Professional Documents
Culture Documents
عماد الدين
الجبوري
2009/ 02/ 21م 11:59 صباحا
بعد أقل من عشرين سنة مضت على حرب فيتنام لم يشهد الجيش المريكي صعودا مخيفا في نسبة النتحار بين جنوده ،ففي حرب الصومال
وهايتي عام 1993بلغت معدلت النتحار 15.7لكل 100ألف جندي من مشاة البرية ،ونسبة 20.9من مشاة البحرية (المارينز).
ثم زادت النسبة في خطورتها في حرب أفغانستان منذ العام 2001لتصل أوج هلعها في حرب العراق الجارية أيضاً منذ
العام .2003
وقد كثرت الدراسات والتقارير الصادرة من البنتاغون (وزارة الدفاع) عن رصد ظاهرة ارتفاع معدلت النتحار ،وخصص
لها طواقم طبية ل سيما في العراق لدراسة الوضاع والوقوف وراء هذه الظاهرة والحيلولة دون استفحالها وانتشارها.
ان الجيش المريكي يمتلك تسع فرق طبية تضم أطباء نفسانيين واختصاصيين اجتماعيين من أجل تقديم المشورة الطبية
والنصائح الجتماعية لمساعدة الجنود على تخطي معاناتهم النفسية الناجمة بسبب الظروف المحيطة بهم.
وفي هذا الصدد كشف مساعد وزير الدفاع المريكي لشؤون الصحة السبق الدكتور وليام وينكين ويرد عن معاناة ما بين
300إلى 400جندي أمريكي من اضطرابات عقلية وأمراض نفسية من بين كل 10آلف جندي تم إخلؤهم إلى خارج
العراق لسباب طبية.
ومن المعروف أن تقارير البنتاغون حول هذا الشأن تشمل فقط علج الجنود المستمرين بالخدمة الفعلية ،وهذا يعني أن
حقيقة الرقام هي أعلى بكثير من تلك المعلنة.
عموماً فان البنتاغون سجل 21حالة انتحار بين الجنود الذين شاركوا في حرب العراق خلل العام .2003
ثم أخذت النسبة بالرتفاع التدريجي سنة بعد أخرى لتصل إلى 128جنديًا منتحرًا عام ،2008يضاف إليهم 15حالة
انتحار ما زالت تحت التحقيق.
كما ذكرت شبكة سي أن أن الخبارية المريكية في 2009-1-20أن هذا العدد هو العلى منذ بدء عمليات الحصاء عام
.1980
وعندما يعلن البنتاغون انتحار 24جندياً خلل شهر كانون الثاني /يناير المنصرم فان الشهور القادمة من عام 2009
ستكون نسبة النتحار فيها مفزعة أكثر ،وبالتالي تستوجب دراسة موضوعية حقيقية تشخص فيها السباب الفعلية لهذه
الظاهرة النتحارية المتفشية بالجيش المريكي دون التفافات سياسية أو تبريرات سطحية.
ان الدارات المتعاقبة في رئاسة جورج بوش ( )2009-2001دأبت دوماً على إخفاء الحقائق المتعلقة بشن حروبها
وتوريط جيشها بها ،بل كانت تزيف الحقائق ،وتستخدم سلطتها في تحريف كل ما يكشف خفاياها ونواياها.
وهكذا جاءت عدة دراسات تشير بمجملها إلى أن أسباب النتحار ترتبط بالعوامل الشخصية :عائلية أو عملية أو إدمان الخ.
وبما أن رئاسة بوش قد ولت وطوت معها صفحتها العدوانية الدموية ،وانتهت سطوة بطشها على الكثيرين من المرتبطين
بها ،لذا نجد أن الدراسة الخيرة التي صدرت من البنتاغون فيها الصواب الموضوعي.
وتشير إلى أن غالبية المنتحرين هم العائدون من ميدان المعارك في الحروب المريكية في الخارج ،أي من أفغانستان
عموماً والعراق خصوصاً.
وهذا التشخيص يكشف حقاً عن صلب الحقيقة التي كان يخفيها البنتاغون بسبب الوامر الرئاسية بعدم النشر ،ولذلك كانت
تقارير البنتاغون السابقة تزعم أن المسببات الرئيسة التي تدفع الجنود للنتحار تعود إلى الضغوط الشخصية خاصة في
المشاكل المتعلقة بالحياة الزوجية والدمان على الكحوليات والمخدرات ،بينما الدراسة الجديدة تؤكد عكس ذلك ،وتنص
على تنامي ظاهرة النتحار التي تعود الى نشر القوات في الخارج.
ويمكننا أن نضيف هنا نقطة أخرى ،أل وهي مسألة اليمان لدى الجندي المقاتل ،كونها الشحنة الذاتية التي تقوي إرادته،
وتزيد من عزيمته وهو يجابه الموت دفاع ًا عن الرض والعرض.
ولكن الجندي المريكي يفتقر لهذه المسألة اليمانية؛ لنه يقاتل من أجل أهداف وغايات سياسية تتعلق بمصالح هي مطامع
بخيرات الشعوب أصلً ،فهو جندي متعاقد يقبض أتعابه ،مزود بأحدث السلحة الفتاكة ،لكن تنقصه روحانية النفس
النسانية.
لذلك عندما يجد نفسه متورطاً بحرب صنعها قادة بلده من ناحية ،ويكتشف الزيف والتضليل في أسباب اندلعها من ناحية
أخرى ،فان الحباط يتنامى داخله ليتحول إلى يأس وقنوط خصوصاً وهو يرى تساقط زملئه بالقنص أو التفجير أو الكمائن
مثل تساقط الهوائم في هشيم النار.
وبما أنه ل يرى جدوى من هكذا قتال ،وان العقد يجبره على مواصلة القتال ،لذا يتجه صوب الهروب البدي عبر النتحار.
ول حل لهذه الظاهرة المتنامية في الجيش المريكي إل بإنهاء هذه الحروب الباطلة.
ان الدراسة الجديدة أصابت كبد الحقيقة ،وربما تكون عوناً في سند القرار الرئاسي الذي سيصدره الرئيس باراك أوباما
بسحب قواته من العراق.