You are on page 1of 2

‫تـذكر لنا هذه المـرة ( هبـة الدبـاغ ) يحفظها الله في كتابها ( خمس دقائق فقط ‪ :‬تسع سنوات في سجون

السد ) ‪،‬‬
‫هبـة الدباغ ‪ ،‬الوحيدة التي بقيت من أسرتها الحموية ‪ ،‬التي أبادوها بكاملها في عام (‪ ، )1982‬ونجت هي لنها فس‬
‫السجن ‪ ،‬وشقيقها ( صفوان ) لنه خارج سوريا ‪ ....‬وقتل أزلم السد حوالي ( عشرة ) من أفراد أسرتها ‪ ،‬من الب‬
‫إلى الم ‪ ،‬إلى الطفال الصغار ‪ ،‬والبنات الصغيرات ‪ ،‬في مجزرة حماة الكبرى (‪ )1982‬التي عجـز المغول والتتار‬
‫والصليبيون والفرنسيون على أن يفعلوا مثلها ‪ ...‬فلنسمع ماتقوله هبـة الدبـاغ ( واسأل الله أن يجعله في صحائف‬
‫أعمالها يوم القيامة ) ‪ ...‬فقد قدمت وثائق نادرة وحقيقية ضـد نظام القتلة السـدي ‪...‬‬

‫‪http://www.free-syria.com/images/articles/16793.jpg‬‬

‫للقراءة‬

‫‪http://www.shrc.org/data/aspx/010BOOKS.aspx‬‬

‫للتحميل‬

‫‪http://www.al-mostafa.info/data/arabic/depot/gap.php?file=001081-www.al-mostafa.com.pdf‬‬

‫تقـول هبـة الدبـاغ ‪:‬‬

‫كـفـر سـوســة ‪ :‬رحلـة خـارج الـزمـان‬


‫عبرت السيارات الثلث بوابة السجن العامة مضيا نحو المبنى الرئيسي الذي انتصب أمامنا بطوابقه الثلث ‪ ،‬واجتذبتنا‬
‫اليادي مرة أخرى فاقتادتنا عبر ساحة المبنى الداخلية إلى باب اخر تنزل خمس درجات منه إلى القبو المعتم ‪ ،‬فإذا هو‬
‫عالم اخر من عوالم الرعب التي قطعناها خلل اليومين الماضيين عن غير ما اختيار ‪ ،‬ولم يلبث أن قطع لهاثنا المتدفق‬
‫صوت أجش أتانا من وسط العتمة ينادي ‪ - :‬منيرة! فما كدنا نلمح المنادي حتى بدت من الجهة المقابلة في اخر الممر‬
‫فتاة مضفورة الشعر ترتدي "جلبية" شاعت موضتها وقتذاك ‪ ،‬وجعلت تتقدم نحونا متمايلة يوحي مظهرها أنها سجانة‬
‫أو موظفة هناك ‪ . .‬فلما اقتربت ومن غير أن يلتفت إلينا قال لها أبو عادل رئيس نوبة السجانين وقتذاك ‪ - :‬هيا فتشيهن‬
‫واحدة واحدة ‪ .‬ودفع بي أول الجميع إلى غرفة علمنا بعدها أنها غرفة التحقيق والتعذيب ‪ ،‬ودخلت منيرة هذه ورائي‬
‫وسألتني ؟ ‪ -‬ما اسمك ؟ قلت وقد بلغ التوتر بي مبلغا ‪ :‬وماذا تريدين من اسمي ؟ أحسست وقتها أن بامكاني أن أقتلها‬
‫من شدة توتري بيدي ‪ . .‬لكنها قالت ببرود ‪- :‬وليش معصبة ؟ ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬والله ل أدري ! ماذا تريدينني أن أفعل ؟ هل يمكن للنسان أن يكون مبسوطا هنا ! أجابت بنفس برودها ورتابة‬
‫صوتها ‪ :‬بس ل تعصبي ‪ . .‬أنا سجينة مثلك‪ .‬قلت بحدة ‪ :‬لماذا تكذبين على ؟ شكلك هذا ليس كشكل السجينات ‪ .‬قالت‬
‫‪ :‬والله العظيم أنا سجينة وقاعدة في مهجع مملوء بنسوان من الخوان ‪ .‬لم أجرؤ أن أزيد معها وظننتها سجانة تريد أن‬
‫تستدرجني في الكلم ‪ ،‬لكنها عادت وقالت لي ‪ :‬ما صدقتيني ؟ بكره بنلتقي بالمهجع وبذكرك ‪ .‬أحسست لهجة صدق‬
‫في حديثها فاستأنست بعض الشيء وسألتها دون أن أغادر الحذر ‪ - :‬ومن معك من الخوان هناك ؟ قالت ‪ :‬هناك واحدة‬
‫حاجة من حلب وأخرى اسمها أم شيماء و جلست تعد لي أسماء وألقاب ل أعرفها وأضافت ‪ :‬وأنا الشيوعية الوحيدة‬
‫في المهجع والبقية كلهن من الخوان فتشتني منيرة بعد ذلك ‪ ،‬وفعلت الشيء نفسه مع ماجدة وملك بالتتابع ‪ ،‬وكان‬
‫العنصر في انتظاري حينما انتهت ‪ ،‬فأخذني وأصعدني ثانية من القبو ‪ ،‬واقتادني عبر سللم وممرات عديدة إلى المبنى‬
‫الجنوبي للفرع ‪ ،‬ليبدأ التحقيق معي حسب الصول !‬

‫بـين يـدي الــجلد !‬


‫كان كل ما حولي يثير الفزع والضطراب ‪ :‬هذا داخل وذاك خارج ‪ . .‬باب يقفل واخر من أين ل أدري يفتح ‪ . .‬وكل قادم‬
‫أو عابر يحمل بيده جهاز لسلكي أو كبل أو أداة أخرى للتعذيب ‪ . .‬وفي البداية أدخلوني على مكتب رئيس الفرع‬
‫ناصيف خير بك ‪ ،‬فأحسست وكأنني انتقلت إلى عالم اخر ‪ . .‬فالغرفة واسعة دافئة أنيقة التأثيث ‪ ،‬يمتد السجاد الفاخر‬
‫على أرضهما بمهابة وقد توزعت عليه كنبات وثيرة ومكتبة ومكتب فاخر يحتل تمثال لرأس الرئيس السد ركنا منه ‪،‬‬
‫بينما ينتصب في زاوية الغرفة القصوى تمثال برونزي آخر لرأس الرئيس بالحجم الطبيعي ‪ .‬وأما المقدم ناصيف الذي‬
‫كان منهمكا بمحادثة لسلكية وقتها فلم يعرني أكثر من نظرة ازدراء بطرف عينه ‪ ،‬وأومأ للعنصرأن يعيدني إلى مكاني‬
‫وأكمل حديثه ‪ . .‬ولم ألبث أن اقتادني ذاك ثانية إلى غرفة أخرى مقابل مكتب ناصيف ‪ ،‬فوجدت مجموعة أشخاص‬
‫مجتمعين على شاب مقيد يعذبونه ويحققون معه ‪ ،‬وناصيف ممسك جهاز اللسلكي بيده يتحدث فيه مرة ومع الشاب‬
‫المسكين والعناصر مرة ‪ .‬ولم يلبث أن أشار بيده إلى العنصر الذي أحضرني فجذبني ذاك من منكبي وأمرني أن أنتظر‬
‫خارج الغرفة من جديد ‪ ،‬وأنا كالنائمة ل أكاد أقدر على متابعة المشاهد المتجددة والوجوه المتعاقبة والصوات التي‬
‫تختلط الشتائم فيها بالستغاثات والهات ! وسرعان ما عاد العنصر فأدخلني الغرفة ذاتها لحضر تعذيب الشاب نفسه‬
‫لعلي أخاف وأتكلم ما يريدون ‪ .‬كانوا أربعة أو خمسة يشتركون في التعذيب أمامي بالكابل والعصي والخيزران‬
‫والكهرباء ‪ :‬ناصيف خير بك رئيس الفرع ‪ ،‬والرائد عبد العزيز ثلجة وهو رجل ضخم الجثة بالغ الجلفة ‪ ،‬وعناصر آخرون‬
‫كان أحدهم لم يبلغ العشرين بعد مجندا من درعا كما عرفت لحقا ينادونه حسين ‪ ،‬ولم أعرف من كان ذاك الشاب‬
‫ولماذا يعذبونه ‪ ،‬لكنه كان يصيح طوال التعذيب ويستغيث مناديا ‪ - :‬والله العظيم موأنا ‪ . .‬ثم اعترف اخر المر ل أدري‬
‫ليتخلص من مزيد من العذاب أم لسبب اخر فأقرأنه قتل أحد الضباط ‪ . .‬وعندما اشتد التعذيب عليه وكاد صراخه‬
‫يصيبني بالنهيار التفت إلى العنصر معي وسألته ‪- :‬لماذا أتيتم بي هنا ؟ قال بسخرية ‪ :‬ل أعرف ‪ . .‬إسأليهم‪ .‬قلت‬
‫بانفعال ‪ :‬ل أريد أن أسألهم ولكن أنا ما عندي شيء لعترف به ويضعوني في هذا الموقف فأتفرج على تعذيب الناس ‪.‬‬
‫ولم يزد العنصر عن أن هز كتفيه وابتسم متهكما وهو يقول ‪- :‬ل أعرف ‪ . .‬ل علقة لي بأي شيء هنا ! واستمر الضرب‬
‫والتعذيب حوالي نصف الساعة أنهضوا الشاب بعدها مضرجا بالدماء والكدمات فكبلوا يديه ورجليه ‪ ،‬وفيما اقتادني‬
‫العنصر وراءه لكمل كما يبدو رؤية المشهد ‪ ،‬سحب الرائد ثلجة الشاب إلى رأس الدرج ‪ ،‬ثم ركله برجله بكل قسوة ‪،‬‬
‫فتدحرج هاويا يئن ‪ ،‬ونادى على أحد ما هنالك لينزله إلى المنفردة في القبو أسفل المبنى ‪ ،‬وعاد فأمر العنصر ليدخلني‬
‫إلى الغرفة مرة أخرى ‪ ،‬فأوقفني في زاويتها ‪ ،‬وجعل ناصيف وثلجة يتحدثان باللسلكي ل أدري مع من ‪ ،‬ثم خرج‬
‫الجميع فجأة ‪ ،‬ليعود الرائد ثلجة وحده ويغلق الباب كهربائيا بضغطة زر ‪ ،‬فاستوى الباب بالجدار حتى لم أعد أدري من‬
‫أين دخل ول أين كان هذا الباب ‪ . .‬ومن غير أن يلفظ أي كلمة أو يسألنى أي سؤال لم أحس إل وصفعة مفاجئة تأتيني‬
‫على حين غرة اصطدم رأسي من عزمها بالجدار وارتد ‪ ،‬وصارت الدنيا تدور كلها في ‪ ،‬وصرت أرى الرائد أمامي أربعة‬
‫أشخاص معا ‪ ،‬وأرى رأسي أسفل مني ورجلي فوق الرأس وفوقي ! لم يزد عن أن قال ‪ - :‬انظري ‪ . .‬إذا ما بدك‬
‫تحكي ما بتعرفي ما الذي سيحصل لك ‪.‬‬

‫بســاط الـريـح !‬
‫خروج الرائد ثلجة برهة لم أكد أتمالك فيها نفسي حتى عاد مع ناصيف ورئيس الدورية التي أحضرتنا من البيت وشخص‬
‫رابع لم أعرف من كان ‪ .‬وابتدرني ناصيف يقول ‪- :‬وليك ‪ . .‬شو ما بدك تحكي ؟ ما بدك تقري وتدلينا فين أخوك ؟ قلت‬
‫له ‪:‬أخي ليس هنا ‪ .‬قال ‪ :‬إذا أين هو ؟‬
‫قلت ‪ :‬ل أعرف الظاهرأنه ذهب ليكمل دراسته ‪ .‬وواقع المر فإن أخي صفوان كان قد أخبر أمي عندما زارته في‬
‫الردن وقال لهما ‪ :‬إذا سألك أبي أين أنا فقولي له ذهب ليكمل دراسته في الباكستان ‪ .‬تذكرت ذلك بمجرد أن سألني‬
‫عنه ‪ ،‬ولم أكن أدري وقتها بأن أمي كانت معتقلة في نفس السجن معي ‪ ،‬وأنه سألها قبل دقائق عن أخي فأجابت‬
‫الجواب نفسه ‪ ،‬والتقى كلمي مع كلمها في هذه النقطة ‪ ،‬المر الذي أعفاني من التعذيب على ذلك السؤال ‪ ،‬ولكنه‬
‫سألني بلؤم ‪- :‬أنت تعرفين بأن أخاك هنا ‪ ،‬وسوف تأخذيننا وتدليننا عليه ‪ ،‬أو على رفاقه والبيت الذي يجلسون فيه ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ل أعلم أي شيء من هذا ‪ . .‬فنادى على أحدهم وقال له ‪ :‬ضعها على بساط الريح ‪ .‬تقدم العنصر مني وطرحني‬
‫على لوح من الخشب له أحزمة طوق بها رقبتي ورسغي وبطني وركبي ومشط رجلي ‪ ،‬ولما تأكد من تثبيتي رفع‬
‫القسم السفلي من لوح الخشب فجأة فبات كالزاوية القائمة ‪ ،‬ووجدتني وأنا بين الدهشة والرعب مرفوعة الرجلين في‬
‫الهواء وقد سقط الجلباب عنهما ولم يعد يغطيهما إل الجوارب والسروال الشتوي الطويل ‪ ،‬ول قدره لي على تحريك‬
‫أي من مفاصل جسمي ‪ . .‬وبكل وقاحة صاح العنصر يقول ‪ - :‬انظر سيدي ‪ ..‬أرأيت ؟ قالت إنها ليست من الخوان ‪. .‬‬
‫ولكن انظر كيف أنها منهم ومجهزة نفسها للفلقة [ يقصد تلبس سروال ً طويل ً ] ! حاولت دفع أي من القيود الجلدية عن‬
‫مفاصلي فما استطعت ‪ . .‬وقبل أن أحاول إعادة لوح الخشب إلى استقامته طلبا للستر كانوا قد علقوه من جنزير‬
‫مثبت به إلى السقف ‪ ،‬وتقدم رئيس الدورية التي اعتقلنا وبيده خيزرانة طويلة رفيعة وسألنى بلهجة تهديد صريح ‪- :‬‬
‫شوما بدك تحكي ؟‬

You might also like