You are on page 1of 4

‫الشرق الوسط مفتاح التوازنات القتصادية و السياسية‬

‫والستراتيجية العالمية‪:‬‬

‫العوامل المؤثرة على الوضع الدولى للشرق الوسط‪:‬‬

‫أول المبادئ التى نلقنها لطلبنا الذين نود أن نطور لديهم مهارة‬
‫تحليل العلقات الدولية هى فحص الخريطة دون وضع الحدود فى‬
‫العتبار‪ ،‬وذلك ليتمكنوا من رؤية الوضع الحقيقى للعلقات الدولية‪.‬‬
‫ون هذا التمرين )التدريب( أرضية فاتحة للفق تساعد على‬ ‫إذ يك ّ‬
‫إستنتاج تقديرات طويلة المد وتوضيح التوجهات الستراتيجية‬
‫للدول التى لها القدرة على التأثير فى التوازنات العالمية‬
‫والقليمية‪.‬‬

‫الحدود هى معطى ثابت للعلقات والحقوق الدولية؛ ولكن فى‬


‫بعض الحيان يعيق هذا المعطى قدرتنا على رؤية مجالت التأثير‬
‫طويلة المد للتغيرات التى يمكن أن تتطرأ فى معادلت القوى‪.‬‬
‫فقد عانى الستراتيجيون – الذين تحركوا بالفرضية التى كانت‬
‫سائده فى الذهان خلل عقد الثمانينات بأن الحدود الموجوده فى‬
‫عالم العلقات الدولية سوف تستمر الى البد‪ -‬صعوبة فى إدراك‬
‫العناصر )المكونات( الحقيقة للوضع الجديد الذى ستتطرحه عملية‬
‫إنهيار التحاد السوفيتى ويوغوسلفيا‪.‬‬

‫الحدود فى الشرق الوسط كحائط يوشك على النهيار )كحائط‬


‫متهالك(‪ .‬إل أن اللعبون الدوليون– الذين يعلمون أن تحريك أى‬
‫حجر من هذا الحائط المتهالك يعنى هدم الحائط‪ ،‬والذين ل يريدون‬
‫كذلك المكوث تحت حائط منهار‪ -‬يحاولون أن يعيدوا تشكيل هذا‬
‫الحائط دون هدمه بتحريك الحجارة الموجوده فية بشكل متزامن‬
‫وع التحركات فى لعبة الدبلوماسية‪،‬‬
‫)فى آن واحد(‪ .‬وهذا ما ين ّ‬
‫ويحتم على اللعبين أن يعيدوا تقييم أوضاعهم المتبادلة على‬
‫أرضية مرنة‪ .‬وهذا هو السبب الرئيسى فى عدم تكون تحالفات‬
‫دائمة بالرغم من المشاريع العديدة التى تم طرحها فى الفترة‬
‫الخيرة والتى تسعى لقامة تحالفات إقليمية‪ ،‬وحتى ما ظل منها‬
‫قائما ً يتسم ببنية هشة )حساسة(‪.‬‬

‫وتوصيف الشرق الوسط كما تناولناه فى القسم ذات الصلة‬


‫بمنطقة الجوار البرية يعد توصيفا ً جيوثقافى يبرز من خلله السمة‬
‫الثقافية أكثر من كونها جغرافية موضوعية‪ .‬لذا فان ذلك التعريف‬
‫الذى إسُتخدم فى بداية القرن العشرين ليشمل البلقان ايضا ً قد‬
‫اسُتعمل بتعريفات ومفاهيم مختلفة ومتناقضة فى أغلب الحيان‬
‫تعكس وجهة نظر اللعبين والباحثين على مدى قرن من الزمان‪.‬‬
‫ذكرهذا المفهوم _ المستخدم للفادة عن المنطقة المحصورة‬ ‫وقد ُ‬
‫بشكلها الضيق ما بين حوض نهر النيل في مصر وبلد الرافدين في‬
‫إيران‪ ،‬أو المحصورة بشكلها الواسع بين المغرب وباكستان‪ ,‬أو‬
‫بالحري للفادة عن المنطقة الممتدة من المحيط الطلنطي‬
‫حتي ‪ _.......‬بالعناصر التي تميز المنطقة بتراكماتها النسانية‬
‫القديمة كإطار تاريخي وديني‪ ،‬والهوية السلمية دددددد حضارية‬
‫ومنطقة جيوثقافية‪ ،‬والنفط كمصدر جيواقتصادي‪ ،‬والمناخ‬
‫الصحراوي القاحل كطبيعة جغرافية‪ ،‬والخط المركزي لنطاق"‬
‫ريملند" الذي يحيط باوراسيا استراتيجيًا‪.‬‬

‫العامل الجغرافى والجيوسياسى‪:‬‬

‫لو نحينا المضمون الثقافى لمفهوم الشرق الوسط جانبًا‪ ،‬وأخذنا‬


‫فى العتبار الساحه التى يحتويها‪ ،‬لوجدنا أن أبرز سمة لهذه‬
‫الساحه أنها تشكل بقعة تقاطع بين ثلث قارات رئيسية ال وهم؛‬
‫أفريقيا وأوروبا وأسيا‪ .‬وتشمل هذه المنطقة من حيث حدودها‬
‫البرية غرب آسيا‪ ،‬شمال أفريقيا والحدود الشرقية لوربا‪ .‬ومن‬
‫الناحية البحرية‪ ،‬نرى أن جنوب وشرقى البحر المتوسط و البحر‬
‫السود و السواحل الجنوبية لبحر قزوين يشكلون الحدود البحرية‬
‫للمنطقة‪ .‬أما الخلجان والبحار الداخلية الهامه مثل البحر الحمر‬
‫والبصرة فهم يقعون بالكامل داخل المنطقة‪.‬‬

‫واذا لزم علينا الشرح )اليضاح( بالمفاهيم الجيوسياسية‪ ،‬فالشرق‬


‫الوسط يشكل من الناحية الجيوسياسية البرية منطقة مفتاحية‬
‫لتوسع )تمدد( استراتيجية تتمركز فى "هارت لند" ‪-‬الواقعه فى‬
‫قلب أوراسيا‪ -‬وتتجه نحو قلب منطقة التقاطع الفرواوراسية‪.‬‬
‫ويؤدى تقدم توسع كهذا نحو شرق وجنوبى آسيا إلي البتعاد عن‬
‫مركز منطقة التقاطع الفرواوراسية‪ ،‬كما ينتهى التمدد المتوجه‬
‫لوربا ناحية الغرب عند المحيط الطلنطى‪ .‬أما التوجه الستراتيجى‬
‫ناحية الشرق الوسط انطلقا ً من مركز أوراسيا يجعل أى توسع‬
‫متجه نحو محيط المنطقة الفرواوراسية انطلقا ً من مركزها‬
‫ممكنًا‪.‬‬

‫ويشكل التاريخ الستراتيجى الروسى مثال َ هاما َ لتلك الجيوسياسية‬


‫الفرواوراسية‪ .‬فبالرغم من أن انتشار )امتداد( التحاد السوفيتى‬
‫ناحية شرق ووسط اسيا من المنطقة المحورية جعل من التحاد‬
‫السوفيتى قوة آسياوية ال ان هذا النتشار )التمدد( لم يسفر عن‬
‫احاطة منطقة التقاطع الفرواوراسية‪ .‬وإنما أسفرت التحركات‬
‫الستراتيجية التى قام بها التحاد السوفيتى ناحية الشرق الوسط‬
‫عبر البلقان والقفقاس عن نتائج اثرت فى التوازنات العالمية‪.‬‬

‫هذا ينطبق كذلك ولحد كبير على التنافس الستعمارى اللمانى‬


‫النجليزى‪ .‬إذ كان عدم تمكن ألمانيا من فتح قفل النظام‬
‫الستعمارى النجليزى ناتج بشكل مباشر عن عدم تمكنها من فرض‬
‫سيطرتها على منطقة التقاطع الفرواوراسية‪ .‬وكان لهذه الحتمية‬
‫الجيوسياسية أثرا َ هاما ً فى سياسات المانيا وانجلترا تجاة الدولة‬
‫العثمانية‪.‬‬

‫واذا القينا النظر على الجيوسياسية البرية من حيث القوى القائمة‬


‫على خط "ريملند" ‪-‬المنطقة الجانبية‪ ،-‬لوجدنا أن هذه المنطقة‬
‫تشكل مركزا ً لخط يحيط بأوراسيا‪ ،‬وهى تمتلك قدرات قواعدية لى‬
‫تدخل موجه لوراسيا‪ .‬فالشرق الوسط ‪،‬الذى يتمتع بالقدرة على‬
‫التفاعل بشكل تام مع شبة جزيرتين من مركز النطاق الجانبى ‪-‬‬
‫الذى يتكون من شبة جزر إيبيريا‪ ،‬ايطاليا‪ ،‬البلقان‪ ،‬الناضول‪ ،‬شبة‬
‫الجزيرة العربية‪ ،‬الهندية‪ ،‬الصينية‪ ،‬الهندوصينية‪ ،‬الكورية الذين‬
‫يحيطون بأوراسيا‪ -‬أل وهم الناضول وشبة الجزيرة العربية‪،‬‬
‫وبشكل مباشر مع شبة الجزيرة الهنديه والبلقان‪ ،‬و القدرة على‬
‫التأثير على شبة جزيرة أيبيريا و ايطاليا من خلل تجاور السواحل‬
‫البحرية‪ ،‬له اهمية لغنى عنها فى المنطق الداخلى للجيوسياسية‬
‫البرية الذى انعكس على موازين الحرب الباردة‪.‬‬
‫‪ ،،....................‬فقد صار الشرق الوسط بالنسبة للستراتيجات‬
‫ذات الثقل البحري سواء لنجلترا أو للوليات المتحدة بمثابة خط‬
‫دفاع يجب أل يٌترك لسيطرة القوي الستراتيجية المضادة‪ ,‬وقاعدة‬
‫ذات سمة عدوانية للسيادة الستراتيجية المتوجهة لداخل اوراسيا‬
‫والبحار )الساحلية(‪ .‬فوجود خمس ممرات من أهم تسع ممرات‬
‫بحرية استراتيجية في العالم أل وهم"مضيق استانبول‪ ،‬وجناق‬
‫قلعه‪ ،‬وقناة السويس‪ ،‬ومضيق عدن‪ ،‬ومضيق هرمز" بشكل مباشر‪،‬‬
‫واخر بشكل غير مباشر وهو" مضيق جبل طارق" في المنطقة يبرز‬
‫الهمية التي تتمتع بها المنطقة من الناحية الجيوسياسية البحرية‪.‬‬

‫وقد اكتسبت البنية الجيوسياسية للشرق الوسط ‪-‬الذى كان يمثل‬


‫منطقة لتصفية حسابات التنافس الستعمارى خلل القرن التاسع‬
‫عشر‪ ،‬والتنافس اليدولوجى ثنائى القطب خلل النصف الثانى من‬
‫القرن العشرين‪ -‬سمات جديدة مع انتهاء الحرب البارده‪ .‬وكان‬
‫الوضع المقام على التوازنات العالمية فى الحرب الباردة و‬
‫"التوازن الرهابى" المعتمد على القدرة النووية والذى ظهر فى‬
‫إطار ذلك الوضع‪ ،‬يحددان عناصر الصدام الستراتيجى فى المناطق‬
‫التى لها اهمية مشابهة للشرق الوسط‪ .‬فالتوازنات العالمية كانت‬
‫تؤدي لتحديد)لتوضيح( المجالت الفاعلية )التاثير( الجيوسياسية‬
‫القليمية فى العلقات الستراتيجية علي أعلي مستوي‪ .‬وكان هذا‬
‫الوضع يولد انطباع بان الهمية الجيوسياسية القليمية سوف‬
‫تتضائل بشكل نسبى‪ .‬وكان التكوين الثنائى القطب الذى حددت‬
‫معالمه الستراتيجية ‪...........‬‬

‫تغير المعايير الستراتيجية القليمية القائمة على التوازنات‬


‫العالمية و زيادة ثقل العناصر المحلية )الداخلية( بـانتهاء الحرب‬
‫الباردة تسبب فى ان يكتسب موقع المنطقه النظرى الجيوسياسى‬
‫التقليدى لهميه اكبر‪ .‬فزوال مجالت التاثير النابعه عن المظلت‬
‫المنية المثبته على مستوى القوى العظمى قد أثرت على نظرة‬
‫اللعبين )سياسى العالم( الذين بداوا فى زيادة ثقلهم فى‬
‫العلقات الدولية من ناحية‪ ،‬ووسعت من ناحية آخرى مجال المناورة‬
‫للقوى القليمية التى لها القدرة على تطوير الستراتيجيات ذات‬
‫الثقل القليمى‪ .‬وهذا ما أسفر عن نتائج أدت الى إزدياد تضارب‬
‫المصالح الستراتيجية‪ ،‬وزيادة احتمالت حدوث صدامات متدنية‬
‫المستوى‪.‬‬

‫وكان إعتمال التفاعل الجيوسياسى القليمى بشده خلل فترة‬


‫قصيرة مع انتهاء ذلك الفصل الثابت للبلقان والقفقاس اللذان تم‬
‫تقسيمهما بخطوط اكثر قطعية فى اطار بنية ثنائية القطب عامل‬
‫هاما جعل من الواجب اعادة تقييم المنطقة من الناحية‬
‫الجيوسياسية‪ .‬كما تسبب ازدياد هذا التفاعل الجيوسياسى بين تلك‬
‫المناطق ‪-‬التى تشكل منطقة جوار برية لتركيا‪ -‬فى اكتساب‬
‫مناطق العبور الموجوده بين تلك المناطق لمدلولت جيوسياسية‬
‫جديدة‪ .‬وكما تناولنا بشكل اثر تفصيل فى القسام ذات الصلة‪ ،‬فقد‬
‫أدى زوال خط الفصل الستراتيجى القاطع الذى كان موجودا فى‬
‫فترة ثنائية القطب )العهد الثنائى القطب( بالقفقاس الى بروز‬
‫الصلت بين القفقاس وبلد الرافدين والبصرة وبين قزوين وشرق‬
‫ول التغير‬‫البحر المتوسط كخطوط جيوسياسية جديدة‪ ،‬بينما ح ّ‬
‫الحادث فى البلقان منطقة شرق البحر المتوسط الى منطقة تأثير‬
‫وتأثر )تفاعل( جيوسياسية بين البلقان والشرق الوسط‪.‬‬

‫هذا التغير الحادث فى المعايير الستراتيجية طرح وضعا ً ديناميكيا ً‬


‫فى المنطقة‪ .‬فحينما توجهت بعضا ً من قوى المنطقة كالعراق‬
‫‪-‬التى ارادت ان تستفيد من التقلبات التى اوجدها ذلك الوضع‪-‬‬
‫للقيام بتحركات عدوانية‪ ،‬سعت الوليات المتحدة ‪-‬التى حسبت‬
‫المجازفات التى سيطرحها ذلك الغموض الجيوسياسى )العتامه‬
‫الجيوسياسية(‪ ،‬والتى أرادت ان تواصل فاعليتها فى المنطقة بأقل‬
‫حد من تلك المجازفات‪ -‬الى اعادة تنظيم التكوين العالمي من خلل‬
‫المنطقة‪ .‬إذ عكست حرب الخليج التغير الحادث فى نظرة كل‬
‫الطراف للمنطقة فى إطار هذا الوضع الديناميكى الجيوسياسى‬
‫وأوجبت القيام من جديد بحسابات استراتيجية للمنطقة‪.‬‬

‫العامل التاريخى والجيوثقافى ‪:‬‬

‫إن السمات الجيوثقافية التى يطرحها العمق التاريخى الذى يتمتع‬


‫به الشرق الوسط‪ ،‬هى إحدى السمات الساسية التى تجعل‬
‫الشرق الوسط منطقة مختلفة عن المناطق الخرى‪ .‬وكما أكدنا‬
‫فى تحليل منطقة الجوار البرية‪ ،‬فان مولد أكثر النفتاحات‬
‫)التطورات( الثقافية والدينية والفكرية تأصل ً وتأثيرا ً فى النسانية‬
‫بهذه المنطقة‪ ،‬يوجب علينا أن ننظر الى المعايير التاريخية فى‬
‫هذه المنطقة وبنيتها الجيوثقافية كاحدى العناصر الساسية‬
‫للتحليل الستراتيجى‪.‬‬
‫وقد أعد الوضع الجغرافى الموجود فى البؤرة الفرواوراسية‬
‫للمنطقة‪ ،‬أرضية مناسبة للتفاعل )التأثير والتأثر( الثقافى‪ .‬وجعلت‬
‫المكونات الثقافية للمنطقة – والتى تحمل فى طياتها سمات‬
‫عالمية أثرت فى التاريخ النسانى‪ -‬من المنطقة ساحة لمواجهات‬
‫ولقاءات وحسابات ثقافية ذات سمات عالمية ومحلية‪.‬‬

You might also like