You are on page 1of 14

‫‪www.ikhwan-info.

net‬‬

‫تقريرميداني‬

‫حين يبلغ الداعية أشده ‪ ،‬ويبلغ أربعين سنة ‪ :‬يبدأ بفهم الحياة حقا ‪ ،‬وليس قبل ‪ ،‬ويرى قسمه ال تعالى العقول والهمم والقلوب‬
‫والنفوس والخلق على الناس والدعاة كق سمته الرزاق ‪ ،‬ويبدأ و عي ب عض سر الحك مة الربان ية وجريات ها وأ سترسالها‪ ،‬ورؤ ية‬
‫قرائن الخبر والشر في القدار ‪ ،‬وتكون له عين نافذه تمنحه موازين بصائر وفكرا حرائر‪.‬‬
‫إنه طول اليام ‪ .‬وتوسع المراقبة ‪ ،‬وتكرر الشخاص ‪ ،‬وتنوع التجريب ‪ ،‬ينقل الداعية إلى نظر جديد ليس بملكه الشاب‬
‫المبتدئ ‪ ،‬بل ول الذي تو غل المنت صف ويقت نع حينذاك بوجوب ترك الحديات الجاز مة‪ ،‬والعاطفيات الحالة‪ ،‬وال فا تونيات الجامدة‪،‬‬
‫ليستبدلهن بقلب كبير رحب الرجاء يستوعب كل من هنالك ‪ ،‬فيمد كف المصافحة ‪ ،‬ليس أصبع التهام ‪ ،‬ويتبع سد الذريعة ‪ ،‬ل‬
‫السن بالسن ‪ ،‬ويعرف نيل سبق الرحمة الغضب‪.‬‬
‫أهلها ‪ :‬شجاع ومنسحب ‪ ،‬وكريم ومحاسب ‪ ،‬وذكي وبطئ ‪ ،‬ومبتكر ومقلد ‪ ،‬وطموح ومشتد ‪ ،‬وصبور وجزع فهم‪ :‬متعب‬
‫وسعيد ‪ ،‬ول هث ونائل‪ ،‬فهم ثانية ‪ :‬معين ومستعين‪.‬‬
‫ووا جب ق بل الع ين أن ي سمع كل هؤلء ‪ ،‬وأن يع ين أ هل العا نة على إتمام اح ساتهم ‪ ،‬وأن ير فق بالمح ضر المحدود ‪،‬‬
‫والمهموم الحائر‪ ،‬بينهما على اجتياز الحدود والسرة ‪ ،‬والقتباس ممن فضله ال بالعلم والمكارم تفضيل‪.‬‬
‫الصواب يقال له‪ :‬صواب ‪ :‬والخطأ ‪ :‬خطأ‪..‬‬
‫يقالن تربيبة وتعليمبا وإرشادا ‪ ،‬ليكون الموفبق اللحبق‪ ،‬إذا يصبل‪ -‬قرة عيبن للعيان ‪ ،‬وسببب سبرور للسبابقين ‪ ،‬ببه‬
‫يانسون ‪ ،‬وبوصله يبرهنون على أن سنة السير ماضية ‪ ،‬ولئن أ؛جم فاتر فتوقف فن لغيره الوثبات‪.‬‬
‫ميزهم عبد القادر الكيلني رحمه ال ‪ ،‬ورأي كيف‪:‬‬
‫( يصفطون على أهاليهم ‪ ،‬وأهل زمانهم‪ ،‬تتميز معانيهم‪ ،‬وتتنور مبانيهم ‪ ،‬ولهذا فارقوا الخلق‪ ،‬وزهدوا في المألوفات‪.‬‬
‫ساروا إلى قدام)‪-‬‬
‫وهم الذين يحبهم ال تعالى ‪ ،‬ويأمر ملئكته أن ينادوا في الناس أني أحببتهم فأحبوهم‪.‬‬
‫* نبض ومض ‪ ...‬يحددان هويتنا‬
‫وعلى طرف أر‪ :‬ثبم نقيبض ل يتمبس له المقاببل ‪ ،‬لن شخصبية الداعيبة إنمبا هبي هببة مبن ال تعالى‪ ،‬يهبب مبن يشاء‬
‫الشخصبية المحبوببة‪ ،‬ويجعبل الناس والدعاة فبي فتور وصبدود عبن آخريبن‪ ،‬ورب داعيبة نعاشره فنجبد أبعاد تصبرفاته وأخلقبه‬
‫وأذواقه دقيقه حتى السنتيمتر ‪ ،‬بل حتى الملي سنتيمتر‪ ،‬لكنه ثقيل الظل ل تألفه النفوس‪ ،‬وكأن النية هي التي تميز عمل هذا عن‬
‫هذا في روع المقابل النظائر المعامل‪ ،‬بعد إذ استويا في الظاهر ‪ ،‬ثم يزداد التمييز دقة ‪ ،‬فيشهد قلبك أن شخصا ينتصب أمامك فجأة‬
‫هو من الدعاة ‪ ،‬ولربما تكلم بكلمة واحدة أو لم يتكلم ‪, ،‬أخر يحفظ رسائل المام وتجزم بأنه غرب دخيل‪.‬‬
‫وطلب قاصد لحدى المدن مرة عنوان عين من أهلها يأنس به‪ ،‬فلم يعط‪ ،‬حذرا ‪ ،‬فوصلها بسيارته مساء يتلفت ‪ ،‬ووقف‬
‫عند شاب ينتظر سيارة‪ ،‬يسأله عن مركز المدينة ‪ ،‬فقال الشاب ‪ :‬أركب معك أدل وأصل إلى بغيتي‪ ،‬فكر فقال ‪ :‬سبحان الذي سخر‬
‫لنا هذا وما كنا له مقرنين‪ ،‬فقال له القادم‪ :‬يسلم عليك أو فلن ‪ ،‬فقال ‪ ،‬وعليك السلم وعليه ‪ ،‬فتفرسا‪ ،‬فالتفت الومضتان ‪ ،‬فكانتا‬
‫أقوى من ليزر‪! ..‬‬
‫هو كذلك أمرنا‪ :‬طابع ل يقلد ‪ ،‬ونمط ل يحاكي ‪ ،‬وهو أشبه بظاهرة المروءة لما سأل عنها سائل ‪ ،‬فقيل ‪،‬له تؤخذ معاملة‬
‫ول تؤخذ نطقا‪.‬‬
‫فمعنى " الدعاة" ل يوصف ول تفصح عنه الكتب‪ ،‬مع أن ألفاظ المعرفين قاربت‪ ،‬وإنما حقيقتهم الدقيقة أنهم ( روح يسرى‬
‫فبي هذه المبة) كمبا وصبفهم المام‪ ،‬وللروح نبضات‪ ،‬أو ‪ :‬هبم سبمت ونفبس‪ ،‬وذوق ونسبب‪ ،‬وترعبف هذه الروح مبن التجارب‬
‫والمخال طة وق صص العيان العيان أك ثر م ما تعرف ها من المدونات وال سطر‪ ( ،‬ولذلك كا نت ك تب ال ستاذ عباس ال سيسي أ صدق‬

‫‪1‬‬
‫‪www.ikhwan-info.net‬‬

‫كتب في وصف الدعوة ومعناها‪ ،‬وأقربها إلى الدقة ‪ ،‬وأعلها عاطفة ‪ ،‬لنها تتحدث عن يوميات وأمور صغيرة من سيرة الدعاة‬
‫تكشبف عبن الحقيقبة الكببيرة والهويبة الفذة المسبتقلة ‪ ،‬وتجدهبا هبي هبي بمصبر أو العراق ‪ ،‬وبالخليبج أو الجزائر)‪ .‬ولذلك فإن‬
‫إندساس الغريب داخل الجماعة صعب غاية الصعوبة‪ ،‬وتشكل مسحة الدعاة الخاصة أصارير وجهوهم ‪ ،‬ونبرات أصواتهم‪ :‬علمة‬
‫مسجلة هي في الحقيقة أهم صمام أمني واحتياط وقائي ‪ ،‬وصدقهم الفريد هو كلمة سرهم‪ ،‬وومضة عيونهم هي جواز مرورهم)‪.‬‬
‫حتى لو أن شأبا أخاهم أول شبابه شهورا‪ ،‬ثم غلبته شهوته فانغمس ‪ ،‬فإن بقية من طهرهم تبقى تحكم حركاته ولو بعد عشرين‬
‫سنة من بعده عنهم‪ ،‬رغم فجوره ‪ ،‬ويكون الفاجر التقي ‪ ،‬ولرما رده الحليب الحر ‪ ،‬فيعقله الحياء عن إعلن العودة‪ ،‬فيبعث أولده‬
‫يستعيد تاريخه بهم‪ ،‬ويتذكر النفاس‪.‬‬
‫الرزاق الصافية ‪ ...‬لقلوب عالية ‪...‬‬
‫وال يجزي كل بني ته ‪ ،‬وجزءا الح سان عنده‪ ،‬الح سان ‪ ،‬والرزق ‪ ،‬والتي سير ‪ ،‬ورا حة البال‪ ،‬و سكينة الن فس ‪ ،‬و ما بذل‬
‫أحد بذل إل عوضه ال تعالى في الدنيا قبل الخرة‪ ،‬ولقد رأينا دعاة نكلفهم ‪ ،‬ونطلب منهم التفرغ للغة ‪ ،‬أو القناعة بوظيفة دون‬
‫أخرى أقرب لسباحة العمبل‪ ،‬أو يصببرون أنفسبهم ‪ ،‬وهبم مبن تلقاء أنفسبهم‪ -‬على ثغرة يربطون عليهبا‪ ،‬فيعلم ال منهبم التجرد‪،‬‬
‫فيعوضهم خيرا مما لو كانوا استجابوا للحساب الدنيوي الظاهر‪.‬‬
‫منهم دال ية نال الدكتورة في الهند سة في جام عة أمريك ية راقية‪ ،‬وأما مه من فذ لتدر يس جامعي في الخل يج برا تب ض خم‪،‬‬
‫فيرشح للتفرغ لنشر الدعوة فيهم ‪ ،‬فيلبي ‪ ،‬فيعوضه ال بوظيفة في ساحة عمله ل تشغله غير يومين ‪ ،‬ويضعف ما رضي به أولً‪.‬‬
‫وآخر تحجز له وظيفة في المنامة‪ ،‬وهو من حملة الماجستير‪ ،‬ويشجعه أصحاب له‪ ،‬وينتظرونه ‪ ،‬فنقول له‪ :‬المنامة تنيم‬
‫القلوب‪ .‬وبيشاور توقظهبا‪ .‬وهبي تهببط بالهمبم ‪ ،‬وبيشاور تعليهبا ‪ ،‬فيزيبد إلى خطوتبه خطوة أخرى فقبط‪ ،‬فإذا هبو بأجواء الجهاد‬
‫يسرح ‪ ،‬ويقرب المجاهدين يمرح‪ ،‬وراتبه النقي ليس أقل من الراتب المكدر‪.‬‬
‫ومتجردان على حدود خراسان‪ ،‬يبيعان المشاط على منضدة في مدخل سوق ‪ ،‬ليس غير فيكون رزق كل منهما ثلثة‬
‫أمثال راتب الموظف الجامعي هنا‪ ، :‬فمن ال نعمه ‪ ،‬وممن خلفهم دعاء ‪ ،‬ومن الرافعي تحليل لمثل حالهم‪ ،‬حيث اكتشف‪.‬‬
‫إن الشياء الكثيرة ل تك ثر في الن فس المطمئ نة‪ .‬وبذلك تع يش الن فس هادئة م ستريحة كأن ل يس في الدن يا إل أشياؤ ها‬
‫الميسرة‪ ،‬أ ما النفوس المضطربة بأطماعها وشهواتها فهي ال تي تبتلى بهموم الكثرة الخيالية‪ .‬ومثلها في الهم م ثل طفيلي مغفل‪،‬‬
‫يحزن لنه ل يأكل في بطنين)(‪. )1‬‬
‫إن هذه القصص تنهض برهانا وافيا على خطا ما يعتقده البعض من أن أرضا ما هي مكان المال والشرف من دون أرض‬
‫ال الواسعة‪ ،‬ولم يفطن هؤلء إلى تبدل المعادلة ‪ ،‬لهبوط أسعار النفط‪ ،‬أو البورصات‪ ،‬أو الحتيال على البنوك ‪،‬كما لم يعلموا خير‬
‫تب من يسكن أرض الموال ‪ ،‬وأنها معسكر عمل ضخم فحسب يستهلك العواطف ‪ ،‬ويمتص رطوبة القلوب حتى يتركها أليافا ذابلة‬
‫‪ ،‬حتى ليكاد المرء يذهل عن أصله ‪ ،‬وينسى الحنين إلى فصله‪..‬‬
‫ثبم هي برهان على وهبم من ي ظن الغرب بديل‪ ،‬ح يث جيرانبك الن صارى ‪ ،‬وح يث ل تلتبذ الذن بأذان‪ ،‬ول يتقبن أولدك‬
‫العربية ‪ ،‬وتخاف عليهم النحراف‪.‬‬
‫أمبا أن بعبض الدعاة سبكن الغرب أو أرض الموال فتلك توزيعات المقدر ل تمنعهبا ‪ ،‬إنمبا تعيبب الحرص على سبكانهما‪،‬‬
‫وال ستقتال في ذلك وجعله ما منت هى الما ني ‪ ،‬فوق أن من سكنهما ب ين مرت بط بعلقات إ سلمية ناف عة ل يس من م صلحة الدعوة‬
‫إنفكاكه عنها‪ ،‬أو تشابكت حياته بقضايا قانونية واجتماعية ليس من السهل النسلل منها ‪ ،‬ثم هي مصدر تمويل خيري ‪ ،‬ومن‬
‫التكلف المصطنع أن تفتعل نقل داعية مسترسل في حياته ووظيفته ورزقه بحجة قسوة المحيط ‪ ،‬ولكن نصيحة غير المتورط بعد‪:‬‬
‫أمر آخر‪.‬‬

‫‪ - 1‬وحي القلم ‪.1/33‬‬

‫‪2‬‬
‫‪www.ikhwan-info.net‬‬

‫وما نظن نصيحتنا هذه بدعة ‪ ،‬بل الوقاية من آثار المال النفسية هي سبيل قديم للمؤمنين ‪ ،‬وسنة من سننهم نحاول أن‬
‫تحببها وكان الحسن البصري‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬يقسم ويقول‪:‬‬
‫( وال ل قد أدر كت أقوا ما لو شاء أحد هم أن يأ خذ هذا المال من حله‪ :‬أخذه فيقال ل هم ‪ :‬إل تأتون ن صيبكم من هذا المال‬
‫فتأخذونه حللً ؟ فيقولون ل ‪ ،‬إنا نخشى أن يكون أخذه فسادا لقلوبنا) (‪.)1‬‬
‫وجعل ابن الجوزي ذلك رأس القواعد اليمانية ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫القناعة بما يكفي ‪ ،‬وترك التشوف إلى الفضول ‪ :‬أصل الصول)‪.‬‬
‫ثم قال‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫( والعز ألذ من كل لذه ‪ ،‬والخروج عن ريقه المنن ولو يسف التراب أفضل)‬
‫‪‬أساتذة الزهد الجديد‬
‫و من الم صطفين الذ ين رآ هم الكيل ني يمشون إلى قدام‪ :‬ن فر من رهط نا نبلء أم نا ‪ ،‬يكاد الم ير يخلي مكا نه ل هم لو ل‬
‫الشروط ‪ ،‬وبهم نفخر‪.‬‬
‫من هم داع ية من ب ين جاه ومال ‪ ،‬ورباه الدلل ‪ ،‬وكان يح صل كل ش هر على ألف دينار من الحلل‪ ،‬ثم ها جر ‪ ،‬وتشرد‬
‫وافت قر‪،‬وو جد نف سه فجأة ولي أ مر عدد من المهاجر ين ‪ ،‬يرعا هم ويقت سم مع هم رغي فه ويشرب من بعد هم وشل هم ‪ ،‬فيقلق حاله‬
‫الضلء ‪ ،‬فيشفعون له لدى رجال العمال‪ ،‬ثم يدعونه إلى رحيل حيث تنتظره وظيفة جيدة ‪ ،‬فيأبى ‪ ،‬ويختار المرابطة مع إخوانه‪،‬‬
‫يربيهم‪ ،‬صابرا على البتلء ‪ ،‬والنجيبة معه محتسبه‪.‬‬
‫فكذلك اليثار يكون ‪ ،‬وهو طريق الخرة صفاء كله ‪ ،‬وإنما يذوق حلوته حر مثل هذا جعل دنياه وراء ظهره‪.‬‬
‫* ( سعي الحرار في الدنيا يكون لخوانهم ل لنفسهم )‪.‬‬
‫ول در شهم آخر ‪ ،‬يخرج من الموصل‪ ،‬فيقطع جبال ثلثين‪ ،‬وقفارا سبعة‪ ،‬ونصف طريقة خطو على قدميه ‪ ،‬حتى يستقر‬
‫مع المجاهدين في الميدان وراء كابل ‪ ،‬ويتزوج فيهم‪ ،‬ويلقنهم مبادئ ‪ ،‬الدعوة وفكرها ‪ ،‬ويرسل يطلب من إخوانه كتبا دعوية مع‬
‫السلح والذخيرة ‪ ،‬ليتقن تربية من معه ‪ ،‬وليكون الجهاد محروسا بوعي‪ ،‬وتبلغ مشاركته أن يغزو الروس داخل الحدود الحمراء‬
‫ويقفل ظافرا‪.‬‬
‫إن هذين الستاذين في الزهد الشرعي يعلمان الدعاة أن الرهبانية المبتدعة إن كانت موتا ‪ ،‬فإن ما هم عليه من القناعة‬
‫هي الحياة النابضة التي تعين على الحركة والجهاد‪ ،‬والنكار على أهل النكر‪ ،‬وما كان إخلء المسلمين إلى الرض وذهاب عزهم‬
‫وعز دولتهم إل حيث توقفوا عن ضرب مثل هذه المثلة في العصامية والتجرد ‪ ،‬التي ميزها إقبال – رحمة ال – حين رأى أن‪:‬‬
‫ب‬
‫شتان بين خلوة راه ٍ‬
‫وشراع فقر في عباب يمخر‬
‫لما أضاع المسلمون على المدى‬
‫ذا الفقر ‪ ،‬لما ضاع هذا الجوهر‬
‫لم يبق فيهم من سليمان ول‬
‫(‪)3‬‬
‫سلمان دولة عزة ل تقهبببر ‪.‬‬

‫‪ - 1‬الزهد ‪ ،‬للمام أحمد ‪.37/‬‬


‫‪ - 2‬وحي القلم ‪.1/33‬‬
‫‪ - 3‬وحي القلم ‪.1/33‬‬

‫‪3‬‬
‫‪www.ikhwan-info.net‬‬

‫فزهد الداعية وهو شراعة الواسع المتين الذي يشق به بحار العمل والجهاد حقا‪ ،‬وترهق جامع المال حراسته ‪ ،‬فهو عن‬
‫درب الهجرة قصي‪ ،‬وعن نسمات كابل أقصى‪.‬‬
‫صور من تنافس النبلء‬
‫وكما يكون إبداع الشاعر معنى لم يسبق إليه ‪ ،‬أو اجتهاد الفقيه فتوى بتجاوز فيها التقليد ‪ ،‬يكون نبل النبلء أحيانا بدعة‬
‫في جيل متمرد على خصال الحسان ‪ ،‬ل يتجاوز عن حق ‪ ،‬ول يغض الطرف عن خطأ‪.‬‬
‫* منهم شاب عراقي في أزهى سنوات شبابه‪ ،‬يتمرد على العراف‪ ،‬ويتجرد فيتزوج أرملة من شهدا الجهاد السوري ‪،‬‬
‫وضم تحت جناحه أربع بنات لها‪ ،‬يربيهن ويحيي مذهب المروءة‪.‬‬
‫* ومتورط بوجه فيها طبيعة ينكرها عرف الحرار ‪ ،‬وآخر تعجل واستحبى فورطوه بامرأة ل تناسبه ‪ ،‬فيصبران ويستران‪.‬‬
‫* ورئ يس جمي عة في مؤتمر ها ال سنوي‪ ،‬ير كض ب ين يدي الضيوف ‪ ،‬يح مل متاع هم‪ ،‬ويو صلهم إلى غرف هم ‪ ،‬وي سألهم عن‬
‫طلباتهم ‪ ،‬ويركض معه إخوان آخرون‪ ،‬حتى ينكهم التعب ‪،‬وينكهوا الشياطان بالتواضع‪ ،‬وتذكر وقفتهم بقصص رجل صالح‪ :‬ينفق‬
‫عشرات المليين في وجوه الخير‪ ،‬لكنه ما زال في بيته القديم‪ ،‬وذا أتاه ضيف ‪ :‬نحى الخدم‪ ،‬وحمل الصينية فيها الطعام على رأسه‬
‫‪ ،‬إكراما للضيف‪.‬‬

‫‪‬وداعية جهل عليه ‪ ،‬فكان أعقل ‪ ،‬وكظم وصفح‪.‬‬


‫فهؤلء ‪ ،‬مظهر قدر ال تعالى في استمرار سند المكارم‪ ،‬ووقفاتهم برهان على نزعة الصالة‪.‬‬
‫* لكن بالمقابل ‪ ..‬نفر يجزعون‪!..‬‬
‫ولو اطردت هذه المنا قب لجم يع ال سالكين لو صلوا م نذ و قت بع يد ‪ ،‬ول كن شاء ال وح كم أن يكون مع الرا كض ق صير‬
‫الخطوه ‪ ،‬ومع حديد النظر من يقرك عينه‪.‬‬
‫* منهم قوم يجزعون ‪ ،‬وليس يليق للدعاة أن تستولي عليهم الحساسية التي تتركهم في تبرم لو فحصت سببه لما ألقيت ثم غير‬
‫صغار‪.‬‬
‫* فالجزع عند المعاتبة – مثلً – ينحت نحتا ضارا من قابلية استدراك الخطأ ومعالجة العيب‪ ،‬وكل داعية ل بد خطأ‪ ،‬ول فر من‬
‫طبيعته النسانية‪ ،‬وليس يصح لحد أن يألم لكلمتين خفيفتين تقالن له‪ ،‬بل حتى ول لثقبيلتين‪.‬‬
‫* والحياة المعايشة اليوم يسودها تنافس شديد ‪ ،‬وكل مدير دائرة أو متمكن نزاع إلى بني جلدته ومعارفه يقدمهم ويدخر الفرص‬
‫لهم‪ ،‬وخير لكل يتخرج أو يهاجر أن يطيل صبره وأن يدع التأفف‪ ،‬فإن الرزاق مكتوبة‪ ،‬والوسطاء من إخوانه يأخذون بالسباب ما‬
‫أستطاعوا ‪ ،‬وليحسن بهم الظن‪ ،‬فإن لم ينل الوظيفة وزهدت الجامعات في طاقات فكرة فليس إلى المتخرجين والباحثين عن عمل‬
‫أجمل من أن يتواضع ‪ ،‬وينزل إلى ميدان المهن وأعمال الخدمات المدنية ويأكل من عمل يده ‪ ،‬وليتحمل الشمس والبرد ‪ ،‬وله أن‬
‫يفخر بقطرات عرق ترى على جبينه‪ ،‬أو رعشة في يده من إرهاق‪ ،‬فإن العمل شرف ‪ ،‬ومن التعسف أن يشترط لوظيفته أو مهنته‬
‫أن تجلسه خلف مكتب وتحت مكيف هواء‪ ،‬وسيأتي الوقت الذي يدلف فيه إلى وظيفة مريحة أو تجارة رابحة)‪.‬‬
‫* وهجرة من هارج إنما هي ل تعالى ‪ ،‬ولذلك ل يعيب المهاجر أن يفهم وضعه كما هو ‪ ،‬وأن يتكيف لحقائق الحياة الصعبة في‬
‫دارة الهجرة ‪ ،‬ويعرف أنه محروم من كثير مما يتمتع به الناس ‪ ،‬بل مما يتمتع به بعض أصحابه المهاجرين وبخاصة في كماليات‬
‫الحياة وزينتها‪ ،‬ول يس له أن ير هق إخوا نه بطلب جواز سفر مثل لل حج أو العمرة أو ال صطياف إذا كان أم نا في سرية ول تش ير‬
‫ال سلطات في م حل إقامته قض ية الجواز ‪ ،‬وليتذكر خرو جه يوم هجر ته خائ فا يترقب ول يس بينه وب ين الموت غ ير إ صبع إذا المل‬
‫يأتمرون به ليقتلوه ‪ ،‬فأمنه ال وتجاه وتربع في أرض المرابع‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪www.ikhwan-info.net‬‬

‫* وأي ما رجل منا شارك إخوا نا له في تجارة فليعلم أنها تجارة كا سمها‪ ،‬فيها احتمال الخسارة وضياع المال‪ ،‬والتوفيق من ال‬
‫تعالى‪ ،‬وليس كون ماله ( تحويشة العمر) بمعط له ميزة في رفع الصوت على أخيه الذي تولى الصفقة فوكس‪ ،‬ول له حق التذمر‬
‫الصاخب‪ ،‬وفي الشكوى الهادئة شيء من البأس كذلك وإن كانت أخف غلطا‪.‬‬
‫* وتر كه لداع ية و جد في أ مر ل بة تق صا أن يجزع ‪ ،‬في صويحبات أ صحابه رب ما هن كذلك أي ضا ول سن ب صحابيات ‪ ،‬واقرب‬
‫للمروءة أن يصبر ‪ ،‬بل إذاعة للشكوى‪ ،‬وليعمل عمل صالحا يدخله الجنة ‪ ،‬فهنالك الحور العين يتخير منهن ما يشاء‪.‬‬
‫*حتى في المر التعاوني نجد للجزع روادا ‪ ،‬فمنهم من يستسلم للهموم المعاشية أو العائلية ويترك العمل والمشاركة في وجوه‬
‫النشاط ‪ ،‬و من يضرب عن حضور اجتماع أجله المد ير وأك ثر من مرة‪ ،‬احتا جا على التأج يل ‪ ،‬ول يدرك الضرورات أو الم صالح‬
‫التي تنهض عذرا ‪ ،‬وآخر له نفس صافية‪ ،‬يتولى قطاعا أو منطقة أو لجنة وتحت إمراته فضولي ملحاح ‪ ،‬فيقل تدخلته ‪ ،‬وينزل‬
‫ع ند إلحا حه‪ ،‬ضجرا فح سب‪ ،‬ول يكون حاز ما ‪ ،‬أو آ خر مثله‪ ،‬لك نه ل ي صبر على أذى إخوا نه له أو يك ظم‪ ،‬بل يك يل ل هم ال صاع‬
‫بصاعين‪ ،‬وتكون الدقة بدقتين ل يعرف التربية بطول النارة واستيعاب الجافي‪.‬‬
‫إن مثل هذه الحوال ‪،‬ومثل ذلك النهيار أمام شدائد المعيشة‪ ،‬هي شواهد على أن حاجيات الناس في الحياة‪:‬‬
‫( ل تتعقبد بطبيعتهبا ‪ ،‬ولكبن بطبائعهبم فيهبا‪ ،‬ول تسبتمر بقوتهبا‪ ،‬ولكبن بإمداد قواهبم لهبا ‪ ،‬ول تغلب بصبولتها ‪ ،‬ولكبن‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫يجزعهم منها ‪ ،‬ول تعضل من ذات أنفسها ‪ ،‬ولكن من سوء أثرهم عليها ‪ ،‬وسوء نظرهم لنفسهم ولها)‬
‫وهؤلء إخواننا يأخذون حرفية المجاز الذي في قول عمر – رضي ال عنه ‪ -‬وترتيب المسؤولية على نفسه لو عشرت‬
‫بغله بأرض العراق‪ ،‬وينزلون ذلك تنزيبل الحقيقبة‪ ،‬ويحسببون أن كبل تعثبر بغلتبه اليوم بأرض بيشاور‪ ،‬أو جبال الناضول ‪ ،‬أو‬
‫أرصفة شيكاغو ‪ ،‬فإن المارة مسؤولة عنها مسؤولية تكليف قانوني تام بحق جازم ‪ ،‬وليست هي مسؤولية أخلقية بحدود التكافل‬
‫الخوي الذي يحرص عليه المير ما استطاع ويحاسب عليه بالحسنى‪.‬‬
‫إن مصارحتنا هذه إنما هي محاولت لفهم أسرار النفس النسانية ‪ ،‬ومن باب طلب إتقان التعامل معها‪ ،‬وتبرأ من تعيير‬
‫لحد أو قصد سوء أو تشهير ‪ ،‬والمحرك لنا هو طلب الكمال والمراتب السامية‪ ،‬ونحن ندرك أن أضعف داعية هو أرقى مضاعفة‬
‫في أخلقه من أقوى السائبين‪.‬‬

‫‪‬ولسواق المرجوحات زبائنها ‪! ..‬‬


‫ومن الدعاة قوم يختارون ا لخطأ اختيارا ‪ ،‬ول يجفلون منه إذا وهمهم ‪ ،‬ول ينفضون أذيال أثوابهم ليبرأوا من العوالق‪.‬‬
‫* ل يليق لداعية لم يجرب التجارة من قبل بخالص ماله أن يغري الخرين بالصفق بأموالهم ‪ ،‬فإنها تحتاج الخبرة واليقظة ‪ ،‬وإذا‬
‫كتب ال الخسارة فسيكون أول ضحية وتخسره الدعوة وأن يقي شبحه معها‪ ،‬بما يكون من التلوم وتكدر النف وأفكار الوساوس‪.‬‬
‫* وأع قد ع قد الحياة‪ :‬الزواج‪ ،‬ل ما ف يه من راب طة دائ مة تج عل ال صبر عن عدم الر ضا مشحو نا بم ضض‪ ،‬أو ما ف يه من احتمال‬
‫الطلب وسوء السمعة التي تعقبه واللفظ والتجني على أحد الطفين‪ ،‬ولذلك يجب على كل منا أن ل يستسهل أمر التزويج والتوسط‬
‫فيه ‪ ،‬ول المبالغة في الحماسة للجمع بين اثنين وإنما يكون هذا المر وفق دارسة متأنية وتشاور سري ل ضجيج ‪ ،‬فيحرص على‬
‫التكافؤ العائلي والثقافي والبيئي‪ ،‬ويسأل عن الطباع والعادات‪ ،‬وليست الصلة وحدها والعفاف والحجاب دلئل الصلح والتوافق ‪،‬‬
‫ولرب بخيل يقلب حياة كريمة إلى جحيم‪ ،‬أو فوضوي ربيب بيئة عامية يحيل أيام معتدة على ذوقيات رفيعة إلى حرج متواصل ‪ ،‬أو‬
‫لجوج تستفزه الصغائر يتكد على حرة ساعاتها ‪ ،‬وما ثم إل مؤمن‪.‬‬
‫* ومتحمس لخدمة إخوانه‪ ،‬يزكيهم مهنيا لدى التجار وأصحاب العمال من المصلين ‪ ،‬ويرشحهم لعمال تقتضي التقان والجادة‪،‬‬
‫وهو أول من يعلم ضعف خبرتهم واحتمال تضييعهم لمصالح من سيأتمنهم على مصنعه أو مقاولته‪.‬‬

‫‪ - 1‬وحي القلم ‪.2/57‬‬

‫‪5‬‬
‫‪www.ikhwan-info.net‬‬

‫‪‬ومن له تفريض في أمر أولده ‪ ،‬فل يربيهم على النظافة والهدوء‪ ،‬وخفض الصوت واحترام الكبير والحياء من الضيف‪،‬‬
‫ول يعلمهم السلح على إخوانه وجواب التحية‪ ،‬ول تستفزه اللفاظ المعيبة التي ترد على لسانهم تقليدا لبن جار أو زميل‬
‫مدرسة ‪ ،‬حتى لكانهم أولد رجل عمي وليسو أولد مؤمن ‪ ،‬وربما يتطيش أياديهم في صحو المائدة أذ هم ضيوف ول‬
‫ينها هم ‪ ،‬أو يخربون الثاث فيبت سم ويقولك هو حرك ما شاء ال ‪ ،‬ولو أراد التأد يب لو قف له ‪ ،‬ول كن تلي فت عنده بؤرة‬
‫الذوقيات‪ ،‬أو عند زوجته التي وكلها إذا هو في مصالح السلم والمسلمين منشغل‪.‬‬
‫‪‬وعلى عكسه صاحب جد ل يعرف حال من يريد أن يخرج أبنائه ملتزمين طريق الموازنة‪ ،‬فيخرج إلى إفراط ويشدد على‬
‫أولده الصبغار فبي العبادات والسبتيقاظ للفجبر وقراءة القرآن‪ ،‬وربمبا جعبل الضرب عادة ‪ ،‬ويلزم بالحجاب ومبا زلن‬
‫صغيرات ‪ ،‬فيؤسس كراهية الصلة والحجاب لدى ذريته ‪ ،‬ويكون التمرد عند المراهقة ‪ ،‬ويحسب أنه قد أحسن صنعا‪.‬‬
‫‪‬وال ستار يحب أذن السامع تغري لسان الفاضح ‪ ،‬ويحب من عبادة إن إذا أطلع أحد منهم على سر أخيه وعيبه وهفوته‬
‫أن يستره ويغطيه‪ ،‬ويتأكد هذا الخلق بين الدعاة لنهم هم الذين يلقنون المروءة للناس وإلى دارهم أرزت بقية النبل الذي‬
‫يتوالى إنقراضه في المجتمع‪ .‬وليعلم الداعية أن الشيطان قد أوهم أخاه فزل‪ ،‬ليس يتعمد ‪ ،‬وتقوم سوايقه الفاضلة شوافع‬
‫له‪ ،‬فليشفعها ‪ ،‬إذ ليس شوقه لنشر خبر العشرات والتلذة باليماء لها في حديثة أقل شذوذا منها عن خلق الكرام ‪ ،‬ولو‬
‫أن هاتك ‪ ،‬السرار ح يث ينثرها من جعبته أمامنا يقابل منا ب صدود وإعراض ع نه لثاب وتاب‪ ،‬ولكن أذن السامع تغري‬
‫لسان الفاضح أحيانا‪.‬‬
‫‪‬وكل أمري فقيه نفسه‪ ،‬والمفروض أن ل يأذن لطموحه في أن يلغي معرفته ما هم لها أهل استعداد وإن كانوا أذكياء ‪،‬‬
‫ويورطون مع هم عيال هم‪ ،‬ويتأخرون ما هم ل ها أ هل ا ستعداد وإن كانوا أذكياء ‪ ،‬ويورطون مع هم عيال هم‪ ،‬ويتأخرون عن‬
‫العمال السلمية الكبيرة دهرا بسبب ذلك ‪ ،‬ولو أرادوا معرفة اليجاب والسلب في خطواتهم ل تبغي لهم ذلك قبل الخطو‬
‫‪ .‬لكن الفرصة دهمتهم فأنستهم الحساب ‪ ،‬وهيهات الجبر‪ ،‬إذ تشعر النفس عند وجوب التراجع بمعنى الهزيمة ‪ ،‬فتكون‬
‫المغالبة ‪ ،‬والمعاندة ‪ ،‬وتكون الدائرة المفرغة وتضيع ساعات عمر شبوبيته وطاقات عنفوان عقله بين حتى الظهر على‬
‫المراجع وانتظار أستاذه المشرف‪.‬‬
‫‪‬ونعم العنوان للداع ية التجارة‪ ،‬والرزق ع ين تتفجر ت حت أقدام رجال بل سبيات الوظائف الحكومية‪ ،‬ما لم تكن وظيفة لها‬
‫أثر تربوي دون التقيد بسلبيات الوظائف الحكومية‪ ،‬ما لم تكن وظيفة لها أثر تربوي أو سياسي أو إصلحي ‪ ،‬وقد وعى‬
‫المام لك في وقت مبكر‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬ولكن الداعية مدعو إلى الرفق في اليغال في هذا الدرب‪ ،‬ول ل ينسى نفسه فيغرق‬
‫ويتلف أوقاتبه ب ين كت به والتلفون والتلكبس وإعلنات ال صحف والسبوق والبنوك والمعارض التجار بة إلى الدرجبة ال تي‬
‫تض عف مشارك ته ال سلمية واجتماعا ته ومطالعا ته وعلق ته الجتماع ية ‪ ،‬فإن أ صل تو جة أن يت خذ من المال و سيلة ‪،‬‬
‫ولطال ما ذ كر ل صحابه أ نه قد نوى ه بة ب عض أربا حه للد عو’‪ ،‬لك نه يغ فل فبله به التكا ثر‪ ،‬ولو أ نه أن صف نف سه ل ت عظ‬
‫بقصص من غفل قبله من جيرانه في السوق قبل أن يتعظ بحروف الزهاد‪ ،‬لكنه يفتأ – رحمه ال يزداد – وماذا عليه لو‬
‫ج عل له وكيل يذ هب ويرتاد ‪ ،‬ول يكل فه شيئا غ ير را تب ي سير أو ن سبة أو سرقة قليلة في أق صى الحوال يم كن له أن‬
‫يتحملها و غض النظر عنها طالما أن هذا الوك يل يج مع له بين دي نه ودنياه!! وعلى الوك يل وزر ال سرقة وله أ صل رأس‬
‫المال ‪ ،‬ومعظم الربح والنشاط السلمي الفعال ‪ ،‬خوالص صوافي كزلل!!‬
‫‪‬ووصى – النبي صلى ال عليه وسلم – نفرا من أصحابه أن إذا سقط سوط أحدهم وهو على فرسه أن ينزل ليلتقطة ول‬
‫يكلف راجل بالتقاطه له ‪ ،‬وهي عزيمة ل تبلغها ول نكلف أنفسنا أو أحدا بمثلها ‪ ،‬ولكن ترخصنا ل ينبغي له أن يتوسع‬
‫حتى نستعمل حقوق الخوة في غير محلها ‪ ،‬فنثقل على إخوان لنا من أهل الحمية والنجدة وحب خدمة الكبار والقران‬
‫فنجعلهم ضحية مروءتهم وتتلف أوقاتهم بين التسوق لخوانهم والشراف على بنيانهم وإنجاز العاملت الحكومية لهم ‪،‬‬

‫‪6‬‬
‫‪www.ikhwan-info.net‬‬

‫إن النصباف خيبر ‪ ،‬ول هلهبم حقوق ولنفسبهم مصبالح ‪ ،‬وللدعوة تكاليبف ‪ ،‬ومبن العدل أن تعطيهبم فرصبة تنفبس‪،‬‬
‫ولعضلتهم ساعة راحة‪.‬‬
‫‪‬وطريقة فيها بأس أن يتم استنفار عدد من الوسطاء للسعي في الشفاعة في قضية ما حرصا على زخم التأثير من دون‬
‫أن يقال ل كم من هم أن غيره قد كلف بذلك أيضا‪ ،‬ويأ بي الزوق ذلك‪ ،‬و قد يتوا فد الو سطاء على صاحب القرار في ساعة‬
‫واحدة فيتكلمون بكلم واحبد مبن دون أن يشعروا فيتولد إحباط وإرباك ‪ ،‬وليبس لملهوف أن يحرج أصبحابه وأشراف‬
‫الناس في سبيل مصلحته‪.‬‬
‫وهمام يتصل برجال رؤساء وأعيان من وزراء ‪ ،‬ومدراء وتجار ‪ ،‬ثم يرى من خلل صحبتهم استفادة الناس منهم ومن كرمهم ‪،‬‬
‫فيغ فل لح ظة عن مع ني العزي مة‪ ،‬فيطلب م ثل الذي يطلب الناس ‪ ،‬في صغر في أعين هم ب عد إذا كان كبيرا ‪ ،‬وتنهار صلته وإن بي‬
‫شبحها ورسمها‪.‬‬
‫‪‬وقضا يا السلم أوفر جدا وأثقل هموما من أن تدع ع صبة من الدعاة تط يل الضحك ‪ ،‬وت ستجيز المزاح وتت خذ لها من‬
‫صاحب خ ير في ها محور تندر وتروي ق صصه وغرائ به ‪ ،‬والبت سامة عل مة المؤ من ول سنا ننكر ها‪ ،‬والنك تة في ساعتها‬
‫سائغه ‪ ،‬والربح ية أ صل في سلوكنا ‪ ،‬والل فة ‪ ،‬والبشا شة ‪ ،‬ل يس العبو سة ‪ ،‬والقهق هة الولى لك ‪ ،‬والثان ية نهب ها لك‬
‫اي ضأ‪ ،‬فإن كرماء‪ ،‬ول كن الثال ثة عل يك ‪ ،‬وتش فع ح سناتك ل ها عند نا ‪ ،‬وأ ما الراب عة فيلزم ها حد ل شفا عة ف يه ‪ ،‬وشعار‪:‬‬
‫الضحك للضحك‪ ،‬باطل ‪ ،‬والهزل الهزيل مرفوض في أوساط العمل السلمي ‪ ،‬وإنما الداعية مفوض بالجد والتجديد‪.‬‬
‫‪‬ووقاف عند صغائر إخوائه‪ ،‬يدقق فيها ‪ ،‬ويحصي ويعاتب ويستشهد ‪ ،‬حتى يضجر المعامل له‪ ،‬وكأنه شرطي ‪ ،‬إذ المر‬
‫أهون ويجري مجرى المروءة والتجاوز ومراعاة الحقائق البشرية وإطراح المقاييس الملئكية ‪.‬‬
‫* وشجاع على النقيض من هذا‪ ،‬إسناد في المرءة ‪ ،‬وقد ذابت نفسه في معاني الخوة ‪ ،‬ويكاد يتلف بدنه في خدمه إخوانه‪ ،‬حتى‬
‫ليركب المخاطر في ذلك ‪ ،‬ويرحل بعيدا لتحقيق مصالحهم‪ ،‬وله لذه مع كل خطوة في سبيل ال‪ ،‬لكنه فوضوي في ذلك ل ينضبط‪،‬‬
‫ول ينصبت لشارة أميبر أو خببير ‪ ،‬ول يعرف الولويات ‪ ،‬ول مقاديبر اسبتحقاق أهبل الحاجات ‪ ،‬ول الكتمان‪ ،‬ول الثار التربويبة‬
‫لطريقة سعيه ‪ ،‬وقد يفسد أخاه بتعويده التكالية إذ هو يريد له الحسان‪.‬‬

‫‪‬حيث تكون النظرية الجماعية مشجبا لتعليق الهواء‬


‫وشعار الدعوة‪ :‬أن الطا عة بالمعروف ‪ ،‬وأن ها باب من العبادة وطلب ال جر‪ ،‬و ما هي بتبعية ول إلغاء لدوار أهل الف ضل‬
‫من الدعاة‪ ،‬ولذلك فإ نه ل يس من الخلق الدعو ية ول من منهج ية الترب ية القياد ية أن تبالغ في الطا عة إلى ال حد الذي تع طل ف يه‬
‫تفكيرنا ثقة بتفكير الرائد ‪ ،‬ونشيد بوعيه الفريد وعلمه المزيد ‪ ،‬حتى لكانة المعصوم ووارث الخاتم السحري‪ ،‬أو تقول‪ :‬لو لم يكن‬
‫قوله صبوابا لمبا قاله‪ ،‬أو نقول‪ :‬مبن ا لمسبتبعد أن يفوتبه رأي ‪ .‬ببل مبن فقبه الدعوة أن نحاور بالحسبنى‪ ،‬وأن نعتقبد عجزه عبن‬
‫العصمة‪ ،‬وأن نعرض ما عندنا من رأي بأدب‪ ،‬ثم تكون بعد ذلك طاعتنا الواعية المعتمدة على القرار الشوري‪.‬‬
‫وهذا القدر من الفهم الدعوي الصحيح لحدود الطاعة ومعنى المارة أصبح من العلم الشائع الذي ل يجهله الدعاة ‪ ،‬ولكن‬
‫تجاهله يكون ح يث ي ستقر في القلب ش يء يح مل صاحبه على التماس تم ير مع نى من المعا ني وإنفاذه ‪ ،‬فيتو سل لذلك بو سيلة‬
‫المبال غة هذه ‪ ،‬ي ظن أن ها ث من وأ جب لتوف ير غطاء لشا عة ما يذ هب إل يه‪ ،‬وهيهات ‪ ،‬إذا كان مقلدا في الو قت الذي ير يد له قائدة‬
‫الجتهاد ‪ ،‬والمير التقي يحزن إذا رأي سيطرة البداوة المعية العاتية اللغبة لثار المناهج التربوية ‪ ،‬ويبرأ من ذلك ‪ ،‬وكل أمير‬
‫يف هم أن المقلد أع جز من أن يشارك في ا ستئناف النه ضة الحضار ية ال سلمية‪ ،‬وأن أقدار المقلد ين المفوض ين لن تعدو تأ سيس‬
‫مشيخه صحراوية ‪ ،‬وفي أحسن نتائج التأول لهم أنهم في مثل حالة هيام الصوفية بشيخهم حين ينسبون له الكرامات‪.‬‬
‫‪‬ومن البدائل في إنقاذ المعاني‪ :‬أن يقوم صاحبها باستنطاق أقرانه وأخذ رأيهم فيها‪ ،‬لضفاء صفة شبه جماعية عليها إذا‬
‫وافقوه ‪ ،‬فإن وجد سكوتا أو مغيارة‪ :‬كان منه إلحاح ربما يضجر منه المقابل فيوافقه للتخلص من حصار اللحاح‪ .‬ومن‬

‫‪7‬‬
‫‪www.ikhwan-info.net‬‬

‫ثم غيره الكراه أو شب هه ‪ .‬فإذا كان نطق هم‪ :‬ن سب الرأي ل هم وعزاه ‪ ،‬وال سوي بر يا بنف سه عن هذا الختبار‪ ،‬ويبارز‬
‫وجا ها‪ ،‬فإن ها أخلق الفرو سية وطباع الفر سان ح يث يثبتون في مواقع هم في قلب المعارك ‪ ،‬ول كن قد ترى في أقا صي‬
‫ساحتها من يح مل على حمار إعراج‪ ،‬رب ما‪ ،‬ول كل م سلم ح ظه رز قه من الف كر والمن طق والوضوح ‪ ،‬أو ترى أ خر يعرق‬
‫الحقيقة الفيزياوية في وجود فراغ المندفع المسرع تتضاءل فيه مقاومة الهواء‪ ،‬فيرتضي لنفسه أن يحتل ذاك الفراغ ‪،‬‬
‫لضعف طاقته ‪ ،‬وليعينه التيار المنتقل إلى فراغ الندافع‪ ،‬فيظل راضيا بالمنزلة الخلقية ‪ ،‬والجهات التبعية‪.‬‬
‫‪‬وداعية صالح من الذاكرين ‪ ،‬رقت نفسه وصفت ملته عاطفة‪ ،‬ونقلته إلى حالة من الرحمة والشفقة على جميع إخوانه ‪،‬‬
‫بح يث أ صبح ل ي ستسيغ أن ن عظ المخ طئ ‪ ،‬بل سان صارم‪ ،‬ول يرى جواز توج يه عقو بة لم سئ ‪ ،‬ويف هم حل كل المور‬
‫على مبدأ ‪ :‬تصافحا تعانقا ‪ ،‬غير ناظر إلى عواقب الفتن‪ ،‬وضرورة الحزم ن وقبح خلع الطاعة ‪ ،‬وعدم تساوي منزلتي‬
‫الكفين‪ ،‬ولو جرت المور على قياسه لكنا في زفة عرس ل موكب دعوة تريد أن تهدم الطواغيت‪.‬‬
‫‪‬وعلى عك سه صالح آ خر‪ ،‬إداري في تعامله مع إخوا نه‪ ،‬ول يس في قامو سه ل فظ العاط فة ‪ ،‬يا بس نا شف ‪ ،‬يد ير قطا عه‬
‫بأعراف الشركات‪ ،‬فهو ثابت عند قناعته ل يتزحزح‪ ،‬مطرق ل يبتسم ‪ ،‬حرفي ل يتأول‪ ،‬نصي ل يجتهد ‪ ،‬ل يقبل عذرا‪،‬‬
‫ول استثناء ‪ ،‬ول وصفا مقاربا‪ ،‬أو حل بديل‪ ،‬وإنما ديدنه الجداول والصطلحات واللزامات والنسبة المئوية‪ ،‬بل اللفية‪.‬‬
‫‪‬وأخر ل يعجبه العجب‪ ،‬ول يرضي عن صحبه ‪ ،‬إذ هم في هجرة أو وضع صعب ‪ ،‬وفي تقسيم نعرف نقصانه عن الحدود‬
‫النموذجية بتأثير الضرورات‪ ،‬وصاحبنا يقيس بموازين أيام العافية والستقرار ‪ ،‬ويشتهي على رسله‪ ،‬وينتمي مربيا رفع‬
‫ال صفات ‪ ،‬وأ صحابا أشكال ‪ ،‬وهيهات ‪ ،‬ولو ق نع بالق سمة وعاون ل كن خيرا وأبرد لقل به ‪ ،‬ولو وزر لمرب يه لتكا مل ال مر‬
‫واستقر‪.‬‬

‫‪‬أنماط دون مستوى الستنباط‬


‫و من إخوان نا أ صحاب أنماط نف سية في ها غرا بة ‪ ،‬بعض هم يحوم حول أهداف صغيرة مفضولة ‪ ،‬ل هم ببلوغ ها ش بع ‪،‬‬
‫وبعض هم يع جز عن ا ستخراج فوائد قري به م نه ‪ ،‬وبعض هم ي سلك مضا يق جانب ية تؤخره إذ القافلة م سرعة في طريق ها الوا سع‬
‫المستقيم‪.‬‬
‫* منهم المتردد ‪ ،‬الذي ل يعزم عزمه واحدة على فعل شيء ‪ ،‬ويتأخر في اتخاذ قرار في شأنه الحياتي المعاشي ‪ ،‬فيتلف أوقاته‬
‫بكثرة التفك ير‪ ،‬ويبدد أوقات إخوا نه بتكرار وال ستشارة ‪ ،‬فل هو بالمقت حم الفا عل‪ ،‬ول هو بالتارك النا سي‪ ،‬وله مع كل مجال سة‬
‫لخوانه بحث لما هو مقبل عليه ‪ ،‬كأنه يريد منهم أن يتحملوا مسؤولية قراره‪.‬‬
‫‪‬وداع ية يعلن حر صه على ن يل العلم وأن تروي له التجارب ‪ ،‬ونرى في ذكائه قري به على صدقه ‪ ،‬فتمك نه ‪ ،‬فيل بث طول‬
‫المدة صامتا‪ ،‬ي سمع الدرس ول يتكلم ونود أن نعرف مدى ا ستيعابه فل ن ستطيع ‪ ،‬ون حن أن نعلم رأ يه في ما يقال إن كان‬
‫مؤيدا أو معارضا فتعجز ‪ ،‬ونحاول تحريكه بسؤال نطرحه عليه‪ ،‬فجيبب بحروف قليلة‪.‬‬
‫* ومع ذلك فهو أحسن من أخر يبالغ في كل كلمه ‪ ،‬فيتحدث عن وجود ظاهرة يدعي أنها أقر أن كون من علمات الساعة‪:‬‬
‫فتفحص المر فنجدها حادثة فردية‪ ،‬ويؤذن في الساحات أنه هو النذير العريان فتفزع‪ ،‬ثم تكتشف أن ليس ثم غير وهم بل برهان‬
‫‪ ،‬ووسوسة أشبه بالعدوان‪.‬‬
‫* وآ خر يك ثر الن قد ‪ ،‬ول يكاد يرض ية شيء وين ظر إلى الركب السائر نظرة تضع يف‪ ،‬ل ما يرى من نق صان الصحاب عن بلوغ‬
‫أو صاف النموذج العالي‪ ،‬وكأ نه ل يدرك مغاذي ل غه الر مز والمجاز والو عظ وال حث‪ ،‬وينزل حروف ها منزلة متون القانون وحرف ية‬
‫الدللة‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪www.ikhwan-info.net‬‬

‫* وقريب منه‪ :‬الكثير التشكي ‪ ،‬المتأفف‪ ،‬الضجر‪ ،‬الذي يدعي مع كل شمس تطلع على العباد تبشرهم بزرق واستئناف عمل أنه‬
‫غير محظوظ ول موفق‪ ،‬وأن الرياح عكست شراعه‪ ،‬وأنه ممتحن بمحن‪ ،‬ومريض بأمراض‪ ،‬وقد يكون ذلك صحيحا ‪ ،‬إما لذنوب‬
‫يرتبكها هو أعرف بها‪ ،‬تليق لها التوبه‪ ،‬ليتوسع رزقه وأمره‪ ،‬أو لتمحيض يليق له الصبر ل التوجع‪.‬‬
‫* وأخر أعطل‪ ،‬ل تهمه الموعظة التي في مثل هذه المصارحات ‪ ،‬بقدر ما يهمه أن يعرف من هو المقصود بكل ملحظة ‪ ،‬ولربما‬
‫استدرج إخوانا له غلى شبه مؤتمر ليعينوه في التعرف على الهماس والحساس والمتردد والصامت‪ ،‬وهذا انحراف بمقصد الرسائل‬
‫‪ ،‬واهتمام هابط‪.‬‬
‫* الفكر والخلق …‪ .‬والذوق الحسن‬
‫وكل هذه الملحظات إنما وردت في محاولة التوصل إلى الصياغة النفسية السوية للداعية ‪ ،‬أو لضبط السلوك الداري‬
‫والتربوي‪ ،‬وهي أمور تضاف إلى ما يوجبه الشرع من التزام أحكام الحلل والحرام‪ ،‬وإلى ما تفرضه الخلق اليمانية الساسية‪.‬‬
‫ول كن ق صة صياغة الشخ صية الدعو ية ل تنت هي ع ند م ثل هذه الحدود‪ ،‬وإن ما تلزم ها أي ضا أداب يملي ها الذوق الرف يع‬
‫الحسن ل بد منها لتجميل مشاركة الداعية في حياة الناس اليومية وللرتفاع بمستوى تعامله ال جتماعي‪ ،‬ول بد أن يتميز بأفعاله‬
‫وعادا ته وكل مه وحركا ته ومخالطا ته عن أعراف العا مة و ما يعكر ها من خشو نه و سماجة وع نف وهدر لمقاي يس الجمال‪ .‬وهذا‬
‫الحاسة الذوقية ميراث نرثه عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ..‬وعن أئمة الدين رحمهم ال ‪.‬‬
‫( فقبيح بالعاقل إهمال نفسه ‪ ،‬وقد نبه الشرع على الكل بالبعض‪ ،‬فأمر بقص الظفار… ونهى عن أكل الثوم والبصل النئ‬
‫ل جل الرائ حة‪ ،‬وينب غي له أن يق بس على ذلك ويطلب غا ية النظا فة ونها ية الزي نة ‪ ،‬و قد كان ال نبي صلى ال عل يه و سلم ‪ ،‬يعرف‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫مجيؤه بريح الطيب‪ ،‬فكأن الغاية في النظافة والنزاهة)‬
‫وقال الشافعي لبنه وهو يعظه‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫( يا بني ‪ :‬وال لو عملت أن الماء البارد من مروءتي ما شربت إل حارا )‪.‬‬
‫وت جب على الداع ية الم سلم في هذا ال سياق سلسلة طويلة من الذوقيات ينب غي أن يضع ها في ح سابه ‪ ،‬وأن يكون بالغ‬
‫الحساسية إذ هو يتصرف ويخالط ويشافه ويأكل ويشرب ويزور ويستعمل اللت ‪ ،‬فيحرص على أن يظهر الرقة والنظام والنظافة‬
‫والحفاظ على حقوق الخرين‪.‬‬
‫* ف في نظا فة البدن والمل بس‪ :‬ن حب للدعا ية ‪ ،‬أن يكون كث ير الغت سال وخا صة أيام ال حر ح يث يعرق البدن‪ ،‬بح يث لن شم م نه‬
‫رائحه العرق ول من قميصه ول من جوربه حين ينزع حذاء من المساجد والمجالس‪.‬‬
‫* وأن ينظف أسنانه بالسواك أو الفرشاة أو بهما معا عدة مرات في اليوم ‪ ،‬وخاصة عند التوجه إلى المسجد إلى النوم‪ ،‬وأن يقص‬
‫شعره عند الحلق ول يتركه ليكون جمه‪ ،‬وأن يحجر أسفل كعب قدمه كل أسبوع‪.‬‬
‫* وفي مجالسة الخرين والحضور الجتماعي‪ :‬نكره الداعية أن يقص أظافره في مجلس‪ ،‬أو يضع رجل على رجل أمام من هو‬
‫أ كبر م نه سنا أو مقاما ‪ ،‬إل أن يكون ب ين أقران‪ ،‬وهذا العادة ما زالت تع تبر ع ند التراك أش به بالكبائر ‪،‬ولو فعل ها داع ية لترك‬
‫مجلسه الناس ‪ ،‬وأنكر من ذلك أن يرفع قدمه ويضعها على ركبته الخرى بحيث تكون أفقيه ويتوجه أسفل كعب حذائه إلى وجه‬
‫أحد الجلساء‪.‬‬
‫وفرق عة ال صابع أو عظام الرق بة في الم ساجد والمجالس قبي حة‪ ،‬وكذا كثرة التن خم والنحن حة ‪ ،‬أو التم خط ب صوت عال‪،‬‬
‫ولو استطاع أن يقوم ليتمخط في بيت الخلء ‪ ،‬أو الحمام لكان أجمل ‪ ،‬وليكن المنديل معه دائما ‪ ،‬ومناديل الورق‪ ،‬وليكتم التجشؤ‬
‫قدر استطاعته ‪ ،‬فإن تساهله فيه إنما هو من العيب الشديد‪.‬‬

‫‪ - 1‬صيد الخاطر ‪.159 /‬‬


‫‪ - 2‬طبقات الشافية ‪.2/72‬‬

‫‪9‬‬
‫‪www.ikhwan-info.net‬‬

‫* وفي آداب الضيافة والكل وإعداد الطعام‪ ،‬نكره للداعية أن يفرش قطعة من المشمع أو النايلون ليضع عليها الطعام والخبز ثم‬
‫يدوسها بقدمه‪ ،‬فإن باطن القدم ل يخلو من جراثيم‪ ،‬وقد يلمس الطعام موطن القدم‪ .‬ونكره أن يصنع لضيفه طعاما بالثوم‪ ،‬خاصة‬
‫إذ كان الضيف زائرا من بلده أخرى‪ ،‬فإن الخرين سيعانقونه ربما عند التحية‪ ،‬فيكون في حرج ‪ ،‬ومن الخطأ الظن بأن أكل شيء‬
‫بعد الثوم يذهب برائحته ‪ ،‬لن الرائحة ل تنبعث من المعدة بل من خلل تصفية الدم في الرئة أثناء التنفس ‪ ،‬وتظل تسع ساعات‬
‫بعد الكل‪.‬‬
‫ونكره أن يقدم للض يف لح ما غري با ول ي خبره ‪ ،‬كالر نب ‪ ،‬أو يق صر مائد ته على نوع وا حد ف قط غ ير مألوف في ديار‬
‫الضيف‪.‬‬
‫وليحذر الداعية أن يشفط الحساء أو غيره بصوت عال‪ ،‬فإنه عيب ‪ ،‬أو أن يصدر صوتا من شفتيه بعد بلغ اللقمة ‪ ،‬أو أن‬
‫يبالغ في مص أصابعه‪.‬‬
‫ونكره للداع ية زيادة إكرام الض يف يتنويع الطعان‪ ،‬ح تى يتعب زوجه في خد مة الضيوف‪ ،‬وي صطادهم ويلح عليهم بأدني‬
‫في مناسبة ‪ ،‬والمسكينة هي الضحية‪ ،‬وقد تكون مرضعا ‪ ،‬والتكلف للضيف قد يجعله محرجا ول يكرر الزيارة ويلح في العتذار‬
‫إذا دعبي مرة أخرى‪ ،‬ولو جرت المور على البسباطة لكأنبت خيرا ‪ .‬ومبن التكلف أيضبا ‪ :‬جعبل العشاء المتخلل للجتماعات عشاء‬
‫تاما ‪ ،‬فإنه يرهق ويتلف الوقت‪ ،‬والكتفاء بالطعام الخفيف أولى وأبرك‪.‬‬
‫وإذا كان الداعية فليأكل أكله العتيادي الذي يأكله في بيته أو أكثر ‪ ،‬لتطيب نفس من دعاه ‪ ،‬ومن العيب أن يأكل بضع‬
‫لقيمات ف قط‪ ،‬حياء أو ل سبب آ خر‪ ،‬فإن ذلك يؤذي الكر يم‪ ،‬ويؤذي ن ساء البيت اللوا تي أعددن الطعام‪ ،‬و سرورهن يكون بمقدار أكل‬
‫الضيف‪.‬‬
‫* وفي الزيارة‪ :‬نكره للداعية صاح الولد الكثيرين زيارة بيوت خواتنه والبيات بعائلته عندهم الليالي ذوات العدد إل لضرورة ‪،‬‬
‫وقد تتحول المودة التي قصد تأسيسها إلى خصام بين النساء تبعا لخصام الولد ‪ ،‬ونكره للداعية أن ياتي إلى لفاء ومعه امرأته‬
‫وأولده ‪ ،‬فيكون لبثهم في بيت أخيه إلى منتصف الليل ‪ ،‬وإنما الزيارة ساعة ‪ ،‬ول يزر و قت القليلولة والراحة‪ ،‬ول أول الصباح‬
‫وعند منتصف الليل ‪ ،‬وليستأذن بالهاتف ما استطاع ما لم تمنع الظروف من ذلك‪.‬‬
‫وليكن طرق الباب يرفق ‪ ،‬ولمسه الجرس قصيرة ‪ ،‬ليست متصلة مجفلة ويكون الوقوف يعد الطرق جانبا ل أمام الباب‪،‬‬
‫إذ فتحته امرأة‪ ،‬أو وقع النظر إلى الداخل‪.‬‬
‫ومن الظلم أن يستهين زائر بأوقات الناس فيتأخر كثيرا عن الموعد ول بأبه ‪ ،‬وأظلم منه من يتشبه بالغريبين فيحاسب‬
‫على تأخر دقائق قليلة‪.‬‬
‫وبيوت الدعاة مسباجد ‪ ،‬ولذلك نكره أن يدخبل الزائر بحذائه إلى الغرف‪ ،‬ببل يخلعبه عنبد الباب وليعلم امرأتبه أولده ذلك‬
‫أيضا‪.‬‬
‫* وفي السلم والتحية ‪ :‬نكره أن يصافح بيد مرتخيه ‪ ،‬ول بد مضاعفة حديدية ‪ ،‬والسلم الجاف بكلمة واحدة بدعه وجفاء ‪ ،‬وأشد‬
‫ابتداعا منه تكرار السلم حتى يضجر المقابل‪ ،‬ونكره القبلة بين الرجال ‪ ،‬مع أنها عرف قوي‪ ،‬ونتمنى أن يسود عرف بديل عنها‬
‫فيه مجرد التعانق أو الكتفاء ‪ ،‬بوضع اليد اليسرى على كتف المقابل كما يفعل أهل السودان‪.‬‬
‫ونكره أن يقبل الداعية يد أميره أو العالم ‪ :‬إل أن يكونا من كبار السن وليس في رأسهما شعرة سوداء ‪! ..‬‬
‫* وفي الخطبة والترويج ‪ :‬نكره أن يأخذ الداعية بظاهرة الحديث ‪ ( :‬إذ جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ) ‪ ،‬فيتزوج بنته‬
‫أو أخ ته م من ل ينا سبها ثقا فة أو ذو قا وطبا عا أو سنا ‪ ،‬والحياة المدن ية الحاضرة معقدة‪ ،‬وتأثيرات ها نافذة‪ ،‬ول بد من مراعاة‬
‫النسجام وعوامل المكافأة ‪ ،‬إل أن تكون أرملة أو مطلقة يصعب تزويجها‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪www.ikhwan-info.net‬‬

‫و من المروءة أن ي خبر أحد نا بع ين بن ته أو أخ ته أو اب نة ‪ ،‬ثم يكون المقا بل بالخيار ‪ ،‬وكذلك الع يب الذي في العائلة م ما‬
‫يمكن أن يورث ‪ ،‬كالجنون أو أمراض الدم المستعصية‪.‬‬
‫و من الظلم أن ي سرع الخا طب إلى إعلن خطب ته لفل نه ق بل أن يرا ها ‪ ،‬ثم يرا ها ول تعج به فين سحب ‪ ،‬ولت كن التمهيدات‬
‫سرية‪.‬‬
‫وليس من المرءة أن يستشير الخاطب ‪ ،‬فيخبرونه بشيء من طباع المخطوبة من ذلك أن يجعل ما أؤتمن عليه من سر‬
‫العائلة أو حال البنت خيرا مشاعا يبثه ويقول ‪ :‬رفضت لكذا ‪ ،‬ووجدتها قبيحه ‪ ،‬وأمثال ذلك‪.‬‬
‫ومن المعدل أن من فشل زواجه وطلق وأراد ثانية‪ :‬أن يخبرها وأهلها بما سلف منه‪ ،‬فإنه أبرك وأبعد عن التلوم‪..‬‬
‫ونكره للداعية أن يكون حجاب أهل بيته على نمط غريب ‪ ،‬كأنه التاج فوق الرأس بما فيه من تطرير وتقنن ‪ ،‬فإنه يثير الفضول‬
‫ويجلب النظر ويؤدي إلى عكس مقصد الحجاب‪.‬‬
‫ول يس من المروءة أن يك ثر الداع ية تهد يد زو جة بالزواج من أخرى ‪ ،‬ول المزاح مع ها بحد يث م ثل هذا‪ ،‬فإ نه ثق يل عند ها‪ ،‬وإذا‬
‫كرهها فليصبر أو يطلق ‪ ،‬ول يشعرها بأنه يكرهها‪ ،‬وليتجنب اللفاظ القاسية في الرد عليها ‪.‬‬
‫وليس من المروءة أن يستسهل الداعية أغاظة زوجه لسباب تافهة وهي صاحبته وخادمة ضيوفه دهرا ‪ ،‬ونحب له أن يحترمها‬
‫ويحسن إليها ويقول لها حسنا‪..‬‬
‫ونره أن يغفر الداعلية في أسماء أولده بحيث تكون ثقيلة المعنى والجرس ‪ ،‬ل لشيء إل ليكون السم ل ثاني له‪.‬‬
‫* وفي استعمال السيارة‪ :‬نلتزم نحن دعاة السلم بقواعد المرور ‪ ،‬فإنها من الطاعة الشرعية لولي المر ولو لم يحكموا بالسلم‬
‫‪ ،‬ونحب أن تكون سيارة الداعية نظيفة مثل داره وثويه‪.‬‬
‫ول يليق أن تقف أمام بيت صاحبك وتنادي عليه بمزمار السيارة في وقت ظهيرة أو نصف ليل‪ ،‬لئل تزعج جيرانه ‪ ،‬وإنما ذلك‬
‫فعل الشباب الطائش‪.‬‬
‫وإذا سقت سيارتك في طر يق ترا بي وقار بت أ حا يم شي فاخ فض ال سرعة إلى أد نى ما ت ستطيع ‪ ،‬لئل تؤذ يه بالغبار ‪،‬‬
‫ولربما يكون قد لبس قميصه لتوه‪ ،‬وهذا من أبشع الظلم والل أبالية التي يقلد فيها بعض الدعاة عامة الناس‪.‬‬
‫وإذا سبقك سائق يجهل منه وأخذ دورك في المرور أو في احتلل موقف فل تسابقه ‪ ،‬بل أصبر وكن أرفع منه‪.‬‬
‫ول تحرص على إيقاف سيارتك في ظل بي تك أو ب يت جارك بح يث تم نع مرور ال سابلة قرب الحائط ‪ ،‬فترت ضي ل سيارتك‬
‫الظل‪ ،‬وللناس الحر‪.‬‬
‫و قم في ال سيارة الحافلة للمرأة وأعط ها مكا نك ‪ ،‬ولو كا نت سافرة ‪ ،‬ول تزا حم ع ند الركون ‪ ،‬ول تضا يق قارئ الجريدة‬
‫الجالس إلى جنبك بالنظر في جريدته‪.‬‬
‫* وفي استعمال الهاتف ‪ :‬ل تظل الكلم ول ترفع صوتك تظن أن المكالمة يقتضيها ذلك‪ ،‬ما لم يكن الجهاز رديئا‪ ،‬ودع صاحبك ينام‬
‫إذا انتصف الليل أو قارب ‪ ،‬ل تزعه بمكالمة ‪ ،‬ول بعد الفجر‪.‬‬
‫ونربا فأنفسنا أن نستعمل هاتفا عاما تشغله النوقد بإدخال سلك مثل بدل منها ‪ ،‬فإن ذلك من سماجة العامة ‪.‬‬
‫وأذكر أسمك لمن تكلمه أن لم يعرفك ‪ ،‬ل تتشبه بمن يطلب من المجيب أن يعرف من هو ‪.‬‬
‫وإذا اتصلت ببيت أخ لك ولم تجده وأردت إخبار أهله باسمك فل تذكر كنيتك فقط إذا شاركك أخرون بها ‪ ،‬فيلتبس المر عليه ‪.‬‬
‫ونكره إذا ن مت للقيلولة أو في الل يل أن تر فع سماعة الها تف ل ساعات عديدة‪ ،‬تر يد أن ل يت صل بك أ حد ‪ ،‬إذ رب ما كان‬
‫المر جادا ومهما ‪ ،‬وخير من ذلك أن ل تفتعل الحياء‪ ..‬وأن ترجو إخوانك أن ل يتصلوا بك في وقت الراحة‪.‬‬
‫* وفي المساجد ‪ :‬نكره للداعية أن يصحب الصغار جدا من أولده‪ ،‬وأن يلبس قميصا قصيرا يكشف عن أسفل ظهره إذا ركع‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪www.ikhwan-info.net‬‬

‫وإذا خرجت من الصلة بيدك نعلك فل ترمه على الرض وأنت واقف‪ ،‬لنه سيحدث ضوضاء‪ ،‬ويثير وسخا في وجه من‬
‫أنحني للبس حذائه‪ ،‬ولكن اقترب بيدك من الرض بالنحناء ‪ ،‬وضعه برفق‪.‬‬
‫* وفي المشي والتنقل‪ :‬نكره أن ل يدخل الماشي جميع قدمه في النعال‪ ،‬فتصفق بالرض من كل خطوة ‪ ،‬أو أن يضيف قطع حديد‬
‫إلى أسفل الحذاء كما يفعل الفقراء الذين يمنعون سرعة استهلكه بذلك‪ ،‬فإن الحديد يصدر صوتا مزعجا ‪ ،‬وبخاصة في الممرات‬
‫الطويلة في أبنية المستشفيات والجامعات والدوائر‪.‬‬
‫وإذا سرت ع ند جدار وقار بت نهاي ته ع ند زاو ية يتع طف في ها الطر يق فابت عد عن الجدار‪ ،‬إذ رب ما فاجأ تك ع ند النعطاف‬
‫امرأة ‪ ،‬بل أي سائر ‪ ،‬وقد يكون ما تكره ‪ ،‬من وسخ أو غيره‪.‬‬
‫والدعاة أ جل من أن يب صقوا في الشارع ‪ ،‬إل في ناح ية في ها تراب ع ند الضرورة وا ستعمال المناد يل وا جب ‪ ،‬ول نل قي‬
‫زجاجة فارغة في الشارع أو عليه أو منديل مستعمل‪.‬‬
‫ونعبر من عند الماكن المخططة ما استطعنا‪..‬‬
‫ول نضغط أزرار جميع مصاعد العمارة استعجال ‪ ،‬فإن ذلك يؤدي المستعلمين الخرين ‪ ،‬بل لنا صبر وتؤده‪.‬‬
‫ول تشارك أمرأة في مصعد عمارة سكنية وبخاصة من نساء الجيران‪ ،‬فإنها تستحي‪.‬‬
‫* وفي اللغة والتعبير وعموم الكلم ‪ ،‬لسنا نكثر أن نقول ‪ :‬يعني ‪ ،‬يعني ‪ .‬أو نقول‪ :‬ها ‪ ،‬ها ‪ .‬بل نجزم ونعود ألستنا السترسال‬
‫والطلقة‪.‬‬
‫ولسنا مثل رجال يقلدون نساءهم فيقولون‪ :‬بيت أم فلن ‪،‬بل نقول بين أبي فلن‪.‬‬
‫وليتكلم أحدنبا أمام أبناء غيبر بلده بالفصبحى‪ ،‬ليفهموه ‪ ،‬ل بلغاتنبا الميبة ‪ ..‬ونكره أن يأتبي المتكلم باصبطلحات أجنبيبة‬
‫ضمن كلمه لغير ما ضرورة أو توضيح زايد ‪ ،‬فإن العربية جزء من شخصية المسلم‪.‬‬
‫ونكره أن يحرص الرجل على لقب عائلته إذا كان قبيحا‪.‬‬
‫ولنحذر أن نستعمل في كلماتنا لفظه ل ريب فيها في بلدنا‪ ،‬وهي في بلد أخرى شتيمة أو عيب أو تدل على قلة احترام‪،‬‬
‫كقول السوري للمخاطب‪ ،‬ولك أو ‪ :‬لك وهي عند العراقي وغيره أقرب إلى الشتم الذي يلزمه الحد‪.‬‬
‫وقوم من الدعاة أخطاؤ هم النحو ية ل تغت فر‪ ،‬ول يعرف ح تى ر فع الفاعل أو المبتدأ ‪ ،‬و في مقدور هم أن يتعلموا ويخففوا‬
‫لحن لسانهم ‪ ،‬لكنهم ل يفعلون وهذا من أقبح الكسل‪.‬‬
‫ول يجري على شفاه نا ل فظ مكروه م ستقيح أو ت شبيه ق به لمزء وتبت عد عن تعاب ير العا مة‪ ،‬والب عض ي ظن أن ورود هذه‬
‫اللفاظ في المثال الدارجة التي يستعملها الناس يرفع عنها الكراهة ‪ ،‬وليس كذلك المر ‪ ،‬أمثالنا عفيفه أيضا مثل سائر كلمنا‪.‬‬
‫وإذا شر حت واق عة فل تن طب في ذ كر التفا صيل ال تي ل ت قع في ها ‪ ،‬فإن روح المقا بل قد تز هق ق بل و صولك إلى روا بة‬
‫جوهر المسألة‪.‬‬
‫وتج نب كثرة التعل يق على الحوادث اليوم ية ال صغيرة ال تي ترا ها ويرا ها أ هل مجل سك ‪ ،‬م ما يحدث في الدوائر الحكوم ية‬
‫والمقاهي والسواق ‪ ،‬كشجار بين موظف ومراجع ‪ ،‬واختلف رواد المسجد مع المؤذن في دخول الوقت‪ ،‬وأمال ذلك ‪ ،‬فإن التعليق‬
‫على هذه الحوادث شغل الفارغين ‪ ،‬وعليك ا‪ ،‬تمر بهذه المناظر مرورا سريعا حتى كأن عينك لم تر‪ ،‬وأذنك لم تسمع ‪ ،‬وأشغل أهل‬
‫مجلسك بعلم نافع وكلم مفيد‪.‬‬
‫* وفي المعطم والسوق ‪ :‬نحب للداعية أن يمنح شيئا من المال لفتيان المطعم والمقهى إذا انتهى وأراد القيام ‪ ،‬وأن يجزل أجرة‬
‫الحمال والسائق‪.‬‬
‫ونحب أن ل يكون الداعية ملحاحا في مساومة الباعة‪ ،‬ول أن يضع نفسه في زحمة العامة من الناس إذا تقاتلوا في البلد‬
‫الفقيرة على طعام يباع بتخفيض‪ ،‬وليصبر ‪ ،‬وليحمل أولده على القناعة بأكل الميسور ‪ ،‬فإنه أحفظ لمكانة الداعية‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪www.ikhwan-info.net‬‬

‫* وفي استعمال الكتب ‪ :‬ل تضع خطوطا تحت الجمل المهمة إذا كان الكتاب ليس لك‪ ،‬ول تجعله بين يدي أولدك ليمزقوا غلفه‬
‫ويشوهوا صفحاته‪ ،‬وأر جع ما ا ستعرت في و قت منا سب‪ ،‬فإن ها ح سرة دائ مة يتحدث ب ها أ صحاب المكتبات الشخ صية الجيدة‪ :‬أن‬
‫إخوانهم أضاعوا كتابا نادرا لهم ‪ ،‬أو أتلفوا بعض أجزاء الكتاب متعدد الجزاء‪.‬‬
‫* وفي سلوكنا في بلد الغرب‪ :‬نكره أن يتوضأ المسلم في بريطانيا مثل فيغسل رجله في مغسله مكان عام‪ ،‬كمستشفى أو قسم‬
‫داخل ‪ ،‬لنهم يحبسون الماء بها ويغسلون وجوههم ‪ ،‬ويستقذرون أن تغسل القدم بها‪.‬‬
‫ونكره لمن شارك في مؤتمر إسلمي في أوربا وأمريكا أن يحضر المحاضرات ويتجول بالملبس العربية والطاقية أو‬
‫عصاية الرأس ‪ ،‬فإنها في عرف أهل تلك البلد ملبس نوم‪ ،‬ولكن ليلبس البدلة مثل ‪ ،‬ليلبس الملبس العربية الرسمية أي بعباءة‬
‫وعقال أو بعمامة‪.‬‬
‫ونرى أن تأشيرة الدخول إلى بلد الن صارى تع ني ع قد أمان يو جب على الم سلم الزائر ل ها احترام قوانين ها‪ ،‬وب ها تكون‬
‫أموالهم عليه حراما‪ ،‬ويجب يصون ول يؤذي الممتلكات العامة ‪ ،‬من محطات ووسائل نقل وهواتف وحدائق ‪ ،‬وأن يعاملهم بالصدق‬
‫والحسنى ‪ ،‬ويعامل موظفيهم وشرطتهم احترام ‪ ،‬وكان بعض من لفقه ل يتوهم جواز إلحاق الذى بهم والتحا يل على حقوقهم ‪،‬‬
‫وذلك منكر ل يجوز ‪ ،‬واتباع هوى ‪ ،‬وجهل وضلل‪.‬‬
‫ونكره للداعيبة أن يتكلف فبي العفاف ويصبل إلى حبد الوسبوسة فيبه ‪ ،‬بأن يشيبح بوجهبه عبن الموظفات المتببرجات إذا‬
‫حادثنه‪ ،‬أو أن يسكت ل يجيب اسنلتهن ترفعا‪ ،‬فإن حالهن هو مقدار مبلغهن من العلم ‪ ،‬وليكن رفيقا‪ ،‬فإنهن في بلدهن أو شركات‬
‫أهل بلدهن وهو الزائر‪ ،‬وليجلس من أراد مثل هذا التعفف الصارم في بيته ول يكلف أنفس أهل الملل الخرى ما ليس في وسعها‪.‬‬
‫* وهناك مفترقات ذوقية أخرى يحسن بالداعية مراعاتها ‪ ،‬وقد تكون متعلقة بحقوق دقيقة يفغل عنها أول وهلة‪.‬‬
‫فنحبن نرى وجوب التزام الداعيبة بالتسبلسل ومراعاة الدور فبي الماكبن الزدحمبة ‪ ،‬السببق أول‪ ،‬مثل شراء التذاكبر‬
‫ومراج عة الدوائر والم ستشفيات والشراء من ال سواق وركوب الحافلت والقطارات و ما أش به ‪ ،‬وإذا كان م ستعجل فلير جو الذي‬
‫قبله أن يعطوه دورهم‪.‬‬
‫وفي البلد التي يسكن فيها الناس الشقق المجموعة في عمارة واحدة‪ :‬نرى أن يحرص الداعية على شقه أمامها بحر أو‬
‫حدي قة أو أرض فضاء‪ ،‬ب حث ل تواز يه عمارة قري بة ‪ ،‬لن احتياطات أ هل بي ته قد ل تم نع الن ظر مه ما بالغواء ‪ ،‬و قد برى من‬
‫تساهل من يسكن الشقق الموازية مناظر مكروهة ل يحسن أن يراها أهل بيته وولده‪.‬‬
‫ول نرى الذهاب إلى مكان فيه فرح أو أنس بعد زيادة تعزية لخرين في ساعة واحدة ‪ ،‬فإن الحزين الذي عزيته يسشعر‬
‫بأن زيارتك له إنما هي محض دبلوماسية ل مشاركة لقلبك فيها‪.‬‬
‫ول تبادر إلى تعزية من كان مسافرا بموت قريب أو بمصيبه ‪ ،‬فقد يكون على غير علم بما أصابه ‪ ،‬فتأخذه المفاجأة‪.‬‬
‫ونكره ل من ي ستمع در سا أو ين صت لحدث أن ي سبق المتكلم بالذ كر نها ية ق صة ي سودها‪ ،‬أو ت سمية ك تب بذكر ها ‪ ،‬كأ نه‬
‫يبرهن على أن يعرف مثل معرفة المتكلم‪ .‬ونكره أن يقلد الدعاة بعضهم بعضا في انتقاد أخ لهم من أصحاب الشهامة والخلق النبيل‬
‫إذا أخ طأ ‪ ،‬وبخا صة الخطاء ال تي سببها قلة خبرته الحيات ية‪ ،‬وال ستر على ال ساذج خ ير من التلذه بتوج يه الكلم ال مر البع يد عن‬
‫الرحمة إليه‪...‬‬
‫* فهذه وأمثالها من القضايا الذوقية تعتبر من مكملت الشخصية السلمية ‪ ،‬ومن زينة الدعاة‪ ،‬ويجب أن يحافظ الداعية على‬
‫سمر منزلته التي وفقه ال تعالى لها‪ ،‬وعلى احترام عقلء الناس له ‪ ،‬وأن يتصف كنبيل وسيد وعين ومفكر وفقيه وزاهد ومرجع‪،‬‬
‫وأن يحمد ال على أن ميزه عن أهل السوء والغوغاء‪.‬‬
‫وكان السلف ينكرون الذوق النابي ‪ ،‬كعطاء بن أبي رباح التابعي – رحمه ال فقد ‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫‪www.ikhwan-info.net‬‬

‫( حدث رجبل بحديبث فاعترضبه رجبل‪ ،‬فغضبب عطاء ‪ ،‬فقال‪ :‬مبا هذه الخلق ‪ ،‬مبا هذه الطباع ؟ وال إن الرجبل ليحدث‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫بالحديث لنا أعلم به منه ‪ ،‬ولعسى أن يكون سمعه مني ‪ ،‬فأنصت إليه وأريه كأني لم أسمعه قبل ذلك )‬
‫بل كانوا يعاقبون تلمذتهم على ذلك ‪ ،‬مثل محدث‪:‬‬
‫‪..‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫( أعنقوا عليه في دق الباب فلم يحدثهم )‬

‫‪‬عطاء الغدو ووسائل السمو‬


‫فيا ترى ‪ :‬نحصل على هذا النموذج الكامل الفريد ؟‬
‫هي يسع الداعية بعد حصاره بدوائر الحلل والحرام ‪ ،‬والمكروهات والمندوبات ‪ ،‬والفكر والخلق‪ ،‬والنضباط واللتزام ‪ ،‬أن يكون‬
‫على تسعين صفة أخرى من المروة يفعلها ‪ ،‬وتاركا للف صفة من خوارمها ‪ ،‬تعففا وسموا إذ الناس ‪ ،‬أكثر الناس لها يفعلون ؟‬
‫قد يستصعب البعض ذلك ‪ ،‬وتأخذهم رافة بالدعاة ‪ ،‬واشقاق ورحمه ‪ ،‬لما في المثالية من عناء ورهق‪ ،‬ولكننا نظل نصر‬
‫على هذا النمط من التحليق العالي‪ ،‬وهي صفات وأنماط ل بد أن تظهر فينا ‪ ،‬ول بد أن نحييها‪.‬‬
‫ويستعين الداعية بعد التوكل على ال بوسائل ثلث لترويض نفسه‪:‬‬
‫* بالمطالعة في كتب الخلق اليمانية والطرق الحسانية ‪ ،‬مثل‪ :‬مدارج السالكين ‪ :‬وتهذيب إحياء علوم الدين ‪ ،‬إذ أن الكثير من‬
‫هذه الذواق تشهد لها السنة وسيرة الجيال الراشدة المهدية الولى‪.‬‬
‫* وبالمطالعة الدبية والنظر في دواوين الشعر‪ ،‬فإن أكثر الشعراء لهم أحاسس رقيقه مكنتهم من اكتشاف الذواق الرفيعة ‪.‬‬
‫* بالمخال طة الجتماع ية ل هل الف ضل وأبناء العوائل ال صلية والعلماء والكتاب وأبطال الحروب وقد ما المعلم ين ‪ ،‬والخروج من‬
‫مجتمع الدعاة إلى المجتمع الواسع‪ ،‬فإن في أشراف الناس بقية خير وأفر وإن قصروا عن إدراك معنى الدعوة ووجوب النضمام‬
‫إلى رهط الدعاة‪.‬‬
‫ول كن مع كل ذلك‪ ،‬و مع إمكان هذه القتبا سات الخير ية ‪ ،‬فإن الدعوة تب قى ذات ميزة فريدة ‪ ،‬إذا أن ها تأ بى أن يذوب في‬
‫معانيها كل الذوبان وأتمه من لفظ ينخرط في سلوكها أو شبابها فتطبعه بطابعها الخاص الذي ل يمكن أن يحوز مثله من يأتيها بعد‬
‫تجاوز سن الشباب الول‪ ،‬من التوا ضع والب ساطة وال سماحة ‪ ،‬وكمال العفاف وع مق التأ خي‪ ،‬ووفرة البذل ‪ ،‬والمبال غة في صدق‬
‫الله جة‪ ،‬وتب قى في المتأ خر بق ية مه ما حاول ومه ما بلغ في العلم‪ ،‬وهذه الظاهرة ي صعب و صفها والتدل يل علي ها ‪ ،‬وإن ما ت حس‬
‫بالمعاملة والتجريب ‪ ،‬ومن ذاق ‪ :‬عرف‪.‬‬

‫* نحن صناع الحياة ‪....‬‬


‫إن معترضبا قبد يعترض على هذا التشدد ‪ ،‬وعلى طلب هذه المنزلة العاليبة مبن الخلق والذواق والبراءة مبن العيوب ‪،‬‬
‫ويقول ‪ :‬يصح أن نطلبها من العيان ‪ ،‬لكن ما شأن عامة الدعاة؟‬
‫ول يس ذلك ب صواب ‪ ،‬فإن الضرورة إن جعلت الدعاة طبقات ‪ ،‬فإن وا جب الدعوة ج عل كل داع ية قائدا لجموع من الناس‬
‫في مدينته أو من أهل مهنته أو من قبيلته وقرابته وجيرانه‪.‬‬
‫** نحن دعاة السلم قادة الحياة ‪ ،‬ونريد أن نبدل التيار ونعاكس الهدم ببناء ‪ ،‬ولن يكون ذكل إل بمقارعة فكرية ‪ ،‬وإصلح‬
‫اجتما عي وتهذ يب أخل قي وم صادمة سياسية وم سابقة اقت صادية ‪ ،‬ولن يقوم بذلك غ ير ن فر على هذا الن مط من الن بل والتع فف‪،‬‬
‫وعلى هذا الطراز من الذوق الرف يع‪ ،‬وهذا التنزه عن المكدرات والمكروهات‪ ،‬ومه مة بناء الحياة ل تنت ظر إذ نا ول تحتكر ها طب قة‬
‫ول تلزمها صفة زعامة ‪ ،‬بل هي مهمة كل من أمن ووعى وأنتمى ‪ ...‬أن يعمل صالحا‪.‬‬

‫‪ - 1‬طبقات ابن سعد ‪.5/469‬‬


‫‪ - 2‬الجرح والتعديل لبن أبي حاتم ج ‪ /1‬ق ‪.1/267‬‬

‫‪14‬‬

You might also like