‬‬
‫‪ -4‬تقرير عقيدة البعث الخر والجزاء على الكسب في الدنيا‪.‬‬
‫‪ -5‬انعدام الشفعاء يوم القيامة إل ما قضت السنة الصحيحة من شفاعة النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫والعلماء والشهداء بشروط هي‪ :‬أن يأذن ال للشافع أن يشفع وأن يرضى عن المشفوع له‪.‬‬
‫حيّ مِنَ ا ْلمَ ّيتِ َومُخْرِجُ‬
‫ب وَال ّنوَى ُيخْرِجُ ا ْل َ‬
‫ح ّ‬
‫إِنّ الّلهَ فَالِقُ الْ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الغمرة الشدة وأصلها من غمر الشيء إذا غطاه ومنه غمر الماء‪.‬‬
‫‪ 2‬يقال لهم هذا توبيخا لهم وتقريعا أي خلصوها من هذا العذاب إن أمكنكم‪.‬‬
‫‪ 3‬تستكبرون أي تتعظمون وتأنفون من قول الحق الذي هو توحيد ال تعالى وعبادته بما شرع‬
‫لعباده المؤمنين‪.‬‬
‫‪ 4‬هذا يوم القيامة يوم يحشرون إلى ربهم‪ ،‬وفرادى في موضع نصب على الحال‪.‬‬
‫‪ 5‬روي أن عائشة رضي ال عنها قرأت قول ال تعالى {ولقد جئتمونا فرادى‪ ...‬الخ} فقالت يا‬
‫رسول ال واسوأتاه الرجال والنساء يحشرون جميعا ينظر بعضهم إلى سوءة بعض؟ فقال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم لكل امريء منهم يومئذ شأن يغنيه ل ينظر الرجال إلى النساء ول النساء‬
‫إلى الرجال شُغل بعضهم عن بعض‪.‬‬
‫‪ 6‬ثبت في الصحيح أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من‬
‫مالك إل ما أكلت فأثنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأبقيت وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس‪.‬‬

‫( ‪)2/93‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫س وَا ْل َقمَرَ‬
‫شمْ َ‬
‫سكَنًا وَال ّ‬
‫ج َعلَ اللّ ْيلَ َ‬
‫لصْبَاحِ وَ َ‬
‫قاِ‬
‫حيّ ذَِل ُكمُ اللّهُ فَأَنّى ُت ْؤ َفكُونَ(‪ )95‬فَاِل ُ‬
‫ا ْلمَ ّيتِ مِنَ الْ َ‬
‫ج َعلَ َل ُكمُ النّجُومَ لِ َتهْتَدُواْ ِبهَا فِي ظُُلمَاتِ الْبَرّ‬
‫حسْبَانًا ذَِلكَ َتقْدِيرُ ا ْلعَزِيزِ ا ْلعَلِيمِ(‪ )96‬وَ ُهوَ الّذِي َ‬
‫ُ‬
‫س وَاحِ َدةٍ َفمُسْ َتقَ ّر َومُسْ َتوْ َدعٌ َقدْ‬
‫وَالْبَحْرِ َقدْ َفصّلْنَا اليَاتِ ِل َقوْمٍ َيعَْلمُونَ(‪ )97‬وَ ُهوَ الّ ِذيَ أَنشََأكُم مّن ّنفْ ٍ‬
‫شيْءٍ‬
‫سمَاء مَاء فَأَخْ َرجْنَا بِهِ نَبَاتَ ُكلّ َ‬
‫َفصّلْنَا اليَاتِ ِل َقوْمٍ َيفْ َقهُونَ(‪ )98‬وَ ُهوَ الّ ِذيَ أَن َزلَ مِنَ ال ّ‬
‫خلِ مِن طَ ْل ِعهَا قِ ْنوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنّاتٍ مّنْ أَعْنَابٍ‬
‫خضِرًا نّخْرِجُ مِنْهُ حَبّا مّتَرَاكِبًا َومِنَ النّ ْ‬
‫فَأَخْ َرجْنَا مِنْهُ َ‬
‫وَالزّيْتُونَ وَال ّرمّانَ مُشْتَ ِبهًا وَغَيْرَ مُتَشَا ِبهٍ انظُرُواْ ِإلِى َثمَ ِرهِ ِإذَا أَ ْثمَ َر وَيَ ْنعِهِ إِنّ فِي ذَِل ُك ْم ليَاتٍ ّل َقوْمٍ‬
‫ُي ْؤمِنُونَ(‪)99‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫فالق الحب والنوى ‪ :‬شاق الحب كحب البر ليخرج منه الزرع‪ ،‬والنوى واحده نواة وشقها ليخرج‬
‫منها الفسيلة (النخلة الصغيرة)‪.‬‬
‫يخرج الحي من الميت ‪ :‬الدجاجة من البيضة‪.‬‬
‫ومخرج الميت من الحي‪ : :‬البيضة من الدجاجة‪.‬‬
‫فأنى تؤفكون‪ :‬كيف تصرفون عن توحيد ال الذي هذه قدرته إلى عبادة الجمادات‪.‬‬
‫فالق الصباح ‪ :‬الصباح‪ :‬بمعنى الصبح وفلقه‪ :‬شقه ليتفجر منه النور والضياء‪.‬‬

‫( ‪)2/94‬‬

‫سكنا ‪ :‬يسكن فيه الناس ويخلدون للراحة‪.‬‬


‫حسبانا ‪ :‬أي حسابا بهما تعرف الوقات اليام والليالي والشهور والسنون‪.‬‬
‫تقدير العزيز العليم ‪ :‬إيجاد وتنظيم العزيز الغالب على أمره العليم بأحوال وأفعال عباده‪.‬‬
‫لتهتدوا بها ‪ :‬أي ليهتدي بها المسافرون في معرفة طرقهم في البر والبحر‪.‬‬
‫من نفس واحدة ‪ :‬هي آدم أبو البشر عليه السلم‪.‬‬
‫فمستقر ‪ :‬أي في الرحام‪.‬‬
‫ومستودع‪ :‬أي في أصلب الرجال‪.‬‬
‫يفقهون ‪ :‬أسرار ألشياء وعلل الفعال فيهتدوا لما هو حق وخير‪.‬‬
‫خضرا‪ :‬هو أول ما يخرج من الزرع ويقال له القصيل الخضر‪.‬‬
‫متراكبا‪ :‬أي بعضه فوق بعض وهو ظاهر في السنبلة‪.‬‬
‫طلع النخل ‪ :‬زهرها‪.‬‬
‫قنوان‪ :‬واحده قنو وهو العِذْق وهو العُرْجون بلغة أهل المغرب‪.‬‬
‫مشتبها وغير متشابه ‪ :‬في اللون وغير مشتبه في الطعم‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وينعه‪ :‬أي نضجه واستوائه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في بيان الدليل على وجوب توحيد ال تعالى وبطلن عبادة غيره فقال تعالى‬
‫واصفا نفسه بأفعاله العظيمة الحكيمة التي تثبت ربوبيته وتقرر ألوهيته وتبطل ربوبية وألوهية‬
‫غيره مما زعم المشركون أنها أرباب لهم وآلهة‪{ :‬إن ال فالق الحب والنوى} أي هو الذي يفلق‬
‫الحب ويخرج منه الزرع ل غيره وهو الذي يفلق النوى‪ ،‬ويخرج منه الشجر والنخل ل غيره فهو‬
‫الله الحق إذا وما عداه باطل‪ ،‬وقال‪{ :‬يخرج الحيّ من الميت} فيخرج الزرع الحيّ من الحب‬
‫الميت {ويخرج الميت ‪ 1‬من الحيّ} فيخرج الحب من الزرع الحيّ‪ ،‬والنخلة والشجرة من النواة‬
‫الميتة ثم يقول‪{ :‬ذلكم ال} أي المستحق لللهية أي العبادة وحده {فأنى‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي يخرج النطفة الميتة من الحي وهو النسان ويخرج النسان الحي من النطفة الميتة‪.‬‬

‫( ‪)2/95‬‬

‫تؤفكون} أي فكيف يا للعجب تصرفون عن عبادته وتأليهه إلى تأليه وعبادة غيره‪ .‬ويقول‪{ :‬فالق‪،‬‬
‫الصباح ‪ }1‬أي هو ال الذي يفلق ظلم الليل فيخرج منه ضياء النهار {وجعل الليل سكنا} ‪ :‬أي‬
‫ظرف سكن وسكون وراحة تسكن فيه الحياء من تعب النهار والعمل فيه ليستريحوا‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫{والشمس والقمر ‪ 2‬حسبانا} أي وجعل الشمس والقمر يدوران في فلكيهما بحساب تقدير ل يقدر‬
‫عليه إل هو‪ ،‬وبذلك يعرف الناس الوقات وما يتوقف عليها من عبادات وأعمال وآجال وحقوق‬
‫ثم يشير إلى فعله ذلك فيقول‪{ :‬ذلك تقدير العزيز} الغالب على أمره {العليم} بسائر خلقه وأحوالهم‬
‫وحاجاتهم وقد فعل ذلك لجلهم فكيف إذا ل يستحق عبادتهم وتأليههم؟ عجبا لحال بني آدم ما‬
‫أضلهم؟!‬
‫ويقول تعالى في الية الثالثة (‪{ )97‬وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر‬
‫والبحر} هذه منة أخرى من مننه على الناس ومظهرا آخر من مظاهر قدرته حيث جعل لنا النجوم‬
‫لمهتدي به مسافرونا في البر والبحر حتى ل يضلوا طريقهم فيهلكوا فهي نعمة ل يقدر على‬
‫النعام بها إل ال‪ ،‬فلم إذا يكفر به ويعبد سواه؟ وقوله‪{ :‬قد فصلنا اليات لقوم يعلمون} يخبر به‬
‫تعالى على نعمة أخرى وهي تفصيله تعالى لليات وإظهارها لينتفع بها العلماء الذين يميزون‬
‫بنور العلم بين الحق والباطل والضار والنافع ويقول في الية الرابعة (‪{ )98‬وهو الذي أنشأكم‬
‫‪-‬أي خلقكم‪ -‬من نفس واحدة} هي آدم عليه السلم‪ ،‬فبعضكم مستقر في الرحام وبعضنا ‪3‬‬
‫مستودع في الصلب وهو مظهر من مظاهر إنعامه وقدرته ولطفه وإحسانه‪ ،‬ويختم الية بقوله‬
‫{قد فصلنا اليات لقوم يفقهون} لتقوم لهم الحجة على ألوهيته تعالى دون ألوهية ما عداه من سائر‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫المخلوقات لفهمهم أسرار الكلم وعلل الحديث ومغزاه‪.‬‬
‫ويقول في الية (‪{ )99‬وهو الذي أنزل من السماء ماءً} وهو ماء المطر ويقول {فأخرجنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الصباح مصدر أصبح يصبح إصباحا أي يخرج النور من الظلم إذ نور الفجر يشق ظلمة‬
‫الليل ويخرج عنها الصبح والصباح أول النهار ويجمع الصباح على أصباح بفتح الهمزة وقرىء‬
‫به‪.‬‬
‫‪ 2‬حسبانا أي بحساب يتعلق به مصالح العباد‪ ،‬والحسبان جمع حساب مثل شهاب وشهبان أي جعل‬
‫ال سير الشمس والقمر بحساب ول يزيد ول ينقص ويطلق الحسبان على النار كما في قوله تعالى‬
‫ويرسل عليها حسبانا من السماء أي نارا‪.‬‬
‫‪ 3‬قال عبدال بن مسعود لها مستقر في الرحم ومستودع في الرض التي تموت فيها وهذا على‬
‫قراءة مستقر بفتح القاف بمعنى لها مستقر وأكثر المفسرين على ما جاء في التفسير أن المستقر ما‬
‫كان في الرحم والمستودع ما كان في الصلب قال سعيد بن جبير قال لي ابن عباس هل تزوجت‬
‫فقلت ل‪ .‬قال فإن ال عز وجل يستخرج من ظهرك ما استودعه فيه‪ .‬أما قوله تعالى {ولكم في‬
‫الرض مستقر ومستودع إلي حين} ف المستقر هو القبر مودع فيه النسان إلى يوم القيامة‪.‬‬

‫( ‪)2/96‬‬

‫به نبات كل شيء} أي ينبت أي قابل للنبات من سائر الزروع والنباتات ويقول فأخرجنا من ذلك‬
‫النبات خضرا وهو ‪ 1‬القصيل للقمح والشعير‪ ،‬ومن الخضر ‪ 2‬يخرج حبا متراكبا في سنابله‪،‬‬
‫ويقول عز وجل‪{ :‬ومن النخْل من طلعها قنوان دانية} أي ويخرج بإذن ال تعالى من طلع النخل‬
‫قنوان جمع قنو العذق دانية متدلية وقريبة ل يتكلف مشقة كبيرة من أراد جنيها والحصول عليها ‪3‬‬
‫وقوله {وجنات من أعناب} يقول وأخرجنا به بساتين من نخيل وأعناب‪ ،‬وأخرجنا به كذلك‬
‫الزيتون والرمان حال كونه مشتبها في اللون وغير متشابه في الطعم‪ ،‬كلوا من ثمره إذا أثمر‬
‫وينعه ينبت لديكم ذلك التشابه وعدمه‪ ،‬وختم الية بقوله‪ :‬إن في ذلكم المذكور كله {ليات}‬
‫علمات ظاهرات تدل على وجوب ألوهية ال تعالى وبطلن ألوهية غيره {لقوم يؤمنون} لنهم‬
‫أحياء يفعلون ويفكرون ويفهمون أما غيرهم من أهل الكفر فهم أموات القلوب لما ران عليها من‬
‫أوضار الشرك والمعاصي فهم ل يعقلون ول يفقهون فأنى لهم أن يجدوا في تلك اليات ما يدلهم‬
‫على توحيد ال عز وجل؟‬
‫هداية اليات‬
‫هن هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ال خالق كل شيء فهو رب كل شيء ولذا وجب أن يؤله وحده دون ما سواه‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -2‬تقرير قدرة ال على كل شيء وعلمه بكل شيء وحكمته في كل شيء‪.‬‬
‫‪ -3‬فائدة خلق النجوم وهي الهتداء بها في السير في الليل في البر والبحر‪.‬‬
‫‪ -4‬يتم إدراك ظواهر المور وبواطنها بالعقل‪.‬‬
‫‪ -5‬يتم إدراك أسرار الشياء بالفقه‪.‬‬
‫‪ -6‬اليمان بمثابة الحياة‪ ،‬والكفر بمثابة الموت في إدراك المور‪.‬‬
‫عمّا‬
‫ن وَبَنَاتٍ ِبغَيْرِ عِ ْلمٍ سُ ْبحَانَ ُه وَ َتعَالَى َ‬
‫ن وَخََل َقهُ ْم وَخَ َرقُواْ لَهُ بَنِي َ‬
‫جعَلُواْ لِلّهِ شُ َركَاء ا ْلجِ ّ‬
‫وَ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬خضر بمعنى أخضر كمطرة بمعنى ماطرة ومنه قولهم‪ :‬أرنها نمرة أركها مطر أي أرني‬
‫سحابة كأنها نمرة في شكلها أركها ماطرة يتصبب منها الماء الغزير‪.‬‬
‫‪ 2‬قال ابن عباس رضي ال عنه يريد القمح والشعير والسلت والذرة والرز وسائر الحبوب‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا قصار النخل إذ يجنى ثمارها لمدة عشر سنوات والمرء يتناول منها بيديه هو واقف عندها‬
‫وبعد ذلك ترتفع وتطول فيرقى إليها‪.‬‬

‫( ‪)2/97‬‬

‫شيْءٍ‬
‫ت وَالَ ْرضِ أَنّى َيكُونُ لَ ُه وََل ٌد وَلَمْ َتكُن لّهُ صَاحِبَ ٌة َوخَلَقَ ُكلّ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫َيصِفُونَ(‪َ )100‬بدِيعُ ال ّ‬
‫شيْءٍ فَاعْبُدُو ُه وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ(‪ )101‬ذَِلكُمُ الّلهُ رَ ّبكُمْ ل إَِلهَ ِإلّ ُهوَ خَاِلقُ ُكلّ َ‬
‫و ُهوَ ِب ُكلّ َ‬
‫ك الَ ْبصَارَ وَ ُهوَ اللّطِيفُ ا ْلخَبِيرُ(‪)103‬‬
‫شيْ ٍء َوكِيلٌ(‪ )102‬لّ تُدْ ِركُ ُه الَ ْبصَا ُر وَ ُهوَ يُدْ ِر ُ‬
‫َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫شركاء ‪ :‬جمع شريك في عبادته تعالى‪.‬‬
‫الجن ‪ :‬عالم كعالم النس إل أنهم أجسام خفية ل ترى لنا إل إذا تشكلت بما يُرى‪.‬‬
‫وخرقوا ‪ :‬اختنقوا وافتاتوا‪.‬‬
‫يصفون ‪ :‬من صفات العجز بنسبة الولد والشريك إليه‪.‬‬
‫بديع السموات والرض ‪ :‬مبدع خلقهما حيث أوجدهما على غير مثال سابق‪.‬‬
‫أنى يكون له ولد ‪ :‬أي كيف يكون له ولد؟ كما يقول المبطلون‪.‬‬
‫ولم تكن له صاحبة ‪ :‬أي زوجة‪.‬‬
‫ل تدركه البصار‪ :‬ل تراه في الدنيا‪ ،‬ول تحيط به في الخرة‪.‬‬
‫وهو يدرك البصار ‪ :‬أي محيط علمه بها‪.‬‬
‫وهو اللطيف‪ :‬الذي ينفذ علمه إلى بواطن المور وخفايا السرار فل يحجبه شيء‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لقد جاء في اليات السابقة من الدلة والبراهين العقلية ما يبهر العقول ويذلها لقبول التوحيد‪ ،‬وأنه‬
‫ل إله إل ال‪ ،‬ول رب سواه‪ ،‬ولكن مع هذا فقد جعل الجاهلون ل من‬

‫( ‪)2/98‬‬

‫الجن شركاء فأطاعوهم فيما زينوا لهم من عبادة الصنام والوثان‪ ،‬وهذا ما أخبر به تعالى في‬
‫هذه الية الكريمة (‪ )100‬إذ قال {وجعلوا ل شركاء الجن ‪ 1‬وخلقهم ‪ 2‬وخرقوا له بنين وبنات‬
‫بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون} ومعنى الية وجعل العادلون بربهم الصنام والجن شركاء‬
‫ل في عبادته‪ ،‬وذلك بطاعتهم فيما زينوا لهم من عبادة الصنام‪ ،‬والحال أنه قد خلقهم فالكل‬
‫مخلوق له العابد والمعبود من الجن والصنام‪ ،‬وزادوا في ضللهم شوطا آخر حيث اختلقوا له‬
‫البنين والبنات وهذا كله من تزيين الشياطين لهم وإل فأي معنى في أن يكون لخالق العالم كله بما‬
‫فيه النس والجن والملئكة أبناء وبنات‪ .‬هذا ما عناه تعالى بقوله‪{ :‬وخرقوا له بنين وبنات بغير‬
‫علم سبحانه وتعالى عما يصفون} فنزه الرب تبارك وتعالى نفسه عما وصفوه به كذبا بحتا‬
‫وتخرّصا كاملً من أن له بنين وبنات وليس لهم على ذلك أي دليل علمي ل عقلي ول نقلي‪ ،‬وقد‬
‫شارك في هذا الباطل العرب المشركون حيث قالوا الملئكة بنات ال‪ ،‬واليهود حيث قالوا عزير‬
‫ابن ال‪ ،‬والنصارى إذ قالوا المسيح ابن ال‪ ،‬تعالى ال عما يقول المبطلون‪ .‬هذا ما تضمنته الية‬
‫الولى أما الية الثانية (‪ )101‬فقد تضمنت إقامة الدليل الذي ل يرد على بطلن هذه الفرية‬
‫المنكرة فرية نسبة الولد ل سبحانه وتعالى‪ ،‬فقال تعالى ‪{ :‬بديع السموات والرض} أي خالقهما‬
‫على غير مثال سابق {أنى ‪ 3‬يكون له ولد ولم تكن له صاحبة} أي يا للعجب كيف يكون ل ولد‬
‫ولم تكن له زوجة إذ التوالد يكون بين ذكر وأنثى لحاجة إليه لحفظ النوع وكثرة النسل لعمارة‬
‫الرض بل ولعبادة الرب تعالى بذكره وشكره‪ ،‬أما الرب تعالى فهو خالق كل شيء ورب كل‬
‫شيء فأي معنى لتخاذ ولد له‪ ،‬لول تزيين الشياطين للباطل حتى يقبله أولياؤهم من النس‪ ،‬وقوله‬
‫تعالى‪{ :‬وهو بكل شيء عليم} دليل آخر على بطلن ما خرق أولئك الحمقى ل من ولد‪ ،‬إذ لو كان‬
‫ل ولد لعلمه وكيف ل‪ ،‬وهو بكل شيء عليم‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الثانية أما الثالثة (‪)102‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬صور اتخاذهم الجن شركاء ثلث الولى‪ :‬أنهم أطاعوا الجن فجعلوهم بطاعتهم لهم شركاء ل‬
‫إذ المطاع الحق هو ال تعالى‪:‬‬
‫والثانية‪ :‬قولهم الملئكة بنات ال مع عبادتهم لهم فذلك معنى جعلوا ل شركاء الجن لن الملئكة‬
‫ل يرون كالجن قال تعالى {وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا} فسمى الملئكة جنا لجتنابهم واستتارهم‬
‫عن عيون الناس والثالثة‪ :‬أن الزنادقة قالوا ال خالق الماء والنور والدواب والنعام وإبليس خالق‬
‫الظلمة والسباع والحيات والعقارب‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 2‬قوله تعالى وخلقهم يصح عود الضمير فيه على العادلين كما في التفسير ويصح عوده على‬
‫الجن الذين اتخذوهم شركاء ل يعبدونهم معه‪.‬‬
‫‪ 3‬أي من أين يكون له ولد والولد ل يكون إلّ من صاحبة أي زوجة‪.‬‬

‫( ‪)2/99‬‬

‫وهي قوله تعالى‪{ :‬ذلكم ال ربكم ل اله إل هو خالق كل شيء ‪ }1‬أي ذلكم ال الذي هو بديع‬
‫السموات والرض والخالق لكل شيء والعليم بكل شيء هو ربكم الذي ل إله إل هو خالق كل‬
‫شيء فاعبدوه ول تشركوا به سواه‪ .‬وإنه لكفيل برزقكم وحفظكم ومجازاتكم على أعمالكم وهو‬
‫على كل شيء قدير‪ .‬والية الخيرة في السياق الكريم (‪ )153‬يقرر تعالى حقيقة كبرى وهى أن‬
‫ال تعالى مباين لخلقه في ذاته وصفاته ليس كمثله شيء فكيف يشرك به وكيف لكون له ولد‪ ،‬وهو‬
‫ل تدركه البصار ‪ 2‬وهو يدركها وهو اللطيف ‪ 3‬الذي ينفذ علمه وقدرته في كل ذرات الكون‬
‫علويّه وسفليّه الخبير بكل خلقه ل يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ول في الرض وهو العزيز‬
‫الحكيم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬أن من النس من عبد الجن بطاعتهم وقبول ما يأمرونهم به ويزينونه لهم‪.‬‬
‫‪ -2‬تنزه الرب تعالى عن الشريك والصاحبة والولد ‪ -3‬مباينة الرب تبارك وتعالى لخلقه‪.‬‬
‫‪ -4‬استحالة رؤية الرب في الدنيا ‪ ،4‬وجوازها في الخرة لوليائه في دار كرامته‪.‬‬
‫حفِيظٍ(‪َ )104‬وكَذَِلكَ‬
‫ع ِميَ َفعَلَ ْيهَا َومَا أَنَاْ عَلَ ْيكُم بِ َ‬
‫قَدْ جَاءكُم َبصَآئِرُ مِن رّ ّب ُكمْ َفمَنْ أَ ْبصَرَ فَلِ َنفْسِ ِه َومَنْ َ‬
‫حيَ إِلَ ْيكَ مِن رّ ّبكَ ل إِلَهَ ِإلّ‬
‫ت وَلِنُبَيّنَهُ ِلقَوْمٍ َيعَْلمُونَ(‪ )105‬اتّ ِبعْ مَا أُو ِ‬
‫س َ‬
‫ت وَلِيَقُولُواْ دَرَ ْ‬
‫ُنصَ ّرفُ اليَا ِ‬
‫ُه َو وَأَعْ ِرضْ عَنِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا أكبر برهان على بطلن نسبة الولد له تعالى إذ كل شيء خلقه فهل من خلق شيئا يقال لمن‬
‫خلقه ولده؟ لو صح هذا لقالوا لكل من صنع شيئا هو أبو والمصنوع ولده ول قائل بهذا البتة‪.‬‬
‫‪ 2‬ل تدركه البصار بمعنى ل تحيط به ولذا يراه أولياؤه في الجنة رؤية بصرية فينظرون إلى‬
‫وجهه الكريم وأما رؤيته تعالى فمتعذرة في الحياة الدنيا إذ طلبها موسى ولم ينلها لعجز النسان‬
‫عن رؤية ال تعالى بهذه البصار المحدودة القدرة والطاقة‪.‬‬
‫‪ 3‬روي في الصحيحين ما يفيد تعذر رؤية ال في الدنيا لضعف النسان فقد قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪" :‬إن ال ل ينام ول ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه‪ ،‬يرفع ال عمك النهار‬
‫قبل الليل‪ ،‬وعمل الليل قبل النهار حجابه النور أو النار لو كشفه لحرقت سبحات وجهه ما انتهى‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إليه بصره من خلقه"‪.‬‬
‫‪ 4‬وفسر اللطيف بالرفيق بعباده واللطيف من أسماء ال تعالى‪ .‬ولذا هو يلطف بعباده‪ .‬كما هو‬
‫للطفه ل يدرك بالكيفية‪،‬واللطيف في الجسام الذي يدخل في كل شيء‪.‬‬

‫( ‪)2/100‬‬

‫علَ ْيهِم ِب َوكِيلٍ(‪)107‬‬


‫حفِيظًا َومَا أَنتَ َ‬
‫جعَلْنَاكَ عَلَ ْيهِمْ َ‬
‫ا ْلمُشْ ِركِينَ(‪ )106‬وََلوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْ َركُواْ َومَا َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫بصائر من ربكم‪ :‬البصائر جمع بصيرة‪ :‬والمراد بها هنا اليات المعرفة بالحق المثبتة له بطريق‬
‫الحجج العقلية فهي في قوة العين المبصرة لصاحبها‪.‬‬
‫حفيظ‪ :‬وكيل مسئول‪.‬‬
‫نصرف اليات‪ :‬نجريها في مجاري مختلفة تبيانا للحق وتوضيحا للهدى المطلوب‪.‬‬
‫وليقولوا درست ‪ :‬أي تعلمت وقرأت ل وحيا أوحي إليك‪.‬‬
‫وأعرض عن المشركين ‪ :‬أي ل تلتفت إليهم وامضِ في طريق دعوتك‪.‬‬
‫ولو شاء ال ما أشركوا‪ :‬أي لو شاء أن يحول بينهم وبين الشرك حتى ل يشركوا َل َفعَل وما‬
‫أشركوا‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في طلب هداية المشركين وبيان الطريق لهم ففي هذه الية يقول {قد جاءكم} أي‬
‫أيها الناس {بصائر من ‪ 1‬ربكم} وهي آيات القرآن الموضحة لطريق النجاة {فمن أبصر} بها وهي‬
‫كالعين المبصرة {فلنفسه} إبصاره إذ هو الذي ينجو ويسعد { ومن عمي} فلم يبصر فعلى نفسه‬
‫عماه إذ هي التي تهلك وتشقى وقل لهم يا رسولنا {ما أنا عليكم بحفيظ} أي بوكيل مسئول عن‬
‫هدايتكم‪ ،‬وفي الية الثانية (‪ )105‬يقول تعالى‪{ :‬وكذلك ‪ 2‬نصرف اليات} أي بنحو ما صرفناها‬
‫من قبل في هذا القرآن نصرفها كذلك لهداية مريدي الهداية والراغبين ‪ 3‬فيها أما غيرهم فسيقولون‬
‫درست ‪ 4‬وتعلمت من غيرك حتى يحرموا اليمان‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قد جاءكم بصائر أي حجج وبينات ووصفها بالمجيء لتضخيم شأنها واكباره‪.‬‬
‫‪ 2‬كذلك الكاف في محل نصب أي مثل أي نصرف اليات‪ :‬مثل ذلك التصريف‪.‬‬
‫‪ 3‬وهم المذكورون في الية ولنبيننه لقوم يعلمون‪.‬‬
‫‪ 4‬قرىء دَارست أي ذاكرت أهل الكتاب وتعلمت عنهم ولم يوح إليك شيء واللم في قوله‬
‫وليقولوا درست هي لم العاقبة كما يقال كتب فلن هذا الكتاب لحتفه‪ ،‬وفي القرآن {فالتقطه آل‬
‫فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا}‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/101‬‬

‫بك وبرسالتك والعياذ بال تعالى‪ ،‬وفي الية الثالثة (‪ )106‬يأمر ال تعالى رسوله باتباع ما يوحى‬
‫إليه من الحق والهدى‪ ،‬والعراض عن المشركين المعاندين الذين يقولون درست حتى ل يأخذوا‬
‫بما آتيتهم به ودعوتهم إليه من آيات القرآن الكريم إذ قال تعالى له‪{ :‬اتبع ما أوحي إليك من ربك‬
‫ل إله إل هو وأعرض عن المشركين ‪ ، }1‬وفي الية الرابعة (‪ )107‬يسلي الرب تعالى رسوله‬
‫ويخفف عنه آلم إعراض المشركين عن دعوته ومحاربته فيها فيقول له‪{ :‬ولو شاء ال ما‬
‫أشركوا}‪ 2‬أي لو يشاء ال عدم إشراكهم لما قدروا على أن يشركوا إذا فل تحزن عليهم‪ ،‬هذا‬
‫أولً‪ ،‬وثانيا {وما جعلناك عليهم حفيظا} تراقبهم وتحصي عليهم أعمالهم وتجازيهم بها‪ ،‬وما‬
‫أرسلناك عليهم وكيل تتولى هدايتهم بما فوق طاقتك {إن عليك إل البلغ} وقد بلغت إذا فل أسى‬
‫ول أسف!!‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬آيات القرآن بصائر من يأخذ بها يبصر طريق الرشاد وينجو ويسعد‪.‬‬
‫‪ -2‬ينتفع بتصريف اليات وما تحمله من هدايات العالمون ل الجاهلون وذلك لقوله تعالى في‬
‫الية الثانية (‪{ )105‬ولنبينه لقوم يعلمون}‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان الحكمة في تصريف اليات وهي هداية من شاء ال هدايته‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب اتباع الوحي المتمثل في الكتاب والسنة النبوية‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان بطلن مذهب القدرية "نفاة القدر"‪.‬‬
‫عمََلهُمْ ُثمّ إِلَى‬
‫ع ْدوًا ِبغَيْرِ عِلْمٍ َكذَِلكَ زَيّنّا ِل ُكلّ ُأمّةٍ َ‬
‫وَلَ تَسُبّواْ الّذِينَ َيدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَ َيسُبّواْ اللّهَ َ‬
‫جهْدَ أَ ْيمَا ِنهِمْ لَئِن جَاء ْتهُمْ آ َيةٌ‬
‫سمُواْ بِاللّهِ َ‬
‫ج ُع ُهمْ فَيُنَبّ ُئهُم ِبمَا كَانُواْ َي ْعمَلُونَ(‪ )108‬وََأقْ َ‬
‫رَ ّبهِم مّرْ ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا منسوخ بآية الجهاد‪.‬‬
‫‪ 2‬في الية دليل على إبطال مذهب القدرية وهم نفاة القدر والزاعمون أن أفعال العباد لم تقدر‬
‫عليهم وإنما هم الخالقون لهَا بدون إذن ال وإرادته‪.‬‬

‫( ‪)2/102‬‬

‫ت لَ ُي ْؤمِنُونَ(‪ )109‬وَنُقَّلبُ َأفْئِدَ َت ُهمْ‬


‫شعِ ُركُمْ أَ ّنهَا إِذَا جَاء ْ‬
‫لّ ُي ْؤمِنُنّ ِبهَا ُقلْ إِ ّنمَا اليَاتُ عِندَ اللّ ِه َومَا يُ ْ‬
‫طغْيَا ِنهِمْ َي ْع َمهُونَ(‪)110‬‬
‫وَأَ ْبصَارَهُمْ َكمَا لَمْ ُي ْؤمِنُواْ بِهِ َأوّلَ مَ ّر ٍة وَنَذَرُ ُهمْ فِي ُ‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ول تسبوا ‪ :‬ول تشتموا آلهة المشركين حتى ل يسبوا ال تعالى‪.‬‬
‫عدوا ‪ :‬ظلما‪.‬‬
‫زينا لكل أمة عملهم‪ :‬حسناه لهم خيرا كان أو شرا حتى فعلوه‪.‬‬
‫جهد أيمانهم ‪ :‬أي غاية اجتهادهم في حلفهم بال‪.‬‬
‫آية‪ :‬معجزة كإحياء الموتى ونحوها‪.‬‬
‫وما يشعركم‪ :‬وما يدريكم‬
‫ونذرهم ‪ :‬نتركهم‪.‬‬
‫يعمهون ‪ :‬حيارى يترددون‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫عندما ظهر رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصبح يصدع بالدعوة جهرا بعد ما كانت سرا أخذ‬
‫بعض أصحابه يسبون أوثان المشركين‪ ،‬فغضب لذلك المشركون وأخذوا يسبون ال تعالى إله‬
‫المؤمنين وربهم فنهاهم تعالى عن ذلك أي عن سب آلهة المشركين بقوله‪{ :‬ول تسبوا الذين‬
‫يدعون من دون ال} أي ل تسبوا آلهتهم {فيسبوا ‪ 1‬ال عدوا‪ }2‬أي ظلما واعتداء بغير علم‪ ،‬إذ لو‬
‫علموا جلل ال وكماله لما سبوه‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وكذلك زينا لكل أمة عملهم} بيان منه تعالى‬
‫لسنته في خلقه وهي أن المرء إذا أحب شيئا ورغب فيه وواصل ذلك الحب وتلك الرغبة يصبح‬
‫زينا له ولو كان في الواقع شيئا ويراه حسنا وإن كان في حقيقة المر‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬قالت كفار قريش لبي طالب إما أن تنهى محمدا وأصحابه‬
‫عن سب آلهتنا والغضّ منها وإما أن نسب إلهه ونهجوه‪ .‬فنزلت الية وهذا الحكم باق إلى نهاية‬
‫الحياة فإن كان سب المؤمن الكافر يؤدي إلى سب ال تعالى أو رسوله فل يحل للمؤمن أن يسب‬
‫الكافر أو دينه‪.‬‬
‫‪ 2‬وقرىء عُدوا بضم العين والدال ومعنى القراءتين واحد وهو الجهل والعتداء الذي هو الظلم‪.‬‬

‫( ‪)2/103‬‬

‫قبيحا‪ ،‬ومن هنا كان دفاع المشركين عن آلهتهم الباطلة من هذا الباب فلذا لم يرضوا أن تسب لهم‬
‫وهددوا الرسول والمؤمنين بأنهم لو سبوا آلهتهم لسبوا لهم آلهتهم وهو ال تعالى‪ ،‬وقوله تعالى {ثم‬
‫إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون} يخبر تعالى أن مرجع الناس المزين لهم أعمالهم‬
‫خيرها وشرها ورجوعهم بعد نهاية حياتهم إلى ال ربهم فيخبرهم بأعمالهم ويطلعهم عليها‬
‫ويجزيهم بها الخير بالخير والشر بالشر‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )108‬وأما اليتان الثانية‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫(‪ )109‬والثالثة (‪ )110‬فقد أخبر تعالى أن المشركين أقسموا ‪ 1‬بال أبلغ إيمانهم وأقصاها أنهم إذا‬
‫جاءتهم آية كتحويل جبل الصفا إلى ذهب آمنوا عن آخرهم بنبوة محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫ورسالته واتبعوه على دينه الذي جاء به‪ ،‬قال هذا رؤساء المشركين‪ ،‬وال يعلم أنهم إذا جاءتهم‬
‫الية ل يؤمنون‪ ،‬فأمر رسوله أن يرد عليهم قائلً‪{ :‬إنما اليات عند ال} هو الذي يأتي بها إن شاء‬
‫أما أنا فل أملك ذلك‪ .‬إل أن المؤمنين من أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم رغبوا في مجيء‬
‫الية حتى يؤمن المشركون وينتهي الصراع الدائر بين الفريقين فقال تعالى لهم‪{ :‬وما يشعركم ‪}2‬‬
‫أيها المؤمنون {أنها إذا جاءت ‪ 3‬ل يؤمنون} أي وما يدريكم أن الية لو جاءت ل يؤمن بها‬
‫المشركون؟ وبين علة عدم إيمانهم فقال‪{ :‬ونقلب أفئدتهم } فل تعي ول تفهم {وأبصارهم} فل ترى‬
‫ول تبصر‪ .‬فل يؤمنون كما لم يؤمنوا بالقرآن أول مرة لما دعوا إلى اليمان به {ونذرهم في‬
‫طغيانهم يعمهون} أي ونتركهم في شركهم وظلمهم حيارى يترددون ل يعرفون الحق من الباطل‬
‫ول الهداية من الضلل‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة قول أو فعل ما يتسبب ‪ 4‬عنه يسب ال ورسوله‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان سنة ال في تزيين العمال لصحابها خيرا كانت أو شرا‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان أن الهداية بيد ال تعالى وأن المعجزات قد ل يؤمن عليها من شاهدها‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في هذا دليل الموادعة والخذ بمبدأ سد الذرائع‪.‬‬
‫‪ 2‬كان المشركون يحلفون بآلهتهم‪ ،‬وإذا حلفوا بال كان ذلك أقصى أيمانهم وأشدها‪ .‬وهنا مسألة لو‬
‫قال المرء اليمان تلزمه ثم حنث فإن عليه إطعام ثلثين مسكينا لن أقل الجمع ثلثة‪ ،‬وإن لم يكن‬
‫له مال صام تسعة أيام‪..‬‬
‫‪ 3‬الشعار مصدر أشعره إذا أعلمه بأمر من شأنه أن يخفى ويدق‪.‬‬
‫‪ 4‬قرئت إنها بكسر الهمزة على الستئناف فيكون الكلم قد انتهى عند قوله وما يشعركم ويكون‬
‫المعنى وما يدريكم أنكم تؤمنون إذا جاءت ثم قال إنها إذا جاءت ل يؤمنون‪ .‬فذكر علة عدم‬
‫إيمانهم بقوله ونقلب أفئدتهم وأبصارهم‪.‬‬

‫( ‪)2/104‬‬

‫الجزء الثامن‬
‫شيْءٍ قُبُلً مّا كَانُواْ لِ ُي ْؤمِنُواْ ِإلّ أَن‬
‫وََلوْ أَنّنَا نَزّلْنَا إِلَ ْيهِمُ ا ْلمَل ِئكَةَ َوكَّلمَهُمُ ا ْل َموْتَى وَحَشَرْنَا عَلَ ْيهِمْ ُكلّ َ‬
‫س وَالْجِنّ يُوحِي‬
‫ن الِن ِ‬
‫ع ُدوّا شَيَاطِي َ‬
‫جعَلْنَا ِل ُكلّ نِ ِبيّ َ‬
‫جهَلُونَ(‪َ )111‬وكَذَِلكَ َ‬
‫يَشَاء اللّ ُه وََلكِنّ َأكْثَرَ ُهمْ يَ ْ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ضهُمْ إِلَى َب ْعضٍ ُزخْ ُرفَ ا ْلقَ ْولِ غُرُورًا وََلوْ شَاء رَ ّبكَ مَا َفعَلُوهُ فَذَرْ ُه ْم َومَا َيفْتَرُونَ(‪)112‬‬
‫َب ْع ُ‬
‫ض ْوهُ وَلِ َيقْتَ ِرفُواْ مَا هُم ّمقْتَ ِرفُونَ(‪)113‬‬
‫ن لَ ُي ْؤمِنُونَ بِالخِ َر ِة وَلِيَ ْر َ‬
‫صغَى إِلَيْهِ َأفْئِ َدةُ الّذِي َ‬
‫وَلِ َت ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الملئكة‪ :‬أجسام نورانية يعمرون السموات عباد مكرمون ل يعصون ال تعالى ويفعلون ما‬
‫يؤمرون ل يوصفون بذكورة ول أنوثة‪.‬‬
‫الموتى ‪ :‬جمع ميت‪ :‬من فارقته الحياة أي خرجت منه روحه‪.‬‬
‫حشرنا ‪ :‬جمعنا‪.‬‬
‫قبل ‪ :‬معاينة‬
‫يجهلون ‪ :‬عظمة ال وقدرته وتدبيره وحكمته‪.‬‬
‫شياطين ‪ :‬جمع شيطان‪ :‬وهو من خبث وتمرد من الجن والنس‪.‬‬
‫يوحي بعضهم‪ :‬يعلم بطريق سريع خفي بعضهم بعضا‪.‬‬
‫زخرف القول ‪ :‬الكذب المحسن والمزين‪.‬‬
‫غرورا‪ :‬للتغرير بالنسان‪.‬‬
‫يفترون‪ :‬يكذبون‪.‬‬
‫ولتصغى إليه ‪ :‬تميل إليه‪.‬‬
‫وليقترفوا‪ :‬وليرتكبوا الذنوب والمعاصي‪.‬‬

‫( ‪)2/105‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في أولئك العادلين بربهم المطالبين باليات الكونية ليؤمنوا إذا شاهدوها فأخبر‬
‫تعالى في هذه اليات أنه لو نزل إليهم الملئكة من ‪ 1‬السماء وأحيى لهم الموتى فكلموهم وقالوا‬
‫لهم ل إله إل ال محمد رسول ال‪ ،‬وحشر علمهم كل شيء ‪ 2‬أمامهم يعاينونه معاينة أو تأتيهم‬
‫المخلوقات قبيلً بعد قبيل وهم يشاهدونهم ويقولوا ل إله إل ال محمد رسول ال‪ ،‬ما كانوا ليؤمنوا‬
‫بك ويصدقوك ويؤمنوا بما جئت به إل أن يشاء ‪ 3‬ال ذلك منهم‪ .‬ولكن أكثر أولئك العادلين بربهم‬
‫الصنام والوثان يجهلون أن الهداية بيد ال تعالى وليست بأيديهم كما يزعمون وأنهم لو رأوا‬
‫اليات آمنوا‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه الية (‪ )111‬أما الية الثانية (‪ )112‬فإن ال تعالى يقول وكما كان لك يا رسولنا‬
‫من هؤلء العادلين أعداء يجادلونك ويحاربونك جعلنا لكل نبي أرسلناه أعداء يجادلونه ويحاربونه‬
‫{شياطين ‪ 4‬النس والجن يوحي ‪ 5‬بعضهم إلى بعض زخرف القول} أي القول المزين بالباطل‬
‫المحسن بالكذب {غرورا} أي للتغرير والتضليل‪{ ،‬ولو شاء ربك} أيها الرسول عدم فعل ذلك‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫اليحاء والوسواس {ما فعلوه} إذا {فذرهم} أي اتركهم {وما يفترون} من الكفر والكذب والباطل‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه الية الثانية أما الية الثالثة (‪ )113‬وهي قوله تعالى‪{ :‬ولتصغى إليه أفئدة الذين‬
‫ل يؤمنون بالخرة‪ ،‬وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون} هذه الية بجملها الربع معطوفة على‬
‫قوله {زخرف القول غرورا} إذ إيحاء شياطين الجن والنس ‪ 6‬كان‬
‫__________‬
‫‪ 1‬فرأوهم عيانا‪.‬‬
‫‪ 2‬أي شيئا سألوه وطلبوه‪.‬‬
‫‪ 3‬الستثناء منفصل فهو بمعنى لكن إن شاء ال إيمانهم آمنوا والية تحمل التسلية والعزاء له‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 4‬شياطين النس والجن بدل من قوله عدوّا ويصح أن يكون نعتا أيضا‪.‬‬
‫‪ 5‬يوحي بمعنى يلقى إليه الباطل المزين بطريق الوسواس فيفهم عنه إذ اليحاء العلم السريع‬
‫الخفي وشاهده من السنة قوله صلى ال عليه وسلم "ما منكم من أحد إلّ قد وكل به قرينه من‬
‫الجن‪ ،‬قيل ول أنت يا رسول ال قال ول أنا إلّ أن ال أعانني عليه فأسلم"‪.‬‬
‫‪ 6‬روي عن مالك بن دينار أنه قال‪ :‬شياطين النس أشد من شياطين الجن‪ ،‬وذلك أني إذا تعوذت‬
‫بال ذهب عني شيطان الجن وشيطان النس يجيئني فيجرني إلى المعاصي عيانا‪ .‬ويشهد لهذا ما‬
‫روي عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه سمع امرأة تنشد‪:‬‬
‫إن النساء رياحين خلقن لكم ‪ ...‬وكلكم يشتهي شم الرياحين‬
‫فأجابها عمر رضي ال عنه قائلً‪:‬‬
‫إن النساء شياطين خلقن لنا ‪...‬‬
‫نعوذ بال من شر الشياطين‬

‫( ‪)2/106‬‬

‫للغرور أي ليغتر به المشركون‪{ ،‬ولتصغى إليه } أي تميل {أفئدة الذين ل يؤمنون بالخرة} وهم‬
‫المشركون العادلون بريهم {وليرضوه} ويقتنعوا به لنه مموه لهم مزين‪ ،‬ونتيجة لذلك التغرير‬
‫والميل إليه وهو باطل والرضا به والقناع بفائدته فهم يقترفون من أنواع الكفر وضروب الشرك‬
‫والمعاصي والجرام ما يقترفون!‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ما شاء ال كان وما لم يشأ لم يكن أبدا‪ ،‬وبهذا تقررت ربوبيته وألوهيته للولين والخرين‪.‬‬
‫‪ -2‬تسلية الرسول صلى ال عليه وسلم وكل داع إلى ال تعالى بإعلمه أنه ما من نبي ول داع‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إل وله أعداء من الجن والنس يحاربونه حتى ينصره ال عليهم‪.‬‬
‫‪ -3‬التحذير من التمويه والتغرير فإن أمضى سلح للشياطين هو التزيين والتغرير‪.‬‬
‫‪ -4‬القلوب الفارغة من اليمان بال ووعده وعيده في الدار الخرة أكثر القلوب ميلً إلى الباطل‬
‫والشر والفساد‪.‬‬
‫ح َكمًا وَ ُهوَ الّذِي أَنَ َزلَ إِلَ ْيكُمُ ا ْلكِتَابَ ُم َفصّلً وَالّذِينَ آتَيْنَا ُهمُ ا ْلكِتَابَ َيعَْلمُونَ أَنّهُ‬
‫َأ َفغَيْرَ اللّهِ أَبْ َتغِي َ‬
‫ل لّ مُبَ ّدلِ‬
‫ك صِ ْدقًا وَعَ ْد ً‬
‫مُنَ ّزلٌ مّن رّ ّبكَ بِا ْلحَقّ فَلَ َتكُونَنّ مِنَ ا ْل ُممْتَرِينَ(‪ )114‬وَ َتمّتْ كَِل َمتُ رَ ّب َ‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ(‪ )115‬وَإِن ُتطِعْ َأكْثَرَ مَن فِي الَ ْرضِ ُيضِلّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتّ ِبعُونَ‬
‫ِلكَِلمَاتِ ِه وَ ُهوَ ال ّ‬
‫ضلّ عَن سَبِيلِ ِه وَ ُهوَ أَعْلَمُ بِا ْل ُمهْتَدِينَ(‬
‫ن وَإِنْ هُمْ ِإلّ يَخْ ُرصُونَ(‪ )116‬إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ أَعْلَمُ مَن َي ِ‬
‫ِإلّ الظّ ّ‬
‫‪)117‬‬

‫( ‪)2/107‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫أبتغي ‪ :‬أطلب‪.‬‬
‫حكما‪ :‬الحكم الحاكم ومن يتحاكم إليه الناس‪.‬‬
‫أنزل إليكم الكتاب‪ :‬أي أنزله لجلكم لتهتدوا به فت ْكمُلُوا عليه وتسعدوا‪.‬‬
‫مفصلً ‪ :‬مبينا ل خفاء فيه ول غموض‪.‬‬
‫والذين آتيناهم الكتاب‪ :‬أي علماء اليهود والنصارى‪.‬‬
‫الممترين ‪ :‬الشاكين‪ ،‬إذ المتراء الشك‪.‬‬
‫صدقا وعدلً‪ :‬صدقا في الخبار فكل ما أخبر به القرآن هو صدق‪ ،‬وعدلً في الحكام فليس في‬
‫القرآن حكم جور وظلم أبدا بل كل أحكامه عادلة‪.‬‬
‫ل مبدل لكلماته‪ :‬أي ل مغير لها ل بالزيادة والنقصان‪ ،‬ول بالتقديم والتأخير‪.‬‬
‫السميع العليم ‪ :‬السميع لقوال العباد العليم بأعمالهم ونياتهم وسيجزيهم بذلك‪.‬‬
‫سبيل ال‪ :‬السلم إذ هو المفضي بالمسلم إلى رضوان ال تعالى والكرامة في جواره‪.‬‬
‫يخرصون ‪ :‬يكذبون الكذب الناتج عن الحزر والتخمين‪.‬‬
‫من يضل ‪ :‬بمن يضل‪.‬‬
‫بالمهتدين‪ :‬في سيرهم إلى رضوان ال باتباع السلم الذي هو سبيل ال‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق مع العادلين بربهم الصنام والوثان لقد كان المراد في طلبهم الية الحكم بها على‬
‫صحة دعوة النبي صلى ال عليه وسلم أنه نبي ال وأن القران كلم ال وأنه ل إله إل ال‪ ،‬ولم‬
‫يكن هذا منهم إل من قبيل ما توسوس به الشياطين لهم وتزينه لهم تغريرا بهم وليواصلوا ذنوبهم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فل يؤمنون ول يتوبون‪ ،‬ومن هنا أنزل تعال قوله‪{ :‬أفغير ال أبتغي ‪ 1‬حكما}‪ .‬وهو تعليم لرسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم أن يقوله للمشركين أأميل إلى باطلكم وأقتنع به فغير ال أطلب حكما بيني‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أفغير منصوب بأبتغي أي آبتغى غير ال؟ وكلما منصوب على الحال أو التمييز المبين لمبهم‬
‫البتغاء‪.‬‬

‫( ‪)2/108‬‬

‫وبينكم في دعواكم أني غير رسول وأن ما جئت به ليس وحيا من ال؟ ينكر صلى ال عليه وسلم‬
‫تحكيم غير ربه تعالى وعلى ماذا يكون الحكم وال هو الذي أنزل إليهم الكتاب مفصلً فأي آية‬
‫تغلب القرآن وهو آلف اليات هذا أولً وثانيا هل الكتاب من قبلهم وهم علماء اليهود والنصارى‬
‫مقرون ومعترفون بأن ما ينفيه المشركون هو حق ل مرية فيه إذا فامض أيها الرسول في طريق‬
‫دعوتك‪:‬ل تكونن لسن الممترين فإنك عما قريب تظهر على المشركين‪ ،‬لقد تمت كلمة ‪ 1‬ربك أي‬
‫في هذا القرآن الذي أوحي إليك صدقا في كل ما تحمله من أخبار ومن ذلك نصرك وهزيمة‬
‫أعدائك‪ ،‬وعدلً في أحكامها التي تحملها‪ ،‬ول يستطيع أحد تبديلها بتغيير ‪ 2‬لها بإخلف وع ٍد ول‬
‫بإبطال حكم‪ ،‬وربك هو السميع لقوال عباده العليم بمقاصدهم وأفعالهم فما أقدره وأضعفهم فلذا لن‬
‫يكون إل مراده ويبطل جميع إراداتهم‪ .‬واعلم يا رسولنا أنك {إن تطع أكثر من في الرض‬
‫يضلوك عن سبيل ال} أي لو أنك تسمع لهم وتأخذ بآرائهم وتستجيب لقتراحاتهم لضلوك قطعا‬
‫عن سبيل ال‪ ،‬والعلة أن أكثرهم ل بصيرة له ول علم حق لديه وكل ما يقولونه هو هوى نفس‪،‬‬
‫وَوسواس شيطان‪ .‬إنهم ما يتبعون إل أقوال الظن وما هم فيما يقولون إل خارصون ‪ 3‬كاذبون‪.‬‬
‫وحسبك علم ربك بهم فإنه تعالى هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين‪:‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة وبطلن التحاكم إلى غير الوحي اللهي‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير صحة الدعوة السلمية بأمرين الول‪ :‬القرآن الكريم‪ ،‬الثاني‪ :‬شهادة أهل الكتاب ممن‬
‫أسلموا كعبد ال بن سلم القرظي وأصحمة النجاشي وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -3‬ميزة القرآن الكريم‪ :‬أن أخباره كلها صدق وأحكامه كلها عدل‪.‬‬
‫‪ -4‬وعود ال تعالى ل تتخلف أبدا‪ ،‬ول تتبدل بتقديم ول تأخير‪.‬‬
‫‪ -5‬اتباع أكثر الناس يؤدي إلى الضلل فلذا ل يتبع إل أهل العلم الراسخون فيه لقوله‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرأ أهل الكوفة كلمة بالفراد وقرأها الباقون بالجمع كلمات قال ابن عباس رضي ال عنه في‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كلمات ربك هي مواعيده تعالى‪.‬‬
‫‪ 2‬كما ل يستطيع أحد تبديل كلماتها وحروفها في القرآن الكريم كما بدلت التوراة والنجيل‬
‫بتحريف الكلمات وتغييرها‪.‬‬
‫‪ 3‬من هذا قيل لمن يقدر كمية التمر في النخل خراص لنه يقول بدون علم بقيني‪ -‬وإنما بالحدس‬
‫والتخمين وأجازه الشارع للضرورة إليه‪.‬‬

‫( ‪)2/109‬‬

‫تعالى ‪ { :‬ول تتبعان سبيل الذين ل يعلمون}‪.‬‬


‫سمُ اللّهِ‬
‫علَيْهِ إِن كُن ُتمْ بِآيَاتِهِ ُم ْؤمِنِينَ(‪َ )118‬ومَا َلكُمْ َألّ تَ ْأكُلُواْ ِممّا ُذكِرَ ا ْ‬
‫سمُ اللّهِ َ‬
‫َفكُلُواْ ِممّا ُذكِرَ ا ْ‬
‫صلَ َلكُم مّا حَرّمَ عَلَ ْيكُمْ ِإلّ مَا اضْطُرِرْ ُتمْ إِلَيْ ِه وَإِنّ كَثِيرًا لّ ُيضِلّونَ بِأَ ْهوَا ِئهِم ِبغَيْرِ عِلْمٍ إِنّ‬
‫عَلَيْ ِه َوقَدْ َف ّ‬
‫ن الِثْمَ سَيُجْ َزوْنَ ِبمَا‬
‫رَ ّبكَ ُهوَ أَعْلَمُ بِا ْل ُمعْتَدِينَ(‪ )119‬وَذَرُواْ ظَاهِ َر الِثْ ِم وَبَاطِنَهُ إِنّ الّذِينَ َيكْسِبُو َ‬
‫ق وَإِنّ الشّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى‬
‫سمُ الّلهِ عَلَيْ ِه وَإِنّهُ َلفِسْ ٌ‬
‫كَانُواْ َيقْتَ ِرفُونَ(‪َ )120‬ولَ تَ ْأكُلُواْ ِممّا لَمْ يُ ْذكَرِ ا ْ‬
‫طعْ ُتمُو ُهمْ إِ ّنكُمْ َل ُمشْ ِركُونَ(‪)121‬‬
‫َأوْلِيَآ ِئهِمْ لِ ُيجَادِلُوكُ ْم وَإِنْ َأ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫مما ذكر اسم ال عليه ‪ :‬أي قيل عند ذبحه أو نحره بسم ال وال أكبر‪.‬‬
‫فصل لكم ما حرم عليكم‪ :‬أي بين لكم ما حرم عليكم مما أحل لكم وذلك في سورة النحل‪.‬‬
‫إل ما اضطررتم إليه ‪ :‬أي ألجأتكم الضرورة وهي خوف الضرر من الجوع‪.‬‬
‫المعتدين‪ :‬المتجاوزين الحلل إلى الحرام‪ ،‬والحق إلى الباطل‪.‬‬
‫ذروا ظاهر الثم‪ :‬اتركوا‪ :‬الثم الظاهر والباطن وهو كل ضار فاسد قبيح ‪.‬‬
‫يقترفون ‪ :‬يكسبون الثام والذنوب‪.‬‬
‫وإنه لفسق‪ :‬أي الكل مما لم يذكر اسم ال عليه‪ .‬فسق عن طاعة ال تعالى‪.‬‬
‫إلى أوليائهم ليجادلوكم‪ :‬أي من النس ليخاصموكم في ترك الكل من الميتة‪.‬‬
‫لمشركون‪ :‬حيث أحلوا لكم ما حرم عليكم فاعتقدتم حله فكنتم‬

‫( ‪)2/110‬‬

‫بذلك عابديهم وعبادة غير ال تعالى شرك‪.‬‬


‫معنى اليات‪:‬‬
‫مما أوحى به شياطين الجن إلى إخوانهم من شياطين النس أن قالوا للرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫والمؤمنين‪ :‬كيف تأكلون ما تقتلونه أنتم وتمتنعون عن أكل ما يقتله ال؟ فأنزل ال تعالى قوله‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{فكلوا مما ذكر اسم ال عليه إن كنتم بآياته مؤمنين ‪ .}1‬فأمر المؤمنين بعدم الستجابة لما يقوله‬
‫المشركون‪ ،‬وقال {وما لكم ‪ 2‬أل تأكلوا مما ذكر اسم ال عليه} أي‪ :‬أي شيء يمنعكم من الكل مما‬
‫ذكر اسم ال عليه؟ {وقد فصل ‪ 3‬لكم} أي بين لكم غاية التبيين {ما حرم عليكم} من المطاعم {إل‬
‫ما اضطررتم إليه} أي ألجأتكم الضرورة إليه كمن خاف على نفسه الهلك من شدة الجوع فإنه‬
‫يأكل مما حرم في حال الختيار‪ .‬ثم أعلمهم أن كثيرا من الناس يضلون غيرهم بأهوائهم ‪ 4‬بغير‬
‫علم فيحلون ويحرمون بدون علم وهم في ذلك ظلمة معتدون لن التحريم والتحليل من حق الرب‬
‫تعالى ل من حق أي أحد من الناس وتوعدهم بما دل عليه قوله‪{ :‬إن ربك هو أعلم بالمعتدين}‬
‫ولزمه أنه سيجازيهم باعتدائهم وظلمهم بما يستحقون من العذاب على اعتدائهم على حق ال‬
‫تعالى في التشريع بالتحليل والتحريم‪ .‬وقوله تعالى في الية الثالثة‪{ )120( :‬وذروا ظاهر الثم‬
‫وباطنه} يأمر تعالى عباده بترك ظاهر الثم كالزنى العلني وسائر المعاصي‪ ،‬وباطن الثم كالزنى‬
‫السري وسائر الذنوب الخفية وهو شامل لعمال القلوب وهي باطنة وأعمال الجوارح وهي‬
‫ظاهرة‪ ،‬لن الثم كل ضار فاسد قبيح كالشرك‪ ،‬والزنى وغيرهما من سائر المحرمات‪.‬‬
‫ثم توعد الذين ل يمتثلون أمره تعالى بترك ظاهر الثم وباطنه بقوله‪{ .‬إن الذين يكسبون الثم‬
‫سيجزون بما كانوا يقترفون} أي سيجزيهم يوم القيامة بما اكتسبه من الذنوب والثام ول ينجو إل‬
‫من تاب منهم وصحت توبته وفي الية الخيرة في هذا السياق (‪ )121‬يقول تعالى ناهيا عباده عن‬
‫الكل مما لم يذكر اسم ال تعالى عليه من ذبائح المشركين‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذه الية نص في مشروعية التسمية عند الذبح وعند الكل والشرب‪.‬‬
‫‪ 2‬أي ما المانع لكم من أكل ما سميتم عليه ربكم وإن قتلتموه بأيديكم؟‬
‫‪ 3‬بين تعالى ذلك في آخر سورة النحل المكية وأمّا البيان التام فهو في سورة المائدة المتأخرة في‬
‫النزول عن النحل والنعام معا‪.‬‬
‫‪ 4‬إذ قال المشركون للرسول والمؤمنين ما ذبح ال بسكينه خير مما ذبحتم أنتم بسكاكينكم‪.‬‬

‫( ‪)2/111‬‬

‫والمجوس فقال‪{ :‬ول تأكلوا ‪ 1‬مما لم يذكر اسم ال عليه ‪ }2‬وأخبر أن الكل مما لم يذكر اسم ال‬
‫تعالى عليه وهو ذبائح المشركين والمجوس فسق خروج عن طاعة الرب تعالى وهو مقتضي‬
‫للكفر لما فيه من الرضا بذكر اسم اللهة التي تعبد من دون ال تعالى‪ ،‬ثم أخبرهم تعالى بأن‬
‫الشياطين وهم المردة من الجن يوحون إلى الخباث من النس من أوليائهم الذين استجابوا لهم في‬
‫عبادة الوثان يوحون إليهم بمثل قولهم‪ :‬كيف تحرمون ما قتل ال وتحلون ما قتلتم أنتم؟ ليجادلوكم‬
‫بذلك‪ ،‬ويحذر تعالى المؤمنين من طاعتهم وقبول وسواسهم فيقول {وإن أطعتموهم} فأكلتم ذبائحهم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أو تركتم أكل ما ذبحتم أنتم وقد ذكرتم عليه اسم ال‪{ ،‬إنكم لمشركون ‪ }3‬لنكم استجبتم لما تأمر به‬
‫الشياطين تاركين ما يأمر به رب العالمين‪.‬‬
‫هداية اليات‪.‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫حلّ أكل من ذبائح المسلمين‪.‬‬
‫‪ِ -1‬‬
‫‪ -2‬وجوب ذكر اسم ال على بهيمة النعام عند تذكيتها ‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة إتباع الهواء ووجوب إتباع العلماء‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب ترك الثم ظاهرا كان أو باطنا وسواء كان من أعمال القلوب أو أعمال الجوارح‪.‬‬
‫‪ -5‬حرمة الكل من ذبائح المشركين والمجوس والملحدة البلشفة الشيوعيين‪.‬‬
‫‪ -6‬اعتقاد حل طاعة الشياطين شرك والعياذ بال تعالى‪.‬‬
‫جعَلْنَا َلهُ نُورًا َيمْشِي بِهِ فِي النّاسِ َكمَن مّثَُلهُ فِي الظُّلمَاتِ لَيْسَ ِبخَارِجٍ‬
‫َأوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَا ُه وَ َ‬
‫مّ ْنهَا كَذَِلكَ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى النسائي عن ابن عباس رضي ال عنهما في قوله تعالى {ول تأكلوا مما لم يذكر اسم ال‬
‫عليه} قال‪ :‬خاصمهم المشركون فقالوا‪ :‬ما ذبح ال فل تأكلوه‪ ،‬وما ذبحتم أنتم أكلتموه فقال ال‬
‫سبحانه {ول تأكلوا مما لم يذكر اسم ال عليه}‪.‬‬
‫‪ 2‬إن هذا اللفظ الوارد على سبب معين ل يمنع العموم إذ القاعدة الصولية أن العبرة بعموم اللفظ‬
‫ل بخصوص السبب ومن هنا تعين معرفة ما يلي‪ :‬أولً‪ :‬وجوب التسمية عند الذبح والنحر‪ .‬ثانيا‪:‬‬
‫إن ترك المسلم التسمية سهوا أكلت ذبيحته‪ ،‬ثالثا‪ :‬إن تركها عمدا لم تؤكل ذبيحته‪ ،‬رابعا‪ :‬قال‬
‫بعض الفقهاء ترك المسلم التسمية عمدا ل يحرم ذبيحته إل أن يكون تركها مستخفا بها‪.‬‬
‫‪ 3‬الية دليل على أن من استحل شيئا مما حرم ال تعالى صار به مشركا وقد حرّم ال سبحانه‬
‫الميتة نصا فإذا قبل تحليلها من غيره فقد أشرك‪ .‬وقال ابن العربي إنما يكون المؤمن بطاعة‬
‫المشرك مشركا إذا أطاعه في العتقاد‪ .‬أما إن أطاعه في الفعل وعقيدته سليمة مستمر على‬
‫التوحيد والتصديق فهو عاص غير كافر‪.‬‬

‫( ‪)2/112‬‬

‫جعَلْنَا فِي ُكلّ قَرْيَةٍ َأكَابِرَ ُمجَ ِرمِيهَا لِ َي ْمكُرُواْ فِيهَا َومَا‬
‫زُيّنَ لِ ْلكَافِرِينَ مَا كَانُواْ َي ْعمَلُونَ(‪َ )122‬وكَذَِلكَ َ‬
‫شعُرُونَ(‪ )123‬وَإِذَا جَاء ْتهُمْ آ َيةٌ قَالُواْ لَن ّن ْؤمِنَ حَتّى ُنؤْتَى مِ ْثلَ مَا أُو ِتيَ‬
‫سهِ ْم َومَا يَ ْ‬
‫َي ْمكُرُونَ ِإلّ بِأَنفُ ِ‬
‫صغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ ِبمَا‬
‫ج َعلُ رِسَالَتَهُ سَ ُيصِيبُ الّذِينَ َأجْ َرمُواْ َ‬
‫علَمُ حَ ْيثُ َي ْ‬
‫سلُ اللّهِ اللّهُ أَ ْ‬
‫رُ ُ‬
‫كَانُواْ َي ْمكُرُونَ(‪)124‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ميتا‪ :‬الميت فاقد الروح‪ ،‬والمراد روح اليمان‪.‬‬
‫أحييناه ‪ :‬جعلناه حيا بروح اليمان‪.‬‬
‫مثله‪ :‬صفته ونعته امرؤ في الظلمات ليس بخارج منها‪.‬‬
‫قرية ‪ :‬مدينة كبيرة‪.‬‬
‫ليمكروا فيها‪ :‬بفعل المنكرات والدعوة إلى ارتكابها بأسلوب الخديعة والحتيال‪.‬‬
‫وما يمكرون إل بأنفسهم ‪ :‬لن عاقبة المكر تعود على الماكر نفسه لية {ول يحيق المكر السيئ‬
‫إل بأهله}‪.‬‬
‫وإذا جاءتهم آية ‪ :‬أي من القرآن الكريم تدعوهم إلى الحق‪.‬‬
‫صغار‪ :‬الصغار‪ :‬الذل والهران‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫مازال السياق الكريم في حرب العادلين بربهم الصنام الذين يزين لهم الشيطان تحريم ما أحل ال‬
‫وتحليل ما حرم فقال تعالى‪{ :‬أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس} أي‬
‫أطاعة هذا العبد الذي كان ميتا بالشرك والكفر فأحييناه باليمان والتوحيد وهو عمر بن الخطاب‬
‫أو عمار بن ياسر كطاعة من مثله رجل في الظلمات ظلمات الشرك‬

‫( ‪)2/113‬‬

‫والكفر والمعاصي ليس بخارج من تلك الظلمات وهو أبو جهل ‪ 1‬والجواب ل‪ ،‬إذا كيف أطاع‬
‫المشركون أبا جهل وعصوا عمر رضي ال عنه والجواب‪ :‬أن الكافرين لظلمة نفوسهم وإتباع‬
‫أهوائهم ل عقول لهم زُين لهم عملهم الباطل حسب سنة ال تعالى في أن من أحب شيئا وغالى في‬
‫حبه على غير هدى ول بصيرة يصبح في نظره زيّنا وهو شيْن وحسنا وهو قبيح‪ ،‬فلذا قال تعالى‪:‬‬
‫{وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ‪ 2‬ليمكروا فيها} فيهلكوا أيضا‪ .‬وقوله‪{ :‬وما يمكرون‬
‫إل بأنفسهم وما يشعرون} هو كما قال‪ :‬قوله الحق وله الملك‪ ،‬فالماكر من أكابر المجرمين حيث‬
‫أفسدوا عقائد الناس وأخلقهم وصرفوهم عن الهدى بزخرف القول والحتيال والخداع‪ ،‬هم في‬
‫الواقع يمكرون بأنفسهم إذ سوف تحل بهم العقوبة في الدنيا وفي الخرة‪ ،‬إذ ل يحيق المكر السيئ‬
‫إل بأهله ولكنهم ل يشعرون أي ل يدرون ‪ 3‬ول يعلمون أنهم يمكرون بأنفسهم‪ ،‬وقوله تعالى في‬
‫الية الثالثة (‪{ )124‬وإذا جاءتهم ‪ 4‬آية‪ }..‬أي حجة عقلية مما تحمله آيات القرآن تدعوهم إلى‬
‫تصديق الرسول واليمان بما جاء به ويدعو إليه من التوحيد بدل أن يؤمنوا {قالوا لن نؤمن حتى‬
‫نؤتى ‪ 5‬مثل ما أوتي رسل ال } أي من المعجزات كعصا موسى وطير عيسى الذي نفخ فيه فكان‬
‫طائرا بإذن ال فرد ال تعالى عليهم هذا العلو والتكبر قائلً‪{ :‬ال أعلم حيث يجعل رسالته} فإنه‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يجعلها في القلوب المشرقة والنفوس الزكية‪ ،‬ل في القلوب المظلمة والنفوس الخبيثة‪ ،‬وقوله تعالى‬
‫{سيصيب الذين أجرموا} على أنفسهم بالشرك والمعاصي وعلى غيرهم حيث أفسدوا قلوبهم‬
‫وعقولهم‪{ ،‬صغار ‪ :}6‬أي ذل وهوان {عند ال} يوم يلقونه {وعذاب شديد} قاس ل يطاق {بما كانوا‬
‫يمكرون}‪ :‬أي بالناس بتضليلهم وإفساد قلوبهم وعقولهم بالشرك والمعاصي التي كانوا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الية عامة في كل كافر ومؤمن والموت قد يطلق أيضا على الجهل‪ .‬فالجاهل ميت وحياته‬
‫بالعلم كما قال الشاعر‪:‬‬
‫وفي الجهل قبل الموت موت لهله ‪ ...‬فأجسامهم قبل القبور قبور‬
‫وإن امرؤا لم يحيى بالعلم ميت ‪ ...‬فليس له حتى النشور نشور‬
‫‪ 2‬في الية تقديم وتأخير‪ .‬الصل جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها والكابر جمع أكبر وهم‬
‫الرؤساء والعظماء وخصوا بالذكر لنهم أقدر على الفساد والفساد من عامة الناس‪.‬‬
‫‪ 3‬وذلك لفرط جهلهم ل يعلمون أن وبال مكرهم عائد عليهم‪.‬‬
‫‪ 4‬في الية شيء من بيان جهلهم وعملهم‪.‬‬
‫‪ 5‬هذه مقالة بعضهم قال الوليد بن المغيرة لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬لو كانت النبوة حقا‬
‫لكنت أولى بها منك لني أكبر سنا وأكثر منك مالً‪ .‬وقال أبو جهل‪ :‬وال ل نرضى به أبدا ول‬
‫نتبعه إلّ أن يأتينا وحي كما يأتيه‪.‬‬
‫‪ 6‬الصغار من الصغر ضد الكبر كأن الذل يُصغر إلى المرء نفسَه والفعل صغر يصغر من باب‬
‫نَصر‪ ،‬وصغِر يصغر من باب علم يعلم‪ .‬والمصدر الصغر بفتح الصاد والغين معا والصغار‬
‫السم واسم الفاعل صاغر وهو الراضي بالضيم‪.‬‬

‫( ‪)2/114‬‬

‫يجرئونهم عليها ويغرونهم بها‪.‬‬


‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬اليمان حياة‪ ،‬والكفر موت‪ ،‬المؤمن يعيش في نور والكافر في ظلمات‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان سنة ال تعالى في تزيين العمال القبيحة‪.‬‬
‫‪ -3‬قل ما تخلو مدينة من مجرمين يمكرون فيها‪.‬‬
‫‪ -4‬عاقبة المكر عائدة على الماكر نفسه‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان تعنت المشركين في مكة على عهد نزول القرآن‪.‬‬
‫‪ -6‬الرسالة توهب ل تكتسب‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -7‬بيان عقوبة أهل الجرام في الرض‬
‫ج َعلْ صَدْ َر ُه ضَ ّيقًا حَرَجًا كَأَ ّنمَا‬
‫صدْ َرهُ لِلِسْلَمِ َومَن يُ ِردْ أَن ُيضِلّهُ َي ْ‬
‫ح َ‬
‫َفمَن يُرِدِ الّلهُ أَن َيهْدِ َيهُ يَشْرَ ْ‬
‫ن لَ ُي ْؤمِنُونَ(‪ )125‬وَهَذَا صِرَاطُ رَ ّبكَ مُسْ َتقِيمًا‬
‫ج َعلُ اللّهُ الرّجْسَ عَلَى الّذِي َ‬
‫سمَاء َكذَِلكَ يَ ْ‬
‫صعّدُ فِي ال ّ‬
‫َي ّ‬
‫لمِ عِندَ رَ ّبهِ ْم وَ ُه َو وَلِ ّيهُمْ ِبمَا كَانُواْ َي ْعمَلُونَ(‪)127‬‬
‫قَدْ َفصّلْنَا اليَاتِ ِلقَوْمٍ َي ّذكّرُونَ(‪َ )126‬لهُمْ دَارُ السّ َ‬
‫ن الِنسِ رَبّنَا اسْ َتمْ َتعَ‬
‫س َوقَالَ َأوْلِيَآؤُهُم مّ َ‬
‫ن الِن ِ‬
‫جمِيعًا يَا َمعْشَرَ ا ْلجِنّ قَدِ اسْ َتكْثَرْتُم مّ َ‬
‫وَ َيوْمَ يِحْشُ ُرهُمْ َ‬
‫ض وَبََلغْنَا َأجَلَنَا الّ ِذيَ َأجّ ْلتَ لَنَا قَالَ النّارُ مَ ْثوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا ِإلّ مَا شَاء الّلهُ إِنّ رَ ّبكَ‬
‫َب ْعضُنَا بِ َب ْع ٍ‬
‫حكِيمٌ عَليمٌ(‪)128‬‬
‫َ‬

‫( ‪)2/115‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫شرح صدره‪ :‬شرح الصدر توسعته لقبول الحق وتحمل الوارد عليه من أنوار اليمان وعلمة‬
‫ذلك‪ :‬النابة إلى دار الخلود‪ ،‬والتجافي عن دار الغرور والستعداد للموت قبل نزوله‪.‬‬
‫حرجا‪ :‬ضيقا ل يتسع لقبول الحق‪ ،‬ول لنور اليمان‪.‬‬
‫كأنما يصعد ‪ :‬يصعب عليه قبول اليمان حتى كأنه يتكلف الصعود إلى السماء‪.‬‬
‫الرجس‪ :‬النجس وما ل خير فيه كالشيطان‪.‬‬
‫فصلنا اليات‪ :‬بيناها وأوضحناها غاية البيان والتوضيح‪.‬‬
‫يذكرون‪ :‬يذكرون فيتعظون‪.‬‬
‫دار السلم ‪ :‬الجنة‪ ،‬والسلم اسم من أسماء ال تعالى فهي مضافة إلى ال تعالى‪.‬‬
‫استكثرتم‪ :‬أي من إضلل النس وإغوائهم‪.‬‬
‫استمتع بعضنا ببعض‪ :‬انتفع كل منّا بصاحبه أي تبادلنا المنافع بيننا حتى الموت‪.‬‬
‫أجلنا الذي أجلت لنا ‪ :‬أي الوقت الذي وقت لنا وهو أجل موتنا فمتنا‪.‬‬
‫مثواكم‪ :‬مأواكم ومقر بقائكم وإقامتكم‪.‬‬
‫حكيم عليم‪ :‬حكيم في وضع كل شيء في موضعه فل يخلد أهل اليمان في النار‪ ،‬ول يخرج أهل‬
‫الكفر منها‪ ،‬عليم بأهل اليمان وأهل الكفران‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بعد ذلك البيان والتفصيل لطريق الهداية في اليات من أول السورة إلى قوله تعالى حكاية عن‬
‫المدعوين إلى الحق العادلين به الصنام إذ قالوا‪{ :‬لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل ال}‪.‬‬
‫أعلم تعالى عباده أن الهداية بيده وأن الضلل كذلك يهدي من يشاء برحمته ويضل من يشاء‬
‫بعدله‪ ،‬وأن لكل من الهداية والضلل سننا تتبع في ذلك فمن طلب الهداية ورغب‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/116‬‬

‫فيها صادقا علم تعالى ذلك منه وسهل له طرقها وهيأ له أسبابها‪ ،‬ومن ذلك أنه يشرح ‪ 1‬صدره‬
‫لقبول اليمان وأنواره فيؤمن ويسلم ويحسن فيكمل ويسعد‪ ،‬ومن طلب الغواية ورغب فيها صادقا‬
‫علم ال تعالى ذلك منه فهيأ له أسبابها وفتح له بابها فجعل صدره ضيقا‪ 2‬حرجا ل يتسع لقبول‬
‫اليمان وحلول أنواره فيه حتى لكأنه يتكلف الصعود إلى السماء وما هو بقادر هذه سنته في‬
‫الهداية والضلل‪ ،‬وقوله تعالى {كذلك يجعل ال الرجس على الذين ل يؤمنون} أي كذلك الفعل‬
‫في الهداية والضلل يجعل ال الرجس ‪ 3‬أي يلقي بكل ما ل خير فيه على قلوبهم من الكبر‬
‫والحسد والشرك والكفر والشيطان لقبول المحل لكل ذلك نتيجة خلوه من اليمان بال ولقائه‪.‬‬
‫وقوله تعالى {وهذا صراط ربك مستقيما} يقول تعالى لرسوله محمد صلى ال عليه وسلم مشيرا‬
‫إلى ما بينه من الهدى وهذا طريق ربك مستقيما فاسلكه والزمه فإنه يفضي بك إلى كرامة ربك‬
‫وجواره في جنات النعيم‪ .‬وقوله‪{ :‬قد فصلنا اليات لقوم يذكرون} يمتن تعالى وله الحمد والمنة‬
‫بما أنعم به على هذه المة من تفصيل اليات حججا وبراهين وشرائع ليهتدي طالبوا الهدى‬
‫المشار إليهم بقوله {لقوم يذكرون} فيذكرون فيؤمنون ويعملون فيكملون ويسعدون في دار السلم‬
‫إذ قال تعالى {لهم ‪ 4‬دار السلم عند ربهم وهو وليهم} أي متوليهم بالنصر والتأييد في الدنيا‬
‫والنعام والتكريم في الخرة {بما كانوا يعملون} من الصالحات‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه اليات الولى والثانية والثالثة أما الية الرابعة (‪ )128‬فقد تضمنت عرضا‬
‫سريعا ليوم القيامة الذي هو ظرف للجزاء على العمل في دار الدنيا فقال تعالى ‪{ :‬ويوم يحشرهم‬
‫جميعا}‪ 5‬إنسهم وجنهم ويقول سبحانه وتعالى {يا معشر الجن قد استكثرتم ‪ 6‬من النس} أي في‬
‫إغوائهم وإضللهم‪{ ،‬وقال أولياؤهم من النس} أي الذين كانوا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الشرح أصله التوسعة وشرح المر بيّنه وأوضحه ومنه تشريح اللحم والشريحة منه القطعة‪.‬‬
‫وشرح الصدر لقبول الحق توسعته لتقّبل ما يلقى إليه من الهدى وفي الحديث الصحيح "من يرد‬
‫ال به خيرا يفقهه في الدين"‪.‬‬
‫‪ 2‬الحرج والحرج بالفتح والكسر قراءتان وهو الضيق وكل ضيق حرج والحرجة الغيضة والجمع‬
‫حروج وحرجات وقال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬الحرج موضع الشجر الملتف فقلب الكافر‬
‫لضيقه ل تصل إليه المعرفة كما ل تصل الشاة إلى الشجر الملتف أو تدخل رأسها بين الشجر‬
‫فيصعب عليها إخراجه فتقع في حرج‪ ،‬والحرج الثم‪.‬‬
‫‪ 3‬أصل الرجس في اللغة النتن وقال مجاهد‪ :‬الرجس ما ل خير فيه فكما يجعل صدر الكافر ضيقا‬
‫ل يقبل الهدى يجعل عليه الرجس فيقبل كل خبيث نتن من القوال والعتقادات‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 4‬دار السلم الجنة والسلم هو ال فدار السلم كبيت ال وهناك معنى آخر وهو أنها دار السلمة‬
‫من كل أذى ومكروه وآفة‪.‬‬
‫‪ 5‬نُصب الظرف بفعل محذوف تقديره يقول يوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن الخ‪.‬‬
‫‪ 6‬حذف لفظ الستمتاع إيجازا لدللة السياق وحرف الجر عليه أي قد استكثرتم من الستمتاع من‬
‫النس‪.‬‬

‫( ‪)2/117‬‬

‫يوالونهم على الفساد والشر والشرك والكفر {ربنا} أي يا ربنا {استمتع بعضنا ببعض} أي كل منا‬
‫تمتع بخدمة الخر له وانتفع بها‪ ،‬يريدون أن الشياطين زينت لهم الشهوات وحسنت لهم القبائح‬
‫وأغرتهم بالمفاسد فهذا انتفاعهم منهم وأما الجن فقد انتفعوا من النس بطاعتهم والستجابة لهم‬
‫حيث خبثوا خبثهم وضلوا ضللهم‪ .‬وقولهم {وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا} أي واستمر ذلك منا إلى‬
‫أن انتهينا إلى أجلنا الذي أجلته لنا وهو نهاية الحياة الدنيا وها نحن بين يديك‪ ،‬كأنهم يعتذرون‬
‫بقولهم هذا فرد ال تبارك وتعالى عليهم بإصدار حكمه فيهم قائلً‪{ :‬النار مثواكم ‪ 1‬خالدين فيها إل‬
‫ما شاء ال} ومعنى مثواكم‪ :‬مقامكم الذي تقيمون فيه أبدا‪.‬‬
‫ومعنى قوله {إل ما شاء ال} هو استثناء ‪ 2‬لبيان إرادة ال المطلقة التي ل يقيدها شيء‪ ،‬إذ لو شاء‬
‫أن يخرجهم من النار لخرجهم أي ليس هو بعاجز عن ذلك‪ ،‬ومن الجائز أن يكون هذا الستثناء‬
‫المراد به من كان منهم من أهل التوحيد ودخل النار بالفسق والفجور وكبير الذنوب بإغواء‬
‫الشياطين له فإنه يخرج من النار بإيمانه‪ ،‬ويكون معنى (ما) (من) أي إل من شاء ال‪ .‬وال أعلم‬
‫بمراده‪ ،‬وقوله في ختام الية‪{ ،‬إن ربك حكيم عليم}‪ ،‬ومن مظاهر حكمنه وعلمه إدخال أهل الكفر‬
‫والمعاصي النار أجمعين النس والجن سواء‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات ‪.:‬‬
‫‪ -1‬بيان سنة ال تعالى في الهداية والضلل‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان صعوبة وشدة ما يعاني الكافر إذا عرض عليه اليمان‪.‬‬
‫‪ -3‬القلوب الكافرة يلقى فيها كل ما ل خير فيه من الشهوات والشبهات وتكون مقرا للشيطان‪.‬‬
‫‪ -4‬فضيلة الذكر المنتج للتذكر الذي هو التعاظ فالعمل‪.‬‬
‫‪ -5‬ثبوت التعاون بين أخباث النس والجن على الشر والفساد‪.‬‬
‫‪ -6‬إرادة ال مطلقة يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فل يؤثر فيها شيء‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المثوى المقام أي النار موضع مقامكم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 2‬ذكر المفسرون أقوالً كثيرة في هذا الستثناء وما ذكرته في التفسير أحسن ما يؤول به هذا‬
‫الستثناء اللهي في هذه الية وفي آية هود‪.‬‬

‫( ‪)2/118‬‬

‫سلٌ‬
‫ن وَالِنسِ أََلمْ يَأْ ِتكُمْ ُر ُ‬
‫َوكَذَِلكَ ُنوَلّي َب ْعضَ الظّاِلمِينَ َب ْعضًا ِبمَا كَانُواْ َيكْسِبُونَ(‪ )129‬يَا َمعْشَرَ الْجِ ّ‬
‫علَى أَنفُسِنَا وَغَرّ ْتهُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا‬
‫شهِدْنَا َ‬
‫مّنكُمْ َي ُقصّونَ عَلَ ْيكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُو َنكُمْ ِلقَاء َي ْو ِمكُمْ َهذَا قَالُواْ َ‬
‫سهِمْ أَ ّنهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ(‪ )130‬ذَِلكَ أَن لّمْ َيكُن رّ ّبكَ ُمهِْلكَ ا ْلقُرَى ِبظُلْ ٍم وَأَهُْلهَا‬
‫شهِدُواْ عَلَى أَنفُ ِ‬
‫وَ َ‬
‫عمّا َي ْعمَلُونَ(‪)132‬‬
‫عمِلُواْ َومَا رَ ّبكَ ِبغَا ِفلٍ َ‬
‫غَافِلُونَ(‪ )131‬وَِل ُكلّ دَرَجَاتٌ ّممّا َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫نولي بعض الظالمين بعضا ‪ :‬أي نجعل بعضهم أولياء بعض بجامع كسبهم الشر والفساد‪.‬‬
‫بما كانوا يكسبون ‪ :‬أي من الظلم والشر والفساد‪.‬‬
‫ألم يأتكم رسل منكم‪ :‬الستفهام للتوبيخ والرسل جمع رسول من أوحى ال تعالى إليه شرعه وأمره‬
‫بإبلغه للناس‪ ،‬هذا من النس أما من الجن فهم من يتلقون عن الرسل من النس ويبلغون ذلك‬
‫إخوانهم من الجن‪ ،‬ويقال لهم النّذُر‪.‬‬
‫يقصون عليكم آياتي ‪ :‬يخبرونكم بما فيها من الحجج متتبعين ذلك حتى ل يتركوا شيئا إل بلغوكم‬
‫إياه وعرفوكم به‪.‬‬
‫وينذرونكم لقاء يومكم ‪ :‬أي يخوفونكم بما في يومكم هذا وهو يوم القيامة من العذاب والشقاء‪.‬‬
‫وأهلها غافلون‪ :‬لم تبلغهم دعوة تعرفهم بربهم وطاعته‪ ،‬ومالهم عليها من جزاء‪..‬‬

‫( ‪)2/119‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى‪{ :‬وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون} إخبار منه تعالى بسنته في‬
‫أهل الظلم وهي أن يجعل بعضهم أولياء بعض بمعنى يتوله بالنصرة والمودة بسبب الكسب السيئ‬
‫الذي يكسبونه على نحو موالة شياطين النس للجن فالجامع بينهم الخبث والشر وهؤلء الجامع‬
‫بينهم الظلم والعدوان‪ ،‬ول مانع من حمل هذا اللفظ على تسليط الظالمين بعضهم على بعض على‬
‫حد‪ :‬ول ظالم إل سيبتلى بأظلم ‪ .1‬كما أنه تعالى سيوالي يوم القيامة إدخالهم النار فريقا بعد فريق‬
‫وكل هذا حق وصالح لدللة اللفظ عليه‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬يا معشر الجن والنس} إخبار منه تعالى بأنه يوم القيامة ينادي الجن والنس موبخا‬
‫لهم فيقول‪{ :‬ألم يأتكم رسل منكم ‪ 2‬يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا} أي ألم يأتكم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫رسل من جنسكم تفهمون عنهم ويفهمون عنكم {يقصون عليكم آياتي} أي يتلونها عليكم ويخبرونكم‬
‫بما تحمله آياتي من حجج وبراهين لتؤمنوا بي وتعبدوني وحدي دون سائر مخلوقاتي‪ ،‬وينذرونكم‬
‫أي يخوفونكم‪ ،‬لقاء يومكم هذا الذي أنتم الن فيه وهو يوم القيامة والعرض على ال تعالى‪ .‬وما‬
‫يتم فيه من جزاء على العمال خيرها وشرها وأن الكافرين هم أصحاب النار‪ .‬فأجابوا قائلين‪:‬‬
‫شهدنا على أنفسنا‪ -‬وقد سبق أن غرتهم ‪ 3‬الحياة الدنيا فواصلوا الكفر والفسق والظلم‪{ -‬وشهدوا‬
‫على أنفسهم ‪ 4‬أنهم كانوا كافرين}‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه اليتان الولى والثانية أما الثالثة (‪ )131‬فقد تضمنت الشارة إلى علة إرسال‬
‫الرسل إلى النس والجن إذ قال تعالى {ذلك ‪ 5‬أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم ‪6‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في هذا المعنى قول الشاعر‪:‬‬
‫وما من يد إل يد ال فوقها ‪ ...‬ول ظالم إلّ سيبلى بظالم‬
‫‪2‬قوله منكم فيه تغليب الثر على الجن في الخطاب كما يغلب المذكر على المؤنث إذ الرسل من‬
‫النس ل غير ومن الجن نذر ينذرونهم بما يتلقونه عن الرسل من النس كما قال تعالى {فلما‬
‫قُضي ولوّا إلى قومهم منذرين} وشاهد آخر في قوله تعالى {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} ‪،‬‬
‫المراد البحر الملح فقط وفي وصف الرسل بلفظ منكم زيادة في إقامة الحجة عليهم‪.‬‬
‫‪ 3‬غرتهم إذ عجلت لهم طيباتهم فيها فانفردوا بزخارفها وزينتها وطول العمر فيها‪.‬‬
‫‪ 4‬قال مقاتل هذا معنى شهدت عليهم الجوارح بالشرك‪.‬‬
‫‪ 5‬ذلك في موضع رفع أي المر ذلك وإن مخففة من الثقيلة أي المشددة واسمها ضمير الشأن‬
‫محذوف وذلك لن هذا الخبر له شأن يجدر أن يعرف والتقدير المر ذلك لنه‪ -‬أي الشأن‪ -‬لم‬
‫يكن ربك مهلك القرى بظلم الخ‪.‬‬
‫‪ 6‬الباء في بظلم سببية أي بسبب ظلمهم وجملة وأهلها غافلون حالية‪.‬‬

‫( ‪)2/120‬‬

‫وأهلها غافلون} أي ذلك الرسال كان لجل أنه تعالى لم يكن من شأنه ول مقتضى حكمته أنه‬
‫يهلك أهل القرى بظلم منه وما ربك بظلم للعبيد ول بظلم منهم وهو الشرك والمعاصي وأهلها‬
‫غافلون لم يؤمروا ولم ينهوا‪ ،‬ولم يعلموا بعاقبة الظلم وما يحل بأهله من عذاب‪.‬‬
‫وفي الية الخيرة (‪ )132‬أخبر تعالى أن لكل عامل ‪ 1‬من خير أو شر درجات من عمله إن كان‬
‫العمل صالحا فهي درجات في الجنة‪ ،‬وإن كان العمل سيئا فاسدا فهي دركات في النار‪ ،‬وهذا يتم‬
‫حسب علم ال تعالى بعمل كل عامل وهو ما دل عليه قوله‪{ ،‬وما ربك بغافل عما يعملون}‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان سنة ال تعالى في أن العمال هي سبب الموالة بين النس والجن فذو العمل الصالح‬
‫يوالي أهل الصلح‪ ،‬وذو العمل الفاسد يوالي أهل الفساد‪.‬‬
‫‪ -2‬التحذير من الغترار بالحياة الدنيا‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان العلة في إرسال الرسل وهي إقامة الحجة على الناس‪ ،‬وعدم إهلكهم قبل الرسال إليهم‪.‬‬
‫‪ -4‬العمال بحسبها يتم الجزاء فالصالحات تكسب الدرجات‪ ،‬والظلمات تكسب الدركات‪.‬‬
‫حمَةِ إِن يَشَأْ ُيذْهِ ْبكُ ْم وَيَسْ َتخِْلفْ مِن َبعْ ِدكُم مّا َيشَاء َكمَآ أَنشََأكُم مّن ذُرّيّةِ َقوْمٍ‬
‫وَرَ ّبكَ ا ْلغَنِيّ ذُو الرّ ْ‬
‫عمَلُواْ عَلَى َمكَانَ ِتكُمْ إِنّي‬
‫ت َومَا أَنتُم ِب ُمعْجِزِينَ(‪ُ )134‬قلْ يَا َقوْمِ ا ْ‬
‫آخَرِينَ(‪ )133‬إِنّ مَا تُوعَدُونَ ل ٍ‬
‫سوْفَ َتعَْلمُونَ‬
‫عَا ِملٌ َف َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لكل عامل أي من النس والجن‪.‬‬

‫( ‪)2/121‬‬

‫مَن َتكُونُ َلهُ عَاقِبَةُ الدّارِ إِنّ ُه لَ ُيفْلِحُ الظّاِلمُونَ(‪)135‬‬


‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الغني‪ :‬عن كل ما سواه‪ ،‬فغناه تعالى ذاتي ليس بمكتسب كغنى غيره‪.‬‬
‫ذو الرحمة ‪ :‬صاحب الرحمة العامة التي تشمل سائر مخلوقاته والخاصة بالمؤمنين من عباده‪.‬‬
‫ويستخلف ‪ :‬أي ينشىء خلقا آخر يخلفون الناس في الدنيا‪.‬‬
‫إن ما توعدون لت‪ :‬إن ما وعد ال تعالى به عباده من نعيم أو جحيم لت ل محالة‪.‬‬
‫على مكانتكم ‪ :‬أي على ما أنتم متمكنين منه من حال صالحة أو فاسدة‪.‬‬
‫عاقبة الدار‪ :‬أي الدار الدنيا وهي سعادة الخرة القائمة على اليمان والعمل الصالح‪.‬‬
‫إنه ل يفلح الظالمون‪ :‬أي ل يفوز الظالمون بالنجاة من النار ودخول الجنان لن ظلمهم يوبقهم في‬
‫الخر‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بعد تلك الدعوة إلى عبادة ال تعالى وتوحيده فيها وبيان جزاء من أقام بها‪ ،‬ومن ضيعها في الدار‬
‫الخرة‪.‬‬
‫خاطب الرب تبارك وتعالى رسوله قائلً‪{ :‬وربك الغني ‪ 1‬ذو الرحمة} أي ربك الذي أمر عباده‬
‫بطاعته ونهاهم عن معصيته هو الغني عنهم وليس في حاجة إليهم‪ ،‬بل هم الفقراء إليه المحتاجون‬
‫إلى فضله‪ ،‬ورحمته قد شملتهم أولهم وآخرهم ولم تضق عن أحد منهم‪ ،‬ليعلم أولئك العادلون‬
‫بربهم الصنام والوثان أنه تعالى قادر على إذهابهم بإهلكهم بالمرة‪ ،‬والتيان بقوم آخرين أطوع‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ل تعالى منهم‪ ،‬وأكثر استجابة له منهم‪{ :‬إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم‬
‫من ذرية قوم آخرين} وليعلموا أن ما يوعدونه من البعث والحساب والجزاء لت ل محالة وما‬
‫أنتم بمعجزين ال تعالى ول فائتينه بحال‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الغني هو الذي ل يحتاج إلى غيره وكل غنى من الخلق غناه إضافي غير حقيقي أما غنى ال‬
‫تعالى فهو حقيقي فقوله وربك الغني أي الغني المطلق الذي ل يشاركه فيه غيره ولذا كان في‬
‫الصيغة قصر الغنى الحق عليه تعالى‪.‬‬

‫( ‪)2/122‬‬

‫ولذا سوف يجزي كلً بعمله خيرا كان أو شرا وهو على ذلك قدير‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه اليتان الولى والثانية أما الية الثالثة (‪ )135‬فقد تضمنت أمر ال تعالى‬
‫للرسول أن يقول للمشركين من قومه وهم كفار قريش بمكة {اعملوا ‪ 1‬على مكانتكم} ما دمتم‬
‫مصرين على الكفر والشرك {إني عامل} على مكانتي فسوف ‪ 2‬تعلمون من تكون له عاقبة دار ‪3‬‬
‫الدنيا وهي الجنة دار السلم أنا أم أنتم مع العلم أن الظالمين ل يفلحون بالنجاة من النار ودخول‬
‫الجنان‪ ،‬ول شك أنكم أنتم الظالمون بكفركم بال تعالى وشرككم به‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير غنى ال تعالى المطلق عن سائر خلقه‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان قدرة ال تعالى على إذهاب الخلق كلهم والتيان بآخرين غيرهم‪.‬‬
‫‪ -3‬صدق وعد ال تعالى وعدم تخلفه‪.‬‬
‫‪ -4‬تهديد المشركين بالعذاب إن هم أصروا على الشرك والكفر والذي دل عليه قوله {اعملوا على‬
‫مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار} الدنيا {إنه ل يفلح الظالمون}‪.‬‬
‫ع ِمهِ ْم وَ َهذَا لِشُ َركَآئِنَا َفمَا كَانَ‬
‫جعَلُواْ لِلّهِ ِممّا ذَرَأَ مِنَ ا ْلحَ ْرثِ وَالَ ْنعَامِ َنصِيبًا َفقَالُواْ هَذَا ِللّهِ بِزَ ْ‬
‫وَ َ‬
‫صلُ إِلَى اللّهِ َومَا كَانَ لِّلهِ َف ُهوَ َيصِلُ إِلَى شُ َركَآ ِئهِمْ‬
‫لِشُ َركَآ ِئهِمْ فَلَ َي ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا المر للتهديد‪ ،‬والمكانة هي المكان كالدارة والدار والمراد بها الحال التي عليها النسان من‬
‫قوة أو ضعف أو خير أو شر أو إصلح أو إفساد‪.‬‬
‫‪ 2‬الجملة تحمل التهديد الشديد وهي تشير إلى أن الرسول صلى ال عليه وسلم واثق من نصره‬
‫وحسن عاقبته وهو كذلك إذ ال تعالى الذي بيده المر هو الذي أمره أن يعلن عن هذا التهديد‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 3‬العاقبة لغة آخر المر وأثر عمل العامل‪ ،‬فعاقبة كل شيء هي ما ينجلي عنه الشيء من نتيجة‬
‫وأثر وتأنيث العافية بالنظر إلى تأويلها بالحالة والحالة مؤنثة‪.‬‬

‫( ‪)2/123‬‬

‫ح ُكمُونَ(‪َ )136‬وكَذَِلكَ زَيّنَ ِلكَثِيرٍ مّنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ قَ ْتلَ َأ ْولَدِ ِهمْ شُ َركَآؤُهُمْ لِيُ ْردُوهُ ْم وَلِيَلْ ِبسُواْ‬
‫سَاء مَا يَ ْ‬
‫عَلَ ْيهِمْ دِي َنهُ ْم وََلوْ شَاء اللّهُ مَا َفعَلُوهُ فَذَرْ ُه ْم َومَا َيفْتَرُونَ(‪َ )137‬وقَالُواْ َه ِذهِ أَ ْنعَا ٌم وَحَ ْرثٌ حِجْ ٌر لّ‬
‫ظهُورُهَا وَأَ ْنعَا ٌم لّ َي ْذكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَ ْيهَا افْتِرَاء عَلَيْهِ‬
‫ع ِمهِ ْم وَأَ ْنعَامٌ حُ ّر َمتْ ُ‬
‫ط َع ُمهَا ِإلّ مَن نّشَاء بِزَ ْ‬
‫يَ ْ‬
‫سَ َيجْزِيهِم ِبمَا كَانُواْ َيفْتَرُونَ(‪َ )138‬وقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ َه ِذهِ الَ ْنعَامِ خَاِلصَةٌ لّ ُذكُورِنَا َومُحَرّمٌ عَلَى‬
‫حكِيمٌ عَلِيمٌ(‪ )139‬قَدْ خَسِرَ الّذِينَ قَتَلُواْ‬
‫صفَهُمْ إِنّهُ ِ‬
‫أَ ْزوَاجِنَا وَإِن َيكُن مّيْتَةً َف ُهمْ فِيهِ شُ َركَاء سَ َيجْزِيهِ ْم َو ْ‬
‫سفَهًا ِبغَيْرِ عِ ْل ٍم وَحَ ّرمُواْ مَا رَ َز َقهُمُ الّلهُ افْتِرَاء عَلَى الّلهِ قَ ْد ضَلّو ْا َومَا كَانُواْ ُمهْتَدِينَ(‪)140‬‬
‫َأ ْولَدَهُمْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫مما ذرأ‪ :‬ما خلق‪.‬‬
‫من الحرث والنعام ‪ :‬الحرث كل ما يحرث له الرض من الزروع‪ ،‬والنعام‪ :‬البل والبقر‬
‫والغنم‪.‬‬
‫نصيبا ‪ :‬حظا وقدرا معينا‪.‬‬
‫لشركائنا ‪ :‬شركاؤهم أوثانهم التي أشركوها في عبادة الخالق عز وجل‪.‬‬

‫( ‪)2/124‬‬

‫ساء ما يحكمون‪ :‬قبح حكمهم في ذلك إذ آثروا أوثانهم على ال‪.‬‬


‫ليردوهم ‪ :‬اللم لم العاقبة ومعنى يردوهم‪ :‬يهلكوهم‪.‬‬
‫وليلبسوا ‪ :‬ليخلطوا عليهم دينهم‪.‬‬
‫حجر‪ :‬أي ممنوعة على غير من لم يأذنوا له في أكلها‪.‬‬
‫حرمت ظهورها ‪ :‬أي ل يركبونها ول يحملون عليها‪.‬‬
‫افتراء على ال ‪ :‬أي كذبا على ال عز وجل‪.‬‬
‫على أزواجنا‪ :‬أي إناثنا‪.‬‬
‫وإن يكن ميتة‪ :‬أي إن ولد ما في بطن الحيوان ميتا فهم فيه شركاء الذكور والناث سواء‪.‬‬
‫سفها بغير علم ‪ :‬حمقا وطيشا وعدم رشد وذلك لجهلهم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫مازال السياق في التنديد بأفعال العادلين بربهم أصنامهم وأوثانهم فأخبر تعالى عما كانوا يبتدعونه‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من البدع ويشرعون من الشرائع بدون علم ول هدى ول كتاب مبين فقال تعالى عنهم {وجعلوا ل‬
‫مما ذرأ من الحرث والنعام نصيبا‪ }1‬أي جعل أولئك العادلون بربهم ل تعالى مما خلق من‬
‫الزرع والنعام نصيبا أي قسما كما جعلوا لللهة التي يؤلهونها مع ال سبحانه وتعالى نصيبا‪،‬‬
‫{فقالوا هذا ل بزعمهم ‪ ،2‬وهذا لشركائنا} ‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬بزعمهم} لنه سبحانه وتعالى ما طلب‬
‫منهم ذلك ول شرعه لهم وإنما هم يكذبون على ال تعالى ثم إذا أنبت أو أنتج ما جعلوه ل‪ ،‬ولم‬
‫ينبت أو ينتج ما جعلوه للشركاء حولوه إلى الشركاء بدعوى أنها فقيرة وأن ال غني‪ ،‬وإذا حصل‬
‫العكس لم يحولوا ما جعلوه لللهة ل بنفس الحجة وهي أن الشركاء فقراء‪ ،‬وال غني‪.‬‬
‫هذا معنى قوله تعالى‪{ :‬فما كان لشركائهم فل يصل إلى ال‪ ،‬وما كان ل فهو يصل إلى شركائهم}‬
‫وهو تحيز ممقوت وتحكم فاسد فلذا قبح تعالى ذلك عليهم فقال {ساء‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في الكلم أيجاز إذ حذف منه المقابل وهو وجعلوا للهتهم نصيبا وحذفه كان لدللة ما بعده‬
‫عليه‪.‬‬
‫‪ 2‬الزعم بفتح الزاي وقد تضم وتكسر أيضا لغات والفتح أشهر والزعم الكذب قال شريح القاضي‬
‫رحمه ال تعالى إن لكل شيء كنية وكنية الكذب زعموا وقد كذب المشركون فيما جعلوه ل تعالى‬
‫حيث لم يشرع ذلك لهم وإنما هم مفتاتون‪.‬‬

‫( ‪)2/125‬‬

‫ما يحكمون} أي بئس الحكم حكمهم هذا وقبح صنيعا‪ ،‬صنيعهم هذا‪ ،‬وما جعلوه ل ينفقون على‬
‫الضيفان والفقراء‪ ،‬وما جعلوه للشركاء ينفقونه على السدنة والمقيمين على الصنام والوثان‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه الية الولى أما الثانية (‪ )137‬وهي قوله تعالى {وكذلك زين لكثير من‬
‫المشركين قتل أولدهم شركاؤهم} يريد وكذلك التحكم الباطل والدعاء الكاذب في جعل ل شيئا‬
‫مما ذرأ من الحرث والنعام‪ ،‬ثم عدم العدل بين ال تعالى وبين شركائهم زين لكثير من المشركين‬
‫شركاؤهم وهم شياطينهم من الجن والنس قتل أولدهم كالمؤودة من البنات خوف العار‪ ،‬وكقتل‬
‫الولد الصغار خوف الفقر‪ ،‬أو لنذرها لللهة ‪ ،1‬وفعل الشياطين ذلك من أجل أن يردوهم أي‬
‫يهلكوهم‪ ،‬ويلبسوا عليهم دينهم ‪ 2‬الحق أن يخلطوه لهم بالشرك‪ ،‬وهو معنى قوله تعالى {ليردوهم ‪3‬‬
‫وليلبسوا عليهم دينهم} وقوله تعالى‪{ :‬ولو شاء ال ما فعلوه} هو كما قال إذ لو أراد تعالى منعهم‬
‫من ذلك لمنعهم ‪ 4‬وهو على كل شيء قدير‪ ،‬إذا فذرهم أيها الرسول وما يفترون من الكذب في‬
‫هذا التشريع الجاهلي الباطل القبيح‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه الية الثانية أما الثالثة (‪ )138‬وهي قوله تعالى‪{ :‬وقالوا هذه أنعام وحرث حجر‬
‫‪ 5‬ل يطعمها إل من نشاء بزعمهم‪ ،‬وأنعام حرمت ظهورها‪ ،‬وأنعام ل يذكرون اسم ال عليها‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫افتراء عليه}‪.‬‬
‫فقد تضمنت هذه الية ثلثة ضروب من تشريع الجاهلية وأباطيلهم‪:‬‬
‫الول ‪ :‬تحريمهم بعض النعام والحرث وجعلها ل ولللهة التي يعبدونها مع ال‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أنعام أي إبل حرموا ركوبها كالسائبة والحام‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬إبلٌ ل يذكرون اسم ال عليها فل يحجون عليها ول يذكرون اسم ال عليها إن ركبوها‬
‫بحال ول إن حملوا عليها‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬كما نذر عبد المطلب ولده عبدال لللهة‪ ،‬ثم فداه بمائة من البل‪.‬‬
‫‪ 2‬فإن قيل‪ :‬وهل كان لهم دين حق؟ الجواب‪ :‬نعم كان لهم دين حق وهو ما جاءهم به إسماعيل‬
‫بن إبراهيم عليه السلم وبطول الزمان وفتنة الشيطان فسد عليهم‪.‬‬
‫‪ 3‬اللم هنا لم العاقبة والصيرورة‪.‬‬
‫‪ 4‬في هذا رد على القدرية وفيه تسلية للرسول صلى ال عليه وسلم وتخفيف عليه‪.‬‬
‫‪ 5‬في لفظ حجر الفتح والضم والكسر ومعناه المنع وسمي العقل حجرا لنه يمنع من قول وفعل‬
‫القبيح وحجر القاضي على المفلس منعه من التصرف في المال وهو مشتق من الحرج بالكسر‬
‫وهي لغة في الحرج الذي هو الضيق والثم‪.‬‬

‫( ‪)2/126‬‬

‫وقوله تعالى في ختام الية {افتراء عليه} أي كذبا على ال تعالى لنه تعالى ما حرم ذلك عليهم‬
‫وإنما حرموه هم بأنفسهم وقالوا حرمه ال علينا‪ ،‬ولذا توعدهم ال تعالى على كذبهم هذا بقوله‪:‬‬
‫{سيجزيهم بما كانوا يفترون} أي سيثيبهم الثواب الملئم لكذبهم وهو العذاب الخروي‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه الية الثالثة أما الية الرابعة (‪{ )139‬وقالوا ما في بطون هذه النعام خالصة‬
‫لذكورنا ومحرم على أزواجنا‪ ،‬وإن يكن ميتا فهم فيه شركاء} فقد تضمنت تشريعا آخر باطلً‬
‫اختلقوه بأنفسهم وزعموا أن ال شرعه لهم وهو أنهم حرموا ما في بطون بعض النعام على‬
‫الناث‪ ،‬وجعلوها حللً للذكور خالصة لهم دون النساء فل يشرب النساء من ألبانها ول يأكلن‬
‫لحوم أجنتها إن ذبحوها ول ينتفعن بها بحال‪ ،‬اللهم إل أن ولد الجنين ميتا فإنهم ل يحرمونه على‬
‫النساء ول يخصون به الذكور فيحل أكله للنساء والرجال معا‪ ،‬ولذا توعدهم تعالى بقوله‬
‫{سيجزيهم وصفهم ‪ 1‬إنه حكيم عليم} أي سيثيبهم على هذا الكذب بما يستحقون من العذاب إنه‬
‫حكيم في قضائه عليم ‪ 2‬بعباده‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه الية الرابعة أما الخامسة (‪ )140‬فقد أخبر تعالى بخسران أولئك المشرعين‬
‫وضللهم وعدم هدايتهم بقوله {قد خسر الذين قتلوا أولدهم سفها} أي جهلً {بغير ‪ 3‬علم‪ ،‬وحرموا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ما رزقهم ال} مما سبق ذكره {افتراءً على ال} كذبا {قد ضلوا! وما كانوا مهتدين}‪.‬‬
‫هداية اليات‪.‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة البتداع في الدين والتشريع المنافي لشرع ال تعالى وإن لم ينسب إلى ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬ما ينذره الجهال اليوم من نذور للولياء وإعطائهم شيئا من النعام والحرث والشجر هو من‬
‫عمل المشركين زينه الشيطان لجهال المسلمين‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة قتل النفس لي سبب كان وتحديد النسل اليوم وإلزام المة به من بعض‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي كذبهم وقيل في الوصف كذب لنهم وصفوا بعض الجنة بالحرمة وبعضا آخر بالحلية وهو‬
‫كقوله تعالى من سورة النحل {ول تقولوا لما تصف ألسنتكم هذا حلل وهذا حرام}‪.‬‬
‫‪ 2‬قال القرطبي في الية دليل على أن العالم ينبغي له أن يتعلم قول مخالفه وإن لم يأخذ به حتى‬
‫يعرف فساد قوله ويعلم كيف يرد عليه لن ال تعالى علّم نبيه وأصحابه قول من خالفهم في‬
‫زمانهم ليعرفوا فساد قولهم‪.‬‬
‫‪ 3‬في الية دليل واضح على حرمة القول بدون علم وكذا العتقاد والعمل فل يحل لحد أن يعتقد‬
‫أو بقول أو يعمل بدون علم شرعي قد تمكن من معرفته‪.‬‬

‫( ‪)2/127‬‬

‫الحكام من عمل أهل الجاهلية الذين قتلوا أولدهم سفها بغير علم كقتل البنات خشية العار والولد‬
‫خشية الفقر‪.‬‬
‫ن وَال ّرمّانَ‬
‫ل وَالزّ ْرعَ مُخْتَِلفًا ُأكُلُ ُه وَالزّيْتُو َ‬
‫خَ‬‫ت وَالنّ ْ‬
‫وَ ُهوَ الّذِي أَنشَأَ جَنّاتٍ ّمعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ َمعْرُوشَا ٍ‬
‫حبّ‬
‫حصَا ِد ِه َولَ تُسْ ِرفُواْ إِنّهُ لَ ُي ِ‬
‫حقّهُ َي ْومَ َ‬
‫مُتَشَا ِبهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن َثمَ ِرهِ ِإذَا أَ ْثمَ َر وَآتُواْ َ‬
‫طوَاتِ الشّيْطَانِ إِنّهُ‬
‫خُ‬‫حمُولَةً َوفَرْشًا كُلُواْ ِممّا رَ َز َق ُكمُ اللّ ُه َولَ تَتّ ِبعُواْ ُ‬
‫ن الَ ْنعَامِ َ‬
‫ا ْلمُسْ ِرفِينَ(‪َ )141‬ومِ َ‬
‫ن َومِنَ ا ْل َمعْزِ اثْنَيْنِ ُقلْ آل ّذكَرَيْنِ حَرّمَ َأ ِم الُنثَيَيْنِ‬
‫ع ُدوّ مّبِينٌ(‪َ )142‬ثمَانِيَةَ أَ ْزوَاجٍ مّنَ الضّأْنِ اثْنَيْ ِ‬
‫َلكُمْ َ‬
‫ن َومِنَ الْ َبقَرِ‬
‫ن الِ ْبلِ اثْنَيْ ِ‬
‫َأمّا اشْ َتمََلتْ عَلَيْهِ أَرْحَا ُم الُنثَيَيْنِ نَ ّبؤُونِي ِبعِلْمٍ إِن كُن ُت ْم صَا ِدقِينَ(‪َ )143‬ومِ َ‬
‫ش َهدَاء ِإ ْذ َوصّاكُمُ اللّهُ‬
‫علَيْهِ أَ ْرحَا ُم الُنثَيَيْنِ َأمْ كُنتُمْ ُ‬
‫اثْنَيْنِ ُقلْ آل ّذكَرَيْنِ حَرّمَ أَ ِم الُنثَيَيْنِ َأمّا اشْ َتمََلتْ َ‬
‫ضلّ النّاسَ ِبغَيْرِ عِ ْلمٍ إِنّ اللّ َه لَ َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ(‬
‫ِبهَذَا َفمَنْ َأظْلَمُ ِممّنِ افْتَرَى عَلَى الّلهِ كَذِبًا لِ ُي ِ‬
‫‪)144‬‬

‫( ‪)2/128‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫أنشأ جنات ‪ :‬خلق جنات جمع جنة وهي البستان‪.‬‬
‫معروشات‪ :‬ما يعمل له العريش من العنب‪ ،‬وما ل يعرش له من سائر الشجار‪.‬‬
‫مختلفا أكله‪ :‬أي ثمره الذي يأكل منه‪.‬‬
‫متشابها‪ :‬في الورق وغير متشابه في الحب والطعم‪.‬‬
‫حقه‪ :‬ما وجب فيه من الزكاة‪.‬‬
‫يوم حصاده ‪ :‬يوم حصاده إن كان حبا وجذاذه إن كان نخلً‪.‬‬
‫ول تسرفوا ‪:‬في إخراجه‪:‬أي بأن ل تبقوا لعيالكم منه شيئا‪.‬‬
‫حمولة ‪ :‬الحمولة ما يحمل عليها من البل‪.‬‬
‫وفرشا ‪ :‬الفرش الصغار من الحيوان‪.‬‬
‫خطوات الشيطان ‪ :‬مسالكه في التحريم والتحليل للضلل والغواية‪.‬‬
‫أم ما اشتملت عليه أرحام النثيين‪ :‬أنثى الضأن وأنثى الماعز ذكرا كان أو أنثى‪.‬‬
‫نبئوني بعلم ‪ :‬خبروني بأيهما حرم بعلم صحيح ل بوسواس الشياطين‪.‬‬
‫أم كنتم شهداء‪ :‬أي حاضرين وقت تحريمه تعالى ذلك عليهم إن كان قد حرمه كما تزعمون‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما توعد الحق تبارك وتعالى المفترين عليه حيث حرموا وحللوا ما شاءوا ونسبوا ذلك إليه افتراء‬
‫عليه تعالى‪ ،‬وما فعلوه ذلك إل لجهلهم بال تعالى وعدم معرفتهم بعلمه وقدرته وإل لما اتخذوا له‬
‫أندادا من الحجار وقالوا‪ :‬شركاؤنا‪ ،‬وشفعاؤنا عند ال‪ .‬ذكر تعالى في هذه اليات الربع ظاهر‬
‫قدرته وعلمه وحكمته وأمره ونهيه وحجاجه في إبطال تحريم المشركين ما أحل ال لعباده فقال‬
‫تعالى‪{ :‬وهو الذي أنشأ جنات ‪ }1‬أي بساتين وحدائق من العنب‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الجنّات‪ :‬جمع جنة وهي البستان وسمي البستان جنة لنه لكثرة أشجاره يجن أي يستر الكائن‬
‫فيه‪ ،‬وسمي الجنين في البطن جنينا لجتنانه واستتاره ببطن أمه‪.‬‬

‫( ‪)2/129‬‬

‫معروشات ‪ 1‬أي محمول شجرها على العروش التي توضع للعنب ليرتفع فوقها وغير معروشات‬
‫أي غير معرش لها‪ ،‬وأنشأ النخل والزرع مختلفا ثمره وطعمه‪ ،‬وأنشأ الزيتون والرمان متشابها‬
‫في الورق‪ ،‬وغير متشابه في الحب والطعم أيضا‪ .‬وأذن تعالى في أكله وأباحه وهو مالكه وخالقه‬
‫فقال‪{ :‬كلوا من ثمره إذا أثمر} أي نضج بعض النضج وأمر بإخراج الواجب فيه وهو الزكاة فقال‬
‫{وآتوا حقه يوم ‪ 2‬حصاده} أي بعد درسه وتصفيته إذ ل يعطى السنبل‪ ،‬ونهى عن السراف وهو‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تجاوز الحد في إخراج الزكاة غلوا حتى ل يبقوا لمن يعولون ما يكفيهم‪ ،‬فقال‪{ :‬ول تسرفوا إنه ل‬
‫يحب ‪ 3‬المسرفين} وأنشأ من النعام‪ :‬البل والبقر والغنم {حمولة} وهي ما يحمل عليها لكبرها‬
‫{وفرشا} وهي الصغار التي ل يحمل عليهما‪ ،‬وأذن مرة أخرى في الكل مما رزقهم سبحانه‬
‫وتعالى من الحبوب والثمار واللحوم وشرب اللبان‪ ،‬فقال‪{ :‬كلوا مما رزقكم ال} ونهى عن اتباع‬
‫مسالك الشيطان في تحريم ما أحل ال وتحليل ما حرم فقال‪{ :‬ول تتبعوا خطوات الشيطان} وعلل‬
‫للنهي فقال‪{ :‬إنه لكم عدو مبين} ومن عرف عدوه اتقاه ولو بالبعد عنه‪ ،‬وأنشأ {ثمانية أزواج من‬
‫الضأن اثنين}‪.‬‬
‫وهما الكبش والنعجة‪{ ،‬ومن المعز اثنين} وهما التيس والعنزة‪ ،‬وأمر رسوله أن يحاج المفترين في‬
‫التحريم والتحليل فقال له {قل} يا رسولنا لهم {آلذكرين ‪ 4‬حرم } ال عليكم {أم النثيين أم ما‬
‫اشتملت عليه أرحام النثيين} أي النعجة والعنزة {نبؤني بعلم إن كنتم صادقين} فإن قلتم حرم‬
‫الذكرين فلزم ذلك جميع الذكور حرام‪ ،‬وإن قلتم حرم النثيين‬
‫فلزمه أن جميع الناث حرام وإن قلتم حرم ما اشتملت عليه أرحام النثيين فكل ما ولد منهما‬
‫حرام ذكرا كان أو أنثى فكيف إذا حرمتم البعض وحللتم البعض فبأي علم أخذتم نبوئوني به إن‬
‫كنتم صادقين وقوله تعالى {ومن البل اثنين} وهما الناقة والجمل‪{ ،‬ومن البقر اثنين} وهما الثور‬
‫والبقرة {قل آلذكرين ‪ 5‬حرم أم النثيين أمّا اشتملت عليه أرحام ‪6‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وقيل المعروشات‪ :‬ما يعني به من الشجر على اختلفه‪ ،‬وغير المعروشات وهو شجر البوادي‬
‫والجبال وما في التفسير أولى لقوته ودللة اللفظ عليه‪.‬‬
‫‪ 2‬كان قبل فريضة الزكاة يتعين على عن حصد أو جد ثمره وأتاه المساكين أن يعطيهم شيئا مما‬
‫بين يديه قل أو كثر ولما فرضت الزكاة وحددت مقاديرها خصص هذا بها حيث بُين الحق‬
‫المجمل هنا‪.‬‬
‫‪ 3‬في الية دليل حرمة السراف وهو محرم في كل شيء وهو الخروج عن حد العتدال‬
‫والقصد‪.‬‬
‫‪ 4‬الستفهام للنكار أي ينكر عليهم أن يكون ال حرم ذلك‪.‬‬
‫‪ 5‬إبطال لما حرموا من البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي‪.‬‬
‫‪ 6‬إبطال لقولهم‪ :‬ما في بطون هذه النعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا‪.‬‬

‫( ‪)2/130‬‬

‫النثيين} ‪ ،‬فهل حرم الذكرين أو النثين هذه الزواج الربعة فإن حرم الذكرين فسائر الذكور‬
‫محرمة‪ ،‬وإن حرم النثيين فسائر الناث محرمة‪ ،‬أم ما اشتملت عليه أرحام النثيين وحينئذ يكون‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كل مولود منهما محرما ذكرا كان أو أنثى‪ ،‬وبهذا تبين أنكم كاذبون على ال مفترون فال تعالى لم‬
‫يحرم من هذه الزواج الثمانية شيئا‪ ،‬وإنما حرم الميتة‪ ،‬وما لم يذكر اسم ال عليه‪.‬‬
‫وقوله تعالى {أم كنتم شهداء إذ وصاكم ال} بهذا التحريم فهو تبكيت لهم وتقريع‪ ،‬إذ لم يحرم ال‬
‫تعالى هذا الذي حرموه‪ ،‬ولم يوصهم بذلك ولم يكونوا حال الوصية حضورا‪ ،‬وإنما هو الفتراء‬
‫والكذب على ال تعالى‪.‬‬
‫وأخيرا سجل عليهم أنهم كذبة ظالمون مضلون وخيرهم بغير علم‪ ،‬وأنهم ل يستحقون الهداية فقال‬
‫عز وجل‪{ :‬فمن أظلم ممن افترى على ال كذبا ليضل ‪ 1‬الناس بغير علم إن ال ل يهدي القوم‬
‫الظالمين}‪.‬‬
‫هداية اليات‪.‬‬
‫من هداية اليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬إباحة أكل التمر والعنب والرمان والزيتون‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب الزكاة في الزيتون والتمر والحبوب إذا بلغت النصاب وهو خمسة أوسق والوسق‬
‫ستون صاعا‪ ،‬والصاع أربع حفنات‪.‬‬
‫‪ -3‬جواز الكل من الثمر قبل جذاذه وإخراج الزكاة ‪ 2‬منه‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة السراف في المال بأن ينفقه فيما ل يعنى‪ ،‬أو ينفقه كله ولم يترك لهله شيئا‪.‬‬
‫‪ -5‬إباحة أكل بهيمة النعام وهي ثمانية أزواج‪ ،‬ضأن ‪ 3‬وماعز‪ ،‬وإبل وبقر وكلها ذكر وأنثى‪.‬‬
‫‪ -6‬إبطال تشريع الجاهلية في التحريم والتحليل‪ ،‬فالحلل ما أحله ال ورسول والحرام‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يدخل في هذه الخطاب دخولً أوليا عمرو بن لحىّ أذ هو أول من جلب الصنام للحجاز ويدخل‬
‫فيه كذلك أول من سيب السوائب الخ‪..‬‬
‫‪ 2‬الضأن من ذوات الصوف والمعز من ذوات الشعر‪.‬‬
‫‪ 3‬اختلف في زكاة التين والراجح أنه إذا بلغ خمسة أوسق بعد يبسه يزكى لنه يدخر ويقتات‬
‫واختلف في الخرص للثمر والعنب والجمهور على جوازه للحديث الوارد في ذلك وهو "وإنما كان‬
‫أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم بالخرص لكي تحصى الزكاة قل أن تؤكل الثمار وتفرق"‪.‬‬
‫رواه الدار قطني‪.‬‬

‫( ‪)2/131‬‬

‫ما حرمه ال رسوله‪.‬‬


‫‪ -7‬جواز الجدال والحجاج لحقاق الحق أو إبطال الباطل‪.‬‬
‫‪ -8‬ل أظلم ممن يكذب على ال تعالى‪ ،‬فيشرع لعباده ما لم يشرع لهم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سفُوحًا َأوْ َلحْمَ‬
‫ط َعمُهُ ِإلّ أَن َيكُونَ مَيْتَةً َأوْ َدمًا مّ ْ‬
‫حيَ إَِليّ مُحَ ّرمًا عَلَى طَاعِمٍ َي ْ‬
‫قُل لّ َأجِدُ فِي مَا ُأوْ ِ‬
‫غفُورٌ رّحِيمٌ(‬
‫سقًا أُ ِهلّ ِلغَيْرِ اللّهِ ِبهِ َفمَنِ اضْطُرّ غَيْرَ بَاغٍ َولَ عَادٍ فَإِنّ رَ ّبكَ َ‬
‫خِنزِيرٍ فَإِنّهُ رِجْسٌ َأوْ فِ ْ‬
‫ظفُ ٍر َومِنَ الْ َبقَرِ وَا ْلغَنَمِ حَ ّرمْنَا عَلَ ْيهِمْ شُحُو َم ُهمَا ِإلّ مَا‬
‫‪ )145‬وَعَلَى الّذِينَ هَادُواْ حَ ّرمْنَا ُكلّ ذِي ُ‬
‫ظمٍ ذَِلكَ جَزَيْنَاهُم بِ َبغْ ِيهِ ْم وِإِنّا َلصَا ِدقُونَ(‪ )146‬فَإِن‬
‫حوَايَا َأوْ مَا اخْتََلطَ ِبعَ ْ‬
‫ظهُورُ ُهمَا َأوِ ا ْل َ‬
‫حمََلتْ ُ‬
‫َ‬
‫س َع ٍة َولَ يُ َردّ بَأْسُهُ عَنِ ا ْل َقوْمِ ا ْلمُجْ ِرمِينَ(‪)147‬‬
‫حمَ ٍة وَا ِ‬
‫كَذّبُوكَ َفقُل رّ ّبكُمْ ذُو رَ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫محرما على طاعم يطعمه‪ :‬محظورا ممنوعا على آكل يأكله‪.‬‬
‫ميتة أو دما مسفوحا‪ :‬الميتة‪ :‬ما مات دون تزكية‪ ،‬والدم المسفوح؟ المصبوب صبا ل المختلط‬
‫باللحم والعظام‪.‬‬
‫رجس‪ :‬نجس وقذر قبيح محرم‪.‬‬
‫أو فسقا أهل لغير ال به ‪ :‬الفسق الخروج عن طاعة ال والمراد ما ذبح ولم يذكر اسم ال عليه‬
‫وإنما ذكر عليه اسم الصنام أو غيرها‪ ،‬والهلل‬

‫( ‪)2/132‬‬

‫رفع الصوت باسم المذبوح له‪.‬‬


‫غ ول عاد ‪ :‬اضطر‪ :‬ألجأته الضرورة وهي خوف الهلك‪ ،‬والباغ الظالم‪،‬‬
‫فمن اضطر غير با ٍ‬
‫والعادي‪ :‬المعتدي المجاوز للحد‪.‬‬
‫هادوا ‪ :‬اليهود‪.‬‬
‫ذي ظفر ‪ :‬صاحب ظفر وهو الحيوان الذي ل يفرق ‪ 1‬أصابعه كالبل والنعام‪.‬‬
‫ما حملت ظهورها أو الحوايا ‪ :‬أي الشحم العالق بالظهر‪ ،‬والحوايا ‪ :2‬المباعر والمصارين‬
‫والمعاء‪.‬‬
‫أو ما اختلط بعظم ‪ :‬أي عفى لهم عن الشحم المختلط بالعظم كما عفي عن الحوايا والعالق‬
‫بالظهر‪.‬‬
‫ببغيهم ‪ :‬أي بسبب ظلمهم‪.‬‬
‫ول يرد بأسه ‪ :‬بطشه وعذابه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫مازال السياق في الحجاج مع أولئك المحرمين ما لم يحرم ال ففي أولى هذه اليات يأمر ال‬
‫تعالى رسوله أن يقول للذين يحرمون افتراءً على ال ما لم يحرم {ل أجد فيما أوحي إلي}‪ -‬وأنا‬
‫رسول ال‪{ -‬محرما} أي شيئا محرما {على طاعم يطعمه} أي آكل يأكله اللهم {إل أن يكون ميتة}‬
‫وهي ما مات من الحيوان حتف أنفه أي لم يذك الذكاة الشرعية‪{ ،‬أو دما مسفوحا} أي مصبوبا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫صبا ل الدم المختلط بالعظم واللحم كالكبد والطحال‪{ ،‬أو لحم خنزير فإنه} أي لحم الخنزير‬
‫{رجس} أي نجس قذر حرام‪( ،‬أو فسقا‪ 3‬أهل لغير ال به} أي ما ذبح ولم يذكر اسم ال عليه أو‬
‫ذكر اسم الصنام عليه فهو فسق أي خروج عن طاعة الرب الذي أمر من أراد ذبح بهيمة أن‬
‫يذكر عليها اسمه ليحل له أكلها‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في ذي الظفر تفاسير أرجحها ما في التفسير وهو ما ليس بمنفرج الصابع وقيل البل خاصة‪،‬‬
‫وقيل كل ذي حافر من الدواب‪.‬‬
‫‪ 2‬واحد الحوايا حاوية‪ .‬وحويّة والمراد بها ما تَحوّى من المعاء واستدار منها‪.‬‬
‫‪ 3‬تقدير الكلم أو أن يكون المراد أكل ما أهل لغير ال به فصار فسقا لذلك إذ الذبح لغير ال‬
‫شرك وخروج من الدين‪ ،‬والفسق يطلق على التفصي من طاعة ال تعالى وطاعة رسوله‪.‬‬

‫( ‪)2/133‬‬

‫هذا معنى قوله تعالى‪{ :‬قل ل أجد فيما أوحي ‪ 1‬إلي مجرما على طاعم يطعمه إل أن يكون ميتة‬
‫أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير ال به}‪.‬‬
‫وقوله تعالى {فمن اضطر غير باغ ول عاد} أي غير ظالم بأكل الميتة وما ذكر معها وذلك بأن‬
‫يأكلها تلذذا بها ل دفعا لغائلة الموت وهو كاره لكلها {ول عاد} أي غير متجاوز القدر الذي أبيح‬
‫له وهو ما يدفع به غائلة الموت عن نفسه {فإن ربك غفور رحيم} ومن مظاهر مغفرته ورحمته‬
‫أنه أذن للمضطر بالكل مما هو حرام في الضرورة‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )145‬أما الية الثانية فبعد أن بين تعالى أنه لم يحرم على‬
‫المؤمنين غير ما ذكر من الميتة وما ذكر بعدها أخبر أنه حرم على اليهود أكل كل ذي ظفر وهو‬
‫ما ليس له أصابع مفرقة مثل البل والنعام والبط والوز ومن البقر والغنم حرم عليهم شحومهما‬
‫وهو الشحم اللصق بالكرش والكلى‪ ،‬وأباح لهم من الشحوم ما حملته البقرة أو الشاة على‬
‫ظهرها‪ ،‬وما كان لصقا بالماعز وهي الحوايا جمع حاوية وكذا الشحم المختلط بالعظام كشحم‬
‫اللية‪ ،‬وشحم الجانب والذن والعين وما إلى ذلك‪.‬‬
‫هذا ما تضمنه قوله تعالى من الية الثانية {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر‬
‫والغنم حرمنا عليهم شحومهما إل ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم} ثم أخبر‬
‫تعالى بأن هذا التحريم عليهم كان عقوبة لهم بسبب ظلمهم وإجرامهم فقال {ذلك جزيناهم ببغيهم ‪}2‬‬
‫أي ذلك التحريم منا عليهم كان جزاء ظلمهم‪ ،‬وقوله {وإنا لصادقون} فيما أخبرنا به عنهم‪ ،‬وهم‬
‫الكاذبون إذ قالوا إنما حرم هذا على إسرائيل ونحن أتباع له أما نحن فلم يحرم علينا شيء وإنهم‬
‫لكاذبون‪ .‬وقوله تعالى {فإن كذبوك } ‪ 3‬أي اليهود فيما أخبرت به عنهم {فقل} لهم {ربكم ذو رحمة‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫واسعة ‪ }4‬ولذا لم يعاجلكم بالعقوبة وقد كذبتموه وكذبتم رسوله وافتريتم على رسله‪ ،‬ولكن ليس‬
‫معنى ذلك أنكم نجوتم من‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هل هذه الية منسوخة بآية المائدة؟ اختلف في ذلك والراجح أنها غير منسوخة إذ هي خبر‬
‫والخبار ل تنسخ وآية المائدة ذكرت المنخنقة وما بعدها وهي داخلة في حكم الميتة‪ ،‬وما ذبح‬
‫على النصب داخل في وما أهل به لغير ال إذا فالية محكمة‪.‬‬
‫‪ 2‬من بغيهم قتلهم النبياء وأكل الربا وتبرج النساء واستحلل المحرمات بالحيل والفتاوى الفاسدة‪.‬‬
‫‪ 3‬قيل إن المراد بالمكذبين المشركون‪ ،‬وقيل اليهود وكلهما مكذب وكافر واللفظ يصدق عليهما‬
‫معا‪.‬‬
‫‪ 4‬من مظاهر رحمته أنه يحلم على العصاة وينظرهم ويمهلهم لعلهم يتوبون فعدم تعجيله العقوبة‬
‫هو دليل رحمته الواسعة‪.‬‬

‫( ‪)2/134‬‬

‫العذاب فإن بأس ال ل يرد عن القوم المجرمين ‪ 1‬من أمثالكم‪.‬‬


‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة الميتة وأنواعها في سورة المائدة وهي المنخنقة والموقوذة‪ ،‬والمتردية والنطيحة وما‬
‫أكل السبع‪ ،‬وحرمة الدم المسفوح‪ ،‬ولحم الخنزير‪ ،‬وما أهل لغير ال به‪ ،‬وما ذبح على النصب‬
‫وحرم بالسنة الحمر ‪ 2‬الهلية والبغال‪ ،‬وكل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطيور‪.‬‬
‫‪ -2‬قد يُحْرم العبد بالذنوب من كثير من الطيبات كما حصل لليهود‪.‬‬
‫‪ -3‬إمهال ال تعالى المجرمين ل يدل على عدم عقوبتهم فإن بأس ال ل يرد عن القوم المجرمين‬
‫شيْءٍ كَذَِلكَ كَ ّذبَ الّذِينَ مِن‬
‫سَ َيقُولُ الّذِينَ أَشْ َركُواْ َلوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْ َركْنَا َولَ آبَاؤُنَا وَلَ حَ ّرمْنَا مِن َ‬
‫ن وَإِنْ أَنتُمْ َإلّ‬
‫قَبِْلهِم حَتّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا ُقلْ َهلْ عِن َدكُم مّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتّ ِبعُونَ ِإلّ الظّ ّ‬
‫شهَدَاءكُمُ الّذِينَ‬
‫ج َمعِينَ(‪ُ )149‬قلْ هَُلمّ ُ‬
‫حجّةُ الْبَاِلغَةُ فََلوْ شَاء َلهَدَاكُمْ َأ ْ‬
‫تَخْ ُرصُونَ(‪ُ )148‬قلْ فَلِلّهِ الْ ُ‬
‫شهَدْ َم َعهُمْ وَلَ تَتّبِعْ َأ ْهوَاء الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالّذِينَ‬
‫شهِدُواْ فَلَ تَ ْ‬
‫شهَدُونَ أَنّ اللّهَ حَرّمَ َهذَا فَإِن َ‬
‫يَ ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في الية وعيد وتهديد وهو صالح لن ينزل في الدنيا وفي الخرة إذ العلة هي الجرام وهو‬
‫قائم فهم متوكلون فيه ولذا لبد من العقوبة ما لم تحصل توبة صادقة‪.‬‬
‫‪ 2‬ذكر القرطبي أن علة تحريم الحمار قد تكون حاجة الناس للحمل عليه والركوب وذكر علة‬
‫أخرى وهي كونه نجسا وذكر عن الترمذي في نوادر الصول أن الحمار أظهر جوهره الخبيث‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حيث نزا على ذكره وتلوّط فسمى لذلك رجسا وليس في الدواب من يعمل عمل قوم لوط إل‬
‫الحمار والخنزير‪.‬‬

‫( ‪)2/135‬‬

‫لَ ُي ْؤمِنُونَ بِالخِ َر ِة وَهُم بِرَ ّب ِهمْ َيعْدِلُونَ(‪)150‬‬


‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫أشركوا‪ :‬أي جعلوا ل شركاء له يعبدونهم معه‪.‬‬
‫ول حرمنا من شيء ‪ :‬أي مما حرموه من البحائر والسوائب والوصائل والحامات‪.‬‬
‫ذاقوا بأسنا ‪ :‬أي عذابنا‪.‬‬
‫تخرصون‪ :‬تكذبون‪.‬‬
‫الحجة البالغة ‪ :‬الدليل القاطع للدعاوي الباطلة‪.‬‬
‫هلم شهداءكم ‪ :‬أي أحضروهم‪.‬‬
‫يعدلون‪ :‬أي به غيره من الصنام وسائر المعبودات الباطلة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في رد ترهات وأباطيل العادلين بربهم المشركين في ألوهيته سواه فذكر تعالى في‬
‫اليتين (‪ )148‬و(‪ )149‬شبهة للمشركين يتخذونها مبررا لشركهم وباطلهم وهي قولهم‪{ :‬لو شاء‬
‫ال ما أشركنا ول آباؤنا ‪ 1‬ول حرمنا من شيء ‪ }2‬يريدون أن عدم مؤاخذة ال تعالى لنا ونحن‬
‫نشرك به ونحرم ما نحرمه دليل على رضا ال بذلك ‪ 3‬وإل لمنعنا منه وحال دون فعلنا له‪ ،‬فرد‬
‫ال تعالى هذه الشبهة وأبطلها بقوله‪{ :‬كذلك كذب الذين من قبلهم ‪ 4‬حتى ذاقوا بأسنا} أي مثل هذا‬
‫التكذيب الصادر من هؤلء العادلين بربهم من كفار قريش ومشركيها كذب الذين من قبلهم من‬
‫المم‪ ،‬وما زالوا على تكذيبهم حتى أخذهم ال أخذ عزيز مقتدر‪ ،‬فلو كان تعالى راضيا بشركهم‬
‫وشرهم وباطلهم لما أخذهم فإمهال ال تعالى للناس لعلهم يتوبون ليس دليلً على رضاه بالشرك‬
‫والشر‪ ،‬والحجة أنه متى انتهت فترة المهال نزل بالمكذبين العذاب‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إلى اليوم والغافلون من المسلمين يحتجون بما احتج به المشركون الولون ويقولون لو شاء ال‬
‫أن نصلي لصلينا ولو شاء ال أن نترك المحرم لتركناه وهو احتجاج باطل ل وزن له‪.‬‬
‫‪ 2‬أي من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام‪.‬‬
‫‪ 3‬قولهم هذا دال على جهل مركب منهم بال تعالى وحكمته وتدبيره وهذا ناتج عن كفرهم وعدم‬
‫إيمانهم بال وكتابه ورسوله‪ ،‬فال أوجد العبادة في هذه الحياة ليبتليهم يجزيهم ل أن يجبرهم على‬
‫ما يحب نهم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 4‬في قوله كذلك كذب الذين من قبلهم دللة على أن المشركين لم يريدوا من قولهم لو شاء ال ما‬
‫أشركنا إل رد قول الرسول وتكذيبه فيما جاء به ويدعوهم إليه حتى لكأن كلمهم هذا من باب‬
‫كلمة حق أريد بها باطل‪.‬‬

‫( ‪)2/136‬‬

‫وقوله تعالى {قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا} يأمر ال تعالى رسوله أن يقول للمذنبين‬
‫العادلين بربهم {هل عندكم من علم فتخرجوه } أي ليس لديكم علم على ما تدعونه فتخرجوه لنا‪،‬‬
‫{إن تتبعون ‪ 1‬إل الظن} أي ما تتبعون في دعاويكم الباطلة إل الظن‪{ ،‬وإن أنتم إل تخرصون} أي‬
‫وما أنتم إل تخرصون أي تقولون بالحزر والخرص فتكذبون‪ ،‬وقوله تعالى {قل فلله ‪ 2‬الحجة‬
‫البالغة} أي يعلم رسوله أن يقول لهم بعد أن دحض شبهتهم وأبطلها إن لم تكن لكم حجة فلله‬
‫الحجة البالغة‪ ،‬ومع هذا {فلو شاء} هدايتكم {لهداكم أجمعين} وهو على ذلك قدير‪ ،‬وإنما حكمه في‬
‫عباده وسنته فيهم أن يكلفهم اختبارا لهم ويوضح الطريق لهم ويقيم الحجة عليهم‪ ،‬فمن اهتدى‬
‫فلنفسه‪ ،‬ومن ضل فعليها‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه اليتان الولى والثانية وأما الية الثالثة (‪ )150‬وهي قوله تعالى‪{ :‬قل هلم‬
‫شهداءكم ‪ 3‬الذين يشهدون أن ال حرم هذا} أي الذين حرمتموه فإنهم ل يستطيعون أن يأتوا بهم‬
‫"{فإن شهدوا فل نشهد معهم}" وإن فرضنا أنهم يأتون بشهداء باطل يشهدون ‪ 4‬فل تقرهم أنت أبها‬
‫الرسول على باطلهم بل بين لهم بطلن ما ادعوه‪ ،‬فإنهم ل يتبعون في دعاويهم إل الهواء‪ ،‬وعليه‬
‫{ل تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا‪ ،‬والذين ل يؤمنون بالخرة وهم بربهم يعدلون} ‪ ،‬وقد جمع‬
‫هؤلء المشركون كل هذه العظائم من الذنوب التكذيب بآيات ال‪ ،‬وعدم اليمان بالخرة‪ ،‬والشرك‬
‫بربهم فكيف يجوز اتباعهم وهم مجرمون ضالون‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بطلن الحتجاج بالقدر على فعل المعاصي والستمرار فيها‪.‬‬
‫‪ -2‬ل حجة إل في قام على أساس العلم الصحيح‪.‬‬
‫‪ -3‬الحكمة في عدم هداية الخلق كلهم مع قدرة ال تعالى على ذلك هو التكليف‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إن في الموضعين نافيه بمعنى (ما) كما هي في التفسير‪.‬‬
‫‪ 2‬فال الفاء هنا هي الفاء الفصيحة إذ هي مفصحة عن كلم سابق ترتب عليه ما بعدها ترتب‬
‫الجزاء على الشرط تقديره هنا فإن كان قولكم لمجرد إتباع الظن والخرص والحزر ول علم لكم‬
‫فلله تعالى الحجة البالغة التي تصل إلى الحقيقة وتؤكدها وتبطل ما عداها‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 3‬المر هنا للتعجيز والشهداء جمع شهيد بمعنى شاهد‪.‬‬
‫‪ 4‬أي كذبهم واعلم بأنهم شهداء زور فقوله تعالى فل تشهد معهم معناه كذبهم ول تقرهم فإنهم‬
‫شهداء زور ل غير‪.‬‬

‫( ‪)2/137‬‬

‫والبتلء ‪.‬‬
‫‪ – 4‬مشروعية الشهادة وحضور الشهود‪.‬‬
‫‪ -5‬عدم إقرار شهادة الباطل وحرمة السكوت عنها‪.‬‬
‫‪ – 6‬حرمة اتباع أصحاب الهواء الذين كذبوا بآيات ال‪.‬‬
‫ُقلْ َتعَاَلوْاْ أَ ْتلُ مَا حَرّمَ رَ ّب ُكمْ عَلَ ْيكُمْ َألّ تُشْ ِركُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِا ْلوَالِدَيْنِ ِإحْسَانًا َولَ َتقْتُلُواْ َأ ْولَ َدكُم مّنْ‬
‫ظهَرَ مِ ْنهَا َومَا بَطَنَ وَلَ َتقْتُلُواْ ال ّنفْسَ الّتِي حَرّمَ‬
‫إمْلَقٍ نّحْنُ نَرْ ُز ُقكُ ْم وَإِيّا ُه ْم َولَ َتقْرَبُواْ ا ْلفَوَاحِشَ مَا َ‬
‫حسَنُ حَتّى‬
‫اللّهُ ِإلّ بِا ْلحَقّ ذَِلكُ ْم َوصّاكُمْ ِبهِ َلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ(‪َ )151‬ولَ َتقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ ِإلّ بِالّتِي ِهيَ أَ ْ‬
‫س َعهَا وَإِذَا قُلْ ُتمْ فَاعْدِلُو ْا وََلوْ كَانَ ذَا‬
‫ل وُ ْ‬
‫ط لَ ُنكَّلفُ َنفْسًا ِإ ّ‬
‫سِ‬‫يَبْلُغَ َأشُ ّد ُه وََأ ْوفُواْ ا ْلكَ ْيلَ وَا ْلمِيزَانَ بِا ْلقِ ْ‬
‫قُرْبَى وَ ِب َعهْدِ اللّهِ َأ ْوفُواْ ذَِلكُمْ وَصّاكُم ِبهِ َلعَّلكُمْ َت َذكّرُونَ(‪ )152‬وَأَنّ هَذَا صِرَاطِي مُسْ َتقِيمًا فَاتّ ِبعُوهُ‬
‫وَلَ تَتّ ِبعُواْ السّ ُبلَ فَ َتفَرّقَ ِب ُكمْ عَن سَبِيِلهِ ذَِل ُك ْم َوصّاكُم بِهِ َلعَّلكُمْ تَ ّتقُونَ(‪)153‬‬
‫شرح الكلمات ‪:‬‬
‫اتل ‪ :‬اقرأ‪.‬‬

‫( ‪)2/138‬‬

‫من إملق ‪ :‬من فقر‪.‬‬


‫الفواحش‪ :‬جمع فاحشة كل ما قبح واشتد قبحه كالزنى والبخل‪.‬‬
‫حرم ال ‪ :‬أي حرم قتلها وهي كل نفس إل نفس الكافر المحارب‪.‬‬
‫إل بالحق ‪ :‬وهو النفس بالنفس وزنى المحصن‪ ،‬والردة‪.‬‬
‫بالتي هي أحسن‪ :‬أي بالخصلة التي هي أحسن‪.‬‬
‫أشده‪ :‬الحتلم مع سلمة العقل‪.‬‬
‫بالقسط‪ :‬أي بالعدل‪.‬‬
‫إل وسعها‪ :‬طاقتها وما تتسع له‪.‬‬
‫تذكرون‪ :‬تذكرون فتتعظون‪.‬‬
‫السبل‪ :‬جمع سبيل وهي الطريق‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في إبطال باطل العادلين بربهم المتخذين له شركاء الذين يحرمون بأهوائهم ما لم‬
‫يحرمه ال تعالى عليهم فقد أمر تعالى رسوله في هذه اليات الثلث أن يقول لهم‪1{ :‬تعالوا أتل ما‬
‫حرم ربكم عليكم} ل ما حرمتموه أنتم بأهوائكم وزينه لكم شركاؤكم‪ .‬ففي الية الولى جاء تحريم‬
‫خمسة أمور وهي‪ :‬الشرك‪ ،‬وعقوق الوالدين‪ ،‬وقتل الولد‪ ،‬وارتكاب الفواحش‪ ،‬وقتل النفس فقال‬
‫تعالى‪{ :‬قل تعالوا أتل ما حرم ‪ 2‬ربكم عليكم أن ل تشركوا به شيئا} فأن تفسيرية ‪ ،3‬ول ناهية‬
‫وهذا أول محرم وهو الشرك بال تعالى‪{ ،‬وبالوالدين إحسانا}‪ ،‬وهذا أمر إذ التقدير وأحسنوا‬
‫بالوالدين إحسانا‪ ،‬والمر بالشيء نهي عن ضده فالمر بالحسان يقتضي تحريم الساءة والساءة‬
‫ل ضمن المحرمات المذكورة في هذه‬
‫إلى الوالدين هي عقوقهما‪ ،‬فكان عقوق الوالدين محرما داخ ً‬
‫اليات الثلث‪{ .‬ول تقتلوا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي أقبلوا وتقدموا وما موصولة بمعنى الذي حرم ربكم عليكم وفي الية دليل على وجوب بيان‬
‫المحرمات للمة حتى تتجنبها‪ ،‬والعلماء منوط بهم ذلك‪.‬‬
‫‪ 2‬هذه اليات الثلثة‪ :‬قل تعالوا أتل إلى قوله تتقون تضمنت عشرا من الوصايا قال ابن عباس‬
‫هي محكمات وأجمعت الشرائع اللهية على تقريرها والعمل بها‪.‬‬
‫‪ 3‬أي فسرت المحرم وهو الشرك بال تعالى‪ ،‬وهو أول المحرمات وقدم لنه أخطرها وأضرها‬
‫بالنسان‪.‬‬

‫( ‪)2/139‬‬

‫أولدكم ‪ 1‬من إملق نحن نرزقكم وإياهم} فهذا المحرم الثالث وهو قتل الولد من الملق الذي‬
‫هو الفقر وهذا السبب غير معتبر إذ ل يجوز قتل الولد بحال من الحوال وإنما ذكر لن‬
‫المشركين كانوا يقتلون أطفالهم لجله وقوله تعالى {نحن نرزقكم وإياهم} تعليل للنهي عن قتل‬
‫الولد من الفقر إذ مادام ال تعالى يرزقكم أنتم أيها الباء ويرزق ابناءكم فلم تقتلونهم؟ وفي‬
‫الجملة بشارة للب الفقر بأن ال تعالى سيرزقه هو وأطفاله فليصبر وليرج‪ ،‬ول يقتل أطفاله‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬ول تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن }‪ .‬هذا المر الرابع مما حرم ال‬
‫تعالى‪ ،‬وهو فعل الفاحشة التي هي الزنى وسواء ما كان منه ظاهرا أو باطنا والتحريم شامل لكل‬
‫خصلة قبيحة قد اشتد قبحها وفحش فأصبح فاحشة قولً كانت أو فعلً أو اعتقادا‪ ،‬وقوله‪{ :‬ول‬
‫تقتلوا النفس التي حرم ال إل بالحق ‪ }2‬هذا هو المحرم الخامس وهو قتل النفس التي حرم ال‬
‫قتلها وهي كل نفس ما عدا نفس المحارب فإنها مباحة للقتل‪ ،‬والحق الذي تقتل به النفس المحرمة‬
‫واحد من ثلثة وهي القود والقصاص فمن قتل نفسا متعمدا جاز قتله بها قصاصا‪ .‬والزنى بعد‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الحصان فمن زنى وهو محصن وجب قتله رجما بالحجارة كفارة له‪ ،‬والردة عن السلم‪ ،‬وقد‬
‫بينت هذه الحقوق السنة فقد قال صلى ال عليه وسلم في الصحيح‪" :‬ل يحل دم امرىء مسلم إل‬
‫بإحدى ثلث النفس بالنفس والثيب الزاني‪ ،‬والتارك لدينه المفارق للجماعة" وقوله تعالى في ختام‬
‫الية {لعلكم تعقلون} أي ليعدكم بترك هذه المحرمات الخمس لن تكونوا في عداد العقلء‪ ،‬لن من‬
‫يشرك بربه صنما أو يسيء إلى أبويه أو يقتل أولده أو يفجر بنساء الناس أو يقتلهم‪ ،‬ل يعتبر‬
‫عاقلً أبدا إذ لو كان له عقل ما أقدم على هذه العظائم من الذنوب والثام‪.‬‬
‫وفي الية الثانية وهي قوله تعالى {ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده ‪،3‬‬
‫وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ل نكلف نفسا إل وسعها‪ ،‬وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان‬
‫__________‬
‫‪ 1‬استدل بهذه الية من قال بتحريم العزل ومثله اليوم استعمال الحبوب لمنع الحمل والجمهور‬
‫على الجواز للضرورة فقط لقول الرسول صلى ال عليه وسلم في العزل‪" :‬ذلك الوأد الخفي" فإنه‬
‫ان لم يدل على التحريم دل على الكراهية‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله تعالى إل بالحق يخرج به نفس الكافر المحارب فقط فهي التي تقتل بحق الحرب والكفر‪،‬‬
‫وما عداها فكل نفس محرمة القتل ولذا حرم رسول ال صلى ال عليه وسلم نفس الكافر المعاهد‬
‫والذمّي بقول من قتل معاهدا في غير كنهه أي في غير الحقيقة التي توجب قتله كنقضه المعاهدة‬
‫مثلً‪ .‬حرم ال عليه الجنة‪ ،‬والحق الذي تقتل به النفس المحرمة القتل هو قتل النفس‪ .‬وزنى‬
‫المحصن والردة والخروج عن إمام المسلمين والمفارقة للجماعة‪.‬‬
‫‪ 3‬قيل الشد مفرد ل جمع له بمنزلة النك أي الرصاص‪ .‬وقيل واحده شدّ نحو فلس وافلس‪ ،‬وهو‬
‫مأخوذ من شد النهار إذا ارتفع‪.‬‬

‫( ‪)2/140‬‬

‫ذا قربى‪ ،‬وبعهد ال أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون} ففي هذه الية جاء تحريم أربعة أمور‬
‫هي‪ :‬كل مال اليتيم‪ ،‬والتطفيف في الوزن‪ ،‬والجور في القوال والحكام‪ ،‬ونكث العهد‪ .‬فقوله‬
‫تعالى‪{ :‬ول تقربوا مال اليتيم} أي بما ينقصه أو يفسده إل بالحالة التي هي أحسن له نماءً وحفظا‬
‫وقوله {حتى يبلغ أشده} بيان لزمن اليتم وهو من ولدته وفوت والده إلى أن يبلغ زمن الشد وهو‬
‫البلوغ‪ ،‬والبلوغ يعرف بالحتلم أو نبات شعر العانة‪ ،‬وفي الجارية بالحيض أو الحمل‪ ،‬وببلوغ‬
‫الثامنة عشرة من العمر وعلى شرط أن يبلغ اليتيم ‪ 1‬عاقلً فإن كان غير عاقل يبقى في كفالة‬
‫كافله‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬وأوفوا الكيل ‪ 2‬والميزان بالقسط ل نكلف نفسا إل وسعها} أمر بتوفية الكيل‬
‫والوزن‪ ،‬والمر بالشيء نهي عن ضده‪ ،‬وبذا حرم بخس الكيل والوزن والتطفيف فيهما وقوله‬
‫{بالقسط} أي بالعدل بحيث ل يزيد ول ينقص‪ ،‬وقوله {ل نكلف نفسا إل وسعها} أي طاقتها رفعا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫للحرج عن المسلم في الكيل والوزن إذا هو نقص أو زاد بغير عمد ول تساهل‪.‬‬
‫وقوله تعالى {وإذا قلتم فاعدلوا ‪ 3‬ولو كان ذا قربى} هذا المحرم الثالث وهو قول الزور وشهادة‬
‫الزور‪ ،‬إذ المر بالعدل في القول ولو كان المقول له أو فيه قريبا نهى عن ضده وهو الجور في‬
‫القول‪.‬‬
‫وقوله تعالى {وبعهد ‪ 4‬ال أوفوا} متضمن للمحرم الرابع وهو نكث العهد وخلف الوعد‪ ،‬إذ المر‬
‫بالوفاء بالعهود نهي عن نكثها وعدم الوفاء بها‪ ،‬وقوله تعالى {ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون}‬
‫إشارة إلى ما تضمنته هذه الية الثانية مما حرم تعالى على عباده‪ ،‬وقوله {لعلكم تذكرون} أي‬
‫ليعدكم بذلك لن تذكروا فتتعظوا فتجتنبوا ما حرم عليكم‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وأن هذا صراطي‬
‫مستقيما فاتبعوه ول تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} هذه هي الية‬
‫الثالثة من آيات الوصايا العشر ‪ 5‬وقد تضمنت‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لن الرشد ل يكون إل مع العقل وال يقول فإن آنستم منهم رشدا والرشد مقابل السفه وهو‬
‫إساءة التصرف فيما اسند إليه من مال وغيره‪.‬‬
‫‪ 2‬رد في التطفيف وعيد شديد قال تعالى ويل للمطففين‪ ،‬وقال الرسول صلى ال عليه وسلم "ول‬
‫نقص قوم المكيال والميزان إل قطع عنهم الرزق‪.‬‬
‫‪ 3‬المر بالعدل في القول يتناول الحكام والشهادات‪.‬‬
‫‪ 4‬هذا الوفاء عام في كل ما عهد ال تعالى به إلى عباده من سائر الفرائض والواجبات وسائر‬
‫التكاليف كما يتضمن العهود التي تكون بين النسان وأخيه النسان‪.‬‬
‫‪ 5‬هذه الوصايا العشر موجودة في أول التوراة ومع السف أضاعها اليهود لشقائهم‪.‬‬

‫( ‪)2/141‬‬

‫المر بالتزام السلم عقائدا وعبادات وأحكاما وأخلقا وآدابا‪ ،‬كما تضمنت النهي عن إتباع غيره‬
‫من سائر الملل والنحل المعبر عنها بالسبل‪ ،‬ومادام المر بالتزام السلم يتضمن النهي عن ترك‬
‫السلم فقد تضمنت الية تحريما أل وهو ترك السلم وإتباع غيره هذا الذي حرم ال تعالى على‬
‫عباده ل ما حرمه المشركون بأهوائهم وتزيين شركائهم وقوله تعالى ‪{ :‬ذلكم وصاكم به لعلكم‬
‫تتقون} إشارة إلى التزام السلم وترك ما عداه ليعدكم بذلك للتقوى وهي اتقاء غضب الرب تعالى‬
‫وعذابه‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬هذه الوصايا العشر عليها مدار السلم وسعادة النسان في الدارين كان عبدال بن مسعود‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يقول فيها "من سره أن ينظر إلى وصية رسول ال التي عليها خاتمه فليقرأ اليات الثلث من‬
‫آخر سورة النعام‪{ :‬قل تعالوا‪ ....‬تتقون}‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة الشرك وحقوق الوالدين وقتل الولد والزنى واللواط وكل قبيح من قول أو عمل أو‬
‫اعتقاد وقتل النفس إل بالحق‪ ،‬وأكل مال اليتيم‪ ،‬وبخس الكيل والوزن‪ ،‬وقول الزور وشهادة‬
‫الزور‪ ،‬ونكث العهد وخلف الوعد‪ .‬والردة عن السلم‪ ،‬وإتباع المذاهب الباطلة والطرق الضالة‪.‬‬
‫‪ -3‬كمال المعقل باجتناب المحرمات الخمس الولى‪.‬‬
‫‪ -4‬الحصول على ملكة المراقبة باجتناب المحرمات الربع الثانية‪.‬‬
‫‪ -5‬النجاة من النار والخزي والعار في الدارين بالتزام السلم حتى الموت والبراءة من غيره من‬
‫سائر المذاهب ‪ 1‬والملل والطرق‪.‬‬
‫حمَةً ّلعَّلهُم بِِلقَاء‬
‫شيْ ٍء وَهُدًى وَرَ ْ‬
‫ثُمّ آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ َتمَامًا عَلَى الّ ِذيَ أَحْسَنَ وَتَ ْفصِيلً ّل ُكلّ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى الدارمي عن ابن مسعود رضي ال عنه قال خط لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما‬
‫خطا ثم قال هذا سبيل ال ثم خط خطوطا عن يمينه وخطوطا عن يساره ثم قال هذه سبلٌ على كل‬
‫سبيل منها شيطان يدعو إليها‪ .‬ثم قرأ هذه الية قل هذه سبيلي‪ .‬وهذه صورة تقريبية‪.‬‬

‫( ‪)2/142‬‬

‫حمُونَ(‪ )155‬أَن َتقُولُواْ إِ ّنمَا‬


‫رَ ّبهِمْ ُي ْؤمِنُونَ(‪ )154‬وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَا َركٌ فَاتّ ِبعُوهُ وَاتّقُواْ َلعَّلكُمْ تُ ْر َ‬
‫علَى طَآ ِئفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنّا عَن دِرَاسَ ِتهِمْ َلغَافِلِينَ(‪َ )156‬أوْ َتقُولُواْ َلوْ أَنّا أُن ِزلَ‬
‫أُن ِزلَ ا ْلكِتَابُ َ‬
‫حمَةٌ َفمَنْ أَظَْلمُ ِممّن كَ ّذبَ بِآيَاتِ‬
‫عَلَيْنَا ا ْلكِتَابُ َلكُنّا أَ ْهدَى مِ ْنهُمْ َفقَدْ جَاءكُم بَيّنَةٌ مّن رّ ّبكُ ْم وَهُدًى وَ َر ْ‬
‫اللّ ِه َوصَ َدفَ عَ ْنهَا سَ َنجْزِي الّذِينَ َيصْ ِدفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ ا ْلعَذَابِ ِبمَا كَانُواْ َيصْ ِدفُونَ(‪)157‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الكتاب ‪ :‬التوراة‪.‬‬
‫وتفصيلً لكل شيء ‪ :‬تحتاج إليه أمة بني إسرائيل في عقائدها وعباداتها وفضائلها وأحكامها‪.‬‬
‫وهذا كتاب أنزلناه‪ :‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫مبارك‪ :‬خيريته ونفعه وبركته دائمة‪.‬‬
‫على طائفتين من قبلنا‪ :‬اليهود والنصارى‪.‬‬
‫عن دراستهم ‪ :‬أي قراءتهم لكتبهم لنها بلسانهم ونحن ل نفهم ذلك‪.‬‬
‫وصدف عنها ‪ :‬أعرض عنها ولم يلتفت إليها‪.‬‬
‫سوء العذاب‪ :‬أي سيء العذاب وهو أشده‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هذا الكلم متصل بما قبله‪ ،‬فثم ‪ 1‬حرف عطف والمعطوف عليه هو قل تعالوا أتل اليات أي ثم‬
‫قل يا رسولنا آتى ربي موسي الكتاب تماما لنعمه {على الذي أحسن} طاعة ربه وهو‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال الزجاج‪ :‬ثم ها هنا للعطف على معنى التلوة‪ ،‬فالمعنى اتل ما حرم ربكم عليكم‪ .‬ثم أتل‬
‫عليكم ما آتى ال موسى الخ‪ .‬فهي إذا لعطف الجُمل وما كان لعطف الجمل فل يراعى فيه تراخي‬
‫الزمان‪.‬‬

‫( ‪)2/143‬‬

‫موسى عليه السلم‪{ ،‬وتفصيلً لكل شيء} مما تحتاج إليه أمة بني إسرائيل في عقائدها‪ ،‬وعباداتها‬
‫وأحكامها العامة والخاصة {وهدي} يتبينون به الحق والصواب‪{ ،‬ورحمة} لهم في دنياهم لما يحمله‬
‫من الدعوة إلى العدل والخير رجاء أن يوقنوا بلقاء ربهم‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه الية الولى وهي قوله تعالى‪{ :‬ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن‬
‫وتفصيلً لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم ‪ }1‬أي بني إسرائيل {يؤمنون} فيعملون‬
‫الصالحات ويتخلون عن المفاسد والشرور لما تجلبه لهم من غضب ال تعالى وعذابه‪.‬‬
‫أما الية الثانية (‪ )155‬فقد أشاد ال تعالى بالقرآن الكريم ممتنا بإنزاله وما أودع فيه من البركة‬
‫التي ينالها كل من يؤمن به ويعمل به ويتلوه تعبدا وتقربا وتعلما‪.‬‬
‫هذا معنى قوله تعالى‪{ :‬وهذا كتاب أنزلناه مبارك} وقوله {فاتبعوه ‪ }....2‬أمر للعباد بإتباع ما جاء‬
‫في القرآن الكريم من عقائد وعبادات وشرائع وأحكام فإن من اتبعه قاده إلى السعادة والكمال في‬
‫الحياتين‪ ،‬وقوله {واتقوا ‪ 3‬لعلكم ترحمون} أي اتقوا ترك العمل به ليعدكم ذلك الذي هو متابعة‬
‫القرآن والتقوى للرحمة فترحمون في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫وأما الية الثالثة وهي قوله تعالى‪{ :‬أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن‬
‫دراستهم لغافلين} فمعناها‪ :‬إن ال تعالى أنزل الكتاب على رسوله محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫وأمره بتلوته وإبلغه الناس لئل يقول الكافرون من العرب إنما أنزل الكتاب على طائفتين من‬
‫قبلنا اليهود والنصارى والمراد بالكتاب التوراة والنجيل‪{ ،‬وإن كنا عن دراستهم لغافلين} إذ لم‬
‫نعرف لغتهم‪ ،‬ولم نعرف ما يقرأونه في كتابهم‪ ،‬فتقوم الحجة لكم علينا فقطعا لهذه الحجة أنزلنا‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫وقوله تعالى في الية الرابعة‪{ :‬أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة‬
‫من ربكم وهدى ورحمة} كما قطع تعالى عذرهم بإنزال كتابه الكريم لو قالوا يوم القيامة إنما أنزل‬
‫الكتاب على اليهود والنصارى ونحن لم ينزل إلينا شيء فلذا ما عرفنا ربنا ول عرفنا محابه‬
‫ومكارهه فنطيعه بفعل محابه وترك مكارهه‪ ،‬قطع كذلك عذرهم لو قالوا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي رجاء أن يؤمنوا بلقاء ربهم‪.‬‬
‫‪ 2‬أي اعملوا بما فيه متتبعين ما فيه من أوامر ونوه تفعلون المر وتتركون النهي‪.‬‬
‫‪ 3‬أي اتقوا تحريفه وتبديله كما فعلت اليهود‪.‬‬

‫( ‪)2/144‬‬

‫لو أنا أنزل علينا الكتاب الهادي إلى الحق المعرف بالهدى لكنا أهدى من اليهود والنصارى الذين‬
‫أوتوا الكتاب قبلنا‪ ،‬فقال تعالى {فقد جاءكم بينة من ربكم} وهو القرآن الكريم ورسوله المبلغ له‬
‫{وهدى ورحمة} أي وجاءكم الهدى والرحمة يحملهما القرآن الكريم‪ ،‬فأي حجة بقيت لكم تحتجون‬
‫بها عند ال يوم القيامة إنكم إن لم تقبلوا هذه البينة وما تحمله من هدى ورحمة فقد كذبتم بآيات ال‬
‫وصدفتم عنها ول أحد أظلم ممن كذب بآيات ال وصدف عنها‪ ،‬وسيجزيكم بما يجزي به المكذبين‬
‫بآيات ال الصادفين عنها‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه الية الرابعة (‪{ )157‬أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم} أي‬
‫كراهية أن تقولوا‪( .‬فقد جاءكم ‪ 1‬بينة من ربكم وهدى ‪ 2‬ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات ال‬
‫وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون}‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان منة ال تعالى على موسى عليه السلم والثناء عليه لحسانه‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير عقيدة البعث والجزاء يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ -‬الشادة بالقرآن الكريم‪ ،‬وما أودع ال فيه من البركة والهدى والرحمة والخير‪.‬‬
‫‪ -4‬قطع حجة المشركين بإنزال ال تعالى كتابه وإرسال رسوله محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -5‬التنديد ‪ 3‬بالظلم‪ ،‬وبيان جزاء الظالمين المكذبين بآيات ال المعرضين عنها‪.‬‬
‫َهلْ يَنظُرُونَ ِإلّ أَن تَأْتِيهُمُ ا ْلمَل ِئكَةُ َأوْ يَأْ ِتيَ رَ ّبكَ َأوْ يَأْ ِتيَ َب ْعضُ آيَاتِ رَ ّبكَ َيوْمَ يَأْتِي َب ْعضُ آيَاتِ‬
‫ك لَ يَنفَعُ َنفْسًا إِيمَا ُنهَا َلمْ َتكُنْ آمَ َنتْ مِن قَ ْبلُ َأوْ كَسَ َبتْ فِي إِيمَا ِنهَا خَيْرًا ُقلِ انتَظِرُواْ‬
‫رَ ّب َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي بطل عذركم بمجيء النبي المي صلى ال عليه وسلم لكم وهو البيّنة وسمي بينة لكماله‬
‫الخلقي والخلقي ولما معه من العلوم والمعارف اللهية وهو أميّ ل يقرأ ول يكتب‪.‬‬
‫‪ 2‬الهدى والرحمة المراد بهما ما في القرآن الكريم من هدى ورحمة للمؤمنين بقرينة‪ .‬فمن أظلم‬
‫ممن كذب بآيات ال‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 3‬وفي الحديث الصحيح‪" :‬اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة"‪ .‬وفي آخر الظلم يذر الديار‬
‫بل قع أي فقرا خالية‪.‬‬

‫( ‪)2/145‬‬

‫شيْءٍ إِ ّنمَا َأمْرُ ُهمْ إِلَى الّلهِ ثُمّ‬


‫ستَ مِ ْنهُمْ فِي َ‬
‫إِنّا مُنتَظِرُونَ(‪ )158‬إِنّ الّذِينَ فَ ّرقُواْ دِي َن ُه ْم َوكَانُواْ شِ َيعًا لّ ْ‬
‫يُنَبّ ُئهُم ِبمَا كَانُواْ َي ْفعَلُونَ(‪)159‬مَن جَاء بِا ْلحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ َأمْثَاِلهَا َومَن جَاء بِالسّيّئَةِ فَلَ ُيجْزَى ِإلّ‬
‫مِثَْلهَا وَهُ ْم لَ يُظَْلمُونَ(‪)160‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫بعض آيات ربك ‪ :‬أي علمات الساعة منها طلوع الشمس من مغربها‪.‬‬
‫كسبت في إيمانها خيرا‪ :‬من الطاعات والقربات‪.‬‬
‫فرقوا دينهم ‪ :.‬جعلوه طرائق ومذاهب تتعادى‪.‬‬
‫وكانوا شيعا ‪ :‬طوائف وأحزابا‪.‬‬
‫من جاء بالحسنة ‪ :‬أي أتى يوم القيامة بالحسنة التي هي اليمان بال والقرار بوحدانيته والعمل‬
‫بطاعته وطاعة رسوله‪.‬‬
‫ومن جاء بالسيئة‪ :‬أي بالشرك بال ومعاصيه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بعد ذكر الحجج وإنزال اليات التي هي أكبر بينة على صحة التوحيد وبطلن الشرك‪ ،‬والعادلون‬
‫بربهم الصنام مازالوا في موقفهم المعادي للحق ودعوته ورسوله فأنزل ال تعالى قوله‪{ :‬هل‬
‫ينظرون‪ } ....‬أ ي ما ينتظرون {إل أن تأتيهم الملئكة} لقبض أرواحهم‪{ ،‬أو يأتي ربك} يوم‬
‫القيامة لفضل القضاء‪{ ،‬أو يأتي بعض آيات ربك} الدالة على قرب الساعة كطلوع الشمس من‬
‫مغربها‪ ،‬إن موقف الصرار على التكذيب هو موقف المنتظر لما ذكر تعالى من الملئكة ومجيء‬
‫الرب تعالى أو مجيء علمات الساعة للفناء‪ .‬وقوله تعالى {يوم يأتي بعض آيات ‪ 1‬ربك} الدالة‬
‫على قرب الساعة وهي طلوع الشمس من‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اليات بمعنى العلمات الدالة على قرب الساعة الكبرى منها عشر جاءت في حديث مسلم إذ‬
‫روى عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال أشرف علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم من غرفة‬
‫ونحن نتذاكر الساعة فقال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬ل تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات‪ .‬طلوع‬
‫الشمس من مغربها‪ ،‬والدخان‪ ،‬والدابة‪ ،‬وخروج يأجوج ومأجوج وخروج عيسى بن مريم‪،‬‬
‫وخروج الدجال وثلثة خسوف‪ :‬خسف بالمشرق وخسف بالمغرب‪ .‬وخسف بجزيرة العرب‪ ،‬ونار‬
‫تخرج من قعر عدن تسوق أو تحشر الناس تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/146‬‬

‫مغربها إيذانا بقرب ساعة الفناء في هذه الحال يخبر تعالى أن نفسا لم تكن آمنت قبل ظهوره هذه‬
‫الية لو آمنت بعد ظهورها ل يقبل منها إيمانها ول تنتفع به لنه أصبح إيمانا اضطراريا ل‬
‫اختياريا‪ ،‬كما أن نفسا آمنت به قبل الية‪ ،‬ولكن لم نكسب في إيمانها خيرا وأرادت أن تكسب‬
‫الخير فإن ذلك ل ينفعها فل تثاب عليه‪ ،‬لن باب التوبة مفتوح إلى هذا اليوم وهو يوم ‪ 1‬طلوع‬
‫الشمس من مغربها فإنه يغلق‪.‬‬
‫وقوله تعالى {قل انتظروا إنا منتظرون} يأمر ال رسوله أن يقول لولئك العادلين بربهم المصرين‬
‫على الشرك والتكذيب‪ :‬مادمتم منتظرين انتظروا إنا منتظرون ساعة هلككم فإنها آتية ل محالة‪.‬‬
‫هذا ما تضمنته الية الولى (‪ )158‬أما اليتان بعدها فإن ال تعالى أخبر رسوله بأن الذين فرقوا‬
‫دينهم ‪ 2‬وكانوا شيعا أي طوائف وأحزابا وفرقا مختلفة كاليهود والنصارى‪ ،‬ومن يبتدع من هذه‬
‫المة بدعا فيتابع عليها فيصبحون فرقا وجماعات ومذاهب مختلفة متطاحنة متحاربة هؤلء {لست‬
‫منهم في شيء} أي أنت بريء منهم‪ ،‬وهم منك بريئون‪ ،‬وإنما أمرهم إلى ال تعالى هو الذي يتولى‬
‫جزاءهم فإنه سيجمعهم يوم القيامة ثم ينبنهم بما كانوا يعملون من الشر والخير {من جاء بالحسنة‬
‫فله عشر أمثالها‪ ،‬ومن جاء بالسيئة فل يجزى إل مثلها‪ ،‬وهم ل يظلمون} من قبلنا فل ننقص‬
‫المحسن منهم حسنة من حسناته‪ ،‬ول نضيف إلى سيئآته سيئة ما عملها‪ ،‬هذا حكم ال فيهم‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬إثبات صفة التيان في عرصات القيامة للرب تبارك وتعالى لفصل القضاء‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير أشراط الساعة وإن طلوع الشمس منها وأنها متى ظهرت أغلق باب التوبة‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة الفرقة في الدين وأن اليهود والنصارى فرقوا دينهم وأن أمة السلم أصابتها الفرقة‬
‫كذلك بل وهي أكثر لحديث وستفترق هذه المة على ثلث وسبعين فرقة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى البخاري عن أبي هريرة رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬ل تقوم‬
‫الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا رآها الناس آمن من عليها فذلك {حين ل ينفع نفسا‬
‫إيمانها لم تكن آمنت من قبل}‪.‬‬
‫‪ 2‬قرىء فارقوا دينهم أي تركوه وتخلوا عنه وقراءة الجمهور فرقوا بالتضعيف حيث أصبح لكل‬
‫فرقة اعتقاد وعمل خاص لها ومن فرّق فقد فارق أحب أم كره‪.‬‬

‫( ‪)2/147‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -4‬براءة الرسول صلى ال عليه وسلم ممن فرقوا دينهم وترك المر ل يحكم بينهم بحكمه‬
‫العادل‪.‬‬
‫‪ -5‬مضاعفة الحسنات ‪ ،‬وعدم مضاعفة السيئات عدل من ال ورحمة‪.‬‬
‫ُقلْ إِنّنِي هَدَانِي رَبّي إِلَى صِرَاطٍ مّسْ َتقِيمٍ دِينًا قِ َيمًا مّلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا َومَا كَانَ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ(‪)161‬‬
‫ي َو َممَاتِي لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ(‪ )162‬لَ شَرِيكَ لَ ُه وَ ِبذَِلكَ ُأمِ ْرتُ وَأَنَاْ‬
‫سكِي َومَحْيَا َ‬
‫ن صَلَتِي وَنُ ُ‬
‫ُقلْ إِ ّ‬
‫سبُ ُكلّ َنفْسٍ ِإلّ عَلَ ْيهَا َولَ‬
‫شيْ ٍء َولَ َت ْك ِ‬
‫َأ ّولُ ا ْل ُمسِْلمِينَ(‪ُ )163‬قلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَ ْبغِي رَبّا وَ ُهوَ َربّ ُكلّ َ‬
‫ج ُعكُمْ فَيُنَبّ ُئكُم ِبمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَِلفُونَ(‪ )164‬وَ ُهوَ الّذِي‬
‫تَزِ ُر وَازِ َر ٌة وِزْرَ أُخْرَى ُثمّ إِلَى رَ ّبكُم مّرْ ِ‬
‫ضكُمْ َفوْقَ َب ْعضٍ دَرَجَاتٍ لّيَبُْل َوكُمْ فِي مَا آتَا ُكمْ إِنّ رَ ّبكَ سَرِيعُ‬
‫ف الَ ْرضِ وَ َرفَعَ َب ْع َ‬
‫جعََلكُمْ خَلَ ِئ َ‬
‫َ‬
‫ب وَإِنّهُ َل َغفُورٌ رّحِيمٌ (‪)165‬‬
‫ا ْل ِعقَا ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫قيما‪ :1‬أي مستقيما‪.‬‬
‫ملة إبراهيم ‪ :‬أي دين إبراهيم وهو السلم‪.‬‬
‫حنيفا‪ :‬مائلً عن الضللة إلى الهدى‪.‬‬
‫ونسكي ‪ :‬ذبحي تقربا إلى ال تعالى‪.‬‬
‫ومحياي ‪ :‬حياتي‪.‬‬
‫أبغي ربا‪ :‬أطلب ربا إلها معبودا أعبده‪.‬‬
‫ول تزر وازرة ‪ :‬أي ل تحمل نفس وازرة أي آثمة‪.‬‬
‫وزر أخرى‪ :‬أي إثم نفس أخرى‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قيما مصدر على وزن شِبَع وصف به المنصوب وهو دينا ومعناه مستقيما ل عوج فيه وهو‬
‫السلم‪.‬‬

‫( ‪)2/148‬‬

‫خلئف الرض‪ :‬أي يخلف بعضكم بعضا جيل يموت وآخر يحيا إلى نهاية الحياة‪.‬‬
‫ليبلوكم فيما آتاكم‪ :‬أي ليختبركم فيما أعطاكم من الصحة والمرض والمال والفقر والعلم والجهل‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫في هذه اليات وهي خاتمة هذه السورة التي بلغت آياتها بضعا وستين ومائة آية وكانت كلها في‬
‫الحجاج مع العادلين بربهم وبيان طريق الهدى لهم لعلهم يؤمنون فيوحدون ويسلمون‪ .‬في هذه‬
‫اليات أمر ال رسوله أن يعلن عن مفاصلته لولئك المشركين فقال له {قل إن صلتي ونسكي ‪}1‬‬
‫أي ما أذبحه تقربا إلى ربي‪{ ،‬ومحياي} أي ما آتيه في حياتي {ومماتي} أي ما أموت عليه من ‪2‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الطاعات والصالحات {ل رب العالمين} وحده {ل شريك له وبذلك أمرت} أي أمرني ربي سبحانه‬
‫وتعالى‪{ ،‬وأنا أول المسلمين} ل يسبقني أحد أبدا‪ .‬كما أمره أن ينكر على المشركين دعوتهم إليه‬
‫صلى ال عليه وسلم لن يعبد معهم آلهتهم‪ ،‬ليعبدوا معه إلهه وقال ‪{ :‬قل أغير ال أبغي ربا} أي‬
‫أطلب إلها‪{ ،‬وهو رب كل شيء} أي ما من كائن في هذه الحياة إل وال ربه أي خالقه ورازقه‪،‬‬
‫وحافظه‪ ،‬وأعلمه أنه ل تكسب نفس‬
‫من خير إل وهو لها‪ ،‬ول تكسب من شر إل عليها‪ ،‬وأنه {ول تزر وازرة وزر أخرى} أي ل‬
‫تحمل نفس مذنبة ذنب نفس مذنبة أخرى‪ ،‬وأن مرد الجميع إلى ال تعالى {ثم إلى ربكم مرجعكم‬
‫فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون} أي ويقضي بينكم فينجو من ينجو ويهلك من يهلك‪ ،‬كما أخبره أن‬
‫يقول‪{ :‬وهو الذي جعلكم خلئف الرض} أي يخلف بعضكم بعضا هذا يموت فيورث‪ ،‬وهذا‬
‫الوارث يموت فيورث‪ ،‬وقوله {ورفع بعضكم فوق بعض درجات} أي هذا غني وهذا فقير‪ ،‬هذا‬
‫صحيح وهذا ضرير هذا عالم وذاك جاهل‪ ،‬ثم علل تعالى لتدبيره فينا بقوله {ليبلوكم} أي يختبركم‬
‫فيما آتاكم ليرى الشاكر ويرى الكافر ولزم البتلء النجاح أو الخيبة فلذا قال {إن ربك سريع‬
‫العقاب وإنه لغفور رحيم} فيعذب الكافر ويغفر ويرحم الشاكر‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قيل المراد من الصلة هنا صلة العيد لمناسبة النسك وهو الذبح تقربا وقيل صلة نافلة‬
‫والعموم أولى‪ .‬وكذا النسك يطلق على الذبح تقربا وهو مراد ها ويطلق على سائر العبادات من‬
‫الفرائض والنوافل لن النسك هو التعبد‪.‬‬
‫‪ 2‬وقال القرطبي في الية وما أوصى به بعد وفاتي وهو حسن ويشهد له قوله تعالى ونكتب ما‬
‫قدموا وآثارهم‪.‬‬

‫( ‪)2/149‬‬

‫من هداية اليات‪.‬‬


‫‪ -1‬ملة إبراهيم عليه السلم هي السلم‪.‬‬
‫‪ -2‬مشروعية قول {إن صلتي ونسكي ومحياي ومماتي ل رب العالمين} في القيام للصلة ‪.1‬‬
‫‪ -3‬ل يصح طلب رب غير ال تعالى لنه رب كل شيء‪.‬‬
‫‪ -4‬عدالة ال تعالى تتجلى يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ -5‬عدالة الجزاء يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ -6‬تفاوت الناس في الغنى والفقر والصحة والمرض‪ ،‬والبر والفجور وفي كل شيء مظهر من‬
‫مظاهر تدبير ال تعالى في خلقه‪ .‬ينتفع به الذاكرون من غير أصحاب الغفلة والنسيان‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لحديث مسلم عن عليّ بن أبي طالب عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه كان إذا أقام‬
‫الصلة قال وجهت وجهي ل فاطر السموات ‪ ...‬الخ الية وفيه دعاء ذكره القرطبي عند تفسير‬
‫هذه الية‪.‬‬

‫( ‪)2/150‬‬

‫سورة العراف‬
‫‪...‬‬
‫سورة العراف‬
‫مكية ‪1‬‬
‫وآياتها خمس ومائتا آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫المص(‪ )1‬كِتَابٌ أُن ِزلَ ِإلَ ْيكَ فَلَ َيكُن فِي صَدْ ِركَ حَرَجٌ مّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَ ِذكْرَى لِ ْل ُمؤْمِنِينَ(‪ )2‬اتّ ِبعُواْ مَا‬
‫أُن ِزلَ إِلَ ْيكُم مّن رّ ّبكُمْ وَلَ تَتّ ِبعُواْ مِن دُونِهِ َأوْلِيَاء قَلِيلً مّا تَ َذكّرُونَ(‪َ )3‬وكَم مّن قَرْيَةٍ َأهَْلكْنَاهَا فَجَاءهَا‬
‫عوَاهُمْ ِإذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا ِإلّ أَن قَالُواْ إِنّا كُنّا ظَاِلمِينَ(‪)5‬‬
‫بَأْسُنَا بَيَاتًا َأوْ هُمْ قَآئِلُونَ(‪َ )4‬فمَا كَانَ دَ ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إلّ قوله تعالى‪{ :‬واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر} إلى قوله {وإذ نتقنا الجبل فوقهم‬
‫‪ .}.‬فإنها مدنيات‪.‬‬

‫( ‪)2/150‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫المص‪ :‬هذه أحد الحروف المقطعة ويقرأ هكذا‪ :‬ألف لم ميم صَادْ‪ .‬وال أعلم بمراده بها‪.‬‬
‫كتاب ‪ :‬أي هذا كتاب‪.‬‬
‫حرج‪ :‬ضيق‪.‬‬
‫وذكرى ‪ :‬تذكرة بها يذكرون ال وما عنده وما لديه فيقبلون على طاعته‪.‬‬
‫أولياء‪ :‬رؤساؤهم في الشرك‪.‬‬
‫ما تذكرون ‪ :‬أي تتعظون فترجعون إلى الحق‪.‬‬
‫وكم من قرية ‪ :‬أي كثيرا من القرى‪.‬‬
‫بأسنا بياتا‪ :‬عذابنا ليلً وهم نائمون‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أو هم قائلون ‪ :‬أي نائمون بالقيلولة وهم مستريحون‪.‬‬
‫فما كان دعواهم ‪ :‬أي دعاؤهم إل قولهم إنا كنا ظالمين‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫{المص} في هذه الحروف إشارة إلى أن هذا القرآن تألف من مثل هذه الحروف المقطعة وقد‬
‫عجزتم عن تأليف مثله فظهر بذلك أنه كلم ال ووحيه إلى رسوله فآمنوا به وقوله {كتاب} أي‬
‫هذا كتاب {أنزل إليك}‪ 1‬يا رسولنا {فل يكن في صدرك حرج منه} أي ضيق منه {لتنذر به }‬
‫قومك عواقب شركهم وضللهم‪ ،‬وتذكر به المؤمنين منهم ذكرى وقل لهم {اتبعوا ما أنزل إليكم‬
‫من ربكم} من الهدى والنور‪{ ،‬ول تتبعوا من دونه} أي من غيره {أولياء}‪ 2‬ل يأمرونهم إل‬
‫بالشرك والشر والفساد‪ ،‬وهم رؤساء الضلل في قريش {قليلً ما يذكرون} أي تتعظون فترجعون‬
‫إلى الحق الذي جانبتموه {وكم ‪ 3‬من قرية} أي وكثيرا من القرى أهلكنا أهلها لما جانبوا الحق‬
‫ولزموا الباطل {فجاءها ‪ 4‬بأسنا ‪ }5‬أي عذابنا الشديد‬
‫__________‬
‫‪ 1‬جملة‪{ :‬أنزل إليك} يصح إعرابها في محل نعت لكتاب ويصح إعرابها في محل نصب حالً من‬
‫هذا كتاب نحو ‪(:‬هذا بعلي شيخا) وإن لم يقدر لفظ هذا تعرب جملة حينئذٍ في محل رفع خبر‬
‫كتاب‪ ،‬ويكون التنكير في كتاب للتعظيم وهو كالوصف فيسوغ البتداء به وان كان نكرة نحو‬
‫قولهم‪ :‬شرٌ أهو ذا ناب‪.‬‬
‫‪ 2‬قالت العلماء‪ :‬كل من رضي مذهبا فأهل ذلك المذهب أولياؤه‪ ،‬ومنع أولياء من الصرف لنّ فيه‬
‫ألف التأنيث‪.‬‬
‫‪ 3‬كم‪ :‬للتكثير كما أنّ ذلك للتقليل وهي في موضع رفع على البتداء‪ ،‬والخبر جملة أهلكناها‪،‬‬
‫والتقدير‪ :‬وكثير من القرى أهلكناها‪.‬‬
‫‪{ 4‬فجاءها} في حرف الفاء هنا إشكال لنّ الهلك قد تمّ فما معنى مجيء البأس حينئذ؟ وعليه‬
‫فليكن تقدير الكلم‪ :‬وكم من قرية أردنا إهلكها فجاءها بأسنا‪.‬‬
‫‪ 5‬البأس‪ :‬العذاب التي على النفس‪.‬‬

‫( ‪)2/151‬‬

‫{بياتا أو هم قائلون} أي ليلً أو نهارا‪ ،‬فما كان دعاءهم ‪ 1‬يومئذ إل قولهم‪ :‬يا ويلنا إنا كنا ظالمين‬
‫فاعترفوا بذنبهم‪ ،‬ولكن هيهات إن ينفعهم العتراف بعد معاينة العذاب‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬القرآن الكريم هو مصدر نذارة الرسول صلى ال عليه وسلم وبشارته بما حواه من الوعد‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والوعيد‪ ،‬والذكرى والبشرى‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب إتباع الوحي‪ ،‬وحرمة إتباع ما يدعو إليه أصحاب الهواء والمبتدعة‪.‬‬
‫‪ -3‬العتبار بما حل بالمم الظالمة من خراب ودمار‪.‬‬
‫‪ -4‬ل تنفع التوبة عند معاينة الموت أو العذاب‪.‬‬
‫سلَ إِلَ ْي ِه ْم وَلَنَسْأَلَنّ ا ْلمُ ْرسَلِينَ(‪ )6‬فَلَ َن ُقصّنّ عَلَ ْيهِم ِبعِ ْل ٍم َومَا كُنّا غَآئِبِينَ(‪ )7‬وَا ْلوَزْنُ‬
‫فَلَنَسْأَلَنّ الّذِينَ أُرْ ِ‬
‫خ ّفتْ َموَازِينُهُ فَُأوْلَ ِئكَ الّذِينَ خَسِرُواْ‬
‫حقّ َفمَن َثقَُلتْ َموَازِينُهُ فَُأوْلَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ(‪َ )8‬ومَنْ َ‬
‫َي ْومَئِذٍ الْ َ‬
‫جعَلْنَا َلكُمْ فِيهَا َمعَايِشَ قَلِيلً مّا‬
‫ظِلمُونَ(‪ )9‬وََلقَدْ َمكّنّاكُمْ فِي الَ ْرضِ َو َ‬
‫سهُم ِبمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِ ْ‬
‫أَنفُ َ‬
‫شكُرُونَ(‪)10‬‬
‫تَ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫أرسل إليهم ‪ :‬هم المم والقوام‪.‬‬
‫فلنقصن عليهم بعلم ‪ :‬فلنخبرنهم بأعمالهم متتبعين لها فل نترك منها شيئا‪.‬‬
‫وما كنا غائبين‪ :‬أي عنهم أيام كانوا يعملون‪.‬‬
‫الوزن يومئذ الحق‪ :‬أي العدل‪.‬‬
‫فمن ثقلت موازينه‪ :‬أي بالحسنات فأولئك هم المفلحون بدخول الجنة‪.‬‬
‫خسروا أنفسهم ‪ :‬بدخولهم النار والصطلء بها أبدا‪.‬‬
‫معايش‪ :‬جمع معيشة بمعنى العيش الذي يعيشه النسان‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الدعاء والدعوى بمعنى واحد ومنه‪ :‬وآخر دعواهم أي‪ :‬دعائهم‪.‬‬

‫( ‪)2/152‬‬

‫ل والشكر ذكر النعمة للمنعم ‪ 1‬وطاعته بفعل محابه وترك‬


‫قليلً ما تشكرون ‪ :‬أي شكرا قلي ً‬
‫مكارهه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى‪{ :‬فلنسألن الذين أرسل ‪ 2‬إليهم ولنسألن المرسلين ‪ 3‬فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين}‬
‫يخبر تعالى أنه إذا جمع الخلئق لفصل القضاء مؤكدا الخبر بالقسم أنه يسأل كل أمة أو جماعة أو‬
‫فرد أرسل إليهم رسله يسألهم عن مدى إجابتهم دعوة رسله إليهم‪ ،‬فهل آمنوا بما جاءتهم به‬
‫الرسل‪ ،‬وأطاعوهم فيما بلغوهم من التوحيد والعبادة والطاعة والنقياد‪ ،‬كما يسأل الرسل أيضا هل‬
‫بلغوا ما ائتمنهم عليه من رسالته المتضمنة أمر عباده باليمان به وتوحيده وطاعته في أمره‬
‫ونهيه‪ ،‬ثم يقصّ تعالى على الجميع بعلمه كل ما كان منهم من ظاهر العمال وباطنها‪ ،‬ول‬
‫يستطيعون إخفاء شيء أبدا‪ ،‬ولم يكن سؤاله لهم أولً‪ ،‬إل من باب إقامة الحجة وإظهار عدالته‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سبحانه وتعالى فيهم‪ ،‬ولتوبيخ من يستحق التوبيخ منهم‪ ،‬وهذا معنى قوله تعالى‪{ :‬فلنقصن عليهم‬
‫بعلم وما كنا غائبين} عنهم حينما كانوا في الدنيا يعملون فكل أعمالهم كانت مكشوفة ظاهرة له‬
‫تعالى ول يخفي عليه منها شيء وهو السميع البصير‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )6‬والثانية (‪ )7‬أما اليتان الثالثة والرابعة فقد أخبر تعالى أنه بعد‬
‫سؤالهم وتعريفهم بأعمالهم ينصب الميزان وتوزن ‪ 4‬لهم أعمالهم فمن ثقلت موازين حسناته أفلح‬
‫بالنجاة من النار ودخول الجنة دار السلم ومن خفّت لقلة حسناته وكثرة سيئاته ‪ 5‬خسر نفسه‬
‫بإلقائه في جهنم ليخلد في عذاب أبدي‪ ،‬وعلل تعالى لهذا الخسران في جهنم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وحده والثناء بها عليه‪.‬‬
‫‪ 2‬في الية دليل على أن الكفار يحاسبون وإن لم توزن أعمالهم لقوله تعالى {فل نقيم لهم يوم‬
‫القيامة وزنا} فمحاسبتهم لظهار العدالة اللهية ل لن لهم أعمالً صالحة يجزون بها وال أعلم‪.‬‬
‫‪ 3‬ويشهد لهذه المساءلة قوله صلى ال عليه وسلم في الصحيح‪ " :‬كلكم راع وكلكم مسؤول عن‬
‫رعيته فالمام يسأل عن رعيته‪ ،‬والرجل يسأل عن أهله‪ ،‬والمرأة تسأل عن بيت زوجها‪ ،‬والعبد‬
‫يسأل عن مال سيده"‪.‬‬
‫‪ 4‬هنا زلت أقدام المعتزلة فأوّلوا الوزن للعمال والميزان وقالوا‪ :‬العراض ل توزن ولو اتبعوا‬
‫لوّلوا الميزان بالصراط والجنة والنار على ما يرد على الرواح دون الجساد‪ ،‬والشياطين والجنّ‬
‫على الخلق المذمومة‪ ،‬والملئكة على القوى المحمودة وهكذا حتى ل يبقى للدين حقيقة والعياذ‬
‫بال من فساد القلوب والعقول ومن الجري وراء فلسفة الغريق واليونان‪.‬‬
‫‪ 5‬ورد في السنة الصحيحة إن العراض تحوّل إلى أجسام وتوزن كما في حديث‪ :‬أنّ البقرة وآل‬
‫عمران يأتيان يوم القيامة وكأنهما غمامتان‪ .‬الحديث‪ ،‬كما توزن صحائف العمال لحديث‪:‬‬
‫"فطاشت السجلت وثقلت البطاقة" وحديث‪" :‬يؤتى بالرجل السمين فل يزن عند ال جناح بعوضة"‬
‫وبهذا تقرر أن العمال توزن وتوزن محالها وفاعلوها وال على ذلك قدير‪.‬‬

‫( ‪)2/153‬‬

‫بقوله {بما كانوا بآياتنا يظلمون} ‪ :‬أي يكذبون ويجحدون‪ ،‬وأطلق الظلم وأريد به التكذيب والجحود‬
‫لمرين هما‪:‬‬
‫أولً‪ :‬اكتفاء بحرف الجر الباء إذ ل تدخل على ظلم ولكن على كذب أو جحد يقال كذب به وجحد‬
‫به ول يقال ظلم به ولكن ظلمه وهذا من باب التضمين وهو سائغ في لغة العرب التي نزل بها‬
‫القرآن‪.‬‬
‫وثانيا ‪ :‬أنهم بدل أن يؤمنوا باليات وهي واضحات كذبوا بها فكانوا كأنهم ظلموا اليات ظلما‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حيث لم يؤمنوا بها وهي بينات‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه اليتان أما الية الخامسة (‪ )10‬فقد تضمنت امتنان ال تعالى على عباده‪ ،‬وكان‬
‫المفروض أن يشكروا نعمه عليهم باليمان به وتوحيده وطاعته‪ ،‬ولكن الذي حصل هو عدم الشكر‬
‫من أكثرهم قال تعالى {ولقد مكناكم في الرض} حيث جعلهم متمكنين في الحياة عليها يتصرفون‬
‫فيها ويمشون في مناكبها‪ ،‬وقوله {وجعلنا لكم فيها معايش} ‪ 1‬هذه نعمة أخرى وهي أن جعل لهم‬
‫فيها معايش وأرزاقا يطلبونها فيها ويحصلون عليها وعليها قامت حياتهم‪ ،‬وقوله {قليلً ما‬
‫تشكرون} أي ل تشكرون إل شكرا يسيرا ل يكاد يذكر‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والسؤال والحساب ووزن العمال يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ -2‬صعوبة الموقف حيث تسأل المم والرسل عليهم السلم كذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬الفلح والخسران مبنيان على الكسب في الدنيا فمن كسب خيرا نجا‪ ،‬ومن كسب شرا هلك‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب شكر النعم باليمان والطاعة ل ورسوله‪.‬‬
‫جدُواْ‬
‫صوّرْنَاكُمْ ُثمّ قُلْنَا لِ ْلمَل ِئكَةِ اسْ ُ‬
‫وَلَقَدْ خََلقْنَاكُمْ ثُمّ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المعايش‪ :‬جمع معيشة‪ ،‬والمعيشة‪ :‬ما يتوصل به إلى العيش الذي هو الحياة من المطاعم‬
‫والمشارب‪ .‬والتمكين في الرض‪ :‬معناه جعلها قارة ممهدة ل تضطرب ول تتحرك فيفسد ما‬
‫عليها‪.‬‬

‫( ‪)2/154‬‬

‫سجُدَ إِذْ َأمَرْ ُتكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ‬


‫جدِينَ(‪ )11‬قَالَ مَا مَ َن َعكَ َألّ تَ ْ‬
‫لدَمَ َفسَجَدُواْ ِإلّ إِبْلِيسَ لَمْ َيكُن مّنَ السّا ِ‬
‫مّنْهُ خََلقْتَنِي مِن نّا ٍر وَخََلقْتَهُ مِن طِينٍ(‪ )12‬قَالَ فَاهْبِطْ مِ ْنهَا َفمَا َيكُونُ َلكَ أَن تَ َتكَبّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِ ّنكَ‬
‫مِنَ الصّاغِرِينَ(‪ )13‬قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى َيوْمِ يُ ْبعَثُونَ(‪ )14‬قَالَ إِ ّنكَ مِنَ المُنظَرِينَ (‪ )15‬قَالَ فَ ِبمَا‬
‫طكَ ا ْلمُسْ َتقِيمَ(‪ُ )16‬ث ّم لتِيَ ّنهُم مّن بَيْنِ أَ ْيدِيهِ ْم َومِنْ خَ ْل ِفهِ ْم وَعَنْ أَ ْيمَا ِنهِمْ‬
‫ل ْقعُدَنّ َلهُمْ صِرَا َ‬
‫غوَيْتَنِي َ‬
‫أَ ْ‬
‫جدُ َأكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ(‪ )17‬قَالَ اخْرُجْ مِ ْنهَا مَ ْذؤُومًا مّدْحُورًا ّلمَن تَ ِب َعكَ مِ ْنهُمْ‬
‫شمَآئِِلهِ ْم َولَ تَ ِ‬
‫وَعَن َ‬
‫ج َمعِينَ(‪)18‬‬
‫جهَنّمَ مِنكُمْ َأ ْ‬
‫لمْلنّ َ‬
‫َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫خلقناكم ثم صورناكم ‪ :‬أي خلقنا أباكم آدم أي قدرناه من الطين ثم صورناه على الصورة البشرية‬
‫الكريمة التي ورثها بنوه من بعده إلى نهاية الوجود النساني‪.‬‬
‫فسجدوا ‪ :‬أي سجود تحية لدم عليه السلم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إبليس‪ :‬أبو الشياطين من الجن وكنيته أبو مرة‪ ،‬وهو الشيطان الرجيم‪.‬‬
‫فاهبط منها ‪ :‬أي من الجنة‪.‬‬
‫من الصاغرين ‪ :‬جمع صاغر الذليل المهان‪.‬‬
‫فبما أغويتني‪ :‬أي فبسبب إضللك لي‪.‬‬
‫مذموما مدحورا ‪ :‬ممقوتا مذموما مطرودا‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫مازال السياق في تعداد أنعم ال تعالى على عباده تلك النعم الموجبة لشكره تعالى باليمان‬

‫( ‪)2/155‬‬

‫به وطاعته فقال تعالى {ولقد خلقناكم ثم صورناكم ‪ }1‬أي خلقنا أباكم آدم من طين ثم صورناه‬
‫بالصورة البشرية التي ورثها بنوه عنه‪{ ،‬ثم قلنا للملئكة اسجدوا لدم} وفي هذا إنعام آخر وهو‬
‫تكريم أبيكم آدم بأمر الملئكة بالسجود له تحية له وتعظيما {فسجدوا إل إبليس ‪ 2‬لم يكن من‬
‫الساجدين} أي أبى وامتنع أن يسجد‪ ،‬فسأله ربه تعالى قائلً ‪{ :‬ما منعك أل تسجد ‪ 3‬إذ أمرتك} أي‪:‬‬
‫أي شيء جعلك ل تسجد فأجاب إبليس قائلً‪{ :‬أنا خير منه خلقتني من نار‪ ،‬وخلقته من طين } فأنا‬
‫أشرف منه فكيف أسجد له‪ ،‬ولم لكن إبليس مصيبا في هذه القياس ‪ 4‬الفاسد أولً‪ :‬ليست النار‬
‫أشرف من الطين بل الطين أكثر نفعا وأقل ضررا‪ ،‬والنار كلها ضرر‪ ،‬وما فيها من نفع ليس‬
‫بشيء إلى جانب الضرر وثانيا‪ :‬إن الذي أمره بالسجود هو الرب الذي تجب طاعته سواء كان‬
‫ل أو مفضولً‪ ،‬وهنا أمره الرب تعالى أن يهبط من الجنة فقال {اهبط منها فما‬
‫المسجود له فاض ً‬
‫يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين} أي الذليلين الحقيرين‪ ،‬ولما وقع إبليس في‬
‫ورطته‪ ،‬وعرف سبب هلكته وهو عدم سجوده لدم قال للرب تبارك وتعالى {انظرني} أي أمهلني‬
‫ل تمتني {إلى يوم يبعثون} فأجابه الرب بقوله {إلى يوم الوقت المعلوم} وهو فناء هذه الدنيا فقط‬
‫وذلك قبل البعث‪ ،‬جاء هذا الجواب في سورة الحجر وهنا قال {إنك من المنظرين} ومراد إبليس‬
‫في المهال التمكن من إفساد أكبر عدد من بني آدم انتقاما منهم إذ كان آدم هو السبب في طرده‬
‫من الرحمة‪ ،‬ولما أجابه الرب إلى طلبه قال‪{ :‬فبما أغويتني} أي أضللتني {لقعدن لهم صراطك‬
‫المستقيم} يريد آدم وذريته‪ ،‬والمراد من الصراط السلم إذ هو الطريق المستقيم والموصل‬
‫بالسالك له إلى رضوان ال تعالى {ثم لتينهم من بين أيديهم ‪ 5‬ومن خلفهم وعن‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ويصح أن يقال‪ :‬خلقناكم نطفا ثم صورناكم‪ ،‬وما في التفسير أولى بالية وأصح بدليل قوله‪{ :‬ثم‬
‫قلنا للملئكة اسجدوا لدم}‪.‬‬
‫ن ولم يكن من الملئكة‪.‬‬
‫‪ 2‬استثناء من غير الجنس إذ إبليس من الج ّ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪{ 3‬ما منعك} ما‪ :‬في موضع رفع بالبتداء فهي اسم استفهام والتقدير أي شيء منعك من السجود‪،‬‬
‫وأن المصدرية مدغمة في ل الزائدة بدليل عدم زيادتها في {ص} إذ قال‪{ :‬ما منعك أن تسجد}‬
‫أي‪ :‬من السجود لدم‪.‬‬
‫‪ 4‬قال ابن عباس والحسن‪ :‬أوّل من قاس إبليس فأخطأ القياس‪ ،‬فمن قاس الدين برأيه قرنه ال‬
‫تعالى مع إبليس‪ .‬قال العلماء‪ :‬من جوهر الطين الرزانة والسكون والوقار والناة ولهذا تاب آدم‪،‬‬
‫ومن جوهر النار الخفة والحدة والطيش والرتفاع ولذا لم يتب إبليس‪.‬‬
‫‪ 5‬معناه‪ :‬لصدنّهم عن الحق‪ ،‬وأرغبهم في الدنيا وأشككهم في الخرة وهذا غاية الضلل‪ ،‬وقال‬
‫بعضهم‪ :‬المراد من قوله‪{ :‬من بين أيديهم} من دنياهم {ومن خلفهم} من آخرتهم‪{ ،‬وعن أيمانهم}‬
‫يعني حسناتهم {وعن شمائلهم} يعني سيئاتهم‪.‬‬

‫( ‪)2/156‬‬

‫أيمانهم وعن شمائلهم} يريد يحيط بهم فيمنعهم سلوك الصراط المستقيم حتى ل ينجوا ويهلكوا كما‬
‫هلك هو زاده ال هلكا‪ ،‬وقوله {ول تجد أكثرهم شاكرين} هذا قول إبليس للرب تعالى‪ ،‬ول تجد‬
‫أكثر أولد آدم الذي أضللتني بسببه شاكرين لك باليمان والتوحيد والطاعات‪.‬‬
‫وهنا أعاد ال أمره بطرد اللعين فقال {اخرج منها} أي من الجنة {مذموما مدحورا} أي ممقوتا‬
‫مطرودا (لمن تبعك ‪ 1‬منهم لملن جهنم منكم أجمعين} أي فبعزتي لملن جهنم منك وممن اتبعك‬
‫منهم أجمعين‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬خطر الكبر على النسان‪.‬‬
‫‪ -2‬ضرر القياس ‪ 2‬الفاسد‪.‬‬
‫‪ -3‬خطر إبليس وذريته على بني آدم‪ ،‬والنجاة منهم بذكر ال تعالى وشكره‪.‬‬
‫‪ -4‬الشكر هو اليمان والطاعة ل ورسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫جكَ ا ْلجَنّةَ َفكُلَ مِنْ حَ ْيثُ شِئْ ُتمَا َولَ َتقْرَبَا َه ِذهِ الشّجَ َرةَ فَ َتكُونَا مِنَ الظّاِلمِينَ(‬
‫ت وَ َزوْ ُ‬
‫سكُنْ أَن َ‬
‫وَيَا آ َدمُ ا ْ‬
‫سوْءَا ِت ِهمَا َوقَالَ مَا َنهَا ُكمَا رَ ّب ُكمَا عَنْ‬
‫سوَسَ َل ُهمَا الشّ ْيطَانُ لِيُبْ ِديَ َل ُهمَا مَا وُو ِريَ عَ ْن ُهمَا مِن َ‬
‫‪َ )19‬فوَ ْ‬
‫صحِينَ(‪)21‬‬
‫س َم ُهمَا إِنّي َل ُكمَا َلمِنَ النّا ِ‬
‫هَ ِذهِ الشّجَ َرةِ ِإلّ أَن َتكُونَا مََلكَيْنِ َأوْ َتكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ(‪َ )20‬وقَا َ‬
‫طفِقَا‬
‫سوْءَا ُت ُهمَا وَ َ‬
‫فَ َدلّ ُهمَا ِبغُرُورٍ فََلمّا ذَاقَا الشّجَ َرةَ َب َدتْ َل ُهمَا َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اللم في {لمن} موطئة للقسم‪ ،‬واللم في {لملنّ} في جواب القسم والتقدير‪ :‬وعزتي من تبعك‬
‫منهم لملن جهنم منك ومنهم أجمعين‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 2‬القياس من الكتاب والسنة وإجماع علماء المة مشروع محمود لنّه اعتصام بالكتاب والسنة‬
‫وإجماع المة‪ ،‬وإنّما المذموم المحرّم‪ :‬القياس على غير أصل من هذه الصول الثلثة‪ :‬الكتاب‪،‬‬
‫السنة‪ ،‬الجماع‪ ،‬وهذا علي ابن أبي طالب لما قال له أبو بكر رضي ال عنهما أقيلوني بيعتي فقال‬
‫عليّ‪ :‬وال ل نقيلك ول نستقيلك رضيك رسول ال صلى ال عليه وسلم على دنيانا أفل نرضاك‬
‫لديننا فقاس المامة على الصلة ل‪ ،‬وقاس أبو بكر الزكاة على الصلة‪.‬‬

‫( ‪)2/157‬‬

‫صفَانِ عَلَ ْي ِهمَا مِن وَرَقِ ا ْلجَنّ ِة وَنَادَا ُهمَا رَ ّب ُهمَا أََلمْ أَ ْن َه ُكمَا عَن تِ ْل ُكمَا الشّجَ َر ِة وََأقُل ّل ُكمَا إِنّ‬
‫خ ِ‬
‫يَ ْ‬
‫الشّ ْيطَآنَ َل ُكمَا عَ ُدوّ مّبِينٌ(‪)22‬‬
‫شرح الكلمات ‪:‬‬
‫وزوجك ‪ :‬هي حواء التي خلقها ال تعالى من ضلع آدم اليسر‪.‬‬
‫الجنة ‪ :‬دار السلم التي دخلها رسول ال صلى ال عليه وسلم ليلة السراء والمعراج‪.‬‬
‫في الظالمين ‪ :‬أي لنفسهم‪.‬‬
‫فوسوس‪ :‬الوسوسة‪ :‬الصوت الخفي‪ ،‬وسوسة ‪ 1‬الشيطان لبن آدم إلقاء معانٍ فاسدة ضارة في‬
‫صدره مزينة ليعتقدها أو يقول بها أو يعمل‪.‬‬
‫ليبدي ‪ 2‬لهما ما ووري‪ :‬ليظهر لهما ما ستر عنهما من عوراتهما‪.‬‬
‫وقاسمهما ‪ :‬حلف لكل واحد منهما‪.‬‬
‫فدلهما بغرور ‪ :‬أي أدناهما شيئا فشيئا بخداعه وتغريره حتى أكل من الشجرة‪.‬‬
‫وطفقا يخصفان ‪ :‬وجعل يشدان عليهما من ورق الجنة ليسترا عوراتهما‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ولما طرد الرحمن إبليس من الجنة نادى آدم قائلً له {يا آدم اسكن أنت وزوجك} أي حواء {الجنة‬
‫فكل من حيث شئتما} يعنى من ثمارها وخيراتها‪{ ،‬ول تقربا هذه الشجرة} أشار لهما إلى شجرة‬
‫من أشجار الجنة معينة‪ ،‬ونهاهما عن الكل منها‪ ،‬وعلمهما أنهما إذا أكل منها كانا من الظالمين‬
‫المستوجبين للعقاب‪ ،‬واستغل إبليس هذه الفرصة التي أتيحت له فوسوس ‪ 3‬لهما مزينا لهما الكل‬
‫من الشجرة قائلً لهما {ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إل أن‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الوسواس اسم للشيطان أيضا قال تعالى‪{ :‬من شر الوسواس الخناس}‪.‬‬
‫‪ 2‬اللم‪ :‬لم العاقبة والصيرورة‪.‬‬
‫‪ 3‬ذهب الولون مذاهب في تحديد كيفية اتصال إبليس بآدم وحوارهما في الجنة وهو خارج منها‬
‫حتى وسوس لهما فأكل من الشجرة التي لم يأذن ال تعالى لهما في الكل منها إل أن المخترعات‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الحديثة بيّنت لنا كيفية ذلك التصال وبيانه‪ :‬ان النسان في نفسه قابلية لتلقي الوسواس أشبه ما‬
‫تكون بجهاز اللسلكي بواسطتها يتم التصال بين النسان وعدّوه إبليس وذريته‪.‬‬

‫( ‪)2/158‬‬

‫تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين} {وقاسمهما} أي حلف لهما أنه ناصح ‪ 1‬لهما وليس بغاش لهما‪،‬‬
‫{فدلهما بغرور} وخداع حتى أكل {فلما ذاقا الشجرة بدت‪ }...‬أي ظهرت لهما سوءاتهما ‪ 2‬حيث‬
‫انحسر النور ‪ 3‬الذي كان يغطيهما‪ ،‬فجعل يشدان من ورق الجنة على أنفسهما ليستر عوراتهما‪،‬‬
‫وهو معنى قوله تعالى {وطفقا يخصفا عليهما من ورق الجنة} وعندئذ ناداهما ربهما سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬قائلً‪ :‬ألم أنهكما عن هذه الشجرة وهو استفهام تأديب وتأنيب‪{ ،‬وأقل لكما إن الشيطان‬
‫لكما عدو مبين} فكيف قبلتما نصحه وهو عدوكما‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬سلح إبليس الذي يحارب به ابن آدم هو الوسوسة والتزيين ل غير‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير عداوة الشيطان للنسان‪.‬‬
‫‪ -3‬النهي يقتضي التحريم إل أن توجد قرينة تصرف عنه إلى الكراهة‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب ستر العورة من الرجال والنساء سواء‪.‬‬
‫‪ -5‬جواز القسام بال تعالى‪ ،‬ولكن ل يحلف إل صادقا‪.‬‬
‫ضكُمْ‬
‫حمْنَا لَ َنكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ(‪ )23‬قَالَ اهْ ِبطُواْ َب ْع ُ‬
‫قَالَ رَبّنَا ظََلمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لّمْ َت ْغفِرْ لَنَا وَتَرْ َ‬
‫ن َومِ ْنهَا‬
‫ن َوفِيهَا َتمُوتُو َ‬
‫لِ َب ْعضٍ عَ ُد ّو وََلكُمْ فِي الَ ْرضِ مُسْ َتقَ ّر َومَتَاعٌ إِلَى حِينٍ(‪ )24‬قَالَ فِيهَا َتحْ َيوْ َ‬
‫تُخْ َرجُونَ(‪)25‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ظلمنا أنفسنا‪ :‬أي بأكلهما من الشجرة‪.‬‬
‫الخاسرين‪ :‬الذين خسروا دخول الجنة والعيش فيها‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال قتادة‪ :‬حلف لهما بال أنه خلق قبلهما وأنه أعلم منهما وحلف أنه ناصح لهما فانغرا به‪ ،‬على‬
‫حد قول العلماء‪ :‬مَنْ خدعنا بال انخدعنا له‪.‬‬
‫‪ 2‬سُمي الفرجان سوأتين وعورة لن السوءة مشتقة مما يسيء إلى النفس باللم والعورة هي كل‬
‫ما استحيي من كشفه‪.‬‬
‫‪ 3‬روي عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه قال‪ :‬تقلّص النور الذي كان لباسهما فصار أظفارا‬
‫في اليدي والرجل‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/159‬‬

‫مستقر‪ :‬مكان استقرار وإقامة‪..‬‬


‫متاع إلى حين ‪ :‬تمتع بالحياة إلى حين انقضاء آجالكم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫مازال السياق في الحديث عن آدم عليه السلم‪ ،‬أنه لما ذاق آدم وحواء الشجرة وبدت لهما‬
‫سؤاتهما وعاتبهما ربهما على ذلك قال معلنين عن توبتهما‪{ :‬ربنا ظلمنا أنفسنا ‪ }1‬أي بذوق‬
‫الشجرة {وإن لم تغفر لنا} أي خطيئتنا هذه {لنكونن من الخاسرين} أي الهالكين‪ ،‬وتابا فتاب ال‬
‫تعالى عليهما وقال لهم اهبطوا إلى الرض إذ لم تعد الجنة في السماء دارا لهما بعد ارتكاب‬
‫المعصية‪ ،‬إن إبليس عصا بامتناعه عن السجود لدم‪ ،‬وآدم وحواء بأكلهما من الشجرة وقوله‬
‫{بعضكم لبعض عدو} أي اهبطوا إلى الرض ‪ 2‬حال كون بعضكم لبعض عدوا‪ ،‬إبليس وذريته‬
‫عدو لدم ونبيه‪ ،‬وآدم وبنوه عدو لبليس وذريته‪{ ،‬ولكم في الرض مستقر}‪ ،‬أي مقام استقرار‪،‬‬
‫{ومتاع إلى حين} أي تمتع بالحياة إلى حين انقضاء الجال وقوله تعالى {فيها تحيون وفيها‬
‫تموتون ومنها تخرجون}‪ 3‬يريد من الرض التي أهبطهم إليها وهي هذه الرض التي يعيش عليها‬
‫بنو آدم‪ ،‬والمراد من الخروج‪ ،‬الخروج من القبور إلى البعث والنشور‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬قول آدم وحواء‪{ :‬ربنا ظلمنا أنفسنا‪ } ..‬الية هو الكلمة التي ألقاها تعالى إلى آدم فتلقاها عنه‬
‫فتاب عليه بها‪.‬‬
‫‪ -2‬شرط التوبة العتراف بالذنب وذلك بالستغفار أي طلب المغفرة‪.‬‬
‫‪ -3‬شؤم الخطيئة كان سبب طرد إبليس من الرحمة‪ ،‬وإخراج آدم من الجنة‪.‬‬
‫‪ -4‬ل تَ ِتمّ حياةٌ للنسان على غير الرض‪ ،‬ول يدفن بعد موته في غيرها لدللة آية {فيها تَحْ َيوْن‬
‫وفيها تموتون ومنها ُتخْرجون}‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬يا ربنا‪ ،‬حذف حرف النداء لقربه منهما سبحانه وتعالى إذ يُنادى بحرف النداء البعيد‪.‬‬
‫‪ 2‬قال ابن كثير‪ :‬لو كان في تعيين الماكن التي هبط فيها آدم وحواء وإبليس فائدة تعود على‬
‫المكلّفين في دينهم أو دنياهم لذكرها ال تعالى‪.‬‬
‫‪ 3‬أي‪ :‬للحساب والجزاء على الكسب في الدنيا من خير وشرّ‪.‬‬

‫( ‪)2/160‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سوْءَا ِتكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ ال ّت ْقوَىَ ذَِلكَ خَيْرٌ ذَِلكَ مِنْ آيَاتِ الّلهِ‬
‫يَا بَنِي آ َدمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَ ْيكُمْ لِبَاسًا ُيوَارِي َ‬
‫س ُهمَا‬
‫َلعَّلهُمْ َي ّذكّرُونَ(‪ )26‬يَا بَنِي آدَ َم لَ َيفْتِنَ ّنكُمُ الشّ ْيطَانُ َكمَا أَخْرَجَ أَ َبوَ ْيكُم مّنَ الْجَنّةِ يَن ِزعُ عَ ْن ُهمَا لِبَا َ‬
‫ن لَ‬
‫جعَلْنَا الشّيَاطِينَ َأوْلِيَاء لِلّذِي َ‬
‫سوْءَا ِت ِهمَا إِنّهُ يَرَاكُمْ ُه َو َوقَبِيلُهُ مِنْ حَ ْيثُ لَ تَ َروْ َنهُمْ إِنّا َ‬
‫لِيُرِ َي ُهمَا َ‬
‫جدْنَا عَلَ ْيهَا آبَاءنَا وَاللّهُ َأمَرَنَا ِبهَا ُقلْ إِنّ اللّ َه لَ يَ ْأمُرُ‬
‫حشَةً قَالُو ْا وَ َ‬
‫ُي ْؤمِنُونَ(‪ )27‬وَإِذَا َفعَلُواْ فَا ِ‬
‫بِا ْلفَحْشَاء أَ َتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لَ َتعَْلمُونَ(‪)28‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫وريشا‪ :1‬لباس الزينة والحاجة‪.‬‬
‫يواري سوءاتكم ‪ :‬يستر عوراتكم‪.‬‬
‫لباس التقوى ‪ :.‬خير في حفظ العورات والجسام والعقول والخلق‪.‬‬
‫من آيات ال ‪ :‬دلئل قدرته‪.‬‬
‫ل يفتننكم‪ :‬أي ل يصرفنكم عن طاعة ال الموجبة لرضاه ومجاورته في الملكوت العلى‪.‬‬
‫أبويكم ‪ :‬آدم وحواء‪.‬‬
‫قبيله‪ :‬جنوده من الجن‪.‬‬
‫فاحشه‪ :‬خصلة قبيحة شديدة القبح كالطواف بالبيت عراة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الريش للطائر ما يستر جسمه‪ ،‬وللنسان اللّباس وجمعه رياش وهو ما كان فاخرا من أنواع‬
‫اللبسة‪.‬‬

‫( ‪)2/161‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {يا بني ‪ 1‬آدم قد نزلنا ‪ 2‬عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا} هذا النداء الكريم‬
‫المقصود منه تذكير للمشركين من قريش بنعم ال وقدرته عليهم لعلهم يذكرون فيؤمنون ويسلمون‬
‫بترك الشرك والمعاصي‪ ،‬من نعمه عليهم أن أنزل عليهم لباسا يوارون به سوءاتهم‪{ ،‬وريشا}‬
‫لباسا يتجملون به‪ ،‬في أعيادهم ومناسباتهم‪ ،‬ثم أخبر تعالى أن لباس التقوى خير لصاحبه من لباس‬
‫الثياب‪ ،‬لن المتقي عبد ملتزم بطاعة ال ورسوله‪ ،‬وال ورسوله يأمران بستر العورات‪ ،‬ودفع‬
‫الغائلت‪ ،‬والمحافظة على الكرامات‪ ،‬ويأمران بالحياء‪ ،‬والعفة وحسن السمت ونظافة الجسم‬
‫والثياب فأين لباس الثياب مجردة عن التقوى ‪ 3‬من هذه؟؟‪.‬‬
‫وقوله تعالى {ذلك من آيات ال} أي من دلئل قدرته الموجبة لليمان به وطاعته‪ ،‬وقوله {لعلهم‬
‫يذكرون} أي رجاء أن يذكروا هذه النعم فيشكروا باليمان والطاعة‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )26‬وفي الية الثانية (‪ )27‬ناداهم مرة ثانية فقال {يا بني آدم ل‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما ‪ 4‬سوءاتهما} يحذرهم من‬
‫إغواء الشيطان لهم مذكرا إياهم بما صنع مع أبويهما من إخراجهما ‪ 5‬من الجنة بعد نزعه لباسهما‬
‫عنهما فانكشفت سوءاتهما المر الذي سبب إخراجهما من دار السلم‪ ،‬منبها لهم على خطورة‬
‫العدو من حيث أنه يراهم هو وجنوده‪ ،‬وهم ل يرونهم‪ .‬ثم أخبر تعالى أنه جعل الشياطين أولياء‬
‫للذين ل يؤمنون‪ ،‬وذلك حسب سنته في خلقه‪ ،‬فالشياطين يمثلون قمة الشر والخبث فالذين ل‬
‫يؤمنون قلوبهم مظلمة لنعدام نور اليمان فيها فهي متهيئة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ابتداء الخطاب بالنداء الحكمة منه ليقع إقبال المنادين على ما بعد النداء بكل قلوبهم‪.‬‬
‫‪ 2‬إنزال اللّباس من السماء يعود لمور منها‪ :‬أن آدم أوّل من ستر عورته بورق التين من شجر‬
‫الجنة ومنها أنّ آدم نزل مكسوّا وورث عنه أولده ذلك‪ ،‬ومنها أن الماء الذي به النبات ومنه يتخذ‬
‫اللباس كالقطن مثلً نزل من السماء وحتى ذوات الصوف والوبر حياتها متوقفة على ماء السماء‪.‬‬
‫‪ 3‬قال الشاعر في لباس التقوى ما يلي‪:‬‬
‫إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى ‪ ...‬تقلب عريانا وإن كان كاسيا‬
‫وخير لباس المرء طاعة ربه ‪ ...‬ول خير فيمن كان ل عاصيا‬
‫‪4‬في هذه الية دليل على حرص الشيطان على أن يكشف الدمي عورته لما يسبق ذلك من الفسق‬
‫والفجور الذين يرغب الشيطان في إيقاع الدمي فيهما‪.‬‬
‫‪ 5‬تكاد تكون هذه سنة بشرية ل تتخلّف إذ ما من أمّة تبرج نساؤها فكشفن محاسنهن وأبدين‬
‫عوراتهن إلّ أسرع إليها الهلك بزوال الملك وذهاب السلطان‪.‬‬

‫( ‪)2/162‬‬

‫لقبول الشياطين وقبول ما يوسوسون به ويوحونه من أنواع المفاسد والشرور كالشرك والمعاصي‬
‫على اختلفها‪ ،‬وبذلك تتم الولية بين الشياطين والكافرين‪ ،‬وكبرهان على هذا الولء بينهم أن‬
‫المشركين إذا فعلوا فاحشة خصلة ذميمة قبيحة شديدة القبح ونهوا عنها احتجوا على فعلهم بأنهم‬
‫وجدوا آباءهم يفعلونها‪ ،‬وأن ال تعالى أمرهم بها وهي حجة باطلة لما يلي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬فعل آبائهم ليس دينا ول شرعا‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬حاشا ل تعالى الحكيم العليم أن يأمر بالفواحش إنما يأمر بالفواحش الذين يأتونها وهم‬
‫الشياطين وأولياؤهم من النس ولهذا رد ال تعالى عليهم بقوله‪ { :‬إن ال ل يأمر بالفحشاء}‬
‫ووبخهم معنفا إياهم بقوله‪{ :‬أتقولون على ال ما ل تعلمون}‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -1‬التذكير بنعم ال تعالى المقتضي للشكر عك ذلك باليمان والتقوى ‪.1‬‬
‫‪ -2‬التحذير من الشيطان وفتنته لسيما وأنه يرى النسان والنسان ل يراه‪.‬‬
‫‪ -3‬القلوب الكافرة هي الثمة‪ ،‬وكذلك تتم الولية بين الشياطين والكافرين‪.‬‬
‫‪ -4‬قبح الفواحش وحرمتها‪.‬‬
‫‪ -5‬بطلن الحتجاج بفعل الناس إذ ل حجة إل في الوحي اللهي‪.‬‬
‫‪ -6‬تنزه الرب تعالى عن الرضا بالفواحش فضلً عن المر بها‪.‬‬
‫سجِ ٍد وَادْعُوهُ ُمخِْلصِينَ لَهُ الدّينَ َكمَا بَدََأكُمْ‬
‫ط وََأقِيمُواْ وُجُو َه ُكمْ عِندَ ُكلّ مَ ْ‬
‫سِ‬‫ُقلْ َأمَرَ رَبّي بِا ْلقِ ْ‬
‫حقّ عَلَ ْيهِمُ الضّلَلَةُ إِ ّنهُمُ اتّخَذُوا الشّيَاطِينَ َأوْلِيَاء مِن دُونِ الّلهِ‬
‫َتعُودُونَ(‪ )29‬فَرِيقًا َهدَى َوفَرِيقًا َ‬
‫سجِ ٍد وكُلُو ْا وَاشْرَبُو ْا َولَ ُتسْ ِرفُواْ‬
‫خذُواْ زِينَ َت ُكمْ عِندَ ُكلّ مَ ْ‬
‫وَيَحْسَبُونَ أَ ّنهُم ّمهْتَدُونَ(‪ )30‬يَا بَنِي آدَمَ ُ‬
‫حبّ ا ْلمُسْ ِرفِينَ(‪)31‬‬
‫إِنّ ُه لَ ُي ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اليمان والتقوى بهما تحصل ولية الرب للعبد‪ ،‬قال تعالى ‪{:‬أل إنّ أولياء ال ل خوف عليهم‬
‫ول هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون}‪.‬‬

‫( ‪)2/163‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫القسط ‪ : 1‬العدل في القول والحكمة والعمل‪.‬‬
‫أقيموا وجوهكم ‪ :‬أي أخلصوا العبادة ل واستقبلوا بيته‪.‬‬
‫كما بدأكم تعودون‪ :‬كما بدأ خلقكم أول مرة يعيدكم بعد الموت أحياء‪.‬‬
‫أولياء من دون ال ‪ :‬يوالونهم محبة ونصرة وطاعة‪ ،‬من غير ال تعالى‪.‬‬
‫زينتكم‪ :‬أي البسوا ثيابكم عند الدخول في الصلة‪.‬‬
‫ول تسرفوا ‪ :‬في أكل ول شرب‪ ،‬والسراف مجاوزة الحد المطلوب في كل شيء‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫مازال السياق قي بيان أخطاء مشركي قريش فقد قالوا في اليات السابقة محتجين على فعلهم‬
‫الفواحش بأنهم وجدوا آباءهم على ذلك وأن ال تعالى أمرهم بها وأكذبهم ال تعالى في ذلك وقال‬
‫في هذه الية (‪{ )29‬قل} يا رسولنا {أمر ربي بالقسط} الذي هو العدل وهو اليمان بال ورسوله‬
‫وتوحيد ال تعالى في عبادته‪ ،‬وليس هو الشرك بال وفعل الفواحش‪ ،‬والكذب على ال تعالى بأنه‬
‫حلل كذا وهو لم يحلل‪ ،‬وحرم كذا وهو لم يحرم‪ ،‬وقوله تعالى {وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد}‬
‫أي وقل لهم يا رسولنا أقيموا وجوهكم عند كل مسجد ‪ 2‬أي أخلصوا ل العبادة‪ ،‬واستقبلوا بيته‬
‫الحرام‪{ ،‬وادعوه} سبحانه وتعالى {مخلصين له الدين} أي ادعوه وحده ول تدعوا معه أحدا قوله‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫{كما بدأكم تعودون} يذكرهم بالدار الخرة والحياة الثانية‪ ،‬فإن من آمن بالحياة بعد الموت والجزاء‬
‫على كسبه خيرا أو شرا أمكنه أن يستقيم على العدل والخير طوال الحياة وقوله {فريقا‪ 3‬هدى‪،‬‬
‫وفريقا حق عليهم الضللة ‪ }4‬بيان لعدله وحكمته ومظاهر قدرته فهو المبديء والمعيد والهادي‬
‫والمضل‪ ،‬له الملك المطلق والحكم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬القسط‪ :‬العدل‪ ،‬وهو وسط بين الشرك واللحاد‪ .‬ولذا قال ابن عباس‪ :‬القسط‪ :‬ل إله إلّ ال أي‪:‬‬
‫بأن يعبد ال وحده‪.‬‬
‫‪ 2‬أي‪ :‬في كل موضع للصلة من سائر بقاع الرض إذ موضع السجود هو المسجد وإقامة‬
‫الرجوه بالذات معناه أن ل يلتفت بقلبه ول بوجهه إلى غير ال تعالى وهو إخلص العبادة ل عز‬
‫وجل‪.‬‬
‫‪{ 3‬فريقا} نصب على الحال من الضمير في تعودون أي‪ :‬حال كونكم فريقين فريقا مهديا سعيدا‪،‬‬
‫وفريقا وجبت عليه الضللة فجاء الموقف ضالً شقيا‪ ،‬وقال القرطبي‪ :‬من ابتدأ ال خلقه للضللة‬
‫صيّره للضللة ومن ابتدأ ال خلقه على الهدى صيّره إلى الهدى‪ ،‬وشاهد قوله هذا آدم وإبليس فآدم‬
‫مخلوق للهداية وإبليس للضللة‪.‬‬
‫‪ 4‬اخرج مسلم عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه قال‪ :‬كانت المرأة في الجاهلية تطوف بالبيت‬
‫وهي عريانة وتقول‪:‬‬
‫من يعيرني تطوافأ تجعله على فرجها وتقول‪:‬‬
‫اليوم يبدو بعضه أو كله ‪...‬‬
‫وما بدا منه فل أحله‬

‫( ‪)2/164‬‬

‫الوحد‪ ،‬فكيف يعدل به أصنام وأوثان هدى فريقا من عباده فاهتدوا‪ ،‬وأضل آخرين فضلوا ولكن‬
‫بسبب رغبتهم عن الهداية وموالتهم لهل الغواية‪{ ،‬إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون ال}‬
‫فضلوا ضللً بعيدا {ويحسبون} لتوغلهم في الظلم والضلل {أنهم مهتدون}‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} أي ‪ :‬البسوا ثيابكم عند الطواف ‪ 1‬بالبيت‬
‫فل تطوفوا عراة‪ ،‬وعند الصلة فل تصلوا وأنتم مكشوفوا العورات كما يفعل المشركون المتخذون‬
‫الشياطين أولياء فأضلتهم حتى زينت لهم الفواحش قولً وفعلً واعتقادا‪ .‬وقوله‪{ :‬كلوا واشربوا ول‬
‫تسرفوا ‪ }2‬أي كلوا مما أحل ال لكم واشربوا‪ ،‬ول تسرفوا بتحريم ما أحل ال‪ ،‬وشرع ما لم يشرع‬
‫لكم فالزموا العدل‪ ،‬فإنه تعالى ل يحب المسرفين فاطلبوا حبه بالعدل‪ ،‬واجتنبوا بغضه بطاعته‬
‫وطاعة رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب العدل في القول وفي الحكم‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب إخلص العبادة صلةً كانت أو دعا ًء ل تعالى‪.‬‬
‫‪ -3‬ثبوت القدر‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب ستر العورة في الصلة‪.‬‬
‫‪ -5‬حرمة السراف في الكل والشرب وفي كل شيء‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذه الية الكريمة أصل من أصول الدواء‪ ،‬إذ أمرت بالكل والشرب وهما قوام الحياة وحرمت‬
‫السراف فيهما وهو سبب كافة المراض إذ قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ما مل آدمي‬
‫وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان ل محالة فثلث لطعامه وثلث‬
‫سهِ" وشاهد آخر أنه كان لهارون الرشيد طبيب نصراني قال لعلي بن الحسين‪:‬‬
‫لشرابه وثلث لنفَ ِ‬
‫ليس في كتابكم من علم الطب شيء‪ ،‬والعلم علمان علم أديان وعلم أبدان فقال له علي‪ :‬قد جمع‬
‫ال الطب كلّه في نصف آية من كتابنا فقال له ما هي؟ قال‪ :‬قوله عز وجل {وكلوا واشربوا ول‬
‫تسرفوا}‪.‬‬
‫‪ 2‬روي أن سمرة بن جندب رضي ال عنه سأل عن ابنه فقيل له‪ :‬بشم البارحة؟ قال‪ :‬بشم؟ قالوا‪:‬‬
‫نعم قال‪ :‬أما إنه لو مات ما صليت عليه‪ ،‬وقال العلماء‪ :‬من السراف‪ :‬الكل بعد الشبع‪ ،‬وقال‬
‫لقمان لبنه‪ :‬يا بني ل تأكل شبعا فوق شبع فإنك إن تنبذه للكلب خير من أن تأكله‪.‬‬

‫( ‪)2/165‬‬

‫ُقلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ الّلهِ الّ ِتيَ أَخْرَجَ ِلعِبَا ِد ِه وَالْطّيّبَاتِ مِنَ الرّ ْزقِ ُقلْ هِي لِلّذِينَ آمَنُواْ فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا‬
‫ظهَرَ‬
‫حشَ مَا َ‬
‫صلُ اليَاتِ ِلقَوْمٍ َيعَْلمُونَ(‪ُ )32‬قلْ إِ ّنمَا حَرّمَ رَ ّبيَ ا ْلفَوَا ِ‬
‫خَاِلصَةً َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ كَذَِلكَ ُن َف ّ‬
‫ن وَالِثْ َم وَالْ َب ْغيَ ِبغَيْرِ ا ْلحَقّ وَأَن ُتشْ ِركُواْ بِاللّهِ مَا َلمْ يُنَ ّزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن َتقُولُواْ عَلَى‬
‫مِ ْنهَا َومَا َبطَ َ‬
‫ع ًة َولَ َيسْ َتقْ ِدمُونَ(‪)34‬‬
‫جلٌ فَإِذَا جَاء أَجَُل ُه ْم لَ َيسْتَأْخِرُونَ سَا َ‬
‫اللّهِ مَا لَ َتعَْلمُونَ(‪ )33‬وَِل ُكلّ ُأمّةٍ أَ َ‬
‫شرح الكلمات ‪:‬‬
‫من حرم زينة ال‪ :‬التحريم‪ :‬المنع‪ ،‬والزينة‪ .‬ما يتزين به من ثياب وغيرها‪.‬‬
‫والطيبات ‪ :‬جمع طيب وهو الحلل غير المستخبث‪.‬‬
‫خالصة ‪ :‬ل يشاركهم فيها الكفار لنهم في النار‪.‬‬
‫الفواحش‪ :‬جمع فاحشة والمراد بها هنا الزنى واللواط السري كالعلني‪.‬‬
‫والثم ‪ :‬كل ضار قبيح من الخمر وغيرها من سائر الذنوب‪.‬‬
‫والبغي بغير الحق‪ :‬الظلم بغير قصاص ومعاقبة بالمثل‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وأن تشركوا‪ :‬أي الشرك بال وهو عبادة غير ال تعالى‪.‬‬
‫السلطان‪ :‬الحجة التي تثبت بها الحقوق المختلف فيها أو المتنازع عليها‪.‬‬
‫أجل ‪ :‬وقت محدد تنتهي إليه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما حرم المشركون الطواف بالبيت بالثياب وطافوا بالبيت عراة بدعوى أنهم ل يطوفون بثياب‬
‫عصوا ال تعالى فيها‪ ،‬أنكر تعالى ذلك عليهم بقوله‪{ :‬قل من حرم ‪ 1‬زينة ال التي‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الزينة‪ :‬هنا الملبس الحسن من غير ما حرّم كالذهب والحرير على الرجال ويطلق لفظ الزينة‬
‫أيضا على مطلق اللباس ولو لم يكن حسنا‪.‬‬

‫( ‪)2/166‬‬

‫أخرج لعباده والطيبات من الرزق ‪ }1‬كلحوم ما حرموه من السوائب‪ ،‬فالستفهام في قوله {قل من‬
‫حرم زينة ال} للنكار‪ .‬ومعنى أخرجها‪ :‬أنه أخرج النبات من الرض كالقطن والكتان ومعادن‬
‫الحديد لن الدروع من الحديد‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬قل هي للذين ‪ 2‬آمنوا في الحياة الدنيا} بالصالة‪،‬‬
‫لن المؤمنين علماء فيحسنون العمل والنتاج والصناعة‪ ،‬والكفار تبع هم في ذلك لجهلهم وكسلهم‬
‫وعدم بصيرتهم‪{ ،‬خالصة ‪ 3‬يوم القيامة} أي هي خالصة للمؤمنين يوم القيامة ل يشاركهم فيها‬
‫الكفار ولنهم في دار الشقاء النار والعياذ بال تعالى وقوله تعالى {كذلك نفصل اليات لقوم‬
‫يعلمون} أي كهذا التفصيل والبيان الذي بيناه وفصلناه في هذه اليات وما زلنا نفصل ونبين ما‬
‫ننزل من آيات القرآن الكريم لقوم يعلمون أما غيرهم من أهل الجهل والضلل فإنهم ل ينتفعون‬
‫بذلك لنهم محجوبون بظلمة الكفر والشرك ودخان الهواء والشهوات والشبهات‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )32‬أما الية الثانية (‪ )33‬فقد تضمنت بيان أصول المحرمات‬
‫وأمهات الذنوب وهي‪ :‬الفواحش ما ظهر منها وما بطن‪ ،‬والثم‪ :‬وهو سائر المعاصي بترك‬
‫الواجب أو فعل الحرام والبغي‪ :‬وهو الستطالة على الناس والعتداء عليهم بهضم حقوقهم وأخذ‬
‫أموالهم وضرب أجسامهم وذلك بغير حق أوجب ذلك العتداء وسوغه كأن يعتدي الشخص‬
‫فيقتص منه ويعاقب بمثل ما جنى وظلم‪ ،‬والشرك بال تعالى بعبادة غيره‪ ،‬والقول على ال تعالى‬
‫بدون علم منه وذلك كشرع ما لم يشرع‪ ،‬بتحريم ما لم يحرم‪ ،‬وإيجاب ما لم يوجب‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه الية الثانية أما الثالثة والخيرة في هذا السياق (‪ )34‬فقد أخبر تعالى فيها أن‬
‫لكل أمة أجلً محددا أي وقتا معينا يتم هلكها فيه ل تتقدمه بساعة ول تتأخر عنه بأخرى‪ .‬وفي‬
‫هذا إشارة أفصح من عبارة وهي أن هلك المم والجماعات والفراد يتم بسبب‬
‫__________‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 1‬الطيبات‪ :‬اسم عام لكل ما طاب كسبا وطعما وقد أكل الرسول صلى ال عليه وسلم اللحم‬
‫والعسل والحلوى والبطيخ والرطب‪ ،‬وإنما الذي يكره الكثار منها والتكلف في شرائها وإعدادها‪،‬‬
‫وعمر لم ينكر الطيبات وإنما أنكر الكثرة منها‪ ،‬فكاد يرى عدم الجمع بين الطيبات ويكتفي بنوع‬
‫واحد‪.‬‬
‫‪ 2‬في الية دليل على التجمل بأحسن الثياب وخاصة في العياد والجمع وزيارة الخوان ومقابلة‬
‫الوفود‪ ،‬وليس من السنة لبس المرقعات والفوط وليس معنى‪{ :‬ولباس التقوى}‪ :‬أنه لباس الخشن‬
‫والمرقعات أبدا وإنما هو تقوى ال بامتثال المر واجتناب النهي‪ ،‬وقد تقدم معناها‪ ،‬وفي الحديث‬
‫الصحيح‪" :‬إن ال جميل يحب الجمال"‪.‬‬
‫‪ 3‬قرىء‪{ :‬خالصةٌ} بالرفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره‪ :‬هي خالصة‪ ،‬وقرىء {خالصة} بالنصب‬
‫على الحال أي‪ :‬ثابتة لهم في الدنيا حال كونها خالصة لهم يوم القيامة‪.‬‬

‫( ‪)2/167‬‬

‫انحرافهم عن منهج الحياة‪ ،‬كالمرء يهلك بشرب السم‪ ،‬وبإلقاء نفسه من شاهق‪ ،‬أو إشعال النار في‬
‫جسمه كذلك ارتكاب أمهات الذنوب وأصول المفاسد التي ذكر تعالى في قوله {قل إنما حرم ربي‬
‫الفواحش‪ }.....‬من شأنها أن تودي بحياة مرتكبيها ل محالة ما لم يتوبوا منها وتصلح حالهم‬
‫بالعودة إلى منهج الحياة الذي وضع ال في اليمان والتوحيد والطاعة ل ورسوله بفعل كل أمر‬
‫وترك كل نهي‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫هن هداية اليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬النكار الشديد على من يحرم ما أحل ال من الطيبات كبعض المتنطعين ‪.1‬‬
‫‪ -2‬المستلذات من الطعام والشراب والمزينات من الثياب وغيرها المؤمنون أولى بها من غيرهم‬
‫لنهم يحسنون العمل‪ ،‬ويبذلون الجهد لستخراجها والنتفاع بها‪ .‬بخلف أهل الجهالت فإنهم عمي‬
‫ل يبصرون ومقعدون ل يتحركون‪ .‬وإن قيل العكس هو الصحيح فإن أمم الكفر وأوربا وأمريكا‬
‫هي التي تقدمت صناعيا وتمتعت بما يتمتع به المؤمنون؟ فالجواب‪ :‬أن المؤمنين صرفوا عن العلم‬
‫والعمل وأقعدوا عن النتاج والختراع بإفساد أعدائهم لهم عقولهم وعقائدهم‪ ،‬فعوقوهم عن العمل‬
‫مكرا بهم وخداعا لهم‪ .‬والدليل أن المؤمنين لما كانوا كاملين في إيمانهم كانوا أرقى المم وأكملها‬
‫حضارة وطهارة وقوة وإنتاجا مع أن الية تقول {‪ ...‬لقوم يعلمون} فإذا حل الجهل محل العلم فل‬
‫إنتاج ول اختراع ول حضارة‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان أصول المفاسد وهي الفواحش وما ذكر بعدها إلى {‪.....‬وأن تقولوا على ال ما ل‬
‫تعلمون}‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ - 4‬ذكرت هذه المفاسد بطريق التدلي آخرها أخطرها وهكذا أخفها أولها‪.‬‬
‫‪ -5‬أجل ‪ 2‬المم كأجل الفراد يتم الهلك عند انتظام المرض كامل المة أو أكثر أفرادها كما‬
‫يهلك الفرد عندما يستشري المرض في كامل جسمه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى النسائي بسند صحيح قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير‬
‫مخيلة ول سرف فإن ال يحب أن يرى نعمته على عبده" وقال البخاري عن ابن عباس‪" :‬كل ما‬
‫شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان‪ ،‬سرف‪ ،‬ومخيلة‪.‬‬
‫‪ 2‬الجل‪ :‬هو الوقت الموقت‪ ،‬فأجل الموت هو‪ :‬وقت الموت وأجل الدّين هو وقت حلوله وكل‬
‫شيء وقّت به شيء فهو أجل له‪.‬‬

‫( ‪)2/168‬‬

‫خ ْوفٌ عَلَ ْيهِ ْم َولَ هُمْ‬


‫سلٌ مّنكُمْ َي ُقصّونَ عَلَ ْيكُمْ آيَاتِي َفمَنِ ا ّتقَى وََأصْلَحَ فَلَ َ‬
‫يَا بَنِي آ َدمَ ِإمّا يَأْتِيَ ّنكُمْ رُ ُ‬
‫صحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(‪)36‬‬
‫يَحْزَنُونَ(‪ )35‬وَالّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْ َتكْبَرُواْ عَ ْنهَا ُأوْلَ ِئكَ َأ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إما يأتينكم‪ :‬أصل إما إن –الشرطية‪ -‬وما زائدة لتقوية الكلم أدغمت فيها (إن) فصارت إما‪.‬‬
‫يقصون ‪ 1‬عليكم آياتي‪ :‬يتلونها عليكم آية بعد آية مبينين لكم ما دلت عليه من أحكام ال وشرائعه‪،‬‬
‫ووعده ووعيده‪.‬‬
‫فمن اتقى‪ :‬أي الشرك فلم يشرك وأصلح نفسه بالعمال الصالحة‪.‬‬
‫فل خوف عليهم ‪ :‬في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ول يحزنون ‪ :‬على ما تركوا وراءهم أو فاتهم الحصول عليه من أمور الدنيا‪.‬‬
‫معنى اليتين ‪:‬‬
‫هذا النداء جائز أن يكون نداءً عاما لكل بني آدم كما هو ظاهر اللفظ وأن البشرية كلها نوديت به‬
‫على ألسنة رسلها‪ ،‬وجائز أن يكون خاصا بمشركي العرب وأن يكون المراد من الرسل محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم ذكر بصيغة الجمع تعظيما وتكريما له‪ ،‬وما نوديت إليه البشرية أو مشركوا‬
‫العرب هو إخبار ال تعالى لهم بأن من جاءه رسول من جنسه يتلو عليه آيات ربه وهي تحمل‬
‫العلم بال وصفاته وبيان محابه ومساخطه‪ ،‬فمن اتقى ال فترك الشرك به‪ ،‬وأصلح ما أفسده قبل‬
‫العلم من نفسه وخلقه وعقله وذلك باليمان والعمل الصالح فهؤلء في حكم ال أنه {ل خوف‬
‫عليهم ول هم يحزنون} في الحياتين ‪ 2‬معا‪ ،‬أما الذين كذبوا بآيات ال التي جاءت‬
‫__________‬
‫‪ 1‬القصص‪ :‬هو إتباع الحديث بعضه بعضا‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 2‬أمّا في البرزخ وفي يوم القيامة فالمر ظاهر ل خلف في أنهم ل يخافون ول يحزنون ولكن‬
‫في الحياة الدنيا يصيبهم الخوف والحزن‪ ،‬ولكن خوفهم وحزنهم ل يكاد يذكر مع خوف وحزن‬
‫أهل الكفر والشرك‪.‬‬

‫( ‪)2/169‬‬

‫الرسل بها وقصتها عليهم واستكبروا ‪ 1‬عن العمل بها كما استكبروا عن اليمان بها‪ ،‬فأولئك‬
‫البعداء من كل خير {أصحاب النار} أي أهلها {هم فيها خالدون} ل يخرجون منها بحال من‬
‫الحوال‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين ‪:‬‬
‫‪ -1‬قطع حجة بني آدم بإرسال الرسل إليهم‪.‬‬
‫‪ -2‬أول ما يبدأ به في باب التقوى الشرك بأن يتخلى عنه النسان المؤمنين أولً‪.‬‬
‫‪ -3‬الصلح يكون بالعمال الصالحة التي شرعها ال مزكية للنفوس مطهرة لها‪.‬‬
‫‪ -4‬التكذيب كالستكبار كلهما مانع من التقوى والعمل الصالح‪ .‬ولذا أصحابهما هم أصحاب‬
‫النار‪.‬‬
‫َفمَنْ أَظَْلمُ ِممّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ َكذِبًا َأوْ كَ ّذبَ بِآيَاتِهِ ُأوْلَ ِئكَ يَنَاُلهُمْ َنصِي ُبهُم مّنَ ا ْلكِتَابِ حَتّى إِذَا‬
‫سهِمْ‬
‫شهِدُواْ عَلَى أَنفُ ِ‬
‫جَاء ْتهُمْ رُسُلُنَا يَ َت َوفّوْ َنهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُن ُتمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُو ْا ضَلّواْ عَنّا وَ َ‬
‫ن وَالِنسِ فِي النّارِ كُّلمَا‬
‫أَ ّنهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ(‪ )37‬قَالَ ا ْدخُلُواْ فِي ُأ َممٍ قَدْ خََلتْ مِن قَبِْلكُم مّن ا ْلجِ ّ‬
‫جمِيعًا قَاَلتْ أُخْرَاهُ ْم لُولَهُمْ رَبّنَا َهؤُلء َأضَلّونَا فَآ ِتهِمْ‬
‫َدخََلتْ ُأمّةٌ ّلعَ َنتْ أُخْ َتهَا حَتّى إِذَا ادّا َركُواْ فِيهَا َ‬
‫لخْرَاهُمْ َفمَا كَانَ َل ُكمْ‬
‫ف وََلكِن لّ َتعَْلمُونَ(‪َ )38‬وقَاَلتْ أُولَهُ ْم ُ‬
‫ض ْع ٌ‬
‫ض ْعفًا مّنَ النّارِ قَالَ ِل ُكلّ ِ‬
‫عَذَابًا ِ‬
‫ضلٍ َفذُوقُواْ ا ْل َعذَابَ ِبمَا كُنتُمْ َتكْسِبُونَ(‪ )39‬إِنّ الّذِينَ كَذّبُواْ‬
‫عَلَيْنَا مِن َف ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستكبار‪ :‬المبالغة في التكبّر وضمن مع الستكبار العراض‪ ،‬والمعنى‪ :‬واستكبروا فأعرضوا‬
‫عنها‪.‬‬

‫( ‪)2/170‬‬

‫سمّ ا ْلخِيَاطِ‬
‫ج َملُ فِي َ‬
‫خلُونَ الْجَنّةَ حَتّى يَلِجَ ا ْل َ‬
‫سمَاء َولَ يَدْ ُ‬
‫بِآيَاتِنَا وَاسْ َتكْبَرُواْ عَ ْنهَا لَ ُتفَتّحُ َلهُمْ أَ ْبوَابُ ال ّ‬
‫غوَاشٍ َوكَذَِلكَ نَجْزِي الظّاِلمِينَ(‪)41‬‬
‫جهَنّمَ ِمهَا ٌد َومِن َف ْوقِهِمْ َ‬
‫َوكَذَِلكَ نَجْزِي ا ْل ُمجْ ِرمِينَ(‪َ )40‬لهُم مّن َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فمن أظلم ‪ :‬الظلم وضع الشيء في غير موضعه‪ ،‬ولذا المشرك ظالم لنه وضع العبادة في غير‬
‫موضعها حيث عبد بها من ل يستحقها‪.‬‬
‫نصيبهم‪ :‬ما قدر لهم في كتاب المقادير‪.‬‬
‫رسلنا ‪ :‬المراد بهم ملك الموت وأعوانه‪.‬‬
‫قالوا ضلوا عنا‪ :‬غابوا عنا فلم نرهم ولم نجدهم‪.‬‬
‫في أمم ‪ :‬أي في جملة أمم‪.‬‬
‫اداركو ‪ :‬أي تداركوا ولحق بعضهم بعضا حتى دخلوها كلهم‪.‬‬
‫أخراهم لولهم ‪ :‬التباع قالوا للرؤساء في الضللة وهم المتبوعون‪.‬‬
‫تكسبون ‪ :‬من الظلم والشر والفساد‪.‬‬
‫يلج الجمل في سم الخياط‪ :‬أي يدخل الجمل في ثقب البرة‪.‬‬
‫المجرمين ‪ :‬الذين أجرموا على أنفسهم فأفسدوها بالشرك والمعاصي‪.‬‬
‫مهاد‪ :‬فراش يمتهدونه من النار‪.‬‬
‫غواش ‪ :‬أغشية يتغطون بها من النار كذلك‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يخبر تعالى بأنه ل أظلم ول أجهل ول أضل ممن يفترى على ال الكذب فيقول اتخذ ولدا أو أمر‬
‫بالفواحش‪ ،‬أو حرم كذا وهو لم يحرم‪ ،‬أو كذب بآياته التي جاءت بها رسله فجحدها وعاند في ذلك‬
‫وكابر‪ ،‬فهؤلء المفترون المكذبون يخبر تعالى أنه {ينالهم نصيبهم من الكتاب}‬

‫( ‪)2/171‬‬

‫أي ما كتب لهم في اللوح المحفوظ من خير وشر وسعادة أو شقاء ‪{ 1‬حتى ‪ 2‬إذا جاءتهم رسلنا}‬
‫أي ملك الموت وأعوانه {يتوفونهم} يقولون لهم {أين ما كنتم تدعون من دون ال} أي تعبدون من‬
‫أولياء؟ فيجيبون قائلين‪{ :‬ضلوا عنا} أي غابوا فلم نرهم‪ .‬قال تعالى‪{ :‬وشهدوا على أنفسهم أنهم‬
‫كانوا كافرين } ويوم القيامة يقال لهم {ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والنس} في‬
‫النار‪ ،‬فيدخلون {كلما دخلت أمة لعنت أختها} فلعن المشركون بعضهم بعضا‪ ،‬واليهود والنصارى‬
‫كذلك‪{ ،‬حتى إذا اداركوا فيها جميعا} أي تلحقوا وتم دخولهم النار أخذوا يشتكون {قالت أخراهم‬
‫لولهم ربنا} أي يا ربنا {هؤلء أضلونا} عن صراطك فلم نعبدك {فأتهم عذابا ضعفا} أي‬
‫مضاعفا {من النار}‪ ،‬فأجابهم ال تعالى بقوله {لكل ضعف} لكل واحدة منكم ضعف من العذاب‬
‫{ولكن ل تعلمون}‪ ،‬إذ الدار دار عذاب فهو يتضاعف على كل من فيها‪ ،‬وحينئذ {قالت أولهم‬
‫لخراهم ما كان لكم علينا من ‪ 3‬فضل‪ ،‬فذوقوا ‪ 4‬العذاب بما كنتم تكسبون} أي من الشرك‬
‫والفتراء على ال والتكذيب بآياته‪ ،‬ومجانبة طاعته وطاعة رسوله‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هذا ما دلت عليه اليات الثلث أما اليتان الرابعة والخامسة فإن الرابعة قررت حكما عظيما وهو‬
‫أن الذين كذبوا بآيات ال واستكبروا ‪ 5‬عنها فلم يؤمنوا ولم يعملوا الصالحات وعاشوا عاد الشرك‬
‫والشر والفساد هؤلء إذا مات أحدهم وعرجت الملئكة بروحه إلى السماء ل تفتح له أبوب‬
‫السماء ‪ ،6‬ويكون مآلهم النار كما قال تعالى {ول يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط}‬
‫فعلق دخولهم الجنة على مستحيل وهو دخول الجمل في ثقب البرة‪ ،‬والمعلق عاد مستحيل‬
‫مستحيل‪ .‬قال تعالى‪{ :‬وكذلك نجزي المجرمين} على أنفسهم حيث أفسدوها بالشرك والمعاصي‪.‬‬
‫هذا ما تضمنته الية الرابعة‪ ،‬وهي قوله تعالى‪{ :‬إن الذين‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬في الدنيا ل في الخرة فهم أصحاب النار هم فيها خالدون ول سعادة مع دخول النار‪.‬‬
‫‪ 2‬حتى هنا‪ :‬ابتدائية وليست غائية إذ هي بداية خبر المكذبين المستكبرين المعرضين‪ .‬قال سيبويه‪:‬‬
‫حتى‪ ،‬وإمّا‪ ،‬وألّ ل ُيمَلْن لنهن حروف وكتبت حتى بالياء لنها أشبهت سكرى وحبلى‪.‬‬
‫‪{ 3‬مِنْ} زائدة لتأكيد نفي الفضل‪.‬‬
‫‪ 4‬الذوق هنا‪ :‬مستعمل للهانة والتشفي والباء في {بما كنتم تكسبون} سببية‪.‬‬
‫‪ 5‬جملة‪{ :‬إنّ الدين} الخ مستأنفة استئنافا ابتدائيا سيقت لتحقيق خلود الفريقين في النار معا‬
‫والفريقان هما أولهما وأخراهما في الية إذ كل الفريقين كان مكذبا مستكبرا‪.‬‬
‫‪ 6‬القول بأنّ قوله تعالى‪{ :‬ل تفتح لهم أبواب السماء}‪ :‬كلمة جامعة لمعنى الحرمان من الجزاءات‬
‫اللهية قول باطل لنّه تأويل يبطل به ما أخبر تعالى به من أنّ للسماء أبواب إذ أيّ مانع إن يكون‬
‫للسماء أبواب ل يدخل معها ملك ول جني ول إنسان إل بإذن ولكل بناء أبواب بحسبه‪.‬‬

‫( ‪)2/172‬‬

‫كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها ل تفتح لهم أبواب السماء ول يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم‬
‫الخياط ‪ 1‬وكذلك نجزي المجرم}‪.2‬‬
‫أما الخامسة فقد تضمنت الخبر التالي‪{ :‬لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش} أمم أغطية من‬
‫النار وكما جزى تعالى هؤلء المكذبين المستكبرين والمجرمين يجزي بعدله الظالمين لنفسهم‬
‫حيث لوثوها وخبثوها بأوضار الذنوب والثام‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬شر الظلم ما كان كذبا على ال وتكذيباَ بشرائعه‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير فتنة القبر ‪ 3‬وعذابه‪.‬‬
‫‪ -3‬لعن أهل النار بعضهم بعضا حنقا على بعضهم بعضا إذ كان كل واحد سببا في عذاب‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الخرة‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان جزاء المكذبين بآيات ال والمستكبرين عنها وهو الحرمان من دخول الجنة وكذلك‬
‫المجرمون والظالمون‪.‬‬
‫س َعهَا ُأوْلَ ِئكَ َأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(‬
‫ت لَ ُنكَّلفُ َنفْسًا ِإلّ وُ ْ‬
‫عمِلُواْ الصّالِحَا ِ‬
‫وَالّذِينَ آمَنُو ْا وَ َ‬
‫حمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَانَا ِلهَذَا‬
‫غلّ تَجْرِي مِن َتحْ ِتهِ ُم الَ ْنهَا ُر َوقَالُواْ الْ َ‬
‫‪ )42‬وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مّنْ ِ‬
‫سلُ رَبّنَا بِا ْلحَقّ وَنُودُواْ أَن ِت ْلكُمُ ا ْلجَنّةُ أُورِثْ ُتمُوهَا ِبمَا‬
‫َومَا كُنّا لِ َنهْ َت ِديَ َلوْل أَنْ هَدَانَا اللّهُ َلقَدْ جَاءتْ رُ ُ‬
‫كُنتُمْ َت ْعمَلُونَ(‪)43‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الخياط ‪ :‬أي المخيط‪.‬‬
‫‪ 2‬الجرام‪ :‬فعل الجرم‪ ،‬وأجرم إذا فعل الجرم وهو‪ :‬الذنب والذنب‪ :‬هو ما يفسد الروح وينجسها‪،‬‬
‫فأجرم معناه‪ :‬أفسد‪.‬‬
‫‪ 3‬أخرج ابن كثير في تفسيره عن أبي داود حديثا طويلً أشتمل على بيان قبض روح العبد‬
‫والعروج بها إلى السماء ثم العودة بها إلى القبر وما يجري في القبر من فتنة وما يتم للعبد‬
‫الصالح من سعادة وللكافر من شقاوة فليُرجع إليه‪.‬‬

‫( ‪)2/173‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إل وسعها‪ :‬طاقتها وما تتحمله وتقدر عليه من العمل‪.‬‬
‫ونزعنا ‪ :‬أي أقلعنا وأخرجنا‪.‬‬
‫من غل‪ :‬أي من حقد وعداوة‪.‬‬
‫هدانا لهذا‪ :‬أي للعمل الصالح في الدنيا الذي هذا جزاؤه وهو الجنة‪.‬‬
‫بما كنتم تعملون‪ :‬أي بسبب أعمالكم الصالحة من صلة وصيام وصدقات وجهاد‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫لما ذكر تعالى جزاء أهل التكذيب والستكبار عن اليمان والعمل الصالح وكان شقاءً وحرمانا‬
‫ذكر جزاء أهل اليمان والعمل الصالح فقال ‪{ :‬والذين آمنوا وعملوا الصالحات}‪ ،‬ولما كان العمل‬
‫منه الشاق الذي ل يطاق ومنه السهل الذي يقدر عليه قال‪{ :‬ل نكلف نفسا إل وسعها} أي ما تقدر‬
‫عليه من العمل ويكون في استطاعتها‪ ،‬ثم أخبر عن المؤمنين العاملين للصالحات فقال {أولئك‬
‫أصحاب الجنة هم فيها خالدون}‪ .‬كما أخبر في الية الثانية أنه طهرهم باطنا فنزع ما في‬
‫صدورهم من غل ‪ 1‬على بعضهم بعضا‪ ،‬وأن النهار تجري من تحت قصورهم‪ ،‬وأنهم قالوا‬
‫شاكرين نعم ال عليهم‪{ :‬الحمد ل الذي هدانا لهذا} أي لعمل صالح هذا جزاؤه أي الجنة وما فيها‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من نعيم مقيم‪ ،‬وقرروا حقيقة وهي أن هدايتهم التي كان جزاؤها الجنة لم يكونوا ليحصلوا عليها‬
‫لول أن ال تعالى هو الذي هداهم فقالوا‪{ :‬وما كنا لنهتدي لول أن هدانا ال}‪ 2‬ثم قالوا وال {لقد‬
‫جاءت رسل ربنا بالحق} فهاهم أهل الكفر والمعاصي في النار‪ ،‬وها نحن أهل اليمان والطاعات‬
‫في نعيم الجنة فصدقت الرسل فيما أخبرت به من وعد ووعيد‪ ،‬وناداهم ربهم سبحانه وتعالى‪{ :‬أن‬
‫تلكم الجنة أورثتموها ‪ 3‬بما كنتم تعملون} فيزداد بذلك نعيمهم وتعظم سعادتهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الغل‪ :‬الحقد الكامن في الصدر أي‪ :‬أذهبنا‪ -‬في الجنة‪ -‬ما كان في قلوبهم من الغل في الدنيا‬
‫ولذا فل يكون لهم من تحاسد في الجنة على تفاوت درجاتهم في العلو والرتفاع‪ .‬وقال علي‬
‫رضي ال عنه‪ :‬فينا وال أهل بدر نزلت‪{ :‬ونزعنا ما في صدورهم من غل}‪.‬‬
‫‪ 2‬روى النسائي عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬كل أهل الجنة يرى مقعده من‬
‫النار فيقول لول أن ال هداني فيكون له شكرا‪ ،‬وكل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول لو أن‬
‫ال هداني فيكون له حسرة"‪.‬‬
‫‪ 3‬روى مسلم أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة‪ ،‬قالوا‪ :‬ول أنت‬
‫يا رسول ال؟ قال‪ :‬ول أنا إل أن يتغمدني ال برحمة منه وفضل" وعليه فالباء في قوله‪{ :‬بما كنتم‬
‫تعملون} سببية وليست باء العرض إذ أعمال العبد ل تعادل موضع سوط في الجنة فالعمل مورث‬
‫بفضل ال تعالى ورحمته‪.‬‬

‫( ‪)2/174‬‬

‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬اليمان والعمل الصالح موجبان لدخول الجنة مقتض للكرامة في الدارين‪.‬‬
‫‪ -2‬ل مشقة ل تحتمل في الدين الصحيح الذي جاءت به الرسل إل ما كان عقوبة‪.‬‬
‫‪ -3‬ل عداوة ول حسد في الجنة‪.‬‬
‫‪ -4‬الهداية هبة من ال فل تطلب إل منه‪ ،‬ول يحصل عليها إل بطلبها منه تعالى‪.‬‬
‫‪ -5‬صدقت الرسل فيما أخْبَ َرتْ به من شأن الغيب وغيره‪.‬‬
‫حقّا‬
‫عدَ رَ ّبكُمْ َ‬
‫حقّا َف َهلْ وَجَدتّم مّا وَ َ‬
‫وَنَادَى َأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ َأصْحَابَ النّارِ أَن قَ ْد َوجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبّنَا َ‬
‫علَى الظّاِلمِينَ(‪ )44‬الّذِينَ َيصُدّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَ ْبغُو َنهَا‬
‫قَالُواْ َنعَمْ فَأَذّنَ ُمؤَذّنٌ بَيْ َنهُمْ أَن ّلعْ َنةُ اللّهِ َ‬
‫حجَابٌ وَعَلَى الَعْرَافِ رِجَالٌ َيعْ ِرفُونَ كُلّ ِبسِيمَاهُمْ‬
‫عوَجًا وَهُم بِالخِ َرةِ كَافِرُونَ(‪ )45‬وَبَيْ َن ُهمَا ِ‬
‫ِ‬
‫ط َمعُونَ(‪ )46‬وَإِذَا صُ ِر َفتْ أَ ْبصَارُهُمْ تِ ْلقَاء‬
‫وَنَا َدوْاْ َأصْحَابَ ا ْلجَنّةِ أَن سَلَمٌ عَلَ ْيكُمْ لَمْ َيدْخُلُوهَا وَ ُهمْ يَ ْ‬
‫جعَلْنَا مَعَ ا ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ (‪)47‬‬
‫َأصْحَابِ النّارِ قَالُواْ رَبّنَا لَ َت ْ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫فأذن مؤذن‪ :‬أي أعلن بأعلى صوته أن لعنة ال على الظالمين‪.‬‬
‫لعنة ال ‪ :‬أي أمره بطرد الظالمين من الرحمة إلى العذاب‪.‬‬
‫يصدون عن سبيل ال‪ :‬سبيل ال هي السلم والصد‪ :‬الصرف فهم صرفوا أنفسهم وصرفوا‬
‫غيرهم‪.‬‬
‫ويبغونها عوجا ‪ :‬يطلبون الشريعة أن تميل مع ميولهم وشهواتهم فتخدم أغراضهم‪.‬‬
‫وبينهما حجاب ‪ .‬أي باب أهل الجنة وأهل النار حاجز فاصل وهو سور العراف‪.‬‬
‫وعلى العراف‪ :‬سور بين الجنة والنار قال تعالى من سورة الحديد {فضرب بينهم بسور}‪.‬‬

‫( ‪)2/175‬‬

‫يعرفون كلً بسيماهم ‪ :‬أي كل من أهل الجنة وأهل النار بعلماتهم‪.‬‬


‫صرفت أبصارهم ‪ :‬أي نظروا إلى الجهة التي فيها أصحاب النار‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫مازال السياق في الحديث عن أصحاب الجنة وأصحاب النار فيخبر تعالى أن أصحاب الجنة نادوا‬
‫أصحاب النار قائلين لهم إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا به هن الجنة ونعيمها حقا‪ ،‬فهل ‪ 1‬وجدتم أنتم‬
‫ما وعدكم ربكم من النار وعذابها حقا؟ فأجابوهم‪ :‬نعم ‪ 2‬إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا‪ ،‬وهنا أذن‬
‫مؤذن قائلً‪ :‬لعنة ‪ 3‬ال على الظالمين الذين يصدون عن سبيل ال التي هي السلم الموصل إلى‬
‫رضا ال تعالى والجنة‪ ،‬ويبغونها عوجا أي يريدون سبيل ال معوجة تدور معهم حيث داروا في‬
‫شرورهم ومفاسدهم‪ ،‬وشهواتهم وأهوائهم‪ ،‬وهم بالخرة كافرون أيضا فهؤلء يلعنونهم‪ :‬لعنة ال‬
‫على الظالمين الذين تلك صفاتهم قال تعالى في الية الثالثة‪{ :‬وبينهما} أي بين أهل الجنة وأهل‬
‫النار {حجاب} فاصل أي حاجز وهو مكان على مرتفع‪ ،‬وعليه رجال من بني آدم استوت سيئاتهم‬
‫وحسناتهم فحبسوا هناك حتى يقضي بين أهل الموقف فيحكم فيهم بدخولهم الجنة إن شاء ال‬
‫تعالى‪.‬‬
‫وقوله‪{ :‬يعرفون كلً بسيماهم} أي يعرفون أهل الجنة بسيماهم وهي بياض الوجوه ونضرة النعيم‪،‬‬
‫ويعرفون أهل النار بسواد الوجوه وزرقة العيون‪.‬‬
‫{ونادوا أصحاب الجنة} أي نادى أصحاب العراف أصحاب الجنة قائلين‪ :‬سلم عليكم يتطمعون‬
‫بذلك كما قال تعالى {لم يدخلوها وهم يطمعون‪ .‬وإذا صرفت أبصارهم تلقاء ‪ 4‬أصحاب النار} أي‬
‫نظروا إلى جهة أهل النار فرأوا أهلها مسودة وجوههم زرق أعينهم يكتنفهم العذاب من فوقهم‬
‫ومن تحت أرجلهم‪ ،‬رفعوا أصواتهم قائلين‪{ :‬ربنا ل تجعلنا مع القوم الظالمين} أي أهل النار لنهم‬
‫دخلوها بظلمهم والعياذ بال‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا سؤال توبيخ وتعيير ل استفهام واستخبار‪.‬‬
‫‪ 2‬في نعم لغات‪ :‬فتح النون والعين نعم وكسر العين للفرق بينها وبين النعم التي هي البل والبقر‬
‫والغنم‪ ،‬وهي حرف إجابة وتكون للعدة والتصديق فمثال العدة نحو‪ :‬أيقوم زيد؟ فتقول‪ :‬نعم أي ل‬
‫بقيامه ومثال التصديق قولك‪ :‬هل جاء زيد؟ فتقول‪ :‬نعم فتصدقه في مجيئه‪.‬‬
‫‪ 3‬يروى أن طاووسا دخل على هشام بن عبد الملك فقال له‪ :‬اتق ال واحذر يوم الذان فقال‪ :‬وما‬
‫يوم الذان؟ قال‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬فأذّن مؤذن بينهم أن لعنة ال على الظالمين} فصعق هشام فقال‬
‫طاووس‪ :‬هذا ذلٌ الصفة فكيف ذل المعاينة‪.‬‬
‫‪ 4‬قال أهل اللغة‪ :‬لم يأت مصدر على تِفعال سوى حرفين‪ :‬تِلقاء وتبيان‪ .‬وما عداهما فبالفتح نحو‬
‫تَسيار وتَذكار وتَهمام‪ ،‬أما السماء فكثرة نحو تِمثال ومِفتاح ومِصباح ومِعراج‪.‬‬

‫( ‪)2/176‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجود اتصال كامل بين أهل الجنة وأهل النار متى أراد أحدهم ذلك بحيث إذا أراد من في‬
‫الجنة أن ينظر إلى من في النار ويخاطبه تم له ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬يجوز إطلق لفظ الوعد على الوعيد للمشاكلة أو التهكم كما في هذه اليات‪.‬‬
‫‪ -3‬التنديد بالصد عن سبيل ال‪ ،‬والظلم والكفر بالخرة وهي أسباب الشقاء في الدار الخرة‪.‬‬
‫‪ -4‬تقرير مبدأ ثقل الحسنات ينجي وخفتها تردي‪ ،‬ومن استوت حسناته وسيئاته ينجو آخر من‬
‫ينجو من دخول النار‪.‬‬
‫‪ -5‬مشروعية الطمع إذا كان مقتضاه موجودا‪.‬‬
‫ج ْم ُعكُ ْم َومَا كُنتُمْ‬
‫ب الَعْرَافِ ِرجَالً َيعْ ِرفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَن ُكمْ َ‬
‫وَنَادَى َأصْحَا ُ‬
‫خ ْوفٌ عَلَ ْيكُ ْم َولَ أَنتُمْ‬
‫ح َمةٍ ا ْدخُلُواْ الْجَنّ َة لَ َ‬
‫سمْ ُت ْم لَ يَنَاُلهُمُ الّلهُ بِرَ ْ‬
‫تَسْ َتكْبِرُونَ(‪َ )48‬أ َهؤُلء الّذِينَ َأقْ َ‬
‫صحَابَ الْجَنّةِ أَنْ َأفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ا ْلمَاء َأوْ ِممّا رَ َز َقكُمُ اللّهُ‬
‫تَحْزَنُونَ(‪ )49‬وَنَادَى َأصْحَابُ النّارِ َأ ْ‬
‫قَالُواْ إِنّ اللّهَ حَ ّر َم ُهمَا عَلَى ا ْلكَافِرِينَ(‪ )50‬الّذِينَ اتّخَذُواْ دِي َن ُهمْ َل ْهوًا وََلعِبًا وَغَرّ ْتهُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا فَالْ َيوْمَ‬
‫حدُونَ(‪)51‬‬
‫نَنسَا ُهمْ َكمَا نَسُواْ ِلقَاء َي ْو ِمهِمْ َهذَا َومَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا َيجْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫بسيماهم ‪ :‬السيما العلمة الدالة على من هي فيه‪.‬‬
‫جمعكم‪ :‬أي للمال وللرجال كالجيوش‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/177‬‬

‫أهؤلء ‪ :‬إشارة إلى ضعفاء المسلمين وهم في الجنة‪.‬‬


‫أو مما رزقكم ال‪ :‬أي من الطعام والشراب‪.‬‬
‫حرمهما ‪ :‬منعهما‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫مازال السياق في الحديث عن أصحاب الجنة وأصحاب النار قال تعالى‪{ :‬ونادى أصحاب‬
‫العراف رجالً} أي من أهل النار يعرفونهم بسيماهم التي هي سيما أصحاب النار من سواد‬
‫الوجوه وزرقة العيون نادوهم قائلين‪{ :‬ما أغنى عنكم جمعكم} أي للموال والرجال للحروب‬
‫والقتال‪ ،‬كما لم يغن عنكم استكباركم عن الحق وترفعكم عن قبوله وها أنتم في أشد ألوان العذاب‪،‬‬
‫ثم يشيرون لهم إلى ضعفة المسلمين الذين يسخرون منهم في الدنيا ويضربونهم ويهينونهم ‪1‬‬
‫{أهؤلء الذين أقسمتم} أي حلفتم {ل ينالهم ال برحمة ‪ }2‬ثم يقال لصحاب العراف {ادخلوا ‪3‬‬
‫الجنة ل خوف عليكم ول أنتم تحزنون }‪.‬‬
‫وفي الية الثالثة يقول تعالى مخبرا عن أصحاب النار وأصحاب الجنة {ونادى أصحاب النار‬
‫أصحاب ‪ 4‬الجنة أن أفيضوا علينا من الماء}‪ 5‬وذلك لشدة عطشهم {أو مما رزقكم ال} أي من‬
‫الطعام وذلك لشدة جوعهم فيقال لهم‪{ :‬إن ال حرمهما} أي شراب الجنة وطعامها {على الكافرين}‬
‫فل ينالوهما بحال من الحوال‪.‬‬
‫ثم وصف الكافرين ليعرض جرائمهم التي اقتضت حرمانهم وعذابهم ليكون ذلك عظة وعبرة‬
‫للكفار من قريش ومن سائر الناس فقال وهو ما تضمنته الية الرابعة {الذين اتخذوا دينهم لهوا‬
‫ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون} أي‬
‫نتركهم في عذابهم كما تركوا يومهم هذا فلم يعملوا له من اليمان والصالحات‪ ،‬وبسبب جحودهم‬
‫لياتنا الداعية إلى اليمان وصالح العمال‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬كبلل وعمار وصهيب وخباب وغبرهم من سائر ضعفة المؤمنين في كل أمة من المم التي‬
‫وجد فيها مؤمنون مستضعفون‪.‬‬
‫‪ 2‬جعل إيواء ال تعالى إياهم بدار رحمته التي هي الجنة بمنزلة النيل الذي هو حصول المر‬
‫المحبوب المطلوب‪.‬‬
‫‪ 3‬اختلف في القائل‪ .‬والراجح أنه ال تعالى‪ ،‬وذلك بعد استقرار أهل الجنة فيها وأهل النار في‬
‫النار ولم يبق إل أصحاب العراف فيقول لهم الرب تبارك وتعالى‪{ :‬ادخلوا الجنة}‪.‬‬
‫‪ 4‬روي عن ابن عباس أنه قال‪ :‬لما صار أصحاب العراف إلى الجنة طمع أهل النار في الفرج‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بعد اليأس فقالوا‪ :‬يا رب إنّ لنا قرابات من أهل الجنة فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم‪ ،‬فنظروا إليهم‬
‫وإلى ما هم فيه من النعيم فعرفوهم‪ ..‬فينادي الرجل أخاه أو قريبه قد احترقتُ فأغثني فيقول له إن‬
‫ال حرّمهما على الكافرين‪.‬‬
‫‪ 5‬في الية دليل على أفضلية صدقة الماء‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬أي الصدقة أعجب إليك؟ قال‪ :‬الماء"‬
‫وليس أدل من حديث الذي سقى كلبا عطشان فشكر ال له فغفر له‪.‬‬

‫( ‪)2/178‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬عدم إغناء المال والرجال أيّ إغناء لمن مات كافرا مشركا من أهل الظلم والفساد‪.‬‬
‫‪ -2‬بشرى الضعفة من المسلمين بدخول الجنة وسعادتهم فيها‪.‬‬
‫‪ -3‬تحريم اتخاذ شيء من الدين لهوا ولعبا‪.‬‬
‫‪ -4‬التحذير من الغترار بالدنيا حتى ينسى العبد آخرته فلم يعد لها ما ينفعه فيها من اليمان‬
‫وصالح العمال‪.‬‬
‫حمَةً ّل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ(‪َ )52‬هلْ يَنظُرُونَ ِإلّ تَ ْأوِيلَهُ َيوْمَ‬
‫وَلَقَدْ جِئْنَاهُم ِبكِتَابٍ َفصّلْنَاهُ عَلَى عِ ْلمٍ ُهدًى وَرَ ْ‬
‫ش َفعُواْ لَنَا َأوْ‬
‫ش َفعَاء فَيَ ْ‬
‫حقّ َفهَل لّنَا مِن ُ‬
‫سلُ رَبّنَا بِالْ َ‬
‫يَأْتِي تَ ْأوِيُلهُ َيقُولُ الّذِينَ َنسُوهُ مِن قَ ْبلُ َقدْ جَاءتْ ُر ُ‬
‫ضلّ عَ ْنهُم مّا كَانُواْ َيفْتَرُونَ(‪ )53‬إِنّ رَ ّبكُمُ الّلهُ‬
‫سهُمْ وَ َ‬
‫نُرَدّ فَ َن ْع َملَ غَيْرَ الّذِي كُنّا َن ْع َملُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُ َ‬
‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ ُيغْشِي اللّ ْيلَ ال ّنهَارَ يَطْلُ ُبهُ حَثِيثًا‬
‫الّذِي خَلَقَ ال ّ‬
‫لمْرُ تَبَا َركَ اللّهُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ(‪)54‬‬
‫ق وَا َ‬
‫سخّرَاتٍ بَِأمْ ِرهِ َألَ َلهُ ا ْلخَلْ ُ‬
‫س وَا ْل َقمَرَ وَالنّجُومَ مُ َ‬
‫شمْ َ‬
‫وَال ّ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ولقد جئناهم ‪ :‬أي أهل أولً ثم سائر الناس‪.‬‬
‫بكتاب‪ :‬القرآن العظيم‪.‬‬
‫فصلناه على علم ‪ :‬بيناه على علم منّا فبيّنا حلله وحرامه ووعده ووعيده وقصصه ومواعظه‬
‫وأمثاله‪.‬‬

‫( ‪)2/179‬‬

‫تأويله‪ :‬تأويل ما جاء في الكتاب من وعد ووعيد أي عاقبة ما أنذروا به‪.‬‬


‫وضل عنهم ‪ :‬أي ذهب ولم يعثروا عليه‪.‬‬
‫في ستة أيام ‪ :‬هي الحد إلى الجمعة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يغشي الليل النهار ‪ :‬يغطي كل واحد منهما الخر عند مجيئه‪.‬‬
‫حثيثا‪ :‬سريعا بل انقطاع‪.‬‬
‫مسخرات ‪ :‬مذللت‪.‬‬
‫أل‪ :‬أداة استفتاح وتنبيه (بمنزلة ألو للهاتف)‪.‬‬
‫له الخلق والمر ‪ :‬أي له المخلوقات والتصرف فيها وحده ل شريك له‪.‬‬
‫تبارك‪ :‬أي عظمت قدرته‪ ،‬وجلت عن الحصر خيراته وبركاته‪.‬‬
‫العالمين‪ :‬كل ما سوى ال تعالى فهو عالم أي علمة على خالقه وإلهه الحق‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بعد ذلك العرض لحوال الناس يوم القيامة ومشاهد النعيم والجحيم أخبر تعالى أنه جاء قريشا‬
‫لجل هدايتهم بكتاب عظيم هو القرآن الكريم وفصّله تفصيلً فبين التوحيد ودلئله‪ ،‬والشرك‬
‫وعوامله‪ ،‬والطاعة وآثارها الحسنة والمعصية وآثارها السيئة في الحال والمآل وجعل الكتاب هدى‬
‫أي هاديا ورحمة يهتدي به المؤمنون وبه يرحمون‪.‬‬
‫هذا ما تضمنته الية الولى (‪ )52‬وهي قوله تعالى‪{ :‬ولقد جئناهم بكتاب فصّلناه على علم ‪ 1‬هدىً‬
‫‪ 2‬ورحم ًة لقوم يؤمنون} وأما الية الثانية (‪ )53‬فقد استبطأ الحق تعالى فيها إيمان أهل مكة الذين‬
‫جاءهم بالكتاب المفصّل المبيّن فقال‪{ :‬هل يَ ْنظُرون} أي ما ينظرون {إلّ تأويله} أي عاقبة ما أخبر‬
‫به القرآن من القيامة وأهوالها‪ ،‬والنار وعذابها‪ ،‬وعندئذ يؤمنون‪ ،‬وهل ينفع يومئذ اليمان؟ وهاهم‬
‫أولء يقولون {يوم يأتي تأويله} وينكشف الغطاء عما وعد به‪{ ،‬يقول الذين نسوه من قبل} أي قبل‬
‫وقوعه‪ ،‬وذلك في الحياة الدنيا‪ ،‬نسوه فلم يعملوا بما ينجيهم فيه من العذاب يقولون‪{ :‬قد جاءت‬
‫رسل ربنا بالحق} اعترفوا بما‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬منا به‪ ،‬فلم يقع فيه سهو ول غلط وحاشاه تعالى أن يسهو أو يغلط‪.‬‬
‫‪{ 2‬هدى ورحمة} منصوبان على الحال‪ ،‬ويصح فيهما الرفع والخفض فالرفع على البتداء أي‪:‬‬
‫هو هدى ورحمة‪ ،‬والخفض على النعت لكتاب أي‪ :‬ذي هداية ورحمة‪ ،‬وخُص المؤمنون بالهدى‬
‫والرحمة لنهم أحياء‪ ،‬وأمّا الكافرون فهم أموات‪.‬‬

‫( ‪)2/180‬‬

‫كانوا به يجحدون ويكذبون ثم يتمنون ما ل يتحقّق لهم أبدا فيقولون‪{ :‬فهل ‪ 1‬لنا من شفعاء فيشفعوا‬
‫لنا؟ أو نردّ} إلى الدنيا {فنعمل غير الذي كنا نعمل} من الشرك والشر والفساد‪ .‬وتذهب تمنياتهم‬
‫عهُمْ إل العلن التالي‪{ :‬قد خسروا ‪ 2‬أنفسهم وضل عنهم ما كانوا‬
‫أدراج الرياح‪ ،‬ولم يرُ ْ‬
‫يفترون} ‪ ،‬خسروا أنفسهم في جهنم‪ ،‬وضاع منهم كلّ أمل وغاب عنهم ما كانوا يفترون من أنّ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫آلهتهم وأولياءهم يشفعون لهم فينجونهم من النار ويدخلونهم الجنة‪.‬‬
‫وفي الية الخيرة يقول تعالى لولئك المتباطئين في إيمانهم {إنّ ربّكم} الذي يُحبّ أن تعبدوه‬
‫وتدعوه وتتقربوا إليه وتطيعوه {الُ الذي خلق السموات والرض في ستة أيام ثم استوى على‬
‫العرش ُيغْشِي اللّ ْيلَ النّهار يطلبه ‪ 3‬حثيثا والشمس والقمرَ والنجّومَ مسخراتٍ بأمره} هذا هو ربكم‬
‫الحق وإلهكم الذي ل إله لكم غيره‪ ،‬ول ربّ لكم سواه‪ ،‬أمّا الصنام والوثان فلن تكون ربّا ول‬
‫إلها لحد أبدا لنّها مخلوقة غير خالقة وعاجزة عن نفع نفسها‪ ،‬ودفع الضّر عنها فكيف بغيرها؟‬
‫إنّ ربّكم ومعبودكم الحقّ الذي له ‪ 4‬الخلق كلّه ملكا وتصرفا وله المر وحده يتصرف كيف يشاء‬
‫في الملكوت كله‪ .‬علويّه وسفليّه فتبارك ال رب العالمين‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬ل ينفع اليمان عند معاينة الموت والعذاب كما ل ينفع يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ -2‬يحسن التثبت في المر والتأني عند العمل وترك العجلة‪ ،‬فال قادرٌ على خلق السمّوات‬
‫والرض في ساعة ولكن خلقها في ستة ‪ 5‬أيام بمقدار أيام الدّنيا تعليما وإرشادا إلى التثبت في‬
‫المور والتأني فيها‪.‬‬
‫‪ -3‬صفة من صفات الرب تعالى التي يجب اليمان بها ويحرم تأويلها أو تكييفها وهي‬
‫__________‬
‫‪ { 1‬فهل لنا من شفعاء} ؟ الستفهام مشوب بالتمني‪.‬‬
‫‪ 2‬خسران النفس أكبر خسران إذ هو آخر ما يخسر‪ ،‬فإنّ مَنْ خسر نفسه فقد خسر كل شيء قال‬
‫تعالى ‪{ :‬قل إنّ الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة} ومعنى‪ :‬خسران المس‪ :‬عدم‬
‫النتفاع بها‪.‬‬
‫‪ 3‬أي‪ :‬يطلبه طلبا حثيثا أي سريعا‪ ،‬إذ الحث‪ :‬العجال والسرعة‪.‬‬
‫‪ 4‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من لم يحمد ال على ما عمل من عمل صالح وحمد نفسه‬
‫فقد كفر وحبط عمله" أخرجه ابن كثير نقلً عن ابن جرير‪ .‬وقال ابن عيينة‪ :‬فرّق ال بين الخلق‬
‫والمر فمن جمع بينهما لقد كفر إذ قال‪ { :‬أل له الخلق والمر} فالخلق غير المر فمن قال‪ :‬المر‬
‫مخلوق فقد كفر‪.‬‬
‫‪ 5‬أصل ستة‪ :‬سدسة فأرادوا إدغام الدال في السين فالتقيا عند مخرج التاء فغلبت عليها فصارت‬
‫ستة ولذا تصغر على سديسة وتجمع على أسداس‪ ،‬والجمع والتصغير يردّان السماء إلى أصولها‪،‬‬
‫ويقال‪ :‬جاء فلن سادس ستة‪.‬‬

‫( ‪)2/181‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫استواؤه تعالى على عرشه‪1 .‬‬
‫‪ -4‬انحصار الخلق كلّ الخلق فيه تعالى فل خالق إل هو‪ ،‬والمر كذلك فل آمر ول ناهي غيره‪.‬‬
‫هنا قال عمر‪ :‬من بقي له شيء فليطلبه إذ لم يبق شيء ما دام الخلق والمر كلهما ل‪.‬‬
‫حهَا‬
‫حبّ ا ْل ُمعْ َتدِينَ(‪َ )55‬ولَ ُتفْسِدُواْ فِي الَرْضِ َبعْدَ ِإصْلَ ِ‬
‫خفْيَةً إِنّ ُه لَ يُ ِ‬
‫ادْعُواْ رَ ّبكُمْ َتضَرّعًا َو ُ‬
‫حسِنِينَ(‪)56‬‬
‫ح َمتَ اللّهِ قَرِيبٌ مّنَ ا ْلمُ ْ‬
‫ط َمعًا إِنّ َر ْ‬
‫خ ْوفًا وَ َ‬
‫وَادْعُوهُ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ادعوا ربكم ‪ :‬سلوه حوائجكم الدنيوية والخروية فإنّه ربّكم فل تستحيوا من سؤاله‪.‬‬
‫تضرعا وخفية ‪ :‬أي حال كونكم ضارعين متذللين مخفي الدعاء غير رافعين أصواتكم به‪.‬‬
‫المعتدين‪ :‬أي في الدعاء وغيره والعتداء في الدعاء أن يسأل ال ما لم تجر سنته بإعطائه أو‬
‫إيجاده أو تغييره كأن يسأل أن يكون نبيا أو أن يرد طفلً أو صغيرا‪ ،‬أو يرفع صوته بالدعاء‪.‬‬
‫ول تفسدوا في الرض‪ :‬أي بالشرك والمعاصي بعد إصلحها بالتوحيد والطاعات‪.‬‬
‫المحسنين ‪ :‬الذين يحسنون أعمالهم ونياتهم‪ ،‬بمراقبتهم ال تعالى في كل أحوالهم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما عرّف تعالى عباده بنفسه وأنه ربهم الحق وإلههم‪ ،‬وأنه الخالق المر المتصرف بيده كل شيء‬
‫أمرهم إرشادا لهم أن يدعوه‪ ،‬وبين لهم الحال التي يدعونه عليها‪ ،‬ليستجيب لهم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬من أحسن ما يؤثر في مسألة الستواء قول مالك رحمه ال تعالى إذ قال‪ :‬الستواء معلوم‬
‫والكيف مجهول والسؤال عن هذا بدعة‪ ،‬ويروى مثله عن أم سلمة رضي ال عنها‪.‬‬

‫( ‪)2/182‬‬

‫فقال‪{ :‬ادعوا ربكم تضرعا‪ }1‬أي تذللً وخشوعا {وخفية} ‪ 2‬أي سرا ل جهرا‪ ،‬ونهاهم عن‬
‫العتداء في الدعاء حيث أعلمهم أنه ل يحب المعتدين‪ ،‬والعتداء في الدعاء أي يُدْعَى غير ال‬
‫تعالى أو يدعى معه غيره‪ ،‬ومنه طلب ذوات السباب بدون إعداد أسبابها‪ ،‬أو سؤال ما لم تجر‬
‫سنة ال به كسؤال المرء أن يكون نبيا أو يرد من كهولته إلى شبابه أو من شبابه إلى طفولته‪.‬‬
‫ثم بعد هذا الرشاد والتوجيه إلى ما يكملهم ويسعدهم نهاهم عن الفساد في الرض بعد أن أصلحها‬
‫تعالى والفساد في الرض يكون بالشرك والمعاصي‪ ،‬والمعاصي تشمل سائر المحرمات كقتل‬
‫الناس وغصب أموالهم وإفساد زروعهم وإفساد عقولهم بالسحر والمخدرات وأعراضهم بالزنى‬
‫والموبقات‪ .‬ومرة أخرى يحضهم على دعائه لن الدعاء هو العبادة وفي الحديث الصحيح "الدعاء‬
‫هو العبادة" فقال‪ :‬ادعوا ربكم أي سلوه حاجاتكم حال كونكم في دعائكم خائفين من عذابه طامعين‬
‫راجين رحمته وبين لهم أن رحمته قريب ‪ 3‬من المحسنين الذين يحسنون نيّاتهم وأعمالهم ومن‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ذلك الدعاء فمن أحسن الدعاء ظفر بالجابة‪ ،‬فثواب المحسنين قريب الحصول بخلف المسيئين‬
‫فإنه ل يستجاب لهم‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب دعاء ال تعالى فإن الدعاء هو العبادة‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان آداب الدعاء وهو‪ :‬أن يكون الداعي ضارعا متذللً‪ ،‬وأن يخفي دعاءه فل يجهر به‪ ،‬وأن‬
‫يكون حال الدعاء خائفا طامعا‪ ،4‬وأن ل يعتدي في الدعاء بدعاء غير ال تعالى أو سؤال ما لم‬
‫تجر سنة ال بإعطائه‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة الفساد في الرض بالشرك والمعاصي بعد أن أصلحها ال تعالى بالسلم‪.‬‬
‫‪ -4‬الترغيب في الحسان مطلقا خاصا وعاما حيث أن ال تعالى يحب أهله‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اختلف في رفع اليدين في الدعاء والكثرون على استحبابه لفعله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 2‬روي أنه صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي"‪.‬‬
‫‪ 3‬عدم تأنيث قريب مع أنه خبر عن مؤنث‪ ،‬تكلم فيه كثيرا وأحسن ما قيل في مثله أن لفظ قريب‬
‫وبعيد إذا أطلق على النسب تعيّن التذكير والتأنيث بحسب المخبر عنه نحو‪ :‬زيد قريب عمر‪،‬‬
‫وعائشة قريبة بكر مثل‪ ،‬وما كان لغير النسب جاز تذكيره وتأنيثه قال تعالى‪{ :‬وما يدريك لعل‬
‫ن الوصف عائد‬
‫الساعة تكون قريبا} وقال‪{ :‬وما هي من الظالمين ببعيد} فذكّر في الموضعين مع أ ّ‬
‫على مؤنث‪.‬‬
‫‪ 4‬ويصح نصب خوفا وطمعا مفعولين لجله أي ادعوه لجل الخوف منه والطمع فيه‪ ،‬ونصبهما‬
‫على الحال كما في التفسير حسن أيضا‪.‬‬

‫( ‪)2/183‬‬

‫سقْنَاهُ لِبَلَدٍ مّ ّيتٍ فَأَنزَلْنَا ِبهِ‬


‫حمَتِهِ حَتّى إِذَا َأقَّلتْ سَحَابًا ِثقَالً ُ‬
‫سلُ الرّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ َي َديْ رَ ْ‬
‫وَ ُهوَ الّذِي يُرْ ِ‬
‫ا ْلمَاء فََأخْرَجْنَا ِبهِ مِن ُكلّ ال ّثمَرَاتِ َكذَِلكَ نُخْرِجُ الْموْتَى َلعَّلكُمْ َت َذكّرُونَ(‪ )57‬وَالْبََلدُ الطّ ّيبُ َيخْرُجُ‬
‫شكُرُونَ(‪)58‬‬
‫ث لَ يَخْرُجُ ِإلّ َنكِدًا كَذَِلكَ ُنصَ ّرفُ اليَاتِ ِل َقوْمٍ يَ ْ‬
‫نَبَاتُهُ بِِإذْنِ رَبّ ِه وَالّذِي خَ ُب َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الرياح‪ :‬جمع ريح وهو الهواء المتحرك‪.‬‬
‫بشيرا‪ : 1‬جمع بشير أي مبشرات بقرب نزول المطر‪ ،‬قرىء نشرا أي تنشر السحاب للمطار‪.‬‬
‫رحمته ‪ :‬أي رحمة ال تعالى وهي المطر‪.‬‬
‫أقلت سحابا ثقالً ‪ :‬أي حملت سحابا ثقالً مشبعا ببخار الماء‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ميت ‪ :‬ل نبات به ول عب ول كل‪.‬‬
‫كذلك نخرج الموتى ‪ :‬أي كذلك نحيي الموتى ونخرجهم من قبورهم أحياء‪.‬‬
‫تذكرون‪ :‬تذكرون فتؤمنون بالبعث والجزاء‪.‬‬
‫الطيب ‪ :‬أي الطيب التربة‪.‬‬
‫خبث ‪ :‬أي خبثت تربته بأن كانت سبخة‪.‬‬
‫إل َنكِدا‪ :‬أي إل عسرا‪.‬‬
‫نصرف اليات‪ :‬أي ننوعها ونخالف بين أساليبها ونذكر في بعضها ما لم نذكره في بعضها للهداية‬
‫والتعليم‪.‬‬
‫لقوم يشكرون ‪ :‬لنهم هم الذين ينتفعون بالنعم بشكرها بصرفها في محاب ال تعالى‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬كرسل جمع رسول‪ ،‬وسكّن بشرا للتخفيف كما تسكن السين في رُسُل فيقال‪ُ :‬رسْل على وزن‬
‫ُفعْل‪.‬‬

‫( ‪)2/184‬‬

‫معنى اليتين‪:‬‬
‫مازال السياق الكريم في بيان مظاهر القدرة الربانية والرحمة اللهية الموجبة لعبادته تعالى وحده‬
‫دون سواه قال تعالى {وهو الذي يرسل الرياح بشرا} وهو أي ربكم الحق الذي ل إله إل هو‬
‫وبشرا أي مبشرات ‪ 1‬ونشرا أي تنشر الرياح تحمل السحب الثقال ليسقي الرض الميتة فتحيا‬
‫بالزروع والنباتات لتأكلوا وترعوا أنعامكم‪ ،‬وبمثل هذا التدبير ني إنزال المطر وإحياء الرض‬
‫بعد موتها يحييكم بعد موتكم فيخرجكم من قبوركم أحياء ليحاسبكم على كسبكم في هذه الدار‬
‫ويجزيكم به الخير بالخير والشر بمثله جزاء عادلً ل ظلم فيه وهذا الفعل الدال على القدرة‬
‫والرحمة ولطف التدبير يُريكموه فترونه بأبصاركم لعلكم به تذكرون أن القادر على إحياء موات‬
‫الرض قادر على إحياء موات الجسام فتؤمنوا بلقاء ربكم وتوقنوا به فتعملوا بمقتضى ما يسعدكم‬
‫ول يشقيكم فيه‪.‬‬
‫هذا ما تضمنته الية الولى (‪{ )57‬وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته} أي المطر‬
‫{حتى إذا أقلّت} أي حملت {سحابا ثقالً} أي ببخار الماء {سقناه} بقدرتنا ولطف تدبيرنا {لبلد ميت‬
‫‪ }2‬ل حياة به ل نبات ول زرع‪ ،‬ول عشب {فأنزلنا به} أي بالسحاب {الماء} العذب الفرات‪،‬‬
‫{فأخرجنا به من كل الثمرات} المختلفة اللوان والروائح والطعوم {كذلك نخرج الموتى} كهذا‬
‫الخراج للنبات من الرض الميتة نخرج الموتى ‪ 3‬من قبورهم وعملنا هذا نسمعكم إياه ونريكموه‬
‫بأبصاركم رجاء أن تذكروا فتذكروا أن القادر على إحياء الرض قادر على إحياء الموتى رحمة‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫منا بكم وإحسانا منا إليكم‪.‬‬
‫أما الية الثانية (‪ )58‬فقد تضمنت مثلً ضربه ال تعالى للعبد المؤمن والكافر إثر بيان قدرته على‬
‫إحياء الناس بعد موتهم فقال تعالى‪{ :‬والبلد الطيب} أي طيب التربة {يخرج نباته بإذن ربه} وذلك‬
‫بعد إنزال المطر به‪ ،‬وهذا مثل العبد المؤمن ذي القلب الحي الطيب إذا سمع ما ينزل من اليات‬
‫يزداد إيمانه وتكثر أعماله الصالحة {والذي خبث} أي والبلد الذي تربته خبيثة سبخة أو حمأة‬
‫عندما ينزل به المطر ل يخرج نباته إل نكدا‪ 4‬عسرا قليلً غير‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرىء {بُشرا} بضم الباء‪ ،‬وقرئ {نشرا} بالنون المضمومة‪ ،‬وهما قراءتان سبعيتان وفسرت‬
‫الكلمتان بحسب ما تدلن عليه فتأمل‪ ،‬وفيهما قراءات أخرى من حيث الحركات كضم الباء مع‬
‫الشين‪ ،‬وبشرى باللف المقصورة‪.‬‬
‫‪ 2‬البلد والبلدة بمعنى ويجمع على بلد وبلدان‪.‬‬
‫‪ 3‬روى مسلم قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬ثم يرسل ال أو قال‪ :‬ينزل ال مطرا كأنّه الطلّ فتنبت‬
‫منه أجساد الناس‪ ،‬ثم قال‪:‬أيها الناس هلموا إلى ربكم وقفوهم إنهم مسؤولون" الحديث‪.‬‬
‫‪ 4‬النكد‪ :‬العسر الممتنع من إعطاء الخير من الناس‪ ،‬وشبه به البلد الخبيث التربة كذات الحجارة‬
‫أو السبخة‪.‬‬

‫( ‪)2/185‬‬

‫صالح وهذا مثل الكافر عندما يسمع اليات القرآنية ل يقبل عليها ول ينتفع بها في خُلقه ول‬
‫سلوكه فل يعمل خيرا ول يترك شرا‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬كذلك نصرف اليات} أي ببيان مظاهر قدرته تعالى وعلمه وحكمته ورحمته‬
‫وضرب المثال وسوق الشواهد والعبر {لقوم يشكرون} إذ هم المنتفعون بها أما الكافرون‬
‫الجاحدون فأنى لهم النتفاع بها وهم ل يعرفون الخير ول ينكرون الشر‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عقيدة البعث والحياة بعد الموت للحساب والجزاء إذ هي من أهم أركان اليمان‪.‬‬
‫‪ -2‬الستدلل بالحاضر على الغائب وهو من العلوم النافعة‪.‬‬
‫‪ -3‬حسن ضرب المثال لتقريب المعاني إلى الذهان‪.‬‬
‫‪ -4‬فضيلة الشكر وهو صرف النعمة فيما من أجله وهبها ال تعالى للعبد‪.‬‬
‫عذَابَ َيوْمٍ‬
‫َلقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى َق ْومِهِ َفقَالَ يَا َقوْمِ اعْ ُبدُواْ اللّهَ مَا َلكُم مّنْ إِلَهٍ غَيْ ُرهُ إِ ّنيَ أَخَافُ عَلَ ْيكُمْ َ‬
‫عَظِيمٍ(‪ )59‬قَالَ ا ْلمَلُ مِن َق ْومِهِ إِنّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَلٍ مّبِينٍ(‪ )60‬قَالَ يَا َقوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَلَ ٌة وََلكِنّي‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لتِ رَبّي وَأَنصَحُ َلكُ ْم وَأَعَْلمُ مِنَ اللّهِ مَا لَ َتعَْلمُونَ(‪)62‬‬
‫رَسُولٌ مّن ّربّ ا ْلعَاَلمِينَ(‪ )61‬أُبَّل ُغ ُكمْ رِسَا َ‬
‫حمُونَ(‪َ )63‬فكَذّبُوهُ‬
‫جلٍ مّنكُمْ لِيُنذِ َركُ ْم وَلِتَ ّتقُواْ وََلعَّلكُمْ تُ ْر َ‬
‫َأوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ِذكْرٌ مّن رّ ّب ُكمْ عَلَى رَ ُ‬
‫عمِينَ(‪)64‬‬
‫فَأَنجَيْنَا ُه وَالّذِينَ َمعَهُ فِي ا ْلفُ ْلكِ وَأَغْ َرقْنَا الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا إِ ّنهُمْ كَانُواْ َقوْما َ‬

‫( ‪)2/186‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫نوحا ‪ :‬هذا أول الرسل هذا العبد الشكور هو نوح بن َلمْك بن متوشلخ بن أخنوخ أي أدريس ‪1‬‬
‫عليهما السلم‪ ،‬أحد أولى العزم الخمسة من الرسل عاش داعيا وهاديا ومعلما ألفا ومائتين وأربعين‬
‫سنة‪ ،‬ومدة الدعوة ألف سنة إلّ خمسين عاما‪ ،‬وما بعدها عاشها هاديا ومعلما وللمؤمنين‪.‬‬
‫عذاب يوم عظيم ‪ :‬هو عذاب يوم القيامة‪.‬‬
‫المل‪ :‬أشراف القوم ورؤساؤهم الذين يملون العين والمجلس‪.‬‬
‫وأنصح لكم ‪ :‬أريد لكم الخير ل غير‪.‬‬
‫أوَ عجبتم‪ :‬الستفهام للنكار‪ ،‬وعجبتم الواو عاطفة والمعطوف عليه جملة‪ :‬هي كذبتم أي أكذبتم‬
‫وعجبتم‪.‬‬
‫لينذركم‪ :‬أي العذاب المترتب على الكفر والمعاصي‪.‬‬
‫ولتتقوا‪ :‬أي ال تعالى باليمان به وتوحيده وطاعته فترحمون فل تعذبون‪.‬‬
‫والذين معه في الفلك‪ :‬هم المؤمنون من قومه والفلك هي السفينة التي صنعها بأمر ال تعالى‬
‫وعونه‪.‬‬
‫عمين ‪ :‬جمع عمٍ‪ 2‬وهو أعمى البصيرة أما أعمى العينين يقال فيه أعمى‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫هذا شروع في ذكر قصص ستة من الرسل وهم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى عليهم‬
‫السلم والمراد من ذكر هذا القصص هو تنويع أسلوب الدعوة ليشاهد المدعون من كفار قريش‬
‫صورا ناطقة ومشاهد حية لمم سبقت وكيف كانت بدايتها وبم ختمت نهايتها‪ ،‬وهي ل تختلف إل‬
‫يسيرا عما هم يعيشونه من أحداث الدعوة والصراع الدائر بينهم وبين نبيهم لعلهم يتعظون‪ ،.‬ومع‬
‫هذا فالقصص يقرر نبوة محمد صلى ال عليه وسلم إذ لو لم يكن رسولً يوحى إليه لما تأتى له‬
‫أن يقص من أخبار الماضين ما بهر العقول كما أن المؤمنين مع نبيهم يكتسبون من العبر ما‬
‫يحملهم على الثبات والصبر‪ ،‬ويجنبهم القنوط واليأس من حسن العافية والظفر والنصر‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الظاهر أن إدريس هنا ليس هو إدريس النبي الرسول عليه السلم‪ -‬وال أعلم‪.‬‬
‫‪ 2‬يقال‪ :‬رجل عمٍ أي جاهل بكذا‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/187‬‬

‫وهذا أول قصص بقوله تعالى فيه {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه ‪ }1‬أي وعزتنا لقد أرسلنا نوحا إلى‬
‫قومه كما أرسلناك أنت يا رسولنا إلى قومك من العرب والعجم‪ ،‬فقال‪ :‬أي نوح في دعوته‪{ :‬يا‬
‫قوم اعبدوا ال مالكم من إله غيره ‪ }2‬أي ليس لكم على الحقيقة إله غيره‪ ،‬إذ إلله الحق من يخلق‬
‫ويرزق ويدبر فيحيي ويميت ويعطي ويمنع‪ ،‬ويضر وينفع‪ ،‬ويسمع ويبصر فأين هذا من آلهة‬
‫نحتموها بأيديكم‪ ،‬ووضعتموها في بيوتكم عمياء ل تبصر صماء ل تسمع بكماء ل تنطق فكيف‬
‫يصح أن يطلق عليها اسم الله وتعبد {إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} أنذرهم عذاب يوم‬
‫القيامة إن هم أصروا على الشرك والعصيان فأجابه المل ‪ 3‬منهم وهم أهل الحل والعقد في البلد‬
‫قائلين‪{ :‬إنا لنراك في ضلل مبين} بسبب موقفك العدائي هذا للهتنا‪ ،‬ولعبادتنا إياها فأجاب عليه‬
‫السلم قائلً‪{ :‬يا قوم ليس بي ضللة} مجرد ضللة فكيف بالضلل كله كما تقولون‪{ ،‬ولكني‬
‫رسول من رب العالمين} أي إليكم {أبلغكم رسالت ربي وأنصح ‪ 4‬لكم} أي بما هو خير لكم في‬
‫حالكم ومآلكم‪ ،‬واعلموا أني {وأعلم من ال ما ل تعلمون} فأنا على علم بما عليه ربي من عظمة‬
‫وسلطان‪ ،‬وجلل‪ ،‬وجمال‪ ،‬وما عنده من رحمة وإحسان‪ ،‬وما لديه من نكال وعذاب‪ ،‬وأنتم ل‬
‫تعلمون فاتقوا ال إذا وأطيعوني يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى آجالكم‪ ،‬ول يعجل بفنائكم‬
‫وواصل حديثه معهم وقد دام ألف سنة إل خمسين عاما قائلً‪ :‬أكذبتم بما دعوتكم إليه وجئتكم به‬
‫وعجبتم ‪ 5‬أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم‪ ،‬ولتتقوا ال بتوحيده وعبادته وطاعته‬
‫رجاء أن ترحموا فل تعذبوا أمن هذا يتعجب العقلء؟ وكانت النتيجة لهذه الدعوة المباركة الخيّرة‬
‫أن كذبوه فأنجاه ربه والمؤمنين معه‪ ،‬وأغرق الظالمين المكذبين‪ ،‬لنهم كانوا قوما عمين فل‬
‫يستحقون البقاء والنجاة قال تعالى {فكذبوه فأنجيناه والذين معه في‬
‫__________‬
‫‪ 1‬نوح‪ :‬هو أوّل الرسل من حيث أنه حارب الشرك ودعا إلى التوحيد‪ ،‬وهل إدريس من ذريته أو‬
‫من آبائه خلف‪ ،‬أمّا شيت بن آدم فقطعا هو من آبائه‪.‬‬
‫‪ 2‬غيره‪ :‬مرفوع على النعت لنه المرفوع تقديرا‪ ،‬إذ الصل رفعه‪ ،‬وجُرّ بحرف الجرّ الزائد الذي‬
‫هو مِنْ‪.‬‬
‫‪ 3‬المل‪ :‬هم أشراف القوم ورؤساؤهم الذين إذا نظر إليهم ملوا العين وإذا جلسوا ملوا المجلس‪،‬‬
‫هذا أصل الكلمة‪.‬‬
‫‪ 4‬النصح‪ :‬إخلص القول والعمل من شوائب الفساد‪ ،‬بمعنى تخليص القول أو العمل مما هو ضار‬
‫أو غير نافع للمنصوح له‪ ،‬ويقال نصحه ونصح له والمعنى واحد‪ ،‬والسم النصيحة‪ ،‬والناصح‬
‫الخالص من العسل مثل الناصح الذي ل شائبة فيه‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 5‬قوله تعالى‪ { :‬أو عجبتم} الهمزة للستفهام‪ ،‬والواو عاطفة على جملة محذوفة كما هي في‬
‫التفسير‪.‬‬

‫( ‪)2/188‬‬

‫الفلك ‪ ،1‬وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين ‪ }2‬ل يبصرون اليات ول يرون النذر‬
‫والشواهد‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير نبوة محمد صلى ال عليه وسلم كنبوة نوح عليه السلم‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير وتأكيد التوحيد‪ ،‬وبيان معنى ل إله إل ال‪.‬‬
‫‪ -3‬التحذير من عذاب يوم القيامة بالتذكير به‪.‬‬
‫‪ -4‬أصحاب المنافع من مراكز وغيرها هم الذين يردون دعوه الحق لمنافاتها للباطل‪.‬‬
‫‪ -5‬تقرير مبدأ العاقبة للمتقين‪.‬‬
‫‪ -6‬عمى القلوب أخطرهن عمى العيون على صاحبه‪.‬‬
‫وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودا قَالَ يَا َقوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا َلكُم مّنْ إِلَهٍ غَيْ ُرهُ َأفَلَ تَ ّتقُونَ(‪ )65‬قَالَ ا ْلمَلُ الّذِينَ‬
‫سفَاهَةٌ‬
‫سفَاهَةٍ وِإِنّا لَنَظُ ّنكَ مِنَ ا ْلكَاذِبِينَ(‪ )66‬قَالَ يَا َقوْمِ لَ ْيسَ بِي َ‬
‫َكفَرُواْ مِن َق ْومِهِ إِنّا لَنَرَاكَ فِي َ‬
‫وََلكِنّي رَسُولٌ مّن ّربّ ا ْلعَاَلمِينَ(‪ )67‬أُبَّل ُغكُمْ ِرسَالتِ رَبّي وَأَنَاْ َلكُمْ نَاصِحٌ َأمِينٌ(‪َ )68‬أوَعَجِبْتُمْ أَن‬
‫جعََلكُمْ خَُلفَاء مِن َبعْدِ َقوْمِ نُوحٍ وَزَا َدكُمْ‬
‫جلٍ مّنكُمْ لِيُنذِ َركُ ْم وَاذكُرُواْ ِإذْ َ‬
‫جَاءكُمْ ِذكْرٌ مّن رّ ّب ُكمْ عَلَى رَ ُ‬
‫سطَةً فَا ْذكُرُواْ آلء اللّهِ َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ(‪)69‬‬
‫فِي الْخَ ْلقِ بَ ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الفلك يكون واحدا وجمعا ويذكر ويؤنث‪.‬‬
‫عمٍ بكذا أي‪ :‬جاهل‬
‫‪{ 2‬عمين} أي‪ :‬عن الحق وعن معرفة ال وقدرته ولطفه‪ ،‬وإحسانه يقال رجلٌ َ‬
‫به ل يعرفه‪.‬‬

‫( ‪)2/189‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫وإلى عاد‪ :‬أي ولقد أرسلنا إلى عاد وهم قبيلة عاد‪ ،‬وعاد أبو القبيلة وهو عاد بن عوص ابن إرم‬
‫بن سام بن نوح عليه السلم‪.‬‬
‫أخاهم هودا ‪ :‬أخاهم في النسب ل في الدين‪ .‬وهود هو هود بن شالخ بن أرفخشد بن سام ابن نوح‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عليه السلم‪.‬‬
‫أفل تتقون‪ :‬أي أتصرّون على الشرك فل تتّقون عذاب ال باليمان به وتوحيده‪ ،‬والستفهام‬
‫إنكاري أي ينكر عليهم عدم تقواهم ل عز وجل‪.‬‬
‫خفّة العقل‪ ،‬وقلّة الدراك والحلم‪.‬‬
‫سفَه وهو ِ‬
‫في سفاهة ‪ :‬السفاهة كال ّ‬
‫أمين‪ :‬ل أخونكم ول أغشكم ول أكْذِبُكم‪ ،‬كما أني مأمون على رسالتي ل أفرط في إبلغها‪.‬‬
‫بسطة ‪ :‬أي طولً في الجسام‪ ،‬إذ كانوا عمالق من عظم ص أجسادهم وطولها‪.‬‬
‫ي وإ ْلوٌ والجمع آلء‪.‬‬
‫ى واْل ٌ‬
‫آلء ال ‪ :‬نعمه واحدها أَلىً وإل ً‬
‫تفلحون‪ :‬بالنجاة من النار في الخرة‪ ،‬والهلك في الدنيا‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫صصُ هود عليه السلم مع قومه عاد الولى التي أهلكها ال تعالى‬
‫هذا هو القصص الثاني‪َ ،‬ق َ‬
‫بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام‪ .‬قوله تعالى {وإلى عاد ‪ }1‬أي وأرسلنا‬
‫إلى قبيلة عاد أخاهم من النسب هودا فماذا قال لهم {قال يا قوم اعبدوا ال} أي وحدوه في العبادة‬
‫ول تعبدوا معه آلهة أخرى‪ .‬وقوله‪{ :‬مالكم من إله غيره} أي ليس لكم أي إله غير ال‪ ،‬إذ ال هو‬
‫الله الحق وما عداه فآلهة باطلة‪ ،‬لنه تعالى يخلق وهم ل يخلقون‪ .‬ويرزق وهم ل يرزقون ويدبر‬
‫الحياة بكل ما فيها وهم مدبّرون ل يملكون نفعا ول ضرا‪ ،‬ول موتا ول حياة ول نشورا فكيف‬
‫يكونون آلهة‪ .‬ثم حضهم على التقوى وأنكر عليهم تركهم لها فقال عليه السلم لهم ‪{ :‬أفل تتقون}‬
‫أي ال ربّكم فتتركوا الشرك وتوحدوه؟ فأجاب المل الذين كفروا من قومه‪ ،‬بأسوأ إجابة وذلك‬
‫لكبريائهم واغترارهم فقالوا‪{ :‬إنا لنراك في‬
‫__________‬
‫‪ 1‬عاد‪ :‬آمّة عظيمة كانوا أكثر من عشر قبائل‪ ،‬ومنازلهم كانت ببلد العرب من حضرموت‬
‫والشّحر إلى عُمان‪ ،‬وعاد اسم القبيلة وصرف لنّه ثلثي ساكن الوسط كهند ودعد‪.‬‬

‫( ‪)2/190‬‬

‫سفاهة} أي حمق وطيش وعدم بصيرة بالحياة وإل كيف تخرج عن إجماع قومك‪ ،‬وتواجههم بعيب‬
‫آلهتهم وتسفيه أحلمهم‪{ ،‬وإنا لنظنك من الكاذبين} فيما جئت به أي من الرسالة‪ ،‬ودعوت إليه من‬
‫التوحيد ونبذ اللهة غير ال تعالى‪ ،‬فأجاب هود عليه السلم رادا شبهتهم فقال‪{ :‬يا قوم ليس بي‬
‫سفاهة ولكني رسول من رب العالمين} أي أني لست كما تزعمون أن بي سفاهة ولكني أحمل‬
‫رسالة أبلغكموها‪ ،‬وأنا في ذلك ناصح لكم مريد لكم الخير أمين ‪ 1‬على وحي ال تعالى إلي‪ ،‬أمين‬
‫ل أغشكم ول أخونكم فما أريد لكم إل الخير‪ .‬ثم واصل دعوته فقال {أو عجبتم أن جاءكم ذكر من‬
‫ربّكم} أي أكذبتم برسالتي وعجبتم من مجيئكم ذكر من ربكم {على رجل منكم لينذركم} أي‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عواقب كفركم وشرككم‪ ،‬أمن مثل هذا يتعجب العقلء أم أنتم ل تعقلون؟‪.‬‬
‫ثم ذكرهم بنعم ال تعالى عليهم لعلّها تُح ْدثُ لهم ذكرا في نفوسهم فيتراجعون بعد عنادهم‬
‫وإصرارهم فقال‪{ :‬واذكروا إذ جعلكم خلفاء ‪ 2‬من بعد قوم نوح} أي بعد أن أهلكهم بالطوفان‬
‫لصرارهم على الشرك {وزادكم في الخلق بسطة ‪ }3‬أي جعل أجسامكم قوية وقاماتكم طويلة هذه‬
‫نعم ال عليكم {فاذكروا آلء ‪ 4‬ال لعلكم تفلحون} لنكم إن ذكرتموها بقلوبكم شكرتموها بأقوالكم‬
‫وأعمالكم‪ ،‬وبذلك يتم الفلح لكم‪ ،‬وهو نجاتكم من المرهوب وظفركم بالمحبوب وذلك هو الفوز‬
‫المطلوب‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬الدعوة إلى عبادة ال وترك عبادة ما سواه وهو معنى ل إله إل ال‪.‬‬
‫‪ -2‬مشروعية دفع التهام‪ ،‬وتبرئة النسان نفسه مما يتهم به من الباطل‪.‬‬
‫‪ -3‬من وظائف الرسل عليهم السلم البلغ لما أمروا بإبلغه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المين‪ :‬هو الموصوف بالمانة‪ ،‬والمانة أعز أوصاف البشر وفي الحديث "ل إيمان لمن ل‬
‫أمانة له" ويروى‪" :‬لمن ل أمان له"‪.‬‬
‫‪ 2‬الخلفاء‪ :‬جمع خليفة وهو الذي يخلف غيره في شيء أي‪ :‬يتولى العمل الذي كان يقوم به‬
‫الخر‪ ،‬كما يجمع خليفة على خلئف‪.‬‬
‫‪ 3‬ويجوز بصطة‪ :‬بالصاد أي طولً في الجسام قيل كان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين‬
‫ذراعا‪ ،‬فالزيادة كانت على خلق من قبلهم‪ ،‬وذكر القرطبي أمورا عجبا ل يحسن ذكرها‪.‬‬
‫‪ 4‬اللء‪ :‬مفرده إلي ويعرف فيقال اللي وهو‪ :‬النعمة وهو على وزن عِنَب وأعناب ونظيره إن‬
‫أي‪ :‬الوقت والجمع آناء قال تعالى‪{ :‬ومن آناء الليل فسبّح} الخ‪.‬‬

‫( ‪)2/191‬‬

‫‪ -4‬فضيلة النصح وخُلُق المانة‪.‬‬


‫‪ -5‬استحسان التذكير بالنعم فإن ذلك موجب للشكر والطاعة‪.‬‬
‫قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِ َنعْ ُبدَ اللّهَ وَحْ َد ُه وَنَذَرَ مَا كَانَ َيعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا ِبمَا َت ِعدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ(‪ )70‬قَالَ‬
‫سمّيْ ُتمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مّا نَ ّزلَ اللّهُ‬
‫سمَاء َ‬
‫ضبٌ أَ ُتجَادِلُونَنِي ‪ 1‬فِي أَ ْ‬
‫غ َ‬
‫س وَ َ‬
‫قَ ْد َوقَعَ عَلَ ْيكُم مّن رّ ّبكُمْ ِرجْ ٌ‬
‫طعْنَا‬
‫حمَةٍ مّنّا َوقَ َ‬
‫ِبهَا مِن سُ ْلطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنّي َم َعكُم مّنَ ا ْلمُن َتظِرِينَ(‪ )71‬فَأَنجَيْنَا ُه وَالّذِينَ َمعَهُ بِ َر ْ‬
‫دَابِرَ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا َومَا كَانُواْ ُم ْؤمِنِينَ(‪)72‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ونذر ‪ :‬أي نترك‪.‬‬
‫بما تعدنا ‪ :‬أي من العذاب‪.‬‬
‫رجس ‪ :‬سخطٌ موجبٌ للعذاب‪.‬‬
‫أتجادلونني‪ :‬أي أتخاصمونني‪.‬‬
‫من سلطان‪ :‬أي من حجّة ول برهان يثبت أنها تستحق العبادة‪.‬‬
‫دابر‪ :‬دابر القوم آخرهم‪ ،‬لنه إذا هلك آخر القوم هلك أولهم بل ريب‪.‬‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬أتجادلونني في أسماء } أي‪ :‬في الصنام التي أطلقوا عليها أسماء كاللّت‪ ،‬والعزّى ومناة عند‬
‫قريش ومشركي العرب‪ ،‬فأطلق السم وأريد به المسمّى‪.‬‬

‫( ‪)2/192‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫مازال السياق في قصص هود عليه السلم‪ ،‬فهاهم أولء يردّون على دعوة هود بقول المل منهم‬
‫{أجئتنا ‪ 1‬لنعبد ال وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا} وتهددنا إن نحن لم نترك عبادة آلهتنا‪{ ،‬فأتنا بما‬
‫تعدنا} به من العذاب ‪{ 2‬إن كنت من الصّادقين} في دعواك فرد هود عليه السلم على قولهم هذا‬
‫قائلً قد وقع ‪ 3‬عليكم رجس ‪ 4‬أي سخط وغضب من ال تعالى وأن عذابكم لذلك أصبح متوقعا في‬
‫حلّ بكم {إني معكم من المنتظرين} قال تعالى {فأنجيناه ‪ 5‬والذين معه‬
‫كل يوم فاضطروا ما سَ َي ِ‬
‫برحمة منّا} أي بعد إنزال العذاب‪ ،‬ومن معه من المؤمنين برحمة منا خاصة ل تتم إل لمثلهم‪،‬‬
‫{وقطعنا دابر القوم الذين كذبوا بآياتنا‪ ،‬وما كانوا مؤمنين} أهلكناهم بخارقة ريح تدمر كل شيء‬
‫بأمر بها فأصبحوا ل يرى إل مساكنهم‪ ،‬وكذلك جزاء الظالمين‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬احتجاج المشركين على صحّة باطلهم بفعل آبائهم وأجدادهم يكاد يكون سنّةً مطّردةً في المم‬
‫والشعوب‪ ،‬وهو التقليد المذموم‪.‬‬
‫‪ -2‬من حمق الكافرين استعجالهم بالعذاب‪ ،‬ومطالبتهم به‪.‬‬
‫‪ -3‬آلهة الوثنيين مجرّد أسماء ل حقائق لها إذ إطلق المرء اسم إله على حجر ل يجعله إلها ينفع‬
‫ويضر‪ ،‬ويحيى ويميت‪.‬‬
‫‪ -4‬قدرة ال تعالى ولطفه تتجلّى في إهلك عاد وإنجاء هود والمؤمنين‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستفهام هنا إنكاري أنكروا على نبي ال هود دعوته إيّاهم إلى التوحيد وكان جوابهم هذا أقل‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جفوة من السابق الذي اتهموه فيه بالسفاهة والكذب‪.‬‬
‫‪ 2‬ذكر العذاب في سورة الحقاف إذ قال تعالى‪ { :‬واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالحقاف وقد‬
‫خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألّ تعبدوا إلّ ال إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم}‪.‬‬
‫‪{ 3‬قد وقع} بمعنى‪ :‬وجب‪ ،‬يقال‪ :‬وقع الحكم أو القول إذا وجب‪.‬‬
‫‪ 4‬وفسّر الرجس بالعذاب أو الرّين على القلوب بزيادة الكفر‪.‬‬
‫‪ 5‬روي أنّ هودا ومن معه من المؤمنين نزحوا إلى مكة وأقاموا بها بعد هلك قومهم‪.‬‬

‫( ‪)2/193‬‬

‫وَإِلَى َثمُودَ َأخَا ُه ْم صَالِحًا قَالَ يَا َقوْمِ اعْ ُبدُواْ اللّهَ مَا َلكُم مّنْ إَِلهٍ غَيْ ُرهُ قَدْ جَاء ْتكُم بَيّنَةٌ مّن رّ ّبكُمْ هَ ِذهِ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ(‪ )73‬وَا ْذكُرُواْ‬
‫خ َذكُمْ َ‬
‫سوَءٍ فَيَأْ ُ‬
‫نَاقَةُ الّلهِ َلكُمْ آيَةً َفذَرُوهَا تَ ْأ ُكلْ فِي أَ ْرضِ الّل ِه َولَ َتمَسّوهَا ِب ُ‬
‫سهُوِلهَا ُقصُورًا وَتَنْحِتُونَ ا ْلجِبَالَ بُيُوتًا‬
‫خذُونَ مِن ُ‬
‫جعََلكُمْ خَُلفَاء مِن َبعْدِ عَا ٍد وَ َبوَّأكُمْ فِي الَ ْرضِ تَتّ ِ‬
‫إِذْ َ‬
‫سدِينَ(‪ )74‬قَالَ ا ْلمَلُ الّذِينَ اسْ َتكْبَرُواْ مِن َق ْومِهِ لِلّذِينَ‬
‫فَا ْذكُرُواْ آلء اللّ ِه َولَ َتعْ َثوْا فِي الَ ْرضِ ُمفْ ِ‬
‫سلَ ِبهِ ُم ْؤمِنُونَ(‪)75‬‬
‫سلٌ مّن رّبّهِ قَالُواْ إِنّا ِبمَا أُرْ ِ‬
‫ن صَالِحًا مّرْ َ‬
‫ض ِعفُواْ ِلمَنْ آمَنَ مِ ْنهُمْ أَ َتعَْلمُونَ أَ ّ‬
‫اسْ ُت ْ‬
‫قَالَ الّذِينَ اسْ َتكْبَرُواْ إِنّا بِالّ ِذيَ آمَن ُتمْ بِهِ كَافِرُونَ(‪)76‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫وإلى ثمود‪ :‬أي أرسلنا إلى ثمود‪ ،‬وثمود قبيلة سميت باسم جدها وهو ثمود ‪ 1‬بن عابر بن إرم بن‬
‫سام بن نوح‪.‬‬
‫أخاهم صالحا‪ :‬أي في النسب وصالح هو صالح بن عبيد بن آسف كاشح بن عبيد بن حاذر بن‬
‫ثمود‪.‬‬
‫آية ‪ :‬علمة على صدقي في أني رسول ال إليكم‪.‬‬
‫وبوأكم في الرض ‪ :‬أنزلكم فيها منازل تحبون فيها‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ثمود‪ :‬هو أخو جديس‪.‬‬

‫( ‪)2/194‬‬

‫وتنحتون ‪ :‬تنجرون الحجارة في الجبال لتتخذوا منازل لكم لتسكنوها‪.‬‬


‫آلء ال ‪ :‬نعم ال تعالى وهي كثيرة‪.‬‬
‫ول تعثوا‪ :‬أي ل تفسدوا في الرض مفسدين‪.‬‬
‫استكبروا‪ :‬عتوا وطغوا وتكبروا فلم يقبلوا الحق ولم يعترفوا به‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫هذا القصص الثالث قصص نبي ال صالح عليه السلم قال تعالى {وإلى ثمود أخاهم صالحا} أي‬
‫وأرسلنا إل قبيلة ثمود ‪ 1‬أخاهم صالحا نبيا أرسلناه بما أرسلنا به رسلنا من قبله ومن بعده بكلمة‬
‫التوحيد {قال يا قوم اعبدوا ال مالكم من إله غيره} وهذا مدلول كلمة الخلص التي جاء بها خاتم‬
‫النبياء "ل إله إل ال "{ قد جاءتكم بينة من ربكم} تشهد بأنه ل إله إل هو‪ ،‬وأني رسوله إليكم‪،‬‬
‫هذه البينة ‪ 2‬ناقة تخرج من صخرة في جبل‪{ ،‬هذه ناقة ‪ 3‬ال لكم آية} علمة وأية علمة على‬
‫صدقي في إرسال ال تعالى لي رسولً إليكم لتعبدوه وحده ول تشركوا به شيئا‪ ،‬فذروا هذه الناقة‬
‫تأكل في أرض ‪ 4‬ال {ول تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم} ‪ ،‬فكانت الناقة ترعى في المرج‪،‬‬
‫وتأتي إلى ماء القوم فتشربه كله‪ ،‬ويتحول في بطنها إلى لبن خالص فيَحْلِبون ما شاءوا وقال لهم‬
‫يوما هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم‪ ،‬ول تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم‪،‬‬
‫ووعظهم عليه السلم بقوله‪{ :‬واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد} أي بعد هلكهم‪ ،‬وكانت ديار‬
‫عاد بحضرموت جنوب الجزيرة العربية وديار ثمود بالحجر شمال الجزيرة بين الحجاز والشام‪.‬‬
‫حجْر تتخذون من سهولها قصورا‪ 5‬تسكنونها في الصيف‪،‬‬
‫وقوله {وبوأكم في الرض} أرض ال ِ‬
‫وتنحتون من الجبال بيوتا تسكنونها في الشتاء‪{ ،‬فاذكروا آلء ال} أي نعمه العظيمة لتشكروها‬
‫بعبادته وحده دون ما أتخذتم من أصنام‪ ،‬وحذّرهم من عاقبة الفساد فقال {ول َتعْ َثوْا في الرض‬
‫مفسدين} أي ل تنشروا الفساد في الرض بالشرك وارتكاب المعاصي وإزاء هذه الدعوة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ثمود‪ :‬يصرف ول يصرف فمن صرفه‪ :‬على أنه اسم للحي‪ ،‬ومن منعه‪ :‬على أنه علم على‬
‫القبيلة‪.‬‬
‫‪ 2‬هذه الناقة هم الذين طالبوا بها لتكون آية على صدق نبوّة صالح‪ ،‬ولمّا جاءتهم كفروا بها‪.‬‬
‫‪ 3‬إضافة الناقة إلى ال تعالى للتشريف والتخصيص إذ كل ما في الكون هو ل عزّ وجلّ‪.‬‬
‫‪ 4‬أي‪ :‬ليس عليكم رزقها ومؤونتها‪.‬‬
‫‪ 5‬استدل بعضهم على جواز بناء القصور للسكن بهذه الية وبحديث‪" :‬إنّ ال إذا أنعم علي عبد‬
‫أحب أن يرى أثر النعمة عليه" وكره ذلك بعض‪ ،‬لحديث‪" :‬وما أنفق المؤمنين من نفقة فإنّ خلفها‬
‫ل إلّ ما كان في بنيان أو معصيّة" رواه الدار قطني‪.‬‬
‫على ال عزّ وج ّ‬

‫( ‪)2/195‬‬

‫الصادقة الهادفة إلى هداية القوم وإصلحهم لينجوا من عاقبة الشرك والشر والفساد {قال المل‬
‫الذين استكبروا من قومه} أي قوم صالح‪ ،‬قالوا {للذين استضعفوا لمن آمن ‪ 1‬منهم} أي لمن آمن‬
‫من ضعفاء القوم‪{ :‬أتعلمون أن صالحا مرسلٌ من ربه}‪ ،‬وهو استفهام سخرية واستهزاء دال على‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫صلف القوم وكبريائهم‪ ،‬فأجاب المؤمنون من ضعفة القوم قائلين {إنا بما أرسل به مؤمنون} قالوها‬
‫واضحةً صريحةً ُمعْلنةً عن إيمانهم بما جاء به رسول ال صالح غير خائفين‪ ،‬وهنا ردٌ‬
‫المستكبرون قائلين‪{ :‬إنا بالذي آمنتم به كافرون} وإمعانا منهم في الجحود والتكبّر‪ ،‬لم يقولوا إنا‬
‫بما أرسل به كافرون حتى ل يعترفوا بالرسالة ولو في جواب رد الكلم فقالوا {إنا بالذي آمنتم به‬
‫كافرون}‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬اتحاد دعوة الرسل في اليمان بال والكفر بالطاغوت أي في عبادة ال وحده‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير إرسال الرسل باليات وهي المعجزات وآية صالح أعجب آية وهي الناقة‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب التذكير بنعم ال إذ هو الباعث على الشكر‪ ،‬والشكر هو الطاعة‪.‬‬
‫‪ -4‬النهي عن الفساد في الرض والشرك وارتكاب المعاصي‪.‬‬
‫‪ -5‬الضعفة هم غالبا أتباع النبياء‪ :‬وذلك لخلوهم من الموانع كالمحافظة على المنصب أو الجاه‬
‫أو المال‪ ،‬وعدم إنغماسهم في الملذ والشهوات‪.‬‬
‫َفعَقَرُواْ النّاقَ َة وَعَ َتوْاْ عَنْ َأمْرِ رَ ّب ِه ْم َوقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا ِبمَا َتعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ(‪)77‬‬
‫جفَةُ فََأصْبَحُواْ فِي دَارِ ِهمْ جَا ِثمِينَ(‪ )78‬فَ َتوَلّى عَ ْنهُمْ َوقَالَ يَا َقوْمِ َلقَدْ أَبَْلغْ ُتكُمْ رِسَاَلةَ رَبّي‬
‫خذَ ْتهُمُ الرّ ْ‬
‫فَأَ َ‬
‫حتُ َلكُ ْم وََلكِن لّ ُتحِبّونَ النّاصِحِينَ(‪)79‬‬
‫وَ َنصَ ْ‬
‫__________‬
‫ض من كلّ‪.‬‬
‫‪{ 1‬لمن آمن} بدل من (الذين استضعفوا) بدل بع ٍ‬

‫( ‪)2/196‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫فعقروا الناقة ‪ :‬نحروها بعد أن عقروا قوائمها أي قطعوها‪ ،‬والناقة هي الية‪.‬‬
‫وعتوا عن أمر ربهم ‪ :‬تمردوا عن المر وعصوا فلم يطيعوا‪.‬‬
‫الرجفة ‪ :‬المرة من رجف إذا اضطرب‪ ،‬وذلك لما سمعوا الصيحة أخذتهم الرجفة‪.‬‬
‫جاثمين ‪ : 1‬باركين على الركب كما يجثم الطير أي هلكى على ركبهم‪.‬‬
‫فتولى عنهم ‪ :‬بعد أن هلكوا نظر إليهم صالح وهم جاثمون وقال راثيا لحالهم {يا قوم لقد أبلغتكم‬
‫رسالة ربي} إلى قوله {ولكن ل تحبون الناصحين} ثم أعرض عنهم وانصرف‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫مازال السياق في قصص صالح عليه السلم فإنه بعد تلك الدعوة الطويلة العريضة والمستكبرون‬
‫يردونها بصلف وكبرياء‪ ،‬وطالبوا بالية لتدل على صدقه وأنه من المرسلين وأوتوا الناقة آية‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مبصرة ولجوا في الجدال والعناد وأخيرا تمالؤوا على قتل الناقة وعقروها {فدمدم عليهم ربهم‬
‫بذنبهم فسواها ول يخاف عقباها}‪.‬‬
‫قوله تعالى في الية الولى (‪{ )77‬فعقروا ‪ 2‬الناقة وعتوا عن أمر ربهم} يخبر تعالى أن قوم‬
‫صالح عقروا الناقة قطعوا أرجلها ثم نحروها وهو العقر‪ ،‬وعتوا بذلك وتكبروا متمردين عن أمر‬
‫ال تعالى حيث أمرهم أن يتركوها تأكل في أرض ال ول يمسوها بسوء فإذا بهم يعقرونها تحديا‬
‫وعنادا‪{ ،‬وقالوا يا صالح} بدل أن يقولوا يا رسول ال أو يا نبي ال {ائتنا بما تعدنا} أي من‬
‫العذاب إن مسسنا الناقة بسوء فقد نحرناها فأتنا بالعذاب إن كنت كما تزعم من المرسلين قال‬
‫تعالى {فأخذتهم الرجفة} وهي هزة عنيفة اضطربت لها القلوب والنفوس نتيجة صيحة لملك عظيم‬
‫صاح فيهم صباح السبت ‪ 3‬كما قال تعالى {فأخذتهم الصيحة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أصل الجثوم للرانب وما شابهها وموضع الجثوم يقال لهم‪ :‬مجثم‪ .‬قال زهير‪:‬‬
‫بها العين والرام يمشين خلفه ‪ ...‬وأطلؤها ينهضن من كل مجثم‬
‫‪ 2‬العقر‪ :‬الجرح أو قطع عضو يؤثر في النفس‪ ،‬يقال‪ :‬عقر الفرس إذا ضرب قوائمه بالسيف‪،‬‬
‫وقيل للنحر عقر‪ :‬لنّه بسبب النحر غالبا‪.‬‬
‫‪ 3‬هو بداية اليوم الرابع‪ ،‬إذ قال لهم‪{ :‬تمتعوا في داركم ثلثة أيام} فكانت الربعاء والخميس‬
‫والجمعة والسبت أهلكهم ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)2/197‬‬

‫مشرقين} ولما هلكوا وقف عليهم صالح كالمودع كما وقف رسول ال صلى ال عليه وسلم على‬
‫أهل القليب ببدرٍ فناداهم يا فلن يا فلن كذلك صالح عليه وعلى نبينا الصلة والسلم وقف عليهم‬
‫وهم خامدون وقال كالراثي المتحسر {يا قوم لقد أبلغتكم ‪ 1‬رسالة ربي ونصحت لكم ولكن ل‬
‫تحبون الناصحين} وتولى عنهم وانصرف‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حلول نقمة ال تعالى بكل من عتا عن أمره سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬مشروعية الرثاء لمن مات أو أصيب بمصاب عظيم‪.‬‬
‫‪ -3‬علمة قرب ساعة الهلك إذا أصبح الناس يكرهون النصح ول يحبون الناصحين‪.‬‬
‫شةَ مَا سَ َب َقكُم ِبهَا مِنْ َأحَدٍ مّن ا ْلعَاَلمِينَ(‪ )80‬إِ ّنكُمْ لَتَأْتُونَ الرّجَالَ‬
‫وَلُوطًا إِذْ قَالَ ِل َق ْومِهِ أَتَأْتُونَ ا ْلفَاحِ َ‬
‫جوَابَ َق ْومِهِ ِإلّ أَن قَالُواْ َأخْرِجُوهُم مّن‬
‫ش ْه َوةً مّن دُونِ النّسَاء َبلْ أَنتُمْ َقوْمٌ مّسْ ِرفُونَ(‪َ )81‬ومَا كَانَ َ‬
‫َ‬
‫طهّرُونَ(‪ )82‬فَأَنجَيْنَا ُه وَأَهَْلهُ ِإلّ امْرَأَتَهُ كَا َنتْ مِنَ ا ْلغَابِرِينَ(‪ )83‬وََأمْطَرْنَا عَلَ ْيهِم‬
‫قَرْيَ ِتكُمْ إِ ّنهُمْ أُنَاسٌ يَتَ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مّطَرًا فَانظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ ا ْلمُجْ ِرمِينَ(‪)84‬‬
‫شرح الكلمات ‪:‬‬
‫ولوطا ‪ :‬أي وأرسلنا لوطا ولوط هو لوط بن هاران ابن أخي إبراهيم عليه السلم‪ .‬ولد في بابل‬
‫العراق‪.‬‬
‫الفاحشة ‪ :‬هي الخصلة القبيحة وهي إتيان الرجال في أدبارهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬من الجائز أن يكون قد قال هذا وهم أحياء قبل موتهم كاليس منهم وكونه قاله بعد موتهم أقرب‬
‫كما في التفسير‪.‬‬

‫( ‪)2/198‬‬

‫من العالمين ‪ :‬أي من الناس‪.‬‬


‫من الغابرين ‪ :‬الباقين في العذاب‪.‬‬
‫وأمطرنا‪ .‬أنزلنا عليهم حجارة من السماء كالمطر فأهكتهم‪.‬‬
‫المجرمين‪ :‬أي المفسدين للعقائد والخلق والعراض‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫هذا هو القصص الرابع قصص نبي ال تعالى لوط بن هاران ابن أخي إبراهيم عليه السلم فقوله‬
‫تعالى {ولوطا‪ }...1‬أي وأرسلنا لوطا إلى قومه من أهل سذوم‪ ،‬ولم يكن لوط منهم لنه من أرض‬
‫بابل العراق هاجر مع عمه إبراهيم وأرسله ال تعالى إلى أهل سذوم ‪ 2‬وعمورة قرب ‪ 3‬بحيرة‬
‫لُوطٍ بالردن‪.‬‬
‫وقوله إذ قال لقومه الذين أرسل إليهم منكرا عليهم فعلتهم المنكرة‪{ :‬أتأتون الفاحشة} وهي إتيان‬
‫الرجال في أدبارهم {ما سبقكم بها من أحد من العالمين} أي لم يسبقكم إليها أحد من الناس قاطبة‪،‬‬
‫وواصل إنكاره هذا المنكر موبخا هؤلء الذين هبطت أخلقهم إلى درك لم يهبط إليه أحد غيرهم‬
‫فقال‪{ :‬إنكم لتأتون الرجال شهوة ‪ 4‬من دون النساء‪ ،‬بل أنتم قوم مسرفون} وإل فالشهوة من النساء‬
‫هي المفطور عليها النسان‪ ،‬ل أدبار الرجال‪ ،‬ولكنه الجرام والتوغل في الشر والفساد والسراف‬
‫في ذلك‪ ،‬والسراف صاحبه ل يقف عند حد‪.‬‬
‫وبعد هذا الوعظ والرشاد إلى سبيل النجاة‪ ،‬والخروج من هذه الورطة التي وقع فيها هؤلء القوم‬
‫المسرفون ما كان ردهم {إل أن قالوا أخرجوهم} أي لوطا والمؤمنين معه {من قريتكم} أي مدينتكم‬
‫سدوم‪ ،‬معللين المر بإخراجهم من البلد بأنهم أناس يتطهرون من الخبث الذي هم منغمسون فيه‬
‫قال تعالى بعد أن بلغ الوضع هذا الحد {فأنجيناه وأهله} من بناته وبعض نسائه {إل امرأته كانت‬
‫من الغابرين} حيث أمرهم بالخروج من‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا العطف على إرسال نوح كما هو مع هود وصالح من قبل لوط‪ ،‬ولوط‪ :‬اسم عجمي وليس‬
‫مشتقا من لطت الحوض أو من قولهم‪ :‬هذا أليط بقلبي من هذا‪.‬‬
‫‪ 2‬هذه الرض هي أرضى الكنعانيين وسكانها خليط جلّهم كنعانيون‪.‬‬
‫‪ 3‬هو المعروف بالبحر الميت ويقال له بحيرة لوط‪.‬‬
‫‪{ 4‬شهوة} منصوب على أنّه مفعول لجله‪.‬‬

‫( ‪)2/199‬‬

‫البلد ليلً قبل حلول العذاب بالقوم فخرجوا‪ ،‬وما إن غادروا المنطقة حتى جعل ال تعالى عاليها‬
‫سافلها وأمطر عليها حجارة من سجين فأهلكوا أجمعين‪.‬‬
‫وقوله تعالى في ختام هذا القصص {فانظر كيف كان عاقبة المجرمين} فإنه خطاب عام لكل من‬
‫يسمع هذا القصص ليعتبر به حيث شاهد عاقبة المجرمين دمارا كاملً وعذابا أليما‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬شدة قبح جريمة اللواط‪.‬‬
‫‪ -2‬أول من عرف هذه الجريمة القذرة هم قوم لوط ‪ 1‬عليه السلم‪.‬‬
‫‪ -3‬السراف وعدم العتدال في القوال والفعال يتولد عنه كل شر وفساد‪.‬‬
‫‪ -4‬الكفر والجرام يحل رابطة الخوة والقرابة بين أصحابه والبُراءة منه‪.‬‬
‫‪ -5‬من أتى هذه الفاحشة من المحصنين يرجم ‪ 2‬بالحجارة حتى الموت‪.‬‬
‫شعَيْبًا قَالَ يَا َقوْمِ اعْبُدُواْ الّلهَ مَا َلكُم مّنْ إَِلهٍ غَيْ ُرهُ قَدْ جَاء ْتكُم بَيّنَةٌ مّن رّ ّبكُمْ فََأ ْوفُواْ‬
‫وَإِلَى َمدْيَنَ أَخَاهُمْ ُ‬
‫حهَا ذَِلكُمْ خَيْرٌ ّلكُمْ إِن‬
‫خسُواْ النّاسَ َأشْيَاء ُه ْم وَلَ ُتفْسِدُواْ فِي الَ ْرضِ َبعْدَ ِإصْلَ ِ‬
‫ا ْلكَ ْيلَ وَا ْلمِيزَانَ َولَ تَبْ َ‬
‫ل صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَ َتصُدّونَ‬
‫كُنتُم ّم ْؤمِنِينَ(‪َ )85‬ولَ َت ْقعُدُواْ ِب ُك ّ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روي أنّ إبليس هو الذي علّمهم إيّاها في نفسه بعد أن تشكّل بشكل إنسان‪.‬‬
‫‪ 2‬الجمهور على أن من أتى هذه الفاحشة من الذكران البالغين أنه يقتل وغير البالغ يضرب‪،‬‬
‫وخالف أبو حنيفة الجمهور وقال بعدم القتل واكتفى بالتعزير وهو محجوج بعمل الصحابة فقد‬
‫عمَل قوم لوط على عهد أبي بكر بإجماع رأي الصحابة على ذلك لحديث أبي‬
‫عمِل َ‬
‫أحرقوا مَنْ َ‬
‫داود والنسائي وابن ماجه والترمذي أي رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬من وجدتموه يعمل‬
‫عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به" وعند الترمذي "أحصنا أو لم يحصنا" واختلف في‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الفاعل في البهيمة هل يقتل أو يعزّر؟ فالراجح‪ :‬القتل لحديث‪" :‬من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا‬
‫البهيمة معه"‪.‬‬

‫( ‪)2/200‬‬

‫عوَجًا وَا ْذكُرُواْ ِإذْ كُنتُمْ قَلِيلً َفكَثّ َركُ ْم وَانظُرُواْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ‬
‫عَن سَبِيلِ الّلهِ مَنْ آمَنَ ِب ِه وَتَ ْبغُو َنهَا ِ‬
‫حكُمَ‬
‫ا ْل ُمفْسِدِينَ(‪ )86‬وَإِن كَانَ طَآ ِئفَةٌ مّنكُمْ آمَنُواْ بِالّذِي أُ ْرسِ ْلتُ ِب ِه وَطَآ ِئفَةٌ لّمْ ْي ْؤمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتّى َي ْ‬
‫اللّهُ بَيْنَنَا وَ ُهوَ خَيْرُ ا ْلحَا ِكمِينَ(‪)87‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫وإلى مدين آخاهم شعيبا ‪ :‬مدين أبو القبيلة وهو مدين بن إبراهيم الخليل وشعيب من أبناء القبيلة‬
‫فهو أخوهم في النسب حقيقة إذ هو شعيب بن ميكائيل بن يشجر بن مدين‪.‬‬
‫ول تبخسوا الناس أشياءهم ‪ :‬أي ل تنقصوا الناس قيم سلعهم وبضائعهم‪ ،‬إذ كانوا يفعلون ذلك‪.‬‬
‫صراط توعدون ‪ :‬طريق وتوعدون تخيفون المارة وتأخذون عليهم المكوس أو تسلبونهم أمتعتهم‪.‬‬
‫وتبغونها عوجا‪ :‬أي تريدون سبيل ال ‪-‬وهي شريعته‪ -‬معوجةً حتى توافق ميولكم‪.‬‬
‫المفسدين‪ :‬هم الذين يعملون بالمعاصي في البلد‪.‬‬
‫يحكم بيننا‪ :‬يفصل بيننا فينجي المؤمنين ويهلك الكافرين‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫هذا هو القصص الخامس في سورة العراف وهو قصص نبي ال شعيب مع قومه أهل مدين‪،‬‬
‫فقوله تعالى‪{ :‬وإلى مدين أخاهم شعيبا‪ }1‬أي وأرسلنا إلى أهل مدين أخاهم شعيبا‪ .‬فماذا قال لهم‬
‫لما أرسل إليهم؟ { قال يا قوم اعبدوا ال مالكم من إله غيره} أي قولوا ل إله إل ال‪ ،‬ولزم ذلك‬
‫أن يصدقوا برسول ال شعيب حتى يمكنهم أن يعبدوا ال بما‬
‫__________‬
‫‪ 1‬شعيب‪ :‬تصغير شعب أو شِعب ويقال له خطيب النبياء لحسن مراجعته قومه‪.‬‬

‫( ‪)2/201‬‬

‫يحب أن يعبد به وبما من شأنه أن يكملهم ويسعدهم في الدارين وقوله {قد جاءتكم ‪ 1‬بينة من‬
‫ربكم} أي آية واضحة تشهد لي بالرسالة وبما أن ما آمركم به وأنهاكم عنه هو من عند ال تعالى‬
‫إذا {فأوفوا الكيل والميزان} أي بالقسط الذي هو العدل‪{ ،‬ول تبخسوا الناس أشياءهم} بل أعطوهم‬
‫ما تستحقه بضائعهم من الثمن بحسب جودتها ورداءتها {ول تفسدوا في الرض بعد إصلحها}‬
‫أي في البلد بعد إصلحها‪ ،‬وذلك بترك الشرك والذنوب ومن ذلك ترك التلصص وقطع الطرق‪،‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وترك التطفيف في الكيل والوزن وعدم بخس سلع الناس وبضائعهم ذلكم الذي دعوتكم إليه من‬
‫ل ومالً إن كنتم مؤمنين وقوله‪{ :‬ول تقعدوا بكل صراط ‪2‬‬
‫الطاعة وترك المعصية خير لكم حا ً‬
‫توعدون وتصدون عن سبيل ال من آمن به وتبغونها عوجا‪ }3‬ينهاهم عليه السلم عن أبشع‬
‫الجرام وهو أنهم يجلسون في مداخل البلد‪ ،‬وعلى أفواه السكك‪ ،‬ويتوعدون ‪ 4‬المارة بالعذاب إن‬
‫هم اتصلوا بالنبي شعيب وجلسوا إليه صرفا للناس عن اليمان والستقامة‪ ،‬كما أنهم يقطعون‬
‫الطرق ويسلبون الناس ثيابهم وأمتعتهم أو يدفعون إليهم ضريبة خاصة‪.‬‬
‫وقوله {واذكروا إذ كنتم قليلً فكثركم} يذكرهم عليه السلم بنعمة ال تعالى عليهم وهي أنهم‬
‫أصبحوا شعبا كبيرا بعدما كانوا شعبا صغيرا ل قيمة له ول وزن بين الشعوب وقوله‪{ :‬وانظروا‬
‫كيف كان عاقبة المفسدين} يعظهم ببيان مصير الظلمة المفسدين من المم المجاورة والشعوب‬
‫حيث حلت بهم نقمة ال ونزل بهم عذابه فهلكوا يعظهم لعلهم يذكرون فيتركوا الشرك والمعاصي‪،‬‬
‫ويعملوا بالتوحيد والطاعة‪.‬‬
‫وأخيرا يخوفهم بال تعالى ويهددهم بأن حكما عدلً هو ال سيحكم بينهم وعندها يعلمون من هو‬
‫المحق ومن هو المبطل فقال‪{ :‬وإن كان طائفة منكم} أي جماعة {آمنوا بالذي أرسلت به} من‬
‫التوحيد والطاعة وترك الشرك والمعاصي‪{ ،‬وطائفة} أخرى {لم يؤمنوا} وبهذا كنا متخاصمين‬
‫نحتاج إلى من يحكم بيننا إذا {فاصبروا حتى يحكم ال بيننا وهو خير‬
‫__________‬
‫‪ 1‬من الجائز أن يكون ال تعالى قد أعطى نبيّه شعيبا آية ولم تذكر في القرآن‪ ،‬والراجح أنّها حجة‬
‫قوية قهرهم بها ولم يتمكنوا من ردّها‪.‬‬
‫‪ 2‬قال ابن عباس ومجاهد وقتادة‪ :‬كانوا يقعدون على الطرقات المفضية إلى شعيب فيتوعّدون من‬
‫أراد المجيىء إليه ويصدّونه عنه ويقولون‪ :‬إنّه كذّاب فل تذهب إليه‪ ،‬كما كانت قريش تفعله مع‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫عوَجا في الجرام والذوات‪.‬‬
‫‪ 3‬قال أبو عبيدة والزجاج‪ :‬كسر العين عوجا في المعاني‪ ،‬والفتح َ‬
‫‪ 4‬قال أبو هريرة رضي ال عنه هذا نهي عن قطع الطريق وأخذ السلب وكان ذلك من فعلهم‪.‬‬

‫( ‪)2/202‬‬

‫الجزء التاسع‬
‫الحاكمين}‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬دعوة الرسل واحدة في باب العقيدة إذ كلها تقوم على أساس التوحيد والطاعة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -2‬حرمة التطفيف في الكيل والميزان‪ ،‬وبخس الناس أشياءهم‪ ،‬ويدخل في ذلك الصناعات‬
‫وحرف المهن وما إلى ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة الفساد في الرض بالمعاصي لسيما البلد التي طهرها ال بالسلم وأصلحها‬
‫بشرائعه‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة التلصص وقطع ‪ 1‬الطرق وتخويف المارة‪.‬‬
‫‪ -5‬حرمة الصد عن سبيل ال بمنع الناس من التدين واللتزام بالشريعة ظاهرا وباطنا‪.‬‬
‫شعَ ْيبُ وَالّذِينَ آمَنُواْ َم َعكَ مِن قَرْيَتِنَا َأوْ لَ َتعُودُنّ فِي‬
‫قَالَ ا ْلمَلُ الّذِينَ اسْ َتكْبَرُواْ مِن َق ْومِهِ لَ ُنخْرِجَ ّنكَ يَا ُ‬
‫عدْنَا فِي مِلّ ِتكُم َبعْدَ ِإذْ نَجّانَا اللّهُ مِ ْنهَا‬
‫مِلّتِنَا قَالَ َأوََلوْ كُنّا كَارِهِينَ(‪َ )88‬قدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِبًا إِنْ ُ‬
‫شيْءٍ عِ ْلمًا عَلَى الّلهِ َت َوكّلْنَا رَبّنَا‬
‫سعَ رَبّنَا ُكلّ َ‬
‫َومَا َيكُونُ لَنَا أَن ّنعُودَ فِيهَا ِإلّ أَن يَشَاء اللّهُ رَبّنَا وَ ِ‬
‫ق وَأَنتَ خَيْرُ ا ْلفَاتِحِينَ(‪)89‬‬
‫حّ‬‫افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ َق ْومِنَا بِالْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫المل‪ :‬أشراف القوم الذين يملؤون المجلس إذا جلسوا‪ ،‬والعين إذا نظر إليهم‪.‬‬
‫استكبروا ‪ :‬تكلفوا الكبر وهم حقيرون‪ ،‬حتى ل يقبلوا الحق‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ومثله الضرائب الفادحة التي تضرب على المسلمين في بلدهم والمكوس التي في السواق‬
‫وغيرها مما اقتدى فيه المسلمون بالكافرين‪.‬‬

‫( ‪)2/203‬‬

‫من قريتنا‪ :‬مدينتنا‪.‬‬


‫في ملتكم ‪ :‬في دينكم‪.‬‬
‫على ال توكلنا ‪ :‬أي فوضنا أمرنا واعتمدنا في حمايتنا عليه‪.‬‬
‫ربنا افتح بيننا ‪ :‬أي يا ربنا احكم بيننا‪.‬‬
‫وأنت خير الفاتحين ‪ :‬أي وأنت خير الحاكمين‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في قصص شعيب مع قومه أهل مدين فبعد أن أمرهم ونهاهم وذكرهم‬
‫ووعظهم {قال المل الذين استكبروا من قومه} مهددين موعدين مقسمين {لنخرجنك يا شعيب‬
‫والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا}‪ .‬هكذا سنة الطغاة الظلمة إذا غلبوا بالحجج‬
‫والبراهين يفزعون إلى القوة فلما أفحمهم شعيب خطيب النبياء عليهم السلم‪ ،‬وقطع الطريق‬
‫عليهم شهروا السلح في وجهه‪ ،‬وهو النفي والخراج من البلد أو العودة إلى دينهم الباطل‪:‬‬
‫{لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن ‪ 1‬في ملتنا} ورد شعيب على هذا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫التهديد بقوله‪{ :‬أو لو كنا كارهين ‪ }2‬أي أنعود في ملتكم ولو كنا كارهين لها { قد افترينا على ال‬
‫كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا ال منها ‪ }3‬ووجه الكذب على ال إن عادوا إلى ملة الباطل‬
‫هو أن شعيبا أخبرهم أن ال تعالى أمرهم بعبادته وحده وترك عبادة غيره‪ ،‬وأنه تعالى أرسله إليهم‬
‫رسولً وأمرهم بطاعته إنقاذا لهم من الباطل الذي هم فيه فإذا أرتد وعاد هو ومن معه من‬
‫المؤمنين إلى ملة الشرك كان موقفهم موقف من كذب على ال تعالى بأنه قال كذا وكذا وال عز‬
‫وجل لم يقل‪ .‬هذا ثم قال شعيب {وما يكون لنا أن نعود فيها} ليس من الممكن ول من المتهيء لنا‬
‫العودة في ملتكم أبدا‪ ،‬اللهم إل أن يشاء ‪ 4‬ربنا شيئا فإن مشيئته نافذة في خلقه‪ ،‬وقوله‪{ :‬وسع ربنا‬
‫كل شيء علما} فإذا كان قد علم أنا نرد على أعقابنا بعد إذ هدانا ال‪ ،‬فسوف يكون ما علمه كما‬
‫علمه وهو الغالب على أمره‪.‬‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬أو لتعودّنّ}‪ :‬إمّا أن يراد به أتباع شعيب المؤمنون إذ كانوا قبل إيمانهم على دين قومهم وإمّا‬
‫أن يراد بكلمة {لتعودّنّ}‪ :‬لتصيرن إذ تكون عاد بمعنى‪ :‬صار‪.‬‬
‫‪ 2‬الستفهام للتعجب والستبعاد‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا أسلوب الياس لهم من العودة إلى دينهم الباطل‪.‬‬
‫‪ 4‬هذا الستثناء كان من شعيب تأدبا مع ال تعالى بتفويض المر إلى مشيئته وعودة غيره من‬
‫أمته ممكنة ولكن عودته هو مستحيلة‪.‬‬

‫( ‪)2/204‬‬

‫ثم قال عليه السلم بعد أن أعلمهم أن العودة إلى دينهم غير واردة ول ممكنة بحال من الحوال‬
‫إلّ في حال مشيئة ال ذلك‪ ،‬وهذا مما ل يشاءه ال تعالى قال‪{ :‬على ال توكلنا} في الثبات على‬
‫دينه الحق‪ ،‬والبراءة من الباطل ثم سأل ربه قائلً‪{ :‬ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} أي احكم‬
‫بيننا وبينهم بالحق {وأنت خير ‪ 1‬الفاتحين} أي الحاكمين‪ ،‬وذلك بإحقاق الحق وإبطال الباطل‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان سنة بشرية وهي أن الظلمة والمتكبرين يجادلون بالباطل حتى إذا أعياهم الجدال وأفحموا‬
‫بالحجج بدل أن يسلموا بالحق ويعترفوا به ويقبلوه‪ ،‬فيستريحوا ويريحوا يفزعون إلى القوة بطرد‬
‫أهل الحق ونفيهم أو إكراههم على قبول الباطل بالعذاب والنكال‪.‬‬
‫‪ -2‬ل يصح من أهل الحق بعد أن عرفوه ودعوا إليه أن يتنكروا ويقبلوا الباطل بدله‪.‬‬
‫‪ -3‬يستحب الستثناء في كل ما عزم عليه المؤمن مستقبلً وإن لم يرده أو حتى يفكر فيه‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب التوكل على ال عند تهديد العدو وتخويفه‪ ،‬والمضي في سبيل الحق‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -5‬مشروعية الدعاء وسؤال ال تعالى الحكم بين أهل الحق وأهل الباطل‪ ،‬لن ال تعالى يحكم‬
‫بالحق وهو خير الحاكمين‪.‬‬
‫جفَةُ‬
‫خذَ ْتهُمُ الرّ ْ‬
‫شعَيْبا إِ ّن ُكمْ إِذا لّخَاسِرُونَ(‪ )90‬فَأَ َ‬
‫َوقَالَ ا ْلمَلُ الّذِينَ َكفَرُواْ مِن َق ْومِهِ لَئِنِ اتّ َبعْ ُتمْ ُ‬
‫شعَيْبًا كَانُواْ ُهمُ‬
‫شعَيْبًا كَأَن لّمْ َيغْ َنوْاْ فِيهَا الّذِينَ كَذّبُواْ ُ‬
‫فََأصْبَحُواْ فِي دَارِ ِهمْ جَا ِثمِينَ(‪ )91‬الّذِينَ كَذّبُواْ ُ‬
‫الْخَاسِرِينَ(‪ )92‬فَ َتوَلّى عَ ْنهُمْ َوقَالَ يَا َقوْمِ َلقَدْ‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬إلّ أن يشاء ال ربنا} هذا الستثناء منقطع بمعنى لكن أي‪ :‬ما يقع منّا العودة إلى الكفر لكن إن‬
‫شاء ال ذلك كان‪ ،‬وال ل يشاء ذلك فهو إذا كقولك‪" :‬ل أكلمك حتى يبيَض الغراب" أو {حتى يلج‬
‫الجمل في سمّ الخياط}‪.‬‬
‫‪ 2‬الفتح بمعنى القضاء والحكم وهو لغة‪ :‬أزد عمان من اليمن أي‪ :‬أحكم بيننا وبينهم وهي مأخوذة‬
‫من الفتح بمعنى النصر إذ كانوا ل يتحاكمون لغير السيف ويرون أن النصر حكم ال للغالب على‬
‫المغلوب‪.‬‬

‫( ‪)2/205‬‬

‫حتُ َل ُكمْ َفكَ ْيفَ آسَى عَلَى َقوْمٍ كَافِرِينَ(‪)93‬‬


‫لتِ رَبّي وَ َنصَ ْ‬
‫أَبَْلغْ ُتكُمْ رِسَا َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫لئن اتبعتم شعيبا ‪ :‬أي على ما جاء به من الدين والهدى‪.‬‬
‫الرجفة ‪ :‬الحركة العنيفة كالزلزلة‪.‬‬
‫جاثمين ‪ :‬باركين على ركبهم ميتين‪.‬‬
‫كأن لم يغنوا فيها ‪ :‬أي كأن لم يعمروها ويقيموا فيها زمنا طويلً‪.‬‬
‫الخاسرين ‪ :‬إذ هلكوا في الدنيا وادخلوا النار في الخرة‪.‬‬
‫آسى ‪ :1‬أي أحزن أو آسف شديد السف‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في قصص شعيب مع أهل مدين فإنه بعد أن هدد الظالمون شعيبا بالبعاد من‬
‫مدينتهم هو والمؤمنون معه أو أن يعودوا إلى ملتهم فرد شعيب على التهديد بما أيأسهم من العودة‬
‫إلى دينهم‪ ،‬وفزع إلى ال يعلن توكله عليه ويطلب حكمه العادل بينه وبين قومه المشركين‬
‫الظالمين كأن الناس اضطربوا وأن بعضا قال اتركوا الرجل وما هو عليه‪ ،‬ول تتعرضوا لما ل‬
‫تطيقونه من البلء‪ .‬هنا قال المل الذين استكبروا من قومه مقسمين بآلهة الباطل‪{ :‬لئن اتبعتم‬
‫شعيبا} أي على دينه وما جاء به وما يدعو إليه من التوحيد والعدل ورفع الظلم {إنكم إذا‬
‫لخاسرون} قال تعالى‪{ :‬فأخذتهم الرجفة} استجابة لدعوة شعيب فأصبحوا ‪ 2‬هلكى جاثمين على‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الركب‪ .‬قال تعالى‪{ :‬الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها ‪}3‬‬
‫__________‬
‫س وآسى في الية مضارع أسى‬
‫سيَ كرضي يأسى كيرضي يقال‪ :‬أسيت على كذا أسىً فأنا آ ٍ‬
‫‪1‬أِ‬
‫دخلت عليه همزة المتكلم فصارت آسى بهمزتين‪.‬‬
‫‪ 2‬في سورة هود‪{ :‬فأخذتهم الصيحة} وفي سورة الشعراء‪{ :‬أخذهم عذاب يوم الظّلة} وطريقة‬
‫الجمع‪ .‬أنهم لمّا اجتمعوا تحت الظلة وهي سحابة أظلتهم‪ ،‬فَزَعُوا إليها من شدّة الحر الذي أصابهم‬
‫يومئذٍ فلمّا استقروا تحتها زُلزلوا من تحتهم وهي الرجفة ونزلت عليهم من الظلة صاعقة وهي‬
‫الصيحة فأحرقتهم هذا إن قلنا إنّ مدين وأصحاب اليكة هما أمة واحدة‪ ،‬وإل فأصحاب اليكة‬
‫أُخذوا بعذاب الظلة وأصحاب مدين أُخذوا بالرجفة من تحتهم‪ ،‬والصيحة من فوفهم‪.‬‬
‫‪ 3‬وفسّر القرطبي الغنى‪ :‬بالمقام يقال‪ :‬غنى القوم في دارهم أي‪ :‬طال مقامهم‪ ،‬والمغني‪ :‬المنزل‬
‫والجمع المغاني‪ ،‬قال لبيد‪:‬‬
‫وغنيت ستّا قبل مجرى داحسٍ ‪ ...‬لو كان للنفس اللجوج خلود‬
‫ومعنى غنيت‪ :‬أقمت وهو الشاهد‪.‬‬

‫( ‪)2/206‬‬

‫أي كأن لم يعمروا تلك الديار ويقيموا بها زمنا طويلً‪ ،‬وأكد هذا الخبر وهو حكمه في المكذبين‬
‫الظالمين فقال‪{ :‬الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين} أما الذين صدقوا شعيبا فهم المفلحون‬
‫الفائزون وودعهم شعيب كما ودع صالح قومه قال تعالى‪{ :‬فتولى عنهم} وهم جاثمون هلكى فقال‬
‫{يا قوم لقد أبلغتكم رسالت ربي ونصحت لكم} فأبيتم إل تكذيبي ورد قولي والصرار على‬
‫الشرك والفساد حتى هلكتم {فكيف آسَى على قوم كافرين ‪ }1‬أي ل معنى للحزن والسف على‬
‫مثلكم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫هن هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ثمرة الصبر والثبات النصر العاجل أو الجل‪.‬‬
‫‪ -2‬نهاية الظلم والطغيان والدمار والخسران‪.‬‬
‫‪ -3‬ل أسىً ول حزنا على من أهلكه ال تعالى بظلمه وفساده في الرض‪.‬‬
‫‪ -4‬مشروعية توبيخ الظالمين بعد هلكهم كما فعل رسول ال صلى ال عليه وسلم بأهل القليب‬
‫وكما فعل صالح وشعيب عليهما السلم‪.‬‬
‫خذْنَا أَهَْلهَا بِالْبَ ْأسَاء وَالضّرّاء َلعَّل ُهمْ َيضّرّعُونَ(‪ُ )94‬ثمّ بَدّلْنَا َمكَانَ‬
‫َومَا أَ ْرسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مّن نّ ِبيّ ِإلّ أَ َ‬
‫شعُرُونَ(‬
‫عفَو ْا ّوقَالُواْ َقدْ مَسّ آبَاءنَا الضّرّاء وَالسّرّاء فََأخَذْنَاهُم َبغْتَ ًة وَ ُه ْم لَ يَ ْ‬
‫حسَنَةَ حَتّى َ‬
‫السّيّ َئةِ الْ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪)95‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫في قرية ‪ :‬القرية‪ :‬المدينة الجامعة لعيان البلد ورؤسائها وهي المدينة‪.‬‬
‫بالبأساء ‪ :‬بالشدة كالقحط والجوع والحروب‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستفهام إنكاري وهو موجه في الظاهر إلى نفس شعيب‪ ،‬والمقصود نهي من معه من‬
‫المؤمنين الناجين من العذاب برحمة ال تعالى نهيهم عن الحزن عن قومهم وأقاربهم كأنه لحظ‬
‫ذلك فيهم‪.‬‬

‫( ‪)2/207‬‬

‫والضراء‪ :‬الحالة المضرة كالمراض والغلء وشدة المؤونة‪.‬‬


‫يضرعون ‪ :‬يدعون ال تعالى ويتضرعون إليه ليكشف عنهم السوء‪.‬‬
‫مكان السيئة الحسنة‪ :‬أي بدل الغلء الرخاء‪ ،‬وبدل الخوف المن‪ ،‬وبدل المرض الصحة‪.‬‬
‫حتى عفوا ‪ :‬كثرت خيراتهم ونمت أموالهم‪ ،‬وأصبحت حالهم كلها حسنة‪.‬‬
‫أخذناهم بغتة ‪ :‬أنزلنا بهم العقوبة فجأة‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫على إثر بيان قصص خمسة أنبياء ذكر تعالى سنته في المم السابقة ليكون ذلك عظه لكفار‬
‫قريش‪ ،‬وذكرى للمؤمنين فقال تعالى‪{ :‬وما أرسلنا في قرية ‪ }1‬أي في أهل قرية والمراد بالقرية‬
‫الحاضرة والعاصمة من كبريات المدن حيث الكبراء والرؤساء من نبي من النبياء والمرسلين‬
‫فكذبوه قومه وردوا دعوته مصرين على الشرك والضلل إل أخذ ال تعالى أهل تلك المدينة‬
‫بألوان من العذاب التأديبي كالقحط والجوع وشظف العيش‪ ،‬والمراض والحروب المعبر عنه‬
‫بالبأساء والضراء‪ .‬رجاء أن يرجعوا إلى الحق بعد النفور منه‪ ،‬وقبوله بعد العراض عنه ثم يغير‬
‫تعالى ما بهم من بأساء وضراء إلى يسر ورخاء‪ ،‬وعافية وهناء فتكثر أموالهم وأولدهم ويعظم‬
‫سلطانهم‪ ،‬ويقولون عندما يوعظون ويذكرون ليتوبوا فيؤمنوا ويتقوا‪{ :‬قد مس آباءنا الضراء‬
‫والسراء ‪ }2‬أي الخير والشر وما هناك ما تخوفوننا به إنما هي اليام هكذا دول يوم عسر وآخر‬
‫يسر وبذلك يحق عليهم العذاب فيأخذهم الجبار عز وجل فجأة ‪{3‬وهم ل يشعرون } فيتم هلكهم‬
‫ويمسون حديث عبرة لمن بعدهم عذاب في الدنيا‪ ،‬وعذاب في الخرة وعذاب الخرة أشد وأبقى‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان سنة ال تعالى في المم السابقة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في الجملة إضمار تقديره‪ :‬وما أرسلنا في قرية من نبي فكذب أهلّها إلّ أخذناهم وهو مبسوط‬
‫في التفسير مبيّن غاية البيان والجملة معطوفة على جملة‪{ :‬وإلى مدين آخاهم شعيبا}‪.‬‬
‫‪ 2‬أي‪ :‬فنحن مثلهم‪.‬‬
‫‪ 3‬أي‪ :‬بغتة ليكون أكثر حسرة‪.‬‬

‫( ‪)2/208‬‬

‫‪ -2‬تخويف كفار قريش بما دلت عليه هذه السنة من أخذ ال تعالى المصرين على الكفر‬
‫المتمردين على الحق‪.‬‬
‫‪ -3‬التذكير والوعظ بتاريخ المم السابقة المنبىء عن أسباب هلكهم وخسرانهم ليتجنبها العقلء‪،‬‬
‫كما قال تعالى‪{ :‬لقد كان في قصصهم عبرة لولي اللباب}‪.‬‬
‫سمَاء وَالَ ْرضِ وََلكِن كَذّبُواْ فََأخَذْنَاهُم ِبمَا‬
‫وََلوْ أَنّ أَ ْهلَ ا ْلقُرَى آمَنُواْ وَاتّقَواْ َلفَتَحْنَا عَلَ ْيهِم بَ َركَاتٍ مّنَ ال ّ‬
‫كَانُواْ َي ْكسِبُونَ(‪َ )96‬أفََأمِنَ َأ ْهلُ ا ْلقُرَى أَن يَأْتِ َي ُهمْ بَأْسُنَا بَيَاتا وَ ُهمْ نَآ ِئمُونَ(‪َ )97‬أوَ َأمِنَ َأ ْهلُ ا ْلقُرَى أَن‬
‫يَأْتِ َيهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَ ْلعَبُونَ(‪َ )98‬أفََأمِنُواْ َمكْرَ اللّهِ فَلَ يَ ْأمَنُ َمكْرَ الّلهِ ِإلّ ا ْلقَوْمُ الْخَاسِرُونَ(‪)99‬‬
‫ن الَ ْرضَ مِن َبعْدِ أَ ْهِلهَا أَن ّلوْ نَشَاء َأصَبْنَاهُم ِبذُنُو ِبهِ ْم وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُو ِبهِمْ َفهُمْ‬
‫َأوَلَمْ َيهْدِ لِلّذِينَ يَرِثُو َ‬
‫س َمعُونَ(‪)100‬‬
‫لَ َي ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫آمنوا واتقوا ‪:‬أي آمنوا بال ورسوله ووعد ال ووعيده واتقوه تعالى بطاعته وعدم معصيته‪.‬‬
‫بركات من السماء والرض ‪ :‬جمع بركة وهي دوام الخير وبقاؤه والعلم واللهام والمطر من‬
‫بركات السماء والنبات والخصب والرخاء والمن والعافية من بركات الرض‪.‬‬
‫يكسبون ‪ :‬من الشرك والمعاصي‪.‬‬
‫ل وهم نائمون‪.‬‬
‫بياتا ‪ :‬أي لي ً‬
‫مكر ال ‪:‬استدراجه تعالى لهم بإغداق النعم عليهم من صحة‬

‫( ‪)2/209‬‬

‫البدان ورخاء العيش حتى إذا آمنوا مكره تعالى بهم أخذهم بغتة‪.‬‬
‫أولم يهد لهم ‪ :‬أي أولم يبين لهم بمعنى يتبين لهم‪.‬‬
‫بذنوبهم‪ :‬أي بسبب ذنوبهم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بعدما بين تعالى سنته في المم السابقة‪ ،‬وهي أخذ المة بعد تكذيبها وعصيانها بالبأساء والضراء‪،‬‬
‫ثم إذا هي لم تتب واستمرت على كفرها وعصيانها أغدق عليها الخيرات حتى عفت بكثرة ما لها‬
‫وصلح حالها أخذها بغتة فأهلكها‪ ،‬وتم خسرانها في الدارين‪ ،‬فتح تعالى باب التوبة والرجاء‬
‫لعباده فقال‪{ :‬ولو ‪ 1‬أن أهل القرى ‪ }2‬المكذبين ككفار مكة والطائف وغيرهما من المدن {آمنوا}‬
‫أي بال ورسوله وبلقاء ال ووعده ووعيده‪{ ،‬واتقوا} ال تعالى في الشرك وفي معصيته ومعصية‬
‫رسوله لفتح عليهم أبواب السماء بالرحمات والبركات‪ ،‬وفتح عليهم كنوز الرض ورزقهم من‬
‫الطيبات ولكن أهل القرى الولين كذبوا فأخذهم بالعذاب بما كانوا يكسبون‪ ،‬وأهل القرى اليوم‬
‫وهم مكذبون فإما أن يعتبروا بما أصاب أهل القرى الولين فيؤمنوا ويوحدوا ويطيعوا‪ ،‬وإما أن‬
‫يصروا على الشرك والتكذيب فينزل بهم ما نزل بمن قبلهم من عذاب البادة والستئصال‪ ،‬هذا ما‬
‫دلت عليه الية الولى (‪ )96‬وهي قوله تعالى {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم‬
‫بركات ‪ 3‬من السماء والرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} أما اليات الثلث بعدها‬
‫فإن ال تعالى ينكر على أهل القرى غفلتهم موبخا لهم على تماديهم وإصرارهم على الباطل معجبا‬
‫من حالهم فيقول‪{ :‬أفأمن ‪ 4‬أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون؟} أي أجهلوا ما نزل بمن‬
‫قبلهم فأمنوا أن‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لو‪ :‬حرف امتناع ل متناع‪ ،‬امتنع شرطها فامتنع جوابها‪ ،‬وشرطها هنا‪ :‬اليمان والتقوى‬
‫وجوابها فتح البركات على أهل القرى‪.‬‬
‫‪ 2‬يقال للمدينة‪ :‬قرية لجتماع الناس فيها مأخوذ من التقرّى الذي هو التجمع يقال‪ :‬قريت الماء في‬
‫الحوض‪ :‬إذا جمعته‪ ،‬وسمي القرآن قرآنا لجتماع الحروف والكلمات والجمل واليات فيه‪.‬‬
‫‪ 3‬البركات‪ :‬جمع بركة‪ ،‬وهي الخير الدائم الصالح الذي ل تبعة فيه في الدنيا ول في الخرة‪.‬‬
‫وتكون في العمر والمال وفي كل ما هو خير ونافع غير ضار للنسان‪.‬‬
‫‪ 4‬الستفهام للنكار والتعجب معا‪ ،‬ومكر ال تعالى‪ :‬إمهالهم وإغداق الخير عليهم مع شركهم‬
‫وكفرهم‪ ،‬إذ المكر‪ :‬أن يظهر المرء الحسان لمن يمكر به ليأخذه فجأة‪ .‬والمن من مكر ال تعالى‬
‫زيادة على أنه كبيرة من كبائر الذنوب فإنه يؤدي بالمن إلى هلكه دنيا وأخرى‪.‬‬

‫( ‪)2/210‬‬

‫يأتيهم عذابنا ليلً وهم نائمون؟ {أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا} أي عذابنا {ضحى وهم‬
‫يلعبون؟} أي أو غفل أهل القرى وأمنوا أن يأتيهم عذابنا ضحى وهم في أعمالهم التي ل تعود‬
‫عليهم بخير كأنها لعب أطفال يلعبون بها {أفأمنوا مكر ال}؟ أي أغرهم إمهالنا لهم واستدراجنا‬
‫إياهم فأمنوا مكر ال؟ إنهم في ذلك خاسرون إذ ل يأمن مكر ال إل القوم الخاسرون‪ .‬وقوله تعالى‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫في الية الخامسة (‪{ )100‬أو لم يهد للذين يرثون الرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم‬
‫بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم ل يسمعون} أي عمى الذين يرثون الرض من بعد أهلها ولم‬
‫يتبين لهم بعد ولم يعلموا أنا لو نشاء أصبناهم بذنوبهم كما أصبنا الذين ورثوا ديارهم بذنوبهم‬
‫{ونطبع على قلوبهم فهم ل يسمعون} أي ونجعل على قلوبهم غشاوة حتى ل يعوا ما يقال لهم ول‬
‫يفهموا ما يراد بهم حتى يهلكوا كما هلك الذين من قبلهم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬عرض الرحمن تبارك وتعالى رحمته على عباده ولم يطلب منهم أكثر من اليمان والتقوى‪.‬‬
‫‪ -2‬حرّمة الغفلة ووجوب الذكر واليقظة‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة المن من مكر ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -4‬إذا أمنت المة مكر ال تهيأت للخسران وحل بها ل محالة‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب العتبار بما أصاب الولين‪ ،‬وذلك بترك ما كان سببا لهلكهم‪.‬‬
‫سُلهُم بِالْبَيّنَاتِ َفمَا كَانُواْ لِ ُي ْؤمِنُواْ ِبمَا كَذّبُواْ مِن قَ ْبلُ‬
‫تِ ْلكَ ا ْلقُرَى َن ُقصّ عَلَ ْيكَ مِنْ أَنبَآ ِئهَا وََلقَدْ جَاء ْتهُمْ رُ ُ‬
‫جدْنَا َأكْثَرَ ُهمْ‬
‫عهْ ٍد وَإِن وَ َ‬
‫لكْثَرِهِم مّنْ َ‬
‫جدْنَا َ‬
‫كَذَِلكَ َيطْبَعُ الّلهُ عََلىَ قُلُوبِ ا ْلكَافِرِينَ(‪َ )101‬ومَا وَ َ‬
‫سقِينَ(‪)102‬‬
‫َلفَا ِ‬

‫( ‪)2/211‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫تلك القرى ‪ :‬الشارة إلى قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب‪.‬‬
‫من أنبائها ‪ :‬أي من أخبارها‪.‬‬
‫بالبينات‪ :‬بالحجج والبراهين الدالة عل توحيد ال وصدق رسله‪.‬‬
‫من قبل ‪ :‬أي من قبل خلقهم ووجودهم‪ ،‬إذ علم ال تعالى تكذيبهم عليهم في كتاب المقادير‪.‬‬
‫وما وجدنا لكثرهم من عهد ‪ :‬أي لم نجد لكثرهم وفاء بعهودهم التي أخذت عليهم يوم أخذ‬
‫الميثاق‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫يخاطب الرب تعالى ‪ 1‬رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم قائلً {تلك القرى نقص عليك من‬
‫أنبائها} أي من أخبارها مع أنبيائها كيف دعتهم رسلهم إلى اليمان والتوحيد والطاعة‪ ،‬وكيف‬
‫ردت تلك المم دعوة ال واستكبرت على عبادته‪ ،‬وكيف كان حكمنا فيهم لعل قومك يذكرون‬
‫فيؤمنوا ويوحدوا‪ .‬وقوله تعالى {ولقد جاءتهم رسلهم بالبنيات} أي بالحجج الواضحات على صدق‬
‫دعوتهم‪ ،‬وما جاءتهم به رسلهم من أمر ونهي من ربهم‪ .‬وقوله {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من ‪2‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قبل} أي لم يكن أولئك الهالكون من أهل القرى ليؤمنوا بما كذبوا به في علم ال وقدره إذ علم ال‬
‫أنهم ل يؤمنون فكتب ذلك عليهم فلذا هم ل يؤمنون‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬كذلك يطبع ال على قلوب‬
‫الكافرين} أي كما كتب على الهالكين من أهل القرى أنهم ل يؤمنون ولم يؤمنوا فعلً فأهلكهم‪،‬‬
‫يطبع كذلك على قلوب الكافرين فل يؤمنون حتى يأخذهم العذاب وهم ظالمون بكفرهم‪ .‬وهذا‬
‫الحكم اللهي قائم على مبدأ أن ال علم من كل إنسان قبل خلقه ما يرغب فيه وما يؤثره على‬
‫غيره ويعمله باختياره وإرادته فكتب ذلك عليه فهو عند خروجه‬
‫__________‬
‫‪ 1‬سرّ هذا الخطاب زيادة على التعليم لكمال الهداية فإنه تسلية للرسول صلى ال عليه وسلم مما‬
‫يلقى من صلف المشركين وعنادهم وجحودهم‪ ،‬وهو تسلية لكل مؤمن ومؤمنة يعاني من صلف‬
‫المشركين وأذاهم‪.‬‬
‫‪ 2‬اختلف في المضاف إليه المحذوف في قوله‪{ :‬بما كذبوا من قبل} هل المراد‪ :‬من قبل خروجهم‬
‫للحياة الدنيا وهم في عالم الرواح حيث أمروا باليمان فكذبّوا فكتب ال عليهم ذلك فلن يكون إل‬
‫هو أو لو أحييناهم بعد إهلكهم بذنوبهم لمّا آمنوا بما كذّبوا به فكان سبب هلكهم‪ ،‬أو سألوا‬
‫المعجزات ليؤمنوا فلمّا رأوها لم يؤمنوا بما كذّبوا من قبل رؤيتهم المعجزات‪ ،‬والراجح من هذه‬
‫المقولت ما هو في التفسير إذ هو قول ابن جرير إمام المفسرين‪.‬‬

‫( ‪)2/212‬‬

‫إلى الدنيا ل يعمل إل به ليصل إلى ما كتب عليه‪ ،‬وقدر له أزلً قبل خلق السموات والرض‪،‬‬
‫وقوله تعالى {وما وجدنا لكثرهم من عهد ‪ }1‬أي لم نجد لتلك المم التي أهلكنا وهم قوم نوح‬
‫وهود وصالح ولوط وشعيب‪ .‬لم نجد لكثرهم وفاء بعهدهم الذي أخذناه عليهم قبل خلقهم من‬
‫اليمان بنا وعبادتنا وطاعتنا وطاعة رسلنا‪ ،‬وما وجدنا ‪ 2‬أكثرهم إل فاسقين عن أمرنا خارجين‬
‫عن طاعتنا وطاعة رسلنا‪ ،‬وكذلك أحللنا بهم نقمتنا وأنزلنا بهم عذابنا فأهلكناهم أجمعين‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير الوحي اللهي وإثبات نبوة محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لنه ما ُقصّ من أنباء الولين ل‬
‫يُتََلقّى إل بوحي إلهي ول يتلقى عن ال تعالى إل رسول أَعِدّ لذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬وجود البينات مهما كانت قوية واضحة غير كاف في إيمان من لم يشأ ال هدايته‪.‬‬
‫‪ -3‬المؤمن من آمن في الزل‪ ،‬والكافر من كفر فيه‪.‬‬
‫‪ -4‬الطبع على قلوب الكافرين سببه اختيارهم للكفر والشر والفساد وإصرارهم على ذلك كيفما‬
‫كانت الحال‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن َومَلَئِهِ فَظََلمُواْ ِبهَا فَانظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ ا ْل ُمفْسِدِينَ(‬
‫عوْ َ‬
‫ثُمّ َبعَثْنَا مِن َب ْعدِهِم مّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْ َ‬
‫حقِيقٌ‪ 3‬عَلَى أَن لّ َأقُولَ عَلَى‬
‫عوْنُ إِنّي رَسُولٌ مّن ّربّ ا ْلعَاَلمِينَ(‪َ )104‬‬
‫‪َ )103‬وقَالَ مُوسَى يَا فِرْ َ‬
‫سلْ َم ِعيَ بَنِي ِإسْرَائِيلَ(‪ )105‬قَالَ إِن كُنتَ‬
‫اللّهِ ِإلّ ا ْلحَقّ قَدْ جِئْ ُتكُم بِبَيّنَةٍ مّن رّ ّبكُمْ فَأَرْ ِ‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬من عهد} من زائدة لتقوية النفي والدللة على الجنس أي‪ :‬جنس العهد‪ ،‬والعهد من الجائز أن‬
‫يكون ما أخذ عليهم في عالم الذرّ وهو صحيح قاله ابن عباس وأن يكون ما أخذ عليهم من قِبل‬
‫النبياء أن يعبدوا ال وحده ويطيعوه ول يعصوه‪.‬‬
‫‪ 2‬الية‪{ :‬وإن وجدنا} وإن‪ :‬بمعنى ما النافية فلذا اكتفينا في التفسير بما ولم نذكر إن اختصارا‬
‫وتقريبا للفهم‪.‬‬
‫‪ 3‬قرأ نافع‪( :‬حقيق عليّ) بياء الضمير المشدّدة وهي بمعنى‪ :‬واجب علىّ خبر ثانٍ لنّ في قوله‪:‬‬
‫{إنّي رسول من ربّ العالمين} وقرأ غيره (على) حرف جرّ أي‪ :‬محقوق بأن ل أقول على ال إلّ‬
‫الحق‪ ،‬فحقيق‪ :‬فعيل بمعنى مفعول كقتيل بمعنى مقتول‪.‬‬

‫( ‪)2/213‬‬

‫عصَاهُ فَإِذَا ِهيَ ُثعْبَانٌ مّبِينٌ(‪ )107‬وَنَ َزعَ َي َدهُ‬


‫جِ ْئتَ بِآيَةٍ فَ ْأتِ ِبهَا إِن كُنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ(‪ )106‬فَأَ ْلقَى َ‬
‫فَإِذَا ِهيَ بَ ْيضَاء لِلنّاظِرِينَ(‪)108‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ثم بعثنا من بعدهم موسى‪ :‬أي من بعد نوح وهود وصالح ولوط وشعيب‪.‬‬
‫موسى ‪ :‬هو موسى بن عمران من ذرية يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلم‪.‬‬
‫بآياتنا‪ :‬هي تسع آيات‪ :‬العصا‪ ،‬واليد‪ ،‬والسنون المجدبة‪ ،‬والدم‪ ،‬والطوفان‪ ،‬والجراد‪ ،‬والقمل‪،‬‬
‫والضفادع‪ ،‬والطمس على أموال فرعون‪.‬‬
‫إلى فرعون‪ :‬أي بعث موسى الرسول إلى فرعون وهو الوليد لق مصعب بن الريان‪ ،‬ملك مصر‪.‬‬
‫وملئه ‪ :‬أي أشراف قومه وأعيانهم من رؤساء وكبراء‪.‬‬
‫فظلموا بها ‪ :‬أي ظلموا أنفسهم باليات وما تحمله من هدى حيث كفروا بها‪.‬‬
‫بينة من ربكم ‪ :‬حجة قاطعة وبرهان ساطع على أني رسول ال إليكم‪.‬‬
‫ونزع يده ‪ :‬أخرجها بسرعة من جيبه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {ثم بعثنا من بعدهم موسى} هذا شروع في ذكر القصص السادس مما اشتملت عليه‬
‫سورة العراف‪ ،‬وهي قصص موسى عليه السلم مع فرعون وملئه‪ .‬قال تعالى وهو يقص على‬
‫نبيه ليثبت به فؤاده‪ ،‬ويقرر به نبوته‪ ،‬ويعظ أمته‪ ،‬ويذكر به قومه {ثم بعثنا من بعدهم} أي من بعد‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫نوح وهود وصالح ولوط وشعيب موسى بن عمران إلى فرعون وملئه من رجالت ملكه ودولته‪،‬‬
‫وقوله بآياتنا‪ .‬هي تسع آيات لتكون حجة على صدق‬

‫( ‪)2/214‬‬

‫رسالته وأحقية دعوته‪ .‬وقوله تعالى {فظلموا ‪ 1‬بها} أي جحدوها ولم يعترفوا بها فكفروا بها وبذلك‬
‫ظلموا أنفسهم بسبب كفرهم بها‪ ،‬واستمروا على كفرهم وفسادهم حتى أهلكهم ال تعالى بإغراقهم‪،‬‬
‫ثم قال لرسوله {فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} أي دمارا وهلكا وهى عاقبة كل مفسد في‬
‫الرض بالشرك والكفر والمعاصي‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )103‬وأما اليات بعدها فإنها‬
‫في تفصيل أحداث هذا القصص العجيب‪ .‬وأتى موسى فرعون وقال {يا فرعون ‪ 2‬إني رسول من‬
‫رب العالمين‪ ،‬حقيق} أي جدير وخليق بي {أن ل أقول على ال إل الحق‪ ،‬قد جئتكم ببينة من‬
‫ربكم} دالة على صدقي شاهدة بصحة ما أقول {فأرسل ‪ 3‬معي بني إسرائيل} لذهب بهم إلى‬
‫أرض الشام التي كتب ال لهم وقد كانت دار آبائهم‪ .‬وهنا تكلم فرعون وطالب موسى بالية التي‬
‫ذكر أنه جاء بها فقال {إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين} أي فيما تدعيه وتقول‬
‫به وتدعوا إليه‪ .‬وهنا ألقى موسى عصاه أي أمام فرعون المطالب بالية {فإذا هي ثعبان مبين} أي‬
‫حية عظيمة تهتز أمام فرعون وملئه كأنها جان ‪ ،4‬هذه آية وزاده أخرى فأدخل يده في جيبه كما‬
‫علمه ربه ونزعها {فإذا هي بيضاء للناظرين} بيضاء بياضا غير معهود مثله في أيدي الناس‪ .‬هذا‬
‫ما تضمنته هذه اليات الخمس في هذا السياق‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان سوء عاقبة المفسدين بالشرك والمعاصي‪.‬‬
‫‪ -2‬تذكير موسى فرعون بأسلوب لطيف بأنه ليس ربا بل هناك رب العالمين وهو ال رب موسى‬
‫وهارون والناس أجمعين‪.‬‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬فظلموا بها} أي‪ :‬ظلموا أنفسهم بالتكذيب باليات‪ ،‬وجائز أن يكون ظلموا بسببها غيرهم ممن‬
‫منعوهم من اليمان بها إذ هدّدوهم بالقتل وجائز أن يضمّن الظلم هنا معنى الكفر أي كفروا بها‬
‫وهو صحيح المعنى‪.‬‬
‫‪ 2‬فرعون‪ :‬علم جنس لمن يملك مصر في القديم ككسرى‪ :‬لكل من يملك فارسا وقيصر‪ :‬لكل من‬
‫يملك الروم ونمرود‪ :‬لمن ملك الكنعانيين‪ ،‬والنجاشي‪ :‬للحباش‪ ،‬وتبع‪ ،‬لحمير ونداء موسى له‬
‫بقوله يا فرعون‪ :‬فيه نوع احترام‪ ،‬إذ ناداه بعنوان الملك والسلطان‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 3‬الفاء تفريعية أي‪ :‬ما بعدها متفرّع عمّا قبلها‪.‬‬
‫‪ 4‬الجانّ‪ :‬هنا حية أكحل العينين تسكن البيوت ل تؤذى كثيرة التقلّب والهتزاز‪.‬‬

‫( ‪)2/215‬‬

‫‪ -3‬تقرير مبدأ الصدق لدى الرسل عليهم السلم‪.‬‬


‫‪ -4‬ظهور آيتين لموسى ال َعصَا واليد‪.‬‬
‫ضكُمْ َفمَاذَا تَ ْأمُرُونَ(‬
‫جكُم مّنْ أَ ْر ِ‬
‫عوْنَ إِنّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ(‪ )109‬يُرِيدُ أَن يُخْ ِر َ‬
‫قَالَ ا ْلمَلُ مِن َقوْمِ فِرْ َ‬
‫سلْ فِي ا ْل َمدَآئِنِ حَاشِرِينَ(‪ )111‬يَأْتُوكَ ِب ُكلّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ(‪)112‬‬
‫‪ )110‬قَالُواْ أَ ْرجِ ْه وََأخَاهُ وَأَرْ ِ‬
‫شرح الكلمات‬
‫ساحر عليم ‪ :‬أي ذو علم بالسحر خبير به ليس مجرد مدّع‪.‬‬
‫من أرضكم‪ :‬أي من بلدكم ليستولى عليها ويحكمكم‪.‬‬
‫فماذا تأمرون ‪ :‬أي أشيروا بما ترون الصواب في حل هذا المشكل‪.‬‬
‫أرجه ‪ :‬أي أمهله وأخاه ل تعجل عليهما قبل اتخاذ ما يلزم من الحتياطات‪.‬‬
‫في المدائن ‪ :‬مدن المملكة الفرعونية‪.‬‬
‫حاشرين ‪ :‬رجالً يجمعون السحرة الخبراء في فن السحر للمناظرة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في تفصيل قصص موسى مع فرعون فبعد أن تقدم موسى بما طلب فرعون منه‬
‫من الية فأراه آية العصا‪ ،‬واليد‪ ،‬وشاهد المل من قوم فرعون اليتين العظيمتين قالوا {إن هذا‬
‫لساحر عليم} وذلك لما بهرتهم اليتان تحول العصا إلى حية عظيمة واليد بيضاء من غير سوء‬
‫كالبرص بل بياضها عجب ‪ 1‬حتى لكأنها فلقة قمر أي قطعة منه‪ ،‬واتهموا موسى فورا بالسياسة‬
‫وأنه يريد بهذا إخراجكم من بلدكم ليستولي عليها هو وقومه من بني إسرائيل‪ ،‬وهنا تكلم فرعون‬
‫وقال‪{ :‬فماذا تأمرون ‪ }2‬أي بم تشيرون عليّ أيها المل والحال كما ذكرتم؟ فأجابوه قائلين {أرجه‬
‫‪ 3‬وأخاه} أي أوقفهما عندك {وأرسل في المدائن حاشرين ‪}4‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬كان ليد موسى نور ساطع يضيء ما بين السماء والرض‪.‬‬
‫‪ 2‬يرى بعضهم أنّ المستفهم غير فرعون‪ ،‬الصحيح أنه فرعون لنهزامه معنويا‪.‬‬
‫‪ 3‬قرأ ورش‪{ :‬أرجه} بإشباع كسر الهاء‪ ،‬وقرأ الجمهور {أرجه} بإسكان الهاء‪ ،‬وقرأ بضّ بكسر‬
‫الهاء بدون مدّ‪.‬‬
‫‪ 4‬قيل هي صعيد مصر إذ هو مقرّ العلماء بالسحر‪ ،‬والمدائن جمع مدينة وتجمع على مدن واصل‬
‫اشتقاقها من مدن بالمكان إذا أقام به‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/216‬‬

‫أي رجالً من الشرط يحشرون أي يجمعون أهل الفن من السحرة من كافة أنحاء اليالة أي القليم‬
‫المصري‪ ،‬وأجر معه مناظرة فإذا انهزم انتهى أمره وأمنا من خطره على بلدنا وأوضاعنا‪ .‬هذا‬
‫ما دلت عليه اليات الربع في هذا السياق‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫هن هداية اليات‬
‫‪ -1‬جهل المل باليات أدى بهم إلى أن قالوا إن موسى ساحر عليم‪.‬‬
‫‪ -2‬مكر المل وخبثهم إذ اتهموا موسى سياسيا بأنه يريد الملك وهو كذب بحت وإنما يريد إخراج‬
‫بني إسرائيل من مصر حيث طال استعبادهم وامتهانهم من قبل القباط وهم أبناء النبياء وأحفاد‬
‫إسرائيل واسحق وإبراهيم عليهم السلم‪.‬‬
‫‪ -3‬فضيحة فرعون حيث نسي دعواه الربوبية‪ ،‬فاستشار المل في شأنه‪ ،‬إذ الرب الحق ل يستشير‬
‫عباده فيما يريد فعله لنه ل يجهل ما يحدث مستقبلً‪.‬‬
‫‪ -4‬السحر صناعة من الصناعات يتعلم ويبرع فيها المرء‪ ،‬ويتقدم حتى يتفوق على غيره‪.‬‬
‫‪ -5‬حرمة السحر وحرمة تعلمه‪ ،‬ووجوب إقامة الحد على من ظهر عليه وعرف به‪.‬‬
‫عوْنَ قَالْواْ إِنّ لَنَا لَجْرًا إِن كُنّا َنحْنُ ا ْلغَالِبِينَ(‪ )113‬قَالَ َنعَ ْم وَإَ ّنكُمْ َلمِنَ ا ْل ُمقَرّبِينَ(‬
‫وَجَاء السّحَ َرةُ فِرْ َ‬
‫سحَرُواْ‬
‫‪ )114‬قَالُواْ يَا مُوسَى ِإمّا أَن تُ ْل ِقيَ وَِإمّا أَن ّنكُونَ َنحْنُ ا ْلمُ ْلقِينَ(‪ )115‬قَالَ أَ ْلقُوْاْ فََلمّا أَ ْل َقوْاْ َ‬
‫سحْرٍ عَظِيمٍ(‪)116‬‬
‫س وَاسْتَرْهَبُوهُ ْم وَجَاءوا بِ ِ‬
‫أَعْيُنَ النّا ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫السحرة ‪ :‬جمع ساحر وهو من يتقن فن السحر ويؤثر في أعين الناس بسحره‪.‬‬
‫إن لنا لجرا ‪ :‬أي ثوابا من عندك أي أجرا تعطيناه إن نحن غلبنا‪.‬‬

‫( ‪)2/217‬‬

‫نحن الملقين ‪ :‬لعصيّنا‪.‬‬


‫سحروا أعين الناس ‪ :‬حيث صار النظارة في الميدان يشاهدون عصي السحر وحبالهم يشاهدونها‬
‫حيات وثعابين تمل الساحة‪.‬‬
‫واسترهبوهم ‪ :‬أي خلوا الرهب والرعب في قلوب الناس من قوة أثر السحر في عيونهم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في الحوار الدائر بين موسى عليه السلم من جهة وبين فرعون وملئه من جهة‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أخرى‪ ،‬فقد جاء في اليات السابقة أن المل أشاروا على فرعون بأن يحبس موسى وأخاه هارون‬
‫ويرسل شرطة في المدن يأتون بالخبراء في فن السحر لمناظرة موسى عسى أن يغلبوه‪ ،‬وفعلً‬
‫أرسل فرعون في مدنه حاشرين يجمعون خبراء السحر‪ ،‬وها هم أولء قد وصلوا قال تعالى‬
‫{وجاء السحرة فرعون ‪ }1‬وعرفوا أن الموقف جد صعب على فرعون فطالبوه بالجر العظيم إن‬
‫هم غلبوا موسى وأخاه فوافق فرعون على طلبهم‪ ،‬وهو معنى قوله تعالى‪{ :‬وجاء السحرة فرعون‬
‫قالوا إن ‪ 2‬لنا لجرا إن كنا نحن الغالبين؟ قال نعم} وزادهم أيضا أن يجعلهم من خواصه ورجال‬
‫قصره فقال {وإنكم لمن المقربين} أي لدينا‪ .‬وهنا تقدموا لموسى وكأنهم على ثقة في قوتهم‬
‫السحرية وأن الجولة ستكون لهم‪ ،‬تقدموا بإلقاء آلتهم السحرية أو تقدم موسى عليهم فقالوا {يا‬
‫موسى ‪ 3‬إما أن تلقي‪ ،‬وإما أن نكون نحن الملقين} أي ألق عصاك أو نلقي نحن عصينا فقال لهم‬
‫موسى {ألقوا} ‪ 4‬فألقوا فعلً فسحروا أعين ‪ 5‬الناس وجاءوا بسحر عظيم كما أخبر تعالى المر‬
‫الذي استرهب النظارة حتى إن موسى عليه السلم أوجس في نفسه خيفة فنهاه ربه تعالى عن ذلك‬
‫وأعلمه أنه الغالب بإذن ال تعالى جاء هذا الخبر في سورة طه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لقد ذكر القرطبي في عدد السحرة أخبارا مثلها ل يصح‪ ،‬إذ جاء في بعضهم أن عددهم كان‬
‫سبعين ألف ساحر‪ ،‬والقرب إلى أن يكونوا سبعين رجلً‪.‬‬
‫‪ 2‬قرىء في السبع بهمزة الستفهام {أئن لنا لجرا} وقرىء بدونها {إنّ لنا لجرا}‪.‬‬
‫‪ 3‬قال القرطبي‪ :‬تأدّبوا مع موسى إذ استشاروه فيمن يبدأ باللقاء فنفعهم ال بأدبهم مع نبيّه‬
‫فأسلموا وسعدوا برضوان ال تعالى‪.‬‬
‫‪ 4‬في إذنه لهم باللقاء توفيق ربّاني عظيم إذ معناه أنه احتفظ بالضربة الخيرة وصاحبها يغلب‬
‫بإذن ال دائما‪.‬‬
‫‪ 5‬أي‪ :‬خيّلوا لهم وقلبوها عن صحة إدراكها بما يتخيل من التمويه الذي جرى مجرى الشعوذة‬
‫وخفة اليد‪.‬‬

‫( ‪)2/218‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬مشروعية طلب الجرة على العمل الذي يقوم به النسان خارجا عن نطاق العبادة‪.‬‬
‫‪ -2‬مشروعية الترقيات الحكومية لذي الخدمة الجُلى للدولة‪.‬‬
‫‪ -3‬تأثير السحر على أعين الناس حقيقة بحيث يرون الشيء على خلف ما هو عليه إذ العصي‬
‫والحبال استحالت في أعين الناس إلى حيات وثعابين‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫طلَ مَا كَانُواْ‬
‫ق وَبَ َ‬
‫حّ‬‫عصَاكَ فَإِذَا ِهيَ تَ ْلقَفُ مَا يَ ْأ ِفكُونَ(‪َ )117‬ف َوقَعَ الْ َ‬
‫وََأوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ َ‬
‫جدِينَ(‪ )120‬قَالُواْ آمَنّا بِ ِربّ‬
‫ك وَانقَلَبُو ْا صَاغِرِينَ(‪ )119‬وَأُ ْل ِقيَ السّحَ َرةُ سَا ِ‬
‫َي ْعمَلُونَ(‪َ )118‬فغُلِبُواْ هُنَاِل َ‬
‫ا ْلعَاَلمِينَ(‪َ )121‬ربّ مُوسَى وَهَارُونَ(‪)122‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫تلقف‪ :‬تأخذ بسرعة فائقة وحذق عجيب‪.‬‬
‫ما يأفكون‪ :‬ما يقلبون بسحرهم وتمويههم‪.‬‬
‫فوقع الحق ‪ :‬ثبت وظهر‪.‬‬
‫صاغرين ‪ :‬ذليلين‪.‬‬
‫ساجدين ‪ :‬ساقطين على وجوههم سجدا لربهم رب العالمين‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في المناظرة أو المباراة بين موسى عليه السلم وسحرة فرعون‪ ،‬فبعد أن ألقى‬
‫السحرة حبالهم وعصيهم في الساحة وانقلبت بالتمويه السحري حيات وثعابين ورهب الناس من‬
‫الموقف وظن فرعون ومله أنهم غالبون أوحى ال تعالى إلى موسى أن يلقي عصاه فألقاها {فإذا‬
‫هي تلقف ‪ 1‬ما يأفكون} أي تأخذه وتبتلعه وبذلك وقع الحق أي ظهر وثبت‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرىء (تَ ْلقَف) و(تلَقّف) بتضعيف القاف‪ ،‬والصل‪ :‬تتلقف فحذف إحدى التاءين تخفيفا‪ ،‬وقرىء‬
‫في الشاذ‪ :‬تلقّم بالميم بدل الفاء‪ ،‬ومعنى الكلّ تبتلع بسرعة وتزدرده‪ ،‬وصيغة المضارع في الفعلين‬
‫لستحضار الماضي كأنّه حاضر ليكون أوقع في النفس‪.‬‬

‫( ‪)2/219‬‬

‫واستقر {وبطل ما كانوا يعملون} أي السحر والتمويه وقوله تعالى {فغلبوا} أي فرعون ومله‬
‫وقومه {هنالك} أي في ساحة المباراة والمناظرة {وانقلبوا} إلى ديارهم {صاغرين} أي ذليلين‬
‫مهزومين‪ .‬وقوله تعالى {وألقي السحرة ساجدين} أي إنهم بعد أن شاهدوا الية الكبرى بهرتهم‬
‫فخروا ساجدين كأنما ألقاهم ‪ 1‬أحد على وجه الرض ل حراك لهم وهم يقولون ‪{ 2‬آمنا برب‬
‫العالمين رب موسى وهارون} وضمن ذلك فقد كفروا بربوبية فرعون الباطلة‪ ،‬لن اليمان بال‬
‫سيلزم الكفر بما عداه‪ ،‬ولذا قالوا {آمنا برب العالمين رب موسى وهارون} تلويحا بكفرهم بفرعون‬
‫الطاغية وبكل إله غير ال‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان سنته تعالى في أن الحق والباطل إذا التقيا في أي ميدان فالغلبة للحق دائما‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -2‬بطلن السحر وعدم فلح أهله ولقوله تعالى من سورة طه {ول يفلح الساحر حيث أتى}‪.‬‬
‫‪ -3‬فضل العلم وأنه سبب الهداية فإيمان السحرة كان ثمرة العلم‪ ،‬إذ عرفوا أن ما جاء به موسى‬
‫ليس سحرا وإنما هو آية له من ال فآمنوا‪.‬‬
‫‪ -4‬مظهر من مظاهر القضاء والقدر فالسحرة أصبحوا كافرين وأمسوا مسلمين‪.‬‬
‫س ْوفَ‬
‫عوْنُ آمَنتُم بِهِ قَ ْبلَ أَن آذَنَ َلكُمْ إِنّ هَذَا َل َمكْرٌ ّمكَرْ ُتمُوهُ فِي ا ْلمَدِي َنةِ لِ ُتخْرِجُواْ مِ ْنهَا أَهَْلهَا فَ َ‬
‫قَالَ فِرْ َ‬
‫ج َمعِينَ(‪ )124‬قَالُواْ إِنّا إِلَى رَبّنَا‬
‫لصَلّبَ ّنكُمْ َأ ْ‬
‫لفٍ ثُ ّم ُ‬
‫طعَنّ أَيْدِ َي ُك ْم وَأَرْجَُلكُم مّنْ خِ َ‬
‫لقَ ّ‬
‫َتعَْلمُونَ(‪ُ )123‬‬
‫مُنقَلِبُونَ(‪َ )125‬ومَا تَنقِمُ مِنّا ِإلّ أَنْ آمَنّا بِآيَاتِ رَبّنَا َلمّا جَاءتْنَا رَبّنَا َأفْ ِرغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَ َت َوفّنَا‬
‫مُسِْلمِينَ(‪)126‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬ألقوا أنفسهم على الرض‪ ،‬وبني الفعل للمجهول لظهور الفاعل وهو أنفسهم‪.‬‬
‫‪ 2‬قالوا آمنّا بربّ العالمين حال هو يهم للسجود إعلما منهم إنهم ما سجدوا لفرعون كما يفعل‬
‫ب موسى وهارون‪.‬‬
‫القباط‪ ،‬وإنّما سجدوا ل رب العالمين ر ّ‬

‫( ‪)2/220‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫آمنتم به‪ :‬أي صدقتموه فيما جاء به ودعا إليه‪.‬‬
‫مكر مكرتموه ‪ :‬أي حيلة احتلتموها وتواطأتم مع موسى على ذلك‪.‬‬
‫من خلف‪ :‬بأن يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أو العكس‪.‬‬
‫ثم لصلبنكم ‪ :‬التصليب‪ :‬الشد على خشبة حتى الموت‪.‬‬
‫منقلبون ‪ :‬أي راجعون‪.‬‬
‫وما تنقم منا‪ :‬أي وما تكره منا وتنكر علينا إل إيماننا بآيات ربنا لما جاءتنا‪.‬‬
‫أفرغ علينا صبرا‪ :‬أي أفض علينا صبرا قويا حتى نثبت على ما توعدنا فرعون من العذاب ول‬
‫نرتد بعد إيماننا‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في أحداث قصص موسى وفرعون ففي اليات قبل هذه تمت المناظرة بين موسى‬
‫والسحرة بنصر موسى عليه السلم وهزيمة فرعون النكراء حيث سحرته بعد ظهور الحق لهم‬
‫واضحا مكشوفا آمنوا وأسلموا وسجدوا ل رب العالمين‪ .‬وفي هذه اليات يخبر تعالى عن محاكمة‬
‫فرعون للسحرة فقال عز من قائل {قال فرعون} أي للسحرة {آمنتم ‪ 1‬به} أي بموسى {قبل أن آذن‬
‫لكم} أي في اليمان به‪ ،‬وهي عبارة فيها رائحة الهزيمة والحمق‪ ،‬وإل فهل اليمان يتأتي فيه‬
‫الذن وعدمه‪ ،‬اليمان إذعان باطني ل علقة له بالذن إل من ال تعالى‪ ،‬ثم قال لهم {إن هذا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها} أي إن هذا الذي قمتم به من ادعاء الغلب لموسى‬
‫بعدما أظهرتم الحماس في بداية المباراة ما هو إل مكرا وتدبير خفي تم بينكم وبين موسى في‬
‫المدينة قبل الخروج إلى ساحة المباراة‪ ،‬والهدف منه إخراجكم الناس ‪ 2‬من المدينة واستيلئكم‬
‫عليها‪ .‬ثم تهددهم وتوعدهم بقوله {فسوف تعلمون} ما أنا صانع بكم‪ .‬وذكر ما عزم عليه فقال‬
‫مقسما {لقطعن أيديكم وأرجلكم من خلف} يريد بقطع من كل واحد منهم يده اليمنى ورجله‬
‫اليسرى‪ ،‬ثم يربطهم على أخشاب في ساحة معينة ليموتوا كذلك نكالً وعبرة لغيرهم‪ .‬هذا ما أعلنه‬
‫فرعون وصرح به‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستفهام هنا للنكار والتهديد أي‪ :‬ينكر على السحرة إيمانهم ويهددهم بالبطش بهم والتنكيل‪.‬‬
‫‪ 2‬قد يكون المراد بعض الناس وهم بنو إسرائيل إذ موسى جاء يطالب بهم ليخرج بهم إلى أرض‬
‫القدس‪.‬‬

‫( ‪)2/221‬‬

‫للسحرة المؤمنين فما كان جواب السحرة {قالوا إنا إلى ربنا منقلبون} أي راجعون فقتلك إيانا لم‬
‫يزد على أن قربنا من ربنا وردنا إليه ونحن في شوق إلى لقاء ربنا‪ ،‬وعليه فحكمك بقتلنا ما هو‬
‫بضائرنا‪ ،‬وشيء آخر هو أنك {ما تنقم ‪ 1‬منا} يا فرعون أي ما تكره منا ول تنكر علينا إجراما‬
‫أجرمناه أو فسادا في الرض اشعناه إنما تنقم منا إيماننا بآيات ربنا لما جاءتنا وهذا شيء ل مذمة‬
‫فيه علينا‪ ،‬ول عارا يلحقنا‪ ،‬فلذا {اقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا} ثم أقبلوا على‬
‫ال ورفعوا أيديهم إليه وقالوا ضارعين سائلين {ربنا أفرغ علينا صبرا} حتى نتحمل العذاب في‬
‫ذاتك {وتوفنا مسلمين ‪ ،}2‬ونفذ فرعون جريمته ‪ 3‬ولكن أحدث ذلك اضطرابا في البلد ولم يكن‬
‫فرعون ول مله يتوقعون دل عليه اليات التالية‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬القلوب المظلمة بالكفر ولجرائم أصحابها ل يتورعون عن الكذب واتهام البرياء‪.‬‬
‫‪ -2‬فضيلة السترجاع أن يقول {إنا ل وإنا إليه راجعون} حيث فزع إليها السحرة لما هددهم‬
‫فرعون إذ قالوا {إنا إل ربنا منقلبون} أي راجعون فهان عديهم ما تهددوا به‪.‬‬
‫‪ -3‬مشروعية سؤال الصبر على البلء للثبات على اليمان‪.‬‬
‫‪ -4‬فضل الوفاة على السلم وأنه مطلب عال لهل اليمان‪.‬‬
‫َوقَالَ ا ْلمَلُ مِن َقوْمِ فِرْعَونَ أَ َتذَرُ مُوسَى َو َق ْومَهُ لِ ُيفْسِدُواْ فِي الَ ْرضِ وَ َيذَ َركَ وَآِلهَ َتكَ قَالَ سَ ُنقَتّلُ‬
‫أَبْنَاء ُه ْم وَنَسْتَحْيِي ِنسَاء ُه ْم وَإِنّا َف ْوقَهُمْ قَاهِرُونَ(‪ )127‬قَالَ مُوسَى ِل َق ْومِهِ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يقال‪ :‬نقَم ينقم من باب ضرب‪ ،‬نقْما ونقَما على أنه من باب تعِب تعبا إذا أنكر الفعل وكره‬
‫صدوره وحقد على فاعله‪ ،‬ويكون بالقول والفعل‪.‬‬
‫‪ 2‬كلمة السلم معروفة في كل زمان ومكان بين المؤمنين ويعبر عنها كل قوم بلغتهم إذ معناها‬
‫النقياد ل مع حبّه تعالى وتعظيمه والشوق إليه‪.‬‬
‫‪ 3‬لم يرد في القرآن ما يدل على أنّ فرعون نفّد وعيده في السحرة أو لم ينفذه‪ ،‬وعدم ذكر القرآن‬
‫له لنه خالٍ من الفائدة‪ ،‬وذكر القرطبي بصيغة التمريض فقال‪ :‬قيل إنّ فرعون أخذ السحر‬
‫وقطعهم على شاطىء النهر وأنّه آمن بموسى عند إيمان السحرة ستمائة ألف وال أعلم‪.‬‬
‫??‬

‫( ‪)2/222‬‬

‫ن الَ ْرضَ لِلّهِ يُورِ ُثهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَا ِد ِه وَا ْلعَاقِبَةُ لِ ْلمُ ّتقِينَ(‪ )128‬قَالُواْ‬
‫اسْ َتعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِ ّ‬
‫ع ُد ّوكُ ْم وَيَسْتَخِْل َفكُمْ فِي الَ ْرضِ‬
‫أُوذِينَا مِن قَ ْبلِ أَن تَأْتِينَا َومِن َبعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَ ّبكُمْ أَن ُيهِْلكَ َ‬
‫فَيَنظُرَ كَ ْيفَ َت ْعمَلُونَ(‪)129‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫قال المل‪ :‬أي لفرعون‪.‬‬
‫أتذر‪ :‬أي أتترك‪.‬‬
‫وقومه ‪ :‬أي بني إسرائيل‪.‬‬
‫ليفسدوا في الرض ‪ :‬أي في البلد بالدعوة إلى مخالفتك‪ ،‬وترك طاعتك‪.‬‬
‫وآلهتك‪ :‬أصناما صغارا وضعها ليعبدها الناس وقال أنا ربكم العلى وربها‪.‬‬
‫نستحيي نساءهم ‪ :‬نبقي على نسائهم ل تذبحهن كما تذبح الطفال الذكور‪.‬‬
‫ويستخلفكم في الرض ‪ :‬أي يجعلكم خلفاء فيها تخلفون الظالمين بعد هلكهم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في أحداث قصص موسى وفرعون أنه بعد انتصار موسى في المباراة وإيمان‬
‫السحرة ظهر أمر موسى واتبعه ستمائة ألف من بني إسرائيل‪ ،‬وخاف قوم فرعون من إيمان‬
‫الناس بموسى ولما جاء به من الحق قالوا لفرعون على وجه التحريض والتحريك له {أتذر موسى‬
‫وقومه } يريدون بني إسرائيل {ليفسدوا في الرض} أي أرض مصر بإفساد خدمك ‪ 1‬أو عبيدك‬
‫{ويذرك وآلهتك ‪ }2‬أي ويتركك فل يخدمك ول يطيعك ويترك آلهتك فل‬
‫__________‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 1‬وإيقاع الفرقة وتشتيت الشمل أيضا‪.‬‬
‫‪ 2‬وقرىء {وإلهتك} أي‪ :‬عبادتك وعلى هذا فإنه كان َيعْبُد ول يُعبد والوجه الوّل أظهر‪.‬‬

‫( ‪)2/223‬‬

‫يعبدها إذ كان لفرعون أصنام يدعو الناس لعبادتها لتقربهم إليه وهو الرب العلى للكل‪.‬‬
‫وبعد هذا التحريش والغراء من رجال فرعون ليبطش بموسى وقومه قال فرعون {سنقتل ‪1‬‬
‫أبناءهم ونستحيي نساءهم} كما كان يفعل قبل عندما أخبر بأن سقوط ملكه سيكون على يد بني‬
‫إسرائيل {وإنا فوقهم قاهرون} هذه الكلمة من فرعون في هذا الظرف بالذات ل تعد وأن تكون‬
‫تعويضا عما فقد من جبروت ورهبوت كان له قبل هزيمته في المباراة وإيمان السحرة برب‬
‫العالمين رب موسى وهارون‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )127‬وهي قوله تعالى {وقال المل‬
‫من قوم فرعون‪ :‬أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الرض‪ ،‬ويذرك وآلهتك‪ .‬قال سنقتل أبناءهم‬
‫ونستحيي نساءهم‪ ،‬وإنا فوقهم قاهرون} وكان رد موسى عليه السلم على هذا التهديد والوعيد‬
‫الذي أرعب بني إسرائيل وأخافهم ما جاء في الية الثانية (‪{ )128‬وقال موسى لقومه} أي من بني‬
‫إسرائيل {استعينوا بال} على ما قد ينالكم من ظلم فرعون‪ ،‬وما قد يصيبكم من أذى انتقاما لما فقد‬
‫من علوه وكبريائه {واصبروا} على ذلك‪ ،‬واعلموا {ان الرض ل يورثها من يشاء من عباده‬
‫والعاقبة للمتقين} فمتى صبرتم على ما يصيبكم فلم تجزعوا فترتدوا‪ ،‬واتقيتم ال ربكم فلم تتركوا‬
‫طاعته وطاعة رسوله أهلك عدوكم وأورثكم أرضه ودياره‪ ،‬وسبحان ال هذا الذي ذكره موسى‬
‫لبني إسرائيل قد تم حرفيا بعد فترة صبر فيها بنو إسرائيل واتقوا كما سيأتي في هذا السياق بعد‬
‫كذا آية‪ ،‬وهنا قال بنو إسرائيل ما تضمنته الية الخيرة (‪{ )129‬قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا} بما‬
‫أتيتنا به من الدين واليات‪ ،‬وذلك عندما كان فرعون يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم للخدمة {ومن‬
‫بعدما جئتنا} وهذه منهم كلمة اليس المهزوم نفسيا لطول ما عانوا من الضطهاد والعذاب من‬
‫فرعون وقومه القباط‪ .‬فأجابهم موسى عليه السلم قائلً‪ :‬محييا المل في نفوسهم وإيصالهم بقوة‬
‫ال التي ل تقهر {عسى ‪ 2‬ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الرض فينظر كيف ‪ 3‬تعملون}‬
‫وهذا الذي رجاه موسى ورجاه بني إسرائيل قد تم كاملً بل نقصان والحمد ل الكريم المنان‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬آنس قومه بهذه الجملة من الكلم وأذهب عنهم روح الهزيمة‪ ،‬ولم يقل سنقتل موسى لعلمه أنه‬
‫ل يقدر عليه ولما أصابه من الرّعب منه حتى قيل‪ :‬إنه كان إذا رآه يبول من شدّة الخوف منه‬
‫وهي آية موسى عليه السلم‪.‬‬
‫‪ 2‬عسى من ال واجب أي ليست للرجاء فقط بل ما يذكر جمعها يقع ل ب ّد ول يتخلّف‪ ،‬ولذا قد‬
‫تحقق ما ذكر معها هنا كاملً ل نقص فيه‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 3‬كيف‪ :‬ليست للستفهام هنا وإنّما هي دالة على مجرّد كيفية أعمالهم هل هي أعمال صالحة أو‬
‫فاسدة أي‪ :‬هل يشكرون؟‬

‫( ‪)2/224‬‬

‫هداية اليات‪.‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪-1‬خطر بطانة السوء على الملوك والرؤساء تجلت في إثارة فرعون ودفعه إلى البطش بقولهم‬
‫{أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الرض‪ ...‬الخ}‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان فضيلة الصبر والتقوى وأنها مفتاح النصر وإكسير الكمال البشري‪.‬‬
‫‪ -3‬النفوس المريضة علجها عسير ولكن بالصبر والمثابرة تشفى إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان صدق ما رجاه موسى من ربه حيث تحقق بحذافيره‪.‬‬
‫‪ -5‬استحسان رفع معنويات المؤمنين بذكر حسن العاقبة والتبشير بوعد ال لوليائه أهل اليمان‬
‫والتقوى‪.‬‬
‫ن وَ َن ْقصٍ مّن ال ّثمَرَاتِ َلعَّل ُهمْ يَ ّذكّرُونَ(‪ )130‬فَِإذَا جَاء ْتهُمُ ا ْلحَسَنَةُ قَالُواْ‬
‫خذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسّنِي َ‬
‫وَلَقَدْ أَ َ‬
‫لَنَا َه ِذ ِه وَإِن ُتصِ ْبهُمْ سَيّئَةٌ يَطّيّرُواْ ِبمُوسَى َومَن ّمعَهُ أَل إِ ّنمَا طَائِرُ ُهمْ عِندَ اللّ ُه وََلكِنّ َأكْثَرَهُمْ لَ‬
‫سحَرَنَا ِبهَا َفمَا نَحْنُ َلكَ ِب ُم ْؤمِنِينَ(‪ )132‬فَأَ ْرسَلْنَا عَلَ ْيهِمُ‬
‫َيعَْلمُونَ(‪َ )131‬وقَالُواْ َم ْهمَا تَأْتِنَا ِبهِ مِن آيَةٍ لّتَ ْ‬
‫لتٍ فَاسْ َتكْبَرُواْ َوكَانُواْ َق ْومًا مّجْ ِرمِينَ(‪)133‬‬
‫ضفَا ِدعَ وَالدّمَ آيَاتٍ ّم َفصّ َ‬
‫ل وَال ّ‬
‫ن وَالْجَرَا َد وَا ْل ُقمّ َ‬
‫الطّوفَا َ‬
‫شرح الكلمات ‪:‬‬
‫أخذنا آل فرعون بالسنين ‪ : 1‬أي عاقبناهم بِسِنِيى الجدب والقحط‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يقال ‪ :‬أصابتهم سنة أي ‪ :‬جدب وتقديره‪ :‬جدب سنة وفي الحديث‪" :‬اللّهم اجعلها عليهم سنين‬
‫كسني يوسف" دعاء على قريش‪.‬‬

‫( ‪)2/225‬‬

‫ونقص من الثمرات‪ :.‬بالحوائج تصيبها‪ ،‬وبعدم صلحيتها‪.‬‬


‫الحسنة ‪ :‬ما يحسن من خصب ورخاء وكثرة رزق وعافية‪.‬‬
‫سيئة ‪ :‬ضد الحسنة وهي الجدب والغلء والمرض‪.‬‬
‫يطيروا بموسى ‪ :1‬أن يتشاءمون بموسى وقومه‪.‬‬
‫الطوفان والجراد والقمل والضفادع ‪ :‬الطوفان الفيضانات المغرقة‪ ،‬والجراد معروف بأكل الزرع‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والثمار‪ ،‬والقمل جائز أن يكون القمل المعروف وجائز أن يكون السوس في الحبوب‪ ،‬والضفادع‬
‫جمع ضفدعة‪ .‬حيوان يوجد في المياه والمستنقعات‪.‬‬
‫والدم‪ :‬والدم معروف قد يكون دم رعاف أو نزيف‪ ،‬أو تحول الماء ماء الشرب إلى دم عبيط في‬
‫أوانيهم وأفواههم آية لموسى عليه السلم‪.‬‬
‫فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين‪ :‬حيث لم يؤمنوا بهذه اليات‪ .‬أي مفسدين حيث حكم بإهلكهم‪.‬‬
‫معنى اليات ‪:‬‬
‫ما زال السياق في قصص موسى مع آل فرعون انه لما شاهد فرعون وآله آية العصا وانهزام‬
‫السحر أمامهم وإيمان السحرة حملهم الكبر على مواصلة الكفر والعناد فأصابهم الرب تعالى‬
‫بجفاف وقحط سنوات لعلهم يذكرون‪ ،‬ولم يذكروا فحول ال تعالى جدبهم إلى خصب‪ ،‬وبلءهم إلى‬
‫عافية فلم يرجعوا وقالوا في الرخاء هذه لنا نحن مستحقوها وجديرون بها‪ ،‬وقالوا في القحط‬
‫والبلء قالوا هذه من شؤم موسى وبنى إسرائيل‪ ،‬قال تعالى {أل أنما طائرهم عند ال} وذلك لنه‬
‫مدبر المر وخالق كل شيء وجاعل للحسنة أسبابها وللسيئة أسبابها ولكن أكثرهم ل يعلمون فلذلك‬
‫قالوا اطيرنا بموسى ومن معه وأصروا على الكفر ولجوا في المكابرة والعناد حتى قالوا لموسى‬
‫{مهما ‪ 2‬تأتنا به من آية‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أصل الكلمة‪ :‬يتطيّروا فأدغمت التاء في الطاء لنّ مخرجهما واحد‪ ،‬والطير والتطير مأخوذ من‬
‫زجر الطير‪ .‬إذ كانوا إذا أرادوا عمل ما سفرا ونحوه يزجرون الطير فإن تيامن في طيرانه‬
‫أقدموا على العمل‪ ،‬وإن تشاءم تركوا فهذا أصل اليمن والشؤم كان في الجاهلية وأبطله السلم‪.‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬الطيرة شرك ثلثا" وما منا إل‪ ،‬ولكن ال يذهبه بالتوكل‬
‫وعلمهم أن يقولوا‪" :‬اللهم ل طير إلّ طيرك ول خير إل خيرك ول إله غيرك"‪.‬‬
‫‪ 2‬أصل مهما‪ :‬ما‪ .‬ما الولى شرطية والثانية زائدة توكيدا للجزاء فكرهوا حرفين من جنس واحد‬
‫متجاورين فأبدلوا اللف هاء ففصلت بين الميمين‪.‬‬

‫( ‪)2/226‬‬

‫لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين} ولو علموا ما أصروا على الكفر ولما قالوا ما قالوا فأسباب‬
‫الحسنة اليمان والتقوى‪ ،‬وأسباب السيئة الكفر والمعاصي‪ ،‬إذ المراد بالحسنة والسيئة هنا‪ :‬الخير‬
‫والشر‪ .‬وهنا وبعد هذا الصرار والعناد والمكابرة رفع موسى يديه إلى ربه يدعوه فقال‪ :‬يا رب‬
‫إن عبدك فرعون عل في الرض وبغا وعتا‪ ،‬وأن قومه قد نقضوا العهد فخذهم بعقوبة تجعلها‬
‫عليهم نقمة‪ ،‬ولقومي عظة‪ ،‬ولمن بعدهم آية‪ ،‬فاستجاب ال تعالى دعاءه فأرسل عليهم الطوفان‬
‫ل فكادوا يهلكون بالغرق فجاءوا موسى‬
‫والجراد والقمل والضفادع ‪ 1‬والدم فأخذهم الطوفان أو ً‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وطلبوا منه أن يدعو ربه ليرفع عنهم هذا العذاب فإن رفعه عنهم آمنوا وأرسلوا معه بني إسرائيل‬
‫فدعا ربه واستجاب ال تعالى فأخذوا شهرا في عافية فطلب منهم موسى ما وعدوه به فتنكروا‬
‫لوعدهم وأصروا على كفرهم فأرسل ال تعالى عليهم الجراد ‪ 2‬فأكل زروعهم وأشجارهم وثمارهم‬
‫حتى ضجوا وصاحوا وأتوا موسى وأعطوه وعودهم إن رفع ال عنهم هذا العذاب آمنوا وأرسلوا‬
‫معه بني إسرائيل فرفع ال عنهم ذلك فلبثوا مدة آمنين من هذه العاهة وطالبهم موسى بوعدهم‬
‫فتنكروا له‪ ،‬وهكذا حتى تمت اليات الخمس مفصلت ما بين كل آية وأخرى مدة تقصر وتطول‬
‫فاستكبروا عن اليمان والطاعة وكانوا قوما مجرمين مفسدين ل خير فيهم ول عهد لهم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬من تدبير ال تعالى أخذه عباده بالشدائد لعلهم يذكرون فيتعظون ويتوبون‪.‬‬
‫‪ -2‬بطلن التطير مطلقا‪ ،‬وإنما الشؤم في المعاصي بمخالفة شرع ال فيترتب على الفسق‬
‫والعصيان البلء والعذاب‪.‬‬
‫‪ -3‬الجهل سبب الكفر والمعاصي وسوء الخلق وفساد الحوال‪.‬‬
‫‪ -4‬عدم إيمان آل فرعون مع توارد اليات عليهم دال على أن إيمانهم لم يسبق به القدر‪ .‬كما هو‬
‫دال على أن اليات المعجزات ل تستلزم اليمان بالضرورة‪.‬‬
‫‪ -5‬التنديد بالجرام وهو إفساد النفس بالشرك والمعاصي‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬صح النهي عن النبي صلى ال عليه وسلم "عن قتل الصّرد والضفدع والنملة والهدهد" من‬
‫رواية أبي داود وأحمد وابن ماجه‪.‬‬
‫‪ 2‬اختلف في قتل الجراد‪ ،‬وأجمعوا أنه إذا أفسد جاز قتله‪ .‬وأجمعوا على جواز أكله بأكل الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم منه هو وأصحابه في بعض الغزوات‪.‬‬
‫??‬

‫( ‪)2/227‬‬

‫ش ْفتَ عَنّا الرّجْزَ لَ ُن ْؤمِنَنّ‬


‫عهِدَ عِن َدكَ لَئِن كَ َ‬
‫علَ ْيهِمُ الرّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ا ْدعُ لَنَا رَ ّبكَ ِبمَا َ‬
‫وََلمّا َوقَعَ َ‬
‫جلٍ هُم بَاِلغُوهُ ِإذَا ُهمْ يَنكُثُونَ(‬
‫شفْنَا عَ ْنهُمُ الرّجْزَ ِإلَى َأ َ‬
‫ك وَلَنُرْسِلَنّ َم َعكَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ(‪ )134‬فََلمّا كَ َ‬
‫َل َ‬
‫‪ )135‬فَان َت َقمْنَا مِ ْنهُمْ فَأَغْ َرقْنَاهُمْ فِي الْ َيمّ بِأَ ّنهُمْ َكذّبُواْ بِآيَاتِنَا َوكَانُواْ عَ ْنهَا غَافِلِينَ(‪ )136‬وََأوْرَثْنَا ا ْلقَوْمَ‬
‫ض َو َمغَارِ َبهَا الّتِي بَا َركْنَا فِيهَا وَ َت ّمتْ كَِل َمتُ رَ ّبكَ ا ْلحُسْنَى عَلَى‬
‫ق الَ ْر ِ‬
‫ضعَفُونَ َمشَارِ َ‬
‫الّذِينَ كَانُواْ ُيسْ َت ْ‬
‫ن َو َقوْمُ ُه َومَا كَانُواْ َيعْرِشُونَ(‪)137‬‬
‫عوْ ُ‬
‫بَنِي إِسْرَآئِيلَ ِبمَا صَبَرُو ْا وَ َدمّرْنَا مَا كَانَ َيصْنَعُ فِرْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الرجز ‪ :‬العذاب وهو الخمسة المذكورة في آية (‪ )133‬النفة الذكر‪.‬‬
‫إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون ‪ :‬المراد من الجل أنهم كانوا إذا سألوا موسى أن يدعو ربه‬
‫ليرفع عنهم العذاب ويعدونه باليمان وإرسال بني إسرائيل معه فيرفع ال عنهم العذاب فيمكثون‬
‫زمنا ثم يطالبهم موسى باليمان وإرسال بني إسرائيل فيأبون عليه ذلك وينكثون عهدهم‪.‬‬
‫فانتقمنا منهم‪ :‬أي أنزلنا بهم نقمتنا فأغرقناهم في اليم الذي هو البحر‪.‬‬

‫( ‪)2/228‬‬

‫الذين كانوا يستضعفون ‪ :.‬هم بنو إسرائيل‪.‬‬


‫مشارق الرض ومغاربها ‪ :‬هي أرض مصر والشام‪.‬‬
‫وتمت كلمة ربك الحسنى ‪ :‬هي وعده تعالى لهم في قوله {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في‬
‫الرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين} من سورة القصص‪.‬‬
‫وما كانوا يعرشون ‪ :1‬أي يرفعون من مباني الدور والقصور العالية‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في قصص موسى مع فرعون وقومه‪ ،‬وهذه هي اليات الخيرة في هذا القصص‬
‫إنه لما وقع عليهم الرجز وهو العذاب المفصل ‪ 2‬الطوفان فالجراد‪ ،‬فالقمل‪ ،‬فالضفادع‪ ،‬فالدم {قالوا‬
‫يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك} ‪ 3‬أي من كشف العذاب عنا إن نحن آمنا بك وبما جئت به‬
‫وبما تطالب به من إرسال بني إسرائيل معك وحلفوا وقالوا {لئن كشفت عنا الرجز} {لنؤمن لك‬
‫ولنرسلن معك بني إسرائيل} قال تعالى‪{ :‬فلما كشف عنهم الرجز} أي العذاب {إلى أجل هم بالغوه}‬
‫إلى وقت ينتهون إليه {إذ هم ينكثون ‪ }4‬عهودهم ولم يؤمنوا ولم يرسلوا بني إسرائيل وكان هذا ما‬
‫بين كل آية وآية حتى كانت الخمس اليات‪ ،‬ودقت ساعة هلكهم قال تعالى {فأغرقناهم في اليم}‬
‫وهو البحر الملح أي أغرق فرعون وجنده ورجال دولته وأشراف بلده‪ ،‬ثم ذكر تعالى علة هذا‬
‫الهلك الذي حاق بهم ليكون عبرة لغيرهم وخاصة قريش التي ما زالت مصرة على الشرك‬
‫والتكذيب‪ ،‬فقال تعالى {بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين} كما هي الحال في‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬ما عهد عندك} الباء لتعدية فعل الدعاء‪ ،‬وما موصولة مبهم أي‪ :‬ادعه بما علمك ربك من‬
‫وسائل إجابة دعائك عنده ليكشف عنا الرّجز‪.‬‬
‫‪ 2‬أصل النكث‪ :‬هو نقض المقول من حبل وغزل واستعير لعدم الوفاء بالعهد‪.‬‬
‫‪ 3‬شبّه البناء العالي الرفيع بالعرش يقال‪ :‬عرش يعرش عرشا‪ :‬إذا رفع البناء أو السرير والعنب‬
‫والدوالي يعرش لها بناء من خشب ليرفعها عليه‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 4‬وقيل إنه طاعون قتل منهم سبعين ألف نسمة إذ لفظ الرجز دالّ على مرض الطاعون لقوله‬
‫تعالى‪{ :‬فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون}‪.‬‬

‫( ‪)2/229‬‬

‫قريش ومشركي العرب وكفارهم‪ .‬وختم تعالى هذا القصص قصص موسى مع فرعون بقوله‬
‫{وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون} وهم بنو إسرائيل حيث استعبدهم فرعون الظالم وآله زمنا‬
‫غير قصير {مشارق الرض ومغاربها ‪ }1‬وهي أرض مصر والشام إذ الكل مما بارك ال تعالى‬
‫فيه إل أن أرض الشام أولً ثم أرض مصر ثانيا‪ ،‬إذ دخل بنو إسرائيل أرض فلسطين بعد وفاة‬
‫موسى وهارون حيث غزا بهم يوشع بن نون العمالقة في أرض فلسطين وفتح البلد وسكنها بنو‬
‫إسرائيل وقوله تعالى {وتمت كلمة ربك الحسني على بنى إسرائيل بما صبروا} والمراد من كلمة‬
‫ال قوله في سورة القصص {ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الرض ونجعلهم أئمة‬
‫ونجعلهم الوارثين‪ ،‬ونمكن لهم في الرض‪ ،‬ونرى فرعون وهامان وجنودهما ما كانوا يحذرون}‬
‫وقوله تعالى {ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه} من سلح وعتاد ومبان شداد‪ ،‬وقصور رفيعة‬
‫البنيان‪{ ،‬وما كانوا يعرشون} ويرفعون ويعلون من صروح عالية‪ ،‬وحدائق أعناب زاهية زاهرة‬
‫وأورث أرضهم وديارهم وأموالهم قوما آخرين غيرهم‪ ،‬وال يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد‪ .‬إلى‬
‫هنا انتهى قصص موسى عليه السلم مع فرعون وملئه وكانت العاقبة له والحمد ل‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ضعف النسان يظهر عند نزول البلء به حيث يفزع إلى ال تعالى يدعوه ويضرع إليه وعند‬
‫رفعه حيث ينسى ما نزل به ويعود إلى عاداته وما كان عليه من الشرك والمعاصي إل من آمن‬
‫وعمل صالحا فأنه يخرج من دائرة الضعف حيث يصبر عند البلء ويشكر عند النعماء‪.‬‬
‫‪ -2‬سبب العذاب في الدنيا والخرة التكذيب بآيات ال بعدم اليمان والعمل بها‪ ،‬والغفلة عنها حيث‬
‫ل يتدبّر ول يفكر فيها وفي ما نزلت لجله‪.‬‬
‫‪ -3‬مظاهر قدرة ال‪ ،‬وصادق وعده‪ ،‬وعظيم منته على خلقه‪ ،‬وحسن تدبيره فيهم فسبحانه من إله‬
‫عليم حكيم رؤوف رحيم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬كما يصدق هذا على أرض الشام إذلها مشارق ومغارب‪ ،‬ومن بينها الرض المقدّسة أرض‬
‫فلسطين يصدق أيضا على أرض مصر وغيرها إذ مملكة بني إسرائيل على عهد سليمان كانت قد‬
‫انتظمت المعمورة كلّها‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/230‬‬

‫جعَل لّنَا إَِلهًا‬


‫وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْ َبحْرَ فَأَ َتوْاْ عَلَى َقوْمٍ َي ْعكُفُونَ عَلَى َأصْنَامٍ ّلهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى ا ْ‬
‫طلٌ مّا كَانُواْ َي ْعمَلُونَ(‪)139‬‬
‫جهَلُونَ(‪ )138‬إِنّ َهؤُلء مُتَبّرٌ مّا ُهمْ فِي ِه وَبَا ِ‬
‫َكمَا َلهُمْ آِلهَةٌ قَالَ إِ ّنكُمْ َقوْمٌ َت ْ‬
‫قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَ ْبغِيكُمْ إَِلهًا وَ ُهوَ َفضَّلكُمْ عَلَى ا ْلعَاَلمِينَ(‪ )140‬وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ‬
‫عظِيمٌ(‪)141‬‬
‫سوَءَ ا ْل َعذَابِ ُيقَتّلُونَ أَبْنَاء ُك ْم وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُ ْم َوفِي ذَِلكُم بَلء مّن رّ ّبكُمْ َ‬
‫ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫وجاوزنا ببني إسرائيل البحر‪ :‬أي قطعنا بهم فاجتازوه إلى ساحله‪.‬‬
‫يعكفون على أصنام لهم‪ :‬يجلسون إلى تماثيل بقر منحوتة من حجر‪.‬‬
‫اجعل لنا إلها‪ :‬أي معبودا يريدون تمثالً كالذي شاهدوا‪.‬‬
‫تجهلون‪ :‬أي أنّ العبادة ل تكون إل ل تعالى‪.‬‬
‫متبرما هم فيه‪ :‬هالك خاسر ل يكسبهم خيرا ول يدفع عنهم شرا‪.‬‬
‫وإذ نجيناكم‪ :‬أي واذكروا نعم ال عليكم بإنجائه إياكم من آل فرعون‪.‬‬
‫يسومونكم سوء العذاب ‪ :‬يوردونكم موارد الردى والهلك بما يصيبونكم به من عذاب‪.‬‬
‫بلء من ربكم‪ :‬أي اختبار وامتحان قاسٍ شديد‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫هذا بداية قصص جديد لنبي ال تعالى موسى مع قومه من بني إسرائيل إنه بعد هلك فرعون‬
‫وجنوده في اليم‪ ،‬انتهى الكلم على دعوة موسى لفرعون وملئه‪ ،‬وبذلك استقبل موسى وأخوه‬
‫هارون مشاكل جديدة مع قومهما أنه بعد أن جاوز تعالى ببني إسرائيل البحر‬

‫( ‪)2/231‬‬

‫ونزلوا على شاطئه سالمين مرّوا بأناس يعكفون ‪ 1‬على تماثيل لهم وهي عبارة عن أبقار حجرية‬
‫منحوتة نحتا يعبدونها وهم عاكفون عليها وما إن رأى بنو إسرائيل هؤلء العاكفين على الصنام‬
‫حتى قالوا لموسى يا موسى اجعل لنا إلها كما لهؤلء آلهة‪ ،‬وهي كلمة دالة على جهلٍ بال تعالى‬
‫وآياته‪ ،‬فما كان من موسى عليه السلم حتى جابههم بقوله‪{ :‬إنكم قوم تجهلون} وواصل تأنيبه لهم‬
‫وإنكاره الشديد عليهم فقال {إن هؤلء} أي العاكفين على الصنام والذين غرتكم حالهم {متبر ‪ 2‬ما‬
‫هم فيه وباطل ما كانوا يعملون} أي إنهم وما هم عليه من حال في هلك وخسار‪ ،‬ثم قال لهم‬
‫منكرا متعجبا {أغير ال أبغيكم إلها} أي غير ربي عز وجل أطلب لكم إلها تعبدونه دون ال ما‬
‫لكم أين يذهب بعقولكم‪ ،‬وهو سبحانه وتعالى فضلكم على العالمين وشرفكم على سائر سكان‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫المعمورة ‪ 3‬أهكذا يكون شكركم له بطلب إلى غيره‪ ،‬وهل هناك من يستحق العبادة غيره؟ وقوله‬
‫تعالى في الية الخيرة (‪{ )141‬وإذ أنجيناكم ‪ 4‬من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب} أي‬
‫واذكروا يا من قلتم اجعل لنا إلها كما للمشركين آلهة اذكروا فضل ال عليكم بإنجائه إياكم من‬
‫فرعون وآله وهم الذين كانوا على منهجه في الظلم والكفر من رجال حكمه وأفراد شرطه‬
‫وجيوشه {يسومونكم سوء العذاب‪ :‬يقتلون أبناءكم} حتى ل تكثروا‪{ ،‬ويستحيون نساءكم} للمتهان‬
‫والخدمة‪ ،‬وفي هذا التعذيب والنجاء منه {بلء من ربكم عظيم} يتطلب شكركم ل كفركم‪ ،‬فكيف‬
‫تريدون أن تعبدوا غيره‪ ،‬وتشركوا به أصناما ل تنفع ول تضر‪ ،‬إن أمركم لجد مستغرب وعجب‬
‫فاتقوا ال وتوبوا إليه‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬طلب بني إسرائيل من موسى عليه السلم أن يجعل لهم إلها يعبدونه دال على جهل‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرىء {يعكُفون} بكسر الكاف وضمها سبعيتان‪ ،‬والعكوف‪ :‬القامة على الشيء وملزمته‪ ،‬ومنه‬
‫العكوف في المساجد وهو القامة بها وملزمتها مدّه للعبادة‪.‬‬
‫‪ 2‬متبّر‪ :‬مهلك‪ ،‬والتبار‪ :‬الهلك‪ ،‬وكل إناء منكسر فهو متبّر‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا التفضيل خاص بزمانهم الذي كانوا فيه مع أنبيائهم وهم صالحون‪.‬‬
‫‪ 4‬بعد أن أنكر عليهم طلبهم إلها غير ال في قوله {أغير ال أبغيكم إلها} ذكرهم بنعمة ال عليهم‬
‫وهي‪ :‬إنجاؤهم من آل فرعون فهل يليق بمن ينعم ال عليه بنعمة عظيمة أن ينساه ويطلب إلها‬
‫غيره يعبده بدله أو معه؟‬

‫( ‪)2/232‬‬

‫تام في بني إسرائيل ولذا قال لهم موسى {إنكم قوم تجهلون} فالعلة في هذا الطلب العجيب هي‬
‫الجهل بال تعالى وأسمائه وصفاته‪ ،‬يشهد لهذا أن مسلمة الفتح لما خرج بهم رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم إلى حنين مروا بسدرة قالوا للنبي صلى ال عليه وسلم أجعلها لنا ذات أنواط ننيط بها‬
‫أسلحتنا‪ ،‬كما للمشركين نظيرها ينيطون بها أسلحتهم لينتصروا في القتال على أعدائهم فعجب‬
‫الرسول من قولهم وقال "سبحان ال ما زدتم أن قلتم كما قال بنو إسرائيل لموسى‪ :‬اجعل لنا إلها‬
‫كما لهم آلهة" فجهل القائلين هو الذي سهل عليهم أن يقولوا مثل هذا القول‪ ،‬ويشهد لذلك أن آلف‬
‫الشجار والمزارات في بلد المسلمين تزار ويتبرك بها وتقدم لها القرابين ول علة لذلك سوى‬
‫جهل المسلمين بربهم عز وجل‪.‬‬
‫‪ -2‬إنكار المنكر عند وجوده والعثور عليه بالسلوب الذي يغيره‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -3‬استحباب التذكير بأيام ال خيرها وشرها لستجلب الموعظة للناس لعلهم يتوبون‪.‬‬
‫‪ -4‬الرب تعالى يبتلى بالخير والغير‪ ،‬وفي كل ذلك خير لمن صبر وشكر‪.‬‬
‫َووَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَثِينَ لَ ْيلَ ًة وَأَ ْت َممْنَاهَا ِبعَشْرٍ فَ َتمّ مِيقَاتُ رَبّهِ أَرْ َبعِينَ لَيْلَ ًة َوقَالَ مُوسَى لَخِيهِ هَارُونَ‬
‫ح َولَ تَتّبِعْ سَبِيلَ ا ْل ُمفْسِدِينَ(‪ )142‬وََلمّا جَاء مُوسَى ِلمِيقَاتِنَا َوكَّلمَهُ رَبّهُ قَالَ‬
‫اخُْلفْنِي فِي َق ْومِي وََأصْلِ ْ‬
‫سوْفَ تَرَانِي فََلمّا‬
‫َربّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَ ْيكَ قَالَ لَن تَرَانِي وََلكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَ َبلِ فَإِنِ اسْ َتقَرّ َمكَانَهُ َف َ‬
‫ك وَأَنَاْ َأ ّولُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ(‬
‫ص ِعقًا فََلمّا َأفَاقَ قَالَ سُ ْبحَا َنكَ تُ ْبتُ إِلَ ْي َ‬
‫جعَلَهُ َدكّا َوخَرّ موسَى َ‬
‫تَجَلّى رَبّهُ لِلْجَ َبلِ َ‬
‫ك َوكُن مّنَ‬
‫لمِي َفخُذْ مَا آتَيْ ُت َ‬
‫علَى النّاسِ بِرِسَالَتِي وَ ِبكَ َ‬
‫طفَيْ ُتكَ َ‬
‫‪ )143‬قَالَ يَا مُوسَى إِنّي اصْ َ‬
‫الشّاكِرِينَ(‪َ )144‬وكَتَبْنَا‬

‫( ‪)2/233‬‬

‫حسَ ِنهَا‬
‫شيْءٍ َفخُذْهَا ِبقُ ّو ٍة وَ ْأمُرْ َق ْومَكَ يَ ْأخُذُواْ بِأَ ْ‬
‫شيْءٍ ّموْعِظَ ًة وَ َت ْفصِيلً ّل ُكلّ َ‬
‫لَهُ فِي الَ ْلوَاحِ مِن ُكلّ َ‬
‫سقِينَ(‪)145‬‬
‫سَأُرِيكُمْ دَارَ ا ْلفَا ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ميقات‪ :‬الميقات الوقت المعين‪.‬‬
‫أخلفني في قومي ‪ :‬أي كن خليفتي فيهم‪.‬‬
‫المفسدين ‪ :‬الذين يعملون بالمعاصي‪.‬‬
‫استقر مكانه‪ :‬ثبت ولم يتحول‪.‬‬
‫خرّ ‪ :‬سقط على الرض‪.‬‬
‫أفاق ‪ :‬ذهب عنه الغماء وعاد إليه ‪ 1‬وعيه‪.‬‬
‫اصطفيتك ‪ :‬أخترتك ‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في ذكر أحداث موسى مع بني إسرائيل انه لما نجى ال تعالى بني إسرائيل من‬
‫فرعون وملئه‪ ،‬وحدثت حادثة طلب بني إسرائيل من موسى أن يجعل لهم إلها كما للمشركين إلها‬
‫وقد أنبأهم موسى وأدبهم عن قولهم الباطل واعد ال تعالى موسى أن يناجيه بجبل الطور وجعل‬
‫له الموعد الذي يلقاه فيه شهرا ثلثين يوما وكانت شهر القعدة وزادها عشرا من أول الحجة فتم‬
‫الميقات أربعين ‪ 2‬ليلة‪ .‬وعند خروجه عليه السلم استخلف في بني إسرائيل أخاه هارون ‪3‬‬
‫وأوصاه بالصلح‪ ،‬ونهاه عن إتباع آراء المفسدين هذا معنى قوله تعالى {وواعدنا موسى ثلثين‬
‫ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لخيه هارون اخلفني في قومي‬
‫وأصلح ول تتبع سبيل المفسدين} وكان‬
‫__________‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 1‬في الحديث الصحيح أنّ النبي صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬ل تخيروا بين النبياء فإنّ الناس‬
‫يصعقون يوم القيامة فأرفع رأسي فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فل أدري أصعق‬
‫فيمن صعق فأفاق قبلي أو جوزي بصعقة الطور"‪.‬‬
‫‪ 2‬ذكر ابن عباس ومجاهد ومسروق في سبب زيادة العشرة أيام‪ :‬أن موسى لمّا أكمل صيام‬
‫الثلثين يوما أنكر خلوف فمه فاستاك‪ .‬فقالت له الملئكة‪" :‬إنّا كّنا نستنشق من فيك رائحة المسك‬
‫فأفسدته بالسواك فزيد فيه عشر ليال فتم له بذلك أربعون يوما‪ .‬في الحديث الصحيح " خلوف فم‬
‫الصائم أطيب عند ال من ريح المسك"‪.‬‬
‫‪ 3‬في الية دليل على استخلف المرء أخاه لينوب عنه في حفظ ورعاية ما كلّفه به‪ ،‬ومن العجب‬
‫أن الروافض استدلوا بقول الرسول صلى ال عليه وسلم لعلي وقد استخلفه في إحدى غزواته "أما‬
‫ن الصحاب كفروا لتركهم‬
‫ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّ أنّه ل نبي بعدي" إ ّ‬
‫النّص في خلفة علي واجتهدوا واستخلفوا أبا بكر‪ ،‬ومنهم من كفّر عليا لنه لم يطالب بالخلفة‬
‫وما دروا أنّ الرسول استخلف غير واحد ومنهم ابن أمّ مكتوم فهل دلّ ذلك على استخلفه على‬
‫أمته بعد موته؟ فما أضل القوم وأعظم جهلهم!‬

‫( ‪)2/234‬‬

‫ذلك من أجل أن يأتي بني إسرائيل بكتاب من ربهم يتضمن شريعة كاملة يساسون بها وتحكمهم‬
‫ليكملوا وشحعدوا عليها‪.‬‬
‫وقوله تعالى {ولما جاء موسى لميقاتنا ‪ }1‬أي في الموعد الذي واعدنا والوقت الذي حددنا وكلمه‬
‫ربه بل واسطة بينهما بل كان يسمع كلمه ول يرى ذاته‪ ،‬تاقت نفس موسى لرؤية ربه تعالى‪،‬‬
‫فطلب ذلك فقال {رب أرني أنظر إليك} فأجابه ربه تعالى بقوله إنك لن تراني أي رؤيتك لي غير‬
‫ممكنة لك‪ ،‬ولكن إذا أردت أن تتأكد من أن رؤيتك لي في هذه الحياة غير ممكنة فانظر إلى الجبل‬
‫"جبل الطور"فإن استقر مكانه بعد أن أتجلى له‪ ،‬فسوف لراني {فلما تجلى ‪ 2‬للجبل جعله دكا وخر‬
‫موسى} عند رؤية الجبل {صعقا} أي مغشيا عليه {فلما أفاق} مما اعتراه من الصعق {قال‬
‫سبحانك} أي تنزيها لك وتقديسا {تبت إليك ‪ }3‬فلم أسألك بعد مثل هذا السؤال {وأنا أول المؤمنين}‬
‫بك وبجللك وعظيم سلطانك وأنا عبدك عاجز عن رؤيتك في هذه الدار دار التكليف والعمل‪.‬‬
‫وهنا أجابه ربه تعالى قائل {يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالتي وبكلمي فخذ ما آتيتك}‬
‫من هذا الكمال ‪ 4‬والخير العظيم {وكن من الشاكرين} أي على إنعامي لزيدك وذلك بطاعتي‬
‫والتقرب إلى بفعل محابي وترك مكارهي‪ .‬وقوله تعالى {وكتبنا له في اللواح ‪ 5‬من كل شيء‬
‫موعظة وتفصيلً لكل شيء} أي كتبت له في ألواحه من كل شيء‬
‫__________‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 1‬في الية دليل على مشروعية الموادعة والتوقيت وأن التاريخ يكون باللّيالي ل باليام‪ ،‬قال ابن‬
‫العربي‪ :‬حساب الشمس للمنافع وحساب القمر للمناسك‪.‬‬
‫‪ 2‬تجلّى معناه ظهر‪ ،‬واندكاك الجبل على قوة بنيته وعظيم جسمه كان لعجزه عن رؤية الربّ‬
‫تبارك وتعالى وهذا كقوله تعالى‪{ :‬ولو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من‬
‫خشية ال}‪.‬‬
‫‪ 3‬الجماع على أنّ توبة موسى هذه لم تكن من ذنب وإنما هي بمعنى النابة إلى ال تعالى وعدم‬
‫طلب مثل هذا الذي طلب‪.‬‬
‫‪ 4‬فيه الدعوة إلى القناعة وهي خير ما يؤتى المرء في الحياة‪.‬‬
‫‪ 5‬اختلف في أيهما كان أوّل اللواح أو التوراة‪ ،‬والظاهر أن اللواح كانت أ ّولً ثم أوحيت التوراة‬
‫عليها فصارت كتابا واحدا هو التوراة‪.‬‬

‫( ‪)2/235‬‬

‫من أمور الدين والدنيا موعظة لقومه من أمر ونهي وترغيب وترهيب‪ ،‬وتفصيلً لكل شيء‬
‫يحتاجون إلى بيانه وتفصيله‪ .‬وقوله {فخذها بقوة} أي وقلنا له خذها بقوة أي بعزم وجد وذلك‬
‫ل وتركا‪{ ،‬وأمر قومك} أيضا {يأخذوا بأحسنها} أي بما هو عزائم فيها‬
‫بالعمل بحللها وحرامها فع ً‬
‫وليس برخص تربية لهم وتعويدا لهم على تحمل العظائم لما لزمهم من الضعف والخور دهرا‬
‫طويلً‪ .‬وقوله تعالى {سأريكم دار الفاسقين ‪ } 1‬يتضمن النهي لبني إسرائيل عن ترك ما جاء في‬
‫اللواح من الشرائع والحكام فإنهم متى تركوا ذلك أو شيئا منه يعتبرون فاسقين‪ ،‬وللفاسقين نار‬
‫جهنم هي جزاؤهم يوم يلقون ربهم‪ ،‬وسيريهم إياها‪ ،‬فهذه الجملة تحمل غاية الوعيد والتهديد للذين‬
‫يفسقون عن شرائع ال تعالى بإهمالها وعدم العمل بها‪ ،‬فليحذر المؤمنون هذا فإنه أمر عظيم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬المحافظة على المواعيد أمر محبوب للشارع مرغب فيه وهو من سمات الصادقين‪.‬‬
‫‪ -2‬جواز الستخلف في الرض في مهام المور فضلً عما هو دون ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬مشروعية الوصية للخلفاء بما هو خير‪.‬‬
‫‪ -4‬امكان رؤية ال تعالى وهي ثابتة في الخرة لهل الجنة‪.‬‬
‫‪ -5‬استحالة رؤية ال تعالى في الدنيا لضعف النسان على ذلك‪.‬‬
‫‪ -6‬وجود المة القابلة لحكام ال قبل وجود الشرع الذي يحكمها‪.‬‬
‫ق وَإِن يَ َروْاْ ُكلّ آيَ ٍة لّ ُي ْؤمِنُواْ ِبهَا وَإِن‬
‫حّ‬‫سََأصْ ِرفُ عَنْ آيَا ِتيَ الّذِينَ يَ َتكَبّرُونَ فِي الَ ْرضِ ِبغَيْرِ الْ َ‬
‫ل وَإِن يَ َروْاْ سَبِيلَ ا ْل َغيّ يَتّخِذُوهُ سَبِيلً ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ َكذّبُواْ بِآيَاتِنَا‬
‫خذُوهُ سَبِي ً‬
‫ش ِد لَ يَتّ ِ‬
‫يَ َروْاْ سَبِيلَ الرّ ْ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وجائز أن يُراد بدار الفاسقين‪ :‬بلد القدس والشام إذ سكانها كانوا فاسقين فواعد ال بني‬
‫إسرائيل بدخول تلك البلد والنتصار على أهلها الفاسقين‪.‬‬

‫( ‪)2/236‬‬

‫عمَاُل ُهمْ َهلْ يُجْ َزوْنَ ِإلّ مَا‬


‫طتْ أَ ْ‬
‫َوكَانُواْ عَ ْنهَا غَافِلِينَ(‪ )146‬وَالّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الخِ َرةِ حَ ِب َ‬
‫كَانُواْ َي ْعمَلُونَ(‪)147‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫سأصرف ‪ :‬سأبعد‪.‬‬
‫يتكبرون‪ :‬يعلون ويترفعون فيمنعون الحقوق ويحتقرون الناس‪.‬‬
‫سبيل الرشد‪ :‬طريق الحق القائم على اليمان والتقوى‪.‬‬
‫سبيل الغي ‪ :‬طريق الضلل القائم على الشرك والمعاصي‪.‬‬
‫وكانوا عنها غافلين‪ :‬ل يلتفتون إليها ول ينظرون فيها ول يتفكرون فيما تدل عليه وتهدي إليه‪.‬‬
‫حبطت أعمالهم‪ :‬فسدت فل ينتفعون بها لنها أعمال مشرك والشرك محبط للعمل‪.‬‬
‫معنى اليتين الكريمتين‪:‬‬
‫هاتان اليتان تحملن تعليلً صحيحا صائبا لكل انحراف وفساد وظلم وشر وقع في الرض ويقع‬
‫إلى نهاية هذه الحياة وهذا التعليل الصحيح هو التكذيب بآيات ال والغفلة عنها‪ ،‬وسواء كان‬
‫الحامل على التكذيب الكبر أو الظلم‪ ،‬أو التقليد أو العناد‪ ،‬إل أن الكبر أقوى عوامل الصرف عن‬
‫آيات ال تعالى لقوله عز وجل في مطلع الية الولى (‪{ )146‬سأصرف ‪ 1‬عن آياتي الذين‬
‫يتكبرون في الرض بغير الحق} ومن صرفه ال حسب سنته في صرف العباد ل يقبل ول يرجع‬
‫أبداً‪ ،‬وقوله {وإن يروا سبيل الرشد ‪ 2‬ل يتخذوه سبيلً‪ ،‬وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلً} هذا‬
‫بيان لعامل من عوامل الصرف عن آيات ال‪ .‬وهو أن يعرض على العبد سبيل الرشد فيرفضه‪،‬‬
‫ويرى سبيل الغي فيتبعه ويتخذه سبيلً‪،‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال قتادة‪ :‬سأمنعهم فهم كتابي وقال سفيان‪ :‬سأصرفهم عن اليمان بها وذلك مجازاة لهم على‬
‫تكبّرهم‪ .‬وما ذكرناه في التفسير ل يتنافى مع هذا‪.‬‬
‫‪ 2‬الرشد‪ :‬ضد السفه والخيبة وقرىء بالضم وقرىء بفتح الراء والشين الرّشد‪ ،‬وقرىء يُروا بضم‬
‫الياء‪.‬‬

‫( ‪)2/237‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وقوله تعالى {ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا} التي جاءت بها رسلنا {وكانوا عنها غافلين} غير مبالين بها‬
‫ول ملتفتين ‪ 1‬إليها هذا هو التعليل الصحيح الذي نبهنا إليه فليتأمل‪ ،‬وقوله تعالى في الية الثانية (‬
‫‪{ )147‬والذين كذبوا بآياتنا ‪ 2‬ولقاء الخرة حبطت أعمالهم} تقرير المراد به تأكيد سران أولئك‬
‫المصروفين عن آيات ال تعالى‪ ،‬إذ أعمالهم لم تقم على أساس العدل والحق بل قامت على أساس‬
‫الظلم والباطل فلذا هي باطلة من جهة فل تكسبهم خيرا‪ ،‬ومن جهة أخرى فهي أعمال سوء سوف‬
‫يجزون بها سوءا في دار الجزاء وهو عذاب الجحيم‪ ،‬ولذا قال تعالى {هل يجزون إل ما كانوا‬
‫يعملون} أي ما يجزون إل ما كانوا يعملون من السوء‪ ،‬وعدالة ال تعالى أن من جاء بالسيئة فل‬
‫يجزى إل مثلها وهم ل يظلمون‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان سنة ال تعالى في صرف العباد عن آيات ال حتى يهلكوا كما هلك فرعون وآله‪.‬‬
‫‪ -2‬من أقوى عوامل الصرف عن آيات ال الكبر‪.‬‬
‫‪ -3‬التكذيب بآيات ال والغفلة عنها هما سبب كل ضلل وشر وظلم وفساد‪.‬‬
‫‪ -4‬بطلن كل عمل لم يسلك فيه صاحبه سبيل الرشد التي هي سبيل ال التي تحدد اليات‬
‫القرآنية وتبين معالمها‪ ،‬وترفع أعلمها‪.‬‬
‫خوَارٌ أَلَمْ يَ َروْاْ أَنّ ُه لَ ُيكَّل ُمهُ ْم َولَ َي ْهدِيهِمْ‬
‫وَاتّخَذَ َقوْمُ مُوسَى مِن َب ْع ِدهِ مِنْ حُلِ ّيهِمْ عِجْلً جَسَدًا لّهُ ُ‬
‫حمْنَا‬
‫سقِطَ فَي أَ ْيدِيهِ ْم وَرََأوْاْ أَ ّنهُمْ َق ْد ضَلّواْ قَالُواْ لَئِن لّمْ يَ ْر َ‬
‫سَبِيلً اتّخَذُو ُه َوكَانُواْ ظَاِلمِينَ(‪ )148‬وََلمّا ُ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬مع ما تحمله من الوعد والوعيد‪ ،‬وبيان الهدى والضلل‪ ،‬والخير والشر والحق والباطل فغفلتهم‬
‫الناشئة عن مرض قلوبهم بسبب الكبر والتكذيب هي التي حالت دون تذكرهم وتدبرّهم‪.‬‬
‫‪ 2‬اليات في الية السابقة عامة في المعجزات الكونية في النفس والفاق‪ ،‬والتنزيلة القرآنية‪،‬‬
‫وفي هذه الية المراد بها‪ :‬القرآنية بقرينة التكذيب بها ويوم القيامة‪.‬‬

‫( ‪)2/238‬‬

‫رَبّنَا وَ َيغْفِرْ لَنَا لَ َنكُونَنّ مِنَ ا ْلخَاسِرِينَ(‪)149‬‬


‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫من حليهم ‪ :‬جمع حلى ‪ 1‬وهو ما تتحلى به المرأة لزوجها من أساور ونحوها من ذهب‪.‬‬
‫عجلً جسدا‪ :‬العجل ولد البقرة والجسد أي ذاتا ل مجرد صورة على ورق أو جدار‪.‬‬
‫له خوار ‪ :‬الخوار صوت البقر كالرغاء ‪ 2‬صوت البل‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ولما سقط في أيديهم ‪ :‬أي ندموا على عبادته لنها عبادة باطلة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫هذا عود إلى قصص موسى عليه السلم مع قومه من بني إسرائيل‪ ،‬فقد كان السياق مع موسى‬
‫في جبل الطور وطلبه الرؤية وتوبته من ذلك ثم اعترض السياق ببيان القاعدة العظيمة في تعليل‬
‫هلك العباد وبيان سببه وهو التكذيب بآيات ال المنزلة والغفلة عنها‪ ،‬ثم عاد السياق لقصص‬
‫موسى مع بني إسرائيل فقال تعالى {واتخذ قوم موسى من بعده} أي من بعد غيبته في جبل الطور‬
‫لمناجاة ربه وليأتي بالكتاب الحاوي للشريعة التي سيسوسهم بها موسى ويحكمهم بموجبها‬
‫ومقتضى قوانينها اتخذوا {من حليهم} أي حلي نسائهم {عجلً جسدا له خوار ‪ }3‬وذلك أن السامري‬
‫‪ 4‬طلب من نسائهم حليهم بحجة واهية‪ :‬أن هذا الحلي مستعار من نساء القباط ول يحل تملكه‬
‫فاحتال عليهم وكان صائغا فصهره وأخرج لهم منه {عجلً‪ 5‬جسدا} أي ذاتا {له خوار} أي صوت‬
‫كصوت البقر‪ ،‬وقال لهم هذا إلهكم وإله موسى فاعبدوه ولم يقل وإله هارون لن هارون كان‬
‫معهم خليفة‬
‫__________‬
‫ي وَحِلي كثدي يجمع على ثُدي بضم الياء وثِدي بكسرها‪.‬‬
‫‪ 1‬الحلي‪ :‬يجمع على حُل ّ‬
‫‪ 2‬والثغاء‪ .‬صوت الشاة‪ ،‬والمواء‪ :‬صوت القط‪ ،‬والعراء‪ :‬صوت الذئب‪ ،‬واليعار‪ :‬صوت المعز‪.‬‬
‫‪ 3‬الخوار‪ :‬صوت العجل‪ ،‬والجؤار‪ :‬مثله‪ ،‬وفعل الخوار خار يخور خوارا‪ ،‬وفعل الجؤار جأر‬
‫يجأر جؤرا‪ ،‬وأما خور يخور خورا فمعناه‪ :‬جبن وضعف‪.‬‬
‫‪ 4‬نسبة إلى قرية نسمى‪ :‬سامرة‪ ،‬واسمه‪ :‬موسى بن ظفر‪ ،‬ولد عام قتل البناء كموسى عليه‬
‫السلم‪.‬‬
‫‪ 5‬العجل ولد البقرة كالحوار‪ :‬ولدُ الناقة والمهر‪ :‬ولدُ الفرس‪ ،‬والجحش‪ :‬ولد التان والحمل‪ :‬ولدُ‬
‫الشاة‪ ،‬والجسد‪ :‬الجثة‪.‬‬

‫( ‪)2/239‬‬

‫فخاف أن يكذبه هارون فلم ينسبه إليه‪ ،‬وقوله تعالى {ألم يروا أنه ل يكلمهم ‪ 1‬ول يهديهم سبيلً}‬
‫توبيخ لهم وتقريع على غباوتهم وجهلهم‪ ،‬وإل كيف يعتقدون إلها وهو ل يتكلم فيكلمهم ول يُعقل‬
‫فيهديهم سبيل الرشد إن ضلوا وقد ضلوا بالفعل ثم قال تعالى {اتخذوه} أي إلها {وكانوا ظالمين}‬
‫ل ول مخلوقا كائنا من كان فما أجهل‬
‫في ذلك‪ ،‬لن ال رب موسى وهارون والعالمين لم يكن عج ً‬
‫القوم وما أسوأ فهمهم وحالهم‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )148‬وأما الية الثانية (‪ )149‬فقد‬
‫أخبر تعالى عن حالهم بعد انكشاف المر لهم‪ ،‬وبيان خطئهم فقال تعالى {ولما سقط ‪ 2‬في أيديهم}‬
‫أي ندموا ندما شديدا ورأوا أنهم بشركهم هذا قد ضلوا الطريق الحق والرشد‪ ،‬صاحوا معلنين‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫توبتهم {لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر ‪ 3‬لنا} أي هذا الذنب العظيم {لنكونن من الخاسرين} في الدار‬
‫الخرة فنكون من أصحاب الجحيم‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين ‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان سنة من سنن الكون وهي أن المرء يتأثر بما يرى ويسمع‪ ،‬والرؤية أكثر تأثيرا في النفس‬
‫من السماع فإن بني إسرائيل رؤيتهم للبقار اللهة التي مروا بأهل قرية يعكفون عليها وطلبوا من‬
‫موسى أن يجعل لهم إلها مثلها هو الذي جعلهم يقبلون عجل السامري الذي صنعه لهم‪ ،‬ومن هذا‬
‫كان منظر الشياء في التلفاز وشاشات الفيديو مؤثرا جدا وكم أفسد من عقول ولوث من نفوس‪،‬‬
‫وأفسد من أخلق‪.‬‬
‫‪ -2‬تقبيح الغباء والجمود في الفكر‪ ،‬وذلك لقول ال تعالى {ألم يروا أنه ل يكلمهم}‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا أراد ال بعبده خيرا ألهمه التوبة بعد المعصية فندم واستغفر‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إذ الربّ وهو المربي والمصلح والمعبود المشرّع للعبادات يجب أن يكون متكلّما يهديهم سبل‬
‫كمالهم وسعادتهم‪.‬‬
‫‪ 2‬سُقط بضم السين‪ ،‬وأسقط بضم الهمزة بالبناء للمفعول‪ ،‬يقال للنادم المتحيّر‪ :‬سقط في يده وأسقط‬
‫في يده‪ ،‬وقرىء‪ :‬سقط بالبناء للفاعل‪ ،‬أي‪ :‬سقط الندم في يده‪ ،‬والندم يكون في القلب‪ ،‬وإنما ذكروا‬
‫اليد هنا تشبيها بمن سقط شيء في يده وهو مثل‪ :‬عض يده من الندم‪.‬‬
‫‪ 3‬أي‪ :‬عادوا إلى الحق فتضرعوا إلى ال تعالى ودعوه معترفين بخطئهم مستنفرين ربّهم رجاء‬
‫أن ينجيهم من الخسران‪.‬‬

‫( ‪)2/240‬‬

‫سمَا خََلفْ ُتمُونِي مِن َبعْ ِديَ أَعَجِلْ ُتمْ َأمْرَ رَ ّبكُ ْم وَأَ ْلقَى‬
‫سفًا قَالَ بِئْ َ‬
‫غضْبَانَ أَ ِ‬
‫وََلمّا َرجَعَ مُوسَى إِلَى َق ْومِهِ َ‬
‫ش ِمتْ‬
‫ض َعفُونِي َوكَادُواْ َيقْتُلُونَنِي فَلَ تُ ْ‬
‫ال ْلوَاحَ وََأخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُ ّرهُ إِلَ ْيهِ قَالَ ابْنَ أُمّ إِنّ ا ْل َقوْمَ اسْ َت ْ‬
‫حمَ ِتكَ‬
‫غفِرْ لِي َولَخِي وََأدْخِلْنَا فِي َر ْ‬
‫جعَلْنِي مَعَ ا ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ(‪ )150‬قَالَ َربّ ا ْ‬
‫عدَاء َولَ تَ ْ‬
‫ِبيَ ال ْ‬
‫ضبٌ مّن رّ ّبهِ ْم وَ ِذلّةٌ فِي الْحَياةِ الدّنْيَا‬
‫غ َ‬
‫جلَ سَيَنَاُلهُمْ َ‬
‫حمِينَ(‪ )151‬إِنّ الّذِينَ اتّخَذُواْ ا ْل ِع ْ‬
‫وَأَنتَ أَ ْرحَمُ الرّا ِ‬
‫عمِلُواْ السّيّئَاتِ ثُمّ تَابُواْ مِن َب ْعدِهَا وَآمَنُواْ إِنّ رَ ّبكَ مِن َبعْ ِدهَا‬
‫َوكَذَِلكَ نَجْزِي ا ْل ُمفْتَرِينَ(‪ )152‬وَالّذِينَ َ‬
‫حمَةٌ لّلّذِينَ‬
‫ح َوفِي نُسْخَ ِتهَا هُدًى وَرَ ْ‬
‫ضبُ َأخَذَ الَلْوَا َ‬
‫س َكتَ عَن مّوسَى ا ْل َغ َ‬
‫َل َغفُورٌ رّحِيمٌ(‪ )153‬وََلمّا َ‬
‫هُمْ لِرَ ّبهِمْ يَرْهَبُونَ(‪)154‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ولما رجع موسى ‪ :‬أي من جبل الطور بعد مرور أكثر من أربعين يوما‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أسفا ‪ :‬أي حزينا شديد الحزن والغضب‪.‬‬
‫أعجلتم أمر ربكم ‪ :‬أي استعجلتم‪.‬‬
‫برأس أخيه ‪ :‬أي هارون شقيقه‪.‬‬
‫قال ابن أم ‪ :‬أصلها يا ابن أمي فقلبت الياء ألفا نحو يا غلما‪ ،‬ثم حذفت وهارون شقيق موسى‬
‫وإنما ناداه بأمه لنه أكثر عطفا وحنانا‪.‬‬

‫( ‪)2/241‬‬

‫فل تشمت بي العداء ‪ :‬أي ل تجعل العداء يفرحون بإهانتك أو ضربك لي‪.‬‬
‫اتخذوا العجل ‪ :.‬أي إلها عبدوه‪.‬‬
‫المفترين ‪ :‬الكاذبين على ال تعالى بالشرك به أي يجعل شريك له‪.‬‬
‫ولما سكت عن موسى الغضب‪ :‬زال غضبه وسكنت نفسه من القلق والضطراب‪.‬‬
‫أخذ اللواح ‪ :‬أي من الرض بعد أن طرحها فتكسرت‪.‬‬
‫وفي نسختها ‪ :‬أي وفي ما نسخه منها بعد تكسرها نسخة فيها هدى ورحمة‪.‬‬
‫يرهبون ‪ :‬يخافون ربهم ويخشون عقابه فل يعصونه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫مازال السياق في أحداث قصص موسى مع بني إسرائيل ففي هذا السياق الكريم يخبر تعالى أن‬
‫موسى عليه السلم لما رجع إلى قومه من مناجاته وقد أخبره ربه تعالى أنه قد فتن قومه من بعده‬
‫وأن السامري قد أضلهم فلذا رجع {غضبان أسفا‪ }1‬أي شديد الغضب ‪ 2‬والحزن‪ ،‬وما إن واجههم‬
‫حتى قال {بئسما خلفتموني من بعدي‪ ،‬أعجلتم أمر ربكم؟} أي استعجلتم فلم تتموا ميعاد ربكم‬
‫أربعين يوما فقلتم مات موسى وبدلتم دينه فعبدتم العجل {وألقى اللواح} أي طرحها فتكسرت‬
‫{وأخذ بلحية} هارون ورأسه يؤنبه على تفريطه في مهام الخلفة فاعتذر هارون فقال يا ابن أم ل‬
‫تأخذ بلحيتي ول برأسي‪ ،‬إني خشيث أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي هذا وارد‬
‫في سورة طه وأما السياق هنا فقد قال {يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ‪ 3‬فل‬
‫تشمت بي العداء ول تجعلني مع القوم الظالمين} وهم الذين ظلموا بعبادة العجل‪ ،‬ومعنى {ل‬
‫تشمت بي‬
‫__________‬
‫‪ 1‬غضبان شديد الغضب ومؤنثه غضبى غير مصروف لزيادة اللف والنون‪ ،‬وأسفا‪ :‬معناه شديد‬
‫الغضب قال أبو الدرداء‪ ،‬السف منزلة وراء الغضب أشدّ منه والسيف‪ :‬الحزين‪.‬‬
‫‪ 2‬الغضب من طباع البشر وقد أرشد الرسول صلى ال عليه وسلم من غضب وهو قائم أن يجلس‬
‫فإن ذهب عنه الغضب وإلّ اضطجع فقد روى أبو داود أنه صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬وإنّ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الغضب من الشيطان‪ ،‬وإن الشيطان خلق من نار وإنّما تطفأ النار بالماء‪ ،‬فإذا غضب أحدكم‬
‫فليتوضأ"‪.‬‬
‫‪ 3‬في الية دليل على أن من خاف على نفسه القتل أن يسكت عن المنكر ول يغيره بيده ول‬
‫بلسانه ولكن بقلبه‪.‬‬

‫( ‪)2/242‬‬

‫العداء } ل تؤذني بضرب ول بغيره إذ ذاك يفرح أعدانا من هؤلء الجهلة الظالمين‪ ،‬وهنا رق‬
‫له موسى وعطف عليه فقال {رب اغفر لي ولخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين}‬
‫توسل إلى ال تعالى في قبول دعائه بقوله {وأنت أرحم الراحمين} هذا ما تضمنته اليتان الولى (‬
‫‪ )150‬والثانية (‪ )151‬أما الية الثالثة فقد أخبر تعالى بأن الذين اتخذوا العجل أي إلها {سينالهم‬
‫غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا} وكما جزاهم بالغضب المستوجب للعذاب والذلة المستلزمة‬
‫للهانة يجزي تعالى المفترين عليه الكاذبين باتخاذ الشريك له وهو بريء من الشركاء‬
‫والمشركين‪ ،‬هذا ما دلت عليه الية الثالثة (‪ )151‬أما الية الرابعة فقد تضمنت فتح باب ال تعالى‬
‫لمن أراد أن يتوب إليه إذ قال تعالى {والذين عملوا السيئات} جمع سيئة وهي هنا سيئة الشرك {ثم‬
‫تابوا من بعدها} أي تركوا عبادة غير ال تعالى وآمنوا إيمانا صادقا فإن ال تعالى يقبل توبتهم‬
‫ويغفر لهم ذنوبهم ويرحمهم فيدخلهم جنته مع الصالحين من عباده‪ ،‬هذا ما دلت عليه الية الرابعة‬
‫(‪ )153‬أما الية الخامسة (‪ )154‬فقد تضمنت الخبار عن موسى عليه السلم‬
‫وانه لما سكت عنه الغضب أي ذهب أخذ اللواح التي ألقاها من شدة الغضب وأخبر تعالى أن في‬
‫نسخة ‪ 1‬تلك اللواح {هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون} وهم المؤمنون المتقون وخصوا‬
‫بالذكر لنهم الذين يجدون الهدى والرحمة في نسخة اللواح‪ ،‬لنهم يقرأون ويفهمون ويعلمون‬
‫وذلك ليمانهم وتقواهم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬الغضب من طباع البشر فل يلم عليه المرء ومهما بلغ من الكمال كالنبياء‪ ،‬ولكن أهل‬
‫الكمال ل يخرج بهم الغضب إلى حد أن يقولوا أو يعملوا ما ليس بخير وصلح‪.‬‬
‫‪ -2‬مشروعية العتذار وقبول العذر من أهل المروءات‪.‬‬
‫‪ -3‬مشروعية التوسل بأسماء ال وصفاته‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬النسخة‪ :‬بمعنى المنوسخ‪ ،‬والنسخ‪ :‬النقل للمكتوب في لوح أو غيره‪ ،‬ويسمى المنوسخ نسخة‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/243‬‬

‫‪ -4‬كل وعيد ل تعالى توعد به عبدا من عباده مقيد بعدم توبة المتوعد‪.‬‬
‫‪ -5‬كل رحمة وهدى ونور في كتاب ال ل ينتفع به إل أهل اليمان والتقوى‪.‬‬
‫جفَةُ قَالَ َربّ َلوْ شِ ْئتَ أَهَْلكْ َتهُم مّن قَ ْبلُ‬
‫وَاخْتَارَ مُوسَى َق ْومَهُ سَ ْبعِينَ رَجُلً ّلمِيقَاتِنَا فََلمّا َأخَذَ ْتهُمُ الرّ ْ‬
‫ضلّ ِبهَا مَن تَشَاء وَ َتهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيّنَا‬
‫سفَهَاء مِنّا إِنْ ِهيَ ِإلّ فِتْنَ ُتكَ ُت ِ‬
‫وَإِيّايَ أَ ُتهِْلكُنَا ِبمَا َف َعلَ ال ّ‬
‫حمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ا ْلغَافِرِينَ(‪ )155‬وَاكْ ُتبْ لَنَا فِي هَ ِذهِ الدّنْيَا حَسَنَ ًة َوفِي الخِ َرةِ إِنّا هُدْنَا‬
‫غفِرْ لَنَا وَارْ َ‬
‫فَا ْ‬
‫شيْءٍ َفسََأكْتُ ُبهَا لِلّذِينَ يَ ّتقُونَ وَيُؤْتُونَ‬
‫س َعتْ ُكلّ َ‬
‫حمَتِي وَ ِ‬
‫إِلَ ْيكَ قَالَ عَذَابِي ُأصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَ ْ‬
‫جدُونَهُ َمكْتُوبًا‬
‫ل ّميّ الّذِي يَ ِ‬
‫ياُ‬
‫ال ّزكَا َة وَالّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا ُي ْؤمِنُونَ(‪ )156‬الّذِينَ يَتّ ِبعُونَ الرّسُولَ النّ ِب ّ‬
‫حلّ َلهُمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ‬
‫ف وَيَ ْنهَاهُمْ عَنِ ا ْلمُنكَرِ وَيُ ِ‬
‫عِندَ ُهمْ فِي ال ّتوْرَاةِ وَالِنْجِيلِ يَ ْأمُرُهُم بِا ْل َمعْرُو ِ‬
‫للَ الّتِي كَا َنتْ عَلَ ْي ِهمْ فَالّذِينَ آمَنُواْ بِ ِه وَعَزّرُوهُ وَ َنصَرُوهُ‬
‫ث وَ َيضَعُ عَ ْنهُمْ ِإصْرَهُمْ وَالَغْ َ‬
‫عَلَ ْيهِمُ ا ْلخَبَآ ِئ َ‬
‫وَاتّ َبعُواْ النّورَ الّ ِذيَ أُن ِزلَ َمعَهُ ُأوْلَ ِئكَ هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ(‪)157‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫واختار موسى قومه سبعين رجلً ‪ :‬أي أخذ خيار قومه وهم سبعون رجلً‪.‬‬

‫( ‪)2/244‬‬

‫لميقاتنا‪ :‬أي للوقت الذي حددناه له ليأتينا مع سبعين رجلً‪.‬‬


‫أخذتهم الرجفة‪ :‬الصاعقة التي رجفت لها القلوب‪.‬‬
‫السفهاء ‪ :‬جمع سفيه‪ :‬وهو الذي ل رشد له في سائر تصرفاته‪.‬‬
‫إن هي إل فتنتك ‪ :‬أي ما هي إل فتنتك أي اختبارك لهل الطاعة من عبادك‪.‬‬
‫أنت ولينا‪ :‬أي المتولي أمرنا وليس لنا من ولي سواك‪.‬‬
‫هدنا إليك‪ :‬أي رجعنا إليك وتبنا‪.‬‬
‫المي‪ :‬الذي ل يقرأ ول يكتب‪.‬‬
‫المعروف‪ ،‬والمنكر‪ :‬ما عرفه الشرع والمنكر‪ :‬ما أنكره الشرع‪.‬‬
‫ويحرم عليهم الخبائث‪ :‬أي بإذن ال والخبائث جمع خبيثة‪ :‬كالميتة مثلً‪.‬‬
‫ويضع عنهم إصرهم والغلل ‪ :‬الصر‪ :‬العهد والغلل‪ :‬الشدائد في الدين‪.‬‬
‫عزروه ‪ :‬أي وقروه وعظموه‪.‬‬
‫واتبعوا النور الذي أنزل معه ‪ :‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫هم المفلحون ‪ :‬الفائزون أي الناجون من النار الداخلون الجنة‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في أحداث موسى مع بني إسرائيل فإنه بعد الحدث الجلل الذي حصل في غيبة‬
‫موسى وذلك هو عبادة جل بني إسرائيل العجل واتخاذهم له إلها فإن ال تعالى وقت لموسى وقتا‬
‫يأتيه فيه مع خيار بني إسرائيل يطلب لهم التوبة من ال سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫قال تعالى {واختار ‪ 1‬موسى قومه سبعين رجلً} ولما انتهى بهم إلى جبل الطور وغشيت الجبل‬
‫غمامة وأخذ موسى يناجي ربه تعالى وهم يسمعون قالوا لموسى لن نؤمن لك بأن‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اختار مزيد من خار‪ :‬إذا طلب ما هو خير من غيره‪ ،‬وقومه منصوب على نزع الخافض إذ‬
‫الصل من قومه‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫اخترتك الناس إذ رثت خلئقهم ‪ ...‬واختل من كان يُرجى عنده السّولُ‬
‫السّول بمعنى السؤل أي الطلب‬

‫( ‪)2/245‬‬

‫الذي كان يكلمك الرب تعالى حتى نرى ال جهرة أي عيانا وهنا غضب ال تعالى عليهم فأخذتهم‬
‫صيحة رجفت لها قلوبهم والرض من تحتهم فماتوا كلهم‪ ،‬وهو معنى قوله تعالى {فأخذتهم‬
‫الرجفة} وهنا أسف موسى عليه السلم لموت السبعين رجلً وقد اختارهم الخير فالخير فإذا بهم‬
‫يموتون أجمعون فخاطب ربه قائلً {رب لو شئت أهلكتهم من قبل} أي من قبل مجيئنا إليك‬
‫{وإياي} وذلك في منزل بني إسرائيل حيث عبدوا العجل {أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ‪ }1‬أي بسبب‬
‫فعل السفهاء الذين ل رشد لهم‪ ،‬وهم من عبدوا العجل كمن سألوا رؤية ال تعالى‪ ،‬وقوله عليه‬
‫السلم {إن هي إل فتنتك} أي إل اختبارك وبليتك {تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء‪ ،‬أنت ولينا}‬
‫فليس لنا سواك {فاغفر لنا} أي ذنوبنا {وارحمنا} برفع العذاب عنا {وأنت خير الغافرين} {واكتب‬
‫لنا في هذه الدنيا حسنة} بأن توفقنا لعمل الصالحات وتتقبلها منا‪{ ،‬وفي الخرة} تغفر ذنوبنا‬
‫وتدخلنا جنتك مع سائر عبادك الصالحين‪ ،‬وقوله {إنا هدنا إليك} أي إنا قد تبنا إليك فأجابه الرب‬
‫تعالى بقوله {عذابي أصيب به من أشاء} أي من عبادي وهم الذين يفسقون عن أمري ويخرجون‬
‫عن طاعتي {ورحمتي وسعت ‪ 2‬كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا‬
‫يؤمنون} وبهذا القيد الوصفي‪ ،‬وبما بعده خرج إبليس واليهود وسائر أهل الملل ودخلت أمة‬
‫السلم وحدها إل من آمن من أهل الكتاب واستقام على دين ال وهو السلم‪ .‬وقوله {الذين‬
‫يتبعون الرسول النبي المي} هو محمد صلى ال عليه وسلم {الذي يجدونه ‪ 3‬مكتوبا عندهم في‬
‫التوراة والنجيل} وذلك بذكر صفاته والثناء عليه وعلى أمته‪ ،‬وقوله {يأمرهم بالمعروف وينهاهم‬
‫عن المنكر ويحل لهم الطيبات} أي التي كانت قد حرمت عليهم بظلمهم {ويحرم عليهم الخبائث}‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الخمر ولحم الخنزير والربا وسائر المحرمات في السلم‪ ،‬وقوله {ويضع عنهم إصرهم} أي‬
‫ويحط عنهم تبعة العهد الذي أخذ عليهم بالعمل فيما في التوراة والنجيل بأن يعملوا بكل ما جاء‬
‫في‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الستفهام هنا للتحجج والجحد إي إنك ل تفعل ذلك‪ ،‬وهو كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ألستم خير من ركب المطايا ‪ ...‬وأندى العالمين بطون راح‬
‫‪ 2‬أي لم تضق عن مخلوق من المخلوقات التيّ أراد ال رحمتها‪ .‬يحكى أن إبليس عليه لعائن ال‬
‫لمّا سمع هذه الية قال‪ :‬أنا شيء فقال ال تعالى‪ :‬سأكتبها للذين يتقون فقالت اليهود والنصارى‬
‫نحن‪ :‬متقون فقال تعالى‪ :‬الذين يتبعون الرسول النبي صلى ال عليه وسلم فخرجوا وبقيت لهذه‬
‫المة وحدها‪.‬‬
‫‪ 3‬قال كعب في ذكر صفاته صلى ال عليه وسلم في التوراة‪ :‬مولده مكة وهجرته بطابة وملكه‬
‫بالشام‪ ،‬وأمته الحمّادون يحمدون ال على كل حال‪ ..‬إلى أن قال‪ :‬يصلّون حيثما أدركتهم الصلة‪،‬‬
‫صفهم في الصلة كصفهم في القتال‪.‬‬

‫( ‪)2/246‬‬

‫التوراة والنجيل‪ ،‬وقوله {والغلل ‪ 1‬التي كانت عليهم} أي الشدائد المفروض عليهم القيام بها‬
‫وذلك كقتل النفس بالنفس إذ ل عفو ول دية وكقطع الثوب للنجاسة تصيبه وغير ذلك من التكاليف‬
‫الشاقة كل هذا يوضع عليهم إذا أسلموا بدخولهم في السلم وقوله تعالى {فالذين آمنوا به} أي‬
‫بمحمد صلى ال عليه وسلم {وعزروه ‪ }2‬أي وقروه وعظموه {ونصروه} على أعدائه من‬
‫المشركين والكافرين والمنافقين {واتبعوا النور الذي أنزل معه} وهو القرآن الكريم {أولئك هم‬
‫المفلحون} أي وحدهم دون سواهم الفائزون بالنجاة من النار ودخول الجنة‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب التوبة من كل ذنب‪ ،‬ومشروعية صلة ركعتين وسؤال ال تعالى عقبها أن يقبل توبة‬
‫التائب ويغفر ذنبه‪.‬‬
‫‪ -2‬كل سلوك ينافي الشرع فهو من السفه المذموم‪ ،‬وصاحبه قد يوصف بأنه سقيه‪.‬‬
‫‪ -3‬الهداية والضلل كلهما بيد ال تعالى فعلى العبد أن يطلب الهداية من ال تعالى ويسأله أن‬
‫ل يضله‪.‬‬
‫‪ -4‬رحمة ال تعالى بأمة محمد صلى ال عليه وسلم فل تنال اليهود ول النصارى ول غيرهم‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان شرف النبي محمد صلى ال عليه وسلم وأمته‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -6‬بيان فضل تزكية النفس بعمل الصالحات وإبعادها عن المدسيات من الذنوب‪.‬‬
‫‪ -7‬بيان فضل التقوى والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫‪ -8‬وجوب توقير النبي صلى ال عليه وسلم وتعظيمه ونصرته وإتباع الكتاب الذي جاء به‬
‫والسنن التي سنها لمته‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬تقدّم لفظ الصر وهو دال على جمع لته مصدر يقع على الواحد والجمع ولذا عطف عليه‬
‫الغلل‪ ،‬وجمع الصر‪ :‬آصار‪ ،‬ومعناه الثقل الذي يصعب معه التحرك والغلل جمع غلّ‪ ،‬وهو‬
‫إطار من حديد يجعل في عنق السير‪ ،‬والمراد من الصار والغلل التكاليف الشرعية الشاقة‬
‫التي اشتملت عليها التوراة منها‪ :‬ترك العمل يوم السبت قيل‪ :‬ومن أشدّها عدم مشروعية التوبة‬
‫من الذنوب‪ ،‬وعدم استتابة المجرم‪.‬‬
‫‪ 2‬عزّروه‪ :‬أيّدوه مع توقيره وتعظيمه‪.‬‬

‫( ‪)2/247‬‬

‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ ل إِلَهَ ِإلّ ُهوَ ُيحْيِي‬


‫جمِيعًا الّذِي َلهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫ُقلْ يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَ ْيكُمْ َ‬
‫لمّيّ الّذِي ُي ْؤمِنُ بِالّل ِه َوكَِلمَاتِهِ وَاتّ ِبعُوهُ َلعَّلكُمْ َتهْ َتدُونَ(‪)158‬‬
‫ياُ‬
‫وَ ُيمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ النّ ِب ّ‬
‫طعْنَا ُهمُ اثْنَ َتيْ عَشْ َرةَ َأسْبَاطًا ُأ َممًا وََأوْحَيْنَا‬
‫ق وَبِهِ َيعْدِلُونَ(‪َ )159‬وقَ ّ‬
‫حّ‬‫َومِن َقوْمِ مُوسَى ُأمّةٌ َيهْدُونَ بِالْ َ‬
‫ستْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْ َرةَ عَيْنًا قَدْ عَِلمَ ُكلّ‬
‫جَ‬‫حجَرَ فَانبَ َ‬
‫سقَاهُ َق ْومُهُ أَنِ اضْرِب ّب َعصَاكَ الْ َ‬
‫إِلَى مُوسَى ِإذِ اسْ َت ْ‬
‫ن وَالسّ ْلوَى كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رَ َزقْنَاكُ ْم َومَا‬
‫أُنَاسٍ مّشْرَ َب ُه ْم وَظَلّلْنَا عَلَ ْي ِهمُ ا ْل َغمَا َم وَأَنزَلْنَا عَلَ ْيهِمُ ا ْلمَ ّ‬
‫سكُنُواْ َه ِذهِ ا ْلقَرْيَ َة َوكُلُواْ مِ ْنهَا حَ ْيثُ شِئْتُمْ‬
‫سهُمْ يَظِْلمُونَ(‪ )160‬وَإِذْ قِيلَ َل ُهمُ ا ْ‬
‫ظََلمُونَا وََلكِن كَانُواْ أَنفُ َ‬
‫حسِنِينَ(‪ )161‬فَ َب ّدلَ الّذِينَ ظََلمُواْ‬
‫خطِيئَا ِتكُمْ سَنَزِيدُ ا ْلمُ ْ‬
‫سجّدًا ّنغْفِرْ َلكُمْ َ‬
‫حطّ ٌة وَادْخُلُواْ الْبَابَ ُ‬
‫َوقُولُواْ ِ‬
‫سمَاء ِبمَا كَانُواْ يَظِْلمُونَ(‪)162‬‬
‫مِ ْنهُمْ َق ْولً غَيْرَ الّذِي قِيلَ َلهُمْ فَأَ ْرسَلْنَا عَلَ ْيهِمْ ِرجْزًا مّنَ ال ّ‬

‫( ‪)2/248‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ل إله إل هو ‪ :‬أي ل معبود بحق إل ال‪.‬‬
‫النبي المي‪ :‬المنبئ عن ال والمنبأ من قبل ال تعالى‪ ،‬والمي الذي لم يقرأ ولم يكتب‪ .‬نسبة إلى‬
‫الم كأنه ما زال لم يفارق أمه فلم يتعلم بعد‪.‬‬
‫يؤمن بال وكلماته ‪ :‬الذي يؤمن بال ربا وإلها‪ ،‬وبكلماته التشريعية والكونية القدريه‪.‬‬
‫تهتدون‪ :‬ترشدون إلى طريق كمالكم وسعادتكم في الحياتين‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أمة يهدون بالحق‪ :‬أي جماعة يهدون أنفسهم وغيرهم بالدين الحق وبه يعدلون في قضائهم‬
‫وحكمهم على أنفسهم وعلى غيرهم إنصافا وعدلً ل جور ول ظلم‪.‬‬
‫أسباطا ‪ :‬جمع سبط‪ :‬وهو بمعنى القبيلة عند العرب‪.‬‬
‫استسقاه قومه ‪ :‬أي طلبوا منه الماء لعطشهم‪.‬‬
‫فانبجست‪ :‬فانفجرت‪.‬‬
‫المن والسلوى‪ :‬المن‪ :‬حلوى كالعسل تنزل على أوراق الشجار‪ ،‬والسلوى‪ :‬طائر لذيذ لحمه‪.‬‬
‫اسكنوا هذه القرية ‪ :‬هي حاضرة فلسطين‪.‬‬
‫وقولوا حطة"‪ ::‬أي احطط عنا خطايانا بمعنى العلن عن توبتهم‪.‬‬
‫رجزا من السماء ‪ :‬أي عذابا من عند ال تعالى‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بعد الشادة بالنبي المي وبأمته‪ ،‬وقصر الفلح في الدارين على الذين آمنوا به وعزروه ونصروه‬
‫واتبعوا النور الذي أنزل معه قد يظن ظان أن هذا النبي شأنه شأن سائر النبياء قبله هو نبي‬
‫قومه خاصة وما ذكر من الكمال ل يتعدى قومه فرفع هذا الوهم بهذه الية (‪ )158‬حيث أمر ال‬
‫تعالى رسوله أن يعلن عن عموم رسالته بما ل مجال للشك فيه فقال‬

‫( ‪)2/249‬‬

‫{قل يا أيها الناس إني رسول ال إليكم جميعا} وقوله {الذي له ملك السموات والرض} وصف ل‬
‫تعالى وقوله {ل إله إل هو} تقرير للوهية ال تعالى بعد ذكر قدرته وسلطانه وملكه وتدبيره لذا‬
‫وجب أن ل يكون معبود إل هو وهو كذلك إذ كل معبود غيره هو معبود عن جهل وعناد وظلم‪.‬‬
‫وقوله {فآمنوا بال ورسوله النبي المي} أمر الله الحق إلى الناس كافة باليمان به تعالى ربا‬
‫وإلها‪ ،‬وبرسوله النبي المي نبيا ورسولً‪ ،‬وقوله {الذي يؤمن بال وكلماته} صفة للنبي المي إذ‬
‫من صفات النبي المي محمد صلى ال عليه وسلم أنه يؤمن بال حق اليمان وأوفاه ويؤمن‬
‫بكلماته أي بكلمات الرب التشريعية ‪ 1‬وهي آيات القرآن الكريم‪ ،‬والكونية التي يُكوّن ال بها ما‬
‫شاء من الكوان إذ بها يقول للشيء كن فيكون كما قال لعيسى بتلك الكلمة كن فكان عيسى عليه‬
‫السلم وقوله {واتبعوه لعلكم تهتدون} هذا أمر ال إلى الناس كافة بعد المر باليمان به وبرسوله‬
‫النبي المي أمر بإتباع نبيه محمد صلى ال عليه وسلم رجاء هداية ‪ 2‬من يتبعه فيما جاء به‬
‫فيهتدي إلى سبيل الفوز في الدارين هذا ما تضمنته الية الولى (‪ )158‬أما الية الثانية (‪)159‬‬
‫فقد تضمنت الخبار اللهي بأن قوم موسى وإن ضلوا أو أجرموا وفسقوا ليس معنى ذلك أنه لم‬
‫يكن فيهم أو بينهم من هم على هدى ال فهذه الية كانت كالحتراس من مثل هذا الفهم‪ ،‬إذ أخبر‬
‫تعالى أن {من قوم موسى أمة} أي جماعة تكثر أو تقل {يهدون بالحق ‪ }3‬أي يعملون بالحق في‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عقائدهم وعباداتهم ويدعون إلى ذلك وبالحق يعدلون فيما بينهم وبين غيرهم فهم يعيشون على‬
‫النصاف والعدل‪ ،‬ولم يذكر تعالى أين هم ول متى كانوا هم؟ فل يبحث ذلك‪ ،‬إذ ل فائدة فيه‪ ،‬ثم‬
‫عاد السياق إلى قوم موسي يذكر أحداثهم للعظة والعتبار وتقرير الحق في توحيد ال تعالى‬
‫وإثبات نبوة رسوله وتقرير عقيدة البعث والجزاء أو اليوم الخر‪.‬‬
‫فقال تعالى في الية الثالثة (‪{ )160‬وقطعناهم ‪ }4‬أي بني إسرائيل {اثنتى عشرة أسباطا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وبكلماته التنزيلية كالتوراة والنجيل والزبور‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا الرجاء بالنسبة إلى المأمورين بالتباع ل إلى ال تعالى‪ ،‬لنه بكل شيء عليم وعلى كل‬
‫شيء قدير‪.‬‬
‫‪ 3‬يهدون إلى ال تعالى عباده بواسطة ما شرع لهم وهداهم به من الوحي الذي أنزل على رسله‬
‫وأنزل به كتبه‪.‬‬
‫‪ 4‬التقطيع‪ :‬الشدة في القطع والمراد به التقسيم إلى اثنتى عشرة فرقة كل فرقة بمنزلة القبيلة‬
‫العربية حيث تنتسب إلى أبيها العلى أي الوّل‪.‬‬

‫( ‪)2/250‬‬

‫أمما}‪ 1‬أصل السبط ابن البنت وأريد به هنا أولد كل سبط من أولد يعقوب عليه السلم‪ .‬فالسباط‬
‫في بني إسرائيل كالقبائل في العرب كل قبيلة تنتسب إلى أبيها الول‪ ،‬وأتت لفظ اثنتي عشرة لن‬
‫معنى السباط الفرق والفرقة مؤنثة‪ ،‬وقوله‪ { :‬وأوحينا إلى موسى إذا استسقاه قومه} أعلمناه‬
‫بطريق الوحي وهو العلم الخفي السريع‪ ،‬ومعنى {استسقاه} طلبوا منه السقيا لنهم عطشوا لقلة‬
‫الماء في صحراء سينا‪{ .‬أن اضرب بعصاك الحجر} هذا الموحى به‪ ،‬فضرب {فانبجست ‪ }2‬أي‬
‫انفجرت {منه اثنتا عشرة عينا} ليشرب كل سبط من عينه الخاصة حتى ل يقع اصطدام أو تدافع‬
‫فينجم عنه الذى وقوله تعالى {قد علم كل أناس مشربهم} يريد عرف كل جماعة ماءهم الخاص‬
‫بهم وقوله تعالى {وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى} هذا ذكر لنعامه تعالى على‬
‫بني إسرائيل وهم في معية موسى وهارون في حادثة التيه‪ ،‬حيث أرسل تعالى الغمام وهو سحاب‬
‫أبيض بارد يظلهم من الشمس حتى ل تلفحهم‪ ،‬وأنزل عليهم المن ‪ 3‬وهي حلوى كالعسل سقط ليلً‬
‫كالطل على الشجار‪ ،‬وسخر لهم طائرا لذيذ اللحم يقال له السلوى وهو طائر السمانى المعروف‬
‫وقلنا لهم {كلوا من طيبات ما رزقناكم} وقوله تعالى {وما ظلمونا} بتمردهم على أنبيائهم وعدم‬
‫طاعتهم ‪ 4‬لربهم حتى نزل بهم ما نزل من البلء‪{ ،‬ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}‪ 5‬هذا ما دلت‬
‫عليه الية الثانية أما الية الثالثة (‪ )161‬فقد تضمنت حادثة بعد أحداث التيه في صحراء سيناء‬
‫وذلك أن يوشع بن نون بعد أن تولى قيادة بني إسرائيل بعد وفاة موسى وهارون وانقضاء مدة‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫التيه وكانت أربعين سنة غزا يوشع ببني إسرائيل العمالقة في أرض القدس وفتح ال تعالى عليه‬
‫فقال لبني إسرائيل ادخلوا باب المدينة ساجدين أي منحنين خضوعا ل وشكرا على نعمة الفتح بعد‬
‫النصر والنجاة من‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬أمما} بدل من {أسباطا} وفائدته‪ :‬الخبار بأنهم باركهم ال تعالى فأصبح أهل كل سط أمة كاملة‬
‫والسبط أصله شجر يقال له السبط تعلفه البل‪.‬‬
‫‪ 2‬أصل الفعل بجس يقال‪ :‬بجسته أي‪ :‬شققته فانبجس مطاوع بجس الشيء إذا شقّة‪.‬‬
‫‪ 3‬المنّ‪ :‬مادة بيضاء تنزل من السماء كالطل حلوة الطعم تشبه العسل‪ ،‬وإذ جفّت كانت الصمغ‪،‬‬
‫سمَانى بضم السين وفتح النون على وزن حُبَارى‪.‬‬
‫والسلوى‪ :‬طائر معروف يقال له ال ُ‬
‫‪ 4‬وبعدم شكرهم لهذه النعم أيضا إذا كفران النعم يسبب زوالها بعقوية تنزل بمن لم يشكر نعم ال‬
‫تعالى عليه‪.‬‬
‫‪ 5‬أي ظلموا أنفسهم فعرضوها للبلء‪ ،‬أمّا ال تعالى فمحال أن يبلغ العبد ظلمه أو ضرّه‪ .‬روى‬
‫مسلم عن النبي صلى ال عليه وسلم قوله ‪ ":‬إنّ ال تعالى قال‪ :‬يا عبادي إني حرّمت الظلم على‬
‫نفسي‪ ،‬وجعلته بينكم محرما فل تظالموا‪ ..‬يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني‪ ،‬ولن تبلغوا‬
‫نفعي فتنفعوني‪.‬‬

‫( ‪)2/251‬‬

‫التيه‪ ،‬وقوله إثناء دخولكم الباب كلمة {حطة} الدالة على توبتكم واستغفاركم ربكم لذنوبكم فإن ال‬
‫تعالى يغفر لكم خطئياتكم‪ ،‬وسيزيد ال المحسنين منكم النعام والخير الكثير مع رضاه عنكم‬
‫وإدخالكم الجنة‪ ،‬هذا معنى قوله تعالى {وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية} أي مدينة فلسطين ‪{ 1‬وكلوا‬
‫منها حيث شئتم} لما فيها من الخيرات {وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم‬
‫سنزيد المحسنين}‪ .‬أما الية الرابعة (‪ )162‬فهي قد تضمنت الخبار عن الذين ظلموا من بني‬
‫إسرائيل الذين أمروا بدخول القرية ودخول الباب سجدا‪ .‬حيث بدلوا {قولً غير الذي قيل لهم} فبدل‬
‫حطة قالوا حنطة‪ ،‬وبدل الدخول منحنين ساجدين دخلوا يزحفون على أستاههم‪ ،‬فلما رأى تعالى‬
‫ذلك التمرد والعصيان وعدم الشكران أنزل عليهم وباء من السماء كاد يقضي على آخرهم هذا‬
‫معنى قوله تعالى {فبدل الذين ظلموا منهم قولً غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء‬
‫بما كانوا يظلمون}‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬عموم رسالة النبي محمد صلى ال عليه وسلم لكافه الناس عربهم وعجمهم أبيضهم وأصفرهم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪.2‬‬
‫‪ -2‬هداية النسان فردا أو جماعة أو أمة إلى الكمال والسعاد متوقفة على إتباع النبي محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -3‬إنصاف القرآن للمم والجماعات فقد صرح أن في بني إسرائيل أمة قائمة على الحق‪ ،‬وذلك‬
‫بعد فساد بني إسرائيل‪ ،‬وقبل مبعث النبي الخاتم أما بعد البعثة المحمدية فلم يبق أحد على الحق‪،‬‬
‫إل من آمن به واتبعه لنسخ سائر الشرائع بشريعته‪.‬‬
‫‪ 4‬إذا أنعم ال على عبد أو أمة نعمة ثم لم يشكرها تسلب منه أحب أم كره وكائنا من كان‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اسم القرية‪ :‬أريحا‪ ،‬وكلمة فلسطين عامة في القطر كلّه‪.‬‬
‫‪ 2‬عموم الرسالة المحمدية يستوجب القيام بها ودعوة الناس إليها‪ ،‬والمسلمون هم المطالبون بذلك‬
‫وإلّ فهم آثمون بتفريطهم وتقصيرهم‪.‬‬

‫( ‪)2/252‬‬

‫واَسْأَ ْلهُمْ عَنِ ا ْلقَرْيَةِ الّتِي كَا َنتْ حَاضِ َرةَ الْبَحْرِ ِإذْ َيعْدُونَ فِي السّ ْبتِ ِإذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَا ُنهُمْ َيوْمَ سَبْ ِتهِمْ‬
‫سقُونَ(‪ )163‬وَإِذَ قَاَلتْ ُأمّةٌ مّ ْنهُمْ ِلمَ‬
‫ن لَ تَأْتِيهِمْ كَ َذِلكَ نَبْلُوهُم ِبمَا كَانُوا َيفْ ُ‬
‫شُرّعا وَ َيوْ َم لَ يَسْبِتُو َ‬
‫َتعِظُونَ َق ْومًا اللّهُ ُمهِْل ُكهُمْ َأوْ ُمعَذّ ُبهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ َمعْذِ َرةً إِلَى رَ ّبكُ ْم وََلعَّلهُمْ يَ ّتقُونَ(‪ )164‬فََلمّا‬
‫نَسُواْ مَا ُذكّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الّذِينَ يَ ْن َهوْنَ عَنِ السّوءِ وَأَخَذْنَا الّذِينَ ظََلمُواْ ِبعَذَابٍ بَئِيسٍ ِبمَا كَانُواْ‬
‫سقُونَ(‪ )165‬فََلمّا عَ َتوْاْ عَن مّا ُنهُواْ عَنْهُ قُلْنَا َلهُمْ كُونُواْ قِرَ َدةً خَاسِئِينَ(‪)166‬‬
‫َيفْ ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫حاضرة البحر ‪ :‬أي على شاطئه وهي مدينة من مدن أرض القدس‪.‬‬
‫يعدون في السبت ‪ :‬أي يعتدون وذلك بالصيد المحرم عليهم فيه‪.‬‬
‫يوم سبتهم ‪ :‬أي يوم راحتهم من أعمال الدنيا وهو يوم السبت‪.‬‬
‫شرعا ‪ :‬جمع شارع أي ظاهرة بارزة تغريهم بنفسها‪.‬‬
‫كذلك نبلوهم ‪ :‬أي نمتحنهم ونختبرهم‪.‬‬
‫بما كانوا يفسقون‪ :‬أي بسبب ما أعلنوه من الفسق وهو العصيان‪.‬‬
‫م عذرة إلى ربكم ‪ :‬أي ننهاهم فإن انتهوا فذاك وإل فنهينا يكون عذرا لنا عند ربنا‪.‬‬
‫فلما نسوا ما ذكروا به ‪ :‬أي أهملوه وتركوه فلم يمتثلوا ما أمروا به ول ما نهوا عنه‪.‬‬
‫عن السوء ‪ :‬السوء هو كل ما يسيء إلى النفس من سائر الذنوب والثام‪.‬‬
‫بعذاب بئيس ‪ :‬أي ذا بأس شديد‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/253‬‬

‫فلما عتوا عما نهوا عنه ‪ :‬أي ترفعوا وطغوا فلم يبالوا بالنهي‪.‬‬
‫قردة خاسئين‪ :‬القردة جمع قرد معروف وخاسئين ذليلين حقيرين اخساء‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في بني إسرائيل إل أنه هنا مع رسول ال محمد صلى ال عليه وسلم ويهود‬
‫المدينة فال تعالى يقول لنبيه محمد عليه الصلة والسلم أسألهم ‪ 1‬أي اليهود {عن القرية ‪ 2‬التي‬
‫كانت حاضرة البحر} أي قريبة منه على شاطئه وهي مدينة من مدن أرض القدس والشام ‪ ،3‬أي‬
‫أسألهم عن أهلها كيف كان عاقبة أمرهم‪ ،‬أنهم مسخوا قردة وخنازير جزاء فسقهم عن أمر ربهم‪،‬‬
‫ل للعبرة والتعاظ فقال {إذ يعدون في السبت ‪ }4‬أي يعتدون ما أذن لهم‬
‫وفصل له الحادث تفصي ً‬
‫فيه إلى ما حرم عليهم‪ ،‬أذن لهم أن يصيدوا ما شاءوا إل يوم السبت فإنه يوم عبادة ليس يوم لهو‬
‫وصيد وطرب‪{ ،‬إذ تأتيهم حيتانهم} أي أسماكهم {يوم سبتهم شرعا} ظاهرة على سطح الماء‬
‫تغريهم بنفسها {ويوم ل يسبتون} أي في باقي أيام السبوع {ل تأتيهم} إذا هم مبتلون‪ ،‬قال تعالى‬
‫{كذلك} أي كهذا البتلء والختبار {نبلوهم بما كانوا يفسقون} أي بسبب فسقهم عن طاعة ربهم‬
‫ورسله‪ ،‬إذ ما من معصية إل بذنب هكذا سنة ال تعالى في الناس‪ .‬هذا ما تضمنته الية الولى (‬
‫‪ )163‬وهي قوله تعالى {وأسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ‬
‫تأتيهم ‪ 5‬حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم ل يسبتون ل تأتيهم‪ ،‬كذلك نبلوهم ‪ 6‬بما كانوا يفسقون}‪.‬‬
‫وأما الية الثانية (‪ )164‬فال تعالى يقول لرسوله اذكر لهم أيضا إذ قالت طائفة منهم أي من أهل‬
‫القرية لطائفة أخرى كانت تعظ المعتدين في السبت أي تنهاهم عنه لنه‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا سؤال توبيخ وتقرير‪ ،‬إذ كانوا يتبخحون بأنهم أبناء ال وأحباؤه وأنهم من سبط خليل‬
‫الرحمن إبراهيم‪ ،‬ومن سبط إسرائيل‪ ،‬فالسؤال عن القرية السؤال عن أهلها‪.‬‬
‫‪ 2‬هذه القرية هي أيلة‪ ،‬والمسماة اليوم بالعقبة وهي مدينة على ساحل البحر الحمر‪.‬‬
‫‪ 3‬وهي مبدأ أرض الشام من جهة مصر‪.‬‬
‫‪ 4‬السبت‪ :‬اليوم الذي بين الجمعة والحد‪ ،‬ويجمع السبت على أسبت وسبوت وأسبات‪.‬‬
‫‪ 5‬قيل للحسين بن الفضل‪ :‬هل تجد في كتاب ال تعالى أن الحلل ل يأتيك إل قوتا إن الحرام‬
‫يأتيك جزفا جزفا يعنى‪ :‬بكثرة كاثرة قال‪ :‬نعم في قصة داود وأيلة {إذ تأتيهم حيتانهم ‪ }....‬الية‪.‬‬
‫‪{ 6‬نبلوهم}‪ :‬أي بالتشديد عليهم فبما يشرع لهم عقوبة لهم‪.‬‬

‫( ‪)2/254‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫معصية وتحذرهم من مغبة العتداء على شرع ال تعالى قالت {لم تعظون قوما ال مهلكهم أو‬
‫معذبهم عذابا شديدا} وهذا القول من هذه الطائفة دال على يأسهم من رجوع إخوانهم عن فسقهم‬
‫وباطلهم‪ ،‬فأجابتهم الطائفة الواعظة {معذرة ‪ 1‬إلى ربكم ولعلهم يتقون} أي وعظنا لهم هو معذرة‬
‫لنا عند ال تعالى من جهة ومن جهة أخرى {لعلهم يتقون} فيتوبوا ويتركوا هذا العتداء‪ ،‬قال‬
‫تعالى {فلما نسوا ما ذكروا به} وخوفوا منه وهو تحريم ال تعالى عليهم الصيد يوم السبت‪ ،‬ومعنى‬
‫نسوا تركوا ولم يلتفتوا إلى وعظ إخوانهم لهم وواصلوا اعتداءهم وفسقهم‪ ،‬قال تعالى {أنجينا الذين‬
‫ينهون عن السوء} وهم الواعظون لهم من ملّوا ويئسوا فتركوا وعظهم‪ ،‬وممن واصلوا نهيهم‬
‫ووعظهم {وأخذنا الذين ظلموا ‪ 2‬بعذاب بئيس} أي شديد البأس {بما كانوا يفسقون} عن طاعة ال‬
‫ربهم‪ ،‬إذ قال تعالى لهم {كونوا قردة خاسئين ‪ }3‬فكانوا قردة خاسئين ذليلين صاغرين حقيرين‪ ،‬ثم‬
‫لم يلبثوا (مسخا) ‪ 4‬إل ثلثة أيام وماتوا‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير الوحي والنبوة لرسول ال محمد صلى ال عليه وسلم إذ مثل هذا القصص الذي يذكر‬
‫لبني إسرائيل لن يتم إل عن طريق الوحي‪ ،‬وإل فكيف علمه وذكر به اليهود أصحابه وأهله‪ ،‬وقد‬
‫مضى عليه زمن طويل‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا أنعم ال على أمة نعمة ثم أعرضت عن شكرها تعرضت للبلء أولً ثم العذاب ثانيا‪.‬‬
‫‪ -3‬جدوى المر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد نجى ال تعالى الناهين عن المنكر وأهلك‬
‫الذين باشروه ولم ينتهوا منه دون غيرهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المعذرة‪ :‬مصدر ميمي فعله اعتذر على غير قياس‪ ،‬والعذر‪ :‬السبب الذي تبطل به المؤاخذة‬
‫بسبب ذنب أو تقصير‪.‬‬
‫‪ 2‬اختلف في هل الفرقة القائلة‪ :‬لم تعظونا قوما‪ ..‬الخ نجت من العذاب أولً؟ وقد روي أن ابن‬
‫عباس كان يرى أنها لم ننج حتى أقنعه تلميذه عكرمة فقال بنجاتها مع الفرقة الناهية‪ ،‬لنّ ترك‬
‫النهي من الفرقة التي لم تنه كان ليأسهم من استجابة الظالمين‪.‬‬
‫‪ 3‬يقال‪ :‬خسأته فخسا أي‪ ،‬باعدته وطردته‪ ،‬وفي هذا دليل على أنّ المعاصي سبب النقم كما أن‬
‫الطاعات سبب النعم‪.‬‬
‫‪ 4‬أي لم يلبثوا ممسوخين حتى هلكوا والعياذ بال‪.‬‬

‫( ‪)2/255‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ – 4‬إطلق لفظ السوء على المعصية مؤذن بأن المعصية مهما كانت صغيرة تحدث السوء في‬
‫نفس فاعلها‪.‬‬
‫ب وَإِنّهُ‬
‫وَإِذْ تَأَذّنَ رَ ّبكَ لَيَ ْبعَثَنّ عَلَ ْيهِمْ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ مَن َيسُو ُمهُمْ سُوءَ ا ْل َعذَابِ إِنّ رَ ّبكَ لَسَرِيعُ ا ْل ِعقَا ِ‬
‫ك وَبََلوْنَا ُهمْ‬
‫ن َومِ ْنهُمْ دُونَ ذَِل َ‬
‫طعْنَا ُهمْ فِي الَ ْرضِ ُأ َممًا مّ ْنهُمُ الصّالِحُو َ‬
‫َل َغفُورٌ رّحِيمٌ(‪َ )167‬وقَ ّ‬
‫ف وَرِثُواْ ا ْلكِتَابَ يَ ْأخُذُونَ عَ َرضَ‬
‫جعُونَ(‪َ )168‬فخََلفَ مِن َبعْدِهِمْ خَ ْل ٌ‬
‫حسَنَاتِ وَالسّيّئَاتِ َلعَّلهُمْ يَرْ ِ‬
‫بِالْ َ‬
‫خذُوهُ أَلَمْ ُي ْؤخَذْ عَلَ ْيهِم مّيثَاقُ ا ْلكِتَابِ أَن لّ‬
‫هَذَا الدْنَى وَ َيقُولُونَ سَ ُيغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْ ِتهِمْ عَ َرضٌ مّثْلُهُ يَأْ ُ‬
‫ِيقُولُواْ عَلَى اللّهِ ِإلّ ا ْلحَقّ وَدَرَسُواْ مَا فِي ِه وَالدّارُ الخِ َرةُ خَيْرٌ لّلّذِينَ يَ ّتقُونَ َأفَلَ َت ْعقِلُونَ(‪ )169‬وَالّذِينَ‬
‫لةَ إِنّا لَ ُنضِيعُ أَجْرَ ا ْل ُمصْلِحِينَ(‪)170‬‬
‫سكُونَ بِا ْلكِتَابِ وََأقَامُواْ الصّ َ‬
‫ُيمَ ّ‬
‫شرح الكلمات ‪:‬‬
‫تأذن ‪ : 1‬أعلم وأعلن‪.‬‬
‫ليبعثن ‪ :‬أي ليسلطن‪.‬‬
‫من يسومهم سوء العذاب ‪ :‬أي يذيقهم ويوليهم سوء العذاب كالذلة والمسكنة‪.‬‬
‫وقطعناهم ‪ :‬أي فرقناهم جماعات جماعات‪.‬‬
‫بلوناهم بالحسنات والسيئات ‪ :‬اختبرناهم بالخير والشر أو النعم والنقم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬آذن وأذن بمعنى واحد‪ ،‬وهو أَعلم ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫فقلت تعلّم إنّ للصيد غرّة ‪...‬‬
‫فَإلّ تضيّعها فإنك قاتله‬

‫( ‪)2/256‬‬

‫فخلف من بعدهم خلف ‪ :‬الخلف بإسكان اللم خلف سوء وبالتحريك خلف خير‪.‬‬
‫ورثوا الكتاب ‪ :‬أي التوراة‪.‬‬
‫عرض هذا الدنى‪ :‬أي حطام الدنيا الفاني وهو المال‪.‬‬
‫يمسكون بالكتاب ‪ :‬أي يتمسكون بما في التوراة فيحلون ما أحل ال فيها ويحرمون ما حرم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في شأن اليهود فقد أمر تعالى رسوله أن يذكر إعلمه تعالى بأنه سيبعث بكل تأكيد‬
‫على اليهود إلى يوم القيامة من يذلهم ويضطهدهم عقوبة منه تعالى لهم على خبث طواياهم وسوء‬
‫أفعالهم‪ ،‬وهذا الطلق في هذا الوعيد الشديد يقيد بأحد أمرين الول بتوبة من تاب منهم ويدل‬
‫على هذا القيد قوله تعالى في آخر هذه الية {إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم} أي لمن‬
‫تاب والثاني بجوار دولة قوية لهم وحمايتها وهذا مفهوم قوله تعالى من سورة آل عمران {ضربت‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عليهم الذلة والمسكنة أينما ثقفوا إل بحبل من ال} وهو السلم {وحبل من الناس}‪ ،‬وهو ما ذكرناه‬
‫آنفا‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الولى في هذا السياق (‪ )167‬وهي قوله تعالى {وإذ تأذن ربك ليبعثن‬
‫عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم ‪ 1‬سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم} وأما‬
‫الية الثانية (‪ )168‬فقد تضمنت بيان فضل ال تعالى على اليهود وهو أن ال تعالى قد فرقهم في‬
‫الرض جماعات جماعات‪ ،‬وأن منهم الصالحين‪ ،‬وأن منهم دون ذلك وأنه اختبرهم بالحسنات‬
‫وهي النعم‪ ،‬والسيئات وهي النقم تهيئة لهم وإعدادا للتوبة إن آثروا التوبة على الستمرار في‬
‫الجرام والشر والفساد‪ .‬هذا ما تضمنته الية الثانية وهي قوله تعالى {وقطعناهم في الرض أمما‬
‫منهم الصالحون ‪ 2‬ومن دون ذلك‪ ،‬وبلوناهم بالحسنات‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يسومهم سوء العذاب‪ :‬يجعل أسوأ العذاب وأشدّه كالقيمة لهم إذ هو حظهم المفروض عليهم‪،‬‬
‫أوّل من تسلط عليهم فسامهم سوء العذاب بختنصر البابلي‪.‬‬
‫‪ 2‬أي شتتناهم في البلد بعد تسلط البابليين عليهم وتمزيق ملكهم فعاشوا مشتتين فلم ينتظم ملكهم‬
‫مدّة طويلة وهم إذ ذاك ما بين صالح وفاسد وانتظم أمرهم مرة أخرى ث ّم فسقوا فسلّط عليهم‬
‫أطيطوس الروماني فتفرقوا مرّة أخرى وما زالوا مفرقين إلى هذه اليام‪ ،‬باجتماعهم في فلسطين‬
‫وتكوينهم دولة إسرائيل وعمّا قريب تزول‪.‬‬

‫( ‪)2/257‬‬

‫والسيئات لعلهم يرجعون} وأما الية الثالثة (‪ )169‬فقد أخبر تعالى أنه فد خلف من بعد تلك المة‬
‫خلف سوء ‪ 1‬ورثوا الكتاب الذي هو التوراة ورثوه عن أسلفهم ولم يتلزموا بما أخذ عليهم فيه من‬
‫عهود على الرغم من قراءتهم له فقد آثروا الدنيا على الخرة فاستباحوا الربا والرشا وسائر‬
‫المحرمات‪ ،‬ويدعون أنهم سيغفر لهم‪ ،‬وكلما أتاهم مال حرام أخذوه ومنوا أنفسهم بالمغفرة ‪ 2‬كذبا‬
‫على ال تعالى قال تعالى موبخا لهم {ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن ل يقولوا على ال إل الحق}‬
‫وقد قرأوا هذا في الكتاب وفهموه ومع هذا يجترئون على ال ويكذبون عليه بأنه سيغفر لهم‪ ،‬ثم‬
‫يواجههم تعالى بالخطاب مذكرا لهم واعظا فيقول {والدار الخرة خير للذين يتقون أفل‬
‫تعقلون؟}ويفتح ال تعالى باب الرجاء لهم في الية الرابعة في هذا السياق فيقول {والذين يمسكون‬
‫بالكتاب ‪ }3‬أي يعملون بحرص وشدة بما فيه من الحكام والشرائع ول يفرطون في شيء من ذلك‬
‫{وأقاموا الصلة إنا ل نضيع أجر المصلحين}‪ ،‬ومعنى هذا أنهم مصلحون إن تمسكوا بالكتاب‬
‫وأقاموا الصلة‪ ،‬وان ال تعالى سيجزيهم على إصلحهم لنفسهم ولغيرهم أعظم الجزاء وأوفره‪،‬‬
‫لنه تعالى ل يضيع أجر المصلحين‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من هداية اليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان موجز لتوبيخ اليهود في هذه اليات الربع‪.‬‬
‫‪ -2‬من أهل الكتاب الصالحون‪ ،‬ومنهم دون ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬التنديد بإيثار الدنيا على الخرة‪ ،‬وبتمني المغفرة مع الصرار على الجرام‪.‬‬
‫‪ -4‬تفضيل الخرة على الدنيا بالنسبة للمتقين‪.‬‬
‫‪ -5‬الحث على التمسك بالكتاب قراءة وتعلما وعملً بإحلل حلله وتحريم حرامه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الخلف بسكون اللّم‪ :‬الولد‪ ،‬الواحد والجمع فيه سواء والخلَف‪ :‬لفتح اللم الْ َبدَل ولدا كان أو‬
‫غيره‪ ،‬وقيل الخلف بالفتح‪ :‬الصالح وبالجزم‪ :‬الطالح قال لبيد‪:‬‬
‫ذهب الذين يعاش في أكنافهم ‪ ...‬وبقيت في خلف كجلد الجرب‬
‫‪ 2‬روى الدارمي عن معاذ بن جبل رضي ال عنه الرواية التالية وهي منطبقة على واقعنا اليوم‬
‫ومن قبل اليوم قال‪ :‬سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب فيتهافت يقرأونه ل يجدون له‬
‫شهوة ول لذة يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب أعمالهم طمع ل يخالطه خوف‪ ،‬إن قصّروا‬
‫قالوا سنبلغ وإن أساءوا قالوا‪ :‬سيغفر لنا إنّا ل نشرك بال شيئا‪.‬‬
‫‪ 3‬مسك وتمسّك بمعنى واحد‪.‬‬

‫( ‪)2/258‬‬

‫‪ -6‬فضل اقام الصلة‪.‬‬


‫خذُواْ مَا آتَيْنَاكُم ِب ُق ّوةٍ وَا ْذكُرُواْ مَا فِيهِ َلعَّلكُمْ‬
‫وَإِذ نَ َتقْنَا الْجَ َبلَ َف ْو َقهُمْ كَأَنّهُ ظُلّةٌ وَظَنّواْ أَنّ ُه وَاقِعٌ ِب ِهمْ ُ‬
‫ستَ بِرَ ّب ُكمْ‬
‫سهِمْ أَلَ ْ‬
‫شهَدَ ُهمْ عَلَى أَنفُ ِ‬
‫ظهُورِ ِهمْ ذُرّيّ َتهُمْ وَأَ ْ‬
‫خذَ رَ ّبكَ مِن بَنِي آ َدمَ مِن ُ‬
‫تَ ّتقُونَ(‪ )171‬وَإِذْ أَ َ‬
‫شهِدْنَا أَن َتقُولُواْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ(‪َ )172‬أوْ َتقُولُواْ إِ ّنمَا أَشْ َركَ آبَاؤُنَا مِن‬
‫قَالُواْ بَلَى َ‬
‫جعُونَ(‬
‫ت وََلعَّلهُمْ يَرْ ِ‬
‫صلُ اليَا ِ‬
‫قَ ْبلُ َوكُنّا ذُرّيّةً مّن َبعْ ِدهِمْ َأفَ ُتهِْلكُنَا ِبمَا َف َعلَ ا ْلمُبْطِلُونَ(‪َ )173‬وكَذَِلكَ ُن َف ّ‬
‫‪)174‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫وإذ نتقنا الجبل ‪ :‬أي رفعناه من أصله فوق رؤوسهم‪.‬‬
‫واقع بهم ‪ :‬أي ساقط عليهم‪.‬‬
‫خذوا ما آتيناكم بقوة ‪ :‬أي التزموا بالقيام بما عهد إليكم من أحكام التوراة بقوة‪.‬‬
‫واذكروا ما فيه‪ :‬أي ل تنسوا ما التزمتم به من النهوض بأحكام التوراة ‪.‬‬
‫من ظهورهم ذريتهم‪ :‬أي أخذهم من ظهر آدم عليه السلم بأرض نعمان ‪ 1‬من عرفات‪.‬‬
‫أشهدهم على أنفسهم ‪ :‬أي بال تعالى ربهم وإلههم ول رب لهم غيره ول إله لهم سوأه‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫المبطلون‪ :‬العاملون بالشرك والمعاصي إذ كلها باطل ل حق فيه‪.‬‬
‫نفصل اليات‪ :‬نبينها ونوضحها بتنويع الساليب وتكرار الحجج وضرب المثال وذكر القصص‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال ابن عباس‪ :‬ببطن نعمان واد إلى جنب عرفة‪.‬‬

‫( ‪)2/259‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫الية الولى في هذا السياق هي خاتمة الحديث على اليهود إذ قال تعالى لرسوله {وإذ نتقنا الجبل‬
‫فوقهم كأنه ظلة ‪ }1‬أي اذكر لهم أيها الرسول إذ نتقنا أي رفعنا فوقهم جبل الطور من أصله‬
‫وصار فوقهم كأنه ظلة {وظنوا أنه واقع بهم} أي ساقط عليهم وقلنا لهم {خذوا ما آتيناكم بقوة ‪}2‬‬
‫والمراد مما آتاهم أحكام التوراة وما تحمل من الشرائع وأخذها العمل بها واللتزام بكل ما أمرت‬
‫به ونهت عنه وقوله تعالى {واذكروا ما فيه} أي في الذي آتيناكم من الوامر والنواهي‪ ،‬ول تنسوه‬
‫فإن ذكره من شأنه أن يعدكم للعمل به فتحصل لكم بذلك تقوى ال عز وجل‪ ،‬هذا ما دلت عليه‬
‫الية الولى وهي خاتمة سياق الحديث عن اليهود‪.‬‬
‫أما الية الثانية (‪ )172‬وهي قوله تعالى {وإذ أخذ ربك من بني ‪ 3‬آدم من ظهورهم ذريتهم}‪ 4‬فإنها‬
‫حادثة جديرة بالذكر والهتمام لما فيها من العتبار‪ ،‬إن ال تعالى أخرج من صلب آدم ذريته‬
‫فأنطقها بقدرته التي ل يعجزها شيء فنطقت وعقلت الخطاب واستشهدها فشهدت‪ ،‬وخاطبها‬
‫ففهمت وأمرها فالتزمت وهذا العهد العام الذي أخذ على بني آدم‪ ،‬وسوف يطالبون به يوم القيامة‪،‬‬
‫وهو معنى قوله تعالى {وأشهدهم على أنفسهم‪ :‬ألست بربكم؟ قالوا بلى شهدنا} أي أنك ربنا {أن‬
‫تقولوا} يوم القيامة {إنا كنا عن هذا غافلين‪ ،‬أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من‬
‫بعدهم ‪ ،5‬أفتهلكنا بما فعل المبطلون} والعبرة من هذا أن النسان سرعان ما ينسى‪ ،‬ويعاهد ول‬
‫يفي‪ ،‬وما وجد من بني إسرائيل من عدم الوفاء هو عائد إلى أصل النسان‪ ،‬وهناك عبرة أعظم‬
‫وهى أن التوحيد أخذ به العهد على كل آدمي‪ ،‬ومع السف أكثر بني آدم ينكرونه‪ ،‬ويشركون‬
‫بربهم وقوله تعالى {وكذلك نفصل اليات لعلهم يرجعون} وكهذا التفصيل الوارد في هذه السورة‬
‫وهذا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬كأنّه لرتفاعه سحابة تظلّ‪.‬‬
‫‪ 2‬أي‪ :‬بجدّ وعزم‪.‬‬
‫‪ 3‬الثار والحاديث المثبتة لستخراج الرب تعالى الذريّة من ظهر آدم كثيرة منها في الموطأ‬
‫والسنن ونكتفي برواية الشيخين التية‪ :‬قال صلى ال عليه وسلم‪ :‬يقال للرجل من أهل النار يوم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫القيامة‪ :‬أرأيت لو كان لك ما على الرض من شيء أكنت مفديا؟ فيقول‪ :‬نعم‪ ،‬فيقول‪ :‬قد أردتُ‬
‫منك أهون من ذلك‪ ،‬قد أخذت عليك في ظهر آدم أن ل نشرك بي شيئا فأبيت إلّ أن تشرك"‪.‬‬
‫‪ُ 4‬وجّه نظم الية هكذا‪:‬وإذا أخذ ربك من ظهور بني آدم ذريتهم ولم يذكر ظهر آدم عليه السلم‬
‫لنه من المعلوم أن كل بني آدم منه وأخرجوا يوم الميثاق من ظهره‪ .‬وقوله‪ :‬ظهورهم‪ :‬بدل‬
‫اشتمال من بين آدم‪.‬‬
‫‪ 5‬في الية دليل على أنه ل عذر لحد في تقليده آباءه وأجداده وآهل بلده في الشرك والمعاصي‬
‫كما ل عذر بالجهل أيضا‪.‬‬

‫( ‪)2/260‬‬

‫السياق وهو تفصيل عجيب نفصل اليات تذكيرا للناس وتعليما ولعلهم يرجعون إلى الحق بعد‬
‫إعراضهم عنه‪ ،‬والى اليمان والتوحيد بعد انصرافهم عنهما تقليدا وإتباعا لشياطين الجن والنس‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان نفسيات اليهود وأنها نفسية غريبة وإل كيف وهم بين يدي ال يتمردون عليه ويعصونه‬
‫برفضهم اللتزام بما عهد إليهم من أحكام حتى يرفع فوقهم الطور تهديدا لهم‪ ،‬وعندئذ التزموا ولم‬
‫يلبثوا إل قليلً حتى نقضوا عهدهم وعصوا ربهم‪.‬‬
‫‪ -2‬عجيب تدبير ال تعالى في خلقه‪.‬‬
‫‪ -3‬الكافر كفر مرتين كفر بالعهد الذي أخذ عليه وهو في عالم الذّر ‪ 1‬وكفر بال وهو في عالم‬
‫الشهادة‪ ،‬والمؤمن آمن مرتين‪ ،‬فلذا يضاعف للول العذاب ويضاعف للثاني الثواب‪.‬‬
‫‪ -4‬تقرير مبدأ الخليقة‪ ،‬ومبدأ المعاد الخر‪.‬‬
‫وَا ْتلُ عَلَ ْي ِهمْ نَبَأَ الّ ِذيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِ ْنهَا فَأَتْ َبعَهُ الشّيْطَانُ َفكَانَ مِنَ ا ْلغَاوِينَ(‪ )175‬وََلوْ شِئْنَا‬
‫ح ِملْ عَلَيْهِ َي ْل َهثْ َأوْ تَتْ ُركْهُ‬
‫لَ َر َفعْنَاهُ ِبهَا وََلكِنّهُ أَخَْلدَ إِلَى الَ ْرضِ وَاتّبَعَ َهوَاهُ َفمَثَلُهُ َكمَ َثلِ ا ْلكَ ْلبِ إِن تَ ْ‬
‫صصَ َلعَّلهُمْ يَ َت َفكّرُونَ(‪ )176‬سَاء مَثَلً ا ْل َقوْمُ‬
‫يَ ْلهَث ذِّلكَ مَ َثلُ ا ْلقَوْمِ الّذِينَ َكذّبُواْ بِآيَاتِنَا فَا ْقصُصِ ا ْل َق َ‬
‫الّذِينَ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لقد حاول كثيرون التخلص من قضية أخذ الرب تعالى من ظهر آدم ذريته وإشهادهم على‬
‫أنفسهم‪ ،‬ونطق الرواح وشهادتها‪ ،‬ول داعي لهذا أبدا ما دامت الحاديث والثار كثيرة وقدرة ال‬
‫صالحة لكل شيء ول يعجزها شيء ما هي النملة؟ وقد أنطقها ال فنطقت وأفصحت‪ .‬إن الحيوان‬
‫المنوي الذي منه تكون الذرية قال العلماء لو جمعت الحيوانات المنوية كلها من آدم إلى اليوم‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ووضعت في فنجان ما ملته‪ .‬أمع هذا يحاول إبطال الحاديث وتأويل الية على غير ظاهرها‬
‫رجل من أهل العلم؟‬

‫( ‪)2/261‬‬

‫سهُمْ كَانُواْ يَظِْلمُونَ(‪ )177‬مَن َي ْهدِ اللّهُ َف ُهوَ ا ْل ُمهْتَدِي َومَن ُيضِْللْ فَُأوْلَ ِئكَ هُمُ‬
‫كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُ َ‬
‫الْخَاسِرُونَ(‪)178‬‬
‫شرح الكلمات‬
‫واتل عليهم نبأ‪ :‬إقرأ عليهم‪.‬‬
‫فانسلخ منها ‪ :‬كفر بها وتركها وراء ظهره مبتعدا عنها‪.‬‬
‫فأتبعه الشيطان‪ :‬لحقه وأدركه‪.‬‬
‫من الغاوين‪ :‬من الضالين غير المهتدين الهالكين غير الناجين‪.‬‬
‫أخلد إلى الرض ‪ :‬مال إلى الدنيا وركن إليها وأصبح ل هم له إل الدنيا‪.‬‬
‫يلهث ‪ :‬اللهث‪ :‬التنفس الشديد مع إخراج اللسان من التعب والعياء‪.‬‬
‫ساء ‪:‬قبح‪.‬‬
‫مثلً‪ :‬أي صفة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يقول تعالى لرسوله محمد صلى ال عليه وسلم {واتل عليهم} أي اقرأ على قومك وعلى كل من‬
‫يبلغه هذا الكتاب من سائر الناس {نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها} أي خبر الرجل ‪ 1‬الذي‬
‫أعطيناه آيتنا تحمل الدلة والحجج والشرائع والحكام والداب فتركها وابتعد عنها فلم يَتُْلهَا ولم‬
‫يفكر فيها ولم يعمل بها ل استدلل ول تطبيقا {فأتبعه الشيطان } أي لحقه وأدركه وتمكن منه‬
‫إبليس‪ ،‬لنه بتخليه عن اليات وجد الشيطان له طريقا إليه {فكان من الغاوين} أي الضالين‬
‫الفاسدين الهالكين {ولو شئنا لرفعناه بها ‪ }2‬أي باليات إلى قمم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ذكر أهل التفسير ثلثة رجال قيل إنها نزلت في واحد منهم وهم‪ :‬بلعم بن باعوراء الكنعاني‬
‫وكان على زمن موسى‪ ،‬وقيل إنها نزلت في أميّة بن أبي الصلت الثقفي‪ ،‬وقيل في أبي عامر بن‬
‫صيفي‪ ،‬وأقرب القوال إنها نزلت في أميّة بن أبي الصلت إذ هو الذي قال فيه الرسول صلى ال‬
‫شعْ ُر ُه وكفر قلبه" إذ شعره كان يفيض باليمانيات من عقيدة البعث والجزاء‪،‬‬
‫عليه وسلم‪" :‬آمن ِ‬
‫والتوحيد‪ ،‬والعدل والرحمة ومن شعره قوله‪:‬‬
‫كل دين يوم القيامة عند ال ‪ ...‬إل دين الحنيفية زور‬
‫‪ 2‬أي أنّ تلك اليات التي أعطاه ال إياها من شأنها أن تكون سببا للهداية‪ ،‬وهذا شأن آيات ال‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فإنها ترفع كل من يؤمن بها ويعمل بما فيها ترفعه في الدنيا والخرة فهي آلة الرفع الحقيقية ل‬
‫المذاهب والنظريات المادية‪.‬‬

‫( ‪)2/262‬‬

‫المجد والكمال‪ ،‬وإلى الدرجات العل في الدار الخرة‪{ ،‬ولكنه أخلد إلى الرض} أي مال إليها‬
‫وركن فأكب على الشهوات والسرف في الملذات‪ ،‬وأصبح ل هم له إل تحصيل ذلك {واتبع هواه}‬
‫وترك عقله ووحي ربه عنده‪ ،‬فصار مثله أي صفته الملئمة له {كمثل الكلب} أي في اللهث‬
‫والعياء‪ ،‬والتبعية وعدم الستقلل الذاتي {إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث} فحيرته وتعبه ل‬
‫ينقطعان أبدا‪ .‬وقوله تعالى {ذلك مثل القوم الذي كذبوا بآياتنا} أي هذا المثل الذي ضربناه لذلك‬
‫الرجل الذي آتيناه آيتنا فانسلخ منها وكان من أمره ما قصصنا عليك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا‬
‫في كل زمان ومكان‪ ،‬وعليه {فاقصص} يا رسولنا {القصص لعلهم يتفكرون} أي لعل قريشا تتفكر‬
‫فتعتبر وترجع إلى الحق فتكمل وتسعد‪ ،‬وقوله تعالى {ساء مثلً القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم‬
‫كانوا يظلمون} أي قبح مثلً مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فجحدوا بها حتى ل يوحدوا ال تعالى‬
‫ول يسلموا إليه‪{ ،‬وأنفسهم كانوا يظلمون} بتدنيسها بآثار الشرك والمعاصي وقوله تعالى {من يهد‬
‫ال فهو المهتدي} أي من وفقه ال تعالى للهداية ‪ 1‬فآمن وأسلم واستقام على منهاج الحق فهو‬
‫المهتدي بحق ومن خذله ال لشدة إعراضه عن الحق وتكبره عنه فضل بإضلل ال تعالى له‬
‫فأولئك هم الخاسرون الخسران الحق المبين‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬خطر شأن هذا الخبر الذي أمر تعالى رسوله أن يتلوه على الناس‪.‬‬
‫‪ -2‬ترك القرآن الكريم بعدم تلوته والتدبر فيه‪ ،‬وترك العمل به مفض بالعبد إلى أن يكون هو‬
‫صاحب المثل في هذه الية‪ ،‬فأولً يتمكن منه الشيطان فيصبح من الغواة وثانيا يخلد إلى الرض‬
‫كما هو حال الكثيرين فل يكون لحدهم هم إل الدنيا‪ .‬ثم يتبع هواه ل عقله ول شرع ال‪ ،‬فإذا به‬
‫صورة لكلب يلهث ل تنقطع حيرته وإتباعه لغيره كالكلب سواء بسواءء وهذه حال من أعرضوا‬
‫عن كتاب ال تعالى في هذه الية فليتأملها العاقل‪.‬‬
‫‪ -3‬ل رفعةَ ول سعادة ول كمال إل بالعمل بالقرآن فهي الية الرافعة لقوله تعالى {ولو شئنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الهداية‪ :‬هي إبانة الطريق الموصل إلى السعادة والكمال‪.‬‬

‫( ‪)2/263‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لرفعناه بها} أي باليات ‪ 1‬التي انسلخ منها والعياذ بال‪.‬‬
‫‪ -4‬الهداية بيد ال أل فليطلبها من أرادها من ال بصدق القلب وإخلص النية فإن ال تعالى ل‬
‫يحرمه منها‪ ،‬ومن أعرض عن ال أعرض ال عنه‪.‬‬
‫ب لّ َيفْ َقهُونَ ِبهَا وََلهُمْ أَعْيُنٌ لّ يُ ْبصِرُونَ ِبهَا وََلهُمْ‬
‫ن وَالِنسِ َلهُمْ قُلُو ٌ‬
‫جهَنّمَ كَثِيرًا مّنَ ا ْلجِ ّ‬
‫وَلَقَدْ ذَرَأْنَا ِل َ‬
‫سمَاء ا ْلحُسْنَى‬
‫ضلّ ُأوْلَ ِئكَ ُهمُ ا ْلغَافِلُونَ(‪ )179‬وَلِلّهِ الَ ْ‬
‫س َمعُونَ ِبهَا ُأوْلَ ِئكَ كَالَ ْنعَامِ َبلْ ُهمْ َأ َ‬
‫ن لّ يَ ْ‬
‫آذَا ٌ‬
‫سمَآ ِئهِ سَ ُيجْ َزوْنَ مَا كَانُواْ َي ْعمَلُونَ(‪َ )180‬و ِممّنْ خََلقْنَا ُأمّةٌ‬
‫حدُونَ فِي أَ ْ‬
‫فَادْعُوهُ ِبهَا وَذَرُواْ الّذِينَ يُلْ ِ‬
‫ق وَبِهِ َيعْ ِدلُونَ(‪)181‬‬
‫حّ‬‫َيهْدُونَ بِالْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ذرأنا لجهنم‪ :‬خلقنا لجهنم أي للتعذيب بها والستقرار فيها‪.‬‬
‫ل يفقهون بها ‪ :‬كلم ال ول كلم رسوله‪.‬‬
‫ل يبصرون بها‪ :‬آيات ال في الكون‪.‬‬
‫ل يسمعون بها‪ :‬الحق والمعروف‪.‬‬
‫كالنعام ‪ :‬البهائم في عدم النتفاع بقلوبهم وأبصارهم وأسماعهم‪.‬‬
‫الغافلون‪ :‬أي عن آيات ال‪ ،‬وما خُلقوا له وما يراد لهم وبهم‪.‬‬
‫ول السماء الحسنى‪ :‬السماء جمع اسم والحسنى مؤنث الحسن‪ ،‬والسماء الحسنى ل خاصة‬
‫دون غيره فل يشاركه فيها أحد من مخلوقاته‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لقد جرب أتباع أتاتورك العثماني العلمانية وجرّب العرب القومية ثم جربوا الشتراكية حتى‬
‫قال قائلهم‪ :‬اشتراكيتنا نوالي‪ ،‬من يواليها ونعادي من يعاديها‪ ،‬وجرّب بعضهم الشيوعية فهل غنوا‬
‫هل عزّوا هل كملوا هل شبعوا؟ اللهم ل‪ ،‬ل‪ ،‬ل فلم إذن ل يعملون بالقرآن‪.‬‬

‫( ‪)2/264‬‬

‫وذروا ‪ :‬اتركوا‪.‬‬
‫يلحدون ‪ :‬يميلون بها إلى الباطل‪.‬‬
‫وممن خلقنا ‪ :‬أي من الناس‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫على إثر ذكر الهدى والضلل وإن المهتدى من هداه ال‪ ،‬والضال من أضله ال أخبر تعالى أنه قد‬
‫خلق لجهنم كثيرا من الجن والنس‪ ،‬علما منه تعالى بأنهم يرفضون هدايته ويتكبرون عن عبادته‪،‬‬
‫ويحاربون أنبياءه ورسله‪ ،‬وإن رفضهم للهداية وتكبرهم عن العبادة عطل حواسهم فل القلب يفقه‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ما يقال له‪ ،‬ول العين تبصر ما تراه‪ ،‬ول الذن تسمع ما تخبر به وتحدث عنه فأصبحوا كالنعام‬
‫‪ 1‬بل هم أضل لن النعام ما خرجت عن الطريق الذي سيقت له وخلقت لجله ‪ ،2‬وأما أولئك فقد‬
‫خرجوا عن الطريق الذي امروا بسلوكه‪ ،‬وخلقوا له أل وهو عبادة ال تعالى وحده ل شريك له‬
‫لينجوا من العذاب ويسعدوا في دار النعيم‪ ،‬وقوله تعالى {أولئك هم الغافلون} تقرير لحقيقة وهي‬
‫أن استمرارهم في الضلل كان نتيجة غفلتهم عن آيات ال الكونية فل يتأملوها فيعرفوا أن‬
‫المعبود الحق هو ال وحده ويعبدوه وعن آيات ال التنزيلية فل يتدبروها فيعلموا أن ال هو الحق‬
‫المبين فيعبدوه وحده بما شرع لهم في كتابه وسنة نبيه‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )179‬وأما‬
‫الية الثانية في هذا السياق (‪ )180‬وهي قوله تعالى {ول السماء الحنسى فادعوه ‪ 3‬بها وذروا‬
‫الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} فقد أخبر تعالى فيها بأن السماء الحسنى له‬
‫تعالى خاصة ل يشاركه فيها أحد من خلقه‪ ،‬وقد أخبر النبي صلى ال عليه وسلم أنها مائة اسم ‪4‬‬
‫إل اسما أي تسعة وتسعون إسما ًووردت مفرقة في القرآن الكريم‪ ،‬وأمر تعالى عباده أن‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال عطاء‪ :‬النعام تعرف ال والكافر ل يعرفه‪ ،‬وقيل‪ :‬النعام مطيعة ل‪ ،‬والكافر غير مطيع‪.‬‬
‫‪ 2‬أي‪ :‬ل همّة لهم إل الكل والشرب واللباس والنكاح‪ ،‬وهم أضل من النعام لن النعام تبصر‬
‫مضارها ومنافعها وتتبع مالكها وهم على خلف ذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬روى أحمد رحمه ال عن ابن مسعود رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪:‬‬
‫"ما أصاب أحداٌ قط ه ٌم ول حزم فقال‪ :‬اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ‬
‫فيّ حكمك‪ ،‬عدل فيّ قضاؤك‪ ،‬أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك‪ ،‬أو أنزلته في كتابك أو‬
‫علّمته أحدا من خلقّك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي‬
‫ونور صدري وجلء حزني وذهاب همّي إلّ أذهب ال حزنه وهمّه وأبدل مكانه فرحا"‪.‬‬
‫‪ 4‬روى الشيخان عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬إن ل تسعة وتسعين اسما‬
‫مائة إل واحدا من أحصاها دخل الجنة وهو وتر يحبّ الوتر"‪.‬‬

‫( ‪)2/265‬‬

‫يدعوه ‪ 1‬بها يا ال‪ ،‬يا رحمن يا رحيم يا رب‪ ،‬يا حي يا قيوم‪ ،‬وذلك عند سؤالهم إياه وطلبهم منه‬
‫ما ل يقدرون عليه ‪ ،2‬كما أمرهم أن يتركوا أهل الزيغ والضلل الذين يلحدون في أسماء ال‬
‫فيؤلونها‪ ،‬أو يعطلونها‪ ،‬أو يشبهونها‪ ،‬أمر عباده المؤمنين به أن يتركوا هؤلء له ليجزيهم الجزاء‬
‫العادل على ما كانوا يقولون ويعملون‪ .‬لن جدالهم غير نافع فيهم ول مجد للمؤمنين ول لهم‪.‬‬
‫هذا ما دلت عليه الية الثانية أما الثالثة (‪ )181‬وهي قوله تعالى {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق‬
‫وبه يعدلون} إنه لما ذكر أنه خلق لجهنم كثيرا من الجن والنس ذكر هنا أنه خلق للجنة خلقا آخر‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من النس والجن فذكر صفاتهم التي يستوجبون بها الجنة كما ذكر صفات أهل جهنم التي‬
‫استوجبوا بها جهنم‪ ،‬فقال {وممن خلقنا} من الناس {أمة} كبيرة {يهدون} أنفسهم وغيرهم {بالحق}‬
‫الذي هو هدى ال ورسوله وبالحق يعدلون في قضائهم وأحكامهم فينصفون ويعدلون ول‬
‫يجورون‪ ،‬ومن هذه المة كل صالح في أمة السلم يعيش على الكتاب والسنة اعتقادا وقولً‬
‫وعملً وحكما وقضاءً وأدبا وخلقا جعلنا الذي منهم وحشرنا في زمرتهم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير مبدأ أن السعادة والشقاء سبق بها قلم القضاء والقدر فكل ميسر لما خلق له‪.‬‬
‫‪ -2‬هبوط الدمي إلى درك أهبط من درك الحيوان‪ ،‬وذلك عندما يكفر بربه ويعطل حواسه عن‬
‫النتفاع بها‪ ،‬ويقصر همه على الحياة الدنيا‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان أن البلء كامن في الغفلة عن آيات ال والعراض عنها‪.‬‬
‫‪ -4‬المر بدعاء ال تعالى بأسمائه الحسنى نحو يا رب يا رحمن‪ ،‬يا عزيز يا جبار‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ذكر أهل العلم كيفية الدعاء بها وهي؛‪ :‬أن يسأل باسم ال ما يناسب حاجته فيقول مثل‪ :‬يا‬
‫رحمن ارحمني‪ ،‬يا رزاق ارزقني‪ ،‬يا حكيم احكم لي‪ ،‬يا قوي يا قدير‪ .‬قوّني واقدرني على كذا‪..‬‬
‫يا لطيف ألطف بي‪ ،‬يا عليم علّمني وانفعني بما تعلمني وهكذا‪.‬‬
‫‪ 2‬قال مقاتل وغيره في سبب نزول هذه الية {ول السماء الحسنى} الخ أنً مشركا سمع مسلما‬
‫يدعو‪ :‬يا رحمن يا رحيم فقال‪ :‬أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا؟ فما بال هذا‬
‫يدعو ربين اثنين‪ ،‬فأنزل ال تعالى {ول السماء الحسنى} الخ‪.‬‬

‫( ‪)2/266‬‬

‫‪ -5‬حرمة تأويل أسماء ال وصفاته وتحريفها كما قال المشركون في ال‪ ،‬اللت‪ ،‬وفي العزيز‬
‫العزى سموا بها آلهتهم الباطلة‪ ،‬وهو اللحاد ‪ 1‬الذي توعد ال أهله بالجزاء عليه‪.‬‬
‫‪ -6‬أهل الجنة الذين خلقوا لها هم الذين يهدون بالكتاب والسنة ويقضون بهما‪.‬‬
‫ث لَ َيعَْلمُونَ(‪ )182‬وَُأمْلِي َلهُمْ إِنّ كَ ْيدِي مَتِينٌ(‪َ )183‬أوَلَمْ‬
‫جهُم مّنْ حَ ْي ُ‬
‫وَالّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْ َتدْرِ ُ‬
‫سمَاوَاتِ‬
‫يَ َت َفكّرُواْ مَا ِبصَاحِ ِبهِم مّن جِنّةٍ إِنْ ُهوَ ِإلّ نَذِيرٌ مّبِينٌ(‪َ )184‬أوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مََلكُوتِ ال ّ‬
‫شيْ ٍء وَأَنْ عَسَى أَن َيكُونَ قَدِ اقْتَ َربَ َأجَُلهُمْ فَبَِأيّ حَدِيثٍ َبعْ َدهُ ُي ْؤمِنُونَ(‬
‫ض َومَا خََلقَ اللّهُ مِن َ‬
‫وَالَرْ ِ‬
‫طغْيَا ِنهِمْ َي ْع َمهُونَ(‪)186‬‬
‫‪ )185‬مَن ُيضِْللِ الّلهُ فَلَ هَا ِديَ َل ُه وَيَذَرُ ُهمْ فِي ُ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫كذبوا بآياتنا‪ : :‬أي بآيات القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سنستدرجهم ‪ : :2‬أي نستميلهم وهم هابطون إلى هوة العذاب درجة بعد درجة حتى ينتهوا إلى‬
‫العذاب‪ ،‬وذلك بإدرار النعم عليهم مع تماديهم في التكذيب والعصيان حتى يبلغوا الجل المحدد لهم‬
‫ثم يؤخذوا أخذة واحدة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اللحاد لغة‪ :‬الميل عن وسط الشيء إلى جانبه واللحاد للميت دفنه في جانب القبر وكان من‬
‫إلحاد العرب في أسماء ال تعالى أن اشتقوا العزّى من العزيز واللت من ال‪ ،‬ومناة من المنان‬
‫فألحدوا في أسماء ال تعالى‪ ،‬ومن اللحاد في أسماء ال تعالى ما يفعله جهال المتصوّفة من وضع‬
‫أسماء ل تعالى ل توجد في كتاب ول سنة‪.‬‬
‫‪ 2‬الستدراج‪ :‬هو الخذ بالتدريج منزلة بعد منزلة‪ ،‬والدُرْج‪ :‬لف الشيء ومنه إدراج الميت في‬
‫كفنه أي‪ :‬لفه فيه‪ .‬واستدراج ال تعالى لهل الغواية كلّما جددوا ل معصية جدد لهم نعمة حتى‬
‫يأخذهم بذنوبهم وهم ل يشعرون وأحسن من أنشد‪:‬‬
‫حسُنت ‪ ...‬ولم تخف سوء ما يأتي به القدر‬
‫أحسنت ظنك باليام إذ َ‬
‫وسالمتك الليالي فاغتررت بها ‪...‬‬
‫وعند صفر الليالي يحدث الكدر‬

‫( ‪)2/267‬‬

‫وأملي لهم إن كيدي متين ‪ :‬أي أمهلهم فل أعجل بعقوبتهم حتى ينتهوا إليها بأعمالهم الباطلة وهذا‬
‫هو الكيد لهم وهو كيد متين شديد‪.‬‬
‫ما بصاحبهم من جنة‪ :‬صاحبهم هو محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والجنة الجنون والمتحدث عنهم‬
‫كفار قريش‪.‬‬
‫ملكوت السموات‪ :‬أي ملك السموات إل أن لفظ الملكوت أعظم من لفظة الملك‪.‬‬
‫فبأي حديث بعده‪ :‬أي بعد القرآن العظيم‪.‬‬
‫ونذرهم في طغيانهم ‪ :‬أي نتركهم في كفرهم وظلمهم‪.‬‬
‫يعمهون ‪ :‬حيارى يترددون ل يعرفون مخرجا ول سبيلً للنجاة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يخبر تعالى أن الذين كذبوا بآياته التي أرسل بها رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم فلم يؤمنوا بها‬
‫وأصروا على الشرك والضلل معرضين عن التوحيد والهدى يخبر تعالى أنه سيستدرجهم بالخذ‬
‫شيئا فشيئا ودرجة بعد درجة حتى يحق عليهم العذاب فينزله بهم فيهلكون ويخبر أنه يملى لهم‬
‫أيضا كيدا بهم ومكرا‪ ،‬أي يزيدهم في الوقت ويطول لهم زمن كفرهم وضللهم فل يعاجلهم‬
‫بالعقوبة بل إنه يزيد في إرزاقهم وأموالهم حتى يفقدوا الستعداد للتوبة ثم يأخذهم أخذ عزيز‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مقتدر‪ ،‬ولذا قال {وأملي ‪ 1‬لهم إن كيدي متين ‪ }2‬أي قوي شديد‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الولى (‬
‫‪ )183‬أما الثانية فإنه تعالى يوبخهم على إعراضهم عن التفكير والتعقل فيقول {أو لم يتفكروا} في‬
‫سلوك الرسول ‪ 3‬صلى ال عليه وسلم وتصرفاته الرشيدة الحكيمة فيعلموا أنه ما به من جنة‬
‫وجنون كما يزعمون‪ ،‬وإنما هو نذير لهم من عذاب يوم أليم إن هم استمروا على سلوك درب‬
‫الباطل والشر من الشرك والمعاصي‪ ،‬ونذارته بينه ل لبس فيها ول غموض لو كانوا يتفكرون‪.‬‬
‫وفي الية الثالثة (‪ )185‬يوبخهم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قيل نزلت هذه الية‪{ :‬سنستدرجهم} إلى قوله‪{ :‬متين} نزلت في المستهزئين من قريش وقد‬
‫أخذوا بعد الملء لهم زمنا زاد على العشر سنين‪ ،‬أخذهم في بدر وألقوا في القليب ووبخهم صلى‬
‫ال عليه وسلم بما هم أهله من الخزي والهوان‪.‬‬
‫‪ 2‬المتين‪ :‬مأخوذ من المتن وهو اللحم الغليظ الذي عن جانب الصلب أي‪ :‬الظهر‪.‬‬
‫‪ 3‬هو المراد بالصاحب في قوله‪{ :‬ما بصاحبكم من جنّة} وهي الجنون‪ ،‬دعا ال تعالى قريشا‬
‫للتفكر‪.‬‬

‫( ‪)2/268‬‬

‫على عدم نظرهم ‪ 1‬في ملكوت السموات والرض وفي ما خلق ال من شيء وفي أن عسى أن‬
‫يكون قد اقترب أجلهم‪ ،‬إذ لو نظروا في ملكوت السموات والرض وما في ذلك من مظاهر القدرة‬
‫والعلم والحكمة لعلموا أن المستحق للعبادة هو خالق هذا الملكوت‪ ،‬ل الصنام والتماثيل‪ ،‬كما أنهم‬
‫لو نظروا فيما خلق ال من شيء من النملة إلى النخلة ومن الحبة إلى القبة لدركوا أن ال هو‬
‫الحق وأن ما يدعون هو الباطل كما أنه حرى بهم أن ينظروا في ما مضى من أعمارهم فيدركوا‬
‫أنه من الجائز أن يكون قد اقترب أجلهم‪ ،‬وقد اقترب فعل فليعجلوا بالتوبة حتى ل يؤخذوا وهم‬
‫كفار أشرار فيهلكون ويخسرون خسرانا ًكاملً‪ .‬ثم قال تعالى في ختام الية {فبأي حديث ‪ }2‬بعد‬
‫القرآن يؤمنون فالذي ل يؤمن بالقرآن وكله حجج وشواهد وبراهين وأدلة واضحة على وجوب‬
‫توحيد ال واليمان بكتابه ورسوله ولقائه ووعده ووعيده فبأي كلم يؤمن‪ ،‬اللهم ل شيء‪ ،‬فالقوم‬
‫إذا أضلهم ال‪ ،‬ومن أضله ال فل هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون حيارى يترددون ل‬
‫يدرون ما يقولون‪ ،‬ول أين يتجهون حتى يهلكوا كما هلك من قبلهم‪ .‬وما ربك بظلم للعبيد‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬عظم خطر التكذيب بالقرآن الكريم حتى أن المكذب ليستدرج حتى يهلك وهو ل يعلم‪.‬‬
‫‪ -2‬أكبر موعظة وهي أن على النسان أن يذكر دائما أن أجله قد يكون قريبا وهو ل يدري فيأخذ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بالحذر والحيطة حتى ل يؤخذ على غير توبة فيخسر‪.‬‬
‫‪ -3‬من ل يتعظ بالقرآن وبما فيه من الزواجر‪ ،‬والعظات والعبر‪ ،‬ل يتعظ بغيره‪.‬‬
‫‪ -4‬من أعرض عن كتاب ال مكذبا بما فيه من الهدى فضل‪ ،‬ل ترجى له هداية أبدا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬استدل العلماء بهذه الية‪{ :‬أو لم ينظروا في ملكوت السموات والرض} ونظائر هذه الية وهي‬
‫كثيرة على وجوب النظر في اليات والعتبار بالمخلوقات وهو كذلك‪ ،‬واختلف العلماء في‪ :‬هل‬
‫اليمان يثبت بالتقليد أو لبد من النظر حتى يؤمن‪ ،‬والصحيح‪ :‬أنّ اليمان يصح بالتقليد المفيد‬
‫لليقين كإيمان عوام المسلمين‪ ،‬وأفضل منه ما كان عن نظر واستدلل وهو إيمان العالمين‪.‬‬
‫‪ 2‬قوله‪{ :‬فبأي حديث} الخ‪ :‬الستفهام لتوقيفهم على ما يجب أن يفكروا فيه وينظروا إليه وتوبيخهم‬
‫على ترك ذلك‪.‬‬

‫( ‪)2/269‬‬

‫‪َ 1‬يسْأَلُو َنكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْسَاهَا ُقلْ إِ ّنمَا عِ ْل ُمهَا عِندَ رَبّي لَ ُيجَلّيهَا ِل َوقْ ِتهَا ِإلّ ُهوَ َثقَُلتْ فِي‬
‫حفِيّ عَ ْنهَا ُقلْ إِ ّنمَا عِ ْل ُمهَا عِندَ الّل ِه وََلكِنّ َأكْثَرَ‬
‫ض لَ تَأْتِيكُمْ ِإلّ َبغْتَةً َيسْأَلُو َنكَ كَأَ ّنكَ َ‬
‫سمَاوَاتِ وَالَ ْر ِ‬
‫ال ّ‬
‫ل ضَرّا ِإلّ مَا شَاء اللّ ُه وََلوْ كُنتُ أَعْلَمُ ا ْلغَ ْيبَ‬
‫س لَ َيعَْلمُونَ(‪ )187‬قُل لّ َأمِْلكُ لِ َنفْسِي َن ْفعًا َو َ‬
‫النّا ِ‬
‫لَسْ َتكْثَ ْرتُ مِنَ ا ْلخَيْ ِر َومَا مَسّ ِنيَ السّوءُ إِنْ أَنَاْ ِإلّ نَذِي ٌر وَبَشِيرٌ ّلقَوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ(‪)188‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الساعة‪ :‬أي الساعة بمعنى الوقت الذي تنتهي فيه الحياة الدنيا بالفناء التام‪.‬‬
‫أيان مرساها ‪ :2‬أي متى وقت قيامها‪.‬‬
‫ل يجلها لوقتها‪ :‬أي ل يظهرها في وقتها المحدد لها إل هو سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫بغتة‪ :‬أي فجأة بدون توقع أو انتظار‪.‬‬
‫حفي عنها‪ :‬أي ملحف مبالغ في السؤال عنها حتى أصبحت تعرف وقت مجيئها‪.‬‬
‫الغيب ‪ :‬الغيب ما غاب عن حواسنا وعن عقولنا فلم يدرك بحاسة ول بعقل‪ .‬والمراد به هنا ما‬
‫سيحدث في المستقبل القريب أو البعيد‪.‬‬
‫السوء‪ :‬كل ما يسوء العبد في روحه أو بدنه‪.‬‬
‫إن أنا إل نذير ‪ :‬أي ما أنا إل نذير وبشير فلست بإله يدبر المر ويعلم الغيب‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬السائلون النبي صلى ال عليه وسلم عن الساعة كثيرون بعضهم مشركون يسألون للتعجيز‬
‫وبعضهم يهود يسألون اختبارا وامتحانا‪.‬‬
‫‪ 2‬اسم يسأل به عن الزمان ل غير‪ ،‬قال الراجز‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أيّان تقضي حاجتي أيّان ‪...‬‬
‫جحِها أرانا‬
‫أما ترى لنُ ْ‬

‫( ‪)2/270‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫ل شك أن أفرادا من قريش أو من غيرهم سألوا النبي صلى ال عليه وسلم عن الساعة متى قيامها‬
‫فأخبره تعالى بسؤالهم وعلمه الجواب فقال عز وجل وهو يخاطب رسوله صلى ال عليه وسلم‬
‫{يسألونك عن الساعة أيان مرساها ‪ }1‬أي متى وقت وقعوها وقيامها؟ قل لهم {إنما علمها عند‬
‫ربى} أي علم وقت قيامها عند ربي خاصة {ل يجليها لوقتها} أي ل يظهرها لول وقتها إل هو‬
‫{ثقلت في السموات والرض} أي ثقل أمر علمها عند أهل السموات والرض {ل تأتيكم إل بغتة}‬
‫أي فجأة‪ ،‬ثم قال له يسألونك هؤلء الجهال عن الساعة {كأنك حفي عنها} أي كأنك ملحف في‬
‫السؤال مبالغ في طلب معرفتها حتى عرفتها‪ ،‬قل لهم {إنما علمها ‪ 2‬عند ال} خاصة‪{ ،‬ولكن أكثر‬
‫الناس ل يعلمون}‪ ،‬ولذا هم يسألونه‪ ،‬إذ إخفاؤه لحكم عالية لو عرفها الناس ما سألوا ولن يسألوا‬
‫ولكن الجهل هو الذي ورطهم في مثل هذه السئلة وهذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )187‬أما‬
‫الية الثانية (‪ )188‬فقد أمر تعالى رسوله أن يقول لولئك السائلين عن الساعة متى وقت مجيئها‬
‫{ل أملك لنفسي نفعا ول ضرا} خيرا ول شرا {إل ما شاء ال} شيئا من ذلك فإنه يُعينني على‬
‫جلبه أو على دفعه فكيف إذا أعلم وقت مجيء الساعة حتى تسألوني عنها {ولو كنت أعلم الغيب‬
‫‪ }3‬كما تظنون لستكثرت من الخيرات وما مسني السوء‪ .‬وذلك أني إذا عرفت متى الخصب‬
‫ومتى الجدب‪ ،‬ومتى الغلء ومتى الرخاء يمكنني بسهولة أن استكثر من الخير عند وجوده‪،‬‬
‫وأتوقى الشر وأدفعه قبل حصوله‪ ،‬يا قوم إنما أنا نذير بعواقب الشرك والمعاصي بشير بنتائج‬
‫اليمان والتوحيد والعمل الصالح فلست بإله أعلم الغيب‪ ،‬ووظيفتي هذه صراحة هي البشارة‬
‫والنذارة ينتفع بها المؤمنون خاصة وهو معنى قوله تعالى {إن أنا إل نذير وبشير لقوم يؤمنون}‪.‬‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬أيان مرساها}‪ :‬مرساها مبتدأ‪ ،‬والخبر أيّان‪ ،‬وقدّم لنه اسم استفهام له الصدارة ومعنى‬
‫مرساها‪ :‬مثبتها‪ ،‬من قولهم أرسى كذا إذا أثبته‪ ،‬أي‪ :‬متى وقوعها‪.‬‬
‫‪ 2‬أي علم الساعة إذ إخفاء علم الساعة كان لحكم عالية لو عرفها السائلون عن الساعة ما سألوا‬
‫ولكنهم لجهلهم يسألون‪.‬‬
‫‪ 3‬الغيب‪ :‬قسمان‪ ،‬حقيقي‪ :‬وهو ما استأثر ال تعالى به ومن علّمه تعالى منه شيئا علمه‪ .‬وإضافي‪:‬‬
‫يعلمه بعض ويخفي عن بعض‪ ،‬ومن ادعى علم الغيب فقد كذّب ال ونازعه فيما استأثر به فهو‬
‫بذلك كافر‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/271‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬مرد علم الساعة إلى ال وحده فكل مسؤول عنها غير ال ليس أعلم من السائل ‪.1‬‬
‫‪ -2‬للساعة أشراط بعضها في الكتاب وبعضها في السنة وليس معنى ذلك أنه تحديد لوقتها وإنما‬
‫هي مقدمات تدل على قربها فقط‪.‬‬
‫‪ -3‬استأثر ال بعلم الغيب فل يعلم الغيب إل ال‪ ،‬ومَنْ علّمه ال شيئا منه علم كما علم نبيه صلى‬
‫ال عليه وسلم بعض المغيبات‪ ،‬والمعلم بالشيء ل يقال فيه يعلم الغيب وإنما يقال علّمه ربه غيب‬
‫كذا وكذا فعلمه‪:‬‬
‫‪ -4‬إذا كان الرسول ل يملك لنفسه نفعا ول ضرا فكيف يطلب منه ذلك وإذ كان الرسول ل يملك‬
‫فهل من دونه من العباد يملك؟ إذا عرفت هذا ظهر لك ضلل أقوام يدعون الموتى سائلين‬
‫ضارعين عند قبورهم ويقولون أنهم ل يدعونهم ولكن يتوسلون بهم فقط‪.‬‬
‫خفِيفًا‬
‫حمْلً َ‬
‫حمََلتْ َ‬
‫سكُنَ إِلَ ْيهَا فََلمّا َتغَشّاهَا َ‬
‫جهَا لِ َي ْ‬
‫ج َعلَ مِ ْنهَا َزوْ َ‬
‫س وَاحِ َد ٍة َو َ‬
‫ُهوَ الّذِي خََل َقكُم مّن ّنفْ ٍ‬
‫عوَا اللّهَ رَ ّب ُهمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحا لّ َنكُونَنّ مِنَ الشّاكِرِينَ(‪ )189‬فََلمّا آتَا ُهمَا‬
‫َفمَ ّرتْ ِبهِ فََلمّا أَ ْثقَلَت دّ َ‬
‫عمّا يُشْ ِركُونَ(‪ )190‬أَ ُيشْ ِركُونَ مَا لَ َيخْلُقُ شَيْئا وَهُمْ‬
‫جعَلَ لَهُ شُ َركَاء فِيمَا آتَا ُهمَا فَ َتعَالَى الّلهُ َ‬
‫صَالِحا َ‬
‫سهُمْ يَنصُرُونَ(‪ )192‬وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ا ْلهُدَى لَ‬
‫يُخَْلقُونَ(‪َ )191‬ولَ َيسْتَطِيعُونَ َلهُمْ َنصْرًا َولَ أَنفُ َ‬
‫عوْ ُتمُوهُمْ َأمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ(‪)193‬‬
‫سوَاء عَلَ ْي ُكمْ أَدَ َ‬
‫يَتّ ِبعُوكُمْ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لحديث مسلم‪ :‬فقد سأله جبريل عن السلم واليمان والحسان فبيّن له ذلك فصدقه جبريل‬
‫وسأله عن الساعة فقال له‪ :‬ما المسؤول عنها بأعلم من السائل‪.‬‬

‫( ‪)2/272‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫من نفس واحدة‪ :‬هي نفس آدم عليه السلم‪.‬‬
‫وجعل منها زوجها‪ :‬أي خلق منها زوجها وهي حواء خلقها من ضلع آدم اليسر‪.‬‬
‫ليسكن إليها ‪ :‬أي ليألفها ويأنس بها لكونها من جنسه‪.‬‬
‫فلما تغشاها‪ :‬أي وطئها‪.‬‬
‫فمرت به‪ :‬أي ذاهبة جائية تقضى حوائجها لخفت الحمل في الشهر الولى‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فلما أثقلت ‪ : 1‬أي أصبح الحمل ثقيلً في بطنها‪.‬‬
‫لئن أتيتنا صالحا ‪ :‬أي ولدا صالحا ليس حيوانا بل إنسانا‪.‬‬
‫جعل له شركاء ‪ :‬أي سموه عبد الحارث وهو عبدال جل جلله‪.‬‬
‫فتعالى ال عما يشركون ‪ :‬أي أهل مكة حيث أشركوا في عبادة ال أصناما‪.‬‬
‫وإن تدعوهم إلى الهدى ‪ :‬أي الصنام ل يتبعوكم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫يقول تعالى لولئك السائلين عن الساعة عنادا ومكابرة من أهل الشرك هو أي ال {الذي خلقكم من‬
‫نفس واحدة وخلق منها زوجها} الله المستحق للعبادة ل الصنام والوثان‪ ،‬فالخالق لكم من نفس‬
‫واحدة وهي آدم وخلق منها زوجها حواء هو المستحق للتأليه والعبادة‪ .‬دون غيره من سائر خلقه‪.‬‬
‫وقوله {ليسكن إليها}‪ :‬علة لخلقه زوجها منها‪ ،‬إذ لو كانت من جنس آخر لما حصلت اللفة والنس‬
‫بينهما وقوله {فلما تغشاها} أي للوطء ووطئها {حملت ‪ 2‬حملً خفيفا فمرت ‪ 3‬به} لخفته {فلما‬
‫أثقلت} أي أثقلها الحمل‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال الفقهاء كمالك‪ :‬إذا بلغ الحمل ستة أشهر أصبحت الحامل مريضة فل يصح لها أن تهب من‬
‫مالها أكثر من الثلث‪ ،‬ومثلها من دخل معركة القتال‪ ،‬وكذا المريض الشديد المرض‪ ،‬والمحبوس‬
‫للقتل ليس لهم من هبة إلّ ما كان الثلث فأقل‪.‬‬
‫‪ 2‬كل ما كان في البطن أو على رأس النخلة أو الشجرة فهو حمل بفتح الحاء وكل ما كان على‬
‫رأس أو ظهر إنسان أو حيوان فهو حمل بكسر الحاء‪.‬‬
‫‪ 3‬فمرت به لخفّته فلم نتفطّن له ولم تفكر في شأنه ومعنى أثقلت أي صارت ذات ثقل من أثقل‬
‫المريض فهو مثقل فأثقلت صارت مثقلة‪.‬‬

‫( ‪)2/273‬‬

‫{دعوا ال} أي آدم ‪ 1‬وحواء ربهما تعالى أي سأله قائلين {لئن آتيتنا صالحا} أي غلما صالحا‬
‫{لنكونن من الشاكرين} أي لك‪ .‬واستجاب الرب تعالى لهما وآتاهما صالحا‪ .‬وقوله تعالى {فلما‬
‫آتاهما صالحا جعل له شركاء فيما آتاهما} حيث سمته حواء عبدالحارث بتغرير من إبليس‪ ،‬إذ‬
‫اقترح عليهما هذه التسمية‪ ،‬وهي من الشرك الخفي المعفو عنه نحو لول الطبيب هلك فلن‪ ،‬وقوله‬
‫{فتعالى ال عما يشركون} عائد إلى كفار قريش الذين يشركون في عبادة ال أصنامهم وأوثانهم‪،‬‬
‫بدليل قوله بعد {أيشركون ما ل يخلق شيئا} أي من المخلوقات {وهم} أي الوثان وعبادها‬
‫{يخلقون‪ ،‬ول يستطيعون لهم نصرا} إذا طلبوا منهم ذلك‪{ .‬ول أنفسهم ينصرون} لنهم جمادات ل‬
‫حياة بها ول قدرة لها وقوله {وإن تدعوهم} أي وإن تدعوا أولئك الصنام {إلى الهدى} وقد ضلوا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الطريق {ل يتبعوكم ‪ }2‬لنهم ل يعقلون الرشد من الضلل ولذا فسواء عليكم {أدعوتموهم أم أنتم‬
‫صامتون} أي لم تدعوهم فإنهم ل يتبعونكم ومن هذه حاله وهذا واقعه فهل يصح أن يعبد فتقرب‬
‫له القرابين ويحلف به‪ ،‬ويعكف عنده‪ ،‬وينادى ويستغاث به؟؟ اللهم ل‪ ،‬ولكن المشركين ل يعقلون‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان أصل خلق البشر وهو آدم وحواء عليهما السلم‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان السر في كون الزوج من جنس الزوج وهو اللفة والنس والتعاون‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان خداع إبليس وتضليله للنسان حيث زين لحواء تسمية ولدها بعبد الحارث وهو عبد ال‪.‬‬
‫‪ -4‬الشرك في التسمية ‪ 3‬شرك خفي معفو عنه وتركه أولى‪.‬‬
‫‪ -5‬التنديد بالشرك والمشركين‪ ،‬وبيان جهل المشركين وسفههم إذ يعبدون ما ل يسمع ول يبصر‬
‫ول يجيب ول يتبع‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ما ذهبت إليه في التفسير هو ما ذا إليه إمام المفسرين ابن جرير الطبري وهو مؤيد بقراءة‬
‫تشركون بالتاء وبحديث خدعهما مرتين خدعهما في الجنة وخدعهما في الرض وذهب آخرون‬
‫إلى أن الكلم على جنس الدميين تبينا لحال المشركين من ذرية آدم ودل على قولهم قراءة‬
‫يشركون بالياء وال أعلم‪.‬‬
‫‪ 2‬يقول بعضهم‪ :‬اتبعه‪ :‬إذا شيء وراءه ولم يدركه‪ ،‬واتّبعه مشددا إذا مشى وراءه وأدركه‪.‬‬
‫‪ 3‬نحو‪ :‬عبد النبي‪ ،‬وعبد الرسول‪ ،‬وعبد الضيف كما قال حاتم الطائي‪:‬‬
‫وإني لعبد الضيف ما دام ثاويا ‪...‬‬
‫وما في إل تيك من شيمة العبد‬

‫( ‪)2/274‬‬

‫إِنّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ الّلهِ عِبَادٌ َأمْثَاُلكُمْ فَادْعُو ُهمْ فَلْيَسْ َتجِيبُواْ َلكُمْ إِن كُن ُت ْم صَا ِدقِينَ(‪ )194‬أََل ُهمْ‬
‫س َمعُونَ ِبهَا ُقلِ‬
‫طشُونَ ِبهَا أَمْ َل ُهمْ أَعْيُنٌ يُ ْبصِرُونَ ِبهَا أَمْ َل ُهمْ آذَانٌ يَ ْ‬
‫جلٌ َيمْشُونَ ِبهَا َأمْ َلهُمْ أَ ْيدٍ يَبْ ِ‬
‫أَرْ ُ‬
‫ب وَ ُهوَ يَ َتوَلّى‬
‫ادْعُواْ شُ َركَاءكُمْ ثُمّ كِيدُونِ فَلَ تُنظِرُونِ(‪ )195‬إِنّ وَلِيّيَ الّلهُ الّذِي نَ ّزلَ ا ْلكِتَا َ‬
‫سهُمْ يَ ْنصُرُونَ(‪ )197‬وَإِن‬
‫الصّالِحِينَ(‪ )196‬وَالّذِينَ َتدْعُونَ مِن دُونِ ِه لَ يَسْ َتطِيعُونَ َنصْ َركُ ْم وَل أَنفُ َ‬
‫ك وَهُ ْم لَ يُ ْبصِرُونَ(‪)198‬‬
‫س َمعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَ ْي َ‬
‫تَدْعُوهُمْ إِلَى ا ْلهُدَى لَ يَ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫عباد أمثالكم‪ :‬أي مملوكون مخلوقون أمثالكم لمالك واحد هو ال رب العالمين‪.‬‬
‫شركاءكم‪ :‬أصنامكم التي تشركون بها‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ثم كيدون‪ :‬بما استطعتم من أنواع الكيد‪.‬‬
‫فل تنظرون‪ :‬أي فل تمهلون لني ل أبالي بكم‪.‬‬
‫إن وليي ال ‪ :‬أي المتولي أموري وحمايتي ونصرتي ال الذي نزل القرآن‪.‬‬
‫وتراهم ينظرون ‪ :‬أي وترى الصنام المنحوتة على شكل رجال ينظرون إليك وهم ل يبصرون‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫هذه اليات الخمس في سياق ما قبلها جاءت مقررة لمبدأ التوحيد مؤكدة له منددة‬

‫( ‪)2/275‬‬

‫بالشرك مقبحة له‪ ،‬ولهله فقوله تعالى {إن الذين تدعون ‪ }1‬أي دعاء عبادة أيها المشركين هم‬
‫{عباد أمثالكم ‪ }2‬أي مملوكون ل‪ ،‬ال مالكهم كما أنتم مملوكون ل مربوبون‪ .‬فكيف يصح منكم‬
‫عبادتهم وهم مملكون مثلكم ل يملكون لكم ول لنفسهم نفعا ول ضرا‪ ،‬وإن شككتم في صحة هذا‬
‫فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين في زعمكم أنهم آلهة يستحقون العبادة‪ .‬إنكم لو‬
‫دعوتموهم ما استجابوا‪ ،‬وكيف يستجيبون وهم جماد ول حياة لهم {ألهم أرجل يمشون بها أم لهم‬
‫أيد ‪ 3‬يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها‪ ،‬أم لهم آذان يسمعون بها} إنه ل شيء لهم من ذلك‬
‫فكيف إذا يستجيبون‪ ،‬وبأي حق يعبدون فيدعون ويرجون وهم فاقدوا آثار القدرة والحياة بالمرة‪.‬‬
‫ثم أمر ال تعالى رسوله أن يعلن لهم أنه ل يخافهم ول يعدهم شيئا إذا كانوا هم يعبدونهم‬
‫ويخافونهم فقال له قل لهؤلء المشركين {ادعوا شركاءكم ثم كيدون ‪ }4‬أنتم وإياهم {فل تنظرون}‬
‫أي ل تمهلوني ساعة‪ ،‬وذلك لن {وليى ‪ 5‬ال الذي نزل الكتاب} أي القرآن {وهو يتولى‬
‫ي المؤمنين‪ .‬أما أنتم {والذين‬
‫الصالحين} فهو ينصرني منكم ويحميني من كيدكم إنه ولي وول ّ‬
‫تدعون من دونه} أي من دون ال من هذه الوثان {ل يستطيعون نصركم ول أنفسهم ينصرون}‬
‫وشيء آخر وهو أنكم {إن تدعوهم إلى الهدى ل يسمعوا} فضلً عن إن تدعوهم إلى الضلل‬
‫فكيف تصح عبادة من ل يجيب داعية في الرخاء ول في الشدة‪ .‬وأخيرا يقول تعالى لرسوله صلى‬
‫ال عليه وسلم‪{ ،‬وتراهم} أي ترى أولئك اللهة وهي تماثيل من حجارة {ينظرون إليك ‪ }6‬إذا‬
‫قابلتهم لن أعينهم مفتوحة دائما‪ ،‬والحال أنهم ل يبصرون‪ ،‬وهل تبصر الصور والتماثيل؟‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬تدعون‪ :‬بمعنى تعبدون لن الدعاء هو العبادة أو تدعون‪ :‬بمعنى تدعونها عبادة فحذف المفعول‬
‫ليشمل التعبير المعنيين وهو من بلغة القرآن‪.‬‬
‫‪ 2‬أطلق لفظ عباد على الوثان لنها مملوكة ل تعالى كعابديها مخلوقة كما هم مخلوقون‪ ،‬ولما‬
‫اعتقد المشركون أنّ أصنامهم تنفع وتضر عاملها معاملة المقلء فقال‪ :‬عباد أمثالكم وقال‪:‬‬
‫{فادعوهم} بدل فادعوهن‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 3‬اليد والرجل والذن مؤنثات ولذا يصغّرن بالهاء ويقال‪ :‬يُدية ورُجلية وأذينة وشدّدت الهاء من‪:‬‬
‫يدية لنّ الياء المحذوفة من يد‪ ،‬ردّت في التصغير‪.‬‬
‫‪ 4‬أصل كيدون‪ :‬كيدوني بالياء فحذفت تخفيفا‪ ،‬والكيد‪ .:‬المكر‪ ،‬والحرب أيضا يقال‪ :‬غزا فلم يلق‬
‫كيدا أي‪ :‬حربا‪.‬‬
‫‪ 5‬وليّ الشيء‪ :‬هو الذي يحفظه ويمنع الضرر عنه وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص قال‪:‬‬
‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪" :‬أل إن آل فلن ليسوا لي بأولياء إنما وليي ال‬
‫وصالح المؤمنين"‪.‬‬
‫‪ 6‬النظر‪ :‬فتح العينين إلى المنظور إليه‪ ،‬وجملة وتراهم مستأنفة وينظرون في محل نصب على‬
‫الحال وجائز أن يكون المراد بـ تراهم ينظرون إليك المشركون أنفسهم وكونهم ل يبصرون‬
‫لنهم لم ينتفعوا بأبصارهم‪.‬‬

‫( ‪)2/276‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬إقامة الحجة على المشركين بالكشف عن حقيقة ما يدعون أنها آلهة فإذا بها أصنام ل تسمع‬
‫ول تجيب ل أيد لها ول أرجل ول آذان ول أعين‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب التوكل على ال تعالى‪ ،‬وطرد الخوف من النفس والوقوف أمام الباطل وأهله في‬
‫شجاعة وصبر وثبات اعتمادا على ال تعالى ووليته إذ هو يتولى الصالحين‪.‬‬
‫‪ -3‬جواز المبلغة في التنفير من الباطل والشر بذكر العيوب والنقائص‪.‬‬
‫خذِ ا ْل َعفْ َو وَ ْأمُرْ بِا ْلعُ ْرفِ وَأَعْ ِرضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ(‪ )199‬وَِإمّا يَنزَغَ ّنكَ مِنَ الشّ ْيطَانِ نَ ْزغٌ فَاسْ َتعِذْ بِالّلهِ‬
‫ُ‬
‫سهُمْ طَا ِئفٌ مّنَ الشّ ْيطَانِ تَ َذكّرُواْ فَِإذَا هُم مّ ْبصِرُونَ(‪)201‬‬
‫سمِيعٌ عَلِيمٌ(‪ )200‬إِنّ الّذِينَ ا ّتقَواْ ِإذَا مَ ّ‬
‫إِنّهُ َ‬
‫خوَا ُنهُمْ َيمُدّو َنهُمْ فِي ا ْل َغيّ ثُ ّم لَ ُي ْقصِرُونَ(‪)202‬‬
‫وَإِ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫العفو‪ :‬ما كان سهلً ل كلفة فيه وهو ما يأتي بدون تكلف‪.‬‬
‫بالعرف‪ :‬أي المعروف في الشرع بالمر به أو الندب إليه‪.‬‬
‫وأعرض عن الجاهلين ‪ :‬الجاهلون‪ :‬هم الذين لم تستنر قلوبهم بنور العلم والتقوى‪ ،‬والعراض‬
‫عنهم بعدم مؤاخذتهم على سوء قولهم أو فعلهم‪.‬‬
‫نزغ الشيطان‪ :‬أي وسوسته بالشر‪.‬‬
‫فاستعذ بال ‪ :‬أي قل أعوذ بال يدفعه عنك إنه أي ال سميع عليم‪.‬‬
‫اتقوا‪ :‬أي الشرك والمعاصي‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/277‬‬

‫طائف من الشيطان ‪ :‬أي ألم بهم شيء من وسوسته‪.‬‬


‫وإخوانهم يمدونهم في الغي ‪ :‬أي إخوان الشياطين من أهل الشرك والمعاصي يمدونهم في الغي‪.‬‬
‫ثم ل يقصرون ‪ :‬أي ل يكفون عن الغي الذي هو الضلل والشر والفساد‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما علّم تعالى رسوله كيف يحاج المشركين لبطال باطلهم في عبادة غير ال تعالى والشراك به‬
‫عز وجل علمه في هذه الية أسمى الداب وأرفعها‪ ،‬وأفضل الخلق وأكملها فقال له‪{ :‬خذ العفو‬
‫‪ 1‬وأمر بالعرف ‪ 2‬وأعرض عن الجاهلين} أي خذ من أخلق الناس ما سهل عليهم قوله وتيسر‬
‫لهم فعله‪ ،‬ول تطالبهم بما ل يملكون أو بما ل يعلمون وأمرهم بالمعروف‪ ،‬وأعرض ‪ 3‬عن‬
‫الجاهلين منهم فل تعنفهم ول تغلظ القول لهم فقد سأل صلى ال عليه وسلم عن معنى هذه الية‬
‫جبريل عليه السلم فقال له‪" :‬تعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك وتعطي من حرمك ‪ "4‬وقوله‬
‫{وإما ينزغنك من الشيطان نزغ ‪ }5‬أي أثار غضبك حتى ل تلتزم بهذا الدب الذي أمرت به‬
‫{فاستعذ بال} بدفعه عنك إنه سميع لقوالك عليم بأحوالك‪ .‬ثم قال تعالى مقررا حكم الستعاذة مبينا‬
‫جدواها ونفعها لمن يأخذ بها‪{ .‬إن الذين اتقوا} أي ربهم فلم يشركوا به أحدا ولم يفرطوا في‬
‫الواجبات ولم يغشوا المحرمات هؤلء {إذا مسهم طائف ‪ 6‬من الشيطان} بأن نزغهم بإثارة الغضب‬
‫أو الشهوة فيهم تذكروا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال ابن الزبير هذه الية‪{ :‬خذ العفو‪ }..‬الخ ما أنزلها ال تعالى إلّ في أخلق الناس‪ ،‬وقال‬
‫جعفر الصادق أمر ال رسوله بمكارم الخلق في هذه الية‪ ،‬وليس في القرآن أجمع لمكارم‬
‫الخلق من هذه الية‪.‬‬
‫‪ 2‬العرف‪ :‬المعروف وقرىء العرف‪ :‬العُرُف بضم العين والراء مثل‪ :‬الحُلُم والعرف‪ :‬كل خصلة‬
‫حسنة ترتضيها العقول وتطمئن إليها النفوس‪ :‬قال الشاعر‪:‬‬
‫من يفعل الخير ل يعدم جوازيه ‪ ...‬ل يذهب العُرف بين ال والناس‬
‫‪3‬العراض عن الجاهلين يكون بعد دعوتهم إلى الحق وإقامة الحجة عليهم فان لم يستجيبوا‬
‫يعرض عنهم آذوه أو لم يؤذوه‪.‬‬
‫‪ 4‬من أحاديث مكارم الخلق قوله صلى ال عليه وسلم "إنكم ل تسعون الناس بأموالكم ولكن‬
‫يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق"‪.‬‬
‫‪ 5‬النزغ‪ ،‬والنغز والهمز والوسوسة بمعنى واحد‪ ،‬والنزغ‪ :‬الفساد والغراء والغراء وعلج‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الوسوسة‪ ،‬الستعاذة بال تعالى‪.‬‬
‫‪ 6‬الطيف‪ ،‬والطائف‪ ،‬بمعنى‪ ،‬وقيل‪ :‬الطيف‪ :‬الخيال‪ ،‬والطائف‪ :‬الشيطان‪ .‬وهو صحيح أيضا‪.‬‬

‫( ‪)2/278‬‬

‫أمر ال ونهيه ووعده ووعيده {فإذا هم مبصرون} يرون قبح المعصية وسوء عاقبة فاعلها فكفوا‬
‫عنها ولم يرتكبوها‪ .‬وقوله تعالى‪{ :‬وإخوانهم} أي إخوان الشياطين من أهل الشرك والمعاصي‬
‫{يمدونهم} أي الشياطين {في الغي} أي في المعاصي والضللت ويزيدونهم في تزيينها لهم‬
‫وحملهم عليها‪{ ،‬ثم ل يقصرون} عن فعلها ويكفون عن ارتكابها‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬المر بالتزام الداب والتحلي بأكمل ‪ 1‬الخلق ومن أرقاها العفو عمن ظلم وإعطاء من حرم‪،‬‬
‫وصلة من قطع‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب الستعاذة بال عند ‪ 2‬الشعور بالوسوسة أو الغضب أو تزيين الباطل ‪.3‬‬
‫‪ -3‬فضيلة التقوى وهي فعل الفرائض وترك المحرمات‪.‬‬
‫‪ -4‬شؤم أخوة الشياطين حيث ل يقصر صاحبها بمد الشياطين له عن الغي الذي هو الشر‬
‫والفساد‪.‬‬
‫وَإِذَا َلمْ تَأْ ِتهِم بِآ َيةٍ قَالُواْ َلوْلَ اجْتَبَيْ َتهَا ُقلْ إِ ّنمَا أَتّبِعُ مَا يوحَى إَِليّ مِن رّبّي هَذَا َبصَآئِرُ مِن رّ ّب ُكمْ‬
‫حمُونَ(‪)204‬‬
‫حمَةٌ ّلقَوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ(‪ )203‬وَإِذَا قُرِئ ا ْلقُرْآنُ فَاسْ َت ِمعُواْ َل ُه وَأَنصِتُواْ َلعَّلكُمْ تُرْ َ‬
‫وَهُدًى وَرَ ْ‬
‫وَا ْذكُر رّ ّبكَ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روي أنّ النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬أمرني ربي بتسع‪ :‬الخلص في السر والعلنية‬
‫والعدل في الرضا والغضب‪ ،‬والقصد في الغنى والفقر‪ ،‬وأن أعفو عمّن ظلمني وأصل من‬
‫قطعني‪ ،‬وأعطي من حرمني وأن يكون نطقي ذكرا وصمتي فكرا ونظري عبرة"‪.‬‬
‫‪ 2‬روى مسلم عن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬يأتي‬
‫الشيطان أحدكم فيقول له من خلق كذا وكذا حتى يقول له‪ :‬من خلق ربّك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ‬
‫بال ولينته" فقوله‪ :‬فليستعذ‪ :‬المر للوجوب إذ ل يدفع الشيطان إل ال تعالى فهو الذي ينجي منه‬
‫ويجير‪.‬‬
‫‪ 3‬روي أن النبي صلى ال عليه وسلم لما نزلت آية {خذ العفو} الية قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬‬
‫كيف يا رب والغضب" فنزلت‪{ :‬وإمّا ينزغنك ‪ }...‬الخ‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/279‬‬

‫ل َولَ َتكُن مّنَ ا ْلغَافِلِينَ(‪ )205‬إِنّ‬


‫جهْرِ مِنَ ا ْل َقوْلِ بِا ْلغُ ُد ّو وَالصَا ِ‬
‫سكَ َتضَرّعا وَخِيفَ ًة وَدُونَ ا ْل َ‬
‫فِي َنفْ ِ‬
‫سجُدُونَ(‪)206‬‬
‫ك لَ يَسْ َتكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَ ِت ِه وَيُسَبّحُونَهُ وَلَهُ يَ ْ‬
‫الّذِينَ عِندَ رَ ّب َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫قالوا لول اجتبيتها‪ :‬أي اخترعتها واختلقتها من نفسك وأتيتنا بها‪.‬‬
‫هذا بصائر من ربكم‪ :‬أي هذا القرآن حجج وبراهين وأدلة على ما جئت به وادعوكم إليه فهو‬
‫أقوى حجة من الية التي تطالبون بها‪.‬‬
‫فاستمعوا له وانصتوا‪ :‬أي اطلبوا سماعه وتكلفوا له‪ ،‬وانصتوا عند ذلك أي اسكتوا حتى تسمعوا‬
‫سماعا ينفعكم‪.‬‬
‫وخيفة ‪ :‬أي خوفا‪.‬‬
‫بالغدو والصال ‪ :‬الغدو‪ :‬أول النهار‪ ،‬والصال‪ :‬أواخره‪.‬‬
‫من الغافلين ‪ :‬أي عن ذكر ال تعالى‪.‬‬
‫إن الذين عند ربك ‪ :‬أي الملئكة‪.‬‬
‫يسبحونه‪ :‬ينزهونه بألسنهم بنحو سبحان ال وبحمده‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في توجيه الرسول صلى ال عليه وسلم وتعليمه الرد على المشركين خصومه فقال‬
‫تعالى عن المشركين من أهل مكة {وإذا لم تأتيهم} يا رسولنا {بآية} ‪ 1‬كما طلبوا {قالوا} لك {لول}‬
‫أي هل {اجتبيتها} أي اخترعتها وأنشأتها من نفسك ما دام ربك لم يعطها قل لهم إنما أنا عبد ال‬
‫ورسوله ل أفتات عليه {وإنما اتبع ما يوحى إليّ من ربي} وهذا القرآن الذي يوحى إلي بصائر ‪2‬‬
‫من حجج وبراهين على صدق دعواي وإثبات رسالتي‪،‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وجائز أن يكون المراد من الية‪ :‬آية قرآنية يمدحهم فيها ويمدح أصنامهم ولول هنا أداة‬
‫ل ول يليها إل الفعل ظاهرا أو مضمرا‪.‬‬
‫تحضيض مثل ه ّ‬
‫‪ 2‬البصائر‪ :‬جمع بصيرة وهي ما به يتضح الحق‪ ،‬وفي هذا تنويه بشأن القرآن العظيم وأنه‪ :‬أعظم‬
‫من اليات أي‪ :‬الخوارق التي يطالبون بها في الدللة على الحق الذي ضلّوا عنه‪.‬‬

‫( ‪)2/280‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وصحة ما أدعوكم إليه من اليمان والتوحيد وترك الشرك والمعاصي‪ ،‬فهل آمنتم واتبعتم أم الية‬
‫الواحدة تؤمنون عليها واليات الكثيرة ل تؤمنون عليها أين يذهب بعقولكم؟ وعلى ذكر بيان حجج‬
‫القرآن وأنواره أمر ال تعالى عباده المؤمنين إذا قرىء عليهم القرآن أن يستمعوا وينصتوا وسواء‬
‫كان يوم الجمعة على المنبر أو كان في غير ذلك ‪ 1‬فقال تعالى {فإذا قرىء القرآن فاستمعوا له}‬
‫أي تكلفوا السماع وتعمدوه {وانصتوا} بترك الكلم {لعلكم ترحمون} أي رجاء أن ينالكم من هدى‬
‫القرآن رحمته فتهتدوا وترحموا لن القرآن هدى ورحمة للمؤمنين‪.‬‬
‫ثم أمر تعالى رسوله وأمته تابعة له في هذا الكمال فقال تعالى {واذكر ربك في نفسك} أي سرا‬
‫ل وخشوعا‪{ ،‬وخيفة ‪ }2‬أي وخوفا وخشية {ودون الجهر من القول} وهو السر‬
‫{تضرعا} أي تذل ً‬
‫بأن يسمع نفسه فقط أو من يليه ل غير وقوله {بالغدو والصال} أي أوائل النهار وأواخره‪ ،‬ونهاه‬
‫عن ترك الذكر وهو الغفلة فقال {ول تكن من الغافلين} وذكر له تسبيح ‪ 3‬الملئكة وعبادتهم‬
‫ليتأسى بهم‪ ،‬فيواصل العبادة والذكر ليل نهار فقال {إن الذين عند ربك} وهم الملئكة في الملكوت‬
‫العلى {ل يستكبرون عن عبادته} أي طاعته بما كلفهم به ووظفهم فيه {ويسبحونه وله يسجدون‬
‫‪ }4‬فتأس بهم ول تكن من الغافلين‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬القرآن أكبر آية بل هو أعظم من كل اليات التي أعطيها الرسل عليهم السلم‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب النصات عند تلوة القرآن وخاصة في خطبة الجمعة على المنبر وعند قراءة المام‬
‫في الصلة الجهرية‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬كيومي العيدين مثل‪ ،‬وهذا المر بالستماع والنصات للقرآن عام يشمل المشركين إذ‬
‫كانوا يأمرون بعدم الستماع إليه كما قال تعالى‪{ :‬وقال الذين كفروا ل تسمعوا لهذا القرآن‪}...‬‬
‫كما يشمل المؤمنين‪ ،‬إذ سماع القرآن سبيل الهداية‪ ،‬والنصات‪ :‬سماع مع عدم التكلم حال‬
‫الستماع‪.‬‬
‫‪ 2‬الخيفة‪ :‬أصلها خوفة فقلبت الواو ياءُ لنكسار ما قبلها‪ ،‬وهي مصدر خاف المرء يخاف خوفا‬
‫وخيفة ومخافة فهو خائف‪.‬‬
‫‪ 3‬تسبيح الملئكة معناه‪ :‬تعظيمهم ل تعالى وتنزيههم له عزّ وجلّ عن الشريك والولد‪.‬‬
‫‪ 4‬صيغة المضارع في {يسبحون} و{يسجدون} لحصر السجود في ال تعالى وعدم جوازه لغيره‬
‫عز وجل‪.‬‬

‫( ‪)2/281‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -3‬وجوب ذكر ال بالغدو والصال‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان آداب الذكر وهي‪:‬‬
‫‪-1‬السرية‪.‬‬
‫‪ -2‬التضرع والتذلل‪.‬‬
‫‪ -3‬الخوف والخشية‪.‬‬
‫‪ -4‬السرار به وعدم رفع الصوت به‪ ،‬ل كما يفعل المتصوفة‪.‬‬
‫‪ -5‬مشروعية الئتساء بالصالحين والقتداء بهم في فعل الخيرات وترك المنكرات‪.‬‬
‫‪ -6‬عزيمة السجود عند قوله {وله يسجدون ‪ }1‬وهذه أول سجدات القرآن ويسجد القارىء‬
‫والمستمع له‪ ،‬أما السامع فليس عليه سجود‪ ،‬ويستقبل بها القبلة ويكبر عند السجود وعند الرفع منه‬
‫ول يسلم وكونه متوضأً أفضل‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ولو سلم منها في غير الصلة جاز فقد روي عن بعض السلف‪ ،‬ويستحب لمن سجد أن يقول‪:‬‬
‫"اللهم احطط عني بها وزرا واكتب لي بها أجرا واجعلها لي عندك ذخرا" رواه ابن ماجه عن ابن‬
‫عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)2/282‬‬

‫سورة النفال‬
‫‪...‬‬
‫سورة النفال‬
‫مدنية‬
‫وآياتها خمس وسبعون آية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫ل الَنفَالُ لِلّ ِه وَالرّسُولِ فَا ّتقُواْ اللّ َه وََأصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْ ِن ُك ْم وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ‬
‫ن الَنفَالِ ُق ِ‬
‫يَسْأَلُو َنكَ عَ ِ‬
‫إِن كُنتُم ّم ْؤمِنِينَ(‪ )1‬إِ ّنمَا ا ْل ُمؤْمِنُونَ الّذِينَ إِذَا ُذكِرَ اللّ ُه َوجَِلتْ قُلُو ُبهُمْ وَإِذَا تُلِ َيتْ عَلَ ْيهِمْ آيَاتُهُ زَادَ ْتهُمْ‬
‫إِيمَانًا وَعَلَى رَ ّب ِهمْ‬

‫( ‪)2/282‬‬

‫حقّا ّلهُمْ دَ َرجَاتٌ‬


‫ل َة َو ِممّا رَ َزقْنَاهُمْ يُن ِفقُونَ(‪ُ )3‬أوْلَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ َ‬
‫يَ َت َوكّلُونَ(‪ )2‬الّذِينَ ُيقِيمُونَ الصّ َ‬
‫عِندَ رَ ّب ِه ْم َو َمغْفِ َرةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ(‪)4‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫النفال‪ :‬جمع نفل ‪ 1‬بتحريك الفاء‪ :‬ما يعطيه المام لفراد الجيش تشجيعا لهم‪.‬‬
‫ذات بينكم‪ :‬أي حقيقة بينكم‪ ،‬والبين الوصلة والرابطة التي تربط بعضكم ببعض من المودة‬
‫والخاء ‪.‬‬
‫إنما المؤمنون‪ :‬أي الكاملون في إيمانهم‪.‬‬
‫وجلت قلوبهم‪ :‬أي خافت إذ الوجل ‪ :2‬هو الخوف لسيما عند ذكر وعيده ووعده‪.‬‬
‫وعلى ربهم يتوكلون‪ :‬على ال وحده يعتمدون وله أمرهم يفوضون‪.‬‬
‫ومما رزقناهم ‪ :‬أي أعطيناهم‪.‬‬
‫أولئك‪ :‬أي الموصوفون بالصفات الخمس السابقة‪.‬‬
‫لهم درجات‪ :‬منازل عالية في الجنة‪.‬‬
‫ورزق كريم‪ :‬أي عطاء عظيم من سائر وجوه النعيم في الجنة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫هذه اليات نزلت في غزوة بدر وكان النبي صلى ال عليه وسلم قد نفل ‪ 3‬بعض المجاهدين‬
‫لبلئهم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬النفل‪ :‬بسكون الفاء‪ :‬اليمين وفي الحديث‪" :‬فتبرئكم يهود بنفل خمسين منهم" وهو أيضا النتفاء‬
‫من الشيء وفي الحديث‪" :‬فانتفل من ولدها" والنفل‪ :‬نبت معروف‪ ،‬والنفل‪ :‬الزيادة على الفرائض‬
‫في الصلة‪.‬‬
‫‪ 2‬قيل لبعضهم‪ :‬متى تعرف أنه استجيب دعاؤك؟ قال‪ :‬إذا اقشعرّ جلدي ووجل قلبي‪ ،‬وفاضت‬
‫عيناي بالدموع‪ ،‬وقالت عائشة رضي ال عنها‪ :‬ما الوجل في القلب إل كضَ َرمَة السَعفَة‪ ،‬فإذا وجل‬
‫أحدكم فليدع عند ذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا ما ذهب إليه ابن جرير ورجحه محتجا عليه بشواهد اللغة والتاريخ والجمهور على أن‬
‫المراد بالنفال هنا غنائم بدر‪ ،‬والكل محتمل إذ حصل النفل‪ ،‬وحصلت الغنيمة‪ ،‬ولما اختلفوا ردت‬
‫إلى ال ورسوله ثم حكم ال تعالى فيها بقوله‪{ :‬واعلموا أنما غنمتم من شيء ‪ }...‬الية‪.‬‬

‫( ‪)2/283‬‬

‫وتخلف آخرون فحصلت تساؤلت بين المجاهدين لم يعطي هذا ولم ل يعطي ذاك فسألوا الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم فأنزل ال تعالى {يسألونك ‪ 1‬عن النفال؟} ‪ 2‬فأخبرهم أنها {ل والرسول} فال‬
‫يحكم فيها بما يشاء والرسول يقسمها بينكم كما يأمره ربه ‪ 3‬وعليه فاتقوا ال تعالى بترك النزاع‬
‫والشقاق‪{ ،‬وأصلحوا} ذات بينكم بتوثيق عرى المحبة بينكم وتصفية قلوبكم من كل ضغن أو حقد‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫نشأ من جراء هذه النفال واختلفكم في قسمتها‪{ ،‬وأطيعوا ال ورسوله} في كل ما يأمرانكم به‬
‫وينهيانكم عنه {إن كنتم مؤمنين} حقا فامتثلوا المر واجتنبوا النهي‪ .‬وقوله تعالى {إنما المؤمنون}‬
‫أي الكاملون في إيمانهم الذين يستحقون هذا الوصف وصف المؤمنين هم {الذين إذا ذكر ال} أي‬
‫اسمه أو وعده أو وعيده {وجلت قلوبهم ‪ }4‬أي خافت فأقلعت عن المعصية‪ ،‬وأسرعت إلى الطاعة‪،‬‬
‫{وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا} أي قوي إيمانهم وعظم يقينهم‪{ ،‬وعلى ربهم} ل على غيره‬
‫{يتوكلون} وفيه تعالى يثقون‪ .‬وإليه تعالى أمورهم يفوضون‪{ ،‬الذين يقيمون الصلة} بأدائها بكامل‬
‫شروطها وكافة أركانها وسائر سننها وآدابها‪{ ،‬ومما رزقناهم} أي أعطيناهم {ينفقون} من مال‬
‫وعلم‪ ،‬وجاه وصحة بدن من كل هذا ينفقون في سبيل ال {أولئك} الموصوفون بهذه الصفات‬
‫الخمس {هم المؤمنون حقاُ} وصدقا‪{ ،‬لهم درجات عند ربهم} أي منازل عالية متفاوتة العلو‬
‫والرتفاع في الجنة‪ ،‬ولهم قبل ذلك {مغفرة} كاملة لذنوبهم‪{ ،‬ورزق كريم} ‪ 5‬طيب واسع ل‬
‫تنقيص فيه ول تكدير‪ ،‬وذلك في الجنة دار المتقين‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬السؤال معناه‪ :‬الطلب فإن عدي بعن‪ :‬كان لطلب معرفة شيء نحو‪{ :‬يسألونك عن النفال} وإن‬
‫عدي بنفسه نحو‪" :‬سأله مال فهو‪ :‬لطلب إعطاء الشيء المطلوب"‪.‬‬
‫‪ 2‬النفال‪ :‬جمع نفلٌ بفتح النون والفاء معا ك َعمَلٌ وهو مشتق من النافلة التي هي الزيادة في‬
‫العطاء‪ ،‬وقد أطلق العرب لفظ النفل على الغنائم في الحرب اعتبارا منهم لها على أنها زيادة عن‬
‫المقصود الهم الذي هو إبادة العدو‪ ،‬ولذا كان بعض صناديدهم ل يأخذونها وهذا عنترة يقول‪:‬‬
‫يخبرك من شهد الوقيعة أنني ‪ ...‬أغشى الوغى وأعفّ عند المغنم‬
‫‪ 3‬اختلف في النفل هل يكون من الخمس أو هو خمس الخمس من الغنيمة؟ والصحيح أنه ما‬
‫يعطيه المام من شاء من المقاتلين لبلئه من الخمس‪.‬‬
‫‪ 4‬وجل‪ :‬كضرب‪ ،‬يوجل كيضرب ويجل كيلد بإسقاط فاء الكلمة والمصدر‪ :‬الوجل كالعسل‪،‬‬
‫وموجل كموعد‪.‬‬
‫‪ 5‬لفظ (الكريم) يصف به العرب كل شيء حسن في بابه ل قبح فيه ول شكوى منه‪.‬‬

‫( ‪)2/284‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬المر بتقوى ال عز وجل وإصلح ذات البين‪.‬‬
‫‪ -2‬اليمان يزيد ‪ 1‬بالطاعة وينقص بالعصيان‪.‬‬
‫‪ -3‬من المؤمنين من هو كامل اليمان‪ ،‬ومنهم من هو ناقصه‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -4‬من صفات أهل اليمان الكامل ما ورد في الية الثانية من هذه السورة ‪ 2‬وما بعدها‪.‬‬
‫حقّ‪ 3‬وَإِنّ فَرِيقا مّنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ َلكَارِهُونَ(‪ )5‬يُجَادِلُو َنكَ فِي ا ْلحَقّ َب ْع َدمَا‬
‫جكَ رَ ّبكَ مِن بَيْ ِتكَ بِالْ َ‬
‫َكمَا أَخْ َر َ‬
‫تَبَيّنَ كَأَ ّنمَا يُسَاقُونَ إِلَى ا ْل َم ْوتِ وَ ُهمْ يَنظُرُونَ(‪ )6‬وَإِذْ َيعِ ُدكُمُ اللّهُ ِإحْدَى الطّا ِئفَتِيْنِ أَ ّنهَا َلكُ ْم وَ َتوَدّونَ‬
‫حقّ ِبكَِلمَاتِ ِه وَ َيقْطَعَ دَابِرَ ا ْلكَافِرِينَ(‪ )7‬لِ ُيحِقّ‬
‫ش ْوكَةِ َتكُونُ َلكُ ْم وَيُرِيدُ اللّهُ أَن ُيحِقّ ال َ‬
‫أَنّ غَيْرَ ذَاتِ ال ّ‬
‫طلَ وَلَوْ كَ ِرهَ ا ْل ُمجْ ِرمُونَ(‪)8‬‬
‫طلَ الْبَا ِ‬
‫ق وَيُبْ ِ‬
‫حّ‬‫الْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫من بيتك‪ :‬أي المدينة المنورة‪.‬‬
‫لكارهون‪ :‬أي الخروج للقتال‪.‬‬
‫إحدى الطائفتين ‪ :‬العير "القافلة" أو النفير‪ :‬نفير قريش وجيشها‪.‬‬
‫__________‬
‫‪1‬سئل الحسن البصري فقيل له‪ :‬يا أبا سعيد أمؤمن أنت؟ فقال‪ :‬اليمان إيمانان‪ ،‬فإن كنت تسألني‬
‫عن اليمان بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر والقدر فأنا به مؤمن‪ ،‬وإن كنت تسألني عن‬
‫قول ال تعالى‪{ :‬إنما المؤمنون الذين ذكر ال وجلت قلوبهم} إلى قوله‪{ :‬أولئك هم المؤمنون حقا}‬
‫فوال ما أدري أنا منهم أم ل؟‬
‫‪ 2‬وهما الية الثالثة والرابعة‪.‬‬
‫‪ 3‬الباء للمصاحبة أي‪ :‬أخرجه إخراجا مصاحبا للحق ليس فيه من الباطل شيء قط‪.‬‬

‫( ‪)2/285‬‬

‫الشوكة ‪ : 1‬السلح في الحرب‪.‬‬


‫يبطل الباطل‪ :‬أي يظهر بطلنه بقمع أهله وكسر شوكتهم وهزيمتهم‪.‬‬
‫ولو كره المجرمون ‪ :‬كفار قريش المشركون‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى {كما أخرجك ربك} أيها الرسول {من بيتك} بالمدينة {بالحق} متلبسا به حيث خرجت‬
‫بإذن ال {وان فريقا‪ 2‬من المؤمنين لكارهون} لما علموا بخروج قريش لقتالهم‪ ،‬وكانت العاقبة‬
‫خيرا عظيما‪ ،‬هذه الحال مثل حالهم لما كرهوا نزع الغنائم من أيديهم وتوليك قسمتها بإذننا‪ ،‬على‬
‫أعدل قسمة وأصحها وأنفعها فهذا الكلم في هذه الية (‪ )5‬تضمنت تشبيه حال حاضرة بحال‬
‫ماضيه حصلت في كل واحدة كراهة بعض المؤمنين‪ ،‬وكانت العاقبة في كل منهما خيرا والحمد‬
‫ل‪ ،‬وقوله تعالى {يجادلونك في الحق بعدما تبين} أي يجادلونك في القتال بعدما أتضح لهم أن‬
‫العير ‪ 3‬نجت وأنه لم يبق إل النفير ‪ 4‬ول بد من قتالها‪ .‬وقوله تعالى {كأنما يساقون إلى الموت‬
‫وهم ينظرون} أي إلى الموت عيانا يشاهدونه أمامهم وذلك من شدة كراهيتهم لقتال لم يستعدوا له‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ولم يوطنوا أنفسهم لخوض معاركه‪ .‬وقوله تعالى {وإذ يعدكم ال إحدى الطائفتين} أي اذكر يا‬
‫رسولنا لهم الوقت الذي يعدكم ال تعالى فيه إحدى الطائفتين العير والنفير‪ ،‬وهذا في المدينة وعند‬
‫السير أيضا {أنها لكم} أي تظفرون بها‪{ ،‬وتودون} أي تحبون أن تكون {غير ذات الشوكة} وهي‬
‫عير أبي سفيان {تكون لكم}‪ ،‬وذلك لنها مغنم بل مغرم لقلة عددها وعددها‪ ،‬وال يريد {أن يحق‬
‫الحق} أي يظهره بنصر أوليائه وهزيمة أعدائه‪ ،‬وقوله {بكلماته} أي التي تتضمن أمره تعالى إياكم‬
‫بقتال الكافرين‪ ،‬وأمره الملئكة بالقتال معكم‪ ،‬وقوله {ويقطع دابر الكافرين} أي بتسليطكم عليهم‬
‫فتقتلوهم حتى ل‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وكلّ نبت له ح ّد يقال له‪ :‬شرك واحده‪ :‬شوكة‪.‬‬
‫‪ 2‬هذه الجملة حالية‪ :‬والعامل فيها‪ :‬أخرجك ربّك‪.‬‬
‫‪ 3‬هي قافلة أبي سفيان التجارية التي يصحبها زهاء ثلثين رجلً من قريش‪.‬‬
‫‪ 4‬النفير‪ :‬جيش قوى الذي استنفرت فيه قرابة ألف مقاتل‪.‬‬

‫( ‪)2/286‬‬

‫تبقوا منهم غير من فر وهرب‪ ،‬وقوله {ليحق الحق} أي لينصره ويقرره وهو السلم {ويبطل‬
‫الباطل} وهو الشرك {ولو كره} ذلك {المجرمون} أي المشركون الذين أجرموا على أنفسهم‬
‫فأفسدوها بالشرك‪ ،‬وعلى غيرهم أيضا حيث منعوهم من قبول السلم وصرفوهم عنه بشتى‬
‫الوسائل‪.‬‬
‫هداية اليات‪:‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير قاعدة {عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} وذكر نبذة عن غزوة بدر الكبرى وبيان‬
‫ذلك أن النبي صلى ال عليه وسلم بلغه أن عيرا لقريش تحمل تجارة قادمة من الشام في طريقها‬
‫إلى مكة وعلى رأسها أبو سفيان بن حرب فانتدب النبي صلى ال عليه وسلم بعض أصحابه‬
‫للخروج إليها عسى ال تعالى أن يغنمهم إياها‪ ،‬لن قريشا صادرت أموال بعضهم وبعضهم ترك‬
‫ماله بمكة وهاجر‪ .‬فلما خرج النبي صلى ال عليه وسلم وأثناء مسيره أخبرهم أن ال تعالى‬
‫وعدهم إحدى الطائفتين‪ ،‬ل على التعيين جائز أن تكون العير‪ ،‬وجائز أن تكون النفير الذي خرج‬
‫من مكة للذب عن العير ودفع الرسول وأصحابه عنها حتى ل يستولوا عليها‪ ،‬فلما بلغ الرسول نبأ‬
‫نجاة العير ‪ 1‬وقدوم النفير استشار أصحابه فوافقوا على قتال المشركين ببدر وكره بعضهم ذلك‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬إنا لم نستعد للقتال فأنزل ال تعالى هذه اليات {يجادلونك في الحق بعد ما تبين} إلى قوله‬
‫{‪ ...‬ولو كره المجرمون}‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -2‬بيان ضعف النسان في رغبته في كل مال كلفة فيه ول مشقة‪.‬‬
‫‪ -3‬إنجاز ال تعالى وعده للمؤمنين إذ أغنمهم طائفة النفير وأعزهم بنصر لم يكونوا مستعدين له‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لنّ أبا سفيان لما بلغه بواسطة بعض الركبان أنّ محمدا قد خرج برجاله يطلب عيره استأجر‬
‫ضمضم الغفاري فبعثه إلى أهل مكة يخبرهم بخروج الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأمرهم أن‬
‫ينفروا لنقاذ قافلتهم‪ ،‬وأما الرسول صلى ال عليه وسلم وأصحابه فإنهم لما بلغوا في مسيرهم‬
‫وادي ذفران وخرجوا منه أتاهم نبأ خروج قريش ليمنعوا قافلتهم فاستشار النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم أصحابه فقام أبو بكر وقال فأحسن ثم قال عمر فقال فأحسن‪ ،‬ثم قام المقداد بن عمرو فقال يا‬
‫رسول ال‪ :‬امض لما أمرك ال به فنحن معك‪ ،‬وال ل نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى‪:‬‬
‫{اذهب أنت وربك فقاتل إنا ها هنا قاعدون} ولكن اذهب أنت وربك فقاتل إنا معكما مقاتلون‬
‫فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دون حتى نبلغه فقال له الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ثم قال‪ :‬أشيروا عليّ أيها الناس‪ ،‬وهو يريد النصار فقال‬
‫له سعد بن معاذ‪ :‬كأنك تعنينا يا رسول ال قال‪ :‬أجل‪ ،‬فقال سعد كلمة سرت النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم وعندها قال‪ :‬سيروا على بركة ال وأبشروا فإن ال قد وعدني إحدى الطائفتين‪.‬‬

‫( ‪)2/287‬‬

‫‪ -4‬ذكر نبذة عن وقعة بدر وهي من أشهر الوقائع وأفضلها وأهلها من أفضل الصحابة وخيارهم‬
‫إذ كانت في حال ضعف المسلمين حيث وقعت في السنة الثانية من الهجرة وهم أقلية والعرب‬
‫كلهم أعداء لهم وخصوم‪.‬‬
‫جعَلَهُ اللّهُ ِإلّ بُشْرَى‬
‫إِذْ َتسْ َتغِيثُونَ رَ ّب ُكمْ فَاسْ َتجَابَ َل ُكمْ أَنّي ُممِ ّدكُم بِأَ ْلفٍ مّنَ ا ْلمَل ِئكَةِ مُ ْر ِدفِينَ(‪َ )9‬ومَا َ‬
‫حكِيمٌ(‪ِ )10‬إذْ ُيغَشّيكُمُ الّنعَاسَ َأمَنَةً‬
‫طمَئِنّ بِهِ قُلُو ُبكُمْ َومَا ال ّنصْرُ ِإلّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ َ‬
‫وَلِتَ ْ‬
‫ن وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُو ِبكُمْ‬
‫طهّ َركُم بِهِ وَيُذْ ِهبَ عَنكُمْ ِرجْزَ الشّ ْيطَا ِ‬
‫سمَاء مَاء لّ ُي َ‬
‫مّنْ ُه وَيُنَ ّزلُ عَلَ ْيكُم مّن ال ّ‬
‫لقْدَامَ(‪ِ )11‬إذْ يُوحِي رَ ّبكَ إِلَى ا ْلمَل ِئكَةِ أَنّي َم َعكُمْ فَثَبّتُواْ الّذِينَ آمَنُواْ سَأُ ْلقِي فِي قُلُوبِ‬
‫وَيُثَ ّبتَ ِب ِه ا َ‬
‫ق وَاضْرِبُواْ مِ ْنهُمْ ُكلّ بَنَانٍ(‪ )12‬ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ شَآقّواْ اللّهَ‬
‫عبَ فَاضْرِبُواْ َفوْقَ الَعْنَا ِ‬
‫الّذِينَ َكفَرُواْ الرّ ْ‬
‫عذَابَ‬
‫وَرَسُولَ ُه َومَن يُشَاقِقِ اللّ َه وَرَسُولَهُ فَإِنّ اللّهَ شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ(‪ )13‬ذَِل ُكمْ فَذُوقُوهُ وَأَنّ لِ ْلكَافِرِينَ َ‬
‫النّارِ(‪)14‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫تستغيثون ‪ :1‬أي تطلبون الغوث من ال تعالى وهو النصر على‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى مسلم عن عمر رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يوم بدر نظر إلى‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫المشركين وهم ألف‪ ،‬وأصحابه ثلثمائة وبضعة عشر‪ ،‬فاستقبل القبلة ثم مدّ يديه فجعل يهتف‬
‫بربه‪" :‬اللهم أنجز لي ما وعدتني‪ ،‬اللهم ائتني ما وعدتني‪ ،‬اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل‬
‫السلم ل تعبد في الرض" فما زال يهتف بربّه مادّا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن‬
‫منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه وقال يا نبي ال كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز‬
‫لك ما وعدك فأنزل ال تعالى‪{ :‬إذ تستغيثون ربكم ‪ }...‬الية‪.‬‬

‫( ‪)2/288‬‬

‫أعدائكم‬
‫مردفين‪ :‬أي متتابعين بعضهم ردف بعض أي متلحقين‪.‬‬
‫وما جعله ال إل بشرى ‪ :‬أي المداد بالملئكة إل بشرى لكم بالنصر‪.‬‬
‫إذ يغشيكم النعاس‪ :‬أي يغطيكم به والنعاس‪ :‬نوم خفيف جدا‪.‬‬
‫أمنة‪ :.‬أي أمنا من الخوف الذي أصابكم لقلتكم وكثرة عدوكم‪.‬‬
‫منه ‪ :‬أي من ال تعالى‪.‬‬
‫رجز الشيطان‪ :‬وسواسه لكم بما يؤلمكم ويحزنكم‪.‬‬
‫وليربط على قلوبكم‪ :‬أي يشد عليها بالصبر واليقين‪.‬‬
‫ويثبت به القدام ‪ :‬أي بالمطر أقدامكم حتى ل تسوخ في الرمال‪.‬‬
‫الرعب‪ :‬الخوف والفزع‪.‬‬
‫فاضربوا كل بنان ‪ :‬أي أطراف اليدين والرجلين حتى يعوقهم عن الضرب والمشي‪.‬‬
‫شاقوا ال ورسوله ‪ :‬أي خالفوه في مراده منهم فلم يطيعوه وخالفوا رسوله‪.‬‬
‫ذلكم فذوقوه‪ :‬أي العذاب فذوقوه‪.‬‬
‫عذاب النار‪ :‬أي في الخرة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في أحداث غزوة بدر‪ ،‬وبيان منن ال تعالى على رسوله والمؤمنين إذ يقول تعالى‬
‫لرسوله {إذ تستغيثون ربكم} أي اذكر يا رسولنا حالكم لما كنتم خائفين لقلتكم وكثرة عدوكم‬
‫فاستغثتم ربكم قائلين‪ :‬اللهم نصرك‪ ،‬اللهم أنجز لي ما وعدتني {فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من‬
‫الملئكة مردفين} أي متتالين يتبع بعضهم بعضا {وما جعله ال إل بشرى} أي لم يجعل ذلك‬
‫المداد إل مجرد بشرى لكم بالنصر على عدوكم {ولتطمئن به قلوبكم} أي تسكن ويذهب منها‬
‫القلق والضطراب‪ ،‬أما النصر فمن عند ال‪{ ،‬إن ال عزيز حكيم} عزيز غالب ل يحال بينه وبين‬
‫ما يريده‪ ،‬حكيم بنصر من هو أهل للنصر‪ ،‬هذه نعمة‪ ،‬وثانية‪ :‬اذكروا {إذ يغشيكم} ربكم‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/289‬‬

‫{النعاس أمنة منه ‪ }1‬أي أمانا منه تعالى لكم فإن العبد إذا خامره النعاس هدأ وسكن وذهب الخوف‬
‫محنه‪ ،‬وثبت في ميدان المعركة ل يفر ول يرهب ول يهرب‪{ ،‬وينزل عليكم من السماء ماء‬
‫ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان} وهذه نعمة أخرى‪ ،‬فقد كانت الرض رملية تسوح فيها‬
‫أقدامهم ل يستطيعون عليها كرا ول فرا‪ ،‬وقل ماؤهم فصاروا ظماءً عطاشا‪ ،‬محدثين‪ ،‬ل يجدون‬
‫ما يشربون ول ما يتطهرون به من أحداثهم ووسوس الشيطان لبعضهم بمثل قوله‪ :‬تقاتلون‬
‫محدثين كيف تنصرون‪ ،‬تقاتلون وأنتم عطاش وعدوكم ريان إلى أمثال هذه الوسوسة‪ ،‬فأنزل ال‬
‫تعالى على معسكرهم خاصة مطرا غزيرا شربوا وتطهروا وتلبدت به التربة فأصبحت صالحة‬
‫للقتال عليها‪ ،‬هذا معنى قوله تعالى {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز‬
‫الشيطان} أي وسواسه {وليربط على قلوبكم} أي يشد عليها بما أفرغ عليها من الصبر وما جعل‬
‫فيها من اليقين لها {ويثبت ‪2‬به القدام} ونعمة أخرى واذكر {إذ يوحي ربك إلى الملئكة أني‬
‫معكم} بتأييدي ونصري {فثبتوا الذين آمنوا} أي قولوا لهم من الكلم تشجيعا لهم ما يجعلهم يثبتون‬
‫في المعركة {سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب} أي الخوف أيها المؤمنون {فاضربوا فوق ‪3‬‬
‫العناق} أي اضربوا المذابح {واضربوا منهم كل بنان ‪ }4‬أي أطراف اليدين والرجلين حتى ل‬
‫يستطيعوا ضربا بالسيف‪ ،‬ول فرارا بالرجل وقوله تعالى {ذلك ‪5‬بأنهم شاقوا ال ورسوله} أي‬
‫عادوهما وحاربوهما {ومن يشاقق ال ورسوله} ينتقم منه ويبطش به {فإن ال شديد العقاب} ‪،‬‬
‫وقوله تعالى {ذلكم فذوقوه} أي ذلكم العذاب القتل والهزيمة فذوقوه في الدنيا وأما الخرة فلكم فيها‬
‫عذاب النار‪.‬‬
‫هداية اليات‪.‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أمنة‪ :‬مصدر أمن أمنة وأمنا وأمانا وهو منصوب على الحال‪ ،‬أو المصدرية‪.‬‬
‫‪ 2‬هذا عائد على الماء الذي شدّ دهس أرض الوادي‪ ،‬ويصح أن يكون عائدا إلى ربط القلوب‪،‬‬
‫فيكون تثبيت القدام عبارة عن النصر والمعونة في الحرب‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا المر إرشادي للملئكة وللمؤمنين معا‪.‬‬
‫‪ 4‬واحد البنان‪ :‬بنانة‪ ،‬والمراد بها هتا الصابع الممسكة بالسيف والرمح حتى تعجز عن قتال‬
‫المسلمين وضربهم‪.‬‬
‫‪ 5‬ذلك‪ :‬مبتدأ والخبر محذوف تقدير الكلم‪ :‬المر ذلك‪ ،‬والجملة تعليلية لنّ الباء في قوله‪{ :‬بأنهم}‬
‫سببية‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/290‬‬

‫‪ -1‬مشروعية الستغاثة بال تعالى وهي عبادة فل يصح أن يستغاث بغير ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير عقيدة أن الملئكة عباد ل يسخرهم في فعل ما يشاء‪ ،‬وقد سخرهم للقتال مع المؤمنين‬
‫فقاتلوا‪ ،‬ونصروا وثبتوا وذلك بأمر ال تعالى لهم بذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬تعداد نعم ال تعالى على المؤمنين في غزوة بدر وهي كثيرة‪.‬‬
‫‪-4‬مشاقة ‪ 1‬ال ورسوله كفر يستوجب صاحبها عذاب الدنيا وعذاب الخرة‪.‬‬
‫‪ -5‬تعليم ال تعالى عباده كيف يقاتلون ويضربون أعداءهم‪ ،‬وهذا شرف كبير للمؤمنين‪.‬‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا َلقِيتُمُ الّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفا فَلَ ُتوَلّوهُ ُم الَدْبَارَ(‪َ )15‬ومَن ُيوَّلهِمْ َي ْومَئِذٍ دُبُ َرهُ ِإلّ‬
‫جهَنّ ُم وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ(‪ )16‬فَلَمْ‬
‫ضبٍ مّنَ اللّ ِه َومَ ْأوَاهُ َ‬
‫مُتَحَرّفا ّلقِتَالٍ َأوْ مُ َتحَيّزا إِلَى فِئَةٍ َفقَدْ بَاء ِب َغ َ‬
‫َتقْتُلُو ُه ْم وََلكِنّ اللّهَ قَتََل ُه ْم َومَا َرمَ ْيتَ ِإذْ َرمَ ْيتَ وََلكِنّ الّلهَ َرمَى وَلِيُبِْليَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ مِنْهُ بَلء حَسَنا إِنّ‬
‫ح وَإِن‬
‫سمِيعٌ عَلِيمٌ(‪ )17‬ذَِلكُ ْم وَأَنّ الّلهَ مُوهِنُ كَيْدِ ا ْلكَافِرِينَ(‪ )18‬إِن تَسْ َتفْتِحُواْ َفقَدْ جَاءكُمُ ا ْلفَتْ ُ‬
‫اللّهَ َ‬
‫تَن َتهُواْ َف ُهوَ خَيْرٌ ّلكُ ْم وَإِن َتعُودُواْ َنعُ ْد وَلَن ُتغْ ِنيَ عَنكُمْ فِئَ ُتكُمْ شَيْئًا وََلوْ كَثُ َرتْ وَأَنّ اللّهَ مَعَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ(‬
‫‪)19‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫زحفا‪ :2‬أي زاحفين لكثرتهم ولبطىء سيرهم كأنهم يزحفون على‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أصل المشاقة‪ :‬العداوة بعصيان وعناد‪ ،‬مشتقة من الشق بكسر السين الذي هو الجانب‪ ،‬فالمشاق‬
‫يقف عن مشاقه موقف العداء والعصيان‪ ،‬والتمرد في جانب ل يلتقي معه‪.‬‬
‫‪ 2‬الزّحف‪ :‬الدنوّ قليلً قليلً‪ ،‬وأصله‪ ،‬الندفاع على اللية‪ ،‬ثم سمي كل ماشٍ إلى حرب آخر‬
‫زاحفا‪ ،‬وازدحف القوم‪ :‬إذا مشى بعضهم إلى بعض والزحاف‪ :‬من علل الشعر وهو‪ :‬أن يسقط من‬
‫الحرفين حرف فيزحف أحدهما إلى الخر‪.‬‬

‫( ‪)2/291‬‬

‫الرض‪.‬‬
‫ل تولوا الدبار‪ :‬أي ل تنهزموا فتفروا أمامهم فتولونهم أدباركم‪.‬‬
‫متحرفا لقتال‪ :‬أي مائلً من جهة إلى أخرى ليتمكن من ضرب العدو وقتاله‪.‬‬
‫أو متحيزا إلى فئة ‪ :‬أي يريد النحياز إلى جماعة من المؤمنين تقاتل‪.‬‬
‫فقد باء بغضب‪ :‬أي رجع من المعركة مصحوبا بغضب من ال تعالى لمعصيته إياه‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وليبلي‪ :‬أي لينعم عليهم بنعمة النصر والظفر على قلة عددهم فيشكروا‪.‬‬
‫فئتكم‪ :‬مقاتلتكم من رجالكم الكثيرين‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في الحديث عن غزوة بدر وما فيها من جلئل النعم وخفى الحكم ففي أولى هذه‬
‫اليات ينادي الرب تبارك وتعالى عباده المؤمنين فيقول {يا أيها الذين آمنوا إذا ‪ 1‬لقيتم الذين‬
‫كفروا زحفا} أي وأنتم وإياهم زاحفون إلى بعضكم البعض {فل تولوهم الدبار ‪ }2‬أي ل تنهزموا‬
‫أمامهم فتعطوهم أدباركم فتمكنوهم من قتلكم‪ ،‬إنكم أحق بالنصر منهم‪ ،‬وأولى بالظفر والغلب إنكم‬
‫مؤمنون وهم كافرون فل يصح منكم انهزام أبدا {ومن يولهم يومئذ دبره} اللهم {إل متحرفا لقتال}‬
‫أي مائلً من جهة إلى أخرى ليكون ذلك أمكن له في القتال {أو متحيزا إلى فئة} أي منحازا إلى‬
‫جماعة من المؤمنين تقاتل فيقاتل معها ليقويها أو يقوى بها‪ ،‬من ولى الكافرين دبره في غير هاتين‬
‫الحالتين {فقد باء بغضب من ال} أي رجع من جهاده مصحوبا بغضب من ال {ومأواه جهنم‬
‫وبئس المصير}‪3‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذه الجملة اعتراضية بين قوله تعالى‪{ :‬إذ يوحي ربك} وبين قوله‪{ :‬فلم تقتلوهم} ومن فوائدها‬
‫تدريب المؤمنين على الشجاعة‪ ،‬والقدام والثبات عند اللقاء‪ ،‬وهي خطة محمودة عند العرب‬
‫فزادها السلم تقوية‪ ،‬قال شاعرهم وهو الحصين بن الحمام‪:‬‬
‫تأخرت أستبقي الحياة فلم ‪ ...‬أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما‬
‫‪{ 3‬فل تولوهم الدبار} فيه استبشاع الهزيمة بذكر لفظ الدبر‪ ،‬وهو كذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬الحمد ل أنه لم يقل خالدا فيها بل قال‪{ :‬مأواه جهنم} ولذا ورد أنه صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"من قال‪ :‬استغفر ال الذي ل إله إل هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان قد فرّ من‬
‫الزحف"‪.‬‬

‫( ‪)2/292‬‬

‫وذلك بعد موته وانتقاله إلى الخرة‪ ،‬وقوله تعالى {فلم تقتلوهم ولكن ال قتلهم} يخبر تعالى عباده‬
‫المؤمنين الذين حرم عليهم التولي ساعة الزحف وتوعدهم بالغضب وعذاب النار يوم القيامة أنهم‬
‫لم يقتلوا المشركين على الحقيقة وإنما الذي قتلهم هو ال فهو الذي أمرهم وقدرهم وأعانهم‪ ،‬ولوله‬
‫ما قتل أحد ول مات فليعرفوا هذا حتى ل يخطر ببالهم أنهم هم المقاتلون وحدهم‪ .‬وحتى رمي‬
‫رسوله المشركين بتلك التي وصلت إلى جل أعين المشركين في المعركة فأذهلتهم وحيرتهم بل‬
‫وعوقتهم عن القتال وسببت هزيمتهم كان ال تعالى هو الرامي الذي أوصل التراب إلى أعين‬
‫المشركين‪ ،‬إذ لو ترك الرسول صلى ال عليه وسلم ل لقوته لما وصلت حثية التراب إلى أعين‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الصف الول من المقاتلين المشركين‪ ،‬ولذا قال تعالى {وما رميت إذ رميت ولكن ال رمى ‪}1‬‬
‫وقوله تعالى {وليبلي المؤمنين منه بلء حسنا} أي فعل تعالى ذلك القتل بالمشركين والرمي‬
‫بإيصال التراب إلى أعينهم ليذل الكافرين ويكسر شوكتهم {وليبلي ‪ 2‬المؤمنين} أي ولينعم عليهم‬
‫النعام الحسن بنصرهم وتأييدهم في الدنيا وإدخالهم الجنة في الخرة‪ .‬وقوله تعالى {إن ال سميع‬
‫عليم} بمقتضى هاتين الصفتين كان البلء الحسن‪ ،‬فقد سمع تعالى أقوال المؤمنين واستغاثتهم به‪،‬‬
‫وعلم ضعفهم وحاجتهم فأيدهم ونصرهم فكان ذلك منه إبلء حسنا‪ ،‬وقوله تعالى {ذلكم وأن ال‬
‫موهن كيد الكافرين} أي ذلكم القتل والرمي والبلء كله حق واقع بقدرة ال تعالى {وأن ال‬
‫موهن} أي مضعف {كيد الكافرين} فكلما كادوا كيدا بأوليائه وأهل طاعته أضعفه وأبطل مفعوله‪،‬‬
‫وله الحمد والمنة‪ .‬وقوله تعالى {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح‪ ،‬وإن تنتهوا فهو خير لكم} هذا‬
‫خطاب للمشركين حيث قال أبو جهل وغيره من رؤساء المشركين ‪" 3‬اللهم أينا كان أفجر لك‬
‫واقطع للرحم فأحنه اليوم‪ ،‬اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما ل نعرف فأحنه الغداة" أي أهلكه الغداة‬
‫يوم بدر فأنزل ال تعالى {إن‬
‫__________‬
‫‪ 1‬حصل الرمي من الرسول صلى ال عليه وسلم عدّة مرات منها يوم حنين ومنها يوم أحد ومنها‬
‫يوم خيبر إذ رمى سهما في حصن فسقط السهم على ابن أبي الحقيق فقتله وهو نائم في فراشه‪،‬‬
‫ومنها يوم بدر‪ ،‬وهو المراد هنا إذ السورة مدنية ولم يسبق هذا الرمي إلّ الذي رمى به الواقفين‬
‫على بابه في مكة يريدون انفاذ القتل الذي حكمت به قريش عليه صلى ال عليه وسلم فقد روي‬
‫أنه رماهم بحثية من تراب‪ ،‬فاشتغلوا بمسح أعينهم من التراب حتى نجا منهم صلى ال عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫‪{ 2‬وليبلي}‪ ،‬الجملة متعلقة بمحذوف تقديره‪ :‬فعل ذلك أي النصر‪ ،‬والهزيمة للكفار ليبلي‬
‫المؤمنين‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫‪ 3‬قالوا هذا وهم يتجهّزون للقتال في مكة‪ ،‬وقالوه في ساحة بدر قبل القتال‪.‬‬

‫( ‪)2/293‬‬

‫تستفتحوا} أي تطلبوا الفتح وهو القضاء بينكم وبين نبينا محمد {فقد جاءكم الفتح} وهي هزيمتهم‬
‫في بدر {وإن تنتهوا} تكفوا عن الحرب والقتال وتنقادوا لحكم ال تعالى فتسلموا {فهو خير لكم وإن‬
‫تعودوا} للحرب والكفر {نعد} فنسلط عليكم رسولنا والمؤمنين لنذيقكم على أيديهم الذل والهزيمة‬
‫{ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت} وبلغ تعداد المقاتلين منكم عشرات اللف‪ ،‬هذا وأن ال‬
‫دوما مع المؤمنين فلن يتخلى عن تأييدهم ونصرتهم ما استقاموا على طاعة ربهم ظاهرا وباطنا‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هن هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة الفرار من العدو الكافر عند ‪ 1‬اللقاء لما توعد ال تعالى عليه من الغضب والعذاب ولعد‬
‫الرسول له من الموبقات السبع في حديث مسلم "والتولي يوم الزحف"‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير مبدأ أن ال تعالى خالق كل شيء وأنه خلق العبد وخلق فعله‪ ،‬إذ لما كان العبد مخلوقا‬
‫وقدرته مخلوقة‪ ،‬ومأمورا ومنهيا ول يصدر منه فعل ول قول إل بإقدار ال تعالى له كان الفاعل‬
‫الحقيقي هو ال‪ ،‬وما للعبد إل الكسب بجوارحه ‪ 2‬وبذلك يجزى الخير بالخير والشر بمثله‪ .‬عدل‬
‫ال ورحمته‪.‬‬
‫‪-3‬آية وصول حثية التراب من كف الرسول صلى ال عليه وسلم إلى أغلب عيون المشركين في‬
‫المعركة‪.‬‬
‫‪ -4‬إكرام ال تعالى وإبلؤه لولياءه البلء الحسن فله الحمد وله المنة‪.‬‬
‫‪ -5‬ولية ال للمؤمنين الصادقين هي أسباب نصرهم وكمالهم وإسعادهم‬
‫س َمعُونَ(‪َ )20‬ولَ َتكُونُواْ كَالّذِينَ قَالُوا‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ الّل َه وَرَسُولَ ُه َولَ َتوَّلوْا عَ ْن ُه وَأَنتُمْ تَ ْ‬
‫ن لَ َيعْقِلُونَ(‪ )22‬وََلوْ عَِلمَ الّلهُ‬
‫س َمعُونَ(‪ )21‬إِنّ شَرّ ال ّدوَابّ عِندَ اللّهِ الصّمّ الْ ُبكْمُ الّذِي َ‬
‫س ِمعْنَا وَهُ ْم لَ يَ ْ‬
‫َ‬
‫س َم َعهُمْ‬
‫فِيهِمْ خَيْرًا ل ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا التحريم مقيّد بما في آخر السورة من أنّ ما زاد على المثلين يجوز الفرار معه كالواحد مع‬
‫أكثر من اثنين‪ ،‬والمائة مع أكثر من مائتين‪ ،‬وألفين مع أكثر من أربعة آلف‪.‬‬
‫‪ 2‬مع ما وهبه ال من حرية الرادة والقدرة على الختيار ومع هذا فإنه ل يريد إل ما أراده ال‬
‫ول يقع اختياره إل على ما كتبه ال له أو عليه وقضى به أزل وهنا تتجلى عظمة الرب تبارك‬
‫وتعالى‪.‬‬

‫( ‪)2/294‬‬

‫س َم َعهُمْ لَ َتوَلّواْ وّهُم ّمعْ ِرضُونَ(‪)23‬‬


‫وََلوْ َأ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ول تولوا عنه ‪ :‬أي ل تعرضوا عن طاعته إذا أمركم أو نهاكم كأنكم ل تسمعون‪.‬‬
‫إن شر الدواب‪ :‬أي شر ما يدب على الرض الكافرون‪.‬‬
‫لسمعهم‪ :‬لجعلهم يسمعون أو لرفع المانع عنهم فسمعوا واستجابوا‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ينادي ال تعالى عباده المؤمنين ‪ 1‬الذين آمنوا به وبرسوله وصدقوا بوعده ووعيده يوم لقائه‬
‫فيأمرهم بطاعته وطاعة رسوله‪ ،‬وينهاهم عن العراض عنه وهم يسمعون اليات تتلى والعظات‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫تتوالى في كتاب ال وعلى لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم لن نصركم وتأييدكم كان ثمرة‬
‫ليمانكم وطاعتكم فإن أنتم أعرضتم وعصيتم فتركتم كل ولية ل تعالى لكم أصبحتم كغيركم من‬
‫أهل الكفر والعصيان هذا معنى قوله {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال ورسوله‪ ،‬ول تولوا عنه وأنتم‬
‫تسمعون} وقوله {ول تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم ل يسمعون} ينهاهم عز وجل أن يسلكوا‬
‫مسلك الكافرين المشركين ‪ 2‬في التصامم عن سماع اليات الحاملة للحق والداعية إليه‪ ،‬والتعامي‬
‫عن رؤية آيات ال الدالة على توحيده الذين قالوا إنا عما يقوله محمد في صمم‪ ،‬وفيما يذكر‬
‫ويشير إليه في عمى‪ ،‬فهم يقولون سمعنا بآذاننا وهم ل يسمعون بقلوبهم لنهم ل يتدبرون ول‬
‫يفكرون فلذا هم في سماعهم كمن لم يسمع إذ العبرة بالسماع النتفاع ‪ 3‬به ل مجرد سماع صوت‬
‫وقوله تعالى {إن شرّ‪ 4‬الدواب عند ال الصم البكم الذين ل يعقلون} يعني بهم المشركين وكانوا‬
‫شر الدواب لنهم كفروا بربهم وأشركوا به فعبدوا غيره‪ ،‬وضلوا عن سبيله ففسقوا وظلموا‬
‫وأجرموا المر الذي جعلهم حقا شر الدواب في الرض فهذا تنديد بالمشركين‪ ،‬وفي نفس الوقت‬
‫هو تحذير للمؤمنين من‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ل يجب اللتفات لمن قال‪ :‬هذا الخطاب هو للمنافقين كأنما قال‪ :‬يا من آمنتم بألسنتكم ولم تؤمن‬
‫قلوبكم‪ ،‬إذ الية في المؤمنين الصادقين بل شك ول ريب‪.‬‬
‫‪ 2‬واليهود والمنافقين أيضا‪ ،‬إذ الكل كان هذا موقفهم مما يدعوهم إليه الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫‪ 3‬في الية دليل على أن المؤمن إذ أمر أو نهي فقال سمعا وطاعةً أي‪ :‬سمعت وأطعت ولم يفعل‬
‫ولم يترك ل وزن ول عبرة بقوله بل لبد من الفعل والترك‪.‬‬
‫‪ 4‬شرّ أصلها‪ :‬أشر اسم تفضيل‪ ،‬ولكثرة الستعمال اكتفوا بلفظ شّر لنه أخف على اللسان بنقص‬
‫حرف الهمزة‪.‬‬

‫( ‪)2/295‬‬

‫معصية ال ورسوله والعراض عن كتابه وهدي نبيه صلى ال عليه وسلم وقوله تعالى {ولو علم‬
‫ال فيهم خيرا لسمعهم} أي لجعلهم يسمعون آيات ال وما تحمله من بشارة ونذارة وهذا من باب‬
‫الفرض لقوله تعالى {ولو أسمعهم لتولوا عنه وهم معرضون} هؤلء طائفة من المشركين ‪1‬؟‬
‫توغلوا في الشر والفساد والظلم والكبر والعناد فحرموا لذلك هداية ال تعالى فقد هلك بعضهم في‬
‫بدر وبعض في أحد ولم يؤمنوا لعلم ال تعالى أنه ل خير فيهم وكيف ل وهو خالقهم وخالق‬
‫طباعهم‪{ ،‬أل يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب طاعة ال ورسوله في أمرهما ونهيهما‪ ،‬وحرمة معصيتهما‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة التشبه بالمشركين والكافرين وسائر أهل الضلل وفي كل شيء من سلوكهم‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان أن من الناس من هو شر من الكلب والخنازير فضلً عن البل والبقر والغنم أولئك‬
‫البعض كفروا وظلموا لم يكن ال ليغفر لهم ول ليهديهم سبيلً‪.‬‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ اسْ َتجِيبُواْ لِلّ ِه وَلِلرّسُولِ ِإذَا دَعَاكُم ِلمَا يُحْيِيكُمْ وَاعَْلمُواْ أَنّ اللّهَ َيحُولُ بَيْنَ ا ْلمَرْءِ‬
‫حشَرُونَ(‪ )24‬وَا ّتقُواْ فِتْ َن ًة لّ ُتصِيبَنّ الّذِينَ ظََلمُواْ مِنكُمْ خَآصّةً وَاعَْلمُواْ أَنّ اللّهَ‬
‫َوقَلْبِ ِه وَأَنّهُ إِلَ ْيهِ تُ ْ‬
‫ط َفكُمُ النّاسُ فَآوَاكُمْ‬
‫ضعَفُونَ فِي الَ ْرضِ تَخَافُونَ أَن يَ َتخَ ّ‬
‫شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ(‪ )25‬وَا ْذكُرُواْ ِإذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مّسْ َت ْ‬
‫شكُرُونَ(‪)26‬‬
‫وَأَيّ َدكُم بِ َنصْ ِر ِه وَرَ َز َقكُم مّنَ الطّيّبَاتِ َلعَّلكُمْ تَ ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في البخاري عن ابن عباس رضي ال عنهما ‪ { :‬إنّ شرّ الدواب عند ال الصم البكم الذين ل‬
‫يعقلون} قال‪ :‬هم نفر من بني عبد الدار‪ ،‬والية عامة في مَنْ تلك حالهم‪.‬‬

‫( ‪)2/296‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫استجيبوا ‪ :1‬اسمعوا وأطيعوا‪.‬‬
‫لما يحييكم ‪ : 2‬أي لما فيه حياتكم ولما هو سبب في حياتكم كاليمان والعمل الصالح والجهاد‪.‬‬
‫فتنة‪ :‬أي عذابا تفتنون به كالقحط أو المرض أو تسلط عدو‪.‬‬
‫مستضعفون‪ :‬أي ضعفاء أمام أعدائكم يرونكم ضعفاء فينالون منكم‪.‬‬
‫ورزقكم من الطيبات‪ :‬جمع طيب من سائر المحللت من المطاعم والمشارب وغيرها‪.‬‬
‫لعلكم تشكرون ‪ :‬رجاء أن تشكروه تعالى بصرف النعمة في مرضاته‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫هذا هو النداء الثالث بالكرامة للمؤمنين الرب تعالى يشرفهم بندائه ليكرمهم بما يأمرهم به أو‬
‫ينهاهم عنه تربية لهم وإعدادا لهم لسعادة الدارين وكرامتهما فيقول {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا‬
‫ل وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} وهو بمعنى النداء الول أطيعوا ال ورسوله‪ .‬وقوله {لما‬
‫يحييكم} إشعار بأن أوامر ال تعالى ورسوله كنواهيهما ل تخلوا أبدا مما يحيي المؤمنين ‪ 3‬أو يزيد‬
‫في حياتهم أو يحفظها عليهم‪ ،‬ولذا وجب أن يطاع ال ورسوله ما أمكنت طاعتهما‪ .‬وقوله‬
‫{واعلموا أن ال يحول بين المرء وقلبه} تنبيه عظيم للمؤمنين إذا سنحت لهم فرصة للخير ينبغي‬
‫أن يفترصوها قبل الفوات لسيما إذا كانت دعوة من ال أو رسوله‪ ،‬لن ال تعالى قادر على أن‬
‫يحول بين المرء وما يشتهي وبين المرء وقلبه ‪ 4‬فيقلب القلب ويوجهه إلى وجهة أخرى فيكره فيها‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الخير ويرغب في الشر قوله {وأنه إليه‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذا بمعنى أجيبوا‪ :‬الجابة معناها‪ :‬إعطاء المطلوب‪ ،‬وإن كانت أمرا ونهيا فهو الطاعة بفعل‬
‫المر وترك النهي‪ ،‬ويعبر عنهما بالسمع والطاعة‪ ،‬وفعل استجاب‪ :‬يُعدّى باللّم يقال‪ :‬استجاب له‪،‬‬
‫وفعل أجاب‪ :‬يتعدى بنفسه‪ ،‬يقال‪ :‬أجابه‪ ،‬إلّ أنّ استجاب قد يتعدى بنفسه ولكن بقلة ومنه قول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫وداع دعا يا من يجيب إلى الندى ‪ ...‬فلم يستجبه عند ذاك مجيب‬
‫‪{ 2‬يحييكم} أصلها يحييُكم بضم الياء الثانية إلّ أن حركتها حذفت فسكنت تخفيفا‪.‬‬
‫‪ 3‬في الية دليل على أن الكفر والجهل موت معنوي للنسان‪ ،‬إذ باليمان والعلم تكون الحياة‬
‫وبضدهما تكون الممات‪.‬‬
‫‪ 4‬روى غير واحد عنه صلى ال عليه وسلم قوله‪" :‬اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلبي على دينك"‬
‫وروى مسلم عنه صلى ال عليه وسلم قوله‪ " :‬اللهم مصرف القلوب صرّف قلوبنا إلى طاعتك"‪.‬‬

‫( ‪)2/297‬‬

‫تحشرون} فالذي يعلم أنه سيحشر رغم أنفه إلى ال تعالى كيف يسرع له عقله أن يسمع نداءه‬
‫بأمره فيه أو ينهاه فيعرض عنه‪ ،‬وقوله {واتقوا فتنة ‪ 1‬ل تصيبن ‪ 2‬الذين ظلموا منكم خاصة}‬
‫تحذير آخر عظيم للمؤمنين من أن يتركوا طاعة ال ورسوله‪ ،‬ويتركوا المر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر فينتشر الشر ويعم الفساد‪ ،‬وينزل البلء فيعم الصالح والطالح‪ ،‬والبار والفاجر ‪،3‬‬
‫والظالم والعادل‪ ،‬وقوله {واعلموا أن ال شديد العقاب}‪ .‬وهو تأكيد للتحذير بكونه تعالى إذا عاقب‬
‫بالذنب والمعصية فعقابه قاس شديد ل يطاق فليحذر المؤمنون ذلك بلزوم طاعة ال ورسوله‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم‬
‫وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون} هذه موعظة ربانية لولئك المؤمنين الذين‬
‫عايشوا الدعوة السلمية من أيامها الولى بذكرهم ربهم بما كانوا عليه من قلة وضعف يخافون‬
‫أن يتخطفهم الناس لقلتهم وضعفهم‪ ،‬فآواهم عز وجل إلى مدينة نبيه المنورة ونصرهم بجنده فعزوا‬
‫بعد ذلة واستغنوا بعد عيلة وفاقة‪ ،‬ورزقهم من الطيبات من مطعم ومشرب وملبس ومركب‪،‬‬
‫ورزقهم من الطيبات إكراما لهم‪ ،‬ليعدهم بذلك للشكر إذ يشكر النعمة من عاشها ولبسها‪ ،‬والشكر‬
‫حمد المنعم والثناء عليه وطاعته ومحبته وصرف النعمة في سبيل مرضاته‪ ،‬وال يعلم أنهم قد‬
‫شكروا فرضي ال عنهم وأرضاهم وألحقنا بهم صابرين شاكرين‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال ابن عباس في هذه الية أمر ال تعالى المؤمنين أن ل يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمّهم‬
‫العذاب‪ ،‬وفي صحيح مسلم عن زينب بنت جحش أنها سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فقالت‪ :‬يا رسول ال‪ :‬أنهلك وفينا الصالحون قال‪ :‬نعم إذا كثر الخبث"‪.‬‬
‫‪ 2‬إعراب هذه الجملة مشكل نكتفي بعرض صورتين‪ :‬الولى أنها كقوله‪{ :‬ادخلوا مساكنكم ل‬
‫يحطمنّكم} أي‪ :‬إن تدخلوا ل يحطمنّكم فيكون معنى الية‪ :‬إن تتقوا‪ ...‬ل تصيبنّ فدخلت نون‬
‫التوكيد لما في التركيب من معنى الجزاء‪ ،‬والثانية‪ :‬تكون على حذف القول أي‪ :‬اتقوا فتنة مقول‬
‫فيها‪ :‬ل تصيبنّ الذين ظلموا‪ ...‬كقول الشاعر‪:‬‬
‫حتى إذا جنّ الظلم واختلط ‪ ...‬جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط‬
‫أي مقول فيه‪ :‬هل رأيت‪ ..‬الخ فقوله فتنة موصوف بجملة مقول فيها‪ :‬ل تصيبنّ‪.‬‬
‫‪ 3‬روى أحمد عن أم سلمة قالت سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪" :‬إذا ظهرت‬
‫المعاصي في أمتي عمهم ال بعذاب من عنده قالت‪ .‬قلت‪ :‬يا رسول ال أما فيهم أناس صالحون؟‬
‫قال بلى‪ .‬قالت‪ :‬كيف يصنع أولئك؟ قال‪ :‬يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون إلى مغفرة من ال‬
‫ورضوان"‪.‬‬

‫( ‪)2/298‬‬

‫‪ -1‬وجب الستجابة‪ .‬لندا ال ورسوله ‪ 1‬بفعل المر وترك النهي لما في ذلك من حياة الفرد‬
‫المسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬تعين اغتنام فرصة الخير قبل فواتها فمتى سنحت للمؤمن تعين عليه اغتنامها‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب المر بالمعروف والنهي عن المنكر اتقاء للفتن العامة التي يهلك فيها العادل والظالم‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب ذكر النعم لشكرها بطاعة ال ورسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب شكر النعم بحمد ال تعالى والثناء عليه والعتراف بالنعمة له والتصرف فيها حسب‬
‫مرضاته‪.‬‬
‫ل وَتَخُونُواْ َأمَانَا ِتكُ ْم وَأَنتُمْ َتعَْلمُونَ(‪ )27‬وَاعَْلمُواْ أَ ّنمَا‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُو ْا لَ تَخُونُواْ اللّ َه وَالرّسُو َ‬
‫جعَل ّلكُمْ‬
‫عظِيمٌ(‪ )28‬يِا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ إَن تَ ّتقُواْ اللّهَ َي ْ‬
‫َأ ْموَاُلكُ ْم وََأوْلَ ُد ُكمْ فِتْنَ ٌة وَأَنّ الّلهَ عِن َدهُ َأجْرٌ َ‬
‫ضلِ ا ْلعَظِيمِ(‪)29‬‬
‫فُ ْرقَانا وَ ُيكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَا ِتكُ ْم وَ َي ْغفِرْ َل ُك ْم وَاللّهُ ذُو ا ْلفَ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ل تخونوا ال والرسول‪ :‬أي بإظهار اليمان والطاعة ومخالفتهما في الباطن‪.‬‬
‫وتخونوا أماناتكم ‪ :‬أي ول تخونوا أماناتكم التي يأتمن عليها بعضكم بعضا‪.‬‬
‫إنما أموالكم وأولدكم فتنة ‪ :‬أي الشتغال بذلك يفتنكم عن طاعة ال ورسوله‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إن تتقوا ال‪ :‬أي بامتثال أمره واجتناب نهيه في المعتقد والقول والعمل‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى البخاري عن أبي سعيد بن المعلى قال‪ :‬كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم فلم أجبه ثم أتيته فقلت يا رسول ال إني كنت أصلي فقال ألم يقل ال عز وجل‬
‫{استجيبوا ل وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}؟ وذكر الحديث‪ .‬قال العلماء‪ .‬في هذا دليل على أن‬
‫الفعل الفرض أو القول الفرض إذا أتى به في الصلة ل تبطل‪.‬‬

‫( ‪)2/299‬‬

‫يجعل لكم فرقانا ‪ :‬نورا في بصائركم تفرقون به بين النافع والضار والصالح والفاسد‪.‬‬
‫ويكفر عنكم سيآتكم ‪ :‬أي يمحوا عنكم ما سلف من ذنوبكم التي بينكم وبينه‪.‬‬
‫ويغفر لكم ذنوبكم‪ :‬أي يغطيها فيسترها عليكم فل يفضحكم بها ول يؤاخذكم عليها‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫هذا نداء رباني آخر يوجه إلى المؤمنين {يا أيها الذين آمنوا} أي يا من آمنتم بال ربا وبمحمد‬
‫رسولً وبالسلم دينا‪{ .‬ل تخونوا ال والرسول} بأن يظهر أحدكم الطاعة ل ورسوله‪ ،‬ويستسر‬
‫المعصية‪ ،‬ول تخونوا أماناتكم التي يأتمن بعضكم بعضا عليها {وأنتم تعلمون} عظيم جريمة‬
‫الخيانة وآثارها السيئة على النفس والمجتمع‪ ،‬هذا ما دلت عليه الية الولى في هذا السياق {يا‬
‫أيها الذين آمنوا ل تخونوا ‪ 1‬ال والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون} وقوله تعالى {واعلموا‬
‫إنما ‪ 2‬أموالكم وأولدكم فتنة وأن ال عنده أجر عظيم} فيه إشارة إلى السبب الحامل على الخيانة‬
‫غالبا وهو المال والولد فأخبرهم تعالى أن أموالهم وأولدهم فتنة تصرفهم عن المانة والطاعة‪،‬‬
‫وأن ما يرجوه من مال أو ولد ليس بشيء بالنسبة إلى ما عند ال تعالى إن ال تعالى عنده أجر‬
‫عظيم لمن أطاعه واتقاه وحافظ على أمانته مع ال ورسوله ومع عباد ال وقوله تعالى في الية‬
‫الثالثة { يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا ال ‪ 3‬يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئآتكم ويغفر لكم} هذا‬
‫حض على التقوى وترغيب فيها بذكر أعظم النتائج لها وهي أولً إعطاء الفرقان وهو النصر‬
‫والفصل بين كل مشتبه‪ ،‬والتمييز بين الحق والباطل والضار والنافع‪ ،‬والصحيح والفاسد‪ ،‬وثانيا‬
‫تكفير السيئآت‪ ،‬وثالثا مغفرة الذنوب ورابعا الجر العظيم الذي هو الجنة ونعيمها إذ قال تعالى‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لفظ الية عام في كل ذنب صغير وكبير‪ ،‬وما روي أنها نزلت في أبي لبابة حيث بعثه رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم إلى بني قريظة لينزلوا على حكم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فاستشاروه في ذلك فأشار عليهم بذلك وأشار بيده إلى حلقه أي إنه الذبح ل ينافيه‪.‬‬
‫‪ 2‬وهذه الية عامّة أيضا وإن قيل إنها نزلت في أبي لبابة إذ كان له مال وولد في بني قريظة فل‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يُتهم لجل ذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬قال بعضهم واصفا للتقوى المورثة للفرقان فقال‪ :‬هي امتثال الوامر واجتناب المناهي‪ ،‬وترك‬
‫الشبهات مخافة الوقوع في المحرمات وشحن القلب بالنية الخالصة‪ ،‬والجوارح بالعمال الصالحة‪،‬‬
‫والتحفظ من شوائب الشرك الخفي والظاهر‪.‬‬

‫( ‪)2/300‬‬

‫في ختام الية {وال ذو الفضل العظيم} إشارة إلى ما يعطيه ال تعالى أهل التقوى في الخرة وهو‬
‫الجنة ورضوانه على أهلها‪ ،‬ولنعم الجر الذي من أجله يعمل العاملون‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تحريم الخيانة مطلقا وأسوأها ما كان خيانة ل ورسوله‪.‬‬
‫‪ -2‬في المال والولد فتنة قد تحمل على خيانة ال ورسوله‪ ،‬فيلحذرها المؤمن‪.‬‬
‫‪ -3‬من ثمرات التقوى تكفير السيآت وغفران الذنوب‪ ،‬والفرقان وهو نور في القلب يفرق به‬
‫المتقى بين المور المتشابهات والتي خفي فيها وجه الحق والخير‪.‬‬
‫وَإِذْ َي ْمكُرُ ِبكَ الّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ َأوْ َيقْتُلُوكَ َأوْ يُخْ ِرجُوكَ وَ َي ْمكُرُونَ وَ َيمْكُرُ الّل ُه وَاللّهُ خَيْرُ‬
‫س ِمعْنَا َلوْ نَشَاء َلقُلْنَا مِ ْثلَ هَذَا إِنْ هَذَا ِإلّ َأسَاطِيرُ‬
‫ا ْلمَاكِرِينَ(‪ )30‬وَإِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ َ‬
‫الوّلِينَ(‪)31‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫وإذ يمكر بك ‪ :‬أي يبيتون لك ما يضرك‪.‬‬
‫ليثبتوك‪ :‬أي ليحبسوك مثبتا بوثاق حتى ل تفر من الحبس‪.‬‬
‫أو يخرجوك ‪ :‬أي ينفوك بعيدا عن ديارهم‪.‬‬
‫ويمكرون ويمكر ال‪ :‬أي يدبرون لك السوء ويبيتون لك المكروه‪ ،‬وال تعالى يدبر لهم ما يضرهم‬
‫أيضا ويبيت لهم ما يسوءهم‪.‬‬
‫آياتنا‪ :‬آيات القرآن الكريم‪.‬‬
‫أساطير الولين‪ :‬الساطير جمع أسطورة ما يدرن ويسطر من أخبار الولين‪.‬‬

‫( ‪)2/301‬‬

‫معنى اليات ‪:‬‬


‫يذكر تعالى رسوله والمؤمنين بنعمة من نعمه تعالى عليهم فيقول لرسوله واذكر إذ يمكر بك الذين‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫كفروا {ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك} إذا اجتمعت قريش في دار الندوة وأتمرت في شأن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم وفكرت ومكرت فأصدروا ‪ 1‬حكما بقتله صلى ال عليه وسلم وبعثوا من ينفذ‬
‫جريمة القتل فطوقوا منزلة فخرج النبي ‪ 2‬صلى ال عليه وسلم بعد أن رماهم بحثية من تراب‬
‫قائلً شاهت الوجوه‪ ،‬فلم يره أحد ونفذ وهاجر إلى المدينة وهذا معنى {ويمكرون ويمكر ال وال‬
‫خير الماكرين} فكان في نجاته صلى ال عليه وسلم من يد قريش نعمة عظمى على رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم وعلى سائر المؤمنين والحمد ل رب العالمين‪.‬‬
‫وقوله تعالى في الية الثانية { وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا ‪ 3‬مثل هذا إن‬
‫هذا إل أساطير الولين} هذا الخبر تنديد بموقف المشركين ذكر بعد ذكر مؤامراتهم الدنية ومكرهم‬
‫الخبيث حيث قرروا قتله صلى ال عليه وسلم يخبر تعالى أنهم إذا قرأ عليهم الرسول آيات ال‬
‫المبينة للحق والمقررة لليمان به ورسالته بذكر قصص الولين قالوا {سمعنا} ما تقرأ علينا‪،‬‬
‫{ ولو شئنا لقلنا مثل هذا} أي الذي تقول { إن هذا إل أساطير الولين} أي أخبار السابقين من‬
‫المم سطرت وكتبت فهي تملى عليك فتحفظها وتقرأها علينا وكان قائل هذه المقالة الكاذبة النضر‬
‫بن الحارث عليه لعائن ال إذ مات كافرا‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬التذكير بنعم ال تعالى على البعد ليجد العبد في نفسه داعية الشكر فيشكر‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان مدى ما قاومت به قريش دعوة السلم حتى إنها أصدرت حكمها بقتل الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان موقف المشركين من الدعوة السلمية‪ ،‬وأنهم بذلوا كل جهد في سبيل إنهائها والقضاء‬
‫عليها‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬كان حكم القتل باقتراح إبليس إذ جاءهم وهم يتشاورون في أمر النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫فأشار عليهم وهو في صورة شيخ نجدي فقبلوا ما أشار به عليهم من القتل فأخذوا برأيه وتركوا‬
‫ما أشار به بعضهم من النفي والحبس‪.‬‬
‫‪ 2‬بعد أن ترك عليا نائما على فراشه مسجىً ببرد أخضر للنبي صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ 3‬من بين القائلين‪ :‬النضر بن الحارث إذ كان قد خرج إلى الحيرة في تجارة فاشترى أحاديث‬
‫كليلة ودمنة وكسرى‪ ،‬وقيصر‪ ،‬وأخذ يقصّ تلك الخبار ويقول‪ :‬هذه مثل الذي يقصّ محمد من‬
‫أخبار الماضين‪ .‬وكذب فأين ما يقصه القرآن وما يوسوس به الشيطان‪.‬‬

‫( ‪)2/302‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سمَاء َأوِ ائْتِنَا ِب َعذَابٍ أَلِيمٍ‬
‫وَإِذْ قَالُواْ الّلهُمّ إِن كَانَ َهذَا ُهوَ ا ْلحَقّ مِنْ عِن ِدكَ فََأمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَا َرةً مّنَ ال ّ‬
‫(‪َ )32‬ومَا كَانَ اللّهُ لِ ُي َعذّ َبهُ ْم وَأَنتَ فِيهِ ْم َومَا كَانَ اللّهُ ُمعَذّ َب ُه ْم وَهُمْ َيسْ َتغْفِرُونَ (‪َ )33‬ومَا َلهُمْ َألّ‬
‫سجِدِ ا ْلحَرَامِ َومَا كَانُواْ َأوْلِيَاءهُ إِنْ َأوْلِيَآ ُؤهُ ِإلّ ا ْلمُ ّتقُونَ وََلكِنّ َأكْثَرَ ُهمْ‬
‫ُيعَذّ َبهُمُ اللّ ُه وَهُمْ َيصُدّونَ عَنِ ا ْلمَ ْ‬
‫ن صَلَ ُتهُمْ عِندَ الْبَ ْيتِ ِإلّ ُمكَاء وَ َتصْدِيَةً َفذُوقُواْ ا ْل َعذَابَ ِبمَا كُنتُمْ َت ْكفُرُونَ(‬
‫لَ َيعَْلمُونَ(‪َ )34‬ومَا كَا َ‬
‫‪)35‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫اللهم‪ :‬أي يا ال حذفت ياء النداء من أوله وعوض عنها الميم من آخره‪.‬‬
‫إن كان هذا ‪ :‬أي الذي جاء به محمد ويخبر به‪.‬‬
‫فأمطر‪ :‬أنزل علينا حجارة‪.‬‬
‫يصدون عن المسجد الحرام‪ :‬يمنعون الناس من الدخول إليه للعتمار‪.‬‬
‫مكاء وتصدية ‪ :‬المكاء‪ :‬التصفير‪ ،‬والتصدية‪ :‬التصفيق‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في التنديد ببعض أقوال المشركين وأفعالهم فهذا النضر ‪ 1‬بن الحارث القائل في‬
‫اليات السابقة {لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إل أساطير الولين} يخبر تعالى عنه أنه قال {اللهم‬
‫إن كان هذا} أي القرآن {هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وقاله أيضا أبو جهل وهو دال على مدى عناد المشركين في مكة ومكابرتهم وحسدهم أيضا‪.‬‬

‫( ‪)2/303‬‬

‫السماء} فنهلك بها‪ ،‬ول نرى محمدا ينتصر ‪ 1‬دينه بيننا‪{ .‬أو ائتنا بعذاب أليم} حتى نتخلص من‬
‫وجودنا‪ .‬فقال تعالى {وما كان ال ليعذبهم ‪ 2‬وأنت فيهم ‪ }3‬فوجودك بينهم أمان لهم {وما كان ال‬
‫معذبهم وهم يستغفرون} إذ كانوا إذا طافوا يقول بعضهم غفرانك ربنا غفرانك‪ ،‬ثم قال تعالى {وما‬
‫لهم أل يعذبهم ال وهم يصدون عن المسجد الحرام} أي أيّ شيء يصرف العذاب عنهم وهم‬
‫يرتكبون أبشع جريمة وهي صدهم الناس عن دخول المسجد الحرام للطواف بالبيت الحرام‪ ،‬فقد‬
‫كانوا يمنعون المؤمنين من الطواف بالبيت والصلة في المسجد الحرام ‪ .4‬وقوله تعالى {وما كانوا‬
‫أولياءه} رد على مزاعمهم بأنهم ولة الحرم والقائمون عليه فلذا لهم أن يمنعوا من شاءوا ويأذنوا‬
‫لمن شاءوا فقال تعالى ردا عليهم {وما كانوا أولياءه} أي أولياء المسجد الحرام‪ ،‬كما لم يكونوا‬
‫أيضا أولياء ال إنّما أولياء ال والمسجد الحرام المتقون الذين يتقون الشرك والمعاصي {ولكن‬
‫أكثرهم ل يعلمون} هذا لجهل بعضهم وعناد آخرين‪ .‬وقوله {وما كان صلتهم عند البيت إل مكاء‬
‫وتصدية} إذ كان بعضهم إذا طافوا يصفقون ويصفرون كما يفعل بعض دعاة التصوف حيث‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يرقصون وهم يصفقون ويصفرون ويعدون هذا حضرة أولياء ال‪ ،‬والعياذ بال من الجهل‬
‫والضلل وقوله تعالى {فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} أذاقهموه يوم بدر إذ أذلهم فيه وأخزاهم‬
‫وقتل رؤساءهم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان ما كان عليه المشركون في مكة من بغض للحق وكراهية له حتى سألوا العذاب العام ول‬
‫يرون راية الحق تظهر ودين ال ينتصر‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ذكر القرطبي الحكاية التالية قال‪ :‬حكي أن ابن عباس لقيه يهودي فقال له من أنت؟ قال‪ :‬من‬
‫قريش‪ .‬فقال أنت من القوم الذين قالوا‪{ :‬اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة‬
‫من السماء ‪ }...‬الية فهلّ عليهم أن يقولوا‪ :‬إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له إنّ هؤلء‬
‫قوم يجهلون قال ابن عباس‪ :‬وأنت يا إسرائيلي من القوم الذين لم تجف أرجلهم من بلل البحر‬
‫الذي أغرق فيه فرعون وقومه‪ ،‬وانجى موسى وقومه حتى قالوا‪ {:‬اجعل لنا إلها كما لهم آلهة فقال‬
‫لهم موسى أنكم قوم تجهلون} فأطرق اليهودي ملجما‪.‬‬
‫‪ 2‬روى مسلم انه لما قال أبو جهل‪ .‬اللهم إن كان هذا هو الحق‪ ..‬الية نزلت هذه الية‪{ :‬وما كان‬
‫ال ليعذبهم وأنت فيهم}‪.‬‬
‫‪ 3‬دليله إنهم لما خرج من بينهم صلى ال عليه وسلم عذبهم ال بالقتل في بدر وسني القحط‬
‫الجدب‪.‬‬
‫‪ 4‬أي أنهم مستحقون العذاب ولكن لكل أجل كتاب فإذا حان أوانه عذّبوا‪.‬‬

‫( ‪)2/304‬‬

‫‪ -2‬النبي صلى ال عليه وسلم أمان أمته من العذاب فلم تُصب هذه المة بعذاب الستئصال‬
‫والبادة الشاملة‪.‬‬
‫‪ -3‬فضيلة الستغفار وأنه ينجى من عذاب الدنيا والخرة‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان عظم جرم من يصد عن المسجد الحرام للعبادة الشرعية فيه‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان أولياء ال تعالى والذين يحق لهم أن يلوا المسجد الحرام وهو المتقون‪.‬‬
‫‪ -6‬كراهية الصفير ‪ 1‬والتصفيق‪ ،‬وبطلن الرقص في التعبد‪.‬‬
‫حسْ َرةً ثُمّ ُيغْلَبُونَ‬
‫إِنّ الّذِينَ َكفَرُواْ يُنفِقُونَ َأ ْموَاَلهُمْ لِ َيصُدّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُن ِفقُونَهَا ُثمّ َتكُونُ عَلَ ْي ِهمْ َ‬
‫ج َعلَ الْخَبِيثَ َب ْعضَهُ عََلىَ‬
‫جهَنّمَ ُيحْشَرُونَ (‪ )36‬لِ َيمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطّ ّيبِ وَيَ ْ‬
‫وَالّذِينَ َكفَرُواْ ِإلَى َ‬
‫جهَنّمَ ُأوْلَ ِئكَ ُهمُ ا ْلخَاسِرُونَ(‪)37‬‬
‫جعََلهُ فِي َ‬
‫جمِيعا فَيَ ْ‬
‫َب ْعضٍ فَيَ ْر ُكمَهُ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إن الذين كفروا‪ :‬أي كذبوا بآيات ال ورسالة رسوله محمد صلى ال عليه وسلم من قريش‬
‫ثم تكون عليهم حسرة ‪ :‬أي شدة ندامة‪.‬‬
‫ثم يغلبون ‪ :‬أي يهزمون‪.‬‬
‫ليميز ‪ :‬أي ليميز كل صنف من الصنف الخر‪.‬‬
‫الخبيث‪ :‬هم أهل الشرك والمعاصي‪.‬‬
‫من الطيب‪ :‬هم أهل التوحيد والعمال الصالحة‪.‬‬
‫فيركمه‪ :‬أي يجعل بعضه فوق بعض في جهنم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الصفير‪ :‬تفسير للمكاء في الية وهو مأخوذ من صوت طائر يسمى المكاء قال الشاعر‪:‬‬
‫إذا غرّد المكاء في غير روضة ‪...‬‬
‫حمُرات‬
‫فويل لهل الشاء وال ُ‬

‫( ‪)2/305‬‬

‫معنى الية الكريمة‪:‬‬


‫ما زال السياق في التنديد بالمشركين وأعمالهم الخاسرة يخبر تعالى {إن الذين كفروا} وهم أهل‬
‫مكة من زعماء قريش {ينفقون أموالهم} في ‪ 1‬حرب رسول ال والمؤمنين للصد عن السلم‬
‫المعبر عنه بسبيل ال يقول تعالى (فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ‪ }2‬أي ندامة شديدة لسوء‬
‫العاقبة التي كانت لهم في بدر وأحد والخندق إذ أنفقوا على هذه الحملت الثلث من الموال ما‬
‫ال به عليم‪ ،‬ثم خابوا فيها وخسروا وبالتالي غلبوا وانتهى سلطانهم الكافر وفتح ال على رسوله‬
‫والمؤمنين مكة وقوله تعالى {والذين كفروا} أي من مات منهم على الكفر {إلى جهنم يحشرون}‬
‫أي يجمعون‪ ،‬وعلة هذا الجمع أن يميز ال تعالى الخبيث من الطيب فالطيبون وهم المؤمنون‬
‫الصالحون يعبرون الصراط إلى الجنة دار النعيم‪ ،‬وأما الخبيث وهم فريق المشركين فيجعل بعضه‬
‫إلى بعض فيركمه جميعا كوما واحدا فيجعله في جهنم‪ .‬وقوله تعالى {أولئك هم الخاسرون} إشارة‬
‫إلى الذين أنفقوا أموالهم للصد عن سبيل ال وماتوا على الكفر فحشروا إلى جهنم وجعل بعضهم‬
‫إلى بعض ثم صيروا كوما واحدا ثم جعلوا في نار جهنم هم الخاسرون بحق حيث خسروا أنفسهم‬
‫وأموالهم وأهليهم وكل شيء وأمسوا في قعر جهنم مبلسين والعياذ بال من الخسران المبين‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬كل نفقة ينفقها العبد للصد عن سبيل ال بأي وجه من الوجوه تكون عليه حسرة عظيمة يوم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫القيامة‪.‬‬
‫‪ -2‬كل كافر خبيث وكل مؤمن طيب‪.‬‬
‫‪ -3‬صدق وعد ال تعالى لرسوله والمؤمنين بهزيمة المشركين وغلبتهم وحسرتهم على ما أنفقوا‬
‫في حرب السلم وضياع ذلك كله وخيبتهم فيه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لمّا هزمت قريش في بدر قام أبو سفيان بحملة جمع فيها الموال لحرب رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم والنتقام لمن مات من صناديد قريش فجمع المال وشنّ حرب أحد إلّ أنه خاب وخسر‬
‫كما أخبر تعالى‪ :‬ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون‪.‬‬
‫‪ 2‬والية يدخل فيها المطعمون ببدر إذ كانوا اثني عشر رجلً فكان الواحد منهم يطعم جيش‬
‫قريش عشرة من البل يوميا طيلة ما هم في بدر‪ ،‬فخابوا في نفقاتهم وهلكوا‪.‬‬

‫( ‪)2/306‬‬

‫لوّلِينِ(‪َ )38‬وقَاتِلُوهُمْ‬
‫ضتْ سُنّ ُة ا َ‬
‫ف وَإِنْ َيعُودُواْ َفقَدْ َم َ‬
‫قُل لِلّذِينَ َكفَرُواْ إِن يَن َتهُواْ ُي َغفَرْ َلهُم مّا َقدْ سََل َ‬
‫حَتّى لَ َتكُونَ فِتْ َن ٌة وَ َيكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّه فَإِنِ ان َت َهوْاْ فَإِنّ الّلهَ ِبمَا َي ْعمَلُونَ َبصِيرٌ(‪ )39‬وَإِن َتوَّلوْاْ‬
‫لكُمْ ِنعْمَ ا ْل َموْلَى وَ ِنعْمَ ال ّنصِيرُ(‪)40‬‬
‫فَاعَْلمُواْ أَنّ اللّهَ َم ْو َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إن ينتهوا‪ :‬عن الكفر بال ورسوله وحرب الرسول والمؤمنين‪.‬‬
‫ما قد سلف‪ :‬أي مضى من ذنوبهم من الشرك وحرب الرسول والمؤمنين‪.‬‬
‫مضت سنة الولين‪ :‬في إهلك الظالمين‪.‬‬
‫ل تكون فتنة ‪ :‬أي شرك بال واضطهاد وتعذيب في سبيل ال‪.‬‬
‫ويكون الدين كله ل ‪ :‬أي حتى ل يعبد غير ال‪.‬‬
‫مولكم‪ :‬متولي أمركم بالنصر والتأييد‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في بيان الجراءات الواجب اتخاذها إزاء الكافرين فيقول تعالى لرسوله‬
‫صلى ال عليه وسلم {قل للذين كفروا} ‪ 1‬مبلغا عنا {إن ينتهوا} أي عن الشرك والكفر والعصيان‬
‫وترك حرب السلم وأهله {يغفر لهم ما قد سلف} يغفر ال لهم ما قد مضى ‪ 2‬من ذنوبهم العظام‬
‫وهي الشرك والظلم‪ ،‬وهذا وعد صدق ممن ل يخلف الوعد سبحانه وتعالى‪{ .‬وإن يعودوا} إلى‬
‫الظلم والضطهاد والحرب فسوف يحل بهم ما حل بالمم السابقة قبلهم لما ظلموا فكذبوا الرسل‬
‫وآذوا المؤمنين وهو معنى قوله تعالى {فقد مضت سنة‬
‫__________‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 1‬نزلت في أبي سفيان ورجاله المشركين في مكة قبل الفتح‪.‬‬
‫‪ 2‬في الصحيح‪" :‬السلم يجبّ ما قبله‪ ،‬والتوبة تجبّ ما قبلها"‪.‬‬

‫( ‪)2/307‬‬

‫الولين} أي سنة ال والطريقة المتبعة فيهم وهي أخذهم ‪ 1‬بعد النذار والعذار‪ .‬ثم في الية‬
‫الثانية من هذا السياق يأمر ال تعالى رسوله والمؤمنين بقتال المشركين قتالً يتواصل بل انقطاع‬
‫إلى غاية هي‪ :‬أن ل تبقى فتنة أي شرك ول اضطهاد لمؤمن ‪ 2‬أو مؤمنة من أجل دينه ‪ ،‬وحتى‬
‫يكون الدين كله ل فل يعبد ‪ 3‬مع ال أحد سواه {فإن انتهوا } أي عن الشرك والظلم فكفوا عنهم‬
‫وإن انتهوا في الظاهر ولم ينتهوا في الباطل فل يضركم ذلك {فإن ال بما يعملون بصير}‬
‫وسيظهرهم لكم ويسلطكم عليهم‪ .‬وقوله في ختام السياق {وإن تولوا} أي نكثوا العهد وعادوا إلى‬
‫حربكم بعد الكف عنهم فقاتلوهم ينصركم ال عليهم واعلموا أن ال مولكم فل يسلطهم عليكم‪ ،‬بل‬
‫ينصركم عليهم إنه {نعم المولى} لمن يتولى {ونعم النصير} لمن ينصر‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان سعة فضل ال ورحمته‪.‬‬
‫‪ -2‬السلم يجبّ أي يقطع ما قبله‪ ،‬فيغفر لمن أسلم كل ذنب قارفه من الكفر وغيره‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان سنة ال في الظالمين وهي إهلكهم وإن طالت مدة الملء والِنظار‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب قتال المشركين على المسلمين ما بقي في الرض مشرك‪.‬‬
‫‪ -5‬نعم المولى ال جل جلله لمن توله‪ ،‬ونعم النصير لمن نصره‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أخذهم‪ :‬أي بالعذاب العاجل والعقوبة الشديدة‪.‬‬
‫‪ 2‬الضطهاد‪ :‬هو فتنة قريش للمؤمنين حيث فتنوهم حتى هاجروا إلى الحبشة وفتنوهم حتى‬
‫هاجروا إلى المدينة ومعنى‪ :‬فتنوهم‪ .‬عذّبوهم ليردّوهم إلى الشرك والكفر‪.‬‬
‫‪ 3‬يشهد له قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل اله إلّ ال فإذا قالوها‬
‫عصموا مني دماءهم وأموالهم إلّ بحقّها‪ ،‬وحسابهم على ال عز وجل" في الصحيحين‪.‬‬

‫( ‪)2/308‬‬

‫الجزء العاشر‬
‫ن وَابْنِ‬
‫ل وَلِذِي ا ْلقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِي ِ‬
‫خ ُمسَ ُه وَلِلرّسُو ِ‬
‫شيْءٍ فَأَنّ لِّلهِ ُ‬
‫وَاعَْلمُواْ أَ ّنمَا غَ ِنمْتُم مّن َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن وَاللّهُ عَلَى ُكلّ‬
‫ج ْمعَا ِ‬
‫السّبِيلِ إِن كُن ُتمْ آمَنتُمْ بِاللّ ِه َومَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا َيوْمَ ا ْلفُ ْرقَانِ َيوْمَ الْ َتقَى ا ْل َ‬
‫س َفلَ مِنكُمْ وََلوْ َتوَاعَدتّمْ‬
‫صوَى وَال ّر ْكبُ أَ ْ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ(‪ِ )41‬إذْ أَنتُم بِا ْلعُ ْد َوةِ الدّنْيَا وَهُم بِا ْلعُ ْد َوةِ ا ْل ُق ْ‬
‫َ‬
‫حيّ‬
‫لَخْتََلفْتُمْ فِي ا ْلمِيعَا ِد وََلكِن لّ َي ْقضِيَ اللّهُ َأمْرا كَانَ َمفْعُولً لّ َيهِْلكَ مَنْ هََلكَ عَن بَيّنَ ٍة وَ َيحْيَى مَنْ َ‬
‫ل وََلوْ أَرَا َكهُمْ كَثِيرًا ّلفَشِلْتُمْ‬
‫سمِيعٌ عَلِيمٌ(‪ِ )42‬إذْ يُرِي َكهُمُ الّلهُ فِي مَنَا ِمكَ قَلِي ً‬
‫عَن بَيّنَ ٍة وَإِنّ اللّهَ لَ َ‬
‫علِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ(‪ )43‬وَإِذْ يُرِي ُكمُو ُهمْ إِذِ الْ َتقَيْتُمْ فِي أَعْيُ ِن ُكمْ‬
‫لمْرِ وََلكِنّ الّلهَ سَلّمَ إِنّهُ َ‬
‫وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي ا َ‬
‫ل وَيُقَلُّلكُمْ فِي أَعْيُ ِن ِهمْ لِ َي ْقضِيَ اللّهُ َأمْرًا كَانَ َمفْعُولً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ المُورُ(‪)44‬‬
‫قَلِي ً‬
‫شرح الكلمات ‪:‬‬
‫أنما غنمتم من شيء ‪ :‬أي ما أخذتموه من مال الكافر قهرا لهم وغلبة قليلً كان أو كثيرا‪.‬‬
‫فأن ل خمسه ‪ :‬أي خمس الخمسة أقسام‪ ،‬يكون ل والرسول ومن ذكر بعدهما‪.‬‬
‫ولذى القربى ‪ :‬هم قرابة الرسول صلى ال عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب‪.‬‬
‫وما أنزلنا على عبدنا ‪ :‬أي من الملئكة واليات‪.‬‬

‫( ‪)2/309‬‬

‫يوم الفرقان ‪ :‬أي يوم بدر وهو السابع عشر من رمضان‪ ،‬إذ فرق ال فيه بين الحق والباطل‪.‬‬
‫التقى الجمعان‪ :.‬جمع المؤمنين وجمع الكافرين ببدر‪.‬‬
‫العدوة الدنيا‪ :‬العدوة حافة الوادي‪ ،‬وجانبه والدنيا أي القريبة إلى المدينة‪.‬‬
‫بالعدوة القصوى ‪ :‬أي البعيد من المدينة إذ هي حافة الوادي من الجهة الخرى‪.‬‬
‫والركب أسفل منكم ‪ :‬أي ركب أبى سفيان وهي العير التي خرجوا من أجلها‪ .‬أسفل منكم مما يلي‬
‫البحر‪.‬‬
‫عن بينة‪ :‬أي حجة ظاهرة‪.‬‬
‫لتنازعتم في المر ‪:‬أي اختلفتم‪.‬‬
‫ويقللكم في أعينهم ‪ :‬هذا قبل اللتحام أما بعد فقد رأوهم مثليهم حتى تتم الهزيمة لهم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫هذه اليات ل شك أنها نزلت في بيان قسمة الغنائم بعدما حصل فيها من نزاع فافتكها ال تعالى‬
‫منهم ثم قسمها عليهم فقال النفال ل وللرسول في أول الية ثم قال هنا {واعلموا} أيها المسلمون‬
‫{أنما غنمتم ‪ 1‬من شيء ‪ }2‬حتى الخيط والمخيط‪ ،‬ومعنى غنمتم أخذتموه من المال من أيدي الكفار‬
‫المحاربين لكم غلبة وقهرا لهم فقسمته هي أن {ل خمسه وللرسول ولذي القربى ‪ 3‬واليتامى‬
‫والمساكين وابن السبيل} والربعة أخماس ‪ 4‬الباقية هي لكم أيها المجاهدون للراجل قسمة وللفارس‬
‫قسمان لما له من تأثير‬
‫__________‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 1‬الغنيمة‪ :‬ما يناله الرجل أو الجماعة بسعي وهو قتال الكافرين لغرض هدايتهم إلى السلم‬
‫ليكملوا ويسعدوا‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وقد طوّفت في الفاق حتى ‪ ...‬رضيت من الغنيمة بالياب‬
‫‪2‬الجماع على أن هذا الحكم ليس على عمومه بل هو مخصص بقول المام‪ :‬مَن قتل قتيلً فله‬
‫سَلَبه‪ ،‬وكذا الرقاب‪ ،‬فالمام مخيّر فيها بين القتل والفداء والمنّ وليس هذا للغانمين‪ ،‬وكذا السلب‬
‫فإن من سلب مقاتلً شيئا كسلحه وفرسه فهو له أيضا‪.‬‬
‫‪ 3‬المراد بذي القربى‪ :‬قرابة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهم بنو هاشم‪ ،‬وهو مذهب مالك‪،‬‬
‫وزاد الشافعي وأحمد‪ :‬بني المطلب لن بني هاشم وبني المطلب شيء واحد‪ ،‬ولن الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم لما قسم سهم ذي القربى بين بني هاشم وبين عبدالمطلب قال‪" :‬إنهم لم يفارقوني في‬
‫جاهلية ول إسلم‪ ،‬إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد وشبّك بين أصابعه" رواه البخاري‪.‬‬
‫ن بعضا قال‪ :‬الغنيمة خمسها ل والربعة أخماس للمام إن‬
‫‪ 4‬من باب الطلع ل غير أذكر أ ّ‬
‫شاء حبسها وإن شاء قسمها على الغانمين وهو قول مخالف لما عليه جمهور الفقهاء‪.‬‬

‫( ‪)2/310‬‬

‫في الحرب‪ ،‬ولن فرسه يحتاج إلى نفقة علف‪ .‬والمراد من قسمة ال أنها تنفق في المصالح العامة‬
‫ولو أنفقت على بيوته لكان أولى وهي الكعبة وسائر المساجد‪ ،‬وما للرسول فإنه ينفقه على عائلته‪،‬‬
‫وما لذي القربى فإنه ينفق على قرابة الرسول الذين يحرم عليهم أخذ الزكاة لشرفهم وهم بنو هاشم‬
‫وبنو المطلب‪ ،‬وما لليتامى ينفق على فقراء المسلمين‪ ،‬وما لبن السبيل ينفق على المسافرين‬
‫المنقطعين عن بلدهم إذا كانوا محتاجين إلى ذلك في سفرهم وقوله تعالى {إن كنتم آمنتم بال} أي‬
‫ربا {وما أنزلنا على عبدنا} أي محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم {يوم الفرقان يوم التقى‬
‫الجمعان} وهو يوم بدر حيث التقى المسلمون بالمشركين‪ ،‬والمراد بما أنزل تعالى على عبده‬
‫ورسوله الملئكة واليات منها الرمية التي رمى بها المشركين فوصلت إلى أكثرهم فسببت‬
‫هزيمتهم‪ .‬وقوله {وال على كل شيء قدير} أي كما قدر على نصركم على قلتكم وقدر على‬
‫هزيمة عدوكم على كثرتهم هو قادر على كل شيء يريده وقوله تعالى {إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم‬
‫بالعدوة القصوى والركب ‪ 1‬أسفل منكم} تذكير لهم بساحة المعركة التي تجلت فيها آيات ال وظهر‬
‫فيها إنعامه عليهم ليتهيئوا للشكر‪ .‬وقوله تعالى {ولو تواعدتم لختلفتم في الميعاد} أي لو تواعدتم‬
‫أنتم والمشركون على اللقاء في بدر للقتال لختلفتم لسباب تقتضي ذلك منها أنكم قلة وهم كثرة‬
‫{ولكن ليقضي ال أمرا كان مفعولً} أي محكوما به في قضاء ال وقدره‪ ،‬وهو نصركم وهزيمة‬
‫عدوكم‪ .‬وجمعكم من غير تواعد ول اتفاق سابق‪ .‬وقوله تعالى {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى‬
‫حيّ عن بينة} هذا تعليل لفعل ال تعالى يجمعكم في وادي بدر للقتال وهو فعل ذلك ليحيا‬
‫من َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫باليمان من حيى على بينة وعلم أن ال حق والسلم حق والرسول حق والدار الخرة حق حيث‬
‫أراهم ال اليات الدالة على ذلك‪ ،‬ويهلك من هلك بالكفر على بينة إذ أتضح له أن ما عليه‬
‫المشركون كفر وباطل وضلل ثم رضي به واستمر عليه‪ .‬وقوله تعالى {وإن ال لسميع عليم}‬
‫تقرير لما سبق وتأكيد له حيث أخبر تعالى أنه سميع لقوال عباده عليم بأفعالهم فما أخبر به‬
‫وقرره هو كما أخبر وقرر‪ .‬وقوله تعالى {وإذ يريكهم ال في منامك قليلً} أي فأخبرت أصحابك‬
‫ففرحوا بذلك‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ركب أبي سفيان‪ ،‬ولفظ الركب ل يطلق إلّ على الراكبين‪ ،‬والركب مبتدأ‪ ،‬والخبر متعلّق أسفل‬
‫الظرف أي‪ :‬كائن أسفل منكم‪.‬‬

‫( ‪)2/311‬‬

‫وسرّوا ووطنوا أنفسهم للقتال‪ ،‬وقوله‪{ :‬ولو أراكهم كثيرا} أي في منامك وأخبرت به أصحابك‬
‫لفشلتم أي جبنتم عن قتالهم‪ ،‬ولتنازعتم في أمر قتالهم {ولكن ال سلّم} من ذلك فلم يريكهم كثيرا إنه‬
‫تعالى عليم بذات الصدور ففعل ذلك لعلمه بما يترتب عليه من خير وشر‪ .‬وقوله تعالى {وإذ‬
‫يريكموهم} أي اذكروا أيها المؤمنون إذ يريكم ال الكافرين عند التقائكم بهم قليلً في أعينكم كأنهم‬
‫سبعون رجلً أو مائة مثلً ويقللكم سبحانه وتعالى في أعينهم حتى ‪ 1‬ل يهابوكم‪ .‬وهذا كان عند‬
‫المواجهة وقبل اللتحام أما بعد اللتحام فقد أرى ال تعالى الكافرين أراهم المؤمنين ضعفيهم في‬
‫الكثرة وبذلك انهزموا كما جاء ذلك في سورة آل عمران في قوله {يرونهم مثليهم} وقوله تعالى‬
‫{ليقضي ال أمرا كان مفعولً} تعليل لتلك التدابير اللهية لوليائه لنصرتهم وإعزازهم وهزيمة‬
‫أعدائهم وإذللهم وقوله تعالى {إلى ال ترجع المور} إخبار منه تعالى بأن المور كلها تصير إليه‬
‫فما شاء منها كان وما لم يشأ لم يكن خبرا كان أو غيرا‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان قسمة الغنائم على الوجه الذي رضيه ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬التذكير باليمان‪ ،‬إذ هو الطاقة الموجهة باعتبار أن المؤمن حي بإيمانه يقدر على الفعل‬
‫والترك‪ ،‬والكافر ميت فل يكلف‪.‬‬
‫‪ -3‬فضيلة غزوة بدر وفضل أهلها‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان تدبير ال تعالى في نصر أوليائه وهزيمة أعدائه‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان أن مرد المور نجاحا وخيبة ل تعالى ليس لحد فيها تأثير إل بإذنه‪.‬‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا َلقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُو ْا وَا ْذكُرُواْ الّلهَ كَثِيرًا ّلعَّلكُمْ ُتفْلَحُونَ(‪)45‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال أبو جهل‪ :‬إنهم أكلة جزور خذوهم أخذا واربطوهم بالحبال فلمّا أخذوا في القتال عظم‬
‫المسلمون في أعين الكفار وكثروا حتى أنهم يرونهم مثليهم‪.‬‬

‫( ‪)2/312‬‬

‫ح ُك ْم وَاصْبِرُواْ إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ(‪)46‬‬


‫وَأَطِيعُواْ اللّ َه وَرَسُوَل ُه وَلَ تَنَازَعُواْ فَ َتفْشَلُو ْا وَتَذْ َهبَ رِي ُ‬
‫وَلَ َتكُونُواْ كَالّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَا ِرهِم َبطَرًا وَرِئَاء النّاسِ وَ َيصُدّونَ عَن سَبِيلِ اللّ ِه وَالّلهُ ِبمَا َي ْعمَلُونَ‬
‫س وَإِنّي جَارٌ ّلكُمْ فََلمّا‬
‫عمَاَلهُ ْم َوقَالَ لَ غَاِلبَ َلكُمُ الْ َيوْمَ مِنَ النّا ِ‬
‫مُحِيطٌ(‪ )47‬وَإِذْ زَيّنَ َلهُمُ الشّيْطَانُ أَ ْ‬
‫عقِبَيْ ِه َوقَالَ إِنّي بَرِيءٌ مّنكُمْ إِنّي أَرَى مَا لَ تَ َروْنَ إِ ّنيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ‬
‫تَرَاءتِ ا ْلفِئَتَانِ َن َكصَ عَلَى َ‬
‫شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ(‪ِ )48‬إذْ َيقُولُ ا ْلمُنَا ِفقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُو ِبهِم مّ َرضٌ غَرّ َهؤُلء دِي ُنهُ ْم َومَن يَ َت َوكّلْ عَلَى‬
‫حكِيمٌ(‪)49‬‬
‫اللّهِ فَإِنّ اللّهَ عَزِيزٌ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫فئة‪ :‬طائفة مقاتلة‪.‬‬
‫فاثبتوا ‪ :‬لقتالها واصمدوا‪.‬‬
‫واذكروا ل كثيرا ‪ :‬مهللين مكبرين راجين النصر طامعين فيه سائلين ال تعالى ذلك‪.‬‬
‫تفلحون‪ :‬تفوزون بالنصر في الدنيا والجنة في الخرة بعد النجاة من الهزيمة في الدنيا والنار في‬
‫الخرة‪.‬‬
‫ول تنازعوا‪ :.‬أي ل تختلفوا وأنتم في مواجهة العدو أبدا‪.‬‬
‫وتذهب ريحكم ‪ : 1‬أي قوتكم بسبب الخلف‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يرى بعضهم أن الريح ريح الصبا التي قال فيها الرسول صلى ال عليه وسلم "نصرت بالصبا‪،‬‬
‫واهلكت عاد بالدبور" يريد أنهم بعدم طاعتهم يحرمون الريح التي بها نصرهم وهو معنى ل بأس‬
‫به‪.‬‬

‫( ‪)2/313‬‬

‫خرجوا من ديارهم بطرا ‪ :‬أي للبطر الذي هو دفع الحق ومنعه‪.‬‬


‫وقال إني جار لكم ‪ :‬أي مجير لكم ومعين على عدوكم‪.‬‬
‫تراءت الفئتان ‪ :‬أي التقتا ورأت كل منهما عدوها‪.‬‬
‫نكص على عقبيه‪ :‬أي رجع إلى الوراء هاربا‪ ،‬لنه جاءهم في صورة سراقة بن مالك‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫إني أرى ما ل ترون ‪ :‬من الملئكة‪.‬‬
‫والذين في قلوبهم مرض‪ :‬أي ضعف في إيمانهم وخلل في اعتقادهم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫هذا النداء الكريم موجه إلى المؤمنين وقد أذن لهم في قتال الكافرين‪ ،‬وبدأ بسرية عبد ال بن‬
‫جحش رضي ال عنه وثنى بهذه الغزوة غزوة بدر الكبرى فلذا هم في حاجة إلى تعليم رباني‬
‫وهداية إلهية يعرفون بموجبها كيف يخوضون المعارك وينتصرون فيها وفي هذه اليات الربع‬
‫تعليم عال جدا لخوض المعارك والنتصار فيها وهذا بيانها‪:‬‬
‫‪ -1‬الثبات في وجه العدو والصمود في القتال حتى لكان المجاهدين جبل شامخ ل يتحرك {يا أيها‬
‫الذين آمنوا إذا لقيتم فئة} أي جماعة مقاتلة {فاثبتوا}‪.‬‬
‫‪ -2‬ذكر ال تعالى تهليلً وتكبيرا وتسبيحا ودعاء ‪ 1‬وضراعة ووعدا ووعيدا‪{ .‬واذكروا ال كثيرا‬
‫لعلكم تفلحون} أي تفوزون بالنصر في الدنيا والجنة في الخرة بعد النجاة من الهزيمة والمذلة في‬
‫الدنيا‪ ،‬والنار والعذاب في الخرة‪.‬‬
‫‪ -3‬طاعة ال ورسوله في أمرهما ونهيهما ومنه طاعة قائد المعركة ومديرها وهذا من أكبر‬
‫عوامل النصر حسب سنة ال تعالى في الكون {وأطيعوا ال ورسوله}‪.‬‬
‫‪ -4‬عدم التنازع والخلف عند التدبير للمعركة وعند دخولها وأثناء خوضها‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان نتائج التنازع والخلف وإنها‪ :‬الفشل الذريع‪ ،‬وذهاب القوة المعبر عنها بالريح‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الذكر المطلوب هو‪ :‬ما كان باللسان والقلب معا‪ ،‬في الية دليل على أنّ ذكر ال تعالى ل يترك‬
‫في حال إلّ في حال التغوّط‪ ،‬قال محمد القرطبي‪ :‬لو رخّص لحد في ترك الذكر لرخّص لزكريا‬
‫إذ قال له تعالى‪{ :‬ألّ تكلم الناس ثلثة أيام إل رمزا واذكر ربك كثيرا} ولرخص لرجل في‬
‫الحرب لقوله تعالى‪{ :‬إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا ال كثيرا} وحكم هذا الذكر أن يكون خفيا إل أن‬
‫يكون في بداية الحملة بصوت واحد‪ :‬ال أكبر فإن ذلك محمود لنه يرعب العدو ويفتّ في‬
‫أعضاده‪.‬‬

‫( ‪)2/314‬‬

‫{ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} ‪.1‬‬


‫‪ -6‬الصبر على مواصلة القتال والعداد له وتوطين النفس وإعدادها لذلك‪{ .‬واصبروا إن ال مع‬
‫الصابرين}‪.‬‬
‫‪ -7‬الخلص في القتال والخروج له ل تعالى فل ينبغي أن يكون لي اعتبار سرى مرضاة ال‬
‫تعالى {ول تكونوا كالذين ‪ 2‬خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل ال وال‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بما يعملون محيط}‪.‬‬
‫هذه عوامل النصر وشروط الجهاد في سبيل ال تضمنتها ثلث آيات من هذه اليات الخمس‬
‫وقوله تعالى في الية الرابعة (‪{ )48‬وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال‪ :‬ل غالب لكم اليوم من‬
‫الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما ل‬
‫ترون إني أخاف ال وال شديد العقاب} يذكّر تعالى المؤمنين بحادثة حدثت يوم بدر من أغرب‬
‫الحوادث لتكون عبرة وموعظة للمؤمنين فيقول عز وجل واذكروا إذ زين الشيطان للمشركين‬
‫الذين نهيتكم أن تتشبهوا بهم في سيرهم وقتالهم وفي كل حياتهم‪ ،‬فقال لهم‪ :‬أقدموا على قتال محمد‬
‫والمؤمنين‪ ،‬ول ترهبوا ول تخافوا إنه ل غالب لكم اليوم من الناس‪ ،‬وإني جار لكم أي مجير لكم‬
‫وناصر ومعين‪ .‬وكان الشيطان في هذه الساعة في صورة رجل من أشراف قبيلته يقال له سراقة‬
‫بن مالك ‪ 3‬فلما تراءت الفئتان لبعضهما البعض وتقدموا للقتال رأى الشيطان جبريل في صفوف‬
‫الملئكة‪ ،‬فنكص على عقبيه‪ ،‬وكان آخذا بيد الحارث بن هشام يحدثه يعده ويمنيه بعد ما زين لهم‬
‫خوض المعركة وشجعهم على ذلك‪ ،‬وولى هاربا فقال له الحارث‪ :‬ما بك ما أصابك تعال فقال‬
‫وهو هارب { إني أرى ما ل ترون} يعني الملئكة {إني أخاف ‪ 4‬ال وال شديد العقاب}‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المراد بالريح هنا‪ :‬القوة والنصر‪ ،‬كما يقال‪ .‬الريح لفلن إذا كان غالبا في أمره ومنه قول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫إذا هبّت رياحك فاغتنمها ‪ ...‬فإنّ لكل خافتة سكون‬
‫جملة‪ :‬لكل خافتة سكون‪ :‬خبر إن واسمها‪ :‬ضمير شأن‪.‬‬
‫‪ 2‬هم أبو جهل وأصحابه الخارجون يوم بدر لنصرة العير حيث خرجوا بالقينات والمغنيات‬
‫والمعازف‪.‬‬
‫‪ 3‬هو سراقة بن مالك بن جعشم من بني بكر بن كنانة‪ ،‬وكانت قريش تخاف س بني بكر أن‬
‫يأتوهم من ورائهم لنهم قتلوا رجلً منهم فلّما تمثل لهم الشيطان في صورة سراقة سكنوا لذلك‪.‬‬
‫‪ 4‬قيل‪ :‬إن الشيطان خاف أن يكون يوم بدر هو اليوم الذي انظر إليه‪ ،‬وقيل‪ :‬كذب وهو كذوب‪.‬‬

‫( ‪)2/315‬‬

‫وصدق وهو كذوب وقوله تعالى في نهاية الية (‪{ )49‬إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض‬
‫غر هؤلء دينهم} أي واذكروا أيها المؤمنون للعبرة والتعاظ إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم‬
‫‪ 1‬مرض أي ضعف في اليمان وتخلخل في العقيدة‪ :‬غر هؤلء دينهم وإل لما خرجوا لقتال‬
‫قريش وهي تفوقهم عددا وعدة‪ ،‬ومثل هذا الكلم يعتبر عاديا من ضعاف اليمان والمنافقين‬
‫المستترين بزيف إيمانهم‪ ،‬فاذكروا هذا‪ ،‬ول يفت في اعضادكم مثل هذا الكلم‪ ،‬وتوكلوا على ال‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫واثقين في نصره فإنه ينصركم لنه عزيز ل يغالب ول يمانع في ما يريده أبدا‪ .‬حكيم يضع‬
‫النصر في المتأهلين له باليمان والصبر والطاعة له ولرسوله‪ ،‬والخلص له في العمل والطاعة‪.‬‬
‫هداية اليات‪.‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان أسباب النصر وعوامله ووجوب الخذ بها في كل معركة وهي‪ :‬الثبات وذكر ال تعالى‪،‬‬
‫وطاعة ال ورسوله وطاعة القيادة وترك النزاع والخلف والصبر والخلص‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان عوامل الفشل والخيبة وهي النزاع والختلف والبطر والرياء والغترار‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان عمل الشيطان في نفوس الكافرين بتزيينه لهم الحرب ووعده وتمنيته لهم‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان حال المنافقين وضعفة اليمان عند وجود ‪ 2‬القتال ونشوب الحروب‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب التوكل على ال والعتماد عليه مهما كانت دعاوى المبطلين والمثبطين والمنهزمين‪.‬‬
‫عذَابَ الْحَرِيقِ(‪)50‬‬
‫ن وُجُو َههُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ َ‬
‫وََلوْ تَرَى ِإذْ يَ َت َوفّى الّذِينَ َكفَرُواْ ا ْلمَل ِئكَةُ َيضْرِبُو َ‬
‫ذَِلكَ ِبمَا َق ّد َمتْ أَ ْيدِيكُ ْم وَأَنّ الّلهَ لَيْسَ ِبظَلّمٍ لّ ْلعَبِيدِ(‪)51‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لقد اختلف في المراد بالمنافقين هنا‪ ،‬وكذا الذين في قلوبهم مرض إذ يبعد أن يكون في‬
‫المشركين منافقون‪ ،‬كما يبعد أن يكون في أهل بدر منافقون‪ ،‬والذي يدو أنّه الراجح‪ :‬أنّ القائلين‬
‫هذه المقالة هم منافقون وضعفة إيمان بالمدينة لما رأوا خروج الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫وأصحابه إلى بدر قالوا هذه القولة القبيحة ويكون الظرف "إذ" متعلّق بشديد العقاب ل بزين"‪.‬‬
‫‪ 2‬ل يتعارض هذا القول مع ما رجحناه من أن القائلين هذه المقولة هم منافقون وضعاف إيمان‬
‫بالمدينة‪ ،‬إذ هذه الحال تنطبق عليهم‪.‬‬

‫( ‪)2/316‬‬

‫شدِيدُ ا ْلعِقَابِ(‬
‫ن وَالّذِينَ مِن قَبِْل ِهمْ َكفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَأَخَ َذهُمُ الّلهُ بِذُنُو ِبهِمْ إِنّ اللّهَ َق ِويّ َ‬
‫عوْ َ‬
‫كَدَ ْأبِ آلِ فِرْ َ‬
‫سمِيعٌ عَلِيمٌ(‬
‫سهِ ْم وَأَنّ اللّهَ َ‬
‫‪ )52‬ذَِلكَ بِأَنّ اللّهَ َلمْ َيكُ ُمغَيّرًا ّن ْعمَةً أَ ْن َع َمهَا عَلَى َقوْمٍ حَتّى ُيغَيّرُواْ مَا بِأَنفُ ِ‬
‫ن وَالّذِينَ مِن قَبِْل ِهمْ كَذّبُواْ بآيَاتِ رَ ّبهِمْ فَأَهَْلكْنَاهُم ِبذُنُو ِبهِمْ وَأَغْ َرقْنَا آلَ فِرْعَونَ‬
‫عوْ َ‬
‫‪ )53‬كَدَ ْأبِ آلِ فِرْ َ‬
‫َوكُلّ كَانُواْ ظَاِلمِينَ(‪)54‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إذ يتوفى‪ :.‬أي يقبض أرواحهم لماتتهم‪.‬‬
‫وجوههم وأدبارهم ‪ :‬أي يضربونهم من أمامهم ومن خلفهم‪.‬‬
‫بظلم للعبيد‪ :‬أي ليس بذي ظلم للعبيد كقوله {ول يظلم ربك أحدا}‪.‬‬
‫كدأب آل فرعون ‪ :‬أي دأب كفار قريش كدأب آل فرعون في الكفر والتكذيب والدأب العادة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لم يك مغيرا نعمة‪ :‬تغيير النعمة تبديلها بنقمة بالسلب لها أو تعذيب أهلها‪.‬‬
‫آل فرعون‪ :‬هم كل من كان على دينه من القباط مشاركا له في ظلمه وكفره‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق مع كفار قريش الذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس فيقول تعالى لرسوله‬
‫{ولو ترى إذ يتوفى الذين ‪ 1‬كفروا الملئكة يضربون وجوههم وأدبارهم ‪ }2‬وهم يقولون لهم‬
‫{وذوقوا عذاب ‪ 3‬الحريق} وجواب لول محذوف تقديره (لرأيت أمرا فظيعا) وقوله تعالى‬
‫__________‬
‫‪ 1‬جائز أن يكون المراد من هؤلء قتلى بدر المشركين وجائز أن يكونوا ممن لم يقتلوا ببدر‪،‬‬
‫وماتوا بمكة وغيرها‪.‬‬
‫‪ 2‬قال الحس البصري‪ :‬المراد من أدبارهم‪ :‬ظهورهم وقال‪" :‬إن رجلً قال لرسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ :‬يا رسول ال‪ :‬إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشراك "أي‪ :‬سير النعل"؟ قال‪ :‬ذلك‬
‫ضرب الملئكة"‪.‬‬
‫‪ 3‬يقال لهم عند قبض أرواحهم‪ ،‬إذ بمجرد أن تقبض الروح يلقى بها في جهنم‪ ،‬كما يقال لهم يوم‬
‫القيامة ذلك من قبل الملئكة‪.‬‬

‫( ‪)2/317‬‬

‫{ذلك بما قدمت أيديكم وأن ال ليس بظلم للعبيد} هو قول الملئكة لمن يتوفونهم من الذين كفروا‪.‬‬
‫أي ذلكم الضرب والتعذيب بسبب ما قدمت أيديكم من الكفر والظلم والشر والفساد وأن ال تعالى‬
‫ليس بظالم لكم فإنه تعالى ل يظلم أحدا وقوله تعالى {كدأب آل فرعون ‪ 1‬والذين من قبلهم} أي‬
‫دأب هؤلء المشركين من كفار قريش في كفرهم وتكذيبهم كدأب آل فرعون والذين هن قبلهم‬
‫{كفروا بآيات ال فأخذهم ال بذنوبهم} وكفر هؤلء فأخذهم ال بذنوبهم‪ ،‬وقوله {إن ال قوي شديد‬
‫العقاب} يشهد له فعله بآل فرعون والذين من قبلهم عاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين‬
‫والمؤتفكات وأخيرا أخذه تعالى كفار قريش في بدر أخذ العزيز المقتدر‪ ،‬وقوله تعالى {ذلك بأن ال‬
‫‪ 2‬لم يك ‪ 3‬مغيرا نعمة أنعهما على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} إشارة إلى ما أنزله من عذاب‬
‫على المم المكذبة الكافرة الظالمة‪ ،‬وإلى بيان سنته في عباده وهي أنه تعالى لم يكن من شأنه أن‬
‫يغير نعمة أنعمها على قوم كالمن والرخاء‪ ،‬أو الطهر والصفاء حتى يغيروا هم ما بأنفسهم بأن‬
‫يكفروا ويكذبوا‪ ،‬ويظلموا أو يفسقوا ويفجروا‪ ،‬وعندئذ يغير تلك النعم بنقم فيحل محل المن‬
‫والرخاء الخوف والغلء ومحل الطهر والصفاء الخبث والشر والفساد‪ .‬هذا إن لم يأخذهم بالبادة‬
‫الشاملة والستئصال التام‪ .‬وقوله تعالى {وأن ال سميع عليم} أي لقوال عباده وأفعالهم فلذا بتم‬
‫الجزاء عادلً ل ظلم فيه‪ .‬وقوله تعالى {كدأب آل ‪ 4‬فرعون والذين من قبلهم كذبوا ‪ 5‬بآيات ربهم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين} هذه الية تشبه الية السابقة إل أنها‬
‫تخالفها فيما يلي‪ :‬في الولى الذنب الذي أخذ به الهالكون كان الكفر‪ ،‬وفي هذه‪ :‬كان التكذيب‪ ،‬في‬
‫الولى‪ :‬لم يذكر نوع العذاب‪ ،‬وفي الثانية انه الغراق‪ ،‬في الولى لم يسجل عليهم سوى الكفر‬
‫فهو ذنبهم ل غير وفي الثانية سجل على الكل ذنباَ آخر وهو الظلم إذ قال {وكل كانوا ظالمين} أي‬
‫بكفرهم وتكذيبهم‪ ،‬وصدهم عن سبيل ال وفسقهم عن طاعة ال ورسوله مع زيادة التأكيد‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الباء في قوله‪{ :‬ذلك بأنّ ال} سببية والجملة مسوقة للتعليل‪.‬‬
‫‪{ 2‬لم يك} أي‪ :‬لم ينبغ له‪ ،‬ولم يصحّ منه لبالغ حكمته وعدله ورحمته‪.‬‬
‫‪{ 3‬كدأب} خبر لمبتدأ محذوف تقديره‪ :‬دأب هؤلء كدأب آل فرعون‪ ،‬والدأب‪ :‬العادة المستمرة‪.‬‬
‫‪{ 4‬كذبوا} الخ‪ ..‬تفسير دأبهم الذي فعلوه من تغييرهم لحالهم‪.‬‬
‫‪ 5‬وجائز أن يكون المراد‪ :‬كدأب آل فرعون أي‪ :‬في تعذيبهم عند قبض أرواحهم‪ ،‬وفي قبورهم‬
‫ويوم القيامة‪.‬‬

‫( ‪)2/318‬‬

‫والتقرير‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير عذاب القبر بتقرير العذاب عند النزع‪.‬‬
‫‪ -2‬هذه الية نظيرها آية النعام {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملئكة باسطوا‬
‫أيديهم} أي بالضرب‪.‬‬
‫‪ -3‬تنزه الخالق عز وجل عن الظلم لحد ‪.1‬‬
‫‪ -4‬سنة ال تعالى في أخذ الظالمين وإبدال النعم بالنقم‪.‬‬
‫‪ -5‬لم يكن من سنة ال تعالى في الخلق تغيير ما عليه الناس من خير أو شر حتى يكونوا هم‬
‫البادئين‪.‬‬
‫‪ -6‬التنديد بالظلم وأهله‪ ،‬وأنه الذنب الذي يطلق على سائر الذنوب‪.‬‬
‫ع ْهدَهُمْ‬
‫إِنّ شَرّ ال ّدوَابّ عِندَ الّلهِ الّذِينَ َكفَرُواْ َفهُ ْم لَ ُي ْؤمِنُونَ(‪ )55‬الّذِينَ عَاهَدتّ مِ ْنهُمْ ثُمّ يَن ُقضُونَ َ‬
‫فِي ُكلّ مَ ّر ٍة وَهُ ْم لَ يَ ّتقُونَ(‪ )56‬فَِإمّا تَ ْث َقفَ ّنهُمْ فِي ا ْلحَ ْربِ فَشَرّدْ ِبهِم مّنْ خَ ْلفَهُمْ َلعَّلهُمْ يَ ّذكّرُونَ(‪)57‬‬
‫حسَبَنّ الّذِينَ‬
‫حبّ الخَائِنِينَ(‪َ )58‬ولَ يَ ْ‬
‫سوَاء إِنّ الّل َه لَ ُي ِ‬
‫وَِإمّا َتخَافَنّ مِن َقوْمٍ خِيَانَةً فَان ِبذْ إِلَ ْيهِمْ عَلَى َ‬
‫َكفَرُواْ سَ َبقُواْ إِ ّنهُ ْم لَ ُيعْجِزُونَ(‪)59‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شر الدواب ‪ :2‬من إنسان أو حيوان الذين ذكر ال وصفهم وهم بنو قريظة‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬شاهده حديث مسلم عن أبي ذر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أن ال تعالى يقول‪" :‬يا‬
‫عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فل تظالموا‪ ،‬يا عبادي إنما هي أعمالكم‬
‫أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد ال ومن وجد غير ذلك فل يلومن إل نفسه"‪.‬‬
‫‪ 2‬الدواب‪ :‬كل ما يدب على وجه الرض من حيوان‪ ،‬و{عند ال}‪ :‬أي‪ :‬في علمه وحكمه‪.‬‬

‫( ‪)2/319‬‬

‫فهم ل يؤمنون‪ :‬لما علم ال تعالى من حالهم أخبر أنهم يموتون على الكفر‪.‬‬
‫ينقضون عهدهم‪ :‬أي يحلونه ويخرجون منه فل يلتزموا بما فيه‪.‬‬
‫في كل مرة‪ :‬أي عاهدوا فيها‪.‬‬
‫فإما تثقفنّهم ‪ :‬أي أن تجدنّهم‪ ،‬وما مزيدة أدغمت في إن الشرطية‪.‬‬
‫فشرد‪ :‬أي فرق وشتت‪.‬‬
‫يذكرون ‪ :‬أي يتعظون‪.‬‬
‫فانبذ إليهم ‪ :‬أي اطرح عهدهم‪.‬‬
‫على سواء ‪ :1‬أي على حال من العلم تكون أنت وإياهم فيها سواء‪ ،‬أي كل منكم عالم بنقض‬
‫المعاهدة‪.‬‬
‫الخائنين ‪ :‬الغادرين بعهودهم‪.‬‬
‫سبقوا‪ :‬أي فاتوا ال ولم يتمكن منهم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بمناسبة ذكر خصوم الدعوة السلمية والقائم عليها وهو النبي صلى ال عليه وسلم ذكر تعالى‬
‫خصوما لها آخرين غير المشركين من كفار قريش وهم بنو ‪ 2‬قريظة من اليهود‪ .‬فأخبر تعالى‬
‫عنهم أنهم شر الدواب من النسان والحيوان ووصفهم محددا لهم ليعرفوا‪ ،‬وأخبر أنهم ل يؤمنون‬
‫لتوغلهم في الشر والفساد‪ ،‬فقال‪{ :‬إن شر الدواب عند ال} أي في حكمه وعلمه‪{ .‬الذين كفروا فهم‬
‫ل يؤمنون} وخصصهم بوصف آخر خاص بهم فقال‪{ :‬الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في‬
‫كل مرة وهم ل يتقون} وذلك أن النبي صلى ال عليه وسلم عاهدهم أول مرة على أن ل يحاربوه‬
‫ول يعينوا أحدا على حربه فإذا بهم يعينون قريشا بالسلح‪ ،‬ولما انكشف أمرهم اعتذروا معترفين‬
‫بخطإهم‪ ،‬وعاهدوا مرة أخرى على أن ل يحاربوا الرسول ول يعينوا من يحاربه فإذا بهم‬
‫ينقضون عهدهم مرة أخرى ويدخلون في حرب ضده حيث انضموا إلى الحزاب في غزوة‬
‫الخندق هذا ما دل عليه قوله تعالى {إن شر‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬جهرا ل سرا حتى يكونوا وأنتم بالعلم بنبذ المعاهدة على حد سواء‪.‬‬
‫‪ 2‬وبنو النضير كذلك إذ أعانوا قريشا بالسلح ثم لمّا انكشف أمرهم اعتذروا‪ ،‬وأما قريظة‪ ،‬فقد‬
‫نقضوا عهدهم مرتين إذ انضموا إلى الحزاب في حربهم على رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫والمؤمنين‪.‬‬

‫( ‪)2/320‬‬

‫الدواب عند ال الذين كفروا فهم ل يؤمنون الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل ‪ 1‬مرة}‬
‫أي يعاهدون فيها‪{ .‬وهم ل يتقون} أي ل يخافون عاقبة نقض المعاهدات والتلعب بها حسب‬
‫أهوائهم‪ .‬وقوله تعالى‪{ .‬فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم ‪ 2‬من خلفهم لعلهم يذكرون} يرشد‬
‫رسوله آمرا إياه بما يجب أن يتخذه إزاء هؤلء الناكثين للعهود المنغمسين في الكفر‪ .‬بحيث ل‬
‫يخرجون منه بحال من الحوال‪ ،‬ويشهد لهذه الحقيقة أنهم لما حوصروا في حصونهم ونزلوا منها‬
‫مستسلمين كان يعرض على أحدهم السلم حتى ل يقتل فيؤثر باختياره القتل على السلم وماتوا‬
‫كافرين وصدق ال إذ قال {فهم ل يؤمنون} فهؤلء إن ثقفتهم في حرب أي وجدتهم متمكنا منهم‬
‫فاضربهم بعنف وشدة وبل هوادة حتى تشرد أي تفرق بهم من خلفهم من أعداء السلم‬
‫المتربصين بك الدوائر من كفار قريش وغيرهم لعلهم يذكرون أي يتعظون فل يفكروا في حربك‬
‫وقتالك بعد‪ ،‬وقوله {وإما تخافن من قوم خيانة فأنبذ ‪ 3‬إليهم على سواء إن ال ل يحب الخائنين}‬
‫هذا إرشاد آخر للرسول صلى ال عليه وسلم يتعلق بالخطط الحربية الناجحة وهو أنه صلى ال‬
‫عليه وسلم إن خاف من قوم معاهدين له خيانة ظهرت أماراتها وتأكد لديك علماتها فاطرح تلك‬
‫المعاهدة ملغيا لها معلنا ذلك لتكون وإياهم على علم تام بإلغائها‪ ،‬وذلك حتى ل يتهموك بالغدر‬
‫والخيانة‪ ،‬وال ل يحب الخائنين‪ .‬وقاتلهم مستعينا بال عليهم وستكون الدائرة على الناكث الخائن‪،‬‬
‫وهذا ضرب من الحزم وصحة العزم إذ ما دام قد عزم العدو على النقض فقد نقص فليبادر‬
‫لفتكاك عنصر المباغتة من يده‪ ،‬وهو عنصر مهم في الحروب‪ .‬وقوله تعالى {ول يحسبن الذين‬
‫كفروا} وهم من هرب من بدر من كفار قريش {سبقوا ‪ }4‬أي فاتوا فلم يقدر ال تعالى عليهم {إنهم‬
‫ل يعجزون} أي إنهم ل يعجزون ال بحال فإنه‬
‫__________‬
‫‪ 1‬سبحان ال‪ ،‬هذا الوصف الخسيس ما زال ملزما لليهود إلى اليوم فل يوفون بعهد ول ذمّة‬
‫أبدا‪ ،‬وصدق ال العظيم إذ قال عنهم‪{ .‬كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم}‪.‬‬
‫‪ 2‬يقال‪ :‬شرد البعير أو الدابة إن فارقت صاحبها‪ ،‬وشرّده إذا عمل على تشريده بسبب‪ ،‬وشردت‬
‫بني فلن‪ :‬إذا حملتهم على مفارقة منازلهم قال الشاعر‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أطوّف ني الباطح كل يوم ‪ ...‬مخافة أن يُشرّد بي حكيم‬
‫‪3‬غشا ونقضا للعهد والية عامة‪ ،‬فهي مبدأ حربي يأخذ به المسلمون إلى يوم القيامة‪ ،‬ول وجه‬
‫لذكر الخلف هل هي في بني قريظة أو بني النضير؟ وخوف الخيانة ها معناه‪ :‬الظن الغالب‬
‫وذلك بظهور علمات خيانة العدو واضحة‪.‬‬
‫‪ 4‬أي‪ :‬من أفلت من وقعة بدر سبق إلى الحياة‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬إنهم ل يعجزون} أي‪ :‬في الدنيا‬
‫حتى يظفرك ال بهم‪.‬‬

‫( ‪)2/321‬‬

‫تعالى ل يفوته هارب‪ ،‬ول يغلبه غالب‪.‬‬


‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان أن شر الدواب هم الكفار من أهل الكتاب والمشركين بل هم شر البرية‪.‬‬
‫‪ -2‬سنة ال فيمن توغل في الظلم والشر والفساد يُحرم التوبة فل يموت إل كافرا‪.‬‬
‫‪ -3‬من السياسة الحربية النافعة أن يضرب القائد عدوه بعنف وشدة ليكون نكالً لغيره من‬
‫العداء‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة الغدر والخيانة‪.‬‬
‫‪ -5‬جواز إعلن إلغاء المعاهدة وضرب العدو فورا إن بدرت منه بوادر واضحة بأنه عازم على‬
‫نقض المعاهدة ‪ 1‬وذلك لتفويت عنصر المباغتة عليه‪.‬‬
‫طعْتُم مّن ُق ّوةٍ َومِن رّبَاطِ الْخَ ْيلِ تُرْهِبُونَ ِبهِ عَ ْدوّ الّل ِه وَعَ ُد ّوكُ ْم وَآخَرِينَ مِن دُو ِنهِمْ‬
‫وَأَعِدّواْ َلهُم مّا اسْتَ َ‬
‫شيْءٍ فِي سَبِيلِ الّلهِ ُي َوفّ إِلَ ْي ُك ْم وَأَنتُ ْم لَ تُظَْلمُونَ(‪ )60‬وَإِن‬
‫لَ َتعَْلمُو َنهُمُ اللّهُ َيعَْل ُمهُ ْم َومَا تُنفِقُواْ مِن َ‬
‫خدَعُوكَ فَإِنّ‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ (‪ )61‬وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَ ْ‬
‫علَى اللّهِ إِنّهُ ُهوَ ال ّ‬
‫جَ َنحُواْ لِلسّ ْلمِ فَاجْنَحْ َلهَا وَ َت َو ّكلْ َ‬
‫حسْ َبكَ اللّهُ ُهوَ الّ ِذيَ أَيّ َدكَ بِ َنصْ ِر ِه وَبِا ْل ُم ْؤمِنِينَ(‪ )62‬وَأَّلفَ بَيْنَ قُلُو ِبهِمْ َلوْ أَن َفقْتَ مَا فِي الَ ْرضِ‬
‫َ‬
‫حكِيمٌ(‪)63‬‬
‫جمِيعا مّا أَّل َفتْ بَيْنَ قُلُو ِبهِ ْم وََلكِنّ اللّهَ أَّلفَ بَيْ َنهُمْ إِنّهُ عَزِيزٌ َ‬
‫َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لكل غادر لواء‬
‫يوم القيامة يرفع له بقدر غدرته أل ول غادر أعظم غدرا من أمير عامة" وروى أبو داود‬
‫والترمذي أن معاوية رضي ال عنه كان بينه وبين الروم عهد‪ ،‬فلما قارب تاريخ العهد النقضاء‬
‫سار إليهم بجيشه فجاء عمرو بن عنبسة فقال له سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫"من كان بينه وبين قوم عهد فل يشدّ عقدة ول يحلها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء"‬
‫فرجع معاوية بالناس‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/322‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫أعدوا ‪ :‬هيئوا وأحضروا‪.‬‬
‫ما استطعتم‪ :‬ما قدرتم عليه‪.‬‬
‫من قوة ‪ :‬أي حربية من سلح على اختلف أنواعه‪.‬‬
‫يوفّ إليكم ‪ :‬أي أجره وثوابه‪.‬‬
‫وإن جنحوا للسلم ‪ :‬أي مالوا إلى عدم الحرب ورغبوا في ذلك‪.‬‬
‫فإن حسبك ال ‪ :‬أي يكفيك شرهم‪ ،‬وينصرك عليهم‪.‬‬
‫ألف بين قلوبهم ‪ :‬أي جمع بين قلوب النصار بعدما كانت متنافرة مختلفة‪.‬‬
‫إنه عزيز حكيم‪ :‬أي غالب على أمره‪ ،‬حكيم في فعله وتدبير أمور خلقه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بمناسبة انتهاء معركة بدر وهزيمة المشركين فيها‪ ،‬وعودتهم إلى مكة وكلهم تغيظ على المؤمنين‬
‫وفعلً أخذ أبو سفيان يعد العدة للنتقام‪ .‬وما كانت غزوة أحد إل نتيجة لذلك هنا أمر ال تعالى‬
‫رسوله والمؤمنين بإعداد القوة وبذل ما في الوسع والطاقة لذلك فقال تعالى {واعدوا لهم ‪ 1‬ما‬
‫استطعتم من قوة} وقد فسر النبي صلى ال عليه وسلم القوة بالرمي بقوله "أل إن القوة ‪ 2‬الرمي"‬
‫قالها ثلثا وقوله تعالى {ومن رباط الخيل ترهبون به عدو ال وعدوكم وآخرين من دونهم ل‬
‫تعلمونهم ال يعلمهم} يخبر تعالى عباده المؤمنين بعد أن أمرهم بإعداد القوة على اختلفها بأن‬
‫رباطهم للخيل وحبسها أمام دورهم معدة للغزو والجهاد عليها يرهب أعداء ال من الكافرين‬
‫والمنافقين أي يخوفهم حتى ل يفكروا في غزو المسلمين وقتالهم‪ ،‬وهذا ما يعرف بالسلم المسلح‪،‬‬
‫وهو أن المة إذا كانت مسلحة قادرة على القتال يرهبها أعداؤها فل يحاربونها‪ ،‬وإن رأوها ل‬
‫عدة لها ول عتاد ول قدرة على رد أعدائها أغراهم ذلك بقتالها فقاتلوها‪ .‬وقوله تعالى {وآخرين‬
‫من دونهم} أي من دون كفار‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى مسلم عن عقبة بن عامر قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو على المنبر‬
‫يقول‪" :‬واعدوا لهم ما استطعتم من قوة أل إن القوة الرمي‪ ،‬أل إن القوة الرمي أل إن القوة الرمي"‬
‫وعن عقبة أيضا قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪" :‬ستفتح عليكم أرضون ويكفيكم‬
‫ال فل يعجزه أحدكم آن يلهو بأسهمه" وقال صلى ال عليه وسلم‪" :‬كل شيء يلهو به الرجل باطل‬
‫إل رميه بقوسه وتأديبه فرسه‪ ..‬وملعبته أهله فإنه من الحق"‪.‬‬
‫‪ 2‬ومما يدل على فضل الرمي في سبيل ال قوله صلى ال عليه وسلم في حديث أبي داود‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والترمذي والنسائي‪" :‬إن ال يدخل ثلثة نفر الجنة بسهم واحد صانعه يحتسب في صنعته الخير‬
‫والرامي ومُنبْلُه"‪.‬‬

‫( ‪)2/323‬‬

‫قريش‪ ،‬وقوله {ل تعلمونهم ال يعلهم} من الجائز أن يكونوا اليهود أو المجوس أو المنافقين‪ ،‬وأن‬
‫يكونوا الجن أيضا‪ ،‬وما دام ال عز وجل لم يُسمهم فل يجوز أن يقال هم كذا‪ ..‬بصيغة الجزم‪،‬‬
‫غير أنا نعلم أن أعداء المسلمين كل أهل الرض من أهل الشرك والكفر من النس والجن‪ ،‬وقوله‬
‫تعالى {وما تنفقوا من شيء في سبيل ال يوفّ إليكم وأنتم ل تظلمون} إخبار منه تعالى أن ما ينفقه‬
‫المسلمون من نفقة قلت أو كثرت في سبيل ال التي هي الجهاد يوفّيهم ال تعالى إياها كاملة ول‬
‫ينقصهم منها شيئا فجملة {وأنتم ل تظلمون} جملة خالية ومعناها ل يظلمكم ال تعالى بنقص ثواب‬
‫نفقاتكم في سبيله هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )60‬أما الية الثانية وهي قوله تعالى {وإن‬
‫جنحوا ‪ 1‬للسلم فاجنح لها وتوكل على ال إنه هو السميع العليم} فإن ال تعالى يأمر رسوله وهو‬
‫قائد الجهاد يومئذ بقبول السلم متى طلبها ‪ 2‬أعداؤه ومالوا إليها ورغبوا بصدق فيها‪ ،‬لنه صلى ال‬
‫عليه وسلم رسول رحمة ل رسول عذاب‪ ،‬وأمره أن يتوكل على ال في ذلك أي يطيعه في قبول‬
‫السلم ويفوض أمره إليه ويعتمد عليه فإنه تعالى يكفيه شرّ أعدائه لنه سميع لقوالهم عليم بأفعالهم‬
‫وأحوالهم ل يخفى عليه من أمرهم شيء فلذا سوف يكفي رسوله شر خداعهم إن أرادوا خداعه‬
‫بطلب السلم والمسالمة‪ ،‬وهذا معنى توله تعالى في اليتين (‪ )62‬و (‪{ )63‬وإن يريدوا أن‬
‫يخدعوك} أي بالميل إلى السلم والجنوح ‪ 3‬إليها {فإن حسبك ال } أي كافيك إنه {هو الذي أيدك‬
‫بنصره} أي في بدر {وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم} أي جمع بين تلك القلوب المتنافرة المنطوية‬
‫على الحن والعداوات ولقل السباب وأتفهها‪ ،‬لقد كان النصار يعيشون على عداوة عظيمة فيما‬
‫بينهم حتى إن حربا وقعت بينهم مائة وعشرين سنة فلما دخلوا في السلم اصطلحوا وزالت كل‬
‫آثار العداوة والبغضاء وأصبحوا جسما واحدا مَنْ فعل هذا سوى ال تعالى؟ اللهم ل أحد‪ ،‬ولذا قال‬
‫تعالى لرسوله {لو أنفقت ما في الرض جميعا} أي من مال‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬جنحوا}‪ :‬مالوا‪ ،‬والجنوح‪ :‬الميل أي‪ :‬إذا مالوا إلى المسالمة التي هي الصلح فمِل إليها‪ ،‬اختلف‬
‫هل هذه الية منسوخة بآية‪{ :‬فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} والصحيح‪ ،‬والذي به العمل أن‬
‫الية محكمة غير منسوخة‪ ،‬وأن المسلمين إذا كانوا في حالة ضعف يحتاجون فيها إلى تقوية بعقد‬
‫هدنة أو مصالحة لدفع ضرر أو تحصيل نفع ظاهر وهم في حاجة إلى ذلك فإن لهم أن يجنحوا‬
‫للسلم وإن كانوا أقوياء قادرين فل يحلّ لهم إلّ إنفاذ أمر ال تعالى بقتال العدو حتى يسلم أو‬
‫يستسلم لحكم السلم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 2‬السلم‪ :‬مؤنثه ولذا عاد الضمير إليها مؤنثا في قوله‪{ :‬فاجنح لها}‪.‬‬
‫‪ 3‬وهم يضمرون في نفوسهم نية الغدر بك والمكر ليخدعوك بذلك فامض في صلحك وال حسبك‪.‬‬

‫( ‪)2/324‬‬

‫صامت وناطق {ما ألفت بين قلوبهم ولكن ال ألف بينهم إنه عزيز حكيم}‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب إعداد القوة وهي في كل زمان بحسبه إن كانت في الماضي الرمح والسيف ورباط‬
‫الخيل فهي اليوم النفاثة المقاتلة والصاروخ‪ ،‬والهدروجين والدبابة والغواصة‪ ،‬والبارجة‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير مبدأ‪ :‬السلم المسلح‪ ،‬إرجع إلى شرح اليات‪.‬‬
‫‪ -3‬ل يخلو المسلمون من أعداء ما داموا بحق مسلمين‪ ،‬لن قوى الشر من إنس وجن كلها عدو‬
‫لهم‪.‬‬
‫‪ -4‬نفقة الجهاد خير نفقة وهي مضمونة التضعيف‪.‬‬
‫‪ -5‬جواز قبول ‪ 1‬السلم في ظروف معينه‪ ،‬وعدم قبوله في أخرى وذلك بحسب حال المسلمين قوة‬
‫وضعفا‪.‬‬
‫حسْ ُبكَ اللّ ُه َومَنِ اتّ َب َعكَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ(‪ )64‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ حَ ّرضِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ عَلَى ا ْلقِتَالِ إِن‬
‫ياأَ ّيهَا النّ ِبيّ َ‬
‫ن صَابِرُونَ َيغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن َيكُن مّنكُم مّئَةٌ َيغْلِبُواْ أَ ْلفًا مّنَ الّذِينَ َكفَرُواْ بِأَ ّنهُمْ َقوْمٌ‬
‫َيكُن مّنكُمْ عِشْرُو َ‬
‫ض ْعفًا فَإِن َيكُن مّنكُم مّئَ ٌة صَابِ َرةٌ َيغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ‬
‫خ ّففَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنّ فِيكُ ْم َ‬
‫لّ َي ْف َقهُونَ(‪ )65‬النَ َ‬
‫وَإِن َيكُن مّنكُمْ أَ ْلفٌ َيغْلِبُواْ أَ ْلفَيْنِ بِِإذْنِ الّل ِه وَاللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ(‪)66‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المراد بالسلم‪ :‬المهادنة‪ ،‬والموادعة‪ ،‬والصلح المؤقت‪ ،‬وقد تقدم بيانه‪ ،‬والمام الشافعي يرى أن‬
‫ل تزيد مدّة المسالمة على عشر سنين قياسا على صلح الحديبية إذ كانت المدة عشر سنين ل‬
‫غير‪.‬‬

‫( ‪)2/325‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫حسبك ال ‪ : 1‬أي كافيك ال كل ما يهمك من شأن أعدائك وغيرهم‪.‬‬
‫ومن اتبعك من المؤمنين ‪ :‬أي ال حسبهم كذلك أي كافيهم ما يهمهم من أمر أعدائهم‪.‬‬
‫حرض المؤمنين على القتال ‪ :‬أي حثهم على القتال مرغبا لهم مرهبا‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫صابرون‪ :‬أي على القتال فل يضعفون ول ينهزمون بل يثبتون ويقاتلون‪.‬‬
‫ل يفقهون‪ :.‬أي ل يعرفون أسرار القتال ونتائجه بعد فنونه وحذق أساليبه‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ينادي الرب تبارك وتعالى رسوله بعنوان النبوة التي شرفه ال بها على سائر الناس فيقول {يا أيها‬
‫النبي} ويخبره بنعم الخبر مطمئنا إياه وأتباعه من المؤمنين بأنه كافيهم أمر أعدائهم فما عليهم إل‬
‫أن يقاتلوهم ما دام ال تعالى ناصرهم ومؤيدهم عليهم‪ ،‬فيقول‪{ :‬حسبك ال ومن اتبعك من‬
‫المؤمنين} ثم يُنَاديه ثانية قائلً {يا أيها النبي} ليأمره بالخذ بالسباب الموجبة للنصر بإذن ال‬
‫تعالى وهي تحريض المؤمنين على القتال وحثهم عليه وترغيبهم فيه فيقول {حرض ‪ 2‬المؤمنين‬
‫على القتال} ويخبره آمرا له ولتباعه المؤمنين بأنه {إن يكن} أي يوجد منهم في المعركة‬
‫{عشرون ‪ 3‬صابرون يغلبوا مائتين}‪ ،‬وإن يكن منهم مائة صابرة يغلبوا ألفا من الكافرين‪ ،‬ويعلل‬
‫لذلك فيقول {بأنهم قوم ل يفقهون} أي ل يفقهون أسرار القتال وهي أن يعبد ال تعالى ويرفع الظلم‬
‫من الرض ويتخذ ال من المؤمنين شهداء فينزلهم منازل الشهداء عنده‪ ،‬فالكافرون ل يفقهون هذا‬
‫فلذا‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬حسبك} خبر مقدم ولفظ الجللة مبتدأ أي‪ :‬ال حسبك بمعنى كافيك‪{ :‬ومن اتبعك} يصح أن‬
‫يكون في موضع نصب عطفا على الكاف في (حسبك)‪ ،‬والصواب أنها في موضع رفع علّى‬
‫البتداء والخبر محذوف والتقدير‪ :‬ومن اتبعك من المؤمنين حسبهم ال أيضا‪.‬‬
‫‪ 2‬يقال‪ :‬حرّضه على كذا‪ :‬حثه وحضّه وحارض على المر وواظب وواصب وأكب بمعنى‪،‬‬
‫والحارض‪ :‬الذي أشرف على الهلك ومنه‪ ( :‬حتى تكون حرضا) أي‪ :‬تذوب عمّا فتقارب الهلك‬
‫فتكون من الهالكين‪.‬‬
‫‪{ 3‬إن يكن منكم عشرون صابرون ‪ }...‬الخ لفظ مضمّن وعدا إلهيا مشروط بشرط الصبر‪ ،‬إذ‬
‫تقدير الكلم‪ :‬إن يصبر منكم عشرون صابرون الخ‪.‬‬

‫( ‪)2/326‬‬

‫هم ل يصبرون على القتال لنهم يقاتلون لجل حياتهم فقط فإذا خافوا عنها تركوا القتال طلبا‬
‫للحياة زيادة على ذلك أنهم جهال ل يعرفون أساليب الحرب ول وسائلها الناجعة بخلف المؤمنين‬
‫ضعُفِ اليمان ضعف تبعا له الفقه والعلم‬
‫فإنهم علماء‪ ،‬علماء بكل شيء هذا هو المفروض‪ ،‬وإن َ‬
‫وحل الجهل والضعف كما هو مشاهد اليوم في المسلمين وقوله تعالى {الن خفف ‪ 1‬ال عنكم‬
‫وعلم أن فيكم ضعفا‪ 2‬فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين‪ ،‬وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين‬
‫بإذن ال وال مع الصابرين} الن بعد علمه تعالى بضعفكم حيث ل يقوى الواحد على قتال‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫عشرة‪ ،‬ول العشرة على قتال مائة ول المائة على قتال اللف خفف تعالى رحمة بكم ومنة عليكم‪،‬‬
‫فنسخ ‪ 3‬الحكم الول بالثاني الذي هو قتال الواحد للثنين‪ ،‬والعشرة للعشرين والمائة للمائتين‪،‬‬
‫واللف لللفين‪ ،‬ومفاده أن المؤمن ل يجوز له أن يفر من وجه اثنين ولكن يجوز له أن يفر إذا‬
‫كانوا أكثر من اثنين وهكذا سائر النِسب فالعشرة يحرم عليهم أن يفروا من عشرين ولكن يجوز‬
‫لهم أن يفروا من ثلثين أو أربعين مثلً‪ .‬وهذا من باب رفع الحرج فقط وإل فإنه يجوز للمؤمن‬
‫أن يقاتل عشرة أو أكثر‪ ،‬فقد قاتل ثلثة آلف صحابي يوم مؤتة مائة وخمسين ألفا من الروم‬
‫والعرب المتنصرة وقوله تعالى {بإذن ال} أي بمعونته وتأييده إذ ل نصر بدون عون من ال‬
‫تعالى وإذن‪ ،‬وقوله {وال مع الصابرين} أي بالتأييد والنصر والصبر شرط في تأييد ال وعونه‬
‫فمن لم يصبر على القتال فليس له على ال وعد في نصره وتأييده‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ل كافي إل ال تعالى‪ ،‬ومن زعم أن هناك من يكفي سوى ال تعالى فقد أشرك‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب تحريض‪ .‬المؤمنين على الجهاد وحثهم عليه في كل زمان ومكان‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة هزيمة الواحد من الواحد والواحد من الثنين‪ ،‬ويجوز ما فوق ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لما شق على المؤمنين ثبات العشرة للمائة والعشرين للمائتين وثبات المائة لللف‪ ،‬خفّف ال‬
‫تعالى عنهم وأنزل قوله‪{ :‬الن حففّ ال عنكم‪ }..‬فرخّص للواحد أن يفر من أكثر من اثنين وهكذا‬
‫إن شاء فإنّه ل حرج‪.‬‬
‫‪ 2‬قرىء ضعفا بفتح الضاد وضمها‪ ،‬وقيل إن الفتح في ضعف العقول والضم في ضعف الجسام‪،‬‬
‫والصحيح أنهما لغتان فصيحتان‪.‬‬
‫‪ 3‬ل بأس أن يسمى هذا نسخا لنه حكم جديد غاير الوّل ويسمى تخفيفا وهو حسن أيضا‪.‬‬

‫( ‪)2/327‬‬

‫‪ -4‬وجوب تثقيف المجاهدين عقلً وروحا وصناعة‪.‬‬


‫‪ -5‬وجوب الصبر في ساحة المعارك ويحرم الهزيمة إذا كان عدد المؤمنين اثنى عشر ألف مقاتل‬
‫أو أكثر إذ هذا العدد ل يغلب ‪ 1‬من قلة بإذن ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -6‬معية ال بالعلم والتأييد والنصر للصابرين دون الجزعين‪.‬‬
‫مَا كَانَ لِنَ ِبيّ أَن َيكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتّى يُثْخِنَ فِي الَ ْرضِ تُرِيدُونَ عَ َرضَ الدّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الخِ َرةَ‬
‫عظِيمٌ (‪َ )68‬فكُلُواْ ِممّا‬
‫سكُمْ فِيمَا َأخَذْ ُتمْ عَذَابٌ َ‬
‫حكِيمٌ(‪ّ )67‬ل ْولَ كِتَابٌ مّنَ الّلهِ سَ َبقَ َلمَ ّ‬
‫وَاللّهُ عَزِيزٌ َ‬
‫غفُورٌ رّحِيمٌ(‪)69‬‬
‫للً طَيّبًا وَا ّتقُواْ الّلهَ إِنّ الّلهَ َ‬
‫غَ ِنمْتُمْ حَ َ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫أسرى‪ :‬جمع أسير وهو من أخذ في الحرب يشد عادة بإسار وهو قيد من جلد فأطلق لفظ السير ‪2‬‬
‫على كل من أخذ في الحرب‪.‬‬
‫حتى يثخن في الرض‪ :‬أي تكون له قوة وشدة يرهب بها العدو‪.‬‬
‫عرض الدنيا‪ :‬أي المال لنه عارض ويزول فل يبقى‪.‬‬
‫لول كتاب من ال سبق ‪ :‬وهو كتاب المقادير بأن ال تعالى أحل لنبّي هذه المة الغنائم‪.‬‬
‫فيما أخذتم ‪ :‬أي بسبب ما أخذتم من فداء أسرى بدر‪.‬‬
‫حللً طيبا‪ :.‬الحلل هو الطيب فكلمة طيبا تأكيد لحليّة اقتضاها المقام‪.‬‬
‫واتقوا ال ‪ :‬أي بطاعته وطاعة رسوله في المر والنهي‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في أحداث غزوة بدر من ذلك أن أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم إل عمر‬
‫وسعد‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى احمد وأبو داود والترمذي عن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪ ،‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬لن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة" والمراد أن يغلب إن حصل لن يكون سببه قلة العدد‬
‫وإنما يكون لمر آخر كعدم الصبر أو عدم الخذ بأسباب النصر التي يتم بها النصر حسب سنّة‬
‫ال‪.‬‬
‫‪ 2‬أسير‪ :‬كقتيل وجريح‪ ،‬ويجمع على أسرى كقتلى وجرحى‪ ،‬وعلى أُسارى بضم الهمزة وفتحها‪،‬‬
‫والضم أشهر‪.‬‬

‫( ‪)2/328‬‬

‫بن معاذ رضي ال عنهما رغبوا في مفاداة السرى بالمال للظروف المعاشية القاسية التي كانوا‬
‫يعيشونها‪ ،‬وكانت رغبتهم في الفداء بدون علم من ال تعالى بإحللها أو تحريمها أما عمر فكان ل‬
‫يعثر على أسير إل قتله وأما سعد فقد قال (الثخان في القتال أولى من استبقاء الرجال) ولما تم‬
‫الفداء نزلت هذه الية الكريمة تعاتبهم أشد العتاب فيقول تعالى {ما كان لنبّي ‪ }1‬أي ما صح منه‬
‫ول كان ينبغي له أن يكون له أسرى حرب يبقيهم ليفاديهم أو يمن عليهم مجانا {حتى يثخن ‪ 2‬في‬
‫الرض} أرض العدو قتلً وتشريدا فإذا عرف بالبأس والشدة وهابه العداء جاز له السر أي‬
‫البقاء على السرى أحياء ليمن عليهم بل مقابل أو ليفاديهم بالمال‪ ،‬وقوله تعالى {تريدون عرض‬
‫الدنيا} هذا من ‪ 3‬عتابه تعالى لهم‪ ،‬إذ ما فادوا السرى إل لنهم يريدون حطام الدنيا وهو المال‪،‬‬
‫وقوله {وال يريد الخرة} فشتان ما بين مرادكم ومراد ربكم لكم تريدون العرض الفاني وال يريد‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لكم النعيم الباقي‪ ،‬وقوله تعالى {وال عزيز حكيم} أي غالب على أمره ينصر من توكل عليه‬
‫وفوّض أمره إليه‪ ،‬حكيم في تصرفاته فل يخذل أولياءه وينصر أعداءه فعليكم أيها المؤمنون بطلب‬
‫مرضاته بترك ما تريدون لما يريد هو سبحانه وتعالى‪ ،‬وقوله تعالى {لول كتاب ‪ 4‬من ال سبق‬
‫لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} أي لول أنه مضى علم ال تعالى بحلية الغنائم لهذه المة وكتب‬
‫ذلك في اللوح المحفوظ لكان ينالكم جزاء رضاكم بالمفاداة وأخذ الفدية عذاب عظيم‪.‬‬
‫وقوله تعالى {فكلو مما غنمتم ‪ 5‬حللً طيبا} إذن منه تعالى لهل بدر أن يأكلوا مما‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذه الية دلت يوم بدر عتابا من ال تعالى لصحاب نبيّه محمد صلى ال عليه وسلم إذ لم‬
‫يثخنوا في قتل المشركين حتى يوجد منهم أسرى رغبوا في مفاداتهم منا بالمال‪.‬‬
‫‪ 2‬الثخان في الشيء‪ :‬المبالغة فيه والكثار منه والمراد به هنا‪ :‬المبالغة في قتل المشركين حتى‬
‫ل يبقى منهم أسير في ساحة المعركة‪.‬‬
‫‪ 3‬روى مسلم أن الني صلى ال عليه وسلم قال لبعض أصحابه ومن بينهم أبو بكر وعمر ( ما‬
‫ترون في هؤلء السرى؟ فقال أبو بكر يا رسول ال هم بنو العم والعشيرة أرى أن يؤخذ منهم‬
‫فدية فنكون لنا قوة على الكفار فعسى ال أن يهديهم للسلم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال‪ .‬ل وال يا رسول ال ما أرى الذي رأى أبو بكر ولكني أرى أن‬
‫تمكنا فنضرب أعناقهم‪ ،‬فتمكّن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكني من فلن فأضرب عنقه فإن‬
‫هؤلء أئمة الكفر وصناديده فهوى رسول ال صلى ال عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت‬
‫فلما كان من الغد جئت وإذا رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان‪ ..‬إلى أن‬
‫قال‪ :‬وأنزل ال عزّ وجلّ‪{ :‬ما كان لنبي} إلى قوله‪{ :‬حللً طييا}‪.‬‬
‫‪ 4‬من ذلك أن ال تعالى ل يعذب قوما حتى يبين لهم ما يتقون‪.‬‬
‫‪ 5‬هذا الذن واقع بعد تخميس الغنيمة ل على إطلقه‪.‬‬

‫( ‪)2/329‬‬

‫غنموا‪ ،‬وحتى ما فادوا به السرى وهي منة منه سبحانه وتعالى‪ ،‬وقوله تعالى {واتقوا ال} أمر‬
‫منه عز وجل لهم بتقواه بفعل أوامره وأوامر رسوله وترك نواهيهما‪ ،‬وقوله {إن ال غفور رحيم}‬
‫إخبار منه تعالى أنه غفور لمن تاب من عباده رحيم بالمؤمنين منهم‪ ،‬وتجلى ذلك في رفع العذاب‬
‫عنهم حيث غفر لهم وأباح لهم ما رغبوا فيه وأرادوه‪ .‬وفي الحديث‪" :‬لعل ال قد اطلع على أهل‬
‫بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفر لكم"‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات ‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -1‬إرشاد ال تعالى لقادة المة السلمية في الجهاد أن ل يفادوا السرى وأن ل يمنوا عليهما‬
‫بإطلقهم إل بعد أن يخنثوا في أرض العدو قتلً وتشريدا فإذا خافهم العدو ورهبهم عندئذ يمكنهم‬
‫أن يفادوا السرى أو يمنوا عليهم‪.‬‬
‫‪ -2‬التزهيد في الرغبة في الدنيا لحقارتها‪ ،‬والترغيب في الخرة لعظم أجرها‪.‬‬
‫‪ -3‬إباحة الغنائم‪.‬‬
‫‪ 4‬ب وجوب تقوى ال تعالى بطاعته وطاعة رسوله في المر والنهي‪.‬‬
‫ن الَسْرَى إِن َيعْلَمِ الّلهُ فِي قُلُو ِبكُمْ خَيْرًا ُيؤْ ِتكُمْ خَيْرًا ّممّا ُأخِذَ مِنكُمْ‬
‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ قُل ّلمَن فِي أَ ْيدِيكُم مّ َ‬
‫غفُورٌ رّحِيمٌ (‪ )70‬وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَ َتكَ َفقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَ ْبلُ فََأ ْمكَنَ مِ ْنهُ ْم وَاللّهُ‬
‫وَ َيغْفِرْ َلكُ ْم وَالّلهُ َ‬
‫حكِيمٌ(‪)71‬‬
‫عَلِيمٌ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫من السرى ‪ :‬أسرى بدر الذين أخذ منهم الفداء كالعباس بن عبد المطلب رضي ال عنه‪.‬‬
‫إن يعلم ال في قلوبكم خيرا ‪ :‬أي إيمانا صادقا وإخلصا تاما‪.‬‬
‫مما أخذ منكم ‪ :‬من مال الفداء‪.‬‬

‫( ‪)2/330‬‬

‫وإن يريدوا خيانتك‪ :.‬أي السرى‪.‬‬


‫فقد خانوا ال من قبل‪ :‬أي من قبل وقوعهم في السر وذلك بكفرهم في مكة‪.‬‬
‫فأمكن منهم‪ :‬أي أمكنكم أنتم أيها المؤمنون منهم فقتلتموهم وأسرتموهم‪.‬‬
‫وال عليم حكيم ‪ :‬عليم بخلقه حكيم في صنعه وتدبيره‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫هذه الية الكريمة نزلت في العباس بن عبدالمطلب رضي ال عنه إذ كان يقول هذه الية نزلت‬
‫في وذلك أنه بعد أن وقع في السر ‪ 1‬أسلم وأظهر إسلمه وطلب من الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم أن يرد عليه ما أخذ منه من فدية فأبى عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم ذلك فأنزل ال‬
‫تعالى قوله {يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من السرى إن يعلم ال في قلوبكم خيرا} أي إسلما‬
‫حقيقيا {يؤتكم خيرا} أي مالً خيرا {مما أخذ منكم ‪ ،2‬ويغفر لكم} ذنوبكم التي كانت كفرا بال‬
‫ورسوله‪ ،‬ثم حربا على ال ورسوله‪{ ،‬وال غفور} يغفر ذنوب عباده التائبين {رحيم} بعباده‬
‫المؤمنين فل يؤاخذهم بعد التوبة عليها بل يرحمهم برحمته في الدنيا والخرة‪ .‬وقوله تعالى {وإن‬
‫يريدوا ‪ 3‬خيانتك} أي وإن يُرد هؤلء السرى الذين أخذ منهم الفداء ونطقوا بالشهادتين مظهرين‬
‫إسلمهم خيانتك والغدر بك بإظهار إسلمهم ثم إذا عادوا إلى ديارهم عادوا إلى كفرهم‪ ،‬فل تبال‬
‫‪ 4‬بهم ول ترهب جانبهم فإنهم قد خانوا ال من قبل بكفرهم وشركهم {فأمكن منهم} المؤمنين‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وجعلهم في قبضتهم وتحت إمْرَتِهم‪ ،‬ولو عادوا لعاد ال تعالى فسلطكم عليهم وأمكنكم منهم وقوله‬
‫تعالى {وال عليم حكيم} أي عليم بنيات القوم وتحركاتهم حكيم فيما يحكم به عليهم أل فليتقوه عزّ‬
‫وجل وليحسنوا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أسره رضي ال عنه أبو اليسر كعب بن عمرو أخر بني سلمة‪ ،‬وكان رجلً قصيرا والعباس‬
‫رضي ال عنه ضخما طويل فلما جاء به إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم قال له‪" :‬لقد أعانك‬
‫عليه ملك" وقال الرسول صلى ال عليه وسلم للعباس‪" :‬افد نفسك فقال‪ :‬لقد كنت مسلما يا رسول‬
‫ال فقال له الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬وال أعلم بإسلمك فإن تكن كما تقول فال يجزيك‬
‫بذلك‪ ،‬فأمّا ظاهر أمرك فكان علينا فافد نفسك وابني أخويك نوفل وعقيل" ففعل وفيه نزلت هذه‬
‫الية {يا أيها النبي قل‪ " ...‬الخ‪.‬‬
‫‪ 2‬روى مسلم أنه لما قدم على النبي صلى ال عليه وسلم مال من البحرين قال له العباس إني‬
‫فاديت نفسي وفاديت عقيل فقال له الرسول صلى ال عليه وسلم "خذ فبسط ثوبه وأخذ ما استطاع‬
‫أن يحمله‪ ،‬وقال‪ :‬هذا خير مما أخذ مني وأنا أرجو أن يغفر ال لي"‪.‬‬
‫‪ 3‬في هذه الية تطمين لنفس الرسول صلى ال عليه وسلم وليبلغ مضمونه إلى السرى فيعلموا‬
‫أنهم ل يغلبون ال ورسوله‪ .‬والخيانة ‪ :‬نقض العهد‪ ،‬وما في معنى العهد كالمانة ونحوها‪.‬‬
‫‪ 4‬هذا هو جواب إن الشرطية المحذوف‪ ،‬وقد دلّ عليه؟ ‪{ :‬فقد خانوا ال من قبل}‪.‬‬

‫( ‪)2/331‬‬

‫إسلمهم ويصدقوا في إيمانهم فذلك خير لهم‪.‬‬


‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬فضل العباس عم رسول ال صلى ال عليه وسلم لنزول الية في حقه وشأنه‪.‬‬
‫‪ -2‬فضل إضمار الخير والنيات الصالحة‪.‬‬
‫‪ -3‬إطلق لفظ الخير على السلم والقرآن وحقا هما الخير والخير كله‪.‬‬
‫‪ -4‬ماترك عبدٌ شيئا ل إل عوضه خيرا منه‪.‬‬
‫‪ -5‬ال جل جلله‪ :‬ل يغلبه غالب ول يفوته هارب أل فليتق وليتوكل عليه‪.‬‬
‫سهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ آوَو ْا وّ َنصَرُواْ ُأوْلَ ِئكَ‬
‫إِنّ الّذِينَ آمَنُو ْا وَهَاجَرُو ْا وَجَاهَدُواْ بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَنفُ ِ‬
‫شيْءٍ حَتّى ُيهَاجِرُو ْا وَإِنِ‬
‫ض وَالّذِينَ آمَنُو ْا وََلمْ ُيهَاجِرُواْ مَا َلكُم مّن َولَيَ ِتهِم مّن َ‬
‫ضهُمْ َأوْلِيَاء َب ْع ٍ‬
‫َب ْع ُ‬
‫اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدّينِ َفعَلَ ْيكُمُ ال ّنصْرُ ِإلّ عَلَى َقوْمٍ بَيْ َنكُ ْم وَبَيْ َنهُم مّيثَاقٌ وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ(‪)72‬‬
‫ض َوفَسَادٌ كَبِيرٌ(‪ )73‬وَالّذِينَ آمَنُواْ‬
‫ضهُمْ َأوْلِيَاء َب ْعضٍ ِإلّ َت ْفعَلُوهُ َتكُن فِتْ َنةٌ فِي الَرْ ِ‬
‫وَالّذينَ َكفَرُواْ َب ْع ُ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حقّا ّلهُم ّمغْفِ َر ٌة وَرِزْقٌ‬
‫وَهَاجَرُو ْا وَجَا َهدُواْ فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَالّذِينَ آوَو ْا وّ َنصَرُواْ أُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ َ‬
‫ضهُمْ‬
‫كَرِيمٌ(‪ )74‬وَالّذِينَ آمَنُواْ مِن َب ْع ُد وَهَاجَرُو ْا وَجَاهَدُواْ َم َعكُمْ فَُأوْلَ ِئكَ مِنكُ ْم وَُأوْلُواْ الَرْحَامِ َب ْع ُ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ(‪)75‬‬
‫َأوْلَى بِ َب ْعضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنّ اللّهَ ِب ُكلّ َ‬

‫( ‪)2/332‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫آمنوا‪ :‬صدقوا ال ورسوله وآمنوا بلقاء ال وصدقوا بوعده ووعيده‪.‬‬
‫وهاجروا ‪ :‬أي تركوا ديارهم والتحقوا برسول ال صلى ال عليه وسلم بالمدينة المنورة‪.‬‬
‫في سبيل ال‪ :‬أي من أجل أن يعبد ال ول يعبد معه غيره وهو السلم‪.‬‬
‫آووا‪ :‬أي آووا المهاجرين فضموهم إلى ديارهم ونصروهم على أعدائهم‪.‬‬
‫وإن استنصروكم‪ :‬أي طلبوا منكم نصرتهم على أعدائهم‪.‬‬
‫ميثاق ‪ :‬عهد أي معاهدة سلم وعدم اعتداء‪.‬‬
‫إلّ تفعلوه ‪ :‬أي إن لم توالوا المسلمين‪ ،‬وتقاطعوا الكافرين تكن فتنة ‪.1‬‬
‫أولوا الرحام‪ :‬أي القارب من ذوي النسب‪.‬‬
‫بعضهم أولى ببعض ‪ :‬في التوارث أي يرث بعضهم بعضا‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫بمناسبة انتهاء الحديث عن أحداث غزوة بدر الكبرى ذكر تعالى حال المؤمنين في تلك الفترة من‬
‫الزمن وأنهم مختلفون في الكمال‪ ،‬فقال وقوله الحق {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم‬
‫وأنفسهم} فهذا صنف‪ :‬جمع أهله بين اليمان والهجرة والجهاد بالمال والنفس‪ ،‬والصنف الثاني في‬
‫قوله تعالى {والذين آووا ونصروا ‪ }2‬أي آووا الرسول صلى ال عليه وسلم والمهاجرين في‬
‫ديارهم ونصروهم‪ .‬فهذان صنفا المهاجرين والنصار وهما أكمل المؤمنين وأعلهم درجة‪،‬‬
‫وسيذكرون في آخر السياق مرة أخرى ليذكر لهم جزاؤهم عند ربهم‪ ،‬وقوله تعالى فيهم {أولئك‬
‫بعضهم أولياء بعض} أي في النصرة والموالة والتوارث إل أن التوارث نسخ بقوله تعالى في‬
‫آخر آية من هذا السياق {وأولوا الرحام بعضهم أولى ببعض} والصنف الثالث من أصناف‬
‫المؤمنين المذكور في قوله تعالى {والذين آمنوا ولم يهاجروا} أي آمنوا بال ورسوله والدار‬
‫الخرة ثم رضوا بالبقاء بين‬
‫__________‬
‫‪ 1‬محنة الحرب وما يتبع ذلك من الغارات والجلء والسر‪ ،‬وما إلى ذلك من ويلت الحروب‪،‬‬
‫والفساد الكبير‪ :‬هو ظهور الشرك‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 2‬قوله‪{ :‬والذين آووا ونصروا} معطوف على اسم إنّ والخبر‪ :‬جملة {أولئك بعضهم أولياء‬
‫بعض}‪.‬‬

‫( ‪)2/333‬‬

‫ظهراني الكافرين فلم يهجروا ديارهم وأموالهم ويلتحقوا بدار الهجرة بالمدينة النبوية‪ ،‬فهؤلء‬
‫الناقصون في إيمانهم بتركهم الهجرة‪ ،‬يقول تعالى فيهم لرسوله والمؤمنين {مالكم من وليتهم من‬
‫شيء}‪ 1‬فل توارث ول موالة تقتضي النصرة والمحبة حتى يهاجروا إليكم ويلتحقوا بكم‪ ،‬ويستثني‬
‫تعالى حالة خاصة لهم وهي أنهم إذا طلبوا نصرة المؤمنين في دينهم فإن على المؤمنين أن‬
‫ينصروهم وبشرط أن ل يكون الذي اعتدى عليهم وآذاهم فطلبوا النصرة لجله أن ل يكون بينه‬
‫وبين المؤمنين معاهدة سلم وترك الحرب ففي هذه الحال على المؤمنين أن يوفوا بعهدهم ول‬
‫يغدروا فينصروا أولئك القاعدين عن الهجرة هذا ما دل عليه قوله تعالى { وإن استنصروكم في‬
‫الدين فعليكم النصر إل على قوم بينكم وبينهم ميثاق وال بما تعملون بصير} ذيل الكلم بهذه‬
‫الجملة لعلم المؤمنين الكاملين كالناقصين بأن ال مطلع على سلوكهم خبير بأعمالهم وأحوالهم‬
‫فليراقبوه في ذلك حتى ل يخرجوا عن طاعته وقوله تعالى في الية (‪{ )73‬والذين كفروا بعضهم‬
‫أولياء بعض}‪ 2‬يتناصرون ويتوارثون‪ .‬وبناء على هذا يقول تعالى {إل تفعلوه تكن فتنة في‬
‫الرض وفساد كبير} أي إن ل تفعلوا ما أمرتم به من مولة المؤمنين محبة ونصرة وولء‪ ،‬ومن‬
‫معاداة الكافرين بغضا وخذلنا لهم وحربا عليهم تكن فتنة عظيمة ل يقادر قدرها وفساد كبير ل‬
‫يعرف مداه‪ ،‬والفتنة الشرك والفساد المعاصي وقوله تعالي في الية (‪{ )74‬والذين آمنوا وهاجروا‬
‫وجاهدوا في سبيل ال والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا} هذا هو الصنف الول أعيد‬
‫ذكره ليذكر له جزاؤه عند ربه بعد تقرير إيمانهم وتأكيده فقال تعالى فيهم {أولئك هم المؤمنون حقا‬
‫لهم مغفرة} أي لذنوبهم بسترها وعدم المؤاخذة عليها {ورزق كريم} أل وهو نعيم الجنة في جوار‬
‫ربهم سبحانه وتعالى والصنف الرابع من أصناف المؤمنين ذكره تعالى بقوله {والذين آمنوا من‬
‫بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم} فهذا الصنف أكمل من الصنف الثالث ودون الول‬
‫والثاني‪ ،‬إذ الول والثاني فازوا بالسبق‪ ،‬وهؤلء جاءوا من بعدهم ولكن ليمانهم وهجرتهم‬
‫وجهادهم ألحقهم ال تعالى‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الولية‪ :‬بكسر الواو وفتحها لغتان‪ ،‬وقرىء بهما معا وهي هنا بمعنى النسب والنصرة‪ ،‬وتكون‬
‫الولية بالكسرة والفتح أيضا بمعنى المارة وفي الية دليل على أن المسلم ل يلي عقد نكاح أخته‬
‫الكافرة لنعدام الموالة بينهما‪ ،‬والكافر ل يلي عقد نكاح أخته المسلمة‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 2‬روى الترمذي أنّ النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه‪،‬‬
‫إلّ تفعلوا تكن فتنة في الرض وفساد كبير قالها ثلثا) وقال الترمذي هو حديث غريب‪.‬‬

‫( ‪)2/334‬‬

‫بالسابقين فقال {فأولئك منكم} وقوله تعالى {وأولوا ‪ 1‬الرحام بعضهم أولى ببعض} أي في الرث‬
‫وبها نسخ التوارث بالهجرة والمعاقدة‪ ،‬واستقر الرث بالمصاهرة والولء‪ ،‬والنسب إلى يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وقوله تعالى {في كتاب ال} أي في حكمه وقضائه المدون في اللوح المحفوظ‪ ،‬وقوله {إن‬
‫ال بكل شيء عليم} هذه الجملة تحمل الوعد والوعيد الوعد لهل اليمان والطاعة‪ ،‬والوعيد لهل‬
‫الشرك والمعاصي‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان تفاوت المؤمنين في كمالتهم وعلو درجاتهم عند ربهم‪.‬‬
‫‪ -2‬أكمل المؤمنين الذين جمعوا بين اليمان والهجرة والجهاد وسبقوا لذلك وهم المهاجرون‬
‫الولون والذين جمعوا بين اليمان واليواء والنصرة والجهاد وهم النصار‪.‬‬
‫‪ -3‬دون ذلك من آمنوا وهاجروا وجاهدوا ولكن بعد صلح الحدبيبة‪.‬‬
‫‪ -4‬وأدنى أصناف المؤمنين من آمنوا ولم يهاجروا وهؤلء على خطر عظيم‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب نصرة المؤمنين بموالتهم ومحبتهم ووجوب معاداة الكافرين وخذلنهم وبغضهم‪.‬‬
‫‪ -6‬نسخ التوارث بغير المصاهرة والنسب والولء‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أولوا‪ :‬واحدها ذو‪ ،‬والرحم مؤنثة والجمع أرحام وهي مقر الولد في البطن والمراد بأولي‬
‫الرحام هنا‪ :‬العصبات كالباء والبناء والخوة والعمام وأصحاب الفروض وهم الجد والب‬
‫والم والبنت والخت والزوجة يشهد لهذا قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬ألحقوا الفرائض بأهلها فما‬
‫بقي فلولي رجل ذكر" أما أولوا الرحام المختلف في إرثهم فهم‪ :‬أولد البنات وأولد الخوات‬
‫وبنات الخ‪ ،‬والعمة والخالة والعم أخو الب لم والجد أبر الم والجدة أم الم‪ .‬هذا ومن أهل العلم‬
‫كابن كثير وغيره من أبقى اللفظ على ظاهره فجعل المراد من أولي الرحام‪ :‬القرابة الناشئة عن‬
‫المومة على خلف ما قدّمناه عن القرطبي من أنّ المراد بأولي الرحام العصبات دون المولودين‬
‫بالرحم‪ ،‬وعلى رأي ابن كثير أن الية ليست واردة في التوارث كما هو رأي مالك وإنما هي في‬
‫الموالة والنصرة‪.‬‬

‫( ‪)2/335‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سورة التوبة‬
‫‪...‬‬
‫سورة التوبة‬
‫مدنية‬
‫وآياتها مائة وثلثون آية‬
‫بَرَاءةٌ مّنَ الّل ِه وَرَسُولِهِ إِلَى الّذِينَ عَاهَدتّم مّنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ(‪)1‬‬

‫( ‪)2/335‬‬

‫شهُ ٍر وَاعَْلمُواْ أَ ّنكُمْ غَيْرُ ُمعْجِزِي اللّهِ وَأَنّ اللّهَ ُمخْزِي ا ْلكَافِرِينَ(‪)2‬‬
‫فَسِيحُواْ فِي الَ ْرضِ أَرْ َبعَةَ أَ ْ‬
‫ن وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْ ُتمْ‬
‫لكْبَرِ أَنّ اللّهَ بَرِيءٌ مّنَ ا ْلمُشْ ِركِي َ‬
‫وَأَذَانٌ مّنَ الّل ِه وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ َيوْمَ الْحَجّ ا َ‬
‫َف ُهوَ خَيْرٌ ّلكُ ْم وَإِن َتوَلّيْ ُتمْ فَاعَْلمُواْ أَ ّنكُمْ غَيْرُ ُمعْجِزِي اللّ ِه وَبَشّرِ الّذِينَ َكفَرُواْ ِبعَذَابٍ َألِيمٍ(‪ِ )3‬إلّ الّذِينَ‬
‫ع ْهدَهُمْ إِلَى ُمدّ ِتهِمْ‬
‫حدًا فَأَ ِتمّواْ إِلَ ْيهِمْ َ‬
‫عَاهَدتّم مّنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ ُثمّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وََلمْ يُظَاهِرُواْ عَلَ ْي ُكمْ أَ َ‬
‫حبّ ا ْلمُ ّتقِينَ(‪)4‬‬
‫إِنّ الّلهَ يُ ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫براءة ‪ : 1‬أي هذه براءة بمعنى تبرؤ وتباعد وتخلص‪.‬‬
‫عاهدتم‪ :‬أي جعلتم بينكم وبينهم عهدا وميثاقا‪.‬‬
‫فسيحوا في الرض ‪ : 2‬أي سيروا في الرض طالبين لكم الخلص‪.‬‬
‫مخزي الكافرين ‪ :‬مذل الكافرين ومهينهم‪.‬‬
‫وأذان من ال ‪ :‬إعلم منه تعالى‪.‬‬
‫يوم الحج الكبر‪ :‬أي يوم عيد النحر‪.‬‬
‫لم ينقصوكم شيئا ‪ :‬أي من شروط المعاهدة وبنود التفاقية‪.‬‬
‫ولم يظاهروا عليكم أحدا ‪ :‬أي لم يعينوا عليكم أحدا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يقال‪ :‬برئت من الشيء ابرأ براءة فأنا بريء منه إذا أزلته عن نفسي وقطعت سبب ما بيني‬
‫وبينه‪ .‬وبراءة هنا‪ :‬مبتدأ‪ ،‬وجوّز البتداء به وهو نكرة‪ :‬الوصف‪ .‬والخبر {إلى الذين} ويصح أن‬
‫تكون براءة خبر‪ ،‬والمبتدأ محذوف تقديره‪ :‬هذه براءة‪.‬‬
‫‪ 2‬أي قل لهم‪ :‬سيحوا في الرض أي‪ :‬سيروا في الرض آمنين غير خائفين‪ ،‬يقال‪ :‬ساح يسيح‬
‫سياحة‪ ،‬وسيوحا وسيحانا ومنه السّيح في الماء الجاري المنبسط‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/336‬‬

‫معنى اليات‪:.‬‬
‫هذه السورة القرآنية الوحيدة التي خلت ‪ 1‬من البسملة لنها مفتتحة بآيات عذاب فتنافى معها ذكر‬
‫الرحمة‪ ،‬وهذه السورة من آخر ما نزل من سور القرآن الكريم وقد بعث رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم عليا وبعض الصحابة في حج سنة تسع يقرأون هذه اليات في الموسم‪ ،‬وهي تعلم‬
‫المشركين أن من كان له عهد مطلق بل حد شهر أو سنة مثلً أو كان له عهد دون أربعة أشهر‪،‬‬
‫أو كان له عهد فوق أربعة أشهر ونقضه ُتعِْل ُمهُم بأن عليهم أن يسيحوا في الرض بأمان كامل مدة‬
‫أربعة أشهر فإن أسلموا فهو خير لهم وإن خرجوا من الجزيرة فإن لهم ذلك وإن بقوا كافرين‬
‫فسوف يؤخذون ويقتلون حيثما وجدوا في ديار الجزيرة التي أصبحت دار إسلم بفتح مكة ودخول‬
‫أهل الطائف في السلم هذا معنى قوله تعالى {براءة من ال ورسوله} أي واصلة {إلى الذين‬
‫عاهدتم ‪ 2‬من المشركين فسيحوا في الرض أربعة أشهر} تبدأ من يوم العلن عن ذلك وهو يوم‬
‫العيد عيد الضحى‪ .‬وقوله تعالى (واعلموا أنكم غير معجزي ال } أي غير فائتيه ول هاربين من‬
‫قهره وسلطانه عليكم هذا أولً‪ ،‬وثانيا (وأن ال مخزي الكافرين} أي مذلهم وقوله تعالى {وأذان من‬
‫ال ورسوله } أي محمد صلى ال عليه وسلم والذان العلن والعلم‪{ ،‬إلى الناس} وهم‬
‫المشركون {يوم الحج ‪ 3‬الكبر ‪ }4‬أي يوم عيد الضحى حيث تفرّغ الحجاج للقامة بمنى للراحة‬
‫والستجمام قبل العودة إلى ديارهم‪ ،‬وصورة العلن عن تلك البراءة هي قوله تعالى‪{ ،‬أن ال‬
‫بريء ‪ 5‬من المشركين ورسوله} أي كذلك بريء من المشركين وعليه {فإن تبتم} أيها المشركون‬
‫إلى ال تعالى بتوحيده واليمان برسوله وطاعته وطاعة رسوله {فهو خير لكم} من الصرار على‬
‫الشرك‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روي عن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪ :‬سألت عليا رضي ال عنه‪ِ :‬لمَ َلمْ يكتب في براءة‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم قال‪ :‬لن بسم ال الرحمن الرحيم أمان‪ ،‬وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها‬
‫أمان‪ .‬هذا أحد خمسة أوجه في عدم كتابة البسملة في براءة وهو أوجهها‪ ،‬وهو ما ذكرناه في‬
‫التفسير‪.‬‬
‫‪ 2‬نسبت المعاهدة إلى المؤمنين كافة‪ ،‬والمعاهد هو الرسول صلى ال عليه وسلم لنه المتولي لها‬
‫ولسائر العقود‪ .‬وكان رضاهم لها واجبا عليهم فلذا نسبت إليهم‪.‬‬
‫‪ 3‬وقيل إنه يوم عرفة‪ ،‬والصحيح ما ذكرناه في التفسير وأنه يوم النحر لحديث ابن عمر عن أبي‬
‫ج فيها فقال‪ :‬أي يوم‬
‫داود إذ قال‪" :‬وقف النبي صلى ال عليه وسلم يوم النحر في الحجة التي ح ّ‬
‫هذا؟ فقالوا‪ :‬يوم النحر فقال‪ :‬هذا يوم الحج الكبر"‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 4‬اختلف في العلة في تسمية الحج بالكبر‪ ،‬وأحسن القوال أنه قيل فيه الكبر‪ :‬لنه حج حضره‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم وحضرت فيه أمة السلم التي وجدت في تلك السنة فحجّ أكبر عدد‬
‫في ذلك العام‪.‬‬
‫‪ 5‬قالت العلماء‪ :‬في الية بيان جواز تطع المعاهدة بين المسلمين والكافرين لحد أمرين‪ :‬الول‪:‬‬
‫أن تنقضي المدة المعاهد عليها فنعلمهم بانقضائها وبالحرب عليهم‪ .‬والثاني‪ :‬أن نخاف غدرهم‬
‫لظهور علمات تدلّ عليه‪.‬‬

‫( ‪)2/337‬‬

‫والكفر والعصيان‪{ ،‬وإن توليتم} أي أعرضتم عن اليمان والطاعة {فاعلموا أنكم غير معجزي‬
‫ال} بحال من الحوال فلن تفوتوه ولن تهربوا من سلطانه فإن ال تعالى ل يغلبه غالب‪ ،‬ول يفوته‬
‫هارب ثم قال تعالى لرسوله {وبشر الذين كفروا بعذاب أليم} أي أخبرهم به فإنه واقع بهم ل محالة‬
‫إل أن يتوبوا وقوله تعالى في الية الرابعة (‪{ )4‬إل الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم}‬
‫من شروط المعاهدة {شيئا ولم يظاهروا} أي لم يعاونوا {عليكم أحدا} ل برجال ول بسلح ول‬
‫حتى بمشورة ورأي فهؤلء لم يبرأ ال تعالى منهم ول رسوله‪ ،‬وعليه {فأتموا إليهم عهدهم ‪ 1‬إلى‬
‫مدتهم} أي مدة أجلهم المحدد بزمن معين فوفوا لهم ول تنقضوا لهم عهدا إلى أن ينقضوه هم‬
‫بأنفسهم‪ ،‬أو تنتهي مدتهم وحينئذ إما السلم وإما السيف إذ لم يبق مجال لبقاء الشرك في دار‬
‫السلم وقبته‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬جواز عقد المعاهدات بين المسلمين والكافرين إذا كان ذلك لدفع ضرر محقق عن المسلمين‪،‬‬
‫أو جلب نفع للسلم والمسلمين محققا كذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬تحريم الغدر والخيانة‪ ،‬ولذا كان إلغاء المعاهدات علنيا وإمداد أصحابها بمدة ثلث سنة يفكرون‬
‫في أمرهم ويطلبون الصلح لهم‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب الوفاء بالمعاهدات ذات الجال إلى أجلها إل أن ينقضها المعاهدون‪.‬‬
‫‪ -4‬فضل التقوى وأهلها وهو اتقاء سخط ال بفعل المحبوب له تعالى وترك المكروه‪.‬‬
‫حصُرُوهُ ْم وَا ْقعُدُواْ َلهُمْ ُكلّ‬
‫ث وَجَدّتمُوهُمْ وَخُذُو ُه ْم وَا ْ‬
‫شهُرُ ا ْلحُرُمُ فَاقْتُلُواْ ا ْلمُشْ ِركِينَ حَ ْي ُ‬
‫خ الَ ْ‬
‫فَإِذَا انسَلَ َ‬
‫غفُورٌ رّحِيمٌ(‪)5‬‬
‫ل َة وَآ َتوُاْ ال ّزكَاةَ َفخَلّواْ سَبِيَلهُمْ إِنّ اللّهَ َ‬
‫مَ ْرصَدٍ فَإِن تَابُو ْا وََأقَامُواْ الصّ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في الية إشارة أن هناك من خاس بعهده أي ‪ :‬نقضه ‪ ،‬ومنهم من ثبت عليه‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/338‬‬

‫لمَ اللّهِ ُثمّ أَبِْلغْهُ مَ ْأمَنَهُ ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ َقوْ ٌم لّ‬
‫سمَعَ كَ َ‬
‫حدٌ مّنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ اسْتَجَا َركَ فَأَجِ ْرهُ حَتّى يَ ْ‬
‫وَإِنْ أَ َ‬
‫جدِ الْحَرَامِ‬
‫ع ْهدٌ عِندَ اللّ ِه وَعِندَ َرسُولِهِ ِإلّ الّذِينَ عَاهَدتّمْ عِندَ ا ْلمَسْ ِ‬
‫َيعَْلمُونَ(‪ )6‬كَ ْيفَ َيكُونُ لِ ْلمُشْ ِركِينَ َ‬
‫ظهَرُوا عَلَ ْيكُ ْم لَ يَ ْرقُبُواْ فِيكُمْ ِإلّ‬
‫ف وَإِن يَ ْ‬
‫حبّ ا ْلمُ ّتقِينَ(‪)7‬كَ ْي َ‬
‫َفمَا اسْ َتقَامُواْ َل ُكمْ فَاسْ َتقِيمُواْ َل ُهمْ إِنّ الّلهَ يُ ِ‬
‫سقُونَ‬
‫وَلَ ِذمّةً يُ ْرضُو َنكُم بَِأ ْفوَا ِههِ ْم وَتَأْبَى قُلُو ُبهُمْ وََأكْثَرُهُمْ فَا ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫فإذا انسلخ الشهر ‪ 1‬الحرم ‪ :‬انقضت وخرجت الشهر الربعة التي أمنتم فيها المشركين‪.‬‬
‫حيث وجدتموهم‪ :‬أي في أي مكان لقيتموهم في الحل أو الحرم‪.‬‬
‫وخذوهم ‪ :‬أي أسرى‪.‬‬
‫وأحصروهم ‪ :‬أي حاصروهم حتى يسلموا أنفسهم‪.‬‬
‫واقعدوا لهم كل مرصد ‪ :2‬أي اقعدوا لهم في طرقاتهم وارصدوا تحركاتهم‪.‬‬
‫فإن تابوا ‪ :‬أي آمنوا بال ورسوله‪.‬‬
‫فخلوا سبيلهم ‪ :‬أي اتركوهم فل حصار ول مطاردة ول قتال‪.‬‬
‫استجارك‪ :‬أي طلب جوارك أي حمايتك‪.‬‬
‫مأمنه ‪ :‬أي المكان الذي يأمن فيه‪.‬‬
‫فما استقاموا لكم ‪ :‬أي لم ينقضوا عهدهم ولم يخلوا بالتفاقية‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬انسلخ‪ :‬مطاوع سلخ‪ ،‬وهو مأخوذ من سلخ الجلد‪ :‬إذا أزاله عن لحم الحيوان‪.‬‬
‫‪ 2‬المرصد‪ :‬مكان الرصد والرصد‪ :‬المراقبة وتتبع النظر‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ولقد علمت وما إخالك ناسيا ‪...‬‬
‫أن المنيّة للفتى بالمرصد‬

‫( ‪)2/339‬‬

‫وإن يظهروا عليكم ‪ :‬أي يغلبوكم‪.‬‬


‫ل يرقبوا فيكم ‪ :‬أي ل يراعوا فيكم ول يحترموا‪.‬‬
‫إلّ ول ذمة ‪ :‬أي ل قرابة‪ ،‬ول عهدا فاللّ‪ :‬القرابة والذمة‪ :‬العهد‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في إعلن الحرب العامة على المشركين تطهيرا لرض الجزيرة التي هي دار‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫السلم وحوزته من بقايا الشرك والمشركين‪ ،‬فقال تعالى لرسوله والمؤمنين {فإذا انسلخ الشهر‬
‫الحرم ‪ }1‬أي إذا انقضت وخرجت الشهر الحرم التي أمنتم فيها المشركين الذين ل عهد لهم أو‬
‫لهم عهد ولكن دون أربعة أشهر أو فوقها وبدون حد محدود {فاقتلوا المشركين ‪ 2‬حيث وجدتموهم}‬
‫في الحل والحرم سواء {وخذوهم} أسرى {واحصروهم} حتى يستسلموا‪{ ،‬واقعدوا لهم كل مرصد}‬
‫أي سدوا عليهم الطرق حتى يقدموا أنفسهم مسلمين أو مستسلمين وقوله تعالى {فإن تابوا} أي من‬
‫الشرك وحربكم {وأقاموا الصلة ‪ 3‬وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ‪ }4‬إذ أصبحوا مسلمين مثلكم‪ .‬وقوله‬
‫{إن ال غفور رحيم} أي أن ال سيغفر لهم ويرحمهم بعد إسلمهم‪ ،‬لنه تعالى غفور رحيم‪ ،‬هذا‬
‫ما دلت عليه الية الولى (‪ )5‬أما الية الثانية (‪ )6‬فقد أمر تعالى رسوله أن يجير من طلب‬
‫جواره من المشركين حتى يسمع كلم ال منه صلى ال عليه وسلم ويتفهم دعوة السلم ثم هو‬
‫بالخيار إن شاء أسلم وذلك خير له وإن لم يسلم رده ‪ 5‬رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى مكان‬
‫يأمن فيه من المسلمين أن يقتلوه‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ليس المراد بالشهر الحرم الثلثة السرد‪ ،‬والواحد الفرد التي هي القعدة والحجة والمحرم‬
‫ورجب بل المراد منها ما هو مبين في التفسير ومعنى كونها حرما أنه يحرم قتال المشركين فيها‬
‫والتعرض لهم بالسوء والذى‪.‬‬
‫‪ 2‬لفظ المشركين عام في كل مشرك وهو مخصوص بالسنة إذ نهى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم عن قتل المرأة والصبي والراهب‪.‬‬
‫‪ 3‬شاهده حديث الصحاح‪" :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول‬
‫ال ويقيموا الصلة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إل بحقها وحسابهم‬
‫على ال" وقال أبو بكر‪" :‬وال لقاتلن من فرق بين الصلة والزكاة فإن الزكاة حق المال"‪.‬‬
‫‪ 4‬مالك والشافعي وأحمد على أن تارك الصلة استحللً لها أو غير استحلل يؤخر إلى أن يبقى‬
‫من الوقت الضروري قدر ما يصلي ركعة قبل خروج الوقت ويقتل‪ ،‬وأبو حنيفة والظاهرية‬
‫يقولون‪ :‬يسجن ويضرب حتى يصلي ول يقتل‪.‬‬
‫‪ 5‬إمام المسلمين هو الذي يتولى أمر التأمين لمن طلب ذلك من المشركين إذ هو نائب عن سائر‬
‫المسلمين‪ ،‬ويجوز للمسلم ذكرا كان أو أنثى أن يؤمن شخصا ما لما له من حرمة لقول الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬المسلمون تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد واحدة على من‬
‫سواهم"‪ .‬وخالف بعضهم في المرأة فقالوا‪ :‬لبد من موافقة المام لها على تأمينها وخالف أبو‬
‫حنيفة في العبد‪.‬‬

‫( ‪)2/340‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وهو معنى قوله تعالى {وإن أحد من ‪ 1‬المشركين استجارك فأجره حتى يسمع ‪ 2‬كلم ال‪ ،‬ثم أبلغه‬
‫مأمنه‪ ،‬ذلك بأنهم قوم ل يعلمون} فلذا قبل منهم ما طلبوه من الجوار حتى يسمعوا كلم ال تعالى‬
‫إذ لو علموا ما رغبوا عن التوحيد إلى الشرك‪ .‬وقوله تعالى في الية الثالثة (‪{ )7‬كيف ‪ 3‬يكون‬
‫للمشركين عهد عند ال وعند رسوله} هذا الستفهام للنفي مع التعجب أي ليس لهم عهد أبدا وهم‬
‫كافرون غادرون‪ ،‬وقوله تعالى {إل الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا‬
‫لهم إن ال يحب المتقين} هؤلء بعض بني بكر بن كنانة عاهدهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫عام صلح الحديبية وهم عند الحرم فهؤلء لهم عهد وذمة ما استقاموا على عهدهم فلم ينقضوه‪.‬‬
‫فإن استقاموا استقام لهم المسلمون ولم يقتلوهم وفاء بعهدهم وتقوى ل تعالى لنه تعالى يكره الغدر‬
‫ل ول ذمة} الستفهام‬
‫ويحب المتقين لذلك‪ .‬وقوله تعالى {كيف وإن يظهروا عليكم ل يرقبوا فيكم إ ّ‬
‫للتعجب أي كيف يكون للمشركين عهد يفون به لكم وهم إن يظهروا عليكم يغلبوكم في معركة‪،‬‬
‫{ل يرقبوا فيكم} أي ل يراعوا ال تعالى ول القرابة ول الذمة بل يقتلوكم قتلً ذريعا‪ ،‬وقوله تعالى‬
‫{يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم} إخبار من ال تعالى عن أولئك المشركين الناكثين للعهد‬
‫الغادرين بأنهم يحاولون إرضاء المؤمنين بالكذب بأفواههم‪ ،‬وقلوبهم الكافرة تأبى ذلك الذي يقولون‬
‫بألسنتهم أي فل تعتقده ول تقره‪{ ،‬وأكثرهم فاسقون} ل يعرفون الطاعة ول اللتزام ل بعهد ول‬
‫دين‪ ،‬والجملة فيها تهييج للمسلمين على قتال المشركين ومحاصرتهم وأخذهم تطهيرا لرض‬
‫الجزيرة منهم قبل وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب الوفاء بالعهود ما لم ينقضها المعاهدون‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أحد‪ ،‬مرفوع بفعل محذوف يفسره ما بعده والتقدير‪ :‬وإن استجارك أحد المشركين فأجره‪.‬‬
‫‪ 2‬الية دليل على أن ما يسمع من صوت القارىء للقرآن هو كلم ال تعالى فيقول العبد‪ :‬سمعت‬
‫كلم ال حقا وصدقا‪.‬‬
‫‪{ 3‬كيف يكون} الخ كيف‪ :‬للتعجب نحو قولك‪ :‬كيف يسبقني فلن؟! في الية إضمار كلمة غدر‬
‫أي كيف يكون لهم عهد مع إضمارهم الغدر بكم‪.‬‬

‫( ‪)2/341‬‬

‫‪ -2‬تقرير مبدأ الحزم في القتال والضرب بشدة‪.‬‬


‫‪ -3‬وجوب تطهير الجزيرة من كل شرك وكفر لنها دار السلم‪.‬‬
‫‪ -4‬إقام الصلة شرط في صحة اليمان فمن تركها فهو كافر غير مؤمن‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -5‬احترام الجوار‪ ،‬والقرار به‪ ،‬وتأمين السفراء والممثلين لدولة كافرة‪.‬‬
‫‪ -6‬قبول طلب كل من طلب من الكافرين الذن له بدخول بلد السلم ليتعلم الدين السلمي‪.‬‬
‫‪ -7‬القرآن كلم ال تعالى حقا بحروفه ومعانيه لقوله {حتى يسمع كلم ال} الذي يتلوه عليه صلى‬
‫ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -8‬وجوب مراقبة ال تعالى ومراعاة القرابة واحترام العهود‪.‬‬
‫اشْتَ َروْاْ بِآيَاتِ اللّهِ َثمَنًا قَلِيلً َفصَدّواْ عَن سَبِيِلهِ إِ ّنهُمْ سَاء مَا كَانُواْ َي ْعمَلُونَ(‪ )9‬لَ يَ ْرقُبُونَ فِي ُم ْؤمِنٍ‬
‫خوَا ُنكُمْ فِي الدّينِ‬
‫ل َة وَآ َتوُاْ ال ّزكَاةَ فَِإ ْ‬
‫ل وَلَ ِذمّ ًة وَُأوْلَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمعْتَدُونَ(‪ )10‬فَإِن تَابُو ْا وََأقَامُواْ الصّ َ‬
‫ِإ ّ‬
‫طعَنُواْ فِي دِي ِنكُمْ َفقَاتِلُواْ أَ ِئمّةَ‬
‫عهْدِ ِه ْم وَ َ‬
‫صلُ اليَاتِ ِل َقوْمٍ َيعَْلمُونَ(‪ )11‬وَإِن ّنكَثُواْ أَ ْيمَا َنهُم مّن َب ْعدِ َ‬
‫وَنُ َف ّ‬
‫ا ْل ُكفْرِ إِ ّن ُه ْم لَ أَ ْيمَانَ َلهُمْ َلعَّلهُمْ يَن َتهُونَ (‪)12‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫اشتروا بآيات ال ‪ : 1‬أي باعوا آيات ال وأخذوا بدلها الكفر‪.‬‬
‫فصدوا عن سبيله ‪ :‬أي أعرضوا عن سبيل ال التي هي السلم كما صدوا غيرهم أيضا ‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روي أنهم نقضوا عهدهم من أجل أكلة أطعمهم إيّاها أبو سفيان ومالٍ صرفه لهم ليقفوا معه‬
‫ضد الرسول صلى ال عليه وسلم والمسلمين‪.‬‬

‫( ‪)2/342‬‬

‫ساء ‪ :‬أي قبح‪.‬‬


‫ل يرقبون‪ :‬أي ل يراعون‪.‬‬
‫إلً‪ :‬الل‪ :‬ال‪ ،‬والقرابة والعهد وكلها صالحة هنا‪.‬‬
‫فإن تابوا‪ :‬أي من الشرك والمحاربة‪.‬‬
‫نكثوا ‪ :‬أي نقضوا وغدروا‪.‬‬
‫وطعنوا في دينكم ‪ : 1‬أي انتقدوا السلم في عقائده أو عاداته ومعاملته‪.‬‬
‫أئمة الكفر ‪ :‬أي رؤساء الكفر المتبعين والمقلدين في الشرك والشر والفساد‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في الحديث عن المشركين‪ ،‬وبيان ما يلزم اتخاذه حيالهم فأخبر تعالى عنهم بقوله‬
‫في الية (‪{ )9‬اشتروا بآيات ال ثمنا قليلً} أي باعوا اليمان بالكفر فصدوا أنفسهم كما صدوا‬
‫غيرهم من أتباعهم عن السلم الذي هو منهج حياتهم وطريق سعادتهم وكمالهم‪ .‬فلذا قال تعالى‬
‫مُقبحا سلوكهم {إنهم ساء ما كانوا يعملون} كما أخبر تعالى عنهم بأنهم ل يراعون في أي مؤمن‬
‫يتمكنون منه ال عز وجل ول قرابة بينه وبينهم‪ ،‬ول معاهدة تربطهم مع قومه‪ ،‬فقال تعالى {ل‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يرقبون في مؤمن إلً ول ذمة‪ ،‬وأولئك هم المعتدون} ووصفه تعالى إياهم بالعتداء دال على أنهم‬
‫ل يحترمون عهودا ول يتقون ال تعالى في شيء‪ ،‬وذلك لظلمة نفوسهم من جراء الكفر‬
‫والعصيان‪ ،‬فلذا على المسلمين قتلهم حيث وجدوهم وأخذهم أسرى وحصارهم وسد الطرق عنهم‬
‫حتى يلقوا السلح ويسلموا ل‪ ،‬أو يستسلموا للمؤمنين اللهم إل أن يتوبوا باليمان والدخول في‬
‫السلم كما قال تعالى {فإن ‪ 2‬تابوا وأقاموا الصلة وأتوا الزكاة فإخوانكم في الدين} وقوله تعالى‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الطعن في الدين هو‪ :‬استنقاصه‪ ،‬وأصل الطعن‪ :‬الضرب في الجسم بالرمح لفساده‪ ،‬واستعمل‬
‫في النتقاص للشخص والدين لفساده‪ .‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لما طُعن في إمارة‬
‫أسامة لصغر سنه‪" :‬إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل‪ ،‬وأيم ال إن كان‬
‫لخليقا للمارة" في الصحيح والطاعنون‪ :‬المنافقون‪ ،‬واستدل بهذه الية على كفر من طعن في‬
‫الدين‪ ،‬ووجوب قتله وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد‪ ،‬وأنّ الذمي إذا طعن في الدين انتقضَ‬
‫عهده ووجب قتله هذا مذهب الجمهور‪ ،‬وأبو حنيفة يرى استتابته فإن تاب وإلّ قُتل‪.‬‬
‫‪ 2‬من فرّق بين ثلثة فرّق ال بينه وبين رحمته يوم القيامة‪ .‬من قال أطيع ال ول أطيع الرسول‬
‫فإن ال تعالى قال‪{ :‬أطيعوا ال وأطيعوا الرسول} ومن قال‪ :‬أقيم الصلة ول أوتي الزكاة وال‬
‫يقول‪{ :‬أقيموا الصلة وآتوا الزكاة} ومن قال‪ :‬أشكر ال ول أشكر لوالدي فإن ال قال‪{ :‬أن اشكر‬
‫لي ولوالديك}‪.‬‬

‫( ‪)2/343‬‬

‫{ونفصل ليات لقوم يعلمون} أي نبين !اليات القرآنية المشتملة على الحجج والبراهين على‬
‫توحيد ال تعالى وتقرير نبوة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وعلى الحكام الشرعية في الحرب‬
‫والسلم كما في هذا السياق وقوله {لقوم يعلمون} لن الذين ل يعلمون من أهل الجهالت ل ينتفعون‬
‫بها لظلمة نفوسهم وفساد عقولهم بضلل الشرك والهواء وقوله تعالى في الية الرابعة (‪)12‬‬
‫{وإن نكثوا أيمانهم ‪ 1‬من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم} يريد تعالى أولئك المعاهدين من المشركين‬
‫إذ هم نكثوا أيمانهم التي أكدوا بها عهودهم فحلوا ما أبرموا ونقضوا ما أحكموا من عهد وميثاق‬
‫وعابوا السلم وطعنوا فيه فهم إذا أئمة الكفر ورؤساء الكافرين فقاتلوهم بل هوادة‪ ،‬ول تراعوا‬
‫لهم أيمانا حلفوها لكم فإنهم ل أيمان لهم‪ .‬قاتلوهم رجاء أن ينتهوا من الكفر والخيانة والغدر‬
‫فيوحدوا ويسلموا ويصبحوا ‪ 2‬مثلكم أولياء ال ل أعداءه‪.‬‬
‫هداية اليات‪.‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ذم سلوك الكافرين وتصرفاتهم في الحياة وحسبهم أن باعوا الحق س بالباطل‪ ،‬واشتروا‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الضللة بالهدى‪.‬‬
‫‪ -2‬من كان العتداء وصفا له ل يُؤمن على شيء‪ ،‬ول يوثق فيه في شيء‪ ،‬لفساد ملكته النفسية‪.‬‬
‫‪ -3‬أخوة السلم تثبت بثلثة أمور التوحيد وإقام الصلة وإيتاء الزكاة ‪.3‬‬
‫‪ -4‬الطعن في الدين ردة وكفر موجب للقتل والقتال‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬النكث‪ :‬النقض وأصله في كل ما فتل أو أبرم ثم حل‪ ،‬واستعملت في اليمان والعهود‪ ،‬قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫وإن حلفت ل ينقض النأي عهدها‬
‫فليس لمخضوب البنان يمين‬
‫‪ 2‬نعم ما مات رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى لم يبق منهم إلّ ثلثة‪ ،‬ولم يبق من المنافقين‬
‫إل أربعة‪ :‬روى البخاري عن زيد بن وهب قال‪ :‬كنا عند حذيفة فقال‪ :‬ما بقي من أصحاب هذه‬
‫الية يعني‪{ :‬فقاتلوا أئمة الكفر‪ }..‬إل ثلثة ول يبقى من ا المناقفين إل أربعة فقال أعرابي‪ :‬إنكم‬
‫أصحاب محمد تخبرون أخبارا ل ندري ما هي؟ تزعمون إلّ منافق إلّ أربعة‪ ،‬فما بال هؤلء‬
‫الذين يبقرون بيوتنا ويسرقون أعلفنا‪ -‬نفائس أموالنا‪ -‬قال حذيفة رضي ال عنه‪ :‬أولئك الفساق‪،‬‬
‫أجل لم يبق منهم إل أربعة أحدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد لما وجد برده‪ ،‬أي‪ :‬لذهاب‬
‫شهوته وفساد معدته‪.‬‬
‫‪ 3‬قال ابن عباس رضي ال عنهما هذه الية حرّمت دماء أهل القبلة يعني قوله تعالى {فإن تابوا‬
‫وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين}‪.‬‬

‫( ‪)2/344‬‬

‫حقّ‬
‫شوْ َنهُمْ فَالّلهُ أَ َ‬
‫ل وَهُم بَ َدؤُوكُمْ َأ ّولَ مَ ّرةٍ أَ َتخْ َ‬
‫َألَ ُتقَاتِلُونَ َق ْومًا ّنكَثُواْ أَ ْيمَا َنهُمْ وَ َهمّواْ بِِإخْرَاجِ الرّسُو ِ‬
‫شفِ‬
‫ش ْوهُ إِن كُنتُم ّم ُؤمِنِينَ(‪ )13‬قَاتِلُو ُهمْ ُيعَذّ ْبهُمُ اللّهُ بِأَ ْيدِيكُ ْم وَيُخْزِ ِه ْم وَيَنصُ ْركُمْ عَلَ ْيهِ ْم وَيَ ْ‬
‫خَ‬‫أَن تَ ْ‬
‫حكِيمٌ(‪ )15‬أَمْ‬
‫صُدُورَ َقوْمٍ ّم ْؤمِنِينَ(‪ )14‬وَيُ ْذ ِهبْ غَ ْيظَ قُلُو ِبهِ ْم وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫حسِبْتُمْ أَن تُتْ َركُو ْا وََلمّا َيعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُ ْم وَلَمْ يَتّخِذُواْ مِن دُونِ اللّ ِه َولَ رَسُولِ ِه َولَ‬
‫َ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَلِيجَ ًة وَاللّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ(‪)16‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫أل‪ : :‬أداة تحضيض‪.‬‬
‫نكثوا أيمانهم ‪ :‬نقضوها وحلوها فلم يلتزموا بها‪.‬‬
‫هموا بإخراج الرسول ‪ :‬من دار الندوة إذ عزموا على واحدة من ثلث الحبس أو النفي أو القتل‪.‬‬
‫أول مرة ‪ :‬أي في بدر أو في ماء الهجير ‪ 1‬حيث أعانت قريش بني بكر على خزاعة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ويخزهم‪ :‬أي يذلهم ويهينهم‪.‬‬
‫ويشف صدور‪ :‬أي يذهب الغيظ الذي كان بها على المشركين الظالمين‪.‬‬
‫ان تتركوا‪ :‬أي بدون امتحان بالتكاليف كالجهاد‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬حوض من ماء واسع كبير يسقون منه تقاتلت عنده خزاعة حلفاء النبي صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫وبنو بكر حلفاء قريش وأعانت قريش حلفاءها بني بكر وبذلك نقضت عهدها مع رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬وفي هذا يقول الخزاعي وافد الرسول صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫إن قريشا أخلفوك الموعدا ‪ ...‬ونقضوا ميثاقك المؤكدا‬
‫هم بيّتونا بالهجيرهجّدا ‪...‬‬
‫وقتلونا ركعا وسجدا‬

‫( ‪)2/345‬‬

‫وليجه ‪ :‬أي دخيله وهي الرجل يدخل في القوم وهو ليس منهم ويطلعونه على أسرارهم وبواطن‬
‫أمورهم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في الحديث عن المشركين وما يلزم إزاءهم من إجراءات فإنه بعد أن أعطاهم المدة‬
‫المذكورة وأمنهم فيها وهى أربعة أشهر‪ ،‬وقد انسلخت فلم يبق إل قتالهم وأخذهم وإنهاء عصبة‬
‫المشركين وآثارها في ديار ال فقال تعالى حاضا المؤمنين مهيجا لهم {أل تقاتلون قوما نكثوا‬
‫أيمانهم} وهذه خطيئة كافية في وجوب قتالهم‪ ،‬وثانية همهم بإخراج الرسول من بين أظهرهم من‬
‫مكة وثالثة بدؤهم إياكم بالقتال في بدر‪ ،‬إذ عيرهم نجت وأبوا إل أن يقاتلوكم‪ ،‬إذا فلم ل تقاتلونهم؟‬
‫أتتركون قتالهم خشية منهم وخوفا إن كان هذا {فال أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين}‪ ،‬لن ما لدى‬
‫ال تعالى من العذاب ليس لدى المشركين فال أحق أن يخشى‪ ،‬هذا ما تضمنته الية الولى (‪)13‬‬
‫وهي قوله تعالى {أل تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج ‪ 1‬الرسول وهم بدؤوكم أول مرة‬
‫أتخشونهم فال أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين} وفي الية الثانية (‪ )14‬يقول تعالى‪{ :‬قاتلوهم}‬
‫وهو أمر صريح بالقتال‪ ،‬وبذكر الجزاء المترتب على قتالهم فيقول {يعذّبهم ال بأيدكم ويخزهم‬
‫وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين} وهم خزاعة تشفى صدورهم من الغيظ على بني بكر‬
‫الذين قاتلوهم وأعانتهم قريش عليهم بعد صلح الحديبية ‪ ،2‬وقوله تعالى‪{ :‬ويتوب ال على من‬
‫يشاء} هذه وإن لم تكن جزاء للمر بالقتال كالربعة التي قبلها‪ .‬ولكن سنة ال تعالى أن الناس إذا‬
‫رأوا انتصار أعدائهم عليهم في كل معركة يميلون إليهم ويقبلون دينهم وما هم عليه من صفات‬
‫فقتال المؤمنين للكافرين وانتصارهم عليهم يتيح الفرصة لكثير من الكافرين فيسلمون وهو معنى‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قوله تعالى {ويتوب ال على من يشاء} ‪ ،‬وقوله {وال عليم حكيم} تقرير للمر بالقتال والنتائج‬
‫الطيبة المترتبة عليه آخرها أن يتوب ال عدى من يشاء‪ .‬وقوله تعالى في الية (‪ )16‬الخيرة {أم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬إذ كانوا السبب في خروجه من مكة مهاجرا كما أخرجوه من المدينة لقتالهم في بدر ولفتح مكة‬
‫كما همّوا بإخراجه من المدينة هو وأصحابه في أحد والخندق وغير ذلك‪.‬‬
‫‪ 2‬إذ قريش أعانت بني بكر على خزاعة التي هي حلفاء رسول ال صلى ال عليه وسلم وذلك أنّ‬
‫رجل من بني بكر أنشد شعرا في هجاء الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال له بعض رجال‬
‫خزاعة لئن أعدته لكسرنّ فمك فأعاده فكسم فمه‪ ،‬واندلعت الحرب بينهم فأعانت قريش بني بكر‬
‫فجاء عمرو بن سالم الخزاعي إلى النبي صلى ال عليه وسلم يطلب النصرة فخرج رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم برجاله وكان فتح مكة‪.‬‬

‫( ‪)2/346‬‬

‫حسبتم ‪ 1‬أن تتركوا} أي بدون امتحان‪ .‬وأنتم خليط منكم المؤمن الصادق ومنكم المنافق الكاذب‪،‬‬
‫من جملة ما كان يوحى به المنافقون التثبيط عن القتال بحجة ان مكة فتحت وأن السلم عز فما‬
‫هناك حاجة إلى مطاردة فلول المشركين‪ ،‬وهم يعلمون أن تكتلت يقودها الساخطون على السلم‬
‫حتى من رجالت قريش يريدون النقضاض على المسلمين وإهدار كل نصر تحقق لهم‪ ،‬وهذا‬
‫المعنى ظاهر من سياق الية {أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم ال الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا‬
‫من دون ال ول رسوله ول المؤمنين وليجة}‪ 2‬إذ هناك من اتخذوا من دون ال ورسوله‬
‫والمؤمنين وليجة يطلعونها على أمور المسلمين‪ ،‬ويسترون عليهم وهي بينهم دخلية‪ ،‬ويقرر هذه‬
‫الجملة التي ختمت بها الية وهي قوله تعالى {وال خبير بما تعملون}‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬مشروعية استعمال أسلوب التهييج والثارة للجهاد‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب خشية ال تعالى بطاعته وترك معصيته‪.‬‬
‫‪ -3‬لزم اليمان الشجاعة فمن ضعفت شجاعته ضعف إيمانه‪.‬‬
‫‪ -4‬من ثمرات القتال دخول الناس في دين ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -5‬الجهاد عملية تصفية وتطهير لصفوف المؤمنين وقلوبهم أيضا‪.‬‬
‫عمَاُلهُ ْم َوفِي‬
‫طتْ أَ ْ‬
‫سهِمْ بِا ْلكُفْرِ ُأوْلَ ِئكَ حَ ِب َ‬
‫مَا كَانَ لِ ْلمُشْ ِركِينَ أَن َي ْعمُرُواْ مَسَاجِدَ ال شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُ ِ‬
‫النّارِ ُهمْ خَاِلدُونَ(‪)17‬‬
‫__________‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪{ 1‬أم حسبتم} أم ‪ :‬هي المنقطعة بمعنى بل إضرابا عما سبق من الكلم وانتقال إلى آخر‪،‬‬
‫والستفهام للِنكار‪ ،‬والحسبان بمعنى الظن والمعنى كيف تظنون أنكم تتركون بعد فتح مكة دون‬
‫جهاد لعداء ال ورسوله‪ ،‬وهم ما زالوا يتآمرون ويتجمعون لقتالكم‪.‬‬
‫‪ 2‬الوليجة‪ :‬البطانة من الولوج في الشيء وهو الدخول فيه‪ ،‬والمراد من هذا الرجل يتخذ من‬
‫أعداء السلم صديقا يدخل عليه ويدخله عليه فيطلعه على أسرار المسلمين للنكاية بهم والتسلط‬
‫عليهم لضرارهم وإفسادهم وهلكهم‪.‬‬

‫( ‪)2/347‬‬

‫لةَ وَآتَى ال ّزكَا َة وَلَمْ يَخْشَ ِإلّ الّلهَ‬


‫جدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِالّل ِه وَالْ َيوْمِ الخِ ِر وََأقَامَ الصّ َ‬
‫إِ ّنمَا َي ْعمُرُ مَسَا ِ‬
‫َفعَسَى ُأوْلَ ِئكَ أَن َيكُونُواْ مِنَ ا ْل ُمهْتَدِينَ (‪)18‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ما كان للمشركين ‪ :‬أي ليس من شأنهم أو مما يتأتى لهم‪.‬‬
‫حبطت أعمالهم ‪ :‬أي بطلت فل يثابون عليها ول ينجحون فيها‪.‬‬
‫يعمروا مساجد ال ‪ :‬أي بالعبادة فيها‪ ،‬وصيانتها وتطهيرها‪.‬‬
‫ولم يخش إل ال‪ :‬أي لم يخف أحدا غير ال تعالى‪.‬‬
‫فعسى ‪ :‬عسى من ال تعالى كما هي هنا تفيد التحقيق أي هدايتهم محققة‪.‬‬
‫المهتدين‪ :‬أي إلى سبيل النجاة من الخسران والظفر بالجنان‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ل شك أن هناك من المشركين من ادعى أنه يعمر المسجد الحرام بالسدانة والحجابة والسقاية‬
‫وسواء كان المدعى هذا العباس يوم بدر أو كان غيره فإن ال تعالى أبطل هذا الدعاء وقال {ما‬
‫كان للمشركين أن يعمروا مساجد ال}‪ 1‬أي ل ينبغي لهم ذلك ول يصح منهم‪ ،‬وكيف وهم كفار‬
‫شاهدون ‪ 2‬على أنفسهم بالكفر‪ ،‬وهل الكافر بال يعمر بيته وبماذا يعمره؟ وإذا سألت اليهودي ما‬
‫أنت؟ يقول يهودي‪ ،‬وإذا سألت النصراني‪ ،‬ما أنت؟ يقول نصراني‪ ،‬وإذا سألت الوثني ما أنت؟‬
‫يقول مشرك فهذه شهادتهم على أنفسهم ‪ 3‬بالكفر‪ ،‬وقوله تعالى {أولئك} أي البعداء في الكفر‬
‫والضلل {حبطت أعمالهم} ‪ ،‬أي‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قيل‪ :‬إنّ العباس لما أسر في بدر عُيّر بالكفر وقطيعة الرحم قال لمن عيّره‪ ،‬تذكرون مساوئنا‬
‫ول تذكرون محاسننا! فقال علي‪ :‬ألكم محاسن؟ قال‪ :‬نعم إنا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة‬
‫ونسقي الحاج ونفك العاني فنزلت هذه الية ردّا عليه‪ .‬فوجب على المسلمين تولي أحكام المساجد‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 2‬قيل الصل‪ :‬وهم شاهدون فحذف {وهم} فنصب {شاهدين} على الحال‪.‬‬
‫‪ 3‬قال ابن عباس‪ :‬شهادتهم بالكفر هي‪ :‬سجودهم للصنام مع إقرارهم بأنها مخلوقة وال خالقها‪.‬‬

‫( ‪)2/348‬‬

‫بطلت وضاعت لفقدها الخلص فيها ل تعالى {وفي النار هم خالدون} ل يخرجون منها متى‬
‫دخولها أبدا‪ ،‬إذ ليس لهم من العمل ما يشفع لهم بالخروج منها‪ .‬ثم قرر تعالى الحقيقة وهي أن‬
‫الذين يعمرون ‪ 1‬مساجد ال حقا وصدقا هم المؤمنون الموحدون الذين يقيمون الصلة ويؤتون‬
‫الزكاة ويخشون ال تعالى ول يخشون سواه هؤلء هم الجديرون بعمارة المساجد بالصلة والذكر‬
‫والتعلم للعلم الشرعي فيها زيادة على بنائها وتطهيرها وصيانتها هؤلء جديرون بالهداية لكل‬
‫كمال وخير يشهد لهذا قوله تعالى {فعسى ‪ 2‬أولئك أن يكونوا من المهتدين} إلى ما هو الحق‬
‫والصواب‪ ،‬وإلى سبيل النجاة من النار والفوز بالجنة‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة دخول الكافر المساجد إل لحاجة وبإذن من المسلمين‪.‬‬
‫‪ -2‬فضيلة عمارة المساجد بالعبادة فيها وتطهيرها وصيانتها‪.‬‬
‫‪ -3‬فضيلة المسلم وشرفه‪ ،‬إذ كل من يسأل عن دينه يجيب بجواب هو الكفر إل المسلم فإنه يقول‪:‬‬
‫مسلم أي ل تعالى فهو إذا المؤمن وغيره الكافر‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب اليمان بال واليوم الخر وإقام الصلة وإيتاء الزكاة والخشية من ‪ 3‬ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -5‬أهل المن والنجاة من النار هم أصحاب الصفات الربع المذكورة في الية‪.‬‬
‫جدِ ا ْلحَرَامِ َكمَنْ آمَنَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الخِرِ‬
‫عمَا َرةَ ا ْلمَسْ ِ‬
‫ج وَ ِ‬
‫سقَايَةَ ا ْلحَا ّ‬
‫جعَلْ ُتمْ ِ‬
‫أَ َ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وردت أحاديث في فضل عمارة المساجد منها القوي ومنها الضعيف مجموعها يدل على المراد‬
‫منها وهو حسن الظن بمن يعمر مساجد ال وأظهر حديث "إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا‬
‫له باليمان"‪.‬‬
‫‪ 2‬قالت العلماء‪" :‬عسى من ال واجبة أي‪ :‬ما يرجى بها واجب الوقوع‪ ،‬وقيل‪ :‬هي هنا بمعنى‪:‬‬
‫خليق أي‪ :‬فخليق أن يكونوا من المهتدين‪.‬‬
‫‪ 3‬تساءل البعض وقالوا‪ :‬قوله تعالى‪{ :‬ولم يخش إلّ ال} دال على أن المؤمن الكامل اليمان ل‬
‫يخشى إل ال وإذا بالواقع أن النبياء يخشون العداء فضل عن غيرهم فقال بعضهم معناه‪ :‬أنهم‬
‫ل يخشون إلّ ال مما يُعبد‪ ،‬وقال بعضهم‪:‬‬
‫أي لم يخف إل ال في باب الدين‪ .‬والجواب الصحيح أنّ النسان نبيا كان أو غيره من المؤمنين‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫العاملين ل يخشون إل ال تعالى فإذا خافوا عدوا‪ ،‬ليس معناه أنهم خافوه لذاته وإنما خافوا من ال‬
‫أن يكون سلطة عليهم فخوفهم عائد في الحقيقة إلى ال تعالى فهو الذي بيده المر‪ ،‬والخوف منه‬
‫ل من غيره‪.‬‬

‫( ‪)2/349‬‬

‫وَجَا َهدَ فِي سَبِيلِ اللّ ِه لَ يَسْ َتوُونَ عِندَ اللّ ِه وَاللّهُ لَ َي ْهدِي ا ْلقَوْمَ الظّاِلمِينَ (‪ )19‬الّذِينَ آمَنُو ْا وَهَاجَرُواْ‬
‫جةً عِندَ اللّ ِه وَُأوْلَ ِئكَ هُمُ ا ْلفَائِزُونَ(‪ )20‬يُبَشّرُ ُهمْ‬
‫عظَمُ دَرَ َ‬
‫سهِمْ أَ ْ‬
‫وَجَا َهدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَنفُ ِ‬
‫ضوَانٍ وَجَنّاتٍ ّلهُمْ فِيهَا َنعِيمٌ ّمقِيمٌ (‪ )21‬خَالِدِينَ فِيهَا أَ َبدًا إِنّ اللّهَ عِن َدهُ أَجْرٌ‬
‫حمَةٍ مّنْ ُه وَ ِر ْ‬
‫رَ ّبهُم بِ َر ْ‬
‫عَظِيمٌ (‪)22‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫سقاية الحاج‪ :‬مكان يوضع فيه الماء في المسجد الحرام ويسقى منه الحجاج مجانا‪.‬‬
‫وعمارة المسجد الحرام ‪ :‬هنا عبارة عن بنائه وصيانته وسدانة البيت فيه‪.‬‬
‫ل يستوون عند ال‪ :‬إذ عمارة المسجد الحرام مع الشرك والكفر ل تساوى شيئا‪.‬‬
‫وال ل يهدي القوم الظالمين‪ :‬أي المشركين ل يهديهم لما فيه كمالهم وسعادتهم‪.‬‬
‫ورضوان ‪ :‬أي رضا ال عز وجل عنهم‪.‬‬
‫نعيم مقيم‪ :‬أي دائم ل يزول ول ينقطع‪.‬‬
‫معاني اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في الرد على من رأى تفضيل عمارة المسجد ‪ 1‬الحرام بالسقاية والحجابة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روي عن السدي أنه قال‪ :‬افتخر العباس بالسقاية وشيبة بالعمارة وعلي بالسلم والجهاد فصدق‬
‫ال عليا وكذبهما أي بهذه الية‪{ :‬أجعلتم سقاية الحاج‪ } ...‬الخ فأخبر أن العمارة ل تكون بالكفر‬
‫وإنما تكون باليمان والعبادة وأداء الطاعة‪.‬‬
‫وقيل أيضا‪ :‬إن المشركين سألوا اليهود وقالوا‪ :‬نحن سقاة الحاج وعمار المسجد الحرام أفنحن‬
‫أفضل أم محمد وأصحابه؟‬
‫فقالت لهم اليهود مكرا وعنادا‪ :‬أنتم أفضل وروى مسلم عن النعمان بن بشير قال‪ :‬كنت عند منبر‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال رجل‪ :‬ما أبالي أل أعمل بعد السلم إل أن أسقي الحاج‪،‬‬
‫وقال آخر ما أبالي أل أعمل بعد السلم إل أن أعمر المسجد الحرام وقال آخر‪ :‬الجهاد في سبيل‬
‫ال أفضل مما قلتم فزجرهم عمر وقال‪ :‬ل ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ولكن إذا صليت الجمعة دخلت واستفتيته عما اختلفتم فيه‪ .‬فأنزل ال عز وجل‪{ :‬أجعلتم ‪}..‬‬
‫الية‪ .‬وحل الشكال في هذه الخبار‪ :‬أن الية تذكر دليلً ل أنها نزلت في ذلك الوقت‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/350‬‬

‫والسدانة على اليمان والفجرة والجهاد فقال تعالى موبخا لهم {أجعلتم ‪ 1‬سقاية الحاج ‪ 2‬وعمارة ‪3‬‬
‫المسجد الحرام كمن آمن بال واليوم الخر وجاهد في سبيل ال ل يستوون} في حكم ال وقضائه‬
‫بحال من الحوال‪ ،‬والمشركون ظالمون كيف يكون لعمارتهم للمسجد الحرام وزن أو قيمة تذكر‬
‫{وال ل يهدي القوم الظالمين} بعد هذا التوبيخ والبيان للحال أخبر تعالى أن {الذين آمنوا وهاجروا‬
‫وجاهدوا في سبيل ال بأموالهم وأنفسهم } هم {أعظم درجة} ممن آمنوا ولم يستكملوا هذه الصفات‬
‫الربع‪ ،‬وأخبر تعالى أنهم هم الفائزون بالنجاة من النار ودخول الجنة‪ ،‬وأعظم من هذا‪ ،‬جاء في‬
‫قوله {يبشرهم ربهم برحمة منه} وهي الجنة {ورضوان} منه تعالى وهو أكبر نعيم {وجنات} أي‬
‫بساتين في الملكوت العلى {لهم فيها نعيم مقيم} ل يحول ول يزول وأنهم خالدون فيها ل‬
‫يخرجون منها أبدا‪{ ،‬وإن ال عنده أجر عظيم} ل يقادر قدره جعلنا ال تعالى منهم وحشرنا في‬
‫زمرتهم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬أكمل المؤمنين وأعلهم درجة‪ ،‬لح وأقربهم من ال منزلة من جمع الصفات الثلث المذكورة‬
‫في الية (‪ )20‬وهي اليمان والهجرة والجهاد في سبيل ال بالمال والنفس‪.‬‬
‫‪ -2‬فضل الهجرة والجهاد‪.‬‬
‫‪ -3‬تفاوت أهل الجنة في علو درجاتهم‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمان الظالمين المتوغلين في الظلم من هداية ال تعالى‪.‬‬
‫خوَا َنكُمْ َأوْلِيَاء إَنِ اسْ َتحَبّواْ ا ْلكُفْرَ عَلَى الِيمَانِ‬
‫خذُواْ آبَاءكُمْ وَإِ ْ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُو ْا لَ تَتّ ِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬أجعلتم أهل سقاية الحاج‪ ،‬أو أصحاب سقاية الحاج‪ ،‬إذ حذف المضاف وهو‪ :‬أهل أو‬
‫أصحاب وبقي المضاف إليه وهو‪ :‬سقاية فنصب انتصابه‪.‬‬
‫‪ 2‬الحاج‪ :‬اسم جنس ناب مناب الحجاج جمع حاج‪.‬‬
‫ق وعمرة‪ :‬جمع عامر ككتبة جمع كاتب‪.‬‬
‫‪ 3‬وقرىء‪ :‬سُقاة بضم السين جمع سا ٍ‬

‫( ‪)2/351‬‬

‫جكُمْ‬
‫خوَا ُنكُ ْم وَأَ ْزوَا ُ‬
‫َومَن يَ َتوَّلهُم مّنكُمْ فَُأوْلَ ِئكَ هُمُ الظّاِلمُونَ(‪ُ )23‬قلْ إِن كَانَ آبَا ُؤكُ ْم وَأَبْنَآ ُؤكُمْ وَإِ ْ‬
‫حبّ إِلَ ْيكُم مّنَ اللّهِ‬
‫ضوْ َنهَا َأ َ‬
‫شوْنَ كَسَادَهَا َومَسَاكِنُ تَ ْر َ‬
‫وَعَشِيرَ ُتكُ ْم وََأ ْموَالٌ اقْتَ َرفْ ُتمُوهَا وَتِجَا َرةٌ َتخْ َ‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سقِينَ(‪)24‬‬
‫جهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَ ّبصُواْ حَتّى يَأْ ِتيَ اللّهُ بَِأمْ ِر ِه وَالّل ُه لَ َيهْدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلفَا ِ‬
‫وَرَسُولِ ِه وَ ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫أولياء‪ :‬جمع وليّ وهو من تتوله بالمحبة والنصرة ويتولك بمثل ذلك‪.‬‬
‫استحبوا‪ :‬أي أحبوا الكفر على اليمان‪.‬‬
‫الظالمون‪ :‬الظلم وضع الشيء في غير موضعه‪ ،‬ومن أحب من ل تجوز محبته فقد وضع شيئا في‬
‫غير موضعه فهو ظالم‪.‬‬
‫وعشيرتكم ‪ :‬أي قرابتكم من النسب كالعمام الباعد وأبنائهم‪.‬‬
‫اقترفتموها‪ :‬أي اكتسبتموها‪.‬‬
‫كسادها‪ :‬بوارها وعدم رواجها‪.‬‬
‫فتربصوا‪ :‬أي انتظروا‪.‬‬
‫حتى يأتي ال بأمره ‪ :‬أي بعقوبة هذه المعصية يوم فتح مكة‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫هذا إنذار ال تعالى للمؤمنين ينهاهم فيه عن اتخاذ من كفر من آبائهم وإخوانهم أولياء لهم‬
‫يوادونهم ويناصرونهم ويطلعونهم على أسرار المسلمين وبواطن أمورهم‪ .‬فيقول تعالى‪{ :‬يا أيها‬
‫الذين امنوا} أي بال ورسوله ولقاء ال ووعده ووعيده {ل تتخذوا آباءكم ‪1‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هذه الية ما تضمنته من حكم حرمة موالة الكافرين ولو كانوا من اقرب القرباء وهو عام في‬
‫المة إلى يوم القيامة؟ وإن فهم منها بعضهم أنها للمؤمنين الذين كانوا بمكة وغيرها يدعوهم إلى‬
‫الهجرة والتخلي عن بلد الكفر‪.‬‬

‫( ‪)2/352‬‬

‫وإخوانكم ‪ 1‬أولياء إن استحبوا ‪ 2‬الكفر على اليمان} أي اثروا الكفر والصرار عليه على اليمان‬
‫بال ورسوله ثم يهددهم إن لم يمتثلوا أمره ويفاصلوا آباءهم وإخوانهم المستحبين للكفر على‬
‫اليمان فيقول {ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون ‪ }3‬ووجه الظلم ظاهر وهو أنهم وضعوا‬
‫المحبة موضع البغضاء‪ ،‬والنصرة موضع الخذلن‪ .‬والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه‪ .‬ثم‬
‫أمر تعالى رسوله أن يقول لهم‪ ،‬وفي هذا العدول عن خطابهم مباشرة إلى الواسطة ما يشعر‬
‫بالغضب وعدم الرضى‪ ،‬والتهديد والوعيد {قل إن كان ‪ 4‬آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم‬
‫وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من ال‬
‫ورسوله وجهاد في سبيله} فتركتم الهجرة والجهاد لذلك {فتربصوا حتى يأتي ال بأمره} أي‬
‫انتظروا أمر ال وهو فتح مكة عليكم وإنزال العقوبة بكم‪{ ،‬وال ل لهدي القوم الفاسقين} أي ل‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يوفقهم لسبل نجاتهم وسعادتهم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة اتخاذ الكافرين أولياء يُوادون ولو كانوا من أقرب القرباء كالب والبن والخ‪.‬‬
‫‪ -2‬من الظلم الفظيع موالة من عادى ال ورسوله والمؤمنين‪.‬‬
‫‪ -3‬فرضية محبة ال ورسوله والجهاد في سبيله‪ ،‬ومحبة سائر محاب ال تعالى وكره سائر مكاره‬
‫ال تعالى من العقائد والحوال والعمال والذوات والصفات‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمان أهل الفسق المتوغلين فيه من هداية ال تعالى إلى ما يكملهم ويسعدهم‪.‬‬
‫َلقَدْ َنصَ َركُمُ الّلهُ فِي َموَاطِنَ كَثِي َرةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ِإذْ أَعْجَبَ ْت ُكمْ كَثْرَ ُتكُمْ فََلمْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لم يذكر البناء لنّ العادة أنّ البناء تبع لبائهم وذكر الباء والخوان ذكر لقوى القرابة‪.‬‬
‫‪ 2‬استحبوا‪ :‬بمعنى أحبوا نحو‪ :‬استجاب بمعنى‪ :‬أجاب‪.‬‬
‫‪ 3‬قال ابن عباس‪ :‬من تولهم هو مشرك مثلهم لنّ الرضا بالشرك شرك ويستثنى من هذه‬
‫المقاطعة الحسان والهبة للقارب الكفرة لحديث أسماء إذ قالت‪ :‬يا رسول ال إنّ أمي قدمت عليّ‬
‫راغبة وهي شركة أفأصلها؟ قال‪ :‬صلي أمك‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬
‫‪ 4‬هذه الية نزلت في الذين تخلفوا عن الهجرة إلى المدينة إيثارا لما ذكر تعالى على حب ال‬
‫ورسوله والجهاد في سبيل ال تعالى إذ توعدهم تعالى بقوله‪{ :‬فتربصوا} أي انتظروا ما سيحل‬
‫بكم إن لم تتوبوا فتهاجروا وتجاهدوا‪.‬‬

‫( ‪)2/353‬‬

‫سكِينَتَهُ عَلَى‬
‫ُتغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا َوضَا َقتْ عَلَ ْيكُ ُم الَ ْرضُ ِبمَا رَحُ َبتْ ُث ّم وَلّيْتُم مّدْبِرِينَ(‪ُ )25‬ثمّ أَنَزلَ اللّهُ َ‬
‫رَسُولِ ِه وَعَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَأَن َزلَ جُنُودًا لّمْ تَ َروْهَا وَع ّذبَ الّذِينَ َكفَرُواْ وَذَِلكَ جَزَاء ا ْلكَافِرِينَ(‪ )26‬ثُمّ‬
‫غفُورٌ رّحِيمٌ(‪ )27‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِ ّنمَا ا ْلمُشْ ِركُونَ‬
‫يَتُوبُ الّلهُ مِن َبعْدِ ذَِلكَ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ َ‬
‫سوْفَ ُيغْنِيكُمُ اللّهُ مِن َفضْلِهِ إِن‬
‫خفْتُمْ عَيْلَةً َف َ‬
‫سجِدَ الْحَرَامَ َبعْدَ عَا ِمهِمْ هَذَا وَإِنْ ِ‬
‫نَجَسٌ فَلَ َيقْرَبُواْ ا ْلمَ ْ‬
‫حكِيمٌ(‪)28‬‬
‫شَاء إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫في مواطن ‪ :‬المواطن جمع موطن بمعنى الوطن وهو محل إقامة النسان‪.‬‬
‫حنين ‪ :‬وادٍ على بعد أميال يسيرة من الطائف‪.‬‬
‫إذ أعجبتكم كثرتكم‪ :‬أي كثرة عددكم حتى قال من قال‪ :‬لن نغلب اليوم من قلة‪.‬‬
‫فلم تغن عنكم شيئا‪ :‬أي لم تجز عنكم شيئا من الجزاء إذ انهزمتم في أول اللقاء‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وضاقت عليكم الرض ‪ :‬أي لم تعرفوا أين تذهبون‪ ،‬وكيف تتصرفون كأنكم محصورون في‬
‫مكان ضيق‪.‬‬
‫بما رحبت‪ :‬أي على رحابتها وسعتها‪.‬‬
‫أنزل ال سكينته ‪ :‬أي الطمأنينة في نفوسهم‪ ،‬فذهب القلق والضطراب‪.‬‬
‫وأنزل جنودا‪ :.‬أي من الملئكة‪.‬‬
‫نجس‪ :‬أي ذوو نجس وذلك لخبث أرواحهم بالشرك‪.‬‬
‫بعد عامهم هذا ‪ :‬عام تسعة من الهجرة‪.‬‬

‫( ‪)2/354‬‬

‫عيلة‪ :‬أي فقرا وفاقه وحاجة‪.‬‬


‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما حرم ال على المؤمنين موالة الكافرين ولو كانوا أقرباءهم وحذرهم من القعود عن الهجرة‬
‫والجهاد‪ ،‬وكان الغالب فيمن يقعد عن ذلك إنما كان لجبنه وخوفه أخبرهم تعالى في هذه اليات‬
‫الثلث أنه ناصرهم ومؤيدهم فل يقعد بهم الجبن والخوف عن أداء الواجب من الهجرة والجهاد‬
‫فقال تعالى {لقد نصركم ال في مواطن كثيرة ‪ }1‬ك ْبدَر والنضير وقريظة والفتح وغيرها {ويوم‬
‫حنين} ‪ 2‬حين قاتلوا قبيلة هوازن مذكرا إياهم بهزيمة أصابت المؤمنين نتيجة خطأ من بعضهم‬
‫وهو الغترار بكثرة العدد إذ قال من قال منهم‪ :‬لن نغلب اليوم عن قلة إذ كانوا اثني عشر ‪ 3‬ألفا‬
‫وكان عدوهم أربعة آلف فقط‪ ،‬إنهم ما إن توغلوا بين جنبتي الوادي حتى رماهم العدو بوابل من‬
‫النبل والسهام فلم يعرفوا كيف يتصرفون حتى ضاقت عليهم الرض على سعتها وولوا مدبرين‬
‫هاربين ولم يثبت إل رسول ال صلى ال عليه وسلم وكان على بغلته البيضاء المسماة (بالدُلْدُل)‬
‫والعباس إلى جنبه وأبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ابن عمه‪ ،‬ثم نادى منادي رسول ال‪ :‬أن‬
‫يا أصحاب سورة البقرة هلموا أصحاب السمرة (شجره بيعة الرضوان) هلموا‪ .‬فتراجعوا إلى‬
‫المعركة ودارت رحاها و {أنزل ال سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا} تلمس‬
‫القلوب وتنفخ فيها روح الشجاعة والصبر والثبات‪ ،‬فصبروا وقاتلوا وما هي إل ساعة وإذا بالعدو‬
‫سبي بين أيديهم ولم يحصل لهم أن غنموا يوما مثل ما غنموا هذا اليوم إذ بلغ عدد البل اثني‬
‫عشر ألف بعير‪ ،‬ومن الغنم مال يحصى ول يعد‪ .‬بهذا جاء قوله تعالى‪{ :‬ويوم حنين إذ أعجبتكم‬
‫كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ‪ }4‬أي هاربين من‬
‫العدو {ثم أنزل ال سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا} أي من الملئكة {لم تروها}‬
‫{وعذب الذين كفروا} أي هوازن {وذلك} أي القتل والسبي {جزاء الكافرين} بال ورسوله‪.‬‬
‫__________‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 1‬المواطن‪ :‬جمع موطن وهو مكان التوطّن أي‪ :‬القامة ويطلق على موضع الحرب وموقعها‪.‬‬
‫‪ 2‬خص يوم حنين بالذكر لما وقع فيه من الهزيمة في أول المعركة‪.‬‬
‫‪ 3‬عشرة آلف من المهاجرين والنصار وألفان من مسلمة الفتح وهم الطلقاء وهزموا من أجل‬
‫قول بعضهم‪ :‬لن نغلب اليوم عن قلة وهو ما يسمى بالعجب وهو محبط للعمل‪.‬‬
‫‪ 4‬روى مسلم عن ابن اسحق قال‪ :‬جاء رجل إلى البراء فقال‪ :‬أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة؟‬
‫فقال‪ :‬أشهد على نبي ال صلى ال عليه وسلم ما ولى ولكنه انطلق أخفّاء من الناس وحسّر إلى‬
‫هذا الحي من هوازن وهم قوم رماة فرموهم برشق من نبل كأنها رجل من جراد فانكشفوا فأقبل‬
‫القوم إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو سفيان يقود به بغلته فنزل ودعا واستنصر وهو‬
‫يقول‪" :‬أنا النبي ل كذب أنا ابن عبدالمطلب اللهم نزل نصرك" قال البراء‪ :‬كنا وال إذا احمّر‬
‫البأس نتقي به‪.‬‬

‫( ‪)2/355‬‬

‫وقوله تعالى {ثم يتوب ال على من يشاء}‪ 1‬أي بعد قتالكم للكافرين وقتلكم من تقتلون يتوب ال‬
‫على من يشاء ممن بقوا أحياء بعد الحرب {وال غفور رحيم} فيغفر لمن يتوب عليه من‬
‫المشركين ماضي ذنوبه من الشرك وسائر الذنوب ويرحمه بأن يدخله الجنة مع من يشاء من‬
‫المؤمنين الصادقين في إيمانهم هذا ما دلت عليه اليات الثلث‪ .‬أما الية الرابعة {يا أيها الذين‬
‫آمنوا إنما المشركون نجس ‪ 2‬فل يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} ‪ 3‬فإنه تعالى أمر‬
‫المؤمنين بأن يمنعوا من دخول المسجد الحرم كل مشرك ومشركة لن المشرك نجس الظاهر‬
‫والباطن فل يحل دخولهم إلى المسجد الحرام كل مشرك ومشركة لن المشرك نجس الظاهر‬
‫والباطن فل يحل دخولهم إلى المسجد الحرام وهو مكة والحرم حولها‪ ،‬ومن يومئذ لم يدخل مكة‬
‫مشرك‪ ،‬وقوله تعالى {وإن خفتم علية ‪ }4‬أي فقرا لجل انقطاع ‪ 5‬المشركين عن الموسم حيث‬
‫كانوا يحلبون التجارة يبيعون ويشترون فيحصل نفع للمسلمين {فسوف يغنيكم ال من فضله}‬
‫فامنعوا المشركين ول تخافوا الفقر وقوله تعالى {إن شاء إن ال عليم حكيم} استثناء منه تعالى‬
‫حتى تبقى قلوب المؤمنين متعلقة به سبحانه وتعالى راجية خائفة غير مطمئنة غافلة‪ ،‬وكونه تعالى‬
‫عليما حكيما يرشح المعنى المذكور فإن ذا العلم والحكمة ل يضع شيئا إل في موضعه فل بد لمن‬
‫أراد رحمة ال أو فضل ال أن يجتهد أن يكون أهلً لذلك‪ ،‬باليمان والطاعة العامة والخاصة‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة العجب بالنفس والعمل إذ هو أي العجب من العوائق الكبيرة عن النجاح‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان إفضال ال تعالى وإكرامه لعباده المؤمنين‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -3‬بيان الحكمة من القتال في سبيل ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -4‬تقرير نجاسة الكافر المعنوية‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬كمالك بن عوف النصري رئيس حنين ومن أسلم معه من قومه‪.‬‬
‫‪ 2‬قيل‪ :‬وصف المشرك بالنجس‪ :‬لنه جنب ل يغتسل من جنابة غسلً شرعيا فهو لذلك نجس‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬الشرك هو الذي جعله نجسا إذ لو أسلم زال عنه الوصف‪.‬‬
‫‪ 3‬هو عام حجة الوداع وليس عام تسعة كما قال بعضهم ‪.‬‬
‫‪ 4‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وما يدري الفقير متى غناه ‪ ...‬وما يدري الغني متى يعيل‬
‫يقال ‪ :‬عال يعيل عيلة ‪ :‬إذا افتقر‪.‬‬
‫‪ 5‬في الية على مشروعية الخذ بالسباب إذ قال صلى ال عليه وسلم‪ " :‬اعقلها وتوكل" قال‬
‫بعضهم‪ :‬السباب التي يطلب بها الرزق هي الجهاد وأكل الرجل من عمل يده التجارة‪ ،‬الحرث‪،‬‬
‫والغرس‪ ،‬التعليم للعلوم بالجرة‪ ،‬الستدانة بنيّة رد الدين‪.‬‬

‫( ‪)2/356‬‬

‫‪ -5‬منع دخول المشرك الحرم المكي كائنا من كان بخلف باقي المساجد فقد يؤذن للكافر‬
‫لمصلحة أن يدخل بإذن المسلمين‪.‬‬
‫‪ -6‬ل يمنع المؤمن من امتثال أمر ربّه الخوف من الفاقة والفقر فإن ال تعالى تعهد بالغناء إن‬
‫شاء ‪.‬‬
‫ن لَ ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه َولَ بِالْ َيوْمِ الخِ ِر َولَ يُحَ ّرمُونَ مَا حَرّمَ اللّهُ وَرَسُولُ ُه َولَ َيدِينُونَ دِينَ‬
‫قَاتِلُواْ الّذِي َ‬
‫حقّ مِنَ الّذِينَ أُوتُواْ ا ْلكِتَابَ حَتّى ُيعْطُواْ الْجِزْ َيةَ عَن َي ٍد وَهُ ْم صَاغِرُونَ(‪)29‬‬
‫الْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ل يؤمنون بال ول باليوم الخر‪ :‬أي إيمانا صحيحا يرضاه ال تعالى لموافقة الحق والواقع‪.‬‬
‫ول يحرمون ما حرم ال ورسوله ‪ :‬أي كالخمر والربا وسائر المحرمات‪.‬‬
‫ول يدينون دين الحق‪ :‬أي السلم إذ هو الدين الذي ل يقبل دينا سواه‪.‬‬
‫من الذين أوتوا الكتاب‪ :‬أي اليهود والنصارى‪.‬‬
‫الجزية ‪ :‬أي الخراج المعلوم الذي يدفعه الذمي كل سنة‪.‬‬
‫عن يد وهم صاغرون ‪ : 1‬أي يقدمونه بأيديهم ل ينيبون فيه غيرهم‪ ،‬وهم صاغرون‪ :‬أي أذلء‬
‫منقادون لحكم السلم هذا‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لما أمر ال تعالى رسوله والمؤمنين بقتال المشركين حتى يتوبوا من الشرك ويوحدوا ويعبدوا ال‬
‫تعالى بما شرع أمر رسوله في هذه الية والمؤمنين بقتال أهل الكتاب وهم‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وفسّر قوله‪{ :‬عن يد} بالقوة على دفع الجزية بأن يكون المطالب بها قادرا على أدائها لغناه‬
‫وعدم فقره‪ .‬وهو تفسير حق لنّ الفقير منهم ل يطالب بالجزية في حال فقره‪ ،‬وما في التفسير‬
‫أصحّ‪.‬‬

‫( ‪)2/357‬‬

‫اليهود والنصارى إلى أن يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون‪ ،‬وجعل إعطاء الجزية‬
‫غايةً لنهاية القتال‪ ،‬ل السلم‪ ،‬لن السلم يعرض أولً على أهل الكتاب فإن قبلوه فذاك وإن‬
‫رفضوه يطلب منهم الدخول في ذمة المسلمين وحمايتهم تحت شعار الجزية وهي رمز دال على‬
‫قبولهم حماية المسلمين وحكمهم بشرع ال تعالى فإذا أعطوها حقنوا دماءهم وحافظوا أموالهم‪،‬‬
‫وأمنوا في حياتهم المادية والروحية‪ ،‬هذا ما تضمنته الية الكريمة‪{ :‬قاتلوا الذين ل يؤمنون ‪ 1‬بال‬
‫ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم ال ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب ‪2‬‬
‫حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} وإن قيل اليهود والنصارى يؤمنون بال وباليوم الخر‬
‫فكيف نفت الية عنهم ذلك؟ والجواب أن اليهود في إيمانهم بال مشبهة مجسمة يصفون ال تعالى‬
‫بصفات تعالى ال عنها علوا كبيرا‪ ،‬والنصارى يعتقدون أن ال حلّ في المسيح‪ ،‬وإن ال ثالث‬
‫ثلثة وال ليس كذلك فهم إذا ل يؤمنون بال تعالى كما هو ال الله الحق‪ ،‬فلذا إيمانهم باطل‬
‫وليس بإيمان يضاف إلى ذلك أنهم لو آمنوا بال لمنوا برسوله محمد صلى ال عليه وسلم ولو‬
‫آمنوا باليوم الخر لطاعوا ال ورسوله لينجوا من عذاب اليوم الخر وليسعدوا فيه بدخول الجنة‬
‫فلما لم يؤمنوا ولم يعملوا كانوا حقا كافرين غير مؤمنين‪ ،‬وصدق ال العظيم حيث نفى عنهم‬
‫اليمان به وباليوم الخر‪ ،‬وال أعلم بخلقه من أنفسهم‪.‬‬
‫هداية الية الكريمة‬
‫من هداية الية الكريمة‪:‬‬
‫‪-1‬وجوب قتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يدخلوا في حكم السلم وذلك من أجل إعدادهم‬
‫للسلم ليكملوا عليه ويسعدوا به‪.‬‬
‫‪ -2‬اليمان غير الصحيح ل يعتبر إيمانا منجيا ول مسعدا‪.‬‬
‫‪ -3‬استباحة ما حرم ال من المطاعم والمشارب والمناكح كفر صريح‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الية صريحة في عدم اعتبار إيمان اليهود والنصارى بال واليوم الخر إيمانا صحيحا يزكى‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫النفس ويؤهل لدخول الجنة‪ ،‬وهذا لمرين‪ :‬الول‪ :‬لما داخل إيمانهم من التحريف والتغيير فلم يكن‬
‫إيمانهم بركني اليمان العظيمين اليمان بال واليوم الخر إيمانا صحيحا مقبولً شرعا فلذا عُد كل‬
‫إيمان‪ .‬والثاني‪ :‬لنهم لو آمنوا بال ولقائه حق اليمان لمنوا برسوله محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫وبما جاء به من الهدى‪ ،‬ولستقاموا على شرع ال فأحلوا ما أحل وحرموا ما حرم‪.‬‬
‫‪ 2‬المجوس والصابئة لم يذكرا في الية‪ ،‬والذي به العمل عند عامة الفقهاء أنهم يسنّ بهم سنة أهل‬
‫الكتاب في قبول الجزية منهم وإدخالهم في ذمة المسلمين‪.‬‬

‫( ‪)2/358‬‬

‫‪ -4‬مشروعية أخذ الجزية من أهل الكتاب وهي مقدّرة ‪ 1‬في كتب الفقه مبينة وهي بحسب غنى‬
‫المرء وفقره وسعته وضيقه‪.‬‬
‫َوقَاَلتِ الْ َيهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ َوقَالَتْ ال ّنصَارَى ا ْلمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَِلكَ َقوُْلهُم بَِأ ْفوَا ِههِمْ ُيضَا ِهؤُونَ َق ْولَ‬
‫الّذِينَ َكفَرُواْ مِن قَ ْبلُ قَاتََل ُهمُ اللّهُ أَنّى ُي ْؤ َفكُونَ(‪ )30‬اتّخَذُواْ َأحْبَارَهُمْ وَرُهْبَا َنهُمْ أَرْبَابًا مّن دُونِ اللّهِ‬
‫عمّا يُشْ ِركُونَ(‪)31‬‬
‫وَا ْلمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ َومَا ُأمِرُواْ ِإلّ لِ َيعْبُدُواْ إَِلهًا وَاحِدًا لّ إِلَهَ ِإلّ ُهوَ سُبْحَا َنهُ َ‬
‫طفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بَِأ ْفوَا ِه ِه ْم وَيَأْبَى الّلهُ ِإلّ أَن يُتِمّ نُو َرهُ وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلكَافِرُونَ(‪ُ )32‬هوَ الّذِي‬
‫يُرِيدُونَ أَن ُي ْ‬
‫ظهِ َرهُ عَلَى الدّينِ كُلّ ِه وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلمُشْ ِركُونَ(‪)33‬‬
‫سلَ رَسُولَهُ بِا ْلهُدَى وَدِينِ ا ْلحَقّ لِيُ ْ‬
‫أَرْ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫عُزير‪ :‬هو الذي أماته ال مائة عام ثم بعتثه‪ ،‬واليهود يسمونه‪ :‬عِزْرا‪.‬‬
‫المسيح‪ :‬هو عيسى بن مريم عليهما السلم‪.‬‬
‫يضاهئون‪ :‬أي يشابهون‪.‬‬
‫قول الذين كفروا‪ :‬أي من آبائهم وأجدادهم الماضين‪.‬‬
‫قاتلهم ال ‪ :‬أي لعنهم ال لجل كفرهم‪.‬‬
‫أنى يؤفكون‪ :.‬أي كيف يصرفون عن الحق‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬تقدّر بدينار من الذهب‪ ،‬وإن صالحهم المام عن أكثر فهم على ما صالحهم عليه‪.‬‬

‫( ‪)2/359‬‬

‫أحبارهم ورهبانهم‪ :‬الحبار جمع حبر‪ :‬علماء واليهود‪ ،‬والرهبان جمع راهب عابد النصارى‪.‬‬
‫أربابا من دون ال ‪ :‬أي آلهة يشرعون لهم فيعملون بشرائعهم من حلل وحرام‪.‬‬
‫نور ال ‪ :‬أي السلم لنه هاد إلى السعاد والكمال في الدارين‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫بأفواههم‪ :‬أي بالكذب عليه والطعن فيه وصرف الناس عنه‪.‬‬
‫رسوله‪ :‬محمدا صلى ال علمه وسلم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لما أمر تعالى بقتال أهل الكتاب لكفرهم وعدم إيمانهم اليمان الحق المنجي من النار ذكر في هذه‬
‫اليات الثلث ما هو مقرر لكفرهم ومؤكد له فقال {وقالت اليهود عزير ‪ 1‬ابن ال} ونسبة الولد‬
‫إلى ال تعالى كفر بجلله وكماله {وقالت النصارى المسيح ابن ‪ 2‬ال} ونسبه الولد إليه تعالى كفر‬
‫به عز وجل وبماله من جلل وكمال وقوله تعالى‪{ :‬ذلك قولهم بأفواههم} أي ليس له من الواقع‬
‫شيء إذ ليس ل تعالى ولد‪ ،‬وكيف يكون له ولد ولم تكن له زوجة‪ ،‬وإنما ذلك قولهم بأفواههم فقط‬
‫{يضاهئون به ‪ }3‬أي يشابهون به {قول الذين كفروا من قبل} ‪ 4‬وهم اليهود الولون وغيرهم‬
‫وقوله تعالى {قاتلهم ال أنى يؤفكون} دعاء عليهم باللعن والطرد من رحمة ال تعالى وقوله {أنى‬
‫يؤفكون} أي كيف يصرفون عن الحق ويبعدون عنه بهذه الصورة العجيبة وقوله {اتخذوا أحبارهم‬
‫‪ 5‬ورهبانهم أربابا من دون ال}‪ 6‬هذا دليل آخر على كفرهم وشركهم إذ قبولهم قول علمائهم‬
‫وعبادهم والذعان‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرأ عاصم {عزير} بالتنوين‪ ،‬وقرأ نافع بغير تنوين‪ ،‬وقوله تعالى {وقالت اليهود} هو كقوله‬
‫تعالى‪{ :‬الذين قال لهم الناس‪ } ..‬فهو لفظ عام‪ ،‬والمراد به الخصوص إذ ما كلٌ اليهود قالوا بهذه‬
‫القولة ول كل الناس وإنما بعضهم‪.‬‬
‫‪ 2‬في الية دليل على أن حاكي الكفر‪ ،‬وهو منكر له بقلبه ولسانه ل يكفر‪.‬‬
‫‪ 3‬يقال‪ :‬امرأة ضهيا‪ :‬للتي ل تحيض ول ثدي لها كأنها أشبهت الرجل‪.‬‬
‫‪ 4‬أي‪ :‬شابه قولهم قول الكافرين من قبلهم وهم أسلفهم الذين قلدوهم أو قول العرب الذين قالوا‪:‬‬
‫الملئكة بنات ال‪ .‬تعالى ال عن البنت والولد علوا كبيرا‪.‬‬
‫‪ 5‬الحِبر بكسر الحاء‪ .‬المداد‪ ،‬وبفتحها العالم‪ ،‬والرهبان‪ :‬جمع راهب مأخوذ من الرهبة‪ ،‬والراهب‬
‫الحق‪ .‬هو من حمله خوف ال على أن يخلص له النية في القول والعمل ويجعل زمانه له وعمله‬
‫له وأنسه به‪.‬‬
‫‪ 6‬روى الترمذي عن عدي بن حاتم قال‪ :‬أتيت النبي صلى ال عليه وسلم وفي عنقي صليب من‬
‫ذهب فقال‪" :‬ما هذا يا عديّ أطرح عنك هذا الوثن" وسمعته يقرأ {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا‬
‫من دون ال والمسيح بن مريم} وسئل حذيفة رضي ال عنه عن قول ال تعالى‪{ :‬اتخذوا أحبارهم‬
‫ورهباناهم أربابا مر دون ال} هل عبدوهم؟ قال‪ :‬ل ولكن أحلّوا لهم الحرام فاستحلوه وحرموا‬
‫عليهم الحلل فحرموه‪.‬‬

‫( ‪)2/360‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫له والتسليم به حتى أنهم ليحلون لهم الحرام فيحلونه ويحرمون عليهم الحلل فيحرمونه‪ ،‬شرك‬
‫وكفر والعياذ بال‪ .‬وقوله {والمسيح ‪ 1‬ابن مريم} أي اتخذه النصارى ربا وإلها‪ ،‬وقوله تعالى {وما‬
‫أمروا إل ليبعدوا إلها واحدا} أي لم يأمرهم أنبياؤهم كموسى وعيسى وغيرهما إل بعبادة ال تعالى‬
‫وحده ل إله إل هو ول رب سواه وقوله {سبحانه عما يشركون} نزه تعالى نفسه عن شركهم‪.‬‬
‫وقوله تعالى {يريدون ليطفئوا نور ال بأفواههم} أي يريد اليهود والنصارى أن يطفئوا نور ال‬
‫الذي هو السلم بأفواههم بالكذب والفتراء‪ ،‬والعيب والنتقاص‪{ ،‬ويأبى ال إل أن يتم نوره ولو‬
‫كره الكافرون} ‪ ،2‬وقد فعل فله الحمد وله المنة‪ ،‬وأصبح السلم الظاهر على الديان كلها‪ ،‬هذا‬
‫ما دلت عليه اليات الثلث أما الية الرابعة (‪ )33‬فقد أخبر تعالى أنه {هو الذي أرسل رسوله}‬
‫أي محمدا {بالهدى} وهو القرآن {ودين الحق} الذي هو السلم‪ .‬وقوله {ليظهره} أي الدين الحق‬
‫الذي هو السلم {على الدين كله ولو كره المشركون}‪ 3‬وقد فعل فالسلم ظاهر في الرض كلها‬
‫سمع به أهل الشرق والغرب ودان به أهل الشرق والغرب وسيأتي يوم يسود فيه المسلمون أهل‬
‫الدنيا قاطبة بإذن ال تعالى‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير كفر اليهود والنصارى بذكر عقائدهم الكفرية‪.‬‬
‫‪ -2‬طاعة العلماء ورجال الدين طاعة عمياء حتى يحلوا ويحرموا فيتبعوا شرك‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان عداء اليهود والنصارى للسلم وتعاونهم على إفساده وإفساد أهله‪.‬‬
‫‪ -4‬بشرى المسلمين بأنهم سيسودون العالم في يوم من اليام ويصبح السلم هو الدين الذي يعبد‬
‫ال به في الرض ل غيره‪ ،‬ويشهد لهذا آية {ويكون الدين كله ل} فلو لم يعلم ال أن ذلك كائن لم‬
‫يجعله غاية وطالب بالوصول إليها‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يطلق لفظ المسيح على العرق لنه إذا سال يُمسح من الجبين قال أحدهم شعرا‪:‬‬
‫افرح فسوف تألف الحزانا ‪ ...‬إذا شهدت الحشر والميزانا‬
‫وسال من جبينك المسيح ‪ ...‬كأنّه جداول تسيح‬
‫‪ 2‬صحّ دخول "إلّ" على الثبات هنا لنّ أبى يحذف معها الكلم فيقال‪ :‬يأبي فلن كل شيء إل أن‬
‫يطاع مثل‪ .‬فمعنى الية‪ :‬يأبى ال كل شيء إل أن يتم نوره‪.‬‬
‫‪ 3‬شاهده‪ :‬رواية أحمد‪ :‬عن المقداد بن السود قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫"ل يبقى على ظهر الرض بيت مدر ول وبر إل دخلته كلمة السلم بعزّ عزيز أو بذل ذليل إمّا‬
‫يعزّهم ال فيجعلهم من أهلها وإمّا يذلهم فيدينون لها"‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/361‬‬

‫ل وَ َيصُدّونَ عَن‬
‫طِ‬‫ن الَحْبَارِ وَالرّهْبَانِ لَيَ ْأكُلُونَ َأ ْموَالَ النّاسِ بِالْبَا ِ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِنّ كَثِيرًا مّ َ‬
‫سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ َيكْنِزُونَ الذّ َهبَ وَا ْل ِفضّ َة َولَ يُن ِفقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّرْهُم ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ(‪َ )34‬يوْمَ‬
‫سكُمْ فَذُوقُواْ مَا‬
‫ظهُورُهُمْ َهذَا مَا كَنَزْتُ ْم لَنفُ ِ‬
‫جهَنّمَ فَ ُت ْكوَى ِبهَا جِبَا ُههُ ْم وَجُنو ُبهُ ْم َو ُ‬
‫حمَى عَلَ ْيهَا فِي نَارِ َ‬
‫يُ ْ‬
‫كُنتُمْ َتكْنِزُونَ(‪)35‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫بالباطل‪ :‬أي بدون حق أباح لهم أكلها‪.‬‬
‫ويصدون عن سبيل ال ‪ :‬أي يصرفون أنفسهم وغيرهم عن السلم الذي هو السبيل؟ المفضي‬
‫بالعبد إلى رضوان ال تعالى‪.‬‬
‫يكنزون ‪ :‬يجمعون المال ويدفنونه حفاظا عليه ول يؤدون حقه‪.‬‬
‫الذهب والفضة‪ :‬هما النقدان المعروفان‪.‬‬
‫في سبيل ال‪ :‬أي حيث رضا ال كالجهاد وإطعام الفقراء والمساكين‪.‬‬
‫فبشرهم ‪ :‬أي أخبرهم بعذاب أليم‪ :‬أي موجع‪.‬‬
‫يحمى عليها ‪ :‬لنها تحول إلى صفائح ويحمى عليها ثم تكوى بها جباههم‪.‬‬
‫هذا ما كنزتم‪ :‬أي يقال لهم عند كيهم بها‪ :‬هذا ما كنزتم لنفسكم توبيخا لهم وتقريعا‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫بمناسبة ذكر عداء اليهود والنصارى للسلم والمسلمين‪ ،‬وأنهم يريدون دوما وأبدا‬

‫( ‪)2/362‬‬

‫إطفاء نور ال بأفواههم‪ ،‬ذكر تعالى ما هو إشارة واضحة إلى أنهم ماديون ل همّ لهم إل المال‬
‫والرئاسة فأخبر المسلمين فقال {يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الحبار} ‪ 1‬وهم علماء اليهود‬
‫{والرهبان} وهم رجال الكنائس من النصارى {ليأكلون أموال الناس بالباطل} كالرشوة‪ ،‬وكتابة‬
‫صكوك الغفران يبيعونها للسفلة منهم‪ ،‬إلى غير ذلك من الحيل باسم ‪ 2‬الدين‪ ،‬وقوله تعالى عنهم‬
‫{ويصدون عن ‪ 3‬سبيل ال} دليل واضح على أنهم يحاربون السلم باستمرار للبقاء على‬
‫مناصبهم الدينية يعيشون عليها يترأسون بها على السفلة والعوام من اليهود والنصارى‪ ،‬وقوله‬
‫تعالى {والذين يكنزون الذهب والفضة}‪ 4‬لفظ ‪ 5‬عام يشمل الحبار والرهبان وغيرهم من سائر‬
‫الناس من المسلمين ومن أهل الكتاب إل أن الرهبان والحبار يتناولهم اللفظ أولً‪ ،‬لن من يأكل‬
‫أموال الناس بالباطل ويصد عن سبيل ال أقرب إلى أن يكنز الذهب والفضة ول ينفقها في سبيل‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ال‪ ،‬وقوله تعالى لرسوله {فبشرهم بعذاب أليم} أي أخبرهم معجلً لهم الخبر في صورة بشارة‪،‬‬
‫وبين نوع العذاب الليم بقوله {يوم يحمى عليها} أي صفائح الذهب والفضة بعد تحويلها إلى‬
‫صفائح {في نار جهنم} فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم} أي من كل الجهات الربع من‬
‫أمام ومن خلف وعن يمين وعن شمال ويقال لهم تهكما بهم وازدراء لهم وهو نوع عذاب أشد‬
‫على النفس من عذاب الجسم (هذا ما كنزتم لنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الية نزلت في أهل الكتاب كشفا عن عوراتهم المادية‪ ،‬وأما قوله تعالى {والذين يكنزون الذهب‬
‫والفضة ‪ }..‬الخ فهو حكم عام يشمل المسلمين وأهل الكتاب‪.‬‬
‫‪ 2‬قيل كانوا يأخذون من غلت أتباعهم ومن أموالهم ضرائب باسم حماية الدين والقيام بالشرع‪،‬‬
‫وقلدهم الروافض‪ ،‬فإن أئمتهم يأخذون منهم ضرائب هي خمس دخل كل فرد من أي جهة كان هذا‬
‫الدخل أخبرني بهذا أحد رجالهم في الكويت‪.‬‬
‫‪ 3‬من صدّهم عن سبيل ال إنهم كانوا يمنعون أتباعهم من الدخول في السلم ومن أتباع محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 4‬دلت الية على زكاة العين‪ :‬الذهب والفضة وهي تجب بأربعة شروط الحرية‪ ،‬والسلم‪،‬‬
‫والحول‪ ،‬والنصاب السليم من الدين‪ ،‬والنصاب مائتا درهم فضة أو عشرون دينارا من الذهب‪،‬‬
‫ويكمل أحدهما من الخر‪ ،‬ومن السنة قوله صلى ال عليه وسلم "ليس في مال زكاة حتى يحول‬
‫عليه الحول" رواه أبو داود‪ .‬وقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬ليس في أقل من مائتي درهم زكاة‪،‬‬
‫وليس في أقل من عشرين دينارا زكاة" في الصحيح‪.‬‬
‫‪ 5‬روى أبو داود عن ابن عباس قال‪ :‬لما نزلت هذه الية {والذين يكنزون الذهب والفضة} قال‬
‫كبر ذلك على المسلمين فقال عمر‪ :‬أنا أفرج عنكم فانطلق قال‪ :‬يا نبي ال إنه كبُر على أصحابك‬
‫هذه الية‪ ،‬فقال‪" :‬إن ال لم يفرض الزكاة إل ليطيّب ما بقى من أموالكم وإنما فرض المواريث في‬
‫أموالكم لتكون لمن بعدكم فكبّر عمر فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬أل أخبرك بخير ما‬
‫يكنز المرء‪ :‬المرأة الصالحة‪ :‬إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته"‪.‬‬

‫( ‪)2/363‬‬

‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين ‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان حقيقة علماء اليهود والنصارى‪ ،‬وهي أنهم ماديون باعوا آخرتهم بدنياهم يحاربون‬
‫السلم ويصدون عنه للمحافظة على الرئاسة وللكل على حساب السلم‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة أكل أموال الناس بالباطل‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -3‬حرمة جمع المال وكنزه وعدم النفاق منه‪.‬‬
‫‪ -4‬المال الذي تؤدى زكاته كل حول ل يقال له كنز ولو دفن تحت الرض‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان عقوبة من يكنز المال ول ينفق منه في سبيل ال وهي عقوبة شديدة‪.‬‬
‫سمَاوَات وَالَ ْرضَ مِ ْنهَا أَرْ َبعَةٌ‬
‫شهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ َيوْمَ خََلقَ ال ّ‬
‫عشَرَ َ‬
‫شهُورِ عِندَ الّلهِ اثْنَا َ‬
‫إِنّ عِ ّدةَ ال ّ‬
‫سكُ ْم َوقَاتِلُواْ ا ْلمُشْ ِركِينَ كَآفّةً َكمَا ُيقَاتِلُونَكُمْ كَآفّ ًة وَاعَْلمُواْ أَنّ‬
‫حُ ُرمٌ ذَِلكَ الدّينُ ا ْلقَيّمُ فَلَ َتظِْلمُواْ فِيهِنّ أَنفُ َ‬
‫ضلّ ِبهِ الّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلّونَهُ عَامًا وَيُحَ ّرمُونَهُ‬
‫اللّهَ َمعَ ا ْلمُ ّتقِينَ(‪ )36‬إِ ّنمَا النّسِيءُ زِيَا َدةٌ فِي ا ْل ُكفْرِ ُي َ‬
‫عمَاِل ِه ْم وَاللّ ُه لَ َيهْدِي ا ْل َقوْمَ‬
‫طؤُواْ عِ ّدةَ مَا حَرّمَ الّلهُ فَيُحِلّواْ مَا حَرّمَ اللّهُ زُيّنَ َل ُهمْ سُوءُ أَ ْ‬
‫عَامًا لّ ُيوَا ِ‬
‫ا ْلكَافِرِينَ(‪)37‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫عدة ‪ :‬أي عدد‪.‬‬

‫( ‪)2/364‬‬

‫الشهور ‪ : 1‬جمع شهر والشهر تسعة وعشرون يوما‪ ،‬أو ثلثون يوما‬
‫في كتاب ال ‪ :‬أي كتاب المقادير‪ :‬اللوح المحفوظ‪.‬‬
‫أربعة حرم ‪ :‬هي رجب‪ ،‬والقعدة‪ ،‬والحجة‪ ،‬ومحرم‪ ،‬الواحد منها حرام والجمع حرم‪.‬‬
‫الدين القيم ‪ :2‬أي الشرع المستقيم الذي ل اعوجاج فيه‪.‬‬
‫فل تظلموا فيهن أنفسكم‪ :‬أي ل ترتكبوا في الشهر الحرم المعاصي فإنها أشد حرمة‪.‬‬
‫كافة ‪ :‬أي جميعا وفي كل الشهور حللها وحرامها‪.‬‬
‫مع المتقين‪ :‬أي بالتأييد والنصّر‪ ،‬والمتقون هم الذين ل يعصون ال تعالى‪.‬‬
‫إنما النسيء‪ :‬أي تأخير حرمة شهر المحرم إلى صفر‪.‬‬
‫يحلونه عاما ويحرمونه عاما ‪ :‬أي النسيء عاما يحلونه وعاما يحرمونه‪.‬‬
‫ليواطئوا عدة ما حرم ال‪ :‬أي ليوافقوا عدد الشهور المحرمة وهي أربعة‪.‬‬
‫زين لهم سوء عملهم‪ :‬أي زين لهم الشيطان هذا التأخير للشهر الحرام وهو عمل سيء لنه إفتيات‬
‫على الشارع واحتيال على تحليل الحرام‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫عاد السياق للحديث على المشركين بعد ذلك العتراض الذي كان للحديث عن أهل الكتاب فقال‬
‫تعالى {إن عدة الشهور عند ال اثنا عشر شهرا} ل تزيد ول تنقص‪ ،‬وأنها هكذا في اللوح‬
‫المحفوظ {يوم خلق السموات والرض}‪ . 3‬وأن منها أربعة أشهر حرم أي محرمات وهي رجب‪،‬‬
‫والقعدة والحجة ومحرم‪ ،‬وحرمها ال تعالى أي حرم القتال فيها لتكون هدنة يتمكن العرب معها‬
‫من السفر للتجارة وللحج والعمرة ول يخافون أحدا‪ ،‬ولما‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المراد بالشهور‪ :‬ما تتألف منه السنة القمرية‪ ،‬واحدها‪ :‬شهر‪ ،‬مشتق من الشهرة سميت به اليام‬
‫من أوّل ظهور الهلل إلى سراره‪.‬‬
‫‪ 2‬أي‪ :‬الصحيح‪ ،‬والشارة في قوله‪{ :‬ذاك الدين القيّم} إلى عدة الشهور‪ ،‬وتقسيمها إلى حُرم‬
‫وغيرها وإلى عدم ارتكاب الذنوب فيها‪.‬‬
‫‪ 3‬قوله‪{ :‬يوم خلق السموات والرض‪ } ..‬قاله ليبيّن أن قضاء وقدره كان قبل ذلك وأنه سبحانه‬
‫وتعالى وضع هذه الشهور وسمّاها بأسمائها يوم خلق السماوات والرض‪.‬‬

‫( ‪)2/365‬‬

‫جاء السلم وأعز ال أهله‪ ،‬نسخ حرمة القتال فيها‪ .‬وقوله تعالى (ذلك الدين القيّم} أي تحريم هذه‬
‫الشهر واحترامها بعدم القتال فيها هو الشرع المستقيم وقوله تعالى {فل تظلموا فيهن أنفسكم} أي‬
‫ل ترتكبوا الذنوب والمعاصي في الشهر الحرم فإن ذلك يوجب غضب ال تعالى وسخطه عليكم‬
‫فل تعرضوا أنفسكم له‪ ،‬وقوله تعالى {وقاتلوا المشركين} هذا خطاب للمؤمنين يأمرهم تعالى بقتال‬
‫المشركين بعد انتهاء المدة التي جعلت لهم وهي أربعة أشهر وقوله {كافة}‪ 1‬أي جميعا ل يتأخر‬
‫منكم أحد كما هم يقاتلونكم مجتمعين على قتالكم فاجتعموا أنتم على قتالهم‪ ،‬وقوله {واعلموا أن ال‬
‫مع المتقين} وهم الذين اتقوا الشرك والمعاصي ومعناه أن ال معكم بنصره وتأييده على المشركين‬
‫العصاة وقوله عز وجل {إنما النسيء ‪ 2‬زيادة في الكفر} أي إنما تأخير حرمة محرم إلى صفر‬
‫كما يفعل أهل الجاهلية ليستبيحوا القتال في الشهر الحرام بهذه الفُتيا الشيطانية هذا التأخير زيادة‬
‫في كفر الكافرين ‪ ،3‬لنه محاربة لشرع ال وهي كفر قطعا لقوله تعالى {يضل به الذين كفروا}‬
‫آي بالنسيء يزدادون ضللً فوق ضللهم‪ .‬وقوله {يحلونه عاما ويحرمونه عاما} يعني النسيء‬
‫وهو الشهر الذي أخروه أي أخروا حرمته إلى الشهر الذي بعده ليتمكنوا من القتال في الشهر‬
‫الحرام‪ ،‬فعاما يحلون وعاما يحرمون حتى يوافقوا عدة الشهر الحُرُم‪ ،‬بل زيادة ول نقصان‪ ،‬ظنا‬
‫منهم أنهم ما عصوا مستترين بهذه الفتيا البليسية كما قال تعالى {زين لهم سوء أعمالهم} والمزين‬
‫للباطل قطعا هو الشيطان‪ .‬وقوله تعالى {وال ل يهدى القوم الكافرين} يخبر تعالى أنه عز وجل ل‬
‫يهدي القوم الكافرين لما هو الحق والخير وذلك عقوبة لهم على كفرهم به وبرسوله‪ ،‬وإصرارهم‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬كافة‪ :‬معناه جميعا‪ ،‬وهو مصدر في موضع الحال أي‪ :‬محيطين بهم ومجتمعين‪ .‬قالوا‪ :‬نظير‬
‫كافة‪ :‬في كونه ل يبني ول يجمع‪ :‬عاقبة وعامة وخاصة‪.‬‬
‫‪ 2‬قرأ الجمهور‪{ :‬النسيء} مهموزا وقرأ ورش‪{ :‬النسيّ} بالياء المشددة‪ ،‬وهو فعيل بمعنى مفعول‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫في قولك‪ :‬نسأت الشيء أنسأه إذا أخّرته‪ ،‬فنقل من منسوء إلى نسيء كما نقل مفتول إلى فتيل لنّه‬
‫أخف‪ ،‬وأصل هذا التشريع الجاهلي‪ :‬أنّ العرب قبل السلم كانوا أهل حروب فإذا احتاجوا إلى‬
‫القتال في الشهر الحرام طلبوا من زعيمهم أن ينسيء المحرّم أي‪ :‬يؤخره إلى صفر حتى يمكنهم‬
‫الحرب في المحرم بعد الحج وما زالوا يؤخرون ويقدمون حتى اختلطت الشهور وأصبح رجب‬
‫جمادى ورمضان شوال وهكذا‪ ،‬ودارت الشهور دورتها‪ ،‬وفي عام حجة الوداع أعلن الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم عن ذلك بقوله‪" :‬إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق ال السموات‬
‫والرض" يريد أن الشهور قد رجعت إلى مواضعها‪ ،‬وأصبح كل شهر في موضعه فوقع حجّ‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم في موضعه‪.‬‬
‫‪ 3‬إذ كفروا بالشرك وإنكار المعاد وتكذيب الرسل‪ ،‬ونسبة الولد ل تعالى ثم بالنسيء ازدادوا كفرا‪.‬‬

‫( ‪)2/366‬‬

‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان أن شهور السنة الهجرية اثنا عشر شهرا‪ 1‬وأيامها ثلثمائة ‪ 2‬وخمسة وخمسون يوما‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان أن الشهر الحرم أربعة وقد بينها الرسول صلى ال عليه وسلم وهي رجب‪ ،‬والقعدة‬
‫والحجة ومحرم‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة الشهر ا الحرم‪ ،‬ومضاعفة السيآت فيها أي قبح الذنوب فيها‪.‬‬
‫‪ -4‬صفة المعيّة ل تعالى وهي معية خاصة بالنصر والتأييد لهل تقواه‪.‬‬
‫‪ -5‬حرمة الحتيال على ‪ 3‬الشرع بالفتاوى الباطلة لحلل الحرام‪ ،‬وأن هذا الحتيال ما هو إل‬
‫زيادة في الثم‪.‬‬
‫‪ -6‬تزيين الباطل وتحسين المنكر من الشيطان‪.‬‬
‫ل ومآلً‪.‬‬
‫‪ -7‬حرمان أهل الكفر والفسق من هداية ال تعالى وتوفيقه لما هو حق وخير حا ً‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُواْ مَا َلكُمْ ِإذَا قِيلَ َلكُ ُم انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الَ ْرضِ أَ َرضِيتُم بِا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا‬
‫مِنَ الخِ َرةِ َفمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا فِي الخِ َرةِ ِإلّ قَلِيلٌ(‪)38‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬وهي‪ :‬محرم ويجمع على محرمات ومحارم ومحاريم‪ ،‬وصفر ويجمع على أصفار وربيع الول‬
‫ويجمع على أربعاء وأربعة وربيع الثاني وجمادى الولى ويجمع على جُماديات وتذكر وتؤنث‬
‫فيقال‪ :‬الولى والول‪ ،‬وجمادى الخرة والخر‪ ،‬ورجب ويجمع على أرجاب ورجاب‪ ،‬وشعبان‬
‫ويجمع على شعابين وشعبانات‪ ،‬ورمضان ويجمع على رمضانات‪ ،‬ورماضين وأرمضة وشوال‬
‫ويجمع على شواول وشواويل وشوالت‪ ،‬القعدة ويجمع على ذوات القعدة والحِجة بكسر الحاء‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وفتحها ويجمع على ذوات الحجة‪.‬‬
‫‪ 2‬وهي‪ :‬الحد ويجمع على آحاد وأوحاد ووحود‪ ،‬والثنين ويجمع على أثانين‪ ،‬والثلثاء يذكر‬
‫ويؤنث ويجمع على ثلثاوات وأثالث والربعاء ويجمع على أربعاوات وأرابيع‪ ،‬والخميس ويجمع‬
‫على أخمسة وأخامس‪ ،‬والجمعة بضم الميم وإسكانها وفتحها ويجمع على جمع وجمعات‪ ،‬والسبت‬
‫ويجمع على سبوت كفتح وفتوح وأسبات كقمع وأقماع‪.‬‬
‫‪ 3‬اختلف فيمن كان أوّل من نسأ فقيل عمرو بن لحي‪ ،‬وقيل‪ :‬رجل من كنانة يقال له القلمّس قال‬
‫شاعرهم‪:‬‬
‫ومنا ناسىء الشهر القلمّس‬
‫وقال الكميت‪:‬‬
‫ألسنا الناسئين على معد ‪...‬‬
‫شهور الحل نجعلها حراما‬

‫( ‪)2/367‬‬

‫شيْءٍ َقدِيرٌ (‬
‫ِإلّ تَنفِرُواْ ُيعَذّ ْبكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَ ْب ِدلْ َق ْومًا غَيْ َر ُك ْم وَلَ َتضُرّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫جهُ الّذِينَ َكفَرُواْ ثَا ِنيَ اثْنَيْنِ إِذْ ُهمَا فِي ا ْلغَارِ إِذْ َيقُولُ‬
‫‪ِ )39‬إلّ تَنصُرُوهُ َفقَدْ َنصَ َرهُ الّلهُ إِذْ َأخْرَ َ‬
‫ج َعلَ كَِلمَةَ الّذِينَ‬
‫سكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيّ َدهُ بِجُنُودٍ لّمْ تَ َروْهَا وَ َ‬
‫ِلصَاحِبِهِ لَ َتحْزَنْ إِنّ الّلهَ َمعَنَا فَأَن َزلَ اللّهُ َ‬
‫حكِيمٌ(‪)40‬‬
‫سفْلَى َوكَِلمَةُ اللّهِ ِهيَ ا ْلعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ َ‬
‫َكفَرُواْ ال ّ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫مالكم؟‪ : 1‬أي أي شيء ثبت لكم من العذار‪.‬‬
‫انفروا ‪ :‬أي اخرجوا مستعجلين مندفعين‪.‬‬
‫اثاقلتم‪ :‬أي تباطأتم كأنكم تحملون أثقالً‪.‬‬
‫إل تنصروه ‪ :.‬أي الرسول محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ثاني اثنين‪ :‬أي هو وأبو بكر رضي ال عنه‪.‬‬
‫في الغار‪ :‬غار ثور أي في جبل يقال له ثور بمكة‪.‬‬
‫لصاحبه‪ :‬هو أبو بكر الصديق رضي ال عنه‪.‬‬
‫سكينتهُ‪ :‬أي طمأنينته‪.‬‬
‫كلمة الذين كفروا‪ :‬هي الدعوة إلى الشرك‪.‬‬
‫السفلى ‪ :‬أي مغلوبة هابطة ل يسمع لها صوت‪.‬‬
‫وكلمة ال هي العليا‪ :‬أي دعوة التوحيد "ل إله إل ال محمد رسول ال" هي العليا الغالبة الظاهرة‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪( 1‬ما)‪ :‬حرف استفهام ومعناه التقرير والتوبيخ‪.‬‬

‫( ‪)2/368‬‬

‫معنى اليات‪:‬‬
‫هذه اليات نزلت في غزوة تبوك فقد بلغ النبي صلى ال عليه وسلم أن هرقل ملك الروم قد جمع‬
‫جموعه لحرب الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فأعلن النبي صلى ال عليه وسلم التعبئة العامة‪،‬‬
‫وكان الزمن صيفا حارا وبالبلد جدب ومجاعة‪ ،‬وكان ذلك في شوال من سنة تسع‪ ،‬وسميت هذه‬
‫الغزوة بغزوة العسرة فاستحثّ الربّ تبارك وتعالى المؤمنين ليخرجوا مع نبيهم لقتال أعدائه الذين‬
‫عزموا على غزوه في عقر داره فأنزل تعالى قوله { يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا‬
‫في سبيل ال} والقائل هو رسول ال صلى ال عليه وسلم {انفروا في سبيل ال} أي اخرجوا‬
‫للجهاد {في سبيل ال} أي لجل رضاه سبحانه وتعالى وما عنده من نعيم مقيم‪ .‬وقوله {مالكم} أي‬
‫أي شيء يجعلكم ل تنفرون؟ وأنتم المؤمنون طلب الكمال والسعاد في الدارين‪ .‬وقوله {اثاقلتم‬
‫إلى الرض} ‪ 1‬أي تباطأتم عن الخروج راضين ببقائكم في دوركم وبلدكم‪{ .‬أرضيتم بالحياة‬
‫الدنيا من ‪ 2‬الخرة؟} ينكر تعالى على من هذه حاله منهم‪ ،‬ثم يقول لهم {فما متاع الحياة الدنيا} أي‬
‫ما كل ما يوجد فيها من متع على اختلفها بالنسبة إلى ما في الخرة من نعيم مقيم في جوار رب‬
‫العالمين {إل قليل} تافه ل قيمة له؛ فكيف تؤثرون القليل على الكثير والفاني على الباقي‪ .‬ثم قال‬
‫لهم {إلّ تنفروا} أي إن تخليتم عن نصرته صلى ال عليه وسلم وتركتموه يخرج إلى قتال الروم‬
‫وحده {يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ‪ 3‬ول تضروه شيئا وال على كل شيء قدير}‪ .‬وفي‬
‫هذا الخبر وعيد شديد اهتزت له قلوب المؤمنين‪.‬‬
‫وقوله تعالى {إل تنصروه} ‪ 4‬أي إن خذلتموه ولم تخرجوا معه في هذا الظرف الصعب فقد نصره‬
‫ال تعالى في ظرف أصعب منه نصره في الوقت الذي أخرجه الذين كفروا {ثاني اثنين} ‪ 5‬أي هو‬
‫وأبو بكر ل غير‪{ ،‬إذ هما في الغار} أي غار ثور‪{ ،‬إذ يقول‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أصل {اثاقلتم}‪ :‬تثاقلتم فأدغمت التاء في الثاء لقرب مخرجهما وزيدت همزة الوصل للتوصل‬
‫إلى النطق بالساكن ومثله‪ :‬اداركوا وادّارأتم‪ ،‬واطيرنا‪ ،‬وازينت‪.‬‬
‫‪ 2‬أي‪ :‬أرضيتم بنعيم الدنيا وراحتها بدلً من نعيم الخرة وسعادتها‪.‬‬
‫‪ 3‬أي‪ :‬ل يقعدون عند استنفارهم للجهاد والخروج معه‪ ،‬وأنتم بتخلفكم ل تضرونه شيئا‪ ،‬في الية‬
‫دليل على حرمة التثاقل عن الجهاد إذا كان مع كراهته ول حرمة مع عدم الكراهة إلّ أن يعيّنه‬
‫المام فيجب‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 4‬أصلها إن الشرطية أدغمت فيها ل النافية‪ ،‬والية تحمل عتابا شديدا‪ ،‬ومعنى الية‪ :‬إن تركتم‬
‫نصرته فقد تكفل ال بها‪.‬‬
‫‪ 5‬أي‪ :‬أحد اثنين كثالث ثلثة ورابع أربعة‪.‬‬

‫( ‪)2/369‬‬

‫لصاحبه}‪ :‬لما قال لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا يا رسول ال‪{ ،‬ل تحزن إن ال معنا فأنزل ال‬
‫سكينته عليه} فسكنت نفسه واطمأن وذهب الخوف من قلبه ‪{ ،1‬وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة‬
‫الذين كفروا} وهي دعوتهم إلى الشرك جعلها {السفلى} مغلوبة هابطة {وكلمة ال} كلمة ل إله إل‬
‫ال محمد رسول ال {هي العليا} الغالبة الظاهرة {وال عزيز} غالب ‪ 2‬ل يغالب {حكيم} في‬
‫تصرفه وتدبيره‪ ،‬ينصر من أراد نصره بل ممانع ويهزم من أراد هزيمته بل مغالب‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب الخروج إلى الجهاد إذا دعا المام بالدعوة العامة وهو ما يعرف بالتعبئة العامة أو‬
‫النفير العام‪.‬‬
‫‪ -2‬يجب أن يكون النفير في سبيل ال ل في سبيلٍ غير سبيله تعالى‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان حقارة الدنيا وضآلتها أمام الخرة‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب نصرة رسول ال صلى ال عليه وسلم في دينه في أمته في سنته‪.‬‬
‫‪ -5‬شرف أبي بكر الصديق وبيان فضله‪.‬‬
‫‪ -6‬السلم يعلو ول يعلى عليه‪.‬‬
‫سكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَِلكُمْ خَيْرٌ ّل ُكمْ إِن كُنتُمْ َتعَْلمُونَ(‪َ )41‬لوْ‬
‫خفَافًا وَ ِثقَالً وَجَاهِدُواْ بَِأ ْموَاِلكُ ْم وَأَنفُ ِ‬
‫ا ْنفِرُواْ ِ‬
‫طعْنَا‬
‫شقّ ُة وَسَيَحِْلفُونَ بِاللّهِ َلوِ اسْتَ َ‬
‫ك وََلكِن َبعُ َدتْ عَلَ ْيهِمُ ال ّ‬
‫صدًا لّتّ َبعُو َ‬
‫سفَرًا قَا ِ‬
‫كَانَ عَ َرضًا قَرِيبًا وَ َ‬
‫عفَا الّلهُ عَنكَ لِمَ َأذِنتَ َلهُمْ حَتّى يَتَبَيّنَ‬
‫سهُ ْم وَاللّهُ َيعَْلمُ إِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ(‪َ )42‬‬
‫لَخَ َرجْنَا َم َعكُمْ ُيهِْلكُونَ أَنفُ َ‬
‫َلكَ الّذِينَ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬قلب أبي بكر رضي ال عنه‪.‬‬
‫‪ 2‬إذ أحبط تعالى أعمال قريش في طلبها الرسول صلى ال عليه وسلم لتقتله حيث جعلت مائة‬
‫ناقة لمن يأتيها برأسه وأنجى ال رسوله منهم وانتهى إلى المدينة ونصره عليهم‪.‬‬

‫( ‪)2/370‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫صَ َدقُو ْا وَ َتعْلَمَ ا ْلكَاذِبِينَ(‪)43‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫خفافا وثقالً‪ :‬الخفاف جمع خفيف‪ :‬وهو الشاب القوي البدن ذا الجدة من زاد ومركوب‪ .‬والثقال‬
‫جمع ثقيل‪ :‬وهو الشيخ الكبير والمريض والفقير الذي ل جدة عنده‪.‬‬
‫ذلكم ‪ :‬أي الجهاد بالمال والنفس خير من التثاقل إلى الرض وترك الجهاد حالً ومآلً‪.‬‬
‫عرضا قريبا‪ :‬غنيمة في مكان قريب غير بعيد‪.‬‬
‫أو سفرا قاصدا‪ :‬أيما معتدلً ل مشقة فيه‪.‬‬
‫الشقة ‪ :‬الطريق الطويل الذي ل يقطع إل بمشقة وعناء‪.‬‬
‫عفا ال عنك ‪ :‬لم يؤاخذك‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في الحث على الخروج إلى قتال الروم بالشام ففي هذه اليات يأمر تعالى المؤمنين‬
‫بالخروج إلى الجهاد على أي حال كان الخروج من قوة وضعف فليخرج الشاب القوي كالكبير‬
‫العاجز الضعيف والغني كالفقير فقال تعالى {انفروا خفافا وثقالً وجاهدوا ‪ 1‬بأموالكم وأنفسكم}‬
‫أعداء ال الكافرين به وبرسوله حتى يدخلوا في السلم أو يعطوا الجزية ويقبلوا أحكام السلم‬
‫{ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} أي نفوركم للجهاد وقتالكم الكافرين إلى النتهاء بهم إلى إحدى‬
‫الغايتين خير لكم من الخلود إلى الرض والرضا بالحياة الدنيا وهي متاع قليل‪ ،‬إن كنتم تعلمون‬
‫ذلك‪ ،‬وقوله تعالى {لو كان عرضا‪ 2‬قريبا وسفرا قاصدا لتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة}‪ 3‬يقول‬
‫تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم لو كان‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الية محكمة ولم تنسخ‪ ،‬والمراد منها‪ :‬أن المام إذا أعلن عن النفير العام‪ ،‬وجب السراع إلى‬
‫الخروج معه على أي حال من كبر وصغر وغنى وفقر‪.‬‬
‫‪ 2‬العرض‪ :‬ما يعرض من منافع الدنيا‪ ،‬والمراد به هنا‪ :‬الغنيمة أي‪ :‬لو كان الذي دعوا إليه‬
‫عرضا قريبا أو كان الذي دعوا إليه سفرا قاصدا أي‪ :‬سهل معلوم الطرق لتبعوك‪.‬‬
‫‪ 3‬الشقة‪ :‬بالضم‪ :‬السفر إلى أرض بعيدة وهي هنا تبوك‪ ،‬نظير هذه الية من السنة قوله صلى ال‬
‫عليه وسلم‪" :‬لو يعلم أحدهم أنه يحد عظما سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء‪ "..‬المرماة‪:‬‬
‫ظلف الشاة‪.‬‬

‫( ‪)2/371‬‬

‫أولئك المتخلفون عن الجهاد من المنافقين وضعفة اليمان قد دعوتهم إلى عرض قريب أي غنيمة‬
‫حاضرة أو إلى سفر سهل قاصد معتدل لتبعوك وخرجوا معك‪ ،‬ولكن دعوتهم إلى تبوك وفي‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫زمن الحر والحاجة فبعدت عليهم الشقة فانتحلوا العذار إليك وتخلفوا‪ .‬وقوله تعالى {وسيحلفون‬
‫بال} أي لكم قائلين‪ :‬لو استطعنا أي الخروج لخرجنا معكم‪.‬‬
‫قال تعالى {يهلكون أنفسهم} حيث يجلبون لها سخط ‪ 1‬ال وعقابه {وال يعلم إنهم لكاذبون} في كل‬
‫ما اعتذروا به‪ .‬هذا ما دلت عليه اليتان الولى والثانية (‪ )42 -41‬وأما الية الثالثة فقد تضمنت‬
‫عتاب ال تعالى لنبيه صلى ال عليه وسلم حيث أذن لمن طلب منه التخلف عن النفور والنهوض‬
‫إلى تبوك وكان من السياسة الرشيدة عدم الذن لحد حتى يتميز بذلك الصادق من الكاذب قال‬
‫تعالى {عفا ال عنك} ‪ 2‬أي تجاوز عنك ولم يؤاخذك وقدم هذا اللفظ على العتاب الذي تضمنه‬
‫الستفهام {لم أذنت لهم} تعجيلً للمسرة للنبي صلى ال عليه وسلم إذ لو أخر عن جملة العتاب‬
‫لوجد خوفا وحزنا‪ ،‬وقوله تعالى {حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين} علة للعتاب على‬
‫الذن للمنافقين ‪ 3‬بالتخلف عن الخروج إلى تبوك‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬إذا أعلن المام التعبئة العامة يحرم التخلف عن الجهاد ول يقعد أحد‪ ،‬إل بإذن لجل علة‬
‫قامت به فاستأذن فأذن له‪.‬‬
‫‪ -2‬الجهاد كما يكون بالنفس يكون بالمال وهو خيرٌ من تركه حالً ومآلً‪.‬‬
‫‪ -3‬اليمان الكاذبة لبطال حق أو إحقاق باطل توجب سخط ال تعالى وعذابه‪.‬‬
‫‪ -4‬مشروعية العتاب للمحب‪.‬‬
‫‪ -5‬جواز مخالفة الولى على النبي صلى ال عليه وسلم لعدم علمه ما لم يعلّمه ال تعالى‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬بسبب كذبهم ونفاقهم وأيمانهم الكاذبة‪.‬‬
‫‪ 2‬أخبره بالعفو قبل العتاب رحمة به وإكراما له‪ ،‬إذ لو قال له ِلمَ أذنت لهم أوّل لكان يطير قلبه‬
‫صلى ال عليه وسلم من الفرق أي‪ :‬الخوف‪.‬‬
‫‪ 3‬هؤلء قوم منافقون قالوا نستأذنه في القعود فإن أذن لنا قعدنا‪ ،‬وان لم يأذن لنا قعدنا‪ .‬أمّا غير‬
‫هؤلء فقد رخّص له في الذن لمن شاء في قوله‪{ :‬فأذن لمن شئت منهم} من سورة النور‪.‬‬

‫( ‪)2/372‬‬

‫سهِ ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ بِا ْلمُ ّتقِينَ(‪)44‬‬


‫لَ َيسْتَأْذِ ُنكَ الّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ بِالّل ِه وَالْ َيوْمِ الخِرِ أَن يُجَا ِهدُواْ بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَنفُ ِ‬
‫ن لَ ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الخِ ِر وَارْتَا َبتْ قُلُو ُبهُمْ َفهُمْ فِي رَيْ ِبهِمْ يَتَرَدّدُونَ(‪ )45‬وََلوْ‬
‫إِ ّنمَا يَسْتَ ْأذِ ُنكَ الّذِي َ‬
‫طهُ ْم َوقِيلَ ا ْقعُدُواْ مَعَ ا ْلقَاعِدِينَ(‪)46‬‬
‫ع ّد ًة وََلكِن كَ ِرهَ اللّهُ ان ِبعَا َثهُمْ فَثَبّ َ‬
‫ج لَعَدّواْ لَهُ ُ‬
‫أَرَادُواْ ا ْلخُرُو َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ل يستأذنك ‪ :‬أي ل يطلبون منك إذنا بالتخلف عن الجهاد‪.‬‬
‫وارتابت قلوبهم‪ :‬أي شكت في صحة ما تدعو إليه من الدين الحق‪.‬‬
‫في ريبهم ‪ :‬أي في شكهم‪.‬‬
‫يترددون ‪ :‬حيارى ل يثبتون على شيء‪.‬‬
‫لعدّوا له عدّة‪ :‬لهيأوا له ما يلزم من سلح وزاد ومركوب‪.‬‬
‫انبعاثهم‪ :‬أي خروجهم معكم‪.‬‬
‫فثبطهم‪ :‬ألقي في نفوسهم الرغبة في التخلف وحببه إليهم فكسلوا ولم يخرجوا‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في الحديث عن غزوة تبوك وأحوال المأمورين بالنفير فيها فبعد أن عاتب ال‬
‫تعالى رسوله في إذنه للمتخلفين أخبره أنه ل يستأذنه ‪ 1‬المؤمنون الصادقون في أن يتخلفوا عن‬
‫الجهاد بأموالهم وأنفسهم وإنما يستأذنه {الذين ل يؤمنون بال واليوم الخر‬
‫__________‬
‫‪ 1‬ل يستأذنه المؤمنون ل في القعود ول في الخروج وإنما هم مع مراده صلى ال عليه وسلم فإذا‬
‫أمر بأمر ابتدروه طاعة ومحبة ورغبة في رضا ال ورسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)2/373‬‬

‫وارتابت قلوبهم} في اليمان بال ورسوله ووعده ووعيده‪ ،‬فهم حيارى مترددون ل يدرون أين‬
‫يتجهون وهي حالة المزعزع العقيدة كسائر المنافقين‪ ،‬وأخبره تعالى أنهم كاذبون في اعتذارا تهم‬
‫إذ لو أرادوا الخروج لعدوا له عدته أي احضروا له أهبته من سلح وزاد وراحلة ولكنهم كانوا‬
‫عازمين على عدم الخروج بحال من الحوال‪ ،‬ولو لم تأذن لهم بالتخلف لتخلفوا مخالفين قصدك‬
‫متحدين أمرك‪ .‬وهذا عائد إلى أن ال تعالى كره خروجهم لما فيه من الضرر والخطر فثبطهم بما‬
‫ألقى في قلوبهم من الفشل رفي أجسامهم من الكسل كأنما قيل لهم اقعدوا مع القاعدين هذا ما دلت‬
‫عليه الية (‪{ )44‬ولو أرادوا الخروج لعدوا له عدته ولكن كره ال انبعاثهم ‪ 1‬فثبطهم وقيل‬
‫اقعدوا مع القاعدين ‪ }2‬وقوله تعالى في ختام الية الولى (‪{ )44‬وال عليم بالمتقين}‪ 3‬فيه تقرير‬
‫لعلمه تعالى بأحوال ونفوس عباده فما أخبر به هو الحق والواقع‪ ،‬فالمؤمنون الصادقون ل يطلبون‬
‫التخلف عن الجهاد ليمانهم وتقواهم‪ ،‬والمنافقون هم الذين يطلبون التخلف لشكهم وفجورهم وال‬
‫أعلم بهم‪ ،‬ول ينبئك مثل خبير‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬فضيلة اليمان والتقوى إذ صاحبهما ل يمكنه أن يتخلف عن الجهاد بالنفس والمال‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -2‬خطر الشك في العقيدة وأنه سبب الحيرة والتردد‪ ،‬وصاحبه ل يقدر على أن يجاهد بمال ول‬
‫نفس‪.‬‬
‫‪ -3‬سوابق الشر تحول بين صاحبها وبين فعل الخير‪.‬‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬انبعاثهم}‪ :‬أي‪ :‬خروجهم معك‪ ،‬ومعنى ثبَطهم‪ :‬حبسهم عنك وخذلهم لنهم قالوا‪ :‬إن لم يأذن لنا‬
‫في القعود أفسدنا بين صفوف المؤمنين‪.‬‬
‫‪ 2‬القاعدون‪ :‬هم أولو الضرر‪ ،‬والعميان والزمنى‪ ،‬والنساء والطفال‪ .‬والقائل لهم اقعدوا هو‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم لما طلبوا منه الذن بالقعود وجائز أن يكون قاله بعضهم لبعض أو‬
‫قاله الرسول صلى ال عليه وسلم حال غضبه عليهم‪ ،‬أو هو تمثيل لخلق ال تعالى داعية القعود‬
‫في قلوبهم حتى ل يخرجوا فيفسدوا‪.‬‬
‫‪ 3‬فيه شهادة للمؤمنين الصادقين بالتقوى وهي دعامة الولية الحقة ل تعالى‪ ،‬فاليمان والتقوى‬
‫بهما تثبت ولية ال للعبد ومن واله ال فل خوف عليه ول حزن‪.‬‬

‫( ‪)2/374‬‬

‫سمّاعُونَ َلهُ ْم وَالّلهُ‬


‫ضعُواْ خِلََل ُكمْ يَ ْبغُو َنكُمُ ا ْلفِتْنَ َة َوفِيكُمْ َ‬
‫ل ْو َ‬
‫َلوْ خَ َرجُواْ فِيكُم مّا زَادُوكُمْ ِإلّ خَبَالً و َ‬
‫ظهَرَ َأمْرُ اللّهِ‬
‫ق وَ َ‬
‫لمُورَ حَتّى جَاء ا ْلحَ ّ‬
‫كاُ‬
‫ل َوقَلّبُواْ َل َ‬
‫عَلِيمٌ بِالظّاِلمِينَ(‪َ )47‬لقَدِ ابْ َت َغوُاْ ا ْلفِتْنَةَ مِن قَ ْب ُ‬
‫وَهُمْ كَارِهُونَ(‪) 48‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫لو خرجوا فيكم‪ :‬أي مندسين بين رجالكم‪.‬‬
‫إل خبالً ‪ :‬الفساد في الرأي والتدبير‪.‬‬
‫ولوضعوا خللكم ‪ :‬أي لسرعوا بينكم بالنميمة والتحريش والثارة لبقائكم في الفتنة‪.‬‬
‫وفيكم سماعون لهم‪ :‬أي بينكم من يكثر السماع لهم والتأثر بأقوالهم المثيرة الفاسدة‪.‬‬
‫من قبل ‪ :‬أي عند مجئيك المدينة مهاجرا‪.‬‬
‫وقلّبوا لك المور‪ :‬بالكيد والمكر والتصال باليهود والمشركين والتعاون معهم‪.‬‬
‫وظهر أمر ال ‪ :‬بأن فتحت مكة ودخل الناس في دين ال أفواجا‪.‬‬
‫وهم كارهون‪ :‬أي لمجيء الحق وظهور أمر ال بانتصار دينه‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في فضح نوايا المنافقين وكشف الستار عنهم فقال تعالى {لو خرجوا فيكم}‪1‬‬
‫أيها الرسول والمؤمنون أي إلى غزوة تبوك {ما زادوكم إل خبالً}‪ 2‬أي ضررا وفسادا وبلبلة‬
‫لفكار المؤمنين بما ينفثونه من سموم القول للتخذيل والتفشيل‪،‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في هذا الخبار اللهي تسلية للرسول صلى ال عليه وسلم والمؤمنين من أجل تخلف المنافقين‬
‫عنهم‪.‬‬
‫‪ 2‬الستثناء منقطع أي‪ :‬ما زادوكم قوة ولكن طلبوا الخبال لكم‪ .‬والعادة‪ :‬أن الستثناء المنقطع‬
‫يكون‪ :‬بمعنى لكن إذ ليس هو جزء من المستثنى منه‪.‬‬

‫( ‪)2/375‬‬

‫{ولوضعوا}‪ 1‬أي أسرعوا ركائبهم {خللكم} أي بين صفوفكم بكلمات التخذيل والتثبيط {يبغونكم}‬
‫بذلك {الفتنة} وهي تفريق جمعكم وإثارة العداوة بينكم بما يحسنه المنافقون في كل زمان ومكان‬
‫من خبيث القول وفاسده وقوله تعالى {وفيكم سماعون لهم} أي وبينكم أيها المؤمنون ضعاف‬
‫اليمان يسمعون منكم وينقلون لهم أخبار أسراركم كما أن منكم من يسمع لهم ويطيعهم ولذا‬
‫وغيره كره ال انبعاثهم وثبطهم فقعدوا مع القاعدين من النساء والطفال والعجز والمرضى‪،‬‬
‫وقوله تعالى {وال عليم بالظالمين} الذين يعملون على إبطال دينه وهزيمة أوليائه‪ .‬فلذا صرفهم‬
‫عن الخروج معكم إلى قتال أعدائكم من الروم والعرب المتنصرة بالشام‪ .‬وقوله تعالى في الية‬
‫الثانية (‪{ )48‬لقد ابتغوا الفتنة من قبل} بل من يوم هاجرت إلى المدينة ووجد بها السلم وهم‬
‫يثيرون الفتن بين أصحابك لليقاع بهم‪ ،‬وفي أحد رجع ابن أبي بثلث الجيش وهم بنو سلمة وبنو‬
‫حارثة بالرجوع عن القتال لول أن ال سلم {وقلبوا لك المور} ‪ 2‬وصرفوها في وجوه شتى بقصد‬
‫القضاء على دعوتك فظاهروا المشركين واليهود في مواطن كثيرة وكان هذا دأبهم {حتى جاء‬
‫الحق} بفتح مكة {وظهر أمر ال} بدخول أكثر العرب في دين ال {وهم كارهون} لذلك بل أسفون‬
‫حزنون‪ ،‬ولذا فل تأسفوا على عدم خروجهم معكم‪ ،‬ول تحفلوا به أو تهتموا له‪ ،‬فإن ال رحمة بكم‬
‫ونصرا لكم صرفهم عن الخروج معكم‪ .‬فاحمدوا ال وأثنوا عليه بما هو أهله‪ ،‬ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجود منافقين في صفوف المؤمنين خطر عليهم وضرر كبير لهم فلذا ينبغي أن ل يُشركوا‬
‫في أمر‪ ،‬وأن ل يعول عليهم في مهمة‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب الخذ بالحيطة في المور ذات البال والثر على حياة السلم والمسلمين‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اليضاع‪ :‬سرعة السير‪ ،‬يقال‪ :‬أوضع يوضع إيضاعا إذا أسرع في سيره‪ .‬قال دريد بن الصمة‪:‬‬
‫يا ليتني فيها جذع ‪ ...‬أخبّ فيها وأضع‬
‫‪ 2‬المور‪ :‬جمع أمر وهو اسم مبهم كشيء‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫*ولكن مقادير جرت وأمور*‬
‫واللف واللم للجنس‪ :‬أي‪ :‬أمور تعرفونها وأمور تنكرونها‪ ،‬وحتى‪ :‬غائية لتقليبهم المور‪.‬‬

‫( ‪)2/376‬‬

‫‪ -3‬المنافق يسوءه عزة السلم والمسلمين ويحزن لذلك‪.‬‬


‫‪ -4‬تدبير ال تعالى لوليائه خير تدبير فلذا وجب الرضا بقضاء ال وقدره والتسليم به‪.‬‬
‫طةٌ بِا ْلكَافِرِينَ(‪ )49‬إِن‬
‫جهَنّمَ َلمُحِي َ‬
‫سقَطُو ْا وَإِنّ َ‬
‫َومِ ْنهُم مّن َيقُولُ ائْذَن لّي َولَ َتفْتِنّي َألَ فِي ا ْلفِتْنَةِ َ‬
‫ل وَيَ َتوَلّواْ وّ ُهمْ فَرِحُونَ(‪)50‬‬
‫سؤْهُمْ وَإِن ُتصِ ْبكَ ُمصِيبَةٌ َيقُولُواْ قَدْ َأخَذْنَا َأمْرَنَا مِن قَ ْب ُ‬
‫ُتصِ ْبكَ حَسَ َنةٌ تَ ُ‬
‫قُل لّن ُيصِيبَنَا ِإلّ مَا كَ َتبَ الّلهُ لَنَا ُهوَ َم ْولَنَا وَعَلَى الّلهِ فَلْيَ َت َوكّلِ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ(‪ُ )51‬قلْ َهلْ تَرَ ّبصُونَ‬
‫ن وَنَحْنُ نَتَرَ ّبصُ ِبكُمْ أَن ُيصِي َبكُمُ الّلهُ ِبعَذَابٍ مّنْ عِن ِدهِ َأوْ بِأَ ْيدِينَا فَتَرَ ّبصُواْ إِنّا‬
‫حسْنَيَيْ ِ‬
‫حدَى الْ ُ‬
‫بِنَا ِإلّ إِ ْ‬
‫َم َعكُم مّتَرَ ّبصُونَ(‪)52‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ومنهم ‪ :‬أي من المنافقين وهو الجد بن قيس‪.‬‬
‫إئذن لي ‪ :‬أي في التخلف عن الجهاد‪.‬‬
‫ول تفتني ‪ :‬أي ل توقعني في الفتنة بدعوى أنه إذا رأي نساء الروم ل يملك نفسه‪.‬‬
‫حسنة تسؤهم‪ :‬الحسنة كل ما يحسن من نصر وغنيمة وعافية ومعنى تسؤهم أي يكربون لها‬
‫ويحزنون‪.‬‬
‫قد أخذنا أمرنا من قبل ‪ :‬أي احتطنا للمر ولذا لم نخرج معهم‪.‬‬
‫إحدى الحسنين‪ :‬الولى الظفر بالعدو والنتصار عليه والثانية الشهادة المورثة للجنة‪.‬‬

‫( ‪)2/377‬‬

‫فتربصوا ‪ :‬أي انتظروا فإنا معكم من المنتظرين‪.‬‬


‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في الحديث عن المنافقين المتخلفين عن غزوة تبوك فيقول تعالى {ومنهم من يقول‬
‫ائذن لي} أي في التخلف عن الجهاد‪{ ،‬ول تفتني} بإلزامك لي بالخروج أي ل توقعني في الفتنة‪،‬‬
‫فقد روى أن النبي صلى ال عليه وسلم قال له‪ .‬هل لك في ‪ 1‬بلد بني الصفر؟ فقال إني مغرم‬
‫بالنساء وأخشى إن رأيت نساء بني الصفر ‪( 2‬وهم الروم) ل أصبر عنهن فأفتن‪ ،‬والقائل هذا هو‬
‫الجد بن قيس أحد زعماء المنافقين في المدينة فقال تعالى دعاء عليه وردا لباطله‪{ :‬أل في الفتنة‬
‫سقطوا} وأي فتنة أعظم من الشرك والنفاق؟ {وإن جهنم لمحيطة بالكافرين} به وبأمثاله من أهل‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الكفر والنفاق‪ ،‬هذا ما دلت عليه الية الولى أما الية الثانية (‪ )50‬فقد تضمنت الكشف عما يقوله‬
‫المنافقون في أنفسهم أنه إن تصب الرسول والمؤمنين حسنة من نصر أو غنيمة وكل حال حسنة‬
‫يسؤهم ذلك أي يكربهم ويحزنهم‪ ،‬وإن تصبهم سيئة من هزيمة أو قتل وموت يقولوا فيما بينهم {قد‬
‫أخذنا أمرنا} أي احتطنا للمر فلم نخرج معهم {ويتولوا} راجعين إلى بيوتهم وأهليهم {وهم‬
‫فرحون}‪ .‬هذا ما تضمنته الية التي هي قوله تعالى {إن تصبك حسنة ‪ 3‬تسؤهم‪ ،‬وان تصبك‬
‫مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون}‪ 4‬أما اليتان الثالثة والرابعة (‪-51‬‬
‫‪ )52‬فقد علم ال سبحانه وتعالى رسوله ما يقوله إغاظة لولئك المنافقين وإخبارا لهم بما يسؤهم‬
‫فقال {قل لن يصيبنا} أي من حسنة أو سيئة إل ما كتب ال ‪ 5‬لنا وما يكتبه ربنا لنا لن يكون إل‬
‫خيرا لنه مولنا {وعلى ال فيلتوكل المؤمنون} ونحن مؤمنون وعلى‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في رواية ياجَدّ هل لك في جلد بني الصفر لتتخذ منهم سراري ووصفاء فقال الجد الخ‪.‬‬
‫‪ 2‬قيل‪ :‬سمي الروم بني الصفر‪ :‬لن الحبشة غزتهم وسبتهم فنشأ جيل أصفر اللون بين البياض‬
‫والسواد‪ ،‬وهو اللون الصفر‪.‬‬
‫‪{ 3‬إن تصبك حسنة} جملة شرطية وجملة {تسؤهم} جواب وجزاء لها كما أن جملة {وإن تصبهم}‬
‫شرط‪ ،‬والجزاء {يقولوا} الخ‪.‬‬
‫‪{ 4‬ويتولوا} أي‪ :‬راجعين إلى بيوتهم ومجالسهم وهم كافرون‪ ،‬فهم متولون في الحقيقة عن اليمان‬
‫{فرحون} أي‪ :‬معجبون بنجاحهم المؤقت‪.‬‬
‫‪ 5‬أي‪ :‬في اللوح المحفوظ الذي هو كتاب المقادير‪ ،‬أو هو ما أخبرنا به كتابه القرآن الكريم مِن أنّا‬
‫إمّا نظفر فيكون الظفر حسنى لنا وإمّا أن نقتل فتكون الشهادة حسنى لنا‪.‬‬

‫( ‪)2/378‬‬

‫ربنا متوكلون‪ ،‬وقال له‪{ :‬قل هل تربصون بنا} ‪ 1‬أي هل تنتظرون بنا إل إحدى الحسنيين‪2 :‬‬
‫النصر والظهور على أهل الشرك والكفر والنفاق أو الستشهاد في سبيل ال‪ ،‬ثم النعيم المقيم في‬
‫جوار رب العالمين وعليه {فتربصوا إنا معكم متربصون} ‪ ،3‬وسوف ل نشاهد إل ما يسرنا‬
‫ويسوءكم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬فضيحة الجد بن قيس وتسجيل اللعنة عليه وتبشيره بجهنم‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان فرح المنافقين والكافرين بما يسوء المسلمين‪ ،‬وبيان استيائهم لما يفرح المسلمين وهي‬
‫علمة النفاق البارزة في كل منافق‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -3‬وجوب التوكل على ال وعدم الهتمام بأقوال المنافقين‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان أن المؤمنين بين خيارين في جهادهم‪ :‬النصر أو الشهادة‪.‬‬
‫‪ -5‬مشروعية القول الذي يغيط العدو ويحزنه‪.‬‬
‫سقِينَ(‪َ )53‬ومَا مَ َن َعهُمْ أَن ُتقْبَلَ مِ ْنهُمْ‬
‫طوْعًا َأوْ كَرْهًا لّن يُ َتقَ ّبلَ مِنكُمْ إِ ّنكُمْ كُن ُتمْ َق ْومًا فَا ِ‬
‫ُقلْ أَنفِقُواْ َ‬
‫ل وَ ُهمْ‬
‫ل وَهُمْ كُسَالَى َولَ يُنفِقُونَ ِإ ّ‬
‫لةَ ِإ ّ‬
‫َنفَقَا ُتهُمْ ِإلّ أَ ّنهُمْ َكفَرُواْ بِاللّ ِه وَبِرَسُولِهِ وَلَ يَأْتُونَ الصّ َ‬
‫كَارِهُونَ(‪ )54‬فَلَ ُت ْعجِ ْبكَ َأ ْموَاُلهُ ْم َولَ َأ ْولَدُ ُهمْ إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِ ُي َعذّ َبهُم ِبهَا فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَتَزْ َهقَ‬
‫سهُ ْم وَهُمْ كَافِرُونَ(‪)55‬‬
‫أَنفُ ُ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬التربص ‪ :‬النتظار‪ ،‬والستفهام للتوبيخ‪.‬‬
‫‪ 2‬الحسنيان‪ :‬هما الغنيمة والشهادة‪.‬‬
‫‪{ 3‬فتربصوا} هذا المر للتهديد والوعيد‪ ،‬كأنما يقول لهم‪ :‬انتظروا مواعد الشيطان فإنا مُنتظرون‬
‫مواعد الرحمن‪ ،‬وشتان بين ما ننتظر وما تنتظرون!!‬

‫( ‪)2/379‬‬

‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫طوعا أو كرها ‪ :.‬أي وأنتم طائعون أو أنتم مكرهون على النفاق‪.‬‬
‫إنكم كنتم قوما فاسقين‪ :‬الجملة علة لعدم قبول نفقاتهم‪.‬‬
‫كسالى‪ :‬متثاقلون لعدم إيمانهم في الباطن بفائدة الصلة‪.‬‬
‫فل تعجبك أموالهم‪ :‬أي ل تستحسنوا أيها المسلمون ما عند المنافقين من مال وولد‪.‬‬
‫وتزهق أنفسهم‪ :‬أي تفيض وتخرج من أجسامهم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في تعليم ال تعالى رسوله صلى ال عليه وسلم كيف يرد على المنافقين فقال له قل‬
‫لهم أيها الرسول {انفقوا}‪ 1‬حال كونكم طائعين أو مكرهين {لن يتقبل منكم}‪ ،‬أي أخبرهم أن ما‬
‫ينفقونه في هذا الخروج إلى تبوك وفي غيره سواء أنفقوه باختيارهم أو كانوا مكرهين عليه لن‬
‫يتقبله ال منهم لنهم ‪ 2‬كانوا قوما فاسقين بكفرهم بال وبرسوله وخروجهم عن طاعتهما‪ .‬هذا ما‬
‫دلت عليه الية الولى (‪ )53‬أما الية الثانية (‪ )54‬فقد أخبر تعالى عن السباب الرئيسية التي‬
‫حالت دون قبول نفقاتهم وهى أولً الكفر بال وبرسوله‪ ،‬وثانيا إتيانهم الصلة وهم كسالى‬
‫كارهون‪ ،‬وثالثا كراهيتهم الشديدة لما ينفقونه قال تعالى {وما منعهم ‪ 3‬أن تقبل منهم نفقاتهم إل أنهم‬
‫كفروا بال وبرسوله ول يأتون الصلة إل وهم كسالى ‪ 4‬ول ينفقون إل وهم كارهون}‪ 5‬هذا ما‬
‫تضمنته الية الثانية أما الية الثالثة (‪ )55‬فإن ال تعالى ينهى رسوله والمؤمنين عن أن تعجبهم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أموالهم وأولدهم مهما بلغت في الكثرة والحسن فيقول {فل تعجبك أموالهم ول أولدهم} أي ل‬
‫تستحسنوها ول تخبروهم بذلك‪ .‬وبين تعالى لرسوله‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روي أن هذه الية نزلت في الجد بن قيس إذ هو الذي قال للرسول صلى ال عليه وسلم إئذن‬
‫لي في القعود عن الخروج إلى قتال الروم وهذا مالي أعينك به والمر في قوله‪{ :‬انفقوا} للتسوية‬
‫أي‪ :‬انفقوا أول تنفقوا فكل المرين سواء‪ ،‬في عدم قبول ما تنفقون‪.‬‬
‫‪ 2‬الجملة تعليلية أي‪ :‬قوله‪{ :‬لن يتقبل منكم} الخ ذكرت تعليلً لعدم قبول ما ينفقون‪.‬‬
‫‪ 3‬هذا بيان للتعليل السابق في عدم قبول نفقاتهم مع ذكر أسباب أخرى حالت دون قبول ما‬
‫ينفقون‪.‬‬
‫‪ 4‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬إذا كان في جماعة صلى وإذا انفرد لم يصل‪ .‬أي‪ :‬المنافق‬
‫لنه ل يرجو على الصلة ثوابا‪ ،‬ول يخشى على تركها عقابا وهذا منشأ الكسل في الصلة‬
‫وغيرها من سائر العبادات‪.‬‬
‫ن من مات على الكفر ل ينفعه ما عمله في الدنيا من خير إلّ انه يخفف‬
‫‪ 5‬هنا مسألتان‪ :‬الولى‪ :‬أ ّ‬
‫عنه العذاب لحديث أبي طالب‪ ،‬وأنه في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه‪ .‬كما أنه‬
‫قد يكون سببا في سعة رزقه في الدنيا للحديث‪ ،‬وأما الكافر فيطعم‪ .‬الثانية أن من أسلم منهم يثاب‬
‫على ما عمله من الخير أيام كفره‪.‬‬

‫( ‪)2/380‬‬

‫علة إعطائهم ذلك وتكثيره لهم فقال {إنما يريد ال ليعذبهم ‪ 1‬بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم‬
‫وهم كافرون} ووجه تعذيبهم بها في الحياة الدنيا أن ما ينفقونه من المال في الزكاة والجهاد‬
‫يشعرون معه بألم ل نظير له لنه إنفاق يعتبرونه ضدهم وليس في صالحهم إذ ل يريدون نصر‬
‫السلم ول ظهوره‪ ،‬وأما أولدهم فالتعذيب بهم هو أنهم يشاهدونهم يدخلون في السلم ويعملون‬
‫به ول يستطيعون أن يردوهم عن ذلك‪ ،‬أيّ أَلمٌ نفسي أكبر من أن يكفر ولد الرجل بدينه ويدين‬
‫بآخر من شروطه أن يبغض الكافر به ولو كان أبا أو أما أو أخا أو أختا أو أقرب قريب؟ وزيادة‬
‫على هذا يموتون وهم كافرون فينتقلون من عذاب إلى عذاب أشد‪ ،‬وبهذا سلى الرب تعالى رسوله‬
‫والمؤمنين بيان علة ما أعطى المنافقين من مال وولد ليعذبهم بذلك ل ليسعدهم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬تقرير مبدأ أن الرياء مبطلة للعمل كالشرك محبط للعمل ‪.2‬‬
‫‪ -2‬إطلق الفسق على الكفر فكل كافر فاسق على الطلق‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -3‬حرمة التكاسل في الصلة وأن ذلك من صفات المنافقين‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب رضا النفس بما ينفق العبد في سبيل ال زكاة أو غيرها‪.‬‬
‫‪ -5‬كراهية استحسان المسلم ِلمَا عند أهل الفسق والنفاق من مال ومتاع‪.‬‬
‫جدُونَ مَ ْلجَأً َأوْ َمغَارَاتٍ َأوْ‬
‫وَيَحِْلفُونَ بِالّلهِ إِ ّنهُمْ َلمِنكُ ْم َومَا هُم مّنكُمْ وََلكِنّهُمْ َقوْمٌ َيفْ َرقُونَ(‪َ )56‬لوْ يَ ِ‬
‫جمَحُونَ(‪َ )57‬ومِ ْنهُم مّن يَ ْلمِ ُزكَ‬
‫مُدّخَلً ّلوَّلوْاْ إِلَ ْي ِه وَهُمْ َي ْ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬فعل الرادة يعني بنفسه تقول‪ :‬أردت خيرا‪ ،‬وعدي هنا بللم لجل التعليل كقول الشاعر‪:‬‬
‫أريد لنسي حبها فكأنما ‪ ...‬تمثل لي ليلي بكل مكان‬
‫‪ 2‬لقوله تعالى‪{ :‬لئن أشركت ليحبطن عملك} الية‪ ،‬وقول الرسول صلى ال عليه وسلم في عبدال‬
‫بن جدعان وقد قالت له عائشة رضي ال عنها يا رسول ال أن ابن جدعان كان في الجاهلية‬
‫يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه؟ قال ‪":‬ل ينفعه لنه لم يقل يوما رب اغفر لي‬
‫خطيئتي يوم الدين" رواه مسلم‪.‬‬

‫( ‪)2/381‬‬

‫ضوْاْ مَا‬
‫سخَطُونَ(‪ )58‬وََلوْ أَ ّن ُهمْ َر ُ‬
‫طوْاْ مِنهَا ِإذَا ُهمْ يَ ْ‬
‫فِي الصّ َدقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِ ْنهَا َرضُواْ وَإِن لّمْ ُيعْ َ‬
‫آتَا ُهمُ الّل ُه وَرَسُولُ ُه َوقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَ ُيؤْتِينَا اللّهُ مِن َفضْلِ ِه وَرَسُوُلهُ إِنّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ(‪)59‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫وما هم منكم‪ :‬أي في باطن المر لنهم كافرون ووجوههم وقلوبهم مع الكافرين‪.‬‬
‫يفرقون ‪ :‬أي يخافون خوفا شديدا منكم‪.‬‬
‫ملجأ ‪ :‬أي مكانا ًحصينا يلجأون إليه‪.‬‬
‫أو مغارات‪ :‬جمع مغارة وهي الغار في الجبل‪.‬‬
‫أو مدخلً‪ :‬أي سربا في الرض يستتر فيه الخائف الهارب‪.‬‬
‫يجمحون‪ :‬يسرعون سرعة تتعذر مقاومتها وإيقافها‪.‬‬
‫يلمزك ‪ :‬أي يعيبك في شأن توزيعها ويطعن فيك‪.‬‬
‫إذا هم يسخطون ‪ :‬أي غير راضين‪.‬‬
‫حسبنا ال ‪ :‬أي كافينا ال كل ما يهمنا‪.‬‬
‫إلى ال راغبون‪ :‬إلى ال وحده راغبون أي طامعون راجون‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في هتك أستار المنافقين وإظهار عيوبهم وكشف عوراتهم ليتوب منهم من‬
‫أكرمه ال بالتوبة فقال تعالى عنهم {ويحلفون بال إنهم لمنكم}‪ 1‬أي من أهل ملتكم ودينكم‪{ ،‬وما هم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫منكم} أي في واقع المر إذ هم كفار منافقون {ولكنهم قوم يفرقون} أي يخافون منكم خوفا شديدا‬
‫فلذا يحلفون لكم إنهم منكم لتؤمنوهم على أرواحهم وأموالهم‪ ،‬ولبيان شدة فرقهم منكم وخوفهم من‬
‫سيوفكم قال تعالى‪{ :‬لو يجدون‬
‫__________‬
‫‪ 1‬لنهم يتخذون أيمانهم الكاذبة وقاية يتقون بها ما يخافونه من بطش المؤمنين بهم إذا عرفوا أنهم‬
‫كافرون كما قال تعالى من سورتهم {اتخذوا أيمانهم جنّة}‪.‬‬

‫( ‪)2/382‬‬

‫ملجأ}‪ 1‬أي حصنا {أو مغارات} أي غيرانا في جبال {أو مدخلً}‪ 2‬أي سربا في الرض {لولوا}‬
‫أي أدبروا إليها {وهم يجمحون}‪ 3‬أي مسرعين ليتمنعوا منكم‪ .‬هذا ما دلت عليه الية الولى‬
‫والثانية أما الية الثالثة والرابعة (‪ )59 -58‬فقد أخبر تعالى أن من المنافقين من يلمز الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم أي يطعن فيه ويعيبه في شأن قسمة الصادقات وتوزيعها فيتهم الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم بأنه ل يعدل في القسمة فقال تعالى {ومنهم من يلمزك ‪ 4‬في الصدقات فإن أعطوا‬
‫منها رضوا} أ ي عن الرسول وقسمته {وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون} هذا ما تضمنته الية‬
‫(‪ )58‬وأما الية الخيرة (‪ )59‬فقد أرشدهم ال تعالى إلى ما كان ينبغي أن يكونوا عليه فقال عز‬
‫وجل {ولو أنهم رضوا ‪ 5‬ما أتاهم ال ورسوله}‪ ،‬أي من الصدقات {وقالوا حسبنا ال} أي كافينا ال‬
‫{سيؤتينا ال من فضله} الواسع العظيم ورسوله بما يقسم علينا ويوزعه بيننا {إنا إلى ال} وحده‬
‫{راغبون} طامعون راجعون أي لكان خيرا لهم وأدْ َركَ لحاجتهم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪.:‬‬
‫‪ -1‬الَيمان الكاذب شعار المنافقين وفي الحديث آية المنافق ثلث‪( :‬إذا حدث كذب وإذا وعد‬
‫أخلف وإذا أتمن خان)‪.‬‬
‫‪ -2‬الجبن والخور والضعف والخوف من لوازم الكفر والنفاق‪.‬‬
‫‪ -3‬عيب الصالحين والطعن فيهم ظاهرة دالة على فساد قلوب ونيات من يفعل ذلك‪.‬‬
‫‪ -4‬مظاهر الرحمة اللهية تتجلى في إرشاد المنافقين إلى أحسن ما يكونوا عليه ليكملوا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الملجأ مكان اللجأ يقال لجأت إلى كذا‪ :‬إذا أويت إليه واعتصمت به وألجأت أمري إليه أي‪:‬‬
‫أسندته‪.‬‬
‫‪ 2‬المدخل‪ :‬مفتعل اسم كان للدّخال الذي هو افتعال من الدخول قلبت فيه تاء الفتعال دالً‬
‫لوقوعها بعد الدال فصارت مدخلً بدل متدخل‪ ،‬ونظيره‪ .‬إدّان أصلها إتدان‪ ،‬وقرأها يعقوب وحده‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أو مدخلً بفتح الميم وإسكان الدال اسم مكان هي دخل‪.‬‬
‫‪ 3‬الجموح‪ :‬نفور في إسراع‪.‬‬
‫‪ 4‬روي أن النبي صلى ال عليه وسلم أعطى بعض رعاة الغنم شيئا لفقرهم فطعن أبو الحواظ‬
‫المنافق فقال‪ :‬ما هو بالعدل كيف يضع صدقاتكم في رعاء الغنم إعانة لهم‪ .‬كما أنّ ذا الخويصرة‬
‫التميمي واسمه حرفوص بن زهير وهو أصل الخوارج قال للرسول صلى ال عليه وسلم‪ :‬اعدل‬
‫يا رسول ال فقال له‪" :‬ويلك ومَن يعدل إذا لم اعدل" فنزلت الية وقال عمر دعني أضرب عنقه يا‬
‫رسول ال فقال رسول ال‪" :‬معاذ ال أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي"‪.‬‬
‫‪ 5‬جواب لو محذوف تقديره‪ :‬لكان خيرا لهم‪ ،‬وهو مذكور في التسفير في آخر الحديث‪.‬‬

‫( ‪)2/383‬‬

‫ويسعدوا في الدارين‪.‬‬
‫‪ -5‬ل كافي إل ال‪ ،‬ووجوب انحصار الرغبة فيه تعالى وحده دون سواه‪.‬‬
‫ن َوفِي‬
‫ب وَا ْلغَا ِرمِي َ‬
‫إِ ّنمَا الصّ َدقَاتُ لِ ْل ُفقَرَاء وَا ْلمَسَاكِينِ وَا ْلعَامِلِينَ عَلَ ْيهَا وَا ْل ُمؤَّلفَةِ قُلُو ُبهُ ْم َوفِي ال ّرقَا ِ‬
‫حكِيمٌ(‪)60‬‬
‫سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السّبِيلِ فَرِيضَةً مّنَ الّل ِه وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫الصدقات‪ :‬جمع صدقة وهي هنا الزكاة المفروضة في الموال‪.‬‬
‫للفقراء ‪ :‬جمع فقير وهو من ليس له ما يكفيه من القوت ول يسأل الناس‪.‬‬
‫والمساكين‪ :‬جمع مسكين وهو فقير ليس له ما يكفيه ويسأل الناس ويذل نفسه السؤال‪.‬‬
‫والعاملين عليها‪ :‬أي على جمعها وجابتها وهم الموظفون لها‪.‬‬
‫والمؤلفة قلوبهم ‪ :‬هم أناس يرجى إسلمهم أو بقاؤهم عليه إن كانوا قد أسلموا وهم ذوو شأن‬
‫وخطر ينفع ال بهم إن أسلموا وحسن إسلمهم‪.‬‬
‫وفي الرقاب ‪ :‬أي في فك الرقاب أي تحريرها من الرق‪ ،‬فيعطى المكاتبون ما يسددون به نجوم‬
‫أو أقساط كتابتهم‪.‬‬
‫وفي سبيل ال‪ :‬أي الجهاد لعداد العدة وتزويد المجاهدين بما يلزمهم من نفقة‪.‬‬
‫وابن السبيل ‪ :‬أي المسافر المنقطع عن بلده ولو كان غنيا ببلده‪.‬‬
‫فريضة من ال‪ :‬أي فرضها أدته تعالى فريضة على عباده المؤمنين‪.‬‬
‫معنى الية الكريمة‪:‬‬
‫بمناسبة لمز المنافقين الرسول صلى ال عليه وسلم والطعن في قسمته الصدقات بين تعالى في‬
‫هذه الية الكريمة أهل الصدقات المختصين بها والمراد بالصدقات الزكوات وصدقة التطوع‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/384‬‬

‫فقال عز وجل {إنما الصدقات} محصورة في الصناف الثمانية التي تذكر وهم‪:‬‬
‫(‪ )1‬الفقراء ‪ 1‬وهم المؤمنون الذين ل يجدون ما يسد حاجتهم الضرورية من طعام وشراب وكساء‬
‫ومأوى‪.‬‬
‫(‪ )2‬المساكين ‪ 2‬وهم الفقراء الذين ل يجدون ما يسد حاجتهم ولم يتعففوا ‪ 3‬فكانوا يسألون الناس‬
‫ويظهرون المسكنة ‪ 4‬لهم والحاجة‪.‬‬
‫(‪ )3‬الموظفين فيها من سعاة جباة وأمناء وكتاب وموزعين يعطون على عملهم فيها أجرة أمثالهم‬
‫في العمل الحكومي‪.‬‬
‫(‪ )4‬المؤلفة قلوبهم وهم من يرجى نفعهم للسلم والمسلمين لمناصبهم وشوكتهم في أقوامهم‪،‬‬
‫فيعطون من الزكاة تأليفا أي جمعا لقلوبهم على السلم ومحبته ونصرته ونصرة أهله‪ ،‬وقد يكون‬
‫أحدهم يسلم بعد فيعطى ترغيبا له في السلم‪ ،‬وقد يكون مسلما لكنه ضعيف السلم فيعطى تثبيتا‬
‫له وتقوية على السلم‪.‬‬
‫(‪ )5‬في الرقاب وهو مساعدة المكاتبين على تسديد أقساطهم ليتحرروا أما شراء عبد بالزكاة‬
‫وتحريره فل يجوز لنه يعود بالنفع على دافع الزكاة لن ولء المعتوق له‪.‬‬
‫(‪ )6‬الغارمين جمع غارم وهو من ترتبت عليه ديون بسبب ما أنفقه في طاعة ال تعالى على نفسه‬
‫وعائلته‪ ،‬ولم يكن لديه مال ل نقد ول عرض يسدد به ديونه‪.‬‬
‫(‪ )7‬في سبيل ال وهو تجهيز الغزاة والنفاق عليهم تسليحا وإركابا وطعاما ولباسا‪.‬‬
‫(‪ )8‬ابن السبيل وهم المسافرون ينزلون ببلد وتنتهي نفقتهم فيحتاجون فيعطون من الزكاة‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قيل‪ :‬الفقير هو صفة مشبهة من الفقر أي المتصف بالفقر وهو‪ :‬عدم امتلك ما به الكفافة‬
‫لحاجته المعاشية وضده الغنى‪ ،‬والمسكين‪ :‬ذو المسكنة وهي المذلة التي تحصل بسبب الفقر‪،‬‬
‫والفقير والمسكين يغني ذكر أحدهما عن الخر‪ ،‬أمّا إذا ذكرا معا فلكلّ واحد حقيقة كما تقدم‪ ،‬وفي‬
‫أيّهما أشدّ فقرا خلف‪ ،‬وأحسن ما قيل هو أن الفقير هو الذي له بعض ما يكفيه ويقيمه‪،‬‬
‫والمسكين‪ :‬الذي ل شيء له‪.‬‬
‫‪ 2‬قال القرطبي‪ :‬فائدة الخلف في الفقراء والمساكين تظهر فيمن أوصى بثلث ماله لفلن وللفقراء‬
‫والمساكين فمن قال هما صنف واحد يكون الثلث الموصى به نصفه لفلن ونصفه الخر للفقراء‪،‬‬
‫ومن قال‪ :‬هما صنفان يقسم الثلث الموصى به بينهم أثلثا‪.‬‬
‫‪ 3‬اختلف في حالة الفقر التي يصح للفقير أن يأخذ معها الزكاة‪ ،‬فمن قائل إن لم يكن له مائتا درهم‬
‫جاز له أخذ الزكاة‪ ،‬ومن قائل‪ :‬خمسون درهما ومن قائل‪ :‬أربعون درهما‪ .‬ومن قائل‪ :‬من كان‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫قويا على الكسب لقوة بدنه فل يعطى الزكاة لحديث‪" :‬ل تحل الصدقة لغني ول لذي مرّة سوي"‪.‬‬
‫‪ 4‬ورد الوعيد الشديد فيمن يطلب الصدقة وهو غني عنها من ذلك قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬من‬
‫سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار" رواه أبو داود‪ .‬قالت العلماء‪ :‬إن الذي له شبع يوم‬
‫وليلة ل يحل له أن يسأل‪ .‬اختلف في نقل الزكاة من بلد إلى بلد‪ ،‬والراجح‪ :‬الجواز لضرورة الفقر‬
‫وشدته‪.‬‬

‫( ‪)2/385‬‬

‫ولو كانوا أغنياء ببلدهم‪.‬‬


‫وقوله تعالى {فريضة من ال }‪ 1‬أي هذه الصدقات وقسمتها على هذا النحو جعله ال تعالى‬
‫فريضة لزمة على عباده المؤمنين‪ .‬وقوله {وال عليم} أي بخلقه وأحوالهم {حكيم} في شرعه‬
‫وقسمته‪ ،‬فلذا ل يجوز أبدا مخالفة هذه القسمة فل يدخل أحد فيعطى من الزكاة وهو غير مذكور‬
‫في هذه الية وليس شرطا أن يعطى كل الصناف فقد يعطى المرء زكاته كلها في الجهاد أو في‬
‫الفقراء والمساكين‪ ،‬أو في الغارمين أو المكاتبين وتجزئة وإن كان الولى أن يقسمها بين الصناف‬
‫المذكورة من وجد منها‪ ،‬إذ قد ل توجد كلها في وقت واحد‪.‬‬
‫هداية الية‬
‫من هداية الية‪:.‬‬
‫‪ -1‬تقرير فرضية الزكاة‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان مصارف الزكاة‪.‬‬
‫‪ -3‬وجوب التسليم ل تعالى في قسمته بعدم محاولة الخروج عنها‪.‬‬
‫‪ -4‬إثبات صفات ال تعالى وهي هنا‪ :‬العلم والحكمة‪ ،‬ومتى كان ال تعالى عليما بخلقه وحاجاتهم‬
‫حكيما في تصرفه وشرعه وجب التسليم لمره والخضوع له بالطاعة والنقياد‪.‬‬
‫حمَةٌ‬
‫ي وَ ِيقُولُونَ ُهوَ ُأذُنٌ ُقلْ أُذُنُ خَيْرٍ ّلكُمْ ُي ْؤمِنُ بِاللّهِ وَيُ ْؤمِنُ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ وَرَ ْ‬
‫َومِ ْنهُمُ الّذِينَ ُيؤْذُونَ النّ ِب ّ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ(‪َ )61‬يحِْلفُونَ بِالّلهِ َلكُمْ لِيُ ْرضُوكُ ْم وَالّلهُ‬
‫لّلّذِينَ آمَنُواْ مِنكُ ْم وَالّذِينَ ُيؤْذُونَ َرسُولَ الّلهِ َلهُمْ َ‬
‫وَرَسُولُهُ َأحَقّ أَن يُ ْرضُوهُ إِن كَانُواْ ُم ْؤمِنِينَ(‪ )62‬أََلمْ َيعَْلمُواْ أَنّهُ‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬فريضة} منصوب على المصدر المؤكد إذ تقدير الكلم‪ :‬إنما فرض ال الصدقات للفقراء‬
‫والمساكين الخ‪ ..‬فريضة منه تعالى وهو العليم بخلقه الحكيم في تدبيره وصنعه‪.‬‬

‫( ‪)2/386‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫جهَنّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَِلكَ الْخِ ْزيُ ا ْل َعظِيمُ(‪)63‬‬
‫مَن يُحَادِدِ الّل َه وَرَسُولَهُ فَأَنّ َلهُ نَارَ َ‬
‫شرح الكلمات‪.‬‬
‫يؤذون النبي ‪ :‬أي الرسول محمدا صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والذى المكروه يصيب النسان كثيرا أو‬
‫يسيرا‪.‬‬
‫هو أذن ‪ :‬أي يسمع من كل من يقول له ويحدثه وهذا من الذى‪.‬‬
‫قل أذن خير لكم‪ :‬أي هو يسمع من كل من يقول له ل يتكبر ولكن ل يقر إل الحق ول يقبل إل‬
‫الخير والمعروف فهو إذن خير لكم ل إذن شر مثلكم أيها المنافقون‪.‬‬
‫ويؤمن للمؤمنين‪ :‬أي يصدق المؤمنين الصادقين من المهاجرين والنصار أما غيرهم فإنه وإن‬
‫يسمع منهم ل يصدقهم لنهم كذبة فجرة‪.‬‬
‫وال‪ :.‬أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه‪.‬‬
‫من يُحادد ال ورسوله ‪ :‬أي يعاديهما‪ ،‬ويقف دائما في حدّ وهما في حد فل ولء ول موالة أي ل‬
‫محبة ول نصرة‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في هتك أستار المنافقين وبيان فضائحهم قال تعالى‪{ :‬ومنهم ‪ 1‬الذين يؤذون‬
‫النبي} أي من المنافقين أفراد يؤذون النبي بالطعن فيه وعيبه بما هو براء منه‪ ،‬ويبين تعالى بعض‬
‫ذلك الذى فقال {ويقولون هو أذن} أي يسمع كل ما يقال له‪ ،‬وحاشاه صلى ال عليه وسلم أن يقر‬
‫سماع الباطل أو الشر أو الفساد‪ ،‬وإنما يسمع ما كان خيرا ولو كان من منافق يكذب ويحسن‬
‫القول‪ .‬وأمر ال تعالى رسوله أن يرد عليهم بقوله {قل أذن خير ‪ 2‬لكم} يسمع ما فيه خير لكم‪ ،‬ول‬
‫يسمع ما هو شر لكم‪ .‬إنه لما كان ل يواجههم بسوء صنيعهم‪،‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قيل هذه الية نزلت في عتاب بن قشير إذ قال‪ :‬إنما محمد أذن يقبل كل ما قيل له‪ .‬وقيل‪ :‬نزلت‬
‫في نبتل بن الحارث الذي قال فيه الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬من أراد أن ينظر إلى الشيطان‬
‫فلينظر إلى نبتل بن الحارث" وكان ماكرا خبيثا مشوّه الخلقة‪.‬‬
‫‪ 2‬قرىء بالرفع والتنوين {أذنٌ خيرٌ لكم } قرأ الجمهور بالضافة {أذن خيرٍ}‪.‬‬

‫( ‪)2/387‬‬

‫وقبح أعمالهم حملهم هذا الجميل والحسان على أن قالوا‪{ :‬هو أذن} طعنا فيه صلى ال عليه وسلم‬
‫وعيبا له‪ .‬وقوله تعالى {يؤمن بال ويؤمن للمؤمنين } هذا من جملة ما أمر الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم أن يقول للمنافقين ردا على باطلهم‪ .‬أنه صلى ال عليه وسلم يؤمن بال ربا وإلها‪{ ،‬ويؤمن‬
‫للمؤمنين} أي بصدقهم فيما يقولون وهذا من خيريّته صلى ال عليه وسلم وقوله {ورحمة ‪ 1‬للذين‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫آمنوا منكم} أيضا من خيريّته فهو صلى ال عليه وسلم رحمة لمن آمن به واتبع النور الذي جاء‬
‫به فكمل عليه وسعد به في حياتيه‪ .‬وقوله تعالى {والذين يؤذون رسول ال} أي بأي نوع من‬
‫الذى قل أو كثر توعدهم ال تعالى بقوله {لهم عذاب أليم} وهو ل محالة نازل بهم وهم ذائقوه‬
‫حتما هذا ما دلت عليه الية الولى (‪ )61‬أما الية الثانية (‪ )62‬فقد أخبر تعالى عن المنافقين أنهم‬
‫يحلفون للمؤمنين بأنهم ما طعنوا في الرسول ول قالوا فيه شيئا يريدون بذلك إرضاء المؤمنين‬
‫حتى ل يبطشوا بهم انتقاما لكرامة نبيهم قال تعالى {يحلفون بال ‪ 2‬لكم ليرضوكم وال ورسوله‬
‫أحق ‪ 3‬أن يرضوه إن كانوا مؤمنين} أي فبدل أن يرضوا المؤمنين كان الواجب أن يرضوا ال‬
‫تعالى بالتوبة إليه ويرضوا الرسول باليمان ومتابعته إن كانوا كما يزعمون أنهم مؤمنون‪.‬‬
‫وقوله في الية الثالثة (‪{ )63‬ألم يعلموا ‪ 4‬أنه من يحادد ال ورسوله} أي يشاقهما ويعاديهما فإن له‬
‫جزاء عدائه ومحاربته نار جهنم خالدا فيها {ذلك الخزي العظيم} أي كونه في نار جهنم خالدا فيها‬
‫ل يخرج منها هو الخزي العظيم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬وهو رحمة‪ .‬على أنّ رحمة‪ :‬خبر لمبتدأ محذوف وقرىء‪ :‬ورحمةٍ بالجر عطفا على {خيرٍ‬
‫لكم} وفيه بُعدٌ كبير‪.‬‬
‫‪ 2‬روي أنّ نفرا من المنافقين منهم الجلس بين سويد ووديعة بن ثابت فقالوا‪ :‬إن كان ما يقول‬
‫محمد حقا لنحن شرّ من الحمير وبينهم غلم فغضب لقولهم هذا وأخبر به الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم فكذبوه في قوله فأنزل ال تعالى هذه الية‪{ :‬سيحلفون بال لكم‪ }..‬الخ‪.‬‬
‫‪ 3‬قال سيبويه ‪ :‬تقدير الكلم‪ ،‬وال أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه ثم حذف طلبا‬
‫لليجاز كما قال الشاعر‪:‬‬
‫نحن بما عندنا وأنت بما ‪ ...‬عندك راض والرأي مختلف‬
‫والحامل على هذا التقدير لن الرسول صلى ال عليه وسلم لم يرض بقول الرجل‪ :‬ما شاء ال‬
‫وشئت فقال له ‪" :‬قل ما شاء ال وحده" لنّ العطف بالواو ل يقتضي الترتيب‪.‬‬
‫‪ 4‬الستفهام للنكار والتوبيخ والمعنى ‪ :‬ألم يعلموا شأنا عظيما هو من يجادل ال ورسوله له نار‬
‫ن كل واحد واقف في حدّ ل يتصل بالخر‪ ،‬والفاء في {فأن‬
‫جهنم‪ ،‬والسحادة‪ ،‬المعاداة والمشاقة كأ ّ‬
‫له } لربط جواب شرط {من} وأعيدت أنّ في الجواب لتوكيد أنّ المذكورة قبل الشرط توكيدا‬
‫لفظيا‪.‬‬

‫( ‪)2/388‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -1‬حرمة أذية رسول ال بأي وجه من الوجوه‪.‬‬
‫‪ -2‬كون النبي صلى ال عليه وسلم رحمة للمؤمنين دعوة لليمان والسلم‪.‬‬
‫‪ -3‬توعد ال تعالى من يؤذى رسوله بالعذاب الليم دليل على كفر من يؤذي رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -4‬بيان كذب المنافقين وجبنهم حيث يحلفون ‪ 1‬للمؤمنين أنهم ما طعنوا في الرسول وقد طعنوا‬
‫بالفعل‪ ،‬وإنما حلفهم الكاذب يدفعون به غضب المؤمنين والنتقام منهم‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب طلب رضا ال تعالى بفعل محابه وترك مساخطه‪.‬‬
‫‪ -6‬ترعد من يحادد ال ورسوله بالعذاب الليم‪.‬‬
‫حذَرُ ا ْلمُنَا ِفقُونَ أَن تُنَ ّزلَ عَلَ ْيهِمْ سُو َرةٌ تُنَبّ ُئهُمْ ِبمَا فِي قُلُو ِبهِم ُقلِ اسْ َتهْ ِزؤُواْ إِنّ اللّهَ ُمخْرِجٌ مّا‬
‫يَ ْ‬
‫ض وَنَ ْلعَبُ ُقلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِ ِه وَرَسُولِهِ كُن ُتمْ‬
‫حذَرُونَ(‪ )64‬وَلَئِن سَأَلْ َتهُمْ لَ َيقُولُنّ إِ ّنمَا كُنّا نَخُو ُ‬
‫تَ ْ‬
‫تَسْ َتهْ ِزؤُونَ(‪ )65‬لَ َتعْتَذِرُواْ َقدْ َكفَرْتُم َبعْدَ إِيمَا ِنكُمْ إِن ّن ْعفُ عَن طَآ ِئفَةٍ مّنكُمْ ُنعَ ّذبْ طَآ ِئفَةً بِأَ ّنهُمْ كَانُواْ‬
‫مُجْ ِرمِينَ(‪)66‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫يحذر المنافقون ‪ :‬أي يخافون ويحترسون‪.‬‬
‫تنزّل عليهم سورة ‪ :‬أي في شأنهم فتفضحهم بإظهار عيبهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬في الية دليل جواز الحلف بال وعدم جواز الحلف بغيره لقول الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫"من حلف فليحلف بال أو ليصمت ومن حلف له فليصدق"‪.‬‬

‫( ‪)2/389‬‬

‫تنبّئهم بما في قلوبهم ‪ :‬أي تخبرهم بما يضمرونه في نفوسهم‪.‬‬


‫قل استهزئوا ‪ :‬المر هنا للتهديد‪.‬‬
‫مخرج ما تحذرون ‪ :‬أي مخرجه من نفوسكم مظهره للناس أجمعين‪.‬‬
‫نخوض ونلعب ‪ :‬أي نخوض في الحديث على عادتنا ونلعب ل نريد سبا ول طعنا‪.‬‬
‫تستهزئون ‪ :‬أي تسخرون وتحتقرون‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في الحديث عن المنافقين لكشف الستار عنهم وإظهارهم على حقيقتهم ليتوب منهم‬
‫من تاب ال عليه قال تعالى مخبرا عنهم {يحذر ‪ 1‬المنافقون أن تنزّل عليهم ‪ 2‬سورة تنبئّهم بما في‬
‫قلوبهم} أي يخشى المنافقون أن تنزل في شأنهم على رسول ال صلى ال عليه وسلم {سورة‬
‫تنبئههم} أي تخبرهم بما في قلوبهم فتفضحهم‪ ،‬ولذا سميت هذه السورة بالفاضحة ‪ 3‬وقوله تعالى‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫لرسوله {قل استهزئوا إن ال مخرج ما تحذرون} يهددهم تعالى بأن ال مخرج ما يحذرون‬
‫إخراجه وظهوره مما يقولونه في خلواتهم من الطعن في السلم وأهله‪ .‬وقوله تعالى {ولئن‬
‫سألتهم} أي عما قالوا من الباطل‪ .‬لقالوا {إنما كنا نخوض ونلعب ‪ }4‬ل غير‪ .‬قل لهم يا رسولنا {أبا‬
‫ل وآياته ورسوله كنتم تستهزئون} وذلك أن نفرا من المنافقين في غزوة تبوك قالوا في مجلس‬
‫لهم‪ :‬ما رأينا مثل قرائنا هؤلء أرغب بطونا ول أحذب ألسنا‪ ،‬ول أجبن عند اللقاء! فبلغ ذلك‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ونزلت هذه اليات‪ :‬وجاءوا يعتذرون لرسوله ال فأنزل ال { ل‬
‫تعتذروا ‪ 5‬قد كفرتم بعد إيمانكم} أي الذي كنتم تدعونه‪ ،‬لن الستهزاء بال والرسول والكتاب كفر‬
‫مخرج من الملة‪ ،‬وقوله تعالى {إن‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يروى أن أحد المنافقين قال‪ :‬وال وددت لو أني قُدّمت فجُلدت مائة ول ينزل فينا شيء يفضحنا‬
‫فنزلت الية‪{ :‬يحذر المنافقون‪ }..‬وهي خبر وإن قال بعضهم هي إنشاء بمعنى‪ :‬ليحذر المنافقون‪.‬‬
‫‪ 2‬معلوم أن القرآن ينزل على الرسول صلى ال عليه وسلم وقوله ‪{:‬عليهم} بمعنى المؤمنين لنهم‬
‫والرسول في جانب والمنافقون في آخر‪ ،‬فصحّ أن يقال‪ :‬تنزل على المؤمنين‪ ،‬والرسول معهم‪،‬‬
‫وهو المختص بالوحي‪.‬‬
‫‪ 3‬وسميت أيضا‪ :‬المثيرة ‪ ،‬والمبعثرة ‪ ،‬والحفارة لنها أثارت كامن المنافقين وبعثرته وحفرت ما‬
‫في قلوبهم وأخرجته‪.‬‬
‫‪ 4‬ذكر الطبري أنّ قائل هذه المقالة‪ :‬وديعة بن ثابت قال ابن عمر‪ :‬رأيته معلقا بحقب ناقة رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يماشيها والحجارة تنكبه وهو يقول‪ :‬إنّما كنّا نخوض ونلعب والرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم يقول‪ :‬أبال وآياته ورسوله كنتم تستهزئون‪.‬‬
‫‪{ 5‬ل تعتذروا} نهاهم عن العتذار لنه غير نافع لهم ول مجدٍ واعتذر بمعنى‪ :‬أعذر أي صار ذا‬
‫عذر‪ ،‬والعتذار محو أثر الموجدة أو هو القطع‪ ،‬أي قطع ما في القلب من الموجدة‪ ،‬ومنه قيل‪:‬‬
‫عدرة الغلم‪ :‬وهو ما يقطع منه عند الختان‪.‬‬

‫( ‪)2/390‬‬

‫نعف عن طائفة منكم} لنهم يتوبون كمخشي بن حمير ‪{ ،1‬نعذب طائفة} أخرى لنهم ل يتوبون‬
‫وقوله تعالى {بأنهم كانوا مجرمين} علة للحكم بعذابهم وهو إجرامهم بالكفر والستهزاء بالمؤمنين‬
‫إذ من جملة ما قالوه‪ :‬قولهم في الرسول صلى ال عليه وسلم يظن هذا يشيرون إلى النبي وهم‬
‫سائرون يفتح قصور الشام وحصونها فأطلع ال نبيه عليهم فدعاهم فجاءوا واعتذروا بقولهم إنا كنا‬
‫نخوض ‪ 2‬أي في الحديث ونلعب تقصيرا للوقت‪ ،‬ودفعا للملل عنا والسآمة فأنزل تعالى {قل أبال}‬
‫الية‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬الكشف عن مدى ما كان يعيش عليه المنافقون من الحذر والخوف‪.‬‬
‫‪ -2‬كفر من استهزأ بال أو آياته أو رسوله‪.‬‬
‫‪ -3‬ل يقبل اعتذار ‪3‬من كفر بأي وجه وإنما التوبة أو السيف فيقتل كفرا‪.‬‬
‫‪ -4‬مصداق ما أخبر به تعالى من أنه سيعذب طائفة فقد هلك عشرة بداء الدبيلة "خراج يخرج من‬
‫الظهر وينفذ ألمه إلى الصدر فيهلك صاحبه حتما"‪.‬‬
‫ف وَ َيقْبِضُونَ أَيْدِ َيهُمْ‬
‫ضهُم مّن َب ْعضٍ يَ ْأمُرُونَ بِا ْلمُنكَ ِر وَيَ ْن َهوْنَ عَنِ ا ْل َمعْرُو ِ‬
‫ن وَا ْلمُنَا ِفقَاتُ َب ْع ُ‬
‫ا ْلمُنَا ِفقُو َ‬
‫جهَنّمَ‬
‫ت وَا ْل ُكفّارَ نَارَ َ‬
‫سقُونَ(‪ )67‬وَعَدَ ال ا ْلمُنَا ِفقِينَ وَا ْلمُنَا ِفقَا ِ‬
‫نَسُواْ الّلهَ فَنَسِ َيهُمْ إِنّ ا ْلمُنَا ِفقِينَ ُهمُ ا ْلفَا ِ‬
‫خَاِلدِينَ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هو مخشي بن حمير الشجعي وقد تاب عند سماعه هذه الية وحسن إسلمه‪.‬‬
‫‪ 2‬الخوص‪ :‬الدخول في الماء‪ ،‬نم استعمل في كل دخول فيه تلويث وأذى‪.‬‬
‫‪ 3‬اختلف العلماء في الهزل في سائر الحكام كالبيع والنكاح والطلق على ثلثة أقوال ل يلزم‬
‫مطلقا‪ ،‬يلزم مطلقا‪ ،‬التفرقة بين البيع وغيره‪ ،‬وهدا الراجح‪ ،‬لنّ النكاح والطلق والعتاق ورد فيها‬
‫النص من السنة لحديث الترمذي وحسنه مع وصفه بالغرابة وبه العمل عد جماهير الصحابة‬
‫والتابعين والفقهاء وهو‪" :‬ثلث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلق والرجعة" وحديث الموطأ‪:‬‬
‫"ثلث ليس فيهن لعب‪ :‬النكاح والطلق والعتق"‪.‬‬

‫( ‪)2/391‬‬

‫فِيهَا ِهيَ حَسْ ُب ُه ْم وََلعَ َنهُمُ اللّهُ وََلهُمْ عَذَابٌ ّمقِيمٌ(‪ )68‬كَالّذِينَ مِن قَبِْل ُكمْ كَانُواْ أَشَدّ مِن ُكمْ ُق ّوةً وََأكْثَرَ‬
‫خضْتُمْ‬
‫ل ِقهِ ْم وَ ُ‬
‫ل ِقكُمْ َكمَا اسْ َتمْتَعَ الّذِينَ مِن قَبِْلكُمْ ِبخَ َ‬
‫ل وََأ ْولَدًا فَاسْ َتمْ َتعُواْ بِخَل ِقهِمْ فَاسْ َتمْ َتعْتُم بِخَ َ‬
‫َأ ْموَا ً‬
‫عمَاُلهُمْ فِي الّدنْيَا وَالخِ َرةِ وَُأوْلَئِكَ ُهمُ ا ْلخَاسِرُونَ(‪ )69‬أَلَمْ يَأْ ِتهِمْ نَبَأُ‬
‫طتْ أَ ْ‬
‫كَالّذِي خَاضُواْ ُأوْلَ ِئكَ حَبِ َ‬
‫ن وَا ْل ُمؤْتَ ِفكَاتِ أَتَ ْتهُمْ رُسُُلهُم‬
‫ح وَعَا ٍد وَ َثمُو َد َو َقوْمِ إِبْرَاهِي َم وَِأصْحَابِ مَدْيَ َ‬
‫الّذِينَ مِن قَبِْل ِهمْ َقوْمِ نُو ٍ‬
‫سهُمْ َيظِْلمُونَ(‪)70‬‬
‫بِالْبَيّنَاتِ َفمَا كَانَ اللّهُ لِ َيظِْل َمهُ ْم وََلكِن كَانُواْ أَنفُ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫المنافقون ‪ :‬أي الذين يظهرون للمؤمنين اليمان بألسنتهم ويسترون الكفر في قلوبهم‪.‬‬
‫بعضهم هن بعض ‪ :1‬أي متشابهون في اعتقادهم وقولهم وعملهم فأمرهم واحد‪.‬‬
‫بالمنكر‪ :‬أي ما ينكره الشرع لضرره أو قبحه وهو الكفر بال ورسوله‪.‬‬
‫عن المعروف‪ :‬أي ما عرفه الشرع نافعا فأمر به من اليمان والعمل الصالح‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫يقبضون أيديهم ‪ :‬أي يمسكونها عن النفاق في سبيل ال‪.‬‬
‫نسوا ال فنسيهم ‪ :‬أي تركوا ال فلم يؤمنوا به وبرسوله فتركهم وحرمهم من توفيقه وهدايته‪.‬‬
‫عذاب مقيم‪ :‬أي دائم ل يزول ول يبيد‪.‬‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬بعضهم من بعض}‪ :‬أي‪ :‬هم كالشيء الواحد في الخروج عن الدين‪ ،‬أو هم متشابهون في المر‬
‫بالمنكر والنهي عن المعروف‪.‬‬

‫( ‪)2/392‬‬

‫بخلقهم ‪ :‬أي بنصيبهم وحظهم من الدنيا‪.‬‬


‫وخضتم ‪ :‬أي في الكذب والباطل‪.‬‬
‫والمؤتفكات ‪ :‬أي المنقلبات حيث صار عاليها سافلها وهي ثلث مدن ‪.1‬‬
‫بالبينات ‪ :‬اليات الدالة على صدقهم في رسالتهم إليهم‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في هتك استار المنافقين وبيان فضائحهم لعلهم يتوبون‪ .‬قال تعالى {المنافقون‬
‫والمنافقات بعضهم من بعض} أي كأبعاض الشيء الواحد وذلك لن أمرهم واحد ل يختلف‬
‫بعضهم عن بعض في المعتقد والقول والعمل بيّن تعالى حالهم بقوله {يأمرون بالمنكر وينهون عن‬
‫المعروف} وهذا دليل على انتكاسهم وفساد قلوبهم وعقولهم‪ ،‬إذ هذا عكس ما يأمر به العقلء‪،‬‬
‫والمراد من المنكر الذي يأمرون به هو الكفر والعصيان‪ ،‬والمعروف الذي ينهون عنه هو اليمان‬
‫بال ورسوله وطاعتهما‪ .‬وقوله تعالى {ويقبضون أيديهم} كناية عن المساك وعدم البذل في‬
‫النفاق في سبيل ال ‪ .2‬وقوله {نسوا ال} فلم يؤمنوا به ولم يؤمنوا برسوله ولم يطيعوا ال‬
‫ورسوله {فنسيهم} ال بأن تركهم محرومين من كل هداية ورحمة ولطف‪ .‬وقوله {إن المنافقين هم‬
‫الفاسقون} نقرير لمعنى {نسوا ال فنسيهم}‪ ،‬إذ كفرهم بال وبرسوله هو الذي حرمهم هداية ال‬
‫تعالى ففسقوا سائر أنواع الفسق فكانوا هم الفاسقين الجديرين بهذا الوصف وهو الفسق والتوغل‬
‫فيه‪ .‬وقوله تعالى في الية (‪{ )68‬وعد ‪ 3‬ال المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها‬
‫هي حسبهم} ‪ 4‬أي كافيهم {ولعنهم ال ولهم عذاب مقيم} أي دائم ل يزول ول يبيد ول يفنى فقد‬
‫حملت هذه الية أشد وعيد لهل النفاق والكفر إذ توعدهم الرب تعالى بنار جهنم خالدين فيها‬
‫وبالعذاب المقيم الذي ل يبارحهم ول يتركهم لحظة أبد البد وذلك بعد أن لعنهم ال فأبعدهم‬
‫وأسحقهم من كل رحمة وخير‪ .‬وفي الية الثالثة (‪ )69‬يأمر‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هي‪ :‬سدوم‪ ،‬وعمورة‪ ،‬وأرمة‪ ،‬وكانت مدنا متتاخمة بعضها قريب من بعض‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ 2‬أي‪ :‬وصفهم بالبخل والشح كما قال تعالى ‪{:‬أشحة على الخير} كما أن امتناعهم عن الخروج‬
‫إلى الجهاد يعتبر قبضا ليديهم‪.‬‬
‫‪ 3‬الصل أن الوعد يكون في الخير واليعاد يكون في الشر‪ ،‬وإطلق الوعد على الوعيد كما هو‬
‫هنا تهكم بهم‪.‬‬
‫‪{ 4‬هي حسبهم} مبتدأ وخبر ومعناه‪ :‬أنها كافية ووفاء لجزاء أعمالهم‪.‬‬

‫( ‪)2/393‬‬

‫تعالى رسوله أن يقول للمنافقين المستهزئين بال وآياته ورسوله؟ أنتم أيها المنافقون كأولئك الذين‬
‫كانوا من قبلكم في الغترار بالمال والولد والكفر بال والتكذيب لرسله حتى نزل بهم عذاب ال‬
‫ومضت فيهم سنته في إهلكهم هذا ما تضمنته الية الكريمة إذ قال تعالى {كالذين من قبلكم ‪1‬‬
‫كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالً وأولدا فاستمتعوا بخلقهم} أي بنصيبهم الذي كتب لهم في الدنيا‬
‫{فأستمتعتم بخلقكم} أي بما كتب لكم في هذه الحياة الدنيا {كما استمتع الذين من قبلكم} أي سواء‬
‫بسواء {وخضتم} في الباطل والشر وبالكفر والتكذيب {كالذي خاضوا ‪ }2‬أي كخوضهم سواء‬
‫بسواء أولئك الهالكون {حبطت أعمالهم في الدنيا والخرة} أي تلشت وذهبت ولم ينتفعوا منها‬
‫بشيء‪{ ،‬وأولئك هم الخاسرون}‪ .‬وبما أنكم أيها المنافقون تسيرون على منهجهم في الكفر‬
‫والتكذيب والغترار بالمال والولد فسوف يكون مصيركم كمصيرهم وهو الخسران المبين‪ .‬وقوله‬
‫تعالى في الية الرابعة (‪{ )70‬ألم يأتهم ‪ 3‬نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم‬
‫وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم ‪ 4‬رسلهم بالبينات} أي اليات الدالة على توحيد ال وصدق‬
‫رسوله وسلمة دعوتهم كما جاءكم أيها المنافقون رسولنا محمد صلى ال عليه وسلم بالبينات‬
‫فكذبتم كما كذب الذين من قبلكم فنزل بهم عذاب ال فهلك قوم نوح بالطوفان وعاد بالريح العاتية‪،‬‬
‫وثمود بالصاعقة‪ ،‬وقوم إبراهيم ‪ 5‬بسلب النعم وحلول النقم‪ ،‬وأصحاب مدين بالرجفة وعذاب‬
‫الظلمة‪ ،‬والمؤتفكات ‪ 6‬بالمطر والئتفاك أي القلب بأن أصبح أعالي مدنهم الثلث ‪ 7‬أسافلها‪،‬‬
‫وأسافلها أعاليها‪ ،‬وما ظلمهم ال تعالى بما أنزل عليهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون‪ ،‬وأنتم أيها‬
‫المنافقون إن لم تتوبوا إلى ربكم سيحل بكم ما حل بمن قبلكم أو أشد لنكم لم تعتبروا بما سبق‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الكاف‪ :‬في محل نصب أي‪ :‬وعدكم ال أيها المنافقون والمنافقات كما وعد الذين من قبلكم نار‬
‫جهنم تخلدون فيها‪.‬‬
‫‪ 2‬الكاف‪ :‬في محل نصب نعت لمصدر محذوف أي‪ :‬وخضتم خوضا كالذي خاضوا أي‪ :‬في‬
‫الباطل والشر والفساد‪ .‬والذي بمعنى الجمع‪ ،‬ويحوز أن يكون الذين محذوف النون على لغةٍ هذيل‬
‫قال شاعرهم‪:‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ‪ ...‬هم القوم كل القوم يا أم خالد‬
‫‪ 3‬الستفهام للتقرير‪ ،‬والتحذير بمعنى‪ :‬ألم يسمعوا بإهلكنا الكفار من قبلهم؟‬
‫‪ 4‬أي بدلئل الحق والصدق‪ ،‬والجملة تعليلية‪.‬‬
‫‪ 5‬هم نمرود بن كنعان وقومه‪.‬‬
‫‪ 6‬قوم لوط عليه السلم‪.‬‬
‫‪ 7‬تقدمت أسماء هذه المدن قريبا‪.‬‬

‫( ‪)2/394‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬إن المنافقين لما كان مرضهم واحد وهو الكفر الباطني كان سلوكهم متشابها‪.‬‬
‫‪ -2‬المر بالمنكر والنهي عن المعروف علمة النفاق وظاهرة الكفر وانتكاس الفطرة‪.‬‬
‫‪ -3‬الغترار بالمال والولد من عوامل عدم قبول الحق والذعان له والتسليم به‪.‬‬
‫‪ -4‬تشابه حال البشر وإتباع بعضهم لبعض في الباطل والفساد والشر‪.‬‬
‫‪ -5‬حبوط العمال بالباطل وهلك أهلها أمر مقضى به ل يتخلف‪.‬‬
‫‪ -6‬وجوب العتبار بأحوال السابقين والتعاظ بما لقاه أهل الكفر منهم من عذاب‪.‬‬
‫ضهُمْ َأوْلِيَاء َب ْعضٍ يَ ْأمُرُونَ بِا ْل َمعْرُوفِ وَيَ ْنهَوْنَ عَنِ ا ْلمُنكَ ِر وَ ُيقِيمُونَ‬
‫ن وَا ْل ُمؤْمِنَاتُ َب ْع ُ‬
‫وَا ْل ُمؤْمِنُو َ‬
‫حكِيمٌ(‪ )71‬وَعَدَ‬
‫ح ُمهُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ َ‬
‫لةَ وَيُؤْتُونَ ال ّزكَا َة وَيُطِيعُونَ اللّ َه وَرَسُوَلهُ ُأوْلَ ِئكَ سَيَرْ َ‬
‫الصّ َ‬
‫ن وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ جَنّاتٍ َتجْرِي مِن تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا َومَسَاكِنَ طَيّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ‬
‫اللّهُ ا ْل ُمؤْمِنِي َ‬
‫وَ ِرضْوَانٌ مّنَ الّلهِ َأكْبَرُ ذَِلكَ ُهوَ ا ْلفَوْزُ ا ْلعَظِيمُ(‪)72‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫والمؤمنون ‪ :‬أي الصادقون في إيمانهم بال ورسوله ووعد ال ووعيده‪.‬‬
‫أولياء بعض‪ :‬أيما يتولىّ بعضهم بعضا في النّضرة والحماية والمحبة والتأييد‪.‬‬
‫ويقيمون الصلة"‪ .‬أي يؤدونها في خشوع وافية الشروط والركان والسنن والداب‪.‬‬
‫ويؤتون الزكاة‪ :‬أي يخرجون زكاة أموالهم الصامتة كالدراهم والدنانير والمعشرات‪ ،‬والناطقة‬
‫كالنعام‪ :‬البل والبقر والغنم‪.‬‬

‫( ‪)2/395‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫في جنات عدن ‪ :‬أي إقامة دائمة ل يخرجون منها ول يتحولون ‪ 1‬عنها‪.‬‬
‫ورضوان من ال أكبر‪ :‬أي رضوان ال الذي يحله عليهم أكبر من كل نعيم في الجنة‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫بمناسبة ذكر المنافقين وبيان سلوكهم ونهاية أمرهم ذكر تعالى المؤمنين وسلوكهم الحسن‬
‫ومصيرهم السعيد فقال {والمؤمنون والمؤمنات} أي المؤمنون بال ورسوله ووعده ووعيده‬
‫والمؤمنات بذلك {بعضهم أولياء بعض} أي يوالي بعضهم بعضا محبة ‪ 2‬ونصرة وتعاونا وتأييدا‬
‫{يأمرون بالمعروف} وهو ما عرفه الشرع حقا وخيرا من اليمان وصالح العمال‪{ ،‬وينهون عن‬
‫المنكر} وهو ما عرفه الشرع باطلً ضارا فاسدا من الشرك وسائر الجرائم فالمؤمنون والمؤمنات‬
‫على عكس المنافقين والمنافقات في هذا المر وقوله تعالى {ويقيمون ‪ 3‬الصلة ويؤتون الزكاة}‬
‫والمنافقون ل يأتون الصلة إل وهم كسالى فهم مضيعون لها غير مقيمين لها‪ ،‬ويقبضون أيديهم‬
‫فل ينفقون‪ ،‬والمؤمنون يطيعون ال ورسوله ‪ ،4‬والمنافقون يعصون ال ورسوله‪ ،‬المؤمنون‬
‫سيرحمهم ال ‪ ،5‬والمنافقون سيعذبهم ال‪{ ،‬إن ال عزيز} غالب سينجز وعده ووعيده {حكيم}‬
‫يضع كل شيء في موضعه اللئق به فل يعذب المؤمنين وينعّم المنافقين بل ينعّم المؤمنين ويعذب‬
‫المنافقين‪.‬‬
‫وقوله تعالى في الية الثانية (‪{ )72‬وعد ال المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها النهار}‬
‫أي من خلل قصورها وأشجارها {خالدين فيها ومساكن} أي قصورا طيبة في غاية النظافة‬
‫وطيب الرائحة {في جنات عدن ‪ }6‬أي إقامة‪ ،‬وقوله {ورضوان من ال }‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال تعالى من سورة الكهف‪{ :‬ل يبغون عنها حولً} أي‪ :‬تحولً لنّ نعيمها ل يُمل ول تثشوق‬
‫النفس لغيره أبدا‪.‬‬
‫‪ 2‬شاهده من السنة قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" وشبّك‬
‫بين أصابعه وقوله صلى ال عليه وسلم في الصحيح‪" :‬مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل‬
‫الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر"‪.‬‬
‫‪ 3‬يشمل اللفظ‪ :‬الصلوات الخمس والنوافل كما شمل الزكوات المفروضة والصدقات إذ المدح‬
‫يحصل بهما معا فرضا ونفل‪.‬‬
‫‪ 4‬أي‪ :‬يؤدون الفرائض والسنن فعل ويجتنبون المنهيات والمكروهات تركا‪.‬‬
‫‪ 5‬السين في {سيرحمهم} للتأكيد وتحمل معنى الخوف والرجاء وهما جناحا المؤمنين ل يطيرون‬
‫في سماء الكمالت إل بهما‪.‬‬
‫‪ 6‬شاهدهُ في الصحيح قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما‪ ،‬وجنتان من‬
‫فضة آنيتهما وما فيهما‪ ،‬وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلّ رداء الكبر على وجهه في‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها‬
‫جنة عدن" وقوله أيضا في الصحيح‪" :‬إ ّ‬
‫ستون ميل في السماء‪ ،‬للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهن ل يرى بعضهم بعضا"‪.‬‬

‫( ‪)2/396‬‬

‫أي يحله عليهم أكبر من الجنات والقصور وسائر أنواع النعيم‪ .‬وقوله {ذلك هو الفوز العظيم} ذلك‬
‫المذكور من الجنة ونعيمها ورضوان ال فيها هو الفوز العظيم‪ .‬والفوز هو السلمة من المرهوب‬
‫والظفر بالمرغوب‪ .‬هذا الوعد اللهي الصادق للمؤمنين والمؤمنات يقابله وعيد ال تعالى للمنافقين‬
‫والكفار في اليات السابقة‪ ،‬ونصه {وعد ال المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها‬
‫هي حسبهم ولعنهم ال ولهم عذاب مقيم}‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان صفات المؤمنين والمؤمنات والتي هي مظاهر إيمانهم وأدلته‪.‬‬
‫‪ -2‬أهمية صفات أهل اليمان وهي الولء لبعضهم بعضا‪ ،‬المر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫إقامة الصلة‪ ،‬إيتاء الزكاة‪ ،‬طاعة ال ورسوله‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان جزاء أهل اليمان في الدار الخرة وهو النعيم المقيم في دار السلم‪.‬‬
‫‪ -4‬أفضلية رضا ‪ 1‬ال تعالى على سائر النعيم‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان معنى الفوز وهو النجاة من النار‪ ،‬ودخول الجنة‪.‬‬
‫جهَنّ ُم وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ(‪ )73‬يَحِْلفُونَ بِاللّهِ‬
‫ن وَاغْلُظْ عَلَ ْيهِ ْم َومَ ْأوَاهُمْ َ‬
‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ جَاهِدِ ا ْل ُكفّا َر وَا ْلمُنَافِقِي َ‬
‫ل ِمهِ ْم وَ َهمّواْ ِبمَا لَمْ يَنَالُواْ َومَا َن َقمُواْ ِإلّ أَنْ أَغْنَاهُمُ‬
‫مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَِلمَةَ ا ْل ُكفْرِ َو َكفَرُواْ َبعْدَ إِسْ َ‬
‫اللّ ُه وَرَسُوُلهُ مِن َفضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ َيكُ خَيْرًا ّل ُه ْم وَإِن يَ َتوَّلوْا ُي َعذّ ْبهُمُ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أخرج الشيخان البخاري ومسلم‪ ،‬ومالك في الموطأ عن أبي سعيد الخدري قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫ل يقول لهل الجنة‪ :‬يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬إنّ ال عزّ وج ّ‬
‫والخير بين يديك فيقول‪ :‬هل رضيتم؟ فيقولون‪ :‬وما لنا ل نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط‬
‫أحدا من خلقك فيقول‪ :‬أل أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟‬
‫فيقول‪ :‬أحل عليكم رضواني فل أسخط عليكم بعده أبدا"‬

‫( ‪)2/397‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ي وَلَ َنصِيرٍ(‪)74‬‬
‫عذَابًا أَلِيمًا فِي الدّنْيَا وَالخِ َرةِ َومَا َل ُهمْ فِي الَ ْرضِ مِن وَِل ّ‬
‫اللّهُ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫جاهد الكفار‪ :‬ابذل غاية جهدك في قتال الكفار والمنافقين‪.‬‬
‫واغلظ عليهم‪ :‬أي في القول والفعل أي شدد عليهم ول تلن لهم‪.‬‬
‫كلمة الكفر‪ :‬أي كلمة يكفر بها من قالها وهي قول الجلس بن سويد‪ :‬إن كان ما جاء به محمد حقا‬
‫لنحن شرّ من الحمير‪.‬‬
‫وهموا بما لم ينالوا ‪ :‬أي هموا بقتل النبي صلى ال عليه وسلم في مؤامرة دنيئة ‪ 1‬وهم عائدون‬
‫من تبوك‪.‬‬
‫وما نقموا إل أن أغناهم ‪ :‬أي ما أنكروا أو كرهوا من السلم ورسوله إل أن أغناهم ال بعد فقر‬
‫أعلى مثل هذا يهمون بقتل رسول ال؟‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫يأمر تعالى رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم بجهاد الكفار والمنافقين فيقول {يا أيها النبي ‪2‬‬
‫جاهد الكفار والمنافقين} وجهاد الكفار يكون بالسلح وجهاد المنافقين يكون باللسان‪ 3 ،‬وقوله‬
‫تعالى {واغلظ عليهم ‪ }4‬أي شدد عملك وقولك‪ ،‬فل هوادة مع من كفر بال ورسوله‪ ،‬ومع من نافق‬
‫الرسول والمؤمنين فأظهر اليمان وأسر الكفر وقوله تعالى {ومأواهم جهنم وبئس المصير} أي‬
‫جهنم يريد ابذل ما في وسعك في جهادهم قتلً وتأدييا هذا لهم في الدنيا‪ ،‬وفي الخرة مأواهم جهنم‬
‫وبئس المصير‪ ،‬وقوله تعالى في الية الثانية (‪{ )74‬يحلفون بال ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر بعد‬
‫إسلمهم وهموا بما لم ينالوا} هذا الكلم علّة للمر بجهادهم والغلظ عليهم لقول الجلس بن‬
‫سويد المنافق‪ :‬لئن كان ما جاء به محمد حقا لنحن شر من الحمير سمعه منه أحد المؤمنين فبلغه‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فجاء‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اقرأ نصها في التفسير فإنها واضحة ومختصرة‪.‬‬
‫‪ 2‬يدخل في هذا الخطاب أمته صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 3‬بأن يقول لهم الكدمة الغليظة الشديدة ويكفهر في وجوههم أي‪ :‬يعبس ول يبسط وجهه فيهم‪.‬‬
‫‪ 4‬هذه الية نسخت كل شيء من العفو‪ ،‬والصفح الذين كان الرسول صلى ال عليه وسلم يؤمر‬
‫بهما إزاء المشركين والمنافقين‪.‬‬

‫( ‪)2/398‬‬

‫الجلس يعتذر ويحلف بال ما قال الذي قال فأكذبه ال تعالى في قوله في هذه الية {يحلفون بال‬
‫ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلمهم} والسياق دال على تكرر مثل هذا القول‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الخبيث وهو كذلك‪ .‬وقوله تعالى {وهموا بما لم ينالوا ‪ }1‬يعني المنافقين الذين تآمروا على قتل‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم عند عودته من تبوك في عقبة في الطريق إل أن ال فضحهم وخيّب‬
‫مسعاهم ونجى رسوله منهم حيث بعث عمار بن ياسر يضرب وجوه الرواحل لما غشوه فردوا‬
‫وتفرقوا بعد أن عزموا على أن لزاحموا رسول ال وهو على ناقته بنوقهم حتى يسقط منها فيهلك‬
‫أهلكهم ال‪ .‬وقوله تعالى {وما نقموا} ‪ 2‬أي وما كرهوا من رسول ال ول من السلم شيئا إل أن‬
‫أغناهم ال ورسوله من فضله وهل الغنى بعد الفقر مما ينقم منه‪ ،‬والجواب ل ولكنه الكفر والنفاق‬
‫يفسد الذوق والفطرة والعقل أيضا‪.‬‬
‫ومع هذا الذي قاموا به من الكفر والشر والفساد يفتح الرب الرحيم تبارك وتعالى باب التوبة في‬
‫وجوههم ويقول {فإن يتوبوا} ‪ 3‬من هذا الكفر والنفاق والشر والفساد ‪ 4‬يك ذلك {خيرا لهم} حالً‬
‫ومآلً أي في الدنيا والخرة‪{ ،‬وإن يتولوا } عن هذا العرض ويرفضوه فيصرون على الكفر‬
‫والنفاق {يعذبهم ال عذابا أليما} أي موجعا في الدنيا بالقتل والخزي‪ ،‬وفي الخرة بعذاب النار‪،‬‬
‫{ومالهم في الرض من ولي} ‪ 5‬يتولهم ول ناصر ينصرهم‪ ،‬أي وليس لهم في الدنيا من ولي‬
‫يدفع عنهم ما أراد ال أن ينزله بهم من الخزي والعذاب وما لهم من ناصر ينصرهم بعد أن‬
‫يخذلهم ال سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أخرج مسلم عن حذيفة‪" :‬أن اثني عشر رجلً سمّاهم رسول ال صلى ال عليه وسلم فعدهم‬
‫حذيفة واحدا واحدا قال قلت‪ :‬يا رسول ال أل تبعث إليهم فتقتلهم؟ فقال‪ :‬أكره أن يقول العرب لما‬
‫ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم‪ ،‬بل يكفيهم ال بالدّبلة" وهي خراج يظهر في الظهر وينصب على‬
‫الصدر يقتل صاحبه فورا‪.‬‬
‫‪ 2‬أي‪ :‬ليس بنقمون شيئا إل أنهم كانوا فقراء فأغناهم ال بما كان الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫يعطيهم من الغنائم‪ ،‬قيل لحدهم‪ :‬هل تجد في القرآن نظير قولهم اتق شر من أحسنت إليه؟ قال‪:‬‬
‫نعم هو قوله تعالى‪{ :‬وما نقموا إلّ أن أغناهم ال ورسوله من فضله}‪.‬‬
‫‪ 3‬هذه الجملة متفرعة عن الكلم السابق وهي باب ذكر الوعد بعد الوعيد والترغيب بعد‬
‫الترهيب‪ ،‬وهو أسلوب القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ 4‬حذفت نون {يك} تخفيفا إذ الصل يكن‪.‬‬
‫‪ 5‬هذه الجملة معطوفة على جملة‪{ :‬يعذلهم ال} وهي وإن كانت اسمية ل يمتنع أن تكون جوابا‬
‫ثانيا معطوفا على جملة الجزاء‪ ،‬لنه يغتفر في التابع مال يغتفر في المتبوع‪ ،‬فالجزاء جزاءان‪،‬‬
‫الول‪ :‬تعذيبهم والثاني‪ :‬انعدام الولي والنصير لهم في الرض كلها‪.‬‬

‫( ‪)2/399‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫هداية اليتين‪.‬‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان آية السيف ‪ 1‬وهي {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين}‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير مبدأ الردة وهي أن يقول المسلم كلمة الكفر فيكفر بها وذلك كالطعن في السلم أو سب‬
‫ال أو رسوله صلى ال عليه وسلم أو التكذيب بما أمر ال تعالى باليمان به والتصديق بضده أي‬
‫بما أمر ال بتكذيبه‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير مبدأ التوبة من كل الذنوب‪ ،‬وأن من تاب تقبل توبته‪.‬‬
‫‪ -4‬الوعيد الشديد لمن يصر على الكفر ويموت عليه‪.‬‬
‫ن وَلَ َنكُونَنّ مِنَ الصّاِلحِينَ(‪ )75‬فََلمّا آتَاهُم مّن َفضْلِهِ‬
‫َومِ ْنهُم مّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن َفضْلِهِ لَ َنصّ ّدقَ ّ‬
‫خَلفُواْ الّلهَ مَا‬
‫عقَ َبهُمْ ِنفَاقًا فِي قُلُو ِبهِمْ إِلَى َيوْمِ يَ ْل َقوْنَهُ ِبمَا أَ ْ‬
‫بَخِلُواْ ِب ِه وَ َتوَلّو ْا وّهُم ّمعْرِضُونَ(‪ )76‬فَأَ ْ‬
‫جوَاهُمْ وَأَنّ اللّهَ عَلّمُ ا ْلغُيُوبِ(‪)78‬‬
‫وَعَدُوهُ وَ ِبمَا كَانُواْ َيكْذِبُونَ(‪ )77‬أَلَمْ َيعَْلمُواْ أَنّ اللّهَ َيعَْلمُ سِرّ ُه ْم وَنَ ْ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ومنهم ‪ :‬أي من المنافقين‪.‬‬
‫لئن آتانا من فضله ‪ :‬أي مالً كثيرا‪.‬‬
‫بخلوا به ‪ :‬أي منعوه فلم يؤدوا حقه من زكاة وغيرها‪.‬‬
‫فأعقبهم نفاقا‪ :‬أي فأورثهم البخل نفاقا ملزما لقلوبهم ل يفارقها إلى يوم يلقون‬
‫__________‬
‫‪ 1‬يروى عن علي رضي ال عنه أنه قال‪ :‬سيوف ال أربعة‪ :‬واحد على المشركين قال تعالى‪:‬‬
‫{فاقتلوا المشركين‪ }..‬وثان على الكافرين قال تعالى‪{ :‬قاتلوا الذين ل يؤمنون بال واليوم الخر‪}..‬‬
‫وثالث على المنافقين‪ :‬قال تعالى‪{ :‬يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين‪ }..‬ورابع على البغاة‪ .‬قال‬
‫تعالى‪{ :‬فقاتلوا التي تبغي حتى تفيىء إلى أمر ال}‪.‬‬

‫( ‪)2/400‬‬

‫ال تعالى‪.‬‬
‫بما أخلفوا ال‪ :.‬أي بسبب إخلفهم ما وعدوا ال تعالى به‪.‬‬
‫سرهم ونجواهم‪ :‬أي ما يسرونه في نفوسهم ويخفونه‪ ،‬وما يتناجون به فيما بينهم‪.‬‬
‫علم الغيوب ‪ :‬يعلم كل غيب في الرض أو في السماء‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في المنافقين وهم أصناف وهذا صنف ‪ 1‬آخر منهم قد عاهد ال تعالى لئن أغناهم‬
‫من فضله وأصبحوا ذوي ثروة ومال كثير ليصدقن منه ولينفقنّه في طريق البر والخير‪ ،‬فلما‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أعطاهم ال ما سألوا وكثر مالهم شحوا به وبخلوا‪ ،‬وتولوا عما تعهدوا به وما كانوا عليه من تقوى‬
‫وصلح‪ ،‬وهم معرضون‪ .‬فأورثهم هذا البخل وخلف الوعد والكذب {نفاقا في قلوبهم ‪ }2‬ل يفارقهم‬
‫حتى يلقوا ربهم‪ .‬هذا ما دل عليه قوله تعالى {ومنهم من ‪ 3‬عاهد ال لئن آتانا من فضله لنصدقن‬
‫ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم ‪ 4‬من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في‬
‫قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا ال ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} ‪ .‬أما الية الخيرة (‪ )78‬وهي‬
‫قوله تعالى {ألم يعلموا أن ال يعلم سرهم ونجواهم وأن ال علم الغيوب؟؟} فإنها تضمنت توبيخ‬
‫ال تعالى للمنافقين الذين عاهدوا ال وأخلفوه بموقفهم الشائن كأنهم ل يعلمون أن ال يعلم سرهم‬
‫ونجواهم وأنه تعالى علم الغيوب‪ ،‬وإل كيف يعدونه ويحلفون له أم يحسبون أن ال ل يسمع‬
‫سرهم ونجواهم فموقفهم هذا موقف مخز لهم شائن‪ ،‬وويل لهم حيث لزمهم ثمرته وهو النفاق‬
‫حتى الموت وبهذا أغلق باب التوبة في وجوههم وهلكوا مع الهالكين‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال قتادة‪ :‬هذا رجل من النصار قال‪ :‬لئن رزقني ال شيئا لدين فيه حقه ولتصدقن فلما آتاه‬
‫ال ذلك فعل ما ُقصّ عليكم فاحذروا الكذب فإنه يؤدي إلى الفجور‪.‬‬
‫‪{ 2‬نفاقا} نكرة أي‪ :‬نفاقا ما من نوع من أنواع النفاق وليس هو نفاق الكفر إنما هو نفاق العمل‪.‬‬
‫‪ 3‬الية صريحة ودللتها واضحة في أن أحد أفراد المؤمنين سأل ال المال سواء بواسطة الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم كأن قال له ادع ال لي‪ ،‬أو سأل بنفسه وقطع عهدا لربه بما ذكر في الية‪،‬‬
‫ولما أخلف ما عاهد ال عليه أصيب بمرض النفاق في قلبه‪ -‬والعياذ بال تعالى‪ -‬وهل هو ثعلبة‬
‫بن حاطب أو غيره أما ثعلبة فقد شهد بدرا‪ ،‬وأهل بدر ذُكر لهم وعد عظيم‪ ،‬فل يصح أن يكون‬
‫أحدهم وتع في هذه الفتة وان كان غيره فهو حق‪ ،‬وجائز أن يكون هذا الغير اسمه ثعلبة فتشابه‬
‫السم بالسم فطُن أنه البدري وليس هو وال اعلم‪ .‬هذا وال إني لخائف من هذه الية أن تنطبق‬
‫عليّ فاللهم عفوك وغفرانك لي‪.‬‬
‫‪ 4‬صيغة الجمع تدل على أن من عاهد ال لم يكن فردا واحدا بل كان جماعة ولذا قال الضحاك‪:‬‬
‫إنّ الية نزلت في رجال من المنافقين‪ :‬نبتل بن الحارث والجد بن قيس ومتعب بن قشير إلّ أن‬
‫قوله تعالى‪{ :‬فأعقبهم نفاقا} يتنافى مع كونهم منافقين‪ ،‬إلّ أن يقال‪ :‬زادهم نفاقا خُلْفهم هذا على‬
‫نفاقهم الول‪ .‬وال أعلم‪.‬‬

‫( ‪)2/401‬‬

‫هداية اليات‪.‬‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب الوفاء بالعهود وخاصة عهود ‪ 1‬ال تعالى‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -2‬ذم البخل وأهله‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير مبدأ أن السيئة يتولد عنها سيئة‪.‬‬
‫‪ -4‬جواز تقريع وتأنيب أهل الباطل‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب مراقبة ال تعالى إذ لو راقب هؤلء المنافقون ‪ 2‬ال تعالى لما خرجوا عن طاعته‪.‬‬
‫جهْ َدهُمْ فَ َيسْخَرُونَ مِ ْنهُمْ‬
‫ن لَ َيجِدُونَ ِإلّ ُ‬
‫ت وَالّذِي َ‬
‫طوّعِينَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ فِي الصّ َدقَا ِ‬
‫الّذِينَ َي ْلمِزُونَ ا ْل ُم ّ‬
‫سخِرَ اللّهُ مِ ْن ُه ْم وََلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(‪ )79‬اسْ َت ْغفِرْ َلهُمْ َأ ْو لَ تَسْ َت ْغفِرْ َلهُمْ إِن َتسْ َت ْغفِرْ َل ُهمْ سَ ْبعِينَ مَ ّرةً فَلَن‬
‫َ‬
‫سقِينَ(‪)80‬‬
‫َي ْغفِرَ الّلهُ َلهُمْ ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ َكفَرُواْ بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ وَاللّ ُه لَ َيهْدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلفَا ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫يلمزون‪ :‬أي يعيبون ويطعنون‬
‫__________‬
‫‪ 1‬اختلف في نية الطلق أو الصدقة بدون أن يلفظ هل يلزمه ما نواه بقلبه أو ل يلزمه‪ ،‬الراجح‪:‬‬
‫أنه ل يلزمه ما لم يتلفظ به والدليل في قوله صلى ال عليه وسلم "إنّ ال تجاوز لمتى عمّا حدثت‬
‫به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به" رواه الترمذي وقال فيه حسن صحيح‪ ،‬والشاهد في قوله‪" :‬أو‬
‫تتكلم به" والعمل بهذا عند أهل العلم‪.‬‬
‫‪ 2‬جاء في الصحيح قوله صلى ال عليه وسلم "آية المنافق ثلث‪ :‬إذا حدّث كذب‪ ،‬وإذا وعد أخلف‬
‫وإذا اؤتمن خان" ولي حديث آخر‪" :‬أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة‬
‫منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان‪ ،‬وإذا حدّث كذب‪ ،‬و إذا عاهد غدر‬
‫وإذا خاصم فجر" واختلف العلماء في تأويل هذين الحديثين‪ ،‬وقسموا النفاق إلى اعتقادي وعملي‪،‬‬
‫فالعتقادي‪ :‬ما كان صاحبه كافرا بال ورسوله مكذبا لهما‪ ،‬والعملي‪ :‬ما كان صاحبه مؤمنا‬
‫مصدقا ولكن يأتي منه المحظورات جهلً وفسقا‪ .‬وهذا صحيح‪ .‬ولكن يتأتى لعبد يؤمن بال‬
‫ورسوله أن يتعمد الكذب على المسلمين وإخلف الوعد لهم‪ ،‬والغدر بهم‪ ،‬وخيانتهم في أماناتهم‬
‫والفجور في التخاصم معهم‪ ،‬ومن هنا كان المطلوب اجراء الخبر على ظاهره ما دام العبد يتعمد‬
‫هذه المحظورات نكاية بالمسلمين وبغضا لهم وعدم اعتراف بحقوقهم وظلما واعتداء عليهم‪ ،‬إذ‬
‫مثل هذا ل يكون معه إيمان بال ورسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)2/402‬‬

‫المطوّعين ‪ :‬أي المتصدقين بأموالهم زيادة على الفريضة‪.‬‬


‫إل جهدهم‪ :‬إل طاقتهم وما يقدرون عليه فيأتون به‪.‬‬
‫فيسخرون منهم‪ :‬أي يستهزئون بهم احتقارا لهم‪.‬‬
‫استغفر لهم‪ :‬أي اطلب لهم المغفرة أو ل تطلب‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ل يهدي القوم الفاسقين‪ :‬أي إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم وذلك لتوغلهم في العصيان‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق في التنديد بالمنافقين وكشف عوراتهم فقد أخبر تعالى أن {الذين يلمزون ‪1‬‬
‫المطوعين ‪ 2‬من المؤمنين في الصدقات والذين ل يجدون إل جهدهم ‪ 3‬فيسخرون منهم سخر ال‬
‫منهم ولهم عذاب أليم}‪ .‬أخبر تعالى أنه سخر منهم جزاء سخريتهم بالمتصدقين وتوعدهم بالعذاب‬
‫الليم‪ .‬وكيفية لمزهم المتطوعين أن النبي صلى ال عليه وسلم دعا إلى الصدقة فإذا جاء الرجل‬
‫بمال كثير لمزوه وقالوا مراء‪ ،‬وإذا جاء الرجل بالقليل لمزوه وقالوا‪ :‬ال غني عن صاعك هذا‬
‫فأنزل ال تعالى فيهم هذه الية ففضحهم وسخر منهم وتوعدهم بأليم العذاب وأخبر نبيه أن‬
‫استغفاره لهم وعدمه سواء فقال {استغفر لهم ‪ 4‬أو ل تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن‬
‫يغفر ال لهم } وبين علة ذلك بقوله {ذلك بأنهم كفروا بال ورسوله}‪ ،‬وهذه العلة كافية في عدم‬
‫المغفرة لهم لنها الكفر والكافر مخلد في النار‪ .‬وأخبر تعالى أنه حرمهم الهداية فل يتوبوا فقال‬
‫{وال ل يهدي القوم الفاسقين} لن الفسق قد أصبح وصفا لزما لهم فلذا هم ل يتوبون‪ ،‬وبذلك‬
‫حرموا هداية ال تعالى‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أخرج مسلم عن ابن مسعود رضي ال عنه قال‪ :‬أمرنا بالصدقة فكنا نحامل على ظهورنا‬
‫فتصدق أبو عقيل بنصف صاع‪ ،‬قال‪ :‬وجاء إنسان بشيء أكبر منه فقال المنافقون إنّ ال لغني عن‬
‫صدقة هؤلء وما فعل هذا الخر إلّ رياء فنزلت‪{ :‬الذين يلمزون المطوّعين ‪ }..‬الية‪.‬‬
‫‪ 2‬أصل المطوعين‪ :‬المتطوعين أدغمت التاء في الطاء لقرب مخرجيهما وهم‪ :‬الذين يفعلون‬
‫الشيء تبرعا من غير أن يجب عليهم‪.‬‬
‫‪ 3‬الجهد‪ :‬شيء قليل يعيش به المقل والجهد والجهد بالفتح أيضا‪ :‬الطاقة والسخرية‪ :‬الستهزاء‪،‬‬
‫وعاملهم ال تعالى بالمثل فسخر منهم وهم ل يشعرون‪.‬‬
‫‪ 4‬بيد أنه لما نزلت اليات الفاضحة للمنافقين جاء بعضهم يعتذرون ويطلبون من الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم أن يستغفر لهم فاستغفر لهم رحمة بهم فأعلمه ربّه تعالى أنّ استغفاره لهؤلء‬
‫المنافقين مهما بلغ من الكثرة ل ينفعهم وذلك لكفرهم ونفاقهم وفسقهم‪.‬‬

‫( ‪)2/403‬‬

‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة لمز المؤمن والطعن فيه‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة السخرية بالمؤمن‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -3‬غيرة ال على أوليائه حيث سخر ال ممن سخر من المطوعين‪.‬‬
‫‪ -4‬من مات على الكفر ل ينفعه الستغفار له‪ ،‬بل ول يجوز الستغفار له‪.‬‬
‫‪ -5‬التوغل في الفسق أو الكفر أو الظلم يحرم صاحبه الهداية‪.‬‬
‫سهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ‬
‫لفَ َرسُولِ الّل ِه َوكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَنفُ ِ‬
‫فَرِحَ ا ْلمُخَّلفُونَ ِب َمقْعَ ِدهِمْ خِ َ‬
‫ل وَلْيَ ْبكُواْ‬
‫حكُواْ قَلِي ً‬
‫شدّ حَرّا ّلوْ كَانُوا َي ْف َقهُونَ (‪ )81‬فَلْ َيضْ َ‬
‫جهَنّمَ أَ َ‬
‫َوقَالُواْ لَ تَنفِرُواْ فِي ا ْلحَرّ ُقلْ نَارُ َ‬
‫ج َعكَ اللّهُ إِلَى طَآ ِئفَةٍ مّ ْنهُمْ فَاسْتَ ْأذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ َفقُل لّن‬
‫كَثِيرًا جَزَاء ِبمَا كَانُواْ َيكْسِبُونَ(‪ )82‬فَإِن رّ َ‬
‫تَخْ ُرجُواْ َمعِيَ أَ َبدًا وَلَن ُتقَاتِلُواْ َم ِعيَ عَ ُدوّا إِ ّنكُمْ َرضِيتُم بِا ْل ُقعُودِ َأوّلَ مَ ّرةٍ فَا ْقعُدُواْ مَعَ ا ْلخَاِلفِينَ(‪)83‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫فرح المخلفون ‪ :‬أي سرّ الذين تخلفوا عن الجهاد مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬ل تنفروا في الحر‪ :‬أي قال المنافقون لبعضهم بعضا ل تخرجوا للغزو في الحر‪.‬‬
‫لو كانوا يفقهون ‪ :‬أي لو كانوا يفقهون أسرار المور وعواقبها ونتائجها لما قالوا‪ :‬ل تنفروا في‬
‫الحر ولكنهم ل يفقهون‪.‬‬
‫ل وليبكوا ‪ :‬أي في الدنيا‪ ،‬وليبكوا كثيرا في الدار الخرة‪.‬‬
‫فليضحكوا قلي ً‬

‫( ‪)2/404‬‬

‫فإن رجعك ال إلى طائفة منهم ‪ :‬أي من المنافقين‪.‬‬


‫فاقعدوا مع الخالفين‪ :‬أي المتخلفين عن تبوك من النساء والطفال وأصحاب العذار‪.‬‬
‫معنى اليات‪.:‬‬
‫ما زال السياق في الحديث عن المنافقين فقال تعالى مخبرا عنهم {فرح المخلفون ‪ }1‬أي سر‬
‫المتخلفون {بمقعدهم خلف ‪ 2‬رسول ال} أي بقعودهم بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم في‬
‫المدينة {وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم} في سبيله‪ ،‬وكرههم هذا للجهاد هو ثمرة نفاقهم‬
‫وكفرهم وقولهم {ل تنفروا في الحر} لن غزوة تبوك كانت في شدة الحر‪ ،‬قالوا هذا لبعضهم‬
‫بعضا وهنا أمر ال تعالى رسوله أن يرد عليهم قولهم هذا فقال {قل نار جهنم أشد حرا} فلماذا ل‬
‫يتّقونها بالخروج في سبيل ال كما يتقون الحر بعدم الخروج‪ ،‬وقوله تعالى {لو كانوا يفقهون} أي‬
‫لما تخلفوا عن الجهاد لن نار جهنم أشد حرا‪ ،‬ولكنهم ل يفقهون وقوله تعالى {فليضحكوا قليلً}‬
‫أي ‪ 3‬في هذه الحياة الدنيا بما يحصل لهم من المسرات {وليبكوا كثيرا} أي يوم القيامة لما ينالهم‬
‫من الحرمان والعذاب‪ ،‬وذلك كان {جزاء بما كانوا يكسبون} من الشر والفساد ‪ ،‬وقوله تعالى‬
‫لرسوله صلى ال عليه وسلم {فإن رجعك ال إلى طائفة منهم ‪ }4‬أي فإن ردك ال سالما من تبوك‬
‫إلى المدينة إلى طائفة من المنافقين {فاستأذنوك للخروج} معك لغزو وجهاد {فقل لن تخرجوا معي‬
‫أبدا‪ ،‬ولن تقاتلوا معي عدوا} وعلة ذلك {أنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين}‪ 5‬أي‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫من النساء‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬المخلفون} هم المتركون في المدينة تركهم رسول ال صلى ال عليه وسلم والمؤمنون لنهم‬
‫غير أهل لصحبة رسول ال صلى ال عليه وسلم فلذاكره ال انبعاثهم فثبطهم أما هم فإنهم فرحوا‬
‫بتخلفهم عن رسول ال صلى ال عليه وسلم لنفاقهم وفسقهم‪.‬‬
‫‪{ 2‬خلف} لغة في خلف‪ ،‬واختير لفظ خلف إشارة إلى أن المنافقين يحبّون مخالفة رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم والمؤمنين‪ ،‬وقعودهم وإن كان بإذن فإنه مخالف لرادة رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم إذ الرسول صلى ال عليه وسلم أمر بالنفير العام وجاءوا هم يستأذنون في القعود‪.‬‬
‫ل وليبكوا في الخرة كثيرا‪ ،‬أو‬
‫‪{ 3‬فليضحكوا} أمر‪ ،‬ومعناه التهديد أي‪ :‬فليضحكوا في الدنيا قلي ً‬
‫هو أمر بمعنى الخير وهو صحيح إذ هذا هو حالهم ومنتهى أمرهم‪.‬‬
‫‪ 4‬قوله ‪{ :‬إلى طائفة} دليل على أن من المتخلفين ما كانوا منافقون ككعب بن مالك وهلل بن‬
‫أمية ومرارة بن الربيع العامري‪.‬‬
‫‪{ 5‬الخالفين} جمع خالف‪ ،‬كأنهم خلفوا الخارجين في ديارهم‪ ،‬واختيار لفظ الخالفين يحمل سبا لهم‬
‫وعيبا‪ ،‬إذ الخالفون النساء‪ ،‬وخلف الشيء إذا فسد‪ ،‬ومنه خلوف فم الصائم‪ ،‬ومنه خلف اللبن‪ :‬إذا‬
‫قد بطول المكث في الناء‪ ،‬وفي هذا دليل على أن استصحاب المخذل الفاسد في الغزوات ل يليق‪.‬‬

‫( ‪)2/405‬‬

‫والطفال فإن هذا يزيد في همهم ويعظم حسرتهم جزاء تخلفهم عن رسول ال وكراهيتهم الجهاد‬
‫بالمال والنفس في سبيل ال‪.‬‬
‫هداية اللت‬
‫من هداية اليات ‪:‬‬
‫‪ -1‬من علمات النفاق الفرح بترك طاعة ال ورسوله‪.‬‬
‫‪ -2‬من علمات النفاق كراهية طاعة ال ورسوله‪.‬‬
‫‪ -3‬كراهية الضحك والكثار منه ‪.1‬‬
‫‪ -4‬تعمد ترك الطاعة قد يسبب الحرمان منها‪.‬‬
‫حدٍ مّ ْنهُم مّاتَ أَبَدًا َولَ َتقُمْ عََلىَ قَبْ ِرهِ إِ ّنهُمْ َكفَرُواْ بِاللّ ِه وَرَسُولِ ِه َومَاتُو ْا وَهُمْ‬
‫صلّ عَلَى أَ َ‬
‫وَلَ ُت َ‬
‫سهُمْ‬
‫سقُونَ(‪َ )84‬ولَ ُتعْجِ ْبكَ َأ ْموَاُلهُ ْم وََأ ْولَدُهُمْ إِ ّنمَا يُرِيدُ الّلهُ أَن ُيعَذّ َبهُم ِبهَا فِي الدّنْيَا وَتَزْ َهقَ أَنفُ ُ‬
‫فَا ِ‬
‫وَهُمْ كَافِرُونَ(‪)85‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ول تصل على أحد ‪ :‬أي صلة الجنازة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ول تقم على قبره‪ :‬أي ل تتول دفنه والدعاء له كما تفعل مع المؤمنين‪.‬‬
‫وماتوا وهم فاسقون‪ :.‬أي خارجون عن طاعة ال ورسوله‪.‬‬
‫وتزهق أنفسهم‪ :‬أي تخرج أرواحهم بالموت وهم كافرون‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫ما زال السياق في شأن المنافقين المتخلفين عن غزوة تبوك‪ ،‬وإن كانت هذه الية‬
‫__________‬
‫‪ 1‬صح عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال‪" :‬وال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلً ولبكيتم كثيرا‬
‫صعُدات تجأرون إلى ال تعالى" وورد أن كثرة الضحك تميت القلب وكان النبي‬
‫ولخرجتم إلى ال ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم جل ضحكه البتسام‪.‬‬

‫( ‪)2/406‬‬

‫نزلت في ‪ 1‬شأن عبدال بن أبي بن سلول كبير المنافقين وذلك أنه لما مات طلب ولده الحباب‬
‫الذي سماه رسول ال صلى ال عليه وسلم عبدال وقال له الحباب اسم الشيطان وسماه عبدال‬
‫جاءه فقال يا رسول ال إن أبي قد مات فأعطني قميصك ‪ 2‬أكفنه فيه‪" ،‬رجاء بركته" وصل عليه‬
‫واستغفر له يا رسول ال فأعطاه رسول ال صلى ال عليه وسلم القميص وقال له إذا فرغتم‬
‫فآذنوني فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر وقال له‪ :‬أليس قد نهاك ال أن تصلي على المنافقين‬
‫فقال بل خيرني فقالوا استغفر لهم أو ل تستغفر لهم ‪ .‬فصلى عليه فأنزل ال تعالى هذه الية {ول‬
‫تصل على أحد منهم ‪ 3‬فات أبدا‪ ،‬ول تقم على قبره} أي ل تتول دفنه والدعاء له بالتثبيت عند‬
‫المسألة‪ .‬وعلل تعالى لهذا الحكم بقوله {إنهم كفروا بال ورسوله وماتوا وهم فاسقون} ‪ ،‬وقوله {ول‬
‫تعجبك أموالهم وأولدهم} أي ل تصل ‪ 4‬على أحد منهم مات يا رسول ال {ول تعجبك أموالهم‬
‫وأولدهم} فتصلي عليهم‪ .‬إني إنما أعطيتهم ذلك ل كرامة لهم وإنما لعذبهم بها في الدنيا بالغموم‬
‫والهموم {وتزهق أنفسهم} أي ويموتوا {وهم كافرون} فسينقلون إلى عذاب أبدي ل يخرجون منه‪،‬‬
‫وذلك جزاء من كفر بال ورسوله‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬حرمة الصلة على الكافر مطلقا‪.‬‬
‫‪ -2‬حرمة غسل الكافر والقيام على دفنه والدعاء له‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روى البخاري عن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪" :‬فصلى عليه رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ثم انصرف فلم يمكث إل يسيرا حتى نزلت اليتان من براءة‪{ :‬ول تصل على أحد منهم‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫مات أبدا } وما في التفسير من خبر ابن أبيّ رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ 2‬فإن قيل‪ :‬كيف يعطي الرسول صلى ال عليه وسلم قميصه ليكفن فيه رئيس المنافقين وكيف‬
‫صلى عليه واستغفر له وهو يعلم أنّه منافق؟ والجواب‪ :‬أما اعطاؤه ثوبه ليكفن فيه فقد سبق أن‬
‫أعطى عبدال بن أبي ثوبا للعباس عم الرسول صلى ال عليه وسلم فحفظ له هذه اليد فأعطاه ثوبه‬
‫وأما الصلة عليه فقد كانت قبل نهي ال تعالى عنها‪ ،‬وأما الستغفار فقد خير فيه بقوله { استغفر‬
‫لهم أو ل تستغفر لهم} فرأى صلى ال عليه وسلم في استغفاره استئلفا للقلوب ففعل‪.‬‬
‫‪ 3‬في الية دليل على فرضية الصلة على أموات المسلمين‪ ،‬ول خلف في هذا بين أهل العلم‪،‬‬
‫وفي الية إحدى موافقات عمر رضي ال عنه إذ أنزل ال تعالى هذا الحكم وهر ترك الصلة‬
‫على المنافقين بعد أن قال عمر‪ :‬أليس قد نهاك ال أن تصلي على المنافقين‪ ،‬فالصلة هنا هي‬
‫الدعاء والستغفار فلما صلى عليه نزلت الية {ول تصل على أحد ‪ }..‬الخ فترك الصلة على‬
‫المنافقين‪.‬‬
‫‪ 4‬صلة الجنازة هي‪ :‬أن يكبر ثم يقرأ الفاتحة ثم يكبر ويصلي على النبي صلى ال عليه وسلم ثم‬
‫يكبر ويدعو للميت‪ ،‬ثم يكبر الرابعة ويسلم لفعل الرسول صلى ال عليه وسلم هذا وقوله‪ " :‬إذا‬
‫صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء" رواه أبو داود‪ ،‬ويستحب أن يقف المام عند رأس الرجل‪،‬‬
‫وعجيزة المرأة ‪ ،‬لورود الحديث بذلك في مسلم وأبي داود‪.‬‬

‫( ‪)2/407‬‬

‫‪ -3‬كراهة الصلة على أهل الفسق دون الكفر‪.‬‬


‫‪ -4‬حرمة العجاب بأحوال الكافرين المادية‪.‬‬
‫ط ْولِ مِ ْنهُ ْم َوقَالُواْ ذَرْنَا َنكُن‬
‫وَإِذَآ أُنزَِلتْ سُو َرةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَ َنكَ ُأوْلُواْ ال ّ‬
‫خوَاِلفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُو ِبهِمْ َفهُ ْم لَ َي ْفقَهُونَ(‪َ )87‬لكِنِ‬
‫مّعَ ا ْلقَاعِدِينَ(‪َ )86‬رضُواْ بِأَن َيكُونُواْ مَعَ ا ْل َ‬
‫ت وَُأوْلَ ِئكَ هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ(‬
‫سهِمْ وَُأوْلَئِكَ َلهُمُ الْخَيْرَا ُ‬
‫ل وَالّذِينَ آمَنُواْ َمعَهُ جَا َهدُواْ بَِأ ْموَاِلهِمْ وَأَنفُ ِ‬
‫الرّسُو ُ‬
‫‪ )88‬أَعَدّ اللّهُ َل ُهمْ جَنّاتٍ َتجْرِي مِن تَحْ ِتهَا الَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا ذَِلكَ ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ(‪ )89‬وَجَاء‬
‫ن الَعْرَابِ لِ ُي ْؤذَنَ َلهُ ْم َو َقعَدَ الّذِينَ كَذَبُواْ الّل َه وَرَسُولَهُ سَ ُيصِيبُ الّذِينَ َكفَرُواْ مِ ْنهُمْ‬
‫ا ْل ُمعَذّرُونَ مِ َ‬
‫عَذَابٌ أَلِيمٌ(‪)90‬‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫استأذنك ‪ :‬أي طلبوا إذنك لهم بالتخلف‪.‬‬
‫أولوا الطول منهم ‪ :‬أي أولو الثروة والغنى‪.‬‬
‫ذرنا نكن مع القاعدين ‪ :‬أي اتركنا مع المتخلفين من العجزة والمرضى والطفال والنساء‪.‬‬
‫مع الخوالف‪ :‬أي مع النساء جمع خالفة المرأة تخلف الرجل في البيت إذا غاب‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/408‬‬

‫طبع على قلوبهم‪ :‬أي توالت ذنوبهم على قلوبهم فأصبحت طابعا عليها فحجبتها المعرفة‪.‬‬
‫لهم الخيرات ‪ :‬أي في الدنيا بالنصر والغنيمة‪ .‬وفي الخرة بالجنة والكرامة فيها‪.‬‬
‫وأولئك هم المفلحون ‪ :‬أي الفائزون بالسلمة من المخوف والظفر بالمحبوب‪.‬‬
‫المعذرون‪ :‬أي المعتذرون‪.‬‬
‫وقعد الذين كذبوا ال‪ :‬أي ولم يأت إلى طلب الذن بالقعود عن الجهاد منافقوا العراب‪.‬‬
‫معنى اليات‪.:‬‬
‫ما زال السياق في كشف عورات المنافقين وبيان أحوالهم فقال تعالى {وإذا أنزلت ‪ 1‬سورة} أي‬
‫قطعة من القرآن آية أو آيات {أن آمنوا بال وجاهدوا مع ‪ 2‬رسوله} أي تأمر باليمان بال والجهاد‬
‫مع رسوله {استأذنك أولوا الطول منهم ‪ }3‬أي من المنافقين {وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين} أي‬
‫المتخلفين عن الجهاد للعجز كالمرضى والنساء والطفال قال تعالى‪ :‬في عيبهم وتأنيبهم {رضوا‬
‫بأن يكونوا مع الخوالف} أي مع النساء وذلك لجبنهم وهزيمتهم النفسية وقوله تعالى {وطبع على‬
‫قلوبهم} أي طبع ال على قلوبهم بآثار ذنوبهم التي رانت على قلوبهم فلذ ا هم ل يفقهون معنى‬
‫الكلم وإل لما رضوا بوصمة العار وهي أن يكونوا في البيوت مع النساء هذه حال المنافقين‬
‫وتلك فضائحهم إذا أنزلت سورة تأمر باليمان والجهاد يأتون في غير حياء ول كرامة يستأذنون‬
‫في البقاء مع النساء (لكن ‪ 4‬الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم} ولم يستأذنوا‬
‫ففازوا بكرامة الدنيا‬
‫__________‬
‫‪ 1‬السورة‪ .‬طائفة من آيات القران لها مبدأ ومختم‪ ،‬والمراد بالسورة هنا‪ :‬هذه السورة (التوبة) أو‬
‫بعض آياتها المرة بالجهاد واليمان‪.‬‬
‫‪{ 2‬أن آمنوا} أن‪ :‬تفسيرية فسرت مضمون السورة وهو اليمان والجهاد‪.‬‬
‫‪ 3‬أي‪ :‬في القعود والتخلف عن الجهاد وهم أصحاب القدرة على الجهاد لصحة أجسامهم وكثرة‬
‫أموالهم أما العجزة فإنهم غير مأمورين بالجهاد‪ ،‬والطول معنا‪ :‬الغنى والقدرة المالية‪.‬‬
‫‪ 4‬قوله‪{ :‬لكن} الخ استدراك بيّن فيه تعالى حال الرسول صلى ال عليه وسلم والمؤمنين وأنها‬
‫أكمل الحوال بعد ذكر حال المنافقين وما هم عليه من صفات النقص آذ أخبر أنهم لجبنهم يطلبون‬
‫القعود عن الجهاد وأنهم لما ران على قلوبهم من أوضار الكفر والفسق ل يفقهون الكلم ول‬
‫يعرفون ما يضرهم ول ما ينفعهم بخلف الرسول والمؤمنين فقد ذكر صفاتهم الكمالية‪ ،‬وهي‬
‫الجهاد بالمال والنفس وما فازوا به من عظيم الخيرات‪ ،‬وما آلوا إليه من الفلح وهو النجاة من‬
‫المرهوب والظفر بالمحبوب‪.‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/409‬‬

‫والخرة قال تعالى {وأولئك لهم الخيرات} ‪ 1‬أي في الدنيا بالنتصارات والغنائم وفي الخرة‬
‫بالجنة ونعيمها ورضوان ال فيها‪ .‬وقال {وأولئك هم المفلحون} أي الفائزون بالسلمة من كل‬
‫مرهوب وبالظفر بكل مرغوب وفسر تعالى تلك الخيرات وذلك الفلح بقوله في الية (‪ )89‬فقال‬
‫{أعد ال لهم جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها} وأخبر عما أعد لهم من ذلك النعيم المقيم‬
‫بأنه الفوز فقال {ذلك الفوز العظيم}‪ .‬هذا ما دلت عليه اليات الربع أما الية الخامسة (‪ )90‬فقد‬
‫تضمنت إخبار ال تعالى عن منافقي العراب أي البادية‪ ،‬فقال تعالى {وجاء المعذرون ‪ }2‬أي‬
‫المعتذرون أدغمت التاء في الذال فصارت المعذرون من العراب أي من سكان البادية كأسد‬
‫وغطفان ورهط عامر بن الطفيل جاءوا يطلبون الذن من رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بالتخلف بدعوى الجهد والمخمصة‪ ،‬وقد يكونون معذورين حقا وقد ل يكونون كذلك‪ .‬وقوله {وقعد‬
‫الذين كذبوا ال ورسوله} في دعوى اليمان بال ورسوله وما هم بمؤمنين بل هم كافرون‬
‫منافقون‪ ،‬فلذا مال تعالى فيهم {سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم} في الدنيا وفي الخرة‪ ،‬إن‬
‫ماتوا على كفرهم‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬القرآن هو مصدر التشريع اللهي الول والسنة الثاني‪.‬‬
‫‪ -2‬مشروعية الستئذان للحاجة الملحة‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمة الستئذان للتخلف عن الجهاد مع القدرة عليه‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة التخلف عن الجهاد بدون إذن من المام‪.‬‬
‫‪ -5‬فضل الجهاد بالمال والنفس في سبيل ال‪.‬‬
‫‪ -6‬بيان عظم الجر وعظيم الجزاء لهل اليمان والجهاد‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬الخيرات‪ :‬جمع خير على غير قياس كسرادقات‪ ،‬وحمامات جمع سرادق وحمام‪.‬‬
‫‪{ 2‬المعذرون} هذا اللفظ صالح لن يكون المراد به المعتذرون لعلل قامت بهم وصالح لن يكون‬
‫المراد به المعذرون وهم الذين ل عذر لهم ويعتذرون بغير حق موجب للعذر يقال‪ :‬عذر فلن‪:‬‬
‫إدا قصّر في الواجب واعتذر بدون عذر قام به‪ .‬وهذا من بلغة القرآن‪ ،‬اللفظ الواحد منه يحتمل‬
‫وجهين وكلهما حق ومراد‪.‬‬

‫( ‪)2/410‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫ن لَ َيجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا َنصَحُواْ ِللّهِ‬
‫ض َعفَاء وَلَ عَلَى ا ْلمَ ْرضَى َولَ عَلَى الّذِي َ‬
‫لّيْسَ عَلَى ال ّ‬
‫حمَِلهُمْ‬
‫غفُورٌ رّحِيمٌ(‪َ )91‬ولَ عَلَى الّذِينَ إِذَا مَا أَ َت ْوكَ لِ َت ْ‬
‫ل وَاللّهُ َ‬
‫حسِنِينَ مِن سَبِي ٍ‬
‫وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ا ْلمُ ْ‬
‫حمُِلكُمْ عَلَ ْيهِ َتوَلّواْ وّأَعْيُ ُنهُمْ َتفِيضُ مِنَ ال ّدمْعِ حَزَنًا َألّ يَجِدُواْ مَا يُن ِفقُونَ(‪)92‬‬
‫قُ ْلتَ لَ َأجِدُ مَا أَ ْ‬
‫شرح الكلمات ‪:‬‬
‫على الضعفاء‪ :‬أي كالشيوخ‪.‬‬
‫ول على المرضى‪ :‬كالعمى وال َزمْنَى‪.‬‬
‫حرج‪ :‬أي إثم على التخلف‪.‬‬
‫إذا نصحوا ل ورسوله‪ :‬أي ل حرج عليهم في التخلف إذا نصحوا ل ورسوله وذلك بطاعتهم ل‬
‫ورسوله مع تركهم الرجاف والتثبيط‪.‬‬
‫ما على المحسنين من سبيل ‪ :‬أي من طريق إلى مؤاخذتهم‪.‬‬
‫لتحملهم ‪ :.‬أي على رواحل يركبونها‪.‬‬
‫تولوا "‪ :‬أي رجعوا إلى بيوتهم‪.‬‬
‫تفيض من الدمع ‪ :‬أي تسيل بالدموع الغزيرة حزنا على عدم الخروج‪.‬‬
‫معنى اليتين‪:‬‬
‫لما ندد تعالى بالمتخلفين وتوعد بالعذاب الليم الذين لم يعتذروا منهم ذكر في هذه اليات أنه ل‬
‫حرج على أصحاب العذار وهم الضعفاء‪ ،‬كالشيوخ والمرضى والعميان وذوو العرج ‪ 1‬والفقراء‬
‫الذين ل يجدون ما ينفقون ولكن بشرط نصحهم ل ورسوله فقال عز‬
‫__________‬
‫‪ 1‬شاهده في سورة الفتح‪{ :‬ليس على العمى حرج ول على العرج حرج ول على المريض‬
‫حرج} وقوله تعالى‪{ :‬ل يكلف ال نفسا إل وسعها}‪.‬‬

‫( ‪)2/411‬‬

‫وجل {ليس على الضعفاء ول على المرضى ول على الذين ل يجدون ما ينفقون حرج} أي إثم‬
‫{إذا نصحوا ل ورسوله} ‪ 1‬ومعنى النصح ل ورسوله طاعتهما في المر والنهي وترك الرجاف‬
‫والتثبيط والدعاية المضادة ل ورسوله والمؤمنين والجهاد في سبيل ال وقوله تعالى {ما على‬
‫المحسنين من سبيل} أي ليس على من أحسنوا في تخلفهم لنه أولً بعذر شرعي ‪ 2‬وثانيا هم‬
‫مطيعون ل ورسوله وثالثا قلوبهم ووجوههم مع ال ورسوله وإن تخلفوا بأجسادهم للعذر فهؤلء‬
‫ما عليهم من طريق إلى انتقاصهم أو أذيتهم بحال من الحوال‪ ،‬كما ليس من سبيل {على الذين إذا‬
‫ما أتوك لتحملهم} إلى الجهاد معك في سيرك {قلت} معتذرا إليهم {ل أجد ما أحملكم عليه تولوا}‬
‫أي رجعوا إلى منازلهم وهم يبكون والدموع تفيض من أعينهم ‪ 3‬حزنا {أل يجدوا ما ينفقون} في‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫سيرهم معكم وهم نفر منهم العرباص بن سارية وبنو مقرن وهم بطن من مزينة رضي ال تعالى‬
‫عنهم أجمعين‪.‬‬
‫هداية اليتين‬
‫من هداية اليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬ل حرج على أصحاب العذار الذين ذكر ال تعالى في قوله {ليس على العمى حرج ول‬
‫على العرج حرج ول على المريض حرج} وفي هذه الية {ول على الذين ل يجدون ما ينفقون}‬
‫حرج وبشرط طاعة ال والرسول فيما يستطيعون والنصح ‪ 4‬ل والرسول بالقول والعمل وترك‬
‫التثبيط والتخذيل والرجاف من الشاعات المضادة للسلم والمسلمين‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قال القرطبي‪{ :‬نصحوا ا ل ورسوله} إذا عرفوا الحق وأحبّوا أولياءه وأبغضوا أعداءه‪ ،‬ومع‬
‫قبول أعذار أصحاب العذار فقد خرج ابن أم مكتوم إلى أحد وهو رجل أعمى‪ ،‬وطلب أن يعطى‬
‫الراية ليحملها‪ ،‬وخرج عمرو بن الجموح وهو أعرج خرج إلى أحد فقال له رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪" :‬إنّ ال قد عذرك" فقال‪ :‬وال لحفرنّ بعرجتي هذه في الجنة‪.‬‬
‫‪ 2‬روى أبو داود عن أنس رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬لقد تركتم‬
‫بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ول أنفقتم من نفقة ول قطعتم من وا ٍد إلّ وهم معكم فيه‪ ،‬قالوا‪ :‬يا‬
‫رسول ال وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ قال‪ :‬حبسهم العذر؟"‬
‫‪{ 3‬حزنا} منصوب على أنه مفعول لجله‪ ،‬وجملة‪{ :‬وأعينهم}‪ :‬حال من {تولوا}‪.‬‬
‫‪ 4‬النصح‪ :‬إخلص العمل من الغش يقال‪ :‬نصح الشيء‪ :‬إذا خلص‪ ،‬ونصح له القول‪ :‬أي أخلصه‬
‫له‪ .‬وفي صحيح مسلم عن تميم الداري رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬الدين‬
‫النصحية‪ -‬ثلثا‪ -‬قلنا لمن يا رسول ال قال‪ :‬ل ولكتابه ولرسوله ولئمة المسلمين وعامتهم" ذكر‬
‫القرطبي معاني هذه النصائح بالتفصيل عند تفسير هذه الية فليرجع إليها من طلب ذلك‪.‬‬

‫( ‪)2/412‬‬

‫‪ -2‬مظاهر الكمال المحمدي في تواضعه ورحمته وبره وإحسانه إلى المؤمنين‪.‬‬


‫‪ -3‬بيان ما كان عليه أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم من المهاجرين والنصار من اليمان‬
‫واليقين والسمع والطاعة والمحبة والولء ورقة القلوب وصفاء الرواح‪.‬‬
‫اللهم إنا نحبهم بحبك فأحببنا كما أحببتهم واجمعنا معهم في دار كرامتك‪.‬‬

‫( ‪)2/413‬‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫الجزء الحادي عشر‬
‫ف وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى‬
‫خوَاِل ِ‬
‫ك وَهُمْ أَغْنِيَاء َرضُواْ بِأَن َيكُونُواْ َمعَ الْ َ‬
‫إِ ّنمَا السّبِيلُ عَلَى الّذِينَ يَسْتَأْذِنُو َن َ‬
‫جعْتُمْ إِلَ ْيهِمْ قُل لّ َتعْتَذِرُواْ لَن ّن ْؤمِنَ َلكُمْ َقدْ نَبّأَنَا الّلهُ‬
‫قُلُو ِبهِمْ َفهُ ْم لَ َيعَْلمُونَ(‪َ )93‬يعْ َتذِرُونَ ِإلَ ْيكُمْ إِذَا رَ َ‬
‫شهَا َدةِ فَيُنَبّ ُئكُم ِبمَا كُنتُمْ‬
‫عمََل ُك ْم وَرَسُولُهُ ثُمّ تُرَدّونَ إِلَى عَالِمِ ا ْلغَ ْيبِ وَال ّ‬
‫مِنْ أَخْبَا ِر ُك ْم وَسَيَرَى اللّهُ َ‬
‫َت ْعمَلُونَ(‪ )94‬سَيَحِْلفُونَ بِاللّهِ َل ُكمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَ ْيهِمْ لِ ُتعْ ِرضُواْ عَ ْنهُمْ فَأَعْ ِرضُواْ عَ ْنهُمْ إِ ّن ُهمْ رِجْسٌ‬
‫ضوْاْ عَ ْنهُمْ فَإِنّ الّلهَ‬
‫ضوْاْ عَ ْن ُهمْ فَإِن تَ ْر َ‬
‫جهَنّمُ جَزَاء ِبمَا كَانُواْ َيكْسِبُونَ(‪َ )95‬يحِْلفُونَ َل ُكمْ لِتَ ْر َ‬
‫َومَأْوَا ُهمْ َ‬
‫سقِينَ(‪)96‬‬
‫لَ يَ ْرضَى عَنِ ا ْل َقوْمِ ا ْلفَا ِ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫إنما السبيل‪ :‬أي الطريق إلى المعاقبة‪.‬‬
‫أغنياء‪ :‬واجدون لهبة الجهاد مع سلمة أبدانهم‪.‬‬
‫الخوالف ‪ :‬أي النساء والطفال والعجزة‪.‬‬
‫إذا رجعتم إليهم‪ :‬أي إذا عدتم إليهم من تبوك‪ ،‬وكانوا بضعا وثمانين رجلً‪.‬‬
‫لن نؤمن لكم ‪ :‬أي لن نصدقكم فيما تقولون‪.‬‬
‫ثم تُ َردّون ‪ :‬أي يوم القيامة‪.‬‬
‫إذا انقلبتم ‪ :‬أي رجعتم من تبوك‪.‬‬

‫( ‪)2/414‬‬

‫لتُعرِضوا عنهم ‪ :‬أي ل تعاقبوهم‪.‬‬


‫رجس‪ :‬أي نَجَس لخُبْث بواطنهم‪.‬‬
‫معنى اليات‪.:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في ال ُمخَلّفين من المنافقين وغير المنافقين فقال تعالى { إنما ‪ 1‬السبيل} أي‬
‫الطريق إلى عقاب المخلّفين على الذين يستأذنونك في التخلّف عن الغزو وهم أغنياء أي ذوو قُدرة‬
‫‪ 2‬على النفقة والسير {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} أي النساء {وطبع ال على قلوبهم} بسبب‬
‫ذنوبهم فهم لذلك ل يعلمون أن تخلفهم عن رسول ال ل يُجديهم نفعا وأنه يجرّ عليهم البلء الذي‬
‫ل يطيقونه‪ .‬هؤلء هُم الذين لكم سبيل على عقابهم ومؤاخذتهم‪ ،‬ل على الذين ل يجدون ما‬
‫ينفقون‪ ،‬وطلبوا منك حملنا فلم تجد ما تحملهم عليه فرجعوا إلى منازلهم وهم يبكون حزنا‪ .‬هذا‬
‫ما دلت عليه الية الولى (‪ )93‬أما اليات الثلث بعدها فهي في المخلّفين من المنافقين يخبر‬
‫تعالى عنهم فيقول {يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم} يطلبون العذر منكم إذا رجعتم إلى المدينة من‬
‫غزوكم‪ .‬قل لهم يا رسولنا ل تعتذروا لننا ل نؤمن لكم أي ل نصدقكم فيما تقولونه‪ ،‬لن ال‬
‫تعالى قد نَبّأنَا من أخباركم ‪ 3‬وسيرى ال عملكم ‪ 4‬ورسوله‪ .‬إن أنتم تبتم فأخلصتم دينكم ل‪ ،‬أو‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫أصررتم على كفركم ونفاقكم‪ ،‬وستُردّون بعد موتكم إلى عالم الغيب والشهادة وهو ال تعالى‬
‫فينبئكم يوم القيامة بعد بعثكم بما كنتم تعملون من حسنات أو سيئآت ويجزيكم بذلك الجزاء العادل‪.‬‬
‫وقوله تعالى {سيحلفون ‪ 5‬بال لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم} يخبر تعالى رسوله والمؤمنين‬
‫فيقول سيحلف لكم هؤلء المخلّفون إذا رجعتم إليهم أي إلى المدينة من أجل أن تعرضوا عنهم‬
‫فأعرضوا ‪ 6‬عنهم أي ل تؤاخذوهم ول تلتفوا إليهم إنهم رجْس أي َنجَس‪ ،‬ومأواهم جهنم جزاء لهم‬
‫بما كانوا يكسبونه من‬
‫__________‬
‫‪ 1‬أي‪ :‬العقوبة والثم‪.‬‬
‫‪ 2‬هؤلء هم المنافقون تردد ذكرهم تنديدا بهم وكشفا لحالهّم وتحذيرا من سلوكهم‪.‬‬
‫‪ 3‬أي‪ :‬أطلعنا على سرائركم وما تخفي نفوسكم‪.‬‬
‫‪ 4‬أي‪ :‬ما تستأنفونه من أعمال بعد اليوم صالحة أو طالحة‪.‬‬
‫‪ 5‬أي‪ :‬بأنهم ما قدروا على الخروج لعذار لهم يدّعونها كذبا لتصفحوا عنهم‪ ،‬وتتركوا لومهم‬
‫وعتابهم‪.‬‬
‫‪ 6‬الفاء تفريعية أي‪ :‬إذا كانوا يريدون العراض عنكم فأعرضوا عنهم وجملة‪{ :‬إنهم رجس} ‪:‬‬
‫تعليلية أي علة للذن لهم بالعراض عنهم يريد‪ :‬إنهم ذوو رجس‪.‬‬

‫( ‪)2/415‬‬

‫الكفر والنفاق والمعاصي‪ ..‬وقوله تعالى {يحلفون لكم} ‪ 1‬معتذرين بأنواع من المعاذير لترضوا‬
‫عنهم فإن ترضوا عنهم فلن ينفعهم رضاكم شيئا لنهم فاسقون وال ل يرضى عن القوم الفاسقين‬
‫وما دام ل يرضى عنهم فهو ساخط عليهم‪ ،‬ومن سخط ال عليه أهلكه وعذبه فلذا رضاكم عنهم‬
‫وعدمه سواء‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬ل سبيل إلى أذِيّة المؤمنين الصادقين إذا تخلّفوا فإنهم ما تخلفوا إل لعذر‪ .‬وإنما السبيل على‬
‫الغنياء القادرين على السير إلى الجهاد وقعدوا عنه لنفاقهم‪.‬‬
‫‪ -2‬مشروعية العتذار على شرط أن يكون المؤمن صادقا في اعتذاره‪.‬‬
‫‪ -3‬المنافقون كالمشركين رجْس أي نَجَس لن بواطنهم خبيثة بالشرك والكفر وأعمالهم الباطنة‬
‫خبيثة أيضا إذْ كلها تآمر على المسلمين ومكر بهم وكيد لهم‪.‬‬
‫‪ -4‬حرمة الرضا على الفاسق المجاهر بفسقه‪ ،‬إذ يجب ُبغْضه فكيف يُرضى عنه ويُحب؟‬
‫حكِيمٌ(‪)97‬‬
‫جدَرُ َألّ َيعَْلمُواْ حُدُودَ مَا أَن َزلَ اللّهُ عَلَى رَسُوِل ِه وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫الَعْرَابُ َأشَدّ ُكفْرًا وَ ِنفَاقًا وَأَ ْ‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫علِيمٌ(‬
‫سمِيعٌ َ‬
‫سوْ ِء وَالّلهُ َ‬
‫خذُ مَا يُنفِقُ َمغْ َرمًا وَيَتَرَ ّبصُ ِب ُكمُ ال ّدوَائِرَ عَلَ ْي ِهمْ دَآئِ َرةُ ال ّ‬
‫َومِنَ الَعْرَابِ مَن يَتّ ِ‬
‫‪َ )98‬ومِنَ الَعْرَابِ مَن ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه وَالْ َيوْ ِم الخِ ِر وَيَتّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ الّل ِه َوصَلَوَاتِ الرّسُولِ‬
‫غفُورٌ رّحِيمٌ(‪)99‬‬
‫حمَتِهِ إِنّ اللّهَ َ‬
‫أَل إِ ّنهَا قُرْبَةٌ ّلهُمْ سَيُ ْدخُِلهُمُ اللّهُ فِي رَ ْ‬
‫شرح الكلمات ‪:‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المراد به‪ :‬عبدال بن أبيّ إذ حلف أن ل يتخلّف بعد اليوم عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وطلب أن يرضى عنه‪.‬‬

‫( ‪)2/416‬‬

‫العراب ‪ : 1‬جمع أعرابي وهو من سكن البادية‪.‬‬


‫أشد كفرا ونفاقا‪ :‬أي من كفار ومنافقي الحاضرة‪.‬‬
‫وأجدر ‪ :2‬أي أحق وأولى‪.‬‬
‫حدود ما أنزل ال ‪ :‬أي بشرائع السلم‪.‬‬
‫مغرما‪ :‬أي غرامة وخسرانا‪.‬‬
‫ويتربص‪ :‬أي ينتظر‪.‬‬
‫الدوائر‪ :‬جمع دائرة‪ :‬ما يحيط بالنسان من مصيبة أو نكبة‪.‬‬
‫دائرة السوء‪ :‬أي المصيبة التي تسوءهم ول تسرهم وهي الهلك‪.‬‬
‫قربات‪ :‬جمع قربة وهي المنزلة المحمودة‪.‬‬
‫وصلوات الرسول‪ :‬أي دعاؤه لهم بالخير‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق الكريم في الكشف عن المنافقين وإعدادهم للتوبة أو للقضاء عليهم ففي الية الولى‬
‫حضَر‬
‫(‪ )97‬يخبر تعالى أن العراب ‪ 3‬وهم سكان البادية من العرب أشد كفرا ونفاقا من كفار ال َ‬
‫ومنافقيهم‪ .‬وإنهم أجدر أي أخلق وأحق أي بأن ل يعلموا حدود ما أنزل ال على رسوله أي من‬
‫الحكام ‪ 4‬والسنن وذلك لبعدهم عن التصال بأهل الحاضرة وقوله تعالى {وال عليم حكيم} أي‬
‫عليم بخلقه حكيم في شرعه فما أخبر به هو الحق الواقع‪ ،‬وما قضى به هو العدل الواجب‪ .‬وقوله‬
‫تعالى في الية الثانية (‪{ )98‬ومن العراب من يتخذ ما ينفق مغرما}‪ 5‬أي من بعض العراب من‬
‫يجعل ما ينفقه في الجهاد غرامة لزمَتْه وخسارة لحقَتْه في ماله وذلك لنه ل يؤمن بالثواب‬
‫والعقاب الخروي‬
‫__________‬
‫‪ 1‬والعرب‪ :‬جيل من الناس واحدهم عربي وهم أهل المصار‪ ،‬والعرب العاربة‪ :‬هم الخلص‪،‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫والمستعربة هم الذين ليسوا بخلّص كأولد إسماعيل عليه السلم‪ ،‬ويعرب بن قحطان هو أوّل من‬
‫تكلّم بالعربية وهو أبو اليمن كلها‪.‬‬
‫‪{ 2‬أجدر} مأخوذ من جدر الحائط وهو رفعه بالبناء‪.‬‬
‫‪ 3‬لمّا ذكر تعالى حال منافقي الحضر ذكر هنا حال منافقي البادية ليُعرف الجميع‪.‬‬
‫‪ 4‬وكذلك ل يعلمون حجج ال تعالى في ألوهيته وبعثة رسوله لقلّة نظرهم وسوء فهمهم‪ ،‬ولذا ل‬
‫حق لهم في الفيء‪ ،‬والغنيمة إل أن يجاهدوا أو يتحولوا إلى الحواضر ويتركوا البادية لحديث‬
‫مسلم‪ .‬واختلف في صحة شهادة البادي على الحاضر‪ ،‬والراجح أنها تصح إذا كان عدلً‪ .‬وتكره‬
‫إمامتهم لهل الحضر عند مالك‪ ،‬وذلك لجهلهم بالشريعة وتركهم الجمعة‪.‬‬
‫‪ 5‬أي غرما وخسرانا‪ ،‬وأصله لزوم الشيء‪ ،‬ومنه {إن عذابها كان غراما} أي‪ :‬لزما‪.‬‬

‫( ‪)2/417‬‬

‫لنه كافر بال ولقاء ال تعالى‪ .‬وقوله عز وجل {ويتربص بكم الدوائر} أي وينتظر بكم أيها‬
‫المسلمون الدوائر متى تنزل بكم فيتخلص منكم ومن النفاق لكم والدوائر جمع دائرة المصيبة‬
‫والنازلة من الحداث وقوله تعالى {عليهم دائرة السوء}‪ 1‬هذه الجملة دعاء عليهم‪ .‬جزاء ما‬
‫يتربصون بالمؤمنين‪ .‬وقوله {وال سميع عليم} أي سميع لقوالهم عليم بنيانهم فلذا دعا عليهم بما‬
‫يستحقون‪ .‬وقوله تعالى في الية الثالثة (‪{ )99‬ومن العراب من يؤمن بال واليوم الخر ‪ 2‬ويتخذ‬
‫ما ينفق قربات عند ال وصلوات الرسول}‪ 3‬إخبار منه تعالى بأن العراب ليسوا سواء بل منهم‬
‫من يؤمن بال واليوم الخر‪ ،‬فلذا هو يتخذ ما ينفق من نفقة في الجهاد قربات عند ال أي قربا‬
‫يتقرب بها إلى ال تعالى‪ ،‬ووسيلة للحصول على دعاء الرسول له‪ ،‬لن الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم كان إذا أتاه المؤمن بزكاته أو صدقته يدعو له بخير‪ ،‬كقوله لعبد ال بن أبي أوفى‪ :‬اللهم‬
‫صل على آل أبي أوفى‪ ،‬وقوله تعالى {أل إنها قربة لهم} إخبار منه تعالى بأنه تقبلها منهم صارت‬
‫قربة ‪ 4‬لهم عنده تعالى‪ ،‬وقوله تعالى {سيدخلهم ال في رحمته} بشرى لهم بدخول الجنة‪ ،‬وقوله‬
‫{إن ال غفور رحيم} يؤكد وعد ال تعالى لهم بإدخالهم في رحمته التي هي الجنة فإنه يغفر ذنوبهم‬
‫أولً‪ ،‬ويدخلهم الجنة ثانيا هذه سنته تعالى في أوليائه‪ ،‬يطهرهم ثم ينعم عليهم بجواره‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان أن سكان البادية يُحرمون من كثير عن الداب والمعارف فلذا سكن البادية غير محمود‬
‫إل إذا كان فرارا من الفتن‪.‬‬
‫‪ -2‬من العراب المؤمن والكافر والبر والتقي والعاصي والفاجر كسكان المدن إل أن كفار البادية‬
‫ومنافقيها أشد كفرا ونفاقا لتأثير البيئة‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫‪ -3‬فضل النفقة في سبيل ال والخلص فيها ل تعالى‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬قرىء {السوء} بالفتح والضم إل قوله‪{ :‬وما كان أبوك امرأ سوء}‪ ،‬فإنه بالفتح ل غير‪ ،‬إذ السُوء‬
‫بالضم‪ :‬المكروه‪ ،‬والسوء بالفتح‪ :‬الفساد‪ .‬امرؤ سوء‪ :‬أي‪ :‬فاسد‪.‬‬
‫‪ 2‬قيل‪ :‬هم بنو ُمقَرّن من مزينة‪.‬‬
‫‪ 3‬صلوات الرسول هي استغفاره ودعاؤه لهم بالخير والبركة‪.‬‬
‫‪ 4‬أي‪ :‬تقرّبهم من ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)2/418‬‬

‫ضيَ اللّهُ عَ ْن ُه ْم وَ َرضُواْ‬


‫ن وَالَنصَارِ وَالّذِينَ اتّ َبعُوهُم بِِإحْسَانٍ ّر ِ‬
‫لوّلُونَ مِنَ ا ْل ُمهَاجِرِي َ‬
‫وَالسّا ِبقُونَ ا َ‬
‫حوَْلكُم‬
‫عَنْ ُه وَأَعَدّ َلهُمْ جَنّاتٍ َتجْرِي تَحْ َتهَا الَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَ َبدًا ذَِلكَ ا ْلفَوْزُ ا ْلعَظِيمُ(‪َ )100‬و ِممّنْ َ‬
‫ق لَ َتعَْل ُمهُمْ َنحْنُ َنعَْل ُمهُمْ سَ ُنعَذّ ُبهُم مّرّتَيْنِ‬
‫ن الَعْرَابِ مُنَا ِفقُونَ َومِنْ أَ ْهلِ ا ْل َمدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ال ّنفَا ِ‬
‫مّ َ‬
‫ل صَالِحًا وَآخَرَ سَيّئًا عَسَى‬
‫عمَ ً‬
‫عذَابٍ عَظِيمٍ(‪ )101‬وَآخَرُونَ اعْتَ َرفُواْ بِذُنُو ِبهِمْ خَلَطُواْ َ‬
‫ثُمّ يُ َردّونَ إِلَى َ‬
‫غفُورٌ رّحِيمٌ(‪)102‬‬
‫اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَ ْي ِهمْ إِنّ الّلهَ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫والسابقون ‪ :‬أي إلى اليمان والهجرة والنصرة والجهاد‪.‬‬
‫اتبعوهم بإحسان‪ :‬أي في أعمالهم الصالحة‪.‬‬
‫رضي ال عنهم ‪ :‬بسبب طاعتهم له وإنابتهم إليه وخشيتهم منه ورغبتهم فيما لديه‪.‬‬
‫ورضوا عنه‪ :‬بما أنعم عليهم من جلئل النعم وعظائم المِنَنْ‪.‬‬
‫وممن حولكم‪ :‬أي حول المدينة من قبائل العرب‪.‬‬
‫مردوا ‪ :‬مرقوا وحذقوه وعتوْا فيه‪.‬‬
‫سنعذبهم مرتين ‪ :‬الولى قد تكون فضيحتهم بين المسلمين والثانية عذاب القبر‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫قوله تعالى‪{ :‬والسابقون ‪ 1‬الولون من المهاجرين والنصار}‪ 2‬وهم الذين سبقوا غيرهم‪.‬‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬السابقون} هم الذين صلّوا إلى القبلتين وأفضلهم الخلفاء الربعة ثم الستة الباقون من المبشرين‬
‫بالجنة نم أهل بدر ثم أصحاب أحد ثم أهل بيعة الرضوات بالحدييية‪ ،‬وأفضلهم أبو بكر على‬
‫الطلق‪.‬‬
‫‪ { 2‬النصار}‪ :‬هم من أسلم من الوس والخزرج بالمدينة ولم يعرفوا في الجاهلية بهذا السم‬
‫وإنما سماهم ال تعالى به في السلم‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/419‬‬

‫إلى اليمان والهجرة والنصرة والجهاد‪ ،‬والذين اتبعوهم ‪ 1‬في ذلك وأحسنوا أعمالهم فكانت موافقة‬
‫لما شرع ال وبين رسوله محمد صلى ال عليه وسلم الجميع رضي ال عنهم بإيمانهم وصالح‬
‫أعمالهم‪ ،‬ورضوا عنه بما أنالهم من إنعام وتكريم‪ ،‬وأعد لهم جنات تجرى من تحتها النهار‬
‫خالدين فيها أبدا أي وبشرهم بما أعد لهم من جنات وقوله {ذلك الفوز العظيم} أي ذلك المذكور‬
‫من رضاه تعالى عنهم ورضاهم عنه وإعداد الجنة لهم هو الفوز العظيم‪ ،‬والفوز السلمة من‬
‫المرهوب والظفر بالمرغوب فالنجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم‪ ،‬هذا ما دلت عليه‬
‫الية الولى (‪ )100‬وأما الية الثانية فقد تضمنت الخبار بوجود منافقين في العراب ‪ 2‬حول‬
‫المدينة‪ ،‬ومنافقين في داخل المدينة‪ ،‬إل أنهم لتمرسهم وتمردهم في النفاق أصبحوا ل يُعرفون‪ ،‬لكن‬
‫ال تعالى يعلمهم هذا معنى قوله تعالى {وممن حولكم من العراب منافقون ومن أهل المدينة‬
‫مردوا ‪ 3‬على النفاق ل تعلمهم نحن نعلمهم}‪ ،‬وقوله تعالى {سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب‬
‫عظيم} وعيد لهم نافذ فيهم ل محالة وهو أنه تعالى سيعذبهم في الدنيا مرتين مرة بفضحهم أو بما‬
‫شاء من عذاب ومرة في قبورهم‪ ،‬ثم بعد البعث يردهم إلى عذاب النار وهو العذاب العظيم‪ ،‬وقوله‬
‫تعالى في الية الثالثة (‪{ )102‬وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملً صالحا وآخر سيئا}‪ 4‬هؤلء‬
‫أُناس آخرون تخلفوا عن الجهاد بغير عذر وهم أبو لبابة ونفر معه ستة أو سبعة أنفار ربطوا‬
‫أنفسهم في سواري المسجد لما سمعوا ما نزل في المتخلفين وقالوا لن نحل أنفسنا حتى يحلنا‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم خلطوا عملً صالحا وهو إيمانهم وجهادهم وإسلمهم وعملً سيئا‬
‫وهو تخلفهم عن غزوة تبوك بغير عذر‪ ،‬فقوله تعالى {عسى ال أن يتوب عليهم} إعلمهم بتوبة‬
‫ال تعالى عليهم فجاء رسول ال صلى ال عليه وسلم فحل رباطهم وقالوا لرسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم هذه أموالنا التي خلفتنا عنك خذها فتصدق بها واستغفر لنا فقال ما أمرت أن آخذ من‬
‫أموالكم شيئا‪.‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬التابعون‪ :‬جمع تابع أو تابعي‪ ،‬وهم الذين صحبوا الصحابة‪ ،‬وأكبر التابعين‪ :‬الفقهاء السبعة وهم‪:‬‬
‫سعيد بن المسيب‪ ،‬والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير‪ ،‬وخارجة بن زيد‪ ،‬وأبو سلمة بن‬
‫عبدالرحمن‪ ،‬وعبدال بن عتبة بن مسعود‪ ،‬وسليمان بن يسار‪ .‬وكلهم من المدينة النبوية وأفضل‬
‫نساء التابعين حفصة بنت سيرين وعمرة بنت عبدالرحمن وأم الدرداء‪.‬‬
‫‪ 2‬الحياء الذين كانوا حول المدينة هم‪ :‬مزينة وجهينة وأسلم‪ ،‬وغفار وأشجع ولحيان وعصيّة‬
‫وكان منهم منافقون‪.‬‬
‫‪ 3‬يقال‪ :‬مرد على المر‪ :‬إذا مرن عليه ودرب به‪ ،‬ومنه الشيطان المارد سئل حذيفة عن المنافقين‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فأخبر أنهم اثنا عشر‪ ،‬ستة ماتوا بالدبيلة وأربعة ماتوا موتا عاديا‪.‬‬
‫‪{ 4‬خلطوا} يريد خلطوا حسنات أعمالهم الصالحة بسيئات التخلف عن الغزو والنفاق في الجهاد‬
‫والسير مع رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى تبوك‪ .‬وعسى‪ :‬فعل رجاء وهي في كلم ال تعالى‬
‫كناية عن وقوع المرجو ل محالة‪.‬‬

‫( ‪)2/420‬‬

‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬فضل السبق للخير والفوز بالولية فيه‪.‬‬
‫‪ -2‬فضل أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم على غيرهم ممن جاء بعدهم‪.‬‬
‫‪ -3‬فضل التابعين لصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم إن أحسنوا المتابعة‪.‬‬
‫‪ -4‬علْم ما في القلوب إلى ال تعالى فل يعلم أحد من الغيب إل ما علّمه ال عز وجل‪.‬‬
‫‪ -5‬الرجاء لهل التوحيد الذين خلطوا عملً صالحا وآخر سيئا بأن يغفر ال لهم ويرحمهم‪.‬‬
‫سمِيعٌ عَلِيمٌ(‬
‫سكَنٌ ّلهُ ْم وَاللّهُ َ‬
‫طهّرُ ُه ْم وَتُ َزكّيهِم ِبهَا َوصَلّ عَلَ ْيهِمْ إِنّ صَلَ َتكَ َ‬
‫خذْ مِنْ َأ ْموَاِلهِ ْم صَ َدقَةً تُ َ‬
‫ُ‬
‫ت وَأَنّ اللّهَ ُهوَ ال ّتوّابُ الرّحِيمُ(‬
‫خذُ الصّ َدقَا ِ‬
‫‪ )103‬أََلمْ َيعَْلمُواْ أَنّ الّلهَ ُهوَ َيقْبَلُ ال ّتوْبَةَ عَنْ عِبَا ِد ِه وَيَأْ ُ‬
‫شهَا َدةِ‬
‫ب وَال ّ‬
‫عمََلكُ ْم وَرَسُولُ ُه وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ وَسَتُ َردّونَ إِلَى عَاِلمِ ا ْلغَ ْي ِ‬
‫عمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ َ‬
‫‪َ )104‬و ُقلِ ا ْ‬
‫جوْنَ لَِأمْرِ الّلهِ ِإمّا ُيعَذّ ُبهُ ْم وَِإمّا يَتُوبُ عَلَ ْيهِ ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ‬
‫فَيُنَبّ ُئكُم ِبمَا كُنتُمْ َت ْعمَلُونَ(‪ )105‬وَآخَرُونَ مُرْ َ‬
‫حكِيمٌ(‪)106‬‬
‫َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫صدقة ‪ :‬مالً يتقرب به إلى ال تعالى‪.‬‬
‫تطهرهم وتزكيهم بها ‪ :‬أي تطهرهم من ذنوبهم‪ ،‬وتزكيهم أنت أيها الرسول بها بدعائك لهم وثنائك‬
‫عليهم‪.‬‬
‫وصل عليهم ‪ :‬أي ادع لهم بالخير‪.‬‬
‫إن صلتك سكن لهم ‪ :‬أي دعاءك رحمة‪.‬‬
‫ويأخذ الصدقات ‪ :‬يتقبلها‪.‬‬

‫( ‪)2/421‬‬

‫مرجون لمر ال‪ :‬مؤخرون لحكم ال وقضائه‪.‬‬


‫ل وأعمالً حكيم في قضائه وشرعه‪.‬‬
‫عليم حكيم ‪ :‬أي بخلقه نيات وأموا ً‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫لقد تقدم في الية قبل هذه أن المتخلفين التائبين قالوا للرسول صلى ال عليه وسلم هذه أموالنا ‪1‬‬
‫التي تخلفنا بسببها صدقة فخذها يا رسول ال فقال لهم إني لم ُأؤْمر بذلك فأنزل ال تعالى هذه‬
‫الية {خذ ‪ 2‬من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلتك سكن لهم‪ ،‬وال‬
‫سميع عليم} فأمر تعالى رسوله أن يأخذ صدقة هؤلء التائبين لنها تطهرهم من ذنوبهم ومن‬
‫أوضار الشّح في نفوسهم وتزكيهم أيها الرسول بها بقبولك لها وصل عليهم أي ادع لهم بخير‪ ،‬إن‬
‫صلتك سكن ‪ 3‬لهم أي رحمة وطمأنينة في نفوسهم وال سميع لقوالهم لمّا قدموا صدقتهم وقالوا‬
‫خذها يا رسول ال عليم بنياتهم وبواعث نفوسهم فهم تائبون توبة صدق وحق‪ .‬وقوله تعالى {ألم‬
‫يعلموا أن ال هو يقبل التوبة عن عباده} الستفهام للتقرير أي هم يعلمون ذلك قطعا‪ ،‬ويأخذ‬
‫الصدقات ‪ 4‬أي يقبلها‪ ،‬وأن ال هو التواب أي كثير قبول التوبة من التائبين الرحيم بعباده المؤمنين‬
‫ثم أمر ال تعالى رسوله أن يقول لهم حاضا لهم على العمل الصالح تطهيرا لهم وتزكية لنفوسهم‬
‫{وقل اعملوا فسيرى ال عملكم ورسوله والمؤمنون} ‪ 5‬فيشكر لكم ويثني به عليكم {وستردون إلى‬
‫عالم الغيب والشهادة} وهو ال عز وجل {فينبئكم بما كنتم تعملون} ويجزيكم به الحسن بالحسن‬
‫والسيء بمثله‪ .‬وقوله تعالى {وآخرون مرجون لمر ال‪ .‬إما يعذبهم وإما يتوب‬
‫__________‬
‫‪ 1‬المال في فصيح اللغة‪ :‬هو كل ما تموّل وتملك فهو مال‪ .‬والمراد من قولهم هذه أموالنا يعنون‬
‫ما لديهم من سائر أنواع المال‪ .‬وأما في الزكوات فإنها خاصة بالعين المواشي والثمار والحبوب‬
‫بشروطها التي هي النصاب والحول في العين والحصاد في الحبوب والتمر بلوغ خمسة أوسق‪،‬‬
‫والوسق ستون صاعا والصاع أربعة أمداد‪.‬‬
‫‪ 2‬هذه الية وإن نزلت في الذين خلطوا عملً صالحا وآخر سيئا فإنها عامة في المة فعلى ولة‬
‫أمور المسلمين أن يجبوا الزكوات ويأخذوها من المة فريضة ال تعالى على المسلمين للقيام‬
‫بمصالح المسلمين‪ ،‬والذين قدّموا أموالهم كلها أخذ منها الرسول صلى ال عليه وسلم الثلث‪ ،‬وردّ‬
‫عليهم الباقي‪ .‬فقال مالك من تصدق بجميع ماله يجزئه منه الثلث أخذا من هذه الحادثة‪.‬‬
‫‪ 3‬معناه أنه إذا دعا لهم سكنت قلوبهم وفرحوا‪ ،‬واختلف هل هذه الصلة على المتصدق باقية أو‬
‫انتهت بوفاة رسول ال صلى ال عليه وسلم والصحيح أنها باقية‪ .‬فمن أخذ صدقة متصدق يصلي‬
‫عليه اقتداء برسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 4‬أخرج مسلم‪" :‬ل يتصدق أحد بصدقة من كسب طيب إل أخذها ال بيمينه فتربو في كفّ‬
‫الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل"‪.‬‬
‫‪ 5‬روى أبو داود وأحمد أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬إن أعمالكم تعرض على أقاربكم‬
‫وعشائركم من الموات فإن كان خيرا استبشروا به وإن كان غير ذلك قالوا‪ :‬اللهم ل تمتهم حتى‬
‫تهديهم كما هديتنا"‪.‬‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫( ‪)2/422‬‬

‫عليهم} هذا هو الصنف الثالث من أصناف المتخلفين فالول هم المنافقون والثاني هم التائبون‬
‫والثالث هو المقصود بهذه الية وهم ثلثة أنفار كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلل بن أمية‬
‫فهؤلء لم يأتوا الرسول صلى ال عليه وسلم ليعتذروا إليه كما فعل التائبون المتصدقون بأموالهم‬
‫منهم أبو لبابة حيث ربطوا أنفسهم في سواري المسجد فأمر الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫بمقاطعتهم ‪ 1‬حتى يحكم ال فيهم‪ ،‬وهو معنى قوله تعالى {مرجون لمر ال إما يعذبهم وإما يتوب‬
‫عليهم وال عليم حكيم} فإن عذبهم أو تاب عليهم فذلك لعلمه وحكمته‪ .‬وبقوا كذلك حتى ضاقت بهم‬
‫الرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم ثم تاب ال تعالى عليهم كما جاء ذلك بعد كذا آية من‬
‫آخر هذه السورة {إن ال هو التواب الرحيم}‪.‬‬
‫هداية اليات‬
‫من هداية اليات‪:‬‬
‫‪ -1‬الصدقة تكفر الذنوب ونطهر الرواح من رذيلة الشح والبخل‪..‬‬
‫‪ -2‬يستحب لمن يأخذ صدقة امرئ مسلم أن يدعو له بمثل‪ :‬آجرك ال ‪ 2‬على ما أعطيت وبارك‬
‫لك فيما أبقيت‪.‬‬
‫‪ -3‬ينبغي للتائب من الذنب الكبير أن يكثر بعده من الصالحات كالصدقات والصلوات ونحوها‪.‬‬
‫‪ -4‬فضيلة الخوف والرجاء فالخوف يحمل على ترك المعاصي والرجاء يعمل على الكثار من‬
‫الصالحات‪.‬‬
‫سجِدًا ضِرَارًا َو ُكفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَإِ ْرصَادًا ّلمَنْ حَا َربَ الّل َه وَرَسُولَهُ مِن‬
‫وَالّذِينَ اتّخَذُواْ مَ ْ‬
‫شهَدُ إِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ(‪ )107‬لَ َتقُمْ فِيهِ أَبَدًا ّل َمسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى‬
‫قَ ْبلُ وَلَ َيحِْلفَنّ إِنْ أَرَدْنَا ِإلّ ا ْلحُسْنَى وَاللّهُ َي ْ‬
‫ال ّت ْقوَى مِنْ َأ ّولِ‬
‫__________‬
‫‪ 1‬هؤلء هم ‪ :‬كعب بن مالك وهلل بن أمية ومرارة بن الربيع‪.‬‬
‫‪ 2‬هو معنى ‪{ :‬وصلّ عليهم} إذ الصلة الدعاء لغة‪.‬‬

‫( ‪)2/423‬‬

‫طهّرِينَ(‪َ )108‬أ َفمَنْ أَسّسَ بُنْيَانَهُ‬


‫حبّ ا ْلمُ ّ‬
‫طهّرُو ْا وَاللّهُ يُ ِ‬
‫َيوْمٍ َأحَقّ أَن َتقُومَ فِيهِ فِيهِ ِرجَالٌ ُيحِبّونَ أَن يَتَ َ‬
‫جهَنّمَ‬
‫شفَا جُ ُرفٍ هَارٍ فَا ْنهَارَ بِهِ فِي نَارِ َ‬
‫ضوَانٍ خَيْرٌ أَم مّنْ َأسّسَ بُنْيَانَهُ عََلىَ َ‬
‫عَلَى َتقْوَى مِنَ اللّ ِه وَ ِر ْ‬
‫وَاللّ ُه لَ َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ(‪ )109‬لَ يَزَالُ بُنْيَا ُنهُمُ الّذِي بَ َنوْاْ رِيبَةً فِي قُلُو ِبهِمْ ِإلّ أَن َتقَطّعَ قُلُو ُبهُمْ‬

‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫حكِيمٌ(‪)110‬‬
‫وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫شرح الكلمات‪:‬‬
‫ضرارا‪ :‬أي لجل الضرار‪.‬‬
‫وإرصادا‪ :‬ا انتظارا وترقبا‪.‬‬
‫إل الحسنى ‪ :‬أي إل الخير والحال الحسن‪.‬‬
‫ل تقم فيه أبدا ‪ :‬أي ل تقم فيه للصلة أبدا‪.‬‬
‫أسس على التقوى ‪ :‬أي بني على التقوى وهو مسجد قبا‪.‬‬
‫فيه رجال ‪ :‬هم بنو عَمرو بن عوف‪.‬‬
‫على تقوى من ال‪ :‬أي على خوف‪.‬‬
‫ورضوان‪ :‬أي رجاء رضوان ال تعالى‪.‬‬
‫على شفا جرف هار‪ :‬أي على طرف جرف مشرف على السقوط‪ ،‬وهو مسجد الضرار‪.‬‬
‫ريبة في قلوبهم‪ :‬أي شكا في نفوسهم‪.‬‬
‫إل أن تقطع قلوبهم‪ :‬أي ُت ْفصَل من صدورهم فيموتوا‪.‬‬
‫معنى اليات‪:‬‬
‫ما زال السياق في فضح المنافقين وإغلق أبواب النفاق في وجوههم حتى يتوبوا إلى ال تعالى أو‬
‫يهلكوا وهم كافرون فقال تعالى ذاكرا فريقا منهم {والذين اتخذوا مسجدا ‪1‬‬
‫__________‬
‫‪ 1‬روي أن رأس الفتنة كان أبا عامر الراهب الذي ذهب يستعدي الروم على رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وأصحابه‪.‬‬

‫( ‪)2/424‬‬

‫ضرارا وكفرا وتفريقا ‪ 1‬بين المؤمنين وإرصادا لمن ‪ 2‬حارب ال ورسوله من قبل} إن المراد من‬
‫هؤلء الذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا اثنا عشر رجلً من أهل المدينة كانوا قد أتوا النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم وهو شاخص إلى تبوك فقالوا يا رسول ال إنا قد بنينا مسجدا للعاجز منا‬
‫صلّ لنا فيه فقال لهم صلى ال عليه وسلم أنا الن على جناح سفر وإن‬
‫والمريض واللّيلة المطيرة َف َ‬
‫عدنا نصلي لكم فيه إن شاء ال أو كما قال‪ .‬فلما عاد صلى ال عليه وسلم من تبوك ووصل إلى‬
‫مكان قريب من المدينة يقال له ذواوان وهو بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار نزل عليه الوحي‬
‫بشأن مسجد الضرار فبعث مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف ومعن بن عدي أو أخاه‬
‫عاصما أخا بني العجلن فقال انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه فخرجا مسرعين‬
‫حتى أتيا بني سالم بن عوف وهم رهط مالك بن الدخشم فقال لمعن أنظرني حتى أخرج إليك بنار‬
‫‪http://daardesign.com/forum‬‬
‫منتدى دارنا‬
‫فخرج بسعف نخل قد أضرم فيه النار وأتيا المسجد وأهله فيه فأضرما فيه النار وهدماه وتفرق‬
‫أهله ونزل فيهم قوله تعالى ‪{:‬والذين اتخذوا مسجدا ضرارا} أي لجل الضرار المسجد النبوي‬
‫ومسجد قباء حتى يأتيهما أهل الحي وقوله {كفرا} أي لجل الكفر بال ورسوله وقوله {وتفريقا بين‬
‫المؤمنين} علة ثالثة لبناء مسجد الضرار إذ كان أهل الحي مجتمعين في مسجد قباء فأرادوا‬
‫تفرقتهم في مسجدين حتى يجد هؤلء المنافقون مجالً للتشكيك والطعن وتفريق صفوف المؤمنين‬
‫على قاعدة‪( :‬فرق تسد) {وإرصادا لمن حارب ال ورسوله من قبل} وهو أبو عامر الراهب‬
‫الفاسق لنه عليه لعائن ال هو الذي أمرهم أن يبنوه ليكون وكرا للتآمر والكيد وهذا الفاسق قال‬
‫للنبي صلى ال عليه وسلم ما وجدت قوما يقاتلونك إل قاتلتك معهم فكان مع المشركين في‬
‫حروبهم كلها إلى أن أنهزم المشركون في هوازن وأيس اللعين ذهب إلى بلد الروم يستعديهم‬
‫على رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومن هنا أمر المنافقين ببناء مسجد الضرار ليكون كما ذكر‬
‫تعالى حتى ينزل به مع جيوش الروم التي قد خرج يستعديها ويؤلّبها إل أنه خاب في مسعاه وهلك‬
‫بالشام إلى جهنم وبئس المصير فهذا معنى قوله تعالى {وإرصادا لمن حارب ال ورسوله من قبل}‬
‫ف والقمائم‪.‬‬
‫أي قبل بناء مسجد الضرار الذي هُدم وحُرق وأصبح موضع قمامة تلقى فيه الجِ َي ْ‬
‫__________‬
‫‪{ 1‬ضرارا} مفعول لجله أي‪ :‬لجل مضارة أهل السلم بتفرقة المسلمين وإيجاد عداوات بينهم‪.‬‬
‫‪ 2‬هو أبو عامر الراهب‪ ،‬وسمي الراهب‪ :‬لنه تنصّر وتعبد على دين النصارى ولما انهزمت‬
‫ثقيف التحق بالروم ومات كافرا نالته دعوة النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)2/425‬‬

‫وقوله تعالى {وليحلفن إن أردنا إل الحسنى} هذا قولهم لما حرق عليهم المسجد وهدم وانفضح‬
‫أمرهم حلفوا ما أرادُوا ببنائه إل الحالة التي هي حسنى ل سوء فيها إذ قالوا بنيناه لجل ذي العلة‬
‫ولليلة المطيرة‪ .‬وقوله تعالى {وال يشهد إنهم لكاذبون} تفيد لقولهم وتقرير لكذبهم‪ .‬وقوله تعالى {ل‬

You might also like