You are on page 1of 26

‫‪107‬‬ ‫البحث الرابع‬

‫البحث الرابع‬
‫نحو تأسيس مفاهيم ووظائف معاصرة للجهاد‬

‫تمهيد حول تأصيل المصطلح لغويا ً ودينياً‪:‬‬


‫يعود الصل اللغوي‪ ،‬عند العرب‪ ،‬لمفردة (الجهاد) إلى‬
‫فعل (جهد) (واجتهد في المر‪ :‬بذل وسعه وطاقته في‬
‫طلبه ليبلغ مجهوده‪ ،‬ويصل إلى غايته)(‪ ،)1‬فكان‪ ،‬في مثل‬
‫ل يقوم به الفرد أو‬ ‫هذا الحال‪ ،‬مرتبطا ً بفع ٍ‬
‫ل له علقة بعم ٍ‬
‫الجماعة على الصعيد الحياتي‪ ،‬النفسي أو المادي‪ .‬ولما‬
‫انطلقت الدعوة السلمية أخذ مفهوم الجهاد يكتسب‬
‫معنى جديدا ً مرتبطا ً بعمل يقوم به الفرد أو الجماعة على‬
‫الصعيد الديني‪ ،‬فأصبح الفعل (جهد) أو (جاهد) يعني‪،‬‬
‫بشكل أساسي (الجهاد في سبيل الله)‪ .‬ومن جراء هذا‬
‫المر ارتبط مصطلح (الجهاد) بمفهوم ديني‪ ،‬وعلى التحديد‬
‫إسلمي‪ .‬فأصبح المعنى‪ ،‬بشكل تلقائي‪ ،‬يعني وكأن الجهاد‬
‫هو عمل حربي يقوم به المسلمون وحدهم بالقتال من‬
‫أجل إله السلم ومن أجل الدفاع عن عقيدتهم السلمية‪،‬‬
‫وبالتالي تكفير أتباع الديان الخرى ونشر السلم بينهم‬
‫بقوة السيف‪ .‬وأصبح هذا يعني للخرين أن الجهاد هو عمل‬
‫يقوم به المسلمون ضد كل من هو ليس بمسلم‪ .‬وأحدث‬
‫هذا المفهوم ردَّة فعل سلبية من غير المسلمين‪.‬‬

‫() المقرئ‪ ،‬أحمد بن محمد‪ :‬المصباح المنير‪ :‬المكتبة العصرية‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫صيدا‪1997 :‬م‪ :‬ط ‪ :2‬ص ‪.62‬‬


‫البحث الرابع‬ ‫‪108‬‬

‫لقد أمرت الدعوة السلمية‪ ،‬بعد أن هاجر النبي محمد‬


‫إلى المدينة‪ ،‬تاركا ً مكَّة وناسخا ً أسلوب الحوار(‪ )2‬في‬
‫الدعوة إلى الدين الجديد‪ ،‬أن يستخدم المسلمون السيف‬
‫في سبيل نشرها‪ ،‬ولن هذا المر جاء من خلل اليات‬
‫القرآنية(‪ ،)3‬اعتقد المسلمون بأنها أمر ثابت من الله‪ ،‬فأخذ‬
‫الجهاد ‪-‬منذ تلك اللحظة‪ -‬يكتسب مفهومه الديني‬
‫السلمي‪ ،‬ويعدّه المسلمون أمرا ً إلهيا ً عليهم القيام بعبئه‬
‫لنه جهاد في سبيل الله(‪ .)4‬وأينما ذ ُكر مصطلح الجهاد‬
‫أصبح يتبادر إلى الذهن‪ ،‬فوراً‪ ،‬أن للدعوة وجها ً إسلمياً‪.‬‬
‫وهذا السبب يفرض على غير المسلمين خشية‪ ،‬يشعرون‬
‫معها أنهم يتعاملون مع مفهوم للدفاع ضد العدو له أسسه‬
‫وشرائعه الدينية السلمية مما يشعرهم وكأنهم ل دور لهم‬
‫يلعبونه في الدفاع عن أوطانهم‪ ،‬هذا إذا لم يحسبوا أن‬
‫المر بالجهاد عند المسلمين يحقق أغراض المسلمين‬
‫وحدهم‪ .‬وهنا يصبح للموقف من الجهاد علقة بالزاوية التي‬
‫ينظر منها المرء إلى وسائله وأهدافه‪.‬‬

‫َ‬
‫م بِال ّتِي‬ ‫جادِلْهُ ْ‬ ‫سنَةِ وَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫عظَةِ ال ْ َ‬ ‫موْ ِ‬ ‫مةِ وَال ْ َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ك بِال ْ ِ‬ ‫ل َرب ِّ َ‬ ‫سبِي ِ‬ ‫() )ادْع ُ إِلَى َ‬ ‫‪2‬‬

‫َ‬ ‫ض َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫سبِيلِهِ وَهُوَ أعْل َ ُ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م بِ َ‬ ‫ك هُوَ أع ْل َ ُ‬ ‫ن َرب َّ َ‬ ‫ن إ ِ َّ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫هِ َ‬
‫ن) (النحل‪.)125:‬‬ ‫مهْتَدِي َ‬ ‫بِال ْ ُ‬
‫ك ع َن ال َّ‬ ‫َ‬
‫صدٌّ‬‫ل فِيهِ كَبِيٌر وَ َ‬ ‫ل قِتَا ٌ‬ ‫ل فِيهِ قُ ْ‬ ‫حَرام ِ قِتَا ٍ‬ ‫شهْرِ ال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫سألون َ َ‬ ‫)ي َ ْ‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬


‫عنْدَ‬‫ه أكبَُر ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫ج أهْلِهِ ِ‬ ‫خَرا ُ‬ ‫حَرام ِ وَإ ِ ْ‬ ‫جد ِ ال َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل اللهِ وَكفٌْر بِهِ وَال َ‬ ‫سبِي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫►►►وَل‬ ‫ل ◄◄◄‬ ‫ن القَت ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة أكبَُر ِ‬ ‫ْ‬ ‫الل ّهِ وَالفِتْن َ ُ‬
‫ْ‬
‫ك‬‫ستَطَاع ُوا …‪.‬وَأُولَئ ِ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م إِ ِ‬ ‫ن دِينِك ُ ْ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫حتَّى يَُردُّوك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن يُقَاتِلُونَك ُ ْ‬ ‫يََزالُو َ‬
‫َ‬
‫ن) (البقرة‪.)217:‬‬ ‫خالِدُو َ‬ ‫م فِيهَا َ‬ ‫ب النَّارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫ن بِهِ‬‫ل تُْرهِبُو َ‬ ‫ط ال ْ َ‬
‫خي ْ ِ‬ ‫ن رِبَا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن قُوَّةٍ وَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ستَطَعْت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫م َ‬ ‫ع َدُّوا لَهُ ْ‬ ‫)وَأ َ ِ‬
‫م) (لنفال‪.)60:‬‬ ‫عَدُوَّ الل ّهِ وَعَدُوَّك ُ َْ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫صُروا‬ ‫ن آوَوْا وَن َ َ‬ ‫ل اللهِ وَالذِي َ‬ ‫سبِي ِ‬ ‫جاهَدُوا فِي َ‬ ‫جُروا وَ َ‬ ‫منُوا وَهَا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫() )وَال ّذِي َ‬
‫‪4‬‬

‫م) (لنفال‪)74:‬‬ ‫مغْفَِرة ٌ وَرِْزقٌ كَرِي ٌ‬ ‫م َ‬ ‫حقّا ً لَهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫منُو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫أُولَئ ِ َ‬
‫‪109‬‬ ‫البحث الرابع‬

‫ولن أهداف الجهاد ووسائله ليست متطابقة بين الفرق‬


‫السلمية نفسها‪ ،‬يعني أن ليس لهداف الجهاد ووسائله‬
‫إجماعا ً بين المسلمين‪ .‬ولن وسائل الجهاد ومراحله‬
‫وأولوياته ل تكتسب إجماعا ً حتى بين أفراد الفرقة الواحدة‪،‬‬
‫بل تتباين عندهم مفاهيمه ووسائله‪ ،‬يعني أنه ليس بذي‬
‫قيمة دينية إل َّ بمقدار ما تقترب من أهداف هذه الفرقة‬
‫السلمية أو تلك‪.‬‬
‫إن التباين الواضح بين تعاليم الديان السماوية‪ ،‬خاصة‪،‬‬
‫حول أهداف الجهاد ووسائله من جهة‪ ،‬والتباين الواضح بين‬
‫مذاهب الدين السلمي من جهة أخرى‪ ،‬يؤسس لوجود‬
‫إشكالية غياب أهداف إسلمية واحدة للجهاد أولً‪ ،‬ويؤسس‬
‫ثانيا ً لشكالية غياب أهداف روحية واحدة تجمع بين شتى‬
‫الديان‪ ،‬سواء كانت سماوية أو غيرها‪.‬‬
‫ولنه ليس للجهاد‪ ،‬بمعنى بذل الجهد والطاقة في سبيل‬
‫بلوغ الهدف‪ ،‬أهداف تُجمع عليها حتى الجماعات السلمية‬
‫يقتضي أن نبحث عن أسباب وجود تلك الشكالية من جهة‪،‬‬
‫وأن نبحث من جهة أخرى عن أهداف ووسائل للجهاد تكون‬
‫بمثابة الجامع بين أبناء المة الواحدة‪ ،‬أي المة القومية‬
‫التي عرفتها البشرية في التاريخ الحديث والمعاصر‪.‬‬

‫أولً‪ :‬مفهوم الجهاد ووظائفه عند الديان السماوية‬


‫البحث الرابع‬ ‫‪110‬‬

‫دعا النبي موسى شعبه إلى اليمان بالله الواحد‪ ،‬إله شعب‬
‫إسرائيل(‪ ،)1‬فاستجابوا إليه(‪ ،)2‬وأمرهم الرب أن يحفظوا‬
‫جميع وصاياه وتعاليمه لكي يمتلكوا الرض التي أعطاها‬
‫لبائهم(‪ ،)3‬وأمرهم بأن ل يؤمنوا بإله غيره‪ ،‬حتى لو اقتضى‬
‫المر قتل من يدعوهم إلى عبادة إله غيره‪ .‬ودعا إلى‬
‫القتال في سبيله(‪.)4‬‬
‫على العموم دعت الديانتان‪ :‬الموسوية والمسيحية إلى‬
‫الجهاد في سبيل الله‪ ،‬عن طريق الحوار أولً‪ ،‬واستخدام‬
‫السيف ثانياً‪ .‬وتأمرهم بالتضحية بكل شيء‪ ،‬بمن فيهم‬
‫الخوة والبناء‪ ،‬إذا دعوا إلى عبادة إله آخر‪.‬‬
‫وعدت كل من الديانتين إلى خلص النفس في الخرة‪،‬‬
‫َ‬
‫كثمن للجهاد في سبيل الله‪ ،‬الذي حل ّل لهم (كما جاء في‬
‫العهد القديم من الكتاب المقدَّس) الغنائم التي يحصلون‬

‫() جاء في سفر الخروج‪ ،‬الفصل السادس مخاطبا ً النبي موسى‪:)6( :‬‬ ‫‪1‬‬

‫»قل لبني إسرائيل أنا الرب…«‪» )7( .‬أتخذكم لي شعبا ً وأكون لكم‬
‫إلها ً وتعلمون أني أنا الرب «‪ .‬الكتاب المقدس (العهد العتيق‪،‬‬
‫المجلد الول)‪ :‬المطبعة الكاثوليكية‪ :‬بيروت‪ :‬ص ‪.106‬‬
‫() جاء في سفر الخروج‪ ،‬الفصل الرابع والعشرون‪ )2(» :‬فجاء‬ ‫‪2‬‬

‫ص على الشعب جميع كلم الرب وجميع الحكام فأجابه‬ ‫موسى وق َّ‬
‫َّ‬
‫جميع الشعب بصوت واحد وقالوا جميع ما تكلم به الرب نعمل به «‪.‬‬
‫م‪ .‬ن‪ :‬ص ‪.136‬‬
‫() جاء في سفر تثنية التشريع‪ ،‬الفصل الثامن‪ )1( » :‬احفظوا جميع‬ ‫‪3‬‬

‫الوصايا التي آمركم بها اليوم واعملوا بها لكي تحيوا وتكثروا وتدخلوا‬
‫وتمتلكوا الرض التي أقسم الرب عليها لبائكم«‪ :‬م‪ .‬ن‪ :‬ص ‪.313‬‬
‫() جاء في سفر تثنية التشريع‪ ،‬الفصل الثالث عشر‪ )1( » :‬إذا قام‬ ‫‪4‬‬

‫بينكم متنئ… (‪ )2‬وقال لك تعال إلى آلهة غريبة… فنعبدها‪ )3( .‬فل‬
‫تسمع كلم هذا المتنبئ… (‪ )5‬وذلك المتنبئ أو رائي الحلم يقتل… ]‬
‫حتى ولو كان أخوك أو ابنك أو ابنتك أو زوجتك أو صديقك[ « ‪ :‬م‪ .‬ن‪:‬‬
‫ص ‪.322‬‬
‫‪111‬‬ ‫البحث الرابع‬

‫عليها من العدو‪ ،‬وتشمل الملك والنفس من أطفال‬


‫ونساء(‪.)1‬‬
‫ضتا على‬‫على الرغم من أن اليهودية والمسيحية قد ح َّ‬
‫ضت على‬ ‫دعوة المشركين إلى اليمان بالله‪ ،‬فهي قد ح َّ‬
‫قتالهم أيضاً‪ .‬وعلى الرغم من أن المسيحية لم تع ِ‬
‫ط‬
‫الهتمام الكبر لقتال الذين ل يؤمنون بالله الذي تدعو إلى‬
‫عبادته‪ ،‬فإنها قد ألمحت إلى استخدام السيف كما جاء في‬
‫إنجيل متى(‪ .)2‬وكان من المحتمل ‪-‬كما نرى‪ -‬أن ينتقل‬
‫المسيح من الدعوة إلى المسيحية بالمحبة إلى الدعوة‬
‫سفْر تثنية التشريع‪ ،‬الفصل العشرون‬ ‫() جاء في العهد القديم ِ‬ ‫‪1‬‬

‫عن الحرب ما يلي‪ )10( » :‬وإذا تقدمت إلى مدينة لتقاتلها‪ ،‬فادعها‬
‫أول ً إلى السلم‪ )11( .‬فإذا أجابتك إلى السلم‪ ،‬وفتحت لك‪ ،‬فجميع‬
‫الشعب الذين فيها يكونون لك تحت الجزية ويتعبّدون لك‪ )12( .‬وإن‬
‫لم تسالمك… (‪ )13‬وأسلمها الرب إلهك إلى يدك فاضرب كل ذكر‬
‫بحد السيف‪ )14( .‬وأما النساء والطفال وذوات الربع وجميع ما في‬
‫ل غنيمة أعدائك التي‬ ‫المدينة من غنيمة فاغتنمها لنفسك‪ ،‬وك ُ ْ‬
‫أعطاكها الرب إلهك« ‪] .‬راجع‪ ،‬الكتاب المقدس (العهد العتيق‪:‬‬
‫المجلد الول)‪ :‬المطبعة الكاثوليكية‪ :‬بيروت‪ :‬د‪ .‬ت‪ :‬د‪ .‬ط‪ :‬ص ‪[332‬‬
‫‪.‬‬
‫وجاء فففي العهففد الجديففد مففا يلي‪ )17( :‬إحذروا مففن الناس فإنهففم‬
‫سفيسلمونكم إلى المحاففل وففي مجامعهفم يجلدونكفم‪ )22( .‬وتكونون‬
‫مبغَضيفن مفن الكفل مفن أجفل إسفمي‪ ،‬والذي يصفبر إلى المنتهفى فذلك‬ ‫ُ‬
‫ً‬
‫يخلص‪ )34( .‬ل تظنوا أنفففي جئت للقفففي على الرض سفففلما‪ ،‬لم آت‬
‫للقي سلما ً لكن سيفاً‪ )35( .‬أتيت لفرق النسان عن أبيه والبنة عن‬
‫ب أبا ً أو أما ً أكثففر منففي فلن‬
‫أمهففا والكنففة عففن حماتهففا‪ )37( .‬مففن أح ّ فَ‬
‫ب ابنا ً أو بنتا ً أكثفر منفي فلن يسفتحقني‪ )38( .‬ومفن‬ ‫يسفتحقني‪ .‬ومفن أح َّف‬
‫ل يحمفل صفليبه ويتبعنفي فلن يسفتحقني‪ )39( .‬مفن وجفد نفسفه يهلكهفا‪،‬‬
‫ومفن أهلك نفسفه مفن أجلي يجدهفا‪ )40( .‬مفن قبلكفم فقفد قبلنفي‪ ،‬ومفن‬
‫قبلني فقد قبل الذي أرسلني‪] .‬راجع‪ ،‬الكتاب المقدس (العهد الجديد‪:‬‬
‫إنجيفل متفى‪ :‬الفصفل العاشفر‪ :‬المطبعفة الكاثوليكيفة‪ :‬بيروت‪ :‬د‪ .‬ت‪ :‬د‪.‬‬
‫ط‪ :‬ص ‪. [17‬‬
‫البحث الرابع‬ ‫‪112‬‬

‫بالقوة‪ ،‬لو سنحت له فسحة من الحياة أطول قبل أن‬


‫يقبض الرومان عليه ويصلبوه‪ ،‬لكنهم لم يدَعوه لكي يجد له‬
‫أرضا ً تأويه‪ ،‬ويجمع من حوله شعبا ً يمتلك قوة فيحميه‪.‬‬
‫ثانيفاً‪ :‬أهداف الجهاد ووسائله في السلم‬
‫‪-1‬السلم‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬يدعو إلى الجهاد في سبيل الله‪:‬‬
‫تُعل ِّل آيات القرآن للذن بالقتال بأمور ثلثة‪ :‬الظلم‬
‫اللحق بالمسلمين‪ ،‬وإخراجهم من ديارهم‪ .‬والدفاع عن‬
‫المعابد التي يُذكَر فيها اسم الله‪ .‬ولتمكين المسلمين من‬
‫تطبيق شرائع السلم(‪ .)1‬فلما أرسل الله النبي محمدا ً إلى‬
‫الناس ليدعوهم إلى الهدى‪ ،‬كان توجيهه له بداية أن يلقى‬
‫مناوأة قومه بالصبر والصفح الجميل(‪ .)2‬ولما اشتد َّ الذى به‬
‫وبصحابته‪ ،‬هاجر إلى المدينة فأسس دولة فيها‪ ،‬ولما‬
‫اكتملت لديه وسائل القوة‪ ،‬أذن الله له بقتال المشركين ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫() (‪ )34‬ل تظنوا أني جئت للقي على الرض سلماً‪ ،‬لم آت للقي‬ ‫‪2‬‬

‫سلما ً لكن سيفاً‪ ] .‬اجع‪ ،‬الكتاب المقدس (العهد الجديد‪ :‬إنجيل‬


‫متى‪ :‬الفصل العاشر‪ :‬المطبعة الكاثوليكية‪ :‬بيروت‪ :‬د‪ .‬ت‪ :‬د‪ .‬ط‪ :‬ص‬
‫‪. [17‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه وَلوْل‬ ‫ن يَقُولوا َرب ّنَا الل ُ‬ ‫ُ‬ ‫قّ إ ِل أ ْ‬ ‫ح ٍ‬ ‫م بِغَيْرِ َ‬ ‫ن دِيَارِه ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫() )ال ّذِي َ‬
‫‪1‬‬

‫َ‬
‫جدُ‬‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫صلَوَا ٌ‬ ‫معُ وَبِيَعٌ وَ َ‬ ‫صوَا ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض لَهُدِّ َ‬ ‫م بِبَعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫س بَعْ َ‬ ‫دَفْعُ الل ّهِ النَّا َ‬
‫ه لَقَوِيٌّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬ ‫صُره ُ إ ِ ّ‬ ‫ن يَن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫صَر ّ‬ ‫م الل ّهِ كَثِيرا ً وَلَيَن ْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫يُذ ْكَُر فِيهَا ا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صلة َ وَآتَوُا‬ ‫موا ال َّ‬ ‫ض أقَا ُ‬ ‫م فِي الْر َ ِ‬ ‫مك ّنَّاهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ع َزِيٌز) (الحج‪) .)40:‬ال ّذِي َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫مورِ) (الحج‪:‬‬ ‫ة اْل ُ‬ ‫منْكَرِ وَلِل ّهِ ع َاقِب َ ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ف وَنَهَوْا ع َ ِ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مُروا بِال ْ َ‬ ‫الَّزكَاة َ وَأ َ‬
‫‪.)41‬‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م بِالتِي‬ ‫جادِلهُ ْ‬ ‫سنَةِ وَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫عظةِ ال َ‬ ‫موْ ِ‬ ‫مةِ وَال َ‬ ‫حك َ‬ ‫ل َرب ِّك بِال ِ‬ ‫سبِي ِ‬ ‫() )ادْع ُ إِلى َ‬ ‫‪2‬‬

‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن إ ِ َّ‬ ‫َ‬
‫سبِيلِهِ وَهُوَ أعْل ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ضل ع َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ن َرب ّك هُوَ أع ْل ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫هِ َ‬
‫ن)‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫ف يَعْل ُ‬ ‫سوْ َ‬ ‫مف َ‬ ‫َ‬ ‫سل ٌ‬ ‫م وَقل َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ح عَنْهُ ْ‬ ‫صفَ ْ‬ ‫َ‬
‫ن) (النحل‪) .)125:‬فا ْ‬ ‫مهْتَدِي َ‬ ‫بِال ْ ُ‬
‫(الزخرف‪.)89:‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫خيٌْر‬
‫شيْئا وَهُوَ َ‬ ‫ن تَكَرهُوا َ‬ ‫ْ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫م وَع َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م القِتَال وَهُوَ كْره ٌ لك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ب عَلَيْك ُ ُ‬ ‫() )كُت ِ َ‬ ‫‪3‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫مل‬ ‫م وَأنْت ُ ْ‬ ‫ه يَعْل َ ُ‬ ‫م وَالل ّ ُ‬ ‫شٌّر لَك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫شيْئا ً وَهُوَ‬ ‫حبُّوا َ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫م وَع َ َ‬ ‫لَك ُ ْ‬
‫‪113‬‬ ‫البحث الرابع‬

‫من شروط الجهاد في الدعوة السلمية‪ ،‬عامة‪ ،‬أن‬


‫يُدعى الناس إلى السلم قبل أن يُعلَن عليهم الجهاد‪ .‬وقد‬
‫ميَّزت الدعوة السلمية بين أهل الكتاب وعبَدَة الصنام‪.‬‬
‫أما حول أهل الكتاب ‪-‬إذا امتنعوا عن الدخول في‬
‫خيِّروا بين القتال وبين الدخول في حكم‬ ‫السلم‪ -‬ف ُ‬
‫السلم‪ .‬وإذا اختاروا حكم السلم يصبحون ذميين فيؤدون‬
‫الجزية والخراج(‪)1‬؛ ويأمنون على حياتهم وذويهم وأموالهم‪،‬‬
‫ولكنهم يكونون قطعا ً دون المسلمين مرتبة‪ ،‬ليس لهم‬
‫الحقوق المدنية ذاتها‪ .‬أما إذا اختاروا القتال فيتعّرضون‬
‫للسترقاق وذويهم‪ ،‬وتصبح أموالهم غنيمة للمسلمين(‪.)2‬‬
‫وإذا أسلموا‪ ،‬يدخلون في الجماعة السلمية‪ ،‬فيكون لهم‬
‫ما للمسلمين من حقوق وعليهم ما على المسلمين‬
‫من واجبات(‪ ،)3‬ومن ارتد َّ عن السلم قُتِل(‪ .)4‬أما حول‬
‫الخرين‪ ،‬فأحكام الشريعة تقضي‪ :‬إما بإشهار السلم‬
‫أو يتعرضون للقتال‪.‬‬

‫‪-2‬مفهوم الجهاد ووظائفه عند الشيعفة‪:‬‬


‫الجهاد‪ ،‬عند الشيعة‪ ،‬فرع من فروع الدين‪ .‬وهو واجب‪.‬‬
‫ومن شروطه‪ :‬البلوغ والعقل‪ ،‬والذكورية… ويُشتََرط فيه‪:‬‬
‫ص عليه وأسماه‬ ‫أن يأذن المام به‪ ،‬أو نائبه الخاص »الذي ن َّ‬
‫ن) (البقرة‪)216:‬‬ ‫مو َ‬ ‫تَعْل َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حَّر َ‬
‫م‬ ‫ما َ‬‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫حّرِ ُ‬
‫خرِ وَل ي ُ َ‬ ‫ن بِالل ّهِ وَل بِالْيَوْم ِ اْل ِ‬ ‫ن ل يُؤ ْ ِ‬
‫منُو َ‬ ‫() )قَاتِلُوا ال ّذِي َ‬
‫‪1‬‬

‫حتَّى يُعْطُوا‬ ‫الل َّه ورسول ُه ول يدينون دين ال ْحق من ال ّذي ُ‬


‫َ‬
‫ب َ‬ ‫ن أوتُوا الْكِتَا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ِّ ِ َ‬ ‫ُ ََ ُ ُ َ َ ِ ُ َ ِ َ‬
‫ن) (التوبة‪.)29:‬‬ ‫صاِغُرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ن يَد ٍ وَهُ ْ‬ ‫ة عَ ْ‬ ‫جْزي َ َ‬‫ال ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م)‬‫حي ٌ‬ ‫ه غَفُوٌر َر ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حلل ً طَيِّبا ً وَاتَّقُوا الل ّ َ‬
‫ه إ ِ َّ‬ ‫م َ‬ ‫ما غَن ِ ْ‬
‫مت ُ ْ‬ ‫م َّ‬ ‫() )فَكُلُوا ِ‬ ‫‪2‬‬

‫(لنفال‪.)69:‬‬
‫خوَةٌ)(الحجرات‪ :‬من الية ‪.)10‬‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫منُو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬
‫() )إِن َّ َ‬ ‫‪3‬‬

‫() دائرة المعارف السلمية (المجلد السابع)‪ :‬دار المعرفة‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫بيروت‪ :‬صص ‪.189 - 188‬‬


‫البحث الرابع‬ ‫‪114‬‬

‫بالذات«‪ .‬أما إذا كان دفاعا ً عن السلم وبلد المسلمين…‬


‫»شريطة أن يكون القصد خالصا ً لوجه الله والحق«‪ ،‬فل‬
‫يشترط فيه إذن المام‪ .‬وعلى العموم فالجهاد واجب‬
‫مع إمام عادل(‪ .)1‬أما الذين يأمر الله بقتالهم‪ ،‬فهم‪:‬‬
‫‪-‬المشركون من الملحدين وعبدة الصنام‪.‬‬
‫ووجوب قتالهم يأتي من أجل نشر الدين وترك اللحاد‬
‫والشرك‪ ،‬ويتم ذلك بدعوتهم للسلم فإن أظهروا‬
‫ف عنهم‪ ،‬وإل َّ وجب قتالهم‪.‬‬
‫قبوله وجب الك ُّ‬
‫‪-‬قتال أهل الكتاب‪ ،‬وهم اليهود والنصارى والمجوس‪.‬‬
‫وهؤلء يُخيَّرون بين السلم ودفع الجزية بشرائط أهل‬
‫الذمة‪.‬‬
‫‪-‬قتال الفئة الباغية من المسلمين‪ ،‬التي إن‬
‫أصَّرت على البغي وجب ردعها بقوة السلح‪.‬‬
‫‪-‬أما من ليس له كتاب من أصناف الكفار فل يجب‬
‫أن تُقبل الجزية منه‪ ،‬بل يجب قتاله‪ ،‬أو أن يشهر‬
‫إسلمه(‪.)2‬‬
‫‪-3‬مفهوم الجهاد ووظائفه عند السنَّفة‪:‬‬
‫َ‬
‫مى الجهاد جهادا ً حقيقيا ً إل ّ إذا قُ ِ‬
‫صد به وجه الله‪،‬‬ ‫ل يُس َّ‬
‫وأريد به إعلء كلمته‪ .‬فإذا أُريد به شيء دون ذلك من‬
‫مى جهادا ً على الحقيقة؛ كأن‬ ‫حظوظ الدنيا‪ ،‬فإنه ل يُس ّ‬

‫() مغنية‪ ،‬محمد جواد‪ :‬فقه المام جعفر الصادق (ج ‪ :)2‬صص ‪- 260‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.263‬‬
‫() م‪ .‬ن‪ :‬صص ‪.269 - 266‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪115‬‬ ‫البحث الرابع‬

‫يقاتل ليحظى بمنصب‪ ،‬أو بمغنم(‪ .)1‬ول يُشتََرط في‬


‫الجهاد أن يكون الحاكم عادلً (‪.)2‬‬
‫ويجب الجهاد على المسلم الذكر العاقل البالغ الصحيح‪،‬‬
‫الذي يجد من المال ما يكفيه ويكفي أهله حتى يفرغ من‬
‫الجهاد‪ .‬فل يجب على غير المسلم‪ ،‬ول على المرأة(‪ ،)3‬ول‬
‫على الصبي‪ ،‬ول على المجنون‪ ،‬ول على المريض(‪.)4‬‬
‫ومن واجبات المسلمين أن يدعو المشركين إلى‬
‫السلم‪ ،‬فإذا قبلوا عليهم أن يجاهدوا معهم‪ ،‬وإذا رفضوا‬
‫الجهاد فلن يحصلوا على أي نصيب من الغنيمة والفيء‪ ،‬بل‬
‫حصرت‬ ‫عليهم دفع الجزية‪ ،‬وإذا رفضوا فقتالهم واجب(‪ .)5‬و ُ‬
‫أحكام الذمة‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬بأهل الكتاب‪.‬‬
‫وكان من صلحيات الحاكم أن يُقَّر الكفار على كفرهم‬
‫بشرطين‪ :‬أن يلتزموا بأحكام السلم بالجملة‪ ،‬باستثناء‬
‫(‪)7‬‬
‫شعائرهم الدينية من عقائد وعبادات(‪ ،)6‬وأن يبذلوا الجزية‬

‫سئِل الرسول عن الجهاد فقال‪» :‬من قاتل لتكون كلمة الله العليا‪،‬‬ ‫() ُ‬ ‫‪1‬‬

‫فهو في سبيل الله«‪ .‬نقل ً عن السيد سابق‪ :‬فقه السنة (ج ‪ :)2‬م‪.‬‬


‫س‪ :‬ص ‪.634‬‬
‫() السيد سابق‪ :‬فقه السنة (ج ‪ :)2‬م‪ .‬س‪ :‬ص ‪.640‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ُروي أن النساء سألن الجهاد‪ ،‬فقلن‪» :‬وددنا أن الله جعل لنا الغزو‬ ‫‪3‬‬

‫م َّ‬
‫ما‬ ‫ب ِ‬ ‫صي ٌ‬ ‫ل نَ ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫فنصيب من الجر ما يصيب الرجال« ‪ ،‬فنزلت الية )لِلّرِ َ‬
‫ن ) (النساء‪] .)32:‬راجع‪ ،‬السيد‬ ‫ما اكْت َ َ‬
‫سب ْ َ‬ ‫م َّ‬
‫ب ِ‬ ‫صي ٌ‬ ‫ساءِ ن َ ِ‬‫سبُوا وَلِلن ِّ َ‬‫اكْت َ َ‬
‫– ‪.[625‬‬ ‫سابق‪ :‬فقه السنة (ج ‪ :)2‬م‪ .‬س‪ :‬صص ‪624‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‬ ‫ي‬‫مر‬ ‫ال‬ ‫ى‬ ‫َل‬ ‫ع‬ ‫ل‬‫ج وَل ع َلَى اْلعَْر ِ َ َ ٌ َ‬
‫و‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫ج‬ ‫حَر ٌ‬ ‫مى َ‬ ‫س ع َلَى اْلع ْ َ‬ ‫() )لَي ْ َ‬
‫‪4‬‬
‫َ ِ ِ‬
‫ج) (الفتح‪.)17 :‬‬ ‫حَر ٌ‬‫َ‬
‫() السيد سابق‪ :‬فقه السنة (ج ‪ :)2‬م‪ .‬س‪ :‬صص ‪.645 - 644‬‬ ‫‪5‬‬

‫() السيد سابق‪ :‬فقه السنة (ج ‪ :)2‬م‪ .‬س‪ :‬ص ‪.663‬‬ ‫‪6‬‬

‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ن أوتُوا‬ ‫ن الذِي َ‬ ‫م َ‬‫خرِ… ِ‬ ‫ن بِالل ّهِ وَل بِالْيَوْم ِ اْل ِ‬ ‫منُو َ‬ ‫ن ل يُؤ ْ ِ‬ ‫() )قَاتِلُوا ال ّذِي َ‬
‫‪7‬‬

‫ن) (التوبة‪.)29:‬‬ ‫صاِغُرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ن يَد ٍ وَهُ ْ‬‫ة عَ ْ‬ ‫جْزي َ َ‬‫حتَّى يُعْطُوا ال ْ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫الْكِتَا َ‬
‫البحث الرابع‬ ‫‪116‬‬

‫لقاء انتفاعهم بمرافق الدولة‪ ،‬ونظير حمايتهم في البلد‬


‫السلمية(‪.)1‬‬
‫ليس الجهاد فرضا ً على كل فرد من المسلمين‪ ،‬وإنما‬
‫هو فرض كفاية إذا قام البعض به فيسقط عن الباقين‪.‬‬
‫ويكون فرض عين إذا حضر المسلم صف القتال‪ .‬وإذا‬
‫حضر العدو إلى البلد الذي يقيم فيه المسلمون‪ .‬أو إذا‬
‫استنفر الحاكم أحدا ً من المكلفين(‪.)2‬‬
‫فاستنادا ً إلى النص‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬اتَّفقت الفرق السلمية‬
‫حد للجهاد‪ .‬كما اتَّفقت حول معظم المبادئ‬ ‫حول مفهوم مو َّ‬
‫العامة‪ ،‬كمثل‪ :‬الجهاد في سبيل الله‪ ،‬ونشر الدعوة‬
‫السلمية‪ ،‬وشروط القيام به‪ ،‬والحالت التي على‬
‫المسلمين أن يجاهدوا فيها‪ ،‬وأنواع العداء الذين‬
‫يجاهدونهم‪...‬‬
‫أما حالت الفتراق في الجتهاد حول مفاهيم الجهاد‬
‫ووسائله وأهدافه‪ ،‬فقد أخذت معالمها تتحدد بشكل جلي‬
‫كلما تغيَّرت الزمنة والمكنة وظروف العلقات بين الفرق‬
‫السلمية‪ .‬وسنتتبع‪ ،‬فيما يلي‪ ،‬ما يوضح الفتراقات في‬
‫النظر إلى أهداف الجهاد ووسائله بين الفرق السلمية‪،‬‬
‫على الصعيدين‪ :‬التاريخي القديم والمعاصر‪.‬‬

‫ثالثفاً‪ :‬إشكاليفة الجهاد بين المذاهب السلميفة‬


‫‪-1‬لم تكفن أهداف الجهاد ووظائفففه ثابتففة‪ ،‬ففي التاريفخ‬
‫السلمي‪ ،‬بل كانت تتغير وتوضع في خدمفة السياسفة‪:‬‬

‫() السيد سابق‪ :‬فقه السنة (ج ‪ :)2‬م‪ .‬س‪ :‬ص ‪.664‬‬ ‫‪1‬‬

‫() السيد سابق‪ :‬فقه السنة (ج ‪ :)2‬م‪ .‬س‪ :‬صص ‪.623 - 622‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪117‬‬ ‫البحث الرابع‬

‫تراجع‪ ،‬في العهد العباسي‪ ،‬اهتمام الخلفاء بالجهاد‪،‬‬


‫بحيث انتقل من أيديهم‪ ،‬وأصبح من مهمات العسكر‬
‫المحيطين بالخليفة‪ ،‬ومن مهمات أمراء الثغور‪ ،‬الذين‬
‫امتلكوا المكانيات‪ .‬ولهذا السبب استأثرت الدولة‬
‫الحمدانية‪ ،‬بقيادة سيف الدولة‪ ،‬بأهمية قصوى في ردِّ‬
‫غزوات الروم (في أواسط القرن الرابع للهجرة)‪ .‬ولما‬
‫انتقلت القوة إلى أيدي الفاطميين‪ ،‬بعد أن غزوا مصر‪،‬‬
‫حاولوا القيام بعبء الجهاد ضد الدولة البيزنطية‪ .‬لكن‬
‫الفاطميين اصطدموا بمعارضة أهل الشام لعتبارات‬
‫تاريخية ومذهبية وسياسية (‪)1‬؛ فاضطروا إلى التحالف مع‬
‫البيزنطيين في مواجهة الحركة السلجوقية‪.‬‬
‫وففففي أواسفففط القرن الخامفففس الهجري‪ ،‬وبقيام الدولة‬
‫السففلجوقية‪ ،‬كانففت بلد الشام عرضففة للهجمات البيزنطيففة‬
‫ومحاولت الفتفففففح الفاطمفففففي‪ .‬حينذاك عد َّ السفففففلجقة‬
‫الفاطميين مارقين عن الدين لذا يتحت َّم جهادهم(‪ .)2‬فخاضوا‬
‫جهادا ً ضففد البيزنطييففن بمسففاعدة أهففل الشام وانتصففروا‬
‫عليهم‪ .‬وانقلب ظهر المجن عليهم‪ ،‬من بعد أن تفّرقوا ‪-‬في‬
‫نهايففة القرن الخامففس للهجرة‪ -‬فتعّرضوا لغزو البيزنطييففن‬
‫وانهزموا أمامهففم‪ ،‬إلى أن جاء دور الغزوات الصففليبية التففي‬
‫تُوّ ِفجت بسففقوط القدس‪ ،‬بيففن أيديهففم‪ ،‬فففي العام ‪ 492‬هففف‪/‬‬
‫‪1098‬م‪.‬‬
‫وبالجمال خفَّت روح الجهاد‪ ،‬وظهر الشعور باللمبالة‪،‬‬
‫والتسليم بالمر الواقع‪ ،‬وكان السبب يعود إلى ضعف‬
‫الدولة العباسية‪ ،‬والخلفات السياسية والمذهبية‪.‬‬
‫وانعكست بشكل مفجع على عامة الناس التي كانت‬
‫() الرحموني‪ ،‬محمد‪ :‬الجهـاد‪ :‬دار الطليعة‪ :‬بيروت‪2002 :‬م‪ :‬ط ‪:1‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص ‪.26‬‬
‫() م‪ .‬ن‪ :‬ص ‪.27‬‬ ‫‪2‬‬
‫البحث الرابع‬ ‫‪118‬‬
‫عاجزة عن القيام بأي شيء‪ ،‬فأحت َّ‬
‫جت بعنف ضد‬
‫السلطة(‪.)1‬‬
‫أخذ المسلمون يتلهّون‪ ،‬عن مجاهدة الغازين‪ ،‬بمجاهدة‬
‫بعضهم البعض تحت ما كان شائعاً‪ ،‬حينذاك‪ ،‬جهاد أهل‬
‫البغي‪ :‬وأصبحت تلك الظاهرة السمة البرز للقرنين‬
‫الرابع والخامس للهجرة؛ وهذا ما تؤكده فتاوى عدد من‬
‫فقهاء الشيعة والسنة‪ ،‬من الذين عايشوا تلك المرحلة‪:‬‬
‫‪-‬يرى القاضي النعمان (فاطمي ‪ -‬شيعي) أن أهل البغي‬
‫أعظم جرما ً من المشركين(‪.)2‬‬
‫‪-‬ويرى ابن بابويه (بويهي ‪ -‬شيعي) ضرورة إرجاع الناس‬
‫إلى اليمان الحقيقي قبل محاربة الكفار(‪.)3‬‬
‫‪-‬ويرى الماوردي (سفلجوقي ‪ -‬سفني) وجوب مقاتلة أهفل‬
‫البغي لنهم يهددون الدولة والمجتمع(‪.)4‬‬
‫‪-‬ويرى الغزالي (سني) وجوب الدعوة إلى محاربة‬
‫الباطنية بكل الوسائل الممكنة(‪.)5‬‬
‫وبالجمال‪ ،‬عندما وقع الخلط بين مصالح رجال السياسة‬
‫ومصفففالح الديفففن‪ ،‬شَّرع الفقهاء للحرب بيفففن المسفففلمين‬
‫أنف سهم‪ .‬فأهل البغي‪ ،‬عند فقهاء الشيعفة‪ ،‬هم أهل السنة‪.‬‬
‫أما عند أهل السنة فهم الشيعة بكل فرقهم‪ .‬وهكذا أصبح‬
‫الجهاد ضفد أهفل البغفي‪ ،‬لدى كثيفر مفن الفقهاء ‪-‬خاصفة ففي‬

‫ص ‪.40‬‬ ‫ن‪:‬‬ ‫م‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫ص ‪.51‬‬ ‫ن‪:‬‬ ‫م‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫ص ‪.57‬‬ ‫ن‪:‬‬ ‫م‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫ص ‪.67‬‬ ‫ن‪:‬‬ ‫م‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫ص ‪.81‬‬ ‫ن‪:‬‬ ‫م‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪5‬‬


‫‪119‬‬ ‫البحث الرابع‬

‫القرنيفن الرابفع والخامفس للهجرة‪» ،‬أهفم وأولى مفن جهاد‬


‫الكفار«(‪.)1‬‬

‫‪-2‬إشكالية أهداف الجهاد ووظائفه عند بعض الحركات‬


‫السلمية المعاصرة‪:‬‬
‫َ‬
‫مسففتندة إلى نصففوص قرآنيففة‪ ،‬اختط ّففت بعففض الجماعات‬
‫السففلمية القديمففة والمعاصففرة بعففض أسففس للجهاد‪ .‬ومففن‬
‫أهمهففا‪ ،‬أنففه ل يجوز لغيففر المسففلمين الحقيقييففن أن يقوموا‬
‫بعبفء القتال ضفد أعداء المسفلمين؛ وتضفع تلك الجماعات‪،‬‬
‫مففن تسففميهم بالمسففلمين المنافقيففن‪ ،‬أو الذيففن يتسففترون‬
‫برداء السلم‪ ،‬في موقع العداء المباشرين‪.‬‬
‫بناء على هذا السفففاس ترى »جماعفففة الجهاد« ‪-‬وهفففي‬
‫إحدى فرق جماعففة الخوان المسففلمين‪ -‬أنففه‪ :‬مففن الخطففأ‬
‫توجيففه الطاقات السففلمية لتحريففر مقدسففات المسففلمين‬
‫وأوطانهفم المحتلة مفن الصفهيونية والسفتعمار‪ ،‬فهفي ليسفت‬
‫المعركففة المباشرة‪ ،‬وليففس هففو الطرق الصففحيح لتحريففر‬
‫المقدسفات‪ .‬فالطريفق لتحريفر القدس يمفر عفبر تحريفر البلد‬
‫السفلمي أولً‪» ،‬مفن الحكفم الكاففر‪ ،‬لن هؤلء الحكام هفم‬
‫أسفففاس وجود السفففتعمار ففففي بلد السفففلم… وبالفكار‬
‫(الوطنية) والمعارك (الوطنية) يزداد رصيدهم قوة‪ ،‬فتتدع ّم‬
‫قبضتهففم الكافرة على عنففق السففلم وأهله… فل بد َّ مففن‬
‫إزالتهففم أولً‪ ،‬ثففم النطلق تحففت قيادة إسففلمية‪ ،‬لتحريففر‬
‫المقدسففففات«(‪ .)2‬فالجهاد هففففو السففففبيل لقامففففة الدولة‬
‫() م‪ .‬ن‪ :‬ص ‪.97‬‬ ‫‪1‬‬

‫() نقل ً عن‪ ،‬عمارة‪ ،‬محمد‪ :‬الفريضـة الغائبـة‪ :‬دار الوحدة‪ :‬بيروت‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص ‪.39‬‬
‫البحث الرابع‬ ‫‪120‬‬

‫السفلمية‪ ،‬و»الجماعفة المجاهدة« هفي أداة الجهاد لقامفة‬


‫هذه الدولة(‪ .)1‬فغايففة »الجماعففة المؤمنففة المجاهدة« إزالة‬
‫دولة الكففففففر المرتدّة عفففففن السفففففلم‪ ،‬وإقامفففففة الدولة‬
‫السلمية‪،‬وإعادة الخلفة السلمية من جديد(‪.)2‬‬
‫و ل تُجيز جماعة التكفير والهجرة(‪ )3‬قتال اليهود‪،‬‬
‫ولهذا طلب أعضاؤها إعفاءَهم من الخدمة العسكرية في‬
‫الجيش المصري‪ ،‬لن الجيش ‪-‬كما يدَّعون‪ -‬ل يقاتل في‬
‫سبيل الله‪ ،‬فقتال العرب لليهود ‪-‬عند الجماعة‪» -‬ل يمكن‬
‫مى قتال ً إسلمياً؛ حيث إن القتال السلمي‬‫بأي حال أن يُس َّ‬
‫–كما نعرفه ]يقول أحد قادتهم[‪ -‬هو القتال في سبيل الله‬
‫لتكون كلمة الله هي العليا‪ ،‬يعني لفرض الحكم بما أنزل‬
‫الله‪ ،‬وليس من الممكن أن يقاتل قوم ل يحكمون أنفسهم‬
‫بكتاب الله‪ ،‬ليحكموا غيرهم به…«(‪.)4‬‬
‫لهذا‪ ،‬وحتى لو دخل اليهود مصر ‪-‬كما يقول أمير‬
‫الجماعة‪» -‬فليس بالضرورة أن يكون سلوكي هو تقديم‬
‫شباب جماعة المسلمين للموت في هذه المعارك‪ ،‬إنما قد‬
‫يكون سلوكي ترك مصر وينتهي المر…«(‪ .)5‬و»خطتنا هي‬
‫الفرار من العدو الوافد تماما ً كالفرار من العدو المحل ِّي‬
‫وليس مواجهته…« (‪ .)6‬أما بخصوص بقاء بعض أفراد‬

‫() م‪ .‬ن‪ :‬ص ‪.43‬‬ ‫‪1‬‬

‫() م‪ .‬ن‪ :‬صص ‪.48 - 47‬‬ ‫‪2‬‬

‫() تأسست في العام ‪1397‬هف=‪1977‬م‪ ،‬وهي إحدى التيارات التابعة لحركة‬ ‫‪3‬‬

‫الخوان المسلمين في مصر‪ .‬راجع‪ ،‬سيد أحمد‪ ،‬رفعت‪ :‬الرافضـون ‪:‬‬


‫رياض الريس للنشر‪ :‬لندن‪:1991 :‬ط ‪ :1‬ص ‪.19‬‬
‫() م ‪ .‬ن ‪ :‬ص ‪.98‬‬ ‫‪4‬‬

‫() م ‪ .‬ن ‪ :‬ص ‪.99‬‬ ‫‪5‬‬

‫() م ‪ .‬ن ‪ :‬ص ‪.100‬‬ ‫‪6‬‬


‫‪121‬‬ ‫البحث الرابع‬

‫الجماعة في الجيش‪ ،‬أحلل هو أم حرام‪ ،‬فيقول‪ :‬إنه‬


‫»عندنا حرام من الناحية الشرعية«(‪.)1‬‬

‫رابعفاً‪:‬إشكالية الجهاد في الدولفة الدينيفة أو الدينيفة‬


‫المذهبيفة‬
‫نسفخت الديانفة اليهوديفة الديانات الوثنيفة‪ ،‬وبشكفل خاص‬
‫عبادة الفرعون‪ ،‬ودعفففففت إلى اليمان بإله غيفففففر منظور‪،‬‬
‫ودعت إلى القتال في سبيله‪.‬‬
‫ولمفا جاء المسفيح لم يَر ففي نفسفه‪ ،‬بدايفة‪ ،‬إل َّ أنفه أحفد‬
‫َ‬
‫اليهود(‪ .)2‬وحل ّت القطيعففة بينففه وبينهففم حيففن بدأ يعتقففد أنففه‬
‫المسفففيح المنتظفففر(‪ .)3‬خاف اليهود أن يؤثفففر المسفففيح على‬
‫عواطففف الجماهيففر فتثور على السففلطة الرومانيففة فتكون‬
‫ثورة فففي غيففر وقتهففا المناسففب‪ ،‬فيخسففر اليهود مففا كانوا‬
‫يتمتعون بفه مفن حكفم ذاتفي وحريفة دينيفة‪ ،‬فقرر مجلسفهم‬
‫الدينفي أن يُلقفى القبفض على المسفيح بحجفة أنفه مفن الخيفر‬
‫أن يموت إنسفففان واحفففد ول تهلك المفففة؛ فقُفففبض عليفففه‬
‫صلِب(‪ .)4‬وبهذا تكون المسيحية قد نسخت اليهودية‪.‬‬ ‫و ُ‬

‫() م ‪ .‬ن ‪ :‬ص ‪.99‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ديورانت‪ ،‬ول‪ :‬قصة الحضارة (م ‪ :)11‬جامعة الدول العربية‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪1964‬م‪ :‬ص ‪.229‬‬


‫() م‪ .‬ن‪ :‬ص ‪.232‬‬ ‫‪3‬‬

‫() م‪ .‬ن‪ :‬صص ‪.235 - 234‬‬ ‫‪4‬‬


‫البحث الرابع‬ ‫‪122‬‬

‫كان قففس وراهففب مسففيحيان(‪ )1‬فففي انتظار نبوة محمففد‪،‬‬


‫سما فيفه‪ ،‬قبفل نزول الوحفي عليفه‪ ،‬سفمات‬ ‫وهمفا اللذان تو َّف‬
‫سخت الدعوة السفلمية أقدامهفا‪ ،‬نسفخت‬ ‫النبوَّة‪ .‬وبعفد أن ر َّف‬
‫الديانتين‪ :‬اليهودية والمسيحية‪ ،‬ودعت أتباعهما إلى اليمان‬
‫بالسلم‪.‬‬
‫انقسففم أتباع المسففيح‪ ،‬فففي القرون الثلثففة الولى مففن‬
‫ظهوره‪ ،‬إلى مائة عقيدة وعقيدة‪ .‬واضطرت الكنيسفففة إلى‬
‫أن تصفمها واحدة بعفد واحدة بالكففر(‪ .)2‬ولم يقفف المفر عنفد‬
‫هذه الحدود بل انقسمت الكنيسة أيضاً (‪ .)3‬ومنذ ذلك الحين‬
‫نصففبت الكنيسففة محاكففم التفتيففش لمحاكمففة الهراطقففة‬
‫(المرتديفففن عفففن المسفففيحية)‪ ،‬ولم يكفففن الهراطقفففة إلَّ‬
‫مسيحيون من مذاهب ل تنتمي إلى مذهب كنيسة روما‪.‬‬
‫وانقسفم أتباع محمفد‪ ،‬منفذ اللحظفة الولى لوفاتفه‪ ،‬وتفَّرق‬
‫المسفلمون إلى مفا يربفو عفن المائة والخمسفين فرقفة ففي‬
‫القرون الولى مففن ظهور الدعوة السففلمية‪ ،‬ووصففل بهففم‬
‫المففر إلى أن يتهموا بعضهففم البعففض الخففر بالرتداد عففن‬
‫السلم‪ ،‬فتقاتلوا وتذابحوا‪.‬‬
‫فففي بدايففة الدعوة المسففيحية كان المسففيح يأمففر أتباعففه‬
‫بالعمففل مففن أجففل التبشيففر بإله فففي السففماء‪ ،‬وعليهففم أن‬
‫يتحملوا كفل المصفاعب ففي سفبيل الدعوة لعبادتفه‪ ،‬ولو أدى‬
‫ذلك إلى اسفتخدام السفيف(‪ .)4‬ولمفا تفرقفت المسفيحية إلى‬
‫ل أتباع كفل عقيدة السفيف على أتباع‬ ‫العديفد مفن العقائد‪ ،‬س َّ‬

‫() القس هو ورقة بن نوفل‪ ،‬ابن عم خديجة بنت خويلد التي تزوجت‬ ‫‪1‬‬

‫محمد بن عبد الله بعد أن تأكدت من أنه يمتلك سمات النبوَّة وأنه هو‬
‫النبي المنتظر‪ .‬أما الراهب‪ ،‬فهو راهب بحيرا‪ ،‬من سكان بلد الشام‪،‬‬
‫سم بالنبي محمد سمات النبوة‪.‬‬‫وهو أول من تو َّ‬
‫() ديورانت‪ ،‬ول‪ :‬قصة الحضارة (م ‪ :)11‬م‪ .‬س‪ :‬ص ‪.291‬‬ ‫‪2‬‬

‫() م‪ .‬ن‪ :‬صص ‪.318 - 317‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪123‬‬ ‫البحث الرابع‬

‫العقائد الخرى‪ .‬فتحول المفر بالدفاع عفن الله ضفد أصفحاب‬


‫العقائد الوثنيفففة إلى القتال بيفففن أتباع الديانفففة المسفففيحية‬
‫أنفسهم‪.‬‬
‫وففي بدايفة الدعوة السفلمية كان الجهاد ففي سفبيل الله‬
‫هففو مففا يجمففع المسففلمين‪ ،‬ولمففا تعددت الفرق السففلمية‬
‫أخذت كفل واحدة تلقفي بتهمفة الكففر على الخرى‪ ،‬فتناسفى‬
‫المسففففلمون أنهففففم مأمورون بقتال الكفار والمشركيففففن‪،‬‬
‫وتحوَّل الجهاد ‪-‬فيمفا بعفد‪ -‬إلى جهاد كفل فرقفة إسفلمية ضفد‬
‫الفرق الخرى‪.‬‬
‫ولمففا أصففبحت صففورة أتباع الديانات السففماوية على تلك‬
‫الحال مففن الفرقففة‪ ،‬أصففبح مففن العسففير على أتباع الفرق‬
‫السففلمية أو المسففيحية أن يعيشوا بسففلم فففي ظففل دولة‬
‫دينية واحدة‪ ،‬لن أسباب الحتكاك بينهم جاهزة لتوقع بينهم‬
‫وتقودهفم إلى صفراعات ففي كفل لحظفة يحتكمون فيهفا إلى‬
‫عقائدهم الدينية أو حتى المذهبية؛ وما يحول دون وصولهم‬
‫‪-‬فففي أحيان كثيرة‪ -‬إلى حلول تحول دون صفراعاتهم‪ ،‬هفو‬
‫أن كفل فرقفة تحسفب أنهفا وحدهفا التفي تطب ّ ِفق شرائع‬
‫الله بالشكففففل الصففففحيح‪ ،‬دون غيرهففففا مففففن الديان‬
‫السماوية‪ ،‬أو المذاهب المتفرعة عنها‪.‬‬

‫خامسفاً‪ :‬الدولفة القوميفة الحديثفة جامع لثنيات‬


‫دينيفة ودينيفة مذهبيفة‬
‫يُعد ُّ القرن العشرون قرن ظهور القوميات‪ ،‬خاصففة بعففد‬
‫سفيادة مبدأ حفق تقريفر المصفير القومفي الذي أقَّره مؤتمفر‬
‫السففلم فففي العام ‪1919‬م‪ .‬وأصففبحت القوميففة فففي العالم‬

‫() جاء في العهد الجديد‪ :‬إنجيل متى‪ :‬الفصل العاشر‪ )34( :‬ل تظنوا‬ ‫‪4‬‬

‫أني جئت للقي على الرض سلماً‪ ،‬لم آت للقي سلما ً لكن سيفاً‪.‬‬
‫البحث الرابع‬ ‫‪124‬‬
‫الثالث ثورة مفن أجفل الكرامفة والنهضفة الحضاريفة ومحركاً‬
‫تحررياً (‪ .)1‬فمبدأ القوميات هفو المبدأ القائل بوجوب تجسفيد‬
‫كففل قوميففة بدولة تمثلهففا وبمؤسففسات سففياسية تعبِّر عففن‬
‫إرادتهفففا(‪ .)2‬والدولة العصفففرية‪ ،‬بنظفففر علم القانون‪» ،‬تؤلف‬
‫مجموعفة موحدَّة مفن السفلطات‪ ،‬ينبثفق عنهفا كيان قانونفي‬
‫وحداني‪ ،‬ويشت مل على جماعفة بشريفة ض من حدود إقليمية‬
‫محدودة‪ .‬لذا تفبرز عناصفر الدولة الثلث‪ :‬الجماعفة البشريفة‬
‫حدَة‪ ،‬والقليفم المحدَّد‪ ،‬والسفلطة السفيدة«(‪ .)3‬وبالتالي‬‫المو َّ‬
‫القانون الواحففد الذي يسففاوي بيففن شتففى إثنيات مواطنففي‬
‫الدولة الواحدة‪.‬‬
‫َ‬
‫فالدولة بمفهومها القومي حل ّت مكان نوعين من الدول‪،‬‬
‫وهمفا‪ :‬المفبراطوريات القديمفة‪ ،‬والدول الدينيفة‪ .‬كانفت كفل‬
‫منهما مفتوحة الحدود‪ ،‬وتكون حدودها حيث تصل جيوشها‪.‬‬
‫أما الدولة القومية‪ ،‬فأصبحت مرسومة الحدود‪ ،‬وتعترف بها‬
‫هيئات ومنظمات دولية‪.‬‬
‫كان مفن مهمات المفبراطوريات القديمفة أن تحتفل أكثفر‬
‫مفا يمكفن مفن الراضفي لكفي تغذ ّي ميزانياتهفا وتعَّزز مكانتهفا‬
‫القتصففادية‪ ،‬فتسففتطيع أن تجن ّففَد مففن الجيوش مففا يجعلهففا‬
‫ض جديدة‪ ،‬التفي تعنفي موارد اقتصفادية‬ ‫قادرة على فتفح أرا ٍف‬
‫جديدة‪ ،‬واكتساب قدرات عسكرية جديدة‪.‬‬
‫ومففن مهمات الدولة الدينيففة أن تص فدِّر دعوتهففا إلى كففل‬
‫مكان تستطيع إليه سبيلً‪ ،‬السبب الذي جعلها تُبقي حدودها‬
‫مفتوحففة مففن أجففل أن تنشففر الديففن الذي تؤمففن بففه‪ .‬وكان‬
‫() موسوعة السياسة (الجزء الرابع)‪ :‬م‪ .‬س‪ :‬بيروت‪1986 :‬م‪ :‬ط‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :1‬ص ‪.831‬‬
‫() م‪ .‬ن‪ :‬ص ‪.829‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ربَّاط‪ ،‬أدمون‪ :‬الوسيط في القانون الدستوري العام (الجزء‬ ‫‪3‬‬

‫الول)‪ :‬دار العلم للمليين‪ :‬بيروت‪1983 :‬م‪ :‬ط ‪ :3‬ص ‪.84‬‬


‫‪125‬‬ ‫البحث الرابع‬

‫التوسفع ففي الدولة الدينيفة يعنفي كسفب المزيفد مفن أتباع‬


‫الديفن الفاتفح‪ ،‬والمزيفد مفن كسفب القوة المؤهلة لفتوحات‬
‫بشريففة جديدة‪ ،‬وفتوحات جغرافيففة أوسفع‪ ،‬وكسففب المزيفد‬
‫مفففففن عوامفففففل القوة على صفففففعيد الفراد والمكانيات‬
‫القتصادية‪.‬‬
‫ولمفا كانفت أحوال المفبراطوريات ففي التاريفخ على ذلك‬
‫المنوال‪ ،‬وهففي الحال ذاتهففا للمففبراطوريات الدينيففة‪ ،‬مففع‬
‫متغيرات ففي الهداف مفن دون أي تغييفر ففي الوسفائل‪ ،‬إلَّ‬
‫أن المفر مفع الدولة القوميفة قفد تغي َّفر‪ .‬أمفا المتغيرات التفي‬
‫حصففلت على صففعيد الدولة القوميففة فقففد أصففابت الهداف‬
‫والوسففائل‪ .‬فعلى صففعيد الحدود‪ ،‬فقففد أغلقتهففا التفاقيات‬
‫الدوليففة تباعاً‪ ،‬منففذ الحرب العالميففة الولى‪ .‬وأعطففت تلك‬
‫التفاقيات ضمانات دوليففة‪ ،‬فمنعففت ‪-‬بعففد ذلك التحول‪ -‬أي‬
‫اعتداء تقوم بفففه دولة مففففا على الحدود الجغرافيفففة لدولة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫لقففففففففد أفرز قيام حدود للدولة القوميففففففففة متغيرات‬
‫ديموغرافية‪ ،‬وأصبح التركيب الديموغرافي لمواطني الدولة‬
‫الجديدة شبفه ثابفت‪ .‬ومفا يميزه عفن التركيفب الديموغراففي‬
‫للمبراطوريات الكبرى‪ ،‬وكذلك للمبراطوريات الدينية‪ ،‬هو‬
‫أن الحدود المفتوحفة لهفا كانفت تُحدث ‪-‬باسفتمرار‪ -‬متغيرات‬
‫على التركيفب الديموغراففي لي منهمفا‪ .‬فمفا دامفت الحدود‬
‫م شعوب أخرى‪ ،‬مففن‬ ‫مفتوحففة أمام الغزو كان يقتضففي ض ّففَ‬
‫إثنيات دينيففففة أو إثنيات قوميففففة‪ .‬وعندمففففا تخسففففر تلك‬
‫المبراطوريات جزءًا من الراضي التي كانت تضمها إليها‪،‬‬
‫يحصل نقص في التركيب الديموغرافي للسكان من حيث‬
‫النتماء الديني أو العرقي‪ .‬أما في الدولة القومية الحديثة‪،‬‬
‫بعفد أن أُغل ِفقت حدودهفا‪ ،‬فقفد أصفبح التركيفب الديموغراففي‬
‫لمواطنيهفا شبفه ثابفت‪ ،‬بمعنفى أن الثنيات الدينيفة والقوميفة‬
‫البحث الرابع‬ ‫‪126‬‬

‫أصبحت من سمات التركيبة الديموغرافية شبه الثابتة لتلك‬


‫الدولة‪ .‬وبعفد أن كانفت الدولة الدينيفة تحكفم مواطنيهفا على‬
‫أسفاس شرائعهفا الخاصفة‪ ،‬فقفد عملت الدولة القوميفة على‬
‫إيجاد قوانيفففففن وتشريعات مو َّ‬
‫حدَة تسفففففاوي بيفففففن كفففففل‬
‫المواطنين‪.‬‬
‫أدَّت تلك المتغيرات إلى إعادة النظفر بكثيفر مفن المور‪،‬‬
‫ويأتفففي موضوع الدفاع عفففن الدولة القوميفففة مفففن أهفففم‬
‫المتغيرات التفي علينفا أن ننظفر إليهفا بمنظار جديفد ومعاصفر‬
‫يتناسففب مففع المتغيرات الجديدة التففي طالت حدود الدولة‬
‫وشرائعهففا‪ .‬فكيففف نؤسففس لمفاهيففم جديدة حول موضوع‬
‫الجهاد من أجل الدولة القومية الحديثة؟‬

‫سادسفاً‪ :‬ل يحقق الجهاد‪ ،‬بأهدافه ووظائفه الدينية‪،‬‬


‫وحدة الدولة القومية الحديثة‬
‫أ‪-‬أهداف الجهاد ووسفائله الدينيفة قتال كفل جماعفة دينيفة ففي‬
‫سبيل الله الذي تؤمن به‪:‬‬
‫يقاتفل اليهودي‪ ،‬إذا كانفت أهداففه دينيفة يهوديفة‪ ،‬مفن أجفل‬
‫بقاء جماعتففه وحدهففا‪ ،‬ومففن أجففل إله اليهود وحده‪ .‬فينحاز‪،‬‬
‫صب لهما‪ ،‬سواء كانت الدولة التي تحكمه يهودية ‪-‬كما‬ ‫ويتع َّ‬
‫ففي السفابق والعصفر الراهفن‪ ،-‬أو كان يخضفع لنظام الدولة‬
‫القومية الحديثة‪ .‬وهذا تحقيق لمن جماعته الدينية وموالة‬
‫لهفا مفن جهفة‪ ،‬وخيانفة للجماعات القوميفة التفي يعيفش معهفا‬
‫في الدولة القومية التي تجمعهم معا ً من جهة أخرى‪.‬‬
‫ويقاتفل المسفيحي‪ ،‬إذا كانفت أهداففه دينيفة مسفيحية‪ ،‬مفن‬
‫أجل بقاء جماعته وحدها‪ ،‬ومفن أجل إله المسيحيين وحده‪،‬‬
‫فينحاز ويتع ّففَ‬
‫صب لهمففا‪ ،‬سففواء كانففت الدولة التففي تحكمففه‬
‫‪127‬‬ ‫البحث الرابع‬

‫مسففيحية‪ ،‬أو كان يخضففع لنظام الدولة القوميففة الحديثففة‪.‬‬


‫وهذا تحقيفق لمفن جماعتفه الدينيفة وموالة لهفا مفن جهفة‪،‬‬
‫وخيانة لمن الجماعات القومية والدينية الخرى التي يعيش‬
‫معهفا ففي الدولة القوميفة أو الوطنيفة التفي تجمعهفم معا ً مفن‬
‫جهة أخرى‪.‬‬
‫ويقاتفل المسفلم‪ ،‬إذا كانفت أهداففه دينيفة إسفلمية‪ ،‬مفن‬
‫أجفل بقاء جماعتفه وحدهفا‪ ،‬ومفن أجفل إله المسفلمين وحده‪،‬‬
‫صب لهمففا‪ ،‬سففواء كانففت الدولة التففي تحكمففه‬ ‫فينحاز ويتع ّففَ‬
‫إسلمية‪ ،‬أو كان يخضع لنظام الدولة القومية الحديثة‪ .‬وهذا‬
‫تحقيفق لمفن جماعتفه الدينيفة وموالة لهفا مفن جهفة‪ ،‬وخيانفة‬
‫لمفن الجماعات القوميفة والدينيفة الخرى التفي يعيفش معهفا‬
‫ففي الدولة القوميفة أو الوطنيفة التفي تجمعهفم معا ً مفن جهفة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫ومففا ينطبففق على التعصففب الدينففي‪ ،‬ينطبففق‪ ،‬أيضاً‪ ،‬على‬
‫التعصب المذهبي‪ .‬فالصراع بين الديان‪ ،‬ينتقل إلى الصراع‬
‫بيفن المذاهفب التفي تتفرع عفن الديفن ذاتفه‪ .‬وقفد أصفبحت‬
‫المذاهفففب هفففي بمثابفففة الديفففن التفففي يتديفففن بتعاليمهفففا‬
‫المتمذهبون‪.‬‬
‫يت َّففق أتباع الديان‪ ،‬إذا كانفت أهدافهفم وأهواءهفم دينيفة‪،‬‬
‫حول جامفع مشترك هفو ولؤهفم لديانهفم وآلهتهفم الخاصفة‬
‫ويلتزمون بالدفاع عنهفا‪ .‬وهذا يلزمنفا بالتسفاؤل‪ :‬إذا خاضفت‬
‫الدولة القوميفة الحديثفة التفي ينتسفبون إليهفا حربا ً ضفد دولة‬
‫قوميفة أخرى‪ ،‬أيفن تقفف القليفة الدينيفة أو المذهبيفة؟ فهفل‬
‫تأخفذ موقفع الدفاع عفن قوميتهفا حتفى لو كانفت الكثريفة فيهفا‬
‫تنتمفي إلى ديفن آخفر‪ ،‬أم أنهفا تنحاز إلى دينهفا أو مذهبهفا ضفد‬
‫قوميتها؟‬
‫البحث الرابع‬ ‫‪128‬‬

‫ب‪-‬أهداف الجهاد ووسففائله المذهبيففة قتال كففل مذهففب أو‬


‫فرقة دينية في سبيل تعاليمها المذهبية التي تؤمن بها‪:‬‬
‫تلعفب المذهبيفة الدينيفة دورا ً مماثل ً مفن ناحيفة التعصفب‬
‫للمذهففب‪ ،‬ول يتوَّرع المتمذهبون مففن الوقوف إلى جانففب‬
‫أبناء مذهبهفم ففي أيفة حرب بيفن دولتيفن تديفن كفل منهمفا‬
‫بمذهفب مغايفر لمذهفب الدولة الخرى‪ .‬ويعنفي هذا الموقفف‬
‫نصفرا ً لجامعفة المذهفب على جامعفة الديفن أو القوميفة‪ .‬وهذا‬
‫يعنفي‪ ،‬أيضاً‪ ،‬أنفه لكفي تحاففظ القليفة المذهبيفة على المبدأ‬
‫الدينفي القاضفي بأن يكون المؤمنون أخوة فعليهفا أن تنصفر‬
‫أبناء دينهففا أو مذهبهففا‪ ،‬لكنهففا فففي المقابففل ترتكففب خيانففة‬
‫لرابطة المواطنية الواحدة في الدولة القومية الحديثة‪.‬‬
‫مففن خلل ذلك الواقففع‪ ،‬نرى أن أولويففة رابطففة الديففن أو‬
‫رابطففة المذهففب‪ ،‬هففي الرابطففة التففي تدفففع المتمذهففبين‬
‫والمتعصبين دينيا ً إلى خيانة أبناء قوميتهم ‪ /‬دولتهم في أية‬
‫حرب يرون فيهفففا أن عليهفففم أن ينصفففروا أبناء دينهفففم أو‬
‫مذهبهم في الدولة ‪ -‬العدو‪ .‬وهذا يعني تفسخا ً جديدا ً وتفتتاً‬
‫جديدا ً وتصارعا ً جديدا ً بين أتباع الثنيات الدينية والمذهبية‪.‬‬

‫سابعفاً‪ :‬في نتائج البحث‬


‫نحو رؤيفة معاصرة لهداف الجهاد ووظائففه‬
‫حيث إن بناء الدولة القومية يتميَّز بالثبات‪ .‬وحيث إن كل‬
‫الكيانات القوميفة الحديثفة تتركفب مفن إثنيات دينيفة ومذهبيفة‬
‫َ‬
‫متعددة‪ ،‬وقل ّفففما تجفففد دولة حديثفففة ل تتميفففز بمثفففل تلك‬
‫التعدديات‪ .‬وحيففث إن العصففبية الدينيففة أو المذهبيففة تأمففر‬
‫‪129‬‬ ‫البحث الرابع‬

‫بالدفاع عفن أبناء الديفن الواحفد أو المذهفب الواحفد‪ ،‬فسفوف‬


‫يبقفى المتمذهبون‪ ،‬أو المتعصفبون دينياً‪ ،‬أسفرى أوامفر دينيفة‬
‫إلهيفة تأمرهفم بأن يقاتلوا الجار القريفب مفن غيفر دينهفم أو‬
‫مذهبهفم ففي سفبيل نصفرة أبناء دينهفم أو مذهبهفم البعديفن‪.‬‬
‫إن هذه الحقيقفة تحوِّل سفاحة الدولة القوميفة الحديثفة إلى‬
‫سفاحة للصفراع بيفن أبناء الديان المختلففة أو مذاهبهفا‪ .‬وهذا‬
‫مصففدر دائم لتفسففخ المجتمعات القوميففة وتفتتهففا‪ ،‬ومنففع‬
‫لنصففهار المواطنيففن فففي داخففل دائرة مجتمعيففة وقانونيففة‬
‫واحدة‪ .‬وفي المقابل نرى أنه من المستحيل أن يتحوِّل أي‬
‫مجتمع واحد إلى انتماء ديني أو مذهبي واحد فيجمعان معاً‬
‫وحدة الولء للديفن أو للمذهفب مفع وحدة الولء للقوميفة أو‬
‫الرابطفة المجتمعيفة الواحدة‪ .‬فمفن مثفل تلك الحالة ترتففع‬
‫بحدة إشكاليففة الصففعوبة فففي أن يكون الجهاد فففي أهدافففه‬
‫ووسائله الدينية عامل ً يرتقي بالمجتمع القومي إلى مصاف‬
‫الوحدة‪.‬‬
‫واسفففففففتنادا ً إلى تلك النتائج ل بُد َّ مفففففففن أن تكون هذه‬
‫حة‪ ،‬لتوضفع أمام أولي المفر الذيفن‬ ‫الشكاليفة أسفاسية‪ ،‬ومل ِف َّ‬
‫يمثلون أديانهفم أو مذاهبهفم فيعطونهفا الهميفة التفي تسفتحق‬
‫مففن أجففل وضففع حلول جذريففة يحسففمون فيهففا الجدل أمام‬
‫أتباعهفففم ليضعوا لهفففم سفففبل الخلص مفففن ويلت التمزق‬
‫النفسي التي يحدثها غياب حسم مسألة لمن تكون الولوية‬
‫فففي الولء‪ :‬أهففي للديففن أو للقوميففة؟ أم هففي للديففن أم‬
‫للمذهب؟ أم هي للمذهب أم للقومية؟‬
‫أما نحن فنرى أن الولء للقومية ذات الحدود الثابتة‪ ،‬مع‬
‫التعدديففة الديموغرافيففة الدينيففة والمذهبيففة‪ .‬الولء للقوميففة‬
‫ذات القانون الواحففد الذي يحكففم كففل تلك الثنيات بالعدل‬
‫والمسفاواة مفن حيفث الحقوق والواجبات هفو مفا يجعفل مفن‬
‫البحث الرابع‬ ‫‪130‬‬

‫حدة‪ ،‬تتكافففل وتتضامففن‬‫المجتمعات الحديثففة مجتمعات مو َّ‬


‫فففي سففبيل الدفاع عففن دولهففم ‪ /‬قومياتهففم‪ ،‬فيتسففاوون‬
‫منه دولهم ويتساوون بدفع الغرم‬ ‫بالفائدة من الغنم الذي تؤ ّ‬
‫ففي الدفاع عنهفا‪ .‬ومفن هنفا نكون قفد قمنفا بالبدء في صفياغة‬
‫معاصفرة لهداف الجهاد ووسفائله‪ ،‬أي بالنتقال مفن أهداف‬
‫الجهاد ووسفائله الدينيفة إلى صفياغة أهداف ووسفائل قوميفة‬
‫له‪.‬‬
‫تلك النتائج التفي أملتهفا علينفا ظروف العصفر ومتغيراتفه‪،‬‬
‫منفذ نشأة الدولة القوميفة ففي العصفر الحديفث‪ ،‬ل تلغفي أن‬
‫يكون للعامل الروحي دور فعَّال في مسألة الدفاع ‪ /‬الجهاد‬
‫ففي سفبيل حمايفة الكيان القومفي للرض والنسفان‪ ،‬وحمايفة‬
‫معتقدات أبنائه أيا ً كانفففت اتجاهاتهفففم الدينيفففة‪ .‬وففففي هذا‬
‫المجال يبقففى للعامففل الدينففي‪ ،‬بمعنففى القيففم الخلقيففة‬
‫والنسانية‪ ،‬بمراميها في العدالة والمساواة بين البشر من‬
‫جهفة ومنفع الطغيان والسفتغلل مفن جهفة أخرى‪ ،‬دور مهفم‬
‫جدا ً فففي توليففد روح التضامففن بيففن أبناء الدولة القوميففة‬
‫الواحدة‪ ،‬بما يعتنقونه من ديانات مختلفة ومذاهب متشعبة‬
‫عنهففا‪ ،‬بحيففث ينففبري الجميففع للدفاع عففن قيمهففم الدينيففة ‪/‬‬
‫الروحيففة الجامعففة بينهففم‪ ،‬وللدفاع عففن قيمهففم القوميففة‬
‫المشتركفة الناتجفة عفن انتمائهفم إلى قوميفة واحدة ففي ظفل‬
‫نظام سففففياسي ضامففففن لحقوقهففففم وواجباتهففففم بالعدل‬
‫والمساواة‪.‬‬
‫ويبقفى التسفاؤل الخيفر‪ :‬هفل يمكفن أن ننسفخ كفل مفا أتفت‬
‫به الديان من أهداف الجهاد وأساليبه؟‬
‫ل شففك بأن كففل الديان‪ ،‬عندمففا دعففت إلى الجهاد فففي‬
‫سففبيل الله‪ ،‬كانففت ترى أن دعوتهففا تعمففل مففن أجففل هدف‬
‫‪131‬‬ ‫البحث الرابع‬

‫إنسفاني‪ ،‬وهفو هدايفة البشفر إلى طريفق للخلص ففي الدنيفا‬


‫والخرة‪ .‬فالديان‪ ،‬هنفا‪ ،‬كانفت ذات أهداف إنسفانية سفامية‪،‬‬
‫وهففي تحسففب أن طريففق الخلص لن يأتففي إل َّ مففن خلل‬
‫تعاليمها الخاصة بينما ل يمكن أن يتحقق الخلص من خلل‬
‫الدعوات الخرى‪ ،‬سواء كانت ذات مصادر إلهية أو وضعية‪.‬‬
‫وبهذا تكون الديان السفماوية‪ ،‬بشكفل خاص‪ ،‬قفد اتَّفقفت‬
‫حول أهدافهفا مفن الجهاد المتمثفل بفرض القيفم النسفانية‪.‬‬
‫واختلفففت حول وسففائل فرض تلك القيففم تحففت ذريعففة أن‬
‫سمت بأوامففر إلهيففة‪ ،‬أمففا وسففائل‬
‫وسففائلها‪ ،‬لوحدهففا‪ ،‬قففد ُر ِف‬
‫الخرين فهي ليست كذلك‪.‬‬
‫سوف تبقى كل دعوة تحسب أنها‪ ،‬وحدها‪ ،‬تعرف طريق‬
‫خلص البشريفة لنهفا تمثفل الجانفب اللهفي‪ .‬والمفر كذلك‪،‬‬
‫فسففيف تكفيففر الخريففن سففوف يبقففى مسففلول ً على رقاب‬
‫البشفففر‪ .‬ولن تسفففتطيع الديان أن تتواففففق إل َّ إذا أعلنفففت‬
‫اتفاقهففا حول العتراف بأن المبادئ النسففانية العامففة ثابتففة‬
‫وتحوز على قدسففيتها مففن خلل الجماع عليهففا‪ ،‬فسففاعتئذٍ‬
‫تعترف كفل جماعفة دينيفة للخرى بأن مبادئهفا ليسفت موقفع‬
‫خلف‪ .‬أمفا طريفق الوصفول إليهفا‪ ،‬وهفو المتغيفر‪ ،‬فيمكفن أن‬
‫تنتففي صففة القدسفية عنهفا‪ .‬وتأتفي مسفألة الجهاد‪ ،‬كوسفيلة‬
‫متغيرة وغيففر ثابتففة‪ ،‬كإحدى تلك القضايففا التففي على أتباع‬
‫شتى الديان أن يضعوها في موقعها الصحيح‪ .‬فالذي يقاتل‬
‫من أجل حماية المبادئ والقيم العليا‪ ،‬ومنها الرض الوطنية‬
‫والقومية‪ ،‬يكون كمن يجاهد في سبيل الله‪ ،‬لنه يجاهد من‬
‫أجفل انتصفار تلك المبادئ النسفانية العامفة التفي هفي وحدهفا‬
‫قيم إلهية مقدَّسة‪.‬‬
‫البحث الرابع‬ ‫‪132‬‬

‫***‬

You might also like