دكتور محمد محفوظ ( دراما تهافت العقل الجمعي العربي )
مع انطلقة الحذاء الطائر بالقرب من رأس بوش ,يُختتم فصل من فصول المأساة العربية التى تجعل من تلك المنطقة صداع مزمن فى رأس العالم المتحضر .و تنتهى بل رجعة فرصة تاريخية كانت مواتية لحداث التغيير فى منطقة ظلت عصية على التغيير .و يتأكد الحكم على شعوب تلك المنطقة بأنها منحت لحكامها المستبدين الفرصة تلو الخرى لكى يتربعوا على مقاعد الحكم و السلطة لعقود كئيبة قادمة . و ل غرابة فيما أقول ..فالستبداد ل يشوه فقط الحياة السياسية و القتصادية و الجتماعية فى المجتمعات العربية ,و إنما يشوه و يمسخ البنية الفكرية ,بحيث يصبح العقل الجمعي عاجزاً عن إدراك البديهيات لسقوطه فى الدائرة الجهنمية لثقافة التعصب و الكراهية ,تلك الثقافة التى تنمو فى المجتمعات المغلقة المقيدة المحكومة بقلة من الطغاة و المستبدين و الفاسدين و المنتفعين .وللسف فعندما تغيب البديهيات عن العقل ,فإنه يفتقد الفطرة السليمة و ينزلق فى هاوية فقدان التمييز ,و عدم القدرة على معرفة العدو من الصديق . لقد أكد :منتظر الزيدى ( العلمى العراقى ) عندما ألقى بحذاءيه فى وجه بوش ,بأن المنطقة العربية لن تتغير ,فقادة الرأى فيها وهم العلميون ,بد ًل من أن يقارعوا بوش بالعقل و المنطق و التساؤلت ,قارعوه بالحذية و السباب ,و أصبح الحذاء مقابل موضوعى للعقل العربى الذى تم إهداره مرات و مرات على مذبح التعصب و الكراهية .و بدلً من أن يكون القلم و الميكروفون و الكاميرا هم أدوات العلم العربى ,أصبح الحذاء و المركوب و البُلغة و الشبشب و الزنوبة بمثابة البديل العلمى العربى المفضل لدى الشعوب المضحوك عليها . و لكن كيف ل يدرك العقل الجمعى العربى البديهيات التى لو أدركها لتغير وجه المنطقة و فر منها المستبدين و الطغاة .كيف تصبح الجابة على التساؤلت البسيطة دائما خاطئة و ملتبسة بحيث تمثل النموذج المثالي لهدار العقل الذى كرم ال به النسان و اصطفاه به على كثير ممن خلق . و كمثال على هذه التساؤلت البسيطة التى سأكتبها بلغة عفوية و ركيكة و بدون ترتيب منطقي لفرط سذاجتها و فرط بديهية الجابة عليها لدى العقل العادي : س -هل يمكن التعامل مع كل تدخل عسكري خارجي باعتباره احتلل ؟ ج – بالطبع ل ,و إل فعلينا أن نعتبر الفتوحات السلمية بمثابة غزو واحتلل ,فكل تدخل عسكري خارجى هو بالطبع احتلل من الناحية القانونية ,إل انه ليس كذلك دائماً من الناحية الخلقية .مثال :اقتحام بيت جارك الذى يوسع أبنائه و زوجته ضرباً لنقاذهم من بين يديه ,هو بالفعل بمثابة تعدى على منزل خاص من الناحية القانونية ,و لكنه شهامة و فروسية و رحمة من الناحية الخلقية . س -هل نصرة الشعوب المقهورة و إقصاء الطغاة المستبدين أمر يستحق التأييد أم المعارضة ؟ ج – بالطبع يستحق التأييد ,و ل مجال للحديث فى هذا الشأن عن اعتبار الطغيان المحلى شأن داخلى ل دخل للدول الخرى به ,لننا ببساطة كلنا أبناء آدم و أخوة فى النسانية ,وما كان يعزل الشعوب عن بعضها لم يعد له وجود بعد تنامى العولمة وبعد تقدم وسائل التصالت و المواصلت .لقد أصبح العالم كله قرية صغيرة بفعل التكنولوجيا و ل ينبغى لليدلوجيا أن تعيد تقسيمه . س -هل من الصعب إدراك أن الستبداد هو الب الشرعى للرهاب ومن قبله التخلف و الفقر و الفساد ؟ ج -ل ليس من الصعب ,لن هناك علقة بين تفشى الستبداد فى معظم الدول السلمية ,و بين ارتداء اغلب الحركات الرهابية على مستوى العالم للعباءة السلمية .فعندما تخرج السياسة من الباب يدخل الدين من الشباك ,و لكنه الدين الشكلى المرتبط بالعبادات و المنفصل عن المعاملت ,و الذى يورث قسوة القلب و سوداوية العقل و تحجر المشاعر و الجتراء على حرمة النفس النسانية . س -ماذا كان على الوليات المتحدة أن تفعل بعد أحداث 11سبتمبر ؟ ج -كان على الوليات المتحدة أن تفعل نفس الذى كان سيفعله كل فرد فينا لو اقتحم بلطجى بيته بدون أى مبرر و اعتدى على أفراد أسرته ,ثم علم أن المحرض على ذلك يتمتع بملذ آمن لدى احد سكان الشارع المجاور .فبالتأكيد كنت ستطالب هذا الساكن الذى يقوم بتوفير الملذ المن للمحرض بضرورة تسليم ذلك المحرض لك أو للشرطة حتى تتم محاسبته على أفعاله ,و إن رفض ذلك الساكن المتثال لذلك فإنك ستستخدم القوة لتنفيذ ذلك بنفسك إذا كنت متأكداً أن الشرطة ل حول لها و ل قوة فى مواجهة ذلك البلطجى . س -ما هى الدلة التى كان ينبغى تقديمها للعرب ليصدقوا أن تنظيم القاعدة هو مرتكب أحداث 11سبتمبر ؟ ج -كان ينبغى على النتحاريين الذين فجروا الطائرات أن يُبعثوا إلى الحياة من جديد ليعترفوا بأنهم هم منفذو تفجيرات 11 سبتمبر ,لن الوصايا التى تركوها فى السيارات أمام المطارات ,و المدارس التى تعلموا فيها قيادة الطائرات ,و الكاميرات التى صورتهم أثناء تواجدهم بالمطارات ,و أسماءهم المثبتة بكشوف ركاب الطائرات ,كلها أدلة تافهة ل ترقى إلى مستوى التأكيد ,قياساً بالدليل الدامغ الساحق الماحق بشأن تغيب 4000يهودي من العاملين فى مبنى مركز التجارة العالمى عن الحضور إلى عملهم يوم 11سبتمبر ,لن الموساد الذى نفذ التفجيرات بالتعاون مع المخابرات المريكية قرر أن يأتمن 4000 يهودى على هذا السر التافه ,لنه متأكد بأن اليهود ل يمكن أن يفشوا السرار !!!!!!!! أى إهدار للعقل النسانى الذى كرم به ال النسان يمكن أن يبلغ هذا المبلغ من السقوط و التردى و العته و السفه و الغفلة . س -من الذى سفك دماء عشرات آلف العراقيين فى العراق؟ ج -الذى سفك دماء عشرات آلف العراقيين هى التفجيرات النتحارية التى يقوم بها تنظيم القاعدة و فدائيو صدام و التفجيرات التى تمولها و ترعاها المخابرات اليرانية و السورية ,و قولوا لى عدد الذين ماتوا من العراقيين على أيدى الجنود المريكيين الجبابرة ,و عدد الذين ماتوا جراء التفجيرات النتحارية و التفجيرات الخرى . -ما الذى أدى إلى تعثر التجربة المريكية فى العراق ؟ -الذى أدى لذلك ,هو تحالف كافة القوى المعادية لمريكا و المعادية للتطور الديمقراطى بالمنطقة مع بعض العراقيين المضارين من التدخل المريكي ( تيار الصدر الذى يعمل لمصلحة إيران و تيار السنة الذى يعمل لمصلحة سوريا و تنظيم القاعدة الذى يطمح فى إقامة جمهورية إسلمية ) .و تصوروا معى الوضع فى العراق لو تحالفت كل القوى العراقية عقب نجاح أمريكا فى خلع صدام حسين و تعاونت على بناء العراق الديمقراطى الجديد ,كيف كان سيبدو العراق الن ؟!!!!! -هل دخلت أمريكا العراق لتستولى على النفط ؟ -بالطبع ل ..و ذلك لسبب بسيط و هو ..لو أن أمريكا سرقت النفط العراقى فإنها كانت بالطبع ستسرق كل حصتها التى تستوردها من النفط ,و بالتالى فإن الكمية التى كانت ستستوردها من الدول الخرى ستصبح -لعدم حاجة أمريكا إليها - معروضة فى سوق النفط العالمى ,المر الذى سيؤدى إلى زيادة العرض عن الطلب ,و بالتالى تنخفض أسعار النفط .و لكن الواقع يقرر بأن أسعار النفط فى تصاعد غير منطقى منذ غزو العراق ,و لم تنخفض أخيراً إل بسبب الزمة المالية العالمية . -لماذا لم يضرب أى مواطن يابانى أى رئيس امريكى بالحذاء رغم أن أمريكا ضربت اليابان بقنبلتين نوويتين ؟ -لنه رغم أن اليابان هى الدولة الوحيدة على وجه الرض التى تم قصفها بقنبلتين ذريتين ,مما أدى إلى مقتل عشرات اللف من المدنيين في لمح البصر ,غير مئات اللف من المصابين و المشوهين .و بالتالى كان يمكن لهذا القصف المريكى أن يصبح هو المبرر الكبر لكى ينزلق الشعب اليابانى خلف دعاة الكراهية و التعصب ,من أجل النتقام و القصاص لدماء المدنيين البرياء .إل أن الشعب اليابانى نبذ التعصب و الكراهية ,و اختار طريق العقل و الحكمة و بناء الذات ,بدلً من طريق الهوس بتدمير العدو .و بالتالى حققت اليابان بقوتها القتصادية ما كانت ستعجز عن تحقيقه بالقوة العسكرية ,أل و هو احترام و تقدير العالم أجمع .و بالتالى لم تهدر اليابان قيمة العقل ليبلغ مبلغ الحذية ,بل احترمت عطاء ال للنسان و جعلت التسامح و العفو قيمة ترتقى بالعقل النسانى و تنتشله من غياهب و متاهات الرغبة المدمرة فى النتقام . -ما السبب فى التغييرات الديمقراطية التى أعقبت سقوط نظام صدام حسين فى العديد من الدول العربية ؟ -لن رأس صدام الطائر جعل عروش الطغاة و المستبدين تهتز و تتزلزل فى مكانها ,فبدءوا يحاولون بخبث و على استحياء تقنين أوضاعهم ببعض التطورات الديمقراطية ,مع إطلق ألسنة أجهزة إعلمهم المسعورة لزرع كراهية أمريكا فى نفوس الجماهير العربية ,حتى ل تتطلع تلك الجماهير إلى أمريكا باعتبارها المنقذ و الصديق ,و إنما باعتبارها المجرم والعدو . -ما السبب فى التراجع الديمقراطى بالعديد من الدول العربية عقب ظهور بوادر التعثر المريكى فى العراق ؟ -السبب هو أن الجماهير العربية التى انطلى عليها خبث المستبدين و أقلم عملئهم المسعورة ,خذلت أمريكا عندما تحول التدخل المريكى فى العراق فى مخيلة هذه الجماهير من محاولة للفتح الديمقراطى إلى مؤامرة للعدوان و الجرام و العربدة . وبالتالى وجدت أمريكا نفسها فى ورطة ,فالشعوب التى كانت تعتقد بأنها ستستقبلها بالورود أصبحت تضمر لها العداء اللدود و الكراهية المقيتة ,المر الذى منح الطغاة و المستبدين الفرصة لكى يستقووا بتلك الشعوب الكارهة فى مواجهة أمريكا ,و من ثم بدأ التراجع الديمقراطى . -من هم المروجين لكراهية أمريكا ؟ -المروجين لكراهية أمريكا هم :اليساريون – القوميون العرب – المتأسلمين ,و لعل تاريخ كل تلك التيارات يوضح مدى عداءها للديمقراطية ,و تنكيلها بالشعوب التى شاء لها حظها العاثر أن تحكمها .فهل هذه هى التيارات التى تسلم لها الجماهير العربية عقولها لكى تتبول بداخلها ,و بالتالى تكون هذه هى النتيجة المنطقية التى توضح سقوط العقل الجمعى العربى فى هاوية التعصب و الكراهية ,المر الذى يؤدى إلى عدم قدرة العقل الجمعى على إدراك البديهيات و بالتالى ل يمكن لهذا العقل أن يمتلك القدرة على التمييز بين العدو و الصديق ,فيرتمى فى أحضان العداء الحقيقيين ,بينما يقذف الصدقاء المحتملين بالحذية . ...مع كل السف ..فإن مستقبل الليبرالية و التحول الديمقراطى فى المجتمعات العربية ,بات يبدو كالظل الشاحب فى مواجهة كيانات الغل و التعصب و الكراهية .و سيأتى اليوم الذى ستكتوى فيه الجماهير العربية بنيران زعمائها المتعصبين الجدد ( قاذفى الحذية و الصواريخ و اللعنات و الشتائم ) ,كما اكتوت بنيران قادتها المستبدين الراحلين أو الجاثمين .و لعل هذه الجماهير فى مراهقتها السياسية تشبه المراهق الذى أحب فتاة ساقطة و لم يعرف حقيقتها لقلة خبرته بأمور النساء ,و عندما هجرته فجأة لتذهب لغيره انكسر قلبه و ظل الجرح متوارياً داخله ,حتى مرت العوام و أصبح عقله أكثر نضج ًا فتخلص من ذلك الجرح و عرف حقيقة الفتاة التى أحبها ,وإذا به يتعجب من حبه لها فى يوم من اليام ,و يتساءل دائم ًا :كيف أحببت يوم ًا ما هذه الساقطة ؟!! و لعل أحفاد الجماهير اللمانية التى عاصرت هتلر وهللت له عندما غزا أوربا و شن حرباً على العالم يتساءلون اليوم نفس السؤال :كيف أيد أجدادنا هذا الدكتاتور المهووس ؟!! و لعل أحفاد الجماهير العربية فى المستقبل البعيد سيتساءلون السؤال ذاته :كيف أيد أجدادنا يوماً ما هؤلء المتشددين الفاشلين صُناع الموت و الدمار و النتصارات الوهمية و الحذية النارية ؟!! دكتور محمد محفوظ