You are on page 1of 12

‫الغزو الفكري قديما ً وحديثاً‬

‫الغزو الفكري قديما ً وحديثا‬


‫نص المحاضرة التي ألقاها الشيخ أحمد بن حمد الخليلي في‬
‫جامع نزوى يوم الربعاء الرابع من شهر رجب ‪1423‬هـ‪،‬‬
‫الموافق ‪ 11‬سبتمبر ‪ 2002‬م‪.‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬حمدا ً يليق بجلل وجهه وعظيم‬
‫سلطانه‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن‬
‫سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله‪ ،‬أرسله الله بالحجة القاطعة‬
‫والمعجزة الساطعة والدعوة الجامعة‪ ،‬فبلّغ الرسالة وأدّى المانة‬
‫ونصح المة وكشف الله به الغمة‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين‪،‬‬
‫أما بعد‪،،،‬‬
‫فالسلم عليكم أيها المشائخ والخوة والبناء ورحمة الله‬
‫وبركاته‪ ،‬أحييكم بهذه التحية الطيبة المباركة‪ ،‬وأسأل الله سبحانه‬
‫وتعالى الذي جمعني بكم في هذا البلد العريق وفي هذا المسجد‬
‫العتيد في ظل كتاب الله الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول‬
‫من خلفه‪ ،‬تنزيل من حكيم حميد‪ ،‬ونحن نستبشر بهذه الشبيبة‬
‫التي نرجو بمشيئة الله سبحانه وتعالى أن تكون دعامة حق لهذا‬
‫الدين‪ ،‬وأن تكون مضطلعة بأمانته‪ ،‬قائمة بواجباته‪ ،‬مبلغة‬
‫لرسالته‪ ،‬ناصحة لهذه المة‪ ،‬آخذة بزمام قافلة النسانية إلى‬
‫طريق الخير والسعادة‪.‬‬
‫‪-‬أهمية الفكر السليم‪-‬‬
‫ول ريب أنكم تدركون أن فكر النسان هو مصدر استقامته‬
‫أو انحرافه‪ ،‬وهداه أو ضلله‪ ،‬فبقدر ما يكون عليه الفكر من‬
‫الهدى بحيث يكون نابعا ً من أصل سوي تكون استقامة النسان‬
‫في سلوكه‪ ،‬وبقدر ما يكون بخلف ذلك يكون أيضا ً انحرافه‪ ،‬ومن‬
‫أجل ذلك أرسل الله سبحانه وتعالى رسله‪ ،‬وأنزل كتبه من أجل‬
‫تنظيف فكر النسان من الدخيل الذي ل يتفق مع الحقيقة ول‬
‫ينسجم مع الفطرة‪ ،‬وقد أرسل الله سبحانه وتعالى عبده‬
‫ورسوله محمدا ً صلى الله عليه وسلّم على حين فترة من الرسل‬
‫بعدما استبدت الهواء بالناس‪ ،‬وتشبعت بهم المسالك‪ ،‬وتفرقت‬
‫بهم الطرق‪ ،‬وكانوا في أفكارهم وتصوراتهم وفي سلوكهم‬
‫ومعاملتهم متباينين تمام التباين‪ ،‬وأكثرهم لم يكونوا على شيء‬
‫من الهدى إل من كان مستمسكا ً بالكتاب الذي أنزل من قبل‪،‬‬
‫ولم يفرط في المحافظة عليه‪ ،‬ولم يحرف شيئا ً مما جاء به‪،‬‬
‫أولئك الذي قال الله سبحانه وتعالى فيهم (الذين آتيناهم الكتاب‬

‫‪1‬‬
‫الغزو الفكري قديما ً وحديثاً‬

‫من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق‬
‫من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين) وكان من بين أولئك الذين‬
‫استمسكوا بالفكر الصحيح الحنيفيون الذين حرصوا على اتباع‬
‫الحنيفية‪ ،‬وحرصوا على عقيدة التوحيد والبعد عن الضلل وسائر‬
‫النسانية كانت تتسكع في الظلمات‪ ،‬وتهيم في أودية الضلل‪ ،‬ل‬
‫تفرق بين حقيقة بين خيال‪ ،‬ول بين حق وباطل‪ ،‬لنها لم تكن‬
‫على بينة من أمرها‪ ،‬ولم تكن على بصيرة من ربها فلذلك ضل‬
‫فكرها ذلك الضلل البعيد‪ ،‬وقد حرص النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم على تنظيف الفكر من كل ما علق به من الوهام‬
‫والضللت والخيالت التي سلكت بالناس مسالك متعددة في‬
‫النحراف عن طريق الحق‪.‬‬
‫وقد ترك النبي صلوات الله وسلمه عليه الناس على‬
‫المحجة البيضاء الناصعة ليلها كنهارها ل يزيغ عنها إل هالك‪ ،‬ولكن‬
‫هل بقي هذا الفكر على نصاعته ووضوحه وظهوره للناس؟!‪ ،‬أو‬
‫أن هذا الفكر أصيب بكثير من اللوثات التي انحرفت به ذات‬
‫اليمين وذات الشمال‪.‬‬
‫من المعلوم أن اليهود منذ أن بعث الله تعالى نبيه صلوات‬
‫الله وسلمه عليه ظلوا يخططون من أجل النحراف بفكر هذه‬
‫المة عن المنهج السوي‪ ،‬فلذلك دخل في أدمغة هذه المة الكثير‬
‫من الفكار التي خطط لها اليهود بطريقة أو بأخرى‪ ،‬وقد صدّق‬
‫الناس كثيرا ً أولئك الذين تظاهروا بالسلم من أهل الكتاب وتلقوا‬
‫عنهم‪ ،‬ووجدت رواية تنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلّم هي‬
‫أبعد ما تكون عن الحقيقة أنه قال‪( :‬حدثوا عن بني إسرائيل ول‬
‫حرج)‪ ،‬فلذلك دخلت الفكار المنحرفة في صميم عقيدة هذه‬
‫المة وكان ذلك سببا ً لزيغ هذا الفكر عن المنهج السوي‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن من فضل الله سبحانه وتعالى على هذه‬
‫المة أن حفظ لها كتابها من التحريف والتبديل‪ ،‬وتلك إحدى‬
‫معجزات القرآن الكريم‪ ،‬فإن كل من أراد أن يتطاول على‬
‫القرآن بتحريف أو تبديل رد الله تبارك وتعالى كيده في نحره‬
‫ولم يستطع أن يتوصل إلى مرامه‪ ،‬وظل الكتاب محفوظا ً كما‬
‫يقول الحق تبارك وتعالى‪( :‬إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له‬
‫لحافظون)‪ ،‬ولكن مع هذا كله دخلت مرويات ألحقت بالسنة‬
‫النبوية فيها الكثير من النحراف عن منهج الحق‪ ،‬وقد حرص‬
‫العلماء على تنقية هذه المرويات من الشوائب‪ ،‬ولكن مما‬
‫يؤسف له أن أولئك الذين اهتموا بهذا الجانب إنما عنوا بالنظر‬
‫في السانيد‪ ،‬ولم يعنوا بالنظر في المتون‪ ،‬ومع ذلك نظروا إلى‬
‫معدل ينظر إلى‬ ‫مجرح أو ال ُ‬‫هذه السانيد من زاوية معينة‪ ،‬فكان ال ُ‬

‫‪2‬‬
‫الغزو الفكري قديما ً وحديثاً‬

‫الراوي من خلل اتفاقه معه في معتقده‪ ،‬فمهما خالف معتقده‬


‫رماه بالجرح‪ ،‬ووصمه بكثير من الصفات التي تنتقص من قدره‬
‫وتشوه سمعته بين الناس؛ فلذلك لم يمكن لهؤلء أن ينقوا السنة‬
‫من جميع الشوائب التي ألحقت بها وسنة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلّم بريئة من ذلك‪.‬‬
‫‪-‬كذبوا على النبياء‪-‬‬
‫ومن بين هذا الغزو الفكري الذي بدأ في مرحلة مبكرة‬
‫وكان له أثر على هذه المة في سلوكها؛ ما يتعلق بتفسير القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬فقد أدرجت في تفسير القرآن الكريم مرويات شتى فيها‬
‫الكثير جدا ً من النحراف عن الحق‪ ،‬فنحن إن سكتنا عما يتعلق‬
‫بالطبيعة وما أدخل في تفسير القرآن الكريم مما يتنافى مع‬
‫دللة القرآن‪ ،‬فإننا نرى أن الكثير من هذه المرويات فيما يتعلق‬
‫بتفسير اليات التي تتناول قصص النبياء تنتقص من قدرهم‪،‬‬
‫وتصورهم شهوانيين ل هم لهم إل السعي وراء شهوات أنفسهم‪،‬‬
‫وهذا غير بدع إذا نظرنا إلى مسلك اليهود‪ ،‬فإن اليهود إنما‬
‫ألصقوا بأنبياء بني إسرائيل الكثير جدا ً من المرويات التي شوهت‬
‫صورتهم‪ ،‬حتى أنهم قالوا في لوط عليه السلم إنه كان في حالة‬
‫سكر وزنى بابنته وحملت منه‪ ،‬ونسبوا إلى الكثير من أنبياء بني‬
‫إسرائيل من ذرية يعقوب عليه السلم ما نسبوا إليهم من‬
‫الضلل‪ ،‬وغير بدع وقد صدق الناس مرويات بني إسرائيل أن‬
‫تدخل هذه الروايات في تفسير القرآن الكريم‪ ،‬لذلك وجدنا‬
‫التفسير محشوا ً بالكثير جدا ً من الضللت التي نسبت إلى‬
‫النبياء‪.‬‬
‫‪-‬قصة داود عليه السلم‪-‬‬
‫من ذلك ما نسب إلى نبي الله داود عليه السلم أنه عشق‬
‫امرأة وبعث بزوجها في سرية من أجل أن يقتل حتى يتمكن من‬
‫الزواج بتلك المرأة‪ ،‬وهذا مما تداوله المفسرون كثيرا ً وهو‬
‫بطبيعة الحال من الغزو الفكري‪ ،‬والله تبارك وتعالى وصف نبيه‬
‫داود عليه السلم بأحسن الصفات التي تبرئه من هذا الذي نسب‬
‫إليه‪.‬‬
‫‪-‬قصة يوسف عليه السلم‪-‬‬
‫مما يؤسف له كذلك ما نسب إلى يوسف عليه السلم‪ ،‬فقد‬
‫روى ابن جرير الطبري في تفسيره وتناقله الكثير من المفسرين‬
‫سر بذلك قول‬ ‫م بإتيان الفحشاء مع امرأة العزيز‪ ،‬وفُ ّ‬
‫من أنه ه ّ‬
‫الله سبحانه وتعالى‪( :‬ولقد همت به وهم بها لول أن رأى برهان‬
‫ربه)‪ ،‬بحيث زعموا أنه قعد منها مقعد الرجل من امرأته بين‬
‫ل تِكة سراويله‪ ،‬ورأى في هذه الحالة يعقوب‬ ‫فخذيها بعدما ح ّ‬

‫‪3‬‬
‫الغزو الفكري قديما ً وحديثاً‬

‫عليه السلم عاضا ً على أنامله‪ ،‬ومنهم من قال بأنه رأى يداً‬
‫مكتوبا ً عليها كيف تفعل هذه الفعال وأنت من النبيين‪ ،‬إلى غير‬
‫ذلك مما نسبوه‪ ،‬مع أن هذا بعيد عن الحقيقة‪.‬‬
‫وقد أجاد الفخر الرازي في هذا عندما قال بأن من قال هذا‬
‫القول فقد كذ ّب الله تبارك وتعالى‪ ،‬وكذ ّب يوسف عليه السلم‪،‬‬
‫وكذ ّب امرأة العزيز‪ ،‬وكذ ّب النساء اللواتي كن يراودن يوسف‬
‫عن نفسه‪ ،‬وكذ ّب الشيطان نفسه‪.‬‬
‫أما تكذيبه لله تبارك وتعالى فإن الله سبحانه وتعالى قال‪:‬‬
‫(كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين)‬
‫فكيف مع ذلك يوصف بهذا الوصف‪ ،‬وتكذيبه ليوسف عليه السلم‬
‫فإن الله تبارك وتعالى حكى عنه بأنه قال‪( :‬رب السجن أحب‬
‫إلي مما يدعونني إليه) فرجل يصل به المر وهو في ميعة‬
‫الشباب إلى أن يستحب السجن مع ما فيه من العذاب والتنكيل‪،‬‬
‫ويرى تغييبه في غياهب السجون خيرا ً له من أن يأتي شيئا ً مما‬
‫يدعى إليه هو ول ريب أبعد ما يكون من أن يهم بهذه الفحشاء‪،‬‬
‫وتكذيبه لمرأة العزيز لنها قالت كما حكى الله تبارك وتعالى‬
‫عنها (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم)‪ ،‬ومعنى استعصم امتنع‪،‬‬
‫أي كان معصوما ً من إتيان هذا المر‪ ،‬وأما تكذيبه للنسوة فإن‬
‫الله تبارك وتعالى حكى عنهن قولهن (حاش لله ما علمنا عليه‬
‫من سوء)‪ ،‬وأما تكذيبه للشيطان فإن الشيطان الرجيم لعنه الله‬
‫عندما أعلن التمرد على أمر الله سبحانه وتعالى قال في خطابه‬
‫لله سبحانه (لضلنهم أجمعين إل عبادك منهم المخلصين)‪،‬‬
‫ويوسف عليه السلم من عباد الله المخلصين بنص القرآن‬
‫الكريم‪.‬‬
‫وما أدرك هؤلء حقيقة الهم الذي نسبه الله سبحانه وتعالى‬
‫إلى يوسف عليه السلم بعدما نسبه إلى امرأة العزيز‪ ،‬ل ريب أن‬
‫امرأة العزيز راودته عن نفسها‪ ،‬وأرادت أن يقضي لها وطرها‬
‫عندما تعلق قلبها به‪ ،‬ولكن بعدما امتنع عليها بأي شيء همت‬
‫هي‪ ،‬وبأي شيء هم هو؟‪.‬‬
‫المرأة ‪-‬كما بيّن العلمة السيد رشيد رضا في تفسيره‬
‫المنار‪ -‬ل يمكن أن تهم بأن تفعل شيئا ً للرجل‪ ،‬وإنما غاية ما‬
‫تفعله أن تدعوه إليها وتمكنه من نفسها‪ ،‬أما أن تهم به‪ ،‬أي تهم‬
‫أن تفعل به الفاحشة فل‪ ،‬لنها مفعول بها وليست بفاعل‪ ،‬وإنما‬
‫الرجل يفعل بها‪ ،‬فإذن ما الذي همت به وهم بها بسبب همها‬
‫به؟‪ ،‬همت أن تضربه بسبب كبريائها وامتناعها عليها وعصيانه‬
‫لمره‪ ،‬وهم هو أن يرد عليها بأن يضربها دفاعا ً عن نفسه‪ ،‬ولكن‬
‫رأى من آيات ربه سبحانه وتعالى ما يدله على أنه لو فعل ذلك‬

‫‪4‬‬
‫الغزو الفكري قديما ً وحديثاً‬

‫وظهر الثر عليها لكانت لها حجة في هذا لتوقعه في التهمة‬


‫فلذلك هرب عنها‪ ،‬ولما هرب عنها استمسكت بقميصه فقدّت‬
‫قميصه من دبر فكانت الحجة له عليها‪ ،‬ولم تكن الحجة لها عليه‪،‬‬
‫هذا الهم الذي كان بينه وبينها‪ ،‬ول ريب أنها كانت تريد أن يواقعها‬
‫ولكن ليس هذا هو الهم المعهود في قول الله تعالى (ولقد همت‬
‫به وهم بها)‪.‬‬
‫إنما همت أن تضربه بسبب امتناعه عليها كما هددته‬
‫بالسجن فيما بعد‪ ،‬فهم هو أن يرد عليها دفاعا ً عن نفسه‪ ،‬ورأى‬
‫من آيات الله سبحانه وتعالى ومن اللهام الرباني الذي وقع في‬
‫نفسه بأنه لو فعل ذلك لدى هذا إلى أن تبدو عليها آثار التهمة‬
‫بسبب ما يكون عليها من علمة فعله ذلك‪ ،‬ولكن مع ذلك حشا‬
‫الكثير جدا ً من المفسرين تفاسيرهم بهذه الشياء‪ ،‬وقالوا بأنه‬
‫رأى برهان ربه‪ ،‬أي رأى يعقوب يعاتبه أو رأى الكف التي كتب‬
‫عليها ما كتب‪ ،‬ولو كان رجل من الفساق في لحظة قضاء وطره‬
‫ورأى مثل هذا‪ :‬أما كان له في ذلك ردع؟‪ ،‬فكيف يكون هذا ميزة‬
‫لعبد وصفه الله تبارك وتعالى بأنه من عباده المخلصين ؟!‪ ،‬مع‬
‫أن الفاجر الذي دأب على الفحشاء عندما يحاول إتيان الفحشاء‬
‫وإذا به يرى أباه بين يديه يعاتبه أو أن يرى كفا ً كتب عليها ما‬
‫كتب أما كان في ذلك ما يردعه عن الوقوع في الفحشاء؟!‪.‬‬
‫ول ريب أن هؤلء النبيين قدرهم عال وشأنهم عظيم‪ ،‬وقد‬
‫أمر الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلّم أن يقتدي بهم‬
‫عندما قال بعد ذكرهم (فبهداهم اقتده)‪ .‬أل يجد من يقرأ عنهم‬
‫مثل هذا الذي كتب عنهم من هذه السفاسف الدنية في ذلك ما‬
‫يشجعه على الوقوع الفحشاء والنحراف عن سواء الصراط؟!‪،‬‬
‫فهذا من جملة الغزو الفكري الذي أصيبت به هذه المة في‬
‫صميم عقيدتها لن نزاهة النبيين وعفتهم من صميم عقيدة هذه‬
‫المة‪.‬‬
‫‪-‬قصة هاروت وماروت‪-‬‬
‫وقد نسبوا إلى الملئكة أنهم كان بينهم وبين الله تبارك‬
‫وتعالى ما كان‪ ،‬وأن الله عز وجل أمرهم أن يختاروا ملكين هما‬
‫من أكثر الملئكة عبادة وأكثرهم خشية لله تبارك وتعالى‪،‬‬
‫فأنزلهما إلى الدنيا ولما أنزلهما إليها ابتلءً وركّب فيهما الشهوة‬
‫جاءتهما امرأة تشكو إليهما زوجها فكان منهما أن راوداها‬
‫فاشترطت عليهما أن يسجدا للصنم وأن يشربا الخمر وأن يقتل‬
‫زوجها ففعل ذلك‪ ،‬ثم بعد ذلك نالهما من العذاب ما نالهما إلى‬
‫آخر ما نسب إليهما مما هو أبعد ما يكون عما وصف الله تبارك‬
‫وتعالى به الملئكة في كتابه‪ ،‬فالله تعالى يقول فيهم (ل يعصون‬

‫‪5‬‬
‫الغزو الفكري قديما ً وحديثاً‬

‫الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)‪ ،‬ويقول (ل يسبقونه بالقول‬


‫هم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ول يشفعون إل‬
‫لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون)‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن مثل هذه الفكار عندما تروج وتشيع في‬
‫أوساط الناس تؤدي إلى وقوع الناس في الفحشاء‪ ،‬إذ يقول‬
‫النسان‪ :‬إذا كان الملئكة وقد وصفوا بما وصفوا به وهم لم‬
‫يستطيعوا أن يتمالكوا أنفسهم فاندفعوا وراء شهواتهم‪ ،‬حتى‬
‫وقعوا في الكفر وسجدوا للصنم وشربوا الخمر وقتلوا النفس‬
‫المحرمة بغير حق‪ ،‬فكيف بنا نحن؟‪ ،‬هذا الذي يقع في نفوس‬
‫كثير من الضعفاء عندما تروج هذه الفكار‪.‬‬
‫‪-‬افتراء على النبي صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫وكذلك وُصف نبينا صلى الله عليه وسلّم ‪-‬على عظم قدره‬
‫وعلو شأنه‪ -‬في الكثير من هذه الروايات بأوصاف ل تدل إل على‬
‫الهمجية و الشهوانية‪ ،‬فمما يؤسف له أن نجد في صحيح البخاري‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان يشارك قومه في بناء‬
‫البيت الحرام ويحمل الحجارة على كتفه لم يجد ما يتقي به‬
‫فأشار عليه عمه العباس رضي الله عنه أن يخلع إزاره ويتقي به‪،‬‬
‫فخلع إزاره وكان بادي العورة أمام الناس وأمام بيت الله الحرام‬
‫ثم انتبه بعد ذلك وخر مغشيا ً عليه‪ ،‬من يصدق هذه الرواية ولو‬
‫جاءت بأصح السانيد كما يزعمون؟!‪ ،‬من يصدق أن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلّم الذي يصفه الله بأنه على خلق عظيم (وإنك‬
‫لعلى خلق عظيم) يصل به المر بأن يرضى أن يبدي عورته؟!‪.‬‬
‫ذلك الشيء ل يرضاه حتى أولئك الذين يعيشون في‬
‫الدغال أبعد ما يكونون عن الحضارة وعن القيم النسانية فضلً‬
‫عن القيم الدينية‪ ،‬من الذي يصدق هذا؟!‪.‬‬
‫وكذلك ما نسب إليه صلوات الله وسلمه عليه كما جاء في‬
‫صحيح مسلم أنه نما إلى علمه بأن ابن عم جاريته مارية يواقعها‪،‬‬
‫فأمر النبي صلى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب أن يذهب‬
‫إليه ويقتله على الفور‪ ،‬هذا أمر لو نسب إلى جبار من جبابرة‬
‫الرض لكان ملوماً‪ ،‬وقالوا بأن عليا ً ذهب والسيف في يده ووجد‬
‫الرجل يستحم في ركوة ماء فأمسك بيده وأخرجه من الركوة‬
‫من أجل أن يقتله‪ ،‬وإذا به يسقط إزاره ويتبين أنه مجبوب ليس‬
‫فيه ذكر‪ ،‬فرجع علي إلى النبي صلى الله عليه وسلّم وأخبره‬
‫الخبر فأمره النبي صلى الله عليه وسلّم بالكف عنه‪ .....‬من‬
‫الذي يصدق هذه الرواية؟‪.‬‬
‫هل النبي صلى الله عليه وسلّم جبار يأخذ الناس بالظنة‬
‫بمجرد أن ينسب إلى أحد أنه يفعل هذا المر فيأمر بقتله؟!‪ ،‬مع‬

‫‪6‬‬
‫الغزو الفكري قديما ً وحديثاً‬

‫أن مجيء هذه الجارية إليه كان بعد وقوع قصة الفك عند أم‬
‫المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها‪ ،‬وقصة الفك فيها درس‬
‫لي أحد‪ ،‬فلو كان النبي صلى الله عليه وسلّم رجل ً عاديا ً ولم‬
‫يكن نبيا ً مرسل ً من قبل الله سبحانه وتعالى لكفته قصة الفك‬
‫درسا ً حتى ل يتجرأ مثل هذا التجرؤ‪.‬‬
‫ثم من ناحية أخرى؛ ثم هل يكون النبي صلى الله عليه‬
‫وسلّم أغير على جاريته منه على زوجه أم المؤمنين السيدة‬
‫عائشة رضي الله تعالى عنها؟!‪ ،‬فعندما نُمي إليه ما نُمي وتحدث‬
‫الناس بأن رجل ً صارت بينه وبين أم المؤمنين عائشة رضي الله‬
‫عنها علقة وبرأها الله من ذلك‪ ،‬فلماذا لم يأمر بقتل ذلك الرجل‬
‫في ذلك الحال؟‪ ،‬مما يدل على أن هذه الرواية ليست صحيحة‬
‫ول يمكن أن تقبل‪ ،‬ومع السف جاءت في صحيح مسلم معزوة‬
‫إلى أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه!‪.‬‬
‫وكذلك نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلّم كما جاء في‬
‫تفسير ابن جرير الطبري بأنه أبصر امرأة زيد وكانت عليها ثياب‬
‫رقاق فاستبد جمالها بقلبه‪ ،‬وسرى حبها في أعماق نفسه‪ ،‬فلم‬
‫يتمالك وخرج وهو يقول سبحان مقلب القلوب‪ ،‬وقالوا بأن هواه‬
‫بها وتعلقه بها هو المعني بقول الله تبارك وتعالى (وتخفي في‬
‫نفسك ما الله مبديه)‪ ،‬ونحن نتساءل‪:‬من أين جاء ذلك؟ وهل‬
‫يليق هذا بالنبي صلى الله عليه وسلّم؟‪ .‬وهل يليق برجل مؤمن‬
‫عادي‪ -‬فضل ً عن أن يكون نبيا ً مرسل ً من عند الله تبارك وتعالى‬
‫عصمه الله‪ -‬أن يذهب إلى بيت إنسان ويمتد نظره إلى ما في‬
‫داخل حرمه حتى يرى امرأته بالثياب الرقاق‪ ،‬ويأخذ جمالها‬
‫بشعاب نفسه ويستبد حبها بقلبه؟‪ ،‬فعلى هذا يكون المراد بقول‬
‫الله تبارك وتعالى (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) أنه كان‬
‫يأمر زوجها زيدا ً بأن يستمسك بها ويقول له (أمسك عليك‬
‫زوجك) مع أنه يعلم بأن الله تعالى كتب له أن يتزوجها‪.‬‬
‫‪-‬عقيدة التجسيم والتشبيه ‪-‬‬
‫ونجد أن من جملة ما غزا به اليهود أفكار هذه المة؛ ما‬
‫أشاعوه من تشبيه الله تبارك وتعالى بخلقه‪ ،‬وتشبيه الخلق بالله‬
‫تبارك وتعالى‪ ،‬فقد أشاعوا في أوساط المة تشبيه الخالق‬
‫سبحانه وتعالى بعباده‪ ،‬فوصفوه بكل صفات الخلق حتى وصفوه‬
‫بالذهول والنسيان‪ ،‬ووصفوه سبحانه وتعالى بأن له أجزاء وله‬
‫حدود وأنه ينزل ويطلع إلى آخر ما وصفوه به‪ ،‬مع أن هذه‬
‫الوصاف هي ما يصف به اليهود ربهم سبحانه وتعالى كما في‬
‫توراتهم المحرفة‪ ،‬وقد شاع ذلك في أوساط هذه المة حتى‬

‫‪7‬‬
‫الغزو الفكري قديما ً وحديثاً‬

‫اعتبرت عقيدة التشبيه هي عقيدة السلف؛ نسبة لها إلى السلف‬


‫الصالح‪ ،‬مع أن السلف براء منها‪.‬‬
‫وكذلك تشبيه الخلق بالله سبحانه وتعالى‪ ،‬بحيث جعلوا ما‬
‫لله للعباد من البسط والقبض والعطاء والمنع والتصرف في هذا‬
‫الكون إلى غير ذلك مما شاع عند التجاه الخر‪ ،‬إذ ل تبقى هيبة‬
‫للربوبية عند تشبيه الله بخلقه أو عند تشبيه الخلق بالله سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬ويؤدى إلى شيوع الفحشاء والمعصية‪ ،‬وعدم المبالة‬
‫بانتهاك الحرم والتملص من واجبات الدين والتخلص من تبعاته‪،‬‬
‫والستخفاف بجميع حرماته‪.‬‬

‫‪-‬خطورة الرجاء‪-‬‬
‫ومن الفكر اليهودي الذي شاع في أوساط المة عقيدة‬
‫الرجاء؛ التي جعلت النسان يتناسى الوعيد ويستمسك بالوعد‪،‬‬
‫بل إن هذه العقيدة تجعل اليمان أمرا ً نظريا ً مثاليا ً ل وجود له‬
‫في عالم الواقع‪ ،‬إذ اليمان أن يعتقد النسان فحسب تلكم‬
‫المعتقدات كأنها نظرية تدغدغ الذهان من غير أن تتحول إلى‬
‫واقع ملموس‪ ،‬مع أن اليمان الذي نيطت به النجاة من عذاب‬
‫الله هو ذلكم اليمان الذي يملك شعاب النفس ويستولي على‬
‫الفكر والوجدان‪ ،‬ويهيمن على الجوارح والركان‪ ،‬ويوجه النسان‬
‫الوجهة المرضية في القول والعمل والخلق‪ ،‬فالله سبحانه‬
‫وتعالى يقول‪ (:‬إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم‬
‫وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ً وعلى ربهم يتوكلون الذين‬
‫يقيمون الصلة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا‬
‫لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم)‪ ،‬فهل مثل هذا‬
‫النسان الذي يوجل قلبه بمجرد ذكر الله تبارك وتعالى يتجرأ‬
‫على انتهاك حرم الحق؟!‪ ،‬وعلى الوقوع في معاصي الله سبحانه‬
‫وتعالى من غير أن يتوب عنها ويقلع عنها‪.‬‬
‫وتجاهل هؤلء اليات الكثيرة في كتاب الله سبحانه وتعالى‬
‫التي تدل على أن كل أحد مجزي بعمله فالله سبحانه يقول‪:‬‬
‫(ليس بأمانيكم ول أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به ول‬
‫يجد له من دون الله وليا ً ول نصيرا)‪ ،‬فإذا بهم يتعلقون بأماني‬
‫المغفرة وأماني الشفاعات وأماني الخروج من النار بعد التعذيب‬
‫‪ -‬كما يقولون ‪ -‬مدة قصيرة مع تخفيف عذابها حتى تكون لطيفة‬
‫جداً‪.‬‬
‫وقد سمعت أحد هؤلء الذين يشيعون عقيدة الرجاء في‬
‫وقتنا هذا يقول‪ :‬إن أدخل المسلم النار فإن عذابها يُهوَّن عليه‬
‫حتى يكون لطيفاً‪ ،‬وتكون النار في منتهى اللطف‪ .‬فقال له من‬

‫‪8‬‬
‫الغزو الفكري قديما ً وحديثاً‬

‫كان يسجل محاضرته‪ :‬أتكون حرارة هذه النار مثل حرارة‬


‫الستديو؟ قال‪ :‬هي أشد قليلً‪ ،‬هكذا وصل المر بهؤلء إلى‬
‫الستخفاف بآيات الله مع أن الله تبارك وتعالى يقول (فذكر‬
‫بالقرآن من يخاف وعيد)‪ ،‬ويقول‪( :‬سيذكر من يخشى)‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫(إن في ذلك لية لمن خاف عذاب الخرة)‪.‬‬
‫ونجد النصوص القرآنية دالة على أن هذه المعتقدات كلها‬
‫إنما هي معتقدات يهودية‪ ،‬فالله تبارك وتعالى يقول‪( :‬فخلف من‬
‫بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الدنى ويقولون‬
‫سيغفر لنا)‪.‬‬
‫وفعل ً وقعت هذه المة فيما وقع فيه اليهود‪ ،‬فنجد في كلم‬
‫أساطين هذه المة بأن الله تبارك تعالى إذا وعد أوفى وإذا توعد‬
‫عفا‪ ،‬وذلك عين كلم اليهود‪ ،‬وقد بيّن سبحانه وتعالى أن هذا‬
‫النحراف في المعتقد هو الذي يؤدي إلى عدم المبالة بأوامر‬
‫الله وعدم تحكيم أمره وعدم النقياد لحكمه فقد قال عز من‬
‫قائل‪( :‬ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا ً من الكتاب يدعون إلى كتاب‬
‫الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهو معرضون ذلك بأنهم‬
‫قالوا لن تمسنا النار إل أياما ً معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا‬
‫يفترون فكيف إذا جمعناهم ليوم ل ريب فيه ووفيت كل نفس ما‬
‫كسبت وهم ل يظلمون)‪ ،‬واليات الدالة على نفاذ وعيد الله‬
‫تبارك وتعالى ووعده هي كثيرة جدا ً فالله تعالى يقول‪( :‬ل‬
‫تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ما يبدل القول لدي وما‬
‫أنا بظلم للعبيد)‪ ،‬ويقول‪( :‬ل تبديل لكلمات الله)‪ ،‬ويقول‪( :‬إن‬
‫الله ل يخلف الميعاد)‪.‬‬
‫ولننظر ماذا أثمر هذا الفكر؟!‪ ،‬لقد أثمر شيوع الفحشاء‬
‫والنحراف لدى هذه المة‪ ،‬وقد انعكس ذلك على الدب الهابط‬
‫الذي حفلت به كتب الدب قديما ً وحديثا ً حتى صارت زاخرة بمثل‬
‫هذه التصويرات العجيبة للفحشاء في أقبح صورها وتزيينها للناس‬
‫وترغيب النفوس فيها‪ ،‬وصارت كتب الدب حافلة بذلك‪ ،‬ليقرأ‬
‫أحدكم كتاب الغاني ومحاضرات الدباء بل ليقرأ التراجم‪.‬‬
‫ومما يؤسف له أن نجد مثل ابن خلكان وقد كان حسبما‬
‫يلقب ‪ -‬قاضي القضاة‪ -‬في عصره يترجم ليحيى بن أكثم‪ ،‬وهو‬
‫أيضا ً كان قاضي القضاة في عهد المأمون‪ ،‬و ينسب إليه من هذه‬
‫العمال ما يندى له الجبين ويخجل منه المرء بسبب ما نسبه إليه‬
‫من أمور وقعت موقعا ً عجيبا ً من نفوس الفساق‪ ،‬تدفع بهم إلى‬
‫ارتكاب الفحشاء من غير مبالة بالنحراف والشذوذ‪ ،‬وهنا يقف‬
‫عقل النسان حائرا ً بين التصديق والتكذيب‪ ،‬فكل المرين صعب (‬
‫وحسبي من أمرين أحلهما مر)‪ ،‬مع أن هذا ينسب إلى عالم من‬

‫‪9‬‬
‫الغزو الفكري قديما ً وحديثاً‬

‫كبار العلماء‪ ،‬فإما أن يكون هذا الذي نسب إليه صادقا ً فيما نسبه‬
‫إليه وتلك هي المصيبة‪ ،‬وإما أن يكون كاذبا ً وهذه أيضا ً مصيبة ل‬
‫تقل عن تلك لنه افترى عليه كذبا ً ونسب إليه ما هو منه براء‬
‫ورماه بالفحشاء‪ ،‬وهذا مما يؤدي إلى شيوع الفحشاء وانتشارها‬
‫في أوساط الناس‪.‬‬
‫‪-‬الغزو المعاصر‪-‬‬
‫فهذه الغزوات الفكرية حصلت لهذه المة من قديم الزمان‬
‫‪ ،‬وما حصل الن ليس بأقل من ذلك ‪ ،‬فكم من أمور دُست في‬
‫صميم فكر هذه المة بسبب عدم استيعابها لمعاني القرآن‪،‬‬
‫وعدم تفقهها في دين الله‪ ،‬وعدم استمساكها بحبل الله‪ ،‬وإذا بها‬
‫تتخبط ذات اليمين وذات الشمال‪ ،‬وكل ما دس من المكائد إنما‬
‫يقف وراءه اليهود ومن يشايعهم ويناصرهم من الصليبين‬
‫والملحدين وغيرهم لجل صد هذه المة عن دين الله‪.‬‬
‫وحسبنا أن نرى أن الدعوة التنصيرية مع أن ظاهرها دعوة‬
‫إلى دين‪ ،‬سواء هذا الدين دينا ً صحيحا ً أو لم يكن دينا ً صحيحاً‪،‬‬
‫ولكن مع ذلك يقول المنصرون بأنفسهم بأنهم ل يريدون من‬
‫المسلم إل أن يكون شهوانياً‪ ،‬فـ (زويمر) يقول‪ :‬إن مهمة التبشير‬
‫التي ندبتكم من أجلها الدول المسيحية للقيام بها في البلد‬
‫المحمدية ليست في تنصير المسلمين فإن في ذلك هداية لهم‬
‫وتكريماً‪ ،‬وإنما هي في إخراج المسلم من السلم وجعله مخلوقاً‬
‫ل صلة له بالله‪ ،‬وبالتالي ل صلة له بالخلق التي تعتمد عليها‬
‫المم في حياتها‪ ،‬وبهذا تكونون بعملكم هذا طليعة الفتح‬
‫الستعماري‪ ،‬ثم يقول لخوانه القسيسين‪ :‬إنكم نجحتم في إخراج‬
‫جيل من المسلمين ل هم له إل في الشهوات‪.‬‬
‫ونجد الن المؤسسات العلمية التي تقف وراءها‬
‫الصهيونية العالمية والصليبية العالمية واللحاد العالمي وجميع‬
‫مؤسسات الكفر في هذا العالم تصب في هذا المصب‪ ،‬فهي أولً‬
‫تنحرف بفكر المسلم وتشككه في إسلمه وتحاول إبعاده عن‬
‫الله تبارك وتعالى‪ ،‬وسلخه من جميع مقومات عقيدته وفكره‬
‫ليصبح أشبه بالبهيمة العجماء ل هم له إل في شهواته‪ ،‬مع وجود‬
‫المغريات الكثيرة حتى أن بعض الكاتبين من الغربيين أنفسهم‬
‫شبّه (السينما) بحملة المغول التتار على المة السلمية وسماها‬
‫(مغول السينما)‪ ،‬ومعنى ذلك ما يدس لجل القضاء في‬
‫(السينما) على هذه المة و إبعادها عن مقوماتها وأسباب عزتها‬
‫وكرامتها ل يقل عما أثَّره المغول في هذه المة‪.‬‬
‫وكذلك بجانب هذا الصحافة التي تنشر الصور العارية والتي‬
‫تؤجج الشهوات في النفوس‪ ،‬والفلم الخليعة والمسلسلت‬

‫‪10‬‬
‫الغزو الفكري قديما ً وحديثاً‬

‫الهابطة إلى غير ذلك‪ ،‬كل ذلك مما يدخل في الغزو الفكري‬
‫الخلقي لهذه المة من أجل النحراف بمعتقداتها والنحراف‬
‫بأخلقها‪ ،‬ذلك لن النسان عندما يصبح أسير شهوته ل يصبح له‬
‫معتقد‪ ،‬فل هم له بالفكر ول بالمعتقد ول بأي أمر إل في إشباع‬
‫هذه الغريزة وما يؤججها من المهيجات الكثيرة التي تؤدي‬
‫بشباب هذه المة إلى المزيد من النحراف‪.‬‬
‫وجدت في إحدى الصحف أن شركة واحدة من الشركات‬
‫الغربية المملوكة لليهود ولمن معهم تسمى (فايزر)‪ ،‬وهذه‬
‫الشركة ربحت من بيع الدواء المهيج للشهوة الجنسية المسمى‬
‫(الفياجرا) اثني عشر مليارا ً من الدولرات‪ ،‬ذلك إنما هو لجل أن‬
‫تكون هذه المة أمة شهوانية ل صلة لها بالدين ول بالخلق‪ ،‬إنما‬
‫تحاول إشباع شهواتها‪ ،‬فالله تبارك تعالى عندما ذكر الخلف الذي‬
‫خلف أولئك الصالحين أولئك النبيين قال‪( :‬فخلف من بعدهم‬
‫خلف أضاعوا الصلة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً)‪.‬‬
‫فيجب على هذه المة أن تحافظ على نفسها‪ ،‬وأن تحرص‬
‫على المحافظة على شبابها‪ ،‬أول ً قبل كل شيء بغرس العقيدة‬
‫الصحيحة وإبعاد عقيدة الرجاء وعقيدة التشبيه وعقيدة‬
‫الستخفاف بالنبيين وعقيدة نسبة هذه الرزايا إلى هؤلء النبياء؛‬
‫حتى يكون هؤلء الشباب عارفين بالصورة الصحيحة التي كان‬
‫عليها النبياء والمرسلون‪ ،‬وأن يحرصوا على اتباع هذا المنهج‪،‬‬
‫ومع ذلك أن يربوا على الخلق الفاضلة والبعد عن متابعة مثل‬
‫هذه المسلسلت الهابطة و الفلم المدسوسة والصحف الخليعة‬
‫وغير ذلك مما يروج له بطريقة أو بأخرى من أجل إبعاد الشباب‬
‫المسلم عن قرآنه ودينه ومنهاج النبوة حتى يكون شبابا ً شهوانياً‪،‬‬
‫فالشباب المسلم بحاجة إلى تربية على هذه الخلق‪ ،‬وبحاجة‬
‫إلى النهوض به لتكون همته همة عالية يطمح في معالي المور‬
‫ويسعى إليها‪ ،‬ويضحي بالغالي والثمين في سبيل تحقيقها‪ ،‬وهذا‬
‫ما نرجو أن يتحقق من خلل المؤسسات التربوية والمراكز‬
‫الصيفية التي تُنشئ هؤلء الشباب هذه التنشئة‪ ،‬ونريد بمشيئة‬
‫الله أن ل تكون هذه التربية تربية نظرية بل نريدها تربية عملية‬
‫ليحرص الكل على اتباع الحق‪.‬‬
‫ومع هذا فإنه من الهمية بمكان أن يعرف الشباب من يقتدون به ‪ ،‬وأعداء السلم أدركوا هذه‬
‫الناحية لذلك لمّعوا شخصيات كافرة شخصيات هابطة سافلة شخصيات شهوانية من أجل أن يكون‬
‫الشباب المسلم يحتذي بهذه الشخصيات ويعجب بها بحيث يدرس بعض هؤلء الشباب مع السف‬
‫الشديد سيرة هؤلء الشخصيات أكثر مما يدرسون سيرة النبي صلى ال عليه وسلّم‪ ،‬وهذا مما‬
‫يجعلهم يعجبون بهؤلء وإذا بهم ينساقون وراء مسلكهم‪ ،‬وكذلك من الهمية بمكان أن يغرس في‬
‫نفوس هؤلء الشباب بأن قيم السلم هي مصدر العز لهم‪ ،‬وأن المسلم المعتز بمواريثه الفكرية‬
‫ومواريثه العقدية والذي ل يخجل من شيء منها بحيث ل يصاب بمركب النقص ول يصاب بهزيمة‬

‫‪11‬‬
‫الغزو الفكري قديما ً وحديثاً‬

‫نفسية وإنما يعتز بذلك بحيث يكون ولؤه ل تبارك وتعالى وولؤه لنبيه صلى ال عليه وسلّم‬
‫وولؤه للمؤمنين الصالحين‪ ،‬عندما يكون الشباب بهذه الحالة يكون عارفاً بما يأتيه وما يذره‪ ،‬قادراً‬
‫على التكيف في هذه الحياة وفق معطيات القرآن‪ ،‬وفق توجيه السنة النبوية على صاحبها أفضل‬
‫الصلة والسلم ليكون شباب مكيناً مضطلعاً بواجباته‪ ،‬قائماً بكل ما كُلّفه من تكاليف شريعة ‪ ،‬ومن‬
‫بين هذه التكاليف بذل هذه الدعوة في أرجاء الرض ونشر هذا الخير بين هذه القطعان الضالة من‬
‫البشرية لخراجها من ضللها إلى الهدى ومن ظلماتها إلى النور ‪.‬‬

‫‪12‬‬

You might also like