Professional Documents
Culture Documents
1
ل تحزن
للشيخ /عائض القرني
/http://www.saaid.net
ل تحزن
2
هذا الكتاب
دراسة ٌ جادةٌ أخّاذ ٌة مسؤولةٌ ،تعن بعالةِ الانبِ الأسوي من حيا ِة البشريةِ جانب
ب والقلق ِ ،وفقدِ الثقةِ ،والية ،والكآب ِة والتشاؤمِ ،والمّ والغمّ ،والزنِ ،
الضطرا ِ
والكدرِ ،واليأس والقنوطِ والحباطِ .
ت العصر على نورٍ من الوحي ،وهدي من الرسالة ،وموافقةٍ مع وهو حلّ الشكل ِ
الفطرةِ السويّةِ ،والتجاربِ الراشدةِ ،والمثالِ اليّةِ ،والقصصِ الذّابِ ،والدبِ اللّبِ ،
وفيه نقولتٌ عن الصحابة البرار ،والتابعي الخيارِ ،وفيه نفحاتٌ من قصِيدِ كبارِ
الشعراء ،ووصايا جهابذةِ الطباءِ ،ونصائحِ الكماءِ ،وتوجيهاتِ العلماء .
وف ثناياه أُطروحاتٌ للشرقيي والغربيي ،والقدامى والحدثي .كلّ ذلك مع ما
يوافقُ القّ ما قدّمَتْه وسائلُ العلم ،من صحفٍ وملت ،ودورياتٍ وملحق ونشرات .
إن هذا الكتاب مزيجٌ مرّتبٌ ،وجه ٌد مهذّبٌ مشذّبٌ .وهو يقولُ لك باختصار :
*************************************
/http://www.saaid.net
ل تحزن
3
القدمة
المدُ ل ،والصلةُ والسلمُ على رسولِ ال ِ ،وعلى آله وصحب ِه وبعدُ :
فهذا الكتاب ( ل تزن ) ،عسى أن تسعد بقراءتهِ والستفادةِ منه ،ولك قبل أن تقرأ
هذا الكتابٍ أن تاكمه إل النطقِ السلي ِم والعق ِل الصحيحِ ،وفوق هذا وذاك النقْل العصوم .
إنّ من اليْفِ الكمَ الُسبق على الشيءِ قبلَ تصوّرهِ وذوق ِه وشّهِ ،وإن من ظلمِ العرفةِ
إصدار فتوى مسبقةٍ قبلَ الطلعِ والتأمّلِ ،وساعِ الدعوى ورؤيةِ الجةِ ،وقراءةِ البهان .
كتبتُ هذا الديث لن عاش ضائقةً أو ألّ بهِ همّ أو حزنٌ ،أو طاف به طائفٌ من
ض مضجعة أرقٌ ،وشرّدَ نومَه قلقٌ .وأيّنا يلو من ذلك ؟! مصيبةٍ ،أو أق ّ
ت فيهاهنا آياتٌ وأبياتٌ ،وصورٌ و ِعبٌ ،وفوائدُ وشواردُ ،وأمثا ٌل وقصصٌ ،سكب ُ
عصارة ما وصل إليه اللمعون ؛ من دواءٍ للقلبِ الفجوعِ ،والروحِ النهكةِ ،والنفسِ الزينةِ
البائسةِ .
هذا الكتابُ يقولُ لك :أبشِر واسعدْ ،وتفاءَلْ واهدأ .بل يقولُ ِ :عشِ الياة كما
هي ،طيب ًة رضيّة بيجةً .
ب يصحّحُ لك أخطاء مالفةِ الفطرة ،ف التعاملِ مع السننِ والناسِ ،والشياءِ هذا الكتا ٌ
،والزمانِ والكانِ .
إنه ينهاك نيا جازما عن الصرارِ على مصادمةِ اليا ِة ومعاكسةِ القضاءِ ،وماصمةِ
ف رُوحِك النهجِ ورفضِ الدليل ،بل يُناديك من مكا ٍن قريبٍ من أقطارِ نفسِك ،ومن أطرا ِ
لسْنِ مصيِك ،وتثق بعطياتِك وتستثمر مواهبك ،وتنسى منغّصاتِ العيشِ ، أن تطمئنّ ُ
وغصص العمرِ وأتعاب السيةِ .
وأريدُ التنبيه على مسائل هامّة ف أوله :
الول :أنّ القصد من الكتاب ج ْلبُ السعادةِ والدوءِ والسكينة وانشراح ِ الصدرِ ،وفتحُ بابِ
الملِ والتفاؤلِ والفرج والستقبلِ الزاهرِ .
ل تحزن
4
وهو تذكيٌ برحة الِ وغفرانِهِ ،والتوكّلِ عليه ،وحسنِ الظنّ بهِ ،واليانِ بالقضاءِ
والقدرِ ،والعيشِ ف حدو ِد اليومِ ،وتركِ القلقِ على الستقبل ِ ،وتذكّرِ نِ َعمِ ال ِ .
الثّانية :وهو ماولةٌ لطر ِد المّ والغمّ ،والزن والسى ،والقل ِق والضْطرابِ ،وضيقِ الصدرِ
والنيارِ واليأسِ ،والقنوطِ والحباطِ .
،ومن الثالثة :جعتُ فيه ما يدورُ ف فلكِ الوضوعِ منْ التنيلِ ،ومن كلم العصومِ
المثلةِ الشاردة ِ ،والقصصِ العبةِ ،والبياتِ الؤثّرةِ ،وما قالهُ الكماءُ والطباءُ والدباءُ ،
ي الساطعة ،والكلمةِ الادّةِ وليس وعظا مردا ،ول وفيه قبسٌ من التجاربِ الاثِلة والباه ِ
ترفا فكريّا ،ول طرحا سياسيا ؛ بل هو دعوةٌ مُِلحّةٌ من أجلِ سعادتِك .
الرابعة :هذا الكتابُ للمسلم وغيه ،فراعيتُ فيه الشاعر ومنافذ النف ِ
س النسانيةِ ؛ آخذا ف
العتبار النهج الربانّ الصحيح ،وهو دينُ الفطرِة .
الامسةِ :سوف تدُ ف الكتاب نُقولتٍ عن شرقيي وغربيّي ،ولعلّه ل تثريب علىّ ف ذلك
؛ فالكمة ضالةُ الؤمنِ ،أنّى وجدها فهو أحقّ با .
السادسة :ل أجعلْ للكتاب حواشي ،تفيفا للقارئ وتسهيلً له ،لتكون قراءاته مستمرّةً
وفكرُه متصلً .وجعلتُ الرجع مع النقلِ ف أصلِ الكتاب ِ .
السابعةِ :ل أنقلْ رقم الصفحةِ ول الزءِ ،مقتديا بنْ سبق ف ذلك ؛ ورأيتُه أنفع وأسهل ،
فحينا أنقلُ بتصرّفٍ ،وحينا بالنصّ ،أو با فهمتُه من الكتابِ أو القالةِ .
الثامنةِ:ل أرتبْ هذا الكتاب على البوابِ ول على الفصولِ ،وإنا نوعتُ فيه الطّرح ،فربّما
أداخلُ بي الفِقراتِ ،وأنتقلُ منْ حديثٍ إل آخر وأعو ُد للحديثِ بعد صفحاتٍ ،ليكون
أمتع للقارئ وألذّ لهُ وأطرف لنظرهِ .
التاسعةِ :ل أُ ِط ْل بأرقامِ الياتِ أو تريجِ الحاديث ؛ فإنْ كان الديثُ فيه ضعفٌ بيّنتُهُ ،وإن
كان صحيحا أو حسنا ذكرتُ ذلك أو سكتّ .وهذا كلّه طلبا للختصار ،وبُعدا عن
التكرارِ والكثا ِر والمللِ (( ،والتشبّعُ با ل يُعط كلبسِ ثوبْ زُورٍ )) .
ل تحزن
5
العاشرة :ربا يلْحظُ القارئُ تكرارا لبعض العان ف قوالب شتّى ،وأساليب متنوعةٍ ،وأنا
ت هذا الصنيع لتثبت الفكرةُ بأكثر من طرحٍ ،وترسخ العلومةُ بغزارةِ قصدتُ ذلك وتعمد ُ
النقلِ ،ومن يتدبّرِ القرآن يدْ ذلك .
تلك عشرةٌ كاملةٌ ،أقدّمها لن أراد أن يقرأ هذا الكتاب ،وعسى أن يم ّل هذا
الكتاب صدْقا ف البِ ،وعدلً ف الكم ِ ،وإنصافا ف القولِ ،ويقينا ف العرفةِ ،وسدادا
ف الرأيِ ،ونورا ف البصية .
صدْ به طائفةً خاصّةً ،أو جيلًإنن أخاطبُ فيه الميع ،وأتكلم ،فيه للكلّ ،ول أق ِ
بعينهِ ،أو فئةً متحيّزةً ،أو بلدا بذاتهِ ،بل هو لكلّ من أراد أنْ ييا حياة سعيدةً .
*****************************************
ل تحزن
6
يــا ال
سمَاوَاتِ وَاْلأَ ْرضِ كُلّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ :إذا اضطرب البحرُ ،
﴿ َيسْأَُلهُ مَن فِي ال ّ
ب السفينةِ :يا ال.
وهاج الوجُ ،وهّبتِ الريحُ ،نادى أصحا ُ
إذا ضلّ الادي ف الصحراءِ ومال الركبُ عن الطريقِ ،وحارتِ القافل ُة ف السيِ ،
نادوا :يا ال.
إذا وقعت الصيبةُ ،وحّلتِ النكب ُة وجثمتِ الكارثةُ ،نادى الصابُ النكوبُ :يا ال.
ت البوابُ أمام الطالبي ،وأُسدِلتِ الستورُ ف وجوهِ السائلي ،صاحوا :يا
إذا أُوصد ِ
ال .
إذا بارتِ الي ُل وضاقتِ السّبُ ُل وانتهتِ المالُ وتقطّعتِ البالُ ،نادوا :يا ال.
إذا ضاقتْ عليك الرضُ با رحُبتْ وضاقتْ عليك نفسُك با حلتْ ،فاهتفْ :يا ال.
إليه يصعدُ الكِلمُ الطيبُ ،والدعاءُ الالصُ ،والاتفُ الصّادقُ ،والدّمعُ البيءُ ،
والتفجّع الوالِهُ .
ف ف السْحارِ ،واليادي ف الاجات ،والعيُ ف اللمّاتِ ،والسئلةُ إليه تُمدّ الكُ ّ
ف الوادث.
باس ِه تشدو اللس ُن وتستغيثُ وتلهجُ وتنادي،وبذكرهِ تطمئنّ القلوبُ وتسكنُ الرواحُ
،وتدأُ الشاعر وتبدُ العصابُ ،ويثوبُ الرّ ْشدُ ،ويستق ّر اليقيُ ﴿ ،ال ّلهُ لَطِيفٌ ِبعِبَادِهِ ﴾
ال :أحس ُن الساءِ وأجلُ الروفِ ،وأصدقُ العباراتِ ،وأثنُ الكلماتِ ﴿ ،هَلْ
َتعْ َلمُ َلهُ َسمِيّا ﴾ ؟! .
الُ :فإذا الغن والبقاءُ ،والقو ُة والنّصرةُ ،والعزّ والقدرةُ والِ ْكمَةُ ّ ﴿ ،ل َمنِ اْلمُلْكُ
الْيَوْمَ لِ ّلهِ الْوَا ِحدِ اْل َقهّارِ ﴾ .
ال :فإذا اللطفُ والعنايةُ ،والغوْثُ والددُ ،والوُدّ والحسان َ ﴿ ،ومَا بِكُم مّن ّنعْ َمةٍ
َفمِنَ ال ّلهِ ﴾ .
ل تحزن
7
ال :ذو الللِ والعظمةِ ،واليبةِ والبوتِ.
اللهم فاجعلْ مكان اللوعة سلْوة ،وجزاء الزنِ سرورا ،وعند الوفِ أمنْا .اللهم أبردْ
لعِج القلبِ بثلجِ اليقيِ ،وأطفئْ جْر الرواحِ باءِ اليانِ .
يا ربّ ،ألق على العيونِ السّاهرةِ نُعاسا أمنةً منك ،وعلى النفوسِ الضْطربةِ سكينة ،
وأثبْها فتحا قريبا .يا ربّ اهدِ حيارى البصائرْ إل نورِكْ ،وضُلّل الناهجِ إل صراطكْ ،
والزائغي عن السبيل إل هداك .
اللهم أزل الوساوس بفجْر صادقٍ من النور ،وأزهقْ باطل الضّمائرِ بفيْلقٍ من القّ ،
وردّ كيد الشيطانِ بددٍ من جنودِ عوْنِك مُسوّمي.
اللهم أذهبْ عنّا الزن ،وأز ْل عنا المّ ،واطردْ من نفوسنِا القلق.
نعوذُ بك من الوْفِ إل منْك ،والركونِ إل إليك ،والتوكلِ إل عليك ،والسؤالِ إل
منك ،والستعانِة إل بك ،أنت وليّنا ،نعم الول ونعم النصي.
***************************************
كن سعيدا
-اليان والعمل الصال ها سر حياتك الطيبة ،فاحرص عليهما .
-اطلب العلم والعرفة ،وعليك بالقراءة فإنا تذهب الم .
-جدد التوبة واهجر العاصي ؛ لنا تنغص عليك الياة .
-عليك بقراءة القرآن متدبرا ،وأكثر من ذكر ال دائما .
-أحسن إل الناس بأنواع الحسان ينشرح صدرك .
-كن شجاعا ل وجلً خائفا ،فالشجاع منشرح الصدر .
-طهر قلبك من السد والقد والدغل والغش وكل مرض .
-اترك فضول النظر والكلم والستماع والخالطة والكل والنوم .
-انمك ف عمل مثمر تنسَ هومك وأحزانك .
-عش ف حدود يومك وانس الاضي والستقبل .
ل تحزن
8
-انظر إل من هو دونك ف الصورة والرزق والعافية ونوها .
-قدّر أسوأ الحتمال ث تعامل معه لو وقع .
-ل تطاوع ذهنك ف الذهاب وراء اليالت الخيفة والفكار السيئة .
-ل تغضب ،واصب واكظم واحلم وسامح ؛ فالعمر قصي .
-ل تتوقع زوال النعم وحلول النقم ،بل على ال توكل .
-أعطِ الشكلة حجمها الطبيعي ول تضخم الوادث .
-تلص من عقدة الؤامرة وانتظار الكاره .
-بسّط الياة واهجر الترف ،ففضول العيش شغل ،ورفاهية السم عذاب للروح .
-قارن بي النعم الت عندك والصائب الت حلت بك لتجد الرباح أعظم من السائر .
-القوال السيئة الت قيلت فيك لن تضرك ،بل تضر صاحبها فل تفكر فيها .
-صحح تفكيك ،ففكر ف النعم والنجاح والفضيلة .
-ل تنتظر شكرا من أحد ،فليس لك على أحد حق ،وافعل الحسان لوجه ال فحسب .
-حدد مشروعا نافعا لك ،وفكر فيه وتشاغل به لتنسى هومك .
-احسم عملك ف الال ول تؤخر عمل اليوم إل غد .
-تعلم العمل النافع الذي يناسبك ،واعمل العمل الفيد الذي ترتاح إليه .
-فكر ف نعم ال عليك ،وتدث با واشكر ال عليها .
-اقنع با آتاك ال من صحة ومال وأهل وعمل .
-تعامل مع القريب والبعيد برؤية الحاسن وغض الطرف عن العائب .
-تغافل عن الزلت والشائعات وتتبع السقطات وأخبار الناس .
-عليك بالشي والرياضة والهتمام بصحتك ؛ فالعقل السليم ف السم السليم .
-ادع ال دائما بالعفو والعافية وصال الال والسلمة .
*****************************
ل تحزن
9
فكر واشكر
العن :أن تذكر نِعم الِ عليك فإذا هي ت ْغمُرُك م ْن فوقِك ومن تتِ قدميْك ﴿ وَإِن
َت ُعدّواْ ِن ْع َمةَ ال ّلهِ لَ ُتحْصُوهَا ﴾ ِ
صحّ ٌة ف بدنٍ ،أمنٌ ف وطن ،غذاءٌ وكساءٌ ،وهواءٌ وماءٌ ،
لديك الدنيا وأنت ما تشعرُ ،تلكُ الياةً وأنت ل تعلمُ ﴿ وَأَسْبَ َغ عَلَيْ ُكمْ ِن َع َمهُ ظَا ِهرَةً
وَبَاطَِنةً﴾ عندك عينان ،ولسانٌ وشفتانِ ،ويدانِ ورجلنِ ﴿ فَِبأَيّ آلَاء رَبّ ُكمَا تُ َكذّبَانِ ﴾
هلْ هي مسألةٌ سهلةٌ أنْ تشي على قدميْك ،وقد بُتِرتْ أقدامٌ؟! وأ ْن تعتمِد على ساقيْك ،
وقد قُطِعتْ سوقٌ؟! أحقيقٌ أن تنام ملء عينيك وقدْ أطار اللُ نوم الكثيِ؟! وأنْ تل معدتك
من الطعامِ الشهيّ وأن تكرع من الا ِء الباردِ وهناك من عُكّر عليه الطعامُ ،ونُغّص عليه
الشّرابُ بأمراضٍ وأسْقامٍ ؟! تفكّر ف سْعِك وقدْ عُوفيت من الصّمم ،وتأملْ ف نظرِك وقدْ
سلمت من العمى ،وانظر إل جِ ْلدِك وقد نوْت من البصِ والُذامِ ،والحْ عقلك وقدْ أنعم
عليك بضورهِ ول تُفجعْ بالنونِ والذهولِ .
أتريدُ ف بصرِك وحدهُ كجبلِ أُ ُحدٍ ذهبا ؟! أتبّ بيع سعِك وزن ثهلن فضةّ ؟! هل
تشتري قصور الزهراءِ بلسانِك فتكون أبكم؟! هلْ تقايضُ بيديك مقابل عقودِ اللؤلؤ والياقوتِ
لتكون أقطع؟! إنك ف نِعمٍ عميمةٍ وأفضالٍ جسيمةٍ ،ولكنك ل تدريْ ،تعيشُ مهموما
مغموما حزينا كئيبا ،وعندك البزُ الدافئُ ،والا ُء الباردُ ،والنومُ الانئُ ،والعافي ُة الوارفةُ ،
تتفكرُ ف الفقودِ ول تشكرُ الوجود ،تنعجُ من خسارةٍ ماليّةٍ وعندك مفتاحُ السعادة ،وقناطيُ
صرُونَ ﴾
مقنطرةٌ من اليِ والواهبِ والنعمِ والشياءِ ،فكّرْ واشكرْ ﴿ وَفِي أَنفُسِ ُكمْ أَفَلَا تُ ْب ِ
فكّرْ ف نفسك ،وأهلِك ،وبيتك ،وعملِك ،وعافيتِك ،وأصدقائِك ،والدنيا من حولِك ﴿
َي ْعرِفُونَ ِن ْعمَتَ ال ّلهِ ُثمّ يُن ِكرُوَنهَا ﴾ .
*****************************************
ل تحزن
10
ما مضى فات
تذكّرُ الاضي والتفاعلُ معه واستحضارُه ،والزنُ لآسيه حقٌ وجنونٌ ،وقتلٌ للرادةِ
وتبديدٌ للحياةِ الاضرةِ .إن ملفّ الاضي عند العقلء يُ ْطوَى ول يُرْوى ،يُ ْغلَقُ عليه أبدا ف
زنزانةِ النسيانِ ،يُقّيدُ ببا ٍل قوّيةٍ ف سجنِ الهالِ فل يرجُ أبدا ،وُي ْوصَدُ عليه فل يرى النورَ
؛ لنه مضى وانتهى ،ل الز ُن يعيدُهَ ،ول المّ يصلحهُ ،ول الغ ّم يصحّحُهُ ،ل الكدرُ
يييهِ ،لنُه عدمٌ ،ل تعشْ ف كابوس الاضي وتت مظلةِ الفائتِ ،أنقذْ نفسك من شبحِ
الاضي ،أتريدُ أن ترُدّ النهر إل َمصِبّهِ ،والشمس إل مطلعِها ،والطفل إل بطن أمّهِ ،واللب
إل الثدي ،والدمعة إل العيِ ،إنّ تفاعلك مع الاضي ،وقلقك منهُ واحتراقك بنارهِ ،
ي رهيبٌ ميفٌ مفزعٌ . وانطراحك على أعتابهِ وضعٌ مأساو ّ
القراءةُ ف دفتر الاضي ضياعٌ للحاضرِ ،وتزي ٌق للجهدِ ،ونسْفٌ للساعةِ الراهنةِ ،ذكر
الُ المم وما فعلتْ ث قال ِ ﴿ :تلْكَ ُأ ّمةٌ َقدْ خَلَتْ ﴾ انتهى المرُ وُقضِي ،ول طائل من
تشريحِ جثة الزمانِ ،وإعادةِ عجلةِ التاريخ.
إن الذي يعودُ للماضي ،كالذي يطحنُ الطحي وهو مطحونٌ أصلً ،وكالذي ينشرُ
نشارةُ الشبِ .وقديا قالوا لن يبكي على الاضي :ل ترج الموات من قبورهم ،وقد
ذكر من يتحدثُ على ألسن ِة البهائمِ أن ْم قالوا للحمارِ :لَ ل تترّ؟ قال :أكر ُه الكذِب.
إن بلءنا أننا نعْجزُ عن حاضِرنا ونشتغلُ باضينا ،نملُ قصورنا الميلة ،ونندبُ
الطلل البالية ،ولئنِ اجتمعتِ النسُ والنّ على إعادةِ ما مضى لا استطاعوا ؛ لن هذا هو
الحالُ بعينه .
إن الناس ل ينظرون إل الوراءِ ول يلتفتون إل اللفِ ؛ لنّ الرّيح تتجهُ إل المامِ
والاءُ ينحدرُ إل المامِ ،والقافل ُة تسيُ إل المامِ ،فل تالفْ سُنّة الياة .
****************************************
ل تحزن
11
يومك يومكَ
إذا أصبحتَ فل تنتظر الساءُ ،اليوم فحسْبُ ستعيشُ ،فل أمسُ الذي ذهب بيِهِ
ك شسُه ،وأدركك نارُهُ هو وشرِهِ ،ول الغدُ الذي ل يأتِ إل الن .اليومُ الذي أظلّتْ َ
سبُ ،عمرُك يو ٌم واحدٌ ،فاجعلْ ف خلدِك العيش لذا اليومِ وكأنك ولدت فيهِ يومُك فح ْ
وتوتُ فيهِ ،حينها ل تتعثرُ حياتُك بي هاجسِ الاضي وهّ ِه وغمّهِ ،وبي توقعِ الستقبلِ
وشبحِهِ الخيفِ وزحفِهِ الرعبِ ،لليو ِم فقطْ اصرفْ تركيزك واهتمامك وإبداعك وكدّك
وجدّك ،فلهذا اليومِ لبد أن تقدم صلةً خاشعةً وتلوةً بتدبرٍ واطلعا بتأملٍ ،و ِذكْرا بضورٍ
،واتزانا ف المور ،و ُحسْنا ف خلقِ ،ورضا بالقسومِ ،واهتماما بالظهرِ ،واعتناءً
بالسمِ ،ونفعا للخرين .
لليوم هذا الذي أنت فيه فتقُسّم ساعاتِه وتعل من دقائقه سنواتٍ ،ومن ثوانيهِ
شهورا ،تزرعُ فيه اليْر ،تُسدي فيه الميل ،تستغفرُ فيه من الذنب ،تذكرُ فيه الربّ ،
تتهيأ للرحيلِ ،تعيشُ هذا اليوم فرحا وسرورا ،وأمنا وسكينةً ،ترضى فيه برزقِك ،
خذْ مَا آتَيُْتكَ َوكُن ّمنَ
بزوجتِك ،بأطفالِك بوظيفتك ،ببيتِك ،بعلمِك ُ ،بسْتواك ﴿ َف ُ
الشّا ِكرِينَ ﴾ تعيشُ هذا اليوم بل حُزْنٍ ول انزعاجٍ ،ول سخ ٍ
ط ول حقدٍ ،ول حسدٍ .
إن عليك أن تكتب على لوحِ قلبك عبارةً واحدة تعلُها أيضا على مكتبك تقول
العبارة ( :يومك يومُك) .إذا أكلت خبزا حارّا شهيّا هذا اليوم فهل يضُرّك خبزُ المسِ
الافّ الرديء ،أو خبزُ غدٍ الغائبِ النتظرِ .
إذا شربت ماءً عذبا زللً هذا اليوْم ،فلماذا تزنُ من ماءِ أمس اللحِ الجاجِ ،أو تتمّ
لاءِ غدٍ السنِ الارّ.
إنك لو صدقت مع نفسِك بإرادةٍ فولذي ٍة صارمةٍ عارمةٍ لخضعتها لنظرية( :لن أعيش
إل هذا اليوْم ) .حينها تستغلّ كلّ لظة ف هذا اليوم ف بناءِ كيانِك وتنميةِ مواهبك ،
وتزكيةِ عملكُ ،فتقول :لليوم فقطْ أُهذّبُ ألفاظي فل أنطقُ هُجرا أو ُفحْشا ،أو سبّا ،أو
ل تحزن
12
غيبةً ،لليوم فقطْ سوف أرتبُ بيت ومكتبت ،فل ارتباكٌ ول بعثرةٌ ،وإنا نظامٌ ورتابةٌ .لليوم
فقط سوف أعيشُ فأعتن بنظافةِ جسمي ،وتسي مظهري والهتمامِ بندامي ،والتزانِ ف
مشيت وكلمي وحركات.
لليوم فقطْ سأعيشُ فأجتهدُ ف طاع ِة ربّي ،وتأديةِ صلت على أكملِ وجهِ ،والتزودِ
بالنوافلِ ،وتعاه ِد مصحفي ،والنظرِ ف كتب ،وحفظِ فائدةٍ ،ومطالعةِ كتابٍ نافعٍ .
س ف قلب الفضيلةً وأجتثّ منه شجرة الش ّر بغصونِها الشائكةِ لليومِ فقطْ سأعيشُ فأغر ُ
من كِبْرٍ وعُجبٍ ورياءٍ وحسدٍ وحقدٍ وغِلّ وسوءِ ظنّ .
ش فأنفعُ الخرين ،وأسدي الميلَ إل الغي ،أعودُ مريضا ، لليوم فقط سوف أعي ُ
أشّيعُ جنازةً ،أدُلّ حيان ،أُطعمُ جائعا ،أف ّرجُ عن مكروبٍ ،أقفٌ مع مظلومٍ ،أشفعُ
لضعيفٍ ،أواسي منكوبا ،أكرمُ عالا ،أرحمُ صغيا ،أ ِجلّ كبيا .
لليوم فقط سأعيشُ ؛ فيا ماضٍ ذهب وانتهى اغربْ كشمِسك ،فلن أبكي عليك ولن
تران أقفُ لتذكرك لظة ؛ لنك تركتنا وهجرتنا وارتلْت عنّا ولن تعود إلينا أبد البدين .
ويا مستقبلُ أنْت ف عا ِل الغيبِ فلنْ أتعامل مع الحلمِ ،ولن أبيع نفسي مع الوهام
ولن أتعجّلَ ميلد مفقودٍ ،لنّ غدا ل شيء ؛ لنه ل يلق ولنه ل يكن مذكورا.
يومك يومُك أيها النسانُ أروعُ كلمةٍ ف قاموسِ السعادةِ لن أراد الياة ف أبى
صورِها وأجلِ ُحلِلها.
****************************************
اتر ِك الستقبلَ حت يأتَ
﴿ أَتَى َأ ْمرُ ال ّلهِ َفلَ َتسَْت ْعجِلُوهُ ﴾ ل تستبقِ الحداث ،أتريدُ إجهاض الم ِل قبْل
تامِهِ؟! وقطف الثمرةِ قبل النضج ؟! إنّ غدا مفقودٌ ل حقيقة لهُ ،ليس له وجودٌ ،ول طعمٌ ،
ول لونٌ ،فلماذا نشغلُ أنفسنا بهِ ،ونتوجّسُ من مصائِبِهِ ،ونتمّ لوادثهِ ،نتوقعُ كوارثهُ ،
ول ندري هلْ يُحالُ بيننا وبينهُ ،أو نلقاهُ ،فإذا هو سرورٌ وحبورٌ ؟! الهمّ أنه ف عا ِل الغيبِ
ل تحزن
13
ل يصلْ إل الرضِ ب ْعدَ ،إن علينا أنْ ل نعب جسرا حت نأتيه ،ومن يدري؟ لعلّنا نقِف قبل
وصولِ السرِ ،أو لعلّ الس َر ينها ُر قبْل وصولِنا ،وربّما وصلنا السر ومررنا عليه بسلمٍ.
ب الغيبِ ث الكتواءِ
إن إعطاء الذهنِ مساحةً أوسع للتفكيِ ف الستقبلِ وفتحِ كتا ِ
بالزعجاتِ التوقعةِ مقوتٌ شرعا ؛ لنه طولُ أملٍ ،وهو مذمومٌ عقلً ؛ لنه مصارعةُ للظلّ.
إن كثيا من هذا العال يتوقُع ف مُستقبلهِ الوعَ العري والرضَ والفقرَ والصائبَ ،وهذا كلّه
من مُقرراتِ مدارسِ الشيطانِ ﴿ الشّيْطَانُ َي ِعدُ ُكمُ اْل َفقْرَ وََي ْأ ُمرُكُم بِاْل َفحْشَاء وَال ّلهُ َي ِعدُكُم
ضلً ﴾ .
ّمغْ ِفرَةً مّ ْنهُ وَ َف ْ
كثيٌ همْ الذين يبكون ؛ لنم سوف يوعون غدا ،وسوف يرضون بعد سنةٍ ،وسوف
ينتهي العالُ بعد مائةِ عام .إ ّن الذي عمرُه ف يد غيه ل ينبغي لهُ أن يراهن على العدمٍ ،
ت ل يوزُ لهُ الشتغالُ بشيءٍ مفقودٍ ل حقيقة له. والذي ل يدرِي مت يو ُ
اترك غدا حت يأتيك ،ل تسأل عن أخبارِه ،ل تنتظر زحوفه ،لنك مشغولٌ باليوم.
وإن تعجبْ فعجبٌ هؤلء يقترضون المّ نقدا ليقضوه نسيئةً ف يومٍ ل تُشرق شسُه ول
ير النور ،فحذار من طولِ الملِ .
****************************************
كيف تواجه النقد الث ؟
الرّقعاءُ السّخفاءُ سبّوا الالق الرّازق جلّ ف عله ،وشتموا الواحد الحد ل إله إل هو
،فماذا أتوقعُ أنا وأنت وننُ أهل اليف والطأ ،إنك سوف تواجهُ ف حياتِك حرْبا!
ضرُوساُ ل هوادة فيها من النّقدِ الثِ الرّ ،ومن التحطيم الدروسِ القصودِ ،ومن الهانةِ
التعمّدةِ مادام أنك تُعطي وتبن وتؤثرُ وتسطعُ وتلمعُ ،ولن يسكت هؤلءِ عنك حت تتخذ
نفقا ف الرضِ أو سلما ف السماءِ فتفرّ منهم ،أما وأنت بي أظهرِ ِهمْ فانتظ ْر منهمْ ما
يسوؤك ويُبكي عينك ،ويُدمي مقلتك ،ويقضّ مضجعك.
إن الالس على الرضِ ل يسقطُ ،والناسُ ل يرفسون كلبا ميتا ،لكنهم يغضبون
عليك لنك فُقْتَهمْ صلحا ،أو علما ،أو أدبا ،أو مالً ،فأنت عندهُم مُذنبٌ ل توبة لك
ل تحزن
14
ت المدِ ،وتنسلخ من كلّ معان حت تترك مواهبك ونِ َعمَ الِ عليك ،وتنخلع من كلّ صفا ِ
النبلِ ،وتبقى بليدا ! غبيّا ،صفرا مطّما ،مكدودا ،هذا ما يريدونهُ بالضبطِ .إذا فاصمد
لكلمِ هؤلءِ ونقده ْم وتشوي ِه ِهمْ وتقيِهمْ (( أثبتْ أُ ُحدٌ )) وكنْ كالصخرةِ الصامتةِ الهيبةِ
تتكسرُ عليها حبّاتُ البدِ لتثبت وجودها وقُدرتا على البقاءِ .إنك إنْ أصغيت لكلمِ هؤلءِ
وتفاعلت به حققت أمنيتهُم الغالية ف تعكيِ حياتِك وتكديرِ عمرك ،أل فاصفح الصّفْح
الميل ،أل فأعرضْ عنهمْ ول تكُ ف ضيقٍ ما يكرون .إن نقدهمُ السخيف ترجةٌ مترمةٌ
لك ،وبقدرِ وزنِك يكُون النق ُد الثُ الفتعلُ .
إنك لنْ تستطيع أن تغلق أفواه هؤلءِ ،ولنْ تستطيع أن تعتقل ألسنتهم لكنك تستطيعُ
أن تدفن نقدهُم وتنّيهم بتجافيك لم ،وإهالك لشأنمْ ،واطّراحك لقوالِمِ! ﴿ .قُلْ مُوتُواْ
ِبغَيْظِ ُكمْ ﴾ بل تستطيعُ أ ْن تصبّ ف أفوا ِههِمُ الرْ َدلَ بزيادةِ فضائلك وتربيةِ ماسنِك وتقوي
اعوجاجِك .إنْ كنت تُريد أن تكون مقبولً عند الميع ،مبوبا لدى الكلّ ،سليما من
العيوبِ عند العالِ ،فقدْ طلبت مستحيلً وأمّلت أملً بعيدا .
************************************************
ل تنتظرْ شكرا من أحدٍ
خلق الُ العباد ليذكرو ُه ورزق الُ الليقة ليشكروهُ ،فعبد الكثيُ غيه ،وشك َر الغالبُ
سواه ،لنّ طبيعة الحو ِد والنكرانِ والفا ِء وكُفْرانِ النّعم غالبةٌ على النفوس ،فل ُتصْدمْ إذا
وجدت هؤل ِء قد كفروا جيلك ،وأحرقوا إحسانك ،ونسوا معروفك ،بل ربا ناصبوك
العِداءَ ،ورموك بنجنيق القدِ الدفي ،ل لشيءٍ إل لنك أحسنت إليهمْ ﴿ َومَا َن َقمُواْ إِلّ أَنْ
َأغْنَا ُهمُ ال ّلهُ وَرَسُوُلهُ مِن َفضْ ِلهِ ﴾ وطالعْ سجلّ العالِ الشهود ،فإذا ف فصولِهِ قصةُ أبٍ ربّى
ابن ُه وغذّاهُ وكساهُ وأطعمهُ وسقاهُ ،وأدّبهُ ،وعلّمهُ ،سهر لينام ،وجاع ليشبع ،وتعِب
ليتاح ،فلمّا طرّ شاربُ هذا البن وقوي ساعده ،أصبح لوالدهِ كالكلبِ العقورِ ،استخفافا
،ازدراءً ،مقتا ،عقوقا صارخا ،عذابا وبيلً .
ل تحزن
15
أل فليهدأ الذين احترقت أوراقُ جيلِهمْ عند منكوسي الفِطرِ ،ومطّمي الراداتِ ،
وليهنؤوا بعوضِ الثوبةِ عند من ل تنفدُ خزائنُه .
إن هذا الطاب الارّ ل يدعوك لتركِ الميلِ ،وعدمِ الحسانِ للغي ،وإنا يوطّنُك
على انتظار الحودِ ،والتنكرِ لذا الميلِ والحسانِ ،فل تبتئس با كانوا يصنعون.
اعمل الي لِو ْج ِه الِ ؛ لنك الفائزُ على كل حالٍ ،ثّ ل يضرك غ ْمطُ من غمطك ،
ول جحودُ من جحدك ،واح ِد ال لنك الحسنُ ،واليدُ العليا خيٌ من اليدِ السفلى ﴿ إِّنمَا
نُ ْط ِعمُكُمْ لِوَ ْجهِ ال ّلهِ لَا ُنرِيدُ مِن ُكمْ َجزَاء وَلَا شُكُورا ﴾ .
وقد ذُهِل كثيٌ من العقلءِ من جبلّةِ الحودِ عند الغوْغاءِ ،وكأنمْ ما سعوا الوحي
سهُ َكذَلِكَ زُّينَ
ضرّ ّم ّ
الليل وهو ينعي على الصنف عتوّه وتردهُ ﴿ َمرّ كَأَن ّلمْ َيدْعُنَا إِلَى ُ
لِ ْل ُمسْرِ ِفيَ مَا كَانُواْ َي ْعمَلُونَ ﴾ ل تُفاجأ إذا أهديت بليدا قلما فكتب به هجاءك ،أو منحت
جافيا عصا يتوكأ عليها ويهشّ با على غنمهِ ،فشجّ با رأسك ،هذا هو الصلُ عند هذهِ
البشريةِ الحنّطةِ ف كفنِ الحودِ مع باريها جلّ ف عله ،فكيف با معي ومعك ؟! .
****************************************
الحسانُ إل الخرين انشراحٌ للصدر
المي ُل كاسِهِ ،والعروفُ كرسِهِ ،واليُ كطعمِهِ .أولُ الستفيدين من إسعادِ النّاسِ
همُ التفضّلون بذا السعادِ ،ينون ثرتهُ عاجلً ف نفوسهِمْ ،وأخلقِهم ،وضمائِرِهِم ،
فيجدون النشراح والنبساط ،والدوء والسكينة.
ل تدِ فإذا طاف بك طائفٌ من همّ أو ألّ بك غمّ فامنحْ غيك معروفا وأسدِ لهُ جي ً
الفرج والرّاحة .أعطِ مروما ،انصر مظلوما ،أن ِقذْ مكروبا ،أطعمْ جائعا ِ ،عدْ مريضا ،
أعنْ منكوبا ،تدِ السعادة تغمرُك من بي يديْك ومنْ خلفِك.
إنّ فعلَ اليِ كالطيب ينفعُ حاملهُ وبائعه ومشتريهُ ،وعوائدُ اليِ النفسيّة عقاقيُ
ف ف صيدليةِ الذي ُعمِرتْ قلوبُهم بالبّر والحسان .
مباركةٌ تصر ُ
ل تحزن
16
ق صدقةٌ جاريةٌ ف عالِ القيمِ (( ولو أن
إن توزيع البسماتِ الشرقةِ على فقراءِ الخل ِ
تلقى أخاك بوجهِ ط ْلقِ )) وإن عبوس الوجهِ إعلنُ حربٍ ضروسٍ على الخرين ل يعلمُ
قيامها إل علّمٌ الغيوبِ .
شربةُ ماءِ من كفّ بغي لكلب عقورٍ أثرتْ دخول جنة عرضُها السمواتُ والرضُ ؛
ب غفورٌ شكورٌ جيلٌ ،يبّ الميل ،غنٌ حيدٌ . لنّ صاحب الثوا ِ
س الشقاءِ والفزع والوفِ هلموا إل بستانِ العروفِ وتشاغلوا
يا منْ تُهدّد ُهمْ كوابي ُ
بالخرين ،عطا ًء وضيافةً ومواساةً وإعانةً وخدم ًة وستجدون السعادة طعما ولونا وذوقا ﴿ َومَا
جزَى{ }19إِلّا ابِْتغَاء وَ ْجهِ رَّبهِ اْلَأعْلَى{ }20وََلسَوْفَ َيرْضَى ﴾ .
لِأَ َح ٍد عِندَهُ مِن ّن ْع َمةٍ ُت ْ
*****************************************
اطردِ الفراغ بالعملِ
ف والشائعات لنّ أذهانم موزّعةٌ ﴿ رَضُواْ بِأَن
الفارغون ف الياةِ هم أه ُل الراجي ِ
يَكُونُواْ مَعَ اْلخَوَالِفِ ﴾ .
إنّ أخطر حالت الذهنِ يوم يفرغُ صاحبُه من العملِ ،فيبقى كالسيارةِ السرعةِ ف
اندارِ بل سائقٍ تنحُ ذات اليمي وذات الشمالِ .
يوم تدُ ف حياتك فراغا فتهيّأ حينها للهمّ والغ ّم والفزعِ ،لن هذا الفراغ يسحبُ لك
كلّ ملفّاتِ الاضي والاضرِ والستقبلِ من أدراج الياةِ فيجعلك ف أمرٍ مريجٍ ،ونصيحت لك
ولنفسي أن تقوم بأعمالٍ مثمرةٍ بدلً من هذا السترخاءِ القاتلِ لنهُ وأدٌ خفيّ ،وانتحارٌ
بكبسولٍ مسكّنٍ .
إن الفراغً أشبهُ بالتعذيب البطيءِ الذي يارسُ ف سجونِ الصيِ بوضعِ السجيِ تت
ب السجيُ بالنونِ . أنبوبٍ يقطُرُ كلّ دقيقةٍ قطرةً ،وف فتراتِ انتظارِ هذه القطراتِ يُصا ُ
الراحةُ غفلةٌ ،والفراغُ لِصّ مترِفٌ ،وعقلك هو فريسةٌ مزّقةٌ لذه الروبِ الوهيّة .
إذا قم الن صلّ أو اقرأ ،أو سبّحْ ،أو طالعْ ،أو اكتبْ ،أو رتّب مكتبك ،أو أصلح
بيتك ،أو انفعْ غيك حت تقضي على الفراغِ ،وإن لك من الناصحيْ .
ل تحزن
17
اذب ْح الفراغ بسكيِ العملِ ،ويضمن لك أطباءُ العال %50من السعادة مقابل هذا
الجراءِ الطارئِ فحسب ،انظر إل الفلحي والبازين والبنائي يغردون بالناشيد كالعصافيِ
ف سعادةٍ وراحةٍ وأنت على فراشك تسحُ دموعك وتضطرُب لنك ملدوغٌ .
****************************************
ل تكن إمعة
ل تتقمص شخصية غيك ول تذُب ف الخرين .إن هذا هو العذاب الدائم ،وكثيٌ هم
الذين ينسون أنفسهم وأصواتِهم وحركاتِهم ،وكلمَهم ،ومواهبهم ،وظروفهم ،لينصْهرُوا
ف والصّلفُ ،والحتراقُ ،والعدامُ للكيان وللذّات. ف شخصيّات الخرين ،فإذا التكلّ ُ
من آدم إل آخر الليقة ل يتفق اثنانِ ف صورةٍ واحدةٍ ،فلماذا يتفقون ف الواهبِ
والخلق .
أنت شيءٌ آخرُ ل يسبق لك ف التاريخِ مثيلٌ ولن يأت مثُلك ف الدنيا شبيه .
أنت متلف تاما عن زيد وعمرو فل تشرْ نفسك ف سرداب التقليد والحاكاة
والذوبان .
شرَبَ ُهمْ ﴾ ﴿ ،وَلِكُلّ وِ ْج َهةٌ هُوَ
انطلق على هيئتك وسجيّتك ﴿ َق ْد عَ ِلمَ كُلّ أُنَاسٍ ّم ْ
مُوَلّيهَا فَاسْتَِبقُواْ اْلخَ ْيرَاتِ ﴾ ع ْ
ش كما خلقت ل تغي صوتك ،ل تبدل نبتك ،ل تالف
مشيتك ،هذب نفسك بالوحي ،ولكن ل تلغِ وجودك وتقتل استقللك.
أنت لك طعم خاص ولون خاص ونريدك أنت بلونك هذا وطعمك هذا ؛ لنك
خلقت هكذا وعرفناك هكذا ((ل يكن أحدكم إمّعة)) .
إنّ الناس ف طبائعهمْ أشبهُ بعالِ الشجارِ :حلوٌ وحامضٌ ،وطويلٌ وقصيٌ ،وهكذا
فليكونوا .فإن كنت كالوزِ فل تتحولْ إل سفرجل ؛ لن جالك وقيمتك أن تكون موزا ،
ت الباري فل تحد آياته .
إن اختلف ألوانِنا وألسنتِنا ومواهبِنا وقدراتِنا آيةٌ منْ آيا ِ
******************************
قضاء وقدر
ل تحزن
18
﴿مَا أَصَابَ مِن ّمصِيبَةٍ فِي الَْأ ْرضِ وَلَا فِي أَنفُسِ ُكمْ إِلّا فِي كِتَابٍ مّن قَبْلِ أَن نّ ْبرَأَهَا﴾
ف القلمُ ،رُفعتِ الصحفُ ،قضي المرُ ،كتبت القادير ﴿ ،قُل لّن ُيصِيبَنَا إِلّ مَا كَتَبَ
،ج ّ
. ال ّلهُ لَنَا ﴾ ،ما أصابك ل يكنْ لِيُخطئِك ،وما أخطأكَ ل يكنْ لِيُصيِبك
إن هذه العقيدة إذا رسختْ ف نفسك وقرّت ف ضميِك صارتْ البليةُ عطيةً ،وا ِلحْنةُ
مِنْحةً ،وك ّل الوقائع جوائز وأوسةً ((ومن ُي ِردِ الُ به خيا ُيصِبْ منه)) فل يصيبُك قلقٌ من
ق بيتٍ ،فإ ّن الباري قد قدّر والقضاءُ قد
ت قريبٍ ،أو خسارةٍ ماليةٍ ،أو احترا ِ
مرضٍ أو مو ِ
حلّ ،والختيارُ هكذا ،واليةُ لِ ،والجرُ حصل ،والذنبُ كُفّر .هنيئا لهلِ الصائب
صبهم ورضاهم عن الخذِ ،العطي ،القابضِ ،الباسط ﴿ ،لَا ُيسْأَ ُل عَمّا َي ْفعَلُ وَ ُهمْ
ُيسْأَلُونَ ﴾ .
س صدْرِك حت تؤمن ولن تدأ أعصابُك وتسكن بلبلُ نفسِك ،وتذْهب وساو ُ
ق فل تذهبْ نفسُك حسراتٍ ،ل تظنّ أنه كان ف القلمُ با أنت ل ٍ
بالقضا ِء والقدرِ ،ج ّ
ف الدار أن ينهار ،وحبْسُ الاءِ أنْ ينْس ِكبُ ،ومَْنعُ الريحِ أن تبّ ،وحفظُبوسعِك إيقا ُ
الزجاج أن ينكسر ،هذا ليس بصحيحٍ على رغمي ورغمك ،وسوف يقعُ القدورُ ،وينْ ُفذُ
القضاءُ ،ويِلّ الكتوبُ ﴿ َفمَن شَاء فَلْيُ ْؤمِن َومَن شَاء فَلْيَ ْك ُفرْ ﴾ .
سخْط والتذمّر والعويل ،اعترفْ بالقضا ِء قبْل أن
استسلمْ للقدر قبْل أن تطوّق بيش ال ّ
يدهك سْي ُل النّدمِ ،إذا فليهدأ بالُك إذا فعلت السباب ،وبذلت الِيل ،ث وقع ما كنت
تذرُ ،فهذا هو الذي كان ينبغي أن يقع ،ول تقُلْ ((لو أن فعلت كذا لكان كذا وكذا ،
ولكن ُقلْ :قدّر الُ وما شاء فعلْ)) .
***************************************
سرِ يُسْرا ﴾
﴿ ِإنّ َمعَ الْعُ ْ
ل تحزن
19
يا إنسانُ بعد الوع شبعٌ ،وبعْدَ الظّمأ ريّ ،وب ْعدَ السّهرِ نوْمٌ ،وب ْعدَ الرض عافيةٌ ،
ك العان ،وينقشعُ الظلمُ ﴿ َف َعسَى ال ّلهُ أَن َيأْتِيَ
سوف يصلُ الغائبُ ،ويهتدي الضالّ ،ويُف ّ
بِاْلفَ ْتحِ أَوْ َأ ْمرٍ مّ ْن عِندِهِ ﴾ .
بشّر الليل بصبح صادق يطاردُهُ على رؤِوسِ البال ،ومسارب الوديةِ ،بشّر الهمومَ
بِفرجٍ مفاجئ يصِلُ ف سرع ِة الضّوْءِ ،و ُلحِ البصرِ ،بشّرِ النكوب بلطف خفيّ ،وكفٍ حانيةٍ
وادعةٍ .
إذا رأيت الصحراء تتدّ وتتدّ ،فاعلم أنّ وراءها رياضا خضراء وارفةّ الظّللِ.
إذا رأيت الِبْل يشت ّد ويشتدّ ،فاعلمْ أنه سوف يَنْق ُطعِ .
مع الدمعةِ بسمةٌ ،ومع الوفِ أ ْمنٌ ،ومع الفَ َزعِ سكينةٌ .
النارُ ل ترقُ إبراهيم الليلِ ،لنّ الرعايةَ الربانيّة فَتَحتْ نَاِفذَةَ ﴿ َبرْدا وَسَلَاما عَلَى
إِْبرَاهِيمَ ﴾ .
ت القويّ الصادق نَ َطقَ بـ ﴿ كَلّا إِنّ َمعِيَ
البحرُ ل يُغْرِقُ كَلِيمَ الرّ ْحمَنِ ،ل ّن الصّوْ َ
رَبّي سََي ْهدِينِ ﴾ .
العصو ُم ف الغارِ بشّرَ صاحِبهُ بأنه و ْحدَهْ جلّ ف عُلهُ معنا ؛ فنل المْ ُن والفتُح
والسكينة .
إن عبيد ساعاتِهم الراهنةِ ،وأ ِرقّاءَ ظروِفهِمُ القاتةِ ل ي َروْنَ إلّ النّ َكدَ والضّيقَ والتّعاسةَ ،
جبِلُسبُ .أل فلَْي ُمدّوا أبصارَ ُهمْ وراء ا ُ لنم ل ينظرون إلّ إل جدار الغرفةِ وباب الدّا ِر َفحَ ْ
وليُطْلِقُوا أعنة أفكارِ ِهمْ إل ما وراء السوارِ.
إذا فل تضِقْ ذرعا فمن الُحالِ دوامُ الالِ ،وأفضلُ العبادِة انتظارُ الفرجِ ،اليامُ
دُولٌ ،والده ُر قُّلبٌ ،والليال حُبَال ،والغيبُ مستورٌ ،والكيمُ كلّ يوم هو ف شأنٍ ،ولعلّ
حدِثُ بعد ذلك أمرا ،وإن مع ال ُعسْرِ ُيسْرا ،إن مع ال ُعسْرِ ُيسْرا . ال ُي ْ
*******************************
اصنع من الليمون شرابا حلوا
ل تحزن
20
ب يوّلُ السائر إل أرباحٍ ،والاهلُ الرّعْديِدُ يعلُ الصيبة مصيبتيِ . الذكيّ الري ُ
طُرِدَ الرسولُ من مكةَ فأقامَ ف الدينةِ دولةً ملتْ سْع التاريخِ وبصرهُ .
سُجن أحدُ بنُ حَنْبَلَ وجلد ،فصار إمام السنة ،وحُبس ابنُ تيمية فُأخْرِج من حبسهِ
علما جا ،ووُضع السرخسيّ ف قعْرِ بئْرٍ معطل ٍة فأخرج عشرين ملدا ف الفِقْهِ ،وأقعد ابن
ب الديثِ ،ونُفي ابنُ الوزي من الثيِ فصنّفَ جامع الصول والنهاية من أشهرِ وأنفعِ كت ِ
ت السبعِ ،وأصابتْ حى الوتِ مالك بن الريبِ فأرسل للعالي قصيدتهُ بغداد ،فجوّد القراءا ِ
الرائعة الذائعة الت تعدِلُ دواوين شعراءِ الدولةِ العباسيةِ ،ومات أبناءُ أب ذؤيب الذل فرثاهمْ
بإلياذة أنْصت لا الدهرُ ،وذُهِل منها المهورُ ،وصفّق لا التاريخُ .
إذا داهتك داهيةٌ فانظرْ ف الانبِ الشرِقِ منها ،وإذا ناولك أحدُهمْ كوب ليمونٍ
فأضفْ إليهِ حِفْنَةً من سُكّر ،وإذا أهدى لك ثعبانا فخذْ ج ْلدَهُ الثمي واتركْ باقيه ،وإذا
لدغتْك عقربٌ فاعلم أنه مصلٌ واقٍ ومناعةٌ حصينة ضد ُسمّ الياتِ .
تكيّف ف ظرفكِ القاسي ،لتخرج لنا منهُ زهْرا وورْدا وياسينا ﴿ َوعَسَى أَن تَ ْكرَهُواْ
شَيْئا َوهُوَ خَ ْيرٌ لّ ُكمْ ﴾ .
ل ومتشائما فأخرجا رأسيْهما سجنتْ فرنسا قبل ثورتِها العارمةِ شاعرْين ميديْنِ متفائ ً
من نافذةِ السجنِ .فأما التفائلُ فنظر نظرٌة ف النجومِ فضحك .وأما التشائمٌ فنظر إل الطيِ
ف الشارعِ الجاور فبكى .انظرْ إل الوجه الخر للمأساةِ ،لن الشرّ الحْض ليس موجودا ؛
ب وفَتْحٌ وأجْرٌ .
بل هناك خيٌ ومَكْس ٌ
*****************************************
ض َطرّ ِإذَا دَعَاهُ ﴾
﴿ أَمّن يُجِيبُ الْ ُم ْ
ب ،وتصمدُ إليه الكائناتُ ،وتسألهُ من الذي يفْزعُ إليه الكروبُ ،ويستغيثُ به النكو ً
الخلوقاتُ ،وتلهجُ بذكِرِه اللسُنُ وُتؤَّلهُهُ القلوب ؟ إنه الُ ل إله إلّ هو.
وحقٌ عليّ وعليك أن ندعوهُ ف الشدةِ والرّخاءِ والسّراءِ والضّراءِ ،ونفزعُ إليه ف
الُِلمّاتِ ونتوسّلُ إليه ف الكرباتِ وننطرحُ على عتباتِ بابهِ سائلي باكي ضارعي منيبي ،
ل تحزن
21
حينها يأت مددُ ْه ويصِلُ عوْنُه ،ويُسْرعٌ فرجُهُ وَيحُلّ فتْحُهُ ﴿ َأمّن ُيجِيبُ اْل ُمضْ َطرّ ِإذَا دَعَاهُ﴾
فينجي الغريق وير ّد الغائب ويعاف البتلي وينصرُ الظلوم وي ْهدِي الضالّ ويشفي الريض ويف ّرجُ
صيَ َل ُه الدّينَ ﴾ .
عن الكروبِ ﴿ فَِإذَا رَكِبُوا فِي اْلفُ ْلكِ َدعَوُا ال ّلهَ مُخْ ِل ِ
ولن أسْرُد عليك هنا أدعية إزاح ِة المِ والغمِ والزنِ والكربِ ،ولكن أُحيلُك إل كُتُبِ
السّنّةِ لتتعلم شريف الطابِ معه ؛ فتناجيهِ وتناديهِ وتدعوهُ وترجوه ،فإن وجدْتهُ وجدْت كلّ
شيءٍ ،وإن فقدت اليان به فقدت كلّ شيء ،إن دعاءك ربّك عبادةٌ أخرى ،وطاعةٌ
عظمى ثانيةٌ فوق حصولِ الطلوبِ ،وإن عبدا ييدُ فنّ الدعاءِ حريّ أن ل يهتمّ ول يغتمّ ول
ب سيعٌ ميبٌ ،ييب يقلق كل البال تتصرّم إلّ حبلُه كلّ البوابِ توصدُ إلّ بابهُ وهو قري ٌ
الضطرّ إذا دعاه يأمُرُك -وأنت الفقيُ الضعيفُ الحتاجُ ،وهو الغنّ القويّ الواحدُ الاجدُ -
بأن تدعوه ﴿ ا ْدعُونِي أَسَْتجِبْ لَ ُكمْ ﴾ إذا نزلتْ بك النوازلُ ،وأَلمَّتْ بك الطو ُ
ب فالْهجْ
س اسِهِ ،
ف باسِهِ ،واطلبْ مددهُ واسألْه فتْحهُ ونصْرَهُ ،مرّغِ البي لتقدي ِ بذكرِهِ ،واهت ْ
لتحصل على تاج الريّةِ ،وأرغم النْف ف طي عبوديتِهِ لتحوز وِسام النجاةِ ،م ّد يديْك ،
ارفع كفّيْكَ ،أطلقْ لسانك ،أكثرْ من طلبِهِ ،بال ْغ ف سؤالِهِ ،ألّ عليه ،الزمْ بابهُ ،انتظرْ
لُطْفُه ،ترقبْ فتْحهُ ،أ ْش ُد باسِهِ ،أحسنْ ظنّك فيه ،انقطعْ إليه ،تبتّلْ إليه تبتيلً حت تسعد
وتُفْلِحَ .
**************************************
وليسعك بيتك
العُزْلةُ الشرعيّةُ السنيّةُ :بُعْدُك عن الشرّ وأهلِهِ ،والفارغي َواللهي والفوضويي ،فيجتمعُ
عليك شلُك ،ويهدأ بالُك ،ويرتاحُ خاطرُك ،ويودُ ذهنُك ِبدُررِ الِكم ،ويسرحُ طرفُكَ
ف بستانِ ا لعارفِ.
إن العزلة عن كلّ ما يشغلُ عن اليِ والطاعةِ دواءٌ عزيزٌ جرّبهٌ أطباءُ القلوبِ فنجح أيّما
ناحٍ ،وأنا أدّلك عليهِ ،ف العزلةِ عن الشرّ واللّغوِ وعن الدهاءِ تلقيحٌ للفِكْر ،وإقامةٌ لناموسِ
الشيةِ ،واحتفالٌ بولدِ النابةِ والتذكرِ ،وإنا كان الجتماعُ الحمودُ والختلطُ المدوحُ ف
ل تحزن
22
س العِ ْلمِ والتعاونِ على اليْرِ ،أما مالسُ البطالةِ والعطال ِة فحذا ِر حذارِ
لمَ ِع ومال ِ
الصلواتِ وا ُ
ب بلدِك ،ابكِ على خطيئتك ،وأمسكْ عليك لسانك ،وليسعك بيتك ،الختلط ،اهر ْ
المجي حرب شعواء على النفس ،وتديد خطي لدنيا الم ِن والستقرارِ ف نفسك ،لنك
تالسُ أساطي الشائعاتِ ،وأبطال الراجيفِ ،وأساتذة التبشي بالفت والكوارث والحن،
حت توت كلّ يومٍ سَْبعَ مراتٍ قبل أن يصلك الوتُ ﴿ لَوْ َخرَجُواْ فِيكُم مّا زَادُو ُكمْ إِلّ
خَبَالً﴾ .
إذا فرجائي الوحيدُ إقبالك على شانِك والنزواءُ ف غرفتِك إلّ من قولِ خيٍ أو فع ِل
خيٍ ،حينها تدُ قلبك عاد إليك ،فسلمَ وقتُك من الضياعٍ ،وعمرُك من الهدارِ ،ولسانُك
من الغيبةِ ،وقلبُك من القلقِ ،وأذنُك من النا ونفسُك من سوءِ الظنِ ،ومن جرّب عَرَفَ ،
ومن أركب نفسه مطايا الوهامِ ،واسترسل مع العوامِ فقلْ عليه السلمُ .
*************************************
العوض من ال
ل يسلبك ال شيئا إلّ عوّضك خيا منه ،إذا صبْتَ واحَْتسَْبتَ ((منْ أخذتُ حبيبتيه
فصب عوّضتُه منهما النة)) يعن عينيه ((من سلبتُ صفّيهُ من أهل الدنيا ث احتسب عوّضُْتهُ
من النّة)) من فقد ابنه وصب بُن له بَْيتُ المدِ ف الُ ْلدِ ،وقِسْ على هذا النوا ِل فإن هذا
مردُ مثال .
فل تأسفْ على مصيبة فان الذي قدّرها عنده جنةٌ وثوابٌ وعِوضٌ وأجرٌ عظيمٌ .
إن أولياء ال الصابي البتلي ينوّهُ بم ف الفِرْدوْسِ ﴿ َسلَمٌ عَلَيْكُم ِبمَا صََبرُْتمْ فَِنعْمَ
. الدّارِ ﴾ ُعقْبَى
ك عَلَ ْيهِمْ
وحق علينا أن ننظر ف عِوض الصيب ِة وف ثوابا وف خلفها اليّر ﴿ أُولَـئِ َ
صَلَوَاتٌ مّن رّّبهِمْ َورَ ْح َمةٌ وَأُولَـئِكَ ُهمُ اْلمُهَْتدُونَ ﴾ هنيئا للمصابي ،بشرى للمنكوبي.
ل تحزن
23
إن ُعمْر الدنيا قصيٌ وكنُها حقيٌ ،والخرةُ خيٌ وأبقى فمن أُصيب هنا كُوفِئ هناك ،
ومن تعب هنا ارتاح هناك ،أما التعلقون بالدّنيا العاشقون لا الراكنون إليها ،فأشدّ ما على
قلوبم فوت حظوظُهم منها وتنغيصُ راحتهم فيها لنم يريدونا وحدها فلذلك تع ُظمً عليهمُ
الصائبُ وتك ُب عندهمُ النكباتُ ؛ لنمْ ينظرون تت أقدامِهم فل يرون إلّ الدّنيا الفانية
الزهيدة الرخيصة.
أيها الصابون ما فات شيءٌ وأنتمُ الرابون ،فقد بعث لكمْ برسالةٍ بي أسطرها لُطْفٌ
ب الذي ضرب عليه سرادقُ الصيبة أن ينظر وعطْفٌ وثوابٌ وحُسنُ اختيار .إن على الصا ِ
ليى أن النتيجة ﴿ َفضُرِبَ بَيَْنهُم ِبسُورٍ ّلهُ بَابٌ بَاطُِنهُ فِيهِ الرّحْ َمةُ وَظَا ِهرُهُ مِن قِبَ ِلهِ اْل َعذَابُ﴾
،وما عند الِ خيٌ وأبقى وأهنأ وأمرأُ وأجلّ وأعلى .
**************************************
اليان هو الياة
الشقياءُ بكلّ معان الشقاءِ همُ الفلسون من كنوزِ اليانِ ،ومن رصيدِ اليقيِ ،فهمْ
شةً ضَنكا ﴾ .
أبدا ف تعاسةٍ وغضبٍ ومهانةٍ وذلّةٍ ﴿ َو َمنْ َأ ْع َرضَ عَن ذِ ْكرِي فَِإنّ َلهُ َمعِي َ
ل يُسعدُ النفس ويزكّيها ويطهرُها ويفرحُها ويذهبُ غمّها وهّها وقلقها إلّ اليانُ بال
ربّ العالي ،ل طعم للحياةِ أصلً إلّ باليانِ .
إنّ الطريقة الثلى للملحدةِ إن ل يؤمنوا أن ينتحرُوا لييُوا أنفسهم من هذه الصارِ
والغللِ والظلماتِ والدواهي ،يا لا منْ حياةِ تاعِسة بل إيان ،يا لا منْ لعنةٍ أبدي ٍة حاقتْ
بالارجي على منهج ال ف الرض ﴿ وَُنقَلّبُ أَفِْئدََت ُهمْ وَأَْبصَارَ ُهمْ َكمَا َلمْ يُ ْؤمِنُواْ ِبهِ َأوّلَ
َمرّةٍ وََنذَرُ ُهمْ فِي ُطغْيَاِن ِهمْ َي ْع َمهُونَ ﴾ وقد آن الوانُ للعالِ أن يقتنع كلّ القناعة ،وأن يؤمن
كلّ اليانِ بأنّ ل إله إل ال ب ْعدَ تربةٍ طويلةٍ شاقةٍ عبْرَ قُرونٍ غابر ٍة توصّل بعدها العقْلُ إل
أن الصنم خراف ٌة والكفر لعنةٌ ،واللاد ِكذْبةٌ وأنّ الرّسُلَ صادقون ،وأ ّن ال حقّ له اللكُ ولهُ
المدُ وهو على كلّ شيء قديرٌ .
وبقدرِ إيانِك قوةً وضعفا ،حرارةً وبرودةً ،تكون سعادتُك وراحتُك وطمأنينتُك .
ل تحزن
24
جزِيَّنهُمْ
﴿ َمنْ َعمِلَ صَالِحا مّن ذَ َكرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُ ْؤ ِمنٌ َفلَُنحْيِيَنّهُ حَيَاةً طَيَّبةً وَلََن ْ
أَ ْجرَهُم ِبأَ ْحسَنِ مَا كَانُواْ َيعْمَلُونَ ﴾ وهذه الياةُ الطيبةُ هي استقرارُ نفوسِهم َل ُ
حسْنِ موعودِ
ربّهم ،وثباتُ قلوبِهم ببّ باريهم ،وطهارةُ ضمائرِهم من أوضارِ النرافِ ،وبرو ُد
أعصاِبهِم أمام الوادثِ ،وسكينةُ قلوبِهم عن ْد وقْ ِع القضاءِ ،ورضاهم ف مواطن القدر ،
ل ربّا وبالسلم ديِنا ،وبحمّدٍ نبيا ورسولً . لنم رضُوا با ِ
*************************************
اجنِ العسل ول تكسرِ الليّة
الرفقُ ما كان ف شيءٍ إلّ زانهُ ،وما نُزع من شيءٍ إلّ شانُه ،الليُ ف الطاب ،
البسمةُ الرائقةُ على الحيا ،الكلمةُ الطيبةُ عند اللقاءِ ،هذه حُُللٌ منسوجةٌ يرتديها السعداءُ ،
وهي صفاتُ الؤمِ ِن كالنحلة تأكلُ طيّبا وتصنعُ طيّبا ،وإذا وقعتْ على زهرةٍ ل تكسرُها ؛
لنّ ال يعطي على الرفقِ ما ل يعطي على العنفِ .إنّ من الناسِ من تشْرَئِبّ لقدو ِم ِهمُ
العناقُ ،وتشخصُ إل طلعاتِهمُ البصارُ ،وتييهمُ الفئدةُ وتشيّع ُهمُ الرواحُ ،لنم مبون
ف كلمهِم ،ف أخذهم وعطائِهم ،ف بيعهِم وشرائِهم ،ف لقائِهم وودا ِعهِم .
إن اكتساب الصدقاءِ ف ّن مدروسٌ ييدُهُ النبلءُ البرارُ ،فهمْ مفوفون دائما وأبدا بالةٍ
من الناسِ ،إنْ حضروا فالِبشْرُ والنسُ ،وإن غابوا فالسؤالُ والدعاءُ .
سنُ فَِإذَا اّلذِي
إنّ هؤل ِء السعداء لمْ دستور أخلقٍ عنوانُه ﴿ :ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَ ْح َ
بَيْنَكَ وَبَيَْنهُ َعدَاوَةٌ كَأَّنهُ وَلِيّ َحمِيمٌ ﴾ فهمْ يتصون الحقاد بعاطِفِت ِهمُ اليّاشةِ ،وحل ِم ِهمُ
الدافِئ ،وص ْفحِهم البيءِ ،يتناسون الساءة ويفظون الحسان ُ ،ترّ بمُ الكلماتُ النابي ُة
فل تلجُ آذانم ،بل تذهبُ بعيدا هناك إل غيِ رجْعةٍ .همْ ف راحةٍ ،والناسُ منهمُ ف أمنٍ ،
والسلمون منهمُ ف سلم (( السلمُ من سلِم السلمو ُن من لِساِنهِ وَيدِهِ ،والؤمنُ من أمَِنهُ
الناسُ على دمائِهم وأموالِهم )) (( إن ال أمرن أنْ أصل منْ قطعن وأن أعْفُ َو عمّن ظلمن
وأن أُعطي منْ ح َرمَنِي )) ﴿ وَالْكَا ِظ ِميَ اْلغَ ْيظَ وَاْلعَا ِفيَ عَنِ النّاسِ ﴾ بشّرْ هؤلء بثوابٍ
عاجلٍ من الطمأنين ِة والسكين ِة والدوءِ .
ل تحزن
25
ص ْدقٍ
وبشرهم بثوابٍ أخرويّ كب ٍي ف جوارِ ربّ غفورٍ ف جناتٍ وَنهَرٍ ﴿ فِي َم ْقعَدِ ِ
عِندَ مَلِيكٍ ّمقْتَدِرٍ ﴾ .
**********************************
﴿ أَ َل بِ ِذ ْكرِ اللّهِ َتطْ َمِئنّ الْ ُقلُوبُ ﴾
ب الِ ،والصراح ُة صابونُ القلوبِ ،والتجربةُ برهانٌ ،والرائدُ ل يكذبُ
الصدقُ حبي ُ
أهله ،ول يوجدْ عملٌ أشرحُ للصدرِ وأعظمُ للج ِر كالذكر ﴿ فَاذْ ُكرُونِي َأذْ ُكرْ ُكمْ ﴾
وذكرُهُ سبحانهُ جنّتُهُ ف أرضِهِ ،من لْ يدخلْها ل يدخل جنة الخرةِ ،وهو إنقاذٌ للنفس من
أوصابِها وأتعابِها واضطرابِها ،بلْ هو طريقٌ ميسّرٌ متصرٌ إل ك ّل فوزٍ وفلحٍ .طالعْ دواوين
الوحي لترى فوائدَ الذكرِ ،وجَرّبْ مع اليامِ بلْسمهُ لتنالَ الشفاءَ .
ف والفَزَعِ والمّ والزنِ .بذكره تُزاحُ جبالُ بذكره سبحان ُه تنقشعُ ُسحُبُ الو ِ
الكَرْبِ والغ ِم والسى .
ول عجبَ أنْ يرتاح الذاكرون ،فهذا هو الص ُل الصيلُ ،لكن ال َعجَبَ العُجابَ
ش ُعرُونَ أَيّانَ يُ ْبعَثُونَ ﴾ .
ت غَ ْيرُ أَحْيَاء َومَا َي ْ
ش الغافلون عن ذكِرِهِ ﴿ َأمْوا ٌ
كيف يعي ُ
يا منْ شكى الرق ،وبكى من الل ،وتفجّع من الوادثِ ،ورمتْهُ الطوبُ ،هيا
اهتفْ باسه القدس ﴿ ،هَلْ َتعْ َلمُ َلهُ َسمِيّا ﴾ .
ح ضميك ، بقدرِ إكثارك من ذكرِه ينبسطُ خاطرُك ،يهدأُ قلبُك ،تسعدُ ن ْفسُك ،يرتا ُ
لن ف ذكره جلّ ف عُله معان التوكلِ عليه ،والثقةِ به والعتمادِ عليه ،والرجوعِ إليه ،
وحسنِ الظنّ فيه ،وانتظار الفرجِ منُه ،فهو قريبٌ إذا دُعِي ،سيعٌ إذا نُودِي ،ميبٌ إذا سُئلَ
ع واخضعْ واخشعْ ،ورَدّدِ اسهُ الطيب البارك على لسانِك توحيدا وثنا ًء ومدحا ،فاضر ْ
ودعا ًء وسؤالً واستغفارا ،وسوف تدُ – بولِ ِه وقوتِهِ – السعادة والمنَ والسرور والنور
سنَ ثَوَابِ ال ِخرَةِ ﴾ .
والبورَ ﴿ فَآتَا ُهمُ ال ّلهُ ثَوَابَ الدّنْيَا وَ ُح ْ
*****************************
ل تحزن
26
ضلِهِ ﴾
س َعلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن َف ْ
﴿ أَمْ َيحْسُدُونَ النّا َ
الس َد كالكلةِ الِلحَةِ تنخرُ العظمَ نْرا ،إنّ السد مرضٌ مزم ٌن يعيثُ ف السم
فسادا ،وقد قيل :ل راحة لسود فهو ظالٌ ف ثوبِ مظلوم ،وعدوّ ف جِلْبابِ صديقٍ .
وقد قالوا :ل د ّر السدِ ما أ ْع َدلَهْ ،بدأ بصاحب ِه فقتَلَهَ .
إنن أنى نفسي ونفسك عن السدِ رحةً ب وبك ،قبل أنْ نرحم الخرين ؛ لننا
بسدِنا لمْ نطعمُ المّ لومنا ،ونسقي الغمّ دماءَنا ،ونوزّعُ نوم جفوننا على الخرين .
إنّ الاسد ُيشْعِلُ فرنا ساخنا ث يقتحمُ فيه .التنغيصُ والكد ُر والمّ الاضرُ أمراضٌ
يولّدها السدُ لتقضي على الراحةِ والياةِ الطيبةِ الميلةِ .بلِيّةُ الا ِسدِ أنهُ خاص َم القضاءَ ،
واتم الباري ف العدْلِ ،وأساء الدب مع الشّرعْ ،وخالف صاحبَ النْهجِ .
يا للحسد من مرضٍ ل يُؤجرُ عليهِ صاحبُه ،ومن بلءٍ ل يُثابُ عليه الُبَْتلَى به ،
وسوف يبقى هذا الاسدُ ف حرقةٍ دائمةٍ حت يوت أو تذْ َهبَ نِعمُ الناسِ عنهم .كلّ يُصالُ
إلّ الاسد فالصلحُ معه أن تتخلّى عن نع ٍم الِ وتتنازل عن مواهِبِك ،وتُلْغِي خصائِصك ،
ومناقِبك ،فإن فعلت ذلك فلَعَلّهُ يرضى على مضضٍ ،نعوذُ بالِ من شرّ حاسد إذا حسدْ ،
فإنه يصب ُح كالثعبانِ السودِ السّام ل يقر قراره حت يُف ِرغَ سّهُ ف جسم بريءٍ .
فأناك أناك عن السد واستعذ بالِ من الا ِسدِ فإنه لك بالرصادِ .
***********************************
اقبلِ الياة كما هي
حالُ الدنيا منغصةُ اللذاتِ ،كثيةُ التبعاتِ ،جاهةُ الحيّا ،كثيةُ التلوّنِ ،مُزِجتْ
بالكدرِ ،و ُخلِطتْ بالنّكدِ ،وأنت منها ف كَبَد .
ل تحزن
27
ولن تد والدا أو زوجةً ،أو صديقا ،أو نبيلً ،ول مسكنا ول وظيفةً إلّ وفيه ما
جوَ رأسا برأس ،والروحُ يكدّرُ ،وعنده ما يسوءُ أحيانا ،فأطفئ حرّ شرّهِ ببدِ خيْرِهِ ،لتْن ُ
قصاصٌ .
أراد الُ لذه الدنيا أن تكون جامعةً للضدينِ ،والنوعي ،والفريقي ،والرأيي خْيرٍ
وشرٍ ،صلحٍ وفسادٍ ،سرورٍ و ُحزْنٍ ،ث يصفو الَيْرُ كلّهُ ،والصلحُ والسرورُ ف النةِ ،
وُيجْ َمعُ الشرّ كله والفسادُ والز ُن ف النارِ .ف الديث (( :الدنيا ملعونةٌ ملعونٌ ما فيها إل
ك ول تسرحْ من اليالِ ،وحلّقْ ف عالِ ذكرُ الِ وما والهُ وعا ٌل ومتعلمٌ )) فع ْ
ش واقع َ
الثالياتِ ،اقبلْ دنياكَ كما هي ،وطوّع نفسك لعايشتها ومواطنتِها ،فسوف ل يصفو لك
فيها صاحبٌ ،ول يكملُ لك فيها أمرٌ ،لنّ الصّ ْفوَ والكمال والتمام ليس من شأنا ول منْ
صفاتِها .
لن تكمل لك زوجةٌ ،وف الديث (( :ل يفركُ مؤم ٌن مؤمنةً إن كره منها خلقا
رضي منها آخر )) .
فينبغي أ ْن نسدد ونقارب ،ونعْفُ َو ونصْفحَ ،ونأخُذ ما تيسّرَ ،ونذر ما تعسّر ونغضّ
الطّرْف أحيانا ،ونسددُ الطى ،ونتغافلُ عن أمورٍ .
******************************************
تعزّ بأهلِ البلءِ
تَلَ ّفتْ َيمْنَةً وَيسْرَةً ،فهل ترى إلّ مُبتلى ؟ وهل تشاهدُ إلّ منكوبا ف كل دارٍ نائحةٌ ،
وعلى كل خدّ د ْمعٌ ،وف كل وادٍ بنو سعد .
كمْ م َن الصائبِ ،وكمْ من الصابرين ،فلست أنت وحدك الصاب ،بل مصابُكَ
أنت بالنسبةِ لغيِك قليلٌ ،كمْ من مريضٍ على سريره من أعوامٍ ،يتقلبُ ذات اليميِ وذات
الشّمالِ ،يَِئنّ من اللِ ،ويصيحُ من السّقم .
كم من مبوس مرت به سنوات ما رأى الشمس بعينه ،وما عرف غي زنزانته .
ب وريْعانِ ال ُعمْرِ .
كمْ من رجلٍ وامرأ ٍة فقدا فلذاتِ أكبادهِما ف ميْعَةِ الشبا ِ
ل تحزن
28
كمْ من مكروبٍ ومدِينٍ ومُصابٍ ومنكوبٍ .
آن لك أن تتعزّ بؤلءِ ،وأنْ تعلم عِ ْلمَ اليقي أنّ هذه الياة سجْنٌ للمؤمنِ ،ودارٌ
شمْلُ
للحزانِ والنكباتِ ،تصب ُح القصورُ حافلةً بأهلها وتسي خاويةً على عروشها ،بينها ال ّ
مت ِمعٌ ،والبدانُ ف عافية ،والموالُ وافرةً ،والولدُ كُثرٌ ،ثّ ما هي إلّ أيامٌ فإذا الفقرُ
ضرَبْنَا لَ ُكمُ ا َلمْثَالَ ﴾ فعليك أن
والوْتُ والفراقُ والمراضُ ﴿ وَتَبَّينَ لَ ُكمْ كَيْفَ َفعَلْنَا ِب ِهمْ وَ َ
توطّن مصابك بنْ حولك ،وبن سبقك ف مسيةِ الدهرِ ،ليظهر لك أنك معافً بالنسبة
لؤلءِ ،وأنه ل يأتك إل وخزاتٌ سهلةٌ ،فاح ِد ال على لُطْفهِ ،واشكره على ما أبقى ،
واحتسِبْ ما أخذ ،وتعزّ بنْ حولك .
ولك ف الرسول قدوةٌ وقدْ وُضعِ السّلى على رأ ِسهِ ،وأدمِيتْ قدماه وشُجّ
وجهُه ،وحوصِر ف الشّعبِ حت أكل ورق الشجرِ ،وطُرِد من مكّة ،وكُسِرتْ ثنيتُه ،
ورُمِي عِ ْرضُ زوجتِهِ الشريفُ ،وقُتِل سبعون من أصحابهِ ،وفقد ابنه ،وأكثر بناتِه ف حياتهِ ،
وربط الجر على بطنِه من الوعِ ،واّتهِم بأنهُ شاعِرٌ ساحِرُ كاهن منونٌ كاذبٌ ،صانُ ُه الُ
من ذلك ،وهذا بل ٌء لبدّ منهُ وتحيصٌ ل أعظم من ُه ،وقدْ قُتِل زكريّا ،وذُبِح يي ،و ُهجّرَ
موسى ووضع اللي ُل ف النارِ ،وسار الئمةُ على هذا الطريق فضُرّج ُعمَ ُر بدمِهِ ،واغتيل
ت ظهورُ الئمةِ و ُسجِن الخيارُ ،ونكل بالبرار ﴿أَمْ َحسِبُْتمْ أَن
عثمانُ ،وطٌعِن عليٌ ،وجُِلدَ ْ
ضرّاء وَزُْلزِلُواْ﴾ .
َتدْخُلُواْ اْلجَّنةَ وََلمّا يَأْتِكُم مّثَلُ اّلذِينَ خَ َلوْاْ مِن قَبْلِكُم ّمسّتْ ُهمُ الْبَأْسَاء وَال ّ
********************************
الصلة ..الصلة
﴾ لةِ
صبْرِ وَالصّ َ
﴿ يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُواْ ا ْستَعِينُواْ بِال ّ
ل تحزن
29
لوْفُ وطوّقك الزنُ ،وأخذ المّ بتلبيبك ،فقمْ حالً إل الصلةِ ،تُثبْ إذا داهك ا َ
ح مستعمراتِ الحزانِ لك روحُك ،وتطمئنّ نفسُك ،إن الصلة كفيلةٌ – بأذ ِن الِ باجتيا ِ
والغمومِ ،ومطاردةِ فلو ِل الكتئابِ .
إذا حزبَهُ أمرٌ قال (( :أرحنا بالصلةِ يا بللُ )) فكانتْ قُرّةَ عينِهِ وسعادتهُ كان
وبجتَهُ .
ت ف وجوههمُ وقد طالعتُ ِس ُي قومٍ أفذا ٍذ كانتْ إذا ضاقتْ بم الضوائقُ ،وكشّر ْ
الطوبُ ،فزعوا إل صلةٍ خاشعةٍ ،فتعودُ لم قُوا ُهمْ وإراداتُهم و ِه َم ُمهُمْ .
ف فُرِضتْ لِتُودّى ف ساعةِ الرعبِ ،يوم تتطاي ُر الماجمُ ،وتسيلُ إنّ صلة الو ِ
النفوسُ على شفراتِ السيوفِ ،فإذا أعظ ُم تثبيتٍ وأجلّ سكينةٍ صلةٌ خاشعةٌ .
إنّ على اليلِ الذي عصفت به المراضُ النفسيةُ أن يتع ّرفَ على السجدِ ،وأن ي ّرغَ
صبِ ،وإلّ فإنّ الدمع سوف يرقُ جبيَنهُ لِيُ ْرضِي ربّه أ ّولً ،ولينقذ نفسهُ من هذا العذابِ الوا ِ
جفْنهُ ،والزن سوف يطمُ أعصابهُ ،وليس لديهِ طاقةٌ تدّهُ بالسكينةِ والمنِ إل الصلةُ .
من أعظ ِم النعمِ – لو كنّا نعقلُ – هذهِ الصلواتُ المْسُ كلّ يومٍ وليلةٍ كفارةٌ لذنوبِنا ،
رفعةٌ لدرجاتِنا عند ربّنا ،ث هي علجٌ عظيمٌ لآسينا ،ودواءٌ نا ِجعٌ لمراضِنا ،تسكبُ ف
ضمائرِنا مقادير زاكيةً من اليقي ،وتلُ جواننا بالرّضا أما أولئك الذين جانبوا السجد ،
وتركوا الصلة ،فمنْ نكدٍ إل نكدٍ ،ومن حزنٍ إل حزنٍ ،ومن شقاءٍ إل شقاءٍ ﴿ فََتعْسا
ضلّ َأعْمَاَل ُهمْ ﴾ .
ّلهُمْ وَأَ َ
*****************************
فهو إخبارٌ عن حالهِ بصابِه بف ْقدِ وِلدِهِ وحبيِبهِ ،وأنه ابتلهُ بذلك كما ابتلهُ بالتفريق بينَهُ وبيَنهُ
.ومرد الخبارِ عن الشيءِ ل يدلّ على استحسانِ ه ول على المرِ به ول الثّ عليه ،بل
ل تحزن
40
أمرنا أنْ نستعي َذ بالِ من الزنِ ،فإنّهُ َسحَابَةٌ ثقيلةٌ وليل جاِثٌ طويلٌ ،وعائقٌ ف طريقِ السائرِ
إل معال المور .
وأجع أربابُ السلوكِ على أنّ حُزْنَ الدنيا غَيْرُ ممودٍ ،إل أبا عثمان البيّ ،فإنهُ قالَ
:الزنُ بكلّ وجهٍ فضيلةٌ ،وزيادةٌ للمؤمنِ ،ما لْ يك ْن بسببِ معصيةٍ .قال :لنهُ إن ل
يُوجبْ تصيصا ،فإنه يُوجبُ تحيصا .
فيُقالُ :ل رَْيبَ أنهُ منةٌ وبلءٌ من الِ ،بنلةِ الرضِ والمّ والغَمّ وأمّا أنهُ من منازِلِ
الطريقِ ،فل .
فعليكَ بلب السرورِ واستدعا ِء النشراحِ ،وسؤا ِل الِ الياةَ الطيب َة والعيش َة الرضيّة ،
وصفاءَ الاطرِ ،ورحابة البالِ ،فإنا نِعمٌ عاجلة ،حت قالَ بعضُهم :إنّ ف الدنيا جنةً ،منْ
ل يدخلها ل يدخلْ جنةَ الخرةِ .
وال السؤولُ وَ ْحدَهْ أن يشرح صدورَنا بنورِ اليقيِ ،ويهدي قلوبنا لصراطِهِ الستقيمِ ،
وأ ْن ينقذنا من حياةِ الضّنْكِ والضيّقِ .
********************************
وقفــة
ب والمّ والزنِ :
هيّا نتفْ ننُ وإياكَ بذا الدعا ِء الارّ الصّادقِ .فإنهُ لِكشفِ الكُرَ ِ
(( ل إلهَ إل الُ العظيمُ الليم ،ل إله إل الُ ربّ العرشِ العظيمِ ،ل إله إل الُ ربّ
السمواتِ وربّ الرضِ وربّ العرشِ الكريِ ،يا حيّ يا قيومُ ل إله إل أنتَ برحتك
أستغيثُ )) .
(( اللهمّ رحتكَ أرجو ،فل تكِلْن إل نفسي طرْ َف َة عَيْنِ ،وأصلحْ ل شأنَ كلّه ،ل
إله إل أنتَ )) .
(( استغفرُ ال الذي ل إله إل هو اليّ القيومَ وأتوبَ إليه )) .
ل تحزن
41
((ل إله إل أنت سبحانك إن كنتُ من الظالي )) .
ف حكمُكَ ،
(( اللهمّ إن عبدُكً ،ابنُ عبدِك ،ابنُ أمتِك ،ناصيت بيدِك ،ماضٍ ّ
عدْلٌ فّ قضاؤُك ،أسألك بك ّل اسمٍ هو لك سّيت به نفسك ،أو أنزلتهُ ف كتابكَ ،أو
ب عندكَ ،أنْ تعل القرآن ربيع
علّمت ُه أحدا من خلقك ،أو استأثرت به ف علمِ الغي ِ
قلب ،ونور صدري ،وذهاب هّي ،وجلء حزن )) .
(( اللهمّ إن أعوذُ بك من المّ والزنِ ،وال َعجْز وال َكسَلِ ،والُبخْلِ والُ ْبنِ ،
وضل ِع الدْينِ وغلبةِ الرّجالِ )) .
(( حسبنا الُ ونعم الوكيلُ )) .
************************************
ابتس ْم
سمٌ للهمومِ ومر َهمٌ للحزانِ ،وله قوةٌ عجيبةٌ ف فرحِ الروحِ ،
ضحِكُ العتدلُ ب ْل َ
ال ّ
وجَذلِ القلْبِ ،حت قال أبو الدرداء – رضي الُ عنه : -إن لضحك حت يكونَ إجاما
لقلب .وكان أكرمُ الناس يضحكُ أحيانا حت تبدو نواجذُه ،وهذا ضحكُ العقلءِ
البصراءِ بداءِ النفسِ ودوائِها .
والضحك ذِروةُ النشراحِ وِقمّةُ الراحةِ وناي ُة النبساطِ .ولكنه ضحكٌ بل إسرافٍ :
(( ل تُكثرِ الضحك ،فإنّ كثرةَ الضحكِ تُميتُ القلبَ )) .ولكنه التوسّط (( :وتبسّمك ف
وجهِ أخيك صدقةٌ )) ﴿ ،فَتََبسّمَ ضَاحِكا مّن قَوِْلهَا ﴾ .ومن نعيمِ أهلِ النةِ الضحكُ ﴿ :
ضحَكُونَ ﴾ .
فَالْيَوْمَ اّلذِينَ آمَنُواْ ِمنَ الْ ُكفّارِ َي ْ
وكانتِ العربُ تدحُ ضحوكَ السّنّ ،وتعلُه دليلً على سعةِ النفسِ وجودةِ الكفّ ،
وسخاوةِ الطبعِ ،وكرمِ السجايا ،ونداوةِ الاطرِ .
وقالَ زهيٌ ف (( هَرِم )) :
كأنكَ تعطيهِ الذي أنت سائلهُ تراهُ إذا ما جئَتهُ متهلّلً
ل تحزن
42
والقيقةُ أنّ السلمَ ُبنَ على الوسطيةِ والعتدا ِل ف العقائدِ والعبادات والخل ِ
ق
ف قاتٌ ،ول قهقهةٌ مستمرةٌ عابثةٌ لكنه جدّ وقورٌ ،وخفّ ُة روحٍوالسلوكِ ،فل عبوسٌ مي ٌ
واثقةٍ .
يقول أبو تام :
صبحُ الؤمّلِ كوكبُ التأمّلِ نفسي فداءُ أب عليّ إنهُ
ينضُو ويهزلُ عيشُ من ل يهزلِ فَكِ ٌه يمّ الدّ أحيانا وقدْ
إن انقباضَ الوج ِه والعبوس علمةٌ على تذمّرِ النفسِ ،وغليانِ الاطرِ ،وتعكّرِ الزاجِ ﴿
سرَ ﴾ .
ُثمّ عََبسَ وََب َ
* « ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طلْق » .
يقولُ أحد أمي ف « فيْضِ الاطرِ » (( :ليس البتسمون للحياة أسعدَ حا ًل لنفسِ ِهمْ
فقط ،بلْ هم كذلك أقدرُ على العملِ ،وأكث ُر احتمالً للمسؤوليةِ ،وأصلحُ لواجهةِ الشدائدِ
ومعالةِ الصعابِ ،والتيانِ بعظائ ِم المورِ الت تنفعهُمْ وتنفعُ الناس .
س راضيةٍ باسةٍ ،لخترتُ
لو خُيّرتُ بي ما ٍل كثيٍ أو منصبٍ خطيٍ ،وبي نف ٍ
الثانيةَ ،فما الالُ مع العبوسِ ؟! وما النصبُ مع انقباضِ النفسِ ؟! وما كلّ ما ف الياةِ إذا
ت وقلبتْ كان صاحبُه ضيّقا حرجا كأنه عائدٌ من جنازة حبيبٍ؟! وما جالُ الزوجة إذا عبس ْ
بيتها جحيما ؟! ليٌ منها – ألفَ مر ٍة – زوجةٌ ل تبلغْ مبلغها ف المالِ وجعلتْ بيتها جنّةً .
ول قيمةَ للبسمةَ الظاهرةِ إل إذا كانتْ منبعثةً ما يعتري طبيعة النسانِ من شذوذ ،
فالزهرُ با ِسمٌ والغاباتُ باسةٌ ،والبحارُ والنارُ والسماءُ والنجومُ والطيورُ كلّها باسةٌ .وكان
النسانُ بطبعهِ باسا لول ما يعرضُ له من طمعٍ وشرّ وأنانيةٍ تعلُهُ عابسا ،فكان بذلك نشازا
ف نغماتِ الطبيعةِ النسجعةِ ،ومنْ اجلِ هذا ل يرى المال من عبستْ نفسُه ،ول يرى
القيقةَ من تدنّس قلبُه ،فكلّ إنسانٍ يرى الدنيا من خلل عمِله وفكْرِه وبواعِثه ،فإذا كان
ل تحزن
43
العملُ طيبا والفكرُ نظيفا والبواعثُ طاهرةً ،كان منظارُه الذي يرى به الدنيا نقيا ،فرأى
الدنيا جيلةً كما خُلقتْ ،وإلّ تغبّشَ منظارُه ،واسودّ زجاجُه ،فرأى كلّ شيء أسود مغبشا.
هناك نفوسٌ تستطيعُ أن تصنع من كلّ شيء شقاء ،ونفوسٌ تستطيع أن تصنع من كلّ
ت ل تقعُ عينُها إل على الطأ ،فاليومُ أسودُ ،لنّ طبقا شيءٍ سعادةً ،هناك الرأ ُة ف البي ِ
كُسِر ،ولن نوعا من الطعا ِم زاد الطاهي ف ِم ْلحِه ،أو لنا عثرتْ على قطعةٍ من الورقِ ف
الجرةِ ،فتهيجُ وتسبّ ،ويتعدّى السبابُ إل كلّ منْ ف البيتِ ،وإذا هو شعلةٌ من نارِ ،
وهناك رجلٌ ينغّصُ على نفسِه وعلى مَنْ حوله ،مِن كلم ٍة يسمعُها أو يؤوّلا تأويلً سيّئا ،أو
مِنْ عم ٍل تافِهٍ حدثَ له ،أو حدثَ منه ،أو من رِبْحٍ خسِرهُ ،أو م ْن رِبْحٍ كان ينتظرُه فلم
يدثُ ،أو نو ذلك ،فإذا الدنيا كلّها سوداءُ ف نظرِه ،ث هو يسوّدُها على منْ حوله .
هؤلء عندهمْ قدرةٌ على البالغةِ ف الشرّ ،فيجعلون من البّ ِة قُبّةً ،ومن البذرةِ شجرةً ،وليس
عندهمْ قدرةٌ على اليِ ،فل يفرحون با أُوتوا ولو كثيا ،ول ينعمون با نالوا ولو عظيما .
لبّ ف جدّ ف وضعِ الزهارِ والرياحيِ وا ُ الياةُ فنّ ،وفنّ يُتَعّلمُ ،وليٌ للنسانِ أن َي ِ
حياتهِ ،من أن يدّ ف تكديسِ الالِ ف جيبهِ أو ف مصرفِه .ما الياةُ إذا وُجّهتْ كلّ الهودِ
ب فيها والمالِ ؟! فيها لمعِ الالِ ،ول يُوجّهْ أيّ جهدٍ لترقيةِ جانب الرح ِة وال ّ
أكثرُ الناسِ ل يفتحون أعين ُهمْ لباهجِ الياةِ ،وإنا يفتحونا للدرهمِ والدينارِ ،يرّون
على الديق ِة الغنّاءِ ،والزهارِ الميلةِ ،والا ِء التدفّقِ ،والطيورِ الغرّدةِ ،فل يأبون لا ،وإنا
يأبون لدينارٍ يدخلُ ودينارٍ يرجُ .ق ْد كان الدينارُ وسيلةً للعيشةِ السعيدةِ ،فقلبوا الوضع
وباعوا العيشة السعيدة من أجلِ الدينارِ ،وقد ُركّبتْ فينا العيونُ لنظرِ المالِ ،فعوّدناها أل
تنظر إلّ إل الدينارِ .
ليس يعبّسُ النفس والوجه كاليأسِ ،فإنْ أردت البتسامُ فحارب اليأس .إن الفرصة
سانةً لك وللناسِ ،والنجاحُ مفتوحٌ بابُه لك وللناسِ ،فعوّدْ عقلك تفتّح المل ،وتوقّع اليِ
ف الستقبلِ .
ل تحزن
44
إذا اعتقدت أنك ملوقٌ للصغيِ من المورِ لْ تبلغْ ف الياةِ إل الصغي ،وإذا اعتقدت
أنك ملوقٌ لعظائمِ المورِ شعرت بمّةٍ تكسرُ الدود والواجز ،وتنفذُ منها إل الساحةِ
الفسيحةِ والغرضِ السى ،و ِمصْداقُ ذلك حادثٌ ف الياةِ الاديةِ ،فمنْ دخل مسابقة مائةِ
مترٍ شعر بالتعبِ إذا هو قطعها ،ومن دخل مسابقة أربعمائِةِ مترٍ لْ يشعرْ بالتعبِ من الائةِ
والائتيِ .فالنفسُ تعطيك من المّةِ بقد ِر ما تدّدُ من الغرضِ .حدّدْ غرضك ،وليكنْ ساميا
صعْب النالِ ،ولكنْ ل عليك ف ذلك ما دمت كلّ يومٍ تطو إليه خطوا جديدا .إنا يصدّ
س وفقدانُ الملِ ،والعيشةُ السيئةُ برؤيةِ الشرورِ النفس ويعّبسَها ويعلُها ف سجنٍ مظلمٍ :اليأ ُ
ق بالديثِ عن سيئاتِ العالِ ل غي . ،والبحثِ عن معايبِ الناسِ ،والتشدّ ِ
ب ينمّي ملكاتهِ الطبيعيةِ ،ويعادلُ بينها وليس يُوفّقُ النسانُ ف شيء كما يُوفّقُ إل مُرَ ّ
ويوسّعُ أفقه ،ويعوّد ُه السماحةَ وسَعةَ الصدرِ ،ويعلّمهُ أن خَيْرَ غرضٍ يسعى إليهِ أن يكونَ
مصدرَ خيٍ للناس بقدرِ ما يستطيعُ ،وأنْ تكون نفسُه شسا مشعّةً للضو ِء والبّ واليِ ،
وأنْ يكون قلبُه ملوءا عطفا وبرا وإنسانية ،وحبا ليصالٍ اليِ لكلّمن اتصل به .
ب فيلذّها التغّلبُ عليها ،تنظرُها فتبسّم ،وتعالها فتبسمْ ، س الباسةُ ترى الصعا َ النف ُ
وتتغلبْ عليها فتبسمْ ،والنفسُ العابسةُ ل ترى صعابا فتخلفها ،وإذا رأتْها أكبتْها
واستصغرتْ هّتها وتعلّلتْ بلو وإذا وإنْ .وما الدهرُ الذي يلعنُه إل مزاجُه وتربيتُه ،إنه يؤدّ
النجاح ف الياةِ ول يريدُ أن يدفع ثََنهُ ،إنه يرى ف كلّ طريق أسدا رابضا ،إنه ينتظرُ حت
تطرَ السماءُ ذهبا أو تنش ّق الرضُ عن كَنْزٍ .
إن الصعابَ ف الياةِ أمورٌ نسبيةٌ ،فكلّ شيءٍ صَ ْعبٌ جدا عند النفسِ الصغيةِ جدا ،
ول صعوبة عظيمةً عند النفسِ العظيمةِ ،وبينما النفسُ العظيمةُ تزداد عظمةً بغالبةِ الصّعابِ إذا
بالنفوس الزيلةِ تزدا ُد سقما بالفرارِ منها ،وإنا الصعابُ كالكلبِ العقورِ ،إذا رآك خفت منهُ
حكَ وعدا وراءك ،وإذا رءاك تزأُ به ول تعيه اهتماما وتبقُ له عينك ،أفسح وجرْيتَ ،نََب َ
الطريق لك ،وانكمش ف جلدِه منك .
ل تحزن
45
ثّ ل شيء أقتلُ للنفسِ من شعورِها بضَعَتِها وصِغَرِ شأنِها وقلّ ِة قيمتهِا ،وأنا ل يكنُ
أن يصدر عنها عملٌ عظيمٌ ،ول يُنتظرُ منها خ ٌي كبيٌ .هذا الشعورُ بالضّعةِ يُف ِقدُ النسان
الثقة بنفسِه واليان بقوتِها ،فإذا أقدم على عملٍ ارتاب ف مقدرتِه وف إمكانِ ناحِه ،
وعاله بفتو ٍر ففشِلَ فيهِ .الثقةُ بالنفس فضيل ٌة كبى عليها عمادُ النجاحِ ف الياةِ ،وشتّان
بينها وبي الغرورِ الذي يُعدّ رذيلةً ،والفرقُ بينهما أنّ الغرور اعتمادُ النفسِ على اليالِ وعلى
الكِبْرِ الزائفِ ،والثقةُ بالنفس اعتمادُها على مقدرتِها على تمّلِ السؤوليةِ ،وعلى تقويةِ
ملكاتِها وتسيِ استعدادِها )) .
يقول إيليا أبو ماضي :
قلتُ :ابتسمْ يكفي التج ّهمُ ف السما ! قالَ « :السماءُ كئيبةٌ ! » وتهّما
لن يُرجعَ السفُ الصبّا التصرّما ! قالَ :الصّبا ولّى ! فقلتُ لهُ :ابتسمْ
ت لنفسي ف الغرامِ جهنّما صار ْ قالً :الت كانتْ سائي ف الوى
قلب ،فكيف أُطيقُ أن أتبسّما ! خانتْ عهودي بعدما ملّكتُها
قضّْيتَ عمركَ كلّه متألّا ! قلتُ :ابتسمْ واطربْ فلوْ قارنْتَها
مثلُ السافرِ كاد يقتلهُ الظّما قالَ :التّجارةُ ف صراعٍ هائلٍ
لدمٍ ،وتن ُفثُ كلمّا لثتْ دَمَا ! أو غادةٍ مسْلولةٍ متاجةٍ
وشِفائها ،فإذا ابتسمت فربّما .. قلتُ :ابتسمْ ،ما أنت جالبَ دائها
وجلٍ كأنك أنت صرت ا ُلجْرما ؟ أيكونُ غيُك مرما ،وتبيتُ ف
لمَى ؟ أَأُسَرّ والعداءُ حول ف ا ِ ت صيحاتُ ُهمْ قال :العِدى حول عل ْ
لو ل تَ ُك ْن منهمْ أجلّ وأعظما ! قلتُ :ابتسمْ ل يطلبوك بذمّهمْ
س والدّمى وتعرّضتْ ل ف اللب ِ قال :الواسمُ قد بدتْ أعلمُها
لكنّ كفّي ليسَ تلكُ درها ض لزمٌ وعليّ للحبابِ فر ٌ
حيا ،ولستَ من الحبّةِ مُعدما ! قلتُ :ابتسمْ يكفيك أنّك ل تزلْ
قلتُ :ابتسمْ ،ولئنْ ُجرّعتَ العلقما قال :الليال جرّعتن علقما
طَ َرحَ الكآبة جانبا وترنّما فلعلّ غيكَ إن رآك مرنّما
ل تحزن
46
أم أنت تسرُ بالبشاشةِ مغنما ؟ أتُراك تغن ُم بالتبّمِ درها
تتثلّما ،والوجهِ أنْ يتحطّما يا صاحِ ل خطرٌ على شفتيك أنْ
جى متل ِطمٌ ،ولذا نبّ النُما ! شهْبَ تضحكُ والدّ ك فإنّ ال ّ فاضح ْ
يأت إل الدنيا ويذهبُ مُرْغَما قال :البشاشةُ ليس تُسعِ ُد كائنا
شبٌ ،فإنّك بعدُ لنْ تتبسّما قلت :ابتسم مادام بينك والردّى
ف الروحِ
صدْرِ وأرييّةِ الُلُقِ ،ولط ِ
ما أحوجنا إل البسمةِ وطلقةِ الوجهِ ،وانشراحِ ال ّ
وليِ الانبِ (( ،إنّ ال أوحى إلّ تواضعوا ،حت ل يبغي أحدٌ على أحدٍ ول يفخر أحدٌ
على أحدٍ )) .
******************************************
وقفــــة
ل تزنْ :لنك جرّبتَ الزن بالمسِ فما نَفَعَكَ شيئا ،رَ َسبَ ابنُك فحزنتَ ،فهل
َنجَحَ؟! مات والدُك فحزنت فهل عادَ حيّاَ ؟! خسِرت تارتُك فحزنت ،فهل عادتْ السائرُ
أرباحا؟!
ل تزنْ :لنك حزنت من الصيب ِة فصارتْ مصائبَ ،وحزنتَ من الفق ِر فازْددْتَ
نَكَدا ،وحزنتَ من كلم أعدائك فأعنتهمْ عليك ،وحزنْت من توقّع مكرو ٍه فما وقع .
ل تزنْ :فإنهُ لنْ ينفعك مع الُزْن دارٌ واسعةٌ ،ول زوجةٌ حسناءُ ،ول ما ٌل وفيٌ ،
ول منصبٌ سامٍ ،ول أولدٌ نُجباءُ .
ل تزنْ :لنّ الُزْنَ يُريك الاءَ الزللَ علْقما ،والوردةَ حَنْظََلةً ،والديقةَ صحراءَ
قاحلةً ،والياة سجنا ل يُطاقُ .
ل تزنْ :وأنت عندك عينانِ وأذنانِ وشفتانِ ويدانِ ورجلنِ ولسانٌ ،وجَنَانٌ وأمنٌ
وأمانٌ وعافيةٌ ف البدانِ ﴿ :فَبَِأيّ آلَاء رَبّ ُكمَا تُ َكذّبَانِ ﴾ .
ل تزنْ :ولك دينٌ تَعْتَقِدُهُ ،وبيتٌ تسكُُنهُ ،وخبزٌ تأكلُه ،وماءٌ تشرُبهُ ،وثوبٌ
تَلَْبسُهُ ،وزوجةٌ تأوي إليها ،فلماذا تزنْ ؟!
ل تحزن
47
**********************************
نعمة الل
اللُ ليس مذموما دائما ،ول مكروها أبدا ،فقدْ يكونُ خيا للعبدِ أنْ يتَأّلمَ .
ب زَمَنَ إنّ الدعاء الارّ يأت مع اللِ ،والتسبيحَ الصادقَ يصاحبُ اللَمَ ،وتألّم الطال ِ
التحصيلِ وحْله لعباءِ الطلبِ يُثمرُ عالا َجهْبَذا ،لنهُ احترق ف البدايةِ فأشرق ف النهايةِ.
وتألّم الشاعرِ ومعاناتُه لا يقولُ تُنتجُ أدبا مؤثرا خلّبا ،لنه انقدحَ مع اللِ من القلبِ
والعصبِ والدمِ فهزّ الشاعرَ وحرّكَ الفئدةَ .ومعاناة الكاتبِ تُخرجُ نِتاجا حيّا جذّابا يورُ
بالعِبِ والصورِ والذكرياتِ .
إ ّن الطالبَ الذي عاشَ حياةَ الدّعةِ والراحةِ ول تلْذعْ ُه الَزَمَاتُ ،ولْ ت ْكوِهِ الُِلمّاتُ ،
إنّ هذا الطالبَ يبقى كسولً مترهّلً فاترا .
وإنّ الشاعر الذي ما عرفَ اللَ ول ذاقَ الر ول ترّع ال ُغصَصَ ،تبقى قصائدهُ رُكاما
ص الديثِ ،وكُتلً من زبدِ القولِ ،لنّ قصائدَهُ خر َجتْ من لسانِهِ ول ت ُرجْ من من رخي ِ
وجدانِهِ ،وتلفّظ با فهمه ول ي ِعشْها قلبُه وجواِنحُهُ .
وأسى من هذهِ المثلةِ وأرفعُ :حياةُ الؤمني الوّلي الذين عاشوا فجْرَ الرسالةِ ومَولِدَ
اللّةِ ،وبدايةَ البَ ْعثِ ،فإنُم أعظمُ إيانا ،وأب ّر قلوبا ،وأصدقُ لْجةً ،وأعْمقُ عِلمْا ،لنم
عاشوا ا َللَمَ والعاناةَ :ألَ الوع والفَقْرِ والتشريدِ ،والذى والطردِ والبعادِ ،وفراقَ الألوفاتِ
،و َهجْرَ الرغوباتِ ،وألَ الراحِ ،والقتلِ والتعذيبِ ،فكانوا بقّ الصفوة الصافيةَ ،والثلّةَ
ا ُلجْتَبَاةَ ،آياتٍ ف الطهرِ ،وأعلما ف النبل ،ورموزا ف التضحية ﴿ ،ذَلِكَ ِبأَّنهُمْ لَ
صةٌ فِي سَبِيلِ ال ّلهِ وَلَ يَطَؤُونَ مَوْطِئا َيغِيظُ الْ ُكفّارَ وَلَ
ُيصِيبُ ُهمْ َظمَأٌ وَلَ َنصَبٌ وَلَ َمخْ َم َ
﴾. حسِنِيَ
يَنَالُونَ ِمنْ َعدُوّ نّ ْيلً إِلّ كُتِبَ َلهُم ِب ِه َعمَلٌ صَاِلحٌ ِإنّ ال ّلهَ لَ ُيضِيعُ أَ ْجرَ اْل ُم ْ
لمّى فأنشدَ
س قدّموا أروعَ نتِا َج ُهمْ ،لنم تألّوا ،فالتنب وعَكَتْه ا ُ
وف عال الدنيا أنا ٌ
رائعته :
فليسَ تزورُ إلّ ف الظلمِ وزائرت كأنّ با حياءَ
ل تحزن
48
والنابغةُ خ ّوفَ ُه النعمانُ بنُ النذرِ بالقتلِ ،فقدّم للناس :
إذا طلعتْ ل يْبدُ منهنّ كَوكبُ فإنكَ شسٌ واللو ُك كواكبٌ
وكثيٌ أولئك الذين أَثْرَوا الياةَ ،لنم تألّوا .
إذنْ فل تزعْ من الل ول َتخَفَ من العاناةِ ،فربا كانتْ قوةً لك ومتاعا إل حي ،
لوَى ملذوعَ النفسِ ؛ أرقّ وأصفى من أن تعيشَ باردَ فإنكَ إنْ تعشْ مشبوبَ الفؤادِ مروقَ ا َ
الشاعرِ فات َر الِمّةِ خامدَ النّفْسِ ﴿ ،وَلَـكِن َكرِهَ ال ّلهُ انِبعَاَث ُهمْ فَثَبّ َط ُهمْ وَقِيلَ ا ْق ُعدُواْ مَعَ
اْلقَا ِعدِينَ ﴾
ذكرتُ بذا شاعرا عاش العانا َة والسى وألَ الفراقِ وهو يلفظُ أنفاسَه الخيةَ ف
لسْنِ ،ذائعةِ الشّهرةِ بعيدةٍ عن التكلّف والتزويق :إنه مالك بن الرّيب ،يَرثي قصيدةٍ بديعةِ ا ُ
نفسه :
وأصبحتُ ف جيش ابنِ عفّانَ غازيَا َألَمْ تَرَن بِ ْعتُ الضّلَلةَ با ُلدَى
بَنِيّ بأعلى الرقمتيْن وماليا فللهِ َدرّي يومَ أُتْرَكُ طائعا
برابيةٍ إنّي مقي ٌم لياليا فيا صاحِبَيْ رحلي دنا الوتُ فانزل
ول تُعجِلن قد تبيّن ما بيا أقيما عليّ اليومَ أوْ بَعْضَ ليلةٍ
ورُدّا على عَيْنَيّ فضلَ ردائيا وخُطا بأطرافِ السنةِ مضجعي
مِن الرضِ ذاتِ العَرْض أنْ تُوسِعَا ليا ول تسُدان بارَك الُ فيكما
إل آخرِ ذاكَ الصوتِ الته ّدجِ ،والعوي ِل الثاكل ،والصرخةِ الفجوعةِ الت ثارتْ حما
م ْن قلبِ هذا الشاعرِ الفجوعِ بنفسهِ الصابِ ف حياتهِ .
إن الوعظَ الحترقَ َتصِ ُل كلماتُه إل شِغافِ القلوبِ ،وتغوصُ ف أعماقِ الرّوحِ لنه
يعيشُ اللَ والعاناةَ ﴿ َفعَ ِلمَ مَا فِي قُلُوِب ِهمْ فَأَنزَلَ السّكِيَنةَ عَلَيْ ِهمْ وَأَثَاَب ُهمْ فَتْحا َقرِيبا ﴾ .
حت يكونَ حشاكَ ف أحشائِه ل تعذلِ الشتاقَ ف أشواقِه
لقد رأيتُ دواوينَ لشعراءَ ولكنها باردةً ل حياةَ فيها ،ول روح لنمْ قالوها بل عَناء ،
ونظموها ف رخاء ،فجاءتْ قطعا من الثلجِ وكتلً من الطيِ .
ل تحزن
49
صتِ ذرّةً ،لنم
ت ف الوعظِ ل ت ّز ف السامعِ شعرةً ،ول ترّكُ ف الُْن ِ
ورأيتُ مصنّفا ٍ
يقولونَها بل حُرْق ٍة ول لوعةٍ ،ول ألٍ ول معاناةٍَ﴿ ،يقُولُونَ ِبأَفْوَا ِههِم مّا لَ ْيسَ فِي قُلُوِب ِهمْ﴾ .
فإذا أردتَ أن تؤثّر بكلمِك أو بشعْرِك ،فاحترقْ به أنت قَبْلُ ،وتأثّرْ به وذقْه وتفاعلْ
مَعَهُ ،وسوفَ ترى أنك تؤثّر ف الناس ﴿،فَِإذَا أَنزَلْنَا عَلَ ْيهَا اْلمَاء اهَْتزّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن
كُلّ زَوْجٍ َبهِيجٍ ﴾ .
************************************
نعمة العرفة
ك عَظِيما ﴾ .
﴿ َوعَ ّلمَكَ مَا َلمْ تَ ُكنْ َتعْ َلمُ وَكَانَ َفضْلُ ال ّل ِه عَلَيْ َ
ت للضميِ وذَْبحٌ للحياةِ ،ومَحْقٌ للعمرِ ﴿ إِنّي َأعِ ُظكَ أَن تَكُونَ ِمنَ
الهلُ مو ٌ
اْلجَاهِ ِليَ ﴾ .
والعلمُ نو ٌر البصية ،وحياةٌ للروحِ ،ووَقُودٌ للطبعِ ﴿ ،أَوَ مَن كَانَ مَيْتا َفأَحْيَيْنَاهُ
وَ َجعَلْنَا َلهُ نُورا َي ْمشِي ِبهِ فِي النّاسِ َكمَن مّثَ ُلهُ فِي الظّ ُلمَاتِ لَ ْيسَ ِبخَارِجٍ مّ ْنهَا ﴾ .
إنّ السرورَ والنشراحَ يأت معَ العلم ،ل ّن العلمَ عثورٌ على الغامضِ ،وحصولٌ على
ف للمستورِ ،والنفسُ مُولَعةٌ بعرف ِة الديدِ والطلعِ على ا ُلسْتَطْرَفِ .الضّالّة ،واكتشا ٌ
أمّا اله ُل فهوَ مَلَلٌ وحُزْنٌ ،لنه حياةٌ ل جدي َد فيها ول طريفَ ،و ل مستعذَبا ،
أمسِ كاليومِ ،واليومَ كالغدِ .
فإنْ كنتَ تريدُ السعاد َة فاطلبِ العلمَ وابثْ عن العرفةِ وحصّل الفوائدَ ،لتذهبَ عن َ
ك
الغمو ُم والمومُ والحزانُ ﴿ ،وَقُل رّبّ ِزدْنِي عِلْما ﴾ ﴿ ،ا ْقرَأْ بِا ْسمِ رَبّكَ اّلذِي خَ َلقَ ﴾
(( .من يردِ الُ به خيا يفقّههُ ف الدينِ )) .ول يفخرْ أحدٌ بالِهِ أو با ِههِ ،وهو جاه ٌل صفْرٌ
من العرفةِ ،فإنّ حياتَه ليستْ تامّةً وعمرُه ليس كاملً ﴿ :أَ َفمَن َيعْ َلمُ أَّنمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن
حقّ َكمَنْ هُوَ َأ ْعمَى ﴾ .
رَبّكَ اْل َ
قال الزمشريّ :
ل تحزن
50
مِنَ َوصْلِ غانيةٍ وطِيبِ عنِا ِ
ق سهري لتنقيحِ العلومِ ألذّ ل
أشهى وأحلى من مُدامةِ ساقي وتايُلي طرَبا للّ عويصةٍ
أحلى من الدّوْكا ِء والعشّاقِ وصريرُ أقلمي على أوراقها
نقري لُلقي الرملَ عن أوراقي وألذّ من نقرِ الفتا ِة لدُفّها
كمْ بي ُمسْتَغْلٍ وآخ َر راقي يا مَ ْن ياول بالمان رُتْبت
نوما وتبغي بعدَ ذاكَ لِاقي أأبيتُ سهران الدّجى وتبيتهُ
ما أشرفَ العرفة ،وما أفرحَ النفسَ با ،وما أثل َج الصدرَ ببْدها ،وما أرحبَ الاطرَ
بنولا ﴿ ،أَ َفمَن كَا َن عَلَى بَيَّنةٍ مّن رّّبهِ َكمَن زُّينَ َلهُ سُو ُء عَمَ ِلهِ وَاتَّبعُوا أَ ْهوَاء ُهمْ ﴾ .
***************************************
فن السرور
من أعظ ِم النعمِ سرورُ القلبِ ،واستقرارُه وهدوؤُهُ ،فإنّ ف سرورهِ ثباتُ الذه ِن
وجود ِة النتاجِ وابتهاجِ النفسِ ،وقالوا .إنّ السرورَ فنّ يُدرّسُ ،فمنْ عرفَ كيفَ يلبُه
ويصلُ عليه ،ويظى به استفادَ من مباهجِ اليا ِة ومسارِ العيشِ ،والنعمِ الت من بيِ يديْه
ومن خلفِه .والصلُ الصيلُ ف طلبِ السرورِ قوةُ الحتمالِ ،فل يهتزّ من الزواب ِع ول يتحرّكُ
ق النّفْسُ .
للحوادثِ ،ول ينعجُ للتوافِهِ .وبسبِ قوةِ القلبِ وصفائِهِ ،تُشر ُ
إن َخ َورَ الطبيع ِة وضَعْفَ القاومةِ وجَ َزعَ النفسِ ،رواحلُ للهمومِ والغمومِ والحزانِ ،
فمنْ عوّد نفسَه التصبّر والتجّلدَ هانتْ عليه الزعجاتُ ،وخ ّفتْ علي ِه الزماتُ .
فأهونُ ما ترّ به الوحولُ إذا اعتاد الفت خوضَ النايا
سبُ ،حْومن أعدا ِء السرو ِر ضيِ ُق الُفُقِ ،وضحالَةَ النظرةِ ،والهتمامُ بالنفس فَ َ
سهُمْ ﴾ ،فكأن هؤلءِ
ونسيانُ العالِ وما فيه ،والُ قدْ وصفَ أعداءَهُ بأنمْ ﴿ أَ َهمّ ْتهُمْ أَن ُف ُ
القاصرينَ يَ َروْن ال َكوْنَ ف داخلِهم ،فل يفكّرونَ ف غيِ ِهمْ ،ول يعيشوَن لسوا ُهمْ ،ول
يهتمّونَ للخرينَ .إنّ عليّ وعليكَ أنْ نََتشَا َغلَ عن أنفسِنَا أحيانا ،ونبتعد عن ذواتِنا أزمانا
لِنَنْسَى جراحَنا وغمومَنا وأحزانَنا ،فنكسبَ أمرْين :إسعادَ أنفسنِا ،وإسعادَ الخرين.
ل تحزن
51
من الصو ِل ف فنّ السرورِ :أن تُلجمَ تفكيَكَ وتعصمهَ ،فل يتفّلتُ ول يهربُ ول
يطيشُ ،فإنك إنْ تركتَ تفكيَكَ وشأَنهُ َجمَحَ وطَفَحَ ،وأعادَ عليكَ مَلفّ الحزانِ وقرَأ
عليكَ كتابَ الآسي منذُ ولدتْكَ أمّكَ .إ ّن التفكيَ إذا شردَ أعادَ لك الاضي الريحَ وجرجَرَ
الستقبلَ الخيفَ ،فزلزلَ أركانَك ،وهزّ كيانَك وأحرقَ مشاعرَك ،فاخطمْه بطامِ التوجّهِ
الادّ الركّزِ على العملِ الثمرِ الفيدِ ﴿ ،وََتوَكّ ْل عَلَى اْلحَيّ اّلذِي لَا َيمُوتُ ﴾ .
ومن الصول أيضا ف دراسةِ السرورِ :أنْ تُعطيَ اليا َة قيمتَها ،وأنْ تُنلَهَا منلتها ،
فهي ْلوٌ ،ول تستحقّ منكَ إل العراضَ والصدودَ ،لنا أمّ الجْرِ ومُرضِعةُ الفجائعِ ،
وجالب ُة الكوارثِ ،فمَنْ هذه صفتُها كيف يُهتمّ با ،ويُحزنُ على ما فات منها .صفُوها كَ َدرٌ
،وبرقُها خُّلبٌ ،ومواعيدُها سرابٌ بقيِعةٍ ،مولودُها مفقودٌ ،وسيدُها مسودٌ ،ومن ّعمُها
مهدّدٌ ،وعاشقُها مقتولٌ بسيفِ َغ ْدرِها .
ب البَيْ ِن فيها يَنْ ِعقُ
أبدا غُرا ُ أًبَن أَبِينا ننُ أهلُ منازلِ
جعْت ُهمُ الدنيا فلمْ يتفرّقوا نبكي على الدنيا وما مِنْ معشرٍ
كَنَزْوا الكنوزَ فل بقيَ ول بَقُوا أينَ الَبَابِرَةُ الكاسر ُة الُل
حوَاه لدٌ ضَيّقُ حت ثَوى ف َ مِن كلّ مَنْ ضاقَ ال َفضَاءُ
أنّ الكلمَ لم َحلَلٌ مُطلَقُ خُرْسٌ إذا نُودوا كأنْ لْ يعلمُوا
ل ْلمُ بالتحّلمِ )) .
وف الديثِ (( :إنا العلمُ بالتعّلمِ وا ِ
وف فنّ الدابِ :وإنا السرورُ باصطناعِه واجتلبِ َب ْ
سمَتِهِ ،واقتناصِ أسبابِهِ ،
ف بوادرِه ،حت يكونَ طبْعا .وتكلّ ِ
إن الياةَ الدّنيا ل تستحقّ منا العبوسَ والتذمّرَ والتبّمَ .
ما هذهِ الدنيا بدارِ قرارِ حُ ْكمُ النيّةِ ف البيةِ جارِي
ألفيْتَهُ خَبَرا مِن الخبارِ بينا تَرَى النسان فيها ُمخْبِرا
صَفْوا من القذارِ والكدارِ طُبِ َعتْ على َكدَرٍ ،وأنتَ
مُتطّلبٌ ف الاء ُج ْذوَ َة نارِ ضدّ طباعِها ومكلّفُ اليّا ِم ِ
ل تحزن
52
ب فيها أنكَ ل تستطيعُ أنْ تنعَ من حياِتكَ كلّ آثارِ الزنِ ،لنّ
والقيقةُ الت ل ري َ
الياة َخُلقتْ هكذا ﴿ َل َقدْ خَ َلقْنَا اْلإِنسَانَ فِي كََبدٍ ﴾ ﴿ ،إِنّا خَ َلقْنَا الْإِنسَانَ مِن نّ ْط َفةٍ
َأ ْمشَاجٍ نّبْتَلِيهِ ﴾ ﴿ ،لِيَبْلُوَ ُكمْ أَيّ ُكمْ أَ ْحسَ ُن َعمَلً ﴾ ،ولكنّ القصودَ أن تفّفُ من حزنِك
وهّك وغمّك ،أما قَ ْطعُ الُزْنِ بالكليّ ِة فهذا ف جناتِ النعيمِ ؛ ولذلك يقولُ النعمون ف النة
حزَنَ ﴾ .وهذا دليلٌ على أنهُ ل يذهبْ عنهُ إل هناكَ ،
ح ْمدُ ِل ّلهِ اّلذِي َأذْهَبَ عَنّا اْل َ
﴿ :اْل َ
صدُورِهِم مّ ْن غِلّ ﴾ ،فمنْ عَرَفَ
كما أنّ كلّ الغِ ّل ل يذهبُ إل ف النةِ ﴿ ،وََن َزعْنَا مَا فِي ُ
حالةَ الدنيا وصفتها َ ،ع َذرَها على صدودِها وجفائِها و َغ ْدرِها ،و َعِلمَ ان هذا طبعُها وخلُقُها
ووصفُها .
فكأّنا َحلَ َفتْ لنا أنْ ل تَفِي حلفتْ لنا أ ْن ل تون عهودَنا
فإذا كان الالُ ما وصفْنا ،والمرُ ما ذكرنا ،فح ِريّ بالريبِ النابِهِ أنْ ل يُعينَها على
نفسِه ،بالستسل ِم للكدرِ والمّ والغمّ والزنِ ،بل يدافعُ هذه النغصاتِ بكلّ ما أوتَ من
قوةٍ ﴿ ،وََأ ِعدّواْ َلهُم مّا اسْتَ َطعْتُم مّن قُوّةٍ َومِن رّبَاطِ اْلخَيْلِ ُترْهِبُونَ ِب ِه َعدْوّ ال ّلهِ َو َعدُوّ ُكمْ﴾
ض ُعفُواْ َومَا اسْتَكَانُواْ ﴾ .
َ ﴿ ،فمَا وَهَنُواْ ِلمَا َأصَاَب ُهمْ فِي سَبِيلِ ال ّلهِ َومَا َ
**********************************
وقفـــة
ل تزَنْ :إن كن َ
ت فقيا فغيُك مبوسٌ ف دَْينٍ ،وإن كنت ل تلكُ وسيلةَ نَقْلٍ ،
فسواك مبتورُ القدمي ،وإن كنت تشكو من آل ٍم فالخرون يرقدون على السِرّة البيضاءِ
ومنذ سنواتٍ ،وإن فقدتَ ولدا فسواك فقد عددا من الولدِ ف حادثٍ واحدٍ .
ل تزَنْ :لنك مسلمٌ آمنتَ بالِ وبرسلِهِ وملئكِتهِ واليومِ الجِرِ وبالقضاءِ خيِهِ وشرّه
حدُوا اليومَ الخرَ ،وألدوا
،وأولئكَ كفروا بالربّ وكذّبوا الرسلَ واختلفوا ف الكتابِ ،و َج َ
ف القضاءِ وال َقدَرِ .
ل تحزن
53
ل تزَنْ :إن أذنب َ
ت فتُبْ ،وإن أسأت فاستغفرْ ،وإن أخطأت فأصلِحْ ،فالرحةُ
واسعةٌ ،والبابُ مفتوحٌ ،والغفران جمّ ،والتوبةُ مقبولةٌ .
ل تزَنْ :لنك تُقلقُ أعصابَك ،وتزّ كيانك وتُتعبُ قلبَك ،وتُق ّ
ض مضجعَك ،
وُتسْهِرْ ليلَك .
قال الشاعر :
َذرْعا وعندَ الِ منها الخ َرجُ َولَرُبّ نازلةٍ يضيقُ با الفت
فُرِ َجتْ وكانَ يظنّها ل تُفرجُ ت فلمّا استحكمتْ حلقاتُها
ضاق ْ
************************************
ط العواطف
ضبْ ُ
تتأجّجُ العواطفُ وتعصفُ الشاعرُ عند سببي :عند الفرح ِة الغامرةِ ،والصيبةِ الدّاهةِ ،
ت عندَ
ت عند نعمةٍ ،وصو ٍ
ت عن صوتيْن أحقيْن فاجريْن :صو ٍ
وف الديثِ (( :إن ُنهِيْ ُ
(( :إنا مصيبةٍ )) ﴿ لِكَيْلَا َتأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَ ُكمْ وَلَا َت ْفرَحُوا ِبمَا آتَا ُكمْ﴾ .ولذلك قال
الصبِ عند الصدمِة الول )) .فمَنِ مََلكَ مشاعره عندَ الدَث الاث وعند الفرَح الغامرِ ،
ت ومنلةَ الرسوخِ ،ونالَ سعادة الراحةِ ،ولذَ َة النتصارِ على النفسِ ،وا ُ
ل استحقّ مرتبةَ الثبا ِ
جلّ ف عُله وصف النسان بأنهُ ف ِرحٌ فخورٌ ،وإذا مسّه الشرّ جزوعا وإذا مسّهُ اليُ منوعا ،
إلّ الصلّي َ .فهُم على وسطيةٍ ف الفرحِ والزعِ ،يشكرونَ ف الرخاءِ ،ويصبون ف البلءِ .
إ ّن العواطف الائجةَ تُتْ ِعبُ صاحبها أيّما تَ َعبٍ ،وتضنيهِ وتؤلُ َه وتؤرّقُهُ ،فإذا غضب
احتدّ وأزبد ،وأرعد وتوعّد ،وثارتْ مكامنُ نفسِهِ ،والتهبتْ حُشاشَتُهُ ،فيتجاوزُ ال َعدْلَ ،
وإن فرحَ طرِبَ وطاشَ ،ونسيَ نفسَه ف غمرةِ السرورِ وتعدّى قدره ،وإذا َهجَرَ أحدا ذمّه ،
ونسِي ماسنَهُ ،وطمس فضائِلَهُ ،وإذا أحبّ آخر خلع عليه أوسة التبجيلِ ،وأوصله إل ذورةِ
الكمالِ .وف الثر (( :أحببْ حبيبك هوْنا ما ،فعسى أن يكون بغيضك يوما ما وأبغضْ
ل تحزن
54
بغيضك هونا ما ،فعسى أن يكون حبيبك يوما ما )) .وف الديث (( :وأسألك العدل
ف الغضب والرضا )) .
فمَن ملك عاطفته وحَكّم عقلَه ،ووزنَ الشياء وجعل لكلّ شيء قدرا ،أبصر
القّ ،وعَرَفَ الرشدَ ،ووقع على القيقةِ َ ﴿ ،ل َقدْ َأرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا َم َعهُمُ
سطِ ﴾ .
الْكِتَابَ وَاْلمِيزَانَ لَِيقُومَ النّاسُ بِاْل ِق ْ
ق والسلوكِ ،مثلما جاء بالِْنهَ ِج السّويّ ،والشرعِ
إنّ السلم جاءَ بيزان القيمَ والخل ِ
الرضيّ ،والّلةِ القدسةِ ﴿ ،وَ َكذَلِكَ َجعَلْنَا ُكمْ ُأ ّمةً وَسَطا﴾ ،فالعدلِ ،الصدقِ ف الحبارِ ،
صدْقا َوعَدْلً﴾ .
والعدلِ ف الحكا ِم والقوال والفعالِ والخلقِ ﴿ ،وََتمّتْ كَ ِلمَتُ رَبّكَ ِ
*********************************
سعادةُ الصحابةِ بحمدِ
لقدْ جاءَ رسولُنا إل الناسِ بالدعوةِ الربانيةِ ،ول يكنْ له دعايةٌ منَ دنيا ،فلمْ يُلقَ
إليه كَنْزٌ ،وما كانتْ له جنّة يأكلُ منها ،ول يسكنْ قصرا ،فأقبلَ الحبّون يبايعون على
شظفٍ من العيشِ ،وذروةٍ من الشقّةِ ،يوم كانوا قليلً مستضعفي ف الرضِ يافونَ أنْ
يتخطفهمُ الناسُ من حولِهمْ ،ومع ذلك أحبّهُ أتباعُه كلّ البِ .
حُوصروا ف الشّ ْعبِ ،وضُيّق عليه ْم ف الرزقِ ،وابتُلوا ف السمعةِ ،وحُوربوا من
القرابةِ ،وأُوذُوا من الناسِ ،ومع هذا أحبّوه ك ّل البّ .
حبَ بعضُهم على الرمْضاءِ ،وحُبسَ آخرونَ ف العراءِ ،ومنهمْ منْ تفنّ َن الكفارُ ف ُس ِ
تعذيبهِ ،وتأنّقوا ف النكالِ بهِ ،ومعَ هذا أحبّوه كلّ البّ .
سُلبوا أوطانم ودورهم وأهليهم وأموالم ،طُردوا من مرات ِع صباهمْ ،وملعبِ شبابمْ
ومغان أهل ِهمْ ،ومع أحبوهُ ك ّل البّ .
ابُتلي الؤمنون بسببِ دعوتِه ،وزُلْزِلوا زلزالً شديدا ،وبلغتْ منهمْ القلوبُ الناجرَ
وظنّوا بالِ الظنونا ،ومعَ أحبوه كلّ البّ .
ل تحزن
55
ض صفوةُ شبابمْ للسيوفِ ا ُلصْلَتَةِ ،فكانتْ على رؤو ِسهِم كأغصا ِن الشجرةِ عُ ّر َ
الوارفةِ .
خضراء تُنِْبتُ حولنا الزهارا وكأنّ ظلّ السيفِ ِظلّ حديقةِ
وقُدّمَ رجالُهم للمعرك ِة فكانوا يأتونَ الوتَ كأنمْ ف نزهةٍ ،او ف ليلة عيدٍ ؛ لنمْ
أحبوه ك ّل البّ .
يُرْسَلُ أحدُهمْ برسالةٍ ويَعْلمُ أنه لنْ يعودَ بعدها إل الدنيا ،فيؤدّي رسالتَه ،ويُبعَثُ
الواحدُ منهمْ ف مهمّةٍ ويعلمُ أنا النهاي ُة فيذهبُ راضيا ؛ لنمْ أحبوه كلّ البّ .
ولكنْ لاذا أحبّوه وس ِعدُوا برسالتِه ،واطمأنّوا النهجهِ ،واستبشرُوا بقدومهِ ،ونسوا
كلّ ألٍ وكلّ مشقةٍ وجُهدٍ ومعاناةٍ من أجلِ اتباعِهِ ؟!
إنمْ رأوا فيهِ كلّ معان ال ِي والفرحِ ،وكلّ علماتِ البّ والقّ ،لقدْ كانَ آيةً
للسائلي ف معال المورِ ،لقدْ أَبردَ غليلَ قلوِبهِمْ بنانِهِ ،وأثلجَ صدورَهمْ بديثهِ ،وأفْعَمَ
أروا َحهُمْ برسالتِه .
ب ف قلوبمُ الرضا ،فما حسبوا لللم ف سبيلِ دعوتهِ حسابا ،وأفاضَ على لقدْ سك َ
نفو ِسهِمْ منَ اليقيِ ما أنساهمْ كلّ ُج ْرحٍ و َكدَرٍ وتنغيصٍ .
صَقَلَ ضمائرَهم بداهُ ،وأنارَ بصائرَهم بسناهُ ،ألقى عن كواهِله ْم آصارَ الاهليةِ ،
وحطّ عن ظهورِهم أوزارَ الوثنيةِ ،وخلعَ من رقابِهمْ تبعاتِ الشركِ والضللِ ،وأطفأ من
أرواحِه ْم نارَ القدِ والعداوةِ ،وصبّ على الشاعرِ ماءَ اليقي ،فهدأتْ نفوسُهمْ ،وسكَنتْ
أبداُنهُمْ ،واطمأنتْ قلوبُهم ،وبردتْ أعصابُهم .
وجدوا لذّةُ العيشِ معهُ ،والنسَ ف قربهِ ،والرضا ف رحاِبهِ ،والمنَ ف اتباعهِ ،
والنجاة ف امتثالِ أم ِرهِ ،والغِن ف القتداء به .
صرَاطٍ ّمسَْتقِيمٍ ﴾ ،
﴿ َومَا َأرْسَلْنَاكَ إِلّا رَ ْح َمةً لّ ْلعَاَل ِميَ ﴾ ﴿ ،وَإِنّكَ لََت ْهدِي إِلَى ِ
خرِجُهُم مّنِ الظّ ُلمَاتِ إِلَى النّورِ ﴾ ﴿ ،هُوَ اّلذِي َبعَثَ فِي اْلُأمّّييَ رَسُولً مّ ْن ُهمْ يَتْلُو
﴿ وَُي ْ
عَلَ ْيهِمْ آيَاِتهِ وَُيزَكّي ِهمْ وَُيعَ ّل ُم ُهمُ الْكِتَابَ وَاْلحِكْ َمةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ َلفِي ضَلَالٍ مِّبيٍ ﴾،
ل تحزن
56
صرَ ُهمْ وَا َل ْغلَلَ الّتِي كَانَتْ عَلَ ْيهِمْ ﴾ ﴿ ،اسَْتجِيبُواْ لِ ّلهِ وَلِلرّسُولِ ِإذَا
﴿ وََيضَعُ عَنْ ُهمْ إِ ْ
دَعَاكُم ِلمَا ُيحْيِيكُمْ ﴾ ﴿ ،وَكُنُت ْم عَلَىَ َشفَا ُح ْفرَةٍ ّمنَ النّارِ فَأَن َقذَكُم مّنْهَا ﴾ .
لق ْد كانوا سعداء حقّا مع إمامِهمْ وقدوتِهمْ ،وحُقّ لمْ أنْ يسعدُوا ويبتهجُوا .
اللهمّ صلّ وسّلمْ على مرّ ِر العقولِ من أغل ِل النرافِ ،ومنق ِذ النفوسِ من ويلتِ
الغوايِةِ ،وارضَ عن الصحابِ والمادِ ،جزاءَ ما بذلُوا وقدّمُوا .
**************************************
اطردِ ا َللَلَ ِم ْن حياتِكَ
إن َمنْ يعِشْ عمرَهُ على وتيةٍ واحدة جديرٌ أن يصيَبهُ الللُ ؛ لن النفس ملولةٌ ،فإنّ
النسانَ بطبعهِ َيمَلّ الالةَ الواحدةَ ؛ ولذلكَ غايَرَ سبحانَهُ وتعال بي الزمنةِ والمكنةِ ،
والطعوماتِ والشروباتِ ،والخلوقاتِ ،لي ٌل ونارٌ ،وسهلٌ وجَبَلٌ ،وأبيضُ وأسودُ ،وحارّ
وباردٌ ،وظلّ و َحرُور ،وحُ ْلوٌ وحامضٌ ،وقدْ ذكر الُ هذا التنّوعَ والختلفَ ف كتابِهِ ﴿ :
خرُجُ مِن بُطُوِنهَا َشرَابٌ ّمخْتَلِفٌ أَلْوَاُنهُ﴾ ﴿صِنْوَانٌ َوغَ ْيرُ صِنْوَانٍ﴾ ﴿مَُتشَابِها َوغَيْرَ
َي ْ
مَُتشَاِبهٍ﴾ ﴿ َو ِمنَ اْلجِبَالِ ُج َددٌ بِيضٌ وَ ُحمْرٌ ّمخْتَلِفٌ أَلْوَاُنهَا﴾ ﴿ وَتِلْكَ اليّامُ ُندَاوُِلهَا بَ ْينَ
النّاسِ﴾ .
وقد ملّ بنو إسرائيل أجود الطعامِ ؛ لنمْ أداموا أكْله ﴿ :لَن ّنصِْبرَ عَلَىَ َطعَامٍ وَا ِحدٍ﴾
.وكان الأمونُ يقرأُ مرةً جالسا ،ومرةً قائما ،ومرةً وهو يشي ،ث قال :النفسُ ملولةٌ ﴿ ،
اّلذِينَ َيذْ ُكرُونَ ال ّلهَ قِيَاما وَ ُقعُودا َوعَلَىَ جُنُوِب ِهمْ﴾ .
ع والدّةَ ،فأعمالٌ قلبيّةٌ وقوليةٌ وعمليةٌ وماليةٌ ،صلةٌ ج ْد التنوّ َ
ومن يتأمّلِ العباداتِ َ ،ي ِ
وزكاٌة وصومٌ وحجّ وجهادٌ ،والصلةُ قيا ٌم وركوعٌ وسجودٌ وجلوسٌ ،فمنْ أراد الرتياح
والنشاط ومواصلةَ العطاءِ فعلي ِه بالتنويعِ ف عمِلهِ ،واطل ِعهِ وحياِتهِ اليوميّةِ ،فعندَ القراءةِ مثلً
ع الفنونَ ،ما بي قرآنٍ وتفسيٍ وسي ٍة وحديثٍ وفقهٍ وتاريخٍ وأدبٍ وثقافةٍ عامّةٍ ، ينوّ ُ
ل تحزن
57
وهكذا ،يوزّع وقته ما بي عبادةٍ وتناولِ مباحٍ ،وزيادةٍ واستقبالِ ضيوفٍ ،ورياضةٍ ونزهةٍ ،
ف يدُ نفسَهُ متوثّبةً مشرقةً ؛ لنا تبّ التنويعَ وتستمل ُح الديدَ .
فسو َ
*************************************
ع ال َقلَقَ
دِ
ل تزنْ ،فإنّ ربك يقولُ :
صدْرَكَ ﴾ :وهذا عامّ لكلّ من حَلَ القّ وأبص َر النورَ ،وسَلكَ
﴿ أََلمْ َنشْرَحْ َلكَ َ
الُدَى .
صدْرَهُ ِللْإِسْلَامِ َفهُ َو عَلَى نُورٍ مّن رّّبهِ فَوَْيلٌ لّ ْلقَاسَِيةِ قُلُوُبهُم مّن
﴿أَ َفمَن َشرَحَ ال ّلهُ َ
ذِ ْكرِ ال ّلهِ ﴾ :إذا فهناك حقّ يشرحُ الصدور ،وباطلٌ يقسّيها .
صدْرَهُ ِللِ ْسلَمِ﴾ :فهذا الدينُ غايةٌ ل يصلُ إليها إل
شرَحْ َ
﴿ َفمَن ُي ِردِ ال ّلهُ أَن َي ْهدِيَهُ َي ْ
السدّد .
حزَنْ إِنّ ال ّلهَ َمعَنَا ﴾ :يقولُها كلّ منْ يتيقّنَ رعاية الِ ،ووليته ولطفه ونصرَه.
﴿ لَ َت ْ
﴿اّلذِينَ قَالَ َل ُهمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ َقدْ َج َمعُواْ لَ ُكمْ فَا ْخشَوْ ُهمْ َفزَادَ ُهمْ ِإيَانا وَقَالُواْ
َحسْبُنَا ال ّلهُ وَِن ْعمَ الْوَكِيلُ ﴾ :كفايتُه تكفيك ،ووليتُه تميك .
﴿يَا أَّيهَا النّبِيّ َحسْبُكَ ال ّلهُ َو َمنِ اتَّبعَكَ ِمنَ اْلمُ ْؤمِنِيَ ﴾ :وكلّ منْ سلك هذهِ الادّة
حصل على هذا الفوزِ .
﴿ وَتَ َوكّ ْل عَلَى اْلحَيّ اّلذِي لَا َيمُوتُ﴾ :وما سوا ُه فميّتٌ غَيْرُ حيّ ،زائلٌ غَيْرُ باقٍ ،
ذليلٌ وليس بعزيزٍ .
حزَنْ عَلَيْ ِهمْ وَلَ تَكُ فِي ضَ ْيقٍ ّممّا َيمْ ُكرُونَ{
﴿ وَاصِْبرْ َومَا صَ ْبرُكَ إِلّ بِال ّلهِ وَلَ َت ْ
}127إِنّ ال ّلهَ مَعَ اّلذِينَ اّتقَواْ وّاّلذِينَ هُم ّمحْسِنُونَ﴾ :فهذهِ معيتهُ الاصةُ لوليائِهِ بالفظِ
والرعاي ِة والتأييدِ والوليةِ ،بسبِ تقواهمْ وجهادِهمْ .
حزَنُوا وَأَنُتمُ ا َلعْلَوْنَ إِن كُنتُم مّ ْؤمِِنيَ﴾ :علوّا ف العبوديةِ والكانةِ .
﴿وَلَ َتهِنُوا وَلَ َت ْ
ل تحزن
58
﴿ لَن َيضُرّو ُكمْ إِلّ َأذًى وَإِن ُيقَاتِلُو ُكمْ يُوَلّو ُكمُ ا َلدُبَارَ ُثمّ لَ يُنصَرُونَ ﴾ .
ي َعزِيزٌ ﴾ .
﴿كَتَبَ ال ّلهُ َلَأغْلِبَنّ أَنَا وَرُسُلِي إِنّ ال ّلهَ قَ ِو ّ
﴿ إِنّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَاّلذِينَ آمَنُوا فِي اْلحَيَاةِ الدّنْيَا وَيَوْمَ َيقُومُ الْأَ ْشهَادُ ﴾ .
وهذا عهدٌ لنْ يْلَفَ ،ووعدٌ لنْ يتأخّرَ .
﴿ وَأُفَ ّوضُ َأ ْمرِي إِلَى ال ّلهِ إِنّ ال ّلهَ َبصِيٌ بِاْلعِبَادِ{}44فَوَقَاهُ ال ّلهُ سَيّئَاتِ مَا مَ َكرُوا﴾ .
﴿ َوعَلَى ال ّلهِ فَلْيَتَ َوكّلِ اْلمُ ْؤمِنُونَ ﴾ .
سبُ ،فلماذا تزنُ ف هذا اليومِ ،
حْل تز ْن وقدّرْ أنكَ ل تعيشُ إل يوما واحدا فَ َ
وتغضبُ وتثورُ ؟!
ف الثرِ (( :إذا أصبحتَ فل تنتظر الساءَ ،وإذا أمسيتَ فل تنتظرِ الصباحَ )) .
والعن :أن تعيشَ ف حدودِ يومِك َف َ
حسْبُ ،فل تذكرِ الاضي ،ول تقلقْ من
الستقبلِ .قال الشاعرُ :
ولك الساع ُة الت أنت فيها ما مضى فاتَ والؤمّل غَْيبٌ
ب الت حدثتْ ومضتْ ، إنّ الشتغالَ بالاضي ،وتذكّرَ الاضي ،واجترار الصائ ِ
لمْقِ والنونِ . ث الت انتهتْ ،إنا هو ضَرْبٌ من ا ُ والكوار َ
يقول الَثَ ُل الصينّ :ل تعبْ ِجسْرا حت تأتيَه .
ومعن ذلك :ل تستعجلِ الوادثَ وهومَها وغمومَها حت تعيشَها وتدركَها .
ك وقدْ ولّى ،وغدُكَ ولْ
يقولُ َأ َحدُ السلفِ :يا ابن آدمَ ،إنا أنتَ ثلثةُ أيامٍ :أمسُ َ
يأتِ ،ويومُك فات ّق الَ فيه .
كيف يعيشُ منْ يملُ هومَ الاضي واليومِ والستقبلِ ؟! كيف يرتاحُ منْ يتذكرُ ما صار
وما جرى ؟! فيعيدهُ على ذاكرتِهِ ،ويتألُ لهُ ،وألُه ل ينفعُه ! .
ومعن (( :إذا أصبحتَ فل تنتظر الساءَ ،وإذا أمسيتَ فل تنتظرِ الصباحَ )) :أيْ :
حسِنُ ال َعمَلَ ،فل تطمحْ بمومك لغيِ هذا اليومِ
أن تكو ُن قصيَ الملِ ،تنتظرُ الجَلَ ،وُت ْ
ل تحزن
59
ب اهتمامَك فيهِ ،مسّنا
الذي تعيشُ فيه ،فتركّزَ جهودكَ عليه ،وتُرّتبَ أعمالَكَ ،وتص ّ
ك مهتمّا بصحتِك ،مصلحا أخلقَكَ مع الخرين . خُل َق َ
*************************************
وقفــةٌ
ل تزنْ :لنّ القضاءَ مفروغٌ منهُ ،والقدورُ واقعٌ ،والقلمُ جَ ّفتْ ،والصحفُ
طُويتْ ،وكلّ أمرٍ مستقرّ ،فحزنُك ل يقدّمُ ف الواقعِ شيئا ول يؤخّرُ ،ول يزيدُ ول يُنقِصُ .
ل تزنْ :لنك بزنِك تريدُ إيقافَ الزمنِ ،وحب َ
س الشمسِ ،وإعادةَ عقاربِ
الساعةِ ،والشيَ إل اللفِ ،ور ّد النهرِ إل منب ِعهِ .
ل تزنْ :لنّ الزَنَ كالري ِح الوْجاءِ تُفسدُ الواءَ ،وتُبعثرُ الاءَ ،وتغيّرُ السماءَ ،
وتكسرُ الورو َد اليانعة ف الديق ِة الغنّاءِ .
ل تزنْ :لنّ الحزون كالنهرِ الحقِ ينحدرُ من البحرِ ويصبّ ف البحرِ ،وكالت
نقضتْ غزلا من بعدِ قوةٍ أنكاثا ،وكالنافِخِ ف قربةٍ مثقوبةٍ ،والكاتبِ بإصبعهِ على الاءِ .
ل تزنْ :فإنّ عمركَ القيقيّ سعادتُك وراحةُ بالِك ،فل تُنفقْ أيامكَ ف الزْنِ ،
وتبذّرْ لياليَك ف المّ ،وتوزّع ساعاتِك على الغمو ِم ول تسرفْ ف إضاعةِ حياتِك ،فإنّ ال
ل يبّ السرفي .
******************************
لفرح بتوبة ال عليك
أل يشرحُ صدركَ ،ويزيلُ هّك وغمّك ،ويلبُ سعادتك قو ُل ربّك جلّ ف عله :
سهِمْ لَا َتقْنَطُوا مِن رّ ْح َمةِ ال ّلهِ ِإنّ ال ّلهَ َي ْغ ِفرُ الذّنُوبَ
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ اّلذِينَ أَ ْسرَفُوا عَلَى أَن ُف ِ
َجمِيعا إِّنهُ هُوَ اْل َغفُورُ الرّحِيمُ ﴾ ؟ فخاطََبهُمْ بـ «يا عبادي» تأليفا لقلوِب ِهمْ ،وتأنيسا
لروا ِحهِمْ ،وخصّ الذين أسرفُوا ،لنمُ الكثرون من الذنوبِ والطايا فكيف بغيِهم ؟!
وناهْم ع ِن القنوطِ واليأسِ من الغفرةِ وأخب أنه يغفرُ الذنوب كلّها لنْ تاب ،كبيها
ل تحزن
60
ف الت
وصغيَها ،دقيقها وجليلَها .ث وصفَ نفسه بالضمائرِ الؤكدةِ ،و «الـ » التعري ِ
تقتضي كمال الصفةِ ،فقال ﴿ :إِّنهُ هُوَ اْل َغفُورُ الرّحِيمُ ﴾ .
شةً أَوْ ظَ َلمُواْ أَْن ُفسَ ُهمْ
أل تسعدُ وتفرحُ بقولِهِ جلّ ف عله ﴿ :وَاّلذِينَ ِإذَا َفعَلُواْ فَا ِح َ
صرّوْا عَلَى مَا َفعَلُواْ وَ ُهمْ
ذَ َكرُواْ ال ّلهَ فَاسَْت ْغ َفرُواْ ِلذُنُوِبهِمْ َومَن َي ْغ ِف ُر الذّنُوبَ إِلّ ال ّلهُ وََلمْ ُي ِ
َيعْ َلمُونَ ﴾ ؟!
جدِ ال ّلهَ
وقولِهِ جلّ ف عله َ ﴿ :ومَن َي ْعمَلْ سُوءا أَوْ َيظْ ِلمْ َن ْفسَهُ ُثمّ َيسَْتغْ ِفرِ ال ّلهَ َي ِ
َغفُورا رّحِيما ﴾ ؟!
وقولِهِ ﴿ :إِن َتجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُ ْنهَوْنَ عَنْهُ نُ َك ّفرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِ ُكمْ وَُندْخِلْكُم ّمدْ َخلً
َكرِيا ﴾ ؟!
س ُهمْ جَآؤُوكَ فَاسَْت ْغ َفرُواْ ال ّلهَ وَاسَْت ْغفَرَ
وقولِهِ عزّ من قائلٍ ﴿ :وَلَوْ أَّن ُهمْ إِذ ظّ َلمُواْ أَن ُف َ
َلهُمُ الرّسُولُ لَوَ َجدُواْ ال ّلهَ تَوّابا رّحِيما ﴾ ؟!
وقولِهِ تعال ﴿ :وَإِنّي َل َغفّارٌ ّلمَن تَابَ وَآ َمنَ َوعَمِلَ صَالِحا ُثمّ اهَْتدَى ﴾ ؟!
ولا قَتَلَ موسى عليه السلمُ نفسا قال َ ﴿ :ربّ إِنّي ظَ َلمْتُ َن ْفسِي فَاغْ ِفرْ لِي َف َغفَرَ
َلهُ﴾.
وقال عن داو َد بعدما تاب وأناب َ ﴿ :ف َغفَرْنَا َل ُه ذَِلكَ وَإِنّ َل ُه عِندَنَا َلزُْلفَى وَ ُحسْنَ
مَآبٍ ﴾ .
سبحانَهُ ما أرحَمهُ وأكرمَهُ !! حت إنه عرض رحته ومغفرته لنْ قالَ يلبتثليثِ ،فقال
عنهم ّ ﴿ :ل َقدْ َكفَرَ اّلذِينَ قَالُواْ إِنّ ال ّلهَ ثَالِثُ َثلََثةٍ َومَا ِمنْ إِلَـهٍ إِلّ إِلَـهٌ وَا ِحدٌ وَإِن ّلمْ
يَنَتهُوْا عَمّا َيقُولُونَ لََي َمسّنّ اّلذِينَ َك َفرُواْ مِ ْن ُهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ }73أَ َفلَ يَتُوبُونَ إِلَى ال ّلهِ
وََيسَْت ْغفِرُوَنهُ وَال ّل ُه َغفُورٌ رّحِيمٌ ﴾ .
فيما صحّ عنهُ (( :يقولُ الُ تباركَ وتعال :يا ابن آدم ،إنك ما دعوتن ويقولُ
ورجوتن إل غفرْتُ لك على ما كان منك ول أبال ،يا ابن آدم ،لوْ بلغتْ ذنوبُك عَنَانَ
ل تحزن
61
السماءِ ّ ،ث استغفرتن غفرتُ لك ول أُبال ،يا ابن آدم ،لو أتيتن بقُرابِ الرضِ خطايا
ث لقيتن ل تشركُ ب شيئا ،لتيتُك بقرابِها مغفرةً )) .
سطُ يدهُ بالليلِ ليتوبَ مسيءُ النهارِ ،
أنه قال (( :إنّ ال يب ُ وف الصحيح عنهُ
سطُ يدهُ بالنهار ليتوب مسيءُ الليلِ ،حت تطلعَ الشمسُ من مغربِها )) .
ويب ُ
وف الديث القدسيّ (( :يا عبادي ،إنكمْ تُذنبون بالليلِ والنهارِ ،وأنا أغفرُ
الذنوبَ جيعا ،فاستغفرون أغفرْ لكم )) .
ل بكمْ ولاءَ
وف الديثِ الصحيحِ (( :والذي نفسي بيدهِ ،لو لْ تذنبُوا لذهبَ ا ُ
بقومٍ آخرين يذنبون ،فيستغفرون ال ،فيغفرُ لم )) .
خفْتُ عليكم ما هو أشدّ
وف حديثٍ صحيحٍ (( :والذي نفسي بيدهِ لو لْ تذنبوا َل ِ
من الذنبِ ،وهو ال ُعجْبُ )) .
وف الديثِ الصحيح (( :كلّكمْ خطّاءٌ ،وخيُ الطّائي التوابون )) .
أنه قالَ (( :لُ أفرحُ بتوب ِة عبدِه من أحدكم كان على راحلِتهِ ،عليها وصحّ عنه
طعا ُمهُ وشرابه ،فضلّت منهُ ف الصحراء ،فبحث عنها حت أِيسَ ،فنام ث استيقظ فإذا
هي عند رأسِه ،فقال :اللهمّ أنت عبدي ،وأنا ربّكَ .أخطأ من شّدةِ الفرحِ )) .
أنه قالَ (( :إ ّن عبدا أذنب ذنبا فقال :اللهم اغفرْ ل ذنب فإنهُ ل وصحّ عنه
يغفرُ الذنوبَ إل أنت ،ث أذنب ذنبا ،فقال :اللهمّ اغفرْ ل ذنب فإنه ل يغفرُ الذنوبَ إل
أنت ،ث أذنب ذنبا ،فقال :اللهمّ اغفرْ ل ذنب فإنه ل يغفرُ الذنوبَ إل أنت .فقال الُ
عزّ وجلّ علِمَ عبدي أنّ له ربّا يأخذُ بالذنبِ ،ويعفو عن الذنبِ ،فليفعلْ عبدي ما شاء)).
والعن :ما دام أنهُ يتوبُ ويستغفرُ ويندمُ ،فإن أغفرُ له .
***************************************
كلّ شيءٍ بقضا ٍء وقدَر
ل تحزن
62
؛ أنهُ ل كلّ شيءٍ بقضاءٍ وقدرٍ ،وهذا معتقدُ أهلِ السلمِ ،أتباعِ رسو ِل الدى
يقعُ شي ٌء ف الكونِ إل بعل ِم الِ وبإذنِه وبتقديرِه .
﴿ مَا أَصَابَ مِن ّمصِيبَةٍ فِي الَْأ ْرضِ وَلَا فِي أَنفُسِ ُكمْ إِلّا فِي كِتَابٍ مّن قَبْلِ أَن نّ ْبرَأَهَا
إِنّ ذَلِكَ عَلَى ال ّلهِ َيسِيٌ ﴾ .
﴿ إِنّا كُلّ شَيْءٍ خَ َلقْنَاهُ ِب َقدَرٍ ﴾ .
﴿ وَلَنَبْلُوَنّ ُكمْ ِبشَيْءٍ مّنَ اْلخَوفْ وَاْلجُوعِ وََنقْصٍ ّمنَ ا َلمَوَالِ وَالن ُفسِ وَالّث َمرَاتِ
شرِ الصّاِبرِينَ ﴾ .
وََب ّ
وف الديثِ (( :عجبا لمرِ الؤمنِ !! إنّ أمرهَ كلّه له خي ،إنْ أصابْتهُ سرّاءُ شكر
فكان خيا له ،وإنْ أصابتْه ضرّاءُ صب فكان خيا له ،وليسَ ذلك إل للمؤمن )) .
أنه قال (( :إذا سألتَ فاسألِ الَ ،وإذا استعنت فاستعنْ بالِ ، وصحّ عنه
واعلمْ أ ّن المةَ لو اجتمعُوا على أنْ ينفعوك بشيءٍ ل ينفعوكَ إل بشيءٍ قد كتبهُ الُ لك ِ ،
وإن اجتمعوا على أن يضرّوكَ بشيءٍ ل يضرّوك إل بشي ٍء قدْ كتبهُ الُ عليكَ ،رُفعتِ
القلمُ ،وجفّتِ الصحفُ )) .
وف الديثِ الصحيح أيضا (( :واعلمْ أن ما أصابك ل يكنع لِيخطئَك ،وما أخطأكَ
لْ يكن ليصيبَك )) .
ف القلمُ يا أبا هريرة با أنت لقٍ )) .
أنه قالَ (( :ج ّ وصحّ عنه
أنهُ قالَ (( :احرصْ على ما ينفعُك ،واستعنُ بالِ ول تعجزْ ،ول وصحّ عنه
تقلْ :لو أن فعلتُ كذا لكان كذا وكذا ،ولكنْ قلْ :قدّر الُ وما شاءَ َفعَلَ )) .
(( :ل يقضي الُ قضا ًء للعبدِ إل كان خيا له )) . وف حديثٍ صحيحٍ عنه
سُئل شيخُ السلمِ ابنُ تيميةَ عن العصيةِ :هلْ هيَ خَيْرٌ للعبدِ ؟ قالَ :نعمْ بشرطِها من
الندمِ والتوبةِ ،والستغفارِ والنكسارِ .
وقولُه سبحانه َ ﴿ :و َعسَى أَن تَ ْكرَهُواْ شَيْئا وَهُوَ خَ ْيرٌ لّ ُكمْ َو َعسَى أَن ُتحِبّواْ شَيْئا
. وَأَنُتمْ لَ َتعْ َلمُونَ ﴾ وَهُوَ َشرّ لّ ُكمْ وَال ّلهُ َيعْ َلمُ
ل تحزن
63
تري القاديرُ على غ ْرزِ الِبَ ْر هيَ القاديرُ فلُمن أو َفذَرْ
*****************************************
انتظرِ الف َرجَ
س الصّ ْبحُ
ف الديثِ عند الترمذيّ « :أفضلُ العبادةِ :انتظارُ ال َفرَجِ » ﴿ .أَلَ ْي َ
ِب َقرِيبٍ ﴾ .
ب الفَتْحَ من الفتّاحِ .
صُبْحُ الهمومي والغمومي لحَ ،فانظرْ إل الصباحِ ،وارتق ِ
تقولُ العربُ « :إذا اشتدّ البلُ انقطع » .
والعن :إذا تأزّمتِ المورُ ،فانتظرْ فرجا ومرجا .
خرَجا ﴾ .وقالَ جلّ شأنُهَ ﴿ :ومَن
وقالَ سبحانَهُ وتعال َ ﴿ :ومَن يَّتقِ ال ّلهَ َيجْعَل ّلهُ َم ْ
جعَل ّلهُ ِمنْ َأ ْمرِهِ ُيسْرا ﴾ .
يَّتقِ ال ّلهَ يُ َك ّف ْر عَ ْنهُ سَيّئَاِتهِ وَُيعْ ِظمْ َلهُ أَجْرا ﴾ َ ﴿ .ومَن يَّتقِ ال ّلهَ َي ْ
وقالت العَرَبُ :
ث يذهبْ َن ول ينّهْ ال َغمَراتُ ثّ يَنْجلِينّهْ
وقال آخرُ :
وكمْ سرورٍ قد أتى بَعْدَ السى كمْ فرجٍ بَ ْعدَ إياسٍ قد أتى
حُ ْلوَ النَى الرائقَ من َشوْكِ السّفا من يسنِ الظنّ بذي العرشِ جن
وف الديثِ الصحيحِ (( :أنا عند ظنّ عبدي ب ،فلْيظنّ ب ما شاءَ )) .
﴿ حَتّى ِإذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّواْ أَّن ُهمْ َقدْ ُكذِبُواْ جَاء ُهمْ َنصْرُنَا فَُنجّيَ مَن ّنشَاء ﴾ .
سرِ ُيسْرا ﴾ .
سرِ ُيسْرا{ِ }5إنّ مَعَ اْلعُ ْ
َفإِنّ مَعَ اْل ُع ْ ﴿ وقولهُ سبحانَهُ :
سرَيْن )) .
سرٌ ُي ْ
ب ُع ْ
ضهُم يعلُهُ حديثا (( : -لنْ يغل َ
قال بعضُ الفسرين – وبع ُ
حدِثُ َب ْعدَ ذَِلكَ َأمْرا ﴾ .
وقال سبحانهُ َ ﴿ :لعَلّ ال ّلهَ ُي ْ
حسِنِيَ﴾.
اْل ُم ْ صرَ ال ّلهِ َقرِيبٌ﴾ ﴿.إِنّ رَ ْحمَتَ ال ّلهِ َقرِيبٌ ّمنَ
وقالَ جلّ اسُه﴿ :أَل إِنّ َن ْ
وف الديثِ الصحيح (( :واعلمْ أ ّن النصْ َر مع الصّ ْبرِ ،وأن ال َفرَجَ مَعَ ال ُكرْبِ )) .
وقال الشاعرُ :
ل تحزن
64
ب المرِ أدناهُ إل الفَرجِ
فأقر ُ إذا تضايقَ أمرٌ فانتظ ْر فَرَحا
وقال آخرُ :
ف شؤونٍ تكونُ أو ل تكونُ ي ونامتْ عيونُ سهرتْ أع ٌ
ـلنُك المومَ جُنونُ ت فحِمْـ ع المّ ما استطع َ
فد ِ
ـسِ سيكفيكَ ف غدٍ ما يكونُ إن ربّا كفاكَ ما كانَ بالمـ
وقال آخرُ :
ول تنامنّ إل خال البالِ دعِ القاديرَ تري ف أعنّتِها
يغيّ ُر الُ مِن حالٍ إل حالِ ما بيَ غمضةِ عْينٍ وانتباهتِها
************************************
وقفــة
ل تزنْ :فإنّ أموالك الت ف خزانتِك وقصورَك السامقةَ ،وبساتينَك الضراءَ ،مع
ك وغمّكَ .
الزنِ والسى واليأسِ :زيادةٌ ف أسَ ِفكَ وهّ َ
ل تزنْ :فإنّ عقاقي الطباء ،ودواء الصيادلةِ ،ووصفةَ الطبيبِ ل تسعدُكَ ،وقدْ
أسكنت الزن قلبَك ،وفرشتَ له عينك ،وبسطتَ له جوانَك ،وألفتَه جلدَك .
ل تزنْ :وأنت تلكُ الدعاءَ ،وتُجيدُ النطراح على عتباتِ الربوبيةِ ،وتُحسنُ
ك الثلثُ الخيُ من الليلِ ،ولديكَ ساعةُ تريغ البيِ
السكنة على أبواب ملِكِ اللوكِ ،ومع َ
ف السجودِ .
ل تزنْ :فإنّ ال خَلَقَ لكَ الرض وما فيها ،وأنبت لك حدائقَ ذاتَ بجةٍ ،وبساتي
فيها من ك ّل زوجٍ بيجٍ ،ونلً باسقاتٍ له طل ٌع نضيدٌ ،ونوما لمعاتٍ ،وخائل وجداول ،
ولكنّك تزن !!
ل تزنْ :فأنت تشربُ الاء الزلل ،وتستنش ُق الواء الطّلْق ،وتشي على قدميْك
معاف ،وتنام ليلكَ آمنا .
***************************************
ل تحزن
65
أكِثرْ من الستغفارِ
سمَاء عَلَيْكُم مّدْرَارا{}11
﴿ َفقُلْتُ اسَْتغْ ِفرُوا رَبّ ُكمْ إِّنهُ كَا َن َغفّارا{ُ }10يرْسِلِ ال ّ
جعَل لّ ُكمْ أَْنهَارا﴾ .
جعَل لّ ُكمْ جَنّاتٍ وََي ْ
وَُي ْمدِدْ ُكمْ بَِأمْوَالٍ وَبَِنيَ وََي ْ
فأكثر من الستغفارِ ،لترى الف َرحَ وراحةَ البالِ ،والرزق الللِ ،والذرية الصالةَ ،
والغيثَ الغزيرَ .
سمّى وَيُؤْتِ
﴿ وَأَنِ اسَْتغْ ِفرُواْ رَبّ ُكمْ ُثمّ تُوبُواْ إِلَ ْيهِ ُيمَّتعْكُم مّتَاعا َحسَنا إِلَى أَجَلٍ ّم َ
كُلّ ذِي َفضْلٍ فَضْ َلهُ ﴾ .
وف الديثِ (( :من أكثر منَ الستغفارِ جعلَ الُ ل ُه منْ كلّ همّ َفرَجا ،ومن كلّ
ضيقٍ مرجا )) .
وعليكَ بسيّدِ الستغفار ،الديثُ الذي ف البخاري (( :اللهمّ أنت رب ل إلهَ إل
أنت ،خلقتن وأنا عبدُك ،وأنا على عهدِك ووعدِك ما استطعتُ ،أعوذُ بك من شرّ ما
ك بنعمتِك عليّ ،وأبو ُء بذنب فاغفِرْ ل ،فإن ُه ل يغفرُ الذنوب إل أنت)).
صنعتُ ،أبوءُ ل َ
**********************************
ك بذكرِ الِ دائما
علي َ
قال َ سبحانه ﴿ :أَلَ ِبذِ ْكرِ ال ّلهِ َت ْطمَئِنّ اْلقُلُوبُ ﴾ .وقال ﴿ :فَاذْ ُكرُونِي َأذْ ُكرْ ُكمْ﴾
.وقال ﴿ :يَا أَّيهَا اّلذِينَ آمَنُوا اذْ ُكرُوا ال ّلهَ ذِكْرا كَثِيا{ }41وَسَّبحُوهُ بُ ْكرَةً وَأَصِيلً ﴾ .
وقال سبحانه ﴿ :يَا أَّيهَا اّلذِينَ آمَنُوا لَا تُ ْلهِ ُكمْ َأمْوَالُ ُكمْ وَلَا أَوْلَادُ ُكمْ عَن ذِ ْكرِ ال ّلهِ ﴾ .
حمْدِ رَبّكَ ِحيَ َتقُومُ{َ }48و ِمنَ
وقال ﴿ :وَاذْكُر رّبّكَ ِإذَا َنسِيتَ ﴾ .وقال ﴿ :وَسَّبحْ ِب َ
حهُ وَِإدْبَارَ الّنجُومِ ﴾ .وقال سبحانه ﴿ :يَا أَّيهَا اّلذِينَ آمَنُواْ ِإذَا َلقِيُتمْ فَِئةً فَاثْبُتُواْ
اللّيْلِ َفسَّب ْ
وَاذْ ُكرُواْ ال ّلهَ كَثِيا ّلعَلّ ُكمْ ُتفْ َلحُونَ ﴾ .
وف الديثِ الصحيحِ (( :مَثَلُ الذي يذكرُ ربّه والذي ل يذكرُ ربّه ،مَثَلُ اليّ
واليتِ )) .
ل تحزن
66
(( :سَبَ َق الفرّدون )) .قالوا :ما الفّردون يا رسو َل الِ ؟ قال وقوله
(( الذاكرون ال كثيا والذاكرات )) .
وف حديثٍ صحيحٍ (( :أل أخبُكم بأفضلِ أعمالِكِم ،وأزكاها عند مليكِكُمْ وخ ْيرٍ
ي لكمْ من أن تلقوا عدوّكم فتضربوا أعناق ُهمْ
لكمْ من إنفاقِ الذهبِ والو ِرقِ ،وخ ٍ
ويضربوا أعناقُ ُكمْ )) ؟ قالوا :بلى يا رسول الِ .قال (( :ذِ ْكرُ الِ )) .
فقال :يا رسول الِ إنّ شرائع وف حديث صحيح :أ ّن رجلً أتى إل رسول
السلم قدْ كُثرَتْ عليّ ،وأنا كَبِرْتُ فأخبْن بشيءٍ أتشّبثُ بهِ .قال (( :ل يزالُ لسانُكَ
رطْبا بذكرِ الِ )) .
*****************************************
ل تيأسْ منْ رَ ْوحِ الِ
﴿ إِّنهُ لَ يَيْأَسُ مِن رّوْحِ ال ّلهِ إِلّ اْلقَوْمُ الْكَا ِفرُونَ ﴾ .
﴿ حَتّى ِإذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّواْ أَّن ُهمْ َقدْ ُكذِبُواْ جَاء ُهمْ َنصْرُنَا ﴾ .
﴿ وََنجّيْنَاهُ مِنَ اْل َغمّ وَ َكذَلِكَ نُنجِي اْلمُ ْؤمِِنيَ ﴾ .
﴿ وَتَظُنّونَ بِال ّلهِ الظّنُونَا{ }10هُنَالِكَ ابْتُلِيَ اْلمُ ْؤمِنُونَ َوزُْلزِلُوا زِْلزَالً َشدِيدا﴾ .
******************************************
ف عمّن أساء إليكَ
اع ُ
ص الباهظِ ،وهو الذي يدفعُه النتقمُ من الناسِ ،الاقدُ عليهمْ :يدفعُه من ث ُن ال َقصَا ِ
قلبِه ،ومن لمِهِ ودمِهِ ،من أعصابِه ومن راحتِهِ ،وسعادتِه وسرورِهِ ،إذا أراد أنْ يتشفّى ،أو
غضبَ علي ِهمْ أو حَ َقدَ .إنه الاسرُ بل شكّ .
وقدْ أخبَنا الُ سبحانه وتعال بدواءِ ذلك وعل ِجهِ ،فقالَ ﴿ :وَالْكَا ِظ ِميَ اْلغَ ْيظَ
ي عَنِ النّاسِ ﴾ .
وَاْلعَا ِف َ
ض عَنِ اْلجَاهِ ِليَ ﴾ .
وقالَ ُ ﴿ :خذِ اْل َعفْوَ وَْأ ُمرْ بِاْل ُعرْفِ وََأعْ ِر ْ
ل تحزن
67
وقالَ ﴿ :ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَ ْحسَنُ َفِإذَا اّلذِي بَيْنَكَ وَبَيَْن ُه َعدَاوَةٌ َكأَّنهُ وَلِيّ َحمِيمٌ ﴾ .
*************************************
عندك نعم كثية
فكّرْ ف نِعَ ِم الِ الليل ِة وف أعطياِتهِ الزيلةِ ،واشكُ ْرهُ على هذ ِه النعمِ ،واعلمْ أنكَ
مغمورٌ بأعطياِتهِ .
حصُوهَا ﴾ .
قال سبحانه وتعال ﴿ :وَإِن َت ُعدّواْ ِنعْ َمةَ ال ّلهِ لَ ُت ْ
وقال ﴿ :وَأَسْبَ َغ عَلَيْ ُكمْ ِن َعمَهُ ظَا ِهرَةً وَبَاطَِنةً ﴾ .
وقال سبحانه َ ﴿ :ومَا بِكُم مّن ّن ْع َمةٍ َفمِنَ ال ّلهِ ﴾ .
جعَل ّل ُه عَيْنَيْنِ{ }8وَِلسَانا
وقال سبحانه وهو يقررُ العبدُ بنعمِهِ عليهِ ﴿ :أََلمْ َن ْ
وَ َشفَتَ ْينِ{ }9وَ َهدَيْنَاهُ الّنجْدَْينِ ﴾ .
ِن َعمٌ تَ ْترَى :نعمةُ الياةِ ،ونعمةُ العافيةِ ،ونعمةُ السمعِ ،ونعمةُ البصرِ ،واليدينِ
والرجليْن ،والا ِء والواءِ ،والغذاءِ ،ومن أجلّها نعم ُة الدايةِ الربانية ( :السلَمُ ) .يقولُ
أحدُ الناسِ :أتريدُ بليون دولر ف عينيك ؟ أتريُد بليون دولرٍ ف أذنيك ؟ أتريدُ بليون دولر
ف رجليك ؟ أتريدُ بليون دولرٍ ف يديك ؟ أتريدُ بليون دولرٍ ف قلبك ؟ كمْ من الموالِ
الطائلةِ عندك وما أديتَ شُكْرَها !! .
****************************************
الدنيا ل تستحق الزن عليها
إ ّن ما يثبتُ السعادة وينمّيها ويعمقُها :أنْ ل تتمّ بتواف ِه المورِ ،فصاحبُ المةِ العاليةِ
هّه الخرةُ .
قال أحدُ السلفِ وهو يُوصِي أحد إخوانِه :اجع ْل المّ هّا واحدا ،همّ لقاءِ الِ عز
خفَى مِنكُمْ خَافَِيةٌ ﴾ .
وجل ،همّ الخرة ،همّ الوقوفِ بي يديْهِ ﴿ ،يَ ْومَِئذٍ ُت ْعرَضُونَ لَا َت ْ
ل تحزن
68
فليس هناك هومٌ إل وهي أقلّ من هذا المّ ،أيّ همّ هذه الياةُ ؟ مناصبِها ووظائِفها ،
وذهبِها وفضتِها وأولدِها ،وأموالِها وجاهِها وشهرتِها وقصورِها ودورِها ،ل شيء !!
والُ جلّ وعل قد وصف أعداءَهُ النافقي فقال ﴿ :أَ َهمّ ْتهُمْ أَن ُفسُ ُهمْ يَظُنّونَ بِال ّل ِه غَ ْيرَ
اْلحَقّ ﴾ ،فهمّهم :أنف ُ
سهْم وبطونُهم وشهواتُهم ،وليست لمْ ِه َممٌ عاليةٌ أبدا !
ولّا بايع الناس نَحتَ الشجرةِ انفلت أحدُ النافقي يبحثُ عن َجمَلٍ لهُ أحر ،وقالَ :
لُصول على جلي هذا أحبّ إلّ من بيْعتِ ُكمْ .فورَدَ « :كلّكمْ مغفورٌ له إلّ صاحبَ الملِ
الح ِر » .
إنّ أحد النافقي أهتْهُ نفسهُ ،وقال لصحابهِ :ل تنفروا ف الرّ .فقال سبحانه ﴿ :
قُلْ نَارُ َجهَّنمَ أَ َشدّ َحرّا ﴾ .
وقال آخرُ ﴿ :اْئذَن لّي وَلَ َتفْتِنّي ﴾ .وهّه نفسُه ،فقال سبحانه ﴿ :أَلَ فِي اْلفِتَْنةِ
َسقَطُواْ ﴾ .
وآخرون أهْت ُهمْ أمواُل ُهمْ وأهلوهْم َ ﴿ :شغَلَتْنَا َأمْوَالُنَا وََأهْلُونَا فَاسَْت ْغ ِفرْ لَنَا ﴾ .إنِا
المومُ التافهةُ الرخيصةُ ،الت يملُها التافهون الرخيصون ،أما الصحابة الجلّ ُء فإنمْ يبتغون
فضلً من الِ ورضوانا .
**********************************
ل تزنْ واطردِ المّ
راحةُ الؤمن غَفَْلةٌ ،والفراغُ قاتلٌ ،والعطالَةُ بطالَةٌ ،وأكثرُ الناسِ هوما وغموما
ف والواجسُ رأسُ مالِ الفاليسِ من العملِ الادّ الثمرِ وكدرا العاطلونَ الفارغونَ .والراجي ُ
.
فتحرّك واعملْ ،وزاولْ وطالعْ ،واتْلُ وسبّحْ ،واكتبْ و ُزرْ ،واستفدْ م ْن وقتِك ،ول
تعلْ دقيقةً للفراغِ ،إنك يوم تفرغُ يدخلُ عليك المّ والغمّ ،والاجسُ والوساوسُ ،وتصبحُ
ميدانا للعيبِ الشيطانِ .
*************************************
ل تحزن
69
اطلب ثوابك من ربك
اجعلْ عملك خالصا لوج ِه الِ ،ول تنتظرْ شكرا من أحدٍ ،ول تت ّم ول تغتمّ إذا
أحسنت لحدٍ من الناسِ ،ووجدته لئيما ،ل يقدّرْ هذ ِه اليد البيضاء ،ول السنة الت
أسديتها إليه ،فاطلبْ أجرك من الِ .
يقول سبحانه عن أوليائِه ﴿ :يَبَْتغُونَ َفضْلً ّمنَ ال ّلهِ وَرِضْوَانا ﴾ .وقال سبحانه عن
أنبيائِه َ ﴿ :ومَا أَسْأَلُ ُك ْم عَلَ ْيهِ مِنْ أَ ْجرٍ ﴾ ﴿ .قُلْ مَا سَأَلْتُكُم ّمنْ أَ ْجرٍ َفهُوَ لَ ُكمْ﴾ َ ﴿.ومَا لِأَ َحدٍ
جزَى﴾ ﴿ .إِّنمَا ُن ْط ِعمُكُمْ لِوَ ْجهِ ال ّلهِ لَا ُنرِيدُ مِن ُكمْ َجزَاء وَلَا شُكُورا﴾ .
عِندَهُ مِن ّن ْعمَةٍ ُت ْ
قال الشاعرُ :
ل يذهبُ العُرفُ بي الِ والناسِ مَنْ يفعلِ اليَ ل يعد ْم جوازِيَهُ
فعاملِ الواحدَ الحد وحد ُه فهو الذي يُثيبُ ويعطي وينحُ ،ويعاقبُ وياسبُ ،
ويرضى ويغضبُ ،سبحانهُ وتعال .
قُتلَ شهداءُ بقندهار ،فقال عمرُ للصحابةِ :من القتلى ؟ فذكروا ل ُه الساء ،فقالوا :
وأناسٌ ل تعرفُهم .فدمعتْ عينا عمرَ ،وقال :ولك ّن ال يعَلمُهم .
وأطعمَ أحدُ الصالي رجلً أعمى فالوْذَجا ( من أفخرِ الكلتِ ) ،فقال أهلُه :هذا
العمى ل يدري ماذا يأكلُ ! فقالَ :لكنّ ال يدري !
ما دام أ ّن الَ مُطِّلعٌ عليك ويعلمُ ما قدّمته من خيٍ ،وما عملته من بِرّ وما أسديتهُ منْ
فضلٍ ،فما عليك من الناسِ .
********************************
لوم اللئميَ وعذْل العُذّالِ
ضرّو ُكمْ إِلّ َأذًى ﴾ ﴿ وَلَ َتكُ فِي ضَ ْيقٍ ّممّا َيمْ ُكرُونَ ﴾ َ ﴿ .و َدعْ َأذَا ُهمْ
﴿ لَن َي ُ
وَتَوَكّ ْل عَلَى ال ّلهِ وَ َكفَى بِال ّلهِ وَكِيلً ﴾ ﴿ .فََبرّأَهُ ال ّلهُ ِممّا قَالُوا ﴾ .
حجَرْ
أنْ رمى فيهِ غلمٌ ِب َ ل يضرّ البحرَ أمسى زاخرا
ل تحزن
70
قال (( : :ل تبلّغون عن أصحاب سوءا ،فإن وف حديثٍ حسن أنّ الرسول
ج إليكمَ وأنا سليمُ الصّدرِ )) .
أُحِبّ أنْ أخر َ
***********************************
ل تزنْ م ْن قلّةِ ذاتِ اليدِ ،فإن ال ِقلّةُ معها السّلمةُ
كلّما ترفّهَ السمُ تعقدتِ الروحُ ،والقلّ ُة فيها السلمةُ ،والزهدُ ف الدنيا راحةٌ عاجلةٌ
حنُ َنرِثُ الَْأ ْرضَ َو َم ْن عَلَ ْيهَا ﴾ .
يقدّمها الُ لن شاءَ من عبادهِ ﴿ :إِنّا َن ْ
قال أحدُهم :
ذاك النعيمُ الجَلّ ماءٌ وخبزٌ وظِلّ
إ ْن قلتُ إن مُقلّ كفرتُ نعم َة ربّي
ما هيَ الدنيا إل ماءٌ باردٌ وخبزٌ دافئٌ ،وظلٌ وارفٌ !!
وقال الشافعي :
ب وفيِضي آبارَ تكْرُور تبِِرا ـ َ أمطري لؤلؤا ساء سرنْديـ
وإذا متّ لستُ أعدمُ قبا أنا إ ْن عشتُ لستُ أعدمُ قوتا
نفسُ حرّ ترى الذلّةَ كُفْرا هّت ِهمّةُ اللوكِ ونفسي
إنا عزّ ُة الواثقي ببادئِهمْ ،الصّادقي ف دعوِتهِمْ ،الادّين ف رسالِت ِهمْ .
*********************************
ل تزنْ مّا ُيتَوَقّع
وُجدَ ف التوراةِ مكتوبا :أكثرُ ما يُخاف ل يكونُ !
ومعناهُ :إنّ كثيا ما يتخ ّوفُهُ الناسُ ل يقعُ ،فإنّ الوهامَ ف الذهانِ ،أكثُر من
الوادثِ ف العيانِ .
إذا جاءك حدثٌ ،وسعتَ بصيبةٍ ،فتمهّلْ وتأ ّن ول تزنْ ،فإنّ كثيا من الخبارِ
والتوقّعات ل صحّة لا ،إذا كان هناك صارفٌ للقد ٍر فيُبحثُ عنهُ ،وإذا ل يكنْ فأين يكونُ؟!
ل تحزن
71
﴿ َأُفَ ّوضُ َأ ْمرِي إِلَى ال ّلهِ إِنّ ال ّلهَ َبصِيٌ بِاْلعِبَادِ{}44فَوَقَاهُ ال ّلهُ سَيّئَاتِ مَا مَكَرُوا ﴾.
***********************************
نقْد أهلِ الباط ِل والُسّادِ
فإنك مأجورٌ – من نقدهمْ وحسدهِمْ – على صبِك ،ثّ إنّ نقدهُ ْم يساوي قيمتك ،
ث إنّ الناس ل ترفسُ كلبا ميتا ،والتافهي ل ُحسّاد لم .
قال أحدُهمْ :
ول ترى لِلِئَامِ الناسِ ُحسّادا حسّدةًإن العراني تلقاها ُم َ
وقال الخر :
فالناسُ أعداءٌ ل ُه وخصومُ سدُوا الفت إذْ ل ينالوا سعَيهُ َح َ
حسدا ومقتا إن ُه لذميمُ كضرائرِ السنا ِء قُلْن لوج ِههَا
وقال زهيٌ :
ل ينعُ ال منهمْ ما له ُحسِدوا سدُون على ما كان من نِ َعمٍ
مُح ّ
وقال آخرُ :
حت على الوتِ ل أخلو مِ َن السدِ همْ يسدون على موت فوا أسفا
وقالُ الشاعرُ :
سدِذا سؤددٍ إل أُصيب ُب ّ وشكوتَ مِن ظلمِ الوشاةِ ولنْ تدْ
سدِ
والتافهُ السكيُ غ ُي م ّ ل زلت ياسِبط الكرا ِم مسّدا
سألَ موسى ربّ أنْ يكفّ ألسنةَ الناسِ عنهُ ،فقال الُ عزّ وجلّ (( :يا موسى ،ما
اتذتُ ذلك لنفسي ،إن أخلقُهم وأرز ُق ُهمْ ،وإنم يسبّونَنِي ويشتُموننِي )) !!
أنهُ قال (( :يقولُ الُ عزّ وجلّ :يسبّن ابنُ آدمَ ،ويشتمن ابنُ وصحّ عنهُ
آدم ،وما ينبغي له ذلك ،أمّ سبّه إياي فإنهُ يسبّ الدهر ،وأنا الدهرُ ،أقلّبُ الليلَ
ل تحزن
72
والنهارَ كيف أشاءُ ،وأما شتمُه إياي ،فيقولُ :إنّ ل صاحبةً وولدا ،وليسَ ل صاحبةٌ ول
ولدٌ)).
إنكَ لنْ تستطيع أن تعتقل ألسنةَ البشرِ عن فرْي ِع ْرضِك ،ولكنك تستطيعُ أن تفعلَ
اليَ ،وتتنب كلمهم ونقدهم .
قال حاتٌ :
سعتُ فقلتُ مٌرّي فانفذين وكلمةِ حاسدٍ منْ غيِ جرْمِ
ول يند لا أبدا جبين وعابوها عليّ ول تعِبْن
وقال آخرُ :
فمضيتُ َثمّة قلتُ ل يعنين ولقدْ أمرّ على السفيهِ يسُبّن
وقال ثالثٌ :
فخيٌ مِنْ إجابِتِه السكوتُ إذا نَ َطقَ السّفيهُ فل ُتجِْبهُ
إ ّن التافهي والخوسي يدون تدّيا سافرا من النبلءِ واللمعي والهابذةِ .
كانتْ ذنوب فَقُلْ ل كيف أعتذرُ؟! إذا ماسن اللئي ُأدِلّ با
أه ُل الثرا ِء ف الغالبِ يعيشون اضطرابا ،إذا ارتفعتْ أسهمُهم انفضَ ضغطُ الدمِ
حسَبُ أَنّ مَاَلهُ
عندهم ﴿ ،وَيْلٌ لّكُلّ ُه َمزَةٍ ّلمَزَةٍ{ }1اّلذِي َجمَعَ مَالً َو َعدّدَهُ{َ }2ي ْ
أَخْ َلدَهُ{ }3كَلّا لَيُنَبذَنّ فِي اْلحُ َط َمةِ ﴾ .
يقولُ أحدُ أدباءِ الغَرْبِ :افعلْ ما هو صحيحٌ ،ث أدرْ ظهرك لك ّل نقدٍ سخيفٍ !
ومن الفوائدِ والتجاربِ :ل تردّ على كلمةٍ جارحةٍ فيك ،أو مقولةٍ أو قصيدةٍ ،فإنّ
الحتمالَ دفنُ العايبِ ،واللم عزّ ،والصمت يقهرُ العداء ،والعفو مثوبةٌ وشرفٌ ،
ونصفُ الذين يقرؤون الشتم فيك نسوهُ ،والنصفُ الخرُ ما قرؤوه ،وغيهم ل يدرون ما
السببُ وما القضيةُ ! فل تُرسّخْ ذلك أنت وتعمّقهُ بالردّ على ما قيل .
يقولُ أحدُ الكماءِ :الناسُ مشغولون عن وعنك بنقصِ خبزِهم ،وإنّ ظمأ أحدِهم
ينُسيهم موت وموتك .
ل تحزن
73
بيتٌ فيه سكينةٌ مع خبز الشعيِ ،خيٌ من بيتٍ مليء بأعدادٍ شهيةٍ من الطعمةِ ،ولكنه
روضة للمشاغبة والضجيج .
***********************************
وقفــة
ل تزنْ :فإنّ الرضَ يزولُ ،والصابَ يولُ ،والذنبَ يُغفرُ ،والدّيْنَ يُقضى ،
ب يقدمُ ،والعاصي يتوبُ ،والفقيَ يغتن .
والحبوسَ يُفكّ ،والغائ َ
ل تزنْ :أما ترى السحاب السود كيف ينقشعُ ،والليل البهيم كيف ينجلي ،
والريح الصّ ْرصَرَ كيف تسكنُ ،والعاصفة كيف تدأ ؟! إذا فشدائدُك إل رخاء ،وعيشُك إل
هناء ،ومستقبلُك إل نَعْماءِ .
ل تزنْ :ليبُ الشمس يطفئُهُ وارفُ الظلّ ،وظمأُ الاجرةِ يُبدُه الاءُ النميُ ،و َعضّةٌ
الوعِ يُسكّنُها الُبْزُ الدافِئُ ،ومعاناةُ السهرِ يعقبُهُ نومٌ لذيذٌ ،وآلمُ الرضِ يُزَيُلها لذيذُ
ل والنتظارُ لظةً . العافيةِ ،فما عليك إل الصبُ قلي ً
ل تزنْ :فقدْ حارِ الطباءُ ،و َعجَزَ الكماءُ ،ووقفَ العلماءُ ،وتساء َل الشعراء ،
وبارت اليل أُمام نفاذِ القدرةِ ،ووقوعِ القضاءِ ،وحتميةِ القدورِ قال عليّ بنُ جبلةَ :
نعلّلُ نفسنا بعسى عسى فرجٌ يكونُ عسى
ض النّفسَا
ـت هّا يقب ُ فل تقنط وإن لقيْـ
ءُ ِمنْ فرجٍ إذا يئسِا فأقربُ ما يكونُ الرْ
***************************************
اخترْ لنفسك ما اختاره الُ لك
قمْ إن أقامك ،واقعدْ إنْ أقعدك ،واصبْ إذا أفقرَك ،واشكرْ إذا أغناك .
فهذه من لوازم (( :رضيتُ بالِ ربا ،وبالسلمِ دينا ،وبحمد نبيا )) .
قال أحدُ ُهمْ :
ل تحزن
74
فأولوا التدبيِ هلْكى ل تُدبّرْ لك أمرا
ننُ أول بِك مِنكا وارضَ عنّا إن حَكمْنا
***************************************
ل تراقبْ تصرّفات الناس
فإنّهم ل يلكون ضرّا ول نفعا ،ول موتا ول حياة ول نشورا ،ول ثوابا ول عقابا .
قال أحدُهم :
وفاز باللذةِ السورُ مَ ْن راقب الناسَ ماتَ هّا
وقال بشّار :
ت الفاتِكُ الّلهِجُ
وفاز بالطيبا ِ من راقب الناس ل يظفرْ باجتهِ
ش لوْ علم بهِ اللو ُك لالدونا عليهِ بالسيوفِ .قالَ إبراهيمُ بن أدهم :نن ف عيْ ٍ
وقال ابنُ تيمية :إنه ليمرّ بالقلبِ حالٌ ،أقولُ :إن كان أهلُ النةِ ف مثلِ حالِنا إنم
ف عيشٍ طيبٍ .
قال أيضا :إنه ليمرّ بالقلبِ حالتٌ يرقصُ طربا ،من الفرحِ بذكرهِ سبحانه وتعال
والنس به .
وقال ابنُ تيمية أيضا عندما أُدخِل السجنَ ،وقدْ أغلق السجّانُ الباب ،قال ﴿ َفضُرِبَ
بَيَْنهُم ِبسُورٍ ّلهُ بَابٌ بَاطُِنهُ فِيهِ الرّ ْحمَةُ وَظَا ِهرُهُ مِن قِبَ ِلهِ اْل َعذَابُ ﴾ .
وقال وهو ف سجنِه :ماذا يفعلُ أعدائي ب ؟! أنا جنت وبستان ف صدري ،أنّى
سرْتُ فهي معي ،إنّ قتلي شهادةٌ ،وإخراجي من بلدي سياحةٌ وسجن خلوةٌ .
يقولون :أيّ شيء َو َجدَ من فق َد ال ؟! وأيّ شي ٍء فقدَ من وجد ال ؟! ل يستويان
أبدا ،منْ وجد ال وجد كلّ شيء ،وم ْن فقد ال فقد كلّ شيءٍ .
(( :لن أقولُ :سبحان الِ ،والمدُ لِ ،ول إله إل الُ ،والُ أكبُ ، يقول
أحبّ إلّ ما طلعتْ عليه الشمسُ )) .
ل تحزن
75
قال أحدُ السلفِ عنِ الثرياءِ وقصورِهمْ ودورِهمْ وأموالمْ :نأكلُ ويأكلون ،ونشربُ
،ويشربون ،وننظرُ وينظرون ،ول نُحاسبُ ويُحاسبون .
﴿ وََل َقدْ جِئُْتمُونَا ُفرَادَى َكمَا خَ َلقْنَا ُكمْ أَوّلَ َمرّةٍ ﴾ .
ص َدقَ ال ّلهُ رَسُوَلهُ ﴾ .والنافقون يقولون ﴿ :مّا َوعَدَنَا ال ّلهُ
الؤمنون يقولون َ ﴿ :
وَرَسُوُلهُ إِلّا ُغرُورا ﴾ .
حياتُك م ْن صنع أفكارِك فالفكارُ الت تستثمرُها وتفكرُ فيها وتعيشُها هي الت تؤثرُ ف
حياتِك ،سوا ٌء كانتْ ف سعادةٍ أو شقاوةٍ .
يقولُ أحدُهم :إذا كنت حافيا ،فانظرْ لنْ بُتِ َرتْ ساقاه ،تمّ ْد ربّك على نعمةِ
الر ْجلَيْن .
قال الشاعرُ :
ول أضيقُ به ذرعا إذا وقعا ل يلُ الولُ قلب قبل وقعتِهِ
************************************
أحسن إل الناس
فإنّ الحسانَ على الناسِ طريقٌ واسعةٌ من طرقِ السعادةِ .وف حديثٍ صحيح (( :إنّ
ال يقولُ لعبدهِ وهو ياسُبهُ يوم القيامةِ :يا ابنّ آدم ،جعتُ ول تطعمْن .قال :كيف
أطعمُك وأنت ربّ العالي ؟! قال :أما علمت أ ّن عبدي فلن ابن فلنٍ جاع فما
أطعمْتهُ ،أما إنكَ لو أطعمْتَهُ وجدتَ ذلك عندي .يا ابن آدم ،ظمئتُ فلمْ تسقن .قال :
كيف أسقيك وأنت ربّ العاليَ! قال :أما علمت أ ّن عبدي فلن ابن فل ٍن ظمِئَ فما
أسقيته ،أما إنّك ل ْو أسقيته وجدْت ذلك عندي .يا ابن آدم ،مرضْتُ فلم تعُدن .قال :
كيف أعودُك وأنت ربّ العالي ؟! قال :أما علمْت أنّ عبدي فلن ابن فل ٍن مرض فما
عدَْتهُ ،أما إنك لوْ عدت ْه وجدتن عندهُ ؟! )) .
ل تحزن
76
هنا لفتةٌ وهي وجدتن عندهُ ،ول يق ْل كالسابقتي :وجدته عندي ؛ لنّ ال عند
النكسِرة قلوبُهم ،كالريض .وف الديثِ (( :ف كلّ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ )) .واعلمْ أنّ أدخل
امرأةً بغِيّا منْ بن إسرائيل النة ،لنا سقتْ كلبا على ظمأ .فكيف بنْ أطعمَ وسقى ،
ورفع الضائقة وكشف الكُرْبَةَ ؟!
أنهُ قال َ (( :منْ كان لهُ فضلُ زادٍ فلَيعُد بهِ على َمنْ ل زاد لهُ ، وقدْ صحّ عنهُ
ومنْ كان له فضلُ ظ ْه ٍر فليعدْ ب ِه على منْ ل ظهر لهُ )) .أي ليس لهُ مركوبٌ .
وقدْ قال حاتٌ ف أبياتٍ لهُ جيلةٍ ،وهو يُوصِي خادمهُ أنْ يلتمس ضيفا يقولُ
إذا أتى ضيفٌ فأنت حُرّ أوقدْ فإنّ الليل ليلٌ قرّ
ويقول لمرأته :
ل فإن لستُ آكلُهُ وحدي أكي ً إذا ما صنعتِ الزاد فالتمسي لهُ
وقال أيضا :
ويبقى من الالِ الحاديثُ وال ّذكْرُ أماويّ إنّ الال غادٍ ورائحٌ
ت يوما وضاق با الصدرُ إذا حشرج ْ أماويّ ما يُغن الثراءُ ع ِن الفت
ويقول :
غِنانا ول أزرى بأحسابنا الفقْرُ فما زادنا فخرا على ذي قرابةٍ
وقال عروةُ بنُ حزامٍ
بوجهي شحوب القّ والقّ جاهدُ أتزأُ من أن سنِت وأن ترى
وأحسو قراح الاءِ والاءُ باردُ أوزّعُ جسمي ف جسومٍ كثيةٍ
وكان ابنُ الباركِ لهُ جارٌ يهوديٌ ،فكان يبدأ فيُطعم اليهوديّ قبل أبنائهِ ،ويكسوه قبل
ف جوارُف قيمتُها ،وأل ٌ أبنائِه ،فقالوا لليهوديّ :بعنا دارك .قال :داري بألفيْ دينارٍ ،أل ٌ
ابن الباركِ ! .فسمع ابن الباركِ بذلك ،فقال :اللهمّ اهدِهِ إل السلمِ .فأسلم بإذ ِن الِ !.
ل تحزن
77
ومرّ ابنُ البارك حاجّا بقافلةٍ ،فرأى امرأةً أخذتْ غُرابا مْيتا من مزبلةٍ ،فأرسلَ ف
أثرِها غلمه فسألا ،فقالتْ :ما لنا منذُ ثلثةِ أيامٍ إل ما يُلقى با .فدمعتْ عيناهُ ،وأمر
بتوزيعِ القافلةِ ف القريةِ ،وعاد وترك حجّته تلك السنةِ ،فرأى ف منامِهِ قائلً يقولُ :حجّ
مبورٌ ،وسعيٌ مشكورٌ ،وذنبٌ مغفورٌ .
صةٌ ﴾ .
سهِمْ وَلَوْ كَانَ ِب ِهمْ َخصَا َ
ويقولُ الُ عزّ وجلّ ﴿ :وَيُؤِْثرُو َن عَلَى أَن ُف ِ
وقالَ أحدُ ُهمْ :
عن صاحب ف أرض ِه وسائِ ِه إن وأ ْن كنتُ امرأً متباعدا
ت ندائِهوميبُ دعوتِه وصو ُ لفيدهُ نصري وكاشفُ كَرْبهِ
يا ليت أنّ علىّ فض َل كسائِهِ وإذا ارتدى ثوبا جيلً لْ أقلْ
يا لِ ما أجلَ الُلقَ ! وما أجلّ الواهبَ ! وما أحسن السجايا !
ل يندمُ على فعْلِ الميلِ احدٌ ولو أسرف ،وإنا الندمُ على فعلِ الطأ وإنْ قلّ .
وقال أحدُ ُهمْ ف هذا العن :
والشرّ أخبثُ ما أوْعَْيتَ مِ ْن زَادِ اليُ أبقى وإنْ طال الزمانُ بهِ
*****************************************
إذا ص ّكتْ أذانك كلمةٌ نابيةٌ
سدْ
واهجرْ ملمةَ َمنْ تشفّى أو َح َ اح ِرصْ على جعِ الفضائلِ
قُبِلتْ وبعد الوتِ ينقطعُ السدْ واعلمْ بأ ّن العمرَ موْسمُ طاعةٍ
يقولُ أحدُ علما ِء العصرِ :إنّ على أهلِ الساسيةِ الرهفة من النقدِ أنْ يسكبوا ف
أعصابِهم مقادير من البودِ أمام النقدِ الظالِ الائرِ .
وقالوا « :لِ دَوّ السدِ ما أ ْعدََلهُ ،بدأ بصاحِبهِ فقتلهُ » .
وقال التنب :
ما فاته وفضولُ العيْشِ أشغالُ ِذكْ ُر الفت عمرهُ الثان وحاجتُه
ل تحزن
78
ل ْلقِ مَعَكَ
ل تزنْ من فِعلِ ا َ
وانظرْ إل فعْلِهم مع الالقِ
عندَ أحد ف كتابِ الزهدِ ،أن ال يقولُ (( :عجبا لك يا ابن آدم ! خلقتُك وتعبدُ
غيي ،ورزقتُك وتشكرُ سواي ،أتبّبُ إليك بالنعمِ وأنا غنّ عنك ،وتتبغّضُ إلّ
بالعاصي وأنت فقيٌ إلّ ،خيي إليك نازلٌ ،وشرّك إلّ صاعدٌ )) !! .
وقد ذكروا ف سية عيسى عليه السلمُ أنه داوى ثلثي مريضا ،وأبرأ عميان
كثيين ،ث انقلبوا ضدّه أعداءً .
************************************
ل تزنْ منْ تعسّر الرزقِ
ل تحزن
81
سمَاء
فإنّ الرزّاق هو الواحدُ الحدُ ،فعنده رِزْقُ العبادِ ،وقدْ تكفّلَ بذلك ﴿ ،وَفِي ال ّ
ِرزْقُ ُكمْ َومَا تُو َعدُونَ ﴾ .
فإذا كان الُ هو الرزاقُ فلِم يتملّقُ البشرُ ،ولِم تُهانُ النفسُ ف سبيلِ الرزقِ لجل
البشرِ ؟! قال سبحانه َ ﴿ :ومَا مِن دَآّبةٍ فِي الَ ْرضِ إِ ّل عَلَى ال ّلهِ ِرزْ ُقهَا ﴾ .وقال ج ّل اسُه :
﴿ مَا َيفَْتحِ ال ّلهُ لِلنّاسِ مِن رّ ْح َمةٍ فَلَا ُممْسِكَ َلهَا َومَا ُيمْسِكْ َفلَا ُمرْسِلَ َلهُ مِن َب ْعدِهِ ﴾ .
*********************************
أسبابٌ ت ّو ُن الصائب
.1انتظارُ الجرِ والثوبةِ من عند الِ عزّ وجلّ ﴿ :إِّنمَا يُوَفّى الصّاِبرُونَ أَ ْجرَهُم
ِبغَ ْيرِ ِحسَابٍ ﴾ .
.2رؤيةُ الصابي :
على إخوانِهمْ لَقَتَ ْلتُ نفسي ولول كثر ُة الباكِي حول
فالت ِفتْ َيمْنَةً والتفتْ َيسْرَةً ،هل ترى غل مصابا أو متحنا ؟ وكما قيل :ف كلّ وادٍ
بنو سعدٍ .
.3وأنا أسهلُ منْ غيِها .
.4وأنا ليستْ ف ديِ ِن العبدِ ،وإنا ف دنياه .
.5وأنّ العبودية ف التسليم عند الكارهِ أعظمُ منها أحيانا ف الحابّ .
.6وأنه ل حيلة :
إنا اليلةُ ف تَرْكِ اليَلْ فاتركِ اليلة ف تويِلها
﴾. .7وأنّ البة لِ ربّ العالي َ ﴿ :و َعسَى أَن تَ ْكرَهُواْ شَيْئا وَهُوَ خَ ْيرٌ لّ ُكمْ
*******************************
ل تتقمص شخصية غيِك
ل تحزن
82
﴿ وَلِكُلّ وِ ْج َهةٌ هُوَ مُوَلّيهَا فَاسْتَِبقُواْ اْلخَ ْيرَاتِ ﴾ ﴿ وَهُوَ اّلذِي َجعَلَكُمْ َخلَئِفَ
شرََبهُمْ ﴾ .
الَ ْرضِ َورَفَعَ َبعْضَ ُكمْ َف ْوقَ َبعْضٍ َدرَجَاتٍ ﴾ ﴿ َقدْ عَ ِلمَ كُلّ أُنَاسٍ مّ ْ
الناسُ مواهبُ وقدراتٌ وطاقاتٌ وصنعاتٌ ،ومن عظم ِة رسولِنا أنه وظّف أصحابه
حسب قُدراتِهمْ واستعداداتِهم ،فعليّ للقضاءِ ،ومعاذٌ للعِ ْلمِ ،وُأبّ للقرآنِ ،وزيدٌ
للفرائضِ ،وخالد للجهادِ ،وحسّانُ للشعِر ،وقيسُ بنُ ثابتٍ للخطابةِ .
ُمضِرّ كوضعِ السيفِ ف موضعِ الندى فوضْ ُع الندى ف موضعِ السيف بالعُل
جهِزٌ.
الذوبانُ ف الغ ِي انتحا ٌر تقمّصُ صفاتِ الخرين قتلٌ ُم ْ
ت الِ عزّ وجلّ :اختلفُ صفاتِ الناسِ ومواهبِهمْ ،واختلفِ ألسنتِهمْ ومنْ آيا ِ
وألوانِهمْ ،فأبو بكر برحِتهِ ورفقِ ِه نف َع المةَ واللّة ،وعمرُ بشدّتِهِ وصلبتِهِ نصر السلمَ
وأهله ،فالرضا با عندك من عطاءٍ موهبةٌ ،فاستثمرها ونّها وقدّمها وانفع با ﴿ ،لَ يُكَلّفُ
. س َعهَا ﴾
وُ ْ ال ّلهُ َنفْسا إِلّ
إنّ التقليد العمى والنصهار السرف ف شخصياتِ الخرين وأدٌ للموهبةِ ،وقَتْلٌ
للرادةِ وإلغا ٌء متعمّدٌ التميّزِ والتفرّدِ القصودِ من الليقةِ .
**********************************
عـزّ العزلةِ
وأقصدُ با العزلة عن الشرّ وفضولِ الباحِ ،وهي مّا يشرحُ الاطر ويُذهبُ الزن .
قال ابن تيمية :ل لبدّ للعبدِ من عزلةٍ لعبادتِه وذكرِه وتلوتِه ،وماسبتِه لنفسِه ،
ودعائِه واستغفارِه ،وبُعدِه عن الشرّ ،ونوِ ذلك .
ولقد عقد ابنُ الوزي ثلثة فصولٍ ف ( صيْدِ الاطرِ ) ،ملخّصها أنه قال :ما سعتُ
ت كالعزلة ،راحةً وعزّا وشرفا ،وبُعدا عن السوءِ وعن الشرّ ،وصوْنا للجاهِ ول رأي ُ
والوقتِ ،وحِفظا للعمرِ ،وبعدا عن السّا ِد والثقلءِ والشامتي ،وتفكّرا ف الخرةِ ،
ل تحزن
83
واستعدادا للقا ِء الِ عزّ وجلّ ،واغتناما ف الطاعةِ ،وجولن الفكر فيما ينفعُ ،وإخراج
كنوزِ الِ َكمِ ،والستنباط من النصوصِ .
ونو ذلك من كلمِهِ ذكرهُ ف العزلةِ هذا معناه بتصرّف .
وف العزلةِ استثمارُ العقلِ ،وقطْفُ جَنَى الفكرِ ،وراح ُة القلبِ ،وسلمةُ العرْض ،
وموفورُ الجرِ ،والنهيُ عن النكر ،واغتنامُ النفاسِ ف الطاعةِ ،وتذكّرُ الرحيمِ ،وهجرُ
اللهياتِ والشغلتِ ،والفرارُ من الفتِ ،والبعدُ عن مداراةِ العدوّ ،وشات ِة الاقدِ ،ونظراتِ
الاسدِ ،وماطلةِ الثقيلِ ،والعتذارِ على العاِتبِ ،ومطالبةِ القوقِ ،ومداجاةِ التكبّرِ ،
والصبِ على الحقِ .
وف العزلةِ سَتْرٌ للعوراتِ :عوراتِ اللسانِ ،وعثراتِ الركاتِ ،وفلتاتِ الذهنِ ،
ورعونةِ النفسِ .
فالعزلةُ حجابٌ لوجهِ الحاسنِ ،وصدَفٌ ل ُدرّ الفضلِ ،وأكمامٌ لطلْع الناقبِ ،وما
أحسن العزلةَ مع الكتابِ ،وفرةً للعمرِ ،وفسحةً للجلِ ،وببوحةً ف اللوةِ ،وسفرا ف
طاعةِ ،وسياحةً ف تأمّلٍ .
وف العزلةِ ترصُ على العان ،وتوزُ على اللطائفِ ،وتتأم ُل ف القاصدِ ،وتبن صرح
الرأيِ ،وتشيدُ هيْكلَ العقلِ .
والروحُ ف العزلةِ ف جَذلٍ ،والقلبُ ف فَ َرحٍ اكبَ ،والاطرُ ف اصطيادِ الفوائدِ .
ول تٌرائي ف العزلةِ :لنهُ ل يراك إل الُ ،ول تُسمعِ بكلمِك بشرا فل يسمعك إل
السمي ُع البصيُ .
كلّ اللمعي والنافعي ،والعباقرِة والهابذةِ وأساطي الزمنِ ،وروّادِ التاريخِ ،وشُداةِ
الفضائلِ ،وعيونِ الدهرِ ،وكواكبِ الحافلِ ،كلّهم سَ َقوْا غَرْسَ نُبْلهم من ما ِء العزلةِ حت
استوى على سُوقِهِ ،فنبتتْ شجرةُ عظمتِهم ،فآتتْ ُأكُلَها كلّ حيٍ بإذ ِن ربّها .
قال عليّ عبدِالعزيز الُرْجانّ :
رأوا رجلً عن موقفِ الذّلّ أ ْحجَما يقولون ل فيك انقباضُ وإنا
ل تحزن
84
ولكنّ نفس الُرّ تتملُ الظّما ت قدْ َأرَى إذا قيلَ هذا مور ٌد قل ُ
بدا طم ٌع صيّرتُهُ لِيَ سُلّما ول أقضِ ح ّق العلمِ إن كنتُ كلّما
إذن فاتّباعُ اله ِل قدْ كان أحزما أأشقى به َغرْسا وأجنيهِ ذلّةً
ولو عظّموه ف النفوسِ لَعُظّما ولو أنّ أهل العل ِم صانوه صانمْ
ُمحَيّاهُ بالطماعِ حت تجّما ولكنْ أهانُوهُ فهانوا ودنّسوا
وقال أحدُ بنُ خليلٍ النبليّ :
حةَ مِن همّ طوي ِل مَنْ أراد العزّ والرا
سِ ويرضى بالقليلِ ليكُنْ فردا من النا
عاش مِنْ عيشٍ وبِيلِ كيف يصفو لمرئٍ ما
ومداجاةِ ثقيل ِ بي غمزٍ مِنْ ختولٍ
ومعاناةِ بيلِ ومداراةِ حسودٍ
سِ على كلّ سبيلِ آهِ منْ معرف ِة النا
وقال القاضي عليّ بن عبدالعزيزِ الرجانّي :
صرتُ للبيتِ والكتابِ جليسا ما تطعّمتُ لذةَ العيشِ حتّى
ـم فما أبتغي سواهُ أنيسا ليس شيءٌ أعزّ من العلـ
س فد ْعهُم وعِشْ عزيزا رئيسا ِ إنّما الذّل ف مالط ِة النا
وقال آخر :
فدام لِي النا وَنمَا السرورُ ستُ بوحدت ولزِمتُ بيت أِن ْ
ب الميُ أسارَ اليشُ أم ركِ َ وقاطعتُ النامَ فما أبال
وقال الميدي الحدّث :
سوى الكثارِ منْ قيلٍ وقالِ لقاءُ الناسِ ليس يُفيدُ شيئا
لكسبِ العلمِ أو إصلحِ حالِ فأقْلِلْ منْ لقاءِ الناسِ إلّ
وقال اب ُن فارس :
ل تحزن
85
تًقضّى حاجةٌ وتفوتُ حا ُ
ج وقالوا كيف حالُك قلتُ خيا
عسى يوما يكونُ لهُ انفراجُ إذا ازدحتْ هومُ الصد ِر قُلْنا
دفاترُ ل ومعشوقي السراجُ نديي هِرّت وأنيسُ نفسي
ب العزلة فهي عِزّ لهُ .ولك أن تراجع كتاب (( العزلةِ)) للخطّاب .
قالوا :كلّ من أح ّ
**********************************
فوائد الشدائد
جبَ ،وتنسفُ الكِبْرَ ،وهيفإنّ الشدائد تقوّي القلب ،وتحو الذنب ،وتقصِ ُم العُ ْ
ذوبانٌ للغفلةِ ،وإشعالٌ للتذكّرِ ،وج ْلبُ عطفِ الخلوقي ،ودعاءٌ من الصالي ،وخضوعٌ
للجبوتِ ،واستسلمٌ للواحد القهارِ ،وزجْرٌ حاضرٌ ،ونذيرٌ مقدمٌ ،وإحياءٌ للذكرِ ،
وتضرّع بالصبِ ،واحتسابٌ للغصصِ ،وتيئ ٌة للقدومِ على الول ،وإزعاجٌ عن الركونِ على
الدنيا والرضا با والطمئنان إليها ،وما خفي من اللطفِ أعظمُ ،وما سُتِرَ من الذنبِ أكبُ ،
وما عُفي من الطأ أجلّ .
***********************************
وقفـةٌ
ل تزنْ :لنّ الزن يضعفُك ف العبادةِ ،ويعطّلك عن الهادِ ،ويُورثُك الحباط ،
ويدعوك إل سوء الظنّ ،ويُوقعُك ف التشاؤمِ .
ل تزنْ :فإنّ الزن والقلق أساسُ المرا ِ
ض النفسيةِ ،ومصدرُ الل ِم العصيبةِ ،ومادةُ
س والضطرابِ .
النيارِ والوسوا ِ
ل تزنْ :ومعك القرآنُ ،والذكرُ ،والدعاءُ ،والصلةُ ،والصدقةُ ،وفعْلُ العروفِ ،
والعملُ النافعُ الثمِرُ .
ل تزنْ :ول تستسلمْ للحزن عن طريقِ الفراغِ والعطالةِ ،صلّ ..سبّحْ اقرأْ ..اكتبْ
..اعملْ ..استقبلْ ..زُرْ ..تأمّلْ .
ل تحزن
86
اْل ُمعَْتدِينَ ﴾ ضرّعا وَ ُخفَْيةً إِّنهُ لَ ُيحِبّ
﴿ ا ْدعُونِي أَسَْتجِبْ لَ ُكمْ ﴾ ﴿ ادْعُواْ رَبّ ُكمْ َت َ
صيَ َلهُ الدّينَ ﴾ ﴿ قُلِ ا ْدعُواْ ال ّلهَ أَوِ ا ْدعُواْ الرّحْمَـنَ أَيّا مّا َت ْدعُواْ فَ َلهُ
﴿فَا ْدعُوا ال ّلهَ ُمخْلِ ِ
حسْنَى ﴾ .
الَ ْسمَاء اْل ُ
*******************************
قواعد ف السعادة
.1اعلمْ أنك إذا ل تعِشْ ف حدودِ يومِك تشتّت ذهنُك ،واضطربتْ عليك أمورُك ،
وكثرتْ هومُك وغمومُك ،وهذا معن (( :إذا أصبحت فل تنتظرِ الساء ،وإذا
أمسيت فل تنتظرِ الصباح )) .
.2انْس الاضي با فيه ،فالهتمامُ با مضى وانتهى ُحمْقٌ وجنونٌ .
.3ل تشتغلْ بالستقبلِ ،فهو ف عالِ الغيبِ ،ودعِ التفكرَ فيه حت يأت .
.4ل تتزّ من النقدِ ،واثبتْ ،واعلمْ أنّ النقد يساوي قيمَتَكَ .
.5اليا ُن بالِ ،والعملُ الصالُ هو الياةُ الطيبةُ السعيدةُ .
.6من أراد الطمئنان والدوء والراحةَ ،فعليه بذك ِر الِ تعال .
.7على العبدِ أن يعلم أنّ شيءٍ بقضاء وقدرٍ .
.8ل تنتظرْ شكرا من أحدٍ .
.9وطَِنْ نفسك على تلقّي أسوأ الفروضِ .
.10لع ّل فيما حصل خيا لك .
.11كلّ قضاءٍ للمسلمِ خيٌ له .
.12فكّرْ ف النعمِ واشكرْ .
.13أنت با عندك فوق كثيٍ من الناسِ .
.14من ساعةٍ إل ساع ٍة فَ َرجٌ .
.15بالبلءِ ُيسَْتخْ َرجُ الدعاءُ .
.16الصائبُ مراهمُ للبصائرِ وقوّةٌ للقلبِ .
ل تحزن
87
.17إ ّن مع ال ُعسْرِ ُيسْرا .
.18ل تقضِ عليك التوافِهُ .
.19إن رّبك واسعُ الغفرةِ .
.20ل تغضبْ ،ل تغضبْ ،ل تغضبْ .
.21الياةُ خبزٌ وماءٌ وظلّ ،فل تكترثْ بغي ذلك .
سمَاء رِزْقُ ُكمْ َومَا تُوعَدُونَ ﴾ .
﴿.22وَفِي ال ّ
.23أكثر ما يٌخافْ ل يكونُ .
.24لك ف الصابي أُسوةٌ .
ب قوما ابتل ُهمْ ..25إنّ ال إذا أح ّ
.26كَ ّررْ أدعيةَ الكَرْبِ .
.27عليك بالعملِ الادّ الثمرِ ،واهجرِ الفراغ .
.28اتركِ الراجيف ،ول تصدقْ الشائعاتِ .
صمُ .
صحّتِكَ أكثر ما َيضُرّ ال ّ.29حقدُكَ وحرصُك على النتقامِ يضُرّ ب ِ
.30كلّ ما يصيبك فهو كفّارةٌ للذنوبِ .
***********************************
ولِم الزنُ وعندك ستّةُ أخلطٍ ؟
ذكر صاحبُ ( الفرجِ بعد الشدةِ ) :أنّ احدَ الكماءِ ابتُليَ بصيبةٍ ،فدخلَ عليه
إخوانُه يعزّونَهُ ف الصابِ ،فقال :إن عملتُ دواءً من ستةِ أخلطٍ .قالوا :ما هي ؟ قال :
اللطُ الولُ :الثق ُة بالِ .والثان :علمي بأنّ كلّ مقدور كائنٌ .والثالثُ :الصبُ خيٌ ما
استعملهُ المتحنُون .والرابعُ :إنْ ل أصبْ أنا فأيّ شيء أعمل ؟! ول أكنْ أُعي على نفسي
بالزع .والامسُ :قد يكنُ أن أكون ف شرّ ما أنا فيه .والسادسُ :من ساعةٍ إل ساعةٍ
فَ َرجٌ .
**********************************
ل تحزن
88
ح َزنْ إذا واجهتْكَ الصعابُ وداهتْك الشاكلُ واعترضتك
ل َت ْ
العوائق ،واصب وتمّلُ
ما تُهيُ بهِ الكرامَ فهاتِها إنْ كانَ عندك يا زمانُ بقيّةٌ
إ ّن الصب أرفقُ من الزعِ ،وإ ّن التحمل أشرفُ من الورِ ،وإن الذي ل يصبُ اختيارا
سوف يصبُ اضطرارا .
وقال التنب :
فؤادي ف غشاءٍ من نبالِ رمان الده ُر بالرزاءِ حت
تكسّرتِ النصالُ على النصالِ فصرتُ إذا أصابتن سهامٌ
لن ما انتفعتُ بأنْ أُبال فعشتُ ول أُبال بالرزايا
وقال أبو الظفر البيوردي :
أَعِ ّز وأحداثُ الزمانِ تُو ُن تنكّرَ ل دهري ول يدرِ أنن
وِبتّ أُري ِه الصب كيف يكونُ فبات يُرين الدهرُ كيف اعتداؤُهُ
إن الكوخ الشبّ ،وخيمةَ الشّعْرِ ،وخبز الشعيِ ،أعزّ وأشرفُ – مع حفظِ ما ِء
الوجهِ وكرامةِ العِ ْرضِ وصوْنَ النفسِ – من َقصْرٍ منيفٍ وحديقةٍ غنّاءَ مع التعك ِي والكَ َدرِ .
الحنةُ كالرض ،لبدّ له من زمن حت يزول ،ومن استعجل ف زوالهِ أوشك أن
يتضاعف ويستفحل ،فكذلك الصيبةُ وا ِلحْنَ ُة لبدّ لا من وقتٍ ،حت تزول آثارُها ،
وواجبُ البتلي :الصبُ وانتظارُ الفرجِ ومداومةُ الدّعاءِ .
*******************************
وقفـــة
﴿ وَلَ تَيْأَسُواْ مِن رّوْحِ ال ّلهِ إِّنهُ لَ يَ ْيأَسُ مِن رّوْحِ ال ّلهِ إِلّ اْلقَوْمُ الْكَا ِفرُونَ ﴾ َ ﴿ .ومَن
حسِنِيَ ﴾ ﴿ .لَا
َيقَْنطُ مِن رّ ْحمَةِ رَّبهِ إِ ّل الضّآلّونَ ﴾ ﴿ .إِنّ رَ ْحمَتَ ال ّلهِ َقرِيبٌ ّمنَ اْل ُم ْ
ل تحزن
89
حدِثُ َب ْعدَ ذَلِكَ َأمْرا ﴾ َ ﴿ .و َعسَى أَن تَ ْكرَهُواْ شَيْئا وَهُوَ خَ ْيرٌ لّ ُكمْ
َتدْرِي َلعَلّ ال ّلهَ ُي ْ
َو َعسَى أَن ُتحِبّواْ شَيْئا وَهُوَ َشرّ لّ ُكمْ وَال ّلهُ َيعْ َلمُ وَأَنُتمْ لَ َتعْ َلمُونَ ﴾ ﴿ .ال ّلهُ َلطِيفٌ ِبعِبَادِهِ
حزَنْ إِنّ ال ّلهَ َمعَنَا ﴾ ِ ﴿ .إذْ َتسَْتغِيثُونَ رَبّ ُكمْ
﴾ ﴿ .وَرَ ْحمَتِي وَ ِسعَتْ كُلّ شَيْءٍ ﴾ ﴿ .لَ َت ْ
حمََتهُ ﴾ ﴿ .
رَ ْ شرُ
فَاسَْتجَابَ لَ ُكمْ ﴾ ﴿ .وَهُوَ اّلذِي يَُنزّلُ اْلغَيْثَ مِن َب ْعدِ مَا قََنطُوا وَيَن ُ
وََي ْدعُونَنَا َرغَبا َورَهَبا وَكَانُوا لَنَا خَا ِش ِعيَ ﴾ .
قال الشاعرُ :
إذا ل ترض منها بالزاجِ مت تصفُو لك الدنيا بيٍ
ومرجهُ من البح ِر الُجاجِ أل تر جوهر الدنيا الصفّى
جرتْ بسرّةٍ لك وابتهاجِ ورُبّ مُخيفةٍ فجأتْ بِهوْلٍ
وربّ إقامةٍ بَ ْعدَ اعوِجاجِ ورُبّ سلمةٍ بَعْدَ امتناعٍ
*************************************
جعَل ّلهُ َمخْرَجا{ }2وََي ْرزُ ْقهُ ِمنْ حَيْثُ لَا َيحَْتسِبُ َومَن يَتَ َوكّلْ
﴿ َومَن يَّتقِ ال ّلهَ َي ْ
جعَلُ ال ّلهُ َبعْ َد ُعسْرٍ ُيسْرا ﴾ .
عَلَى ال ّلهِ َفهُوَ َحسْبُهُ ﴾ ﴿ .سََي ْ
سرِ ُيسْرا )) .
(( واعلم أن النصر مع الصبِ ،وأن الفرج مع الكرْبِ ،وأنّ مع العُ ْ
(( أنا عند ظنّ عبدي ب فلَْي ُظنّ ب ما شاء )) .
. اْلعَلِيمُ ﴾ سمِيعُ
﴿ َفسَيَكْفِي َك ُهمُ ال ّلهُ وَهُوَ ال ّ
﴿ وَتَوَكّ ْل عَلَى اْلحَيّ اّلذِي لَا َيمُوتُ ﴾ .
﴿ َف َعسَى ال ّلهُ أَن يَأْتِيَ بِاْلفَ ْتحِ َأوْ َأ ْمرٍ ّم ْن عِندِهِ ﴾ .
﴿ لَ ْيسَ َلهَا مِن دُونِ ال ّلهِ كَا ِشفَةٌ ﴾ .
**************************************
الزنُ يطّمُ القوّة ويهدّ السم
قال الدكتور « ألكسيس كاريل » الائز على جائزة نوبل ف الطبّ (( :إن رجال
العمالِ الذين ل يعرفون مابة القلقِ ،ويوتون باكرا )) .
قلتُ :كلّ شيء بقضا ٍء وقدرٍ ،لكن قد يكون العن :أن من السباب التلفة
للجسم الحطّمة للكيان ،هو القلقُ .وهذا صحيح .
(( والزنُ أيضا يثيُ القُرْحة! )) :
يقول الدكتور « جوزيف ف .مونتاغيو » مؤلف كتاب (( مشكلة العصبية )) ،
يقول فيه (( :أنت ل تُصاب بالقُرْحَ ِة بسببِ ما تتناولُ من طعامٍ ،بل بسببِ ما يَ ْأكُلُك )) !!.
قال التنب :
ويُشيبُ ناصية الغلمِ ويُهرِمُ والمّ يترمُ السيم نافةً
وطبقا لجلة « ليف » تأت القُرْحَ ُة ف الدرجة العاشرةِ من المراض الفتّاكة .
ل تحزن
97
لزْنِ :
وإليك بعض آثارِ ا ُ
تُرجت ل قطعة من كتاب الدكتور إدوار بودولسكي ،وعنوانه (( :دعِ القلق
وانطلق نو الفضلِ )) إليك بعضا من عناوين فصولِ هذا الكتاب :
•ماذا يفعلُ القلقُ بالقلبِ .
•ضغطُ الدمِ الرتفع يغذّيه القلقُ .
•القَلَقُ يكن أن يتسبب ف أمراضِ الروماتيزم .
•خفّفْ من قلقِك إكراما لعدتِك .
•كيف يكن أن يكون القلقُ سببا للبدِ .
•القلق والغدّةُ الدرقيةُ .
•مصابُ السكري والقلقُ .
وف ترجة لكتاب د .كارل مانينغر ،أحد الطباء التخصصي ف الطبِ النفسي ،
وعنوانه (( :النسان ضدّ نفسه )) ،يقول (( :ل يعطيك الدكتور مانينغر قواعدَ حولَ
كيفيةِ اجتنابِ القلقِ ،بل تقريرا مذهلً عن كيف نطمُ أجسادنا وعقولنا بالقل ِق والكبْتِ ،
والقدِ والزدراءِ ،والثورةِ والوْفِ )) .
إن من أعظم منافع قوله تعال ﴿ :وَاْلعَا ِفيَ َعنِ النّاسِ ﴾ :راحة القلب ،وهدوءَ
الاطِرِ ،وسعَةَ البالِ والسعادة .
وف مدينة « بوردو » الفرنسية ،يقول حاكمها الفيلسوف الفرنسي « مونتي » :
(( أرغبُ ف معالة مشاكلكم بيدي وليس بكبدي ورئتّ )) .
لقْدُ ؟
ماذا يفعل الزنُ ،والمّ وا ِ
وضع الكتور راسل سيسيل – من جامعة « كورنيل » ،معهد الطب – أربعة أسبابٍ
شائعة تسبب ف التهابِ الفاصلِ :
.1انيارُ الزواجِ .
.2الكوارثُ الاديةُ والزنُ .
ل تحزن
98
.3الوحد ُة والقلقُ .
.4الحتقارُ والِ ْقدُ .
وقال الدكتور وليم مالك غوينغل ،ف خطاب لتاد أطباء السنان المريكيي :
(( إن الشاعر غَيْرِ السارّةِ مِثْل القلقِ والوفِ ..يكن أن تؤثر ف توزيع الكالسيوم ف
السم ،وبالتال تؤدي إل تََلفِ السنانِ )) .
وتناول أمورك بدوء :
يقول دايل كارنيجي (( :إن الزنوج الذين يعيشون ف جنوبِ البلدِ والصينيي نادرا
ب الناتةِ عن القلقِ ؛ لنم يتناولون المور بدوء )) .
ما يُصابون بأمراض القل ِ
ويقول (( :إن عدد المريكيي الذين يُقبلون على النتحار هو أكثر بكثي من الذين
يوتون نتيجة للمراض المسة الفتّاكة )) .
وهذه حقيقة مذهلة تكا ُد ل تصدّقُ !
حسّنْ ظنّك بربّك :
قال وليم جايس(( :إن ال يغفرُ لنا خطايانا ،لكن جهازنا العصب ل يفعل ذلك
أبدا))!
ذكر ابن الوزير ف كتابه «العواصم والقواصم» (( :إن الرجاء ف رحة ال -عزّ وجلّ
-يفتح المل للعبدِ ،ويقوّيه على الطاعةِ ،ويعلُه نشيطا ف النوافلِ سابقا إل الياتِ)) .
قلتُ :وهذا صحيح ،فإن بعض النفوس ل يصلحها إل تذكّر رحة ال وعفوه وتوبته
وحلمه ،فتدنو منه ،وتتهدُ وتثابرُ .
إذا هامَ بِك اليالُ :
يقول توماس أدسون (( :ل توجد وسيلةٌ يلجأُ إليها النسانُ هَرَبا من التفكي )) .
وهذا صحيح بالتجربة ،فإن النسان قد يقرأُ أو يكتبُ وهو يفكرُ ،ولكن من أحسن
ما ي ّد التفكي ويضبطه العملُ الادّ الثمرُ النافعُ ،فإن أهل الفراغ أهلُ خيا ٍل وجنوحٍ
وأراجيف .
ل تحزن
99
****************************
رحّبْ بالنّق ِد البنّاءِ
يقولُ أندريه مورو (( :إنّ كلّ ما يتفقُ مع رغباتِنا الشخصيةِ يبدو حقيقيّا ،وكلّ ما
هو غيُ ذلك يُثي غضبنا .
قلتْ وكذلك النصائح والنقدُ ،فالغالبُ أننا نبّ الدح ونَطْ َربُ لهُ ،ولو كان باطلً ،
ونكر ُه النقد والذّمّ ولو كان حقّا وهذا عيبٌ وخطأٌ خطيٌ .
﴿ وَِإذَا دُعُوا إِلَى ال ّلهِ وَرَسُوِلهِ لَِيحْ ُكمَ بَيَْن ُهمْ ِإذَا َفرِيقٌ مّ ْنهُم ّم ْعرِضُونَ{ }48وَإِن
يَكُن ّل ُهمُ اْلحَقّ َيأْتُوا إِلَ ْيهِ ُمذْعِِنيَ ﴾ .
يقو ُل وليمُ جايس (( :عندما يت ّم التوصلّ إل قرارٍ يُن ّفذُ ف نفسِ اليومِ ،فإنك
ستتخلّص كليّا من المومِ لبت ستسيطرُ عليك فيما أنت تفكرُ بنتائجِ الشكلةِ ،وهو يعن أنك
ض ف تنفيذِ ِه ول تتوقّف متردّدا أو قلِقاُ أو إذا اتذت قرارا حكيما يركزُ على الوقائعِ ،فام ِ
تتراجعٌ ف خطواتِك ،ول تضّيعْ نفسك بالشكو ِك الت ل تلدُ غلّ الشكوك ،ول تستمرّ ف
النظرِ إل ما وراءِ ظهرك )) .
واشدوا ف ذلك :
حيان ل ظفرٌ ول إخفاقُ ومٌشّتتُ العزماتِ يُنفقُ عمرهُ
وقال آخرُ :
فإنّ فساد الرأي أة تتردّدا إذا كنت ذا رأي فكنُ ذا عزيةٍ
إن الشجاعة ف اتاذِ القرارِ إنقاذ لك من القلقِ والضطرابِ َ ﴿ .فِإذَا َعزَمَ الَْأ ْمرُ فَلَوْ
ال ّلهَ لَكَانَ خَيْرا ّل ُهمْ ﴾ . صدَقُوا
َ
**************************************
ل تتوقفْ متفكّرا أو متردّدا
بل اعملْ وابذُ ْل واهجرِ الفراغ
ل تحزن
100
يقولُ الدكتو ُر ريتشاردز كابوت :أستاذُ الطبّ ف جامعةِ ( هارفرد ) ،ف كتاب ِة
ش النسانُ ) (( :بصفت طبيبا ،أنصحُ بعلجِ ( العملِ ) للمرضى الذين بعنوان ( ب يعي ُ
يعانون من الرتعاشِ الناتجِ عن الشكوكِ والتردّدِ والوفِ ..فالشجاعةُ الت ينحُها العملُ لنا
هي مث ُل العتمادِ على النّفسِ الذي جعله ( أمرسونُ ) دائم الرّوعةِ )) .
. ﴾ شرُوا فِي اْلأَ ْرضِ وَابَْتغُوا مِن فَضْلِ ال ّلهِ
﴿ فَِإذَا ُقضِيَتِ الصّلَاةُ فَانَت ِ
يقولُ جورج برناردشو (( :يكنُ سرّ التعاسةِ ف أن يتاح لك وقتٌ لرفاهيةِ التفكيِ ،
فيما إذا كنت سعيدا أو ل ،فل تتمّ بالتفكيِ ف ذلك بل ابق منهمكا ف العمل ،عندئذ يبدأُ
دمُك ف الدورانِ ،وعقُلك بالتفكيِ ،وسرعان ما تُذ ِهبُ الياةُ الديدة القلق من عقلِك !
عملْ وابق منهمكا ف العملِ ،فإنّ أرخص دواءٍ موجودٍ على وجهِ الرضِ وأفضلُه )) .
﴿ وَقُ ِل ا ْعمَلُواْ َفسََيرَى ال ّل ُه عَمَلَ ُكمْ وَرَسُوُلهُ وَاْلمُ ْؤمِنُونَ ﴾ .
يقولُ دزرائيلي « :الياةُ قصيةٌ جدا ،لتكون تافه ًة » .
وقال بعض حكماءِ العربِ « :الياةُ أقصرُ من أن نقصّرها بالشحناءِ » .
ض عَ َددَ سِِنيَ{ }112قَالُوا لَبِثْنَا يَوْما أَوْ َبعْضَ يَوْمٍ فَا ْسأَلْ
﴿ قَالَ َكمْ لَبِثُْتمْ فِي اْلأَ ْر ِ
اْلعَادّينَ{ }113قَالَ إِن لّبِثُْتمْ إِلّا قَلِيلً لّوْ أَنّ ُكمْ كُنُتمْ َتعْ َلمُونَ ﴾ .
البلءُ ف صالِك
ل تزعْ من الصائبِ ،ول تكترثْ بالكوارثِ ،ففي الديثِ (( :إن ال إذا أحبّ
قوما ابتلهم ،فمنُ رضي فلهُ الرضا ،ومنْ سخط فَ َل ُه السخطُ )) .
**************************************
عبوديةُ الذعانِ والتسليمِ
ومنْ لوازمِ اليانِ أنْ ترضى بالقدرِ خيهِ وشرّهِ ﴿ ،وَلَنَبْلُوَنّ ُكمْ ِبشَيْءٍ مّنَ اْلخَوفْ
شرِ الصّاِبرِينَ ﴾ .إ ّن القدار ليستْ على
وَاْلجُوعِ وََنقْصٍ مّنَ ا َلمَوَالِ وَالن ُفسِ وَالّث َمرَاتِ وََب ّ
رغباتِنا دائما وإنا بقصورِنا ل نعرفُ الختيار ف القضا ِء والقدرِ ،فلسْنا ف مقامِ القتراحِ ،
ولكننا ف مقامِ العبوديّ ِة والتسليمِ .
يُبتلى العبدُ على قدرِ إيانه (( ،أُوعكُ كما يُوعَكُ رجلن منكمْ )) (( ،أشدّ الناسِ
بلءً النبياءُ ّ ،ث الصالون )) ﴿ ،فَاصِْبرْ َكمَا صََبرَ أُوْلُوا اْل َعزْمِ مِنَ الرّسُلِ ﴾ (( ،مَن يردِ
ب منهُ )) ﴿ ،وَلَنَ ْبلُوَنّ ُكمْ حَتّى َنعْ َلمَ اْل ُمجَا ِهدِينَ مِن ُكمْ وَالصّاِبرِينَ وَنَبْ ُلوَ
الُ بهِ خيا يص ْ
أَخْبَارَ ُكمْ ﴾ ﴿ ،وََل َقدْ فَتَنّا اّلذِينَ مِن قَبْ ِل ِهمْ ﴾ .
****************************************
مِن المارة إل النجارة
عليّ بنُ الأمون العباسي – أميٌ وابنُ خليفة – كان يسكنُ قصرا فخما ،وعندهُ الدنيا
ل يكدحُ طِيلةَ النهارِ ،فإذا
مبذولةٌ ميسّرةٌ ،فأطلّ ذات يومٍ منْ شرف ِة القصرِ ،فرأى عام ً
أضحى النهارُ توضّأ وصلّى ركعتي على شاطئ دِجلة ،فإذا اقترب الغروبُ ذهب إل أهلِه ،
فدعاهُ يوما من اليامِ فسأل ُه فأخبه أن له زوجةً وأختي وأُمّا يكدحُ عليهنّ ،وأنه ل قوت لهُ
ول دخل إل ما يتكسبُه من السوقِ ،وأنه يصومُ كلّ يومٍ ويُفط ُر مع الغروبِ على ما يصلُ ،
ل تحزن
169
قال :فهلْ تشكو منْ شيءٍ ؟ قال :ل والمدُ لِ ربّ العالي .فترك القصر ،وترك المارة ،
وهام على وجههِ ،ووُجد ميتا بعد سنواتٍ عديدةٍ وكان يعملُ ف الشب جهة خرسان ؛
لنهُ وجد السعادة ف عملِه هذا ،ول يدْها ف القصرِ ﴿ ،وَاّلذِينَ اهَْتدَوْا زَادَ ُهمْ ُهدًى
. ﴾ وَآتَا ُهمْ َتقْوا ُهمْ
يذكّرن هذه بقصةِ أصحاب الكهفِ ،الذين كانوا ف القصور مع اللكِ ،فوجدُوا
الضيقَ ،ووجدوا التشّتتَ ،ووجدوا الضطرابَ ؛ لنّ الكفر يسك ُن القصر ،فذهبوا ،وقال
شرْ لَ ُكمْ رَبّكُم مّن رّحته وُيهَيّئْ لَكُم مّنْ َأ ْمرِكُم ّمرْفَقا ﴾ .
قائلُهم ﴿ :فَأْوُوا إِلَى الْ َكهْفِ يَن ُ
أحبّ إلّ مِ ْن قصْرٍ منيفِ لبيتٌ تف ُق الرياحُ في ِه
َسمّ الِياطِ مع الحبابِ ميدانُ ...
والعن :أن الحلّ الضيّق مع البّ واليانِ ،ومع الودّةِ يتّسعُ ويتحمّ ُل الكثي ،
((جفانُنا لضيوفِ الدار أجفانُ )) .
****************************************
ب الكدرِ والنكدِ مالسةُ الثقلءِ
منْ أسبا ِ
ي الطبعِ ،
قال أحدُ :الثقلءُ أه ُل البدعِ .وقيلَ :المقى .وقيل الثقيلُ :هو ثخ ُ
كَأَّن ُهمْ ُخشُبٌ ّمسَّندَةٌ ﴾ ﴿ ،لَ يَكَادُونَ ﴿ الخالفُ ف الشربِ ،الباردُ ف تصرفاتِه ،
َي ْفقَهُونَ َحدِيثا ﴾ .
قال الشافعيّ عنهمْ :إنّ الثقيل ليجلسُ إلّ فأظنّ أ ّن الرض تيلُ ف الهةِ الت هو فيها.
ف عَنّا اْلعَذَابَ إِنّا مُ ْؤمِنُونَ ﴾ .
وكان العمشُ إذا رأى ثقيلً ،قال ﴿ :رَبّنَا ا ْكشِ ْ
سمُ البِغالِ وأحل ُم العصافيِ
ِج ْ ل بأس بالقومِ ِمنْ طُولٍ ومِ ْن قِصرٍ
وكان ابنُ تيمية إذا جالس ثقيلً ،قال :مالسةُ الثقلءِ حّى الربْعِ﴿ ،وَِإذَا رَأَيْتَ اّلذِينَ
َيخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فََأ ْع ِرضْ عَ ْن ُهمْ ﴾ َ ﴿ .فلَ َت ْق ُعدُواْ َم َعهُمْ﴾ (( .مثلُ الليسِ السيّئِ كنافخ
الكيِ)) .إنّ مِن اثقلِ الناسِ على القلوبِ الع ِريّ من الفضائلِ الصغي ف الُُثلِ ،الواقف على
ل تحزن
170
شهواتِه ،الستسلم لرغباتِهَ ﴿ ،فلَ َت ْق ُعدُواْ َمعَ ُهمْ حَتّى َيخُوضُواْ فِي َحدِيثٍ غَ ْيرِهِ إِنّ ُكمْ إِذا
مّثْ ُلهُمْ ﴾ .
قال الشاعرُ :
أنت ف النظرِ إنسانٌ وف اليزان فِيلْ أنت يا هذا ثقيلٌ وثقيلٌ وثقيلْ
قال اب ُن القيمِ :إذا ابتُليت بثقيلٍ ،فسلّم له جسمك ،وهاجرْ بروحِك ،وانتقلْ عنهُ
وَلَا تُطِعْ َمنْ ﴿ وسافرْ ،وملّكْه أذنا صمّاء ،وعيْنا عمياءَ ،حت يفتح الُ بينك وبينه .
َأ ْغفَلْنَا قَلَْب ُه عَن ذِ ْكرِنَا وَاتّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ َأ ْمرُهُ ُفرُطا ﴾ .
**********************************
إل أه ِل الصائبِ
ف الديثِ الصحيحِ (( :م ْن قبضتُ صفّيهُ من أه ِل الدُنْيا ثّ احَْتسََبهُ عوضت ُه منه
النة )) .رواه البخاري .
فأنت اليوم أوعظُ منك حيّا وكانتْ ف حياتِك ل عظاتٌ
وف الديثِ الصحيح (( :من ابتليتُه ببيبت ْيهِ ( أي عين ْيهِ ) عوضتُه منهما النة )) .
﴿ فَإِّنهَا لَا َت ْعمَى الْأَْبصَارُ وَلَكِن َت ْعمَى اْلقُلُوبُ الّتِي فِي الصّدُورِ ﴾ .
وف حديثٍ صحيحٍ (( :إ ّن ال – عزّ وجلّ – إذا قبض ابن العبدِ الؤمنِ قال
للملئكةِ :قبضتُم ابن عبدي الؤمنِ ؟ قالُوا :نعمْ .قال :قبضتُهمْ ثرة فؤادِه ؟ قالوا :
نعم .قال :ماذا قال عبدي ؟ قالوا َ :حمَدَكَ واسترجَعَ .قال :ابْنُوا لعبدي بيتا ف النةِ ،
ل ْمدِ )) .رواه الترمذي .
وسّوه بَيْتَ ا َ
وف الثرِ :يتمنّى أناسٌ يوم القيامةِ أنّهمْ قُرِضوا بالقارضِ ،لِا يروْن منْ ُحسْنِ عُقب
وثوابِ الصابي ﴿ .إِّنمَا ُيوَفّى الصّاِبرُونَ أَ ْجرَهُم ِبغَ ْيرِ ِحسَابٍ ﴾ َ ﴿ ،سلَ ٌم عَلَيْكُم ِبمَا
غ عَلَيْنَا صَبْرا ﴾ ﴿ ،وَاصِْبرْ َومَا صَ ْبرُكَ إِلّ بِال ّلهِ ﴾ ﴿ ،فَاصِْبرْ إِنّ
صََبرُْتمْ ﴾ ﴿ ،رَبّنَا أَ ْف ِر ْ
َو ْعدَ ال ّلهِ َحقّ ﴾ .
ل تحزن
171
ب قوما ابتلهمْ ،
وف الديثِ (( :إنّ عِ َظمَ الزاءِ منْ عِظمِ البلءِ ،وإنّ ال إذا أح ّ
فمنْ رضي فلهُ الرّضا ،ومنْ سخِط فلُه السخطُ )) .رواه الترمذي .
إ ّن ف الصائبِ مسائلَ :الصبَ والقدرَ والجرَ ،وليعلمِ العبدُ انّ الذي أخذ هو الذي
أعطى ،وأنّ الذي سلب هو الذي منحِ ﴿ ،إنّ ال ّلهَ يَ ْأ ُمرُ ُكمْ أَن تُؤدّواْ ا َلمَانَاتِ إِلَى أَهْ ِلهَا ﴾ .
ولب ّد يوما أنْ تُر ّد الودائعُ وما الالُ والهلون إل ودِيعةٌ
************************************
مشاهد التوحيد
إنّ منْ مشاه ِد التوحيدِ عند الذيّةِ ( استقبالِ الذى من الناسِ ) أمورا :
أولُها مشهدُ ال َعفْوِ :وهو مشهدُ سلم ِة القلبِ ،وصفائهِ ونقائِه لنْ آذاك ،وحبّ
اليِ وهي درج ٌة زائدةٌ .وإيصالُ الَيْرِ والنّفعِ له ،وهي درجة أعلى وأعظمُ ،فهي تبدأ
بك ْظمِ الغَْيظِ ،وهو :أنْ ل تُؤذي منْ آذاك ّ ،ث العفو ،وهو أنْ تسامهُ ،وأنْ تغفرَ له زلّتهُ .
والحسانِ ،وهو :أنْ تبادله مكان الساءةِ منه إحسانا منك ﴿ ،وَالْكَا ِظ ِميَ اْلغَ ْيظَ وَاْلعَا ِفيَ
عَنِ النّاسِ وَال ّلهُ ُيحِبّ اْل ُمحْسِِنيَ ﴾ َ ﴿ ،فمَ ْن َعفَا وَأَصْ َلحَ َفأَ ْجرُهُ عَلَى ال ّلهِ ﴾ ﴿ ،وَلَْي ْعفُوا
صفَحُوا ﴾ .
وَلَْي ْ
وف الثرِ (( :إنّ ال أمرن أنْ أصِ َل منْ قطعن ،وأنْ أعفو عمّنْ ظلمنِي وأنْ أُعطي
منْ َح َرمَنِي )) .
ومشهدُ القضاءِ :وهي أنْ تعلم أنه ما آذاك إل بقضاءٍ من الِ وَقدَرٍ ،فإنّ العبد سببٌ
من السبابِ ،وأنّ القدر والقاضي هو الُ ،فتسلّمَ وُتذْعن لولك .
ومشهدُ الكفارةِ :وهي أنّ هذا الذى كفارةٌ منْ ذنوبك وحطّ منْ سيئاتِك ،وموٌ
فَاّلذِينَ هَا َجرُواْ وَأُ ْخرِجُواْ مِن دِيَارِ ِهمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي ﴿ لزلّتِك ،ورفع ٌة لدرجاتِك ،
وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ ُل َك ّفرَ ّن عَنْ ُهمْ سَيّئَاِت ِهمْ ﴾ .
ل تحزن
172
ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ ﴿ من الكم ِة الت يؤتاها كثيٌ من الؤمني ،نَزْعُ فتيلِ العداوةِ ،
أَ ْحسَنُ فَِإذَا اّلذِي بَيَْنكَ وَبَيَْن ُه َعدَاوَةٌ َكأَّنهُ وَلِيّ َحمِيمٌ ﴾ (( ،السل ُم منْ سلِم السلمون منْ
لسانِه ويدهِ )) .
أيْ :أن تَلْقَى منْ آذاك بِبِشر وبكلمةٍ لينةٍ ،وبوجهٍ طليقٍ ،لتنع منهُ أتون العداوةِ ،
نغُ بَيَْن ُهمْ ﴾ .
هِيَ أَ ْحسَنُ إِنّ الشّيْطَانَ يَ َ وتطفئ نار الصومِة ﴿ وَقُل ّلعِبَادِي َيقُولُواْ الّتِي
صحيفةٌ وعليها الِبشْرُ عنوانُ
كٌن ريّق البِشْرِ إنّ الُرّ شيمتُهُ
وم ْن مشاهدِ التوحيدِ ف أذى منْ يؤذيك :
ي النفسِ :وهو انّ هذا ل يُسّلطِ عليك إل بذنوبٍ منك أنت ﴿ ، مشهدُ معرفةِ تقص ِ
أَوََلمّا أَصَابَتْكُم ّمصِيَبةٌ َقدْ أَصَبْتُم مّثْلَ ْيهَا قُلُْتمْ أَنّى هَـذَا قُلْ هُوَ ِم ْن عِندِ أَْن ُفسِ ُكمْ ﴾ َ ﴿ ،ومَا
﴾ أَصَابَكُم مّن ّمصِيَبةٍ فَِبمَا َكسَبَتْ أَْيدِيكُمْ
وهناك مشهدٌ عظيمٌ ،وهو مشهدٌ تمدُ ال عليهِ وتشكرُه ،وهو :أنْ جعلك مظلوما
ل ظالا .
وبعضُ السلفِ كان يقولُ :اللهمّ اجعلْن مظلوما ل ظالا .وهذا كابنْيْ آدم ،إذ قال
خيُها ﴿ :لَئِن َبسَطتَ إِلَيّ َيدَكَ لَِتقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَا ِسطٍ َيدِيَ إِلَ ْيكَ لَأَقْتُ َلكَ إِنّي أَخَافُ ال ّلهَ
َربّ اْلعَاَل ِميَ ﴾ .
وهناك مشهدٌ لطيفٌ آخرُ ،وهو :مشهدُ الرحةِ وهو :إن ترْ َحمَ منْ آذاك ،فإن ُه
يستحقّ الرحةَ ،فإنّ إصراره على الذى ،وجرأته على ماهر ِة الِ بأذيةِ مسلمٍ :يستحقّ أن
ترقّ لهُ ،وأنْ تر َحمَهُ ،وأنْ تنقذه من هذا (( ،انصرْ أخاك ظالا أو مظلوما )) .
ولّا آذى ِمسْ َطحٌ أبا بكرٍ ف عِ ْرضِ ِه وف ابنتِهِ عائشة ،حلف أبو بكرٍ ل ينفقُ على
سعَةِ
مسطحٍ ،وكان فقيا ينفقُ عليه أبو بكرٍ ،فأنزل الُ ﴿ :وَلَا َيأْتَلِ أُوْلُوا اْل َفضْلِ مِن ُكمْ وَال ّ
ص َفحُوا أَلَا ُتحِبّونَ
أَن يُؤْتُوا أُوْلِي اْل ُقرْبَى وَاْلمَسَا ِكيَ وَاْلمُهَا ِجرِينَ فِي سَبِيلِ ال ّلهِ وَلَْي ْعفُوا وَلَْي ْ
أَن َي ْغ ِفرَ ال ّلهُ لَ ُكمْ ﴾ .قال أبو بكرٍ :بلى ُأ ِحبّ أن يغف َر الُ ل .فأعاد له النفقة وعفا عنهُ .
ل تحزن
173
صنٍ لعمر :هيهِ يا عمرُ ؟ وال ما تعطينا الَزْلَ ،ول تك ُم فينا
وقال عيينهُ بنُ ِح ْ
بالعدْلِ .فهمّ به عمرُ ،فقال الرّ بنُ قيس :يا أمي الؤمني ،إنّ ال يقول ُ ﴿ :خذِ اْل َعفْوَ
وَْأ ُمرْ بِاْل ُعرْفِ وََأعْ ِرضْ عَنِ اْلجَاهِ ِليَ ﴾ ،قال :فوالِ ما جاوزها عمرُ ،وكان وقّفا عند
ب الِ .
كتا ِ
ب عَلَيْ ُكمُ الَْيوْمَ َي ْغفِرُ ال ّلهُ لَ ُكمْ وَهُوَ أَرْ َحمُ
وقال يوسُفُ إخوتِهِ ﴿ :قَالَ لَ تَ ْثرَي َ
. الرّاحِ ِميَ ﴾
ف اللِ فيمنْ آذاهُ وطرده وحاربه م ْن كفارِ قريش ،قال (( :اذهبُوا وأعلنها
صرَ َعةِ ،إنّما الشديدُ
ف الديثِ (( :ليس الشديدُ بال ّ
فأنتمُ الطلقاءُ )) قالا يوم الفتحِ ،و ِ
ك نفسه عندَ الغضبِ )) .
الذي يل ُ
قال ابنُ الباركِ :
فكْن لمُ كذي الرّ ِحمِ الشفيقِ إذا صاحبت قوما أهل وُدّ
فتبقى ف الزمانِ بل رفيقِ ول تأخذْ بزلّةِ ك ّل قومٍ
قال بعضُهم :موجودٌ ف النيل :اغفرْ لنْ أخطأ عليك مرةً سبع مراتٍ ﴿ مَ ْن َعفَا
ال ّلهِ ﴾ وَأَصْ َلحَ فَأَ ْجرُ ُه عَلَى
أيْ :منْ أخطأ عليك مرةً فك ّررْ عليه العَ ْفوَ سبع مراتٍ ،ليسلم لك دينُك وعِ ْرضُك ،
ويرتاح قلبُك ،فإنّ ال َقصَاصَ منْ أعصابِك ومنْ دمِك ،ومنْ نومِك ومنْ راحتِك ومنْ
عِرضِك ،وليس من الخرين .
قال النودُ ف مثلٍ لم « :الذي يقهرُ نفسه :أشجعُ من الذي يفتحُ مدين ًة » ِ ﴿ .إنّ الّن ْفسَ
َلمّا َرةٌ بِالسّوءِ إِلّ مَا رَ ِحمَ رَبّيَ ﴾ .
**********************************
وقفـــةٌ
ل تحزن
174
« أما دعوةُ ذي النونِ ،فإ ّن فيها منْ كمالِ التوحيدِ والتنيهِ للربّ تعال ،واعترافِ العبدِ
ب والمّ والغمّ ،وأبلغ الوسائلِ إل الِ سبحانه ف بظلمهِ وذنبه ،ما هو منْ أبلغ أدويةِ الكر ِ
ص وعيبٍ قضاءِ الوائجِ فإنّ التوحيد والتني َه وتضمّنانِ إثبات كلّ كمالٍ لِ ،وسلب كلّ نق ٍ
ب والعقابِ ،ويُوجبُ ع والثوا ِوتثيلٍ عنه .والعترافُ بالظل ِم يتضمّنُ إيان العبدِ بالشر ِ
انكساره ورجوعهُ إل الِ ،واستقالته عثرته ،والعتراف بعبوديتهِ وافتقارِه إل ربّه فهاهنا
ف». أربعة أمورٍ ق ْد وقع التوسّلُ با :التوحيدُ ،والتنيهُ ،والعبوديةُ ،والعترا ُ
شرِ الصّاِبرِينَ{ }155اّلذِينَ ِإذَا أَصَابَ ْتهُم ّمصِيَبةٌ قَالُواْ إِنّا لِ ّلهِ وَإِنّـا إِلَ ْيهِ
﴿ وََب ّ
رَاجِعونَ{ }156أُولَـئِكَ عَلَيْ ِهمْ صَلَوَاتٌ مّن رّّبهِمْ َورَ ْح َمةٌ وَأُولَـئِكَ ُهمُ اْلمُهَْتدُونَ ﴾ .
**************************************
ت بالظاهرِ والباطنِ
اع ِ
صفاءُ النفسِ بصفاءِ الثوبِ ،وهنا أمرٌ لطيفٌ وشيءٌ شريف ،وهو أنّ بعض الكماءِ
يقولُ :منِ اتسخ ثوبُه ،تكدّرتْ نفسُه .وهذا أمرٌ ظاهرٌ .
وكثيٌ من الناسِ يأتيهِ ال َكدَ ُر بسببِ اتساخ ثوْبِهِ ،أو تغيّرِ هِندامِهِ ،أو عدمِ ترتيبِ
مكتبتِهِ ،أو اختلطِ الوراقِ عنده ،أو اضطرابِ مواعيدِه وبرنا ِمجِه اليوميّ ،والكونُ بُن
على النظامِ ،فمنْ َعرَفَ حقيقة هذا الدّينِ ،علم أنه جاء لتنظيمِ حيا ِة العبدِ ،قليلِها
مّا َفرّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ﴾ . ﴿ وكثيِها ،صغيِها وجليلِها ،وكلّ شيءٍ عنده ُبسْبانٍ
وف حديثٍ عند الترمذيّ (( :إنّ ال نظيفٌ يبّ النظافة )) .
وعند مسل ٍم ف الصحيحِ (( :إنّ ال جيلٌ يبّ المال )) .
وف حديثٍ حسنٍ (( :تمّلُوا حت تكونوا كأنكمْ شامةٌ ف عيونِ الناسِ )) .
مشي المالِ إل الِمالِ البُزّلِ سجُها
يشون ف الُللِ الضاعفِ ن ْ
زأولُ المالِ :الهتمامُ بالغسلِ .وعند البخاري (( :ح ّق على السلمِ أنْ يغتسل ف
ك ّل سبعةِ أيا ٍم يوما ،يغسلُ فيه رأسه وجسمهُ )) .
ل تحزن
175
هذا على أقلّ تقديرٍ .وكان بعضُ الصالي يغتسلُ كلّ يومٍ مرةً كعثمان بنِ عفان فيما
ورد عنهُ َ ﴿ ،هذَا ُمغْتَسَلٌ بَا ِردٌ وَ َشرَابٌ ﴾ .
ومنها خصالُ الفطرةِ :كإعفاءِ اللحيِة وقصّ الشاربِ ،وتقليمِ الظافرِ ،وأخذِ الشعرِ
الزائدِ من السمِ ،والسواكِ ،والطّيبِ ،وتليلِ السنانِ ،وتنظيفِ اللبسِ ،والعتناءِ
بالظهرِ ،فإنّ هذا ما يو ّسعُ الصدر ويفسحُ الاطر .ومنها لُبسُ البياضِ (( ،البسوا البياض ،
وكفّنوا فيه موتاكمْ )) .
يُحيّون بالرّيْحانِ يوم السبا ِسبِ رقاقُ النعالِ طيّبا ُحجُزاتُهم
وقد عقد البخاريّ باب :لبسِ البياضِ (( :إنّ اللئكة تنلُ بثيابٍ بيضٍ عليهمْ
عمائمُ بِيضٌ )) .
ومنها ترتيبُ الواعيدِ ف دفت ٍر صغيٍ ،وتنظيمُ الوقتِ ،فوقتٌ للقراءةِ ،ووقتٌ للعبادةِ ،
ووقتٌ للمطالعةِ ،ووقتٌ للراحة ﴿ ،لِكُلّ أَجَلٍ كِتَابٌ ﴾ ﴿ ،وَإِن مّن شَيْءٍ إِ ّل عِندَنَا َخزَائُِنهُ
َومَا نَُنزُّلهُ إِلّ ِب َقدَرٍ ّمعْلُومٍ ﴾ .
ف مكتب ِة الكونرسِ لوحةٌ مكتوبٌ عليها :الكونُ بُن على النظامِ .وهذا صحيحٌ ،
ففي الشرائعِ السماوي ِة الدعوةُ إل التنظيمِ والتنسي ِق والترتيبِ ،وأخب – سبحانه وتعال – أنّ
الكون ليس لْوا ول عبثا ،وأنه بقضاءٍ وقدرٍ ،وأنه بترتيب وبُسبانٍ ﴿ :الشّ ْمسُ وَاْل َقمَرُ
شمْسُ يَنَبغِي َلهَا أَن ُتدْرِكَ اْل َق َمرَ وَلَا اللّ ْيلُ سَاِبقُ الّنهَارِ وَكُلّ فِي فَلَكٍ
حسْبَانٍ ﴾ ﴿ .لَا ال ّ
ِب ُ
َيسَْبحُونَ ﴾ ﴿ .وَاْل َق َمرَ َقدّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتّى عَادَ كَاْل ُعرْجُونِ اْل َقدِيِ ﴾ ﴿ .وَ َجعَلْنَا اللّيْلَ
صرَةً لِتَبَْتغُواْ َفضْلً مّن رّبّ ُكمْ وَلَِتعْ َلمُواْ
وَالّنهَارَ آيَتَ ْينِ َفمَحَوْنَا آَيةَ اللّيْلِ وَ َجعَلْنَا آَيةَ الّنهَارِ مُ ْب ِ
حسَابَ وَ ُكلّ شَيْءٍ َفصّلْنَاهُ َت ْفصِيلً ﴾ ﴿.رَبّنَا مَا خَ َلقْتَ هَذا بَا ِطلً ﴾ َ ﴿ .ومَا
عَ َددَ السِّنيَ وَاْل ِ
خذَ َلهْوا لّاّتخَذْنَاهُ مِن ّلدُنّا إِن
سمَاء وَاْلأَ ْرضَ َومَا بَيَْنهُمَا لَاعِِبيَ{ }16لَوْ أَ َردْنَا أَن نّّت ِ
خَ َلقْنَا ال ّ
كُنّا فَاعِ ِليَ ﴾ .
﴿ وَ ُقلِ ا ْعمَلُواْ ﴾ :
ل تحزن
176
ض النفسيةِ :
كان حكما ُء اليونانِ إذا أرادُوا معالة الصابِ بالوها ِم والقلق والمرا ِ
ت قصي إل وقد عادت إليه عافيته يبونهُ على العم ِل ف الفلحة والبساتي ،فما يرّ وق ٌ
فَا ْمشُوا فِي مَنَاكِِبهَا ﴾ ﴿ ،وَقُ ِل ا ْعمَلُواْ ﴾ . ﴿ وطمأنينته ،
إنّ أهل العما ِل اليدويِة همْ أكثُر الناسِ راحةً وسعاد ًة وبسْطة بالٍ ،وانظرْ إل هؤلءِ
العمّالِ كيف يلكون منْ البالِ وقوةِ الجسامِ ،بسببِ حركتِهمْ ونشاطِهمْ ومزاولتِهمْ ،
جزِ والكسلِ )) .
((وأعوذُ بك من الع ْ
********************************************
*
التْجِئ إل ال
الُ :هو السم الليلُ العظيمُ ،هو أعرفُ العارفِ ،فيه معنً لطيفٌ ،قيل :هو ِمنْ
أَلهَ ،وهو الذي تألُهُ القلوبُ ،وتبّه ،وتسكنُ إليه ،وترضى بهِ وتركنُ إليهِ ،ول يكنُ
للقلبِ أبدا أن يسكن أو يرتاح أو يطمئنّ لغيهِ سبحانه ،ولذلك علّم فاطمة ابنتهُ دعاء
الكرْبِ (( :الُ ،الُ رب ل أشركُ به شيئا )) .وهو حديثٌ صحيحٌ ﴿ ،قُلِ ال ّلهُ ُثمّ َذرْ ُهمْ
﴿ ،ال ّلهُ لَطِيفٌ ِبعِبَادِ ِه﴾ َ ﴿ ،ومَا عِبَادِهِ ﴾ ق
َ ﴿ ،وهُوَ اْلقَا ِهرُ فَ ْو َ ﴾ ض ِهمْ يَ ْلعَبُونَ
فِي خَوْ ِ
َقدَرُوا ال ّلهَ َحقّ َقدْرِهِ وَاْلأَ ْرضُ َجمِيعا قَ ْبضَُتهُ َيوْمَ اْلقِيَا َمةِ وَالسّماوَاتُ َمطْوِيّاتٌ بَِيمِيِنهِ
ِ ﴿ ،إنّ سجِلّ لِلْكُتُبِ ﴾
ال ّ سمَاء كَطَيّ
﴿ ،وْمَ نَ ْطوِي ال ّ ﴾ شرِكُونَ
سُ ْبحَاَنهُ وََتعَالَى َعمّا ُي ْ
ال ّلهَ ُي ْمسِكُ السّمَاوَاتِ وَاْلأَ ْرضَ أَن َتزُولَا ﴾ .
***************************************
عليهِ توكّ ْلتُ
ومنْ أعظمِ ما يُضفي السعادة على العبدِ ركونُهُ إل ربّه ،وتوكّلُه عليهِ ،واكتفاؤه
بوليتهِ ورعايتهِ وحراستهِ ﴿ ،هَلْ َتعْ َلمُ َلهُ َسمِيّا ﴾ ِ ﴿ ،إنّ وَلِيّـيَ ال ّلهُ اّلذِي َنزّلَ الْكِتَابَ
حزَنُونَ ﴾ .
ف عَلَ ْيهِمْ وَلَ ُهمْ َي ْ
وَهُوَ يََتوَلّى الصّاِلحِيَ ﴾ ﴿ ،أَل ِإنّ أَوْلِيَاء ال ّلهِ لَ خَوْ ٌ
**********************************
ل تحزن
177
أجعُوا على ثلثةٍ
طالعتُ الكتب الت تعتن بسألةِ القلقِ والضطرابِ ،سواءٌ كانتْ لسلفِنا من مدّثي
وأدباء ومربّي ومؤرّخي أو لغيِهمْ مع النشراتِ والكتبِ الشرقيةِ والغربيةِ والترجةِ ،
والدورياتِ والجلّتِ ،فوجدتُ الميع ممعي على ثلثةِ أسسِ لنْ أراد الشفاء والعافية
وانشراح الصدرِ ،وهي :
الولُ :التصا ُل بالِ عزّ وجلّ ،وعبوديتُه ،وطاعتُه واللجوءُ إليه ،وهي مسألةُ
. ﴾ اليا ِن الكبى ﴿ ،فَاعْبُدْهُ وَاصْطَِبرْ ِلعِبَادَِتهِ
الثان :إغلقُ ملفّ الاضي ،بآسيهِ ودموعِه ،وأحزانِه ومصائِبِه ،وآلمِه وهومِه ،
والبدءِ بياةٍ جديد ٍة مع يومٍ جديدٍ .
الثالثُ :ترْكُ الستقب ِل الغائبِ ،وعدمُ الشتغالِ ب ِه والنماكُ فيهِ ،وتر ُك التوقعاتِ
حسْبُ .
والنتظاراتِ والتوجّساتِ ،وإنّما العيشُ ف حدو ِد اليو ِم َف َ
قال عليّ :إيّاكمْ وطول الملِ ،فإنّه يُْنسِي ﴿ ،وَظَنّوا أَّن ُهمْ إِلَيْنَا لَا ُيرْ َجعُونَ ﴾ .
حسَبُونَ كُلّ
َي ْ ﴿ ف والشائعاتِ ،فإنّ ال قال عنْ أعدائِه :
إيّاك وتصديق الراجي ِ
حةٍ عَلَ ْي ِهمْ ﴾ .
صَ ْي َ
وعرفتُ أناسا منْ سنواتٍ عديدةٍ ،وهمْ ينتظرون أمورا ومصائب وحوادث وكوارث
ْل تقعْ ،ول يزالون يُخوّفون أنفسهم وغيهم منها ،فسبحان ال ما أنكدُ عَْيشَهمْ !! ومَثَلُ
هؤلءِ كالسجيِ العذّبِ عند الصينيي ،فإنمْ يعلونه تت أنبوبٍ يقطُرُ على رأسِهِ قطرةً من
الاءِ ف الدقيقةِ الواحدةِ ،فيبقى هذا السجيُ ينتظرُ كلّ قطرةٍ ثّ يصيبُه النونُ ،ويفقدُ عقله .
خفّفُ عَنْهُم مّ ْن َعذَابِهَا ﴾ ،
وق ْد وصف الُ أهل النارِ فقال ﴿ :لَا ُي ْقضَى عَلَ ْيهِمْ فََيمُوتُوا وَلَا ُي َ
﴿ لَا َيمُوتُ فِيهَا وَلَا َيحْي ﴾ ﴿ ،كُ ّلمَا َنضِجَتْ جُلُودُ ُهمْ َبدّلْنَا ُهمْ جُلُودا غَ ْيرَهَا ﴾ .
****************************************
أحِلْ ظالك على ال
ل تحزن
178
وعند الِ تتمعُ الصومُ إل الدّيانِ يوم الشْرِ نضي
ويكفي العبد إنصافا وعدْلً أنهُ ينتظ ُر يوما يمعُ الُ في ِه الولي والخرين ،ل ظلم ف
ذلك اليومِ ،والكمُ هو الُ عزّ وجلّ ،والشهودُ اللئكةُ ﴿ ،وََنضَعُ اْلمَوَازِينَ اْل ِقسْطَ لِيَوْمِ
اْلقِيَا َمةِ فَلَا ُتظْ َلمُ َن ْفسٌ شَيْئا وَإِن كَانَ مِ ْثقَالَ حَّبةٍ مّنْ َخ ْردَلٍ أَتَيْنَا ِبهَا وَ َكفَى بِنَا حَاسِِبيَ ﴾ .
*****************************
كسرى وعجوزٍ
ذكر بُزر جهرُ حكيمُ فارس :أ ّن عجوزا فارسيةً كان عندها دجاجٌ ف كوخٍ ماو ٍر
لقصرِ كسرى الاكمِ ،فسافرتْ إل قريةٍ أخرى ،فقالتْ :يا ربّ أستودعُك الدجاج .فلمّا
غابتْ ،عدا كسرى على كوخِها ليوسع قصْره وبستانهُ ،فذبح جنودُه الدجاج ،وهدمُوا
ت العجوزُ فالتفتتْ إل السماءِ وقالتْ :يا ربّ ،غبتُ أنا فأين أنت ! فأنصفها
الكوخ ،فعاد ِ
ي فَقَتَلهُ على فراشِهِ ﴿ .أَلَ ْيسَ ال ّلهُ بِكَافٍ
الُ وانتقم لا ،فعدا ابنُ كسرى على أبيه بالسك ِ
،ليتنا جيعا نكو ُن كخيْرَي ابن آدم القائلِ ﴿ :لَئِن دُوِنهِ ﴾ عَبْدَهُ وَُيخَوّفُونَكَ بِاّلذِينَ مِن
َبسَطتَ إِلَيّ َيدَكَ لَِتقْتُلَنِي مَا أََناْ بِبَا ِسطٍ َيدِيَ إِلَ ْيكَ َلأَقْتُلَكَ ﴾ (( .كنْ عبد الِ القتول ،ول
تكنْ عبد ال القاتل )) ،إنّ عند السلمِ مبدأ ورسال ًة وقضيةً أعظمُ من النتقامِ والتشفي
والِقْدِ والكراهيةِ .
******************************************
ُمرَ ّكبُ النقْصِ قد يكونُ ُم َر ّكبَ كمالٍ
.بعضُ العباقرةِ شقّوا طريقهم بصمودٍ كمْ ﴾
هُوَ خَ ْيرٌ لّ ُ لَا َتحْسَبُوهُ َشرّا لّكُم بَلْ ﴿
ص عارضٍ ،فكثيٌ من العلما ِء كانوا موال ،كعطاءٍ ،وسعيدِ بن جُبيْرٍ ، لحساسِهم بنق ٍ
وقَتَادَةَ ،والبخاريّ ،والترمذيّ ،وأب حنيفة .
وكثيٌ منْ أذكياءِ العالِ وبورِ الشريعةِ أصابُم العمى ،كابن عباسٍ ،وقتادة ،وابنِ أمّ
مكتوم ،والعمشِ ،ويزيدِ ب ِن هارون .
ل تحزن
179
ومن العلماء التأخرين :الشيخُ ممدُ بنُ إبراهيم آل الشيخ ،والشيخُ عبدُالِ بنُ حيد ،
والشيخُ عبدُالعزيزِ ب ُن بازٍ .وقرأتُ عن أذكياء ومترعي وعباقرةٍ عَرَبٍ كان بمْ عاهاتٌ ،
فهذا أعمى ،وذاك أصمّ وآخرُ أعوجُ ،وثانٍ مُقْعدٌ ،ومع ذلك أثّروا ف التاريخ ،وأثّروا ف
جعَل لّ ُكمْ نُورا َت ْمشُونَ ِبهِ ﴾ .
حياةِ البشريةِ بالعلومِ والختراعاتِ والكشوفِ ﴿ .وََي ْ
ليستِ الشهاد ُة العلميةُ الراقيةُ كلّ شيءٍ ،ل تتمّ ول تغت ّم ول تضِقْ ذرْعا لنك ل تنلِ
الشهادة الامعية ،أو الاجستي ،أو الدكتوراه ،فإنا ليستْ كلّ شيء ،بإمكانِك أنْ تؤثّرَ
وأنْ تلمع وأ ْن تقدّم للمةِ خيا كثيا ،ولوْ لْ تكنْ صاحب شهادةٍ علميةٍ .كمْ م ْن رجلٍ
شهيٍ خط ٍي نافعٍ ل يملُ شهادةً ،إنا شقّ طريقه بعصاميّتِ ِه وطموحِه وهّتِه وصمودِه .
نظرتُ ف عصرِنا الاضرِ فرأيتُ كثيا من الؤثّرين ف العالِ الشرعي والدعو ِة والوعي والتربيةِ
والفكرِ والدبِ ،ل يك ْن عندهمْ شهاداتٌ عاليةٌ ،مث ُل الشيخ ابن بازِ ،ومالكِ بنِ نبّ ،
والعقادِ ،والطنطاوي ،وأب زهرة ،والودوديّ والندويّ ،وج ٍع كثيٍ .
ودونك علماء السلفِ ،والعباقرة الذين مرّوا ف القرونِ الفضّلةِ .
وعلّمتْهُ الكرّ والقداما نفسُ عصامٍ سوّدتْ عِصاما
حسّ مِ ْنهُم ّمنْ ف الدكاترةِ ف العالِ طولً وعرضا ﴿ ،هَلْ ُت ِ وعلى الضدّ منْ ذلك آل ُ
أَ َحدٍ َأوْ َتسْمَعُ َل ُهمْ رِكْزا ﴾ .القناعةُ كَنْزٌ عظيمٌ ،وف الديثِ الصحيحِ (( :ارض با قسم
الُ لك تَ ُك ْن أغن الناسِ )) .
ارضْ بأهلِك ،بدخْلِك ،برْكبِك ،بأبنائِك ،بوظيفتِك ،تدِ السعادة والطمأنينة .
وف الديثِ الصحيحِ (( :الغِن غِن النفسِ )) .
سمَ ال.
وليس بكثر ِة العرضِ ول بالموالِ وبالنصبِ ،لكنّ راحة النفسِ ،ورضاها با َق َ
وف الديثِ الصحيحِ (( :إنّ ال يبّ العبد الغنّ التقيّ الفيّ)) .وحديثِ (( :اللهمّ
اجعلْ غناه ف قلِبهِ )) .
قال أحدُهم :ركبتُ مع صاحبِ سيارةٍ من الطارِ ،متوجّها إل مدينةٍ من الدنِ ،
فرأيتُ هذا السائق مسرورا ج ِذلً ،حامدا لِ وشاكرا ،وذاكرا لولهُ ،فسألُه عن أهلِه
ل تحزن
180
سبُ ،
فأخبن أنّ عنده أسرتي ،وأكثر منْ عشرةِ أبناءٍ ،ودخُلهُ ف الشهرِ ثانائةِ ريا ٍل َفحَ ْ
سمَ الُ لهُ .
وعنده غُرفٌ قديةٌ يسكنُها هو وأهلُه ،وهو مرتاح البالِ ،لن ُه راضٍ با قَ َ
قال :فعجبتُ حينما قارنتُ بي هذا وبي أناسٍ يلكونُ ملياراتٍ من الموالِ والقصورِ
والدورِ ،وه ْم يعيشون ضنْكا من العيشةِ ،فعرفتُ أن السعادة ليستْ ف الالِ .
عرفتُ خَبَرَ تاج ٍر كبيٍ ،وثريّ شهيٍ عندهُ آلفُ الليي وعشراتُ القصورِ والدورِ ،
للُقِ ،شرس التعاملِ ثائر الطبع ،كاسف البالِ ،مات ف غربةٍ عنْ أهلِه ،لنهُ وكانَ ضيّق ا ُ
ل يَ ْرضَ با أعطا ُه الُ إياه ُ ﴿ ،ثمّ يَ ْطمَعُ أَنْ َأزِيدَ{ }15كَلّا إِّنهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدا ﴾ .
منْ معالِ راحةِ البالِ عند العربّ القديِ أنْ َيخْلُو بنفسِه ف الصحراءِ ،وينفرد عنِ
الحياءِ ،يقولُ أحدُهم :
وصوّت إنسانٌ ف ِكدْتُ أ ِطيُ ب فاستأنستُ بالذئبِ إذْ عوى عوى الذئ ُ
وقد خرج أبوّ ذر إل الربذةِ .وقال سفيا ُن الثوريّ :ودِدْتُ أن ف شِ ْعبٍ من الشّعابِ
ل يعرفُن أحدٌ ! وف الديثِ (( :يُوشِكُ أنْ يكون خَ ْيرَ ما ِل السلمِ :غََنمٌ يتبعُ با مواقع
القطرِ وشعف البالِ ،ويف ّر بدينِه من ال ِفتِ )) .
ت كان السلمُ للعبدِ الفرار منها ،كما فعل ابنُ عُمرَ وأسامةُ ب ُن زيدٍ فإذا حصلتِ الف ُ
وممدُ بنُ مسلمة لا قُتِل عثمانُ .
عَر ْفتُ أناسا ما أصابمُ الفقْرُ والكدرُ وضيِ ُق الصّ ْدرِ إل بسببِ بُ ْعدِهم ع ِن الِ عزّ وجلّ
،فتجدُ أحدهم كان غنيّا ورزقُهُ واسعا ،وهو ف عافيةٍ م ْن ربّه ،وف خيٍ م ْن موله ،
فأعرض عنْ طاعِة الِ ،وتاون بالصلةِ ،واقترف كبائر الذنوبِ ،فسلبَه ربّه عافية بدنِه ،
وَسَعَ َة ِرزْقِهِ ،وابتلهُ بالفقْرِ والمّ والغمّ ،فأصبح منْ نكدٍ إل نَ َكدٍ ،ومنْ بلءٍ إل بلءٍ ﴿ ،
شةً ضَنكا ﴾ ﴿ ،ذَلِكَ ِبأَنّ ال ّلهَ َلمْ يَكُ ُمغَيّرا ّنعْ َمةً
َو َمنْ َأ ْع َرضَ عَن ذِ ْكرِي فَِإنّ َلهُ َمعِي َ
سهِمْ ﴾ ،وقوله تعال َ ﴿ :ومَا أَصَابَكُم مّن ّمصِيَبةٍ فَِبمَا
أَْن َعمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتّى ُيغَيّرُواْ مَا بِأَن ُف ِ
َكسَبَتْ أَْيدِيكُمْ وََي ْعفُو عَن كَثِيٍ﴾ ﴿ ،وَأَن أَلّوِ اسَْتقَامُوا عَلَى ال ّطرِيقَةِ لَأَ ْسقَيْنَاهُم مّاء َغدَقا﴾.
ل تحزن
181
ودِدتُ أنّ عندي وصفةً سحريّة ألقيها على هومك وغمومِك وأحزانِك ،فإذا هي
تلْقفُ ما يأفِكون ،لكنْ مِنْ أين ل ؟! ولكنْ سوف أخبُك بوصفةٍ طبيّةٍ منْ عيادةِ علماءِ اللّةِ
وروّاد الشّريعةِ ،وهي :اعبدِ الالق ،وارض بالرزقِ ،وسّلمْ بالقضاءِ ،وازهدْ ف الدّنيا ،
وقصّرِ المل .انتهى .
عجبتُ العالِم نفسانّي شهيٍ أمريكيّ ،اسُهُ ( وليم جايس ) ،هو أبو علِم النفسِ
عندهم ،يقولُ :إننا ننُ البشرُ نفكّ ُر فيما ل نلكُ ،ول نشكرُ ال على ما نلكُ ،وننظرُ إل
ق فيها ،ونتحسّرُ على ما الانبِ الأسويّ الظلمِ ف حياتِنا ،ول ننظرُ إل الانب الشْر ِ
لَئِن شَ َكرْتُمْ لَزِيدَنّ ُكمْ ﴾ (( ،وأعوذُ بالِ م ْن نفسٍ ل ﴿ ينقصُنا ،ول نسعدُ با عندنا ،
َتشْبَعُ )) .
وف الديثِ (( :منْ أصبح والخرةُ هّه ،جع الُ شله ،و َجعَ َل غناه ف قلبِه ،
ل عليهِ شله ،وجعلَ َف ْقرَهُ بي
وأتتْه الدنيا وهي راغمةٌ ،ومنْ أصبح والدنيا هّه ،فرّق ا ُ
سمَاوَاتِ وَالَْأ ْرضَ
عيْنَيْه ،ول يأتِه من الدنيا إلّ ما كٌتِب له )) ﴿ .وَلَئِن سَأَلَْتهُم ّمنْ خَ َلقَ ال ّ
ش ْمسَ وَاْلقَ َمرَ لََيقُوُلنّ ال ّلهُ َفأَنّى يُؤْفَكُونَ ﴾ .
خرَ ال ّ
وَ َس ّ
******************************************
وأخيا اعترفُوا
( سخروف ) عالٌ روسيٌ ،نُفِي إل جزيرةِ سيبييا ،لفكارِه الخالفةٍ لللادِ ،
والكف ِر بالِ ،فكان يُنادي أنّ هناك قوةً فاعلةً مؤثرةً ف العالِ خلف ما يقولُه الشيوعيّون :ل
إله ،والياةُ مادةٌ .ومعن هذا :أ ّن النفوس مفطورةٌ على التوحيدِ ﴿ .فِ ْطرَةَ ال ّلهِ الّتِي َف َطرَ
النّاسَ عَلَ ْيهَا ﴾ .
س الفِطْرةِ ،خاوي الضميِ مبتورُ
إنّ اللحد ل مكان له هنا وهناك ؛ لنه منكو ُ
الرادةِ ،مالفٌ لنه ِج الِ ف الرضِ .
ل تحزن
182
قابلتُ أستاذا مسلما ف معهدِ الفكرِ السلميّ بواشنطن قبل سقوطِ الشيوعيةِ – أو
التادِ السوفيتّ – بسنتي ،فذكر ل هذه الية َُ ﴿ :نقَلّبُ أَفِْئدََت ُهمْ وَأَْبصَارَ ُهمْ َكمَا َلمْ
يُ ْؤمِنُواْ ِبهِ أَوّلَ َمرّةٍ وََنذَرُ ُهمْ فِي ُطغْيَاِن ِهمْ َي ْعمَهُونَ ﴾ وقال :سوف تتمّ هذه الي ُة فيهمَْ ﴿ :فأَتَى
سقْفُ مِن فَوْ ِق ِهمْ ﴾ ﴿ ،فََأ ْعرَضُوا فََأرْسَلْنَا عَلَ ْي ِهمْ
خ ّر عَلَ ْيهِمُ ال ّ
ال ّلهُ بُنْيَاَنهُم مّنَ اْلقَوَا ِعدِ َف َ
ش ُعرُونَ ﴾ .
سَيْلَ اْل َعرِمِ ﴾ ﴿ ،فَكُلّا أَ َخذْنَا ِبذَنبِهِ ﴾ ﴿ ،فَيَأْتَِيهُم َبغَْتةً َو ُهمْ لَا َي ْ
****************************************
لظاتٌ مع المقى
ف الشيوعيةِ ،حينما ت ف ملةِ ( الرسالة) كل ٌم عجيبٌ ،ومقالةٌ رائعةٌ ف وص ِ للزيّا ِ
أرسلوا سفينة الفضاءِ إل القمرِ وعادتْ ،فكتبَ أَ َح ُد روّادِها مقا ًل ف صحيفةِ ( البافدا)
الروسيةِ ،يقولُ فيها :ص ِعدْنا إل السما ِء فلمْ ندْ هناك إلا ول جنةً ول نارا ول ملئكةً .
لمُرُ المْقى !! أتظنون أنكمْ سوف فكتب الزيّاتْ مقال ًة فيها « :عجبا لكم أيّها ا ُ
تَ َروْ َن ربّكُم على عر ِش ِه بارزا ،وسوف ترون الُور العِي ف الناتِ يشي ف الريرِ ،
وسوف تسمعون رقرقة الكوْثرِ ،وسوف تشمّون رائحة العذّبي ف النارِ ،إنكمْ إنْ ظننتم
ذلك خسرتُم خسرانكم الذي تعيشونه ،ولكنْ ل أفسرُ ذلك التيه والضلل والنراف
لمْق إل بالشيوعيةِ واللادِ الذي ف رؤوسِكمْ .إنّ الشيوعية يومٌ بل غدٍ ،وأرضٌ بل ساءٍ وا ُ
حسَبُ أَنّ َأكَْثرَ ُهمْ
،وعملٌ بل خاتةٍ ،وسعيٌ بل نتيجةٍ » ..إل آخرِ ما قال ﴿ ،أَمْ َت ْ
َل ُهمْ قُلُوبٌ لّ َي ْفقَهُونَ ﴿ ، ﴾ ضلّ سَبِيلً
َيسْ َمعُونَ َأوْ َي ْعقِلُونَ إِنْ ُهمْ إِلّا كَالْأَْنعَامِ بَلْ ُهمْ أَ َ
س َمعُونَ ِبهَا ﴾ َ ﴿ ،ومَن ُي ِهنِ ال ّلهُ َفمَا َلهُ مِن
صرُونَ ِبهَا وََل ُهمْ آذَانٌ لّ َي ْ
ِبهَا وََل ُهمْ َأعْيُنٌ لّ يُ ْب ِ
سرَابٍ ِبقِي َعةٍ ﴾ َ ﴿ ،أ ْعمَاُل ُهمْ َك َرمَادٍ اشَْتدّتْ ِبهِ الرّيحُ فِي يَوْمٍ
مّ ْكرِمٍ ﴾ َ ﴿ ،أعْمَاُل ُهمْ َك َ
عَاصِفٍ ﴾ .
ومن كلمِ العقادِ ف كتابِ ( مذاهبُ ذوي العاهاتِ ) ،وهو ينهدُ غاضبا على هذهِ
الشيوعيةِ ،وعلى هذا اللا ِد السخيفِ الذي وقع ف العالِ ،كلمٌ ما معناه :إنّ الفطرة
ل تحزن
183
السويّة تقبلُ هذا الدين القّ ،دين السلمِ ،أما العاقون عقليا والختلفون وأهلُ الفكارِ
العفِن ِة القاصرةِ ،فإنا يكنُ أنْ ترتكب اللاد ﴿ .وَطُبِ َع عَلَى قُلُوِب ِهمْ َف ُهمْ لَ َي ْفقَهُونَ ﴾ .
إنّ اللاد ضرب ٌة قاصمةٌ للفكرِ ،وهو أشبهُ با يُحدّثُه الطفالُ ف عالِهم ،وهو خطيئةٌ
ما عَرَفَ الدهرُ أكب منها خطيئةً .ولذلك قال الُ سبحانه وتعال ﴿ :أَفِي ال ّلهِ َشكّ!! ﴾....
يعن :أنّ المر ل شكّ فيه ،وهو ظاهرٌ .بلْ ذكر ابنُ تيمية :أن الصانع -يعن :ال
سبحانه وتعال – ل ينكرْه أحدٌ ف الظا ِهرِ إل فرعونُ ،مع العلمٍ أنهُ معترفٌ به ف باطنِه ،وف
سمَاوَاتِ
داخلهِ ،ولذلك يقولُ موسى ﴿ :قَالَ َل َقدْ عَ ِلمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلء إِلّ َربّ ال ّ
وَالَ ْرضِ َبصَآئِرَ وَإِنّي َلأَظُنّكَ يَا ِف ْرعَونُ مَثْبُورا ﴾ ،ولكنّ فرعون ف آخر الطافِ صرخ با ف
قلبِه ﴿ :آمَنتُ أَّنهُ ل إِلِـهَ إِلّ اّلذِي آمَنَتْ ِبهِ بَنُو إِ ْسرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ اْل ُمسْ ِلمِيَ ﴾ .
**************************************
اليانُ طريقُ النجاةِ
ف كتابِ ( الُ يتجلّى ف عص ِر العلمِ ) ،وكتاب ( الطبّ ِمحْرابُ اليانِ ) حقيقةٌ
وهي :وجدتُ أنّ أكثر مُعي للعبدِ ف التخلّص منْ هومِه وغمومِه ،هو اليانُ بالِ عزّ
﴿ ،مَا أَصَابَ مِن ّمصِيَبةٍ إِلّا ِبِإذْنِ ال ّلهِ ﴾ وَأُفَ ّوضُ َأ ْمرِي إِلَى ﴿ وجلّ ،وتفويضُ المرِ إليه ،
ال ّلهِ َومَن ُي ْؤمِن بِال ّلهِ َيهْدِ قَلَْبهُ ﴾ .
منْ يعلمْ أنّ هذا بقضا ٍء وقدرٍ ،يهدِ قلبه للرضا والتسليمِ أو نو ذلك ﴿ ،وََيضَعُ عَ ْن ُهمْ
ت عَلَ ْيهِمْ ﴾ .
صرَ ُهمْ وَا َلغْلَلَ الّتِي كَانَ ْ
إِ ْ
ت فتً قبلي
مِن ال إل قدْ أصاب ْ وأعلمُ أن ل ُتصِبْن مصيبةٌ
إن كُتّاب الغربِ اللمعِي ،مثل ( كرسي مريسون ) ،و ( ألكس كاريل ) ،و
ي التدهورِ ف حياتم إنا هو اليانُ بالِ
( دايل كارنيجي ) ،يعترفون أنّ النقذ للغربِ الاد ّ
ت الت أصبحتْ عزّ وجلّ ،وذكروا أ ّن السبب الكبي والسرّ العظم ف حوادثِ النتحارا ِ
َل ُهمْ ﴿ ظاهرةً ف الغربِ ،إنّما هو اللادُ والعراضُ عنِ ال – عزّ وجلّ – ربّ العالي ،
ل تحزن
184
سمَاء
شرِكْ بِال ّلهِ فَ َكأَّنمَا َخرّ مِنَ ال ّ
حسَابِ ﴾ َ ﴿ ،ومَن ُي ْ
عَذَابٌ َشدِيدٌ ِبمَا َنسُوا يَوْمَ اْل ِ
﴾. فََتخْ َط ُفهُ الطّ ْيرُ َأوْ َتهْوِي ِبهِ الرّيحُ فِي مَكَانٍ َسحِيقٍ
ذكرتْ جريدةُ ( الشرق الوسط ) ف عددها بتاريخ 1415 /4 /21هـ ،نق ً
ل
عنْ مذكراتِ عقيلةِ الرئيسِ المريكيّ السابقِ ( جورج بوش ) :أنّها حاولتِ النتحار أكثر
ت السيارة إل الاويةِ تطلبُ الوت مظانّهُ ،وحاولتْ أنْ تتنق . منْ مرةٍ ،وقاد ِ
لقدْ حضر قزمانُ معركة أُحدٍ يقات ُل فيها مع السلمي فقات ُل قتالً شديدا .قال الناسُ :
(( :إن ُه منْ أهلِ النارِ))!! فاشتدتْ به جراحُه فلم يصبْ ،فَقَتَلَ نفسه هنيئا له النةُ .فقال
حسِنُونَ صُنْعا﴾.
بالسيفِ فمات﴿ ،اّلذِينَ ضَلّ َسعُْي ُهمْ فِي اْلحَيَا ِة الدّنْيَا وَ ُهمْ َيحْسَبُونَ أَّنهُمْ ُي ْ
شةً ضَنكا ﴾ .
ض عَن ذِ ْكرِي َفإِنّ َلهُ َمعِي َ
وهذا معن قولِهِ سبحانه وتعالَ ﴿ :ومَنْ َأ ْعرَ َ
إنّ السلم ل يقدمُ على مثلِ هذهِ المورِ ،مهما بلغتْ الالُ .إنّ ركعتي بوضوءٍ
وخشوعٍ وخضوعٍ كفيلتان أنْ تُنهيا كلّ هذا الغمّ والكدرِ والمّ والحباطِ َ ﴿ ،و ِمنْ آنَاء
اللّيْلِ َفسَّبحْ وَأَ ْطرَافَ الّنهَارِ َلعَلّكَ َترْضَى ﴾ .
﴿ َفمَا َل ُهمْ لَا يُ ْؤمِنُونَ﴾ إنّ القرآن يتساءلُ عنْ هذا العالِ ،وعنِ انرافِه وضللِه فيقولُ :
؟! ما هو الذي يردّهمْ عنِ اليانِ ،وق ْد وضُحتِ الحجةُ ،وقامتِ الجةُ ،وبان الدليلُ ،
وظهر القّ ،وسطع البهانُ﴿ .سَُنرِي ِهمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَن ُفسِ ِهمْ حَتّى يَتَبَّينَ َل ُهمْ أَّنهُ
صادقٌ ،وأ ّن ال إلهٌ يستحقّ العبادة ،وأنّ السلم دينٌ اْلحَقّ﴾ ،يتب ُ
ي لمْ أنّ ممدا
حسِنٌ َف َقدِ اسَْتمْسَكَ
كاملٌ يستحقّ أنْ يعتنقه العالُ َ ﴿ ،ومَن ُيسْ ِلمْ وَ ْج َههُ إِلَى ال ّلهِ وَهُوَ ُم ْ
بِاْل ُعرْوَةِ الْوُْثقَى﴾.
******************************
حت الكُفّارُ درجاتٌ
ف مذكراتِ الرئيسِ ( جورج بوش ) بعنوان ( سيةٌ إل المامِ ) :ذكر أنّه حضر
جنازة برجنيف ) ،رئيسِ التادِ السوفيتّ ف موسكو ،قال فوجدتُها جنازةً مظلمةً قاتةً ،
ل تحزن
185
جدَنّ أَ ْقرََبهُمْ مّ َودّةً
ليس فيها إيانٌ ول روحٌ .لنّ (بوش ) نصرانّ وأولئك ملحدةٌ ﴿ وَلََت ِ
.فانظرْ كيف أدرك هذا مع ضللِهِ انراف أولئك ، قَالُوَاْ إِنّا َنصَارَى ﴾ لّ ّلذِينَ آمَنُواْ اّلذِينَ
لنّ المر أصبح نسبيّا فكيف لو عَرَف بوش السلم ،دين الِ القّ ؟! ﴿ َومَن يَبْتَ ِغ غَ ْيرَ
الِ ْسلَمِ دِينا فَلَن ُيقْبَلَ مِ ْنهُ وَهُوَ فِي ال ِخرَةِ ِمنَ اْلخَا ِسرِينَ ﴾ .
وذكّرن هذا بقالةٍ لشيخِ السلمِ ابنِ تيمية ،وهو يتحدّثُ عن أحدِ البطائحيةِ ( الفرقِ
الضالّةِ الصوفيةِ النحرفةِ ) .يقولُ هذا البطائحيّ لبنِ تيمية :ما لكمْ يا ابن تيمية إذا جئْنا
إليكمْ – يعن أهل السنةِ – بارتْ كرامتُنا وبطلتْ ،وإذا ذهبْنا إل التتِر الغو ِل الكفارِ ظهرتْ
كرامتُنا؟ قال ابنُ تيمية :أتدري ما مثلُنا ومثلُكُم ومثَلُ التتارِ ؟ أما ننُ فخيولٌ بيضٌ ،وأنتم
بُلْقٌ ،والتترُ سُودٌ ،فالبلقُ إذا دخل بي السودِ أصبح أبيض ،وإذا خالط البض أصبح أسود ،
فأنتمْ عندكمْ بقيةٌ م ْن نورٍ ،إذا دخلتمْ مع أه ِل الكفرِ َظهَ َر هذا النورُ وإذا أتيتُم إلينا وننُ أهل
النورِ العظمِ والسنة ،ظهر ظلمُكم وسوادُكم ،فهذا مثلكُم ومثلُنا ومثلُ التتارِ ﴿ .وََأمّا
اّلذِينَ ابَْيضّتْ وُجُو ُه ُهمْ َففِي رَ ْحمَةِ ال ّلهِ ُهمْ فِيهَا خَاِلدُونَ ﴾ .
**********************************
إرادةٌ فولذيةٌ
ذهب طالبٌ منْ بلدِ السل ِم يدرسُ ف الغربِ ،وف لندن بالذاتِ ،فسكن مع أسرةٍ
بريطانيةٍ كافرةٍ ،ليتعلّم اللغة ،فكان متديّنا وكان يستيقظُ مع الفجرِ الباكرِ ،فيذهبُ إل
صنبورِ الا ِء ويتوضأُ ،وكان ماءً باردا ّ ،ث يذهبُ إل مصلّ ُه فيسجدُ لربّه ويركعُ ويسبحُ
وَيحْ َمدُ ،وكانتْ عجوزٌ ف البيتِ تلحظهُ دائما ،فسألتْه بعد أيامٍ :ماذا تفعلُ ؟ قال :أمرن
دين أنْ أفعل هذا .قالتْ :فلو أخّرْت الوقت الباكر حت ترتاح ف نومِك ثّ تستيقظ .قال :
لك ّن رب ل يقبلُ منّي إذا أخّرتُ الصلة عن وقتِها .فهزّتْ رأسها ،وقالتْ :إرادةٌ تكسرُ
الديد !! ﴿ رِجَالٌ لّا تُ ْلهِيهِمْ ِتجَارَةٌ وَلَا بَيْ ٌع عَن ذِ ْكرِ ال ّلهِ وَإِقَا ِم الصّلَاةِ ﴾ .
إنّها إرادةُ اليانِ ،وقوةُ اليقيِ ،وسلطا ُن التوحيدِ .هذ ِه الرادةُ هي الت أوحتْ إل
سحر ِة فرعون وقدْ آمنوا بالِ ربّ العالي ف لظةِ الصراعِ العاليّ بي موسى وفرعون ،قالوا
ل تحزن
186
قَاضٍ ﴾ لفرعون ﴿ :قَالُوا لَن نّؤِْثرَ َك عَلَى مَا جَاءنَا ِمنَ الْبَيّنَاتِ وَاّلذِي فَ َطرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ
.وهو التحدّي الذي ما سُمع بثلِهِ ،وأصبح عليهمْ أنْ يؤدّوا هذه الرسالة ف هذه اللحظةِ ،
وأنْ يبلّغوا الكلمة الصادقة القوية إل هذا اللحدِ البارِ .
لقدْ دخل حبيبُ ب ُن زيدٍ إل مسيلمة يدعوه إل التوحيدِ ،فأخذ مسيلمةُ يقطعُهُ
شهَدَاء عِندَ
بالسيفِ قطعةً قطعةً ،فما أ ّن ول صاح ول اهتزّ حت لقي ربّ شهيدا ﴿ ،وَال ّ
رَّب ِهمْ َلهُمْ أَ ْجرُ ُهمْ وَنُو ُر ُهمْ ﴾ .
ورُفع خُبيبُ ب ُن عديّ على مشنقةِ الوتِ ،فأنشد :
على أيّ جنبٍ كان ف الِ مصرعي ولستُ أبال حي أُقتلُ مسلما
**************************************
فطرة الِ
إذا اشتدّ الظلمُ وزمر الرّ ْع ُد وقصفتِ الريحُ ،استيقظتِ الفطرةُ﴿ .جَاءْتهَا رِيحٌ عَاصِفٌ
صيَ َلهُ الدّينَ﴾ .غَْيرَ
وَجَاء ُهمُ اْلمَوْجُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَظَنّواْ أَّنهُمْ أُحِيطَ ِبهِمْ َدعَوُاْ ال ّلهَ ُمخْلِ ِ
أنّ السلم يدعو ربّه ف الشدّةِ والرخاءِ ،والسرا ِء والضراءِ ﴿ :فَلَوْلَا أَّنهُ كَانَ ِمنْ اْل ُمسَّبحِيَ{
}143لَلَبِثَ فِي بَطِْنهِ إِلَى يَوْمِ يُ ْبعَثُونَ ﴾ .إنّ الكثي يسأ ُل ال وقت حاجتِه وهو متضرّعٌ إل
ربّه ،فإذا تقّق مطلبُه أعرض ونأى بانبِه ،والُ عزّ وجلّ ل يُلعبُ عليه كما يُلعبُ على
ع كما يُخادعُ الطفلُ ُ ﴿ ،يخَا ِدعُونَ ال ّلهَ وَهُوَ خَا ِدعُ ُهمْ ﴾ .إنّ الذين
الولدانِ ،ول يُخاد ُ
يلتجئون إل الِ ف وقتِ الصّنائعِ ما همْ إل تلميذٌ لذاك الضالّ النحرفِ فرعون ،الذي قيل
ت الوانِ ﴿ :آلنَ وَ َق ْد عَصَيْتَ قَبْلُ َوكُنتَ مِنَ اْل ُم ْفسِدِينَ ﴾ .
لهُ بعد فوا ِ
ق الكويت :أن تاتشر رئيسةسعتُ هيئة الذاعةِ البيطانيةِ تُخبُ حي احتلّ العرا ُ
الوزراءِ البيطانية السابقة كانت ف وليةِ كلورادو المريكيةِ ،فلما سعتِ الب هُرِعتْ إل
الكنيسةِ وسجدتْ !
ل تحزن
187
ول أفسرُ هذه الظاهرة إل باستيقاظِ الفطرةِ عند مِثْلِ هؤلءِ إل فاطرِها عزّ وجلّ ،مع
كفرِهم وضللِهم ،لنّ النفوس مفطورةٌ على اليانِ بهِ تعال (( :كلّ مولودِ يُولدُ على
الفطرةِ ،فأبواهُ يهوّدانِهِ أو ينصّرانِه أو يجّساِنهِ )) .
********************************************
**
ل تزنْ على تأخّر الرّزقِ ،فإنّه بأجلٍ مس ّمىً
الذي يستعجلُ نصيبه من الرّزقِ ،ويبادرُ الزمن ،ويقلقُ منْ تأخّرِ رغباتِه ،كالذي
ق مقدّرةٌ ،فُرِغ
يساب ُق المام ف الصلةِ ،ويعلُم أنّه ل يسّلمُ إل بعْد المام! فالمورُ والرزا ُ
منها قبل خ ْلقِ الليقةِ ،بمسي ألف سنةٍ ﴿ ،أَتَى َأ ْمرُ ال ّلهِ َفلَ َتسَْتعْجِلُوهُ ﴾ ﴿ ،وَإِن ُي ِردْكَ
ِبخَ ْيرٍ َفلَ رَآدّ ِلفَضْ ِلهِ ﴾ .
يقولُ عمرُ « :اللّهمّ إن أعوذُ بك من جلدِ الفاجرِ ،وعجزِ الثقةِ » .وهذهِ كلم ٌة
عظيمةٌ صادقةٌ .فلقدْ طُ ْفتُ بفكري ف التاريخِ ،فوجدتُ كثيا منْ أعدا ِء الِ عزّ وجلّ ،
جبَ العُجابَ .ووجدتُ كثيا من السلمي عندهمْ منْ الدّأبِ واللدِ والثابرةِ والطّموحِ :العَ َ
عندهمْ من الكس ِل والفتورِ والتّواكُلِ والتّخاذُلِ :ما الُ به عليمٌ ،فأدركتُ ُعمْق كلمةِ ُعمَرَ
– رضي الُ عنه . -
*****************************************
انغمسْ ف العم ِل النافعِ
أ ّن الوليد بن الغيةِ وأُمية بن خَلَفٍ والعاص بن وائل أنفقوا أموالم ف ماربةِ الرسالةِ
سرَةً ُثمّ ُيغْلَبُونَ ﴾ .ولكنّ كثيا من السلمي
َفسَيُن ِفقُوَنهَا ُثمّ تَكُو ُن عَلَ ْي ِهمْ َح ْ ﴿ ومابةِ القِ
يبخلون بأموالِهمْ ،لئلّ يُشاد با منارُ الفضيلةِ ،ويُبن با صرحُ اليانِ ﴿ َومَن يَ ْبخَلْ فَإِّنمَا
سهِ ﴾ ،وهذا َجَلدُ الفاجِر وعجْزُ الثقةِ .
يَ ْبخَ ُل عَن ّن ْف ِ
ل تحزن
188
ف مذكّراتِ ( جولدا مائي ) اليهوديةِ ،بعنوان ( القد ) :فإذا هي ف مرحلةٍ منْ
مراحلِ حياتِها تعملُ ستّ عشرة ساعةً بل انقطاعٍ ،ف خدمةِ مبادئِها الضّالّةِ وأفكارِها
النحرفةِ ،حت أوجدتْ مع ( بن جوريون ) دولةً ،ومنْ شاء فلينظُرْ كتابا .
ورأيتُ ألوفا منْ أبناءِ السلمي ل يعملون ولو ساعةً واحدةً ،إنا همْ ف لو وأكلٍ
مَا لَ ُكمْ ِإذَا قِيلَ لَ ُكمُ ان ِفرُواْ فِي سَبِيلِ ال ّلهِ اثّا َقلُْتمْ إِلَى ا َل ْرضِ ﴾ . ﴿ ب ونومٍ وضياعٍ
وشُر ٍ
كان عمرُ دؤوبا ف عمله ليلً ونارا ،قليل النوم .فقال أهلُه :أل تنامُ ؟ قال :لو
نتُ ف اللّيلِ ضاعتْ ن ْفسِي ،ولو نتُ ف النها ِر ضاعتْ رعيّتِي .
ت الالكِ ( موشى ديان ) بعنوان ( السيفُ والكمُ ) :كان يطيُ من دولةٍ ف مذكرا ِ
إل دولةٍ ،ومنْ مدينةٍ إل مدينةٍ ،نارا وليلً ،سرّا وجهرا ،ويضرُ الجتماعاتِ ،ويعقدُ
الؤتراتِ ،وينسّقُ الصّفقاتِ ،والعاهدات ،ويكتبُ الذكّراتِ .فقلتُ :واحسرتاهُ ،هذا
جََلدُ إخوانِ القردةِ والنازيرِ ،وذاك َعجْزُ كثيٍ من السلمي ،ولكنْ هذا جلدُ الفاجرِ و َعجْزُ
الثقةِ .
بنو اللّقطيةِ ِمنْ ذُ ْهلِ بنِ شيْبانا لو كنتُ منْ مازنٍ ل تستبِحْ إبِلي
لقدْ حارب عمرُ العطالة والبطالة والفراغ ،وأخرج شبابا سكنوا السجد ،فضربم
وقال :اخرجوا واطلبوا الرّزق ،فإنّ السماء ل تطرُ ذهبا ول فضةً .إنّ مع الفراغ والعطالةِ :
ض النفسيّ والنيارً العصبّ والمّ والغمّ .وإ ّن مع العم ِل والنشاطِ : الوساوس والك َدرَ والر َ
السرور والُبُور والسعادة .وسوف ينتهي عندنا القل ُق والمّ والغمّ ،والمراضُ العقليّةُ
والعصبيّةُ والنفسيّةُ إذا قام ك ّل بدورِهِ ف الياةِ ،ف ُعمِلتِ الصانعُ ،واشتغلتِ العاملُ ،وفتحتِ
المعيّاتُ الييّةُ والتعاونيّةُ والدعويّةُ ،والخيماتُ والراكزُ والُلتقياتُ الدبيّةُ ،والدّوراتُ
﴿ سَاِبقُوا﴾ ﴿ ،وَسَا ِرعُواْ﴾ ، الَْأ ْرضِ ﴾ شرُوا فِي
العلميّةُ وغَيْرُها ﴿ ..وَ ُق ِل اعْمَلُواْ ﴾ ﴿ ،فَانَت ِ
(( ،وإن نبّ الِ داود كان يأكلُ من عملِ يدِه )) .
وللرّاشدِ كتابٌ ،بعنوان ( صناعةُ الياةِ ) ،تدّث عنْ هذهِ السالةِ بإسهابٍ ،و َذكَرَ
أنّ كثيا من الناسِ ل يقومون بدورِهم ف الياةِ .
ل تحزن
189
وكثيٌ من الناسِ أحياءٌ ،ولكنّهم كالمواتِ ،ل يُدركون سرّ حياتِهم ،ول يُقدمون
لستقبلهم ول لُمّتِهمْ ،ول لنفسِهم خيا ﴿ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ اْلخَوَالِفِ ﴾ ﴿ ،لّ
ي غَ ْيرُ ُأوْلِي الضّرَرِ وَاْلمُجَا ِهدُونَ فِي سَبِيلِ ال ّلهِ ﴾ .
َيسْتَوِي اْلقَا ِعدُونَ ِمنَ اْلمُ ْؤمِنِ َ
ت بدورِها ف الياةِ ،ودخلتْ
قام ْ إنّ الرأة السوداء الت كانتْ ت ُقمّ مسجد الرسول
شرِ َكةٍ وَلَوْ َأ ْعجَبَتْكُمْ ﴾ .
بذا الدّورِ النة ﴿ وَ َل َمةٌ مّ ْؤمَِنةٌ خَ ْيرٌ مّن ّم ْ
أدّى ما عليهِ ،وكسب اجرا بذا المرِ ، وكذلك الغلمُ الذي صَنَعَ الِنْب للرسولِ
لنّ موهلته ف النّجارةِ ﴿ وَاّلذِينَ لَ َيجِدُونَ إِلّ ُجهْدَ ُهمْ ﴾ .
سحتِ الولياتُ التحد ُة المريكيّةُ عام 1985م بدخولِ الدّعاةِ السلمي سجون
أمريكا ،لنّ الجرمي والروّجي والقَتَلَةَ ،إذا اهتدَوْا إل السلمِ ،أصبحوا أعضاءً صالي
ف متمعاتِهمْ ﴿ أَوَ مَن كَانَ مَيْتا فَأَحْيَيْنَاهُ وَ َجعَلْنَا َلهُ نُورا َي ْمشِي ِبهِ فِي النّاسِ ﴾ .
دعاءانِ اثنانِ عظيمانِ ،نافعانِ لنْ أراد السّداد ف المو ِر وضْبطِ النفسِ عند الحداثِ
والوقائعِ .
قال لهُ (( :قُلْ :اللهمّ اهدنِي وس ّددْن )) . الولُ :حديثُ عليّ ،أنّ الرسول
رواهُ مسلمٌ .
(( :قلْ :اللّهمّ ألمن الثان :حديثُ حُصيْن بن عبيدٍ ،عند أب داود :قال له
رُشدْي ،وقِن شرّ َنفّسي )) .
فأكثرُ ما ين عليه اجتهادُ ُه إذا لْ يكنْ عونٌ من الِ للفت
التّعلّقُ بالياة ،وعشْقُ البقاءِ ،وحبّ العيْشِ ،وكراهِيَةُ الوتِ ،يُوردُ العبدَ :الكدَرَ
وضِيقَ الصّدرِ والَلَقَ والقلق والرق والرّهق ،وقد لم ال اليهود على تعلّقِهم بالياةِ الدنيا ،
س عَلَى حَيَاةٍ َو ِمنَ اّلذِينَ أَ ْشرَكُواْ يَ َودّ أَ َحدُ ُهمْ َلوْ ُي َعمّرُ أَلْفَ
جدَّنهُمْ أَ ْحرَصَ النّا ِ
فقال ﴿ :وَلََت ِ
سََنةٍ َومَا هُوَ ِبمُزَ ْحزِ ِحهِ ِمنَ اْل َعذَابِ أَن ُي َع ّمرَ وَال ّلهُ َبصِيٌ ِبمَا َيعْمَلُونَ ﴾ .
وهنا قضايا ،منها :تنكيُ الياةِ ،والقصودُ :أنّها أيّ حياةٍ ،ولو كانتْ حياة البهائمِ
والعجْماواتِ ،ولو كانتْ شخصيةً رخيص ًة فإنّهمْ يرصون عليها .
ل تحزن
190
ومنها :اختيا ُر لفظِ :ألفِ سنةٍ ل ّن اليهوديّ كان يلقى اليهوديّ فيقولُ لهُ ِ :عمْ
صباحا ألف سنةٍ .أي ِ :عشْ ألف سنةٍ .فذكر سبحانهُ وتعال أنمْ يريدون هذا العمر
الطويل ،ولكنْ لو عاشو ُه فما النهايةُ ؟! مصيُهم إل نارٍ تلظّى ﴿ وََل َعذَابُ الْآخِرَةِ أَ ْخزَى
صرُونَ ﴾ .
وَ ُهمْ لَا يُن َ
منْ أحسنِ كلماتِ العامةِ :ل همّ والُ ُيدْعى .
والعن :أنّ هناك إلا ف السماءِ يُدعى ،ويُطلبُ منهُ اليْرُ ،فلماذا تتمّ أنت ف
الرضِ ،فإذا وكّلت ربّك بمّك ،كشَفَه وأزاله ﴿ َأمّن ُيجِيبُ اْلمُضْ َطرّ ِإذَا َدعَاهُ وَيَ ْكشِفُ
ك عِبَادِي عَنّي َفإِنّي َقرِيبٌ أُجِيبُ َدعْوَ َة الدّاعِ ِإذَا َدعَانِ ﴾ .
السّوءَ ﴾ ﴿ ،وَِإذَا َسأَلَ َ
ومُدْمِنِ القرْعِ للبوابِ أن يلِجا صبِ أنْ يظى باجِتهِ
أخلِ ْق بذي ال ّ
**************************************
ف حياتِك دقائقُ غاليةٌ
رأيتُ موقفيْنِ مُؤثّريْنِ مُعبّرْينِ للشيخِ علي الطنطاويّ ف مذكّراتهِ :
الوقفُ الولُ :تدّثَ عن نفسِه وكاد يغرقُ على شاطئِ بيوت ،حينما كان يسبحُ
فأشرف على الوتِ ،و ُحمِل مَ ْغمِيّا عليهِ ،وكان ف تلك اللحظاتِ يُذعِنُ لولهُ ،ويودّ لو
عا َد ولو ساعةً إل الياةِ ،ليجدّد إيانه وعملهُ الصّال ،فيَصلِ اليانُ عنده منتهاه .
ف الثان َ :ذكَرَ أنه قدِم ف قافلةٍ منْ سوريا إل بيتِ الِ العتيقِ ،وبينما هو ف والوق ُ
صحراءِ تبوك ضلّوا وبَقُوا ثلثة أيام ،وانتهى طعا ُمهُم واشراُبهُم ،وأشرفوا على الوتِ ،فقام
وألقى ف الموعِ خطبة الوداعِ من الياةِ ،خطبةً توحيديّة حارّةً رنّانة ،بكى وأبكى الناس ،
وأحسّ أ ّن اليان ارتفع ،وأنه ليس هناك مُعيٌ ول مُنقذٌ إل الُ جلّ ف عله ﴿ َيسْأَُلهُ مَن فِي
السّمَاوَاتِ وَاْلأَ ْرضِ كُلّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَ ْأنٍ ﴾ .
يقولُ سبحانهُ وتعال َ ﴿ :وكَأَيّن مّن نّبِيّ قَاتَلَ َم َعهُ رِبّيّونَ كَثِيٌ َفمَا وَهَنُواْ ِلمَا َأصَاَب ُهمْ
ب الصّاِبرِينَ ﴾ .
ض ُعفُواْ َومَا اسْتَكَانُواْ وَال ّلهُ ُيحِ ّ
فِي سَبِيلِ ال ّلهِ َومَا َ
ل تحزن
191
إ ّن ال يبّ الؤمني القوياء الذين يتحدّون أعداءهم بصبٍ وجلدةٍ ،فل يهِنون ،ول
يُصابون بالحباطِ واليأسِ ،ول تنها ُر قواهُم ،ول يستكينون لل ّذلّةِ والضعْفِ والفشلِ ،بل
يصمُدون ويُواصلون ويُرابطون ،وهي ضريبةُ إيانِهم بربّهم وبرسولِه ْم وبدينِهمْ (( الؤمنُ
القويّ خيٌ وأحبّ إل الِ من الؤمنِ والضّعيفِ وف كلّ خيٌ )) .
ت الِ فقال :
جُرحتْ ُأصُْبعُ أب بك ٍر – رضي الُ عنهُ – ف ذا ِ
وف سبيلِ ال ما لقِيتِ هلْ أنتِ إل إصَْبعٌ دَمِيتِ
من العقربِ ،فلُدغ ،فقرأ ب الغارِ ليحمي با الرسول
ووضع أبو بكرٍ إصبعهُ ف ثَقْ ِ
عليها فبئتْ بإذِن الِ .
قال رجلٌ لعنترة :ما السّرّ ف شجاعتِك ،وأنك تغِلبُ الرّجال ؟ قال :ضعْ إصبعك
ف فمي ،وخُذ إصبعي ف فمك .فوضعها ف فمِ عنترة ،ووضَعَ عنترةُ إصبعه ف فمِ الرّجلِ ،
وكلّ عضّ إصبع صاحبِه ،فصاح الرجلُ من الل ،ول يصبْ فأخرجَ له عنترةُ إصبعه ،وقال
:بذا غلبتُ البطال .أي بالصّبِ والحتمالِ .
ل ووليتِهِف الِ ورحته وعفوه قريبٌ منه ،فيشعرُ برعاي ِة ا ِإ ّن ممّ يُفرحُ الؤمن أن لُط َ
بسبِ إياِنهِ .والكائناتُ والحياءُ والعجماواتُ والطيورُ والزواحفُ تشعرُ بأ ّن لا ربّا خالِقا
ح ْمدَهِ وَلَـكِن لّ َت ْف َقهُونَ َتسْبِيحَ ُهمْ ﴾ .
ورازقا ﴿ وَإِن مّن شَيْءٍ إِلّ ُيسَّبحُ ِب َ
يا منْ لهُ كُلّ اللئِقِ تصْمدُ يا ربّ حدا ليس غيُك يُحمدُ
ب بأيديهمْ ف شقوقِ الرضِ ،ويهتفون :حبّ
عندنا ،العامّةُ وَ ْقتَ الرْثِ يرمون ال ّ
حرُثُونَ{}63
يابسٌ ،ف بلدٍ يابسٍ ،بي يديك يا فاطر السماوات والرضِ ﴿ أَ َفرَأَيْتُم مّا َت ْ
أَأَنُتمْ َت ْز َرعُوَنهُ أَمْ َنحْنُ الزّا ِرعُونَ ﴾ .إنّها نزعةُ توحيدِ البي ،وتوجّهُ إليهِ ،سبحانه وتعال .
قام الطيبُ ا ِلصْقعُ عبدُالميدِ كشكُ – وهو أعمى – فلمّا عل الِْنبَ ،أخرج م ْن
جيبهِ سعفة نلٍ ،مكتوبٌ عليها بنفسِها :الُ ،بالطّ الكوفّ الميلِ ،ث هَتَفَ ف الموعِ :
ت الغُصُونِ الّنضِرهْ
ذا ِ انظُرْ لتلك الشّجرهْ
ل تحزن
192
وزانا بالضِرهْ منِ الذي أنبتها
قُدرتُه مُقْتدِرهْ ذاك هو الُ الذي
فأجْهش الناسُ بالبكاءِ .
إنهُ فاطرُ السماواتِ والرضِ مرسومةٌ آياتُه ف الكائناتِ ،تنطقُ بالوحدانيّةِ والصّمديةِ
والربوبيّةِ واللوهيّةِ ﴿ رَبّنَا مَا خَ َلقْتَ هَذا بَا ِطلً ﴾ .
منْ دعائ ِم السرورِ والرتياحِ ،أنْ تشْعُرَ أنّ هناك ربّا يرحمُ ويغفرُ ويتوبُ على منْ
تاب ،فأبشِرْ برحةِ ربّك الت وسعتِ السماواتِ والرض ،قال سبحانه ﴿ :وَرَ ْحمَتِي
وَ ِسعَتْ كُلّ شَيْءٍ ﴾ ،وما أعظم لطفهُ سبحانه وتعال ،وف حديثٍ صحيحٍ :أنّ أعرابيّا
،فلمّا أصبح ف التّش ّهدِ قال :اللهمّ ارحن وممدا ،ول ترحمْ معنا صلّى مع رسو ِل الِ
(( :لقدْ حجرت واسعا )) .أي :ضيّقت واسعا ،إنّ رحة ال ِه وسعتْ كلّ أحدا .قال
شيءٍ ﴿ َوكَانَ بِاْلمُ ْؤمِِنيَ رَحِيما ﴾ (( ،الُ أرحمُ بعبادِ ِه منْ هذهِ بولدِها )) .
ب الِ ع ّز وجلّ ،فجمعه سبحانه وتعال وقال
أحرق رجلٌ نفسه بالنارِ فرارا منْ عذا ِ
له (( :يا عبْدِي ،ما َحمَلَك على ما صنعت ؟ قال :يا ربّ ِ ،خفْتُك ،وخشيتُ ذنوب .
فأدخلهُ الُ النّة )) .حديثٌ صحيحٌ .
﴿ وََأمّا َمنْ خَافَ َمقَامَ رَّبهِ وََنهَى الّن ْفسَ َعنِ اْلهَوَى{ }40فَإِنّ اْلجَّنةَ هِيَ اْل َمأْوَى ﴾ .
حاسب الُ رجلً مُسرفا على نفسِه موحّدا ،فل ْم يدْ عندهُ حسَنَةً ،لكنّه كان يُتاجرُ
ف الدنيا ،ويتجاوزُ عنِ الُ ْعسِرِ ،قال الُ :ننُ أولْى بالكرمِ منك ،تاوزوا عنهُ .فأدخله الُ
النّة .
لَا َتقْنَطُوا مِن رّ ْح َمةِ ال ّلهِ ﴾ . الدّينِ ﴾ ﴿ ، ﴿ وَاّلذِي أَ ْطمَعُ أَن َي ْغ ِفرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْ َم
صلّى بالناسِ ،فقام رجلٌ فقال :أصْبتُ حدّا ،فأقِمْهُ عند مسلمٍ :أنّ الرسول
عليّ .قال (( :أصليت معنا ؟ )) .قال :نعمْ .قال (( .اذهبْ فقد ُغفِر لك )) .
جدِ ال ّل َه َغفُورا رّحِيما ﴾ .
﴿ َومَن َي ْعمَلْ سُوءا أَوْ َيظْ ِلمْ َن ْفسَهُ ُثمّ َيسَْتغْ ِفرِ ال ّلهَ َي ِ
ل تحزن
193
هناك لُطفٌ خفيّ يكْتنف العبدَ ،مِنْ أمامِهِ ومنْ خلفه ،وعن يينهِ وع ْن شالِهِ ،ومِ ْن
صخْرةُ فوقِه وم ْن تتِ قدميْهِ ،صاحبُ اللّطفِ الفيّ هو الُ ربّ العالي ،انطبقتْ عليهمُ ال ّ
ف الغارِ ،وأنْجى إبراهيم من النارِ ،وأنى موسى من الغرقِ ،ونُوحا من الطّوفانِ ،ويوسف
لبّ وأيوب من الرضِ . من ا ُ
***************************************
وقفــة
يقولُ (( :ما منْ مسلمٍ تُصيبُه مصيبةٌ عن أمّ سََلمَةَ أنّها قالتْ :سعتُ رسول الِ
،فيقولُ ما أمره الُ ﴿ :إِنّا ِل ّلهِ وَإِنّـا إِلَ ْيهِ رَاجِعونَ ﴾ اللّهمّ ا ُجرْن ف مصيبت وأخلفْ ل
خيا منْها ؛ إلّ أخلف الُ لهُ خيا منْها )) .
قال الشاعرُ :
تدُومُ على حيّ وإنْ هِي جّلتِ خليليّ ل والِ ما مِنْ ُمِلمّةٍ
ول تُكثِر الشّكْوى إذا النّع ُل زّلتِ ت يوما فل تْضَعَنْ لا فإنْ نزل ْ
فصابرها حت مضتْ واضمحّلتِ فكمْ مِنْ كر ٍي قدْ بُل ْي بنوائبٍ
ت صبي على الذّلّ ذّلتِ فلمّا رأ ْ وكانتْ على اليامِ نفسي عزيزةً
وقال آخر :
ورُبّما خِي ل ف الغمّ أحيانا يضي ُق صدري بغمّ عند حادِثةٍ
وعند آخرِه روْحا وريْحانا ورُبّ يومٍ يكو ُن الغمّ أوّلهُ
إ ّل ول فرجٌ قد حلّ أوْ حانا ما ضِقتُ ذرْعا عند نائِبةٍ
********************************
الفعالُ الميلةُ طريقُ السعادةِ
رأيتُ ف أوّلِ ديوانِ حاتٍ الطّائيّ كلمةً جيلةً لهُ ،يقو ُل فيها :إذا كان تركُ الشّرّ
يكفيك ،فدَعْهُ .
ل تحزن
194
عَ ْنهُمْ ﴾ ض
ومعناهُ :إذا كان يسع السّكوتُ ع ِن الشّرّ واجتنابُه ،فحسبُه بذلك ﴿فََأ ْعرِ ْ
َ ﴿ ،و َدعْ َأذَا ُهمْ ﴾ .
مبّةُ للناسِ موهب ٌة ربّانيّةٌ ،وعطاءٌ مباركٌ من الفتّاحِ العليمِ .
ث بأرضٍ ، يقول ابنُ عباسٍ متحدّثا بنعمةِ الِ عزّ وجلّ :فّ ثلثُ خصالٍ :ما نزل غي ٌ
ت بقاضٍ عادلٍ ،إلّ إلّ حدتُ ال وسُررتُ بذلك ،وليس ل فيها شا ٌة ول بعيٌ .ول سع ُ
ب الِ ،إلّ ودِدتُ أنّ الناس دعوتُ ال له ،وليس عنده ل قضيّةٌ .ول عَرَفتُ آيةً منْ كتا ِ
يعرفون منها ما أعرفُ .
إنه ُحبّ اليِ للناسِ ،وإشاعةُ الفضيل ِة بينهمْ وسلم ُة الصّدرِ لمْ ،والّنصْحُ ك ّل النصحِ
للخليقةِ .
يقولُ الشاعرُ :
سحاِئبُ ليس تنْتَ ِظمُ البلدا فل نزلتْ علىّ ول بأرضي
العن :إذا ل تك ِن الغمامةُ عامّةً ،والغيْثُ عامّا ف الناسٍ ،فل أريدُها أنْ تكون خاصّةً
َفضْ ِلهِ﴾ ب ،فلستُ أنانيّا ﴿اّلذِينَ يَ ْبخَلُونَ وَيَ ْأ ُمرُونَ النّاسَ بِالُْبخْلِ وَيَكُْتمُونَ مَا آتَا ُهمُ ال ّلهُ مِن
أل يُشجيك قوْلُ حاتٍ ،وهو يتحدّثُ ع ْن رُوحِه الفيّاضةِ ،وعن خلقِهِ المّ :
وُيحْيي العِظام البيض وهْي رميمُ أما والذي ل يعل ُم الغيب غيُهُ
مافة يومٍ أن يُقالَ لئيمُ لق ْد كنتُ أطوِي البطن والزّادُ يُشتهى
****************************************
ال ِعلْمُ النافعُ والعلمُ الضّارّ
لِيهْنِك العِ ْلمُ إذا دلّك على الِ ﴿ .وَقَالَ اّلذِينَ أُوتُوا اْلعِ ْلمَ وَالِْإيَانَ َل َقدْ لَبِثُْتمْ فِي
كِتَابِ ال ّلهِ إِلَى َيوْمِ الَْبعْثِ ﴾ .إنّ هناك علما إيانيّا ،وعلما كافرا ،يقولُ سبحانه وتعال
عنْ أعدائِهِ َ ﴿ :يعْ َلمُونَ ظَاهِرا مّنَ اْلحَيَاةِ الدّنْيَا وَ ُه ْم َعنِ الْآ ِخرَةِ ُه ْم غَافِلُونَ ﴾ .ويقول
عنهم ﴿ :بَلِ ادّا َر َك عِ ْلمُ ُهمْ فِي الْآ ِخرَةِ بَلْ ُهمْ فِي َشكّ مّ ْنهَا بَلْ هُم مّ ْنهَا عَمِونَ ﴾ .ويقولُ
عنهم ﴿ ذَلِكَ مَبْ َل ُغهُم ّمنَ اْلعِ ْلمِ . ﴾ ....ويقولُ جلّ وعل ﴿ :وَاْت ُل عَلَ ْيهِمْ نَبَأَ اّلذِيَ آتَيْنَاهُ
ل تحزن
195
آيَاتِنَا فَانسَ َلخَ مِ ْنهَا َفأَتَْب َعهُ الشّيْطَانُ فَكَانَ ِمنَ اْلغَاوِينَ{ }175وََلوْ شِئْنَا َلرَ َفعْنَاهُ ِبهَا وَلَـكِّنهُ
حمِ ْل عَلَ ْيهِ يَ ْلهَثْ أَوْ تَ ْترُ ْكهُ يَ ْلهَث
أَخْ َلدَ إِلَى الَ ْرضِ وَاتّبَعَ هَوَاهُ َفمَثَ ُلهُ َكمَثَلِ الْكَلْبِ إِن َت ْ
ذّلِكَ مَثَلُ اْلقَوْمِ اّلذِينَ َكذّبُواْ بِآيَاتِنَا فَا ْقصُصِ اْلقَصَصَ َلعَ ّل ُهمْ يََتفَ ّكرُونَ ﴾ .وقال سبحانه
حمِلُ أَ ْسفَارا ﴾ :إنّه علمٌ لكنّه ل يهدي ،
حمَارِ َي ْ
وتعال ع ِن اليهودِ وعنْ علمِهم َ ﴿ :كمَثَلِ اْل ِ
وبرهانٌ ل يشفي ،وحجّ ٌة ليستْ قاطع ًة ول فالِةً ،ونَقْلٌ ليس بصا ِدقٍ ،وكلمٌ ليس بقّ ،
ودللةٌ ولكن إل النرافِ ،وتوجّهٌ ولكن إل غيّ ،فكيف يدُ أصحابُ هذا العلمِ السعادة ،
وهمْ أوّلُ منْ يسحقُها بأقدامِهم ﴿ :فَاسَْتحَبّوا اْل َعمَى عَلَى اْل ُهدَى ﴾ ﴿ ،وَقَوِْل ِهمْ قُلُوبُنَا
غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ ال ّل ُه عَلَ ْيهَا بِ ُك ْفرِ ِهمْ ﴾ .
ت اللوفِ من الكتبِ الائلةِ الذهلةِ ف مكتبةِ الكونرس بواشنطن ،ف ك ّل رأيتُ مئا ِ
فنّ ،وف ك ّل تصّصٍ ،عنْ كلّ جي ٍل وشعبٍ وأُمةٍ وحضارةٍ وثقافةٍ ،ولكنّ المة الت تتضنُ
هذه الكتبة العظمى ،أُمّةٌ كافرةٌ بربّها ،إنا ل تعلمُ إل العال النظور الشهود ،وأمّا ما وراء
ذلك فل سْع ول َبصَرَ ول ق ْلبَ ول وَعْيَ ﴿ وَ َجعَلْنَا َل ُهمْ َسمْعا وَأَْبصَارا وَأَفِْئدَةً َفمَا َأغْنَى
عَنْ ُهمْ َسمْ ُع ُهمْ وَلَا أَْبصَارُ ُهمْ وَلَا أَفِْئدَُتهُم مّن شَيْءٍ ﴾ .
إن الرّوضَ أ ْخضَرُ ،ولكنّ العنْزَ مريضةٌ ،وإ ّن التّمْرَ مقفزيّ ،ولك ّن البُخل مرْو ِزيّ ،
ب زُللٌ ،ولكن ف الفم مرارةً ﴿ َكمْ آتَيْنَاهُم مّنْ آَيةٍ بَيَّنةٍ ﴾ َ ﴿ .ومَا تَأْتِيهِم مّنْ
وإن الاء عذْ ٌ
آَيةٍ ّمنْ آيَاتِ رَّب ِهمْ إِلّ كَانُوْا عَ ْنهَا ُم ْعرِضِيَ ﴾ .
***************************************
ع والتّأمّلِ
أ ْكِثرْ من الطّل ِ
ع الثقافةِ ،وعُم ُق
إنّ مّا يشرحُ الصدر :كثْرةُ العرفةِ ،وغزارةُ الادّ ِة العلميّةِ ،واتّسا ُ
الفكرِ ،وبُع ُد النّظْرةِ ،وأصالةُ الف ْهمِ ،والغوْصُ على الدليلِ ،ومعرفةُ سرّ السألةِ ،وإدراكُ
خشَى ال ّلهَ ِم ْن عِبَادِهِ اْلعُ َلمَاء ﴾ ﴿ ،بَلْ
مقاصدِ المورِ ،واكتشافُ حقائقِ الشياءِ ﴿ إِّنمَا َي ْ
ل تحزن
196
َكذّبُواْ ِبمَا َلمْ ُيحِيطُواْ ِبعِ ْل ِمهِ ﴾ .إنّ العالِم رحْب الصدرِ ،واسع البالِ ،مطمئنّ النفْسِ ،
منشرحُ الاطرِ ..
وينقصُ إنْ به كفّا شددْتا يزيدُ بكثْرةِ النفاقِ منهُ
ف كبيٌ ف درجِ مكتب ،مكتوبٌ عليه :حاقا ٌ
ت يقولُ أحد مفكّري الغربِ :ل مل ّ
ت وتوافه وعثراتٍ أُزاولُها ف يومي وليلت ،لتلّص منها . ارتكبتُها ،أكتبُه لكلّ سقطا ِ
قلت :سبقك علماءُ سلفِ هذه الُمّةِ بالُحاسبةِ الدقيقةِ والتّنْقيبِ الُضن لنفسِهم ﴿وَلَا
أُ ْقسِمُ بِالّنفْسِ اللّوّا َمةِ ﴾ .
قال الس ُن البصريّ :السلمُ لنفسِهِ أشدّ مُحاسَبَةً من الشريكِ لشريكِهِ .
وكان الربيعُ بنُ خُثْيمٍ يكُتبُ كلمهُ من المعةِ إل المعةِ ،فإنْ وَ َجدَ حسنةً حِد ال ،
وإنْ وَ َجدَ سيّئةً استغفر .
وقال أحدُ السلفِ :ل ذنبٌ منْ أربعي سنةً ،وأنا أسألُ ال أنْ يغفرهُ ل ،ول زلتُ
ُألّ ف طلبِ الغفرةِ ﴿ وَاّلذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وّقُلُوُب ُهمْ وَجِ َلةٌ ﴾ .
********************************
ب نَفْسَكَ
حا ِس ْ
احتفظِ بذكّرةٍ لديك ،لتُحاسب با نفْشك ،وتذكر فيها السلبيّاتِ اللزمة لك ،
وتبدأ بذكْر التّقدّمِ ف معالتِها .
قال عمرُ :حاسِبوا أنفُس ُكمْ قبل أنْ تُحاسبوا ،وزِنُوها قبل أن تُوزنوا ،وتزيّنوا للعرضِ
الكبِ .
ثلثةُ أخطاءٍ تتك ّررُ ف حياتِنا اليومية :
الولُ :ضياعُ الوقتِ .
سنِ إسلمِ الرءِ تركهُ ما ل يعنيهِ )) .
الثان :التّكلّ ُم فيما ل يعن (( :مِنْ ُح ْ
ل تحزن
197
الثالثُ :الهتمامُ بتوافِ ِه المورِ ،كسما ِ
ع تويفاتِ الُرجِفي ،وتوقّعاتِ الثبّطي ،
وتوهّماتِ الُوسوسِي َ ،ك َدرٌ عاجلٌ ،وهمّ معجّلٌ ،وهو منْ عوائقِ السعادةِ وراحةِ البالِ .
يقولُ امرؤُ القيسِ :
وهلْ يعِمنْ منْ كان ف ال ُعصُر الال أل ِعمْ صباحا أيها الطّل ُل البال
قلي ُل الموم ل يبِيتُ بأوجالِ وهلْ يعِمنْ إل سعيدٌ منعّمٌ
: عمّ العباس دعاءً يمعُ سعادة الدنيا والخرةِ ،وهو قولُه علّم الرسولُ
((اللّهم إن أسألُك ال َعفْوَ والعافية )) .
وهذا جام ٌع مانعٌ شافٍ كافٍ فيه خيُ العاجلِ والجلِ .
شقَى ﴾ .
سنَ ثَوَابِ ال ِخرَةِ ﴾ ﴿ ،فَلَا َيضِلّ وَلَا َي ْ
﴿ فَآتَا ُهمُ ال ّلهُ ثَوَابَ الدّنْيَا وَ ُح ْ
***************************************
خُذوا حِ ْذ َركَمْ
منْ سعادةِ العبدِ ا ْخذُ الَيْطةِ واستعمالُ السبابِ ،مع التّوكّلِ على الِ عزّ وجلّ ،فإن
الرسول بارز ف بعضِ الغزواتِ وعليه دِرعٌ ،وهو سّيدُ التوكّلي ،وقال لحدِهم لا قال
له :أعقِلُها يا رسول الِ ،أوْ أتوكّلُ ؟ قال (( :اعقِلها وتوكّل )) .
ل قُوا ُم التوحيدِ ،وترْكُ السبب مع التوكّلِ على الِ
فال ْخ ُذ بالسببِ والتّوكّلُ على ا ِ
ح ف التوحيدِ .
ل َقدْ ٌ
ق ْدحٌ ف الشرعِ ،وأخ ُذ السببِ مع ترْكِ التوكّلِ على ا ِ
و َذكَرَ ابنُ الوزيّ ف هذا :أ ّن رجلً قصّ ظفره ،فاستفحل عليه فمات ،ول يأ ُخذْ
باليْطةِ .
ورجُلٌ َدخَلَ على حارٍ منْ سردان ،فهصر بطنهُ فمات .
وذكروا عنْ طه حسي – الكاتبِ الصريّ – أنه قال لسائقِهِ :ل تُسرعْ حت نصِل
مبكّرين .
وهذا معن مثلٍ :رُبّ عجلةٍ تبُ ريْثا .
ل تحزن
198
قال الشاعرُ :
وقدْ يكونُ مع التعجّلِ الزّللُ قد يُدرِكُ الُتأنّي بعض حاجتِه
حرّ
َتقِي ُكمُ اْل َ ﴿ وَلْيََتلَطّفْ ﴾ ﴿ ، فالتّوقّي ل يُعارضُ القدر ،بلْ هو منهُ ،ومنْ لُبّهِ
وَ َسرَابِيلَ َتقِيكُم َبأْسَ ُكمْ ﴾ .
******************************************
اكْسبِ الناس
سبِ الناس ،واستجلب مبّتِهم وعطفِهم ،قال
ومنْ سعادةِ العبدِ قُدرتُه على ك ْ
ص ْدقٍ فِي الْآ ِخرِينَ ﴾ ،قال الفسرون :الثّناءُ
إبراهيمُ عليه السلمُ ﴿ :وَا ْجعَل لّي ِلسَانَ ِ
السنُ .وقال سبحانه وتعال عنْ موسى ﴿ :وَأَْلقَيْتُ عَلَيْكَ َمحَّبةً مّنّي ﴾ .قال بعضُهم :
ما رآك أحدٌ إل أحبّك .
وف الديثِ الصحيحِ (( :أنتم شهداءُ الِ ف الرض )) .وألسنةُ ال ْلقِ أقلمُ القّ .
وصحّ (( :أن جبيل يُنادي ف أهلِ السماءِ :إنّ يبّ فلنا فأحبّوه ،فيُحّبهُ أهلُ
السماءِ ،ويُوضعُ له القبُول ف الرضِ )) .
ومنْ أسبابِ الودّ :بسْطةُ الوج ِه ولِيُ الكلمِ وسَعَةُ الُلقُ .
(( :ما ب أرواحِ الناسِ إليك :الرّفقُ ؛ ولذلك يقولُ
إنّ منْ العواملِ القويةِ ف ج ْل ِ
كان الرّفقُ ف شيءٍ إل زانه ،وما نُزع منْ شيءٍ إل شانهُ )) .
ويقول (( :من يُحرم الرفق ،يُحرم الي كلّه )) .
قال أحد الكماء :الرفق يُخرج اليّة من ُجحْرها .
قال الغربيّون :اجْ ِن العسل ،ول تَ ْكسِرِ اللِيّة .
وف الديثِ الصحيحِ (( :الؤمُن كالّنحْلةِ تأكلُ طيّبا ،وتضعُ طيّبا ،وإذا وقعتْ
سرْهُ )) .
على عودٍ ،ل تك ِ
************************************
ل تحزن
199
ت القُدرة
تنقّلْ ف الدّيارِ واقرأْ آيا ِ
ومّا يلُب الفرح والسّرور :السْفارُ والتّنقّ ُل ف الدّيارِ ورؤي ُة المصارِ ،وقد سبقتْ
﴾ سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ
كلمةٌ ف أوّل هذا الكتابِ عنْ هذا .قال سبحانه ﴿ :ان ُظرُواْ مَاذَا فِي ال ّ
﴿ ،قُلْ سِيُوا فِي الَْأ ْرضِ فَان ُظرُوا ﴾ ﴿ ،أَفَ َلمْ َيسِيُواْ فِي الَ ْرضِ فَيَن ُظرُواْ ﴾ .
قال الشاعرُ :
ب القلب إل إنْ كُبِلْتا يُذي ُ ول تلبثْ بِرْبعٍ فيه ضْيمٌ
وشرّقْ إنْ بِرِيِقك قدْ ش ِرقْتا ب فالتّغرّبُ فيه ن ْفعٌ
وغرّ ْ
جبَ العجاب مِن ومنْ يقرْأ رحلة ابنِ بطّوطة ،على ما فيها من البالغاتِ ِ ،يدِ العَ َ
خ ْل ِق الِ سبحانه وتعال ،وتصريفِه ف الكونِ ،ويرى أنا من العِب العظيمةِ للمؤمنِ ،ومن
ب الكونّ الفتوحِ . الراحةِ له أنْ يسافر ،وأنْ ي ّغيَ أجواءه ومكانه وملّه ،لقرأ ف هذا الكتا ِ
يقولُ أبو تام – وهو يتحدّث عن التنقلِ ف الدّيارِ : -
ي وبالفسطاطِ جِيان بال ّرقْمت ِ بالشّامِ أهلي وبغدا ُد الوى وأنا
﴿ قُلْ سِيُوا فِي اْلأَ ْرضِ ﴾ َ ﴿ ،فسِيحُواْ فِي ا َل ْرضِ ﴾ ﴿ ،حَتّى ِإذَا بَلَغَ َمغْرِبَ
جمَعَ الَْبحْرَْينِ أَوْ َأ ْمضِيَ ُحقُبا ﴾ .
الشّ ْمسِ ﴾ ﴿ ،حَتّى أَبْلُغَ َم ْ
************************************
تجّ ْد مع التهجّديِن
وما يُسعدُ النّفْس ويشرحُ الصدر :قيامُ الليلِ .
وقدْ ذكر ف الصحيح :أنّ العبد إذا قام من الليلِ ،وذكر ال ،ث توضّأ وصلّى ،
أصبح نشيطا طيّب النفْسِ ﴿ .كَانُوا قَلِيلً ّمنَ اللّيْلِ مَا َي ْهجَعُونَ ﴾ َ ﴿ ،و ِمنَ اللّ ْيلِ فََت َهجّدْ ِبهِ
نَافِ َلةً لّكَ ﴾ .
ل تحزن
200
وقيامُ الليلِ يُذهبُ الدّاء عن السدِ ،وهو حديثٌ صحيحٌ عند أب داود (( :يا
عبدال ،ل تُك ْن مثْل فلنٍ ،كان يقومُ الليل ،فتَركَ قيامَ الليلِ )) ِ (( ،نعْمَ الرج ُل عبدُالِ
لو كان يقومُ من الليلِ )) .
ل تأسفْ على الشياءِ الفانيةِ ،كلّ شيءٍ ف هذه الياةِ فانٍ إل وجْههُ سبحانه وتعال
﴿ ،كُلّ َمنْ عَلَ ْيهَا فَانٍ{ }26وَيَ ْبقَى وَ ْجهُ رَبّكَ ذُو اْلجَلَالِ ج َههُ ﴾
وَ ْ ﴿كُلّ شَيْءٍ هَاِلكٌ إِلّا
. كرَامِ ﴾
وَالِْإ ْ
إ ّن النسان الذي يأسفُ على دنياه ،كالطّفلِ الذي يبكي على ف ْقدِ لعبتِهِ .
**********************************
َوقْفَـــةٌ
« كلّ اثنيِ منهما قرينانِ ،وها منْ آلمِ الرّوح ومعذّباتِها ،والفرْق بينهما أ ّن ال ّم
توقّع الشّرّ ف الستقبلِ ،والزُن التّأّلمُ على ُحصُولِ الكروهِ ف الاضي أو فواتُ الحبوبِ ،
وكلها تأّلمٌ وعذابٌ ي ِردُ على الرّوحِ ،فإنْ تعلّق بالاضي ُسمّي حزنا ،وإنْ تعلّق بالستقبلِ
ُسمّي هّا » .
(( اللّهمّ إن أسألك العافية ف الدّنيا والخرةِ ،اللّهمّ إن أسألُك العفْو والعافية ف
ديِن ودُنياي وأهلي ومال ،اللهمّ اسُترْ عورات وآمِنْ روْعات ،اللهم احفظن منْ بيِ يديّ
و ِمنْ خلْفي ،وعنْ يين وعنْ شال و ِمنْ فوقي ،وأعوذُ بعظمتك أنْ ُأغْتال ِمنْ تت )) .
قال الشاعرُ :
أيادِيهِ الديثةُ والقديهْ أل تر أنّ ربّك ليس تٌحصى
يُقِيمُ ول هومُك بالُقيمهْ َتسَلّ ع ِن المومِ فليس شيءٌ
إليك بنظرةٍ مِْنهُ رحيِمهْ لع ّل ال ينظُرُ بعد هذا
**************************************
إ ّن الدنْيا بذهبِها وفضّتِها ومناصبِها ودُورِها وقصورِها ل تستأهلُ قطرة دمعٍ ،فعند
قال (( :الدنيا ملعونةٌ ،ملعونٌ ما فيها إل ذكْر الِ ،وما واله ، الترمذيّ أنّ الرسول
وعالا ومتعلّما )) .
سبُ ،كما يقولُ لبِيدُ :
إنا ودائ ُع فح ْ
ولب ّد يوما أنْ تُر ّد الودائعُ وما الالُ والهلون إل ودِيعةٌ
ت والعقاراتِ والسياراتِ ل تؤخّرُ لظةً واحدةً منْ أج ِل العبدِ ،قال حاتُإن الليارا ِ
الطّائيّ :
إذا حشرجتْ يوما وضاق با الصّ ْدرُ ل َعمْرُكَ ما يُغن الثّراءُ عن الفت
ولذلك قال الكماءُ :اجعلْ للشيء ثنا معقولً ،فإنّ الدنيا وما فيها ل تُساوي الؤمنِ:
﴿ َومَا َهذِهِ اْلحَيَا ُة الدّنْيَا إِلّا َلهْوٌ وََلعِبٌ ﴾ .
ويقولُ الس ُن البصريّ :ل تع ْل لنفسِك ثنا غي النةِ ،فإنّ نفْس الؤمنِ غاليةٌ ،
وبعضُهم يبيعها ب ُرخْصٍ .
ق سياراتِهم ،ول يأسفون إ ّن الذين ينوحون على ذهابِ أموالِه ْم وتدّمِ بيوتِهم واحترا ِ
ويزنون على نقْصِ إيانِهم وعلى أخطائِهم وذنوبِهم ،وتقصيِهم ف طاع ِة ربّهمْ سوف
يعلمون أن ْم كانوا تافهي بق ْدرِ ما ناحُوا على تلك ،ول يأسفوا على هذهِ ؛ لنّ السألة
مسألةُ قيمٍ ومُثُلٍ ومواقف ورسالةٍِ﴿ :إنّ هَؤُلَاء ُيحِبّونَ اْلعَاجِ َلةَ وََيذَرُونَ َورَاء ُهمْ يَوْما َثقِيلً﴾.
******************************************
البّ القيقيّ
ل تحزن
202
كُنْ منْ أولياءِ الِ وأحبائهِ لِتسْعدَ ،إنّ منْ أس ْعدِ السعداءِ ذاك الذي جعل هدفه السى
. وَُيحِبّوَنهُ ﴾ وغايتُه النشودة ُحبّ الِ عزّ وجلّ ،وما ألْطف قولهُ ُ ﴿ :يحِّبهُمْ
جبُ منْ قولهِ :يبّونه ،ولك ّن العجب م ْن قولِهِ يبّهم ؛ فهو
قال بعضُهم :ليس ال َع َ
الذي خلقهم ورزقهم وتولّهُم وأعطا ُهمْ ،ث يبّهم ﴿ :قُلْ إِن كُنُتمْ ُتحِبّونَ ال ّلهَ فَاتِّبعُونِي
ُيحْبِبْكُمُ ال ّلهُ ﴾ .
ب ال
وانظرْ إل مكرُمةِ عليّ بنِ أب طالبٍ ،وهي تاجٌ على رأسهِ :رجلٌ يُح ّ
ل ورسولهُ . ورسوله ،ويبّه ا ُ
إ ّن رجلً من الصحابة أحبّ ﴿ قُلْ هُوَ ال ّلهُ أَ َحدٌ ﴾ ،فكان يردّدُها ف ك ّل ركعةٍ ،
: ويتَولّ ُه بذكْرِها ،ويعيدها على لسانه ،ويُشجي با فؤاده ،ويرّكُ با وجدانه ،قال له
(( حبّك إيّاها أدْخَلَك النة )) .
ما أعجب بيتي كنتُ أقرؤها قديا ،ف ترج ٍة لحدِ العلماءِ ،يقول :
بليلى وسلمى يسُلبُ الّلبّ والعقْل إذا كان ُحبّ الائِمي من الورى
َسرَى قلبُه شوقا على العالِ العلى فماذا عسى أن يفعل الاِئمُ الذي
سبحان الال ِق الرازقِ ،أعطى الدود َة رزقها ف الطّيِ ،والسمكة ف الاءِ ،والطائرَ ف
الواءِ ،والنملةَ ف الظّلماءِ ،واليّة بي الصخورِ الصّمّاءِ .
َذكَرَ ابنُ الوزيّ لطيفةً من اللّطائفِ :أنّ حيّةُ عمياء كانتْ ف رأسِ نلةٍ ،فكان يأتيها
عصفورٌ بلحمٍ ف فمِه ،فإذا اقترب منها َو ْروَ َر وصفّرَ ،فتفتحُ فاها ،فيضعُ اللحم فيهِ سبحان
. طَاِئرٍ َيطِيُ ِبجَنَاحَ ْيهِ إِلّ ُأ َممٌ َأمْثَالُكُم ﴾ وَلَ ﴿ منْ سخ ّر هذا لذِه
فاسألهُ منْ ذا بالسّمومِ حشاكا وإذا ترى الثعبان ين ُفثُ ُسمّهُ
ل فاكا
سمّ َيمْ ُ
تيا وهذا ال ّ واسألهُ كيف تعيشُ يا ثعبانُ أو
ب صباح مساء ،فقيل لا ﴿ :يَا َمرْيَمُ كانتْ مريُ عليها السلمُ يأتيها رزقُها ف الحرا ِ
أَنّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ ُهوَ ِمنْ عِندِ ال ّلهِ إنّ ال ّلهَ َيرْ ُزقُ مَن َيشَاءُ ِبغَ ْيرِ ِحسَابٍ ﴾ .
لقٍ ّنحْنُ َنرْزُقُ ُكمْ وَإِيّا ُهمْ ﴾ .
ل تز ْن فرزقُك مضمونٌ ﴿ وَلَ َتقْتُلُواْ أَوْ َلدَكُم ّمنْ إ ْم َ
لتعلم البشريّةُ أ ّن رازق الوالدِ ،هو الذي ل يلدْ ولْ يولدْ .
﴿ وَلَ َتقْتُلُواْ أَوْلدَ ُكمْ َخشَْيةَ ِإمْلقٍ ّنحْنُ َنرْزُ ُق ُهمْ وَإِيّاكُم ﴾ إنّ صاحب الزائنِ
الكبى جلّ ف عل ُه قد تكفّل بالرزقِ ،فِبم القلقُ والزعي ُم بذلك الُ ؟!
﴿ فَابَْتغُوا عِندَ ال ّلهِ الرّ ْزقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْ ُكرُوا َلهُ ﴾ .
س ِقيِ ﴾ .
﴿ وَاّلذِي هُوَ يُ ْط ِعمُنِي وََي ْ
*****************************************
ل تحزن
208
وقفـــة
« أمّا الصلةُ فشأُنا ف تفريغِ القلبِ وتقويتِه ،وشرْحِه ،وابتهاجهِ ولذّتِه ،أكبَرْ
ح بالِ ،وقُربِه والتّنعّمِ بذكرِهِ ،والبتهاجِ بُناجاتِه ،
شأنٍ ،وفيها اتّصا ُل القلبٍ والرّو ِ
والوقوفِ بي يديْهِ ،واستعمالِ جي ِع البد ِن وقُواهُ وآلتِهِ ف عبوديِّتهِ ،وإعطاءِ كلّ عضو حظّه
منها ،واشتغالِه عن التّعلّقِ باللقِ ومُلبستِهم ومُحا َورَتِهم ،وانذاب قوى قلِبهِ وجوار ِحهِ إل
ربّه وفاطرِهِ ،وراحتهِ م ْن عدوّه حالة الصل ِة ما صارتْ بهِ منْ أك ِب الدويةِ والفرحاتِ
والغذيِةِ الت ل تُلئمُ إل القلوب الصحيحة .وأمّا القلوبُ العليل ُة فهي كالبدانِ ،ل تُناسبها
إ ّل الغذي ُة الفاضلةُ » .
« فالصلةُ منْ أكبِ العوْنِ على تصيلِ مصالِ الدنيا والخرةِ ،ودفْع مفاسِد الدنيا
والخرةِ ،وهي منْهاةٌ عن الْثمِ ،ودافعةٌ لدواءِ القلوبِ ،ومطْردةٌ للداءِ عن السدِ ،ومُنَوّرةٌ
للقلبِ ،ومُبيّضةٌ للوجهِ ،ومنشّطةٌ للجوارحِ والنفْسِ ،وجالِبةٌ للرزقِ ،ودافعةٌ للظّ ْلمِ ،
وناصِرةٌ للمظلوم ،وقامعةٌ لخلطِ الشّهواتِ ،وحافظةٌ للنعمةِ ،ودافعةٌ للنقمةِ ،ومُنلةٌ
للرحةِ ،وكاشفةٌ للغّمةِ » .
*************************************
شريعةٌ سَمْحةٌ
خمِ ،يتجلّى ذلك مّا يُف ّرحُ العبد السلم ،ما ف الشريعةِ من الثّوابِ الزي ِل والعطاءِ الض ْ
ف الكفّراتِ العشْرِ ،كالتوحيدِ وما يكفّرُه من الذنوبِ .والسناتِ الاحيةِ ،كالصلةِ ،
والمعةِ إل المعةِ ،والعمرةِ إل العمرةِ ،والجّ ،والصومِ ،ونو ذلك من العمالِ الصالةِ
.وما هناك منْ مُضاعَفَ ِة العمالِ الصالةِ ،كالسنةِ بعشرِ أمثالِها إل سبعمائ ِة ضِعفٍ إل
أضعافٍ كثيةٍ .ومنها التوبةُ ُتبّ ما قبلها من الذنوبِ والطايا .ومنها الصائبُ الكفّرةُ فل
يصيبُ الؤمن منْ أذىً إل كفّ َر الُ بهِ منْ خطاياهُ .ومنها دعواتُ السلمي لهُ بظهْ ِر الغيبِ .
ومنها ما يُصيبُه من الكرْبِ وقت الوتِ .ومنها شفاعةُ السلمي له وقت الصلةِ عليهِ .ومنها
ل تحزن
209
،ورحةُ أرحم الراحي تبارك وتعال ﴿ وَإِن َت ُعدّواْ ِن ْع َمةَ ال ّلهِ لَ شفاعةُ سيّد اللقِ
ُتحْصُوهَا ﴾ ﴿ ،وَأَسْبَ َغ عَلَيْ ُكمْ ِن َع َمهُ ظَا ِهرَةً وَبَاطَِنةً ﴾ .
*****************************************
ك أَنتَ الْأَ ْعلَى ﴾
﴿ لَا َتخَفْ ِإنّ َ
أوجس موسى ف نفسِهِ خِيفةً ثلث مرّاتٍ :
ط عَلَيْنَا َأوْ
الول :عندما دخل ديوان الطاغيةِ فرعون ،فقال ﴿ :إِنّنَا َنخَافُ أَن َي ْفرُ َ
،قال الُ ﴿ :قَالَ لَا َتخَافَا إِنّنِي َمعَ ُكمَا أَ ْسمَعُ وَأَرَى ﴾ . طغَى ﴾
أَن َي ْ
وحقِيقٌ بالؤمنِ أن تكون ف ذاكرتهِ وف خلدِه :ل تفْ ،إنن أسعُ وأرى .
والثانية :عندما ألقى السحرةُ ِعصِيّهم ،فأوْجس ف نفسِه خيِفةً موسى .
فقال ال تعال ﴿ :لَا َتخَفْ إِنّكَ أَنتَ اْلَأعْلَى ﴾ .
ضرِب ّب َعصَاكَ ﴾ وقال موسى﴿ :كَلّا
الثالثةُ :لا أتْبعهُ فرعونٌ بنودِه ،فقال له الُ ﴿ :ا ْ
إِنّ َمعِيَ رَبّي سََي ْهدِينِ ﴾ .
*************************************
إياك وأربعا
ث ضنْكَ العيشةِ و َك َدرَ الاطرِ وضيِ َق الصّ ْدرِ :
أربعٌ تُور ُ
ل وقدرِه ،و َعدَمُ الرّضا بهِ . الول :التّس ّ
خطُ من قضاءِ ا ِ
الثانيةُ :الوقوعُ ف العاصي بل توبةٍ ﴿ قُلْ ُهوَ مِ ْن عِندِ أَْن ُفسِ ُكمْ ﴾ ﴿،فَِبمَا َكسَبَتْ
أَْيدِيكُمْ ﴾ .
الثالثةُ :القدُ على الناسِ ،و ُحبّ النتقامِ منهمْ ،و َح َ
سدُهم على ما آتا ُه ُم الُ منْ
س عَلَى مَا آتَا ُهمُ ال ّلهُ مِن َفضْ ِلهِ ﴾ (( ،ل راحة لسودِ )) .
سدُونَ النّا َ
حُفضلِه ﴿ أَمْ َي ْ
شةً ضَنكا ﴾ .
الرابعةُ :العراضُ عنْ ذك ِر الِ ﴿ َو َمنْ َأ ْع َرضَ عَن ذِ ْكرِي فَِإنّ َلهُ َمعِي َ
******************************************
ل تحزن
210
اس ُك ْن إل ربّك
راحةُ العبدِ ف سكونِه إل ربّه سبحانه وتعال .
وقد َذكَ َر الُ السكينةَ ف مواطن منْ كتابِه عزّ من قائلٍ ،فقال َ ﴿ :أَنزَلَ ال ّلهُ سَكِينََتهُ
عَلَى رَسُوِلهِ َوعَلَى اْلمُ ْؤمِِنيَ ﴾ ﴿ ،فَأَنزَلَ السّكِيَنةَ عَلَ ْي ِهمْ ﴾ ُ ﴿ ،ثمّ أَنَزلَ ال ّلهُ سَكِينََتهُ عَلَى
رَسُوِلهِ ﴾ َ ﴿ ،فأَنزَلَ ال ّلهُ سَكِينََت ُه عَلَ ْيهِ ﴾ .
والسّكينةُ هي ثباتُ القلبِ إل الرّبّ ،أو رسوخُ النان ثقةً بالرحنِ ،أو سُكُونُ
الاط ِر توكّلً على القادرِ .والسكينةُ هدو ُء لواعِ ِج النفْسِ وسكونُها ،واستئناسُها و ُركُودُها
وعدمُ تفلّتِها ،وهي حالةٌ من المنِ َ ،يحْظَىَ با أهلُ اليانِ ،تُنقذُ ُهمْ منْ مزالقِ اليْرةِ
والضطرابِ ،ومهاوي الشّكّ والتّسخّطِ ،وهي بسب وليةِ العبدِ لربّه ،وذكْرِه وشُكرِه
لولهُ ،واستقامتِه على أمرهِ ،واتّباعِ رسولِهِ ،وتسّكِه بدْيِه ،وحبّه لالقِهِ ،وثقتِه ف
مالكِ أمرهِ ،والعراضِ عمّ سواهُ ،وهجْر ما عداهُ ،ل يدعو إل ال ،ول يعبدُ إل أياهُ ﴿ يُثَبّتُ
ال ّلهُ اّلذِينَ آمَنُواْ بِاْلقَوْلِ الثّابِتِ فِي اْلحَيَا ِة الدّنْيَا وَفِي ال ِخرَةِ ﴾ .
*****************************************
كلمتان عظيمتان
قال المامُ أحد :كلمتان نفعن الُ بما ف الحنةِ
ب المْرِ ،فقال :يا أحدُ ،اثبتْ ،فإنك تُجلدُ ف
الول :لر ُجلٍ حُبس ف شر ِ
السّنّةِ ،وأنا ُجِلدُتُ ف المرِ مرارا ،وق ْد صبْتُ ﴿ .إِن تَكُونُواْ َتأَْلمُونَ فَإِّن ُهمْ يَأَْلمُونَ َكمَا
خفّنّكَ اّلذِينَ
﴿ ،فَاصِْبرْ إِنّ َوعْدَ ال ّلهِ َحقّ وَلَا َيسْتَ ِ لَ َيرْجُونَ ﴾ تَأْلَمونَ وََترْجُونَ ِمنَ ال ّلهِ مَا
. لَا يُوقِنُونَ ﴾
ل تحزن
211
الثانيةُ :لعرابّ قال للمامِ أحد – والمامُ أح ُد قدْ أُ ِخذَ إل الْبسِ ،وهو مقّيدٌ
شرُهُمْ رَّبهُم
بالسلسلِ :يا أحدُ ،اصبْ ،فإنّما تُقتل منْ هنا ،وتد ُخلُ النة منْ هنا ﴿ .يَُب ّ
ِبرَحْ َمةٍ مّ ْنهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنّاتٍ ّل ُهمْ فِيهَا َنعِيمٌ ّمقِيمٌ ﴾ .
*******************************************
منْ فوائدِ الصائبِ
استخرجُ مكنونِ عبوديةِ الدعاءِ ،قال أحدُهم :سبحان منِ استخرج الدعاء بالبلءِ .
وذكَرُوا ف الثرِ :أنّ ال ابتلى عبدا صالا منْ عبادِهِ ،وقال للئكتِه :لسع صوتهُ .يعن :
بالدعاءِ واللْاحِ .
ومنها َ :كسْرُ جاحِ النفسِ وغيّها ؛ ل ّن ال يقول ﴿ :كَلّا ِإنّ الْإِنسَانَ لَيَ ْطغَى{ }6أَن
رّآهُ اسَْتغْنَى ﴾ .
ومنها :عطفُ الناسِ وحبّهم ودعاؤُهم للمصابِ ،فإنّ الناس يتضامنون ويتعاطفون مع
منْ أُصيب ومنِ ابتُلي .
ومنها :ص ْرفُ ما هو أعظمُ منْ تلك الصيبةِ ،فغنها صغيةٌ بالنسب ِة لكب منها ،ثّ
هي كفّارةٌ للذنوبِ والطايا ،وأج ٌر عند الِ ومثوبةٌ .فإذا عَِلمَ العبدُ أنّ هذه ثارُ الصيبةِ أنس
با وارتاح ،ول ينعجْ ويَقْنطْ ﴿ إِّنمَا يُوَفّى الصّاِبرُونَ أَ ْجرَهُم ِبغَ ْيرِ ِحسَابٍ ﴾ .
************************************
العلم هُدى وشِفا ٌء :
َذكَرَ ابنُ حزمٍ ف ( مُداواة النفوس ) أنّ م ْن فوائدِ العلمِ :نَفْيَ الوسواسِ عن النّفْسِ ،
وطرْ َد المومِ والغمومِ والحزانِ .
وهذا كلمٌ صحيحٌ خاصّةً لنْ أحبّ العِلْم وشغف به وزاولهُ ،وعمل به وظهر عليه
نفْعُه وأثرُه .
ل تحزن
212
فعلى طالبِ العلمِ أن يوزّع وقته ،فوقتٌ للحفْظِ والتكرارِ والعادةِ ،ووقتٌ للمطالعةِ
ج ْمعِ والتّرتيبِ ،ووقتٌ للتأمّ ِل والتدبّرِ .
العامّةِ ،ووقتٌ للستنباطِ ،ووقتٌ لل َ
وهامةُ ِهمّتِ ِه ف الثّريّا ل رِ ْجلُه ف الثّرى
فكُنْ رجُ ً
*******************************************
عسى أن يكون خيا
ج ف الفرج ) َ :ذكَرَ منْ كلمِ أهلِ العلمِ ما مموعُهللسيوطي كتابٌ بعنوان ( الر ُ
يُفيدُنا أنّ الحَابّ كثيةٌ ف الكارهِ ،وأنّ الصائب تُسفرُ عن عجائب وعن رغائب ل يُدركُها
العبدُ ،إل بعد تكشّفِها وانلئِها .
نوائب هذا الدّهرِ أمْ كيف يْذرُ ل َعمْرُك ما يدري الفت كيف يتّقي
وما ل يرى ما يقِي الُ َأكْبَرُ يرى الشيء مّا يُتّقى فيخافُه
******************************************
السعادةُ موهبةٌ ربّانيّة
ليس عجبا أنْ يكون هناك نفرٌ من الناسِ يلسون على الرصفةِ ،وهم ُعمّا ٌل ل يدُ
احدُهم إل ما يكفي يومه وليلته ،ومع ذلك يبتسمون للحياةِ ،صدورُهم منشرِحةٌ وأجسامُهم
قويةٌ ،وقلوبُهم مطمئنّةٌ ،وما ذلك إل لنّهم َعرَفوا أنّ الياة إنا هي اليومُ ،ول يشتغلوا
بتذكّرِ الاضي ول بالستقبلِ وإنا أفنوْا أعمارهم ف أعمالِهم .
على النّجاةِ ب ْن قدْ عاش أو هلكا وما أُبال إذا نفسي تطاوعُن
وقارِنْ بي هؤلء وبي أناسٍ يسكنون القصور والدّور الفاخرة ،ولكنّهمْ بَقُوا ف فراغٍ
وهواجس ووساوس ،فشتتهُ ُم المّ ،وذهب بم ك ّل مذهبِ .
فكُ ّل بعي ٍد ال ّم فيها مُعذّبُ لا الُ ذي الدّنيا مُناخا لراكِبٍ
********************************************
*
ل تحزن
213
ال ّذ ْكرُ الميلُ عمرٌ طويلٌ
منْ سعادِة العبدِ السلمِ أنْ يكون لهُ عمرٌ ثانٍ ،وهو ال ّذكْرُ السنُ ،وعجبا لنْ وجد
الذكْر السنَ رخيصا ،ولْ يشترِهِ بالِه وجاهِه وسعيِه وعملِه .
وقدْ سبق معنا أنّ إبراهيم عليهِ السلمُ طلب م ْن ربّه لسان صدْقٍ ف الخرِين ،وهو :
الثّناءُ السنُ ،والدعاءُ له .
وعجبْتُ لُناسٍ خلّدوا ثناءً حسنا ف العالِ ُبسْ ِن صنيعهِم وبكرمهِم وبذْلِهم ،حت إنّ
ُعمَرَ سأل أبناء هرِم بنِ سنانٍ :ماذا أعطاك ْم زهيٌ ،وماذا أعطيتُموهُ ؟ قالوا َ :مدَحَنا ،
وأعطيناهُ مالً .قال عمرُ :ذهب والِ ما أعطيتموهُ ،وبقي ما أعطاكمْ .
يعن :الثناءُ والديحُ بقي لمْ أبد الدّهرِ .
عند السّرورِ الذي واساك ف الزنِ أول البِيّةِ طُرّا أنْ تُواسِيهُ
منْ كان يألفُهم ف النلِ الشنِ إن الكرام إذا ما أُر ِسلُوا ذكرُوا
******************************************
أُمّهاتُ الراثي
ت فيهم :
ث قصائد خلّدتْ م ْن قِيل ْ هناك ثل ُ
ابنُ بقيّة الوزيرُ الشهيُ ،قتلهُ َعضُدُ الدولةِ ،فرثاهُ أبو الس ِن النباريّ بقصيدتِه الرائعةِ
العامرةِ ،ومنها :
لقّ تِلْك إحدى الُعجزاتِ عُُلوّ ف الياةِ وف الماتِ
وفو ُد نداك أيام الصّلتِ كأنّ الناس حوْلك حي قاموا
وهمْ وقفُوا قِياما للصّلةِ كأنّك واقِفٌ فيهم خطيبا
كمدّها إليهمْ بالِباتِ مددت يديْك نوهُو اختفاءً
يُواروا فيه تلك الكْرُماتِ ولا ضاق بط ُن الرضِ عنْ أنْ
عليك اليوم صوت النّائِحاتِ أصاروا الوّ قبك واستعاضوا
لنّك ُنصْب هطْلِ الاطِلتِ وما لك تُربةٌ فأقولُ تُسقى
ل تحزن
214
بتبيكِ الفؤادِ الرّائِحاتِ عليك تيّة الرحنِ تتْرى
بُراسٍ وحُفّاظٍ ثقاتِ لِع ْظمِك ف النّفُوسِ تباتُ تُرعى
كذلك كُنت أيام الياةِ وتُوقدُ حولك النيانُ ليلً
ما أجل العباراتِ ،وما أجل البياتِ ،وما أنْبَلَ هذهِ الُثُل ،وما أضخم هذهِ العان .
ال ما أجْملها من أوسةٍ ،وما أحسنها من تِيجان !!
ت والِ أنن لّا سع هذه البيات عضدُ الدولة الذي قتلهُ ،دمعتْ عيناه وقال :ودد ُ
قُتلتُ وصُلِْبتَ ،وقيِلتْ فّ .
ويُقتلُ ممدُ بنُ حيدٍ الطوسيّ ف سبي ِل الِ ،فيقولُ أبو تام يرثيه :
فليْس لِعَيْنٍ ل يفِضْ ماؤها ُع ْذرُ كذا فليجلّ الطبُ وليَفْدحِ المرُ
وأصبح ف شُغلٍ عن السّف ِر السّفرُ تُوفّيتِ المالُ بعد م ّمدٍ
لا الليلُ إل وهي منْ سُْندُسٍ ُخضْرُ تردّ ثياب الوت ُحمْرا فما دَجَى
إل آخرِ ما قال ف تلك القصيدةِ الاتِعةِ ،فسمِعها العتصمُ ،وقال :ما مات من قِيلتْ
فيه هذهِ البياتُ .
ورأيتُ كريا آخر ف سللةِ قُتيبة بنِ مسلمٍ القائدِ الشهيِ ،هذا الكريُ بذل ماله وجاههُ
،وواسى النكوبي ،ووقف مع الصابي وأعطى الساكي ،وأطعم الائعي ،وكان ملذا
للخائفي ،فلمّا مات ،قال أحدُ الشعراء :
ول مغرِبٌ غلّ لهُ فيهِ مادحُ مضى ابنُ سعيدٍ حي ل يبق مشرِقٌ
على الناسِ حت غيّبْتهُ الصّفائحُ وما كنتُ أدري ما فواضِلُ كفّهِ
وكانتْ به حيّا تضِيقُ الصّحاصحُ ض ضيّقٍ وأصبح ف لدٍ مِن الر ِ
فحسْبُك من ما تِنّ الوابِحُ سأبكيك ما فاضتْ دموعي فإنْ تفِضْ
ول بسرورٍ بعد موتِك فا ِرحُ فما أنا مِ ْن ُرزْءٍ وإنْ جلّ جازِعٌ
على أحدٍ إل عليك النّوائِحُ كأنْ ل يُمتْ حيّ سواك ول ت ُقمْ
لقد عظمتْ مِنْ قبلُ فيك الدائحُ لئنْ عظُمتْ فيك الراثي وذكْرُها
وهذا أبو نواس يكتبُ تاريخ الصيبِ أميِ ِمصْرِ ،ويسجّل ف دفترِ الزمانِ اسه فيقولُ :
ل تحزن
215
فأيّ بلدٍ بعدهنّ تزو ُر إذا ل ت ُز ْر أرض الصيبِ ركابُنا
ولكنْ يسيُ الودُ حيثُ يسيُ فما جازهُ جودٌ ول حلّ دونه
ويعلمُ أنّ الدّائراتِ تدورُ فتً يشتري ُحسْن الثّناءِ بالِه
ث ل يذكُرُ الناسُ منْ حيا ِة الصيبِ ،ول منْ أيامِه إل هذهِ البيات .
********************************************
*
وقفــــــةٌ
((اللهمّ اقِسمْ لنا ِمنْ خشيتِك ما تُولُ به بيننا وبي معاصيك ،ومنْ طاعتِك ما
تُب ُلغُنا به جنّتك ،ومن اليقيِ ما تُهوّنُ به علينا مصائب الدنيا ،ومّتعْنا بأساعِنا وأبصارِنا
صرْنا على منْ
وقوّتِنا ما أحْييْتنا ،واجْعلْه الوارِث منا ،واجعلْ ثأرنا على منْ َظ َلمَنا ،وان ُ
عادانا ،ول تعلْ مصيبتنا ف ديننِا ،ول تع ِل الدّنيا أكب هنا ،ول مبلغ عِ ْلمِنا ،ول
تُس ّلطْ علينا بذنوبنا منْ ل يرحُنا )) .
قال عليّ بنُ مقلة :
وضاق لا بهِ الصّدرُ الرّحيبُ إذا اشتملتْ على اليأسِ القلوبُ
وأرستْ ف أماكنِها الطوبُ وأوْطنتِ الكار ُه واطمأّنتْ
ول أغن بِيلتِ ِه الريبُ ول تر لنكشافِ الضّرّوجها
يُنّ به القريبُ الُستجيِبُ أتاك على قُنُوطِك منهُ َغوْثٌ
فموصولٌ با فرجٌ قريبُ وكُلّ الادثاتِ وإن تناهتْ
****************************************
ربّ ل يظْلِمُ ول َي ْهضِمُ
أل يقّ لك أنْ َتسْعَدَ ،وأنْ تدأ وأنْ تسكن إل موعو ِد الِ ،إذا علمت أنّ ف السماء
ربّا عادلً ،وحكما مُنصفا ،أدخل امرأةُ النة ف كلبٍ ،وأدخل امرأ ًة النار ف هِرّة .
ل تحزن
216
فتلك امرأةٌ بغيّ منْ بن إسرائيل ،سقتْ كلبا على ظمأٍ ،فغفر الُ لا وأدخلها النة ،
ص العملِ لِ .لِا قام ف قلبِها منْ إخل ِ
وهذهِ حبست قطّةً ف غُرفةٍ ،ل هي أطعمتْها ،ول سقتْها ،ول تركتْها تأكلُ منْ
ش الرضِ ،فأدخلها الُ النار .خشا ِ
فهذا ينفعُك ويُثل ُج صدرك بيثُ تعلمُ أنه سبحانه وتعال يزي على القليلِ ،ويُثيبُ
على العملِ الصغيِ ،ويُكافئُ عبدهُ على القيِ .
وعند البخاريّ مرفوعا (( :أربعون خصْلةً ،أعلها منِحةُ العنِ ما من عاملٍ يعملُ
بصلةٍ منها رجاء موعودِها وتصديق ثوابِها إل أدخله الُ النة )) ﴿ َفمَن َي ْعمَلْ مِ ْثقَالَ ذَرّةٍ
حسَنَاتِ ُيذْهِ ْبنَ السّـيّئَاتِ ﴾ .
خَيْرا َيرَهُ{َ }7ومَن َي ْعمَلْ مِ ْثقَالَ ذَرّةٍ َشرّا َيرَهُ ﴾ ِ ﴿ ،إنّ اْل َ
ف ّرجْ عنْ مكروبٍ ،وأعطِ مروما ،وانصرْ مظلوما ،وأطعمْ جائعا ،وا ْسقِ ظامئا ،
س مصابا ،وقُدْ أُعْمى ،وأر ِشدْ تائِها ،وأكرم ضيفا ،وبِرّ
و ُعدْ مريضا ،وشيّع جنازةً ،ووا ِ
ق ب ِدرْهِك ،وأحسِ ْن لفظك جارا ،واحترمْ كبيا ،وارح ْم صغيا ،وابذُلْ طعامك ،وتصدّ ْ
،وكُفّ أذاك ،فإنه صدقةٌ لك .
ت السامية ،منْ أعظمِ ما يلبُ السعادة ،وانشراح إنّ هذه العان الميلة ،والصفا ِ
الصدرِ ،وطر َد المّ والغمّ والقلق والزن .
ل ِدرّ الُلُقِ الميلِ ،لو كان رجلً لكان َحسَ َن الشّارةِ ،طيّب الرائحةِ َحسَنَ الذكْرِ ،
باسِم الوجهِ .
********************************************
اكتبْ تأريك بَنفْسِك
كنتُ جالسا ف الرَمِ ف شدّةِ الرّ ،قبل صلةِ الظهرِ بساعةٍ ،فقام رجلٌ شي ٌخ كبيٌ ،
وأخذ يُباشِرُ على الناسِ بالاءِ الباردِ ،فيأخذُ بيدهِ اليُمن كوبا ،وف اليُسرى كوبا ،ويسقيهمُ
منْ ماءِ زمزم ،فكلّما شرب شاربٌ ،عاد فأسقى جارهُ ،حت أسقى فِئاما من الناسِ ،وعَ َرقُه
يتصّببُ ،والناسُ جلوسٌ كلّ ينتظرُ دوره ليشرب م ْن يدِ هذه الشيخِ الكبيِ ،فعجبتُ منْ
ل تحزن
217
جلدِهِ ومنْ صبِهِ ومنْ حبّه للخيِ ،ومن إعطائِه هذا الاءَ للناسِ وهو يتبسّمُ ،وعلمتُ أنّ الي
يسيٌ على منْ يسرّه الُ عليه ،وأ ّن فِعْلَ الميِل َس ْهلٌ على منْ سهّل ُه الُ عليه ،وأنّ لِ
ادّخاراتٍ من الحسانِ ،ينحُها منْ يشاءُ منْ عبادهِ ،وأ ّن الُ يُجري الفضائل ولو كانتْ
قليلةً على يدِ أناسٍ خيّين ،يبّون اليْر لعبادِ الِ ،ويكرهون الشّرّ لم .
أبو بكر يع ّرضُ نفسه للخطرِ ف الجرةِ ،حايةً للرسولِ .
وحاتُ ينامُ جائعا ،ليشبع ضيوفه .
وأبو عبيدة يسهرُ على راحةِ جيشِ السلمي .
وعمرُ يطوفُ الدينة والناسُ نيامٌ .
ويتلوى من الوعِ عام الرّمادة ،ليُطعم الناس .
وأبو طلحة يتلقى السهام ف أُ ُحدٍ ،ليقي رسول الِ .
وابنُ الباركِ يُباشِرُ على الناسِ بالطعا ِم وهو صائمٌ .
ومضوا يعدّون الثناء خلودا ذهبوا يرون الذكر عمرا ثانيا
﴿ وَيُ ْط ِعمُونَ ال ّطعَا َم عَلَى حُّبهِ ِمسْكِينا وَيَتِيما وَأَسِيا ﴾ .
********************************************
صتْ لكلمِ الِ
أْن ِ
ب الِ ،هدّئ أعصابك بالنصاتِ إل كتابِ ربّك ،تلوةً مُمتعةً حسنةً مؤثّرةً منْ كتا ِ
ئ موّدٍ َحسَ ِن الصوتِ ،تصلُك على رضوانِ الِ عزّ وجلّ ،وتُضفي على تسمعُها م ْن قار ٍ
نفسِك السكينة ،وعلى قلبِك يقينا وبردا وسلما .
كان يبّ أنْ يسمع القرآن منْ غيِهِ ،وكان يتأثّرُ إذا سع القرآن منْ سواهُ ،
وكان يطُلبُ منْ أصحابِه أنْ يقرؤوا عليهِ ،وقد أُنزل عليهِ القرآنُ هو ،فيستأنسُ ويشعُ
ويرتاحُ .
إنّ لك فيهِ أسوةً أنْ يكون لك دقائقُ ،أو وقتٌ من اليومِ أو الليلِ ،تفتحُ فيهِ الذياع أو
مسجّلً ،لتستمع إل القارئِ الذي يعجبُك ،وهو يتلو كلم الِ عزّ وجلّ .
ل تحزن
218
إ ّن ضجّة الياةِ وبلبلة الناسِ ،وتشويش الخرين ،كفيلٌ بإزعاجِك ،وهدّ قُواك ،
وبتشتيتِ خاطرِك .وليس لك سكين ٌة ول طمأنينةٌ ،إلّ ف كتابِ ربّك وف ذكرِ مولك ﴿ :
اّلذِينَ آمَنُواْ وَتَ ْطمَئِنّ قُلُوُبهُم ِبذِ ْكرِ ال ّلهِ أَلَ ِبذِ ْكرِ ال ّلهِ تَ ْطمَئِنّ اْلقُلُوبُ ﴾ .
حت تنهمر دموعُه على ابن مسعودٍ ،فيقرأ عليه منْ سورةِ النساءِ ،فيبكي يأمرُ
خدّه ،ويقولُ (( :حسْبُك الن )) .
ويرّ بأب موسى الشعريّ ،وهو يقرُأ ف السجدِ ،فيُنصتُ لهُ ،فيقولُ له ف الصباحِ :
(( لو رأيتن البارحة وأنا أستمعُ لقراءتِك )) ،قال أبو موسى :لو أعلمُ يا رسول ال أنك
تستمعُ ل ،لبّرْتُهُ لك تبيا .
بعجوزٍ ،فيُنصت إليها منْ وراءِ بابا ،وهي تقرأُ ﴿ َهلْ أَتَاكَ عند ابن أب حات يرّ
،تعيدُها وتك ّررُها ،فيقولُ (( :نعم أتان ،نعم أتان )) . اْلغَاشَِيةِ ﴾ َحدِيثُ
إنّ للستماعِ حلوةً ،وللنصاتِ طلوةً .
أحدُ الكُتاّبِ اللمعي السلمي سافر إل أوربا ،فأبر ف سفينةٍ ،وركبتُ معه امرأةٌ
منْ يوغسلفيا ،شيوعيّةٌ فرّتْ منْ ظُلمٍ ومنْ قهرِ تيتو ،فأدركتْه صلةُ المعةِ مع زملئِه ،
فقام فخطبهم ،ث صلّى بمْ وقرأ سورة العلى والغاشية ،وكانتِ الرأ ُة ل تيدُ العربية ،
كانتْ تُنصتُ إل الكلم وإل الرْسِ وإل النّغمةِ ،وبعد الصلةِ سألتْ هذا الكاتب عن هذهِ
الياتِ ؟ فأخبها أنا من كل ِم الِ عزّ وجّل ،فبقيتْ مدهوشةً مذهولةً ،قال :ول تكنّي
جنّ عَلَى أَن يَأْتُواْ ِبمِثْلِ هَـذَا
لغت لدعُوها إل السلمِ ﴿ :قُل لِّئنِ اجَْتمَعَتِ الِنسُ وَاْل ِ
ض ُهمْ لَِبعْضٍ َظهِيا ﴾ .
اْل ُقرْآنِ لَ َيأْتُونَ ِبمِثْ ِلهِ وَلَوْ كَانَ َبعْ ُ
إنّ للقرآنِ سلطانا على القلوبِ ،وهيبةٌ على الرواحِ ،وقوةً مؤثّرةً فاعلةً على النفوسِ.
عجبتُ لناسٍ من السلفِ الخبارِ ،ومن التقدّمي البرار ،اندّوا أمام تأثيِ القرآن ،
وأمام إيقاعاتِه الائلةِ الصادق ِة النافذةِ ﴿ :لَوْ أَنزَلْنَا َهذَا اْل ُقرْآنَ عَلَى جََبلٍ ّلرَأَيَْتهُ خَاشِعا
صدّعا ّمنْ َخشَْيةِ ال ّلهِ ﴾ .
مّتَ َ
ل تحزن
219
فذاك عليّ بنُ الفُضيل بن عياضٍ يوتُ لّا سع أباه يقرأُ ﴿ :وَ ِقفُو ُهمْ إِّنهُم مّسْئُولُونَ{
. صرُونَ ﴾
مَا لَ ُكمْ لَا تَنَا َ }24
وعمرُ رضي الُ عنه وأرضاهُ منْ ساعِه ليةٍ ،ويبقى مريضا شهرا كاملً يُعادُ ،كما
يُعادُ الريضُ ،كما ذكر ذلك ابنُ كثيٍ ﴿ .وََلوْ أَنّ ُقرْآنا سُّيرَتْ ِبهِ اْلجِبَالُ أَوْ قُ ّطعَتْ ِبهِ
. ﴾ الَ ْرضُ أَوْ كُ ّلمَ ِبهِ اْلمَوْتَى
النّارِ﴾ ... وعبدُالِ ب ُن وهبٍ ،مرّ يوم المع ِة فسمع غلما يقرأُ ﴿ :وَِإذْ يََتحَاجّونَ فِي
فأُغمي عليه ،ونُقل إل بيتهِ ،وبقي ثلثة أيامٍ مريضا ،ومات ف اليوم الرابعِ َ .ذكَرَه الذهبّ .
وأخبن عالٌ أنه صلّى ف الدينةِ ،فقرأ القارئُ بسور ِة الواقعةِ ،قال :فأصابن من
الذهولِ ومن الوجلِ ما جعلن اهتزّ مكان ،وأترّكُ بغيِ إرادةٍ من ،مع بكاءٍ ،ودمعِ غزيرٍ .
﴿ فَبَِأيّ َحدِيثٍ َب ْعدَهُ يُ ْؤمِنُونَ ﴾ .
ولكنْ ما علق ُة هذا الديثِ بوضوعِنا عنِ السعادةِ ؟!
إ ّن التشويش الذي يعيشُه النسا ُن ف الربعِ والعشرين ساعةً كفيلٌ أنْ يُفقِده وعيهُ ،
وأن يُقلقه ،وأن يُصيبه بالحباطِ ،فإذا رَ َجعَ وأنصت و َسمَ َع وتدبّر كلم الول ،بصوتٍ
حسنٍ م ْن قارئٍ خاشعٍ ،ثاب إليه رُشدُه ،وعادتْ إليه نفسهُ ،وقرّتْ بلبلهُ ،وسكنتْ
لوا ِعجُه .إنن أُحذّرك بذا الكلمِ ع ْن قومٍ جعلُوا الوسيقى أسباب أُنسِهمْ وسعادتِهمْ
وارتياحِهم ،وكتبُوا ف ذلك كُتُبا ،وتبجّح كثيٌ منهمْ بأنّ أجل الوقات وأفضل الساعات
يوم يُنصت إل الوسيقى ،بلْ إنّ الكُتّاب الغربيي الذين كتبُوا عن السعادةِ وطردِ القلقِ
وََتصْدَِيةً ﴾ صلَُتهُ ْم عِندَ الْبَيْتِ إِلّ مُكَاء
يعلون منْ عواملِ السعادةِ الوسيقى َ ﴿ .ومَا كَانَ َ
. ﴿ سَامِرا َت ْهجُرُونَ ﴾ ،
،والصّدقُ إنّ هذا بديلٌ آثِم ،واستماعٌ مرّم ،وعندنا اليْرُ الذي نزل على ممدٍ
والتوجيهُ الرّاشدُ الكيمُ ،الذي تضمّنه كتاب الِ عزّ وجلّ ﴿ :لَا َيأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَ ْينِ َيدَْيهِ
وَلَا مِنْ خَ ْل ِفهِ تَنِيلٌ ّمنْ حَكِيمٍ َحمِيدٍ ﴾ .
ل تحزن
220
فسماعٌنا للقرآنِ ساعٌ إيانّ شرعيّ ممديّ سنّ ﴿ َترَى َأعْيَُن ُهمْ َتفِيضُ ِم َن ال ّدمْعِ ِممّا
عَرَفُواْ ِمنَ اْلحَقّ ﴾ ،وساعُهم للموسيقى ساعٌ لهٍ عابثٌ ،ل يقومُ به إل ا َ
لهَلةُ والمقى
حدِيثِ لُِيضِ ّل عَن سَبِيلِ ال ّلهِ ﴾ .
والسّفهاءُ من الناسِ ﴿ َو ِمنَ النّاسِ مَن َيشَْترِي َلهْوَ اْل َ
*****************************************
كلّ يبحثُ عنِ السعادةِ ولكنْ
ف التدبيِ ) وهو كتابٌ ج ّم الفائدةِ ،أخّاذٌ جذّابٌ للعا ِل السكافّ كتابٌ بعنوان ( لُ ْط ُ
جلّبٌ ،مؤدّى الكلمِ فيه البحثُ عن السيادةِ والسعادةِ والرّيادةِ ،فإذا الحتيالُ والكرُ
والدهاءُ ،وضَرْبٌ من السياسةِ ،وأفانيُ من اللتواءِ ،فَعًَلها كثيٌ من اللوكِ والرؤساءِ ،
والدبا ِء والشعراءِ ،وبعضِ العلماءِ ،كلّهم يريدُ أنْ يهدأ وأنْ يرتاح ،وأ ْن يصل على مطلوبهِ
،حت إنّهُ منْ عناوينِ هذا الكتابِ :
ف التدبيِ ،تسكيُ ش ْغبٍ ،وإصلحُ نِفارٍ أو ذاتِ بيْن ،ماذا يفعلُ النهزمُ ف ف لط ِ
مكائدِ العداءِ ،مُكاَيدَ ُة صغيٍ لكبيٍ ،ف دفعِ مكروهٍ بقولٍ ،ف دفعِ مكروهٍ بكروهٍ ،ف دفعِ
ف التدب ِي ف دفعِ مكروهٍ ،ف مُداراةِ سلطانٍ ،ف النتقامِ منْ سالِب مكروهٍ بلُطفٍ ،ف لُط ِ
مُلكٍ ،ف اللصِ منْ نِقْم ٍة ف الفتْكِ والحترازِ منُه ف إظهارِ أمرٍ لخفاءِ غيِه .إل آخرِ
تلك البوابِ .
ووجدتُ أ ّن الميع كلّهمْ يبحثون عنِ السعادِة والطمئنانِ ،ولكنْ قليلٌ منهمْ منِ
ث فوائد :اهتدى إل ذلك ووُفّق لنيْلِها .وخرجتُ من الكتابِ بثل ِ
الول :أنّ منْ ل يع ِل ال نصب عينيه ،عاد ْ
ت فوائدُه خسائِر وأفراحُه أتراحا ،
. ﴾ وخياتُه نكباتٍ ﴿ سََنسَْتدْرِ ُجهُم ّمنْ حَيْثُ لَ َيعْ َلمُونَ
الثانيةِ :أنّ الطرق اللتوية الصّعْبة الت يسعى إليها كثيٌ من الناسِ ف غيِ الشريعةِ ،لنيلِ
السعادةِ ،يدونا – بطُرُقٍ أسهَلَ وأق َربَ – ف طريق الشرعِ الحمديّ ﴿ ،وََلوْ أَّنهُمْ َفعَلُواْ
مَا يُوعَظُونَ ِبهِ لَكَانَ خَيْرا ّل ُهمْ وَأَ َشدّ تَثْبِيتا ﴾ فينالون خَيْرَ الدنيا وخَيْرَ الخرةِ .
ل تحزن
221
الثالثةِ :أنّ أُناسا ذهبتْ عليهمْ دنياهم وأخراهم ،وهمْ يظُنّون أنم يُحسنون صُنعا ،
وينالون سعادةً ،فما ظفرُوا بذه ول بتلك ،والسببُ إعراضُهم عن الطري ِق الصحيحِ الذي
بعث الُ به رُسَُلهُ ،وأنزل به كتبه ،وهي طلبُ القّ ،وقولُ الصدْقِ ََ ﴿ ،تمّتْ كَ ِلمَتُ
صدْقا َو َعدْلً لّ مُبَدّلِ لِكَ ِلمَاِتهِ ﴾ .
رَبّكَ ِ
كان أحدُ الوزراءِ ف لوهِ وطربِه ،فأصابه غمّ كاِتمٌ ،وهمّ جاِثمٌ فصرخ :
فهذا العيشُ ما ل خي فيهِ أل موتٌ يُباعُ فأشترِيهِ
وددتُ لو أنن مّا يلِيهِ إذا أبصرتُ قبا من بعيدٍ
تصدّق بالوفاةِ على أخيهِ أل رحِم الهيمنُ نفْس ُحرّ
**************************************
وقفــــةٌ
« فليُكِْثرِ الدّعاء ف الرّخاءِ :أيْ ف حالِ الرّفاهيةِ والم ِن والعافيةِ ؛ لنّ ِمنْ سةِ الؤم ِن
الشاكرِ الازمِ ،أنْ يرِيش الشهم قبل الرمْي ،ويلتجئ إل الِ قبْل الضطرارِ ،بلفِ الكافرِ
ضرّ َدعَا رَّبهُ مُنِيبا إِلَ ْيهِ ُثمّ ِإذَا خَوَّلهُ ِن ْع َمةً مّ ْنهُ َنسِيَ
الشّقيّ والؤم ِن الغبّ ﴿ وَِإذَا َمسّ الْإِنسَانَ ُ
مَا كَانَ َي ْدعُو إِلَ ْيهِ مِن قَبْلُ وَ َجعَلَ لِ ّلهِ أَندَادا ﴾ .
فتعيّن على منْ يريدُ النجاةَ مِنْ ورطاتِ الشّدائدِ والغُمومِ ،أنْ ل يفعل بقلبهِ ولسانِه عنِ
التّوجّهِ إل حضرةِ القّ – تقدّسَ – بال ْمدِ والبتهالِ إليه والثّناء عليه ،إذ الراد بالدعاء ف
الرخاء – كما قاله المام الليمي – دعاء الثنا ِء والشّك ِر والعترافِ بالِنن ،وسؤا ِل التوفيقِ
والعونةِ والتّأييدِ .والستغفارِ لعوارضِ التّقصيِ ،فإنّ العبد – وإنْ جهِد – ل يُوفّ ما عليهِ
ق ال بتمامِها ،ومنْ غفل عنْ ذلك ،ول يُلحظْه ف زَمَنِ صِحّتِهِ وفراغِه وأمْنِهِ ،فقدْ منْ حقو ِ
صيَ َل ُه الدّينَ فَ َلمّا َنجّا ُهمْ
صدقَ عليه قولُه تعال َ ﴿ :فِإذَا رَكِبُوا فِي اْلفُلْكِ َدعَوُا ال ّلهَ ُمخْلِ ِ
شرِكُونَ ﴾ » .
إِلَى الَْبرّ ِإذَا ُهمْ ُي ْ
**************************************
نعيمٌ وجحيمٌ
ل تحزن
222
ت الصحفُ العاليةُ خبا عن انتحارِ رئيسِ وزراءِ فرنسا ف حُكمِ الرئيسِ ميتران ، نشر ْ
والسببُ ف ذلك أنّ بعض الصحفِ الفرنسية شّنتْ عليهِ غارةً من النقْدِ والشْتمِ والتّجريحِ ،
فلمْ يدْ هذا السكيُ إيانا ول سكين ًة ول استقرارا يعودُ إليه ،ول يدْ منْ يركنُ إليه ،فبادر
فأزْهَ َق رُوحَه .
إنّ هذا الرجل السكي الذي أقدم على النتحارِ ل يهتدِ بالدايةِ الرّبّانيّةِ التمثّل ِة ف قولِهِ
كمْ إِلّ َأذًى ﴾
ضرّو ُ
﴿ لَن َي ُ وقولِه سبحانه : ﴾ سبحانه ﴿ :وَلَ تَكُ فِي ضَ ْيقٍ ّممّا َيمْ ُكرُونَ
،لنّ الرجل فَ َقدَ مفتاح جمِيلً ﴾
َ جرْ ُهمْ َهجْرا
،وقوله ﴿ :وَاصِْب ْر عَلَى مَا َيقُولُونَ وَا ْه ُ
. هَادِيَ َلهُ ﴾ الدايةِ ،وطريق السّدادِ وسبيل الرّشادِ ﴿ :مَن ُيضْلِلِ ال ّلهُ َفلَ
ف النهرِ
إنّ م ْن وصايا الخرين لكلّ مُثْق ٍل بالمّ والزنِ ،أنْ يأمروه باللوسِ على ضفا ِ
،ويستمتع بالوسيقى ،ويلعب النّرْد ،ويتزلّج على الثْلجِ .
لك ْن وصايا أهل السلمِ ،وأهلَ العبوديّةِ القّةِ :جلسةٌ بي الذانِ والقامِة ف روضةٍ
ف بذِكرِ الواحد الحدِ ،وتسليمٌ بالقضا ِء والقدرِ ،ورضا با قسم م ْن رياضِ النّةِ ،وهتا ٌ
الُ ،وتؤكّلٌ على الِ جلّ وعل .
************************************
ش َرحْ لَكَ صَ ْدرَ َك ﴾
﴿ َألَ ْم نَ ْ
نَزَلَ هذا الكلمُ على رسو ِل الِ فتحقّقتْ فيه هذهِ الكلمةُ ،فكان سهل الاطرِ ،
منشرح الصدرِ ،متفائلً ،جيّاشَ الفؤادِ ،حيّ العاطفةِ ،ميسّرا ف أمورِهِ ،قريبا من
القلوبِ ،بسيطا ف عظمةٍ ،دانيا من الناسِ ف هيبةٍ ،متبسما ف وقارٍ ،متحبباُ ف سوّ ،
مألوفا للحاضر والبادي ،جمّ الُُلقِ ،طلْقَ الُحيّا ،مشرق الطلْعةِ ،غزير الياءِ ،يهشّ
للدّعابةِ ،ويََبشّ للقادِم ،مسرورا بعطاءِ الِ ،ج ِذلُ بالِباتِ الرّبانيّةِ ،ل يعتريه اليأسُ ،ول
يعرفُ الحباط ،ول يلدُ إل الّتخْذِيلِ ،ول يعترفُ بالقنوطِ ،ويُعجبُه الفألُ السنُ ،ويكرهُ
التّعمّق والتّشدّق ،والتّفْيهُق والتّكلّف والتّنطّع ؛ لن ُه صاحبُ رسالةٍ ،وحاملُ مبدأ ،وقدوةُ
ل تحزن
223
جمَعُ
أُمّةٍ ،وأُسوةُ أجيالٍ ،ومعّلمُ شعوبٍ ،وربّ أسرةٍ ،ورجُ ُل متمعٍ ،وكنْز مُُثلٍ ،و َم ْ
ق نورٍ .
فضائل ،وبرُ عطايا ،ومشرِ ُ
صرَ ُهمْ وَا َل ْغلَلَ الّتِي
إنه باختصارٍ :ميسرٌ لليُسرى ، ،وإنه بإيازٍ ﴿ وََيضَعُ عَنْ ُهمْ إِ ْ
وكفى !! ﴿ شَاهِدا َومَُبشّرا ﴾ كَانَتْ عَلَيْ ِهمْ ﴾ أو بعبارةٍ أخرى ﴿ :رَ ْح َمةً لّ ْلعَاَل ِميَ
وََنذِيرا{َ }45ودَاعِيا إِلَى ال ّلهِ بِِإذِْنهِ وَ ِسرَاجا مّنِيا ﴾ .
إنّ ما يُعارضُ الرسالة اليسّرة السهلة :تن ّطعُ الوارجِ ،وتزندُقُ أهلِ النطقِ عبيدِ الدنيا
حقّ بِِإذِْنهِ وَال ّلهُ
،وانرافُ مرتزقةِ الفكار ﴿ َف َهدَى ال ّلهُ اّلذِينَ آمَنُواْ ِلمَا اخْتَ َلفُواْ فِيهِ ِمنَ اْل َ
صرَاطٍ ّمسْتَقِيمٍ ﴾ .
َيهْدِي مَن َيشَاءُ إِلَى ِ
******************************************
مفهومُ الياةِ ال ّطيّبةِ
يقولُ أحدُ أذكياءِ النكليزِ :بإمكانك وأنت ف السجنِ منْ وراءِ القضبانِ الديديةِ أنْ
تنظُرَ إل ا ُلفُقِ ،وأنْ ُتخْرِج زهرةً منْ جيبِك فتشُمّها وتبتسم ،وأنت مكانك ،وبإمكانِك
وأنت ف القصْرِ على الديباج والريرِ ،أ ْن تتدّ وأنْ تغضب وأنْ تثور ساخطا منْ بيتِك
وأسرتِك وأموالِك .
إذنْ السعادةُ ليستْ ف الزمانِ ول ف الكانِ ،ولكنّها ف اليانِ ،وف طاعةِ الدَيّانِ ،
وف القلبِ .والقلبُ ملّ نظرِ الرّبّ ،فإذا استقرّ اليقيُ فيه ،انبعثتِ السعادةُ ،فأضفتْ على
الروح وعلى النفسِ انشراحا وارتياحا ّ ،ث فاضتْ على الخرين ،فصارتْ على الظّرابِ
وبطونِ الودية ومنابتِ الشجرِ .
أحدُ بنُ حنبل عاش سعيدا ،وكان ثوبُه أبيض مرقّعا ،ييطُه بيدِهِ ،وعندهُ ثلثُ
غُرفٍ منْ طيٍ يسكُنها ،ول يدُ إل كِسرَ الُبْزِ مع الزيتِ ،وبقي حذاؤه – كما قال
الترجون عنهُ – سبع عشرة سنةً يرقّعها وييطُها ،ويأكلُ اللحم ف شهرٍ مرّ ًة ويصومُ غالب
اليامِ ،يذرعُ الدنيا ذهابا وإيابا ف طَلبِ الديثِ ،ومع ذلك وجد الراحة والدوء والسكينة
ل تحزن
224
والطمئنان ؛ لن ُه ثابتُ القدم ،مرفوعُ الامةِ ،عارفٌ بصيِه ،طالبٌ لثوابٍ ،ساعٍ لجرٍ ،
عاملٌ لخرةٍ ،راغبٌ ف جنّةٍ .
وكان اللفا ُء ف عهدِه – الذين حكموا الدنيا – الأمونُ ،والواثقُ ،والعتصمُ ،
والتوكلُ عندهم القصورُ والدّورُ والذهبُ والفضةُ والبنودُ والنودُ ،والعلمُ والوسةُ
ضوْا حياتَهم ف والشاراتُ والعقاراتُ ،ومعه ْم ما يشتهون ،ومع ذلك عاشُوا ف َكدَرٍ ،وقَ َ
ب وضجيجٍ ،وبعضُهم كان يتأوّهُ ف سكراتِ ب وثوراتٍ وشَغَ ٍ ه ّم وغمّ ،وف قلقل وحرو ٍ
ب الِ .
الوتِ نادما على ما فرّط ،وعلى ما فعل ف جن ِ
ابنُ تيمية شيخُ السلمِ ،ل أهل ول دار ول أسرة ول مال ول منصب ،عندهُ غرفةٌ
ف ف اليومِ ،وله ثوبانِ يغيّر هذا بذا ،وينامُ أحيانا بانبِ جامعِ بن أمية يسكنُها ،ولهُ رغي ٌ
ف السجدِ ،ولك ْن كما وَصَف نفسه :جنّتُه ف صدرِه ،وقتْلُه شهادةٌ ،وسجْنه ِخلْوةٌ ،
وإخراجهُ منْ بلدِهِ سياحةٌ ؛ لن شجرة اليانِ ف قلِبهِ استقامتْ على سُوقِها ،تُؤت ُأكُلَها كلّ
سهُ نَارٌ نّو ٌر عَلَى نُورٍ َي ْهدِي
سْحيٍ بإذ ِن ربّها ُيدّها زيتُ العنايةِ الربانيةِ ُ ﴿ ،يضِيءُ وَلَوْ َلمْ َتمْ َ
﴿،وَاّلذِينَ اهَْتدَوْا زَادَ ُهمْ وَأَصْ َلحَ بَاَلهُمْ ﴾ َ ﴿ ،كفّ َر عَ ْنهُمْ سَيّئَاِتهِمْ مَن َيشَاءُ ﴾ ال ّلهُ لِنُو ِرهِ
. الّنعِيمِ ﴾ ضرَةَ
َ ﴿،ت ْعرِفُ فِي وُجُو ِه ِهمْ َن ْ ﴾ ُهدًى وَآتَا ُهمْ َتقْوا ُهمْ
خرج أبو ذرّ رضي الُ عنه وأرضاهُ إل الرّبذةِ ،فنصب خيمتهُ هناكَ ،وأتى بامرأتِه
وبناتِهِ ،فكان يصومُ كثيا من اليامِ ،يذكُرُ مولهُ ،ويسبّحُ خالقهُ ،ويتعّبدُ ويقرأُ ويتلو
ويتأمّلُ ،ل يلكُ من الدنيا إل شْلةً أو خيمةً ،وقطعةً من الغنمِ مع صحْفةٍ وقصْعةٍ وعصا ،
زارَهُ أصحابُه ذات يوم ،فقالوا :أين الدنيا؟ قال :ف بيت ما أحتاجُه من الدنيا ،وقدْ أخبنا
خفّ .أنّ أمامنا عقبةً كؤودا ل ييزُها إل ا ُل ِ
كان منشرحَ الصدرِ ،ومنثلج الاطرِ ،فعندهُ ما يتاجُه من الدنيا ،أمّا ما زاد على
حاجتِه ،فأشغالٌ وتبِعاتٌ وهو ٌم وغمومٌ .
قلتُ ف قصيدةٍ بعنوان :أبو ذ ّر ف القرن الامسِ َعشَرَ ،متحدّثا عنْ غُربةِ أب ذرّ وعن
سعادتِه ،وعن وحدتِه وعزلتِه ،وعن هجرتِه بروحِه ومبادئِه ،وكأنه يتحدثُ عن نفسِه :
ل تحزن
225
بالنايا لطفتُ حت أحسّا لطفُون هدّدْتُهم هدّدُون
أنزلُون ركِبتُ ف القّ نفْسا ت أركبُ عزْمي أركبُون نزل ُ
والنايا أجتاحُها وهْي ن ْعسَى أطرُدُ الوت مُ ْقدِما فيُولّي
يا أبا ذرّ ل تفْ وتأسّا قد بكتْ غربت الرما ُل وقالتْ
مِنْ يقين ما ِمتّ حت أُدسّا قلتُ ل خوف ل أزلْ ف شبابٍ
وتلقّْنتُ منْ أمالِيهِ درْسا أنا عاهدتُ صاحِبِي وخليلي
********************************************
*******
إذنْ فما هي السعادةُ ؟!
(( كنْ ف الدنيا كأنك غريبٌ أو عابرُ سبيل )) (( ،فطوب للغرباءِ )) .
ليسِ السعادةُ قصر عبدِاللك بنِ مروان ،ول جيوش هارونِ الرشيدِ ول دُور اب ِن
الصّاصِ ،ول كنوز قارون ،ول ف كتابِ الشفاءِ لبنِ سينا ،ول ف ديوانِ التنب ،ول ف
حدائقِ قرطبة ،أو بساتيِ الزهراءِ .
السعادةُ عند الصحابِة مع قلّةِ ذاتِ اليدِ ،وشظفِ العيشةِ ،وزهادهِ الواردِ ،وشُحّ
النّفقةِ .
السعادةُ عند ابنِ السيبِ ف تأّلهِه ،وعند البخاري ف صحيحِهِ ،وعند الس ِن البصريّ
ف صِ ْدقِهِ ،ومع الشافعيّ ف استنباطاتِه ،ومالكٍ ف مُراقبتِه ،وأحد ف ورعِهِ ،وثابتٍ البنانّ
صةٌ فِي سَبِيلِ ال ّلهِ وَلَ َيطَؤُونَ
خمَ َ
ف عبادتهِ ﴿ ذَلِكَ ِبأَّنهُمْ لَ ُيصِيُبهُمْ َظمَأٌ وَلَ َنصَبٌ وَلَ َم ْ
. صَاِلحٌ ﴾ مَوْطِئا َيغِيظُ الْ ُكفّارَ وَلَ يَنَالُونَ ِمنْ َعدُوّ نّ ْيلً إِلّ كُتِبَ َلهُم ِبهِ عَمَلٌ
شمّ ،ول ُبرّا يُكالُ ،
ليستِ السعادةُ شيكا يُصرفُ ،ول دابةً تُشترَى ،ول وردةً ُت َ
ول بزّا يُنشرُ .
السعادةُ سلوةُ خاطرٍ ب ّق يمِلُه ،وانشراحُ صدرٍ لبدأ يعيشُه ،وراح ُة قلبٍ ليٍ يكْتنِفُه.
ل تحزن
226
جعِ السهّلتِ كنّا نظُنّ أننا إذا أكثْرنا من التوسّ ِع ف ال ّدوِر ،وكثْرةِ الشياءِ ،و ْ
والرغّباتِ والشتهياتِ ،أننا نسعدُ ونفرحُ ونرحُ ونُسرّ ،فإذا هي سببُ المّ والكَ َدرِ
والتنغيصِ ؛ لنّ كلّ شيءٍ بمّه وغمّه وضريب ِة كدّهِ وكدْ ِحهِ ﴿ وَلَا َتمُدّ ّن عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَّتعْنَا
ِبهِ أَزْوَاجا مّ ْنهُمْ زَ ْهرَةَ اْلحَيَاةِ الدّنيَا لَِنفْتَِنهُمْ فِيهِ ﴾ .
إنّ أكب مُصلِحٍ ف العالِ رسو ُل الدى ممدٌ ،عاش فقيا ،يتلوّى من الوعِ ،ل
يدُ دقْ َل التمرِ يسدّ جوعه ،ومع ذلك عاش ف نعيمٍ ل يعلمُه إل الُ ،وف انشراحٍ وارتياحٍ ،
ضعْنَا عَنكَ وِ ْزرَكَ{ }2اّلذِي أَنقَضَ َظ ْهرَكَ ﴾ ،
وانبساطٍ واغتباطٍ ،وف هدوءٍ وسكينةٍ ﴿ وَوَ َ
جعَلُ رِسَالََتهُ ﴾ .
﴿ وَكَانَ َفضْلُ ال ّل ِه عَلَيْكَ عَظِيما ﴾ ﴿ ،ال ّلهُ َأعْ َلمُ حَيْثُ َي ْ
سنُ الُ ُلقِ ،والث ما حاك ف صدرِك وكرهْت أن
ف الديثِ الصحيحِ (( :الِبرّ ُح ْ
يطلع عليه الناسُ )) .
إ ّن البّ راح ٌة للضميِ ،وسكونٌ للنفسِ ،حت قال بعضُهم :
والثُ أقبحُ ما أوعيت منْ زادِ البّ أبقى وإنْ طال الزّمانُ به
وف الديث (( :البّ طُمأنينةٌ ،والث ريبةٌ )) .إنّ الحسن صراحةً يبقى ف هدوءٍ
حسَبُونَ
ت والسّكناتِ ﴿َي ْ
وسكينةٍ ،وإنّ الريب يتوجّسُ من الحداثِ والطراتِ ومن الركا ِ
كُلّ صَ ْيحَ ٍة عَلَ ْي ِهمْ ﴾ .والسببُ أنه أساء فح ْ
سبُ ،فإنّ السيء لبدّ أنْ يقلق وأنْ يرتبِك وأنْ
يضطرب ،وأنْ يتوجّس خِيفةً .
وصدّق ما يعتا ُدهُ مِنْ َتوَ ّهمِ إذا سا ِء فِعْلُ الرءِ ساءتْ ظنونُهُ
واللّ لنْ أراد السعادة ،أنْ ُيحْسن دائما ،وأنْ يتجنّب الساءة ،ليكون ف أمنٍ ﴿
اّلذِينَ آمَنُواْ وََلمْ يَلِْبسُواْ ِإيَاَنهُم بِظُ ْلمٍ أُوْلَـئِكَ َل ُهمُ ا َل ْمنُ َوهُم ّمهَْتدُونَ ﴾ .
أقبل راكبٌ يثّ السي ،يثورُ الغبارُ منْ على رأسِهِ ،يريدُ سعد بن أب وقّاصٍ ،وقدْ
ضرب سعدٌ خيمت ُه ف كِبدِ الصحراءِ ،بعيدا عنِ الضجيجِ ،بعيدا عنِ اهتماماتِ الدّهْماءِ ،
منفردا بنفسِهِ وأهلِهِ ف خيمتِهِ ،معهُ قطيعٌ من الغنمِ ،فاقترب الراكبُ فإذا هو ابنُه ُعمَرُ ،
س يتنازعون اللك وأنت ترعى غنمك .قال :أعوذُ بالِ منْ فقال ابنُه له :يا أبتاهُ ،النا ُ
ل تحزن
227
يقولُ (( :إنّ شرّك ،إن أول باللفةِ منّي بذا الردا ِء الذي عليّ ،ولكن سعتُ الرسول
ال يبّ العبد الغنّ التّقيّ الفيّ )) .
إن سلمة السل ِم بدينِه أعْظمُ منْ مُلكِ كسرى وقيصر ؛ لنّ الدين هو الذي يبقى معك
حنُ َنرِثُ اْلأَ ْرضَ
ك والنصبُ فإنّهُ زائلٌ ل مالة ﴿ إِنّا َن ْ
حت تستقرّ ف جناتِ النعيمِ ،وأما الل ُ
َو َمنْ عَلَ ْيهَا وَإِلَيْنَا ُيرْ َجعُونَ ﴾ .
*******************************************
إليهِ يصعدُ الكلِمُ ال ّطّيبُ
كان للصحاب ِة كنوزٌ من الكلماتِ الباركاتِ الطّيّباتِ ،الت عّمهم إياها صفوةُ ال ْلقِ
.
وكلّ كلمةٍ عند أحدِهم خيٌ من الدنيا وما فيها ،ومِنْ عظمتِهمْ معرفتُهم بقيمةِ الشياءِ
ومقاديرِ المورِ .
أنْ يُعلّمه دعاءً ،فقال له (( :قلْ :ربّ إن ظلمتُ نفسي أبو بكرٍ يسألُ الرسول
ظُلما كثيا ،ول يغفرُ الذنوب غل أنت ،فاغفرْ ل مغفر ًة منْ عندِك وارحن ،إنك أنت
الغفو ُر الرحيمُ )) .
للعباسِ (( :اسألِ ال العفو والعافية )) . ويقولُ
ويقولُ لعليّ (( :قلْ :اللّهمّ اهدنِي وس ّددْن )) .
ويقولُ لعبيدِ بنِ حصيٍ (( :قلْ :الله ّم ألمْنِي رُشدي ،وقِنِي شرّ نفسْي )) .
ويقولُ لشدّادِ بن أوسٍ (( :قلْ :اللهمّ إن أسالُك الثبات ف المر ،والعزية على
سنَ عبادتِك ،وأسألُك قلبا سليما ،ولسانا صادقا ،
الرشدِ ،وشُكرَ نعمتِك ،و ُح ْ
وأسألُك ِمنْ خَ ْيرِ ما تعْلمُ ،وأعوذُ بك منْ شرّ ما تعلمُ ،وأستغفرُك لا تعلمُ ،إنك أنت
علّ ُم الغيوبِ )) .
ويقولُ لعاذٍ (( :قلْ :الله ّم أعن على ذكرِك وشُ ْكرِك و ُحسْنِ عبادتِك )) .
ل تحزن
228
ويقولُ لعائشة (( :قول :اللهم إنك عفُوّ تبّ ال َعفْوَ ،فاعْفُ عنّي )) .
إ ّن الامعَ لذهِ الدعيةِ :سؤا ُل رضوا ِن الِ عزّ وجلّ ورحتِهِ ف الخرةِ ،والنّجاةِ منْ
غضبِه ،وأليمِ عقابِه ،والعونِ على عبادتِه سبحانه وتعال وشكرِه .
وإنَ الرّابط بينها َ :طَلبُ ما عند الِ ،والعراضُ عمّ ف الدنيا .إنهُ ليس فيها طلبُ
أموالِ الدنيا الفانيةِ ،وأعراضِها الزائلِة ،أو زخرِفها الرخيصِ .
**************************************
﴿ َوكَ َذلِكَ أَخْ ُذ َربّكَ ِإذَا أَخَ َذ الْ ُقرَى
وَهِيَ ظَالِمَةٌ ِإ ّن أَخْ َذهُ َألِيمٌ شَدِي ٌد ﴾
ضمُ ُه
إنّ منْ تعِاس ِة العبدِ ،وعثْر ِة قدمِهِ وسقوطِ مكانتِهِ :ظُلمُهُ لعبا ِد الِ ،وه ْ
حقوقهم ،وسحْقُه ضعيفهم ،حت قال أحدُ الكماءِ :خفْ مّن ل يدْ له عليك ناصرا إل
ال .
ولقدْ حفظ لنا تاريخُ الممِ أمثلةً ف الذهانِ عنْ عواقبِ الظّلمةِ .
فهذا عامرُ بنُ الطفيل يكيد للرسول ،وياولُ اغتيالهُ ،فيدعو عليه ،فيبتليه الُ
بغدّ ٍة ف نْرِه ،فيموتُ لساعتِه ،وهو يصرخُ من اللِ .
وأربدُ بنُ قيسٍ يؤذي رسول الِ ،ويسعى ف تدبيِر قتْلِهِ ،فيدعو عليه ،فيُن ُل الُ
عليه صاعقةً ترقُه هو وبعيُه .
ت قصيٍ ،دعا عليه سعيدٌ وقال :اللّهمّ ل وقبل أنْ يقتُل الجاجُ سعيد بن جبيٍ بوق ٍ
تسلّ ْطهُ على أح ٍد بعدي .فأصاب الجاجَ خُرّاجٌ ف يدهِ ،ثّ انتشر ف جسمِهِ ،فأخذ يوُر
كما يو ُر الثورُ ،ث مات ف حالةٍ مؤسفةٍ .
واختفى سفيانُ الثوريّ َخوْفا منْ أب جعفرِ النصورِ ،وخرج أبو جعفر يريدُ الرمَ
الكّيّ وسفيانُ داخل الرمِ ،فقام سفيانُ وأخذ بأستارِ الكعبةِ ،ودعا ال عزّ وجلّ أن ل
ُيدِخِلَ أبت جعفر بيته ،فمات أبو جعفر عند بئرِ ميمونٍ قبل دخولِه مكّةَ .
ل تحزن
229
وأحدُ بن أب دؤادٍ القاضي العتزلّ يُشاركُ ف إيذاءِ المامِ أحدِ بن حنبل فيدعو عليهم
فيُصيبُه الُ برض الفالِ فكان يقول :أمّا نصفُ جسمي ،فل ْو وقع عليه الذبابُ لظننتُ أنّ
القيامة قامتْ ،وأمّا النصفُ الخرُ ،فلو قُرِض بالقاريض ما أحسستُ .
ط الُ عليه منْ أخ َذهُ ،
ويدعو أحدُ بنُ حنبل أيضا على ابن الزّيّاتِ الوزيرِ ،فيسّل ُ
وجعَلَهُ ف فرنٍ من نارٍ ،وضرب السامي ف رأسِه .
ن كان يعذّبُ السلمي ف سجنِ جالِ عبدِالناصر ،ويقولُ ف كلمةٍ له وحز ُة البسيو ّ
مؤذية « :أين إلُهكمْ لضعَ ُه ف الديدِ » ؟ تعال الُ عمّا يقولُ الظالون علوّا كبيا .
فاصطدمتْ سيارتُه – وهو خارجٌ من القاهرةِ إل السكندريةِ – بشاحنةٍ تملُ حديدا ،
فدخل الديدُ ف جسمه منْ أعلى رأسِهِ إل أحشائِه ،و َعجَزَ النقذون أنْ يُخرجوُه إل قطعا ﴿
وَاسْتَكَْبرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي اْلأَ ْرضِ ِبغَ ْيرِ اْلحَقّ وَظَنّوا أَّنهُمْ إِلَيْنَا لَا ُيرْ َجعُونَ ﴾ ﴿ ،وَقَالُوا مَنْ
أَ َشدّ مِنّا قُوّةً َأوََلمْ َيرَوْا َأنّ ال ّلهَ اّلذِي خَ َل َق ُهمْ ُهوَ أَ َشدّ مِ ْن ُهمْ قُوّةً ﴾ .
وكذلك صلحُ نصرٍ منْ قادةِ عبدِالناصرِ ،ومّنْ أكث َر ف الرضِ الظلّم والفساد ،
أصيب بأكثر منْ عشرةِ أمراضٍ مؤلةٍ مُزمِنةٍ ،عاش عدّة سنواتٍ منْ عمرِهِ ف تعاسةٍ ،ول يدْ
ت زعمائِه الذين كان يدمُهمْ .
لهُ الطبّ علجا ،حت مات سجينا مزجوجا بهِ ف زنزانا ِ
ب عَلَ ْي ِهمْ رَبّكَ َسوْطَ
﴿ اّلذِينَ َطغَوْا فِي الْبِلَادِ{َ }11فأَكَْثرُوا فِيهَا اْل َفسَادَ{َ }12فصَ ّ
(( ،إنّ ال لُيمْلي للظالِ ،حت إذا أخذهُ ل ُيفْلِتْه )) (( ،واّتقِ دعوة الظلومِ ، عَذَابٍ ﴾
ل حجابٌ )) .
فإنه ليس بينها وبي ا ِ
قال إبراهي ُم التيميّ :إنّ الرجل ليظلمُن فأر َحمُهُ .
وسُرقتْ دنانيُ لرجلٍ صال منْ خراسان ،فجعل يبكي ،فقال له الفضيلُ :لِم تبكي ؟
قال :ذكرتُ أنّ ال سوف يمعُن بذا السارقِ يوم القيامةِ ،فبكيتُ رحةً له .
واغتاب رجُلٌ أحد علماءِ السلفِ ،فأهدى للرجُلِ ترا وقال :لن ُه صنع ل معروفا .
*****************************************
ل تحزن
230
قلتُ :بالبابِ أنا
على هيئ ِة الممِ التحدةِ بنيويورك لوحةٌ ،مكتوبٌ عليها قطعةٌ جيلةٌ للشاعرِ العاليّ
السعدي الشيازي ،وقدْ ترجتْ إل النليزيةِ وهي تدعو إل الخا ِء والُلف ِة والتادِ ،
يقول:
م ْن بباب قلتُ بالبابِ أنا قال ل الحبوبُ لّا زرتُهُ
حينما فرّقت فيه بيْنَنَا قال ل أخطأت تعريف الوى
ق الباب عليه مُوهِنا أط ُر ُ ومضى عا ٌم فلمّا جئُتهُ
ث ّ إلّ أنتَ بالبابِ هُنا قال ل منْ أنتَ قلتُ أْنظُ ْر فما
لبّ فادخُلْ يا أنا وعَ َرفْتَ ا ُ قال ل أحسنت تعريف الوى
خ مفيدٍ يأنسُ إليه ،ويرتاحُ إليه ،ويُشاركُه أفراحهُ وأتراحهُ ،ويبادلُه
لبُدّ للعبد منْ أ ٍ
ودّا بودّ ﴿ .وَا ْجعَل لّي َوزِيرا ّمنْ أَهْلِي{ }29هَارُونَ أَخِي{ }30ا ْش ُددْ ِبهِ َأزْرِي{}31
وَأَ ْشرِ ْكهُ فِي َأ ْمرِي{ }32كَيْ ُنسَبّحَكَ كَثِيا{ }33وََنذْ ُكرَكَ كَثِيا ﴾ .
يُواسيك أو يُسلِيك أو يَتَو ّجعُ ولبدّ منْ شكوى إل ذي قرابةٍ
، قُلُوِب ِهمْ ﴾ ﴿ ،وَأَلّفَ بَ ْينَ ّمرْصُوصٌ ﴾ َب ْعضُ ُهمْ أَوْلِيَاء َبعْضٍ ﴾ َ ﴿ ،كأَّنهُم بُنيَانٌ ﴿
﴿ إِّنمَا اْلمُ ْؤمِنُونَ إِخْ َوةٌ ﴾ .
******************************************
لب ّد منْ صاحبٍ
إنّ منْ أسبابِ السعادةِ أنْ تد منْ تنفعُك صُحبتُه ،وتُسعدُك رفقتُه (( .أين التحابّون
ف جلل ،اليوم أُ ِظلّهمْ ف ظِلّي يوم ل ِظلّ إل ظلّي )) .
(( ورجلنِ تابّا ف الِ ،اجتمعا عليهِ وتفرّقا عليِه )) .
*******************************************
ل تحزن
231
ال ْمنُ مطلبٌ شرعيّ وعقليّ
﴿ أُوْلَـئِكَ َل ُهمُ ا َل ْمنُ وَهُم ّمهْتَدُونَ ﴾ ﴿ ،اّلذِي أَ ْط َع َمهُم مّن جُوعٍ وَآمََنهُم ّمنْ
﴾ خَوْفٍ﴾ ﴿ ،أَوََلمْ ُنمَكّن ّل ُهمْ َحرَما آمِنا﴾ َ ﴿ ،ومَن دَخَ َلهُ كَانَ آمِنا ﴾ ُ ﴿ ،ثمّ أَْب ِل ْغهُ َم ْأمََنهُ
.
(( منْ بات آمِنا ف ِسرِْبهِ ،مُعافً ف بدِنهِ ،عنده قُوتُ يو ِمهِ ،فكأنّما حِيزتْ له
الدنيا بذافيِها )) .
فأمنُ القلبِ :إيانُه ورسوخُه ف معرفةِ القّ ،وامتلؤُه باليقيِ .
وأ ْمنُ البيتِ :سلمتُه من النرافِ ،وبُ ْعدُه عنِ الرذيلةِ ،وامتلؤُهُ بالسكينةِ ،
واهتداؤه بالبهانِ الرّبّانّ .
وأ ْمنُ المةِ :جْعُها بالبّ ،وإقامةُ أمرِها بالعَدْلِ ،ورعايتُها بالشريعةِ .
َ ﴿ ،فلَ َتخَافُو ُهمْ وَخَافُونِ إِن خَائِفا يََترَقّبُ ﴾ خرَجَ مِ ْنهَا
والوف عدوّ المنِ ﴿ َف َ
كُنتُم مّ ْؤمِِنيَ ﴾ .
حدٍ ،ول عيش لريضٍ .
ول راحة لائفٍ ول أمْن لل ِ
فإذا وليا عن العُمرِ ولّى إنّما العُم ُر صحّةٌ وكفافٌ
ب فسدتْ منْ جانبٍ آخر ،إنْ أقبل الا ُلحتْ منْ جان ٍ س الدّنيا ،إنْ ص ّ
لِ ما أتْع َ
ت الصائبُ ،وإنْ صلُح الالُ واستقام المرُ حلّ الوتُ . مَ ِرضَ السمُ ،وإنْ ص ّح السمُ حّل ِ
خرج الشاعرُ العشى منْ ( ندٍ ) إل الرسولِ يتدحُه بقصيد ٍة ويسلمُ ،فعرض له
أبو سفيان فأعطاهُ مائة ناقةٍ ،على أنْ يترك سفَرَهُ ويعود إل ديارِهِ ،فأخذ البل وعاد ،
وركب أحدها فهو جلتْ به ،فسقط على رأسِهِ ،فاندّقتْ عنقُهُ ،وفارق الياة ،بل دينٍ
لسْنِ يقولُ فيها: ول دنيا .أ ّم قصيدتُه الت هيّأها ليقولا بي يديْ رسول الِ ،فهي بديعةُ ا ُ
فللّهِ هذا الدّهرُ كيف تردّدا ب وشيبٌ وافتقارٌ وثروةٌ
شبا ٌ
ل تحزن
232
ولقيت بعد الوتِ منْ قدْ تزوّدا إذا أنت لْ ترْحلْ بزادٍ من التّقى
صدْ لا كان أرْصدَا
وأنّك لْ تُ ْر ِ ندمْت على أنْ ل تكون كمثْلِهِ
***************************************
أمادٌ زائلةٌ
إنّ منْ لوازمِ السعادةِ القّةِ أنْ تكون دائمةً تامّةً ،فدوامُها أنْ تكون ف الدنيا
والخرةِ ،ف الغيبِ والشهادةِ ،اليوم وغدا .
وتامُها أنْ ل يُنغّصها ن َكدٌ ،وأ ْن ل يْدشَ وجهُ ماسِنها بسخطٍ .
لمْرَ فأرادجلس النعمانُ ب ُن النذرِ – ملكُ العراقِ – تت شجرةٍ متنّها يشربُ ا َ
عديّ ب ُن زيد – وكان حكيما – أنْ يعظه بلفظٍ فقال له :أيّها اللكُ ،أتدري ماذا تقولُ هذهِ
الشّجرةُ ؟ قال اللكُ :ماذا تقول :قال عديّ :تقولُ :
يْزُجُون المر بالاءِ الزّللْ ب ركبِ قدْ أناخُوا حولنا رُ ّ
وكذاك الدّهرُ حالً بعد حالْ ّث صاروا لَعِب الدّهْرُ بمْ
فتنغصُ النعمانُ ،وترك المر ،وبقي متكدّرا حت مات .
وهذا شاهُ إيران الذي احتفل برورِ ألفيِ وخسمائةِ سنةٍ على قيام الدول ِة الفارسيّةِ ،
سطِ ملكهِ على بقعةٍ أكب منْ بلدِهِ ،ث يُسلب سلطانُه بي ط لتوسيعِ نفوذِه ،وب ْ وكان يُخ ّط ُ
نعُ اْلمُلْكَ ِممّن َتشَاء ﴾ .
عشيّ ٍة وضحاها ﴿ تُؤْتِي اْلمُ ْلكَ مَن َتشَاء وَتَ ِ
ويطرُدُ م ْن قصورِهِ ودُورِهِ ودنياه طردا ،ويوتُ مشرّدا بعيدا مرُوما مفلسا ،ل يبكي
عليه أحدٌ َ ﴿ :كمْ َترَكُوا مِن جَنّاتٍ َوعُيُونٍ{ }25وَ ُزرُوعٍ َو َمقَامٍ َكرِيٍ{ }26وََن ْع َمةٍ كَانُوا
فِيهَا فَا ِك ِهيَ ﴾ .
وكذلك شاوشيسكو رئيسُ رومانيا ،الذي حكم اثنتي وعشرين سنة ،وكان حَرَسُه
َفمَا كَانَ َلهُ مِن ﴿ الاصّ سبعي ألفا ّ ،ث ييطُ شعبُه بقص ِرهِ ،فيمزّقونهُ وجنودهُ إربا إربا
صرِينَ ﴾ .لقدْ ذهب ،فل دنيا ول آخرة .
فَِئةٍ يَنصُرُوَنهُ مِن دُونِ ال ّلهِ َومَا كَانَ مِنَ الُنَت ِ
ل تحزن
233
ي ماركوس :جع الرئاسة والال ،ولكنّه أذاق أمّته أصناف الذّلّ ، وذاك رئيسُ الفلب ِ
وأسقاها كأس الوانِ ،فأذاقه الُ غُصص التعاسةِ والشقاءِ ،فإذا هو مشرّدٌ منْ بلدِهِ ومنْ أهلِه
وسلطانِه ،ل يلكُ مأوى يأوي إليه ،ويوتُ شقيّا ،يرفضُ شعبُهُ أن يُدفَنَ ف بلدِهِ ﴿ :أََلمْ
خذْنَا ِبذَنبِهِ﴾ .
وَاْلأُولَى﴾ ﴿ ،فَكُلّا أَ َ
جعَلْ كَ ْيدَ ُهمْ فِي َتضْلِيلٍ﴾ ﴿ ،فَأَ َخذَهُ ال ّلهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ
َي ْ
********************************************
*
ب الفضائل أكاليلٌ على ها ِم الياةِ السعيدةِ
اكتسا ُ
مطلوبٌ من العبدِ لكيْ يكسب السعادة والمن والراحة ،أن يُبادر إل الفضائل ،وأنْ
يُسارع إل الصفاتِ الميدةِ والفعالِ الميلةِ (( احرصْ على ما ينفعُك واست ِعنْ بالِ )) .
مرافقَتَهُ ف النةِ فيقول (( :أعِنّي على نفسِك بكثْرةِ أح ُد الصحابةِ يسألُ الرسول
السجودِ ،فإنّك ل تسجُدُ لِ سجدةً ،إلّ رَ َفعَك با درجة )) .والخرُ يسألُ عنْ بابٍ
جامعٍ من اليِ ،فيقولُ له (( :ل يزالُ لسانُك رطباُ من ذكر الِ )) .وثالثٌ يسألُ فيقولُ
له (( :ل تسُّبنّ أحدا ،ول تضرِبنّ بيدِك أحدا ،وإ ْن أحدٌ سبّك با يعلمُ فيك فل تسُبّنّه
با تعلمُ فيه ،ول تقِر ّن من العروفِ شيئا ،ولو أنْ ُت ْفرِغ منْ دَلْوِك ف إنا ِء الستقي )) .
إ ّن المر يقتضي البا َدرَةَ والُسارعة (( :بادرِوا بالعما ِل فتنا )) (( ،اغتنِمْ خسا قبل
ا ْلخَ ْيرَاتِ﴾ خسٍ )) ﴿ ،وَسَا ِرعُواْ إِلَى َم ْغفِرَةٍ مّن رّبّ ُكمْ وَجَّنةٍ ﴾ ﴿ ،إِّن ُهمْ كَانُوا ُيسَا ِرعُونَ فِي
﴿ ،وَالسّاِبقُونَ السّاِبقُونَ ﴾ .
ل تُهمِ ْل ف فِعْلِ الَيْرِ ،ول تنتظرْ ف عملِ البِرّ ،ول تُسوّفْ ف َطَلبِ الفضائلِ :
إنّ الياة دقائ ٌق وثوانِ ت قلبِ الر ِء قائلةٌ له دقّا ُ
﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَا َفسِ اْلمُتَنَا ِفسُونَ ﴾ .
عمرُ بنُ الطابِ بعد أنْ طُعِن وثَجّ دمُه ،يرى شابّا يرّ إزاره ،فقال له عمرُ (( :يا
ابن أخي ،ارْفَعْ إزارك ،فإنهُ أتقى لربّك ،وأنْقى لثوبك )) .وهذا أمرٌ بالعروفِ ف
سكراتِ الوتِ ﴿ ِلمَن شَاء مِنكُمْ أَن يََتقَدّمَ أَوْ يََتأَ ّخرَ ﴾ .
ل تحزن
234
إ ّن السعادة ل تص ُل بالنومِ الطويلِ ،واللودِ إل الدّعةِ ،و َهجْرِ العال ،واطّراحِ
. ا ْلقَا ِعدِينَ ﴾ الفضائلِ ﴿ .وَلَـكِن َكرِهَ ال ّلهُ انِبعَاَث ُهمْ فَثَبّ َط ُهمْ وَقِيلَ ا ْق ُعدُواْ مَعَ
حرّ ﴾ ﴿ ،لّوْ
ب الممِ الدّنيّ ِة والنفوسِ الابطةِ يقولُ ﴿ :لَ تَن ِفرُواْ فِي اْل َ
إنّ منطق أصحا ِ
. قُتِلُواْ ﴾ كَانُوْا عِندَنَا مَا مَاتُواْ َومَا
وقد ني العبدُ بالوحي عن التّأخرِ ع ْن فِعلِ اليِ ﴿ :مَا لَ ُكمْ ِإذَا قِيلَ لَ ُكمُ ان ِفرُواْ فِي
سَبِيلِ ال ّلهِ اثّاقَلُْتمْ إِلَى الَ ْرضِ ﴾ ﴿ ،وَِإنّ مِن ُكمْ َلمَن لّيُبَطَّئنّ ﴾ ﴿ ،وَلَـكِّنهُ أَخْ َلدَ إِلَى
جزْتُ أَنْ َأكُونَ مِثْلَ هَـذَا اْل ُغرَابِ ﴾ ﴿ ،ذَلِكَ بِأَّن ُهمُ اسَْتحَبّواْ اْلحَيَاةَ
الَ ْرضِ ﴾ َ ﴿ ،أ َع َ
كسَالَى ﴾
ُ صلَةِ قَامُواْ
اْلدّنْيَا عَلَى ال ِخرَةِ ﴾ ﴿ ،وَلَ تَنَا َزعُواْ فََت ْفشَلُواْ ﴾ ﴿ ،وَِإذَا قَامُواْ إِلَى ال ّ
س منْ دان نفْسه وعمِل لا بعد الوتِ ،
(( ،اللّهمّ إن أعوذُ بك من الكسلِ )) (( ،والكُي ُ
والعاج ُز منْ أتْبَعَ َن ْفسَه هواها ،وتنّى على الِ المان )) .
********************************************
*
الُلدُ والنعيمُ هناك ل هُنا
هلْ تريدُ أن تبقى شابّا مُعافً غنيّا ملّدا ؟ إنْ كنت تريدُ ذلك فإن ُه ليس ف الدنيا ،بلْ
هناك ف الخرةِ ،إنّ هذهِ الياة الدنيا كََنبَ الُ عليها الشقاء والفناء ،وسّاها لوا ولعِبا
ومتاع الغرورِ .
عاش أحدُ الشعراءِ معدما مُفِلسا ،وهو ف عنفوان شباِبهِ ،يريدُ درها فل يدُهُ ،يريدُ
زوج ًة فل يصُلُ عليها ،فلمّا كبتْ سِنّ وشاب رأسُه ،ورقّ َع ْظمُهُ ،جاءهُ الالُ منْ كلّ
مكانٍ ،وسهُلَ أمرُ زواجهِ وسكنِه ،فتأوّه منْ هذه التَادّاتِ وأنشد :
مُلّكْتُهُ بعد ما جاوزتُ سبعينا ما كنتُ أرجوهُ إذ كنتُ ابن عشرينا
مِثلُ الظّباءِ على كُثبانِ يبينا ت التّركِ أغْزِلةٌتطُوفُ ب منْ بنا ِ
ت الثمانينا
فما الذي تشتكي قل ُ سهِرُنا
قالوا أنينُك طول الليلِ ُي ْ
ل تحزن
235
﴿ أَوََلمْ ُنعَ ّمرْكُم مّا يََتذَ ّكرُ فِيهِ مَن َتذَ ّكرَ وَجَاء ُكمُ الّنذِيرُ ﴾ ﴿ ،وَظَنّوا أَّن ُهمْ إِلَيْنَا لَا
ُيرْ َجعُونَ ﴾ َ ﴿ ،ومَا َهذِهِ اْلحَيَا ُة الدّنْيَا إِلّا َلهْوٌ وََلعِبٌ ﴾ .
إنّ مََثلَ هذهِ الياةِ الدنيا كمسافرٍ استظلّ تت ظلّ شجرةٍ ث ذهب وتركها .
**********************************
أعدا ُء النهجِ الرّبانّ
قرأتُ كتبا للملحدِة الصّادّين عنْ منهج الِ شعرا ونثرا ،فرأيتُ كلم هؤل ِء
ت سخافاتِهم ،ووجدتُ العتداء الارف على النحرفي عنْ منهجِ ال ف الرضِ ،وطالع ُ
البادئِ القةِ ،وعلى التعاليمِ الرّبّانيّة ،ووجدتُ هذا الرّكام الرخص الذي تفوّهَ به هؤلء
ورأيتُ منْ سُوءِ أدبِهم ،ومنْ قلّةِ حيائِهم ،ما يستحي النسانُ أنْ ينقُل للناسِ ما قالوه وما
كتبوه وما أنشدوهُ.
وعلمتُ أ ّن النسان إذا لْ يملْ مبدأً ول يستشعِرْ رسالةً ،فإنّ ُه يتحوّلُ إل دابّةٍ ف
حسَبُ َأنّ أَكَْثرَ ُهمْ َيسْ َمعُونَ َأوْ َي ْعقِلُونَ
ِمسْلخ إنسانٍ ،وإل بيمةٍ ف هيكلٍ ر ُجلٍ ﴿ :أَمْ َت ْ
إِنْ ُهمْ إِلّا كَالْأَْنعَامِ بَلْ ُهمْ أَضَلّ سَبِيلً ﴾ .
وسألتُ نفسي ،وأنا أقرأُ الكتاب :كيف َيسْ َعدُ هؤل ِء وقدْ أعرضُوا ع ِن الِ الذي
يلكُ السعادة ويعطيها سبحانه وتعال لنْ يشاءُ ؟!
كيف يسعدُ هؤل ِء وقدْ قطعوا البال بينهم وبينه ،وأغلقوا البواب بي أنفسِهم الزيلةِ
الريضِ وبي رحةِ الِ الواسعةِ ؟!
كيف يسعدُ هؤل ِء وقد أغضبُوا ال ؟!
وكيف يدون ارتياحا وقدْ حاربُوه ؟!
ولكنّي وجدتُ أنّ أول النّكالِ أخذ يُصيبُهم ف هذه الدارِ بقدّماتِ نكالٍ أخرويّ –
إنْ ل يتوبوا – ف نار جهنمّ ،نكالُ الشقاءِ ،وعدمُ البالةِ ،والضّيقُ ،والنيارُ والحباطُ :
. ﴾ شةً ضَنكا
﴿ َو َمنْ َأ ْع َرضَ عَن ذِ ْكرِي فَِإنّ َلهُ َمعِي َ
ل تحزن
236
حت إنّ كثيا منهمْ يريدُ أنْ يزول العالُ ،وأنْ تنتهي الياةُ ،وأنْ تُنسف الدنيا ،وأن
يُفارق هذه العيشة .
إنّ القاسم الشترك الذي يمعُ اللحدة الوّلي والخِرين هو :سوءُ الدبِ مع الِ ،
والجازفةُ بالقيمِ والبادئِ ،والرّعُونةُ ف ال ْخ ِذ والعطاءِ والعراضُ عن العواقبِ ،وعدمُ البالةِ
با يقولون ويكتبون ويعملون ﴿ :أَ َفمَنْ أَ ّسسَ بُنْيَاَن ُه عَلَى َتقْوَى ِمنَ ال ّلهِ َورِضْوَانٍ خَ ْيرٌ أَم ّمنْ
أَ ّسسَ بُنْيَاَن ُه عَلَىَ َشفَا ُجرُفٍ هَارٍ فَاْنهَارَ ِبهِ فِي نَارِ َجهَّنمَ وَال ّلهُ لَ َي ْهدِي اْلقَوْمَ الظّاِل ِميَ ﴾ .
إنّ اللّ الوحيد لؤلءِ اللحدةِ ،للتّخلّصِ منْ هومِهم وأحزانِهم – إنّ ل يتوبوا
ويهتدوا – أنْ ينتحرُوا ويُنهُوا هذا العيش الُرّ ،والرَ التافِه الرخيص ﴿ :قُلْ مُوتُواْ ِبغَيْظِ ُكمْ ﴾ ،
﴿ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَ ُكمْ ذَلِكُمْ خَ ْيرٌ لّ ُكمْ ﴾ .
*******************************************
حقيقةُ الدّنيا
إنّ ميزان السعادةِ ف كتابِ الِ العظيمِ ،وإنّ تقدير الشياءِ ف ِذكْرِهِ الكيم ،فهو
يق ّررُ الشيء وقيمتهُ ومردو َدهُ على العبدِ ف الدّنيا والخرةِ ﴿ وََلوْلَا أَن يَكُونَ النّاسُ ُأ ّمةً وَا ِحدَةً
ج عَلَ ْيهَا َي ْظ َهرُونَ{ }33وَلِبُيُوِت ِهمْ
ضةٍ َو َمعَارِ َ
جعَلْنَا ِلمَن يَ ْك ُفرُ بِالرّ ْحمَنِ لِبُيُوِت ِهمْ ُسقُفا مّن َف ّ
َل َ
أَبْوَابا وَ ُسرُرا عَلَ ْيهَا يَتّكِؤُونَ{َ }34وزُ ْخرُفا وَإِن كُلّ ذَِلكَ َلمّا مَتَاعُ اْلحَيَا ِة الدّنْيَا وَالْآ ِخرَةُ
عِندَ رَبّكَ لِ ْلمُّت ِقيَ ﴾ .
هذهِ هي حقيقةُ الياةِ ،وقصورُها ودُورُها ،وذهبُها وفضّتُها ومناصبُها .
س قيمة
إنّ منْ تفاهتِها أنْ تعطي الكافر جلةً واحدةً ،وأن ُيحْرَ َمهَا الؤمنُ ليبيّن للنا ِ
اليا ٍة الدنيا.
إنّ عتبة بن غزوان الصحابّ الشهي يستغربُ وهو يطبُ الناس المعة :كيف يكونُ
ق الشجرِ ماهدا ف سبي ِل الِ ،ف ف حالةٍ مع رسو ِل الِ ،مع سّيدِ الَ ْلقِ يأكلُ معهُ وَرَ َ
أرْضى ساعاتِ عم ِرهِ ،وأحلى أيامِهِ ،ثّ يتخلّفُ عنْ رسولِ الِ ،فيكونُ أميا على
إقليمٍ ،وحاكما على مقاطعةٍ ،إنّ الياة الت تُقبلُ بعد وفاةِ الرسولِ حياةٌ رخيصةٌ حقّا .
ل تحزن
237
على أنّهمْ فيها عراةٌ و ُجوّ ُ
ع أرى أشقياء الناسِ ل يسأمُونا
سحابةُ صيفٍ عنْ قليلٍ تقشّعُ أراها وإ ْن كانت ُتسِ ّر فإنا
سعدُ بنُ أب وقّاصٍ يصيبُهُ الذهو ُل وهو يتولّى إمرة الكوفةِ بعدَ وفاةِ الرسولِ ،وقدْ
أكل معه الشجر ،ويأكلُ جلدا ميّتا ،يشويهِ ّث يسحقُه ،ث يتسيهِ على الاءِ ،فما لذهِ
﴿ وَلَلْآ ِخرَةُ ،وتأت بعد ذهابهِ الياةِ وما لقصورِها ودُورِها ،تُقبلُ بعد إدبارِ الرسولِ
خَ ْيرٌ لّكَ ِمنَ الْأُولَى ﴾ .
حسَبُونَ أَّنمَا
سبُ ﴿ أََي ْ
إذنْ ف المر شيءٌ ،وف السألةِ سرّ ،إنا تفاهةُ الدنيا َفحَ ْ
شعُرُونَ ﴾ (( ،والِ ما
ُنمِدّهُم ِبهِ مِن مّالٍ وَبَِنيَ{ُ }55نسَا ِرعُ َل ُهمْ فِي اْلخَيْرَاتِ بَل لّا َي ْ
الفقر أخشى عليكمْ )) .
لّ دخل عُمر على رسو ِل الِ وهو ف الشْرَبِة ،ورآه على حصيٍ أثّر ف جنبهِ ،وما
ف بيتهِ إل شعيٌ معّلقٌ ،دمعتْ عينا ُعمَرَ .
قدوةُ الناسِ وإمامُ الميع ،ف هذهِ الالةِ ﴿ إنّ الوقف مؤثّرٌ ،أنْ يكون رسو ُل ال
وَقَالُوا مَالِ َهذَا الرّسُولِ يَ ْأكُلُ ال ّطعَامَ وََي ْمشِي فِي اْلأَسْوَاقِ ﴾ .
ثّ يقولُ له ُعمَ ُر – رضي الُ عنه : -كسرى وقيصر فيما تعلمُ يا رسول الِ ! قال
(( :أف شكّ أنت يا بن الطاب ،أما ترضى أن تكون لنا الخرةُ ولم رسو ُل ال
الدنيا )) .
إنا معادل ٌة واضحةٌ ،وقسمةٌ عادلةٌ ،فلْيَ ْرضَ مَنْ يرضى ،ولْيَسخطْ م ْن يسخطُ ،
وليطُلبِ السعادة منْ أرادها ف الدّرهمِ والدينارِ والقصرِ والسيارةِ ويعملْ لا وحدها ،فلنْ
يدها والذي ل إله إل هو .
﴿ مَن كَانَ ُيرِيدُ اْلحَيَاةَ الدّنْيَا وَزِينََتهَا نُوَفّ إِلَ ْي ِهمْ َأ ْعمَاَل ُهمْ فِيهَا وَ ُهمْ فِيهَا لَ
خسُونَ{ }15أُوْلَـئِكَ اّلذِينَ لَ ْيسَ َل ُهمْ فِي ال ِخرَةِ إِلّ النّارُ وَحَِبطَ مَا صََنعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ
يُ ْب َ
. كَانُواْ َي ْعمَلُونَ ﴾ مّا
فليس با للصّالي مُعَ ّرجُ عفاءٌ على دنيا رَ َح ْلتُ لغيِها
ل تحزن
238
****************************************
مفتاحُ السعادةِ
إذا عرفت ال وسّبحْته وعبدْتَهُ وتألّهْتهُ وأنت ف كوخٍ ،وجدت الَْيرَ والسعادةَ
والراحة والدوء .
ولكنْ عند النرافِ ،فلوْ سكنت أرقى القصورِ ،وأوسع الدورِ ،وعندك كلّ ما
تشتهي ،فاعلمْ أنّها نايتُك الُرّةُ ،وتعاستُك الحققةُ ؛ لنك ما ملكت إل النِ مفتاح
السعادةِ.
حهُ لَتَنُوءُ بِاْل ُعصْبَةِ أُولِي اْلقُوّةِ ﴾ .
﴿ وَآتَيْنَاهُ ِمنَ الْكُنُوزِ مَا إِنّ َمفَاِت َ
*****************************************
وقفـــةٌ
﴿ إِنّ ال ّلهَ ُيدَافِ ُع عَنِ اّلذِينَ آمَنُوا ﴾ .إي :يدف ُع عنهمُ شرور الدنيا والخرة .
« هذا إخبارٌ ووع ٌد وبشارةٌ من الِ للذين آمنوا ،أنه يدفعُ عنهمْ كلّ مكروهٍ ،ويدفعُ
عنهم – بسببِ إيانِهم – كلّ شرّ منْ شرورِ الكفارِ ،وشرورِ وسوسةِ الشيطانِ ،وشرورِ
أنفسِهم ،وسيئاتِ أعمالِهم ،ويملُ عنهمْ عند نزولِ الكارهِ ما ل يتحملونه ،فيُخفّف عنهمْ
غاية التخفيفِ ،كلّ مؤمنٍ له منْ هذه الدافع ِة والفضيلةِ بسب إيانِه ،فمُستقلّ ومُستكثِرٌ »
.
« منْ ثراتِ اليانِ أنه يُسلّى العبدُ به عند الصائبِ ،وتُهوّن عليه الشدائدُ والنّوائبُ ﴿
َومَن يُ ْؤمِن بِال ّلهِ َي ْهدِ قَلَْبهُ ﴾ وهو العبدُ الذي تصيبُه الصيبةُ ،فيعلمُ أنا منْ عندِ الِ ،وأنّ ما
أصابه ل يكُنْ ليُخطئه ،وما أخطأهُ ل يكُنْ ليُصيبه ،فيضى وُيسَّلمُ للقدارِ الؤلِة ،وتونُ
عليه الصائبُ الزعجةُ ،لصدورِها منْ عندِ الِ ،وليصالِها إل ثوابِهِ » .
************************************
كيف كانُوا يعيشُ
ل تحزن
239
تعال إل يومٍ منْ أيام أحدِ الصحابةِ الخبارِ ،وعظمائِهم البرارِ ،عليّ بن أب طالبٍ
مع ابنهِ رسولِ الِ ،مع فلذ ِة كبدِهِ ،بصحُو عليّ ف الصباحِ الباكرِ ،فيبحثُ هو وفاطمةُ
عن شيءٍ منْ طعامٍ فل يدانِ ،فيتدي فروا على جسمِهِ م ْن شدّةِ البدِ ويرجُ ،ويتلمّسُ
ويذهبُ ف أطرافِ الدينةِ ،ويتذكرُ يهوديّا عنده مزرعةٌ ،فيقتحمُ عليّ عليه باب الزرعةِ
الضّيّ ِق الصغيِ ويدخلُ ،ويقولُ اليهوديّ :يا أعرابّ ،تعال وأخرِج كلّ غَرْبٍ بتمرةٍ .
والغربُ هو الدلوُ الكبيُ ،وإخراجُه ،أيْ :إظهارُه من البئرِ مُعاوَنَةً مع الملِ .فيشتغلُ عليّ
– رضي الُ عنهُ – معهُ برهةً من الزمنِ ،حت ترِم يداه ويكلّ جسمُه ،فيُعطيهِ بعد ِد الغروبِ
تراتٍ ،ويذهبُ با ويرّ برسو ِل الِ ويُعطيه منها ،ويبقى هو وفاطمةُ يأكلن مِ ْن هذا
التمرِ القليلِ طيلة النهارِ .
هذهِ هي حياتم ،لكنّهم يشعرون أنّ بيتهُ ْم قد امتل سعادةً وحبورا ونورا وسرورا .
إنّ قلوبم تعيشُ البادئ القّةَ الت بُعثَ با الرسولُ ،والُثُل السامية ،فهمْ ف
أعمالٍ قلبيّةٍ ،وف روحانيّة قُدسيّةٍ يُبصرون با القّ ،ويُنصرون با الباطل ،فيعملون
لذاك ويتنبون هذا ،ويُدركون قيمة الشيءِ وحقيقة المرِ ،وسرّ السألةِ .
أين سعاد ُة قارون ،وسرو ُر وفرحُ وسكينةُ هامان ؟! فالولُ مدفونٌ ،والثان ملعون ﴿
ص َفرّا ُثمّ يَكُونُ ُحطَاما ﴾ .
َكمَثَ ِل غَيْثٍ َأعْجَبَ الْ ُكفّارَ نَبَاُتهُ ُثمّ َيهِيجُ فََترَاهُ ُم ْ
السعادةُ عند بللِ وسلمان وعمّارٍ ،لنّ بللً أذّن للحقّ ،وسلمان آخى على الصّدقِ
سنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَ ُز عَن سَيّئَاِت ِهمْ
،وعمّارا وفّى اليثاق ﴿ أُوْلَئِكَ اّلذِينَ نََتقَبّ ُل عَ ْنهُمْ أَ ْح َ
صحَابِ اْلجَّنةِ َو ْع َد الصّ ْدقِ اّلذِي كَانُوا يُو َعدُونَ ﴾ .
فِي أَ ْ
******************************************
ص ْبرِ
أقوالُ الكماءِ ف ال ّ
يُحكى عنْ أنوشروان أنهُ قال :جيعُ الكارِ ِه ف الدنيا تنقسمُ على ضربي :فضربٌ فيه
حِيلةٌ ،فالضطرابُ دواؤه ،وضربٌ ل حيلة فيه ،فالصطبارُ شفاؤُهُ .
ل تحزن
240
كان بعضُ الكماءِ يقولُ :الِيل ُة فيما ل حيلة فيه ،الصبُ .
وكان يقالُ :منِ اتّبع الصب ،اتّبعَهُ النصرُ .
ومن المثالِ السائرة ،الصبُ مفتاحُ الفَ َرجِ م ْن صَبَ َر َق َدرَ ،ثرةُ الصبِ الظّفرُ ،عند
اشتدادِ البلءِ يأت الرّخاءُ .
وكان يقالُ :خفِ الضارّ منْ خللِ السارّ ،وارجُ النفْع منْ موضعِ الْنعِ ،واحرصْ
على الياةِ بطلبِ الوتِ ،فكمْ منْ بقاءٍ سببُه استدعاءُ الفناءِ ،ومنْ فناءٍ سببُه البقاءِ ،وأكثرُ
ما يأت المنُ م ْن قِبل الفزعِ .
والعربُ تقولُ :إنّ ف الشرّ خِيارا .
قال الصمعيّ :معناهُ :أنّ بعض الشّرّ أهونُ منْ بعْضٍ .
وقال أبو عبيدة :معناهُ :إذا أصابتْك مصيبةٌ ،فاعلمْ أن ُه قدْ يكونُ أجلّ منها ،فلتهُنْ
عليك مصيبتُك .
قال بعضُ الكماءِ :عواقبُ المورِ تتشاب ُه ف الغيوب ،فرُبّ مبوبٍ ف مكروهٍ ،
ومكروهٍ ف مبوبٍ ،وكمْ مغبوطٍ بنعمةٍ هي داؤُه ،ومرحومٍ من داءٍ هو شفاؤُه .
وكان يُقالُ :رُبّ خيٍ منْ شرّ ،ونفعٍ منْ ضرّ .
وقال وداعةُ السهميّ ،ف كلمٍ له :اصبْ على الشّرّ إ ْن قَدَحَك ،فربّما أجْلى عما
ب الصّريحُ .
يُفرحُك ،وتت الرّغوةِ الل ُ
يأت الُ بالفرحِ عند انقطاعِ الملِ ﴿ :حَتّى ِإذَا اسْتَيَْأسَ الرّسُلُ وَظَنّواْ أَّن ُهمْ َقدْ ُكذِبُواْ
حسَابٍ﴾
ِ صرُنَا﴾ ِ﴿ ،إنّ ال ّلهَ مَعَ الصّاِبرِينَ ﴾ ﴿ ،إِّنمَا ُيوَفّى الصّاِبرُونَ أَ ْجرَهُم ِبغَ ْيرِ
جَاء ُهمْ َن ْ
.
يقولُ بعضُ الكُتّابِ :وكما أ ّن ال – جلّ وعل – يأت بالحبوبِ من الوجهِ الذي ق ّد ّر
ع الملِ ،واستبهامِ وجوهِ الِيل ،ليحُضّ سائر خلْقه ورودّ الكروهِ منه ،ويفتحُ بفرج عند انقطا ِ
با يريدهم من تام قدرته ،على صرف الرجاء إليهِ ،وإخلصِ آمالِهم ف التّوكّلِ عليه ،وأنْ
ل َي ْزوُوا وجوههُم ف وقتٍ من الوقاتِ ع ْن توقّعِ ال ّر ْوحِ منه ،فل يعدلُوا بآمالِهم على أيّ
ل تحزن
241
ج يصدُر عنه ،وكذلك أيضا يسرّهم فيما ساءهم ،بأنْ حالٍ من الالتِ ،عنِ انتظارِ فر ٍ
كفاهم بحنةٍ يسيةٍ ،ما هو أعظمُ منها ،وافتدا ُهمْ بُِلمّةٍ سهلةٍ ،ممّ كان أنكى فيهمْ لو
لِق ُهمْ.
حتِ الجسامُ بالعِللِ فربّما ص ّ لعلّ عتْبك ممودٌ عواقبُهُ
قال إسحاقُ العابدُ :ربا امتح َن الُ العبْدَ بحنةٍ يّلصُه با من اللكةِ ،فتكون تلك
الحنةُ أجلّ نعمةٍ .
يقالُ :إنّ منِ احتمل الحنة ،ورضي بتدب ِي الِ تعال ف النكْبةِ ،وصب على الشّدّةِ ،
كشف له عنْ منفعتِها ،حت يقف على الستورِ عنه منْ مصلحتِها .
ض النصارى أنّ بعض النبياءِ عليهمُ السلمُ قال :الِحنُ تأديبٌ من الِ ، حُكي عن بع ِ
ب ل يدومُ ،فطوب لنْ تصبّر على التأديبِ ،وتثبّت عند الحنةِ ،فيجبُ له لُبسُ إكلِيلِ والد ُ
الغَلَبَةِ ،وتاجِ الفلحِ ،الذي و َع َد الُ به ُمحِبّيه ،وأهلِ طاعتِهِ .
ض الفِتِ ،فإنّ الطريق ضجَرَ ،إذا أصابتْك أسِنّةُ الحنِ ،وأعرا ُ قال إسحاقُ :احذرِ ال ّ
الؤدّي إل النجا ِة ص ْعبُ السْلكِ .
قال بزرجهرُ :انتظارُ الفَ َرجِ بالصبِ ،يُعقبُ الغتباط .
******************************************
ل ل ييبُ
سنُ ال ّظنّ با ِ
ُح ْ
(( أنا عند ظنّ عبدي ب ،فليظنّ ب ما شاء )) .
لبعضِ الكُتّابِ :إنّ الرجاء مادّ ُة الصبِ ،والُعيُ عليه .فكذلك عِلّةُ الرجاءِ ومادّتهُ ،
ُحسْنُ الظّنّ بالِ ،الذي ل يوزُ أن ييب ،فإنّا قد نستقري الكرماء ،فنجدُهم يرفعون منْ
أحسن ظنّهُ بمْ ،ويتحوّبُون منْ تيّب أملُه فيهمْ ،ويتحرّ جون مِ ْن قصدَهم ،فكيف بأكرمِ
الكرمي ،الذي ل يعوزُه أنْ ينح مؤمّليه ،ما يزيدُ على أمانيّهم فيه .
وأعد ُل الشواهدِ بحبّ ِة ال جلّ ِذكْرُه ،لتمسّكِ عبدِه برحابهِ ،وانتظارُ الرّوحِ منْ ظلّهِ
ومآبِه ،أنّ النسان ل يأتيه الفَ َرجَ ،ول تُدركُه النجاةُ ،إل بعد إخفاقِ أملهِ ف كلّ ما كان
ل تحزن
242
يتوجّه نوه بأملِه ورغبتِه ،وعند انغلقِ مطالبِهِ ،و َعجْزِ حيلتِه ،وتناهي ضَرّ ِه ومنتِه ،ليكون
ذلك باعثا له على صَرْفِ رجاِئهِ أبدا إل الِ عزّ وجلّ ،وزاجرا له على تاوز ُحسْنِ ظنّه به
﴿إِنّ اّلذِينَ َت ْدعُونَ مِن دُونِ ال ّل ِه عِبَادٌ َأمْثَالُ ُكمْ فَا ْدعُو ُهمْ فَلَْيسَْتجِيبُواْ لَ ُكمْ إِن كُنُتمْ
ي﴾ .
صَادِ ِق َ
**************************************
خطُ :
منْ سخِط فلهُ السّ ْ
ت القلبِ ،وكسفِ البالِ ،وسُوءِ الالِ ، ب المّ والغمّ والزنِ ،وشتا ِوالسّخطُ با ُ
والظّنّ بال خلفُ ما هو أهلُه .والرضا يُخّلصُه منْ ذلك كلّه ،ويفتحُ له باب جنةِ الدنيا قبل
الخرةِ ،فإنّ الرتياح النفس ّي ل يتمّ بُعاكس ِة القدارِ ومضادّة القضاءِ ،بل بالتسليمِ والذعانِ
والقبُولِ ،ل ّن مدبّر المرِ حكيمٌ ل يُتّهمُ ف قضائِه وقدرهِ ،ول زلتُ أذكرُ قصة ابن الراونديّ
الفيلسوف ال ّذكّيِ اللحدِ ،وكان فقيا ،فرأى عاميّا جاهلً مع الدّورِ والقصورِ والموالِ
ف الدنيا وأعيشُ فقيا ،وهذا بليدٌ جاه ٌل ويياالطائلةِ ،فنظر إل السماءِ وقال :أنا فيلسو ُ
غنيّا ،وهذه قِسم ٌة ضِيزى .فما زاد ُه الُ إل مقْتا و ُذ ّل وضنْكا ﴿ وََل َعذَابُ الْآ ِخرَةِ أَ ْخزَى
صرُونَ ﴾ .
وَ ُهمْ لَا يُن َ
قراءة العقول
مّا يشرح الاطر ويسُرّ النّفْس ،القراءةُ والتأمّلُ ف عقولِ الذكياءِ وأهلِ الفِطنةِ ،فإنّها
متعةٌ يسلو با الُطالعِ لتلك الشراقاتِ البديعةِ من أولئك الفطناءِ .وسّيدُ العارفي وخيةُ
العالي ،رسولُنا ،ول يُقاسُ عليهِ بقيّةُ الناسِ ،لن ُه مؤّيدٌ بالوحْي ،مصدّقٌ بالعجزاتِ ،
ت البيّناتِ ،وهذا فوق ذكاءِ الذكياء ولُوع الدباءِ . مبعوثٌ باليا ِ
***********************************
﴿ َوِإذَا َم ِرضْتُ َفهُوَ يَشْفِيِ ﴾
قال أبقراطُ « :القللُ من الضّارّ ،خيٌ من الكثارِ من النافعِ » .وقال « :استديوا
ب». صحّة بترْ ِك التّكاسُلِ عن التعبِ ،وبتركِ المتلءِ من الطعا ِم والشرا ِ ال ّ
وقال بعضُ الكماءِ « :من أراد الصحة :فليُجوّد الغداء ،وليأكُلْ على نفاءٍ ،
وليشربْ على ظماءٍ ،وليُقلّلْ من شُربِ الاءِ ،ويتمدّدْ بعد الغداءِ ،ويتمشّ بعد العشاءِ ،ول
ينمْ حت يعرض نفسهُ على اللءِ ،وليحْذرْ دخول المّامِ عقيِب المتلء ،ومرّةٌ ف الصيفِ
خيٌ من عشرٍ ف الشتاءِ » .
وقال الارثُ « :من سرّه البقاءُ – ول بقاء – فليُباكِ ِر الغداءَ ،وليُعجّلِ العشاء ،
ولُخفّفِ الرّداء ،وليُقلّ غِشيان النساءِ » .
وقال أفلطون « :خسٌ يُذبْن البَدنَ ،وربا قَتَلْنَ ِ :قصَرُ ذاتِ اليدِ ،وفراقُ الحبّةِ ،
وترّعُ الغايظِ ،وردّ النّصح ،وضحِكُ ذوي الهلِ بالعقلءِ » .
ومن جوامعِ كلماتِ أبقراط قولهُ « :كلّ كثيٍ ،فهو مُعادٍ للطبيع ِة » .
ل تحزن
274
وقيل لالينوس :ما لك ل ترضُ ؟ فقال « :لن ل أجعْ بي طعاميْنِ رديئيِ ،ول
أُدخِل طعاما على طعامٍ ،ول أحِبسْ ف العدةِ طعاما تأذّيتُ منه » .
وأربعةُ أشياء تُمرضُ السْم :الكلمُ الكثيُ ،والنومُ الكثيُ ،والكلُ الكثيُ ،والماعُ
الكثيُ .فالكلمُ الكثيُ :يقلّل مُ ّخ الدّماغِ ويُضعفُه ،ويعجّلُ الشّيْب .والنومُ الكثيُ :يصفّرُ
الوجه ،ويُعمي القلب ،ويُهيّجُ العي ،ويُكسلُ عن العملِ ،ويوّلدُ الغليظة ،والدواء العسِرة
ف رُطُوبات البدنِ ،ويُرخي العصبَ .والماعُ الكثيُ َ :ي ُهدّ الَبَدنَ ،ويُضعفُ القُوى ،ويُجفّ ُ
سدَدَ ،وي ُع ّم ضررُهُ جيع البدنِ ،ونفضّ الدّماغ لكثْرةِ ما يتحلّلُ منهُ من الرّوحِ ،ويُورثُ ال ّ
النّفسان .ولضعافُهُ أكثر من إضعافِ جيعِ الستفرغاتِ ،ويستفرِغ من جوهرِ الرّوحِ شيئا
كثيا .
أربعةٌ تدم البدن :المّ ،والزنُ ،والوعُ ،والسّهرُ .
وأربعة تُفرحُ :النّظرُ إل الُضرةِ ،وإل الاءِ الاري ،والحبوبِ ،والثمارِ .
وأربعة تُظلِم البصر :الشْيُ حافيا ،والتّصبّحُ والمساءُ بوجهِ البغيضِ والثقيلِ والعدوُ ،
وكثْرةُ البُكاءِ ،وكثر ًةُ النّظرِ ف الطّ الدّقيقِ .
س الناعمِ ،ودخو ِل المّامِ العتدلِ ،وأكلُ الطعامِ اللوِ وأربعةٌ تقوّي السم :لُبْ ُ
والدّسمِ ،وشمّ الروائحِ الطيّبةِ .
وأربعةٌ تُيبّس الوجه ،وتُذهبُ ماءه وبجتهُ وطلقَتَهُ :الكذِبُ ،والوقاحةُ ،وكثْرةُ
السؤالِ عن غيِ علمٍ ،وكثْر ُة الفجورِ .
وأربعةٌ تزيدُ ف ماءِ الوجه وبجتِه :الروءةُ ،والوفُاء ،والكرمُ ،والتقوى .
وأربع ٌة تلبُ البغضاء والقْتَ :الكِبْرُ ،والسدُ ،وال َكذِبُ ،والنّميمةُ .
وأربع ٌة تلبُ الرزق :قيامُ الليلِ ،وكثْرةُ الستغفارِ بالسحارِ ،وتعا ُهدُ الصدقةِ ،
والذّكْر أول النهارِ وآخِره .
وأربعةٌ تنعُ الرزق :نومُ الصّبحة ،وقلّةُ الصلةِ ،والكسلُ ،واليانةُ .
ل تحزن
275
وأربعةٌ تُضرّ بالفهمِ والذهنِ :إدمانُ أ ْكلِ الامضِ والفواكهِ ،والنومُ على القفا ،
والمّ ،والغمّ .
وأربعةٌ تزيدُ ف الفهم :فراغُ القلبِ ،وقلّ ُة التّملّي من الطعام والشرابِ ،و ُحسْ ِن تدبيِ
ج الفضلتِ الثقّلةِ للبَدنِ . الغذاءِ بالشياءِ الُلو ِة والدّسِمةِ ،وإخرا ُ
**************************************
خُذُوا حِذْركمْ
فالازم يتوقّفُ حت يرى ويبصر ،ويترقّب ،ويتأمّل ،ويُعيدَ النظر ،ويقرأ العواقب ،
ويقدّر الطواتِ ،ويُبم الرأي ،ويتاط وَيحْذر ،لئلّ يندم ،فإن وقع المرُ على ما أراد ،
َح ِمدَ ال ،وشكر رأيه ،وإن كانتِ الُخرى ،قال :قدرّ الُ ،وما شاء فَعَلَ .ورضي ول
يزنْ .
*******************************************
فـتـبـيّـنُوا
فالعاق ُل ثابتُ القدمِ ،سديدُ الرّأْي ،إذا هجمتْ علي ِه الخبارُ ،وأشكلتِ السائلُ ،فل
يأ ُخذُ بالبوادِر ،ول يتعجّل الُكم ،وإنا يُمحّصُ ما يسمعُ ،ويقّلبُ النظر ،ويُحادثُ
الفكر ،ويُشا ِورُ العقلء ،فإنّ الرّأْي المي ،خيٌ من الرأي الفطيِ .وقالوا :لن تُخطئ ف
العفوِ ،خيٌ منْ أنْ تطئ ف العقوبةِ ﴿ فَُتصِْبحُوا عَلَى مَا َفعَلُْتمْ نَا ِد ِميَ ﴾ .
*****************************************
اعز ْم وأقْدِمْ
إنّ كلّ ما أكتبُه هنا منْ آياتٍ وأبياتٍ ،وأثرٍ وعِب ،وقصصٍ وحِكم ،تدعوك بأنْ تبدأ
حياةً جديدةً ِ ،م ْلؤُها الرجاءُ ف ُحسْنِ العاقبةِ ،وجيلِ التامِ ،وأفضلِ النتائجِ .ول تستطيعُ
أن تستفيد إل بمّةٍ صادقةٍ ،وعزمٍ حثيثٍ ،ورغبةٍ أكيدةٍ ف أن تتخلّص منْ هومِك وغمومك
ب العبدُ ؟ قال :لُبدّ له منْ سوْطِ عَزْمٍ .
وأحزانِك وكآبتِك .قيل لحدِ العلماءِ :كيف يتو ُ
ل تحزن
276
ولذلك ميّز الُ أُول العزمِ بالِممِ ﴿فَاصِْبرْ َكمَا صََبرَ أُوْلُوا اْل َعزْمِ مِنَ الرّسُلِ﴾ .وآدمُ ليس من
جدْ َلهُ عَزْما﴾ ،وكذلك أبناؤه ،فهي شِْنشِنَةٌ نعرفُها مِنْ
أُول العَزْمِ ،لنه ﴿فََنسِيَ وََلمْ َن ِ
أخْزمِ ،ومنْ يُشابِه أباه فما ظَلمَ ،لكن ل تقْتدِ به ف الذنبِ ،وتُخالِفْه ف التوبةِ .والُ الستعانُ
.
***********************************
ليستْ حياتُنا الدنيا فحسْب
سعادةُ الخرةِ مرهونةٌ بسعاد ِة الدنيا ،وحقّ على العاقِل أن يعلم أنّ هذه الياة متّصلة
بتلك ،وأنا حياة واحدةُ ،الغيب والشهادةُ ،والدنيا والخرة ،واليومُ وغدٌ .وظنّ بعضُهم
أنّ حياته هنا فحسْب ،فجمع فأوعى ،وتشبّث بالبقاءِ ،وتعلّق بياةِ الفناء ،ث مات ومآرُبه
وطموحاتُه ومشاغلُه ف صدرِه .
وحاجةُ منْ عاش ل تنقضي نروحُ ونغدو لاجاتِنا
وتبْقى له حاجةٌ ما بقِي توت مع الرِ حاجاتهُ
ـرّ الغداةِ وم ّر العشِي أشاب الصغي وأفن الكبيـ
أتى بعد ذلك يو ٌم فتِي إذا ليلةٌ أهرمت يومها
ت لنفسي والناسِ من حول :آمالٌ بعيدةٌ ،وأحل ٌم مديدةٌ وطموحاتٌ عارمةٌ ، وعجب ُ
ونوايا ف البقاءِ ،وتطلّعاتٌ مُذهلةٌ ،ث يذهبُ الواحدُ منّا ول يُشاورُ أو يُخبُ أو يُخبّرُ ﴿ َومَا
َتدْرِي َن ْفسٌ مّاذَا تَ ْكسِبُ غَدا َومَا َتدْرِي َن ْفسٌ بِأَيّ أَ ْرضٍ َتمُوتُ ﴾ .
وأنا أعرضُ عليك ثلث حقائق :
الول :مت تظنّ أنك سوف تدأُ وترتاحُ وتطمئنّ ،إذا ل ترض عن ربّك وعنْ
أحكامِه وأفعالِه وقضائِه وقدرِه ،ول ترض ع ْن رزقِك ،ومواهبِك وما عندك!
الثانية :هلْ شكرت على ما عندك من النّعم واليادي والبات حت تطلب غيها ،
وتسأل سواها ؟! إنّ منْ َعجَزَ عن القليلِ ،أوْل أن يعجز عن الكثي .
ل تحزن
277
الثالثة :لاذا ل نستفيدُ من مواهبِ الِ الت وهبنا وأعطانا ،فنثمّرُها ،وننمّيها ،ونوظّفُها
توظيفا حسنا ،وننقيها من الثالبِ والشّوائبِ ،وننطلقُ با ف هذه الياةِ نفعا وعطاءً وتأثيا
.
إن الصّفاتِ الميدة والواهب الليلة ،كامنةٌ ف عقولِنا وأجسامِنا ،ولكنّها عند الكثي
منّا كالعاد ِن الثمين ِة ف التّرابِ ،مدفون ٌة مغمورةٌ مطمورةٌ ،ل تِد حاذقا يُخرِجُها من الطيِ ،
فيغسلُها وينقّيها ،لتلمع وتشعّ وتُعرف مكانتُها .
***************************************
بقُ الفرجُ
التّوارِي من البطْش حلّ مؤ ّقتٌ ريثما ي ُ
قرأتُ كتاب ( التوارين ) لعبدِ الغن الزديّ ،وهو لطيفٌ جذّاب ،يتحدّث فيه عمّن
توارى خوفا من الجاجِ بن يوسف ،فعلمتُ أنّ ف اليا ِة فسحةً ،وف الشّرّ خيارا ،وعنِ
الكروهِ مندوحةً أحيانا .
وذكرتُ بيتيِ للبيورديّ عن تواريهِ ،يقولُ :
فعين ترى دهري وليس يران تستّرْتُ مِن دهري ب ِظلّ جناحِهِ
وأين مكان ما عرفت مكان فلو تسأ ِل اليام عنُي ما َدرَتْ
هذا القارئُ الديبُ اللمعُ الفصي ُح الصّادِقُ ،أبو عمرو بنُ العلءِ ،يقولُ عن مُعاناتِه
ت ف بيتٍ بصنعاء ،فكنتُ من ف حالة الختبار « :أخافن الجّاجُ فهربتُ إل اليمن ،فول ُ
الغدواتِ على سطحِ ذلك البيتِ ،إذْ سعتُ رجلً يُنشدُ:
ـرِ ل ُه فُرْجَةٌ كح ّل العِقالِ ع النّفوسُ من المـ رُبّما تز ُ
قال :فقلتُ :فُرْجةٌ .قال :فسُررتُ با .قال :وقالَ آخرَ :مات الجّاجُ .قال :
فوالِ ما أدري بأيّهما كنتُ أُسَرّ ،بقولهِ :فرْجةٌ .أو بقولِه :مات الجّاجُ » .
ت والرضِ ﴿ كُلّ يَوْمٍ هُوَ
إنّ القرار الوحيد النافذ ،عند من بيده ملكوتُ السماوا ِ
فِي شَأْنٍ ﴾ .
توارى السنُ البصريّ عنِ عي الجّاج ،فجاءه البُ بوِتهِ ،فسجد شكرا الِ .
ل تحزن
278
سبحان الِ الذي مايز بي خلْقِه ،بعضُهم يوتُ ،فيُسجدُ غيْ ُرهُ للشّكر فرحا وسرورا
سمَاء وَاْلأَ ْرضُ َومَا كَانُوا مُن َظرِينَ ﴾ .وآخرون يوتون ،فتتحوّلُ
ت عَلَ ْيهِمُ ال ّ
﴿ َفمَا بَكَ ْ
ب ف سويدائِها .البيوتُ إل مآتِم ،وتقرحُ الجفانُ ،وتُطعنُ بوتم القلو ُ
وتوارى إبراهيمُ النّخعِيّ من الجّاج ،فجاءه البُ بوتِهِ ،فبكى إبراهيمُ فرحا .
منْ عظمِ ما قد سرّن أبكان طفح السرورُ عليّ حت إنن
إنّ هناك ملذاتٍ آمنة للخائفي ف كَنَف أرح ِم الراحي ،فهو يرى ويسمعُ ويُبصرُ
الظالي والظلومي ،والغالبي والغلوبي ﴿ وَ َجعَلْنَا َب ْعضَكُمْ لَِبعْضٍ فِتَْنةً أََتصْبِرُونَ وَكَانَ رَبّكَ
َبصِيا ﴾ .
لمّرة ،جاءت تُرفرفُ على رسولِ ال ،وهو جالسٌ ذكرتُ بذا طائرا يسمّى ا ُ
مع أصحابِه تت شجرةٍ ،كأنا بلسانِ الالِ تشكو رجلًَ أخذ أفراخها منْ عشّها ،فقال
(( :منْ فجع هذه بأفراخِها ؟ ُردّوا عليها أفراخها )) .
وف مثل هذا يقولُ أحدُهم :
تشكو إليك بقلبِ صبّ واجفِ جاءتْ إليك حامةٌ مُشتاقةٌ
حَرَمٌ وأنّك ملجأٌ للخائِفِ منْ أخب الورْقاء أنّ مكانكم
وقال سعيدُ بنُ جبيٍ :والِ لقد فررتُ من الجّاج ،حت استحييتُ من الِ عزّ وج ّل
.ث جيءَ به إل الجّاج ،فلمّا ُسلّ السيفُ على رأسِه ،تبسّم .قال الجاجُ :لِم تبتسمُ ؟
قال :أعجبُ منْ جُرأتك على الِ ،ومن حِ ْل ِم ال عليك .يا لا من نفْسٍ كبيةٍ ،ومن ثقةٍ
ف وعدِ الِ ،وسكونٍ إل ُحسْنِ الصيِ ،وطِيبِ الُنقلَب .وهكذا فليكُنِ اليانُ .
**************************************
أنت تتعاملُ مع أرحمِ الراحي
إن لفت َنظَرَك هذا الديثُ ،فقد لفت نظري أيضا ،وهو ما رواه أحد وأبو يعلى
والبزارُ والطبانّ ،أ ّن شيخا كبيا أتى النب وهو ُمدّ ِعمٌ على عصا ،فقال :يا نبّ الِ ،
(( :تشهدُ أنْ ل إله إل الُ وأنّ إ ّن ل غدراتٍ وفجراتِ ،فهل يُغفرُ ل ؟ فقال النب
ل تحزن
279
ممدا رسول ال ؟)) قال :نعمْ يا رسول الِ .قال (( :فإن ال قد غفر لك غدراتِك
وفجراتِك)) .فانطلق وهو يقول :الُ أكبُ ،الُ أكبُ .
أفهمُ من الديث مسائل :منها سعةُ رحةِ أرحمِ الراحي ،وأنّ السلم يهدمُ ما
قبله ،وأن التوبة تبّ ما قبلها ،وأن جبال الذنوب ف غفرانِ علّم الغيوب لشيءٌ ،وأنه
يبُ عليك ُحسْنُ الظّنّ بولك ،والرجاءُ ف كرمِه العميمِ ،ورحتِه الواسعةِ .
*******************************
براهيُ تدعوك للتفاؤلِ
ل » لبن أب الدنيا ،واحدٌ وخسون ومائة نصّ ،ما بي ف كتابِ « ُحسْنِ الظّ ّن با ِ
س والقنوطِ ،والُثابرَة على ُحسْنِ الظّنّ
آيةٍ وحديث ،كلّها تدعوك إل التفاؤلِ ،وترْكِ اليأ ِ
و ُحسْ ِن العَمَلِ ،حت إنك لتجدُ نصوصَ الوعدِ أعْ َظمَ منْ نصوصِ الوعيدِ ،وأدلّةَ التهديدِ ،
وقد جعل الُ لكلّ شي ٍء قدرا .
***************************************
حياةٌ كلّها تعبٌ
ل تزنْ منْ كدرِ الياةِ ،فإنا هكذا خُلقتْ .
ح فيهاإ ّن الصل ف هذه الياة التاعبُ والضّن ،والسرو ُر فيها أم ٌر طارئٌ ،والفر ُ
شيءٌ نادرٌ .تلو لذه الدارِ والُ ل يرْضها لوليائِه مستقرّا ؟!
ش فيهاولول أنّ الدنيا دارُ ابتلءٍ ،ل ت ُك ْن فيها المراضُ والكدارُ ،ول يضِقِ العي ُ
ح كذّب ُه قومُه
على النبياء والخبار ،فآدمُ يُعان الِحن إل أن خرج من الدنيا ،ونو ٌ
واستهزؤُوا به ،ولبراهيمُ يُكاِبدُ النار وذَْبحَ الولد ،ويعقوبُ بكى حت ذهب بصرُه ،
وموسى يُقاسي ظُلم فرعون ،ويلقى من قومه الِحنَ ،وعيسى بنُ مري عاش معدما فقيا ،
وممدٌ يُصابِرُ الفقْر ،وقتلِ عمّهِ حزة ،وهو منْ أحبّ أقاربِه إليه ،ونفو ِر قومِهِ منهُ .
وغي هؤلء من النبياءِ والولياءِ ما يطُول ِذكْرُهُ .ولو خُلقتِ الدنيا لِّلذّةِ ،ل يكنْ للمؤمنِ
ل تحزن
280
(( :الدنيا سج ُن الؤمنِ ،وجّنةُ الكافرِ )) .وف الدنيا ُسجِن حظّ منها .وقال النب
الصّالون ،وابتُلي العلماءُ العاملون ،ونغّص على كبا ِر الولياءِ .وكدّرتْ مشارِبُ الصا ِدقِي.
*******************************
وقفـــــة
يقولُ (( :منْ ت – رضي الُ عنه – قال :سعتُ رسول الِ
عن زيدِ ب ِن ثاب ٍ
ل عليهِ أمرهُ ،وجعل فقر ُه بي عينيْه ،ول يأِت ِه منَ الدنيا إل ما
هةُ ،فرّق ا ُ
كانتِ الدنيا ّ
كُتب له .ومنْ كانتِ الخرةُ نِيّتهُ ،جع الُ له أمرهُ ،وجعل غناهُ ف قلِبهِ ،وأتتْه الدنيا وهي
راغمةٌ)).
يقولُ (( :منْ وعنْ عبدِال بن مسعودٍ – رضي الُ عنه – قال :سعتُ نبيّكم
جعل الموم ها واحدا ،وهمّ آخرته َ ،كفَاهُ الُ همّ دنياه ،وم ْن تشعبّتْ به ا ُلمُومُ ف
أحوا ِل الدّنيا ،ل يُبالِ الُ ف أيّ أَ ْودِيتِها هَ َلكَ )) .
قال الكاتبُ العروفُ بـ « الببْغاء » :
و ُعذْ بالصبِ تبَْت ِهجِ ب المجِ تن ّكبْ مذْه َ
م مجوجٌ بل حُججِ فإنّ مُظلمَ اليّا
وتْنَعُنا بل حرجِ تُسامُنا بل شُكرٍ
ن ِه فتْحٌ مِن اللّججِ ف ال ف إتيا ولُط ُ
ومِنْ غمّ إل فرجِ فمِ ْن ضِيقٍ إل سعةٍ
*****************************************
الوَ َس ِطيّةُ ناةٌ من اللك
تامُ السعادة مبنّ على ثلثةِ أشياء :
.1اعتدا ِل الغضبِ .
ل تحزن
281
.2اعتدا ِل الشهوةِ .
.3اعتدا ِل العِ ْلمِ .
فيحتاجُ أن يكون أمرُها متوسّطا ،لئلّ تزيد قوةُ الشهوةِ ،فتُخرِجه إل الرّخصِ فيهلِك
،أو تزيدُ قو ُة الغضبِ ،فيخرُج إل الموحِ فيهلك (( .وخيُ المورِ أوسطُها )) .
فإذا توسّطتِ ال ُقوّتانِ بإشارة قوّ ِة العِ ْلمِ ،دلّ على طري ِق الدايةِ .وكذلك الغضبُ :إذا
زاد ،سهُل عليهِ الضرْبُ والقتلُ ،وإذا نقص ،ذهبتِ الغي ُة والميّةُ ف الدينِ والدنيا ،وإذا
توسّط ،كان الصبُ والشجاعةُ والِكْمةُ .وكذلك الشهوةُ :إذا زادتْ ،كان الفِسْقُ
والفجورُ ،وإنْ نقصتْ ،كان ال َعجْزُ والفتورُ ،وإن توسّطتْ ،كانتِ العفةُ والقناعةُ وأمثالُ
ذلك .وف الديثِ (( عليكم هدْيا قاصِدا )) ﴿ َو َكذَلِكَ َجعَلْنَا ُكمْ ُأ ّمةً وَسَطا﴾
*************************************
الرءُ بصِفاتِهِ الغالِبة
ت الذّمّ ،فيُساقُ إليك الثناءُ حت على
منْ سعادتِك أنْ ت ْغلِب صفاتُ اليِ فيك صفا ِ
شيءٍ ليس فيك ،ول يقْبَلِ الناسُ فيك ذمّا ولو كان صحيحا ،لنّ الاء إذا بلغ قُلّتي ل يملِ
البث .إنّ البل ل يزيدُ فيه حجرٌ ول ينقصهُ َحجَرٌ .
ت هجوما مقذعا ف قيسِ بن عاصم حليمِ العربِ ،وف البامكةِ الكرماء ،وف طالع ُ
قُتيْبة بن مسلمٍ القائدِ الشهيِ ،ووجدت أنّ هذا الشتْم والجْو ،ل يُحفظْ ول يُنقلْ ول
يُصدّقْه أحدٌ ،لنه سقط ف برِ الحاسنِ فغرق ،ووجدتُ على الضّدّ منْ ذلك مدْحا وثناءً
ف الجّاج ،وف أب مسلمٍ الراسان ،وف الاكم بأمر ال العُبْيدِي ،ولكنّه ل يُحفظْ ول
يُنقلْ ول يُصدّقه أحدٌ ،لنه ضاع ف ركامِ زيفِهم وظلمِهم وتوّرِهم ،فسبحان العادلِ بي
خلْ ِقهِ .
*****************************************
هكذا ُخلِقت
ل تحزن
282
ف الديث (( :كلّ مَُيسّرٌ لا خُلِق له )) .فلماذا تُعْسفُ الواهبُ ويُلْوى عن ُق الصّفاتِ
والقدراتِ لَيّا ؟! إن ال إذا أراد شيئا هيّأ أسبابه ،وما هناك أتْعَسُ نفْسا وأنْكدُ خاطرا من
الذي يريدُ أنْ يكون غَيْرَ نَ ْفسِه ،والذك ّي الريبُ هو الذي يدرسُ نفسهُ ،ويسدّ الفراغ الذي
وُضع له ،إن كان ف السّاق ِة كان ف السّاقةِ ،وإنْ كان ف الراسةِ كان ف الراسةِ ،هذا
حوِ ،تعلّم الديث فأعياهُ ،وتبلّد حسّ ُه فيع ،فتعلّم النحو َ ،ف َمهَرَ فيه وأتى
سيبويه شي ُخ النّ ْ
بالعَجَب العُجاب .يقولُ أحدُ الكماءِ :الذي يريدُ عملً ليس منْ شأنِهِ ،كالذي يزرعُ
ع التْ ُرجّ ف الجازِ .
الّنخْل ف غوطةِ دمشق ،ويزر ُ
حسانُ بنُ ثابتٍ ل يُجيدُ الذان ،لنهُ ليس بللً ،وخالدُ ب ُن الوليد ل يقسمُ
الواريث ،لنه ليس زيد بن ثابتٍ ،وعلماءُ التربيةِ يقولون :حدّدْ موقِعَكَ .
*********************************
لبُدّ للذّكاء مِن زكاء
سعتُ إذاعة لندن تُخبُ عنْ ماولةِ اغتيالِ الكاتب نيبِ مفوظٍ ،الائزِ على جائز ِة
نوبل ف الدبِ ،وعدتُ بذاكرات إل كتبٍ له كنتُ قرأتُها مْن قبْلُ ،وعجبتُ لذا الذّكيّ ،
كيف فاتهُ أنّ القيقة أعظمُ من اليالِ ،وأنّ اللود أجلّ من الفناءِ ،وأن البدأ الرّبّانّ
حقّ أَ َحقّ أَن يُتّبَعَ َأمّن لّ َي ِهدّيَ إِلّ
أَ َفمَن َيهْدِي إِلَى اْل َ ﴿ السّماويّ أسْمى من البدأِ البشريّ
أَن ُي ْهدَى ﴾ .بعن أنهُ كتب مسرحياتٍ منْ نسْج خيالِهِ ،مُستخدمِا قدراتِه القويّة ف التصويرِ
والعرضِ والثارةِ ،والنهايةُ أنا أخبارٌ ل صحّة لا .
لقد استفدتُ من قراءةِ حياتِه مسأل ًة كبى ،وهي أنّ السعادة ليستْ سعاد الخرين
على حسابِ سعادتِك وراحتِك ،فليس بصحيحٍ أن يُسرّ بك الناسُ وأنت ف ه ّم وغمّ
وحزنٍ ،إنّ بعض الكُتاّابِ يدحُ بعض الُبدعِي ،ويصفُه بأنه يترقُ ليُضيء للناس ،والنهجُ
ي الثابتُ هو الذي يعلُ البدع يُضيءُ ف ن ْفسِه ويضيءُ للناسِ ،ويعمرُ نفسه باليِ السّو ّ
والدى والرّشدِ ،ليعمر قلوب الناسِ بذلك .
ل تحزن
283
ك كسرى وقلبُه بالباطلِ مكسورٌ ، وبعد هذا ،فماذا ينفعُ النسان لو حاز على مُل ِ
وحصل على سلطا ِن قيصر وأملُه عن اليْرِ مقصورُ ؟! إنّ الوهبةَ إذا ل تكنْ سببا ف النجاةِ ،
فما نفعُها وما ثرتُها ؟!
*****************************************
« منْ لطائفِ أسرارِ اقترانِ الفرج بالكرْب ،والُيسْرِ ،أنّ الكرب إذا اشتدّ وعظُم
وتناهى ،وحصل للعبد اليأسُ من كشْفِه من جهةِ الخلوقي تعلّق بالِ وحده ،وهذا هو
حقيق ُة التّوكّلِ على الِ .
وأيضا فإنّ الؤمن إذا استبطأ الفرج ،وأيِس منه كثْرةِ دعائِه وتضرّعِه ،ول يظهر عليه
أثرُ الجابةِ ،فرجع إل نفسِه باللّئمةِ ،وقال لا :إنا أُتيتُ م ْن قِبلِكِ ،ولو كان فيك خيٌ
لُجْبتُ .وهذا اللومُ أحبّ إل ال م ْن كثيٍ من الطاعاتِ ،فإنه يُوجبُ انكسار العبدِ لولهُ ،
واعترافُه له بأنه أهلٌ لا نزل من البلءِ ،وأنه ليس أهلً لجابةِ الدعاءِ ،فلذلك تُسرعُ إليه
ب». حينئذٍ إجابةُ الدعاءِ وتفريجُ الكرْ ِ
ويقولُ إبراهيمُ بنُ أدهم الزاهدُ « .نن ف عيشٍ لو علم به اللوكُ ،لالدُونا عليه
ف». بالسيو ِ
ويقولُ ابنُ تيمية شيخُ السلمِ « :إنا لََتمُرّ بقلب ساعاتٌ أقولُ :إن كان أهلُ النةِ ف
ب». مِثْلِ ما أنا فيه ،فهم ف عيشٍ طّي ٍ
************************************
اطمِئنّوا أيّها الناسُ
ل تحزن
290
ف كتاب « الفَ َرجِ بعد الشّدّةِ » أكْثر منْ ثلثي كتابا ،كلّها تُخبُنا أنّ ف ذروة
الُدلِمات انفراجا ،وف قمّةِ الزماتِ انبِلجا ،وأنّ أكثر ما تكون مكبوتا حزينا غارقا ف
النكْبةِ ،أقْ َربُ ما تكونُ إل الفتْحِ والسّهُولةِ والروجِ منْ هذا الضّنْكِ ،وساق لنا التّنوخيّ ف
كتابِه الطويل الشائقِ ،أكثَرَ منْ مائت قصّةٍ لن نُكبُوا ،أو حُبسُوا أو عُزلُوا ،أو شُرّدُوا
وطُردُوا ،أو ُعذّبُوا وجُلدُوا ،أو افتقرُوا وأملقوا ،فما هي إل أيام ،فإذا طلئع المداد
وكتائب السعاد وافتْهم على حي يأس ،وباشرتْهم على حي غفلةٍ ،ساقها لم السميع
الجيب .إنّ التنوخيّ يقولُ للمصابي والنكوبي :اطمئنّوا ،فلقد سبقكُم فوقٌ ف هذا
الطّري ِق وتقدّمكم أُناسٌ :
وعناهُم مِنْ شأِنهِ ما عنانا س قبْلنا ذا الزّمانا صحِب النا ُ
ـالِيه ولكنْ تُك ّدرُ الحْسانا حسِنُ الصّنِيع ليـ رُبّما ُت ْ
إذنْ فهذه سُنّةٌ ماضية ﴿ وَلَنَبْلُوَنّ ُكمْ ِبشَيْءٍ ﴾ ﴿ ،وََل َقدْ فَتَنّا اّلذِينَ مِن قَبْ ِل ِهمْ ﴾ .إنا
شدّ ِة كما تعبّد ُهمْ بالرخاءِ ،وأنْ يُغايِر
قضيّةٌ عادلةٌ أنْ يُمحّص الُ عباده ،وأنُ يتعّبدهم بال ّ
خطُ والعتراضُ والتّذمّرُ ﴿ وَلَوْ
عليهم الطوار كما غاير عليهم الليل والنهار ،فلِم إذن التّس ّ
أَنّا كَتَبْنَا عَلَ ْي ِهمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَن ُفسَ ُكمْ أَوِ ا ْخرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مّا َفعَلُوهُ إِلّ قَلِيلٌ مّ ْن ُهمْ ﴾ .
*******************************************
صنائعُ العروفِ تقي مصارع السّوءِ
منْ أجلِ الكلماتِ ،قولُ أب بك ٍر الصّديق – رضي ال عنه : -صنائع العروف تقي
حيَ{}143
مصارع السوءِ .وهذا كلمٌ يُصدّقه النّقلُ والعقلُ ﴿ :فَلَوْلَا أَّنهُ كَانَ ِمنْ اْل ُمسَبّ ِ
(( :كل والِ ل يُخزيك الُ لَلَبِثَ فِي بَطِْنهِ إِلَى يَوْمِ يُ ْبعَثُونَ ﴾ .تقولُ خديةُ للرسول
ب الدّ ْهرِ )) .فانظُرْ
أبدا لتصِلُ الرّحِم ،وتمِلُ الكلّ ،وتكسِبُ العدوم ،وتُعيُ على نوائِ ِ
سنِ العواقبِ ،وكَرَمِ البدايةِ على جللِة النهايةِ .
كيف استدّلتْ بحاس ِن الفعالِ على ُح ْ
شدّ ِة »وف كتاب « الوزراء » للصاب ،و« النتظم » لب ِن الوزي ،و «الفَ َرجِ بعد ال ّ
ت الوزير ،كان يتتّبعُ أبا جعفرٍ بن بسطامٍ بالذِيّة ، للتنوخي قصّةٌ ،مفادُها :أن ابن الفرا ِ
ل تحزن
291
ويقصدُه بالكاره ،فلقي منه ف ذلك شدائد كثيةً ،وكانت أُمّ أب جعفر قد عوّدته – منذُ
كان طفلً – أنْ تعل له ف كلّ ليلةٍ ،تت مدّته الت ينامُ عليها رغيفا من البزِ ،فإذا كان
ف غدٍ ،تصدّقتْ به عنه .فلمّا كان بعد ُمدّة من أذيّةِ ابنِ الفراتِ له ،دخل إل ابن الفراتِ
ف شيءٍ احتاج إل ذلك فيه ،فقال له اب ُن الفراتِ :لك مع أُمّك خُبْزٌ ف رغيف ؟ قال :ل .
فقال :لُبدّ أن تصدُقن .فذكر أبو جعفر الديث ،فحدّثه به على سبيل التّطاُيبِ بذلك منْ
أفعا ِل النساءِ .فقال ابنُ الفراتِ :ل تفعلْ ،فإنّي بتّ البارحة ،وأنا أُدبّرُ عليك تدبيا لو تّ
لستأصلْتُك ،فنمتُ ،فرأيتُ ف منامي كأ ّن بيدي سيفا مسلولً ،وقد قصدتُك لقتلك به ،
فاعترضتْن أُمّك بيدِها رغيفٌ تُترّسُك به منّي ،فما وصلتُ إليك ،وانتبهتُ .فعاتبه أبو
جعفر على ما كان بينهما ،وجعل ذلك طريقا إل استصلحِه ،وبذل لهُ منْ ن ْفسِه ما يريدُه
منْ ُحسْنِ الطاعةِ ،ول يبحْ حت أرضاهُ ،وصارا صديقيْن .وقال له ابنُ الفراتِ :والِ ،ل
رأيت منّي بعدها سُوءا أبدا .
***************************************
س ْيرِ
استجما ٌم يُعي علىُ مُواصلةِ ال ّ
ي العبد على الستمرار ف عبادتِه وعطائِه
من العلومِ أنّ ف الشريعةِ سَعَ ًة وفُسحةً ،تُع ُ
ضحَكَ وَأَبْكَى ﴾ ،وكان يزحُ ول
كان يضحكُ ﴿ وَأَّنهُ ُهوَ أَ ْ وعملِه الصالِ ،فرسولُنا
يقولُ إل حقّا ،وسابق عائشة رضي الُ عنها ،وكان يتخوّلُ الصحابة بالوعظةِ ،كراهِية
ف والتشديدِ ،ويُخبُ أنه لن يُشا ّد الدّين أحدٌ ،
السّآمِة عليهم ،وكان ينهى عن التّعمّق والتّكلّ ِ
إل غَلََبهُ ،وف الديثِ أنّ الدين متيٌ ،فأوغِلُوا فيه برفْقٍ .وف الديثِ أيضا أنّ لكل عابد
شِرّةً ،وهي الشّدّ ُة والضّراوةُ والندِفاعُ .ول يلبثُ التكلّفُ إل أنْ ينقطع ،لنه نظر إل
الالةِ الراهنةِ ونسي الطوارئ وطُول ا ُلدّة ومللة النّفْس ،وإ ّل فالعاقلُ له حدّ أدن ف العملِ
يُداومُ عليه ،فإنْ نشط زاد ،وإنْ ضعف بقي على أصلِه ،وهذا معن الثر منْ كلمِ بعضِ
الصحابة :إنّ للنفوسِ إقبالً وإدبارا ،فاغتنموها عند إقبالا ،وذرُوها عند إدبارِها .
ل تحزن
292
وما رأيتُ نفرا زادُوا ف الكْيلِ ،وأكثَرُوا من النوافل ،وحاولوا أنْ يُغالوا ،فانقطعُوا
وعادُوا أضْعفَ مّا كانوا قبْ َل البدايةِ .
شقَى ﴾ .وقد لم ا ُ
ل قوما والدّينُ أصلً جاء للسعاد ﴿ مَا أَنزَلْنَا عَلَ ْيكَ اْل ُقرْآنَ لَِت ْ
﴿ كلّفُوا أنفُسهم فوق الطّاقةِ ،ث انسحبوا منْ أرضِ الواقع ناكثِي ما ألزمُوا أنفسهم به
. ِرعَايَِتهَا ﴾ وَ َرهْبَانِّيةً ابَْت َدعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَ ْي ِهمْ إِلّا ابِْتغَاء رِضْوَانِ ال ّلهِ َفمَا َرعَوْهَا َحقّ
ح والسمِ ،
وميزةُ السلمِ على سائر الديانُ أنه دينُ فطرةٍ ،وأنه وَ َسطٌ ،وأنه للرّو ِ
ك الدّينُ اْلقَّيمُ ﴾ .
والدنيا والخرةِ ،وأنه ميسرٌ ﴿ ذَلِ َ
فقال :يا رسول الِ ،أيّ الناس لدْريّ قال :جاء أعرابّ إل النبّ
عن أب سعيد ا ُ
خيْرٌ ؟ قال(( :مؤ ِمنٌ ما ِه ٌد بنفسِه ومالِه ف سبيلِ الِ ،ث رجُ ٌل معتزلٌ ف ِشعْبٍ من الشّعابِ
يعبُد ربّه )) .وف روايةٍ (( :يتّقي ال ويدع الناس من شرّه )) ،وعنْ أب سعيدٍ قال :
يقولُ (( :يُوشكُ أنْ يكون خي مالِ السلم غنمٌ يتبعُ با شعْفَ البالِ ت النب
سع ُ
ومواقع الق ْطرِ ،يف ّر بدينِه من ال ِفتِ )) .رواه البخاريّ .
قال عمرُ ُ « :خذُوا حظّكم من العُزلةِ » .وما أحْسنَ قول النيدِ « :مُكابدَ ُة العزل ِة
أيسرُ مْن مداراةِ اللطةِ » .وقال الطّابّ :لو ل يكُنْ ف العزلةِ إل السلمةُ من الغيبةِ ،ومنْ
رؤيةِ النكرِ الذي ل يقدرُ على إزالتهِ ،لكان ذلك خيا كثيا .
وف هذا معن ما أخرج ُه الاكمُ ،منْ حديث أب ذرّ مرفوعا ،بلفظ (( :الوحدُة خيٌ
من جلِيسِ السّوء )) .وسنده َحسَنٌ .
و َذكَر الطّابّ ف « كتاب العزلة » أنّ العزلة والختلط يتلفُ باختلفِ متعلقاتما ،
فتُحمل الدلّةُ الوارِدةُ ف الضّ على الجتماعِ ،على ما يتعلّقُ بطاع ِة الئم ِة وأمورِ الدينِ ،
ف الكتفاء بنفسِه ف حقّ وعكسُها ف عكسِهِ ،وأما الجتماعُ والفتراقُ بالبدانِ ،فمنْ عَ َر َ
معاشِهِ ومافظةِ دينهِ ،فالوْل لهُ النكفافُ منْ مالطةِ الناسِ ،بشرْطِ أنْ يُحافظَ على الماعِة
،والسّلمِ والرّدّ ،وحقوقِ السلمي من العيادةِ وشهودِ النازةِ ،و ْنوِ ذلك .والطلوبُ إنا
هو ترْكُ فضولِ الصّحبةِ ،لا ف ذلك منْ شغِلِ البا ِل وتضييعِ الوقتِ عن الُهمّاتِ ،ويعلُ
ل تحزن
293
الجتماع بنل ِة الحتياجِ إل الغداءِ والعشاءِ ،فيقتصرُ منه على ما لبدّ له منه ،فهو أ ْر َوحُ
للَبدَنِ والقلبِ .والُ أعلمُ .
وقال القُشييّ ف « الرسالة» :طريقُ من آثرَ العُزلةَ ،أن يعتقد سلمة الناسِ منْ
شرّه ،ل العكسُ ،فإنّ الول :يُنتجهُ استصغارُه نفْسه ،وهي صفةُ التواضعِ ،والثان :
شهودُه مزيةً له على غيِه ،وهذه صفةُ التكبّرِ .
والناسُ ف مسألةِ العُزلةِ واللطةِ طرفا ِن ووسطٌ .
فالطرف الوّلُ :من اعتزل الناس حت عن الُمعِ والماعاتِ والعيا ِد ومامع اليْرِ ،
وهؤلءِ أخطؤُوا .
والطرف الثان :منْ خالط الناس حت ف مالسِ اللّهوِ واللّغوِ والقيلِ والقا ِل وتضييعِ
الزّمانِ ،وهؤلء أخطؤُوا .
والوسط :منْ خالط الناس ف العبادا ِ
ت الت ل تقوُم إل باجتماعٍ ،وشاركهم ف ما
صدّ والعراضِ عن الِ
فيه تعاونٌ على البِرّ والتقوى وأجرٌ ومثوبةُ ،واعتزال مناسباتِ ال ّ
وفضولِ الباحاتِ ﴿ َو َكذَلِكَ َجعَلْنَا ُكمْ ُأ ّمةً وَسَطا﴾ .
********************************************
****
وقفـــــة
(( :عليكمْ بالهاد ف سبيلِ الِ ، عن عُباد بنِ الصامتِ قال :قال رسو ُل الِ
فإنه بابٌ من أبوابِ النةِ ،يُذهِبُ الُ به الغ ّم والمّ )) .
« وأمّا تأثيُ الهاد ف دفْع المّ والغمّ ،فأمرٌ معلومٌ بالوجدان ،فإنّ النّفْس مت تركتْ
صائل الباطلِ وصولتهُ واستيلءهُ ،اشتدّ هّها وغمّها ،وكربُها وخوفُها ،فإذا جاهدتْه لِ ،
أبدل الُ ذلك المّ والُزْن فرحا ونشاطا وقوةً ،كما قال تعال ﴿ :قَاتِلُو ُهمْ ُي َعذّْبهُمُ ال ّلهُ
قُلُوِب ِهمْ﴾ صدُورَ قَوْمٍ مّ ْؤمِنِيَ{ }14وَُيذْهِبْ غَ ْيظَ
صرْ ُكمْ عَلَ ْي ِهمْ وََيشْفِ ُ
بِأَْيدِي ُكمْ وَُيخْزِ ِهمْ وَيَن ُ
ب وغمّه وحزنِه من الهادِ ،والُ الستعانُ » .
لوَى القل ِ
.فل شيء أذْهبُ َ
ل تحزن
294
قال الشاعرُ :
وألْبَسُ ثوب الصبِ أبيض أبْلجا وإن لُغضي مقلتّ على القذى
عليّ فما ينفكّ أن يَتَفَرّجَا وإن لدعو ال والم ُر ضيّقٌ
أصاب لا ف دعو ِة الِ َمخْرَجا وكم من فت ُسدّتْ عليه وجوهُهُ
*************************************
مَسا ِرحُ النّظر ف اللكوت
ق الرتياحِ وبسْطِة الاطرِ ،التّطّلعُ إل آثارِ القُدرةِ ف بديعِ السماوا ِ
ت منْ طُ ُر ِ
والرضِ ،فتستلذّ بالبهجة العامرةِ ف خل ِق الباري – جلّ ف عُلهُ – ف الزهرة ،ف
الشجرةِ ،ف الدولِ ،ف الميلةِ ،ف التلّ والبل ،ف الرضِ والسماءِ ،ف اللي ِل والنهارِ ،
ق العظيمِ ﴿ف الشمسِ والقمرِ ،فتجدُ التعة والُنس ،وتزدادُ إيانا وتسليما وانقيادا لذا الال ِ
الْأَْبصَارِ ﴾ . فَاعْتَِبرُوا يَا أُولِي
يقول أحدُ الفلسفةِ منْ أسلموا :كنتُ إذا شك ْكتُ ف القُدرةِ ،نظرتُ إل كتابِ
ف العجازِ والبداعِ ،فأزدادُ إيانا .
الكونِ ،لُطالع فيه أحْ ُر َ
*********************************
خُطوات مدروسة
يقولُ الشوكانّ :أوصان بعضُ العلماءِ فقال :ل تنقطعِ عن التأليف ولو أنْ تكتُب ف
ت بوصيّتِه ،فوجدتُ ثرتا .
اليومِ سطرين .قال :فأخذ ُ
وهذا معن الديث (( :خيُ العملِ ما داوم عليه صاحبُه وإنْ قلّ )) وقال :القطرةُ
مع القطر ِة تتمعُ سيلً عظيما .
صخْر قدْ أثّرا
على صليبِ ال ّ أما تَرَى البلَ بطُولِ الدى
وإنا يأتينا الضطرابُ منْ أننا نريدُ أن نفعل كلّ شيءٍ مرّةً واحدةً ،فَنمَلّ ونتعبُ
ونترُكُ العمل ،ولو أننا أخذْنا َعمَلنا شيئا فشيئا ،ووزّعْناه على مراحل ،لقطعْنا الراحل ف
ل تحزن
295
هدوءٍ ،واعتبِرْ بالصلةِ ،فإنّ الشّرْع جَعَلَها ف خسةِ أوقاتٍ متفرّقةٍ ،ليكون العبدُ ف
ت ف وقتٍ ،للّ العبد ،وف الديثِ (( :إن
استجمامٍ وراحةٍ ،ويأت لا بالشواق ،ولو جُمع ْ
الُنْبتّ ل ظهْرا أبْقى ول أرضا قطع )) .ووُجِد بالتّربةِ ،أنّ منْ يأخذُ ال َعمَلَ على فتراتٍ ،
يُنجزُ ما ل يُنج ْزهُ منْ أخذهُ دفعةً واحدةً ،مع بقاءِ جذوةِ الرّوحِ وتوقّ ِد العاطفةِ .
وما استفدتُه عنْ بعض العلماءِ ،أنّ الصلوات ترّتبُ الوقاتِ ،أخذا منْ قو ِل الباري :
ت عَلَى اْلمُ ْؤمِنِيَ كِتَابا مّوْقُوتا ﴾ .فلو أ ّن العبد وزّع أعمال ُه الدينية
صلَةَ كَانَ ْ
﴿ إِ ّن ال ّ
والدّنيوية بعد كلّ صلةٍ ،لوجد سع ًة ف الوقت ،وفسحةً ف الزمنِ .
وأنا أضربُ لك مَثَلَ :فلو أن طالب العِلْم ،جعل ما بعد الفجرِ للحفْظِ ف أيّ فنّ شاء،
وجعل بعد الظّهر للقراءةِ السهْلةِ ف الجامع العامّة ،وجعل بعد العصر للبحثِ العلميّ
ب العصريّةِ والبحوثِ
الدقيقِ ،وما بعد الغربِ للزّيار ِة والُنسِ ،وما بعد العشاءِ لقراءة الكُتُ ِ
إَن ﴿ والدوريّاتِ واللوس مع الهل ،لكان هذا حسنا ،والعاقِل له ِم ْن بصيتِه َمدَدٌ ونورٌ .
جعَل لّ ُكمْ ُفرْقَانا ﴾ .
تَّتقُواْ ال ّلهَ َي ْ
*******************************************
بل فوضويّة
ما يُكدّرُ ويُشتّتُ الذّهن ،الفوضويّةُ الفكريّ ُة الت يعيشُها بعضُ الناسِ ،فهو ل يدّد
قُدراتِه ،ول يقصدْ إل ما يمعُ شل فكْرهِ ونظرِه ؛ لن العرفة شعوبٌ ودروبٌ ،ولبُدّ منْ
تديدِ آيتِها ومعرف ِة مسالكها ،ويُجمعُ رأْيه على مشربٍ معروفٍ ،ل ّن التّفرد مطلوبٌ .
وكذلك مّا يشتّتُ الذهن ،ويُورِث الغمّ ،الدّيْنُ والتبِعاتُ الاليةُ والتكاليفُ العيشيّةُ .
وهناك أصولٌ ف هذه السألةِ أريدُ ذِكرها :
أولا :ما غال م ِن اقتصدُ :ومنْ أ ْحسَنَ النفاق ،وحفِظ مالهُ إلّ للحاجة ،واجتنب
﴾﴿، التبذير والسراف ،وَ َجدَ العون من الِ ﴿ إِنّ اْلمَُبذّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشّيَا ِطيِ
وَاّلذِينَ ِإذَا أَن َفقُوا َلمْ ُيسْرِفُوا وََلمْ َيقُْترُوا وَكَانَ بَ ْينَ ذَلِكَ قَوَاما ﴾ .
ل تحزن
296
الثان :كسْب الال من الوجوهِ الُباحةِ ،وهجْرُ ك ّل كسبٍ مرّمٍ ،فإنّ ال طّيبٌ ل
وَلَوْ َأ ْعجَبَكَ كَ ْثرَةُ اْلخَبِيثِ﴾ . ﴿ يقبلُ إل طيّبا ،والُ ل يُباركُ ف الكسبِ البيثِ
الثالث :السّعْيُ ف طلبِ الالِ الللِ ،وجْعُه منْ حلّه ،وتركُ العطالةِ والبطالةِ ،
واجتنابِ إزجا ِء الوقاتِ ف التفاهاتِ ،فهذا ابنُ عوف يقول ُ :دلّون على السوقِ َ ﴿ :فِإذَا
شرُوا فِي الَْأ ْرضِ وَابَْتغُوا مِن َفضْلِ ال ّلهِ وَاذْ ُكرُوا ال ّلهَ كَثِيا ّلعَلّ ُكمْ
ت الصّلَاةُ فَانَت ِ
ُقضِيَ ِ
ُتفْ ِلحُونَ ﴾ .
******************************************
ثنُك إيانُك و ُخلُقُك
ب رثّة ،جائع البطْن ،حاف القدمِ
مرّ هذا الرجلُ الفقيُ العدومُ ،وعليهِ أسالٌ باليةٌ وثيا ٌ
،مغمور النّسبِ ،ل جا ٌه ول ما ٌل ول عشيةٌ ،ليس له بيتٌ يأوي إليهِ ،ول أثاث ول
متاع ،يشربُ من الياضِ العامّةِ بكفّيْه مع الواردين ،وينامُ ف السجدِ ،مدّتُه ذراعُه ،
وفراشُه البطحاءُ ،لكنّه صاحبُ ذِكرٍ لربّه وتلوةٍ لكتابِ مولهُ ل يغيبُ عنِ الصّفّ الولِ ف
فنادا ُه باسِهِ وصاح به (( :يا جُليْبيبُ أل الصلةِ والقتالِ ،مرّ ذات يومٍ برسو ِل الِ
تتزوّجُ ؟ )) .قال :يا رسول الِ ،ومنْ يُزوّجُن ؟ ول مالٌ ول جاهٌ ؟ ثّ مرّ به أخرى ،
فقال له مثْل قولهِ الولِ ،وأجاب بنفسِ الواب ،ومرّ ثالثةً ،فأعاد عليه السؤال وأعاد هو
(( :يا جليبيبُ ،انط ِلقْ إل بيتِ فلنٍ النصاريّ وقُلْ له :رسولُ الِ الواب ،فقال
يقرئُك السلم ،ويطلبُ منك أن تُزوّجن بِنْتك )) .
وهذا النصاريّ م ْن بيتٍ شريفٍ وأسرةٍ موقرةٍ ،فانطلق جليبيبٌ إل هذا النصاريّ
وطرق عليه الباب وأخبه با أمره به رسو ُل الِ فقال النصاريّ :على رسول ال
ب ول ما ٌل ول جاهٌ ؟ وتسمعُ زوجتُه الَبَ َر فتعجبُالسلمُ ،وكيف أُزوّجك بنت يا جليبي ُ
ب ورسالة الرسولِ وتتساءلُ :جليبيبٌ ! ل ما ٌل ول جاهٌ ؟ فتسمُع البنتُ الؤمنةُ كلم جليبي ٍ
فتقول لبويها :أترُدّانِ طلب رسولِ الِ ،ل والذي نفسي بيدِهِ .
ل تحزن
297
وحصل الزواج البارك والذّرّيّةُ الباركةُ والبيتُ العامرُ ،الؤسّسُ على تقوى من ا ِ
ل
ورضوانٍ ،ونادى منادي الهادِ ،وحضر جليبيبُ العركة ،وقتل بيده سبعةً من الكفارِ ،ث
قُتل ف سبيلِ الِ ،وتوسد الثرى راضيا عنْ ربّه وع ْن رسولِه وع ْن مبدئِه الذي مات منْ
أجلِهِ ،ويتف ّقدُ الرسولُ القتلى ،فيُخبُه الناسُ بأسائِهم ،وينسون جليبيبا ف غمرةِ
الديث ،لنهُ ليس لمعا ول مشهورا ،ولكنّ الرسول يذكُرُ جليبيبا ول ينساهُ ،ويفظُ
اسه ف الزحامِ ول يُغفله ،ويقولُ (( :لكنّن أف ِقدُ جليبيبا )) .
ويده وقد تدثّر بالتراب ،فينفضُ التراب عن وجهه ويقولُ له (( :قَتَلْتَ سبعة ث
قُتِلْت ؟ أنت من وأنا منك ،أنت من وأنا منك ،أنت من وأنا منك )) .ويكفي هذا
الوسام النبويّ جليبيبا عطاءً ومكافأةً وجائزةً .
إنّ ثنَ جليبيبٍ ،إيانُه وحبّ رسو ِل الِ له ،ورسالتُه الت مات من أجلِها .إنّ
فقره وعدمَه وضآلةُ أسرتِه ل تُؤخّرْه عنْ هذا الشرفِ العظيمِ والكسب الضخمِ ،لقدْ حاز
الشهادة والرّضا والقبُول والسعادة ف الدنيا والخرة َ ﴿ :فرِحِيَ ِبمَا آتَا ُهمُ ال ّلهُ مِن فَضْ ِلهِ
. ُهمْ َيحْزَنُونَ ﴾ ف عَلَ ْي ِهمْ وَلَ
حقُواْ ِبهِم ّمنْ خَ ْل ِفهِمْ أَلّ خَوْ ٌ
وََيسْتَ ْبشِرُونَ بِاّلذِينَ َلمْ يَ ْل َ
إنّ قيمتك ف معانيك الليل ِة وصفاتِك النبيلةِ .
إنّ سعادتك ف معرفتِك للشياءِ واهتماماتِك وسوّك .
إنّ الفقرَ والعوز والمول ،ما كان -يوما من اليامِ -عائقا ف طريق التّفوّقِ والوصولِ
والستعلءِ .هنيئا لنْ َعرَفَ ثنه فعلً بنفسِه ،وهنيئا لنْ أسعد نفسهُ بتوجيههِ وجهادِه
ونُبِله ،وهنيئا لنْ أحْسنَ مرّتيْن ،وسعد ف الياتيِ ،وأفلح ف الكرتيْنِ ،الدّنيا والخرةِ .
********************************************
**
يا سعادة هؤلء
أبو بكرٍ – رضي الُ عنهُ : -بآيةٍ ﴿ :وَسَُيجَنُّبهَا اْلأَْتقَى{ }17اّلذِي ُيؤْتِي مَاَلهُ
يََتزَكّى ﴾ .
ل تحزن
298
ت قصرا أبيض ف النةِ ،قلتُ :لن هذا
عمرُ -رضي ال عنه : -بديثِ (( :رأي ُ
القصرُ ؟ قيل ل :لعمر بنش الطابِ )) .
وعثمانُ -رضي ال عنهُ : -بدعاءِ (( :الله ّم اغفْر لعثمان ما تقدّم منْ ذنبِه وما
تأخّر )) .
وعل ّي -رضي ال عنهُ (( : -رجُلٌ يبّ ال ورسوله ،ويبّه ال ُ ورسولُه )) .
وسعدُ بنُ معاذٍ -رضي ال عنهُ (( : -اهتزّ له عرشُ الرحنِ )) .
وعبدُالِ بن عمْرٍو النصاريّ -رضي ال عنهُ (( :-كلّمه الُ كِفاحا بل ترْجُمان )) .
وحنْ َظلَ ُة -رضي ال عنهُ (( : -غسّل ْت ُه ملئكةُ الرحنِ )) .
****************************************
ويا شقاوة هؤلء
وقفـــــةٌ
ل تحزن
310
« ليس ف الوجود شيءٌ أصعبُ من الصبِ ،إما عن الحبوبِ ،أو على الكروهاتِ.
وخصوصا إذا امتدّ الزمان ،أو وقع اليأسُ من الفرجِ .وتلك الد ُة تتاجُ إل زادٍ يُقطعُ به
سفرُها ،والزاد يتنوعُ من أجناسٍ :
فمنه :تلمّحُ مقدارِ البلءِ ،وقد يكنُ أن يكون أكثر .
ومنه :أنه ف حا ِل فوقها أعظمُ منها ،مثل أن يُبتلى بف ْقدِ ولدٍ وعنده أعزّ منه .
ومن ذلك :رجاء العِو ِ
ض ف الدنيا .
ومنه :تلمّح الجرِ ف الخرةِ .ومنه :التلذّذُ بتصويرِ الدحِ والثناءِ من اللْ ِق فيما
يدحون عليه ،والجرُ من القّ عزّ وجلّ .
ومن ذلك :أن الزع ل يفيدُ ،بل يفضحُ صاحِبهُ .
إل غيْرِ ذلك من الشياء الت يقدحُها العقلُ والفكرُ ،فليس ف طري ِق الصبِ نفقةٌ سواها
،فينبغي للصابرِ أن يشغل با نفسه ،ويقطع با ساعاتِ ابتلئِ ِه » .
*********************************************
َمنْ هُمُ الولياءُ
من صفات الولياء :انتظارُ الذانِ بالشواقِ ،والتّهاُفتُ على تكبيةِ الحرامِ ،وال َولَهُ
بالصفّ الوّلِ ،ومداومةِ اللوسِ ف الروضةِ ،وسلم ُة الصدرِ ،وظهورُ مراسيمِ السّنّةِ ،
وكثرةُ الذّكرِ ،وأكل الللِ ،وتركُ ما ل يعن ،والرضا بالكفافِ ،وتعّلمُ الح ِي كتابا
وسنةً ،وطلقةُ ا ُلحَيّا ،والتو ّجعُ لصائب السلمي ،وتركُ اللفِ ،والصبُ للشدائدِ ،وبذْلُ
العروفِ .
التوسطُ ف العيشةِ أفضلُ ما يكونُ ،فل غن مطغيا ول فقرا منسيا ،وإنا ما كفى
وشفى ،وقضى الغرض ،وأتى بالقصودِ ف العيشةِ ،فهو أجلّ العيشِ عائدةً ،وأحسنُ
القوتِ فائدةً .
والكفايةُ :بيتٌ تسكُنهُ ،وزوجةٌ تأوي إليها ،ومركبٌ َحسَنٌ ،وما يكفي من الالِ
لسدّ الاجةِ وقضا ِء اللزمِ
ل تحزن
311
********************************
الُ لطيفٌ بعبادِهِ
أخبن أحدُ أعيانِ مدين ِة الرياضِ أنه ف عام 1376هـ ،ذهب مموعةٌ من البحارةِ
من أهلِ البيلِ إل البحرِ ،يريدون اصطياد السمكِ ،ومكثوا ثلثة أيام بلياليهنّ ل يصلُوا
على سكةٍ واحدةٍ ،وكانوا يصلون الصلواتِ المس ،وبانبهم مموعةٌ أخرى ل تسجدُ لِ
سجدةً ،ول تصلّي صلةً ،وإذا هم يصيدون ،ويصلون على طلبِهم من هذا البحرِ ،فقال
بعضُ هؤلءِ الجموعةِ :سبحان الِ ! نن نصلي لِ عزّ وجلّ صلةٍ ،وما حصلْنا على شيءٍ
من الصيدِ ،وهؤلء ل يسجدون لِ سجد ًة وها هو صيدُهم !! فوسوس لم الشيطانُ بتركِ
الصلةِ ،فتركُوا صلة الفجرِ ،ث صلة الظهرِ ،ث صلة العصرِ ،وبعد صلةِ العصرِ أتوْا إل
البحرِ فصادُوا سكةً ،فأخرجُوها وبقرُوا بطنها ،فوجدُا فيها لؤلؤةً ثينةً ،فأخذها أحدُهم
بيدِه ،وقلّبها ونظر إليها ،وقال :سبحان الِ ! لا أطْعنا ال ما حصلنا عليها ،ولا عيناه
حصلْنا عليها !! إن هذا الرزق فيه نظرٌ .ث أخذ اللؤلؤة ورمى با ف البحرِ ،وقال :يعوضُنا
الُ ،والِ ل آخذُها وقد حصلتْ لنا بعد أن تركْنا الصلة ،هيا ارتلُوا بنا من هذا الكان
الذي عصينا ال فيه ،فارتلُوا ما يقاربُ ثلثة أميالٍ ،ونزلُوا هناك ف خيمتِهم ،ث اقتربُوا من
البحرِ ثانية ،فصادُوا سكة الكنعد ،فبقروا بطنها فوجدوا اللؤلؤة ف بطنِ تلك السمكةِ ،
وقالوا :المدُ لِ الذي رزقنا رزقا طيبا .بعد أ ْن بدؤوا يصلّون ويذكرون ال ويستغفرونه ،
فأخذوا اللؤلؤة .اهـ .
فانظرْ كيف كان منْ ذي قبل ،ف وقت معصيةٍ ،وكان رزقا خبيثا ،وانظر كيف
أصبح الن ف وقتِ طاعةٍ ،وأصبح رزقا طيبا ﴿ .وََلوْ أَّنهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَا ُهمُ ال ّلهُ َورَسُوُلهُ
. رَاغِبُونَ ﴾ وَقَالُواْ َحسْبُنَا ال ّلهُ سَيُؤْتِينَا ال ّلهُ مِن َفضْ ِلهِ وَرَسُوُلهُ إِنّا إِلَى ال ّلهِ
ف الِ ،ومن ترك شيئا لِ عوّضه الُ خيا منه .
إنه لط ٌ
يذكّرن هذا بقصةٍ لعليّ – رضي ال عنه ، -وقد دخل مسجد الكوفةِ ليصلي ركعت
الضحى ،فوجد غلما عند البابِ ،فقال :يا غلمُ ،احبسْ بغلت حت أصلي .ودخل عليّ
ل تحزن
312
السجد ،يريدُ أن يعطي هذا الغلم درها ،جزاء حبْسه للبغلةِ ،فلما دخل عليّ السجد ،
أتى الغلم إل خطا ِم البغلةِ ،فاقتلعه منْ رأسِها وذهب به إل السوقِ ليبيعه ،وخرج عل ّي فما
وجد الغلم ،ووجد البغلة بل خطامٍ ،فأرسل رجلً ف أث ِرهِ ،وقال :اذهبْ إل السوقِ ،
لعلّه يبيعُ الطام هناك .وذهب الرجلً ،فوجد هذا الغلم ي ّرجُ على الطامِ ،فشراه
بدرهمٍ ،وعاد يبُ عليا ،قال سبحان ال ! والِ لق ْد نويتُ أن أعطيهَ درها حللً ،فأب إل
أنْ يكون حراما .
إنه لطفُ ال عزّ وجلّ ،يلحقُ عباده أينما سارُوا وأينما حلّوا وأينما ارتلُوا َ ﴿ :ومَا
تَكُونُ فِي َشأْنٍ َومَا تَتْلُو مِ ْنهُ مِن ُقرْآنٍ وَلَ َت ْعمَلُونَ ِمنْ عَمَلٍ إِلّ كُنّا عَلَيْ ُكمْ ُشهُودا ِإذْ
سمَاء ﴾ .
ب عَن رّبّكَ مِن مّ ْثقَالِ ذَرّةٍ فِي الَ ْرضِ وَلَ فِي ال ّ
ُتفِيضُونَ فِيهِ َومَا َي ْعزُ ُ
********************************************
سبُ ﴾
حتَ ِ
﴿ َوَي ْرزُقْهُ ِمنْ َح ْيثُ لَا يَ ْ
وقد َذكَ َر التنوخيّ ف كتابهِ «الفَ َرجِ بعد الشّدّ ِة » ما يناسبُ هذا القام :أن رج ً
ل
ضاقتْ عليه الِيلُ ،وأُغلقتْ عليه أبوابُ العيشةِ ،وأصبح ذات يومٍ هو وأهلُه ل شيء ف
بيتهم ،قال :فبقيت أنا وأهلي اليوم الول جوْعى وف الثان ،فلما دنتِ الشمسُ للمغيبِ ،
س لنا رزقا أو طعاما أو أكلً ،فقد أشرفْنا على الوتِ قالت ل زوجت :اذهبْ وانطل ْق والتم ْ
.قال :فتذكّرتُ امرأةً قريبة ل ،فذهبتُ إليها وأخبتُها الَبَرَ ،قالت :ما ف بيتِنا إل هذهِ
السمكةُ وقد أنتنتْ .قلتُ :عليّ با ،فإنا قد أشرفْنا على اللكِ .وذهبتُ با وبقرتُ بطنها
،فأخرجتُ منها لؤلؤةً بعتُها بآلفِ الدنانيِ ،وأخبتُ قريبت ،قالتْ :ل آخذُ معكم إل
قسمي .قال :فاغتنيتُ فيما بعدُ ،وأثّثتُ من ذلك بيت ،وأصلحتُ حال ،وتوسّعتُ ف
ف الِ سبحانه وتعال ليس غيَهُ . رزقي .فهو لط ُ
﴿ َومَا بِكُم مّن ّن ْع َمةٍ َفمِنَ ال ّلهِ ﴾ .
﴿ ِإذْ َتسْتَغِيثُونَ رَبّ ُكمْ فَاسَْتجَابَ لَ ُكمْ ﴾ .
******************************************
ل تحزن
313
﴿ وَهُ َو الّذِي ُيَنزّلُ الْ َغيْثَ ﴾
حدّثنا أحدُ الفضلءِ من العُبّادِ :أنه كان بأهلِه ف الصحراءِ ،ف جهةِ الباديةِ ،وكان
عابدا قانتا منيبا ذاكرا لِ .قال :فانقطعتْ الياهُ الجاورةُ لنا ،وذهبتُ ألتمسُ ماءً لهلي ،
فوجدتُ أن الغدير قد جفّ ،فعُدتُ إليهم ،ث التمسْنا الاء يْن ًة ويسْرَةً ،قلم ندْ ولو قطرةً ،
وأدركنا الظمأُ ،واحتاج أطفال للماء ،فتذكرتُ ربّ العزةِ – سبحانه -القريب الجيب ،
ت يديّ وبكيتُ ،وسالتْ فقمتُ فتيمّمتُ ،واستقبلتُ القبلة وصلّيتُ ركعتي ،ث رفع ُ
ت قوله َ ﴿ :أمّن ُيجِيبُ اْل ُمضْ َطرّ ِإذَا دَعَاهُ﴾.....
ت ال بإلاحٍ ،وتذكر ُ
دموعي ،وسأل ُ
الية ،ووالِ ما هو إل أن قمتُ من مقامي ،وليس ف السماء من سحاب ول غيْم ،وإذا
بسحابة قد توسّطتْ مكان ومنل ف الصحراءِ ،واحتكمتْ على الكان ،ث أنزلتْ ماءها ،
ت الغدرانُ من حولِنا وعن ييننا وعن يسارِنا ،فشرْبنا واغتسْلنا وتوضأنا ،وحدْنا ال
فامتل ِ
سبحانه وتعال ،ث ارتلتُ قليلً خلْف هذا الكان ،وإذا الدْبُ والقحطُ ،فعلمتُ أن ال
ت ال عزّ وجلّ َ ﴿ :وهُوَ اّلذِي يَُنزّلُ اْلغَيْثَ مِن َب ْعدِ مَا قَنَطُوا
ساقها ل بدعائي ،فحمد ُ
حمِيدُ ﴾ .
شرُ رَ ْحمََتهُ َوهُوَ الْوَلِيّ اْل َ
وَيَن ُ
ق ول يهدي إنه لبدّ أن نلحّ على الِ سبحانه وتعال ،فإنه ل ُيصِْل ُح النفس ،ول يرز ُ
ي ول يغيثُ ،إلّ هو سبحانه وتعال .والُ ذكَرَ أحدَ أنبيائه ،ول يوفّ ُق ول يثّبتُ ،ول يع ُ
ص َلحْنَا َلهُ َزوْ َجهُ إِّن ُهمْ كَانُوا ُيسَا ِرعُونَ فِي اْلخَ ْيرَاتِ وََي ْدعُونَنَا َرغَبا وَ َرهَبا
فقال ﴿ :وَأَ ْ
وَكَانُوا لَنَا خَا ِش ِعيَ ﴾ .
************************************
عوّضهُ الُ خيا منهُ
ذكر اب ُن رجب وغيُه أ ّن رجلً من العُبّا ِد كان ف مكة ،وانقطعتْ نفقتُه ،وجاع
جوعا شديدا ،وأشرف على اللكِ ،وبينما هو يدورُ ف أحدِ أزقّةِ مكة إذ عثر على عِ ْقدِ
ثيٍ غالٍ نفيسٍ ،فأخذه ف كمّه وذهب إل الَرَمِ وإذا برجلٍ ينشدُ عن هذا العقد ،قال :
ل تحزن
314
فوصفه ل ،فما أخطأ من صفتِه شيئا ،فدفعتُ له العِقْد على أن يعطين شيئا .قال :فأخذ
العقد وذهب ،ل يلوي على شيء ،وما سلّمن درها ول نقيا ول قطميا .قلتُ :اللهمّ
إن تركتُ هذا لك ،فعوّضن خيا منه ،ث ركب جهة البح ِر فذهب بقاربٍ ،فهّبتْ ريحٌ
هوجاءُ ،وتصدّع هذا القاربُ ،وركب هذا الرجل على خشبةٍ ،وأصبح على سطحِ الاءِ
تلعبُ به الريح يَْنةً وَيسْرَةً ،حت ألقتْه إل جزيرةِ ،ونَزلَ با ،ووجد با مسجدا وقوما
يصلّون فصلّى ،ث وجد أوراقا من الصحفِ فأخذ يقرأ ،قال أهل تلك الزيرةِ :أئنك تقرأ
القرآن ؟ قلتُ :نعمْ .قالوا :عّلمْ أبناءنا القرآن .فأخذتُ أعلّمهم بأجرةٍ ،ث كتبتُ خطا ،
قالوا :أتعلّم أبناءنا الطّ ؟ قلتُ :نغم .فعلّمتُهم بأجرةٍ .
ث قالوا :إن هنا بنتا يتيم ًة كانت لرجلٍ منا فيه خيْرٌ وتُوفّي عنها ،هل لك أن
تتزوجها؟ قلتُ :ل بأس .قال :فتزوجتُها ،ودخلتُ با فوجدتُ العقْد ذلك بعينهِ بعنقِها .
قلتُ :ما قصةُ هذا العقدِ ؟ فأخبتِ الََبرَ ،وذكرتْ أن أباها أضاعه ف مكة ذات يوم،
فوجده رجلٌ فسلّمه إليه ،فكانَ أبوها يدعو ف سجودِه ،أن يرزق ابنته زوجا كذلك الرجل
.قال :فأنا الرجلُ .
فدخل عليه العِ ْقدُ بالللِ ،لنه ترك شيئا لِ ،فعوّضه ال خيا منه (( إنّ ال طيبٌ
ل يقبلُ إلّ طيّبا )) .
******************************************
إذا سألت فاسألِ ال
إنّ لطف الِ قريبٌ ،وإنه سيعٌ ميبٌ ،وإن التقصي منا ،إننا باجةٍ ماسّةٍ إل أن نلحّ
وندعوه ،ول َنمَلّ نسأمُ ،ول يقولُ أحدنا :دعوتُ دعوتُ فلم يُستجبْ ل .بل نرّغُ
وجوهنا ف الترابِ ،ونتفُ ،ونلظّ بـ (( يا ذا الللِ والكرامِ )) ،ونعيدُ ونبدئُ تلك
الساءِ السن والصفاتِ العُلى ،حت ييبَ الُ سبحانه وتعال طلبنا ، ،أو يتار لنا خبةً من
ضرّعا وَ ُخفْيَةً ﴾ .
عنده سبحانه وتعال ﴿ ا ْدعُواْ رَبّ ُكمْ َت َ
ل تحزن
315
ذكر أحدُ الدعاةِ ف بعضِ رسائِله أن رجلً مسلما ذهب إل إحدى الدول والتجأ
بأهِله إليها ،وطلب بأن تنحه جنسية ،فأغلقتْ ف وجههِ البوابُ ،وحاول هذا الرجل كلّ
الحاولةِ ،واستفرغ جهده ،وعرضَ المرَ على كلّ معارفِه ،فبارتِ الِيَلُ ،و ُسدّتِ السبل ،
ث لقي عالا ورِعا فشكا إليه الال ،قال :عليك بالثلث الخيِ من الليلِ ،ادع مولك ،فإنه
اليسرُ سبحانه وتعال – وهذا معناه ف الديث (( :إذا سألتَ فاسألِ ال ،وإذا استعنت
فاستعنْ بال ،واعلمْ أن المة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيءٍ ،ل ينفعوك إل بشي ٍء قد
كتبه الُ لك )) – قال هذا الرجل :فوالِ لقد تركتُ الذهاب إل الناس ،وطلب الشفاعات
،وأخذتُ أداومُ على الثلث الخي كما أخبن هذا العالِم ،وكنتُ أهتفُ لِ ف السّح ِر
وأدعوه ،فما هو إل بعد أيام ،وتقدّمتُ بعروضٍ عادي ول أجعل بين وبينهم واسطة ،
فذهب هذا الطابُ ،وما هو إل أيام وفوجْئتُ ف بيت ،وإذ أنا أُدعى وأسّلمُ النسية ،
وكانت ف ظروفٍ صعبةٍ .
********************************************
﴿ اللّهُ َلطِيفٌ بِ ِعبَا ِدهِ ﴾
الدقائقُ الغاليةُ :
ذكر التنوخيّ :أن أحدُ الوزرا ِء ف بغداد – وقد سّاه – اعتدى على أموالِ امرأ ٍة
عجوزٍ هناك ،فسلبها حقوقها وصادر أملكها ،ذهبتْ إليه تبكي وتشتكي من ظلمِه وجوْزِه
،فما ارتدع وما تاب وما أناب ،قالت :لدعو ّن ال عليك ،فأخذ يضحكُ منها باستهزاءٍ ،
ث الخيِ من الليل .وهذا لبوتِه وفسْقِه يقول باستهزاءٍ ،فذهبتْ وقال :عليك بالثل ِ
ت قصيٌ إذ عُزِل هذا الوزيرُ وسُلبتْ أموالُه ،وداومتْ على الثلثِ الخي ،فما هو إل وق ٌ
وأُخذ عقارُه ،ث أُقيم ف السوقِ يُجلدُ تعزيرا له على أفعالِه بالناسِ ،فمرّتْ به العجوزُ ،
فقالتْ له :أحسنتَ! لقد وصفت ل الثلث الخي من الليلِ ،فوجدتُه أحسنَ ما يكونُ .
ل تحزن
316
إنّ ذاك الثلث غالٍ منْ حياتِنا ،نفيسٌ ف أوقاتنا ،يوم يقولُ ربّ العزةِ (( :هلْ منْ
سائلٍ فأعطيه ،ه ْل منْ مستغفرٍ فأغفرَ له ،هلْ م ْن داعٍ فأجيبه )) .
لقد عشتُ ف حيات على أن شابّ .وسعتُ ساعاتٍ وأثر ف حيات حادثاتٌ ل
أنساها أبد الدهرِ ،وما وجدتُ أقرب من القريبِ ،عنده الفرجُ ،وعنده الغوْثُ ،وعنده
اللطفُ سبحانه وتعال .
ارتلتُ مع نَفَرٍ من الناسِ ف طائرٍة من أبا إل الرياضِ ف أثناءِ أزمةِ الليجِ ،فلما
أصبحْنا ف السماءِ أُخِبرْنا أننا سوف نعودُ مرةً ثانيةً إل مطارٍ أبا لللٍ ف الطائرِة ،وعدْنا
وأصلحُوا ما استطاعُوا إصلحه ،ث ارتلْنا مرةً أخرى ،فلما اقتربنا من الرياضِ أبتْ
العجلتُ أنْ تنل ،فأخذ يدورُ بنا على ساء الرياضِ ساعةً كاملةً ،وياولُ أكثر منْ عشْرِ
ماولتٍ يأت الطار وياو ُل البوط فل يستطيعُ ،فيتلُ مرةً أخرى ،وأصابنا اللعُ ،وأصاب
الكثي النيارُ ،وكثرُ بكاءُ النساءِ ،ورأيتُ الدموع تسيلُ على الدودِ ،وأصبحْنا بي السماءِ
ت كالعملِوالرضِ ننتظرُ الوت أقرب منْ ل ِح الَبصَرِ ،وتذكرتُ كلّ شيءٍ فما وجد ُ
ص الدنيا ،
الصالِ ،وارتل القلبُ إل الِ عزّ وجلّ وإل الخرةِ ،فإذا تفاهَةُ الدنيا ،ورخ ُ
وزهادةُ الدنيا ،وأخذْنا نكرّر (( :ل إله إل ال وحده ل شريك له ،له اللكُ وله المدُ
وهو كلّ شي ٍء قديرٌ )) ،ف هتافٍ صادقٍ ،وقام شيخٌ كبيٌ مسنّ يهتفُ بالناسِ أن يلجؤُوا
إل الِ وأنْ يدعوهُ ،وأنْ يستغفروهُ وأنْ ينيبُوا له .
صيَ َل ُه الدّينَ﴾.
وقد ذكر اللُهِ عن الناسِ أنمَ ﴿ :فِإذَا رَكِبُوا فِي اْلفُلْكِ َدعَوُا ال ّلهَ ُمخْلِ ِ
ودعوْنا الذي ييبُ الضطر إذا دعاه ،وألحْنا ف الدعاءِ ،وما هو إل وقتٌ ،ونعودُ
للمرةِ الادية عشرة والثانية عشرة ،فنهبطُ بسلم ،فلما نزلْنا كأنا خرجْنا من القبورِ ،
ت الَبسَماتُ ،فما أعظم لطف الِ وعادتِ النفوسُ إل ما كانتْ ،وجفتِ الدموعُ ،وظهر ِ
سبحانه وتعال .
فإنْ توّلتْ بليانا َنسِيَناهُ كمْ نطلبُ ال ف ضُرّ يِلّ بِنا
فإنْ رجعنا إل الشاطي عصيناهُ ندعوه ف البحرِ أنْ يُنْجي سفينتَنا
ل تحزن
317
وما سقطْنا لنّ الافظ الُ ونركبُ الوّ ف أمنٍ وف َدعَةٍ
ف الباري سبحانه وتعال ،وعنايتُه ،ليس إل .إنهُ لط ُ
**************************************
« َمنْ َلنَا وقت الضائقةِ ؟ »
ذكرتْ جريدةُ « القصيم » -وهي جريدةٌ قدي ٌة كانتْ تصدُر ف البلد -ذكرتْ أن
شابّا ف دمشق حج َز ليسافرَ ،وأخب والدته أ ّن موعدَ إقلعِ الطائرةِ ف الساع ِة كذا وكذا ،
وعليها أ ْن توقظه إذا دنا الوقتُ ،ونام هذا الشابّ ،وسعتْ أمّه الحوال الوية ف أجهزةِ
العلمِ ،وأنّ الرياح هوجاءُ وأنّ الوّ غائمٌ ،وأنّ هناك عواصف رمليّةً ،فأشفقتْ على
وحيدها وبلتْ بابنها ،فما أيقظتْه أملً منها أن تفوته الرحلةُ ،لنّ الوّ ل يساعدُ على
السفرِ ،وخافْت م ْن الوضعِ الطارئِ ،فلما تأكّدتْ من ْ أنّ الرحلة قد فاتتْ ،وقد أقعلتِ
الطائرةُ بركّابِها ،أتتْ إل ابنِها توقظُه فوجدتْه ميّتا ف فراشِه .
شهَادَةِ
﴿ قُلْ إِنّ اْلمَوْتَ اّلذِي َت ِفرّونَ مِ ْنهُ فَإِّنهُ مُلَاقِي ُكمْ ُثمّ ُت َردّونَ إِلَى عَاِلمِ اْلغَيْبِ وَال ّ
. كُنُتمْ َتعْمَلُونَ ﴾ فَيُنَبّئُكُم ِبمَا
فرّ من الوتِ وف الوتِ َوقَع .
وق ْد قالتِ العامةُ « :للناجي ف البحر طريقٌ » .
وإذا حضر الجلُ فأيّ شيء يقت ُل النسان .
*************************************
منَ قصصِ الوتِ
ذكر الشيخُ علي الطنطاوي ف ساعاتِه ومشاهداتِه :أنه كان بأرضِ الشام رجلٌ له
سيارةُ لوري ،فركب معه رجلٌ ف ظه ِر السيارة ،وكان ف ظه ِر السيارة نَعشٌ مهيّأ للمواتِ
ت السماءُ وسال الا ُء فقام هذا الراكبُ
ع لوقتِ الاجةِ ،فأمطر ِ
،وعلى هذا النعش شرا ٌ
فدخل ف النعش وتغطّى بالشراعِ ،وركب آخ ُر فصعِد ف ظهرِ الشاحن ِة بانبِ النعشِ ،ول
ل تحزن
318
يعلمُ أنّ ف النعشِ أحدا ،واستمرّ نزو ُل الغيثِ ،وهذا الرج ُل الراكبُ الثان يظنّ أنه وحده
ف الغيثُ أم ل ؟ ف ظهر السيارةِ ،وفجأةً يْخرج هذا الرجلُ يده من النعشِ ،ليى :هلْ ك ّ
ولا أخرج يده أخذ يلوحُ با ،فأخذ هذا الراكبُ الثانِ اللعُ والزعُ والوفُ ،وظنّ أن هذا
اليت قد عاد حيّا ،فنسي نفسه وسقط من السيارةِ ،فوقع على أمّ رأسهِ فمات .
وهكذا كتب الُ أن يكون أجلُ هذا بذهِ الطريقةِ .وأنْ يكون الوتُ بذه الوسيلةِ .
والنايا ِعبٌ أيّ ِعبْ كلّ شيءٍ بقضاءٍ وقدرْ
وعلى العبدِ أنْ يتذكّر دائما أنه يمِلُ الوت ،وأنه يسعى إل الوتِ ،وأنه ينتظرُ
الوت صباح مساء ،وما أحسن الكلمة الرائقة الرائعة الت قالا عليّ بنُ أب طالب – رضي
ت مقبلةً ،وإن الدنيا قد ارتلتْ ُمدْبِرة ،
الُ عنه – وهو يقولُ (( :إن الخرة قد ارتل ْ
فكونوا من أبناء الخرة ،ول تكونوا من أبناء الدنيا ،فإن اليوم عملٌ ول حسابُ ،وغدا
حسابٌ ول عملٌ )) .
وهذا يفيدُنا أنّ على النسان أن يتهيّأ وأن يتجهزّ وأن يُصلح من حالِه ،وأن يُجدّد
توبته ،وأن يعلم أنه يتعاملُ مع ربّ كر ٍي قويٍ عظيمٍ لطيفٍ .
إن الوت ل يستأذنُ على أحدٍ ،ول ياب أحدا ،ول ياملُ ،وليس للموت إنذارٌ
َومَا َتدْرِي َنفْسٌ ِبأَيّ َأ ْرضٍ َتمُوتُ﴾
مبكر يبُ به الناسَ ﴿ ،ومَا َتدْرِي َن ْفسٌ مّاذَا تَ ْكسِبُ غَدا
*****************************************
ستَقْدِمُونَ ﴾
ستَأْ ِخرُونَ َعنْهُ سَاعَةً َولَا تَ ْ
﴿ لّا تَ ْ
ذكر الطنطاويّ أيضا ف ساعاتِه ومشاهداتِه :أن باصا كان مليئا بالركاب ،وكان
ف لذا
سائقُه يلتفتُ َيمْنَ ًة ويسْرَةً ،وفجأة وقف ،فقال له الركابُ :لِم تقفُ ؟ قال :أق ُ
الشيخ الكبيِ الذي يُشيُ بيده ليكب معنا .قالوا :ل نرى أحدا ،قال :انظروا إليه .قالُوا :
ل نرى أحدا ! قال :هو أقبل الن ليكب معنا .قالوا كلّهم :والِ ل نرى أحدا من
الناسِ ! وفجأة مات هذا السائقُ على مقعدِ سيارتِهِ .
ل تحزن
319
َفِإذَا جَاء أَجَ ُل ُهمْ لَ ﴿ ت وفاتُه ،وكان هذا سببا ،
لقدْ حضرتْ منيّتُه ،وحّل ْ
َيسْتَأْ ِخرُونَ سَاعَةً وَلَ َيسَْت ْق ِدمُونَ ﴾ ،إ ّن النسان يبُن من الخاوفِ ،وينخلعُ قلبه منِ مظانّ
النايا ،وإذا بالآمنِ تقتلُه ﴿ ،اّلذِينَ قَالُواْ لِخْوَاِن ِهمْ وَ َق َعدُواْ َلوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ُقلْ فَادْرَؤُوا
.والعجيبُ فينا أننا ل نفكرُ ف لقا ِء الِ عزّ وجلّ ، ﴾ عَنْ أَن ُفسِكُمُ اْلمَوْتَ إِن كُنُتمْ صَادِقِيَ
ول ف حقارةِ الدنيا ،ول ف قص ِة الرتالِ منها إل ذا وقعْنا ف الخاوفِ .
*************************************
حتِ الجسامُ بالعللِ
فربا ص ّ
ذكر أهلُ السيّرِ :أن رجلً أصابه الشللُ ،فأُقعد ف بيته ،ومرتْ عليه سنواتٌ طوا ٌل
من الللِ واليأسِ والحباطِ ،و َعجَزَ الطباءُ ف علجِه ،وبلّغوا أهله وأبناءه ،وف ذات يومٍ
ف منلِه ،ول يستطعْ أن يتحرك من مكانِه ،فأتتْ إل رأسِه نزلتْ عليه عقربٌ من سق ِ
وضربتْه برأسِها ضرباتٍ ولدغتْه لدغاتٍ ،فاهتزّ جسمُه من أخصِ قدميه إل مشاشِ رأسِه ،
وإذا بالياةُ تدبّ ف أعضائِه ،وإذا بالبُرءِ والشفاء يسي ف أناءِ جسمِه ،وينتفضُ الرجلُ
ويعودُ نشيطا ،ث يقفُ على قدميه ،ث يشي ف غرفتِه ،ث يفتحُ بابه ،ويأت أهله وأطفاله ،
فإذا الرجلُ واقفا ،فما كانوا يصدّقون وكادوا من الذهول يُصعقون ،فأخبهم الََبرَ .
فسبحان الذي جعل علج هذا الرجلِ ف هذا !!
وقد ذكرتُ هذا لبعضِ الطبا ِء فصدّق القولة ،وذكَرَ أن هناك مصْلً سامّا يُستخدم
ف كيماويّ ،ويعالُ به هؤلءِ الشلولون .بتخفي ٍ
فجلّ اللطيفُ ف عله ،ما أنزل داءً إل وأنزل له دواءً .
****************************************
وللولياء كرامات
ل تحزن
320
هذا صلةُ بن أشيم العابدُ الزاهدُ من التابعي :يذهب إل الشمالِ ليجاهد ف سبيل
الِ ،ويضمّه الليلُ فيذهبُ إل غايةٍ ليصلي فيها ،ويدخل بي الشج ِر ويتوضّأ ،ويقوم
مصليا ،وينهدّ عليه أسدٌ كاسرٌ ،ويقتربُ من « صِلة » وهو ف صلته ،ويدورُ به ،وصلةُ
ف تبتّله مستمرّ ،ول يقطعْ صلته وذِكره ،ويسّلمُ صلةُ بن أشيم من ركعتي ،ث يقولُ
للسدِ :إن كنت أُمرت بقتلي فكلْن ،وإن ُتؤْمر فاتركْن أناجي رب .فأرخى السدُ ذيله
وذهب من الكان ،وترك صلة يصلي .
ب التاريخِ ،وهذا مذكورٌ عن ولك أن تنظر ف « البداية والنهاية » وغيها من كت ِ
«سفينة» مول رسو ِل الِ ف كتبِ تراجمِ الصحابةِ ،أنه أتى هو ورفْقةٌ معهُ من ساحلِ
البحرِ ،فلما نزلُوا البّ فإذا بأسدٍ كاسر مُقبلٍ يريدُهم ،فقال سفينةُ :يا أيها السدُ أنا من
أصحابِ رسو ِل ال ِ وأنا خادمُه ،وهؤلء رفقت ول سبيل لك علينا .فولّى السدُ
هاربا ،وزأر زأْرةً كاد يل با ربوع الكانِ .
وهذه الوقائعُ والحداثُ ل ينكرُها إل مكابرٌ ،وإل ففي سُننِ الِ ف خلقِ ِه ما يشهدُ
ت القصصِ الصحيحةِ الثابتةِ ف هذا الباب ،لكنْ بثل هذا ،ولول طولُ القامِ لوردْتُ عشرا ِ
يكفيك دللةً من هذا الديث ،لتعلم أن هناك ربّا لطيفا حكيما ل تغيبُ عنه غائبةٌ .إن علم
ال يلحقُ الناس ،ولطفه سبحانه وتعال وشهوده واطلعه ﴿ :مَا يَكُونُ مِن ّنجْوَى ثَلَاَثةٍ إِلّا
سةٍ إِلّا هُوَ سَادِ ُس ُهمْ وَلَا َأدْنَى مِن ذَِلكَ وَلَا أَكَْثرَ إِلّا هُوَ َم َعهُمْ أَْينَ مَا
هُوَ رَاِب ُعهُمْ وَلَا َخمْ َ
. كَانُوا ﴾
*****************************************
ل وشهيدا
كفى بالِ وكي ً
ي ف صحيحهِ :أن رجلً من بن إسرائيل طلب من رجلٍ أن يُقرضه ألف ذكر البخار ّ
دينارٍ ،قال :هل لك شاهدٌ ؟ قال :ما معي شاهدٌ إل الُ .قال :كفى بال شهيدا .قال :
هل معك وكيلٌ ؟ قال :ما معي وكيل إل الُ .قال :كفى بال وكيلًً .ث أعطاه ألف
ل تحزن
321
دينار ،وذهب الرجل وكان بينهما موعدٌ وأج ٌل مسمّى ،وبينهما نرٌ ف تلك الديارِ ،فلما
حان الوعدُ أتى صاحبُ الدنانيِ ليعيدها لصاحبِها الولِ ،فوقف على شاطئ النهرِ ،يريدُ
قاربا يركبُه إليه ،فما وجد شيئا ،وأتى الليلُ وبقي وقتا طويلً ،فلم يدْ من يملُه ،فقال :
اللهمّ إنه سألن شهيدا فما وجدتُ إل أنت ،وسألن كفيلً فما وجدتُ إل أنت ،اللهمّ بلّغْه
هذه الرسالة .ث أخذ خشبةً فنقرها وأدخل الدناني فيها ،وكتب فيها رسالةً ،ث أخذ الشبة
ورماها ف النهرِ ،فذهبتْ بإذنِ ال ،وبلطفِ الِ ،وبعناي ِة الِ سبحانه وتعال ،وخرج ذاك
الرج ُل صاحبُ الدناني الولُ ينتظرُ موعد صاحبهِ ،فوقف على شاطئ النهرِ وانتظر فما وجد
أحدا ،فقال :لِم ل آخذ حطبا لهل بيت ؟! فعرضتْ له الشب ُة بالدناني ،فأخذها وذهب
با إل بيتِه ،فكسرها فوجد الدناني والرسالة .
لنّ الشهيد سبحانه وتعال أعان ،ولن الوكيل أدّى الوكالة ،فتعال الُ ف عُلهُ .
﴿ َوعَلَى ال ّلهِ فَلْيَتَوَكّلِ اْلمُ ْؤمِنُونَ ﴾ .
﴿ َوعَلَى ال ّلهِ فَتَوَكّلُواْ إِن كُنتُم مّ ْؤمِِنيَ ﴾ .
********************************************
**
وقفــــةٌ
قال لبيدُ :
صدْق النفسِ يُ ْزرِي بالملْ
إ ّن ِ ب النفس إذا حدّثْتها
فاكذ ِ
وقال البستّ :
تمّ وعلّ ْلهُ بشيءٍ من ال ْزحِ أِفدْ طبعك الكدود بالمّ راحةً
بقدارِ ما يُعطى الطعامُ مِن اللحِ ولكنْ إذا أعطيته ذاك فليكنْ
وقال أبو علي بن الشبل :
بقاء النارِ تُحفظُ بالوعا ِء ظ السمِ تبقى النفسُ فيهٍ بف ِ
ول تددْ لا طول الرجاءِ فباليأسِ ا ُلمِضّ فل ُتمِتْها
ل تحزن
322
وذكّرْها الشدائد ف الرخاءِ و ِعدْها ف شدائدها رخاءً
وبالتركيبِ مَنْفَعَةُ الدواءِ يُعدّ صلحُها هذا وهذا
*****************************************
أ ِطبْ مطعمك تكنْ مستجاب الدعوةِ
كان سعدُ بنُ أب وقّاص يدركُ هذه القيقة ،وهو أح ُد العشرةِ البشرين بالنةِ ،وقد
دعا له بسدادِ الرمي وإجابةِ الدعوةِ ،فكان إذا دعا أُجيبْت دعوتُه كَفَلقِ الصبحِ .
أرسل عمرُ – رضي الُ عنه – أناسا من الصحابة يسألون عن عدْ ِل سعدٍ ف الكوفةِ ،
فأثن الناسُ عليه خيْرا ،ولا أتْوا ف مسجدِ حيّ لبن عْبسٍ ،قام رجلٌ فقال :أما سألتمون
عنْ سعدٍ ؟ فإنه ل يعدلُ ف القضيةِ ،ول يك ُم بالسّويّةِ ،ول يشي مع الرعية .فقال سعدٌ :
اللهمّ إ ْن كان قام هذا رياءً وسعةً فأ ْعمِ بصره ،وأطلْ عمره ،وع ّرضْه للفتِ .فطال ُعمْرُ هذا
الرجلِ ،وسقط حاجباهُ على عينيه ،وأخذ يتع ّرضُ للجواري ويغمزهُنّ ف شوارعِ الكوفةِ ،
ويقول :شيخٌ مفتون ، ،أصابتْن دعوة س ْعدٍ .
إنه التصا ُل بالِ عزّ وجلّ ،وصدق النية معه ،والوثوق بوعودِه ،تبارك الُ ربّ
العالي .
ب عليا -رضي الُ عنه– ل قام َيسُ ّ
وف « سيِ أعلمِ النبلءِ» :عن سُعد أيضاًَ :أن رج ً
،فدافع سعدٌ عن علي ،واستمرّ الرجل ف السبّ والشتمِ ،فقال سعدٌ :اللهم اكفنيه با
شئت .فانطلق بعيٌ من الكوفةِ فأقبل مسرعا ،ل يلوي على شيء ،وأخذ يدخل من بيِ
الناس حت وَصَلَ إل الرجلِ ،ث داسه بفّيْه حت قتله أمام مشهدٍ ومرأى من الناسِ .
. شهَادُ ﴾
اْلأَ ْ صرُ رُسُلَنَا وَاّلذِينَ آمَنُوا فِي اْلحَيَا ِة الدّنْيَا وَيَوْمَ َيقُومُ
﴿ إِنّا لَنَن ُ
وإنن أعرضُ لك هذه القصص لتزداد إيانا ووثوقا بوعو ِد ربّك فتدعوه وتناجيه ،
وتعلم أن اللطف لطفُه سبحانه ،وأنه قد أمرك ف مكم التنيل فقال ﴿ :ادْعُونِي أَسَْتجِبْ
.. َدعَانِ ﴾ ك عِبَادِي عَنّي فَإِنّي َقرِيبٌ أُجِيبُ َدعْوَ َة الدّاعِ ِإذَا
﴿ .وَِإذَا سَأََل َ كمْ ﴾
لَ ُ
ل تحزن
323
لقد استدعى الجّاجُ السن البصريّ ليبطش به ،وذهب السنُ وما ف ذهنه إل عنايةُ
الِ ولطفُ ال ،والوثوقُ بوعِد الِ ،فأخذ يدعو ربّه ،ويهتفُ بأسائِه السن ،وصفاتِه
العلى ،فيحوّل الُ قلب الجاجِ ،ويقذفُ ف قلبه الرعب ،فما وصل السَنُ إل وقد تيأ
لسَنَ ،وأجلسَه معه على السريرِ ،وأخذ
الجاجُ لستقبالِه ،وقام إل البابِ ،واستقبل ا َ
يُطيّب ليته ،ويترفّقُ به ،ويُليُ له ف الطابِ !! فما هو إل تسخيُ ربّ العزةِ والللِ .
إنّ لطف الِ يسري ف العالِ ،ف عال النسانِ ،ف عالِ اليوانِ ،ف البّ والبحْرِ ،ف
حمْدَهِ وَلَـكِن لّ َت ْفقَهُونَ
الليلِ والنهارِ ،ف التحركِ والساكنِ ﴿ ،وَإِن مّن شَيْءٍ إِلّ ُيسَّبحُ ِب َ
َتسْبِيحَ ُهمْ إِّنهُ كَانَ حَلِيما َغفُورا ﴾ .
ج يستسقي بالناسِ ،وف صحّ :أنّ سليمان عليه السلم قد أُوت منطق الطيِ ،خَ َر َ
طريقِه من بيتِه إل الصلّ رأى نلةً قد رفعتْ رجليها تدعو ربّ العزِة ،تدعو الله الذي يعطي
وينحُ ويلطفُ ويُغيثُ ،فقال سليمان :أيّها الناسُ ،عودُوا فقد كُفيتُم بدعاءِ غيِكم .
فأخذ الغيثُ ينهمرُ بدعاءِ تلك النملةِ ،النمل ِة الت فهِم كلمها سليمانُ عليه السلمُ ،
وهو يزجفُ بيشه الرّار ،فتعظُ أخواتا ف عال النملِ ﴿ :قَالَتْ َنمْ َلةٌ يَا أَّيهَا الّنمْلُ ادْخُلُوا
قَوِْلهَا﴾ سمَ ضَاحِكا مّن
ش ُعرُونَ{ }18فَتََب ّ
َمسَاكِنَ ُكمْ لَا َيحْ ِطمَنّ ُكمْ سُلَ ْيمَانُ وَجُنُودُهُ وَ ُهمْ لَا َي ْ
ف البي سبحانه وتعال بسبب هذه العجماواتِ . .ف كثي من الحيان يأت لط ُ
خ رُ ّكعٌ ،
وقد ذكر أبو يعلى ف قدسي أن ال يقولُ (( :وعِزّت وجلل ،لول شيو ٌ
ضعٌ ،وبائمُ رُّتعٌ ،لنعتُ عنكم قطْرَ السماءِ )) .
وأطفال ُر ّ
********************************************
ح بمدِ ربّه
وإنْ منْ شيء إل يسبّ ُ
إ ّن الدد ف عا ِل الطيورِ عرف ربّهُ ،وأذعنّ لولهُ ،وأخبت لالقِه .
ذهب الدهدُ ،وكانت تلك القصةُ الطويلةُ ،وانتهتْ إل تلك النتائ ِج التارييةِ ،وكان
ف ربّه ،حت قال بعضُ العلماءِ :عجيبٌ ! الدد أذكى من فرعون سببها هذا الطائرُ الذي عَ َر َ
ل تحزن
324
شدّة ،والدهدُ آمن بربّه ف الرخاءِ ،فنفعه إيانُه
،فرعونُ كَفَرَ ف الرخا ِء فما نفعه إيانُه ف ال ّ
ف الشّدةِ .
خرِجُ اْلخَبْءَ . ﴾......وفرعونُ يقول ﴿ :مَا
سجُدُوا لِ ّلهِ اّلذِي ُي ْ
الدهدُ قال ﴿ :أَلّا َي ْ
عَ ِلمْتُ لَكُم مّنْ إَِل ٍه غَ ْيرِي . ﴾ ......إن الشقيّ من كان الدهد أذكى منه ،والنملة أفهمُ
لصيِها منه .وإن البليد من أظلمتْ سبُله ،وتقطّعتْ حبالُه ،وتعطّلتْ جوارحُه عن النفعِ ،
صرُونَ ِبهَا وََلهُمْ آذَانٌ لّ َيسْ َمعُونَ ِبهَا ﴾ .
َل ُهمْ قُلُوبٌ لّ َي ْف َقهُونَ ِبهَا وََلهُمْ َأعُْينٌ لّ يُ ْب ِ ﴿
ف الِ يسري ،وخيُه يرِي ،وعنايتُه تلحقُ تلكم الشرة الضئيلة ف عال النحل لط ٌ
س رزقها ،ل تقعُ إل على الطيبِ السكينة ،تنطلقُ من خليّتها بتسخيٍ من الباري ،تلتم ُ
النقيّ الطاهرِ ،تصّ الرحيقَ ،تيمُ بالورودِ ،تعشقُ الزّهْر ،تعودُ ممّلةً بشرابٍ متلفٍ ألوانُه
فيه شفاءٌ للناسِ ،تعودُ إل خليتِها ل إل خليةٍ أخرى ،ل تضلّ طريقها ،ول تارُ ف سبلِها ،
شجَرِ َو ِممّا َي ْعرِشُونَ{}68
خذِي مِنَ اْلجِبَالِ بُيُوتا َو ِمنَ ال ّ
﴿ وَأَوْحَى رَبّكَ إِلَى الّنحْلِ َأنِ اّت ِ
ُثمّ كُلِي مِن كُلّ الّث َمرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكِ ذُُللً َيخْرُجُ مِن بُطُوِنهَا َشرَابٌ ّمخْتَلِفٌ أَلْوَاُنهُ
فِيهِ ِشفَاء لِلنّاسِ إِنّ فِي ذَلِكَ لَيةً ّلقَوْمٍ يََتفَ ّكرُونَ ﴾ .
إن سعادتك م ْن هذا القصص ،ومن هذا الديثِ ،ومن هذه العِب :أن تعلم أن هناك
لطفا خفيا لِ الواحدِ الدِ ،فتدعوه وحده ،وترجوه وحده ،وتسألهُ وحده ،وأنّ عليك
ق الربانّ ،وف الّنهْجِ السماويّ أن تسجد له ،وأن تشكره ،وأنواجبا شرعيا نزلَ ف اليثا ِ
تتولّه ،وأن تتجه بقلبِك إليه .إن عليك أنْ تعلم أن هذا البشَرَ الكثي وهذا العال الضخم ،
ل يُغنون عنك من الِ شيئا ،إنم مساكيُ ،إنم كلهم متاجون إل الِ ،إنم يطلبون
رزقهم صباح مساء ،ويطلبون سعادتم وصحّتهم وعافيتهم وأشياءهم وأموالم ومناصبهم من
الِ الذي يلكُ كلّ شيءٍ .
﴿ يَا أَّيهَا النّاسُ أَنُتمُ اْل ُف َقرَاء إِلَى ال ّلهِ وَال ّلهُ ُهوَ اْلغَنِيّ اْلحَمِيدُ ﴾ ،إن عليك أن تعلم
علم اليقيِ أنه ل يهديك ول ينصرُنك ،ول يميك ول يتولك ،ول يفظُك ،ول ينحُك
إل الُ ،إن عليك أن توحّد اتاه القلبِ ،وتفرد الربّ بالوحدانيةِ واللوهيةِ والسؤالِ
ل تحزن
325
والستعانةِ والرجاءِ ،وأن تعلم قْدر البشرِ ،وأن الخلوق يتاجُ إل الالقِ ،وأن الفان يتا ُ
ج
إل الباقي ،وأن الفقيَ يتاجُ إل الغن ،وأن الضعيف يتاجُ إل القويّ .والقوةُ والغن والبقاءُ
والعزّةُ الطلقةُ يلكُها الُ وَ ْحدَهُ .
إذا علمت ذلك ،فاسعدْ بقربهِ وبعبادتِه والتبتلِ إليه ،إليه ،إنِ استغفرته غَفَرَ لك ،
وإن تبت إليه تاب عليك ،وإن سألته أعطاك ،وإن طلبت منه الرزق رزقك ،وإن استنصرته
نصرك ،وإن شكرته زادك .
******************************************
ارض عن ال ع ّز وجلّ
نبيا)) .أن ترضى عن من لوازمِ ((رضيتُ بالِ ربا ،وبالسلم دينا ،وبحمدٍ
ربّك سبحانه وتعال ،فترضى بأحكامِه ،وترضى بقضائِه وقدرِهِ ،خيِه وشرِه ،حُلوِه ومُرّه
.
حسْبُ عند إن النتقائية باليانِ بالقضا ِء والقدرِ ليستْ صحيحةً ،وهي أن ترضى َف َ
موافقةِ القضاءِ لرغباتِك ،وتتسخّط إذا خالف مرادك وميْلك ،فهذا ليس من شأنِ العبدِ .
إن قوما رضُوا بربّهم ف الرخاءِ وسخطُوا ف البلءِ ،وانقادُوا ف النعم ِة وعاندُوا وقت
س َر الدّنْيَا
ب عَلَى وَ ْج ِههِ َخ ِ
َفإِنْ أَصَاَبهُ خَ ْيرٌ ا ْطمَأَنّ ِبهِ وَإِنْ أَصَابَ ْتهُ فِتَْنةٌ انقَلَ َ ﴿ النقمةِ ،
. وَالْآخِرَةَ ﴾
لق ْد كان العرابُ ُيسْلمون ،فإذا وجدُوا ف السلمِ رغدا بنولِ غيثٍ ،ودرّ لبٍ ،
ونْبتِ عشبٍ ،قالوا :هذا دينُ خيْرٍ .فانقادُوا وحافظوا على دينِهم .
فإذا وجدُوا الخرى ،جفافا وقحْطا وجدْبا واضحمللً ف الموالِ وفناءً للمرعى ،
نكصُوا على أعقابم وتركُوا رسالتهم ودينهم .
هذا إذن إسل ُم الوى ،وإسلمُ الرغبةِ للنفس .إن هناك أناسا يرضون عن الِ عزّ
وجلّ ،لنم يريدون ما عند الِ ،يريدون وجهه ،يبتغون فضلً من الِ ورضوانا ،يسعون
للخرةِ .
ل تحزن
326
وبالصطفى الختارِ نورا وهاديا رضينا بك الله ّم ربا وخالقا
وإل فموتٌ ل يسُرّ العاديا فإمّا حياةٌ نظّم الوحيُ سيها
إن من يرشحُه الُ للعبوديّةِ ويصطفيه للخدمةِ ويتبيه لسدانةِ اللّةِ ،ث ل يرضى بذا
آتَيْنَاهُ ﴿ ط البدي واللك السّرمديّ :
الترشيحِ والصطفاءِ والجتباءِ ،لو حقي ٌق بالسقو ِ
آيَاتِنَا فَانسَ َلخَ مِ ْنهَا َفأَتَْب َعهُ الشّيْطَانُ فَكَانَ ِمنَ اْلغَاوِينَ ﴾ ﴿ ،وََل ْو عَ ِلمَ ال ّلهُ فِي ِهمْ خَيْرا
لّأ ْس َم َعهُمْ وَلَوْ أَ ْس َم َعهُمْ لَتَوَلّواْ وّهُم ّمعْرِضُونَ ﴾ .
إن الرّضا بوابةُ الديان ِة الكبى ،منها يَلجُ القرّبون إل ربّهم ،الفرحون بداه ،
النقادون لمرِه ،الستسلمون لكمه .
سمَ غنائم حُنَيْنٍ ،فأعطى كثيا من رؤساءِ العربِ ومتأخري العرب ،وترك قَ ّ
النصار ،ثقةً با ف قلوبِهم من الرضى واليانِ واليقي وال ِي العميمِ ،فكأنم عتبُوا لن
القصود ل يظهر لم ،فجمعهم وفسّرَ لم السرّ ف السألةِ ،وأخبهم أنه معهم ،وأنه
يبّهم ،وأنه ما أعطى أولئك إل تأليفا لقلوبم ،لنقْصِ ما عندهم من اليقي ،وأما النصارُ
إل فقال لم (( :أما ترضون أن ينطلق الناس بالشاء والبعي ،وتنطلقون برسولِ الِ
ل النصار ،وأبناء النصارِ ،وأبناء أبناءِ
رحالِكم ؟! النصار شعارٌ ،والناسُ دِثار ،رحم ا ُ
النصارِ ،لو سلك الناسُ ِشعْبا وواديا ،وسلك النصارُ شعبا وواديا لسلكتُ وادي
ب النصارِ )) .فغمرتْهم الفرحةُ .وملتْهم السرّةُ ،ونزلتْ عليهم السكينةُ ،
النصارِ و ِشعْ َ
وفازوا برضا الِ ورضا رسولِهِ .
إن الذين يتطلعون إل ِرضْوا ِن الِ ويتشوّقون إل جنّةٍ عرضُها السماواتُ والرضُ ،ل
يقبلون الدنيا بذافيِها بدلً من هذا الرضوانِ ،ول عوضا عن هذا النوالِ العظيمِ .
أسلم أعرابّ بي يدي رسول الِ فأعطاه بعض الالِ ،فقال :يا رسول الِ ،ما
(( :على ماذا بايعتن ؟)) قال :بايعتُك على أن يأتين على هذا بايعتُك .فقال رسو ُل الِ
سهمٌ طائش فيقع هنا (وأشار إل حلْقِه) ويرج من هنا (وأشار إل قفاه).قال له(( :إن
ل تحزن
327
تصْ ُدقِ الُ يصدقُكَ)) .وحضر العركة ،وجاءه سهمٌ طائش ونفذ من نرِه ،ولقي ربّه راضيا
مرضيّا .
تلك الكنوزُ من الواهرِ والذّ َهبْ ما الالُ واليّامُ ما الدّنيا وما
ما هذه الكداسُ مِن أغلى النشبْ ما الجدُ والقصرُ النيفُ وما الن
تفن ويبقى الُ أكرم من وَ َهبْ ل شيء كُلّ نفيسةٍ مرغوبةٍ
ووزّع ذات يوم أموالً ،فأعطى أناسا .قليلي الدين ،ضحلى المانة ،مقفرين ف
ت سيوفُهم ف سبيلِ الِ ،وأُنفقتْ أمواُلم ،وجُرحتْ أجسامُهمعال الُثُل ،وترك أناسا ُثلّم ْ
خطيبا ف السجدِ وأخبهم بالمرِ ،وقال لم (( :إن ف الهادِ والذبّ عن اللّةِ ،ث قام
أعطي أناسا لِا جعل الُ ف قلوبِهم من الزعِ والطمعِ ،وأ َدعُ أناسا لا جعل الُ ف قلوبِهم
من اليانِ – أو ال ْيرِ – منهم :عمرو بنُ تغلب )) .فقالَ عمروُ بنُ تغلب :كلمةً ما أريدُ
أنّ ل با الدنيا وما فيها .
إنه الرضا عن الِ عزّ وج ّل الرضا عن ح ْكمِ رسولِهِ ،طلبَ ما عندَ الِ ،إنّ الدنيا
ل تساوي عند الصحاب الواحد كلمة راضية باسة منه .
لقد كانت وُعودُ الرسول لصحابِه ثوابا من عن ِد الِ ،وجنةً عنده ورضوانا منه ،
ل يَ ِعدْ أحدا منهم بقصرِ أو وليةِ إقليمٍ أو حديقةٍ .كان يقول لم :من يفعلُ كذا وله
النةُ ؟ ولخر :وهو رفيقي ف النةِ ؟ لن البذلُ الذي بذلوه والا ُل الذي أنفقوه والهدُ
الذي قدموه ،ل جزاء له إل ف الدارِ الخرةِ ،لن الدنيا با فيها ل تكافئُ الجهود الضخم ؛
ص وبذْ ٌل زهيدٌ .
لنا ثنٌ بيسٌ ،وعطاءٌ رخي ٌ
ف العمرةِ ،قال (( :ل وعند الترمذيّ :يستأذنُ عمرُ -رضي الُ عنه -رسول الِ
تنسنا من دعائِك يا أخي )) .
وقائل هذه الكلمة هو رسو ُل الدى ،المامُ العصومُ ،الذي ل ينطقُ عن
الوى ،ولكنها كلمةٌ عظيمةٌ وثينةٌ ونفيسةٌ ،قال عم ُر فيما بعدُ :كلمة ما أريد أنّ ل با
الدنيا وما فيها .
ل تحزن
328
،قال لك أنت بعينكِ :ل تْنسنا من دعائك يا أخي ولك أنْ تشعر أن رسول الِ
.
كان رضا رسول ال عن ربّه فوق ما يصفُه الواصفون ،فهو راضٍ ف الغن
ض ف الس ْلمِ والربِ ،راضٍ وقت القو ٍة والضعفِ ،راضٍ وقت الصح ِة والسقمِ ، والفقرِ ،را ٍ
راضٍ ف الشدةِ والرخاءِ .
عاش مرارة اليُْتمِ ،وأسى اليتمِ ،ولوعة اليتمِ فكان راضيا ،وافتقر حت ما يد
َدقَ َل التمرِ – أي رديئه ، -وكان يربطُ الجر على بطنِه من شدّةِ الوعِ ،ويقترضُ شعيا
من يهودي ويرهنُ درعه عنده ،وينامُ على الصي فيؤثرُ ف جنبِه ،وترّ ثلثةُ أيام ل يدُ شيئا
يأكلُه ،ومع ذلك كان راضيا عن الِ ربّ العالي ﴿ تَبَا َركَ اّلذِي إِن شَاء َجعَلَ َلكَ خَيْرا مّن
. ُقصُورا ﴾ جعَل لّكَ
جرِي مِن َتحِْتهَا اْلأَْنهَارُ وََي ْ
ذَلِكَ جَنّاتٍ َت ْ
ب الِ ،ووقفتِ الدنيا –ورضي عن ربّه وقت الجاب ِة الول ،يوم وقَفَ هو ف حز ِ
كلّ الدنيا – تاربُه بيلِها ورجِلها ،بغناها بزخرفِها ،بزهوِها بيلئها ،فكان راضيا عن الِ
.رضي ع ِن الِ ف الفترةِ الرجةِ ،يوم مات عمّه وماتت زوجتٌه خديةُ ،وأُوذي أشدّ الذى
ص ْدقِهِ ،فقيل له :كذّابٌ ،
،وكُذب أش ّد التكذيبِ ،وخُدشتُ كرامتُه ،ورُمي ف ِ
وساحرٌ ،وكاهنٌ ،ومنونٌ ،وشاعرٌ .
ورضي يوم طُرِد من بلدِه ،ومسقطِ رأسهِ ،فيها مراتعُ صباه ،وملعبُ طفولتِه ،
ب بلدِ الِ إلّ ،ولول
وأفانيُ شبابِه ،فيلتفتُ إل مكة وتسيلُ دموعُه ،ويقول (( :إنكِ أح ّ
أنّ أهلك أخرجون منك ما خرجتُ )) .
ورضي عن الِ وهو يذهبُ إل الطائفِ ليعرِض دعوته ،فيُواجه بأقبحِ ردّ ،وبأسوأِ
استقبالٍ ،ويُرمى بالجارةِ حت تسيل قدماه ،فيضى عن موله .
ويرضى عن الِ وهو يرج من مكة مرغما ،فيسي إل الدينة ويُطاردُ باليلِ ،وتُوضعُ
العراقيلُ ف طريقِه أينما ذهب .
يرضى عن ربه ف كلّ موطنٍ ،وف كل مكانٍ ،وف كل زمنٍ .
ل تحزن
329
يضر أُحُدا فيُشجّ رأسُه ،وتُكسرُ ثنيتُه ،ويُقتلُ عمّه ،ويُذبحُ أصحابهُ ،ويُغلبُ
جيشُه ،فيقول (( :صُفّوا ورائي لُثن على رب )) .
ف كافرٌ ضدّه من النافقي واليهود والشركي ،فيقف يرضى عن ربّه وقد ظهر حِ ْل ٌ
صامدا متوكّلً على الِ ،مفوّضا المر إليه .
وجزاءُ هذا الرضا منه ﴿ :وََلسَوْفَ ُيعْطِيكَ رَبّكَ فََترْضَى ﴾ .
******************************************
هِتافٌ ف وادي نلة
أُخرج ممدٌ العصومُ من مكة حيث أهلُه وأبناؤه ودارُه ووطنُه ،طُردُ طردا وشًرّد
ف فقُوبل بالتكذيبِ وجُوبِه بالحودِ ،وتاوتْ عليه الجارةُ تشريدا ،والتجأ إل الطائ ِ
س والشتمُ .والذى وال ّ
فعيناه بدموع السى تكِفانِ وقدماه بدماءِ الطه ِر تنفانِ ،وقلبُه برارةِ الصيبة َيلْعَجُ ،
فإل من يلتجئ ؟ ومن يسألُ ؟ وإل من يشكو ؟ وإل من يقصدُ ؟ إل الِ إل القويّ إل
القهارِ ،إل العزيزِ ،إل الناصرِ .
استقبل ممدٌ القبلة ،وقصد ربّ ،وشكر موله ،وتدفّق لسانهُ بعباراتِ الشكوى
وصادقِ النجوى وأحرّ الطلبِ ،ودعا وألّ وبكى ،وشكا وتظلّم وتألّم .
والآسي على الدودِ ظِماءُ الآقي من الطوبِ بكاءُ
َنحَتَتْهُ الرعودُ والنواءُ وشفا ُه اليامِ تلثمُ وجها
اسع سؤال النب مولهُ وإله ليلة نلة ،إذْ يقول (( :اللهم إن أشكو إليك ضعْف
ب الستضعفي ،وأنت
قوت وقِلّة حيلتِي وهوان على الناسِ ،أنت أرحمُ الراحي ،ور ّ
ب يتج ّهمُن ،أو إل عدوّ ملّكْتَه أمري ،إن ل يكن عليّ
رب ،إل من تكِلُن ؟ إل قري ٍ
غَضَبٌ فل أبال ،غي أن عافيتك هي أوسع لُي ،أعوذُ بنور وجهِك الذي أشرقتْ له
الظلماتُ ،وصَ ُلحَ عليه أمرُ الدنيا والخرةِ ،أن ينلُ ب َغضَبُك ،أو يلّ ب سخطُك ،
لك العُتْب حت ترضى ،ول حول ول قوة إل بكَ )) .
ل تحزن
330
********************************************
**
جوائز للرعيل الول
جرَةِ َفعَ ِلمَ مَا فِي قُلُوِب ِهمْ َفأَنزَلَ
شَ﴿ َل َقدْ رَضِيَ ال ّل ُه َعنِ اْلمُ ْؤمِِنيَ ِإذْ يُبَاِيعُونَكَ َتحْتَ ال ّ
السّكِيَنةَ عَلَ ْي ِهمْ وَأَثَاَب ُهمْ فَتْحا َقرِيبا ﴾ .
هذه غايةُ ما يتمناه الؤمني وما يطلبُه الصادقون وما يرصُ عليه الفلحون ..رضوانِ
الِ .إن الرضا أجلّ الطالبِ وأنب ُل القاصدِ وأسى الواهبِ .
هنا ف هذه الية جاء رضا الِ ،بينما ُذكِر ف موضعٍ آخر الغفرانُ ﴿ :لَِي ْغ ِفرَ لَكَ ال ّلهُ
ب ال عَلَى النّبِيّ وَاْل ُمهَا ِجرِينَ
مَا َت َقدّمَ مِن ذَنبِكَ َومَا َتأَ ّخرَ ﴾.وف موطنٍ ثانٍ التوبةُ َ ﴿:لقَد تّا َ
. عَنكَ ِلمَ َأذِنتَ َل ُهمْ ﴾ .وف ثالثٍ العفوُ َ ﴿ :عفَا ال ّل ُه ﴾ وَالَنصَارِ
أما هنا :فالرضوان الحقّقُ ،لنم يبايعونك تت الشجرةِ وعلم الُ ما ف قلوبِهم ،
فبيْعتُهم بيعةٌ لرواحهم الثمينةِ عندهم لتزهق لرضاةِ اللكِ القّ ،وبيعةٌ لنفسهم النفيس ِة
لتذهب لرضاةِ الواحدِ القهارِ ،وبيعةٌ لوجودهم وحياتم ،لنّ ف موتم حياة للرسالة ،وف
قتلهم خلودا للملة ،وف ذهابِهم بقاءً للميثاقِ .
ص الصاف والصدقِ وعِلم ما ف قلوبم من اليانِ الكيِ واليقيِ التي ،والخل ِ
الواف ،لقد تعبُوا وسهرُوا ،وجاعُوا وظمئُوا ،وأصابم الضررُ والضيقُ ،والشق ُة والضن ،
لكنه رضي عنهم .
لقد فارقُوا الهل والموال والولد والديار ،وذاقُوا مرارة الفراقِ ولوعة الغربةِ ،
ووعثاء السف ِر وكآبة الرتالِ ،لكنه رضي عنهم .
لقد شُرّدوا وطُرِدُوا وفُ ّرقُوا وتعِبُوا وأُجهدُوا ،لكنّه رضي عنهم .
هل جزاءُ هؤلء الجاهدين والنافحي عن اللةِ :غنائمُ من إبل وبق ٍر وغنمٍ ؟ هل
مكافأةُ هؤلء الناضلي عن الرسالة الذابّي عن الدينِ :عُروضٌ ماليةٌ ؟ هل تظنّ أنه ُيبِدُ غليل
هؤلءِ الصفوةِ الجتبا ِة والنخبةِ الصطفاةِ ،دراهمُ معدودةٌ أو بساتيُ غنّاء أو دو ٌر منمّقةٌ ؟ ل .
ل تحزن
331
يُرضيهم رضوانُ الِ ،ويُفرحُهم عف ُو الِ ،ويُثل ُج صدورهم كلمةٍ ﴿ :وَ َجزَاهُم ِبمَا
صََبرُوا جَّنةً وَ َحرِيرا{ }12مُتّكِِئيَ فِيهَا عَلَى اْلأَرَاِئكِ لَا َيرَوْنَ فِيهَا َشمْسا وَلَا َز ْم َهرِيرا{
ضةٍ
ف عَلَ ْيهِم بِآنَِيةٍ مّن ِف ّ
َ }13ودَانَِيةً عَلَ ْي ِهمْ ظِلَاُلهَا َوذُلّلَتْ قُطُو ُفهَا َتذْلِيلً{ }14وَُيطَا ُ
ضةٍ َقدّرُوهَا َت ْقدِيرا ﴾ .
وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا{ }15قَوَارِيرَ مِن فِ ّ
****************************************
الرضا ولو على جْر الغضَا
س يبحثُ عن إبلِه الت ضّلتْ ،فذهب والتمسها ،ومكث ثلثة خرج رجلٌ من بن عْب ٍ
أيامٍ ف غيابِه ،وكان هذا الرجل غنيا ،أعطاه الُ ما شاء من الالِ والبلِ والبقرِ والغنمِ والبني
والبناتِ ،وكان هذا الالُ والهلُ ف منلٍ ر ْحبٍ على مرّ سيْلٍ ف ديارِ بن عبس ،ف رغدٍ
وأمنٍ وأمانٍ ،ل يفكرْ والدُهم ول يفكرْ أبناؤه أن الوادث قد تزورهم ،وأن الصائب قد
تتاحُهم .
إنّ الوادث قد يطْ ُرقْنَ أسْحارا يا راقد الليلِ مسرورا بأ ّولِه
نام الهلُ جيعا كبارُهم وصغارُهم ،معهم أموالُهم ف أرضٍ مستوية ،ووالدهم غائبٌ
ل جارفا ل يلوي على شيءٍ ،يملُ الصخور كما يبحثُ عن ضالّتِه ،وأرسل الُ عليهم سْي ً
يملُ التراب ،ومرّ عليهم ف آخر الليلِ ،فاجتاحهم جيعا ،واقتلع بيوتم من أصلها ،وأخذ
الموال معه جيعا ،وأخذ الهل جيعا ،وزهقتْ أرواحُهم من تدفّقِ الاء ،وصارُوا أثرا بعد
عيْنٍ ،فكأنم ل يكونوا ،صارُوا حديثا يُتلى على اللسانِ .
وعاد البُ ثلثةِ أيامٍ إل الوادي ،فلم ُيحِسّ أحدا ،ول يسمعْ رافدا ،ل ح ّي ول
ع صَفْصَفٌ ،يا الُ !! يا للدّاهيةِ الدهياءِ !! ل زوجة ل ابن ل ابنة
ناطق ول أنيس ،الكانُ قا ٌ
،ل ناقةَ ل شاةَ ل بقرة ،ل درهم ل دينار ،ل ثوب ل شيء ،إنا مصيبةٌ !!
وزيادةً ف البلء :إذا جلٌ منْ جالِ ْه قْد شرد ،فحاول أ ْن يدركه وأخذ بذيِله علّة أن
ي ووقتٍ من هذا اليوم سعه أعرابّ آخرُ ، يد رجلً يقودُه إل مكان يأوي إليه ،وبعد ح ٍ
ل تحزن
332
فأتى إليه وقاده ،وذهب به إل الوليدِ بنِ عبدِاللك الليفةِ ف دمشق ،وأخبه الََبرَ ،فقالَ :
كيف أنتَ ؟ قال :رضيتُ عن الِ .
وهي كلمةٌ كبيةٌ عظيمةٌ ،يقولُها هذا السلُم الذي َحمَلَ التوحيد ف قلبِه ،وأصبح آيةً
للسائلي ،وعظِةً للمتّعظي ،وعبةً للمعتبين .
والشاهد :الرضا عن الِ .
والذي ل يرضى ول يسّلمُ للمقدّر ،فإن استطاع أن يبتغي نفقا ف الرض أو سُلّما ف
مَا َيغِيظُ﴾
السماء ،وإن شاء﴿ :فَلَْيمْ ُددْ ِبسَبَبٍ إِلَى السّمَاء ُثمّ لَِيقْطَعْ َفلْيَن ُظرْ هَلْ ُيذْهَِبنّ كَ ْيدُ ُه
********************************************
وقفــــــة
قال أبو عليّ بنِ الشبل :
وَعْدا فخياتُ النانِ عِداتُ وإذا همت فناجِ نفسك بالُن
حت تزول بمّك الوقاتُ واجعلْ رجاءك دُون يأسِك جُنّةً
لسّادُ والشّمّاتُ
جلساؤُك ا ُ واسترْ عن الُلَساءِ بثّك إنا
للحيّ منْ قبلِ الماتِ ماتُ ودعِ التوقّع للحوادثِ إنه
ف أهلِهِ ما للسرورِ ثباتُ فالمّ ليس لهُ ثباتٌ مثلِ ما
ل تصْفُ للمتيقظي حياةُ لول مغالطةُ النفوسِ عقولا
*******************************************
اتاذُ القرار
ِإنّ ال ّلهَ ُيحِبّ اْلمُتَوَكّ ِليَ ﴾ . ﴾﴿. ﴿ فَِإذَا َعزَمْتَ فَتَوَكّ ْل عَلَى ال ّلهِ
إن كثيا منا يضطربُ عندما يريد أن يتخذ قرارا ،فيصيبُه القلقُ والي ُة والربا ُك
والشكّ ،فيبقى ف ألٍ مستمرٍ وف صداعٍ دائمٍ .إن على العبدِ أن يشاور وأن يستخي الَ ،
وأن يتأمّل قليلً ،فإذا غلب على ظنه الرأيُ الصوبُ والسلكُ الحسنُ أقدم بل إحجام ،
ل تحزن
333
وانتهى وقتُ الشاورةِ والستخارةِ ،وَعَزَم وتوكّل ،وصمّم وَ َجزَم ،لينهي حياة التردّد
والضطرابِ .
لقد شاور الناس وهو على النب يوم ُأحُد ،فأشاروا بالروجِ ،فلبس لمته وأخذ
سيفه ،قالوا :لعلّنا أكرهناك يا رسول ال ؟ لو بقيت ف الدينةِ .قال (( :ما كان لنب إذا
على الروجِ . لبس لمته أن ينعها حت يقضي الُ بينه وبي عدوّهِ )) .وَ َعزَم
إن السألة ل تتاجُ إل ترددٍ ،بل إل مضا ٍء وتصميمٍ وعزمٍ أكيدٍ ،فإن الشجاعة
والبسالة والقيادة ف اتاذِ القرارِ .
شُورَى ﴾ مع أصحابِه الرأي ف بدرٍ ﴿ :وَشَاوِ ْر ُهمْ فِي ا َل ْمرِ ﴾ ﴿ ،وََأ ْمرُ ُهمْ تداول
،فأشارُوا عليه فَعَزَم وأقدم ،ول يلوِ على شيءٍ .
ت للجهدِ ، إن التردّد فسادٌ ف الرأيِ ،وبرو ٌد ف المّةِ ،وَخَورٌ ف التصميمِ وشَتا ٌ
وإخفاقٌ ف السّيْرِ .وهذا التردّدُ مرضٌ ل دواء له إل العزمُ والزمُ والثباتُ .أعرفُ أناسا من
سنواتٍ وهم يُقدِمون ويُحجمون ف قراراتِ صغيةٍ ،وف مسائل حقيةٍ ،وما أعرفُ عنهم
إل روح الشكّ والضطرابِ ،ف أنفسِهم وف من حولم .
إنم سحوا للخفاقِ أن يصل إل أرواحِهم َف َوصَلَ ،وسحُوا للتشّتتِ ليزور أذهانم
فزار .
إنه يب عليك بعد أن تدرس الواقعة ،وتتأمّل السألة ،وتستشي أهل الرأي ،وتستخي
ت والرضِ ،أن تُقدِم ول تُحجِم ،وأن تُنْفِذ ما ظهر لك عاجلً غي آجلٍ . ربّ السماوا ِ
وقف أبو بكر الصدّيق يستشيُ الناس ف حروبِ الردةِ ،فأشار الناسُ كلهم عليه بعدمِ
القتالِ ،لكنّ هذا الليفة الصدّيق انشرح صدرُه للقتالِ ،لن هذا إعزازٌ للسلمِ ،وق ْطعٌ
ت الارجةِ على قداسةِ الدينِ ،ورأى بنو ِر الِ أن القتال خيٌ ، لدابر الفتنةِ ،وسحقٌ للفئا ِ
فصمّم على رأيه ،وأقسم :والذي نفسي بيدهِ ،لُقاتلنّ من فرّق بي الصلةِ والزكاةِ ،وال
لو منعون عقالً كانوا يؤدّونه لرسو ِل ال لقاتلتُهم عليه .قال عمر :فلما علمتُ أن ال
ل تحزن
334
شرح صدر أب بكر ،علمتُ أنه القّ .ومضى وانتصر وكان رأيهُ الطيب البارك ،الصحيح
الذي ل لُبْس فيه ول ِع َوجَ .
إل مت نضطربُ ؟ وإل مت نراوحُ ف أماكنِنا ؟ وإل مت نتردّد ف اتاذِ القرارِ ؟
فإنّ فساد الرأي أنْ تتردّدا إذا كنت ذا رأي فكنْ ذا عزيةٍ
إنّ منْ طبيعةِ النافقي إفشال الطّةِ بكثرةِ تكرارِ القولِ ،وإعادةِ النظرِ ف الرأي ﴿ :لَوْ
﴿ .اّلذِينَ قَالُواْ ا ْلفِتَْنةَ ﴾ ضعُواْ ِخلَلَ ُكمْ يَ ْبغُونَ ُكمُ
َخرَجُواْ فِيكُم مّا زَادُو ُكمْ إِلّ خَبَالً ولَوْ َ
لِخْوَاِنهِمْ وَ َق َعدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُِتلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا َعنْ أَنفُسِ ُكمُ اْلمَوْتَ إِن كُنُتمْ صَادِ ِقيَ﴾.
إنم يصطحبون « لو » دائما ،ويبون « ليت » ويعشقون « لع ّل » فحياتُهم مبنيةٌ
على التسويقِ ،وعلى القدامِ والحجامِ ،وعلى التذبذبِ ّ ﴿ ،مذَْبذَبِيَ بَ ْينَ ذَلِكَ لَ إِلَى
. هَـؤُلء ﴾ هَـؤُلء وَلَ إِلَى
مرةً معنا ومرةً معهم ،مرةً هنا ومرةً هناك .
كما ف الديثِ (( :كالشاة العائرةِ بي القطيعي من الغنمِ )) وهو يقولون ف أوقاتِ
.وهم كاذبون على الِ ،كاذبون على أنفسهم ، كمْ ﴾
لّتَّبعْنَا ُ َلوْ َنعْ َلمُ قِتَالً ﴿ الزماتِ :
فهم يسرون وقت الزمةِ ،ويأتون وقت الرخاءِ وأحدُهم يقول ﴿ :اْئذَن لّي وَلَ َتفْتِنّي ﴾ .
إنه ل يتخذ إل قرار الخفاقِ والحباطِ .ويقولون ف الحزابِ ﴿ :إِنّ بُيُوتَنَا عَوْ َرةٌ َومَا هِيَ
ِبعَوْرَةٍ ﴾ .ولكنّه التخلصُ من الواجبِ ،والتملّصُ من القّ البيِ .
*******************************************
اثبتْ أُحُـدُ
إنّ منْ طبيعِة الؤمنِ :الثبات والتصميم والزم والعزم ﴿ ،إِّنمَا اْلمُ ْؤمِنُونَ اّلذِينَ آمَنُوا
بِال ّلهِ َورَسُوِلهِ ُثمّ َلمْ َيرْتَابُوا ﴾ ،أما أولئك َ ﴿ :فهُمْ فِي رَيِْبهِمْ يََت َردّدُونَ ﴾ ،وف قرارِهم
يضطربون ،وعلى أدبارِهم ينكصون ،ولعهودِهم ينقضون .إن عليك أيّها العبدُ إذا لع بارقُ
الصوابِ ،وظهر لك غالبُ الظنّ ،وترجّح لديك النفعُ ،أن تُقدِم بل التواءٍ ول تأخّرٍ .
ل تحزن
335
وامضِ كالسيف على كفّ البطلْ ح ليتا وسوفا ولعلْ
اطّر ْ
لقد تردّدَ رجلٌ ف طلق زوجته الت أذاقْته المرّيْن ،وذهب إل حكيمٍ يشتكيه ،قال:
كم لك من سنة مع هذه الزوجةِ ؟ قال :أربع سنواتٍ .قال :أربع سنواتٍ وأنت تتسي
سمّ ؟!
ال ّ
صحيحٌ أن هناك صبا وتمّلً وانتظارا ،لكن إل مت ؟ إن الفطِن يعلمُ أن هذا
المرين يتمّ أو ل يتمّ ،يصلحُ أو ل يصلحُ ،يستمرّ أو ل يستر ،فْليتخذْ قرارا .
والشاعرُ يقولُ :
ـ ِه النفسُ تعجلُ الفراقِ وعلجُ ما ل تشْتهِيـ
سيِ واستقراءِ أحوالِ الناسِ ،أن الرباك والية يأتيهم ف مواقف والذي يظهرُ من ال ّ
كثيةٍ ،لكن غالب ما يأتيهم ف أربعِ مسائل :
الول :ف الدراس ِة واختيا ِر التخصّصِ ،فهو ل يدري أيّ قسم يسلكُه ،فيبقى ف
ذلك فترةً .وعرفتُ ُطلّبا ضيّعُوا سنواتٍ بسبب تردّدِهم ف القسامِ ،وف الكلياتِ ،فيبقى
بعضهم مترددا قبل التسجيل ،حت يفوته التسجيلُ ،وبعضُهم يدخ ُل ف قسمٍ سنةً أو سنتي ،
فيتضي الشريعة ث يرى القتصاد ،ث يعودُ إل الطبّ ،فيذهبُ عمرُ َش َذرَ َمذَرَ .
ولو أنه درس أمره وشاور واستخار ال ف أولِ أم ِرهِ ،ث ذهب ل يلوي على شيء ،
لحرز عمره وصان وقته ،ونال ما أراد من هذا التخصّصِ .
الثانية :العملُ الناسبُ ،فبعضهم ل يعرفُ ما هو العمل الذي يناسبُه ،فمرةً يعتنقُ
وظيفةً ،ث يتركُها ليذهب إل شركةٍ ،ث يهجرُ الشركة إل عمل تاري بتٍ ،ث يصلُ
س والفقرِ ث يلزمُ بيته مع صفوفِ العاطلي . على العدمِ والفل ِ
ب رزقٍ فلْيلزمْهُ ،فإنّ رزقه منْ هذا الكانِ ،ومنْ لزم بابا
وأقولُ لؤلءِ :من فُتح له با ُ
أُوت سهولته وفَتْحه وحكمته .
ل تحزن
336
الثالثة :الزواجُ ،وأكثرُ ما يأت الشباب الي ُة والضطرابُ ف مسألةِ اختيارِ الزوجةِ ،
وقد يدخلُ رأي الخرين ف الختيارِ ،فالوالدُ يرى لولدهِ امرأةً غي الت يراها البنُ أو الت
تراها المّ ،فربا وافق البنُ رغبة والدِه ،فيحصلُ ما ل يريدُه ،وما يبّه ،وما ل يقدمُه .
ونصيحت لؤلءِ أن ل يُقدمُوا ف مسألة الزواجِ بالصوصِ إل على ما يرتاحون إليه ف
لسْنِ والوافقةِ ،لن السألة مسأل ُة مصيِ امرأةٍ ل مكان للمجازفةِ با .
جانبِ الدين وا ُ
الرابعة :تأت اليةُ والضطرابُ ف مسألةِ الطلقِ ،فيوما يرى الفراق ويوما يرى
العايشة ويوما يرى أن يُنهي العايشة ،وآخر يرى أن يقطع البْل ،فيصيبه من العياء ،
ت المرِ ،ما الُ به عليمٌ .
و ُحمّى الروحِ ،وفسادِ الرأي ،وتشتّ ِ
إن على العبدِ أن يُنهي هذه الضوائق النفسية بقرارِه الصارمِ ،إن العمر واحدٌ ،وإن
اليوم لن يتكرّر ،وإن الساعة لن تعود ،فعليه أن يعيشها سعاد ًة يشارك فيها بنفسِه ،يشاركُ
بنفسِه ف استجلبِ هذه السعادةِ ،وتأت هذه السعادةُ باتا ِذ القرارِ .إن العبد السلم إذا همّ
وعزم وتوكل على الِ بعد أن يستخي ويُشاوِر ،صار كما قال الول :
وأعرض عن ذكْ ِر العواقبِ جانبا إذا همّ ألقى بي هّيْه عينهُ
إقدا ٌم كإقدام السيل ،ومضا ٌء كمضاءِ السيفِ ،وتصميمٌ كتصميمِ الدهرِ ،وانطلقٌ
كانطلقِ الفجرِ َ ﴿ ،فأَ ْجمِعُواْ َأ ْمرَ ُكمْ وَ ُشرَكَاء ُكمْ ُثمّ لَ يَ ُكنْ َأ ْمرُ ُكمْ عَلَيْ ُك ْم غُ ّمةً ُثمّ ا ْقضُواْ
إِلَيّ وَلَ تُن ِظرُونِ ﴾ .
********************************************
***
كما تدين تُدان
عجبا لنا ! نريدُ من الناسِ أن يكونوا حلماء ون ُن نغضبُ ،ونريدُ منهم أن يكونوا
كرماء ونن نبخلُ ،ونريد منهم الوفاء بسن الخاءِ ،ونن ل نؤدي ذلك .
وهل عُو ٌد يفوحُ بل دُخانِ تُريدُ مهذّبا ل عيب فيهِ
وقالوا :من لخيك كلّه .
ل تحزن
337
وقال آخر :
على شعثٍ أيّ الرجالِ الهذّبُ ولست ِب ُمسْتبْقٍ أخا ل تُلمّهُ
وقال ابنُ الروميّ :
ـمهذّب ف الدنيا ولست مُهذّبا ومِ ْن عجبِ اليامِ أنّك تبتغي الـ
********************************************
*****
وقفــــةٌ
قال إيليا أبو ماضي :
كيف تغدو إذا غدوت عليل أيّها الشاكي وما بك داءٌ
تتوقّى ،قبل الرحيلِ الرّحيل إنّ شرّ الُناةِ ف الرض نفسٌ
أن ترى فوقها الندى إكليل شوْك ف الورودِ ،وتعمْى وترى ال ّ
مَنْ يظُنّ الياة عبئا ثقيل هو عبءٌ على الياةِ ثقيلٌ
ل يرى ف الوجودِ شيئا جيل والذي نفسُهُ بغي جالٍ
ل تفْ أنْ يزول حت يزُول فتمتّ ْع بالصّبحِ ما دُمت فيهِ
قصّر البحث فيه كيْل يطُول وإذا ما أظلّ رأْسك همّ
فمِن العارِ أن تظلّ جهُول أدركتْ كُْنهَهَ طيورُ الرّواب
تِذتْ فيه َمسْرَحا ومقيل ما تراها والقلُ ِملْكُ سواها
********************************************
**
ضريبةُ الكلمِ اللّبِ
إنّ سعادتنا تكم ُل ف قيامِنا بواجبنا مع خالقِنا ،ث مع خلْقِه ،مع الِ ث مع النسانِ .
إن الكلم سهلٌ نطقُه وتبيُه وزخرفتُه ،لكن الصعب من ذلك صياغتُه ف مُثُلٍ عليا من
ل تحزن
338
الصفاتِ الميدةِ والعمالِ الليلةِ ﴿ أََت ْأ ُمرُونَ النّاسَ بِالِْبرّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَ ُكمْ وَأَنُتمْ تَتْلُونَ
. الْكِتَابَ أَ َفلَ َت ْعقِلُونَ ﴾
ف التارك له ،والناهي عن النكرِ الفاعل له ،يُوض ُع – كما ف الديث إ ّن المر بالعرو ِ
الصحيح – يوم القيام ِة ف النارِ ،فيدورُ بأمعائِه كما يدورُ المارُ برحاهُ ،فيسأله أه ُل النارِ
عن سرّ هلِكه ،فقال :كنتُ آمرُكم بالعروفِ ول آتيهِ ،وأناكُم عن النكرِ وآتيةِ .
ل لنفسِك كان ذا التعليمُ
هّ يا أيّها الرجلُ العّلمُ غَيهُ
وقف الوعظُ الشهيُ أبو معاذ الرازي فبكى وأبكى الناس ،ث قال :
طبيبٌ يداوي الناس وهُو عليلٌ وغيُ نقيّ يأمرُ الناس بالتقى
كان بعضُ السلفِ إذا أراد أن يأمر الناس بالصدقةِ ،تصدّق هو أولً ،ث أمرهم ،
فاستجابُوا طواعيةً .
وقرأتُ أن واعظا ف عهدِ القرونِ الفضّلةِ ،أراد أن يأمر الناس بالعِتْقِ ،وقد طلب منه
كثيٌ من الرقيق أن يسأل الناس ذلك ،فجمع نقودا ف وقتٍ طويل ث أعتق رقبةً ،ث أمّ فأمرَ
بالعِتْق ،فاقتدى الناسُ وأعتقُوا رقابا كثية .
**********************************
الراحةُ ف النّةِ
. ﴾ ﴿ َل َقدْ خَ َلقْنَا الْإِنسَانَ فِي كََبدٍ
يقولُ أحدُ بنُ حنبلَ ،وقد قيل له :مت الراحةُ ؟ قال :إذا وضعت قدمك ف النةِ
ارتت .
ث ومصائبُ ونكباتُ ت وزعازعُ وفتٌ وحواد ُل راحة قبل النةِ ،هنا ف الدنيا إزعاجا ُ
ض وه ّم وغمّ وحزنٌ ويأسٌ .
،مَ َر ٌ
صفوا من القذا ِء والكدارِ طُبِ َعتْ على كدرٍ وأنت تريدُها
ل تحزن
339
أخبن زميلُ دراسةٍ من نيجييا ،وكان رجلً صاحب أمانةٍ ،أخبن أن أمّه كانت
تُوقظُه ف الثلثِ الخي ،قال :يا أمّاهُ ،أريد الراحة قليلً .قالت :ما أوقظك إل لراحتِك ،
يا بن إذا دخلت النة فارتحْ .
كان مسروقٌ – أحدُ علماءِ السلفِ – ينامُ ساجدا ،فقال له أصحابهُ :لو أرحت
نفسك .قال :راحتها أريدُ .
إن الذين يتعجّلون الراحة بتركِ الواجبِ ،إنا يتعجّلون العذاب حقيقةً .
إنّ الراحةً ف أداءِ العمل الصالِ ،والنفعِ التعدّي ،واستثمارِ الوقتِ فيما يقرّبُ من الِ
.
رَبّنَا عَجّل لّنَا قِطّنَا قَبْلَ ﴿ إ ّن الكافر يريدُ حظّه هنا ،وراحتَهُ هنا ،ولذلك يقولون :
. حسَابِ ﴾
اْل ِ يَوْمِ
قال بعضُ الفسّرين :أي :نصيبنا من الَيْرِ وحظّنا من الرزقِ قبل يومِ القيامةِ .
﴿ إِنّ َهؤُلَاء ُيحِبّونَ اْلعَاجِ َلةَ ﴾ ،ول يفكّرون ف الغدِ ول ف الستقبلِ ،ولذلك خسرُوا
اليوم والغد ،والعمل والنتيجة ،والبداية والنهاية .
وهكذا خُلقتِ الياةِ ،خاتتُها الفناءُ فهي شربٌ مكدّرٌ ،وهي مزاجٌ ملوّن ل تستقرّ
على شيء ،نعمةٌ ونقمةٌ ،شدّةٌ ورخاءٌ ،غنً وفقرٌ .
هذه هي النهاية :
حقّ أَلَ َلهُ اْلحُ ْكمُ وَهُوَ أَ ْس َرعُ اْلحَاسِِبيَ ﴾ .
﴿ ُثمّ ُردّواْ إِلَى ال ّلهِ مَوْلَ ُهمُ اْل َ
********************************************
**
وقفـــــةٌ
قال إيليا أبو ماضي :
والرضُ ملكُك والسما وال ُنمْ؟ كمْ تشتكي وتقولُ إنك م ُعدِمُ
ونسيمُها والبُلْبلُ الترّنمُ ولك القولُ وزهرُها وأريُها
ل تحزن
340
س فوقك عسْجدٌ يتضرّمُ والشم ُ والاءُ حولك فضّةٌ رقْراقةٌ
دورا مزخرفةً وحينا ي ْهدِمُ والنورُ يبن ف السّفوح وف الذّرا
سمُ ؟ وتبسّمتْ فعلم ل تتب ّ شتْ لك الدنيا فما لك واجا ؟ هّ
هيهات يُرجعُه إليك تََندّمُ إن كنت مكتئبا لعزّ قد مضى
هيهات ينعُ أنْ يِ ّل تهّمُ أو كنت تُشفقُ من حلولِ مصيبةٍ
شاخ الزمانُ فإنه ل َيهْرَمُ أو كنت جاوزت الشباب فل تقلْ
لسْنِها تتكّلمُ صورٌ تكادُ ِ انظرْ فما زالتْ ُتطِلّ من الثّرى
********************************************
******
ي على حصو ِل القصودِ
ال ّرفْقُ يُع ُ
مرّتْ آثارٌ ونصوصٌ ف الرفقِ ،والرفقُ شفيعٌ ل يُرَدّ ف طلبِ الاجاتِ ،ولك أن تعلم
حسْبُ ،ل تدخلُها أن الطريق الضيق بي جدارين ،الذي ل يتسع إل لرور سيارةٍ واحد ٍة َف َ
هذه السيارة إل برفقٍ من قائدِها وحذرٍ وتوقّ ،بينما لو أقبل با مسرعا وأراد الرور من هذا
الكان الضي ِق لصطدم يْنةً وَيسْرَةً وتعطلتْ سيارتُه ،والطريقُ ل يزِد ول ينقصْ ،والسيارةُ
هي هي ،لكنّ الطريقة هي الت اختلفت ،تلك برفقٍ وهذه بشدّةٍ .والشجرةُ الصغيةُ الت
نغرسُها ف حوضِ فناءِ أحدِنا ،إذا سكبت عليها الاء شيئا فشيئا تشربُ منه وينفعُها ،فإذا
أخذت كميةً من هذا الاء بعينهِ وحجْمه وألقيته دفعةً واحدة لقتلعت هذه النبتة من مكانِها ،
إن كمية الاءِ واحدةٌ ولكن السلوب تغيّر .
إن م ْن يلعُ ثوبه برفقٍ يضمنُ سلمة ثوبِه ،خلف من يذِبُه بقوةٍ ويسحبُه بسرعةٍ ،
فإنه يشكو من تق ّطعِ أزرارِه وت ّزقِهِ .
ومن اللطائف ف انكشافِ َعدَ َم صدقِ إخوةِ يوسف ف ميئِهم بثوبِهِ ،وز ْعمِهم أن
الذئب أكله :أنم خلعُوا الثوب برفق فلم يصل فيه شقوقٌ ،ولو أكله الذئبُ كما زعموا
لزّق الثوب كلّ مزّقٍ ،ول يلْعْه خلْعا .
ل تحزن
341
إن حياتنا تتاجُ إل رفقٍ نرفقُ بأنفسِنا (( :وإن لنفسِك عليك حقا )) .نرفقُ
بإخواننا (( :إن ال رفيق يب الرفق )) .نرفقُ بالرأةِ (( :رفقا بالقواريرِ )) .
على السورِ الشبيِة الت بناها التراكُ على مراتِ النارِ ،مكتوبٌ ف أول السرِ :
ع فجديرُ أن يهوي إل مستق ّر النهر .رفقا رفقا .لن الارّ بدوءٍ ل يسقطُ ،أما السر ُ
ي كان يسكنُ ف مدينة « السلمية » ،وله درّاجةٌ ناريةٌ ، وف مذكّراتٍ لديب سور ّ
أراد أن يعب با على جسر بناه التراكُ من الشبِ على النهرِ ،وهم بنوْه لن أراد أن يشي
بدراجته متئدا متأنيا ،قال هذا الرجل :فذهبتُ مسرعا على جسري ،فلما أصبحتُ من
أعلى السرِ متوسّطا النهر ،نظرتُ َيمْنَةً وَيسْرَةً ،وأنا ل أرفقْ بنفسي ول بدراجت
ت بدراجت ف النهرِ ...وكانت قصةً طويلة . فاضطربتْ ب واختلّ نظري ،فوقع ُ
إنّ على مداخلِ حدائقٍ الزهو ِر والورود ف بعضِ مدنِ أوروبة :لوحةٌ مكتوب فيها :
«تَ َرفّقْ» ،لن الداخل مسرعا ل يرى ذاك النبت الميل ول يضمنُ سلمة ذاك الوردِ
الباهي ،فيحصل الدعس والدفس والبادة ،لنه ما رفق ول تأنّى .
هناك معادلة تربوية تقول :إن العصفور تربوية تقول :إن العصفور ل يترفّقُ كالنحلة .
ت على عُودٍ ل
وف الديث (( :الؤمنُ كالنحلة ،تأك ُل طيبا وتضعُ طيبا ،وإذا وقع ْ
تكسْرِه )) .فالنحلة ل ُتحِسّ با الزهرةُ أبدا ،وهي تعلقُ الرحيق بدوء ،وتنالُ مطلوبا برفقٍ
.والعصفورُ على ضآلةِ جسمِه يبُ الناس بنولِه على سنابل ،فإذا أراد النول سقط
سقوطا ،ووثب وثْبا .
ول أزالُ أذكرُ قصة الرسّام النديّ ،وقد رسم لوحةً بديعة السنِ ملخّصها :سنبلةُ
قمح عليها عصفو ٌر قد وقع ،وهذه السنبلة مليئةٌ بالبّ ،مترعرع ُة النموّ ،باسقةُ الطولِ ،
وعلّقها اللِكُ على جدارِ ديوانِه ،ودخل الناسُ يهنّئون اللك بذه اللوحةِ ويشكرون الرسّام
على حسنِها ،ودخل رج ٌل فقيٌ مغمورٌ ف وسطِ الزحامِ فاعترض على اللوحةِ ،وأخبَ أنا
خطٌأ ،وضجّ الناسُ به وصجّوا ،لنه خالف الجاع ،فاستدعاه اللكُ برفقٍ وقال :ما عندك؟
قال :هذه اللوحةُ خطٌأ رسُها ،وَغَلطٌ عرْضها .قال :وِلمَ ؟ قال :لنّ الرسام رسمَ
ل تحزن
342
العصفور على السنبلةِ وترك السنبلة مستقيمةً متدةً ،وهذا خطٌأ ،فإنّ العصفور إذا نزل على
سنبلة القمحِ أمالا ،وأخضعها ،لنه ثقيلٌ ل يلكُ الرفق .قال اللكُ :صدقت .وقال الناسُ:
صدقت .وأنزل الّلوْحة ،وسُحبت الائزةُ من الرسامِ .
إنّ الطباء يُوصون بالرفقِ ف تناولِ العلجِ ،وف مزاولةِ العم ِل والخذِ والعطاءِ .
فذاك يقلعُ ظفْره بيده ،وذاك يباشرُ سِنّه بنفسِه ،وآخر يَغُصّ باللقمة ،لنه َأ َكبَها
وما أحسن مضْغها .
إن الاء يترفّقُ ،وإن الريح تُزم ُر فتدمّرُ .قرأتُ لبعضِ السلفِ أنه قال :إن مِن فِقْهِ
الرجل ِرفْقَهُ ف دخولِه وخروجِه منه ،وارتداءِ ثوبِه و َخ ْلعِ نعلِه وركوبِ دابتهِ .
إن ال َعجَلةَ والوجَ والطيْشَ ف أخذ المورِ وتناولِ الشياء ،كَفِيلةٌ بصولِ الضررِ
وتفويتِ النفعِة ،لن الَيْرَ بُن على الرفقِ (( :ما كان الرفقُ ف شيء إلّ زانه ،وما نُزع
الرفقُ من شيء إلّ شانهُ )) .
إنّ الرفق ف التعاملِ تُذعنُ له الرواحُ ،وتنقادُ له القلوبُ ،وتشعُ له النفوسُ .
إن الرفيق من البشرِ مِفتاحٌ لكلّ خَيْرٍ ،تستسلمُ له النفوسُ الستعصية ،وتثوبُ إليه
القلوبُ الاقدةُ ﴿ ،فَِبمَا رَ ْح َمةٍ ّمنَ ال ّلهِ لِنتَ َل ُهمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّا غَلِيظَ اْلقَلْبِ لَن َفضّواْ ِمنْ
حَوْلِكَ ﴾ .
*******************************************
وقفــــةٌ
طه حسي يتحدّثُ بصيغةِ الغائب :
« كان يرى نفسه إنسانا من الناسِ وُلد كما يُولدون ،وعاش كما يعيشون ،يقسّم
الوقت والنشاط فيما يقسّمون فيه وقتهم ونشاطهم ،ولكنه ل يكنْ يأنسُ إل أحدٍ ،ول يكنْ
يطمئنّ إل شيء ،قد ضُرِب بينه وبي الناسِ والشياء حجابٌ ظاهرُه الرضا والمنُ ،وباطنُه
ف والقلقُ واضطرابُ النفسِ ،ف صحراء موحشة ل تدّها الدودُ ، من قِبَلِه السخطُ والو ُ
ل تحزن
343
ول تقو ُم فيها العلم ،ول يتبيّن فيها طريقه الت يكنُ أن يسلكها ،وغايته الت يكن أن
ينتهي إليها » .
يقولُ شيخُ السلمِ ابنُ تيميةَ « :إنا ترّ بالقلبِ لظاتٌ من السرور أقول :إن كان
أهلُ النة ف مِْثلِ هذا العيش ،إنّهم لفي عيشٍ طّيبٍ » .
وقال إبراهيم بن أدهم « :نن ف عيش لو علم به اللوكُ لالدونا عليه بالسّيوفِ » .
************************************
/http://www.saaid.net
الناسِ من يشعرون أنم لن يكونوا سعداء راضي عن أنفسِهم إل إذا أنزُوا كل أعمالم.
والشخصُ السؤولُ يستطيع أن يؤدي القدرَ المكن من عمله بل تاون ,ويستمتع بالبهجة
ف الوقت نفسِه ,مادام ل يقصرْ .
ل تبالغْ ف النافسة والتحدي :تعلّم أل تقسو على نفسك ,خاصة حينما تباري •
وقتِ سعادته ساعاتٍ ,وأياما ,بل وشهورا .تذكر إن إصدار القرا ِر الن ل يعن
بالضرورةِ عدم التراجعِ عنه أو تعديله فيما بَ ْعدُ.
ف قدر نفسِك :حينما تفك ُر ف القدامِ على عملٍ تذكرِ الكمة القائلة : اعر ْ •
(( رحم ال امرءا عَ َرفَ قدرَ نفسِه)) إذا بلغت المسي من عمرك ,وأردت أن تارس
رياضة ,فكر ف الشي أو السباحة أو التنس – مثلً – ول تفكر ف كرةِ القدم .وحاول
تنمية مهاراتك باستمرار.
ضمّ الياةِ دون إتاحة الفرصة
تعلم كيف تعرف نفسك :أما الندفاعُ ف خ ِ •
الغريق يؤمنون بأن الرجال ل يكن أن يتفظ بإنسانيته إذا حُرِمَ من الوقت الفراغ
والسترخاء
•كن مستعدا لوض مغامرات :الطريقة الوحيدة لياة متعة هي اقتحامُ أخطارِها
الحسوبة ،لن تتعلم ما ل تكن عازما على مواجهة الخاطرِ ،قمْ مثلً بتعلم السباحِة
بواجهةِ خطرِ الغَرَقِ .
•ل قفل إل سوف يُفْتَحُ ،ول قيد إل سوف يُفَكّ ،ول بعيد إل سوف يقربُ ،ول غائب
إل سوف يصلُ ..ولكن بأجل مسمّى .
•﴿ اسَْتعِينُوا بِالصّ ْبرِ وَالصّلةِ ﴾ فهما وَقودُ الياةِ ،وزادُ السيِ ،وباب الملِ ،ومفتاحُ
الفَ َرجِ ،ومن لزم الصبَ ،وحافظ على الصلةِ ؛ فبشّرْه بفجرٍ صادقٍ ،وفتحٍ مبيٍ ،ونصرٍ
قريبٍ .
•جُلد بل ٌل وضُرب ُعذّبَ و ُسحِب وطُرِدَ فأخذ يرددُ :أ َحدٌ أَ َحدٌ ،لنّه حفظ ﴿ ُقلْ هُوَ
ال ّلهُ أَ َحدٌ ﴾ ،فلما دخل النة احتقر ما بذل ،واستقلّ ما قدم لن السّلعة أغلى من الثمن
أضعافا مضاعفة .
ما هي الدنيا ؟ هل هي الثوبُ إن غاليت فيه خدمته وما خدمك ،أو زوجةٌ إن •
كانت جيلة تعذبُ قلبها ببها ،أو مال كث َر أصبحتَ له خازنا ..هذا سرورها فكيف
خزنُها ؟
كل العقلء يسعون للبِ السعادةِ بالعلمِ أو بالال أو بالاهِ ،وأسعدُهم با •
ف طاقتك فيما ينفعُ واحدِ ال على ما أولك . ما عندك من موهبةٍ ،وظّ ْ
ل يكن يومُك كلّه قراءةً أو تفكرا أو تأليفا أو حِفْظا بل خذْ من كل عملٍ بطرفٍ •
ب ووقع عليه الكروه ،ولكن عاقبة أمره خيٌ عظيمٌ وفضلٌ جسيم ، ترك الحس َن والصو َ
فإن ال تابَ عليه وهداه واجتباه وجعله نبيا وأخرج من صلبِه رُسُلً وأنبياءَ وعلماءَ وشهداءَ
وأولياء وماهدين وعابدين ومنفقي ،فسبحان ال كم بي قوله ﴿ اسْكُنْ أَنْتَ َوزَوْجُكَ
اْلجَّنةَ ﴾ ،وبي قوله ﴿ ُثمّ اجْتَبَاهُ رَّبهُ فَتَابَ عَلَ ْيهِ َو َهدَى﴾ فإن حالة الول سكنٌ وأكلٌ
وشربٌ وهذا حال عامة الناس الذين ل ه ّم لم ول طموحات ،وأما حاله بعد الجتباءِ
والصطفاء والنبوةِ والدايةِ فحالٌ عظيمة ومنلةٌ كرية وشرفٌ باذخٌ .
وهذا داودُ عليه السلم ارتكب الطيئ َة فندم وبكى ,فكانت ف حقّه نعمةٌ من أجلّ •
النعم ,فإنه عرف ربه معرفة العبدِ الطائعِ الذليل الاشعِ النكسرِ ,وهذا مقصودُ العبودية
فإن من أركا ِن العبودية تامُ الذلّ لِ عزّ وجلّ .وقد سئِل شيخ السلمِ ابنُ تيمية عن قوله
(( :عجبا للمؤم ِن ل يقضي الُ له شيئا إل كان خيا له)) هل يشمل هذا قضاء
العصيةِ على العبدِ ؟ ,قال نعم ؛ بشرطِها من الندمِ والتوبةِ والستغفارِ والنكسارِ.
فظاهرُ المرِ ف تقديرِ العصيةِ مكروهٌ على العبدِ ،وباطنُه مبوبٌ إذا اقترن بشرطِه .
ل تحزن
388
ظاهرةٌ باهرةٌ ,فإن كلّ مكروهٍ وقعَ له صارَ مبوبا مرغوبا , •وخية الِ وللرسو ِل ممدٍ
فإن تكذيب قومِه له ؛ وماربتِهم إياه كان سببا ف إقامةِ سوق الهادِ ،ومناصر ِة الِ
ل فيها رسوله ,فتحا عليه ,واتذ والتضحيةِ ف سبيلِه ,فكانت تلك الغزواتُ الت نصر ا ُ
فيها من الؤمني شهداء جعلهم من ورثةِ جنة النعيم ,ولول تلك الجابة من الكفار ل
يصلْ هذا اليُ الكبي والفوزُ العظيمُ ,ولا طُرِد من مكة كان ظاه ُر المرِ مكروها
دولة السلمِ ،ووجد ولكن ف باطنِه اليُ والفلحُ والّنةُ ,فإنه بذه الجرةِ أقام
أنصارا ،وتيز أهلُ اليان من أهلِ الكفرِ ,وعُ ِرفَ الصادق ف إيانِه وهجرته وجهادِه من
الكاذبِ .ولا غُلب عليه الصلة والسلم وأصحابُه ف أحدٍ كان المرُ مكروها ف ظاهرِه ،
شديدا على النفوسِ ،لكن ظهر له من اليِ وحس ِن الختيارِ ما يفوقُ الوصف ,فقد ذهب
من بعضِ النفوسِ العجبُ بانتصارِ يوم بدرٍ ،والثقةُ بالنفسِ ،والعتمادُ عليها ,واتذ الُ
من السلمي شهداء أكرمهم بالقتلِ كحمزة سيدِ الشهداء ,ومصعبِ سفيِ السلم ,
وعبدِال ابن عمر ٍو والدِ جابر الذي كلمه الُ وغيهم ,وامتاز النافقون بغزوةِ أحد ،
ف الُ أسرارهم وهتك أستارَ ُهمْ . .وقسْ على ذلك أحواله ، وفضح أمرهم ،وكش ُ
ومقاماته الت ظاهرُها الكروهُ ،وباطنُها اليُ لهُ وللمسلمي .
ومن عَ َرفَ ُحسْنَ اختيا ِر الِ لعبدِه هانتْ عليه الصائبُ ،وسهلتْ عليه الصاعبُ •
ف الِ وكرمِه ،وحس ِن اختيارِه ، ,وتوقعَ اللطفَ من الِ ،واستبشر با حصل ،ثقةً بلط ِ
حينها يذهبُ حزنُه وضجرُه وضي ُق صدرِه ,ويسلم المر لربه جلّ ف عله ،فل يتسخطُ
ول يعترضُ ،ول يتذمّرُ ،بل يشك ُر ويصبُ ،حت تلوح له العواقبُ ،وتنقشعُ عنه سحبُ
الصائبِ .
نوحٌ عليه السلمُ يُؤذى ألفَ عام إل خسي عاما ف سبيلِ دعوتِهِ ,فيصبُ •
ب ويستمرّ ف نشرِ دعوتِه إل التوحيدِ ليلً ونارا ,سرا وجهرا ,حت ينجيه ربّه ويتس ُ
ويهلك عدوه بالطوفانِ .
ل تحزن
389
إبراهيمُ عليه السلمُ يُلقى ف النارِ فيجعلُها ال عليه برْدا وسلما ,ويميه من •
النمرودِ ،وينجيهِ من كيدِ قومه وينصرُه عليهم ،ويعلُ دينه خالدا ف الرضِ .
موسى عليه السلم يتربصُ به فرعونُ الدوائر ،وييكُ له الكائد ،ويتفننُ ف إيذائه •
ويطاردُه ,فينصرُه الُ عليه ويعطيه العصا تلقفُ ما يأفكون ,ويشقُ له البحرَ ويرجُ منه
ك الُ عدوّه ويزيه . بعجزةٍ ،ويهل ُ
عيسى عليه السل ُم ياربُه بنو إسرائيل ،ويؤذونه ف سعته وأمّه ورسالتِه , •
ويريدون قتله فيفعُه الُ إليه وينصرُه نصرا مؤزرا ،ويبوءُ أعداؤه بالسرانِ .
رسولُنا ممد يؤذيه الشركون واليهودُ والنصارى أشدّ اليذاءِ ,ويذوقُ •
ب وشتمٍ واتامِ بالنونِ صنوفَ البلءِ ،من تكذيبٍ ومابةٍ وردٍ واستهزاءٍ وسخري ٍة وس ّ
والكهان ِة والشع ِر والسحرِ والفتراءِ ,ويُطردُ ويُحارَبُ ويُقتل أصحابُه ويُنكّلُ بأتباعِه ,ويُتهمُ
ف زوجتِه ،ويذوقُ أصناف النكباتِ ،ويهدد بالغاراتِ ،وير بأزماتٍ ,ويوع ويفتقرُ ،
ويرحُ ،وتكسر ثنيتُهُ ،ويشج رأسُه ويفقدُ عمه أبا طالب الذي ناصره ,وتذهب زوجتُه
حصَرُ ف الشعب حت يأكل هو وأصحابه أوراق الشجرِ ,وتوتُ خدية الت واسته ,وُي ْ
بناتُه ف حياتِه وتسي ُل روحُ ابنِه إبراهيم بي يديهِ ,ويُغلبُ ف أحد ,ويُمزّقُ عمه حزةُ ,
ع ول يدُ أحيانا خبزَ لجَرَ على بطنِه من الو ِ
ويتعرض لعدة ماولت اغتيال ,ويربطُ ا َ
ق الغصص ويتجرع كأس العاناة ,ويُزلزلُ مع أصحابِه الشعيِ ول ردي َء التمر ,ويذو ُ
زلزالً شديدا وتبلغُ قلوبُم الناجر ,وتعكس مقاصدُه أحيانا ،ويبتلى بتيه البابر ِة وصَلَفِ
ب وعجبِ الغنياء ،وحق ِد اليهودِ ،ومكرِ النافقي ،وُبطْءِ التكبين وسوءِ أدبِ العرا ِ
استجابةِ الناسِ ,ث تكون العاقبةُ له ،والنصرُ حليفه ،والفوزُ رفيقه ،فيظهرُ الُ دينه ،
ل غالبٌ على وينصرُ عبده ،ويهزم الحزاب وحده ،ويذل أعداءه ويكبتهم ويزيهم ,وا ُ
أمرِه ولكن أكثر الناسِ ل يعلمون .
•وهذا أبو بكر يتحملُ الشدائد ،ويستسهلُ الصعابَ ف سبيل دينِه وينفقُ ماله ويبذلُ
جاهه ،ويقدم الغال والرخيصَ ف سبي ِل الِ ،حت يفوز بلقبِ الصديقِ .
ل تحزن
390
•وعمرُ بنُ الطابِ يضرجُ بدمائِه ف الحرابِ ،بعد حياةٍ ملؤها الهادُ والبذلُ والتضحيةُ
والزهدُ والتقشفُ وإقام ُة العدلِ بي الناسِ .
•وعثمانُ بن عفانَ ذُبِحَ وهو يتلو القرآن ,وذهبتْ روحُه ثنا لبادئِه ورسالتِه.
•وعلي بن أب طالبٍ يُغتا ُل ف السجدِ ،بَ ْعدَ مواقف جليلةٍ ومقاماتٍ عظيمة من التضحيةِ
والنص ِر والفداءِ والصدقِ .
والسيُ بن علي يرزقُه الٌ الشهادة ويُقْتَلُ بسيفِ الظلمِ والعدوانِ . •
•وسعيدُ بنُ حبيٍ العا ُل الزاهدُ يقتله الجاجُ فيبوءُ بإ ِثهِ .
وابنُ الزبيِ يكرمُه الُ الشهادةِ ف الرِم على يدِ الجاجِ بنِ يوسف الظالِ . •
ويُحبس المامُ أحدُ بنُ حنبلَ ف الق ،ويُجلد فيصيُ إمامَ أهلِ السنةِ والماعةِ . •
•ويقتل الواث ُق المامَ أحدَ بن نصرٍ الزاعي الداعيةَ إل السن ِة بقولِه كلمة القّ .
•وشيخُ السلمِ ابنُ تيميةَ يسجن ويُمنعُ من أهلِه وأصحابِه وكتبِه ,فيف ُع الُ ذكرهُ ف
العالي .
•وقد جُِلدَ المامُ أبو حنيفة من قِبَل أبو جعفر النصور .
•وجُلد سعيدُ بن السيب العال الربان ,جلده أميُ الدينةِ .
•وضرب المام بن عبدُال بن عونٍ العالُ الحدثُ ,ضربه بل ل بن أب برده.
•ولو ذهبت أعدد من ابتلُىَ بعزل أو سجنٍ أو جلدٍ أو قتلٍ أو أذى لطالَ القامَ ولكثرَ الكلمَ
,وفيما ذكرت كفايةٌ .
وف التام ،تقبل تيات ،وهاك سلمي مقرونا بدعائي لك بالسعادة ...
سبحانك اللهم وبمدك ،أشهد أن ل إله أنت أستغفرك زأتوب إليك .
***************************************
/http://www.saaid.net
ل تحزن
391
الاتـمـة
أنا وأنت ،هيّا نقصد الغنّ الواحد الاجد ،الحد الصمدَ اليّ القيومَ ،ذا الللِ والكرامِ ،
لننّطِرح على عتب ِة ربوبيتِه ،ونلتجئ إل بابِ وحدانيتِه ،نسأله ونُلحّ ف السؤالِ ،ونطلبُه
وننتظ ُر النّوالَ ،فهو العاف الشاف الكاف وهو الالق الرزاقُ الحيي الميتُ .
. النّارِ ﴾ ﴿ رَبّنَا آتِنَا فِي الدّنْيَا َحسََنةً وَفِي ال ِخرَةِ َحسََنةً وَقِنَا َعذَابَ
(( اللهم إنا نسألُك العفو والعافية والعافاة الدائمة ف الدنيا والخرة )).
،ونعوذُ بك من شرّ ما استعاذك (( اللهم إنا نسألك من خي ما سألك منه نبيّك ممدٌ
)) . منه نبيّك ممدٌ
(( اللهم إنا نعوذُ بك من المّ والزِ ،ونعوذُ بك من ال َعجْزِ وال َكسَلِ ،ونعوذُ بك من
البخلِ والُ ْبنِ ،ونعوذُ بك من غلََب ِة الدينِ وق ْهرِ الرجالِ )) .
سبحان ربك ربّ العز ِة عما يصفون ،وسلمٌ على الرسلي ،والمدُ لِ ربّ العالي .
**********************************************
/http://www.saaid.net