Professional Documents
Culture Documents
Uma W Solta
Uma W Solta
تأليف
إبراهيم العسعس
الهداء
إلى …
أما بعد...
ن البحث في موضوع الحاكم فقد غايته ،فأصبح هو الغاية! مع تأ ّ م لحظ ُ ث ّ
ُ
ن أصل الموضوع والدافع إليه هو مدى شرعيةِ حكم ِ من هذا حاله! وكانت أ ّ
هذه الدافعَ الثاني.
ن الحوار تر ّ
كـز بين تأ ّ
مها ـ فقد لحظ ُ
أما الدافعُ الثالث ـ وهو أه ّ
المسلمين على مشروعية الخروج على الحكام ،وما يتعلق بذلك من
ل تام ٍ لمسألةٍ ينبغي أن ُتعاَلج قبل ذلك وهي مشروعي ُ
ة مسائل ،مع إغفا ٍ
الحكم ،أو مشروعية السلطة التي ُيبحث في مشروعية تغييرها!
مة بها ،وحق الخيرة بتوليةة ال ّ ن موضوع السلطة وعلق َوفي الحقيقة أ ّ
الحاكم وعزله لم ينل ما يستحقه من اهتمام ٍ وبحث ونشر .فقد انغلق
ث التي مم ّ
ل .والبحا ُ العلماُء على بعض القضايا ُيخاطبون بها المة بتكرار ُ
ُ
دم أغلبها على شكل رسائل جزت في هذا الموضوع أبحاث أكاديمية ،قُ ّ أن ِ
علمية ،لذلك فهي بعيدة عن متناول مجموع الناس.
ي
وإذن ل ُبـد ّ من التغيير ،ول تغيير دون إصلح ،ول إصلح بل وعي .فالوع ُ
ث الوعي في المة ،ومن أهم القضايا التي
هو المطلوب ،وواجب العلماء ب ّ
يجب على المة أن تعيها:
الوعي بواقعها ،الوعي بدينها ،الوعي بضوابط علقتها بالسلطة ،وهذا هو
هدف البحث .....وصف الواقع ـ كما هو ـ دون تجميل وتزوير ،فإن تزوير
الحقائق ،وتجميل القبائح ُيشوه نفسية النسان .وأريد لفت النتباه إلى
بعض مبادئ السلم في الحكم .والمقصود تعريف المسلم ـ بعد أن يعرف
حقه في الشريعة لتسهل المقارنة عليه ـ بأنه عبد لغير الله تعالى كي
يسعى إلى تحرير نفسه .فإن كون النسان عبدا ً ـ دون أن يشعر بذلك ـ ل
يعني أن يطالب بتحرره! فل بد من إفهامه بأنه عبد ،وأن عليه أن يسير
باتجاه الحرية الحقيقية.
إنني أطالب بالحياة الفضل ،يعني بالحياة السلمية الحقيقية ،وأنادي بأن
ل مخرج من هذا البلء الذي نحن فيه إل بإعادة الحكم بشرع الله:
ن المعرفة التي ل تكشف الواقع، أحاول في هذا البحث كشف الواقع ،فإ ّ
ب في مصلحة المة .ومن أجل وإنما تكتفي بتبريره وتزييفه ،معرفة ل تص ّ
كزت على الدراك أكثر من تركيزي على تكثيف المعلومات ،لنني ذلك ر ّ
ي حرية المسلم من العبودية لغير الله تعالى ،وهذه ب عين ّ
أكتب وُنص َ
الحرية ل ُتنال إل بتنمية الدراك.
وما أكتبه ل يزيد عما ُتظهره المرآةُ حين ينطبع عليها الواقعُ كما هو ،فلن
أستطيع إذن إل أن أكتب الذي كتبت ،لّنه مرآةُ هذا الواقع ،فليتغير الواقع
ن الكتابة في هذا الموضوع كيما تعطي المرآةُ صورةً أخرى .ول ش ّ
ك في أ ّ
مكِلفة ،لكنه الميثاق الذي أخذه الله سبحانه على أهل العلم ة ُ
شائك ٌ
ه للناس ول تكتمونه " ) آل عمران.(187 : وطلبه " ،لُتـبـّيـُنـن ّ ُ
ي
ـنام ُتـرعى وأمُرها مأت ّ ب أن ُتكّبـر والصـ
إّنـما الصع ُ
هذا هو الكتاب الثاني من سلسلة " إحياء فقه السلف " أقدمه في
إطار السلسلة تحقيقا لحياء المنهج ،وتصويب مسيرته .
وكان من آثار هذا الفهم أن تركز في الذهان انعدام العلقة بين فقه
دميهم يصرحون – بافتخار – بهذامق ّ
السلف وبين الواقع ،خاصة أن بعض ُ
الفهم .
ولذلك فقد رأيت ،ورأى بعض من أطلعتهم على البحث ،أنه من
الضروري التنبيه على العلقة المتينة بين هذا البحث ،وبين فقه السلف ،
ة لهذا الشكال المتوقع .
إزال ً
إن هذا البحث تحقيق لهدف من أهداف هذه " السلسلة " :وهو
إخراج منهج السلف من دائرة البحث في قضايا محددة ،ومن الصرار
على إعادة الكتب القديمة ،واجترار المعلومات دون وعي ،إلى البحث
في كل القضايا والمسائل .وقضية هذا البحث من أهم القضايا التي يجب
بحثها ،وبيان موقف منهج السلف منها ،خاصة وأن الجهود تنصب لتحميل
فقه السلف في هذه المسألة ما هو بريء منه .
ي الحكم دائرة ضيقة ل تحتمل غير المسلم لكن منصب الولية وكرس ّ
دل الذي تتوفر فيه شروط أهلية تولي الحكم ،فل ينبغي إذن الخلط بين
الع ْ
أفراد المسلمين ،وبين من تولى للمسلمين ولية.
وثمرة هذا التفريق تظهر فيما يلي :أن الورع الذي نمارسه مع أفراد
المسلمين في مسألة التكفير والتفسيق ل علقة له بالتعامل مع "الحاكم"
لن البحث هنا ل يتعلق بشخص الحاكم ،كما هو الحال مع أفراد
المسلمين ،وإنما يتعلق بصلحيته لتولي الحكم ،وهذه الصلحية منضبطة،
فقد ربطها الشرع بصفات ظاهرة.
ثم إننا بهذه الحقيقة ُنخرج البحث من الدائرة الضيقة التي وضعه فيها
المسلمون ،وهي تكفير الحاكم ،إلى آفاق أرحب ،وهي :مدى تحقق
شروط الصلحية التي يجب توفرها في الحاكم .لقد ضّيق الباحثون واسعا ً
بحصرهم القضية في تكفير الحاكم ،فأضاعوا أوقاتهم فيما ل طائل تحته،
وكان بإمكانهم النطلق بالقضية من ضيق البحث في الشخص ،إلى سعة
البحث في السلطة ،والبحث في كفر الحاكم أو عدمه أحد أبحاثها وليس
كل أبحاثها ،فهناك :البحث في تحقق شروط أهلية الولية في الحاكم،
واستمرار هذه الشروط ،وهناك تطبيق الحكام الشرعية ،واللتزام
بالسلم عقيدة وشريعة ...إلى غير ذلك كما سيأتي لحقا.
الحقيقة الثانية:
ة السابقة إلى الحقيقة التالية وهي :أن البحث في تصنيف تقودنا الحقيق ُ
ً ً
"الحاكم" ليس بحثا نظريا ينتهي عند إطلق الوصف المناسب في الحاكم
ويكتفي به ،ولكنه يؤدي إلى نتيجة مهمة ،وهي :مشروعية عزل الحاكم
وتغييره ،بمعنى أن البحث في موضوع السلطة عملي ،وليس بحثا ً ترفيًا،
والذي أراه أنه أصبح عند كثير من الناس بحثا ً نظريا ،وذلك لنه يبدأ
بالحاكم وينتهي عنده ،ولهذا فإنه ل يشحن نفسًا ،ول يوقد ذهنًا.
ن البحث في هذه القضية ،أي السلطة ومشروعيتها والخروج عليها إ ّ
وعلقتها بالمة بحث في مصير المة ،ومستقبل أجيالها ،وعلى المة أن
تفقه أحكامها ،وتربطها بالواقع ،وتجاهد من أجل ممارسة حقوقها .إن فقه
هذه المسألة من أوجب الواجبات التي يجب على المسلمين التعب وبذل
ن أي حصرٍ للقضية في الطار النظري تمييعالوسع في سبيل تحقيقها ،وإ ّ
للحقائق ،وتشويه للشريعة.
الحقيقة الثالثة:
ه سبحانه وتعالى رسوَله من أجله هو ن الهدف السمى الذي أرسل الل ُ إ ّ
تعبيد ُ الناس لربهم سبحانه ،قال الله عز وجل" :وما خلقت الجن والنس
إل ليعبدون" )الذاريات .(56 :والعبادة في حقيقتها تجريد ُ خضوع النسان
لربه سبحانه ،وتحرير له من الخضوع والخنوع لسيطرة كل ما عدا الله
ن بإيمانه بها من
ص النسا َتعالى ،وهذه حقيقة "ل إله إل الله" ،فهي ُتخل ّ ُ
أسباب الذل والعبودية؛ عبودية النسان للنسان.
ن الصراع بين اليمان والكفر ،بين النبياء وقوى الجاهلية ،هو في
وإ ّ
حقيقته صراع على حقّ الله تعالى في أن يكون آمرا ً ناهيا ً في الرض،
ك في"وهو الذي في السماء إله وفي الرض إله" )الزخرف ،(83 :ول ش ّ
ن حقيقة العبودية لله تعالى ،وحقيقة دعوة النبياء لن تتحقق إل بسلب أ ّ
البشر المتسلطين سيادتهم على الناس ،وتجّبرهم بهم ،ورد ّ السيادة لله
وحده.
ن مثل
لذلك فقد أمر الشرع بإقامة دولةٍ لتحقيق هذه الغاية العظيمة .ل ّ
هذه الغاية ل تتحقق في الحياة من خلل السلوك الفردي ،بل تحتاج
لسلطة تحمي التوحيد وتـنشره ،وُتطبق الحدود بقوة السلطان .قال ابن
تيمية رحمه الله" :جميع الوليات في السلم مقصودها أن يكون الدين
كله لله ،وأن تكون كلمة الله هي العليا ،فإن الله سبحانه وتعالى إنما خلق
الخلق لذلك ،وبه أنزل الكتب ،وبه أرسل الرسل ،وعليه جاهد الرسول
والمؤمنون" )الفتاوى.(61 / 28 :
ن أي نظام ل يقوم على أساس السلم ،فل وفائدة هذه الحقيقة أن ُيعلم أ ّ
هـَرمه أتـقى
حرمة له في الشرع ،حتى لو كان يقبع على قمة َ قيمة له ،ول ُ
الخلق وأعلمهم وأعدلهم.
الحقيقة الرابعة:
رعن هذا الواقع المتمثل بتحييد شرع الله تبارك وتعالى ،واستبداله بش ٍ إ ّ
ة في العصور غيره ،أمر لم تعهده المة من قبل ،ولم يتصوره الئم ُ
السالفة ،ولذلك لم يرد في كلمهم إل على سبيل التـنظير! لقد عرف
متسلطينَ ،فجرةَ ،فسقة ،ظالمين ،لكنه لم يعرف حكوم ً
ة تاريخنا حكاما ً ُ
حت الشريعة جانبًا ،واستبدلتها بشريعة أخرى. ن ّ
ة زمن التـتار الذين فرضوا على المة ولعل الحالة التي مّرت بها الم ُ
شريعة " الياسق " هي أقرب ما يكون إلى حالتنا اليوم ،لذلك فإن ابن
تيمية رحمه الله أول من تكلم في مثل هذا الواقع .فقد سئل رحمه الله
عن مدينة اسمها "ماردين" أهلها مسلمون ،والحكام التي تعلوها أحكام
كفر ،فأفتى رحمه الله بأنها دار مركبة ؛ ليست دار حرب ول دار سلم،
وقرر حرمة إعانة من يقوم على مثل هذه الدار ،قال" :وإعانة الخارجين
عن شريعة دين السلم محرمة" )الفتاوى،(24 /28 :فما هي ثمرة هذه
الحقيقة؟ هذا ما سُتـبـينه الحقيقـتان التاليتان .ولكن قبل أن ننـتـقل إليهما
فلنؤكد القاعدة التالية ،كي تكون على البال أثناء التقدم في البحث .وهي:
إن الكلم في هذه الحقيقة وما يليها مبني على أصلين:
الول :المعرفة بحال السلطة اليوم وواقعها .الثاني :معرفة حكم الله
تعالى في مثل هذا الحال.
الحقيقة الخامسة:
النصوص التي تأمر بالسمع والطاعة ،وتدعو المة إلى الصبر على
الحكام إذا لحظت بعض المخالفات ،وفيما أحبت أو كرهت ،مثل قوله
صلى الله عليه وسلم" :على المرء السمع والطاعة فيما أحب أو كره ،إل
أن يؤمر بمعصية" )رواه أحمد 2/142عن ابن عمر بسند صحيح( .وقوله
صلى الله عليه وسلم" :إنكم ستلقون بعدي أثرة ،فاصبروا حتى تلقوني
على الحوض" ) متفق عليه ،البخاري ح .(757 ،433
الحقيقة السادسة:
الول :دعوى الجماع باطلة ،وقد رد ّ ابن حزم رحمه الله هذه الدعوى
بنقله قول الجمهور القائلين بخلفه! ول أطيل بنقل كلمه ،فمن أحب
فليراجع كتاب الفصل في الملل والهواء والنحل . ( 28 -19/ )5 .
ن الستدلل بالجماع ليس في الوجه الثاني :ما سبق وقررناه ،من أ ّ
م على واقع مدعى ـ ت ّ قق ،فإجماعهم ـ ال ُ محّله ،لن المناط غير متح ّ
مختلف عن واقعنا تمامًا! وإذن فهي مقارنة لم تراع اختلف الواقع! ولقد
ن لهم ولية صحيحة، أجرى العلماء تصرفات الحكام البغاة وأمثالهم ،ل ل ّ
فـذ
ه عليه" :وقد َيـن ُ بل لعتبار آخر ،قال العّز بن عبد السلم رحمة الل ُ
التصرف العام من غير ولية ،كما في تصرف الئمة البغاة ،فإنه ينفذ مع
القطع بأنه ل ولية لهم ،وإنما نفذت تصرفاتهم وتوليتهم لضرورة الرعايا"
)قواعد الحكام في مصالح النام .(1/62
الحقيقة السابعة:
ن
وهي حقيقة تاريخية مهمة ،في بيانها تجلية لهذا الموضوع الخطير .إ ّ
فتاوى كثير من أهل العلم بالرضا بولية الحكام الظلمة أو الفسقة ،أو
ولية المتغّلب أو ولية من تولى بعهد ،لم يكن قبول ً منهم لولية هؤلء ،ول
ف
ن الذي دفعهم لمثل هذه الفتوى خو ُ بيانا ً لحكم شرعي مضطرد .إ ّ
الفتنة ،وانتشار القـتل في المة .فالمنع طارئ وليس بناء على دللة
النصوص المتعلقة بهذا الموضوع .ول ُيستبعد أن يكون بعض العلماء قد آثر
ل رأيا ً لعالم ،وليست نصًا،
ن الفتوى تظ ّ
السلمة فأفتى بما أفتى به! على أ ّ
جة فيها إل بمقدار قوة دليلها.
ح ّ
لذا فإّنه ل ُ
سـني بطابع التسويغ ل ذلك إلى انطباع الفقه السياسي ال ّ لقد أدى ك ّ
للواقع والرضا به! من خلل تحميل النصوص ما ل تحتمل! وإل فما معنى
الكلم المنسوب إلى الحسن البصري رحمه الله ،وحاشاه من قوله ،ولكّنه
ك أنه ساهم في م موجود في الكتب ،متداول على اللسنة ،ل ش ّ كل ٌ
ب الله ،فل تدافعوا عذاب الله ن الحجاج عذا ُتشكيل العقل المسلم " :إ ّ
ن الله يقول" :ولقد بأيديكم ،ولكن عليكم بالستكانة والتضرع!!! فإ ّ
خ هذا الكلم س ُ
أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون" ،أل ُير ّ
ل والظلم؟! إّنه الخوف من مق معاني القبول بالذ ّ الجبَر في المة؟ أل ُيع ّ
فكت ،وكم من س ِالفتنة وسفك الدماء ،وهتك الحرمات ! فكم من الدماء ُ
هـِتكت ،منذ أن تحول الحكم الشوري إلى الوراثة ،ومنذ أن الحرمات ُ
رضي جمهوُر المسلمين بحكم الظالمين ؟!
نعم ...لقد كانت الدماء سُتسفك! ولكنها كانت ستسفك لمرة واحدة
وينتهي المر .أما هذا النهر المتدفق منذ قرون فل ندري متى سيكف عن
الجريان! أما هذه الكرامة المسحوقة المهدورة ،فدون إعادتها أهوا ٌ
ل وقد
ة الذل والهوان! فما هي ثمرة هذه الحقيقة؟ ثمرتها أن هذه استمرأت الم ُ
ً ً
ملزمة لنا ،لّنها ليست نصوصا ول تعبيرا عن النصوص الفتاوى غير ُ
بمجموعها ،ول تحقيقا ً للحكام المتعلقة بشروط تولي الحكم ،أو بأحكام
عزل الحكام ،وغيرها ...فهي لذلك ليست مضطردة فل نتفق مع من
يسحبها على كل الوقات ،وعلى كل الظروف ،فهي من الفتاوى التي تدور
مع أسبابها وجودا ً وعدمًا.
ن السباب التي أّدت إلى هذه الفتاوى بحاجة إلى تحقيقعلى أننا نرى أ ّ
ة مطاطة يمكن أن ُتوظف في الحق ،ويمكن وتحرير ،فخوف الفتنة قضي ٌ
أن توظف في الباطل ،كما يمكن أن تستخدم لتسويغ السلبية والجبن!
وتخدير المة من قبل علماء السلطة:
ن تكرار فشل محاولت الخروج وما ترتب عليها من دماء ،دفع بعض إ ّ
العلماء إلى الفتاء بعدم مشروعية الخروج .قال ابن حجر رحمه الله في
ترجمة الحسن بن صالح ) 169 – 100هجرية ( ردا ّ على من ضعفه لنه
كان يرى الخروج بالسيف على أئمة الجور ! " :وهذا مذهب للسلف قديم
،لكن استقر المر على تـرك ذلك لما رأوه قد أفضى إلى أشد منه ،ففي
ة لمن تدبر " ) تهذيب
عظ ٌ
حّرة ،ووقعـة ابن الشعث وغيرهما ِ
وقعـة ال َ
التهذيب . ( 250 -2
ب القائلين بجواز الخروج بالخوارج! وهو قياس فاسد والعجب ممن ُيلق ُ
يدل إما على جهل ،أو فساد طوّية ،فليختر القائل بهذا أحلهما إليه!! أما
الخوارج فهم الذين خرجوا على علي رضي الله عنه ،فأين هو علي؟! وهذا
يعني أنهم الذين يرون الخروج على المام الحق الذي اختارته الجماعة،
فأين هو هذا المام؟! وهم الذين ُيكفرون بالمعصية ،وليس من يقول
بالجواز كذلك.
الحقيقة الثامنة:
ن المرجعية التي نخضع لها ونتبعها في هذا الباب ،هي نفسها المرجعية
إ ّ
التي نخضع لها في أبواب الدين جميعها ،لذلك فمن الخطأ أن يحتج أحد ٌ
ن العلماء
بصحة تولي الحكم عن طريق الوراثة لنه وقع في التاريخ ،ول ّ
سكتوا عنه! فل في وقوعه في التاريخ ،ول في سكوت العلماء عنه دليل
على شرعيته.
ض القراء من بعض الحقائق ،وقد يعدها تعديا ً على بعض قد ُيفاجأ بع ُ
ن الحقيقة غير هذا ،لننا نعتقد بأننا امتداد لمامسلمات التاريخية .ولك ّ ال ُ
حصل في التاريخ وأثر من آثاره ،وأننا إذا أردنا إصلح واقعنا فل بد ّ أن
ص
ندرك الحقائق كما هي دون تزوير وتزويق ،وطريق العلج الناجح تشخي ٌ
صحيح .إننا نؤمن بأنه ل خلص ول نهضة لنا إل بالسلم ،لذا فالهدف
المراد من مثل هذه البحاث هو تخليص السلم مما علق به من
ممارسات خطيرة ،وانحرافات شنيعة! وبهذه الحقيقة نفصل بين فقه
السلم السياسي الذي شرعه الله ،وبين ما ُالبس للسلم من ممارسات
في التاريخ السياسي للمة.
إننا ل نتعصب إل للسلم كما جاء به محمد ٌ صلى الله عليه وسلم ،أما
خ السلمي فهو سلوك البشر باتجاه السلم أو بعكس اتجاهه .لهذا التاري ُ
ن التاريخ غير معصوم
فإننا نرفض أيّ محاولة لتزويره عن طريق التاريخ ،ل ّ
ول مقدس.
إننا نطالب بالسلم ،فإن وافق التاريخ السلم فبها ونعمت ،لنه سُيشكل
عندها تجربة ثرّية ،ومرجعا ً تطبيقيًا .وإن خالفه رفضناه ،ولم نبرره ،وأقبلنا
على السلم نأخذ منه دون أدنى اعتبار للتاريخ.
الحقيقة التاسعة:
ة تناول ً خاطئًا،
ب الباحثين ،والدعاةُ ـ ول زالوا ـ المسأل َ 1ـ تناو َ
ل أغل ُ
ت خطيرة في وجدان المة ،وإلى جهلها بحقوقها، أدى إلى ترسيخ مفهوما ٍ
وموقفها من السلطة .ولقد تمّثل هذا التناول الخاطئ في جوانب متعددة.
ة على حساب قضايا ب أثناء دراستنا للمور قضي ًوالسبب في ذلك أننا ُنغل ّ ُ
ة جميع أبعادها َلما
درست بشمول مراعي ً ن المسألة لو ُ أخرى .وفي ظّني أ ّ
وقع اللبس في إدراكها ،ولما كُثر النزاع حولها.
ك ّ
ل هذا جعل البحث بل غاية .وصار النقاش ينتهي عند اقتناع أحد الطرفين
برأي الخر ،وإل فقاموس الشتائم ،وجدول اللقاب جاهزان! فهذا خوارج،
وذاك مرجئة .وبهذا تحولت المعركة إلى صراع بين المسلمين أنفسهم،
ونسوا الهدف الساس للبحث ،وهو البحث في شرعية السلطة ،وما
ف ليد الطاعة ،وخروج على السلطة. يترتب عليه من ك ّ
وهذه بعض الجوانب ،وسيتبعها التعليق بعد قليل ،وهناك جوانب أخرى
سأشير إليها في ثنايا البحث.
أما الجانب الهم ،والذي كان أحد أهم الدوافع لهذه الدراسة ،وهو أحد
فكرتين رئيستين في الدراسة فهو:
ن النقاش الحاد الذي يدور بين المسلمين حول شرعية الخروج ،نقاش ل إ ّ
داعي له ،ولو تم استحضار هذا المبدأ لرحنا أنفسنا ،ولبدأنا من حيث يجب
أن نبدأ ،ولتحولت دراساتنا من البحث في مشروعية الخروج ،إلى البحث
في إمكانية الخروج وطرقها ووسائلها.
ن النظام الذي يستمر ن النظام الذي جاء على ظهر دبابة ل حرمة له ،وإ ّإ ّ
سخف أن نتـناقش ونغضب من من على ظهر دبابة ل شرعية له! ومن ال ّ ِ
أجل أنظمة هذا وضعها! ولو درسنا المسألة من هذه الزاوية لوفرنا على
أنفسنا كثيرا ً من الجهد والوقت .ولفهمنا الماضي ،ولدركنا الواقع،
ولخططنا للمستقبل الذي نريد.
3ـ ومن الخطأ أيضا ً حصر المسألة في كفر القوانين وإن كان هذا
المعيار من المعايير القوية التي أقمنا هذه الدراسة عليها كما سيأتي.
ولكن ليس من العلمية تضييق البحث في معيار واحد وإهمال المعايير
ت من أشار الخرى .فمن المعايير التي ينبغي أن ُتبحث ،والتي قلما رأي ُ
إليها ،حقوقنا التي كفلتها لنا الشريعة"
م حياتنا.
ـ فمن حقنا أن َيحكم السل ُ
صروا أو بدلوا.
ـ ومن حقنا أن ُنغيرهم إذا ق ّ
من حق المة أن تراقب الحاكم ،ومن واجب الحاكم أن يقبل الرقابة ،فل
ينبغي في شرع الله أن يكون الحاكم فوق المساءلة.
وحقوق المة يجب أن تكون في أيدي أمينة ،ل تخضع لرغبة الحاكم ،إن
شاء منحها ،وإن شاء منعها ،وإن شاء ق ّ
طرها! لقد آن لنا أن ننظر إلى
المسألة من خلل حقوقنا ،وشعورنا بالدمية ،فل أدري كيف ترضى المة
أن تعيش! مسلوبة الحقوق ،بل قيمة ول كرامة! فالسلم كّرمنا ،وحّررنا
بالتوحيد من ِربقة العبودية ،فإنه" :ما انتشر التوحيد في أمة قط إل
تكسرت فيها قيود السر" )طبائع الستبداد .(55 :ويجب على المة أن
ن المستكبرين في الرض يمنعون الناس من التعرف على الله تدرك ":أ ّ
تعالى ،وعبادته لنهم بذلك ُيبصرون الحق والباطل ،وتتفتح عقولهم على
ظلم الستكبار ومخازيه ،ويتولد عندهم الوعي بالحقوق النسانية التي
وهبها الله تعالى لعباده ،فيرفضون الظلم والطغيان والعدوان على حقوق
النسان" )قيم المجتمع السلمي من منظور تاريخي.(1/87 :
وليس هذا فحسب ،بل لو كان أبو بكر حاكمًا ،وبالسلم ،لكنه ظالم
ة حقوقها ،لكان حكمه باط ً
ل ،ولوجب عزله ! وأكثر من متجّبر ،يسلب الم َ
ُ
ً
ذلك ،فلو كان أبو بكر رضي الله عنه حاكما ،وبالسلم ،وبالعدل والقسط،
والرفق بالرعية ،لكنه مقصر بواجباته؛ من ُقدرة على حماية المة والدولة،
إلى غير ذلك من الواجبات ـ التي سنعرفها في فصل لحق ـ لوجب عزله !
مغّيب ،وهذه هي شريعة السلم ،فدع عنك ما هذا هو حكم الشريعة ال ُ
يقوله طابور التسويغ والترقيع ! والله المستعان ،وهو حسبنا ونعم الوكيل.
أما الدراسة الفقهية ،فأعني بها فهم الحديث فهما ً سليما ً من خلل ما
ص المدروس ،ل من خلل المقررات السابقة! وسنبدأ بذكر ُيفيده الن ّ ّ
ة
روايات الحديث ،ثم نتكلم على فقهه .وسنعتمد على روايةٍ نجعلها الرواي َ
الم ،ثم سنقـتصر على ِذكر الشاهد الزائد على الرواية الم من الروايات
الخرى.
فإذا أتينا إلى فقه الحديث ،فالكلم عليه من وجهين :الول :معرفة
المقصود من الحديث .الثاني :مدى انطباق الحديث على واقعنا.
أو ً
ل :معرفة المقصود بالحديث:
* موضوع الحديث:
ط طاعةِ المة للسلطة؛ متى تلتزم الطاعة؟ ومتى ث ضواب َ دد الحدي ُُيح ّ
ملَزمة
يحقّ لها ،بل ويجب عليها منازعة السلطة ،أي تغييرها؟ فالمة ُ
ل الحوال ـ ما دامت الطاعة بالمعروف ـ والطاعة هنا بالطاعة في ك ّ
تعبيـٌر عن التزام المة بقرارات السلطة ،وتنظيماتها المختلفة لشؤون
الحياة جميعها .وهذا اللتزام ليس متروكا ً لمزجة الناس؛ يطيعون في
السراء ويعصون في الضراء؛ ويلتزمون النظام إذا وافق مصالحهم ،فإذا
خالفها حاصوا وخالفوا! وهذا هو معنى "وأثرة علينا" ،إذ ليس المقصود
ب طاعتهم للسلطة حتى لو منعتهم حقهم ـ أي استأثرت عليهم وجو َ
ن المعنى الدق هنا ـ سب ،بل أرى ـ والله أعلم ـ أ ّبالحقوق ظلما ً لهم ـ وح ْ
والمنسجم مع أوامر السلم بعدم الرضا بالظلم ـ وهو وجوب الطاعة
ن هذه الطاعة ستكون على حساب واللتزام بالنظام حتى لو رأينا بأ ّ
ة ،ولو ُترك المر للرعية "لحاك" ك ّ
ل در ذلك السلط ُ ن الذي ُيق ّ
حقوقنا ،فإ ّ
ل ما ُيخالف "قياسه" ظلما ً
م على "قياسه" ،ولعد ّ ك ّ واحد من الرعية النظا َ
وتعديًا ،وعندئذ ُيصبح المُر فوضى.
طنا ومكرهنا
وهذا الفهم متفق مع قوله صلى الله عليه وسلم "في منش ِ
دد حالت النسان عند وعسرنا ويسرنا" ،فالنبي صلى الله عليه وسلم ُيع ّ
شطًا ،كما يمكن أن يكون كسول! وقد يكون
ً استقباله الوامر ،فقد يكون ن ِ
راضيًا ،كما يمكن أن يكون كارها ،وهو في كل هذه الحالت عليه أن يسمع
ً
م هناك حالة أخرى "وأثرة علينا" ،أي فيما َيعتقد أنه على حسابويطيع .ث ّ
حقوقه من الوامر.
سرـ الكلم على بعض ألفاظ الحديث" :أن ل ُننازع المر أهله" ،ف ّ
حك ْ َ
م .وهذا ـ م ال ُ
العلماء "المر" بالمارة ،فيكون المعنى :أن ل ننازع الحاك َ
ن " المر " هو في نظري ـ تفسير ضّيق " للمر" .والصواب أن نقول إ ّ
السلطة بمفهومها الشامل ،أي المؤسسة الحاكمة ،والحاكم جزء من هذه
المؤسسة.
ـ "إل أن تروا كفرا ً بواحا ً"" ،ما لم يأمروك بإثم بواحا ً"" ،إل أن يكون
معصية"" ،إل أن تكون معصية لله بواحًا".
تروا ،وليس تسمعوا ،أو تعلموا ،أو تتيقنوا! وكيف ُيرى الكفر؟! إذا كان
ل الله صلى الله عليهالكفُر جحود القلب ،فإنه ل ُيرى ،فهل أمرنا رسـو ُ
ّ وسلم برؤية شـيء ل ُيـرى؟! فل ش ّ
ك ـ إذن ـ أّنه علق المَر على رؤية آثاِر
ل وأفعال.الكفرِ من أقوا ٍ
م الكفر ،علمنا أنه عـلـ َ
طلب منا "رؤية" آثار الكفر ،ولم يطلب منا ِ فإذا َ
ض النظر عن المقاصد ،وما دام لم َيطلب منا أن نتيقن يقصد المعاصي بغ ّ
ة ُتوجبن رؤية المعصية بواحًا ،أي ظاهرةً بادي ً
بل طلب منا رؤية ،علمنا أ ّ
صت ة المرِ أهَله .وهذا الفهم تؤيده الروايات الخرى ،فقد ن ّ علينا منازع َ
ن
على وجوب المنازعة عند المعصية ،أو عند المر بالثم ،مما يؤكد بأ ّ
المقصود بالكفر الوارد في الرواية الولى :المعصية.
ـ قول النبي صلى الله عليه وسلم" :وأن ل ننازع المَر أهَله ،إل أن تروا
."...معناه :في حالة عدم رؤيتكم للمعصية الظاهرة ،تحُرم عليكم
رعت لكم المنازعة! المنازعة ،فإذا رأيتموها وجبت عليكم المنازعة ،أو ُ
ش ِ
ة
فهذا أمٌر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنازعة عند رؤي ِ
المعصيةِ الظاهرة.
ـ قوُله صلى الله عليه وسلم" :عندكم من الله فيه برهان" ،يعني :أن
ر ص ،وأن تكون مّتفقا ً عليها ليست مح ّ
ل نظ ٍ ة بالن ّ ّ
ة ثابت ً
تكون المعصي ُ
ل السلطة يحتمل ل أو فع ُ
ما إن كان قو ُواختلف ،ول تحتمل التأويل .أ ّ
التأويل فل تجوز منازعتها .وأنا أقرر هذه القاعدة بصورة عامة ،وإن كانت
تحتاج لتفصيل ليس هنا محله.
* تحليل الحديث:
ونحن عندما نقول :حاكم ،فل نعني شخص الحاكم ،بل نعني مؤسسة
من دونه من أركان النظام.الحكم ،والتي تتكون من :الحاكم نفسه ،و َ
والنظمة ،وهي مجموعة المبادئ والقوانين والقيم التي تحكم المة .وهذا
ن الرسول صلى الله عليه وسلم عناه في هذا الحديث .إذن ما نرى أ ّ
ل ،ومؤسسة حاكمة ثانيًا.
المقصود من الحديث سلطة قانونية أو ً
ب ـ ومن حقّ هذه السلطة "القانونية" على المة الطاعة حتى لو
ة بالجتهادات ،أو برغبتها وموافقتها ،وحتى لو استأثر اختلفت معها الم ُ
ن معنى "وأثرة الحاكم على المة بشيء من حقوقها ،عند من يقول بأ ّ
علينا" هنا امتناع الحاكم عن إيصال حقوقها إليها ،وتقديمه نفسه عليها.
سه في بعض سلوكاته ن الثرة معناها :تقديمه نف َ )ولكنني أعتقد أ ّ
ن كانت كذلك الشخصية ،ل أن تكون هذه الثرة قاعدة ً عامة مستمرة ،فإ ْ
م ،بل ويأمر برفضها( . ة بواحًا ،ل يرضاها السل ُ
فإنها تصبح عندئذ معصي ً
ن
ي في دراسة الّنصوص ،فسنجد ُ أ ّ ج ال ّ
شمول ّ ما إذا اعتمدنا المنه َأ ّ
منازعة ،وسنجد ب ال ُ
"الكفر" أحد ُ القيود التي يترتب على وجودها وجو ُ
ض بينها؟ كذا ة" قيدًا" ،والمر بالثم" قيدا ً ثالثًا .فهل هناك تعار ٌ "المعصي َ
ض أهل العلم ،فحاول الجمعَ بحمل رواية الكفر على ما إذا كانت ن بع ُ ظ ّ
ة في الولية ،فل ُيناَزعُ بما يقدح في الولية إل إذا ارتكب الكفر، المنازع ُ
وبحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولية ،فإذا لم
َيقدح في الولية نازعه ) .فتح الباري .(13/11
ول أجد داعيا ً لهذا التفصيل الذي ل دليل عليه من الحديث ،والذي ل يخلو
ل ما ظاهُرهلك ّ
ن بعض أهل العلم اعتاد َ تحمي َ ف في الجمع .ذلك أ ّ من تكل ّ ٍ
ل بالتعدد ،فالواضح ف القو َ
سع ُدد الروايات! وليس هنا ما ي ُ ْ التعارض على تع ّ
ث إل مرةً واحدة .فلم يبقَ إل أّنه صّلى الله عليه وسلم لم يقل هذا الحدي َ
ف من الرواة في روايـة الحديث بالمعـنى ،فالصحابي أو من بعده أّنه تصّر ٌ
ة الكفر ،أو المَر بالثمن رؤي َ روى الحديث كما فهمه ،وهم قد فهموا أ ّ
ض
ة ،دون تعار ٍ مـا يقـتضي المنازع َ ة البواح ،ك ّ
ل ذلك م ّ البواح ،أو المعصي َ
ل أحدها على الخر. بينها ،ودون حاجةٍ لحم ِ
ن كل ً من الكفر والمعصية البواح والمرمن بعده أ ّلقد فهم الصحابي أو َ
ظ تد ّ
ل على وعوا في استخدام ألفا ٍ بالثم البواح لها نفس الحكم ,ولذلك ن ّ
ن جمهور السلف فهموا من أحاديث رسول حكم واحد .ومما ُيثبت هذا أ ّ
ب الخروج على غير الله صلى الله عليه وسلم ـ ومنها هذا الحديث ـ وجو َ
العدل -فضل ً عن الكافر أو من صدر منه الكفر ، -وغير العدل هو
المسئول عن انتشار المعصية البواح ،والمر بالثم البواح!.
ن
ل الفقهاء كأبي حنيفة ،والحس ِ ل عليه أقوا ُن حزم" :وهو الذي تد ّ قال اب ُ
نك ّ
ل من ذكرنا ي ،وشريك ،ومالك ،والشافعي ،وداود وأصحابه .فإ ّ بن ح ّ
ل سيفه ل لذلك بس ّ
ما فاع ٌ
مـا ناطقٌ بذلك في فتاواه ،وإ ّ من قديم وحديث إ ّ ِ
صل في الملل والهواء والنحل5/19 :ـ .(28 ف ْ ً
في إنكار ما رأوه منكرا" )ال َ
ن النبي صلى الله عليه وسلم لمعرفته لساليب ولعلي ل أبالغ إذا قلت :إ ّ
َ
مناط المنازعة ،وليس الكفر ،لنه
المنافقين ،جعل المعصية والمر بالثم َ
صلى الله عليه وسلم يعرف أنه ليس من المعقول أن ُيصّرح حاكم ما في
ن قوما ً
بيئةٍ إسلمية بالكفر ،وكأّنه صلى الله عليه وسلم يعرف أ ّ
سيشاغبون فيشترطون التصريح بالكفر من الحاكم!
وأما بالنسبة لمصدر المعصية ،فهذا خطأ شنيع آخر وقع فيه بعض العلماء،
صروا مصدر المعصية بشخص الحاكم، وبعض الحركات السلمية ،حيث قَ َ
ن تروا كفرا ً
ن الحديث ل دللة فيه على هذا التحديد ،بل هو عام "إل أ ْ مع أ ّ
بواحا ً"" ،إل أن يكون معصية"" ،إل أن تكون معصية لله بواحًا"" ،ما لم
يأمروك بإثم بواحًا" ،هكذا مطلقا ً ،معصية َبواحًا ،في الدستور ،في
النظمة ،في الممارسات ،في السياسة الخارجية ،في علقة السلطة مع
المة ،في حال الحاكم ،باختصار " معصية بواحاً" تعني أيّ مخالفةٍ لحكام
السلم.
ن المة ل تنزع يد َ الطاعةِ عند صدور أيّ معصية من الحاكم ،أو وجودها
إ ّ
في النظمة ،فهذا أمر متوقع من البشر ،ولكن الشرط في المعصية:
هر بها ،بمعنى أن تصبح ظاهرة ة وتنتشر ،وُيجا َ أول ً :أن تظهر المعصي ُ
اجتماعية ل أمرا ً استثنائيا ً متوقعا ً محتمل ً من البشر ...وهذا هو معنى
"المعصية البواح".
ثانياً :أن يكون النتشار والمجاهرة نتيجة سياسة مقصودة ،تتبنى المنكر
ة من خلل وتسعى لنشره ،وليس هذا فحسب ،بل أن تسعى السلط ُ
س على المة،كس الموازين ،فُتدل ّ َ
أجهزتها المختلفة إلى قلب المعايير ،ون َ ْ
فتريها المعروف منكرًا ،والمنكر معروفًا .وهذا هو معنى "ُيعّرفونكم ما
رفون". تنكرون ،وُينكرون عليكم ما َتع ِ
وقد استنبط النوويّ رحمه الله من حديث قتال مانعي الزكاة فائدة مهمة
موافقة للفهم السابق ،فترجم للحديث بقوله" :فيه وجوب قتال مانعي
الزكاة أو الصلة أو غيرها من واجبات السلم قليل كان أو كثيرا" )النووي
ن هؤلء
على مسلم .(1/212وهذا واضح في التدليل على ما ذهبنا إليه ،ل ّ
الممتنعين مغيرون لحكم الله سبحانه ،مظهرون للمعصية ،فما بالك بمن
ل ،وُيرّوج للمعاصي الصريحة؟!ة وتفصي ً
يمتـنع عن حكم الله جمل ً
ل ما مضى يتعلق بالوجه الول وهو :معرفة المقصود من الحديث .أما وك ّ
بالنسبة للوجه الثاني والمتعلق بمدى انطباق الحديث على واقعنا،
ن هذا الحديث ،وغيره من الحاديث ،تتكلم ت فإ ّ
فأقول :كما سبق وذكر ُ
عن حاكم مسلم شرعي )قانوني( وصل إلى الحكم بطريق شرعي
)قانوني( صحيح ،أي باختيارٍ وعقد صحيحين من المة ،ثم وقع في الكفر أو
حكم بأنظمة الكفر ،أو فسق وظلم ووقع في المعاصي ،ول ش ّ
ك بأن
واقعنا ل علقة له بهذا ،ومع ذلك وتنزل ً في الحوار مع ذوي الورع البارد،
ن شرط منازعة ل لخطاب هذا الحديث ،فإ ّ ن واقعنا مح ّ
فإننا لو افترضنا أ ّ
حمْلتهت "الكفر البواح"؛ سواء َمتحقق واقع على أيّ معنى حمل ْ َ المر أهله ُ
على ظهور الكفر أو على ظهور المعاصي.
والحال هذه اليام في شرق العالم السلمي وغربه ظاهر لذي عينين ,ل
ب ,ولم يبق إل ّ أن ُنردد مع المتنبي:
ك مشاغ ٍ يجادل فيه إل ك ّ
ل مماح ٍ
م الماِء من
م طع َ
س من رمدٍ *** وُينكُر الف ُ
ضوَء الشم ِ
ن َ
قد ُتنكر العي ُ
سقم
" واقع ا ُ
لمة والحكم "
ب
ن الله ابتعثـنا لُنخرج العباد َ من عبادة العباد ،إلى عبادة ر ّ
"إ ّ
سَعةور الديان إلى عدل السلم ،ومن ضيق الدنيا ،إلى َ ج ْ
العباد ،ومن َ
الدنيا والخرة ":
طموان ُيح ّ
ة في نفوسهم قبل أ ْ م الكامن َ لقد ح ّ
طموا بهذا الفهم ِ الصنا َ
ل منن َنزعوا الذ ّ
مة الحضارة ،بعد أ ْم الحجارة ،وارتقوا بهذا إلى ق ّ أصنا َ
قلوبهم.
تك من يلي أمَرها إل أن يقول" :إّني قد وُّلي ُ مة لم يكن يمل ِ ُ ولمثل هذه ال ّ
وموني ...ت فق ّن أسأ ُ
ت فأعينوني ،وإ ْ ن أحسن ُ ت بخيركم ،فإ ْ عليكم ولس ُ
ة لي ه ورسوَله فل طاع َ ت الل َ ه ورسوَله ،فإذا عصي ُ ت الل َ
أطيعوني ما أطع ُ
ي الخلفة( .ولم يكن يجرؤ ة أبي بكر رضي الله عنه عندما وَل ِ َ عليكم" )كلم ُ
ي أمَرها دون مشورةِ المسلمين ،كيف وعمُر رضي الله عنه أحد ٌ أن يل َ
يقول" :من بايع رجل ً من غير مشورة المسلمين فل يبايع هو والذي بايعه
ن ذلك يكون تغريرا ً بأنفسهما َتغّرةَ أن ُيقتل" )البخاري ح ،683والمعنى أ ّ
ً
قد يفضي إلى قتلهما إذ أحدث في المة شقاقا وفتنة( .وكيف! وقد كان
ل يوم ،أن يقف أحد ُ الرعية لمور العاديةِ التي ُيمكن أن تحدث ك ّ من ا ُ
ن لم ل للخليفة" :ل سمع ول طاعة" ،ويكون الجواب" :ل خيَر فيكم إ ْ ليقو َ
تقولوها ،ول خيَر فينا إن لم نسمعها" .وبقي المُر كذلك ،حتى انتهى عهد ُ
الراشدين ،وبدأ النحراف...
ث
ة ،فكلما انتقضت عروةٌ تشّبـ َ
عرو ًعروةً ُ عرا السلم ُ ن ُقض ّ 2ـ " َلـُين َ
ن الصلة" )أحمد 5/251 م وآخره ّن نقضا ً الحك ُ
س بالتي تليها ،وأوُله ّ النا ُ
بسند صحيح(.
ش بين أقدام الطواغيت ،وتحت ِنعال الجنود. مة تعي ُ منذ ذلك الوقت وال ّ
ه! ّ م صار ظ ِ ّ
ل الله في الرض ،وله الل ُ ة ،فالحاك ُ
ت تسمعُ مبادئ جديد ًوصر َ
فهو لذلك يملك البلد َ والعباد ،كما قال الفرزدق:
ب
ب اللهِ فيها غيُر مغلو ِ
وصاح ُ ض للهِ وّلها خلـيفت َ ُ
ه فالر ُ
ه سبحانه لمن َيحكم ،فهذا هو الخط ُ
ل يقول: ه الل ُ
منح ُ
ن الحكم حقّ َ
كما أ ّ
إذا الملو ُ
ك على أمثاِله ه ما أنتم أحقّ به
م الل ُ
أعطاك ُ
عوا
اقتر ُ
ة
مة فيه ،ولم تكن البيع ُ ض ،ل رأيَ لل ّضو ٍملك عَ ُة إلى ُوبذا تحولت الخلف ُ
مضمون! وكيف ً
مة إل جسدا بل روح ،وشكل ً بل َ التي كانت ُتؤخذ من ال ّ
ل لها ول رأي ،وأصبح حاُلها مة ل قو َكرهًا؟ وال ّ
ة إذا كانت ُتؤخذ ُح البيع ُ
تص ّ
كحال الذين قيل فيهم:
ن عد َ
ل مة .إ ّ ف منه مدى سوِء الحال الذي انتهت إليه ال ّ ب مثل ً ُيعر ُ
وسأضرِ ُ
تة لف َة بتوّليه الخلف َ م َم ال ّعمَر بن عبد العزيز رحمه الله ،والخيَر الذي ع ّ
ن عبد الملك له :فقد كتب نب ِ ة عهدِ سليما َالنتباهَ عن أمرٍ خطير ،وهو كيفي ُ
س في َ
ف مختوم ،وأمَر بجمع النا ِ ه في ظر ٍ ن العهد َ لعمَر ووضع ُسليما ُ
ل ،فأمَر ة مجهو ٍ س مبايع َل الظرف! فأبى النا ُ المسجد ومبايعةِ المذكورِ داخ َ
س وبايعوا! نعم ... خ النا ُ ض َ
ب الشرطةِ بضرب عُُنق من يرفض ،فر َ صاح َ
ه سبحانه ،وكان المجهول عمر بن عبد العزيز رحمه الله ،فبّر سّلم الل ُ
ة من وعدل .لكن هل هذا مسوغٌ لمثل هذه الطريقة ،التي تستـثـني ال ّ
م َ
ل العصمة لرأي فرٍد؟! القرار ،بل من الوجود ،وتجع ُ
ل فسادٍ طرأ 3ـ قال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله" :وقد كان أو ُ
ة في أهل الغلب جعَْلها وراثي ً
على نظام الخلفة ،وصدعَ في أركانهاَ ،
والعصبية ،وأول تقصير ُرزئ به المسلمون ،عدم َوضع نظام ٍ ينضبط به
سنة،ب وال ّ هدى إليها الكتا ُ مة على القواعد التي َ مها بما يجب من أمر ال ّ قيا ُ
ل والَعقدح ّت الخلفاِء من سيطرة أهل ال َ ّ
ل نشأ عن هذا وذاك تفل ُ خل ٍوأول َ
م
مة ،واعتمادهم على أهل عصبيةِ القوة التي كان من أه ّ الذين ُيمّثـلون ال ّ
دها تابعا ً بذلكمة وفسا ُح ال ّ
إصلح السلم لمور البشر إزالُتها ،فصار صل ُ
لصلح الخليفة وأعوانه أهل عصبيته )يعني أن تبقى المة تحت رحمة مزاج
ل ثقتها من أهل العلم والرأي مة ،ومح ّ ممثلي ال ّالحاكم وأخلقياته( ،ل ل ُ
دب عليها" )الخلفة.(15 : ح َفيها ،والَغيرة وال َ
ن الفرصة لم خ رضا رحمه الله هي أ ّ مة التي ُيشير إليها الشي ُ
مه ّة ال ُالقضي ُ
ت استلم السلطة ً
دستوريا تضِبط به عمليا ِ ً
مة كي تضعَ نظاما ُ َتسنح لل ّ
ول منذ 60هجرية إلى ن الحكم تح ّ وانتقاَلها ،وأقول "لم تسنح الفرصة" ،ل ّ
ي قهريّ ل يستطيع العلماُء في ظ ِّله أن ُيصنفوا نظاما ً دستوريا ً حكم ٍ وراث ُّ
ً
مسَتمد ّا من الكتاب والسنة ،أو ُيلزموا الحكام بذلك. ُ
ومن حاول منهم ذلك كان جزاؤه القـتل أو السجن أو التـشريد ،وكان أن
وغونن بعض العلماء أخذوا ُيس ّ
ب المسلمين بالمر الواقع ،بل إ ّرضي أغل ُ
ّ
لذلك الحال بتسويغات شرعية؛ مثل القول بشرعية الوراثة ،والتغلب،
ف من المفاسد ،وسفك الدماء ،وانتهاك الحرمات دفعهم إلى ذلك الخو ُ
ف له اعتباُره الفقهي ،لكن أن يصبح هوالمترتبة على المخالفة ،وهو خو ٌ
ة المتغّلب الظالم إلى أصل شرعي فانحراف الصل بحيث تتحول سلط ُ
خطير!
ثم يقول بعد ذلك " :لقد وّلد اختفاُء مؤسسات الشورى القوية في الدولة
ط الفردي،م الستبدادي ،والتسل ّ َ
ن السياسي ،والحك َ
السلمية الطغيا َ
ة لها في
ث بمصالح المة ،وفقداَنها الحريات التي منحتها الشريع ُوالعب َ
معظم أحقاب تاريخها" )السابق .(1/75
ن ،وحكمتنا "
غلما ُ ح َ
كمنا ال ِ ع يزدادُ سوءًاَ ،
ف َ 4ـ وبقي الوض ُ
د! ولقد صدق المتنبي بوصفه لواقع شجرةُ الدر"! وحكمنا الممالي ُ
ك والعبي ُ
المسلمين السياسي عندما قال:
سادات ك ّ ُ
م *** وسادة ُ المسلمين العب ُد ُ
سه ِ ُ
س من نفو ِ
ل أنا ٍ ُ
م
قُز ُ
ال ُ
م
م *** ُترعى بعبدٍ كأنها غن ُ
ض وطئُتها أم ٌ بك ّ
ل أر ٍ
ة
وظهرت آثاُر النحراف السياسي ،والستبداد والطغيان ،فانحطت الم ُ
ن
ع ،ل ّمُر في المة البدا ُفي المجالت الخرى حضاريًا ،واقتصاديًا ،وبدأ يض ُ
ور ،بل يكتفي بدور الحفظ وإعادة النتاج. المضطَهد ل ُيبدع ول ُيط ّ
ة
مة قابل ًة ... .وجاء الستعماُر ،فوجد أ ّ
ل ـ باقي ٌة ـ كشك ٍ ك ّ
ل ذلك والخلف ُ
للستعمار ،وأصّر على إسقاط الخلفة ،لّنه كان يدرك بأنها رمٌز لوحدة
ة .يقول برنارد لويس" :في المبراطورية المسلمين وإن كانت ضعيف ً
جسد واقع العثمانية كان ولُء المسلمين الساسي للسلم ،وللدولة التي ت ُ
ة بالمبايعة على ة الشرعي َالسلم السياسي ،وللخلفة التي اكتسبت الصف َ
س أموَر الناس ،وكان المعارضون مرور الزمن ،والتي كانت تسو ُ
ون لتغيير الوزراء والحكام أو حتى الخلفة والمتمّردون والثائرون َيسع ْ
ً
الحاكمة كلها ،ولكنهم لم يسعوا أبدا لتغيير أساس الولء لدولة السلم
ولوحدة هويته" )الغرب والشرق الوسط ،عن حاشية كتاب لورنس
العرب.(64 :
ن الحتلل العسكري يقف تأثيُره عند امتلك الرض أدرك الستعماُر ،أ ّ
من
ن قوة هذه المة تك ُ
والجساد ،ولكنه ل يمتلك الرواح والقلوب ،وأدرك أ ّ
في نقاء الّنبع الذي تستمد ّ منه ،وأنها ما دامت تتغذى من هذا المصدر،
صر.مرت ستـنـتـفض طال الزمان أم قَ ُ فإنها مهما اسُتع ِ
ن
مروه ،ولك ّلقد مّر التتاُر من هنا ،واكتسحوا العالم السلمي ود ّ
الحضارة السلمية المهزومة عسكريا ً هضمت التتار فذابوا فيها .ومّر
ذبحوا ،لكنهم كانوا منهزمين أمام التفوقالصليبيون من هنا ،وقتُلوا و َ
الحضاري للمة واعتداِدها بعقيدتها وثقافتها ،فانقلبوا إلى بلدهم خاسرين
خاسئين ،ولكنهم انقلبوا بأدوات الحضارة.
ب
ة وجندي أشقر ،إذا ذهبا ذه َ فلقد فُِهم الستعماُر على أّنه دباب ٌ
ض النظر عـن ط بغ ّ ة استعبادٍ وتسل ّ ٍالستعمار ،ولم ُيفهم على أّنه حال ُ
مر للستعمار. مستع َ ة ِذهنية نفسية "ُتؤهل" ال ُ مر ،وأّنه حال ٌ
مستع ِ جنسّية ال ُ
مر ومن هنا فإّنه كان ينبغي قبل تدمير الدبابة ،وطرد الجندي الشقر أن ُند ّ
شش في قلوينا ،وأن نطرد الضبابية التي تحكم منظومتنا مع ّ العجَز ال ُ
ل الستعمار، ل مح ّ الفكرية ،لنعرف تماما ً ما هو البديل الذي سيح ّ
ة مهما كانت ،ما هي إل آلة اجتماعية تتغير تبعا ً للوسط الذي "فالحكوم ُ
ة ً ً
ش فيه وتتنوع معه ،فإذا كان الوسط نظيفا حّرا فما تستطيع الحكوم ُ تعي ُ
سما ً بالقابلية للستعمار فل بد ّ مت ِ
أن تواجهه بما ليس فيه ،وإذا كان الوسط ُ
من أن تكون حكومته استعمارية" )شروط النهضة.(33 :
6ـ يعيش المسلمون منذ قرن أو أكثر ،في فوضى فكرية وسلوكية،
دعي أّنه ورؤية ضبابية للمور ،بسبب اختلل مرجعيتهم الثقافية .فالمسلم ي ّ
ن بالله ،ولكّنه ل يصلي! وهو يصلي لكّنه ل يجد بأسا ً من التعامل مؤم ٌ
ٌ
بالربا! وهو منضبط في سلوكه الفردي لكّنه ل يدرك معنى أن يحكم
حّيدةٌ عن ن شريعة الله سبحانه وتعالى م ُ بالقوانين الوضعية ،ول يهتّز ل ّ
ن المة محكومة بالحديد والنار ،تحيى بل كرامة وعّزة، الحياة ،ول يتأثر ل ّ
كم بها أفراد يملكون البلد والعباد ،فمن أفن َوْهُ فبعدلهم ،ومن أحي َوْهُ يتح ّ
فبمّنهم وكرمهم!
مةمن بذلك سيطرَته على ال ّ 2ـ أّنه خّلف وراءه من ينوب عنه ،فض ِ
وهو بعيـد ٌ عنها ...وقد كان ..ذهـب الستعماُر فوقعنـا في الستحمار أو
في الستعباد ،فما هي معالم هذه المرحلة ؟
ت على مهدي قيدا ً
ت ألفي ُ
7ـ "حين ُولد ُ
وشم ِ الحرية
ختموهُ ب َ
ت تفسيرية
وعبارا ٍ
ل ما في البلد من خير فهو بسبب الحاكم ،من قطرة نك ّوقد فهمنا أ ّ
الماء النازلةِ من السماء ،إلى بذرة الزرع الطالعةِ من الرض ،إلى الطرق
الواسعة ،والميادين الفسيحة ،إلى الشجر المثمر ،وشجر الزينة كذلك ،إلى
ل ذلك ،وغيُره كثير، الّنسل الصحيح ،إلى المدارس والمصانع والجامعات ،ك ّ
ح مساء ،وكما م صبا َم ـ كما ُيكّرُر العل ُ
فبفضله ومنه وإليه! وهذا الحاك ُ
ت مرةً في الشهر تقريبا ً ـ جاء ِليـبقى ،وإلى البد ،وأّنه ُتؤكد المظاهرا ُ
عندما جاء ،جاء برغبة الشعب ،وبصناديق القتراع ،وبنسبة أربع تسعات!
ت ،وصرت أفّرقُ بين الحاكم والحقيقة أّنني ل أذكُر منذ أدرك ُ
متخلف المسحوق ،جاء وذهب ّ ن حاكما ً في هذا العالم ال ُوالمحكوم ،أ ّ
بنفسه ،فهو إن التصقَ بالكرسي ل "َيخلُعه" عنه إل الموت ،أو النقلب،
مخفورا ً بالقيد إلى السجن،
فينقلعُ محموًل على الكتاف إلى المقابر ،أو َ
ليلتقي مع من أرسلهم إليه من قبل!
ة
مستبدٍ سياسي إل ويتخذ له صف ً وهذا الحال يناسب الحكام ،فما "من ُ
ً
قدسية ُيشارك بها الله ،أو تعطيه مقاما ذا علقة بالله .ول أقل من أن
يتخذ بطانة من أهل الدين المستبدين يعينونه على ظلم الناس باسم الله"
)طبائع الستبداد.(37 :
ن له أفعاله
سه ،ويصدق البطانة السيئة التي ُتزي ّ ُ
دق الحاكم نف َ
وقد ُيص ّ
وأقواله ،فيقول مثل ما قال فرعون أو شيئا من هذا القبيل" ...وقال
فرعون :يا أيها المل ما علمت لكم من إله غيري" )القصص.(38 :
لقد رضينا بهذا الحال السيئ ،وتأقلمنا معه ،وإذا كان هيجل قد قال عن
الشعب الصيني بأنه "لديه عن نفسه أسوأ الفكار ،فهو يعتقد أنه لم ُيخلق
إل ليجّر عربة المبراطور" ،فنحن كذلك لدينا عن أنفسنا أسوأ الفكار ،لننا
نعتقد بأننا لم نخلق إل للتصفيق للحكام.
الثاني :ويمثله قول فردريك الكبر" :لقد انتهيت أنا وشعبي إلى اتفاق
ُيرضينا جميعًا ،يقولون ما يشتهون ،وأفعل ما أشتهي" )السابق.(74 :
على أن النوع الول واضح المعالم ،ل لبس فيه ،فهو استبداد ل رحمة
فيه ،وظلم ل عدل معه ،لسان حال ممثليه :أنا أو الطوفان .أما النوع
الثاني فله أشكال متنوعة ،وتطبيقات مختلفة ،فممثلو هذا النوع
حريصون على المظاهر ،لذلك تراهم يدعون الحرية و"الديمقراطية".
وهذان النوعان يتداخلن ،فهي نوعية نسبية ،إذ قد يحاول ممثلو النوع
ممثلي النوع الثاني إذا
ن ُ
ممثـلي النوع الثاني ،كما أ ّ
الول القيام بدور ُ
دى الخط الحمر )وهو خط وهمي متحرك ،ل ن قول الشعب تع ّوجدوا أ ّ
أحد يعرف مكانه إل الحاكم الذي يتحكم به بمزاجه( ،فإنهم ينتقلون إلى
النوع الول .وفي النهاية يبقى القرار بيد واحد ل شريك له ،القول قوله
لنه أفضل القوال ،والرأي رأيه فهو أنضج الراء!
9ـ فمن نلوم ...؟ أنلوم الحكام؟ ونحصر المشكلة في فرد بيده
فتح المغاليق ،وتنوير الظلم ،وتحقيق الفرج .وهل نكتفي بانتظار المهدي،
وبالدعاء إلى الله سبحانه أن يهبنا رجل ً كصلح الدين؟ فنظل ننادي:
ف
مة تأل ُ
ح الدين في أ ّ
ولست أدري ـ في الحقيقة ـ كيف سينجح صل ُ
الستعباد؟!
لويكاد حالنا يدفعني إلى تصديق مقولة أرسطو قبل الميلد" :يتمث ُ
ن بمعناه الدقيق في الطغيان الشرقي ،حيث نجد لدى الشعوب الطغيا ُ
ة العبيد ،وهي لهذا تـتحمل
السيوية ـ على خلف الشعوب الوروبية ـ طبيع َ
مر" )الطاغية.(127 : م الطغاة بغير شكوى أو تذ ّ
حك َ
أل يؤكد ُ الواقع هذه المقولة؟ أليست المة بجهلها وتخلفها وُبعدها عن
ن نظامنا الجتماعي قائم حقيقة التوحيد ،محضن للطغاة؟ ول عجب فإ ّ
من هوعلى الطغيان والستبداد ،وكل واحد منا ُيمارس الطغيان على َ
دونه ،حتى يصل المر إلى السلطة.
مطلقةِ لله
ط الحياةَ على أساس العبوديةِ ال ُ م ليضب َلقد جاء السل ُ
س بالطاغوت؛ أيّ طاغوت، ف ل يتحققُ إل إذا كفَر النا ُسبحانه ،وهذا الهد ُ
ن ،سواء كان على شكل حجر ،أو على شكل ل ،وفي أيّ زمـ ٍفي أيّ شك ٍ
دساتير وأنظمة ،وسواء كان زمن الجاهلية الولى ،أو في القرن العشرين.
ة
ن تـدرك حقيق َ مة إذا أرادت الّنهوض والخلص فعليها أ ْ
ن ال ّ
وعليه ،فإ ّ
ة الشرك الذي تعيش فيه ،فإذا أدركت ذلك فإّنها ـ حتما ً ـ التوحيد ،وحقيق َ
سُتدرك أشياء وحقائق كثيرة ،منها هذه القضية التي نحن بصددها؛ قضية
المة والسلطة.
ة رّبها،
م ُ
ن الطواغيت ُيدركون خطورة أن تعرف ال ّ وللسف الشديد ،فإ ّ
س مـن التعرف على الله مستكبرين في الرض َيمنعون النا َ ن ال ُفنجد "أ ّ
ح عقوُلهم على تعالى وعبادته لّنهم بذلك ُيبصرون الحقّ والباطل ،وَتـتـفت ّ ُ
ي بالحقوق النسانية التي ظلم الستكبار ومخازيه ،ويتول ّد ُ عندهم الوع ُ
ن على حقوق ن والعدوا َ م والطغيا َه تعالى لعباده ،فيرفضون الظل َ هبها الل ُ
وَ َ
النسان" )قيم المجتمع السلمي.(1/87 :
ن
ب الطرق" :فإ ّ ف بالحقوق عن طريق التوحيد أصع ُ ن طريق التعري ِ إ ّ
ة
مة :إنك مظلوم ٌ ن القائد الذي يقول لل ّ مه ،ول َيخفى على غيرنا أ ّ مـا َنعل ُ
م ّ
من يقو ُ
ل لها: َ
في حقوقك ،وإّنني أريد ُ إيصالك إليها ،يجد ُ منها ما ل يجد ُ َ
ّ
ة عن أصول دينك ،وإّنني أريد ُ هدايَتك .فذلك تـلـّبيه كلـها ،وهذا إّنك ضال ٌ
مها أو َ
شطُرها" )فاتـني توثيق هذا النص ويبدو لي أنه من مه مـعـظـ ُ
ُيقاو ُ
سوي"(.
كلم الشيخ البراهيمي رحمه الله في "الصراط ال ّ
ن ل استعباد َ ول اعتساف ما لم تكن مستبد ّ أ ْم إّنه " ل َيخفى على ال ُث ّ
عماء" )طبائع الستبداد:
ل ،وِتيهٍ َ ُ ُ
ة حمقاء ،تـتـخب ّط في ظلمةِ جه ٍ الرعي ُ
.(50
ق ،ل ُتخيف ع ،ول تـجـّلـي الحقائ َف الواق َ ن المعرفة التي ل َتكش ُ إ ّ
ع س ُ
خ الواق َ مسـتـبد ّ ،بل إّنه يـود ّ لو أّنها َتكـُثر وتنتشر ،لّنها معرف ٌ
ة ُتـَر ّ ال ُ
ف والخطأ. لته ،وُتسوّغُ النحرا َ ع ّ
على ِ
مكـّلـفة ،وأّنها
ة ،وأّنها ال ُ
ة أّنها المسؤول ُ
م ُ
م ال ّن لتعل َ
ولقد آن الوا ُ
ن الحاكم المسلم العادل لن يأتي بالدعاء ،ول بالتمّني ،وهو إن ة ،وأ ّ
م ُمل َ
ال ُ
جاَء فلن تكون معه عصا موسى عليه السلم ،ولن يكون خارقًا ،إذ ل ب ُد ّ
ل في الموات. ن عصا موسى عليه السلم ل تفع ُ مة ناهضةٍ واعية ،فإ ّ من أ ّ
ن
ت ،وإ ّ
ظلما ِمة ،فهم الّنور الذي َيكشف ال ّ ن ال ّن العلماء أما ُ إ ّ
ق
وامه( ،والمسـتبد ّ سار ٌ عواذُله )أي ل ُ ّ
"المسـتـبـد ّ عاشقٌ للخيانة والعلماُء َ
حل ل وصوال ُذرون ،وللمستـبد ّ أعما ٌ محـ ّ
ن ُمنـبّـهو َع ،والعلماُء ُ
ومخاد ٌ
ُيفسدها عليه إل العلماُء" )طبائع الستبداد.(51 :
ث عن التغيير؛ التغييرِ نحو حياةٍ أفضل ،يكون فيها 13ـ إّننا نتحد ُ
ن الله ل
سها) :إ ّ المسلم عزيزا ً كريمًا .وهذا لن يكون إل بتغيير ال ّ
مةِ نف ِ
ة
شرع ُ ُيغي ُّر ما بقوم حتى ُيغيروا ما بأنفسهم( )الرعد" ،(11 :وإّنها ل ِ
سك ُتـغـّير التاريخ" )شروط النهضة.(35 : السماء :غَّير نف َ
مقابل
طغاة في ال ُ ة هذا التغيير .وال ّ دم ُمق ّ
ن وعي الواقِع ُ ول ش ّ
ك في أ ّ
ة فاقدةً
ث تصبح مشلول ً مة ،بحي ُ سْلب الوعي والدراك من ال ّ كزون على َ ُيـر ّ
ث بظلم ول بعدل ،وقد ل ُتفّرق للحساس بواقعها الجتماعي ،ل َتكترِ ُ
مستـعـَبدة ،تجري ة ل ُتدرك أّنها ُم ُ
ة الكبيرة ،فال ّ بينهما! وهذه هي المشكل ُ
ن المر ل َيعنيها. ث شاؤوا وهي تـتفرج ! وكأ ّ بها أهواُء الحكام حي ُ
ة
ن واجب العلماء إشعاُرها بأّنها كذلك ،أي بأّنها مظلوم ٌ ومن هنا فإ ّ
ن الفقر أو الظلمة الحقوق والرادة .وذلك بأ ّ مستعَبدةٌ مسلوب َ ُدة ُ
مضطه َُ
س التغيير.ُ أسا هو بهما س
ُ الحسا بل الثورة، ب
َ سب ليس وحده
عّزها،
ن " :الحرية أفضل من الحياة ،وأن َيعرفوا النفس و ِ ـ تفهيم الناس أ ّ
فظ ،والظلم وكيف ُيرفع ،والنسانية ف وعظمته ،والحقوق وكيف ُتح َ والشر َ
وما هي وظائفها ،والرحـمـة ومـا هـي لـذ ُّتها " )طبائع الستبداد.(55 :
ة
سـل ُ
والحّر ُيـنك ُِرهُ والّر ْ ن حمـاُر الهل يعرُفــ ُ
ه ن الهوا َ
إ ّ
ال ُ ُ
جـد ُ
ي
عـي ُْر الح ّ
ن ّ
إل الذل ِ ول ُيـقيم على خسف ُيراد ُ بــه
والـوتـد ُ
ه أحـد ُ
ج فل َيـبكي لـ ُ
وذا ُيـش ّ مـته ف معقو ٌ
ل ِبـُر ّ س ِ
خ ْ
هذا على ال َ
ن أذ ّ
ل من العَْير ف منا بالهوان؟! وهل نكو ُ
ل أعر َفهل يكون حماُر اله ِ
م إّنا
ح مساء فل نتحرك ول ننهض؟! الله ّ ب على رؤوسنا صبا َ والوتدُ ،نضَر ُ
نعوذ ُ بك من العجز والهوان.
جـد ُ :قويـة ،الَعـْير: الرسـلة :الناقة التي تمشي برفق وتؤدة ،وناقـ ٌ ُ
ةأ ُ ّ ْ
الحمار.
ي السلمي " " مباد ُ
ئ الّنظام السياس ّ
م كما هو في الشريعة "
" الحك ُ
ل من ل ن شيئا ً أفض ُ
والذين يقبلون بمثـل هذه العروض ،ظّنـا ً منهم أ ّ
مخدوعون ساهون، سلم! هؤلء َ شيء ،واجتهادا ً منهم أّنها أولى درجات ال ّ
ب فل َيعتبرون ،ويستمر الواحد ُ منهم في ظّنه الحسن تمّر بهم التجار ُ
م ما بنى ،وهكذا ...كالتي نقضت غزَلها من بعد قوةٍ أنكاثًا. بالمخادعين ِليهد َ
ن
متفق عليه بين العلماء ،أ ّمن المقّرر في الشريعة السلمية ،وال ُ 2ـ ِ
السيادة في السلم للشرع .قال تعالى " :فل وربك ل ُيؤمنون حتى
ت
ما قضي َ جَر بينهم ،ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا ً ِ
م ّ ش َكموك فيما َ ُيح ّ
ويسلموا تسليمًا" )النساء .(66 :قال ابن تيمية رحمه الله" :جميعُ الوليات
ة الله هين كّله لله ،وأن تكون كلم ُدها أن يكون الدي ُ
صو ُمق ُ
في السلم َ
ب،
ن الله سبحانه وتعالى إّنما خلقَ الخلقَ لذلك ،وبه أنزل الكت َ العليا ،فإ ّ
ل وعليه جاهد َ الرسول والمؤمنون" )الفتاوى.(61 / 28 : وبه أرسل الرس َ
قضها.ة تتنافى مع عقيدة التوحيد وتن ُ ن أيّ خضوع لغير الشرع جاهلي ٌ وإ ّ
م الناس في أنظمتهم ن تحاك ُ َه سبحانه ذلك ،وبّين لنا أ ّ وقد عّرفنا الل ُ
م الجاهلية
وعلقاتهم لغير الله جاهلية ،فقال سبحانه وتعالى" :أفحك َ
يبغون؟ ومن أحسن من الله حكما ً لقوم يوقنون؟" )المائدة .(51 :قال
ن معنى الجاهلية يتحد ّد ُ بهذا النص ،فالجاهلية ـ كما سيد رحمه الله" :إ ّ
ة البشر م البشر للبشر ،لّنها هي عبودي ُ دها قرآُنه ـ هي حك ُ ه وُيحد ّ ُ فها الل ُ
َيص ُ
ف في ض ألوهية الله ،والعترا ُ ج من عبودية الله ،ورف ُ للبشر ،والخرو ُ
مقابل هذا الرفض بألوهية بعض البشر ،وبالعبودية لهم من دون الله. ُ
ن" :السيادة س الذي يقوم عليه الدي ُ ة هي السا ُ ن هذه القضي َإ ّ
ل صلوات الله عليهم ،إل ل الرس َ للشرع" .فالله سبحانه وتعالى لم ُيرس ِ
ه عّز وج ّ
ل ،ل دهم بالمفهوم الذي ُيريده الل ُ س لرّبهم؛ تعبي ِ
ِلتعبيد النا ِ
ن العبادة في حقيقتها خضوعٌ لله ضه .ذلك أ ّة فر َ
المفهوم الذي ُتريد الجاهلي ُ
سبحانه في الشعائر والشرائع ،وتوحيد ٌ لله في الوامر والنواهي كما هي
ل ما ُيحبهم جامعٌ لك ّتوحيد ٌ له سبحانه في الوجود والخالقية .فالعبادة" :اس ٌ
الله ويرضاه من القوال والعمال الباطنة والظاهرة" )العبودية.(31 :
مقـتضى الهوى إلى إتباع
والشرعُ لم يأت إل ِلحمل الناس من إتباع ُ
مقتضى الشرع. ُ
ن وجود هذا الدين هو وجود ُ حاكمية الله ،فإذا قال سيد رحمه الله" :إ ّ
مشكلة هذا الدين في ن ُل انتفى وجود ُ هذا الدين ...وإ ّ انتفى هذا الص ُ
ب سلطاَنه، م الطواغيت التي تعتدي على ألوهية الله وتغتص ُ الرض ل َِهي قيا ُ
ل لنفسها حقّ التشريع بالباحة والمنع في النفس والموال وتجع ُ
حشد ن الكريم بهذا ال َوالولد ...وهي هي المشكلة التي كان يواجهها القرآ ُ
من المؤامرات والمقررات والبيانات ،ويربطها بقضية اللوهية والعبودية،
ويجعلها مناط اليمان أو الكفر ،وميزان الجاهلية أو السلم" )ظلل
القرآن 3/1216:ـ .(1217ولذلك كّله فإنه كان ل بد ّ ـ شرعا ً وعقل ً ـ من
ققُ هذا المبدأ المهم في الرض ،وَيحمل "الكافة على صب حاكم ُيح ّ نَ ْ
مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الخروية والدنيوية الراجعة إليها" ُ
)مقدمة ابن خلدون .(170 :فإذا لم ُتحقق السلطة هذا المبدأ ،فما
فائدُتها؟ وما مدى شرعيُتها؟
ل الح ّ
ل جة في الختيار هم أه ُ ح ّ
م به ال ُ
من تقو ُقال الدكتور الدرينيَ " :
ممث ّل ًمة ،و ُس الشورى المنَتخب أيضًا ،وكيل ً عن ال ّ والعقد ،وهذا هو مجل ُ
ة
مة واختيارها ،لنها هي صاحب ُ لها ،ورضا هؤلء إّنما هو تعبيٌر عن رضا ال ّ
ة
الشأن والمصلحة الحقيقية ...ويترتب على كون المة هي صاحب َ
المصلحة الحقيقيةِ ،لتعّلق الحقّ بها ،على النحو الذي بيَنا ،ما يلي :أ ّ
ن
صحة الولية العامة ،فمصدر سلطة الحاكم العلى في س في ِرضاها أسا ُ
مد ّةٌ من الشورى السياسية هذه ،أو من النتخاب الحّر ،"... مست َالدولة ُ
عقد ٌ سياسي عام ،وهو منشأ اللتزامات س الدولة َ ب رئي ِ
وقال" :انتخا ُ
مة ،عن مسؤوليته الدينية أمام الله تعالى" )خصائص دلة بينه وبين ال ّ
المتبا َ
التشريع السلمي في السياسة والحكم.(428 :
إذن ل ب ُد ّ لكي يكون وضعُ الحاكم شرعيا ً أن يتولى عن طريق عقدٍ بينه
وبين المة يتجسد ُ في هذا العقد رضا المة واختيارها.
م في الشريعة السلمية ليس معصوما ً ،ول هو فوق * الحاك ُ
فـذ ل من ّ ّ
متحكم ُ ،
القانون ،يعني ليست له حصانة خاصة .فهو حاكم ل ُ
ح بيت المال ليست في فـذ .ليس له من المال إل ما قُّرر له ،فمفاتي ُ متـنـ ّ
ُ
جيبه .
وهو أجير عند المسلمين ،أنابوه لفضل دينه وعلمه لتطبيق أحكام
الشريعة .فإن فارق الشريعة ،وتسلط على الخلق وجب خلعه .
قال ابن خلدون رحمه الله " :الخليفة ل يتميز عن سائر المسلمين
إل من حيث كونه منفذا ً للحكام ،وحارسا ً للدين " .
إن الحكم يعني المسؤولية وثقلها ،وكثرة التبعات ،وليس التربع
على رؤوس العباد .ومن هنا تعلم عدم شرعية السلطة التي يكون فيها
الحاكم فوق المساءلة ،وأعلى من القانون .
وتعلم عدم شرعية السلطة التي تأكل أموال الناس بالباطل تحت
أسماء مخترعة ،تبدأ بما يسمى" المخصصات " ،ول تنتهي بما يسمى "
المصاريف السرية " .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه " :إني لم أبعث إليكم الولة
ليضربوا أبشاركم ،ويأخذوا أموالكم ،ولكن ليعلموكم ويخدموكم " .
ح هذه المة التي لها في دينها ،وفي كلم سلفها فماذا نقول ؟! وي َ
لوتطبيقاتهم ما َيضمن لها الحقّ في الحياة الكريمة ثم ترضى بحياة الذ ُ ّ
والدون ! أل ليت قومي يعلمون.
ددةً يجب توفرها في الحاكم حتى يكون وقد ذكر العلماُء شروطا ً ُ
متع ّ
ت معنيا ً بذكرها جميعها ،إذ ليس هذا من أهداف البحث، ح الولية .لس ُ
صحي َ
ن
خاصة وأن اشتراط بعضها من تحصيل الحاصل ،ولو من ناحية نظرية ،وإ ْ
ة شْر َ
طي العلم والعقل عند المسلمين! نتيج ً ك في مدى وضوح َ ت أش ّصر ُ
لتعاقب بعض السفهاء والجهلة على حكم بعض بلد العالم السلمي!!!
والذي يعنيني في هذا المجال شرطا العدالة والعدل .ومن تابعني من
ر
ضوا أوقاتهم في بحث كف ِ ن المسلمين قَ َمأ ّة يعل ُ
ة ..مسأل ًالبداية مسأل ً
ب النتباه عن موضوع العدل والعدالة، الحاكم والختلف فيه ،مما جذ َ
م على هذه الصورة :إذا لم نستطع إثبات تلـّبس الحاكم وصار البحث يت ّ
ن هذا الحاكم الذي ليس ً
ض بيعته! حسنا :لك ّ ُ
بالكفر ،فل يجوُز عزله أو نق ُ
ص
بكافر ،هل هو عدل وعادل؟ فإن لم يكن كذلك ،فما هو الحكم؟ لقد ن ّ
ل والعقد أن ُيـبايعوا من لم يكن عدل ً
ل العلم على أنه ليس " لهل الح ّ
أه ُ
إذا اشُتهر بذلك " )السيل الجرار .(58 /4
وأقوى برهان على ذلك ،قوله تعالى لبراهيم عليه السلم عندما سأله
ل عهدي الظالمين " ،أي ل يستحقونها أن يجعل المامة في ذريته " ل ينا ُ
ي من تنصيب الخليفة هو دفعُ الظلم عن ن إليها ،والقصد الساس ّ
صلو َ
ول ي َ ِ
ة
الناس ل تسليط الظالم عليهم! فلذا ل يجوز عند علماء السلم كاف ً
ن الخليفة الذي ارتكب ة ،كما أ ّ
انتخاب من هو معروف بالظلم والبغي خليف ً
م والطغيان أثناء خلفته يستحقّ العزل ،بل إنه عند قدماء الشافعية الظل َ
سه ،ينعزل ولو لم تعزله المة. م الشافعي نف ُوعلى رأسهم الما ُ
عُلك
ص رحمه الله في تفسير قوله تعالى " :إّني جا ِ صا ُقال الج ّ
ل عهدي الظالمين" )البقرة: للناس إمامًا .قال ومن ذريتي .قال :ل ينا ُ
ممن يلز ُ " ،(124فل يجوز أن يكون الظالم نبيًا ،ول خليفة ،ول قاضيًا ،ول َ
ت أو شاهد ...فثبت بدللة هذه ف ٍم ْل قوله في أمور الدين من ُس قبو ُ
النا َ
صب نفسه في من ن َ ّ
ن َ
ن إمامة الفاسق ،وأنه ل يكون خليفة ،وأ ّ الية بطل ُ
عه ول طاعُته ،وكذلك قال س اتبا ُهذا المنصب ،وهو فاسق لم يلزم النا َ
ة لمخلوق في معصية الخالق" ،ود ّ
ل النبي صلى الله عليه وسلم " :ل طاع َ
ي الحكم " ن الفاسق ل يكون حاكمًا ،وأن أحكامه ل تنفذ إذا وَل ِ َ أيضا ً على أ ّ
)بتصرف عن أحكام القرآن للجصاص .(1/84
ن واقع الحكم الذي يشتمل على الفساد واقع مرفوض ،وعلى المة إ ّ
أن تسعى لتغييره إن استطاعت ،بشروط الستطاعة المعروفة .قال
القاضي عياض رحمه الله " :فلو طرأ عليه كفر ،أو تغيير لشرع ،أو بدعة،
م
خرج عن حكم الولية ،وسقطت طاعته ،ووجب على المسلمين القيا ُ
ب إمام ٍ عادل" )شرح النووي على مسلم.(12/229 : عليه وخلعه ،ونص ُ
مه ولم ش ُ مه و َ
غـ َ جـاَر وظهر ظل ُ
مسقطات الولية ،فمن " َ والظلم من ُ
دعـه ،ولـول والعقـد الـتواطؤ على َر ْ ل الحـ ّ
عـوِ ِلزاجرٍ عـن صنيعه ،فلهـ ِ
ي َْر َ
صب الحروب" )الخلفة للشيخ رضا.(25 : شهرِ السلح ون َ ْبِ ْ
جُبه"، قال العضد ُ رحمه الله " :وللمة خلعُ المام وعزُله بسب ٍ
ب ُيو ِ
مثـل أن ُيوجد جرجاني رحمه الله في بيان السببِ " : حه السيد ُ ال ُوقال شار ُ
ل أحوال المسلمين ،وانتكاس أمور الدين ،كما كان لهم ب اختل َ ج ُ منه ما ُيو ِ
صـُبه وإقامته لنتظامها وإعلئها " )الخلفة.(22 : نَ ْ
ب عزُله ،فعن جابر ه سقطت وليته ،ووج َ ومن لم يحكم بما أنزل الل ُ
ل الله صلى الله عليه وسلم أن نضرب رضي الله عنه قال " :أمرنا رسو ُ
بهذا ـ يعني السيف ـ من خرج عن هذا ـ يعني المصحف ـ" .عّلق اب ُ
ن تيمية
رحمه الله على هذا الحديث " :قال تعالى " لقد أرسلنا رسلـنا بالبينات،
وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ،وأنزلنا الحديد فيه
بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله
ل الكتاب وأنزل ن سبحانه وتعالى أّنه أنز َ
قوي عزيز" )الحديد ، (26 :فبي ّ َ
ل ،ليقوم الناس بالقسط ،وأنزل الحديد ،فمن العدل ،وما به ُيعرف العد ُ
خرج عن الكتاب والميزان ُقوتل بالحديد .فالكتاب والعدل متلزمان،
ن للشرع ،فالشرع هو العدل ،والعدل هو الشرع ،ومن
مبي ُ
والكتاب هو ال ُ
حكم بالعدل ،فقد حكم بالشرع " )الفتاوى35/365 :ـ .(366
وقال رحمه الله " :وأموُر الناس إنما تستقيم في الدنيا مع العدل الذي
قد يكون فيه الشتراك في بعض أنواع الثم ،أكثر مما تستقيم مع الظلم
في الحقوق ،وإن لم تشترك في إثم ...ويقال :الدنيا تدوم مع العدل
والكفر ،ول تدوم مع الظلم والسلم .وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم
ة من البغي ،وقطيعة الرحم " فالباغي ُيصـرع ب أسرعُ عقوب ً " :ليس ذن ٌ
ن العدل نظام كل شيء، ً ً
في الدنيا ،وإن كان مغفورا له مرحوما .وذلك أ ّ
خلق ،ومتى فإذا أقيم أمُر الدنيا بالعدل قامت ،وإن لم يكن لصاحبها من َ
لم تقم بالعدل لم تقم ،وإن كان لصاحبها من اليمان ما ُيجزى به في
الخرة" )المر بالمعروف والنهي عن المنكر .(4 :قال صلى الله عليه
ش لهم إلة من المسلمين فيموت وهو غا ّ ل َيـلي رعي ً من وا ٍ وسلم" :ما ِ
ه الجّنة، ت :نسأ ُ
ل الل َ ه عليه الجّنة" )البخاري :ح .(7151قـلـ ُ م الل ُ
حّر َ
ن سُيـريحنا منهم في الخرة ،إذ ابتلنا بهم في الدنيا ،فهو هأ ْ وأحمد ُ الل َ
م من أن يـبتـلينا بهم دنيـا وآخرة. سبحانه أرح ُ
) (4ـ ومن المور التي ُتوجب خل ْعَ الحاكم ،تقصيُره بالواجبات التي
ة على القيام بها .فما هي هذه الواجبات؟ بايع الم َ
ه عشرةَ واجبات على الحاكم أن يضطلع بها، ذكر الماورديّ رحمه الل ُ
وذكَر غيُره غيَرها ،وسأذكَر هذه الواجبات بغير عبارة الماورديّ رحمه الله
ف إليها غيَرها،
لُتناسب الواقع ،وِليتسّنى للمطلعين إدراكها بسهولة ،وسأضي ُ
ما أراهُ كذلك.
أو سأجمعُ معها غيرها مما كتبه غيُره ،وم ّ
من الـ ّ
شـَبه والنحرافات ،ويكون ة العقيدةِ ، فـ ُ
ظ الدين ،وحماي ُ ح ْ
1ـ ِ
ظ بأحد أمرين:الحف ُ
ثانيا ً :تنفيذ الحكام بين المختـلفين والمتخاصمين ،ورد ّ الحقوق إلى أهلها
ل لحدِ الرعية على أحد.بل تفضي ٍ
ث الموارد ُ والنفقات.
3ـ تنظيم الشؤون المالية ،من حي ُ
ل ،التركيز على بناء المرافق والمظاهر فمن غير المقبول شرعا ً وعق ً
الستهلكية التي يمكن الستغناُء عنها ،في مجتمع ُيعاني أغلـُبه من الفقر،
ن الناست النفايات .إ ّ
ويعيش كثيٌر من أفراده على ما َتحويه حاويا ُ
ش بل حدائق وميادين ،ومدن ملهي ،لكنهم ل يستطيعون يستطيعون العي َ
الحياة بل طعام وشراب ـ نظيف ـ وعافية.
ن الله سبحانه على قريش بالمن من الخوف ،والمن من وقد امت ّ
م في الجوع ،وجعل ذلك سببا ً في حرية حركتهم في التجارة ،و ِ
من ث َ ّ
رخائهم وتطورهم " :ليلف قريش .إيلفهم رحلة الشتاء والصيف.
ب هذا البيت .الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف". فليعبدوا ر ّ
مة
8ـ "جهاد ُ من عاند السلم بعد الدعوة حتى ُيسلم أو يدخل في الذ ّ
لـُيـقام بحقّ الله تعالى في إظهاره على الدين كـّله".
فح الحوال ،لينهض مشارفة المور ،وتص ّ10ـ " أن ُيباشـر بنفسه ُ
بسياسة المة ،وحراسة الملة" ،ول يتـشاغل عمن ينـتدبهم لتسيـير أعمال
ح ".
ش الناص ُ
ن ،وَيغـ ّ
ة بهم " فقد يخون المي ُ
الدولة ،حتى ولو بالعبادة ،ثق ً
11ـ تنمية العّزة والكرامة في المة ،وصيانتها من أيّ اعتداء ،خاصة اعتداَء
الدولة .فتكريم النسان أصل من أصول الشريعة ،وكرامة المسلم يجب
ضهم المسلم وعر ُمـُته أعظم عند الله من حرمة الكعبة .ود ُ حْر َ
حفظها ،إذ ُ
مغلقٌ أمام أي اختراق.ن من أي اعتداء ،وبيُته ُ وماُله ُ
مصا ٌ
)إلى الذين ُيحبون كتابة مذكراتهم :كيف يكتب النسان شرق المتوسط
ن المواطن في عالمنا يعيش مذكراته! وبيته بل باب ،ودفتره بل غلف! إ ّ
ن تـفـّتـش كـُتبه
بل أسرار ،فكيف يكتب خصوصياته؟! وهو ل يأمن من أ ْ
ودفاتره بحثا ً عن آية :آه! فلتـبق ذكرياته في قلبه ،فهو الدائرة الوحيدة
التي يملك مفتاحها وحده! على القل إلى الن!(.
12ـ وجماعُ ذلك كّله ،وبجملةٍ واحدة ،يجب على الحاكم أن ُيطّبق السلم
ل ،لتحقيق مقاصد الشريعة من إقامة الدولة السلمية ،والتية وتفصي ًجمل ً
شرع "لخلفة النبوة في حراسة الدين ،وسياسة شرع الحكم ،إذ ُ من أجلها ُ
الدنيا" )الحكام السلطانية.(5 :
ن الغاية ل تتحقق بوصول حاكم ٍ مسلم على رأس الدولة ،بل الصل إ ّ
م ويحكم .قال سيد رحمه الله" :وما لم َيحسم ضميُر أن يصل السل ُ
المسلم هذه القضية ـ الحكم بما أنزل الله ـ فلن يستقيم له ميزان ،ولن
يتضح له منهج ،ولن ُيفرق في ضميره بين الحق والباطل ،ولن يخطو
ة
خطوة واحدة في الطريق الصحيح ،وإذا جاز أن تبقى هذه القضية غامض ً
أو مائعة في نفوس الجماهير من الناس؛ فما يجوز أن تبقى غامضة ول
مائعة في نفوس من يريدون أن يكونوا "المسلمين" ،وأن ُيحققوا لنفسهم
هذا الوصف العظيم" )الظلل آية 5المائدة(.
وهنا تفصيل مهم ،فهناك قبل السعي لخلع الحاكم :النصح له ،وهناك
النكار عليه ،خصوصا ً وأ ّ
ن هذه الواجبات تـتفاوت في الخطر والهمية.
ل من ة بأيّ حا ٍ
ن السلطة ل تكون شرعي ًت فيما سبق أ ّ ) (5ـ أكد ُ
الحوال ،إل إذا جاءت عن طريق الختيار والبيعة .وما عدا هذه الطريقة
ة والقهر )النقلبات( ،والعهد ،كأن َيعهدي .وهما طريقتان :الغلب ُفغيُر شرع ّ
م من بعده ،أو أن يكون على شكل م إلى رجل يختاُره ليكون الحاك َالحاك ُ
ولية العهد ضمن العائلة الواحدة.
قال الشيخ رضا عن مثل هذه الحالة التي أشار إليها السعد" :وأما
دهم واستخلُفهم كإمامتهم ،وليس حقا ً شرعيا ً متغّلبون بقوة العصبية فعه ُ ال ُ
ب إزالُتها ،واستبدا ُ
ل إمامةٍ شرعيةٍ بها ذه كما تج ُ لزما ً لذاته ،بل يج ُ
ب َنب ُ
عند المكان والمان من فتـنةٍ أشد ضررا ً على المة منها" )الخلفة.(42 :
سلطة التغّلب كأكل ثم قال تعليقا ً على كلم السعد" :ومعنى هذا أ ّ
ن ُ
الميتة ولحم الخنزير عند الضرورة ،تنفذ ُ بالقهر ،وتكون أدنى من
ي دائما ً لزالتها عند المكان ،ول يجوُز
الفوضى ...ومقـتضاه أنه يجب السع ُ
ّ
متغلبين
س على دوامها ،ول أن ُتجعل كالكرة بين ال ُ طن النف ُ ن ُتو ّ
أ ْ
ة بالظلم
ة وراضي ًم التي كانت مظلوم ً يتقاذفونها وَيتلقوَْنها ،كما فعلت الم ُ
وتها الكامنةِ فيها ،وكون قوة ملوكها وأمرائها منها ،ألم تر إلى من لجهلها ِبق ّ
هـبّـوا لسقاط حكوماتها الجائرة، استناروا بالعلم الجتماعي منها كيف َ
دين" )السابق.(45 : مستب ّ وملوكها ال ُ
م العز بن عبد السلم رحمه الله عن مثل هذا الظرف: وقال الما ُ
ف العام من غير ولية ،كما في تصرف الئمة البغاة ،فإنه "وقد ينفذ ُ التصّر ُ
ينفذ مع القطع بأنه ل ولية لهم ،وإّنما َنف َ
ذت تصرفاُتهم لضرورة الرعايا "..
)قواعد الحكام.(1/62 :
ة الرائعة من المام الباقلني رحمه الله، وأخيرا ً تدّبر معي هذه الكلم َ
م بالتغّلب أو العهد ،أي دون
التي يضع فيها وصفا ً دقيقا ً للدار التي ُتحك ُ
موافقة المة واختيارها ،فيقول" :فإن دفعونا عنه ،وعقدوا لبعض موافقيهم
فليس له إمامة ثابتة ،ول طاعة واجبة ،وكنا نحن في دار قهر وغلبة"
)التمهيد للباقلني(181 :
ح
ل لي جمَعه ،وفت َ ه عّز وج ّسـَر الل ُ
) (6ـ وبعد .........فهذا ما َيـ ّ
ْ
ت التي لم أقـلهان الكلما ِف بكتابته ،مع " أ ّ ي ،وما سمحت الظرو ُ به عل ّ
ت التي قلتها ". ل الكلما ِأغلى على قلبي من ك ّ
ولئن كان ما كتبُته في هذا البحث يدخل في دائرة الحلم بالنظر إلى
ن
ح لنا هذا الحلم .على أ ّ ب بالعمل ُيبي ُ
ن حقنا في المل المصحو ِ الواقع ،فإ ّ
دد
ن لم ُتـبـ ّ
مسافة اللف ميل تبدأ بخطوة ،وهي الخطوةُ الشمعة ،التي وإ ْ
ن
دى بها ،إلى أ ْة صغيرةً تكون منارةً ُيهتـ َن ُتضئ نقط ً الظلمَ ،فح ْ
سـُبها أ ْ
شموعٌ غيُرها. ُتضاء ُ