You are on page 1of 21

‫مكتبيييييييييية موقييييييييييع بلّغوا عن ّييييييييييي ولو آييييييييييية‬

‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت تميل هذا الكتاب من مكتبة موقع‬


‫"بلّغوا عنّي ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خصّصنا هذه‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلـّغوا عنـّي ولو‬
‫آية"‪.‬‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلـّغوا عنـّي ولو آية" في السفل‬
‫وتسجيل البريد اللكتروني ‪:‬‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى ‪:‬‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقاً‪.‬‬

‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من سنّ في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‪.‬‬

‫منهاجنا‪ :‬عَ ْودَة إل ال ِكتَابِ وَالسنّة بِ َفهْمِ َسلَفِ الُمّة‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييييية موقييييييييييع بلّغوا عن ّييييييييييي ولو آييييييييييية‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المواعظ‬
‫ك‬
‫•الفصل الول ابكِ عَلَى خَطِي َئتِ َ‬
‫• الفصل الثاني تَفَكّر في يَومِ ال ِقيَامَةِ‬
‫• الفصل الثالث بادر بالعمال الصالحة‬
‫• الفصل الرابع اذكُر المَوت‬
‫• الفصل الخامس ذِمّ الدّنيا‬
‫• الفصل السادس قُمِ الليلَ واترك التكاسل‬
‫• الفصل السابع اندم على ذنوبك‬
‫• الفصل الثامن امقت نفسك وازدرها‬
‫• الفصل العاشر جاهد نفسك‬
‫• الفصل الحادي عشر احذر النار‬
‫• الفصل الثاني عشر عليك بالخوف من ال‬
‫• الفصل الثالث عشر عليك بحب ال‬
‫• الفصل الرابع عشر تفاوت النفوس في الخير والشر‬
‫• الفصل الخامس عشر روض نفسك‬
‫• الفصل السادس عشر خالف هواك‬
‫• الفصل السابع عشر تبصر في نفسك‬
‫• الفصل الثامن عشر تذكر يا عامل‬
‫• الفصل التاسع عشر الفائزون‬
‫• الفصل العشرون سارع إلى التوبة والنابة‬
‫• الفصل الثاني والعشرون بعض ثمرات الطاعة‬
‫• الفصل الثالث والعشرون‬
‫• الفصل الخامس والعشرون احذر الغفلة‬

‫علَى خَطِي َئ ِتكَ‬


‫الفصل الول ابكِ َ‬

‫إخواني‪ :‬لو تَفكّرت النّفُوسُ فِيمَا بَينَ يَدَيهَا َوتَ َذ ّكرَت حِسَابهَا فيما لها وعليها لبعث‬
‫حزنها بريد دمها إليها أما يحق البُكاء لمن طالَ عِصيانهُ‪ :‬نهاره في المعاصي وقد‬
‫ف ميزانه وبين يديه الموت الشديد فيه من‬ ‫طال خُسرانه وليله في الخطايا فقد خ ّ‬
‫العذاب ألوانه ‪ 0‬وروى ابن عمر رضي ال عنهما قال‪( :‬استقبل رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم الحجر فاستلمه ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلً فالتفت فإذا هو بعمر‬
‫يبكي فقال‪ :‬يا عمر ههنا تُسكبُ العبراتُ) ‪ 0‬وقال أبو عمران الجوني‪ :‬بلغني أن‬
‫جبريل عليه السلم جاء إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يبكي فقال‪ :‬يا‬
‫رسول ال ما يُبكِيكَ‪ :‬قال‪ :‬أو ما تَبكى أنت فقال‪ :‬يا محمد ما جفت لي عينٌ منذ خلق‬
‫ال جهنم مخافة أن أعصيه فيلقيني فيها ‪ 0‬وقال يزيد الرقاشي‪ :‬إن ل ملئكة حول‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييييية موقييييييييييع بلّغوا عن ّييييييييييي ولو آييييييييييية‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫العرش تجرى أعينهم مثل النهار إلى يوم القيامة‪ :‬يميدون كأنما تنفضهم الريح من‬
‫خشية ال فيقول لهم الرب عز وجل‪ :‬يا ملئكتي ما الذي يخيفكم وأنتم عبيدي‪:‬‬
‫فيقولون‪ :‬يا ربّنا لو أن أهل الرض اطلعوا من عزتك وعظمتك على ما اطلعنا‪ :‬ما‬
‫وقال السدى‪ :‬بكى داود حتى نبت العشب من دموعه فلمّا رماه سهم القدر جعل‬
‫يتخبط في دماء تفريطه ولسان اعتذاره يُنادى‪ :‬اغفر لي فأجابه‪ :‬للخطائين فصار‬
‫يقول‪ :‬اغفر للخطائين ‪ 0‬قال ثابت البناني‪ :‬خَشَى داود سبعة أَفرشِ بالرّمادِ ثم بكى‬
‫حتى أنفذتها دموعه ‪َ 0‬تصَاعَدَ مِن صَدرِي الغَرامُ ِلمُقَلتِي َفغَاَلبَنى شَوقِي بفَيضِ‬
‫المَدَامِعِ َوإِنّ في ظَل ِم اللّيلِ قَمرية إِذا بكيتُ َبكَت في الدّوحِ طُول المَدَامِعِ قال سليمان‬
‫التيمي‪ :‬ما شرب داود عليه السلم شراباً إِل مزجه بدموع عينيه ‪ 0‬قال مجاهد‪ :‬سأل‬
‫داود ربّه أن يجعلَ خطيئته في كَفّهِ فكان ل يتناول طعاماً ول شراباً إل أبصر‬
‫خطيئته فبكى وربما أتى بالقدح ثلثاه فمد يده وتناوله فينظر إلى خطيئته ول يضعه‬
‫على شفتيه حتى يفيض من دموعه ‪ 0‬وقال بعض أصحاب فتح‪( :‬رأيته ودموعه‬
‫خالطها صُفرة فقلت‪ :‬على ماذا بكيتَ الدّم قال‪ :‬بكيتُ الدموع على تخلفي عن واجب‬
‫حق ال والدم خوفاً أن ل أُقبل قال‪ :‬فرأيته في المنام فقلت‪ :‬ما صنع ال بك قال‪ :‬غفر‬
‫لي قلت‪ :‬فدموعك! قال‪ :‬قربتني وقال‪ :‬يا فتح على ماذا بكيت الدموع قلت‪ :‬يا رب‬
‫على تخلفي عن واجب حقك قال‪ :‬فالدم قلت‪ :‬بكيت على دموعي خوفاً أن ل تصبح‬
‫لي قال‪ :‬يا فتح ما أردت بهذا كله وعزتي وجللي لقد صعد إِلى أجارتنا بالغدر‬
‫ل كيف بات ال ُمتَيّمُ رحَلتُم وعُمرَ الليل فينَا وفِيكُم سواءً وَلكِن‬ ‫والرّكب ُمتّهم َأيَعلَم خا ٍ‬
‫سَا ِهرَاتٌ َو ُنوّم َتنَاءَيتُم من ظَاعنين وخلّفوا ُقلُوباً َأبَت أَن تَع ِرفَ الصّبرَ عَنهُمُ َوَلمّا‬
‫حرِمت ماؤهُ‬ ‫عمّا حذّرته وَل زَال نظرة َتتَغنّم َبكِيتَ علَى الوادِي ف ُ‬ ‫جلى التّودِيع َ‬
‫وَكيفَ يَحل المَاء أَك َث َرهُ دم قال عبد ال بن عمرو‪ :‬كان يحيى يَبكِي حتى بَدَت‬
‫أَضراسه ‪ 0‬قال مجاهد‪ :‬كانت الدّموع قد اتخذت في خَده مجرى ‪ 0‬يا من معاصيه‬
‫أكثر من أن تحصى يا من رضي أن يطرد ويقصى يا دائم الزلل وكم ينهى ويوصى‬
‫يا جهولً بقدرنا ومثلنا ل يعصى إن كان قد أصابك داء داود فنح نوح نوح تحيا‬
‫بحياة يحيى ‪ 0‬روى عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه أنه كان في وجهه خطوط‬
‫مُسودة من البكاء ‪ 0‬وبكى ابن مسعود حتى أخذ بكفه من دموعه فرمى به ‪ 0‬وكان‬
‫عبد ال بن عمر يطفئ المصباح بالليل ثم يبكي حتى تلتصق عينيه ‪ 0‬وقال أبو‬
‫يونس بن عبيد‪ :‬كنا ندخل عليه فيبكي حتى نرحمه ‪ 0‬وكان أبو عمران الجوني إذا‬
‫سمع المؤذن تغير وفاضت عيناه ‪ 0‬وكان أبو بكر النهشلي إذا سمع الذان تغير لونه‬
‫وأرسل عينيه بالبكاء ‪ 0‬وكان نهاد بن مطر العدوى قد بكا حتى عمى ‪ 0‬وبكى ابنه‬
‫العُل حتى عشى بصره ‪ 0‬وكان منصره قد بكى حتى جردت عيناه ‪ 0‬وكانت أمه‬
‫تقول‪ :‬يا بني لو قتلت قتيلً ما زدت على هذا ‪ 0‬وبكى هشام الدستوائي حتى فسدت‬
‫عيناه وكانت مفتوحة وهو ل يبصر بها ‪ 0‬وبكى يزيد الرقاشي أربعين سنة حتى‬
‫أظلمت عيناه وأحرقت الدموع مجاورتها ‪ 0‬وبكى ثابت البناني حتى كاد بصره أن‬
‫يذهب وقيل له‪ :‬نعالجك على أن ل تبكي فقال‪ :‬ل خير في عين لم تبك‪َ :‬بكَى البَاكُونَ‬
‫ن متى عَليها‬ ‫ع الَرضِ من شوقي إِليهم تَحُ ّ‬ ‫لِلرّحمنِ لَيلً وبَاتُوا دَم ُعهُم ما يَسَأمُونَا بِقَا ُ‬
‫يَسجُدونا كان الفضلُ قد َأِلفَ البُكا حتى ربما بكى في نومه حتى يسمع أهل الدار‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييييية موقييييييييييع بلّغوا عن ّييييييييييي ولو آييييييييييية‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َورَقّت ُدمُوعُ العين حتىّ كَأنَها ُدمُوعُ دمُوعِي ل ُدمُوع جُفُونِي ويقول الحسن بن‬
‫عدقة‪ :‬رأيت يزيد بن هارون بواسط من أحسن الناس عينين ثم رأيته بعد ذلك‬
‫مكفوف البصر فقلت له‪ :‬ما فعلت العينان الجميلتان قال‪ :‬ذهب بهما بكاء الَسحَار يا‬
‫هذا لو علمت ما يفوتك في السحر ما حملك النوم تقدم حينئذ قوافل السهر على قلوب‬
‫الذاكرين وتحط رواحل المغفرة على رباع المستغفرين من لم يذق حلوة شراب‬
‫السحر لم يبلغ عِرفانه بالخير من لم يتفكر في عمره كيف انقرض لم يبلغ من الحزن‬
‫الغرض ‪ 0‬قيل لعطاء السليمي‪ :‬ما تشتهي قال‪ :‬أشتهي أن أبكي حتى ل أَقدر أن‬
‫أبكي وكان يبكي الليل والنهار وكانت دموعه الدهر سائلة على وجهه ‪ 0‬وبكى مالك‬
‫بن دينار حتى سود طريق الدموع خديه وكان يقول‪ :‬لو ملكت البكاء لبكيت أيام‬
‫خ إِذا الحبّ‬‫الدنيا‪ :‬أَل ما لعين ل ترى ُقلَل الحمى ول جبل الديّان إِل استهلت لجو ِ‬
‫حلّت إِذا كانت القلوب للخوف َورَقّت ر َفعَت دموعها‬ ‫بكى إِذا َبكَت قادت الهوى وأَ َ‬
‫إِلى العين وقت فأعتقَت رِقاباً للخطايا رَقّت من لم يكن له مثل تقواهم لم يعلم ما الذي‬
‫أبكاهم من لم يشاه ُد جمال يوسف‪ :‬لم يعلم ما الذي مَن لَم يبت والحب حشو فؤادهِ لَم‬
‫ت الَكباد فيا قياسي القلب هَلّ بكيت على قسوتك ويا ذاهل العقل في‬ ‫يدرِ كيفَ تُ َف ّت ُ‬
‫الهوى هَلّ ندمت على غفلتك ويا مقبلً على الدنيا فكأنك في حفرتك ويا دائم‬
‫ب معصيتك ويا سيئ العمال نُح على خطيئتك ومجلسنا مَأتَمٌ‬ ‫المعاصي خف من غ ّ‬
‫ل ِمنّا ال ُبكَاء ويوم القيامة ميعادنا لكشف الستور وهتك الغطاء ‪0‬‬ ‫للذنوب فابكوا فقد حَ ّ‬

‫الفصل الثاني تَ َفكّر في يَومِ ال ِقيَامَةِ‬

‫إخواني تفكروا في الحشر والمعاد وتذكروا حين تقوم الشهاد‪ :‬إن في القيامة‬
‫لحسرات وإن في الحشر لزفرات وإن عند الصراط لعثرات وإن عند الميزان‬
‫لعبرات وإن الظلم يومئذ ظلمات والكتب تحوى حتى النظرات وإن الحسرة العظمى‬
‫عند السيئات فريق في الجنة يرتقون في الدرجات وفريق في السعير يهبطون‬
‫الدركات وما بينك وبين هذا إلّ أن يقال‪ :‬فلن مات وتقول‪َ :‬ربّ ارجعوني فيقال‪:‬‬
‫فات ‪ 0‬روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في‬
‫الرض سبعين ذراعاً ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم) ‪ 0‬وأخرجا جميعًا من حديث أبي‬
‫سعيد رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم قال في حديث‪( :‬ثم يؤتى‬
‫بالجسر فيجعل بين ظهراني جهنم فقيل‪ :‬يا رسول ال وما الجسر قال‪ :‬مدحه ومزلة‬
‫عليه خطاطيف وكَلليب وحسك المؤمن يعبر عليه كالطرف وكالبرق وكالريح‬
‫وكأجاويد الخيل فناج مسلم وناج مخدوش حتى يم ّر آخرهم يُسحب سحباً) ‪ 0‬ل درَ‬
‫أقوام أطار ذكر النار عنهم النوم وطال اشتياقهم إلى الجنان الصوم فنحلت أجسادهم‬
‫وتغيرت ألوانهم ولم يقبلوا على سماع العذل في حالهم واللوم دافعوا أنفسهم عن‬
‫شهوات الدنيا بغد واليوم دخلوا أسواق الدنيا فما تعرضوا لشراء ول سوم تركوا‬
‫الخوض في بحارها والعوم ما وقفوا بالِشمام والروم جدوا في الطاعة بالصلة‬
‫والصوم هل عندكم من صفاتهم شئ يا قوم قالت أُم الربيع أُم حيثم لولدها‪ :‬يا بني أَل‬
‫تنام قال‪ :‬يا أُماه من جَنّ عليه الليل وهو يخاف الثبات حق له أن ل ينام ‪ 0‬فلما رأت‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييييية موقييييييييييع بلّغوا عن ّييييييييييي ولو آييييييييييية‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ما يلقى من السهر والبكا قالت‪ :‬يا بني لعلك قتلت قتيلً قال‪ :‬نعم قالت‪ :‬ومن هذا‬
‫القتيل حتى نسأل أهله فيغفرون فوال لو يعلمون ما تلقى من السهر قيل لزيد بن‬
‫مزيد‪ :‬ما لنا لم نزل نراك باكياً وجلً خائفاً فقال‪ :‬إن ال توعدني إن أنا عصيته أن‬
‫يسجنني في النار وال لو لم يتوعدني أن يسجنني إل في الحمام لبكيت حتى ل تجف‬
‫لي عبرة ‪ 0‬وكان آمد الشامي يبكي وينتحب في المسجد حتى يعلو صوته وتسيل‬
‫دموعه على الحصى فأرسل إليه المير‪ :‬إنك تفسد على المصلين صلتهم بكثرة‬
‫بكائك وارتفاع صوتك ولو أمسكت قليل ً فبكى ثم قال‪ :‬إن حزن يوم القيامة أورثني‬
‫ل المُشتاق دَع ُه فَِإنّه يطوى عَلى‬
‫دموعاً غزاراً فأنا أستريح إلى ذرها‪ :‬يا عاذ َ‬
‫ن قَل ُبكَ قَلبه ما لمتُهُ حاشاك ممّا عِن َدهُ حاشاكا وعوتب‬
‫الزّفَرات غير حشاكا لَو كا َ‬
‫عطاء السلمى في كثرة البكاء فقال‪ :‬إني إذا ذكرت أهل النار وما يُنزلُ بهم من‬
‫عذاب ال تعالى مثلت نفسي بينهم فكيف لنفس تغلّ يدها وتسحب إلى النار ول تبكي‬
‫وقيل لبعضهم‪ :‬ارفق بنفسك فقال‪ :‬الرفق أطلب ‪ 0‬وقال أسلم بن عبد الملك‪ :‬صحبت‬
‫رجلً شهرين وما رأيته نائمًا بليل ول نهار فقلت‪ :‬ما لك ل تنام قال‪ :‬إن عجائب‬
‫القرآن أطرن نومي ما أخرج من أُعجوبة إل وقعت في أخرى ‪ 0‬كثر فيك اللوم فأين‬
‫سمعي وهم قلبي واللوم عليك منجد ومتهم قال‪ :‬أسهرت والعيون الساهرات نوم‬
‫وليس من جسمك إل جلدة وأعظم ‪ 00‬وما عليهم سهري ول رقادي لهم وهل سمان‬
‫الحب إلّ سهر وسقم خذ أنت في شأنك يا دمعي وخل عنهم ‪0‬‬

‫الفصل الثالث بادر بالعمال الصالحة‬

‫طوبى لمن بادر عُمره القصير فعمّر به دار المصير وتهيأ لحساب الناقد البصير قبل‬
‫فوات القدرة وإعراض النصير ‪ 0‬قال عليه الصلة والسلم‪( :‬بادروا بالَعمال سبعاً‬
‫هل تنتظرون إِلّ فقراً مُنسيًا أو غني مطغياً أو مرضاً مفسداً أو موتاً مجهزاً أو هرماً‬
‫مُفنداً أو الدجال فشر غائب يُنتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر) ‪ 0‬كان الحسن‬
‫يقول‪ :‬عجبت لقوام أُمروا بالزاد ونودي فيهم بالرحيل وجلس أولهم على آخرهم‬
‫وهم يلعبون ‪ 0‬وكان يقول‪ :‬يا بن آدم‪( :‬السكين تشحذ والتنور يسجر والكبش يعتلف)‬
‫‪ 0‬وقال أبو حازم‪ :‬إن بضاعة الخرة كاسدة فاستكثروا منها في أوان كسادها فإِنه لو‬
‫جاء وقت نفاقها لم تصلوا فيها إِلى قليل ول كثير وكان عون بن عبد ال يقول‪ :‬ما‬
‫أُنزل الموت كنه منزلته ما قد غدا من أجلكم مستقبل يوم ل يستكمله وكن من مؤملٍ‬
‫لغدٍ ل يُدركُه ِإنّكم لو رأيتم الَجَل ومسيره بغضتم الَمل وغروره ‪ 0‬وكان أبو بكر‬
‫بن عياش يقول‪ :‬لو سقط من أَحدهم درهمٌ لظل يومه يقول‪ :‬إنا ل ذهب درهمي وهو‬
‫يذهب عمره ول يقول‪ :‬ذهب عمري وقد كان ل أقوام يبادرون الوقات ويحفظون‬
‫الساعات ويلزمونها بالطاعات ‪ 0‬فقيل عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه‪ :‬إنه ما‬
‫مات حتى سرد الصوم ‪ 0‬وكانت عائشة رضي ال عنها تسرد وسرد أبو طلحة بعد‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أربعين سنة وقال نافع‪ :‬ما رأيت ابن عمر صائماً في‬
‫سفره ول مفطرًا في حضره ‪ 0‬قال سعيد بن المسيب‪ :‬ما تركت الصلة في جماعة‬
‫منذ أربعين سنة ‪ 0‬وكان سعيد بن جبير يختم القرآن في ليلتين ‪ 0‬وكان السود يقوم‬
‫حتى يخضر ويصفر وحج ثمانين حجة ‪ 0‬وقال ثابت البناني‪ :‬ما تركت في الجامع‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييييية موقييييييييييع بلّغوا عن ّييييييييييي ولو آييييييييييية‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫سادنة إلّ وختمت القرآن عندها ‪ 0‬وقيل لعمرو بن هانئ‪ :‬ل نرى لسانك يفتر من‬
‫الذكر فكم تسبح كل يوم قال‪ :‬مائة ألف إلّ ما تخطئ الصابع ‪ 0‬وصام منصور بن‬
‫المعتمر أربعين سنة وقام ليلها وكان الليل كله يبكي فتقول له أُمه‪ :‬يا بني قال‬
‫الجماني‪ :‬لما حضرت أبو بكر بن عياش الوفاة بكت أخته فقال‪ :‬ل تبك وأشار إلى‬
‫زاوية في البيت إنه قد ختم أخوك في هذه الزاوية ثمانية عشر ألف ختمة ‪ 0‬قال‬
‫الربيع‪ :‬وكان الشافعي رضي ال عنه يقرأ في كل شهر ثلثين ختمة وفي كل شهر‬
‫رمضان ستين ختمة سوى ما يقرأ في الصلوات واعلم أن الراحة ل تنال بالراحة‬
‫ومعالي الُمور ل تنال بالفتور ومن زرع حصد ومن جد وجد ‪ 0‬ل در أقوام شغلهم‬
‫تحصيل زادهم عن أهاليهم وأولدهم ومال بهم ذكر المال عن المال في معادهم‬
‫ل بمرادهم وتوسدوا أحزانهم بدلً عن وسادهم‬ ‫وصاحت بهم الدنيا فما أجابوا شغ ً‬
‫واتخذوا الليل مسلكاً لجهادهم واجتهادهم وحرسوا جوارحهم من النار عن غيهم‬
‫وفسادهم فيا طالب الهوى جز بناديهم ونادهم‪ :‬أَحيَوا ُفؤَادِي وَل ِكنّهم علَى صَيحَة من‬
‫البين ماتُوا جميعًا حرمُوا رَاحة النّوم أَجفَانهم َولَفّوا علَى الزفرات الضّلوعَا طُول‬
‫السّواعد شُمّ الُنوف فطابُوا ُأصُولً وطَابُوا ُفرُوعا أَقبلت قلوبهم تراعى حق الحق‬
‫فذهلت بذلك عن مناجاة الخلق ‪ 0‬فالبدان بين أهل الدنيا تسعى والقُلوب في رياض‬
‫الملكوت ترعى نازلهم الخوف فصاروا والهين وناجاهم الفكر فعادوا خائفين وجَنّ‬
‫ى على الفلح فقاموا متهجدين‬ ‫عليهم الليل فباتوا ساهرين وناداهم منادى الصّلح ح ّ‬
‫وهبت عليهم ريح الَسحار فتيقظوا مستغفرين وقطعوا بند المجاهدة فأصبحوا‬
‫واصلين فلمّا رجعوا وقت الفجر بالَجر بادى الهجر يا خيبة النائمين ‪0‬‬

‫الفصل الرابع اذكُر المَوت‬

‫إخواني‪ :‬أكثروا من ذكر هاذم اللذات وتفكروا في انحلل بناء اللذات وتصوروا‬
‫مصير الصور إلى الرفات وأَعدوا عدةً تكفي في الكفات واعلموا أن الشيطان ل‬
‫يتسلط على ذاكر الموت وإنما إذا غفل القلب عن ذكر الموت دخل العدو من باب‬
‫الغفلة ‪ 0‬قال الحسن‪ :‬إن الموت فضح الدنيا فلم يترك لذي لُب به فرحًا ‪ 0‬وقال يزيد‬
‫بن تميم‪ :‬من لم يردعه الموت والقرآن ثم تناطحت عنده الجبال لم يرتدع ‪ 0‬سُئل ابن‬
‫عياض عن ما بال الدمي تُستنزع نفسه وهو ساكت وهو يضطرب من القرصة‬
‫قال‪ :‬لن الملئكة توقفه ‪ 0‬يا بن آدم مثل تلك الصرعة قبل أن تذر كل غرة فتتمنى‬
‫الرجعة وتسأَل الكرة كَم من محتضر تمنّى الصحة للعمل هيهات حقر عليه بلوغ‬
‫الَمل أَو ما يكفي في الوعظ مصرعه أو ما يشفي من البيان مضجعه ‪ 00‬أما فاته‬
‫مقدوره بعد إِمكانه ‪ 00‬أَما أنت عن قليل في مكانة ‪ 0‬وَلمّا احتضر عبد الملك بن‬
‫ل من تهامة أرعى غنيمات في جبالها وأني لم‬ ‫مروان قال‪ :‬وال لوددت أنّي عبد رج ٍ‬
‫ألِ ‪ 0‬وجعل المعتضد يقول عند موته‪ :‬ذهبت الحيل فل حيلة حتى صمت ‪ 0‬وقال‬
‫أبو محمد العجلي‪ :‬دخلت على رجل في النزع فقال لي‪ :‬سخرت بي الدنيا حتى‬
‫ذهبت أَيامي وفي الحديث‪( :‬أما إِنكم لو أَكثرتُم ذكر هاذم اللذات!) ‪ 0‬يا من قد امتطى‬
‫بجهله مطايا المطالع لقد مل الواعظ في الصباح المسامع تال لقد طال المدى فأَين‬
‫المدامع أَين الذين بلغوا المنى فما لهم في المنى منازع رمتهم المنايا بسهامها في‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييييية موقييييييييييع بلّغوا عن ّييييييييييي ولو آييييييييييية‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫القوى والقواطع فعلموا أن أيام النعم في زمان الخوادع ما زال الموت يدور على‬
‫الدوام حتى طوي الطوالع صار الجندل فراشهم بعد أن كان الحرير فيما مضى‬
‫المضاجع ولقوا وال غاية البلء في تلك البلقع جمعوا فما أكلوا الذي جمعوا وبنوا‬
‫مساكنهم فما سكنوا فكأَنهم بها ظعناً لما استراحوا ساعة ظعنوا ‪ 0‬لقد أُمكنتَ الفرصة‬
‫أيها العاجز ولقد زال القاطع وارتفع الحاجز ولح نور الهدى فالمجيب فائز‬
‫وتعاظمت الرغائب وتفاقمت الجوائر فأَين الهمم العالية وأَين النجائز أَما تخافون‬
‫هادم اللذات والمنى والمناجز ‪ 0‬أما اعوجاج القناة دليل الغامز ‪ 0‬أما الطريق طويل‬
‫وفيه المفاوز ‪ 0‬أما عقاب العتاب تحوى الهزاهز ‪ 0‬أَما القبور قنطرة العبور فما‬
‫للمجاوز ‪ 0‬أما يكفي في التنقيص حمل الجنائز ‪ 0‬أَما العدد كثير فأَين المبارز أما‬
‫الحرب صعب والهلك ناجز والقنا مسوغ والطعن واجز والمر عزيز والرماح‬
‫البوس نواكز ‪ 0‬تال بطلت الشجاعة من بني العجائز وتريد إِصلح نادك والمر‬
‫ناشز ‪ 0‬إِن لم يكن سبق الصديق فليكن توبة ماعز ‪0‬‬

‫الفصل الخامس ذِمّ الدّنيا‬

‫أَيها العبد‪ :‬تفكر في دنياك كم قتلت وتذكر ما صنعت بأَقرانك وما فعلت واحذرها‬
‫فإِنها عما لبد منه قد شغلت وإِياك أن تساكنها فإِنها إِن حلت رحلت ‪ 0‬وروى عمار‬
‫بن ياسر رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم (مرّ بشاةٍ ميتةٍ قد ألقاها‬
‫ن الدنيا أهون على ال من هذه على أَهلها) ‪ 0‬وكان‬ ‫أهلها فقال‪ :‬والذي نفسي بيده إِ ّ‬
‫يقول في صفة الدنيا‪( :‬أَولها عناءٌ وأخرها فناء ‪ 0‬حللها حسابٌ وحرامها عقابٌ ‪0‬‬
‫من استغنى بها فُتن ومن افتقر إِليها حزن ومن سعى لها فاتته ومن نأى عنها أَتته‬
‫ومن نظر إِليها أعمته ومن بصر بها بصرته) ‪ 0‬وصفها بعض العلماء فقال‪ :‬جمةُ‬
‫المصائب رتق ُة المشارب ل تفي لصاحب ‪ 0‬وقال يحيى بن معاذ‪ :‬الدنيا خمر‬
‫الشيطان‪ :‬من شربها لم يفق إل بين عساكر الموتى نادمًا بين الخاسرين قد ترك منها‬
‫لغير ما جمع وتعلق بحبل غرورها فانقطع وقدم على من يحاسبه على الفتيل والنقير‬
‫والقطمير فيما انقرض عليه من الصغير والكبير يوم تزل بالعصاة القدم ويندم‬
‫المسئ على ما قدم ‪ 0‬يا من حيات حياته بالفات لوادغ وأَغراضه المنقلبة إِليها‬
‫منقلبة زوائغ وشياطين هواه بينه وبين ما هو له نوازع وسهام سهوه في لهو دينه‬
‫بوالغ قد جرحت الحجر على قلبه فأنساه الحجر الدامغ إن وعظ فساه وإن قوم فزائغ‬
‫قلبه ملن بالهوى ومن التقى فارغ كأني بك وسيف الممات في دم الحياة والغ نازلك‬
‫فانزلك بالنوى عن العالي النوابغ وتقضي التيامن نبات سلب الحلى الصايغ ومر‬
‫إليك فمر عليك الشراب السايغ وطمس شموس عزك المنيرات النوازغ وخرق‬
‫دروع المنيعات السدايغ أين من جمع الموال وحماها واهًا لمن جمعها واقتناها‬
‫تناهى أجله وما تناهى كم سلبت الدنيا أقواماً أقوامًا كانوا فيها وعادت عزهم أحلماً‬
‫أحلماً فتفكر في حالهم كيف حال وانظر إلى من مال إلى مال وتدبر أحوالهم إلى‬
‫ماذا آل وتيقن أنك لحق بهم بعد ليال عُمرك في مدةٍ ونفسك معدود وجمسك بعد‬
‫مماتك مع دود كم أمّلت أملً فانقضى الزمان وفاتك وما أراك تفيق حتى تلقى وفاتك‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييييية موقييييييييييع بلّغوا عن ّييييييييييي ولو آييييييييييية‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫فاحذر زلل قدمك وخف طول ندمك واغتنم وجودك قبل عدمك واقبل نصحى ل‬
‫تخاطر بدمك ‪0‬‬

‫الفصل السادس قُمِ الليلَ واترك التكاسل‬

‫ل در أقوام هجروا لذيذ المنام وتنصلوا لما نصبوا له القدام وانتصبوا للنصب في‬
‫الظلم يطلبون نصيبًا من النعام إِذا جنّ الليل سهروا وإذا جاء النهار اعتبروا وإذا‬
‫نظروا في عيوبهم استغفروا واذا تفكروا في ذنوبهم بكوا وانكسروا ‪ 0‬قال عليه‬
‫الصلة والسلم‪( :‬عليكم بقيام الليل فإِنه دأب الصالحين قبلكم وإنه قربة إلى ربكم‬
‫ومغفرة للسيئات ومنهاة عن الثم) ‪ 0‬وفي المسند عن ابن مسعود رضي ال عنه‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬عجب ربنا من رجلين‪ :‬رجل ثار عن وطائه‬
‫ولحافه من بين حبه وأهله إلى صلته ورجل غزا في سبيل ال فانهزموا فعلم ما‬
‫عليه في الفرار وما له في الرجوع فرجع حتى أهريق دمه) ‪ 0‬قال أبو ذر رضي ال‬
‫عنه‪ :‬سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم (أي صلة الليل أفضل قال‪ :‬نصف الليل‬
‫وقليل فاعله) ‪ 0‬قال داود عليه السلم‪ :‬يا رب أي ساعة أقوم لك فأوحى ال إليه‪ :‬يا‬
‫داود ل تقم أول الليل ول آخره ولكن قم في شطر الليل حتى تخلو بي وأخلوا بك‬
‫وارفع إِلىّ حوائجك) ‪ 0‬وروى عمر بن عبسة عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه‬
‫قال‪( :‬أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الخر فإِن استطعت أن تكون‬
‫ممن يذكر ال في تلك الساعة فكن) ‪ 0‬كان همام بن الحارث يدعو‪ :‬اللهم ارزقني‬
‫سهراً في طاعتك فما كان ينام إِل هنيهة وهو قاعد وكان طاوس يتقلب على فراشه‬
‫ثم يدرجه ويقول‪ :‬طير ذكر جهنم نوم العابدين ‪ 0‬وقال القاسم بن راشد الشيباني‪:‬‬
‫كان ربيعة نازلً بيننا وكان يصلي ليلً طويلً فإِذا كان السحر نادى بأَعلى صوته‪ :‬يا‬
‫أيها الركب المعرّسون‪ :‬أهذا الليل تنامون أل تقومون فترحلون قال‪ :‬فيسمع من ههنا‬
‫باك ومن ههنا داع ‪ 0‬فإِذا طلع الفجر نادى بأَعلى صوته‪ :‬عند الصباح يحمد القوم‬
‫السرى ‪ 0‬قال الضحّاك‪ :‬أدركت قوماً يستحيون من ال في سواد هذا الليل من طول‬
‫الضجعة ‪ 0‬يا منازل الحباب‪ :‬أين ساكنوك يا بقاع الِخلص‪ :‬أين قاطنوك يا‬
‫مواطن الَبرار‪ :‬أَين عامروك يا مواضع التهجد‪ :‬أين زائروك خلت وال الديار وباد‬
‫القوم وارتحل أرباب السهر وبقي أهل النوم واستبدل الزمان أكل الشهوات يا أهل‬
‫ل مَن يَهوى معطلة قفرا ل درّ أقوام‬ ‫صبّ أَن يَرى منازِ َ‬ ‫حزَنًا بِالوَالِهِ ال ّ‬
‫الصوم‪ :‬كَفَى َ‬
‫اجتهدوا في الطاعة وتاجروا ربهم فربحت البضاعة وبقي الثناء عليهم إلى قيام‬
‫الساعة لو رأيتهم في الظلم وقد لح نورهم وفي مناجاة الملك العلم وقد تم‬
‫سرورهم فإِذا تذكروا ذنباً قد مضى ضاقت صدورهم وتقطعت قلوبهم أسفًا على ما‬
‫ل بينَنا‬‫حملت ظهورهم وبعثوا رسالة الندم والدمع سطورهم ‪ 0‬وَلمّا وقَفنا والرسائ ُ‬
‫ظلَهُ الَنيق فقطعنا القلوبَ تأسفا‬ ‫دموعٌ نَهاها الواجدون توقفا ذكرنا اللّيالي بالعَقيقِ و ِ‬
‫صهُم منّي بكُلِ سلم و َبلِغهُم أَني بُرهَن صَبابةٍ‬ ‫خ َ‬‫ض أَحِبتي ف َ‬
‫نسيم الصّبا إِن زُرتَ أَر َ‬
‫ل غَرامِ وإِني ليَكفيني طُروقُ خيالِهم لَو أَنَ جُفوني مُتعت بمنام‬ ‫وأَن غَرامي فَوقَ كُ َ‬
‫وقَد صُمتُ مِن أَوقات نَفسي ُكلَها ويَوم لِقاكُم كانَ فطر صيامي جال الفكر في قلوبهم‬
‫فلح صوابهم وتذكروا فذكروا كذكر إعجابهم وحاسبوا أنفسهم فحققوا حسابهم‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييييية موقييييييييييع بلّغوا عن ّييييييييييي ولو آييييييييييية‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ونادموا للمخافة فأصبحت دموعهم شرابهم وترنموا بالقرآن فهو سمرهم مع أترابهم‬
‫وكلفوا بطاعة الله فانتصبوا بحرابهم وخدموه مبتذلين في خدمته شبابهم فيا حسنهم‬
‫وريح السحار قد حركت أثوابهم وحملت قصص غصصهم ثم ردت جوابهم ‪0‬‬

‫الفصل السابع اندم على ذنوبك‬

‫أيها العبد‪ :‬تفكر في عُمر مضى كثيره وفي قدم ما يزال تعثيره وفي هوى قد هوى‬
‫أسيره وفي قلب مشتت قد قل نظيره وتفكر في صحيفة قد اسودت وفي نفس كلما‬
‫نصحت صدت وفي ذنوب ما تحصى لو أنها عدت ‪ 0‬قال أبو الدرداء رضي ال‬
‫عنه‪ :‬تفكر ساعة خير من قيام ليلة ‪ 0‬وقال أبو يوسف بن أسباط‪ :‬الدنيا لم تخلق‬
‫لتنظر إليها وإنما خلقت لتنظر بها إلى الخرة ‪ 0‬وكان سفيان الثوري من شدة‬
‫تفكيره يبول الدم ‪ 0‬وقال أبو بكر الكتاني‪ :‬روعة عند انتباه من غفلة وقال يحيى بن‬
‫معاذ‪ :‬لو سمع الخلئق صوت النائحة على الدنيا في الغيب من ألسنة الفنا تساقطت‬
‫القلوب منهم حزنًا ولو رأت القلوب بعين اليمان نزهة الجنة لذابت النفوس خوفاً ‪0‬‬
‫ولو رأت القلوب بعين اليمان نزهة الجنة لذابت النفوس خوفًا ‪ 0‬ولو أدركت القلوب‬
‫كنه محبة خالقها لتخلعت مفاصلها ولهًا ولطارت الرواح من أبدانها دهشاً ‪ 0‬سبحان‬
‫من أغفل الخليقة عن كنه هذه الشياء وألهاهم بالوصف عن حقائق هذه النباء ‪ 0‬يا‬
‫ذاهباً في شططه يا واقفًا مع غلطه يا معترضاً لعقوبة الحد ما سخطه يا معرضاً‬
‫عن العتبار سمعه يا مطلقًا لسانه في غلطه يا من ل يفرق بين صحيح القول‬
‫وسقطه أما له عبرة بقرطبة أما هناك استدراك لفارطه إلى متى على قبيح غطه هل‬
‫عبأ متاعه في سقطه أل حذر من في يد طاهي كل لو صحا لتعظ وأثر فيه اللوم‬
‫وازدجر لكنه في غاية الغلظ أفسدته المعاصي فلم يظهر الشيب وانقرض ل يلتفت‬
‫إلى من لم ول من وعظ سيندم على تضييع ما كان احتفظ سيفر العلج إذا زادت‬
‫الكظظ سيخرس لسان طال ما لفظ من لم يبق من عمره إل المل وهو للوزر العظيم‬
‫قد حمل وأثقل سيعرض عليك من المعاصي مما دق وجل تراعى الخلق وتنسى حقه‬
‫عز وجل قد سود صحيفته وملها من قيح العمل حملت عليه المانة فتغافل عنها‬
‫وضلّ يدعى إلى الستقامة ولكما قوم ذل ل يعرف ول يقبل قد حله رحلة نحلة‬
‫مناحلها من حل قد غره مكر سوف وأوثقه قيد لعلّ إلم تمنى النفس ما ل تناله‬
‫وتذكر عيشاً لم يعد متصرماً وقد قالت السبعون للهرى‪ :‬دعاني لشأني واذهبا حيث‬
‫شئتما ‪0‬‬

‫الفصل الثامن امقت نفسك وازدرها‬

‫إخواني‪ :‬من تفكر في ذنوبه تاب ورجع ومن تذكر قبيح عيوبه ذل وتواضع ومن‬
‫علم أن الهوى يسكن تصبر ومن تلمح إساءته لم يتكبر ‪ 0‬كان يزيد الرقاشي يقول‪:‬‬
‫والهفاه سبق العابدون وقطع بي وكان قد صام أثنين وأربعين سنة ‪ 0‬وقال حذيفة‬
‫المرعشي‪ :‬لو أصبت من يبغضنى حقيقة لوجبت على نفسي حبة ‪ 0‬فيا أيها العبد‬
‫عُد على نفسك باللوم والمقت واحذرها فكم ضيعت عليك من وقت واندم على زمان‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييييية موقييييييييييع بلّغوا عن ّييييييييييي ولو آييييييييييية‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫الهوى فمن كيسك أنفقت ونادها يا محل كل بلية فقد وال صدقت ‪ 0‬وروى وهب بن‬
‫منبه‪ :‬أن رجلً صام سبعين سنة يأكل كل سنة إحدى عشرة تمرة وطلب حاجة من‬
‫ال فلم يعطها فأقبل على نفسه فقال‪ :‬من قبلك بليت لو كان فيك خيراً أعطيت فنزل‬
‫إليه ملك فقال‪ :‬إن ساعتك هذه التي ازدريت فيها على نفسك خير من عبادتك وقد‬
‫أعطاك ال حاجتك ‪ 0‬وقال فضيل بن عياض‪ :‬أخذت بيد سفيان بن عيينة في هذا‬
‫الوادي فقلت له‪ :‬إن كنت تظن أنه قد بقي على وجه الرض شر مني ومنك فبئس ما‬
‫ترى ‪ 0‬وقال رجل لبي الحسن الموسمى‪ :‬كيف أنت فقال‪ :‬خفيت أضراسي من أكل‬
‫نعمة وكل لساني من كثرة ما أشكوه ‪ 0‬يا واقفاً مع هواه وأغراضه يا معرضاً عن‬
‫ل عن الموت وقد جد بمقراضه وعلم اندباغ عمر‬ ‫ذكر عوارضه إلى أعراضه يا غاف ً‬
‫أغراضه سيعرف خبره إذ أحاط به أشد أمراضه وأخرج من خرات الديار وروضه‬
‫وألقى في لحد وحيد يخلو برضراضه وعلم أنه باع أغراضه يا من بالهوى كلمه‬
‫وحديثه وفي المعاصي قديمه وحديثه وعمره في خطايا خفيفه وأثيثه من له إذا ألحد‬
‫في قبره من يغيثه من له إذا حامت حول حماه الردى ليوثه من له من كرب ل يرحم‬
‫عطاشه من له من جحفل ل يهدم كباشه من له من لح ٍد ل يدفع حشاشه من له من‬
‫جدث عمله في فراشه من له من قبرٍ فعل فيه معاشه من له من موقف ل يرد بطاشه‬
‫من له يومئذ ول يقوى نجاشه من له من حساب عقاب رذاذه يردى ورشاشه من‬
‫يخلصه اليوم من هوى قد أسرته رشاشه كم عاهد ونكث كم آثر الهوى وعبث كم‬
‫غره غرير بالسحر قد نفث تال لقد بولغ في توبيخه وما أكترث ولقد بعث إليه ولقد‬
‫بعث إليه النذير وما يرى من بعث قلبه مشغولٌ بالهوى ولسانه بالرفث كلما أصبح‬
‫معاهداً وأمسى نكث ظاهر صحيح وباطن قبيح خبيث سيندم يوم الضريح من القبيح‬
‫حرث سيبكي ندمان الهوى يوم الظمأ عند اللهث سيعرف حيرة المعاصي إذا حل‬
‫الحدث سيرى سيره إذا ناقش السائل أو بحث سيفرغ السن ندمًا إذا نادى ولم بعث‬
‫عجباً لجاهل باع تعذيب النفوس براحات الجثث القلب أسير بالحزن والدمع غزير‬
‫بالشجن والفكر يذيب القلب فما مثل الفكر على البدن! كم بت ودمعي منهم لو يذرأ‬
‫في وجدى ثمن واهًا لزمان طاب لنا وما أسرع ما ولى وفنى ما غردت الوراقى‬
‫على غصن إل وأهاجت حزني يا عيني أعيني قلباً قلقاً بالدمع ليطفئ نار الشجن‬
‫أصبحت أسيراً في خطئي وذنوبي قد ملت بدني أبكي زللي أبكي خللي أبكي عملي‬
‫كي يرحمني من لي يوم الشدة ينقذني من كرب الموت يخلصني ونزلت وحيداً في‬
‫جدث قفر وكأني من لبن أين القران وما قرنوا بالموت جميعًا في قرن كم سرت‬
‫على ربع لهم وأطلت مسائلة الزمن يا دار حبيبي‪ :‬أين هم عهدي بهم قبل المحن‬
‫قالت لي دارهم‪ :‬دارت بهم أماني الزمن أسرتهم قوة فهم أسراء الحيرة والحزن‬
‫تركوا المال لغيرهم ولم يصحبهم غير الكفن تال لقد سئلوا عما قد كانوا فيه من‬
‫الفتن فتيقظ قبل لحاقهم من طول الرقدة والوسن ‪ 0‬سارع إلى الجنة إخواني‪ :‬لقد‬
‫خاب من باع باقياً بفان وخطر في ثوبي متوان وتغافل عن أمر قريب كان وضيع‬
‫يوماً موجوداً في تأميل ثان أما الجنة تشوقت لطالبيها وتزينت لمريديها ونطقت آيات‬
‫القرآن بوصف ما فيها وملت أسماع العباد أصوات واصفيها كأنكم بالجنة وقد‬
‫فتحت أبوابها وتقسمها يوم القيامة أصحابها وغنت ألسن الماني قريب قبابها ‪0‬‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييييية موقييييييييييع بلّغوا عن ّييييييييييي ولو آييييييييييية‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫بُشرَها دَليلَها وقال‪ :‬غَداً تَرينَ الطَلحَ والجِبال روى أبو هريرة رضي ال عنه قال‪( :‬‬
‫قلنا‪ :‬يا رسول ال حدثنا عن الجنة ما بناؤها قال‪ :‬لبنة من ذهب ولبنة من فضة‪:‬‬
‫ملطها المسك الذفر وحصباؤها الياقوت والجوهر وترابها الزعفران من يدخلها‬
‫ينعم ل ييأس ويخلد ل يموت ل تبلى ثيابه ول يفنى شبابه) ‪ 0‬روى أُسامة بن زيد‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال يوماً‪( :‬ما ذكر الجنة إل مشمر إليها هي‬
‫ورب الكعبة نور يتلل ونهر مطروز وزوجة ل تموت وحبور ونعيم مقام أبداً‬
‫فقالوا‪ :‬نحن المشمرون لها يا رسول ال فقال‪ :‬قولوا‪ :‬إن شاء ال) ‪ 0‬روى سهل بن‬
‫سعد عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬إن في الجنة مائة درجة ما بين كل‬
‫درجتين كما بين السماء والرض وإن جنة الفردوس وسطها وأعلها سماء وعليها‬
‫يوضع العرش يوم القيامة ومنها تفجر أنهار الجنة قال رجل‪ :‬فداك أبي وأمي يا‬
‫ل من ياقوت أحمر‬ ‫رسول ال فيها خيل قال‪ :‬نعم والذي بعثني بالحق إن فيها لخي ً‬
‫يروث بين خلل ورق الجنة يتراءون عليها فجاء رجل فقال‪ :‬بأبي وأمي فداك هل‬
‫فيها صوت قال‪ :‬نعم والذي نفسي بيده إن ال عز وجل يوحى إلى شجرة في الجنة‬
‫أن أسمعي عبادي الذين شغلهم ذكري في الدنيا عن عزف المزاهر والمزامير‬
‫بالتسبيح والتقديس) ‪ 0‬يا نفس‪ :‬بادري بالوقات قبل انصرامها واجتهدي في حراسة‬
‫ليالي الحياة وأيامها فكأنك بالقبور وقد تشققت وبالمور وقد تحققت وبوجوه المتقين‬
‫وقد أشرقت وبرءوس العصاة وقد أطرقت ‪ 0‬يا نفس‪ :‬أما الورعون فقد جدلوا وأما‬
‫الخائفون فد استعدوا وأما الصالحون فقد راحوا وأما الواعظون فقد صاحوا ‪ 0‬يا‬
‫ل تستريحي في الفردوس كثيراً كأنك بالتعب قد مضى وبحرصك‬ ‫نفس‪ :‬اتعبي قلي ً‬
‫من اللعب قد مضى وثمر الصبر قد أثمر حلوة الرضا ل يطمعن البطال في إدراك‬
‫البطال هيهات أن يدرك البطل المجتهد من غاب حين النزال فما شهد حفت الجنة‬
‫بالمكاره فل يوصل إليها إل بالمضض كذلك كل محبوب يلذ وكل عرض من غير‬
‫ب المشقة‪ :‬العلم ل يحصل إل بالنصب والمال ل‬ ‫مشقة وإل متى لم يبعد على طال ٍ‬
‫يجمع إل بالتعب واسم الجواد ل يناله بخيل ول يلقب بالشجاع إل بعد تعب طويل ‪0‬‬
‫ل قتّالُ أيها العبد‪ :‬إن عزمت فبادر‬ ‫لَول المشَقَة سادَ الناس ُكَلهُم الجود يفقر والِقبا ُ‬
‫وإن هممت فثابر واعلم أنه ل يدرك المفاخر من كان في الصف الخر ‪ 0‬سلع‬
‫المجد كاسدة وكأن قد غلت ومراعى الفضل قريبة وكأن قد علت وكأنك بغايات‬
‫الغفلت قد انجلت فأصبحت حلوة البطالة من أفواه الغافلين قد رحلت وأصبحت‬
‫رايات المجاهدين قد حلت وتفاوت في السباق مضمار وبطين كما تفاوت في‬
‫ب المجدَ تَمراً أَنتَ آ ِكلُهُ ل تَبلُغ المجدَ حَتى تَلعَق‬
‫س َ‬
‫الحراق ماء وطين ‪ 0‬ل تَح َ‬
‫الصَبرا فاصبر للبليا فحينها يسير وأثبت للرزيا فأجرها كثير وأحسن قرى ضيف‬
‫الهم بالصبر الغزير وتجلد على الظمأ فبين يديك ما ٌء غيرٌ ‪ 0‬ل تجزَعّنَ مِنَ المَنايا‬
‫إِذا َأتَت واصبِر لِما تأَتي بِهِ الَقدارُ فكأَن قَد انكشَفَت غيايات البل وانجابت الفات‬
‫جنَى َث َم َر الَسَى فجَرى بِلَ أَجر لَهُ المِقدار ِإنّي رأَيتُ‬ ‫والَكدار وجَرى الجَزوعُ لِما َ‬
‫معاشِراً لَم يفهموا مَعنى الوجود فأَصبَحوا قَد حاروا دُنياكَ دارٌ للبَليا مهّدَت ووراء‬
‫ذَلك إِن عقلت نهار‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييييية موقييييييييييع بلّغوا عن ّييييييييييي ولو آييييييييييية‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫الفصل العاشر جاهد نفسك‬

‫أيها العبد‪ :‬حاسب نفسك في خلوتك وتفكر في انقراض مدتك واعمل في زمان‬
‫فراغك لوقت شدتك وتدبر قبل الفعل ما يملى في صحيفتك وانظر‪ :‬هل نفسك معك‬
‫أو عليك في مجاهدتك لقد سعد من حاسبها وفاز وال من حاربها وقام باستيفاء‬
‫الحقوق منها وطالبها وكلما ونت عاتبها وكلما تواقفت جذبها وكلما نظرت في آمال‬
‫هواها غلبها ‪ 0‬قال عليه الصلة والسلم‪( :‬الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد‬
‫الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على ال الماني) ‪ 0‬وقال عمر بن‬
‫الخطاب رضي ال عنه‪( :‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وطالبوا بالصدق في‬
‫العمال قبل أن تطالبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم في الحساب‬
‫ل تَخفَى مِنكُم خَا ِفيَةٌ) ‪ 0‬وقال الحسن‬ ‫غداً وتزينوا للعرض الكبر‪( :‬يَو َمئِذٍ تُعرَضُونَ َ‬
‫البصري رحمة ال‪( :‬أيسر الناس حسابًا يوم القيامة الذين حاسبوا أنفسهم ل عز‬
‫وجل في الدنيا فوقفوا عند همومهم وأعمالهم فإن كان الدين ل هموا بال وإن كان‬
‫عليهم أمسكوا وإنما يثقل الحساب على الذين أهملوا المور فوجدوا ال قد أحصى‬
‫صغِيرَ ًة وَلَ َكبِيرةً إِلّ‬
‫عليهم مثاقيل الذر فقالوا‪( :‬يَا وَيَل َتنَا مَالِ هَذَا ال ِكتَابِ لَ ُيغَا ِد ُر َ‬
‫أَحصَاها)) ‪ 0‬وقال أبو بكر البخاري‪( :‬من نفر عن الناس قل أصدقاؤه ومن نفر عن‬
‫ذنوبه طال بكاؤه ومن نفر عن مطعمه طال جوعه وعناؤه ونقل توبة بن المعلم أنه‬
‫نظر يوماً وكان محاسباً لنفسه فإذا هو ابن ستين إل عاماً فحسبها أياماً فإذا هي‬
‫إحدى وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم فصرخ وقال‪ :‬يا ويلتي! ألقى المليك بإحدى‬
‫وعشرين ألف ذنب وخمسمائة ذنب فكيف ولى في كل يوم عشرون ألف ذنب ثم خر‬
‫مغشياً عليه فإذا هو ميت فسمعوا هاتفاً يقول‪ :‬يا لها من ركضة إلى الفردوس العلى‬
‫‪ 0‬إخواني‪ :‬المؤمن مع نفسه ل يتوانى عن مجاهدتها وإنما يسعى في سعادتها‬
‫فاحترز عليها واغتنم لها منها فإنها إن علمت منك الجد جدت وإن رأتك مائلً عنها‬
‫ل وقفت‬ ‫صدت وإن حثها الجد بلحاق الصالحين سعت وقفت وإن توانى في حقها قلي ً‬
‫وإن طالبها بالجد لم تلبث أن صفت وأنصفت وإن مال عن العزم أماتها وإن التفت‬
‫عربدت من صبر على حر المجلس خرج إلى روح السعة من رأى التناهي في‬
‫المبادي سلم ومن رأى التناهي هلك لن مشاهدة التناهي تقصير أمله ومشاهدة‬
‫المبادي في التناهي تسوف عمله وفي الجملة‪ :‬من راقب العواقب سلم ‪ 0‬يا هذا‪:‬‬
‫هلل الهدى ل يظهر في غيم الشبع ولكن يبدو في صحو الجوع وترك الطمع‬
‫واحذر أن تميل إلى حب الدنيا فتقع ول تكن من الذي قال‪ :‬سمعت وما سمع ول‬
‫ممن سوف يومه بغده فمات ول رجع كل ليندمن على تفريطه وما صنع وليسألن‬
‫عن تقصيره في عمله وما ضيع فيا لها من حسرة وندامة وغصةٍ تجرع عند قراءة‬
‫كتابه وما رأى فيه وما جمع فبكى بكاء شديداً فما نفع وبقى محزونًا لما رأى من‬
‫نور المؤمن يسعى بين يديه وقد سمع فل ينفعه الحزن ول الزفير ول البكاء ول‬
‫الجزع ‪0‬‬

‫الفصل الحادي عشر احذر النار‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييييية موقييييييييييع بلّغوا عن ّييييييييييي ولو آييييييييييية‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫إخواني‪ :‬لقد خاب من آثر شهوة من حرام فإن عقباها تجرع حميم آن وخسر ‪ -‬وال‬
‫‪ -‬من أطلق نفسه فيما تريد بعد أن سمع الزبانية وأغلل الحديد وهلك كل الهلك وبار‬
‫كل البوار من اشترى لذة ساعة بعذاب النار ‪ 0‬قال أبو هريرة رضي ال عنه‪ :‬قال‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها‬
‫ألف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة) ‪0‬‬
‫وروى أبو هريرة رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬ناركم‬
‫هذه مما يوقد بنو آدم جزء واحد من سبعين جزءاً من جهنم) ‪ 0‬وروى ابن مسعود‬
‫رضي ال عنهما عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬يؤتى بجهنم يومئذٍ لها‬
‫سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها) ‪ 0‬وقال وهب بن منبه‪:‬‬
‫إذا سيرات الجبال فسمعت حسيس النار نقيضها وزفيرها وشهيقها صرخت الجبال‬
‫كما تصرخ النساء ثم يرجع أوائلها على أواخرها يدق بعضها بعضاً ‪ 0‬وفي المسند‬
‫عن ابن عمر رضي ال عنهما عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬يعظم أهل‬
‫النار حتى إن بين شحمة أُذن أحدهم وعاتقه سبعمائة عام وإن غلظ جلده سبعون‬
‫ذراعاً وروى الزهري عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إن‬
‫الحميم ليصب على رءوسهم فينفذ الحميم حتى يخلص إلى جوفه فيلهب ما في جوفه‬
‫حتى يمرق من قدميه وهو الصهر ثم يعاد كما كان) ‪ 0‬وقال أبو موسى‪ :‬أهل النار‬
‫يبكون الدموع حتى تنقطع ثم يبكون الدماء حتى لو أرسلت فيها السفن لجرت ‪ 0‬ل‬
‫در أقوام أذهبوا أعمارهم في طلبي وأتعبوا أعضاءهم في فرضي وواجبي وقطعوا‬
‫ل التعلق بي وحلموا عن الجهال خوفًا من غضبي فإذا مروا على النار‬ ‫قواطعهم لج ِ‬
‫قالت‪ :‬جريًا يا مؤمن قد أطفأ نورك لهبي ‪ 0‬إذا رأت النار من جاهد بالخير وما‬
‫خافت خافت وإذا شاهدت نفوساً طال ما صافت صافت وإذا عاينت أجساماً ما نبتت‬
‫من الحرام وعافت عافت ‪ 0‬هل تشبهت يا هذا بهؤلء القوم هل تنبهت من هذا‬
‫الرقاد والنوم وأنت وقت العشاء نائم وقلبك في حب شهوات البهائم هائم قل للذي‬
‫ألجأه عاجل لهوه عن حظه يحكى البهائم هائماً‪ :‬أمسنا الفنا خذ حكمة تخصنا بها‬
‫فانظر ول تبغ الفنا يا نائم يا هذا‪ :‬المحب يُطرَدُ فل يزول وأنت تُدعى فل تجب ‪0‬‬
‫سلّمُ رحم ال عظماً طالما نصبت‬ ‫فَإِن َت َمنَعوا منّي السّلمُ فِإنَني َلغَادٍ عَلى حِيطَا ِنكُم ُفمُ َ‬
‫وانتصبت فإذا جن الليل عليهم فتمكن وثبت وثبت إن ذكرت عدله رهبت وهربت‬
‫وإن تفكرت فضله فرحت وطربت اعترف عن طاعته أنها قد أذنبت وقامت شاكرة‬
‫لمن جمعها على إحسانه فنبت لحت لها ذنوبها فبكت عليها وندبت وصاحت بها‬
‫حبّةَ حَس َرةً وتشوّقاً‬
‫ألسن الغفران فاهتزت وربت‪ :‬قِف بالدِيار َفهَذهِ آثارُهُم تَبكي الَ ِ‬
‫ل مُخبِراً عَن أَهلِها أَو صادِقًا أَو مُشفِقاً فأَجابَني داعي الهَوى في‬ ‫كَم قَد وقَفتُ بِها أُسائ ُ‬
‫طرَقَ الخيال وقال لي يا مُدّعي َأ َتنَامُ بَع َد فراق‬ ‫رسمِها فارقتُ مَن تَهوى ف َعزّ المُلتَقى َ‬
‫جيران اللقى وحيا ُتكُم قسماً بأَني صادق ل طاب لي من بعد كم فيكم بقا يا سادة مذ‬
‫حملوا أَجمالهم ما أَورثوني بعدهم إِلّ الشقا أترى الرض خلت منهم أم لم ترهم كلّ‬
‫لو وصفت أعمالهم عرفناهم أما الحياء منهم فالقطرة تجري مجراهم أما أمواتهم‬
‫فمعنى الحبار معناهم ‪ 0‬قف يا هذا على قبورهم ونادهم واستنشق ريح فضلهم فهل‬
‫ت وأَحبابي بمَنزِلةٍ تَبيتُ يقظاناً ولهَانًا وأَهلناً‬ ‫المعاني في اجتهادهم ضائر كَم قد وقَف ُ‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييييية موقييييييييييع بلّغوا عن ّييييييييييي ولو آييييييييييية‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫فهاجها حين حيّانا النَسيمُ بِما سَقيا وأَلقى بالجرع حينا نَبكي َفيُسعِدُونا كورُ المطي‬
‫شوّقُون فيها أَم مطايانا ول مَن قَطّر الَشيا َء ما وجَدت كوجدنا العيس‬ ‫فَهل نَحنُ المُ َ‬
‫بل رقت لشكوانا‬

‫الفصل الثاني عشر عليك بالخوف من ال‬

‫إخواني‪ :‬من علم عظمة الله زاد وجله ومن خاف نقم ربه حسن عمله فالخوف‬
‫يستخرج داء البطالة ويشفيه وهو نعم المؤدب للمؤمن ويكفيه ‪ 0‬قال الحسن‪ :‬صحبت‬
‫أقواماً كانوا لحسناتهم أن تُر ّد عليهم أخوف منكم من سيئاتكم أن تعذبوا بها ‪0‬‬
‫ووصف يوسف بن عبد المحسن فقال‪ :‬كان إذا أقبل كأنه أقبل من دفن حميمه وإذا‬
‫جلس كأنه أسير من يضرب عنقه وإذا ذكرت النار فكأنما لم تخلق إل له ‪ 0‬وكان‬
‫سميط إذا وصف الخائفون يقول‪ :‬أتاهم من ال وعيد وفدهم فناموا على خوف وأكلوا‬
‫على تنغصٍ ‪ 0‬واعلم أن خوف القوم لو انفرد قتل غير أن نسيم الرجاء يروح‬
‫أرواحهم وتذكر النعام يحيى أشباحهم ‪ 0‬ولذلك روى‪( :‬لَو ُوزِنَ خَوفُ المؤمن‬
‫ورجَاؤه لعتدل) ‪ 0‬فالخوف للنفس سائق والرجاء لها قائد إن ونت على قائدها حثها‬
‫سائقها وإن أبت على سائقها حركها قائدها مزيح الرجاء يسكن حر الخوف وسيف‬
‫الخوف يقطع سيف ‪ -‬سوف ‪ -‬وإن تفكر في النعام شكر وأصبح للهم قد هجر وإن‬
‫ك يوماً سَحابةً‬
‫نظر في الذنوب حذر وبات جوف الليل يعتذر وأنشد‪ :‬أَظلَت عَلينا مِن َ‬
‫َأضَاءَت لَنا برقاً وأَمطَرتنا فَل غيمَها فيائسٌ طامعٌ ول غَيثَها باقي فيروى عطاشها‬

‫الفصل الثالث عشر عليك بحب ال‬

‫إخواني‪ :‬الموت في طريق الطلب‪ :‬خير من العطب في طريق البطالة ما هذا! أدم‬
‫السهر والصوم وخل لربابه طول النوم وشمر في لحاق القوم فإذا وصلت إلى‬
‫دوائك‪ :‬أنخت بجناب يا هذا‪ :‬عليك بإدمان الذكر لعل ذكرك القليل ينمى ذكره الجليل‬
‫( َولَذِكرُ الَِ أَك َبرُ) أنا جليس من ذكرني ‪ 0‬ل تعجز عن حفر ساقية وإن ربت فإنك إذ‬
‫ألحقتها بساحل البحر فاض من ماء البحر إليها فصارت دجلة أخلص في ذكرك لعله‬
‫يذكرك ‪ 0‬روى البخاري ومسلم في الصحيحين عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه‬
‫كان يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له‪ :‬حمدان فقال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(سيروا سبق المفردون قالوا‪ :‬وما المفردون يا رسول ال قال‪ :‬الذاكرون ال كثيراً‬
‫والذاكرات) ‪ 0‬روى أبو الدرداء عن النبي صلى ال عليه وسلم أن ال تعالى يقول‪:‬‬
‫(أَنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه) ‪ 0‬وقال أبو الدرداء‪ :‬الذين ألسنتهم‬
‫رطبة بذكر ال تعالى يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك ‪ 0‬يا هذا‪ :‬من علمات المحب‬
‫انزعاجه عند ذكر محبوبه ‪ 0‬لو أحببت شخصاً من أهل الدنيا فسمعت باسمه‬
‫لنزعج باطنك أما سمعت أن مجنونًا أحب مخلوقاً فلما ذكر انزعج فقال‪ :‬ودَاعٍ دَعا‬
‫إِذ نَحنُ بالخيف من مني َف َهيّج أَحزان الفؤاد ولَم يدر دعا بإِسم ليلى غيرها فكأَنما‬
‫أَطار بقَلبي طائِراً كانَ في صَدري وهذا ذكر ال يُتلى عليك وما تتغير وكم تسمع‬
‫من أوامره ونواهيه ول تتدبر وقد يسره الكريم على من اجتهد فيه وما عسر وكم‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييييية موقييييييييييع بلّغوا عن ّييييييييييي ولو آييييييييييية‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫من نظر فيه حقيقة النظر وتبصر وعمل ما أمره وترك ما نهى عنه في العمل‬
‫والقول وتحرر وكلما نظر في عمله رأى أنه مقصر فيه تفكر ل يلتذ بطعام ول‬
‫شراب ول نوم إل ذكر وتذكر أما سمعت قوله في الكتاب العزيز مسطراً إخباراً‬
‫جلَت‬‫ل بليغاً مفسر‪ِ( :‬إ ّنمَا المُؤ ِمنُونَ الّذِينَ إِذَا ُذ ِكرَ الَُ وَ ِ‬ ‫عنهم في ذكرهم له قو ً‬
‫علَى مَا َأصَابُهم) فشكرهم على ذلك وستر بأنه راض عنهم يوم‬ ‫ُقلُو ُبهُم) (وَالصّا ِبرِينَ َ‬
‫خرَ) ويبقى العاصي نادمًا على‬ ‫تشقق السماء وتتفطر‪ُ ( :‬ي َنبّأ الِنسَانُ يَو َمئِذٍ ِبمَا قَدّ َم َوأَ ّ‬
‫تفريطه مُحسر مثقل بحمل خطاياه وفي ذيل ذنوبه معثر فإذا دعي لقراءة كتابه رأى‬
‫ما فيه من السيئات تحير ويرى غيره قد أمر به إلى النار مسحوب مجرجر فيندم فل‬
‫ينفع ويبكي فل يُسمَعُ ول يُرحم ول يعذر فالعذاب الشديد لمن كد وطغى وتجبر‬
‫ونصحتك فالتوبة التوبة ‪ 00‬فعسى بعد الكسر تجبر فهو المعين لمن لجأ إليه فله‬
‫الحمد على ما قضى وقدر ‪0‬‬

‫الفصل الرابع عشر تفاوت النفوس في الخير والشر‬

‫روى أبو موسى رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬أن ال خلق آدم من‬
‫قبضة قبضت من جميع الرض فجاءوا بنوا آدم على قدر الرض‪ :‬منهم البيض‬
‫والحمر والسود وبين ذلك والخبيث والطيب والسهل والحزن وبين ذلك) ‪ 0‬وجاء‬
‫في حديث آخر‪( :‬إن ال خلقهم في ظلمة فرش عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النور‬
‫اهتدى ومن أخطأه ضل) ‪ 0‬فهذا يدل على أن من خلق من الصفا صفا له ومن خلق‬
‫من الكدر كدر عليه فلم يصلح للقرب والرياضة وإنما يصلح عبد نجيب ‪ 0‬خلق‬
‫إبليس من ماء غير طاهر فكانت خلعة العبادة عليه عارية فسخن ماء معاملته بإيقاد‬
‫نار الخوف فما أعرض عنه الموقد عاد إلى برودة الغفلة ‪ 0‬وخلق عمر من أصل‬
‫نقي فكانت أعمال الشرك عليه كالعارية فلما عجب نيران حمية الجاهلية أثرت في‬
‫طبعه إلى أن فنى مدد حظها بفناء مدة تقدير إعراضه فعاد سخنه إلى برد العرفان‪:‬‬
‫وكلّ إِلى طَبعِهِ عَائِدُ َوإِن صَ ّدهُ الصّدّ عن قص ِدهِ كَما أنّ الما َء من بعدِ إِسخانه سريعاً‬
‫يعود إِلى بَر ِدهِ يا هذا‪ :‬لحت عقبة المعصية لدم وإبليس فقال لهما لسان الحال‪ :‬لبدّ‬
‫من سلوكها فسلكا يتخبطان في ظلمها فأما آدم فانكسر قلبه في طريقه وبكى‬
‫س َرةِ قلوبهم من أجلي‬ ‫لصعوبة مضيقه فهتف به هاتف اللطف‪ :‬ل تجزع أنا عند المُنكَ ِ‬
‫وأما إبليس فجاء ضاحكاً معجبًا بنفسه فثار الكبر من قلبه فتكاثرت ظلمة طريقه فلما‬
‫طنُهُ فِيهِ الرّحمَةُ وَظَا ِه ُر ُه مِن‬
‫ب بَا ِ‬
‫ارتفعا إلى رأس العقبة ضرب (بَي َنهُم بِسُورٍ لّهُ بَا ٌ‬
‫ِق َبلِهِ العَذَابُ) فقال إبليس‪ :‬يا آدم كنا رفيقين في عقبة المعصية فكيف افتراقنا فنادى‬
‫منادى الزل‪ :‬نحن قَسَمنَا ‪0‬‬

‫الفصل الخامس عشر روض نفسك‬

‫يا هذا‪ :‬طهر قلبك من الشوائب فالمحبة ل تلقى إل في قلبٍ طاهر أما رأيت الزارع‬
‫يتخير الرض الطيبة ويسقيها ويرويها ثم يثيرها ويقلبها وكلما رأى حجرًا ألقاه‬
‫وكلما شاهد ما يؤذى نجاه ثم يلقى فيها البذر ويتعاهدها من طوارق الذى وكذلك‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييييية موقييييييييييع بلّغوا عن ّييييييييييي ولو آييييييييييية‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫الحق عز وجل إذا أراد عبدًا لوداده حصد من قلبه شوك الشرك وطهره من أوساخ‬
‫الرياء والشك ثم يسقيه ماء التوبة والنابة ويثيره بمسحأة الخوف والخلص‬
‫فيستوي ظاهره وباطنه في التقى ثم يلقى فيه بذر الهدى فيثمر حب المحبة فحينئذ‬
‫تحمد المعرفة وطنًا ظاهراً وقوتًا طاهراً فيسكن لب القلب ويثبت به سلطانها في‬
‫رستاق البذر فيسري من بركاتها إلى العين ما يفضها عن سوى المحبوب وإلى‬
‫الكف ما يكفها عن المطلوب وإلى اللسان ما يحبسه عن فضول الكلم وإلى القدم ما‬
‫يمنعه من سرعة القدام فما زالت تلك النفس الطاهرة رائضها العلم ونديمها الحلم‬
‫وسجنها الخوف وميدانها الرجاء وبستانها الخلوة وكنزها القناعة وبضاعتها اليقين‬
‫ومركبها الزهد وطعامها الفكر وحلواها النس وهي مشغولة بتوطئة رحلها لرحيلها‬
‫وعين أملها ناظرة إلى سبيلها فإن صعد حافظاها فالصحيفة نقية وإن جاء البلء‬
‫فالنفس صابرة تقية وإن أقبل الموت وجدها من الغش خلية فيا طوبى لها إذا نوديت‬
‫ضيّة) ‪0‬‬
‫ضيَةً مّر ِ‬
‫جعِي ِإلَى َر ّبكِ رَا ِ‬
‫يوم القيامة‪( :‬ياَأ ّي ُتهَا النّفسُ المُط َم ِئنّةُ ار ِ‬

‫الفصل السادس عشر خالف هواك‬

‫ل درّ نفس تطهرت من أجناس هواها وتجلببت جلباب الصّبر عند دنياها وشغلها ما‬
‫رأى قلبها عما رأت عيناها وإن مالت إلى الدنيا نهاها نُهاها وإن مالت إلى الهوى‬
‫شفاها شفاها سهرت تطلب رضى المولى فرضى عنها وأرضاها وقامت سوق‬
‫المجاهدة على سوق هداها فباعت حرصها بالقناعة فظفرت بغناها وفوقت سهام‬
‫العزائم إلى أهداف المحارم تبتغي علها ورمت نجائب السحار فساقها حادى‬
‫الستغفار إذ عناها وقطعت بيداء الجد بآلة المستعد فبلغت ُمنَاها فمن أجلها ينزل‬
‫القطر وينبت الزرع من جزاها ولولها لم تثبت الرض بأهل دنياها ‪ 0‬وما أعطَى‬
‫غرّى غَيرِى‬
‫الصَبابَة ما استَحقَت عَليهِ ول َقضَى حق المنازل ملحظها بعين ُ‬
‫وزائراها بجسم غير ناحل‬

‫الفصل السابع عشر تبصر في نفسك‬

‫يا من نسي العهد القديم وخان من الذي سواك في صورة النسان من الذي غذاك في‬
‫أعجب مكان من الذي بقدرته استقام الجثمان الذي بحكمته أبصرت العينان من الذي‬
‫بصنعته سمعت الذنان من الذي وهب العقل فاستبان للرشد وبان من الذي بارزته‬
‫ن الذي تركت شكره فلم يؤاخذ بالكفران إلى كم‬ ‫بالخطايا وهو يستر العصيان مَ ِ‬
‫تخالفني وما يصبر على الخلف البوان وتعاملني بالغدر الذي ل يرضاه الخوان‬
‫عزّ عِندك وهان ولو علم الناس منك ما أعلم‪ :‬ما جالسوك في‬ ‫وتنفق في خِلفي ما َ‬
‫ت مِن الهوى ما الحبّ‬ ‫مكان فارجع إليّ في ذلك فأنا المعروف نَقّل ُفؤَا َدكَ حيثُ شئ َ‬
‫لِوّلِ مَنزِلِ يا مبارزاً‬
‫ل كَم مَنزِلٍ في الَرض يَألَفُهُ ال َفتَى وحنينه أَبدًا ُ‬
‫لوّ ِ‬
‫حبِيب ا َ‬
‫إِلّ لِل َ‬
‫بالقبيح مهد عذرك يا مواصلً نقض العهود جانب غدرك يا مديمًا للتواني تدبر‬
‫أمرك يا مؤثراً ما يفني على ما يبقى خالفت خبرك يا لهياً في أيام العوافي وال ما‬
‫تترك يا واقفاً مع الماني ضيعت عمرك يا فارحًا بقصره تذكر قبرك يا حاملً أثقال‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييييية موقييييييييييع بلّغوا عن ّييييييييييي ولو آييييييييييية‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫الذنوب هل خففت ظهرك سار الصالحون إلى ذكرنا وآثرت هجرك وسمعت سيرهم‬
‫وضيعت أجرك ‪ 0‬إن أردت صحبة المتقين فاشرح لليقين صدرك وإن أحببت حلوة‬
‫العواقب فاستعمل صبرك إن حل شراب مناجاتنا فبدد خمرك إن طاب لك سماع‬
‫ذكرنا فاكسر زمرك اعتبر عن خل الثرى والكفان وتفكر في البل وتذكر ذاك‬
‫الرفاق فما بينك وبين هذه الفات إل أن تعاين الوفا وفات ‪0‬‬

‫الفصل الثامن عشر تذكر يا عامل‬

‫ب ومات يا من كان له وقت وفات أشرف الشياء قلبك ووقتك فإذا‬ ‫يا من له قل ٌ‬
‫ن ذا‬‫عزَا ُؤهُ ولَو كا َ‬
‫ل عَنها َ‬
‫أهملت َويَبكي عَلى الموتَى ويَترُكُ نفسه ويزعَمُ أَنّ قَد قَ ّ‬
‫رأىٍ وعقلٍ وَفِطنَ ٍة لكانَ عَليهِ ل عَليهِم ُبكَا ُؤهُ رُئى سمنون يومًا على شاطئ دجلة‬
‫وبيده قضيبٌ يضرب به فخذه حتى تبدد لحمه وهو يقول‪ :‬كان لي قلب أعيش به‬
‫ضاع مني في تقلبه رب فاردده على فقد عيل صبري في تطلبه وأغث ما دام لي‬
‫رمقٌ يا غياثَ المستغاث به ابكِ على وقت كان قد صفا وعلى قلب صار كالصفا‬
‫ل كنتُ‬ ‫وعلى زمان تبدل فيه الوصل بالجفا وعلى ربع خل من اليقظة وعفا‪ :‬منَاز َ‬
‫ليّام منصوراً ما تتوفى في سمين بدنك حتى نسيت‬ ‫أَهواها وآلَ ُفهَا َأيّا َم كُنتُ على ا َ‬
‫إدراجك في كفنك ول متعت نفسك بمواعيد المُنى إل بعد أن أسرك حُب الهوى أما‬
‫وعظك الزمان من بسطه وقبضه أما أجد لك بجديد بعد العتبار ببعضه أما تدرك‬
‫الحين من طوله وعرضه يا عجبًا كيف التذّ حامل بغمضة وكم طيل يوم ما أُدىَ‬
‫ن الممات والحساب أمامك فتهيأ للرحيل وأصلح خيامك‬ ‫بعض فرضه أما تعلم أ ّ‬
‫واحفظ مقالتي واقطع قطع المدى مدامك واجتهد أن تنشر الخلص في المحل إل‬
‫على أعلمك وصل صلتك في الدجى واهجر للمنام منامك ول تترك ولو بت الليل‬
‫عاصياً صيامك وأحضر قلبك وسمعك وإن قل من لمك وأفق في زمان المكان‬
‫قبل انثات العرى‬

‫الفصل التاسع عشر الفائزون‬

‫ل در أقوام أقبلوا بالقلوب على مقلبها وأقاموا النفوس بين يدي مؤدبها وسلموها إذا‬
‫باعوها إلى صاحبها وأحضروا الخرة فنظروا إلى غائبها وسهروا الليالي كأنهم‬
‫ى كواكبها ونادوا أنفسهم صبراً على نار حطبها ومقتوا الدنيا فما مالوا‬ ‫ُوكّلوا ِبرَع ِ‬
‫إلى ملعبها واشتاقوا إلى لقاء حبيبهم فاستطالوا مدة المقام بها ‪ 0‬إِذا كُنتَ قُوتَ‬
‫ضبِ في الما ِء أَو كما‬ ‫النَفس ثُ َم هجرتُها َفكَم تل َبثُ النَفس التي أَنتَ قوتها ستبقَى بقاء ال َ‬
‫يَعيشُ ببيداء المهامه حوتها بعض العابدات كانت تقول‪ :‬وال لقد سئمت الحياة حتى‬
‫لو وجدت الموت يباع لشتريته شوقاً إلى ال وحبًا للقائه فقيل لها‪ :‬على ثق ٍة أنت من‬
‫عملك قالت‪ :‬ل وال لحبي إياه وحسن ظني به أفتراه يعذبني وأنا أحبه‪ :‬يا ناظرَ‬
‫لَ يعلَمُ أَني بعدَ فُرق ُتكُم ك‬
‫العينِ قُل هَل ناظرتَ عينِى إِليكَ يومًا وهَل تَدنُو مِنَ البين ا ُ‬
‫سلَبوهُ مِن الجنَاحَين ل در أرواح تشتاق إلى روح قربة وتلتذ عند ابتلئه بوقع‬ ‫طائرٍ َ‬
‫ضربة ويطول عليها الزمان شوقًا إليه لحبه إن سألت عن صفاتهم فكل منهم مخلص‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييييية موقييييييييييع بلّغوا عن ّييييييييييي ولو آييييييييييية‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫لربه مجتهد في طاعته خائف من عتبه قائم على نفسه باستيفاء الحق منها على قلبه‬
‫ن الشوق والَمل فإِن نهضتَ فما‬ ‫ب مُشتاقٌ بحرك ٍة إِليكُم الخافقا ِ‬
‫وأنشد‪ :‬كيفَ يقعُدُ رقي ٌ‬
‫ت فما لي عِن َدكُم شغل لَو كانَ لي يَدٌ ما اخترتُ غيركُم‬ ‫لي غَي ُركُم وطر وإِن قعد َ‬
‫فكيفَ ذاكَ وما لي غيركُم بدل ولم تعرض الَقوام بعدكم يستأ ذنونٌ على قَلبي فَما‬
‫وصَلوا‬

‫الفصل العشرون سارع إلى التوبة والنابة‬

‫أيها العبد‪ :‬راقب من يراك على كل حال وما زال نظره إليك في جميع الفعال‬
‫وطهر سرك فهو عليم بما يخطر بالبال المراقبة على ضربين مراقبة الظاهر لجل‬
‫من يعلم وحفظ الجوارح عن رذائل الفعال واستعمالها حذرًا ممن يرى فأما مراقبة‬
‫الباطن فمعناها أدب القلب من مساكنة خاطر ل يرضاه المولى وأجد السير في‬
‫مراعاة الولى وأما مراقبة الظواهر فهي ضبط الجوارح قال سرى‪ :‬الشوق والنس‬
‫ل ومن ظهر الخشوع‬ ‫يرفرفان على القلب فكان هناك الجلل والهيبة حل ول رح ً‬
‫على قلبه دخل الوقار على جوارحه ‪ 0‬قال حاتم الصم‪ :‬إذا عملت فانظر نظر ال‬
‫إليك وإذا شكرت فاذكر علم ال فيك ‪ 0‬وقال أبو الفوارس الكرماني‪ :‬من غض‬
‫بصره عن المحارم وأمسك نفسه عن الشهوات وعمر باطنه بدوام المراقبة وظاهره‬
‫باتباع السنةِ وعود نفسه أكل الحلل لم تخطئ فله فراسة‪ :‬كانَ رَقيبًا مِنكَ يَرعَى‬
‫ظرِي ولساني فما نَظرَت عينايَ بعدك منظراً لعمرك إِلّ‬ ‫خواطِري وآخرٌ يَرعَى نَا ِ‬
‫ك لَفظَةً لِغيركَ إِلّ قُلتَ‪ :‬قَد رمقاني وَل‬‫قُلتَ‪ :‬قَد رمقاني وَل بَ َدرَت مِن ِفيّ بَع َد َ‬
‫ل عَرجَا بعنان وَفتيان صِدقٍ قد سمِعتَ‬ ‫طرَت فِي ذِكرِ غيركَ خَط َرةً على القَلبِ إِ ّ‬ ‫خَ َ‬
‫ل عنهُم غيرَ َأنَني أَراكَ على كل‬ ‫كَل ُمهُم وعُ ّففَ عَنهُم خاطِري وجِناني وَما الدّهرُ أَس ً‬
‫الجهاتِ تراني إِلى متى تميل إلى الزخارف وإلى كم ترغب لسماع الملهي‬
‫المعازف أما آن لك أن تصحب سيدًا عارف قد قطع الخوف قلبه وهو على علمه‬
‫كاكف يقطع ليله قيامًا ونهاره صيامًا ل يميل ول آنف دائم الحزن والبكاء متفرغٌ له‬
‫ومنه خائف ومع ذلك يخشى القطيعة والنتقال إلى صعب المتالف وأنت في غمرة‬
‫هواك وعلى حب دنياك واقف كأني بك وقد هجم عليك الحمام العاسف وافترسك من‬
‫بين خليلك وصديقك المؤالف وتخلّلى عنك حبيبك وقريبك ومن كنت عليه عاطف ل‬
‫سيتطيعون رَدّ ما نزل بك ول تجد له كاشف وقد نزلت بفناء من له الرحمة‬
‫والحسان واللطائف فلو عاتبك لكان عتبه على نفسك من أخوف المخاوف وإن‬
‫ناقشك في الحساب فأنت تألف أين مقامك من مقام البطال يا بطال يا كثير الزلل‬
‫والخطايا يا قبيح الفعال كيف قنعت لنفسك بخساسة الدون يا معنون وغرتك أمانيك‬
‫بحب الدنيا يا مفتون هل تعرضت لوصاف الصدق فاستحليت بها القالب الحق‪( :‬‬
‫التّا ِئبُونَ العَابِدُونَ الحَامِدُونَ) إلى متى أنت مريض بالزكام ومتى تستنشق ريح‬
‫قميص يوسف عليه السلم يا غلم لعله يرفع عن بصيرتك حجاب العمى وتقف‬
‫متذللً على باب إله الرض والسماء خرج قميص يوسف مع يهوذا من مصر إلى‬
‫كنعان فل أهل القافلة علموا بريحه ول حامل القميص علم وإنما قال صاحب الوجد‪:‬‬
‫سفَ) كل واحد منكم في فقد قلبه كيعقوب في فقد يوسف فلينصب‬ ‫ح يُو ُ‬
‫(ِإنّي لَجِدُ رِي َ‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييييية موقييييييييييع بلّغوا عن ّييييييييييي ولو آييييييييييية‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫نفسه في مقام يعقوب ويتحسر وليبك على ما سلف ول ييأَس كيف طريق التحسس‬
‫قطع مرحل الليل وركوب نجائب العزم إنضاء بعير الجسم ومصاحبة رفقة الندم‬
‫والمستغفرين بالسحار ‪0‬‬

‫الفصل الثاني والعشرون بعض ثمرات الطاعة‬

‫إخواني‪ :‬من أراد دوام العافية فليتق ال ما أقبل مقبلٌ عليه إل وجد كل خير لديه ول‬
‫أعرض معرض عن طاعته إل وتعثر في ثوب غفلته‪ :‬والَِ ما جِئ ُتكُم زَائِراً إِلّ‬
‫الَرضُ تُطوى لي وَل ان َثنَى عَزمي عَن با ِبكُم إِلّ َت َع ّثرَت بأَذيالي روى أبو هريرة‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬قال ربكم عزّ وجل‪ :‬لو أنّ عبادي أطاعوني‬
‫لسقيتهم المطر بالليل وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ولم أُسمعهم صوت الرعد) ‪0‬‬
‫قال أبو سليمان الداراني‪ :‬من صفا صفا له ومن كدر كُدر عليه ومن أحسن في ليله‬
‫كفى في نهاره ‪ 0‬فيامن من يريد دوام العيش على البقاء دم على الخلص والنقاء‬
‫وإياك والمعاصي فالعاصي في شقاء المعاصي والمعاصي تذل النسان وتخرس‬
‫اللسان وتغير الحال المستقيم وتحمل العوجاج مكان التقويم ‪ 0‬قال يحيى بن أبي‬
‫كثير‪ :‬لما أصاب داود الخطيئة نفرت الوحوش من حوله إلهى رد على الوحوش كي‬
‫أستأنس بها فردها ال عليه فأحطن به واصطففن إليه فرفع صوته بقرآنه الزبور‬
‫فنادته هيهات هيهات يا داود قد ذهبت الخطيئة بحلوة صوتك فكان يقول‪ :‬بح‬
‫صوتي في صفا أصوات الصديقين وأصبحت كالبازي المنتف ريشه يرى حسران‬
‫ج ِو يَخفِقنَ فِى الهَوىَ فيذكر رِيشًا مِن جناحيهِ وافر‬‫كلما طار طائرٌ‪ :‬يَرى طائِراتُ ال َ‬
‫ن دَهراً في ال ّريَاضُ ُم َنعّمًا عَلى كُلِ من يهوى مِن الصّيدِ قادر إِلى أَن أَصابتهُ‬
‫وَقد كا َ‬
‫لوّلون لفورهم‬ ‫مِن الدهر نَكبَةً فأَصبحَ مَقصوصَ الجناحينِ حاسر مَضى السابِقونَ ا َ‬
‫وقصّرت في أَمري وإِني لخاسر‬

‫الفصل الثالث والعشرون‬

‫اعلموا ‪ -‬إخواني ‪ -‬أن ال عز وجل قد قدر الصلوات وقدمها على غيرها من‬
‫العبادات وإنما يحافظ عليها من يعرف قدرها ويرجو أجرها ويخاف العقاب على‬
‫تركها وهذه صفة المؤمن وإنما يتوانى عنها ناقص اليمان إن تكاسل وكافر إن‬
‫تهاون ‪ 0‬وقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم أنه قال‪( :‬بين العبد وبين الكفر ترك الصلة) ‪ 0‬وروى في صحيحه أن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬عليك بكثرة السجود فإِنك ل تسجد ل سجدة إل رفعك ال‬
‫بها درجة وحط عنك بها خطيئة) ‪ 0‬وروى أنس عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه‬
‫قال‪( :‬جعلت قرة عيني في الصلة) ‪ 0‬وقد كان ل عز وجل عباد يحبون خدمته‬
‫لشدة محبتهم إياه فيحضرون في الصلة قلوبهم ويجمعون لدائها هممهم ‪ 0‬وروى‬
‫عن ابن الزبير أنه كان إذا قام في الصلة فكأنه عود من الخشوع وكان يسجد فتنزل‬
‫العصافير على ظهره ل تحسبه إل جزعاً أو حائطًا أو وجه حجر أو رحل فدقه وهو‬
‫في الصلة فذهبت ببعض ثوبه فما التفت وكان إذا دخل بيته سكت أهل البيت فإذا‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييييية موقييييييييييع بلّغوا عن ّييييييييييي ولو آييييييييييية‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫قام إلى الصلة تحدثوا وضحكوا ‪ 0‬واعلموا ‪ -‬إخواني ‪ -‬أن من أحب المخدوم أحب‬
‫الخدمة له لو عرف العبد من يناجى لم يقبل على غيره والصلة صلة بين العبد وبين‬
‫ربه ‪ 0‬الستر الول‪ :‬الذان كالذن في الدخول ‪ 0‬وستر التقريب القامة‪ :‬فإذا كشف‬
‫ذلك الغطاء لح للمتقي قُرة العى فدخل في دائرة دار المناجاة (أَرحنا بها يا بلل)‬
‫فقد (جعلت قرة عيني في الصلة) اكشف يا بلل ستر التقريب عن الحبيب ‪ 0‬يا‬
‫بطّال‪ :‬لو سافرت بلداً لم تربح فيه حزنت على فوات ربحك وضياع وقتك أفل يبكي‬
‫سلُها كالطيور‬ ‫من دخل في الصلة على قرة العين ثم خرج بغير فائدة ‪ 0‬يُصلي فيُر ِ‬
‫ل الطَروبِ إِذا مَا رَ َقصَ‬
‫إِذا أَرسلتَ من حصار القفص يقو ُم ويُقعَدُ مُستَعجِلً كمِث ِ‬
‫إخواني ل تقنعوا بالحركان فإن ال ل ينظر إلى صوركم ‪ 0‬يا هذا‪ :‬إنما يصاد‬
‫الطائر بمحبوبه من الحب ومحبوب القلب الطاهر ذكر ال عز وجل فحرام على‬
‫قلبك على قلبك الحائم حول جيف الهوى القِ له حب الذكر على فخ الصدق في‬
‫حديقة الصور لعله يقع في شبكة المعرفة ‪ 0‬عُد إلى ربك أيها العبد‪ :‬تناه عن قبيح‬
‫فعلك قبل انبثاث جهلك وانظر لنفسك في أمرك قبل حلولك في قبرك ‪ 0‬كتب الحسن‬
‫إلى عمر بن عبد العزيز‪ :‬أما بعد فكأنك بالدنيا لم تكن وبالخرة لم تزل ‪ 0‬ووعظ‬
‫أعرابي ابنه فقال‪ :‬ل الدهر يعظك ول اليّام تنذرك والساعات تعد عليك والنفاس‬
‫تعد منك أحب أمريك إليك أردهما بالمضرة عليك ‪ 0‬ووجد على حجر مكتوب‪ :‬ابن‬
‫آدم لو رأيت ما بقى من أجلك لزهدت في طول أملك ولرغبت في الزيادة في عملك‬
‫ولقصّرت من جهلك وحيلك وإنما يلقاك ندمك إذا زلت قدمك وأسلمك أههلك‬
‫وحشمك وباعدك الولد القريب ورفضك الولد والنسيب فل أنت إلى دنياك عائد ول‬
‫في حسناتك زائد فاعمل ليوم القيامة ‪ 0‬قبل الحسرة والندامة ‪ 0‬وقف قوم على‬
‫ن النهار لم يرجع والعمر‬ ‫راهب فقالوا‪ :‬إنّا سائلوك أفمجيبنا أنت فقال‪ :‬ل تكثروا فإ ّ‬
‫لن يعود والطالب حثيث في طلبه ذو اجتهاد فقالوا‪ :‬ما على الخلق غداً عند مليكهم‬
‫قال‪ :‬على نياتهم قالوا‪ :‬فأني الموئل فقال‪ :‬إلى المقدم قالوا‪ :‬فأوصنا قال‪ :‬تزودا على‬
‫قدر يا هذا‪ :‬ل تجزع لرؤية ملك الموت وائت وأنت تشاهد فيها عملك عمرك قليل‬
‫وقد ضيعت أكثره فكيف شعورك في البقية ولعل هذا اليوم الخر والليلة الخيرة ما‬
‫أرخص ما يباع عمرك وما أغفلك عن السرى إنما المرض نهاية الصحة والفراق‬
‫قرين الوصلة واليام ترحل ول بد من مسة بدن والحبيب مفارِقٌ أو مُفَارَقٌ والمرء‬
‫رهن مصائب ‪ 0‬اليّام تنقضي حتى يوارى جسمه في رمسه فمؤجل يلقى الردى في‬
‫غيره ومعجل يلقى الردى في نفسه الدنيا لمن فهم قنطرة العبور وسوق التزود‬
‫ومتطهرة التنظيف وزرعت للحصاد فأما للعاقل فهي مفرقة المجامع ومحزنة‬
‫الربوع ومجرية الدموع من نال من دنياه أمنيته أسقطت اليام منها اللف اطلب فيها‬
‫قدر بلغتك وخذ مقدار حاجتك خصها خصوص المسافر في طلب علف بعيره اطلب‬
‫الدنيا قدر الحاجة واطلب الخرة على حسب الطاقة هذا ولو أنك بلغت إلى الحمى‬
‫التوكل لستراح قلبك وغذاك ال كما يغذي الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا ‪0‬‬

‫الفصل الخامس والعشرون احذر الغفلة‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييييية موقييييييييييع بلّغوا عن ّييييييييييي ولو آييييييييييية‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫جنّ َة ِه َ‬
‫ي‬ ‫ن ال َهوَى فَإِنّ ال َ‬‫ف مَقَامَ َربّ ِه َو َنهَى النّفسَ عَ ِ‬
‫قال ال عز وجل‪َ ( :‬وَأمّا مَن خَا َ‬
‫المَأوَى) ‪ 0‬أحدهما‪ :‬إنه قيام العبد بين يدي ربه يوم الجزاء ‪ 0‬والثاني‪ :‬إنه قيام ال‬
‫تعالى عباده فأحصى ما اكتسب والمراد بالهوى ههنا ما يهوى العبد من المحارم‬
‫فيذكر مقامه للحسنات واعلم‪ :‬أن من تفكر عند إقدامه على الخطيئة في نظر الحق‬
‫إليه رده فكره خجلً مما هم به فالناس في ذلك على مراتب فمنهم من يتفكر عند‬
‫جولن الهم بالذنب فيستحي من مساكنة ذلك الخاطر وهذا مقام أهل الصفا ومنهم من‬
‫قويت أسباب غفلته فهو ساكن ذلك الهم إل أنه ل يعزم عليه ومنهم من يعزم لقوة‬
‫غفلته فهو يستسقي إقدامه فيما عزم عليه ومنهم من زاد على ذلك بمقارنته المحظور‬
‫ومداناته ثم تدركه اليقظة وإنما يكون هذا على مقدار تكاثف الغفلة وقلتها فيفكر عند‬
‫خاطره في عظمته من قد علم وعند يقظه في جلل من قد سمع وعند فعله في عزة‬
‫من قد رأى وهذا الفكر إنما نبت عن إصرار راسخ من اليمان في القلب راعاه‬
‫الحق إليه حذار علته ومعاملة صادقة في الخلوة إل أن الغفلة عن التذكرة والسعي‬
‫على جادة الهوى غشى على القلب وران عليه فإذا هم بخطيئة أو قاربها اقتلب‬
‫مراعاة الحق إليه خذ مراعاته بحق الحق قبل ذلك كما قال ال عز وجل‪َ ( :‬فلَول َأنّهُ‬
‫سبّحِينَ) وقال‪َ ( :‬وكَانَ َأبُو ُهمَا صَالِحاً) وكما جاء في الحديث‪( :‬تعرف إلى‬ ‫كَانَ مِن المُ َ‬
‫ال في الرخاء يعرفك في الشدة) ‪ 0‬فما ينفر طائر قلبه من وسخ العزم على الذنب ثم‬
‫ل مما هم به يخرج نقيًا بعد الوسخ طاهرًا بعد النجس لن‬ ‫عام في بحر الحياة خج ً‬
‫الصل محفوظ بالصدق ومرهون باليمان ولول لطف الحق لكشف حجب الغفلة‬
‫لبراقع الذنب غير أنه أراه برهان الهدى فرجع وأقام له هاتف التقوى فخشع والقلوب‬
‫تحن إلى ما اعتادت وألفت وتنازع إلى ما مرنت عليه وعرفت ‪ 0‬أما سمعت قول‬
‫ع سِراعاً والعيشُ يهوى هوياً خَطَرت خط َرةً‬ ‫عمر بن أُبىّ‪ :‬بَينَما نَحنُ في ول ِدكَ فالقا ُ‬
‫عَلى القلبِ مِن ذِكراكَ وهُنا فما أَطقت مضياّ قُلتُ للشوقِ إِذا دعاني لبيك وللحاديين‬
‫ردّوا المطيّا أثارَهُم بعدَهُم وما صَنعوا تخبرنا ُأئُناً َلهُم تي ُع يا واقِفاً بالدّيا ِر مُكتَئباً‬
‫ين ِدبُ قَومًا مَن مَلكهم نُزعوا ادخل إِلى الدارِ فهيَ خاليةٌ مِن سادة في التُراب قَد‬
‫وضَعوا إِذا تأَمل ُتهُم كَأ َنهُم ما نَظَروا نَظرةً ول سمعوا ول جرى بينهم مذاكرة ول‬
‫لنصر سعوا ول نفعوا كانوا كركب خطور رحالهم فما استَراحوا حتَى لَها رجَعوا تم‬
‫كتابة الياقوتة عل التمام والكمال والحمد له وحده وصلى ال على سيدنا محمد وآله‬
‫وسلم‬

‫تم نسخه من موقع نداء اليمان‬


‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫‪21‬‬

You might also like