You are on page 1of 34

‫العشرة‬

‫المبشرون بالجنة‬
‫أبو بكر الصديق‬
‫"الصديق"‬
‫هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن‬
‫عمرو بن كعب بن سعد القرشي‬
‫التميمي‪ ،‬كنيته أبو بكر‪ ،‬وكنية أبيه‬
‫أبو قحافة‪ ،‬كان يتاجر في الثياب‪،‬‬
‫وكان مؤلفا يحبه الناس لحسن‬
‫خلقه‪ ،‬ويحبون حديثه لعلمه‬
‫بالنساب‪ .‬وكان اسمه عبد الكعبة‪،‬‬
‫فسماه النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عبد الله‪ ،‬وهو أول من أسلم من‬
‫الرجال‪ .‬قال له النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬أنت عتيق الله من‬
‫النار" فسمى عتيقا ‪ ,‬وصدق النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يوم السراء‬
‫سمي الصديق ولم‬ ‫والمعراج ف ُ‬
‫يتخلف عن مشهد واحد من المشاهد‬
‫مع النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫وثبت يوم أحد ويوم حنين حين فر‬
‫الناس‪ ،‬أسلم على يده عثمان وعبد‬
‫الرحمن بن عوف والزبير وطلحة‬
‫وغيرهم‪ ،‬وأعتق سبعة كانوا يعذبون‪،‬‬
‫منهم بلل وعامر بن فهيرة ‪ -‬وأبو‬
‫بكر خير المة بعد النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ .‬كان رجل كريما تصدق‬
‫بماله كله لله ‪ ،‬وهو رفيق النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قبل السلم‬
‫وبعده‪ ،‬وهو أيضا رفيقه في هجرته‪،‬‬
‫وخليفته من بعده‪ ،‬وهو الذي ثبت‬
‫يوم موت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وذكر المسلمين بأن موته‬
‫حق‪ ،‬خاض في خلفته حروبا طاحنة‬
‫ضد المرتدين لردهم إلى السلم‪.‬‬
‫ولد بعد النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بسنتين وأشهر‪ ،‬وتوفي بعده‬
‫بسنتين وثلثة أشهر في جمادى‬
‫الخرة سنة ثلث عشرة للهجرة‪،‬‬
‫واستخلف من بعده عمر بن الخطاب‬
‫على المسلمين‪ .‬وفي فضائله رضي‬
‫الله عنه وردت أحاديث كثيرة ل‬
‫تحصى‪.‬‬

‫عمر بن الخطاب‬
‫"الفاروق"‬
‫هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن‬
‫عبد العزى بن رياح بن قرط‬
‫القرشي العدوي‪ ،‬كنيته أبو حفص‪،‬‬
‫ولقبه الفاروق‪ .‬ولد رضي الله عنه‬
‫بعد عام الفيل بثلث عشرة سنة‪.‬‬
‫وكان من أشراف قريش في‬
‫الجاهلية والمتحدث الرسمي‬
‫باسمهم مع القبائل الخرى‪ .‬لما‬
‫بعث الله محمدا صلى الله عليه‬
‫وسلم كان عمر شديدا عليه وعلى‬
‫المسلمين‪ ،‬ثم كتب الله له الهداية‬
‫فأسلم على يد النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم في دار الرقم‪ ،‬في ذي‬
‫الحجة سنة ست من البعثة‪ ،‬بعد‬
‫إسلم حمزة رضي الله عنه بثلثة‬
‫أيام‪ .‬وكان النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قد دعا ‪":‬اللهم أعز السلم‬
‫بأحب الرجلين إليك‪ :‬عمر بن‬
‫الخطاب أو عمرو بن هشام ـ يعني‬
‫أبا جهل"‪ .‬وخلصة الروايات مع‬
‫الجمع بينها ـ في إسلمه رضي الله‬
‫عنه أنه التجأ ليلة إلى المبيت خارج‬
‫بيته فجاء إلى الحرم ‪ ،‬ودخل في‬
‫ستر الكعبة ‪ ،‬والنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قائم يصلي وقد استفتح‬
‫سورة ( الحاقة ) فجعل عمر يستمع‬
‫إلى القرآن ‪،‬ويعجب من تأليفه ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فقلت ـ أي في نفسي ـ هذا‬
‫والله شاعر كما قالت قريش ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فقرأ(إنه لقول رسول كريم وما هو‬
‫بقول شاعر قليل ما تؤمنون )[‬
‫‪ ]41.40.69‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬كاهن ‪.‬‬
‫قال(ول بقول كاهن قليل ما‬
‫تذكرون تنزيل من رب العالمين )‬
‫إلى آخر السورة ‪ :‬قال فوقع‬
‫السلم في قلبي ‪ .‬كان هذا أول‬
‫وقوع نواة السلم في قلبه ‪ ،‬لكن‬
‫كانت قشرة النزعات الجاهلية ‪،‬‬
‫والعصبية التقليدية والتعاظم بدين‬
‫الباء هي غالبة على مخ الحقيقة‬
‫التي كان يتهامس بها قلبه ‪ ،‬فبقي‬
‫مجدا في عمله ضد السلم ‪ ،‬غير‬
‫مكترث بالشعور الذي يكمن وراء‬
‫هذه القشرة ‪ .‬وكان من حدة طبعه‬
‫وفرط عداوته لرسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أنه خرج يوما متوشحا‬
‫سيفه ‪ ،‬يريد القضاء على النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فلقيه نعيم‬
‫بن عبدالله النحام العدوي ‪ ،‬أو رجل‬
‫من بني زهرة ‪ ،‬أو رجل من بني‬
‫مخزوم ‪،‬فقال أين تعمد يا عمر ؟‬
‫قال ‪ .‬أريد أن أقتل محمدا قال ‪:‬‬
‫كيف تأمن من بني هاشم ومن بني‬
‫زهرة وقد قتلت محمدا ؟ فقال له‬
‫عمر ‪ :‬ما أراك إل قد صبوت وتركت‬
‫دينك الذي كنت عليه ‪ ،‬قال أفل أدلك‬
‫على العجب يا عمر ! إن أختك‬
‫وختنك قد صبوا ‪ ،‬وتركا دينك الذي‬
‫أنت عليه ‪ ،‬فمشى عمر دامرا حتى‬
‫أتاهما وعندهما خباب بن الرت معه‬
‫صحيفة فيها طه يقرئهما إياها ـ‬
‫وكان يختلف إليهما ويقرئهما‬
‫القرآن فلما سمع خباب حس عمر‬
‫توارى في البيت ‪ ،‬وسترت فاطمة ـ‬
‫أخت عمر ـ الصحيفة ‪ ،‬وكان قد‬
‫سمع عمر حين دنا من البيت قراءة‬
‫خباب إليهما ‪ ،‬فلما دخل عليهما قال‬
‫‪ :‬ما هذه الهينمة التي سمعتها‬
‫عندكم ؟ فقال ‪ :‬ما عدا حديثا‬
‫تحدثناه بيننا ‪ .‬قال فعللكما قد‬
‫صبوتما ‪ .‬فقال له ختنه ‪ :‬يا عمر‬
‫أرأيت إن كان الحق في غير دينك ؟‬
‫فوثب عمر على ختنه فوطئه وطأ‬
‫شديدا ‪ .‬فجاءت أخته فرفعته عن‬
‫زوجها فنفحها نفحة بيده ‪ ،‬فدمى‬
‫وجهها ـ وفي رواية ابن إسحاق أنه‬
‫ضربها فشجها ـ فقالت ـ وهي‬
‫غضبى ـ ‪ :‬يا عمر إن كان الحق في‬
‫غير دينك ‪ ،‬أشهد أن ل إله إل الله ‪،‬‬
‫وأشهد أن محمدا رسول الله ‪ .‬فلما‬
‫يئس عمر ‪ ،‬ورأى ما بأخته من الدم‬
‫ندم واستحى ‪ ،‬وقال ‪ :‬أعطوني هذا‬
‫الكتاب الذي عندكم فأقرؤه فقالت‬
‫أخته ‪ :‬إنك رجس ‪ ،‬ول يمسه إل‬
‫المطهرون ‪ ،‬فقم فاغتسل فقام‬
‫فاغتسل ‪ ،‬ثم أخذ الكتاب ‪ ،‬فقرأ‬
‫(بسم الله الرحمن الرحيم )فقال ‪:‬‬
‫أسماء طيبة طاهرة ‪ .‬ثم قرأ ‪( :‬طه)‬
‫حتى انتهى إلى قوله(إنني أنا الله ل‬
‫إله إل أنا فاعبدني وأقم الصلة‬
‫لذكرى )فقال‪:‬ما أحسن هذا الكلم‬
‫وأكرمه ؟ دلوني على محمد ‪ .‬فلما‬
‫سمع خباب قوله عمر خرج من‬
‫البيت ‪ ،‬فقال ‪ :‬أبشر يا عمر ‪ ،‬فإنى‬
‫أرجو أن تكون دعوة الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم لك ليلة الخميس(‬
‫اللهم أعز السلم بعمر بن الخطاب‬
‫أو بأبي جهل بن هشام )ورسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم في الدار‬
‫التي في أصل الصفا ‪ .‬فأخذ عمر‬
‫سيفه ‪ ،‬فتوشحه ‪ ،‬ثم انطلق حتى‬
‫أتى الدار ‪ ،‬فضرب الباب ‪ ،‬فقام‬
‫رجل ينظر من خلل الباب فرآه‬
‫متوشحا السيف ‪ ،‬فأخبر رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬واستجمع‬
‫القوم ‪ ،‬فقال لهم حمزة‪ :‬مالكم ؟‬
‫قالوا ‪ :‬عمر ‪ ،‬فقال ‪ :‬وعمر ‪ ،‬افتحوا‬
‫له الباب ‪ ،‬فإن كان جاء يريد خيرا‬
‫بذلناه له ‪ ،‬وإن كان جاء يريد شرا‬
‫قتلناه بسيفه ‪ ،‬ورسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم داخل يوحى إليه‬
‫فخرج إلى عمر حتى لقيه في‬
‫الحجرة ‪ ،‬فأخذه بمجامع ثوبه‬
‫وحمائل السيف ‪ ،‬ثم جبذه جبذة‬
‫شديدة فقال أما أنت منتهيا يا عمر‬
‫حتى ينزل الله بك من الخزي‬
‫والنكال ما نزل بالوليد بن المغيرة ؟‬
‫اللهم ! هذا عمر بن الخطاب ‪ ،‬اللهم‬
‫أعز السلم بعمر بن الخطاب فقال‬
‫عمر ‪ :‬أشهد أن ل إله إل الله ‪ ،‬وأنك‬
‫رسول الله ‪ .‬وأسلم فكبر أهل الدار‬
‫تكبيرة سمعها أهل المسجد ‪ .‬كان‬
‫عمر رضي الله عنه ذا شكيمة ل‬
‫يرام ‪ ،‬وقد أثار إسلمه ضجة بين‬
‫المشركين بالذلة ‪،‬والهوان ‪ ،‬وكسا‬
‫المسلمين عزة وشرفا وسرورا‪.‬‬
‫روى ابن إسحاق بسنده عن عمر‬
‫قال ‪ :‬لما أسلمت تذكرت أي أهل‬
‫مكة أشد لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم عداوة ‪ ،‬قال‪ :‬قلت ‪ :‬أبو‬
‫جهل ‪ ،‬فأتيت حتى ضربت عليه بابه‬
‫فخرج إلي ‪ ،‬وقال أهل وسهل ‪ ،‬ما‬
‫جاء بك ؟ قال ‪ :‬جئت لخبرك أني قد‬
‫آمنت بالله وبرسوله محمد ‪،‬وصدقت‬
‫بما جاء به ‪ .‬قال فضرب الباب في‬
‫وجهي ‪ ،‬وقال قبحك الله ‪ ،‬وقبح ما‬
‫جئت به‪ .‬وبعد أن أسلم عمر استشار‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم في أن‬
‫يخرج المسلمون ويعلنوا إسلمهم‬
‫في المسجد الحرام فأذن له‪ ،‬وخرج‬
‫المسلمون ـ وهم يومئذ أربعون رجل‬
‫ـ في صفين‪ ،‬يتقدم أحدهما حمزة‬
‫بن عبد المطلب ويتقدم الثاني عمر‬
‫بن الخطاب‪ ،‬وسماه النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم يومئذ بالفاروق‪ .‬عن‬
‫أيوب بن موسى قال‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن الله‬
‫جعل الحق على لسان عمر وقلبه‪،‬‬
‫وهو الفاروق‪ ،‬فرق الله به بين الحق‬
‫والباطل"‪ .‬وبإسلمه رضي الله عنه‬
‫قويت شوكة المسلمين وأعلنوا‬
‫بإيمانهم‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود‬
‫قال‪" :‬كان إسلم عمر فتحا‪ ،‬وكانت‬
‫هجرته نصرا‪ ،‬وكانت إمارته رحمة‪.‬‬
‫ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي‬
‫في البيت حتى أسلم عمر‪ ،‬فلما‬
‫أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا‬
‫فصلينا" وعندما جاء المر بالهجرة‬
‫إلى المدينة هاجر عمر ‪ ،‬وتعمد أن‬
‫يهاجر في العلن ليغيظ الكفار‪،‬‬
‫فطاف بالبيت سبعا‪ ،‬ثم أتى المقام‬
‫فصلى متمكنا‪ ،‬ثم وقف في كامل‬
‫سلحه وقال للمشركين‪ :‬شاهت‬
‫الوجوه‪ ،‬ل يرغم الله إل هذه‬
‫المعاطس ـ أي النوف ـ من أراد أن‬
‫تثكله أمه‪ ،‬ويوتم ولده‪ ،‬ويرمل‬
‫زوجته‪ ،‬فليلقني وراء هذا الوادي‪.‬‬
‫فما تبعه أحد‪ .‬شهد عمر بن الخطاب‬
‫جميع الغزوات مع النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وكان من أقرب الناس‬
‫إلى قلبه‪ ،‬عن عبد الله بن عباس‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬وزيراي من أهل السماء‬
‫جبريل وميكائيل‪ ،‬ووزيراي من أهل‬
‫الرض أبو بكر وعمر"‪ .‬وقال‪" :‬لو‬
‫كان بعدي نبي لكان عمر بن‬
‫الخطاب"‪ .‬وعمر هو أحد المبشرين‬
‫بالجنة‪ ،‬وهو أبو حفصة أم المؤمنين‬
‫رضي الله عنها‪ .‬وكثيرا ما نزل‬
‫القرآن الكريم موافقا لراء عمر‪،‬‬
‫عن عبد الله بن عمر قال‪" :‬ما نزل‬
‫بالناس أمر قط فقالوا فيه‪ ،‬وقال‬
‫فيه عمر ـ أو قال ابن الخطاب ـ إل‬
‫نزل فيه القرآن على نحو ما قال‬
‫عمر"‪ .‬اشتهر رضي الله عنه بالزهد‪،‬‬
‫وسعة العلم‪ ،‬والجرأة في الحق‪،‬‬
‫وبعدما تولى الخلفة صار مضرب‬
‫المثل في العدل في زمانه وإلى‬
‫يوم الناس هذا‪ .‬عن ابن عباس قال‪:‬‬
‫أكثروا ذكر عمر‪ ،‬فإنكم إذا ذكرتموه‬
‫ذكرتم العدل‪ ،‬وإذا ذكرتم العدل‬
‫ذكرتم الله تبارك وتعالى‪ .‬تولى عمر‬
‫خلفة المسلمين بعد وفاة أبي بكر‬
‫الصديق رضي الله عنه‪ ،‬وذلك في‬
‫السنة الثالثة عشر من الهجرة‪،‬‬
‫ودامت خلفته عشر سنوات وستة‬
‫أشهر وخمس ليال‪ .‬وفي عهده‬
‫أصبحت دولة السلم الدولة‬
‫العظمى الولى في العالم‪ ،‬حيث‬
‫تمت الفتوحات التي بدأت في عهد‬
‫أبي بكر رضي الله عنه‪ ،‬وكسرت‬
‫شوكة الروم‪ ،‬وزالت دولة الفرس‬
‫نهائيا من الوجود؛ ففتح العراق‪،‬‬
‫والشام‪ ،‬ومصر‪ ،‬والجزيرة‪ ،‬وديار‬
‫بكر‪ ،‬وأرمينية‪ ،‬وأرانيه‪ ،‬وبلد الجبال‪،‬‬
‫وبلد فارس‪ ،‬وخوزستان‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫وأدر عمر العطاء على الناس‪ ،‬وجعل‬
‫نفسه بمنزلة الجير وكآحاد‬
‫المسلمين في بيت المال‪ .‬وكان‬
‫عمر بن الخطاب أعسر يسر‪ :‬يعمل‬
‫بيديه‪ ،‬وكان أصلع طويل‪ ،‬أبيض‬
‫البشرة‪ ،‬إل أن لون بشرته تغير عام‬
‫الرمادة ـ عام الشدة والقحط ـ لنه‬
‫أكثر من أكل الزيت‪ ،‬وحرم على‬
‫نفسه السمن واللبن حتى يخصب‬
‫الناس وتنصلح أحوالهم؛ فتغير لونه‬
‫لذلك‪ .‬وهو أول من سمي بأمير‬
‫المؤمنين‪ ،‬وأول من اتخذ التاريخ‬
‫الهجري ‪ ،‬وأول من جمع الناس على‬
‫قيام رمضان‪ ،‬وأول من دون‬
‫الدواوين في الدولة السلمية‪.‬‬
‫استشهد رضي الله عنه بعد أن طعن‬
‫يوم الربعاء لربع ليال بقين من ذي‬
‫الحجة سنة ثلث وعشرين من‬
‫الهجرة‪ ،‬وهو ابن ثلث وستين سنة‪،‬‬
‫طعنه أبو لؤلؤة المجوسي وهو‬
‫يصلي بالناس‪ ،‬وقال عمر حين عرف‬
‫شخصية قاتله‪ :‬الحمد لله الذي لم‬
‫يجعل منيتي بيد رجل يدعي‬
‫السلم! ومكث ثلثا‪ ،‬ثم دفن يوم‬
‫الحد صباح هلل المحرم سنة أربع‬
‫وعشرين‪ ،‬بجوار قبري النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر‬
‫رضي الله عنه‪.‬‬

‫عثمان بن عفان‬
‫"ذا النورين"‬
‫عثمان بن عفان بن أبي العاص بن‬
‫أمية بن عبد شمس بن عبد مناف‬
‫الموي‪ .‬ثالث الخلفاء الراشدين‪،‬‬
‫وأحد العشرة المبشرين بالجنة‪.‬‬
‫أسلم في أول السلم على يد أبى‬
‫بكر‪ ،‬تزوج ابنة الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم رقية‪ ،‬ثم لما ماتت زوجه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫بأختها أم كلثوم فسمي ذا النورين‪.‬‬
‫هاجر هجرتي الحبشة‪ ،‬ثم هاجر إلى‬
‫المدينة‪ ،‬وكان ثريا كثير النفقات‬
‫فقد جهز وحده نصف جيش العسرة‪،‬‬
‫واشترى بئر رومة التي في المدينة‬
‫بماله وجعلها لبن السبيل‪ ،‬وكان‬
‫حييا تستحي منه الملئكة‪ ،‬بشره‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة‬
‫وببيت في الجنة‪ .‬ولى الخلفة بعد‬
‫مقتل عمر سنة أربع وعشرين‬
‫للهجرة‪ ،‬وخرج عليه في آخر حياته‬
‫بعض أهل مصر والبصرة والكوفة‬
‫والمدينة‪ ،‬فحاصروه‪ ،‬وأبى أن‬
‫يقاتلهم ـ مع قدرته على ذلك ـ حقنا‬
‫لدماء المسلمين‪ ،‬حتى تسور عليه‬
‫بعضهم البيت فقتلوه وهو يقرأ‬
‫القرآن‪ ،‬وكان مقتله رضي الله عنه‬
‫وأرضاه فاجعة عظيمة روعت‬
‫المؤمنين‪ ،‬وفتحت عليهم أبواب‬
‫الفتنة زمنا طويل‪ ،‬وكان ذلك سنة‬
‫خمس وثلثين للهجرة‪ ،‬وعمره آنئذ‬
‫بضعا وثمانين‪ ،‬رحمه الله رحمة‬
‫واسعة‪ ،‬وأسكنه فسيح جناته‪ ،‬ول‬
‫غفر لقاتليه‪ .‬وعرف هذا اليوم‬
‫السود بيوم الدار‪.‬‬
‫علي بن أبي طالب‬
‫هو علي بن أبي طالب‪ ،‬وأبو طالب‬
‫هو عبد مناف بن عبد المطلب بن‬
‫هاشم بن عبد مناف القرشي‬
‫الهاشمي‪ .‬ابن عم النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وزوج ابنته فاطمة سيدة‬
‫نساء العالمين‪ ،‬وأبو السبطين‬
‫الحسن والحسين سيدي شباب أهل‬
‫الجنة‪ .‬وعلى هو أول من أسلم من‬
‫الصبيان أسلم بعد خديجة وأبي بكر‪،‬‬
‫وقيل بل قبل أبي بكر‪ ،‬وعمره عشر‬
‫سنين أوخمس عشرة سنة‪ ،‬وهو من‬
‫العشرة المبشرين بالجنة‪ ،‬تآخى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم معه‬
‫عندما آخى بين المسلمين‪ ،‬وقال‬
‫أنت أخي في الدنيا والخرة‪ .‬نام في‬
‫فراش النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫لما خرج مهاجرا‪ ،‬وتغطى ببردته‬
‫ليعمى على المشركين المرابضين‬
‫أمام بيت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وأمره أن يؤدي ما كان عنده‬
‫من المانات إلى أهلها‪ .‬ثم هاجر‬
‫متخفيا ماشيا فتورمت قدماه من‬
‫كثرة المشي حتى قدم المدينة‪،‬‬
‫وشهد بدرا وأبلى فيها بلء حسنا‪،‬‬
‫وشهد أحدا وأصيب فيها بست‬
‫عشرة إصابة‪ ،‬وكان حامل اللواء بعد‬
‫استشهاد مصعب بن عمير‪ ،‬وشهد‬
‫المشاهد كلها إل يوم تبوك‪ ،‬فإن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم رده إلى‬
‫المدينة واستخلفه على أهله وقال‬
‫له‪" :‬أل ترضى أن تكون مني بمنزلة‬
‫هارون من موسى‪ ،‬إل أنه ل نبي‬
‫بعدي"‪ .‬وفي يوم خيبر‪ ،‬أعطى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم الراية في أول‬
‫يوم لبي بكر‪ ،‬فلم يفتح له‪،‬‬
‫فأعطاها لعمر في اليوم الثاني فلم‬
‫يفتح له‪ ،‬فقال‪" :‬لعطين الراية غدا‬
‫رجل يحب الله ورسوله‪ ،‬ويحبه الله‬
‫ورسوله يفتح الله على يديه"‪،‬‬
‫فأعطاها عليا‪ ،‬وفتح الله على يديه‪.‬‬
‫وكان علي عالما يسأله الناس ول‬
‫يسألون بعده أحدا‪ ،‬وكان عمر‬
‫يستعيذ من معضلة ول أبا الحسن‬
‫لها‪ ،‬وقد وله النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قضاء اليمن‪ ،‬وعلى هو الذي‬
‫قتل عمرو بن عبد ود فارس العرب‪.‬‬
‫بايع أبا بكر بعد وفاة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم وعاونه‪ ،‬وبايع عمر‬
‫من بعده وعاونه‪ ،‬وبايع عثمان‬
‫وعاونه‪ ،‬وآزره في فتنته مؤازرة‬
‫شديدة‪ ،‬فقد عرض عليه أن يأتيه‬
‫بأبنائه فيقاتلوا دونه‪ ،‬ويفكوا‬
‫حصاره‪ ،‬ولكن عثمان رفض حقنا‬
‫للدماء‪ ،‬فلما قتل عثمان أجمع‬
‫الناس على مبايعة علي بالخلفة‪،‬‬
‫فبايعوه واختلف عليه بعض الناس‪،‬‬
‫فتخلف معاوية في أهل الشام‪،‬‬
‫وامتنعوا عن بيعته‪ ،‬وحاربه معاوية‬
‫مطالبا بدم عثمان‪ ،‬وكانت فتنة‬
‫شديدة على المسلمين‪ ،‬وقعت فيها‬
‫موقعتان شهيرتان هما الجمل‬
‫وصفين‪ ،‬وبعدهما اتفق علي‬
‫ومعاوية على التحكيم حقنا لدماء‬
‫ى فريق‬ ‫المسلمين‪ ،‬فخرج على عل ّ‬
‫من أصحابه رفضا لقبوله التحكيم‬
‫بينه وبين معاوية‪ ،‬وهؤلء الذين‬
‫خرجوا على علي هم الخوارج‪ ،‬وقد‬
‫قاتلهم علي رضي الله عنه‪ ،‬وقتل‬
‫كثيرا منهم‪ ،‬محققا بذلك نبوءة‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم له‪.‬‬
‫وقرر ثلثة من الخوارج قتل علي‬
‫ومعاوية وعمرو بن العاص‪ ،‬وتوجه‬
‫كل واحد إلى الرجل الذي اختار أن‬
‫يقتله‪ ،‬فلم يفلح منهم في هدفه‬
‫ى وهو عبد الرحمن بن‬‫غير قاتل عل ّ‬
‫ملجم‪ ،‬ضربه غيلة وغدرا بسيف‬
‫مسموم وهو في طريقه لصلة‬
‫الصبح في رمضان سنة أربعين‬
‫للهجرة‪ .‬كان على بن أبي طالب‬
‫رضي الله عنه واسع العلم‪ ،‬يسأله‬
‫كثير من الصحابة‪ ،‬حتى قال ابن‬
‫عباس‪ :‬لقد أعطي علي تسعة‬
‫أعشار العلم‪ ،‬وايم الله لقد شاركهم‬
‫في العشر العاشر‪.‬‬
‫الزبير بن العوام‬
‫"حواري الرسول "‬
‫هو الزبير بن العوام بن خويلد بن‬
‫أسد بن عبد العزى بن قصي بن‬
‫كلب‪ ،‬كنيته أبو عبد الله‪ ،‬حواري‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وابن عمته صفية‪ .‬أسلم وهو ابن‬
‫خمس عشرة سنة وقيل ابن اثنتي‬
‫عشرة سنة وهو من السبعة‬
‫السابقين إلى السلم‪ .‬وزوج أسماء‬
‫بنت أبي بكر "ذات النطاقين" هو‬
‫أول من سل سيفه في السلم‬
‫وذلك بمكة حين أشيع أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قد قتل‪ ،‬فسل‬
‫الزبير سيفه وأقبل على الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة‪،‬‬
‫فقال‪" :‬مالك يا زبير"‪ ،‬قال‪ :‬أخبرت‬
‫أنك أخذت‪،‬فصلى عليه النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ودعا له ولسيفه‪.‬‬
‫وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة‪،‬‬
‫شهد بدرا والمواقع كلها وكان من‬
‫أعظم الفرسان وأشجعهم قال عنه‬
‫عمر‪ :‬الزبير ركن من أركان الدين‪.‬‬
‫اشتهر بالجود والكرم‪ ،‬وروي عنه أنه‬
‫كان له ألف مملوك يؤدون إليه خراج‬
‫أرضه‪ ،‬فما يدخل بيته منها درهما‬
‫واحدا‪ ،‬بل يتصدق بذلك كله‪ .‬هو أحد‬
‫العشرة المبشرين بالجنة‪ ،‬وأحد‬
‫الستة الذين اختارهم عمر للخلفة‬
‫من بعده‪ ،‬وسمى أبناءه بأسماء‬
‫شهداء الصحابة‪ .‬شهد الجمل محاربا‬
‫لعلي‪ ،‬فاختلى به علي يومها وكلمه‬
‫فرجع وترك القتال‪ ،‬ولكن عبد الله‬
‫بن جرموذ تبعه فقتله غدرا‪ ،‬وحمل‬
‫رأسه وسيفه إلى على‪ ،‬فبكاه على‬
‫وقبل سيفه ولم يأذن لقاتله‬
‫بالدخول عليه وبشره بالنار‪ .‬وكان‬
‫ذلك في سنة ‪ 36‬وكان عمر الزبير‬
‫وقتها ‪ 67‬سنة‪.‬‬
‫سعد بن أبي وقاص‬
‫هو سعد بن مالك بن وهيب بن عبد‬
‫مناف بن زهرة القرشي الزهري‪،‬‬
‫من أوائل المسلمين‪ ،‬أسلم وسنه‬
‫سبع عشرة سنة‪ ،‬وهو أحد العشرة‬
‫المبشرين بالجنة‪ ،‬وأحد أصحاب‬
‫الشورى الستة الذين اختارهم عمر‬
‫عند وفاته‪ ،‬لختيار خليفة منهم‪.‬‬
‫وهو أول من أراق دما في سبيل‬
‫الله‪ ،‬وذلك حين اعترض المشركون‬
‫سبيل المسلمين‪ ،‬عندما أرادوا‬
‫الصلة في أحد شعاب مكة‪ ،‬فضرب‬
‫سعد رجل من المشركين بعظم‬
‫جمل فشجه‪ ،‬فكان أول دم أريق في‬
‫السلم‪ .‬وهو أول من رمى بسهم‬
‫في سبيل الله أيضا‪ .‬ودعا له رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫"اللهم استجب لسعد إذا دعاك" ‪،‬‬
‫فكان ل يدعو إل استجيب له‪ .‬شهد‬
‫جميع الغزوات مع رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وأبلى بلء حسنا‬
‫يوم أحد‪ ،‬فقال له رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ :‬ارم فداك أبي‬
‫وأمي‪ .‬وروي أنه رمى يومها ألف‬
‫سهم‪ .‬أمره عمر على الجيوش التي‬
‫سيرها لقتال الفرس‪ ،‬فكان قائدا‬
‫للجيش الذي هزم الفرس‬
‫بالقادسية‪ ،‬وهو الذي فتح مدائن‬
‫كسرى‪ ،‬وهو الذي بنى الكوفة‪ .‬وله‬
‫عمر على العراق‪ ،‬وكذلك وله‬
‫عثمان على الكوفة‪ .‬وفي زمن‬
‫الفتنة اعتزل سعد الفريقين‪.‬‬
‫وتوفي سعد رضي الله عنه سنة‬
‫خمس وخمسين تقريبا‪ ،‬ودفن‬
‫بالمدينة‪ ،‬وكان آخر المهاجرين‬
‫وفاة‪.‬‬

‫أبو عبيدة بن الجراح‬


‫"أمين هذه المة"‬
‫هو عامر بن عبد الله بن الجراح بن‬
‫هلل بن ضبة بن الحارث بن فهر‪،‬‬
‫من كنانة وكنيته أبو عبيدة‪ .‬من‬
‫السابقين الولين إلى السلم‪ ،‬وهو‬
‫أمين هذه المة‪ ،‬وهو أحد العشرة‬
‫المبشرين بالجنة‪ ،‬هاجر إلى‬
‫الحبشة‪ ،‬ثم عاد إلى مكة‪ ،‬وهاجر‬
‫إلى المدينة‪ .‬شهد بدرا‪ ،‬والمشاهد‬
‫كلها‪ ،‬ويوم بدر قتل أبو عبيدة أباه‪،‬‬
‫فقد كان كافرا يلحق أبا عبيدة‬
‫ليقتله‪ .‬وله عمر قيادة الجيوش‪.‬‬
‫ومات أبو عبيدة في طاعون عمواس‬
‫سنة ثمان عشرة للهجرة ‪.‬‬

‫طلحة بن عبيد الله‬


‫"طلحة الخير "‬
‫هو طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن‬
‫عمرو بن كعب بن سعد القرشي‬
‫التميمي‪ .‬من السابقين إلى‬
‫السلم‪ ،‬وممن عذبوا في الله عذابا‬
‫شديدا‪ ،‬وهو أحد العشرة المبشرين‬
‫بالجنة‪ .‬لم يشهد بدرا لنه كان‬
‫يتحسس أخبار المشركين بالشام‪،‬‬
‫سماه النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يوم أحد طلحة الخير‪ ،‬ويوم حنين‬
‫طلحة الجود‪ ،‬ويوم العسرة طلحة‬
‫الفياض‪ ،‬أبلى يوم أحد بلء حسنا‪،‬‬
‫وحمل الرسول على كتفيه‪ ،‬وأصيب‬
‫بضعا وسبعين إصابة‪ ،‬وقطعت‬
‫إصبعه‪ .‬كان ثريا كثير الموال‪ ،‬كثير‬
‫الصدقات‪ .‬اختاره عمر بن الخطاب‬
‫عند وفاته ضمن ستة‪ ،‬هم أصحاب‬
‫الشورى؛ ليختاروا خليفة للمسلمين‬
‫من بينهم‪ .‬وقد كان شديدا على‬
‫عثمان في فتنته‪ ،‬ولكنه لم يرض‬
‫بقتله‪ ،‬وكان يقول‪" :‬اللهم خذ مني‬
‫لعثمان حتى ترضى"‪ .‬اشترك في‬
‫حرب الجمل ضد علي‪ ،‬ولكن عليا‬
‫كلمه وكلم الزبير فرجعا عن قتاله‪،‬‬
‫ولكنهما قتل والذي قتل طلحة هو‬
‫مروان بن الحكم‪.‬‬
‫عبد الرحمن بن عوف‬
‫عبد الرحمن بن عوف أحد الثمانية‬
‫السابقين الى السلم ‪ ،‬عرض عليه‬
‫م عليه المر‬ ‫غـ َّ‬
‫أبو بكر السلم فما ُ‬
‫ول أبطأ ‪ ،‬بل سارع الى الرسول‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يبايعه وفور‬
‫إسلمه حمل حظـه من اضطهاد‬
‫المشركين ‪ ،‬هاجر الى الحبشة‬
‫الهجـرة الولى والثانيـة ‪ ،‬كما هاجر‬
‫الى المدينـة مع المسلميـن وشهـد‬
‫حد‬ ‫ُ‬
‫المشاهد كلها ‪ ،‬فأصيب يوم أ ُ‬
‫بعشريـن جراحا إحداها تركت عرجا‬
‫دائما في ساقه ‪ ،‬كما سقطت بعـض‬
‫ثناياه فتركت هتما واضحا في نطقه‬
‫وحديثه التجارة كان ‪-‬رضي الله عنه‪-‬‬
‫جبه‬‫ع َ‬‫محظوظا بالتجارة إلى حد أثار َ‬
‫فقال لقد رأيتني لو رفعت حجرا‬
‫لوجدت تحته فضة وذهبا ) وكانت‬
‫التجارة عند عبد الرحمن بن عوف‬
‫عمل ً وسعيا ً ل لجمع المال ولكن‬
‫للعيش الشريف ‪ ،‬وهذا ما نراه حين‬
‫آخى الرسول ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬بين المهاجرين والنصار ‪،‬‬
‫فآخى بين عبد الرحمن بن عوف و‬
‫سعد بن ربيع ‪،‬فقال سعد لعبد‬
‫الرحمن أخي أنا أكثر أهل المدينة‬
‫مال ‪ ،‬فانظر شطر مالي فخذه ‪،‬‬
‫وتحتي امرأتان ‪ ،‬فانظر أيتهما‬
‫أعجب لك حتى أطلّقها وتتزوجها )‬
‫فقال عبد الرحمن بارك الله لك في‬
‫أهلك ومالك ‪ ،‬دُلوني على السوق )‬
‫وخرج الى السوق فاشترى وباع‬
‫وربح حق الله كانت تجارة عبد‬
‫الرحمن بن عوف ليست له وحده ‪،‬‬
‫وإنما لله والمسلمون حقا فيها ‪،‬‬
‫فقد سمع الرسول ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬يقول يوما يا بن عوف إنك‬
‫من الغنياء ‪ ،‬وإنك ستدخل الجنة‬
‫حبْوا ‪ ،‬فأقرض الله يُطلق لك قدميك‬ ‫َ‬
‫) ومنذ ذاك الحين وهو يقرض الله‬
‫قرضـا حسنا ‪ ،‬فيضاعفـه الله له‬
‫أضعافـا ‪ ،‬فقد باع يوما أرضا‬
‫بأربعين ألف دينار فّرقها جميعا على‬
‫أهله من بني ُزهرة وأمهات‬
‫المسلمين وفقراء المسلمين ‪،‬وقدّم‬
‫خمسمائة فرس لجيوش السلم ‪،‬‬
‫ويوما آخر ألفا وخمسمائة راحلة ‪،‬‬
‫وعند موته أوصى بخمسين ألف‬
‫دينار في سبيل الله ‪ ،‬وأربعمائة‬
‫دينار لكل من بقي ممن شهدوا بدرا‬
‫حتى وصل للخليفة عثمان نصيبا من‬
‫الوصية فأخذها وقال إن مال عبد‬
‫مة‬ ‫فو ‪ ،‬وإن الطُ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ص ْ‬
‫الرحمن حلل َ‬
‫منه عافية وبركة ) وبلغ من جود عبد‬
‫الرحمن بن عوف أنه قيل أهل‬
‫المدينة جميعا شركاء لبن عوف في‬
‫ماله ‪ ،‬ثُلث يقرضهم ‪ ،‬وثُلث يقضي‬
‫صلَهم‬‫عنهم ديونهم ‪ ،‬وثلث ي ِ‬
‫ب كثير ‪،‬‬ ‫ويُعطيهم ) وخلّف بعده ذه ُ‬
‫ضرب بالفؤوس حتى مجلت منه‬ ‫ُ‬
‫أيدي الرجال قافلة اليمان في أحد‬
‫اليام اقترب على المدينة ريح تهب‬
‫قادمة اليها حسبها الناس عاصفة‬
‫تثير الرمال ‪ ،‬لكن سرعان ما تبين‬
‫قرة الحمال‬ ‫أنها قافلة كبيرة مو َ‬
‫جا ‪ ،‬وسألت‬ ‫جها ر ّ‬‫تزحم المدينة وتر َّ‬
‫أم المؤمنين عائشة ‪-‬رضي الله‬
‫عنها‪ -‬ما هذا الذي يحدث في المدينة‬
‫؟) وأُجيبت أنها قافلة لعبد الرحمن‬
‫بن عوف أتت من الشام تحمل تجارة‬
‫جبَت أم المؤمنين قافلة تحدث‬ ‫ع ِ‬ ‫له َ‬
‫ف َ‬
‫جة ؟) فقالوا لها أجل يا‬ ‫كل هذه الر ّ‬
‫أم المؤمنين ‪ ،‬إنها سبعمائة راحلة )‬
‫وهّزت أم المؤمنين رأسها وتذكرت‬
‫أما أني سمعت رسول الله ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬يقول رأيت عبد‬
‫حبْوا )‬ ‫الرحمن بن عوف يدخل الجنة َ‬
‫ووصلت هذه الكلمات الى عبد‬
‫الرحمن بن عوف ‪ ،‬فتذكر أنه سمع‬
‫هذا الحديث من النبي ‪-‬صلى الله‬
‫ث‬‫عليه وسلم‪ -‬أكثر من مرة ‪ ،‬فح َّ‬
‫خطاه الى السيدة عائشة وقال لها‬ ‫ُ‬
‫لقد ذكَّرتني بحديث لم أنسه ) ثم‬
‫قال أما إني أشهدك أن هذه القافلة‬
‫سها في‬ ‫حل ِ‬‫بأحمالها وأقتابها وأ ْ‬
‫حمولة سبعمائة‬ ‫عت ُ‬ ‫ز َ‬
‫سبيل الله ) وو ّ ِ‬
‫راحلة على أهل المدينة وما حولها‬
‫الخوف وثراء عبد الرحمن ‪-‬رضي‬
‫الله عنه‪ -‬كان مصدر إزعاج له‬
‫وخوف ‪ ،‬فقد جيء له يوما بطعام‬
‫الفطار وكان صائما ‪ ،‬فلما وقعت‬
‫عليه عيناه فقد شهيته وبكى ثم‬
‫قال استشهد مصعب بن عمير وهو‬
‫فـن في بردة إن غطّت‬ ‫خير مني فكُـ ّ‬
‫رأسه بدت رجله ‪ ،‬وإن غطّت رجله‬
‫بدا رأسه ‪ ،‬واستشهد حمزة وهو خير‬
‫فـن فيه‬ ‫مني ‪ ،‬فلم يوجد له ما يُكَـ ّ‬
‫ط لنا في الدنيا ما‬ ‫سـ َ‬‫إل بردة ‪ ،‬ثم ب ُ ِ‬
‫بُسـط ‪ ،‬وأعطينا منها ما أعطينا‬
‫جلـت لنا‬‫ع ّ‬‫وإني لخشى أن نكون قد ُ‬
‫حسناتنا ) كما وضع الطعام أمامه‬
‫يوما وهو جالس مع أصحابه فبكى ‪،‬‬
‫وسألوه ما يبكيك يا أبا محمد ؟) قال‬
‫لقد مات رسول الله ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬وما شبع هو وأهل بيته من‬
‫خرنا لما هو‬ ‫خبز الشعير ‪ ،‬ما أرانا أ ّ‬
‫خير لنا ) وخوفه هذا جعل الكبر ل‬
‫يعرف له طريقا ‪ ،‬فقد قيل أنه لو‬
‫رآه غريب ل يعرفه وهو جالس مع‬
‫خدمه ‪ ،‬ما استطاع أن يميزه من‬
‫بينهم ) الهروب من السلطة كان‬
‫عبد الرحمن بن عوف من الستة‬
‫أصحاب الشورى الذين جعل عمر‬
‫الخلفة لهم من بعده قائل لقد‬
‫توفي رسول الله وهو عنهم راض )‬
‫وأشار الجميع الى عبد الرحمن في‬
‫أنه الحق بالخلفة فقال والله لن‬
‫حلْقي ‪ ،‬ثم‬ ‫مدْية فتوضع في َ‬ ‫تُؤخذ ُ‬
‫فذ بها إلى الجانب الخر ‪ ،‬أحب‬ ‫يُن ْ َ‬
‫ي من ذلك ) وفور اجتماع الستة‬ ‫إل ّ‬
‫لختيار خليفة الفاروق تنازل عبد‬
‫الرحمن بن عوف عن حقه الذي‬
‫أعطاه إياه عمر ‪ ،‬وجعل المر بين‬
‫الخمسة الباقين ‪ ،‬فاختاروه ليكون‬
‫الحكم بينهم وقال له علي ‪-‬كرم الله‬
‫وجهه‪ -‬لقد سمعت رسول الله‬
‫فك بأنك‬ ‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يص َ‬
‫أمين في أهل السماء ‪ ،‬وأمين في‬
‫أهل الرض ) فاختار عبد الرحمن بن‬
‫عوف ( عثمان بن عفان ) للخلفة ‪،‬‬
‫ووافق الجميع على إختياره وفاته‬
‫في العام الثاني والثلثين للهجرة‬
‫جاد بأنفاسه ‪-‬رضي الله عنه‪-‬‬
‫صه‬‫خ َّ‬
‫وأرادت أم المؤمنين أن ت ُ‬
‫ص به سواه ‪ ،‬فعرضت‬ ‫بشرف لم تخ ّ‬
‫عليه أن يُدفن في حجرتها الى جوار‬
‫الرسول وأبي بكر وعمر ‪ ،‬لكنه‬
‫استحى أن يرفع نفسه الى هذا‬
‫الجوار ‪ ،‬وطلب دفنه بجوار عثمان‬
‫بن مظعون إذ تواثقا يوما أيهما مات‬
‫بعد الخر يدفن الى جوار صاحبه‬
‫وكانت يتمتم وعيناه تفيضان بالدمع‬
‫إني أخاف أن أحبس عن أصحابي‬
‫لكثرة ما كان لي من مال ) ولكن‬
‫سرعان ما غشته السكينة واشرق‬
‫فت أذناه للسمع كما لو‬ ‫ه َ‬
‫وجهه وأْر ِ‬
‫كان هناك من يحادثه ‪ ،‬ولعله سمع‬
‫ما وعده الرسول ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬عبد الرحمن بن عوف في‬
‫الجنة ) ‪...‬‬

‫سعيد بن زيد القرشي‬


‫فيْل‬‫سعيد بن زيد بن عمرو بن ن ُ َ‬
‫العدوي القرشي ‪ ،‬أبو العور ‪ ،‬من‬
‫خيار الصحابة ابن عم عمر بن‬
‫الخطاب وزوج أخته ‪ ،‬ولد بمكة عام (‬
‫‪ 22‬قبل الهجرة ) وهاجر الى‬
‫المدينـة ‪ ،‬شهد المشاهد كلها إل‬
‫بدرا لقيامه مع طلحة بتجسس خبر‬
‫العير ‪ ،‬وهو أحد العشرة المبشرين‬
‫بالجنة ‪ ،‬كان من السابقين الى‬
‫السلم هو وزوجته أم جميل‬
‫( فاطمة بنت الخطـاب ) والده وأبوه‬
‫‪-‬رضي الله عنه‪ ( -‬زيـد بن عمرو )‬
‫حـد‬
‫اعتزل الجاهليـة وحالتها وو ّ‬
‫اللـه تعالى بغيـر واسطـة حنيفيـا ً ‪،‬‬
‫وقد سأل سعيـد بن زيـد الرسول‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فقال يا‬
‫رسـول الله ‪ ،‬إن أبـي زيـد بن عمرو‬
‫غك ‪،‬‬ ‫بن نفيل كان كما رأيت وكما بَل َ َ‬
‫ولو أدركك آمن بـك ‪ ،‬فاستغفر له ؟)‬
‫قال نعم ) واستغفر له وقال إنه‬
‫ة وحدَهُ )‬ ‫م ً‬
‫يجيءَ يوم القيامة أ ّ‬
‫المبشرين بالجنة روي عن سعيد بن‬
‫زيد أنه قال ‪ :‬قال رسول الله ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬عشرة من قريش‬
‫في الجنة ‪ ،‬أبو بكر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وعثمان‬
‫ي ‪ ،‬وطلحة ‪ ،‬والزبير ‪ ،‬وعبد‬ ‫‪ ،‬وعل ّ‬
‫الرحمن بن عوف ‪ ،‬وسعد بن مالك (‬
‫بن أبي وقاص ) ‪ ،‬وسعيد بن زيد بن‬
‫فيل ‪ ،‬و أبو عبيدة بن‬ ‫عمرو بن ن ُ َ‬
‫الجراح ) رضي الله عنهم أجمعين‬
‫الدعوة المجابة كان ‪-‬رضي الله عنه‪-‬‬
‫مجاب الدعوة ‪ ،‬وقصته مشهورة مع‬ ‫ُ‬
‫أروى بنت أوس ‪ ،‬فقد شكته الى‬
‫مروان بن الحكم ‪ ،‬وادَّعت عليه أنّه‬
‫غصب شيئا ً من دارها ‪ ،‬فقال اللهم‬
‫عم ِ بصرها ‪،‬‬ ‫إن كانت كاذبة فا ْ‬
‫واقتلها في دارها ) فعميت ثم تردّت‬
‫في بئر دارها ‪ ،‬فكانت منيّتُها الولية‬
‫كان سعيد بن زيد موصوفا ً بالزهد‬
‫ما فتح أبو‬‫ولة ‪ ،‬ول ّ‬ ‫محترما ً عند ال ُ‬
‫عبيدة بن الجراح دمشق ولّه إيّاها ‪،‬‬
‫ن معه للجهاد ‪ ،‬فكتب‬ ‫م ْ‬ ‫ثم نهض مع َ‬
‫إليه سعيد أما بعد ‪ ،‬فإني ما كنت‬
‫لُوثَرك وأصحابك بالجهاد على‬
‫نفسي وعلى ما يُدْنيني من مرضاة‬
‫ربّي ‪ ،‬وإذا جاءك كتابي فابعث إلى‬
‫ن هو أرغب إليه مني ‪ ،‬فإني‬ ‫م ْ‬ ‫عمل ِ َ‬
‫ك َ‬
‫قادم عليك وشيكا ً إن شاء الله‬
‫والسلم ) البيعة كتب معاوية إلى‬
‫مروان بالمدينة يبايع لبنه يزيد ‪،‬‬
‫فقال رجل من أهل الشام لمروان‬
‫سك ؟) قال مروان حتى يجيء‬ ‫ما يحب ُ‬
‫سعيد بن زيد يبايع ‪ ،‬فإنه سيـد أهل‬
‫البلد ‪ ،‬إذا بايع بايع الناس ) قال أفل‬
‫أذهب فآتيك به ؟) وجاء الشامـي‬
‫ي في الدار ‪ ،‬قال‬ ‫ب‬‫وسعيد مع أ ُ‬
‫ّ‬
‫انطلق فبايع ) قال انطلق فسأجيء‬
‫ن‬‫ن أو لضرب ّ‬ ‫فأبايع ) فقال لتنطلق َّ‬
‫عنقك ) قال تضرب عنقي ؟ فوالله‬
‫إنك لتدعوني إلى قوم وأنا قاتلتهم‬
‫على السلم ) فرجع إلى مروان‬
‫فأخبره ‪ ،‬فقال له مروان اسكت )‬
‫وماتت أم المؤمنين ( أظنّها زينب )‬
‫فأوصت أن يصلي عليها سعيد بن‬
‫زيد ‪ ،‬فقال الشامي لمروان ما‬
‫سك أن تصلي على أم المؤمنيـن‬ ‫يحب ُ‬
‫؟) قال مروان أنتظر الذي أردت أن‬
‫تضرب عنقـه ‪ ،‬فإنها أوصت أن‬
‫يُصلي عليها ) فقال الشامي‬
‫أستغفر الله ) وفاته توفي بالمدينة‬
‫سنة ( ‪ 51‬هـ ) ودخل قبره سعد بن‬
‫أبي الوقاص وعبد الله بن عمر‬
‫‪-‬رضي الله عنهم أجمعين‪-‬‬

You might also like