بقلم دكتور /محمد محفوظ m.mahfouz@link.net يدل انتشار ثقافة التعصب و الكراهية في أى مجتمع على فقدان هذا المجتمع لثقافة و يعتبر التسامح قيمة سياسية عليا في النظم الديمقراطية ,و مبدأ التسامح . ليبرالى هام تتأسس بموجبه قدرة المجتمع على تحمل عبء الممارسة الديمقراطية .و قد يتعجب البعض لوصف الممارسة الديمقراطية بالعبء ,و لكن الواقع يؤكد بأن الحكومات المستبدة تحكم شعوبها بكل إهمال و استسهال باستخدام عصا القمع و الطغيان ,و تمرر سياساتها غير الرشيدة دون أن تعبأ بأية معارضة ,لن مسوغ البقاء في السلطة يعتمد على القوة و القهر .و ذلك بخلف الحكومات الديمقراطية التى يعتمد بقاءها في السلطة على الرضى العام للجماهير ,و بالتالى تمارس تلك الحكومات عملية مستمرة من العرض و الشرح و التبرير لسياساتها ,و تخضع لحساب يومى مستمر من السلطات الخرى ومن المؤسسات العلمية و من منظمات المجتمع المدنى .و لهذا تهتز دائما المقاعد بالزعماء في الدول الديمقراطية نتيجة الزلزل البرلمانية و الرياح العلمية و المظاهرات الشعبية .بينما تستقر مقاعد الزعماء في الدول المستبدة و كأنها خارج إطار الزمان و المكان و الحداث ,لنها مثبتة إلى الرض بسلطان الخوف و أوتاد الطغيان . و لكن التسامح الذى نتحدث عليه ,ليس هو التسامح -فقط -بمعناه اللغوى الذى يعنى و التعامل بود أو ما يسمى في تعبيراتنا الشعبية ( الطيبة ) .و إنما يمتد القدرة على العفو التسامح -في المعنى السياسى -إلى قدرة المجتمع على إدارة الختلف و احتواء التنوع .ذلك الختلف الذى هو أمر لزم في كل مجتمع على وجه الرض ,لنه سنة الله في الخلق .لهذا تتوجه كافة القوى السياسية في المجتمعات الديمقراطية بأفكارها و برامجها المختلفة إلى الجماهير ,و من خلل صناديق القتراع في العملية النتخابية تكشف الجماهير عن اختياراتها .و بالتالى تحترم النظم الديمقراطية ثقافة التسامح ,لنها توفر المناخ الذى يتيح لكل التجاهات السياسية التعبير عن توجهاتها ,مما يجنب المجتمع أية احتقانات نتيجة محاصرة بعض الفكار أو عزلها . و تشير ثقافة التسامح إلى مبدأ هام ,مفاده أنه ل يجوز التعامل مع الفكار باعتبارها تجسيد لصحابها ,و إنما ينبغى عزل الفكار عن أصحابها ,حتى ل يتم إقصاء الخر المختلف ,و يتحول المجتمع إلى ساحة للقتال و الشقاق ,أو إلى جزر معزولة تستقل كل منها بتوجهاتها الفكرية .و من هنا كانت ثقافة التسامح هى حصن المان لدعم قدرة المجتمع على إدارة الختلف ,و التعامل مع الفكار المتنوعة بالحوار و الجدل و النقاش الحر . و للسف فإن المنطقة العربية تفتقر افتقارا ً شديدا إلى ثقافة التسامح ,و تروج مؤسساتها ً و العلمية و السياسية -دون كلل او ملل -لثقافة التعصب و الكراهية و التعليمية و الدينية الغل السود .و لذلك تتملكنى الدهشة الشديدة عندما أرصد الحيرة التى يقع فيها أغلب المحللين العرب عند تصديهم لتحليل النزاعات المزمنة في المنطقة ,و يدفعهم الفشل في كشف السباب و ذلك رغم الحقيقية لهذه النزاعات ,إلى تعليق المر كله على شماعة نظرية المؤامرة . وضوح السبب الحقيقى مثل وضوح الشمس ,و الذى يتمثل في غياب ثقافة التسامح في المجتمعات العربية ,مما يؤدى إلى عدم القدرة على إدارة الختلف و احتواء التنوع ,و بالتالى يتم و السب و الشتم و التهام بالعمالة و الخيانة و الخروج النزلق إلى العنف و القوة و السلح على ثوابت المة و الدين و الهوية ..إلى آخر قائمة التهامات الرخيصة و الفتراءات الدنيئة .و و التعصب .و يتحول المجتمع بذلك إلى جماعات متحاربة و فرق متصارعة على مذبح الكراهية لننظر إلى النزاعات في لبنان ( تجمع 14آذار ضد حزب الله ) و فلسطين ( فتح ضد حماس ) و العراق ( السنة ضد الشيعة ) و الصومال ( الحكومة ضد المحاكم السلمية ) و دارفور ( العرب لندرك بأنها نزاعات ل يمكن أن تصل إلى أية نتيجة من خل ل الحوار ,لنه ضد الفارقة ) , حوار محكوم عليه بالفشل لفتقاره إلى عنصر هام ,و هو ثقافة التسامح ,التى ترسخ إدارة الختلف و تحترم النقاش و الجدل كسبيل متحضر لحل الخلفات بين أبناء المجتمع الواحد . لقد فقدت المنطقة العربية قدرتها على إدارة الختلف ,عندما سلمت منابرها العلمية و الثقافية لدعاة التعصب و الكراهية و الغل السود ,من أجل حشد الجماهير ضد إسرائيل أو أمريكا أو الغرب .وبالتالى تم تغذية الجماهير و إرضاعها ليل نهار بثقافة الكراهية .فأصبح العتدال هو الستثناء بينما أصبح التطرف هو الصل ,رغم أن المجتمعات الطبيعية هى التى يصبح المتعصبون فيها هم القلية -و ليس العكس -و إل أصبح هذا نذير خطر يقود المجتمع نحو النزلق لصراعات عبثية مزمنة سواء أكانت داخلية أم خارجية . و لعل دروس التاريخ تؤكد لنا بأن ثقافة الكراهية و التعصب ل تحل النزاعات بل تعقدها ,و لنضرب مثل ً بالنزاع بين الوليات المتحدة المريكية و اليابان إبان الحرب العالمية الثانية .فاليابان هى الدولة الوحيدة على وجه الرض التى تم قصفها بقنبلتين ذريتين ,مما أدى إلى مقتل عشرات اللف من المدنيين في لمح البصر ,غير مئات اللف من المصابين و المشوهين .و لعل هذا القصف المريكى ,كان يمكن أن يكون المبرر الكبر لكى ينزلق الشعب اليابانى خلف دعاة الكراهية و التعصب ,من أجل النتقام و القصاص لدماء المدنيين البرياء .و لكن الشعب اليابانى نبذ التعصب و الكراهية ,و اختار طريق العقل و الحكمة و بناء الذات ,بدل ً من طريق الهوس بتدمير العدو .و بالتالى حققت اليابان بقوتها القتصادية ما كانت ستعجز عن تحقيقه بالقوة العسكرية ,أل و هو احترام و تقدير العالم أجمع . و لعل ما سبق يوضح بأن أى نزاع مهما تفاقمت آثاره المادية أو طال مداه الزمنى ,فإنه يمكن أن يصل إلى منتهاه ,لو تم التعاطى معه بعيدا ً عن ثقافة التعصب و الكراهية .و المنطق الرشيد يقرر بأن النزاع العربى السرائيلى ليس استثناءً من هذه القاعدة . إن تبنى ثقافة التسامح هو السبيل لكى تخرج هذه المنطقة البائسة من أزماتها ,و تودع أحزانها ,و تعالج جنون الكراهية و تشنجات التعصب و هلوس الغل السود ,بوقار العتدال و تجليات التعددية و فتوحات الديمقراطية .