Professional Documents
Culture Documents
الحسين (ع) ..دروس الحياة
الحسين (ع) ..دروس الحياة
الحسين..دروس الحياة
نـــــــــــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM
للوهلة الولى ،يظن المرء ،ان تضحية السبط الشهيد المام الحسين بن علي بن ابي
طالب بن فاطمة الزهراء بنت رسول ال )ص( في عاشوراء عام 61للهجرة في
كربلء ،هي من اجل الموت ،لنها اصطبغت بلون الدم الحمر الذي يعبر عادة عن
.القتل ،والقتل هو الموت والموت هو نهاية حياة النسان
...ولكن
بقليل من التمعن والتفكر والتدبر ،سنكتشف بان الحسين عليه السلم للحياة وليس
للموت ،فهو دروس للحياة وليس تجربة للموت ،او لم يقل عز من قائل في محكم كتابه
الكريم }يا ايها الذين آمنوا استجيبوا ل وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم واعلموا ان ال
يحول بين المرء وقلبه وانه اليه تحشرون{ والحسين السبط هو نفس رسول ال )ص(،
كما ورد في حديثه )ص( }حسين مني وانا من حسين{ اي ان دعوة السبط وثورته
.ونهضته وحركته وتضحيته كانت للحياة وليس للموت ،كيف؟
السبط..كرامة المة
.ان امرءا بل كرامة ،لهو ميت الحياء ،وان امة بل كرامة ،لهي امة ميتة
والسؤال هو؛
.ما هي مصاديق الكرامة؟
:برايي ،فان الكرامة تتجلى بثلث قيم
.القيمة الولى ،هي الحرية
.القيمة الثانية ،هي المساواة
.اما القيمة الثالثة ،فهي الختيار
فالنسان الذي ل يمتلك حريته ،ويعيش في ظل التمييز باي شكل من اشكاله ،لهو
.انسان بل كرامة ،وان النسان الذي ل يمتلك حرية الختيار ،لهو انسان بل كرامة
ولقد مرت المة )السلمية( في لحظة تولي الطاغية يزيد بن معاوية للسلطة ،بمرحلة
تاريخية فقدت فيها كرامتها ،لنها فقدت حريتها وظلت تعاني من التمييز باشكال مختلفة،
الى جانب انها فقدت قدرتها على الختيار ،وهي القيمة التي تميز النسان عن غيره من
.الدواب
فالمة التي يحكمها ظالم مستبد ،لهي امة بل كرامة ،والمة التي يحكمها اللصوص
)قادة النقلبات العسكرية( لهي امة بل كرامة ،والمة التي يحكمها زعيم لم يصل الى
السلطة برضاها او بتفويض منها )بالبيعة العامة مثل او عن طريق صندوق القتراع(
لهي امة بل كرامة ،واذا حكم المة نظام وراثي ،فانها امة بل كرامة ،واذا حكمتها حفنة
من اللصوص استولوا على السلطة بانقلب عسكري في جوف الليل ،فهي امة بل
كرامة ،لن كرامة المة تتجلى اول وقبل كل شئ باختيارها للنظام السياسي ،ولذلك
فقدت المة كرامتها عندما حول المويون الحكم الى ملك عضوض ،حمل حاكم فاسق
كيزيد الى سدة الحكم بعنوان )امير المؤمنين( وصدق الحسين السبط عندما قال }وعلى
}.السلم السلم اذا ولي امر المة حاكم مثل يزيد
وصدق قبله ابوه امير المؤمنين على بن ابي طالب عليه السلم ،عندما وصف حال
المة اذا حكمها فاسق بقوله }ولكني آسى ان يلي امر هذه المة سفهائها ،وفجارها،
}.فيتخذوا مال ال دول ،وعباده خول ،والصالحين حربا ،والفاسقين حزبا
اما الحسين السبط عليه السلم ،فقد بذل كل ما في وسعه من اجل تنبيه المة الى
.الخطر العظيم الذي عاشته في ظل سلطة سياسية منحرفة وظالمة
.انه سعى لن ينبه المة الى كرامتها ،من خلل تذكيرها بالقيم الثلث النفة الذكر
ومن اجل ان يصوغ نموذجا لها ،فل يكرر صورة الحاكم الظالم والسلطة المنحرفة،
:لذلك
اول :لم يجبر الحسين عليه السلم احدا على رفض البيعة للسلطة الجديدة ،كما انه لم
.يكره احدا على بيعته ،ابدا
انه عليه السلم سعى الى تبيين الصورة فقط ،وتوضيح الحقائق فحسب ،من دون
ارهاب احد او اكراهه على اتخاذ موقف معين بذاته ،فقال عليه السلم }ال ترون الى
الحق ل يعمل به والى الباطل ل يتناهى عنه ،ليرغب المؤمن في لقاء ال ،فاني ل ارى
}.الموت ال سعادة ،والحياة مع الظالمين ال برما
ثانيا :لقد منح اقرب الناس اليه ،وهم اهل بيته الذين رافقوه من المدينة الى مكة
المكرمة الى كربلء ،حق الختيار بكامل حريتهم ،فلم يجبرهم ،مثل ،على المكوث معه،
ولم يغصبهم على اتخاذ موقف لم يقتنعوا به ،ناهيك عن بقية )المسلمين( الذي التحقوا به
عند خروجه من مكة المكرمة شطر الكوفة ،والذين كان يخبرهم بادق تفاصيل الموقف
العسكري والمني كلما تناهى الى مسامعه خبر عن مسيره ،وكل ذلك من اجل ان
يمنحهم فرصة التفكير بحرية تامة قبل اتخاذ الموقف وقبل الختيار ،لنه لم يشا ان
يصطحب معه متردد او خائف او طامع او جاهل بامره ل يدري من اين هو والى اين
.ولماذا؟
فعندما وصل اليه خبر استشهاد سفيره الى الكوفة مسلم بن عقيل وهو في طريقه الى
العراق ،في منطقة تسمى بالزبالة ،جمع الحسين عليه السلم من كان معه واخبرهم
بالمر ،فورا ،من دون ان يخشى ان مثل هذا الخبر قد يدفعهم لتركه لوحده ،لنه كان
يريد من يبقى معه ان يكون على بصيرة من امره ،فهو لم يكن بحاجة الى الطامعين بدنيا
.بل آخرة ،او خائف او مهزوز العقيدة
:جمعهم وقال لهم
بسم ال الرحمن الرحيم ،اما بعد ،فانه قد اتانا خبر فضيع ،قتل مسلم بن عقيل وهانئ{
بن عروة وعبد ال بن يقطر ،وقد خذلتنا شيعتنا ،فمن احب منكم النصراف فلينصرف
}.ليس عليه منا ذمام
وفي ليلة العاشر من المحرم ،جمع الحسين عليه السلم اصحابه مرة اخرى ليخيرهم
بين البقاء معه استعدادا للموت او تركه والذهاب الى حيث يريدون فينقذوا انفسهم من
.خطر القتل والموت
:قال لهم الحسين عليه السلم
اثني على ال تبارك وتعالى احسن الثناء واحمده على السراء والضراء ،اللهم اني{
احمدك على ان اكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القران ،وفقهتنا في الدين ،وجعلت لنا اسماعا
وابصارا وافئدة ،ولم تجعلنا من المشركين ،اما بعد فاني ل اعلم اصحابا اولى ول خيرا
من اصحابي ،ول اهل بيت ابر ول اوصل من اهل بيتي ،فجزاكم ال عني جميعا خيرا،
ال واني اظن يومنا من هؤلء العداء غدا ،ال واني قد رايت لكم ،فانطلقوا جميعا في
حل ،ليس عليكم مني ذمام ،هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جمل ،ثم لياخذ كل رجل منكم
بيد رجل من اهل بيتي ،ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج ال ،فان القوم انما
}.يطلبونني ،ولو قد اصابوني ،لهوا عن طلب غيري
ثالثا :لم يبادر الحسين السبط عليه السلم الى مكاتبة احد من المسلمين في اي مصر
من المصار ،وانما اكتفى في بادئ المر بان يرفض اعطاء البيعة من دون ان يؤلب
الشارع على السلطة المنحرفة الجديدة ،حتى جاءت المبادرة من المسلمين في الكوفة
.الذي بادروا الى الكتابة اليه ودعوته ليكون لهم اماما في طريق الحق والصواب
لم يشا الحسين بن علي عليهما السلم ان يغصب احدا على اتخاذ موقف ضد او مع
السلطة او المعارضة قبل ان يلقي عليه الحجة ،ولذلك اكتفى عليه السلم بتبيين الحقائق
.وتوضيح العلل التي من اجلها يرفض البيعة لطاغية منحرف كيزيد بن معاوية
ففي المدينة قال الحسين عليه السلم }انا اهل بيت النبوة ،ومعدن الرسالة ،ومختلف
الملئكة ،بنا فتح ال وبنا ختم ،ويزيد فاسق ،فاجر شارب الخمر ،قاتل النفس المحترمة،
}.معلن بالفسق والفجور ،ومثلي ل يبايع مثله
وكان عليه السلم قد حدد معالم نهضته لتكون اهدافه واضحة وغير خافية على احد،
فكتب في وصيته الى اخيه محمد بن الحنفية ،يقول؛
اني لم اخرج اشرا ول بطرا ول مفسدا ول ظالما ،وانما خرجت لطلب الصلح في{
امة جدي ،اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر ،فمن قبلني بقبول الحق فال اولى
بالحق ،ومن رد علي هذا اصبر حتى يقضي ال بيني وبين القوم بالحق ،وهو خير
}.الحاكمين
وقبيل وصوله الى كربلء ،خطب الجيش الذي كان مع الحر بن يزيد الرياحي،
:موضحا له سر حركته ورفضه اعطاء البيعة لطاغية ،فقال
ايها الناس ،ان رسول ال )ص( قال :من راى سلطانا جائرا مستحل لحرام ال ناكثا{
لعهد ال مخالفا لسنة رسول ال يعمل في عباد ال بالثم والعدوان فلم يغير ما عليه بفعل
ول قول كان حقا على ال ان يدخله مدخله ،ال وان هؤلء ،ويقصد السلطة الظالمة
الجديدة ،قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن واظهروا الفساد وعطلوا
}.الحدود واستاثروا بالفئ واحلوا حرام ال وحرموا حلله ،وانا احق من غير
ومن اجل طمانة الناس ،والحيلولة دون التشكيك في صدقية ما يقول ،كخوفهم من ان
يتحولوا الى حطب حرب يستفيد منها المام بعد زجهم فيها ثم يذهب الى السلطة
ليفاوضها ،كما يفعل الكثير من الزعماء والقادة ،ممن ل دين لهم ول ضمير ،قال لهم
:الحسين عليه السلم
}.نفسي مع انفسكم ،واهلي مع اهليكم ،فلكم في اسوة{
رابعا :كذلك ،فان الحسين الشهيد عليه السلم ،لم يمارس الترهيب والترغيب عندما
عرض بضاعته على الناس ،فهو لم يمارس الرهاب الديني لتخويف )المسلمين( من
.مغبة عدم بيعته ،كما انه لم يقتل او يغتال احدا لنه اعطى البيعة للسلطة الجديدة
:فقد خطب مرة بالقوم قائل
ال وان الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين ،بين السلة والذلة ،وهيهات منا الذلة{،
يابى ال لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ،وجدود طابت ،وحجور طهرت ،وانوف حمية،
}.ونفوس ابية ،ل تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ،ال واني قد اعذرت وانذرت
ففي وعي المام ،ان اعطاء البيعة مكرها تحت حد السيف لسلطة جائرة ظالمة،
.يناقض مبدا الكرامة ،بل انه الذل بعينه ،لذلك آثر الموت بعز على الحياة بذل
خامسا :وعندما تحول الحسين عليه السلم الى باب من ابواب الجنة في عاشوراء عام
61للهجرة في صحراء كربلء ،لم يميز بين اهل بيته واصحابه ،اذ كان الجميع عنده
سواسية يتعامل معهم بمساواة قل نظيرها ،بل انه لم يشا ان يرفض التحاق الد )اعدائه(
بركب الشهادة واقصد به الحر بن يزيد الرياحي الذي قرر ان يختار القتل بعز وشرف
وكرامة ،على الحياة بذل ومهانة ،فلم يمنعه المام من اللحاق به ،بل احترم قراره
الجديد ،ومنحه فرصة الخلود البدي في الدنيا والخرة ،من دون ان يفكر بالنتقام منه،
كونه احد اعمدة الحاكم الظالم ،ممن اضروا بالحسين كثيرا ،فالعبرة بالنتائج كما تقول
.الحكمة ،والعمال بخواتيمها
لقد اراد الحسين السبط عليه السلم ،من كل ذلك وغيره ،ان يعلم المة معنى الكرامة،
وكيف يمكن تحقيقها في هذه الحياة الدنيا ،بل اراد ان يعلمها بان امة بل كرامة هي امة
ميتة ،وان البيعة بالكراه لحاكم ظالم دليل صارخ على ان المة بل كرامة ،وان امة ل
.تمتلك حق الختيار ،لهي امة ميتة
.لكل ذلك فان الحسين عليه السلم هو عنوان كرامة المة
علينا ان نتعلم من الحسين كيف نصون حريتنا وكيف نحافظ على خياراتنا ،فل نعطي
.البيعة لكل من هب ودب
سادسا :كان السبط يلزم كل ذي عهد بعهده ،فلم يحمله اكثر من طاقته ،وذلك على
قاعدة )الزموهم بما الزموا به انفسهم( من اجل ان ل يظلم احدا بتحميله ما ل يطيق،
ومن اجل ان تكون حجته قوية عليهم ،انه عليه السلم لم يشا ان يلزم النسان ال بما
اختار بارادته ،فلقد اوصى امير المؤمنين عليه السلم مالكا الشتر عندما وله مصر
بهذه القاعدة ،بقوله }والزم كل منهم ما الزم نفسه{ وهي القاعدة الذهبية في علم
الجتماع اذا كان النظام السياسي ديمقراطيا ،يحترم النسان ويصون حقوقه ويحافظ
.على كرامته ،واذا كان القانون فوق الجميع
انه اسمعهم وذكرهم بعهودهم اكثر من مرة ،كان آخرها صبيحة يوم العاشر من
:المحرم ،اذ وقف فيهم خطيبا ،فقال
ايها الناس ،اسمعوا قولي ول تعجلوني حتى اعظكم بما الحق لكم علي ،وحتى اعتذر{
اليكم من مقدمي عليكم ،فان قبلتم عذري وصدقتم قولي واعطيتموني النصف كنتم بذلك
اسعد ،ولم يكن لكم علي سبيل ،وان لم تقبلوا مني العذر ولم تعطوا النصف من انفسكم،
فاجمعوا امركم وشركاءكم ،ثم ل يكن عليكم امركم غمة ،ثم اقضوا الي ول تنظرون ،ان
}.وليي ال الذي نزل الكتاب ،وهو يتولى الصالحين
:ثم اضاف عليه السلم ،مخاطبا )علية( القوم
يا شبث بن ربعي ،ويا حجار بن ابجر ،ويا قيس بن الشعث ،ويا يزيد بن الحارث{،
الم تكتبوا الي ان قد اينعت الثمار ،واخضر الجناب ،وطمت الجمام ،وانما تقدم على جند
}.لك مجندة ،فاقبل؟
البيعة..عهد ومسؤولية
حاول يزيد بن معاوية ،لحظة توليه السلطة بعد هلك ابيه معاوية بن ابي سفيان ،ان
ياخذ البيعة من الحسين بن علي عليهما السلم ،غصبا وبالقوة ،لنه كان يعرف وزنه في
المجتمع المسلم آنئذ ،وكان يعرف ماذا يعني ان يتخلف السبط عن بيعته ،اذ سيدفع
جمهور المسلمين للقتداء به والتزام موقفه فيمتنع عن البيعة ،ما يؤلب الناس على
السلطة الجديدة ،وهو المر الذي لم يكن مرغوبا عندها لنها حديثة عهد ل تتحمل اية
مشكلة من هذا النوع ،خاصة وانها اول سلطة غير شرعية في الدولة السلمية،
اعتمدت الوراثة التي حرمها ال تعالى ورفضها الرسول الكريم ولم يستسيغها
المسلمون ،الى جانب ان المورث واحد من اسوء )الحكام( سواء على الصعيد الديني او
.الخلقي او حتى السياسي
لذلك ،صدرت اوامر الطاغية الجديد يزيد الى عامله في المدينة المنورة )الوليد بن
عتبة( مشددة باخذ البيعة من الحسين السبط ،ليس فيها اي تهاون او ليونة ،او حتى
.رخصة
ولن المام عليه السلم كان يريد ان يعلمنا كيف نحيا ،لذلك رفض البيعة ،لنها في
وعي المام ليست لقلقة لسان او كلمات ينطقها المرء اليوم ويتملص منها غدا ،ابدا ،بل
ان البيعة عهد ومسؤولية ،عهد يقطعه المرء مع من يبايعه باللتزام بخطه ونهجه،
والسير على هدى مبادئه وتحت قيادته ،ومسؤولية يعلقها المعاهد في رقبته يلزم تحملها
واللتزام بها ،وعدم النقلب عليها ،بكل الظروف ،او خيانة من يعاهده ويبايعه ،ال ان
}.يغير ،فعندها }ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق
ولن البيعة كذلك في قاموس المام ،لذلك رفض البيعة سرا ،في محاولة من المام
ليصال هذه الرسالة الى المسلمين ممن يريدون ان يحيون حياة طيبة ،فاراد ان يقف امام
الجميع ليقول لهم ماذا تعني البيعة؟ ولماذا يرفض اعطائها لحاكم مثل يزيد ،ليبلغ بذلك
رسالته ويلقي حجته ،لئل تكون عند المسلمين من حجة الجهل او عدم المعرفة والوعي
.بحقيقة امر البيعة ،عندما يختارون غدا البيعة ليزيد او رفضها
لقد حاول السبط ان يعلم الناس معنى الحياة الكريمة المقترنة بالبيعة الكريمة ،والتي ل
.تتحقق ال بعهد صحيح لحاكم سوي مستقيم
اما الموات من الحياء ،فهم الذين يسارعون الى اعطاء البيعة لكل من هب ودب من
الحكام والسلطين ،فالمهم عندهم ان يحكمهم حاكم ،برا كان ام فاجرا ،لنهم يظنون ان
البيعة ستنقذ رقابهم من مقصلة الظالم ،او انها ستسقط المسؤولية عن انفسهم ،او ان
البيعة ،مجرد البيعة للحاكم ،ستؤمن لهم الحياة الكريمة ،ناسين او متناسين ان مثل هذه
البيعة هي بداية الموت وليس الحياة ابدا ،ولقد قرانا وراينا مصير الناس الذين بادروا الى
بيعة )ظالم( بحجة التهرب من المسؤولية على قاعدة )بايع لتكفي نفسك شر الحاكم( فلقد
تحولت مثل هذه البيعة الى كابوس يلحقهم فلم يهنأوا بعيش ولم يكفوا انفسهم شر الحاكم
.الظالم ،فكانت نهايتهم القتل بسيف الحاكم الذي بايعوه
لقد اجاب المام السبط الحسين بن علي عليهما السلم والي يزيد على المدينة بقوله
عليه السلم }مثلي ل يبايع سرا ،ول يجتزئ بها مني سرا ،فاذا خرجت للناس ودعوتهم
}.للبيعة ،ودعوتنا معهم كان المر واحدا
ولما هددته السلطة بالقتل ان لم يبايع ،كان لبد للمام ان يضع النقاط على الحروف
ليوضح الموقف بالكامل ،فقال عليه السلم }ايها المير ،انا اهل بيت النبوة ،ومعدن
الرسالة ،ومختلف الملئكة ،بنا فتح ال ،وبنا ختم ،ويزيد فاسق ،فاجر ،شارب الخمر،
}.قاتل النفس المحترمة ،معلن بالفسق والفجور ،ومثلي ل يبايع مثله
بذلك ،يكون المام الحسين عليه السلم قد حدد معالم البيعة الصحيحة ،والمقاس
العلمي والديني والسياسي الصحيح للحاكم الذي يستحق ان يمنح البيعة ،طبعا هذا لمن
اراد ان يحيا حياة طيبة ،اما من يريد ان يحيا حياة الموات ،بل حرية وبل كرامة وبل
.حقوق ،فيعطي بيعته لمن يشاء ،وان كان يزيدا واشباهه
الحياة..ان ل تتهرب من المسؤولية
عندما عزم الحسين السبط عليه السلم ،الخروج الى العراق ،والى الكوفة تحديدا،
حاول اكثر من واحد ثنيه عن قراره ،فحاولوا ان يقنعوه بـ )الهرب( من المواجهة ،فل
يصطدم بالنحراف ،كأن يذهب الى اليمن ،مثل ،او ان يهيم بوجهه في الصحراء فيضيع
.نفسه على السلطة الحاكمة
ولو كان الحسين يبحث عن الموت ،لقتنع بمثل هذه النصائح ،فلقد كانت الرض
مفتوحة امامه ،وخيارات الهرب كثيرة جدا ،يتمناها اكثر من مصر ،ولكن ،لنه كان
يطلب الحياة للمة ،فلذلك كان لبد له ان يختار المواجهة ليعلمها كيف تحيا كريمة،
.وكيف تختار الحياة عندما تفرض عليها المواجهة فرضا
لقد علمنا الحسين السبط ،ان مواجهة الظلم وتحدي النحراف هو اقصر الطرق لنيل
.الحياة الحرة الكريمة ،وان الهروب من المواجهة موت بطئ ل يختاره الشرفاء
فالذين نصحوه بالهرب من المواجهة ،كانت حجتهم ان من كتب له ودعاه لينصره،
ليسوا اهل عهد او ذمة ،اذ كان آباءهم واجدادهم قد نكثوا بيعات مماثلة مع جده الرسول
.الكريم )ص( وابيه امير المؤمنين عليه السلم
ال ان الحسين السبط لم يحسب المور بهذه الطريقة ،فلو ان كل موقف يحاسب على
ما سبقه ،لما تحمل احد مسؤولية ،ولو ان كل امرئ يؤاخذ بجريرة ابيه او جده ،لما بادر
احد الى شئ ،ولهذا المعنى اشار القران الكريم بقول ال عز وجل }ول تزروا وازرة
).وزر اخرى
في منهجية الحسين عليه السلم ،ان المسؤولية تقع على عاتق النسان حالما تشخص
امام عينيه وتتهيا لها السباب ،وسيأثم قلبه اذا لم يبادر اليها ويتحملها اذا تردد او هرب،
ولذلك قال امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلم }اما والذي فلق الحبة ،وبرا
النسمة ،لول حضور الحاضر ،وقيام الحجة بوجود الناصر ،وما اخذ ال على العلماء ال
يقاروا على كظة ظالم ،ول سغب مظلوم ،للقيت حبلها على غاربها ،ولسقيت آخرها
}.بكاس اولها ،وللفيتم دنياكم هذه ازهد عندي من عفطة عنز
الماضي..دروس الحاضر
والن ،ما الذي نستفيده من كربلء ،ونحن على اعتاب انتخابات مجالس المحافظات
.في العراق؟
اول :ان ل نضطر للتصويت لحد ،اذا لم نكن مقتنعين به ،وببرنامجه النتخابي
.وبسيرته الذاتية ،وبرصيده الذاتي
ثانيا :الصوت مسؤولية ،فهو يساهم في بناء البلد ،اذا منحناه لمن يستحق ،او يساهم
في تدمير البلد اذا لم نحسن التصرف به ،ولذلك يجب ان نتعامل مع صوتنا كمسؤولية،
.وليس كبضاعة نبيعها لمن يعطي اكثر
ثالثا :ولن الصوت مسؤولية ،لذلك يجب ان نشارك في النتخابات القادمة ،فل نصغ
للمرجفين في المدينة ممن يثبط الناس عن المشاركة ،فالصوت واجب ومسؤولية ل
.يجوز لحد ان يفرط بها ابدا
ان البعض يسعى لتوظيف الفشل والتقاعس ،الذي سبب التاخر في تحسين الوضع
المعيشي للناس ،لثني الناخب عن المشاركة في النتخابات القادمة ،وكأن المقاطعة هي
.الحل
انها ليست حل ابدا ،فعدم المشاركة ليست حل ،والخطا ل يصحح بخطا اعظم وافدح
منه ،والفشل ل يرمم بالتقاعس ،والنجاح ل ياتي بالمقاطعة ،وانما الحل في ان نشارك
وندلي باصواتنا لمن نعتقد بانه افضل من الموجود الحالي ،لنساهم في التغيير نحو
الفضل ،اما عن طريق التدقيق والبحث الذاتي اذا كان الناخب قادرا على القيام بمثل
ذلك ،او السؤال من اهل الخبرة والمعرفة لتشخيص الفضل والحسن من المرشحين
.وقوائمهم
رابعا :حذار من الهروب من المسؤولية ،فان ذلك يمنح الفرصة الذهبية من جديد
.للصوص والقتلة وايتام النظام البائد للعودة الى الحياة السياسية
ان النتخابات ساحة مواجهة بوسائل الديمقراطية ،فالصوت رصاصة ،وصندوق
القتراع مشجب ،ولذلك يجب ان ل نترك ساحة المواجهة ابدا ،لننا اذا هربنا من
المواجهة في ساحة الديمقراطية ،فسنضطر لدفع ثمنها في ساحات الديكتاتورية والنظمة
.الشمولية والحروب العبثية والمقابر الجماعية
خامسا :اذا التزم المرء بعهد عليه ان يفي به ،مرشحا كان قد فاز بالنتخابات ،او ناخبا
.شارك فيها
اما المرشح ،فعليه ان يلتزم ببرنامجه الذي اعلن عنه ايام النتخابات ،والذي فاز
.بموقع المسؤولية على اساسه
اما الناخب ،فعليه ان يظل يطالب المرشح الفائز بالتزاماته ،من خلل الرقابة
.والمحاسبة والمساءلة المستمرة
سادسا :على كل واحد منا ان يتحمل مسؤوليته الشرعية والوطنية والتاريخية ،حال
شخوصها امامه ،ثم ل عليه ان تحملها الخرون او تقاعسوا ،او ان تصدى لها اقرانه او
.ترددوا ،فال تعالى يحاسبنا كل على انفراد ،فل ياخذنا بجريرة غيرنا
نعم ،فان من مسؤولية النسان ان يذكر الخرين بمسؤولياتهم ،ويحثهم على العمل
الصالح ويرغبهم بالتصدي لمهامهم ،خاصة الجتماعية ،ولكن هذا ل يعني ان يربط
.تحمله للمسؤولية بتحمل الخرين لها ،فان بادروا بادر ،وان تقاعسوا تقاعس ،ابدا
سابعا :ان القضايا الكبيرة بحاجة الى همم كبار ،فـ }المرء يطير بهمته ،كما يطير
}.الطائر بجناحيه
هذا من جانب ،ومن جانب آخر ،فان الهداف النظيفة الطاهرة ،بحاجة الى وسائل
نظيفة وطاهرة ،فمثل ،ل يكفي ان تشرب الماء الطاهر ،بل يجب عليه ان تشربه باناء
طاهر كذلك ،والصلة كذلك ،ل يكفي ان تنوي اقامتها ،بل يجب عليك ان تؤديها في
.لباس طاهر ،وهكذا
ولننا في العراق نتحمل مسؤولية اهداف نظيفة وطاهرة ،ولذلك يجب ان تكون
.وسائلنا لتحقيق هذه الهداف نظيفة وطاهرة كذلك
فمثل ،ان من يرشح نفسه في النتخابات للفوز بموقع المسؤولية ،وهو هدف انساني
ووطني مقدس ونظيف ،عليه ان يحققه بوسائل نظيفة ،فل يستخدم الغش والتزوير
وشراء الصوات وتسقيط الخر )المنافس( والكذب وربما الغتيال والقتل ،فان كل ذلك
وسائل غير نظيفة وغير شريفة ،ل يتقرب منها من يتحمل مسؤولية وطنية نظيفة
.وطاهرة
لقد رفض الحسين السبط عليه السلم ان يكذب على الناس او يزور الحقائق او يخفي
عليهم الحقيقة ،للحفاظ على معنوياتهم مثل او ليمكثوا معه ول ينقلبوا عليه ،كما يفعل
الكثير من القادة )المزيفين( كما انه رفض ان يشتري ضمائر الناس واصواتهم
ومواقفهم ،بل قال بصريح العبارة }فمن قبلني بقبول الحق ،فال اولى بالحق{ بمعنى
.آخر ،انه لم يكن يدعو الناس لنفسه وانما للحق ،وما هو ال الوسيلة التي يتحقق بها الحق
ثامنا :واخيرا ،فان كربلء تعلمنا كيف نعيش بكرامة ،من خلل القتال من اجل الحرية
.والمساوة والحفاظ بحقنا في الختيار من دون ان يغصبنا احد على شئ ل نريده
يجب ان نودع عهد الفرض والكراه من غير رجعة ،لنقبض على خياراتنا بكامل
.الحرية
كانون الثاني 1 2009