You are on page 1of 284

‫الهاجريون‬

‫تأليف‬
‫باتريشيا كرونه‬
‫مايكل كوك‬

‫ترجمة‬
‫نبيل فياض‬

‫حقوق النشر محفوظة‬


‫الطبعة الولى ‪1999‬‬

‫عنوان الكتاب الصلي‬

‫‪HAGARISM‬‬
‫‪THE MAKING OF THE‬‬
‫‪ISLAMIC WORLD‬‬

‫‪PATRICIA CRONE‬‬
‫‪SENIOR RESEARCH FELLOW, THE WARBURG INSTIUTE‬‬

‫‪1‬‬
UNIVERSITY OF LONDON

MICHAEL COOK
LECTURER IN ECONOMIC HISTORY WITH REFERENCE
TO THE MIDDLE EAST
SCHOOL OF ORIENTAL AND AFRICAN STUDIES

CAMBRIDGE UNIVERSITY PRESS


CAMBRIDGE

LONDON NEW YORK NEW ROCHELLE


MELBOURNE SYDNEY

2
‫بطاقة شكر‬
‫ققق قققققق قققققققق ققققق ققق قققققق ق قق ق ق ق ققق ق‬
‫قققق قق قق قققققق قققق ق ق ق قق ق ققققق ق ققق ققق ق قققق‬
‫قققققق قق ققق ققققق ققققق ققق ققققق‪.‬‬
‫ققق ققققق ققققق ق قق قق قق ققق ق قق ققققققققق قق ققق ق‬
‫قققققق » قققق « ققققق ققققق قققققق قققققق ق قق ق قققق ق‬
‫ققققققق ققققق ققققققق‪.‬‬
‫ققق قققققق قققققق ققققق قققق قققق ققققق ققق ققققق‪.‬‬
‫قق قق ق‬
‫ققق قققققق ققق ققققق قققق ققق قققققق قق قققق ق‬
‫قققققق ققققق‪.‬‬
‫قق ق ققق ققق قققققق ق ق قققققققق قق ق ق ق ققققق ققق‬
‫ققققققق‪.‬‬
‫قققققققققق قققققق ق‪.‬ق‪ .‬ققققق قققق قققق ققققق قققققق‬
‫ققق ققق قققققق قق قققققق ققققق‪.‬‬

‫قققق قققق‬

‫‪3‬‬
‫قققققق‬

‫ب ينضح بالمشنناكل فع ً‬
‫ل؛ وإذا كن ّننا‬ ‫»ققققققققق« كتا ٌ‬
‫ل نوافق السيدين كرونه وكوك في كل ما كتباه‪ ،‬فإننننا‬
‫ل نخالفهما بالمقابننل فنني كننل مننا كتبنناه أيضنًا‪ .‬وكننان‬
‫أفضننل ققق قققققق لننو ك ُت ِننب بلغننة اقننل استعراضننية ‪-‬‬
‫أكاديمية وأكثر عمقا ً فكريًا‪ .‬مع ذلك‪ ،‬يظل ققق قققققق‬
‫شهادة حّية على عمق اطلع الغرب على الفكر العربي‬
‫والسننننلمي وذلننننك مقارنننننة بعمننننق اطلع العننننرب‬
‫والمسلمين على أفكار غيرهم‪.‬‬
‫يبقى أن نذكر أخيننرا ً أننننا اسننتخدمنا بعننض اللفنناظ‬
‫ذات الصل غير العربي لننننا لننم نجنند فنني العربيننة مننا‬
‫يعطي معناهننا كننامل ً والننتي يجننب أن نوضننح مننا تعنيننه‬
‫للقارئ العربي‪.‬‬
‫‪ -‬كوزموبوليتاني‪ - 1 :‬شخص بمنظور عالمي وليننس‬
‫إقليمي نا ً أو محلي نَا؛ ‪ - 2‬شننخص ذو ثقافننة عالميننة؛ ‪- 3‬‬
‫موضع مكننون مننن أشننخاص أو عناصننر مننن كننل أرجنناء‬
‫العالم؛ ‪ - 4‬شيء موجود في معظم أنحاء العالم‪.‬‬
‫‪ -‬ميثة‪ :‬قصة تقليدية تتضمن حوادث تاريخية ظاهريا ً‬
‫تفيد في الكشف عن رؤية عالمية لشعب ما أو تفسننير‬
‫عرف‪ ،‬اعتقاد‪ ،‬أو ظاهرة طبيعية‪.‬‬
‫‪ -‬أنتيننك‪ :‬الزمنننة الننتي سننبقت العصننور الوسننطى‬
‫وإفرازاتها المادية والثقافية‪.‬‬
‫كذلك فقد استخدمنا مصطلح أمننم ‪ Gentiles‬أو أغيننار‬
‫أحيانننا ً وهننو اللفننظ الننذي اسننتخدمه اليهننود لوصننف‬
‫الشننعوب غيننر اليهوديننة‪ ،‬ليننس بغيننر ازدراء؛ وآثرنننا أن‬
‫نفرق بين برابرة وبربر بإضافة كلمتي شننمال إفريقيننا‬
‫إلى الخيرة‪ .‬ولبد أن نشننير إلننى أن الولننى ل تحتننوي‬
‫مضامين سلبية بالكامننل ‪ -‬وهنني أقننرب مننا تكننون إلننى‬
‫مفهوم إرادة القوة غير المتسامية عند نيتشه‪ :‬بمعنننى‬
‫الشعوب ذات القوة الكامنة والننتي لننم تصننل بعنند إلننى‬
‫الحضارة لتسننامي بهننا تلننك القننوة‪ .‬وكننل الشننعوب إذا ً‬
‫كانت برابرة في يوم من اليام‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫مدخل‬

‫الحضارة السلمية هي الحضارة الوحيدة في العننالم‬


‫التي استمرت في حقبتها التشكيلية إلى ما بعد اللننف‬
‫كل حنندثا ً غيننر‬ ‫الميلدية الولى‪ .‬إن ظهورها بالتالي يش ّ‬
‫اعتيادي‪ ،‬وبسبب جملة من السننباب ذات الصننلة‪ ،‬يبنندو‬
‫الحدث حدثا ً متمّيزًا‪ .‬وهذا الكتنناب هننو محاولننة لتفسننير‬
‫ذلك‪.‬‬
‫عندما قمنا بمحاولتنا هذه تبّنينا مقاربة تختلف بشننكل‬
‫ملموس عن مقاربة الكتابات الكثر تقليدية التي تناولت‬
‫كل السلم كدين روايننة‬ ‫ل‪ ،‬إن روايتنا لتش ّ‬ ‫هذا الحقل‪ .‬أو ً‬
‫جديدة جذريًا‪ ،‬أو بدقة أكثر إنها رواية تخننرج عننن النمننط‬
‫السنائد مننذ القنرن السنابع الميلدي‪ :‬إنهنا تعتمند علنى‬
‫الستخدام المكّثف لمجموعة صغيرة مننن المصننادر غيننر‬
‫م تجاهننل‬ ‫السننلمية المعاصننرة لتلننك الحقبننة والننتي ت ن ّ‬
‫شواهدها حتى الن‪ .‬ثانيًا‪ ،‬لقد بذلنا الكثير من الطاقننة‪،‬‬
‫على الصنعيدين الدراسني والفكنري‪ ،‬حنتى نأخنذ بجدينة‬
‫كل الحضننارة السننلمية‬ ‫الحقيقة الواضحة القائلة إن تش ّ‬
‫ث في مرحلة متأخرة من مراحل النتيك‪ ،‬بل في جزء‬ ‫حدَ َ‬
‫َ‬
‫متميز منه‪ .‬أخيرا‪ ،‬فقد شرعنا‪ ،‬بنننوع مننن الطيننش‪ ،‬فنني‬‫ً‬
‫خلق مخطط متماسك عام لفكننار فنني حقننل لننم يحفننر‬
‫العلم السس في الكثير من ميادينه بعد‪.‬‬
‫قنند ل يكننون مننن السننطحي بالنسننبة لنننا أن نحنناول‬
‫صون هذه المبادرة في وجه دهشة الختصاصيين‪ ،‬لكننن‬
‫وم‬ ‫ذلك سيكون بل معنى حتمًا‪ :‬فآخر ما يهمنا هو أن يق ّ‬
‫الختصاصيون عملنا‪ ،‬وحكم الختصاصيين ليننس عرضننة‬
‫دمات الكتب‪ .‬ما قيل سابقا ً يكفي أيضا ً‬ ‫للرشوة عبر مق ّ‬
‫ما يجب أن ل يتوقعونه‪ :‬هذا‬ ‫لتحذير غير الختصاصيين م ّ‬
‫س للغايننة‪ ،‬وليننس‬ ‫د قننا ٍ‬‫العمل هو حملة رياديننة فنني بل ن ٍ‬
‫سياحة بإشراف مرشدين وأدلء سياحيين‪ .‬مع ذلك ثمننة‬
‫ل موقعنا ً‬ ‫جماعة متميزة واحدة منن القنّراء والننتي تحتن ّ‬
‫خاصًا‪ .‬لنه رغم كون كل الشخوص الذين يظهرون في‬
‫قصتنا ميتين‪ ،‬فالمنحدرون منهم أحياء جدًا‪.‬‬
‫دمها حننول أصننول السننلم‬ ‫أو ً‬
‫ل‪ ،‬إن الروايننة الننتي نقن ّ‬
‫ي مسلم مننؤمن‪ :‬ليننس لنهننا‬ ‫ليست تلك التي يقبل بها أ ّ‬
‫يعقب ذلك‪ ،‬طبعًا‪ ،‬أن أيّ اكتشنناف جدينند لمننواد قديمننة يمكنننه أن يؤك ّنند مواقفنننا أو‬ ‫‪‬‬

‫دلها‪ ،‬أو يدحضها‪.‬‬


‫يب ّ‬

‫‪5‬‬
‫دمه‬ ‫تقّلل البتة من الدور التاريخي لمحمد‪ ،‬بننل لنهننا تق ن ّ‬
‫فنني دور يختلننف بالكامننل عننن ذاك الننذي أخننذه فنني د‬
‫طننه كننافران لمجموعننة مننن‬ ‫السننلمي‪ .‬هننذا كتنناب خ ّ‬
‫ي‬‫الكافرين‪ ،‬وهو يعتمنند علننى مننا يجننب أن يظهننر مننن أ ّ‬
‫منظننور إسننلمي إجلل ً متطّرفننا ً لشننهادات المصننادر‬
‫الكافرة‪ .‬روايتنا ليست فقط غير مقبولة؛ بل هنني أيض نا ً‬
‫رواية لن يجد أي مسلم عنده حّبة خردل مننن إيمننان أيننة‬
‫صعوبة في رفضها‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ثمة كميننة ل بننأس بهننا مننن هننذا الكتنناب قنند ل‬
‫ل يكننن الفخننار‬ ‫تعجب المسلم الذي فقد إيمانه لكنه ظ ن ّ‬
‫كد عليه لمثل هذا القننارئ هننو‬ ‫للجداد‪ .‬وما نرغب أن نؤ ّ‬
‫أن المعاني الضافية التخمينية القوية لّلغة التي حّللنننا‬
‫كل الحضننارة السننلمية ل تننؤدي إلننى أي حكننم‬ ‫بها تشن ّ‬
‫دمنا الحضننارة الجدينندة‬ ‫مبسننط‪ ،‬ل مننع ول ضنند‪ .‬لقنند قن ّ‬
‫كإنجاز ثقنافي فريند‪ ،‬إنجناز لنم تقنندم أسننلب أجندادنا‬
‫البرابرة أي شيء يوازيه على الطلق؛ لكننا بالمقابننل‬
‫دمنا النجاز كإنجاز حمل معه أكلفا ً ثقافية استثنائية‪،‬‬ ‫ق ّ‬
‫وحاولنا قبل كل شننيء أن نشننرح الربنناط بيننن النجنناز‬
‫والكلف‪.‬‬
‫دم لنننا ينند العننون عنندد مننن‬ ‫في مسننار بحثنننا هننذا ق ن ّ‬
‫البنناحثين والمؤسسننات البحثيننة‪ .‬فقنند بلننغ مننن لطننف‬
‫الدكتور سباستيان بروك والسّيد غ‪.‬م‪ .‬هوتينغ والدكتور‬
‫دموا لنننا تعليقنناتهم علننى مسننودة‬ ‫م‪ .‬ج‪ .‬كيسننتر أن ق ن ّ‬
‫ول‪ .‬أما الدكتور بروك‪ ،‬الدكتور ب‪ .‬ج‪.‬‬ ‫قديمة للقسم ال ّ‬
‫ل فنني‬ ‫فراندسن والبروفسور آ‪ .‬شايبر فقد ساعدونا ك ّ‬
‫كنننا مننن الطلع علننى‬ ‫مجال اختصاصننه‪ .‬كننذلك فقنند تم ّ‬
‫مخطوطة سريانية لم تكن إلى حد ما متاحننة لنننا وذلننك‬
‫هل لنننا المننر‬ ‫سن ّ‬‫عبر منحة من الكاديميننة البريطانيننة و ُ‬
‫إلى درجة كبيرة عبر لطف الب وليم ماكوبر والنندكتور‬
‫ج‪ .‬سي‪ .‬ج‪ .‬ساندرز‪ .‬أما البروفسور برنارد لويس فقنند‬
‫بلغت الطيبة به إلى درجة أنه وضع بين أينندينا ترجمتننه‬
‫لقصيدة قيامية يهودية حتى قبننل نشننرها‪ .‬كننذلك فننإن‬
‫معهد فاربورغ ومدرسة الدراسات الشرقية والفريقية‬
‫ساعدا للغاية وبطرق مختلفة في إكمالنا لهذا البحث‪.‬‬
‫إضافة إلى ديون إنجنناز العمننل السننابقة تلننك‪ ،‬نحننب‬
‫جل ما ندين به إلى تننأثيرين لننم يكننن تخي ّننل‬ ‫أيضا ً أن نس ّ‬
‫هذا العمل ممكنا ً بدونهما‪ .‬الول كان تعّرضنننا لمقاربننة‬
‫الدكتور جون وانسبرو الشكوكية حول تاريخية التقلينند‬

‫‪6‬‬
‫السننلمي؛ ودون هننذا التننأثير لننم تكننن لتخطننر ببالنننا‬
‫دمها هننذا الكتنناب‪.‬‬‫نظرية الصول السننلمية الننتي يق ن ّ‬
‫الثاني هو التحليل القوي والمليء باليحنناءات للمعنننى‬
‫هر في عمل جون دن؛ مع ذلك ربما كننان‬ ‫مظ ْ َ‬
‫الثقافي ال ُ‬
‫بمقدورنا تقديم روايتنا لبدايات السلم دونه‪ ،‬لكن لننم‬
‫نكن لنمتلك غير الفكرة الكثر ضبابية حول ما يمكن أن‬
‫نفعل بها‪.‬‬
‫أخيرًا‪ ،‬نريد أن نشكر البروفسور ج‪ .‬ب‪ .‬سيغال علننى‬
‫تعليمننه إياننا اللغننة السنريانية‪ ،‬والنندكتور د‪ .‬ج‪ .‬كننامهي‬
‫على تقديمه التلمود لنا‪.‬‬
‫غني عن القول إن ما يجننب العننتراف بننه فنني هننذه‬
‫مننل أيننة‬‫الحالة أن أحدا ً من هؤلء الذين ساعدونا ل يتح ّ‬
‫مسؤولية عن الراء المعّبر عنها في هذا الكتاب‪.‬‬

‫ب‪ .‬ك‬
‫م‪ .‬آ‪ .‬ك‬

‫‪ ‬لقد استفدنا أيضا ً من تبننادل الراء مننع النندكتور وانسننبرو وذلننك فنني حلقننة دراسننية‬
‫عقدت في ربيع ‪ ،1974‬واستخدمنا ما تعّلمناه آنئذ ٍ في عندد منن النقناط فني جندلنا‪.‬‬
‫وسوف نقّر بهذه الديون في مواضعها الخاصة؛ إقرارات كهذه سننوف تؤخننذ للشنارة‬
‫على أن مادة الفكرة ليست منسوبة لنا‪ ،‬كذلك ل يمكن أن ُيعزا الشكل الننذي تظهننر‬
‫فيه للدكتور وانسبرو‪ .‬لمزيد من المعلومات‪ ،‬قارن عمله‪:‬‬
‫‪.Quranic Studies: Sources and Methods of Scriptual Interpretation‬‬

‫‪7‬‬
‫حاشية‪:‬‬

‫طنني معظننم المصننادر‬ ‫مننن أجننل مسننح مسنناعد يغ ّ‬


‫المستخدمة في هذا الكتاب‪ ،‬أنظر‪:‬‬
‫‪S. P. Brock, «Syriac Sources for Seventh Century‬‬
‫‪ .History», Byzantine and Modern Greek Studies 1976‬من‬
‫أجل ورود عبارة »أهل السننلم« فنني نقننش مننن عننام‬
‫‪71‬هن‪ ،.‬والذي أغفلناه في نهاية القسم الول‪ ،‬أنظر‪:‬‬
‫‪H. M. el- Hawary, «The second oldest Islamic monument‬‬
‫‪.known», Journul of the Royal Asiatic Society 1932, p. 290‬‬
‫من أجل تأريخ أقدم الكسننرات القرآنيننة‪ ،‬والننتي سننترد‬
‫في القسم الثالث‪ ،‬مننع أن التأريننخ ليننس دقيقنا ً كفايننة‬
‫بالنسبة لنا‪ ،‬أنظر‪:‬‬
‫‪A. Grohmann, «The problems of dating early Qur’ans»,‬‬
‫‪.Der Islam 1958‬‬

‫‪8‬‬
‫القسم الول ‪ :‬السلم الى أين ؟؟‬
‫‪1‬‬
‫الهاجرية ‪ -‬اليهودية‬

‫فنني الواقننع أن كننل الروايننات عننن ظهننور السننلم‬


‫ولنني تنظننر إلننى المننر باعتبنناره بننديهيا ً بحيننث يبنندو‬ ‫ال ّ‬
‫ممكنا ً استخراج الخطوط الخارجية علننى القننل لعمليننة‬
‫الصيرورة هننذه مننن المصننادر السننلمية‪ .‬لكننننا نعننرف‬
‫دم هذه المصنادر‪ .‬فليننس ثمننة‬ ‫ق َ‬‫جيدا ً أنه ل يمكن إثبات ِ‬
‫دليل قوي حول وجننود القننرآن بننأي شننكل قبننل العقنند‬
‫دم هننذا‬‫الخير مننن القننرن السننابع‪ ،‬والتقلينند الننذي يقن ّ‬
‫النص المنّزل‪ ،‬المبهم إلى حد ما‪ ،‬في سياقه التاريخي‪،‬‬
‫هد علننى صننحته قبننل منتصننف القننرن الثننامن‪.‬‬ ‫لننم ي ُ ْ‬
‫شن َ‬
‫وهكذا فتاريخية التقليد السلمي تثير المشاكل بدرجة‬
‫أو بأخرى‪ :‬ففي حين ل توجد أسس خارجيننة متماسننكة‬
‫لرفضها‪ ،‬ليست هنالك بالمقابل أسس داخلية متماسكة‬
‫للقبول بها‪ .‬في هذه الظروف ليس من غيننر المعقننول‬
‫الستمرار بالطريقة المعتادة وذلك عننن طريننق تقننديم‬
‫نسخة مننن التقلينند محننررة بطريقننة معقولننة كحقيقننة‬
‫تاريخية‪ .‬لكن بالمقابل يبدو من المعقننول إلننى حنند مننا‬
‫النظر إلى التقليد باعتباره دون محتوى تاريخي محنندد‪،‬‬
‫دعى أنه روايات لحوادث تاريخية‬ ‫والصرار على أن ما ي ّ‬
‫في القرن السابع ل يفيد إل في دراسة الفكار الدينية‬
‫منا ً‬
‫دم لنا المصننادر السننلمية ك ّ‬ ‫في القرن الثامن‪ .((1‬تق ّ‬
‫وافرا ً مننن المجننالت الننتي تسنناعد علننى القيننام بهننذه‬
‫دنا إل بالقليننل ممننا‬ ‫المقاربننات المختلفننة‪ ،‬لكنهننا ل تم ن ّ‬
‫يمكن استخدامه بأية طريقة حاسمة للفصننل بيننن تلننك‬
‫المقاربننات‪ .‬إذا ً فالطريقننة الوحينندة للخننروج مننن هننذه‬
‫المعضننلة ل تكننون إل بننالخروج مننن التقلينند السننلمي‬
‫بالكامل والبدء من جديد‪.‬‬
‫إذا اخترنا أن نبدأ من جديد‪ ،‬فسوف نبدأ بنص ققققق‬
‫ققققق ‪ ،Doctrina Jacobi‬وهو عبارة عننن رسننالة يونانيننة‬

‫من أيضا ً في المقاربننات الننتي تمي ّننر نقنند غولدتسننيهر لموثوقيننة‬


‫‪ (1‬هذا الموقف متض ّ‬
‫)‬

‫الحديث وفي تحّري شاخت لصننول الشننرع السننلمي‪ .‬بالمناسننبة‪ ،‬فننإن إعننادة بننناء‬
‫شاخت للصيغة القنندم للتأريخيننة السننلمية مقينند بمحتننوى أقنندم كسننرة مخطوطننة‬
‫تاريخية ما تزال بين أيدينا )أنظر ملحظته في ‪ Arabia 1969‬وكذلك لحقا ً الملحظننة‬
‫‪.(56‬‬

‫‪9‬‬
‫معاديننة لليهننود سننّببها الضننطهاد الهننراقلي‪ .((2‬إنهننا‬
‫موجودة على شكل حوار بيننن اليهننود الموجننودين فنني‬
‫قرطاجة عام ‪634‬؛ لكن من المحتمل أيض نا ً أنهننا كتبننت‬
‫في فلسطين قبيل ذلك التاريخ أو بعيده بسنوات قليلة‬
‫‪ .((3‬وفي إحدى نقاط الجنندل ُيشنار إلننى حننوادث تجنري‬
‫آنئذ في فلسطين وذلك على شكل رسالة مننن يهننودي‬
‫فلسطيني‪ ،‬اسمه ابراهيم‪:((4‬‬
‫لقد ظهر نبي كاذب بين‬
‫سَرسنيين‪ ...‬إنهم يقولون‬ ‫ال َ‬
‫إن النبي الذي ظهر مقبل‬
‫مع السرسنيين‪ ،‬وهو يعلن عن‬
‫قدوم ‪ advent‬الممسوح الذي‬
‫سيأتي ] ‪[tou erkhomennou Eleimmenou kei Khristou‬‬
‫فذهبت أنا ابراهيم إلى‬
‫رجل عجوز مطلع للغاية على السفار‬
‫المقدسة وأحلت إليه المسألة‪.‬‬
‫وسألته‪» :‬ما رأيك‪ ،‬أيها السّيد والمعلم‪ ،‬بالنبي الننذي‬
‫ظهر بين السرسنيين؟«‬
‫أجنناب‪ ،‬وهننو يتننأوه للغايننة‪» :‬إنننه دجننال‪ .‬وهننل يننأتي‬
‫النبياء بسيف ومركبة حربية؟ إن هننذه الحننداث اليننوم‬
‫هي حقا ً أعمال فوضى‪ ...‬لكن اذهب‪ ،‬يا سننيد ابراهيننم‪،‬‬
‫واستعلم عننن النننبي الننذي ظهننر«‪ .‬وهكننذا‪ ،‬قمننت أنننا‪،‬‬
‫ابراهيننم‪ ،‬بتحرينناتي‪ ،‬وأخننبرني أولئك الننذين التقننوه‬
‫»ليننس ثمننة مننن حقيقننة يمكننن أن توجنند عننند النننبي‬
‫المزعننوم‪ ،‬سننوى إراقننة النندماء؛ إمننا مننا تقننوله حننول‬
‫امتلكه لمفاتيح الجنة‪ ،‬فهو أمر غير قابل للتصديق«‪.‬‬
‫ثمة نقاط هامة عديدة في هذه الروايننة‪ .‬إحنندى هننذه‬
‫النقاط هي عقيدة المفاتيح‪ .‬إنها بالطبع غير إسننلمية‪،‬‬
‫لكن ثمة مؤشرات خفيفة تفيد أنها كننانت عقينندة بننذل‬
‫التقلينند السننلمي جهنندا ً كننبيرا ً كنني يقمعهننا‪ :‬هنالننك‬
‫مجموعننة تقالينند تسننامت فيهننا مفاتيننح الجنننة إلننى‬
‫المنشننور فنني‪:‬‬ ‫‪ (2‬تحريننر ن‪ .‬بننونفتش‪ .‬عنننوان النننص هننو‪Doctrina Iacobi nuper baptizati :‬‬
‫)‬

‫‪Abhandlungen der kِniglichen Gesellschaft der Wissenschaft zu Gِttingen, Philologisch-historische Klasse,n.s.,vol.xii,Berlin‬‬


‫‪.1910‬‬
‫‪ (3‬أنظننر‪ :‬ف‪ ،‬ننناو‪ ،«La Didascalie de Jacob » ،‬المنشننور فنني ‪ ،Patrologia Qurientalis‬تحريننر‪ ،‬ر‪.‬‬ ‫)‬

‫غرافن وف‪ .‬ناو‪ ،‬بنناريس‪ ،1903 ،‬المجلنند ‪ ،VIII‬الصننفحات ‪ 715‬ومننا بعنند‪ .‬إن فقنندان‬
‫إدراك طبيعة الحدث بعد وقوعه فيمننا يخننص الغننزو العربنني يننوحي أن التاريننخ الننذي‬
‫اقترحه ناو‪ ،640 ،‬هو تاريخ متأخر جدا ً دون أدنى ريب‪.‬‬
‫‪Doctrina, pp. 86 f (4‬‬
‫)‬

‫‪10‬‬
‫ما ً بيزنطيا ً بالتن ّ‬
‫كر‬ ‫س َ‬ ‫استعارة غير مؤذية‪ ،((5‬كذلك فإن َ‬
‫ق َ‬
‫للسلم يننذكر العتقنناد القننائل إن النننبي كننان سننيأخذ‬
‫مفاتيح الجنننة وذلننك باعتبنناره‪ ،‬أي العتقنناد‪ ،‬جننزءا ً منن‬
‫العقيدة السّرية للسرسنيين‪.((6‬‬
‫ليسنت المسنألة عظيمننة الهمينة‪ ،‬لكنهنا تنوحي أننه‬
‫لدينا في »ققققق ققققق« طورا ً من العتقاد أقدم مننن‬
‫دم فنني‬ ‫التقليد السلمي ذاته‪ .‬لكن واقعة أن النبي مق ّ‬
‫النننص بننأنه كننان علننى قينند الحينناة زمننن غننزو العننرب‬
‫لفلسننطين لهننا أهميننة تاريخيننة كننبيرة‪ .‬فهننذه شننهادة‬
‫تتناقض مع روايات سيرة النننبي السننلمية لكنهننا تجنند‬
‫توثيقا ً مسننتقل ً فنني التقالينند التاريخيننة عننند اليعاقبننة‪،‬‬
‫النسننناطرة‪ ،‬والسنننامريين‪((7‬؛ أمنننا المعننننى العقنننائدي‬
‫للتناقض فسوف يؤخذ بعين العتبار لحقا ً‪.((8‬‬
‫لكن الشيء المذهل فعل ً فنني »ققق قق ققق قق« هننو‬
‫قننوله إن النننبي كننان يبشننر بقنندوم »الممسننوح الننذي‬
‫سيأتي«‪ .‬هذا يعني أن جوهر رسالة النننبي‪ ،‬فنني أقنندم‬

‫‪.‬حيث‬ ‫أنظر‪A. J. Wensinck et al, Concordance et indices de la tradition musulmane, Lyden 1933 - 69, s.v. miftah :‬‬‫‪(5‬‬ ‫)‬

‫مفاتيح السماء صلة وشهادة‪.‬‬


‫‪» (6‬إني ألعن عقيدة السرسنيين السرّية ووعنند موءمنند ‪ Mِamed‬بننأنه سننيكون حننارس‬ ‫)‬

‫نة‪E. Montet, Un rituel d’ abjuration des Musulmans dans l’églis grecque, Revue de’l’) «...‬‬ ‫بوابة )‪ (kleidon khos‬الج ّ‬
‫‪ .(histoire des religions 1906, p. 151‬يبدو أن القسم تجميع لمواد متغايرة الخواص من القرن‬
‫التاسع‪.‬‬
‫‪ (7‬أقدم توثيق لذلك هو توثيق نص ‪ Continuati Byzantia Arabia‬الذي يحفظ لنننا فنني ترجمننة‬ ‫)‬

‫لتينية تاريخيا ً سريانيا ً يرجع إلى زمن هشام )أنظر القسم التاسع‪ ،‬الهامش ‪ (9‬وربمننا‬
‫يكون من أصل يعقوبي أو ملكاني‪ .‬يرى هننذا المصنندر‪ ،‬أن السرسنننيين غننزوا أقنناليم‬
‫سوريا‪ ،‬شبه الجزيرة العربية وبلد مابين النهرين تحت قيادة مهمت )تحرير ‪T. Mommsen‬‬
‫(‪ ،‬أنظر‪،Chronica Minora,vol..ii (=Monumenta Germaniae Historica, Auctores Antiquissimi, vol.xi),Berlin 1894,p.337 :‬‬
‫من ناحية أخرى فإن أهم شهادة من الجانب اليعقوبي هنني الروايننة القديمننة لصننول‬
‫السلم التي حفظها لنا ميخائيل السننرياني )أنظننر‪ ،Chronique de Michel le Syrien :‬بنناريس‬
‫‪ ،1910 - 1899‬المجلنند ‪ ،IV‬ص ‪ = 405‬المجلنند ‪ ،ii‬ص ‪ 403‬ومننا بعنند‪ .‬تحريننر ‪J. B.‬‬
‫‪(Chabot‬؛ يمكن أن نضيف إلى هذا مدّونننة سننريانية مجهولننة المؤلننف تعننود إلننى نهايننة‬
‫القرن الثامن )أنظر‪I. Guidi et al., Chronica Minora, (= Corpus Scriptorum Christianorum Qrientalium, Scriptores :‬‬
‫‪ ..Syri, third series, vol. iv) Louvain 1903 - 7, pp. 348 = 274‬من الجانب النسطوري فإن شاهدا ً متأخرا ً‬
‫عن تاريخ سيئريد ‪ Si’rid‬العربي يبدو واضحا ً )أنظر‪ Histoire nestorienne :‬الجننزء الثنناني‪ ،‬فنني‬
‫‪ ،Patrologia Qrientalis‬المجلنند ‪ ،xiii‬ص ‪ ،601‬تحريننر وترجمننة ‪ ،(A.Scher‬فنني حيننن أن تاريخ نا ً‬
‫سريانيا ً مكتوبا ً على الرجح في حوزستان في العقد السابع من القرن السننابع يمننّرر‬
‫ر محمد كحاكم للعرب في خضم‪ ‬رواية الفتوحننات )أنظننر‪Chronica :‬‬ ‫بشكل إيحائي ذ ِك ْ َ‬
‫دد تاريننخ العمننل‪ ،‬أنظننر‪Die von Guidi :‬‬ ‫‪ ،Minora‬صنص ‪26 = 30‬؛ نولنندكه هننو الننذي ح ن ّ‬
‫‪herausgegebene syrische Chronik, Sitzungsberichte der philologischhistorischen Classe der Kaiserlichen Akademie der‬‬
‫‪ .(Wissenschaft, vol. cxxviii,Vienna 1893,pp.2f‬من الجانب السامري لدينا شهادة لتحريننر عربنني‬
‫للتقليد ترجع إلى القرون الوسطى )أنظر‪ ،Abulfathi Annales Samaritani, Gotha 1863, p. 180 :‬تحرير‬
‫‪ .(E. Vilmar‬والتقارب هنا مدهش للغاية‪.‬‬
‫‪ (8‬أنظر‪ ،‬ص الهامش ‪ 28‬فصل ‪.4‬‬ ‫)‬

‫‪11‬‬
‫شننهادة متاحننة لنننا خننارج التقلينند السننلمي‪ ،‬يظهننر‬
‫باعتباره مسيانية يهودية‪ .‬يعنّز علننى المننرء التننآلف مننع‬
‫هذه الفكرة‪ ،‬لكننا نكرر أنها موثقة بدليل مستقل على‬
‫نحو ملفت للنظر‪.((9‬‬
‫في الموضع الول لدينا سفر رؤيننوي يهننودي يرجننع‬
‫إلى منتصننف القننرن الميلدي الثننامن‪ ،‬ينندعى »قق ققق‬
‫ققق قق ق قققق ق ق ققق قق«‪ ،‬والننذي يحتفننظ بتفسننير‬
‫مسياني للغزو العربي‪ .((10‬وبما أن المسننيا ينتمنني إلننى‬
‫نهايننة النننص الرؤيننوي وليننس إلننى منتصننفه‪ ،‬فهننذا‬
‫التفسير مأخوذ على الرجح من سفر رؤيوي أقدم منه‬
‫كتب مباشرة بعد الحوادث التي يشنير إليهنا‪ .((11‬أمنا منا‬ ‫ُ‬
‫يهمنا في بحثنا الحالي فهو المقطع التالي‪:((12‬‬
‫حين رأى أن مملكة اسمعيل كانت آتية‪ ،‬شرع يقننول‪:‬‬
‫»ألم يكننف مننا فعلتننه بنننا مملكننة ادوم الشننريرة‪ ،‬حننتى‬
‫تأتينا مملكة اسمعيل أيضًا؛ وللفور أجابه متاترون أمير‬
‫التشجيع بقوله‪» :‬ل تخننف‪ ،‬ينناابن النسننان‪ ،‬فالقنندوس‬
‫المبارك ل يأتي بمملكة اسمعيل إل لتخّلصكم مننن هننذا‬
‫الشر‪ .‬إنه بحسب إرادته يقيم عليهم نبيا ً وسننوف يفتننح‬
‫لهم الرض وسوف يأتون ويحيونهننا بعظمننة‪ ،‬وسننيكون‬
‫هنالنك خننوف مريننع بينهننم وبيننن أبننناء عيسننو«‪ .‬أجنناب‬
‫ل‪» :‬كيننف نعننرف أنهننم خلصنننا؟«‬ ‫الحننبر شننمعون قننائ ً‬
‫أجنناب‪» :‬ألننم يقننل النننبي اشننعيا‪» :‬فيننرى ركب نًا‪ ،‬ازواج‬
‫كاب الحمير قبننل رك ّنناب‬‫فرسان« الخ؟«‪ ((13‬لماذا جعل ر ّ‬
‫الجمال‪ ،‬في حيننن أنننه ل يحتنناج إل لن يقننول‪» :‬رك ّنناب‬

‫‪ (9‬تجد هذه الفكرة انعكاسا ً مشوشنا ً أيضنا ً فنني مننا تننبرزه روايننة تيوفننانس لبنندايات‬ ‫)‬

‫السلم حول يهود اعتبروا أن محمدا ً هو مسيحهم المنتظر )‪.(chronographia, A. M. 6122‬‬


‫‪ (10‬من أجل النص العبراني‪ ،‬أنظر‪A. Jellinek, Bet ha-Midrash, Leipzig 1855, vol iii, pp. 78-82 :‬؛ من‬ ‫)‬

‫أجل مناقشة النص وترجمته الجزئية‪ ،‬أنظر‪B. Lewis, An Apocalyptic Vision of Islamic History, :‬‬
‫‪.Bulletin of the School of Oriental and African Studies 1950‬‬
‫‪Lewis, Apocalyptic Vision p. 323 (11‬‬
‫)‬

‫دلنا‬
‫ّ‬ ‫ع‬ ‫لكننا‬ ‫‪.‬‬‫‪322‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬ ‫الصفحات‬ ‫في‬ ‫للتفسير‬ ‫إضافة‬ ‫‪Lewis,‬‬ ‫‪Apocalyptic Vision p. 321ff (12‬‬
‫)‬

‫في الترجمة قلي ً‬


‫ل‪.‬‬
‫كناب‬ ‫‪ (13‬الشارة هنا هني إلنى سنفر أشنعيا ‪» :7:21‬فيننرى ركبنًا‪ ،‬أزواج فرسنان‪ .‬ر ّ‬ ‫)‬

‫حمير وركاب جمال«‪ .‬إن اختلل المعنى في بقية المقطع يختفي حالما ينندرك المننرء‬
‫أن المؤلف الصلي للسفر الرؤيوي كننان يسننتند علننى الننترغوم‪ ،‬وليننس علننى النننص‬
‫دث الننص العنبراني عنن »أزواج فرسنان‪.‬‬ ‫العبراني الذي نمتلكه الن‪ .‬ففي حين يتحن ّ‬
‫دث الترغوم عن »أزواج فرسان‪ ،‬واحنند يركننب علننى‬ ‫كاب جمال«‪ ،‬يتح ّ‬ ‫كاب حمير ور ّ‬ ‫ر ّ‬
‫حمار‪ ،‬وآخر يركب على جمل«‪ .‬هذا يوحي أن أصل هذا المقطع من »السرار« كننان‬
‫باللغة الرامية‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪((14‬‬
‫كاب حمير«؟ لكن حيننن يننأتي راكننب الجمل‬ ‫جمال ور ّ‬
‫أول ً فالمملكة سوف تقوم عبر راكب على أحد الحمير‪.‬‬
‫ومن جدينند نقننول‪» :‬رك ّنناب حميننر«‪ ،‬كننونه يركننب علننى‬
‫حمار‪ ،‬تظهر أنهم خلص إسرائيل‪ ،‬مثننل خلص الراكننب‬
‫على أحد الحمير«‪.‬‬
‫إضننافة إلننى مننا سننبق‪ ،‬تحتننوي »قققق ققق« بعننض‬
‫الشارات إلننى القينييننن المننذكورين فنني سننفر العنندد‬
‫‪ 21:24‬والننتي ل يمكننن فهمهننا إل كتفسننير مسننياني‬
‫بديل لمسألة الغزو ‪.((15‬‬
‫لن نتفاجأ أبدا ً إذا ً حين نجد أن سننفرا ً رؤيوينا ً يهودينا ً‬
‫دم الغزو العربي الذي أنهننى الحكننم‬ ‫منذ ذلك الزمان يق ّ‬
‫الرومنناني لفلسننطين كحنندث إيجننابي فنني النندراما‬
‫السكاتولوجية‪ ،‬فالموقف ذاته يظهننر فنني مؤل ّننف آخننر‬
‫مشابه‪ ،‬أل وهو القصيدة الرؤيوية التي تدعى »قق قق ق‬
‫ققققق«‪ .((16‬لكن كاتب المقطع المستشهد به آنف نا ً مننن‬
‫دم دور‬ ‫»قققق ققق« يفعننل أكننثر مننن هننذا‪ :‬فهننو يقنن ّ‬
‫السنننماعيليين وننننبّيهم باعتبننناره جوهرينننا ً بالنسنننبة‬
‫للحوادث المسيانية ذاتها‪ .‬وهذا التفسير يصبح ذا معنى‬
‫حين يوضع جانب شننهادة »ققق قق ققق قق« القائلننة إن‬
‫النبي كان في الواقع يعلن عننن مجيننء المسننيا‪ ،‬وفنني‬
‫دم تأكينندا ً مسننتقل ً علننى موثننوقيته‪ .‬قنند‬ ‫الوقت ذاته يق ّ‬
‫ي‬‫يبدو غريبا ً بالطبع أن يقبل اليهود بأوراق اعتمنناد نننب ٍ‬
‫عربي مفترض باعتباره بشننير المس نّيا؛ لكننن كننان ثمننة‬
‫سابقة يهودية معروفة لقيام أحد العرب بهذا الدور‪.((17‬‬
‫التأكيد المباشر الخر على مسيانية »ققققق ققققق«‬
‫يمكن أن نجننده متحجننرا ً فنني الننتراث السننلمي‪ ،‬حيننث‬

‫‪ (14‬أي أن النبي الذي يركب الحمار هو طبعا ً المسّيا‪.‬‬ ‫)‬

‫‪ (15‬أنظر‪ :‬الملحق‪.‬‬ ‫)‬

‫‪ (16‬النص العبري موجود في عمل ل‪ .‬غنزبننرغ‪Geniza Studies in Memory of Doctor Solomon ،‬‬
‫)‬

‫‪Schechter, vol. i New York 1928, pp 310 - 12‬؛ أما مناقشة النص وترجمته فموجودة في عمل ب‪.‬‬
‫لويس؛» ‪on that day: A Jewish apocalyptic poem on the Arab conquests»; in P. Salmon (ed), Mélanges d’ Islamologie,‬‬
‫‪ ..Leyden 1974‬دور العرب هنننا المتمثننل بالطاحننة بننالحكم الرومنناني متميننز تمامنا ً عننن‬
‫الحوادث المسيانية الصحيحة‪).‬ص‪(200.‬‬
‫‪ (17‬أنظر‪ ،H. Gressmann, Der Messias, Gِttingen 1929, pp. 449 :‬بالشارة إلى التلمود البابلي ونسخ‬ ‫)‬

‫موازية‪ .‬قارن أيضا ً عادة إيليا )النذي يلعنب الننبي دوره فني »عقيندة يعقنوب«( فني‬
‫الظهور بزي عربي من الصحراء )الموسوعة اليهودية‪ ،‬نيويورك ولندن ‪ ،1925‬فقننرة‬
‫»إيليا«(‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫يكشف لنا عرضيا ً عن هوية المسنّيا ذاتننه‪ :‬إنننه عمننر ‪،((18‬‬
‫الخليفة الثاني وفق الترتيب السلمي والننذي يحتفننظ‬
‫حنننتى التقليننند السنننلمي بلقنننب مسنننياني لنننه هنننو‬
‫»الفاروق«‪ ،‬والذي يعني المخلص‪ .((19‬في الننوقت ذاتننه‬
‫فإن دخوله القدس هو أداء مناسب لهذا النندور ‪ ،((20‬فنني‬
‫حيننن يبنندو أن »قققق ققق« يجعلننه ينهمننك فنني مهمننة‬
‫مسيانية موازية أل وهنني إعننادة بننناء الهيكل‪ .((21‬وجننود‬
‫عمر بالسم لم يترك بالطبع غير مصقول فنني التقلينند‬
‫السننلمي‪ .‬وبعنندما ُنسنني المعنننى الرامنني الصننلي‬
‫للمصطلح بنجاح أخيرًا‪ ،‬أحرز ايتمولوجيا عربيننة مأمونننة‬
‫الجانب كما اعُتقد أن هذا المصنطلح أك ّننده الننبي ذاتننه‪.‬‬
‫لقد حاول رأي أكثر قدما ً أن يجنند تمّلص نا ً تاريخي نا ً أكننثر‬
‫موا عمننر‬ ‫منه إيتمولوجيًا‪ :‬فإن أهل الكتاب هم الذين س ّ‬
‫بالفاروق‪ ،‬ثم انزلقت التسمية إلى حد مننا علننى ألسنننة‬
‫المسلمين‪ .((22‬إن الروايننات التاريخيننة التفصننيلية حننول‬
‫حّيى بها عمر الفضولي ببراءة في‬ ‫الطريقة التي كان ي ُ َ‬
‫‪((23‬‬
‫وازن من ثم بما يعننزا‬ ‫تُ َ‬ ‫سوريا وذلك بوصفه الفاروق‬
‫‪ (18‬وجوده التاريخي ليس موضع شك‪ :‬إنه بوضوح ملننك السننماعيليين الننذي تزع ّننم‬ ‫)‬

‫غزو مصر والقطار الخننرى وذلنك كمنا يقنول تارينخ سنيبوس ‪ Sebeos‬الرمنني القنديم‬
‫)أنظر‪ ،Histoire d’ Héraclius par l’Evêque Sebêos, Paris 1904, p. 101 :‬من أجل النص الرمني الصلي‪،‬‬
‫أنظر الهامش ‪ ،30‬ومن أجل زمنه انظر الهامش ‪ .(36‬لكنه اسمه هنا هو عمرو ‪:Amr‬‬
‫فإما أن سيبيوس )ومصادر مسيحية أخرى( دمج بين عمننر وعمنرو )بنن العناص(‪ ،‬أو‪،‬‬
‫ورنا‪ ،‬أنهما ُفصل ضمن التقليد السلمي‪.‬‬ ‫وفق حدود تص ّ‬
‫‪ (19‬قارن‪J. Levy. Neuhebr :‬ن‪isches und chald‬ن‪isches Wِrterbuch über die Talmudim und Midraschim, Leipzig 1876 -‬‬
‫)‬

‫‪89, s.v. paroqa‬‬


‫م مسيحا ً قط )باستثناء إشارة له ملفتة للنظر »كفاروقي مسيحي«‬ ‫س ّ‬
‫لكن عمر لم ي ُ َ‬
‫في نصائح الوزراء لساري محمد باشا تحرير‪W. L. Wright, Ottoman Statecraft, Princeton, N. J. 1953,) :‬‬
‫‪..Text, p. 53‬‬
‫‪ (20‬قارن أيضًا‪ ،‬حديث سيف القائل إن عمر في زيارته الرابعة لسوريا دخلهننا راكب نا ً‬ ‫)‬

‫أحد الحمير )محمد بن جرير الطبري‪ ،‬تاريخ الرسل والملوك‪ ،‬تحرير‪,.M. J. de Goeje et al ,،‬‬
‫ليدن ‪ ،1901 - 1879‬ص‪.( 2401.‬‬
‫‪ (21‬يبنندأ المقطننع حننول »الملننك الثناني الننذي يظهننر مننن اسننمعيل« )أنظننر ‪Lewis, :‬‬
‫)‬

‫مم صدوعهم‬ ‫‪ (Apocalyptic Vision, pp. 324f‬بالقول إنه »سيكون حبيب بني إسرائيل؛ فهو سير ّ‬
‫وصدوع الهيكل«‪ .‬وهذا ما يوحي حتما ً بإشارة أكثر قدما ً إلى عمننر‪ .‬لكننن بقيننة النننص‬
‫تصبح أقل ملئمة لعمر‪ ،‬حيث توحي بنوع من التشنوش فني البنناء التناريخي للسننفر‬
‫في هذه الفقرة‪ .‬من أجل العرب على جبل الهيكل‪ ،‬أنظر »الهاجرية دون يهودية«‪.‬‬
‫‪ (22‬الطبري‪ ،‬تاريخ ‪ ،I‬صص ‪ 2728‬وما بعد؛ محمد بن سعد‪ ،‬كتاب الطبقننات الكننبير‪،‬‬ ‫)‬

‫تحرير ‪ ،E. Sachau et al‬ليدن ‪ ،21 - 1904‬مجلد ‪ iii، 193‬وما بعد‪.‬‬


‫‪ (23‬من أجل اليهودي الدمشقي الننذي يحي ّنني عمننر باعتبنناره الفنناروق الننذي سننيأخذ‬ ‫)‬

‫القدس‪ ،‬أنظر‪ :‬الطبري‪ ،‬تاريخ‪ ،I ،‬ص‪ .2403‬من أجل النبوءة المسيانية اليهودية حول‬
‫قدوم الفاروق والتي يطبقهنا كعنب الحبنار علنى عمننر فني القندس‪ ،‬أنظنر المصندر‬
‫السابق‪ ،‬ص‪ .2409‬قارن أيضا ً النكهة المسيانية لتأكيد كعب الحبار بأن عمر كان قنند‬
‫وصف في التوراة بأنه بوق حديد ) ‪ M.J. Kister, Haddithü‬ل‪n bani isra’ila wa-l‬ن ‪haraja; Israel Oriental Studies‬‬
‫‪.(1972, p. 223‬‬

‫‪14‬‬
‫إليننه مننن أفعننال تنكننر علننى نحننو مؤك ّنند دوره كمخل ّننص‬
‫يهودي‪ .((24‬لكن من المثير للسخرية أن عزو كننل شننيء‬
‫للنبي بشكل حتمي قد يكون صحيحا ً فنني هننذا المثننال‪.‬‬
‫لنه إذا كان ثمة دليل معاصر يفيد أن النبي كان يب ّ‬
‫شننر‬
‫بقدوم المسّيا‪ ،‬يصعب أن يكون أمرا ً تصادفيا ً أن الرجل‬
‫الذي جاء بعده يحمننل لقب نا ً مسننيانيا ً صننريحا ً حننتى فنني‬
‫التقليد السلمي‪.‬‬
‫كزنننا انتباهنننا إلننى حنند كننبير علننى السننمة‬‫لقنند ر ّ‬
‫المسيانية لغننزو فلسننطين؛ لكننن كمننا يمكننن أن يكننون‬
‫دم لنا المصادر التاريخية دلئل على حميمية‬ ‫متوقعًا‪ ،‬تق ّ‬
‫أكبر في العلقات بين العرب واليهود في ذلك الننوقت‪.‬‬
‫فالحرارة في ردة الفعل اليهودية علننى الغننزو العربنني‬
‫الننتي يشننهد عليهننا سننفر »ققق قق ققق قق«‪ ((25‬ويق ن ّ‬
‫دم‬
‫أمثلة عليها نص »اققق ققق« هنني أقننل ظهننورا ً للعيننان‬
‫بكثير في المواقننف اليهوديننة اللحقننة‪ .((26‬لكننن الكننثر‬
‫وضوحًا‪ ،‬هو غياب هذه الحرارة بالكامل من ردات فعننل‬
‫‪ (24‬حتى فوق موضع الهيكل‪ ،‬نجده يؤك ّنند علننى المكانننة الننتي ل لبننس فيهننا للكعبننة‬ ‫)‬

‫لم‪ ،‬كتاب الموال‪ ،‬تحريننر‬ ‫السلمية )الطبري‪ ،‬تاريخ‪I، «2408 ،‬؛ أبو عبيد القاسم بن س ّ‬
‫دد تحريننم إقامننة اليهننود فنني القنندس‬ ‫‪M.K. Har‬م‪ ،s‬القاهرة ‪ ،1968‬رقنم ‪ .(430‬إنننه يجن ّ‬
‫)الطبري‪ ،‬تاريخ ‪ ،I‬ص‪ ،(2405‬وهو فعل ل يصننادق عليننه أي مصنندر قننديم ومننن غيننر‬
‫المرجح أن يكون تاريخيًا‪ ،‬كما يطرد اليهود من شبه جزيرة العرب‪ .‬أما غرض التقلينند‬
‫شبه التافه الذي يجعل من عمر مؤسسنا ً للمهدينة السنلمية بسنبب اعتقناده بعنودة‬
‫النبي )المصدر السننابق‪ ،‬صننص ‪ 1815‬ومننا بعنند( فهننو ربمننا يكمننن أصنل ً فنني الدقننة‬
‫جَعل عمر ينكر بهما مكانته المسيانية الخاصة‪.‬‬ ‫والحكام اللذين ي ُ ْ‬
‫‪ (25‬لحظ على نحو خاص الشارة إلى فرح اليهود )عقيدة يعقوب‪ ،‬ص‪.(86 .‬‬ ‫)‬

‫‪ (26‬لحظ على سبيل المثال العدائية تجاه السننماعيليين الننتي تجنند تعننبيرا ً لهننا فنني‬ ‫)‬

‫سفر ‪ ،Pirkê de Rabbi Eliezer‬ترجمة ‪ ،G. Friedlander‬لندن ‪ ،1916‬صص ‪ .350 ،231‬لكن أكثر‬
‫دما ً فنني »السننرار« فنني المقطننع‬ ‫قن ّ‬
‫م َ‬‫المثلة لفتا ً للنظر حول تغيير المواقف نلمسه ُ‬
‫الذي يعقب مباشرة التفسير المسياني الذي استشهدنا به سابقًا‪ :‬فمقابل الستخدام‬
‫السابق لسفر اشعيا ‪ 7:21‬لتقننديم السننماعيليين باعتبننارهم خلص إسننرائيل‪ُ ،‬تربننط‬
‫الن المواقف السياسية والزراعيننة للدولننة بسننفري دانيننال ‪ 39:11‬وحزقيننال ‪13:4‬‬
‫علننى الننترتيب‪ ،‬لنصننل إلننى نتيجننة مفادهننا أن السننماعيليين يطرحننون كمضننطهدين‬
‫ظالمين لسرائيل منفية‪ .‬أما النطباع بأن لدينا هنننا محاولننة متننأخرة لضننفاء الصنبغة‬
‫الحيادية على مسيانية المقطع السابق فهو يتع نّزز بالتبننديل المفنناجئ للمرجننع الننذي‬
‫يلقي بظلله هنا‪ :‬فالتفسير المسياني لسفر اشعيا ‪ 7:21‬ي ُْنقل إلى الحاخنام شننمعون‬
‫عن طريق ميتاترون وذلك في سياق رؤيا اسكاتولوجية في إحدى المغاور‪ ،‬في حيننن‬
‫أن الملحظات الكثر رزانة والتي تعقب ما سبق ت ُْنقل عبره مننن الحاخننام اسننمعيل‪،‬‬
‫الذي يعتبر أحد المصادر الربانية الهامة في الزمنة السابقة‪ .‬وفي »الملوك العشرة«‬
‫الذي هو أحدث من النص السابق‪ ،‬نجد أن الرؤيا في المغارة وقد »تحننوخمت« ]مننن‬
‫حاخام[ وفق الخطوط ذاتها )أنظننر‪Lewis, «Apocalyptic Vision», pp. 321-3 :‬؛ ُيشننار إلننى هننذه‬
‫العملية أيضا ً في جزء »السرار« من الغنزا المشار إليها سابقًا‪ ،‬ص‪.(309‬‬

‫‪15‬‬
‫المسيحيين المعاصننرين‪ ،‬سننواء أكننانوا أرثوذكسنا ً‪ ((27‬أم‬
‫هراطقننة‪ .((28‬فنني الننوقت ذاتننه‪ ،‬فالمصننادر التاريخيننة‬
‫تشهد على ترجمة تلك المشاعر الودية تجاه العرب إلى‬
‫نوع من النغماس السياسي العيني‪» .‬قققققق ققق قق«‬
‫تشير إلى اليهود الذين يختلطون بالسرسنيين‪ ،((29‬فنني‬

‫فننار‬
‫‪ (27‬بالنسبة لبطريرك القدس صفرونيوس ) ‪ (638 - 634‬الغزاة هننم برابننرة ك ّ‬ ‫)‬

‫مى ‪Patorolgia Gareco-‬‬ ‫)أنظر‪ :‬رسالة إلى السينودس للعام ‪ 634‬في عمل ‪ P.J. Migne‬المس ن ّ‬
‫‪ ،Latin‬باريس ‪ ،66 - 1957‬المجلد ‪ ،Lxxxvii‬الجزء الثالث‪ ،‬العمود ‪3197‬؛ وعظتننه فنني‬
‫عيد الميلد من السنة ذاتها الموجودة فنني نننص » ‪Weihnachtspredigt des Sophronios» Rheinisches‬‬
‫‪ ، Museum für Philologie 1886‬تحرير ‪ ،H. Usener‬صص ‪،507‬ن ‪(514‬؛ وفي عظته حول العماد‬
‫دم تصنننيفا ً ناريننا ً لجننرائم السرسنننيين )أنظننر‪A. I. Papadopoulos - Kerameus, Analekta :‬‬ ‫يقنن ّ‬
‫‪ُ .( Hierosolymitikës stakhyologias St. Petersburg 1891-8, vol. v, pp 167f‬يظهر مكسيموس المعترف موقفا ً‬
‫ظين في إحدى رسائله )أنظر‪PG, vol. xci, cols. 540f, dated to 634-40 :‬‬ ‫مشابها ً نحو البرابرة الف ّ‬
‫في عمل ‪P. Sherwood: An Annotated Date-List of the Works of Maximus the Confessor (= Studia Auselmiana, fasc.‬‬
‫سننران الغنزو علنى حند‬ ‫‪ (xxx‬روما ‪ ،1952‬صص ‪ 40‬وما بعد(‪ .‬يتمّيز الثنننان بأنهمننا يف ّ‬
‫دث بهننا‬ ‫سننواء كعقنناب علننى خطايننا المسننيحيين‪ .‬بالمناسننبة‪ ،‬فالطريقننة الننتي يتح ن ّ‬
‫مكسيموس عن البرابرة الذين يحتاجون أراضي الخرين كما لو أنها ملك لهننم‪ ،‬وعننن‬
‫دور اليهود في مجيء المسيح الدجال‪ ،‬تننوحي أنننه ربمننا كننان يعننرف شخصننية الغننزو‬
‫المسيانية والساعية إلى استراد الراضي ؛ لكن رفعة أسلوبه في عمننل كهننذا تننوحي‬
‫بالغموض‪.‬‬
‫‪ (28‬من القباط‪ ،‬لدينا إشارة فظة إلى الغزاة السرسنيين فنني ترتيلننة مكتوبننة ربمننا‬ ‫)‬

‫بعد الغزو مباشرة ) ‪H.de Vis (ed.and tr.) Homélies coptes de la Vaticane, vol. ii (= Coptica, vol. v), Copenhagen‬‬
‫‪(1929, pp. 62, 100‬؛ن‪ ‬في نهاية القرن نجد أن يوحنا من نيكيو ‪ John of Nikiu‬في روايته عن‬
‫الغزو يقول إن نير المسلمين كان »أثقل من النير الذي وضعه فرعننون علننى رقنناب‬
‫بني إسرائيل« )أنظر‪ ،The Chronicle of John Bishop of Nikiu :‬تحرير ‪ ،R.H Charles‬لندن ‪ ،1916‬ص‪.‬‬
‫‪ .(195‬هنالننك أيضنا ً مخطوطننة قبطيننة تشننير إلننى عننذابات المسننيحيين علننى أينندي‬
‫السرسنيين والبلميين الكفرة‪ ،‬الذين يبدون أنهم كانوا يضعون ايديهم على الكنائس )‬
‫‪ E. Revillout, «Mémoire sur les Blemmyes», Mémoires présentés par divers savants‬ل ‪l’ Académie des Inscriptions et Belles-‬‬
‫‪(Letters, 1874, pp. 402 - 4‬؛ يعيد رفيلوت تاريخ المخطوطة إلى الحقبة الما قبل إسلمية على‬
‫أسس ضننعيفة إلننى حنند مننا‪ .‬مننن الجننانب النسننطوري‪ ،‬لنندينا التعننابير المبهمننة لكننن‬
‫المصائبية التي يشير بها سادونا‪ ،‬الذي قد يكون كتب في منتصف القرن السابع‪ ،‬إلى‬
‫ما يجب أن يكونه الغزو العربي ) =( ‪Martyrius (Sahdona), Oeuvres spirituelles, vol.i. ed. and tr. A. de Halleux‬‬
‫‪.(( CSCO, Scriptores Syri, vol. Lxxxvif), Louvain 1960, pp. 40 = 41 and pp. vf‬للسف الشديد ليس لدينا‬
‫شيء في سنوريا اليعقوبينة قبنل نهايننة القنرن السنابع؛ فيعقنوب الرهناوي يعتننبر أن‬
‫خضوع المسيحيين للنير العربي عقاب إلهي‪ ،‬عبودية يمكن مقارنتها بعبودية اليهوديننة‬
‫القديمة ) ‪.( Scholia on Passages of the Old Testement, ed.and tr. G. Phillips, London 1864, pp. 27=42‬عبء النير‬
‫السماعيلي يشكل بننالطبع مقولننة مركزيننة فنني السننفر الننذي يعننزا لميثودوسننيوس‬
‫المنحول والذي يرجع إلى نهاية القرن السابع )أنظر الهامش ‪ 7‬من القسننم الرابننع(؛‬
‫لكننن ليننس مننن الواضننح مننا إذا كننان هننذا النننص قنند صنندر عننن بيئة هرطوقيننة أم‬
‫أرثوذكسية‪.‬‬
‫‪ (29‬عقيدة يعقوب‪ ،‬ص‪).88‬يقول مرجع يهودي من القرن الحادي عشر إنه كان ثمة‬ ‫)‬

‫حَرم وأقاموا معهم بعنند ذلننك؛‬ ‫يهود مع الغزاة السماعيليين وهم الذين أظهروا لهم ال ُ‬
‫أنظر‪J. Mann, The Jews in Egypt and in Palestine under the F :‬ن‪.timid Caliphs, vol. i. Oxford 1920, p 43‬‬

‫‪16‬‬
‫حين يقننول أحنند المصننادر الرمني ّننة القديمننة إن حنناكم‬
‫القدس في أعقاب الغزو كان يهوديا ً‪.((30‬‬
‫مننل النندليل علننى العلقننة الحميمننة اليهوديننة ‪-‬‬ ‫ي ُك َ ّ‬
‫العربية عبر إشارات عدائية متميزة ضد المسيحيين من‬
‫قبننل الغننزاة‪ .‬فنناليهودي الننذي اعتنننق المسننيحية فنني‬
‫»ققققق ققققق« يحتج بأنه لن ينكر المسنيح‪ ،‬ابنن اللنه‪،‬‬
‫حتى لو أمسكه اليهود والسرسنيون وقطعننوه إربننا ً‪.((31‬‬
‫أما حامية غزة المسننيحية فقنند وضننعت التصننميم ذاتننه‬
‫في خضم التطبيق العملي‪ ،‬واستشهدت نتيجة لذلك ‪.((32‬‬
‫وتتحنندث إحنندى التراتيننل مننن ذلننك الزمننن عننن آثننام‬
‫السرسنيين فتورد منها إحراق الكنائس‪ ،‬تدمير الديرة‪،‬‬
‫تننندنيس الصنننلبان‪ ،‬وتجنننديفات مريعنننة ضننند المسنننيح‬
‫والكنيسة‪ .((33‬كراهية سرسنية عنيفننة للصننليب توردهننا‬
‫‪(3‬‬
‫أيضا ً رواية قديمة حول وصول الغزاة إلى جبل سننيناء‬
‫‪ .(4‬واللزمة العقائدية لهذا كل ّننه تجنند تعننبيرا ً دقيقنا ً لهننا‬
‫حيننن يجعننل المرجننع الرمننني السننابق الننذكر حاكمننا ً‬
‫اسننماعيليا ً قننديما ً يطلننب مننن المننبراطور أن يشننجب‬
‫»ذلك اليسوع الذي تدعونه المسيح والننذي لننم يسننتطع‬
‫أن يخّلص حتى نفسه من اليهود«‪ .((35‬ليننس ثمننة شننيء‬
‫حة الصورة السلمية كحركة تخاصننمت مننع‬ ‫هنا يثبت ص ّ‬

‫‪K. R. Patkanean (ed. ), Patmout’iun Sebëos Episkoposi i Herakln, St. Petersburg 1879, p. 111= Sebeos,‬‬ ‫‪ (30‬أنظر‪:‬‬ ‫)‬

‫‪ .Histoire, p. 103‬في سياق النص يبدو أن »حاكم« هي أنسب ترجمة لكلمة »ايشخان«‪.‬‬
‫‪Doctrina, p. 88 (31‬‬
‫)‬

‫‪.H. Delahaye, «Passio sanctom sexaginta martyrum», Analecta Bollandiana 1904 (32‬‬ ‫)‬

‫‪ (33‬عظمة صفرونيوس في المعمودية‪ ،‬المذكورة سننابقًا‪ ،‬هننامش رقننم ‪ .27‬يلحننظ‬ ‫)‬

‫تاريخ سرياني من بداية القرن الثامن قتل الرهبان زمن الغزو ) = ‪Chronica Minora, pp. 148‬‬
‫‪ (114‬في حين يشننهد تاريننخ الخوزسنتاني علننى قتنل مطارنننة وشخصنيات أكليروسنية‬
‫أخرى )المصدر السابق‪ ،‬صص ‪ 30 = 37‬وما بعد(‪ .‬في سيرنيكا ]ليبيا الحالية[ هنالك‬
‫مد من قبل الغزاة للكنائس ) ‪W. M and R. Goodchild, «The‬‬ ‫دليل أركيولوجي على تدمير متع ّ‬
‫‪).(West Church at Apollonia in Cyrenaica», in Papers of the British School at Rome 1960, p. 71n‬يمكن أن نضيف‬
‫هنا تاريخ سيئريد المتأخر الذي يقول إن العرب الذين كانوا يخيمون في الحيننرة ليلننة‬
‫معركة القادسية د َّنسوا على نحو مريع الكنائس والديرة ) ‪(Scher, Histoire nestorienne , p. 627‬؛‬
‫هذه الشهادة تعارض الصرار العام للتقليد النسطوري على إحسان محمد وخلفائه(‪.‬‬
‫‪F. Nau (ed.), ‘Le texte grec des récits du moine Anstase sur les saints pères de Sinaï’, Revue de l’Institute catholique (34‬‬
‫)‬

‫‪.de Paris 1902, pp. 38 f‬‬


‫‪ (35‬سيبوس‪ ،‬تاريخ‪ ،‬صص ‪ 139‬وما بعد؛ يبدو أن الزمن هو ‪ 653‬وليس ‪ .651‬قارن‬ ‫)‬

‫القننرار بالمكانننة المسننيانية ليسننوع وعقينندة الصننلب الذوقانيننة اللننتين تتمثلن فنني‬
‫خرستولوجيا القرآن‪ .‬لحظ أيضا ً أن التقلينند السننلمي‪ ،‬رغننم قبننوله بيسننوع كمسننيا‪،‬‬
‫يواصل الشارة إلى أتباعه على أنهم »نصارى«‪ ،‬وهي صيغة قد تكون مسننتعارة مننن‬
‫اليهود‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫اليهود قبل الغزو‪ ،‬ونظننرت إلننى اليهوديننة والمسننيحية‬
‫بمجموعة التساهل والتحفظ ذاتها‪.‬‬
‫دمه المواد المفحوصة حتى الن هو الصننورة‬ ‫ما ل تق ّ‬
‫العينيننة عننن الطريقننة الننتي حنندث بهننا هننذا الرتبنناط‬
‫اليهودي العربي‪ .‬لجل هننذا يجننب أن نرجننع إلننى أقنندم‬
‫رواية ذات الصلة بالموضوع والننتي تتحنندث عننن سننيرة‬
‫دمننة فنني تاريننخ أرمننني مكتننوب فنني‬‫النننبي‪ ،‬روايننة مق ّ‬
‫العقنند السننادس مننن القننرن السننابع يعننزا للمطننران‬
‫سيبوس‪ .((36‬تبنندأ القصننة بخننروج اللجئيننن اليهننود مننن‬
‫الرها بعدما استردها هرقل من أيدي الفرس عننام ‪628‬‬
‫تقريبًا‪:‬‬
‫لقد خرجوا إلى الصحراء وجاءوا إلى جزيننرة العننرب‪،‬‬
‫عننند أبننناء اسننمعيل‪ .‬فقنند التمسننوا العننون منهننم‪،‬‬
‫وأفهموهم أنهم أقاربهم بحسب الكتاب المقدس‪ ،‬ومع‬
‫أنهننم ]السننماعيليون[ علننى اسننتعداد للقبننول بهننذه‬
‫القرابة الحميمة‪ ،‬إل أنهم ]اليهود[ لم يستطيعوا إقننناع‬
‫عامة الناس‪ ،‬لن عباداتهم مختلفة‪.‬‬
‫(‬
‫كان هنالك في ذلك الوقت اسماعيلي اسمه مهميت‬
‫دم لهم نفسه‪ ،‬كمننا لننو أن‬ ‫‪ ،(37‬وكان يعمل تاجرًا؛ لقد ق ّ‬
‫الله أمره بذلك‪ ،‬كبشير‪ ،‬كطريق إلى الحقيقة‪ ،‬وعّلمهم‬
‫كيف يعرفون إله ابراهيم‪ ،‬لنه كان مطلع نا ً علننى قصننة‬
‫ما ً بها للغايننة‪ .‬ولن المننر جنناء مننن العلننى‪،‬‬
‫موسى ومل ّ‬
‫فقد توحدوا كلهم تحت سننلطة رجننل واحنند‪ ،‬فنني ظننل‬
‫شرع واحد‪ ،‬وعادوا إلى اللننه الحنني الننذي كشننف ذاتننه‬
‫لبيهم ابراهيم‪ ،‬بعد أن هجروا عبنناداتهم‪ .‬ح نّرم عليهننم‬
‫مهميت أكل أي حيوان ميت‪ ،‬شرب الخمر‪ ،((38‬الكننذب أو‬
‫الزنننى‪ .‬لكنننه أضنناف‪» :‬لقنند وعنند اللننه بهننذه الرض‬

‫‪ (36‬سيبيوس‪ ،‬تاريخ‪ ،‬صص ‪ .6 - 94‬ينتهي التاريخ عام ‪ ،661‬ومن الواضح أن الذي‬ ‫)‬

‫كتبه هو أحد المعاصنرين لتلننك الحقبننة؛ ل تهمننا مسننألة صناحب العمننل الحقيقني أو‬
‫عنوانه الحقيقي‪ .‬ويقال إن روايتننه حننول الغننزوات العربيننة إنمننا تعتمنند علننى شننهادة‬
‫شهود عيان سجنهم العرب )ص‪.(102‬‬
‫حمد ‪ mwhmd‬في ملحظة سريانية من ذلننك الزمننن‬ ‫‪ (37‬يظهر السم أيضا ً في صيغة ُ‬
‫م ْ‬ ‫)‬

‫حول غزو سوريا )‪.(Chronica Minora, pp.. 15 = 60‬‬


‫‪ (38‬التحريمان قرآنيان على حد سواء‪ ،‬لكن وحننده الول هننالخي ]يننرد فنني الشننرع‬ ‫)‬

‫اليهودي[‪ .‬ويشهد ذيودوروس سيكلوس )‪ (xix: 94‬على تحريم النباط للخمر في نهايننة‬
‫القننرن الرابننع؛ لكنننه إحنندى سننمات اليهوديننة النسننكية أيضننا ً )قننارن‪ :‬الرحننابيون‪،‬‬
‫المنذورون‪ ،‬والقديس يوحنا المعمدان(‪ ،‬سمة تظهر على ما يبنندو وكأنهننا متبننناة مننن‬
‫قبل يهود عديدين مقابل النصائح الكثر حكمة للحاخامين في الحقبة التي تلننت دمننار‬
‫الهيكل )التلمود البابلي‪ ،‬بابا باترا‪ ،‬الورقة ‪.(b 60‬‬

‫‪18‬‬
‫لبراهيم ونسله من بعده إلى البد؛ لقنند عمننل بحسننب‬
‫وعده ]الله[ حين أحب إسرائيل‪ .‬والن أنتم‪ ،‬أنتننم أبننناء‬
‫ابراهيم‪ ،‬وعبركم ينجز الله الوعد الذي أعطاه لبراهيم‬
‫ونسله‪ .‬أحبوا فقط إله ابراهيم‪ ،‬اذهبننوا وخننذوا بلنندكم‬
‫التي أعطاها الرب لبيكم ابراهيم‪ ،‬فما من أحد سيقدر‬
‫على مقاومتكم‪ ،‬لن الله معكم«‪ .‬ثم اجتمعوا كّلهم من‬
‫حويلننة إلننى شننور الننتي تجنناه مصننر ]سننفر التكننوين‬
‫سننمين إلننى‬ ‫‪[18:25‬؛ لقد خرجوا من صحراء فنناران مق ّ‬
‫اثني عشر سبطا ً وفق سللت آبننائهم‪ .‬وبيننن قبننائلهم‬
‫سموا الثني عشر ألف إسرائيلي‪ ،‬ألف‬ ‫الثنتي عشرة ق ّ‬
‫ألف لكل قبيلننة‪ ،‬وذلننك لهنندايتهم إلننى أرض إسننرائيل‪.‬‬
‫وانطلقوا‪ ،‬مخّيما ً بعد مخيم‪ ،‬وفق نظام آبائهم‪ :‬نبايوت‪،‬‬
‫سا‪ ،‬حدار‪ ،‬تيما‪،‬‬ ‫قيدار‪ ،‬أدبئيل‪ ،‬مبسام‪ ،‬مشماع‪ ،‬دومة‪ ،‬م ّ‬
‫يطننور‪ ،‬نننافيش وقدمننة ]سننفر التكننوين ‪.[18-15 :25‬‬
‫هؤلء هم أسباط اسماعيل‪...‬‬
‫وجاء كل من بقي من شعوب بننني إسننرائيل لينضننم‬
‫كلوا جيش نا ً عظيمنًا‪ .‬ثننم أرسننلوا بسننفير‬ ‫إليهم‪ ،‬حتى ش ّ‬
‫إلى امبراطور اليوننان‪ ،‬ليقنول لنه‪» :‬لقنند أعطننى اللنه‬
‫هذه الرض إرثا ً لبينا ابراهيم ونسله من بعننده؛ ونحننن‬
‫أبناء ابراهيم؛ وأنت أخذت بلدنا بما فيننه الكفايننة؛ تخ ن ّ‬
‫ل‬
‫عنهننا بسننلم‪ ،‬وسننوف لننن نغننزو بلدك؛ وإل فسننوف‬
‫نسترد ما أخذت ونزيد عليه«‪.‬‬
‫تبدو هذه الرواية المتعلقننة بأصننول السننلم وكأنهننا‬
‫رواية غير مألوفة‪ .‬إنها أيضنا ً واضننحة فنني ل تاريخيتهننا‬
‫وذلك في مزجها لعلم نشوء العراق التوراتي‪،‬كما أنها‬
‫مخطئة حتما ً في الدور الذي تعزوه لليهود اللجئين من‬
‫الرهننا‪ .‬هننذا النندور‪ ،‬بغننض النظننر تمام نا ً عننن اسننتحالته‬
‫ل‪ :‬فهننو يعننني أن دولننة‬ ‫جغرافينًا‪ ،‬مسننتحيل تاريخينا ً فع ً‬
‫محمنند ل يمكننن أن تكننون قنند أسسننت قبننل عننام ‪628‬‬
‫بكثير‪ ،‬فنني حيننن أن لنندينا دليل ً وثائقينا ً منننذ عننام ‪643‬‬
‫يفيد أن العرب كانوا يستخدمون تقويما ً يبدأ بعام (‪622‬‬
‫‪ 558 (39‬تؤّرخ باليونانية عبر الشارة الى السنة الخمننس عشننرية الموافقننة لعننام‬ ‫)‬

‫‪ 643‬وبالعربية في صيغة »السنة الثانيننة والعشننرين«‪A. Grohmann, «Aperçu de papyrologie .‬‬


‫‪arabe»; Etudes de papyrologie 1932; pp. 41f, 43‬؛ )يبدو واضحا ً من الصفحة أن التاريخ اليوننناني‬
‫ل(‪» .‬عام ‪ «17‬المؤرخ على أقدم قطعة نقد عربية دمشقية يشهد كما هننو‬ ‫مكتوب أو ً‬
‫مفروض على استخدام أقدم للتقويم ذاتننه‪ ،‬لكننن ل يوجنند تأريننخ مسننيحي مقابننل ) ‪H.‬‬
‫‪ .(Lavoix, Catalogue des monnaies musulmanes de la Bibliothèque nationale: Khalifes orientaux, Paris 1887, uss. 1f‬لذلك‬
‫يجننب أن نفننترض أن هننذا التقننويم يمي ّننز تأسننيس الدولننة‪ ،‬تمام نا ً كمننا يقننول التقلينند‬
‫السلمي‪) .‬من المهم أن نلحظ أنه دون التأريخ اليوناني ‪ 558‬كان التأريخ السلمي‬

‫‪19‬‬
‫‪ .(39‬وكانت فلسطين المحتلة آنننذاك مننن قبننل الفننرس‬
‫ستبدو نقطة بداية أكثر معقولية بكثير بالنسننبة لليهننود‬
‫اللجئين من الرها‪ .((40‬مع ذلك فهذا المطلب ل يضننعف‬
‫دمها سننيبيوس عننن بنيننان العلقننات‬ ‫الصننورة الننتي يق ن ّ‬
‫اليهوديننة العربيننة فنني الحقبننة الموصننلة إلننى الغننزو‪،‬‬
‫وموثوقية هذه الرواية مؤكدة بشكل ملفت للنظننر مننن‬
‫قبننل طننرف غيننر متوقننع تقريبننًا‪ .‬فمقابننل الروايننة‬
‫السلمية المعتمدة حول العلقات بين محمنند وأسننباط‬
‫اليهود فنني المدينننة‪ ،‬ي َظْ َ‬
‫هننر اليهننود فنني وثيقننة تعننرف‬
‫كلون أمة واحدة مع‬ ‫باسم »عهد المدينة« على أنهم يش ّ‬
‫المننؤمنين رغننم احتفنناظهم بننديانتهم الخاصننة‪ ،‬وهننم‬
‫يتوزعون دون أسننماء متميننزة ضننمن عنندد مننن أسننباط‬
‫العرب‪ .((41‬وبما أن هذه الوثيقة مخالفة لما هو متعارف‬

‫الولي سيبدو في حيرة من أمره للغاية‪ .‬وهكذا فإن تقويما ً يبدأ بسنننتين أو ثلث بعنند‬
‫عام ‪ 622‬يوحي به التأريخ الشاذ لسيف بن عمر ولنقود عربية ساسانية بعينهننا )مننن‬
‫أجل النقود‪ ،‬أنظر ‪A.D. Mordtmann, «Zur Pehlevi - Münzkunde», Zeitschrift der Deutschen Morgenl‬ن‪ndischen‬‬
‫‪ ،(Gesellschaft 1819, p. 97‬وعدد سنوات سبع أو ثمان )_مقابل عشر( لحكم محمد يظهر في‬
‫تاريخ يعقوب الرهاوي ) ‪ ،(Chronica Minora, pp. 326 = 250‬في تاريخ ما شاء الله التنجيمي الذي‬
‫يرجع إلى القرن الثامن ) ‪E. S. Kennedy and D. Pingree, The Astrological History of M‬ن‪sh‬ن’ ‪all‬ن‪h, Cambridge,‬‬
‫‪ ،(mass. 1971, p.132‬بل لقد أورده المقريزي ذاته ) ‪H. Lammens «L’ êge de Mohamet et la chronologie de la‬‬
‫‪Sîra, Journal asitique, 1911, p. 219‬؛ قارن أيضا ً رقم ‪ 13‬سنة الشاذ الننذي يننرد عننند البلذري‬
‫وغيره؛ راجع المصدر السابق‪ ،‬ص‪.((215‬‬
‫‪ (40‬لقد أمكن إيراد عدد من المصادر من ذلك الزمان لعطاء معقوليننة لعننادة بننناء‬ ‫)‬

‫كهذه‪ .‬فسيبيوس ذاته يسجل طرد الفرس اليهود من القنندس ) ‪ ،(Histoire, p. 69‬ويؤيننده‬
‫في هذا تاريخ الخوزستاني ) ‪Chronica‬‬
‫‪ ،(⇒ Minora, pp. 26 = 23‬إضافة إلى مصادر متأخرة عديدة‪ .‬ويروى أن قديسا ً مسيحيا ً هاربا ً‬
‫مننن الحتلل الفارسنني للقنندس أحنناق بننه لمننرات عدينندة خطننر السننر علننى ينند‬
‫»السرسنيين والعبرانيين«‪C. Houze (ed. and tr.)], Sancti Georgii Chozebitae Confessoris et monachi vita, ] .‬‬
‫‪Analecta Bollandiana 1888, p. 134‬؛ لحظ أن الهروب إلى شبه جزيننرة العننرب يبنندو كمسننار‬
‫محتمل للفعل‪ ،‬صص ‪ .133 ،129‬ويشهد سفر قيامي يهودي على ما يمكن أن تكون‬
‫عليه حالة مسيانية معادية للفرس موازية في فلسطين عام ‪I. Lévi, ‘L’ Apocalyps ) .628‬‬
‫‪ .(de Zorobabel et le roi de Perse Siroés’, Revue dea études juives 1914, pp. 135 = 151‬لكن وحدها المصادر‬
‫المتأخرة تقدم إشارة واضحة إلى أن الحركة كانت موجهة أصل ً ضنند الفننرس )ينندس‬
‫توماس ارتسروني )القرن العاشر( إشارة إلى الفرس فنني روايننة تعتمنند علننى نننص‬
‫سيبيوس‪M. Brosset, Collection d’ historiens arméniens, vol. I, st. Petressburg, 1874, p. 88 ،‬؛ وهنالك تحريف‬
‫مشابه في نسخة ميخائيل السرياني الرمنية‪ ،‬أنظر‪V. Langlois (tr.) (Chronique de Michel le :‬‬
‫‪Grand, Venice 1868, p. 223‬؛ لكن التدمير الفارسي للجزيرة العربية مذكور في سيرة حياة‬
‫دق والتي تعود إلى تلك الحقبة‪E. Dawes and N. H. Baynes, Three Byzantine ) .‬‬ ‫القديس يوحنا المتص ّ‬
‫‪.(.Saintes, Oxford, 1948, pp. 205 f‬‬
‫‪ (41‬محمد بن اسحق‪» ،‬سيرة سننيدنا محمنند رسننول اللننه« ‪ ،‬تحريننر ف‪ .‬فوسننتنفلد‪،‬‬ ‫)‬

‫غوتنغن ‪ ،1958‬صنص‪ 342‬ومننا بعنند = الكنناتب ذاتننه‪ ،The Life of Mohammad ،‬ترجمننة آ‪.‬‬
‫غوليوم‪ ،‬لندن ‪ ،1955‬ص‪233‬؛ أبو عبيد‪ ،‬كتاب الموال‪ ،‬رقننم ‪ .517‬لقنند كننانت هننذه‬
‫ل‪J. Wellhausen, «Muhammads Gemeindeordung von :‬‬ ‫السمة للوثيقة مثيرة للتلغيز دائمًا‪ ،‬أنظر مث ً‬
‫‪ «Medina‬في عمله ‪ ،Skizzen und Vorarbeiten‬المجلد ‪ ،IV‬برلين ‪ ،1886‬صص ‪ 75‬وما بعد‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫رس نا ً ‪archaic‬‬‫عليننه علننى نحننو واضننح وتعتننبر عنصننرا ً دا ِ‬
‫للوهلة الولى فنني التقلينند السننلمي‪ ،‬فاتفاقهننا فنني‬
‫هذه المسائل مع أقدم الوصاف الروائية حننول أصننول‬
‫السلم هام إلى درجة كبيرة‪ .‬وهكذا يمكن لنا أن نقبل‬
‫بسننيبيوس باعتبنناره يقنندم الطننار الننروائي الساسنني‬
‫الذي تنتمي إليه حميميننة العلقننات اليهوديننة ‪ -‬العربيننة‬
‫المقدمة سابقا ً في هذا الفصل‪.‬‬
‫ما يجب على سيبيوس قوله له أهمية بالغة بحد ذاتننه‬
‫أيضًا‪ .‬فهو يقدم لنا فنني الموضننع الول تعننبيرا ً واضننحا ً‬
‫مَنة‬
‫عن التوجيه الفلسطيني للحركة‪ ،‬وهنني سننمة متض ن ّ‬
‫في السيناريو المسننياني ويؤكنندها علننى نحننو مسننتقل‬
‫التقلينند التنناريخي لليعاقبننة‪ ((42‬؛ وبننالطبع فننإن إصننرار‬
‫التقليد السننلمي علننى أن عاصننمة الغننزاة‪ ،‬حننتى فنني‬
‫زمن الغزو‪ ،‬كانت مكة أكثر وليننس القدس ن‪ ،((43‬ل يخلننو‬
‫من بعض التننوتر‪ .‬وبشننكل أكننثر تخصيصنًا‪ ،‬فننإن تقننديم‬
‫الحركة باعتبارها مذهبا ً استراديا ً موجه نا ً نحننو اسننترداد‬
‫حق بكورية للرض المقدسة ممنوح إلهيا ً هو أمر يوحي‬
‫بنننوع مننن التجميننع المسننياني للمنفييننن‪ .‬بالمقابننل‬
‫فالنفي داخل الصحراء الذي تبدأ به القصة يمكن النظر‬
‫إليه فعل ً باعتباره تشريعية لفنتازيا مسيانية راسخة ‪.((44‬‬
‫في الوقت ذاته فإن هذا الدور الذي يعزا للصننحراء‪ ،‬إذا‬
‫مننا جمعننناه مننع تننذكر لسننماء المواضننع فنني الغننزو‬
‫السننرائيلي الصننلي للرض المقدسننة ‪ ((45‬إضننافة إلننى‬
‫العبارة القائلة إن النبي كننان مطلعنا ً جينندا ً علننى قصننة‬
‫‪ .Michael the Syrian, Chronique, vol. iv, p. 404 = vol. I. pp. 403f (42‬قارن المسح العقائدي الكثر‬ ‫)‬

‫ور فيه الكعبة على نحو بارز باعتبارها القبلة‪.‬‬ ‫كلسيكية الذي سيأتي لحقًا‪ ،‬والذي تص ّ‬
‫‪ (43‬قارن‪ :‬الهامش رقم ‪ 24‬السابق‪ .‬ثمة اثر من التوجه الفلسطيني الصلي يستمر‬ ‫)‬

‫في التقليد السلمي مع فلسطين التي تظهر هنا فنني ثننوب سننوريا‪ :‬سننيكون هنالننك‬
‫كى سوريا باعتبارها الرض التي اختارهننا‬ ‫جند في سوريا‪ ،‬اليمن والعراق‪ ،‬لكن النبي ز ّ‬
‫الله للمصطفين من عبيده )أبو داود سليمان بن الشعث السجسننتاني‪ ،‬صننحيح سنننن‬
‫المصطفى‪ ،‬القاهرة ‪ .1348‬المجلنند ‪ ،1‬ص‪388‬؛ قنارن أحمنند بنن محمند بننن حنبنل‪،‬‬
‫المسند‪ ،‬القاهرة ‪ ،1313‬المجلد ‪ ،5‬صص ‪ 33‬وما بعد؛ علي بننن حسننن بننن عسنناكر‪،‬‬
‫جد‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬دمشق ‪ ،1951‬صص ‪.(74 - 47‬‬ ‫تاريخ مدينة دمشق‪ ،‬تحرير س‪ .‬من ّ‬
‫‪ (44‬هذه الفنتازيا‪ ،‬التي استحدثها أتباع طائفة البحر الميت‪ ،‬ممّثلة على نحو جيد في‬ ‫)‬

‫الدب الحاخامي )أنظر على سبيل المثال من أجننل شننهادة قديمننة‪B. Mandelbaum (ed), :‬‬
‫‪ ;Pesikta de Rav Kahana, vol. i, New York 1962, pp. 92f‬من أجل مقطع مواز‪ ،‬أنظر‪J.J. Slotki (tr), Midrash :‬‬
‫‪ .(Rabbah (Numbers, vol.i, London 1939; pp. 413 f‬كما تظهر في سفرين قياميين من الحقبة ذاتها )‬
‫‪ ،(Levi, «L’ Apocalypse de Zorobable», pp. 135 mste 28 = 151 note 7, 136 f = 153; Lewis, «On that day», p. 200‬وكذلك‬
‫في رواية سريانية حول مسننيح مزعننوم مننن بلد مننابين النهريننن ظهننر فنني ثلثينننات‬
‫القرن الثامن )‪I. B. Chabot (ed), Incerti auctoris Chronicon pseudo - Dionysianum vulgo dictum (= CSCO, Scriptores‬‬
‫‪(Syri vol. Liii), Louvain 1933, pp. 173f = id (tr.) Chronique de Denys de Tell - Mahré, Paris 1895, pp. 26 f‬‬

‫‪21‬‬
‫موسننى‪ ،‬فننإنه يننوحي بقننوة بننالموازاة الحاخاميننة بيننن‬
‫الفنندائين الموسننوي والمسننياني ‪ :((46‬بكلمننات أخننرى‪،‬‬
‫التأكيننند موسنننوي أكنننثر مننننه داوودي‪ .‬وهكنننذا فنننإن‬
‫سيبيوس‪ ،‬دون أن يؤكنند بشننكل مباشننر علننى المقولننة‬
‫المسيانية‪ ،‬يساعد في تقديم سياق عقائدي تشعر فيننه‬
‫المقولة باللفة الكاملة‪.‬‬
‫دم لنا أيضا ً شيئا ً يغيب بالكامل عننن‬ ‫لكن سيبيوس يق ّ‬
‫المصادر التي تم فحصننها حننتى الن‪ :‬وصننف للطريقننة‬
‫دم بها النبي الساس المنطقي للتدخل قققققق‬ ‫التي ق ّ‬
‫فننني تمثينننل المسنننيانية اليهودينننة‪ .‬وهنننذا السننناس‬
‫ون مننن اسننتلهام ثنننائي الطبيعننة للصننل‬ ‫المنطقي مك ّ‬
‫البراهيمي للعرب وذلك بوصننفهم اسننماعيليين‪ :‬حننتى‬
‫يضفي عليهنم منن ناحينة حنق بكوريننة بالنسنبة للرض‬
‫المقدسننة ‪ ،((47‬وكنني يعطيهننم مننن ناحيننة أخننرى علننم‬
‫(‬
‫حد‪ .‬لم يكن أي من الستلهامين دون سوابق‬ ‫أنساب مو ّ‬
‫‪ .(48‬لكن إذا كان صعبا ً اعتبار الرسالة أصيلة جنندًا‪ ،‬فقنند‬
‫كانت تحتوي‪ ،‬إضافة إلى الساس المنطقنني لمشنناركة‬
‫السماعيليين في الخروج السرائيلي‪ ،‬بذرة هوية دينية‬
‫عربية متميزة عن مقابلتهننا عننند معلميهننم والمحمييننن‬
‫من قبلهم من اليهود‪.‬‬

‫‪ (45‬لحظ الشارات إلى بريننة فناران‪ ،‬عربنوت منوآب )سنيبيوس‪ ،‬تارينخ‪ ،‬ص‪،(96 .‬‬ ‫)‬

‫أريحا )ص‪ (98 .‬وصحراء السن )ص‪ .(101 .‬إلى هذا السياق تنتمي أيضننا ً الشننارات‬
‫إلى أسباط إسرائيل الثني عشر‪ .‬لكن هذه التحريفننات الكتابيننة قنند ل تعكننس شننيئا ً‬
‫بالطبع غير مذاق أدبي للمؤرخ؛ قارن هنا علم النساب السماعيلي عنده‪.‬‬
‫‪ (46‬إنه مبدأ حاخامي ذلك الننذي يعتننبر أن المخل ّننص الخيننر )أي‪ ،‬المسننيا( يجننب أن‬ ‫)‬

‫لص الول )أي موسى(؛ أنظر على سبيل المثال‪Mandelbaum (ed.), Pesikta :‬‬ ‫يكون مثل المخ ّ‬
‫ً‬
‫‪ .de Rav Kahana‬والمقارنة بين المخلصين هي طبعا أقدم مننن زمننن الحاخننامين؛ قننارن‪:‬‬
‫اشعيا ‪ .16:11‬في ملحظة أكثر عملية‪ ،‬قارن الصدى الموسوي القننوي عننند كريتننان‬
‫‪ Cretan‬الذي ادعى أنه المسيا في القرن الخامس والذي قاد أتباعه إلى شنناطئ البحننر‬
‫حيث توقع أن الموج سوف ينفرق كي يعبروا إلننى فلسننطين )‪Socrates Scholasticus, Historia‬‬
‫‪ ،Ecchlesiastica PG‬المجلد ‪ ،Lxvii‬العمود ‪ .(825‬كننذلك فقنند زعننم منندعي المسننيانية مننن‬
‫القرن الثامن المشار إليه آنفا ً في الهامش ‪ ،44‬بالفعل أنننه موسننى ذاتننه العنائد كني‬
‫يقود بني إسرائيل من الصحراء ويعيدهم إلى الرض الموعودة‪.‬‬
‫ضنل مضنر‬ ‫‪ (47‬انعكاس شاحب لهذه الفكرة يمكن تقصيه في التقليند وذلنك حينن ف ّ‬ ‫)‬

‫]اسمعيل[ العراق على سننوريا‪» ،‬فاننندهش عمننر كيننف اسننتطاعوا نسننيان أسننلفهم‬
‫السوريين« )الطبري‪ ،‬تاريخ‪ ،1 ،‬صص ‪ 2222‬وما بعد(‪.‬‬
‫‪ (48‬يناقش كل من تكوين راباه ‪ 7:61‬والتلمود البابلي‪ ،‬رسالة السنهدرين ‪ 91‬آ ومننا‬ ‫)‬

‫بعد‪ ،‬فكرة حق بكورية اسمعيل بالرض المقدسة ويرفضانها‪ .‬وفي سفر اليوبيل ) ‪R. H.‬‬
‫‪ .( Charles (tr.), The Book of Jubiless, London 1952, pp. 129 - 31‬تظهر رخصة تسمح بديانة عربية‬
‫ابراهيمية )اسننماعيلية وقطوريننة(‪ ،‬تتضننمن التوحينند‪ ،‬الختننان بحسننب العهنند‪ ،‬وبعننض‬
‫الوصايا الخلقية التشريعية‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫ل يوجنند سننبب معقننول ينندفعنا إلننى الفننتراض أن‬
‫حاملي الهوية البدئية هذه دعوا أنفسننهم »مسننلمين«‪.‬‬
‫وأول ذكر لهذا المصطلح على نحو مبين كان فنني قبننة‬
‫الصخرة عام ‪ 691‬وما بعد‪((49‬؛ ول نجده من ناحية أخرى‬
‫خارج التقليد الدبي السلمي حنتى القننرن الثننامن‪.((50‬‬
‫لكن مصادرنا تكشف عن تسمية للجماعة أكثر قدما ً من‬
‫السابقة‪ ،‬تسمية تتناسب جيدا ً مع سننياق الفكننار الننتي‬
‫قنندمها سننيبيوس‪ .‬تظهننر هننذه التسننمية فنني اليونانيننة‬
‫بصيغة »ماغاريتنناي ‪ «Magaritai‬وذلننك فنني برديننة تعننود‬
‫للعام ‪642‬؛ أما في السريانية فهي »ماهغري ‪«Mahgre‬‬
‫أو »ماهغرايه ‪ «Mahgraye‬والتي تظهر منذ البنندايات أي‬
‫من أربعينيننات القننرن السننابع‪((51‬؛ والمصننطلح العربنني‬
‫المقابل هو قق ققققق‪ .((52‬ثمة فكرتان متضننمنتان هنننا‪.‬‬
‫الولى‪ ،‬وهي شبه مفقودة فنني التقلينند السننلمي‪،((53‬‬

‫‪M. van Berchem, Matériaux pour un Corpus Inscriptionum Arabicarum, part tow, vol. ii, Cairo 1927, no. 217‬‬ ‫‪(49‬‬ ‫)‬

‫)كلمة إسلم تظهر في الملحظة ‪.(215‬‬


‫‪ (50‬يرجع أقدم دليل على مسألة ذات علقة بعلم القطننع النقديننة أو مننا شننابه إلننى‬ ‫)‬

‫العام ‪Lavoix, Catalogue des monnais musulmanes de la Bibliothèque nationale: Khalifes orientaux, nos. 1554f: ) 768‬‬
‫‪.( Mahdi as wali‘ahd al-muslimin‬‬
‫أما أقدم ظهور للمصطلح باللغة السريانية )ماشننليمانه بمعنننى مسننلمين( فهننو ذلننك‬
‫الذي رأيناه في أحد التواريخ من العام ‪Chabot (ed.), Chronicon pseudo- Dionysinum, p. 195 -) .770‬‬
‫‪ .(id(tr.), Chronique de Denys de Tell-Mahré, p. 46‬لكن أقدم نموذج في بردية موثقة وصل إلينا هو‬
‫ذلك الذي يرجع إلى العام ‪) 793‬باليونانية ‪624‬؛ أنظر‪A. Grohmann, From the World of Arabic :‬‬
‫‪ .(Papyri, Cairo 1952, pp. 132-134‬من أجل مثال عن أنموذج لبردية عربيننة مسننيحية‪ ،‬والنتي‬
‫أمكن تأريخها من منتصف القننرن الثننامن‪ ،‬إذا كننانت قننراءة المحننرر للنننص وتخمينننه‬
‫لتاريخه صحيحين‪ ،‬أنظر‪G. Graf, Christlich - arabische Texte, in F. Bilabel (ed.), Verِffentlichungen aus den :‬‬
‫‪ .badischen Papyrus Sammlungen, vol. v, Heidelberg, 1934, p. 10‬وبسننبب هننذه الشننهادات الواهيننة‬
‫والمتننأخرة يصننعب علينننا أن نتخيننل أن مصننطلحي »إسننلم« و »مسننلمون« كانننا‬
‫يستخدمان كتسمية للدين ومعتنقيه في زمن الغزوات‪.‬‬
‫‪» (51‬ماغاريتاي«‪ 564 :‬بالتاريخ اليوناني ) ‪A. Grohmann, «Greek Papyri of the Early Islamic Period in‬‬
‫)‬

‫‪ .(the Collection of Archduke Rainer», Etudes de Papyrologie 1957, pp. 28 f‬أيضا ً ‪ 558‬بالتاريخ اليوناني الذي‬
‫يوافق عام ‪) 643‬أنظر الهامش ‪ 39‬السابق(‪» .‬ماهغري«‪ :‬ايشوع يهننب الثننالث‪Liber ،‬‬
‫كتبت‬ ‫‪ُ ).Epistularum , ed. and tr. R. Duval (= CSCO, Scriptores Syri, second series, vol. Lxiv), Paris 1904 f., pp. 97 = 73‬‬
‫الرسالة حين كان ايشوع يهب مننا يننزال اسننقفًا؛ ولنننه صننار مطران نا ً قبننل أن يصننبح‬
‫مه كاثوليكوس )المرجع السابق‪ ،‬صص ‪ ،(83 = 109‬يجب أن ل تكون الرسننالة‬ ‫مار ّ‬
‫بعد أربعينات القرن السابع(‪ .‬تظهر »ماهغرايه« مرات عديدة في وصف جنندل ديننني‬
‫حدث على الغلب عام ‪F. Nau, «Un collaque du Patriarche Jean avec L’émir des Agaréens», Journal :644‬‬
‫‪) asiatique 1915, pp. 248, 251 = 257, 260f‬قارن الصيغة »مهغرا«(‪.‬إن الظهور القديم للمصطلح‬
‫خارج موطنه الصلي في مناطق بعيدة كمصر والعراق ملفت للنظر‪.‬‬
‫‪ (52‬مع أن اللفظ العربي ل يوجد شواهد عليه قبل ظهور صيغة »مواغرايتنناي« فنني‬ ‫)‬

‫بردية قره بن شريك‪ ،‬حاكم مصر بين عامي ‪H.I. Bell (ed.), The Aphrodito Papyri) .714 - 709‬‬
‫‪.((= Greek Papyri in the British Museum, vol. iv), London, 1910, nos, 1335, 1349, 1394 etc‬‬
‫‪ (53‬لكن لحظ كيف أنه حتى في »المرسوم الميري« الشامل الذي يعزا إلى عمننر‬ ‫)‬

‫الثاني‪ُ ،‬يستخدم فعل هاجر في حالة العرب‪ ،‬وفعل فارق في حالة غيننر العننرب‪) .‬أبننو‬

‫‪23‬‬
‫لهننا علقننة بعلننم النسنناب‪» :‬المهغرايننه«‪ ،‬كمننا يخبرنننا‬
‫مرجع سرياني قديم‪ ،‬هم المنحدرون من ابراهيننم عننبر‬
‫هاجر‪ .((54‬لكن بجانب هذه المكانة المعزوة إليهم هنالك‬
‫أيضا ً مكانة محرزة والتي يحتفظ بها التقليد السننلمي‬
‫بالكامل‪ :‬المهنناجرون هننم أولئك الننذين يشنناركون فنني‬
‫هجرة‪ ،((55‬أي نفي‪.‬‬
‫فنني التقلينند السننلمي نجنند أن الخننروج الننذي نحننن‬
‫بصدده هو من مكة إلى المدينة‪ ،‬والننذي يتطننابق موعننده‬
‫مع بداية التقويم العربي عام ‪ .622‬لكنن منا منن مصندر‬
‫تاريخي قديم يشهد على صحة تاريخية هننذا الخننروج ‪،((56‬‬
‫دم بننديل ً‬
‫والمصادر التي تم فحصها في هذا الفصننل تق ن ّ‬
‫معقول ً أل وهو هجرة السماعيليين من الجزيرة العربيننة‬
‫إلى الرض الموعودة‪ .‬هنالك نقطتان تعملن لصالح هننذا‬
‫البنديل تسنتحقان أن تنوردا هننا‪ .‬ففني الموضنع الول‪،‬‬
‫مهاجرو التقليد السلمي هننم العنصننر القننائد للجماعننة‬
‫الدينية الغازية ليننس إل؛ ومننع ذلننك فالمصننادر اليونانيننة‬
‫والسنننننريانية تسنننننتخدم مصنننننطلحي »ماغاريتننننناي«‬

‫محمد عبد الله بن عبد الحكم‪ ،‬سيرة عمر بن عبد العزيز‪ ،‬تحرير أحمد عبيد‪ ،‬القاهرة‬
‫‪ ،1927‬صص ‪ 94‬وما بعد(‪.‬‬
‫‪ (54‬تحمل قلفونة النص تاريخ ‪ 63‬من تقويم مهغرايه بني ايش ]معيل[ بار هاغار بار‬ ‫)‬

‫ابراهام‪.(W. Wrght, Catalogue of Syriac Manuscripts in the British Museum, London 1870, p 92) .‬‬
‫‪ (55‬يمكن مقارنة مركزية فكرة الخروج هننذه مننع الطريقننة الننتي يقنندم بهننا التقلينند‬ ‫)‬

‫السلمي ذاته مسألة »الهجرة« وذلك باعتبارها الننواجب الننديني الننذي حننل السننلم‬
‫محله وهكذا يروى أن عائشة قالت إن واجب الهجرة لننم يعنند موجننودا ً الن لن اللننه‬
‫أظهر السلم‪) .‬أبو عبيد‪ ،‬كتاب المننوال‪ ،‬رقننم ‪535‬؛ محمنند بننن اسننماعيل البخنناري‪،‬‬
‫كتاب الجامع الصحيح‪ ،‬تحرير ‪ ،L. Kreh‬ليدن ‪ ،1908 - 1862‬المجلد ‪ ،3‬ص‪ .(35‬النبي‬
‫ذاته يشهد على صحة نسخ بيعة الهجرة ببيعة السلم )المصنندر السننابق‪ ،‬المجلنند ‪،2‬‬
‫صص‪ 267‬وما بعد؛ والمجلد ‪ ،3‬صص ‪ 145‬وما بعنند(‪ .‬فنني خلفيننة هننذه التقالينند نجنند‬
‫إصرارا ً أكثر عمومية على إبطال واجب الهجرة )أنظر على سبيل المثال‪ :‬أبننو عبينند‪،‬‬
‫كتاب الموال‪ ،‬الرقام ‪534 - 531‬؛ يعزو الخير إنكننار الخلص إلننى امننرئ ل يقننوم‬
‫بالهجرة(‪.‬‬
‫‪ (56‬أول من يشهد على صحة بيوغرافيا النبي الداخلية )مكة‪ ،‬قريش‪ ،‬ومعركننة بنندر‪،‬‬ ‫)‬

‫لكن بنوع من النحراف التأريخي البسيط( هنو بردينة منن نهاينة الحقبنة المويننة‪A.) .‬‬
‫‪ .(Grohmann, Arabic Papyri from Hirbet el-Mird, Louvain 1963, no 71‬لكن ما من مصدر من القرن‬
‫السابع يعتبر أن التقويم العربي هو تقويم الهجرة‪ .‬والمواد العربية )عملت‪ ،‬برديننات‪،‬‬
‫نقوش( تحننذف باسننتمرار اسننم الحقبننة )شنناهدة القننبر الننتي تحمننل تاريننخ »السنننة‬
‫التاسعة والعشرين من الهجننرة«‪ ،‬والننتي يستشننهد بهننا غروهمننان ) ‪Arabische Chronologie,‬‬
‫‪ (Leyden/ Kِln, 1966, p. 14‬ليست معروفة إل من مصدر أدبي متأخر(‪ .‬وتخبرنا المواد اليونانية‬
‫والسريانية حقبة من كانت‪ ،‬حيث عادة مننا تشننير إليهننا باعتبارهننا حقبننة العننرب؛لكننن‬
‫المفتاح الوحيد لفهم طبيعة الحدث الذي شننكل نقطننة بنندايتها هننو التاريخننان اللننذان‬
‫تحملهما وثيقتان إكليروسننيتان نسننطوريتان أي ‪ 676‬و ‪» 680‬مننن حكننم العننرب«‪) .‬‬
‫‪shultana de - tayyaye, J. B. Chabot (ed. and tr.), Synodicon Orientale ou Recueil de Synodes nestoriens (= Notices et extraits‬‬
‫‪.(manuscrits de la Bibliothèque Nationale, vol. xxxvii) Paris 1902; pp. 216 = 482, 227 = 490‬‬

‫‪24‬‬
‫و»مهغرايه« مع كل ظهور للشارة إلى الجماعننة ككل‬
‫‪(57‬‬

‫(‪ .‬ثانيًا‪ ،‬يحفظ لنا التقليد السلمي نماذج مننن اسننتخدام‬


‫»الهجننرة« والمصننطلحات المرتبطننة بهننا فنني سننياقات‬
‫حيث ل تكننون الهجننرة ضننمن الجزيننرة العربيننة بننل مننن‬
‫الجزينرة العربينة إلنى القطنار المغننزوة ‪ .((58‬بنل هنالنك‬
‫تقليند يحصنر التسنمية بفلسنطين ضنمنًا‪ :‬سنوف تكنون‬
‫هنالك هجرة بعد هجنرة‪ ،‬لكنن أفضنل النناس هنم النذين‬
‫سنننيتبعون هجنننرة ابنننراهيم ‪ .((59‬يمكنننن النظنننر إلنننى‬
‫»المهغرايه« إذا ً باعتبارهم المشنناركين الهنناجريين فنني‬
‫هجرة إلى الرض الموعننودة‪ ،‬وفنني هننذه التوريننة تكمننن‬
‫أقدم هوية للدين الننذي كننان عننند تمننام الزمننن سيصننبح‬
‫السلم‪.‬‬

‫‪ (57‬يصعب علينا أن نتخيل أن المرأة اللكعة التي تهدد بأنها ستغير دينها )أهغننر( إذا‬ ‫)‬

‫حرمت من المناولننة بسننبب إقامتهننا لعلقننة جنسننية مننع المهغرايننه إنمننا هنني تعننتزم‬
‫النضمام إلى صفوف المهاجرين المكيين‪C. Kayser (ed. and tr.), Die Kanones Jacobs von Edessa,) .‬‬
‫‪(Leipzig 1886, pp. 13 = 39‬؛ قارن أيضا ً مسألة مولى معاوية والعنصر الميري عبد الله بن‬
‫دّراج )أحمد بن يحيى البلدري‪ ،‬كتاب أنساب الشننراف‪ ،‬المجلنند الرابننع ب‪ ،‬تحريننر م‬
‫شلوزنغر‪ ،‬القدس ‪ ،1938‬ص‪ ،(123 .‬والذي يمكن الفتراض أنه لم يكن عربيا ً لكنننه‬
‫يوصف بأنه »مهغرايه« في مصدر سرياني من تلك الحقبة‪F. Nau, “Notice historique sur le ) .‬‬
‫‪ .(monastere de Qartamin”, Actes du XIV, Congrès internationale des Orientalistes, part two, Paris 1907, pp. 95 = 84‬قارن‬
‫النبوءة التي تحفظها لنا المسيحية العربية والتي يشير فيها القديس القبطي صموئيل‬
‫القلموني إلى الغزو العربي باعتباره مجيء »المة التي هي المهاجرون«‪R. Basset (ed. ) .‬‬
‫‪) .(and tr.), “Le Synaxaire arabe jacobite (Rédaction copte) in Patrologia Orientalis, vol. iii. p. 408‬مهما كانت‬
‫الصيغة القبطيننة المسننتخدمة فنني الترجمننة هنننا‪ ،‬فمصننطلح مهنناجرون يشننكل علننى‬
‫الرجح أسناس السننتخدام الملفننت للنظنر لمصننطلح هجننرة وذلنك باعتبناره تسننمية‬
‫للغزاة العرب في النسخة الكاملة من سفر صموئيل القيامي‪J. Ziadeh (ed and tr.), “L’) .‬‬
‫‪Apocalypse de Samuel supérieur de Deir el Qalamoun”, Revue de L’Orient chétien 1915 - 17, pp. 383, 389 et passim‬؛‬
‫لحظ بشكل خاص عبارة »أمة الهجرة العربية«(‪ .‬يعيد ناو زمن تأليف هذا السفر‬
‫القيامي إلى بداية القرن الثامن ) ‪ (ibid, p. 405‬لكنه قد يكون بعد ذلك‪.‬‬
‫‪ (58‬ابن عبد الحكم‪ ،‬سيرة عمر‪ ،‬ص‪95‬؛ أبو عبيد‪ ،‬كتاب المننوال‪ ،‬رقننم ‪547‬؛ قننارن‬ ‫)‬

‫أيض نًا‪ :‬المصنندر السننابق‪ ،‬رقننم ‪536‬؛ الطننبري‪ ،‬تاريننخ ‪2775 :1‬؛ أحمنند بننن يحيننى‬
‫البلذري‪ ،‬كتاب فتوح البلدان‪ ،‬تحرير ‪ ،M. J. de Goeje‬ليندن ‪ ،1866‬ص‪ .383‬علنى نحنو‬
‫مشابه تطلق عبارة »دار هجرة« على الكوفة )المصدر السابق‪ ،‬ص‪275‬؛ أبو حنيفننة‬
‫أحمد بن داود الدنيوري‪ ،‬كتنناب الخبننار الطننوال‪ ،‬تحريننر ‪ ،V. Guirgass‬لينندن ‪ ،1888‬ص‬
‫‪ .(131‬كما تطلق أيضا ً على توج )المصدر السابق‪ ،‬ص‪.(141‬‬
‫‪ (59‬أبو داود‪ ،‬سنن‪ ،‬المجلد ‪ ،i‬ص‪) ،383‬ترد بالعربية على هذا النحو‪ :‬ألزمهم مهنناجر‬ ‫)‬

‫ابراهيم(‪ .‬قارن القرآن ‪.25 :29‬‬

‫‪25‬‬
‫‪2‬‬
‫الهاجرية دون يهودية‬

‫التفاهم المتبادل الذي مفاده أنه »يمكنك أن تكون‬


‫في حلمي إذا استطعت أن أكون في حلمك« يمكننن أن‬
‫دم قاعدة قابلننة للتطننبيق علننى الحلننف بيننن اليهننود‬ ‫يق ّ‬
‫شّرعت فانتازيا مسننيانية‬ ‫والعرب في البرّية‪ .‬لكن حين ُ‬
‫يهودية علننى شننكل غننزو عربنني للرض المقدسننة‪ ،‬راح‬
‫النجاح السياسي يبدو وكننأنه يظهننر نوع نا ً مننن الربنناك‬
‫ل‪ ،‬كننان مزيننج‬ ‫بننالمنظور العقننائدي‪ .‬فعنناجل ً وليننس آج ً‬
‫الفداء السرائيلي والنسننب السننماعيلي فنني طريقننه‬
‫لن يفسد‪ .‬لنننه فنني صننميم البرنامننج المسننياني كننان‬
‫السننؤال الننذي طننرح ذات مننرة علننى يسننوع الناصننري‪:‬‬
‫»رب‪ ،‬أل ترينند أن تعينند الن المملكننة إلننى إسننرائيل؟«‬
‫يسوع‪ ،‬بننالطبع‪ ،‬أخننذ موقفنا ً ممتننازا ً للتمل ّننص مننن هننذا‬
‫السؤال‪ ،‬واستمر أصحابه في تشننكيل ديانننة حننول هننذا‬
‫التمّلص‪ .‬لكن نجاح العرب تحديدا ً هو الذي منع انفصننال ً‬
‫تدريجيا ً عن المسيانية اليهودية‪ ،‬وتطّلب عوضا ً عن ذلك‬
‫صدعا ً حادا ً وآنيًا‪.‬‬
‫إن السننياق الننذي حنندث فيننه هننذا الصنندع فعل ً ربمننا‬
‫يكون العمل الرمزي المركزي في البرنامج المسننياني‪،‬‬
‫أل وهننو ترميننم الهيكننل‪ .‬فمننن ناحيننة لنندينا اسننتعداد‬
‫المصادر الولى للحديث عن فعالية البننناء العربيننة فنني‬
‫الموقع وذلك باعتبارها ترميما ً للهيكل‪ ،((1‬وهو ما يوحي‬
‫على القل بأن هذا هننو مننا أخننذ العننرب علننى عنناتقهم‬
‫ل؛ ونحن لدينا‪ ،‬على نحو خاص‪ ،‬عبارة مننن‬ ‫القيام به أص ً‬
‫»اققق ققق« مفادها أن الملك الثنناني الننذي يظهننر مننن‬
‫اسننمعيل سننيكون حننبيب إسننرائيل وهننو الننذي »يرمننم‬

‫‪ (1‬يبدو أن »ررررررر«‪ ،‬بمعزل عما كان عليه أن يقوله حول »الملك الثاني«‪ ،‬إنمننا‬ ‫)‬

‫يشير إلى بناء قبة الصخرة بوصفه إصلحا ً للهيكل‪Lewis, “Apocalyptic Vision’, pp. 325, ) .‬‬
‫‪ .(327‬وتصف كسرة من سفر قيامي يهودي آخر عبد الملك باعتباره باني الهيكننل )) ‪I,‬‬
‫‪ .Lévi, “Une apocalypse judéo - arabe”, Revue des études juives 1914, pp. 178f‬قارن أيضا ً‬
‫النبوءة المنسوبة إلى شنوتي ‪ - Shenouti‬قد تكون قديمة لكنها لم تحفظ إل بالعربية ‪-‬‬
‫حول مجيء أبناء اسمعيل وعيسو‪ ،‬والذين ستبني بقية منهم الهيكل فنني القنندس ) ‪E.‬‬
‫=( ‪Amélineau, Monuments pour servir a l’histoire de l’Egypte chrétienne aux IV et V siécles‬‬
‫‪Mémoires publiés par les membres de la Mission Archéologique Française au Caire, vol. iv) Paris‬‬
‫‪.(1888, p 341‬‬

‫‪26‬‬
‫صدوعاتها وصدوعات الهيكل«‪ .((2‬لكن من ناحيننة أخننرى‬
‫دمها سننيبيوس حننول نننزاع علننني‬ ‫لدينا الرواية التي يق ّ‬
‫بين اليهود والعرب بشأن ملكية موقع قدس القننداس‪،‬‬
‫والذي أحبط فيه العرب خطة اليهود لسننترداد الهيكننل‬
‫وبنوا عوضا ً عن ذلننك مصننلى خاصنا ً بهم‪ .((3‬وليننس مننن‬
‫غير المرجح أن يكون »قققق ققق« وسننيبيوس يشننيران‬
‫إلى طورين متعاقبين من العلقات اليهودية العربية ‪.((4‬‬
‫لكن سيبيوس يجعل روايته للصدع مباشننرة بعنند موجننة‬
‫الغزوات الولى ‪((5‬؛ وتبدو أيام المسيا بأية حننال وكأنهننا‬
‫قصيرة الجل نوعا ً ما‪.((6‬‬
‫أول شيء كان الهاجريون بحاجة له في هذه الورطة‬
‫هو الساس المنطقي للصدع مع المسننيانية اليهوديننة‪.‬‬
‫والتقليد السلمي يحتفظ لنا بدليل ما حول ما أبنندعته‬
‫الهاجرية فنني هنذا السنياق‪ :‬فقنند رأيننا للتننو الطريقننة‬
‫التي جعلت بها تسننمية »عمننر« »مخّلصنًا« غيننر ضننارة‪،‬‬
‫وسنننوف نصنننل لحقنننا ً إلنننى القننندر الغرينننب لفكنننرة‬
‫»الخلص« الموافقة لذلك‪ .((7‬لكن مثلما كانت التبنندلت‬
‫بحد ذاتها هامة‪ ،‬فقد كننانت إلننى حنند مننا غيننر ضننرورية‬
‫أيضًا‪ .‬ومنذ زمننن طويننل كنان المسنيحيون قنند واجهننوا‬
‫المشكلة وحلوها بأسلوب مختلف جدًا‪.‬‬

‫‪ (2‬أنظر الهامش ‪ 21‬في الفصل السابق‪.‬‬ ‫)‬

‫‪ (3‬سيبيوس‪ ،‬ررررر‪ ،‬صص ‪ 102‬وما بعد‪ .‬قارن العبننارة اللحقننة فنني »رررر ررر«‬ ‫)‬

‫بشأن »الملك الثاني« الذي يبني مسجدا ً )هشتاحوايا( هناك على هيكننل الصننخرة« )‬
‫‪ (Lewis, “Apocalyptic Vision, pp. 324 f‬مع المبنى الخشبي المسننتخدم كبننديل مننؤقت‬
‫والذي رآه آركولف ‪ Arculf‬في مكان الهيكل عام ‪ 670‬تقريبًا‪.‬‬
‫)“ ‪Relatio de locis sanctis” in T. Tobler and A.Molinier (eds.) , Itenera Hierosolymitana et‬‬
‫‪.(descriprtiones Terrae Sanctae, Geneva 1879 f, p. 145‬‬
‫‪ (4‬لحظ أنه في حين يصف »السرار« أفعال »الملك الثاني« الذي يبدو أنننه »عمننر«‬ ‫)‬

‫في البدايات علىالقل‪ ،‬تتضمن رواية سيبيوس أن الحاكم الهاجري لننم يكننن موجننودا ً‬
‫في القدس‪ .‬أما النبوءة الموجودة في القصيدة القيامية المشار إليها آنفا ً والتي تفينند‬
‫أن إسرائيل »لن تبقى بعيدة بعد الن عن بيت الصلة« )‪(Lewis, “On That day”, p. 199‬‬
‫فهي على ما يبدو ترتبط بالحقيقة التي سبقت الصدع الذي وصفه سيبيوس‪ ،‬هننذا إذا‬
‫كان لها أساس تاريخي‪.‬‬
‫من التاريخ ‪ 641‬وما بعنند‪ .‬لكننن بينمننا ذكننر‬ ‫وضعية الوصف في رواية سيبيوس تتض ّ‬
‫‪(5‬‬ ‫)‬

‫سيبيوس غزو مصر )ررررر‪ ،‬ص‪ ،(98 .‬فإن إشارة يوحنا الذي من نيكيننو ‪ Nikiu‬إلننى‬
‫الخوف اليهودي مننن المسننلمين خلل الغننزو يننوحي بننأن الصنندع حنندث قبننل دخننول‬
‫العرب إلى مصر )‪.(Chronicle, p. 13‬‬
‫‪ (6‬إن تبني تقويما ً يبدأ بعام ‪ ،622‬مع أنه يمكن البرهنة بشكل معقول على تاريخ يبدأ‬ ‫)‬

‫بعام ‪ 638‬وما بعد )قارن منع الهنامش ‪ 39‬السنابق(‪ ،‬يشنير فني التجناه ذاتننه‪ .‬لكنن‬
‫المسيانيين كانوا سيؤرخون منذ تحرير صهيون‪.‬‬
‫‪ (7‬أنظر ص هامش ‪ 6‬فصل ‪.3‬‬ ‫)‬

‫‪27‬‬
‫منننا أن انسنننلخ الهننناجريون عنننن رعايننناهم اليهنننود‬
‫السننالفين واكتسننبوا أعنندادا ً ضننخمة مننن الخاضننعين‬
‫المسيحيين‪ ،‬حننتى راحننت عنندائيتهم البدئيننة للمسننيحية‬
‫تتعرض للتآكل بشكل واضح‪ .‬وهكنذا فنإن ايشنوع يهنب‬
‫الثننالث‪ ،‬الكنناثوليكوس النسننطوري بيننن عننامي ‪- 647‬‬
‫‪ 658‬تقريبًا‪ ،‬يعّلق على موقننف العننرب حيننال الكنيسننة‬
‫الخّير إلى درجة عالية‪ ،((8‬في حين كتب نسننطوري آخننر‬
‫في الجزيرة السورية في العقد الخير من ذلك القننرن‬
‫يذكر أن الغازين كانوا يحملون أوامر من قادتهم لصالح‬
‫المسننيحيين‪ .((9‬فنني الننوقت ذاتننه فننإن قصننة حينناة‬
‫البطريننرك اسننحق الراقننوطي القبطيننة تشننهد علننى‬
‫العلقات الرائعننة الننتي كننانت بينننه وبيننن الحنناكم عبنند‬
‫العزيز بن مروان في ثمانينننات القننرن السننابع‪ ،‬وعلننى‬
‫حننب الخيرللمسننيحيين‪ .((10‬علننى هننذه الرضننية كننان‬
‫متوقعا ً نوع من التلي ّننن العقننائدي حيننال شننخص يسننوع‬
‫ذاته‪ .‬وفي وصف لجدل بيننن بطريننرك مسننيحي وأميننر‬
‫هاجري والذي قد يكون حدث عام ‪ ،(644(11‬يبنندو الميننر‬
‫وكأنه ل يرفض مكانة يسوع المسيانية‬
‫‪ .Isِ’ yahb III, Liber Epitisularum, pp. 251 = 182 (8‬يذكر تاريخ الخوزستاني الجلل الرفيع‬ ‫)‬

‫مه النننف الننذكر ) ‪Chronica‬‬‫الذي احتفظت به السلطات السننماعيلية للبطريننرك مننار ّ‬


‫‪ (Minora, pp. 32 = 27‬لكن ربما يكون هذا مكافأة على تعاون سابق‪) .‬أنظر‪J. M. Fiey, :‬‬
‫‪Isِ’ yaw le Grand. Vie du Catholicos nestorien Isِ’ yaw III d’Adiabéne (580 - 659)”, Orientalia‬‬
‫‪(Christiana Periodica 1970, p.5‬‬
‫‪ Bar Penkaye in Mingana (ed. and tr.),Sources syriaques ,Leipzig n.d., pp. 146 = 175 (9‬؛ قارن‬ ‫)‬

‫أيضا ً النص غير المترجم في الصننفحة ‪ ،141‬حيننث يبنندو أن الغزوالعربنني ينظننر إليننه‬
‫على أنه عمل العناية اللهية )»القائد« في المقطع الول هو محمد(‪ .‬قننارن العاطفننة‬
‫الممحبة للمسيحيين الملحوظة )والمعادية لليهود( في القرآن ‪.85:5‬‬
‫‪(10‬‬ ‫)‬
‫‪E. Amélineau (ed. and tr.), Histoire du Patriarche copte Isaac (= Publications de l’ Ecole des‬‬
‫‪ُ . Lettres d’ Alger, vol. ii), Paris 1890, pp. 58 - 63‬يشار إلى أرضية شعور معاد للمسيحية‬
‫أكثر قنندما ً ومسننتمر بمعيننار مننا )صنص‪،43‬ن ‪67‬؛ لحننظ اسننتمرارية كراهيننة الحنناكم‬
‫للصليب(‪.‬‬
‫‪’Nau, ‘Colloque (11‬‬ ‫)‬

‫⇒ من أجل تاريخية التفصيل الثانوي المعطى في النص‪ ،‬أنظر ررررر ر ررر ررر‪ ،‬ص‬
‫دمها ميخائيننل السننرياني ) ‪Chronique, vol. iv,‬‬
‫ص ‪ 226‬وما بعد‪ .‬في حكاية الجدل التي يق ّ‬
‫‪ (pp.421f = vol ii, pp. 431f‬نجد أن اسم المير هو عمرو بار سنعد‪ ،‬ويمكنننا أن نشنك أن‬
‫المقصود به عمير بن سعد النصاري النذي يظهنر كحناكم لحمنص ومنناطق أخنرى فني‬
‫الحقبة الممتدة بين عامي ‪) 644 - 641‬طننبري‪ ،‬رررر ر‪ ،I ،‬صن ص ‪،2646‬ن ‪ 8‬و ‪27‬؛‬
‫لحننظ التحنناد السننتثنائي بالكامننل لدمشننق وحمننص تحننت سننلطة المشننار إليننه فنني‬
‫المصدرين على حد سواء(‪ .‬وفقا ً لذلك يبدو تاريخ ‪ 644‬أفضل من التاريننخ البننديل ‪.639‬‬
‫من أجل مسألة كمالية النص‪ ،‬أنظر الهامش ‪ ،20‬القسم الثالث‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫ول يؤكدها‪ .((12‬لكن أقدم دليل علننى هننذا التلي ّننن يمكننن‬
‫أن نجننده فنني روايننة محفوظننة فنني كسننرة مننن تأريننخ‬
‫ماروني قديم لعمال معاوية بعنند إذ صنار »ملكنًا« فنني‬
‫القنندس عننام ‪ :659‬فهننو يبنندأ بالصننلة فنني الجلجلننة‪،‬‬
‫الجثمانية وقبر العننذراء‪ ،‬وهننذه موافقننة مسنلكية علننى‬
‫موت المسيح الخلصي ‪ .((13‬وهذا أكثر مما كان يسّلم به‬
‫التقليد السننلمي‪ :‬ليننس فنني السننلم أيننة فكننرة عننن‬
‫يسوع كمخّلص‪ ،‬وعلى الرغم من قبول التقليد بمكننانته‬
‫المسننيانية‪ ،‬إل أنننه يتنندّبر المننر لسننرمدة الكراهيننة‬
‫الهاجريننة الولننى للصننليب وذلننك عننبر اسننتلهام ذكنني‬
‫للذوقانية‪ .((14‬وبحسب المصنندر المنناروني‪ ،‬فقنند حنناول‬
‫معاوية ذاته‪ ،‬أن يصك نقننودا ً دون الصننليب‪ .((15‬لكننن مننا‬
‫من فنني‬ ‫يهمنا هنا هو العتراف بيسوع كمسننيا‪ ،‬المتضنن ّ‬
‫عبادات معاوية والصريح في القرآن‪.((16‬‬
‫إن أهم شاهد على هذا القننرار موجننود فنني رسننالة‬
‫ليعقوب الرهاوي )مات عام ‪ 708‬تقريبًا( حننول مسننألة‬
‫سب العذراء‪:((17‬‬
‫نَ َ‬
‫يعننترف الجميننع‪ ،‬يهننود‪ ،‬مهغرايننه‪ ،‬ومسننيحيون‪ ،‬بننأن‬
‫المسيح من نسل داود‪ .‬ويعننترف الجميننع أيضنًا‪ ،‬يهننود‪،‬‬
‫مهغرايه‪ ،‬ومسيحيون‪ ،‬أن المسيح‪ ،‬بالجسنند‪ ،‬مننن نسننل‬
‫داود‪ ،‬ويعتبرون ذلك شنيئا ً أساسننيًا‪ ..‬المهغرايننه أيضنًا‪..‬‬
‫يعترفون بثبات كلهننم أنننه ]يسننوع[ هننو المسننيح الحننق‬
‫الذي كان سيأتي والذي أخبر عنه النبياء؛ ل جدل بيننننا‬
‫) ‪ (12‬لحظ على نحو خاص كلمات هذا السؤال‪» :‬ذاك الذي تقول إنه المسيح‪ ،‬هننل هننو‬
‫الله أم ل؟«‪.‬‬
‫) ‪(Nau, “Colloque”, pp. 248f = 238‬‬
‫بعد ذلك يشير المير ببسناطة إلنى يسنوع باعتبناره المسنيح‪ .‬قنارن هننا رسنالة الملنك‬
‫السماعيلي التي ترجع للعام ‪.653‬‬
‫‪(13‬‬ ‫)‬
‫‪Chronica Minora, pp. 71 = 55‬‬
‫‪hanpe‬‬ ‫ررر ر‬‫‪ (14‬القرآن ‪ .156:4‬لحظ أيضا ً التفضيل الذي يعّبر عنننه الشننياطين رر ر‬ ‫)‬

‫)منن الواضنح أنهننم رررررررر ر هننا( مقابننل اليهننود علننى أسناس أن الوليننن »ل‬
‫يؤمنون أن المسيح هو الله« وذلك في نص سننرياني يرجننع إلننى زمننن معاويننة علننى‬
‫الرجح ) ‪ (Nau, “Notice historique’, pp. 94 = 82‬؛ أما المؤلف‪ ،‬وهو دانيال الرهاوي‪ ،‬فقد‬
‫كان اسقفا ً في تلك المدينة بين العامين ‪) 684 - 665‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.(76‬‬
‫‪.Chronica Minora, pp. 71 = 55f (15‬‬ ‫)‬

‫‪ (16‬القرآن ‪ 40:3‬وما بعد‪.‬‬ ‫)‬

‫‪(17‬‬ ‫)‬
‫‪F. Nau, “Letter de Jacques d’Edeasse sur la généalgie de la sainte Vierge”, Revue de l’Srient‬‬
‫‪ .chrétien 1901, pp. 518 = 523f‬الرسالة مكتوبة قبيل وفاته‪ ،‬لكنها قد تعكس تجربة أقدم‬
‫من ذلك‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫وبينهم في هذا الموضوع‪ ،‬لكن جدلنا مع اليهننود‪ .‬فهننم‬
‫يؤكدون لهم بطريقة تأنيبيننة‪ .‬أن المسننيح كننان سننيولد‬
‫من داود‪ ،‬بل أن هذا المسيح الذي أتى ولنند مننن مريننم‪.‬‬
‫يعترف المهغرايه بهذا بثبات‪ ،‬ول يجادل أحد منهم فيه‪،‬‬
‫لنهم يقولون للجميننع دائم نا ً أن يسننوع ابننن مريننم هننو‬
‫المسيح حقًا‪.‬‬
‫ترتبط أهميننة هننذا المقطننع بطريقننة العتقنناد أكننثر‬
‫كننا مننن أن نننرى فنني القننرار‬ ‫منها بالمحتوى‪ .‬فهي تم ّ‬
‫القرآني الجاحد واللمبالي نوعا ً ما بيسوع كمسيا بقيننة‬
‫عقيدة هاجريننة مؤكنندة بقننوة فنني الجنندل مننع اليهننود‪.‬‬
‫وغننرض عقينندة كهنذه واضننح بمنا يكفني‪ .‬فقند قندمت‬
‫المسيحية في شخص يسوع مسّيا متحررا ً بالكامننل مننن‬
‫مقادير اليهود السياسية‪ .‬وكل ما كان على الهنناجريين‬
‫فعله ليخّلصوا أنفسهم من كابوسهم المسياني الخاص‬
‫هو استعارة المسيا من المسيحيين‪.‬‬
‫في حين كان استبدال المسيانية اليهودية بمسننيانية‬
‫ورا ً لهويننة‬
‫مسيحية أقل إفادة للهاجريين فقد كان مطنن ّ‬
‫دينية إيجابية خاصة بهم‪ .‬وكلمننا قننوي اعتمننادهم علننى‬
‫المسيحية ليفصلوا أنفسهم عننن اليهننود‪ ،‬كلمننا تعنناظم‬
‫خطر أنهم سينتهون بأن يصبحوا مسيحيين مثل غالبيننة‬
‫الخاضعين لهم ليس إل‪ .‬وبمصطلحات مفاهيمية نقننول‬
‫إن المفتاح إلى اسننتمراريتهم كننان يكمننن فنني الهويننة‬
‫الدينيننة البدئيننة المرسننومة فنني الهاجريننة اليهوديننة‪،‬‬
‫وبشكل خاص في استلهام النبي لرب ابراهيم من أجل‬
‫تقديم توحيدية غريبة على العرب وذلك باعتبارها ديانة‬
‫أسلفهم ‪ .((18‬من نقطة البداية هننذه واصننل الهنناجريون‬
‫تطوير ديانة ابراهيمية بالمعنى الكامل للكلمة‪.‬‬
‫في القرآن تبدو قق قق ديانننة ابراهيننم بننارزة طبع نًا‪.‬‬
‫وم بوضوح كديانة مسننتقلة بننذاتها ) ‪124 :16‬؛‬ ‫فهي ت ُ َ‬
‫ق ّ‬
‫صّنف مؤسسها كنبي فحسب ) ‪42 :19‬؛‬ ‫‪(77 :22‬؛ ول ي ُ َ‬
‫قارن سفر التكوين ‪ (7 :20‬بل إنه وللمرة الولى ُيمنح‬
‫كتابا ً مقدسًا‪ ،‬يدعى ق قق قققققق ق ) ‪ 35 :53‬وما بعنند؛‬
‫‪ 18 :87‬وما بعد(‪ .‬المصادر العقائدية لهذا النندين تمتنند‬
‫إلى دور محمنند الغننامض كتابي نا ً لكننن الحيننائي الننديني‬

‫أنظر سابقًا‪ ،‬هامش ‪ 46‬من الفصل الول‪.‬‬ ‫‪(18‬‬ ‫)‬

‫‪30‬‬
‫دمت السننياق‬ ‫أساسننيا ً ) ‪ ،(123 :2‬ويبنندو أيض نا ً أنهننا ق ن ّ‬
‫ور الفكننرة »قق ققق«‪ . ((19‬لكننن النقطننة‬ ‫الولنني لتطنن ّ‬
‫الوحيندة النتي تحتفنظ عننندها دياننة ابراهينم القرآنينة‬
‫بنوع المعقوليننة العمليننة هنني الروايننة حننول تأسيسننه‪،‬‬
‫بالتعاون مع اسمعيل ‪ ،((20‬لما صننار يعننرف فنني التقليند‬
‫السلمي بالحرم المكي )‪ 118 :2‬وما بعد(‪.((21‬‬
‫مننا نفتقننده فنني المعطيننات القرآنيننة هننو الشننعور‬
‫وض عننن‬ ‫بمشروع عيني ومتكامل لديانننة هاجريننة‪ .‬ويع ن ّ‬
‫هذا الفقدان أحد المراجع المسيحية وذلننك عننن طريننق‬
‫تقننديمه لفكننرة وصننايا ابراهيننم ‪ -‬مشننار إليهننا فنني‬
‫»ققققققق« أيضا ً‪ - ((22‬وتحديدها بأنها الختان والضحية‪.‬‬
‫يتضمن هذا النص الذي يرجع إلى نهاية الحقبة الموية‪،‬‬
‫والذي هو جدل بالسننريانية بيننن راهننب مننن بيننت حنناله‬
‫‪ Hale‬وأحد أتابع المير مسلمة‪ ((23‬الحوار التالي‪:((24‬‬
‫العربي‪ :‬لم ل تؤمن بننابراهيم ووصنناياه‪ ،‬إذا كننان أبنا ً‬
‫دس يشهد بصلحه؟‬ ‫للنبياء والملوك‪ ،‬والكتاب المق ّ‬
‫الراهب‪ :‬وأي نوع من اليمننان بننابراهيم تتوقننع منننا‪،‬‬
‫وأية وصايا هذه التي تريد منا مراعاتها؟‬
‫‪((25‬‬
‫العربي‪ :‬الختان والضحية‪ ،‬لنه تلقاهما من الله ‪.‬‬

‫‪ (19‬أنظر سابقًا‪ ،‬هامش ‪ 31‬الفصل ‪.3‬‬ ‫)‬

‫‪ (20‬ليس التخصيص دون أهمية بالكامل‪ ،‬ما دامت ديانة ابراهيم العربية استطاعت أن‬ ‫)‬

‫تكون أيضا ً مسألة قطوريننة‪ ،‬وبالتننالي سننبئيةة أو ميديانيننة‪) .‬قننارن الهننامش ‪ 48‬مننن‬
‫الفصل السابق؛ والهامش ‪ 38‬من هذا الفصل‪ ،‬والهامش ‪ 40‬من الفصل الرابع(‪.‬‬
‫‪ (21‬أنظر‪ :‬هامش‪ 1‬فصل ‪ 4‬د‪.‬‬ ‫)‬

‫‪» (22‬أرى أن بني النسان ل يأكلون إل بناء على وصايا )ميصووت( إيتان العننازري«‪) .‬‬ ‫)‬

‫‪ Lewis, Apocalyptic Vision”, p313‬؛ قارن ‪ ;Jellinek, Bet ha - Midrash, vol. iii, p. 79 .‬يجب أن‬
‫يكون إيتان العازري متطابقا ً مع ابراهيم‪ :‬فهذه مطابقة حاخامية معيارية )أنظننر مث ً‬
‫ل‪:‬‬
‫التلمود البابلي‪ ،‬رررر رررر‪ ،‬الورقة ‪ 15‬آ(‪ ،‬و »ررررررر« ليس نسيج وحننده فنني‬
‫الربط بين ابراهيم وسفر العدد ‪) 21:24‬والتفسننير الننذي ينتمنني إليننه الشنناهد( عننبر‬
‫ورود كلمة ررررر في الية )رررر ررررر‪.(6:27 ،‬‬
‫‪ (23‬إن نص هذه »المجادلة التي حدثت بين أحد العرب وراهب من دير بيننت »حنناله«‬ ‫)‬

‫محفوظة في فهرست ديار بكر‪ ،‬رقم ‪ ،95‬وهي موجودة الن في الكنيسننة الكلدانيننة‬
‫في ماردين‪ .‬الشارة الوحيدة إلى تاريخها هنني ذكننر الميننر مسننلمة )الورقننة ‪1‬آ مننن‬
‫دد‬
‫المجادلننة(‪ .‬وعلننى أسنناس مقدمننة تصنننيف شننر ‪ Scher‬لمجموعننة ديننار بكننر‪ ،‬حنن ّ‬
‫باومشتارك هوية العمل بأنه رسالة ابراهيم من بيت حنناله »ضنند العننرب« المننذكورة‬
‫)أنظر‪A. Baumstark, Geschichte der syrischen Literatur, Bonn :‬‬ ‫في تصنيف عبد يشوع‪.‬‬
‫‪ (1922, pp. 211‬إذا كان هذا التحديد صحيحًا‪ ،‬فالتاريخ الذي يعطى عادة لبراهيم ) ‪670‬‬
‫تقريبًا( مبكر إلى درجة كبيرة‪.‬‬
‫‪ (24‬المجادلة‪ ،‬الورقة ‪ 2‬ب‪.‬‬ ‫)‬

‫‪ (25‬قارن أيضا ً عبارة العربي التي تقول »إننا متيقظون لوصايا محمد وأضحيات ابراهيم«‬ ‫)‬

‫)المجادلة‪ ،‬الورقة ‪1‬ب(‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫دمان موازيننات جزئيننة لهننذا‬ ‫مصنندران آخننران يقنن ّ‬
‫العتناق الهاجري للختننان والضننحية فنني ظننل تسننويغ‬
‫ابراهيمي‪ .‬المصدر الول هو مجموعننة رسننائل متبادلننة‬
‫يقال إنها كننانت بيننن عمننر الثنناني والمننبراطور ليننون‬
‫الثالث ‪ Leo III‬وفق ما يظهره تاريخ ليفوند الرمني‪.((26‬‬
‫دلوا‬‫وهنا نجنند أحنند توبيخننات عمرللمسننيحيين بننأنهم ب ن ّ‬
‫ولوا الختان إلى معمودية‬ ‫اعتباطيا ً كل الشرائع‪ ،‬حيث ح ّ‬
‫والضحية إلى افخارستيا‪ .((27‬أمننا المصنندر الثنناني فهننو‬
‫نبوءة تعزا للقديس افرام تتحدث عن خروج الهنناجريين‬
‫مننن الصننحراء‪ ،‬والننذين يوصننفون فيهننا بننأنه شننعب‬
‫»يتمسك بعهد ابراهيم«‪.((28‬‬
‫إذا ً إن تحديننند الركنننان العبادينننة لدياننننة ابراهينننم‬
‫بمسألتي الختننان والضننحية يمتلننك مضننمونين هننامين‪.‬‬
‫يهتنننم الول بالعلقنننة بينننن هنننذا الننندين والسنننلم‪.‬‬
‫واسننتمرار قققق ق العبننادة البراهيميننة ضننمن التقلينند‬
‫قنندت‬ ‫السننلمي مسننألة حقيقيننة طبعننا ً‪ .((29‬لكنهننا َ‬
‫ف َ‬
‫مركزيتها الصلية‪ :((30‬ثمة ميل لمتصاص الضننحية فنني‬
‫ذبح طقسي‪ ،((31‬وهنالك شكوك أيضا ً بالنسننبة لضننرورة‬
‫الختان‪ .((32‬بالمقابل‪ ،‬فباستثناء حالننة الضننحية الخاصننة‬
‫فننني العاصنننمة الدينينننة‪ ،‬فنننإن السننناس المنطقننني‬
‫البطريركي ]ابراهيم وسللته هم البطاركننة هنننا[ أقننل‬
‫كثيرا ً في ظهوره للعيننان‪ .‬وهكننذا فنحننن نننواجه بتبدينند‬

‫من‪K. Patkanian (Istoriya :‬‬ ‫‪ (26‬يعتمد استعمالنا »لرسالة وإجابة ليون« على ترجمتي ك ّ‬
‫ل‬ ‫)‬

‫‪(Khalifov Vardapeta Gevonda, St Petersberg 1862, pp. 29 - 70‬‬


‫‪A. Jeffery (“Ghevond’s text of the Correspondence between Umar II and Leo III”, The Harvard‬‬
‫‪.(Theological Review 1944‬ل يوجد سبب جدي للشك أن هذا النص التاريخي يرجع إلننى‬
‫نهاية القرن الثامن؛ لكن المراسلة تعطي النطباع بإعننادة إفننراغ لمننواد مننن تواريننخ‬
‫مختلفة للغاية‪») .‬الجاحظية« هي من تلفيق المترجمين المعاصرين«(‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ُ .Levond, “Letter”, tr. Patkanian, p. 30 = tr. Jeffery, p. 278 (27‬يتهم المسيحيون أيضا بأنهم‬ ‫)‬

‫يحفظون الحد عوض السبت )قننارن‪ :‬الدعنناء بننأن معاويننة نقننل صننلة الجمعننة إلننى‬
‫السبت‪ ،‬ابن عساكر‪ ،‬ررررر‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬ص‪.(351 .‬‬
‫‪E. Beck (ed. and tr.), Des heiligen Ephraem des Syrers Sermones III (= CSCO, Scriptores Syri, (28‬‬ ‫)‬

‫الشارة هي إلى الختان طبعًا‪.‬‬ ‫‪.vol. cxxxviiif) Louvain 1972, pp. 61 = 81‬‬
‫‪ (29‬لحظ على سبيل المثال التعبيرين »كل من يصلي مثلما نصلي‪ ،‬يتوجه إلى قبلتنا‪،‬‬ ‫)‬

‫ويأكل ذبيحتنا فهو مسلم« )البلذري‪ ،‬رررر‪ ،‬ص‪69‬؛ الطبري‪ ،‬رررر ر‪202:1 ،‬؛ أبننو‬
‫عبيد‪ ،‬رر رر رررر ررر‪ ،‬رقنم ‪ (51‬و »كن ّ‬
‫ل مننن يقننر بشننهادتنا‪ ،‬يتننوجه إلننى قبلتنننا‪،‬‬
‫ومختون‪ ،‬ل تؤخذ منه الجزية« )أبو عبيد‪ ،‬رررر ررررررر‪ ،‬رقم ‪.(125‬‬
‫‪ (30‬لحظ أنه ما من نص في التعبيرين السابقين يذكر الختان والتضحية معا‪.‬‬ ‫)‬
‫‪(31‬‬ ‫)‬
‫‪J. Wellhausen, Reste arabischen Heidentums, Berlin 1897, p. 120‬‬
‫‪ (32‬قارن ملحظة عمر الثاني بأن الله أرسل محمدا ً كداعي وليس كخنناتن )الطننبري‪،‬‬ ‫)‬

‫ررررر‪.(1354:2 ،‬‬

‫‪32‬‬
‫عام قققققق ديانة ابراهيم في السننلم‪ ،‬وهنني مسننألة‬
‫هامة ستؤخذ لحقا ً بعين العتبار‪.((33‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إن كل ً من الختان والضحية مبرهن عليهما في‬
‫جزيرة العرب قبل السلم‪ ،((34‬وهنالك بالتالي نوع مننن‬
‫فرضية يقول إنه يجب البحث هناك عن أصننل العننراف‬
‫الهاجرية‪ .‬أكثر مننن ذلننك‪ ،‬فهننذه الفرضننية معننززة فنني‬
‫حالة الضحية باعتبار آخر‪ .‬فالمصننادر المسننيحية تشننير‬
‫إلىالضحية بأنها كانت عرفا ً عباديا ً قياسيا ً فنني سننوريا‪.‬‬
‫وهكذا فالبطريرك اليعقننوبي أثناسننيوس الب َل َنندي‪ ،‬فنني‬
‫رسالة له من العام ‪ 684‬حول المحاذير الدينية للتصال‬
‫المسيحي مننع الغننزاة‪ ،‬يهتننم علننى نحننو خنناص بامتننناع‬
‫المسيحيين عن أكل أضاحي »الوثنيين«‪((35‬؛ أما يعقننوب‬
‫الرهاوي‪ ،‬فيذكر أن العرب يمارسون الختننان ويركعننون‬
‫ثلث مننرات باتجنناه الجنننوب أثننناء قيننامهم بالتضننحية‪،‬‬
‫وذلك في معرض ذكره لبعض الملحظات الهامننة حننول‬
‫عادات الرمننن الدينيننة السننيئة‪ .((36‬إذا ً فالضننحية خننارج‬
‫العاصمة الدينية‪ ،‬مهما كان إقرارها الكتابي البراهيمي‬
‫‪ ،((37‬ل يمكن أن تكون عمليا ً استعارة من أحد المننذاهب‬
‫التوحيدية الكثر قدمًا‪ .‬وهكذا لدينا أسننبابنا فنني اعتبننار‬
‫أن الختان والضحية استمرارية لعرف وثننني فنني ظننل‬
‫درع ابراهيمي جديد‪.((38‬‬

‫أنظر‪ :‬هامش ‪ 34‬ف ‪.3‬‬ ‫‪(33‬‬ ‫)‬

‫‪S. Krauss, “Talmudische Nachrichten‬‬ ‫من أجل الختان‪ ،‬أنظر على سبيل المثال‪:‬‬ ‫‪(34‬‬ ‫)‬

‫‪über Arabien”, Zeitschrift der Deutschen Morgenl‬ن‪..ndischen Gesellschaft 1916m p. 351‬من‬


‫أجل الضحية‪ ،‬أنظر على سبيل المثال‪. Reste arabischen Heidentums, p. 119 :‬‬
‫‪F. Nau, “Littérature canonique syriaque in édite”, Revue de l’ Orient chrétien 1909, pp. 128 - (35‬‬ ‫)‬

‫‪. 30‬من أجل التاريخ الدقيق‪ ،‬أنظر‪A. Vِِbus, Syrische Kanones Sammlungen, vol. i (=CSCO, :‬‬
‫‪Subsidia vol. xxxv, xxxviii), Louvain 1970, p. 201‬‬
‫يظهر الغزاة تحت اسم »رررررر« في ترويسة الرسالة )التي قد تكون أكثر تأخرًا‪،‬‬
‫لكنها ليست بعد القرن الثامن‪ ،‬ررررر ر ررر ررر‪ ،‬ص‪ ،(200‬وتحننت اسننم ررر ر‬
‫)قارن الفتوى الماقبل إسلمية في الموضوع ذاته( )‪. (Nau, “Littérature canonique”, p.46‬‬
‫‪ .Kayser, Die Canones Jacobs von Edessa, pp. 4 = 35 (36‬يتضح من واقع استمرارية يعقوب‬ ‫)‬

‫في التعامل مع ررررر ر كفئة منفصلة أن رررر ررر الذين نحننن بصننددهم ليسننوا‬
‫الوثنيين القدامى‪.‬‬
‫‪ (37‬من بين الشارات في سفر التكننوين إلننى فعاليننات ابراهيننم الضننحوية‪ ،‬يجننب أن‬ ‫)‬

‫تؤخذ ‪ 18:13‬على القل باعتبارها ريفية‪.‬‬


‫ً‬
‫‪ (38‬يمكن إظهار مدى سهولة استدعاء هذا الدرع‪ ،‬الذي يكون جديدا بالكامل إذا كانت‬ ‫)‬

‫لذلك حاجة‪ ،‬وذلك من مرجع من القرن الخامس يصف الصابئة على أنهننم منحنندرون‬
‫دمون الضننحاحي‬ ‫من ابراهيم وقطورة ويمارسون الختننان )فنني اليننوم الثننامن!( ويقن ّ‬
‫)وثنية دون لبس(‪. (Philostorgius as epitomised by Photius, P.G, vol. lxv, col. 481) .‬‬

‫‪33‬‬
‫ور‬ ‫إن ما يوحي به هذا هو أن دور ابراهيم فنني التطنن ّ‬
‫ولي للهاجرية لم يكننن فقننط لعطنناء مكانننة سننلفية‬ ‫ال ّ‬
‫للنظرية التوحيدية؛ كننان أيضنا ً لضننفاء مكانننة توحيديننة‬
‫على عرف سلفي‪ .‬وهذا حتما ً هو السياق الذي اعطننى‬
‫السلم المصطلح الملفت للنظر قققق‪ ،‬المرتبط بقننوة‬
‫كبيرة مع ابراهيم وديانته‪ :‬فباستعارة كلمة كانت تعني‬
‫»وثنيننًا« فنني مفننردات الهلل الخصننيب‪ ،‬واسننتخدامها‬
‫لتسمية معتنننق التوحينند البراهيمنني غيننر المسفسننط‪،‬‬
‫نجح الهاجريون في استنباط فضيلة دينية من الوصننمة‬
‫لماضننيهم الننوثني‪ .((39‬فنني الننوقت ذاتننه نسننتطيع أن‬
‫نستبين في هذا التوجه بدايات إعادة تلؤم بعيدة الثننر‬
‫حيث أصبحت أصول بدايات ت ُننرى فنني علقننة مدروسننة‬
‫وعضوية مع الرث الوثني الفعلي أو المتخيل‪.‬‬
‫دمت ديانننة ابراهيننم نوع نا ً مننن الجابننة علننى‬‫لقنند ق ن ّ‬
‫السؤال المتعلننق بكيفيننة اسننتطاعة الهنناجريين دخننول‬
‫العالم التوحيدي دون أن يفقنندوا هننويتهم فنني أي مننن‬
‫تقليديه الكبيرين‪ .‬لكنها بحد ذاتها كننانت فكننرة بسننيطة‬
‫وباليننة للغايننة وذلننك كنني تتمخننض عننن البنننى الدينيننة‬
‫الساسننننية الننننتي اسننننتلزمت مثننننل تلننننك الرغبننننة‬
‫بالستقللية‪ .‬على هذا الصعيد فالسامرية كانت الديانة‬
‫النننتي لنننديها أكنننثر منننا يمكنننن تقنننديمه للهننناجريين‪.‬‬
‫فالسامريون واجهننوا مشننكلة النفصننال عننن اليهوديننة‬
‫قبل المسيحيين‪ ،‬دون أن يمتصننوا مننن قبلهننم إطلقنًا‪.‬‬
‫كذلك فقد حّلوا المشكلة بطريقننة مختلفننة للغايننة عننن‬
‫طريقة المسيحيين‪ ،‬وذات صننلة وثيقننة للغايننة بحاجننات‬
‫الهنناجريين النيننة‪ :‬ففنني حيننن سننامى المسننيحيون‬
‫المقننولت اليهوديننة إلننى نننوع مننن المجنناز‪ ،‬اسننتبدلها‬
‫السننامريون ببنندائل عينيننة‪ .((40‬وبننناء علننى هننذه الصننلة‬

‫‪ (39‬قارن استخدام مصطلح رررر من قبل كل من اثناسيوس البلدي )لحظ الهامش‬ ‫)‬

‫‪ 35‬السابق( ودانيننال الرهنناوي )لحننظ الهننامش ‪ 14‬السننابق(‪) .‬مننن أجننل اسننتخدام‬


‫عربي متأخر لمصطلح »ررر ر« بمعنى »وثني« أنظننر‪S.M. Stern, “Abd Al-Jabb :‬ن‪r’s‬‬
‫‪Account of how Christs Religion was falsified by the Adoption of Roman Customs”, The Journal‬‬
‫‪.( of Theological Studies 1968, pp. 161 f‬‬
‫دس‪ :‬فمكانننة يوسننف‬ ‫‪ (40‬سوف نأخذ المثننال الوضننح‪ ،‬أل وهننو مسننألة النسننب المق ن ّ‬ ‫)‬

‫مقابل يهودا بالنسبة للسامريين والتي تشبه مكانة اسمعيل مقابل اسننرائيل بالنسننبة‬
‫سرمد مصطلحا ً له علقة بعلم النساب والذي هو ضائع في ديانننة تعتننبر‬ ‫للهاجريين‪ ،‬ت ُ َ‬
‫أن كل الناس أخوة‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫هل التقبننل الهنناجري للفكننار السننامرية‬ ‫سن ّ‬
‫الساسية‪ُ ،‬‬
‫مفاهيمي نا ً عننبر إبننراز موسننى فنني كننل مننن الهاجريننة‬
‫اليهودية‪ ((41‬والسامرية‪ ،‬وسياسيا ً عبر حياديننة الجماعننة‬
‫السامرية تحديدا ً‪.((42‬‬
‫إن أقنندم اسننتعارة هاجريننة مننن السننامريين والننتي‬
‫دس‪.‬‬ ‫نمتلك دليل ً عليها هي موقفهم مننن الكتنناب المقنن ّ‬
‫ففنني إحنندى مراحننل الجنندل المشننار إليننه آنفننا ً بيننن‬
‫‪((43‬‬
‫سر له‪ ،‬كيف‬ ‫البطريرك والمير ‪ ،‬يطالب المير بأن ُيف ّ‬
‫تختلننف الطننوائف المسننيحية فيمننا بينهننا فنني مسننألة‬
‫العتقاد‪ ،‬إذا كان النجيل واحدًا‪ .‬فأجاب البطريرك‪:((44‬‬
‫تماما ً كمننا أن أسننفار التننوراة الخمسننة الولننى هنني‬
‫واحدة‪ ،‬ومقبولة من قبلنا نحن المسيحيون ومن قبلكم‬
‫أنتم المهغرايه‪ ،‬ومننن قبننل اليهننود والسننامريين‪ ،‬فكننل‬
‫طائفننة تنقسننم عننن الخننرى ديني نًا؛ كننذلك ايض نا ً ديننن‬
‫النجيننل‪ ،‬فكننل هرطقننة تفهمننه وتفسننره علننى نحننو‬
‫مختلف‪.‬‬
‫وهكذا فالهاجرية تصّنف كديانة تؤمن بأسفار التوراة‬
‫‪((45‬‬
‫ول النقاش إلى مسننألة‬ ‫الخمسة الولى ‪ .‬بعد ذلك يتح ّ‬
‫ألوهية يسوع ومكانته كابن لله‪ ،‬فيطالب المير ببرهان‬
‫من أسفار التوراة الخمسننة الولننى‪ .‬يجيننب البطريننرك‬
‫بجملة مننن الشننواهد الكتابيننة غيننر المتخصصننة‪ ،‬والننتي‬
‫كان محتواها نبوئيا ً بوضوح‪ .‬لكن ردة فعننل الميننر فنني‬
‫هذه المرحلة تبدو حاسمة‪:((46‬‬
‫لم يقبل المير الشهير بهنذه ]القنوال[ منن أسنفار‬
‫النبياء‪ ،‬وراح يطالب بأن ]ُيستشهد[ بموسى كي ي ُْثبننت‬
‫له أن المسيح كان الله‪.‬‬

‫‪ (41‬أنظر هامش ‪ 46‬ف ‪. 1‬‬ ‫)‬

‫‪ (42‬ل نعننرف سننوى القليننل عننن العلقننات الولننى بيننن السننامريين والغننزاة‪ .‬ويشننهد‬ ‫)‬

‫مصدران سريانيان على ذبح السامريين زمن الغزو‪Chronica Minora, pp. 148 = 114; ) .‬‬
‫‪ .( Michael the Syrian, Chronique, vol. iv, p. 411 = vol. ii, p. 413‬أما من أجل حقبة ما بعد‬
‫الغزو‪ ،‬فقد ُأخبرنا أن السامريين لم يدفعوا ضرائب الراضي مقابل خنندماتهم كننأدلء‬
‫وجواسيس )البلذري‪ ،‬رررر‪ ،‬ص‪ .(185.‬ويظهر التقليد التاريخي السامري نوعا ً مننن‬
‫التحيز لمحمد‪(Vilmar (ed.), Abulfathi Annales, p. 180) .‬‬
‫‪ (43‬أنظر هامش ‪ 13‬ف ‪. 2‬‬ ‫)‬
‫‪(44‬‬ ‫)‬
‫‪Nau, “Colloque”, pp. 248 = 257f‬‬
‫قارن أيضا ً ملحظة البطريرك اللحقة القائلة‪» :‬قلت إنك تقبل بموسى وكتابنناته«‬ ‫‪(45‬‬ ‫)‬

‫)المصدر السابق صص ‪.(258 = 249‬‬


‫‪ (46‬المصدر السابق صص ‪250f = 260‬‬ ‫)‬

‫‪35‬‬
‫إن القبول بأسفار التنوراة الخمسننة الولننى ورفننض‬
‫أسننفار النبينناء هننو الموقننف السننامري مننن الكتنناب‬
‫المقدس‪.‬‬
‫ً‬
‫يمكن استبيان هننذا الموقننف مننن الكتنناب أيضنا فنني‬
‫بعض المقاطع من نسخة ليفون ‪ Levond‬للمراسلة بيننن‬
‫عمر وليون‪ .((47‬كان هذا أحد أسئلة عمر‪:((48‬‬
‫لماذا ل يجد المرء في شرائع موسننى أي شننيء عننن‬
‫الجنة‪ ،‬جهنم‪ ،‬الدينوية الخيرة أو القيامة؟ النجيليون‪..‬‬
‫(‬
‫هم الذين تحدثوا عن هذه الشياء وفق فهمهم الخاص‬
‫‪.(49‬‬
‫على هننذا يجيننب ليننون بنننوع مننن الشننرح لموضننوعة‬
‫الكشف التدريجي للوحي اللهي‪ ،‬ملحا ً على أن الله لم‬
‫يتكلم إلنى البشنر منرة واحنندة فقنط عنبر ننبي واحنند‪،‬‬
‫ومنكرا ً موقف مستجوبه الذي يفيد بأن »كل مننا ضننمنه‬
‫الله للعرق البشري كان قنند أوحنني إلننى موسننى«‪. ((50‬‬
‫إلننى جننانب هننذه الصننولية الموسننوية يمكننن ملحظننة‬
‫النتقنناص مننن النبينناء الننذي يظهننر فنني أسننئلة عمننر‬
‫الخرى‪:((51‬‬
‫لماذا ل تقبل كل ما يقوله يسنوع عنن ذاتنه‪ ،‬وتبحنث‬
‫في كتاتبات النبياء وفي المزامير واضعا ً في ذهنك أن‬
‫تجد شهادات تدعم تجسد يسوع؟ أنننت‪ ..‬غيننر راض بمننا‬
‫شهد به المسيح عن ذاته‪ ،‬لكنك تؤمن بما قاله النبينناء‪.‬‬
‫ل‪ ،‬كنان أقنرب إلنى‬ ‫لكنن يسنوع كنان أهل ً للتصنديق فع ً‬

‫أنظر هامش‪ 33‬ف‪.2‬‬ ‫‪(47‬‬ ‫)‬


‫‪(48‬‬ ‫)‬
‫‪Levond, “Letter”, tr. Patkanian, p. 30 = tr. Jeffery, p.277‬‬
‫) ‪G. Hoffmann, Auszüge‬‬ ‫يظهر إنكار القيامة عند مجموعات هرطقية مختلفة‪) .‬أنظر‪:‬‬ ‫‪(49‬‬ ‫)‬

‫‪aus syrischen. Akten persicher M‬ن ‪ .( rtyer, Leipzig 1880, pp. 75f, 122ff‬لكن ما يتضمنه سؤال‬
‫عمر هو ذلك الجمع الصدوقي القديم بين هذا النكار ورفض النبياء‪ ،‬وبالنسنبة لبداينة‬
‫الحقبة السلمية فهذا ل يجد شاهدا ً إل في الهرطقة السننامرية )مننن أجننل اسننتمرار‬
‫هذه الهرطقة حتى القرن التاسننع‪ ،‬أنظننر‪.Vilmer (ed.), Abulfathi Annales, p. Lxxxiii ) :‬‬
‫قارن التلميح القرآني إلى أهل الكتاب الذين ل يؤمنون بالله أو بنناليوم الخننر )قننرآن‬
‫‪ ،(29:9‬وإدخال ليون في قائمة جماعات هرطقية‬
‫إسلمية أولئك الذين »ينكرون وجود الله والقيامة« ) ‪Levond, “Letter”, tr. Patkanian, p.‬‬
‫‪ .(42 = ⇒ tr. Jeffery, p. 295‬إن موضوعة العري أثناء القيامة ) ‪Ibid, tr. Patkanian, p. 42 = tr.‬‬
‫‪ (Jeffery, p. 297‬لها أيضا ً تداعيات سامرية )قارن المسألة السامرية التي أوردها ليفي‬
‫ن‪ ،W‬ومما يستحق الضننافة هننا ربمننا هننو أن السننتخدام الشننيعي‬ ‫‪rterbuch, s.v. schaliah‬‬
‫ً‬
‫لمصطلح رررر له سابقة أيضا في الهرطقة السامرية ‪H. G. Kippenberg, Garizim und‬‬
‫‪.(Synagoge, Berlin 1971, p. 131n‬‬
‫‪(50‬‬ ‫)‬
‫‪Levond, “Letter”, tr. Patkanian, pp. 39f = tr. Jeffery, p. 291‬‬
‫‪(51‬‬ ‫)‬
‫‪ibid, tr. Patkanian, p. 29 = tr. Jeffery, p. 277‬‬

‫‪36‬‬
‫الله‪ ،‬وقد عننرف ذاتننه أكننثر بكننثير ممننا عرفتننه كتابننات‬
‫محرفة ومشوهة لناس ل تعرفهم‪.‬‬
‫على أية حال‪ ،‬فالطرف الهاجري يميل بوضننوح إلننى‬
‫الموقف السننامري مننن الكتنناب المقدس ن‪ .((52‬وطريقننة‬
‫تصوير أنبياء اليهود الكبار في القرآن ‪ -‬حيننث نننادرا ً مننا‬
‫نصادفهم‪ -‬قد تكون بقية إسلمية لهذه العقيدة ‪.((53‬‬
‫كان لدى الموقف السامري من الكتاب المقنندس مننا‬
‫يقدمه للهاجريين على مستويين‪ .‬فبشكل نننوعي‪ ،‬نجنند‬
‫أنننه شننطب السنناس الكتننابي للعنصننر الننداوودي فنني‬
‫المسيانية اليهودية ‪ -‬ل يوجد دليل فنني أسننفار التننوراة‬
‫مَلكيننة الداووديننة ول‬ ‫الخمسننة الولننى علننى شننرعية ال َ‬
‫على قداسة القدس‪ ((54‬؛ وفي الننوقت ذاتننه‪ ،‬فقنند قننام‬
‫بشيء لتعزيز التأكيد البطريركي علننى ديانننة ابراهيننم‪.‬‬
‫وبشكل أكثر عمومية‪ ،‬فالتقّيد بأسننفار التننوراة الولننى‬
‫دد موقفننا ً بالنسننبة لمسننألة‬ ‫الخمسننة دون النبينناء حنن ّ‬
‫المرجعيننة الدينيننة فنني شننكلها الكتننابي علننى القننل‪،‬‬
‫موقف كان قابل ً للحياة جدليا ً في العالم التوحيدي‪.((55‬‬
‫وهكننذا وجنند الهنناجريون حلننول ً لمعظننم المشننكلت‬
‫الملحننة الننتي واجهوهننا بعنند النفصننال عننن اليهوديننة‪.‬‬
‫فننديانتهم البراهيميننة وطنندت أسننس مننا كننانوا عليننه‪،‬‬
‫مسننيانيتهم المسننيحية سنناعدتهم فنني تأكينند مننا لننم‬
‫يكونوه‪ ،‬وموقفهم مننن الكتنناب المقنندس‪ ،‬إضننافة إلننى‬

‫‪ (52‬في مقطع آخر ملئ باليحاءات‪ ،‬يلحظ ليون الستخفاف الهاجري بالناجيل وبأسفار‬ ‫)‬

‫النبياء وذلك على أساس أنهم مزيفون‪ ،‬ويتابع من ثننم ليقيننم حجتننه علننى سلسننلة مننن‬
‫الشواهد الكتابية التي هي‪ ،‬كما يؤكد بإلحاح‪ ،‬مأخوذة من أسفار التوراة الخمسة الولنى‪.‬‬
‫) ‪ (ibid, tr. Patkanian, pp. 42f = tr. Jeffery, pp. 299f‬لحظ أيضا ً الرنة السننامرية للتلميننح‬
‫دسة‪.‬‬‫الهاجري التي استبانها ليون والتي تقول إن عرزا هو الذي زّيف السفار المق ّ‬
‫)‪. (tr. Patkanian, p. 38 = tr. Jeffery, p. 289‬‬
‫‪ (53‬لحظ ايضا ً غياب ذكننر النبينناء فنني عبنارة مننن مصندر سننرياني متنأخر‪ ،‬تقننول إن‬ ‫)‬

‫محمدا ً »قبل بموسى وكتابه‪،‬وقبل بالنجيننل‪J.B.Chabot (ed. and tr.),Chronicon ad ).«...‬‬


‫‪annum‬‬ ‫‪Christi‬‬ ‫‪1234‬‬ ‫‪pertinens(=CSCO,Scriptores‬‬ ‫‪Syri,vols.xxxvif,lvi),Louvain 1916‬‬
‫‪(etc.pp.229=179‬‬
‫قارن أيضا ً نسخة ميخائيل السرياني الموازية‪ (Chronique ,vol.iv,p.406=vol.ii,p.404 ):‬حيث‬
‫النبياء متضمنون على نحو مناسب‪.‬‬
‫‪ (54‬اقترحت السامرية أيضا ً بدائل عينيننة والننتي سنننأخذها بعيننن العتبننار فنني القسننم‬ ‫)‬

‫الرابع‪.‬‬
‫‪ (55‬ليس واضحا ً ما إذا كنا سنفكر هنا بنالتوراة الننتي يقرأهنا عبند اللننه بننن عمننرو بننن‬ ‫)‬

‫العنناص بجننانب ررررر رر ) ‪ ،(Kister, “Haddithü”, p. 231‬ن رررر ررر )هكننذا‪ ،‬ليننس‬
‫رررررر ر( التي يوردهننا راهننب بيننت حلننه بجننانب القننرآن وأعمننال أخننرى كمصنندر‬
‫للشريعة )أنظر الهامش ‪ 14‬من القسم التالي(‪ ،‬كنوع من ترغوم عربي‪ .‬ليوجنند أثننر‬
‫لذلك في المجادلة بين البطريرك والمير‪.(Nau, “Colloque”, pp. 251=260f ) .‬‬

‫‪37‬‬
‫مساعدة المسيانية‪ ،‬منحهم نوعا ً من المعرفة العقائدية‬
‫البتدائية‪ ،‬شيئا ً يتفاخرون به‪ .‬كننانت المشننكلة أن هننذه‬
‫الحلننول بنندت متنننافرة مننع بعضننها بننالمعنى الكامننل‬
‫للكلمة‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫‪3‬‬
‫مْثل موسى‬
‫النبي ِ‬

‫إن الجميع بين ديانننة ابراهيننم ومسننيانية مسننيحية‬


‫مسنناعدة كننان بحنند ذاتننه جمع نا ً ملفتنا ً للنظننر بغرابتننه‪،‬‬
‫دس بننه لننم‬ ‫وإلحاق الموقف السامري من الكتاب المق ن ّ‬
‫يفد فني جعلنه أكنثر معقوليننة‪ .‬منن ناحينة فنإن رفننض‬
‫النبينناء‪ ،‬بالدقننة ذاتهننا الننتي استأصننل بهننا السنناس‬
‫الكتننابي للمسننيانية الداووديننة‪ ،‬أفقنند القننرار بالمسننيا‬
‫ل معنى؛ ومن ناحية أخرى‪ ،‬فإن العننتراف‬ ‫المسيحي ك ّ‬
‫بأسفار التوراة الخمسة الولى دون غيرها كننان يعننني‬
‫نوع نا ً مننن السننيطرة الموسننوية والننتي أفسنندت ديانننة‬
‫ابراهيننم‪ .‬لكننن جننذر المشننكلة كننان يكمننن فنني أن‬
‫الهاجريين لم يكونوا قد تصدوا بعنند لمعضننلة ورطتهننم‬
‫الدينينننة‪ .‬فقننند بننندأوا بجمنننع مضنننطرب بينننن الفنننداء‬
‫السننرائيلي وعلننم النسنناب السننماعيلي؛ قنند يتبنندل‬
‫المحتوى النوعي لكل مصطلح‪ ،‬لكن المشكلة الساسية‬
‫بقيت في جعل حقيقة دينية غريبننة عليهننم ملكنا ً لهننم‪.‬‬
‫لم يكن هنالك بالفعننل سننوى حّليننن‪ .‬فمننن ناحيننة كننان‬
‫باستطاعتهم أن يتابعوا بطريقة المسيحيين الثيوبيين‪،‬‬
‫أي بأن يتبنننوا لنفسننهم نسننبا ً إسننرائيليًا‪ .‬لكننن بسننبب‬
‫المسننرحية الننتي اختلقوهننا حننول سلسننلة نسننبهم‬
‫السماعيلي‪ ،‬ل نتفاجأ إذا وجنندناهم متعلقيننن بننه خلل‬
‫كامنل تطنورهم العقنائدي‪ .‬ومنن ناحينة أخنرى‪ ،‬إذا لنم‬
‫ث علننى‬ ‫يكونوا ليذهبوا إلى الحقيقة‪ ،‬فالحقيقة قنند ُتحن َ‬
‫الننننذهاب إليهننننم‪ .‬فعلننننى أسنننناس علننننم أنسننننابهم‬
‫السنننماعيلي‪ ،‬كنننان عليهنننم أن يشنننيدوا علنننم نبنننوة‬
‫اسننماعيلي ملئم‪ .‬كننانت خطننوة جننريئة بالنسننبة لمننة‬
‫محدثة النعمة دينيا ً للغايننة‪ ،‬لكنهننا كننانت طريننق النجنناة‬
‫الوحيدة‪.‬‬
‫التكيفات العقائدية الستهللية المحللة فني الفصنل‬
‫السابق تركت محمد عاطل ً عننن العمننل جزئي نا ً بطريقننة‬
‫متميزة‪ .‬فقمع المسننيانية اخننتزل رسننالته إلننى رسننالة‬
‫مبشر توحيدي ذي مكانة سيئة التحديد نوعا ً ما‪ .‬كان من‬
‫المستحيل إعطاء هذه المكانة تحدينندا ً أكننثر دقننة وذلننك‬
‫عننبر السننتنجاد بفكننرة إحيننائي مرسننل لحينناء ديانننة‬

‫‪39‬‬
‫ابراهيم‪ .((1‬لكن من المواد المحفوظة في القرآن‪ ،‬كان‬
‫سيبدو أن التجاه المسيطر كان فنني وضننع النننبي فنني‬
‫صف واحد مع سلسلةمن المنذرين الننذين لننم يننذكرهم‬
‫الكتاب المقدس والننذين أرسننلوا إلننى شننعوب المم‪.((2‬‬
‫وكون هذا النموذج القديم يعكس طورا ً عقائديننا ً هامننا ً‬
‫فذلك ما يوحي بنه منن ناحينة كنثرة تقنديمه والوضننوح‬
‫النسبي في ذلك التقديم‪ ،((3‬ومننن ناحيننة أخننرى التننأثير‬
‫الذي يمارسه حننتى علننى شننخص موسننى‪ .((4‬والمفتنناح‬
‫الذي يوصلنا إلننى سننر جنناذبيته ل بنند أنننه تموضننع فنني‬
‫جمعه بين البساطة والمراوغة‪ :‬فاختزال الرسننالة إلننى‬
‫جن ّننب الحاجننة‬ ‫تحذير مجّرد معطى في سياق إثني ضّيق َ‬
‫إلننى تعريننف علقتننه بحقننل الننوحي التوحينندي الكننثر‬
‫اتساعًا‪.‬‬
‫وحدها هذه العلقة كانت بحاجة إلى تعريف لننو أرينند‬
‫خَلق‪ .‬كان على النذير العربي‬ ‫لعلم نبوة اسماعيلي أن ي ُ ْ‬
‫أن يتخطى دوره المحدود المريح نحو العالي الشاهقة‬
‫للننوحي الكتننابي‪ :‬كننان عليننه الن أن يقننف فنني صننف‬
‫واحد‪ ،‬ليس مع هود وصالح‪ ،‬بل مع موسى طور سننيناء‪.‬‬
‫هلتا هذا الصننطفاف‪.‬‬ ‫سمتان في التركيبة الموسوية س ّ‬
‫الولى كانت السهولة التي يمكننن بهننا النتقننال ضننمن‬
‫المثال الموسوي مننن الفننداء إلننى الننوحي‪ ،‬مننن البحننر‬
‫منند فنني دور‬ ‫الحمر إلى سيناء‪.‬لم يكنن صننعبا ً رؤيننة مح ّ‬
‫قائد الخروج الموسوي‪ ،‬ولم يكن هنالك مننا يمنعننه مننن‬
‫دس مناسننب‪.((5‬‬ ‫إكمال عمله بتلقي وحي على جبل مق ن ّ‬
‫دل التوكينند ملحننظ علننى نحننو ممتنناز فنني الصننيغ‬ ‫تبنن ّ‬
‫دمها لنننا‬ ‫المتقابلننة لعلقننة موسننى بمحمنند والننتي يق ن ّ‬
‫تاريخان أرمنيننان‪ :‬فبالنسننبة لسننيبيوس البكننر تاريخنًا‪،‬‬
‫‪ (1‬لحظ هننامش ‪ 21‬ف‪ .2‬قننارن أيضنا ً الشخصننية الحيائيننة لمحمنند والننتي قنندما بننار‬ ‫)‬

‫بنكايي‪ :‬لقد كان هادي العننرب الننذين أخننذوا منننه توحينندهم وذلننك بحسننب »الشننرع‬
‫القديم«‪.(Mingana, Sources syiriaques, pp. 146f = 175) .‬‬
‫‪ (2‬أنظر على سبيل المثال‪ ،‬القرآن ‪ .46:28‬لقد اعتبرننناه ثانوينا ً ذلننك العننزو القرآننني‬ ‫)‬

‫المتكرر لحد الكتب للنننبي حنتى فنني دوره كنننذير‪ :‬إنننه ل يمتند إلنى أي منن الننذراء‬
‫الولين‪.‬‬
‫‪ (3‬قابل المعالجة القرآنية الغريبة والمعزولة عن سياقها للنبوة في الكتاب المقدس‪.‬‬ ‫)‬

‫‪ (4‬لحظ كيف أن فادي رررررررررررر والذي أعطنناهم الشننريعة يميننل لن يصننبح‬ ‫)‬

‫دس مرسل ً لنذار رررررررر‪ ،‬بدرجة كبيرة حتى‬ ‫رسول ً غير مذكور في الكتاب المق ّ‬
‫أن الخيريننن يسننألونه ذات مننّرة »أجئتنننا لتفتنننا عمننا وجنندناعليه آباءنننا« )القننرآن‬
‫‪.(78:10‬‬
‫‪ (5‬لحظ أيضا النموذج الموسوي للوحي المتسلسل‪B. J. Bamberger, “Revelations of ) .‬‬ ‫ً‬ ‫)‬

‫‪.(Torah after Sinai” ,Hebrew Union College Annual, 1941‬‬

‫‪40‬‬
‫يبدو أن محمدا ً مطلع جيدا ً على ققق موسى‪ ،‬فنني حيننن‬
‫يننرى صننموئيل الننني الكننثر تننأخرًا‪ ،‬أن اطلعننه علننى‬
‫ق قققق موسى‪ ((6‬غير كامل‪ .‬لكننن الشنناهد الكننثر لفت نا ً‬
‫للنظر على هذا التبنندل هننو التطننور الغريننب فنني علننم‬
‫دللننة اللفنناظ للمصننطلح ققق قق مننن معننناه الرامنني‬
‫الصلي »فداء« إلى المعنى العربي الثانوي »وحي« ‪:((7‬‬
‫ول‬ ‫فنني الصننورة الننواردة فنني سننفر اشننعيا ‪ ،7:21‬حنن ّ‬
‫سفر مقدس للراكننب‬ ‫الخلص للراكب على الحمار إلى ِ‬
‫على الجمل‪.((8‬‬
‫السمة الخننرى المسنناعدة فنني التركيبننة الموسننوية‬
‫كانت الوعد الذي يرد في سفر التثنية حول »نبي مثننل‬
‫موسنى«‪ .((9‬يبندو القنرآن ذاتنه متواضنعا ً جندا ً بحينث ل‬
‫دم وحيه كمجرد‬ ‫يختار النبي لهذا الدور‪ :‬فالواقع أنه يق ّ‬
‫شهادة عربية على وحي موسى ) ‪ 11:46‬وما بعد(‪ .‬لكن‬
‫دنا بأمثلة واضحة حول اعتبار أن محمنندا ً هننو‬ ‫السيرة تم ّ‬
‫‪((10‬‬
‫النننبي الننذي يتحنندث عنننه سننفر التثنيننة ‪ .‬وهكننذا‬
‫فالتركيبننة الموسننوية قنندمت لنننا كل ً مننن النمننوذج‬
‫والقننرار مننن أجننل إعننادة صننياغة دور محمنند كحامننل‬
‫لوحي جديد‪.‬‬
‫إن الموضع الذي كان على الهنناجريين التكننال علننى‬
‫أنفسننهم فيننه تمث ّننل فنني تننأليف كتنناب مقنندس فعلنني‬
‫لنبيهم‪ ،‬أقل غربة من كتاب موسى وأكننثر واقعيننة مننن‬

‫‪E.‬‬ ‫‪ (6‬من أجل سيبيوس‪ ،‬أنظر‪ :‬هامش‪ 40 .‬ف ‪ . 1‬منن أجنل صنموئيل النني‪ ،‬أنظنر‪:‬‬ ‫)‬

‫‪. Dulaurier, Recherches sur la chronologie arméniene, vol. i, Paris 1859, p. 354‬‬
‫‪ (7‬من أجل السننتخدام القرآننني لمصننطلح ررر رر بهننذين المعنييننن‪ ،‬فنني السننياقين‬ ‫)‬

‫الموسوي والموافق للزمننن القرآننني‪ ،‬أنظننر‪The Encyclopaedia of Islam, Leyden and :‬‬
‫‪ . ”London 1960 - art. “Firkan‬قارن أيضا ً تحويل العلمات الموثوقننة للسنياق الفندائي‬
‫)قارن مع الكلمة العبرية ررررر( إلى آيات كتابية )بالعربية رررر(‪.‬‬
‫‪ (8‬قارن تفسير الية الذي يقنندمه »السننرار« )ص‪ (5‬مننع مننا يعننزوه ليفننون لعمننر )“‬ ‫)‬

‫‪ .(Letter”, tr. Patkanian, p.30 = tr. Jeffery, p. 278‬في النص الول الراكب على الحمار هو‬
‫المسيا اليهودي‪ ،‬والراكننب علننى الجمننل يبشننر بقنندومه ليننس إل؛ فنني الننص الثنناني‬
‫الراكب على الحمار هو المسننيا المسننيحي‪ ،‬فني حينن أن الراكنب علنى الجمنل هننا‬
‫رفيقه ونظيره‪ ،‬إنه المشّرع الهاجري‪.‬‬
‫‪ (9‬سفر التثنية ‪،15 :18‬ن ‪» .18‬الخوة« في هاتين اليتين أمكننن تفسننيرهم مباشننرة‬ ‫)‬

‫على أنهم السماعيليون بالنسبة للسرائيليين )أنظر على سبيل المثنال‪A. Mingana ) :‬‬
‫‪(ed. and tr.), “Timothy’s Apology for Christianity”, in his Woodbrooke Studies, vol. ii, Cambridge‬‬
‫‪ .(1928, pp. 123 = 50‬أنظر أيضًا‪ :‬أبو الريحان محمد بن أحمنند الننبيروني الخننوارزمي‪،‬‬
‫رررر رررررر ررررررر رر رررررر ررررررر‪ ،‬تحرير س‪ .‬ي‪ .‬شنناو‪ ،‬ليبتسننيغ‬
‫‪ ،1878‬ص‪.(19‬‬
‫‪ (10‬ابن اسحق‪ ،‬رررر‪ ،‬صص ‪.240 = 353 ،160 = 231‬‬ ‫)‬

‫‪41‬‬
‫كتاب ابراهيم‪ .((11‬لكن ما مننن مصنندر قننديم يلقنني بننأي‬
‫م هننذا‪ .‬ففيمننا يتعلننق‬ ‫ضوء مباشر حول كيننف ومننتى ت َن ّ‬
‫بطريقة النشاء‪ ،‬ثمة سننبب مننا ينندفعنا للفننتراض بننأن‬
‫جمننع مننن عنندد وافننر مننن العمننال الدينيننة‬ ‫القننرآن ُ‬
‫الهاجريننة القنندم منننه‪ .‬وفنني الموضننع الول‪ ،‬يمكننن‬
‫البرهنة علننى هننذا العنندد الننوافر بطننرق عدينندة‪ .‬فمننن‬
‫دم لنننا القننرآن ذاتننه إشننارات‬ ‫الجننانب السننلمي‪ ،‬يقنن ّ‬
‫‪((12‬‬
‫غامضة تفيد بأن كمالية النص مسننألة عويصننة ‪ ،‬ومننع‬
‫هذا يمكن لنا أن نقارن الدعاء ضد عثمان بننأن القننرآن‬
‫كننان كتب نا ً عدينندة لننم يننترك منهننا غيننر واحنند ‪ .((13‬ومننن‬
‫دة بيننن‬‫الجانب المسيحي‪ ،‬فإن راهب بيت حله يمّيز بح ن ّ‬
‫القرآن وسورة البقرة كمصدرين للشريعة ‪ ،((14‬في حين‬
‫أن ليفون يجعننل المننبراطور ليننون يصننف كيننف أتلننف‬
‫جاج »الكتابات« الهاجرينة القديمننة‪ .((15‬ثانينًا‪ ،‬هنالنك‬ ‫الح ّ‬
‫دليل داخلنني مننن الشخصننية الدبيننة للقننرآن‪ .‬فالكتنناب‬
‫ملفننت للنظننر فنني افتقنناره للبنيننان المتكامننل‪ ،‬لكننثرة‬
‫ل مننن اللغننة‬ ‫غموضننه وعنندم تناسننقه منطقي نا ً فنني ك ن ّ‬
‫والمضننمون‪ ،‬لروتينيتننه فنني ربطننه لمننواد متباينننة‪،‬‬
‫ولدمانه على إعادة مقاطع كاملة في نصوص مختلفة‪.‬‬
‫على هذا الساس يمكن البرهان بشكل معقول أن هذا‬
‫الكتاب ليننس سننوى نتيجننة لتحريننر متننأخر وغيننر كامننل‬
‫لمواد مأخوذة من مجموعة تقاليد وافرة‪.((16‬‬

‫‪ (11‬من أجل كتاب ابراهيم‪ ،‬أنظر سابقًا‪ ،‬هامش ‪ 21‬ف ‪.2‬‬ ‫)‬

‫‪ (12‬العبارة التي تقول إن النبي تلقى سبع مثاني والقرآن )‪87 :15‬؛ المكانة الكتابيننة‬ ‫)‬

‫للمثاني واضحة من ‪ (24 :39‬تعقبها إدانة لولئك الذين يقسننمون القننرآن ) ‪90 :15‬‬
‫وما بعد(؛ ينكر بعض »الحزاب« بعض ما أوحي للنبي ) ‪ - (36 :13‬بغض النظر تماما ً‬
‫عن أولئك الذين يعتقدون أنه كان يجب أن ينزل دفعة واحنندة )‪ (22 :25‬أو يرينندون‬
‫غيره أو أن يكون متبدل ً )‪ .(15 :10‬وربما يكون الفرق بين ررررر ر وررررر ررر‬
‫في ‪ 5 :3‬مجرد بقية للرأي المقدم في ‪.36 :13‬‬
‫‪ (13‬طبري‪ ،‬ررررر ‪) 2952 :1‬إشارة ندين بأهميتها إلى مناقشة مع الدكتور وانسبرو‬ ‫)‬

‫مي مننا ي ُفْت َننرض أنننه »عهنند المدينننة« وحينا ً‬


‫‪ .(Wansbrough‬قارن ايضا ً التقليد الذي يسن ّ‬
‫)بخاري‪ ،‬رررر‪.(260 :2 ،‬‬
‫‪ (14‬يسأل العربي لماذا يعبد المسيحيون الصليب في حين ل يوجد مرجع لهذا العننرف‬ ‫)‬

‫في النجيل‪ .‬فيجيب الراهب‪» :‬ل أعتقد أن محمدا ً علمكم في القرآن كننل شننرائعكم‬
‫ووصاياكم؛ لكن هنالك بعض منا تعلمتمنوه )هكنذا( منن القنرآن‪ ،‬والبعنض الخنر فني‬
‫سورة البقرة‪ ،‬وفي الجيجي ‪ gygy‬وفي التوره ‪ .twrh‬كذلك المننر بالنسننبة لنننا‪ :‬فبعننض‬
‫الوصايا علمنا إياها ربنا‪ ،‬وبعضننها الخننر تلفننظ بننه الننروح القنندس عننبر أفننواه عبيننده‬
‫م العريننف بنه[ عنبر المعلمينن‪ ،‬النذين يوجهونننا ويرونننا‬ ‫والرسل‪ ،‬وبعضها الثنالث ]تن ّ‬
‫طريق الحياة ودرب النور« )الورقة ‪6‬آ(‪ .‬لكن ما هو الجيجي؟‬
‫‪ (15‬أنظر الهامش ‪ 21‬من هذا الفصل‪.‬‬ ‫)‬

‫‪ (16‬نحن ندين بالكامل بهذا التفسير لشخصية القرآن الدبية للدكتور فانسبرو‪.‬‬ ‫)‬

‫‪42‬‬
‫في الوقت ذاته فإن عدم اكتمال التحريننر يننوحي أن‬
‫ظهور القرآن كان بالضرورة حدثا ً مفاجئًا‪ ،‬إن لننم نقننل‬
‫سننريعًا‪ .‬لكننننا نكننرر القننول‪ ،‬إنننه ل يوجنند شنناهد قننديم‬
‫مباشر بالنسبة لتاريخ الحدث‪ .((17‬وقبننة الصننخرة تشننهد‬
‫ل‪ ،‬عننند نهايننة القننرن السننابع‪ ،‬بوجننود مننواد تعتننبر‬ ‫فع ً‬
‫‪(1‬‬
‫قرآنية في نص يتوافق ليس نادرا ً مع النص الننذي لنننا‬
‫دم طبعا ً أية إشارة بشننأن الشننكل الدبنني‬ ‫‪(8‬؛ لكنه ل يق ّ‬
‫الذي ظهرت فيه هذه المواد اعتياديا ً فنني ذلننك الزمننن‪.‬‬
‫تظهر أقدم إشارة من خارج التقلينند الدبنني السننلمي‬
‫إلى كتاب ينندعى القننرآن فنني حننوار يرجننع إلننى نهايننة‬
‫(‬
‫الحقبة الموية بين العربي والراهب الذي من بيت حله‬
‫‪ (19‬؛ لكنه كما رأينا‪ ،‬ربما كان يختلف بشكل معتننبر فنني‬
‫محتواه عن القرآن الذي نعرفه اليوم‪ .‬علننى أيننة حننال‪،‬‬
‫ومننع اسننتثناء وحينند لحنند المقنناطع مننن الحننوار بيننن‬
‫البطريرك والمير والذي يمكن تفسيره كإشارة ضمنية‬
‫إلى الشننرع القرآننني المتعلننق بننالرث‪ ،((20‬ل توجنند أيننة‬
‫‪ (17‬ل نكاد نحتاج إلى التأكيد بأن محتويات القرآن ذاته ل تساعدنا إل قليل ً فنني تحدينند‬ ‫)‬

‫السياق التاريخي الذي نشأ فيه‪ .‬والشارات القليلة الصريحة إلننى بيئة وثنيننة وعربيننة‬
‫توازن بإشارة ضمنية في إعادة تلوة للقصص الكتابية الننتي تفننترض جمهننورا ً معتننادا ً‬
‫عليها؛ قارن أيضا ً الطريقة التي يعتمد فيهنا الجندل حنول القيامنة علنى بديهينة خلنق‬
‫توحيدي أول ً )ندين بكل المرين إلى الدكتور وانسبرو(‪.‬‬
‫صنا في‬ ‫‪ .Van Berchen, Corpus, part two, vol. ii, nos. 215-217‬هنالك اتفاق شاسع مع ن ّ‬
‫‪(18‬‬ ‫)‬

‫الرقم ‪) 215‬لكن لحظ على نحننو خنناص الدمننج لفقرتينننا ‪ 1:64‬و‪ 2:57‬الننذي يظهننر‬
‫مرتين‪ ،‬والشكال اللفظية المختلفة للفقرة ‪(34:19‬؛ من ناحية أخرى‪ ،‬ثمننة انحننراف‬
‫صنا في الفقرة‪ 216‬وما بعد )في حالة الفقرة ‪ ،217‬ما من آية من اليننات‬ ‫كبير عن ن ّ‬
‫صنا‪ ،‬والعقيدة بشكل خاص )القننرب إلننى‬ ‫الربع المقدسة هي في صيغة تتوافق مع ن ّ‬
‫فقرتنا ‪ (130:2‬يظهر فيها شيئان محذوفان وثلثة أشياء مختلفة(‪ .‬قارن أيض نا ً كسننرة‬
‫البردية القديمة التي يظهر فيها الحرفان ر ر مباشرة بعد ‪Grohmann, Arabic ) .3-1 :1‬‬
‫‪.(Papyri from Hirbet el-Mird, no72‬‬
‫‪ .(Dispute”, ff. 1a, 6a (qwr’n “ (19‬الشارة الولى غير متناسقة‪ ،‬أما الثانينة فقند ذكنرت فني‬ ‫)‬

‫الهامش ‪ 14‬السابق‪.‬‬
‫‪ (20‬يسأل المير عن شرائع المسيحيين‪ ،‬طبيعتها ومحتواها‪ ،‬وبشكل خاص ما إذا كانت‬ ‫)‬

‫مكتوبة في النجيل أم ل‪ .‬ويضيف‪» :‬إذا مات إنسان وترك أبننناء أو بنننات وزوجننة وأم‬
‫وأخت وابن عم‪ ،‬كيف يمكن تقسيم أملكه‪ ‬بينهم‪.(Nau, “Colloque”, oo. 251 = 261 ) .‬‬
‫إذًا‪ ،‬وكما يوحي السياق‪ ،‬فالمير يشعر أن الجواب يجب أن يكون موجودا ً في الكتاب‬
‫دس المسيحي‪ ،‬والفتراض عندئذ هو أن هذا الجواب كان يجب أن يكون موجودا ً‬ ‫المق ّ‬
‫دس الخاص؛ والشرائع القرآنيننة‪ ،‬مننع تقسننيمها التفصننيلي للرث‪،‬‬ ‫أيضا ً في كتابه المق ّ‬
‫)القرآن ‪ 4:8‬وما بعد(‪ ،‬تجيب على هذا السؤال بشكل أفضل إلى حد مننا ممننا تجيننب‬
‫عليه أسفار التوراة الخمسة الولى حيث نجد أن البنات والقننارب الخريننن ل يرثننون‬
‫إل حيننن ل يكننون هنالننك أولد ذكننور )سننفر العنندد ‪ .(8:27‬لكننن المسننألة ليسننت‬
‫محسومة‪ ،‬وصياغة السؤال تشبه إلى حد كبير أسلوب كتب الشرع المسيحية )أنظننر‬
‫مث ً‬
‫ل‪E. Schau, Syrische Rechtbücher, Berlin 1907 - 14, vol. ii, pp. 90 = 91, and vol. iii, pp. 94 = :‬‬

‫‪43‬‬
‫إشننارة تنندل علننى وجننود القننرآن قبننل نهايننة القننرن‬
‫السابع‪ .‬لكن المصادر المسننيحية والسننلمية علننى حنند‬
‫سننواء تعننزو إلننى الحجنناج دورا ً مننا فنني تاريننخ الكتنناب‬
‫المقدس السلمي‪ .‬وفي الرواية التي يعزوهننا ليفننون‬
‫إلى ليننون‪ ،‬يقننال إن الحجنناج جمننع الكتابننات الهاجريننة‬
‫ل محلهننا كتابننات أخننرى أّلفننت‬ ‫القديمة وأتلفها ثننم أحن ّ‬
‫وفق مذاقه الشخصي‪ ((21‬؛ لكن التقاليد السلمية أكثر‬
‫تحفظًا‪ ،‬مع أنها بعيدة عننن التناسننق‪ .((22‬وهكننذا فليننس‬
‫من غير المرجح أننا نمتلك هنا السياق التنناريخي الننذي‬
‫جمع فيننه القننرآن للمننرة الولننى وذلننك بوصننفه كتنناب‬
‫دس‪.‬‬ ‫مد المق ّ‬
‫مح ّ‬
‫طنندت أقنندام محمنند فنني دور نننبي كتننابي‬ ‫مننا أن و ّ‬
‫موسوي‪ ،‬حتى كننانت هوي ّننة النندين الجدينند آمنننة أخيننرًا‪.‬‬
‫دى النتقال من علننم نبننوة أكننثر‬ ‫ففي الموضع الول‪ ،‬أ ّ‬
‫رجعية من اليهوديننة إلننى علننم نبننوة أكننثر تقدميننة منن‬
‫المسيحية إلى إدخال الديانة التوحيدية الكثر قدما ً في‬
‫منظور أكثر راحة‪ .‬تقهقر الحضور الموسوي بشننكل أو‬
‫بآخر‪ ،((23‬والتوراة كما يقول أحد التقالينند ُأغرقننت فنني‬
‫بحيننرة طبريننة بنننوع مننن التننوقير‪ .((24‬بالمقابننل صننار‬
‫الهاجريون الن فنني موقننع يننؤهلهم للعننتراف بأنبينناء‬
‫الشرع اليهننودي‪ ،((25‬ولتوسننيع دور يسننوع بوضننعه بيننن‬
‫‪.(91‬‬
‫ثمة داع لن نشك أنه في هذا الجزء من المجادلة قد ل يكون لدينا النننص فنني حننالته‬
‫ل‪ ،‬يتجاهننل البطريننرك فنني‬ ‫الصلية‪ :‬بناء الجزء مخلخل بأسلوب غيننر تشخيصنني )فمث ً‬
‫إجابته ببساطة سؤال المير المتعل ّننق بننالرث(‪ .‬والصننيغة »مهغننرا« ل تظهننر إل فنني‬
‫النقاش المتعلق بالشريعة )قارن الهامش ‪ 51‬من القسم الول(‪.‬‬
‫‪ (21‬الحجاج »جمع كل كتاباتكم القديمة‪ ،‬أّلف أخرى بحسننب مننذاقه الخنناص‪ ،‬ونشننرها‬ ‫)‬

‫بين أمتكم‪ ..‬لم ينج من هذا التلف سوى عدد قليل من أعمال أبو تراب ]أي‪ ،‬علي[‪،‬‬
‫لنه لم يستطع أن يخفيها كلها«‪Levond, “Letter”, tr. Patkanian, p. 44 = tr. Jeffery, p. ) .‬‬
‫‪ .(298‬من أجل رواية الكندي عن دور الحجاج‪ ،‬أنظر ملحظننة جفننري ) ‪ .(Loc. cit‬قنارن‬
‫مع ما يعننزوه ليننون مننن تننأليف رررررر رر )أي‪ ،‬الفرقننان( لعمننر‪ ،‬علنني‪ ،‬وسننلمان‬
‫الفارسي‪.(ibid, tr. Patkanian, p. 40 = tr Jeffery, p. 292) .‬‬
‫‪ (22‬أنظر المادة التي جمعها جيفري في ملحظته على المقطع المقتبنس مننن ليفنون‬ ‫)‬

‫في الملحظة السابقة‪.‬‬


‫‪ (23‬وهكذا يقول محمد في أحد التقاليد‪» ،‬لو كان موسى بينكم فتبعتموه وتركتمننوني‪،‬‬ ‫)‬

‫لضللتم«‪.(Kister, “Haddithü”, p. 234; if. ahs p. 235) .‬‬


‫‪ (24‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪236‬‬ ‫)‬

‫‪ (25‬تشهد قبة الصخرة على العتقاد الهاجري »بالنبياء«‪van Berchen, Corpus, part two, ) .‬‬ ‫)‬

‫‪ .(vol. ii, no, 217‬كذلك فالعربي الذي تجادل مع راهب بيت حلننه يعننترف بمرجعيتهننم‬

‫‪44‬‬
‫موسننى ومحمنند فنني سلسننلة متعاقبننة مننن مشننرعين‬
‫عظام وفننق النمننوذج الموسننوي‪ .((26‬ثانينًا‪ ،‬لقنند تلقننت‬
‫مشكلة إضفاء الصبغة القومية على النبوة حل ً فاعل ً لم‬
‫‪((27‬‬
‫ي خننالص‬ ‫تصل إليه من قبننل قط ‪ .‬فظهننور اسننماعيل ٍ‬
‫النسب في دور آخر مشّرع للتاريخ الننديني ح ن ّ‬
‫ل التننوّتر‬
‫السننوأ بيننن الحقيقننة الغريبننة والهويننة الوطنيننة‪ .‬فنني‬
‫الننوقت ذاتننه فننإن جننرأة هننذا الحننل جعلننت ديانننة‬
‫ابراهيننم‪،‬مننع مناصننرتها الخجولننة للنننبي الخيننر الننذي‬
‫اسننتطاع أن يشننارك اسننمعيل شننرعيا ً مننع إسننرائيل‪،‬‬
‫عقيمة مفاهيمي نا ً‪ .((28‬ومننا أن راح بنيانهننا يننذوب‪ ،‬حننتى‬
‫انهارت فروضها العباديننة أمننام النندعائم القننل رجعيننة‬
‫لديانة محمد‪ . ((29‬وصار الدين الجدينند واثقنا ً كفايننة الن‬
‫عموم نا ً فنني بعننده عننن أصننوله اليهوديننة بحيننث يننواجه‬
‫اليهودية على أرضننها الوطنيننة‪ :‬حيننن بنننى عبنند الملننك‬
‫القبة التي أذاع فيها رسالة محمد النبوية‪ ،‬وضعها على‬
‫صخرة الهيكل بالذات‪.((30‬‬
‫فنني الننوقت ذاتننه‪ ،‬فننإن أحجننار النندرج السننامرية‬
‫دمت لهننا مقولننة مركزيننة‬ ‫والبراهيمية لديانة محمنند ق ن ّ‬
‫‪((31‬‬
‫بالنسبة لمكانتها كديانة مستقلة‪ ،‬أل وهي ققققققق ‪.‬‬
‫لقد ساهمت السامرية بفكرة السلم بمعنننى التسننليم‬
‫لله‪ .‬والفعل »قق قق« له أقارب فنني العبريننة‪ ،‬الراميننة‬

‫دون مواربننة )»المجادلننة«‪ ،‬الورقننة ‪5‬ب(‪ .‬لحننظ أنننه كننان لعبنند الملننك ابننن اسننمه‬
‫سليمان وحفيدان يحملن اسمي أيوب وداود‪.‬‬
‫‪ (26‬يصبح النجيل بالتالي كتابا ً منزل ً على يسننوع )أنظننر علننى سننبيل المثننال‪ :‬القننرآن‬ ‫)‬

‫كل شريعة يمكن مقاضاة أتباعه على أساسها )‪.(51 :5‬‬ ‫‪ (50:5‬والذي يش ّ‬
‫وة وعلنم النسناب إل علنى‬ ‫لم يكن بالمكان الوصول إلى انسجام كامل بينن النبن ّ‬
‫‪(27‬‬ ‫)‬

‫حساب رفض واضح للكتننابين المقدسننين اليهننودي والمسننيحي‪ .‬وإذا كننان لمثننل هننذا‬
‫الرأي أن يوطد أسسه يومًا‪ ،‬فهو قد يكون تسبب بحرم غريب لعقيدة تعرف »بالفقه‬
‫الكبر ‪» :«I‬إن كل من يؤمن بكل ما عليه أن يؤمن به‪ ،‬باستثناء أنه يقننول‪ ،‬ل أعننرف‬
‫ما إذا كان موسى ويسوع ينتميان إلى الرسل أم ل‪ ،‬فهو كافر«‪A. J. Wensinck, The ) .‬‬
‫‪.(Muslim Greed, Cambridge 1932, p. 104‬‬
‫ظلت المواقف السلمية الفعلية حيال العلقة بين الثنية والحقيقننة الدينيننة متكننافئة‬
‫ضديا ً وإلى حد ما نسبية‪.‬‬
‫‪ (28‬من أجل اللخبطة العلم ‪ -‬نبوية الناشئة عن البقية القرآنية لديانة ابراهيم‪ ،‬أنظر‪:‬‬ ‫)‬

‫‪Katib Chelebi, The Balance of Truth, tr. G. I. Lewis, London 1957, pp. 110 - 23‬‬
‫أنظر هامش‪ 28‬ف ‪.2‬‬ ‫)‪(29‬‬

‫‪(30‬‬ ‫)‬
‫‪van Berchen, Corpus, part two, vol. ii, no. 217‬‬
‫‪P. Crone, The Mawali in‬‬ ‫‪ (31‬من أجل مناقشة تفصيلية ‪ -‬مع أنها عتيقة قليل ً الن ‪ -‬أنظر‪:‬‬ ‫)‬

‫‪.the Umayyad Period, London Ph.D. 1974, pp. 219ff‬‬

‫‪45‬‬
‫والسريانية‪ .‬لكن في حين ل يقنندم لنننا الدب اليهننودي‬
‫ول الدب المسننننيحي سننننابقة مقنعننننة للسننننتخدام‬
‫السلمي‪ ،((32‬فإننا نجد موازيات دقيقننة فنني أهننم نننص‬
‫سامري من الحقبة الماقبننل إسننلمية‪ .((33‬يمكننن للمننرء‬
‫أن يجننادل طبع نا ً أن هننذا يمث ّننل تلوث نا ً للتقلينند النصنني‬
‫السامري بالتأثير السلمي؛ لكن فنني حالننة السننلم ل‬
‫يبدو هذا المر مرجحًا‪ ،‬أقّله لن السننتخدام السننامري‪،‬‬
‫بعكس السلمي‪ ،‬مؤتلننف مننع منندى مننن السننتخدامات‬
‫المشابهة من الجذور ذاتها ومن جذور أخرى‪.((34‬‬
‫لكن إذا كانت السامرية قد قدمت للهاجريين الفكرة‬
‫دم فقننط مفتاحننا ً لفهننم أهميننة‬ ‫»قق ققق«‪ ،‬فهنني تقنن ّ‬
‫اكتسابها بالنسبة لهم‪ .‬إن سياق الفكرة في السننامرية‬
‫آبائي ]الباء هم ابراهيم وسننللته[‪ ،‬وأمثولتهننا القننائدة‬
‫ابراهيميننة‪ .‬وهكننذا فقنند كننانت ديانننة ابراهيننم المكننان‬
‫النسب من أجل تمّثل السننتعارة وتطويرهننا؛ والمننادة‬
‫القرآنية تؤيد هذا الستنتاج‪ .‬وبشكل عام‪ ،‬تعطنني هننذه‬
‫المادة إحساسا ً قويا ً بالمكانة المثولية لتسليم ابراهيم‬

‫‪ (32‬يزودنا كلهما بأمثلة عبارات من نمط رررر رررر ررررر بمعنى »أسلم نفسننه‬ ‫)‬

‫للرب«‪ .‬لكن ما من مثال يهودي من تلك المثلة التي أوردت حتى الن يمكن التكال‬
‫ستشهد به من ررررر رررررر ) ‪(ed. S. Buber, Wilna 1885m p. 63‬‬ ‫عليه )فذلك الذي ي ُ ْ‬
‫ل يمكن اعتماده بحد ذاته‪ ،‬أنظر‪:‬‬
‫) ‪ .(”Encyclopaedia Judica, Jerusalem 1917, art. “Tanhuma Yalammedenu‬في اللغة السريانية‬
‫هنالك شواهد مطلقة على وجود هذا الستعمال في الحقبة الما قبننل إسننلمية‪ .‬لكننن‬
‫إمننا أنننه يعننني »يمننوت« )كمننا فنني نننص »حينناة« راب ّننول‪ ،‬أنظننر‪J.J. Overbeck (ed.), :‬‬
‫‪S.Ephraemi Syri, Rablae apiscopi Edesseni, Balaei aliorumque opera selecta, Oxford 1851, p.‬‬
‫‪(206‬؛ أو أن الشارة هي للمسيح‪ ،‬كما في حالة الشبان »النذين حّثهننم ّربننا‪ ،‬فسنّلموا‬
‫أنفسهم له« في »أعمال القديس توما« )) ‪W. Wright (ed. and tr.), Apocryphal acts of the‬‬
‫‪Apostles, London 1871, pp. 182 = 156‬؛ من أجل تاريخ هذا النص؛ قارن الصفحة ‪ 14‬وما‬
‫بعد من »مقدمة« النص‪ .‬قارن أيضا ً حالة النسان الذي »يسّلم نفسه‪ ..‬للمسيا« في‬
‫نص من النصف الثاني من القننرن السننابع‪Palladius, Hieronymus et al, The Book of ) ،‬‬
‫‪ .(Paradise, ed and tr. E. A. W. Budy, London 1904, pp. 222 = 275‬من أجل تاريخ الترجمة‬
‫السريانية أنظر‪.(Baumstark, Geschichte der syrischen Literetur, pp. 201 f) :‬‬
‫‪) .J. Macdonald (ed. and tr.), Memar Marqah, Berlin 1963, pp. 85 = 136 (33‬رررر رررر‬ ‫)‬

‫ررررر‪ ،‬والحديث هنا عن ابراهيم(؛ ‪) 147 = 90‬والحديث هنا عن الباء ‪ -‬ابراهيننم‬


‫وسللته ‪ -‬بشكل عام(‪ .‬في المقطع الثاني‪ ،‬ترتبط الفكرة بتعويض الله على الخيننار‪،‬‬
‫وذلك في موازاة ملفتة للنظر مع القرآن ‪.103 :2‬‬
‫رر رررر ررررر )‪ (Memar Marqah, pp. 43 = 67‬رر ررر )‪(pp. 60 - 93‬؛‬ ‫‪ (34‬قارن‪ :‬ر ر‬ ‫)‬

‫رررررر ررررررررر )المصدر السابق(؛ والسننتخدام المتكننرر للجننذر رر ر )مث ً‬


‫ل‪:‬‬
‫صص ‪.(173 ،162 = 104 ،98‬‬

‫‪46‬‬
‫وبالنندور المركننزي للتسننليم فنني ديننانته‪ .((35‬أمننا مننن‬
‫الناحيننة الكننثر خصوصننية‪ ،‬فالمعالجننة القرآنيننة لعهنند‬
‫اسحق‪ ،‬وهو المثال المفتاح لتسليم ابراهيننم‪ ،‬مصنناحبة‬
‫بتفسير يبدو أنه ذو نكهة سامرية‪ .((36‬يفعل هننذا النندور‬
‫لديانننة ابراهيننم شننيئا ً فنني المسنناعدة علننى تفسننير‬
‫الهتمام الننذي أوله الهنناجريون لفكننرة سننامرية شننبه‬
‫هامشية؛ لكن يصعب عليه تفسننير سننبب الننبروز الننذي‬
‫أحرزته هذه الفكرة في السلم‪ .‬هنالك اتجاهان يمكننن‬
‫دي الننذي حننث علننى هننذه‬ ‫أن نبحننث فيهمننا عننن التحنن ّ‬
‫الجابة‪ .‬ففي الموضع الول‪ ،‬علينا بوضننوح أن نتعامننل‬
‫دد العلقة بيننن النسننان واللننه‬ ‫مع مقولة دينية عامة تح ّ‬
‫وتحتننل موقع نا ً مشننابها ً لموقننع العهنند فنني اليهوديننة‪.‬‬
‫وهكذا تنشأ احتمالية أن نرى فنني قققق ققق نوع نا ً مننن‬
‫التطوير لعهد ابراهيم في وجه تحدي العهد الموسوي‪.‬‬
‫كان هذا سيجعل علننى القننل معنننى لسننمة مستعصننية‬
‫للغايننة فنني علننم دللت المصننطلح‪ ،‬وهنني حقيقننة أن‬
‫الستخدام القرآني لمصطلح ققققق والصيغ المرتبطننة‬
‫دي فني‬ ‫ى لزما ً ]مقابنل المتعن ّ‬ ‫به يتطلب باستمرار معن ً‬
‫ولي ربما‪ .‬المعنى الكثر معقوليننة‬ ‫القواعد[‪ ،‬على نحو أ ّ‬
‫للجذر الذي نستحضره هنا هو معنننى »السننلم«‪ ،‬وفنني‬
‫الرامية الترغومية‪ ((37‬نجد شواهد جيدة على أن »يصنع‬
‫السلم« تعني قققق‪ ،‬اللفظة القريبة من إسننلم‪ ،‬ومننن‬
‫هذا يمكن أن ننبرهن أن المعنننى الولنني ققق ققق كنان‬
‫الدخول في عهد سننلم‪ .((38‬إذا كننان المننر كننذلك‪ ،‬فننإن‬
‫) ‪ (35‬لحظ على نحو خاص الموازاة بين تسليم الرجل الصالح لله وأتباعه لملة ابراهيم‬
‫)القننرآن ‪ ،(124 :4‬ولحننظ أيض نا ً تلننك المننوازاة بيننن التسننميتين رر ر رررررر ر‬
‫ورررررر ) ‪.(77 :22‬‬
‫) ‪ (36‬إن مقارنة بين النسخة القرآنية ) ‪ 99 :37‬وما بعد( والنسخ الترغومية وفق تحليل‬
‫فرمز )‪ (G. Vermes, Scripture and Tradition in Jerusalem, Leyden 1961, Chapter 8‬تظهر‬
‫بوضوح الطريقة التي يتبع بهننا القننرآن الروايننة الترغوميننة فنني بننناء النندور الطننوعي‬
‫لسحق فقط كي يحذف التفسير الذي وضعت هذه القصة لدعمه‪ ،‬أي‪ ،‬القوة الفاديننة‬
‫سر القرآن الحادث كمثال علننى جننزاء‬ ‫للقربان الذاتي السحاقي‪ .‬وعوضا ً عن ذلك يف ّ‬
‫الله للمحسنين )‪ ،105 :37‬ن ‪ .(110‬إنها ليست مقولة هامة جدًا‪ ،‬بل إنها علننى وجننه‬
‫الدقة المقولة التي لوحظ للتو تداعيها مع التسليم السامري‪.‬‬
‫ن‪.isches W‬‬
‫) ‪ (37‬أنظر مادة رررر في‪Levy, Chald :‬ن ‪rterbuch über die Targum, Leipzig 1867f‬‬
‫) ‪ (38‬قارن‪D. Künstlinger, “ “Islam” , “Muslim”, “aslama” im Kuran” , Rocznik Omjentalistyczny :‬‬
‫‪.1935, pp. 133f, 136‬‬
‫رررر في‬ ‫⇒ قارن أيضا ً الستخدام المليئ باليحاءات لسم المفعول العبري الموافق ر‬
‫سياق العلقة بين النسان والله )أنظر ‪M. Jastrow, A Dictionary of the Targumim, the‬‬
‫‪.(Talmud Babli and Yerushalmi, and the Midrashic Literature, London 1895 - 1903‬‬
‫المثال الذي يورد من ررررر ررررر هو حتما ً قبل إسلمي‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫إعننادة تفسننير هننذا المفهننوم علننى أسنناس معنننى‬
‫»التسليم« المتحكم بشكل مطلق يمكن أن ينظننر إليننه‬
‫مباشرة على أنه كان بنيننة فصننل العهنند الهنناجري عننن‬
‫العهد اليهودي‪.‬‬
‫لكن إذا كان قققق ققق المنافس المفنناهيمي لحنندى‬
‫الفكار الموسوية‪ ،‬فهو أيضا ً الخليفة التنناريخي لفكننرة‬
‫كلت فكننرة »الخننروج«‬ ‫أخرى‪ .‬ففي الهاجرية الولى شن ّ‬
‫دمت في الوقت ذاته اسما ً‬ ‫الواجب المركزي للدين‪ ،‬وق ّ‬
‫لنصاره ‪ .((39‬وبدا كمننا لننو أن المقولننة المركزيننة لديانننة‬
‫موسى كانت إشارة إلى البحر الحمر‪ .‬لكننن حيننن صننار‬
‫الفننداء كتاب نا ً مقدس نًا‪ ،‬احتنناجت الهاجريننة إلننى مقولننة‬
‫بمدى أكننثر سننينيائية‪ .‬وهكننذا حننل قق ققق محننل قق قق‬
‫باعتباره الواجب الديني الساسي‪ ،((40‬وصار المهغرايننه‬
‫بالتالي مسلمين‪.‬‬

‫أنظر هامش‪ 48‬ف ‪.1‬‬ ‫‪(39‬‬ ‫)‬

‫أنظر الهامش ‪ 55‬من القسم الول‪.‬‬ ‫‪(40‬‬ ‫)‬

‫‪48‬‬
‫‪4‬‬
‫النسخ السامرية‬

‫اليهوديننة ضننمن أشننياء أخننرى هنني التكريننس الننديني‬


‫لحكننم مننا‪ :‬تكريننس عاصننمته‪ ،‬القنندس‪ ،‬وتشننريع دولتننه‪،‬‬
‫مَلكية الداوودية‪ ،‬الحكم ذاته اخنفى منننذ زمننن طويننل‪،‬‬ ‫ال َ‬
‫لكننن ذكننراه بقيننت‪ ،‬بأنشننط مننا يمكننن فنني الطموحننات‬
‫الحيائية للمسيانية‪ .‬وكان على أينة حركنة دينينة تفصنل‬
‫ذاتهننا عننن اليهوديننة أن تطننرد غصننبا ً عنهننا شننبح هننذه‬
‫الحكومة ‪ .((1‬لقد فعل أتباع يسوع ذلك عن طريق تحويننل‬
‫معنننى المسننيا ومنندينته إلننى روحانيننة صنناافية‪ :‬كننانت‬
‫أورشليم سماوية جيدة كفاية لطائفة لننم تكننن مملكتهننا‬
‫في هذا العالم ‪ .((2‬لكن الهناجريين‪ ،‬كننونهم امتلكننوا قننوة‬
‫ل ذي صننفة أكننثر شنندة وعينيننة‪.‬‬ ‫سياسية آنية‪ ،‬طالبوا بح ّ‬
‫وهنا يمكن أن نجد الرث البنيننوي النندائم مننن السننامرية‬
‫للسننلم‪ ،‬رغننم التعقينندات الننتي أحنندثتها طائفننة مننن‬
‫التفاعلت الثانوية‪ ،‬وذلك علننى شننكل زوج ملحننوظ مننن‬
‫النسخ الهاجرية ‪.((3‬‬
‫كنني‪ .‬فقنند كننان جننوهر‬ ‫ول هننذين هننو الحننرم الم ّ‬ ‫أ ّ‬
‫حَرم في القنندس واسننتبداله بننالحرم‬ ‫السامرية رفض ال َ‬
‫السرائيلي القدم منه في شكيم‪ .‬كان هننذا يعننني أنننه‬
‫‪ (1‬ما عدا في الحالة المتميزة لثيوبيننا‪ ،‬حيننث ُتضننفى الصننبغة القوميننة علننى الملكيننة‬ ‫)‬

‫ن لنسب إسرائيلي )قارن‪ ،‬هامش ‪ 1‬ف‪.(3‬‬ ‫الداوودية بفضل تب ٍ‬


‫ً‬
‫‪ (2‬مع أن المر ليس كذلك طبعا بالنسبة لوليم بليك مع محاولته أنكلزة ]من انكلننترا[‬ ‫)‬

‫الجغرافيا المقدسة للكتاب المقدس على أساس ررر ررررررر درودي ‪.Druidic‬‬
‫صي التأثيرات الخننرى المحتملننة للسنامرية علنى السننلم‪.‬‬ ‫لم نقم بأية محاولة لتق ّ‬
‫‪(3‬‬ ‫)‬

‫أكثر التأثيرات وضوحا ً كان سيبدو الشهادة بالوحدانية‪ ،‬وذلك كمننا اقننترح م‪ .‬غاسننتر )‬
‫‪ (”The Encyclopaedia of Islam, Leyden, 1913 - 1938, art. “Samaritans‬وشهادة »أن ليس‬
‫هنالك سوى إله واحد« هي طريقة تعبير سامرية متميننزة فنني شننكلها‪ ،‬وهنني شننائعة‬
‫جدا ً في النصوص السامرية الماقبل إسلمية‪ .‬وكما في السلم‪ ،‬فهي تعتننبر شننهادة‪.‬‬
‫)أنظر‪A. Ben - Hayyim, The Literary and Oral Tradition of Hebrew and Aramaic amongst The :‬‬
‫‪ (Samaritans, vol. iii, part two, Jerusalem 1967, p. 164‬وقارن العبارة الثابتة » نشهد‪ «..‬التي‬
‫تسبق على نحو منتظم الشهادة في ررررر ررررر‪ .‬تختلف النسختان‬
‫⇒ السلمية والسامرية طبعا ً في كلمة الشهادة الخيرة‪ ،‬لكن لحظ عدم اسننتقرارية‬
‫ل‬
‫الصيغ القرآنية في هذا الصندد )‪30 :13‬؛ن ‪35 :37‬؛ن ‪ (13 :64‬والضنافة العامننة ِ‬
‫»رررر« إلى الصيغة السلمية المعيارية‪ ،‬كما في قبة الصخرة على سننبيل المثننال‪.‬‬
‫في هذه الحالة‪،‬كما بالحرى في حالة السلم‪ ،‬فإن مسألة تلوث النصوص السننامرية‬
‫بالثر السلمي تثيردائما ً شيئا ً من الرباك )أنظر علننى نحننو خنناص ملحظننات ز‪ .‬بننن‬
‫حاييم المتعلقة بنننص ررررر رر ررر رر وذلننك فنني مراجعتننه لتحريننر ماكدولننند )‬
‫‪(Bibliotheca Orientalis 1966, p. 90‬؛ ل تبرز هذه القضية فيما يتعلق بالموقف السامري‬
‫دس‪ ،‬أو‪ ،‬باستثناء أمور تفصيلية‪ ،‬في النسخ المننأخوذة بعيننن العتبننار‬ ‫من الكتاب المق ّ‬
‫في هذا الفصل(‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫حين تحّلل الهاجريون بدورهم من اللننتزام بالقدسن‪،((4‬‬
‫كان باستطاعة شكيم تقننديم أنمننوذج بسننيط ومناسننب‬
‫لخلننق حننرم جدينند خنناص بهننم‪ .‬التشننابه منندهش‪ .‬فكننل‬
‫دم البنيننان الثنننائي الجننانب لمدينننة مقدسننة‬ ‫طننرف يقن ّ‬
‫دس قريننب منهننا‪ ،‬وفنني‬ ‫مرتبطننة بقننوة مننع جبننل مق ن ّ‬
‫الحالتين نجد أن الطقس الساسي يتمثل في حننج مننن‬
‫المدينة إلننى الجبننل‪ .‬فنني الحننالتين الحننرم هننو موضننع‬
‫أسسننه ابراهيننم‪ ،‬فالدعامننة الننتي قنندم عليهننا ابراهيننم‬
‫قربانه في شكيم تجد ما يقابلها في ققق الحرم المكي‬
‫‪ .((5‬أخيرًا‪ ،‬في الحالتين نجد أن الحنرم المرتبننط بإحندى‬
‫المدن يرتبط بقوة ايضا ً مننع قننبر أحنند البنناء ]ابراهيننم‬
‫وسللته[ المناسبين‪ :‬يوسف )مقابل يهوذا( في الحالة‬
‫السننامرية‪ ،‬واسننمعيل )مقابننل اسننحق( فنني الحالننة‬
‫المكية‪.‬‬
‫ن الحرم‬ ‫هذه المتوازيات هي الكثر لفتا ً للنظر في أ ّ‬
‫المكي هو بوضوح ليس سوى نهاية لتطور معقنند‪ .‬فنني‬
‫السطور التالية سوف نعّين العمليات الفاعلة فنني هننذا‬
‫ملية للطريقة التي قنند‬ ‫التطور‪ ،‬ونحاول تقديم رواية تأ ّ‬
‫تكون تفاعلت فيها‪.‬‬
‫في الموضع الول‪ ،‬يمكننن البرهننان علننى أن موضننع‬
‫شننكيم الهاجريننة فنني مكننة مسننالة ثانويننة‪ .‬فالتقلينند‬
‫السلمي ل يدعنا نشك‪ ،‬طبعًا‪ ،‬بننان مكننة كننانت الحننرم‬
‫البراهيمي الصلي للسننماعيليين؛ لكننن ل يوجنند عننوز‬
‫في الدليل كنني نقننترح أن المننر احتنناج لبعننض الننوقت‬
‫قبننل أن يعننرف الهنناجريون مننا إذا كننانوا ذاهننبين أم‬
‫عائدين‪ .((6‬سننلبيًا‪ ،‬مننا مننن مصنندر قننديم خننارج التقلينند‬
‫‪ (4‬من أجل الحقبة التي تفصنل بينن الصندع منع اليهنود وبنناء قبنة الصنخرة فنحنن ل‬ ‫)‬

‫نمتلننك سننوى دليننل سننلبي حننول المواقننف الهاجريننة مننن قداسننة المدينننة‪ :‬الننتركيز‬
‫المسيحي على اهتمام معاوية بطبوغرافيتها المقدسة )أنظننر سننابقًا‪ ،‬هننامش ‪ 17‬ف‬
‫‪(2‬؛ السمة البدائلية للمصّلى الخشبي الذي حدثنا عنننه اركولننف علننى موقننع الهيكننل‬
‫بعد عقد من ذلك الزمن)أنظر الهننامش ‪ 3‬مننن الفصننل الثنناني(؛ واسننتهزاء القننديس‬
‫أناستاسيوس السينيائي في جدليته ضد اليهود بأن معبدهم يرقنند منندمرا ً ومحروق نا ً )‬
‫‪(PG. vol. Lxxxix, col. 1226‬‬
‫‪ (5‬من أجل ررررر المكي‪ ،‬أنظر‪.Wellhausen, Reste arabischen Heidentums, p. 74 :‬‬ ‫)‬

‫كان عمود ابراهيم ظاهرا ً للعيان في القرن الثالث بعنند المسننيح ) ‪Kippenberg, Garizim‬‬
‫‪.(und Synagoge, p.12‬‬
‫‪» (6‬قد نرى تقلب وجهك في السماء« هي الجملة التي يجعلهنا القنرآن فني المقطنع‬ ‫)‬

‫الذي يعتبر مفتاحا ً لفهم مسألة القبلة ) ‪ .(144 :2‬هذه الشارة إلى عدم ثبوتية القبلة‬
‫ليست المؤشر القرآني الوحيد على الجدل في هننذا المجننال‪ :‬فاليننة ‪ 107 :9‬تشننير‬

‫‪50‬‬
‫كة بالسم‪ .‬وعلى ما يبنندو‬ ‫الدبي السلمي يشير إلى م ّ‬
‫فننإن أقنندم الشننارات هنني تلنك الموجننودة فنني إحنندى‬
‫النسنننخ السنننريانية منننن سنننفر ميثودينننوس القينننامي‬
‫المنحول؛ لكننن رغننم أن السننفر ذاتننه يعننود إلننى نهايننة‬
‫القرن السابع‪ ،‬فالشننارات إلننى مكننة الننتي تمي ّننز هننذه‬
‫النسننخة تبنندو علننى الرجننح ثانويننة‪ .((7‬أمننا الشننارة‬
‫المسننيحية الثانيننة فننترد فنني »التواصننل الننبيزنطي‬
‫العربي«‪ ،((8‬وهو مصدر يرجع إلى بداية حكننم هشننام‪.((9‬‬
‫دم إشارة واحدة إلى مكة )‬ ‫القرآن‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬يق ّ‬
‫‪ ،(24 :48‬وذلك في سياق عمليات عسكرية ذات علقة‬
‫بالحرم‪ ،‬لكنه لم يموضع الحرم هناك قط فعل ً‪((10‬؛ وهننو‬
‫يشير إلى ققق ق ملغاة يصعب جدا ً فنني السننياق تحدينند‬
‫موقعها بأنه في القدس ) ‪.(138:2‬‬
‫إيجابيًا‪ ،‬يخبرنا القرآن ذاته باسم المكننان الننذي كننان‬
‫فيننه الحننرم بالفعننل‪ :‬بكننه ) ‪.(96:3‬والتقلينند السننلمي‬
‫يبذل جهدا ً كبيرا ً كي يطابق هذا المكان مع مكة ‪ ،((11‬في‬
‫ي من مصننادرنا بننأي ضننوء علننى مننوقعه‬ ‫حين ل يلقي أ ّ‬
‫كد التاريخ‪ ،‬أل وهو‬ ‫الصلي‪ .‬مع ذلك فثمة مصدر غير مؤ ّ‬
‫النص الرامنني السننامري المعننروف باسننم اققق قققق‪،‬‬
‫والذي ينوحي بنأن السننم بكننة قند يكنون بقينة مرحلنة‬
‫مهجورة مننن البحننث عننن حننرم هنناجري‪ .‬وبحسننب هننذا‬
‫النص‪ ،‬فإن أبننناء نبننايوت بنننوا مكننة‪ ،‬كمننا هننو مكتننوب‪:‬‬
‫»وأنت آت )ققق( نحوآشور‪ .‬وكان قد نزل قبالننة جميننع‬
‫إلى رررر تم تبنيه بنوع من المكر بهدف تفريق المؤمنين‪ ،‬أما الية ‪ 115 :2‬فتوحي‬
‫بالستغناء عن القبلة‪.‬‬
‫‪F. Nau, “Révélations et légends. Méthodius. Clément. Andronicus”, Journal asiatique 1917, pp. (7‬‬ ‫)‬

‫‪ . 427, 341 = 437, 440‬يبدو برهان ناو على أن هذه النسخة من السفر هي النسخة‬
‫الصلية غير مقنع‪ :‬ليس هنالك أثر لمكة فنني التقالينند الوربيننة أو السننورية المتننأخرة‬
‫لميثوديوس المنحول‪ ،‬وقبل كل شيء فهي ل تظهر في نسخة الفهرسننت الفاتيكنناني‬
‫السرياني ‪ ،58‬والذي اعتبره كموسكو أفضل شهادة على النص الصلي‪M. Kmosko, ) .‬‬
‫‪“Das R‬ن‪(stel des Pseudomethodius, Byzantion 1931, p.276‬؛ نحن مدينان للدكتور سيباستيان‬
‫بروك على ضبطه لنا نسخته من المخطوطة‪.‬‬
‫‪ .Continuatio Byzantia Arabica”, p. 347 “ (8‬السياق هو الحرب الهلية الثانية‪ .‬التاريخ يلحظ‬ ‫)‬

‫دم موضعا ً في الصحراء بين أور الكلدانيين وحران‪.‬‬ ‫الدعاء بأنها بيت ابراهيم‪ ،‬ويق ّ‬
‫‪ (9‬ينتهي التاريخ بارتقاء هشننام العننرش )“ ‪ (Continuatio Byzantia Arabica”, p. 359‬ومننن‬ ‫)‬

‫الواضح أنه مكتوب أثناء حكمه )رررررر رررررر‪ ،‬ص‪.(346‬‬


‫‪ (10‬وهو يشير أيضا ً إلننى تلننك المواقننع الثانويننة )وبالتننالي المتحركننة( مثننل عرفننات )‬ ‫)‬

‫‪ (198:2‬والصفا والمروة ) ‪.(158:2‬‬


‫‪ (11‬القراءة المقبولة للعمود الفقري السنناكن قنند ل تكننون أكننثر مننن طريقننة لجعلهننا‬ ‫)‬

‫متناغمة مع مكة‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫أخوته« )سفر التكننوين ‪ .((12(18 :25‬قققق ق ‪ b’kh‬فنني‬
‫(‬
‫هذه الية‪ ،‬التي تصبح قققق ‪ baka‬في العبرية السامرية‬
‫‪ ،(13‬هي إشارة واضننحة إلننى المكننان الننذي نعرفننه فنني‬
‫كه‪ ،‬وسياق الية يربطه بأحكام مع مننوت‬ ‫القرآن باسم ب ّ‬
‫اسمعيل‪ .‬هذا التمرين المرهننق فنني فقننه لغننة الكتنناب‬
‫دس قد ل يكون بالطبع أكثر من مثال على انتيكية‬ ‫المق ّ‬
‫سننامرية عنينندة‪ .‬لكننن قنند يكننون لنندينا هنننا أيضنا ً بقيننة‬
‫محاولة هاجرية للحصول من معلميهم السامريين علننى‬
‫‪(1‬‬
‫إقرار من أسفار التوراة الخمس الولى بحرم هاجري‬
‫‪.(4‬‬
‫وهكذا يبدو معقول ً أن نفحننص خريطننة شننبه الجزيننرة‬
‫العربية من اجل آثار محتملة لحرمات منبوذة‪ ،‬وفني هنذا‬
‫دم عدد من المكنة سمات هامة‪ .‬فنني الحجنناز‬ ‫السياق يق ّ‬
‫ذاته‪ ،‬الدليل غينر منرض إلنى درجنة كنبيرة لننه مسنتمد‬
‫بالكامننل تقريب نا ً مننن التقلينند السننلمي‪ .‬مننع ذلننك ثمننة‬
‫موضعان يستحقان الملحظة‪ :‬يثرب‪ ،‬التي سنننعود إليهننا‬
‫دم محاكاة غير خالية من‬ ‫لحقا ً‪ ،((15‬والطائف‪ .‬الطائف تق ّ‬
‫الشننك لشننكيم وذلننك فنني أنهمننا )بالمقارنننة مننع مكننة(‬
‫حرمننان متوضننعان فنني بيئتيننن تشننتهران بالخضننرة ‪((16‬؛‬
‫وأنها مادة تقليد إسلمي مشنكوك بنه‪ ،‬يفيند أنهنا كنانت‬
‫ذات يوم مكانا ً في فلسطين‪.((17‬‬
‫سننن نوعيننة النندليل‪ ،‬مننع أن‬ ‫بعينندا ً نحننو الشننمال تتح ّ‬
‫المشاكل تظنل تنزوغ منن حنل دقينق‪ .‬نصنل الن إلنى‬
‫منطقننة توجنند فيهننا شننواهد قويننة علننى السننتيطان‬
‫اليهودي في الزمنة الماقبل إسلمية‪ ،‬منطقة رسننمت‬
‫لها جغرافيننا مقدسننة فنني الترغومننات اليهوديننة‪ .‬هنننا‪،‬‬
‫وذلك مقابل أعماق الجنوب‪ ،‬لم يكننن علننى الهنناجريين‬

‫‪) M. Gaster, The Asatir, London 1927, pp. 34 = 268‬ندين بهذه الشارة للدكتور غ‪ .‬م‪ .‬هوتيغ(‬ ‫‪(12‬‬ ‫)‬

‫‪(13‬‬ ‫)‬
‫‪J. H. Petermann, Versuch einer hebr‬ن ‪ischen Formenlehere nach der Aussprache der beutigen‬‬
‫‪. Samaritaner, Leipzig 1869, p. 186‬‬
‫)‪ (14‬لحظ أن المعالجة القرآنية لمسألة القبلة تشير إلى نوع من القرار من الكتاب‬ ‫)‬

‫المقدس )‪ .(141 ،139 :2‬وليفون يجعل عمر يتهم المسيحيين بأنهم ل يصلون إلى‬
‫المكان الذي تشير إليه الشرائع‪. (Letter”, tr. Patkanian, p. 55 = tr. Jeffery, p. 310“) .‬‬
‫‪ (15‬أنظر‪،‬هامش ‪ 36‬ف‪.3‬‬ ‫)‬

‫‪ (16‬قارن مع التقليد القائل إن وادي مكة كان خصيبا ً في الزمنة الخالية ) ‪A. J. Wensinck,‬‬ ‫)‬

‫‪.(The Idees of the Western Semites concerning the Navel of the Earth, Amsterdam 1916, p. 34‬‬
‫‪M. J. Kister: “You shall only set out for three mosques”: a study of an early tradition”, Le (17).‬‬ ‫)‬

‫‪. Muséon 1969, p. 192‬‬

‫‪52‬‬
‫سننر‬‫أن يبدأوا من لشيء ‪ -‬وهو أحنند السننباب الننتي تف ّ‬
‫كونه مكانا ً جيدا ً للبداية‪.‬‬
‫دمت الترغومننات‪ ،‬عننبر عادتهننا الننتي تتجل ّننى فنني‬ ‫قن ّ‬
‫ً‬
‫دس‪ ،‬نسخا مننن‬ ‫تحديث أسماء المواقع في الكتاب المق ّ‬
‫سفر التكوين ُنقلت فيها جولت الشخوص المفتاحية ‪-‬‬
‫ابراهيننم‪ ،‬هنناجر‪ ،‬واسننمعيل ‪ -‬إلننى شننمال غننرب شننبه‬
‫دمت بعننض‬ ‫الجزيرة العربية‪ .((18‬فنني الموضننع الول‪ ،‬ق ن ّ‬
‫هننذه الترجمننات الترغوميننة تصننويرا ً خرائطي نا ً سننطحيا ً‬
‫لننذلك القليننم فنني شننبه الجزيننرة العربيننة ‪ .((19‬وكننانت‬
‫النتيجة إضفاء صفة آبائية ]من الباء ابراهيم وسننللته[‬
‫علننى المراكننز العباديننة النبطيننة فنني البننتراء والوسننا‪.‬‬
‫ونحن ل نعرف إلى متى استمرت هذه التقاليد الوثنيننة‬
‫في تلننك المنطقننة‪ .‬لكننننا لحظنننا لتونننا إعننادة تقننويم‬
‫حنيفية مميزة لعرف وثني مطبق هنا‪ ،‬وقنند أشننير منننذ‬
‫زمن طويل إلى وجننود بعننض الروابننط الملفتننة للنظننر‬
‫بين العبادات الوثنية في ذلك القليم من شبه الجزيننرة‬
‫العربيننة والعبننادة المكيننة كمننا نعرفهننا فنني التقلينند‬
‫السلمي‪.((20‬‬
‫‪ (18‬مال الترغوم السامري بالمقابل إلى ترك هذه التسميات الجغرافيننة علننى حالهننا‪.‬‬ ‫)‬

‫وقد أمكن لترجمات البشيطا ]النسخة السريانية من الكتاب المقدس[ أن تكون أكثر‬
‫منشا ‪ Mansha‬التي تظهر هناك بدل ميشا ‪ Mesha‬فنني سننفر التكننوين )‬ ‫إفادة‪ .‬فالصيغة َ‬
‫‪ (30 :10‬التي تقع على حدود منطقة بني يقطان قد تكون مصدر الصننيغة المنسنناه‬
‫‪ ،al-Mansah‬وهي إحدى تسميات مكة الكثر إبهام نًا‪R. Dozy. Die Israeliten zu Mekka,) .‬‬
‫‪ .(Leipzig and Haarlem 1864, p. 89‬ومستوى الهتمام بالمكانيات الكامنة في السفار‬
‫المقدسة لشعب آخر الذي قد يتضمنه هذا المننر لينس شنيئا ً غينر اعتينادي فني تلنك‬
‫الحقبننة‪ :‬فعننند ايشننوع داد الننذي مننن مننرف ‪ Merv‬نجنند رر ررررر كننان باسننتطاعته‬
‫استخدام السفار السامرية المقدسة لدعم آرائه حول الجغرافيا المقدسة ) ‪C. vanden‬‬
‫‪Eynde (ed. and tr.), Commentaire d’ Iso’dad de Merv sur L’Ancien Testament (= CSCO, Scriptores‬‬
‫‪.(Syri, vols. Lxvii, Lxxv, etc), Louvain 1950 - , 11, Exodo - Deutéronomie, pp. 129 = 174 f‬‬
‫‪ (19‬رَِقم ‪=) Reqam‬البتراء( بدل قنادش‪ :‬اونكلننوس يوناتننان المنحننول ونيوفننايتي علننى‬ ‫)‬

‫سفر التكوين ‪ 14 :16‬و‪ .1 :20‬حلوصا )= ايلوسا( بدل شور‪ :‬يوناتان المنحول على‬
‫سفر التكوين ‪ 18:25‬ونيوفايتي هناك وعلى سفر التكوين ‪ 7:16‬و‪1:20‬؛ حلوصا بدل‬
‫بارد‪ :‬يوناتان المنحول ونيوفننايتي علنى سنفر التكنوين ‪) .14:16‬تظهننر الوسنا باسنم‬
‫الخلوص في برديات من سبعينات القرن السابع(‪ .‬أنظر‪C. J. Kraemer, Non Literary :‬‬
‫‪.Papyri, (= Excavations at Nessana, vol. iii), Princeton, N. J. 1958, nos 60, 62‬‬
‫‪T. Noldeke, “der Gott mr’ byt’ und die Ka’ba”, Zeitschrift fur Assyriologie und verwandte (20‬‬ ‫)‬

‫‪) .Gebiete 1909‬لحظ الدليل الموجود في الهامش على وجود الله هبل والسم قصي‬
‫في الشمال الغربي(‪A. Grohmann, Arabien, Munich 1963, p. 87;. G. L. Hardig, An Index ) .‬‬
‫‪ .(and Concordance of pre-Islamic Arabian names and inscriptions, Toronto 1971, s.n. qy‬قارن‬
‫أيضا ً حجر البننتراء السننود‪tJ. H. Mordtmann, “Dusares bei Epiphanius”, Zeitschrift der :‬‬
‫‪Deutschen Morgrenl‬ن ‪ .ndischen Gesellschafft1876, p. 104‬والشننواهد الهامشننية الننوافرة‬
‫وغيرها من الشواهد حول اللهات العربية الثلث في القرآن ‪ 20 - 19 :53‬الموجودة‬
‫في الشمال الغربي‪.(Grohmann, Arabien, pp. 82 - 4 ) .‬‬

‫‪53‬‬
‫دمت ترجمننات أخننرى‬ ‫فنني الموضننع الثنناني‪ ،‬فقنند ق ن ّ‬
‫تصويرات خرائطيننة أكننثر عمقنا ً لننم يعنند فيهننا الموقننع‬
‫‪(2‬‬
‫الحدودي الوسا بل حغرا‪ ،((21‬أي مدينة الحجننر العربيننة‬
‫‪ .(2‬أهم مسألة هننا هنني الربننط بيننن ذكننر حغننرا ومننوت‬
‫اسننمعيل فنني سننفر التكننوين ‪ .18:25‬وهكننذا فننالحجر‬
‫كننانت موضننعا ً ل لبننس فيننه لرفنناة اسننمعيل‪ .‬وكننون‬
‫الهاجريون استخدموا هذا فعل ً فهو أمر توحي به إحدى‬
‫كية‪ :‬فحتى فنني مكننة‪،‬‬ ‫السمات الغريبة للطبوغرافيا الم ّ‬
‫نجد أن اسمعيل منندفون فنني قققق ق‪ .‬بكلمننات أخننرى‪،‬‬
‫يبدو أن لدينا هنا موازيا ً ملفتا ً للنظر لحالننة بكننة‪ .‬وفنني‬
‫الحننالتين يظهننر الهنناجريون وكننأنه خرجننوا ليجنندوا‬
‫لنفسهم حرما ً من سفر التكننوين ‪ ،18:25‬فنني الحالننة‬
‫الولى عبر التوراة السامرية‪ ،‬وفي الحالة الثانيننة عننبر‬
‫الترغوم اليهودي؛ وفي كلتا الحالتين يبدو أنهم هجروا‬
‫الموقنننع‪ ،‬آخنننذين معهنننم اسنننمي المنطقنننتين إلنننى‬
‫مستودعهم المكي النهائي‪.((23‬‬
‫دمت الشمال الغربنني‬ ‫وهكذا فالترجمات الترغومية ق ّ‬
‫باعتبنناره ارض نا ً مناسننبة لحننرم هنناجري؛ وصننلت مك ّننة‬
‫بالحجر ووثنية المناطق الريفية من شبه جزيرة العننرب‬
‫غّلت‪ .‬فرضنية‬ ‫توحي بأن هذه المكانية ربمنا تكنون اسنت ُ ِ‬
‫كهذه كانت ستتناسب مننع بننروز الشننمال الغربنني فنني‬
‫جغرافية القرآن المتعلقة بشننبه جزيننرة العننرب والننتي‬
‫قد تكون هزيلة إلى حنند منا‪ ،((24‬وسننتخلق معنننى لبعننض‬
‫الشننارات المجهولننة المصنندر فنني التقلينند السننلمي‬

‫‪ (21‬حغرا بنندل شننور‪ :‬انوكلننوس علننى سننفر التكننوين ‪،7:16‬ن ‪،1:20‬ن ‪18:25‬؛ يونننان‬ ‫)‬

‫المنحول على سفر التكوين ‪ 7:16‬و ‪1:20‬؛ حغننرا بنندل بننارد‪ :‬اونكلننوس علننى سننفر‬
‫التكوين ‪.14:16‬‬
‫‪ (22‬ليس هذا الموقع الوحيد الممكن لحغرا الترغومية )التلمود البابلي‪ ،‬رررر‪ ،‬الورقة‬ ‫)‬

‫جند منؤخرا ً فني‬ ‫‪4‬آ‪ ،‬يشير إلى موضنع مجناور لرض إسنرائيل(؛ لكنن نقشنا ً يهودينا ً وُ ِ‬
‫المنطقة يشهد على وجود السم وعلى حقيقة الستيطان اليهودي في القنرن الرابنع‬
‫بعد المسيح‪F. Altheim and R. Stiehl, Die Araber in der Alten Welt, vol. v, part one, Berlin ) .‬‬
‫‪.(1968, pp. 305f‬‬
‫ً‬
‫‪ (23‬لحظ أنه في حيننن امتصننت مكننة بكننة بالكامننل‪ ،‬ظلننت الحجننر مكاننا لننه مننوقعه‬ ‫)‬

‫الخاص‪ ،‬مع أن القرآن يعيد تصنيفها كهدف لغضب إلهي )‪.(84 :78 :15‬‬
‫‪ (24‬يجب أن ُيبحث هنا عن كل المم الخالية الهامة في الماضي العربي‪ :‬مدين‪ ،‬ثمننود‬ ‫)‬

‫وعاد )من أجل موقع الخيرة‪ ،‬أنظر‪ .(.Encyclopaedia of Islam, s.n :‬ولحظ كيف يخننبر‬
‫مر مدنا ً حولهم ) ‪ .(25 :46‬قارن أيضا ً القرآن ‪ 1:30‬وما بعد‬ ‫النبي معاصريه أن الله د َ ّ‬
‫حيث يقال غلبت الروم في أدنى الرض‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫والقائلة إن الحرم كان موجودا ً في إحدى المراحل في‬
‫قققق المدينة‪((25‬المنورة‪.‬‬
‫لكن أهمية الشمال الغربي الننترغومي فنني جغرافيننا‬
‫كد على نحو هننو العظننم إثننارة‬ ‫ؤ ّ‬
‫دسة ت ُ َ‬
‫الهاجريين المق ّ‬
‫عبر ما نعرفه عننن التاريننخ الولنني للقبلننة‪ :‬يبنندو أنهننم‬
‫اتجهوا في الصلة إلى مكان مننا فنني الشننمال الغربنني‬
‫ول‪ ،‬لنندينا النندليل‬‫من جزيننرة العننرب‪ .‬فنني الموضننع ال ّ‬
‫الركيولوجي على وجود مسجدين أمويين في العننراق‪،‬‬
‫عزا إلى الحقبننة ذاتهننا‬ ‫مسجد الحجاج في واسط وآخر ي ُ ْ‬
‫تقريبا ً قرب بغداد‪ .‬هننذان المسننجدان متوجهننان شننمال ً‬
‫إلننى درجننة كننبيرة بمقنندار ‪ 33‬درجننة و ‪ 30‬درجننة علننى‬
‫الننترتيب‪((26‬؛ ومننع هننذا يمكننن لنننا أن نقننارن الشننهادة‬
‫الدبية التي تفيد أن قققققق العراقية كانت نحو الغرب‬
‫‪ .((27‬ثانيًا‪ ،‬لدينا الدليل الدبي المتعلننق بمصننر‪ ،((28‬فمننن‬
‫الجانب السلمي هنالك تقليد يقننول إن مسننجد عمننرو‬
‫بن العاص فنني الفسننطاط كننان متوجهنا ً نحننو الشننمال‬
‫البعينند‪ ،‬وكننان لبنند مننن تصننحيحه تحننت حكننم قننره بننن‬
‫شريك‪ .((29‬من الجننانب المسننيحي لنندينا عبننارة شننهيرة‬
‫ليعقوب الرهاوي‪ ،‬وهو شنناهد عيننان مننن ذلننك الزمننن‪،‬‬
‫‪ (25‬في الحربين الهليتين الولى والثانية‪ ،‬نجد روايات عن أناس يتقدمون من المدينننة‬ ‫)‬

‫إلى العراق عبر م ّ‬


‫كة )من أجل طلحة والزبير‪ ،‬أنظر‪J. van Ess, Frühe Mu’tazilitische :‬‬
‫‪H‬ن‪(resiographie, Beirut 1971, text p. 16‬؛ )من أجل الحسين؛ أنظر‪ :‬محمنند بننن أحمنند‬
‫الذهبي‪ ،‬ررررر ررررررر‪ ،‬القاهرة ‪9 - 1367‬؛ ‪.(343 :2‬‬
‫‪K. A. C. Creswell, “Early Muslim Architecture”, vol. i, part one, Oxford 1969, pp. 137ff. (26‬‬ ‫)‬

‫‪(Wasit); G. Fehérvari, Development of the Mihrab down to the XIVth Century, London PH. D.‬‬
‫‪) . .1961, p. 89‬أيشف بني جنيد قرب بغداد(‪ .‬ي ُنندخل الجنناحظ تبننديل ررر ر واسننط‬
‫ضننمن الفعننال السننيئة للولينند الثنناني وسننللته )هننن‪ .‬السننندوبي )محننرر(‪ ،‬رر ررر‬
‫رررررر‪ ،‬القاهرة ‪ ،1933‬ص‪.(296 .‬‬
‫من في التقليد المتعّلق بأول مسجد في الكوفة كما يننورده البلذري فنني‬ ‫هذا متض ّ‬
‫‪(27‬‬ ‫)‬

‫رررررر‪ ،‬ص‪ ،276‬كما نجده عند يعقوب الرهاوي في المقطع المشار إليه لحقًا‪.‬‬
‫‪ (28‬إضافة إلى الشواهد التي جرت مناقشتها في النص‪ ،‬فإن عبارة سويروس القائلننة‬ ‫)‬

‫إن العرب يصّلون »إلى الجهة القبلية مشنّرقين إلننى‪ ..‬الكعبننة«‪ .‬قنند ل تكننون سننوى‬
‫انعكاس مشوش لحدى العبارات الواردة في مرجع قبطنني والننتي تفينند بننأنهم كننانوا‬
‫يصلون إلى الشرق‪Severus ibn al-Muqaffa’, History of the Patriarchs of the Coptic Church ) .‬‬
‫‪.(of Alexandria, ad. and tr. B. Evetts, in Patrologia Orientalis, vol. i. p. 492‬‬
‫‪ ..Creswell, Early Muslims Architecture, vol. I, part one, pp. 37, 150 (29‬ل ُيشار إلى كمية‬ ‫)‬

‫النحراف‪ ،‬لكن قارن التقليد القائل إن عمننرو صنّلى متوجهنا ً إلننى الجنننوب الشننرقي‬
‫تقريبا ً )أحمد بن علي المقريزي‪،‬رر رر ررر رررر ررررررر رر‪ ،‬القنناهرة ‪،1326‬‬
‫رر « مننع الجبننل الملعننون وذلننك‬ ‫‪ .(6:4‬قارن أيضا ً التقليد الذي يرتبط فيننه »رررر ر‬
‫مقابننل الجبننل المقنندس‪) .‬محمنند بننن يوسننف الكننندي‪ ،‬رر رر رر رررر ررر رر‬
‫رررررر‪ ،‬تحقيق ر‪ .‬غوست‪ ،‬ليدن ولندن ‪ ،1912‬ص‪.(13‬‬

‫‪55‬‬
‫تقننول إن »المهغرايننه« فنني مصننر كننانوا يصننلون إلننى‬
‫ققققق نحو الكعبة‪ .((30‬والجمع بين الدليل الركيولننوجي‬
‫من العراق والدليل الدبي مننن مصننر يشننير دون لبننس‬
‫إلننى حننرم فنني شننمال غننرب الجزيننرة العربيننة‪ ،‬وبهننذا‬
‫يصعب أن نتجنب الستنتاج بأن موقع الحننرم الهنناجري‬
‫في مكة كان ثانويًا‪.‬‬
‫المصننندر الكنننبير الخنننر للهتمنننام فننني الجغرافينننا‬
‫المقدسة لشبه جزيرة العرب كان البحث عننن سننيناريو‬
‫مناسب لعمال النبي الموسوية‪ .‬بادئ ذي بدء كان هذا‬
‫يعني اختيار موقع جديد للخروج الهاجري‪ .‬سلبيًا‪ ،‬أخلي‬
‫سبيل النننبي مننن المغننامرة الفلسننطينية الصننلية عننن‬
‫طريق تنقيح تأريخي جعله يموت قبل سنننتين مننن بنندء‬
‫الغنننزو ‪ .((31‬إيجابينننًا‪ ،‬فقننند ُبحنننث فننني الغنننزوات غينننر‬
‫الفلسطينية عن وجهة أقل إرباكا ً للخننروج‪ :‬يحفننظ لنننا‬
‫التقليد السلمي آثار نقل فكرة الرض الموعودة إلننى‬
‫غننزو العننراق‪ ،((32‬وتعميننم الخننروج بحيننث يشننمل كننل‬
‫دد كننان فنني فصننل‬ ‫ل المح ّ‬‫الراضي المغزو ‪ .((33‬لكن الح ّ‬
‫الخروج عن الغننزوات بالكامننل وإعننادة موضننعته داخننل‬
‫‪Wright, Catalogue of Syriac Mauscripts, p.‬‬ ‫‪) .British Museum, Add. 12, 172, f. 1242 (30‬أنظر‪:‬‬ ‫)‬

‫‪ .(604‬إنه يتمّلص من سؤال سخيف يقول لمنناذا يصننلي اليهننود نحننو الجنننوب‪ ،‬بقننوله‪:‬‬
‫سننغدين( نحننوه اليهننود‪،‬ول للجنننوب يصننلي‬ ‫»لنننه ليننس الجنننوب هننو الننذي يصننلي ) َ‬
‫المهغرايه‪ .‬فاليهود الذين يعيشون في مصر‪ ،‬مثلهم مثل المهغرايه هننناك‪ ،‬كمننا رأيننت‬
‫بأم عيني وسوف أريك ذلك الن‪ ،‬كانوا يصّلون إلى الشرق‪ ،‬وما يزالون يفعلون ذلك‪،‬‬
‫الشعبان على حد سواء ‪ -‬اليهود نحو القدس‪ ،‬والمهغرايه نحو الكعبننة )ررر ر )‪.K’bt‬‬
‫أما اليهود الموجودون في جنوب القدس فيصلون إلى الشننمال؛ وأولئك الموجننودون‬
‫فنني بابننل ررر رر ‪ ’nhrt‬ررر رر ‪ ’bwsrt‬يصننلون إلننى الغننرب‪ .‬وكننذلك فننالمهغرايه‬
‫الموجودون هنناك يصنّلون إلنى الغنرب‪ ،‬نحنو الكعبنة؛ أمنا أولئك الموجننودون جننوب‬
‫الكعبة فيصلون إلى الشمال‪ ،‬نحو ذلك المكان‪ .‬يتضح لنا مننن كننل هننذا إذا ً أن اليهننود‬
‫والمهغرايه الموجودين هنا في أقاليم سوريا ل يصلون إلى الجنوب بل نحو القدس أو‬
‫الكعبننة‪ ،‬وهنني مواضننع آبنناء )أبهاياتننا( سننللتهم«‪ .‬نلحننظ هنننا أن يعقننوب درس فنني‬
‫السكندرية خلل فترة شبابه‪.(Vِِbus, Syrische Kanonessammlungen, p. 207) .‬‬
‫‪ (31‬أنظر سابقًا‪ ،‬صص ‪ . 54 - 53‬قارن الرواية المتعلقة بزيارة محمد المبكرة كتنناجر‬ ‫)‬

‫دمها تاريخ يعقوب الرهاوي‪،‬الذي يجعل النبي يزور فلسطين وفينيقا‪ ،‬مع الرواية‬ ‫والتي يق ّ‬
‫التي تقدمها رررررر‪ ،‬والتي ل تجعله يذهب إلى أبعد مننن بصننرى‪Chronica Minora, pp. .‬‬
‫‪ (326 = 250‬؛ ابن اسحق‪ ،‬رررر‪ ،‬صص ‪.(79 = 115‬‬
‫‪ (32‬يزعم الغزاة أن الله وعدهم بالرض )ررررر رررر‪ ،‬طبري‪ ،‬رررر ر‪،(2254 :1 ،‬‬ ‫)‬

‫وأنها إرث منحهم الله إياه )رررررر رررررر‪ ،‬ص ‪ .(2284‬في مقطع آخنر )ررررر ر‬
‫مع هذه الفكار مع الستشهاد القرآني ) ‪ (105 :21‬بالمزمور ‪37‬‬ ‫رررررر‪ ،‬ص‪َ (2286‬تج ْ‬
‫‪ 29 :‬في مسألة أن الرض يرثها الصالحون‪ .‬قارن إعادة التشكيل المتحيزة لسيرة خالد‬
‫بن الوليد في التقليد التاريخي السلمي‪.(Encyclopaedia of Islam, s.n ) .‬‬

‫‪56‬‬
‫شبه جزيرة العرب‪ .‬وهكذا أصبح »يننوم الفرقننان« فنني‬
‫القننرآن ) ‪ (41:8‬حنندثا ً فنني سننيرة النننبي‪ ،‬يتماثننل فنني‬
‫التقليد السلمي مع موقعة بدر‪ .‬وعلننى نحننو معكننوس‬
‫مع المنفيين اليهننود فنني فلسننطين علننى ينندي‬ ‫صار تج ّ‬
‫الفادي طردا ً لهم مننن شننبه جزيننرة العننرب علننى ينندي‬
‫خليفة مسلم‪ ،((34‬وصارالمتعاونون اليهود في المغامرة‬
‫الفلسننطينية أنصننار المدينننة المنننورة العننرب )لكنهننم‬
‫دل‬‫ليسنننوا اسنننماعيليين(‪ .((35‬وهكنننذا فنننالخروج المتبننن ّ‬
‫ختم داخل وضننعه العربنني الجدينند عننبر التقليند‬ ‫الموقع ُ‬
‫‪((36‬‬
‫القائل‪» ،‬ل قققق بعد فتح مكة« ‪.‬‬
‫قنندة لنننه‬ ‫يبنندوأن تبننديل موقننع الخننروج عمليننة مع ّ‬
‫من بالضرورة أكثر من مكننان‪ ،‬والتقلينند السننلمي‬ ‫يتض ّ‬
‫يعمل بمقولتين أساسننيتين‪ :‬الخننروج يأخننذ النننبي إلننى‬
‫ضننر لسننتعادة‬ ‫»القليم«‪ ،‬المدينة المنورة ‪ ،((37‬حيننث يتح ّ‬
‫العاصننمة‪ ،‬قق ققق قق‪ .‬مننن المعقننول تاريخيننا ً الن أن‬
‫نفترض أن النبي شنرع فني غنزو فلسنطين منن إحندى‬
‫القواعد في شبه جزيرة العرب ‪.((38‬و يمكن لنا أن نتخيننل‬
‫أن هننذه القاعنندة كننانت يننثرب‪ ،((39‬مننع أن الربننط بيننن‬

‫‪ (33‬أنظر هامش ‪ 40‬ف‪ . 1‬قابل مع ما يتضمنه المقطع المستشهد بننه مننن سننيبيوس‬ ‫)‬

‫)صص ‪ (56 - 55‬والذي يعتبر أن الغزوات غير الفلسطينية مجرد حملة شنت علننى‬
‫الغتصاب البيزنطي للرض المقدسة‪.‬‬
‫‪ (34‬قارن على سبيل المثال المقطع المتعلق »بطرد اليهود من شبه جزيننرة العنرب«‬ ‫)‬

‫عند أبو داود‪ ،‬ر رر ‪34 :2‬؛ وقصة طرد عمر لليهننود مننن شننبه جزيننرة العننرب إلننى‬
‫سوريا عند ابن سعد‪ ،‬رررر ررررررر‪.203 :3 ،‬‬
‫‪ (35‬لحظ التقليد القائل إن الوس والخزرج كانوا من أصل يهودي ) ‪Kuster, “Haddithu”,‬‬ ‫)‬

‫‪.(p. 233‬‬
‫دم تقاليد أخرى تتضمن المعنى ذاته أيضا؛ً‬ ‫‪ (36‬البخاري‪ ،‬رررر‪ 267 :2 ،‬وما بعد‪ ،‬حيث تق ّ‬ ‫)‬

‫أنظر أيضًا‪ :‬رررررر رررررر ‪35 :3‬؛ أبو عبيد‪ ،‬رر رر رررر ررر‪ ،‬رقنم ‪.531‬أنظنر‬
‫أيضًا‪.Wensinck, Concordance, s. n. hijra :‬‬
‫‪ (37‬المعنى البدئي لمصطلح »ررررر« في الستخدام اليهودي هو »إقليم او ريننف او‬ ‫)‬

‫منطقننة غيننر حضننرية« وذلننك مقابننل »حننرم« )مقننداش(؛ وبعكننس المعنننى البننديل‬
‫»مدينة« يعطي هذا ‪ -‬ررررر ‪ -‬التقابل الصحيح مع أم القرى‪.‬‬
‫‪ (38‬ل يذكر سيبيوس قاعدة كهذه‪ ،‬لكننا نجد في كسننرة التاريننخ المنناروني أن معاويننة‬ ‫)‬

‫لم يكن يرغب بأن يحكم من مقر )رررر( محمد )‪.(Chronica Minora, pp. 71 = 56‬‬
‫‪ (39‬في تاريخ الخوزستاني تظهر مماثلة قوية بين المدينة ويثرب ) ‪Chronica Minora, pp.‬‬ ‫)‬

‫‪ .(38 = 31‬من أجل هذا المصدر قارن الهامش ‪ 7‬منن الفصنل الول‪ .‬تبندو الشنارات‬
‫القرآنية إلى المدينة في تلك النقطة بطريقة توحي كما لو أنها كانت قاعنندة النننبي )‬
‫دم‬ ‫‪ 60 :33‬وما بعد(؛ والقرآن يشير إلى يثرب في موضع آخر ) ‪ ،(13 :33‬لكنه ل يق ّ‬
‫لنا ما يوحي ما إذا كانت يثرب هي المدينة أم ل‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫المدينننة ومنندين ‪ ((40‬والمعقوليننة الجغرافيننة عمومننا ً قنند‬
‫ل‪ .‬مع ذلننك فالمقولننة الحاسننمة‬ ‫يوحيان بموقع أبعد شما ً‬
‫هي العاصمة‪ ،‬الفلسطينية اصل‪ ،‬لكنها في القرآن توجنند‬
‫فنني شننبه الجزيننرة العننرب دون التباسن ‪ .((41‬لقنند أمكننن‬
‫مقاربة مشكلة موضعة عاصمة كهذه بإحدى طريقتين‪.‬‬
‫لقد تجّلى أوضح الحلننول فنني رفننع تنندريجي لمكانننة‬
‫القاعنندة حننتى تصننبح بمكانننة العاصننمة ليننس إل‪ :‬أعينند‬
‫تفسير »ريف« محمد الن علننى أنننه »منندينته«‪ .‬وكننون‬
‫هذا الحل قنند تننم تبنيننه فنني بعننض النننواحي فننذلك مننا‬
‫توحي به السمة الحاضرية الملفتة للنظننر الننتي تبننديها‬
‫المدينة في بعض الوجوه‪ :‬إنها بحد ذاتها حرم‪ ،((42‬وهنني‬
‫بالنتيجة القدر النهائي للخروج الهنناجري‪ ،((43‬والعاصننمة‬
‫السياسية دون ريب للتاريننخ السننلمي الولي‪ .((44‬كننان‬
‫‪ (40‬يجدر بنا أن نأخذ بعين الملحظة من جديد تاريخ الخوزستاني ) ‪(loc.cit‬؛ قارن ايض نا ً‬ ‫)‬

‫القول إن يثرب هي مدينة قطننورة فنني تاريننخ سننيئريد ) ‪Scher, Histoire nestorienne, p.‬‬
‫‪ .(600‬أما الرواية المركبننة حننول أصننول السننلم الننتي يقنندمها تومنناس ارتسننروني )‬
‫‪ .(Brasset, Collection d’histoierns arméniens, vol i , pp. 88 - 90‬فيقول إن اسم قاعدة النبي‬
‫هو مديان‪ ،‬ويطابق عرضيا ً بين مكة وفاران‪ ،‬الموجودة دون غموض فنني آرابيننا بترايننا‬
‫‪ .Arabia Petraea‬من المعروف أن بلدة مديان موجودة في الشمال الغربي وذلننك فنني‬
‫المصادر القديمة والعربية على حد سواء‪ ،‬وقد تم تحديد موقننع لهننا )أنظننر‪A. Musil, :‬‬
‫‪ . ,The Northern Hegas, New York 1926, pp. 278 - 82‬وأيضًا‪P. J. Parr et al., “Preliminary :‬‬
‫‪ (Survey in N.W. Arabia, 1968”, Bulletin of the Institute of Archaeology 1971, pp. 30 - 5‬يتخّلص‬
‫القرآن بالطبع من مدين بجعلها هدفا ً لعقوبة إلهية‪.‬‬
‫‪ (41‬إنها تتلقى إنذارها باللغة العربية )القرآن ‪.(7 :42‬‬ ‫)‬

‫دله من ثم عمر بن عبنند العزيننز كنني‬ ‫‪ (42‬بل إنها تمتلك مبنى يشبه الكعبة أص ً‬
‫ل‪،‬والذي ع ّ‬ ‫)‬

‫ددت هويته في التقليد السلميي باعتباره قبر النبي ) ‪J. Sanvaget, La‬‬ ‫يمنع اعتباره قبلة‪ ،‬وح ّ‬
‫مسجد‬ ‫ر‬
‫رر‬
‫‪ .(Mosquée omeyyade de Médine, Paris 1947, p. 89‬في غير ذلك‪ ،‬يمكن مقارنة رر‬
‫ررر الحرم المكي‪ :‬رررر المدينة )تحندد هويتهنا علنى أنهنا »حجنرات«‬ ‫المدينة مع ر‬
‫ررر المكية قبر اسننمعيل‪ ،‬وهنني تنندخل‬ ‫م ر‬ ‫ّ‬ ‫تض‬ ‫كما‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫تمام‬ ‫محمد‬ ‫قبر‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫تض‬ ‫زوجات النبي(‬
‫ضمن المسجد الذي أعاد بناءه عمر بن عبد العزيز )ررررر ر ررر ررر‪ ،‬ص ن ص ‪- 10‬‬
‫ررر في الكعبة التي أعاد بناءها ابننن الزبيننر‪ .‬كننذلك يسننهل‬ ‫‪ (16‬تماما ً كما تدخل‪ ‬ر‬
‫علينا للغاية تحديد شبيه مديني للحج المكي إلى المكان المقدس رررر البلدة‪ :‬فقنند‬
‫اعتاد النبي‪ ،‬في العيدين الكبيرين‪ ،‬أن يخرج إلى مصلى في منطقة بنننو سننلمى‪ ،‬بننل‬
‫ويضحي هناك‪ .(F. Buhl, Das Leben Muhammeds, Heidelberg 1961, p. 205 ) .‬لحظ أيضا ً أن‬
‫المدينة‪ ،‬وليس مكة‪ ،‬كانت مقر القامة الولى للسللة المقدسة في السلم‪ ،‬ونعننني‬
‫بذلك العلويين‪.‬‬
‫‪ (43‬قارن مع التقليد القديم الذي يقول إن النبي أمر بأن ل يكون مسجد المدينة »غير‬ ‫)‬

‫سقيفة مثل سقيفة موسى لن المر )سوف يحدث( بأسرع من ذلك«‪M. J. Kister, ) .‬‬
‫‪“A booth like the booth of Moses...”: a study of an early hadith”, Bulletin of the School of‬‬
‫‪.(Oriental and African Studies 1962‬‬
‫‪ (44‬لحظ أن هنالك شاهدا ً قديما ً حول هذا‪ .‬ومن سيبيوس يتضح لنا كفاية أن الملننوك‬ ‫)‬

‫السماعيليين الوائل حكموا مننن مكننان مننا بعينندا ً عننن المسننرح‪ ،‬وهننذا موضننع يبنندو‬
‫معقول ً اعتباره موجودا ً في شبه جزيرة العرب )مننن أجننل عمننرو‪ ،‬انظننر‪Histoire, p. :‬‬

‫‪58‬‬
‫البديل هو أن يتمحور الخننروج حننول المكانننة القليميننة‬
‫للقاعنندة‪ :‬فقنند احتفظننت المدينننة‪ ،‬إذا صننح القننول‪،‬‬
‫دس مننن القنندس‬ ‫بدواميتها‪ ،‬في حين انتقل الغزو المق ّ‬
‫إلى مكة‪ .‬ورغم سمات العاصمة التي تحملهننا المدينننة‪،‬‬
‫فهننذا هننو الحننل الننذي يميننل إليننه التقلينند السننلمي‬
‫أساسًا‪.‬‬
‫كر سمة هامة للخلفية‬ ‫في هذه النقطة نحتاج إلى تذ ّ‬
‫دم من ديانة ابراهيم إلننى ديانننة محمنند‪.‬‬ ‫العقائدية‪ :‬التق ّ‬
‫فمن الواضننح أن القصنند مننن الحننرم البراهيمنني كننان‬
‫العاصمة الهاجرية؛ لكن بالنسبة لسلم متخيننل كديانننة‬
‫لمحمد‪ ،‬ربما يبدو الحرم المحمدي مركزا ً أكثر مناسننبة‪.‬‬
‫لكن الواقع أن ما ظهر كان تسوية احتفظ فيهننا محمنند‬
‫باليد العليا‪» :‬كانت مكة حرم ابراهيم والمدينة حرمي«‪،‬‬
‫كما يقول النننبي‪ ،((45‬لكننن مكننة ظلننت المركننز العبننادي‬
‫للسلم‪ .‬تبدو عودة مكة إلى سابق عهدها مفاجئة هنا‪:‬‬
‫يمكن للمرء أن يتوقع أن يكون الحننرم البراهيمنني قنند‬
‫اسُتوعب أو ترك للنهيننار جنب نا ً إلننى جنننب مننع العبننادة‬
‫البراهيمية‪ .‬والتفسير الننذي سنننقترحه هننو أن أولويننة‬
‫مكة أنقذت عننبر وضننع دور موسننوي غريننب آخننر فننوق‬
‫الحرم البراهيمنني‪ .‬وحيننن صننار الفننداء كتاب نا ً مقدس نًا‪،‬‬
‫وجد الهاجريون أنفسهم بحاجة إلى سيناء في الجزيرة‬
‫العربية‪ .‬بل أكثر من ذلك‪ ،‬فقد كان عليهننم أن يجنندوها‬
‫في جزء من شبه جزيرة العرب أقل تلوثا باليهودية من‬
‫المدينننة المنننورة‪ ،‬مسننرح الصنندع الهنناجري ‪ -‬المنقننول‬
‫والملقى به إلى الخلف ‪ -‬مع اليهود‪.‬‬
‫يبنندو معقننول ً فنني الواقننع أن نحلننل المبنننى المك ّنني‬
‫وهه وحي موسننوي‪.‬‬ ‫كب باعتباره حرما ً ابراهيميا ً ش ّ‬ ‫المر ّ‬
‫فنني التقلينند السننلمي‪ ،‬السننيناء المكيننة الننتي يتلقننى‬

‫‪101‬؛ ومن أجل حاكم يمكن القول إنه عثمان‪ ،‬أنظننر‪ :‬ررررر ر ررر ررر‪ ،‬ص‪(149‬؛‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬مما يلفت النظر فنني إشننارة سننريانية قديمننة إلننى معركننة صننفين‪،‬‬
‫وصف أبي تراب الذي غلبه معاوية هناك بأنه أمير الحيرة‪S. Brock, “An Early Syriac ) .‬‬
‫‪ life of Maximus the Confessor”, Analecta Bollandiana 1973, pp. 313=319‬والتعليننق فني‬
‫الصفحة ‪.(329‬‬
‫‪ (45‬من أجل تقاليد من هذا النمط‪ ،‬أنظر‪R. B. Serjeant, “Haram and Hawtah”, in Mélanges :‬‬ ‫)‬

‫‪..Taha Husain, Cairo 1962, p. 50‬‬

‫‪59‬‬
‫ول وحنني لننه هنني بننالطبع حننراء‪ .((46‬لكننن‬ ‫عليها النبي أ ّ‬
‫عرفننات‪ ،‬الجبننل الننذي ينتمنني إلننى المبنننى المركننب‬
‫البراهيمي‪ ،‬يحمل أيضا ً آثار التلننوث الموسننوي‪ .‬ففنني‬
‫الموضع الول‪ ،‬نجد أنننه فنني حيننن تننوحي صننيغة الحننج‬
‫دم محتننواه‬ ‫بالحننج السننامري إلننى جبننل جرزيننم‪ ،‬يقنن ّ‬
‫الطقسي موازيات مدهشة للوصننف التننوراتي لنتظننار‬
‫السرائيليين عند جبل سيناء‪ .((47‬ويبدو المر كما لننو أن‬
‫الطقس كان إعادة تمثيل لنتظار السماعيليين لنبيهم‬
‫الخاص الذي كان قد صعد جبلهم الخاص‪ .‬ثانينًا‪ ،‬يختلننف‬
‫المبنننى المكنني المرك ّننب بإحنندى السننمات الهامننة عننن‬
‫كب في شكيم‪ :‬فقد ُنقل »بيننت اللننه« مننن‬ ‫المبنى المر ّ‬
‫الجبل إلى البلدة ‪ - ((48‬مع أن طقننس الضننحية الفعلنني‪،‬‬
‫خّلفننه وراءه ‪ .((49‬ولننو أن‬ ‫وهو أمر قد ل يبنندو متناسننقًا‪َ ،‬‬
‫النموذج كان فنني إحنندى المراحننل سننينيائيا ً أكننثر منننه‬
‫جرزيميا ً لفاد ذلك في شرح هذه التعرية للجبل‪.‬‬
‫‪ (46‬قارن تعليق ورقة بن نوفل علنى أول وحنني نننزل علننى محمنند هنناك‪» :‬لقند نننزل‬ ‫)‬

‫عليك الناموس العظم‪ ،‬الذي نزل علىموسى« )ابن اسحق‪ ،‬ر ررر‪ ،‬ص نص ‪= 154‬‬
‫‪.(107‬‬
‫‪ (47‬أنظر‪.The Encyclopaedia of Islam, art. Hajj, p. 32 :‬‬ ‫)‬

‫‪ (48‬موقع أقدم خارج البلدة يوحي به ربما تاريخ اسباني عربي والذي يصف مكة‪ ،‬فنني‬ ‫)‬

‫مقطع أشرنا إليه سابقا ً )هامش ‪ 14‬ف ‪ ،(4‬على أنها »ررررر بلدة في الصننحراء«؛‬
‫قارن الشارات الموجودة فنني التقلينند السننلمي القائلننة إن الكعبننة ل بنند أن تكننون‬
‫علىجبل )‪(Wensinck, The Navel of the Earth, pp. 14f‬؛ نحن ندين بهذه النقطة إلى السيد‬
‫غ‪ .‬ر‪ .‬هوتيغ‪ ،‬الذي يشير إلى إيحائيننة الشننواهد المتعلقننة بجبننل أبننو قننبيس‪ ،‬وبشننكل‬
‫خاص إلى وجود مسجد ابراهيم عليه‪ .‬وإذا كان »البيت« قنند بقنني علننى الجبننل حننتى‬
‫مرحلة متأخرة نسبيا ً من تطور الحرم البراهيمي‪ ،‬فهذا قد يساعد فنني تفسننير تننآمر‬
‫المراجع المسيحية الولى على ترك البلدة دون اسم‪ .‬من أجل يعقوب الرهنناوي فنني‬
‫مسألة الكعبة‪ ،‬أنظر الهامش ‪ 30‬من هننذا الفصننل؛ تاريننخ الخوزسننتاني‪ ،‬فنني مقطننع‬
‫مشار إليه آنفا ً )الهامش ‪ 39‬من هذا الفصل(‪ ،‬يننذكر عنندة مننناطق فنني شننبه جزيننرة‬
‫دد لهنا موقعنًا؛ ينذكر بنار‬‫العرب ويكّرس بعض السطور »لقبة ابراهينم«‪ ،‬لكننه ل يحن ّ‬
‫بنكايه حماسة ]ابن[ الزبير »لننبيت اللننه«‪،‬مجيئه إلننى مكننان كننان فنني جنننوبه »بيننت‬
‫العبادة« الهاجري‪ ،‬وإحراق بيت العبادة الهنناجري هننذا بسننبب عنندائيات لحقننة‪ ،‬لكننن‬
‫الكاتب ل يحدد أيضا ً أسماء طوبوغرافية‪ .(Mingana, Sources Syriaques, pp. 155 = 183 ) .‬إذا‬
‫كان يجب البحنث عننن انعكناس للنتقنال فني التقليند السننلمي‪ ،‬فالمرشنح الواضنح‬
‫ررر في الكعبة التي أعاد ابن الزبير بناءها‪.‬‬ ‫سيكون إدخال رر ر‬
‫‪ (49‬في منى في حالة رررر وفي المروة فنني حالننة رررر رر‪ ،‬التضننحية علننى جبننل‬ ‫)‬

‫عرفات انقطعت في السلم )الكلسيكي(؛ قننارن‪ :‬الشننارات إلننى وجننود رر ر فنني‬


‫دمها هن‪ .‬لمنس “ ‪Les sancturaies préislamites dans L’Arbie occldentale”,‬‬ ‫المروة والتي يق ّ‬
‫ً‬
‫‪ .“Mélanges de l’Université Saint Joseph 1926, pp.52 - 4‬وهكذا فالمر يوحي نوعا ما بوجود‬
‫ور‬
‫موقع للحرم خارج المناطق الحضرية بحيث تبدو التضننحية ر ر الحننرم وكأنهننا تص ن ّ‬
‫كطقس أساسي في القرآن ) ‪98 - 96 :5‬؛ن ‪34 :22‬؛ وقارن ‪ .(25 :48‬كذلك فإن‬
‫تاريخ الخوزستاني يذكر في وصفه »لقبة ابراهيم« أن ابراهيم بناها لتقديم الضاحي‪،‬‬
‫في حين يقول ليفون إن ليون يشير إلى »بيت مذبح الضاحي الننوثني الننذي تنندعونه‬
‫بيت ابراهيم« )“ ‪.(Letter”, tr. Patkanan, p. 55 = tr. Jeffery, p. 310‬‬

‫‪60‬‬
‫م تبننني مكننة باعتبارهننا مسننرح‬
‫على أية حال‪ ،‬فقد ت ن ّ‬
‫آيات محمنند المنزلننة الولننى؛ وبهننذا نمتلننك أساسننيات‬
‫النموذج الملفننت للنظننر لجغرافيننا الحجنناز المقدسننة‪،‬‬
‫سننم الدوار الموسننوية للنننبي بيننن حرمنني‬ ‫والننتي ت ُ َ‬
‫ق ّ‬
‫ابراهيم ومحمد المتمايزين‪.‬‬
‫النسننخة السننامرية الكننبيرة الخننرى كننانت أساسننا ً‬
‫منطقيننننا ً للمرجعيننننة السياسننننية بيننننن الهنننناجريين‪.‬‬
‫فالمسننيانية اليهوديننة‪ ،‬بغننض النظننر تمام نا ً عننن كونهننا‬
‫يهودية‪ ،‬كانت في السنناس تشننريعية دينيننة لحنندث ذي‬
‫علقننة بالمننناخ‪ ،‬وليننس لمرجعيننة متناميننة‪ .‬بالمقابننل‪،‬‬
‫فالمبراطورية المسيحية التي أزاحها الهاجريون كانت‬
‫مجرد ضننم لمنطومننتين مفنناهيميتين متمننايزتين المننر‬
‫الذي لم يقدم أي أساس منطقي ديننني جوهرينا ً لحكننم‬
‫امبراطوري‪ .((50‬وما لم يستطع المسننيحيون ول اليهننود‬
‫استنباطه كان تشريعية دينية جوهريا ً لمرجعية متنامية‪.‬‬
‫وقنند كننان هننذا‪ ،‬بمننا يكفنني مننن الغرابننة‪ ،‬مننا اسننتطاع‬
‫السامريون تحديدا ً تقديمه‪ :‬القيمة السياسية المركزيننة‬
‫فنني السننامرية هنني التشننريعية المتواصننلة لكهنوتيننة‬
‫كن الكهنوت البدي الهاجريين مننن‬ ‫هارونية‪ .((51‬وهكذا م ّ‬
‫مَلكية‪.((52‬‬
‫مغادرة السنوات اللف دون الوقوع في فخ ال َ‬
‫المامة السلمية ‪ ((53‬هي نسخة سامرية هو أمنر ينوحي‬
‫به التشابه البنيوي بين العرفين‪ .‬ففي كلتا الحالتين لنندينا‬
‫منصبا ً ُتدمج فيه سلطة سياسية ودينية فائقة‪ ،‬وفنني كلتننا‬
‫الحالتين المؤهل الولي للمنصب هو الجمع بين المعرفننة‬
‫دس ‪ .((54‬التشننابه واضننح بمننا يكفنني‪،‬‬‫الدينية والنسب المق ّ‬
‫رف منذ زمنن طوينل‪ :‬فالسنامريون أنفسنهم فني‬ ‫ع ِ‬
‫وقد ُ‬

‫‪ (50‬حال البعد الثقافي والديني في حالة إيران دون تمّثل فعال ومبكر‪.‬‬ ‫)‬

‫‪ (51‬لم يكن الكهنوت العالي اليهودي يمتلك الصيغة السياسية ذاتهننا‪ ،‬كننون اليهوديننة ل‬ ‫)‬

‫ملكية الداوودية؛ وبحسب أحد العراف‪ ،‬فقد ماتت منذ قرون‪.‬‬ ‫تقر إل بال َ‬
‫‪ (52‬تشهد كسرات التاريننخ المنناروني علننى حقيقننة أن معاويننة‪ ،‬رغننم جننولته المحابيننة‬ ‫)‬

‫للمسيحية في القدس لم يكن يلبس تاجا ً )‪.(Chronica Minora, pp. 71 = 56‬‬


‫ضل أن نستخدم هنا »إمامة« بدل »خلفة« لن الولى تحتفننظ علننى نحننو‬ ‫‪ (53‬نحن نف ّ‬ ‫)‬

‫أفضل بالنكهة الكهنوتية للمنصب؛ لكن ربما كان المصطلح الهاجري الصلي رررر ر‬
‫وليس رررر؛ قارن‪ ،‬هامش ‪ 68‬ف ‪.4‬‬
‫دم هنا ضننرورة النظننر إلننى قريننش )»أو السننللة العلويننة«(‬ ‫من التحليل المق ّ‬ ‫يتض ّ‬
‫‪(54‬‬ ‫)‬

‫كمعادل عديم المفعول طقسيا ً للكهنوت اللوي )أو الهنناروني(‪ .‬قننارن إقامننة قريننش‬
‫في حرم ابراهيم والسللة العلوية في حرم محمد‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫كتاباتهم العربية ت َب َّنوا المامة منن أجنل تفسنير كهننوتهم‬
‫العالي الخاص ‪.((55‬‬
‫لكن التشننابه فنني حالننة المامننة العلويننة هننو الكننثر‬
‫إدهاشًا‪ .‬ففي الموضع الول‪،‬تأخذ المعرفة الدينية‪ ،‬عند‬
‫الشيعية كما عننند السننامرية‪ ،‬نكهننة س نّرانية ممي نّزة ‪.((56‬‬
‫در من أحنند أقننارب‬ ‫سبي عبر تح ّ‬ ‫ثانيًا‪ُ ،‬يشحذ المؤهل الن َ َ‬
‫النننبي المتميزيننن‪ ،‬أي هننارون فنني الحالننة السننامرية‬
‫وعلي في الحالة السننلمية‪((57‬؛ التشننابه يصننبح واضننحا ً‬
‫تماما ً في التقاليد الشننيعية الننتي تنندعم مطننالب علنني‬
‫بالمامة عبر تأكيد الفرضية القائلة إن عليا ً لمحمنند هننو‬
‫مثل هارون لموسى وتطننوير هننذه الفرضننية‪ .((58‬ثالث نًا‪،‬‬
‫في بعض الملحظات المتعلقة بشيعية الحننرب الهليننة‬
‫الثانية والتي ترد في ننص عربنني يبندو أننه يرجننع إلنى‬
‫زمن معاصر لتلك الحننرب تقريبنا ً يمكننن أن نجنند أوضننح‬
‫تشخيص للمرجعية الدينية في السننلم‪ ،‬والننذي يرافننق‬
‫بتسمية مدهشة لرجال الدين هي كهننة‪ .((59‬أخينرًا‪ ،‬منن‬
‫الممكن تماما ً أنه قد يكون لدينا فنني الروايننة القرآنيننة‬
‫المتعلقة بالعجل الذهبي إدانة مجازية للنندور السننامري‬
‫في خلق الكهنوت العالي العلوي‪.((60‬‬

‫‪ (55‬من أجل مثال ملفت‪ ،‬أنظر الفصل حول المامة في الكتاب التشريعي الذي يعود‬ ‫)‬

‫إلى القرن الحادي عشر والذي صاحبه هو يوسف ابن سلمة العسكري‪S. Noj (tr.), ) .‬‬
‫‪.(Il Kitab al Kafi dei Samaritani, Naples 1970, pp. 13 - 25‬‬
‫‪ (56‬لحظ ظهور السم العظم لله كجزء من محتوى هذه التعنناليم ) ‪J. Macdonald(ed.),‬‬ ‫)‬

‫‪ The Samaritan Chronicle no II, Berlin 1969, p. 105‬؛ الحسن بن موسى النوبختي‪ ،‬رررر‬
‫ررر رررررر‪ ،‬تحرير هن‪ .‬ريتر‪ ،‬اسطنبول ‪ ،1931‬ص‪.(37‬‬
‫‪ (57‬التشابه هو القرب في حالة الشيعة المامية‪ ،‬حيث يعبر المنصنب منن الب إلنى البنن‬ ‫)‬

‫كما هي الحال بين السامريين‪.‬‬


‫‪ (58‬انظننر علننى سننبيل المثننال‪ :‬النوبخننتي‪ ،‬رر رر ر رر ررر ررر‪ ،‬ص‪16‬؛نن ‪Kister,‬‬ ‫)‬

‫‪“Haddithu”, p. 223‬‬
‫‪J. van Ess, “Das Kitab al-irja’ des Hasan b. Muhammad b. al-Hanafiyya”, Arabica 1974, p. (59‬‬ ‫)‬

‫‪ .24‬يعزو هذا النننص إلننى السننبأية شننكل مرجعيننة دينيننة تقننوم علننى أفكننار المعرفننة‬
‫السرانية والقبول الكامل بمرجعية السللة المقدسة التي يعتبرونها رررررر‪.‬‬
‫‪ (60‬العجل الننذهبي فنني الروايننة القرآنيننة ) ‪ 87 :20‬ومننا بعنند( هننو نتيجننة جهننود أحنند‬ ‫)‬

‫السامريين الذي يزعننم امتلكننه المتميننز لمعرفننة دينيننة سنّرانية‪) .‬يصنعب الشننك أن‬
‫ل‪ :‬فهنالك شواهد قوية من الزمنة الماقبل إسلمية‬ ‫السامري القرآني هو سامري فع ً‬
‫على أن »لمساس« الواردة في الية ‪ 97 :20‬هي مقولة سامرية؛ )أنظر‪A. Sharf, :‬‬
‫‪ .(Byzantine Jewry from Justinian to the Fourth Crusade, London 1971, p.44‬مناسبة هذا‬
‫الحدث في القصة الموجودة في أسفار التوراة الخمسة الولى يمكننن أن نجننده فنني‬
‫دس إلى »عجل السامرة« الموجودة في سفر هوشع‬ ‫تلك الشارات من الكتاب المق ّ‬
‫‪ 5 :8‬وما بعد‪ ،‬لكن هدفها يظل غامضًا‪ .‬نجد أن لدينا الن في سنياق الحنرب الهلينة‬
‫الثانية في التقليد التاريخي قصة غامضة أيضا ً حننول التننوابين‪ ،‬أي النذين يتوبننون عننن‬
‫اتبنناع العجننل الننذهبي )أنظننر علننى سننبيل المثننال‪ ،‬الطننبري‪ ،‬رررر ر‪،(500 :2 ،‬‬

‫‪62‬‬
‫كما في حالة الحرم المكي‪ ،‬فحالننة أنمننوذج سننامري‬
‫بسيطة إلى حد ما أساسًا‪ .‬لكن هنذه الحالننة تحتناج هننا‬
‫أيضا ً إلى توصيف وذلننك عننبر محاولننة لجمننال التطننور‬
‫الذي مّرت به المفاهيم في الهاجرية قبل أن تصل إلى‬
‫شكلها السننلمي الخيننر‪ .‬وعلننى منا يبنندو فننإن مصنندر‬
‫التشويشننات فنني هننذه الحالننة كننان النبعنناث الثننانوي‬
‫للتأثير اليهودي‪.‬‬
‫ل غريبننة طبع نا ً علننى‬ ‫لم تكن فكرة مرجعية كهنوت عا ٍ‬
‫اليهودية الرّبانية‪ .‬لكن السمة الفعلية للمرجعيننة الدينيننة‬
‫كما هي موجودة في هذا الوسط كانت مناقضة بوضننوح‬
‫للداء النناعم لعنرف كهنذا‪ .‬وفني نهاينة المطناف فهنذا‬
‫يفيننندنا كنننثيرا ً فننني وصنننف الفنننتراق بينننن السنننلم‬
‫الرثوذكسي والشننيعية‪ :‬فمننع تشننتت المرجعيننة الدينيننة‬
‫ظمنة ‪ ،((61‬ل نتفاجنأ‬ ‫بين جماعننة علمانينة متعلمننة غيننر من ّ‬
‫حين نجد المؤهل النسبي وقد تراخى والتعاليم المامية‬
‫دها السننّراني‪ .‬وعلننى المنندى القصننير‪،‬‬ ‫وقنند فقنندت حنن ّ‬
‫تساعد الخلفية الرّبانينة فني تفسنير ظهنور حركنة فني‬
‫الوسننط اليهننودي العراقنني القننوي ع نّرت المامننة مننن‬
‫سمتها الكهنوتية‪ .‬لقنند قبنل الخنوارج بالمامننة عمومنا ً ‪-‬‬
‫دمه؟ لكننن‬ ‫فأي بديل عينناني كننان علننى اليهوديننة أن تق ن ّ‬
‫المعرفة التي يتمتع بها المام كانت مجّردة من أية صفة‬
‫دس ن ‪ .((62‬وعلننى‬ ‫سّرانية‪ ،‬كما ُرفضت فكننرة النسننب المق ّ‬
‫نحو ملئم للغرض يعزو التقليد السلمي للخوارج الذين‬
‫ي في الحننرب الهليننة الولننى شننعار »ل‬ ‫انشقوا عن عل ّ‬
‫حكننم إل حكننم اللننه«‪ :‬رغننم الشننكل السننامري المتميننز‬

‫ويخرجون كما يتطلب المر كي ُيذبحوا ‪ -‬يمكن للمرء أن يضيف على يد اللويين في‬
‫هيئة المويين )قارن‪ :‬سفر الخروج ‪ 37‬والقننرآن ‪ .(51 :2‬فني التقليند كمنا هنو بيننن‬
‫أيدينا‪ ،‬يبدو غامضا ً تقريبا ً تفسير لماذا أن ررررر في المحاربة لجننل الحسننين يجننب‬
‫أن يعتبر كاتباع للعجل الذهبي‪ .‬لكننا في موضع آخر نجد أن العجل الذهبي يتماثل مع‬
‫العلويين أنفسهم )كما يقول الوليد الثاني في الطبري‪ ،‬ررررر‪ .(1774 :2 ،‬إذا كان‬
‫ل‪ ،‬فلبنند إذا ً أن إثننم التننوابين كننان أص نل ً مناصننرتهم‬
‫هذا التماثل في الواقع تماثل ً أصي ً‬
‫لقضية علي وليس فشلهم في المحاربة لجله‪ ،‬وهو ما كان سيعطي معنننى للتسننمية‬
‫أوسع مما تملكه الن؛ وفي الننوقت ذاتننه‪ ،‬كنان الندور القرآننني للسنامري فنني خلننق‬
‫العجل سيظهر كإشارة إلى الدور التنناريخي للسننامريين فنني خلننق الكهنننوت العننالي‬
‫العلوي‪ .‬ويمكن إذا ً البحث عن أهمية لقننب أبننو تننراب الننذي حملننه علنني فنني قبضننة‬
‫التراب التي خلق منها العجل )القرآن ‪.(96 :20‬‬
‫‪ (61‬قارن‪ ،‬هامش ‪ 12‬ف ‪.5‬‬ ‫)‬

‫‪ (62‬بين خوارج الحرب الهلية الثانيننة نسننمع عننن طائفننة‪ ،‬اسننمها النجديننة‪ ،‬تعتقنند أن‬ ‫)‬

‫الكتاب المقدس كاف والمامة غير ضرورية )النوبخننتي‪ ،‬رر رر ر رر ررر ررر‪ ،‬ص‬
‫‪.(10‬‬

‫‪63‬‬
‫للشننعار‪ ،‬يبنندو محتننواه إلننى حنند مننا وكننأنه إنكننار لحنند‬
‫المتيازات الكهنوتية ‪ -‬العالية الساسية ‪.((63‬‬
‫لكننن أهننم إسننهام يهننودي كننان يتجّلننى فنني إعننادة‬
‫الصننرار علننى النندافع المسننياني الصننلي للهاجريننة‬
‫اليهودية في وضع مفاهيمي جدينند‪ .‬وفنني العننراق عنناد‬
‫المسيا مننن جدينند بهيئة المهنندي‪ .((64‬عقائدي نًا‪ ،‬التحننول‬
‫الننذي اجتننازه المسننيا المقمننوع كننان كننبيرًا‪ ،‬ويبنندو أن‬
‫الكثر ترجيحا ً فعل ً هو أن النمننوذج لجننل المهنندي لننم‬
‫يكن المسيا أصل ً بل موسننى الننذي يبعننث حينا ً‪ .((65‬لكننن‬
‫مهما كان التفاوت العقننائدي‪ ،‬فمننن الواضننح كفايننة أن‬
‫المهدي ورث دور الفننادي السياسنني الننذي يكمننن فنني‬
‫قلب المسيانية اليهودية‪.‬‬
‫وهكذا يبدو معقول ً بالمصطلحات الجينية تحديد هوية‬
‫المحنناولتين الهنناجريتين المتمننازيتين تمامننا ً لتعريننف‬
‫معننننى سياسننناتهم‪ :‬التشنننريعية المسنننتمرة لكهننننوت‬
‫ل وذلك مقابل إتمام وشيك لمهدوية يهودية‬ ‫سامري عا ٍ‬
‫جدينندة‪ .‬ويبنندو شننبه معقننول أيضننا ً بلغننة المصننادر‬
‫‪ (63‬من أجل الشكل‪ ،‬قارن شهادة التوحيد )أنظر الهامش ‪ 3‬من هذا الفصل( مع بن ‪-‬‬ ‫)‬

‫حاييم ‪ .Literary and Oral Tradition, vol. iii, part two, pp. 41ff‬ومن أجل امتياز الحكم عند‬
‫الكهنوت العالي‪ ،‬أنظر سفر الخروج ‪30 :28‬؛ ‪Macdoland, The Samaritan Chronicle, no.‬‬
‫‪ .II, p. 109; Memar Marquh, p. 93‬يظهر ررررررر على نقود القطري بن الفجاءة‪688 ،‬‬
‫‪;(J. Walker, A Catalogue of the Arab-Sassanian Coins, London 1941, p. 112f ) 697-‬‬
‫‪ (64‬قارن تماثل المصطلحين المتضمنين في التقليد‪» .‬ل مهدي إل عيسى ابن مريننم«‬ ‫)‬

‫ررر ‪ ،‬تحرير ‪ ،M. Quatremere‬المجلد ‪ ،1‬الجننزء‬ ‫)عبد الرحمن بن حمد بن خلدون‪ ،‬رر ر‬
‫الثاني‪ ،‬باريس ‪ ،1858‬ص‪.(163‬‬
‫‪ (65‬لجل شواهد حننول فكننرة عنودة موسننى بينن يهنود تلننك الحقبنة؛ أنظننر ’‪Lévi, “L‬‬ ‫)‬

‫‪Apocalypse de Zorobable”, pp. 139 - 155‬؛ والهامش ‪ 46‬من الفصل الول‪ ،‬حيث الدور‬
‫الخلصي لموسى العائد مدهش على نحو متميز‪ .‬من أجل تاريخ أقدم للفكرة‪ ،‬أنظننر‬
‫ل‪N. Wieder, “The “Law interpreter” of the Sect of the Dead Sea Scrolls: The Second Moses”, :‬‬‫مث ً‬
‫‪ .Journal of Jewish Studies 1953‬من الجانب السلمي توجد بعض الدلئل التي توحي أن‬
‫المهدي كان في الصل محمدا ً عائدًا‪ .‬وفي الموضننع الول هننذه عقينندة معننزوة لبننن‬
‫سبأ في الطبري )ررررر ‪ ،(2942 :1‬وهي تمتلك كما رأينا أنموذجا ً يهوديا ً طبعًا؛ مع‬
‫ذلك فإن رأي اختصاصيي الهرطقات القائل إن عليا ً هو الذي كننان يتننوقعه إنمننا يبنندو‬
‫وكأنه محاولة لدخال السبأية في الشيعية المتأخرة )من أجل شواهد متنوعة‪ ،‬أنظننر‪:‬‬
‫‪⇒ (I. Friedlander, “Abdallah b. Saba, der Begründer der Si’a, und sein judischer Ursprung,‬‬
‫‪ .(Zeitschrift für Assyriologie und verwandte Gebiete 1909‬ثانيًا‪ ،‬وكما أشار كازانوفا‪ ،‬فالمبدأ‬
‫ميا ً للنننبي سننيبدو معقننول ً لننو أن‬
‫الغريب الذي يقننول إن المهنندي يجننب أن يكننون سن ّ‬
‫خّيل أصل ً كمحمد عائد ) ‪P. Casanova, Mohammed et la fin du Monde:‬‬ ‫المهدي كان قد ت ُ َ‬
‫‪ .(étude critique sur l’Islam primitif, Paris 1911, p. 58‬بل لقد كان لمحمد بن الحنفية ابنة‬
‫تكّنى أم أبيها؛ أنظر‪ :‬ابن سعيد‪ ،‬كتاب الطبقننات‪67 :5 ،‬؛ وقننارن أيض نا ً الهننامش ‪69‬‬
‫اللحق‪ .‬لحظ أيضا ً الستلهام الصريح لسابقة موسوية في التقليد المشننار إليننه آنف نا ً‬
‫)الهامش ‪ 24‬من الفصل الول( المتعلق باعتقاد عمر بعودة النبي‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫ح على السمة المتميزة بننل المتعارضننة‬ ‫السلمية أن نل ّ‬
‫للفكرتين في منتصف القرن الثامن على القل‪ .‬فمننن‬
‫ناحينننة لننندينا المامنننة المتناقلنننة فننني السنننللتين‬
‫الكهنوتيننتين العلويننتين للحسننن والحسننين‪ ،‬اليعيننزر‬
‫وايثامار المخطط السننامري‪ ،‬وتحننرر هنناتين السننللتين‬
‫مننن التلننوث المهنندوي حننتى حقبننة مننا بعنند الثننورة‬
‫العباسية‪ .‬ومن ناحية أخرى لنندينا السننللت مننن خننارج‬
‫دعون ل يمتلكننون أيننة مكانننة‬‫العائلة المقدس‪ .‬وهننم م ن ّ‬
‫داخننل المخطننط السننامري والننذين يبنندوا أن أدوارهننم‬
‫الولية كانت مهدوية ‪.((66‬‬
‫مع ذلك ففي إحدى المراحل‪ ،‬والننتي قنند تكننون فنني‬
‫نصننف القننرن الننذي أعقننب الثننورة العباسننية‪ ،‬راحننت‬
‫الفكرتان المتعارضتان تؤثر كل بالخرى‪ .‬لكن ما يهمنننا‬
‫بشأن هذه العودة للعلقات الودية ليننس سياسننتها بننل‬
‫آليتهننا المفاهيميننة المركزيننة‪ .‬مننن السننمات البننارزة‬
‫للعقيدة والتي تعزوها المصادر السلمية لعبد الله بننن‬
‫سبأ هي تلك التي تقول إن عليا ً وريث محمد وذلك‬
‫في نوع مننن التشننابه الصننريح مننع يشننوع فنني علقتننه‬
‫بموسى ‪ .((67‬وهذا الستخدام للمخطط الموسوي يمتلك‬
‫مفهومين ضمنيين هامين‪ .‬في الموضع الول‪ ،‬لم يكننن‬
‫يشوع مجرد خليفة لموسى‪ ،‬بننل كننان خليفتننه الوحينند‪.‬‬
‫والقول إن عليًا‪ ،‬ليس باعتباره الول في سلسلة كهنة‬
‫عنناليين‪ ،‬بننل باعتبنناره الخليفننة الوحينند للنننبي‪ ،‬كننان‬
‫لتوضيح المستقبل من أجننل مجيننء المهنندي‪ .‬ثانينًا‪ ،‬إن‬
‫اعتبار علي مثل يشوع مناسب ليجعل منه رجل ً علمانيا ً‬
‫غير مرتبط بالنبي‪ ،‬وذلك مقابل‬
‫أخ كهنوتي‪.((68‬‬

‫‪ (66‬ثمننة شنناهد مننن العننام ‪ 768‬يشننير إلننى دمننج العباسننيين بيننن المزاعننم الماميننة‬ ‫)‬

‫والمهدوية‪ :‬قطع العملة المعدنيننة النتي يظهننر عليهنا مصنطلح رر رر للمننرة الولننى‬
‫)أنظر الهامش ‪ 50‬منن الفصنل الول( إنمنا تشنير إلنى وارث ذي حنق ل يننازع فينه‬
‫وذلك بوصفه رررررر رررررر‪.‬‬
‫‪..”Friedlander, “Abdallah b. Saba (67‬‬ ‫)‬

‫‪65‬‬
‫يتضح النقاء القديم لهذه العقيدة عبر الطريقة التي‬
‫تتوضح فيها حقيقة أن عليا ً ل يمكننن أن يكننون هننارون‬
‫ويشوع في آن‪ .‬لكن تعننايش خيننارين متنافسننين لعلنني‬
‫كان سينتهي على الرجح بنوع من الندماج‪ ،‬والمفتنناح‬
‫إلى فهننم الفكننرة السننلمية عننن المامننة هننو تحدينندا ً‬
‫انصننهار الشخصننين الموسننويين‪ .‬فالخليفننة اليشننوعي‬
‫والخ الهاروني دخل في تسوية تجعل من علي ابن عم‬
‫النننبي‪ .((69‬ومننن ناحيننة أكننثر عموميننة‪ ،‬اندمننج الكهنننوت‬
‫البنندي والخلفننة الوحينندة فنني سلسننلة مننن الخلفنناء‬
‫الكهنوتيين إلى حد ما‪ ،‬مع تحديد شيعي متمّيز للخليفننة‬
‫الخير في السلسلة وذلننك باعتبنناره المهنندي‪ .‬وتتوحنند‬
‫مؤهلت المنصب ‪ -‬المعرفة الدينيننة‪ ،‬السننرانية تقريب نًا‪،‬‬
‫دد بشننكل ضننيق تقريب نا ً ‪ -‬مننع‬ ‫دس‪ ،‬المح ن ّ‬ ‫والنسب المق ن ّ‬
‫النموذج الخاص بالسننللة الحاكمننة لسننرمدة الكهنننوت‬
‫السامري العالي‪ .‬لكنن تحدينند هويننة العننرف علننى أنهننا‬
‫كل بقية التلعب المهدوي بشخص‬ ‫خلفة للنبي إنما يش ّ‬
‫عّبر بلطافننة فنني إعننادة تفسننير‬ ‫يشوع‪ .‬عن هذا الدمج ي ُ َ‬
‫لفكرة الخلفة‪ :((70‬فقد صار خليفة الله خليفة لرسننول‬
‫خل ِننق عنن طرينق‬ ‫الله‪ ،((71‬وأول خليفننة منن هننذا النننوع ُ‬

‫‪ (68‬الثر الوحيد للمفهوم علماني يجب أن يكون الرواية الموجننود فنني »رررر ررر«‬ ‫)‬

‫دث عن الملك العظيم الذي ينهض من حضرموت )ابن قطنان( ويقتنل بعند‬ ‫والتي تتح ّ‬
‫فننترة حكننم قصننيرة علننى ينند الرجننال القوينناء أبننناء قينندار )ابننن اسننمعيل(‪Lewis, ،‬‬
‫‪ ،“Apocalyptic Vision” ,p.325‬مع تعيين هوية الملك على أّنه علي في الصفحة ‪.328‬‬
‫‪ (69‬ثمة درجة من التململ في علقة القرابة بين الرجلين يوحي بهننا هننذا الستنسنناخ‬ ‫)‬

‫مد؛ )ب( أم علي؛ )ج( ابنة محمد‬ ‫جدة علي ومح ّ‬ ‫لشخصية فاطمة وذلك باعتبارها )آ(‪ّ :‬‬
‫وزوجة علي‪ ،‬والخيرة تحمل اللقب الملفت للنظر‪ ،‬أم أبيها‪.‬‬
‫‪ (70‬السننمة الكهنوتيننة للخلفننة قبننل إعننادة التفسننير هننذه ل يننوحي بهننا فقننط لقننب‬ ‫)‬

‫وغ‬‫»ررررر رررر« )أنظر الملحظة التالية(‪ ،‬بل القرآن أيضا ً ‪31 - 28 :2‬؛ فما يس ّ‬
‫مكانة آدم رررررر هو امتلكه للمعرفة السرانية‪.‬‬
‫‪ (71‬ل يوجد في أي مصدر قديم ما يشهد على لقب ررررر رر رر ررر ر‪ .‬بالمقابل‪،‬‬ ‫)‬

‫فلقب ررررر رررر يظهر على قطع نقدية من العوام ‪ 690 - 670‬تقريبًا‪.‬‬
‫) ‪J. Walker, A Catalogue of the Arab - Byzantine and Post - Reform Umaiyad Coins, London 1956,‬‬
‫‪(pp. 30f‬؛ وهو يرد أيضا ً )ما لم نشك بتلوث متأخر( في رررر رر ررر رر السننامري‬
‫الماقبل إسلمي‪ ،‬حيث أطلقه موسى أثناء احتضنناره علننى اليعننزر )رررر ر رر رر‪،‬‬
‫صص ‪ .(199 = 121‬لذلك يمكن أن نفترض أن خليفة الله هو الولي‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫اللقاء بزمن وفاة النننبي فنني عننام ‪ (632(72‬وذلننك بعنند‬
‫تهيئة الخليفة في فجوة السنتين‪.‬‬

‫‪ (72‬قارن الصعوبة التي تجدها المصادر المسيحية التي تذكر أن النننبي كننان حينا ً حيننن‬ ‫)‬

‫بدأت الغزوات وذلك في عهد أبنني بكننر )أنظننر النصننوص عننند ميخائيننل السننرياني “‬
‫‪ ”Continuatio Byzantia Arabica‬المشار اليهما أنفا ً في الهامش ‪ 7‬من الفصل الول(‪ .‬ترد‬
‫أولننى الشننارات الننى أبنني بكننر مننن خننارج التقلينند الدبنني السننلمي فنني مصنندرين‬
‫سريانيين يرجعان إلى حقبة حكم الوليد الول )قائمة الملوك الذي نشره المحننرر ج‪.‬‬
‫ب‪ .‬ن‪ .‬لند )‪ (”Ancedota Syriaca, vol. ii, Leyden 1868, p. 11, of the “Addenda‬خطأ‬
‫وتاريخ يعقوب الرهاوي الموجود في )‪(Chronica Minora, pp. 327 = 251‬؛ من أجل حقبة‬
‫تاريخ يعقوب أنظر‪.(Michael the Syrian, Chronique, vol. iv, p 450 = vol. ii, p. 483) :‬‬

‫‪67‬‬
‫‪5‬‬
‫بنابنل‬

‫مع ارتقنناء محمنند إلننى دور نننبي ذي كتنناب وتمث ّننل‬


‫السننتعارات السننامرية‪ ،‬أفسننحت الهاجريننة المجننال‬
‫لشيء يمكننن إدراك إسننلميته‪ .‬يمكننن موضننعة التحننول‬
‫بشكل معقول في نهاية القرن السننابع‪ ،‬وبشننكل أكننثر‬
‫تحديدا ً في زمن حكم عبنند الملننك‪ .‬فمننن ناحيننة‪ ،‬تظهننر‬
‫ديه‪ ،‬الوثائقية والمعمارية مننن هننذه الحقبننة‬ ‫البقايا الن َ ْ‬
‫ق ِ‬
‫سمة دينية جديدة ومؤكدة ‪ .((1‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬تمّيننزت‬
‫الحقبننة فنني التقلينند السننلمي بتنندمير وإعننادة بننناء‬
‫حَرمنننات‪ ،((2‬بالصنننراعات السياسنننية الننندائرة حنننول‬ ‫َ‬
‫ص‬‫المقولت المهدويننة والماميننة‪ ،‬وبمحاولننة فننرض ن ن ّ‬
‫قرآني قياسي ‪ -‬ذكريات تجنند بعننض التأكينند مننن خننارج‬
‫التقليد‪ ،((3‬وهي توحي بقوة بحقبة تغيير ديننني عنيفننة‪.‬‬
‫أكثر من ذلك‪ ،‬فالبحوث المعاصرة ت ُْرجع إلى حقبة حكم‬
‫عبد الملك أصول اللهوت السننلمي‪ .((4‬ولنندينا بالتننالي‬
‫ن خطوط السلم العريضة كما‬ ‫ما يدعونا إلى افتراض أ ّ‬
‫نعرفه الن ظهرت في بدايات القرن الثامن‪.‬‬
‫لكن ل يوجد ما يدعونا لن ندخل في هننذه الخطننوط‬
‫العريضة الثقافة الحاخامية التي هي سننمة بننارزة جنندا ً‬
‫‪((5‬‬
‫ور كهذا‬ ‫للسلم الكلسيكي ‪ .‬ففي الموضع الول‪ ،‬تط ّ‬
‫غيننر محتمننل بننديهيًا‪ .‬فإسننلم عبنند الملننك ظهننر تحننت‬
‫ة سورية‪ ،‬ولم يكن هنالك في الننبيئة السننورية مننا‬ ‫حماي ٍ‬
‫دم لنا النقوش على قبة الصخرة شاهدا ً على المكانننة المسننيانية ليسننوع‪ ،‬قبننول‬ ‫‪ (1‬تق ّ‬ ‫)‬

‫النبياء‪ ،‬تلقي محمد للوحي‪ ،‬واستخدام مصننطلحي »رر ررر« و »رر رررر«‪Vau ) .‬‬
‫‪.(Berchen, Corpus, part two, vol. ii, nos. 215, 217‬‬
‫‪ (2‬لحظ بشكل خاص التقليد القائل إن الوليد الول كتب إلننى كننل المننناطق يننأمرهم‬ ‫)‬

‫بهدم المساجد وتوسيعها‪.‬‬


‫) ‪Kitab al-’uyun wa’l-hada’iq, in M. de Goeje and P. de Jong (eds.) Fragmenta Historicorum‬‬
‫‪.(Arabicorum, vol. I, Leyden 1869, p. 4‬‬
‫‪ (3‬لحظ أيضا ً قرار إبادة الخنازير الذي أصدره عبد الملك )أنظر مث ً‬
‫ل‪Chronica Minora, pp. :‬‬ ‫)‬

‫‪.(232 = 176‬‬
‫‪ (4‬نحن مدينون للستاذ ج‪ .‬فان إس على إتاحة الفرصة لنا كي نطلع علننى نننص بحثننه‬ ‫)‬

‫غير المنشور »التطور الولي للكلم«‪ ،‬الذي قرأه في لقنناء حننول الحقبننة التشننكيلية‬
‫للتاريخ السلمي والذي عقد في اكسفورد في تموز ‪ -‬يوليو ‪ ،1975‬ولخص فيه نتائج‬
‫بحوثه‪.‬‬
‫‪ (5‬قنارئ الصنفحات التالينة النذي هنو غينر معتناد علنى المصنطلحات الساسنية فني‬ ‫)‬

‫اليهودية يجب أن يلحظ أن التعاليم اليهودية مقسمة حسب رررررر ر إلننى هالخننا‬
‫)شرع( وهاغادا )البنناقي(‪ ،‬وبحسننب ررر رر إلىمنندراش )تفسننير الكتنناب المقنندس(‬
‫ومشنا )التقليد الشفوي(‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫يجننبر الهنناجريون علننى توحينند الشننرع المقنندس مننع‬
‫العلمانية المثقفة‪ .‬والرتباط الهاجري السننتهللي مننع‬
‫اليهودية كان قصيرا ً جدا ً في فترته ومسيانيا ً جنندا ً فنني‬
‫محتواه حتى يترك فضالة سكولستية كبيرة‪ .‬بالمقابننل‬
‫فالتخلل البطيء للتأثير الثقافي من الننبيئة المسننيحية‬
‫الغامرة لم يكننن محتمل ً أن ينندفع الهنناجريين فنني هننذا‬
‫التجاه‪ .‬قبل كل شيء‪ ،‬فالسامرية‪ ،‬صاحبة الثر الكبير‬
‫دمت أنموذج نا ً‬ ‫على الهاجرية في حقبتها التشننكيلية‪ ،‬ق ن ّ‬
‫كننان المعننارض الجننوهري للنمننوذج الحاخننامي‪ ،‬وبلغننة‬
‫التجسيد الجتماعي للمرجعية الدينية‪ ،‬تتميننز السننامرية‬
‫بتعاليم سرانية لنخبة كهنوتية وراثيننة؛ وبلغنة المحتنوى‬
‫الفكنننري لهنننذه التعننناليم‪ ،‬فالسنننامرية‪ ،‬منننع تأكيننندها‬
‫الموسوي‪ ،‬ل يبنندو أنهننا كننانت ديانننة هالخيننة بالدرجننة‬
‫ذاتها التي لليهودية‪.((6‬‬
‫في الموضع الثنناني‪ ،‬فننإن دليل ً قاصننرا ً كالننذي لنندينا‬
‫والننذي يتعلننق بالسننمات ذات الصننلة بالهاجريننة ‪ ((7‬إنمننا‬
‫ل‪ ،‬هنالننك‬ ‫يميل لتأكيد هذه السننتدللت بطريقننتين‪ .‬أو ً‬
‫إشارات مننن الجننانب السننلمي إلننى التفاهننة النسننبية‬
‫لصنف الشرع الديني في الهاجرية‪ .‬فالشرع السننلمي‬
‫يحتفظ بذكريات عن قققققق شرعية أموية‪ ،‬لكنه نننادرا ً‬
‫ما يحتفننظ بننأي شننيء يمكننن تسننميته شننرعا ً أموي نا ً‪((8‬؛‬
‫دس الننذي أورثتننه الهاجريننة‬ ‫بالمقابننل‪ ،‬فالكتنناب المق ن ّ‬
‫للسلم كان كتابا ً متواضعا ً على نحو متمّيز في محتواه‬
‫الهالخي‪ .((9‬ثانيًا‪ ،‬من الجنندير بالملحظننة أنننه بقنندر مننا‬
‫توجد إشارات إلى معرفة شرعية‪ ،‬فهي إنما تشير إلننى‬

‫) ‪ (6‬يصعب اعتبار أن ررررر رر ررر رر تمثننل مقاربننة هالخيننة إلننى أسننفار التننوراة‬
‫الخمسة الولى‪ ،‬ويصعب أن يكون أدب الشرع السامري كمننا يظهننر لحق نا ً بالعربيننة‬
‫يوحي بتقليد هالخي محصن وبارز دينيًا‪.‬‬
‫مدية التي أوردها سيبيوس )أنظر ‪ ،(49‬والشننارات‬ ‫بمعزل عن قائمة التحريمات المح ّ‬
‫) ‪(7‬‬

‫ل مننا علننى المصننادر‬ ‫التي نصادفها في موضع آخر حول محتوى الشرع الهاجري‪ ،‬فإن ك ّ‬
‫غير السلمية أن تقوله حول السمة العامة لهنذا الشنرع مفنرغ إلنى حند منا فني ثلثنة‬
‫دس وذلننك فنني الحننوار بيننن‬ ‫مراجع‪ :‬الصرار على أن الشرع مؤسس على الكتاب المق ّ‬
‫البطريرك والمينر )أنظنر الهنامش ‪ 20‬فني الفصنل الثنالث(؛ ذكنر بنار بنكناي لشنرائع‬
‫)رررررر( محمد وتقليده الشفوي )ررررررررر( ) = ‪Mingana, Sources syriaques, pp. 146ff‬‬
‫‪(175‬؛ ومجموعة مصنادر الشنرع الملفتنة للنظننر النتي أوردهنا راهنب بينت حلنه )أنظننر‬
‫الهامش ‪ 12‬من الفصل الثالث(‪.‬‬
‫)‪.J. Schacht, The Origines of Muhammedan Jurisprudence, Oxford 1950, pp. 190ff (8‬‬
‫) ‪. J. Schacht, An Introduction to Islamic Law, Oxford 1964, pp. 10 - 14 (9‬‬

‫‪69‬‬
‫دس يعتمد مباشرة إن لننم يكنن بسنذاجة علننى‬ ‫شرع مق ّ‬
‫‪((10‬‬
‫دس ‪.‬‬ ‫الكتاب المق ّ‬
‫كدون في الواقننع تمامنا ً بننأن السننلم أحننرز‬ ‫نحن متأ ّ‬
‫شكله الحاخامي الكلسيكي في ظل اليهودية البابليننة‪،‬‬
‫وربمننا فنني أعقنناب انتقننال السننلطة مننن سننوريا إلننى‬
‫العراق في منتصف القننرن الثننامن‪ .‬يبنندو أن النمننوذج‬
‫اليهودي مترسخ وذلك عبر الحقيقة القائلة إنه مننا مننن‬
‫دس‬ ‫دم الجمننع ذاتننه بيننن الشننرع المقنن ّ‬ ‫ديننن غيننره قنن ّ‬
‫ع نّزز‬‫م َ‬
‫والعلمانية المثقفة‪ ،‬وهذا التشابه البنيوي العننام ُ‬
‫بدليل من استعارات نوعيننة‪ ،‬أكثرهننا وضننوحا ً الطريقننة‬
‫ومصننطلح قققق ‪ .((11‬الننبيئة البابليننة ل يمكننن أن تكننون‬
‫عرضة للشك‪ :‬فقد كانت بابل فنني هننذه الحقبننة مركننز‬
‫اليهودية الحاخامية الننذي ل يضنناهى‪ ،‬وبالمقابننل فننإلى‬
‫هذه المنطقة عزا البحث من الجانب السننلمي أصننول‬
‫الشرع السلمي‪.((12‬‬
‫بالمقابل فإن موقف المدارس العراقية الولننى مننن‬
‫مصادر الشرع قريب من موقف الحاخامين‪ .‬وعلى نحننو‬
‫خاص‪ ،‬هنالك القبول دون تفكير تقريبا ً بتقلينند شننفوي‬
‫موضوع آليا ً فنني ظننل حمايننة عامننة وذلننك عننن طريننق‬
‫ربطه بالنبي‪ .‬فالحاخامون يرون أن تقليدهم الشننفوي‬
‫عموما ً إنما يرجع إلى موسى‪ ،‬وذلك بحسب المثل الذي‬
‫‪ (10‬من الجانب السلمي‪ ،‬لدينا إصرار غريب على الشننرع ذي السنناس الكتننابي فنني‬ ‫)‬

‫القرآن )‪(52 - 47 :5‬؛ ومن الجانب المسيحي‪ ،‬لدينا مطالبة المير فنني جنندله مننع‬
‫البطريرك بإخباره عن الساس الكتابي للشننرع المسننيحي )أنظننر الهننامش ‪ 20‬مننن‬
‫الفصل الثالث(‪ .‬ل يوجد في الحالتين أي ذكر لصنف التقليد الشفوي )قننارن المكانننة‬
‫الكتابية الغريبة لشبيهة رررر القرآنية؛ أنظر الهامش ‪ 12‬من الفصل الثالث(‪ .‬لحننظ‬
‫أيضا ً أن بديل تاريخ شاو لشمعون الريورداشيري سوف يجعلننه فنني منتصننف القننرن‬
‫السابع )قارن الملحظة ‪ 18‬اللحقة(‪.‬‬
‫‪ .Schacht, Origins, p. 99 (11‬وهكذا ليس من الواضح أبدا ً ما إذا كان شاخت محقا ً فنني‬ ‫)‬

‫اشتقاق فكرة ررر رر العلماء منن مفهنوم ‪) opinio prudentium‬رررر رر ررر ررر‪،‬‬
‫ررررررر‪ ،‬ص‪ (20‬وليس من الفكار اليهودية التي يمكن مقارنتها معه )أنظر علننى‬
‫سبيل المثال‪ :‬التلمود البابلي‪ ،‬رررررر‪ ،‬الورقة ‪9‬آ‪ ،‬من أجل المبدأ‪ ،‬والورقننتين ‪2‬آ و‬
‫‪2‬ب من أجل التطبيقات(‪ .‬ليس هنالك عوز طبعا ً للثر اليهودي على الشرع الساسي‬
‫للسلم في سماته الكثر دينية )أنظر على نحو خاص‪A. J. Wensinck, “Die Entstehung :‬‬
‫‪ .(der muslimischen Reinheitsgesetzgebung, Der Islam, 1914‬نحن ندين للدكتور م‪ .‬كسيتر‬
‫في لفت أنظارنا إلى هذه الدراسة‪ .‬من أجل ماسيلي‪ ،‬أنظر أيضا ً الملحق‪.‬‬
‫‪ .Schacht, Origins, p.p. 220f (12‬رغم ندرة الدلئل حول السننمة العينيننة للعلقننات بيننن‬ ‫)‬

‫الطائفتين‪ ،‬يوحي الشعاع الغريب بين اليهودية والسلم والذي يشهد عليننه الشننيباني‬
‫)أنظر‪I. Goldziher, “Usages juifes d’apres la littérature religieuse des musulmans, Revue des :‬‬
‫‪ (études juives 1894, pp. 91f‬بوجود وسط محتمل لنتقال الفكار من طرف إلى آخننر‪.‬‬
‫لحظ أيضا ً كيف أن فكرة رررررر ررر رررررر موجهة عملينا ً ضند اليهننود وليننس‬
‫ضد المسيحيين )المصدر السابق‪ ،‬ص‪.(80‬‬

‫‪70‬‬
‫يقول إن »كل التوراه ‪ ((13‬هي هالخا موسوية من سيناء‬
‫‪ .«((14‬كذلك فالمشرعون العراقيون يسننتخدمون »سننّنة‬
‫النننبي« لضننفاء تصننديق عننام مشننابه علننى تقلينند‬
‫مدرسننتهم الحي‪ .((15‬فنني الننوقت ذاتننه يظهننر أن دور‬
‫الكتاب المقدس في الشرع السلمي الولي كان فنني‬
‫الحدود الدنيا‪ ،((16‬وهو مننا يعكننس علننى الرجننح توحينندا ً‬
‫‪(1‬‬
‫لنموذج مشنائي مبسط مع الظهور المتننأخر للقننرآن‬
‫‪ .(7‬وهكذا فثمة مننا يغننوي المننرء كنني يقننول إن هالخننا‬
‫العننراق بننريئة مننن الكتنناب المقنندس مثلمننا أن كتنناب‬
‫سوريا المقدس بريء من الهالخا‪.‬‬
‫أنهيت هذه البراءة بعنف عبر الجلبة داخل الدين حول‬
‫مكانة التقليد الشفوي والتي ظهرت في النصف الثنناني‬
‫من القرن الثامن‪ .‬كان هذا الجدل حندثا ً ذا أهميننة كنبيرة‬
‫عند الجماعتين اليهودية والمسلمة على حنند سننواء‪ ،‬بننل‬
‫يبدو أن عدواه انتقلننت الننى أهننم جماعننة مسننيحية فنني‬
‫بابننل‪ ،‬أل وهنني النسنناطرة ‪ .((18‬ففنني كننل مننن اليهوديننة‬

‫أي الشفوي والمكتوب على حد سواء‪.‬‬ ‫‪(13‬‬ ‫)‬

‫‪ .Gerhardsson, Memory and Manuscript, Uppsula 1981, p. 82n‬قارن أيضا ً الفكرة القائلة إنه‬ ‫‪(14‬‬ ‫)‬

‫حتى كلمات أحد التلمذة الماهرين بحضور معلمه إنما هي معطاة فوق سيناء )المصنندر‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.(n 173‬‬
‫ً‬
‫‪ Schacht, Origins, pp. 44, 76 (15‬؛ قارن أيضا الصفحتين ‪ 70‬و‪ 72‬من المصدر السننابق‬ ‫)‬

‫حول الوزاعي‪ .‬قارن أيضا ً إصرار الشافعي أن الراء غير المنقولة فعليا ً عن النننبي ل‬
‫يمكن النظر إليها بأن ترجع إليه ضمنيا ً )رررررر رررررر‪ ،‬ص‪.(80‬‬
‫‪. Schacht, Origins, pp. 224 - 7 (16‬‬ ‫)‬

‫كل السنناس الكتننابي الكلسننيكي‬ ‫‪ (17‬وهكذا رغم حقيقة أن الوصية القرآنية ‪ 10:60‬تشن ّ‬ ‫)‬

‫الذي ل ي َُتحدى لتحريم زواج النساء المسلمات من غير المسلمين‪ُ ،‬يقال إن ابن مسننعود‬
‫كان فقط ررررر أخته أن تتزوج مسلمًا‪ ،‬سواء أكان روميا ً أحمر أو حبشننيا ً أسننود‪ ،‬دون‬
‫إشنارة إلنى هنذه الوصنية القرآنينة أو غيرهنا )عبند اللنه بنن أحمند بنن قدامنة‪ ،‬رر رر‬
‫رررررر‪ ،‬تحرير رشيد رضا‪ ،‬القاهرة ‪ .(372:7 ،1930 - 1922‬بالمقابل‪ ،‬فمن الصعب‬
‫أن نتخيننل كيننف أن إرضنناء الحننديث ر رررر فنني أن اعتننناق عقوبننة الرجننم للبننالغين‬
‫دس ُأمكن له أن يخرج مننن وسننط‬ ‫المتزوجين مقابل النحراف اليهودي عن كتابهم المق ّ‬
‫عرف القرآن ومطلبه الواضح بالجلد‪ .‬قارن‪G. Vajda, “Juifs et musulmans selon le hadit”, ) :‬‬
‫‪ .(Journal asiatique 1937, pp. 930 - 99‬وبما أنه كانت هنالك محاولت بعد ذلك لتطبيق هذه‬
‫عننم أنننه محننذوف مننن‬ ‫السمة العنيفة للعلج‪ ،‬فقد تم اختراع إقننرار قرآننني بننالرجم ُز ِ‬
‫المخطوط‪.‬‬
‫‪ (18‬هنالك عملن تشريعيان نسطوريان مننن فننارس‪ ،‬أّرخهمننا محررهمننا الول بشننكل‬ ‫)‬

‫نهائي والخر على نحو غير محدد على أنهما يرجعان إلى النصننف الثنناني مننن القننرن‬
‫الثامن‪،(Schau, Syriche Rechtbücher, vol. iii, p. ix (Ishobokht), xixf (Simen of Réwardashir ) .‬‬
‫واللذان يتضمنان مقدمات دفاعية حول مكانة الشرع المسيحي )ررررر( )ص نص ‪-2‬‬
‫‪،32‬ن ‪ .(35-210‬السننياق الجنندلي العننام واضننح مننن إيننراد ايشننوبخت لزعننم اليهننود‬
‫ورررر ررر )المسلمون هنا كمننا هننو مفننروض( الننذي مفنناده أن المسننيحيين ليننس‬
‫لننديهم رر ر )ص نص ‪ .(21 = 20‬وفنني حيننن يميننل ايشننوبخت إلننى التأكينند علننى‬
‫النتينومانيزم ‪] Antinominianism‬العتقاد أنننه ل حاجننة للشننرع لن الخلص هوباليمننان‬

‫‪71‬‬
‫والسلم‪ ،‬برز تحدّ لطريقة التفكير الراسخة وذلننك عننبر‬
‫رفض كامل للتقليد الشفوي لصالح أساس كتنابي وحيند‬
‫دس‪ .‬من الجانب اليهودي‪ ،‬أخذ هننذا الرفننض‬ ‫للشرع المق ّ‬
‫شكل القّرائية‪ .‬ومن الجانب السلمي‪ ،‬يظهر في صنيغة‬
‫عقيدة اعتزالية أولى ‪.((19‬‬
‫إذا كانت القضية هي ذاتها عند كل الطننائفتين‪ ،‬فقنند‬
‫كانت المصادر المتاحة للجماعتين المتعارضتين مختلفة‬
‫للغاية‪ .‬ففي الحالة اليهودية‪ ،‬كان الحاخننامون معتننادين‬
‫علننننى أن ينسننننبوا تقلينننندهم لموسننننى كمننننا كننننان‬
‫باستطاعتهم إيراد سلسلة من السناد لتوطيد موثوقية‬
‫النقل‪((20‬؛ وهننذه السلسننلة كننانت مصننقولة كمننا يجننب‬
‫لمواجهة التحدي القّرائي‪ .((21‬لكن الحاخامين لم يكونوا‬
‫في موقع يؤهلهم للمضي بهذه الطريقة بالنسبة لكننل‬
‫فقرة إفرادية مننن التقلينند‪ .‬فتاريننخ نقلننه بيننن موسننى‬
‫والحاخامين كننان قنند اسننتحوذت عليننه مقننولت والننتي‬
‫كانت موحدة بشكل أخرق للغاية بحيننث يمكننن اعننتراف‬
‫بهكننذا تفريننق‪ .‬مننن هنننا جنناء البعنند التلمننودي للعلننم‬
‫الحاخامي‪ ،‬محاولة الغمارا لتوطيد أسس الرأي القننائل‬
‫إن الفقرات الفرادية لم تكن متساوقة تبادليا ً فحسننب‬
‫قّرة كتابيا ً أيضا ً‪ .((22‬ولن الحاخامين كانوا يمتلكون‬ ‫م َ‬
‫بل ُ‬
‫مجموعة ضخمة ومتنوعة من السفار المقدسة مع كننم‬

‫وحده[ الفطري في المسيحية وبالتالي إلى إنكار الحاجة إلننى شننرع منندني مسننيحي‬
‫دد )أنظننر علننى سننبيل المثننال المقطننع المشننار إليننه للتننور‪ ،‬وقننارن مننع مقدمننة‬
‫مح ّ‬
‫البطريرك تيموثاوس لكتابه التشريعي من عام ‪805‬؛ المجلد ‪ ،ii‬ص‪ ،(55 = 54‬فإن‬
‫شمعون يميل إلى توفيقية أكثر وضوحًا‪ :‬فهو يقدم ما كان يعتبر إرث نا ً تشننريعيا ً أرضننيا ً‬
‫أساسا ً وذلك باعتباره التقليد الشفوي المسيحي شكليا ً )المصدر السابق‪ ،‬المجلنند ‪،iii‬‬
‫صص ‪ ،(4 - 232 = 233‬ويدافع بوضوح عن هذا التقلينند الشننفوي وذلننك بوصننفه‬
‫المقابل للساس الكتابي للشرع المسيحي )صص ‪ .(4 - 230 = 3-231‬قارن أيضا ً‬
‫الهتمام بين العيلميين بمصادر الشرع المسيحي في الحقبة ذاتها ) ‪O. Braun, (ed. and‬‬
‫‪tr.), Timothei Patriarchae I Epistula, I (= CSCO, Scriptos Syri, vol. xxxf), Louvain 1914 f., pp. 102‬‬
‫‪(- 6 = 67 - 9‬؛ الرسالة موضع الهتمام يعيد تاريخها ر‪ .‬ج‪ .‬بيداويد إلى العوام ‪- 795‬‬
‫‪ 798‬وذلك في عمله ) ‪ .(Les Lettres du patriarche nestorien Timothée I, Rome 1956, p. 74‬ل‬
‫يوجد أثر من اهتمام كهذا في العملين اللذين نشرهما شاو واللننذين يعننودان إلننى مننا‬
‫قبل القرن الثامن‪.‬‬
‫‪ (19‬حيث يستشهد )‪ (Schacht, Origins, pp. 40 f‬بالشافعي في مسألة أهل الكلم؛ ‪J. van‬‬ ‫)‬

‫‪Ess, “Ein unbeckanntes Fragment des Nazzam”, in Der Orient in der Forschung: Festsschrift für‬‬
‫‪.Otto Spies, Wiesbaden 1967‬‬
‫‪ (20‬هذه السلسلة موجودة في الرسالة المشنائية رررر‪.‬‬ ‫)‬

‫‪ (21‬أنظر‪،Abraham ibn Daud, The Book of Tradition, ed. and tr. G. D. Cohen, London 1967 :‬‬ ‫)‬

‫خاصة مقدمة الناشر‪.‬‬


‫‪ (22‬هذه الفعالية ليست غير مقدمة طبعا ً في المشنا ذاتها‪.‬‬ ‫)‬

‫‪72‬‬
‫ل بأس به من المحتوى الهالخي‪ ،‬فقنند كننانت الفننرص‬
‫لثبات كهذا غنية تمامًا‪.‬‬
‫يمكن لنا أن نبرهن الن أن قق رفض أصولي للتقليد‬
‫ل يحتاج بحسب مكوناته إلى أكننثر مننن أن يوجنند ضننمن‬
‫دس‪ .‬حننتى ذلننك الحنند‬ ‫المعاني المستحاثية للكتاب المق ّ‬
‫فننالفرق بيننن الرفضننين اليهننودي والسننلمي يقننول‬
‫ببساطة إنننه حيثمننا يجنند الول تلقيمننه فنني المسننيانية‬
‫القمرانية‪ ،((23‬يجدها الخننر فنني العقلنيننة اليونانيننة‪.((24‬‬
‫لكننن ليسننت كننل السننفار المقدسننة سننهلة النقينناد‬
‫لغراض الصوليين على نحو متعادل‪ ،‬وفي هذه الحالننة‬
‫فننإن اختلف الموقننف بيننن المجموعننتين حاسننم لكننن‬
‫ليس دون اختلف في حسننمه‪ .‬وفقننط لن الحاخننامين‬
‫كننان لننديهم المصننادر الكتابيننة ققق ققققق‪ ،‬اسننتطاع‬
‫مناوؤهم من القّرائين أن يأملوا بإضفاء موقف شرعي‬
‫قابل للتطبيق على ما يمكن للمرء أن يدعوه اخننتزالهم‬
‫المشنننا إلننى منندراش‪ .‬وهكننذا فالسننفار العبرانيننة‬
‫ملننة للغايننة بثقننل التمثيننل القياسنني‪،‬‬ ‫دسننة‪ ،‬المح ّ‬
‫المق ّ‬
‫كننانت كافيننة للحفنناظ علننى فعاليننة القّرائيننة كنندين‬
‫ل حظ نًا‪ :‬فكتننابهم‬ ‫هالخي‪ .((25‬لكننن المعتزلننة كننانوا أق ن ّ‬
‫المقنندس كننان أقصننر‪ ،‬أقننل تنوع نًا‪ ،‬أقننل فنني محتننواه‬
‫الهننالخي‪ ،‬والسننللة الناتجننة تظهننر بطريقننتين‪ .‬فمننن‬
‫(‬
‫ناحية‪ ،‬يبدو الشرع المعتزلي وكأنه جذر كله دون فروع‬
‫‪ :(26‬فهننم يحنناولون إجهنناد السننس الكتابيننة للشننرع‬
‫بالعقل‪ ،‬وينتهون بالعقل عوضا ً عن الشرع‪ .‬ومن ناحية‬
‫أخرى‪ ،‬فالرفض الكامل للتقليد الشننفوي ذاتننه يختفنني‬
‫‪Paul, Ecris de Qumran et sectes juives aux premiers siecles de l’Islam. Recherches sur (23‬‬ ‫)‬

‫‪.l’Origine du Qaraisme, Paris 1969‬‬


‫‪ (24‬نحن نفترض هنا أن المذهب العتزالي كان في الموضع الول أحد نماذج اللهوت‬ ‫)‬

‫ة مننن‬‫وبدرجة ثانوية فقط كان موقفا ً مننن مصنادر الشننريعة‪ .‬وبموقننف أكننثر اسننتهاني ً‬
‫تاريخية المصادر السلمية‪ ،‬باسنتطاعة المننرء قلنب النتيجنة طبعنًا‪ :‬قنارن المصنطلح‬
‫رررررر مع إصرار عنان بأن أتباعه يعزلون )ررر( أنفسهم عن أولئك الذين حولهم‪.‬‬
‫الشارة‬ ‫قارن‬ ‫)‪.(N. Wieder, The Judean Scrolls and Karaism, London 1962, pp. 154f‬‬
‫الحاخامية من القرن العاشر الى »المعتزلين)ررر ررر(مننن ابننناء اسننرائيل« الننذين‬
‫تعاهدوا مع »المعتزلين من ابناء اسمعيل« فيما يخص بداية الشهر ) ‪J.Mann,in Hebrew‬‬
‫‪ (Union College Annual 1937f.,pp.442=422‬ولحظ كيف صار المعتزلة بالنسبة لبن قتيبة‪،‬‬
‫وليس بالنسبة للشافعي‪ ،‬رر ر رررر ر الذين يهتمننون بالنقديننة العقلنيننة للتقالينند )‬
‫‪.(Schacht, Origins,p.45‬‬
‫‪ (25‬لكن ما عليك إل ّ أن تلحظ كيف كان بنينامين النهاوننندي‪ ،‬فنني الجيننل الننذي سننبق‬ ‫)‬

‫وصول القّرائية إلى شخصيتها القمرانية الجديد‪ ،‬يتسّلل إلى داخل العننادات المألوفننة‬
‫للشرع الرباني‪.(Paul, Ecrits de Qumran, p. 87) .‬‬
‫‪ (26‬من أجل الفشل في تقديم شرح معتزلي عيني أنظر‪Schacht, Origins, p. 258 :‬‬ ‫)‬

‫‪73‬‬
‫من مذاهب المدرسة ‪ . ((27‬كان الشرع السلمي سننعيدا ً‬
‫دائما ً في وضننع ذاتننه تحننت حمايننة قرآنيننة عامننة؛ لكننن‬
‫اخننتزال المشنننا فقننرة فقننرة إلننى منندراش هننو فقننط‬
‫عملية غير ملئمة في السلم‪.‬‬
‫بالمقابل‪ ،‬فالحاخامون المسننلمون كننانوا فنني وضننع‬
‫هلهننم كنني‬ ‫أفضل بكثير مننن نظرائهننم اليهننود والننذي أ ّ‬
‫دي الصننولي‪ .‬فتاريننخ نقننل التقلينند‬ ‫يسننتجيبوا للتحنن ّ‬
‫الشفوي بين النبي وعلماء القرن الثامن كان مننا يننزال‬
‫لدنا ً بطريقة مرضية‪ .‬وكان ممكن نا ً بالتننالي النندفاع عننن‬
‫التقليد الشفوي فقرة فقرة‪ ،‬وذلك بإرجاع كننل عنصننر‬
‫إفرادي إلى النبي عننبر سلسننلة أسننناد مناسننبة‪ .‬ففنني‬
‫حين فشل الصوليون فنني اخننتزال المشنننا السننلمية‬
‫إلى مدراش‪ ،‬كان علماء التقليد قادرين علننى تمجينندها‬
‫عننبر تكننثير السننناد‪ ،‬فنقديننة قققق ققق هنني قققق ققق‬
‫السلمية‪.((28‬‬
‫يمكننن بالتننالي النظننر إلننى انتصننار الحننل الشننافعي‬
‫لمشكلة التقليد كاستجابة مناسبة لمنطق الحالة‪ .‬لكنننه‬
‫كان أكثر من ذلك‪ .‬فالقبول السناذج بالتقلينند الشنفوي‬
‫بين المشّرعين العراقيين الوائل‪ ،‬ورفضه الكامل بيننن‬
‫المعتزلة‪ ،‬يكشفان على حد سواء عن العتماد الهاجري‬
‫القديم على النمنناذج غيننر السننلمية‪ ،‬وهنني فنني هننذه‬
‫الحالننة النمنناذج اليهوديننة‪ .((29‬نجنند الن أن أول ظهننور‬
‫‪(3‬‬
‫ل الشافعي‪ ،‬مثله مثل الكثير غيره‪ ،‬كان فنني بننابل‬ ‫لح ّ‬
‫‪(0‬؛ ويمكن ربطه بأسلوب هامشي بأفكار حاخامية أقدم‬
‫منه‪ .((31‬مع ذلك تظل الحقيقة أنه دون سابقات يهودية‬
‫)‪Schacht, Origins, p. 259 (27‬؛ قارن أيضًا‪J. van Ess, “Dirar b. ‘Amr und die “Cahmiya”. :‬‬
‫‪.Biographie einer vergessenen Schule”, Der Islam 1968, pp. 43 - 6‬‬
‫‪ (28‬المساواة ليست فقط مفاهيمية مجردة‪ :‬ففي حين تعتمد مشنننا المسننلمين علننى‬ ‫)‬

‫سلسلة من الموثوقين )ررررر(‪ ،‬تعتمد مشنا اليهود على آية مننن الكتنناب المقنندس‬
‫)رررررر(‪.J. Horovits, ‘Alter und Ursprung des Isnad’. Der Islam 1918, p. 74 .‬‬
‫جل بظهننور الحركنة القرائينة‪ ،‬رغنم سنابقاتها‬ ‫‪ (29‬ما لم يكن طبعا ً أن تأثيرا ً إسلميًا‪ ،‬ع ّ‬ ‫)‬

‫اليهودية العقائدية )أنظر الملحق(‪.‬‬


‫‪.Schacht, Origins, p. 28 (30‬‬ ‫)‬

‫‪ (31‬يمكننن تقننديمه كقننرار يهنندف إلننى أن يطبننق علننى الجميننع دون اسننتثناء الفكننرة‬ ‫)‬

‫المشنائية حول هالخا موسوية من سيناء‪W. Bacher, Tradition und Tradenten in den ) .‬‬
‫‪ ،(Schulen Palastinas und Babyloniens, Leipzig 1914, chapter3‬بالشننتراك مننع الحكمننة‬
‫التلمودية القائلننة‪» ،‬إذا اسننتطعت اقتفناء أثننر سلسننلة السنناد وصنول ً إلنى موسننى‪،‬‬
‫فافعل ذلك« ) ‪ .(Horovits, “Alter und Ursprung des Isnad, p. 46‬ويمكن النظر إليه باعتباره‬
‫نقطة الوج لتيارات كانت فاعلة بين الحاخننامين آنننذاك )مننن أجننل الميننل المننورائي‬
‫لتوسيع مجال تطبيق فكرة هالخا موسوية من سيناء‪ ،‬أنظننر‪Tradition und Tradenten, :‬‬

‫‪74‬‬
‫أساسننًا‪ .‬فقنند أحننرز الهنناجريون حل ً جدينندًا‪ ،‬مسننتقل ً‬
‫ل‪ ،‬لحنندى معضننلت الوحدانيننة المثقفننة؛ وبهننذا‬ ‫وفنناع ً‬
‫وصلت تابعيتهم غير المبجلة للشعوب التي غزوها إلننى‬
‫نهايتها أخيرًا‪.‬‬
‫لكننن التطننور الننذي أحننرز بننه السننلم هننذا التمّيننز‬
‫الكاديمي كان أيضا ً النكار النهائي لصننوله الخلصننية‪.‬‬
‫فحين ترك الهاجريون في مسننار المغننامرة المسننيانية‬
‫الصلية شبه جزيرة العرب‪ ،‬فقد فعلوا ذلك كنني يصننلوا‬
‫إلى هدفهم‪ ،‬كي يرسخوا أقنندامهم فنني أرض موعننودة‬
‫والتي كانت ملكا ً لهم‪ ،‬كنني يسننتمتعوا بحننق إرث مؤكنند‬
‫إلهيًا‪ .‬وفسح الخلص اليهودي المجننال بالتننالي للنسننخ‬
‫السامرية‪ :‬الكنناهن العلننى أخننذ مكننان المسننيا‪ ،‬الحننرم‬
‫البراهيمي أخذ مكان حننرم القنندس‪ .‬كننان انتقننال ً إلننى‬
‫عر اللحظنني إلننى‬ ‫ركننن أدنننى مقامننًا‪ ،‬تحننول ً مننن ال َ‬
‫سنن َ‬
‫الستمرارية المؤسساتية‪ ،‬لكنه بحد ذاته لننم يكننن أمننرا ً‬
‫غير سعيد‪ .‬فالسامرية ليست ديانة نفي‪ ،‬والرتباط بين‬
‫حرمها وكهنوتها‪ ،‬مهما بدا متكلفا ً بالمعنى الكتننابي‪،((32‬‬
‫سننر هننذا الرتبنناط فنني‬ ‫قديم وحميم‪ .‬مننع ذلننك فقنند ك ُ ِ‬
‫السلم‪ .‬فمتطلبات السياسة اسننتدعت وجننود عاصننمة‬
‫هاجرية في القاليم المغزوة‪ ،‬سياسة ديانة تطّلبننت أن‬
‫يكون موقعها فنني أعمنناق الجزيننرة العربيننة‪ .‬وربمننا أن‬
‫معاوية لم يلبس تاجًا‪ ،‬لكنه لم يكن راغبنا ً بننالعودة إلننى‬
‫كرسي محمد‪ .((33‬ويبدو أنه في إحدى المراحل كان ثمة‬
‫اهتمام معين باسننترداد الرتبنناط‪ .‬ومهمننا كننانت درجننة‬
‫المصداقية التي يمكن أن نعزوها للتقاليد التي تتحنندث‬
‫عن محاولة عبد الملك نقل الحجر إلننى القنندس‪ ،‬فقبننة‬
‫الصخرة هي مبنى عواصمي معماري نا ً‪ .((34‬ومقابننل هننذا‬
‫اليحاء بمحاولة أمويننة براغماتيننة لحضننار الحننرم إلننى‬
‫‪ .(pp. 41 f‬من أجل تنقيننح اثنيننن مننن أسننناد المشنننا الموسننوية النوعيننة الثلثننة فنني‬
‫التوسفتا والتلمود‪ ،‬أنظر رررررر رررررر‪ ،‬صص ‪ 25‬ومننا بعنند؛ مننن أجننل التطننوير‬
‫العام للسناد في رسالة رررر التلمودية في الكتاب المتأخر رررر ررر ر ررر رر‪،‬‬
‫)أنظر رررر رر ررر ررر‪ ،‬ص‪ .(27‬مع ذلننك يبقننى أن فكننرة هالخننا موسننوية مننن‬
‫سيناء كانت أساسا ً سهما ً أخيرا ً في جعبننة الحاخننامين حيننن تخننذلهم مصننادر الكتنناب‬
‫المقدس )رررررر رررررر‪ ،‬صص ‪ 34‬وما بعد(‪ ،‬والسناد الموسننوية القليلننة الننتي‬
‫لفقها الحاخامون تبدو بائسة نوعا ً ما إذا عايرناها بموازين نقدية السناد السلمية‪.‬‬
‫‪J. D. Purvis, The Samaritan Pentateuch and the Origion of the Samaritan Sect, Cambridge, (32‬‬ ‫)‬

‫‪.Mass, 1968‬‬
‫‪ .Chronica Minora, pp. 71 = 56 (33‬قارن الروايات في التقليد السلمي حول محاولته‬ ‫)‬

‫نقل منبر النبي إلى سوريا‪G. R. Hawtig, “The Umayyads and the Hijaz, in Proceedings of ) .‬‬
‫‪.(the Fifth Seminar for Arabian Studies, London 1972, pp. 42 f‬‬

‫‪75‬‬
‫الكهنوت العلى يمكن وضع التصننميم الطوبنناوي لبننن‬
‫الزبير لخذ الكهنوت العلى إلى الحرم‪ .‬لكننن مننن ذلننك‬
‫الحين فصاعدا ً صار الصدع قطعيًا‪.‬‬
‫س نَبوية )مننن سننبي( فنني‬ ‫كانت النتيجة إدخال صننفة َ‬
‫دسننة‬ ‫العلقة بين المرجعية السياسية والجغرافيننا المق ّ‬
‫في الهاجريننة‪ .‬وحيننن أدت الثننورة العباسننية إلننى نقننل‬
‫الكهنوت العننالي مننن سننوريا إلننى بابننل‪ ،‬كننانت خشننبة‬
‫‪(3‬‬
‫المسرح مهيأة لنحطاطه النهائي إلى جالوتية مجردة‬
‫‪ ،(5‬إلى ظل لحد الظلل‪ ،‬وللختفنناء أخيننرا ً علننى أينندي‬
‫المغول بصحبة نظيره اليهودي‪ .‬وحتى عننند المنناميين‪،‬‬
‫فقد نقل الكهنننوت العننالي غيننر الفاعننل سياسننيا ً مننن‬
‫عاصمته العلوية إلننى السننر البننابلي‪ ،‬وتضنناعف السننر‬
‫فننني أحننند المسنننارات عنننبر إختفننناء كنننان متسننناميا ً‬
‫‪ transcendental‬بالفعننننل‪ .‬أمننننا أولئك الشننننيعة الننننذين‬
‫استمروا في النظر إلى حقيقة الكهنوت العالي كقيمة‬
‫ل أمننامهم بننالطبع بننديل أسننر‬ ‫دينيننة مركزيننة‪ ،‬فقنند ظن ّ‬
‫بابلي مضاعف مع خننروج إلننى قمننم الجبنال الخروجيننة‬
‫في قزوين أو اليمن‪ .‬لكن في بابل ذاتها كانت القيمننة‬
‫‪ -‬المفتنناح للسياسننة الدينيننة هنني اسننتمرارية يائسننة‬
‫‪(3‬‬
‫للستكانة الحاخامية في وجه حكومة غريبة أو مرتجلة‬
‫‪ . (6‬وهكذا فالتطور الديني الطويل والمعقد للهاجريين‬
‫لم يكن دون استدارية تهكمية‪ .‬فقنند بنندأت أوديسننيتهم‬
‫م إلغنناء الحننرم‬ ‫الدينيننة وانتهننت‪ ،‬وفنني الصننيرورة تنن ّ‬
‫السامري فنني شننبه جزيننرة العننرب والكهنننوت العننالي‬
‫ور مأساوي أيضا ً‬ ‫السامري في سوريا‪ .‬لكن كان ثمة تط ّ‬
‫فننني السنننتدارية الظاهرينننة‪ .‬فقننند فسنننحت يهودينننة‬
‫فلسطين الخلصية الدرب أمام يهودية بابل الكاديمية‪،‬‬

‫‪ (34‬من أجل المباني الموية الخرى التي ما تزال موجودة فنني القنندس‪ ،‬أنظننر‪The “ :‬‬ ‫)‬

‫‪Omayyad Strauctures near the Temple Mount”, published with B. Mazar, “The Excavations in the‬‬
‫‪.Old City near the Temple Mount”, Jerusalem 1971‬‬
‫دمها الفلكيون والننتي يخبرنننا عنهننا‬
‫) ‪ (35‬قارن الملحظات المليئة باللمز والتعريض التي ق ّ‬
‫البيروني‪ ،‬القائلنة إن سنلطة الخليفنة العباسني صنارت روحانينة صنرفة وذلنك بحسنب‬
‫طريقة الجالوت اليهودي‪W. Madelung, “The Assumption of the Title Shahanshah by the Buyids ) .‬‬
‫‪.(and “The Reign of Daylam (Dawlat al-Deylam)””, Journal of Near Eastern Studies 1906 bis, p. 98‬‬
‫)‪ (36‬أنظر على سبيل المثال‪I. Goldziher, “Muslems Studies, London 1967, 1971, vol. ii, pp. 93 - :‬‬
‫‪ .7‬ل يمكن أن يكون هنالك تدميرا ً لمقولة الفنداء أكنثر مناسنبة منن تلنك الروايننة النتي‬
‫يقدمها الكّتاب المسلمون حول تزكية اللننه لموسننى طيلننة منندة حكننم فرعننون‪» :‬أثننناء‬
‫حكمه ُيبقي الدروب آمنة«‪ ،‬الخ‪A. K. S. Lambton, Islamic Mirrors for Princes, in Atti del ) .‬‬
‫‪.(Convegno Internazionale sul tema: La Persia nel Medioevo, Rome 1971, pp. 453, 437‬‬

‫‪76‬‬
‫وبشارة صهيون فسحت الدرب أمننام سننلم بابننل‪ .‬لقنند‬
‫هجر الهاجريون المسيا فقط كي ينتهي بهم المر مننع‬
‫قق اليهودي فقننط كنني ينتهننوا‬ ‫جالوت‪ ،‬ورفضوا قققق ق‬
‫في قققققققق ذاتها‪.((37‬‬
‫كان هنالك بالطبع فننرق حاسننم‪ :‬فالهنناجريون كننانوا‬
‫جان أنفسهم‪ ،‬وسبيهم حتى تلك الدرجننة كننان سننبيا ً‬ ‫س ّ‬
‫ً‪((38‬‬
‫أفضل يقينيا ‪ .‬وظلوا يمتعون بخصال الشرف‪ ،‬الحب‪،‬‬
‫الطاعة‪ ،‬وقوافل الصدقاء‪ .‬ورغم إحراق حرمهننم فنني‬
‫مننر الهيكننل‬ ‫مر كمننا دُ ّ‬ ‫إحنندى المناسننبات‪ ،‬إل أنننه لننم ي ُندَ ّ‬
‫مكننة‪ .‬ورغننم‬ ‫قققق‬‫اليهوي‪ :‬لم يصبحوا قط بالفعل قق ق‬
‫وفهم‪ ،‬فقد حافظوا علننى بقيننة حماسننة والننتي‬ ‫كل تص ّ‬
‫عل فنني وقننت بعينننه عننن‬ ‫أمكنها حتى بين الئمة أن ت ُ ْ‬
‫ف ّ‬
‫عننم السننبي‬ ‫طريق خطر حكم كافر‪ .((39‬لكننن إذا كننانت ن ِ َ‬
‫المفروض ذاتينا ً أساسننية‪ ،‬فتكاليفهننا ذهبننت نحوأعمننق‬
‫العماق‪ .‬لقنند ذهننب اليهننود إلننى السننبي فاقنندين كننل‬
‫شيء بسبب الحقد الغامر لحدى القننوى الكننافرة؛ وإذا‬
‫كننان السننبي عقابنا ً لهننم علننى خطاينناهم‪ ،‬فننالله علننى‬
‫القل أرسل ققق قققققق كي يعنناقبوهم‪ .((40‬إن مجمننل‬
‫الحرمان تحديدًا‪ ،‬وسمته الخارجية المنشأ أساس نًا‪ ،‬كانننا‬
‫يعنيان أن اليهود لديهم التطهير والمل‪ .‬لكننن المغننول‬
‫جاءوا متأخرين جنندا ً كنني يننؤدوا خدمننة كهننذه للقتصنناد‬
‫الشعوري للسلم‪.‬‬
‫دون تطهير‪ ،‬كنان الماضنني مفسندًا‪ .‬وغيننر العننرب ل‬
‫توجد سوى شعوب قليلة تستطيع أن تدعي وجود تاريخ‬
‫ناجح إلى درجة مريعة وذلك فنني الحقبننة الممتنندة مننن‬
‫الغننزوات الولننى حننتى سننقوط المننويين؛ مننع ذلننك‬
‫فالمصادر الكلسيكية تتنفس هواء خيبنة فنأل مطلقنة‪.‬‬
‫‪ (37‬قارن سابقًا‪ ،‬هامش ‪ 33‬ف ‪.4‬‬ ‫)‬

‫‪ (38‬لكن ليس بالطبع في الحالة المامية‪ ،‬حيث استرداد الغيتو يبدو كام ً‬
‫ل‪ :‬بل إن كاتبننا‬ ‫)‬

‫إماميا ً من القرن العاشر يحتال للمر كي يلوي فكرة »رررر رر« حتى يعزوهنا إلننى‬
‫عمل الهاشميين في النضمام للنبي أثناء حالة الحصار الطويلة التي ُأخضننع لهننا فنني‬
‫طلننب فنني مكننة‪E. Kohlberg, The Attitude of the Imami shi‘is to the ) .‬‬ ‫أرباض عبد الم ّ‬
‫‪.(Companions of the Prophet, Oxford ph.D. 1971, p. 94‬‬
‫‪Kohlberg, The Development of the Imami shi‘i Doctrine of Jihad”, Zeitschrift der Deutschen (39‬‬ ‫)‬

‫‪Morgenl‬ن‪. ndischen Gesellschaft 1976‬‬


‫‪ (40‬بل إن الستكانة القادرة على التواؤم بنوع من الفرح لكننل مننن بوليننو وسننامياس‬ ‫)‬

‫كانت متوقفة على واقعة أن هيرودوس كننأن أدومي نًا‪E. Schürer, The History of the ) .‬‬
‫‪Jewish People in the Age of Jesus Christ (175B.X - A.D. 135) revised by G. Vermes and F. Millar,‬‬
‫‪.(vol. i, Edinburgh 1973, p. 296‬‬

‫‪77‬‬
‫سننم المويننون بننأنهم ملننوك‪ ،‬سياسننتهم بأنهننا‬ ‫و ِ‬‫فقنند ُ‬
‫‪((41‬‬
‫اسننتبداد‪ ،‬ضننرائبهم بأنهننا ابننتزاز ‪ ،‬غزواتهننم بأنهننا‬
‫قققق ق‪ ،((42‬واعتقاداتهم بأنها فسننق؛ وحنندها الطننراف‬
‫الخاسرة في الحربية الهليتين كان لها أمنل بننوع منن‬
‫التقننديس ذي علقننة بالماضنني ‪ .((43‬لكننن الجائحننة تمتنند‬
‫حتى إلى تاريخ الخلفة الراشدة في قلب شبه الجزيرة‬
‫العربية‪ ،‬وتلتهم الموقف الخلقنني لبطنال الغننزو منن‬
‫أمثال عمرو بن العنناص وخالنند بننن الولينند‪ .‬وبالمقابننل‪،‬‬
‫فدون التطهير‪ ،‬لننم يكننن هنالنك أمنل‪ :‬ذويننان الماضنني‬
‫كان يعني ذويان المستقبل‪ .‬وحيننن ذهبننت اليهننود إلننى‬
‫ض مقنندس صننارت‬ ‫السننبي‪ ،‬أخننذوا معهننم ذكننرى مننا ٍ‬
‫استعادته مستقبل ً قيمة دينية مركزية‪ .‬أما الهنناجريون‪،‬‬
‫فلن غزواتهم الخاصة هي التي أخننذتهم إلننى السننبي‪،‬‬
‫ولنه لم يكن عندهم قامعون سوى أنفسننهم‪ ،‬لننم يكننن‬
‫سَترد‪ :‬فكل مجد قيدار فشننل‪.‬‬ ‫ض مناسب أن ي ُ ْ‬‫لديهم ما ٍ‬
‫وفنني حيننن يننأتي المسننيا لسننتعادة الواقننع السياسنني‬
‫مَلكية الداوودية‪ ،‬يمل المهدي العالم بعد ٍ‬
‫ل ل لننون لننه‬ ‫لل َ‬
‫تاريخينننا ً فقط ‪ .‬وحينمنننا يكنننون تجمنننع المسنننبيين‬
‫‪((44‬‬

‫السرائيليين مقولة مركزيننة فنني البرنامننج السياسنني‪،‬‬


‫منننع السنننماعيليين السنننكاتولوجي فنتازينننا‬ ‫يبننندو تج ّ‬
‫‪((45‬‬
‫مسيحية صرفة ‪ .‬قد يمتلك الباكون على صهيون ذات‬
‫مال ً بدل الرماد؛ لكن ليس لسننماعيل فنناد‪ ،‬فقنند‬ ‫ج َ‬‫يوم َ‬
‫استمتعوا به أيام عمر الفاروق‪ .‬وزوابع الجنننوب خفننت‬
‫لتننترك السننلم‪ ،‬مثننل اليهوديننة‪ ،‬ديانننة يسننيطر عليهننا‬
‫التقيد الحرفي بشننرع الحاخننامين البننابليين‪ :‬لكننن فنني‬
‫حين أن الوجه الخننر للعملننة فنني اليهوديننة هننو المننل‬

‫‪ (41‬المساواة بين الثنين على أساس أنهما رر ر لها أسنبقيات يهودينة بنارزة )قنارن‪:‬‬ ‫)‬

‫رررررر رررررر‪ ،‬ص‪.(376‬‬


‫‪ (42‬وهو يعني احتجاز الجيش في الحقل‪ ،‬خاصة أثناء الشنتاء‪ .‬وعلننى نحنو خناص فنإن‬ ‫)‬

‫شكاوى الغزاة‪ ،‬وليس المغزوين‪ ،‬هي التي تعّرض مكانة الغزو الخلقية للخطر‪.‬‬
‫‪ (43‬مقارنة بأبعاد العاطفة المؤيدة للعلويين في السلم‪ ،‬فإن أبعنناد العاطفننة المؤينندة‬ ‫)‬

‫للمويين تبعث على السخرية‪ :‬مسألة شذوذات كالنابتة ‪.Nabitah‬‬


‫) ‪W. Madelung, Der Imam. al - Qasim ibn Ibrahim und die Geschichte der Zaiditen, Berlin 1965,‬‬
‫‪Exbus), the Yezidis, and Marwanites of Central Asia (V.V. Batrol’d “Musul’ manskarya sekta‬‬
‫‪.(mervanitov”, Izvestiya Imperatorkoy Akademii Nauk 1915‬‬
‫جاني أنفسهم وبالتالي لديهم‬ ‫‪ (44‬طبعا ً باستثناء في حالة الماميين‪ ،‬الذين لم يكونوا س ّ‬ ‫)‬

‫ض يبكون عليه‪ :‬لنه يمكن النظر إلى المامية كضحية لحقنند خننارجي غننامر‪ ،‬فهنني‬ ‫ما ٍ‬
‫أيضا ً ذلك الذي سيعيده المهدي‪ ،‬بفضل تماثله مع المام الخير‪.‬‬
‫‪.Nau, ‘Révélations et légendes’, p. 437 (45‬‬ ‫)‬

‫‪78‬‬
‫المسياني الوجه الخر للعملة في السلم هو التسننليم‬
‫الصوفي‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫ملحق‬
‫القيني؛ السبب والعرف‬

‫القيني‪:‬‬
‫فنني »قققق ققق« )أنظننر سننابقًا‪ ،‬هننامش ‪ 12‬ف ‪(1‬‬
‫ثلثة مقاطع تشير إلى سفر العدد ‪ .12:24‬وهذه اليننة‬
‫كل جننزءا ً مننن نبننوءة بلعننام المسننيانية الكلسننيكية‪،‬‬
‫تش ّ‬
‫وتقول‪» :‬ثم رأى القينيين‪ ،‬فأنشد قصيدته وقال‪ :‬متين‬
‫قق ]بالعبريننة‬‫مسكنك‪ ،‬وعلى الصخرة وكرك« )التورية ق‬
‫ققق ]بالعبرية قيني[ مفقودة من الترجمة(‪.‬‬ ‫»وكر«[ و ق‬
‫وبحسننب ترقننم السننطر فنني نننص يلنننك ‪ ،Jellinek‬تننرد‬
‫المقاطع في »ققققققق« كما يلي‪:‬‬
‫)‪ (1‬وراح ]فنني السننياق‪ ،‬الحاخننام شننمعون[ يجلننس‬
‫سننر »ونظننر إلننى القينييننن« )السننطر الرابننع ف‪،‬‬ ‫ويف ّ‬
‫تضيف كسرة الغنيزا )أنظر‪Lewis, ‘Apocalyptic Vision”, :‬‬
‫‪ (p. 309‬الكلمات الثلث اللحقة من الية‪.‬‬
‫مثل أخننذه‬ ‫) ‪ (2‬من جديد‪» ،‬تطلع إلى القينيين«‪ :‬وأي َ‬
‫الشننرير ]بلعننام[‪ ،‬باسننتثناء أنننه حيننن رأى أبننناء أبنننائه‬
‫]القيني[ الذين كانوا يقومون ويخضعون إسرائيل‪ ،‬راح‬
‫يبتهننج ويقننول‪» :‬قننوي مسننكنك«؟ إنننني أرى أن أبننناء‬
‫النسننان ل يننأكلون إل بحسننب وصننايا إيتننان الزراحنني‬
‫)السطور ‪ 25 -21‬؛من أجل الشارة إلى إيتننان‪ ،‬أنظننر‬
‫الهامش ‪ 22‬من الفصل الثاني(‪.‬‬
‫) ‪ (3‬وهننو ]فنني السننياق‪ ،‬الملننك السننماعيلي[ يبننني‬
‫مسجدا ً )ققق قققققققققق( هناك على صننخرة الهيكننل‪،‬‬
‫كما يقال‪» ،‬على الصخرة وكرك« )السطر ‪.(28‬‬
‫من هننو القيننني؟ فنني »ق ققق ققققق قق ق قققق ق ق‬
‫ققققق«‪ ،‬وهو سفر قيامي من أيننام الصننليبيين ُأد ِ‬
‫خل َننت‬
‫فيه نسخة مننن »قققق ققق«‪ ،‬نجنند الجابننة واضننحة بمننا‬
‫يكفنني أساسننًا‪ :‬القيننني يمثننل مملكننة ظالمننة تسننبق‬
‫مباشرة مملكننة اسننمعيل )‪Lewis, “Apocalyptic Vision”,‬‬
‫كر بروما )أنظر شرح‬ ‫‪ .(pp. 312f‬وسواء أكان علينا أن نف ّ‬
‫لننويس للنننص السننابق‪ ،‬ص ‪ (312‬أو بفننارس )قننارن‪:‬‬
‫الحصار القيننني للقنندس‪ ،‬قققق قق ققق قققق ص ‪،(312‬‬
‫فالمر ل يهمنا كننثيرًا‪ .‬لكننن هننل نسننتطيع البحننث عننن‬
‫الجواب في »السرار«‪ ،‬المصدر الذي يبدو أن شخصننية‬
‫القيني في »الصلة« مأخوذة منه؟ حجتان تشيران إلى‬

‫‪80‬‬
‫أننا ل نسننتطيع ذلننك‪ ،‬وعلينننا بالمقابننل أن نماثننل بيننن‬
‫القيننني والعننرب أنفسننهم‪ .‬فنني الموضننع الول‪ ،‬لنندينا‬
‫الدليل الداخلي‪ .‬سلبيًا‪ ،‬ما من سبب ينندفعنا لعتبننار أن‬
‫القيني يسننبق العننرب‪ ،‬لنننه مننذكور قبننل وبعنند ظهننور‬
‫مملكة اسمعيل؛ وليس هنالك على نحو خاص أي سننبب‬
‫دم لتوهننا علننى أنهننا ادوم‬ ‫لعتباره يمّثل روما‪ ،‬التي تق ّ‬
‫)السطران ‪ 2‬و‪ .(6‬إيجابيًا‪ ،‬هنالك سبب طيب للمطابقة‬
‫بين القيني والعننرب‪ ،‬إذ ُيستشننهد بسننفر العنندد ‪21:24‬‬
‫وذلك بشأن أعمال بناء على جبل الهيكل‪ .‬ثانيًا‪ ،‬هنالننك‬
‫دليل خارجي‪ .‬فثمة تقليد راسخ يتعلننق بهويننة القيننني‪.‬‬
‫الترجمة القياسية هي »شلمانيوم« )أنظر علننى سننبيل‬
‫المثننال‪ ،‬اونكلننوس‪ ،‬يوناتننان المنحننول ونوفيننتي علننى‬
‫سفر التكوين ‪ ،19:15‬واونكلوس‪ ،‬الننترغوم المتشننظي‬
‫ونوفيتي على سفر العنندد ‪ ،(21:24‬وهننو اسننم لقبيلننة‬
‫عربية ذات علقة قوية بالنباط )أنظر على نحو خنناص‪:‬‬
‫‪ .(”Stephanus of Byzatium, Ethnika, s.n. “Salamioi‬هنالك‬
‫ترجمات أخرى تشمل النباط )التلمود البننابلي‪ ،‬رسننالة‬
‫وه(‪» ،‬العرب«‬ ‫قققق ققققق الورقة ‪ 56‬آ‪ ،‬لكن النص مش ّ‬
‫)التلمود الورشليمي‪ ،‬قققققق الورقة ‪35‬ب(‪ ،‬و »يننثرو‬
‫المهتدي«)يوناتان المنحول على سننفر العنندد ‪.(21:24‬‬
‫على أساس مما سننبق‪ ،‬فالتطننابق مننع رومننا أو فننارس‬
‫مستبعد بقدر ما التطابق مع العرب مناسب‪.‬‬
‫إذا كان القينيون في »السرار« يمّثلون العرب‪ ،‬فما‬
‫هو هدف هذاالتحديد لهوية القينيين؟ إن تفسننير سننفر‬
‫دم في الجملة الولننى مننن المقطننع‬ ‫العدد ‪ 12:24‬المق ّ‬
‫الثاني معاد جدا ً للقينيين‪ .‬لكننن عننددا ً مننن سننمات هننذا‬
‫ل‪ ،‬هنالك وعد بالتفسننير فنني‬ ‫التفسير يدعو للريبة‪ .‬فأو ً‬
‫المقطع الول‪ ،‬لكنه ل يظهر إل بعد ستة عشننر سننطرا ً‬
‫فقط‪ .‬ثانيًا‪ ،‬إن شرح إشارات بلعام للقينيين التكميليننة‬
‫وذلك بوصفها تعبيرا ً عن شعوره العدائي للسننرائيليين‬
‫هو أمننر غيننر مناسننب إطلق نًا‪ :‬بلعننام هننو نننبي وهننو ل‬
‫يستطيع بالتالي أن ينطق بغيننر الكلمننات الننتي يضننعها‬
‫خت َننرع‬ ‫اللننه فنني فمننه‪ .‬ثالث نًا‪ ،‬يتننناقض هننذا الشننرح ال ُ‬
‫م ْ‬
‫بالكامل مع أرضية التفسير الحاخامي لهذه اليننة‪ ،‬كمننا‬
‫سنرى لحقا ً بعد قليل‪ .‬هنالك بالتالي أسننس قويننة لن‬
‫نشك بأن التفسير المعادي للعرب لسفر العنندد ‪12:24‬‬

‫‪81‬‬
‫س نا ً‬
‫في النننص الننذي بيننن أينندينا الن يجننب أن يكننون د ّ‬
‫ثانويًا‪ ،‬إعادة تنقيح يمكن مقارنة دوافعها بدوافع تحييد‬
‫التفسير المسياني لسفر اشعيا ‪ 7:12‬وذلننك مننن قبننل‬
‫سفري دانيال ‪ 39:11‬وحزقيننال ‪ .13:4‬فنني أيننة حالننة‪،‬‬
‫نستطيع أن نسننتدل مننا الننذي كننانت عليننه رسننالة هننذا‬
‫مَراقب؟‬‫التفسير ال ُ‬
‫ول‪ ،‬نجد أن الحاخامين يوردون سننفر‬ ‫في الموضع ال ّ‬
‫العدد ‪ 21:24‬وذلك بالعلقة مع يثرو )التلمننود البننابلي‪،‬‬
‫ققققققق‪ ،‬الورقة ‪106‬آ؛ قققق ققققق ‪6 ،3 :27‬؛ قارن‬
‫التفسنننير النننترغومي »للقينننني« باعتبننناره »ينننثرو‬
‫المهتدي« المذكور آنفًا(‪ .‬ويثرو بالطبع هو حمو موسى‬
‫وهو أنموذج للهداية‪B. J. Bomberger, Proselytism in the ).‬‬
‫‪ .(Talmudic Period, New York 1968, pp. 182 - 9‬لذلك فمن‬
‫غير المفنناجئ أن يأخننذ الحاخننامون هننذه اليننة كننإعلن‬
‫إلهي في صالح يثرو‪ ،‬وهنالك افتراض قوي يوحي بننأن‬
‫التفسير الصلي »للسرار« كان سيفعل الشيء ذاتننه‪.‬‬
‫ثاني نًا‪ ،‬إن المصنندر الولنني لهننذا الموقننف الخي ّننر تجنناه‬
‫ول‪.‬‬ ‫القينييننن هننو مشنناركتهم فنني حننوادث الخلص ال ّ‬
‫وهكذا فنقاشننات الحاخننامين لمصنندر الموقننف الممي ّننز‬
‫من الكتبة القينيين )وهم الركابيون فنني الننوقت ذاتننه(‬
‫الذي يبديه سفر الخبار الول ‪ 55:2‬تستشهد على نحو‬
‫منتظم بسفر القضاة ‪ ،61:1‬الننذي يقننول إن القينييننن‬
‫»صننعدوا مننن مدينننة النخننل مننع بننني يهننوذا إلننى بريننة‬
‫يهنننوذا‪ ...‬وسنننكنوا منننع الشنننعب« )التلمنننود البنننابلي‪،‬‬
‫ق قققققق‪ ،‬الورقتان ‪ 104‬آ و ‪106‬آ؛ قارن ق قققق علننى‬
‫سننفر العنندد ‪ .(29:10‬وهكننذا يبنندو معقننول ً جنندا ً أن‬
‫التفسننير الصننلي »للسننرار« كننان يشننير إلننى هننذه‬
‫المشاركة‪ .‬ثالثًا‪ ،‬يبدو واضحا ً المضمون المسياني لهذه‬
‫المننادة‪ :‬فننإن تطبيقننا ً بسننيطا ً لمبنندأ التشننابه بيننن‬
‫الخلصين الموسوي والمسياني )أنظر الهامش ‪ 46‬من‬
‫دمة منطقيننة دقيقننة‬ ‫دنا بمق ّ‬
‫الفصل الول( يمكنه أن يم ّ‬
‫لدور عربنني فنني المغننامرة المسنيانية اليهودينة؛ ومنن‬
‫مَراقب ل بد أنه كننان يحتننوي‬ ‫جديد نقول إن التفسير ال ُ‬
‫دمة منطقية مننن هننذا النننوع‪ .‬فضنل ً عننن ذلننك‪ ،‬ثمننة‬ ‫مق ّ‬
‫دم موازي نا ً موحي نا‪ً.‬‬
‫مصنندر مدراشنني متننأخر والننذي يق ن ّ‬
‫ده حول سفر اشعيا ‪ 7:52‬بعض‬ ‫فمخيري يدخل في موا ّ‬
‫الملحظات عن دور الركننابيين فنني العصننر المسننياني‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫إنهم هم الذين سيأتون بالبشرى إلى القدس‪ ،‬بننل هننم‬
‫دمون القرابيننن هننناك‪J. ) .‬‬ ‫الذين سيدخلون الهيكننل ويقن ّ‬
‫‪Spira (ed.), Yalqut ha-Makhiri al Yeshayahu, Berlin 1894, p.‬‬
‫‪ .(195‬والركابيون‪ ،‬كما يقننول سننفر الخبننار الول ‪55:2‬‬
‫بوضننوح‪ ،‬هننم القينيننون )ظننرف ليننس دون أهميننة فنني‬
‫سياق تحريننم الخمنر(‪ .‬وبالتنالي‪ ،‬فنني نظنر الحاخنامين‪،‬‬
‫ل‪ :‬ققققق ق ق‪ .‬ققق ق‬ ‫فهم أبناء ينثرو وأحفناده )أنظننر مث ً‬
‫قققققق‪ ،‬عمليق‪ 4 ،‬لسفر الخروج ‪.(27:18‬‬
‫هل أن شخصية القيني هنني الفضننالة لمننا كننان ذات‬
‫ل؟ ثلث نقنناط تننوحي بننذلك‪.‬‬ ‫مرة سفرا ً قيامي نا ً مسننتق ً‬
‫ل‪ ،‬مننن الصننعب تسننويغ أن يظهننر العننرب كقينييننن‬ ‫أو ً‬
‫واسنننماعيليين ضنننمن تفسنننير واحننند لحننند السنننفار‬
‫القياميننة‪ .‬ثاني نًا‪ ،‬المقنناطع القينيننة مندمجننة علننى نحننو‬
‫فقير مع بقية السفر القيامي‪ :‬فمما يلفت النظننر هنننا‬
‫أن المقطننع الول بشننكل خنناص هننو فنني غيننر محلننه‬
‫)فالتحضير للمباشرة في تفسير لسفر الخروج ‪21:24‬‬
‫نادرا ً ما يكون ردة فعل مناسننبة لرؤيننا اسننكاتولوجية ل‬
‫يلعب فيها القينيون أي دور على الطلق‪ ،‬والواقع أننا‬
‫نعنود إلنى الرؤينا مباشننرة(‪ .‬ثالثنًا‪ ،‬هنالنك اختلف فنني‬
‫اللغة‪ .‬فكما ظهر من الهامش ‪ 13‬في الفصننل الول ل‬
‫رد المقطننع‬ ‫ُ‬
‫يكون تفسير اشعيا ‪ 7:21‬ذا معنى إل إذا أو ِ‬
‫ل‪ ،‬في حين أنه في المقطعيننن الثنناني‬ ‫من الترغوم أص ً‬
‫والثننالث حننول القينييننن‪ ،‬نجنند أن اللغننة العبريننة هنني‬
‫المطلوبة )من أجل التورية قققق في المقطننع الثنناني‪،‬‬
‫أنظر الهامش ‪ 22‬من الفصل الثنناني؛ المقطننع الثننالث‬
‫ينحننى إلننى اعتبننار »الصننخرة« علننى أنهننا إشننارة إلننى‬
‫صخرة الهيكل‪ ،‬وهننو ربنناط يغنندو مفقننودا ً نوعنا ً مننا لننو‬
‫اسننتبدلناه بالترجمننات الترغوميننة »جننرف الصننخرة«‬
‫)نوفيننتي(‪» ،‬جننروف الصننخور« )يوناتننان المنحننول(‪،‬‬
‫»جرف« )الترغوم المتشظي( و »حصن« )أونكلوس((‪.‬‬
‫لنندينا إذا ً أسننبابنا كنني نعتقنند أن »السننرار« يحتفننظ‬
‫بفضننالة تفسننيرين مسننيانيين مسننتقلين أصننل ً للغننزو‬
‫العربي‪.‬‬
‫السبب والعرف‪:‬‬
‫إذا كننان تحليلنننا للعلقننة بيننن المقننولت الفقهيننة‬
‫السلمية واليهودية صحيحًا‪ ،‬فهو يحتناج لن يمتندّ إلنى‬
‫فكرتيننن يهوديننتين أقننل وضننوحًا‪ .‬أو ً‬
‫ل‪ ،‬تمّيننز الشننرع‬

‫‪83‬‬
‫السننلمي الول بننبروز مصننطلح رأي وذلننك بمعنننى‬
‫»رأي« )أحننند الفنننراد( أو »تفكينننر« )بشنننكل عنننام( )‬
‫‪ (Schacht, Origins, pp. 79, 89ff‬وقنننارن‪van Ess,) :‬‬
‫‪ :(Untersuchungen, p. 27‬ولننه مرادفننات تشننمل قق ق )‬
‫‪ .(.Encyclopaedia of Islam, s. v‬أما المصطلحات اليهودية‬
‫)فرديننة عننادة لكننن ليننس دائمنًا(‬ ‫المقابلة فهي قققق‬
‫ً‬
‫وققققق )عامة‪ ،‬لكنها غالبنا مننا تكننون مرافقننة بالفعننل‬
‫ق قق لتقننديم وجهننات نظننر فرديننة(‪) .‬أنظننر‪Bacher, ) :‬‬
‫‪ .(Exegetische Terminologie, s.vv‬والسننتخدام اليهننودي‪،‬‬
‫كالستخدام السننلمي الولنني‪ ،‬ليننس انتقاصننيًا‪ .‬ثاني نًا‪،‬‬
‫يعيننر الشننرع السننلمي الولنني اعتبننارا ً غالبنا ً لسننلطة‬
‫قق )‪Schacht, Origins, pp.‬‬ ‫العامة أو العننرف‪ :‬قق ق أو ق ق‬
‫‪ ،(58ff; van Ess, “Untersuchungen, p. 42‬والخيننرة غيننر‬
‫محددة هويتهننا بعنند علننى أنهننا س نّنة النننبي‪ .‬المعننادلن‬
‫اليهوديننان همننا ققق ق وققق ق )‪Encyclopaedia Judaica,‬‬
‫‪ .(s.v.v‬وعند الجانبين على حد سواء نجد الفكرة القائلننة‬
‫إن العرف يمكن أن يبطننل الشننرع )قننارن عبننارة ققق ق‬
‫قققق قققققق مع ما يقوله شاخت في كتابه ‪Origines, pp.‬‬
‫‪) 65‬حيننث يفتقنند ابننن قاسننم مصننطلح ققققق ق قققق ق‬
‫فقط‪.((80 ،‬‬
‫يمكن رؤية أثر الجدل من القننرن الثننامن حننول هننذه‬
‫المقولت عند كل الجانبين‪ ،‬لكن ل يخفى على أحد أنننه‬
‫ل‪ ،‬إن إعادة التأكيد‬‫أكثر عنفا ً في الحالة السلمية‪ .‬فأو ً‬
‫اليهودية على مرجعية التقليد الشفوي إنما تقننود إلننى‬
‫النقاص من قيمة ققققققق‪ :‬لحظ زعم يهوداي غنناون‬
‫)عام ‪ 760‬تقريبًا( بأنه لم يجب قط على سؤال مننا لننم‬
‫يكن لديه دليل من التلمود ومصادقة عملية من معلمننه‪،‬‬
‫الذي أخذها بدوره من معلمننه )‪Gizberg, Geniza Studies,‬‬
‫‪ .vol. ii, pp. 55ff‬من الجانب السلمي )ما عدا الظهننور‬
‫بعيد المد قققققق مشابه( لدينا تحولن يعننادل أحنندهما‬
‫الخننر‪ :‬ققق الننذي تحننط قيمتننه بحيننث يصننبح مصننطلح‬
‫شتيمة )فبعدما تم تعيين هويته على أنه قققق‪ ،‬تخّلصوا‬
‫منه باعتباره قققق قق(؛ ققق ق الذي ي َُرفننس إلننى أعلننى‬
‫الدرج ليصبح اسما ً للشنرع عمومنًا‪ .‬ثانينًا‪ ،‬ققق ق يخضننع‬
‫للضغط أيضًا‪ :‬ومن جديد فإن يهننوداي غنناون هننو الننذي‬
‫ض على ترك‬ ‫يكتب إلى الرض المقدسة)فلسطين( ليح ّ‬

‫‪84‬‬
‫م تبنيها تحت وطأة الضطهاد البيزنطي‬ ‫العادات التي ت ّ‬
‫وذلننك لصننالح الننتزام كامننل بالشننرع )الفلسننطينيون‪،‬‬
‫دوا بنننوع مننن‬‫الذين هم القرويون فنني هننذه القصننة‪ ،‬ر ّ‬
‫العناد أن العرف يطرد الشرع( )المصدر السابق‪ ،‬صننص‬
‫ور المننوازي فنني السننلم هننو‬ ‫‪ 559‬ومننا بعنند(‪ .‬التطنن ّ‬
‫الهجننوم علننى الننذرائع الشننرعية للعننرف‪ :‬والشننافعي‬
‫قابننل بالعننناد ذاتننه فنني »أرض اسننمعيل« مثلننه مثننل‬ ‫يُ َ‬
‫يهوداي في الرض المقدسة )أنظننر علننى نحننو خنناص‪:‬‬
‫‪ .(Schacht, Origins, p.65‬ونعيننند ثانينننة‪ ،‬إن التطنننور‬
‫السلمي مضاعف السننمات‪ :‬قق ق تخفننض قيمتننه إلننى‬
‫ترفننع إلننى‬ ‫مننل تقريب نًا‪ ،‬لكننن قق ق‬
‫قق‬ ‫ه َ‬
‫عننرف مجننرد وي ُ ْ‬
‫مستوى سّنة النبي وتصبح فائقة على ما عداها‪.‬‬
‫نود العودة أخيرا ً إلى مسنألة السنبقية فني الرفننض‬
‫الصننولي للتقلينند الشننفوي‪ .‬فالشننافعي الننذي يجننادل‬
‫أولئك الننذين يرفضننون كننل التقالينند لجننل القننرآن‬
‫)قققققق قققققق‪ ،‬صص ‪ 40‬وما بعد(وبننن بننابوي الننذي‬
‫يشجب أولئك الخنازير الذين يدرسون التوراة المكتوبة‬
‫لكنهم ينكرون الشفوية ) ‪Ginzberg, Geniza Studies, vol ii,‬‬
‫‪ (p. 571‬متزامنان ونحن نعرفهما من المصنندر الصننلي؛‬
‫ونحتاج إلى بضع وخننزات ضننمير بشننأن إرجنناع الرفننض‬
‫الذي يديناه إلى عنان بن داوود وضرار بن عمننرو‪.‬لكننن‬
‫كم هو أقدم من ذلك؟ مننن الجننانب اليهننودي‪ ،‬المسننألة‬
‫ي مدى يشير ققققققققق الذي هو لحاي مننن‬ ‫هي إلى أ ّ‬
‫شفحا )مات عام ‪ (752‬إلننى القّرائيننة باعتبارهننا حركننة‬
‫كننانت فنني طننور النشننوء أثننناء حينناته‪ .‬ومننن الجننانب‬
‫السلمي‪ ،‬هل على المرء أن يقننرأ موقننف ضننرار فنني‬
‫تلك المعلومة المتشظية التي لدينا حول آراء عمرو بن‬
‫عبيد )مات عام ‪(761‬؟‬
‫مع ذلك يتبقى لنا دليل الصننولية السنناذجة )أصننولية‬
‫دون رفض واضح للتقليد الشفوي( في مرحلننة مبكننرة‬
‫ور السلم )أنظر الهننامش ‪ 20‬مننن الفصننل‬ ‫جدا ً من تط ّ‬
‫الثالث(؛ وانطباعنا بأن هذا الدليل يسننبق القننرآن ذاتننه‬
‫زمنيا ً يعززه الجدل حول عقوبننة الزنننا )أنظننر الهننامش‬
‫‪ 17‬مننن الفصننل الخننامس(‪ ،‬مننا يتضننمنه قق ققق قق ق‬
‫قققققق من أن المسلمين الوائل لم يكونوا يقّرون إل‬
‫بكتاب واحد والننذي هننو ليننس كتننابهم‪ ،‬بننل حننتى بعننض‬

‫‪85‬‬
‫النصوص القرآنية )الهامش ‪ 10‬من الفصننل الخننامس(‪.‬‬
‫ورغم جهلنا بشرع سامري من هنذه الحقبنة؛ فثمننة منا‬
‫يسننتحق العتقنناد أن هننذه الصننولية السنناذجة ربمننا‬
‫صنناحبها‪ ،‬أو أوحننى بهننا‪ ،‬موقننف سننامري مننن الكتنناب‬
‫المقدس )قارن هنا مع إصرار ققققققق بأننا »ل نننؤمن‬
‫]بننأي شننيء[ خننارج توراتننك ]يننالله[« ) ‪Ben Hayyim,‬‬
‫‪ .(Literary and Oral Tradition, p. 196‬يبدو الن وكأن هذه‬
‫قال إنهما‬ ‫الصولية تمتلك نوعا ً من قققققق في ن ّ‬
‫صين ي ُ َ‬
‫يرجعننان إلننى نهايننة القننرن السننابع‪ ،‬وهمننا قننديمان‬
‫بالفعننل‪ .‬إنهمننا يجمعننان بيننن قققق ق الملفننت للنظننر‬
‫دس )وهننو‬ ‫بالحديث والعتماد الكبير على الكتنناب المق ن ّ‬
‫هنا طبعا ً القرآن( ويصفان بين الحينة والخرى القرآن‬
‫بمزاج أصولي )من أجل رسالة عبد الله بن إباض أنظر‪:‬‬
‫‪Schacht, “Sur l’expression” Sunna du Prophete”, p. 363‬؛‬
‫ومن أجل رسالة الحسن البصري‪ ،‬أنظر‪:‬‬
‫‪Pitter, “Studien zur Geschichte der islamischen‬‬
‫‪.(Frommigkeit” p. 68‬‬
‫وهكننذا تننبرز الحتماليننة القائلننة إن الرضننية النيننة‬
‫للرفنننض الواضنننح للتقليننند الشنننفوي فننني اليهودينننة‬
‫والسلم لم تكن يهودية بل إسلمية‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫القسم الثاني ‪ :‬النتيك ما مصيره ؟؟‬

‫‪6‬‬
‫الحضارات المبريالية‬

‫دديننة اللهننة أن تظهننر‬‫باستطاعة رؤيا الى العننالم تع ّ‬


‫دد الوجننوه‪.‬‬ ‫ى غنيا ً وحاذقا ً من المعاني من واقع متع ّ‬ ‫مد ً‬
‫مع ذلك فمن المحتمل أن تفعل هذا بكلفة عاليننة‪ :‬فمننا‬
‫يظهننر أن معانيهننا تكسننبه فنني التعدديننة‪ ،‬يظهننر أنهننا‬
‫تخسره أيضا ً في السلطة‪ .‬فتعدديننة اللهننة‪ ،‬علننى نحننو‬
‫خاص‪ ،‬ليست متوحدة بما يكفي لتفصح بقوة فعلية عن‬
‫التضامن الننذاتي للشننعب‪ ،‬ول هنني كاسننحة بمننا يكفنني‬
‫لتقديم وصف ثاقب فعلي لطبيعة الكننون الموضننوعية‪.‬‬
‫والمشكلة أنه ل يوجد بنديل وحينند لتعدديننة اللهننة فنني‬
‫هذين الدورين‪ .‬الول يقننوم بننه بأفضننل مننا يمكننن إلننه‬
‫شخصنني‪ ،‬والثنناني مفنناهيم ل شخصننية ‪ -‬اسننتقطابية‬
‫مفهومننة جينندا ً فنني المقابلننة بيننن اليهوديننة والبوذيننة‪.‬‬
‫وفي حين أنننه مننن الممكننن تمام نا ً خلننط المقننولت أو‬
‫إسنناءة اسننتخدامها‪ ،((1‬ل يبنندو محتمل ً إيصننال القننوى‬
‫الكامنة للطرفين إلى حدودها العليا فنني الننوقت ذاتننه‪.‬‬
‫والخيارات التي قام بها اليرانيننون واليونننانيون كننانت‬
‫سدة في اليهوديننة‬ ‫أقل توحيدا ً إلهيا ً من الخيارات المتج ّ‬
‫والبوذية؛ لكنها كانت مختلفة بما يكفي لتقننديم مفتنناح‬
‫لفهم النفراق اللحق في تاريخ الشعبين‪.‬‬
‫يظهنننر أن السنننياق الفكنننري النننذي أخنننذت فينننه‬
‫الزرادشتية شننكلها إنمننا كننان مشننتركا ً بيننن اليرانييننن‬
‫واليونننانيين والهنننود‪ :‬ففنني الحقبننة ذاتهننا تقريبننًا‪،‬‬
‫وبالمصادر الفكريننة ذاتهنا تقريبنا ً‪،((2‬ن باشنرت الشنعوب‬
‫ول من إرث تعددي اللهة متحلننل تقريب نا ً‬ ‫الثلثة في التح ّ‬
‫إلى علننم كننون مفنناهيمي أكننثر وحدانيننة‪ .‬لكننن السننياق‬
‫التاريخي لسيرة زرادشنت فني إحندى سنماته الحاسنمة‬
‫كرنا بموسى أكثر مما يذكرنا ببارمنيدس أو بننوذا‪:‬‬ ‫إنما يذ ّ‬
‫كلت الزرادشنتية فني وسنط محكنوم بالمواجهنة‬ ‫شن ّ‬
‫لقد ُ‬

‫‪ (1‬لحظ على سبيل المثال تصميم الماركسية على أن توّلد من المنطق الموضننوعي‬ ‫)‬

‫لمفاهيمها غير الشخصية تضامنا ً ذاتيا ً لطبقة مختارة‪.‬لكن هذه المنظومة تكون بر ّ‬
‫متها‬
‫آنئذ دمجا ً متقلقل ً لرث اليونان المفاهيمي مع إرث إسرائيل الخلصي‪.‬‬
‫‪ (2‬انظر على نحو خاص‪.Philosophy and the Orient,Oxford 1971 M. L. West, Early Greek :‬‬ ‫)‬

‫‪87‬‬
‫الثنيننة بيننن إيننران وطننوران ‪ .Turan‬لننذلك فمننن غيننر‬
‫المفاجئ أن تكون العلقة الجينية بين المنظومة الكونية‬
‫الزرادشتية والمنظومنة الكونينة عنند اليوننان أو الهننود‬
‫أقل لفتا ً للنظر في المحاولة الخيرة من علقة التشابه‬
‫كبوا خنارج‬ ‫بين الله الزرادشتي وإله العبرانيين؛ لكنهم ر ّ‬
‫كلت مواجهته لقوى الشر‬ ‫علم الكون هذا إلها ً شخصيا ً ش ّ‬
‫المعنننى الهننم للكننون ‪.((3‬بالمقابننل فقنند امتلننك كهنننة‬
‫المجنننوس ‪ Magi‬فلسنننفة بمعننننى لنننم يمتلكهنننا فينننه‬
‫الحاخننامون‪ :‬لكنهننا كننانت فلسننفة موجهننة نحننو الفهننم‬
‫التأملي لعملية صيرورة كونيننة غيننر شخصننية بأقننل مننن‬
‫توجهها نحو مشاركة فاعلة في صراع كوني شخصي‪.‬‬
‫لقد امتلك هذا مفهومين ضمنيين أساسيين بالنسننبة‬
‫لشخصننية الملننة الزرادشننتية‪ .‬ففنني الموضننع الول‪،‬‬
‫الزرادشننتية هنني الننتي عّرفننت إيننران كأمننة منفصننلة‪.‬‬
‫إيجابيًا‪ ،‬الزرادشتية هي تكريننس للثنيننة الريننة‪ :‬أهننورا‬
‫مننازدا هننو »إلننه الرييننن« ‪ ((4‬بقنندر مننا هننو يهننوه »إلننه‬
‫إسرائيل«‪ .‬وسلبيًا‪ ،‬الزرادشننتية ليسنت قابلننة للتصنندير‬
‫لغيننر الرييننن ‪ .(Anéran(5‬يمكننن النظننر إلننى الثنويننة‬
‫الزرادشتية كالتوحيدية اليهودية‪ ،‬مبدأيًا‪ ،‬كحقيقننة لكننل‬
‫الجنس البشري؛ لكن عمليا ً نجد أن المثولية المانويننة‪،‬‬
‫كالمثولننة المسننيحية‪،‬وهنني أمثولننة لجعننل الرسننالة‬
‫العالمية متاحة للعالم كّله‪ ،‬لم تكن تصننديرا ً للديانننة بننل‬
‫خلق لديانة جديدة ‪ .((6‬ومثننل اليهوديننة‪ ،‬كننان باسننتطاعة‬
‫الزرادشتية أن تتسامح بوجود شعاع محدد مننن النصننار‬
‫ل‪ :‬الرسننتقراطيون‬ ‫من غير اليهود أو الزرادشتيين أص ن ً‬
‫‪ (3‬وهكذا فإن أهورا مازدا هو تلفيق عقائدي بقدر منا أن يهنوه هنو اسنتعارة تعاقدينة‪:‬‬ ‫)‬

‫كان سيبدو وكأن اللهة الثنية ل تأتي بشكل طبيعي أبدًا‪.‬‬


‫‪ (4‬العبننارة فنني الواقننع تظهننر فنني نسننخة عيلميننة لنقننش بهسننتون ‪Behistun. (F. H.‬‬ ‫)‬

‫‪Weissbach, Die Keilinschriften Der Ach‬ن ‪(meniden, Leipzig 1911, PP. 64-67‬؛ ونحن ندين بهذا‬
‫المصدر إلى توجيه البروفسور ج‪ .‬م‪ .‬كووك‪.‬‬
‫‪ (5‬كانت فعاليات قرطير ‪ Kartir‬سننوف تظهننر كاسننتثناء‪ .‬إن معظننم محنناولت اعتننناق‬ ‫)‬

‫الدين مما نظر إليه على أنه من غير اليرانيين إنمننا تتعل ّننق بأرمينيننا‪ ،‬والمفتنناح لفهننم‬
‫هذا هو محاولة محتملة لضفاء الصبغة اليرانية على البلد‪ ،‬وذلننك إذا نحينننا السياسننة‬
‫جانبًا‪.‬‬
‫‪ (6‬المانوية هي الديانة العالمية الكثر تماسكا ً بين كل الديننان؛ لكننن فنني حيننن كننانت‬ ‫)‬

‫السننتعارة المجازيننة كافيننة لتولينند مسننيحية بولسننية‪ ،‬كننان علننى منناني أن يرفننض‬
‫قني‬‫ول جمال خليقة أهورا منازدا إلنى غنائط شنيطاني‪ ،‬وذلنك كني ين ّ‬ ‫المسألة‪ ،‬أن يح ّ‬
‫الثنوية من هويتها اليرانية‪.(G. Widengren, Mani and Manichaeism, London 1965, p. 55) .‬‬

‫‪88‬‬
‫المتعاونون من الشعوب المقهورة في الحالة اليرانية‬
‫يتماثلون مع المشننايعين روحي نا ً فنني الحالننة اليهوديننة‪.‬‬
‫لكن الزرادشتية ظلت طائفة دينية متجذرة أساسا ً فنني‬
‫أرض ولدتها‪ .‬وبالنسبة للعالم الخارجي‪ ،‬كننان الريننون‬
‫شعبا ً مختارا ً بقدر ما كان اليهود كذلك‪.‬‬
‫في الموضننع الثنناني‪ ،‬فننإن النتيجننة الطبيعيننة للتمننايز‬
‫الثني الخارجي كانت إلتزامنا ً بقابلينة انتشنار اجتمناعي‬
‫دم النظننرة العتباريننة الزرادشننتية أي‬ ‫داخليننة‪ .‬لننم تقنن ّ‬
‫تكرينننس للمبنننالة فلسنننفية نحنننو المينننول المحبنننة‬
‫للميثولوجيا عند الجماهير‪ .‬وزرادشت لم قق قق التعدديننة‬
‫اللهية التقليدية لليرانيين‪ ،‬بل فككهننا وأصننلحها؛ وكننان‬
‫على كل من الجماهير وآلهتها النحياز جانبا ً في الصراع‬
‫الكوني النذي غمنر كنل شنيء‪ .‬وبعنض اللهنة القديمنة‪،‬‬
‫كمننثرا‪ ،‬عنناد للظهننور بجننانب الملئكننة؛ وبعضننها الخننر‪،‬‬
‫كإندرا‪ ،‬أعيد تقويمه باعتباره شيطانًا‪ .‬لم يكن باستطاعة‬
‫عبادة الشياطين بننالمفهوم الزرادشننتي أن تكننون شننيئا ً‬
‫أقننل مننن الخيانننة الكونيننة والقوميننة‪ .‬ومننا حصننل فعل ً‬
‫بالنسننبة للخبننث الشننيطاني كننان طبعنا ً مسننألة عرضننية‬
‫تاريخيًا؛ ول يبدو أن البارثيين على نحو خاص اهتمننوا بننه‬
‫كننثيرًا‪ .‬لكننن النقننوش الخمينيننة تشننهد علننى محاولننة‬
‫ضننلة فنني‬ ‫لستئصال عبادة الشيطان‪ ،‬والمقولة تبدو مف ّ‬
‫الحقبة الساسانية ‪ .((7‬وهكذا لم يكننن المكننان للشننياطين‬
‫وعابننديهم فنني إيننران بننأرحب مننن المكننان للبعليننم‬
‫وعابديهم في إسرائيل؛ فداخليًا‪ ،‬كان الريننون أمننة مننن‬
‫الكهنة بقدر ما كان اليهننود كننذلك‪ .‬باختصننار‪ ،‬لقنند بنيننت‬
‫الزرادشتية كي تكون حصرية أفقيا ً وشاملة عموديا ً فنني‬
‫آن‪ :‬أي بكلمات أخرى‪ ،‬ديانة أمة‪.‬‬
‫إذا ما كان النندوران القوميننان لهننوار مننازدا ويهننوه‬
‫متشابهين بشكل مدهش‪ ،‬فإن دوريهما الننبيئويين كانننا‬
‫متعارضننين بالكامنل‪ .‬فيهنوه كنان إلنه الغننزاة النبرابرة‬
‫ضننرة‪ :‬باسننمه خرجننوا مننن‬ ‫لكنعننان المسننتقرة والمتح ّ‬
‫م رد‬ ‫الصننحراء‪ ،‬وباسننمه انسننحبوا إلننى الغيتننو حيننن ت ن ّ‬
‫الغزاة في نهاية المر‪ .‬أهورا مازدا بالمقابننل كننان إلننه‬
‫مجتمع كنعاني مستقر يدافع عن طريقتننه فنني الحينناة‬

‫‪ (7‬من أجل أحشورش والديودانه ‪ ،Daivadana‬أنظر‪R. G. Kent, Old Persian: Grammar, :‬‬ ‫)‬

‫‪ .Texts, Lexicon, New Haven 1950, p. 151‬من أجل الحقبة الساسانية‪ ،‬أنظر‪R. C. Zaehner, :‬‬
‫‪..Zurvan: A Zoroastrian Dilemma, Oxford 1955, pp. 25, 53‬‬

‫‪89‬‬
‫فنني وجننه الغننزاة البنندو؛ إنننه قنند ل يظهننر كننإله معقنند‬
‫ثقافيا ً وفق طريقة انكي ‪ ،Enki‬لكنه ليس على الطلق‬
‫بربريا ً ملتزما ً بطريقة يهوه‪ .‬وكانت النتيجة سعادة فنني‬
‫العلقة بين الزرادشتية والرث المؤسسنناتي لوسننطها‬
‫الكنعاني وهي علقة كانت غائبننة بشننكل ملحننوظ عننن‬
‫اليهودية‪.‬‬
‫في الموضع الول‪ ،‬أمضننت الزرادشننتية حياتهننا فنني‬
‫تعايش سهل مع الكهنوت المجوسي؛ واستطاع الكهنننة‬
‫المجوس أن يشاركوا في إدراك القوة القومية الكامنة‬
‫للزرادشتية بطريقتين‪ .‬فبالنسبة إلى التحديد الخارجي‬
‫للشعب المختار‪ ،‬فقنند عننززت المكانننة الدينيننة للنسننب‬
‫الكهنننوتي علننى نحننو مناسننب المكانننة الدينيننة للنسننب‬
‫الثني‪ :‬الريون‪ ،‬في الشننريعة الننتي ينسننبها راولنسننن‬
‫إلى اديموس‪ ،‬هم أولئك الذين يعتبرون كهنة المجننوس‬
‫كهنتهم‪ .((8‬أما بالنسبة للتماسك الداخلي للطائفة‪ ،‬فقد‬
‫دم الكهنة المجوس أوليات لعرف يمكن جعل العقيدة‬ ‫ق ّ‬
‫فعالننة اجتماعيننا ً معننه‪ :‬الكهنننوت المجوسنني للزمنننة‬
‫الخمينية صار الكنيسة الزرادشتية للزمنة الساسانية‪.‬‬
‫في الموضع الثاني‪ ،‬فقد أضننفت الزرادشننتية معنننى‬
‫مَلكية الرية‪ .‬ففي إيننران كمننا‬ ‫دينيا ً ل لبس فيه على ال َ‬
‫في إسرائيل‪ ،‬كان ثمة نننوع مننن التكريننس ذي الجننوهر‬
‫الننديني متاحننا ً للقيننادة السياسننية الفاعلننة للشننعب‬
‫المختار في وجه أعدائه‪ .‬لكننن فنني الحالننة السننرائيلية‬
‫فإن رفض الرث الكنعاني كان يعني ذهاب هذه البركننة‬
‫إلى النبيناء والقضناة الوائل كنان أسنهل منن ذهابهنا‬
‫إلى الممالك القومية المتأخرة‪ .‬بالمقابل‪ ،‬ففنني إيننران‬
‫مَلكيننة أساسننية تاريخي نا ً وليننس‬‫كانت توأمية الديانة وال َ‬
‫فيهننا أيننة مشنناكل عقائدينًا؛ والقننرار بشننرعية الحكننم‬
‫الملكني لمجتمننع مسنتقر حمنل معننه القنرار بشنرعية‬
‫البنيننان الرسننتقراطي الننذي يتماشننى معه‪ .((9‬وفنني‬
‫النقوش الخمينية نجد أن أهورا مازدا هو الله الوصنني‬

‫‪G. Rawlinson, The Five Great Monarchies of the Ancient Eastern World, London 1871, vol. iii, (8‬‬ ‫)‬

‫‪p. 164n‬‬
‫‪ (9‬التكريس الزرادشتي للبنية الجتماعية ليس بالطبع أحننادي الهنندف أو الفكننرة كمننا‬ ‫)‬

‫هي الحال عند الهندوس‪ .‬وكانت مساواة الرثوذكسية بقبول البنيان الجتماعي الري‬
‫ستبدو غريبة جدا ً في السياق اليراني؛ وقد استطاع المزدكيننون شننجب هننذا البنيننان‬
‫الجتماعي باسم زرادشت في حين لم يسننتطع المنشننقون الهنننود فعننل ذلننك باسننم‬
‫الفيدات‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫مَلكيننة آريننة‪ ،‬وكننل الثننائرين علننى هننذه السننلطة‬
‫علننى َ‬
‫‪((10‬‬
‫يفسرون على أنهم ممثلون للكذب ‪.‬‬
‫التقليد الزرادشتي بالتننالي هننو الفصنناح عننن هويننة‬
‫متكاملة تمامًا‪ .‬ويظهننر التننواجه الكننوني للخيننر والشننر‬
‫عقائدينا ً مننن جدينند فنني التننواجه الثننني ليننران وغيننر‬
‫إيران؛ أما عرفيا ً فإن الدور الديني للكهنوت المجوسي‬
‫مَلكية الرية‪ .‬ويصعب أن تفاجئنا‬ ‫ُيقابل بدور سياسي لل َ‬
‫استمرارية تقليد كهذا في وجه الغننزو المقنندوني؛ بننل‬
‫إن النتعاش الجننزئي علننى أينندي البننارثيين يتجنناوز أي‬
‫شيء أحرزه في الحقبة ذاتها المصريون أو البننابليون‪.‬‬
‫والحيننناء »الخنننالص‪ -‬النسنننب« للتقليننند علنننى أيننندي‬
‫الساسانيين كان بالطبع نتاجا ً أقل قابلية للتنبؤ به ‪ -‬لم‬
‫يكن عليهم أن يبدأوا إنعاشنا ً أحننادي الهنندف لمننا كننانوا‬
‫يعتقنندون أن المقنندونيين أطنناحوا بننه‪ .‬لكننن إذا كننان‬
‫عَرضننية تاريخيننة‪ ،‬فننالقوة‬ ‫الوصول إلى الهنندف عطيننة َ‬
‫الكامنننة كننانت إلننى حنند كننبير عطيننة التقلينند ذاتننه‪:‬‬
‫فذه الساسانيون فنني إيننران لننم يكننن‬ ‫المشروع الذي ن ّ‬
‫بالمستطاع حتى تخّيله في اليونان ‪.Hellas‬‬
‫إذا كانت الحالة اليرانية تقارب الحالة اليهوديننة فنني‬
‫تأكيدها على دور إله شخصي‪ ،‬فالحالة اليونانية تقننارب‬
‫الحالة البوذية في تأكينندها علننى النندور لمفنناهيم غيننر‬
‫شخصننية‪ .‬ومثننل اليرانييننن‪ ،‬كننان لليونننانيين أعننداؤهم‬
‫البشريون‪ :‬الطرواديون ميثولوجي نًا‪ ،‬والفننرس تاريخي نًا‪.‬‬
‫لكننن الطروادييننن كننانوا بعينندين جنندا ً فنني الزمننن‪،‬‬
‫ومتمثلين جدا ً للثقافة العامة لنخبة بطولية‪ ،‬وذلننك كنني‬
‫يتمتعوا بما يننؤهلهم لن يكونننوا خطننرا ً طروادي نا ً علننى‬
‫طريقة الحياة الخية؛ في حين كننان الفننرس متننأخرين‬
‫جدا ً في الزمن‪ ،‬ونتيجة لذلك بعيدين جدا ً في المسافة‪،‬‬
‫وذلك كي يضعوا نغمة التطور الفكري للهلينية‪ .((11‬هننذا‬
‫‪ (10‬أنظر على سبيل المثال‪.Kent, Old Persian, pp. 117 = 119, 129 = 131 :‬‬ ‫)‬

‫كل حيوات جزءا ً أساسيا ً من‬ ‫‪ (11‬لنفترض أن تهديدا ً فارسيا ً أكثر قدما ً وقوة كان قد ش ّ‬ ‫)‬

‫السكان الغريق‪ :‬ألم يكننن لتلننك المينول الفكريننة مثننل التأكيند إيمنناني علننى عدالننة‬
‫زيوس وعلى عدالة رسالة هيراقليط شبه الزرادشتية ) ‪West, EarlyGreek Philosophy, pp.‬‬
‫‪ (192f‬أن تندمج بتلك الثار السياسية للغزوات الفارسية مثل التكذيب الولنني لعرافننة‬
‫دلفي والتوحيد الولي في هيئة حلف ديلوس؟ مع ذلك تظل حقيقة أن الغرينق حينن‬
‫اختاروا في نهاية المر أن يؤمنوا بوجود إله‪ ،‬كان عليهم أن يستوردوا يهوه أكننثر ممننا‬
‫كان عليهم أن يحيوا زيوس؛ تماما ً كما هي الحال مع بيزنطة حيننن صننارت فنني نهايننة‬
‫المر عاصمة امبراطورية رومانية‪ ،‬فقد فعلننت ذلننك كرومننا جدينندة أكننثر منهننا كأثينننا‬

‫‪91‬‬
‫ور بالتننالي هننو محاولننة غننامرة للمسنناك ليننس‬ ‫التطنن ّ‬
‫بالعدائية البشرية بل بالسفاسف الكونية‪ .‬فاليونننانيون‬
‫وروا علم كون مفنناهيمي ليضننعوا بننه الكننون وآلهتننه‬ ‫ط ّ‬
‫في نصابهم الصحيح‪ ،‬وليس ميثة إلهيننة ينغمسننون بهننا‬
‫كمشاركين في دراما كونية‪.‬‬
‫وهكذا فإن مضامين علننم الكنون الزرادشننتي بسنبب‬
‫طبيعننة المل ّننة الننتي ناصننرته تأخننذ شننكل ً معكوسنا ً فنني‬
‫الحالنننة اليونانينننة‪ .‬ففننني الموضنننع الول المفننناهيم‬
‫اليونانيننة‪ ،‬بسننبب كننل تننداعياتها مننع أسننلوب الحينناة‬
‫دم أساس نا ً قننابل ً للحينناة حننتى يفننرد‬‫اليوننناني‪ ،‬لننم تق ن ّ‬
‫اليونان جانبا ً كشعب مختار ‪ .‬وإذا ما ابتعدت الحقننائق‬
‫‪((12‬‬

‫الفلسننفية عننن تقننديم وسننيلة ناقلننة معقولننة للهويننة‬


‫ملكية مشننرعة لكننل مننن هننو قننادر‬ ‫الثنية‪ ،‬فإنها تصبح َ‬
‫عليهننا أو يرغننب بقبولهننا‪ .‬الزرادشننتية كننانت عقينندة‬
‫كما ً في إيران وظلننت حكم نا ً فنني إيننران؛‬ ‫ح ْ‬
‫والتي بدأت ُ‬
‫بالمقابننل فاليونننانيون كننانوا سننعيدين فنني أن يعننزوا‬
‫أصننول مفنناهيمهم للمصننريين‪ ،‬وواصننلوا فنني الننوقت‬
‫المناسب نقلها إلننى الرومننان‪ .‬الفلسننفة اليونانيننة لننم‬
‫تصننبح هامنندة فنني أرض مولنندها فعل ً وفننق طريقننة‬
‫البوذية‪((13‬؛ لكن لم يكننن ممكننا ً اسننتخدامها لفننرز أرض‬
‫مقدسة معزولة عن بقية العالم‪.‬‬
‫في الموضع الثاني كانت هذه النزعننة نحننو النتشننار‬
‫مترافقننة بعجننز عننن كمننال عمننودي‪ :‬فكمننا لننم تكننن‬
‫الحقننائق الكونيننة للثنويننة الزرادشننتية لغيننر الرييننن‬
‫مبننندأيًا‪ ،‬كنننذلك تمامنننا ً فالحقنننائق الكونينننة للفلسنننفة‬
‫اليونانية لم تكن للجماهير مبدأيًا‪ .‬لكن هننذا ل يعننني أن‬
‫الفلسفة اليونان كانوا غيننر مبننالين كننالبوذيين الهنننود‬
‫نحو »ديانننة البشننر«‪ .‬فننالبيقوريون أهملننوا اعتقننادات‬
‫الجماهير باعتبارهننا خرافننة جاهلننة‪ ،‬فنني حيننن ش نّرعها‬
‫المشاؤون كرموز لحقيقة عالية‪ .‬فمن ناحية‪ ،‬إذا كننانت‬

‫جديدة‪.‬‬
‫‪ (12‬كان هنالك الكثير من الشوفينية الثنية كي تجد تعبيرا ً لها في رأي أرسطو القننائل‬ ‫)‬

‫إن البرابرة كانوا عبيدا ً بالسليقة؛ لكنه كننان موقفنا ً ضننعيفا ً علمي نا ً ومل نٍغ لننذاته بننذاته‬
‫معَنّززة ذاتينا ً‬
‫تاريخيًا‪ ،‬في حين كان النتخاب اللهي عند الرييننن عقينندة قويننة دينينا ً و ُ‬
‫تاريخيًا‪.‬‬
‫‪ (13‬مع أن الفارابي كان يؤمن بذلك‪ ،‬وعزا بالمقابل أصولها إلى بلد مابين النهريننن؛‬ ‫)‬

‫فإن كل الجرائين‪ ،‬مهما كانت عدم دقتهما على الصننعيد التنناريخي‪ ،‬يوفيننان بننالغرض‬
‫مفاهيميا ً )‪(R. Walzer, L Eveil de la Philosophie Islamique, Paris 1971, p19‬‬

‫‪92‬‬
‫هننذه هنني الننروح الننتي قننارب بهننا الفلسننفة الديانننة‬
‫الشننعبية‪ ،‬فليننس يهننم كننثيرا ً الشننعب الننذي اختنناروا‬
‫مقاربته‪ :‬فما فعله ابيقور وزينون لجل ديانة اليونننان‪،‬‬
‫استطاع لوقراسيوس وباناتيوس أن يفعله تماما ً للهة‬
‫جعلننت‬ ‫الرومان أيضًا‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬فحيننن حنندث و ُ‬
‫الجمنناهير تحننت السننيطرة‪ ،‬ظهننر البيقوريننون مبنندأيا ً‬
‫مهنندئين للعصنناب بقنندر مننا كننان المشنناؤون مبنندأيا ً‬
‫جامدي الشعور‪ .((14‬الفلسفة اليونانية لننم تكننن إصننلحا ً‬
‫للديانننة اليونانيننة‪ ،((15‬فهنني لننم تكننن تملننك الرغبننة ول‬
‫الطريقة لجعل اليونانيين أمة فلسفة‪ .‬باختصار‪ ،‬حيثما‬
‫تصنننع الزرادشننتية أمننة‪ ،‬تصنننع الهلينيننة نخبننة ثقافيننة‬
‫كوزموبوليتانية‪.‬‬
‫وكما افتقدت الهلينيننة القننوة الكامنننة اليديولوجيننة‬
‫الموجودة في الزرادشتية‪ ،‬كننذلك تمامنا ً افتقنندت أيضنا ً‬
‫تجسيدها للعرف‪ .‬فمننن ناحيننة‪ ،‬لننم يكننن لنندى الهلينيننة‬
‫كهنة المجوس‪ :‬الكهنة اليونننانيون لننم يوّزعننوا فلسننفة‬
‫قومية‪ ،‬والفلسفة اليونانيون لم يكونوا بننديل ً لكهنننوت‬
‫قومي‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬فالعلقة شننبه الغامضننة بينن‬
‫ط تكريس نا ً لسياسننة قوميننة‪.‬‬ ‫الهلينية والسياسة لننم تع ن ِ‬
‫فتاريخيًا‪ ،‬ارتبننط الفكننر اليوننناني بقننوة بحينناة حكومننة‬
‫المدينة‪ .‬وهكذا فبؤرته السياسننية النوعيننة كننانت وفننق‬
‫المعايير اليرانية ضننيقة جنندًا‪ :‬فبننالرغم مننن طموحننات‬
‫مَلكيننة‬
‫مَلكية‪ ،‬لم تكن قققققققق ق شننرعة ل َ‬ ‫الفلسفة لل َ‬
‫ً‬ ‫‪((16‬‬
‫قومية أكثر من ققققق ققق ‪ .‬أما مفاهيمي نا‪ ،‬فاهتمننام‬
‫الفلسفة السامي بالكون كننان يتضننمن ميل ً لن يكننون‬
‫فوق السياسة‪ .‬وهكننذا فبؤرتهننا الفكريننة العامننة كننانت‬
‫وفق المعايير اليرانية واسننعة جنندًا‪ :‬فننإذا كننان التأمننل‬
‫الفلسننفي هننو الخيننر الرفننع‪ ،‬يصننبح إختيننار المننرء أن‬

‫‪ (14‬وهو ما يعّبر عنه ابيقور بألفنناظ ل تنسننى‪» ،‬المننور الننتي أعرفهننا‪ ،‬ل تستحسنننها‬ ‫)‬

‫الدهماء‪ ،‬لكني ل أعرف شيئًا‪ ،‬عما تستحسنه الدهماء«‪R. E. Dodds, The Greeks and ) .‬‬
‫‪ .(the Irrational, Berkeley and Los Angeles 1951, p. 241‬إن التزام النخبة الفلسفية بالغزو‬
‫المفاهيمي للجماهير هو ظاهرة حديثة جدا ً على الصعيد التاريخي‪.‬‬
‫‪ (15‬تصير أقرب ما يمكن لن تصبح كذلك في رد أفلطننون علننى تهدينند الديمقراطيننة‬ ‫)‬

‫الشعبية ورد يوليانوس الجاحد على تهديد المسيحية الشعبية‪.‬‬


‫‪ (16‬لشك بالطبع أن الجمهورية الفلطونية أيضًا‪ ،‬بعد مغامرتها الزيديننة الفاشننلة فنني‬ ‫)‬

‫ي أو‬‫سراقوسة‪ ،‬أودعها مؤسسننها فنني غيبننة ل تفينند معهننا الجهننود المتقطعننة لفنناراب ّ‬
‫ن وذلك لعادتها ثانية‪ .‬لكن إذا حدث وصار أفلطون فوق السياسة فإن سياسننة‬ ‫لبلثو ٍ‬
‫دولة المدينة تلك التي كان فوقها‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫يتفلسف في مكتبننة السننكندرية أو فنني حننوض أثيننني‬
‫مسألة ذوق‪.‬‬
‫مَلكية الهلينية لم تسننتطع أن‬ ‫النتيجة كانت هي أن ال َ‬
‫تكون حكومة قوميننة‪ .‬والواقننع أن الغننزوات المقدونيننة‬
‫خّلصت الفكر اليوناني من هاجسه السياسي البرشنني‬
‫المحندود‪ :‬فحكومنة المدينننة‪ ،‬باعتبارهنا عتيقنة الطنراز‬
‫سياسيًا‪ ،‬استمرت أساس نا ً كشننكل ثقننافي‪ .‬لكننن مننا أن‬
‫تحّرر الفلسفة من مشاغل الحكومة‪ ،‬حتى عننادوا إلننى‬
‫مشاكل الكون الدئمة‪ .‬وصار مواطنننو المنندن مننواطنين‬
‫للكننون‪ ،‬وليننس لليونننان؛ وأفسننح المجننال ترابطهننم‬
‫المشترك‪ ،‬ليس لتضامن إثني‪ ،‬بل لخوية بشرية‪ .‬علننى‬
‫أساس من هذه الرضية‪ ،‬استطاع الملوك المقنندونيون‬
‫أن يزعموا أنهم ينتقمون للهلينية مننن الفننرس وأنهننم‬
‫يعملون كحمنناة لهننا فنني الراضنني البعينندة؛ لكننن هننذه‬
‫مَلكيننات‬‫الدوار ظلت خارجية بالنسبة لتقليد ل تمتلك ال َ‬
‫الهلينية داخله أيةمكانة جوهرية موثوقة‪ .‬لم يكن ممكنا ً‬
‫أن يوجد أخمينيون فرس‪ ،‬وعلى هذا الساس لننم يكننن‬
‫ممكنا ً أن يوجد ساسانيون يونان؛ وكننان علننى تأسننيس‬
‫مملكة اليونان أن ينتظر بافاريي القرن التاسع عشر‪.‬‬
‫وهكذا فقنند كننان ثمننة مننا يحننول دون إحننراز العننالم‬
‫اليوناني لكمال سياسي وديننني مننن مصننادره الخاصننة‪.‬‬
‫لكن في الوقت ذاته فننإن سننمة التقلينند جعلتننه ينفتننح‬
‫عم خارج الحدود‪ .‬وفي الموضع الول‪،‬كننان‬ ‫على تلك الن ِ َ‬
‫لدى الهلينية فائض أنصار خلف حدودها الثنية؛ وهكننذا‬
‫غ نَزوا مننن قبننل روافنندهم‬‫فقد استطاع اليونانيون أن ي ُ ْ‬
‫الثقافية الخاصة‪ ،‬في حيننن لننم يسننتطع اليرانيننون أن‬
‫در إل علنننى أيننندي أعننندائهم‬ ‫يعنننانوا منننن هنننذا ال َ‬
‫قننن َ‬
‫اليديولوجيين‪ .((17‬وفي الموضع الثنناني‪ ،‬لننم يكننن لنندى‬
‫الهلينيننة سننوى مصننادر قليلننة للتحكننم اليننديولوجي‬
‫بجماهيرهننا؛ وهكننذا اسننتطاع اليونننانيون أن يغّيننروا‬
‫ديانتهم على أيدي مرسلين من ديانة غريبة‪ ،‬فنني حيننن‬
‫لم يكن ممكنا ً تحطيم القبضة الزرادشننتية علننى شننعب‬
‫إيران إل عننن طريننق الغننزو‪ .‬وكننانت النتيجننة أن إيننران‬
‫مر‬ ‫حد حتى د ّ‬‫ظلت محافظة على بنيانها ذي الكيان المو ّ‬
‫(‬ ‫)‪17‬‬
‫وهكذا فالمعادل اليراني للرومان هو المزدكيننون‪ :‬فالرومننان يصننورون المغننامرة‬
‫التي يقوم بها المرء حين يخبر عن حقائقه لجيرانه‪ ،‬في حين يتحدث المزدكيننون عننن‬
‫‪.‬المغامرة التي يقوم بها المرء في إخبار حقائقه لجماهيره‬

‫‪94‬‬
‫الغزاة الهاجريون حكمها وسياستها بضربة واحدة‪ ،‬في‬
‫حينننن كنننان اليوننننان يننندينون بتلنننك الوحننندة الدينينننة‬
‫ست عليهم إلى إمبراطور روماني‬ ‫والسياسية والتي دُل ّ َ‬
‫وإله يهودي‪.‬‬
‫لقد فعل هذا التدليس المزدوج شيئا ً مننن أجننل ربننط‬
‫العالم اليوناني ببعضه‪ ،‬لكنه أبعده كنثيرا ً عنن أن يصننبح‬
‫إيران غربية‪ .‬سياسننيًا‪ ،‬كننانت هنالننك العلقننة الغامضننة‬
‫بيننن اليونننان والرومننان‪ .‬مننن ناحيننة المبنندأ‪ ،‬قنند يكننون‬
‫الرومان أكملوا تلقيهم للثقافة اليونانية بتبننني الثنيننة‬
‫اليونانية؛ لكننن عملينا ً كننانت عننندهم الرغبننة والوسننيلة‬
‫على الستمرار في أن يكونوا مختلفيننن إثني نًا‪ ،‬ولنهننم‬
‫وجدوا أنفسهم عند هوميروس متحنندرين مننن طننروادة‬
‫فقد واصننلوا تثقيفهننم للفلسننفة اليونانيننة إنمننا بثننوب‬
‫لتيننني‪ .‬وكننانت النتيجننة بمعنننى مننا إعطنناء اليونننانيين‬
‫تكاملية سياسيا ً والرومان تكاملية ثقافيا ً داخل حضننارة‬
‫إمبريالية يونانية ‪ -‬رومانية‪ .‬لكن هذه الحضننارة الثنائيننة‬
‫الوجه كانت تعني في الوقت ذاته تننوترا ً ثنننائي الننوجه‪.‬‬
‫فاليونانيون‪ ،‬رغم امتلكهم لسندات تملك الثقافة‪ ،‬لننم‬
‫يستطيعوا أن يفقدوا بالكامل قط ريفيتهم السياسننية؛‬
‫أمننا الرومننان‪ ،‬فرغننم سننعادتهم بتطننورهم مننن دولننة‬
‫المدينة إلى المبراطورية‪ ،‬لم يستطيعوا قط أن يحيننوا‬
‫بطريقة ينسون معها بالكامل ريفيتهم الثقافية‪.‬‬
‫دينيًا‪ ،‬كانت هنالك العلقة الملتبسة بين »اليونننانيين‬
‫‪ -‬الرومننان« واليهننود‪ .‬لقنند دعننا العننالم القننديم إلهننا ً‬
‫شخصيا ً وتجربته اللننه الحننارس لشننعب صننغير وسننيء‬
‫الطننالع إلننى حنند مننا‪ .‬العلقننة الناتجننة عننن ذلننك كننانت‬
‫محفوفة بالمشناكل بطريقننتين‪ .‬ففنني الموضننع الول‪،‬‬
‫كان معنى الدعوة أن يهوه كان إلها ً شخصيًا؛ لكن جعل‬
‫من‬ ‫إله شخصي مسؤول ً عن كون مفاهيمي هو أمر يتض ّ‬
‫علىالرجح كمية ل بنأس بهنا منن عندم الراحننة عننند كل‬
‫الجانبين‪ .‬في الموضع الثاني‪ ،‬لقنند وضننع ماضنني يهننوه‬
‫الثننني خننارج الحضننارة الننتي تبنتننه الن‪ .‬المسننيحيون‬
‫ولوا اليونانيين إلى دينهننم‪،‬‬ ‫طبعا ً ضحوا بإثنيتهم كي يح ّ‬
‫بعكس الرومان الذين حافظوا على إثنيتهننم وغزوهننم‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫لكن رغم تجريد يهوه من طابعه القننومي‪ ،‬فقنند أحضننر‬
‫ض قومي متميز ثقافيا ً‪.((18‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫معه سجل ً كتابيا تفصيليا لما ٍ‬
‫وهكذا فقد اتحنندت ثقافننة يونانيننة‪ ،‬حكومننة رومانيننة‬
‫وديانة يهودية‪ .‬وحتى في شنكله النبيزنطي‪ ،‬فقند ظنل‬
‫م سننطحي لعناصننر مننن أصننول‬ ‫هننذا التقلينند مج نّرد ض ن ّ‬
‫وناته الثلثة فنني تننوتر متبننادل‬ ‫مختلفة‪ ،‬والذي كانت مك ّ‬
‫كامن‪ .‬لقد ظهر إيطالوس التعيس الحننظ‪ ،‬وهننو راهننب‬
‫من القننرن الحننادي عشننر وتلميننذ لبسننيلوس‪ ،‬كننبربري‬
‫لتيني بالنسبة لنا كومنينا‪ ،‬كفيلسوف متزندق علىنحننو‬
‫خطير بالنسبة للكنيسة‪ ،‬وكشخص مضحك فنني »لباسننه‬
‫‪(1‬‬
‫الجليلي« بالنسبة لحكماء النتيك في العالم السننفلي‬
‫‪ .(9‬لقد كان البيزنطيون ورثة الهلينية‪ ،‬مع ذلك فبسننبب‬
‫احترامهم لديانتهم لم يغامروا في أن ينندعوا أنفسننهم‬
‫هلينيين‪((20‬؛ لننم يكننن فرجيننل أو شيشننرون يعنيننان أي‬
‫شيء لهم‪ ،‬مع ذلك فبسننبب احننترامهم لنندولتهم دعننوا‬
‫أنفسهم رومانا ً‪ .((21‬والواقع أنهم لم يبالوا كثيرا ً بمنندى‬
‫عمل بيزنطننة‪ :‬فحيننن يكننون المننرء علننى قمننة العننالم‪،‬‬
‫يستطيع أن يتحمل أن يكون غيننر مننترابط‪ .‬لكننن المننر‬
‫من شيئا ً هاما ً والذي يمكن لظروف أقل طيبننة‬ ‫كان يتض ّ‬
‫عله‪ :‬فما جمعننه التاريننخ علننى نحننو مهلهننل‪ ،‬كننان‬ ‫أن تف ّ‬
‫باستطاعته أن يفككه بالسهولة ذاتها تمامًا‪.‬‬

‫‪ (18‬لو كانت المرقونية انتصرت‪ ،‬لكانت حررت المسيحية من كابوس أسفارها المقدسننة‬ ‫)‬

‫اليهودية؛ قارن ذلك مع الدور الثقافي لبوذية الزن في الصين‪ .‬والوصية عند الزن القائلة‬
‫أقتل البوذا حتى تلتقيه تجد صنداها المسنيحي فني نصنيحة لنوثر بنأنه يجنب أن نضنرب‬
‫موسى حتى الموت ونرجمه بحجارة كثيرة )من أجل هذه العقائد القاتلة‪ ،‬أنظر‪K. K. S. :‬‬
‫‪Ch’en, The Chinese Transformation of Buddhism, Princetion, N.J. 1973, p. 11; P. D. L. Avis, “Moses‬‬
‫‪and the Magistrate: a Study in the rise of Protestant Legalism: The Journal of Ecclesiastical History‬‬
‫‪ .(1975, p. 152‬لكن بسنبب حنديث لنوثر النذي علننى طاولننة الطعنام هنذا‪ ،‬كنان القننرار‬
‫المسيحي ضد مارقيون مبكرا ً وغير قابل للرد‪.‬‬
‫‪J. M. Hussery, Church and Learning in the Byzantine Empire 867 - 1185, New York 1963, pp. (19‬‬ ‫)‬

‫‪91, 94, 113‬‬


‫‪ (20‬إن تغّير الصيغة في القرن الخير من التاريخ البيزنطي أعاد فقط نقننل المشننكلة‪:‬‬ ‫)‬

‫إذا كان المسيحيون البيزنطيون هيلينين‪ ،‬فالشيء المنطقي الوحينند بالنسننبة لبليثننون‬
‫كان العودة إلى الوثنية‪ ،‬أنظر‪S. Runciman, The Last Byzantine Renaissance, Cambridge :‬‬
‫‪.1970, pp. 14 - 23‬‬
‫‪ (21‬الحقل الوحيد الذي فرض فيه اللتين وجننودهم كننان بننالطبع القننانون‪ :‬قننارن بيننن‬ ‫)‬

‫المشكلة من القرن الرابع حول المحافظة على اللتينية الشرعية في الشرق ضننمن‬
‫حدود مع مشكلة إحيائها التي ترجع إلى القرن الحادي عشر‪J. H. W. G. Liebesschuetz , ) .‬‬
‫‪Antioch: City and Imperial Administration in the Later Roman Empire, Oxford 1972, pp. 242 -‬‬
‫‪.(255; Hussey, Church and Learning, p. 56‬‬

‫‪96‬‬
‫‪7‬‬
‫أقاليم الشرق الدنى‬

‫كانت سننوريا‪ ،‬مصننر والعننراق جميعنا ً مراكننز لتقالينند‬


‫ثقافية قديمة جدًا‪ .‬لكن ما من تقليد من هننذه التقالينند‬
‫ظل على حاله خلل ألف عام من الحكم الجنننبي لكننل‬
‫منننن الخمينيينننن‪ ،‬اليوننننانيين‪ ،‬الرومنننان‪ ،‬البنننارثيين‪،‬‬
‫الساسانيين والننذي سننبق الغننزوات العربيننة‪ .‬بالمقابننل‬
‫فالمستوى المتدني للندماج الثقنافي النذي مّينز علننى‬
‫نحننو خنناص المبراطوريننتين » اليونانيننة ‪ -‬الرومانيننة«‬
‫والبارثيننة ضننمن عنندم اختفنناء أي مننن هننذه التقالينند‬
‫بالكامننل‪ .‬وفنني القننرن الثننالث بعنند المسننيح يمكننن أن‬
‫نجدها على قيد الحياة؛ لكننن فنني القننرن الثننالث أيض نا ً‬
‫كان التسامح الثقافي القديم سيصل إلى نهننايته‪ .‬ولننو‬
‫كان العرب اختاروا تنفيذ غزواتهم فنني هننذه المرحلننة‪،‬‬
‫لكننانوا قنند وجنندوا ثقافننة محليننة وأخننرى امبرياليننة‬
‫تتعايشان الواحدة قرب الخرى ‪ -‬كما كانت عليه الحننال‬
‫فعل ً في شمال إفريقيا؛ وعلى العكس مننن ذلننك‪ ،‬فلننو‬
‫جلوا غزواتهم حتى القرن العاشر لمكننن لنننا أن‬ ‫أنهم أ ّ‬
‫نتخيل )مع أن المر ليس مرجحا ً جدًا( أنهننم لننن يجنندوا‬
‫شننيئا ً غيننر طبقننة مثقفننة محليننة تعينند بننإخلص إنتنناج‬
‫ل‪ .‬لكننن‬‫الثقافة المبريالية ‪ -‬كما فعلوا في اسننبانيا فع ً‬
‫بما أنهم اختاروا أن يغزوا مصر والهلل الخصننيب فنني‬
‫القننرن السننابع‪ ،‬فقنند كننان مننا وجنندوه فعل ً هننو ثلثننة‬
‫تركيبات متمايزة إلى درجة عالية‪ ،‬تطورت تحت حمايننة‬
‫درع مسيحي في ردة فعل على ضننغط العاصننمة علننى‬
‫النحراف الثقافي‪.‬‬
‫إن قدرة الهلينية والثقافات المحليننة علننى التعننايش‬
‫دون إزعاج تقريبا ً إنما كانت نتيجة الفصل الهليني بين‬
‫النخبننة والجمنناهير‪ ،‬سياسننيا ً كمننواطنين وخاضننعين‪،‬‬
‫ثقافي نا ً كيونننانيين وبرابننرة‪ ،‬فكري نا ً كأنصننار للمفنناهيم‬
‫وأنصار للسطورة‪ .‬وبمننا أن اليونننانيين كننانوا يعملننون‬
‫دد أو بحقننائق‬‫إما بحقائق عالية ذات تخلل اجتماعي مح ّ‬
‫قابلة للتخلل الجتماعي لكن قيمتهننا الفكريننة محننددة‪،‬‬
‫فنالتوتر بينن المعننايير والعتقنادات المتصنارعة داخنل‬
‫المبراطورية كان قد ُأبطل مفعوله‪ :‬فالنخبة اليونانيننة‬
‫حّررة من اللننتزام بعننرض حقائقهننا‬ ‫م َ‬
‫‪ -‬الرومانية كانت ُ‬

‫‪97‬‬
‫الفائقة الخاصة على الجماهير‪ ،‬في حين لم يكن لننديها‬
‫من جهة أخرى ما يبرر سحبها من البرابرة الذين كننانوا‬
‫راغبين في اعتناق تلننك الثقافننة‪ .‬ولننو أن أولئك الننذين‬
‫قبعننوا بعينندين لننم ي َُتننابعوا وأولئك الننذين جنناءوا لننم‬
‫فضوا‪ ،‬لسننتطاع الولننون أن ي ُننتركوا للعيننش بسننلم‬ ‫ي ُْر َ‬
‫وفق أساليبهم البربرية في حين كان يمكن التوقع من‬
‫كننروا لسنناليبهم البربريننة بالكامننل‪.‬‬ ‫الخيريننن أن يتن ّ‬
‫وهكذا ففي طول الحقبة وعرضها استنضننبت الهلينيننة‬
‫أعددا ً ثابتة من البرابرة؛ لكن لن الهلينية لم تكن تهتم‬
‫في جعل القيم المحلية تتسلل من أجننل اكتسنناب أحنند‬
‫الشخاص‪ ،‬فإن بعضا ً من هؤلء الذين اعتنقوا ثقافتهننا‬
‫إنمنننا كنننانوا يخوننننون أصنننولهم المحلينننة‪ .‬وهكنننذا‬
‫فالمبراطوريننة الرومانيننة الننتي كننانت تسننير سياسننيا ً‬
‫ككونفدراليننة لحكومننات منندن تحننت إشننراف مفكننك‬
‫للمننبراطور الرومنناني‪،‬وفكريننا ً ككونفدراليننة منندارس‬
‫فلسفية تحننت إشننراف مفكننك لللهننة المدينيننة‪ ،‬كننانت‬
‫مثننل شننبكة واسننعة ترمنني خيوطهننا الرفيعننة علننى‬
‫مجموعات متنافرة من الننبرابرة‪ :‬الخيننوط‪ ،‬أينمننا كننان‪،‬‬
‫كانت تمسك برجال لصقلهم بالثقافة المتناسقة للغاية‬
‫ذاتها‪ ،‬لكن عيون الشبكة كانت‪ ،‬أينمننا كننان‪،‬واسننعة بمننا‬
‫يكفي لجعننل غالبيننة الننبرابرة ينجننون ومعهننم لغنناتهم‪،‬‬
‫عقائدهم‪ ،‬وأعرافهم غير المهذبة‪.‬‬
‫كان حقننل النندين طبع نا ً اسننتثناء فنني هننذا النمننوذج‬
‫العام للفصل بيننن المننور اليونانيننة والمننور البربريننة‪.‬‬
‫ولين بننامتلك آراء‬ ‫وإذا كان البرابرة في هذا الصدد مخ ن ّ‬
‫ليعرفها اليونانيون‪ ،‬فل يوجد مننا يمنننع تبننادل ً توفيقينا ً‬
‫ل؛ والتوفيقيننة الدينيننة طبع نا ً هنني إحنندى السننمات‬ ‫أصي ً‬
‫الكثر لفتا ً للنظر في الحضارة الهلينية‪ .‬مننع ذلننك فقنند‬
‫اسننتمرت الفجننوة الخلقيننة بيننن النخبننة والجمنناهير‪:‬‬
‫فحيثما كان اليونانيون يرون مفاهيمننا ً كننان القرويننون‬
‫مننا الكهنننة المحّليننون‪ ،‬الننذين وقننع‬
‫يرون قق قق ‪ ،ma’at‬أ ّ‬
‫علننى عنناتقهم واجننب حفننظ الحقيقننة‪ ،‬فقنند افتقنندوا‬
‫الرادة والسننلوب علننى حنند سننواء للسننيطرة علننى‬
‫التنوعات الجتماعية والجغرافية لعقائدهم‪.((1‬‬
‫‪Corpus Hermeticum‬‬ ‫‪ (1‬قارن الحتقار الذي يبننديه مؤّلفننو ررررررر ر رررررررر ر‬ ‫)‬

‫المتهلينون للجماهير في حين يحتفظون في الوقت ذاته بكل احتقننارهم لليونننانيين‪) .‬‬
‫‪.(P. Derchain in P. Grimal et al., Hellenism and the Rise of Rome, London 1968, p. 217‬‬

‫‪98‬‬
‫كان للتطورات الننتي وضننعت حندّا ً لهننذه الحالننة فنني‬
‫ول‪،‬‬ ‫القرن الثالث ومننا بعنند وجهننان‪ .‬ففنني الموضننع ال ّ‬
‫دلت الننروح الحربيننة البنيننان الداري للمبراطوريننة‪،‬‬ ‫بنن ّ‬
‫حارمة الموظفين الكبار‬
‫في العالم اليوناني ‪ -‬الروماني من احتكارهم للسننلطة‬
‫السياسية والستقامة الثقافية على حد سواء‪.‬‬
‫سياسيًا‪ ،‬فقد انهزم اليونانيون طبعا ً أمام الرومان مع‬
‫الغزو الروماني؛ لكن امبراطورا ً يرتنندي قننناع المننواطن‬
‫الول لم يستطع أن يكون شخصا ً معاديا ً بالكامننل لدولننة‬
‫المدينننة‪ ،‬ولننم تفسننح الحكومننات المحليننة لنندول المنندن‬
‫المجال أمننام حكننم امننبراطوري مباشننر إل تحننت وطننأة‬
‫تننأثير الغننزوات البربريننة‪ .‬ومننن تحننت قننناعه ظهننر الن‬
‫قق ققق قققققق قق ققققق ق ‪ Princeps‬فنني قققق ق قققق‬
‫‪ ،dominus‬وأفسننننحت دائرة ققق ق ققق ققق ‪Curiales‬‬
‫ققققق ‪officiales‬‬ ‫الحصنننننرية المجنننننال أمنننننام ققق‬
‫قق ققققققققققق الننندخيلين‪ .‬ومنننع الزالنننة المنظمنننة‬
‫للرسننتقراطية التقليديننة‪ ،‬حصننل سننكان القنناليم علننى‬
‫فرصننننهم لصنننننع مسننننالك معيشننننية مربحننننة ماليننننا ً‬
‫كبيروقراطين سواء مركزيا ً أم محليًا‪ ،‬بل حتى كأباطرة‪،‬‬
‫ومن غير المدهش‪ ،‬أن سكان القاليم اسنتجابوا‪ .‬وهكنذا‬
‫فقنند أحننرز الننبرابرة السننابقون مشنناركة فنني حكومننة‬
‫المبراطورية‪ ،‬في حين أحننرزت الحكومننة المبراطوريننة‬
‫بالمقابننل تشننعبات محّليننة‪ .‬وعننام ‪ 211‬صننار الجميننع‬
‫ل أساسننيا ً فنني مسنار‬ ‫مواطنين شكليا ً لكنهم كننانوا منوا ٍ‬
‫القرون التي تلت‪.‬و سياسيا ً لم يكننن هنالننك مننواطن ول‬
‫مولى‪ ،‬بل كان المبراطور كل شيء وفوق كل شيء‪.‬‬
‫هننن علننى الشننمولية‬ ‫مننن الناحيننة الثقافيننة‪ ،‬فقنند ُبر ِ‬
‫المتأصلة للحضارة الهلينية عبر تبنيهننا طبع نا ً مننن قبننل‬
‫الرومننان‪ .‬لكننن دولننة المدينننة ظلننت التجسننيد العيننني‬
‫لسننلوب الحينناة اليوننناني‪ ،‬وكمننا اسننتطاع اليونننانيون‬
‫تعريف السياسة فوضويا ً على أنها مسننألة دول المنندن‬
‫حننتى القننرن الثننالث‪ ،‬كننذلك اسننتطاعوا أيض نا ً تعريننف‬
‫الثقافة بأنها مسألة أسننلوب حينناة يوننناني حننتى جعننل‬
‫زوال دولة المدينة الفكر اليوننناني متاح نا ً للجميننع دون‬
‫أدنننى لبننس‪ .‬لقنند تلقننى الننبرابرة الن دروسننا ً فنني‬
‫القواعد‪ ،‬علم البيان أو القننانون وذلننك بأمننل الحصننول‬

‫‪99‬‬
‫على وظيفة حكومية بطريقة أوتريبوس ‪ ،(Eutropius(3‬أو‬
‫درسوا الحكمة اليونانية كي يحرزوا آراء دينية بطريقننة‬
‫بورفيروس ‪(Porphyry(4‬؛ ومع فقدان المننوظفين الكبننار‬
‫للسننلطة وأسننلوب الحينناة علننى حنند سننواء‪ ،‬بنندأت‬
‫دل‪ .‬ثقافيًا‪ ،‬لم يعد‬ ‫المصطلحات التوفيقية للتجارة بالتب ّ‬
‫هنالك يونانيون ول برابننرة‪ ،‬بنل تعلينم كنان كنل شننيء‬
‫وفوق كل شيء‪.‬‬
‫في الموضع الثاني‪ ،‬فقنند غي ّننرت المسننيحية البنيننان‬
‫المعرفي للمبراطورية‪ ،‬حارمة المننوظفين الكبننار مننن‬
‫احتكننارهم للحقيقننة‪ .‬وكننان اللننه المسننيحي قنند ورث‬
‫صننفتين‪ -‬مفتنناحين مننن ماضننيه الثننني واللننتين كانتننا‬
‫تميزانننه عننن اللهننة الخننرى ذات الشننعبية فنني ذلننك‬
‫الزمن‪ .‬فمن ناحية لم تسمح غيرتننه بالحنندود المعرفيننة‬
‫ول الجتماعية‪ ،‬والمبشرون المسيحيون بالتننالي كننانوا‬
‫يبشرون أساسا ً بالحقيقة ذاتها للنخبة والجماهير علننى‬
‫حد سواء‪ .‬والحقيقة أن المسيحيين اكتسبوا شننيئا ً مننن‬
‫الحتقار الهليني للبرابرة وقققققق ‪idioati‬؛ لكنهم ظّلوا‬
‫مع ذلك صّيادي بشر والذين ل ينوون ترك أصغر سننمكة‬
‫تهرب منهم‪ ،‬وفي سياق مسيحي صار رفض اليونانيين‬
‫المتكّبر شأنا ً إحسانيا ً لمتطلبات النفننس الدنننى منهننم‬
‫شأنًا‪ .‬من ناحية أخرى فقد تطلب تماسننك يهننوه شننكل ً‬
‫قنند أسننباطه ليصننبح إلننه‬ ‫ف َ‬
‫من التعريف الثني‪ ،‬فبعنندما َ‬
‫غير اليهود‪ ،‬مال بشكل غيننر طننبيعي لن يتبنننى عوضنا ً‬
‫ضننع فيهننا‪ .((5‬وقنند أدى التقنناء‬ ‫و ِ‬‫عنهننم الحكومننة الننتي ُ‬
‫غيرته بالفلسفة اليونانية بالتالي إلى أرثوذكسية مبينة‬
‫عَبننندة القنننانيم وعبننندة‬ ‫مفاهيمينننا ً مفروضنننة علنننى َ‬
‫القديسين على حد سواء؛ في حين وّلد التقاء تماسننكه‬
‫كن جعل‬ ‫ُ‬
‫م ِ‬
‫بالمبراطورية الرومانية منظمة إكليروسية أ ْ‬
‫هذه الرثوذكسية عبرها فعالة اجتماعيا ً‪ .((6‬ومعرفيا ً لننم‬

‫‪.O. Seeck, Die Briefe des Libanius Zeitlichgeorndnet, Leipzig 1906, s.n Eutropius V (3‬‬ ‫)‬

‫‪Eunapius, Lives of the Philosophers, ed. and tr. E. H. Warmington and W. Wright, London (4‬‬ ‫)‬

‫‪.1968, pp. 352ff‬‬


‫‪ (5‬قنارن عندم المبنالة باعتنناق الننبرابرة خلننف حندود المبراطوريننة للندين‪E. A. ) :‬‬ ‫)‬

‫‪Thompson, “Christianity and the Northern Barbarians” in A. Momigliano (ed.),The Conflict‬‬


‫‪ .(between Paganism and Christianity in the Forth Century, Oxford, 1963, p. 64‬ومما يلفت‬
‫النظر على نحو خاص أن محاولة تصدير الحقيقننة المسننيحية بتلننك الطريقننة ظهننرت‬
‫كمقولة خاطئة حتى بالنسبة لحد الريين )‪.(ibid, p. 69‬‬
‫‪ (6‬قارن الدور المفتاحي للمبراطور في تطور إجراءات القرار الخاص بالمجلس‪.‬‬ ‫)‬

‫‪100‬‬
‫يكن هنالك فلسفة ول قققق‪ ،‬فالمسيح كان الكل وفي‬
‫الكل‪.((7‬‬
‫ور في إيران كان أقل شهرة علننى نحننو‬ ‫رغم أن التط ّ‬
‫مطلق‪ ،‬إل أنننه لننم يكننن مختلفنًا‪ .‬فكونفدراليننة الممالننك‬
‫كلت المبراطوريننة البارثيننة‪،‬‬ ‫المفككة التي كانت قنند ش ن ّ‬
‫أفسحت المجننال لمملكننة مركزيننة ساسننانية‪ ،‬فنني حيننن‬
‫وصل التيار المحب للهلينية ثقافيا ً واللمبالي ديني نا ً عننند‬
‫البننارثيين إلننى نهننايته مننع اسننترداد الساسننانيين لمبنندأ‬
‫زرادشتي متكامل‪ .‬وبما أن أهورا مازدا هو إلننه الرييننن‪،‬‬
‫فقنند أظهننر الساسننانيون اهتمام نا ً ممنناثل ً بشننأن إبقنناء‬
‫الرثوذكسية ضمن حدود المبراطوية اليرانية؛ وبما أنه‬
‫مَلكية مركزية‪ ،‬فقد أنشأوا منظمننة مماثلننة‪،‬‬ ‫في حيازة َ‬
‫ولو أوليًا‪ ،‬من أجل فرضه بالقوة‪.‬‬
‫فنني كل المبراطوريننتين كننانت الزيننادة فنني الدمننج‬
‫تعني الزيادة في التضامن ‪ -‬حروب كراسوس وأوردس‬
‫أفسنننحت المجنننال لحملت هرقنننل وكسنننرى الثننناني‬
‫العنيفة؛ وفنني كل المبراطوريننتين كننانت الزيننادة فنني‬
‫الدمج تعني الزيادة في التوتر بين الجزاء المكونة لكل‬
‫إمبراطورية ‪ -‬فالريفية المحلية الهادئة البننال أفسننحت‬
‫ول الديني والبجدية اليونانيننة ‪ -‬الرومانيننة‬ ‫المجال للتح ّ‬
‫في الغرب‪،((8‬نن قققققق قققق التبشريين في الشننرق ‪.‬‬
‫‪((9‬‬

‫ولو أن كل القروييننن المحلييننن كننانوا برابننرة أصننليين‬


‫لكان التوتر دون شك محنندودًا‪ :‬فاختيننار الحضننارة فنني‬
‫شكلها اليوناني أو الروماني المحتننوم‪ ،‬لننم يكننن خيننارا ً‬
‫صعبا ً بالنسبة لسكان قاريننا أو للسننلت‪ .‬بالمقابننل فننإن‬
‫الرفض القبائلي للحضننارة منن قبننل البلمييننن أو بربنر‬
‫شمال افريقيا لم يشكل مشننكلة كننبيرة‪ .‬لكننن بالنسننبة‬
‫إلى السننكان المحلييننن فنني الشننرق الدنننى فالثقافننة‬
‫اليونانية ‪ -‬الرومانية لم تكن الشكل المحتننوم أو الكننثر‬

‫‪ (7‬قارن إلحاح أفرام السرياني بأن نير اليمان هو ذاتننه بالنسننبة للمتعلننم والجاهننل‪،‬‬ ‫)‬

‫الداهية والبسيط‪E. Beck, Die Theologie des Ephraem in seimen Hymen uber den Glauben ) .‬‬
‫‪.((=Studie Anselmiana,fasc, xxi, Rome 1949, p. 64‬‬
‫‪ (8‬قارن‪P. Brown, “Christianity and Local Culture in Late Roman Africa”, Journal of Roman :‬‬ ‫)‬

‫‪.Studies 1968, p. 10‬‬


‫‪M. L. Chaumont, “Recherches sur le clergé zoroastrien: le hérbad”, Revue de l’histoire des (9‬‬ ‫)‬

‫‪. religions 1960, pp. 71 - 76‬‬

‫‪101‬‬
‫مرغوبية فعل ً والذي باستطاعة الحضننارة تقننديم ذاتهننا‬
‫علننى الرض مننن خللننه؛ وإذا كننان التسننامح الثقننافي‬
‫كنهم من الحفاظ على هويتهم الذاتية‪ ،‬فقنند أجننبرهم‬ ‫م ّ‬
‫التعجرف الثقافي الن على تأكينندها علننى نحننو فاعننل‬
‫في وجه ثقافة العاصمة‪ ،‬أو على إعادة تأكيدها ضمنها‪.‬‬
‫وتحديدا ً لن المسيحية كانت في الوقت ذاتننه الحقيقننة‬
‫الفائقة لثقافة العاصمة والحقيقة الوحيدة التي دانننت‬
‫بها هذه الثقافة للبرابرة فقد أعطتهم الفرصة لضننرب‬
‫اليونان في الدين مثلما ضربهم اليونان في الفلسننفة‪.‬‬
‫واللهة الثنية التي ُأمك ِننن أن ُيقننر لهننا بفضننل الوحنندة‬
‫الخلقية لبيزنطة وإيران ُأمكن أيضا ً لها ذاتها أن ُتدخل‬
‫في رصيدها النشقاق الديني لمصر وسوريا والعراق‪.‬‬
‫قبننل عننام ‪ 525‬ق‪.‬م‪ .‬كننانت الهويننة المصننرية نتاج نا ً‬
‫دقيقا ً للغاية لكل مننن الجغرافيننا‪ ،‬الثنيننة‪ ،‬اللغننة‪،‬شننكل‬
‫الحكم‪ ،‬والدين‪ ،‬فالعناصر المختلفة تعّرف كّلها تحدينندا ً‬
‫الكيان ذاته‪ .‬فالجغرافيا )أو النيل( كانت هبة الله وقنند‬
‫حالت للوف السنننين دون انقسننام مصننر رغننم تننوالي‬
‫أشنننكال الحكنننم عليهنننا كمرزبانينننة فارسنننية‪ ،‬مملكنننة‬
‫بلطيمية‪ ،‬إقليم روماني‪ ،‬وأبرشية مسننيحية؛ فنني حيننن‬
‫عفيت العناصر الباقيننة مننن تآكننل كامننل فنني الحقبننة‬ ‫أُ ْ‬
‫البلطمية بفضل ظرفين رئيسين‪.‬‬
‫فنني الموضننع الول‪ ،‬فقنند كننان لنندى مصننر‪ ،‬بعكننس‬
‫سوريا وبابل‪ ،‬ديلم في مملكة النوبة التابعة لها‪ ،‬والذي‬
‫م المعيننار الصننحيح للتصننلب السياسنني والتكاليننة‬ ‫ضنن ّ‬
‫الثقافية وذلك من أجننل القيننام بنندور المجنندد للملكيننة‬
‫الفرعونية إذا ما ذهب الفراعنننة ذات يننوم‪ :‬لقنند انشننق‬
‫الطيبيون تحت حكم الملوك النوبيين من عام ‪ 206‬إلى‬
‫عام ‪185‬ق‪.‬م‪ ،((10‬وربمننا أن ملكنا ً نوبينا ً ثالثنا ً هننو الننذي‬
‫حّرض على الثورة الطيبية عام ‪ ،(165(11‬وبأية حال فقد‬

‫‪P. Lacou, “Un graffito égyptien d’Abydos écrit en Lettres greques”, Etudes de papyrologie‬‬ ‫‪(10‬‬ ‫)‬

‫‪. 1934‬‬
‫‪P. Jougut, “Le roi Hurgonaphor et les révoltes de la Thébaide”, in Mélanges O. Navarre., (11‬‬ ‫)‬

‫‪.Toulouse 1935, pp. 265 - 273‬‬

‫‪102‬‬
‫فس نا ً لكراهيننة أمننون التقليديننة‬
‫واصلت طيبة كونها متن ّ‬
‫لملننوك الشننمال حننتى عننام ‪ 88‬ق‪.‬م‪ .((12‬وفنني نهايننة‬
‫المطاف كان على البطالمننة أن يصننبحوا هننم أنفسننهم‬
‫مجددين‪ ،‬خاصة بعدما واجهوا إمكانية تجديد وطني مننن‬
‫الجنننوب وضننم رومنناني مننن الشننمال‪ :‬صننار ملننوك‬
‫البطالمننة فراعنننة بألقنناب وحفلت تنصننيب وعاصننمة‬
‫مصرية كاملة‪ ،‬واستعيدت أملك الكهنة وامتيازاتهم ‪.((13‬‬
‫ولننو أن الغننزو الرومنناني لننم يحصننل‪ ،‬لننواجه البطالمننة‬
‫خطر أن تمتصهم الدولة المصرية‪.‬‬
‫في الموضننع الثنناني فننإن اليونننانيين‪ ،‬رغننم عننددهم‬
‫القوي في السكندرية‪ ،‬كانوا خارجها شبه مشتتين في‬
‫البلد‪» .‬السكندرية في مصر« كانت بالطبع مدينننة غيننر‬
‫مصننرية بالكامننل‪ ،‬أمننا السننكندرانيون‪ ،‬فرغننم الوجننود‬
‫المحتوم لعناصر مصرية بينهم‪ ،‬فقد ظّلوا يعتبرون غير‬
‫مصريين حتى في الحقبة المسيحية‪((14‬؛ لكننن البطالمننة‬
‫سسوا بعكس السلجقة بضع مدن يونانيننة‪ ،‬واسننتقرت‬ ‫أ ّ‬
‫الغالبية الساحقة في قرى وحواضر الولية حيث بنندأوا‬
‫بسرعة يصبحون مصننريين‪ ،((15‬رغننم الحظننر المفننروض‬
‫على الزواج المتبادل‪ .‬ولو أن الرومان لم يغننزوا مصننر‪،‬‬
‫لما استطاع اليونان تجّنب أن تمتصهم الثنية المصرية‪.‬‬
‫يمكن القننول إذا ً إن رومننا أنقننذت اليونننانيين‪ .‬وكننان‬
‫هنذا يعننني خسنارة الحكننم الفرعننوني الننتي ل تعننوض‪:‬‬
‫فمن جهة است ُْبدل الملوك البطالمة المتعاقبين ورجال‬
‫دينهننم المخصننيين اليونننانيين ‪ -‬المصننريين بننإمبراطور‬
‫رومنناني وفريقننه اليوننناني ‪ -‬الرومنناني‪((16‬؛ ومننن جهننة‬
‫أخننرى أس نُتبدلت القننوات اليونانيننة ‪ -‬المصننرية بجيننش‬
‫روماني متمركز خارج مصر وبنخبة تجاريننة جدينندة ذات‬
‫أصول إثنية مختلطة وثقافة هلينية داخلهننا‪ .((17‬وحنندهم‬
‫‪C. Préaux, “Esquisse d’une histoire des révolutions égyptiennes sous les Lagides”, (12‬‬ ‫)‬

‫‪. Chronique d’Egypte 1936‬‬


‫‪.W. Tarn and G. T. Griffith, Hellenistic Civilisation, London 1966, pp. 205f (13‬‬ ‫)‬

‫‪R. MacMullen, “Nationalism in Roman Egypt”, Aegyptus 1964, pp. 183f; Palladius, The (14‬‬ ‫)‬

‫‪. Paradise Garden of the Holy Fathers, tr. E. A. W. Budge, London 1907, vol. i, pp. 114, 134, 135‬‬
‫‪A. H. M, Jones, The Cities of the Eastern Roman Provinces, Oxford 1971, pp. 295ff; H. I. (15‬‬ ‫)‬

‫‪. Bell, “Hellenic Culture in Egypt”, Journal of Egyptian Archaeology 1922, pp. 146f‬‬
‫‪ (16‬من أجل إدارة مصر الرومانية أنظر‪. Jones, Cities, pp. 314ff :‬‬ ‫)‬

‫‪. M. Rostovtzeff, Rome, London 1960, p. 225 (17‬‬ ‫)‬

‫‪103‬‬
‫الكهنة حافظوا على وجودهم طيلة تاريخ من الخسننارة‬
‫الثابتة‪ ،‬ليس فقط للسلطة والثروة ‪ ،((18‬بل أيضا ً للمل‪:‬‬
‫فقد ظل باستطاعتهم التمرد في ظل حكننم منناركوس‬
‫اورليوس‪ ،((19‬لكن في نهاية الحقبة الرومانيننة لننم يكننن‬
‫باستطاعتهم سوى أن يننندبوا مصننر المقدسننة ‪ .((20‬ذلنك‬
‫ضا خسارة الثقافة الفرعونيننة الننتي ل تعننوض‪:‬‬ ‫يعني أي ً‬
‫القواميس الهيروغليفية في القرن الول بعد المسننيح‬
‫تعلننن مبك ّننرا ً زوال اللغننة فنني الثننالث‪ ،((21‬فنني حيننن أن‬
‫تاريخ التقليد المصننري كمننا هننو ُيعكننس فنني السلسننلة‬
‫الكهنوتية المتعاقبة مننن بتوسننيريس ومننانثو‪ ،‬حيرمننون‬
‫وبطليموس المندي‪ ،‬وصننول ً إلننى الكت ّنناب الهرمسننيين‪،‬‬
‫هو تاريخ ذوبان متواصل‪ .‬مع ذلك فقد كان أمرا ً حاسما ً‬
‫أن يحافظ الكهنة على استمراريتهم‪ :‬ولننو كننان الحكننم‬
‫الوطني استمر لمدة كافية في شكله البلطيمي بحيننث‬
‫يترك خلفة صورة ‪ afterimage‬قوية‪ ،‬لكانوا قادرين علننى‬
‫إبقائه على قيد الحياة‪ .‬ربما لم يكونوا قادرين على أن‬
‫يحنناربوا‪ ،‬لكنهننم بعكننس السننوريين كننان لننديهم علننى‬
‫القل ما يبكون عليه‪ .((22‬على نحو مشابه فقد كان أمرا ً‬
‫حاسننما ً أيضننا ً أن الرومننان لننم يؤسسننوا منندنا ً ولننم‬
‫يستعمروا الننريف ‪((23‬؛ ولننو أن الثنيننة الوطنيننة تواصننلت‬
‫في ظل البطالمننة إلننى اليونننانيين المتمصننرين‪ ،‬لكننانت‬
‫قادرة على السيطرة على الريف‪ .‬قد يكننون المصننريون‬
‫فقروا ثقافيًا‪ ،‬لكنهم بعكس السوريين‪ ،‬عرفوا علىالقل‬ ‫اُ ْ‬
‫مننن هننم يكونننون‪ .‬بكلمننات أخننرى‪ ،‬اختفننت الحضننارة‬
‫الوطنيننة‪ ،‬لكننن الهويننة ظلننت‪ :‬لننم يعنند ممكن نا ً اسننترداد‬
‫الكيمه‪ ،‬لكن ما يزال باستطاعة البقيننة أن تسننترد مصننر‬
‫المقدسة‪.‬‬

‫‪ W. Otto, Priester und Templ im hellenistischen (18‬ن ‪gypten, Leipzig and Berlin 1905 - 8, vol. i,‬‬ ‫)‬

‫‪. pp. 58ff, 403ff‬‬


‫‪. J. G. Milne, A History of Egypt under Roman Role, London 1924, p. 52 (19‬‬ ‫)‬

‫‪Asclepius, chapters 24f, in A. D. Nock and A. J. Festugière (ed. and tr.), Corpus (20‬‬ ‫)‬

‫‪. Hermeticum, Paris 1945 - 54, vol. ii, pp. 326 - 9‬‬
‫‪E. Iversen, “Fragments of Hieroglyphic Dictionary”, Historisk- filologiske Skrifter (21‬‬ ‫)‬

‫‪Kongelige Danske Videnskabernes Selskab 1958; P. Scott - Moncrieff, Paganism and Christianity‬‬
‫‪. in Egypt, Cambridge 1913, p. 23‬‬
‫‪L. K (22‬ل ‪kosy, “Prophecies of Ram Gods”, Acta Orientalia Academiae Scientiarum Hungaricae‬‬ ‫)‬

‫‪.1966; MacMullen “Nationalism in Roman Egypt”, pp. 184f‬‬


‫‪ (23‬أنتينوبوليس هي الستثناء الوحيد )‪.(Jones, Cities, p. 311‬‬ ‫)‬

‫‪104‬‬
‫حا ً وممكنا ً إل‬ ‫مع ذلك فإن استردادا ً كهذا لم يصبح ُ‬
‫مل ِ ّ‬
‫دت المسننيحية العلقننة المفككننة بيننن مصننر‪،‬‬ ‫بعد أن شن ّ‬
‫السكندرية في مصر‪ ،‬والمبراطوريننة الرومانيننة الننتي‬
‫حا ً لن مصر وجدت نفسننها‬ ‫كانت كلتاهما جزءا ً منها‪ُ :‬‬
‫مل ِ ّ‬
‫وقد أمسكت بها البنى العقائدية والمنظماتية الصننارمة‬
‫للكنيسة الهلينيننة‪ ،‬وفنني حيننن اسننتطاعت السننكندرية‬
‫اليونانية الحفاظ على هويتها وتفوقها الفكننري ضننمن‬
‫هننذه الب ُن َننى‪ ،‬كننان الريننف المصننري مواجه نا ً بامتصنناص‬
‫مجّرد؛ وممكنا ً لن الُبنى العقائديننة والمنظماتيننة ذاتهننا‬
‫سكت بها مصر لجل العالم اليوناني الرومنناني‬ ‫ُ‬
‫م ِ‬
‫التي أ ْ‬
‫كننن اسننتخدامها أيضننا ً للفصنناح عننن هويننة مصننرية‬ ‫ُ‬
‫م ِ‬
‫أ ْ‬
‫ضمنه‪.‬‬
‫لذلك كان أول آثار المسيحية إبطننال مفعننول التننوتر‬
‫‪((24‬‬
‫السياسي بين السكندرية والمبراطورية الرومانيننة‬
‫بينما ازدادت في الوقت ذاته حدة التوتر الثقننافي بيننن‬
‫مصننر والعننالم اليوننناني ‪ -‬الرومنناني ككننل؛ لكننن ردات‬
‫الفعل المصرية الولى كانت متميزة وغير فاعلننة فنني‬
‫آن‪ .‬فمن ناحيننة وصننل النننزوع المصننري إلننى التبنناهي‬
‫بشهدائهم الوطنيين في مواجهة العالم الخننارجي إلننى‬
‫درجة التأزم وذلك مع النشقاق الملطيوسنني ‪Melatian‬‬
‫وتشننكيل كنيسننة الشننهداء‪ ،‬المسننيطر عليهننا قبطيننا ً‬
‫والمناصرة لمصر العليا‪ ،‬لكن المحكننوم عليهننا بالفشننل‬
‫في نهاية المر‪ .((25‬ومن ناحية أخننرى فقنند قنناد البحننث‬
‫الننوطني عننن منافننذ للهننروب مننن الشننبكة اليونانيننة ‪-‬‬
‫الرومانية بالمصريين إلننى إسننقاط الحضننارة بالكامننل‪،‬‬
‫رافضين الثقافة الروحانية والمادية على حد سننواء‪((26‬؛‬
‫وربما أن أمونيوس‪ ((27‬حارب لجنل حكمننة اليوننان فنني‬
‫السننكندرية وربمننا قرأهننا أوريجننانس فنني أسننفاره‬
‫‪ (24‬ل يوجنند دليننل علننى العدائيننة السننكندرانية بعنند كتنناب ررر رر ررر رررر‬ ‫)‬

‫رررررررر‪(Acts of the Pagan Martyrs (ed. H. A. Musurillo, Oxford 1945 .‬؛ قارن‪A. H. M. :‬‬
‫‪Jones, “Were Ancient Heresies National or Social Movements in Disguise?”, Journal of‬‬
‫‪. Theological Studies 1959, pp. 286f‬‬
‫‪W. H. C. Frend, Martyrdom and Persecution in Early Chrch, Oxford 1965, pp. 539ff; R. (25‬‬ ‫)‬

‫‪MacMullen, “Provincial Languages in the Roman Empire”, American Journal of Philology 1966,‬‬
‫‪. pp. 106; H. I. Bell, Jews and Christians in Egypt, Oxford 1924, Chapter 2‬‬
‫‪. Brown, The World of Late Antiqity, pp. 96ff (26‬‬ ‫)‬

‫‪ (27‬وهننو عننالم نحننو وثننني وأحنند كهنننة اللننه تننوت والننذي حننارب المسننيحيين فنني‬ ‫)‬

‫السكندرية‪ ،‬أنظر‪. Seeck, Briefe, s.n. Ammonius II :‬‬

‫‪105‬‬
‫‪((28‬‬
‫المقدسة‪ ،‬لكن القديس أنطونيوس رفننض اكتسننابها‬
‫وشجبها ديوقلس‪((29‬؛ مثننل ذلننك فالسننكندرانيون ربمننا‬
‫ساك رفضوا كل ً مننن‬ ‫استمتعوا بفوائد الحضارة‪ ،‬لكن الن ّ‬
‫المآوي الننتي صنننعها النسنان والطعمننة النتي صننعها‬
‫وث الننذي‬ ‫النسان وذلك باعتبارها جزءا ً من العالم الملنن ّ‬
‫كانوا يحاولون نسيانه‪ .((30‬وبتشخيصهم لسننتيائهم مننن‬
‫الحضننارة علننى أنهننا إحنندى نتننائج سننقوط آدم فنني‬
‫المعصننية وخروجننه مننن الجنننة‪ ،‬فقنند حنناولوا اسننترداد‬
‫بربرية آدم البريئة‪ :‬فكما أغوت إحنندى عنناهرات المعبنند‬
‫انكيدو كنني ينندخل فنني الحضننارة‪،‬كننذلك أغننوت خطيبننة‬
‫للمسيح أحد المصريين كي يغادرها »كرجل عجننوز عننار‬
‫والذي كان يأكل مع الوحننوش«‪ .((31‬مننع ذلنك فقنند كننان‬
‫ثمة مستقبل لردة الفعل الثانية هذه‪.‬‬
‫كان تطور الرهبنة هو التغّير الحاسم‪ .‬فها نحننن نجنند‬
‫القديس أنطونيوس يجمع أتباعه ضننمن جماعننات شننبه‬
‫رهبانية؛ ومع باخوميوس فسحت المغاور الطريق أمام‬
‫مستوطنات رهبانية أكثر اتساعًا‪ ،‬مثلما أفسننح النسنناك‬
‫الطريق أمام ألوف النزلء‪ ،‬والستقللية المنعزلة أمام‬
‫قواعد وقوانين لرؤسنناء أديننرة أصننحاب قننوة متزاينندة‪،‬‬
‫ومننع حلننول القننرن الخننامس دانننت كننل مصننر تقريب نا ً‬
‫‪((32‬‬
‫سنناك‬ ‫بآرائها إلننى المثوليننة الرهبانيننة ‪ .‬وإذا ظننل الن ّ‬
‫يمسنننكون بالفخنننار الشنننكلني للمكنننان‪ ،‬فنننأمثولتهم‬
‫همت الن بالبراعة النسكية؛ وهكذا فقنند تننم‬ ‫الزهدية ات ُ ِ‬
‫مة العزلة‪ ،‬الفراط فنني الحماسننة فنني الصننلة‬ ‫تبريد ه ّ‬
‫وفي إماتة الجسد وطلب الشهادة وذلك لصننالح الحينناة‬
‫‪S. Athanasius,‬‬ ‫‪ (28‬من أجل القديس أنطونيوس كتلميذ في إحنندى المنندارس‪ ،‬أنظننر‪:‬‬ ‫)‬

‫‪ . “Vita S. Antonii”, in PG, vol. xxvi, col 841‬من أجل مساواته في الزمن اللحق بين‬
‫الوثنية والفلسفة اليونانية‪ ،‬أنظر الهامش ‪ 60‬من هذا الفصل‪.‬‬
‫‪. Palladius, Paradise, vol. i, p. 181 (29‬‬ ‫)‬

‫‪ (30‬قارن ما يظهره بولس الناسك من تجاهننل مننؤثر للقننديس أنطونيننوس‪ :‬هننل مننا‬ ‫)‬

‫يزال مدن في العالم‪ ،‬ما يزال ملوك‪ ،‬ما يزال حكننام خاضننعين لعننثرات الشننيطان‪) .‬‬
‫‪.(Palladius, Paradise, vol. i, p. 200‬‬
‫‪. ;D. Chitty, The Desert City, Oxford 1966, p. 4; Palladius, Paradise, vol. i, pp. 236ff (31‬‬ ‫)‬

‫قارن‪A. F. Shore, “Christian and Coptic Egypt”, in J. R. Harris (ed.), The Legacy of Egypt, :‬‬
‫‪. Oxford 1971, pp. 402f‬‬
‫‪Shore, “Christan and Coptic Egypt”, pp. 405, 408; F. R. Farag, Sociological and Moral (32‬‬ ‫)‬

‫‪Studies in the Field of Coptic Monasticism, Leyden 1964, pp. 11-35; P. van Cauwenbergh, Etudes‬‬
‫‪sur les moines d’ Egypt dapuis le Concil de Chalcedone(451), jusqù’à l’invasion arabe (640),‬‬
‫‪. Paris 1914, pp. 159, 172‬‬

‫‪106‬‬
‫المشنتركة‪ ،‬الطاعننة‪ ،‬وقبننل كنل شنيء‪ ،‬العمل ‪ .((33‬إذًا‪،‬‬
‫ل الرهبننان‪ ،‬سننواء أكننانوا أعضنناء فنني الديننرة‬ ‫فكنن ّ‬
‫الباخوميننة أو فنني المسننتعمرات شننبه النسننكية‪ ،‬كننانوا‬
‫يعملون لعالة أنفسهم ولعالة الفقننراء‪((34‬؛ فالزراعننة‬
‫منننارس واكتسنننت الصنننحراء‬ ‫وحنننرف أخنننرى كنننانت ت ُ َ‬
‫بالحدائق‪ ،‬الحقول‪ ،‬الغابننات والبسنناتين وذلننك لتشننجيع‬
‫المزارعين المسيحيين الذين آمنوا أن »الصحراء كننانت‬
‫(‬
‫ل فواكه لولئك الذين يؤمنون بالله«‬ ‫قادرة على أن تغ ّ‬
‫‪ .(35‬وإذا كانت صننحراء مصننر قنند ب َن َننت كنيسننة المم‪،((36‬‬
‫دسننة فنني‬ ‫فإن كنيسة المم بالمقابننل ب َن َننت مصننر المق ّ‬
‫ور اختفى على نحو متمّيز الخننط‬ ‫الصحراء‪ .‬مع هذا التط ّ‬
‫الحاد الذي يفصل بين القداسة والعننالم‪ :‬كننان الراهننب‬
‫قادرا ً بالطبع على تكريس حياته كلها لله‪ ،‬لكننن العامننل‬
‫الذي ينشط في العالم قد يعادل الرهب فنني القداسننة‬
‫أو حتى يتفوق عليه‪((37‬؛ والجميع كننانوا يعملننون بطننرق‬
‫مختلفة للمثولة ذاتها‪ ،‬لكن الديرة كانت تمّثل‪ ،‬إذا صح‬
‫القول‪ ،‬الكيبوتزيم‪.‬‬
‫نتيجة لذلك أضحت مصننر تمتلننك عنصننرين متمننايزين‬
‫ومتنافسين كمونيًا‪ :‬فمن جهة لنندينا السننكندرية‪ ،‬مقننر‬
‫البطريننرك الننذي كننان يحكننم أبرشننيته المكتنننزة بكننل‬
‫المصننادر المنظماتيننة والفكريننة للكنيسننة الهلينيننة‪((38‬؛‬
‫ومن ناحية أخرى لدينا الصننحراء‪ ،‬مقننر الرهبننان الننذين‬
‫حكموا البرشية ذاتها بكل المصادر الشعورية للفلحية‬
‫المصرية‪ .‬أما ما يمكن لهذا التنافس فعله لو أنننه دخننل‬
‫مننع مننن‬ ‫في التاريخ المفتوح فذلك مننا ل ي ُننروى لنننه ُ‬
‫ق ِ‬
‫دلة‪ .‬فنندون دعننم السننكندرية‪ ،‬لننم يكننن‬ ‫قبل مصالح متب ّ‬
‫باسننتطاعة الرهبننان إحننراز ميثننة‪ ،‬بغننض النظننر عننن‬
‫‪. Palladius, Paradise, vol. i, pp. 291 - 3, 301 - 4; Chitty, The Desert a City, pp. 20ff (33‬‬ ‫)‬

‫‪. Palladius Paradise, vol. i, pp. 169, 175, 326, 334, 356, etc (34‬‬ ‫)‬

‫‪. Ibid., vol. i, pp. 371 (35‬‬ ‫)‬

‫‪ (36‬قارن‪» . Ibid., vol.i, p. 344 :‬وكلمة النبي حول الكنيسة بين الشعوب غينر اليهوديننة‬ ‫)‬

‫ُأنجزت وُأكملت أيضا ً عبر صحراء مصر‪ ،‬لن أبناء الله كانوا أكثر عننددا ً هننناك مننن الننذين‬
‫في الرض التي استوطنها الناس واحتلوها«‪.‬‬
‫‪ . Ibid., vol. i, p. 333 (37‬قارن قصة باسيوس واشعيا‪ ،‬رررر رر ررر ررر‪ ،‬المجلد‬ ‫)‬

‫الول‪ ،‬صنص ‪ 108‬ومنا بعند‪ ،‬والرهبنان النذين يجندون أناسنا ً أكننثر تقنوى منهنم بينن‬
‫الخياطين أو الرعاة من بعض القرى‪ ،‬رررررر رررررر‪ ،‬المجلد الثاني‪ ،‬ص نص ‪149‬‬
‫‪.151 -‬‬
‫‪ (38‬من أجل البرشننية والوليننة المباشننرة للبطريننرك علننى أسنناقفته‪ ،‬قنارن‪E. R. :‬‬ ‫)‬

‫‪. Hardy, Christian Egypt, Church and People, New York 1952, pp. 108f‬‬

‫‪107‬‬
‫فرضها‪ ،‬تفصح عن هويتهم القليمية المحلية الخاصننة‪:‬‬
‫ذلننك هننو النندرس الننذي كننان علننى الرهبننان أخننذه مننن‬
‫الفشننل الملطيوسنني ‪ .((39‬لكننن بالمقابننل‪ ،‬دون دعننم‬
‫الرهبان‪،‬لم يكن باستطاعة السكندرية السيطرة علننى‬
‫البرشية‪ ،‬بغننض النظننر عننن فننرض مفاهيمهننا الخاصننة‬
‫على العالم اليوناني ‪ -‬الروماني‪ :‬ذلك هو الدرس الننذي‬
‫أخذه أثناسيوس مننن التهدينند الملطيوسنني ‪ .((40‬وهكننذا‬
‫كان هنالك تحالف‪ :‬فالبطاركة تلقوا دعما ً رهبانيننا ً فنني‬
‫محنناولتهم لتأكينند الصنندارة الفكريننة السننكندرانية‪،‬‬
‫والرهبننان تلقننوا دعمنا ً مننن البطاركننة فنني محنناولتهم‬
‫ليجناد إيمننان مصنري‪ :((41‬لقنند دافننع ديوسننقورس عنن‬
‫عقينندة كيرلننس المونوفيزيننة مننع جيننش مننن الرهبننان‬
‫السيئي السلوك في مجمع اللصوص في أفسننس عننام‬
‫‪ ،(449(42‬وبالمقابننل أضننحى البطريننرك المونننوفيزي‬
‫القائد الفرعوني للقباط‪.((43‬‬
‫دس‪ ،‬بينننن‬ ‫دس‪ ،‬أو غينننر المقننن ّ‬ ‫هنننذا الحلنننف المقننن ّ‬
‫البطريركية اليونانية والفلحية المصرية هو الذي صنننع‬
‫الكنيسننة القبطيننة‪ ،‬والننذي تخننرج منننه سننماتها الثلث‬
‫ول إن القننوام الجتمنناعي‬ ‫الرئيسننة‪ .‬ففنني الموضننع ال ّ‬
‫للكنيسة القبطية هو البساطة الريفية وليس النخبويننة‬
‫المدنينننة‪ .‬لقننند كنننان فننني مصنننر‪ ،‬بنننالطبع‪ ،‬طبقنننة‬
‫أرستقراطية بفضننل الصننلحات الداريننة العننائدة إلننى‬
‫القرن الثالث‪ .‬هذه الصلحات‪ ،‬مع أنها احتوت هنا مثل‬
‫أي مكننان آخننر انتقننال ً للسننلطة‪ ،‬فقنند عملننت بطريقننة‬
‫خاصننة تقريب نا ً فنني مصننر‪ :‬فبمننا أن مصننر كننانت دائم نا ً‬
‫إقليما ً مركزيا ً إلى درجة عالية‪ ،‬فالنتقال لننم يكننن مننن‬

‫‪ (39‬كان ملطيوس أسقف ليكوبوليس في مصر العليا‪ ،‬وليس بطريركا ً للسننكندرية؛‬ ‫)‬

‫من أجل دعمه الرهباني‪ ،‬أنظر‪Bell, Jews and Christians, pp.. 38ff; Frend, Martyrdom, p. :‬‬
‫‪.540‬‬
‫مز إلى التحالف على نحو دقيق بالظهور المزعننوم‬ ‫ر‬
‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫؛‬‫‪Frend,‬‬ ‫‪Martyrdom,‬‬ ‫‪p.‬‬ ‫‪541‬‬ ‫(‬ ‫‪40‬‬ ‫)‬

‫لشنودة مع كيرلس في أفسس عام ‪.(Shore,” Christian and Coptic Egypt”, p. 413) 431‬‬
‫‪. W. H. C. Frend, The Rise of Monophysite Movement, Cambridge 1972 (41‬‬ ‫)‬

‫‪K. J. von Hefele, Histoire de Conciles, tr. H. Leclercq, Paris 1907-52, vol. ii, part one, pp. (42‬‬ ‫)‬

‫‪. 584ff‬‬
‫‪E. L. Woodward, (Christianity and Nationalism in the Later Roman Empire, London 1916, p. 42 (43‬‬ ‫)‬

‫‪ .‬عادة ما يكون السم المستعار الفرعوني الذي يطلق على بطاركننة السننكندرية بننذيئا ً‬
‫بالطبع؛ قارن التهمة القائلة إن ديوسقورس اعتقد بأنه هو وليس غيره الذي كان الحاكم‬
‫الفعلي لمصر‪(Harly, Christian Egypt, p. 112 ) .‬؛ لكن الذي كان طاغية بالنسبة للهراطقة‬
‫كان بطل ً بالنسبة للرثوذكس‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫النخبة المدنية إلى الننبيروقراطيين الريفييننن‪ ،‬بننل مننن‬
‫الننبيروقراطيين اليونننانيين إلننى نخبننة ريفيننة‪ .((44‬بهننذه‬
‫الطريقة فالنخبة الهلينية في الحواضر والقرى‪ ،‬والتي‬
‫دم معظننم‬ ‫رأت روما أن من مصلحتها حمايتها‪ ،‬كانت تق ّ‬
‫‪((45‬‬
‫كام خارج السكندرية مع حلننول القننرن الخامس ن‬ ‫الح ّ‬
‫بحيث تطورت لتصبح طبقة من أقطاب محليين والذين‬
‫مته وسننيطروا عليننه مننع‬ ‫امتلكوا كلهم تقريبا ً الريف بر ّ‬
‫حلول القرن السادس‪ .((46‬لكن رغم تمننازج المصننريين‪،‬‬
‫فهذه الطبقة الرستقراطية المتمازجة أثنيننا ً اليونانيننة‬
‫ثقافينا ً لننم تسننتطع أن تزعننم تمثيننل مصننر المقدسننة؛‬
‫وهكذا‪ ،‬بعكس آشوريا‪ ،‬فالفلحون‪ ،‬وليس هذه الطبقننة‬
‫كلوا الكنيسة المحّلية‪ .‬لكن‬ ‫الرستقراطية‪ ،‬هم الذين ش ّ‬
‫بالمقابل‪ ،‬فرغم ثقافتهم اليونانية‪ ،‬فالرض التي كانوا‬
‫يسيطرون عليهننا كّرسننتها الكنيسننة القبطيننة؛ وهكننذا‪،‬‬
‫فضننوا للحننال والتننو‪ .‬والختيننار‬ ‫بعكننس سننوريا‪ ،‬لننم ي ُْر َ‬
‫الصننعب بيننن شننجب مونننوفيزي للسننلطة واحتفنناظ‬
‫ملكاني بها لم يكن مجهول ً بالطبع فنني مصننر‪ ،((47‬لكنننه‬
‫لم يكن اختيننارا ً شننائعا ً جنندًا‪ .‬وهكننذا فننثروة البيننونيين‬
‫‪ (Apions(48‬وسلطتهم الكبيرتان لم تجعل منهم بأية حننال‬
‫يونانيين أخلقيًا‪ :‬فقنند نجحننوا‪ ،‬بعنندما صنننفوا أنفسننهم‬
‫كأبناء بلد مصريين وبعنندما احتل ّننوا مكانننة عاليننة محلي نا ً‬
‫ومركزيًا‪ ،‬في الحتفاظ بعقينندتهم المونوفيزيننة قبالننة‬
‫ذ‪ ،((49‬وفننني اسنننترداد‬ ‫المنننبراطور رغنننم الضنننعف آنئ ٍ‬
‫‪. Jones, Cities, pp. 32 ff (44‬‬ ‫)‬

‫‪. Hardy, Christian Egypt, pp. 110, 122 (45‬‬ ‫)‬

‫‪. Id., The Large Estates of Byzantine Egypt, New York 1931 (46‬‬ ‫)‬

‫‪ (47‬قارن النبلء والضباط الذين شكلوا أتباع بروتيروس الملكاني ) ‪Frend, Monophysite‬‬ ‫)‬

‫‪ .(Movement, p. 155‬وذلك مقابل المون الذي تخلى عن ثروته في نيتريا فنني الزمنننة‬
‫الغابرة )‪ .(Palladius, Paradise, vol. i, p. 377‬لكن أمون ينتمي طبعا ً إلى حقبة قبننل أن‬
‫تضعف النسكية المونوفيزية الفرق بين القداسة والعالم‪.‬‬
‫‪ (48‬من أجل هذه العائلة‪ ،‬أنظر‪Hardy, Large Estates, chapter 2 :‬؛ من أجل أملكهم في‬ ‫)‬

‫أوكسيرنخوس‪ ،‬سينوبوليس‪ ،‬آرسينويس‪ ،‬الخ‪ ،‬سجونهم الخاصننة‪ ،‬خنندماتهم البريديننة‪،‬‬


‫جننابهم‪،‬‬‫ح ّ‬
‫اسننطبلتهم المخصصننة لسننباقات الخيننل‪ ،‬مصننارفهم‪ ،‬جننامعي ضننرائبهم‪ُ ،‬‬
‫موظفيهم‪ ،‬الخ‪ ،‬أنظر‪ibid., index, s.v. “Apion estate”; H. I. Bell, Egypt from Alexander the :‬‬
‫‪. .Great to the Arab Conquest, Oxford 1948, pp. 122f‬‬
‫‪ (49‬لقد أهدى سوريوس كتابا ً إلى ابيون ) ‪ ،(Hardy, Christian Egypt, p. 122‬لكن أبيون‬ ‫)‬

‫اعتنق المذهب الخلقيدوني عام ‪ ،518‬وعننام ‪ 533‬كننان ابنننه سننتراتجيوس مننا يننزال‬
‫خلقيدونيا ً )رررر رر ررر ررر‪ ،‬ص‪(134‬؛ مع ذلنك فمننع حلننول العننام ‪ 616‬نجندهم‬
‫مونوفيزيين ثانية‪ ،‬حين لعب ستراتجيوس الثالث دورا ً بارزا ً في المفاوضات التي ادت‬
‫إلننى الصننلح بيننن البطاركننة السننوريين والمصننريين )رررر رر ررر ررر‪ ،‬ص‪.(158‬‬
‫تتزامن خلقيدونيتهم مع وصول تراكننم مننواقعهم المركزيننة إلننى ذروتننه‪ibid., Large ) .‬‬

‫‪109‬‬
‫مكانتهم الدنيويننة قبالننة القبنناط عننن طريننق العمننال‬
‫الخيريننة والنندعم السننخيين‪ .((50‬وقنند قننال أحنند التجننار‬
‫لبفنوتيوسن‪» ،((51‬ثمننار تجننارتي مننن أجننل الصننالحين«؛‬
‫وهذا الشعار كان أحد الشعارات التي كّرس بهننا‪ ،‬ليننس‬
‫فقط البيونيننون‪ ،‬بننل بشننكل عننام المصننريون أصننحابا‬
‫الطينننان‪ ،‬مكنننانتهم الدينينننة‪ .((52‬وإذا كنننانت الطبقنننة‬
‫الرستقراطية التي أق نّرت مصننر بشننرعيتها باعتبارهننا‬
‫الطبقة الرستقراطية الخاصة بها غير فرعونية‪ ،‬فربما‬
‫أنها زعمت في أحد الوقات أنها بطلمية‪.‬‬
‫في الموضع الثاني‪ ،‬فإن القوام العنناطفي للكنيسننة‬
‫القبطية هو الشوفينية الثنية واللغوية‪ :‬إن شرف مصر‬
‫‪((53‬‬
‫الذي حّرض بحسب الرواية القبطية على غزو قمبيز‬
‫يعنناود الظهننور فنني شننكل التضننامن الثننني للرهبننان‬
‫المونننوفيزيين فنني وجننه اضننطهاد هرقننل للقبنناط ‪،((54‬‬
‫الفخننار اللغننوي للمسننيحيين القبنناط فنني مقاومننة‬
‫الغارات العربية‪ ،((55‬ومجد مصننر فنني منندائح القديسننين‬
‫المصريين‪ .((56‬سوف تعود اللهة إلننى السننماء‪ ،‬ومصننر‪،‬‬
‫هذه الرض القدس‪ ،‬بعد أن تترمل مننن آلهتهننا‪ ،‬سننوف‬
‫تموت ‪ -‬تلك هي الترنيمة الجنائزية للكنناهن الننوثني‪((57‬؛‬
‫»إفرحي وابتهجي يا مصر‪ ،‬مع‬
‫‪. (Estates, p. 36‬‬
‫‪. Hardy, Large Estates, pp. 140-4 (50‬‬ ‫)‬

‫‪. Palladius, Paradise, vol. I, p.361 (51‬‬ ‫)‬

‫‪ (52‬قارن الرث الضخم للكنيسة ) ‪،(Hardy, Christian Egypt, p. 167‬؛ العلقات الحارة بين‬ ‫)‬

‫الرعية و»المراء والموظفين« في أوكسيرنخوس‪(Palladius, Paradise, vol. I, p. 338 ) .‬؛‬


‫وأمير طيبة الذي تعاطف مع الكنيسة القبطية في أيام يوستنيانوس ) ‪Hardy, Christian‬‬
‫‪،(Egypt, p. 142‬؛ وربما كان طبعا ً أحد البيونيين‪.‬‬
‫‪H. L. Jansen (ed. and tr.), The Coptic Story of Cambyses’ Invasion of Egypt, Oslo 1950, p. 64 (53‬‬ ‫)‬

‫‪ .‬الحقيقة القائلة إن إحدى القننرى الننتي تصننور فنني إحنندى سننير القديسننين القبنناط‬
‫والتي ُيشار إليها عرضيا ً بأنها ُأحرقت على يد قمبيز أنما توحي بأنه ظل يتمتع بسمعة‬
‫قبيحة معينة في صفوف الشعب‪O. von Lemm, “Kleine Koptische Studien”, no. xviii, in ) .‬‬
‫‪.(Isvestiya Imperatorskoy Akademii Nauk 1900, p. 64‬‬
‫‪. Severus ibn al-Muqaffa’, History of the Patriarchs, in Patrologia Orientalis, vol. i, p. 498 (54‬‬ ‫)‬

‫‪. Ziadeh, “L’Apocalypse de Samuel, pp. 379 = 395 (55‬‬ ‫)‬

‫مته‪ ،‬وسننوف لننن يكننون‬ ‫‪ (56‬لقد أضحت مصر مقر الله‪ ،‬الملئكة‪،‬وقديسي العالم بر ّ‬
‫)‬

‫ثمة مثيل لها حتى نهاية الزمن‪H. Fleisch (ed. and tr.), “Une homélie copte de Théophile ) .‬‬
‫‪(d’Alexandrie”, Revue de L’orient chrétien 1935f, pp. 383 = 382‬؛ إن معظم القديسين كانوا‬
‫إما مصريين أوأن مصر جذبتهم إليها‪ ،‬ومن هؤلء ابراهيم‪ ،‬يعقننوب‪ ،‬يوسننف‪ ،‬موسننى‪،‬‬
‫إرميا‪ ،‬يوحنا المعمدان والقديس أنطونيوس؛ لنه أين تشرق الشمس إن لم يكن في‬
‫مصر وأين سنجد المجد إن لم يكن في بلدنا؟ ) ‪G. Garitte, “Panégyrique de Saint Antoine‬‬
‫‪.(par Jean, évêque d’ Hermopolis”, Orientalia Christiana Periodica 1943, pp. 119 - 21‬‬
‫‪. Asclepius, chapter 24, in Nock and Festugère, Corpus Hermeticun, p. 327 (57‬‬ ‫)‬

‫‪110‬‬
‫ب‬‫ل تخومننك‪ ،‬لنننه سننيأتي إليننك محنن ّ‬ ‫كننل أبنننائك وكنن ّ‬
‫‪((58‬‬
‫النسان« ‪ -‬ذلك هو جواب الكنيسة القبطية ‪.‬‬
‫في الموضع الثالث‪ ،‬فننإن القننوام الفكننري للكنيسننة‬
‫القبطية لم يكن فلسفة اسكندرانية بل جلفة فلحيننة‪:‬‬
‫كان كيرلس آخر لهوتي هام‪ ،‬وكان يوحنا فيلوبونننوس‬
‫ما ما بقي من الدب القبطي فهننو‬ ‫الفيلسوف الخير‪ ،‬أ ّ‬
‫بلينند ثقافي نا ً بقنندر مننا هننو نننابض بالحينناة شننعوريًا‪ .‬إن‬
‫كد استمرارا ً قويننا ً‬ ‫انعزال مصر عن السكندرية والذي أ ّ‬
‫للهويننة المصننرية كننان فنني الننوقت ذاتننه عننزل ً للرث‬
‫من غيننر علننى‬ ‫المصري عن الفكر اليوناني والذي لم يؤ ّ‬
‫اسننتمرارية ضننئيلة للحقيقننة المصننرية؛ كننذلك فرغننم‬
‫اسننتمرارية معينننة فنني تاريننخ السننحر المصننري‪ ،‬فننإن‬
‫مشنناركة هننذا الرث فنني ثقافننة مصننر القبطيننة كننانت‬
‫محددة ببضننع مواضننيع شننعبية‪ .((59‬ولننو أن السننكندرية‬
‫احتكنرت علننى نحنو أقنل الفعاليننة الفكريننة فني مصنر‬
‫الوثنية‪ ،‬أو لو أن الكهنة الهلينيينن كنانوا ممثلينن علننى‬
‫نحو متعادل في كافة أرجاء القليننم‪ ،‬أو لننو أن القليننم‬
‫امتلك نخبننة مدنيننة رفيعننة الثقافننة مننن أصننل وطننني‪،‬‬
‫فلربما قبلننت مصننر الوثنيننة بننالفكر اليونناني باعتبنناره‬
‫وطنيا ً في جننانبه الخلقنني؛ عوضنا ً عننن ذلننك‪ ،‬رفضننت‬
‫مصر المسيحية الرث الوثني باعتباره يونانيا ً في جانبه‬
‫دمت مصننر القبطيننة رجننال ً عملييننن‬ ‫الخلقي‪ .((60‬لقد ق ّ‬
‫دم‬ ‫مننن نمننط بنناخوميوس أو شنننودة‪ ،‬لكنهننا لننم تقنن ّ‬

‫‪ (58‬التسبيحة القبطية حول عيد دخول ربنا إلى أرض مصر‪ ،‬موجودة فنني‪O. E. A. :‬‬ ‫)‬

‫‪. Meinardus, In the Steps of Holy Family from Bethlehem to Upper Egypt, Cairo 1963, p. 15‬‬
‫‪. W. Kosack, Die Legende im Koptischen, Bonn 1970, pp. 80ff (59‬‬ ‫)‬

‫‪ (60‬مقابل النخبة الهلينيننة النتي كنان باسنتطاعتها قنراءة هنوميروس‪ ،‬أناخارسنيس‪،‬‬ ‫)‬

‫مناندير‪ ،‬وغيرهم في أعماق الجنوب في القرن السادس‪J. Maspero, “Un dernier poéte ) .‬‬
‫‪ ،(grec d’Egypte: Dioscore fils d’Apollôs, Revue des études grecques 1911‬لدينا القديس‬
‫أنطونيوس الذي كان يحتقر الوثنية باعتبارها مأخوذة عن الفلسفة اليونانيننة الننتي لننم‬
‫تحفز أحنندا ً علننى الشننهادة وتطننرح أسننئلة عننوض الجابننة عليهننا ) ‪Frend, Monophysite‬‬
‫‪ ،(Movement, p. 72‬احتقار شنودة للمفكرين اليونانيين )رررررر رررررر( وكل ما هو‬
‫يوناني عمومًا‪ .(J. Leipoldt, Schenute von Atripe, Leipzig 1903, pp. 71ff) .‬قننارن أيضنا ً‬
‫المساواة بين الوثنية والفسق السننكندراني فنني )‪،(Palladius, Paradise, vol. i, p. 199‬‬
‫والشيطان الذي يلح على القسم باسم جوبيتر وهرقل )‪.(ibid., pp. 128, 194‬‬

‫‪111‬‬
‫مفكرين‪ ،‬وإذا ما قارناها مع سوريا والعراق‪ ،‬فهنني لننم‬
‫تكن تمتلك سوى تعليم رهباني ابتدائي‪.‬‬
‫هنننذا ل يعنننني أن مصنننر كنننانت ستنفصنننل عنننن‬
‫المبراطورية البيزنطية سواء سياسيا ً أم ثقافيننا ً حننتى‬
‫دون الغزوات العربية‪ .‬والحقيقننة طبعنا ً أن المنبراطور‬
‫كان شخصا ً خارجينا ً بالنسنبة لمصننر المقدسننة‪ ،‬كمننا أن‬
‫المصننريين أصننروا علننى أن يبنندأوا تنناريخهم باضننطهاد‬
‫ديوقليتيننانوس وليننس باهتننداء قسننطنطين‪((61‬؛ لكننن‬
‫فرعونننننا ً بسننننلطة اكليروسننننية فحسننننب‪ ،‬طبقننننة‬
‫أرستقراطية بثقافة يونانية ‪ -‬رومانية فحسب‪ ،‬ومعابنند‬
‫متراميننة فنني الصننحراء فحسننب ليسننت هنني العناصننر‬
‫المكونة لحكم مستقل قابل للحياة؛ وسكان الكيبوتزات‬
‫في الصحراء لننم يعننتريهم الننوهم بشننأن حنناجتهم إلننى‬
‫امبراطور في القسطنطينية يمكنننه أن يص ندّ الننبرابرة‪.‬‬
‫بالمقابل فالجلفة الريفية القبطية لم تكن قادرة على‬
‫تقديم أسس لثقافننة مسننتقلة قابلننة للحينناة‪ .‬مننع ذلننك‬
‫دمت العناصننر‬ ‫فالسمات الخاصننة بالكنيسننة القبطيننة قن ّ‬
‫ونة للقليمية الفلحيننة المتميننزة علننى نحننو بننارز‪:‬‬ ‫المك ّ‬
‫مصٌر متميزة عن بقية العالم بقداسننتها الخاصننة لكنهننا‬
‫مرتبطة به مع ذلك بوصفها أمثولننة للجنننس البشننري ‪-‬‬
‫دمه آخننر الكهنننة‬ ‫بكلمات أخرى‪ ،‬مص نٌر وفننق أنمننوذج ق ن ّ‬
‫الوثنيين‪ ((62‬؛ أو مصٌر متميزة عن بقيننة العننالم بإثنيتهننا‬
‫الخاصة وطبقتهننا الرسننتقراطية شننبه الوطنيننة لكنهننا‬
‫مرتبطة به مع ذلك كعضو في المبراطورية »اليونانيننة‬
‫عك ِننس فنني‬ ‫‪ -‬الرومانية« ‪ -‬بكلمات أخرى‪ ،‬مصٌر أنمننوذج ُ‬
‫نهاية الحقبة العثمانية‪.((63‬‬
‫بعكس مصر‪ ،‬فقد اتسع العراق ليس لهويننة إقليميننة‬
‫واحدة‪ ،‬بل لهويتين‪ ،‬هما الشورية والبابلية‪ .‬لقد عننانت‬
‫الثقافتان على حد سواء‪ ،‬طبعًا‪ ،‬من تنندمير عنيننف عننند‬
‫ول‬ ‫سقوطهما قبل الغزوات العربية بألف سنة‪ :‬فكما ح ّ‬
‫نابوبالسننر والميننديون آشننوريا إلننى »ركننام وخننرائب«‬

‫‪ (61‬قارن برهان فيلوبونوس لمصلحة التيار المونوفيزي بأن الملك ليس صورة الله‬ ‫)‬

‫وأن الحكومة تستند على الرادة الحرة للمحكومين‪Frend, Monophysite Movement, p. ) .‬‬
‫‪.(59‬‬
‫‪ (62‬قارن‪Asclepius, chapter 24, in Nock and Festugère, Corpus Hermeticun, p. 326; and :‬‬ ‫)‬

‫‪. Derchain in Grimal, Hellenism and the Rise of Rome, p. 217‬‬


‫‪ (63‬قارن هامش ‪ 54‬ف‪11‬‬ ‫)‬

‫‪112‬‬
‫ك أحشننورش أسننوار‬ ‫عننام ‪ 612‬ق‪.‬م‪ ،((64‬كننذلك فقنند د ّ‬
‫ول إلههننا إلننى‬ ‫بابل‪ ،‬ج نّرد مواطنيهننا مننن أملكهننم وح ن ّ‬
‫سبيكة ذهبية وذلك بعد ثورة ‪ 482‬ق‪.‬م‪ .((65‬مع ذلك فقد‬
‫بقيت الهويتان على حد سواء‪ ،‬الولى تحت حمايننة درع‬
‫مسيحي‪ ،‬والثانية تحت حماية درع وثني‪.‬‬
‫كان هذا التقسيم غير العادي للعمل بيننن المسننيحية‬
‫والوثنيننة نتيجننة الثننر المختلننف للحكننم الجنننبي علننى‬
‫القليمين‪ .‬فآشور‪ ،‬التي لم يكن لديها الثروة الخرافيننة‬
‫ول الهمية السننتراتيجية الننتي لبابننل‪ ،‬تركننت وشننأنها‬
‫فعل ً من قبل الخمينيين والسلوقيين‪ ((66‬؛ ولن العالم‬
‫الخارجي حكم عليها بالنسيان‪ ،‬فقد استطاعت أن تعيد‬
‫تجميع ماضيها المجيد بنوع من الهدوء‪ .((67‬وهكذا فحين‬
‫عننادت المنطقننة إلننى بننؤرة التاريننخ فنني ظننل حكننم‬
‫البارثيين‪ ،‬فقد عننادت بتعريننف آشننوري للننذات‪ ،‬وليننس‬
‫فارسيًا‪ ،‬بغض النظر عننن اليوننناني؛ ُأعينند تجدينند معبنند‬
‫آشور‪ ،‬وأعيد بناء المدينة‪ ،((68‬وعادت إلى الوجننود دولننة‬
‫خلفننة آشننورية علننى هيئة مملكننة أديننابين التابعننة ‪.((69‬‬

‫‪.A. T. Olmstead, History of Assyria, London and New York 1923, p. 640 (64‬‬ ‫)‬

‫‪S. K. Eddy, The King is Dead: Studies in Near Eastern Resistance to Hellenism 334 - 31 (65‬‬ ‫)‬

‫‪. B.C., Licoln, Neb. 1961, p. 102‬‬


‫‪W. Andrae, Das wiedererstandene Assur, Leipzig 1938, p. 169; M. Meulean in Grimal, (66‬‬ ‫)‬

‫‪. Hellenism and the Rise of Rome, pp. 272, 277‬‬


‫‪ (67‬قارن الستخدام المتواصل للسماء الشورية القديمة؛ ) ”‪S. Smith, “Notes on the‬‬ ‫)‬

‫‪.(Assyrian Tree””, Bulletin of the School of Oriental Studies 1926, p. 69‬‬


‫‪. Andrae, Assur, pp. 171 ff (68‬‬ ‫)‬

‫‪ (69‬لم تكن حياة هذه المملكة أقصر من حياة مملكننة البنارثيين بكننثير‪ .‬فهنني تظهننر‬ ‫)‬

‫للمرة الولىكمملكة من عصر ما عام ‪44‬م‪ ،‬حين اعتنق الملك إيزاتيننس ‪ Izates‬الثنناني‬
‫‪Tarjan‬‬ ‫اليهودية ) ‪(P. Kahle, The Cairo Geniza, London 1947, pp. 184ff‬؛ ومع أن تارجان‬
‫) ‪Paulys‬‬ ‫أدرجهنننا لفننترة قصنننيرة ضنننمن المبراطورينننة تحنننت اسنننم إقلينننم آشنننور‬
‫‪Realencyclop‬ن ‪die der classischen Altertumswissenschaft, ed. G. Wissowa, Stutgart 1893 - s.v.‬‬
‫)‪Msiha-Zkha in‬‬ ‫‪(“Adiabene‬و والملننوك المتننأخرون يظهننرون فنني المصننادر السننريانية‬
‫‪(Mingana, Sources syriaques, pp. 25, 28 = 101f, 105‬؛ أما المصادر العربية فتشير ضمنا ً إلى‬
‫) ‪J. Marquart, Osteurop‬ن ‪ische und ostasiatische‬‬ ‫مرت في نهاية المر على يد أردشير‬ ‫أنها د ُ ّ‬
‫‪(Streifzüge, Leipzig 1903, p. 229n‬؛ قارن‬
‫) ‪.(Msiha-Zkha in Mingana, Sources syriaques, pp.31 = 108‬؛ من أجل الهويننة الشننورية‬
‫“ ‪Doctrine of Addai” in W. Cureton (ed. and tr.), Ancient Syriac Documents,‬‬ ‫للمملكة‪ ،‬أنظر‪:‬‬
‫‪ ،London and Edinburgh 1964, pp. 15 - 16‬حيث نجد أن تلميذ أداي يعودون إلى »موطنهم‬

‫‪113‬‬
‫وضننع الساسننانيون حنندا ً لسننتقلل هننذه المملكننة ‪،((70‬‬
‫كنننام المحليينننن بطبقنننة‬ ‫لكنهنننم لنننم يسنننتبدلوا الح ّ‬
‫قصننت بحيننث‬ ‫بيروقراطية فارسننية‪ :‬مننع أن مكننانتهم أ ُن ْ ِ‬
‫أصبحوا خدما ً مطيعين للشاهنشنناه‪ ،‬وبالتننالي اسنتمرت‬
‫موجودة طبقة أرستقراطية وطنية‪ .((71‬مع ذلننك‪ ،‬ففنني‬
‫هذا الصدد‪ ،‬كننان مننوقعهم فنني الدولننة الفارسننية غيننر‬
‫مريننح‪ .‬ففنني ظننل حكننم البننارثيين راح الشاهنشنناهات‬
‫يطالبون بوحدة دينيننة ردّا ً علننى الهميننة السياسننية‪((72‬؛‬
‫أما في ظل حكم الساسانيين فقد فعلوا ذلك على نحو‬
‫منظم‪ ،‬وفرضوا بالتالي حقيقننة فارسننية علننى الهويننة‬
‫ُ‬
‫الشورية‪ .‬وطالما كان مسننتوى الننندماج متنندنيا ً أ ْ‬
‫مك ِننن‬
‫تغطية هذا التننافر بمحناولت توفيقيننة‪((73‬؛ لكنن منا أن‬
‫وضع الساسانيون الطبقة الرستقراطية المحّليننة فنني‬
‫غِلقننت عيننون‬ ‫تماس أقوى مع البلط الفارسي‪ ،‬حننتى أ ُ ْ‬
‫مَلكية فارسننية مننن أجننل‬ ‫‪((74‬‬
‫الشبكة ‪ .‬وهكذا فقد عملت َ‬
‫إله إثني في الشرق ما عمله إله إثني من أجننل ثقافننة‬
‫سك الشوريون بنسننبهم‪ ،‬لكنهننم‬ ‫يونانية في الغرب‪ ،‬تم ّ‬
‫بعكنننس أقننناليم الغنننرب لنننم يكنننن باسنننتطاعتهم أن‬
‫يتهرطقوا فحسب‪ :‬فحننتى زرادشننتية هرطوقيننة ظلننت‬
‫من منظور مفاهيمي فارسننية‪ ،‬لننذلك كننان الشننوريون‬

‫بلد الشوريين« زمن نارساي ملك الشوريين‪ ،‬قارن أيضًا‪. ibid., pp. 34 = 34 :‬‬
‫‪ (70‬أميٌر ساساني حمل منذ ذلك الحين لقب ملك اديابين‪ ،‬وبالتننالي أردشننير الثنناني‬ ‫)‬

‫قبل توليه العرش‪A. Christensen, L’Iran sous les Sassanides, Copenhagen 1944, pp. 102, ) .‬‬
‫‪. (312‬‬
‫ً‬
‫عون ملوكا كان هنالننك‬ ‫‪ (71‬في أيام شاهبور الول حين كان المراء في كل مكان ي ُد ْ َ‬ ‫)‬

‫بولر ‪ Pular‬فنني إقليننم دارسننوس )‪(Hoffmann, Auszüge, pp. 9f‬؛ وفنني زمننن يوليننانوس‬
‫الجاحد كان ثمة سنحريب‪ ،‬ملك آثور‪ ،‬وهو كاهن مجوسي اعتنننق ابنننه المسننيحية )‪P.‬‬
‫‪Bedjan (ed.), Acta Martyrum et Sanctorum, Paris 1890 - 7, vol. ii, p. 401 = Hoffmann, Auszüge, p.‬‬
‫‪(17‬؛ أما مار قره داغي‪ ،‬وهو من سللة ملكية عظيمة‪ ،‬إذ ينحدر من نمرود وسنحريب‬
‫فقد احتل منصب مرزبان آشوريا للساسانيين حتى اعتناقه المسيحية‪J. B. Abbeloos ) .‬‬
‫‪ .((ed. and tr.), “Acta Mar Kardaghi”, Analecta Bollandiana 1890, pp. 12ff‬قارن أيضا ً الهامش‬
‫‪ 99‬من هذا الفصل‪.‬‬
‫‪ (72‬قننارن ردة فعننل النبلء الفننرس علننى تبننديل إيزاتيننس لنندينه‪ :‬فقنند طلبننوا مننن‬ ‫)‬

‫فولوغسس أميرا ً بارثيا ً لن ملكهم نسخ عادات أجدادهم‪Marquart, Streifzüge, pp. 292) .‬‬
‫‪.(- 5‬‬
‫‪ (73‬في بابل تمت المطابقة بين أهننورا مننازدا وبعننل‪ ،‬ويفننترض أن حيل ً مشننابهة تننم‬ ‫)‬

‫تبنيها في آشور‪.‬‬
‫‪ (74‬لحظ كيف دعا شهبور الثاني قره داغي السنحريبي إلى البلط الفارسنني حننتى‬ ‫)‬

‫قبل تعيينه كمرزبان )‪.(Abbeloos, “Acta Mar Kardaghi”, pp. 13 - 15‬‬

‫‪114‬‬
‫بحاجة مقابل الفرس إلى ديانة مختلفة بالكامل‪ .((75‬من‬
‫ناحية أخرى‪ ،‬فحننتى مسننيحية أرثوذكسننية ظلننت مجننرد‬
‫يونانية بالتداعي‪ ،‬لذلك فمقابل الغريق تبنندو هرطقننة‬
‫مننا وكأنهننا تفنني بننالغرض‪ .‬وهكننذا‪ ،‬بعنند انعطنناف عننبر‬
‫اليهودينننة‪ ،‬تبننننى الشنننوريون المسنننيحية ووجننندوا‬
‫‪.((76‬‬
‫هرطقتهم في النسطورية‬
‫بابل‪ ،‬بالمقابل‪ ،‬لم تترك وشأنها قننط‪ .‬وبمعننزل عننن‬
‫دياسننبوراتها اليهوديننة الضننخمة‪ ،‬فقنند تنندفق إليهننا‬
‫مهاجرون فرس فنني ظننل حكننم الخمينينني‪ ،‬يونننانيون‬
‫في ظننل حكننم السننلوقيين‪ ،‬والمزينند مننن الفننرس مننع‬
‫الساسانيين؛ والخيرون بنوا عاصمتهم هناك وأضننافوا‬
‫في أحد الوقات دفعة أخننرى مننن الغربنناء أيض نا ً وذلننك‬
‫على شكل أسرى حروب سوريين ويونانيين‪ .((77‬ونتيجة‬
‫لذلك تحّلل شننكل الدولننة البننابلي‪ .‬والحقيقننة أن شننبح‬
‫بابل راح يطارد العراق الدنى نحننو قرنيننن مننن الزمننن‬
‫في هيئة مملكننة مسننين ‪ Mesene‬التابعننة والننتي صننارت‬
‫آراميننة بسننرعة‪ ،((78‬رغننم أن مؤسسننها حنناكم إيراننني؛‬
‫ولشك أنه كان ثمة ملننوك آراميننون آخننرون فنني ظننل‬
‫حكم البارثيين‪ .((79‬لكننن فنني الموضننع الول فقنند بنندت‬
‫الهوية البابلية لمسين ضعيفة‪ ،((80‬وفي الموضع الثنناني‬
‫‪ (75‬إل إذا صاروا مانويين طبعًا‪ ،‬وذلك كما فعل الكثير منهم بالفعل؛ قارن‪A. Vِِbus, ) :‬‬ ‫)‬

‫‪History of Asceticism in the Syrian Orient (=CSCO, Subsidia, vols. xiv, xvii), Louvain 1958 - 60,‬‬
‫‪ .(vol. I, pp. 158f‬لكن عقيدة معادية جندا ً للمنادة كنان منن غيننر المرجننح أن تحتفنظ‬
‫بولءات أناس مرتبطين بها حالما أصبحت المسيحية في متناول اليد‪.‬‬
‫‪ (76‬كان من غير المرجح أن تنجح اليهودية‪ ،‬وهي ديانة إثنية أخرى‪ ،‬على المدى البعينند‪:‬‬ ‫)‬

‫لقد فنّر إيزاتينس وعنائلته منن الفنرس‪ ،‬لكنهنم انتهنوا فني القندس‪ .‬منن أجنل انتشنار‬
‫المسيحية‪ ،‬أنظر‪J. M. Fiey, Jalons pour une histoire de l’église en Iraq (=CSCO, Subsidia, vol. :‬‬
‫‪ .xxxvi), Louvain 1970, pp. 32ff‬من أجل النفصال العقائدي والشرعي عن الغرب؛ أنظر‪:‬‬
‫‪. ibid., pp. 66ff, 113ff‬‬
‫‪. Fiey, Jalons, pp. 55 - 56 (77‬‬ ‫)‬

‫‪A. R. Bellinger, “Hyspaosines of Charax”, Yale Classical Studies 1942; Pauly - Wissowa, (78‬‬ ‫)‬

‫‪Realencyclop‬ن ‪ . ”die, s.v., “Mesene‬قارن‪H. H. Schaeder, “Hasan al-Basri”, Der Islam 1923, :‬‬
‫‪ . pp. 4ff‬في ظل حكم الساسانيين حمل أمراء البيت اللقننب ميشانشنناه ) ‪Christensen,‬‬
‫‪.(Iran, p. 102‬‬
‫‪ (79‬قارن ملوك الحقبة البارثية الذين يظهرون عند ابن وحشية‪ ,D. Chwolson ) .‬ر ‪ber die‬‬ ‫)‬

‫ر ‪ berrest der altbabylonischen Literatur in arabischen‬ر ‪(bersetzung, St Petersburg 1859, p. 137‬‬


‫والمسعودي )أبوالحسن علي بن الحسين المسننعودي‪ ،‬رر رر ر ررر رر ررر‪ ،‬تحريننر‬
‫وترجمة ‪ ،A. C. Barbier de Meynard and A. J. B. Pavet de Courteille‬باريس ‪ ،77 - 1861‬المجلد‬
‫الثاني‪ ،‬ص‪.(161‬‬
‫‪ (80‬ذلك ما تتضمنه قصة ايشوع داد عن نابو‪van den Eynde, Commentaire, I. Genèse ) :‬‬ ‫)‬

‫‪ .((=CSCO, Scriptores Syri, vols. Lxvii, Lxxv), Louvain 1950, 1955, pp. 6 = 7‬لكن مسين لم‬
‫تكن بابل جغرافيًا‪ ،‬بل جارتها فحسب‪ ،‬ومع أن الملوك وضنعوا أيننديهم علنى سننلوقية‬

‫‪115‬‬
‫فنننإن اختينننار الساسنننانيين للعنننراق الدننننى كمركنننز‬
‫لمبراطوريتهم لم يترك مجال ً أمام وجود أرستقراطية‬
‫وطنية‪ ،‬وفي حين كان لدى الشننوريين ذكننرى واضننحة‬
‫لماضننيهم‪ ،‬لننم يكننن لنندى البننابليين ذلك‪ .((81‬قنند يتوقننع‬
‫واحدنا أن تذوي الهوية البابلية بالكامل‪ ،‬ولو أنها ظلننت‬
‫موجودة فذلك ليس لنها تذكرت ذاتها في العزلننة‪ ،‬بننل‬
‫لنهنننا تسنننامت بنننذاتها واكتسنننبت احترامنننا ً عالمينننًا‪:‬‬
‫فاليونننانيون انحنننوا مننذعنين لعلننم التنجيننم البننابلي‬
‫واستعاروه دون أن يخفوا أصله الكلننداني‪ ،((82‬ومننن ثننم‬
‫فالكلدانيون استطاعوا أن يستعيروا الفلسفة اليونانية‬
‫دون أن يفقنندوا هننويتهم‪ .‬لقنند وّلنند إنصننهار الوثنيننة‬
‫اليونانية والبابلية مجموعننة متنوعننة مننن الننديانات ذات‬
‫العلقة بالتنجيم والتي استطاعت‪ ،‬بعكس الوثنيننة الم‪،‬‬
‫أن تحننافظ علننى وثنيتهننا فنني وجننه الحقننائق الفائقننة‬
‫للزرادشتية‪ ،‬والتي كانت‪ ،‬بعكس المسيحية‪ ،‬ممتلكة من‬
‫قَبنننل ماركنننة إثنينننة‪:‬الشنننوري لنننم يمتلنننك غينننر‬ ‫ِ‬
‫هوية‪،‬والمسيحي لم يمتلك غير حقيقة‪ ،‬لكننن الكلننداني‬
‫كان يمتلك هوية وحقيقة في آن‪ .‬لذلك حافظ الوثنيون‬
‫على تواجدهم في بلد الكلدان‪.‬‬
‫دت المسيحية‪ ،‬بالطبع‪ ،‬إلنى بابنل؛ لكنن فني حينن‬ ‫امت ّ‬
‫كانت في آشوريا طريقة لتكريننس هويننة إقليميننة‪ ،‬فقنند‬
‫كانت في بابل طريقننة لزالننة التكريننس عننن الهويننتين‪.‬‬
‫فبالنسبة لبيئة العراق الدنننى الكوزموبوليتانيننة العاليننة‪،‬‬
‫كننانت المسننيحية‪ ،‬كالمانويننة‪ ،‬احتجاجننا ً علننى الننديانات‬
‫الثنية‪ ،‬وليس طريقة للوصول إلى ديانة إثنية‪ :‬المانويننة‬
‫تسامت بالحقائق الكلدانية والفارسية عن طريق ضننمها‬
‫كأفكار أقل قيمننة وذلننك ضننمن مخطننط للشننياء أوسننع‬
‫وأكثر فخامة‪ ،‬أما المسيحية فقد فعلت الشيء ذاته عننن‬
‫طريق رفض الطرفينن بوصنفهما متمناثلين‪ .‬لنم يفتقند‬

‫وبابل لبرهة من الزمن‪ ،‬فحتى البارثيين لم يستطيعوا السماح لهنم نمطينا ً بالحتفناظ‬
‫بهما‪.‬‬
‫كر أي ملننوك بننابليين أصننليين‪،‬‬ ‫‪ (81‬من الجانب الوثني فابن وحشننية يفشننل فنني تننذ ّ‬ ‫)‬

‫كر أولئك المدّلسين كحكمنناء وعقلء فنني الدرجننة الولننى ) ‪ ,Chwolson‬ر ‪berreste,‬‬ ‫ويتذ ّ‬
‫‪(passim‬؛ أما في الجننانب الفارسنني فالكننافيون يميلننون إلننى تننوّلي المننآثر السياسننية‬
‫للملوك الصليين‪A. Christensen, Les Kayanides, Copenhagen 1971, pp. 93ff; H. Lewy, “The ) .‬‬
‫‪Babylonian Background of Kay Kâûs Legend”, Archiv Orientaln‬ن ‪.(pp. 29 - 33 ,1949‬‬
‫‪J. Bides, “Les écoles chaldéennes sous Alexandre et les Sélecuides”, Annuaire de l’Institute (82‬‬ ‫)‬

‫‪. de philologie er d’histoire orientales 1935‬‬

‫‪116‬‬
‫مسننيحيو العننراق الدنننى الهويننة قننط‪ :‬كننانوا يضننمون‬
‫الفننرس‪ ،‬اليونننانيين‪ ،‬العيلمييننن‪ ،‬الرامييننن‪ ،‬القطريننة‪،‬‬
‫العرب وآخرين ‪ .((83‬ومثل الشوريين‪ ،‬كننان باسننتطاعتهم‬
‫موا أنفسننهم ق ققققق وذلننك مقابننل الننوثنيين؛‬ ‫أن يسنن ّ‬
‫لكنهم لم يتشاركوا بين أنفسهم بأية هوية قنط‪ :‬الهويننة‬
‫الوحيدة التي كان عليهم وراثتها كانت الكلدانية‪ ،‬وعندما‬
‫غي ّننر الكلننداني دينننه رفننض اثنيتننه كمجوسنني وثقننافته‬
‫كزرادشتي ‪ .((84‬المسيحيون الشوريون يمتلكننون سننابقة‬
‫أصيلة لسمهم‪ ،‬لكن المسيحيين لننم ينندعوا كلنندانيين إل‬
‫بطريقة استعمال الشيء في غير محّله ‪.((85‬‬
‫كان هنالك بالتالي نسختان متمايزتان عن المسيحية‬
‫في الكنيسة النسطورية‪ :‬فمننن ناحيننة كنيسننة آشننوريا‬
‫المحلية‪ ،‬وهي تأكيد شوفيني على هويننة ريفيننة؛ ومننن‬
‫ناحية أخرى كنيسة فارس الحضرية والتي كان مركزها‬
‫فنني بابننل‪ ،‬وهنني تأكينند كوزموبوليتنناني علننى حقيقننة‬
‫كن مقارنننة كنيسننة آشننوريا فنني هننذا‬ ‫ُ‬
‫م ِ‬
‫أممية‪ .‬لكن إذا أ ْ‬
‫الصنندد بالكنيسننة المصننرية‪ ،‬فشننوفينيتها أخننذت شننكل ً‬
‫مختلفا ً إلى حد مننا‪ .‬فقنند احتفظننت مصننر بإثنيننة ولغننة‬
‫مميزتين لها ضمن طبقتها الفلحيننة‪ ،‬فنني حيننن كننانت‬
‫طبقتهننا الرسننتقراطية تنتمنني إلننى العننالم الهليننني‬
‫الكنننثر اتسننناعًا؛ آشنننوريا بالمقابنننل امتلكنننت طبقنننة‬
‫أرسننتقراطرية مميننزة لهننا‪ ،‬فنني حيننن شنناركت العننالم‬
‫الرامي الكثر اتساعا ً في إثنيتها ولغتها‪ .‬وهكننذا ففنني‬
‫حين كانت الشوفينية القبطية إثنية ولغويننة‪ ،‬اسننتدارت‬
‫شوفينية آشننوريا إلننى ذكريننات منناض مجينند‪ .‬فنني هننذا‬
‫السياق فإن اهتدائين جاءا في النوقت المناسنب أفنادا‬
‫في تنقية الملوك الشوريين من سوء سننمعتهم حيننال‬
‫‪ (83‬أو بكلمات أخننرى‪ ،‬لننم يكننن ثمننة مننا يمكننن لنننا أن ننندعوه جماعننة المسننيحيين‬ ‫)‬

‫البابليين‪ :‬فقد صدف وأن صار العراق الدنى ببساطة مركز الرسننالة المسننيحية فنني‬
‫غاي‬ ‫المبراطورية الفارسية وخلف حدودها‪ .‬قارن غياب العنصر الثني حين يقال إن أ ّ‬
‫هدى كل الشوريين »والمناطق التي حول بابل« ) ‪Cureton, Ancient Syriac Document, pp.‬‬
‫‪ ،(34 = 34‬وفي إشارة الكندي إلى مسيحيي العراق الدنى باعتبارهم »مهجني النندلتا‬
‫الكلدانية« )‪..(W. Muir, The Apology of Alkindy, London 1882, pp. 23f‬‬
‫‪ (84‬من أجل المماثلة بين الشياء الكلدانية والمجوسية‪ ،‬أنظر‪J. Bides and F. Cumont, :‬‬ ‫)‬

‫‪ .Les mages hellénisés, Paris 1938, vol. i, pp. 34f‬مننن أجنل اسننتمراريتها فنني الشننرق‬
‫المسيحي‪ ،‬أنظر‪. ibid., pp. 42ff :‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ (85‬حنانيا الذي هو من نهاية القرن السادس كان كلدانيا‪ ،‬أي جبريا‪Babai, Liber de ) .‬‬ ‫)‬

‫= ‪unione, ed. and tr. A. Vaschalde (CSCO, Scriptores Syri, vols. xxxivf) Louvain 1935, pp. 109‬‬
‫‪(77‬؛ أما وطن غيفارغيس‪ ،‬وهو شخص اعتنق المسيحية‪ ،‬فكان ك ََلديا فنني بابننل حيننث‬
‫ت ُْعبد الشياطين والمور المخلوقة‪.(Hoffmann, Auszüge, p. 93) .‬‬

‫‪117‬‬
‫دس‪ .‬الول هننو سننردانا‪ ،‬ابننن سنننحريب‪،‬‬ ‫الكتنناب المقنن ّ‬
‫الملك الثاني والثلثون لشوريا بعد بيلوس وحاكم ثلث‬
‫العالم المأهول‪ ،‬والذي أذعن لرسالة يونننان التوحيديننة‬
‫وشّرع صوم نينوى الننذي أنقننذ نينننوى مننن النندمار‪ ((86‬؛‬
‫وبما أن الصوم أنقذ الشوريين مننن غضننب الننرب فنني‬
‫الماضي‪ ،‬فقد أعاد تشريعه سابريشو من كرخا دي بيت‬
‫سلوخ لنقاذهم من الوباء بعد ألف سنة‪.((87‬و الثاني هو‬
‫إعادة تحرير نسخة اعتننناق إيزاتيننس الثنناني الننذي مننن‬
‫أديابين اليهودية في نسخة اعتننناق نارسنناي الشننوري‬
‫المسننيحية‪ .((88‬كننان هننذا يعننني أن الشننوريين كننانوا‬
‫موحنندين قبننل المسننيح ومسننيحيين بعننده‪ ،‬والماضنني‬
‫بالتالي قاد نحو الحاضر دون أي شننرخ‪ .‬وهكننذا فتاريننخ‬
‫كارخا دي بيت سلوخ يبدأ بالملوك الشننوريين وينتهنني‬
‫بالشننهداء الشننوريين‪ :‬فرعننون أسسننه ‪ ((89‬والشننهداء‬
‫جعلوه »حقل ً مباركا ً للمسيحية«‪ .((90‬يشبه ذلك أننه فني‬
‫القرن السابع قبل المسيح وقننف العننالم كلننه مرعوب نا ً‬
‫من ساردانا‪ ،((91‬وفي القرن السابع بعد المسننيح احتننل‬
‫القديسننون مكننانه باعتبنناره »شننمس آثننور« و »مجنند‬
‫نينوى«‪.((92‬‬
‫بالمقابل‪ ،‬فالكنيسة في بابل‪ ،‬لم تكننن تمتلننك فخننار‬
‫مصننر اللغننوي والثننني ول فخننار آشننوريا التنناريخي‪.‬‬
‫‪((93‬‬
‫وبالمقارنننة مننع مصننر فقنند حننددوا هننويتهم كأغيننار‬

‫‪Bedjan (ed.), Acta Martyrum, vol. ii, p. 705 = Hoffmann, Auszüge, p. 43 (86‬؛ قارن مع دور‬ ‫)‬

‫هود بين مسلمي اليمن‪.‬‬


‫‪;P. Krüger, “Die Regenbitten Aphrem des Syrers”, Oriens Christianus 1933, pp. 35f (87‬‬ ‫)‬

‫‪. J. M. Fiey, Assyrie chrétienne, vol. iii, Beirut 1968, p. 20‬‬


‫‪. Marquart, Streifzüge, pp. 296ff (88‬‬ ‫)‬

‫‪) .Bedjan, Acta Martyrum, vol. ii, p. 509 = Hoffmann, Auszüge, p. 44 (89‬على الصفحتين‬ ‫)‬

‫‪ 507‬و‪ 43‬علىالترتيب نجد أن ساردانا هو الذي يؤسسه(‪.‬‬


‫‪. Bedjan, Acta Martyrum, vol. ii, p. 512 = Hoffmann, Auszüge, p. 46 (90‬‬ ‫)‬

‫‪. Bedjan, Acta Martyrum, vol. ii, p. 507 = Hoffmann, Auszüge, p. 43 (91‬‬ ‫)‬

‫ن‪n H‬ن ‪n‬‬ ‫‪E. A. W. Budge (ed. and tr.), The Histories of Rabb (92‬ن ‪rmîzd the Persian and Rabb‬‬ ‫)‬

‫‪. Bar ‘Idta, London 1952, pp. 115, 119 = 116, 240‬‬
‫‪ (93‬من يوكتان ‪ Yoktan‬خرجننت المننم الثلث عشننرة الننتي تتحنندث اللغننة السننريانية‬ ‫)‬

‫والتي تمتد ّ مواطن سكنها من سفارفيم إلى ميشا‪ ،‬أي من حدود كنعان إلننى مسننين‪،‬‬
‫حيننث تصننل حنندودها إلننى عيلم )هننذا مننا قنناله اشننوع داد؛ أنظننر‪van den Eynde, :‬‬
‫‪Commentaire, I, Genèse, pp. 131f = 143‬؛ قارن‪Solomon of Basra, The Book of the Bee, ed. and :‬‬
‫‪.(tr. E. A. W. Budge, Oxford 1886, chapter xxii, pp. 36 = 36‬‬

‫‪118‬‬
‫واستخدموا الفارسننية والسننريانية علننى حنند سننواء ‪.((94‬‬
‫وبالمقارنننة مننع آشننوريا‪ ،‬فقنند تخّلننوا للننوثنيين عننن‬
‫الماضي البابلي‪ :‬فنمرود‪ ،‬الننذي هننو فنني آشننوريا أحنند‬
‫السلف من الملوك والذي كانوا يحتفلون بذكراه تحت‬
‫فننظ فنني بابننل‬ ‫أسننماء القديسننين المسننيحيين‪ ،((95‬احت ُ ِ‬
‫فأضحى إما مرفوضا ً كمؤ ّ‬
‫‪((96‬‬
‫سس‬ ‫بمماثلته مع زرادشت‬
‫دخننل فنني حننل استرضننائي‬ ‫ُ‬
‫أو ا ْ‬ ‫‪((97‬‬
‫للوثنيننة الفارسننية‬
‫باعتباره المرشد الذي يوحى إليه والذي قنناد المجننوس‬
‫في البحث عن المسيح‪((98‬؛ لكنه فنني كل الحننالتين ظننل‬
‫غريبًا‪ .‬كذلك فبقدر ما أن التقلينند الننذي مثلننه ايشننوداد‬
‫المسيحي الننذي مننن مننرد يبنندو مفصننول ً بالكامننل عننن‬
‫الماضنني البننابلي‪ ،‬رغننم ضننخامة تعنناليمه‪ ،‬بقنندر مننا أن‬
‫التقليد الذي يمثله ابنن وحشنية يبندو فنني علقننة حنب‬
‫كاملة مع الماضي البابلي‪ ،‬رغم ضخامة أخطائه‪.‬‬
‫مع ذلك فقد اختلفت الكنيستان الشننورية والبابليننة‬
‫علننى حنند سننواء عننن كنيسننة مصننر فنني توجههمننا‬
‫ُ‬
‫سننت‬ ‫الرسننتقراطي؛ الولننى لن هويتهننا الشننورية أل ْب ِ َ‬
‫ثوب أرستقراطية وطنيننة‪ ،‬والثانيننة لن النفصننال عننن‬
‫هوينننة وطنينننة سنننمح لهنننا بقبنننول كامنننل للقينننم‬
‫الرسنننتقراطية الفارسنننية‪ .‬وهكنننذا فنبلء الكنيسنننة‬
‫ونوهننا‪ :‬التسلسننل اللنهننائي‬ ‫الشننورية هننم الننذين ك ّ‬
‫للفلحين فنني أقننوال آبنناء الكنيسننة المصننريين يفسننح‬
‫المجال هنننا إلننى تسلسننل ل نهننائي لعّليننة القننوم فنني‬
‫أعمننال الشننهداء الفننرس‪ ،‬وفنني حيننن أن علي ّننة القننوم‬
‫المصريين لننم يسننتطيعوا افتننداء مكننانتهم الدنيويننة إل‬
‫بالمضي نحو المونوفيزية‪،‬‬
‫فالمصننادر النسننطورية تطفننح فعل ً بننالقرار الشننرعي‬
‫بالطبقننة الرسننتقراطية‪ .((99‬إن خننوف آشننوريا علننى‬
‫‪. Sachau, Syriche Rechtbücher, vol. iii, p. vii (94‬‬ ‫)‬

‫‪. Bedjan, Acta Martyrum, vol. iv, pp. 184ff (95‬‬ ‫)‬

‫‪ (96‬قارن‪. Bidez and Cumont, Les mages hellénisés,vol.i,pp.42ff :‬‬ ‫)‬

‫‪ (97‬يعّلم نمرود أردشير التنجيم والعادات الجنسننية الزرادشننتية القبيحننة وذلننك كمننا‬ ‫)‬

‫يقول‪. E. A. W. Budge (tr.), The Book of the Cave of Treasures, London 1927, pp. 143f :‬‬
‫‪A. Rücker, “Zwei nestorianische Hymnen über die Magier”, Oriens Christianus 1923 (98‬؛‬ ‫)‬

‫قارن‪. Monneret de Villard, Le Leggende Orientali sui Magi evangelici, Rome 1952 :‬‬
‫‪ (99‬إضافة إلى النبلء المذكورين آنفا ً )الهامش ‪ 71‬مننن هننذا الفصننل(‪ ،‬لحننظ أيض نا ً‬ ‫)‬

‫رازشاه‪ ،‬وهو رجل غني ومحترم من أديابين اهتدى مع أتباعه‪Msiha-Zkha in Mingana, ) .‬‬
‫‪.(Sources syriaques, pp. 14ff - 90ff‬؛ نبلء أربيل الذين رغبوا بسابريشو كمطران لهم ) ‪A.‬‬
‫‪Scher, “Histoire du Couvent de Sabri‬ڑ‪(o”, Revue de L’Orient chrétien 1906, p. 187‬؛إقطاعي‬

‫‪119‬‬
‫نمروداتهننا أو سنننحاريباتها المحلييننن مقننترن باجللهننا‬
‫الحضنننري للسنننللة الملكينننة لي سنننابا‪ ،‬يوحننننان‪ ،‬أو‬
‫غوليندخت‪ ،((100‬والنساطرة بالتالي كانوا متوحدين فنني‬
‫‪(10‬‬
‫تقديرهم العالي للسلطة‪ ،‬الثروة‪ ،‬وللشهرة الدنيويننة‬
‫‪(1‬‬
‫صب الشاهنشاهات‬ ‫‪ .‬والواقع أنه من حين لخر كان تع ّ‬
‫يحننول دون العمننل فنني البلط الملكي‪ ((102‬؛ مننع ذلننك‬
‫فالقطاب المحليننون اسننتطاعوا البقنناء فنني السننلطة‪،‬‬
‫كمنننا لعنننب العلمنننانيون دورا ً بنننارزا ً فننني الكنيسنننة‬
‫النسطورية‪ ،‬أما الشاهنشاهات المتسامحون فقد كانوا‬
‫يتلقون الخنندمات الطوعيننة لمننواليهم المسننيحيين‪((103‬؛‬
‫ظننف‬ ‫من بين كل العلمانيين نجد يزدين الكركوكي المو ّ‬
‫الميننري المسننؤول عننن الضننرائب والجزيننة والغنننائم‬

‫بيت غورباك‪ ،‬وهو أحد النبلء المؤمنين المستقيمين ) ‪(Budge, Histoiries, pp. 136 = 201‬؛‬
‫دم لبارعوتنا حقل ً غنالي الثمننن ) ‪ibid., pp.‬‬‫والد تيريز ‪-‬اشوع المفرط في غناه والذي ق ّ‬
‫‪(143 = 214‬؛ نبلء بيت غارمناي وبينت نوهناردا النذين زاروا منار اشننوع سنابران فنني‬
‫السجن ) ‪Isho ‘yahab of Adiabene, Histoire de Jésus - Sabran, ed. with French Summary by J. -‬‬
‫‪(B. Chabot, Paris 1897, p. 498‬؛ اشوع ‪-‬يهب الديابيني‪ ،‬الذي هو ذاته ابن أحد النبلء )‬
‫‪(Thomas of Marga, The Book of Governor, ed. and tr. E. A. Budge, London 1893, pp. 194 = 378‬؛‬
‫توما المارغاني‪ ،‬الذي كتب رررر رررررر بناء على طلب أحد حكننام أديننابين الننذي‬
‫قد يكون ابن سابريشوع‪ ،‬وهو أحد القطاب النذين زاروا ديننر الناسننك سابريشننوع )‬
‫‪Scher, “Histoire du couvent de Sabri‬ڑ‪ .(o”, p. 194n‬مار بنيامين من بيت نوهاردا‪ ،‬وهو ابن‬
‫لوالدين مشهورين ولمعين‪ ،‬وصاحبي مقام رفيع في البلط الفارسي‪ ،‬واللذين اعتنقا‬
‫المسيحية في زمن متأخر ) ‪V. Scheil, “La vie de Mar Benjamin”, Revue de l'Orient chrétien‬‬
‫‪.(1897, p. 247‬‬
‫‪ (100‬سابا هي عائلة مهران ) ‪Bedjan, Acta Martyrum, vol. ii, p. 603 = Hoffmann, Auszüge,‬‬ ‫)‬

‫‪ .(p. 68‬مار يوحنان كانت تجري في عروقه دماء ملكية‪Isho’denah, Livre de chasteté, ) .‬‬
‫‪(ed. and tr. J. B. Chabot, Paris 1896, pp. 4 = 230‬؛ مثله أيضا ً مار غريغور ) ‪Hoffmann, Auszüge,‬‬
‫‪(p. 78‬؛ غوليندخت وأقاربها كانوا ينتمون إما إلى طبقننة النبلء الفننرس أو إلننى طبقننة‬
‫الكهنة ) ;‪P. Pectres, “Sainte Golindouch, martyre prese’, Analecta Bollandiana 1944, pp. 82, 105‬‬
‫‪ P. Devos, “Sainte‬ٹ‪îrîn, martyre sous Khosrau I Anُs‬م‪.(rvan, ibid, 1946, pp. 94f‬‬
‫‪ (101‬المثولة متجسدة في يوسف وتقل اللذين من خوزستان‪ ،‬واللذين كانننا ينعمننان‬ ‫)‬

‫جيدا ً بثروات هذا العالم الذي سنيذهب وسننوف يتحل ّننل وهكننذا فقند كنان الخندم مننن‬
‫الذكور والناث يرعننون مصننالحهما حيننن كانننا يقومننان بخدمننة الملئكننة عننبر الصننوم‬
‫والصلة )‪.(Budge, Histories, pp. 9 = 13f‬‬
‫‪ (102‬من هنا جاء نكران الذات و‪/‬أو شهادة كل من مارقره داغ )أنظننر الهننامش ‪71‬‬ ‫)‬

‫من هذا الفصل(‪ ،‬يوحنان الحّزي الذي كننان يعمننل رامينا ً للنبننل فنني حاشننية الملننك )‬
‫‪Scher,“Histoire du couvent de Sabri‬ڑ‪ ،(o”, pp. 189f‬طقطق الذي كان خادما ً للملك ) ‪Bedjan,‬‬
‫‪ ،(Acta Martyrum, vol. iv, pp. 181ff‬غريغور الذي كان حاكم الحدود الشمالية ) ‪Hoffmann,‬‬
‫‪ ،(Auszüge, pp.78f‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪ (103‬من ذلك السكرتارية المسننيحية لقننائد سننلح الفرسننان الملكنني ) ‪Isho ‘-yahab,‬‬ ‫)‬

‫‪ ،(Histoire de Jésus - Sabran, p. 495‬المسؤول المسيحي عن السجن الذي ُرمي فيننه‬


‫ايشوع ‪ -‬سابران )‪ ،(ibid., p. 496‬وغيرهم من العلمانيين العديدين الذين بننرزوا داخننل‬
‫البلط الساساني وخارجه كما يخبرنا‪J. M. Fiey. “Les laïcs dans l’histoire de L’Eglise :‬‬
‫‪. syreinne orientale”, Proche - Orient Chrétien 1964‬‬

‫‪120‬‬
‫لخسرو الثاني‪ ،‬والذي كان مبجل ً باعتباره »المدافع عن‬
‫الكنيسننة بطريقننة قسننطنطين وثيودوسننيوس« ‪.((104‬‬
‫وهكذا فالنساطرة كانوا متشابهين في اتحاد مننوقفهم‬
‫من الملك الفارسي‪ :‬فالجميع قبلوا بالتفوق السياسي‬
‫للمبراطوريننة الفارسننية‪ ،‬وحننتى الشننوريين لننم يكننن‬
‫باستطاعتهم أن يأملوا بإعادة إحياء سنحاريبية؛ لكن ما‬
‫أثار حنقهم كان تعصب الزرادشتية الثننني‪ ،‬لننذلك فقنند‬
‫كان هدفهم هدايننة الشاهنشنناه إلننى المسننيحية وليننس‬
‫النفصال عن حكمه‪.((105‬‬
‫كأعضنناء فنني كنيسننة أرسننتقراطية كننان النسنناطرة‬
‫يختلفننون أيضننا ً عننن القبنناط فنني امتلكهننم لثقافننة‬
‫علمانية غنية‪ :‬فتقديرهم الرفيع للسلطة الدنيوية كننان‬
‫مقترنا ً بتقديرهم الرفيع للعقل البشننري‪،‬وهنني مسننألة‬
‫صننادق عليهننا اللهننوت النسننطوري‪ .‬كننان مرجعهننم‬
‫الرسمي‪ ،‬وهو ثيننودوروس المصيصنني‪ ،‬يعننرف بننالطبع‬
‫عقيدة سقوط آدم التقليدية‪ ،‬والتي تننرى حالننة الخلننود‬
‫طلت بالثم وأفسدت علننى نحننو‬ ‫ع ّ‬ ‫والمباركة الولى قد ُ‬
‫تصاعدي وذلك حتى العودة الدرامية للنعمة مننع المننوت‬
‫الخلصي ليسوع‪ .‬لكنه كان يعّلم أيضا ً عن عقيدة أخرى‬
‫دم النسننان منهننا فنني‬ ‫وليننة تقن ّ‬‫تحكي عن حالة نقننص أ ّ‬
‫ظل الهداية اللهية حتى ُأعيد اكتساب الخلود مع قيامة‬
‫المسيح المثولية‪ .((106‬وهكذا فقد أكدت العقيدة الولى‬
‫على حاجة النسننان للنعمننة‪ ،‬فنني حيننن أكنندت الخننرى‬
‫على قدرته على مساعدة ذاته‪ :‬إذا كان للتوجيه اللهي‬
‫أي تأثير فالنسان يجب أن يكون بالضرورة قادرا ً علننى‬
‫التمييز بيننن الخيننر والشننر وأن يعمننل بمننا يمليننه عليننه‬

‫‪Fiey, Assyrie chrétienne, vol. iii, p23 (104‬؛ قارن‪» :‬يزدين المؤمن«‪» ،‬يزدين الخّير«‪،‬‬ ‫)‬

‫شار«‪.‬‬ ‫»يزدين الفاضل«‪» ،‬يزدين العَ ّ‬


‫‪ (105‬كما يظهر إلى حد ما في محنناولتهم المركننزة لهدايننة الطبقننة النبيلننة الفارسننية‪،‬‬ ‫)‬

‫ل للملنك الفارسني؛ وهنم لنم يهتمنوا بنأن ينبرهنوا علنى‬ ‫وإلى حد ما في موقفهم المجن ّ‬
‫شرعية أعمنالهم فقنط)قنارن‪P.Devos, ‘ Abgar , hgagiographe perse méconnu’ , Analecta :‬‬
‫‪.( Bollandiana,p.323‬بل لقد أضفوا على يزدجرد المتسامح كل اللقاب التي اطلقت علننى‬
‫قسطنطين‪:‬فمثل قسطنطين‪،‬كان يزجرد يحقق النتصنار تلنو النتصنار ) ‪Chabot,Synodicon‬‬
‫ل السننلم فنني العننالم )‪ibid., pp.‬‬ ‫مَلكية بنعمة من الله‪،‬اح ّ‬‫‪،(Orientale,pp.20=258‬وصل الى ال َ‬
‫‪،(37=276‬كان مسيحيًا)كذا( ومباركا بيننن الملننوك ) ‪.(Chronica Minora,pp.137=107‬لننم تظهننر‬
‫ً‬
‫حرارة كهذه قط أمام الخلفاء المسلمين‪ ،‬متسامحين كانوا أم غير متسامحين‪.‬‬
‫‪W. F. Macomber, “The Theological Synthesis of Cyrus of Edessa”, Orientalia Christiana (106‬‬ ‫)‬

‫‪. Periodica 1965‬‬

‫‪121‬‬
‫عقله‪ ،‬ولننذلك يجننب أن يكننون الشننر فعل ً للرادة وفعل ً‬
‫ضد المعرفة الخي ّننرة‪ .((107‬هننذا الننرأي الثنناني هننو الننذي‬
‫اختاره النساطرة‪ ،‬وإذا لننم يمضننوا فنني طريقهننم نحننو‬
‫البيلجية‪ ،((108‬أو يختزلوا الفداء إلننى مجننرد رمننز لخلننود‬
‫ظمننوا العقننل علننى حسنناب‬ ‫مستقبلي‪ ،((109‬فهم حتما ً ع ّ‬
‫النعمة‪.((110‬‬
‫لقد أدى امتلك التفكير العلماني لملذ آمن اجتماعيا ً‬
‫ل‪،‬‬‫وعقائديا ً إلى أمرين بالنسبة للثقافة النسطورية‪ .‬أو ً‬
‫في حين كانت الكنيسننة القبطيننة ريفيننة جلفننة‪ ،‬كننانت‬
‫الكنيسة النسننطورية أكاديميننة‪ .‬بننل إن أكننثر مننا يلفننت‬
‫النظر في المسألة‪ ،‬هو أنها دشنت واحدة منن منندارس‬
‫اللهوت التي ل علقة لها بننالديرة القليلننة العنندد فنني‬
‫الشرق الدنى وذلك حيننن هنناجرت مدرسننة الرهننا إلننى‬
‫نصيبين‪ ،((111‬ونصيبين بدورها أوجنندت سلسننلة منندارس‬
‫أخرى أصغر منها حجمًا؛ كذلك فقد دشنت مدرسة ثانية‬
‫مع استقرار سجناء الحرب في جنديسابور‪ .((112‬وبشكل‬
‫عام فقد تكّرر تأسيس المنندارس الواحنندة تلنو الخننرى‬
‫في حياة وجهاء النساطرة‪ ،‬والقليننل مننن الديننرة كننان‬
‫دون مدرسة ‪.((113‬‬
‫ثانيننًا‪ ،‬فنني حيننن رفضننت الكنيسننة القبطيننة الفكننر‬
‫اليوناني باعتباره فكرا ً وثنيا ً من الناحية الخلقية‪ ،‬فقد‬
‫أضفت عليه الكنيسة النسطورية صفة شرعية باعتباره‬
‫مسيحيا ً جاء قبل أوانه‪ .‬لنه لم تكن ثقافة آشورية تلك‬
‫عّلننم فنني المنندارس الشننورية‪ :‬الفقننار‬ ‫الننتي كننانت ت ُ َ‬

‫‪A. Vِِbus, History of the School of Nisibis (=CSCO, Subsidia, vol. xxvi), Louvain 1965, ; (107‬‬ ‫)‬

‫‪ . pp. 237f‬قارن‪id., “Theological Reflexions on Human Nature in Ancient Syriac Traditions”, :‬‬
‫‪in P. J. Hefner (ed.), The Scope of Grace, Essays on Nature and Grace in Honor of Joseph Sittler,‬‬
‫‪. Philadelphia 1964‬‬
‫‪. F. Heiler. Die Ostkirchen, Munich and Basel 1971, p. 317 (108‬‬ ‫)‬

‫‪A. Boumstark, “Die nestorianische Schriften de causis festorum”, Oriens Christianus 1901, (109‬‬ ‫)‬

‫‪. p. 340‬‬
‫‪ (110‬قننارن‪P. Krüger, “Zum theologischen Menschenbild des Babai d. Gr.”, Oriens :‬‬ ‫)‬

‫‪Christianus 1960; id., “Das Problem Pelagianisimus bei Babai dem. Grossen.”, ibid, 1962; id.,‬‬
‫‪ ،,“Das Geheimnis der Taufe in den Werken Babais d. Gr.”, ibid, 1963‬قارن أيضا ً ثقة أشوع‬
‫داد بأن البشر يستطيعون بالقانون الطبيعي التمييز بين الخير والشر‪van den Eynde, ) .‬‬
‫‪.(Commentaire, I, Genèse, pp. 65f = 71‬‬
‫‪. A. Vِِbus, History of the School of Nisibis (111‬‬ ‫)‬

‫‪. ”Encyclopaedia of Islam, c.v, “Gondeshapour (112‬‬ ‫)‬

‫‪A. Vِِbus, History of the School of Nisibis, pp. 204-7, 290, 299, 311; Scher,“Histoire du (113‬‬ ‫)‬

‫‪couvent de Sabri‬ڑ‪. o”, p. 184; Macomber, “Theological Synthesis”, p. 7‬‬

‫‪122‬‬
‫الثقافي في آشوريا لم يكن أقل انتشارا ً مننن الفقننار‬
‫الثقافي في مصر‪ ،‬وكما كان الرث المصري في الدب‬
‫القبطي محددا ً بمقولت من القصننص الشننعبي‪ ،‬كننذلك‬
‫تماما ً كان الرث الشوري في الدب المسننيحي محننددا ً‬
‫بأحيقننار‪ ،‬وزيننر الملننوك الشننوريين‪ .((114‬لكننن بعكننس‬
‫الفلحيننن المصننريين‪ ،‬اسننتطاعت النخبننة الشننورية‬
‫استعاضننة مننا فقنندته بالحقننائق الشنناملة للفلسننفة‬
‫اليونانيننة‪ .‬فهننم لننم يننترجموا الفلسننفة فحسننب بننل‬
‫جدوهم ‪ ،((115‬وفنني الننوقت المناسننب صننار النسنناطرة‬
‫م ّ‬
‫دروها إلننى‬
‫ماهرين فنني الفلسننفة بمننا يكفنني لن يص ن ّ‬
‫العرب من جديد‪.((116‬‬
‫في الوقت ذاته فإن مصننير الرهبنننة عننند النسنناطرة‬
‫كنننان بالتنننالي مختلفنننا ً عنننن مصنننير الرهبننننة بينننن‬
‫المونننوفيزيين‪ .‬فقنند بنندأت مسننيحية مننابين النهريننن‬
‫كحركننة رهبانيننة وفننق النمننوذج السننوري‪ ،‬مننع كنيسننة‬
‫كونة من »أبننناء العهنند«‪ ((117‬المنننذورين‪ .‬لكننن‬‫أبرشية م ّ‬
‫كمننا وجنند القبننط أن باسننتطاعتهم أعننادة بننناء مصننر‬
‫المقدسة في الصحراء‪ ،‬كذلك تماما ً وجد الشوريون أن‬
‫كمهننم حننول‬ ‫ح ْ‬
‫باستطاعتهم إعادة خلننق صننورة لنظننام ُ‬
‫طبقتهم الرستقراطية‪ .‬لذلك يبدو مفاجئًا‪ ،‬أن النظننام‬
‫النسكي قد استؤصل بالفعل‪ ،‬وذلك مننع تبننني العقينندة‬

‫‪Baumstark, Geschichte der syrischen Literatur, pp. 11f‬‬ ‫‪(114‬‬ ‫)‬

‫دم لتلميذه طبقنا ً شننهيا ً مننن السننفار المقدسننة مملحنا ً بكلمننات‬ ‫‪ (115‬كان حنانيا يق ّ‬ ‫)‬

‫الفلسفة النيقة ) ‪Barhadbeshabba, La cause de la fondation des ecoles, ed. and tr. A. Sher, in‬‬
‫‪(Patrologia Orientalis, vol. iv, p. 392‬؛ أما داد ايشوع قطرايا فلم يفهم لماذا كان عليه أن‬
‫يستشهد بالكتاب المقدس أو بأقوال آباء الكنيسة في مسألة أولوية حينناة العزلننة إذا‬
‫كان الفلسفة قد قالوا ذلك واختبروه ) ‪A. Mingana (ed. and tr.), “Treatise on Solitude and‬‬
‫‪(Prayre by Dadisho Katraya, in his Woodbrooke Studies, vol. vii, Cambridg 1934, f 28b. = p. 111‬؛‬
‫لقد جاء مجد نينوىمن الفلسفة الذين كانت تقدمهم ) ‪(Budge, Histories, pp. 159 = 240‬؛‬
‫قفننوا فنني أسننرار‬ ‫أما ايشوع داد فكان من أنصار الننرأي القننائل إن كت ّنناب إسننرائيل ث ُ ّ‬
‫الهندسة‪ ،‬الحساب‪ ،‬البلغة والفلسفة )‪(van den Eynde, Commentaire, I, Genèse, pp. 6 = 7‬؛‬
‫ويعتقنند تومننا المننارغي أن إيننزل ‪ Izla‬بالنسننبة للنسنناطرة كننانت مثننل أثينننا بالنسننبة‬
‫لليونانيين )‪.(Book of Governers, pp. 23 = 42‬‬
‫‪ (116‬بولس الفارسي‪ ،‬وهو أحد خريجي نصيبين‪ ،‬هنو مؤلنف كتناب ‪Instituta regularia‬‬ ‫)‬

‫‪) divinae lgis‬أدرجة ‪ J. P. Migne‬في ‪ ،Patrologia Latina‬باريس ‪ ،1891 - 1844‬المجلد‬


‫‪ (Lxviii‬وقد ُترجم إلى اللتينية‪ ،‬ربما من اليونانية‪ ،‬تحت عنوان ‪ quaestor sacri palati‬في‬
‫القسطنطينية )‪Vِِbus, “Abraham De-Bet Rabban and his Role in the Hermeneutic Traditions of‬‬
‫‪.(the School of Nisibis”, The Harvard Theological Review, 1965, pp 211f‬‬
‫‪Vِbِ us, “The Origins of Monasticism in Mesopotamia”, Church History 1951 (117‬؛ قارن ص‬ ‫)‬

‫‪.167‬‬

‫‪123‬‬
‫النسطورية‪ :‬لم يبق مننن »أبننناء العهنند« إل السننم ‪،((118‬‬
‫فألغيت عزوبة رجال الدين‪ ،((119‬ولم تعد الرهبانية تحظ‬
‫بالتشجيع‪ .((120‬بالمقابل فحين عادت النسكية في نهاية‬
‫المر‪ ،‬كانت في شكل جديد ومختلف‪ .‬وكما فنني مصننر‪،‬‬
‫ظمت الرهبانية وفق النموذج الباخومي؛ مع ذلك‬ ‫فقد ن ُ ّ‬
‫فمقارنة بمصر كننان الرهبننان ل يمّثلننون سننوى مرحلننة‬
‫إعدادية في المسيرة الروحانية‪ .‬وكما في سوريا‪ ،‬فننإن‬
‫النساك هم الذين حافظوا على فخار المكان؛ مننع ذلننك‬
‫فمقارنة بسوريا كان سبب وجودهم إيفاغريننا ً‪Evagrian‬‬
‫‪ .((121‬وهكننذا لننم يكننن لنندى العننراق كيبننوتزيم‪ :‬لننم يكننن‬
‫النساطرة ينفنرون منن السنكن فني الصنحراء‪ ،‬لكنهننم‬
‫كننانوا يفعلننون ذلننك بسننبب العزلننة الننتي تصنناحب هننذا‬
‫السكن‪ ،‬وليس كي يزرعننوا الزهننور فنني الرمننال‪ .‬لكننن‬
‫بالمقابل‪ ،‬لننم يكننن لنندى العننراق قديسننون عموديننون‪:‬‬
‫فالنسنناطرة لننم يكرهننوا إماتننة الجسنند‪ ،‬لكنهننم كننانوا‬
‫يفعلنون ذلنك ليعفننوا أنفسنهم منن الخدمننة الكهنوتينة‬
‫المرهقة بسننبب متطلباتهننا الننتي لننم يكننن لننديهم لهننا‬
‫وقت ول تفكير لنهم كانوا يلحقننون الرؤيننا السننرانية‬
‫‪.((122‬‬
‫لله‪ ،‬وليس لمعاقبة الجسد على خطاياه‬
‫بالمقارنننة مننع مصننر وآشننوريا فننإن إقليننم سننوريا‬
‫المتشظي لم يمتلك قط ل هويننة ول هويننتين‪ ،‬وعوض نا ً‬
‫عننن ذلننك كننان مشننك ّل ً مننن مجموعننة وحنندات دقيقننة‬
‫كر فنني مصننر‬ ‫سياسية‪ ،‬إثنية ودينية‪ .‬ما من أحد كان يتذ ّ‬
‫تلك اليام التي كان فيها لكنل ولينة ملنك‪ ،‬أمنا اللقنب‬
‫كر إل بننأن البلنند كننانت ذات يننوم‬ ‫الفرعننوني فل ُيننذ ّ‬
‫مملكتين؛ بالمقابل ففي سوريا كننان الجميننع يعرفننون‬
‫أنه‪ ،‬قبل أيام أغسطس‪ ،‬كان لكل مدينننة‪ ،‬وعملي نا ً لكننل‬
‫‪ A. Rücker, ‘Eine Anweisung für geistliche (118‬ـــ ‪bungen nestorianischer Mِnche des 7.‬‬ ‫)‬

‫‪. Jahrhunderts’, Oriens Christianus 1974, p. 194‬‬


‫‪. Chabot, Synodicon Orientale, pp. 56ff = 303 ff (119‬‬ ‫)‬

‫‪B. Spuler, Die morgenl (120‬ن‪. ndischen Kirchen, Leyden 1964, p. 129‬‬ ‫)‬

‫‪. A. J. Wensinck (tr.), Mystic Treatises by Issac of Ninive, Amsterdam 1923, pp. xxiiff (121‬‬ ‫)‬

‫‪ (122‬هكذا يقول‪Martyrius (Sahdona), Qeuvres spirituelles, vol. i-iii, ed. and tr. A. de :‬‬ ‫)‬

‫‪ .Halleux (=CSCO, Scriptores Syri, vols. Lxxxvif, xcf, cxf), Louvain 1960 - 5‬وأيضا ً المقالت‬
‫السرانية التي نشرها ‪ Mingana‬في عمله ‪ ،Woodbrooke Studies, vol. vii‬المجلد السننابع‪.‬‬
‫لحظ كيف أن المنذورين واللهوتيين في العراق أضحوا يشتركون في توجه سننّراني‬
‫عام‪ ،‬وإن ليس بدرجة متشابهة من الرثوذكسننية وذلنك منع العمنل النذي يحتمنل أن‬
‫ساليا ً ‪Messalian ، Liber graduum(ed. and tr. M. Kmosko, in R. Graffin (ed.), Patrologia‬‬
‫يكون م ّ‬
‫‪ (,Syriaca, Paris 1894 - 1926, vol. iii‬من ناحية‪ ،‬وعمل باباي ‪ Liber de unione‬من ناحية‬
‫أخرى‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫قرية‪ ،‬ملكهننا الخنناص بهننا‪ .((123‬كننذلك فقنند كننان لمصننر‬
‫سننمة‬‫اثنيتها الوحيدة والفرينندة‪ ،‬لكننن سننوريا كننانت مق ّ‬
‫بين الفينيقيين‪ ،‬الراميين‪ ،‬اليهود‪ ،‬الكنعانيين‪ ،‬العننرب‪،‬‬
‫إلخ؛ وفي حين كان لمصننر ديانتهننا الوحينندة والفرينندة‪،‬‬
‫كننانت تعدديننة الملننوك المحلييننن فنني سننوريا مقترنننة‬
‫بتعددية بعليم )جمع بعل(محليين‪.‬‬
‫إن تأثير الغزو الغريننب علننى مجموعننة الهويننات ذات‬
‫مرًا‪ .‬فمننن ناحيننة لننم يكننن‬ ‫النطاق الصغير هذه كان منند ّ‬
‫ثمة فرعون سوري للنباط أو لزنوبيا كي يسننتردوه‪ ،‬أو‬
‫للسننلوقيين وللرومننان كنني يرثننوه؛ وحننب الهلينيننة‬
‫بالنسبة للثنين الولين يقترن بفشل الثنيننن الخريننن‬
‫ى سياسية محلية‪ .((124‬ومن ناحية أخرى‬ ‫في إدامة أي بن ً‬
‫لم يستطع الغزاة ترك الريف وشأنه‪ .‬وبعكس البطالمة‬
‫الذين استطاعوا حكننم مصننر باسننكندرية ضنند ممفيننس‬
‫وبطليماس ضد طيبة‪ ،‬كننان علننى السننلوقيين أن يبنننوا‬
‫مدينننة لكننل ملننك مدينننة؛ وحيننن اسننتطاعت الهويننة‬
‫دد باسننتيعاب اليونننانيين‪ ،‬لننم‬ ‫الوطنيننة لمصننر أن تهنن ّ‬
‫تستطع إثنيات سوريا الوطنية سوى أن تخسر كياناتهننا‬
‫الفردية لتبزغ كإثنية آرامية مقابل اليونانيين‪ .‬وهنا كما‬
‫هناك‪ ،‬حافظ الكهنة على وجودهم‪ .‬لكن بسننبب السننمة‬
‫المتشننظية للتقالينند الننتي كننانوا يمثلونهننا‪ ،‬وتعرضننهم‬
‫الكامل للهلينية‪ ،‬فقد كانت قدرتهم على حفظ الهويننة‬
‫الوطنية بالضرورة محدودة جدًا‪ .‬فمن منظننور ثقننافي‪،‬‬
‫لننم يكننن ثمننة مننانثو ‪ Manetho‬أو بيروسننوس ‪Berossus‬‬
‫ون التقليد الفينيقنني‪،‬‬ ‫سوري‪ :‬وفيلون الجبيلي‪ ،‬الذي د ّ‬
‫لم يكن كاهنا ً محليا ً بل أنتيكيا ً يكن حبا ً هلينيننا ً قققق قق‬
‫قققققق الشرقية‪((125‬؛ في حين أن هليننودوروس‪ ،‬الننذي‬
‫ربما كان كاهنا ً فنني حمننص ‪ ،Emesa‬كتننب كننروائي يكننن‬

‫‪Theodoretus of Cyrrhus, Thérapeutique des maladies helléniques, ed. and tr., P. Canivet,‬‬ ‫‪(123‬‬ ‫)‬

‫‪ .Paris 1958, x:35‬مات ثيودوريتوس عام ‪ 460‬تقريبًا‪.‬‬


‫‪ (124‬كان خطر روما هو المحّرض على سياسة التمصير لفرغيتس ‪ Euergetes‬الثنناني‬ ‫)‬

‫صننب‬ ‫فنني مصننر وسياسننة الهلينننة لنطونيننوس إبيفننانس فنني سننوريا؛ وفنني حيننن ن ّ‬
‫إفرغيتس بناوس الننوطني دوقنا ً لطيبنة‪ ،‬كنّرس إبيفنانس ذاتننه فني المعابند اليهوديننة‬
‫والمسيحية‪.‬‬
‫‪J. Hastings (ed.), Encyclopaedia of Religion and Ethics, Edinburg 1908 - 26, s.nn “Philo (125‬‬ ‫)‬

‫‪.Byblius”, "Sanchuniathon‬‬

‫‪125‬‬
‫حبنننا ً هلينينننا ً قققق ققق الشنننرقية‪ .((126‬منننن الناحينننة‬
‫السياسية‪ ،‬لم يكن لدى الكهنة السننوريين مننا يحنناربون‬
‫د‬
‫لجله أو يبكون عليه‪ :‬فأورانيوس انطونيوس الذي صنن ّ‬
‫الفرس بالحمصيين المحليين‪ ،‬لم يكن ايزودورس الذي‬
‫حارب الرومان بالبوكولوي ‪ (boukoloi(127‬المحلييننن؛ فنني‬
‫حين أن جوليننا دومنننا كننانت تطمننح إلننى صنننع أبنناطرة‬
‫رومنننان‪ ،‬ولينننس ملوكنننا ً سنننوريين‪ ،‬تمامنننا ً كمنننا أن‬
‫نوسننتاليجيتها كننانت للوثنيننة اليونانيننة عموم نًا‪ ،‬وليننس‬
‫لطقوس حمص المقدسة على نحو خاص‪.((128‬‬
‫وهكذا اختفننت أشننكال الحكننم الوطنيننة ليننس فقننط‬
‫ماديًا‪ ،‬بل أيضا ً أخلقيًا‪ :‬فكمننا اسننتطاع إيونننوس ‪Eunus‬‬
‫الذي حمسته ققققق ق ق ققق ‪ Dea Syra‬كي يحننارب مننن‬
‫أجل حريته الشخصية في صقلية الرومانية القديمة أن‬
‫يعلن أنننه ملننك هليننني ليننس إل‪((129‬؛ كننذلك تمامنا ً فننإن‬
‫ثيننودورتيس الننذي ألهمتننه مسننيحيته كنني ينندافع عننن‬
‫استقلليته الثقافية في أواخننر العصننر الرومنناني فنني‬
‫سوريا اسننتطاع اسننتعمال الملننوك الفينيقييننن ليزعننم‬
‫فقننط عننن امتلك سننابق لحقيقننة يهوديننة ‪ .((130‬وحنندها‬
‫الرهننا‪ ،‬الننتي حننافظت علننى اسننتقلل متقلقننل وفننق‬
‫النموذج الشوري حتى عام ‪ ،216‬حافظت على ذكننرى‬
‫ملوكها المحليين‪((131‬؛ وفي حين كننانت اديننابين حكومننة‬
‫خلفة آشورية‪ ،‬فإن اوسرهونة ‪ Osrhoene‬لم تكن مملكة‬
‫كان الراميننون‬ ‫متياني شنناحبة‪ .((132‬لكننن مننن كننان الس ن ّ‬
‫لمدينة يونانية محكومننة مننن سننللة ملكيننة عربيننة بيننن‬
‫فارس وروما‪ ،‬حين هم بل ماض ‪((133‬؟ لقد اختفى ملوك‬
‫المدن وذكرياتهم بالضننرورة مننن أرض البشننرعلى حنند‬
‫‪ . E. Rohde, Der griechische Roman, Leipzig 1910,pp.453ff (126‬موقعه الكهنوتي متضمن‬ ‫)‬

‫في زعمه بأنه متحدر من هليوس‪.‬‬


‫‪ (127‬رغم أن أورانيوس ينحدر من اللننه المحلنني فقنند حنناول أن يصننل إلننى مكانننة‬ ‫)‬

‫أغسطس إمبراطور‪R. MacMullen, Enemies of the Roman Order, Cambridge, Mass. 1967, ) .‬‬
‫‪.(pp. 18f‬‬
‫‪ (128‬قارن كفالتها المالية لبولونيوس الذي من تيانا ‪.Tyana‬‬ ‫)‬

‫‪ (129‬سوري من أفاميا‪ ،‬قاد ثورة العبيد الصقليين عام ‪ 136‬قبل الميلد مطلقا ً على‬ ‫)‬

‫نفسه اسم »أنطيوخوس‪ ،‬ملك السوريين« ) ‪J. Vogt, Struktur der antiken Sklavenkriege,‬‬
‫‪(Mainz 1957, pp. 18f‬‬
‫‪Theodoretus of Cyrrhus, Thérapeutique des maladies helléniques, ii: 44 - 6 (130‬‬ ‫)‬

‫‪. J. B. Segal, Edessa, the Blessed City, Oxford 1970, pp. 9ff (131‬‬ ‫)‬

‫خّلدون طبعا ً تحت اسم اورهاي ‪ /‬اوسرهونه؛ لكنننه مننن‬ ‫‪ (132‬مع أن الحوريين ربما ي ُ َ‬ ‫)‬

‫ديدن الحالة السورية أنه حتى في القرن السادس عشر قبل المسيح كننان يجننب أن‬
‫يكون الحوريون من طبقة أرستقراطية آرية‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫ضننفيت عليهننم‪.‬‬ ‫ُ‬
‫سواء‪ ،‬ومعهم اختفننت الهويننات الننتي أ ِ‬
‫وظل إقليم مصننر الرومنناني كيمننه ‪ ،Kème‬فكيمننه هنني‬
‫التي ق قققق قق ق وجننود الغننزو الغريننب‪ ،‬لكننن فينيقيننا‬
‫كانت مجّرد إقليم روماني‪ ،‬فسوريا كانت قققققق لغزو‬
‫أجنبي‪.((134‬‬
‫على نحو مشابه‪ ،‬فالثقافات المحلية جننرى طمسننها‪.‬‬
‫وفي حين كانت الفعاليات الفكرية اليونانية فنني مصننر‬
‫مركزة على نحو كبير في السكندرية‪ ،‬كان في سننوريا‬
‫الكثير مننن تلننك المراكننز‪ .‬فالكهنننة المتهلينننون ونخبننة‬
‫مدنية كانوا موجودين فنني كننل بقعننة مننن تلننك الرض‪،‬‬
‫وهكننذا فقنند قبلننت سننوريا الوثنيننة بالثقافننة اليونانيننة‬
‫ي‬‫كنّرس يولينانوس علنى يند ّ‬ ‫باعتبارها محلينة أخلقينًا‪ُ :‬‬
‫كاهن سوري‪ ،‬والكاهن السوري أرسل ابنه إلى مدرسة‬
‫يونانية‪((135‬؛ البنناطرة كافننأوا أبننناء القليننم السننوريين‬
‫بمنصب محلي‪ ،‬وأبناء القليم السننوريون تلقننوا تعليمنا ً‬
‫يوناني نا ً ‪ -‬روماني نا ً‪ .((136‬لننذلك لننن نتفاجننأ إذا مننا وجنندنا‬
‫دم مصر‬ ‫دم سربا ً من الدباء المتهلينين لم تق ّ‬ ‫سوريا تق ّ‬
‫مننا يننوازيهم ل كم نا ً ول نوع نًا‪ :‬ربمننا أن بوسننيدونيوس‬
‫الفننامي كننان مننن أصننل يوننناني‪ ،‬لكننن بورفيريننوس‬
‫وامبليخنننوس كاننننا سنننوريين حتمنننًا؛ أمنننا أمينننانوس‬
‫مارسيلينوس النطاكي الذي كتب باللتينية فكان على‬
‫) ‪Pauly - Wissowa,‬‬ ‫دد المصننادر الغربيننة هوينناتهم عمومننا ً بننأنهم عننرب‬ ‫‪ (133‬تحنن ّ‬ ‫)‬

‫‪Realencyclop‬ن ‪(”die, art. “Edessa‬؛ أما المصنادر السننريانية فتقنول انهننم بنارثيون علنى‬
‫الجمال‪ ،‬أنظر على سبيل المثال‪.Cureton, Ancient Syriac Document, pp. 41, 94 = 42, 93 :‬‬
‫قارن‪.Segal, Edessa, p. 131, 170 :‬‬
‫مِلك بعلبك المسياني‪P. J. ) .‬‬‫َ‬ ‫نظر‬ ‫خلف‬ ‫تقع‬ ‫التي‬ ‫المحلية‬ ‫‪ (134‬قد تكون طبعا ً فينيقيا‬ ‫)‬

‫‪Alexander, The Oracle of Baalbek (= Dumbarton Oaks Studies, vol. x), Washington D.C. 1967,‬‬
‫‪ (Lines 205ff = p. 29‬لكنها تحتاج إلى عيون جيدة كي تراها‪ .‬وحتى الرها‪ ،‬لم تكن تتوق‬
‫لعودة أبجرها‪..‬‬
‫‪ (135‬كما في حالة راّبول ) ‪(Overbeck, Opera selecta, p. 160‬‬ ‫)‬

‫دة أمثلننة أوردهنا سنيك؛ أنظننر‪ .Seeck ,Briefe des Libanius :‬أنظننر مث ً‬
‫ل‪:‬‬ ‫‪ (136‬هنالك ع ّ‬ ‫)‬

‫ّ‬
‫»يوليننانوس السننابع«؛ »أوليبيننانوس الول«؛ »كيرلننس الول«؛ »غايننانوس الول«؛‬
‫داي الذي كان مسننؤول ً حكومي نا ً‬ ‫ديايوس«؛ صاحب السم الخير قد يكون هو ذاته أ ّ‬ ‫»أ ّ‬
‫في الرها عام ‪396‬؛ أنظر‪F. C. Burkitt (ed. and tr.), Euphemia and the Gothus, London) :‬‬
‫‪ .(1913, pp. 46 = 131‬قارن أيضا ً بروز المفكرين السوريين في أثينا في القرن الثالث‪) .‬‬
‫‪F. Millar, “P. Herennius Dexippus, the Greek World and the Third Century Invasions”, Journal of‬‬
‫‪.(Roman Studies 1969, pp. 16, 18‬‬

‫‪127‬‬
‫الرجح يونانيًا‪ ،‬لكن لوقيانوس السميساطي كان حتمننا ً‬
‫سوريا ً يكتب باليونانية وهلم جرى‪.‬‬
‫في هذه الظروف فإن البنيان المعرفي للهلينية لننم‬
‫يستطع‪ ،‬كما في مصر‪ ،‬أن ينحط بحيننث يننترك السننكان‬
‫المحليين يكتوون بنار خرافاتهم‪ .‬الوجه الخر للتسننامح‬
‫الثقافي هو التعددية الثقافية‪ ،‬وإذا كان المصريون قنند‬
‫وجنندوا أن سننوقهم الثقافيننة راكنندة فنني عزلننة عننن‬
‫العاصننمة الهلينيننة‪ ،‬فالسننوريون بالمقابننل وجنندوا أن‬
‫سوقهم الثقافيننة مغمننورة حقنا ً بحقننائق منافسننة منن‬
‫المدن القريبننة‪ .‬التعدديننة الثقافيننة طبع نا ً هنني ظنناهرة‬
‫مدمرة دائمًا‪ ،‬وما منن أحنند فنني مصنر النتيننك المتننأخر‬
‫خننرج منهننا معننافى بالكامننل‪ .‬لكننن إذا كننان السننوريون‬
‫امتلكوا هوية راسية برسوخ في شكل حكم أو اثنيننة أو‬
‫ماض أو إله اثني‪ ،‬أو في الربعة جميعا ً وفننق الطريقننة‬
‫اليهودية‪ ،‬فقد كان من الصننعب عليهننم السننهام بتلننك‬
‫المشاركة غير المتناسقة في عصننر القلننق اليوننناني ‪-‬‬
‫الرومننناني‪.‬واليوننننانيون والرومنننان‪ ،‬لنهنننم اخنننترعوا‬
‫(‬
‫الحضارة‪ ،‬نجوا من الخطر دون اغتراب غير ملئم عنها‬
‫‪ (137‬؛ فنني حيننن أن اليهننود‪ ،‬لنننه كننانت لهننم هننويتهم‬
‫الفريدة‪ ،‬استطاعوا أن يرفضوا الحضارة دون أن تننترك‬
‫توترا ً غير ملئم على تقلينندهم الننذاتي‪ .((138‬لقنند عننرف‬
‫المصريون كذلك من هم كننانوا‪ ،‬حننتى لننو أن حقننائقهم‬
‫ل‪،‬‬‫كانت قد بدأت تترنح‪((139‬؛ ولو بدأ الكننون يظهننر مقلق ً‬
‫فقد كان لديهم على القل تقنية عريقننة لجعلننه فنناعل ً‬
‫فنني السننحر ‪ -‬فننن محلنني للنتيننك العظيننم فنني مصننر‬
‫والذي كان خارجها مجرد سبيل آخر في الزحننف العننام‬
‫نحننو الموثوقيننة والحقيقننة‪ .((140‬بالمقابننل‪ ،‬فحقننائق‬
‫الحرانيين لم تستطع أن تتداعى‪ ،‬حتى لو كننانت لننديهم‬
‫شكوك ربما بشأن منن كنانوا‪ :‬كمننواطنين محليينن منن‬

‫‪. E. R. Dodds, Pagnan and Christian in an Age of Anxiety, Cambridge 1965 (137‬‬ ‫)‬

‫شر القنائل إنننه فنني الحكمننة الكننثيرة يوجند الكننثير مننن الحنزن‬ ‫مر المب ّ‬ ‫‪ (138‬مع أن تذ ّ‬
‫)‬

‫يعكس بالطبع الورطة العامة‪.‬‬


‫دمه ‪ Derchain‬فنني‪Grimal, Hellinism :‬‬ ‫‪ (139‬قارن دليل خيبة الفأل والشكوكية الننذي قن ّ‬ ‫)‬

‫‪ ،and the Rise of Rome‬والسببية القاتلة في قول »إن النسان ليس سوى تراب وقش‬
‫كله كل يوم كما يشاء« )‪.(ibid., p. 234‬‬ ‫وإن الله يش ّ‬
‫‪. ibid., pp. 238 - 41 (140‬‬ ‫)‬

‫‪128‬‬
‫بابل‪ ،‬كانت لديهم ديانة تنجيمية تفوق بالكامل تقلبننات‬
‫العالم الدنيوي‪.((141‬‬
‫ل حظًا‪ .‬وإذا كانوا قنند‬
‫لكن غالبية السوريين كانت أق ّ‬
‫حصلوا على أكثر من حصتهم من القلننق‪ ،‬فننذلك لنهننم‬
‫كانوا نسننيج وحنندهم فنني فقنندانهم الكامننل لهوينناتهم‬
‫وحقائقهم لصالح ثقافة تخلت بالكامننل عننن مسننؤولية‬
‫الحلول محل تلك الهويات والحقائق‪ .‬وهكذا فقد كننانوا‬
‫محرومين على نحو فريد من البديهيات والتي يقّيمننون‬
‫دمننة لهننم وينندمجمونها‪ .‬فهننم‬ ‫بها البضاعة الغريبة المق ّ‬
‫لم يستطيعوا من ناحية أن يسّلموا بصحة شننيء‪ :‬فهننم‬
‫لم يفقدوا آلهتهم الوطنية فحسب‪ ،‬بل نسننوا أيض نا ً مننا‬
‫اعتادت اللهة على قوله‪ .‬ومنن ناحينة أخنرى‪ ،‬لنم تكنن‬
‫ثمة مجموعة آلهننة واحنندة يسننتبدلون بهننا آلهتهننم‪ ،‬بننل‬
‫كثرة مضطربة من آلهة مختلفة بشرائع مختلفة لننناس‬
‫مختلفين‪ .((142‬ودون يقينيننات فهننم لننم يسننتطيعوا أن‬
‫يرفضننوا ويوفقننوا‪ ،‬ودون رفننض أو توفيقيننة لننم يكننن‬
‫باسنننتطاعتهم الحفننناظ علنننى عنننالمهم فننني حنننالته‬
‫هنندوا‬ ‫الصحيحة؛ ولن الحقيقة لننم تعنند واحنندة‪ ،‬فقنند تع ّ‬
‫المبدأ النسبي‪ ،‬وهو مننرض بعننل ثقننافي أفسننحت فيننه‬
‫لغة الحقيقة الفائقة السنلفية المجنال أمنام لهجنات ل‬
‫حصر لها ذات تداول محّلي صرف‪ .((143‬إن فقدان واقننع‬
‫بديهي كان يعني فقدان القدرة على خلق معنننى لتلننك‬
‫دد علننى نحننو متكننرر بننابتلع العننالم‬ ‫المشاكل الننتي تهن ّ‬
‫البشري لنظام مليء بالمعاني ‪ -‬المرض‪ ،‬الشر‪ ،‬الجنون‬
‫‪ (141‬أنظر من أجل تحليل النصوص‪،‬أنظر‪D. Chwolson, Die Ssabier und der Ssabismus, :‬‬ ‫)‬

‫‪ ،St. Petersburg 1856‬ومن أجل تحليل بعينه‪،‬أنظر‪J. Hj :‬ن ‪rpe, Analyse critiques des traditions‬‬
‫‪. arabes sur les Sabéens harraniens, Uppsala 1972‬‬
‫دمها يعقنوب سنروجي فني حنديثه‬ ‫‪ (142‬قارن القائمة المؤثرة لللهة القديمة التي ق ّ‬ ‫)‬

‫حول سقوط الوثان‪Abbé Martin, “Discourse de Joques de Saroug sur la chut des idole”, ) .‬‬
‫‪Zeitschrift der Deutschen Morgenl‬ن‪ ،(ndischen Gesellschaft 1875‬محاولة تاتيان للبقاء على‬
‫تشننريع واحنند فحسننب ) ‪ ،(Oratio adversus Graecos, in PG, vol. vol.vi,col.865‬وتعليننق‬
‫بارديصان القائل إن غير المؤمنين فريسة لكل رعب ول يعرفون أي شيء عن الثقة‪.‬‬
‫‪.(.(Liber legum regionum, ed. and tr. F. Nau, in Patrologia Syriaca, vol. i, part one, col. 543‬‬
‫ل هذا قارن‪P. L. Berger and T. Luckmann, The Social Construction of :‬‬ ‫‪ (143‬من أجل ك ّ‬ ‫)‬

‫‪Reality, Harmondsworth 1971, pp. 110 - 122; P. L. Berger, The Sacred Canopy, New York 1967,‬‬
‫‪. pp. 19 - 28, 48-52, 126ff‬‬

‫‪129‬‬
‫والموت؛ ولن العالم كننان مجننردا ً مننن معنننى الفطننرة‬
‫السليمة‪ ،‬فقد ُأعيد إسكانه عوضا ً عن ذلننك بالشننياطين‬
‫الكابوسيين‪ .‬لم يكن السوريون نسيج وحدهم طبعا ً في‬
‫مطاردة الشياطين لهم؛ فقد كننان التنندخل الشننيطاني‬
‫سننخ للجنننس‬ ‫الطريقة الوحيدة التي عّبر بهننا كننون متف ّ‬
‫البشري عننن حالننة الفوضننى الننتي يعيشننها فنني نهايننة‬
‫عصر النتيك‪ .((144‬لكنهم كانوا نسيج وحنندهم حتمنا ً فنني‬
‫المعدل والقوة اللذين ضننربتهم بهمننا هننذه التواصننلت‬
‫الشيطانية‪ .‬وكما كننان علننى أولئك الننذين أكلننوا للغايننة‬
‫من شجرة المعرفة أن يعانوا من أكثر أنننواع السننقوط‬
‫المعرفي كارثية إذا صح القول‪ ،‬كذلك تمامنا ً هنني حالننة‬
‫أولئك الذين ابتلوا بأكثر التطفلت اسننتحواذية وغوليننة‬
‫من العوالم المجهولة‪ .‬لقد مالت هننذه التطفلت خننارج‬
‫سوريا لن تمّثل مناطق من اللغو‪ ،‬الثم والشر مطوقة‬
‫محصورة في عننالم ظننل بالمكننان حملننه علننى تقننديم‬
‫معنى‪((145‬؛ لكنها فنني سننوريا منالت إلننى التفشني فنني‬
‫ر تجنناوز المخيلننة‬‫شن ٍ‬‫ة النسننان والمننادة ب ِ َ‬
‫العننالم‪ ،‬ملوثن ً‬
‫البشرية‪.((146‬‬
‫‪ (144‬قارن‪P. Brown,”Sorcery,Demons and the Rise of Christianity: from Late Antiquity into :‬‬ ‫)‬

‫‪the Middle Ages”, in his Religion and Society in the Age of St. Augustine, London 1972, pp.‬‬
‫‪. 132ff‬‬
‫‪ (145‬شياطين المرض كانت أمرا ً شائعا ً في سوريا كما في أي مكان آخر )من أجننل‬ ‫)‬

‫أمثلة من كاتب رصين نسبيًا‪ ،‬قارن‪A. Adnès and P. Canivet, “Guérisons miraculeuses et :‬‬
‫‪exorcismes dans l’Histoire Philothée” de Théodoret de Cyr:, Revue de l’histoire des religions‬‬
‫‪((1967‬؛ على نحو مشابه نجد الشياطين الذين يهاجمون الجزء الشهواني من النفس‪،‬‬
‫فيستحضرون أرواح الصدقاء‪،‬القارب‪،‬النساء‪ ،‬ويغوون كذلك البصننار‪ ،‬وهننا نسننتخدم‬
‫عبارة إيفاغريوس‪A. Guillaumont, “Un philosophe au désert: Evagre le pontique”, ibid 1972, ).‬‬
‫‪(pp. 36 - 42‬؛ وهم ذاتهم الذين يغوون مار بنيامين‪Scheil, “La vie de Mar Benjamin”, pp. ) .‬‬
‫‪.(250f‬‬
‫ل في الجسد‪ ،‬أنظر‪Vِِbus, :‬‬ ‫سالي حول الشيطان الذي يح ّ‬ ‫‪ (146‬من أجل المفهوم الم ّ‬
‫)‬

‫‪ .History of Asceticism, vol ii, p. 135ff‬لقد فشلت الفلسفة والديانة السرانيتان في تحرير‬
‫تاتيان من الستعباد الشيطاني للعديد من السادة ولكننثرة مننن الطغنناة‪ ،‬ومثلننه أيضنا ً‬
‫ررا عند اعتناقهما المسيحية ) ‪ibid., vol. I, pp. 32f; Overbeck, Opera‬‬ ‫ح ّ‬
‫راّبول‪ ،‬لكن الثنين ُ‬
‫‪ .(Selecta, p. 163‬وبغض النظر عن عجائبه العادية‪ ،‬كان هارون السروجي مشهورا ً على‬
‫نحو خاص بسبب حربه المستمرة لشيطان أصر على ملحقته من مكان إلى مكان )‬
‫‪E. Nau (ed. and tr.), Les Legendes syriaques d’Aaron de Saroug, in Patrologia Orientalis, vol. v,‬‬

‫‪130‬‬
‫مع المسيحية‪ ،‬عاد المعنى والنظام‪ :‬الحقيقننة عننادت‬
‫مننن جدينند‪ ،‬ومننن جدينند عرفننت هويننات المتطفليننن‬
‫المرعبين والطريقة التي كان يجب معاملتهم بها علننى‬
‫هنناد أسننلحتهم‬ ‫قننى السننوريون كز ّ‬ ‫حنند سننواء‪ .‬لقنند تل ّ‬
‫هنناد‬‫لمحاربننة النسننل الشننرير للختلط الثقننافي‪ ،‬وكز ّ‬
‫كلوا‬‫دخل السوريون الكنيسة‪» :‬أبننناء العهنند« الننذين شن ّ‬
‫الكنيسننة الولننى كننانوا قق ققققق ‪ ،nazirs‬فهننم عننّزاب‬
‫امتنعوا عن الخمر واللحم وفق التقليد النذوري القديم‬
‫‪ .((147‬مع النذوريننة المسننيحية عننادت النعمننة إلننى عننالم‬
‫ساقط‪ :‬وحدهم المنذورين كانوا يسننتحقون أن يتلقننوا‬
‫التعميد والفخارسيتا‪ ((148‬؛ وكل من عداهم كانوا مجننرد‬
‫ضرون للتعميد واعتناق المسيحية‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫أشخاص ي ُ َ‬
‫لكن إذا كانت النعمننة قنند فعلننت شننيئا ً لتعننويض آثنار‬
‫السقوط من الجنة‪ ،‬فالجنة ظلت غيننر مسننتعادة‪ .‬فمننن‬
‫ناحية‪ ،‬لم يكتشف السوريون في اكتشافهم لحقيقتهم‬
‫الجديدة هويتهم القديمننة‪ :‬فننآراميو سننوريا ظلننوا غيننر‬
‫فينيقيين‪ .‬ومن ناحيننة أخننرى‪ ،‬فحقيقتهننم الجدينندة لننم‬
‫تمنحهم إثنية جديدة‪ :‬فآراميو سوريا ظّلننوا غيننر يهننود‪.‬‬
‫نظريًا‪ ،‬ربما بقوا آراميين طبعا ً بطريقة النسنناطرة‪((149‬؛‬
‫لكنهم لم يستطيعوا ذلك عمليًا‪ .‬ولنهم فقدوا كنوزهم‬
‫الخاصننة‪ ،‬لننم يكننن باسننتطاعة السننوريين سننوى ربننط‬
‫دت إلننى هننذا‬ ‫الهوية الراميننة بالوثنيننة اليونانيننة الننتي أ ّ‬
‫الضننياع‪ .((150‬وهكننذا فننإن قابليننة الحّرانييننن الننوثنيين‬
‫للحتفاظ بالهوية هي الوجه الخننر لنكارهننا مننن قبننل‬
‫السنننوريين المسنننيحيين‪ :‬فبفضنننل المطابقنننة بينننن‬

‫‪ .(pp. 697ff‬لحظ أيضا ً السمة المطمئنة للمتعرف عليهم عند الشياطين الذين يغوون‬
‫القديس أنطونيوس بأهواء إفاغرية ومار قره داغ بسننلطة ساسننانية؛ بالمقابننل‪ ،‬فننإن‬
‫أفاعي راّبول وزواحفه‪ ،‬كانت ستغوي ايرنيموس بوش‪.‬‬
‫‪A. Vِِbus, History of Asceticism, vol.i,pp.97ff;id., “The Institution of the Benai Qeiama and (147‬‬ ‫)‬

‫‪.Benai Qeiama in the Ancient Syrian Church”, Church History 1961, p. 21‬‬
‫‪. ibid., p. 19 (148‬‬ ‫)‬

‫دث ررررررررر في العراق النسننطوري عننن أنفسننهم ولغتهننم‬ ‫‪ (149‬باستمرار يتح ّ‬ ‫)‬

‫كآراميين‪.‬‬
‫ور فنني وصننف الحتفننال الرهنناوي بعينند‬ ‫‪ (150‬قارن الغتراب الثقافي المزدوج المص ّ‬
‫)‬

‫الربيع اليوناني‪ :‬فالرهاويون يسخرون من أسلفهم لجهلهم بالحكمة اليونانية‪ ،‬ورجننال‬


‫الدين يلومون الرهاويين على تعّلقهم بالوثنية اليونانية‪Joshua the Stylite, Chronicle, ed. ) .‬‬
‫‪.(and tr., W. Wright, Cambridge 1882, pp. 25f = 20f‬‬

‫‪131‬‬
‫الرامييننن والهلينييننن والننوثنيين‪،((151‬شننكل الحرانيننون‬
‫قققق كمننا فعننل الكلنندانيون تمام نًا‪ ،‬أي هويننة وطنيننة‬
‫سننَترد‬ ‫منصهرة مع وثنية مختارة وجماعة دينية سننوف ت ُ ْ‬
‫ذات يوم كشننكل للحكم‪ ((152‬؛ فنني حيننن أن السننوريين‪،‬‬
‫بفضل المطابقة بين ققق قققققق والمسيحيين‪ ،‬تخّلننوا‬
‫عن إثنيتهم الوثنية من أجل مسيحية أمميننة وأورشننليم‬
‫سماوية سوف تسترد ثانية عند نهاية الزمان فقط‪.‬‬
‫بكلمات أخرى‪ ،‬كان السننوريون الضننحايا المزودجيننن‬
‫لتعددية متآكلة ووحدانية أممية‪ .‬ققققققققق‪ ،‬نجد أنهننم‬
‫صنّنفوا مننع الشننوريين الننذين أطنناحوا بثقننافتهم فنني‬ ‫ُ‬
‫الماضي‪ ،‬وهي تسمية خاطئة كانوا يدينون بها للغريق‬
‫النننذين اسنننتمروا فننني طرحهنننا فننني الحاضنننر‪.((153‬‬
‫وكمسننيحيين‪ ،‬كننانوا متمّيزيننن عننن الرامييننن الننذين‬
‫حننافظوا علننى مننا تركننه الغننزاة مننن التقلينند الننوطني‪.‬‬
‫قق قققققق كانوا قروييننن محلييننن‪ ،‬وقق قققققق كننانوا‬
‫منفصنلين أيضنا ً عنن ريفهننم القليمنني الخناص‪ .‬وكننان‬
‫باستطاعة المسيحية أن تخبرهم بمننا كننانوه أمننام اللننه‬
‫والشيطان‪ ،‬لكنها لم تستطع أن تقننول لهننم مننا كننانوه‬
‫في هذا العالم‪ .‬وبما أن عيون شبكة الحضارة اليونانيننة‬
‫‪ -‬الرومانية أغلقت عليهم‪ ،‬فما صار يهم كان على وجه‬
‫التحديد ما كانوه أمام اليونانيين‪.‬‬
‫وبالنظر إلى أن هويتهم السورية كانت فارغننة‪ ،‬كنان‬
‫يمكننن للمننرء أن يتوقننع منهننم ردة فعننل بننأن يصننيروا‬
‫يونانيين ‪ -‬سواء بالنتقاص مننن قيمننة أصننلهم الريفنني‬
‫للندماج مع عالم حضري وذلك وفق طريقننة القنناريين‬
‫‪ Carians‬القنندامى‪ ،‬أو بتعظيننم قيمتننه للمحافظننة علننى‬
‫نننوع مننن التمننايز ضننمن ذلننك العننالم وفننق طريقننة‬
‫النبطيين المعاصرين لهم‪ .‬وإذا كان السكندر قد سرق‬
‫دعوا‬ ‫هويتهم‪ ،‬فربما أنهم بالمقابل سرقوا هويته كي ين ّ‬
‫أنهم سوريون مقنندونيون‪ ،((154‬أي أحفنناد المسننتوطنين‬
‫المقدونيين الننذين انطبعننوا بالصننبغة الراميننة ‪ -‬إعننادة‬

‫‪ (151‬قارن‪T. Nِldeke, “Die Namen der aram :‬ن ‪ischen Nation und Sprach”, Zeitschrift der‬‬ ‫)‬

‫‪Deutschen Morgenl‬ن‪. dishen Gesellschaft 1871, p. 116‬‬


‫‪B. Dodge (tr.), The Fihrist if al-Nadîm, New York 1970, vol. ii, p. 763 (152‬‬ ‫)‬

‫قارن أمل ابن وحشية بإحياء كلداني‪ ,Chwolson) :‬ر‪. (berreste, p. 49‬‬
‫‪. T. Nِldeke, “Assyrios, Syrios, Syros,” Hermes 1971 (153‬‬ ‫)‬

‫‪ (154‬تظهر الصيغة في تاريخ يعقوب الرهاوي )‪. (Chronica Minora, pp. 281 = 211‬‬ ‫)‬

‫‪132‬‬
‫تعديل للنسب استطاعت قصة السكندر المحلية تقديم‬
‫وسيلة مناسبة لها كي تنتشر‪.‬‬
‫مع ذلننك فهننم لننم يصننبحوا يونننانيين‪ .‬قققق ققققق ‪-‬‬
‫قققق قققققق ُتركننوا كنني يموتننوا دون خلئف‪ ،‬وهكننذا‬
‫‪(15‬‬
‫فقصة السكندر المحلية ليسنت سننوى اسننكاتولوجية‬
‫‪ .(5‬إن السبب لهذا العوز الواضننح للمخيلننة ب َي ّننن كفايننة‪:‬‬
‫إن العوز لي دمج بعيد المرمى بيننن الحقيقننة والهويننة‬
‫والننذي مك ّننن الشننوريين مننن تبننني مسننيحية يونانيننة ‪-‬‬
‫دى‬ ‫رومانية دون أن يصننبحوا يونننانيين هننو ذاتننه الننذي أ ّ‬
‫إلى حرمان نسب يوناني من جاذبيته للسننوريين‪ .‬ربمننا‬
‫أن كل ً من أفلطون وأغسننطس يمتلننك شننرعية معينننة‬
‫بأنه كان لهمننا بعننض الفضننل فنني المسنناهمة بانتشننار‬
‫المسيحية بطريقة أو بنأخرى‪ ،‬لكنهمنا لننم يسنتطيعا أن‬
‫يصننبحا مسننيحيين أساس نًا‪ :‬إذا لننم يكننن أفلطننون غيننر‬
‫ل غيننر‬ ‫دث اللغننة التيكيننة‪ ،((156‬فيسننوع ظ ن ّ‬‫موسننى يتح ن ّ‬
‫حد العالم من أجننل عننودة‬ ‫يوناني‪ ،‬وإذا كان أغسطس و ّ‬
‫ل غير يهودي‪ .‬فقط عندما سقطوا‬ ‫المسيح‪ ،((157‬فقد ظ ّ‬
‫جميعا ً ضحايا للغزو العربي ذاته‪ ،‬بدأ يلوح عليهننم أنهننم‬
‫كّلهم كانوا من الرومة ذاتها‪ :‬فقد راح النسب الرومي‬
‫يثبت أنه جننذاب فعل ً بالنسننبة لمسننيحيي الجزيننرة مننن‬
‫القرن العاشر‪ ،‬وهو ما لم يكن بالنسننبة لمسننيحيي بلد‬
‫مابين النهرين في القرن السادس‪.((158‬‬
‫كذلك فالسوريون لننم يسننتطيعوا أن يبقننوا ببسنناطة‬
‫سننوريين حينمننا كننانوا يتبنننون الثقافننة الهلينيننة وفننق‬
‫مننة‪ ،‬سننواء علننى‬
‫طريقة الرومننان‪ :‬إن إضننفاء صننفة ال ّ‬
‫الزيت أو على الثقافة‪ ،‬يتطلب أمة‪ ،‬وفنني حيننن امتلننك‬
‫الرومننان أمننة نشننيطة بحاجننة إلننى حضننارة‪ ،‬امتلننك‬

‫) ‪Jacob of Sarug,‬‬ ‫‪ (155‬عوضا ً عن تأسيس أمة سورية‪ ،‬تنبننأ السننكندر بنهايننة العننالم‪.‬‬ ‫)‬

‫‪“Discourse on Alexander, the believing King”, in E. A. W. Budge, The History of Alexander the‬‬
‫‪.Great, Cambridge 1889, pp. 192ff‬‬
‫‪ ،Theodoretus, Thérapeutique, ii: 114 (156‬وقد استشهد هنا بنومينوس‪.‬‬ ‫)‬

‫‪ (157‬قارن‪F. E. Cranz, “Kingdom and Polity in Eusebius of Caesarea”, The Harvard :‬‬ ‫)‬

‫‪. Theological Review 1952, p. 52‬‬


‫‪ (158‬شاهد من ابن وحشية يرد في العمل التالي‪T. Fahd, “L’Agriculture Nabatéene: :‬‬ ‫)‬

‫‪son apport a l’historie économique de la Mésopotamie avant l’Islam, unpuplished paper presented‬‬
‫‪to the Conference on the Social and Economic History of the Middle East held at Princeton, June‬‬
‫‪. 1974, p. 18‬‬

‫‪133‬‬
‫السوريون حضارة محتضرة بحاجة إلى أمننة‪ .((159‬وهكننذا‬
‫فمقابننل التبن ّنني الرومنناني لنسننب ضنند ‪ -‬يوننناني مننن‬
‫الملحمة الهوميروسننية ‪ ،((160‬لنندينا العجننز السننوري عننن‬
‫فعل أي شيء غيننر ترجمتننه لحنند الخلفنناء العننرب‪((161‬؛‬
‫ومقابل روما الجمهورية الننتي دافننع فيهننا كنناتون ‪Cato‬‬
‫عن صحة ماض قومي قاس فني حيننن واصننل سننيبيون‬
‫‪ Scipio‬عمليننة إضننفاء الصننبغة القوميننة علننى الثقافننة‬
‫اليونانية‪ ،‬لدينا سوريا المسيحية التي لم يستطيع فيهننا‬
‫سننوريوس سننبوخت سننوى المدافعننة عننن الكماليننة‬
‫الثقافية للمننم غيننر اليونانيننة عموم نًا‪ ،‬فنني حيننن كننان‬
‫يحاول إضفاء الصبغة القومية على علم الفلك باعتباره‬
‫بابليا ً‪.((162‬‬
‫لكنننن إذا لنننم يسنننتطيعوا الحفننناظ علنننى هنننويتهم‬
‫وتأميمها‪ ،‬فهم بالحرى لننم يسننتطيعوا رفننض الثقافننة‬
‫اليونانية ببساطة والمضي كبرابرة ‪ -‬الخط الننذي أخننذه‬
‫على نحننو صننريح أو بشننكل ضننمني الكت ّنناب قققق قققق‬
‫ققققق قق ‪ adversus Graecos‬مننننن تاتيننننان‪ ((163‬إلننننى‬

‫‪ (159‬قارن دور اللواح الثني عشننر فنني تعريننف المننة الرومانيننة مننع دور »شننرائع‬ ‫)‬

‫قسطنطين وتيودوسيوس« في إزالة سوريا من الوجود‪.‬‬


‫‪. J. Perret, Les origines de la légende troyenne de Rome, Paris 1942 (160‬‬ ‫)‬

‫‪ (161‬وهو ما فعله ثيوفيلوس الرهنناوي للمهنندي ) ‪Baumstark, Geschichte der syrischen‬‬ ‫)‬

‫‪.(Literatur, p. 341‬‬
‫‪ (162‬اليونانيون ل يعرفون كننل شننيء‪ ،‬يشننهد علننى ذلننك الهنننود‪ ،‬والبننابليون الننذين‬ ‫)‬

‫اخترعوا علم الفك؛ والسوريون الن هم البابليون‪F. Nau, “La Cosmographie au VII ) ...‬‬
‫‪(siécle chez les syriens”, Revue de l’Orient chrétien 1910, pp. 249f‬؛ وذلننك فنني مقالننة‬
‫سوريوس حول السطرلب‪.‬‬
‫‪ (163‬يتحدث تاتيان عن نفسه كآشوري ) ‪ (Oratio, col. 888‬والذي تبنى عقيدة البرابرة‬ ‫)‬

‫حول المسيح ورفض التعاليم اليونانية )‪.(col. 888‬لشك أنه جاء من سوريا‪ ،‬وليس من‬
‫ل‪ ،‬غالبنا ً منا يظهننر السننوريون كآشنوريين فنني‬ ‫اديابين‪ ،‬وهذا لعدد مننن السننباب‪ .‬فننأو ً‬
‫كتابات يونانية ‪ -‬رومانية من الحقبة ذاتها )قارن المثلة التي أوردها نولدكه‪Assyrios,“ :‬‬
‫‪ ،”Syrios, Syros‬صص‪ 462 .‬وما بعد(‪ ،‬ول يوجنند عننوز للكت ّنناب الننذين يصننفون تاتيننان‪،‬‬
‫بالمقابل‪ ،‬على أنه سوري )قارن‪(Vِِbus, “History of Asceticism”, vol. i, p. 32n :‬؛ ثانينًا‪،‬‬
‫»آشوري« كانت بشكل عام شتيمة؛ قارن السم المستعار لليغابالوس؛ وهذا يتوافق‬
‫مع استخدام تاتيان الجرئ للشتيمة »بربري«‪.‬ثالثًا‪ ،‬يصعب أن نفهم كيف أن أديننابين‪،‬‬
‫التي لم تحتلها روما إل لفترة قصيرة ولم يكن عندها في تلك المرحلننة ثقافننة هلينيننة‬
‫صلبة‪ ،‬استطاعت تقديم إنسان كتاتيان والذي كان يتمتع بثقافة يونانية صننلبة‪ ،‬والننذي‬
‫كان يعتاش منها من سوريا إلى روما‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫ثيودوريتوس‪ .((164‬والحقيقة أن هذا الخط‪ ،‬بالطبع‪ ،‬نننال‬
‫جننوائزه فنني بدايننة المننر‪ :‬فيسننوع لننم يكننن يونانيننا ً‬
‫والشهداء الننذين ألبسننهم الظلننم اليوننناني‪ -‬الرومنناني‬
‫تاجهم كانوا إلى حد كننبير الكنننز الخنناص بننالبرابرة ‪.((165‬‬
‫لكن كان واضننحا ً أنننه خننط دون مسنتقبل‪ :‬ففنني نهاينة‬
‫المر تبنى الهلينيون الحقيقة البربرية‪ ،‬وهذه الحقيقننة‬
‫دم إثنية ولننم تك نّرس أخننرى‪ .‬لقنند كننان‬ ‫بحد ذاتها لم تق ّ‬
‫‪(16‬‬
‫الماضي المسيحي يهوديا ً وهو بالتننالي ل سننبيل إليه‬
‫‪(6‬؛ أما الحاضر المسيحي فقد كنان أممينا ً وهنو بالتنالي‬
‫غير متجانس ثقافيًا‪ .‬وبالنسبة لولئك الذين كان لديهم‬
‫دم هذا وسيلة نجاة مناسبة مننن الغننتراب‬ ‫هوية‪ ،‬فقد ق ّ‬
‫الثقننافي‪ :‬فأورشننليم السننماوية‪ ،‬بحمنند اللننه‪ ،‬لننم تكننن‬
‫ديا ً لرومننا أو أثينننا أرضننيتين‪ .‬لكننن بالنسننبة‬ ‫منافس نا ً َ‬
‫جن ّ‬
‫لولئك الذين كنانوا بحاجنة إلنى هوينة‪ ،‬فقند كنان ذلنك‬
‫يعننني أن السننبي المسننيحي علننى الرض صننار عينيننا ً‬
‫بطريقة مريعة‪ :‬إذا كان لدى اليهود قققققققق والسماء‬
‫القنندس‪ ،‬فننإن شننيئا ً لننم يبننق أمننام السننوريين سننوى‬
‫ضر للموت وانتظاره‪.‬‬ ‫التح ّ‬
‫وق‬ ‫أثننناء ذلننك‪ ،‬ربمننا حنناول أحنندهم بننالطبع أن يطنن ّ‬
‫المشكلة عبر اللحاح على أن النسب غير مهننم أساسننًا‪.‬‬
‫فاليونننانيون ليسننوا أفضننل مننن الننبرابرة‪ ،‬لنهننم كلهننم‬
‫ينحدرون من آدم‪((167‬؛ واللغة التيكية ليسنت أفضنل منن‬
‫‪ (164‬والذي كان سيسلك مسارا ً معينا ً لتفسنير اهتمنام ثيودوريتنوس بنالهجوم علنى‬ ‫)‬

‫الهلينيين في هذه المرحلة المتأخرة نسبيًا‪.‬‬


‫‪» (165‬لقد سقط الفلسفة والخطباء في خضم النسيان‪ ،‬والجمناهير ل تعننرف حننتى‬ ‫)‬

‫أسماء الباطرة والقادة‪ ،‬لكن الجميع يعرفون اسماء الشننهداء أفضننل مننن معرفتهننم‬
‫بأسماء أقرب الصدقاء إليهم« )‪.(Theodoroetus, Thérapeutique, vii: 67‬‬
‫‪ (166‬قارن محاولة ثيودوريتوس العقيمة لجعل الننبرابرة المتمنندنين يسننتفيدون مننن‬ ‫)‬

‫الكتشاف اليهودي للحقيقة‪ :‬فالعبرانيون‪ ،‬الفينيقيون‪ ،‬المصننريون‪ ،‬والبننابليون وجنندوا‬


‫كّلهم الحقيقة قبل اليونانيين‪ ،‬الفينيقيون لنهننم كننانوا جيننران العننبرانيين‪ ،‬المصننريون‬
‫بسبب عبودية العبرانيين هناك‪ ،‬البابليون بسبب السبي العبراني هننناك )‪Thérapeutique,‬‬
‫‪ .(I: 43ff‬كان السوريون قريبين جدا ً من موقع الحدث اليهودي بحيننث يزعمننون أنهننم‬
‫مننن أصننل إسننرائيلي بطريقننة الثيننوبيين‪ ،‬أو أن يعتننبروا أنفسننهم أسننباط إسننرائيل‬
‫الضائعة بطريقة من يحتمل أنهم سكان يهود محليون من اديابين ) ‪Marquart, Streifzüng,‬‬
‫دموا اليهود على أنهم سبط فرعي أرامي وذلك كي يزعموا أن‬ ‫‪ ،(p. 288‬أو حتى أن يق ّ‬
‫دمها ديونيسننيوس‬ ‫يسوع سوري )من أجل إشارة عاثرة إلى يسوع كسوري‪ ،‬والتي ق ن ّ‬
‫ابن الصليبي‪ ،‬أنظننر عملننه‪Treatise againt the Melchites”, ed. and tr. Mingana in his “ :‬‬
‫‪.(Woodbrooke Studies, vol. I, Cambridge 1927, pp. 88 = 57‬‬
‫‪. Theodoretus, Therapeutique, v:55 (167‬‬ ‫)‬

‫‪135‬‬
‫باقي اللغات‪ ،‬لنها كّلها تقول الشيء ذاته ‪((168‬؛ والهلينية‬
‫ليست أفضل من بقية الثقافات‪ ،‬لنهن جميعننا ً مبنندعات‬
‫ل الننناس مننن آدم وآدم‬ ‫على نحو متعادل‪ .((169‬وإذا كان ك ّ‬
‫سننر لمنناذا يجننب أن يحتكننر‬
‫من تراب‪ ،‬فما مننن سننبب يف ّ‬
‫‪((170‬‬
‫؛ لكن بالمقابل‪ ،‬إذا كانت‬ ‫اليونانيون الثقافة اليونانية‬
‫الثقافة اليونانية تنتمي إلى البشر جميعًا‪ ،‬فليس هنالننك‬
‫ة تحدينندا ً‪ .((171‬وهكننذا ظلننت المشننكلة‪:‬‬ ‫ما يجعلهننا سننوري ً‬
‫ل؛ وإضننفاء الصننبغة القوميننة علننى‬ ‫اليوننننة لننم تكننن ح ً‬
‫الثقافننة اليونانيننة لننم يكننن باسننتطاعتهم لنهننم كننانوا‬
‫يفتقدون المة ‪ -‬لم يكن لديهم سوى أسلف روحنانيين؛‬
‫ورفض الثقافننة اليونانيننة لننم يكننن باسننتطاعتهم لنهننم‬
‫افتقدوا البديل ‪ -‬لم يكن لديهم سوى ثقافة روحانية‪.‬‬
‫وهكذا فمعضننلة السننوريين كننانت مشننابهة لمعضننلة‬
‫أبناء عمومتهم البننونيين فنني شننمال إفريقيننا‪ ،‬والننذين‬
‫سننكوا بتمايزيننة‬‫على نحو مشابه تدبروا أمرهم كنني يتم ّ‬
‫إثنية ولغوية واهية دون غيرها‪ :‬فلتينية فينقيي شمال‬
‫إفريقيا لم تكن أكثر من يونانية سوريي فينيقيننا‪ .‬لكننن‬
‫متصننوا حيننن كننانت عيننون الشننبكة‬ ‫إذا كانوا تجّنبوا أن ي ُ‬
‫واسننعة‪ ،‬فهننم لننم يكننن لننديهم مننا يحنناربون بننه حيننن‬
‫ضيقتها المسيحية إلى حجم ثقب إبرة؛ والطرفان على‬
‫ختزل إلى هننروب غننبي‪ ،‬إلننى فننرار جمنناعي‬ ‫حد سواء ا ُ‬
‫منننذعور منننن الحضنننارة والحيننناة ذاتيهمنننا‪ ،‬مطنننوحين‬
‫بأنفسننهم مننن علننى الصننخور‪ ،‬راميننن بأنفسننهم إلننى‬
‫الوحوش الضارية‪ ،‬مضرمين النار في أنفسهم‪ ،‬أو أنهم‬
‫كانوا فقط يهيمون حننتى الهلك‪ ،‬فنني الصننحراء‪ ،‬حيننث‬
‫كان الرهبننان المتننأخرون سننيجدون جثثهننم المتجففننة‬
‫ويتعجبون منها‪.((172‬‬
‫‪. Ibid., v: 70f (168‬‬ ‫)‬

‫‪. Ibid., i: 19 - 22 (169‬‬ ‫)‬

‫دمها تتطننابق‬ ‫‪ (170‬هذا ما يقوله ثيودورتوس‪ .‬وقائمة الختراعننات البربريننة الننتي يق ن ّ‬ ‫)‬

‫تقريبا ً مع قائمة تاتيان‪ ،‬لكن في حين أن تاتيان يصننل إلننى نتيجننة مفادهننا أن الثقافننة‬
‫اليونانية ليست جديرة بالمتلك‪ ،‬اسننتنتج ثيودورتننوس أنننه يمكننن تمّلكهننا هنني أيض نًا؛‬
‫قارن معالجتيهما لفلطون‪ ،‬حيث نجد أن تاتيان يرفضه بعنند وقننت قصننير‪ ،‬فنني حيننن‬
‫يعتبره ثيودورتوس موسى يتحدث التيكية‪.‬‬
‫‪ (171‬يقول مليجر الغارادي ‪ Meleager of Garada‬من القرن الثاني قبننل الميلد‪ » :‬منا‬ ‫)‬

‫العجب في أن أكون سوريًا؟ أيها الغريب‪ ،‬نحن نقطن بلدا ً واحدًا‪ ،‬هننو العننالم؛ وخلننط‬
‫واحد أنجب كل البشر «؛ لكن رغم أن النسب غير ذي شأن وكل الننناس جنناءوا فنني‬
‫الخلط‪ ،‬فإنه يظل راغبا ً بأن يكون هوميروس سوري ّا ً وأن يكون الخيون سبطا ً سوريًا‪.‬‬
‫)‪.(M. Hadas, Hellenistic Culture: Fusion and Diffusion, New York 1959, pp. 83, iii‬‬
‫‪.(Vِِbus, History of Asceticism, vol. ii, pp. 19 - 31 (Syria), 32f (North Africa (172‬‬ ‫)‬

‫‪136‬‬
‫مع حلول القرن الرابع بدا أن قدر فينيقينني شننمال‬
‫إفريقيننا هننو النقننراض بطريقننة أو بننأخرى‪ ،‬ومقابننل‬
‫محاول‪ ،‬لنندينا قننراءة القننديس أغسننطينس‬ ‫انتحارهم ال ُ‬
‫ققق قققق ) » ثلثننننة«( البننننوني باعتبنننناره بشننننيرا ً‬
‫لستيعابهم الوشيك من قبل قققق ‪ Salavito‬لتيني‪. ((173‬‬
‫لكن حين قّرر السننوريون ذات مننرة أن يحننافظوا علننى‬
‫نسبهم‪ ،‬لم يكن ثمة سؤال حننول تمل ّننق قققققق ‪Sotéria‬‬
‫اليوناني لهم أو إجبارهم على أن ُيسَتوعبوا مننن قبلننه‪.‬‬
‫مسيحيون أمام الله وريفيون أمام اليونانيين‪ ،‬لننم يكننن‬
‫باستطاعة السؤال غير أن يكون كيننف كننان عليهننم أن‬
‫يعطوا معنى لمكانتهم الزدواجية‪.‬‬
‫الجواب هو أنهم لم يستطيعوا أن يعطننوا ذلننك‪ .‬مننن‬
‫الممكننن تمامننا ً أن تخلننق فضننيلة مسننيحية مننن هويننة‬
‫محلية‪ ،‬وهذا تحديدا ً ما فعلننه المصننريون والشننوريون‪.‬‬
‫لكن ضننمن ثقافننة مسننيحية ل يمكننن أن تخلننق فضننيلة‬
‫محلية من هوية مسننيحية‪ ،‬وهننو مننا حنناوله السننوريون‪.‬‬
‫لقنند كننان السننوريون أبننناء للمسننيحية بمثلمننا كننان‬
‫ددت‬ ‫الباكستانيون ابننناء للسننلم‪ .‬فنني كل الحننالتين ح ن ّ‬
‫الديانة أتباعها خارج نسيجهم العلماني‪ ،‬آرامي نا ً كننان أم‬
‫هنديًا؛ لكنها تفشل في الحننالتين علننى حنند سننواء فنني‬
‫تقننديم بننديل‪ ،‬المسننيحية لنهننا ل تكننّرس أيننة إثنيننة‪،‬‬
‫والسلم لنه يكّرس إثنية تبدو بعيدة جدًا‪ ،‬رغم الجهود‬
‫ورت‬ ‫الباكسننتانية الحثيثننة‪ .‬ومثننل مصننر وآشننوريا‪ ،‬طنن ّ‬
‫سوريا مسيحيتها القليمية‪ ،‬المتميزة عننن بقيننة العننالم‬
‫المسيحي وذلك بوساطة إحدى الهرطقننات مننن ناحيننة‬
‫ونظام رهباني لنوعها الخنناص مننن ناحيننة أخننرى‪ .‬لكننن‬
‫مصر كانت لديها المضامين التي ستحمل الماركة‪ ،‬فنني‬
‫حيننن كننان علننى سننوريا أن تبحننث عننن مضننامين مننن‬
‫الماركننة ذاتهننا؛ وعلننى الرغننم مننن الجهننود السننورية‪،‬‬
‫فحننتى المسننيحية الهرطقيننة ل تكفنني لصنننع إنسننان‪.‬‬
‫فدون إثنية‪ ،‬دون ققققق ق‪ ،‬ودون أثينا‪ ،‬لم يكننن لننديهم‬
‫شيئا ً كي يكونوا‪ ،‬كي يبكوا على هننذا الجننانب مننن جنننة‬
‫عنندن أو يحبننوه‪ .‬وبمننا أنننه لننم يكننن لننديهم مننا يمكننن‬
‫استرداده غيننر جنننة عنندن‪ ،‬فقنند وضننعوا أعينهننم علننى‬

‫‪. Brown, “Christianity and Local Culture in Late Roman Africa”, pp. 88f (173‬‬ ‫)‬

‫‪137‬‬
‫إعادة غزو السماء ‪ -‬الرض التي غننادر إليهننا الشننهداء‪،‬‬
‫وليس الرض التي جاءوا منها‪.‬‬
‫أساسننًا‪ .‬لكننن‬ ‫(‬‫‪(174‬‬
‫لقنند ظنن ّ‬
‫ل السننوريون منننذورين‬
‫مفهوم الكنيسة المتهلين خرج ناجح نا ً رغننم الصننعوبات‬
‫طبعًا‪ :‬فمع نهاية القرن الثالث أو بدايننة الننرابع‪ ((175‬تننم‬
‫قبول المتحضرين للعماد السابقين في عضوية كاملننة‪،‬‬
‫ول »أبننناء العهنند« إلننى مجموعننة منعزلننة تننم‬ ‫ومننع تح ن ّ‬
‫جلبهننم تنندريجيا ً إلننى سننيطرة الكليننروس ومننن ثننم‬
‫استيعابهم من قبل الرهبنان منن ناحينة ورجنال الندين‬
‫الدنى مرتبة من ناحية أخرى‪((176‬؛ وبعد ذلك لم يسننتمر‬
‫الننرأي القننائل إن كننل مسننيحي هننو راهننب إل بيننن‬
‫المساليين وغيرهم من الهراطقة‪ .((177‬لكن سننوريا لننم‬
‫تستفد كثيرا ً من فكرة قققق ق ققق ققققق ‪ekklesia‬؛ وإذا‬
‫لم يعد باستطاعة الكنيسة أن تكون عهدًا‪ ،‬فقنند صننارت‬
‫غ‪ ،‬وضمن رهبانيتها‬ ‫ٍ‬ ‫عوضا ً عن ذلك رهبانية على نحو طا‬
‫تننوجهت علننى نحننو طنناغ نحننو النذوريننة النعزاليننة‪.((178‬‬
‫وفنني حيننن كننان للقبنناط كيبننوتزاتهم وللنسنناطرة‬
‫سرانياتهم المثقفة‪ ،‬كانت الكنيسننة السننورية محكومننة‬
‫برجال أخذوا على عاتقهم أن تظننل علننى قينند الحينناة‪،‬‬

‫منندان فنني الغننرب ومبجننل فنني‬ ‫سسها تاتيننان‪ ،‬وهننو شننخص ُ‬


‫‪ (174‬الرهبة السورية أ ّ‬
‫)‬

‫الشرق‪ ،‬وقد أخذ أفكاره من مذهب المنذورين فنني العهنند القننديم ) ‪Vِِbus, History of‬‬
‫‪(Asceticism, vol. i, pp. 35ff‬؛ والمنذور الكامل يمتنع عن كل الطعام عدا العدس‪ ،‬أوراق‬
‫الشجر‪ ،‬الخبز‪ ،‬الماء والملح‪ ،‬ويمضي حياته في صلة منعزلة ودمننوع ل تنتهنني‪John) .‬‬
‫‪of Ephesus, Lives of the Eastern Saints, ed. and tr. E. W. Brooks, in Patrologia Orientalis, vols.‬‬
‫‪ .(xvii - xix, Part one, pp. 36 - 40‬نلحظ أن نازيرا‪ ،‬نازيروثا هما التسميتان اللتان تطلقان‬
‫على الناسك عمومًا‪ ،‬في اللغة السريانية‪.‬‬
‫‪.Vِِbus, "The Institution of Bani Qeiama”,p19 (175‬‬ ‫)‬

‫ب‬‫‪Ibid., pp. 23f (176‬؛ لكن لحظ أنه منا ينزال » أبنناء العهند « متخيلينن باعتبنارهم لن ّ‬ ‫)‬

‫الكنيسة وذلك في سيرة راّبول من القرن الخامس ) ‪G. G. Blum, Rubbula von Edessa: der‬‬
‫‪(Christ, der Bischof, der Theologe (=CSCO, Subsidia, vol. xxiv), Louvain 1969, pp. 65f‬؛ قابل مع‬
‫مح » لبناء العهد « عام ‪ 485‬بننالزواج وأكننل اللحننم‪ ،‬وذلننك‬ ‫س ِ‬
‫التطور في آشوريا‪ ،‬حيث ُ‬
‫بعد أن احتلوا موقع رجال دين هم وسط بين العلمانيين والرهبان ) ‪Rücker,”Fine Anweisung‬‬
‫‪ für geistliche‬ـ ‪ .(bungen nestorianischer Mِnche des 7. Jahrhanderts”, p. 194‬قارن أيضا ًُ معالجة‬
‫ايشوع داد غير المتعاطفة لموضوع المنذورين‪van den Eynde, Commentaire, II, Exode - ) :‬‬
‫‪.(Déuteronomie, pp. 89 = 102‬‬
‫‪.Vِِbus, History of Asceticism, vol. ii, pp.23ff (177‬‬ ‫)‬

‫‪ (178‬من أجل ظهور الحركة النسكية‪ ،‬أنظر‪Vِِbus, History of Asceticism, vol. ii, pp. 61 - :‬‬ ‫)‬

‫‪ .123‬من أجل المثولة العتزالية‪ ،‬أنظننر‪ . Ibid., pp. 304 - 6:‬لحنظ أيضنا ً هلننع اسننحق‬
‫النطاكي من التطور الجديد‪ :‬إسرائيل في الصحراء لم تزرع‪ ،‬ولم تجننن ولننم تغننرس‬
‫الشجار‪. (Ibid., p. 148) .‬‬

‫‪138‬‬
‫ل العالم بالنسننبة لهننم‬ ‫لكن لفترة قصيرة فقط‪ .‬لقد ظ ّ‬
‫أساسا ً سدوم وعمورة اللتين ليننس بالمكننان أن يكننون‬
‫دسا ً واللتين على الراهب أن ل يسننتدير‬ ‫فيهما شيئا ً مق ّ‬
‫م نفسننه إلننى‬ ‫لينظر إليهما ثانية أبدًا‪ ،‬فمننا أن قننرر ض ن ّ‬
‫رياضنننيي المسنننيح المنعزلينننن أولئك النننذين حننناربوا‬
‫أنفسهم حتى سيطروا علننى الشننياطين‪ ،((179‬حننتى بنندا‬
‫أن النندور المناسننب الوحينند الننذي كننان باسننتطاعته‬
‫التعامننل عننبره مننع العننالم الننذي ت ََركننه هننو دور طننارد‬
‫الرواح الشريرة‪ .((180‬كانت المثولة المصرية أنننه علننى‬
‫الرهبننان أن يعملننوا‪ ،‬يننناموا‪ ،‬يننأكلوا ويصننّلوا معننًا‪ ،‬أن‬
‫يعملننوا حننتى علننى حسنناب الصننلة؛ لكننن بالنسننبة‬
‫للسننوريين لننم يكننن باسننتطاعة الرهبننان سننوى أن‬
‫يقصروا أهدافهم على أمثولننة اسننتخدام الينندين فقننط‬
‫مل الجوع‪ ،‬العطننش وصننلوات المسنناء‪،‬كن ٌ‬
‫ل‬ ‫للصلة‪ ،‬وتح ّ‬
‫لوحده ‪ .((181‬لقد ترك القباط حضننارة كنني يبنننوا غيرهننا‬
‫فننني الصنننحراء‪ ،‬حينننث راحنننوا يحننناربون شنننياطينهم‬
‫اليونننانيين عننن طريننق جعننل الصننحراء مزدهننرة؛ لكننن‬
‫السوريين تس نّلقوا العمنندة‪ ،‬تنناركين البشننر مننن أجننل‬
‫السماء‪ ،‬محاربين العالم بإماتة الجسد‪ .‬كان باسننتطاعة‬
‫القباط المل بتكريس مصر‪ ،‬لكن السوريين لم يننأملوا‬
‫إل بتكريننس أنفسننهم‪ ،‬إل بالصننعود إلننى السننماء عننبر‬
‫ع نعمة الله من بين‬ ‫الهبوط إلى الجحيم وانتظار أن تش ّ‬
‫أقذار ترابهم الرضي ‪.((182‬‬
‫كذلك لم يكن هنالك الكثير مما باستطاعة السوريين‬
‫فعله ققققققققق ق الهلينية‪ .‬فكمنا كنان »أبنناء العهند«‬
‫والنسنناك هننم الممّثلننون للكنيسننة السننورية وليننس‬
‫البرشيات‪ ،‬كذلك أيضا ً فإن النسنناك العلمننانيين وليننس‬
‫الرعاة الكهنوتيين هم الذين مننالوا إلننى تجميننع النعمننة‬
‫‪ (179‬قارن مع آشوريا ‪ -‬مع الخذ بعين العتبار بعض التنداخل بيننن مننا بيننن النهريننن‬ ‫)‬

‫ساك المسيحيين لديهم حيلننة لطنرد‬ ‫السورية والشورية ‪ -‬حيث الحقيقة القائلة إن الن ّ‬
‫الشننياطين ل تحمننل أي مضننمون يفينند بننأنه علننى كننل المسننيحيين ممارسننة المهننن‬
‫الطبية‪.‬‬
‫‪ (180‬قارن‪. Vِِbus, History of Asceticism, vol. ii, pp. 192 - 315 :‬‬ ‫)‬

‫‪. Ibid., pp. 294 - 300 (181‬‬ ‫)‬

‫دم نولدكه تلخيصا ً ل بأس به لمثل هذا الهبوط في الجحيم‪ ،‬وذلك في عملننه‬ ‫‪ (182‬يق ّ‬ ‫)‬

‫ً‬
‫‪ ،Sketches from Eastern History‬لندن وأدنبرة ‪ ،1892‬الفصل السابع‪ .‬قارن أيضا الربط‬
‫بين التوجه الكوزموبوليتاني ونكران الذات عند الكلبيين‪ :‬إذا كان المننرء مواطن نا ً فنني‬
‫اللمكان‪ ،‬فإن اختياره أن يسننتوطن فننوق عمننود سننوري أو فنني حننوض أثيننني يغنندو‬
‫مسألة مذاق‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫وتوزيعها‪ :‬قوى عجائبية لطرد الرواح‪ ،‬شفاء المراض‪،‬‬
‫إقامننة المننوتى والفعننال المشننابهة المتوالنندة خننارج‬
‫القنوات الرسمية للحسان اللهي‪ ،‬كما أن النساك في‬
‫أكننثر مننن مناسننبة أضننفوا علننى أنفسننهم حننق منننح‬
‫القرابين المقدسة‪ .((183‬لكن النسنناك لننم يسننتطيعوا أن‬
‫ل الهننرم الكهنننوتي‪ .‬مننع ذلننك‬ ‫يننأملوا بننأن يحّلننوا محنن ّ‬
‫فالساقفة بالمقابل لم يسننتطيعوا أن يننأملوا بإيقنناف‬
‫تنندفق النعمننة مننن خننارج القننناة الكهنوتيننة‪ .‬وهكننذا‬
‫حننرزة والنعمننة‬‫م ْ‬
‫فالتنننافس الحاصننل بيننن النعمننة ال ُ‬
‫المعزوة وصل إلى نوع من التسوية في مرحلة مبكرة؛‬
‫فالساقفة على نحو شبه دائم كانوا يختارون مننن بيننن‬
‫‪((184‬‬
‫ساك المتفوقون فني إحنراز النعمننة‬ ‫؛ أما الن ّ‬ ‫ساك‬
‫الن ّ‬
‫فكانوا يميلون إلى تحقيق مكانة رسننمية كننان يفننترض‬
‫أن تلك القوى مأخوذة منها‪.((185‬‬
‫كذلك لم يسننتطع السننوريون أن يفعلننوا بالسننقفية‬
‫الشيء الكثير‪ .‬وما كننانت تشننكله أنطاكيننة هننو أبرشننية‬
‫ل‪ ،((186‬وهكننذا‬‫ض خننا ٍ‬
‫الشرق الرومانية‪ ،‬وليس حكومة ما ٍ‬
‫لم تتعرض إل للقلينل منن الضنغط منن أجنل أن يكنون‬
‫طنناقم العنناملين فيهننا سننوريين حصننرًا‪ .‬لقنند سنناد‬
‫السوريون بالطبع‪ ،‬لكن البرابرة الخرين‪ ،‬سننواء أكننانوا‬
‫أثينننوبيين‪ ،‬آراميينننن‪ ،‬مسنننيحيين منننن فارسننن‪ ،((187‬أو‬
‫مصريين‪ ،((188‬لم يكونوا مستبعدين أبدًا‪ .‬لم تستطع أيننة‬
‫‪A. Vِِbus, Syriac and Arabic Documents Regarding Legislation Relative to Syrian (183‬‬ ‫)‬

‫;‪Asceticism 1960, no. 7, p. 28; no. 20, p. 31; nos. 2f, p. 95; id., History of Asceticism, vol. i, p. 276‬‬
‫‪.f. ibid., vol. ii, p. 300, 323, 326‬؛ من أجل دليل أخر على التنافس‪.‬‬
‫‪W. Hage, Die syrisch-jacobitische Kirche in fruhislamischer Zeit, Wiesbaden 1966, pp. 12, (184‬‬ ‫)‬

‫‪. 24‬‬
‫كسينوس يستحق السقفية على أسنناس‬ ‫‪ (185‬قارن المبراطور الذي يعتقد أن فيلو َ‬ ‫)‬

‫سر عظيم للكتاب المقدس‪ ،‬حكيم وفيلسوف وصانع عظيننم للعجننائب‪Eli of) .‬‬ ‫أنه مف ّ‬
‫‪Qartamin, Memra sur S. Mar Philoxéne de Mabboy, ed. and tr. A. de Hallex (=CSCO, Scriptores‬‬
‫‪(Syri, vols. cf), Louvain 1963, lines 137 - 46 = p. 6‬؛ وتكريس إفرام بعد موته من قبل‬
‫كاتب سيرته‪ .(Bedjan, Acta Martyrum, vol. iii, p. 648 ) .‬إن كل ً من التنافس وعزمه يمكن‬
‫مقارنتهما مع التنافس وعزمه الحاصل بين البركننة المحننرزة والبركننة المعننزوة فنني‬
‫مراكش السلمية )قارن الولي اليوسي الذي يضمن تكريسنا ً رسننميا ً مننن السننلطان‬
‫العلوي )‪(C. Geertz. Islam Observed, Chicago 1971, pp. 34f‬؛ لكن في حين أعطى السلم‬
‫المراكشيين نسبا ً عربيا ً ليلعبوا بننه لعبننة الغننزو‪ ،‬لننم تعننط المسننيحية السننوريين غيننر‬
‫الكنيسة الهلينية‪.‬‬
‫‪R. Devréesse, La Patriarchet d’Antioche depuis la paix de l’Eglise jasqu’à la conquête (186‬‬ ‫)‬

‫‪. arabe, Paris 1945, pp. 45ff‬‬


‫‪. Hage, Die syrisch - jacobitische Kirche, p. 36 (187‬‬ ‫)‬

‫‪ .Hardy, Christian Egypt, pp. 33, 140 (188‬قارن ايضا ً التوجه البربري أكثر منه السوري‬ ‫)‬

‫تخصيصا ً لرحلت يعقوب البرادعي‪.(Frend, Monophysite Movement, p. 287) .‬‬

‫‪140‬‬
‫منظمنننة أرضنننية أن تكنننون أورشنننليم سنننورية‪ :‬لقننند‬
‫دس كنيسة مرئيننة‪ ،‬لكننن سننوريا‬ ‫استطاعت مصر أن تق ّ‬
‫دس غير الفراد‪.‬‬ ‫لم تستطع أن تق ّ‬
‫إذا كانت سوريا قد وجدت أن الكنيسة الهلينيننة غيننر‬
‫مسنناعدة‪ ،‬فننالخيرة وجنندت أن سننوريا صننعبة المنننال‪.‬‬
‫مَلكيننة‪ :‬ففنني حيننن‬ ‫ل‪ ،‬إن بطريركية إنطاكية لم تكن َ‬ ‫أو ً‬
‫حكم كيّرلس مواليه على نحو مباشر بأسلوب فرعننون‪،‬‬
‫فقد ورث يوحنا النطاكي ملوك المدينة بهيئة مطارنننة‬
‫صعبي المراس‪ .‬ثانينًا‪ ،‬لننم يكننن لنندى البرشننية جيننش‪:‬‬
‫ففي حين كان باستطاعة كيرلس أن يجّند كتائب قويننة‬
‫مننن الرهبننان القبنناط‪ ،‬لننم يكننن باسننتطاعة يوحنننا‬
‫النطاكي في أفضل الحننوال غيننر أن يحشنند فنندائيين‬
‫خل الننبرابرة ‪ .((189‬لننذلك ل‬ ‫من العموديين أو يستجدي تد ّ‬
‫نتفاجننأ حيننن نكتشننف أن حلف نا ً بيننن الرهبنننة المحليننة‬
‫كل الكنيسننة‬ ‫والبطريركيننة اليونانيننة‪ ،‬كننذلك الننذي شنن ّ‬
‫القبطية في مصر‪ ،‬فشل في الظهور في سوريا‪ .‬فمن‬
‫ناحيننة فشننلت فنني تبّننني هرطقننة خاصننة بهننا‪ ،‬رغننم‬
‫الحقيقنننة القائلنننة إن نسنننطوريوس كنننان بطرينننرك‬
‫قننى دعننم يوحنننا النطنناكي حيننن‬ ‫القسطنطينية وقد تل ّ‬
‫اصطدم مع كيرلس ‪ .((190‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬حين حصلت‬
‫سوريا في نهاية المر على هرطقتهننا المصننرية‪ ،‬فقنند‬
‫فعلت ذلك بشكل مستقل عن أنطاكية وذلك على ينندي‬
‫يعقننوب الننبرادعي ‪ -‬الننذي لننم يكننن بطريرك نا ً وحاكم نا ً‬
‫بالسلوب الفخننم للبطننل المصننري‪ ،‬بننل قننديس فقيننر‬
‫ومضطهد في التقلينند الزهنندي‪ ،‬يقطننع الفيننافي علننى‬
‫قدميه والذي ساعده في المحاولة الخيرة أحد الملننوك‬
‫العرب‪.((191‬‬
‫كلت الكنيسننة القبطيننة علننى ينند‬ ‫وفنني حيننن تشنن ّ‬
‫فلحيها‪ ،‬والكنيسة النسطورية على يد نبلئها‪ ،‬فكنيسة‬
‫سوريا ُأسست بالتالي على زهادها‪ .‬وكان هننذا يعننني‪،‬‬
‫بنالطبع‪ ،‬أن سننوريا كنانت فني موقنع أقنل ضنعفا ً منن‬
‫‪ (189‬الخير في هيئة العرب المسيحيين الذين كان ملكهم الحارث بننن جبلننة مفينندا ً‬ ‫)‬

‫في إحياء ليس النسطورية‪ ،‬بل المونوفيزية )قارن‪ :‬رررررر ررر ررر‪ ،‬صنص ‪284‬‬
‫وما بعد‪.(326 ،‬‬
‫‪. Ibid., pp. 15ff (190‬‬ ‫)‬

‫‪. Ibid. pp. 283ff (191‬‬ ‫)‬

‫‪141‬‬
‫غيرها حتى تغذي آمال انفصال سياسي ‪ -‬وذلك مقابننل‬
‫السكاتولوجي ‪ -‬عن المبراطورية الرومانيننة‪ :‬لننم يكننن‬
‫ثمة بديل يمكن تبجيله‪.‬‬
‫الحق أن ملكا ً مسيانيا ً سوف يننأتي مننن بعلبننك‪ ،‬لكننن‬
‫فقط عند نهاية الزمان حين سنكون كلنا موتى ‪((192‬؛ أما‬
‫ي حكم دنيوي هو مثل الخر عمليننا ً‪.((193‬‬ ‫الن فيبدو أن أ ّ‬
‫لكن ذلك كان يعني بوضوح أيضا ً أن سوريا لننم تسننتطع‬
‫أن تضفي على طبقتها الرستقراطية الدنيوية الصننفة‬
‫الشرعية‪ ،‬سواء أكننان هننؤلء يونننانيين مسننتقرين فنني‬
‫سوريا منننذ زمننن طويننل مثننل أوربانوسن‪ ،((194‬أو كننانوا‬
‫سوريين انغمسوا منذ زمن طويل في الثقافة اليونانية‬
‫ي ثيودوريتوسن‪ .((195‬المكننوث فني السننلطة‪،‬‬ ‫مثننل والنند ّ‬
‫الثروة‪ ،‬والمنصب‪ ،‬كما رأى تاتيان بحق‪ ،‬كان مكوثا ً في‬
‫دس‪ ،‬فنني حيننن كننان النسننحاب منهننا‬ ‫الجنوب غير المق ّ‬
‫ً‪((196‬‬
‫ن كننل مننن يتعلننق‬ ‫؛ لقنند بنندا أ ّ‬ ‫وعي نا ّ سننليما ً مقدس نا‬
‫بالعالم هومدان باعتباره يونانيا ً ملكاني نا ً‪ ،((197‬فنني حيننن‬
‫أن كننل مننن كننان يرغننب بالنضننمام إلننى ققق قققققق‬
‫المونوفيزية كان عليه أن يتبرأ منه حتما ً‪ .((198‬فقط في‬
‫الرهننا‪ ،‬الننتي كننانت مباركننة فعل ً فنني هننذا العننالم‪،‬‬
‫اسننتطاعت عقينندة مونوفيزيننة أن تك نّرس طبقننة نبيلننة‬

‫‪. Alexander, The Oracle of Baalbek, lines 205ff = p. 29 (192‬‬ ‫)‬

‫صر كاغي ‪ Kaegi‬المصادر بحثا ً عمنا يمكننن تسننميته مصننلحة سننورية فنني‬ ‫‪ (193‬لقد ع َ َ‬
‫)‬

‫القدر المحتوم للمبراطورية الرومانية‪E. W. Kaegi, Byzantium and the Decline of Rome, ) .‬‬
‫صرها من أجل مشاعر استياء معادية للمبراطورية كان‬ ‫‪(Princeton 1968, pp. 146ff‬؛ وع َ ْ‬
‫سيقدم كما يفترض حصادا ً هزيل ً مشابهًا‪.‬‬
‫‪ (194‬أوربانوس كان مستشارا ً عند كوميس أورنيتيس عام ‪ 359‬ومننا بعنند؛ أمننا ابنننه‬ ‫)‬

‫فقد وّزع إرثه على الفقراءكي يصبح راهبًا‪. (Seeck, Briefe des Libanius, s.n ) .‬‬
‫لك الراضنني فنني أنطاكيننة‪ ،‬وهمننا سننوريان بالنسننب‪ ،‬مسننيحيان‬ ‫‪ (195‬وكانننا مننن م ّ‬ ‫)‬

‫بالدين‪ ،‬يونانيان بالثقافة وبعضوية المجلس؛ وعندما ماتا وّزع ثيودوروتوس إرثه علننى‬
‫الفقراء كي يصبح راهبنًا‪ ،‬أنظننر مقدمننة كننانيفيت لكتنناب ثيودوروتننوس ‪،Thérapeutique‬‬
‫المجلد الول‪ ،‬صص ‪ 10‬وما بعد‪.‬‬
‫‪. Tatian, Oratio, col. 829 (196‬‬ ‫)‬

‫‪ (197‬وهكذا فسرجون بن منصور الرومي‪ ،‬الننذي ورثننه العننرب‪ ،‬كننان ملكي نا ً بشننكل‬ ‫)‬

‫نمطي‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ (198‬هكذا راّبول‪ ،‬وهو رجل غني كان يشغل منصبا إقليميا ) ‪Overbeck, Opera Selecta,‬‬ ‫)‬

‫‪(p. 166‬؛ توماس المدي‪ ،‬وهو منحدر من أحد النبلء‪ ،‬وقد ترك أملكه وثرواته كي يحيا‬
‫في حفرة ) ‪(John of Ephesus, Live of the Eastern Asints, Part one, p. 191‬؛ حرفط الحنزيطي‪،‬‬
‫وهو من أ سرة عظيمة وغنية‪ ،‬والذي ترك أملكه لخيه كي ينسحب إلى أحد الديننرة‬
‫‪ -‬أما الخ الذي احتفظ بتلك الثروة فقد صنار علنى نحنو نمطني رجل ً مخادعنا ً والنذي‬
‫أقحم نفسه في المسائل القضائية لخدمة الحاكم ) ‪(ibid., pp. 158ff‬؛ المباركة قيصرية‪،‬‬
‫وهي نبيلة من عرق ملكي عظيم أخضعت ذاتها للذل وحطت ذاتها إلى مكانة متدنيننة‬
‫) ‪(ibid., part three, pp. 185ff‬؛ وكثيرون غيرهم‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫علمانينة ‪ .((199‬وفني أي مكنان آخنر كنانوا سنيتخلون عنن‬
‫مناصبهم‪ ،‬سيبيعون أملكهم‪ ،‬سيوزعون مننواردهم علننى‬
‫الفقراء ويننتركون اسننرهم بفعننل اعتننناق للنندين عنيننف‬
‫كل شرخا ً جذريا ً مع ماض لننم‬ ‫نمطيًا؛ وهكذا فالنموذج ش ّ‬
‫‪(20‬‬
‫تستطع ثمار تجارتهم فيه أن تكون لجل راحة الخيار‬
‫‪(0‬؛ نكرانا ً للذات مفاجئا ً حيننث أصننبح حننتى العظمنناء أهل ً‬
‫معنه لن يحتقنروا العنالم ويعناملوا أمنوره باحتقنار ‪،((201‬‬
‫دسة مثننل النسنناك والرهبننان‬ ‫وذلك عبر تبنيهم لحياة مق ّ‬
‫المتسولين الجوالين‪ ،‬الذين يشحذون الزدراء مننن أجننل‬
‫أنفسهم الصالحة ‪.((202‬‬
‫بالمقابننل‪ ،‬فقنند كننانت السننس الزهديننة للكنيسننة‬
‫السورية تعني أن سوريا لم تستطع إضفاء طابع شرعي‬
‫على تعاليمها الدنيوية‪ ،‬وحطام السفينة الهليني الضنخم‬
‫الذي كان يطننوف دون مرسنناة فنني الدب السننوري لننم‬
‫يستطع أن يجد بالتالي ققق ققق ققق قط‪ .‬هننذا ل يعننني‬
‫القول إنه لم يكن ثمة كهنة متهلينون‪ :‬في هذا الصدد ل‬
‫ُتقارن سوريا على نحو سيء جدا ً مع آشننوريا ‪ .((203‬كننذلك‬
‫فهو ل يعني القول إن النساك كننانوا قروييننن‪ :‬الرهبننان‬
‫السوريون ليسننوا فلحيننن مصننريين ‪ .((204‬لكننن إذا كننانت‬
‫الهلينة الشاملة لسوريا الوثنية تعنني أننه كنان ثمنة كننم‬

‫‪ (199‬بسبب استقلليتهم الطويلة المد‪ ،‬احتال الرهاويون للمر حتى ينقذوا ماضننيهم‬ ‫)‬

‫كاما يعتنق المسيحية ) أنظر‪ ، Segal, Edessa, p. 62ff :‬من أجل السطورة‬ ‫بجعل أبجر أو ّ‬
‫التي تحكي عن ذلك وطريقة عرضها في أديابين(‪ .‬وهكننذا فالعلقننات بيننن الرهنناويين‬
‫ووجهائهم تظهر حرارة معينة‪ ،‬كما في مناسننبة مجمننع اللصننوص فنني أفسننس الننذي‬
‫حدت المدينة ضده )‪ ،(Vِbِ us, School of the Nisibis, p. 29‬أو أثناء المجاعة عام ‪ 500‬وما‬ ‫تو ّ‬
‫بعد‪ ،‬حين اتحد الحاكمون‪ ،‬الوجهاء والجنود في جهودهم السعافية ) ‪Joshua the Stylite,‬‬
‫‪ .(Chronicle, pp. 38 = 32‬من أجل روسبايي‪ ،‬تل مهرايه‪ ،‬والبيونيين الرهاويين الخرين‬
‫الذين جمعوا بين الثروة والسلطة والعقيدة المونوفيزية؛ أنظر‪Segal, Edessa, pp. 126, :‬‬
‫‪146‬؛ هنا‪ ،‬كما في أي مكان آخر طبعًا‪ ،‬يمكن أن نثق أن النبلء سيسيئون التصّرف إذا‬
‫ُتركوا خارج السيطرة السننقفية‪Joshua the Stylite, Chronicle, pp. 81, 84f = 68, 71; ) .‬‬
‫‪.(Overbeck, Opera Selecta pp. 182, 187‬‬
‫‪ (200‬لحظ التناقض بين الطرق التي يسلكها التاجر المصننري ورابننول فنني طلبهمننا‬ ‫)‬

‫لللئ الروحانية )‪.(Palladius, Paradise, vol.i, pp. 161f; Overbeck, Opera Selecta, pp. 165f‬‬
‫‪ (201‬كما يقال عن بطرس وفونيوس‪ ،‬ويوحنا الفسسي‪Lives of the Eastern Saints, ،‬‬ ‫)‬

‫‪. Part three, p. 197‬‬


‫‪ (202‬كما فعل ثيوفيلوس ومريننم‪ ،‬فوحنندهم أبننناء العننائلت النطاكيننة الغنيننة الننذين‬ ‫)‬

‫تركوا العالم كي يعيشوا حياة مقدسة كانوا يتنكرون بهيئة مهرجين سيئي السمعة‪.‬‬
‫ل مدرسة نصيبين مجرد استيراد من الرها‪.‬‬ ‫‪ (203‬أخيرا ً تظ ّ‬ ‫)‬

‫‪. Vِِbus, History of Asceticism, vol. ii, p. 388f (204‬‬ ‫)‬

‫‪143‬‬
‫طيب من التعاليم اليونانينة هننا وهنناك ‪ ،((205‬فقند كنانت‬
‫شننًا‪:‬‬‫تعننني أيضننا ً أن الوعنناء المسننيحي كننان بالتننالي ه ّ‬
‫السننوريون قبلننوا كننوثنيين بننالفكر اليوننناني وأضنناعوا‬
‫دد الفكر الوثني بتقنويض‬ ‫هويتهم‪ ،‬أما كمسيحيين فقد ه ّ‬
‫أسس هويتهم الجديدة والوحينندة‪ .‬وهكننذا فقنند امتلكننت‬
‫سوريا مدرسة وأديرة كان فيهننا الرث الغريقنني جننزءا ً‬
‫دنا برجننال كنيسننة‬ ‫أساسيا ً من المنهج الدراسي‪ ،‬حيث أم ّ‬
‫ضليعين في القواعد والبلغننة الغريقيننة القائمننة علننى‬
‫الكتابات الوثنينة‪ ،‬وقند اسنتمر رجنال الندين هنؤلء فني‬
‫ترجمننة الفلسننفة‪ ،‬وكتابننة تفاسننير لرسننطو‪ ،‬وتننأليف‬
‫مقالت علميننة ‪((206‬؛ لكننن سننوريا امتلكننت أيضنا ً منندارس‬
‫وأديرة أزالت الرث اليوناني من منهجها الدراسي‪ ،‬حيث‬
‫دمت لنا رجال كنيسة ضليعين في قواعد وعلننم بلغننة‬ ‫ق ّ‬
‫‪((207‬‬
‫‪ ،‬وقنند‬ ‫سننريانيين مؤسسننين علننى السننفار المحليننة‬
‫استمر هؤلء في تأليفهم لسير القديسين‪ ،‬إضننافة إلننى‬
‫‪(2‬‬
‫مة‬‫أحاديث في اليمان ومقالت ضد حكمة اليونان السا ّ‬
‫‪ .(08‬وهكذا لدينا من ناحية ثيودوريتوس الذي ينندافع عننن‬
‫الفلسفة باعتبارهم مسيحيين تقريبًا‪ ،‬ولدينا مننن ناحيننة‬
‫ل شيء يوناني باعتباره وثنيا ً‬ ‫أخرى افرام الذي يهاجم ك ّ‬
‫بشكل مطلق‪((209‬؛ ومن ناحية رغبة يعقوب الرهاوي فني‬
‫تعّلم اليونانية‪ ،‬ومن ناحية أخرى رفض الرهبان الغاضننب‬
‫لتعلمها ‪.((210‬‬

‫‪S. Brock‬‬ ‫‪ (205‬من أجل عينة مؤثرة عن حطام السفينة من الجاهلية اليونانية‪ ،‬أنظر‪:‬‬ ‫)‬

‫‪. (ed. and tr.), The Syriac Verssion of the Pseude-Nommos Mythological Scholia, Cambridge 1971‬‬
‫‪ (206‬قارن‪F. Nau, “L’araméen Chrétien (Syriaque). Les traductions faites du grec eu syriaque :‬‬ ‫)‬

‫‪. du VII siécle”, Revue de l’histoire des religions 1929, pp. 256ff‬‬
‫‪ . A. H. M. Jones, The Later Roman Empire, 284-602, Oxford 1964, vol. ii, p. 1007 (207‬قارن راّبول‬ ‫)‬

‫الذي أشاد مدارس لتعليم أبناء المراء والغنياء الوثنيين الحقيقة باللغة السننريانية‪E. de. ) .‬‬
‫‪.(Stoop (ed. and tr.), Vie d’Alexandre L’Acémète, in Patrologia Orientalis, vol. vi, pp. 673f‬‬
‫‪ (208‬قارن‪E. Beck (ed. and tr.), Des heiligen Ephraem des Syrers Hymmen de fide (CSCO, :‬‬ ‫)‬

‫‪ ،Scriptores Syri, vols. Lxxiiif), Louvain 1925‬تقول الترتيلة ‪ » 24:2‬سعيد من لم يتذوق‬


‫حكمة اليونان السامة «‪.‬‬
‫‪ (209‬لقد شفت فصاحة أفرام أهل الرها من أسرهم للحكمة اليونانية لهارمونيوس‪،‬‬ ‫)‬

‫ابننن بارديصنان »الرامنني«‪Bedjan, Acta Martyrum, vol. iii, pp. 652; Ephraem Prose ) .‬‬
‫سر افرام‬ ‫‪(Refutations, ed. C. W. Mitchell, London, 1919 - 21, vol. ii, pp. 8, 225‬؛ كذلك فقد ف ّ‬
‫الريوسية على أنها نتيجة المحاولة غير المبررة » للروح اليونانية « لخننتراق طبيعننة‬
‫الله‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫لذلك فقد تمّثل التعايش القلننق ‪ -‬مقابننل التحننالف ‪-‬‬
‫بين كنيسة متهلينة وعهد‪ ‬سوري والننذي سننيطر علننى‬
‫المسننيحية السننورية فنني حقننل البسننتمولوجيا أيض نًا‪:‬‬
‫فمن ناحية كننان ثمننة رجننال مثننل فيلوكسننينوس الننذي‬
‫كان يدافع عن كمال العقل البشري‪ ،‬ومن ناحية أخننرى‬
‫كننان ثمننة رجننال مثننل راّبننول الننذي ارتننأى أن العقننل‬
‫البشري فاسد جذريا ً‪ .((211‬بالنسبة لفيلوكسينوس‪ ،‬وهو‬
‫م من انغماسه فنني‬ ‫راهب إفاغراني‪ ،‬لشيء أسوأ للعال َ‬
‫‪((212‬‬
‫؛ لقنند كننان عننالم‬ ‫المشاكل التافهننة للحينناة اليوميننة‬
‫الكننثيرين الننذين ربمننا ُيننبّررون بالسننلوك الفاضننل‪ ،‬أو‬
‫بكلمات أخرى‪ ،‬بالشريعة التي تبرّر بها يسوع ذاته قبننل‬
‫منند‪((212‬؛ وحنندهم أولئك القليلننون الننذين فصننلوا‬ ‫أن يتع ّ‬
‫أنفسنننهم عنننن المشننناكل الدنيوينننة اسنننتطاعوا فعل ً‬
‫الوصول إلى الكمال وأن يتننبرروا بالنعمننة اللهيننة‪.((214‬‬
‫وبالنسننبة لفيلوكسننينوس فقنند كننان اليمننان عينيننن‬
‫جديدتين وأذنين جدينندتين‪ ،((215‬إضننافة تكميليننة لفقرنننا‬
‫الطبيعي بالحواس‪ ،((216‬بعدا ً رابعا ً يمكن للعقننل فيننه أن‬
‫يمسك بالحقيقة النتي يصنعب الوصننول إليهنا‪ ،‬القابعنة‬
‫خلننف ظننواهر العننالم الزائلننة‪ ،‬وأن ينندرك جللننة اللننه‬
‫الراسخة‪ .((217‬بالمقابل‪ ،‬فإن راّبول لم يعرف غير عننالم‬
‫دد أسننس‬ ‫ساقط أفسد فيه الثم الجسد‪ ،‬وبّلد العقل وب ّ‬
‫الوجود النساني بالذات‪((218‬؛ فكما أن الشريعة لم تكننن‬
‫كافية ‪ -‬خارج النعمة ل نستطيع أن نعرف ماهية الحياة‬
‫‪Bar Hebraeus, Chronica Ecclesiasticum, ed. and tr. J. B. Abbeloos and T. J. Lamy, (210‬‬ ‫)‬

‫‪Louvain 1872 - 7, vol.i, cols. 291 = 292‬؛ نتيجة لذلك ترك يعقوب الدير‪ .‬قارن فشننل‬
‫ايشوع يهب في تأسننيس مدرسننة فنني ديننر بيننت عننوى لن الرهبننان كننانوا ينشنندون‬
‫) ‪Fiey, ‘Iso‘yaw le Grand,‬‬ ‫السلم والهدوء‪ ،‬ونتيجة لذلك ُبنيت المدرسة في مكان آخننر‬
‫‪.(Orientalia Christiana Periodica 1969, p. 323‬‬
‫المقصود بذلك أبناء العهد )مترجم(‬ ‫‪‬‬

‫‪ (211‬من أجل الثنين عمومًا‪ ،‬أنظر‪Blum, “Rabbula von Edess; A. de Halleux, Philoxéne :‬‬ ‫)‬

‫‪. de Mabboy: sa vie, ses écrits, sa theologie, Louvain 1963‬‬


‫‪Philoxenus, Discourses, ed. and tr. E. A. W. Budge, London 1894, pp. 260 = 250 (212‬‬ ‫)‬

‫‪. .Ibid., pp. 244ff = 234ff (212‬‬ ‫)‬

‫‪. Ibid., pp. 256ff, 308f = 246ff, 295 (214‬‬ ‫)‬

‫‪. Ibid., pp. 52 = 49 (215‬‬ ‫)‬

‫‪. Ibid., pp. 36 = 33 (216‬‬ ‫)‬

‫‪Ibid., pp 288 = 275ff (217‬؛ قارن أيضنا ً رسنالته إلنى الرهبنان المشننغولين بتهنذيب‬ ‫)‬

‫وغ جرأتننه فنني التحنندث إليهننم عننن »‬ ‫الفضائل التي تقود إلى الكمال‪ ،‬وهو ظرف يس ّ‬
‫الحكمة التي ل يمكن الوصول إليها «‪Lettre aux miones de Senoun, ed. and tr. A. de ) .‬‬
‫‪.(Halleux (=CSCO, Scriptores Syri, vols. xcviiif), Louvain 1963, pp. 71 = 58‬‬
‫‪. Blum, Rabbula von Edessa, pp. 133ff (218‬‬ ‫)‬

‫‪145‬‬
‫التي تخشى الله ‪ -‬كذلك تماما ً فإن المل بفهم حقننائق‬
‫ليسننت فنني متننناول الينند بنندا لغيننا ً ‪ -‬عقننل النسننان‬
‫(‬
‫الضعيف ل يستطيع أبدا ً أن يفهم ما يعرفه عبر النعمة‬
‫‪ .(219‬لننذلك علننى المننرء أن يننؤمن‪ ،‬يحننب ويطيننع‪ ،‬ل أن‬
‫يفتش‪ ،‬يبحث ويستعلم‪ ،((220‬لن النسننان يسننتطيع مننن‬
‫خلل إرادته البشننرية بالنعمننة اللهيننة أن يعيننش حينناة‬
‫فاضلة؛ يستطيع المرء أن يجني ثمارا ً طيبننة تحننت نننور‬
‫(‬
‫الشمس‪ ،‬لكن ل يعمي عينيه إل بالتحديق في الشمس‬
‫‪ .(221‬لم يكن اليمان بالنسبة لرابول ملحقا ً بالعقل‪ ،‬بننل‬
‫على وجه التحديد‪ ،‬بديل له‪ .((222‬لقد آمن فيلوكسننينوس‬
‫حتى يفهم‪ ،‬وبحث حتى يجد؛ لقد باع بضنناعته الدنيويننة‬
‫حتى يشتري الحكمة السرانية ‪ .((223‬لكن رابول آمن حتى‬
‫خل ّننص؛ لقنند بنناع بضنناعته الدنيويننة‬
‫شفى‪ ،‬أطاع حتى ي ُ َ‬ ‫يُ ْ‬
‫ليخّلص نفسه من الشياطين‪ ،‬وصلب عقله وجسده معا ً‬
‫مل سماءه‪.‬‬ ‫ليج ّ‬
‫كان فيلوكسينوس المدافع الوحيد تقريبا ً عن العقل‬
‫في سننوريا‪ ،‬لكننن بالمقابننل لننم يكننن راب ّننول الظلمنني‬
‫الوحد‪ :‬فإبستمولوجيته تمتلك أصداء في مناطق أخرى‬
‫من الدب السرياني‪ ،((224‬تماما ً كما أن مسننيرته تعكننس‬
‫ساك سوريين آخرين ل حصر لهم والننذين‬ ‫أصداء حياة ن ّ‬
‫لننم يجعلننوا الصننحراء خضننراء‪ ،‬ولننم يمارسننوا فلسننفة‬
‫مسننيحية‪ ،‬لكنهننم كننانوا منننذورين وظّلننوا كننذلك‪ .‬إذًا‪،‬‬
‫دوا‬ ‫فالناسكون السننوريون‪ ،‬ابسننتمولوجيا ً وسننلوكيًا‪ُ ،‬‬
‫قن ّ‬

‫‪. Overbeck, Opera Selecta, p. 239 (219‬‬ ‫)‬

‫‪. Ibid., p. 241 (220‬‬ ‫)‬

‫‪. Loc. cit (221‬‬ ‫)‬

‫‪ (222‬مسألة ترد بقوة للغاية في رواية اعتناقه للمسيحية ) ‪Overbeck, Opera Selecta, pp.‬‬ ‫)‬

‫‪(162 - 164‬؛ وفي حين يستخدم ثيودوريتوس سقراط لثبات أن العقل البشري يبرهن‬
‫علننى جهلنننا ) ‪ ،(Therapeutique, i:83f‬يسننتغيث ناصننحو راب ّننول باضننطهاد الشننياطين لننه‬
‫للوصول إلى المسألة ذاتها؛ وفي حين يرفض أوينندا ‪ Awida‬القبننول بمبنندأ ررررر رر‬
‫رررر ‪ (Credo ut intelligam (Bardesanes, Liber legum regionum, vol. 541‬؛ يقبل رابول بمبدأ‬
‫ررررررر ررررر ‪.Credo ut liberer‬‬
‫‪. Philoxenus, Discourses, pp. 309 = 296 (223‬‬ ‫)‬

‫‪C. Moss, “Isaac of Antioch, Homily on the Royal City”, Zeitschrift für Semitistik 1929 and (224‬‬ ‫)‬

‫‪ . 1932, pp. 305f‬قارن أيضنًا‪I. Harsherr, “Les grands courants de spiritualité orientale”, :‬‬
‫‪ .Orientalia Christiana Periodica 1935, pp. 119 - 21‬العراق النسطوري‪ ،‬الذي بدا في العديد‬
‫جدا ً من سماته كإقليم فنني سننوريا‪ ،‬يمتلننك أصننداء مماثلننة؛ قننارن انقسننام المننوالين‬
‫لنارساي بين ثيودوروس المصيصي و » اله افرام المبهننم «‪T. Jansma, “Narsai and) .‬‬
‫‪Ephraem. Some Observation on Narsai’s Homilies on Creation and Ephraem’s Hymns on Faith”,‬‬
‫‪ .(Parole de l’Orient 1970‬لكن البهام الذي أحاق بنالله النسننطوري وصنل إلننى حنده‬
‫الدنى بسرعة كبيرة‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫دسة التي‬ ‫من أديم واحد‪ :‬فبعدما تسّلحوا بالسفار المق ّ‬
‫استمدوا منهننا هننويتهم‪ ،‬وإيمننانهم وعملهننم‪ ،‬انطلقننوا‬
‫يحاربون شياطينهم في بحثهم عن النعمة‪.‬‬
‫كان هنالك إذا ً نوع من التشابه بين سوريا عننام ‪200‬‬
‫قبننل الميلد وسننوريا عننام ‪ 600‬م‪ .‬فقنند تعننايش فنني‬
‫الزمنين نخبة مدنية وكهنوت متهلين مع تقلينند محّلنني‪:‬‬
‫ل الدارييننن‬ ‫في المدن أخذ الموظفون المسيحيون مح ّ‬
‫ل من هو مسننيحي مننن كهنننة‪ ،‬خطبنناء‪،‬‬ ‫الوثنيين‪ ،‬كما ح ّ‬
‫ل نظرائهننم الننوثنيين؛ فنني حيننن‬ ‫كرين‪ ،‬وعلمنناء محن ّ‬ ‫مف ّ‬
‫تطّلع السكان المحليون في الرينف إلنى الصنحراء منن‬
‫أجل الهداية والوحي اللذين حصلوا عليهما سننابقا ً مننن‬
‫آلهتهم المحليننة‪ .‬لكننن إذا كننان الدمننج الثقننافي والننذي‬
‫أحنندثته المسننيحية قنند فشننل فنني خلننق تحننالف بيننن‬
‫دل بعننف مينزان القنوى التجنادلي‪:‬‬ ‫الطرفين‪ ،‬إل أنه بن ّ‬
‫ول التقلينند المحل ّنني‪ ،‬الننذي‬ ‫فمع حلول عننام ‪600‬م‪ ،‬تح ن ّ‬
‫ظل علننى منندى أربعمئة سنننة يفقنند بثبننات المعقوليننة‬
‫والمصادر الفكرية تحت تأثير حقائق غريبة‪ ،‬إلننى بننديل‬
‫ل‪ ،‬المنننذور‬ ‫حسننن التجهيننز ومننترابط منطقيننًا‪ .‬فننأو ً‬
‫السوري‪ ،‬رغم رفضه للعالم المبراطوري‪ ،‬إل أنننه كننان‬
‫نتاج ثقافة إمبراطورية مثله مثل سننوريا قققق قققققق‬
‫على نحو دقيق‪ .‬وهكننذا كننان فنني متننناول يننده مصننادر‬
‫ثقافية محّنكة‪ ،‬وفي حين لم يستطع الفلحون القباط‬
‫سوى تحويل أفسس إلى مجمع لصوص باستخدام نننوع‬
‫من الثورة الفكرية‪ ،‬فقد استطاع راّبول تقننديم مننذهبه‬
‫المقاوم لنتشننار المعرفننة لمجموعننة منن المسننتمعين‬
‫المثقفيننن فنني القسننطنطينية‪ .((225‬ثاني نًا‪ ،‬لقنند اختلننف‬
‫المنذور عن الثقافة المبراطورية‪ ،‬مع أنه كله نتاج لها‪،‬‬
‫وذلننك فنني امتلكننه لمرسننى صننلب فنني الريننف‪ .‬كننان‬
‫باسننتطاعة حطننام السننفينة المبراطوريننة أن يظننل‬
‫طافيا ً في سوريا عبر الحقيقة الصريحة التي تقول إنه‬
‫صدف وأن كان امبراطوريًا؛ لكن ذلك كان حدثا ً تاريخينا ً‬
‫عارضنننًا‪ ،‬وإذا منننا كنننان علنننى الغشننناء السياسننني‬
‫والكليروسي للعننالم اليوننناني ‪ -‬الرومنناني أن ينفجننر‪،‬‬
‫لكان المنذور هو الذي سينقذ السوريين‪ ،‬لنه كننان كننل‬
‫ما يملكون‪.‬‬

‫‪. Overbeck, Opera Selecta, p. 239 (225‬‬ ‫)‬

‫‪147‬‬
‫القسم الثالث ‪ :‬الصطدام‬
‫‪8‬‬
‫الشروط المسبقة لتشكيل الحضارة السلمية‬

‫الحضارة السلمية هنني النتنناج لغننزو بربننري لراض‬


‫ذات تقاليد ثقافية قديمة جدًا‪ .‬وهي بحنند ذاتهننا فرينندة‬
‫في التاريخ‪ .‬ل يوجد عوز طبعا ً لتجارب غزو بربري فنني‬
‫مر البرابرة الحضننارة‬ ‫تاريخ الحضارة؛ لكن بقدر ما ل يد ّ‬
‫التي يغزونها‪ ،‬بقدر ما يسننرمدونها عننادة‪ .‬كننذلك ليننس‬
‫هنالك أي عوز لنتقالت بربرية إلى الحضارة في تاريخ‬
‫الننبرابرة؛ لكننن بقنندر مننا ل يسننتهلك الننبرابرة ألننوف‬
‫السننننوات لتطنننوير حضنننارة خاصنننة بهنننم‪ ،‬بقننندر منننا‬
‫يستعيرونها عادة‪ .‬لكن علقة العرب بالنتيك ل تتناسب‬
‫مع أي مننن هننذه النمنناذج‪ .‬مننع ذلننك فممننا ل يسننترعي‬
‫انتباه خاص طبعنا ً أن العننرب لننم يكونننوا برابننرة بحيننث‬
‫يستأصلون الحضارة ول أصلء بحيث يخننترعون حضننارة‬
‫خاصة بهم‪ .‬لكنهننم كننانوا غيننر عنناديين فعل ً فنني أنهننم‬
‫ل‪ ،‬لم يكسبوا أنفسهم ولننم يفقنندوها فنني‬ ‫عاجل ً أم آج ً‬
‫الحضننارة الننتي غزوهننا‪ .‬عوضننا ً عننن ذلننك‪ ،‬كننان نتنناج‬
‫اصطدامهم مع النتيك تشكيل حضرة جديدة للغاية مننن‬
‫مواد قديمة جدًا‪ ،‬وكان ذلك سريعا ً إلى درجة أنه لحظننة‬
‫استقرار غبار الغزو كانت صيرورة التشكيل قنند مضننت‬
‫قدما ً للتننو‪ .‬وأيننة محاولننة لفهننم هننذا الحنندث الثقننافي‬
‫الفريد ل بد أن تبدأ بإظهار ماذا كان عليه وضع الغننزاة‬
‫والمغزويين بحيث صار نتاج كهذا ممكنًا‪.‬‬
‫إن أي درع حنام ٍ لتشنكيل حضنارة جدينندة فني عنالم‬
‫دم مننن قبننل أعنندائه‪ .‬والحقيقننة‬ ‫النتيك كان لبد أن ي ُ َ‬
‫ق ّ‬
‫الحاسمة حول هؤلء العداء هي أنهم كانوا من نوعين‪.‬‬
‫فننأول ً كننان هنالننك الننبرابرة الخننارجيون الننذين أشننرنا‬
‫إليهم للتو‪ ،‬والذين يمضننون »حينناتهم المنعزلننة« خلننف‬
‫ضننر‪ .‬ووجنودهم بحند ذاتنه لنم يأخننذ‬ ‫حدود العنالم المتح ّ‬
‫سوى وضعية التهديد المألوف بغزو بربري‪ :‬بمعنى أنننه‬
‫كانت لديهم القوة لقلب الحضارة‪ ،‬لكننن ليسننت لننديهم‬
‫القيم لستبدالها‪ .((1‬ثانيًا‪ ،‬كان عند النتيك عدو أكثر من‬
‫‪ (1‬الهاجرية دينن‪ ،‬لكنن حننب التخرينب العبنثي ‪ Vandalism‬هنو مجننرد عنارض مرضني‬ ‫)‬

‫سلوكي‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫غير عننادي والننذي تمث ّننل فنني هيئة اليهننود الموجننودين‬
‫ضننمن حنندوده‪ ،‬والننذين يعيشننون فنني الغيتننو رفضننهم‬
‫كل وجننودهم إدانننة‬ ‫للعالم اليوناني ‪ -‬الروماني‪ .‬لقد ش ن ّ‬
‫أخلقيننة للحضننارة‪ :‬بمعنننى أنننه كننانت لننديهم قيمهننم‬
‫الخاصة التي يرفضون بها الثقافة السائدة‪ ،‬لكننن حننتى‬
‫في مأواهم الصغير كانت تنقصننهم القننوة لقلبهننا‪ .‬لننم‬
‫يكن باستطاعة أي مننن الفريقيننن تقننديم أي نننوع مننن‬
‫الحماية من عنده من أجل تشننكيل حضننارة جدينندة‪ .‬لننم‬
‫يكن هنالك قط أي شيء مما يقال له حضننارة يهوديننة‪،‬‬
‫ولم يكن هنالننك قننط أي شننيء ممننا يقننال لننه حضننارة‬
‫بربرية‪ .‬مع ذلننك فقنند كننان ثمننة شننيء تكميلنني واضننح‬
‫معي ّننن‪ :‬إذا كننان ممكننا ً إدخننال القننوة البربريننة والقيننم‬
‫اليهودية في مؤامرة مننا‪ ،‬كننان مننن المحتمننل تمامنا ً أن‬
‫تستطيعا أن تحققا سوية مننا عجزتننا عننن تحقيقننه كننل‬
‫على حدة‪.‬‬
‫للوهلة الولى نرى أن شروط مننؤامرة كهننذه كننانت‬
‫منتشننرة علننى نحننو ملحننوظ‪ .‬وفنني نهايننة المننر‪ ،‬فقنند‬
‫استسلم عالم النتيك‪ ،‬فنني الشننرق والغننرب علننى حنند‬
‫سواء‪ ،‬للغزو البربري والقيم اليهودية أخيننرًا‪ .‬مننع ذلننك‬
‫كننان ثمننة فننرق أساسنني‪ :‬الغننزو الجرمنناني وانتشننار‬
‫المسننيحية كانننا عمليننتين تنناريخيتين منفصننلتين فنني‬
‫الغرب‪.‬‬
‫إنتشار المسيحية‪ ،‬من ناحية‪ ،‬لم يكن غزوا ً عسننكريًا‪.‬‬
‫فالمسننيحية‪،‬كالهاجريننة‪ ،‬كننانت نتنناج تبشننير بننالقيم‬
‫اليهودية فنني بيئة أمميننة‪ .‬لكننن فنني الحالننة المسننيحية‬
‫فقنند عرفننت المسننيانية فشنل ً براغماتينا ً فنني سننياقها‬
‫اليهننودي الصننلي‪ ،‬نهايننة بشننعة لمهنننة فنني الطننب‬
‫الشعبي‪ ،‬قبل تسويقها بين شننعب أممنني والننذي كننان‬
‫متحضننرًا‪ ،‬متغنناير الخننواص إثنيننًا‪ ،‬وخننامل ً سياسنننيًا‪.‬‬
‫والسنننوات الننتي أمضنناها بننولس الرسننول فنني شننبه‬
‫جزيرة العرب قبل اعتناقه المسيحية كانت غيننر بننارزة‬
‫في السياسة الدينية للمسيحية‪ :‬المؤسس أعلم أتبنناعه‬
‫أن المسيح ليس في الصننحراء )مننتى ‪ .(26:24‬وعوضنا ً‬
‫عننن ذلننك‪ ،‬بنندأت المسننيحية فنني شننكلها البوليسنني‬
‫دم‬ ‫الختراق السلمي للعالم المتحضر‪ .‬وهننذا القننرار قنن ّ‬
‫كل ً من الدافع والوسيلة لتغيير بعينند المنندى والننذي بننه‬
‫ساماة أكننثر الملمننح خشننونة فنني الرث اليهننودي‬ ‫م َ‬
‫تم ُ‬

‫‪149‬‬
‫دم النندافع بحيننث ل يكننون‬ ‫إلى استعارة مجازية‪ .‬لقد ق ن ّ‬
‫باستطاعة اليهودية تسويق ذاتها في العننالم المتحضننر‬
‫دون أن تتفاهم معه‪ ،‬وقدم الوسيلة بحيننث أن الثقافننة‬
‫الهلينية السائدة لهذا العالم كانت هي الخننبيرة تحدينندا ً‬
‫في تسننام ٍ كهننذا‪ .‬اعت ُننبر أن الحقننائق الحرفيننة للنسننب‬
‫طلننت قدسننية‬ ‫ُ‬
‫اليهودي هي استعارات مجازية‪ ،‬وبذلك أب ْ ِ‬
‫الثنية اليهوديننة وصننار ممكن نا ً للمننم أن يصننبحوا أبننناءً‬
‫للعهد؛ فنني الننوقت ذاتننه فننإن ديانننة ‪ cult‬الننروح أذابننت‬
‫قساوة التحريم لحرفية الشرع‪ ،‬والمل العيننني بخلص‬
‫قننوي‬ ‫دل بالنتظننار الت َ َ‬ ‫لسننرائيل فنني هننذاالعالم اس نت ُب ْ ِ‬
‫لخلص المؤمنين في العالم الخر‪ .‬لكن هذه المسنناماة‬
‫للرث اليهننودي لننم تكننن وبننأي شننكل كاملننة طبعننًا‪:‬‬
‫فالمسننيحية إجمننال ً ليسننت مرقيونيننة‪ ،‬تمامنا ً مثلمننا أن‬
‫البوذية الصينية ليست زن‪ .‬مع ذلك يبقى أن المسيحية‬
‫حّلت مشكلة تخليص جوهر القيننم اليهوديننة منن الغيتننو‬
‫عننبر وسننيلة تننرك مننادة القيننم خلفهننا‪ .‬اليهوديننة فنني‬
‫دت الحضننارة إلننى اليمننان علننى‬ ‫هن َ‬
‫شننكلها المسننيحي َ‬
‫حساب القبول بها‪.((2‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬فالغزوات الجرمانية لم تكن حركننة‬
‫دينية‪ .‬كان لدى الجرمان بالطبع قوتهم البربرية‪ ،‬وربما‬
‫ش نَرع‬‫أنهم بدأوا باستخدامها بما يكفي مننن الوحشننية‪َ :‬‬
‫حاكم قوطي في بداية القرن الخامس بننإحلل قوطيننا‬
‫مكان رومانيا ‪ .((3‬لكن من ناحيننة‪ ،‬القننوط‪ ،‬وهننم لجئون‬
‫مننن الهننون و الننذين صنناروا حلفنناء الرومننان‪ ،‬كننانت‬
‫ي نننوع مننن قوطيننا مننثير جنندا ً‬ ‫تنقصننهم القننوة لخلننق أ ّ‬
‫للذكريات والعواطف؛ ومن ناحية أخرى‪ ،‬فحتى لو كانوا‬
‫قادرين على إقامة امبراطورية قوطيننة عاصننمتها فنني‬
‫الوطن وشننرع قننوطي امننبراطوري بطريقننة المغننول‪،‬‬
‫‪ » (2‬هذه المدينة السماوية‪ ،‬إذًا‪ ،‬عندما توجد على الرض‪ ،‬تنندعو مننواطنين مننن كننل‬ ‫)‬

‫المم غير مترددين بشأن العادات‪ ،‬الشرائع والعراف التي يصان بها السلم الرضي‬
‫ويؤكد‪ ...‬لذلك فهي بعيدة عن إلغنناء وإزالننة هننذه الفروقننات‪ ،‬بننل إنهننا تحننافظ عليهننا‬
‫وتتبناها‪ ،‬بقنندر مننا ل تشننكل هننذه الفروقننات عقبننة فنني طريننق عبننادة اللننه العلننى‬
‫والحقيقي «‪Augustine, City of God, xix: 17, as cited in Avis, “Moses and the agistrate: a ) .‬‬
‫دة معادلة‬ ‫‪ .(Study in the Rise of Protestant Legalism”, p. 150‬من أجل تقديم للقضية بح ّ‬
‫ضمن منظور أكثر عدائيننة فني عمنل قندمه أحند المسنلمين أنظنر‪Stern, “‘Abd Al ) :‬‬
‫‪.(”Jabbar’s Account of how Christ’s Religion was Falsified by the Adoption of Roman Customs‬‬
‫‪ (3‬أنظر‪J. M. Wallce - Hardill, “Gothia and Romania”, in his The Long - Haired Kings and :‬‬ ‫)‬

‫‪. others studies in Frankish history, London 1962, p. 25‬‬

‫‪150‬‬
‫ع حننام ٍ‬ ‫ف لتقننديم در ٍ‬
‫فإن إنجازهم كان سيظل غيننر كننا ٍ‬
‫لعادة صنع حضارة‪ .‬لذلك كانوا بحاجة إلننى قيننم دينيننة‬
‫وقوية؛ لكن لم يكن لهم وجننود ديننني تقريبنًا‪ .‬لقنند بنندأ‬
‫الجرمان في معظم وقتهم كننوثنيين لنهننم جنناءوا مننن‬
‫الخارج؛ وانتهوا كمسيحيين لنهم أضحوا فنني الننداخل‪.‬‬
‫لكن لم تستطع ل الوثنية ول المسيحية تقديم ما كننانوا‬
‫بحاجننة إليننه‪ :‬الوثنيننة الجرمانيننة كننانت بعينندة جنندا ً عننن‬
‫ضنننر‪،‬‬ ‫المعنننايير الدينينننة السنننائدة فننني العنننالم المتح ّ‬
‫والمسيحية كانت قد فرغت لتوها من قبول هذا العالم‬
‫وهدايته‪ ،‬والثنان لم ينصهرا تاريخيا ً مع الغننزو‪ .‬وهكننذا‬
‫فقنند كننانت فضننالة الغننزوات الجرمانيننة فضننالة إثنيننة‬
‫دم‬ ‫مجّردة‪ ،‬إرثا ً محليا ً والذي ظل علننى قينند الحينناة ليقن ّ‬
‫الساس النهائي‪ ،‬ليس لحضارة جدينندة‪ ،‬بننل لكراهيننات‬
‫قومينننة داخنننل حضنننارة جديننندة‪ .‬وكنننالقيم اليهودينننة‬
‫للمسيحيين‪ ،‬فقد استطاعت القننوة البربريننة للجرمننان‬
‫عبننور الحنندود إلننى داخننل الحضننارة لكننن فقننط علننى‬
‫حساب الستسلم لها‪.‬‬
‫كنننان هنالنننك بنننالطبع ننننوع منننن الرتبننناط بينننن‬
‫القوةوالقيمة فنني الشننكل القننوطي للريوسننية‪ .‬لكننن‬
‫في ضوء ما قلناه سابقًا‪ ،‬فمن الواضننح أن المننل كننان‬
‫ضننعيفا ً فنني قيننام الشننكل القننوطي للريوسننية بأيننة‬
‫مننؤامرة فاعلننة ضنند الحضننارة‪ .‬ففنني الموضننع الول‪،‬‬
‫كانت هنالك الطريقة الننتي تبناهننا بهننا القننوط ‪ .((4‬فقنند‬
‫وصلت الريوسية إلى القننوط بننالطبع قبننل أن يعننبروا‬
‫النندانوب؛ لكنهننا لننم تبنندأ مننع ذلننك بهنندايتهم علننى أي‬
‫مستوى‪.‬وأولفيل‪ ،‬مثننل محمنند‪ ،‬كننانت لننه قققق ق؛ لكننن‬
‫هروبننه كننان مننن الضننطهاد القننوطي إلننى الحمايننة‬
‫المبراطوريننة الرومانيننة‪ .((5‬وحيننن تبعننه القننوط فنني‬
‫الوقت المناسب كغننزاة‪ ،‬فقنند فعلننوا ذلننك فنني معظننم‬
‫الوقت كوثنيين يدخلون إمبراطورية محبذة للريوسننية‪.‬‬
‫وفقط حين وصل القوط إلى الغننرب‪ ،‬وبنندأوا باعتننناق‬
‫كل‬ ‫شنن ّ‬‫الريوسننية فنني بيئة ذات غالبيننة أرثوذكسننية‪ُ ،‬‬
‫الحلف بين الهرطقة المسيحية والثنية البربرية‪ .‬ثاني نًا‪،‬‬
‫في اعتناق القوط للريوسية‪ ،‬كانوا يتبنون ليس ديانننة‬
‫‪.E. A. Thompson, The Visiogoths in the Times of Ulfila, Oxford 1966 (4‬‬ ‫)‬

‫‪Ibid., p. xviii (5‬‬ ‫)‬

‫‪151‬‬
‫خاصة بهم بل هرطقة موجودة من ديانة موجودة‪ ،‬هنني‬
‫المسيحية‪ .‬ورغم مفردات التحقير الخريستولوجية‪ ،‬لننم‬
‫يكن الريوسيون يهودًا‪ .‬فمن ناحية اشتركت الريوسية‬
‫مننع المسننيحية الرثوذكسننية فنني قبولهننا للحضننارة‬
‫السائدة‪ :‬لم تكن فنني موقننع يؤهلهننا لن تعتننبر العننالم‬
‫اليوناني ‪ -‬الروماني كنعانا ً ثقافيننة‪ .‬ومننن ناحيننة أخننرى‬
‫كانت الريوسية تنتمي مع المسيحية إلننى أحنند اشننكال‬
‫هننرة مننن الهويننة الثنيننة‪ :‬لننم تكننن فنني‬ ‫اليهوديننة المط ّ‬
‫موقع يؤهلها لتكريس السباط القوطية عبر تقننديمهم‬
‫في دور السرائيليين الغزاة‪ .‬وهكذا فحتى لو انصهرت‬
‫الريوسية مع الغزو القوطي بالمفهوم التاريخي‪ ،‬فقد‬
‫كننانت سننتفتقد المصننادر اليديولوجيننة لسننتثمار تلننك‬
‫الفرصة‪.‬‬
‫إن الصلة الناتجة بين الهرطقننة الريوسننية والثنيننة‬
‫القوطيننة كننانت مننن بعننض النننواحي قويننة تمامننًا‪.‬‬
‫فالريوسننننية صننننارت بالنسننننبة للقننننوط »إيماننننننا‬
‫الكاثوليكي« وذلك مقابل »الديانة الرومانيننة«‪ ،((6‬وكننان‬
‫دد بأنهننا كننانت ديانننة للقننوط دون‬ ‫هنالننك إحسنناس محن ّ‬
‫سننواهم‪ .((7‬لقنند قننام الحلننف بشننيء لطالننة منندى‬
‫اسننتمرارية محتننوى الطرفيننن اللننذين يشننكلنه‪ :‬فقنند‬
‫حمننى الريوسننية مننن أن ُتسننتوعب فنني المسننيحية‬
‫الرثوذكسية‪ ،‬ودعم الهوية القوطيننة كنني ل تسننتوعبها‬
‫ون الريوسننني ول‬ ‫مكننن ّ‬
‫الثنينننة الرومانينننة‪ .‬لكنننن ل ال ُ‬
‫القوطي كان كتيما ً بأيننة حننال أمننام الثقافننة الشننائعة‪.‬‬
‫وهكذا كان هنالك ملوك قوط وإكليروس قننوطي‪ ،‬لكننن‬
‫لم يكن ثمة »عبد الملك« قوطي‪ :‬في إسبانيا القوطية‬
‫الغربية صننارت الطبقننة البيروقراطيننة تسننتخدم اللغننة‬
‫اللتينيننة‪ ،‬واللغننة المعنناد إصننلحها لننم تكننن تحمننل أيننة‬
‫أسنناطير آريوسننية ‪ .((8‬كننانت الريوسننية وسننيلة دفنناع‬
‫فاعلة تماما ً عن هرطقة وإثنية‪ ،‬لكنها لم تكن تحمل أي‬
‫أمل في خلق حضارة ما‪.‬‬

‫‪.E. A. Thompson, The Goths in Spain, Oxford 1969, pp. 40n, 84 (6‬‬ ‫)‬

‫‪ (7‬من أجل فقدان أية رغبة في اكتساب مهتندين منن بينن سنكان إسنبانيا القوطينة‬ ‫)‬

‫الغربية الصليين والمحاولة التكميلية لليوفيجيلنند لهدايننة سننوفيي غالسننيا الجرمننان‪،‬‬


‫أنظر‪ .Ibib., pp.106f :‬قارن مع سلوك الغزاة السرسنيين عند جبنل سنيناء )أنظننر‪ :‬ص‬
‫‪.(267‬‬
‫‪. Ibid. pp. 175 (8‬‬ ‫)‬

‫‪152‬‬
‫كن بسهولة النتهاء الى النتيجة ذاتهننا‬ ‫ُ‬
‫م ِ‬‫في الشرق أ ْ‬
‫إلى حد كبير‪ .‬ولو أن السلم انتشر بطريقة المسيحية‬
‫الهننادئة‪ ،‬لتعّلننم بالضننرورة كيننف يوفننق بيننن تقالينند‬
‫الشعوب التي أدخلها في ديانته ‪ -‬كيف يبحث عن آلهننة‬
‫دم ذاته كنوع من الحقيقننة والنتي قند‬ ‫مجهولة‪ ،‬كيف يق ّ‬
‫ول‬ ‫تهتم النخب الموجودة بننأن تعننترف بهننا‪ ،‬وكيننف يح ن ّ‬
‫دس إلى مصطلحات بإمكانهم فهمها‪ .((9‬لقنند‬ ‫كتابه المق ّ‬
‫برهن السلم بين حين وآخر على مرونة مدهشة وذلك‬
‫حين تواجه مع مصطلحات التجارة التوفيقيننة مننن ذلننك‬
‫النوع الذي واجه المسننيحية الولننى‪:‬التكيفننات الدخيلننة‬
‫دنا‬‫لسلم مسالم مع تقالينند جنناوا أو داغومبننا‪ ((10‬ل تم ن ّ‬
‫ب مننا قبلننه«‪.((11‬‬ ‫بامثلة عن التعبير القائل »السلم يج ن ّ‬
‫بالمقابل فالعصب الثقافي للسلم لم يصمد دائما ً في‬
‫سياقات حيث السلم ذاته كنان متعرضنا ً لغننزو غريننب‪:‬‬
‫لحظ ضعف التصّلب الديني والقبول بمطننالب شننرعية‬
‫القانون والنسب غير السلميين في الشمال الشرقي‬
‫فنني أعقنناب الغننزو المغننولي‪ .((12‬ولننو اسننتطاع إسننلم‬
‫التاريخ الفعلي أن ينحني بهذه الطريقة أمننام التقالينند‬
‫غير المخضعة لجاوا الهندوسية أو داغومبا الوثنية‪ ،‬وأن‬
‫يتراجع أمام التقاليد الغازية للمغننول أو فنني وقننت مننا‬
‫للغرب‪ ،‬عننندئذ قق ق ق قق ققق ق يمكننن تمام نا ً تخيننل أن‬
‫إسلما ً انتشننر بشننكل سننلمي منننذ البدايننة‪ ،‬قنند انتهننى‬
‫كديانننة ذات شننكل حكننم رومنناني وحضننارة يونانيننة‪ ،‬أو‬
‫كإيمان أممي يشننمل عننددا ً كننبيرا ً مننن شننعوب مسننلمة‬
‫‪ (9‬قارن بين التاريخ المتعدد اللغات للسفار المسيحية )أو البوذية( مع عنندم القابليننة‬ ‫)‬

‫الصلبة لترجمة القرآن‪.‬‬


‫‪ (10‬في الحالة الجاوية فإن ما يدل على شروط التجارة هو أن أولئك الذين يأخننذون‬ ‫)‬

‫مطالب ديانتهم على نحو جدي يؤولون من قبننل رفنناقهم مننن أهننل البلنند علننى أنهننم‬
‫غرباء‪ .(C. Greetz, The Religion of Java, Glencoe, Ill. 1960, p. 123 ) .‬في حالة غرب أفريقيا‬
‫يمكننن فهننم شننيء مننن العلقننة بيننن السننلم وأشننكال الحكننم الوثنيننة فنني تسننمية‬
‫المسلمين » زوجات الزعيم «‪N. Levtzion, Muslims and Shiefs in West Africa, Oxford ) .‬‬
‫‪.(1968, pp. 58, 132‬‬
‫‪. Wensinck, Concordance, s.v. hadama (11‬‬ ‫)‬

‫‪M. Mole, “Les Kubrawiya entre sunnisme et shiisme aux huitieme et neuviéme siécles (12‬‬ ‫)‬

‫‪del’Hégire”, Revue des études islamiques 1961, pp. 78 - 91‬؛ن ‪D. Hyalon, The Great Yasa of‬‬
‫كل المنحدرون‬ ‫‪) . Chingiz Khan. A reexamination (B)”, Studia Islamica 1971, pp. 177 - 80‬يش ّ‬
‫من جنكيز خان هنا رر ر رر ر والننذين يمكننن مقارنننة وظيفتهننم فنني تولينند شننرعية‬
‫سياسية مع وظيفة عائلة النبي(‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫والتي تحتفننظ بثقافننات أسننلفها جنب نا ً إلننى جنننب مننع‬
‫ديانتها الجديدة ‪.((13‬‬
‫بالمقابننل لننم يكننن علننى الغننزوات العربيننة أن تأخننذ‬
‫غننزي مننن‬ ‫شكل حركة دينية‪ .‬ولننو أن الشننرق الوسننط ُ‬
‫قبل عابنندين وثنييننن للعنّزى واللت عننبر إعننادة تمثيننل‬
‫أقل تلشيا ً للغزو النبطنني لسننوريا‪ ،‬لمننا اختلننف مسننار‬
‫الغزاة الديني كثيرا ً ربما عن مسار الفرانكيين‪ .((14‬ولننو‬
‫كننانت الغننزوات اسننتهلت تحننت حمايننة اللخمييننن أو‬
‫الغساسنة‪ ،‬لو أنها نجمت عن نسننخة أكننثر دواميننة عننن‬
‫المبراطورية الرومانية والتي لها صننلة قويننة بمصننالح‬
‫واحدة أو أخرى من الهرطقات المسيحية الكبيرة‪ ،‬فمن‬
‫غير المرجح أن الهمية الثقافية للعرب كانت ستختلف‬
‫كنننثيرا ً فننني الننننوع عنننن الهمينننة الثقافينننة للقنننوط‬
‫الريوسيين‪ .‬ولم يكن الغزاة في أي مننن الحننالت فنني‬
‫موقع يؤهلهم كنني يننتركوا وراءهننم أكننثر مننن السننس‬
‫السياسننة والثقافيننة لقوميننة نهائيننة والننتي يمكننن‬
‫مقارنتهننا بالسننس السياسننية والثقافيننة للهنغننار أو‬
‫للسلف الرثوذكس ‪.((15‬‬
‫عوضا ً عن ذلننك‪ ،‬فننالغزو الننبربري وتشننكيل اليمننان‬
‫اليهودي الذي كان سينتصر أخيرا ً في الشرق كانا جزءا ً‬
‫من الحدث التاريخي ذاته‪ .‬ما هننو أكننثر مننن ذلننك‪ ،‬فننأن‬
‫التحامهما كان واضحا ً في الشكل الولي للعقيدة التي‬
‫حنندت بشننارة محمنند بيننن‬ ‫كانت ستصبح السلم‪ .‬لقنند و ّ‬
‫حقيقة دينية مسننتعارة مننن التقلينند اليهننودي وإفصنناح‬
‫ديني عن هوية إثنية لتباعه العرب‪ .‬وهكننذا ففنني حيننن‬
‫كنننانت العقيننندة الريوسنننية مجنننرد حقيقنننة والثنينننة‬
‫دب النبيه لزيا غوكالب‪N. Berkes (tr.), Turkish Nationalism and Western ) .‬‬ ‫‪ (13‬قارن الن َ ْ‬ ‫)‬

‫‪.(Civilisation: Selected Enays of Ziya Gokalp, London 1959, p. 227‬‬


‫‪ (14‬من أجل كل ماضيهم ررر رررر‪ ،‬قننارن المقطننع المننأخوذ مننن ‪Diodoras Siculus‬‬ ‫)‬

‫المستشهد به آنفًا‪ ،‬الهامش ‪ ،38‬القسم الول‪ ،‬والنبطيون كننانوا سنريعين بمنا يكفنني‬
‫حين أعلنوا هلينيتهم عند احتللهم لدمشق‪Schürer, The History of the Jewish People, p. ) .‬‬
‫‪. (578‬‬
‫‪ » (15‬المة « الهنغارية الرستقراطية قبل قدوم التيار القومي الحديث في معرفتها‬ ‫)‬

‫ونننة ببسنناطة تامننة مننن أحفنناد الغننزاة المجرييننن الننوثنيين‬ ‫الخاصننة بننذاتها كننانت مك ّ‬
‫ً‬
‫البرابرة؛ والوجه الخر لهذا الشعور القوي جدا بالثنيننة كننان خضننوع الهنغننار الكامننل‬
‫للثقافة الوروبية‪ .‬السلفيون الرثوذكس أقننل تننأثيرا ً مننن الناحيننة السياسننية‪ ،‬لكنهننم‬
‫استنبطوا نوعا ً من الستقلل الثقافي الفرعي عن طريق الجمع بين اسننتخدام قننديم‬
‫للهجنة العامينة كلغننة أدبينة واسنتخدام ظلمنني للهسنيكازم ‪ Hesychasm‬فني مواجهنة‬
‫العنصر الهليني في تقليدهم الننبيزنطي‪ .‬وإذا كننان أحفنناد النننبي بننديل ً سياسننيا ً فقيننرا ً‬
‫للرستقراطية الهنغارية‪ ،‬فإن الهسيكازم بديل ثقافي رديء جدا ً للحنبلية‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫القوطية مجّرد هوية‪ ،‬فالهاجريننة كننانت الثنيننتين مع نًا‪.‬‬
‫ور الهننناجريون‬ ‫وفننني مسنننار ارتقنننائهم التنننالي‪ ،‬طننن ّ‬
‫حقيقتهم بشكل يفننوق تقريب نا ً حنندود إدراكنننا وأرسننوا‬
‫صننل‪ .‬لكننن مننن ناحيننة‪،‬‬ ‫هننويتهم فنني منناض وثننني مف ّ‬
‫فالحقائق الدينية التي انتقوها‪ ،‬لنها كانت يهودية منننذ‬
‫البداية ولم تكن قط مسيحية إل بشكل هامشي‪ ،‬خلقت‬
‫هننوة بينهننم وبيننن مننواليهم أوسننع مننن تلننك الننتي‬
‫اسنننتطاعت خلقهنننا هرطقنننة مجنننردة فننني الغنننرب‪:‬‬
‫فهرطقتهم كانت أكثر من هرطقة‪ .‬ومن ناحيننة أخننرى‬
‫ل شنننتوهم أقننل مننن شنننتو‪ :‬فقنند تننم التعننبير عننن‬ ‫ظن ّ‬
‫هننويتهم البربريننة بمصننطلحات مننأخوذة مننن الكتنناب‬
‫المقنندس بمننا يكفنني لن تكننون مفهومننة وقابلننة لن‬
‫دافع عنهننا باللغننة الدينيننة للعننالم الننذي غننزوه‪ .‬وفنني‬‫يُ َ‬
‫الننوقت ذاتننه‪ ،‬بقنني الربنناط العضننوي بيننن حقيقتهننم‬
‫وهويتهم‪ .‬إذًا‪ ،‬إن بنيان العقيدة الهاجرية جعلها قننادرة‬
‫على اسننتمرار طويننل الجننل‪ ،‬وتماسننك مجتمننع الغننزو‬
‫ل‪ .‬لقند ننالت القيننم اليهوديننة‬ ‫ضنمن أنهنا اسنتمرت فع ً‬
‫مساندة القوة البربرية‪ ،‬ونالت القوة البربريننة تكريننس‬
‫القيم اليهودية؛ والمؤامرة أخذت شك ً‬
‫ل‪.‬‬
‫صن هذا الشكل الهاجريين ضد الثقافات الننتي‬ ‫لقد ح ّ‬
‫غزوها بطريقتين اثنتين‪ .‬ففي الموضع الول‪ ،‬لم تكننن‬
‫ثمة دعننوة للقيننم اليهوديننة الننتي تبنتهننا الهاجريننة لن‬
‫تتلّين بطريقة المسيحية‪ .‬فمن الناحية التاريخية‪ ،‬تركت‬
‫هذه القيم الغيتو ل لتهدي العالم بل لتغزوه؛ ولم يكننن‬
‫سل إلننى القيننم الثقافيننة لمننواليهم‪.‬‬ ‫الغزاة بحاجة للتو ّ‬
‫ومن الناحيننة المفاهيميننة‪ ،‬فصننل الهنناجريون أنفسننهم‬
‫عننن اليهننود عننن طريننق إعننادة ترتيننب المننور وليننس‬
‫مساماتها‪ :((16‬بدل تطوير فكرة »إسرائيل حقيقية ‪Verus‬‬
‫‪ « Israel‬بطريقننة المسننيحية المميننة‪ ،‬قنناموا ببسنناطة‬
‫باسننتبدال الثنيننة السننرائيلية بننأخرى إسننماعيلية‪((17‬؛‬
‫‪ (16‬استثناء شبه ملفت للنظر يستحق أن يذكر هنا‪ :‬إن المفاتيننح إلننى فهننم العقينندة‬ ‫)‬

‫سحت أكثر من كونهننا تهننوجرت )أنظننر هننامش ‪ 12‬ف‪.(1‬‬ ‫م ّ‬


‫ح القول‪ُ ،‬‬
‫‪ ،Doctrina‬إذا ص ّ‬
‫قارن مع هذا العمل من القرن السابع‪Treatise on the Shortest Path that brings us near to“ :‬‬
‫‪. God” of Joseph Hazzaya, ed. and tr. Mingana in his Woodbrooke Studies, vol. iii, f. 87b = p181‬‬
‫‪ (17‬وهكذا فإن مساماة النسب البراهيمي إلننى اسننتعارة مجازيننة مننن قبننل اليهننودي‬ ‫)‬

‫مي ّننز بدايننة المسننيحية كمننا نعرفهننا )رسننالة غلطيننة‬ ‫المتهلين بننولس الطرسوسنني ت ُ َ‬
‫‪ ،(121:24‬في حينن أن المحاولنة المشنابهة النتي قنام بهنا المصنري المتهليننن طنه‬
‫ددت بوضننع نهايننة للسننلم كمننا نعرفننه‪N. ) .‬‬ ‫حسين في نهاية القرن التاسع عشننر هن ّ‬

‫‪155‬‬
‫وبدل ً من تطوير مذهب الخلص باليمان وليس بأعمال‬
‫الشننريعة البولسنني‪ ،‬واصننلوا اسننتبدال حرفيننة الشننرع‬
‫الموسوي بحرفيننة الشننرع المحمنندي‪ .‬وهكننذا حننافظوا‬
‫على ذلك الجمع بين إثنية حرفية وحرفيننة شننرع ديننني‬
‫كل اساس »الحينناة النعزاليننة« اليهوديننة‪.((18‬‬ ‫وهو ما ش ّ‬
‫فالله‪ ،‬مثل يهوه‪ ،‬كان إلها ً غيورًا‪.‬‬
‫ثانيًا‪ ،‬إن التكريس الذي اسننتطاعت القيننم اليهوديننة‬
‫إضفاءه على القننوة البربريننة كننان تكريسنا ً مننثيرا ً جنندا ً‬
‫للفكار والذكريات‪ .‬قد يكون اليهود عاشوا في الغيتننو‪،‬‬
‫لكن الميثة ‪ myth‬التي أفصحت عن عزلتهم عننن العننالم‬
‫الكنعاني المحيط بهم كانت ميثة السباط السرائيليين‬
‫فننني الصنننحراء‪.((19‬وهكنننذا فاسنننتبدال السنننرائيليين‬
‫دى إلى ما هننو‬ ‫بالسماعيليين في دور الشعب المختار أ ّ‬
‫أكننثر مننن تكريننس الهويننة الثنيننة للغننزاة‪ :‬لقنند طننوق‬
‫»حينناتهم المنعزلننة السننابقة« المنعزلننة فنني الصننحراء‬
‫بهالننة دينيننة متمّيننزة أيضننًا‪ .‬لقنند تلقفننت الهاجريننة‬
‫الغننتراب عننن الحضننارة لكننل مننن الغيتننو والصننحراء‬
‫وصهرته‪ .‬وبدا المر كما لو أن الغننزو القبننائلي لكنعننان‬
‫أوصل مباشرة إلى المقاومننة الفريسننية للهلينيننة عننن‬
‫طريق إختصار عنيف للتاريننخ السننرائيلي‪ :‬ففنني حيننن‬
‫مَلكيننة‬ ‫تلقت اليهودية إلننى حنند مننا البصننمة الحضننارية ل َ‬
‫شننرق ‪ -‬أدنويننة‪ ،‬احتفظننت الهاجريننة بقسنناوة الحينناة‬
‫الركابيننة فنني البّريننة‪ .‬وهكننذا فقنند رفننض الهنناجريون‬
‫النجننازات الثقافيننة للشننعوب المغننزوة وكأنهننا أشننياء‬
‫كنعانية كريهة‪ ،‬ووضننعوا أسننس حينناتهم الثقافيننة فنني‬
‫الماضي القبائلي لوطنهم العربي الصلي‪.‬‬
‫وهكذا فالتعارض بين الشرق والغرب كننان أساسننيًا‪.‬‬
‫دي للغننزوات الجرمانيننة‬ ‫ففنني الغننرب‪ ،‬كننان الثننر المننا ّ‬
‫كارثيننًا‪ :‬فقنند تحللننت المبراطوريننة واختفننى جهازهننا‬
‫النبيروقراطي‪ ،‬ودخلننت ثقافتهنا فني عصننر الظلمنات‪.‬‬
‫بالمقابل فدور القيم المسيحية في هننذه القصننة كننان‬
‫‪.(Safran, Egypt in Search of Political Community, Cambridge, Mass. 1961, n. 155‬‬
‫‪ (18‬لحننظ أن هننذه السننمات تحدينندا ً هنني أسنناس رفننض اليهننود المتنصننرين إتبنناع‬ ‫)‬

‫المسيحية البولسية في قبولها للهلينية‪ .‬أنظر‪E. R. Goodenough, Jewish Symbols in the :‬‬
‫‪. Greco-Roman Period, vol. i, New York 1953, p. 37‬‬
‫‪ (19‬من أجل المعنى المستمر للصحراء بالنسبة لليهودية أنظر سابقًا‪،‬هامش ‪ 46‬ف‬ ‫)‬

‫‪ .1‬قارن‪ :‬القبائلية الجديدة لطائفة البحر الميت ) ‪Y. Yadin (ed. and tr.), The Scroll of the‬‬
‫‪.(War of the Sons of Light against the Sons of Darkness, Oxford 1962, p. 38‬‬

‫‪156‬‬
‫لطيفننا ً إلننى درجننة مدهشننة‪ .‬والحقيقننة أن مسننيحيي‬
‫المبراطوريننة الرومانيننة أولننوا اهتمامنا ً خاصنا ً بننالطبع‬
‫لمسألة اعتبار أنفسهم في السبي‪ .‬لكننن سننبيهم كننان‬
‫سننبيا ً متسنناميا ً اسننتخدموه لتعزيتهننم عننن أوطننانهم‬
‫الخاصة ققققققق ققق ققققققق ققققققققق ق ققققق ‪in‬‬
‫‪sedibus suis peregrinos esse se noverunt‬ق ققققققق ققق ‪in‬‬
‫‪ sedibus suis‬درسننوا كتابننات الماضنني الننوثني‪ .‬إن رد‬
‫أغسطينس على الغزو الوثني المتمثل بالنسحاب إلى‬
‫فننراش مننوته وأفلننوطين علننى شننفتيه ل ينندل علننى‬
‫اغتراب ثقافي عميق عن عالم النتيك‪ .((20‬وهكذا فمننن‬
‫المناسب القول إن استمرار النتيك في القرون الننتي‬
‫أعقبت موت أغسطينس كان إلى حد كبير بسبب الدور‬
‫المحافظ للكنيسة المسيحية‪ ،‬ومننن الطننبيعي أن ينظننر‬
‫المسننيحيين فنني العصننور الوسننطى إلننى أنفسننهم‬
‫باعتبارهم الوريثين الشرعيين لهذا الرث البالي‪ ،‬حننتى‬
‫لو لم يكونوا يستحقون ذلك‪ .‬أمننا فنني الشننرق‪ ،‬فننأدوار‬
‫الجرمنننانيين والمسنننيحيين‪ ،‬إذا صنننح القنننول‪ ،‬بننندت‬
‫معكوسة‪ .‬ورغم الدمار الولنني الننذي أحنندثته الغننزوات‬
‫العربية‪ ،‬استمر واقع المبراطورية مع الكثير من آليته‪،‬‬
‫كمننا تمننت المحافظننة علىمسننتوى ثقننافي بحيننث كننان‬
‫العالم السلمي في أحد الوقات في موقع يؤهله لن‬
‫يقننوم بنقننل كننبير للتعنناليم الهلينيننة إلننى الغننرب‪ .‬وإذا‬
‫كانت الغزوات الهاجرية أقل إيذاء للنتينك منن غنزوات‬
‫الجرمننانيين‪ ،‬فننإن مفنناهيمهم آذتننه بننأكثر ممننا آذتننه‬
‫مفننناهيم المسنننيحيين‪ .‬فالسنننبي الهننناجري‪،‬كالسنننبي‬
‫اليهودي‪ ،‬كان عن هذا العالم‪ ،‬لذلك حمننل معننه اغتراب نا ً‬
‫أكثر عينية عننن بيئتننه الثقافيننة‪ :‬حننتى الشنناعرة مناتوا‬
‫نادمين على ما حملننوه مننن أثقننال مننن حكمننة اليونننان‬
‫ذر علننى الهنناجريين‪ ،‬بسننبب‬ ‫السامة‪ .((21‬وهكذا فقنند تع ن ّ‬
‫‪ .P. Brown, Augustine of Hippo: a biography, London 1967, pp. 425f (20‬إن القصة الكاملة‬ ‫)‬

‫لقولبة الديانة وفق خطوط فلسفية في حياة أحد أعظم القديسننين المسننيحيين هنني‬
‫قصنننة كنننان منننن الصنننعب تحويلهنننا إلنننى مصنننطلحات إسنننلمية خنننارج المنننذهب‬
‫سر توظيف المذهب السماعيلي لموهبة‬ ‫السماعيلي)وهو واحد من السباب التي تف ّ‬
‫فكرية باهرة(‪ .‬من الصعب أن نتخّيل أن اغسطينس الشاب ‪ ،‬الننذي ظننل يجفننل مننن‬
‫الحرفية المؤلمة لكلمة الله العبراني حتى حررته استعارات أمبروسننيوس المجازيننة‬
‫كن أخذه بالنعمة إلى علم بلغة مؤسس على الكمالية السننلوبية‬ ‫ُ‬
‫الهلينية الرفيعة‪ ،‬أم ِ‬
‫دس بل كيف‪.‬‬ ‫البديهية للقرآن‪ ،‬أو إلى » لهوت « يقبل بحقائق كتابة المق ّ‬
‫‪. G. Makdisi, “Ash‘ari and Ash‘arites in Islamic History, Studia Islamica 1963, p. 31 (21‬‬ ‫)‬

‫‪157‬‬
‫إيمانهم‪ ،‬أن يرثوا بشكل مباشر أي نا ً مننن تقالينند العننالم‬
‫الذي غزوه‪ .‬لكن قرون السننلم الولننى لننم تكننن بأيننة‬
‫حال عصر ظلم أواخر عمننر النتيننك؛ إنمننا النننور الننذي‬
‫ضننع لسننتقطاب أجنننبي‬ ‫خ َ‬
‫ألقنني عليهننا كننان يجننب أن ي ُ ْ‬
‫للغاية‪.‬‬
‫رغم أن هذا الصهر للقوة والقيمة كننان ضننروريا ً لننو‬
‫كان الغزاة يريدون خلق حضارة جديدة‪ ،‬فقد كان بعينندا ً‬
‫عن أن يكننون كافي نا ً لتمكينهننم مننن فعننل ذلننك بصننرف‬
‫النظر عن البيئة الثقافية‪ .‬وربمننا أن نقطننتين سننلبيتين‬
‫دمان شننيئا ً يننوحي بمننا كننان عليننه الشننرق‬ ‫واضحتين تقن ّ‬
‫الدنى في القرن السابع بحيث صار أرضنا ً خصننبة لمثننل‬
‫ونا ً‬
‫ل‪ ،‬لو أن العرب غزوا شرقا ً أدنى مك ّ‬ ‫هذه المغامرة‪ .‬أو ً‬
‫من مجموعة تقاليد متكاملة‪ ،‬لكل تقليد هويته وحقيقته‪،‬‬
‫لبدوا إلننى حنند كنبير وكننأنهم المغننول‪ :‬الفرصننة النتي ل‬
‫سابق لها لهؤلء الغزاة القادمين من آسيا الوسطى كي‬
‫يمزجوا الحضارات المختلفة التي غزوهنا لنم تصنل النى‬
‫مستوى كونها تغييننرا ً مننن أجننل صننهرها‪ .‬ثانينًا‪ ،‬لننو كننان‬
‫حنند‪،‬‬‫العرب غزوا شرقا ً أدنى مندمجا ً في كيان ثقافي مو ّ‬
‫لكانوا وقعوا إلى حد كبير في الورطننة الننتي وقننع فيهننا‬
‫غزاة الصين من البرابرة المتعاقبين‪ :‬لننم يسننتطع أولئك‬
‫البرابرة‪ ،‬وقد واجههنم تعرينف موحند للغاينة لمنا كنانت‬
‫عليه الحضارة ولمننا عليهننا أن تكننون‪ ،‬سننوى الستسننلم‬
‫بنوع من اللباقننة للتمثيننل الثقننافي المحتننوم؛ فهننم لننم‬
‫يكونوا في موقع يؤهلهم لن يشرعوا في إعادة تشكيل‬
‫ما كانوا أغاروا عليه ‪.((22‬‬
‫هذه المكانيات المتمايزة مفاهيميا ً هي أيضا ً أقطاب‬
‫ارتقاء تاريخي‪ .‬فتاريخ الحضارة في الشرق الدنى يبدأ‬
‫بالتعددية ‪ -‬سننومر ومصننر ‪ -‬وربمننا فنني وقننت مناسننب‬
‫ظهر في شكل حضارة بيزنطية صلبة‪ ،‬وذلننك مننع زوال‬
‫الخطر اليراني وإنقطاع علقة تقاليد الهلل الخصننيب‬

‫‪ (22‬التنقوطيون ‪ ،Tanguts‬الذي اقتصر غزوهننم علننى أطننراف الصننين النائيننة‪ ،‬قّنندموا‬ ‫)‬

‫ثقافننة قوميننة عننن طريننق تقلينند حضننارة الصننينيين‪E. I. Kychanov, Ocherk istorii ) .‬‬
‫‪ .(tangustkogo gosudarstva, Moscow 1968, pp. 259ff‬أما المنشوريون فقد ثبتوا هوية قومية‬
‫عننن طريننق تقلينند البربريننة المغوليننة ) ‪D. M. Fraquhar, “The Origins of the Manchus‬‬
‫‪.(Mongolian Policy” in J. K. Fairband (ed.), The Chinese World Order, Cambridge Mass 1968‬‬
‫في كلتا الحننالتين كننان الستسننلم الجننوهري لشننكل الثقافننة الصننيني كننامل ً )قننارن‬
‫المعنى الذي قد يكون السلم خلقه من رررررر إلى داخل الصحراء والذي يبدأ بننه‬
‫تاريخ حكومة تنقوط ‪ Tangut‬المستقلة(‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫القديمة في الواقع مسألة مثلها مثل التقاليد القديمننة‬
‫لبلد الناضول‪ .‬هذا يعننني أن بيزنطننة ربمننا كننانت فنني‬
‫نهايننة المننر السننبب فنني التجننانس الننذي كننان‪ ،‬وفننق‬
‫الواقع التاريخي‪ ،‬إنجاز السلم‪ .‬منن الواضننح فني هنذا‬
‫المنظننور أن السننباب الننتي أفضننت إلننى شننرق أدنننى‬
‫القرن السابع لُبد أن ُيبحث عنها في الموقع الوسننيط‬
‫بين القطبين‪.‬‬
‫يحتاج هذا الموقع الوسيط لن ُيشننرح بثلثننة طننرق‪.‬‬
‫ل‪ ،‬الشنرق الوسنط ‪ -‬باسنتثناء إينران ‪ -‬كننان منطقننة‬ ‫أو ً‬
‫فقنندت شننعوبها حضنناراتها القديمننة واسننتبدلتها بمننا‬
‫تستعيره من الخرين؛ لكنهم فعلوا ذلك دون أن ينسننوا‬
‫أنهنننم كنننانوا ذات ينننوم متحضنننرين ودون أن يننندمجوا‬
‫هوياتهم في هويات أصحاب التقاليد الننتي اسننتعاروها‪.‬‬
‫ولهذه الحالة كان ثمة شبيه صغير في الغرب اللتيننني‪:‬‬
‫لقد أحرز السبان حضارة متكاملة ودمجوا هويتهم في‬
‫هوية الرومان الذين جاءوا إليهم بالحضننارة‪ ،‬فنني حيننن‬
‫احتفظ بربر شمال افريقيا ببربرية متكاملة غير ملونننة‬
‫بأية حضارة‪ .((23‬وهكذا فقد كان موجودا ً في الكثير مننن‬
‫أرجاء الشرق الوسط انفصننال بيننن الحقيقننة الجنبيننة‬
‫والهوية المحلّية‪.‬‬
‫دى فقنندان شننعوب الشننرق الوسننط‬ ‫ثانيننًا‪ ،‬لقنند أ ّ‬
‫لحضاراتها الخاصة إلى جعلهننم ريفييننن بثقافننة خاصننة‬
‫إلى حد ما‪ ،‬هي الهلينية‪ .‬والهلينة‪ ،‬رغم أصولها الثنية‪،‬‬
‫كنننانت كمنننا رأيننننا ملئمنننة لن تصنننبح ثقافنننة نخبنننة‬
‫كوزموبوليتانية‪.((24‬على الصعيد التاريخي فإنها تطورت‬
‫أيضًا‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬بطريقة والتي سحبت معها بعضننا ً مننن‬
‫لسننع أصننلها الثننني ونخبويتهننا الجتماعيننة علننى حنند‬
‫سواء‪ .‬وهكننذا فقنند كابنند الشننرق الوسننط مننن عمليننة‬
‫مجانسنننة ملحوظنننة للحقيقنننة الثقافينننة‪ ،‬والحقيقنننة‬
‫الثقافية فقدت بالتالي الكثير من خصوصيتها الولّية‪.‬‬
‫ثالثًا‪ ،‬لقد خضع الشرق الوسط لما يشبه دينيا ً هننذه‬
‫الصنننيرورة الثقافينننة‪ .‬فبعننندما اسنننتعار ثقنننافته منننن‬
‫دم آداب نا ً باللغننة اليبريننة أو اللغننة البربريننة‬
‫‪ (23‬حتى المسيحية التبشيرية فإنها لم تق ّ‬ ‫)‬

‫الشمال إفريقية؛ ولننم يظهننر أدب باسننكي حننتى القننرن السننادس عشننر‪ ،‬أمننا الدب‬
‫البربري الشمال إفريقي فقد كان عمل إسلم هرطقي‪.‬‬
‫‪ (24‬لم يكن المر بالطبع دون سابقات فنني المنطقننة؛ لكننن ثقافننة أكنناد المسننمارية‬ ‫)‬

‫كانت معيقة جدا ً للحركة‪ ،‬والستخدام العالمي للغة آرامية دنيويننة كننان منفعي نا ً جنندًا‪،‬‬
‫حتى يوّلد أي شيء مشابها ً جدا ً للهلينية كثقافة نخبة‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫اليونانيين‪ ،‬أخذ الن ديانته من اليهود؛ وكما أن الهويننة‬
‫اليونانية للحقيقة الدينية شحبت إلى حد كبير مع زوال‬
‫الدولة المقدونية وانهيار المدن‪ ،‬كذلك تماما ً فإن هوية‬
‫التوحينند اليهوديننة فقنندت لسننعتها مننع زوال الدولننة‬
‫اليهودية وتخليص البشارة من الغيتو‪ .‬وهنننا مننن جدينند‪،‬‬
‫كان الشرق الوسننط يجتنناز عمليننة مجانسننة الحقيقننة‪،‬‬
‫وفي هذه الحالة الحقيقننة ذاتهننا قطعننت علقاتهننا مننع‬
‫ماضيها الثني‪.‬‬
‫يبدو أن هذه العلقنات بينن ريفيني الشنرق الوسنط‬
‫وحقائقهم المستعارة‪ ،‬كانت أساسية لتشنكيل الحضنارة‬
‫ل‪ ،‬ثمننة علقننة بيننن الريفييننن وثقننافتهم‪.‬‬ ‫السننلمية‪ .‬أو ً‬
‫فمن وجهة نظر الثقافة ذاتها‪ ،‬هذه العلقة كننانت تعننني‬
‫وجننود تكامليننة كامنننة معينننة بيننن الهلينيننة والهاجريننة‪:‬‬
‫فبنيان مجتمع الغزو الهليني تحّلل ليترك طبقنة حضنارة‬
‫رقيقة على الهوية‪ ،‬وبنيان مجتمع الغننزو الهنناجري كننان‬
‫موشنكا ً علنى التحلنل لينترك طبقنة هوينة رقيقنة علنى‬
‫الحضارة‪ ،‬وكان ثمة اساس هنا لصفقة ثقافيننة ل يمكننن‬
‫تخّيل مثلها بين الهاجرية وإيران‪.‬فمن وجهةنظر العرب‪،‬‬
‫الشخصية الريفية للثقافنة النتي واجهوهنا جعلتهنا أقنل‬
‫طغيانا ً ‪ -‬في هذا الصدد بدا من الحكمة غزو سننوريا دون‬
‫بيزنطة‪ ،‬تماما ً مثلما كان من الحصافة أخننذ إسننبانيا دون‬
‫روما؛ بينما في الوقت ذاتننه جعننل تننآلفهم النسننبي مننع‬
‫شننعوب الهلل الخصننيب ‪ -‬وهننم نتنناج لمنطقننة مجنناورة‬
‫جغرافيا ً ولتاريخ طويل من التعامل الثقافي مع العرب ‪-‬‬
‫الحضننارة فنني هننذا الشننكل الريفنني أقننرب كننثيرا إلننى‬
‫متناول أيديهم‪ .‬أما من وجهنة نظنر الريفيينن أنفسنهم‪،‬‬
‫فالشخصية الخاصة جدا ً لريفيتهم جعلتهم جماعة تناسب‬
‫بشنننكل ملفنننت للنظنننر العمنننل كوسنننطاء ثقنننافيين‪.‬‬
‫فالشخصية الجنبية لحقائقهم ‪ -‬خاصة في حالة الهلينية‬
‫‪ -‬والشخصية الشاحبة لهوياتهم ‪ -‬وحالة سوريا تأتي في‬
‫الطليعة ‪ -‬كانتا تعنيننان أنهننم لننم يكونننوا سننادة الثقافننة‬
‫بقدر مناهم تجارهننا‪.‬أمننا اليراننني الننذي اعتنننق السننلم‬
‫فكان خائنا ً لحقبة كاملة من تاريخ قننوي ومتكامننل؛ لكننن‬
‫حين قّرر الغزو الهاجري تفكيك الوحدة الزائدة المجردة‬
‫فنني التقلينند الننبيزنطي‪ ،‬اسننتطاع القليميننون العمننل‬
‫معّرينننن مسننناعدين للرث المحجنننوز علينننه دون أي‬ ‫ك ُ‬
‫إحساس يمكن مقارنته بشعور ققققق ققققققق ‪des clercs‬‬

‫‪160‬‬
‫‪ .trabison‬باختصار‪ ،‬فإن العلقة بين الريفييننن وثقننافتهم‬
‫كنت الهنناجريين مننن تعريننض أنفسننهم للحضننارة لكننن‬ ‫م ّ‬
‫فى عننبر مجموعننة خاصننة مننن‬ ‫مصنن ّ‬
‫فقننط فنني شننكل ُ‬
‫المصافي الريفية‪.‬‬
‫ثانيًا‪ ،‬لقد امتلكت علقة الريفيين بإيمانهم اليهننودي‬
‫طاقات كامنة ثقافية هامة‪ .‬لكن أكننثر المننور وضننوحًا‪،‬‬
‫هو حقيقة أن المسيحية والهاجرية كانتا على حد سواء‬
‫تحويرين للحقيقة اليهوديننة ذاتهننا والننتي أنعمننت علننى‬
‫دين الغزاة مفهومية‪ ،‬لم يكن ممكن نا ً تخي ّننل التمتننع بهننا‬
‫قبننل بضننع قننرون فنني الشننرق الوسننط الننوثني‪ .‬فنني‬
‫الوقت ذاته فحقيقننة أن الشننرق الوسننط صننار يمتلننك‬
‫الن ليننس تننداول ً للحقيقننة عالمي نا ً معتمنندا ً واحنندا ً بننل‬
‫إثنيننن أدت إلننى ظهوريننة احتماليننة التفكيننر فنني أن‬
‫أحدهما ضد الخر‪ :‬ففي حين صك النبطيون حين غننزوا‬
‫دمشننق نقنندا ً محب نا ً لليونننانيين فنني نننوع مننن التحننالف‬
‫المحتوم مع الثقافة التي هزموها‪ ،‬استطاع الهاجريون‬
‫أن يصننكوا ضنندها نقنندا ً محبننا ً للتوحينند؛ مقابننل ذلننك‪،‬‬
‫فنننالريفيون اسنننتطاعوا أن ينننبيعوا الهلينينننة دون أن‬
‫يخونوا أسلفهم ول رّبهم‪ .‬لكننن قبننل كننل شننيء فقنند‬
‫كان المهننم هننو الختلف بيننن التننداولين‪ :‬وفنني نهايننة‬
‫المننر لننم يكننن حنندثا ً حصننل بيننن ضننحايا التعصننب‬
‫المسيحي‪ ،‬فقد كان هنروب اليهنود منن هرقننل وليننس‬
‫هننروب الفلسننفة مننن يوسننتنيايوس هننو الننذي أدى‬
‫خروجه ‪ exodus‬إلى ظهور السباط العربية‪ .((25‬لنه فنني‬
‫تبّني حتى نسخة ملطفة من اليهودية‪ ،‬نزلننت الحضننارة‬
‫على البر مع نوع مننن كعننب أخيلننوس اليننديولوجي ‪.((26‬‬
‫واستفادة الهلينية من فظاظة السباط البربرية كننانت‬
‫قليلنننة كاسنننتفادة الكونفوشيوسنننية منهنننا ‪((27‬؛ لكنننن‬
‫‪ (25‬أما من أجل استقبال البلميين ‪ Blemmyes‬الوثنيين الحماسي لوليمبيودوروس في‬ ‫)‬

‫بداية القرن الخامس‪ ،‬أنظر‪. W. B. Emery, Egypt in Nubia, London 1965, p. 236 :‬‬
‫‪ (26‬قارن الخننتراع الغربنني الحمننق الننذي ينندعى الماركسننية‪ ،‬والننذي مك ّننن ضننحايا‬ ‫)‬

‫الحضارة الوروبية من غيننر الوروبييننن مننن رفننض العننالم الننذي ُأقحننم عليهننم علننى‬
‫أساس حقائق الماركسية الخاصة‪ .‬فالماركسية‪ ،‬كالتوحينند‪ ،‬هنني رسننالة عقائديننة بمننا‬
‫يكفي لن تنتزع من وسطها الثقافي ويعاد إفرغها في شننكل مبسننط كنني يسننتخدمه‬
‫أولئك الذين يظل وسطها الصلي غريبا ً عليهم جدًا‪.‬‬
‫‪ (27‬حين كان كونفوشيوس يفكر بالذهاب للعيش بين قبنائل الشنرق البريننة التسننع‪،‬‬ ‫)‬

‫تمت مواجهته باعتراض يقول‪ » :‬إنهننم قننوم جلفننون؛ كيننف بإمكانننك أن تفعننل شننيئا ً‬
‫كهذ؟ « على ذلك أجاب السيد‪ » :‬إذا أقننام بينهننم رجننل فننائق‪ ،‬فأيننة جلفننة سننتكون‬
‫هناك؟ «‪H. Miyakawa,”The Confucianization of South China”, in A.F.Wright (ed.),The ) .‬‬

‫‪161‬‬
‫المسننيحية‪ ،‬كديانننة مشننتقة مننن التقلينند السننرائيلي‪،‬‬
‫كانت مفتوحة على اليحاء المغوي القائل إن الفظاظة‬
‫التي كانت رذيلة بالنسبة للحضارة أمكن أن تكون أيضا ً‬
‫فضيلة توحيدية‪ .‬قد تناولنا للتو‪ ،‬ما الذي كان يعنيه هذا‬
‫بالنسبة للعرب أنفسهم حين أعادوا تمثيل غزو كنعان‪،‬‬
‫دل‬ ‫كد عليها هنننا فهنني التبن ّ‬ ‫أما النقطة التي يجب أن نؤ ّ‬
‫الدقيق في السيناريو اليننديولوجي الننذي يحنندث حيننن‬
‫يكون الكنعانيون أنفسهم المناصننرين الملننتزمين بنننوع‬
‫من عبادة يهوه كنعانية إلى حد ما‪ .‬هذه المرة لننم يكننن‬
‫الطننابور الخننامس الكننامن الننبربري ضننمن الحضننارة‬
‫مقصورا ً على البغايا‪.((28‬‬
‫يجب أن تربط هذه العتبارات بديهيا ً طبعننا ً بالشننكل‬
‫الفعلي للغزو العربي‪ :‬والتعارض المهيمن هنا هو بيننن‬
‫إيننران وبيزنطننة‪ .‬فننإيران لننم تكننن شننيئا ً قيم نا ً جننديرا ً‬
‫بالقتناء بالنسبة للبرابرة المندمجين في إعادة تشكيل‬
‫لحضارة‪ :‬فتقليد متكامننل لننم يتننأثر إل بلطننف بحقننائق‬
‫اليونانيين واليهود‪ ،‬كان العرب عننديمي التبصننر ثقافي نا ً‬
‫ل‪ .‬ولننو كننانت إيننران كننل مننا‬ ‫بمننا يكفنني لبتلعننه إجمننا ً‬
‫غزوه‪ ،‬فإن حظوظهم في خلق حضننارة كننانت ستصننبح‬
‫في حدودها الدنيا؛ لكن والحالة هذه‪ ،‬فمننن الواضننح أن‬
‫إيران كانت أكبر أعبائهم‪ .‬مننع ذلننك فقنند سنناعدت فنني‬
‫الحدث عندة عناصننر فني سنحب أسننوأ شننيء منن بينن‬
‫أسنانها‪ .‬والشيء الوضح‪ ،‬هننو أن إيننران كننانت ضننائعة‬
‫إلى حد ما في حقل الغزاة الواسع‪ .‬أما المننر النندقيق‪،‬‬
‫فهو أنه كان ثمة نزع سلح معّين للمدن اليرانيننة عننبر‬
‫تآلب للظروف‪ :‬فمن ناحية كانت العاصمة الساسننانية ‪-‬‬
‫لسنباب جغرافيننة تظهنر جزئينا ً منع الخمينيينن ‪ -‬تقنع‬
‫خننننارج المننننوطن الثننننني ليننننران فنننني الوسننننط‬
‫الكوزموبوليتاني في العراق الدنى؛ ومن ناحية أخننرى‬
‫كانت العاصمة الهاجرية ‪ -‬لسننباب ناجمننة عننن التاريننخ‬
‫ولنني للهنناجريين ‪ -‬فنني الحقبننة الحاسننمة‬ ‫السياسي ال ّ‬
‫الننتي أعقبننت الغننزوات موجننودة فنني إقليننم بيزنطنني‬
‫‪ (Confucian Persuasion, Stanford, Col. 1960 p. 24‬الجلفة بالتالي هي رذيلة قبائلية والتي‬
‫كانت الفضيلة الكونفوشيوسية ستزيلها؛ لكن الكونفوشيوسية لم تمتلك مصننادر مننن‬
‫أي نوع لتأويل الرذيلة باعتبارها فضيلة‪ .‬وهكذا ظل كونفوشيوس في وطنننه‪ ،‬واعتنننق‬
‫جنوب الصين الكونفوشيوسية‪ ،‬في حين استوطن محمنند بيننن قبنائل الجنننوب البريننة‬
‫سِلم الشرق الوسط‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وأ ْ‬
‫‪ (28‬قارن سفر يشوع ‪ 1:2‬وما بعد‪.‬‬ ‫)‬

‫‪162‬‬
‫رك حطننام‬ ‫وليس في العاصمة الساسانية‪ .‬نتيجة لذلك ت ُ ِ‬
‫العاصمة الساسانية كي يهترئ دون النندعم الننذي كننان‬
‫سيتلقاه لو كان موجننودا ً فنني قلننب مننوطنه الثننني‪ ،‬أو‬
‫النتباه الذي كان سيجلبه لو كان فنني موضننع العاصننمة‬
‫الهاجرية‪.‬‬
‫لكن الجغرافيا السياسنية للعلقننة الهاجريننة بالعنالم‬
‫مك ِننن تفكيكننه‬ ‫ُ‬
‫البيزنطي كانت مختلفة للغايننة‪ :‬فتقلينند أ ْ‬
‫كان بحنند ذاتننه مجبوب نا ً جغرافي نًا‪ .‬وبعكننس إيننران‪ ،‬كننان‬
‫لبيزنطة مركزها السياسي في ما يمكننن دعننوته نسننبيا ً‬
‫قلبهننا الثننني‪ ،‬وعلننى هننذا السنناس كننانت بعينندة عننن‬
‫ريفيي الهلل الخصيب‪ :‬يونانيو سوريا لم يكونوا شننيئا ً‬
‫بالمقارنة مع فرس العننراق‪ .‬ومقابننل غزوهننم السننريع‬
‫والكامنننل لينننران‪ ،‬تنننرك العنننرب بيزنطنننة الناضنننول‬
‫المتهلينننة دون غننزو حننتى أواخننر العصننور الوسننطى‪.‬‬
‫وهكنننذا فقننند أوصنننل الهنناجريون‪ ،‬بطريقنننة ملئمنننة‪،‬‬
‫مبننادرتهم الثقافيننة إلننى أقصننى درجاتهننا حيننن كننانوا‬
‫يهبطننون بالعاصنننمة الساسننانية إلننى مكانننة ريفينننة‬
‫ويشيدون عاصمتهم الخاصة في ريف بيزنطي متعنننت‪.‬‬
‫ومن نقطة التقاطع بين الوحدانيننة البربريننة والريفيننة‬
‫المتحضرة هذه ولدت الحضارة السلمية‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫‪9‬‬
‫قدر النتيك‬
‫‪I‬‬
‫هوجرة الهلل الخصيب‬

‫يبنندو أن التفاعننل الننداخلي بيننن الهاجريننة وأقنناليم‬


‫الهلل الخصيب هو العملية الكثر حسننما ً وتعقينندا ً فنني‬
‫تشكيل الحضارة الجديدة‪ .‬وهنني أيضنا ً عمليننة نجنند فنني‬
‫تحليلها أن أقدار القاليم داخل هذه الحضارة من جهة‪،‬‬
‫ومساهماتهم بها من جهننة أخننرى‪ ،‬هنني فنني المحاولننة‬
‫الخيرة غير قابلة للفصل‪ .‬مع ذلنك فأبسننط شننيء هنو‬
‫أن نبدأ علننى نحننو أحننادي الجننانب بالحقيقننة التاريخيننة‬
‫جننة القائلننة إن الهلل الخصننيب كننان قنند ُأسننلم أو‬ ‫الف ّ‬
‫ل‪ .‬لكن من المفينند أن‬ ‫عّرب على نحو غامر عاجل ً أم آج ً‬ ‫ُ‬
‫نبنندأ بالمسننارات المتنوعننة للطننوائف المختلفننة فنني‬
‫العراق‪.‬‬
‫كان ضعف الموقف المسيحي في العراق ذا شقين‪:‬‬
‫فالبنيننان الرسننتقراطي لكنيسننتهم جعننل المسننيحيين‬
‫قابلين اجتماعيا ً لن ُيغزوا من قبل إله غيور‪ ،‬والطبيعة‬
‫الممية لحقيقتهم جعلت من السننهل نسننبيا ً عليهننم أن‬
‫يتركوها من أجل حقيقة أخرى‪ .‬لكن مع أن هذه النقاط‬
‫تنطبننق بشننكل متسنناو علننى كنيسننة آشننوريا الريفيننة‬
‫وكنيسة بابل العاصمية‪ ،‬كان هنالك مع ذلننك فننرق بيننن‬
‫الثنننتين بشننأن آليننات النهيننار‪ .‬لقنند قننامت الكنيسننة‬
‫الشننورية بشننكل شننبه حصننري علننى أكتنناف طبقننة‬
‫أرستقراطية من ملك الراضي‪ ،‬وكان الرستقراطيون‬
‫والفلحون على حد سواء آراميين حصريًا‪.‬لقنند اسننتفاد‬
‫الشوريون بالتالي من دماثة يهوه المسننيحية لتكريننس‬
‫خلفننة صننورة ‪ after - image‬شننكل حكمهننم الشننوري‬
‫الخنناص‪ ،‬ومننع أن الثنيننة الشننورية كننانت بحنند ذاتهننا‬
‫ضعيفة ومنتشرة في آن‪ ،‬فمسيحيو شننمال بلد مننابين‬
‫النهريننن تمتعننوا كآشننوريين بتضننامن إثننني‪ ،‬اجتمنناعي‬
‫وتاريخي والذي كان فنني آن دنيوينا ً ومتسنناميًا‪ :‬بعكننس‬
‫المسيحيين الحضريين فهم لم يكونوا قققق أبناء للعهد‬
‫وأخنننوة فننني المسنننيح‪ .‬إذًا‪ ،‬كنننان النبلء والفلحنننون‬
‫متآزرين هنا‪ .‬ولو كان المسلمون مهيأين لن يتسامحوا‬
‫بوجود طبقننة أرسننتقراطية محليننة ذات إيمننان محلنني‪،‬‬

‫‪164‬‬
‫فلربما استمر وجود المسيحيين كأديابين في ظل حكم‬
‫وع المسننلمون لتكريننس‬ ‫عربنني؛ بالمقابننل‪ ،‬فلننو تطنن ّ‬
‫الطبقة الرستقراطية باعتبارها طبقتهننم‪ ،‬لربمننا غّيننر‬
‫المسننيحيون جميع نا ً دينهننم فنني خلفننة صننورة مسننلمة‬
‫لديابين‪ .‬لكن المسننلمين لننم يظهننروا عملي نا ً التسننامح‬
‫المطلوب ولم يكن للنبلء ذلك الهتمام في أن يعتنقوا‬
‫الدين‪ .‬وكننانت النتيجننة أن النبلء والفلحيننن علننى حنند‬
‫سواء ظل ّننوا مسننيحيين‪ ،((1‬النبلء انحطننوا تنندريحيا ً إلننى‬
‫فلحين‪ ،((2‬والفلحون انحطوا تدريجيا ً إلى ضحايا عننّزل‬
‫للصوص البدو الذين كانوا يغيرون عليهم مننن الصننحراء‬
‫وللجيوش التركية والمغولية التي زحفت عبر أراضيهم‬
‫بين مراكز الحضارة‪ .‬فمع خسننارتهم لنبلئهننم لننم يعنند‬
‫ي ممثلين يحننافظون علننى اسننتمراريتهم‪ ،‬كمننا‬ ‫لديهم أ ّ‬
‫أنهم لم يمتلكوا قط أية ديانة إثنية تمنعهم عننن تبننديل‬
‫دينهم‪ :‬بننل إن نينننوى لننم تكننن بديلننة لصننهيون‪ ،‬تمام نا ً‬
‫مثلمنننا أن الكهننننة الظلميين‪ ((3‬لنننم يكوننننوا خلفننناء‬
‫للحاخامين؛ ومع أنهننم رفضننوا أن ينتهننوا بالكامننل مننن‬
‫علننى وجننه البسننيطة‪ ،‬فننإن مننا كننان علننى الوروبييننن‬
‫اكتشننافه بجننانب آثننار ماضننيهم كننان بقيننة مؤسننفة‬
‫لشوريا‪.‬‬
‫بالمقابل فقد كان لدى المسيحيين في بابننل طبقننة‬
‫ارستقراطية يهيمن عليها الفرس في ريف ذي غالبيننة‬
‫آراميننة مننن ناحيننة‪ ،‬ونخبننة مدنيننة مننن أصننول متنوعننة‬
‫دمت كياسننة‬ ‫مشابهة من ناحيننة أخننرى‪ .‬هنننا‪ ،‬إذًا‪ ،‬اسنت ُ ْ‬
‫خ ِ‬
‫يهننوه المسننيحية لزالننة التكريننس عننن شننكل الحكننم‬
‫الفارسننني بحينننث يمكنننن للمسنننيحيين القبنننول بنننه‪،‬‬
‫وبالمقابل فالستمرارية الثنيننة والجتماعيننة للكنيسننة‬

‫‪ (1‬نلحظ على نحنو متميننز أن فهرسننت بنار بنقايننة للثنام المسنيحية ل ينذكر تغييننر‬ ‫)‬

‫الدين‪.(Mingana, Sources syriaques, Chapter xv) .‬على نحننو مشننابه فننإن آراء ‪Sententiae‬‬
‫حنان ‪ -‬ايشوع‪ ،‬رغم أنه معاصننر ليعقننوب الرهنناوي )أنظننر الهننامش ‪ 80‬مننن الفصنل‬
‫السابق(‪ ،‬تتضمن قرارات بشأن ضريبة الننرؤوس لكننن ليننس بشننأن تغييننر النندين )‪in‬‬
‫‪. (Sachau, Syrische Rechtbücher, vol. ii‬‬
‫كر توما المارغاني من القرن التاسع ررررررررر كفلحين بائسين‬ ‫‪ (2‬لحظ كيف يف ّ‬ ‫)‬

‫ل يستطيعون سوى الذهاب إلى أسقفهم لنصافهم من جامع ضرائب مبتز‪.‬‬


‫‪ (3‬كان على النسطوري عبد الله بن الطيب الذي عاش في القرن الحادي عشننر أن‬ ‫)‬

‫يدافع عن العلم ضد التهمة القائلة إنه ليس فقط غير ضروري‪ ،‬لن المسيحية قائمننة‬
‫على معجزة‪ ،‬بل إنه ايضا ً عقبة في الطريق إلى اللننه‪ ،‬شننيء مخننز يبنندو مننن الخطننأ‬
‫اكتسابه‪S. Khalil - Kussaim, “Nécessité de la science, Texte d’Abdallah Ibn at-Tayyib (m. ) .‬‬
‫‪.(1043)”, Parol de l’Orient 1972, pp. 249ff‬‬

‫‪165‬‬
‫كانت هنا متسامية صنرفة‪ .‬وهنذا بنالطبع جعننل كنيسنة‬
‫دمه النسنناطرة إلننى ملننك‬ ‫الحواضر لدنة للغاية‪ :‬فمننا ق ن ّ‬
‫‪((4‬‬
‫ملوك علماني لم يكونوا ليمنعوه عن خليفة علمنناني ‪،‬‬
‫ولو لم تكن الحكومة المسننلمة دينيننة جوهري نًا‪ ،‬فلربمننا‬
‫حافظ المسيحيون على وجودهم‪ .‬لكن هذا جعل كنيسة‬
‫الحواضننر مفككننة جنندا ً أيض نًا‪ :‬ففنني شننمال بلد مننابين‬
‫النهريننن دعننم الجهنناز الكليروسنني تواصننلية أخلقيننة‬
‫كانت موجودة من قبل بين النخبة والجماهير‪ ،‬أمننا فنني‬
‫مننة ل يبنندو أن نجنناح‬‫بابل فقد كان عليهننم خلقهننا ‪ -‬مه ّ‬
‫ً‬
‫التوجه الرستقراطي للكنيسة كان فيها متميزا‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫(‬
‫حين قّرر كل النبلء بالجماع التمسك بهننا كمسننيحيين‬
‫‪ ،(5‬تركهننم فلحننوهم يفعلننون ذلننك كمسننلمين؛وبعنندما‬
‫غادر الفلحون باتجاه بصرى بثبات منذ منتصف الحقبة‬
‫المويننة ومننا بعنند ‪ ،((6‬صننارت »النندلتا الكلدانيننة« إقليمنا ً‬
‫مسلما ً صلبا ً مع حلول منتصف القرن التاسع‪.((7‬‬
‫استسننلمت النخبننة المسننيحية الباقيننة فنني المنندن‬
‫للوحدانيننة الهاجريننة بشننكل أساسنني عننبر التعدديننة‬
‫المتهلينة التي أوجدها العباسيون‪ ،‬وهي الظاهرة التي‬
‫دت في حاصل المر إلى هلك كل النخب المدنية غيننر‬ ‫أ ّ‬
‫المسلمة باستثناء اليهود‪.‬وحين اسننتدرج عصننر التنننوير‬
‫العباسي غير المسلمين مننن غيتوينناتهم كنني يشنناركوا‬
‫في نقاش عقائدي متبادل حول الحقيقة السننارية فنني‬
‫لغننة الفلسننفة العالميننة فنني البلط البغنندادي‪ ،‬كننانت‬
‫النتيجة هجومنا ً متجننددا ً غيننر مفنناجيء لنندوار النسننبية‪:‬‬

‫‪ (4‬إنهم حقا ً ل يفتقدون الستعداد لذلك والمسننألة قديمننة قنندم القننرن السننابع )أنظننر‬ ‫)‬

‫سابقًا‪ ،‬هامش ‪ 10‬ف ‪ .(2‬لتستمر بالطبع الفكرة التي تقننول إن الغننزاة العننرب كننانوا‬
‫عقابا ً على آثام المسيحيين؛ أنظر‪Muir, The Apology of Al Kindy, p. 13; Solomon of Basra, The :‬‬
‫‪ . Book of the Bee, pp. 140f = 124‬لكننا مع حلول القرن الثالث عشر نجد أيضا ً مسيحيين‬
‫يتلفظون بالبركات آليا ً بعد أسماء محمد‪ ،‬علي وعمر الثاني‪Scher, Histoire nestorienne, pp. ) .‬‬
‫‪600, 618; H. Gismondi (ed. and tr.), Maris Amri et Slibae De Patriarchis Nestorianorum, Rome 1899,‬‬
‫‪.(pp. 62, 63‬‬
‫‪ (5‬باسننتثناء رر رررررر الننذين يننذكرهم البلذري )رر رر‪ ،‬ص‪ ،(265‬الننذين كننان‬ ‫)‬

‫بعضهم مسيحيا ً دون شك؛ لحظ فشلهم في خلق أنساب أرستقراطية رغم تغييرهننم‬
‫لدينهم مبكرًا‪ .‬من أجننل أفننول النندهاقين عموم نًا‪ ،‬قننارن‪Encyclopaedia of Islam, art. :‬‬
‫‪. ”“Dihkan‬‬
‫‪ (6‬الطبري‪ ،‬ررررر ‪122:2W. Ahlwardt (ed.), Anonyme arabische Chronik, Greifswald ; 1883,‬‬ ‫)‬

‫‪ =) pp. 336f‬البلذري‪ ،‬رررر ررررر ررررررر‪ ،‬المجلد ‪(11‬؛محمد بن يزيد المننبّرد‪،‬‬


‫رررررر رر ررررر‪ ،‬تحرير ‪ ،W. Wright‬ليبتسغ ‪.286:1 ،92 - 1864‬‬
‫‪. Muir, The Apology of Al Kindy, pp.33f (7‬‬ ‫)‬

‫‪166‬‬
‫فمن ناحية لم تعد الحقائق المنافسة معزولة بالفصننل‬
‫المادي‪ ،‬ومن ناحية أخرى لم تعد مبقية جانبننا ً بالفصننل‬
‫الفكري‪ .‬فاللغة المشتركة حرمننت التفاسننير التقليديننة‬
‫للتعددية الدينية من معقوليتها الطائشة القديمة‪ ،‬وذلك‬
‫مع عاقبننة جدينندة وقلقننة تقننول إن كل ً مننن التفاسننير‬
‫عت في نصابها الصحيح وتوقفت بالتننالي‬ ‫ض َ‬‫والحقائق و ِ‬
‫عن أن تكون فائقة‪ .‬كان هنالك بعض الذين ساروا فنني‬
‫طريق الرواقية‪ ،‬فاستخدموا الديان مثل آرمات البلدية‬
‫صرات الكثر رفعة للفلسننفة المفاهيميننة‪:‬‬ ‫من أجل التب ّ‬
‫‪((8‬‬
‫هكنننذا كنننان الفنننارابي ‪ ،‬إخنننوان الصنننفا والننندوائر‬
‫السماعيلية الخرى‪ ،((9‬أوقق قق قق ق قققق ق السرياني‬
‫الذي يعود إلى القرن التاسع ‪ ((10‬؛ بالمقابل‪ ،‬كان هنالك‬
‫بعننض الننذين سنناروا فنني طريننق البيقوريننة‪ ،‬رافضننين‬
‫الديانات مثلها مثل العديد من الخرافات ومتبنين علننى‬
‫نحو متصلب ضنندها الحقننائق الفائقننة للفلسننفة‪ :‬هكننذا‬
‫كان العدينند مننن الزنادقننة‪ ،((11‬النندهريين‪ ،((12‬الننرازي‪،((13‬‬
‫ابن الراوندي‪ ،((14‬اليهودي هيوي البلخي‪ ،((15‬أو الكلداني‬
‫ابن وحشية‪ .((16‬لكن في جميع الحوال فقد سببت هذه‬
‫التعددية الدينية اضرارا ً لللهة‪ ،‬معيدة بابل الفكرية إلى‬
‫حيث كانت تنتمي‪.((17‬‬
‫كننان واضننحا ً أن غيننر المسننلمين هننم الننذين كننانوا‬
‫سيخسرون في هذا البحث عن حقيقة فننوق الحقننائق‪.‬‬
‫فغير المسلمين كانوا في موقف دفاعي في حيننن لننم‬
‫يكن المسلمون كذلك‪ ،‬ونسننبية حقننائقهم كننانت تعننني‬
‫‪. Walzer, L’Eveil de la philosophie islamique, p. 20 (8‬‬ ‫)‬

‫‪Y. Marquet, “Imâmat, Résurrection et Hiérarchie selon les Ikhwâm as - Safâ”, Revue des (9‬‬ ‫)‬

‫‪. études islamique 1962, pp. 137f; B. Lewis, The Origins of Isma ‘ilism, Cambridge 1940, pp 93ff‬‬
‫‪Baumstark, Geschichte der syrischen Literatur, pp. 280ff (10‬؛ حيث من المناسب أن نقارن‬ ‫)‬

‫هنا مع ‪. Nathan der Weise‬‬


‫‪F. Gabrieli, “La ‘Zandaqa’ au I ‘siecle abbasside’, in C. Cohen et al., L’Elaboration de (11‬‬ ‫)‬

‫‪. l’Islam, Paris 1961‬‬


‫‪. ”Encyclopaedia of Islam, art. “Dahriyya (12‬‬ ‫)‬

‫‪. Walzer, L’Eveil de la Philosophie islamique, p. 19 (13‬‬ ‫)‬

‫‪. Encyclopaedia of Islam, s.n (14‬‬ ‫)‬

‫‪. .Encyclopaedia Judaica,s.n (15‬‬ ‫)‬

‫‪ ,Chwolson (16‬ر ‪berreste, p. 155 n; A. von Gutschmidt, “Die nabat‬ن‪ische Landwirtschaft und‬‬ ‫)‬

‫‪ihre Geschwister”, Zeitschrift der Deutschen Morgenl‬ن‪. ndischen Gesellschaft 1861, pp. 91f‬‬
‫‪ (17‬في كلمات فيرون الملئمة للموضوع هنا والتي ترجع إلى القرن السننابع عشننر‪:‬‬ ‫)‬

‫»آه يا بابل المرتبكة! المتقلبة والتي تدعي الدين‪ ،‬وكل نقط الجدل« ]بالفرنسية في‬
‫النص[ ) ‪R. H. Popkin, The History of Scepticism from Erasmus to Descartes”, Assen 1964, p.‬‬
‫‪.(73‬‬

‫‪167‬‬
‫نسبية دفاعاتهم‪ .((18‬كان للمسيحيين ميزة على اليهننود‬
‫صنلت مننذ زمنن‬ ‫تجّلت فنني أن المسنيحية كنانت قند تو ّ‬
‫طويل إلننى تفنناهم مننع الفلسننفة المفاهيميننة‪ ،‬وأولئك‬
‫جلبوا إلى تبديل الدين عبر الفلسفة‬ ‫المسيحيون الذين ُ‬
‫ّ ‪((19‬‬
‫مباشرة كانوا بالتالي قلة ؛ كما كانت لهم ميزة علننى‬
‫الكلدانيين الننوثنيين تجل ّننت فنني أن الفلسننفة لننم تكننن‬
‫وسيلة نقل هويتهم‪ ،‬المننر الننذي جنناءت منننه السننهولة‬
‫الكبرى التي استطاعوا بها أن يتشاركوا مع المسننلمين‬
‫في الهوية‪ .‬لكنهم بالمقابل كننانوا أضننعف مننن اليهننود‬
‫والننوثنيين فنني السننهولة الننتي اسننتطاعوا بهننا تبننديل‬
‫حقيقتهننم الدينيننة حيننن خلننق تيننار التنننوير ثقافننة ذات‬
‫جاذبية علمانية‪ :‬لقد استطاع علي بن عيسننى‪ ،‬كمسننلم‬
‫في بغداد‪ ،‬أن يدرس الفلسننفة والطننب اليونننانيين‪ ،‬أن‬
‫يهننذب القواعنند‪ ،‬الشننعر والسننلوب الخنناص بالعمننل‬
‫الكتننابي‪ ،‬أن يبحننث فنني الديانننة الحرانيننة‪ ،‬أن يجننادل‬
‫اليهود‪ ،‬وأن يكتشف أية مسيحية كننانت قنند تركننت فنني‬
‫وف السننلمي‪ .((20‬والمسننيحيون الننذين لننم يكننن‬ ‫التص ن ّ‬
‫لننديهم صننهيون ول بلد الكلنندان لبقننائهم فنني »حينناة‬
‫منعزلة« اختفوا في هيئة مسلمين منشقين‪.((21‬‬
‫من ناحية أخرى فاليهود والوثنيون كانوا في القارب‬
‫‪(2‬‬
‫ذاته إلى درجة أن الطرفين دمجوا حقائقهم بهوياتهم‬

‫‪ (18‬كان مسيحيا ً ذلك الذي كتب ررررر رررررر ‪ Nathan der Weise‬في عصر التنوير‬ ‫)‬

‫الوروبي‪،‬لكن اليهود هم الذين اعتنقوا المسيحية باسم العقل الوروبي‪.‬‬


‫‪ (19‬من المفروض أن يوحنا ابن البطريق غّير دينه على أيدي المأمون ) ‪D. M. Dunlop,‬‬ ‫)‬

‫‪“The Translations of al-Bitriq and Yahya (Yuhanna) b. al-Bitriq”, Journal of the Royal Asiatic‬‬
‫‪ .(Society 1959, p. 142‬على العكس من ذلك‪ ،‬كان الفلسفة المسننيحيون هننامين فنني‬
‫بداية القرن الحادي عشر بما يكفي لن يشن عليهم ابن سينا هجومه‪S. Pines, “La ) .‬‬
‫‪“Philosophie Orientale” d’Avicenne et sa polêmique contre les Baghdadiens”, Archives d'histoire‬‬
‫‪.(doctrinal et littéaire du Moyen Age 1952‬‬
‫‪ D. Sourdel, Le Vizirat abbaside de 749 (20‬ن ‪ . Damascus 1959f, pp. 520 - 6 ,936‬كان علي‬ ‫)‬

‫بن عيسى حفيد أحد المسيحين المتحولين عن دينهم من دير قّنه والذي أسس سللة‬
‫جاب‪.‬‬ ‫من الح ّ‬
‫‪ (21‬بدأ طوفان المسيحيين المتحننولين عننن دينهننم فنني العصننر العباسنني فضننل بننن‬ ‫)‬

‫مروان‪ ،‬وهو وزير بين العامين ‪(Encyclopaedia of Islam, s.n ) 836 - 833‬؛ من أجننل‬
‫عيسى بن فرخانشاه‪ ،‬أحمد بن إسرائيل النباري‪ ،‬حسن بن مخلد‪ ،‬سننعيد بننن مخلنند‪،‬‬
‫وغيرهم‪ ،‬أنظر‪ .Sourdel, Le Vizirat abbaside, pp. 291, 295, 313, 316f etc :‬ظل عبدون بن‬
‫مخلد‪ ،‬أخو سعيد‪ ،‬مسيحيًا‪ ،‬لكن أخاه ربما ترك دينه ) ‪Fiey, Assyrie chrétienne, vol. iii, pp.‬‬
‫‪(117 f‬؛ والطوفان ذاته يبدو في انهيار الملل المسيحية في‪ ‬فارس مع نهاية القننرن‬
‫العاشننر وبدايننة الحنادي عشننر‪id., "L'Elm, La premiére des métropolis ecclésiastiques ) .‬‬
‫‪.(seyrienne orientales, Melto 1969 and Parole de l'Orient 1970; id., Médic chrétienne", ibid‬‬
‫‪ (22‬مننن هنننا تننأتي علننى الرجننح حقيقننة وجننود ابيقننوريين مننن اليهننود والكلنندانيين‬ ‫)‬

‫والمسننلمين‪ ،‬لكننن ل يوجنند سننوى مسننيحيين مشننائين‪ :‬فبعكننس الخيريننن‪ ،‬ل يعننود‬

‫‪168‬‬
‫مّثل الطرفان بطبقة علمانية مثقفة‪.‬كننان هننذا‬ ‫‪ ،‬وقد ُ‬
‫‪(2‬‬

‫يعني‪ ،‬أن هننؤلء‪ ،‬بعكننس المسننيحيين‪ ،‬لننم يكونننوا غيننر‬


‫حصينين للغزو الغريب؛ ومن النظرة الولننى نعننرف أن‬
‫الجمنناعتين كانتننا فنني موضننع جينند علننى نحننو متعننادل‬
‫لمقاومننة تبننديل النندين‪ .‬لكننن كننان ثمننة فننرق حيننوي‬
‫بالطبع‪ :‬الحقيقة اليهودية كانت إلها ً شخصيًا‪ ،‬وحقيقننة‬
‫الوثنيين كانت مفاهيم غير شخصننية‪ .‬وكننان هننذا يعننني‬
‫شيئين‪.‬‬
‫ففي الموضع الول‪ ،‬لننم تسننتطع النندوائر التنجيميننة‬
‫للكلنندانيين تولينند وحنندة إثنيننة‪ ،‬تضننامنا ً اجتماعيننًا‪ ،‬ول‬
‫ى تاريخينًا‪ .‬فمنن منظننور إثننني كننانت النندوائر دون‬ ‫معن ً‬
‫شعب مختار؛ ومن منظور اجتماعي لننم تكننن مفهومننة‬
‫إل للنخبة؛ أما من المنظننور التنناريخي فلننم يسننتطيعوا‬
‫سننوى تفسننير الحاضننر‪ ،‬لكننن ليننس تسننويغه‪ .‬اسننتطاع‬
‫اليهود إطاعة إلههم‪ ،‬البكاء على شكل حكمهننم‪ ،‬المننل‬
‫بخلصهم؛ لكن الكلدانيين لم يسننتطيعوا سننوى دراسننة‬
‫ثورات جموحننة‪ .‬والحقيقننة أن اللننب التنجيمنني للوثنيننة‬
‫المتننأخرة اجتنناز طبعننا ً تعننديلت ل نهائيننة فنني إدراك‬
‫ذبون بعواطف دنيوية؛ فمننن ناحيننة‬ ‫حقيقة أن البشر يع ّ‬
‫كننان الكلنندانيون ينوحننون علننى حكمهننم ويننأملون أن‬
‫م نا ً‬
‫وروا ه ّ‬
‫‪((23‬‬
‫دورهم سوف يعود ‪ ،‬ومن ناحيننة أخننرى ط ن ّ‬
‫معين نا ً لجننل الجمنناهير‪ .((24‬مننع ذلننك بقيننت حقيقننة أن‬
‫النجوم لم تستطع الفصاح عن هذه المشاعر‪ :‬المسألة‬
‫تحديدا ً هي أنه كان يجب أن تكون فوقها‪ ،‬وطالما ظّلت‬
‫النجوم علننى حالهننا لننم يكننن باسننتطاعة المنجميننن أن‬
‫يتبنوا منظورا ً أرضيا ً أكننثر تماسننكًا‪ .‬مننع ذلننك‪ ،‬لننم يكننن‬
‫مرجحا ً أن تحرز الجماهيرموضوعية كهننذه؛ ومننن ناحيننة‬
‫إذا أيقظت النجوم شننعبا ً بحيننث أنكننر تأثيرهننا‪ ،((25‬ومننن‬
‫المسيحي مسيحيا ً إذا انغمس في الشكوكية‪.‬‬
‫‪ (23‬كما فعل ابن وحشية‪ ،‬بأعظم افتقار غير كلداني للنزاهة العلمية‪.‬‬ ‫)‬

‫‪ (24‬نخض بالذكر هنا المندائيين‪ ،‬الذين ذهبوا إلننى ابعنند مننا يمكننن ربمنا فنني طمننس‬ ‫)‬

‫العنصر التنجيمي‪ ،‬والذين تنكروا أيضنا ً لهنويتهم الكلدانينة؛ قنارن‪ ،‬منن ناحينة ‪ ،‬تارينخ‬
‫هجرتهم) ‪E. Yamauchi, Gnostic Ethics and Mandaean Origins, Cambridge, Mass 1977, pp.‬‬
‫‪ ، (68ff‬ورفضهم »للعرافين والكلدانيين«‪ ،‬من ناحية أخرى‪M. Lidzbarski (tr.), Ginza: ):‬‬
‫‪Der Schatz oder das grosse Buch der Man‬ن ‪.(der, Gottingen 1925, pp. 37, 278, 299 etc‬‬
‫‪ (25‬مجموعة ظننروف ليفهمهننا المننندائيون )مقابننل المسننيحيين(‪ ،‬كمننا يتوضننح مننن‬ ‫)‬

‫الرواية المقدمة في ررررر رر حننول عربنني اسننمه عبنند اللننه والننذي ينندين بننثروته‬
‫لمارس ‪/‬نريغ‪ /‬نرغال والذي يقول لتباعه إن خدم النجوم ليس لننديهم سننلطان ) ‪ibid,‬‬
‫‪ .(pp 233f‬فإذا كان من الممكن التنبؤ بالغزوات العربية عن طريق التنجيننم ) ‪ibid., p.‬‬
‫‪ ،(412‬ليس هنالك معنى للبكاء على رحيل أنوش)) ‪ibid., p. 300‬واختفاء الديانة من على‬

‫‪169‬‬
‫ناحيننة أخننرى جعننل منهننا هننذا الشننعب تقدمننة تضننامن‬
‫ومعنى عبر عبادة ‪ cult‬إله إثني‪ ،‬ل نستغرب إذا أطنناعت‬
‫الجماهير النجوم وغّيرت دينها‪.((26‬‬
‫فنني الموضننع الثنناني‪ ،‬فننإن الشخصننية المفاهيميننة‬
‫للوثنية الكلدانية كانت تعني أن أنصارها لننم يسننتطيعوا‬
‫المشننناركة فننني حقيقتهنننم دون طمنننس هنننويتهم‪.‬‬
‫والشننرائع الكونيننة تسننتطيع أن تكننون حقيقننة خاصننة‬
‫فقننط عننبر حننق التننأليف أو النشننر ‪ ،copyright‬وليننس‬
‫بالعمننل؛ وحيثمننا أصننبح المننرء يهوديننا ً أو صننادر اللننه‬
‫اليهننودي‪ ،‬اسننتطاع ممارسننة علننم التنجيننم بننأعظم مننا‬
‫ذب‪ .‬لقد استطاع المسلمون أن‬ ‫يمكن من التسليم المه ّ‬
‫يسننتعيروا الحقننائق الكلدانيننة‪ ،‬دون أن يغننامروا بننأن‬
‫يصبحوا كلدانيين؛ لكن الكلدانيين الذين باعوا حقائقهم‬
‫باعوا أيضا ً هويتهم‪ ،‬وهذا لم يستطيعوا فعلننه فنني بيئة‬
‫مسلمة دون أن يغامروا بالختفاء هم أنفسهم فيها‪.‬‬
‫وهكننذا فقنند استسننلمت النخبننة الوثنيننة للتعدديننة‬
‫السننلمية‪ :‬حيننن اسننتطاع واحنندهم أن يكننون مسننلما ً‬
‫ممارسا ً للتنجيم‪ ،‬لم يعد لدى الوثنيين حقيقة يقاومون‬
‫بها‪ .‬وخروج ثابت بننن قننره وأمثنناله مننن ح نّران‪ ((27‬فنني‬
‫القرن التاسع‪ ،‬قاد بالتننالي إلننى تبننديل هلل الصننابئي‬
‫لدينه في القرن العاشر فنني بغننداد‪ ((28‬؛ فنني حيننن لننم‬
‫يستطع ابن وحشننية فنني القننرن العاشننر سننوى إعننادة‬
‫التأكيد على حقوق التأليف والنشر الشعوبية‪.((29‬‬
‫وحنندهم اليهننود كننان لننديهم إلننه إثننني‪ :‬وبعكننس‬
‫ملننوا أن يكونننوا‬ ‫المسننيحيين فقنند اسننتطاعوا أن يتح ّ‬
‫شكوكيين ويحافظوا مننع ذلننك علننى إثنيتهننم اليهوديننة‪،‬‬
‫ملوا ممارسة‬ ‫وبعكس الكلدانيين فقد استطاعوا أن يتح ّ‬
‫‪((30‬‬
‫التنجيم ويحننافظوا مننع ذلننك علننى إلههننم اليهننودي ‪.‬‬

‫وجه البسيطة )‪ :(ibid., p. 54‬يمكن للمرء أيضا ً أن يندب قانون الجاذبية‪ .‬لكن إذا كان‬
‫مارس ‪ Mars‬ممالئ للروح الشريرية‪ ،‬والعرب يمكن الحكم عليهم بالرمي في الجحيم‬
‫‪ Scheol‬بسبب أعمالهم )‪ ،(ibid., pp. 233f‬ليس هنالك معنى لتتبع الكواكب‪ :‬يمكن للمرء‬
‫أن يصبح مانويا ً أيضًا‪.‬‬
‫‪. Ibid., pp. 30, 233 (26‬‬ ‫)‬

‫‪. Chwolson, Die Ssabier, vol. I, pp. 546ff (27‬‬ ‫)‬

‫‪ (28‬أو القرن الحادي عشر إذا كان تبديله لدينه حصل عام ‪Encyclopaedia of ) 1012‬‬ ‫)‬

‫‪(Islam, s.n‬‬
‫‪ (29‬لحظ رأيه القائل إن معظم الشعب اعتاد أن يتبنى ديانة الملننوك منننذ الغننزوات‬ ‫)‬

‫الكنعانية )أي‪ ،‬العربية(‪ ,Chwolson) ،‬ر‪.(berreste, p. 27‬‬


‫‪ (30‬مثلما فعل ماشاء الله مع تجاهل ملفت للنظر لقناعاته المهنية‪.‬‬ ‫)‬

‫‪170‬‬
‫الله اليهودي لم يتواءم بالطبع مع المفاهيم‪ ،‬وقد كان‬
‫(‬
‫ثمة يهود جيء بهم بالتالي إلى تبديل الدين بوساطتها‬
‫‪(31‬؛ لكن معظمهم كان يمضنني وقتننه فنني العبننث بهننذه‬
‫اللعب المفاهيمية الجديدة ليس إل‪ .‬لقد استعار سعاديا‬
‫كمه‪ ،‬في حين‬ ‫ح ْ‬‫غاؤون الفلسفة‪ ،‬أطاع إلهه وناح على ُ‬
‫استسلم ابن وحشية لله ما واستعار لغة يهودية ليندب‬
‫بها حكمه‪ .((32‬وهكذا استمر يهود بابل في تجمعهم في‬
‫الزمنة المعاصرة عبر فدائهم العلماني؛ أما الوثنيننون‪،‬‬
‫فلننم يبننق منهننم للزمنننة المعاصننرة سننوى المننندائيين‬
‫لينشدوا الفداء في الثورات الماركسية‪.((33‬‬
‫وهكذا رغم أن العنراق صنار بلندا ً ذا غالبينة مسنلمة‪،‬‬
‫فقد ظل قدره هوجرة ل ترحم‪ .‬ففنني الموضننع الول‪،‬‬
‫ظل من بقي من المسيحيين »سريانًا«‪ :((34‬رغننم تبننني‬
‫اللغة العربيننة‪ ((35‬منننذ البدايننة والختفنناء المطلننق للغننة‬
‫السننريانية السننريانية كلغننة أدبيننة‪ ،((36‬اسننتمرت اللغننة‬
‫السننريانية كلغننة طقوسننية فنني كافننة أرجنناء القليننم‬
‫وكلهجة عامية في معاقل الشوريين الريفية‪((37‬؛ علننى‬
‫نحننو مشننابه‪ ،‬فرغننم الجهننل الكل ّنني الننذي انحنندر إليننه‬
‫الشوريون‪ ،‬فهم لم يشكوا في هننويتهم غيننر العربيننة‪.‬‬
‫وهكننذا فقنند كننان مجيننء الوروبييننن يعننني إحينناء‬
‫ققق قققققق‪ ،‬واختفنناءهم النهننائي ضننمن العننرب لكننن‬
‫ليس كما في سوريا‪ .‬ففنني حيننن كننان علننى مسننيحيي‬
‫سوريا العننودة إلننى ماركننة الننروم المسننتعربين‪ ،‬فقنند‬

‫المأمون) ‪Dodge, The Fihrist of‬‬ ‫مد اليهودي‪ ،‬الذي غّير دينه على يدي‬ ‫ص َ‬
‫‪ (31‬هكذا كان َ‬
‫)‬

‫‪(AL-Nadim, P. 652‬؛ قارن أيضا ً ابن ملكا ) ‪.Encyclopaedia of Islam,) art. “Abu L-Barajat‬‬
‫دس‪:‬‬ ‫ضح ابن وحشية شعوبيته الكلدانية عن طريق عكس لتاريخ الكتاب المق ّ‬ ‫‪ (32‬لقد و ّ‬ ‫)‬

‫كنام لبابنل فني المصنادر المندائينة‪Yamauchi, Gnostic Ethics and ) .‬‬ ‫فناليهود يظهنرون كح ّ‬
‫‪ .(Mandean Origins, p. 68‬ولن الغيتو عاد في هيئة السباط العربية‪ ،‬فابن وحشية يواصل‬
‫توبيخ العننرب سنناخرا ً وذلننك بوصننفهم غننزاة كنعننانيين لرض الكلنندان‪ ،‬وتقننويم ابراهيننم‬
‫كمهاجر كنعاني إلى كوثا َرّبا ) ‪ ,Chwolson‬ر ‪.(berreste, passim‬‬
‫‪. B. Vernier, L’Iraq d’aujourd’hui, Paris 1963, p. 92 (33‬‬ ‫)‬

‫‪ (34‬قارن ما سبق‪ ،‬هامش ‪ 53‬ف ‪.7‬‬ ‫)‬

‫ل؛ قارن‪G. Graf, Geschischte der Christlichen arabischen :‬‬ ‫‪ (35‬كلغة أدبية عبر الفلسفة أو ً‬ ‫)‬

‫‪. Literatur, Rome 1944 - 5, vol. ii, pp. 109 - 20‬‬


‫ً‬
‫‪ (36‬كما في سوريا في الوقت ذاته تقريبا‪ ،‬مع أن المر يبدو إلى حد ما أكثر مقاومة‬ ‫)‬

‫)قننارن ملحظننات بروكلمننان فنني‪C. Brockelmann et al., Geschischte der Christlichen :‬‬
‫‪.(Litteraturen des Orients, Leipzig 1909, p. 55‬‬
‫ن‪istische Forschung seit th. Noldeke’s Ver‬‬‫‪F. Rosenthal,Die Aram (37‬ن ‪ffentlichung, Leiden 1939,‬‬ ‫)‬

‫‪. p. 255ff‬‬

‫‪171‬‬
‫قِبنننل مسنننيحيو العنننراق تحديننندا ً لهنننويتهم ككلننندان‬
‫وآشوريين‪ ((38‬؛ وفي حين كننان علننى مسنيحيي سننوريا‬
‫قيننادة المسننيرةنحو خلننق ثقافننة عربيننة حديثننة‪ ،‬تبن ّننى‬
‫مسيحيو شمال العراق لغة سريانية حديثة؛ وفنني حيننن‬
‫كان على مسنيحيي سننوريا تقننديم النظريننات للقومينة‬
‫العربية‪ ،‬تنناق الشننوريون إلننى حكننم جدينند فنني مدينننة‬
‫نينوى الجميلة وسهل الموصل الخصيب‪.((39‬‬
‫في الموضع الثاني‪ ،‬فقنند تننرك الننذين غي ّننروا دينهننم‬
‫خلفننة صننورة‪ :‬صننورة لشننوريا مسننقطة علننى شاشننة‬
‫عربية في حالة المسيحيين‪ ،‬وصورة لبابل فنني شننكلها‬
‫الكلداني في حالة الوثنيين‪ .‬لقند كنان للشننوريين أحند‬
‫أشكال الحكننم فنني حيننن كننان المسننيحيون الحضننريين‬
‫فوق كل أشكال الحكم‪ ،‬لذلك ل يبدو مفاجئا ً أن آشوريا‬
‫ظلت على قيد الحينناة رغننم الزمننات عننبر المسننيحيين‬
‫فقط‪ .‬لكن في الوقت ذاته فالشننوريون شنناركوا فنني‬
‫اثنيتهم‪ ((40‬أما المسيحيون الحضريون فكانوا فننوق كننل‬
‫الثنيننات؛ ومننن غيننر المفنناجئ أيضننا ً أن المسننيحيين‬
‫فشننلوا فنني أن يننتركوا بصننمتهم إثنيننا ً أو لغويننا ً فنني‬
‫السلم‪ :‬من جهة لننم يكننن هنالننك شننعوبية سننورية ‪،((41‬‬
‫‪ .J. Joseph, The Nestorians and their Muslim Neighbours, Princeton 1961, pp. 5ff (38‬كانت‬ ‫)‬

‫ميزة طبعا ً أن الكلدانيين والشوريين‪ ،‬بعكس النروم‪ ،‬لنم يكنن لهنم تجسنيد معاصنر؛‬
‫ضلوا العرب المعاصرين على الروم المعاصرين‪ ،‬فالنساطرة‬ ‫لكن إذا كان الملكيون ف ّ‬
‫على ما يفترض كانوا سيفضلون الكاديين المعاصرين‪.‬‬
‫‪ (39‬قارن القصيدة الواردة فنني ررررر ر ررر ررر‪ ،‬ص‪152‬؛ وانظننر بشننكل عننام‬ ‫)‬

‫صص ‪ 151‬وما بعد‪.‬‬


‫‪ (40‬أو بقدر ما لم يفعلوا فقد كانت واهية إلننى درجننة مفرطننة‪ :‬سننواء انحنندروا مننن‬ ‫)‬

‫غورومو المصادر المسمارية أو من غارامينناوي بطليمننوس‪ ،‬فسننكان بيننت غارمننا لننم‬


‫يتدبروا أمرهم بحيث يعزلوا آشننوريا عننن بنناقي الهلل الخصننيب‪ ،‬ورغننم أن المصننادر‬
‫السلمية تمّيز بين النباط والجرامقة‪ ،‬فهي تعرف تماما ً أن الجرامقة ر ررررررر‪).‬‬
‫‪. (Fiey. Assyri Chétienne, vol. iii, pp. 14ff‬‬
‫ً‬
‫‪ (41‬ماهية الشعوبية هناك مسيحية‪ ،‬وقد هدفت أول إلى دحض أولوية اللغننة العبريننة‬ ‫)‬

‫دون تركها تذهب إلى الوثنيين‪ :‬فالسريانية‪ ،‬وليس العبرية‪ ،‬كانت اللغة الولى‪Badge, ).‬‬
‫‪(The Book of the Cave of Treasures, p. 132‬؛ وبما أن ابراهيم كان أحد مواطني قشقار في‬
‫بابل‪ ،‬فقد كان يتحدث بلغة البابليين الصلية‪ ،‬والبابليون هم الراميون‪ ،‬والراميون هم‬
‫السننريان‪ ،‬واللغننة العبريننة هنني دمننج بيننن السننريانية والكنعانيننة ) ‪van den Eynde,‬‬
‫‪ .(Commentaire I, Genése, pp. 135f = 147, pp. 175f = 189‬هنالك دفاع متأخر عن اللغة‬
‫دمه ضد العرب بشكل خاص عبد اشوع من القرن الثالث عشننر‪ :‬العننرب‬ ‫السريانية ق ّ‬
‫يحتقرون اللغات الخرى وبشكل خاص اللغة السريانية‪ ،‬لكن السريانية هني أول لغنة‬
‫دثها آدم مع الله‪“ ,P. P. Zingerle ) .‬ـ ‪ber das syrische Buch des Paradieses von Ebedjes,‬‬ ‫وقد تح ّ‬
‫‪Metropolit von Nisibis”, Zeitschrift der Deutschen Morgenl‬ن ‪ndischen Gesellschaft 1875, pp.‬‬
‫‪ .(493‬مع ذلك‪ ،‬ففي السلم نجد أن ابن النننديم هننو الننذي يلحننظ هننذه المسننألة مننن‬

‫‪172‬‬
‫ومن جهة أخرى لننم يكننن هنالننك مسننلمون سننريان ‪.((42‬‬
‫لكننن إذا فشننل الننذين غّيننروا دينهننم فنني الحتفنناظ‬
‫بحضارتهم باعتبارهم »ق قققققق« فقد اسننتطاعوا مننع‬
‫ذلك أن يحتفظوا بها كعرب جنننوبيين؛ فبعنند أن اسننتقر‬
‫مسيحيو نجران العرب في نجننران الكوفننة كنني يكونننوا‬
‫قطب الّرحا‪ ،‬صار »عربنني منن ديننر قن ّنناء« يعننني يمنينا ً‬
‫مزيفنا ً‪ .((43‬وهكننذا فقنند صننار المسنيحيون الننذين بندلوا‬
‫دينهم عربًا‪ ،‬لكن عربا ً بصفة ممّيزة؛ وقد كان جزءا ً من‬
‫هننذا الرث العربنني المختلننف إلننى حنند مننا‪ ،‬أن آشننوريا‬
‫دلين‪ ((44‬لدينهم عادت للظهننور‪ .‬فملننك مدينننة حننترا‬ ‫المب ّ‬
‫ً‪((45‬‬
‫مننا آشننوريا ‪،‬‬ ‫في شمال بلد مابين النهرين كننان إذا ً إ ّ‬
‫عربي نا ً يحمننل لقب نا ً آشننوريا ً‪ ،((46‬أو ببسنناطة عربي نا ً مننن‬
‫جنننوب شننبه الجزيننرة ‪((47‬؛ وإذا كننانت الننذاكرة صننحيحة‬
‫هننزم‬ ‫تماما ً في أنه هزم سبتيموس سويروس‪ ،((48‬وأنننه ُ‬
‫بدوره على يد شاهبور‪ ،((49‬فهو أيضا ً الذي اشتهر علننى‬
‫نحو وهمي للغاية بأنه قاد حملة سنحاريب ضد القنندس‬
‫أيام ارميا‪ .((50‬كذلك فإن ملك الحيرة الواقعة في جنوب‬
‫ما آشننوريا ً أو عربينا ً مننن‬ ‫بلد مابين النهرين كان يعتبر إ ّ‬
‫جنوب شبه الجزيرة ‪ ،((51‬وإذا كانت سللة حكننام الحيننرة‬

‫)‪Dodge, The Fihrist of AL-‬‬ ‫معرفته بالكتب المسيحية‪ ،‬وليس أحد الشعوبيين السوريين‪.‬‬
‫‪ .(Nadim, pp. 22‬كذلك أيضا ً فالشعوبيون السوريون اسننتطاعوا فقننط أن يختفننوا فنني‬
‫الجوقة العامة القائلة إن كل النبياء السابقين كانوا غينر عنرب‪ ،‬واسنتوجبت عقائدينا ً‬
‫كرين أن ل يعزوا للعرب ميزة خاصة في سننياق أنهننم لننم يمتلكننوا نبي نا ً‬ ‫أنه على المف ّ‬
‫خاصا ً بهم‪) .‬أنظر الهامش ‪ 15‬من الفصل ‪.(12‬‬
‫‪ (42‬ليس قبل أن يسننتخدم الشننوريون نسننبا ً غيننر عربنني للكننراد وهرطقننة اليزيننديين‬ ‫)‬

‫للزعم أن كليهما معًا» آشوريون مسلمون « ) ‪J. Joseph, The Nestorians and their Muslim‬‬
‫‪.(Neighbours, p. 154‬‬
‫‪. Fiey, Assyri chrétienne, vol. iii, p. 190 (43‬‬ ‫)‬

‫‪ (44‬باعتبارهننا مقابلننة لشننوريا المصننادر الكلسننيكية الننتي أخننذ منهننا المسننلمون‬ ‫)‬

‫بالمطلق معرفتهم المدرسية عن الماضي الشوري‪.‬‬


‫‪ (45‬هو ساطريون بن اوسيطرون‪ ،‬الجرقمي‪ ،‬ملك السريانيين )ياقوت بن عبد اللننه‪،‬‬ ‫)‬

‫رررر ررررررر‪ ،‬تحرير ف‪ .‬فوستنفلد‪ ،‬ليبتسغ ‪284 :2 ،73 - 1866‬؛ المسعودي‬


‫في عمل كفولسون‪ ،‬ررررررر‪.(693 :2 ،‬‬
‫‪”Enyclopaedia of Islam, art. “Al-Hadar (46‬؛ في كتاب كفولسون‪ ،‬ررررررر‪.695 :2 ،‬‬ ‫)‬

‫يقال إن »ساطريون« كلمة سريانية‪.‬‬


‫‪ (47‬ضيزن بن معاوية القاضي )ياقوت‪ ،‬رررر ‪.(282 :2‬‬ ‫)‬

‫‪ (48‬علي بن محمد بن الثير‪ ،‬رررررر رر ررررررر‪ ،‬تحرير ‪ ،C. J. Tornberg‬لينندن‬ ‫)‬

‫‪209:1 ،76 ،1867‬؛ قارن‪Pauly-Wissow, Realencyclo :‬ن ‪. ”die, art. “Hatra‬‬


‫‪. ”Enyclopaedia of Islam, art. “Al-Hadar (49‬‬ ‫)‬

‫‪ (50‬ياقوت‪ ،‬رررر‪.284:2 ،‬‬ ‫)‬

‫‪ (51‬يقول اليمنيون إن المنذر بن ماء السماء انحدر من لخننم‪ ،‬لكننن » رررررر ر «‬ ‫)‬

‫يقولون إنه انحدر من ساطريون ابن السيرطون‪ ،‬ملك الحضننر‪ ،‬وهننو جرمقنناني مننن‬

‫‪173‬‬
‫ذائعننة الصننيت لحرازهننا مننآثر كتابيننة ]مننن الكتنناب‬
‫دس[‪ ،‬فقد استطاعت علننى القننل أن تنحنندر مننن‬ ‫المق ّ‬
‫‪((52‬‬
‫؛ في حيننن أن أحيقننار ذاتننه‪ ،‬المعننروف فنني‬ ‫احيقار‬
‫العربية المسيحية‪ ،‬يعاود الظهننور فنني ثننوبه السننلمي‬
‫باعتباره لقمان الحكيم‪.((53‬‬
‫خلفة الصورة الكلدانية‪ ،‬بالمقابل‪ ،‬عادت للظهور بما‬
‫لها من حق خاص‪ .‬فالكلدانيون‪ ،‬بعدما دمجوا حقيقتهننم‬
‫ملزمين بمقاومة التعريب باسننتخدام‬ ‫مع هويتهم‪ ،‬كانوا ُ‬
‫كل المصادر اللغوية‪ ،‬السياسية‪ ،‬والثقافية الننتي كننانت‬
‫تحت تصرفهم‪ .‬وهكذا صنارت الدعايننة للرامينة صنادرة‬
‫أساسا ً عن خلفيننة وثنيننة‪ ،((54‬تمام نا ً مثلمننا أن الننوثنيين‬
‫دموا مسلمين يتكلمون الرامية ‪.((55‬‬ ‫وحدهم هم الذين ق ّ‬
‫وملوك بابل المذكورون في الحكايات‪ ،‬كهنتهننا أصننحاب‬
‫الحكمننة السننرانية‪ ،‬أدباؤهننا وحكماؤهننا اسُتحضننروا مننع‬
‫قننوة‪ ،‬رغننم تشننحيب التقلينند‪ ،((56‬ضننمنت لبابننل خلفننة‬

‫الموصل ) ‪(A. A. Bevan (ed.), The Naka’id of Jarir and al-Farazdak, Leyden 1905- 12, pp.885‬؛‬
‫ويقول اليمنيون إن النعمان بن المنذر كان من لخم‪ ،‬أما ررررر العراق فيقولون إنه‬
‫انحنندر مننن سنناطريون بننن السننيطرون‪ ،‬ملننك السننريانيين ) ‪ .(ibid., pp. 298‬يقننول‬
‫المسعودي أشياء مشابهة )‪.(Chwolson, Die Ssabier, vol. ii, pp. 693‬‬
‫‪W. Caskil, Gamharat an-Nasab: Das genealogische Werk des Hi (52‬ن ‪am b. Muhammad al-‬‬ ‫)‬

‫‪Kalbi, Leyden 1960, vol. ii, p. 84‬؛ كان أحيقارجد ملوك الحيرة‪ ،‬وهو أحد الغرباء‪.‬‬
‫‪F. C. Conybeare et al. (ed. and tr.), The Story of Ahkar, Cambridge 1913, pp. Lxxivff (53‬؛‬ ‫)‬

‫يظهر أحيقار باسم حيقار في النص العربي المسيحي‪ .‬لحظ أيضا ً إدخنال النمنرودات‬
‫في الزعم الشعوبي العام بأن كل الملوك السابقين كانوا من غير العرب‪) .‬أحمد بننن‬
‫محمد بن عبد ربيع‪ ،‬رررر ررررر رررررر‪ ،‬تحرير ا‪ .‬ين‪ ،‬القاهرة ‪،1965 - 1940‬‬
‫‪.(404:3‬‬
‫‪ (54‬بشكل خاص في حالة ابن وحشية‪ ،‬الذي يؤكد أن الخط السننرياني القننديم كننان‬ ‫)‬

‫أول أبجديننة إلهينة عّلمهنا اللنه لدم )أنظننر عملننه‪Ancient Alphabets and Hieroglyphic :‬‬
‫‪(Characters, ed. and tr. J. Hammer, London 1806, pp. 116 = 42‬؛ قارن أيضا ً فكرة لغة‬
‫البابليين النقية قبل الندماج )‪ ,Chwolson‬ر‪ .(berrest, p. 11‬وهكذا فإن أبا عيسىالمغربي‬
‫الذي آمننن أن السننوريين كننانوا أقنندم شننعب فنني العننالم وأن آدم كننان يتكلننم اللغننة‬
‫السريانية اعتقد أيضا ً أن ديانتهم كانت الصابئية )‪.(Chwolson, Die Ssabier, vol. ii, pp. 499‬‬
‫‪ (55‬ياقوت‪ ،‬رررر‪.566:3 ،‬‬ ‫)‬

‫‪ (56‬لقد أخذ ابن وحشية تيوكروسننه البنابلي مننن الفننرس باسنم تنكلوشننا ) ‪C. Nallino,‬‬ ‫)‬

‫‪“Tracce di opere greche giunte agli Arabi per trafile Pehlevica” in A Volume of Oriental Studies‬‬
‫‪ ،(Presented to E. G. Brown, Cambridge 1922‬وأخننذ بيروسسننه مننن اليونننان فنني هيئة‬
‫آرابياسنيوس ) ‪ .(Ibn Wahshiyya, Ancient Alphabets, pp. 16 = 11‬لكنن ربمنا أن عقرقنوف‬
‫وبروسيبا يمثلن استمرارية لتقليد محلي‪ :‬منذ اكتشناف عقرقنوف قينل إنهنا موقنع دور‬
‫كوريغالزو ‪ ،‬مدينة كوريغالزو الثاني ) ‪ 24 - 1345‬ق‪.‬م(؛ أما بروسيبا فهي طبعا ً مدينننة‬
‫بابلية شهيرة )من أجل القرائتين ‪،’brs’wy , qwq‬أنظر‪T. Noldeke, “Noch Eniges über die” :‬‬
‫‪nabataische Landwirtschaft”, Zeitschrift der Deutschen Morgenl‬ن ‪ndischen Gesellschaft 1875, n. 449n‬‬
‫(‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫‪(5‬‬
‫صورة في السلم ل تماثلها غير خلفة صننورة إيننران‬
‫‪ .(7‬لكننن الحماسننة الكلدانيننة أحبطننت نفسننها بنفسننها‪:‬‬
‫ففي حين اجتمع الشعوبيون الخرون في كننورس مننن‬
‫جه ابن وحشية‬ ‫المحتجين على هوية السلم العربية‪ ،‬و ّ‬
‫ددوا الصنندارة‬ ‫كراهيتننه دون تمييننز إلننى كننل الننذين ه ن ّ‬
‫الكلدانيننة‪ ،‬سننواء أكننانوا عرب نًا‪ ،‬فرس نا ً‪ ،((58‬يونننانيين ‪،‬‬
‫‪((59‬‬

‫آشنننوريين‪ ،((60‬أو حنننتى سنننوريين‪.((61‬ولن الكلننندانيين‬


‫صلوا هويتهم بلغة مفاهيم كونية‪ ،‬كان على الحضننارة‬ ‫ف ّ‬
‫إمننا أن تكننون كلدانيننة بالكامننل‪ ،‬أو أن تننترك الكلنندان‬
‫وشأنهم‪ .((62‬لكن بما أن مفنناهيم الكلنندان وصننلت إلينننا‬
‫في نسخ أوضح من اليونان وإيران‪ ،‬فالكلدانيون فقدوا‬
‫حقوق التاليف والنشر؛ وبما أنهم عاشننوا فنني العننراق‬
‫الدنى‪،‬لم يستطيعوا أن ُيتركوا وشأنهم؛ وهكننذا فعلننى‬
‫الرغم من كل الحيوية البدئيننة لخلفننة صننورتهم‪ ،‬أضنناع‬
‫الكلنندانيون إثنيتهننم فنني إثنيننة العننرب مثلمننا فقنندوا‬
‫حقائقهم في السلم‪.‬‬
‫وهكذا فقد كانت مسارات طوائف العننراق المختلفنة‬
‫بعيدة عن التطابق‪ :‬العلقننات المختلفننة بيننن هوينناتهم‬
‫وحقنننائقهم منننن ناحينننة‪ ،‬والتجسنننيدات الجتماعينننة‬
‫المختلفة للتقاليد المتنوعة مننن جهننة أخننرى‪ ،‬أدت إلننى‬
‫إمكانيات متفاوتة للغاية لمقاومة الهننوجرة‪ .‬لكننن هننذه‬
‫مننة‪ :‬فكننل‬ ‫الختلفننات تخفنني مننع ذلننك تناسننقية عا ّ‬
‫الطوائف العراقينة‪ ،‬سنواء أكنانت مسنيحية‪ ،‬يهودينة أم‬
‫‪ (57‬أنظر على نحو خاص‪) .Dodge, The Fihrist of al-Nadim, pp. 572ff :‬حيث مّر التقليد‬ ‫)‬

‫عبر مصفاة فارسية( وانظر‪ :‬المسعودي‪ ،‬رررر ررررر‪) 105 - 95 :2 ،‬حيث مننر‬
‫التقليد عبر مصفاة يونانية(‪.‬‬
‫‪ (58‬من أجل الكراد النذين يزعمنون امتلك أسنفار آدم‪ ،‬صنفريث‪ /‬ضنغريث‪ ،‬قوثنامي‪،‬‬ ‫)‬

‫النندواناي )أي أدوننناي( وأنبينناء بابننل الخريننن وحكمائهننا‪ ،‬أنظننر‪Ibn Wahshiyya, Ancient :‬‬
‫‪.Alphabets, pp. 131ff = 52ff‬‬
‫‪ (59‬يعتقد اليونانيون أنهم افضل من البابليين؛ لكن رغم وجود بعض الممتننازين بينهننم‪،‬‬ ‫)‬

‫إل أنه عموما ً يشبهون القطيع )‪ ,Chwolson‬ن ‪.(berrest, p.91‬‬


‫‪ (60‬ل يتحدث الجرامقة البابلية‪ ،‬بل لغة يقولننون إن عطننارد )أي نننابو( عّلمهننم إياهننا‬ ‫)‬

‫قبل ألف سننة )رررر رر ررر ررر‪ ،‬ص‪(104‬؛ إنهنم ليسنوا أبنناء آدم‪ ،‬وسنوف لنن‬
‫يتوقفوا أبنندا ً عننن كراهيننة البننابليين )رررر رر ررر ررر‪ ،‬ص‪ .(44‬إلننى هننذا المنندى‬
‫يخالف الحظ تعيين ابن النديم نسبا ً لبن وحشية من سنحاريب ) ‪Enyclopaedia of Islam,‬‬
‫‪.(”art. “Ibn Wahshiyya‬‬
‫ح علىاليونانيين يصح على السوريين ) ‪ ,Chwolson‬ن ‪.(berrest, pp. 60f‬‬ ‫‪ (61‬ما يص ّ‬ ‫)‬

‫‪ (62‬كما فعننل الفننرس؛ قننارن غينناب المحنناولت لتبننديل ديانننة الننوثنيين مننن ناحيننة‪،‬‬ ‫)‬

‫واحننترام ابننن وحشننية للفننرس الننذين يتمسننكون ررررر رررر مننن ناحيننة أخننرى‬
‫)رررررر رررررر‪ ،‬ص‪.(41‬‬

‫‪175‬‬
‫ي‬
‫وثنية‪ ،‬تميزت بمعرفتها الكاملة لكينونتها‪ ،‬ولم تكننن أ ّ‬
‫منها بحاجة خاصة إلى هوية عربيننة‪ .‬وباسننتثناء اليهننود‪،‬‬
‫فقد غشيتهم الهاجرية كلهم تقريبنًا‪ ،‬لكننن مننا غشنناهم‬
‫كان دون أدنى التباس قدرهم‪ ،‬وليس قسمتهم‪.‬‬
‫بعكس التجربننة العراقيننة‪ ،‬فالهاجريننة لننم تكننن قنندر‬
‫سوريا بل خلصها‪ .‬والحقيقة أن النعمننة ظلننت بننالطبع‬
‫مخفية زي نقمننة‪ .‬الهناجريون فني نهاينة المنر ليسنوا‬
‫مسيحيين‪ ،‬والسننريان كننان لننديهم دون شننك التصننميم‬
‫الكننبير كنني يسننتمروا كالسننابق‪ .‬لكننن رغننم أنهننم قنند‬
‫هلهم كنني‬ ‫سننوا بوجننودهم فنني موقننع يننؤ ّ‬ ‫يكونننون أح ّ‬
‫يسننتمروا كغيننر عننرب تحننت اسننم المسننيحية مثلمننا‬
‫استمروا كغير يونان تحت اسم المونوفيزيننة‪ ،‬فننالواقع‬
‫أن السريان كانوا محكومين بالقدر المحتوم‪.‬‬
‫لقنند اسننتمر السننريان فنني بيزنطننة المسننيحية لن‬
‫المسننيحية مجننّرد ديننن‪ .‬لقنند كننانت فنني آن الحقيقننة‬
‫الحضرية الفائقة والحقيقة الوحيدة التي لننم يخترعهننا‬
‫الحضننريون؛ وطالمننا كننانت الحقيقننة والهويننة بهننذه‬
‫الطريقة متمايزتين مفاهيمًا‪ ،‬استطاع السننريان اللعننب‬
‫بواحدة ضد الخننرى‪ .‬بالمقابننل‪ ،‬فلن المسننيحية مجنّرد‬
‫دين‪ ،‬أو بكلمات أخرى حقيقننة يمكننن توحينندها مننع أيننة‬
‫إثنيننة أو شننكل حكننم‪ ،‬فقنند اسننتطاع المسننيحيون أن‬
‫ينجحوا في البقاء في سننوريا المسننلمة‪ :((63‬انطباعننات‬
‫حول يهود عرب‪ ،‬زرادشتيين عرب‪ ،‬أو بربر عرب ل تثير‬
‫أية مشكلة‪ ،‬لكن المسننيحيين العننرب هننم وجننع الننرأس‬
‫الوحيد للمسلمين‪ .‬وهكذا ففي حين حاول أبننو عيسننى‬
‫الصننفهاني‪ ،‬بهافرينند وحنناييم إنقنناذ هوينناتهم الثنيننة‬
‫والسياسية عن طريق صننفقات توفيقيننة مننع الحقيقننة‬
‫الهاجريننة الجدينندة‪ ،‬كننان صننعبا ً علننى المسننيحيين أن‬
‫يثننوروا باسننم المسننيحية ‪ ((64‬مثلمننا كننان سننهل ً عليهننم‬
‫‪ (63‬إن التحول الواسع النطاق من الملكانية إلى المونوفيزية في ظل حكننم معاويننة‬ ‫)‬

‫والذي دّونه بار بنكايه ) ‪ (Mingana, Sources syriaques, pp. 147 = 176‬هو دليل ملفت للنظر‬
‫على هذه القابلية للحياة لسوريا اليعقوبية‪.‬‬
‫‪ (64‬من أجل الستثناء الوحيد‪ ،‬أنظر‪F. Omar, The Abbasid Caliphate, Baghdad 1969, p. :‬‬ ‫)‬

‫‪ .316‬لقد اعتقد رّبان ‪ -‬ايشوع أن الرب أذل السريان إلى درجة عظيمننة‪ ،‬فأجنناب بننار‬
‫صليبي أن مملكة الرب ليست في هذا العالم ) ‪Bar Salibi, Treatise against the Melchites”,‬‬
‫‪(pp. 80 = 49f‬؛ وذلك سبب معقولية عبارة المطران عزيز غونيل القائلة إنه لم يحدث‬
‫خل السريان في السياسة ) ‪A. Günel, Türk Süryaniler Tarihi, Diyarbekir 1970,‬‬ ‫قط وأن تد ّ‬

‫‪176‬‬
‫للسبب ذاته أن يقبلننوا بننالعرب كمخلصننين لهم ‪ .((65‬مننع‬
‫ذلك فلن المسيحية كانت مجرد دين ايض نا ً لننم يسننتطع‬
‫السريان المحافظة على وجودهم حين توقننف التمييننز‬
‫بيننن الحقيقننة والهويننة الحضننريتين عننن الوجننود‪ .‬لقنند‬
‫استطاعوا ضرب اليونانيين بعقيدتهم البربريننة‪ ،‬لكنهننم‬
‫ضد الهنناجريين كننانوا بحاجننة إلننى هويننة دنيويننة‪ ،‬ومننن‬
‫الفضل أن تكون هوية مصهورة مع حقيقتهم؛ وهذا ما‬
‫لم يكن لديهم‪ .‬ربما أربك الهلينيين أن يسننوع لننم يكننن‬
‫يونانيًا‪ ،‬لكن كان عليه أن يكون سوريا ً ملتزما ً جدا ً حننتى‬
‫تترك إثنيته انطباعا ً كهذا على الهاجريين؛ كذلك فربمننا‬
‫أّثر في نفوس الهلينيين أن البداعية الثقافية لم تكننن‬
‫يونانية بحتة‪ ،‬لكن شعوبية السريان المسيحية الصننرفة‬
‫‪(6‬‬
‫لم يكن عندها شيء لهزم الفخار الثقافي للهنناجريين‬
‫‪ .(6‬لقد استطاع الغساسنة العرب المشاركة فنني إحينناء‬
‫كنيسة سريانية وذلننك باعتبننارهم رفاق نا ً فنني البربريننة‬
‫ضد اليونانيين؛ لكنهم لم يكونننوا برابننرة سننوريين ضنند‬
‫العرب‪ ،‬وإذا كان جبلة بن اليهم قد آثر خروجا ً مسيحيا ً‬
‫إلنى بيزنطننة‪ ،((67‬فننإن معظننم مننواليه وطنننوا أنفسنهم‬
‫بصورة لئقة كهاجريين في سوريا‪ .‬مسيحيون بالنسننبة‬
‫لله وبرابرة بالنسنبة لليونننانيين‪ ،‬كنان السنريان بحاجننة‬
‫إلى هوية أكثر تماسكا ً ضد العرب‪.‬‬
‫لننذلك‪ ،‬حيننن بنندا واضننحا ً أن العقنناب اللهنني كننان‬
‫دة العادية التي تستمر بها‬ ‫سيستمر أطول كثيرا ً من الم ّ‬
‫الهننزات الرضننية‪ ،‬الجفنناف‪ ،‬الجننراد‪ ،‬الوبئة والغننزوات‬
‫دب بها الرب عادة الذين يحّبهننم‪ ،‬بنندأ السننريان‬ ‫التي يؤ ّ‬
‫يلينون‪ .‬ومع نهاية القرن الثامن أضننحى العقنناب علننى‬
‫خطايا المسيحييين والذي كانوا يأملون أن يكون مؤقتا ً‬
‫عقابا ً أبديا ً على هرطقات اليونانيين على ما يبنندو ‪ ((68‬؛‬
‫دد الصليبيون في القننرن الثننالث عشننر بإعننادة‬ ‫وحين ه ّ‬
‫‪. (p. 322‬‬
‫‪ (65‬مثلما راحوا يفعلون مع مرور الوقت على نحو متزايد‪ :‬من أجل الحمّية المننؤثرة‬ ‫)‬

‫عام ‪ ،1970‬أنظر الهامش ‪ 78‬من الفصل ذاته‪.‬‬


‫‪ (66‬من أجل شعوبية كهذه‪ ،‬أنظر‪A. Abel, “La polémique damascénienne dt son influence :‬‬ ‫)‬

‫‪sur les origines de la théologie musulmane”, in Cahen, L’Elaboration de l’Islam, p. 63‬؛ من أجل‬
‫النطباع الذي تركه‪ ،‬قارن‪A. Rücker, “Das fünfte Buch der Rhetorik des Antun von Tagrit”, :‬‬
‫‪Oriens Christianus 1934, p. 17‬؛ يعتبر أبناء اسمعيل اللغننة السننريانية فقينرة‪ ،‬محندودة‬
‫وتافهة‪.‬‬
‫‪ (67‬البلذري‪ ،‬رررر‪ ،‬ص‪.136‬‬ ‫)‬

‫‪177‬‬
‫الخلقيدونيين‪ ،‬كان هنالننك اتفنناق جننازم بننأن الغننزوات‬
‫كانت قد جعلتنا في موقع أفضل‪ .((69‬وربما تكون اللغننة‬
‫العربية قنند بنندأت بشننن غننارات علننى اللغننة السننريانية‬
‫‪(7‬‬
‫كلغة محكية في وقت قديم قدم بدايات القرن الثامن‬
‫‪(0‬؛ وهكنننذا فبحلنننول القنننرن العاشنننر أضنننحت اللغنننة‬
‫السريانية إحدى اللغنات الدبيننة المسننيحية‪ ،((71‬وتوقننف‬
‫دث بهننا مننع حلننول القننرن الحننادي عشننر ‪ ،((72‬أمننا‬
‫التح ن ّ‬
‫بحلننول القننرن الرابننع عشننر فتننوقفت عننن أن تكننون‬
‫ل اليعاقبة تقريبننا ً‬ ‫مكتوبة‪ .((73‬في ذاك الزمان اختفى ك ّ‬
‫من بين العرب‪ ،‬وورث الملكانيون اللقننب ق قققققق‪((74‬؛‬
‫ومع حلول القرن السادس عشر اختفننى كننل اليعاقبننة‬

‫دم لنا يشوع العمودي ) ‪ (Chronicle, pp. 1-7=1-5‬إحصاًء دقيقا ً للطرق التي يعاقب‬ ‫‪ (68‬يق ّ‬ ‫)‬

‫بهننا الننرب‪ ،‬وكننان يشننوع يننرى أن الفننرس هننم الننذين يأخننذون دور قضننيب غضننب‬
‫الشوريين‪ .‬مننع ذلننك فنالعرب يتولننون الندور ذاتننه بحسننب يعقننوب الرهناوي )قننارن‬
‫المقطع المشار إليه آنفا ً في الهامش ‪ 28‬من الفصننل الول(؛ لكننن لحننظ المواقننف‬
‫المتبدلة حيال الغزوات الغربية الننتي يعب ّننر عنهننا المؤلننف المجهننول » لحينناة يعقننوب‬
‫المنحول « من ناحية ومار سيرياك في عمله » كتابات حننول مننار يعقننوب المقنندس‬
‫ذاته « عام ‪ 741‬من ناحية أخرى‪ :‬فنني الول نجنند أن يعقننوب الننبرادعي يتوعنند بننأن‬
‫الرب سوف يطرد الفرس من الرها مثلما طرد سنننحاريب مننن القنندس؛ بينمننا فنني‬
‫الثاني نجد أن الفرس يأخذون كل الراضي الواقعة شننرق الفننرات وذلنك عننبر قننرار‬
‫صننان موجننودان فنني‬ ‫إلهنني لمعاقبننة فوكنناس ‪ Phocas‬علننى طننرده الرثننوذكس؛ الن ّ‬
‫‪) ،Patrologia Orientalis‬ترجمة وتحرير ) ‪ ،E. W. Brooks‬المجلد ‪ ،xix‬صص ‪ 268 ،263‬وما‬
‫بعد‪.‬‬
‫‪Michael the Syrian, Chronique vol. iv, p. 410 = vol. ii, pp. 412f; Bar Hebraeus, Chronicon (69‬‬ ‫)‬

‫‪ .Ecclessiasticum, vol. I, cols. 273 = 274‬في حين سابقا ً ليس حب الله للعرب هو الذي‬
‫ل السننريان‪) .‬‬ ‫سمح لهم بغزو سوريا‪ ،‬صار الن أنه ليس عقابا ً على آثامهم أن الله أذ ّ‬
‫‪(Bar Salibi, “Treatise against the Melchites, pp. 84 = 51‬؛ من أجل دليل آخر على العدائية‬
‫للصليبيين؛ أنظر‪.(Cahen, La Syric du nord a l’époque des croisades, Paris 1940, pp. 338ff) :‬‬
‫‪ (70‬هننذا إذا كننان بروكلمننان دقيقنا ً علننى القننل فنني تفسننيره لعلننم قواعنند يعقننوب‬ ‫)‬

‫الرهاوي )‪ .(Brockelmann, Geschischte der christlichen Litteraturen des Orients, p.49‬لكن لم‬
‫يكن ثمة شك في المسألة مع حلول القرن التاسع؛ قارن‪M. Haddad, Syrian Christians :‬‬
‫‪. in Muslem Society, Princeton, N.J. 1970, p. 15n‬‬
‫‪ (71‬بدأ الملكانيون في القرن الثامن مع ثيودوروس أبو قرة‪ ،‬وحذا اليعاقبننة حننذوهم‬ ‫)‬

‫مننع حننبيب بننن خدمننة ويحيننى ابننن عنندي عننند نهايننة التاسننع وبدايننة العاشننر‪Graf, ) .‬‬
‫‪.(Geschischte der christlichen arabischen Literatur, vol. ii, pp. 220ff‬‬
‫‪ ;Brockelmann, Geschischte der christlichen Litteraturen des Orients, p. 55 (72‬قارن يوحنا‬ ‫)‬

‫المارديني )مات عام ‪ ،(1165‬الذي أشاد مدارس لحينناء » لغنة أرضننا السننريانية «‪،‬‬
‫التي كانت منسية في يومه ذاك‪ ،‬من وضعها الميننت )‪A. Vِِbus, “Neues Licht über das‬‬
‫‪.(Restaurationswerk des Johannan von Mardi”, Oriens Christianus 1963, p. 132‬‬
‫مى مؤلفا ً سريانيًا‪.‬‬‫‪ (73‬ابن العبري هو آخر من يستحق أن يس ّ‬
‫)‬

‫‪J. Nasrallah, “Syriens et Suriens”, in Symposium Syriacum (=Orientalia Christiana Analecta, (74‬‬ ‫)‬

‫‪. vol. cxvii), Rome 1974, p. 490‬‬

‫‪178‬‬
‫تقريبنا ً فني السننلم‪ ،((75‬وتنابع الملكنانيون فني وراثننة‬
‫أسنننلفهم الغساسننننة‪ .((76‬وحينننن جننناءت الرسننناليات‬
‫الوروبية إلى سوريا‪ ،‬كننان مننن بقنني مننن المسننيحيين‬
‫باستثناءات قليلننة »أولد عننرب« فنني لغتهننم المحكيننة‪،‬‬
‫الدبية والطقسية‪ ،‬وفي الثقافننة والسننلف‪ .((77‬فالجنننة‬
‫المفقننودة بالنسننبة لليونننانيين كننانت الجنننة المعنناد‬
‫اكتسابها مع العرب‪ :‬فبعدما خّلصهم يسوع المسيا فنني‬
‫العننالم التننالي‪ ،‬احتنناج المننر إلننى عمننر الفنناروق كنني‬
‫يخّلصهم في هذا العالم ‪.((78‬‬
‫لكن إذا حافظت أقلية مسيحية صغيرة على وجودهننا‬
‫عبر القرون‪ ،‬فننإن الغالبيننة العظمننى مننن ققق قققققق‬
‫دم‬ ‫دلت الهويننة والحقيقننة علننى حنند سننواء‪ .‬وكمننا ق ن ّ‬ ‫بن ّ‬
‫الفصننل بيننن الهويننة والحقيقننة الحضننريتين المح نّرض‬
‫واللية على حنند سننواء لبقنناء السننوريين فنني مواجهننة‬
‫كل الن شركا ً‬ ‫اليونانيين‪ ،‬كذلك تماما ً فإن اندماجهما ش ّ‬
‫خن ّننق علننى حنند سننواء فنني مواجهننة‬ ‫م َ‬
‫وقبضننة علننى ال ُ‬
‫الهاجريين‪ .‬فالسوريين من ناحية لم يعد باسننتطاعتهم‬
‫السننتمرار داخننل السننلم بننأكثر مننن اسننتطاعتهم‬
‫السنننتمرار خنننارجه‪ :‬بعكنننس اليرانيينننن‪ ،‬لنننم يمتلنننك‬
‫السننوريون هويننة علمانيننة‪ ،‬وإذا كننان هنالننك مسننلمون‬
‫فرس لم يكننن هنالننك قننط أي ق قققققق مسننلم‪ .‬ومننن‬
‫ناحية أخرى لم يكن لننديهم مننا يحفزهننم علننى محاولننة‬
‫الستمرار فنني السننلم‪ ،‬مننع أنهننم حنناولوا ذلننك حتمنا ً‬
‫داد‪. Syrian Christians in Muslims Society, p. 10 :‬‬
‫‪ (75‬قارن التقديرات الموجودة عند ح ّ‬ ‫)‬

‫‪D. Hopwood, The Russian Presence in Syria and Palestine, 1843 - 1914, Oxford 1969, p. (76‬‬ ‫)‬

‫‪27‬؛ ينكر الملكانيون أنهم يونانيون مسننتعربون ويزعمننون أنهننم ينحنندرون مننن عننرب‬
‫غسان )المونوفيزيين( وعرب الحيرة ) النساطرة(‪ .‬لكن ليس مننن الواضننح مننتى تننم‬
‫تبني هذ النسب؛ مع ذلننك فالملكننانيون اعتمنندوا اللغننة العربيننة فنني طقوسننهم قبننل‬
‫القرن السابع عشر‪.(Haddad, Syrian Christians in Muslim Society, p. 20) .‬‬
‫‪ (77‬باستثناء الموارنة‪ ،‬الذين ما يزالون يسننتخدمون السننريانية كلغننة طقسننية ]هننذا‬ ‫)‬

‫خطأ واضح‪ :‬المترجم[ ) ‪ ،(loc. cit‬وجيوب معزولة من الناطقين بالسريانية فنني لبنننان‬
‫وطور عابدين‪ :‬أنظر‪Rosenthal, Die Aram :‬ن‪. istische Forschung, pp. 160 ff, 261‬‬
‫‪ (78‬بفضل إعطاء السريان لعمر مفاتيح بلد مابين النهرين كان قادرا ً على احتللهننا‪،‬‬ ‫)‬

‫لذلك كتب لهم بننراءة عظيمنة؛ ولسننرمدة ذكننرى هنذا الخلص عننبر العصنور‪ ،‬أطلننق‬
‫السريان على عمر لقب الفاروق‪ ،‬وهو مصننطلح سننرياني يعننني » مخل ّننص « والننذي‬
‫لفظه العرب بالدقة ذاتها التي أخذوه بها من السريانية ) ‪Günel, Türk Süryaniler Tarihi, p.‬‬
‫‪.(322‬لحظ أن السريان في تركيا هم أتراك‪ ،‬تماما ً مثلما أن السريان في سننوريا هننم‬
‫عرب؛ في حين أن » الرمن التراك «‪ ،‬بالرغم من أن العديد منهم ل يتحنندث سننوى‬
‫اللغة التركية‪ ،‬هو تناقض في المصطلحات‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫خارجه‪ :‬بعكس اليرانيين‪ ،‬لم يكن لديهم مننا يخسننرونه‪،‬‬
‫و يتطّلب المر معرفة واسننعة للحصننول علننى شننعوبي‬
‫سوري‪ .((79‬في الننوقت ذاتننه‪ ،‬فالسننمة التشننتيتية علننى‬
‫نحو اسننتثنائي للسننتيطان العربنني فنني سننوريا كننانت‬
‫تعني أنه‪ ،‬إذا لم يكن العرب ليمتصوا ضمن السننوريين‪،‬‬
‫فالسوريون كانوا سيمتصننون علننى نحننو أسننهل ضننمن‬
‫العرب‪.‬‬
‫لذلك نجد أن اعتناق سوريا السلم مفقننود بالكامننل‬
‫ول الثقافننة‬ ‫فنني المصننادر السننلمية مثلننه مثننل تحنن ّ‬
‫فق‬ ‫السننورية إلننى إسننلمية‪ .‬فالتواريننخ ل تسننجل تنند ّ‬
‫فلحين إلى المدن العربية وفننق النمننوذج النسننطوري‬
‫ول ثننورات فلحيننة كاسننحة وفننق النمننوذج القبطنني‪،‬‬
‫ويحتاج المر إلى مراجعننة المصننادر السننريانية لظهننار‬
‫أن السوريين لم يكن عليهم أن ُيسَتدرجوا من البلد ول‬
‫أن يسننحقوا‪ :‬بنندأت العمليننة مبكننرا ً‪ ((80‬واسننتمرت دون‬
‫جل أية محاولة سننورية‬ ‫هوادة‪ .((81‬كذلك فالتواريخ ل تس ّ‬
‫لدخننال حضننارتهم فنني السننلم‪ :‬والمننر يحتنناج إلننى‬
‫مراجعة المصادر السريانية لظهننار أن مننا كننان لننديهم‬
‫من حضارة إنما عبؤوها كمسننيحيين‪ ،((82‬أمننا مننا عبننؤوه‬
‫كمسننلمين فلننم يكننن سننانخونياتون‪ ،‬جوليننا دومنننا‪ ،‬ول‬
‫القديسننين السننوريين‪ ،‬بننل مجنند قينندار‪ .((83‬فالمسننيا‬
‫السوري ليس ملك بعلبك‪ ،‬بننل السنفياني الننذي سننيعيد‬
‫امبراطورية معاويننة السننورية والننذي سننيأتي‪ ،‬إن شنناء‬
‫اللنه‪ ،‬قبنل نهاينة الزمنن حينث سننكون أحيناء كّلنننا‪.((84‬‬
‫‪ (79‬من أجل مثال ديك الجن المعزول‪ ،‬أنظر‪. Goldziher, Muslim Studies, vol. I, p. 144 :‬‬ ‫)‬

‫‪ (80‬يضع يعقننوب الرهناوي قاعنندة تقننول إن المسننيحيين الننذين يصننبحون هنناجريين أو‬ ‫)‬

‫مدوا‪Kayser, Die Canones Jacobs ).‬‬ ‫وثنيين ثم يعودون إلى المسيحية بعد ذلك ل يجب أن ي ُعَ ّ‬
‫‪ .(von Edessa, pp. 8 = 37‬كذلك فميثوديوس المنحول يتأفف مننن تغييننر النندين‪ ،‬أي إلننى‬
‫السلم ) ‪ .(E. Sackur, Sibyllinische Text und Forschungen, Halle 1898, p. 86‬أنظر الهامش ‪57‬‬
‫من الفصل الول و الصفحة هامش ‪ 30‬ف ‪.2‬‬
‫ً‬
‫كان حلب دينهم عام ‪ 798‬تقريبا ) ‪Bar Hebraeus, Chronicon Ecclesiasticum,‬‬ ‫‪ (81‬ترك س ّ‬ ‫)‬

‫ً‬
‫‪vol.i, cols. 337 = 338‬؛ من أجل تبديل الرهاويين لديانتهم في الزمن ذاته تقريبا‪ ،‬أنظر‪:‬‬
‫‪.Segal, Edessa, pp. 201, 206‬حيث كنانوا يبندلون دينانتهم فنني مجموعننات منن عشننرة‬
‫أشخاص إلى ثلثمائة‪.‬‬
‫‪ (82‬أنظر الهامش ‪ 66‬من هذا الفصل‪.‬‬ ‫)‬

‫‪ (83‬الكنز الوحيد السرياني‪ ،‬أو شبه السرياني‪ ،‬والذي وصلنا كان زنوبيا النتي شنحب‬ ‫)‬

‫لونها كثيرا ً ) ‪(F. Müller, Studien über Zenobia nach orientalischen Quellen, Kirchhain 1902‬؛ في‬
‫هذه النسخة تختزل روما إلى مجرد إضافة في حننرب عربيننة بيننن القبننائل‪ ،‬وكننل مننا‬
‫تحتفظ به زنوبيا من هلينيتها نسب يوناني وانتحار روماني والثنان خاطئان‪.‬‬
‫‪H. Lammens, “Le “Sofiani”, Héros national des Arabes syriens”, Bulletin de l’Institute (84‬‬ ‫)‬

‫‪. francais d.’archéologie orientale 1923‬‬

‫‪180‬‬
‫بالمقابل فالثقافة السورية كانت عربنا ً وزواحننف معنًا‪:‬‬
‫ففي ذلك الننوقت تحدينندًا‪ ،‬حيننن كننان البلط العباسنني‬
‫يشتري الفلسفة اليونانيننة مننن النسنناطرة‪ ،‬تبن ّننى ابننن‬
‫ماري دمشق‪ ،‬اسم حننبيب بننن‬ ‫ثيودوسيوس‪ ،‬وهو أحد خ ّ‬
‫أوس الطننائي ليصننبح منندافعا ً عننن عننرب جنننوب شننبه‬
‫الجزيرة‪ ،‬وقد كان شاعرا ً عظيما ً وجامعا ً أعظم للقطننع‬
‫الدبيننة الهامننة والننذي كننان سننيتلو قصننائدة فنني ثننوب‬
‫بنندوي أمننام مننأمون‪ ((85‬ننناكر للجميننل‪ .‬وسننواء أكننانوا‬
‫مسيحيين أم مسلمين‪ ،‬فقد اكتشننف السننوريين أخيننرا ً‬
‫من هم كانوا‪.‬‬
‫منننا أن تلشنننت سنننوريا منننن أيننندي المسنننيحيين‬
‫والمسلمين على حد سواء‪ ،‬حتى بدا أن محاولة إحيائها‬
‫لم تستطع أن تكننون غيننر سننخيفة بعكننس الفرعونيننة‪.‬‬
‫فقد كان باستطاعة مصر المعّراة من غزاتها الموحدين‬
‫أن تظننل ققق ق ‪ Keme‬بالنسننبة للقبنناط؛ لكننن سننوريا‬
‫الخاضعة للتعامل ذاته لم تكن لتراها غير عيننن أنطننون‬
‫سعادة‪ ((86‬الرفيعة في علميتها‪ .‬لقنند عننادت الفرعونيننة‬
‫ي هننرم قننط‬ ‫ض حقيقي‪ ،‬لكن سوريا لم تمتلك أ ّ‬ ‫إلى ما ٍ‬
‫في مواجهة زوابننع الجنننوب‪ .‬مننن هنننا‪ ،‬فننإذا كننان قنندر‬
‫المسلمين السوريين أن يصبحوا أصحاب نزعننة عروبيننة‬
‫شاملة‪ ،‬فقنندر المسننيحيين لننم يسننتطع أن يكننون غيننر‬
‫ضنننرب المسنننلمين فننني العروبينننة مثلمنننا ضنننربهم‬
‫المسننلمون بهننا فنني البدايننة‪ .‬وهكننذا أصننبح السننلم‬
‫المتطهر من زوائده التوحيدية‪ ((87‬ثقافة عربية بالنسننبة‬
‫لجرجي زيدان‪ ،‬قومية عربية بالنسننبة لنجيننب عننزوري‪،‬‬
‫إشننتراكية عربيننة بالنسننبة لميشننيل عفلننق‪ ،‬ومقاومننة‬
‫عربية بالنسبة لجورج حبننش‪ .‬أمننا القبنناط والنسنناطرة‬
‫فهننم الصننهاينة الننذين فقنندوا مطلبهننم بننالرض الننتي‬

‫‪. ”Encyclopaedia of Islam, art, “Abu Tammam Habib b. Aws (85‬‬ ‫)‬

‫‪. L.Zuwiyya Yamak, The Syrian Social Nationalist Party, Cambridge Mass. 1966, pp. 76ff (86‬‬ ‫)‬

‫‪ (87‬قارن » الرسوزي القومي العربي العلوي «‪ ،‬الننذي » لنم يأخننذ إل منا هننو قبننل‬ ‫)‬

‫إسلمي في السلم « ) ‪E. Kedourie, Arab Political Memoris and Other Studies, London‬‬
‫‪.(1974, p. 200‬‬

‫‪181‬‬
‫امتلكوهننا ذات يننوم‪((88‬؛ لكننن السننوريين انضننموا إلننى‬
‫الفلسطينيين‪.‬‬

‫‪ (88‬من هنا جاء الشعار » إلى فلسطين مع القباط! «؟ ) ‪E. Kendourie, The Chatham‬‬ ‫)‬

‫‪(House Version and other Middle-Eastern Studies, London 1970, p. 200‬؛ قارن مع التهمة‬
‫القائلة إن مار شمعون كان يتآمر مننع الصنهيونية لتأسنيس دولنة مثننل إسننرائيل فني‬
‫قلننب العننالم العربنني ) ‪(;Proche Orient chrétien 1951, p. 140‬؛ قننارن أيضنا ً ‪Joseph, The‬‬
‫‪.Nestorians and their Muslim Neighbours, p. 224‬‬

‫‪182‬‬
‫‪10‬‬
‫قدر النتيك‬
‫‪ii‬‬
‫المصادرة الثقافية للهلل الخصيب‬

‫بفضننل التوحينند اليهننودي امتلننك الهنناجريون الننذين‬


‫غزوا سوريا حقيقة وهوية؛ لكن الثنتين لم ترقيا إلننى‬
‫مستوى حضارة‪ .‬فمن ناحية لم تكن في أي منهمننا أيننة‬
‫إجابات على مشننكلت الحينناة المسننتقرة‪ ،‬ومننن ناحيننة‬
‫أخننرى فننإن وجننود تلننك الجابننات فنني الراضنني الننتي‬
‫غزوها جعل من المستحيل على الهاجريين التأني فنني‬
‫تطوير أجوبتهم‪ .‬بالمقابل‪ ،‬فبفضل التعدديننة الهلينيننة‪،‬‬
‫كننان لنندى كنعننانيي سننوريا القننرن السننابع حضننارة‬
‫وحقيقة؛ لكن الثنننتين لننم ترقيننا إلننى مسننتوى هويننة‪.‬‬
‫فمن ناحية كانت حقيقتهننم دينيننة صننرفة‪ ،‬ومننن ناحيننة‬
‫أخرى فالحضارة لم تكن حضارة خاصة بهم‪ .‬وهكذا كان‬
‫العرب والسوريون قادرين على نحننو فننذ لن يسنناعدوا‬
‫بعضهم بعضًا‪ .‬ولو أن العرب غزوا القليننم فنني القننرن‬
‫الثالث بعد المسيح‪ ،‬لم يكن لخروج النخبة اليونانية إلى‬
‫العاصمة أن يترك للغزاة الكثير مما يمكنهم تمّلكه؛ ولو‬
‫أنهم انتظروا حتى القرن العاشر‪ ،‬لما ترك تآكل الهوية‬
‫السنننورية مسنننافة كنننبيرة بينننن الثقافنننة والريفيينننن‬
‫المحلييننن‪ .‬لكننن مننا حصننل هننو أن الهنناجريين أسسننوا‬
‫عاصمتهم في إقليم حيث التوحد بين حقيقننة مسننيحية‬
‫دى إلى اغتراب ثقافي ليس أقل عينيننة‬ ‫وهوية شاحبة أ ّ‬
‫من توحد حقيقة يهودية وهوية بربرية بيننن الهنناجريين‬
‫أنفسننهم‪ .‬لقنند ُأحيننل بيننن السننوريين وبيننن قبننولهم‬
‫لتقاليد العالم الذي اسننتوطنوه‪ ،‬تمامنا ً كمننا أحيننل بيننن‬
‫الهنناجريين وبيننن اسننتيلُئهم علننى تلننك التقالينند حيننن‬
‫غننزوا ذلننك العننالم‪ .‬مننن هنننا‪ ،‬إذا كننان هنالننك نننوع مننن‬
‫التكامننل العننام بيننن احتياجننات ومصننادر الهنناجريين‬
‫والريفيين القليميين‪ ،‬ففي سننوريا كننان هننذا التكامننل‬
‫الوضنننح ظهنننورًا‪ .‬لقننند كنننانت سنننوريا بالفعنننل مليئة‬
‫بالملكية الثقافية التي ل صاحب لهننا؛ وفنني حيننن كننان‬
‫العراقيون مننؤهلين حتم نا ً للعمننل كمعّريننن مسنناعدين‪،‬‬
‫فإن المطننورين السننوريين للبربريننة هننم الننذين كننانوا‬
‫بحاجة فعل ً لن يروجوا لثقافة يونانيننة مقابننل الهويننة‪:‬‬

‫‪183‬‬
‫لم يستطيعوا إضننفاء الصننبغة القوميننة علىالحضننارة إل‬
‫كعننرب‪ .‬بالمقابننل‪ ،‬فننالعرب فنني اختيننارهم لسننتيراد‬
‫الهلينية من السوريين اسننتطاعوا النجنناة مننن التابعيننة‬
‫الثقافية للمطننورين النبطييننن للحضننارة‪ :‬لقنند أحننرزوا‬
‫حضارة بزي نتاج عربنني‪ .‬وهكننذا ققق ق ققق قق ‪tour de‬‬
‫‪force‬العربنني كننان مقترنننا ً ققق ق ق قق ‪tour de faibless‬‬
‫ن سننوري‬ ‫سوري عامة معادل‪ :‬سننواء أوصننف ذلننك كتب ن ٍ‬
‫لشبه الجزيرة العربية أو كمصادرة عربية لسوريا‪ ،‬فقنند‬
‫كننان قنندر سننوريا أن تختفنني وأن تكننون مسنناهمتها‬
‫بالتالي حاسننمة وصننعب إدراكهننا بننالفكر‪ .‬مننن السننهل‬
‫الستيلء على ملك ثقافي ل مالك له مثلمننا هننو صننعب‬
‫صي أثر مالكيه‪ ،‬وإذا كننانت ققققق قققق قققق ققققق‬ ‫تق ّ‬
‫السورية تتمثل في هوجرة ثقافتها‪ ،‬فالهاجريون كانوا‬
‫سيظهرون وكأنهم خلقوا بأنفسهم هذه الثقافننة فع ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ولن أولد الهنننناجريين تعّلمننننوا علننننى ينننند الكهنننننة‬
‫المسيحيين في سوريا عبد الملك‪ ،((1‬استطاع المتوكننل‬
‫تحديننندا ً أن يطنننرد أولد المسنننيحيين منننن المننندارس‬
‫السلمية والكهنة المسيحيين من سامّراء السلمية‪.((2‬‬
‫هلين علننى نحننو‬ ‫بكلمات أخرى فالسوريون كننانوا مننؤ ّ‬
‫ضننعت مننن قبننل‬ ‫و ِ‬
‫فريد لتطوير حضارة ضمن توجيهات ُ‬
‫النندرع الهنناجري الحننامي‪ .‬بننادئ ذي بنندء‪ ،‬لننم يكننن‬
‫السوريون يمتلكون تقليدا ً متكامل ً والذي باسننتطاعتهم‬
‫إما نقلننه إلننى غزاتهننم أو معاننناة ضننياعه منهننم‪ .‬ومننن‬
‫وجهة نظننر الغننزاة القبننائليين‪ ،‬فننالفرق بيننن الغننزوات‬
‫السماعيلية والسرائيلية للرض تمّثل فنني أن البعليننم‬
‫الثقننافي للكنعننانيين المتهلينيننن لننم يعنند يمتلننك قننوة‬
‫جب أن يكون في وقتننه‬ ‫و َ‬‫للغواء؛ أو لنقل التصوير لما َ‬
‫غزوا ً ثانيا ً للرض‪ ،‬فلو أن يسوع تخلننى اضننطراريا ً عننن‬
‫ر رومنناني‪ ،‬قق ق ق قق ققق ق أن‬ ‫هننذا العننالم لمننبراطو ٍ‬
‫الهنناجريين لننم يقعننوا تحننت إغننواء مضنناد للتخلنني عننن‬
‫العالم الخننر للكهنننة المسننيحيين‪ .‬وهكننذا فننإن سننوريا‬
‫التي لننم تكننن تمتلننك غيننر امننبراطور غريننب‪ ،‬وكنيسننة‬
‫غريبننة‪ ،‬اجتنبهمننا الهنناجريون بسننهولة للحفنناظ علننى‬

‫‪ . Kayser, Die Canones Jacobs von Edessa, p. 29, question 58 (1‬هل يمكن لقس أن يعّلم‬ ‫)‬

‫أولد المهغرايه؟ جواب يعقوب إيجابي‪Syriac Text in A. P. de Lagarede, Reliqiae iuris ) .‬‬
‫‪.(ecclesiastici antiquissimae, Vienna 1856, p. 140‬‬
‫‪. Fiey, Assyrie chrétienne, vol. iii, p. 119n (2‬‬ ‫)‬

‫‪184‬‬
‫صننهرهم للنندين والسياسننة فنني نننوع مننن الماميننة‬
‫السامرية‪ .‬لكن مع أن هذا كننان حننافزا ً أساسننيا ً لحفننظ‬
‫الديانة الهاجرية‪ ،‬فهو بحد ذاته لم يمنع بقنناء الحضننارة‬
‫‪((3‬‬
‫سننوا أن حضننارتهم‬ ‫الهلينية ‪ .‬ولننو كننان السننوريون أح ّ‬
‫ل‪ ،‬فلربمننا بالتننالي قرنننوا مصننيرهم بمصننير‬ ‫ملكهننم فع ً‬
‫الكهنة المويين في محاولة لنقاذ تراث أكننثر تكامليننة‪.‬‬
‫(‬
‫مع ذلك فرغم الشارة العرضية إلى مثل هننذا التعنناون‬
‫‪ ،(4‬فقنند أحننس المننبراطور ببعننض التننوق إلننى نظننام‬
‫روماني للمجتمع‪ ((5‬تماما ً مثلمننا أحننس السننقف ببعننض‬
‫التوق إلى نظام يوناني للكون‪ .‬وهكذا فإن ما أشرع له‬
‫البنواب كنل منن المنبراطور‪ ،‬النخبنة وفلسنفتها عننند‬
‫دسننًا‪:‬‬‫رحيلهننم كننان عهنندًا‪ ،‬أمثولننة نذريننة‪ ،‬وكتابننا ً مق ّ‬
‫بكلمننات أخننرى‪ ،‬المصننادر غيننر الكافيننة لرفننض ضننمني‬
‫للحضارة‪ .‬لقد قام الكنعانيون في حاصل المر بمحاولة‬
‫عمننل هاجريننة‪((6‬لكنهننم فشننلوا‪،‬فقنند كننانوا يفتقنندون‬
‫السننباط‪ ،‬وهكننذا فحيننن وصننلت السننباط فنني نهايننة‬
‫المر‪ ،‬كانت الهاجرية ل الهلينية هي التي مّثلت الغواء‬
‫‪.((7‬‬

‫‪ (3‬أنظر‪ ،‬هامش ‪ 22‬ف ‪.13‬‬ ‫)‬

‫‪ (4‬قارن التحالف بين يزيد الثالث والغيلنية ) ‪J. van Ess,:Les Qadarites et la Gailaniya,‬‬ ‫)‬

‫‪.(deYazid III, Studia Islamica 1970‬‬


‫‪ (5‬تتمثل المثولة السياسية السورية بعمر الثناني‪ ،‬منع خنوفه منن اللنه وننار جهننم‪،‬‬ ‫)‬

‫فس النسكية النذرية‬ ‫عزوفه عن النساء والطعام‪ ،‬دموعه التي تنم عن التقوى وعن ن َ َ‬
‫العام )ابن عبد الحكم‪ ،‬رررر ررر‪ ،‬صص ‪(50 - 29‬؛ كانت أمثولة‪ ،‬بعكننس التقلينند‬
‫الملكي الفارسي‪ ،‬أمكن اعتبارها رررررر بسهولة‪.‬‬
‫‪ (6‬لم يكن السوريون في هذا نسيج وحدهم‪ .‬فشيء مشابه أكثر حداثة علننى أرضننية‬ ‫)‬

‫مسيحية مستقرة هو ذلك الذي قام به الراستفاريون في جامايكا‪ .‬تتضننمن المحاولننة‬


‫اعتبار إحدى الثنيات الواردة في العهد القديم تجسيدا ً للسننرائيليين القنندامى‪ ،‬وهنني‬
‫تشبه استيلء إثنيا ً على أنبياء العهد القديم‪ ،‬وتعتبر أن أرضا ً موعودة في أثيوبيا تقابننل‬
‫سبيا ً في جامايكا حيث سيقوم هيلسيلسي بجمعهم‪ ،‬وتعتبر المهرية اللغة المقدسة‪،‬‬
‫دس؛ أنظننر‪L. E. Barrett, The ) :‬‬ ‫إضننافة إلننى نننوع مننن اللننتزام بالشننرع اللوي المقن ّ‬
‫‪ .(Rastafarians: A Study in Messianic Cultism in Jamaica, Puerto Rico 1969, pp. 128ff‬لكن‬
‫الرجل السود فقد أسباطه بقدر ما فقدهم السوريون‪ ،‬ورغم بعض التلويح التهدينندي‬
‫بفكننرة الجهناد ) عننبر المسننلمين السنود دون ريننب(‪ ،‬فالراسنتفاريون ل يسننتطيعون‬
‫سوى انتظار خلصهم باستسلم‪.‬‬
‫‪ (7‬لحظ التقابل بين فننارس العصننور الوسننطى‪،‬الننتي رغننم اعتناقهننا للسننلم كننانت‬ ‫)‬

‫ُتلحننق بخلفننة صننورة ساسننانية‪ ،‬وسننوريا العصننور الوسننطى‪ ،‬الننتي رغننم إخلصننها‬
‫للمسيحية كانت ُتطارد من قبل السلم‪.‬ومثال ملفت للنظر بشكل متميز على هذا ‪،‬‬
‫هو ابن الصليبي مننع رفضننه الحاخننامي للملننوك الرضننيين ‪ ،‬إعتمنناده المطلننق علننى‬
‫الكتنناب المقنندس ‪ ،‬وكراهيتننه للموسننيقى والتراتيننل الكنيسننة‪Treatise against the “) .‬‬
‫‪.(Melchites”,passim‬‬

‫‪185‬‬
‫ثانيًا‪ ،‬لقد كان أمام السننوريين أخيننرا ً هويننة متكاملننة‬
‫يحصلون عليها‪ .‬في هننذا الصنندد تبنندو حالننة أبنني تمننام‬
‫أنموذجية‪ :‬كابن لثيودوسيوس لننم يسننتطع فنني أفضننل‬
‫الحوال سوى تقليد اليونانيين‪ ،‬لكن كابن لوس فربما‬
‫وق عليهننم‪ .‬وكمننا أن معاويننة فنني‬ ‫نافسهم أو حتى تف ن ّ‬
‫سوريا هو الذي جمع المعلقات ‪ ،‬كذلك تمامنا ً فننإن أبننا‬
‫(‬‫‪(8‬‬

‫جنند الماضنني العربنني عننبر ذروتننه‬ ‫مننام هننو الننذي م ّ‬


‫ت ّ‬
‫‪((9‬‬
‫البطولية في ذي قار ‪ .‬كان على أنطونيوس التكريتي‬
‫كمسيحي أن يستشهد بهوميروس وبلوتارخ إضافة إلى‬
‫إفرام ليثبت تفوق اللغننة اليونانيننة‪ ((10‬؛ لكننن البحننتري‪،‬‬
‫ميمننون بننن مهننران وبننني المهنناجر كننانوا متحرريننن‬
‫كمسلمين لهم دمجهم المفنناهيمي ققققققق ق‪ ،‬الحكننم‬
‫والكتاب المقدس‪ ،‬من الشعراء المسننتوردين‪ ،‬الحيننوات‬
‫الشبيهة والسفار المقدسة المترجمة على حد سننواء‪.‬‬
‫وهكننذا فقنند اسننتطاع البحننتري أن يكتننب شننعرا ً عربينا ً‬
‫لخليفة عربي‪ ،((11‬تماما ً كما استطاع ميمون ابن مهران‬
‫ون مننآثره‪ ،((12‬وكمننا‬ ‫خدمننة آخننر‪ ،‬فيعّلننم أولده وينند ّ‬
‫اسننتطاع أبننو المهنناجر أن يخنندم غيننره‪ ،‬فيعّلننم أولده‬
‫حنند‬‫ويتخصص في الكتاب‪ ،((13‬وذلننك ضننمن الطننار المو ّ‬
‫فَرادة العربيننة ذاتهننا‪ .‬لقنند انننتزعت حبكنات‬ ‫المطمئن لل َ‬
‫من الدرامات الهلينية‪ ،‬مقولت من الروايننات الهلينيننة‪،‬‬
‫قطع وأجزاء من الفكر اليوناني‪ ،((14‬وزوائد ونتننائج مننن‬
‫‪M. J. Kister, “The Seven Odes: Some notes on the compilation of the Mu’allaqat, Rivista (8‬‬ ‫)‬

‫‪. degli Studi Orientali 1969, p. 29‬‬


‫‪G. E. von Grunebaum, Islam: Essays in the Nature and the Growth of a Cultureof Tradition, (9‬‬ ‫)‬

‫‪. London 1961, p. 35‬‬


‫‪. Rücker, “Das fünfte Buch der Rhetorik den Antun von Tagrit”,p.17 (10‬‬ ‫)‬

‫‪ (11‬قد يكون نسب البحتري الطائي أصننيل ً طبع نًا؛ لكنننه تعل ّننم أنمننوذجه الكلسننيكي‬ ‫)‬

‫المحدث من أبي تمام‪. (Encyclopaedia of Islam, art. al-Buhturi ).‬‬


‫ً‬
‫‪ (12‬هو مولى من بلد مابين النهرين للزد أو لباهلة‪ ،‬وكان حاكم نا علىننالجزيرة لعمننر‬ ‫)‬

‫الثاني‪ ،‬وقد عّلم أولده‪ ،‬وكان أحد المراجع الساسية في مسائل أخلق هننذا الخليفننة‬
‫رر‪ ،‬تحرير ‪I, Lichtenst‬ن ‪،dter‬‬
‫وعاداته‪) .‬الطبري‪ ،‬ررررر؛ محمد بن حبيب‪ ،‬رررر رررر ر‬
‫حيدر أباد ‪ ،1944‬ص‪478‬؛ يزيد بن محمد الزدي‪ ،‬ررررر رررررر‪ ،‬تحرير آ‪ .‬حبيبة‪،‬‬
‫القاهرة ‪ ،1967‬ص‪.(37‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫‪ (13‬اسمعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر هو مولى مننن دمشننق‪ ،‬كننان معلم نا لولد‬ ‫)‬

‫عبد الملك‪ ،‬حاكما ً لشمال أفريقيا لعمر الثاني‪ ،‬هاديا ً لبربر شمال إفريقيا ‪ ،‬ومشننهورا ً‬
‫مع أولده كمرجع في قننراءة القنرآن‪) .‬محمند بنن حينان البسننتي‪ ،‬رر رر رر رررر‬
‫ررررر ررررر رر‪ ،‬تحرير ‪ ،M. Fleichhammer‬فسننبادن ‪ ،1959‬ص‪179‬؛ ابننن حننبيب‪،‬‬
‫رر‪ ،‬ص‪476‬؛ البلذري‪ ،‬رررر ‪ ،‬ص‪231‬؛ ابن عساكر‪ ،‬رررر ر رررر ر‬ ‫رررر رررر ر‬
‫رررر‪.(50:2 ،‬‬
‫‪G.E.von Grunebaum,Medieval Islam: A Study in Cultural Orientation,Chicago 1961,pp.294- (14‬‬ ‫)‬

‫‪. 319‬‬

‫‪186‬‬
‫الشرع الروماني‪ ((15‬عن سياقاتها الصلية لتقديم مننواد‬
‫لجننل صننرح عربنني‪ .‬وفنني كننل الحننالت كننان العننرب‬
‫يننزودون بننالبنى‪ ،‬والسننوريون يجننبرون ممتنيننن علننى‬
‫تقديم أحجار البناء‪.‬‬
‫كانت هذه السمة المتحاشية بذاتها عن الناس والتي‬
‫كنننت‬ ‫ل‪ ،‬لقنند م ّ‬
‫م‍ّيزت النندور السننوري تعننني شننيئين‪ .‬أو ً‬
‫صة‪ .‬ففنني حيننن‬ ‫البرابرة من وضع نبرتهم الثقافية الخا ّ‬
‫لم يستطع الرومان المتعرضون للتقليد اليوناني سوى‬
‫تقديم قققققققق في شكل ملحمننة هوميروسننية‪ ،‬ولننم‬
‫يسننننننتطع المانشننننننوس ‪ Manchus‬فنننننني الصننننننين‬
‫الكونفوشيوسية سننوى تحوينل ق ققققققق إلنى أسنئلة‬
‫مقالتية من أجل امتحانات الدولة‪ ،‬لم يكننن الهنناجريون‬
‫مكرهين على ذلننك النحننو كنني يعينندوا صننياغة هننويتهم‬
‫بحسننب اللغننة الثقافيننة لمننواليهم‪ .‬ولننو أن السننوريين‬
‫صاروا مع حلول القرن السابع يونانيين غيننورين مثلمننا‬
‫صار السلت اليننبريون رومان نًا‪ ،‬فلربمننا طننالب معاويننة‬
‫بوضع مجموعة قققققققق في شكل إلياذة عربية؛ لكننن‬
‫مهما كانت المكانة النهائية للشعر العربي‪ ،‬فناقلوه لم‬
‫يكونوا مقلدين دون المستوى لهوميروس‪ .‬مقابل ذلك‪،‬‬
‫فلو أن العاصمة العربية تموضعت في العننراق‪ ،‬فلربمننا‬
‫ي بتحرير ‪ edition‬للماضي العربنني وفننق أنمننوذج‬ ‫أمر عل ّ‬
‫منناد‬
‫تحرير اليرانيين لماضيهم؛ لكننن مهمننا كننان دور ح ّ‬
‫الراوية ‪ ((16‬في نقل الشعر القبائلي وتزويره‪ ،‬فهننو لننم‬
‫يكن أحد أسلف الفردوسي‪ .‬وهكننذا فقنند كننان العننرب‬
‫في موضع يؤهلهم لعتبننار جنناهليتهم كثقافننة متميننزة‬
‫على نحو خاص‪ .‬ثانيًا‪ ،‬إن التحاشي بالننذات عننن الننناس‬
‫السننوري كننان يعننني أن سننوريا اسننتطاعت العمننل‬
‫شننحة‪ ،‬ليننس فقننط للتقلينند اليوننناني فنني سننوريا‬ ‫كمر ّ‬
‫ذاتها‪ ،‬بل أيضا ً للتقاليد الخرى‪ ،‬يونانية أم غير يونانيننة‪،‬‬
‫شحت للتو عننبر بيئة إقليميننة فنني مكننان آخننر‪.‬‬ ‫والتي ُر ّ‬
‫وهكذا ففن الحكم اليراني لننم يصننلهم إل عننبر نسننخة‬
‫عبد الحميد بن يحيى الريفية‪ ،‬الذي ربمننا كننان مسننيحيا ً‬
‫من النبار‪ ،‬والذي يبدو أيضا ً وكأنه جمننع بيننن النمننوذج‬
‫الرسنننائلي لقليميننني سنننوريا البيزنطينننة والنمنننوذج‬
‫الرسائلي لقليميي العراق الساسنناني‪ ،‬خالق نا ً بالتننالي‬
‫‪. J.Schacht,’Droit byzantin et droit musulman’,in XII Convegno ‘Volta’,Rome 1957 (15‬‬ ‫)‬

‫ماد إيرانيا ً من العراق ) ‪.(Encyclopaedia of Islam, s.n‬‬ ‫‪ (16‬كان ح ّ‬


‫)‬

‫‪187‬‬
‫توليفة عرببية خاصننة والننتي وضننعت فنني نهايننة المننر‬
‫ننننبرة مكتنننب المحفوظنننات العنننربي‪ .((17‬لنننم يمتلنننك‬
‫الهنناجريون فنني سننوريا تواريننخ البلط الننبيزنطي ول‬
‫الحوليات الملكية الساسانية كي يتعنناملوا معهننا‪ :‬فكمننا‬
‫صانتهم السننريانية مننن بيروكوبيننوس ‪ ،Procopius‬كننذلك‬
‫تماما ً حصلوا على تناريخهم اليراننني عنبر جننوب شنبه‬
‫جزيرة العرب‪ ،‬من أشخاص مثل عبيد بننن شننارية‪ ،‬وهننو‬
‫يمننني يفننترض أنننه اسننتمد معرفتننه مننن اليرانييننن‬
‫المحليين‪ .‬على نحو مشابه ففي اليمن أحننرز اليراننني‬
‫وهب بن منبه مجموعننة معننارفه اليهوديننة الننتي نقلهننا‬
‫إلى هاجريي سوريا‪ ،‬تماما ً مثلما أن اليمننني الوزاعنني‬
‫دم لهم الشننرع اليهننودي‪ .((18‬بهننذه الطريقننة‬ ‫هو الذي ق ّ‬
‫مننل تع نّرض لنسننخ شنناحبة فنني‬ ‫استطاع الهنناجريون َتح ّ‬
‫دمشق قبل أن يتوجب عليهم مواجهننة التقالينند الكننثر‬
‫تكاملية في العراق‪ .‬فالسوريون لم يهننوجروا أنفسننهم‬
‫والثقافة التي عرفوها قبل الغزو فحسب‪ ،‬بل أيضا ً كل‬
‫ضرت إلى إقليمهم بعد ذلك‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ح ِ‬
‫ثقافة أ ْ‬
‫كان هنالك اسننتثناءان فقننط لهننذه الجاهزيننة العامننة‬
‫عند السوريين لتسويق هكذا ثقافننة والننتي جنناءت فنني‬
‫ل‪ ،‬كان لديهم كنز خاص بهننم‬ ‫طريقهم كقطع غيار‪ .‬فأو ً‬
‫في هيئة المنذور؛ والناسك السوري ظهننر مننن المحننن‬
‫على نحو غير مفاجىء ليس في كمنناليته فحسننب‪ ،‬بننل‬
‫وعلىنحو مبكننر أيض نًا‪ ،‬فنني هيئة أبنني ذر‪ ،‬أبنني النندرداء‪،‬‬
‫وأمثننالهم‪ ،((19‬والننذين راحننوا مننع الننوقت يتطننورون‬
‫ليصبحوا قديسين صوفيين‪ .‬وثانيًا‪ ،‬كان لدى السننوريين‬
‫تقليد لهنوتي متكامنل بمنا يكفني لن تعيند المفناهيم‬
‫ي إسننلمي‪ ،‬بشننكل مقتصنند‬ ‫المسيحية ظهورهننا فنني ز ّ‬
‫فنني الغيلنيننة‪ ((20‬وبشننكل أكننثر امتلء فنني جرأتننه فنني‬

‫‪ Encyclopaedia of Islam, s.n (17‬رقارن أيضا ً حالت عبد الصمد بن عبد العلء‪ ،‬النذي‬ ‫)‬

‫كان جده أسيرا ً من عين التمر‪ ،‬والذي كان معلما ً خصوصيا ً للولينند بننن يزينند‪ ،‬ونننديما ً‬
‫وشاعرا ً )الطبري‪،‬ررررر‪:1 ،‬‬
‫ماد الجرد‪ ،‬وهو شاعر كوفي من الموالي والذي جاء‬ ‫‪⇒ 2122‬؛ ‪(1744 ،1741 :2‬؛ ح ّ‬
‫أيضا ً إلى بلط الوليد ) ‪(Encyclopaedia of Islam, s.n‬ر أو بشار بن برد‪ ،‬الننذي لننم تصننل‬
‫شعوبيته إلى سوريا إل عبر المراء المويين في العراق ) ‪.(Ibid, s.n‬‬
‫‪Dodge, The Fihrst of al-Nadim, P. 194; Encyclopaedia of Islam, art. “Wahb b. Munabbih”; (18‬‬ ‫)‬

‫‪. ”“Encyclopaedia of Islam, art. al-Aawza‘i‬‬


‫‪ (19‬من أجل ررر ررررر السوريين أنظر‪ ،‬المصدر السابق‪.‬‬ ‫)‬

‫‪188‬‬
‫القدرية‪((21‬؛ ولو أن سوريا ظّلت العاصمة فلربما لعبننت‬
‫دورا ً في نقل الفلسفة اليونانية أكبر مننن الننذي لعبتننه‬
‫فعليا ً‪.((22‬‬
‫مع ذلك فقد كانت هاتننان المسنناهمتان بحنند ذاتيهمننا‬
‫قصريتين تبادليا ً إلى حد ما‪ .‬ليس هنالك بننالطبع تنننافر‬
‫جننوهري بيننن الصننوفية واللهننوت‪ ،‬فبقنندر مننا يمكننن‬
‫تعريننف الصننوفية كمسننيحية معننّراة مننن منظومتهننا‬
‫الكليروسنننية‪ ،‬لنننم يكننن هنالنننك مننا يمننننع أن يكنننون‬
‫اللهوتيون والصوفيون فروعا ً مننن الفلسننفة اليونانيننة‬
‫ل‪ .‬لكننن مننع أن‬ ‫ذاتها؛ وقد كانوا كننذلك فنني العننراق فع ً‬
‫اللهوتيين السوريين ورثوا شيئا ً من مفنناهيم الكنيسننة‬
‫الهلينيننة‪ ،‬فقنند سننرمد الصننوفيون السننوريون قيننم‬
‫المننننذورين المنافسنننة‪ .‬وبمنننا أن السنننوريين كنننانوا‬
‫ضرين للتخّلي عن المدن للحاخامين المسننلمين إذا‬ ‫متح ّ‬
‫كان الخيرون بدورهم سيحولون »شننعب الرض« إلننى‬
‫منذورين مسيحيين‪ ،‬فقد عاشت سوريا علننى نسننكيتها‬
‫النذورية وليس على مفاهيمها اللهوتيننة‪ .‬وكمننا كننانت‬
‫الفلسننفة اليونانيننة اسننتمرارا ً للمسننيحية النسننطورية‬
‫وليس اليعقوبية‪ ،((23‬كذلك تماما ً أيضا ً فننالرث اليوننناني‬
‫فنني الصننوفية مننأخوذ مننن العننراق‪ ،‬ل مننن سننوريا‪.((24‬‬
‫بعضهم عراقي الثقافة سوري الزهد‪ ،‬كمننا هنني الحننال‬
‫مع أخوان الصفا‪ ،((25‬وهكذا فليننس مننن غيننر الملئم أن‬
‫يتلقننى السننوريون فلسننفتهم اليونانيننة عننبر بغننداد‪.((26‬‬
‫والمنذور عمر بن عبنند قيننس الننذي ُنفنني مننن البصننرة‬
‫‪Madelung, al-Qasim, pp. 239f (20‬؛ لحظ التسلسنل المتمّينز للرادة الحنرة‪ ،‬النعمنة‪،‬‬ ‫)‬

‫النسب العرببي والسفيانية‪.‬‬


‫‪. ”Encyclopaedia of Islam, art. “Kadariyya (21‬‬ ‫)‬

‫‪ (22‬قارن فشل التأريخ السوري في الستمرار كتقليد مستمر‪ :‬لقنند انتهننى كننل مننن‬ ‫)‬

‫عوانه وهيثم بن عدي في بغداد‪ .((ibid, s.n.n .‬ل يفاجئنا عدم استمرار أي تقليد سوري‬
‫بعد تبديل العاصمة‪ :‬فبعكس الفرس‪ ،‬لم يستطيعوا تحمل التشحيب‪.‬‬
‫‪F. E. Peters, Aristotle and the Arabs: The Aristotalian Tradition in Islam, New York 1968, (23‬‬ ‫)‬

‫‪ . pp. 41ff‬قارن‪. N. Rescher, The Development of Arabic Logic, Pittsburg, Pa. 1964, p. 20 :‬‬
‫‪M. Molé, Les mystiques musulmans, Paris 1965, p. 21 (24‬؛ من أجل استمرار ثيوفيليوس‬ ‫)‬

‫ومريم كقديسين رررررر‪ ،‬أنظر رررررر رررررر‪ ،‬صص ‪ 10‬ومننا بعنند‪ .‬مننن أجننل‬
‫الفرق بين الولياء بالشريعة والولياء بالنعمة المعروفين لفيلوكسينوس لكنهم الكننثر‬
‫شعبية في العراق؛ أنظر رررررر رررررر‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫‪Marquet, “Imâmat, Résurrection et Hiérarchie selon les Ikhwân as - Safâ” ,p. 139 (25‬‬ ‫)‬

‫‪ (26‬بشكل خاص يحيى بن عدي وعيسننى بننن زرعننة‪ ،‬اللننذان كننان عليهمننا أن يكتبننا‬ ‫)‬

‫دفاعات عن دراستهما للمنطق‪N. Rescher, Studies in Arabic Philisophy, Pittsburg, Pa. ) .‬‬
‫‪.(1968, pp. 39f‬‬

‫‪189‬‬
‫ربما كان سيجد بيئة أكثر تجانسا ً في سوريا معاوية ‪،((27‬‬
‫لكن القدريين الذين اختفوا من سوريا وجدوا بيئة أكثر‬
‫تجانسا ً في بصرة المعتزلة‪ .((28‬لقنند سننفح أبننو النندرداء‬
‫دموعا ً مسيحية ل تخطئها العين‪ ،((29‬وأفننراد قبيلننة بننني‬
‫عذرة كننانوا مبتليننن بحننب أفلطننوني مهننوجر‪((30‬؛ لكننن‬
‫سرمدة الرث اليوننناني بحنند ذاتهننا لننم يكننن ممكن نا ً أن‬
‫تكنننون عمنننل السنننوريين‪ .‬وبعننندما نفجنننر الغشننناء‬
‫الكليروسي والرهباني للهلينية‪ ،‬لم يكن للسوريين ول‬
‫للعرب مصلحة في الحفنناظ علننى محتوينناته كمننا هنني؛‬
‫قل التقليد الهليني‪ ،‬وذلننك عوضنا ً عننن سننحقه‪ ،‬كننان‬ ‫ون َ ْ‬
‫بالتالي لبد أن يكون مساهمة عراقية على نحو غامر‪.‬‬
‫كان العراق إقليما ً ذا مصادر ثقافيننة أكننثر غنننى مننن‬
‫سوريا‪ ،‬لكنه كان أيضا ً إقليما ً لننم يسننتمر فيننه تشننحيب‬
‫الهويننة ول مجانسننة الحقيقننة لفننترة طويلننة‪ .‬ولننو أن‬
‫الغننزاة الهنناجريين اختنناروا أن يجعلننوا عاصننمتهم فنني‬
‫كوفة علي وليننس فنني دمشننق معاويننة‪ ،‬فننإن فرصننهم‬
‫بالتالي لخلق حضارة جديدة كننانت سننتكون أقننل كننثيرا ً‬
‫ل‪ ،‬كننان للثقافننة العراقيننة مننالكون محنندودون‬ ‫جدًا‪ .‬فأو ً‬
‫للغايننة‪ ،‬والتبعيننة الثقافيننة المحتومننة كننان يمكننن أن‬
‫تتطور بسهولة إلى قبول ثقافي‪ :‬كننان المننر سننيحتاج‬
‫جَلد الكهنوتي لتقديم تقاليد متكاملة‬ ‫إلى كم كبير من ال َ‬
‫باعتبارها هاجرية فطري نًا‪ ،‬وحننتى لننو سننارت المسننائل‬
‫علننى هننذا النحننو‪ ،‬فالحاخننامون فشننلوا فنني سننحقها‬
‫بالكامل‪ .((31‬ثانيًا‪ ،‬امتلك العننراق إرثيننن متنننافرين‪ ،‬همننا‬
‫في الرث اليهننودي‬ ‫صن ّ‬
‫اليهودي والهندو ‪ -‬أوروبي‪ .‬لقد ُ‬
‫أساسا ً عبر الكوفة‪ ،‬التي تخصصت من ثم فنني الشننرع‪،‬‬
‫فوّلدت هرطقات إماميننة‪ ،‬ورأت انبعنناث المسننيانية مننع‬
‫في أساس نا ً‬ ‫صن ّ‬
‫المختار؛ أما الرث الهندو‪-‬أوروبي فقنند ُ‬
‫صصت من ثم في القواعد وفقه‬ ‫عبر البصرة‪ ،‬والتي تخ ّ‬
‫جعَننل فنني الصننفحة ‪2924‬‬‫‪ (27‬الطبري‪ ،‬ررررر‪ :1 ،‬صص ‪ 2923‬وما بعد؛ مع أنننه ي ُ ْ‬ ‫)‬

‫وما بعد ينكر نذوريته‪.‬‬


‫‪. ”Encyclopaedia of Islam, art. “Kadariyya (28‬‬ ‫)‬

‫‪. ”Ibid., art. “Bakka (29‬‬ ‫)‬

‫‪ . ”Ibid., art. “Djamil”. al-Udhri (30‬لحظ التقابل بين الشخصية العربية الصيلة للحب‬ ‫)‬

‫الفلطوني كما يظهر عند السوري جميل والتعريف الفلطوني الواضننح الننذي ظهننر‬
‫في العراق )‪.(von Grumbaum, Medieval Islam. p. 317‬‬
‫‪ (31‬سوف نحلل في الفصل الثالث عشر المضامين الثقافية للفرق بيننن الحاخننامين‬ ‫)‬

‫والكهنة‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫اللغننة‪ ،‬فننأنجبت المعتزلننة‪ ،‬ورأت عننودة ظهننور الفكننار‬
‫مَلكينننة منننن ناحينننة‪ ،((32‬والدياننننة‬
‫الفارسنننية حنننول ال َ‬
‫‪((33‬‬
‫الفارسننية‪ ،‬اليونانيننة والهنديننة علننى شننكل الزندقننة‬
‫والصوفية من ناحيننة أخننرى‪ .‬مننن هنننا فحننتى لننو أثبننت‬
‫مننل خصننال التبعيننة‬ ‫الهاجريون أنهننم قننادرون علننى تح ّ‬
‫الثقافيننة‪ ،‬فهننم لننم يسننتطيعوا تجنننب خصننال الصننراع‬
‫الثقافي ‪ -‬كما لننم يفعلننوا حقنا ً حيننن اجتمعننت الكوفننة‬
‫والبصننرة فنني بغننداد أخيننرًا‪ .‬ولننو أن درامننا ابننن حنبننل‬
‫مّثلننت بعنند الحننرب الهليننة الثانيننة وليننس‬ ‫والمننأمون ُ‬
‫الرابعة‪ ،‬فلربما تفككت الهوية الدينيننة الجنينيننة للغننزاة‬
‫بالكامل‪ ،‬تاركة الهاجريين كي يختفننوا ليصننبحوا يهننودا ً‬
‫ل‪ .‬وحتى كما كننان عليننه المننر‪،‬‬ ‫ومسيحيين عاجل ً أم آج ً‬
‫جب على الصراع أن يترك تنافرا ً والننذي أضننحى‬ ‫فقد تو ّ‬
‫سمة السلم الدائمة‪ .‬وهكذا فقد كانت حصيلة الحننرب‬
‫الهلية الولى ذات أهميننة ثقافيننة رئيسننة‪ :‬لن سننوريا‬
‫النذورية حمت الهنناجرييين مننن التقلينند الحضننري فنني‬
‫حواضرهم فقد تجنبننوا التبعيننة الثقافيننة‪ ،‬ولن سننوريا‬
‫دم سننوى حقيقننة واحنندة فقنند تجنبننوا‬ ‫المسيحية لم تق ّ‬
‫الصراع الثقافي‪ .‬وهكذا فقد اسننتمر الهنناجريون طيلننة‬
‫قنرن منن الزمنن فنني تلقني ثقنافتهم‪ ،‬عراقينة وغينر‬
‫عراقية‪ ،‬بجرعات صننغيرة علننى أينندي السننوريين؛ وبمننا‬
‫كنهننم مننن تحصننين‬ ‫أنهننم اسننتخدموا الحمايننة فهننذا م ّ‬
‫هويتهم الدينية الخاصة‪ ،‬والحصيلة في العراق العباسي‬
‫لم تعد قدر الهاجرية بل قدرالحضارة‪.‬‬
‫إن نتيجننة الترقيننة العباسننية للعننراق إلننى مكانننة‬
‫عاصمية كانت بالتالي فورة لسوية متزايدة للغايننة مننن‬
‫الصراع الثقافي بين مجموعننة أكننثر تمننايزا ً منن أنصنار‬
‫الثقافة‪ :‬بكلمات أخرى‪ ،‬فالوضعية التعدديننة هنني الننتي‬
‫كانت تنزل مثل ذلننك النندمار بننالولءات الدينيننة للنخننب‬
‫غير السلمية‪ .‬وفي هذا الصدد فالجلبة بيننن الطننراف‬
‫الدينية حول مكانة التقليد الشفوي تبدو أمثولية‪ :‬عنان‬
‫بننن داود وأبننو حنيفننة اللننذان يناقشننان الشننريعة فنني‬
‫سننجن الخليفننة‪ ((34‬يقترنننان مننع ثيننودورس أبننو قننره‬

‫المثلننة‪Goldziher, Muslim ).‬‬ ‫‪ (32‬لبد أن كتاب أبي عبيدة رررر ررررر هو أحد أقنندم‬ ‫)‬

‫‪.(Studies, vol. I, p. 182‬‬


‫‪ (33‬مع بشار بن برد ) ) ‪.Encyclopaedia of Islam, s.n‬‬ ‫)‬

‫‪191‬‬
‫والعلماء الذين يناقشون الدين فنني بلط الخليفننة‪ ((35‬و‬
‫مننع الشننعوبيين الننذين يناقشننون الثقافننة مننع وزيننر‬
‫الخليفننة‪ .((36‬لكننن فنني الننوقت ذاتننه فقنند حصننلت هننذه‬
‫الحوادث ضمن قيننود محننددة للغايننة‪ .‬فمننن ناحيننة كننان‬
‫هنالك حنندود الن علننى حريننة تناولهننا للرث اليهننودي‪:‬‬
‫وهكذا لم يعد هنالك أي شك أنه كان علننى السننلم أن‬
‫يجد تجسيده الديني كشرع منّزل‪ ،‬يحتوي كل شيء‪ ،‬ذي‬
‫أنمنننوذج يهنننودي‪ ،‬والعباسنننيون وفقنننا ً لنننذلك أقنننّروا‬
‫‪(3‬‬
‫بالحاخامين عوضا ً عن محاولة وضع شرع أمننبراطوري‬
‫‪ .(7‬لكننن مننن ناحيننة أخننرى كننان هنالننك حنند أيضننا ً ل‬
‫يستطيعون تجنناوزه فنني محاولننة السننتغناء عننن الرث‬
‫الهندو‪-‬أوروبي‪ :‬لم يكن هنالك حتى ذلك الوقت الكننثير‬
‫مننن الشننك بننأنه كننان علننى السننلم أن يجنند تجسننيده‬
‫السياسننني فننني إمبراطورينننة موحننندة علنننى النمنننط‬
‫الفارسي‪ ،‬والعباسيون بالتننالي اسننتعاروا آداب سننلوك‬
‫من البلط الفارسي عوض النسحاب إلى داخل الغيتو‪.‬‬
‫كننن أخننذ هننذين القينندين الساسننيين كمننا‬ ‫ُ‬
‫م ِ‬
‫لكننن إذا أ ْ‬
‫أعطيا‪ ،‬فقدكان تنافرهمننا التبننادلي يعننني أن نتائجهمننا‬
‫لم يكن أخذها كما أعطيت‪ .‬وجوهر المسألة يكمن فنني‬
‫الموقننف الغننامض للحاخننامين المسننلمين كحاخننامين‬
‫بالغزو‪ .‬فبعدما تركوا الغيتننو‪ ،‬لننم يعنند باسننتطاعتهم أن‬
‫يرفضوا ببساطة إرثا ً من أجننل الخننر بطريقننة اليهننود؛‬
‫لكن كونهم فعلوا ذلك كغزاة وليس كمبشرين‪ ،‬لم يعنند‬
‫بإمكانهم دمننج الثنيننن ببسنناطة بطريقننة المسننيحيين‪.‬‬
‫ضعوا وفق تنظيم الحاخامين في بيئة‬ ‫عوضا ً عن ذلك‪ُ ،‬‬
‫و ِ‬
‫حيننث كتلننة المننادة الغريبننة كننانت تضننغط فنني اتجنناه‬
‫القبول الثقافي‪ ،‬وكان عليهم القبول ببعضها ولو حتى‬
‫كي يعطوا جوهرا ً لتقليدهم المحدث النعمة ليس إل‪.‬‬
‫يمكن أن نبدأ بأكثر حالت التمثننل الحاخننامي نجاح نًا‪،‬‬
‫أل وهي قدر الشرع الروماني‪ .‬بالنسبة لغراضنا النية‬
‫يمكن التفكير بنظننام تشننريعي بلغننة هرميننة‪ :‬التعريننف‬
‫‪. Paul, Ecrits de Qumran et sectes juives aux premiers siècles de l’Islam, pp. 15f. and 145n (34‬‬ ‫)‬

‫الخليفة في هذه القصة هو المنصور‪.‬‬


‫‪A. Guillaume, “A Debate between Christian and Muslim Doctors”, Journal of the Royal Asiatic (35‬‬ ‫)‬

‫‪..Society, Centenary supplement, 1924‬الخليفة موضع التساؤل هو المأمون‪.‬‬


‫‪ (36‬محمد بن يحيى الصولي‪ ،‬ررر ررررررر‪ ،‬تحرير م‪.‬ب‪ .‬الثننري‪ ،‬القناهرة وبغنداد‬ ‫)‬

‫‪ ،1341‬ص‪ .193‬الوزير هو يحيى بن خالد البرمكي‪..‬‬


‫‪ (37‬أنظر‪.D. Goitein, Studies in Islamic History and Institutions, Leyden 1966, pp. 163ff :‬‬ ‫)‬

‫‪192‬‬
‫الكثر تجريدية للنظننام يتناسننب مننع القمننة‪ ،‬وتتناسننب‬
‫كتلة التفاصيل والجزاء مع القاعدة‪ ،‬أمننا فنني الوسننط‬
‫فلدينا طبقة هي فنني آن أقننل رفعننة وأقننل خصوصننية‬
‫وهي التي تودع فيها ُبنى النظننام وإجراءاتننه المميننزة‪.‬‬
‫وهكننذا فالشننرع الرومنناني‪ ،‬فنني ترتيننب تنننازلي‪،‬كننان‬
‫ون من مقولة »الشرع المدني«‪ ،‬علم الفقه‪ ،‬وكتلننة‬ ‫يتك ّ‬
‫الشنننرع الساسنننية‪ .‬نقنننول الن إننننه إذا كنننان علنننى‬
‫الحاخننامين المسننلمين أن ل يقبلننوا بننالهرم ككننل ول‬
‫يرفضوه ككل‪ ،‬فقد كان عليهم تفكيكه؛ ومن أجل هننذه‬
‫العملية كان وسط الهرم هو المنطقننة الحاسننمة‪ .‬لنننه‬
‫لو استطاع الحاخامون التخلص مننن الوسننط الرومنناني‬
‫واستبداله بنظرية فقهية خاصننة بهننم‪ ،‬لضننحى ممكن نا ً‬
‫دس‪ :‬فمننن‬ ‫بالنسبة لهم تبديل الشرع المدني بشرع مق ّ‬
‫ناحية استطاعوا علننى القمننة اسننتبدال مقولننة الشننرع‬
‫المدني بإرادة الله‪،‬ومن ناحية أخننرى اسننتطاعوا إعننادة‬
‫تشننكيل الشننرع الساسنني علننى القاعنندة لتقننديمه‬
‫كتطوير لرادة إلههم وككنز خاص بأمتهم‪.((38‬‬
‫لقد ساعد ظرفان إثنان الحاخننامين المسننلمين إلننى‬
‫حنند كننبير فنني تحقيننق هننذا السننتبدال‪.‬ففنني الموضننع‬
‫الول‪ ،‬فقنند أحننرز العننرب أمثننولتهم مننن اليهننود فنني‬
‫مرحلة مبكرة‪ :‬ففي الزمننن الننذي ُيزعننم أن أبننا حنيفننة‬
‫وعنان التقيا فيه في سجن الخليفننة‪ ،‬كننان الهنناجريون‬
‫يقتربون من نهاية تبعيتهم الدينيننة لليهننود‪ .‬ثانينًا‪ ،‬كننان‬
‫الهرم الغريب هشا ً بشكل غيننر اعتيننادي‪ :‬لنننه‪ ،‬بعكننس‬
‫شرع سننوريا‪ ،‬كننان شننرع العننراق النسننطوري منفصنل ً‬
‫سياسيا ً عن أرومته الرومانية‪ .‬وكانت النتيجة أن الفقه‬
‫ل‪ .‬فالنسنناطرة قبلننوا بالشننرع‬ ‫الرومنناني اختفننى فع ً‬
‫المنندني للبنناطرة الرومننان لنهننم كننانوا مسننيحيين‪،‬‬
‫وأطاعوا الشنرع العنام للبناطرة الفنرس لنهننم كنانوا‬
‫مننواليهم؛ لكننن النظريننة الوحينندة الننتي اسننتطاعت أن‬
‫تسننتحوذ علننى اهتمننامهم المفنناهيمي كننانت نظريننة‬
‫خت َننزل إلننى‬
‫الشرع المسيحي‪ .‬وهكننذا مننال الفقننه لن ي ُ ْ‬
‫مبادئ مسيحية‪ ،‬فنني حينن انزلننق الشننرع المنندني إلننى‬
‫شننرع كنسنني وصننار الشننرع العننام قبننول ً بالعدالننة‬
‫التنفيذيننة للدولننة‪ .‬مننن ناحيننة‪ ،‬كننان هننذا يعننني أن‬
‫أنظر‪Crone, The Mawali in the Umayyad Period, :‬‬ ‫‪ (38‬من أجل التبعية كمثال على الخير‪،‬‬ ‫)‬

‫‪. chapter 4‬‬

‫‪193‬‬
‫النسنناطرة فنني غيتننوهم الفارسنني صنناروا مكننافئين‬
‫تقريبا ً لمننا اسننتطاع فعلننه ورثننة مبنندأ الخلص بالنعمننة‬
‫البولسي بالشرع الحاخامي؛ ومن ناحية أخرى كان هذا‬
‫يعني أن العلقننة بيننن قمننة الهننرم الشننرعي وقاعنندته‬
‫صارت مقلقلة إلى أبعد حد‪ .‬في الوقت ذاته فإن طلق‬
‫الشننرع النسننطوري مننن الحكننم الرومنناني أّثننر فنني‬
‫شخصية القاعدة ذاتها‪ .‬فالشننرع الساسنني للنسنناطرة‬
‫كان يفقد طابعه الروماني‪ ،‬من جهة عبر تحننويله الننذي‬
‫استمر زمنا ً طويل ً إلى شرع كنسي‪ ،‬ومننن جهننة أخننرى‬
‫عننبر إشننابته المتواصننلة للشننرع الرومنناني بننالعرف‬
‫الفارسي‪ .‬باختصار نقول‪ ،‬إنه في حيننن احتفننظ شننرع‬
‫سوريا الروماني بشكل متكامل وبالتالي مقنناوم‪ ،‬كننان‬
‫سهل ً نسننبيا ً علننى المسننلمين فنني الحالننة النسننطورية‬
‫إدخننال أمثننولتهم الخاصننة فنني الوسننط وسننحق شننرع‬
‫أساسي والذي كان قد ل ُّين لتوه عند القاعدة ‪ .((39‬وهكذا‬
‫كان هنالك الشكل الممّيز للشرع السلمي‪ :‬إرادة اللننه‬
‫فوق القمننة‪ ،‬فنني الوسننط تننأتي نظريننة فقهيننة تنندول‬
‫حننول فكننرة شننرع نبننوي‪ ،‬وفنني القاعنندة نجنند خليط نا ً‬
‫مشوشا ً من مواد أنظمة تشريعية أكثر قدما ً تعننود إلننى‬
‫منطقة الشرق الوسط مطحونة داخننل كتلننة غيننر ذات‬
‫بنيان من تقاليد نبوية غامرة‪ .‬لم يكن فنني العمليننة مننا‬
‫يمنننع أن تخننرج إلننى السننطح كميننة طيبننة مننن الشننرع‬
‫الروماني؛ لكن المقولة بحد ذاتهننا رميننت عننند التخننوم‬
‫تمامًا‪ .‬وفي الكلمة ق قققق وقف الشرع المنندني منندانا ً‬
‫باعتباره نجاسة غريبة؛ وتم التأكيد علننى المسننألة عننن‬
‫طريق إسقاط أصول الشرع السلمي فنني قلننب شنبه‬
‫جزيرة العرب‪.((40‬‬
‫ل عرضة إجمال ً مننن التقلينند‬ ‫كان التقليد اليوناني أق ّ‬
‫الروماني لهذا النوع من التعامننل‪ .‬فمفنناهيم الفلسننفة‬
‫لننم يكننن بالمكننان سننحقها لن جوهرهننا بالننذات كننان‬
‫بنيانهننا‪ .‬لكننن بالمقابننل فهننذه المفنناهيم ذاتهننا هنني‬
‫بالضرورة موضع شننك الحاخننامين‪ :‬ابسننتمولوجيا ً لنهننا‬
‫غير شخصية‪ ،‬اجتماعيا ً لنها نخبوية‪ ،‬وإثنيا ً لنها غريبة‪.‬‬
‫‪ (39‬من أجل مثال توضيحي‪ ،‬أنظر أحد كتابي شاخت المشار إليهما آنفًا‪.‬‬ ‫)‬

‫‪ (40‬مننن أجننل النندور الننذي يعننزا رررر رر رررر ]أرض اسننمعيل[‪ ،‬أنظننر‪Schacht, :‬‬ ‫)‬

‫‪. Origins, p. 349‬‬

‫‪194‬‬
‫حتى هذا الحد لم تكن حالة الفلسننفة اليونانيننة تختلننف‬
‫طبعنا ً عننن حالننة الفقننه الرومنناني‪ .‬لكننن فنني الموضننع‬
‫الول‪ ،‬فقد امتلك التقليد اليوناني مركز جاذبية مختلفا ً‬
‫للغاية‪ .‬فالفقه ل يستطيع أن يطمح إلننى أكننثر مننن أن‬
‫يكون خادما ً لشننرع اساسنني؛ لكننن فنني سننياق يوننناني‬
‫فالعلم الساسي كان كما هو معروف تابع نا ً للفلسننفة‪.‬‬
‫وهكذا لم يكن بالمكننان تخي ّننل أن الحاخننامين يضننربون‬
‫الوسط أو يعيدون تشكيله حتى يسننتولوا علننى الهننرم‪:‬‬
‫مرونه‪ .‬وفنني‬ ‫فهم لو فعلنوا ذلنك لكنانوا ببسناطة سنيد ّ‬
‫الموضع الثاني‪ ،‬فحتى لننو تمكنننوا مننن ضننرب الوسننط‪،‬‬
‫فإرثهم اليهودي لم يكن باستطاعته تقننديم بننديل ولننم‬
‫يفعننل ذلننك‪ .‬كننان هنالننك علننى القننل نظريننة يهوديننة‬
‫ضمنية حول طبيعة الشرع‪ ،‬لكن النظرية اليهودية حول‬
‫طبيعة الطبيعننة كننانت ببسنناطة مننذهبا ً توحيننديا ً والننذي‬
‫شطب المقولة بالكامل‪ .‬وهكننذا كننان علننى الحاخننامين‬
‫إمننا أن يمسننكوا بننالقّراص المفنناهيمي أو أن ينندافعوا‬
‫عنهننم‪ :‬أن يوحنندوا بيننن كتننابهم المقنندس والفلسننفة‬
‫لتوليد لهوت مفاهيمي يندمج فيه اللنه منع المفناهيم‪،‬‬
‫أو أن يجعلوا كتابهم المقنندس فنني مواجهننة الفلسننفة‬
‫كي يقضوا عليهننا بالكامننل‪ .‬وبمننا أنهننم لننم يسننتطيعوا‬
‫أخذها‪ ،‬فقد رفضوها‪.‬‬
‫لكن إذا كننان مننن الضننروري أن يضننيع معنننى الهننرم‬
‫اليوناني عن الحاخامين‪ ،‬فقد ظلت هنالك إمكانية إنقاذ‬
‫العلننم الساسنني الننذي عننند قاعنندته‪ .‬لنننه إذا كننانت‬
‫عمليننات الرادة اللهيننة فنني مسننائل الشننرع سننهلة‬
‫سنر‬ ‫النصياع للفقه التوحيدي‪ ،‬لم يكن هنالنك سنبب يف ّ‬
‫لماذا يجب على عملياتها في مسائل المادة أن ل تثبت‬
‫سهولة النصياع للعلننم التوحينندي‪ .‬وبيننن تأكينند هليننني‬
‫على شرع طبيعي والذي أرسل الله فنني غيبننة سننببية‪،‬‬
‫وتأكيد يهودي على إرادة اللنه والننتي اخنتزلت السنببية‬
‫إلننى شننطحات لحننالته النفسننية‪ ،‬ظلننت هنالننك أرضننية‬
‫ددة‪ :‬اسننتطاع المننرء أن يسننأل علننى نحننو‬ ‫وسننطى محن ّ‬
‫كل مجموعة من‬ ‫معقول عن الله الذي كان عليه أن يش ّ‬

‫‪195‬‬
‫ول عليهننا‪ ،‬أي »ق قق اللننه« وفننق التعننبير‬ ‫العادات المع ن ّ‬
‫رح فنني القننرآن‪ .‬وهكننذا فقنند اسننتطاع المسننلمون‬ ‫ال َ‬
‫ف ِ‬
‫تبجيننل إرثهننم اليهننودي عننن طريننق المحافظننة علننى‬
‫عالمهم خاليا ً من الشرع الطبيعي بقدر ما كان حكمهم‬
‫خاليا ً من الشرع المدني؛ لكنهم بالمقابل لم يستطيعوا‬
‫الفلت من تشننويش إراديننة شنناملة عننبر تحويننل طننب‬
‫اليونان الوثني إلى طب السلم النبوي‪.((41‬‬
‫لكن المحاولة فشننلت‪ ،‬وكننان هننذا لسننببين واضننحين‪.‬‬
‫ل‪ ،‬لم يكن ثمة أمثولننة يهوديننة متاحننة ‪ -‬وهننو منناترك‬ ‫فأو ً‬
‫على عاتق المسلمين العبء الضافي لننواجب اختراعهننا‬
‫بأنفسننهم‪ .‬ثانيننًا‪ ،‬إن الربنناط بيننن الفلسننفة والعلننم‬
‫الساسنني كننان سننيئًا‪ .‬ولننو أن المسننلمين استكشننفوا‬
‫التجريبية العنيدة للتقليد الهيبوقراطي عن طريق إزالننة‬
‫الننزوائد التالويننة للنظريننة النفسننانية‪ ،‬لكننانوا وجنندوا‬
‫أنفسهم مع كتلة جننزيئات يسننهل إعننادة تجميعهننا تحننت‬
‫ق الله؛ لكن هننذا الكشننف لننم ينجننز فنني‬ ‫حماية درع ق قق‬
‫إسنلم القنرن التاسنع‪ ،‬بنل فني أوروبنا القنرن السنابع‬
‫عشر‪ ،‬والعلقة بين الطب وميتانظريته‪ ‬الفلسفية كانت‬
‫بالتالي كما تدل كل الظننواهر جوهريننة‪ .‬ومننا كننان يصننح‬
‫على الطب كان يصح قق ق قق ققق ق على علم التنجيننم‪:‬‬
‫ولو أن المسلمين لم يستطيعوا عننزل هيبننوقراط‪ ،‬فننإن‬
‫إستطاعتهم على استخلص المعلومات التجريبية لللواح‬
‫المسمارية من التفاسير اليونانيننة النظريننة الننتي كننانت‬
‫تتخّللها كانت أقل‪.‬‬
‫لنننه لننم يكننن بالمكننان صننيرورة التقلينند اليوننناني‬
‫إبستمولوجيًا‪ ،‬كان مستحيل ً بالمقابل تقننديمه بطريقننة‬
‫ُ‬
‫مكن بالطبع إنقاص قيمننة إثنيتننه‪.‬‬ ‫غير مؤذية إثنيًا‪ .‬لقد أ ْ‬
‫فالمفاهيم هنني مننن طبيعننة كوزموبوليتانيننة‪ ،‬والتاريننخ‬
‫حكمه‬ ‫جّرد من شكل ُ‬ ‫فعل الكثير كي يوضح هذا‪ :‬فبعدما ُ‬
‫على يد المقدونيين‪ ،‬ومن آلهته على ينند اليهننود‪ ،‬ومننن‬
‫حننّرر التقلينند‬‫لغتننه علننى ينند المننترجمين السننوريين‪ُ ،‬‬
‫حّرر‬‫الفلسفي بطريقة فاعلة من منبته اليوناني مثلما ُ‬
‫ح‬
‫الشننرع النسننطوري مننن منبتننه الرومنناني‪ .‬وكمننا ألنن ّ‬

‫‪ .M. Ullmann, Die Medizin in Islam, Leyden and Kِln 1970, pp. 184ff (41‬قارن مع المسيحية‬ ‫)‬

‫حيث رغم وجود أسس كتابية فعلية رر ر رر رر‪ ،‬فإن محاولننة تطننوير هكننذا مقولننة‬
‫مقابل الطب العلماني محفوظة للبدائيين والمهووسين‪.‬‬
‫بمعنى ما وراء نظريته )مترجم(‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪196‬‬
‫الجاحظ على نحو ملئم للغننرض‪ ،‬فالفلسنفة اليونانينة‪،‬‬
‫لم تكن رومانية ول مسيحية‪((42‬؛ ومن الملئم إلننى هننذا‬
‫دم‬ ‫الحنند أن نننرى فنني الننبيروني خوارزمي نا ً مسننلما ً يق ن ّ‬
‫دفاعننا ً رواقيننا ً عننن الوثنيننة الهنديننة‪ .((43‬لكننن إذا كننان‬
‫الواقع يقول إن المفاهيم هي فوق الخصوصية وهو ما‬
‫يسهل عليها النتقننال‪ ،‬فهننو أيض نا ً يجعننل مننن الصننعب‬
‫عليها أن تأخننذ الصننبغة القوميننة‪ .‬وإذا كننانت الفلسننفة‬
‫مبننندأيا ً »مشنننتركة بينننن كنننل المنننم والطنننوائف« ‪،((44‬‬
‫فللسبب ذاته لم يكن هنالننك مننا يجعلهننا عربيننة بشننكل‬
‫خنناص ‪ -‬وهننو مننا كننان المعضننلة السننورية القديمننة ‪.((45‬‬
‫أقصى ما أمكن فعله هو محاولننة تأكينند حقننوق التننأليف‬
‫لحد الكّتاب ‪ -‬وهو ما كننان المعضننلة الكلدانيننة القديمننة‪.‬‬
‫لكن في حين استطاع قومي يوناني من القرن الخامس‬
‫عشر مثل بلثون ‪ Pelthon‬القيام بهذه الحركنة علنى أرض‬
‫وطنه ‪ ،((46‬فالمسألة كانت ستحتاج إلى جهد كبير لتقننديم‬
‫ح‬
‫مزاعم مماثلة من جانب العرب‪ .‬هنالك تلميح شننبه مننو ٍ‬
‫إلى هذا التكتيك‪ :‬نظرية الفننارابي القائلننة إن الفلسننفة‬
‫نشأت في بلد مابين النهرين‪ ((47‬أدت إلى نتيجة فحواهننا‬
‫الضفاء عليها مكانة أحد أنواع »فلسفة ابراهيننم«‪ .‬لكننن‬
‫يصعب القول إن النعطافية الثنية للفلسفة انتهت مننع‬
‫محمند‪ ،‬وتكتينك السنتيلء الثنني لنم يحنظ بأينة فرصنة‬

‫في‪J. Finkel (ed.)., Three Essays, Cairo 1926, pp. :‬‬‫‪ (42‬أنظر كتابه رررر ررر ررررررر‬ ‫)‬

‫‪. 16f‬‬
‫‪. R. Walzer, Greek into Arabic Essays in Islamic Philosophy, Oxford 1962, pp. 172 - 4 (43‬‬ ‫)‬

‫‪ (44‬هكذا قال العالم السباني مننن القننرن الثنناني عشننر ابننن طملننوس‪ ،‬وذلننك عنند‬ ‫)‬

‫إشارته إلى علوم القدماء‪ ،‬أي الفلسننفة‪I. Goldziher, “Stellung der alten islamischen ) .‬‬
‫ن‪Orthrodoxie zu den antiken Wissenschaften”, Abhandlungen der k‬‬ ‫‪niglich preussischen Akademi‬‬
‫‪.(der Wissenschaften, Philosophisch-historische Klasse, Jahrgang 1915, Berlin 1916, p. 3‬‬
‫‪ (45‬لقد كانت المعضلتان مختلفتين بقدر ما أن العرب لم يكونوا بحاجة لمة يضفون‬ ‫)‬

‫معها الصبغة القومية‪ .‬ومثل الرومان‪ ،‬كان العرب شعبا ً ذا هوية جاهليننة بننرز سياسننيا ً‬
‫على قمة الحضارة؛ وإلى هذا الحنند قبلننوا ربمننا بالتقلينند الكوزموبوليتنناني كمننا هننو ‪-‬‬
‫مثلما فعلوا حقا ً فني بغنداد المنأمون‪ .‬وبينن العنرب‪ ،‬كمنا بينن الرومنان‪ ،‬اسنتطاعت‬
‫الرواقية أن تلّين الصلبة الحرفية للشرع المحلي وأن تسامي عبادتهم الحرفيننة إلننى‬
‫شكل رمزي‪ ،‬تماما ً كما استطاع هوميروس تقديم النموذج لعادة الصياغة الملحميننة‬
‫للماضي البربري )قارن اهتمام المهدي بهوميروس‪ ،‬هامش ‪ 155‬ف‪ .7‬وكننون تننناول‬
‫الرومان والعرب للتقليد اليوناني ل يمتلك في واقع المر سوى أشياء قليلة مشتركة‬
‫إنما ذلك إشارة إلى الحد الذي غّير فيه ظهور الوحدانية اليهودية المكانيات الثقافيننة‬
‫الكامنة لعلقة البرابرة بالحضارات‪.‬‬
‫‪. Runciman, The Last Byzantine Renaissance, pp. 78ff (46‬‬ ‫)‬

‫‪. Walzer, L’Eveil de la Philosophie islamique, p. 19 (47‬‬ ‫)‬

‫‪197‬‬
‫للنجاح فعلية‪ .‬وإذا لم تستطع الفلسفة أن تكون عربيننة‪،‬‬
‫فذاك جعلها غير حيادية إثنيا ً بقدر ماهي غريبة على نحو‬
‫هر بالفلسننفة علننى اعتبننار أنهننا تقلينند‬ ‫صريح‪ .‬وهكذا ُ‬
‫شن ّ‬
‫‪ Tradition‬أجنبي إلى درجة أن أسماء أعظم رجالها كانت‬
‫بربرة يعسر لفظها على ألسنة المؤمنين الحقيقيين‪((48‬؛‬
‫بالمقابل‪ ،‬لم نكن نتوقع هذا الشكل منن التسنامح النذي‬
‫دريته اللدينيننة‪ ،‬لنننه‬ ‫استمتع به الشعر العربنني‪ ،‬رغننم َ‬
‫قن َ‬
‫كان عربيا ً ‪.((49‬‬
‫وهكننننذا فننننالرفض الحاخننننامي للفلسننننفة كننننان‬
‫إبستمولوجيا ً وإثنيا ً في آن‪ .‬ونتائجه ليسننت بعينندة عننن‬
‫صننيها بحننذق فنني درجننات التوفيقيننة‬ ‫مس‪ :‬يمكن تق ّ‬ ‫التل ّ‬
‫المختلفننة الننتي واجههننا المسننيحي فيلوبونننوس مننن‬
‫القرن السادس والمسننلم الكننندي مننن القننرن التاسننع‬
‫في محاولتيهمننا لعطنناء تفسننيرات فلسننفية للعقينندة‬
‫الدينية‪((50‬؛ أو يمكن محاكاتها بسننخرية فجننة فنني قننول‬
‫ض سني من القرن الثننالث عشننر مننن أن السننلم‪،‬‬ ‫لقا ٍ‬
‫بحمد الله‪ ،‬ليست لديه أدنى حاجة لمنطننق مهمننا كننانت‬
‫نننوعيته‪ ،‬وإنننه يجننب تخييننر الفلسننفة بيننن السننلم أو‬
‫السيف‪ .((51‬وإذا كانت تضامنية القيم السلمية لننم ُتلننغ‬
‫علنيا ً الهلينية بطريقة عنيفة للغاية‪ ،‬فإن أعداءها علننى‬
‫مستوى المبنندأ قنناموا بمحاولننة عنيفننة لقتننل الفيزيننك‬
‫والميتافيزيننك بإعننادة التقلينند اليوننناني ذاتننه‪ :‬ذرات‬
‫ديموقريطس هي على وجه التحديد رمال على شاطئ‬
‫البحر الحمر في مذهب التصادفية السننلمي‪ .((52‬ربمننا‬
‫‪ .Goldziher, Muslim Studies, vol. i, p. 1970; id., “Stellung”, pp. 5, 17, 40f (48‬قارن أيضًا‪ :‬النبرة‬ ‫)‬

‫الدفاعية في رسالة الكندي إلى المعتصم‪» :‬يجب أن ل نخجل من استحسننان الحقيقننة‪،‬‬


‫ول من الستيلء على الحقيقة‪ ،‬من أي مصدر جاءت‪ ،‬حتى ولو كنانت منن أمنم وأعنراق‬
‫نائية وغريبة عّنا« )ورد النص في كتاب‪A. J. Araberry, Revelation and Reason in Islam, London :‬‬
‫‪.(1957, pp. 34f‬‬
‫‪ (49‬قارن‪Goldziher, Muslim Studies, vol. i, p. 56. and H. Ringgren, Studies in Arabian :‬‬ ‫)‬

‫‪ . Fatalism, Uppsala 1955‬وهذا رغم العدائية القرآنية الصريحة للشعراء ) ‪ .(224:26‬إن‬


‫مسحة العدائية لتقليد شبه الجزيرة العربية الوثني تبدو في السننلم هامشننية مثلهننا‬
‫مثل مسحة العدائية لتقليد اليونان الوثني في المسيحية‪.‬‬
‫‪» (50‬ومن كان الكندي حتى يندفع إلى مساعدة اللننه بوسننائل مننن العقننل البشننري‬ ‫)‬

‫المجنّرد؟« وذلنك مقابنل»مننن كنان فيلوبونننوس حننتى يننثرثر فني أعقناب الفلسنفة‬
‫العظماء؟«‪) .‬قارن‪.(Walzer, Greek into Arabic, pp. 191f :‬‬
‫‪ .Goldziher, Muslim Studies, p. 35 - 9 (51‬قارن الشخصية غير الواثقة لدفاع الغزالي عن‬ ‫)‬

‫استخدام المنطق في العلوم الدينية )‪.(ibid, pp. 29 - 33‬‬


‫‪ (52‬من أجل هذا الحلف غير المقدس الهادف إلى تدمير مقولننة السننببية السننماوية‬ ‫)‬

‫والتي أعطت الكون الهليني النظام والجمال‪ ،‬أنظر‪M. Fakhry, Islamic Occasionalism :‬‬

‫‪198‬‬
‫أن فكرة فلسفة مسيحية تعتبر عويصة بنتيجننة مفينندة؛‬
‫لكن انطباع فلسفة إسلمية‪ ،‬كما لحظ الحاخامون في‬
‫القرن التاسع عشر بحق‪ ،‬هو تناقض في المفنناهيم‪.((53‬‬
‫علننى هننذه الرضننية المحبطننة مننن العدائيننة الدينيننة‬
‫المتواصلة‪ ،‬كان تاريخ الفلسفة السلمية طويل ً وليس‬
‫غير مؤثر‪ .‬لكن إذا كان تآكل مكانتهننا بطيئًا‪ ،‬فقنند كننان‬
‫ايضا ً ل هوادة فيه‪ .‬لقد اختزلت علوم القدماء على نحو‬
‫مضطرد إلى نوع من البورنوغرافينة الفكرينة‪ ،‬والنخبننة‬
‫ثاقفت تلك العلوم إلى ثقافننة‪ -‬فرعيننة مضنننية وسننيئة‬
‫السمعة‪ .((54‬ربما لم يجد هاسدربال القرطاجي الهليني‬
‫مكانا ً للفلسفة في موطنه‪ ،‬لكنه اسننتطاع علننى القننل‬
‫تركها للحترام الكاديمي في أثينا ‪ ((55‬؛ لكن حينن وجنند‬
‫حي بن يقظان نفسه على نحو مشابه في غير موضعه‬
‫في السلم‪ ،‬لم يكن أمامه سوى العننودة إلننى جزيرتننه‬
‫الصحراوية‪.((56‬‬
‫وهكننذا كننان قنندرا الشننرع الرومنناني والفلسننفة‬
‫اليونانية في نهاية المر متساوقين‪ .‬ففي حالة الشرع‬
‫فقد ُأزيل بنجاح الشكل المفاهيمي‪ ،‬وهكذا بحيث ُأمكن‬
‫إعادة تحزيم كتلة التفاصننيل عديمننة الشننكل باعتبارهننا‬
‫نتاجننات محليننة عننبر َنس نِبها إلننى النننبي أو إلننى منناض‬
‫قبائلي معياري؛ أما فنني حالننة الفلسننفة فقنند رفضننت‬

‫ن‪. and its Critique by Averr‬‬‫‪es and Aquinas, London 1958, chpter I f‬‬
‫قارن مع سطور وليم بليك التالية‪:‬‬
‫ذّرات ديموقريطس‬
‫وأجزاء ضوء نيوتن‬
‫والرمال على شاطئ البحر الحمر‬
‫حيث تشع خيام إسرائيل بلمعان شديد‪.‬‬
‫وإذا ما قبل المرء من ناحية أخرى بالبراهين على أصل هندي لننذرات الكلم) ‪S. Pines,‬‬
‫‪Beitr‬ن ‪(ge zur islamischen Atomenlehre, Berlin 1936, pp. 102 - 22‬فإن ل قداسة الحلف تبقى‬
‫على حالها‪ :‬ففي الهند كما في اليونان‪ ،‬فإن هدف الذرات هو توليد كننون يعمننل دون‬
‫هداية ما فوق طبيعية‪.‬‬
‫‪.S. Mardina, The Genesis of Young Ottoman Thonght, Princeton, N.J. 1962, p. 238 (53‬‬ ‫)‬

‫دل للسرانية الفلسفية‪ :‬فما كان عليننه أن يمثننل فنني النتيننك‬ ‫‪ (54‬قارن المعنى المتب ّ‬ ‫)‬

‫ً‬
‫هبوط نخبة فكرية معتمدة اجتماعيا بذاتها الى مستوى القنندرات المحنندودة للنفننوس‬
‫الكثر بساطة يصبح في السلم شيئا ً يكاد يتاخم حدود جنون الضطهاد )قارن النغمة‬
‫شننرح فنني عمننل و‪ .‬جيغننر ‪W.‬‬ ‫المناصرة المعتدلة لمصطلح ‪] simpliciores‬بسطاء[ كما ي ُ ْ‬
‫‪ ،Jaeger, Early Christianity and Greek Paideia, Cambridge, Mass 1962, pp. 129 - 31‬مع الخوف‬
‫رر الذي يتخلل الثقافة والذي يوصف في عمل ن‪.‬ر‪ .‬كدي‪N. R. Keddie, .‬‬ ‫من رررر ر‬
‫‪. (“Symbol and Sincerity in Islam”, Studia Islamica 1963‬‬
‫‪. B.H.Warmington,Carthage,London 1969,p.152 (55‬‬ ‫)‬

‫‪) (56‬قصة ابن طفيل( ‪. Encyclopaedia of Islam, s.n‬‬ ‫)‬

‫‪199‬‬
‫المفاهيم الستمرار‪ ،‬مع نتيجة تقننول إن الهننرم برمتننه‬
‫فشل في تبديل هويته الثقافية في النتقال واحتفننظ‬
‫ببصمة أصله عن طريق السمة التشخيصية‪ .‬فقد أدينننت‬
‫فلسننفة النتيننك باعتبارهننا ققق ققق تمامننا ً كمننا أديننن‬
‫شنننرعه باعتبننناره ققققق قق؛ لكنننن بعكنننس الشنننرع‬
‫الساسي‪ ،‬لم يحرز الطب الساسنني أي تكريننس قننط‪.‬‬
‫قد الشننرع الرومنناني طننبيعته‪ ،‬فنني حيننن‬ ‫ف َ‬
‫وهكذا فقد َ‬
‫فشلت الفلسفة في التطننبيع؛ لكننن قنندري الطريقيننن‬
‫كانا عدم السعادة‪.‬‬
‫لقد كانت ثقافة الشعوبيين في ديوان وزير الخليفننة‬
‫فارسية على نحو غامر‪ ،‬وإن لننم يكننن حصننريًا‪ .‬وكننانت‬
‫قيمتهننم المركزيننة أمثولننة سياسننية والننتي نسننتطيع‬
‫تقديمها من جديد على شكل هرم‪ :‬فكرة سننللة ملكيننة‬
‫على القمة‪ ،‬منظومة مجتمع ارستقراطية في الوسط‪،‬‬
‫وعلم فن حكم في القاعدة‪ .‬وهنننا‪ ،‬بننالطبع‪ ،‬ل نتعامننل‬
‫إل بشنننكل قلينننل نسنننبيا ً منننع المفننناهيم المجنننردة‬
‫مّثننل‬‫والكوزموبوليتانيننة‪ :‬النظننام الفارسنني للمجتمننع َ‬
‫تقليدا ً حاضريا ً مرتبطا ً بحميمية قوية مع إثنيتننه ومنبتننه‬
‫الديني بحيث كان بحاجة ماسة إلى إفصنناح نظننري‪ .‬لننم‬
‫يكننن الربنناط بننالطبع خالينا ً مننن النزاعننات‪ :‬فكمننا كننان‬
‫مزدك الفارسي قادرا ً علننى رفننض النظننام الجتمنناعي‬
‫اليراني باسم زرادشت‪ ،‬كذلك أيض نا ً كننان المسننيحيون‬
‫الراميون قادرين على القبول بننه باسننم المسننيح‪ .‬لننم‬
‫يكن باستطاعة النساطرة أن يعملننوا للتقلينند اليراننني‬
‫ما عملوه مع الرومان؛ لكن التقليد الذي واجهه العننرب‬
‫في العراق كان قادرا ً مبدأيا ً على القل على أن يفقنند‬
‫قدسننيته وإثنيتننه‪ .‬إذًا‪ ،‬فقنند كننان مننن الممكننن مبنندأيا ً‬
‫بالنسبة للغزاة البرابرة أن يقبلوا بالرث اليراني على‬
‫أسنناس أنننه كننان يمّثننل حضننارة ليسننت متنننافرة مننع‬
‫السلم‪ ،‬مع أنها غير إسلمية جوهريًا‪ .‬أما عملي نًا‪ ،‬فننإن‬
‫الصهر الهاجري للحقيقة والهوية كان يعني أن الثقافة‬
‫فض علننى أسنناس أنهننا لننم تكننن‬ ‫الفارسية كننانت س نُتر َ‬
‫دس‬ ‫عربية‪ ،‬تماما ً مثلما أن الماضنني العربنني كننان سننيق ّ‬
‫حتى لو وضحت ل إسلميته‪.‬‬
‫ردة فعننل المسننلمين مننن غيننر العننرب أخننذت شننكل‬
‫سلسننلة يائسننة مننن المحنناولت لتحريننر السننلم مننن‬

‫‪200‬‬
‫غشائه العربي‪ .‬وحركة الخوارج كانت واحدة مننن أقنندم‬
‫الوسائل الدينية المستخدمة في هذا السبيل؛ لكننن مننع‬
‫أنه ُأمكن استخدام حركة الخوارج لزالننة القداسننة عننن‬
‫الثنية العربية‪ ،‬فهي لم تكن وسننيلة مناسننبة لتكريننس‬
‫الحضننارة‪ .((57‬وهكننذا فسننحت المجننال أمننام قققققق ق‪،‬‬
‫ل من‬ ‫وهي مانوية إسلمية حاولت إزالة القداسة عن ك ّ‬
‫الثنيتين الفارسية والعربيننة كنني تضننم ثقافننة الولننى‬
‫إلى ديانة الثانية؛ لكن بقدر مننا كننانت المانويننة معاديننة‬
‫شكلنيا ً لكل من المادة والتوحيد‪ ،‬كانت فرصها للنجنناح‬
‫ول وشننل‬ ‫في هذه المغامرة ضعيفة‪ .‬وهكننذا حالمننا تح ن ّ‬
‫معتنقنني المننذهب إلننى فيضننان‪ ،‬أفسننحت المانويننة‬
‫الطريننق بنندورها أمننام الشننعوبية‪ ،‬وهنني حركننة مننن‬
‫المسننلمين مننن غيننر العننرب كننانوا ينشنندون إضننفاء‬
‫الشرعية علىحضارتهم بالبرهان علننى أن السننلم منننذ‬
‫البداينننة كنننان غينننر عنننربي‪ ((58‬وذلنننك دون السنننتعانة‬
‫بالهرطقات‪.‬وهكذا فقد وّلد الضننغط المتسننق للسننلم‬
‫العربي على الحضارة غير العربية رجننال ً اشننتركوا فنني‬
‫السننتراتيجية الثقافيننة ذاتهننا رغننم تنننوع تكتيكنناتهم‬
‫الدينية‪ .‬فلدينا الخارجي أبو عبيدة‪ ،‬الننذي ك نّرس نفسننه‬
‫نظاميا ً لمثولننة تطهيريننة لسننلطة سياسننية وذلننك كنني‬
‫يدافع عن أمثولة فارسية لسننلطة تاجيننة‪ ((59‬؛ المننانوي‬
‫ابن المقفع‪ ،‬وهو نبيل إيراني كانت الحضننارة بالنسننبة‬
‫لننه أنتيكنا ً كننبيرا ً‪ ،((60‬والننذي شننرع كمننولى للعننرب فنني‬
‫تعليم سننادته الننبرابرة أن يكونننوا حّراسننها‪ ،‬فيدّرسننهم‬
‫ول لغتهم إلى أداة مسفسطة لتعبير‬ ‫آداب المائدة‪ ،‬ويح ّ‬
‫‪ (57‬أنظر‪،‬هامش ‪ 5‬ف ‪13‬‬ ‫)‬

‫جه إلى الحمر والسننود مننن البشننر‪ ،‬وهكننذا فقنند كننان غيننر‬ ‫‪ (58‬من ذلك أن النبي تو ّ‬ ‫)‬

‫العرب نصف السلم منذ البداية الولى )ابن عبد اربه‪ ،‬رر رر رررر ر‪ 406:3 ،‬وما‬
‫بعد(‪.‬‬
‫‪ (59‬من أجل خوارجيته‪ ،‬أنظر‪H. A. R. Gibb, “The Social Significance of the Shuubiya” in :‬‬ ‫)‬

‫‪ his Studies in the Civilization of Islam, London 1962, pp. 67ff‬؛ من أجل عمله رر رر‬
‫رررررر قارن الهامش ‪ 32‬في هذا الفصل‪.‬‬
‫‪ (60‬كل شيء هام قيل في أعمال الجيال السابقة‪Goitein, Studies in Islamic History ):‬‬ ‫)‬

‫‪.(and Instituations, p. 152‬‬

‫‪201‬‬
‫أدبي‪ ،‬ويتطوع من أجننل برنامننج لتحويننل ديننانتهم إلننى‬
‫ة مطواعننة‪ ،((61‬ليننواجه مننوته تحننت‬ ‫ة إمبراطورينن ٍ‬
‫عقينند ٍ‬
‫التعذيب وهو في سن السادسة والثلثيننن ليننس إل‪((62‬؛‬
‫أو الشننعوبيون عمومننا ً الننذين أشنناروا بيننأس‪ ،‬وقنند‬
‫حصننرتهم فنني الزاويننة ديانننة عنينندة‪ ،‬إلننى أن كننل‬
‫الحضننارات‪ ،‬بننالله عليننك‪ ،‬ق ققق غيننر عربيننة‪ ،‬فسننواء‬
‫الفراعنننة‪ ،‬النمنناردة‪ ،‬القياصننرة‪ ،‬أو الشاهنشنناهيون‪،‬‬
‫الشعراء‪ ،‬الفلسفة أو النبيناء قبنل محمنند‪ ،‬كنل هنؤلء‬
‫أنجبهم غير العننرب فنني سننياق بننناء حضننارات الجنننس‬
‫البشري في حيننن كننان العننرب يننأكلون السننحالي فنني‬
‫صحرائهم‪ .((63‬وسواء اتخننذنا موقفنننا بننناء علننى تقننوى‬
‫أبنننني عبينننندة الخوارجيننننة‪ ،‬وجاهننننة ابننننن المقفننننع‬
‫الرسننننتقراطية‪ ،‬أو سننننخريات الكننننورس الشننننعوبي‬
‫وتفاخره وتهكمه وشتائمه‪ ،‬فجوهر الرسالة كننان ذاتننه‪:‬‬
‫السننلم ديانننة لكننل المم‪ .((64‬وحننده الدمننج الهنناجري‬
‫للمعنى الديني بالقوة العنيفة للغزوات حكم على هننذه‬
‫المحاولة العملقة بالفشننل‪ :‬ولننو توقننف السننلم عننن‬
‫كننونه ديانننة عربيننة بالكامننل‪ ،‬فننإن شنندة المشنناعر‬
‫الشعوبية بالذات‪ ،‬التواصل الطويل لنضالهم‪ ،‬والدللت‬
‫السيئة لمصطلح قققققق في الزمنة الحديثة‪ ،‬كل ذلننك‬
‫يظهر بوضننوح كنناف أن الشننعوبيين لننم يكونننوا أبطننال‬
‫السلم بل ضحاياه‪.((65‬‬
‫لذلك لم يكن كافيا ً أن ل تتنافر الثقافة الفارسية مع‬
‫السلم‪ :‬كان يجب أن ُتجعل إسلمية جوهرينًا‪ .‬وبمننا أن‬
‫هذا كان عمل ً عظيما ً ل يستطيع إنجننازه سننوى الحكمننة‬
‫السرانية للكهنة‪ ،‬والذي فشل العباسننيون فنني الواقننع‬
‫‪. Ibid., pp. 152ff (61‬‬ ‫)‬

‫‪. Encyclopaedia of Islam, s.n (62‬‬ ‫)‬

‫‪ (63‬ابن عبد ربه‪ ،‬رررر ررررر‪ 404:3 ،‬وما بعد‪.‬‬ ‫)‬

‫‪ (64‬من أجل تقديم زاخر بالحيوية لمزاعم الشعوبيين‪ ،‬أنظر‪Goldziher, Muslim Studies, :‬‬ ‫)‬

‫‪. vol.i, chpter 3-5‬‬


‫جّروا إلى الجنننة‬
‫ُ‬ ‫»‬ ‫الذين‬ ‫للناس‬ ‫المقنعة‬ ‫فالقوى‬ ‫الزمن‪،‬‬ ‫ذلك‬ ‫من‬ ‫صورة‬ ‫‪ (65‬أو لنأخذ‬ ‫)‬

‫في سلسل« كانت بالضرورة محدودة )بخاري‪ ،‬رررر‪250:2 ،‬؛ ابن عبد ربه‪ ،‬رر رر‬
‫ررررر‪.(412:3 ،‬‬

‫‪202‬‬
‫في إتمامه‪ ،‬فإن مننا بقنني مننن قنندر التقلينند الفارسنني‬
‫ُترك في أيدي الحاخامين‪ .‬كننان التقلينند مريب نا ً بالنسننبة‬
‫للحاخامين بناء على حسبتين‪ .‬ففي الموضننع الول لننم‬
‫يستطع قننط أن يصنبح عربينا ً جوهرينًا‪ ،‬منع ذلنك فهنذه‬
‫السننمة الجنبيننة تننم تلفيهننا إلننى حنند مننا بحقيقننة أن‬
‫الفرس صاروا في الوقت المناسننب مسننلمين؛ وهكننذا‬
‫فقنندت البقيننة الثنيننة للتركننة الفارسننية الكننثير مننن‬
‫الوصننمة الننتي احتفظننت بهننا تركننة اليونننانيين‪ .‬وصننار‬
‫ممكنا ً إلى حد ما القننرار بالصننل الفارسنني لمواضننيع‬
‫ثانويننة فنني الحضننارة السننلمية‪ .((66‬أمننا فنني الموضننع‬
‫الثاني فالتركة الفارسية كانت متنافرة‪ ،‬ربما ليس مننع‬
‫السننلم بحند ذاتنه‪ ،‬بنل حتمنا ً منع السنلم فني شننكله‬
‫الحاخننامي‪ .‬فالصنننو الحاخننامي للهننرم الفارسنني لننم‬
‫كل إل مننن اللننه‪ ،‬طبقننة علمانيننة غيننر‬ ‫يسننتطع أن يتشن ّ‬
‫متناسقة‪ ،‬وشريعة موحنناة‪ .‬وهكننذا فقنند اغتصننب ملننك‬
‫الملننوك موضننع اللننه السننلمي؛ ورغننم أن الكهنننة‬
‫استطاعوا تبّني جوهر التقليد الملكي دون اسمه وذلك‬
‫علننى أسنناس أنننه إسننلمي جوهري نًا‪ ،‬فالحاخننامون لننم‬
‫يستطيعوا سوى رفضه باعتباره كافرا ً أساسا ً‪ .((67‬علننى‬
‫نحو مشابه لم تكن ثمة طرينق يمكنن جلنب الحاخننامين‬
‫عبرها للقبول بنظام أرستقراطي للمجتمع والذي كان‬
‫يهنندد العلقننة المباشننرة بيننن اللننه والمننؤمن الفننرد؛‬
‫واالطبقنننة الرسنننتقراطية الوحيننندة النننتي اسنننتطاع‬
‫الحاخامون إضفاء الصبغة الشرعية عليها كانت منحدرة‬
‫من النبي العربنني‪ .‬أخيننرا ً لننم تكننن ثمننة أمثولننة والننتي‬
‫باسنتطاعة الحاخننامين إقحامهنا لنقناذ قاعنندة الهننرم‪:‬‬
‫كطبقة نبيلة دينية صننرفة فننإن المنحنندرين مننن النننبي‬
‫اسننتطاعوا أن يصننبحوا حنناملين لصننول حكننم فارسنني‬
‫مسحوق لكن ليس بأكثر مما استطاع شرع ديني صرف‬
‫أن يحتوي حطام امبراطورية متشظية‪ .‬والنتيجة كننانت‬
‫بالتننالي تنويعننة علننى إرث اليونننان‪ :‬لقنند دخننل الهننرم‬

‫‪ (66‬مثال شهير هو الديوان‪.‬‬ ‫)‬

‫‪ (67‬أنظر الهامش ‪ 40‬من الفصل الثاني عشر‪.‬‬ ‫)‬

‫‪203‬‬
‫ق‪ ،‬لكنه لم يج نّرد مننن طننبيعته‬ ‫مته واستمر‪ ،‬ضرب ود ّ‬ ‫بر ّ‬
‫ولم ي ُطَّبع ‪.‬‬
‫‪((68‬‬

‫ينشأ الختلف عننن الحقيقننة القائلننة إنننه فنني حيننن‬


‫استطاعت الفلسفة أن تتدبر وجودا ً دقيقا ً تقريب نا ً بيننن‬
‫الحاخامين المسلمين وققققققق ق التراك طالمننا كننان‬
‫هنالك منشقون مسلمون‪ ،‬فالدرجة المنخفضة للفصاح‬
‫النظري المميز للفكرة الرستقراطية كانت تعني إنهننا‬
‫قلما استطاعت البقاء على الختفاء المننادي للبيوتننات‬
‫الرسننتقراطية‪ .‬لقنند فقنند دادويننا المبننارك مكننانته‬
‫الرستقراطية ليصبح مجرد أداة مالية استطاع الحجنناج‬
‫شّلها بحرية؛ أما ابن المشلول‪ ،‬ابن المقفع‪ ،‬فقد ظننل‬
‫بإمكانه تعزيننز أمثننولته الرسننتقراطية كحنناجب مجننرد‬
‫والننذي اسننتطاع الخليفننة إعنندامه بحّريننة‪ .‬لكننن حفينند‬
‫المشلول‪ ،‬الذي عاش دون أذية ليموت موتا ً طبيعيًا‪ ،‬لم‬
‫يننننترك خلفننننه ورثننننة أرسننننتقراطيين ول أمثننننولت‬
‫أرستقراطية‪ :‬لقد عّزى نفسه عوضا ً عن ذلك بالحقائق‬
‫البدية للفلسننفة اليونانيننة الننتي كننان يترجمهننا للبلط‬
‫العباسي‪ .((69‬من هنا‪ ،‬ففي حين كننان علننى الحاخننامين‬
‫أن يشنوا حربا ً علننى الفلسننفة اليونانيننة ل نهايننة لهننا‪،‬‬
‫وإن كان واضحا ً أنها رابحة‪ ،‬فقد انخسف وسط الهننرم‬
‫اليراني ببسنناطة وإلننى البنند‪ .‬ودون أن يكننون عننندهم‬
‫سط لتقديم المثولننة‪ ،‬لننم يسننتطع الحاخننامون إزالننة‬ ‫و َ‬
‫َ‬
‫طبيعية أصول الحكم اليرانية ولتطبيعها كما فعلوا مع‬
‫الشننرع الرومنناني؛ لكننن بالمقابننل‪ ،‬فنندون وسننطه‬
‫الحاسم‪ُ ،‬أمكن على القل التساهل مع الهرم اليراننني‬
‫بينما لم يكن ذلننك ممكن نا ً مننع اليوننناني‪ .‬وهكننذا فنحننن‬
‫لدينا بقايا لمنظومننة مجتمننع إيراننني وذلننك فنني إعنادة‬
‫صياغتها السّنية على أنها الله‪ ،‬الملوك وأصول الحكننم‪،‬‬
‫والتي تتواجنند ببسنناطة مننع المنظومننة السنننية القننائم‬
‫دس‪ ،‬دون‬ ‫على اللننه‪ ،‬الطبقننة العلمانيننة والشننرع المق ن ّ‬
‫ي منهمننا أو مقاومتهننا‬ ‫إضفاء الصبغة التشريعية علننى أ ّ‬
‫كسرت الشرعية السللية للملوك‬ ‫إلى درجة كبيرة‪ .‬لقد ُ‬
‫الفرس عبر إله عنيد وذلك لتقديم سياسة تصادفية‪،((70‬‬
‫واستطاع الملوك الحفاظ على شرعية أدواتيننة معينننة‪،‬‬
‫‪Gibb, Studies on the Civilization‬‬ ‫‪» (68‬نواة الفوضى« من وجهة نظر الحاخامين )قارن‪:‬‬ ‫)‬

‫‪.(of Islam, p. 72‬‬


‫‪. ”’Encyclopaedia of Islam, art. “Ibn al-Muqaffa (69‬‬ ‫)‬

‫‪204‬‬
‫تماما ً مثلما استطاع علمهم أن يستمر باعتباره ترسانة‬
‫دنسة لصول الحكم‪.‬‬
‫بقدر ما يمكن تعريف الحضارة السننلمية علننى أنهننا‬
‫ذلننك الننذي بقنني بعنند طحننن النتيننك عننبر الطاحونننة‬
‫مننان‬ ‫ُ‬
‫الحاخاميننة‪ ،‬أمكننن أن يكننون هنالننك اسننتثناءان ها ّ‬
‫ضننع‬‫و ِ‬ ‫للختزال العام لبندائل السنحق أو الرفنض‪ .‬فقند ُ‬
‫التصوف والفن بالكامل تقريب نا ً خننارج مجننال التعريننف‬
‫الحاخامي‪ ،‬وبذلك أمكنن لكليهمنا أن ُينترك كنني يتطنور‬
‫دون أن يتعكر نسننبيا ً بالصننراع بيننن الكهنننة العباسننيين‬
‫والحاخامين البابليين‪.‬‬
‫كننانت الصننوفية بننالطبع مريبننة بالنسننبة للحاخننامين‬
‫بقدر ما كان عرفها موجها ً لتجسير الهوة بين النسننان‬
‫والله؛ كما كانت لعنة بالنسبة لهم بقدر ما أن نظريتهننا‬
‫اسنننتبدلت سنننر المسنننيحية المبتنننور بأحدينننة الهنننند‬
‫ل‪ ،‬فرغننننم أن المقنننناربتين‬ ‫المسننننتوردة ‪ .((71‬لكننننن أو ً‬
‫الصوفية والتشريعية إلى الله متنافسننتان كوني نًا‪ ،‬فقنند‬
‫مالتا لن تكونا متكاملتين وليس حصريتين تبادليًا؛ ومننا‬
‫دام الصوفيون ممسكين عننن الزدهنناء العلننني بأحديننة‬
‫غيننر متحفظننة‪ ،‬كننان الحاخننامون المسننلمون قننادرين‬
‫ببساطة على التعايش معهم بطريقة نظرائهم اليهننود‪.‬‬
‫ثانيًا‪ ،‬صار المتنافسون كمونيا ً بحاجة إلى بعضننهم فنني‬
‫السلم‪ .‬ولو أن المسلمين عاشوا تقننواهم التشننريعية‬
‫في غيتننو ابسننتمولوجي‪ ،‬لكننان مننن الممكننن تمام نا ً أن‬
‫ل التعننايش صننعبا ً كمننا كننان فنني أيننام أبنني يزينند‬‫يظنن ّ‬
‫البسطامي أو الحلج السيء السمعة‪ .‬لكننن صنندف وأن‬
‫دد الحاخننامون بالشننرائع والمقننولت الموضننوعية‬ ‫هنن ّ‬
‫ُ‬
‫للفلسننفة اليونانيننة إلننى درجننة أنننه كننان عليهننم هننم‬
‫أنفسهم أن يستخدموا مفاهيم موضننوعية للنندفاع عننن‬
‫الرادة الشخصننية للههننم؛ وبمننا أن المفنناهيم دفعننت‬
‫‪ (70‬المرايا السلمية للمراء والمصادر المشابهة مطلعة على ر ر‪-‬ر ر ررر‪ ،‬لكنهننا‬ ‫)‬

‫تظهر أيضا ً العوز المكشوف لي بعد تاريخي في مثل ذلننك الرث الننذي يطننالبون بننه‬
‫للملوك‪ :‬التأكينند علننى اختيننار إلهنني اعتبنناطي ودون وسننيط تنناريخي وذلننك باعتبنناره‬
‫العامل الحاسم في مسألة من يحكم كان إلى حد كبير أكثر مناسبة ليران السلمية‬
‫مهما كان سيبدو عليه في إيران الساسنانية أو أوروبنا العصننور الوسننطى )مننن أجنل‬
‫مَلكيننة[ لمننن‬
‫شواهد من أنموذج »الله يختار واحنندا ً مننن الشننعب«‪» ،‬إنننه يعطيهننا ]ال َ‬
‫ل‪A. K. S. Lambton, “The Theroy of Kingship in the Nasihat ul-Muluk of :‬‬ ‫يشاء«‪ ،‬أنظر مث ً‬
‫‪.(Gazali’, The Islamic Quarterly 1954, pp. 49, 52‬‬
‫‪. R. C. Zaehner, Hindu and Muslim, London 1960 (71‬‬ ‫)‬

‫‪205‬‬
‫بننالله فنني منطقننة متطرفننة مننن العننالم الخننر دون‬
‫تأسيس لشرائع قياسننية مننن هننذا العننالم‪ ،‬فقنند كننانت‬
‫المطاردة الصوفية لوجه الله وليس الدراسة التجريبيننة‬
‫مل ً للقننراءة‬‫لفعاله هي التي أوحت بذاتها باعتبارها مك ّ‬
‫التقوية لكلماته‪ .‬لذلك لم تسننتدّر الصننوفية ومضننامينها‬
‫رفضننا ً حاخاميننا ً آليننًا‪ .‬لكننن بالمقابننل‪ ،‬لن الصننوفية‬
‫تطورت خارج مجال التعريف الحاخامي‪ ،‬فهي لننم تكننن‬
‫بحاجة لن تلجأ إلى السحق المنظوماتي ذاتننه للعناصننر‬
‫التي دخلت فيها‪ .‬فالصوفيون لننم يننذهبوا بعينندا ً بحيننث‬
‫دموا إقرارا ً ل إعاقة فيه حول اعتمادهم على مصادر‬ ‫يق ّ‬
‫أجنبيننة وذلننك بطريقننة »الفلسننفة المسننيحيين« فنني‬
‫العنننراق النسنننطوري؛ ومقابنننل ذلنننك رمنننوا ببعنننض‬
‫استعاراتهم داخل شبه جزيرة العرب‪ .((72‬لكن الصننوفية‬
‫إجمال ً تمّثل حالة توفيقية إسلمية أصيلة‪.‬‬
‫الفن‪ ،‬بعكس الصوفية‪ ،‬كان مجرد ممارسة فهننو مننن‬
‫ناحية توقف عن امتلك اية علقة عضوية مع النظريننة‪:‬‬
‫م‬
‫مفاهيم الجمال اليونانيننة كننانت منننذ زمننن طويننل ه ن ّ‬
‫الفلسفة وليس الفنانين‪ .‬ومن ناحيننة أخننرى لننم تكننن‬
‫للفننن علقننة إيجابيننة مننع اللننه اليهننودي‪ :‬المحتننوى‬
‫الجمالي للمذهب التوحيدي اخُتزل إلننى تحريننم الصننور‬
‫المحفورة‪ .‬وهكذا فبعنندما مننارس المويننون اجتهننادهم‬
‫الكهنوتي في هذه المسألة عن طريق ملننء قصننورهم‬
‫الصيفية‪ ،‬وقبة الصخرة أيضًا‪ ،‬بثروة من الصور الجميلة‬
‫جدًا‪ ،‬تدخل الحاخننامون فنني الواقننع لسننحق الفننن عننن‬
‫طريق فرض التحريم الوحنداني؛ والنى هنذا الحند فنإن‬
‫تلفيفة زينة البننناء اليونانيننة المختزلننة إلننى الرابيسنك‬
‫هي المعادل النندقيق للشننرع الرومنناني المخننتزل إلننى‬
‫التقاليد النبوية‪ .‬لكن خارج هذه المسألة المناظرة غيننر‬
‫قابلة للتطبيق‪ :‬تحريم الصور المحفورة لم يكن أمثولننة‬
‫رض على الفنانين‪ ،‬لم يعنند مجننال‬ ‫لفن نبوي؛ وما أن ُ‬
‫ف ِ‬
‫ددهم‪ .‬وهكننذا‬ ‫الفن يهم الحاخامين بننأكثر ممننا كننان يه ن ّ‬
‫فقد ظل الفن فنني السننلم حرفننة مجننردة‪ ،‬إنننه عمننل‬
‫المعماريين‪ ،‬مهندسنني النديكور والمزخرفيننن‪ .‬ولننه ل‬
‫توجنند نظريننة إسننلمية حننول الفننن‪ ،‬ل يوجنند قق قق‬
‫للرابيسك‪ ،‬فل الرابيسك ول أشننكال الفنننون الخننرى‬

‫‪ (72‬قارن مع أهل الصفة‪.‬‬ ‫)‬

‫‪206‬‬
‫كان من الواجب إعادة توضيبها باعتبارها نتاجات غربية‬
‫محلية‪ .((73‬تبعنا ً لننذلك لننم يكننن هنالننك مننا يمنننع تهجيننا ً‬
‫لشكال فنية غريبة‪ ،‬مثلما أنه لم يكنن هنالنك منا يمننع‬
‫تهجينا ً لنباتات غريبة‪ ،‬في العالم السلمي؛ وإلننى هننذا‬
‫الحد‪ ،‬نجننا الفننن‪ ،‬كالصننوفية‪ ،‬بالبنندائل مننن السننحق أو‬
‫الرفض‪.‬‬
‫ل هنني‬ ‫مع ذلك فالقوة السلبية لكل هذه الحالت تظ ن ّ‬
‫ذاتها‪ :‬السلم لم يستطع التطبيع إل عبر إزالة الصبغة‬
‫قبلننت اللهننة الغريبننة أم رفضننت‪،‬‬ ‫الطبيعيننة‪ .‬وسننواء أ ُ‬
‫فالمسنننلمون لنننم يقنننّروا إل بمصننندر شنننرعي أوحننند‬
‫لمثولتهم الثقافية والدينية‪ :‬شبه جزيرة عرب نننبيهم‪.‬‬
‫وبالنسبة للبرابرة الننذين غننزوا أقنندم مراكننز الحضننارة‬
‫ل‪ ،‬كان هذا جولة قوة ل مثيل لها‬ ‫البشرية وأكثرها إجل ً‬
‫في التاريخ؛ لكن على هننذا السنناس لننم يسننتطع قنندر‬
‫الحضارة في السلم سوى أن يكون قنندرا ً تعيس نا ً إلننى‬
‫درجة استثنائية‪ .‬وفي المحاولة الخيرة فقد كننان دمننج‬
‫المعنننى اليهننودي مننع قننوة الغننزو العربنني مننن ناحيننة‪،‬‬
‫والغننتراب الثقننافي المتط نّرف للسننوريين مننن ناحيننة‬
‫دد لمنناذا وأيننة حضننارة إسننلمية كننان‬ ‫أخرى‪ ،‬هو الذي ح ّ‬
‫يجب أن تكون‪ .‬وبعكننس القننوط الريوسننيين‪ ،‬لننم يكننن‬
‫مقدرا ً للهاجريين أن يختفوا في الثقافة الننتي غزوهننا‪.‬‬
‫مع ذلك فهم لم يستطيعوا كغزاة أن يدعموا الشخصننية‬
‫العينية »لحياتهم المنعزلة« سواء في الصحراء أم فنني‬
‫الغيتو‪ .‬وكننانت الحصننيلة حضننارة جدينندة‪ .‬لكننن كمننا أن‬
‫الريوسننية القوطيننة لننم تكننن كافيننة‪ ،‬كننذلك تمامننا ً‬
‫فالهاجريننة كننانت كننثيرة جنندًا‪ .‬الهاجريننة ُبنيننت كنني‬
‫تتحاشى الثقافة الكنعانية التي غزتها؛ وهننذا التحاشنني‬
‫الننذي أفنناد مبنندأيا ً فنني منننع امتصنناص الهاجريننة فنني‬
‫الحضارة ظل معيقا ً لمتصاص الحضارة فنني الهاجريننة‪.‬‬
‫بالمقابل‪ ،‬فكما كان العراق التعددي كننثيرا ً جنندًا‪ ،‬كننذلك‬
‫تمامنننا ً كنننانت سنننوريا النذورينننة أيضنننا ً قليلنننة جننندًا‪.‬‬
‫فالسننوريون أبعنندوا أنفسننهم عننن الحضننارة الكنعانيننة‬
‫التي استوطنوها؛ وهذا البعد الذي أفاد مبدأيا ً في منننع‬

‫‪ (73‬وحدهم العلمناء الوربيننون حناولوا أن يجنندوا أصنول الفنن السنلمي فني شنبه‬ ‫)‬

‫جزيرة العرب‪) .‬قارن‪O. Grabar, The Formation of Islamic Art, New Haven Conn. 1973, p. :‬‬
‫‪.(80‬‬

‫‪207‬‬
‫امتصاص السننوريين ضننمن الهلينيننة مضننى كنني ينندعم‬
‫تصّلب الهاجرية‪.‬‬
‫ذات مرة أغننوت إحنندى عنناهرات المعبنند أنكينندو كنني‬
‫يترك بريته من أجننل الحضننارة؛ وكننانت حضننارة سننومر‬
‫تستحق ذلك‪ ،‬رغم كل ما تكّلفه‪ .‬وإلننى ذلننك الحنند كننان‬
‫صحيحا ً ومناسبا ً أن خننروج نبونينندوس إلننى يننثرب كننان‬
‫فنني أحسننن الحننوال خصوصننية ثقافيننة‪ ، ((74‬ولننو أن‬
‫مننروان الثنناني أمضننى وقتننه فنني حننران فنني دراسننة‬
‫الحكمة القديمة فإن ذلك سيبدو نتيجة طبيعية مناسبة‪.‬‬
‫عّريت المعابد مننن‬ ‫مع حلول القرن السابع بعد المسيح ُ‬
‫عاهراتها‪ :‬كانت الوحدانية هي التي أغوت العرب علننى‬
‫ترك بّريتهم‪ ،‬كما أ ن حضارة سوريا فقدت قوتها علننى‬
‫الغننواء‪ .‬عوضننا ً عننن ذلننك تقنناطع خننروج العننرب مننن‬
‫الصحراء باسم يهودية مهوجرة مننع المحاولننة السننورية‬
‫لسننترداد خننروج فنني يهوديننة أمميننة‪ .‬والنتيجننة كننانت‬
‫حضننننارة؛ لكنهننننا كننننانت حضننننارة منتابننننة بننننالغيتو‬
‫والصحراء‪.‬وبقدر ما كان العرب منتابين بالغيتو‪ ،‬كننانوا‪،‬‬
‫ض مفقود‪ .‬لكن فنني‬ ‫كاليهود والوثنيين‪ ،‬نادبين على ما ٍ‬
‫حين بكى اليهود على صهيونهم والوثنيننون علننى أرض‬
‫كلدانهم‪ ،‬كان العرب عند مياه بابل يندبون على بّرية‪.‬‬

‫‪C. J. Gadd,‬‬ ‫‪“The Harran‬‬ ‫‪ (74‬من أجل خروج نبونيدوس من قريته الظالمة؛ قارن‪:‬‬ ‫)‬

‫‪.Inscription Nabonidus, Anatolian Studies 1958, pp. 57ff‬‬

‫‪208‬‬
‫‪11‬‬
‫قدر النتيك‬
‫‪III‬‬
‫تصّلب الحضارة السلمية‬

‫كانت الحضارة السننلمية فنني الهلل الخصننيب نتنناج‬


‫التفاعل بين الغزاة والمغزوينن‪ .‬بالمقابننل‪ ،‬ففني غينر‬
‫هذا المكان‪ ،‬كانت الحضارة الجديدة بحنند ذاتهننا حضننارة‬
‫أحننند أطنننراف التفاعنننل‪ .‬والصنننفقات النننتي وقعهنننا‬
‫السوريون والعراقيون مع ديانة متصلبة خلقت حضننارة‬
‫والتي كانت بمعيار ما نتاج احتياجاتهم الثقافة الخاصة‪.‬‬
‫لكن كننان علننى البنناقين أن يصننلوا إلننى تفنناهم‪ ،‬ليننس‬
‫فقط مع ديانة متصلبة‪ ،‬بل أيضا ً مع حضارة متصلبة لننم‬
‫يلعبننوا أي دور فنني تشننكيلها‪ .‬وفنني هننذه الظننروف‬
‫الخشنة‪ ،‬من المفهوم أنهم ساهموا أقل وعانوا أكثر‪.‬‬
‫در‬ ‫أكثر المثلننة دراميننة علننى الحالننة الخيننرة هننو َ‬
‫قن َ‬
‫التقليد اليراني في وطنه الثني‪ .‬لقد كانت إيران كننل‬
‫شيء لم تكنه سوريا‪ ،‬ول يحتنناج المننر إل إلننى القليننل‬
‫من التخّيل حتى نفهم أن ما كان نعمة في ثننوب نقمننة‬
‫قّنعة بالنسبة للطرف‬ ‫م َ‬
‫بالنسبة لطرف كان مصيبة غير ُ‬
‫ً‬
‫الخنر‪ .‬ففنني حينن كنانت سنوريا إقليمنا‪ ،‬كنانت إينران‬
‫إمبراطورية؛ وفي حين كانت سوريا تفتقد الهوية إلننى‬
‫درجة أنها احتنناجت إلننى الغننزاة القبننائليين‪ ،‬كننان لنندى‬
‫إيننران هويننة منصننهرة مننع حقيقننة وذلننك فنني تجربننة‬
‫مقاومة الغزو القبائلي؛ وفي حين استطاع السننوريون‬
‫أن يصلوا إلى أن يننروا العننرب كمخّلصنين‪ ،‬لننم يسنتطع‬
‫ورا طننوران العننائدة مننع إلننه‬
‫اليرانيننون سننوى أن يتصن ّ‬
‫غريب؛ وفي حين استطاع السوريون إعادة بننناء ركننام‬
‫أحجننار بنننائهم علننى شننكل صننرح عربنني‪ ،‬كننان الصننرح‬
‫ق ندّ مننن صننخرة مفننردة والننتي لننم يكننن‬ ‫اليراننني قنند ُ‬
‫بالمكان غير أخذها أو تركها‪ .‬والمسننلمون بننالطبع لننم‬
‫يسننتطيعوا أخننذها ول تركهننا؛ لكنهننم كمننا فشننلوا فنني‬
‫اختزال قصر خسننرو إلننى أحجننار بننناء مننن أجننل مبنننى‬
‫إسلمي معصوم‪ ،((1‬كذلك تماما ً فقد فشننلوا أيضننا ً فنني‬
‫اختزال فارس إلى بلد إسلمي معصوم‪.‬‬

‫‪. J. Lanner, The Topography of Baghdad in th Early Middle Ages, Detroit 1970, p. 128 (1‬‬ ‫)‬

‫‪209‬‬
‫يمكن لنا أن ندّلل علننى عظننم الكارثننة الننتي ضننربت‬
‫إيننران بالمقارنننة مننع الرضننية الكننثر حننذقا ً لليونننان‬
‫والهند‪ ،‬اللتين مثلتا مثل إيران تقاليدا ً حضننرية‪ ،‬والننتي‬
‫كان ليران ذاتها علقة بها‪ .‬لقنند امتلننك الهنننود تقلينندا ً‬
‫تعايشت فيه مجمل عناصننر محليننة دون اننندماج‪((2‬؛ فنني‬
‫حين أوصل التطور اليوننناني إلننى تقلينند تعايشننت فيننه‬
‫مجمل عناصننر متغننايرة فنني اننندماج سننطحي تاريخي نًا‪.‬‬
‫وهكذا إذا أمكننن مقارنننة الهننند بصننخرة واحنندة غزيننرة‬
‫النقننوش مننن العلننى والسننفل‪ ،‬فقنند كننانت بيزنطننة‬
‫بالمقابل صرحا ً مفردا ً ُبني بننأنواع مختلفننة مننن أحجننار‬
‫البننناء‪ .‬وحيننن خضننعوا للغننزو السننلمي كننان الهنننود‬
‫واليونانيون بالتالي في نننوع مننن المركننب ذاتننه وذلننك‬
‫مقابل اليرانيين‪ :‬فمن ناحية‪ ،‬كان احتمال عودة ظهور‬
‫تقالينندهم كهويننات متكاملننة ضننمن السننلم أقننل مننن‬
‫احتماليننة عننودة ظهننور تقالينند إيننران؛ فنني حيننن مننن‬
‫الناحية الخرى‪ ،‬كان للعناصننر الفراديننة فنني تقلينندهم‬
‫فرصة أفضل لمتصاص أو تكيف تدريجيين‪.‬‬
‫عّزر هذا الفننرق بيننن التقالينند‬ ‫في الوقت ذاته‪ ،‬فقد ُ‬
‫بقوة عن طريق إختلف سرعة الغزو‪ .‬ففي حين غزيت‬
‫إيننران بكاملهننا فنني القننرن السننابع‪ ،‬نجننا اليونننانيون‬
‫والهنود منن هنذا القندر حنتى وقننت أكنثر تنأخرًا‪ .‬وقنند‬
‫كل يونانيو القنناليم البيزنطيننة الننذين انهزمننوا أمننام‬ ‫ش ّ‬
‫الغزاة العرب طبقة سكانية رقيقننة؛ لكننن هنننود السننند‬
‫كانوا أكثر كثافة‪ ،‬مع أنه كان إقليما ً صننغيرا ً ونائي نًا‪ .‬بننل‬
‫لقد تركت غزوات الترك الكثر انتشارا ً وليات بيزنطية‬
‫وهندوسننية دون غننزو حننتى القرنيننن الخننامس عشننر‬
‫والسننادس عشننر‪ .‬ولن هنذه التقاليند اسننتمرت لفنترة‬
‫طويلة خارج السلم‪ ،‬فقنند كننان هنالنك بالتننالي ضننغط‬
‫عليهاأقل بحيث تعاود الظهور على السطح فنني شننكل‬
‫متكامل من داخله‪.‬‬
‫وهكذا كان ممكنا ً للسلم فنني بلد اليونننان والهنننود‬
‫أن يسكت عن الديانننة الشننعبية فنني حيننن كننان يمتننص‬
‫مفنناهيم النخبننة‪ .‬فمننن ناحيننة‪ ،‬لننم يكننن لنندى السننلم‬
‫الرثوذكسننني أينننة شنننكوك حنننول لياقنننة المسنننيحية‬

‫‪ (2‬الحقيقة طبعا ً هو أن الهنود أحرزوا ‪،‬بجانب طبقاتهم ومفاهيمهم المحلية‪ ،‬عباداتهم‬ ‫)‬

‫الدينية من الدرافيديين؛ لكنه هذا يشبه الكتساب اليوننناني القننديم لديونيسننوس مننن‬
‫تريس ‪ Thrace‬بأكثر مما يشبه اكتسابهم المتأخر ليهوه من اليهود‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫المتسامحة ‪ -‬ديانة مختلفة لكن اللننه ذاتننه ‪ -‬وقنند كننان‬
‫باستطاعته إقننناع ذاتننه بتسننامح قسننري حيننال الوثنيننة‬
‫الهندية والمنظومة الجتماعية التي سارت معها‪ .‬ومننن‬
‫ناحيننة أخننرى‪ ،‬اسننتطاع المسننلمون تحريننر مفنناهيم‬
‫اليونانيين والهنننود مننن نسننجها الثنيننة مثلمننا يبنندو أن‬
‫اليرانيين قد فعلوا قبلهم‪ .‬في الوقت ذاته‪ ،‬لم تعدإلى‬
‫السطح في السلم أية هوية يونانية أو هندية متكاملة‪.‬‬
‫ليس‬
‫‪((3‬‬
‫ثمننة اسننترداد لبيزنطننة إسننلمية ‪ ،‬بغننض النظننر عننن‬
‫غوبتات ‪ Guptas‬إسلمية؛ لم يكن هنالك شعوبية يونانية‬
‫ب هننندي للنننبي‪ ،‬أمننا‬‫ول هندية؛ ولم يكننن هنالننك صنناح ٌ‬
‫قد عصننبه الثننني علننى‬ ‫ف َ‬
‫صاحبه اليوناني‪ ،‬صهيب‪ ،‬فقد َ‬
‫نحو يلئم الغرض ليبحث عنن العننزاء فنني نسنب عربني‬
‫زائف‪.((4‬‬
‫وحيننن دخننل يونننانيو الناضننول العننالم السننلمي فنني‬
‫نهايننة المننر‪ ،‬لننم يفعلننوا ذلننك كيونننانيين بننل كننأتراك‬
‫مسلمين؛ في حين قام مسنلمو الهننند بعنندهم بكننل منا‬
‫في وسعهم كي يتبعوا خطى اليوناني صهيب‪.‬‬
‫الحالة اليرانية كانت مختلفة جدًا‪ .‬فإيران كننانت قنند‬
‫ابت ُِلعننت ككننل فنني مرحلننة مبكننرة مننن تاريننخ التوسننع‬
‫السلمي‪ .‬كان لنندى بقايننا الجيننش الننبيزنطي بيزنطننة‬
‫يمكنهم التراجع إليها؛ لكن الساورا انتهوا في البصرة‬
‫كحلفاء للغزاة ‪ .((5‬ربما كان هنالنك أمننراء إيرانيننون فنني‬
‫الصننين‪ ((6‬وتجننار إيرانيننون فنني الهننند‪ ،‬لكنهننم كننانوا‬
‫تجمعننات لجئيننن محنندودة الحجننم‪ .‬ورغننم ثننورة ميننديا‬
‫الكننبيرة والننتي تعننود إلننى زمننن أولنني والننتي أّرخ لهننا‬
‫‪((7‬‬
‫خضع‬ ‫م ْ‬
‫سبيوس ‪ ،‬لم يبق هنالك أي جزء من إقليم غير ُ‬
‫سه‬ ‫استطاع التقليد المتكامل فيه أن يستمر دون أن يم ّ‬
‫السلم‪.‬كان على اليرانييننن أن يصنننعوه داخننل العننالم‬
‫السلمي أو ل يصنعوه إطلقًا‪.‬‬
‫مى نفسه »ملك كل رومانيا« ) ‪S. Vryonis ,The‬‬ ‫‪ (3‬كان هنالك حقا ً دانيشمنديد والذي س ّ‬
‫)‬

‫‪Decline of Medieval Hellenism in Asia Minor and the Proces of Islamization from the Eleventh‬‬
‫‪ (through the Fifteenth Century, Berckly 1971, p. 473‬لكن ل يوجد هنالك لم مثيل سلجوقي‪،‬‬
‫والحسن بن غبراس لم يكن ابن مقفع يونانيا ً )‪.(ibid., p. 231‬‬
‫‪. Goldziher, Muslim Studies, vol. i, p. 128 (4‬‬ ‫)‬

‫‪ (5‬البلذري‪ ،‬رررر‪ ،‬صص ‪ 373‬وما بعد‪.‬‬ ‫)‬

‫‪J. Harmatta, “The middle Persian-Chinese Bilingual Inscription from Hsiam and the Chinese - (6‬‬ ‫)‬

‫‪. Sasanian Relations”, in Atti del Convegno Internazionale sul tema: Le Persia nel Medioevo‬‬
‫‪. Sebeos, Histoire, p. 143 (7‬‬ ‫)‬

‫‪211‬‬
‫كانت النتيجة اصطداما ً رأسا ً بننرأس‪.‬وإذا كننان جننوهر‬
‫الهلينية مفاهيمها‪ ،‬فقد ُأمكن إلننى حنند مننا اسننتعارتها؛‬
‫كن إلى حد‬ ‫ُ‬
‫م ِ‬
‫وإذا كان جوهر الهندوسية طبقاتها‪ ،‬فقد أ ْ‬
‫كبير أن تننترك وشننأنها‪ .‬ققققق ققق ققققق قققق كننانت‬
‫رفيعة جدًا‪ ،‬وقققق ققققق قق قققق قق كان شعبيا ً جنندًا‪،‬‬
‫ذرا ً على الغزو السننلمي ضننرب أ ّ‬
‫ي‬ ‫وذلك بحيث بدا متع ّ‬
‫من الثنين في الموقننع الشنند إيلم نًا؛ لكننن المفنناهيم‬
‫والطبقات على حد سننواء كننانت إلننى حنند مننا هامشننية‬
‫عّرف عليها السننلم بننأكثف مننا‬ ‫بالنسبة للرضية التي ي ُ َ‬
‫يمكن‪ .‬لكن لم يكن ممكنا ً تخيل هذا النوع من المواءمة‬
‫الزوراء فنني حالننة إيننران‪ .‬فننإله الرييننن كننان بالنسننبة‬
‫لشعبه قققق ق ققق ققق‪ ((8‬بقدر مننا كننان إلننه إسننرائيل‪.‬‬
‫وفي أيام الخمينيين عرفت إسرائيل بالطبع موقعهننا‪،‬‬
‫والعلقات بين اللهين كانت سلمية بمننا يكفي‪ .((9‬لكننن‬
‫حين صادر السماعيليون إله إسرائيل وانطلقوا يغزون‬
‫العننالم معننه‪ ،‬لننم يعنند هنالننك مننا يكفنني لكبننح غيرتننه‬
‫المفرطننة‪ .‬كننانت رهانننات الطرفيننن هنني علننى هويننة‬
‫هرت فيها الثنية‪ ،‬الديانة‪ ،‬ونظام الحكم تحت حمايننة‬ ‫ص ِ‬
‫ُ‬
‫إله حارس أوحد‪ :‬لقد أمكن تفكيك بيزنطة‪ ،‬لكننن إيننران‬
‫لم يكن ممكنا ً سوى سحقها‪.‬‬
‫في عرضنا لنتائج هذا الصطدام‪ ،‬يمكننن نبنندأ بشننكل‬
‫الحكننم‪ .‬فمننن ناحيننة‪ ،‬لنندينا فنني إيننران شننكل حكننم ذو‬
‫مكانة دينية قوية جوهريًا‪ :‬الدين والدولننة كانننا تننوأمين‪.‬‬
‫التوأمية ل تعني بالطبع التطابق بين قق ققق وققققق ق‬
‫الذي يمي ّننز المفهننوم السننلمي للمامنة؛ لكنهنا علقننة‬
‫حننرزت فنني بيزنطننة‪ ،‬حيننث‬ ‫ُ‬
‫أكثر حميمية من تلك التي أ ْ‬
‫لم يكن بيننن النندين اليهننودي والدولننة الرومانيننة حننتى‬
‫ز كنانت فينه‬ ‫قرابة دم‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬لدينا دينن غنا ٍ‬
‫مكانة شكل الحكم دينية جوهريا ً أيضًا‪ .‬كانت المسننيحية‬
‫مليكينن )تصننغير ملننوك(‬ ‫سعيدة عمومنا ً فنني مسننحها لل ُ‬
‫المولننودين مننن أوديننن وقققق قق ق قققق ققققق ققق‬

‫‪Ut animae nascentibus, ita populis fatalis genii dividuntur (Symmachus, cited in P. Courcelle, (8‬‬ ‫)‬

‫‪“Anti-Christian Arguments and Christian Platonism From Arnobius to st. Ambrose”, in‬‬
‫‪.(Momigliano, The Conflict between Paganism and Christianity in the Fourth Century, p. 175‬‬
‫‪ (9‬قارن مع قدر مردوخ‪ ،‬الذي جعلته كفالته لسلسلة مننن الدعينناء البننابليين ينكسننر‬ ‫)‬

‫حتى النفاذ الكامل‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫للشعوب الذين هدتهم إليها بقدر ما كانت سعيدة قبننل‬
‫ذلك فنني العننتراف بننالمبراطور الرومنناني ‪ .((10‬وحننتى‬
‫في حالة المسيحية الغازية‪ ،‬فلم يكننن هنالننك سننبب ذو‬
‫سر لماذا يجب علننى الغننزاة المسننيحيين‬ ‫جوهر ديني يف ّ‬
‫‪(1‬‬
‫أن ل يحترموا أشكال الحكم الدارسننة للخاضننعين لهم‬
‫‪(1‬؛ بينما حتى فنني حالننة المسننيحية البربريننة‪ ،‬لننم يكننن‬
‫سننر لمنناذا يجننب علننى‬‫هنالك سننبب ذو جننوهر ديننني يف ّ‬
‫الننبرابرة المسننيحيين أن ل يعينندوا إحينناء إمبراطوريننة‬
‫دسة‪ .‬لكن المر ليننس كننذلك فنني السننلم‪.‬‬ ‫رومانية مق ّ‬
‫ففي بعض المناطق الهامشية قبل الغننزاة المسننلمون‬
‫فعل ً باسننتمرارية المننارات التقليديننة‪ :‬أنظننر الحمايننة‬
‫المفروضة على سللة اسروشنننه‪ ((12‬الملكيننة الوطنيننة‪.‬‬
‫بالمقابل‪ ،‬ففي بعض المناطق الهامشية عادت أشننكال‬
‫حكننم وطنيننة للظهننور فنني تلننك المحمّيننات فنني زي‬
‫إسلمي‪ :‬أنظننر الخوارزشنناهات‪ .((13‬لكننن المننأمول مننن‬
‫تطور كهذا في إيران كان ضئي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وهكذا فبعد فشل المحنناولت الولننى لتجدينند تقلينند‬
‫زل هننذا الخيننر فنني جبننال‬ ‫عن ِ‬
‫شكل الحكم الزرادشتي‪ُ ،‬‬
‫الديلم‪ .‬وفي الوقت المناسب جاء دور الديالمننة‪ ،‬ومثننل‬
‫البويهيين‪ ،‬مثل البارثيين قبلهم بألف سنة‪ ،‬زعم هؤلء‬
‫أنهم ينحدرون من السللة الملكيننة السنناقطة وأعننادوا‬
‫إحياء لقبهم »ملك الملوك«‪ .((14‬وأخننذ السننللة الملكيننة‬
‫السننلمية لهننذه الخطننوة دليننل بنناهر علننى التصننميم‬
‫اليراني على الستمرار في السلم أكثر من أي شيء‬
‫‪ (10‬أو قارن من جديد العلقة بين البوذية وسيرلنكا‪ .‬فمقارنة مننع الزرادشننتية تجنناه‬ ‫)‬

‫إيران‪ ،‬لم يكن للبوذية ما تقوله عن سيلنكا في أسننفارها المقدسننة الحضننرية‪ .‬لكننن‬
‫بالمقارنة مع السلم تجاه إيران‪ ،‬فقد أعطت البوذية السننيرلنكيين تفويضنا ً تامنا ً لن‬
‫يقولوا ما يشاؤون عن أنفسهم في التاريخ الكنسي القليمي‪ .‬البوذية أساسا ً لم تكننن‬
‫ضد سيرلنكا ول معها‪ ،‬لقد كانت ببساطة فوقها‪ .‬لكن السلم كان ضد إيران بقدر ما‬
‫كانت الزرادشتية معها‪.‬‬
‫‪ (11‬المقارنة بين موقف الهنود تحت الحكم السباني وموقف اليونانيين تحت الحكم‬ ‫)‬

‫العثماني مفيد علميًا‪ :‬فقد مثلت جمهورية الهنننود السننماح الرسننمي بتمننايز رررر ر‬
‫ضمن إمبراطورية متناسقة دينيًا‪ ،‬أما مّلة الرثننوذكس فقنند مثلننت السننماح الرسننمي‬
‫بتمايز رررر ضمن إمبراطورية متناسقة سياسيًا‪.‬‬
‫‪ (12‬أنظر‪ ،‬هامش ‪ 1‬ف ‪.13‬‬ ‫)‬

‫‪E. Sachau, Zur Geschichte von Khwarizm, Abhandlungen der Kaiserlichen Akademie der (13‬‬ ‫)‬

‫‪. Wissenschaft, Philologisch - historische Klasse, vol. Lxxiv, Berlin 1873‬‬


‫‪ (14‬من أجل الفورة العريضة للنسب الساسنناني بيننن السننللت اليرانيننة مننن تلننك‬ ‫)‬

‫الحقبة أنظر‪C. E. Brosworth, “The Heritage of Rulership in Early Islamic Iran and the Search :‬‬
‫‪;for Dynastic Connections with the Past”, Iran 1973‬؛بل إن يزيديي شروان العرب صاروا‬
‫رررر للساسانية )‪.(ibid., p. 20‬‬

‫‪213‬‬
‫آخر‪ .‬لكن رغم أن الديالمة كانوا على استعداد لسقاط‬
‫عنندائيتهم للسننلم مننن أجننل »إمبراطوريننة فارسننية‬
‫مقدسننة ‪ ،«((15‬فالمسننلمون لننم يكونننوا راغننبين بقبننول‬
‫ذلك؛ وما بقي من المغامرة البويهية كان إسننهاما ً فنني‬
‫اللقنناب الشننرفية السننلمية وليننس أي معنننى عميننق‬
‫لستمرارية إيران الساسانية‪.‬‬
‫إن الموت الفعلي للزرادشننتية بننالمعنى الننديني هننو‬
‫مؤشر درامي على أثر السلم القوي وشمولية غزوه‪.‬‬
‫هنالننك اليننوم دولننة اليونننان المسننيحية ودولننة الهننند‬
‫الهندوسية؛ أما الزرادشتيون فهم مجرد أقلية‪ .‬لم يكن‬
‫الموت بالطبع آنيًا‪ :‬فحننتى القننرن العاشننر ظننل هنالننك‬
‫وجود حي سياسيا ً للديانة القديمننة فنني الننديلم‪ ،‬تمام نا ً‬
‫مثلما كان هنالك وجود حي عقائديا ً في فننارس القننرن‬
‫التاسننع؛ وبننروز المقننولت الهلينيننة فنني كتننب القننرن‬
‫التاسع ووجود كتاب مقدس زرادشننتي بصننيغة مكتوبننة‬
‫قد يكونان دلئل محتملننة علننى قنندرة زرادشننتية علننى‬
‫التكيف مع البيئة الجديدة ‪ .((16‬لكن لم يكن هنالك مسألة‬
‫دية حول إحياء ديني في إيننران‪ :‬ملننوك الملننوك هننذه‬ ‫ج ّ‬
‫المرة لم يكن لديهم قرطير‪ .‬مننن اسننتطاع الريننون أن‬
‫يكونوا إذا ً حين لم يعد المجوس كهنة لهم؟‬
‫في بادئ المر كان السننؤال مننا إذا كننان باسننتطاعة‬
‫شننيء مننن الديانننة القديمننة أن يظهننر مننع شننيء مننن‬
‫السننلم علننى أينندي النبينناء التننوفيقيين فنني النصننف‬
‫الثاني من القرن الثامن‪ .‬لكن نجاحهم كننان عننابرًا‪ :‬لننم‬

‫دث المغننامرون القزوينيننون الوائل بلغننة إحينناء معنناد للسننلم)‬ ‫‪ (15‬لحظ كيننف تحن ّ‬ ‫)‬

‫‪(Madelung, “The Assumption of the Title Shahanshah”, pp. 86 - 8‬؛ قارن المل الحي بإحياء‬
‫كهننذا والنذي يجنند تعننبيرا ً لنه فنني كتابننات القننرن التاسننع الزرادشننتية ) ‪H. W. Bailey,‬‬
‫‪.(Zoroastrian Problems in the Ninth-Century Books, Oxford 1971, pp. 195ff‬‬
‫‪ . Ibid., pp. 80 - 92, 162ff (16‬إن عدم حتمية الدليل في هاتين المسألتين أمر مؤسف‪،‬‬ ‫)‬

‫لكنه ل يخلو من أهميته الخاصة‪ .‬لقد كانت الثنوية الزرادشتية في الصل حل ً بالمعنى‬
‫ل بدل ً عن ذلك عبر مفاهيم اليونانيين والهنود‪ .‬لكن بسبب‬ ‫الفكري لمشكلة قابلة للح ّ‬
‫العلل التاريخية أخذ الحل الزرادشتي شكل إيمانية إلهية إثنية‪ ،‬وقام بسهولة بالنتقال‬
‫من عضوية المجموعة المفاهيمية الصننلية إلىعضننوية المجموعننة التوحيديننة الجدينندة‬
‫والتي نشأت من التقليد اليهننودي‪ .‬لقنند لحننظ اليونننانيون ذلننك التشننابه بيننن موسننى‬
‫وزرادشت وذلك باعتبارهما معطيين إثنيين للشننريعة زعمنا تكريسنا ً إلهينًا‪Bider and ) .‬‬
‫‪.(Cumont, Les mages hellénisés, vol. ii, p. 30‬وحين صار النموذج اليهودي معياريًا‪ ،‬لم يكن‬
‫على الزرادشتيين سوى التأكيد على التشابه‪ :‬صارت فلسفة كهنة المجوس لهوتهم‪.‬‬
‫وإنه إطراء على محمل الذم لقوة التشننابه حيننن اسنتجاب المسننيحيون والمسننلمون‬
‫على ذلك بوسم زرادشت على أنه يهودي )‪.(ibid., vol. i, p. 50‬‬

‫‪214‬‬
‫يكن لينبثق برغواطا إيراني من سيرة بهافريد‪ ،‬وتوقننع‬
‫أحد الهراطقة الخوارج الوائل بأن اللننه سيرسننل نبيننا ً‬
‫جديدا ً من غير العرب لبطال ديانة محمد‪ ،((17‬مهمننا بنندا‬
‫ل‬‫مناسبا ً لتوقع ظهور تركيا القرن العشننرين‪ ،‬فقنند ظ ن ّ‬
‫غير منجز في إيران العصور الوسطى‪.‬‬
‫لم يكن ثمة خيننار سننوى القبننول بالطننار السننلمي‬
‫كمننا هننو‪ ،‬والمسننألة كننانت إذا ً مننا إذا باسننتطاعة هويننة‬
‫إيرانية أن تتكيف داخله‪ .‬لسباب سنعرضننها علننى نحننو‬
‫دم التشيع نسخة من الطار‬ ‫أوفى في مرحلة لحقة‪ ،‬ق ّ‬
‫السلمي مقبولة على نحو خنناص‪ .‬فمننن جهننة‪ ،‬المننام‬
‫المعصوم وملك الملوك كانا ضحايا التاريخ السّني ذاتننه‬
‫‪ -‬وألم يتزوج الحسين من أميرة فارسية‪((18‬؟ ومن جهننة‬
‫أخرى‪ ،‬فالسرانية الشيعية كانت‪،‬كمونيًا‪ ،‬مذهبا ً توفيقيا ً‬
‫‪ -‬وألم يكن الفارسي‪ ،‬صنناحب النننبي شخصننية مركزيننة‬
‫في هذه السرانية؟ وحين يص نّر مصنندر سننرياني لثننورة‬
‫المختار من تلك الحقبة علننى التغايريننة الثنيننة لتبنناعه‬
‫ويتوقع منهم بالكامننل أن ينهننوا السننيطرة العربيننة‪،((19‬‬
‫فنحننن ل نسننتغرب أن يقبننل الكرمنناثيون الننذين جنناءوا‬
‫لحقا ً بالكامل بالدجال الفارسي والذي توقعوا منننه أن‬
‫يخلصهم من الديانة العربية‪.((20‬‬
‫مع ذلك فالتقارب بين التشننيع وإيننران كننان محنندودا ً‬
‫للغاية‪ .‬وإلى حد ما‪ ،‬كننان هننذا التقننارب مسننألة صنندفة‬
‫تاريخية‪ :‬فبعدما ضنّيع البويهيننون فرصننتهم‪ ،‬لننم ي ُل ْب َننس‬
‫‪.Goldziher, Muslim Studies, vol. i, p. 130 (17‬‬ ‫)‬

‫‪ (18‬الحسننينيون بالتننالي متميننزون علننى الحسنننيين بفضننل الحقيقننة القائلننة إن‬ ‫)‬

‫ررررررررر كانت أمهم‪G. Le Strange and R. A. Nicholson (eds.), The F ).‬ن ‪rsn‬ن ‪ma of‬‬
‫‪.(Ibnu’l-Balkhi, London 1921, p. 4‬قارن ايضا ً الرأي الكارماثي القائل إن اللننه ل يحننب‬
‫العرب لنهم قتلوا الحسين ويفضل أتبنناع خسننرو لنهننم وحنندهم دافعننوا عننن حقننوق‬
‫الئمة‪.(Goldziher, Muslim Studies, vol. i, p.162 ).‬‬
‫‪) .Der Penkaye in Mingana, Sources syriaques, pp. 156 - 68 = 183 - 95 (19‬ل تقدم أية‬ ‫)‬

‫معلومة عن عقيدة المختار(‪ .‬وهكذا هنالك جزء صغير معقول مننن الحقيقننة فنني رأي‬
‫ابن حزم العننتيق الطننراز‪» :‬إن السننبب الكننامن خلننف هجننرة هننذه الطننوائف لديانننة‬
‫السلم‪ ،‬هو اساسا ً ما يلي‪ :‬لقد كان الفرس أصل ً سادة مملكة شاسننعة وكننانت لهننم‬
‫اليد العليا على كل المم‪ ..‬لكن لما‪ ..‬أخذ منهم العننرب إمننبراطوريتهم‪ ..‬وضننعوا فنني‬
‫رؤوسهم التحايل على السلم‪I. Friedlaender, “The Heterodoxies of The Shiites in the ) «...‬‬
‫‪.( Presentation of Ibn Hazm”, Journal of the American Oriental Society 1907, p. 35‬‬
‫‪ (20‬يقول المسعودي‪ ،‬إنه كنان ينحندر منن الملنوك الفنرس‪ ،‬وفني أصنفهان ذاتهنا تنبنأ‬ ‫)‬

‫المنجمون بظهور سللة ملكية فارسية والتي ستنهي الخلفة‪Madelung, ‘The Assumption ).‬‬
‫‪.(of the Title Shahanshah, p. 87n‬‬

‫‪215‬‬
‫التشيع خلفة الصورة ليران الساسننانية إل مننع ظهننور‬
‫الصننفويين فقننط؛ لكننن فنني هننذا الننوقت فننإن بنيننان‬
‫الحضارة السلمية كان قد ُأسس إلننى درجننة الحيلولننة‬
‫دون تطور التننناظر الخننارجي إلننى تننناغم داخلنني‪ .‬مننع‬
‫ذلك‪ ،‬يمكن لنا أن نشك ما إذا كان المر سيختلف كثيرا ً‬
‫لو أن إيران أصبحت دولة شيعية تحت حماية البويهيين‪.‬‬
‫يبدو ممكن نا ً بالكامننل طبع نا ً أن تماثننل إحنندى الطننوائف‬
‫الشننيعية ذاتهنننا منننع إثنينننة غينننر عربينننة‪ ،‬كمنننا فعنننل‬
‫النقطويننون فنني إيننران‪ ،((21‬أو أن تتمثننل أفكننارا ً غيننر‬
‫إسلمية حيوية من وسننط كهننذا‪ ،‬كمننا فعننل النزاريننون‬
‫في الهند‪ .‬لكن نوعية الطائفة الننتي تفعننل هننذا ققق ق‬
‫ققققق هامشي بالنسبة للمشهد السننلمي‪ .‬بالمقابننل‪،‬‬
‫يبدو ممكنا ً تماما ً أن يتبنى شعب غير عربي شيعية ذات‬
‫مركزية ل نزاع فيها في مكانتهننا السننلمية‪ ،‬كمننا هنني‬
‫الحال مننع الماميننة فنني إيننران الحديثننة‪ .‬لكننن مركزيننة‬
‫تقليد كهذا بالذات‪ ،‬تحول دون أي إفصاح فاعننل للغايننة‬
‫عن هوية غير عربية‪ .‬لقد أخذت المامية شكل هرطقننة‬
‫مثقفة ومحترمة في الوسط السني والناطق بالعربيننة‬
‫ضننري‪ ،‬كمننا أن قادتهننا‪ ،‬مننع أنهننم ربمننا‬ ‫ح َ‬‫في العراق ال َ‬
‫تمّلقوا بنوع من الكياسة أحد البويهيين باعتباره »ملننك‬
‫الملوك«‪ ،((22‬لننم يكونننوا بكطاشنا ً أمكننن تطعيننم دينهننم‬
‫بالشطط الممي للنقطويين أو للنزاريين‪.((23‬‬
‫الحقيقية طبعا ً أن أي ديانة عالمية يجب أن تصل إلننى‬
‫نننوع مننن التفنناهم مننع الخصوصننيات‪.‬والقضننية بالنسننبة‬
‫للسلم هو أنه ل يفعل ذلننك إل علننى أسننس تبنندو‪ ،‬مننن‬
‫وجهة نظر أية أمة غير عربية طموحة‪ ،‬غير مرغوبة أبدًا‪:‬‬
‫هرطقة متطّرفة أو خرافننة شننعبية‪ .‬مثالنننا علننى الحالننة‬
‫الولى هنو علنم الكنون عنند النقطنويين؛ ومثالننا علنى‬
‫الحالة الثانية هو الميثة التي اخترعهننا بربننر ايننة اتننه ‪Ait‬‬
‫دس‬ ‫‪ Atta‬الشمال إفريقيين كي يضفوا على جبلهم المق ّ‬

‫‪(21‬‬
‫‪J. Aubin. “La politique des Safovides”, in T. Fahd et al., Le Shî‘ism imâmite, Paris 1970, p.‬‬ ‫)‬

‫‪. 240‬‬
‫‪. Madelung, “The Assumption of Title Shahanshah”, p. 175n (22‬‬ ‫)‬

‫‪ (23‬بحذر يوحي الكاتب قطب الدين اشكفاري مننن القننرن السننابع عشننر بننوع منن‬ ‫)‬

‫التشابه بين السوشانات الزرادشتيين والمهدي المامي‪H. Corbin, Le’idée du Paraclet ) .‬‬
‫‪en philosophie eranienne’, in Atti del Convegno Internazionale sul tema: La Persia nel Medioevo,‬‬
‫‪ (.p. 58‬لكننن هننذا شننيء يقننرب مننن الكتشنناف؛ فنني حيننن تبنندو فكننرة أن المننام‬
‫السماعيلي تجسيد لفشنو مسألة عادية بالنسبة للنزارية في الهند‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫المحلنني مكانننة إسننلمية ‪ .((24‬لقنند كننان لليرانييننن أيض نا ً‬
‫خرافاتهم والتي حاولوا أن يحتّلنوا بهنا لنفسنهم مجنال ً‬
‫إثنيا ً مريحا ً في السلم ‪ .((25‬لكن بما أن اليرانييننن كننانوا‬
‫شننعبا ً أضننخم وأكننثر مركزيننة مننن أن يختننار تطننّرف‬
‫النقطننويين أو خرافننة ايننة اتننه الجاهلننة‪ ،‬فقنند ظلننت‬
‫خصوصننيتهم الثنيننة بالضننرورة دون إفصنناح كنناف فنني‬
‫السلم ‪.((26‬‬
‫من هنا فالحقل الوحينند الننذي أمكننن أن يحنندث فيننه‬
‫انبعاث مستمر ليران كان الثقافة‪ .‬كانت ثقافننة إيننران‬
‫قبل السلم مركزة حول النندين بقنندر مننا كننانت عليننه‬
‫ثقافننة السننلم العربنني‪ .‬لكننن رغننم ‪ -‬وربمننا بسننبب ‪-‬‬
‫الدمار الواسع للتقليد القديم‪ ،‬كان ثمة احتماليننة علننى‬
‫القل كي تطفو على السطح من جدينند ثقافننة إيرانيننة‬
‫مطهرة من التلوث في العالم السلمي‪.‬‬
‫في الموضع الول كانت هنالك إمكانية عودة إيرانيننة‬
‫ثقافية لكن بلغة الغننزاة‪ :‬الشننعوبية‪ .‬لقنند كننانت حركننة‬
‫عنيفة لكنها عاجزة‪ .‬فحين ترجم منثو وبيروسوس قبل‬
‫ذلك بننألف سنننة أمجنناد مصننر وبابننل الغننابرة إلننى لغننة‬
‫غزاتهم اليونانيين‪ ،‬فقد فعل ذلننك ككنناهنين‪ ،‬كعضننوين‬
‫في نخبة محلية تمتعت بنوع من التشننريف فنني العننالم‬
‫الهليني باعتبارها مستودعات حكمة شعوبهم القديمننة‪.‬‬
‫إنما لم يكن هنالنك قق قق قق قققق‪ :‬فنني إينران القننرن‬
‫التاسع لم يكتب كاهن أكننبر كمنوشننهر‪ ((27‬عنن طننائفته‬
‫إل باللغة الكهنوتيننة القديمننة‪ .‬وهكننذا فقنند كننان إعننادة‬
‫تقديم التراث اليراني باللغننة العربيننة عمننل الخنارجين‬
‫عن الدين وليس الكهنة‪ .‬لكننن ققق قققق اليرانييننن لننم‬
‫يكونوا نخبة محصنة تعمننل علننى سننرمدة تقلينند قننديم؛‬
‫ققق ق المحتقريننن لمجتمننع غننزاة‬ ‫لقنند كننانوا قققق ق‬
‫قبائليين‪ ،‬قققققققق المتحضرين للبربرية‪ .‬أما نشوزهم‬
‫ن طبعا ً أنهننم تطهننروا‬ ‫عن مجتمعهم الخاص فهو لم يع ِ‬
‫من كل الشننوائب خلل عمليننة‪-‬الصننيرورة‪ :‬وقنند قيننل‪،‬‬

‫‪. E. Gellner, Saints of the Atlas, London 1969, p. 295 (24‬‬ ‫)‬

‫‪ (25‬من أجل خرافات العجم هذه ‪،‬أنظر‪.Goldziher, Muslim Studies, vol.i, pp. 135f :‬‬ ‫)‬

‫‪ (26‬قارن مع جاهزية البوذية لتقديم آثار أقدام مؤسسها طبقا ً لضننرورات الجغرافيننا‬ ‫)‬

‫السياسية‪.‬‬
‫‪ (27‬من أجل مكانته في التسلسل الكهنوتي‪ ،‬أنظر‪.Bialey, Zoroastrian Problems, p. 78 :‬‬ ‫)‬

‫‪217‬‬
‫إخدش شعوبيًا‪ ،‬فستجد زرادشننتيا ً‪ .((28‬المسننألة هنني أن‬
‫السننلم لننم يكننن بحاجننة لن يفعننل أي شننيء لطبيعننة‬
‫الحتكام إلننى التقلينند اليراننني فنني سننياق كهننذا؛ إنننه‬
‫فقط امتص ما أهمه من حتاته‪.‬‬
‫فنني الموضننع الثنناني‪ ،‬كننانت هنالننك احتماليننة خلننق‬
‫ثقافة إيرانية إقليمية داخل الوسننط السننلمي‪ .((29‬لننم‬
‫تكن ثمة مسألة استمرارية مباشرة للتقليد القديم هنا‪:‬‬
‫التقليد الفستي في إيران السننلمية لننم يكننن يمتلننك‬
‫ول بصورة من الصننور المكانننة الثقافيننة الننتي امتكلهننا‬
‫التقليد السنسكريتي في جاوا المسلمة‪ ،‬وليس هنالننك‬
‫ما يماثل استمرارية الدب الجاوي بالخط المحلنني بعنند‬
‫قبننول السننلم فنني اللغننة البهلويننة‪ .((30‬وهكننذا فقنند‬
‫كلت اللغة الدبية الجديدة عوضا ً عن ذلك مننن اللغننة‬ ‫تش ّ‬
‫المحليننة المكتوبننة بننالخط العربنني‪ ،‬وغالبننا ً مننا كننان‬
‫استخدامها في بادئ المر ذا دافننع مصننلحي‪ .‬مننع ذلننك‬
‫فقد كانت ظاهرة مختلفة للغاية عن الظهور العرضنني‬
‫للغة اليونانية بالخط العربي والذي كننان لجننل أغننراض‬
‫تكثير المعرفة البشرية‪ :((31‬أصبحت الفارسية لغة أدبيننة‬
‫إسلمية وهو ما لننم تسننتطع فعلننه اليونانيننة‪ .‬وبفعلهننا‬
‫هذا‪ ،‬قدمت وسطا ً أمكن للتقليد اليراني فيه أن يصننبح‬
‫فنني متننناول الينند فنني إيننران المسننلمة؛ فقنند صننارت‬
‫ققققققققق بالنسبة لليرانيين‪ ،‬القرآن‪ ، ((32‬أو يمكن أن‬
‫‪((33‬‬
‫هضننة‬ ‫ج َ‬
‫م ْ‬
‫نقننول الهوميروسنن ‪ .‬ومقابننل الشخصننية ال ُ‬
‫‪ (28‬كان ذلك على القل رأي الصاحب بن عّباد‪I. Goldziher, “Die Su‘ûbijja unter den ) .‬‬ ‫)‬

‫‪Muhammedanern in Spanien’, Zeischrift der Deutschen Morgenl‬ن ‪dischen Gesellschaft 1899, p.‬‬
‫‪.(605n‬‬
‫‪ (29‬لجل هذا التطور أنظننر علننى نحننو خنناص‪G. Lazard, La langue des plus anciens :‬‬ ‫)‬

‫‪monuments de la prose persane, Paris 1963, introduction and part one, and id., Les premiers‬‬
‫‪. poètes persans (IX - X siècles), Paris and Tehran 1964, vol.i‬‬
‫‪ (30‬حننتى الترجمننة المباشننرة نننادرة )مننن أجننل مثننال معننزول لكنننه هننام‪ ،‬أنظننر‪) :‬‬ ‫)‬

‫‪Minorsky, “The Older Preface to the Shah-nameh”, in his Iranica: Twenty Articles, Tehran‬‬
‫‪.(1964‬ونحن نعرف عن الدب البهلوي من الترجمات إلى العربية أكثر مما نعرفه مننن‬
‫الترجمات إلى الفارسية‪.‬‬
‫‪ (31‬كما على سبيل المثال في الشعار اليونانية للسننلطان فِل ِنند ‪Veled: (Vryonis, The‬‬ ‫)‬

‫‪.(Decline of Medieval Hellenism in Asia Minor, p. 381n‬‬


‫‪ (32‬هذا ما يقوله ابن الثير الجزري) ‪. (Goldziher, Muslim Studies, vol.i, p. 160n‬‬ ‫)‬

‫‪ (33‬مقارنة تعرض المكاسب اليديولوجية ‪،‬إذا لم يكن الدبيننة أيض نًا‪ ،‬الننتي يجننب أن‬ ‫)‬

‫تجنننى مننن تننأليف المننرء لملحمتننه القوميننة بعنند الحنندث‪ :‬فل ررررر ررر ول‬
‫ررررررررررر تشجعان لعتبارها شريعتين لوحدة قومية‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫لظهارات إيران السياسية والدينية في السلم‪ ،‬أثبننت‬
‫هذا النتعاش الثقافي أنه حاسننم‪ .‬ومننن أحنند المعننايير‬
‫على قوته أنه حيننن دخننل فنني نهايننة المننر اليونننانيون‬
‫والهنودمع تعاقب القرون فنني السننلم‪ ،‬فننإن تمثلهننم‬
‫الثقافي ُأنجز باعتبارهم أقاليم من السننلم اليراننني‪،‬‬
‫وليس العربي‪.‬‬
‫أما ما بقي من أقاليم ضمن حدود الغزو السننلمي ‪-‬‬
‫مصننر‪ ،‬إسننبانيا‪ ،‬وشننمال إفريقيننا ‪ -‬فقنند أحننرزت كلهننا‬
‫واجهات إسننلمية ل عيننب فيهننا‪ :‬وهنني‪ ،‬بعكننس الهلل‬
‫ضنري‪،‬‬ ‫الخصيب‪،‬لم تساهم فعل ً بأي شننيء للسننلم ال َ‬
‫ح َ‬
‫وقنند فشننلت‪ ،‬بعكننس فننارس‪ ،‬فنني الحتفنناظ بتمننايز‬
‫إقليمي‪ .‬ليس من غير الطبيعي أن نجد السننباب خلننف‬
‫الواجهات‪ ،‬ويمكن تقديمها بأفضل ما يمكننن علننى أنهننا‬
‫عكس الحالت التي فحصناها للتو‪.‬‬
‫إذا بدأنا بالنظر خلف واجهة مصر المسلمة‪ ،‬فسننوف‬
‫نجد أنفسنا وقد عدنا إلى القباط؛ وفي بعض النواحي‬
‫تبدو درجة طمس مصر القبطية مفاجئة‪ .‬ففي الموضع‬
‫الول‪ ،‬كانت الهوية القبطية قابلة للمقارنة في قوتهننا‬
‫مع الهويات في العراق؛ وكان سيبوس قد أشننار علننى‬
‫نحننو ملفننت للنظننر إلننى مرونتهننا الوليننة‪ ،‬وهننو الننذي‬
‫دث عن تحولت عربينة ضنخمة إلنى المسنيحية فني‬ ‫يتح ّ‬
‫دل‬ ‫مصر في زمن حيث ميزان القوى السياسية كان يتب ّ‬
‫بين لحظة وأخرى‪ .((34‬بالمقابننل فننإن تجننانس الحقيقننة‬
‫اسنننتمر فننني مصنننر إلنننى مسنننافة أبعننند حنننتى منننن‬
‫سوريا‪،‬وكان ذلك إلى الحد الننذي أمكننن لمصننر فيننه أن‬
‫تظهر كموضع مناسب لبث ثقافننة مجننردة مننن الثنيننة‪.‬‬
‫وهكذا ُأمكن للمرء أن يتوقع أن يجد فنني السننلم إرث نا ً‬
‫قبطيا ً يمكن مقارنته مع إرث النساطرة‪ .‬وإذا لننم يكننن‬
‫المر كذلك فهذا قبل كل شيء يعكس الحقيقة القائلة‬
‫إن الكنيسة القبطيننة كننانت كنيسننة فلحيننن فنني حيننن‬
‫كانت الكنيسة النسطورية كنيسة نبلء‪ :‬بكلمننات أخننرى‬
‫مصر القبطية كانت عراقا ً معكوس نا ً اجتماعي نًا‪ .‬وأهميننة‬
‫العكس واضحة في طرق ثلث‪.‬‬
‫ل‪ ،‬كانت ريفية الكنيسة المصرية تعني أن القليننم‬ ‫أو ً‬
‫غّير دينه ببطء‪ .‬والقباط الذين كانوا معتادين علننى أن‬
‫‪).Sebeos, Histoire, p. 149 (34‬الشارة هي إلى الحرب الهلية الولى(‪.‬‬ ‫)‬

‫‪219‬‬
‫ولوا في امورهم على القننادة الفلحيننن‪ ،‬سننواء فنني‬ ‫يع ّ‬
‫القريننة أم فنني النندير‪ ،‬لننم يننؤثر بهننم رحيننل الطبقننة‬
‫الرستقراطية أو انهيارهنا مثلمنا أّثنر فني فلحني بلد‬
‫آشننور؛ وحيننن تعرضننوا إلننى ضننغط الضننرائب العربيننة‪،‬‬
‫فّروا منن قراهننم إلنى منناطق أخنرى أو إلنى الدينرة‪،‬‬
‫‪(3‬‬
‫لكنهم لم يفّروا إلى مدن عربية كما فعل فلحو بننابل‬
‫‪ .(5‬وكانت النتيجة مقاومة قبطية مؤثرة لتبننديل النندين؛‬
‫ورغم موحات الرتداد التصادفية‪ ،((36‬إل أن السننبيل لننم‬
‫‪((37‬‬
‫تتمهد إلى اعتناق مصر السلم ببطننء لكننن بصننلبة‬
‫أخيرا ً إل بعد الضغط المالي الذي قاد بالفلحين جميع نا ً‬
‫إلننى ثننورة فنني ظننل العباسننيين الوائل والننتي كننانت‬
‫نتيجتها قمعا ً أدى إلى دمار المنظومة القروية‪.‬‬
‫ثانيًا‪ ،‬كانت الفلحية تعني أن القبط ليس لننديهم مننا‬
‫يساهموا به‪ .‬فبعدما فشل الفكر اليوناني في أن يكون‬
‫مقبننول ً فنني الكنيسننة القبطيننة‪ ،‬راحننت الريفيننة ذات‬
‫ضنناهى باسننكندرية‬ ‫التوجه الداخلي للجماهير القبطية ت ُ َ‬
‫ذات توجه خارجي وطبقة أرستقراطية متهلينة؛ وهكذا‬
‫فحين انقطننع الخيننرون بسننبب الغننزوات العربيننة عننن‬
‫العننالم اليوننناني الكننثر اتسنناعًا‪ ،‬فهننم إمننا غننادروا أو‬
‫دت مدرسنننة السنننكندرية واجتهننندت‬ ‫انقرضنننوا‪ .‬كننن ّ‬
‫للمحافظة على وجود ضعيف لمدة قرن قبل أن تنتقل‬
‫إلننى أنطاكيننة‪ ،‬فحننّران‪ ،‬وأخيننرا ً إلننى بغننداد‪((38‬؛ وظننل‬
‫باستطاعة خالد بن يزيد بن معاوية أن يحصل على كتبه‬
‫في الخيماء من الفلسفة اليونانيين في مصننر‪ ،((39‬أمننا‬
‫‪. D. Dennett, Conversion and Poll-tax in Early Islam, Cambridge, Mass. 1950, chapter 5 (35‬‬ ‫)‬

‫‪ (36‬بغض النظر عن القسر على تبديل الدين الذي يعزا إلى أصبغ وعمننر الثنناني‪C. )،‬‬ ‫)‬

‫‪،(H. Becker, “Historische Studien über das Londoner Aphroditowerk”, Der Islam 1911, p. 365‬‬
‫فإن أبرز المثلة هو إجبار ‪ 24.000‬مسيحي علننى تبنديل دينهنم علنى يند حفنص بنن‬
‫الوليد ) ‪Basset, “Le Synaxaire arabe jacobite”, in Patrologia Orientalis, vol. xvi, p. 233‬؛‬
‫الكندي‪ ،‬رر رر رر رررر‪ ،‬صص ‪ 84‬وما بعند؛ ‪Severus ibn al-Muquffa’, History of the‬‬
‫‪ (Patriarchs in Patrologia Orientalis, vol. v, pp. 116f‬مع أن بعضهم غّير دينه أيضنا ً مننع‬
‫وصول العباسيين )‪.(ibid., p. 189‬‬
‫‪I. M. Lapidus, “The Converion of Egypt to Islam”, Israel Oriental Studies 1972; C. H. (37‬‬ ‫)‬

‫‪Becker, “Die Arabisierung”, in his Beitr‬ن ‪ ge zur Geschichte‬ن ‪gyptens unter dem Islam, trassburg‬‬
‫“ ‪L’ Apocalypse de‬‬
‫‪.1902f‬يبدو على الرجح أن الدليل حول تبديل الدين في كتاب زيادة‬
‫‪ ”Samuel,pp.389=402‬إنما يشير الى الحقبة الفاطمية‪.‬‬
‫‪M. Meyerhof. “Von Alexandrien nach Baghdad”, in Sitzungsberichte der Preussischen (38‬‬ ‫)‬

‫‪. Akademie der Wissenschaften, Philologisch-historishe Klasse, vol. xxii, Berlin 1930‬‬
‫‪. Dodge, The Fihrist of al-Nadîm, p. 181 (39‬‬ ‫)‬

‫‪220‬‬
‫ذو النون المصري الذي عاش في القننرن التاسننع فقنند‬
‫طلعا ً بما يكفي على تننراث السننكندرية اليوننناني‬ ‫كان م ّ‬
‫والنسكية المسيحية للريف المصري وذلك كي يضمهما‬
‫في صوفيته السلمية‪ .((40‬لكنن منا وجننده العنرب حينن‬
‫قوا فنني نهايننة المننر الصننفوف الصننلبة لجمنناهير‬ ‫شنن ّ‬
‫الفلحيننن كننان أساسننا ً إثنيننة وحشنندا ً مننن القديسننين‬
‫المصريين‪ .‬وكما أن مصر المسننيحية لننم تنتننج فلسننفة‬
‫تضنناهي بهننم الدبنناء النسنناطرة الننذين ورثننوا مدرسننة‬
‫السننكندرية فنني بغننداد‪ ،((41‬كننذلك تمامننا ً فننإن مصننر‬
‫(‬
‫دم مدرسة شرائع‪ ،((42‬ول حركة لهوتية‬ ‫المسلمة لم تق ّ‬
‫‪ (43‬ول الكثير من الشعراء‪ ،‬بغض النظر عننن هرطقننة أو‬
‫أمثوليننة سياسننية‪ .‬فقننط حيننن أحننرز القليننم ثقافننة‬
‫إسلمية صلبة من الخارج استرد موقعه البارز الفكننري‬
‫القديم‪.‬‬
‫ثالثنننًا‪ ،‬كنننانت الريفينننة تعنننني أن مصنننر اسنننتبدلت‬
‫إقليميتها المتميننزة ضننمن هرطقننة مسننيحية بإقليميننة‬
‫قّلدة ضنمن إسننلم أرثوذكسنني‪ .‬قنند يتوقنع المنرء أن‬ ‫م َ‬
‫ُ‬
‫تترك الهوية القبطية بقية من خصوصننية فنني السننلم‬
‫على القل‪ .‬لكننن الننى حنند مننا لن الوشننل الثننابت مننن‬
‫دلون دينهم امتلك فرصا ً قليلة لحشنند مصننادره‬ ‫الذين يب ّ‬
‫القبطية ضد قبضننة السننلم الثنيننة الخانقننة‪ ،‬وبشننكل‬
‫أكننثر تحدينندا ً لن الهويننة القبطيننة كننانت بننريئة مننن‬
‫المصادر الثقافية بقدر ما كانت الثقافة السورية بريئة‬
‫من المصادر الثنية‪ ،‬لم تترك مصر القبطيننة أي حطننام‬
‫خلفها‪ .‬فمن ناحيننة لننم يكننن هنالننك مسننلمون أقبنناط‪:‬‬
‫اختفنننت اللغنننة القبطينننة كلغنننة محكينننة حنننتى بينننن‬

‫‪. Encyclopaedia of Islam, s.n (40‬‬ ‫)‬

‫‪ (41‬وهكذا فقد كان على المصننري ابننن الرضنوان النذي عناش فنني القنرن الحنادي‬ ‫)‬

‫عشر أن يجعل فضيلة عظيمة من كونه شخصا ً عّلم ذاته بذاته وذلك في مناظرته مع‬
‫ابن بطلن‪ ،‬الفيلسوف المسيحي المتميز في بغداد‪“ ,J. Schacht ).‬ـ ‪ber den Hellenismus in‬‬
‫‪Baghdad und Cairo im 11. Jahrhundert”, Zeitshrift der Deutschen Morgenl‬ن ‪ndischen Gesellschaft‬‬
‫دم الفاطميون للكنيسة القبطية شننيئا ً هننو أقننرب مننا يكننون إلننى صننيف‬ ‫‪ .(1936‬لقد ق ّ‬
‫هندي على الصعيد الفكري؛ لكن بطرس بن الراهب الذي عنناش فنني القننرن الثننالث‬
‫عشر‪ ،‬الذي كان أشننبه منا يكننون بننابن بطلن قبطنني ‪،‬وجننه معرفتننه بالفلسننفة إلننى‬
‫محاربتها على نحو نمطي‪.(Rescher, The Development of Arabic Logic, pp. 205f) .‬‬
‫‪. Schacht, Origins, p. 9 (42‬‬ ‫)‬

‫‪ (43‬كان غيلن بالطبع قبطيًا‪ ،‬لكن الغيلنينة كنانت حركننة سنورية‪ ،‬وليسنت مصنرية؛‬ ‫)‬

‫لحننظ أيضننا ً أن مصننر وخراسننان فقننط لننم يكننن لهمننا ممثلننون بيننن القنندريين )‬
‫‪.(”Encyclopaedia of Islam, art. “Kadariyya‬‬

‫‪221‬‬
‫المسننيحيين‪ ،((44‬بننل أن رنينهننا فنني اللهجننة العربيننة‬
‫المصرية يبدو ضعيفا ً إلى درجة ملفتة للنظننر‪ .((45‬ومننن‬
‫ناحية أخرى لم يكن هنالك سوى أوهن تلميح إلى خلفة‬
‫صورة قبطية‪ .‬لكن المصريين لم يفقدوا كل اهتمامهم‬
‫طبعا ً بماضيهم الماقبل‪-‬إسننلمي‪ :‬فرعننون فنني أدبهننم‬
‫يبدو أكثر من ذلك السننافل الننذي يصننوره القننرآن‪ .‬مننع‬
‫ذلننك فمصننر المرتنندي‪ ((46‬وأشننباهه هنني حفينندة مصننر‬
‫المنجمين‪ ((47‬وليست حفيدة مصر الفلحين؛ وسمة هذا‬
‫سنني أساس نًا‪ ،‬إنهننا‬‫النننوع الجدينند أنتيكيننة علننى نحننو ح ّ‬
‫انغماس في القصور الرائعة والمعابد المقدسة لموكب‬
‫احتفالي باطني وواه‪ .‬ربمننا أنهننا تحمننل الثننار الباقيننة‬
‫من صوت وضراوة قبطييننن محننددين‪((48‬؛ لكننن ل يوجنند‬
‫فيها مننا يصننلح للمقارنننة مننع التننذكر الملحمنني للمجنند‬
‫الماقبل إسلمي الذي يتخلل ق قققققق الفردوسي‪ ،‬أو‬
‫مع العمق الشننعوري لسننتغاثة ابننن وحشننية بالماضنني‬
‫البابلي‪ .‬ربما كان باسننتطاعة هرطقننة أقننل عنننادا ً فنني‬
‫ضرية من السماعيلية أن تنقننذ مننا بقنني‬ ‫ح َ‬
‫طموحاتها ال َ‬

‫‪ (44‬ندرة المثلة حول اللغة القبطية بنالخط العربني هني دلينل واضنح علنى فقندان‬ ‫)‬

‫اللغة القبطية في رررررررر ‪ ،‬وليس على الجهود لحفظها في ررررررر ‪). .‬أنظر‬
‫من أجل هذا النص‪E. Galtier, “Coptica-Arabica”, Bulettin de l’Institut francais d’archéologie :‬‬
‫‪.(orientale 1906, pp. 91ff‬‬
‫‪. W. B. Bishai, “The Transition from Coptic to Arabic”, The Muslim World 1963, p. 149 (45‬‬ ‫)‬

‫‪ ..G. Wiet (ed.), L’Egypte de Murtadi flis du Gaphiphe, Paris 1953 (46‬من أجل الكاتب أنظر‬ ‫)‬

‫ملحظة ي‪ .‬راغب في ‪.Arabica 1974‬‬


‫ً‬
‫‪ .F. Cumont, L’Egypte des astrologues, Brussels 1937 (47‬لحننظ أيضنا أن هورابولننون‬ ‫)‬

‫المسننلم لننم يكننن منجم نا ً مصننريًا‪ ،‬بننل كلننداني‪ :‬إن ابننن وحشننية هننو الننذي يتبنناهى‬
‫بالهيروغليفية المصرية في عمله ررررررررر ررررررر‪.‬‬
‫‪ (48‬لقد قبل غولدتسهير باقتراح بارون فون روسن القائل إن مواد وصيف شاه هنني‬ ‫)‬

‫من أصل شعوبي‪ .(Muslim Studies, vol. i, pp. 147) .‬في هذا السياق تبدو مهمة أيضنا ً‬
‫الرواية حول غزو نبوخذ نصر لمصر الموجودة عند ابن الحكم ومصنادر عربيننة أخننرى‬
‫)قارن المراجع التي قدمها فيت ‪ .(p. 28n, L’Egypte de Murtadi‬مننن الواضننح أن هننذه‬
‫الرواية مأخوذة عن نسخة قريبة من تلك التي قدمها يوحنا الذي من ‪ ‬نيكيننو حننول‬
‫غزو قمبيز لمصر ) ‪ ،(Charles, The Chronicle of John Bishop of Nikiu, chapter Li‬والتي تمّثل‬
‫بحد ذاتها مرحلة متقدمة مننن ميثننة تدميريننة الغننزو الفارسنني والننتي ظهننرت للمننرة‬
‫الولى عند هيرودوتس‪ ،‬أنظر ) ‪ F. K. Kienitz, Die politische Geschichte‬ن ‪gyptens von 7. bis‬‬
‫‪ .(zum 4. Jahrhundert vor der Zeitwende, Berlin 1953, p. 55n‬من الواضح أن رواية يوحنا‬
‫الذي من نيكيو ترتبط بدورها بالقصة القبطية المتعلقة بغزو قمبيز‪/‬نبوخذ نصر لمصننر‬
‫)أنظر رررررر‪ ،‬هامش ‪ 55‬ف‪ .(7‬إن الدمج بين قمبيز ونبوخذ نصر‪ ،‬الذي يأخذ عننند‬
‫يوحنا الذي من نيكيو شننكل تحدينند هويننة الول باعتبناره نبوخننذ نصننر الثنناني‪ ،‬يتخلننل‬
‫مته‪ :‬وهو يرجع إلننى بدايننة القننرن الخننامس بعنند المسننيح علننى القننل‪A. ) ،‬‬ ‫التقليد بر ّ‬
‫‪Lincke, “Kambyses in der Sage, Litteratur und Kunst des Mittelalters in Aegyptiaca: Festschrift‬‬
‫‪ ،(für Georg Ebers, Leipzig 1897, p. 45‬وما يزال واضحا ً في بعض المصادر العربية‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫من الصوت والضراوة ‪ ((49‬؛ لكن اهتمام الفاطميين في‬
‫قاعنندتهم المصننرية كننان محننددا ً بننالموارد الننتي كننان‬
‫باسننتطاعتها تقننديمها لهننم مننن أجننل مغننامرات كننان‬
‫معناها يكمن في مكان آخر‪ .‬من هنا ففنني حيننن أمكننن‬
‫إدخال الخصوصية الباقية من الرث اليراني والخاصننية‬
‫العرضننية للتقلينند المننامي فنني إيننران ضننمن تسنناوق‬
‫ع نَرض‬‫خارجي معين‪ ،‬فإن مصر فقدت البقية وأنقذت ال َ‬
‫في آن‪.‬‬
‫لقد استمر القباط كأقباط بالطبع رغم تبنيهم للغننة‬
‫العربية‪ ،‬وبعكس من بقي من بلد آشور فقنند حننافظوا‬
‫على سندات تملك ماضننيهم الفرعننوني‪ .‬لكننن القبنناط‬
‫في هذا لم يكن لديهم سوى أساس صغير كنني يخلقننوا‬
‫هوية مصرية حديثة أو يشاركوا بها‪ .‬وكانوا نتيجة لننذلك‬
‫منفيين في وطنهم الخاص‪ :‬استعداد القباط للنضمام‬
‫إلننى جيرانهننم المسننلمين باسننم مصننر قوبننل بتهيننؤ‬
‫المسننلمين لرسننال جيرانهننم القبنناط إلننى فلسننطين‬
‫باسم السلم‪ .((50‬والهرامات التي كان عليهم تقديمها‬
‫ى غامضًا‪ :‬فرعونية فنني‬ ‫كانت في أفضل الحوال مقتن ً‬
‫مصر مسلمة مع أقلية قبطية كانت ملعونة مرتين‪ ،‬مرة‬
‫كوثنية عنيدة ومننرة كمسننيحية تشننييدية ‪ .((51‬مصننر فنني‬
‫السلم لم تكن أمة أو حتى بلند بقندر منا كنانت مجنرد‬
‫مكان‪.‬‬
‫لقنند حلمننت مصننر الهلينيننة بعننودة الفراعنننة‪ ،‬وربمننا‬
‫حلمننت مصننر البيزنطيننة بإحينناء البطالمننة فنني الننوقت‬
‫المناسب؛ لكن مصر العثمانية لننم تسننتطع أن تحلننم إل‬
‫بإحياء مملوكي‪ .‬وبقدر ما كانت مصر تحلننم بأيننة حننال‪،‬‬
‫كان باستطاعة المرء القول إنها مننا تننزال بلنندًا‪ .‬لكنهننا‬
‫كانت بلدا ً لم يتبدل فيه أنموذج مصننر البيزنطيننة بقنندر‬
‫كس‪ .‬تحت حكم اليونانيين كانت الجماهير الفلحية‬ ‫ع ِ‬
‫ما ُ‬
‫هي التي مّثلت الخصوصية المنطوية علننى ذاتهننا‪ ،‬فنني‬
‫حين كانت النخبة متوجهة بثبات نحو العننالم الخننارجي‪:‬‬
‫خذوا البيننونيين وزملئهننم الرسننتقراطيين‪ ،‬مننع ذلننك‬

‫‪ (49‬قارن بقية الشعور الوطني المصري الذي توحي به وصية ابن طولون المتعلقننة‬ ‫)‬

‫جاب محليين وليس عراقيين في مصر‪Z. M. Hassan, Les Tulunides, Paris ) .‬‬
‫ح ّ‬‫باستخدام ُ‬
‫‪.(1933, p. 215‬‬
‫‪ (50‬قارن الهامش ‪ 88‬من الفصل التاسع‪.‬‬ ‫)‬

‫‪ (51‬قارن موقف المأمون‪ ،‬الذي أمر بفتح الهرامات بمناسبة زيارته لمصر‪.‬‬ ‫)‬

‫‪223‬‬
‫ظلننت مصننر فضننالة الكيمننه‪ .‬لكننن فنني ظننل حكننم‬
‫العثمانيين كانت النخبة وليننس الفلحيننن هنني الممثلننة‬
‫للخصوصية‪ :‬خذوا علي بيه وخلفاءه الخديويين‪ ،‬ومصننر‬
‫أصبحت بقية الجمهورية العربية المتحدة‪.‬‬
‫تبدو إسبانيا للوهلة الولى حالننة تبعننث علننى الكننثير‬
‫ة‬
‫ة إقليمينن ً‬‫من الحيرة‪ .‬فمن ناحية‪ ،‬امتلكت إسبانيا ثقاف ً‬
‫ة علننى التقلينند مننع كننل مننا يسننتلزمه القبننول‬ ‫قائمنن ً‬
‫ة إسبانية رومانية منع كننل منا يسننتلزمه‬ ‫الثقافي‪ ،‬وهوي ً‬
‫الضمان الثني‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬كانت إسبانيا في آن‬
‫إقليما ً نائيا ً للغاية في العالم السلمي‪ ،‬وأيضًا‪ ،‬بمحننض‬
‫المصادفة إقليما ً منشقا ً سياسننيًا‪ .‬مننع ذلننك فالحضننارة‬
‫دمت فنني إسننبانيا واجهننة شننرقية ل عيننب‬ ‫السلمية ق ّ‬
‫‪((52‬‬
‫فيها مثلها مثل مصر وساحل شمال أفريقيا ‪ .‬بنل إن‬
‫المسيحيين أظهنروا درجننة منن التمثننل داخننل الثقافننة‬
‫السلمية يصعب أن نجد ما يوازيها في الشرق‪ ،((53‬كما‬
‫أنها ل تجد شبيها ً لها بيننن زرادشننتيي إيننران‪ :‬لننم يكننن‬
‫هنالك شيء يمكن أن ندعوه فارس مزرابية‪ .‬بالمقابل‪،‬‬
‫فإسبانيا لم تقدم ما يوازي عننودة إيننران للسننطح فنني‬
‫السلم‪ .‬لم تكن ثمة حركننة بيننن المسننلمين المحلييننن‬
‫مَلكية قوطيننة‪ ،((54‬بننل أن‬‫لحياء إمبراطورية رومانية أو َ‬
‫‪((55‬‬
‫دموا شننهداء ‪ ،‬وليننس أدعينناء‪.‬‬ ‫المسيحيين المزراب قن ّ‬
‫أمننا اللغننة الرومانسننية‪ ،‬فعلننى الرغننم منن اسننتمرارها‬
‫كلهجة محلية‪ ،‬إل أنها لم تصبح قط لغة أدبيننة إسننلمية‬
‫غنَرض مننن ققق ققققق هننو‬ ‫بطريقة اللغننة الفارسننية‪ :‬ال َ‬
‫وية لذكريات ماض قومي مجيد‪ ،‬أمننا غننرض‬ ‫إثارتها المد ّ‬
‫بينننوت الشنننعر باللغنننة الرومانسنننية فننني ققققق ققق‬
‫وهننا مننن التقلينند الدبي ‪.((56‬‬‫الندلسننية فهننو تحدينندا ً خل ّ‬
‫‪ (52‬قارن التعليق المحبط للصاحب بن عباد على رر ر ابن عبنند ربننه‪» :‬رر ر رر ر‬ ‫)‬

‫ررررررر ررر ررررر«‪E. Lévi-Provençal, Histoire de l’Espagne musulmane, Paris and) .‬‬
‫‪.(Leyden 1950 - 3, vol. iii, p. 493‬‬
‫‪G. Leve della Vida, “I Mozarabi tra Occidente e Islam”, in L’Occidente e l’Islam nell’alto (53‬‬ ‫)‬

‫‪Medeoevo (=Centro Italiano di Studi sull’alto Medioevo, Settimane di Studi, no. xii), Spoleto 1965‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ (54‬مع أن أحد الكتاب من القننرن العاشننر ازدهننى بنسننبه القننوطي الملكنني‪Lévi- ) .‬‬ ‫)‬

‫‪.(Provençal, Histoire, vol. i, p. 76‬‬


‫‪. Ibid., vol. ii, pp. 225 - 39 (55‬‬ ‫)‬

‫‪. S. M. Stern, Hispano-Arabic Strophic Poetry, Oxford 1974 (56‬‬ ‫)‬

‫‪224‬‬
‫وهكذا يبدو ملئما ً القول إن أكثر السمات لفتننا ً للنظننر‬
‫في الشعوبية السبانية ‪ -‬كما كانت عليه الحال ‪ -‬كننانت‬
‫اعتمادها على النماذج اليرانية‪.((57‬‬
‫هنالك غياب مشابه لي مطلب ديننني بتميننز إسننباني‬
‫دم أي بهافرينند‪ :‬النننبي‬ ‫داخل السلم‪ .‬فإسبانيا لننم تق ن ّ‬
‫التننوفيقي الوحينند الننذي كننان يمكننن أن يظهننر علننى‬
‫التراب اسياني كننان بربري نا ً‪ ((58‬شننمال إفريقنني‪ .‬كننذلك‬
‫د أي تقّبل لشننكال السننلم الهرطقيننة‪،‬‬ ‫فإسبانيا لم تب ِ‬
‫القنننل تقيننندا ً إثنينننا ‪ .‬بنننل إن اختيارهنننا للمدرسنننة‬
‫ً‪((59‬‬

‫التشننريعية السنننية يخبرنننا بالقصننة ذاتهننا‪ :‬عوض نا ً عننن‬


‫تمييزهننا لننذاتها باعتبارهننا الملجننأ الخيننر للوزاعيننة‬
‫السورية‪ ،‬فقد تبنننت إسننبانيا مالكيننة المدينننة‪ ،((60‬وهنني‬
‫أكننثر المنندارس التشننريعية الحضننرية ثباتننا ً بيننن كننل‬
‫المدارس‪ .‬لكن ل يبدو بالمقابل أن الحكم الموي الذي‬
‫ل لعزل البلد‪ .‬لم يبد هنالننك بننالطبع‬ ‫استمر طويل ً است ُ ِ‬
‫غ ّ‬
‫أي شننيء إسننباني جوهريننا ً علننى المننويين ‪ -‬الحكننم‬
‫القرشي في نهاية المر هو شيء اشترك فيه مواطنو‬
‫إسننبانيا مننع مننواطني السننند؛ لكننن حننتى إذا لننم يكننن‬
‫السبان ميالين لن يصبحوا مروانيين غننربيين‪ ،((61‬فننإن‬
‫حكمهم الموي سمح بشيء من الغننتراب وشننيء مننن‬
‫التعلنننق بالماضننني المهجنننور إزاء العنننالم السنننلمي‬
‫كلون أسنناس‬ ‫الحضري‪ :‬ظل قققق ق لفننترة طويلننة يش ن ّ‬
‫الجيننش السننباني بعنند إفسنناح المجننال للمماليننك فنني‬
‫مناطق واقعة في أقصى الغننرب كإفريقينا‪ .((62‬لكنن إذا‬
‫كانت إسبانيا في محصننلة المننر مختلفننة إلننى حنند مننا‪،‬‬
‫فهي لم تقم بأدنى محاولة لرفع الختلف إلننى سننوية‬
‫التمايز‪ ،‬وربما أن مسلمي إسبانيا مالوا إلى التأخر عن‬

‫‪ .Goldziher, “Die Sû‘bijja unter den Muhammedanern in Spanien”, p. 608 (57‬لحظ أن‬ ‫)‬

‫مَلكية في الندلس‪ ،‬كانت تتبع‬ ‫الطريقة التي كتب فيها الطرطوشي‪ ،‬في كتابته عن ال َ‬
‫أسلوبا ً فارسيًا‪ ،‬وليننس قوطينًا‪(Lambton. “Islamic Mirrors for Princes”, p. 424 ).‬؛ لكننن‬
‫الطريقة التي يزعم بها الموّلد ابن حزم النسب الفارسي أقنل تأكيندا ً ) ‪Lévi-Provençal,‬‬
‫‪. (Histoire, vol. iii, p. 182‬‬
‫‪.Ibid., vol. i, p. 113n (58‬قارن افتقاد اللون المحلي في زندقات الصوفي ابن مسّرة‪.‬‬ ‫)‬

‫)‪.(Ibid., vol. iii, p. 485‬‬


‫‪. Ibid., p. 480 (59‬‬ ‫)‬

‫‪ (60‬قارن‪R. Brunschvig, “Polémiques médiévales autour du rite de M :‬م‪. lik”, Al-Andalus 1950‬‬ ‫)‬

‫‪ (61‬قارن الهامش ‪ 43‬من الفصل الخامس‪.‬‬ ‫)‬

‫‪ (62‬قارن‪Lévi-Provençal, Histoire, vol. ii, pp. 127, 224f; M. Talbi, L’émirat Aghlabide 184 - :‬‬ ‫)‬

‫‪. 296/800 - 909; Histoire politique, Paris 1966‬‬

‫‪225‬‬
‫اللحنناق بننالزمن‪ ،‬لكننن لننم يكننن هنالننك أدنننى شننك‬
‫باستعدادهم لن يعيشوا زمنهم تمامًا‪ :‬لم يكننن النسننب‬
‫الموي حائل ً دون تسريحات الشعر العباسية‪.((63‬‬
‫مع ذلننك‪ ،‬فنالمر لننم يبندُ كمننا لنو أن السننبان كننانوا‬
‫يتحولون إلى جماعة صلبة من المسلمين المستعربين‪،‬‬
‫كمننا كننانت عليننه الحالننة فنني سنناحل شننمال إفريقيننا‬
‫تقريبننًا‪ .‬كننانت هنالننك أعننداد ضننخمة مننن المسننيحيين‬
‫المستعدين للموت للتبنناهي بننديانتهم غيننر السننلمية‪،‬‬
‫وكانت هنالك أعداد ضخمة مننن المسننلمين المسننتعدين‬
‫للقتال في سبيل الدفاع عن هننويتهم غيننر العربيننة‪.((64‬‬
‫مع ذلك فحين حاول ابننن حفصننون‪ ،‬وهننو أعظننم واحنند‬
‫بينهم‪ ،‬أن يعطي تعبيرا ً أكننثر تحدينندا ً عننن هننذه الهويننة‬
‫غير العربية في السلم‪ ،‬لم يجد أمامه طريقة غيننر أن‬
‫يصبح مسيحيا ً‪.((65‬‬
‫يكمن مفتنناح فهننم هننذا الوضننع خلننف الواجهننة فنني‬
‫كل الطرف‬ ‫موقف المزرابيين‪ ،‬وهم المجموعة التي تش ّ‬
‫المعنناكس ققق قققق اليرانييننن‪ :‬ففنني حيننن حننارب‬
‫المسننلمون اليرانيننون للحفنناظ علننى ثقننافتهم فنني‬
‫السننلم‪ ،‬وليخلقننوا بالتننالي ثقافننة إيرانيننة ‪ -‬مسننلمة‬
‫متمينننزة‪ ،‬كنننان المسنننيحيون السنننبان سنننعداء فننني‬
‫استخلص الثقافة من السننلم‪ ،‬ومننن ثننم خلننق ثقافننة‬
‫إسبانية ‪ -‬مسننيحية متميننزة‪ .‬ومننن الواضننح أن المفتنناح‬
‫لفهم هذا من جديد هو السمة التعددية للرث السباني‬
‫ل‪ ،‬لم تكن إسبانيا علننى الصننعيد‬ ‫مقابل إرث إيران‪ .‬فأو ً‬
‫الثقننافي غيننر إقليننم رومنناني تقريب نًا‪ .‬كننان لبريطانيننا‬
‫الماقبل رومانية طنابع حضنري معينن وذلنك باعتبارهنا‬
‫مركز الدراسننات الدروديننة المتقدمننة‪ ،((66‬أمننا بريطانيننا‬
‫المابعد رومانية‪ ،‬فقد كانت سلتية صريحة‪ ،‬بقدر ما لننم‬
‫تكننن جرمانيننة‪ .‬لكننن ل يوجنند هنننا مننا يمكننننا مقننارنته‬
‫بإسبانيا‪ .‬ثانيًا‪ ،‬كانت إسبانيا إقليم نا ً ل يوجنند مننا يميننزه‬
‫في المسيحية الغربية‪ .‬وثالثًا‪ ،‬عننانت إسننبانيا مننن غننزو‬
‫جرمنناني‪ .‬وهننذا الغننزو لننم يختننف دون أثننر كمننا كننانت‬

‫‪. Lévi-Provençal, Histoire, vol. i, pp. 269f (63‬‬ ‫)‬

‫‪ (64‬أنظر على سبيل المثال‪. Ibid., pp, 342ff :‬‬ ‫)‬

‫‪ Ibid., p. 377 (65‬؛ )قارن أيضًا‪ .(vol. ii, p. 16n :‬كان بننالطبع انتهازينا ً سياسننيًا؛ لكننن‬ ‫)‬

‫النتهازيين السياسيين كما هو مفترض ينتهزون الفرص اليديولوجية‪.‬‬


‫‪. S. Piggot, The Druids, London 1968, pp. 114, 127 (66‬‬ ‫)‬

‫‪226‬‬
‫الحالة عليه في إفريقيا كما أنه لننم يخلننق بلنندا ً بربري نا ً‬
‫صلبا ً كما كانت الحال عليه في إنكلترا؛ كننذلك فهننو لننم‬
‫يننؤد أيضنا ً إلننى محاولننة ليجنناد هويننة قوطيننة متكاملننة‬
‫بطريقة السلم العربي‪ .‬لكنه عنى زمن الغزو العربنني‬
‫أن إسبانيا كان لها شكل حكم جرماني خاص بها والذي‬
‫كان يتعايش ببساطة مع عضننوية إسننبانيا فنني الثقافننة‬
‫الرومانية والمسيحية الغربية‪.‬‬
‫على المستوى السطحي‪ ،‬فقد خلقت جغرافية الغزو‬
‫السننلمي إذا ً حالننة مشننابهة للحالننة الننتي نشننأت فنني‬
‫إيران‪ :‬ديلم إسبانية في لس أسننتورياس‪ ،‬حيننث التجننأ‬
‫النظام القديم في ظل سلسننلة مننن أدعينناء القوطيننة‪،‬‬
‫وذلك مقابننل فننارين ‪ Fars‬إسننبان فنني الننندلس‪ ،‬حيننث‬
‫عاشت الديانة القديمننة فنني ظننل حكننم إسننلمي‪ .‬لكننن‬
‫تعدديننة الننولءات السننبانية وشخصننيتها جعلننت القنوى‬
‫الكامنة للوضعين مختلفة للغاية‪ .‬ففنني الموضننع الول‪،‬‬
‫ربمننا كننانت لس أسننتورياس الملجننأ الخيننر للمل َ َ‬
‫كيننة‬
‫القوطية‪ ،‬لكنها لم تشكل أيننة أهميننة بالنسننبة للثقافننة‬
‫الرومانيننة أو للمسننيحية الغربيننة عموم نًا‪ .‬وفنني نهايننة‬
‫المطاف فإن أفضل مننا اسننتطاع الننديلميون فعلننه هننو‬
‫ول إلى المسلمين وإحياء لقب ملك الملوك ضننمن‬ ‫التح ّ‬
‫عالم إسلمي اخترقوه كمرتزقننة‪ .‬لكننن مسننيحيي لس‬
‫أستورياس كان خلفهم بقية أوروبا المسيحية‪ :‬لم تكن‬
‫لديهم حاجة لرساليات زيدية لذلك استمروا في إحينناء‬
‫المبراطورية الرومانية‪ ((67‬خارج عننالم إسننلمي والننذي‬
‫دخلوه بطريقننة قق ققق ققق قق ‪ .reconquista‬ولنننه كننان‬
‫مَلكية القوطيننة‪،‬‬ ‫لديهم شيء ممّيز سياسيا ً في شكل ال َ‬
‫استطاع السننبان إعننادة تأسننيس النظننام القننديم فنني‬
‫الجبال؛ لكن بالمقابل لن العنصرين المكونين للنظننام‬
‫القديم أي الروماني والمسيحي لم يكونا إسبانيين بننل‬
‫فقط أوروبيين‪ ،‬فقد استطاعوا وضع أيديهم عليه كلننه‬
‫وإعادة فرضه أخيرا ً على الجنوب‪.‬‬
‫ثانيًا‪ ،‬لقد عملت التعددية ذاتها على نحو مختلف جدا ً‬
‫في الجنوب‪ .‬فقد أزال الغننزو السننلمي شننكل الحكننم‬
‫القوطي ليترك إقليمنا ً رومانينا ً ومسنيحيًا‪ .‬بلغننة دينينة‪،‬‬
‫فإن أولئك الننذين ظل ّننوا مسننيحيين اسننتفادوا الن مننن‬

‫‪. Lévi-Provençal, Histoire, vol. ii, p. 51 (67‬‬ ‫)‬

‫‪227‬‬
‫العننوز لننولء ثقننافي جننوهري فنني المسننيحية مثلمننا‬
‫اسننتفادوا مننن قبننل مننن عوزهننا للننولء السياسنني‬
‫مَلكيننة‬
‫الجننوهري‪ :‬كمننا كننانوا قننادرين علننى القبننول ب َ‬
‫قوطية دون إثنية قوطية أو ديانة آريوسية‪ ،‬كذلك تماما ً‬
‫كانوا قادرين الن على أخذ الثقافة العربية دون الثنية‬
‫العربية أو الدين السلمي‪ .‬وهكذا فقد توحدت تعدديننة‬
‫القيم الثقافية المسيحية مع استمرارية النظام القديم‬
‫كننن المزرابييننن مننن أن‬ ‫خلننف الحنندود السننلمية لتم ّ‬
‫يسنننتعيروا دون أن ينننذعنوا‪ .‬وهكنننذا فقننند حنننافظت‬
‫القليميننة الغيننورة للسننبان‪ ،‬داخننل السننلم وخننارجه‪،‬‬
‫علىاستمراريتها مع تحولهم مننن حاضننرة رومانيننة إلننى‬
‫حاضرة إسلمية؛ لكن في حيننن أن الواجهننة السننلمية‬
‫التي خلقها الولء الثقافي لبغداد كانت إلى حد ما غيننر‬
‫متميزة‪ ،‬فإن الستارة الخلفية المسيحية التي أدت إلننى‬
‫‪(6‬‬
‫ظهورها كانت بالضرورة غير اعتيادية إلى درجة عالية‬
‫‪.(8‬‬
‫مقابننل القبنناط والمزرابييننن‪ ،‬أطننل بربننر شننمال‬
‫افريقياخلف واجهة إفريقيا الغالبة بدرجة كبيرة حننتى‬
‫دموا واجهننة مننن‬ ‫أنهم من وقت لخر كانوا يبرزون ليق ن ّ‬
‫عندهم‪ .‬لننم يكننن متخيل ً أن باسننتطاعتهم أن يسننتمّروا‬
‫كحاضرة بطريقة اليرانيين‪ .‬فهم في الواقع لم يكونوا‬
‫شيئا ً بالنسبة للعالم المتحضر‪ ،‬إنهم مجرد مجموعة من‬
‫البرابرة الهامشيين والذين كانوا يمتلكون كل السباط‬
‫المفتقدة إلى الثقافة والتي كان السوريون المثقفون‬
‫بحاجة لها‪ .‬وفي هذا كان غزاتهم العرب الشننعب الننذي‬
‫اتفقننوا معننه بننأعظم مننايمكن‪ .‬مجابهننة العننرب صنننعت‬
‫لبربر شمال افريقيا شيئا ً لم يصنعه لهم الرومان قط‪:‬‬
‫مكن فيها أخذ لغننة أعنندائهم‬ ‫ُ‬
‫لقد أدخلتهم في مواجهة أ ْ‬
‫للفصنناح عننن وضننعهم الخنناص‪ .‬كننان السننلم ققق قق‬
‫قققققق‪ ،‬دين مبين للسباط والحاخامين‪.‬تحتاج المنندن‪،‬‬
‫الطبقننات الرسننتقراطية‪ ،‬المفنناهيم وكننل مننا يمّيننز‬
‫الحضارة كي تؤدي عملهننا بشننكل سننلس إلننى ديانننة ل‬
‫يمكن فهمها بسهولة‪ ،‬كالتي كان اليرانيون في نهايننة‬

‫) ‪Leve della Vida, “I Mozarabi tra Occidente e‬‬ ‫‪ (68‬قارن ترجمة المزامير إلى الرجننز‬ ‫)‬

‫‪Islam”, p. 680‬؛ قارن استخدام المقامات الكلسننيكية للشننعر الننديني فنني بيزنطننة‪) ،‬‬
‫‪ .(Hussey, Church and Learning, p. 33‬مننن الواضننح أن فيرجيننل كننان يعننني لسننبانيا‬
‫الرومانية المتأخرة أكثر مما كان يعنيه هوميروس لسوريا الرومانية المتأخرة‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫المننر فخننورين فنني وصننفها‪((69‬؛ لننذلك فقنند عننانت‬
‫الحضننارة عننندما غّيننر السننباط والحاخننامون مننوطن‬
‫إقامتهم‪ .‬لكن السوريين الننذين كننانوا ضننحايا الحضننارة‬
‫وبربننر شننمال افريقيننا الننذين لننم يكونننوا بحاجننة إليهننا‬
‫اسننتمروا علننى حنند سننواء فنني الحننراز كننل بطريقتننه‬
‫الخاصة‪ .‬لم يستطع السننوريون إحننراز هويننة مننن قيننم‬
‫الثقافة اليونانية ‪ -‬الرومانية عندما كانوا ينكننرون أنهننم‬
‫يونانيون‪ ،‬ولم يستطع بربر شمال افريقيا الفصاح عن‬
‫هننويتهم عننندما كننانوا ينكننرون أنهننم رومننان‪ .‬وأي مننن‬
‫الطرفين لننم يرغننب باتبنناع أمثولننة السننبانيين‪ ،‬الننذين‬
‫كننانوا رومان نا ً أكننثر مننن الرومننان‪ ،‬ففنني حيننن حنناولت‬
‫سوريا المستقرة أن تقوم بتركيبة إقليمية‪ ،‬اختار بربننر‬
‫شمال افريقيا عوضا ً عن ذلك أن يظلوا جانبًا‪ .‬وبعكننس‬
‫السننوريين‪ ،‬لننم يكننن لنندى بربننر شننمال افريقيننا مننا‬
‫يساهمون به ول الرغبة فنني أن يصننبحوا عرب نًا؛ لكنهننم‬
‫ققققق السباط واستطاعوا ققققققق الحاخامين‪ ،‬وفي‬
‫ظل شرط مضننمونه أنننه باسننتطاعتهم حمايننة إثنيتهننم‬
‫في وجه جذب إسلم عربي‪ ،‬كننان سننهل ً عليهننم كفايننة‬
‫تبني هوية بلغة القيم السننلمية‪ .‬وبأيننة حننال لننم يكننن‬
‫لديهم ما يفقندونه فنني تلنك العملينة‪ :‬لنم يكنن هنالنك‬
‫شيء يمكن إعتباره ثقافة وحكما ً وديانة بربرية شننمال‬
‫افريقيننة مندمجننة‪ .‬ويقنندم غنننى حضننور بربننر شننمال‬
‫افريقيننا وتنننوعه فنني شننمال إفريقيننا المسننلم وذلننك‬
‫مقابل مجهننوليتهم البربريننة أيننام الرومننان واحنندا ً منن‬
‫أكثر المثلة التوضيحية لفتا ً للنظر عن البيئة الننتي بنندا‬
‫فيهننا السننلم وكننأنه فنني بيتننه علننى نحننو هننو الكننثر‬
‫حقيقية‪.‬‬
‫لقد أخذت محاولة بربر شمال افريقيا للفصنناح عننن‬
‫هوية بمصطلحات إسلمية شكلين‪ ،‬كما هي الحال فنني‬
‫إيران‪ .‬ما هو أكثر جذرينة كنان تطنوير النسنخ البربرينة‬
‫الشمال افريقية عن السلم العربي‪ :‬جنناء أنبينناء بربننر‬
‫شمال افريقيا بآيات موحاة بربرية شمال افريقيننة ‪.((70‬‬
‫لقنند اختفننى النمننط فنني نهايننة المننر؛ لكنننه فنني أحنند‬
‫‪ (69‬هكذا يقول »السد در«‪ ،‬ترجمة ي‪ .‬و‪ .‬وست في‪Pahlavi Texts (=M. Müller (ed.), :‬‬ ‫)‬

‫‪The Sacred Books of the East, vol. xif), New York 1901, part three, p. 346; Bailey, Zoroastrian‬‬
‫‪. Problems, p. 162‬‬
‫‪T. Lewicki, “Prophétes, devins et magiciens chez les Berbères médiévaux”, Folia Orientalia (70‬‬ ‫)‬

‫‪. 1965, pp. 7 - 12‬‬

‫‪229‬‬
‫ل‬ ‫دم شكل حكم بربري شمال افريقي مسننتق ّ‬ ‫المثلة ق ّ‬
‫ومتميز دينيًا‪ ،‬هو البرغواطة‪ ،‬الذي استمر حننتى القننرن‬
‫ل‪ ،‬هننو أن الخصوصننية‬ ‫الثاني عشر‪ .‬مننا هننو أكننثر اعتنندا ً‬
‫البربرية الشمال افريقية وجدت تعننبيرا ً لهننا فنني تبن ّنني‬
‫أشكال هرطوقية للسلم‪ .((71‬فمن ناحية لدينا الخوارج‬
‫البربر الشمال افريقيين‪ ،‬المتجسدين عرفينا ً قبننل كننل‬
‫شننيء فني إمامينة تنناهرت الباضننية بسنللتها الملكيننة‬
‫اليرانية وميولها الشعوبية‪((72‬؛ ومن ناحية أخننرى لنندينا‬
‫الشيعية البربرية الشمال افريقية فنني هيئة الدارسننة‪،‬‬
‫انتثار الدويلت العلوية من الحقبننة ذاتهننا‪ ،((73‬والمننذهب‬
‫السماعيلي في قتامة‪ .‬ومن جديد نقول‪ ،‬إن الظنناهرة‬
‫اختفت في نهاية المر تقريب نًا‪ :‬التواجنند الباضنني فنني‬
‫شمال إفريقيننا اليننوم محنندود‪ ،‬والسننلطين الشننراف‪،‬‬
‫رغم نسبهم العلننوي‪ ،‬لننم يكونننوا كالصننفويين بالنسننبة‬
‫لبربر شمال افريقيا‪ .‬لكننن النتصننار النهننائي للمالكيننة‬
‫في شمال إفريقيا كان مغنما ً صعبا ً بقدر ما كان سننهل ً‬
‫في البداية في إسبانيا‪.‬‬
‫مننع ذلننك ففنني البعنند السياسنني كننانت أناقننة هننذا‬
‫النتقال من كونهم مختلفين خننارج رومننا إلننى كننونهم‬
‫مختلفين داخل السننلم هنني الكننثر وضننوحًا‪ .‬وبعكننس‬
‫الديالمة‪ ،‬لم يكن لدى بربرشمال افريقيا ماض سياسي‬
‫مَلكينننة فاندالينننة‬
‫يفقننندونه فننني السنننلم‪ ،‬ول حنننتى َ‬
‫يأخنننذونها إلنننى الجبنننال‪ .‬ففننني النننديلم كنننان عمنننل‬
‫الرساليات الهرطوقية بطريقة مننن الطننرق زائدا ً عننن‬
‫مَلكية الساسانية‪ ،‬لم يكننن‬ ‫الحاجة‪ :‬فحتى حد تذ ّ‬
‫كرهم لل َ‬
‫الديالمة بحاجننة إلننى إمامننة إسننلمية‪ .‬لكننن بربرشننمال‬
‫افريقيا الذين لم تكن لننديهم ذكريننات كهننذه‪ ،‬لننم تكننن‬
‫أيديولوجياتهم السياسية مضطرة لن تكون دينيننة فنني‬
‫الهامها‪ .‬الى ذلك الحدكانوا واقعين في الورطننة ذاتهننا‬

‫‪ (71‬لحظ ما توحيه حوادث ثورة قطامة عام ‪ 911‬ومابعد مننن مسنناواة بيننن النبننوة‬ ‫)‬

‫البربرية والهرطقة‪ :‬بعنندما قتننل الحناكم الفناطمي النداعي السننماعيلي الننذي جمننع‬
‫البربر حول السماعيلية‪ ،‬وضعوا على رأسهم نبيا ً بربريا ً ا ُع ِْلن أن موضع إقننامته قبلننة‬
‫)‪.(ibid., pp. 9f‬‬
‫‪C. Bekri, “Le Kharijisme berbère. Quelques espects du royaume rustumide”, Annales de (72‬‬ ‫)‬

‫‪..l’Institute d'études orientales 1957‬لحظ أيضا ً كيف تقدم إباضية شمال افريقيا الموضع‬
‫لظهور )أو لعودة ظهور؟( عرف ديني غير معروف في أي مكننان آخننر فنني السننلم‪،‬‬
‫هو العّزابة‪.(”Encyclopaedia of Islam, art “Halka ) .‬‬
‫‪. G. Marçais, La Berbérie musulmane et l’Oriént au moyen âge, Paris 1946, pp. 119f (73‬‬ ‫)‬

‫‪230‬‬
‫التي وقع فيها فاسير وأكسيدو‪ ،‬قققققققق قققققق قق‬
‫النندوناتيان اللننذان أقامننا النندنيا ولننم يقعننداها فنني‬
‫المنطقنننة الواقعنننة خلنننف السننناحل الفريقننني أينننام‬
‫أغسطينس‪ .((74‬مع ذلك فالمسنألة الدوناتيننة‪ ،‬رغننم كنل‬
‫صحتها‪ ،‬لم تستطع أن تكون مسألة سياسية جوهريًا‪ :‬ل‬
‫تمتلك المسيحية شكل ً للحكم‪ ،‬إنما فقط مسيا محجوبننا ً‬
‫واسننننننتكانية مخصننننننية‪ ،‬وهكننننننذا كننننننان علننننننى‬
‫السيركومسننننننيلويونيين ‪ Circumcellions‬أن يحنننننناربوا‬
‫كمشاركين من خلف الكواليس في انشقاق إكليروسي‬
‫للمدن الساحلية‪.‬‬
‫في هذه الحالة فإن مجيء السلم كان يعني إعننادة‬
‫توزيع بيئويننة عنيفننة للمعنننى السياسنني‪ .‬ففنني اليننام‬
‫الخوالي كان حكم الساحل يعني تمثيل رومننا الخالنندة‪،‬‬
‫في حين أن تربية اسباط فنني الننداخل كننانت تعننني أن‬
‫يكونوا خلف حظيننرة السياسننات المتحضننرة‪ .‬لكننن هننذا‬
‫كس في منظور إسلمي‪ :‬أن تحكننم السنناحل‬ ‫ع ِ‬
‫التقابل ُ‬
‫صار يمثل الن سلطة غير شرعية ترجيحي نًا‪ ،‬فنني حيننن‬
‫أن تربية السننباط فنني المننناطق الداخليننة صننار عمننل‬
‫الننولي الصننالح‪ .‬وهكننذا ففنني حيننن كننان علننى فاسننير‬
‫وأكسيدو أن ينتزعا معناهما من انشقاق سياسنني فنني‬
‫الساحل‪ ،‬أخذ أبو عبد الله الشيعي وأبننو يزينند معناهمننا‬
‫مباشنننرة منننن منننذهب المامينننة‪ .‬وفننني حينننن خنننرج‬
‫المسلمون الديالمة مننن جبننالهم وأعننادوا إحينناء أحفنناد‬
‫أردشننير‪ ،‬فعننل بربرشننمال افريقيننا المسننلمون ذلننك‬
‫طننم تصننّلب الحضننارة‬ ‫لصننالح الننبيت النبننوي‪ .‬لقنند ح ّ‬
‫السلمية إيران في الشرق ومسح القاليم اليونانيننة ‪-‬‬
‫الرومانية في الغرب؛ لكننن بربرشننمال افريقينا احتلنوا‬
‫موقعا ً فريدا ً أهلهم لن يجعلوا هذا التصلب خاصا ً بهم‪.‬‬

‫‪ (74‬قارن‪W. H. C. Frend, The Donatist Church: A Movement of Protest in Roman North :‬‬ ‫)‬

‫‪.Africa, Oxford 1952, pp. 172 - 8‬‬

‫‪231‬‬
‫‪12‬‬
‫قدر الهاجرية‬

‫إن قننوة الهاجريننة فنني إعننادة تشننكيل عننالم النتيننك‬


‫تكمن في توحيدها بين القيم اليهودية والزخم الننبربري‪.‬‬
‫سند هننذا النصننهار بيننن‬ ‫مع ذلك فرغم كل قوته‪ ،‬فقد أ ُ ْ‬
‫ف ِ‬
‫الحقيقة والهوية بتوتر ليمكننن حل ّننه‪ .‬التننوتر كننان ثابت نًا‪،‬‬
‫وأفضل ما يمكن مقاربته هو عبر المقابلة بيننن روايننتين‬
‫قديمتين جدا ً بشأن محاولت الهناجريين لنشنر دينانتهم‪.‬‬
‫تصف الولننى استشننهاد حاميننة غننزة بعنند الغننزو بفننترة‬
‫قصيرة‪ .‬لقند دعينت الحامينة إلنى هجنر إيمانهنا‪ ،‬وإنكنار‬
‫المسيح‪ ،‬والمشاركة في طقوس السارسننانيين؛ وكننانوا‬
‫بالمقابنننل سنننيتمتعون بالمجننند ذاتنننه النننذي تمتنننع بنننه‬
‫السارسانيون أنفسهم ‪ .((1‬ولحسنن الحنظ‪ ،‬ووفننق حندود‬
‫معرفتنا للحدث‪ ،‬فقد صمدت الحامية واستشننهد الرجننال‬
‫عن بكرة أبيهم ‪ .((2‬أما الدليل الخنر فيشنير إلنى وصنول‬
‫الغزاة إلى جبننل سننيناء لجبننار السارسننانيين المحلييننن‬
‫علننى الرتننداد عننن المسننيحية ‪ .((3‬فاستسننلموا ‪ ((4‬كلهننم‬
‫باسننتثناء واحنند وتننرك لهننم مسننألة أن ينضننموا إلننى‬
‫السارسانيين في ديانتهم‪ .‬والمضمون واضح ومفاده أن‬
‫الغنزاة لنم يظهنروا أدننى اهتمنام فني إدخنال الرهبنان‬
‫المسيحيين في ديانتهم ‪.((5‬‬
‫يمكن تفسير الفننرق بيننن موقننف السرسننانيين مننن‬
‫جنود غزة من ناحية وموقفهم مننن رهبننان سننيناء مننن‬
‫ناحية أخرى إلى حد ما بمصطلحات كرونولوجية‪ .‬فنحن‬
‫قة متى وصننل الغننزاة إلننى جبننل‬ ‫ل نعرف على وجه الد ّ‬
‫سيناء‪ ،‬لكننن ربمننا أنننه حنندث بعنند سننقوط غننزة ببعننض‬
‫‪Delahye, “Passio sanctorum sexaginta martyrum”, pp. 301f‬‬ ‫‪(1‬‬ ‫)‬

‫‪ (2‬لحظ العدوانية العقائدية‪ ،‬كما يظهر لنا من الرواية التي يقدمها سننيبيوس‪ ،‬والننتي‬ ‫)‬

‫يدعو بها الحاكم الهاجري المبراطور البيزنطي »إلى عباد الله العظيننم الننذي أعبنند‪،‬‬
‫إله ابينا ابراهيم« )أنظر سابقًا‪ ،‬هامش ‪ 33‬ف ‪.(1‬‬
‫‪Nau, “Le texte grec des récits du moine Anastase”, pp. 8-9 = id., “Les récits inédits du moine (3‬‬ ‫)‬

‫‪ .Anastase”, pp. 45‬الشارة العرضية في موضع آخر من الننص ذاتنه )صنص ‪(38=82‬‬
‫إلى السرسانيين على جبل سيناء وهم يجدفون على المكننان المقنندس تننوحي بننأنهم‬
‫لم يكونوا قد أدركوا بعد الهوية المسيحية للجبل‪.‬‬
‫‪ (4‬قارن رائحة ررررررر في التطابق السلوكي بين الستسلم وتبديل الدين‪.‬‬ ‫)‬

‫مح للمنزون‬ ‫سن ِ‬


‫‪ (5‬قارن تقرير البطريرك النسطوري ايشوع يهب الثالث القائل إننه قند ُ‬
‫)‬

‫عمان بالبقاء مسيحيين لكن مقابل تسليم نصف متلكاتهم فقط‪ ،‬ولحظ تأكيده على‬ ‫من ُ‬
‫موقف الغزاة الطّيب من كنيسة منطقته‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫شننك أن قنندر حاميننة غننزة‪ ،‬وهنني‬ ‫الوقت‪ .‬ل يمكننن أن ي ُ َ‬
‫واجه بخينننار محفنننوظ فننني السنننلم الكلسنننيكي‬ ‫ُتننن َ‬
‫للمشننركين مننن العننرب‪ ،‬إنمننا يعكننس الميننل البنندئي‬
‫المعادي للمسيحية عند الهاجرية ‪ -‬اليهودية؛ فنني حيننن‬
‫يمكن النظر إلى الحوادث على جبننل سننيناء فنني ضننوء‬
‫النسحاب الهادئ الذي جاء بعد ذلك داخننل عننالم ديانننة‬
‫ابراهيم الضّيق إثنينًا‪ .‬والنندلئل القديمننة الخننرى حننول‬
‫مسألة تبديل الدين تنصاع إلى درجة ما للمعالجة ذاتها‪.‬‬
‫مننع ذلننك فهنالننك طريقننة أكننثر تحليليننة لمقاربننة هننذا‬
‫الفرق‪ .‬فحتى في شكل الهاجرية ‪ -‬اليهوديننة‪ ،‬فالديانننة‬
‫ست في هوية إثنية متميزة ‪((6‬؛ وحتى في‬ ‫ُ‬
‫س ْ‬ ‫س َ‬
‫الجديدة أ ّ‬
‫شكل ديانة إبراهيم‪ ،‬فهي ظلننت تمتلننك حقيقننة كونيننة‬
‫كل‬ ‫كمونيا ً‪ .((7‬وإذا كان قتل حامية غزة لحقاق الحق ش ّ‬
‫معنننى‪ ،‬فننإن تجاهننل رهبننان سننيناء فنني مسننار إدراك‬
‫كل معنى أيضًا‪ .‬ومننزج الثنننتين معنا ً‬ ‫الهوية بالمقابل ش ّ‬
‫كل معنى أيضًا‪ :‬فقد كننان مسننتحيل ً إيصننال الحقيقننة‬ ‫ش ّ‬
‫والهوية إلى حدهما القصى في الوقت ذاته‪.‬‬
‫المسننار الكننثر وضننوحا ً كننان دون شننك نحننو إيصننال‬
‫دها العلنى‪ .‬والهاجرينة فني نهاينة المنر‬ ‫الهوية إلى ح ّ‬
‫كانت بحثا ً عن حقيقة تناسب نسننبا هاجرينا ‪ ،‬وبمننا أن‬
‫ً‪((8‬‬ ‫ً‬
‫الهاجريين الوائل كانوا غزاة‪ ،‬وليس مبشرين‪ ،‬لم تكن‬
‫هنالك مناسبة للتضحية النية بالثنية المنر النذي يمّينز‬
‫انتشار المسيحية‪ .‬وهكذا فقد كان باستطاعة الهاجريننة‬
‫أن تبحننث عننن الحفنناظ علننى ديانننة إثنيننة بطريقننة‬
‫مر من أن الننذين هنندتهم إليهننا كننانوا‬ ‫اليهودية‪ ،‬وأن تتذ ّ‬
‫‪ (6‬قارن موقع »الخائفين من الله« من المم في الزمنننة الهلينيننة مقابننل معلميهننم‬ ‫)‬

‫اليهود‪.‬‬
‫دمها لنننا تاريننخ‬
‫‪ (7‬وحدها الرواية المسننيحية المتعلقننة بننالحرم البراهيمنني والننتي يقن ّ‬ ‫)‬

‫دمننة‬
‫ق ّ‬
‫م َ‬
‫الخوزستاني )أنظننر الهننامش ‪ 48‬مننن الفصننل الرابننع( نجنند فيهننا أن العبنادة ُ‬
‫بنسبية دفاعية مسننتمرة باعتبارهننا الجلل المجنّرد لسننلف متمي ّننز مننن قبننل أحفنناده‬
‫المؤمنين‪.‬‬
‫‪ (8‬في القرن الخامس أبلغ القديس أوثيميوس الذين اعتنقوا ديانته من العننرب أنهننم‬ ‫)‬

‫لم يعودوا أبناء هاجر بل أبناء سنارة ‪ ،‬وهنم بالتنالي ورثنة العهند‪Cyril of Scythopolis, ).‬‬
‫‪“Vita et res gesta S.P.N. Euthymii”, P.G, vol. cxiv, col. 617‬؛ قارن رسالة القديس بولس‬
‫إلنى رومنا ‪ ،9:9‬رسنالة القنديس بنولس إلنى غلطينة ‪.(28:4‬وهكننذا فتعناليم الننبي‬
‫الهاجري كانت عكسنا ً دقيقنا ً لتعنناليم القننديس المسننيحي‪ :‬ففنني حيننن داور القننديس‬
‫المسيحي النسب حتى انسلك في الوعد‪ ،‬داور محمد الوعد حتى انسلك في النسب‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫قساة على اسمعيل كالجذام‪ . ((9‬بتعابير عينية‪ ،‬كان هذا‬
‫خيننارا ً مريحننا ً فنني البنندئ‪ .‬فقنند عنننى مننن ناحيننة‪،‬أن‬
‫الهنناجريين دفعننوا حصصننا ً مننن الربنناح بالنسننبة الننى‬
‫التماسك اليديولوجي بين صفوف الغننزاة‪ .‬وفنني زمننن‬
‫قت ِننل القننائد التغلننبي علننى‬‫متأخر كحقبة الوليد الول‪ُ ،‬‬
‫‪((10‬‬
‫أساس أنه من العيب أن يعبد زعيم العننرب الصننليب ‪.‬‬
‫ومننن ناحيننة أخننرى‪ ،‬فننإن إيصننال الهويننة إلننى حنندها‬
‫القصى ساعد في البداية على إبقاء أولئك الننذين هننم‬
‫من غير العرب والذين شاركوا الغزاة في قرعتهم في‬
‫مواقعهم الثابتننة‪ ،‬بغننض النظننر عننن حقيقننة قناعنناتهم‬
‫ول الننى النندين الننذي دعننا‬ ‫الدينية‪ :‬بننل لقنند كننان المتحن ّ‬
‫نفسننه مهنناجرا ً زبونننا ً بالقنندر ذاتننه الننذي كننانه التننابع‬
‫الطفيلنني الننذي حننافظ علننى ديانننة أجننداده‪ .‬وهكننذا‬
‫فالهاجريننة عننند كل الجننانبين كننانت تكريسننا ً مناسننبا ً‬
‫للبنيان البدئي للمجتمع الغازي‪.‬‬
‫مع ذلك فإن فكرة هاجرية في صورة إثنية لليهوديننة‬
‫كننانت معضننلة عويصننة‪ :‬فنني سننمتين وثيقننتي الصننلة‬
‫بالموضوع‪ ،‬لننم يكننن الهنناجريون مثننل اليهننود‪ .‬أو ً‬
‫ل‪ ،‬لننو‬
‫كان الهاجريون شننعبا ً مختننارًا‪ ،‬فمكننانتهم كننانت مكانننة‬
‫حننديثي نعمننة علننى نحننو مننربك‪ .((11‬ربمننا حّلننوا هننذه‬
‫المشكلة مبدأي ّا ً عننن طريننق إعننادة سننبك مجمننل تاريننخ‬
‫التوحينننند منننننذ ابراهيننننم حننننتى النتصننننار المجينننند‬
‫للسننماعيلين‪ ،‬وذلننك عننن طريننق البتننداء بعطيننة عهنند‬
‫لسمعيل في ق قققق هاجرية‪ .((12‬أمننا عملي نا ً فلننم يكننن‬
‫لديهم الجلد على ذلننك‪ .‬وهكننذا فقنند كننانوا فنني موقننع‬
‫يؤهلهم لن يشرعوا‪،‬كورثننة للتقلينند ذاتننه الننذي حجننب‬
‫عنهم الميننراث‪ ،‬لعننادة تلقنني روح النبننوة بعنند طريننق‬
‫متعرجة طويلة على نحو محرج‪ .((13‬أكثر مننن هننذا‪ ،‬فننإن‬
‫‪ (9‬قارن‪ .Bamberger, Proselytism in the Talmudic Period, p. 163 :‬وهذا بالطبع ليس لنكار أن‬ ‫)‬

‫دم في مواقف يهودية جنينية نحنو المهتندي إلنى الندين‬ ‫التوتر المحّلل هنا في السلم ي ُ َ‬
‫ق ّ‬
‫)قارن‪.(Ibid., pp. 149f :‬‬
‫‪. Michael the Syrian, Chronique, vol. iv, pp. 451 = vol. ii, pp. 480n (10‬‬ ‫)‬

‫شّرف العرب برسول الله« )أنظر الهننامش ‪ 24‬مننن‬ ‫‪ (11‬إن عبارات من نمط »لقد ُ‬ ‫)‬

‫هذا الفصل(‪ ،‬تتخّلى ضمنيا ً عن النسب البراهيمي كحالة سيئة‪.‬‬


‫‪ (12‬قارن الزعم الذي مفناده أن اللننه اختنار اسننمعيل منن بينن أبنناء ابراهيننم )ابننن‬ ‫)‬

‫قدامة‪ ،‬رر رر ررررر ر‪375:7 ،‬؛ زين الدين عبنند الرحمننن العراقنني‪ ،‬ررر رر ر ر‬
‫رررر ررررر‪ ،‬تحرير ي‪ .‬هن‪ .‬القادري‪ ،‬السكندرية ‪ ،1961‬ص‪.(92‬‬
‫‪ (13‬قارن المسألة الشعوبية الشديدة الثر في النفس والتي مفادها أن كننل النبينناء‬ ‫)‬

‫الهامين قبل محمد كانوا من غير العرب‪.(Goldziher, Muslims Studies, vol. i, p. 1555) .‬‬

‫‪234‬‬
‫مكانة محدثي النعمة التي احتلوها لهم كننانت تعننني أن‬
‫الهاجريننة لننم تسننتطع أن تكننون حصننرية إثنينا ً إل علننى‬
‫حسنناب كونهننا ضننيقة النظننر إبسننتمولوجيًا‪ .‬وبحكننم‬
‫دم كمؤسس متأخر لمل ّننة‬ ‫الضرورة كان على محمد أن ي ُ َ‬
‫ق ّ‬
‫موازية لمّلتي موسى ويسوع؛ فهو لم يسننتطع أن يحننل‬
‫محّلهمننا أو أن يظهننر كخليفننة لهمننا‪ .‬وهكننذا كننان علننى‬
‫س نّيج بنسننبية علننم ‪ -‬نبويننة‬‫حقيقننة مكانننة السننلم أن ت ُ َ‬
‫والتي منن الواضنح جنندا ً أنهنا مؤشننر فشننله‪ ،‬حننتى فنني‬
‫شكلها الكلسيكي‪ ،‬في أن يصبح ديانة عالمية دون أدننى‬
‫تحفظ ‪ .((14‬وأحرزت بالتالي وسيلة الدفاع الجتماعية عن‬
‫الهوية الهاجرية علننى حسنناب إنننزال المرتبننة العقائديننة‬
‫للحقيقة الهاجرية‪ .‬ثانيًا‪ ،‬لقد كانت الهوية الهاجرية فنني‬
‫نهاية المر قابلة لن يدافع عنها اجتماعيًا؛ وهذا للسننبب‬
‫ذاته الننذي مفنناده أن الهنناجريين‪ ،‬بعكننس اليهننود‪ ،‬كننانوا‬
‫غزاة‪ .‬يمكن اسنتبعاد العنالم الممني منن الغيتنو لننه ل‬
‫يمتلك رغبة بدخوله عمومًا‪ ،‬في حين يستفيد الغزاة مننن‬
‫لمبالة كهننذه حيننال النندخول فنني صننفوفهم مننن قبننل‬
‫مواليهم‪.‬لقد استطاع التعريف الذاتي الثني للهنناجريين‬
‫تحمل الوشل الول دون جهد أيديولوجي ل طننائل منننه؛‬
‫لكنه لننم يسننتطع أن يأمننل بالسننتمرار دون تآكننل حيننن‬
‫يصبح الوشل فيضانا ً بعد ذلك‪ .‬وهكذا فقد كان أي إلحنناح‬
‫دد علننى المنندى‬ ‫على إيصال الهوية إلى حدها العلى يه ن ّ‬
‫الطويننل بتخفيننض درجننة الهويننة و الحقيقننة علننى حنند‬
‫سواء‪.‬‬
‫كننان البننديل إيصننال الحقيقننة إلننى حنندها القصننى‪.‬‬
‫وحنننتى فننني شنننكل لدياننننة ابراهينننم يحمنننل صنننفات‬
‫سية العرقية‪ ،‬لم تكن الهاجريننة أكننثر مننن تننوقير‬ ‫سا ّ‬ ‫الد ّ‬
‫لحد السلف‪ :‬كانت أيضا ً حقيقة توحيديننة فنني نقائهننا‬
‫البدئي‪ ،‬المعيار الذي ابتعدت عنه الملل الخرى‪ ،‬الكننثر‬
‫سفسطائية‪ .‬ققق ققق قققق فإن ارتقاء محمد إلننى دور‬
‫نبي صاحب كتاب جديد يقف في صف واحد مع موسى‬
‫ويسوع أضفى على رسالته مكانة عالمية ل لبس فيها‪.‬‬
‫في الوقت ذاته فقد كانت إحدى المكرمات العربية هي‬
‫فل تاريخ الوحي التوحينندي بأحنند السننماعيليين‪.‬‬ ‫ق َ‬‫أن ي ُ ْ‬
‫لكن كان ثمننة غصننة فنني الحلننق‪ .‬فننإذا وجننب أن تكننون‬
‫‪ (14‬قارن‪ :‬القرآن ‪66:22‬؛ ‪Kister, “Hadduthu”, p. 234‬؛ وسابقا ً هامش ‪ 2‬ف ‪. 3‬‬ ‫)‬

‫‪235‬‬
‫للرسالة هننذه الشخصننية الرفيعننة‪ ،‬فبننأي طريقننة كننان‬
‫باستطاعة الثنية السماعيلية لحامل الرسالة أن تكون‬
‫أكثر من حنندث تنناريخي عننارض؟ لكننن إذا كننانت الحالننة‬
‫كذلك‪ ،‬فليس من الواضح كيف استطاع دور العرب في‬
‫بداية تاريخ الديانة أن يمتلك أية أهمية جوهريًا‪ ،‬أو كيف‬
‫ي تسننويغ ذي جننوهر ديننني أن يوجنند لجننل‬ ‫اسننتطاع أ ّ‬
‫ّ ‪((15‬‬
‫منة فنني‬ ‫مَتضنن ّ‬
‫صدراتهم التالية داخل الملة ‪ .‬المسألة ُ‬
‫حدث حامية غزة‪ :‬لو كانت الهاجرية حقيقننة كونيننة بمننا‬
‫يكفنني لن تطلننب مصننادقة جنننود رومننانيين‪ ،‬فننالمر‬
‫المنطقنني الوحينند هننو أنننه كننان علننى الغننزاة تعزيننز‬
‫جاذبيتهننا عننن طريننق إبننداء اسننتعدادهم لن يتشنناركوا‬
‫بشرفهم مع أعدائهم المقهورين‪ .‬لنه إذا كننان إيصننال‬
‫دى إلى ديانة إثنية بالصننورة‬ ‫الهوية إلى حدها القصى أ ّ‬
‫اليهودية‪ ،‬فإن إيصال الحقيقة إلى حنندها القصننى أدى‬
‫إلى ديانة أممية بالصورة المسيحية؛ وجدير بالملحظننة‬
‫هنا أنه في حيننن أن كننل المسننيحيين هننم أبننناء للعهنند‬
‫مجازيًا‪ ،‬فالثنيننة الحرفيننة الوحينندة الننتي ل تمثننل فنني‬
‫المسيحية هي إثنية اليهود‪ .‬هننل كننان علننى الهنناجريين‬
‫إذا ً أن يسيروا في الدرب التي سار بهننا قبلهننم اليهننود‬
‫المتنصرون‪((16‬؟‬
‫لقنند تعايشننت فنني الحنندث علننى نحننو مضننطرب‬
‫المطالب الخاصة بالحقيقننة والهويننة داخننل مل ّننة دينيننة‬
‫ً‪(1‬‬
‫ونة من لب عربي والذي لم يكن شعبا ً مختارا ً تماما‬ ‫مك ّ‬
‫‪ (7‬وظل غير عربي والذي لم يكن أممي نا ً تمام نا ‪ .‬لقنند‬
‫ً‪((18‬‬

‫‪ (15‬قارن تحذير علي للعرب بخصوص الحمراء »بأنهم سوف يضربونكم فنني النندين‬ ‫)‬

‫ردا ً على ضربكم إياهم فيه في البداية« )أبو عبيد القاسم بن سلم‪ ،‬رررر رررررر‪،‬‬
‫حيدر أبنناد ‪،1966‬ن ‪ ،(483:3‬والننرأي المنسننوب لثمامننة والجنناحظ والننذي مفنناده أن‬
‫النباط أفضل من العرب لكونهم اتبعوا السلم دون أن يكننون النننبي ظهننر بينهننم‪J. ).‬‬
‫‪.(van Ess, “Gahiz und die ashab al-ma‘rif”, Der Islam 1966, p. 176n‬‬
‫‪ (16‬قارن‪. Goldziher, Muslims Studies, vol. i, p. 112 :‬‬ ‫)‬

‫جة الدارمي الذي عاش في القرن الرابع عشر والتي مفادها أن العننرب‬ ‫‪ (17‬قارن ح ّ‬ ‫)‬

‫هم المرجع الول في مسننألة العننرف الطقسنني »لن النندين عربنني« ) ‪R. Levy, The‬‬
‫‪ ،(Social Structure of Islam, Cambridge 1957, pp. 174f‬مع الفكرة الحاخامية الكثر إحكاما ً‬
‫والتي تقول »مع أن السرائيليين ليسوا أنبياء‪ ،‬فهم ابناء النبينناء ) ‪Gerhardson, Memory‬‬
‫‪.«(and Manuscript, p. 75n‬‬
‫دعي نسبا ً عربيًا‪Goldziher, Muslims Studies, vol. ) .‬‬
‫‪ (18‬قارن محاولت الشعب كله لن ي ّ‬ ‫)‬

‫‪i, pp. 134f.; Y. F. Hasan, The Arabs and the Sudan: from the seventh to the early sixteenth‬‬

‫‪236‬‬
‫قبننل السننلم بمعيننار مننا بمننوت »الحينناة المنعزلننة«‬
‫الثنية‪ ،‬وصار بمعنى مننا ديانننة كونيننة؛ لكنننه فعننل ذلننك‬
‫جننل فنني بلننده الم‪ .((19‬وهكننذا‬ ‫دون توقف نبيه عن أن ي ُ َ‬
‫فالمنزلة الدينية للعربنني ولغيننر العننبربي ضننمن المل ّننة‬
‫كانت مسألة مشوشة للغاية‪ .‬فالقرآن من ناحيننة أعلننن‬
‫أن أكرم الناس عننند اللننه أتقنناهم ) ‪ ،(13:49‬فنني حيننن‬
‫أصّرت تقاليد ل حصر لها على أنننه ليننس هنالننك نسننب‬
‫بين الله والمؤمن غير نسب الطاعننة‪ ،((20‬وأنننه ل فضننل‬
‫لعربي على غير عربنني إل بننالتقوى‪((21‬؛ شننهادات علننى‬
‫تأكينند شننمولي علننى الحننراز لميننزة دينيننة ذات نمننط‬
‫مألوف من المسنيحية‪ .‬ومننن ناحيننة أخننرى‪ ،‬نجند الننبي‬
‫ذر مّلتننه‬‫يعلن أن حب العننرب هننو جننزء مننن النندين ويحن ّ‬
‫بأنكم »حين تكرهون العرب فأنتم تكرهونني«‪ ((22‬؛ آراء‬
‫سسننه‬ ‫لم يكن التقلينند المسننيحي ليضننعها فنني فننم مؤ ّ‬
‫فيمننا يتعل ّننق بننإثنيته الخاصننة‪ ،‬وهنني فنني الننوقت ذاتننه‬
‫شهادات على ميل معاكس إلى تخصيص الميزة الدينية‬
‫سننبي‪ .((23‬وهكننذا فالمبنندآن المتناقضننان تمّتعننا‬ ‫بإسناد ن َ َ‬
‫‪((24‬‬
‫بفعالية خلصية ‪ .‬كذلك فإن العلقة بين الثنية‬
‫واعتناق الدين تظهر تناقضا ً ضديا ً مشابهًا‪ .‬فمن ناحية‪،‬‬

‫‪.(Century, Edingurgh 1967, Chapter5‬‬


‫ور المفنناهيمي لديانننة‬ ‫‪ (19‬لحظ التطهير الثني في المسيحية والبوذية‪ ،‬حيننث التط ن ّ‬
‫)‬

‫عالمية من طريقة حياة شعب معّين ُأعطي عاجل ً أم آجل ً تعزيزا عينيا عبر النفصننال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عن الشعب الذي كانت الديانة ديانته أص ً‬
‫ل‪.‬‬
‫‪ (20‬أنظر على سبيل المثال‪ ،‬الطبري‪ ،‬ررررر‪.2216 :1 ،‬‬ ‫)‬

‫‪ (21‬أنظر على سبيل المثال القسم الخير من الشنناهد الننوارد لحقنًا‪ ،‬الهننامش ‪24‬؛‬ ‫)‬

‫أنظر أيضًا‪.Goldziher, Muslims Studies, vol. i, p. 72 :‬‬


‫‪ (22‬أبننو بكننر محمنند بننن أحمنند السرخسنني‪ ،‬رر رر ررررر رر‪ ،‬القنناهرة ‪- 1324‬‬ ‫)‬

‫‪1331‬؛ ‪24 :5‬؛ ‪.Goldziher, Muslims Studies, vol. i, p. 142‬‬


‫‪ (23‬قارن الفكرة اليهودية حول »فضل الباء«‪Bamberger, Proselytism in the Talmudic ) .‬‬ ‫)‬

‫‪.(Period, p. 151‬‬
‫دمه رواية عمننر عننن المبننادئ الننتي‬ ‫ق ّ‬
‫‪ (24‬ترابط متسلسل ملفت للنظر بين الثنين ت ُ َ‬ ‫)‬

‫يقوم عليها تنظيمه للننديوان )ابننن سننعد‪ ،‬ررر رر‪ 212 :1:3 ،‬ومننا بعنند(‪ .‬فهننو يبنندأ‬
‫بالحديث عن محمد‪» :‬إنه شرفنا وشعبه هو أشرف العننرب؛ أمننا البنناقون فهننم أدنننى‬
‫منهم‪ .‬العرب شّرفوا برسول الله«‪ .‬وهكذا فالفضل موزع بحسب النسب‪ .‬لكنه يتننابع‬
‫حديثه بالصرار على أنه‪ ،‬مهما كان نسب المرء قريبا ً مننن نسننب النننبي‪» ،‬حننتى فنني‬
‫تلك الحالة‪ ،‬والله‪ ،‬إذا جاء غير العرب بالعمال ونحن لم نأت بشيء‪ ،‬فهننم سننيكونون‬
‫أقرب منا إلى محمد يوم القيامة«‪ .‬لننو أن ررر رر نبالننة دنيويننة‪ ،‬قبائليننة أو سننواها‪،‬‬
‫فلسوف يكون لدينا فصل بين تسنناوي المسننلمين جميع نا ً باعتبننارهم مننؤمنين وعنندم‬
‫تساويهم على اعتبار أنهم أعضاء في بنيان اجتماعي فنني عالمنننا هننذا؛ لكننن والحالننة‬
‫هذه يصبح لدينا انقسام ررر مفهوم ميزتهم كمسلمين‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫رفض الفقهاء إنننزال مكانننة معتنننق النندين إلننى مكانننة‬
‫التابع‪ - ((25‬حركة عملية في اتجنناه النفكنناك مننن بنيننان‬
‫المجتمع الغازي لصالح إسلم أممي‪ .‬لكنهم مننن ناحيننة‬
‫أخرى أنجزوا هذا الرفض عننن طريننق اسننتبدال التبعيننة‬
‫دل لدينه‬ ‫بعلقة قربى والصرار على التمثل اللي للمب ّ‬
‫أو لسللة هذا الشخص‪ ،‬في الثنية العربية‪- ((26‬‬
‫إعادة تأكيد نظرية علننى التننوق الهنناجري القننديم إلننى‬
‫المّلة الثنية لشعب مختار‪ ،‬والذي وجد له دعما ً طقسيا ً‬
‫في استمرارية الختننان‪ .‬كننل الننناس مننن آدم وآدم مننن‬
‫‪(2‬‬
‫تراب؛ ومع ذلك فقد كانت العربية لغة آدم فنني الجنننة‬
‫‪ .(7‬لم تستطع الهاجريننة أن تنندعم دمننج النندين والثنيننة‬
‫فننق بيننن ذاتهننا وبيننن‬ ‫وفق النموذج اليهودي‪ ،‬ول أن تو ّ‬
‫دى التصادم‬ ‫انفصالها وفق النموذج المسيحي؛ وقد أ ّ‬
‫الثني بين الهاجرية وشعوب النتيك إلى حضارة والتي‬
‫وقعت بثبات ودون إمكانية إنقاذ بين كرسيين‪.‬‬
‫لو أن الهاجريين بنندأوا كشننعب مختننار وفننق أنمننوذج‬
‫اليهود‪ ،‬لكانوا قد أحرزوا سريعا ً عرف نا ً سياسننيا ً مختننارا ً‬
‫وفق أنموذج السامريين‪ .‬وهكذا فإن الدمننج بيننن النندين‬
‫رن بدمننج بيننن النندين والسياسننة‪ .‬وبعكننس‬ ‫والثنيننة ُ‬
‫قن ِ‬
‫حل ّننوا‬
‫المسيحيين‪ ،‬لم يكن لدى الهنناجريين سننبب كنني ي ُ ِ‬
‫مسيانيتهم الصننلية فنني روحانيننة غيننر سياسننية‪ :‬لقنند‬
‫قمعوا مسياهم‪ ،‬لكن مملكتهننم ظلننت مننن هننذا العننالم‬
‫إلننى حننند كنننبير‪ .‬وبعكنننس الجرمنننان‪ ،‬فقننند اسننتطاع‬
‫ى معياريا ً من مملكتهننم دون‬ ‫الهاجريون أن يصنعوا معن ً‬
‫مَلكيننة بربريننة‪ ((28‬ول بالتقالينند‬ ‫استعانة بتقلينند دنيننوي ل َ‬
‫المبراطورية للقاليم المغزوة‪ :‬تباين الدوار حيننن راح‬
‫الملك القننوطي أوريننك يتصننرف وكننأنه الكنناهن الكننبر‬

‫‪. Crone, The Mawali in Umayyad Period, chapter 4 (25‬‬ ‫)‬

‫‪. Ibid., chapter 4 and pp. 280, 282 (26‬‬ ‫)‬

‫دث بالسريانية‪ ،‬وحيننن تنناب‬ ‫‪ (27‬العراقي‪ ،‬ررر‪ ،‬ص‪.174‬حين طرد آدم من الجنة تح ّ‬ ‫)‬

‫سمح له أن يتحدث بالعربية ثانية‪.‬‬ ‫ُ‬


‫مَلكية البربرية البارز جدا ً في تاريخ أوروبا يبدو غائبننا ً‬
‫‪ (28‬وهكذا فالرث التشريعي لل َ‬
‫)‬

‫بالتالي عن التاريخ السلمي باعتباره تقاليد إمبراطورية‪.‬‬

‫‪238‬‬
‫ل في السلم بطريقة أنيقة‪.((29‬‬ ‫ح ّ‬
‫للطائفة الريوسية ي ُ َ‬
‫وهكننذا فننإن اسننتبدال المسننيا بكنناهن أكننبر حفننظ‬
‫الشخصننية الدينيننة جوهريننا ً لشننكل الحكننم الهنناجري‬
‫الصلي‪.((30‬‬
‫مر بالكامننل هننذه‬ ‫النتقال من سوريا إلى بابل لم ينند ّ‬
‫القداسة الجوهرية‪ .‬لكن إذا استمرت فكرة المامة في‬
‫جّرد على نحو متزايد مننن الفعاليننة‬ ‫الوجود‪ ،‬فقد كانت ت ُ َ‬
‫العملية‪ .‬سقط الكاهن الكبر بين الحاخامين‪ :‬رغم كننل‬
‫الموارد التي وضعتها السلطة والكهنوتية فنني متننناول‬
‫المأمون‪ ،((31‬فإن ابن حنبل هو الننذي كننان يحننارب فنني‬
‫ميننندانه‪ .‬ومرجعينننة الكهننننوت العلنننى فننني السنننلم‬
‫الرثوذكسي‪ ،‬رغم أنها لم تخضع قط لحتباس رسمي‪،‬‬
‫فقد كانت متآكلة بعمق‪ .((32‬لم تعد المامة منطمرة في‬
‫سياق كهنوتي أكثر اتساعًا‪ :‬أفسحت كهنوتية النمننوذج‬
‫السامري المتكاملة الطريق أمام تعايش مضطرب بيننن‬
‫كهنوت عال وأساس بناء حاخامي ‪ -‬أسنناس بننناء اعتنناد‬
‫منذ فترة طويلة على الغتراب السياسي وعلى غينناب‬
‫السلطة الحاخامية‪ ،‬والذي افتقد في شننكله السننلمي‬
‫حتى فضننالة المننوارد المنظماتيننة لليهوديننة الحاخاميننة‬
‫المتأخرة‪ .((33‬وهكذا فالنفصال الحاخامي المتميننز بيننن‬
‫ظم في السلم في صيغة إفراديننة‬ ‫التقوى والسلطة ن ُ ّ‬
‫خاصة على حساب الكهنوت العالي‪ .‬إن غيمننة الشننكوك‬
‫التي تحيط بعلقة أبي يوسف بالسلطان ترمي بثقلهننا‬

‫‪ (29‬قارن‪ .Wallace-Hadrill, The Long-Haired Kings, p. 44 :‬على نحننو مشننابه فالتقلينند‬ ‫)‬

‫الثني الكامن خلف إلحاح الثناريك القوطي على تصنيفه »كقاض« وليننس »كملننك«‬
‫لم يجد تكريسا ً دينيا ً في المسيحية‪.(.Thompson, The Visigoth in the Time of Ulfila, p. 46).‬‬
‫‪ (30‬هذه السمة بادية للعيان أيضا ً خلف مستوى العرف المركزي‪ :‬لحظ دور الحاكم‬ ‫)‬

‫القليمي القرشنني‪ ،‬المسننؤول عننن الحننرب والصننلة‪ ،‬والننذي وُط ّنند فنني مقننر إقامننة‬
‫ملصق لقدس جدران المسيجد مع مدخل خاص به )بكلمات زياد بين أبيننه‪» ،‬ليبنندو‬
‫مناسبا ً أن يعبر المام بين الشعب« البلذري‪ ،‬رررر‪ ،‬ص‪.( 347‬‬
‫‪D. Sourdel, “La politique religieuse du calife ‘Abbâside Al-Mamûn”, Revue des études (31‬‬ ‫)‬

‫‪.islamiques 1963‬لحظ على نحو خاص التأكيد على التعليم‪.‬‬


‫‪ (32‬قارن المقطع الهام من كتاب جيب ‪ Studies on the Civilization of Islam‬والذي يحمل‬ ‫)‬

‫عنوان “ ‪.”Some Considerations on the Sunni Theroy of the Caliphate‬‬


‫‪ (33‬واقع إن السننلم تنقصننه البنننى المراجعيننة وذلننك بالمقارنننة مننع المسننيحية هننو‬ ‫)‬

‫انعكاس جزئي لنهيار اليهودية على الصننعيد المنظومنناتي‪ :‬انسننلخت المسننيحية عننن‬
‫اليهودية حين كان مننا يننزال هنالننك سنننهدرين والننذي خرجننت منننه التننوراة إلننى كننل‬
‫إسرائيل‪ .‬لكنه يعكس تنازل ً داخليا ً للهاجرية بمعنننى أنننه فنني حيننن تبنندو رررررر ر‬
‫اليهودية مؤسسة أكاديمية‪ ،‬رررررر السلمي ليس غير حدث عرضي أكاديمي‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫على موثوقيته كناقل للتقليد الديني‪ ،((34‬العننناد الهننادئ‬
‫الذي واجه به ابن حنبل بنوع من اللمبننالة الضننطهاد‬
‫الذي عانى منه على يد المأمون والحسان الذي عننانى‬
‫منننه علننى ينند المتننوكل‪ ،((35‬والتص نّلب الطقوسنني لداء‬
‫ل هننذه‬ ‫ض ‪ ،((36‬كنن ّ‬
‫سننحنون فنني دور غيننر مرغننوب لقننا ٍ‬
‫مواضيع مميزة لثقافة تكمن فيها الفضيلة الدينية ليس‬
‫في الممارسة التشريعية للسلطة السياسننية‪ ،‬بننل فنني‬
‫وث بها‪.‬‬ ‫اجتناب التل ّ‬
‫إن هروب التقوى والتعليم إلى الحاخامية ترك أثواب‬
‫السننلطة الكهنوتيننة باليننة علننى نحننو متزاينند‪ .‬فعلننى‬
‫المستوى العقيدي‪ ،‬لم تكن السننس الننتي أقننام عليهننا‬
‫العباسننيون الوائل مزاعمهننم التشننريعية مقبولننة فنني‬
‫السلم الرثوذكسي‪ ،((37‬في حين أن السس التي أقر‬
‫منرت‬ ‫عليها السلم الرثوذكسي بشنرعية العباسنيين د ّ‬
‫مغزى الثننورة العباسننية‪ .((38‬وعلننى الصننعيد السياسنني‪،‬‬
‫تننوقفت المامننة باعتبارهننا العننرف المركننزي لشننكل‬
‫الحكم السلمي عن أن تكون فاعلة بشكل أو بننآخر‪ :‬ل‬
‫يهم من وجهننة النظننر هننذه مناإذا أقمنننا موقفنننا علننى‬
‫مَلكيننة‬ ‫‪((39‬‬
‫ولة للكسننل العباسنني ‪ ،‬إنبعنناث ال َ‬ ‫الهانة المط ّ‬
‫‪((40‬‬
‫فنني الشننرق ‪ ،‬أو بخننس شننرفية لقننب الخليفننة فنني‬
‫‪((41‬‬
‫منا المامنة السننية‪ ،‬فقنند منالت‪ ،‬بقندر منا‬ ‫الغنرب ‪ .‬أ ّ‬
‫استمرت في تواجنندها‪ ،‬لن تصننبح إمامننة شننرفية أكننثر‬
‫منهنا إمامنة هوينة‪ ،((42‬وصننار السننلم السنّني كمننذهب‬
‫دد بواقننع السننلطة‬ ‫سياسي يهتم بإقرار شننبه غيننر مح ن ّ‬
‫السياسية أكننثر مننن اهتمننامه بتكننوين سننلطة سياسننية‬
‫‪ (34‬أنظر‪. Goitein, Studies in Islamic History and Isntitutions, p. 205 :‬‬ ‫)‬

‫‪ (35‬أنظر‪. W. M. Patton, Ahmed ibn Hanbal and the Mihna, Leyden 1897, pp. 141 - 54 :‬‬ ‫)‬

‫‪ (36‬أنظر‪. .Talbi, L’émirat Aghalbide, pp. 232-46 :‬‬ ‫)‬

‫‪ (37‬حتى وقت متأخر كخلفنة المهندي ‪،‬لنم يكنن ممكننا ً تصننيف المنذهب العباسني‬ ‫)‬

‫بالمعايير السنية إل على أنه من نمط رافضي )النوبختي‪ ،‬رررر ر رر ررر ررر‪ ،‬ص‬
‫‪.(43‬‬
‫‪. ’Encyclopaedia of Islam. art. ‘Imama (38‬‬ ‫)‬

‫‪ (39‬قارن الهامش ‪ 35‬من الفصل الخامس‪.‬‬ ‫)‬

‫‪;Madelung, “The Assumption of the Title Shahanshah (40‬؛ قابل معارضة التقليد الديني‬ ‫)‬

‫)وهو موروث عن اليهودية مباشرة( للقب »ررر ررررررر«)‪.(ibid., p. 84‬‬


‫‪. M. van Berchem, “Titres califiens d’Occident”, Journal asitique 1907 (41‬‬ ‫)‬

‫‪ (42‬أمثلة تنتراوح مننن الضنفاء السننخي للخلفنات عنند الندواني علننى كنل الحكننام‬ ‫)‬

‫الصالحين‪ ،‬دون استثناء لولي نعمته ازن حسن ) ‪A. K. Lambton,” Quis custodie custodes:‬‬
‫‪Some Reflection on the Persian Theory of Government”, Studia Islamica 1950 bis, part one, p.‬‬
‫‪ (146‬إلى الطموحات الشاذة للملك فاروق ‪Egypt and the Caliphate” in his The Chatbam‬‬
‫‪.(House Version‬هنالك بالطبع استثناءات جزئية‪ ،‬وبشكل خاص مراكش الشراف‪.‬‬

‫‪240‬‬
‫‪((43‬‬
‫ملة هي إنننزال‬ ‫شرعية ‪ .‬وكانت عملية الصيرورة المك ّ‬
‫مرتبننة الحكومننة المقدسننة إلننى مرتبننة ريننف شننبه‬
‫هرطقي‪ .‬وفي »الحياة المنعزلننة« للمننامتين الباضننية‬
‫ول الكهنننوت العننالي إلننى شننرعة قابلننة‬ ‫حنن ّ‬
‫والزيديننة‪ُ ،‬‬
‫للحينناة معياريننا ً فقننط وسننط السياسننات القبائليننة‬
‫القديمنننة والحرماننننات المادينننة الفاحشنننة للجبنننال‬
‫والصننحاري‪ ،‬أنمننوذج لحكومننة ذات تعنناطف أيننديولوجي‬
‫حميم مع سننيرة النننبي ذاتننه فنني دواخننل شننبه جزيننرة‬
‫العرب‪.‬‬
‫كان البديل للمامة تبني الثقافة السياسية للشننعوب‬
‫وة‪ .‬وكما هي الحال مع القبول ققق ق ققققق ق ‪de‬‬ ‫المغز ّ‬
‫‪ facto‬بالهوية الممية‪ ،‬فقد كان هذا مسارا ً هننو فنني آن‬
‫مقحم على الهاجريين من قبل وضعهم كغننزاة برابننرة‬
‫وممنوع عليهم عبر قيمهم اليهودية؛ ومن جدينند كننانت‬
‫النتيجة معقدة ومتنافرة‪ .‬فمن ناحية‪ ،‬رفض الهاجريون‬
‫التقاليد المبراطورية التي سمح بفضلها لحكومة عالم‬
‫مدني بننالمرور باعتبارهننا شننرعية‪ .‬ولنهننم لننم يكونننوا‬
‫مجنننّرد مسنننلمين‪ ،‬فهنننم لنننم يسنننتطيعوا القبنننول‬
‫بالمبراطوريات بطريقة المسيحيين؛ ولنهم لم يكونوا‬
‫مجننّرد عننرب‪ ،‬فهننم لننم يسننتطيعوا إحياءهننا بطريقننة‬
‫الفرنكييننن‪ .‬و مننا احتفننظ بننه المسننلمون مننن الفكننر‬
‫السياسي ليننران الزرادشننتية لننم يكننن فنني المحاولننة‬
‫الخيرة قيمننه بننل معننناه العننام‪ :((44‬صننارت السياسننات‬
‫اقتصاديات ققق قق ققق‪ .((45‬وبذلك كننان زوال الشننرعية‬
‫ل‪ :‬لنه لننم يكننن قننادرا ً بحنند‬
‫السياسية خارج الريف كام ً‬
‫ذاته على إضفاء تشريعية إيجابية علننى حكومننة مجتمننع‬
‫مننر السننلم فنني الننوقت ذاتننه المننوارد‬ ‫منندني‪ ،‬فقنند د ّ‬
‫‪ (43‬قارن عبننارة ابننن جماعننة الشننهيرة الننتي تننرد فنني شننهادة حننول نضننج الشننرق‬ ‫)‬

‫الوسط لن تتولى السلطة فيننه الشننيوعية فنني عمننل ب‪ .‬لننويس‪Communism and“ ،‬‬
‫‪.Islam”, in W. Z. Laqueur (de.), The Middle East in Transition, London 1958, p. 319‬‬
‫كي »المرايا لجل المراء« النموذج الساساني ليننس لجننل ذاتننه‬ ‫‪ (44‬لحظ كيف يز ّ‬ ‫)‬

‫بل كنوع من »العدالة النفعية«‪ ،‬كتقنية للمحافظة على التنوازن النبيئوي فني مجتمنع‬
‫مستقر )أنظر على سبيل المثال‪A. K. S. Lambton, “Justice in the Medieval Perssian :‬‬
‫‪.(Theory of Kingship”, Studia Islamica, 1962, pp. 100, 107, 118‬‬
‫‪ (45‬قارن‪L. Dumont, “The Conception of Kingship in Ancient India”, in his Religion / :‬‬ ‫)‬

‫‪.(Politics and History in India, Paris/ The Hague 1970, p. 80 (on the Arthasastra‬‬

‫‪241‬‬
‫التشريعية للتقاليد التي غزاها‪ .‬من ناحية أخننرى‪ ،‬فقنند‬
‫كننان علننى الهنناجريين بالضننرورة أن يسننرمدوا الجهنناز‬
‫الداري للحكومننة المبراطوريننة فنني الراضنني الننتي‬
‫أخضعوها؛ لكنهم لم يستطيعوا إضفاء الطابع الشرعي‬
‫عليه وذلك بلغة قيمهم الدينية الخاصننة‪ ،((46‬كننذلك فقنند‬
‫كانت قدرتهم أقل على إعادة صننياغة تلننك القيننم كنني‬
‫تلّبي حاجنناته‪ .((47‬فنني تاريننخ الصننين ثمننة تننوتر عضننوي‬
‫وحمينننم بينننن النظرينننة الكونفوشيوسنننية والعنننرف‬
‫المتمسننك بالشننرع‪((48‬؛ أمننا بيننن النظريننة السننلمية‬
‫والعرف الماقبل إسلمي فهنالك ببساطة خليننج فنناغر‬
‫فمه‪.‬‬
‫الحكننم المننبراطوري وأسسننه الجتماعيننة ظنناهرة‬
‫معقنندة ومحاكيننة لمننا قبلهننا‪ ،‬ومثننل هننذا الحرمننان مننن‬
‫الموارد التشريعية ليس أمرا ً تافهًا‪ .‬فهو أول ً يفعل شيئا ً‬
‫فنني سننبيل تفسننير زوال الطبقننة الرسننتقراطية فنني‬
‫السلم‪ :‬ل نتفاجأ إذا وجدنا طبقة الغزو الرسننتقراطية‬
‫القبائلية وقد تفسخت في وقت مناسب‪ ،‬لكن منا يلفنت‬
‫نظرنننا‪ ،‬هننو أنننه بنندل ً مننن أن تفسننح المجننال لطبقننة‬
‫ارستقراطية إمبراطورية جديدة فقنند خسننرت سننلطتها‬
‫لصالح القادة وققققق لصالح الولياء ‪ -‬إنفصنال إسنلمي‬
‫متميز ‪ .((49‬ثانيًا‪ ،‬إن ندرة الموارد التشريعية التي هي في‬
‫متناول يد الحكام المسلمين تساعد في تفسير الحقيقة‬
‫القائلة إن جيش الغزاة القبائلي لم يفسح المجال أمننام‬
‫فيننالق هاجريننة بننل أمننام ققق قققق مسننتوردين‪ ،‬وهننم‬
‫‪ (46‬تحمل البرديات المصرية شهادة بليغة علننى أسننلمة عبنند الملننك للغننة الننديوان؛‬ ‫)‬

‫كنرا ً‬
‫ح ْ‬
‫فار لبعض قرون‪ ،‬أي أنه بقني ِ‬ ‫لكن طرائقه وجملة الموظفين فيه ظلوا من الك ّ‬
‫على القباط وهو ما كان يبرر بكمد على أساس الحاجة‪ ،‬لكنهم لم يطننردوا منننه فنني‬
‫نهاية المر إل حين أجهض عننرف الحكومننة المسننلمة ذاتننه علننى يند عنرق آخننر منن‬
‫الكفار‪ ،‬هم البريطانيون‪) .‬أنظر‪D. S. Richards, “The Coptic Bureaucracy and the Mamluks, :‬‬
‫‪and A. H. Hourani, The Syrians in Egypt in the Eighteenth and Nineteenth Centuries”, p. 228, both‬‬
‫‪in Colloque International sur l’Histoire du Caire, Gr‬ن‪ .(.fenhainichen n.d‬قننارن الثقافننة‬
‫الدنيوية والماقبل إسلمية المريبة للننوزراء العباسننيين وللوسننط الننذي خرجننوا منننه‪.‬‬
‫‪.Sourdel, “Le Vizirat ‘abbâside, pp. 570ff‬‬
‫ً‬
‫‪ (47‬قارن المشروع الذي قدمه ابن المقفع‪ ،‬والننذي كننان الخليفننة وفقنا لننه سننيفعل‬ ‫)‬

‫بالشرع السلمي ما فعله يوستنيانوس بالشرع الروماني‪.‬‬


‫‪J. R. Levenson, Confucian China and its Modern Fate, Berkeley and Los Angeles 1968, vol. (48‬‬ ‫)‬

‫‪. ii, part two‬‬


‫‪ .Crone, The Mawali in Umayyad Period, chapter 4 (49‬مننن أعننراض زوال الطبقننة‬ ‫)‬

‫الرستقراطية أيضا ً بروز التجار والماء والجواري‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫ظاهرة إسلمية مميزة ‪ .((50‬وحصننيلة ذلننك كننانت أسننلوب‬
‫حكم والننذي هنو لننم يسننتطع‪ ،‬رغننم أنهننم ائتلفنوا علننى‬
‫اعتبنناره مسننلما ً تقريبننًا‪ ،‬أن يكننون إسننلميا ً علننى وجننه‬
‫الخصوص فقط‪.‬‬
‫وهكننذا فقنند وقننع شننكل الحكننم السننلمي ضننحية‬
‫لمؤامرة القوة والقيمة اللتين أدان لهما بوجوده أصن ً‬
‫ل‪.‬‬
‫فالعدائيننة القبائليننة القديمننة تجنناه الحكومننات الغريبننة‬
‫والجننائرة للمجتمعننات المسننتقرة اتفقننت مننع اغننتراب‬
‫الحاخامين عن دنيوية السلطة السياسية الموجود كّلها‪،‬‬
‫وكننانت النتيجننة أن المخيلننة السياسننية للسننلم ظل ّننت‬
‫مثبتة على الصحراء‪ .‬هذا التثبت ليس دون تشابه معين‬
‫مننع إحنندى القيننم الرئيسننة لفهننم الشننيوعية الصننينية‬
‫والننتي يمكننن التعننبير عنهننا بننالقول »أحمننر خيننر مننن‬
‫خبير«‪ :‬فضيلة سياسية تستوطن في تواصلية القداسة‬
‫الصارمة قققق قققققق في ينان‪ ،‬وليس في السفسطة‬
‫التكنوقراطية الدنيوية لساحل كانتون والذي كان علننى‬
‫قققق ققققق المنناويين أن يغننزوه فنني نهايننة المننر‪.((51‬‬
‫ومهما كان مستقبل الحمرار والخبرة في الصين‪ ،‬فننإن‬
‫المحاولة العباسية لن تكون أسودا ً وخبيرا ً كانت فاشلة‪.‬‬
‫ب التاريخ السلمي‪ .‬فمننن جهننة لنندينا‬ ‫قطِ َ‬ ‫وبعد ذلك است ُ ْ‬
‫الماميننات فنني الريننف‪ ،‬والننتي كننانت أمينننة للوانهننا‬
‫ومحرومة من الخبرة؛ ومن جهنة أخنرى‪ ،‬اختلط السنواد‬
‫والخننبرة فنني السننتكانية الرماديننة للمجتمننع المسننلم‬
‫المستقر‪ .‬وهكذا فالتاريخ السلمي متمّيز بخطر الغارة‬
‫القبائلية على المجتمع المستقر والتي هي ليست مادية‬
‫فقط‪ ،‬كما في حالة الصين التقليدية‪ ،‬بل ايضنا ً أخلقيننة‪،‬‬
‫كما تمّيزت السياسات السلمية بانفصال أساسنني بيننن‬
‫الحكومة المقدسة والحضارة‪.‬‬
‫في حقل الثقافة يتكّرر شيء من العلقة ذاتها بيننن‬
‫السلم والحضارة التي غزاها‪ .‬فمن ناحيننة‪ ،‬لنندينا إرث‬
‫ملة ببطولتهننا‬ ‫كان كنز الهاجريين الخاص‪ :‬ققققققق مكت ّ‬
‫وشعرها‪ ،‬والننتي حنّررت المسننلمين مننن التكننال علننى‬
‫كلت السنناس لثقافننة أدبيننة‬ ‫جاهليننة اليونننانيين‪ ((52‬وش ن ّ‬
‫‪ ,.Ibid (50‬الرومان بالمقابل لم يقتنوا المماليك إل بدافع المتعة فقط‪.‬‬ ‫)‬

‫‪ (51‬قارن‪J. Dunn, Modern Revolutions: An Introduction to the Analysis of a Political :‬‬ ‫)‬

‫‪. Phenomenon, Cambridge 1972, p. 94‬‬


‫‪ (52‬والذي ل يعني بالطبع إنكار مطابقة النموذج اليوناني لمقتضى الحال‪ .‬فلو كانت‬ ‫)‬

‫العربية بحاجة لن تفرق إلى لغة أتيكية وكوينه ]لغة التخاطب المشننتركة بيننن أقننوام‬

‫‪243‬‬
‫إسلمية‪ .‬لقد أمكن للصينيين أن يشننيروا باحتقننار إلننى‬
‫رائحننة الغنننم الننتي أفسنندت شننعر ققق قق السننللة‬
‫مال‪ .‬مع ذلك‬ ‫ج َ‬‫البربرية‪ ،‬لكن الشعر العربي قق رائحة ال ِ‬
‫فلو استطاع هذا الرث في صنيغة مدروسننة كمنا يجنب‬
‫ل ثقافة النتيك الدبية‪ ،‬فهو‬ ‫ل بالكامل تقريبا ً مح ّ‬
‫أن يح ّ‬
‫لم يستطع إنجاز الخدمننة ذاتهننا للمسننلمين فنني نطنناق‬
‫الفكر المنظوماتي‪ .‬قققققققق ق العربية تطنورت علننى‬
‫نحو مختلف جدا ً عن قققققق اليونانيين‪ :‬كننان الحننناف‪،‬‬
‫ددوا الطريننق‬ ‫وليس الماقبل سقراطيين‪ ،‬هم الننذين ح ن ّ‬
‫من الجهل إلى الحكمة في صحراء شبه جزيرة العننرب‪،‬‬
‫وكننان نننبي‪ ،‬وليننس فيلسننوفًا‪ ،‬هوالننذي أدان وثنيننة‬
‫الشعراء‪ .‬أن تفكر فقد كننان يعننني أن تفكننر بمفنناهيم‪،‬‬
‫والمفاهيم كانت نتناج تطننور ثقنافي لليوننانيين‪ .‬ومنن‬
‫ناحية المبدأ‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬لم يستطع السلم تمّثل الفكر‬
‫اليوناني ول التعننايش معننه؛ مننع ذلننك فالمسننلمون لننم‬
‫يسننتطيعوا إنكننار تقنيننات الفكننر المتحضننربأكثر مننا‬
‫اسننتطاعوا إنكننار تقنيننات حكومننة متحضننرة‪ .‬وكننانت‬
‫النتيجة ثقافة منزوعة من مكانها بعمق‪.‬‬
‫أكثر المثلننة شننمولية علننى هننذا النننتزاع هننو ذبننول‬
‫التماسك الفكري والمعنى الشعوري في بنيننان الكننون‬
‫السننلمي‪ .‬وفنني هننذا المجننال كننان المسننلمون ورثننة‬
‫لعننالمين مؤسسننين منننذ زمننن طويننل‪ ،‬وهمننا عننالم‬
‫العننبرانيين وعننالم اليونننانيين‪ .‬كننان العننبرانيون شننعبا ً‬
‫صغيرا ً يعيش ملتصقا ً بإلهه الثني الفريد‪ .‬وكان لصننغر‬
‫ميزان هذا العالم وضيق بننؤرته أثننران تكامليننان‪ .‬فمننن‬
‫ناحية‪ ،‬كان عالمنا ً إختيارينًا‪ :‬لننم يكننن ثمننة دعننوة لرادة‬
‫معتمنند‪.‬‬‫إلهه كي تأخذ صبغة عرفية في شننكل نظننامي ُ‬
‫دلت السنننتبدادية‬ ‫عننن ّ‬
‫ومنننن الناحينننة الخنننرى‪ ،‬فقننند ُ‬
‫بالحميمية‪ :‬ثورات يهوه الشرسة كانت خطرة على نحو‬
‫مفزع للمعنيين بالمر‪ ،‬لكنها كانت أيضا ً مفهومننة علننى‬
‫نحو يعيد الحساس بالطمأنينة‪ .‬اليونننانيون‪ ،‬بالمقابننل‪،‬‬
‫ولوا العننالم إلننى‬ ‫وضعوا آلهتهم في نصابها الصحيح وح ّ‬
‫عمليننة المفنناهيم المنظمننة والمتسننقة‪ .‬وسننواء أقمنننا‬
‫لهننم لغننات مختلفننة[‪ ،‬لحتنناجت إلننى تقلينند القواعنند اليونانيننة كنني تحننافظ عليهمننا‬
‫منفصننلتين؛ وإذا أراد القننرآن أن يكننون معجننزة كمننال السننلوب‪ ،‬لحتنناج إلننى كننل‬
‫سفسطة التقليد البلغي اليوناني ليظهر كيف كان ذلك‪) .‬لحظ كيف ظل المننرء فنني‬
‫سوريا يتعلم التيكية في قنسرين‪Michael the Syrian, Chronique, vol. iv, p. 447 = vol. ii, )) ،‬‬
‫‪.(p. 475‬‬

‫‪244‬‬
‫موقفنا على محاولننة زرع معنننى ميتننافيزيكي جننوهري‬
‫في الكون في تقليد الرواقيين‪ ،‬أو على محاولة تعريته‬
‫لصالح سببية مادية ل هوادة فيها ول ليننن‪ ،‬فننالمر مننن‬
‫وجهة النظر هذه غيننر هننام‪ .‬ففنني أي مننن الطريقيننن‪،‬‬
‫كننان الكننون اليوننناني كونننا ً خاليننا ً مننن السننتبدادية‬
‫الشخصية‪.‬‬
‫بمعنى من المعاني فقد كان عالم العبرانيين وعننالم‬
‫اليونننانيين مختلفيننن إلننى درجننة أنننه كننان مننن العبننث‬
‫محاولنننة التوفينننق بينهمنننا‪ .((53‬فاللهنننة الشخصنننية‬
‫والمفاهيم غير الشخصية ل تصنع كنني تختلننط‪،‬حقيقننة‬
‫بقدر مننا هنني محجوبننة علننى نحننو مننؤلم فنني اللهننوت‬
‫المسيحي بقدر ما هي مكشوفة على محننو مفننرح فنني‬
‫الميثولوجيننا الشننيفية‪)((54‬مننن شننيفا(‪ .‬تسننتطيع اللهننة‬
‫ى أخلقيننا ً آنيننا ً للكننون ‪،((55‬‬
‫الشخصننية أن تصنننع معننن ً‬
‫ى‬‫وتستطيع المفاهيم غير الشخصية أن تصنننع لننه معن ن ً‬
‫سننببيا ً بعينندًا‪ ،‬لكننن مننن المسننتحيل إيصننال النندفء‬
‫الشعوري والمنظومننة المفاهيميننة إلنى الحنند القصننى‬
‫علننى نحننو مننتزامن‪ .((56‬إن أيننة ديانننة تقيننم لهوتننا ً‬
‫ظوماتيا ً على أسس من قنندرة اللننه البديهيننة سننوف‬ ‫من ّ‬
‫ذب بالتنننالي بقلنننق المعتزلنننة بشنننأن اللتماسنننك‬ ‫عننن ّ‬
‫تُ َ‬
‫ً‬
‫الخلقي الحاصل‪،‬تمام نا مثلمننا أن الديانننة الننتي تقيننم‬
‫لهوتا ً منظوماتيا ً على أسس من خيره البديهي سننوف‬
‫توّلنند قلقننا ً زورفانيننا ً بشننأن عنندم التماسننك السببننني‬
‫ل وسط بين العالمين كننان ممكن نا ً‬ ‫الحاصل‪ .‬مع ذلك فح ّ‬
‫عمليًا‪ ،‬بننل ل غنننى عنننه‪ ،‬خننارج حميميننة الغيتننو الثنيننة‬
‫المعزولة‪ .‬وإذا ُأمكن تمثل العننبرانيين بهرطقننة أخننذت‬
‫خطا ً لينا ً عند المفاهيم‪ ،‬واليونان بمدرسة أخننذت علننى‬
‫نحو مشابه خطا ً لينا ً عند اللهة‪ ،‬فمن الواضح أنه كننانت‬
‫هنالننك إمكانيننات للتوفيننق بيننن الطرفيننن وخلطهمننا‬

‫‪ (53‬قارن تفاسير غالن ‪ ،Galen‬وبشكل خاص مناقشته لمسألة الخلق رر ررر رر ‪ex‬‬ ‫)‬

‫جاني السمى ) ‪R.Walzer, Galen on Jews and Christians, London‬‬ ‫‪ nihilo‬باعتباره الفعل الم ّ‬
‫‪.(1949, pp. 23 - 37‬‬
‫‪ (54‬قارن‪ W. D. O. O’Flaherty, Asceticism and Eroticism in the Methology of :‬ن ‪iva, London‬‬ ‫)‬

‫‪.1973‬‬
‫ى يحفل بالتفكير الكثير‪ ،‬قارن سفر أيوب‪.‬‬
‫‪ (55‬مع أنه ليس معن ً‬
‫)‬

‫‪ (56‬بقدر مايكون البوذيون والماركسيون نائين عن النجاح في هننذا وفنني أي موقننع‪،‬‬ ‫)‬

‫فإن الطرفين على حد سواء يصلن إلى ذلك بفضل مصدر يقبع خننارج هننذا الكننون‪:‬‬
‫ما يفعله النقراض للبوذية يعمله المستقبل للماركسية‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫ببعض‪ .‬لننم يكننن ممكننا ً تحقيننق إصننلح ذات الننبين بيننن‬
‫الحاخامين والبيقوريين؛ لكن المسننيحيين والرواقييننن‬
‫كان باستطاعتهم الوصننول إلننى تفنناهم‪ .‬فمننن ناحيننة‪،‬‬
‫خَنس الله العبراني إلى مسافة ميتافيزيكيننة مناسننبة‪:‬‬ ‫َ‬
‫حيث البحث المسيحي المتواصل عن حضورات روحانية‬
‫أكثر حميمية ومألوفية‪ ،‬رغم التأكيدات المتكننررة حننول‬
‫العطف اللهي‪ .‬لكن من ناحية أخرى‪ ،‬فقد تعّلننم يهننوه‬
‫في نهاية المر أن يندب مفوضنا ً عنننه‪ :‬رغننم التجننددات‬
‫المتواترة لجريان الكون العجائبي‪ ،‬فإن جريانه الفعلنني‬
‫د كبير للمفاهيم‪ .‬ورغننم أن اللننه‬ ‫م التخّلي عنه الى ح ٍ‬ ‫ت ّ‬
‫المسيحي يظل في نهاية المر طاغيننة‪ ،‬فهننو مننع ذلننك‬
‫إله مستنير إلى حد مناوفق المعننايير الهلينيننة‪ .‬لننم يعنند‬
‫ُيعطى بحد ذاتننه إلننى فعننل مجهنند للغايننة؛ لكنننه أظهننر‬
‫ثبوتية تعويضية‪،‬كرمز فوق الشرائع غير الشخصية‪ .‬لقد‬
‫أفسحت اللهة الغيورة اليهودية المجننال لجننوهر إلهنني‬
‫يوناني‪ ،‬تماما ً مثلما أفسح السننلوك التقننوي الحاخننامي‬
‫المجال لرثوذكسية الساقفة المفاهيمية‪.‬‬
‫المسلمون‪ ،‬بالمقابل‪ ،‬ورثوا أسننوأ مننافي العننالمين‪.‬‬
‫والمواجهة بيننن الرثيننن حنندثت وفننق شننروط مختلفننة‬
‫للغاية‪ .‬كانت نتيجة الغزو الهاجري إخننراج التوحينند فنني‬
‫أصلب أشننكاله الحاخاميننة مننن الغيتننو ؛ لكننن بالمقابننل‬
‫فأولئك الذين يغزون العالم ل يسننتطيعون أن يرفضننوا‬
‫بعزم ثابت المحاولة لخلق معنننى سببننني منننه‪ ،‬فننالغزو‬
‫أعطى الهاجريين مسننلكا ً سننهل ً إلننى المننوارد الهلينيننة‬
‫التي تطلبتها المحاولة‪ .‬وكانت النتيجة التنننافر الننذي ل‬
‫سننبيل إلننى تسننويته بنندل التسننوية المسننيحية‪ .‬وحيننن‬
‫ددت أرثوذكسننية مفاهيميننة بتننوّلي إدارة غيتننو مبننالغ‬ ‫ه ّ‬
‫وروا‬ ‫دده‪ ،‬كان على الحاخامين المسلمين أن يطنن ّ‬ ‫في تم ّ‬
‫بأنفسننهم دوغماتيننة لننم يكننن لهننا مكننان فنني التقلينند‬
‫خُتزلت السمات الحميمية للههم الشخصي‬ ‫الحاخامي‪ :‬ا ْ‬
‫إلى تشبيهية ]نسبة الصفات البشرية إلى اللننه[ بنناردة‬
‫سر بتجهيلية نظرية غير عملية‪ .((57‬فنني الننوقت ذاتننه‬ ‫ُتف ّ‬
‫ُأجبر اللهوتيون على تطوير لوديننة ‪ Luddism‬مفاهيميننة‬

‫‪ (57‬قارن ملحظة الغزالي الشهيرة الننتي مفادهننا أن الشننرط الساسنني كنني يثبننت‬ ‫)‬

‫إنسان على دين ما هو أن عليه أن ل يعلم أنه تقليدي‪ :‬حين يكننون الحاخننام اليهننودي‬
‫الذي يؤمن ررر ررر تقليديا ً من منظور الغزالي‪ ،‬فالحاخام المسلم الذي يؤكد علننى‬
‫رررررررر الخاصة به بنوع من الشعور بالذات فقد هذه النعمة‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫لم تكننن جننزءا ً منن التقلينند الفكننري‪ :‬اخننتزلت مفنناهيم‬
‫الكننون النيقننة غيننر الشخصننية إلننى تصننادفية معاديننة‬
‫للمفنناهيم‪ ،‬وهننو دمننج شنناذ لراديننة مؤمنننة بوجننود إلننه‬
‫وذَّرية ‪ atomism‬ملحدة للنندفاع عننن سننيادة إلننه عننبراني‬
‫في وجه حيل السببية الهلينية‪ .‬ومثل اللننه المسننيحي‪،‬‬
‫خَنس الله ]إله المسلمين[ عن عالم أتباعه‪ :‬ففي حيننن‬ ‫َ‬
‫تعاهد العبرانيون مع إلههم‪ ،‬استسلم الهنناجريون ليننس‬
‫إل‪ ،‬وفي حين صعد موسى الجبل ثم نزله حامل ً لللواح‬
‫قنى محمنند آيناته الموحناة عنبر‬ ‫ومصلحا ً لذات النبين‪ ،‬تل ّ‬
‫وساطة تابع ملئكي‪ .‬لكن بعكننس اللننه المسننيحي‪ ،‬لننم‬
‫وض الله عن هذا البتعنناد بننأن يعل ّننم التفننويض‪ :‬لقنند‬ ‫يع ّ‬
‫أضاع حميمية الله العبراني لكنه استبقى اسننتبداديته‪،‬‬
‫وتوقننف عننن أن يكننون حضننورا ً ماديننا ً دون أن يصننبح‬
‫جنوهرا ً ميتافيزيكينًا‪ .‬وبعنند أن انقطعننت شخصنية اللنه‬
‫العننبراني عننن السننياق المحتننوي »للحينناة المعزولننة«‬
‫الثنية‪ ،‬لكن دون أن تمسها المفاهيم الكوزموبوليتانيننة‬
‫للمننم‪ ،‬افسننحت المجننال أمننام قنندرة غريبننة وغامضننة‬
‫أفرغننت الكننون مننن النندفء الشخصنني والمنظومننة‬
‫اللشخصية على حنند سننواء‪ .‬ونتننائج هننذا الفننراغ تبنندو‬
‫سريعة التفشي على نحو مدهش في السلم المتأخر‪.‬‬
‫فمننن جهننة نجنند فنني كننل مكننان تقريبننا ً مننن العننالم‬
‫السلمي المحاولة لستعادة الدفء المفقود وذلك من‬
‫رم كحاخام من إلهه الشخصي‪،‬‬ ‫ح ِ‬‫خلل الصوفية‪ :‬بعدما ُ‬
‫استسلم للصوفية‪ ،‬حتى لننو كننان حنبلي نا ً قاسننيا ً للغايننة‬
‫مثننل ابننن تيميننة‪ .((58‬ومننن ناحيننة أخننرى‪ ،‬لنندينا الدراك‬
‫الجرد لكون دون معنى أخلقي أو سببي والننذي يمّيننز‬
‫السلم الشننعبي‪ :‬انحننط التسننليم لللننه إلننى نننوع مننن‬
‫التنجيم التصادفي‪.‬‬
‫في مستوى أقل سموا ً نوعا ً مننا‪ ،‬كننان هننذا التفاعننل‬
‫يعني أن المسلمين ورثوا سننببية العننالم اليوننناني دون‬
‫أن يرثننوا معننناه الفلسننفي‪ .‬فإراديننة قاسننية هنني فنني‬
‫نهاية المر نوع من رديننف لهننوتي للماميننة الباضننية‪:‬‬
‫دد دقيق في المبدأ‪ ،‬لكنه ل يساعد كثيرا ً في العننالم‬ ‫تش ّ‬
‫‪G. Makdisi, ‘Ibn Taymiya: a Sufi of the Qadiriya Order’, The American Journal of Arabic‬‬ ‫‪(58‬‬ ‫)‬

‫م الصوفية بالطبع غير آمنة بنيويا ً في ديانة لم يكن ممكن نا ً فيهننا‬


‫‪ ،Studies 1973‬كانت ن ِعَ ُ‬
‫استرداد الحميمية اليهودية الضائعة عبر الشكل المسيحي للسننر‪] .‬صننوفية ‪Mysticism‬‬
‫من سر ‪.[Mystery‬‬

‫‪247‬‬
‫ضر حيننن يصننل إلننى مرحلننة القيننام بننالمور‪ .‬بننل‬ ‫المتح ّ‬
‫يجب على أنصار إله تصننادفي أن يصننلوا إلننى نننوع مننن‬
‫التكيننف السننلوكي مننع الحقيقننة الننتي مفادهننا أنهننم‬
‫يعيشون في كون له نوع من الستقللية السببية‪ .‬فنني‬
‫عننالم كهننذا يبنندو أن علومننا ً كننالطب والنجامننة تمّثننل‬
‫تقنيات سلطة متلعبة وتكهنية هائلة الحجم‪ .‬وكمننا لننم‬
‫يسنننتطع الحك ّنننام المسنننلمون السنننتغناء عملينننا ً عنننن‬
‫التقنيات المالية للعالم الماقبل إسلمي بفضل التقّينند‬
‫بالحرفية النظرية غير العمليننة‪ ،‬كننذلك تمام نا ً فهننم لننم‬
‫يسننتطيعوا أيضننا ً أن يتنناح لهننم العمننل دون خنندمات‬
‫جميه بفضل تصننادفية نظريننة غيننر عملي ّننة‪.‬‬ ‫أساتذته ومن ّ‬
‫النبياء غير المتعلمين جميعا ً هم على غاية ما يرام في‬
‫امور الدين؛ لكن في أمور العلم الليسكنويون ‪Lysenkos‬‬
‫تننرف أيننديولوجي مكلننف‪ .‬وهكننذا فالسننوق المتواصننلة‬
‫قرِنننت‬ ‫لعدالة الفننرس المسنناعدة علننى قضنناء الغننرض ُ‬
‫بسوق متواصلة لعلم اليونننانيين المسنناعد علننى قضنناء‬
‫الغرضنن‪ .((59‬لكننن إذا كننان العننرف أمننرا ً ل غنننى عنننه‪،‬‬
‫فالنظرية لم تكن مقبولة؛ وحقل القيم الكننثر اتسنناعا ً‬
‫والذي كانت بفضله علوم اليونانيين أكننثر مننن تلعبننات‬
‫سحروية ظل مشبوها ً بعمق في السلم‪.((60‬‬
‫وهكننذا فننإن عنندم تماسننك الحضننارة السننلمية فنني‬
‫أبعادهننا المكونننة مننن الثنيننة‪ ،‬شننكل الحكننم والنظننرة‬
‫العتبارة هو عدم تماسننك متناسننق علننى نحننو ملفننت‪.‬‬
‫دم التكريس الديني‬ ‫ربما كان لهاجرية اختصاصية أن تق ّ‬
‫هر‬ ‫صن ْ‬‫د ما‪َ :‬‬‫»لحياة منعزلة« عينية بطريقة اليهود إلى ح ٍ‬
‫عمننودي ض نّيق ُربطننت فيننه مل ّننة إثنيننة خاصننة بننإنموذج‬
‫ثقافي وسياسي ممّيز تحت رعاية إله مؤمن على نحننو‬
‫مطلق بمذهب الختيار‪ .‬وربمننا كننان لسننلم شننامل أن‬
‫د‬
‫يتطور إلى »ديانة مجردة« بطريقة المسيحية إلننى حنن ٍ‬
‫مننا‪ :‬طبقننة أفقيننة رقيقننة مرتبطننة فقننط عننبر حنندث‬
‫تنناريخي مننع شننكل حكننم وثقافننة محننددين‪ ،‬قانعننة لن‬
‫تقبننننل بسياسننننتها مننننن الفننننرس وبحكمتهننننا مننننن‬
‫‪ (59‬قارن الفرص المهنية للفيزيائيين النننوويين اللمننان والبننوليس السننري اللمنناني‬ ‫)‬

‫بعد الحرب العالمية الثانية‪.‬‬


‫‪ (60‬لقنند اسننتطاع حنيننن بننن اسننحاق أن يكسننب رضننا المننأمون عننبر الشننارة إلننى‬ ‫)‬

‫الشريعتين‪ ،‬الهيبوقراطية والنصرانية‪ ،‬اللتين كان خاضعا ً لهما )أبو العبنناس أحمنند بننن‬
‫القاسم بن أبي أصيبعة‪ ،‬رررر رررر ررررر رر ر ر ررر رر ررررر رر‪ ،‬تحرير آ‪.‬‬
‫مولر‪ ،‬القاهرة ‪ .(188:1 ،1882‬لكن حنين كان مسيحيا ً والمأمون كان كاهنًا‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫ي مننن البننديلين‬ ‫اليونننانيين‪.‬لننم يكننن محتمل ً حنندوث أ ّ‬
‫تاريخيًا‪ :‬لقد جعل الغزو الهاجريين قابلين للتخل ّننل جنندا ً‬
‫بحيننث ل يبقننون مثننل اليهننود وأقوينناء جنندا ً بحيننث ل‬
‫يصبحون مثل المسيحيين‪ .‬لكن أيا ً من الحالتين لم يكن‬
‫باستطاعتها خلق حضارة‪ ،‬وذلك مقابننل رفننض حضننارة‬
‫موجودة أو القبول بها‪ .‬مع ذلك فإذا كان النجاز خاصننا ً‬
‫بالهاجريين‪ ،‬كذلك أيضا ً كانت الكلفننة‪ .‬فالهنناجريون لننم‬
‫ينتهوا إلى هذا الشيء ول إلى ذاك‪ ،‬ل متراصننين علننى‬
‫نحو مريح ول متفضفضين على نحو مريح‪ .‬ليس النتيك‬
‫حمت المحتويات القديمة فنني‬ ‫وحده الذي عانى حين أ ُ ْ‬
‫ق ِ‬
‫شننكل الهاجريننة؛ فننإن قنندر الهاجريننة فنني الحضننارة‬
‫السلمية كان بطريقته الخاصة غير سعيد أيضًا‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫‪13‬‬
‫السلم الصدوقي‬

‫وة البربرية بالقيمة اليهودية لم يكننن‬ ‫دون اندماج للق ّ‬


‫ممكنننا ً لشننئ كالحضننارة السننلمية أن يوجنند‪ ،‬ووقفننة‬
‫السلم الصلبة مقابل إرث النتيك كننان بالتننالي جننزءا ً‬
‫من الثمن الذي كننان يجننب أن ي ُنندفع مننن أجننل وجننوده‬
‫بالننذات‪ .‬لكننن إذا كننان إنكننار هننذا الدمننج بيننن القننوة‬
‫البربرية والقيم اليهودية يعننني إنكننار الحضننارة ذاتهننا‪،‬‬
‫فليس واضننحا ً أبنندا ً أ ّ‬
‫ن قننوة بربريننة كننبيرة للغايننة فنني‬
‫المرحلة الولننى‪ ،‬والقيننم اليهوديننة ذاتهننا فنني التطننور‬
‫الثانوي‪ ،‬كانتا مطلوبتين لتكوين تلننك الحضننارة‪ .‬وهكننذا‬
‫يبرز سؤال يقول مننا إذا كننان باسننتطاعة الهاجريننة أن‬
‫تتطور بطريقة والتي كانت ستخفض من السعر بشكل‬
‫جوهري دون أن تخسننر البضنناعة؛ أو‪ ،‬ولننو كننان هنالننك‬
‫مليا ً كهذا يتجاوز مجال التاريننخ‪ ،‬مننا‬‫شعور بأن تفكيرا ً تا ّ‬
‫إذا كانت قد تطننورت فنني الواقننع بطريقننة هنني خننارج‬
‫التقليد المركزي الذي درسناه حتى الن‪.‬‬
‫بين الحدين القصيين لكتساح عنيف للحضارة وفننق‬
‫أنمننوذج المغننول ولتسننرب سننلمي فيهننا وفننق أنمننوذج‬
‫المسيحيين‪ ،‬ثمة تجربة غير اعتيادية لغزو مجهد تقريبًا‪.‬‬
‫فقد وجد الهاجريون عموم نا ً أن اكتسنناح حضننارة ليننس‬
‫أكثر مشقة ممننا وجننده المغننول‪ ،‬وعننندما قنناموا بننذلك‬
‫ذهبننت عموم نا ً النتيجننة سنندى علننى الننبرابرة‪ :‬لننم تبننق‬
‫حضننارة يمكننن اكتسننابها مننن الصننعوبات الننتي عرفهننا‬
‫العرب في إخضاع شمال أفريقيا أو القوقاز‪ .‬مننع ذلننك‬
‫فقد كان ثمة استثناء هننام‪ .‬كننان لنندى إيننران الشننرقية‬
‫المارات المحصنة جيدا ً والحضارة المحصنة جينندا ً علننى‬
‫حد سواء؛ وحين واجه الهاجريون هذه المارات‪ ،‬وجدوا‬
‫أنفسهم ولو لمرة واحدة في تاريننخ غزوهننم الننذي لننم‬
‫يتطلب جهودا ً أنهم مجبرون على تقديم تنازلت لبنيان‬
‫سلطة محّلي‪ ،‬ودون مفاجأة وجدوا أن عليهم الوصننول‬
‫إلى نننوع مننن التفنناهم مننع الحضننارة الننتي مّثلهننا ذلننك‬
‫حب شعب شرق إيننران إلننى الجّنننة‬ ‫البنيان أيضًا‪ .‬لم ي ُ ْ‬
‫س َ‬

‫‪250‬‬
‫بالسلسل‪ ،((1‬فقد دخلوها كحلفاء‪ ،((2‬ونتيجة لننذلك كننان‬
‫عندهم ما يقولونه بشأن اختيار خط الرحلة‪.‬‬
‫علننى الصننعيد التنناريخي‪ ،‬فننإن اسننتمرار منظومننة‬
‫اجتماعية إيرانيننة بمباركننة إسننلمية يسنناعد كننثيرا ً فنني‬
‫تفسير لماذا كانت اراضي الحدود النائية وليس فننارس‬
‫ضرية هي التي لعبت النندور القيننادي فنني النبعنناث‬ ‫ح َ‬‫ال َ‬
‫مكن للنبلء والكهنة أن يكونننوا بيننن‬ ‫ُ‬
‫اليراني‪ .‬ومع أنه أ ْ‬
‫شعبهم‪ ،‬فإن نخبة إيننران الغربيننة لننم تكننن فنني موقننع‬
‫يؤهلها لن تسنناوم الغننزاة منن أجننل مكانننة أعلننى منن‬
‫التيار العام لمعتنقي الدين التابعين؛ وسواء اختاروا أن‬
‫يعيشوا بجانب إرثهم في عزلة عننن الغننزاة‪ ،‬أو التخل ّنني‬
‫عنه من أجل حياة مشتركة معهم‪ ،‬فالرث ذاته كان قنند‬
‫حكننم عليننه بننالزوال‪ .‬فقننط فنني خراسننان ومنناوراء‬
‫سوكسانيا مالت المصننطلحات التوفيقيننة للتجننارة إلننى‬
‫صالح الذين اعتنقننوا النندين‪ ،‬وتبعنا ً لننذلك اسننتطاع هنننا‬
‫قققق قق قققققق قققق فنني هيئة النبينناء التننوفيقيين‬
‫قققققق قققققققق قققققق قققق فنني هيئة السننللت‬
‫الوارثيننة الحاكمننة تقننديم مسنناهمة ليننران متأسننلمة‬
‫والتي استمرت بعد خسارة الطرفيننن أمننام الحاخننامين‬
‫قققققق قققق‪ .((3‬يسنناعد اسننتمرار منظومننة اجتماعيننة‬
‫إيرانيننة كننثيرا ً أيض نا ً فنني تفسننير دور إيننران الشننرقية‬
‫كواحدة من آخننر حصننون البسننتمولوجيا الهلينيننة‪ .‬وإذا‬
‫أمكن تصدير المفنناهيم اليونانيننة إلننى أيننة نخبننة‪ ،‬فمننع‬
‫ق سوى أقليننات قليلننة‬ ‫حلول القرن الحادي عشر لم يب َ‬
‫يمكنها استيرادها‪ :‬من وجهة النظننر هننذه يبنندو مناسننبا ً‬
‫تماما ً القول إنه في خننوارزم أل ّننف الرواقنني الننبيروني‬
‫سجله المتبحر وإن كان انفعاليا ً لثار الماضي‪.‬‬
‫على الصعيد المفاهيمي‪ ،‬تتيح إيران إلماحننة سننريعة‬
‫لما كنان ربمننا سنيحدث‪ ،‬أي إسننلم هجنر تركينزه علنى‬
‫)‪ (1‬قارن الهامش ‪ 65‬من الفصل العاشر‪.‬‬ ‫)‬

‫‪ (2‬من أجل إيران الشرقية وذلك بوصفها سلسلة من المحميات الهاجرية‪ ،‬أنظننر‪H. :‬‬ ‫)‬

‫‪ .A. R. Gibb, The Arab Conquests in Central Asia, London 1923‬قارن اعتراف المأمون‬
‫والمعتصم بمجموعة كاملة من اليننالت فنني إيننران الشننرقية عننبر السننتخدام الحننر‬
‫لمفهوم الولء )الننولء هنننا للسننلم ‪ -‬البلذري‪ ،‬رر رر‪ ،‬صنص ‪ 430‬ومابعنند(‪ ،‬والننذي‬
‫انحننط لحقننا ً إلننى مجننرد وسننيلة لحفننظ منناء الننوجه يسننتخدمها الخليفننة أمننام‬
‫الشاهنشاهات البويهيين )‪.(Mandelung, “The Assumption of Title Shahanshah, p. 105‬‬
‫‪ (3‬قنارن تواصنلية النكهننة الدينيننة لشننكل الحكننم المحلنني فني اسروشنننه‪ ،‬رغنم أن‬ ‫)‬

‫السللة اعتنقت الدين اسميًا‪ ،‬وذلك كما يظهر من محاكمة افشين )طبري‪ ،‬رررر ر‪،‬‬
‫‪.(3 - 1309 :3‬‬

‫‪251‬‬
‫الصحراء كي يك نّرس المنندن‪ ،‬الطبقننات الرسننتقراطية‬
‫والمفاهيم‪ ،‬وتخل ّننى عننن تركيننزه علننى العننرب ليفسننح‬
‫المجال أمام هوية غير عربية‪ .‬ولو أن الشعوب المغزوة‬
‫في المناطق الخرى كانت قادرة على نحو مشابه على‬
‫إعاقة سرعة إيقاع الغزو العربنني‪ ،‬فلربمننا نجحننوا كمننا‬
‫هو مفروض في إحراز صفقات مرغوبة مشننابهة‪ .‬لكننن‬
‫المر كان معكوسًا‪ ،‬فقنند أدى فشننلهم فنني فعننل ذلننك‬
‫بإيران الشننرقية إلننى الوقننوع دون مفننر فنني الورطننة‬
‫ذاتها‪.‬‬
‫الشأن الثنناني الننذي كننانت فيننه الحضننارة السننلمية‬
‫على نحو قابل لجدل مكّلفة بأكثر مما يحتاج المر‪ ،‬هننو‬
‫قيمهننا اليهوديننة‪ .‬وفنني هننذه الحالننة يمكننن اعتبننار أن‬
‫البدائل ذات الصلة تاريخيا ً هنني النمنناذج للديننان الثلث‬
‫التي ساهمت كننثيرا ً فنني تشننكيل الهاجريننة‪ :‬اليهوديننة‪،‬‬
‫المسننيحية والسننامرية‪ .‬ومننن الواضننح أن فكننرة تطننور‬
‫ثانوي يقّرب الهاجرية من اليهودية أو من المسننيحية ل‬
‫دمه في هذا السياق‪ .‬وعلننى نحننو خنناص‪ ،‬ل‬ ‫تمتلك ما تق ّ‬
‫الخنننوارج ول الصنننوفية يوحينننان بأنهمنننا وسنننيلتان‬
‫معقولتان لعادة صنع الحضارة‪ .‬الولى كانت تطهيريننة‬
‫جدًا‪ ،‬والثانية كانت متساهلة جدًا‪ ،‬بحيث لننم تتمكنننا منن‬
‫المسنناك بننإرث النتيننك بطريقننة فاعلننة تكوينينًا‪ .‬كننان‬
‫القدر المناسب لحركة الخوارج هو أن تستهلك »حياتها‬
‫المنعزلة« خلف حدود العالم المتحضر‪((4‬؛ في حين كننان‬
‫الدور المناسب للصوفية هو أن ل تمضنني إلننى مننا هننو‬

‫‪ (4‬يبدو حقيقيا ً بالطبع أن حركة الخوارج تجمع بين دفء نحو المم وقبننول بالمامننة‪،‬‬ ‫)‬

‫جمع يننذكرنا بالشننيعية‪.‬لكننن فنني الحننالتين أبطلننت التطهيريننة اليهوديننة هننذه القننوة‬
‫ل‪ ،‬الموقف الطيب لحركة الخوارج مننن المننم كنان مسننألة هويننة‬ ‫الثقافية الكامنة ‪.‬أو ً‬
‫إثنية ل ثقافية‪ :‬وهكذا التجأت حركننة الخننوارج إلننى رجنال القبنائل منن بربننر شننمال‬
‫افريقيا وإلى قطاع الطننرق مننن سيسننتان‪ ،‬لكننن لننم يكننن لننديها مننا تقنندمه بطريقننة‬
‫التوفيقية الثقافية للسكان المتحضرين فنني إفريقيننا أو مننا وراء ساكسننونيا‪ .‬ثانينًا‪ ،‬إن‬
‫معالجة حركة الخوارج لمسننألة المامننة أنقننص قنندرتها علننى العمننل كنقطننة اسننتناد‬
‫ثقافية إلى حدها الدنى‪ :‬إمامة الخوارج غير منطمرة في سللة مقدسة‪ ،‬وفي الحالة‬
‫الباضية على القل )الوحيدة ذات الهمية تاريخيًا( نجد أنها مسيجة بأنموذج حاخننامي‬
‫من غيتو البصرة‪ .‬إنها إمامية تاهرت الرسمية تلك التي تذهب إلى أبعد ما يمكن فنني‬
‫دم بننديل ً محننددا ً للعلننويين‪،‬‬
‫اتجاه النعتاق من هننذه القيننود‪ :‬سننللة ملكيننة إيرانيننة تقن ّ‬
‫والتقبل الجزئي للمذهب العتزالي بين أباضيي شننمال أفريقيننا يضننيف المننوازي مننع‬
‫الشيعية‪ .‬لكن ليس إلى حد بعيد‪ :‬بيئة بربر وعقينندة خننوارج ل توحيننان بمزيننح والننذي‬
‫استطاع حتى الئمة اليرانيين أن يستّلوا منه حضارة‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫أبعد من تليين حنندود حضننارة جنناءت إلننى الوجننود فنني‬
‫حماية درع مختلف للغاية‪.((5‬‬
‫النموذج السامري أكننثر أهميننة‪ .‬والطننابع السننامري‬
‫ون وفننق علننم‬ ‫دد بسيطرة كهنننوت متعل ّننم لكنننه مك ن ّ‬ ‫مح ّ‬
‫النساب والذي في الوقت ذاتننه يمننارس تلننك السننلطة‬
‫‪((6‬‬
‫م‬‫السياسية المتواجدة ضمن الجماعة ‪ .‬لقد رأينا كم تنن ّ‬
‫تبن ّنني هننذا النمننوذج فنني السننلم‪ ،‬ويمكننننا أن نتخيننل‬
‫تماما ً أنه اسننتطاع فنني الواقننع أن يسننود هننناك‪ :‬الرث‬
‫المسنننياني لصنننحراء اليهودينننة لنننم ي ُل ْنننزم بحننند ذاتنننه‬
‫الهاجريين بإرث بابل الحاخامي‪.‬‬
‫لبنننند أن نوضننننح الن أن الثقننننافتين الكهنوتيننننة‬
‫والحاخامية تختلفننان فنني مسننألتين أساسننيتين‪ .‬ففنني‬
‫الموضع الول‪ ،‬فإن مكانة أحد الكهننة هني أول ً مسنألة‬
‫سبي‪ ،‬أما مكانننة الحاخننام فهنني تحننرز إلننى حنند‬ ‫إسناد ن َ َ‬
‫كبير عبر التعّلم‪ .‬لذلك فالكاهن في موضننع يننؤهله كنني‬
‫سبه بذلك موضننع الريبننة‪.‬‬ ‫يخاطر بتعليمه‪ :‬وهو ل يضع ن َ َ‬
‫لكن الحاخام الذي يتلعب بتقلينند البنناء يقننوض أسننس‬
‫هننويته كحاخننام‪ .‬وفنني الموضننع الثنناني‪ ،‬يميننل هننذا‬
‫قننَرن بنناختلف فنني‬ ‫الختلف فنني دور التعليننم لن ي ُ ْ‬
‫الشننكل‪ .‬فننالعمود الفقننري للتعليننم الحاخننامي هننو‬
‫الحرفية الظاهريننة لشننرع ديننني حنناو لكننل شننيء؛ أمننا‬
‫القوام الساسنني للتعليننم الكهنننوتي فيصننبح بسننهولة‬
‫الجتهاد السراني لنخبة ثقافية‪.‬‬
‫غّلت‬ ‫ليبدو أن هننذه الطاقننة التوفيقيننة الكامنننة اس نت ُ ِ‬
‫كثيرا ً من قبل السامريين أنفسهم‪ .‬مننع ذلننك فالتقابننل‬
‫تاريخيننا ً بيننن كهنوتيننة السننامريين وحاخاميننة اليهننود‬
‫يعكس استقطابا ً حدث قبل قرون في منطقة اليهودية‬
‫المتهلينننة؛ وفنني العدائيننة التبادليننة بيننن الصنندوقيين‬
‫والفريسيين‪ ،‬تبدو القوى الكامنة التوفيقيننة المختلفننة‬
‫للغاية لهذين الشكلين الدينيين للمرجعيننة ظنناهرة جنندا ً‬
‫للعيان‪ .‬في هننذا السننياق كننانت نقطننة الخلف بننالطبع‬
‫هي القبول بالحضارة المنتشننرة‪ ،‬وليننس خلننق حضننارة‬
‫‪ (5‬كونها بقية مسيحية‪ ،‬فالصوفية كانت أكثر تقبلية ثقافيا ً من السلم الرثوذكسي؛ لكن‬ ‫)‬

‫كونها بقية مسيحية في ررررررر‪ ،‬فالتطبيع الثقافي الذي استطاعت تدبيره لم يرق ال‬
‫الى مستوى مواطنية من الدرجة الثانية فقط‪.‬‬
‫‪ (6‬بالمصننطلحات السياسننية فقنند شننهد الكهنننوت العننالي السننرائيلي أيام نا ً أفضننل‬ ‫)‬

‫بالطبع‪ :‬قارن تعيين سمعان المكابي »قائدا ً وعظيم كهنننة« لشنعبه )سنفر المكننابيين‬
‫الول ‪.(41:14‬‬

‫‪253‬‬
‫جديدة؛ فاليهود لم يكونوا غزاة‪ .‬لكن على افتراض أنننه‬
‫فنني أعقنناب الغننزوات الهاجريننة كننان إسننلما ً صنندوقيا ً‬
‫وليس فريسيا ً ذلك الذي اشرف على التفاعل الثقافي‬
‫الحاصل‪ .‬هل كان باستطاعة تلك الكوكبة أن تقدم مننن‬
‫ناحية المبدأ حضارة جدينندة أكننثر تكننامل ً مننن الحضننارة‬
‫التي ظهرت بالفعل؟‬
‫فنني الموضننع الول‪ ،‬ل يمكننن لنننا الشننك أن إسننلما ً‬
‫صدوقيا ً كان باستطاعته تقديم مجالت أكثر راحننة لمننا‬
‫بقنني مننن هويننات الشننعوب المغننزوة‪.‬فبشننكل مننن‬
‫الشننكال‪ ،‬سننار النسننب الكهنننوتي بننالطبع ضنند هننذا‬
‫دس‬ ‫مباشرة‪ .‬ففي حين أن رفض الخوارج للنسب المق ّ‬
‫فتح بحد ذاته كل الدوار الدينية أمام غير العننرب‪ ،‬فننإن‬
‫اللتزام الشيعي بنسننب علنني حفننظ الدوار الساسننية‬
‫لثنية النبي الخاصة‪ .‬وهكذا ليس هنالك من شننيء غيننر‬
‫مناسب في مسحة الفتخار ققققققق التي تجننري عننبر‬
‫شننكل معيننن مننن الدب الشننيعي ‪ .((7‬لكننن المننر الكننثر‬
‫جوهرية هو أن حصر النسب المقدس بننالكهنوت أفننرغ‬
‫إثنية الطبقة العلمانية من أهميتهننا الدينيننة‪ ،‬والرخصننة‬
‫هلت‬ ‫الكهنوتية التي أضفيت على العائلننة المقدسننة س ن ّ‬
‫التلعب بهذه الحيادية الثنية‪ .‬وهكذا فمهمننا كننان قق ق‬
‫ققققق الخوارجي مؤثرا ً فنني إضننفاء الصننبغة الشننرعية‬
‫على حكننم كنناهن أعلننى فارسنني لطبقننة علمانيننة مننن‬
‫بربرشمال افريقيا‪ ،‬فقد كننانت المننور تسننير مننع غيننر‬
‫العرب عمليا ً بالمقابننل علننى غايننة مننا يننرام عننبر قننرن‬
‫مصيرهم بمصير كهنوت عربي‪.‬‬
‫مننة مناسنبة‬
‫من الجانب الشيعي‪ ،‬لندينا احتجاجنات عا ّ‬
‫بأن الثنية العربية غير لزمة‪((8‬؛ ومن الجننانب الممنني‪،‬‬
‫‪M. J. Kister, “On the papyrus of Wahb b. Munabbih”, Bulletin of the School of Oriental and (7‬‬ ‫)‬

‫‪.African Studies 1974, p. 563‬‬


‫‪ (8‬قارن النحياز الشيعي إلى المبدأ القائل‪» :‬إن العربيننة ليسننت أب أحنند منكننم بنل‬ ‫)‬

‫مجرد لغة« )أنظر على سبيل المثال أبا حنيفة النعمان بن محمد التميمنني المغربنني‪،‬‬
‫ررررر ررررررر‪ ،‬تحرير آ‪ .‬فيضي‪ ،‬القاهرة ‪ .(729 :2 ،1960 - 1951‬تجد طريقة‬
‫التفكير هننذه تجسننيدا ً عينينا ً فنني الرفننض الشننيعي لمبنندأ رررر ررر الشننرعي بيننن‬
‫المسلمين ) ‪E. Griffini (ed.), “Corpus Iuris”, di Zaid ibn ‘Ali, Milan 1919, p. 199f‬؛ محمد بن‬
‫فاري‪ ،‬طهران ‪339 :5 ،7 - 1954‬‬ ‫يعقوب الكليني‪ ،‬رررر رررررر‪ ،‬تحرير آ‪ .‬آ‪ .‬الغ ّ‬
‫‪45 -‬؛ أبو القلسم جعفر بن الحسن المحقق الحّلي‪ ،‬ر رررر رررر ررر‪ ،‬تحريننر آ‪.‬‬
‫م‪ .‬علي‪ ،‬النجف ‪،1969‬ن ‪299 :2‬؛ نعمان‪ ،‬ررررر‪ 196 :2 ،‬وما بعند(‪ .‬قنارن أيضنا ً‬
‫التقليد القائل إن عليا ً لم يجد أفضيلة لبناء اسمعيل على أبناء اسحق في كتاب اللننه‬
‫)كليني‪ ،‬رررر رررررر‪.(69:8 ،‬‬

‫‪254‬‬
‫فإن مجموعننة مننن شننعوب غيننر عربيننة تلعننب بمفنناتن‬
‫الشيعية‪ .‬جزئينًا‪ ،‬فننإن هننذا النندور للشننيعية إنمننا فقننط‬
‫دم شكل ً‬ ‫يكرر الدور الخوارجي‪ .‬هذا يعني القول‪ ،‬إنه ق ّ‬
‫للسلم أكثر ملءمننة لهويننات الشننعوب الننتي ل تمتلننك‬
‫حضارة يمكن أن تفتقدها ‪ -‬بربرشمال افريقيا‪ ،‬الننترك‪،‬‬
‫اللبنان‪ .((9‬لكننن مناهو أكننثر أهميننة منن هنذا بكنثير هننو‬
‫السننتعداد لسننرمدة شننيء أكننثر مننن الثنيننة المجننردة‬
‫والذي يظهر علننى نحننو غيننر كامننل فنني العلقننة الننتي‬
‫تطننورت بيننن الشننيعة واليرانييننن‪ .‬وحننتى فنني أعظننم‬
‫صدوقية لكل عالم ممكننن‪ ،‬كننان لبنند مننن وجننود حنندود‬
‫دون شننك لحتماليننات لمثننل هننذه ققق ققق قققققق قق‬
‫ققققق ق‪((10‬؛ وفنني عننالم حيننث التيننار السننني صنناغ‬
‫المعاييرلما كان هرطقننة محترمننةولما لننم يكننن‪ ،‬كننانت‬
‫هذه الحدود‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬ضيقة للغاية‪ .‬لكن إذا كان انتهاء‬
‫إيران كدولة شيعية صدفة تاريخية‪ ،‬فهي صدفة موفقة‬
‫بطريقة غير اعتيادية‪.‬‬
‫في الموضع الثاني‪ ،‬فالسننؤال المطننروح هننو مننا إذا‬
‫كان باستطاعة إسلم صدوقي إضفاء الصبغة الشرعية‬
‫كل فيهننا إرث‬ ‫على التشكيل لحضارة إسلمية والتي ش ن ّ‬
‫س ثقننافي متكامننل‪ ،‬والننذي‬ ‫ً‬
‫النتيننك جننزءا مننن أسننا ٍ‬
‫سيطرت عليه هندسة معمارية إسلمية دون أن تجننّرده‬
‫مك ِننن أن يكننون هنالننك شننكل حكننم‬ ‫ُ‬
‫مننن طننبيعته‪ .‬هننل أ ْ‬
‫إسلمي والذي تمت فيه المواءمة بين عننرف الحكومننة‬
‫المدنية ونظرية الحكومة المقدسة ‪ ،((11‬ثقافننة إسننلمية‬

‫‪ (9‬الخيرون مجهزون على نحو يلئم الغرض بملحمة مسهبة تحمل عنننوان ررر رر‬ ‫)‬

‫رررر‪.‬‬
‫‪ (10‬عالم كهذا هو طبعا ً فوق متناول هوامش الصفحات؛ لكن واحدنا يشننك حننتى مننا‬ ‫)‬

‫إذا كان باستطاعة خليفننة فناطمي هنناك أن يتسنناهل مننع رررر سننرمد عبننادة وثننن‬
‫هندي‪D. M. Stern, “Isma‘ili (Propaganda and Fatimid Rule in Sind, Islamic Culture 1949, pp. ).‬‬
‫‪.299f‬‬
‫ً‬
‫‪ (11‬ل يوجد شيء حاخامي آليا في إرث قبائلي‪ :‬فإرث العبرانيين لننم يمنننع سننليمان‬ ‫)‬

‫كل جننزءا ً أساسننيا ً مننن‬


‫من تنصيب إله قبائلي مائل إلى التسكع في معبد منندني يش ن ّ‬
‫مبنى القصر المعقد‪ .‬إن استبدال رخصة الكهنوت الثقافية بنناعتراف مج نّرد بالحقيقننة‬
‫العنيدة المتجسدة في فكرة »الضرورة« الحاخاميننة هننو الننذي يعطنني شننكل الحكننم‬
‫السننلمي عننناده الخلقنني )مننن أجننل ررر رررر عننند الفقهنناء‪ ،‬أنظننر‪Schacht, An :‬‬
‫‪.(Introduction to Islamic Law, p. 84‬‬

‫‪255‬‬
‫كان فيها إرث شننبه جزينرة العننرب الدبنني مرتاحنا ً منع‬
‫إرث اليونننان المفنناهيمي‪ ،‬عننالم إسننلمي تمننت فيننه‬
‫مساواة في الرتبة بين سيطرة إلننه شخصنني ونظاميننة‬
‫علم غير شخصي؟ ومن جدينند نقننول‪ ،‬إن المننواد الننتي‬
‫يساهم بها المسار الفعلي للتاريخ بجواب هي متشظية‬
‫ومليئة باليحاءات في آن‪.‬‬
‫ظاهرتننان تاريخيتننان تسننتأهلن الهتمننام فنني هننذا‬
‫السياق‪ .‬الولننى‪ ،‬هنالننك العلقننة بيننن سننللتي التاريننخ‬
‫السننلمي الولنني الكهنوتيننتين الكننبيرتين وبيننن إرث‬
‫الشعوب التي غزوها‪ .((12‬فمن الجننانب المننوي‪ ،‬النندليل‬
‫الول أركيولوجي‪ .‬وآثار سوريا الموية تشعرنا بتننوازن‬
‫ثقافي وسط الثروات الفنية والمعمارية للعالم القديم‬
‫وهو شننيء لننم يسننتطع حاخننامو بابننل إحننرازه قط ‪:((13‬‬
‫قاعة اللعاب الرياضننية الننتي بناهننا الكنناهن الصنندوقي‬
‫الكبر جاسون ‪ Jason‬في محاولة لتبديل أورشننليم إلننى‬
‫مدينة يونانية تجد صداها الخير فنني الرياضننيين الننذين‬
‫يزينون القصر الموي في قصير عمره‪ .‬أما من الجانب‬
‫العباسي‪ ،‬فلدينا رباطة جأش الخلفاء الوائل الثقافيننة‬
‫الشهيرة والننتي هنني مننن نننواح أخننرى محي ّننرة‪ ،‬والننتي‬
‫يمكننن اعتبننار أن اللدانننة التوفيقيننة للكهنننوت العننالي‬
‫دم مفتاحا ً مفاهيميا ً لها‪ .‬ولننو أن العباسننيين الوائل‬ ‫تق ّ‬
‫‪((14‬‬
‫قنندموا أنفسننهم كأئمننة رافضننيين ‪ ،‬فربمننا أنهننم‬
‫استطاعوا بسبب تلك المقدرة فقط أن يضفوا الصبغة‬
‫الشننرعية علنننى التقليننند الملكننني الفارسننني دون أن‬
‫يفقدوا قداستهم الدينية الفطرية‪ .‬علننى نحننو مشننابه‪،‬‬
‫فعن طريق دمج المامية بالمهديننة اسننتطاعوا تشننكيل‬
‫طبقننة أرسننتقراطية إسننلمية جوهرينًا‪ ،‬منن جهننة عننبر‬
‫استخدام الشتراك في الحدث البوكاليبتي الذي تحيى‬
‫شننرعة لطبقننة‬ ‫ذكننراه بأسننمائهم‪ ((15‬وذلننك باعتبنناره ِ‬
‫) ‪ (12‬من أجل المكانننة الكهنوتيننة للمننويين‪ ،‬أنظننر الهننامش ‪ 71‬مننن الفصننل الرابننع‪،‬‬
‫وحول لقب خليفة الله‪ ،‬قارن أيضا ً إشارة الغزالي إلى ررررررر رر ررررررر ر‪).‬‬
‫‪.(I. Goldziher, Streitschrift des Gazali gegen die Batinijja-Sekte, Leyden 1916, text. 14‬‬
‫) ‪Grabar, The Formation of Islamic Art, pp. 45 - 8, 160 - 2 (13‬‬
‫) ‪ (14‬أنظر سابقا ً الهامش ‪ 37‬من الفصل الثاني عشر‪.‬‬
‫) ‪.B. Lewis, “The regnal titles of the first Abbasid Caliphs”, in Dr. Zakir Husain (15‬‬
‫‪. Presentation Volume, New Delhi 1968‬‬

‫‪256‬‬
‫أرسننننتقراطية حكوميننننة تخلننننف طبقننننة القبننننائل‬
‫الرسنننتقراطية‪ ،((16‬ومنننن جهنننة أخنننرى عنننبر مزاولنننة‬
‫اجتهادهم الكهنوتي الخاص كما في التكريس الليبرالي‬
‫للطبقة الرستقراطية الفارسية فنني شننرق إيننران‪.((17‬‬
‫وأخيننرًا‪ ،‬عننبر دمننج الماميننة بالبسننتمولوجيا اليونانيننة‬
‫استطاعوا أن يكفلوا لهوتا ً مفاهيمي نا ً لشننطب حرفيننة‬
‫الشننرع‪ ،‬وأن يسننتخدموا عقلهننم حيننث شننطب شننرع‬
‫إعتزالي التقلينند النبننوي‪ .((18‬باختصننار‪ ،‬لقنند اسننتطاعوا‬
‫بعقننل مقنندس أن يلّينننوا قسنناوات النزعننة القبائليننة‬
‫المقدسة وأن يسهلوا تقّبل الحضارة الشعوبية‪.‬‬
‫الظاهرة التاريخية الخرى الهامننة هنننا هنني القبننول‬
‫النسبي بالمفاهيم اليونانية الذي أظهرتننه الشننيعية ‪.((19‬‬
‫فمننن ناحيننة هنالننك ولننع الشننيعة المعتدلننة بالمننذهب‬
‫العتزالي‪ :‬لحظ الدمج الجزئي للعتزالية في المامية‬
‫واستمرارها المتكامل في الزيدية‪ .((20‬ومن ناحية أخرى‬
‫هنالننك الهلينيننة الكننثر قننوة الننتي تظهننر بيننن أتبنناع‬
‫المنننذهب السنننماعيلي‪ :‬لحنننظ تقّبنننل السنننماعيلية‬

‫‪ (16‬مننن أجننل رر ر ررررر ر رررر رر ررررر ر كطبقننة أرسننتقراطية حكوميننة‬ ‫)‬

‫مجهضة‪ ،‬أنظر‪. Crone, The Mawali in the Umayyad Period, Chapter 3:‬‬
‫‪ (17‬قارن الهامش ‪ 2‬من هذا الفصل‪.‬‬ ‫)‬

‫قلننت‬ ‫‪ (18‬من أجل »كنز الحكمة« في حّران »وبيت الحكمة« الذي للمأمون‪ ،‬حيث ن ُ ِ‬ ‫)‬

‫حكمة اليونانيين إلى الغة العربية‪ ،‬أنظر‪”Encyclopaedia of Islam. art. “Bayt al-hikma :‬؛ من‬
‫أجل انشغال المأمون في الفصاح عن لهوت إسلمي‪ ،‬أنظننر‪Sourdel, “La politique :‬‬
‫‪. ””religieuse du calif “Abbaside Al-Ma’mun‬‬
‫‪ (19‬ليست بالطبع الحقائق اليونانية وحدها والتي استطاعت أن تكون الشننيعية أكننثر‬ ‫)‬

‫تقبلية لها‪ :‬إنها سمة تشخيصية تلك التي تفيد أنه فنني أدب المنناميين والسننماعيليين‬
‫يحتفظ بالنسخ العربية لقصة بوذا البهلوية‪D. Gimaret, La liver de Bilawhar et Budasp) .‬‬
‫‪.(selon la version arabe ismaélienne, Paris 1971, pp.27-32‬‬
‫‪W. Madelung, ‘Imâmism and Mu’tazilite Theology”, in Fahd, Le Shî‘isme imâmite; id., al- (20‬‬ ‫)‬

‫‪) .Qâsim‬من المثير للتهكم أن القبول بالعتزالية كان يجب أن يكون ميزة الزيدية الجبلية‬
‫أكثر منن الزيدينة الكوفينة(‪.‬هنالنك بنالطبع أهمينة أخنرى لهنذه ررر ررر رررررر رر‬
‫رررررر بين الشيعية والعتزالية‪ :‬العدائية الصدوقية القديمة لتقليد الفريسننيين القننديم‬
‫عادت عبر أفاتارها القرائي إلى الحظيرة الكهنوتيننة‪ .‬وهكننذا فننالتبني الكامننل للعتزاليننة‬
‫داخل الزيدية‪ ،‬وذلك مقابل المامية‪ ،‬مقترن بالغياب الفعلي رررررر ررررررر‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫الشننرقية‪ ((21‬لفلسننفة أفلطونيننة جدينندة‪ ،‬والتوفيقيننة‬
‫التنجيمية الملفتة للنظر قققققق ققققق ققققق‪.((22‬‬
‫نستطيع أن نرى أيضا ً في السلوك الشيعي شيئا ً من‬
‫الليات الجتماعية والفكرية‪ ،‬للسلم الصدوقي‪ .‬فمننن‬
‫منطلق اجتماعي تشننترك الشننيعية والهلينيننة ‪ -‬مقابننل‬
‫السلم السنّني ‪ -‬فنني انقسننام أساسنني بيننن ققققق ق‬
‫وققققق ق‪ :‬الكهنننوت العلننوي مقابننل العلمننانيين فنني‬
‫الحالة الشيعية‪ ،((23‬والنخبة الفلسفية مقابننل الجمنناهير‬
‫في الحالة الهلينية‪ .‬وهكذا فما كننان موضننع جنندل فنني‬
‫العلقات بيننن الشننيعية والهلينيننة كننان اننندماج حكمنني‬
‫النخبننة‪ ،‬والمننر المناسننب الوحينند هننو أنننه كننان علننى‬
‫الطرفين أن يخسرا أمام إسلم ققققق ق الحاخامي‪.((24‬‬
‫دم هننذا التننناظر الجتمنناعي‬ ‫ومن منطلق فكري فقد ق ّ‬
‫الساس الننذي اسننتطاع العمننل الطرفننان عليننه‪ .‬فمننن‬
‫ناحية استطاعت الهلينيننة تقننديم حشننوة فكريننة خفيننة‬
‫لمطالب الكهننوت العلننوي السنرانية‪ :‬مفناهيم وتنجيننم‬
‫سع في اسم الرب والتقننويم‪ .‬ومننن ناحيننة أخننرى‪،‬‬ ‫للتو ّ‬
‫مكن استخدام حكمة الكهنننة السننرانية كنننوع مننن‬ ‫ُ‬
‫فقد أ ْ‬
‫تفويض مطلق لضفاء الصبغة الشرعية على قبننول مننا‬
‫كان في الواقع حكمة اليونانيين‪ :‬السننتعارات الهلينيننة‬

‫‪S. M. Stern, “Abu “L-Q‬م ‪sim al-Busti and his refutation of Isma‘ilism”, Journal of the Royal‬‬ ‫‪(21‬‬ ‫)‬

‫‪.Asiatic Society 1961, pp. 21 - 3‬قارن فشل المطّرفية في دمج فلسفة مقارنة داخنل‬
‫اليزيدية‪.(Mandelung, al-Qasim, pp. 201 - 3).‬‬
‫‪S.M.Stern,”New Information about the Authors of the “Epistles of the Sincere (22‬‬ ‫)‬

‫‪. Brethren””,Islamica Stduies 1964‬هذا الطموح التوفيقي ليس دون أبهة كمحاولة لحياء‬
‫كمالية "سلسلة الكينونة العظيمة "في عالم إسننلمي‪.‬لكنننه ايض نا ً ليننس دون حماقننة‬
‫كمحاولة لمزج متنننافرات‪:‬الرث التنجيمنني للكلنندان يقلننل مننن قيمننة معنننى حننوادث‬
‫تاريخيننة خاصننة ‪،‬امننا الوعنند اليهننودي المسننياني فيرفننع مننن قيمننة معناهننا‪ ،‬والنندوائر‬
‫الخلصية التي ل يمكن اجتنابها والتي تتولد عبر دمج التقليدين هنني غيننر متماسننكة ل‬
‫فكريا ً ول شعوريًا‪) .‬قارن‪Y. Marquet, “Les Cycles de la souveraineté selon les épitres des :‬‬
‫‪.(Ihwan Al-Safa”, Studia Islamica 1972‬‬
‫رر (‪.‬أنظر‬ ‫‪ (23‬قارن في ررررررر معارضة »الكهنة« أو »اللويين« »للشعب« )ر ر‬ ‫)‬

‫رررر ررررر‪ ،‬صص‪.99 ،94 :63 ،60 .‬‬


‫‪ (24‬من أجل المطابقة بين ما صار يعرف بالسننلم الرثوذكسنني رررررر ر‪ ،‬قننارن‬ ‫)‬

‫طرد علماء التقليد على يد أعدائهم وذلك على أسنناس أنهننم رر ر ررررر ر )أنظننر‬
‫على سبيل المثال ‪ .(Mandelung, al-Qasim, pp. 151‬وتهمة رررر ر ررر ررر الموجهة‬
‫ضد المعتزلة‪J. van Ess, Die Erkenntinislechre des ‘Adudaddin al- Ici, Wiesbaden 1966, p. ) .‬‬
‫‪.(49‬‬

‫‪258‬‬
‫في الشيعية ك ُّرست على نحننو خنناص عننبر عزوهننا إلننى‬
‫عائلة النبي‪.((25‬‬
‫وهكننذا فهنالننك أسنناس للفننتراض القننائل إنننه كننان‬
‫كل فنني‬ ‫بإمكان حضننارة إسننلمية أفضننل تكامليننة التشن ّ‬
‫ظل حماية إسننلم صنندوقي‪ .‬فمننن منظننور اسننتدللي‪،‬‬
‫كان كهنوت وفق النموذج السامري في موقننع يننؤهله‬
‫لن يجمننع بيننن قبننول ثقننافي غننائب عننن النمننوذج‬
‫اليهودي وبين قوة لعادة التشكيل غائبة عن النمننوذج‬
‫دم لنننا‬‫المسيحي‪ .‬ومن منظور استقرائي‪ ،‬فالتاريخ يقنن ّ‬
‫لمحات خاطفة لكنها مليئة باليحاءات حول النمط الذي‬
‫ربما عالج فيه إسلم صدوقي هويات النتيك وحقائقه‪.‬‬
‫وهننذه المسننائل تؤسننس مع نا ً معقوليننة معينننة لعالمنننا‬
‫الفتراضي‪.‬‬
‫لكن في العالم الفعلي يبنندو أن الننذي أشننرف علننى‬
‫تشكيل الحضارة السلمية كان إسلم فريسي‪ ،‬وهنالك‬
‫سبب تاريخي طيب يدفعنا للفتراض أن المر لننم يكننن‬
‫على غير ذلك النحو‪.‬وبحنند ذاتننه يظهننر فشننل المننأمون‬
‫أمام ابن حنبل طبعنا ً أن المحاولننة العباسننية كننانت قنند‬
‫جرت في وقننت متننأخر جنندا ً ليننس إل‪ ،‬وقننت يبنندو مننن‬
‫الواضح فيه أن بنينان السنلطة الحاخنامي للسننلم قنند‬
‫أشيد مرة وإلننى البنند‪ .‬لكننن الواقننع أن السننباب الننتي‬
‫سر ليننس فقننط لمنناذا فشننل العباسننيون‪ ،‬بننل أيضنا ً‬ ‫تف ّ‬
‫لمنناذا كننان عليهننم أن يفشننلوا‪ ،‬إنمننا ترتبننط بطريقننة‬
‫استخدام المويين للكهنوت قبلهم‪.‬‬
‫كل الكهنوت بالنسبة للمويين المننورد الوحينند‬ ‫لقد ش ّ‬
‫الننذي كننان بحننوزتهم لكمننال واجننبين متمننايزين‪ ،‬همننا‬
‫إنشاء الهوية الدينية الهاجرينة وخلنق حضنارة هاجريننة‪.‬‬
‫مع ذلك فالظروف التي واجهوها تآمرت عليهننم بحيننث‬
‫جعلننت مننن شننبه المسننتحيل عليهننم أن يسننتخدموا‬
‫سننلطتهم الكهنوتيننة فنني الثنيننن معننًا‪ .‬ففنني إنشنناء‬
‫هننويتهم الدينيننة كننان علننى المننويين اتبنناع إسننوتين‬
‫سالفتين‪ ،‬هما السامرية والمسننيحية‪ .‬مننن ناحيننة‪ ،‬كننان‬
‫باسننتطاعتهم أن يختنناروا الولننى‪ ،‬كمننا فعلننوا واقعينًا‪،‬‬
‫‪) Mandelung, al-Qasim, pp. 35 (25‬الزيديون والعتزالية(‪) 202 ،‬المطرفية والفلسفة(‪.‬‬ ‫)‬

‫قننارن‪Marquet, “Imâmat, Résurrection et Hiérarchie selon les Ikhwân as-Safa”, pp. 68 :‬‬
‫)ررررر ررررر ررررر والتنجيم(‪ .‬قارن مع التسننمية المسننتعلية رررر ررر بأنهننا‬
‫رررر رررررر والتي يوردها ‪. Stern, “New Information”, p. 217‬‬

‫‪259‬‬
‫وأن يسننتخدموا كهنننوتيتهم لحننداث إسننقاط بننالمعنى‬
‫الحرفي لرثهم اليهودي على سننيناريو عربنني‪ .‬لكنهننم‬
‫ولوا أنفسهم بذلك إلى كهنة‬ ‫ح ّ‬
‫بعكس السامريين‪ ،‬فقد َ‬
‫في السبي؛ وعلىأساس بروز بابل بين غزواتهم وبروز‬
‫رجال السباط بين الغزاة‪ ،‬كانوا بننذلك يغننامرون بحفننر‬
‫قبورهم لصالح تواطؤ السباط والحاخامين والذي كان‬
‫دي إلى رفض الحضارة‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬فقد كان‬ ‫سيؤ ّ‬
‫باستطاعتهم اتباع السننوة المسننيحية‪ ،‬كمننا كننان علننى‬
‫العباسننيين بمعنننى مننن المعنناني أن يفعلننوا‪ ،‬ومننن ثننم‬
‫يتسامون بإرثهم اليهودي إلى استعارة مجازية‪ .‬لكنهننم‬
‫بعكس العباسيين لم يكونوا قد وصلوا بعنند إلننى موقننع‬
‫يؤهلهم لن يسّلموا جدل ً بصحة هويتهم الدينية؛ وعلننى‬
‫أسنناس رجحننان كفننة المسننيحيين بيننن مننواليهم‪ ،‬كننان‬
‫صوا في المسيحية وفي حضارة مسيحية‪.‬‬ ‫مت َ ّ‬
‫عليهم أن ي ُ ْ‬
‫والطريقة الوحيدة التي استطاع المويننون أن يضننمنوا‬
‫بهننا اسننتمرارية النندين الهنناجري وبقائيننة الحضننارة‬
‫المغزوة كانت ستؤسس علقة مختلفة تماما ً بينهم هم‬
‫أنفسننهم وبيننن الديننان التوحينندة السننابقة‪ :‬علقننة ل‬
‫تقننوم علننى إسننقاط بمنظننور حرفنني ول علننى تسننام ٍ‬
‫مجازي‪ ،‬بل على وسيلة غير مسبوقة بالكامننل لضننفاء‬
‫الصبغة القومية علننى نحننو فننوري‪ .‬ولننو أن الهنناجريين‬
‫دموا نسنننبا ً عربينننا ً لورشنننليم‪ ،‬النبيننناء والسنننفار‬ ‫قننن ّ‬
‫دسننة‪ ،‬عوضننا ً عننن تزييننن شننبه جزيننرة العننرب‬ ‫المق ّ‬
‫باورشليم‪ ،‬موسى وتوراة‪ ،‬لكانوا نسننخوا بثبننات وعلننى‬
‫نحننو نهننائي كل ً مننن اليهوديننة والمسننيحية ‪ -‬عوضنا ً عننن‬
‫التعننايش معهمننا فنني تخليننط غننامض مننن المحاكنناة‬
‫جَلدًا‪ ،‬جلنند‬
‫طي ‪ . ((26‬لكن هذا كان سيتطّلب َ‬ ‫والتعاقب الخ ّ‬
‫لم يكن يمتلكه‪ ،‬في المحاولة الخيرة‪ ،‬حتى عبنند الملننك؛‬
‫وإلى المدى القائل إن الخيار لم يكن واقعيا ً قط‪ ،‬فليس‬
‫مننن المفنناجئ أن المننويين اختنناروا أن يتعّلمننوا مننن‬
‫السننامريين الننذين أعطننوهم الكهنننوت ذاتننه‪ .‬والنتيجننة‬
‫النهائية لهذا الخيار كننانت اخننتزال الكهنننوت إلننى وجننود‬
‫مستحائي في عالم كانت حيواناته الحية حاخامية‪ .‬يبقى‬
‫أن نضيف أن مصير الكهنوتية لم يكن أكننثر سننعادة فنني‬
‫الشيعية ذاتها‪.‬‬
‫كر بأن العلقة المختلفننة جنندا ً بيننن السننلم وسننلفيه كننانت ستتضننمن شننرعة‬
‫‪ (26‬ف ّ‬ ‫)‬

‫كتابية تحتوي التوراة‪ ،‬النجيل والقرآن‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫وحيننث أن تماسننك القننوة العدائيننة جعننل مننن غيننر‬
‫المحتمننل علننى نحننو متزاينند أن يكننون ممكن نا ً تأسننيس‬
‫إمامة علوية في العالم المتمدن‪ ،‬فقنند اسننتجاب شننيعة‬
‫العراق في اتجاهين مختلفين للغاية‪ .‬فمن ناحية اختننار‬
‫الماميون أن يظلوا حيثمننا كننانوا مهمننا كننانت التكلفننة‬
‫اليديولوجية‪ ،‬وأن يشرعوا في تكييف إرثهننم الجهننادي‬
‫أص نل ً مننع الضننروريات الكننثر إسننتكانية لننبيئتهم‪ .‬لقنند‬
‫حاولوا بمنظور عام‪ ،‬إبطال مفعول علقتهننم بالسننلم‬
‫دة‪ ((27‬السمات الكننثر‬ ‫الرثوذكسي عن طريق تلطيف ح ّ‬
‫‪((28‬‬
‫إيذاء للشننعور فنني إرثهننم أو إخفائهننا ‪ .‬أمننا بمنظننور‬
‫كز الحق في اسنتهلل ثنورة شنرعية فني‬ ‫خاص‪ ،‬فقد ُر ّ‬
‫بنادئ المننر فني سلسننلة منفنردة منن أئمننة ثقننة غيننر‬
‫‪((29‬‬
‫حق بالكامل في نهاية المر وذلك مع‬ ‫م ِ‬
‫نشطاء ‪ ،‬لكنه ُ‬
‫إرسال المام إلى غيبة متسامية حقننا ً‪ .((30‬وهكننذا فقنند‬
‫كننانت سياسننة الماميننة إحينناءً لكننثر سياسننات الغيتننو‬
‫استكانية‪.((31‬‬

‫) ‪Kohlberg, The Attitude of‬‬‫‪ (27‬لحظ الرتقاء إلى موقف أكثر تمدنا ً من صحابة النبي‬ ‫)‬

‫‪ (the Imami, pp. 111 - 22‬ومن المسلمين غير الماميين بشكل عام ) ‪(ibid., pp. 104 - 8‬؛‬
‫قارن ايضا ً البتعاد عن عقيدة بدعية مربكة فيما يخص كمالية القرآن ) ‪id., “Some Notes‬‬
‫‪on the Imamite Attitude to the Qur’an in S. M. Stern et al.(ed.), Islamic Philosophy and the‬‬
‫‪.(Classical Tradition., Oxford 1972‬‬
‫‪I. Goldziher, “Das Prinzip der Takijja in Islam”, Zeitschrift der Deutschen Morgenl (28‬ن‬ ‫)‬

‫‪ .ndischen Gesellschaft 1906‬لحظ على نحو خاص الطريقة التي يقدم بها فقهاء المامية‬
‫رررررر وذلك بوصفها واجبا ً نحو أخوة المرء في الدين )‪.(ibid., pp. 219 - 21‬‬
‫‪ (29‬قارن الرأي المنسوب إلى هشام بن عبد الملننك‪ :‬ل يتوقننع مننن المننام أن يثننور‬ ‫)‬

‫‪،‬ومن غير المسموح أن تتم الثورة لحسابه ) ‪ .(Encyclopaedia of Islam, s.n‬لكن هذا بحد‬
‫ذاته ل يتعارض مع طبيعة السياسة الكهنوتية‪ :‬فقد اعتاد الكهنوت العالي السرائيلي‪،‬‬
‫باستثناء في أفخر لحظاته المكابية‪ ،‬على التعايش مع سلطان غريب وشبه جائر‪.‬‬
‫‪ (30‬من أجل الحتمية القطعية ررررر ر المامية‪ ،‬أنظننر‪J. Eliash, “The Ithna‘ashari- :‬‬ ‫)‬

‫‪ .shi‘i juristic theory of political and legal authority”, Studia Islamica 1960‬يظهر معنننى‬
‫رررررر المامية على نحو شبه دقيق في الحقيقة القائلة إنها استدعيت مرتين‪ ،‬في‬
‫سياقين مختلفين للغاية‪ ،‬لنهاء سلسلة غير مرغوبة من الئمة السننماعيليين‪S. M.) .‬‬
‫‪Sern, The Succession to the Fatimid Imam alAmir, the Claims of the Later Fatimids to the‬‬
‫‪Imamate, and the Rise of Tayyibi Ismailism”, Oriens 1951, pp. 204f ; W. Ivanow, “The Sect of‬‬
‫‪Imam Shah in Gujarat”, Journal of the Bombay Branch of the Royal Asiatic Society 1936, pp. 43 -‬‬
‫‪.(5‬قارن إنحجاب المسيا‪ ،‬وبالتالي أية كمونية لسياسة فاعلة عننند أقليننة دينيننة مدنيننة‬
‫أخرى‪ ،‬هي المسيحيون الوائل‪.‬‬
‫‪ (31‬قارن اللحاح في الحقبة التي أعقبت غياب المام على أنننه علننى المننؤمن أن ل‬ ‫)‬

‫يذكر اسمه ول يسأل عن مكان وجوده كنني ل يخنناطر بحينناة المننام ررر رر ررر ر‬
‫)النوبختي‪ ،‬رررر ررر رررررر‪ ،‬ص‪.(92‬‬

‫‪261‬‬
‫مننن ناحيننة أخننرى‪ ،‬فقنند اختننار الزيننديون متابعننة‬
‫طموحنناتهم السياسننية مهمننا كننانت التكلفننة البيئويننة‪.‬‬
‫بمنظور عمومي‪ ،‬الزيدية متميزة بخاصننية مغامراتيننة ل‬
‫يمكن كبحها والننتي تتننناقص بكننل شننيء مننع اسننتكانية‬
‫المنناميين الشننديدة الوطننأة ‪ .((32‬وبمنظننور خصوصنني‪،‬‬
‫فالتخليط البيئوي للمغامرات الزيديننة الولننى يتننناقض‬
‫مع الشخصية الملفتة للنظننر فنني تعقينندها لنجاحنناتهم‬
‫المستمرة؛ حين استقر النغبار‪ ،‬راح الزيديون يقايضون‬
‫غيتوهننات بابننل المدنيننة بالسننباط الجبليننة لقزويننن‬
‫واليمن‪ .((33‬وكننان علننى الماميننة الزيديننة أن تسننتقر‬
‫كحجر زاوية لنمط صيغة دولة قبائلية قائمة فنني نهايننة‬
‫المننر علننى الرضننى الننذي ل يمكننن لغيننر القداسننة أن‬
‫تحثه‪ ،‬وذلك فنني غينناب الننتركيزات الهامننة للسننلطة أو‬
‫الثروة ‪.((34‬‬

‫كز المامية المامة في سلسننلة منفننردة وغيننر متواصننلة فنني نهايننة‬ ‫‪ (32‬في حين تر ّ‬ ‫)‬

‫المر من الئمة غير الفاعلين‪ ،‬توزع الزيدية حق استهلل المامننة عننبر ثننورة صننالحة‬
‫بين كل العضاء الذين يحملون مؤهل النتساب الى السننللة النبويننة )قننارن العبننارة‬
‫الملئمة حول قواعد اللعبة التي أعاد تقديمها ‪ R. Strothmann‬في عمله ‪Das Staatsrecht‬‬
‫‪ . (der Zaiditen, Strassburg 1912, pp. 104 - 6‬وفي حين تفرغ الماميننة حاضننر المعننى‬
‫دم الزيديننة عرضننها‬ ‫السياسي لصالح مستقبل مهدوي بعيد على نحننو غيننر محنندد‪ ،‬تقن ّ‬
‫الواقعي الثابت للعدل المامي هنا والن )باستثناء وحيد‪،‬هننو زيديننة جبليننة خاليننة مننن‬
‫سر‬‫المهدوية على نحو ملفت‪ ،‬أنظر‪ .Mandelung, al-Qasim, pp. 198 ( 210) :‬وفي حين تف ّ‬
‫المامية الجهنناد كحجننب للننذات لسننرارها عننن المسننلمين الخريننن ) ‪Goldziher, “Das‬‬
‫‪ ،(Prinzip”, p. 221n‬تفسره الزيدية كجهاد مسّلح ضدهم‪C. van Arendonk, Les débuts de ) .‬‬
‫‪ .(l’imamat zaidite au Yamen, Leyden 1960, p. 225‬وفي حين تضرب المامية على معزوفة‬
‫الفتوى القرآنية لصالح المؤمن الذي ينكر الله تحننت الضننغط لكنننه يظننل مؤمننا ً فنني‬
‫قلبه )‪) (108 :16‬انظر على سبيل المثال‪Kohlberg, The Attitude of the Imami-Shi‘is, p. :‬‬
‫‪ ،(32 f‬تجد الزيدية قانونها في الفتوى القرآنية لصننالح أولئك الننذين يرفعننون السننلح‬
‫لنهم اضطهدوا دون وجه حق ) ‪) (39:22‬أنظر على سبيل المثننال‪S. M. Stern, “The :‬‬
‫‪.(Coins of Amul’, The Numismatic Chronicle 1967, pp. 211 f, 217‬‬
‫‪ (33‬لحظ إعادة اللقاء الدقيقة لهذا التقابنل النبيئوي فني سنيرة الننبي‪ :‬ففني حينن‬ ‫)‬

‫تختار المامية سيرته النبوية باعتبارها النمننوذج البنندئي للسننتكانية المحاصننرة لغيتننو‬
‫مدني )أنظر الهامش ‪ 38‬من الفصل الخامس ؛ وأبو خلف سعد بن عبد الله القمنني‪،‬‬
‫رررر رررررررر رررررر‪ ،‬تحرير م‪ .‬ج‪ .‬مشكور‪ ،‬طهران ‪ ،1963‬ص ‪ ،(103‬تأخذ‬
‫الزيدية سيرته في المدينة كأمثولة لفعالية سياسة في مجتمع قبائلي )قننارن محاكنناة‬
‫النموذج النبوي التي يتضمنها استخدام تعبيري ررررررررر وررررررر في سننياق‬
‫تأسيس المامية الزيدية في اليمن ) ‪ ،(van Arendonk, Débuts, p. 164‬والدقة في استلهام‬
‫الهادي العرف النبوي في تسويغ معالجته غير القانونية تقريبا ً للزكاة )‪.(ibid., pp. 260f‬‬
‫‪ (34‬النسجام بين القبائل الذي كان مؤسس الماميننة الزيديننة قننادرا علننى ترسننيخه‬ ‫)‬

‫بقوة القداسة حيث فشل قبل ذلك حاكم مع جيش هو أمثولة علننى هننذا النمننط مننن‬

‫‪262‬‬
‫فنني هننذه التطننورات المتباينننة وصننلتنا السياسننات‬
‫الشيعية متكاملة في تطورين اثنين‪ .‬ففي نهايننة المننر‬
‫التزمت المامية والزيدية على حد سواء بأمثولة إمامننة‬
‫شمولية فعلية‪ .‬لكن في حين ضننحت الماميننة بننالواقع‬
‫لتحتفظ بشمولية ظل‪ ،‬ضحت الزيدية بالشننمولية علننى‬
‫حساب إحراز حقيقة أبرشية ضيقة‪((35‬؛ وفي حين ظلت‬
‫ضرية على حسنناب إنكننار الممارسننة‬ ‫ح َ‬
‫المامية هرطقة َ‬
‫العملية‪ ،‬ظلت الزيدية هرطقة عملية على حساب إنكار‬
‫الحواضر‪.((36‬‬
‫يمكننن بسننهولة توضننيح المضننامين الثقافيننة لهننذا‬
‫التفسخ السياسي‪ .‬فمنن ناحينة‪ ،‬قناد التطنور المنامي‬
‫مباشرة إلى إعادة امتصاص السننلطة الكهنوتيننة العليننا‬
‫فنني الوسننط الحاخننامي للغيتننو‪ .‬وانتهننت مننؤامرة غيننر‬
‫ناجحننة علننى نحننو مننثير للشننفقة ضنند أئمننة الضننلل‬
‫كمننؤامرة ناجحننة علننى نحننو مننثير للتهكننم ضنند أئمننة‬
‫الهداية؛ والبقية الهامة الوحيدة من السلطة الكهنوتيننة‬
‫كمنت الن في الحقيقة القائلة إن الحاخامية المامية‪،‬‬
‫إذا صح القول‪ ،‬ظّلت تنائية)مننن تنننا(‪ ،‬فنني حيننن ظلننت‬
‫الحاخاميننة السنننية مجننرد أمورائيننة)مننن أمننورا(‪ .‬ومننن‬
‫ناحية أخرى‪ ،‬أضحت المامية الزيدية بذرة والننتي تنمننو‬
‫فقط على أرضننية حجريننة‪ .‬لقنند انسننحبت الزيديننة مننن‬
‫الحضارة كنني تحينا فني تعننايش تكنافلي منع البربريننة‪،‬‬
‫وتبدو »أبيض أفضل من خبير« صيغة معتدلة لرسننالتها‬
‫العقائديننة وسننجلها السياسنني‪ .‬لقنند حننافظ الئمننة‬
‫الزيديون في معاقلهم الجبلية على تعهد مؤثر بالتعليم‬
‫‪((37‬؛ لكننن مسنناهمة سننلطتهم الكهنوتيننة فنني تشننكيل‬
‫دم بهننا‬
‫السياسات ) ‪ .(van Arendonk, Débuts, pp. 134f’ pp. 140f‬قارن الطريقة التي يق ّ‬
‫الحاكم عدالته لرجال القبائل كي تنال استحسانهم )أنظر‪.(ibid., pp. 196-8 :‬‬
‫‪ (35‬لكن التضحية بالشمولية لم تأت بسهولة‪ :‬فالقادة الوائل أنفسهم رر رر وليس‬ ‫)‬

‫أئمة)‪ ،(Mandelung, al-Qasim, pp. 154 -6‬والزيدية لم تتكيف عقائديا ً بوضوح قط مع وجود‬
‫شكلي الحكم الزيدي المنفصلين إلى درجة كبيرة‪ ،‬وهننو تكيننف تبننناه الباضننيون فنني‬
‫ظروف مشابهة‪ ،‬أي القرار بأنه ربما يكون هنالك أكثر من إمام شرعي فنني الننوقت‬
‫ذاته )أنظر‪.(ibid., pp. 196-8 :‬‬
‫دم هنا يتجاهل النتقال الهام من الزيديننة‬ ‫ّ‬ ‫المق‬ ‫القصير‬ ‫الوصف‬ ‫‪ (36‬لبد أن نلحظ أن‬ ‫)‬

‫الكوفية إلى الزيدية الجبلية‪ ،‬ويطمر أشكال التردد القديمة للزيدية الكوفية‪.‬‬
‫‪ (37‬تبرز أهمية هذا الرفض لتخفيض المعايير الكاديمية في أن أكثر من حاكم زينندي‬ ‫)‬

‫ُرِفض القرار به كإمام على أساس عدم كفايننة علننومه )أنظننر علننى سننبيل المثننال‪:‬‬
‫‪ .(Mandelung, al-Qasim, pp 208‬وحتى وقت متننأخر هننو بدايننة هننذا القننرن تحنندى أحنند‬
‫المطالبين بالمامة آخر إلى معركة لهوتية )‪R. Bidwell (ed.), The Affairs of Arabia 1905 -‬‬
‫‪.(6, London 1971, vol. ii, section iii, p. 4‬‬

‫‪263‬‬
‫الحضارة كانت بالضرورة فنني حنندودها لنندنيا‪ .‬باختصننار‬
‫نقننول‪ ،‬إن المنناميين هجننروا إمننامتهم وانسننحبوا إلننى‬
‫داخل الغيتو‪ ،‬في حين حافظ الزيننديون علننى إمننامتهم‬
‫وانسحبوا إلى داخل الريف؛ لكن فنني الحننالتين‪ ،‬كننانت‬
‫م عن النفتاح الثقافي للصدوقيين أقل مما‬ ‫الحصيلة تن ّ‬
‫م عن »الحياة المنعزلة« الفريسية‪.‬‬ ‫تن ّ‬
‫علننى هننذه الرضننية قننامت الشننيعية فنني شننكلها‬
‫السننماعيلي بننآخر محاولتهننا‪ ،‬والننتي هنني بطريقننة أو‬
‫بننأخرى أكننثر محاولتهننا تننأثيرًا‪ ،‬للجمننع بيننن القداسننة‬
‫والحضننارة ‪((38‬؛ وفشننلها شننهادة حيننة علننى صننعوبة‬
‫المشكلة‪ .‬كهرطقننة إسننلمية‪ ،‬فقند ُبنينت السننماعيلية‬
‫فنني عمننق تنظيمنني وأيننديولوجي فرينند‪ ،‬بمعنننى أنهننا‬
‫ومرنننة عقائديننا ً فنني آن ‪ .‬وحنن ّ‬
‫‪((40‬‬ ‫ً‪((39‬‬
‫ولت‬ ‫تعدديننة بيئويننا‬
‫مقدرتها على ضننبط التننوترات الناتجننة‪ ،‬الحفنناظ علننى‬
‫توازن دقيق متعّلق بمجموعة مننن الخنندمات السياسننية‬
‫المحلية‪ ،‬إلى فكرة دينية ‪ -‬سياسننية مسننيطرة وحينندة‪:‬‬
‫مهدية إمامية والتي وعنندت بحقيقيننة الماميننة الزيديننة‬
‫دون محننندوديتها البرشنننية‪ ،‬وبعالمينننة البوكننناليبس‬
‫المامية دون عدم لزوميتها السياسية‪.‬‬
‫من منظور تنظيمني‪ ،‬فالشخصنية المفتناح فني هنذا‬
‫البنيان كانت قققققق‪ ،‬الذي يجمع بين مكانة محلية في‬
‫مشكاة بيئويننة ضننيقة وبيننن دور ذرائعنني فنني مننؤامرة‬
‫عالمية أكثر عظمة‪ .((41‬في هذا التوازن يكمننن كننل مننن‬
‫القوة المميزة للمنظمة السماعيلية وقابليتها المميزة‬
‫للنجراح‪ .‬فمن ناحية لدينا هنا محاولة ديناميكية لتجاوز‬
‫التكيفننات البيئويننة للماميننة والزيديننة‪ :‬فنني الولننى‪،‬‬
‫بالمقابل‪ ،‬لم يعد هنالك شخص ُأمكن لشخص محلي أن‬
‫يتآمر لصالحه‪ ،‬في حيننن كننان المننام ذاتننه فنني الثانيننة‬

‫‪ (38‬قارن المامة العباسية‪ ،‬الننتي لننم تتضنناءل إلننى إمامننة ضننيقة فنني بننراري آسننيا‬ ‫)‬

‫الوسطى بالطريقة الزيدية‪ ،‬ولم تختلف في غيبة شكلنية بالطريقة المامية‪.‬‬


‫‪ (39‬من أجل مجموعة المواقع التي انطلقت منها السماعيلية إلى العمل‪ ،‬أنظننر‪S. :‬‬ ‫)‬

‫‪.M. Stern, “Isma‘ilis and Qarmatians”, in Cahen et al., L’Elaboration de L’Islam, p. 101‬‬
‫‪ (40‬من أجل التدويمات اليديولوجية التي سعى قادة الحركة من خللها فنني أوقننات‬ ‫)‬

‫مختلفة لخذ أقسام جوهرية من اتباعهم‪ ،‬أنظر‪W. Madelung, “Das Imamat in der frühen :‬‬
‫‪ismailitischen Lehre”, Der Islam 1961; B, Lewis, The Assassins: A Radical Sect in Islam, London‬‬
‫‪.1967, pp. 71 - 83‬‬
‫‪ (41‬وهكذا فالصليحيون‪ ،‬بكلمات أحنند المصنندر‪» ،‬جمعننوا بيننن منصننب الننداعي ]أي‪،‬‬ ‫)‬

‫لحسنناب المننام الفنناطمي[ والحكننم المسننيطر ]أي‪ ،‬داخننل اليمننن[«‪Stern, “The ) .‬‬
‫‪.(Succession to the Fatimid Imam alAmir”, pp. 21719‬‬

‫‪264‬‬
‫شخصية محلية ذات مكانة كاملة دينية‪ .‬لكننن مننن ناحيننة‬
‫أخرى‪ ،‬فقد كننان ممكن نا ً الخلل بننالتوازن فنني أي مننن‬
‫التجاهين بسهولة‪ :‬عن طريق دارة قصيرة صننرف بهننا‬
‫قققققق حوالة المهدي المصرفية لحسابه الخاص‪ ،((42‬أو‬
‫عن طريق تبخير المؤامرة الكثر اتساعا ً والذي بفضننله‬
‫امتلنننك دوره معنننناه النننبيئوي‪ .((43‬وهكنننذا فالمروننننة‬
‫التنظيميننة للسننماعيلية كننانت معلقننة بيننن تهدينندات‬
‫الصلبة العنيدة من جهننة والنتفنناخ غيننر المحنندود مننن‬
‫ناحية أخرى‪.‬‬
‫منننن منظنننور أينننديولوجي‪ ،‬فمفهنننوم السنننماعيلية‬
‫المركزي هو مهديننة محايثننة تول ّنند علقننة بيننن الحاضننر‬
‫والمستقبل هي في آن لدنة إدراكيا ً ومتوترة شننعوريًا‪.‬‬
‫ومننن جدينند نعينند أن التننوازن مننتزعزع‪ .‬لننو أن الحوالننة‬
‫وض المسننتقبل‬ ‫المصننرفية المهديننة ُتقبننض الن‪ ،‬يتقنن ّ‬
‫داخل الحاضر‪ ،‬ويفسح التوازن المجال أمام اللمعنويننة‬
‫الجوهرية للواقع المابعنند اسننكاتولوجي‪ :‬ربمنا أن عبينند‬
‫الله المهدي كان سيبدو أكثر سعادة كإمام زينندي‪ .‬ولننو‬
‫أن الحوالنننة المصنننرفية لنننن تقبنننض أبننندًا‪ ،‬فانحسنننار‬
‫المستقبل المهدوي يفرغ الحاضر من معناه السياسي‪،‬‬
‫ويكننون التننوتر الشننعوري مفقننودًا‪ :‬ربمننا أن قق قققق‬
‫المثقننف مننن القننرن الحننادي عشننر‪ ،‬الكرمنناني‪ ،‬كننان‬
‫دم‬ ‫سيبدو أكثر سعادة أكننثر كحاخننام إمننامي‪ .((44‬أو لنق ن ّ‬
‫ل‪ ،‬فالمقنندرة علننى القننناع‬ ‫المر على نحو مختلننف قلي ً‬
‫في السماعيلية تعتمد على قوة استعاراتها المجازيننة‪:‬‬
‫‪(4‬‬
‫حْرفية‬‫فلت الستعارات المجازية إلى حقيقة َ‬ ‫لكن لو ث ُ ّ‬
‫‪(5‬‬
‫ددت إلى صوفية‬ ‫م ّ‬
‫‪ ،‬كما في عقيدة الدروز الولى‪ ،‬أو ُ‬

‫‪ (42‬كما في حالة علي بن الفاضل في اليمن‪ .‬اسننتطاع الموظفننون الننبيروقراطيون‬ ‫)‬

‫أن يفعلوا الشيء ذاته في المركز‪ ،‬كما في حالة الفاطميين أنفسهم‪.‬‬


‫ً‬
‫‪ (43‬وهكذا فعلى الرجح كان الدعاة المكرميننون فنني اليمننن أئمننة زيننديين أيض نا؛ أو‬ ‫)‬

‫بالمقابل‪ ،‬ربما أُودع الئمة المخفيننون النذين كنانوا يمثلننونهم أيضنا فني غيبننة إماميننة‬
‫متقنة وذلك على أيدي أتباعهم من البهرة‪.‬‬
‫‪ (44‬بالنسبة للكرماني فالوعد بالمستقبل ُيختزل إلى النتظار المننروع بضننعفه لنحننو‬ ‫)‬

‫من ثلثين خليفة فاطمي‪.(Mandelung, “Das Imamat”, p. 126) .‬‬


‫‪ (45‬رررر ررررررر ررررر ررررررررر )‪.(ibid., p. 118‬‬ ‫)‬

‫‪265‬‬
‫‪((46‬‬
‫مر عننندئذ‬ ‫مجردة ‪ ،‬كما في كتابات ناصننر خسننرو‪ ،‬لتنند ّ‬
‫التوازن الدقيق بيننن التلميحيننة والتمّلصننية‪ .‬لنننه علننى‬
‫السننماعيليين‪ ،‬كالماركسننيين‪ ،‬أن يخفننوا تحننت مظهننر‬
‫خننادع الحقيقننة القائلننة إن عليهننم أن يختنناروا فنني‬
‫المحاولة الخيرة بيننن أن يقبضننوا ثمننن وعنندهم إمامننة‬
‫روسننية قننذرة أو أن يرفضننوا قبننض ثمنننه فنني ق قققق‬
‫فارسنني عقيننم؛ لكننن عظمننة السننماعيلية‪ ،‬كعظمننة‬
‫الماركسننية‪ ،‬إنمننا تكمننن فنني رؤيننا ل بنند أن َتبلننى‬
‫معقوليتها عاجل ً أم آج ً‬
‫ل‪.‬‬
‫لقد حاول النزاريون أن ينجوا مننن هننذا الشننرك عننن‬
‫طريق الحجة القديمة بأنهم بدأوا من جديد‪ .‬لكن المننر‬
‫دة لحننداث إصننلح‪ ،‬واليوتوبيننة‬ ‫جن ّ‬ ‫يحتاج إلى أكثر مننن ال ِ‬
‫ل عليهننا جينندا ً‬ ‫السننطحية »للتبشننير الجدينند« إنمننا ينند ّ‬
‫الهجمة السريعة لمحدودية التفكير والنهيننار المننوازي‬
‫للفلسفة إلى سننحر‪ .((47‬وكننانت النتيجننة بالفعننل مجننرد‬
‫إمامية زيدية أخرى في الريننف‪ ،‬مننع ثقلننة إضننافية مننن‬
‫صل على نحو غيننر معقننول ومسنناعدة‬ ‫إرث عقائدي مف ّ‬
‫هامشية من غيتو إمامي والذي أدان ببقائه إلى وجوده‬
‫على هامش العالم السلمي‪ .‬ففي نهاية الزمان جاءت‬
‫حننوادث التاريننخ بالمامننة إلننى الغيتننو‪ :‬انتهننى الكنناهن‬
‫العظننم فنني الهننند البريطانيننة مثلمننا ابتنندأ فنني بلد‬
‫اليهوديننة الخمينيننة‪ ،‬أي القننائد لجماعننة دينيننة صننغيرة‬
‫أمام حكامها المننبراطوريين الخّيريننن البعينندين‪ .‬وفنني‬
‫هننذا الموقننع أحننرز السننلم الصنندوقي أكننثر نجاحنناته‬
‫‪((48‬‬
‫الثقافية درامية‪ .‬لقد أعلن الغاخانننات إلغنناء الغيتننو‬
‫وتقّبلهم للحضارة؛ وإذا كننانوا يفضننلون مضننمار سننباق‬
‫الخيل على قاعة اللعاب الرياضية‪ ،‬فقد كانوا مننع ذلننك‬
‫ورثة مسننتحقين للكهنننة الكبننار فنني منطقننة اليهوديننة‬
‫الهلينية‪ .‬لكن مهما كانت انتصارات السننلم الصنندوقي‬
‫في هذا الموقع الغريب والمستبعد‪ ،‬فقد ُتركننت لبقيننة‬
‫العالم السلمي أدواته الفريسننية الخاصننة‪» :‬حننتى لننو‬

‫‪. Ibid., pp. 130 - 2 (46‬‬ ‫)‬

‫‪Lewis. The Assassins, pp. 67, 112, 135 (47‬‬ ‫)‬

‫‪» (48‬حيثما تعيشون‪ ،‬كونوا مواطنين« ) ‪H. S. Morris, The Indians in Uganda, London‬‬ ‫)‬

‫دمه الستاذ ي‪.‬‬ ‫‪ .(1968, p. 193‬نحن ندين بفهمنا لمغامرات الغاخانات الثقافية لبحث ق ّ‬
‫غّلز قبل بضع سنين‪.‬‬

‫‪266‬‬
‫‪(4‬‬
‫أننا صدوقيون‪ ،‬فنحن مع ذلك نخاف من الفريسننيين«‬
‫‪.(9‬‬

‫‪ (49‬التلمود البابلي‪ ،‬رررر‪ ،‬الورقة ‪ 19‬ب‪.‬‬ ‫)‬

‫‪267‬‬
‫‪14‬‬
‫قسوة التاريخ السلمي‬

‫يتميز التاريخ السلمي بمننا يلفنت النظنر منن ضنيق‬


‫للموارد الخاصة بالمعنى في اللغة وثبوتيتهننا‪.‬لقنند كننان‬
‫كبا ً طبعا ً من العناصر الثلثية الكلسننيكية‪ ،‬العبرانيننة‬ ‫مر ّ‬
‫كب منها تاريخ أوروبا‪ .‬لكننن فنني‬ ‫والبربرية ذاتها التي ُر ّ‬
‫حين ظلت المصادر الثلثننة فنني أوروبننا متمننايزة‪ ،‬فقنند‬
‫رفض السننلم العنصننر الول ودمننج الثنيننن الخريننن؛‬
‫ونتيجة لذلك تتركز موارده على نحننو ثقيننل فنني تقلينند‬
‫أوحد وذي خصوصية دينية‪ .‬لقد رأينا للتو ما كننان يعنيننه‬
‫هذا بالنسبة لشخصية الحضارة السلمية فنني علقتهننا‬
‫مع الحضارات التي خلفتهننا‪ .‬مننع ذلننك فننالمر يسننتأهل‬
‫إعطنناء التحليننل نوعنا ً مننن التأكينند عننن طريننق توسننيع‬
‫المقارنة لتشمل تاريخ أوروبا المختلف للغاية‪ .‬لنه كما‬
‫تتحمننل المصنندرية الفرديننة للتقلينند السننلمي عبننء‬
‫الشخصننية الحاديننة القاسننية للكننثير جنندا ً مننن التاريننخ‬
‫السلمي‪ ،‬كذلك تماما ً فتعددية المصننادر للثقافننة فنني‬
‫أوروبا هي الشننرط المسننبق أيضنا ً لتطورهننا التنناريخي‬
‫المعقد‪ .‬فعبر تفاعننل التقالينند المتغننايرة تاريخي نا ً لكننن‬
‫ولة ثقافيا ً كان الوروبيننون مبتليننن بننذلك السننعي‬ ‫المخ ّ‬
‫الذي ل يهدأ خلف الحقننائق الننتي منعننت فاوستسننوس‬
‫قِلق عن الستمرار فنني حديقننة غرتشننن؛ علننى نحننو‬ ‫ال َ‬
‫معاكس‪ ،‬في حيننن أنننه بعنندما أحننرز المسننلمون اتننزان‬
‫الموثوقيننة‪ ،‬لننم يتعرضننوا لغننواء نظننرة خاطفننة علننى‬
‫الحقيقة النهائية‪.‬وفي حين يبدو هذا التعارض أساسننيا ً‬
‫إلى درجة أنه يمكن اعتباره بديهيًا‪ ،‬فإنه يمكن توضيحه‬
‫قة عبر مقارنة النتائج المختلفننة للصننولية‬ ‫مع بعض الد ّ‬
‫فنني مجننالي الحقيقننة والهويننة فنني عننالمي أوروبننا‬
‫والسلم‪.‬‬
‫نقطة البداية بالنسبة لنا هي نوع مننن المننوازاة بيننن‬
‫ظهور السلم وظهننور الصننلح البروتسننتانتي‪ .‬ففنني‬
‫الشرق والغننرب علننى حنند سننواء‪ ،‬أحننرز عننالم النتيننك‬
‫نسخة ملطفة من اليهودية وذلك فنني هيئة المسننيحية‪.‬‬
‫وفي الشرق والغرب على حد سواء‪ ،‬وبمقتضى الحننال‬
‫جعل هذا التبني الجزئي للقيننم اليهوديننة مشننروع أخننذ‬
‫هننذه القيننم بجديننة أكننبر متاحننًا‪ .‬وفنني كليهمننا‪ ،‬وجنند‬

‫‪268‬‬
‫المشروع تجسيدا ً تاريخيا ً في حركات رفضننت مسننيحية‬
‫سخة على السس ذاتها نوع نا ً مننا‪ :‬هنالننك الصننرار‬ ‫متف ّ‬
‫ذاته على وحدانيننة قاسننية ضنند تعدديننة آلهننة مسننيحيي‬
‫اليام الخيرة أو وثنيتهم‪ ،‬البتر ذاته للسر مننن العلقننة‬
‫الخلقية بين الناس وإلههم‪ ،((1‬والزالننة ذاتهننا للصننبغة‬
‫الطبيعية عننن المجتمننع والطبيعننة عننبر تحويننل سننلطة‬
‫الكون إلى الحكم المطلق للرادة اللهية‪.((2‬‬
‫دم الشرق والغرب تقننابل ً‬ ‫لكن خلف هذه النقطة‪ ،‬يق ّ‬
‫بسيطا ً وأساسيًا‪ .‬ففي الشرق كان التوجه فنني القننرن‬
‫السابع نحو تيار عبراني أكثر شمولية حركة متولدة في‬
‫الخارج‪ :‬القيم ليهودية ظلت خارج المسننيحية الشننرقية‬
‫روحانيا ً مندمجنة منع قنوة النبرابرة النذين ظلنوا مادينا ً‬
‫خارجها‪ .‬لكننن فشننل الريوسننية القوطيننة فنني القننرن‬
‫الرابع في الغرب في الحتياط سننلفا ً لظهننور السننلم‬
‫كان يعني أنه لم يعد ممكنا ً إعادتهننا إلننى المسننرح فنني‬
‫القرن السننادس عشننر‪ :‬ظننل باسننتطاعة اليهننود طبع نا ً‬
‫تقديم قسطهم من اللجئين‪ ،‬لكننن سويسننريي القننرن‬
‫السادس عشر لننم يعننودوا برابننرة والننذين كننان ممكن نا ً‬
‫تسننجيل أسننمائهم فنني نننوع مننن الكتتنناب للطاحننة‬
‫بالمسيحية أو بالحضارة‪.((3‬‬
‫تبدو الشخصية ذات المنشأ الداخلي للبروتسننتانتية ‪-‬‬
‫أو للكالفينية‪ ،‬من أجل تحديد المناقشة ‪ -‬بالمقارنة مننع‬
‫السننلم حاسننمة بسننبب علقتهننا بمننا كننان قبلهننا‪.‬‬
‫والمسألة تنطبق على مستويي الفكار والوقننائع علننى‬
‫حنند سننواء‪ .‬فعلننى صننعيد الفكننار‪ ،‬اسننتطاع اسننتعمال‬
‫أصولي للرث العبراني في المسننيحية تننوفير ترخيننص‬
‫مفينند للتنندمير ‪ .((4‬لكننن حننتى بالنسننبة لديانننة كننانت‬
‫‪ (1‬إن واجب الراعي الكالفني‪ ،‬هو »عن طريق جلننب البشننر إلننى طاعننة النجيننل«‪،‬‬ ‫)‬

‫»لتقديمهم إذا صح القول في القربان لله«‪ ،‬وليس‪» ،‬كما تفاخر أتباع الباباوات حننتى‬
‫الن‪ ،‬التضحية بالمسيح لمصالحة البشننر مننع اللننه«‪Calvin cited in M. Walzer, The ) .‬‬
‫‪ .( Revolution of the Saints: A Study in the Origins of Radical Politics, London 1966, pp. 24 f‬مع‬
‫ذلك فالمصطلح إسلم مفتقد قليل ً هنا‪.‬‬
‫‪ (2‬من أجل الكالفنية‪ ،‬أنظر‪.Walzer, The Revolution of the Saints, pp. 35 , 152 :‬‬ ‫)‬

‫‪ (3‬لو أن الزيديين علموا جون نننوكس‪ ،‬لكننان مسننتحيل ً علننى التاريننخ أن يخبرنننا بمننا‬ ‫)‬

‫حصل لسباط الجبال في اسكتلندا والذي حفظهم علننى نحننو غيننر متخيننل مننن أجننل‬
‫تجديدية ستيوارت‪.‬‬
‫‪» (4‬دعهم ينشدون بقدر ما يشنناؤون عننن حقننوقهم الخاصننة‪ ،‬فسننوف نخننبرهم عننن‬ ‫)‬

‫الكتاب المقدس؛ عن العننرف‪ ،‬فنني الكتنناب المقنندس؛ عننن العمننال والقننوانين فنني‬
‫الكتاب المقدس أيضًا«‪) .‬ميلتون عام ‪1641‬؛ أوردها‪M. Walzer, The Revolution of the :‬‬
‫‪.(Saints, p. 130‬‬

‫‪269‬‬
‫مجموعة أسفارها المقدسننة تتضننمن العهنندين القننديم‬
‫والجديد‪ ،‬فإن الصولية لم تكن موردا ً يكفنني لن يبنننى‬
‫به العالم من جديد‪ .‬وفي أية حال فالصولية المسيحية‬
‫هي بالضرورة صرح دون أساس‪ :‬فعن طريننق فقنندانها‬
‫لسسنننها فننني السنننتعارة المجازينننة تحديننندا ً صنننارت‬
‫المسيحية ديانة عالمية‪ .((5‬وهكذا فالحقيقننة القائلننة إن‬
‫الكالفينة استطاعت أن تطال الرث العبراني من خلل‬
‫المسننيحية فقننط كننانت تعننني أن مواردهننا المتميننزة‬
‫فننرة إلننى درجننة‬ ‫ق َ‬
‫م ْ‬
‫الخاصة بننالمعنى فنني اللغننة كننانت ُ‬
‫عظيمة وذلك بالمقارنننة مننع مننوارد السننلم المتميننزة‬
‫ور العسننكري‬ ‫الخاصننة بننالمعنى فنني اللغننة‪ .‬إن التصنن ّ‬
‫للكالفنية والذي يجد تجسيدا ً عينيا ً له في جيوش الننرب‬
‫من القننرن السننابع عشننر‪ ،‬تصننور الحننج غيننر المتوقننف‬
‫الذي يجد أداءً تمثيليا ً عينيا ً فنني الهجننرات الدينيننة إلننى‬
‫جنيننف أو ماساشوشننتس‪،‬والتننوق المتكننرر لمنظومننة‬
‫سياسننيةذات جننوهر ديننني‪ ،‬إنمننا هنني تلميحننات عدينندة‬
‫مخذولنننة لمقنننولت قققق قق‪ ،‬قققق قق‪ ،‬ققققققق ق‬
‫السننلمية‪ .‬لكنهننا لننم تسننتطع أن تكننون أكننثر مننن‬
‫تلميحات‪ :‬فالصليبيون كانوا السوة شبه الوحيدة الننتي‬
‫اسننتطاع الكننالفنيون تقننديمها كحجننة علننى روحهننم‬
‫العسننكرية‪ ،((6‬وجننولت ابراهيننم لننم يكننن باسننتطاعتها‬
‫امتلك معنى جغرافيا ً حرفيا ً لتقليد يقول »الجنة وطننا‬
‫الم«‪ ،((7‬بنل أن دور الننبي المنننذر المنأخوذ منن العهنند‬
‫القديم والذي انتحله قديس مناصر للقضية مثننل جننون‬
‫نوكس كان طفيليا ً على وجود الملوك الظالمين الننذين‬
‫كان على النبي أن ينذرهم‪ .((8‬ربما كننانت جنيننف مدينننة‬
‫كالفن المنورة‪ ،‬لكن نويونس لم تكن مكة؛ وحننتى فنني‬
‫البرية الميركية فإن قدرة القديسين على تخيل شننكل‬

‫‪ (5‬قارن‪.”Avis, “Moses and the Magistrate: a Study in the Rise of Protestent Legalism :‬‬ ‫)‬

‫‪ .M. Walzer, The Revolution of the Saints, p. 8 (6‬في حين يكّرس السلم عنف الحرب‬ ‫)‬

‫الدينية‪ ،‬فإن الكالفنية تمارسه على أساس »عّلة الدين«)‪. (ibid., p. 274‬‬
‫‪ (7‬القول لريتشارد غرينهام‪ ،‬وهو يرد في كتاب ‪،M. Walzer, The Revolution of the Saints‬‬ ‫)‬

‫ص‪ 130‬؛ قارن استلهام بيزا ]دي بيز[ ررررر ابراهيم ) ‪ (ibid., p. 48‬وحتى برية أميركا‬
‫فقد كانت بالنسبة للمهاجرين البيوريتانيين عقيمة ببساطة بديهيا ً ) ‪P. Miller, Errand into‬‬
‫‪ ،(the Wilderness, Cambridge, Mass. 1956, p. 12n‬والجيل الثاني بالتالي استحوذت عليه‬
‫مشكلة معنى مجتمعهم في البرية )‪ .(ibid., p. 10‬لم تكن هنالك مثننل هننذه المشننكلة‬
‫عمننان؛ لكننن أي نا ً مننن‬‫القطعية حول المعنى عند الزيديين في اليمن أو الباضيين في ُ‬
‫هاتين المجموعتين لم يخلق من ثم شيئا ً يشبه الوليات المتحدة‪.‬‬
‫‪.M. Walzer, The Revolution of the Saints, pp. 98 - 100 (8‬‬ ‫)‬

‫‪270‬‬
‫حكم مقدس تبدو ضامرة على نحو مريع وفق المعننايير‬
‫السلمية‪.((9‬‬
‫على صعيد الوقائع‪ ،‬فالحقيقة القائلة إنه كننان علننى‬
‫الكالفنية بحكم الضرورة أن ُتفسد أوروبننا مننن الننداخل‬
‫وليس أن تغزوها من الخارج استلزمت بالمقابل قبننول ً‬
‫بعيد المدى بما مضى قبلها‪ .‬بل إن انتشار الكالفنية لم‬
‫يحنندث بالطريقننة الهننادئة للمسننيحية الولننى‪ :‬كننانت‬
‫مسيرتها قابلة للمقارنة فنني عنفهننا بمسننيرة السننلم‬
‫الولي على القل‪ .‬كانت المسألة أن مداخل الكالفنيننة‬
‫العسكرية كمنت في حننرب أهليننة‪ ،‬وليننس فنني الغننزو‪.‬‬
‫بعدما غزا السلم إيران‪ ،‬استطاع أن يعير انتباهه قليل ً‬
‫لمعننايير الطبقننة الرسننتقراطية الفارسننية؛ لكننن دون‬
‫احتكننام عميننق للطبقننة النبيلننة الفرنسننية‪ ،‬لننم يكننن‬
‫للكالفنية الفرنسية أن تحتفظ بأي أمل‪ .((10‬وهكذا فقنند‬
‫كان على الكالفنية بالضرورة أن تأخننذ كنقطننة انطلق‬
‫لهننا النزعننات الثقافيننة والسياسننية لسننكان المنندن‬
‫السويسننريين‪ ،‬الرسننتقراطيين الفرنسننيين‪ ،‬أو كننرام‬
‫الناس النكليز؛ وهنالك تكيف سياسي إضافة إلى فقر‬
‫أيديولوجي في الحقيقة القائلننة إن الكننالفنيين عملننوا‬
‫علننى إفسنناد السياسننات المعاصننرة لهننم تحننت اسننم‬
‫العراف الدنيوية والقديمة الضيقة‪.‬‬
‫إذا تحولنننا مننن سياسننات أوروبننا المعاصننرة إلننى‬
‫جذورها الثقافية النهائية‪ ،‬فالصورة هي ذاتهننا أساس نًا‪.‬‬
‫وحتى في نسننخته المحننررة مسننيحيًا‪ ،‬ظننل باسننتطاعة‬
‫الرث العبراني أن يوحي بالسننؤال القننائل منناذا كننانت‬
‫حاجة القديسننين للحضننارة إذا كننان اللننه ذاتننه بربري نًا‪.‬‬
‫وهذا التحلل القننوي مننن التحننالف مننع الحضننارة طُب ّننق‬
‫عرضيا ً في أكننثر الوسنناط تطرف نًا‪ :‬أدان جننون نننوكس‬
‫النننذي عننناش فننني القنننرن السنننادس عشنننر النننتراث‬
‫‪ (9‬لحظ اقتراح دستور إنكليزي يعتمد على الكتاب المقنندس أساس نا ً والننذي أرسننله‬ ‫)‬

‫إلننى الننوطن الم عننام ‪ 1659‬جننون اليننوت »الرسننول إلننى الهنننود«‪ ،‬مننع مخططننه‬
‫التفصيلي القائم على عشرات سفر الخروج ومئاته‬
‫)‪ .(ibid., p. 232‬وحتى في أقصى ررر رر رر في العالم البيوريتنناني‪ ،‬فننإن القننديس‬
‫ب على تخّيل شكل حكم ديني جوهريا ً كننان بالتننالي السنناس‬ ‫القرب استطاع أن ينك ّ‬
‫الفعال القوي الذي تبناه موسى في الرد على نقد مراقننب منندياني منناكر‪ :‬لننم يكننن‬
‫لدى البيوريتانيين غير آلت الحكومة النبوية دون الوجود النبوي الننذي وحننده أعطاهننا‬
‫معناها الديني‪.‬‬
‫‪.ibid., pp. 68 ff (10‬‬ ‫)‬

‫‪271‬‬
‫الكلسيكي لنه لم يجد قيمة إل في »العننادة البديننة«‬
‫لكلمننة الله‪ ،((11‬شننجب جننون وبسننتر الننذي عنناش فنني‬
‫القرن السابع عشر الحننب الكليريكنني »لننذلك التعليننم‬
‫حننرم منننه الننناس البسننطاء«‪ ،((12‬لكننن‬ ‫البشننري الننذي ُ‬
‫أندفاع البيوريتانية عموما ً لننم يكننن نحننو رفننض الننتراث‬
‫الكلسيكي جوهريا ً بل أن تخضعه »لكالفينية« سننطحية‬
‫في الشننكل‪ .‬وهكننذا فقنند اعننترف كننالفن ذاتننه بقيمننة‬
‫العننراف السياسننية لليونننانيين الننوثنيين؛ لكنننه حفننظ‬
‫للهه اليهودي منناء وجهننه عننبر تصنننيف هننذه العننراف‬
‫على أنها »أميز عطايننا الننروح اللهيننة«‪ .((13‬كننذلك فننإن‬
‫انكريز مذر سّلم جدل ً بصحة العلة اليونانية للمنناراثون؛‬
‫لكنه فقط أضفى عليننه الصننبغة المسننيحية عننبر عننزوه‬
‫ليس إلى الصدفة الحسنة بطريقة التاريخيين الوثنيين‪،‬‬
‫بل إلى الحقيقة القائلة إن الغريننق »كننانت نفوسننهم‬
‫‪(1‬‬
‫محّركة على نحو سري وغير مرئي من قبل الملئكة«‬ ‫ُ‬
‫‪(4‬‬
‫‪ .‬وإذا كننان المننرء ل يسننتطيع أن يجعننل اليونننانيين‬
‫مماثلين للملئكة تقريبًا‪ ،‬فهو يستطيع علننى القننل أن‬
‫يجعل الملئكة مماثلين لليونانيين ؛ والحب البيوريتنناني‬
‫للله العبراني ل يقود إلى التبرؤ من اليونننان بننل إلننى‬
‫تبنيها الستعادي من قبله‪.‬‬
‫تبدو هذه النتيجة مدهشة فنني حقننل الفلسننفة علننى‬
‫نحو خاص‪ .‬ربما استخدم الكالفنيون مبدأيا ً إحياء الحكم‬
‫اللهنني غيننر المحنندود للقضنناء علننى تننراث اليونننانيين‬
‫المفاهيمي؛ وهنالك رائحة حنبليننة قويننة فنني كننل مننن‬
‫المقننت الكننالفني العننام لي ميننل للخننوض فنني مينناه‬
‫لهوتية عميقة‪ ((15‬وفنني التهمننة النوعيننة الننتي وجههننا‬
‫وبستر لرجال الجامعات »بأنهم سحبوا اللهننوت داخننل‬
‫طريقة منطقية محددة ومحكمة‪ ،‬وبذلك سيجوه بأعمال‬
‫دس«‪ .((16‬لكننن السننتجابة‬ ‫وإظهارات أحد إسرائيل المق ّ‬

‫‪.ibid., p. 101 (11‬‬ ‫)‬

‫‪ (12‬من أجل هذا التجدد لنتشار رر ر ررررر ر‪ ،‬أنظر‪P. Miller, The New England :‬‬ ‫)‬

‫‪. Mind: The Seventeenth Century, Boston, Mass. 1961, pp. 67ff‬‬
‫‪ ،M. Walzer, The Revolution of the Saints, p. 32 (13‬قارن الدفاع البيوريتاني في القرن‬ ‫)‬

‫السابع عشر عن »فضائل الوثنيين المحببننة إلننى القلننب«‪Miller, The New England ) .‬‬
‫‪.(Mind, p. 82‬‬
‫‪. Ibid., p. 463 (14‬‬ ‫)‬

‫‪. M. Walzer, The Revolution of the Saints, p. 24 (15‬‬ ‫)‬

‫‪. Miller, The New England Mind, p. 114 (16‬‬ ‫)‬

‫‪272‬‬
‫البيوريتانية للفلسفة لم تكن رفضا ً عميق نا ً عموم نا ً بننل‬
‫كلفنة سطحية‪.‬‬
‫لقد كان من الممكن طبعنا ً إحننداث هننذا التمث ّننل عننبر‬
‫خلنق صننف شنكلني منن »الفلسنفة النبوينة« مشنابه‬
‫لصنف »الطب النبوي« الشكلني في السلم‪ :‬من هنا‬
‫جاءت »الفلسفة الموسوية« المسننيحية شننكلنيا ً وذات‬
‫المحتننوى الهرمننزي جوهري نا ً‪ .((17‬لكننن الحننل الكننالفني‬
‫المميننز كننان اسننتلهام اللننه ذاتننه‪ :‬عوض نا ً عننن صننرفه‬
‫باعتبنناره إحنندى صننيغ العقننل البشننري الننتي اخترعهننا‬
‫جنند »منطننق اللننه«‪ ((18‬باعتبنناره‬ ‫م ّ‬
‫اليونننانيون الوثنيننون‪ُ ،‬‬
‫م التكنّرم عليهننم بننه‬ ‫جزءا ً من الرادة اللهيننة والننذي تن ّ‬
‫علننى نحننو جننزئي ل يكننن غيبننه‪ .‬لننم يصنننع الكننالفنيون‬
‫بالطبع أرسطويين متحمسين؛ لكننن الرفننض الكننالفني‬
‫لرسطو لم يؤد إلى حنبلية بل إلى راموسية‪ ،((19‬وذلننك‬
‫في تقديم منطق جديد والننذي كننان بدرجننة قويننة جنندا‬
‫كالفنيا ً بالتداعي‪ ،‬إن لم يكن على نحو جننوهري تمامننًا‪.‬‬
‫وهكذا ففي حين كتب ابننن تيميننة‪ ،‬وهننو حنبلنني صننارم‬
‫ذر المننؤمنين الحقيقييننن مننن‬ ‫متحفننظ‪ ،‬بالعربيننة ليحنن ّ‬
‫منطق اليونانيين‪ ،((20‬كتب اليننوت‪ ،‬المبشننر البيوريتنناني‬
‫دم لهنننود أميركننا‬ ‫الذي ل يقل عنه تقوى باللغونية‪ ،‬ليق ّ‬
‫المعرفة بمنطق الله‪.((21‬‬
‫وهكذا لم تستطع الكالفنيننة تنندمير مننا جنناء قبلهننا ل‬
‫بننالمعنى السياسنني ول بننالمعنى الثقننافي‪ .((22‬هننذا ل‬
‫يعننني طبعننا ً القننول إن الكالفنيننة كننانت فنني أي مننن‬
‫المجننالين محافظننة‪ .‬لكننن شخصننيتها الداخليننة النمننو‪،‬‬
‫عوزها لي ققق قق متميز بعمق والذي تجعننل بننه ذاتهننا‬
‫مميننزة‪ ،‬صننّبها لطاقاتهننا الثوريننة فنني صننرامة قق ق‬
‫‪ .R. Hooykaas, Humanisme, Science et Réforme, Leyden 1958, pp. 108 - 12 (17‬القدران‬ ‫)‬

‫المختلفان للصنفين‪ ،‬مع توترهما المشترك بين الشكل العننبراني والمحتننوى الننوثني‪،‬‬
‫مفيدان علميًا‪ :‬في الغرب رفضت الفلسفة الوعاء النبوي وفي الشرق رفض الوعنناء‬
‫النبوي الطب‪.‬‬
‫‪. Miller, The New England Mind, p. 128 (18‬‬ ‫)‬

‫‪ (19‬لحظ كيف يرفض راموس المنطق الرسطوي على أسنناس محنندد فحننواه أنننه‬ ‫)‬

‫مجرد رررر للمفاهيم؛ أنظر ص ‪ .305‬أنظر ‪.((ibid., p. 123‬‬


‫‪. Goldziher, “Stellung”, pp. 40f (20‬‬ ‫)‬

‫‪. Miller, The New England Mind, p. 114 (21‬‬ ‫)‬

‫‪ (22‬وهكذا فإن راموس قارن منطقه بإمبراطور رومنناني ينندير الرض كلهننا بشننرائع‬ ‫)‬

‫عالمية )‪(ibid., 128‬؛ لقد وقف التراث اليوناني الروماني مع بعضه فنني الغننرب تمام نا ً‬
‫كما سقط مع بعضه في الشرق‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫ملحوظة‪ :‬إذا كانت المسألة مناطة بالدوار الننتي يجننب‬
‫تمثيلها فلم يكن هنالك شيء جديد جدا ً تحننت الشننمس‬
‫دة بالضننرورة أن تكمننن فنني‬ ‫جن ّ‬‫الكالفنية‪ ،‬وكان علننى ال ِ‬
‫الُتقى المتميز للتمثيل‪ .‬لم يكن أمننام اللننه خيننار سننوى‬
‫أن يحب الظننروف )فنني القواعنند( ‪ .(Adverbs(23‬وبمننا أن‬
‫الطهارة )نلحظ أن البيوريتانيننة مشننتقة كتسننمية مننن‬
‫الطهننارة ‪ (purity‬أسنناس يتطلننب مل ّننة دينيننة أكننثر مننن‬
‫الثنيننة‪ ،‬فقنند كننان علننى الكننالفنيين أن يعملننوا لجننل‬
‫هويتهم بطريقة لم يعمننل بهننا السننلم؛ وهكننذا ففنني‬
‫حين كانت حقيقننة ونسننب كننافيين لمحمنند‪ ،‬كننان علننى‬
‫كالفن أن يلد أيديولوجيا ويعمل مجموعة قيم أخلقية‪.‬‬
‫نقول الن إن ما كان موجودا ً منن أجننل تفعيننل هننذه‬
‫الصرامة هو الموارد السياسية والثقافية لوروبا عصننر‬
‫النهضة‪ .‬لكن كما كانت أوروبا نهاية العصننور الوسننطى‬
‫عالما ً ملتزما ً بإله عبراني إنما لم يتمثل صورته إل على‬
‫نحننو ننناقص‪ ،‬كننذلك تمامننا ً كننانت أيضننا ً عالمننا ً ملتزمننا ً‬
‫بمفاهيم اليوننانيين لكننه لننم يتمث ّننل منطقهنا إل علنى‬
‫نحننو ننناقص‪ .‬وكونهننا مسننيحية مجننردة‪ ،‬فقنند ظننل‬
‫هننز حننتى‬ ‫باستطاعة أوروبا القرن السننادس عشننر أن ت ُ َ‬
‫جننذورها عننبر حركننة إصننلح؛ لكننن بالمقابننل‪ ،‬كونهننا‬
‫مسننيحية مجننردة‪ ،‬فقنند ظننل بإمكانهننا أن تمتلننك عصننر‬
‫نهضة‪ .‬السلم بالمقابل‪ ،‬لننم يمتلننك أي نا ً مننن الثنننتين‪،‬‬
‫لنه بحد ذاته ديانة جديدة وحضارة جديدة‪ .‬وبما أن قيم‬
‫السياسات الحديثة والعلم الحننديث نتنناج التفاعننل بيننن‬
‫عصر النهضة وحركة الصلح أساسًا‪ ،‬ينتج عننن ذلننك أن‬
‫الليات المفاهيمية التي وّلدت عبرهننا تلننك السياسننات‬
‫خّيننل فنني العننالم‬ ‫وذلننك العلننم لننم تكننن قابلننة لن ُتت َ‬
‫السننلمي‪ .‬لنننه فنني حيننن مننال شنند عيننون الشننبكة‬
‫العبرانيننة مننع مجيننء السننلم إلننى إلغنناء المفنناهيم‬
‫بالكامل في الشرق‪ ،‬فإن شدّ عيون الشبكة مننع ظهننور‬
‫الكالفنية في الغرب أدى إلى جعلهننا أكننثر نفوذيننة مننن‬
‫أي وقت مضى‪.‬‬

‫‪Joseph Hall cited in J. M. Dunn, The Political Thought of John Locke, Cambridge‬‬ ‫‪ (23‬قارن‪:‬‬ ‫)‬

‫‪.1962, p. 226n‬‬

‫‪274‬‬
‫في حالننة أصننول السياسننات الراديكاليننة‪ ،‬فالمسننألة‬
‫تسننننتحق المعالجننننة علننننى الصننننعيدين التنننناريخي‬
‫والجتماعي‪ .‬فعلى الصعيد التاريخي‪ ،‬يبنندو أن اللحنناح‬
‫المشترك للسلم والكالفنية علننى العلقننة النيننة بيننن‬
‫المننؤمن وإلهننه هننو مننذيب قننوي لشننرعية كننل البنننى‬
‫السياسية الفاصننلة‪ .‬لكننن فنني حيننن أن قننوة هننذا فنني‬
‫السلم كانت لتنقية العالم لصالح ققققق مستبد وغيننر‬
‫شننرعي‪ ،‬لننم تسننتطع الكالفنيننة ذلنك ولننم تخلننق خننواء‬
‫أخلقيننا ً قننابل ً للمقارنننة‪ .‬وهكننذا فقنند كننانت قوتهننا‬
‫التدميرية مستخدمة لصننالح قق ق سياسننية أخننرى‪ :‬فنني‬
‫البداية أصولية أعراف قديمة ‪ ،((24‬وفي النهايننة فلسننفة‬
‫مفاهيم مستقبلية‪ .((25‬من منظور اجتمنناعي‪ ،‬فالصننرار‬
‫المشترك في السلم والكالفنيننة علننى أحاديننة علقننة‬
‫كل المؤمنين بإلههم هننو مننذيب قننوي للعننزل الهليننني‬
‫القننديم للنخبننة عننن الجمنناهير فنني ثننوبه المسننيحي‬
‫الشاحب‪ .‬لكننا نعينند مننن جدينند أن النتنناجين السننلمي‬
‫والكالفني كانا فنني نهايننة المطنناف متعارضننين تمامنًا‪.‬‬
‫فظهننور السننلم‪ ،‬الننذي دعمتننه النهضننة السنننية فنني‬
‫الوقت المناسب‪ ،‬قاد إلننى الغننزو الروحنني للنخبننة مننن‬
‫قبل إله ذي غيرة متزايدة؛ لكن ظهور الكالفنيننة‪ ،‬الننذي‬
‫عاكسته العلمانية في الوقت المناسب‪ ،‬قاد إلى الغننزو‬
‫الفكننري للجمنناهير مننن قبننل مفنناهيم ذات قسنناوة‬
‫متزايدة‪ .((26‬وفي حين كان الرفض السلمي للكهنننوت‬
‫يعني تقويض آمال الفلسفة‪ ،‬فإن علمنة كل المؤمنين‬
‫المابعنند كالفنيننة كننانت تعننني أن الفلسننفة صنناروا‬
‫صياديي بشر‪ :((27‬مقابل السياسات الظلمية الستكانية‬

‫‪. .M. Walzer, The Revolution of the Saints, p. 76 (24‬‬ ‫)‬

‫‪ (25‬قارن‪J. M. Dunn, “Justice and the interpretation of Locke’s political theroy”, Political :‬‬ ‫)‬

‫‪.Studies 1968, pp. 76n , 83f‬‬


‫‪ (26‬لحظ المساواة الوظيفية المتبدلة للكالفنية والمشائية‪ .‬فحين انتشننرت الثنتننان‬ ‫)‬

‫بطريقة متوازية بين الطبقة الفرنسية النبيلة في القننرن السننادس عشننر‪ ،‬وجنندنا أن‬
‫الكالفنية تأخذ دور فلسفة نخبة واعية وهو النندور المميننز جنندا ً للمشننائية الرومانيننة )‬
‫كى التدريب العسكري الجديد‬ ‫‪(Walzer, The Revolution of the Saints, p. 61‬؛ لكن حين ي َُز ّ‬
‫الذي أعطى له الكننالفنيون قيمننة عظيمننة بسننبب صننلحه الشننديد كوسننيلة لفضننائل‬
‫مشائية ل حصر لهننا فنني الجنديننة العاديننة‪ ،‬وجنندنا أن المشننائية تأخننذ دور أيننديولوجيا‬
‫ترويض أبرشي وهو الدور المميز جدا ً للكالفنية )‪.(ibid., p. 287‬‬
‫‪ (27‬إذا كان المنطق الراموسي يهاجم باسم الله حتى الهنود المريكيين‪ ،‬فإن خيننال‬ ‫)‬

‫لوك اللهي الذي يرى أنه على كل عامل انكليزي أن يمضي ست ساعات يوميا ً فنني‬
‫جهد إدراكي يبدو خيال ً معتدل ً بحد ذاته ) ‪Dunn, The Political Thought of John Locke, p.‬‬

‫‪275‬‬
‫‪(2‬‬
‫للسلطانية‪ ،‬لدينا السياسات العقلنية الفاعلة للثننورة‬
‫‪ .(8‬فقط في النأي لشبه جزيرة عربية قبائلية‪ ،‬بكننل مننا‬
‫فيهننا مننن فعاليننة دينيننة مسننتوطنة‪ ،‬توصننل تاريخننا‬
‫ر محنندٍد مننن التلقنني‪ .‬إن‬ ‫ر لمعيننا ٍ‬
‫البيوريتانية إلى إظها ٍ‬
‫المذهب اليماني الداعي إلى المساواة بين البشر عند‬
‫خنننوارج حضنننرموت العصنننور الوسنننطى والمنننذهب‬
‫المفنناهيمي الننداعي إلننى المسنناواة بيننن البشننر عننند‬
‫معاصننريهم مننن الفاتننارات المنناويين يشننتركان‪ ،‬فنني‬
‫نهايننة المننر‪ ،‬بالكراهيننة العقائديننة ذاتهننا لعائلننة النننبي‬
‫العربي‪.‬‬
‫ُيظهر هذا التقابل في سمته الدراكية أحد الشننروط‬
‫الضرورية لتطور العلم الحديث‪ .‬فالعلم الحننديث يقننوم‬
‫على علقة متوترة بين النتائج المجنونة للعقل التأملي‬
‫الذي يزعم أن الرض مسننتديرة‪ ،‬والملحظننات العاديننة‬
‫طحها واضننح‪ .‬إن‬ ‫للدراك البشننري الننتي تظهننر أن تس ن ّ‬
‫تثقيف التفكير التأملي يؤدي نمطيا ً إلى تعددية ق قققق‬
‫فلسفية‪ ،‬مدارس تتعننايش فنني الختلف وتزدهننر فنني‬
‫مسألة التساهلت لتهتم بسلوكها الدنيوي البائس؛ في‬
‫حين تميل التجربيبة على نحو معاكس لن تجد تجسننيدا ً‬
‫ف‬‫لها في قققق قققق‪ ،‬وهنني مصنننفات مكرسننة لتصننني ٍ‬
‫فل لخصوصننيات مجننردة‪ .‬لكننن ل الولننى ول الثانيننة‬ ‫غ ّ‬
‫م َ‬
‫ُ‬
‫ترقى بحد ذاتها إلننى مرتبننة العلننم؛ فحننتى يتولنند علننم‬
‫يجب أن تندمج شرائع السماء والرض‪.‬‬
‫لقد ورث العالمان الوربي والسلمي علىحنند سننواء‬
‫عن الغريق مفهوم الشرائع السننماوية الننتي ل تتغيننر‪،‬‬
‫بجانب المذاهب الرئيسة للتيارات الفلسننفية الهلينيننة‪.‬‬
‫لكن بما أنه في السننلم لننم يكننن ممكن نا ً أخننذ مفهننوم‬
‫دي إل فنني النندوائر الهرطقيننة‪ ،‬فننإن‬ ‫كهذا على نحو ج ن ّ‬
‫السعي وراء تفكير تأملي فنني بيئة مسننلمة‪ ،‬مهمننا بنندا‬
‫قوي التأثير وفق معايير أوروبا العصور الوسطى‪ ،‬كان‬
‫حنَرزة فنني عصننر‬ ‫م ْ‬
‫يجب أن يقصر عننن بلننوغ السننوية ال ُ‬
‫النهضننننة‪ .‬كننننانت طاقننننات الفلسننننفة المسننننلمين‪،‬‬
‫‪.(231‬‬
‫‪ (28‬أو إذا قنندمنا المسننألة علننى نحننو مختلننف قلي ً‬
‫ل‪ ،‬يمكننن القننول إنننه فنني حيننن ل‬ ‫)‬

‫يستطيع السلم سوى اختزال السياسات إلى اقتصاد‪ ،‬رفعت أوروبا سننوية القتصنناد‬
‫ليصبح سياسات‪.‬‬

‫‪276‬‬
‫المننواجهين بعننالم أرثوذكسنني عنندواني‪ ،‬قنند اسننتحوذ‬
‫عطننى مننع‬ ‫م ْ‬
‫عليها الدفاع عن الفكرة القائلة إن العننالم ُ‬
‫ققققق تحديدًا؛ لكنهم لم يكونوا في موقع يننؤهلهم لن‬
‫يسّلموا بوجود هذا اللوغوس وأن يستمروا في البحننث‬
‫عن سّر أفعاله الداخلية‪ .‬فمن ناحية اسننتجّرت العدائيننة‬
‫الرثوذكسية الفلسفة كي يرقعوا نقاط الختلف بيننن‬
‫أفلطون وأرسطو ل أن يستثمروها وذلك لقامة جبهة‬
‫دمت للمذاهب الفلسفية‬ ‫موحدة‪((29‬؛ ومن ناحية أخرى ق ّ‬
‫ميل ً ل تخطئه العيننن كنني تنزلنق إلننى الحننق الدراكنني‪:‬‬
‫البيقورية‪ ،‬وفننق مقتضننيات الحننال‪ ،‬كننانت قنند فقنندت‬
‫‪(3‬‬
‫جَلدها المادي حتى تصبح أفلطونية جدينندة‬ ‫الكثير من َ‬
‫جَلنندها‬‫‪ ،(0‬فنني حيننن فقنندت الفلطونيننة الكننثير مننن َ‬
‫التأملي حننتى تصننبح باطنيننة‪ .((31‬وفنني حيننن أن إضننفاء‬
‫الصبغة الرياضياتية على الكننون فنني فكننر غنناليله مي ّننز‬
‫انتصننار العقننل التننأملي فنني أوروبننا‪ ،‬فننإن التأمننل‬
‫السلمي في التناسب الصننوفي للرقننام مي ّننز هننروب‬
‫‪.((32‬‬
‫العقل إلى الحكمة السّرانية للمام‬
‫مقابننننل ذلننننك‪ ،‬فقنننند ورث العالمننننان الوروبنننني‬
‫والسلمي على حد سواء عن اليهود الفكرة القائلة إن‬
‫الله مسؤول عن كل خصوصننية يمكننن ملحظتهننا علننى‬
‫الرض‪ .((33‬لكن بما أن المسيحية لم تأخذ الفكننرة جننديا ً‬
‫بأي ميزان‪ ،‬فقد كان على الصولية فنني بيئة مسنيحية‪،‬‬
‫مهمننا بنندت مننؤثرة وفننق معننايير كاثوليكيننة العصننور‬
‫الوسطى‪ ،‬أن تعمل في نهاية المر دون الساس الذي‬
‫امتلكته في السلم‪ .‬لقد استطاع كالفن أن يؤكد طبعا ً‬
‫»أنه ما من ريح تنشأ أو تهب أبنندًا‪ ،‬إل بننأمر خنناص مننن‬
‫الله«‪ ،((34‬وهو رفض لعلم الحننوال الجويننة المنادي عننند‬
‫‪ (29‬لقد بدأ هذا الترقيع طبعا ً في النتيك‪ ،‬لكن ثمة محاولت قليلة لوضع حد لننه فنني‬ ‫)‬

‫السلم‪.‬‬
‫‪ (30‬قارن‪Pines, Beitr :‬ن‪. ge zur islamischen Atomenlehre, p. 74‬‬ ‫)‬

‫ط مستوى الرياضيات وجعلها رررررر‪.‬‬ ‫‪ (31‬واضح عند الكندي الميل لح ّ‬ ‫)‬

‫‪ ..”The Encyclopaedia of Islam, art, “Huruf” (‘ilm al-)” and “Djafr (32‬نمط مشابه من‬ ‫)‬

‫التأمل العددي كان بالطبع رررررر لغاليله‪A. Koyré, Metaphysics and Measurement, ) .‬‬
‫‪.(Essays in Scientific Revolution, London 1968, p. 40n‬‬
‫‪ (33‬قارن رفض فيلون للرأي المشائي القائل إن الله ل يهتم إل للمننور العظيمننة‪) .‬‬ ‫)‬

‫‪.(H. A. Wolfson, Religious Philosophy: A Group of Essays, Cambridge, Mass 1961, p. 8‬‬
‫‪. Walzer, The Revolution of the Saints, p. 35 (34‬‬ ‫)‬

‫‪277‬‬
‫ملطيين‪ ((35‬مثننل أي شننيء مرفننوض أساسننيا ً فنني‬ ‫ال َ‬
‫السننلم؛ لكنننه لننم يسننتطع عمليننا ً أن يلغنني مقولننة‬
‫الطبيعننة مننن العننالم المسننيحي بننأكثر ممننا اسننتطاع‬
‫المسلمون إنقاذها لجل كونهم‪ .‬ولو كان البروتستانت‬
‫قادرين علىأن يعملوا مع الكتاب المقدس حصريًا‪ ،‬لربما‬
‫سار كالفن على خطى الصوليين المسلمين في إدانننة‬
‫»مننن يتعلننم علننم الفلننك والفنننون المعقنندة الخننرى«‬
‫وذلك باعتباره كننافرا ً ناشننئًا؛ لكننن البروتسننتانت بعنندما‬
‫جعلوا كتناب الطبيعننة بجنانب كتناب إلههنم‪ ،‬كنان علننى‬
‫الكافر كمونيا ً أن يذهب ببساطة إلننى »مكننان آخننر«‪.((36‬‬
‫بالمقابننل‪ ،‬فقنند كننان فرنسننيس بيكننون دون كتنناب‬
‫الطبيعننة سننيمتلك تحدينندا ً الجمننع بيننن العلننم الواسننع‬
‫والشك بالفلسفة الرسطوية ليجعل ابننن حننزم ٍ يعننزف‬
‫علىنغمة رذائل التشبيه بتطبيقه على كتاب اللننه؛ لكنننه‬
‫عوضا ً عن ذلننك »ذهننب إلننى مكننان آخننر« للعننزف علننى‬
‫نغمننة فضننائل السننتقراء بتطننبيقه علننى أعمننال اللننه‪.‬‬
‫وفي نهاية المطاف كان علننى البروتسننتانت أن يتبن ّننوا‬
‫عرضننية ثنائيننة‪ :‬لقنند اسننتطاعوا إزالننة شننرائع النعمننة‪،‬‬
‫لكنهم استطاعوا فقط أن يجعلوا شرائع الطبيعة أكننثر‬
‫عدم قابلية لن يدرك كنهها‪.‬‬
‫نقنننول الن إن تنننولي التجرينننبيين البروتسنننتانت‬
‫للسننلطة فنني عننالم تجريننبي هننو الننذي أغلننق تحدينندا ً‬
‫فتحات الشننبكة الكونيننة‪ :‬لننم يعنند باسننتطاعة الحقننائق‬
‫المجننردة أن تنزلننق عننبر الشننبكة الننتي نشننرها العقننل‬
‫ملي‪ .‬مننن هنننا فقنند كننان علننى العقننل السننّراني‬ ‫التننأ ّ‬
‫والمننادة الظاهريننة أن يوافقننا علننى العقينندة العلميننة‬
‫ع نّرض‬ ‫ذاتها‪ ،‬وكان على الطبيعننة أن ُتسَتقصننى‪ ،‬أو أن ت ُ َ‬
‫للتعذيب التجريننبي‪ ،‬لجبارهننا علىتقننديم دليننل تجريننبي‬
‫في وجه الحس العام‪ .((37‬وهكذا ففي حين أنتننج التقنناء‬
‫‪ (35‬قارن‪. West, Early Greek Philosophy :‬‬ ‫)‬

‫دس‪R. Hooykaas, Religion and the Rise of Modern Science, ) .‬‬ ‫‪ (36‬أي‪ ،‬ليس في الكتاب المق ّ‬ ‫)‬

‫‪ .(Edinburgh and London 1972, p. 118‬قارن رأي كبلر المتعلق بالفلكي باعتباره كاهن الرب‬
‫العلماني في كتاب الطبيعة‪.(M. Caspar, Kepler, London and New York 1959, p. 375f ) .‬‬
‫‪ (37‬قارن أيضا ً العلقة المتبدلة بين المعرفننة النظريننة والمعرفننة العمليننة‪ :‬فبعنند أن‬ ‫)‬

‫كانتا مفروزتين سابقا ً على أساس أن الولى تتعلق بالشرائع الثابتة أما الثانية فتتعلق‬
‫بالعالم الدنيوي فقد اتحدتا عبر عرف أعيد تحديده بأنه نظريننة تطبيقيننة‪ .‬وهكننذا فقنند‬
‫وجب محاكمة الثنتين عبر ثمارهما‪ ،‬وهو مطلب غير مفهوم في سياق كلسيكي‪N. ) .‬‬
‫‪Lobkowicz, Theroy and Practice: History of a Concept from Aristotle to Marx, London 1967, pp.‬‬
‫‪.(89f‬‬

‫‪278‬‬
‫الرثينننن الهلينننني والعنننبراني فننني الشنننرق عرضنننية‬
‫إسننلمية‪ ،‬ولنند عنننه فنني الغننرب علننم أوروبنني‪ .‬ولهننذا‬
‫التقابل الدراكي مننثيله الجتمنناعي أيض نًا‪ :‬ففنني حيننن‬
‫وجنندت الصننولية السننلمية تجسننيدا ً لهننا فنني التنناجر‬
‫الفقيه الذي سّلم إرادتننه للننه‪ ،‬المتشننكك بالعننالم لكنننه‬
‫المتأكنند منن أن الشنريعة تقننود إلنى الخلصن‪ ،((38‬فقنند‬
‫قادت العرضية الثنائينة البروتسنتانت فني نهاينة المنر‬
‫سنّلمت إرادة اللننه فيننه إلننى الرأسننماليين‬ ‫إلى مجتمننع ُ‬
‫والعلماء الختباريين‪ .‬إذا كان السلم‪ ،‬بحمد الله‪ ،‬ليننس‬
‫بحاجة إلى أي نوع من المنطق‪ ،‬فأوروبا‪ ،‬بحمنند العلننم‪،‬‬
‫لم تكن بحاجة إلى أي إله‪.((39‬‬
‫وهكذا فقد حننال التاريننخ السننلمي دون شندّ عيننون‬
‫الشننبكة والننذي اننندمجت بننه المفنناهيم السياسننية مننع‬
‫الحقننننائق القتصننننادية لتقننننديم سياسننننات حديثننننة‪،‬‬
‫والمفاهيم السماوية مع الحقائق الرضية لتقديم علننم‬
‫حديث‪ .‬لكنه حال بالمقابل دون توسيع تعويضي لعيننون‬
‫الهوية والذي نشدت أوروبننا منن خللننه الحصننول علننى‬
‫الراحة من التضييق المزعج لعيون شبكة الحقيقننة‪ :‬لننم‬
‫يستطع السلم أن يلنند قوميننة‪ .‬لننم يسننتطع أن يفعننل‬
‫ذلننك لن السننلم والقوميننة يمثلن أشننياء مختلفننة‬
‫وحصننرية تبادليننا ً عمننا يسننتطيع تقلينند أن يعملننه مننع‬
‫برابرته‪ .‬لقد حافظت أوروبا على ثقافتها الكلسننيكية‪،‬‬
‫إلهها اليهودي وغزاتهننا الننبرابرة متمننايزين مفاهيمي نًا؛‬
‫وكانت بالتالي في موقع يؤهلها لن تسننتلهم أسننلفها‬
‫الننبرابرة مننن أجننل تقننديم التكريننس التنناريخي لوجننود‬
‫تعددية أمم ضمن مّلة تتشارك في حقيقة‪ .‬أمم بالنسبة‬
‫لديانتهم اليهودية وأمننم بالنسننبة لحضننارتهم اليونانيننة‬
‫الرومانيننة‪ ،‬كننان سننكان ألمانيننا أحننرارا ً فنني أن يكونننوا‬
‫ألمانا ً بالنسبة لنفسهم‪ .((40‬وهكذا فقد بنندا ملئم نا ً أنننه‬
‫في الحقبة حيث كان الغرب يبحث عن استرداد وضعية‬
‫‪. Goitein, Studies in Islamic History and Institutions, pp. 218f (38‬‬ ‫)‬

‫‪ (39‬قارن الهامش ‪ 35‬من الفصل الخامس‪.‬‬ ‫)‬

‫‪ (40‬قننارن اسننتلهام جنناكوب ويمفلينننغ القننومي المنمننط للشخصننية المميننة فنني‬ ‫)‬

‫المسيحية‪ :‬إذا كان اعتنناق اللمنان للمسنيحية علننى أيندي الرومنان حجنة منن أجنل‬
‫التدفق غير العادي للنقننود اللمانينة إلنى رومنا‪ ،‬علنى هنذا السنناس إذن‪ ،‬كنان علننى‬
‫الرومان الذين اعتنقوا المسيحية على أيدي الفلسطينيين‪ ،‬أن يرسلوا تحويلت ماليننة‬
‫إلننى سننوريا‪G. Strauss, Manifestations of Discontent in Germany on the Eve of the ) .‬‬
‫‪.(Reformation, Bloomington, Ind 1971, p. 42‬‬

‫‪279‬‬
‫ديانته وثقافته الصلية الولننى شننرعت أوروبننا شننمال‬
‫اللننب فنني إعننادة صننقل أنسننابها البربريننة ‪ .((41‬لكننن‬
‫السلم بالمقابل دمج بين غزاته البرابرة وبيننن ديننانته‬
‫د سننواء‪ :((42‬فمننن ناحيننة‪ ،‬كنّرس أمننة‬
‫وثقننافته علننى حن ٍ‬
‫واحنندة فقننط‪ ،‬هنني قققق ق‪ ،‬ومننن ناحيننة أخننرى أعنناق‬
‫التلعننب بالنسنناب غيننر العربيننة لسننتخدامها كألقنناب‬
‫شرعية لهوية متمايزة داخل هذه ققققق‪ .‬لقد كان عدم‬
‫تجانس النسننل فنني العننالم السننلمي حقيقينا ً كفايننة؛‬
‫لكن لم يبدُ ممكنا ً تأويل هذه الرذيلة السلمية كفضيلة‬
‫غربية قبل تلقي القومية في أوروبا‪ .‬وهكذا ففي حين‬
‫طورت أوروبا قومية علمانية‪ ،‬لننم يسننتطع السننلم أن‬
‫يلد غيننر القوميننة الدينيننة للعننرب والشننعوبية اللدينيننة‬
‫للمم‪.‬‬
‫كان لدى أوروبا بالتالي ثلثة أصننول يمكننن أن تعننود‬
‫إليها‪ ،‬في حين لم يكن لدى العالم السلمي غير أصننل‬
‫واحد‪ :‬مقابل الصلح الديني‪ ،‬عصر النهضة‪ ،‬والقوميننة‪،‬‬
‫ل يستطيع السننلم أن يعننرض سننوى ققق قققق‪ ،‬وهنني‬
‫عودة إلى الديانة‪ ،‬الثقافة والثنيننة الموحنندة للسننلف‬
‫الخيننار‪ .((43‬لقنند أدت ردات الفعننل التفاعليننة للتاريننخ‬
‫الوروبي إلى خلق حداثة طوقت العالم؛ أمننا ردة فعننل‬
‫السلم التوحيدية فقد أدت إلى خلق وهابية في البرية‬
‫الواقعة في قلب شبه جزيرة العرب‪.‬‬
‫إن عننوز تعدديننة الصننول‪ ،‬بحنند ذاتننه‪ ،‬ليننس حنناجزا ً‬
‫بالطبع أمنام تنوعينة المعنناني الثقافينة‪ :‬لحنظ العمننق‬
‫الثقافي للماضي الصيني المعياري‪ ،‬أو المنندى الكيفنني‬
‫للتقليد الننديني فنني الهننند‪ .((44‬لكننن العننرب لننم يأخننذوا‬

‫‪Ibid., Chapter 39.. F. Hotman, Francogallia, ed and tr. R. E. Giesey and J. H. M. Salman, (41‬‬ ‫)‬

‫‪Cambridge 1972, editorial introduction‬‬


‫‪ (42‬وهكذا فقد احت ُّلت البرية السلمية من قبل الدين؛ وبالمقابننل فالبريننة الوروبيننة‬ ‫)‬

‫لم تكن لتزدهر من أجل البيوريتانيين‪ ،‬لكن بنوع من التعننويض ظلننت هنالننك إمكانيننة‬
‫استصلحها على أيدي الرومنطيقيين العلمانيين‪.‬‬
‫‪ (43‬كان برنامج القاضي زاديين في اسطنبول القرن السابع عشر يتضمن كما أشار‬ ‫)‬

‫أحد أعدائهم‪ ،‬تعرية العثمانيين حتى الكشف عننن العجيننزة ثننم إلباسننهم فنني منطقننة‬
‫الحقو بطريقة عرب الصحراء ) ‪.(L. V. Thomas, A Study of Naima, New Tork 1972, p. 109‬‬
‫وهكذا يبدو مناسبا ً القول إن الصوليين صدقوا قول ناقدهم فظهننروا ثانيننة فنني نجنند‬
‫القرن الثامن عشر؛ تماما ً كما أنه ل يفاجئنا أن إشراقية كاتب جلبي قدمت ملجأ غير‬
‫واف لعصر النهضة العثماني‪ ،‬وأن القومية التركية كانت نتاج القرن العشرين‪.‬‬
‫‪ (44‬من المور الملفتة للنظر أن في هاتين الحضننارتين جنناءت البوذيننة وذهبننت دون‬ ‫)‬

‫أن تترك أي معنى بخسارة ثقافية تبعث على الحزن‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫ألوف السنوات لتطوير حضننارة خاصننة بهننم فنني عزلننة‬
‫نسبية عننن بقيننة العننالم؛ والشننروط الننتي مضننوا فنني‬
‫ظلها نحننو العمننل كننانت تعننني أن الحضننارة السننلمية‬
‫أحرزت في مرحلة متقدمة من تاريخها الطويل تعريفنا ً‬
‫ذاتيا ً شبه محدد‪ ،‬وسلبيا ً إلى درجننة معتننبرة‪ .‬حننتى ذلننك‬
‫الحد لم يكن لنندى التاريننخ السننلمي غيننر شننيء واحنند‬
‫يقوله‪ ،‬وقد قاله في وقت شبه مبكر من تنناريخه‪ .‬أكننثر‬
‫من ذلك فقد كانت رسننالته بطريقننة أو بننأخرى رسننالة‬
‫منغصة للغايننة‪ .‬فالهنناجريون أخطننأوا فنني غننزو العننالم‬
‫باسم القيننم اليهوديننة‪ .‬وبعنندما غننزوا العننالم‪ ،‬لننم يعنند‬
‫دوا بطريقننة اليهننود‪ ،‬ول‬ ‫باستطاعتهم أن يأملوا بأن ي ُ ْ‬
‫ف َ‬
‫دوا بطريقنننة‬ ‫أن يرفضنننوا علنننى نحنننو صنننريح أن ي ُ ْ‬
‫فننن َ‬
‫المسيحيين‪ .‬ولنهم غزوا حضارة‪ ،‬فهننم لننم يسننتطيعوا‬
‫تمّثلهننا بطريقننة المسننيحيين ول عننزل أنفسننهم عنهننا‬
‫بطريقة اليهود‪ .‬ل فداؤهم ول حضننارتهم اسننتطاعا أن‬
‫يصل يوما ً إلى مرحلة الثمار‪.‬‬
‫مع ذلك فجاذبية السلم‪ ،‬قدرته على حمننل القناعننة‬
‫في حيوات أنصاره الذين ل حصننر لهننم‪ ،‬تبنندو حقيقيننة‬
‫بقنندر مننا يمكننن أن تبنندو محيننرة‪ ،‬وذلننك وفننق معننايير‬
‫المأخوذة بعين العتبار حتى الن‪ .‬يمكن بالطبع تفسير‬
‫الجاذبية إلننى حنند مننا‪ .‬ففنني الموضننع الول‪ ،‬إن مركننز‬
‫الجاذبية في تركيب غير مريح يسننتوجب الننى حنند كننبير‬
‫سر بلغة إحدى القوى المفتاحيننة النتي جناءت بنه‬ ‫أن يف ّ‬
‫إلننى الوجننود‪ ،‬أي قننوة الغننزو‪ .‬فنني البدايننة المسننألة‬
‫واضحة‪ ،‬أما فيما بعد فإن كم نا ً ضننخما ً ممننا ُيعننرف الن‬
‫جلب إلى السننلم عننبر الغننزو أيض نًا‪.‬‬ ‫بالعالم السلمي ُ‬
‫ً‬
‫لكن المر كان سيبدو ساذجا لو حاولنا تفسير الجاذبيننة‬
‫المتواصلة للسلم كديانة عالمينة فقنط عنبر الحقيقنة‬
‫القائلة‪ ،‬إنه ما أن انطلق‪ ،‬حتى كان من الصعب إيقافه‪.‬‬
‫وفي الموضع الثاني‪،‬ل يهم تاريخيا ً أن السلم احتفننظ‬
‫بنوع من الفرار من انزعاجاته الخاصننة‪ .‬والخلص الننذي‬
‫أجهض في السلم الرثوذكسي ما يزال ممكنا ً متابعته‬
‫في مهديننة الشننيعة والريننف؛ والحضننارة الننتي قمعهننا‬
‫السلم الرثوكسي ما يزال ممكنا ً تثقيفها فنني وسننط‬
‫الشيعة والصوفية الكثر تسامحا ً ثقافينًا‪ .‬وفنني الننوقت‬
‫ذاته فإن الشخصننية الدينيننة لشننكل الحكننم السننلمي‪،‬‬

‫‪281‬‬
‫الممّثلة علننى نحننو سننيء فنني الوقننائع المبهرجننة دون‬
‫ذوق للحكومة السلمية‪ ،‬احتفظت بحيوية متواترة فنني‬
‫المواجهة العنيفة للسننلم مننع الفكننر‪ .‬لكننننا نعينند مننن‬
‫جديد‪ ،‬إن وجود طرق نجاة من قمعية التقليد السلمي‬
‫ل تكفي لن تعتبر سببا ً لجاذبيته المتواصلة‪.‬‬
‫لبد أن موضع هذه الجاذبية يكمننن إلننى حنند مننا فنني‬
‫مساحة اجتنبت حتى الن شؤون هذا الكتاب وشننجونه‪:‬‬
‫عالم البشر وسط عننوائلهم‪ .‬وهننذا العننالم بننالطبع هننو‬
‫إحنندى سننمات الحينناة البشننرية والننتي يجننب علننى كننل‬
‫ديانة‪ ،‬باستثناء ديانة النكار الكلي للننذات‪ ،‬أن تفهمهننا؛‬
‫والمسيحية واليهوديننة ل تشنكلن اسنتثنائين‪ .‬منع ذلنك‬
‫فننالمعنى الننذي تسننتطيعان بثننه فنني هننذا المجننال هننو‬
‫معنننى نسننبي إلننى حنند كننبير عننند الطرفيننن‪ .‬ففنني‬
‫المسيحية‪ ،‬الحاضر السروي مفرغ من المعنى الننديني‬
‫عبر المل بالخلص المستقبلي‪ ،‬وإنتشارية الثننم الننتي‬
‫تعطي لذلك الخلص صفته المتقلقلة القلقة تجعل كل‬
‫الحياة السروية متفسخة على نحو جذري وحتمي‪ .‬إن‬
‫من مميزات المسننيحية هنني إقامتهننا لعرافهننا الدينيننة‬
‫على فرضننية فسنناد الننزواج‪ .‬وضننوح هننذه النتننائج فنني‬
‫اليهودية أقل بكثير‪ ،‬ومع ذلننك يمكننن اكتشننافها‪ :‬فمننن‬
‫ناحينة يأخننذ المعنننى النديني للحاضنر السننروي طابعنا ً‬
‫نسبيا ً عبر المننل بفننداء قننومي فنني المسننتقبل‪ ،‬ومننن‬
‫ناحية أخرى تتقوض أسسه عبر قسنناوة شننرع ل يمكننن‬
‫تطبيقه على نحو كامنل فني الحيناة العادينة‪ .‬وإذا كنان‬
‫القدر التقليدي المناسب للفتاة المسيحية هو الرهبنننة‬
‫النسائية‪ ،‬فإن القدر الحديث المناسب للفتنناة اليهننودي‬
‫هو الجيش السرائيلي‪ .‬وفي المسيحية واليهودية على‬
‫حنند سننواء تبنندو وسننيلة النعمننة غيننر أكينندة أو كننثيرة‬
‫المطالب للغاية‪ ،‬والمل بالمجد حيويا ً جدًا‪ ،‬بحيننث يبنندو‬
‫كل مجال ً‬ ‫من غير الممكن بالنسبة لحياة أسروية أن تش ّ‬
‫مقدسا ً مطلقا ً في هذا العالم‪.‬‬
‫المسننلمون بالمقابننل ل يمتلكننون المننل اليهننودي‬
‫بفداء في هذا العالم ول القلننق المسننيحي حننول آمننال‬
‫الخلص فنني العننالم التنني‪ ،‬ونيننر شننرعهم هننو نيننر‬
‫ملننه فعل ً‪.((45‬‬ ‫يستطيع البشر‪ ،‬على مسننتوى العائلننة‪ ،‬تح ّ‬
‫‪ (45‬وهكذا فالشرع السلمي يحتل موقعا ً وسطا ً بين الشرع الفريسي )سننواءا ً فنني‬ ‫)‬

‫مذهب بيننت شننماي الكننثر صننرامة‪ ،‬أو نسننخة بيننت هليننل الكننثر تسننامحًا( ومننذهب‬

‫‪282‬‬
‫لكن فنني حيننن يعيننش اليهننود حينناة اللجئيننن الننذين ل‬
‫كرامنة لهنم بانتظنار إعنادتهم إلنى منوطنهم الصنلي‪،‬‬
‫وينشغل المسيحيون في تهافتهم غير اللئق بكرامتهم‬
‫علننى الخلص‪ ،‬يسننتطيع السننلم علننى القننل أن يتيننح‬
‫للمسلمين هنندوءا ً راضننيا ً وكريمنا ً وسننط عننوائلهم‪ .‬لننم‬
‫يكن ابن حنبل ليتسلق شجرة نخيل خلننف فتنناة جميلننة‬
‫بطريقة الحاخننام عقيبننا؛ لكننن كليهمننا لننم يكننن يحتنناج‬
‫ليتسلق عمودا ً بحثا عن الله بطريقة القننديس سننمعان‬
‫العمننودي‪ .‬لقنند كننانت الننذخيرة الشننعورية الناتجننة عننن‬
‫الثقافننة السننلمية ذخيننرة غيننر رومانطيقيننة حتم نًا‪ .‬ل‬
‫يوجد في السلم موازيننات للقننوى الشننعورية الكامنننة‬
‫والننتي جعلننت مننن الممكننن أن يوجنند فنني الماركسننية‬
‫علمننننة ليهودينننة مسنننيانية وفننني الفرويدينننة علمننننة‬
‫لبروتستانتية مسيحية؛ والوجه الخنر الوحينند قققققق ق‬
‫المسلمين هو قهقهة نسائهم‪ .‬لكننن التعننويض واقعنني‬
‫جنندًا‪ ،‬ولننديه معنننى لجننل الحيننوات اليوميننة للننناس‬
‫العنناديين‪ .‬لقنند انهننارت المنظومننة العامننة للمجتمننع‬
‫السلمي منذ زمن طويل؛ لكن تولي الماء لمسننؤولية‬
‫الحياة العائلية لننم يكننن بننأي شننكل بعينند الثننر كتننولي‬
‫ققققققققق لمسؤولية الحياة العامة‪ .‬وهكذا فالقداسننة‬
‫التي هربت من الحقل العام وجدت المان في ملجئهننا‬
‫الخاص‪ :‬المسننجد السننلمي يشننير عننبر الصننحراء إلننى‬
‫مكة‪ ،‬لكن البيت السننلمي يحتننوي قبلتننه داخلننه‪ .‬وقنند‬
‫تكون آخر بقية مننن الغننزوات السننلمية أن المسننلمين‬
‫يستطيعون أن يشعروا بالراحة في بيوتهم‪.‬‬

‫الخلص بالنعمة وليس بالشرع )سواء المتحد مع حرفية شرع آخننر‪ ،‬كمننا هنني الحننال‬
‫مع قبول الفاطميين بالشرع الساسي للئمة‪ ،‬أو مع شرع علماني عموم نًا‪ ،‬كمننا هنني‬
‫الحال مع القبول المسيحي بروما(‪) .‬نحن ندين للدكتور إي‪ .‬كولننبرغ بهننذا التشننخيص‬
‫للشرع الفاطمي(‪.‬‬

‫‪283‬‬
‫الفهرس‬

‫مدخل ‪9 .......................................‬‬
‫القسم الول‪ :‬السلم من أين ‪13.........‬‬
‫‪ - 1‬الهاجرية اليهودية ‪15...........‬‬
‫‪ - 2‬الهاجرية دون يهودية ‪35.......‬‬
‫‪ - 3‬النبي مثل موسى ‪49...........‬‬
‫‪ - 4‬النسخ السامرية ‪59..............‬‬
‫‪ - 5‬بابل‪79.............................‬‬
‫ملحق‪ :‬القيني؛ السبب والعرف ‪91........‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬النتيك ما مصيره؟‪97......‬‬
‫‪ - 6‬الحضارات المبريالية ‪99.......‬‬
‫‪ - 7‬أقاليم الشرق الدنى ‪109.......‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬الصطدام ‪159...............‬‬
‫‪ - 8‬الشنننروط المسنننبقة لتشنننكيل الحضنننارة‬
‫السلمية ‪161......................................‬‬
‫‪ - 9‬قدر النتيك‬
‫‪ - I‬هوجرة الهلل الخصيب ‪175.‬‬
‫‪ - 10‬قدر النتيك‬
‫‪ - II‬المصادر الثقافية للهلل الخصيب‬
‫‪195‬‬
‫‪ - 11‬قدر النتيك‬
‫‪219‬‬ ‫‪ - III‬تصلب الحضارة السلمية‬
‫‪ - 12‬قدر الهاجرية ‪265...............‬‬
‫‪ - 13‬السلم الصدوقي ‪257.........‬‬
‫‪ - 14‬قسوة التاريخ السلمي ‪273. .‬‬

‫‪284‬‬

You might also like