You are on page 1of 38

‫الكتاب ‪ :‬الدموع فى الحياة الروحية ‪0‬‬

‫المؤلف ‪ :‬قداسة البابا المعظم النبا شنوده الثالث ‪0‬‬

‫الناشر ‪ :‬الكلية الكليريكية للقباط الرثوذكس ‪0‬‬

‫الطبعة ‪ :‬الولى يونيو ‪1990‬م ‪0‬‬


‫المطبعة ‪ :‬النبا رويس الوفست – العباسية – القاهرة ‪0‬‬

‫رقم اليداع بدار الكتب ‪4663/1990 :‬م‬

‫ترجع قصة هذا الكتاب إلى ثلثين عاما ً ‪000‬‬


‫كان ذلك سنة ‪ ، 1960‬وكنففت فففى مغففارتى فففى البحففر الفففارغ‬
‫ببرية شيهيت ‪ 0‬وكان لدى وقت لجيب على أسففئلة روحيففة‬
‫يرسلها إلى بعض أبنائى الروحيين ‪0‬‬
‫وفى إحدى المرات ‪ ،‬جاءنى خطاب يحوى العديد من السئلة ‪،‬‬
‫أجبت على أكثر من عشففرة منهففا وبقففى هففذا الموضففوع ‪0‬‬
‫فقلت لصاحب الخطاب ) ها أنا قد أجبتك على كل أسففئلتك‬
‫‪ 0‬وبقيت الدموع ‪ 0‬حاضر يا ) فلن ( ‪ 00‬من عينى الثنتين‬
‫‪( 00‬‬
‫وحضرت النقاط الخاصة بالموضوع ‪ ،‬وبقيت معى ‪ 00‬ثم‬
‫كانت رسامتى للسقفية ‪ ،‬وألقيت محاضرة عن هذا الموضوع‬
‫سنة ‪00 1964‬‬
‫أخيرا ً عثرت على أوراقه كلها ‪ ،‬ورأيت أن أنشرها ‪ ،‬لئل تتوه‬
‫وسط أوراقى الكثيرة ‪ ،‬أو تضيع‬
‫شنوده‬ ‫البابا‬ ‫يونيو ‪1990‬‬
‫الثالث‬

‫قمة الدموع‬
‫أسمى صورة للدموع ‪ ،‬هى قول النجيل فى قصة إقامة لعازر من‬
‫الموت ‪:‬‬
‫) بكى يسوع ( ) يو ‪0 ( 35 :11‬‬
‫إنها اقصر آية فى الكتاب المقدس ‪ 0‬ولعلها فى نفس الوقت من أعمق‬
‫اليات فى الكتاب المقدس ‪ 00‬ولعلها مثلها فى التأثير ‪:‬‬
‫بكاء السيد المسيح على أورشليم ) لو ‪( 41 : 19‬‬
‫إنها دموع أعمق من كل تأملتنا ‪ 00‬فيها الحب ‪ ،‬والتأثر ‪ ،‬ورقة القلب‬
‫وحساسيته ‪ ،‬والحنو ‪ ،‬وربما الحزن أيضا ً ‪ 0‬وفيها معان أخرى ل أعرفها ‪0‬‬
‫من هنا يستطيع أن يصل إلى أعماقها؟!‬

‫تطويب البكاء‬
‫*طوب السيد المسيح البكاء ‪0‬‬
‫فقال ) طوباكم أيها الباكون الن ‪ ،‬لنكم ستضحكون ( ) لو ‪( 21 : 6‬‬
‫) طوبى للحزانى الن ‪ ،‬لنهم سيتعزون ( ) متى ‪ ) 0 ( 4 : 5‬متى ‪4 : 5‬‬
‫(‪0‬‬
‫*وقيل فى المزمور ) ‪0 ( 5 : 126‬‬
‫الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالبتهاج‬
‫*وقيل فى سفر الجامعة لسليمان الحكيم ‪ " :‬الذهاب إلى بيت النوح ‪،‬‬
‫خير من الذهاب إلى بيت الفرح "‬
‫" قلب الحكماء فى بيت النوح وقلب الجهال فى بيت الفرح " ) جا ‪: 7‬‬
‫‪ 0(2،4‬وأيضا‬
‫"الحزن خير من الضحك ‪ 0‬لنه بكآبة الوجه يصلح القلب " ) جا ‪0 ( 3 : 7‬‬
‫مما يدعو إلى الملحظة أن الكنيسة تدعونا إلى البكاء على خطايانا فى‬
‫كل يوم ‪ ،‬فى صلة الهجعة الثانية من صلة نصف الليل ‪ ،‬حيث نقول ‪:‬‬
‫" أعطنى يارب ينابيع دموع كثيرة ‪ ،‬كما أعطيت فى القديم للمرأة‬
‫الخاطئة ( ‪000‬‬
‫" واجعلنى مستحقا أن أبل قدميك اللتين أعتقتائى من طريق الضللة ‪،‬‬
‫وأقدم لك طيبا ً فائقا ً ‪ ،‬وأقتنى لى عمرا ً نقيا ً بالتوبة " ‪ 0‬وهكذا تضع‬
‫أمامنا إنجيل المرأة الخاطئة ) لو ‪ 0 ( 7‬لنصلية كل يوم فى نصف الليل ‪،‬‬
‫ونأخذ درسا ً من دموعها وتوبتها ‪ 0‬ويقف كل منا ليصلى أمام الله‬
‫ويقول ‪ :‬أعطنى يارب ينابيع دموع كثيرة ‪ ،‬ل بكى على كبريائى وغضبى‬
‫وقسوتى ونجاستى ‪ ،‬وتقصيرى ‪ ،‬وأخطائى باللسان والقلب والفكر ‪00‬‬
‫عدم محبتى لك وللناس ‪ ،‬وقلة جديتى فى روحياتى ‪ ،‬وقلة حرصى على‬
‫حفظ وصاياك ‪ 00‬واعطنى ايضا ً ينابيع دموع كثيرة ‪ ،‬لبكى على عدم‬
‫محبتى ‪ 0‬وإن الله يطلب منا أن نبكى باستمرار ‪ ،‬ويقول لنا فى سفر‬
‫يوئيل النبى ‪:‬‬
‫" ارجعوا إلى بكل قلوبكم ‪ ،‬وبالصوم والبكاء والنوح " ) يؤ ‪0( 12 : 2‬‬
‫ويقول فى سفر ملخى النبى ‪ " :‬مغطين مذبح الرب بالدموع والصراخ "‬
‫) مل ‪0 ( 13 : 2‬‬
‫نحن محتاجون إلى هذه الدموع ‪ ،‬طالما نحن على الرض ‪ ،‬يكفى أن ربنا‬
‫يسوع المسيح قال فى تطويباته ‪ " :‬طوباكم الباكون الن ‪ ) "00‬لو ‪: 6‬‬
‫‪ 00 (21‬وعبارة )الن ( تعنى هنا على الرض ‪ 0‬وعبارة " لنكم تتعزون "‬
‫تعنى هناك فى السماء ‪ 0‬لن الدموع من ثمارها العزاء ‪0‬‬

‫* دموع الصلة ‪0‬‬


‫* دموع التوبة ودموع الندم ‪0‬‬
‫* دموع اليأس ‪0‬‬
‫* دموع الشفاق على الخرين أو دموع المشاركة‬
‫الوجدانية ‪0‬‬
‫* دموع الفراق فى حالتى الموت واو الوداع ‪0‬‬
‫* دموع التلقى بعد الفراق ‪0‬‬
‫* دموع العجز أو القهر ‪0‬‬
‫* دموع التأثر ‪ ،‬الحساسية ‪ ،‬ألنفعال ‪0‬‬
‫* دموع الحزن ‪ ،‬الحسرة ‪ ،‬الخسارة ‪0‬‬
‫* دموع فى الخدمة ‪0‬‬
‫* دموع المحبة والفرح ‪0‬‬
‫* دموع الشهوة ‪0‬‬
‫* دموع زائفة ‪0‬‬

‫ما أكثر أنواع الدموع فى الحياة البشر ‪ ،‬تختلف بحسب أسبابها ‪ 0‬ونذكر‬
‫هنا من بين هذه النواع‬
‫‪ -1‬دموع الصلة ‪0‬‬
‫‪ -2‬دموع التوبة ‪ ،‬ودموع الندم ‪0‬‬
‫‪ -3‬دموع اليأس ‪0‬‬
‫‪ -4‬دموع الشفاق على الخرين أو دموع المشاركة الوجدانية ‪0‬‬
‫‪ -5‬دموع الفراق ‪ 0‬فى حالتى الموت أوالوداع ‪0‬‬
‫‪ -6‬دموع التلقى بعد الفراق ‪0‬‬
‫‪ -7‬دموع العجز أوالقهر ‪0‬‬
‫‪ -8‬دموع التأثر‪ ،‬الحساسية ‪ ،‬النفعال ‪0‬‬
‫‪ -9‬دموع الحزن ‪ ،‬الحسرة ‪ ،‬الخسارة ‪0‬‬
‫‪ -10‬دموع الخدمة‬
‫‪ -11‬دموع المحبة‪ ،‬والفرح ‪0‬‬
‫‪ -12‬دموع الشهوة ‪0‬‬
‫‪ -13‬دموع زائفة‬

‫وهى كثيرة جدا ً فى الكتاب المقدس ‪ ،‬وفى سير القديسين ‪ ،‬سنذكرها‬


‫حينما نتحدث بالتفصيل عن دموع القديسين ‪ 0‬وسببها الحب ‪ ،‬والتأثر ‪،‬‬
‫وعمق الصلة التى تصدر من القلب ‪ ،‬مع مشاعر الشتياق والحنين إلى‬
‫الله ‪ ،‬أو عمق فى الطلب ‪0‬‬
‫ومن اشهرها دموع داود النبى الذى قال للرب فى مزاميره "انصت إلففى‬
‫دموعى "‬
‫) مز ‪ (119‬ومن أمثلتها دموع حنة زوجة القانة وقد ورد عن صلتها أنها‬
‫) صلت إلى الرب ‪ ،‬وبكت بكاء ‪ ،‬ونذرت نذرا ً " ) ‪ 1‬صم ‪( 11 ، 10 : 1‬‬
‫وأمثلة الدموع فى الصلة كثيرة جدا ً فى الكتاب المقدس ‪ ،‬وفى سير‬
‫القديسين أيضا ً )أنظر الباب الثالث (‬

‫من أمثلتها فى الكتاب ‪:‬‬


‫‪-1‬دموع المرأة الخاطئة التى بللت قدمى المسيح بدموعها ) لو ‪( 38 : 7‬‬
‫كففانت تبففل قففدميه بالففدموع ‪ ،‬وتمسففحهما بشففعر رأسففها ‪ 0‬وقففال السففيد‬
‫المسيح عنها إنها ) غلست رجلى‬
‫بالدموع ( وأنها أحبت كففثيرا ً ‪ ،‬وغفففر لهففا الكففثير ‪ 0‬وفضففلها الففرب علففى‬
‫الفريسى الذى يشعر ببره ‪000‬‬
‫لم يكن لديها كلم تقوله ‪ ،‬أو تجرؤ أن تقوله ‪ ،‬فتكلمت دموعها‬
‫‪0‬‬
‫النسان الشاعر بخطاياه ‪ ،‬النادم عليها ‪ ،‬يخجل أن يتكلم ‪0‬‬
‫وتضغط مشاعر الندم والحزن فى قلبه ‪ ،‬على منابع الدمع فى‬
‫عينيه ‪ ،‬فيبكى ‪ 0‬ويكون بكاؤه أصدق تعبيرا ً من أى كلم ‪0‬‬
‫ربما يقول إنسان كلما ً بدون مشاعر ‪ ،‬أما البكاء فهو مشاعر‬
‫بدون كلم ‪00‬‬
‫وهى مشاعر صادقة معبرة ‪0‬‬
‫***‬
‫ومن أمثلة دموع التوبة أيضا ً ‪:‬‬
‫‪-2‬دموع داود النبى فى توبته ‪:‬‬
‫وهذه ما أعمقها فى قوله " تعبت فى تنهدى ‪0‬أعوم كل ليلة سريرى ‪،‬‬
‫وبدموعى أبل فراشى " ) مز ‪ ( 6 : 6‬وقوله أيضا ً " أبكيت بصوم نفسى‬
‫جعلت لباسى مسحا ً " )مز ‪(10،11 : 69‬‬
‫" من صوت تنهدى ‪ ،‬لصق عظمى بلحمى ‪ 00‬أكلت الرماد مثل الخبز ‪،‬‬
‫ومزجت شرابى بالدموع‬
‫) مز ‪0 ( 9، 5 : 102‬‬
‫***‬
‫ولعل من المثلة البارزة لدموع الندم والتوبة ‪:‬‬
‫‪-3‬دموع بطرس الرسول بعد إنكاره ‪:‬‬
‫ً‬
‫وفى ذلك يقول عنه الكتاب أنه " خرج إلى خارج ‪ ،‬وبكى بكاء مرا "‬
‫) متى ‪0 ( 72 : 26‬‬
‫ً‬
‫وهنا نجد البكاء مصحوبا بمرارة فى القلب وفى الدموع ومن أمثلة دموع‬
‫التوبة أيضا ً ‪:‬‬
‫‪-4‬دموع الشعب كله فى توبة عامة ‪:‬‬
‫وعنها يقول يوئيل النبى ‪" :‬ولكى الن يقول الرب ‪ :‬ارجعوا إلى بكل‬
‫قلوبكم ‪ ،‬وبالصوم والبكاء والنوح ‪ 0‬مزقوا قلوبكم ل ثيابكم ‪ ،‬وارجعوا‬
‫إلى الرب الهكم "‪ " 0‬ليبك الكهنة خدام الرب بين الرواق والمذبح ‪،‬‬
‫ويقولوا أشفق يا رب على شعبك ‪ ،‬ول تسلم ميراثك للعار " ) يوئيل ‪: 2‬‬
‫‪0 (18 ، 13 ، 12‬‬
‫ً‬
‫وقد بكى الشعب كله بكاء عظيما أيام عزرا الكاهن بسبب خطاياهم‬
‫وصلى عزرا واعترف ‪ ،‬وهو باك وساقط أمام بيت الله " ) عز ‪( 1 : 10‬‬
‫وبالمثل يقول القديس بولس الرسول لهل كورنثوس موبخا ً " لم‬
‫تنوحوا حتى يرفع من وسطكم الذى فعل هذا الفعل " ) اكو ‪0(2 : 5‬‬
‫ويقول القديس يعقوب الرسول ‪:‬‬
‫) نقول أيديكم أيها الخطاة اكتئبوا ‪ ،‬ابكوا ‪ ،‬ونوحوا " ) يع ‪0 (9 ، 8 : 4‬‬
‫ويشرح ملخى النبى هذا المر فيقول " مغطين مذبح الرب بالدموع‬
‫والبكاء والصراخ "‬
‫) مل ‪( 13 : 2‬‬
‫***‬
‫ومن أمثلة البكاء بسبب الخطية ‪:‬‬
‫*بكاء الذين طعنوا المسيح ‪ ،‬حينما يرونه فى مجيئه الثانى ‪0‬‬
‫وفى ذلك يوق سفر الرؤيا ‪ :‬هوذا ياتى على السحاب ‪ ،‬وستنظره كل‬
‫عين ‪ ،‬والذين طعنوه وينوح علية جميع قبائل الرض " ) رؤ ‪0 ( 7 : 1‬‬
‫ولكن النوح فى هذا المثال ‪ ،‬ل نضعه تحت عنوان التوبة ‪ ،‬وقد ل يتصف‬
‫بالندم أيضا ‪ 0‬ربما تكون دموع الحزن واللم والحسرة ‪ ،‬بغير أمل ‪000‬‬

‫ولعل من أبرزها فى الكتاب ‪:‬‬


‫دموع الحزن على الخطاة ‪ ،‬الذين هلكوا أو رفضهم الرب ‪0‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ‪ :‬بكاء صموئيل النبى على شاول الملك ‪ 0‬وفى ذلك‬
‫يقول الكتاب " وناح صموئيل على شاول " ) ‪ 1‬صم ‪ " ، ( 35 : 15‬فقال‬
‫له الرب ‪ :‬حتى متى تنوح على شاول ‪ ،‬وأنا قد رفضته ؟!‬
‫) ‪ 1‬صم ‪( 1 : 16‬‬
‫*وبالمثل بكى بولس الرسول على الخدام الذين سقطوا وهلكوا‬
‫فقال " لن كثيرين من الذين كنت أذكرهم لكم مرارا ً ‪ ،‬والن أذكرهم‬
‫باكيا ً ‪ ،‬وهم أعداء صليب المسيح ‪ ،‬الذين نهايتهم الهلك " ) فى ‪، 18 : 3‬‬
‫‪0 ( 19‬‬
‫*ويذكر سفر الرؤيا البكاء على بابل ‪ ،‬المدينة العظيمة الخاطئة ‪:‬‬
‫فيقول " وسيبكى وينوح عليها ملوك الرض ‪ ،‬الذين زنوا تنعموا معها ‪،‬‬
‫حينما ينظرون دخان حريقها ‪ ،‬واقفين من بعيد الجل خوف عذابها ‪،‬‬
‫قائلين ‪ :‬ويل ويل " ) رؤ ‪0 ( 10، 9 : 18‬‬
‫***‬
‫*ألعلنا نذكر أيضا بكاء داود على أبشالوم ؟!‬
‫إنه حقا ً حزن على إبنه الذى مات ‪ ،‬ولكن هناك نقطة حساسة وهى أنه‬
‫مات هالكا ً ‪ 00‬مات خائنا ً لبيه ‪ ،‬وثائرا ً علية ‪ ،‬ومحاربا ً ضده ‪ ،‬وزانيا ً مع‬
‫نسائه ‪0‬‬
‫إن داود لم يبك على إبنه الذى ولدته إمرأة أوريا ‪ ،‬وقال " هل أقدر أن‬
‫أرده بعد ؟! أنا ذاهب إليه ‪ ،‬وأما هو فل يرجع إلى " ) ‪2‬صم ‪00 ( 23 : 12‬‬
‫أما على أبشالوم فبكى ‪0‬‬
‫لقد مات هالكا ً ‪ ،‬فلن يذهب إليه أبوه ‪ 00‬بل أنفصل عنه إلى البد‬
‫***‬
‫*ومن أمثلة البكاء بسبب الحزن بكاء داود وكل الشعب ‪ ،‬لما غزا‬
‫العمالقة مدينة صقلع واحرقوها وسبوا نساءها ‪ 00‬هنا يقول الكتاب ‪:‬‬
‫فرفع داود والشعب الذين معه أصواتهم ‪ ،‬وبكوا حتى لم تبق لهم قوة‬
‫للبكاء ") ‪1‬صم ‪0(4-1 : 30‬‬
‫موقف مؤثر حقا ً ‪ 00‬وبكاء وصل إلى نهايته القصوى ‪ ،‬حتى لم تبق لهم‬
‫قوة للبكاء ‪00‬‬
‫***‬
‫*ومن أمثله بكاء الحزن ‪ ،‬سفر مراثى ارمياء النبى كله ‪ 00‬إنه سفر‬
‫البكاء والدموع ‪00‬يدخل فى بكاء الحزن ‪ ،‬ولكنه الحزن بسبب الخدمة ‪،‬‬
‫وبدافع من الغيرة المقدسة ‪ 0‬ويصلح أيضا ً أن يرثى به النسان ذاته ‪0‬‬

‫ليس سهل على قلففوب ارتبطففت بففالحب ‪ ،‬أن تفففترق ‪ ،‬وبخاصففة لففو كففان‬
‫فراقا ً بل عودة إلى اللقاء ‪ ،‬على القل على هذه الرض ‪000‬‬
‫ولذلك نجد فى هذا المجال أمثلة لقديسين وقديسات بكوا ‪ ،‬بسبب هذا‬
‫الفراق ‪ ،‬ومن بين هذه المثلة ‪:‬‬
‫*بكاء أبينا إبراهيم على سارة ‪0‬‬
‫وفى ذلك يقول الكتاب بعد موت سارة " فأتي إبراهيم ليندب سارة‬
‫ويبكى عليها " ) تك ‪(2 : 23‬‬
‫*كذلك قيل عن مريم أخت لعازر ‪ ،‬بعد موته ‪ :‬إنها ذهبت إلى القبر لتبكى‬
‫هناك " ) يو ‪(31 :11‬‬
‫*قد بكت مريم المجدلية عند قبر السيد المسيح ‪ 0‬وقيل عنها " أما مريم‬
‫فكانت واقفة عند القبر خارجا ً تبكى " ) يو ‪ 0 ( 11 : 20‬حتى أن‬
‫الملكين قال " يا إمراة ‪ ،‬لماذا تبكين ؟ " ‪ 0‬ونفس العبارة قالها لها‬
‫السيد المسيح ) يو ‪( 15 ، 13 : 20‬‬
‫*وكانت أرملة نايين تبكى على إبنها الميت ‪ " 0‬فلما رآها الرب تحنن‬
‫عليها ‪ ،‬وقال لها ل تبكى "‬
‫) لو ‪0 ( 13 : 7‬‬
‫***‬
‫*بل أن الشعب كله ‪ ،‬بكى ‪ ،‬لما قال لهم القديس بولس ‪ :‬ل ترون‬
‫وجهى بعد ‪00‬‬
‫وهكذا يقول سفر أعمال الرسل " وكان بكاء عظيم من الجميع ‪،‬‬
‫ووقعوا على عنق بولس يقبلونه ‪ ،‬متوجعين ول سيما من الكلمة التى‬
‫قالها إنهم لن يروا وجهه أيضا " ) أع ‪0(38 ، 37 : 20‬‬
‫***‬
‫لكل هذا أنا أتعجب من بعض الباء الكهنة أو الشمامسة أو الراخنة ‪،‬‬
‫الذين ينتهرون النساء بعنف ‪ ،‬حينما يبكون فى جناز !!‬
‫هذا البكاء شئ طيبعى ‪ ،‬ومشاعر إنسانية من الصعب كتمانها ‪ 00‬إنما‬
‫ينبغى أن يكون فى حدود المعقول ‪ ،‬ول يتحول إلى صراخ مستمر‬
‫يعطل الصلة فى الكنيسة ‪0‬‬
‫***‬

‫وتبدو هذه واضحة جدا ً ‪ ،‬فى لقاء يوسف الصديق باخوته وبابيه ن بعد‬
‫سنوات من الفراق‬
‫ً‬
‫*حينما سمع يوسف اخوته يقولون بعضهم لبعض " حقا إننا مذنبون إلى‬
‫أخينا الذى رأينا ضيقة نفسه لما استرحمنا ولم نسمع " ‪ 00‬يقول‬
‫الكتاب عن يوسف " فتحول عنهم وبكى "‬
‫) تك ‪0 ( 24 : 42‬‬
‫*وأيضا حينما أعلن نفسه لهم ‪ ،‬يقول الكتاب عنه إنه " صرخ ‪ :‬أخرجوا‬
‫كل إنسان عنى ‪ 0‬فلم يقف أحد عنده حين عرف يوسف اخوته بنفسه ‪0‬‬
‫فاطلق صوته بالبكاء ‪ 00‬وقال يوسف لخوته ‪ :‬أنا يوسف ‪ 0‬أحي أبى بعد‬
‫؟ " ) تك ‪0 (3 – 1 : 45‬‬
‫*وكذلك حينما التقى بأخيه بنيامين ‪ ،‬يقول الكتاب ‪:‬‬
‫" ثم وقع على عنق بنيامين أخيه وبكى ‪ 0‬وبكى بنيامين على عنقه ‪0‬‬
‫وقبل جميع اخوته وبكى عليهم " ) تك ‪0 ( 15 ، 14 : 45‬‬
‫*وبنفس التأثر ‪ ،‬وبنفس البكاء ‪ ،‬كان لقاء يوسف الصديق مع أبيه‬
‫يعقوب ‪ 0‬يقول الكتاب فى ذلك " فشد يوسف مركبته ‪ ،‬وصعد لستقبال‬
‫إسرائيل ابيه ‪ ،‬إلى جاسان "‪0‬‬
‫" ولما ظهر له ‪ ،‬وقع على عنقه ‪ ،‬وبكى على عنقه زمانا ً " ) تك ‪29 : 46‬‬
‫(‪0‬‬
‫إنما مشاعر إنسانية حساسة ‪0‬‬
‫*ولعلنا على نفس القياس النسانى ‪0‬‬
‫نذكر لقاء يعقوب بابنة خاله راحيل‬
‫يقول الكتاب فى ذلك " وقبل يعقوب راحيل ‪ ،‬ورفع صوته وبكى ‪0‬‬
‫وأخبر يعقوب راحيل أنه أخو أبيها ‪ ،‬وأنه إين رفقة " ) تك‬
‫‪0 ( 12 ، 11 : 29‬‬
‫لقد تأثر أن الرب قد وفقه إلى بيت خاله ‪ ،‬وأنه رأى إبنه خاله أمامه‬
‫بتدبير إلهي ‪ 0‬فرفع صوته وبكى ‪ 00‬إنها مشاعر إنسانية ‪0‬‬
‫يمكن بها أن يبكى النسان تأثرا فى حالة اللقا ‪ ،‬كما أيضا‬
‫فى حالة الفراق ‪00‬‬

‫وهى دموع لجل الخرين ‪ ،‬أو مع الخرين ‪ ،‬وعنها يقول الرسول ‪" :‬‬
‫‪00‬بكاء مع الباكين "‬
‫) رو ‪0 ( 15 : 12‬‬
‫ولهذا النوع أيضا ً أمثله عديدة فى الكتاب المقدس ‪ ،‬منها قول القديس‬
‫يوحنا النجيلى ‪:‬‬
‫*" وكان كثيرون من اليهود قد جاءوا إلى مرثا ومريم ليعزوهما عن‬
‫أخيهما " ) يو ‪( 19: 11‬‬
‫ولعل ابرع وأعمق ما قيل فى هذه المناسبة ‪ " :‬فلما رآها – أى مريم –‬
‫تبكى ‪ ،‬واليهود الذين جاءوا معها يبكون "‪00‬‬
‫*" بكى يسوع ") يو ‪0( 35 : 11‬‬
‫*ولعل من المثلة الخرى فى هذا المجال بكاء بنات أورشليم ‪ ،‬لما رأين‬
‫السيد المسيح يساق إلى الصلب ‪ ،‬إذ " تبعه جمهور كثير من الشعب ‪،‬‬
‫والنساء أيضا اللواتى كن يلطمن ايضا ً و ينحن علية ) لو ‪( 27 : 23‬‬
‫*"بكى يسوع " ) يو ‪0 ( 35 : 11‬‬
‫*ولعل من المثلة الخرى فى هذا المجال بكاء بنات اورشليم ‪ ،‬لما رأين‬
‫السيد المسيح يساق إلى الصلب ‪ ،‬إذ " تبعه جمهور كثير من الشعب ‪،‬‬
‫والنساء ايضا ً اللواتى كن يلطمن أيضا ً وينحن عليه ) لو ‪0 ( 27 : 23‬‬
‫*من المثلة أيضا بكاء المهات على أبنائهن فى أية ضيقة ‪0‬‬
‫فلما فرغ الماء من هاجر وابنها ‪ ،‬طرحت الولد تحت احدى الشجار ن‬
‫ومضت وجلست مقابله بعيدا ً ‪ 00‬وقالت ل انظر موت الولد ‪ 00‬ورفعت‬
‫صوتها وبكت ) تك ‪( 16 ، 15 : 22‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ‪ ،‬بكاء الشعب عند إعادة بناء الهيكل بعد السبى ن فى‬
‫أيام زربابل ‪ 0‬ويقول فى ذلك سفر عزرا الكاهن ‪ " :‬وكثيرون من الكهنة‬
‫واللويين ورؤوس الباء الشيوخ ‪ ،‬الذين راوا البيت الول ‪ ،‬بكوا بصوت‬
‫عظيم عند تأسيس هذا البيت أمام أعينهم ‪ 0‬وكثيرون كانوا يرفعون‬
‫أصواتهم بالهتاف بفرح ‪ 0‬ولم يكن الشعب يميز هتاف الفرح من‬
‫صوت بكاء الشعب " )عز ‪( 13: 12: 3‬‬
‫***‬

‫منها دموع اليًاس ‪:‬‬


‫*ولعل من أمثلتها دموع عيسو التى قال عنها الرسول " لئل يكون أحد‬
‫متسبيحا ً كعيسو ‪ ،‬الذى لجل أكلة واحدة باع بكوريته ‪ 0‬فإنكم تعلمون أنه‬
‫ايضا ً لما اراد أن يرث البركة ‪ ،‬رفض ن إذ لم يجد للتوبة مكانا ً مع أنه‬
‫طلبها بدموع " ) عب ‪0 ( 17 ، 16 : 12‬‬
‫***‬
‫دموع عيسو كانت نوعا ً آخر ‪0‬‬
‫*كانت دموع العجز والقهر ‪0‬‬
‫أو كانت دموع الغيظ والحقد على أخيه ‪ ،‬ودموع اليأس من نوال البركة‬
‫‪ " 00‬قال عيسو لبيه ‪ :‬لك بركة واحدة فقط يا أبى ‪ 0‬باركنى أنا ايضا ً يا‬
‫أبى ‪ 0‬ورفع صوته وبكى " ) تك ‪ 0 ( 38 : 27‬وقيل إنه لما سمع ببركة‬
‫يعقوب " صرخة عظيمة ومرة جدا ً " ) تك ‪ 0 ( 38 : 27‬صرخ صرخة‬
‫عظيمة ومرة جدا ً " ) تك ‪( 34 : 27‬‬
‫البركة العظمى التى نالها يعقوب ‪ ،‬أن السيد المسيح يأتى التى نالها‬
‫يعقوب ‪ ،‬أن السيد المسيح يأتي من نسله ‪ ،‬وبنسله تتبارك جميع قبائل‬
‫الرض ) تك ‪ 0( 14 : 28‬ولم يكن ممكنا ً أن يأتي المسيح من عيسو‬
‫ويعقوب معا ً ‪0‬‬
‫لذلك عبارة " ألك بركة واحدة يا ابى " ؟! تعنى من جهة هذا الموضوع‬
‫جهل ً تاما ً بالبركة ونوعها !! وكانت صرخته صرخة غيظ وقهر ‪ ،‬وبكاؤه‬
‫بكاء عجز ويأس ‪00‬‬
‫***‬
‫ومن امثلة هذا البكاء اليأس المرفوض ايضا ً ‪:‬‬
‫*بكاء الهالكين فى البدية ‪0‬‬
‫إذ يقول الكتاب عنهم إنهم " يطرحون فى الظلمة الخارجية ‪ 0‬هناك‬
‫يكون البكاء وصرير السنان " ) متى ‪ 0 ( 12 : 8‬ويقول أيضا عن نهاية‬
‫العالم " يرسل أبن النسان ملئكته ‪ ،‬فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر‬
‫وفاعلى الثم ‪ ،‬ويطرحونهم فى أتون النار ‪0‬‬
‫هناك يكون البكاء وصرير السنان " ) متى ‪0(42 ، 41 : 13‬‬
‫ونفس الكلم يتكرر فى ) متى ‪ ، ( 51 : 24‬وفى ) لو ‪ 0 ( 28 :13‬فما‬
‫جدوى مثل هذا البكاء ؟‬
‫إنها دموع تضيف خطأ جديدا ً ‪ ،‬إلى خطيئة الشهوة ‪ ،‬فتصبح‬
‫خطية مركبة ‪0‬‬
‫ً‬
‫من أمثلتها خطأ الشعب ‪ ،‬حينما بكى فى البرية مشتهيا أن‬
‫يأكل لحما ً !!‬
‫وفى ذلك يروى سفر العدد ‪:‬‬
‫" واللفيف الذى فى وسطهم اشتهى شهوة ‪ 0‬فعاد بنو‬
‫إسرائيل ايضا ً وبكوا ‪ 0‬وقالوا من يطعمنا لحما ً ؟! قد تذكرنا‬
‫السمك الذى كنا نأكله فى مصر مجانا ً ‪ ،‬والقثاء والبطيخ‬
‫والكرات والبصل والثوم ‪ ) "00‬عد ‪ 0 ( 5، 4 : 11‬وقال موسى‬
‫للرب " من أين لى لحم ‪ ،‬حتى أعطى جميع هذا الشعب ‍‬
‫؟‬
‫‍لنهم يبكون على قائلين ‪ :‬أعطنا لحمنا لنأكل " ) عد ‪( 13 : 11‬‬
‫‪0‬‬
‫لعل من أشهرها دموع ارمياء النبى ‪0‬‬
‫هذه التى سجلت فى سفر كامل من السفار المقدسة دعى ) مراثى‬
‫أرمياء ( ‪0‬‬
‫والذى يشمل صلوات كثيرة ‪ ،‬كلها تنهد وحسرة ‪ ،‬كأن يقول ‪:‬‬
‫" أنظر يا رب ماذا صار لنا ‪ 0‬وانظر إلى عارنا ‪ 0‬قد صار ميراثنا للغرباء‬
‫‪ 00‬صرنا بل أب ‪ ،‬أمهاتنا كأرامل " ) مرا ‪ 0 ( 3-1 : 5‬ويقول أيضا ً "‬
‫مضى فرح قلبنا ‪ 0‬صار رقصنا نوحا ً ‪0‬‬
‫من أجل هذا حزن قلبنا ‪ 0‬من أجل هذه اظلمت عيوننا ‪ 00‬لماذا تنسانا‬
‫إلى البد وتتركنا طول اليام ‪ 0‬ارددنا يا رب فنرتد ‪ 0‬جدد أيامنا كالقديم‬
‫‪ 0‬هل كل الرفض رفضتنا ؟! " ) مرا ‪( 22– 15 : 5‬‬
‫ويشرح فى هذا السفر بكاء مملكة يهوذا فيقول ‪:‬‬
‫" على هذا أنا باكية ‪ 0‬عينى عينى تكسب مياها ً ‪ 0‬لنه قد ابتعد عنى‬
‫المعزى ‪ ،‬راد نفسى "‬
‫) مر ‪ " ( 6 : 1‬كلت من الدموع عيناى ‪ 0‬غلت أحشائى " ) مر ‪0 ( 11 : 2‬‬
‫" سكبت عيناى ينابيع ماء على سحق بنت شعبى ‪ 0‬عينى تسكب ول‬
‫تكف بل انقطاع ‪ ،‬حتى يشرف وينظر الرب‬
‫من السماء " ) مر ‪0( 50 ، 49 : 2‬‬
‫هنا بكاء بل انقطاع ‪ ،‬وبل عزاء ‪ ،‬حتى تعبت العين من البكاء ‪ ،‬وشعور‬
‫بان الله قد ترك النفس أو نسيها أو رفضها !! وصلة ‪ 00‬مع صلة إليه‬
‫أن يرجع ‪0‬‬
‫***‬
‫‪-2‬ولعل من المثلة ايضا ً بكاء المسبيين عند أنهار بابل ‪ 0‬وفى ذلك‬
‫يقول المرتل ‪:‬‬
‫" على أنهار بابل هناك جلسنا ‪ ،‬فبكينا عندما تذكرنا صهيون ‪ 0‬على‬
‫الصفصاف فى وسطها علقنا قيثاراتنا ‪ 0‬لن هناك سألنا الذين سبونا‬
‫أقوال التسبيح ‪ 00‬كيف نسبح تسبحة الرب فى ارض غريبة ؟ ! ) مز‬
‫‪( 136‬‬
‫***‬
‫‪-3‬ومن المثلة أيضا ً بكاء نحميا لما سمع أخبار سيئة عن أورشليم ‪0‬‬
‫فقال ‪ :‬فلما سمعت هذا الكلم ‪ ،‬جلست وبكيت ‪ ،‬ونحت أياما وصمت‬
‫وصليت أمام إله السماء "‬
‫) نح ‪ 0( 4 : 1‬وفى صلته إعترف بخطاياه وخطايا كل الشعب ‪ ،‬وطلب‬
‫من الرب رحمة ‪ ،‬مذكرا ً إياه بمواعيده للباء ‪0‬‬
‫***‬
‫‪ -4‬ونفس الوضع بالنسبة إلى عذرا الكاهن ‪ ،‬لما عرف خطايا الشعب ‪0‬‬
‫فبكى وأبكى الشعب معه‬
‫وفى ذلك يقول الكتاب "فلما صلى عزرا ‪ ،‬واعترف وهو باك وساقط‬
‫أمام بيت الله ‪ ،‬اجتمع إليه من إسرائيل جماعة كثيرة جدا ً من الرجال‬
‫والنساء والولد لن الشعب بكى بكاء عظيما " ) عز ‪( 1 : 10‬‬
‫***‬
‫وفى غير المراثى ‪ ،‬يقول أرميا النبى فى سفره ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫" ياليت راسى ماء ‪ ،‬وعينى ينبوع دموع ‪ ،‬فابكى نهارا وليل قتلى بنت‬
‫شعبى " ) أر ‪( 1 : 9‬‬
‫***‬
‫‪-5‬وقد بكى دانيال النبى ايضا ً من جهة سنوات السبى ‪:‬‬
‫وقال فى ذلك " فوجهت وجهى إلى الله السيد طالبا ً بالصلة‬
‫والتضرعات ‪ ،‬بالصوم والمسح والرماد ‪ 0‬وصليت إلى الرب إلهى‬
‫واعترفت وقلت ‪ 00‬أخطأنا وأثمنا ‪ ،‬وعملنا الشر ‪ ،‬تمردنا وحدنا عن‬
‫وصاياك واحكامك ‪ ) "00‬دا ‪ " (5– 3 : 9‬فى تلك اليام ‪ ،‬أنا دانيال كنت‬
‫نائحا ً ثلثة أسابيع أيام ‪ ،‬لم آكل طعاما ً شهيا ً ‪ ،‬ولم يدخل فى فمى لحم‬
‫ول خمر ن ولم أدهن ‪ ،‬حتى تمت ثلثة أسابيع أيام " ) دا ‪0 ( 3، 2 : 10‬‬
‫وهنا نرى البكاء مصحوبا ً بالصلة والصوم والزهد والعتراف بالخطايا ‪0‬‬
‫***‬
‫‪-6‬من أمثلة البكاء فى الخدمة بكاء ميخا النبى " من أجل إثم يعقوب‬
‫ومن أجل خطية بيت إسرائيل "‬
‫) مى ‪ 0( 5 : 1‬وفى هذا يقول ‪:‬‬
‫" ومن أجل ذلك انوح وأولول ‪ 0‬أمشى حافيا ً وعريانا ً ‪ 0‬وأصنع نحيبا ً‬
‫كبنات آوى ‪ ،‬ونوحا ً كرعال النعام ‪ 0‬لن جراحاتها عديمة الشفاء ‪ 0‬لنها‬
‫قد أتت إلى يهوذا ‪ ) "00‬مى ‪( 9 ، 8 : 1‬‬
‫***‬
‫‪ -7‬ولعل فى قمة البكاء فى الخدمة بكاء ربنا يسوع المسيح على‬
‫أورشليم ‪:‬‬
‫وفى ذلك يقول الكتاب " وفيما هو يقترب ‪ ،‬نظر إلى المدينة وبكى‬
‫عليها قائل ً " فإنه ستأتى أيام ‪ ،‬ويحيط بك أعداؤك بمترسة ‪00‬‬
‫ويهدمونك وبنيك فيك ‪ ،‬ول يتركون فيك حجرا ً على حجر ‪ ) "00‬لو ‪: 19‬‬
‫‪( 44 : 41‬‬
‫***‬
‫‪- 8‬ومن أمثلة البكاء ايضا ً بكاء بولس الرسول فى الخدمة ‪:‬‬
‫فإنه يقول لكهنة افسس " أنتم تعلمون من أول يوم دخلت آسيا ‪ ،‬كيف‬
‫كنت معكم كل الزمان ‪ ،‬اخدم الرب بكل تواضع ودموع كثيرة ‪ ،‬وبتجارب‬
‫أصابتني من مكايد اليهود " ‪0‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫" لذلك اسهروا ‪ ،‬متذكر انى ثلث سنين ليل ونهارا ‪ ،‬لم أفتر أن أنذر‬
‫بدموع كل أحد "‬
‫) أع ‪ 0( 31 ، 19 : 20‬وحتى فى رسائلة يقول لهل كورنثوس " لنى‬
‫من حزن كثير وكآبة قلب ‪ ،‬كتبت إليكم بدموع كثيرة ‪ ،‬ل لكى تحزنوا ‪ ،‬بل‬
‫لكى تعرفوا المحبة التى عندى ولسيما من نحوكم " ) ‪ 2‬كو ‪( 4 : 2‬‬
‫‪-9‬وبالمثل كان تلميذ القديس بولس فى بكائهم ‪0‬‬
‫فهو يرسل إلى تلميذه تيموثاوس ويقول له " أذكرك بل انقطاع فى‬
‫طلباتى ليل ً ونهارا ً ‪ ،‬ومشتاقا ً‬
‫أن أراك ‪ ،‬ذاكرا ً دموعك " ) ‪2‬تى ‪0 ( 4 : 1‬‬
‫***‬

‫*قلب الحساس من حالة الناس المخدومين ‪0‬‬


‫*يتأثر إذ يتذكر خطاياهم ‪ 0‬كيف ضعفوا ‪ ،‬كيف جرحوا قلب الله ‪0‬‬
‫*ويتأثر بنتائج الخطية ‪ ،‬وما جلبته من متاعب ومن ويلت أو بما سوف‬
‫تجلبه من غضب الله‬
‫*بل قد يتأثر فيما هو يوبخ على الخطايا ‪ ،‬متذكرا ً ضعفه هو ايضا ً ‪ ،‬وأنه‬
‫ما كان يريد أن يوبخ ‪ ،‬فينذر بدموع ‪00‬‬
‫*وقد يبكى فى الخدمة ‪ ،‬طالبا ً معونه الله ‪ ،‬أو طالبا ً رحمته ومغفرته ‪0‬‬
‫أو يبكى وهو يعرض على الله فى صلته ‪ ،‬ما وصل إليه المر من ضياع‬
‫‪0‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫*يبكى النسان فى الخدمة شاعرا بضعفه ‪ ،‬ومتوسل إلى الله أن‬
‫يتدخل ‪ ،‬لن المور ل تحل بدونه ‪0‬‬
‫*أو قد يبكى من شده المشاكل ‪ ،‬ومن ضغط العدو عليه ‪ ،‬أو من شماته‬
‫العداء وتعييرهم ‪ 0‬كما قال داود النبى ‪ " :‬صارت لى دموعى خبزا ً‬
‫نهارا ً وليل ً ‪ ،‬إذ قيل لى كل يوم اين إلهك ؟ ! هذه أذكرها فاسكب‬
‫نفسى على ‪ ) "00‬مز ‪0 ( 4 ، 3 : 42‬‬
‫‪-1‬القديس ارسانيوس من القديسين الذين اشتهروا كثيرا ً بالبكاء ‪00‬‬
‫حتى قيل إن رموش عينيه تساقطت من كثرة البكاء ‪ 0‬وتكون أخدودان‬
‫) حقرتان ( على خده من كثرة البكاء ‪ 0‬وكان فى الصيف يبلل الخوص‬
‫بدموعه ‪ 0‬وكان يضع على ركبتيه قطعة من القماش تسقط عليها‬
‫دموعه ‪ 0‬وفى ساعة موته بكى كثيرا ً ‪ ،‬فقال له تلميذه " حتى أنت يا‬
‫؟ " فقال لهم ‪ :‬إن فزع هذه الساعة ملزم‬ ‫ابانا تخاف من هذه الساعة ‍‬
‫لى منذ دخلت إلى الرهبنة ‪00‬‬
‫إن كان القديس العظيم ارسانيوس يبكى هكذا ‪ ،‬فماذا نقول نحن عن‬
‫أنفسنا ؟‬
‫وماذا نقول عن فزع تلك الساعة الذى كان يلزم ؟‬
‫ويلزم من ؟ يلزم ارسانيوس العظيم مثال الوحدة والصمت فى بستان‬
‫الرهبان ‪ ،‬الذى كان البابا ثاوفيلس يشتهى أن يقابله وكان القديسون‬
‫يقولون له " لماذا تهرب منا يا أبتاه ؟ " فيجيب " يعلم الله اننى احبكم‬
‫جميعا ً ‪ 0‬ولكننى ل استطيع أن أتكلم مع الله والناس فى نفس الوقت "‬
‫‪00‬‬
‫أرسانيوس العظيم الذى كان يقف للصلة وقت الغروب والشمس وراءه‬
‫‪ ،‬ويظل واقفا ً يصلى حتى تشرق امامه من جديد مقضيا ً الليل طوله فى‬
‫الصلة ‪00‬‬
‫أرسانيوس المتضع ‪ ،‬معلم أولد الملوك ‪ ،‬الذى كان يستشير ذلك‬
‫المصرى المى ‪ ،‬ويقول له إنه لم يعرف بعد الفا فيتا التى يتقنها ذلك‬
‫المصرى ‪ 0‬بل يقول ايضا ً إنه تعلم الل تينية واليونانية ‪ ،‬ولكنه لم يعرف‬
‫بعد كيف ينقى الفول مع رهبان السقيط ‪0‬‬
‫أية خطايا فعلها القديس ارسانيوس حتى كان يبكى ويفزع من تلك‬
‫الساعة ؟‬
‫هل بعد كل هذا نسرع نحن إلى العزاء والفرح من مبدأ الطريق ‪،‬‬
‫ونتباهى بأن خطايانا قد غفرت ونبحث عن المواهب ؟ ونطالب بنصيبنا‬
‫فى الميراث ؟ وننسى أنفسنا ‪ ‍ 0‬إن الدموع تحتاج إلى تواضع قلب ‪،‬‬
‫ويناسبها جدا ً أن يعرف النسان ذاته ‪ ،‬ويحاسب نفسه ويلومها ‪0‬‬
‫قيل إنه لما حانت وفاة القديس البابا ثاوفيلس ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫" طوباك يا أنبا ارسانى ‪ ،‬لنك بكيت طول حياتك من أجل هذه الساعة "‬
‫‪0‬‬
‫***‬
‫‪-2‬وعندما سمع أنبا بيمن أن القديس ارسانيوس قد تنيح ‪ ،‬قال ‪ :‬طوباك‬
‫يا أنبا ارسانيوس لنك بكيت على نفسك فى هذا العالم ‪"00‬‬
‫" لن الذى ل يبكى على نفسه فى هذا العالم ‪ ،‬لبد سيبكى إلى البد‬
‫فى العالم الخر ‪ 0‬أما بكاؤه ههنا فباختياره ‪ 0‬ولكن هناك فبسبب ما‬
‫يناله من عقاب " ‪0‬‬
‫" ولكن من الحال أن يفلت إنسان من البكاء هنا وهناك " صدق داود‬
‫النبى الذى اختبر الدموع جيدا ً فى حياته فقال ‪ " :‬الدين يزرعون‬
‫بالدموع ‪ ،‬يحصدون بالبتهاج " ) مز ‪0 ( 145‬‬
‫***‬
‫‪-3‬من اشهر المثلة ايضا ً فى الدموع القديس ايسيذيروس قس القللى‬
‫وكان تحت إشرافه ثلثة آلف راهبا ً ‪ 0‬وكان يرى رؤى ‪ 0‬وكانت‬
‫الشياطين تخافه وتهرب منه ‪ ،‬وبسهولة كان يخرج الشياطين ‪000‬‬
‫وفل إحدى المرات ظهر له الشيطان وقال له " أما يكفيك أننا ل‬
‫نستطيع أن نمر على قلتيك ‪ ،‬و ل على القلية التى إلى جوار قليتك ‪0‬‬
‫وأخ واحد كان لنا فى البرية ‪ ،‬جعلته يعتدى علينا بصلته فى النهار‬
‫والليل‬
‫ومع ذلك كان القديس ايسيذيروس يبكى بدموع غزيزة ‪0‬‬
‫وكان يجهش بالبكاء بصوت عال ‪ ،‬لدرجة أن تلميذه فى الغرفة‬
‫المجاورة سمعه يبكى ‪ ،‬فدخل عليه وقال له " لماذا تبكى يا ابى ؟ "‬
‫فاجابه القديس " إننى يا ابنى ابكى على خطاياى "‬
‫فقال له التلميذ " حتى أنت يا ابانا ‪ ،‬لك خطايا تبكى عليها فاجابه ‪" :‬‬
‫صدقنى يا ابنى ‪ ،‬لو كشف الله لى كل خطاياى ما كان يكفى لو اجتمع‬
‫ثلثه أو أربعة معى للبكاء عليها " ‍‬
‫هولء القديسون كانت لهم حساسية شديدة من جهة أن الخطية خاطئة‬
‫جدا ً ‪ ،‬وأنها تجرح قلب الله المحب‬
‫ما كانوا يفكرون فى عقوبة الخطية ‪ ،‬إنما كانوا يفكرون فى مشاعر‬
‫الله ‪ ،‬وأنهم لم يرضوه بعد ‪ ،‬على الرغم من السمو العظيم الذى وصلوا‬
‫إليه فى الحياة الروحية ‪ 0‬ويرون أن هذا ) التقصير (‬
‫إذا ما قيس بالكمال الذى يتطلعون إليه ‪ ،‬هو الخطية التى يبكون عليها‬
‫بدموع ‪00‬‬
‫***‬
‫‪-4‬ومن القديسين الذين بكوا بدموعهم القديس باخوميوس أب الشركة‬
‫‪0‬‬
‫حتى أن تلميذه – بعد صلته – وجدوا الرض التى كان واقفا ً عليها مبللة‬
‫بالدموع ‪0‬‬
‫***‬
‫‪-5‬وكان القديس مقاريوس الكبير مشهورا ً ايضا ً بالدموع ‪0‬‬
‫ولما قربت أيام انتقاله ‪ ،‬ساله الباء أن يأتى إليهم ليتباركوا منه قبل‬
‫رحيله ‪ ،‬بدل ً من أن ينتقل كل سكان الجبل إليه ‪ 0‬فلما جاءهم ‪ ،‬تجمعوا‬
‫حوله ‪ ،‬وطلبوا منه كلمة منفعة فبكى القديس وقال لهم ‪ " :‬فلنبك يا‬
‫اخوتى ‪ ،‬ولتفض عيوننا بالدموع ‪ ،‬قبل أن نذهب إلى الكان الذى فيه‬
‫تحرق دموعنا أجسادنا " ‪ 00‬فبكوا كلهم وسقطوا على وجوهم قائلين‬
‫" صل عنا أيها الب "‬
‫***‬
‫‪-6‬ومن الذين اشتهروا بالدموع ‪ :‬القديس بفنتيوس تلميذ وخليفة‬
‫القديس مكاريوس الكبير ‪:‬‬
‫وكان منذ شبابه المبكر ناميا ً فى حياة القداسة ‪ ،‬وكان كل الباء‬
‫معجبين به ويحبونه ‪ ،‬حتى أنه أصبح رئيس السقيط بعد القديس‬
‫مقاريوس ‪0‬‬
‫حكى هذا القديس لولده فقال ‪:‬‬
‫" حينما كنت صبيا ً ‪ ،‬وجدت خيارة وقعت على الرض من الجمالين ‪،‬‬
‫فأخذتها وأكلتها ‪ 0‬وكلما تذكرت هذه القصة أبكى "‪00‬‬
‫ً‬
‫حدث هذا وهو صغير ‪ ،‬وترهب ‪ ،‬ونما فى النعمة ‪ ،‬وصار رئيسا للسقيط‬
‫‪ ،‬وكان يخرج الشياطين ‪ ،‬وكان البابا ثاوفيلس يشتهى سماع كلمة‬
‫منفعة من فمه ‪ 00‬ومع ذلك كلما يذكر تلك القصة يبكى ‪00‬‬
‫ليس البكاء هنا لكى يغفر له الرب خطية ‪ 0‬فإن داود النبى قد بكى بعد‬
‫أن غفر له الرب خطيته ‪0‬‬
‫بعد أن قال له ناثان النبى " الرب نقل عنك خطيتك ‪ 0‬ل تموت " ) ‪2‬‬
‫صم ‪0 ( 13 : 12‬‬
‫إن النسان الحساس ل يبكى فقط من أجل طلب المغفرة ‪ 0‬إنما يبكى‬
‫حزنا ً على نفسه كيف وصل إلى مستوى السقوط ‪ ،‬وكيف أحزن الروح‬
‫القدس الساكن فيه ‪ ،‬وبكل جرأة كسر وصايا الله المحب ‪ ،‬الذى خلقه‬
‫على صورته ومثاله ‪ ،‬ففقد هذه الصورة بخطاياه ‪0‬‬
‫سئل أحد القديسين عن المور التى يمكنها أن تبكيه ‪0‬‬
‫‪ -1‬ساعة خروج روحى من جسدى ‪0‬‬
‫‪ -2‬ساعة وقوفى أمام الديان العادل ‪0‬‬
‫‪ -3‬ولحظة صدور الحكم على ‪0‬‬
‫هذه المور الثلثة كانت باستمرار تشغل بال القديسين ‪ ،‬وتكون مصدرا ً‬
‫للدموع بالنسبة لهم ‪0‬‬
‫إنها أمور تتعلق بحرص النسان على أبديته ‪00‬‬
‫وتذكار الموت إذن يصاحبه دائما ً تذكار الدينونة ‪0‬‬
‫وتذكار الدينونة يجلب الدموع ‪ ،‬وبخاصة إن كان يصحبه تذكر الخطايا‬
‫والبكاء عليها ‪0‬‬
‫ما أصعب ايضا ً عبارة " يجازى كل واحد بحسب أعماله "‪ 00‬وما اصعب‬
‫ايضا ً عبارة‬
‫" وأعمالهم تتبعهم "‬
‫ترى ما هو نوع هذه العمال التى تتبعنا ! وهل نستحق الدموع ؟ !‬
‫ومع تذكار الدينونة ‪ ،‬يتذكر النسان أيضا ً عدل الله ‪ 0‬ولهذا تضع الكنيسة‬
‫أمامنا هذه الحقيقة كل يوم فى صلة النوم ‪ ،‬حيث يقول المصلى "‬
‫هوذا أنا عتيد أن أقف أمام الديان العادل مرعوب ومرتعد من أجلى كثرة‬
‫ذنوبى ‪ 0 "00‬وفى تذكار الدينونة والخطية ‪ ،‬نتذكر قول الرسول ‪:‬‬
‫" مخيف هو الوقوع فى يدى الله الحى " ) عب ‪0 ( 31 : 10‬‬
‫إن الخوف ايضا ً سبب جوهرى من أسباب الدموع ‪ 0‬ونقصد فى مقالنا‬
‫هذا الخوف لسباب روحية ‪ ،‬وليس الخوف بسبب أمور عالمية كما يحدث‬
‫للبعض ‪00‬‬
‫***‬
‫إبك يا أخى ههنا ‪ ،‬لكى يمسح الرب كل دمعة من عينيك حينما تلقاه ‪0‬‬
‫ولكنك إن لم تبك ههنا ‪ ،‬فما الذى سيمسحه المسيح من عينيك فى‬
‫العالم الخر ؟ !‬
‫إن الذى ل يبكى ههنا تتفجر من عينيه ينابيع دموع اليأس التى ل‬
‫يمسحها أحد هى دموع ل تستطيع أن تطفئ النار المحيطة به ‪0‬‬
‫ما أكثر ما قاله الباء القديسون عن البكاء والدموع‬
‫*سال أخ القديس النبا بيمن قائل ً " ماذا افعل من جهة خطاياى ؟ "‬
‫فاجابه ‪:‬‬
‫" إن الذى يريد أن تمحى خطاياه ‪ ،‬يستطيع هذا بالبكاء لن البكاء هو‬
‫الطريق الذى علمنا إياه الكتاب ‪ 0‬والباء أيضا ً كانوا يبكون باستمرار ‪0‬‬
‫ول يوجد طريق آخر غير هذا " ‪0‬‬
‫*سأل النبا نوح القديس مقاريوس " قل لى كلمة منفعة " ‪ 0‬فقال له‬
‫الشيخ " اهرب من الناس " ‪ 0‬فسأله النبا نوح " " ماذا تعنى يا ابى بأن‬
‫أهرب من الناس ؟ " ‪ 0‬فقال له الشيخ " اجلس فى قليتك وابك على‬
‫خطاياك " ‪0‬‬
‫*وقال الشيخ الروحانى ‪:‬‬
‫" طوبى الذين احترقت خدودهم بدموع محبتك ‪ 0‬فإن هذه الدموع تروى‬
‫الرض الناطقة التى احترقت بالنار ‪ ،‬فتعطى ثمار الروح "‪ 0‬هذه الدموع‬
‫التى يجب أن يتصف بها كل إنسان فى حياته ‪ :‬لها عوامل تقويها ‪،‬‬
‫وعوامل تضعفها ‪ 0‬فما هى هذه وتلك ؟‬

‫* الرقففة والحساسية ‪0‬‬


‫الشعور بتفاهة العالم ‪0‬‬ ‫•‬
‫تففذكر الفخفطايا ‪0‬‬ ‫•‬
‫التفجارب والضيقات ‪0‬‬ ‫•‬
‫تفففذكار المفوت ‪0‬‬ ‫•‬
‫الفففرح والتفأثفر ‪0‬‬ ‫•‬
‫الصفففففففلة ‪0‬‬ ‫•‬
‫الشفعفور بالعجفز ‪0‬‬ ‫•‬
‫الشعفور بالتفخلى ‪0‬‬ ‫•‬
‫الشفمفففاتففة ‪0‬‬ ‫•‬

‫هناك دوافع كثيرة تسبب الدموع ‪ ،‬بعضها داخلى ‪ ،‬فى القلب والفكر‬
‫والشعور ‪ ،‬بل وفى طبع النسان ذاته ‪ ،‬وبعضها عوامل خارجية تختص‬
‫بالظروف والملبسات التى تحيط بهذا الباكى ‪ 0‬وسنحاول أن نتكلم عن‬
‫هذه وتلك بقدر المكان ‪ 0‬ونذكر حاليا ً منها ‪:‬‬

‫الرقة‬
‫والحساسية‬
‫النسان الرقيق الحساس ‪ ،‬دموعه سهلة وقريبة ‪00‬‬
‫أما الشخص القاسى ‪ ،‬الشديد القلب ‪ ،‬فدموعه عزيزة ‪ ،‬ومن الصعب أن‬
‫يبكى ‪ 0‬وإن بكى هذا الشخص فى يوم ما ‪ ،‬فلبد أن يكون السبب‬
‫الخارجى قويا ً جدا ً وخطيرا ً ‪ ،‬بحيث لم يستطع طبع هذا النسان أن‬
‫يقاومه‬
‫لذلك نجد أن الدموع عند المرأة قريبة جدا ً أكثر مما عند الرجل ‪00‬‬
‫لن المرأة أكثر من الرجل بطبيعتها ‪ 0‬ولكن إذا بكى الرجل ‪ ،‬تكون‬
‫دموعه أكثرعمقا ً وأشد تأثيرا ً‬
‫كذلك إن بكى الطفل أوالصبى ‪ ،‬يكون هذا شيئا ً طبيعيا ً ‪ ،‬شيئا ً عاديا ً فى‬
‫طبعه ‪ 0‬أما إذا بكى رجل كبير السن ‪ ،‬فإن دموعه تكون أغلى وأوقع ‪،‬‬
‫ولها أسباب أشد وأعمق ‪ ،‬بحيث لم يستطع هذا الكبير أن يضبط نفسه‬
‫‪00‬‬
‫النسان الرقيق يتأثر بأقل شئ ‪ ،‬وتسيل دموعه بسرة وتلقائية ‪00‬‬
‫وهى دموع طبيعية ل تصنع فيها ‪ ،‬لن مشاعره الحساسة تتأثر بسرعة ‪،‬‬
‫سواء بما يخصه أويخص غيره ‪ 00‬وهناك أمور عديدة تهز القلب ‪،‬‬
‫بالنسبة إلى أصحاب المشاعر الرقيقة ‪ ،‬بينما ل تؤثر فى غيرهم من‬
‫أصحاب القلوب الجامدة أو القاسية ‪ ،‬أو من الذين لهم قوة السيطرة‬
‫على مشاعرهم ‪ ،‬أو الحرص على إخفائها ‪00‬‬
‫الدموع والقسوة ل يتفقان ‪00‬‬
‫إل إذا صدمت القاسى بأسباب أقوى من قسوته ‪ ،‬فهرته من الداخل‬
‫وانهار أمامها ‪ !00‬تماما ً كما‬
‫حدث لعيسو ‪ ،‬حينما صدم بضياع البركة منه بحيلة من أخيه ‪ 00‬ولم‬
‫يحتمل الصدمة فصرخ باكيا ً ) تك ‪0 ( 38 ، 34 : 27‬‬
‫على أن بكاء القاسى شئ مؤقت ‪0‬‬
‫وهو أيضا ً شئ غير طبيعى ‪ 00‬أما بكاء النسان الرقيق فهو أمر طبيعى ‪،‬‬
‫ومتكرر ومحتمل الحدوث فى أى وقت ‪ ،‬لسبب داخلى أوخارجى ‪00‬‬
‫لهذا ‪ ،‬فإن الذى يحب الدموع ‪ ،‬ويرغب فى اقتنائها ‪ ،‬عليه أن يقتنى رقة‬
‫الطبع أول ً‬
‫إن لم يكن رقيق الحاسيس بطبيعته ‪ ،‬فعليه أن يقتنى هذه الرقة‬
‫ويبحث عن أسبابها ‪ ،‬ويدرب نفسه عليها ‪ 00‬وطبيعى كلما اقترب‬
‫النسان إلى الله كلما رقت مشاعره ‪ 00‬وكلما عاشر رقيقى الطبع ‪،‬‬
‫كلما تعلم منهم رقتهم ‪ 00‬كذلك علية أن يبتعد عن السباب التى تؤدى‬
‫إلى شدة الطبع وقساوة القلب وهى كثيرة‬

‫الشعور‬
‫بتفاهة العالم‬
‫الذى يعيش فى ملذ العالم وملهيه ‪ ،‬من أين تأتيه موهبة البكاء ؟!‬
‫بل العالم يشغله ويلهية‬
‫ً‬
‫حينما كان سليمان الحكيم متمتعا بابهة الملك وفخامته ‪ ،‬ومهما اشتهته‬
‫عيناه لم يمنعه عنهما )جا ‪0 ( 10 : 2‬فى ذلك الحين ما كان يبكى‬
‫‪0‬ولكنه لما شعر بتفاهة العلم ‪ ،‬وبأن كل ما فيه هو باطل الباطيل‬
‫وقبض الريح ‪ ،‬حينئذ استطاع أن يقول ‪:‬‬
‫" بكآبة الوجه يصلح القلب"‬
‫" الذهاب إلى بيت النوح ‪ ،‬خير من الذهاب إلى بيت الوليمة ‪ ،‬لن ذاك‬
‫نهاية كل إنسان ‪ ،‬والحى يضعه فى قلبه " ) قلب الحكماء فى بيت النوح‬
‫‪ ،‬وقلب الجهال فى بيت الفرح " ) جا ‪(4-2 : 7‬‬
‫عندما يدرك النسان المور على حقيقتها ‪ ،‬ويشعر بتفاهة العالم ‪ ،‬ول‬
‫تلذ له كل مغرياته ‪ ،‬حينئذ يشعر بفراغ من جهة العالم ‪ 00‬وتتغير‬
‫مشاعره ‪00‬‬
‫يشتاق إلى عالم آخر ‪ ،‬وإذ يجد العالم الخر بعيدا ً عنه ‪ ،‬يبكى اشتياقا ً‬
‫إليه وحنينا ً ‪00‬‬
‫يشعر بغربة فى هذا العالم الحاضر ‪ ،‬وتبكيه مشاعر الغربة ‪ 00‬متيقنا ً أن‬
‫فرحة الحقيقى ليس هو ههنا ‪ 0‬لنه غريب على الرض ‪ ،‬نزيل مثل‬
‫جميع آبائه ‪ ،‬يتطلع إلى وطن سماوى ‪ ،‬إلى المدينة التى لها الساسات‬
‫‪ ) 00‬عب ‪( 10 ، 16 : 11‬‬
‫لذلك صدق حس المرتل ‪،‬حينما دعا هذه الدنيا "وادى البكاء " ‪0‬‬
‫وقال عن حياتنا فيها " عابرين فى وادى البكاء " ) مز ‪ 0 ( 6 : 84‬كان‬
‫القديسون يبكون ‪ ،‬إذ كانوا يشعرون بغربتهم فى العالم ‪ ،‬ويشتاقون‬
‫إلى عالم أفضل ‪ ،‬زاهدين فى كل ما ههنا ‪ 0‬ل تشبعهم أفراح هذه الدنيا‬
‫‪ ،‬و ل ترضيهم ‪000‬‬
‫حقا إن النسان يدرك الدموع الروحية ‪ ،‬حينما يصل إلى حياة التجرد ‪ ،‬أو‬
‫على القل إلى محبة التجرد ‪ ،‬حينئذ يبكى على اليام التى قضاها متعلقا ً‬
‫بتفاهات العالم ومنشغل ً بها ‪ ،‬ويقول للرب كما قال القديس‬

‫‪ -3‬تذكر‬
‫الخطايا‬
‫أوغسطينوس " لقد تأخرت كثيرا ً فى حبك ‪ ،‬أيها الجمال الفائق الوصف‬
‫" ‪00‬‬
‫إن بطرس الرسول لم يكن يدرك تماما ً حقيقة ما يفعل ‪ ،‬و هو يسب‬
‫‪ 00‬ولكنه لما صاح الديك وأحس بعمق خطيئته ‪" ،‬‬ ‫‍‬ ‫ويجدف وينكر المسيح‬
‫خرج خارجا ً ‪ ،‬وبكى بكاء مرا ً " ) مت ‪0 ( 75 : 26‬‬
‫وهكذا أيضا ً فعلت المرأة الخاطئة ‪ ،‬التى بلت قدمى الرب بدموعها ‪،‬‬
‫ومسحتهما بشعر رأسها ) لو ‪ ( 38 : 7‬وبالمثل بكى داود النبى ‪ ،‬لما‬
‫اظهر له ناثان النبى عمق خطاياه ) ‪2‬صم ‪ 0 ( 7 : 12‬إن نسيان الخطايا‬
‫يجفف القلب ويجفف العينين ‪ 0‬لذلك حسنا ً قال داود النبى ‪:‬‬
‫خطيتى أمامى فى كل حين ) مز ‪ 0 ( 50‬فليتك تفعل هذا ‪ ،‬وتجعل‬
‫خطاياك قدام عينيك ‪ ،‬تذل بها نفسك وتوبخها ‪ ،‬وتبكى على هذه‬
‫الخطايا النهار والليل ‪ 0‬فإن البكاء على الخطايا يغسل القلب ‪ ،‬ويطهر‬
‫الروح ‪ ،‬ويعطى يقظة للضمير ‪ ،‬فيمنع النسان من العودة إلى الخطيئة‬
‫مرة أخرى ‪ ،‬ويعلمه الحرص والتدقيق ‪0‬‬
‫ولهذا فإن نصيحة تتكرر فى بستان الرهبان ‪ ،‬يقولها الباء لمن يطلب‬
‫كلمة منفعة ‪:‬‬
‫" اجلس فى قليتك ‪ ،‬وابك على خطاياك " ‪0‬‬
‫وغفران الله للخطية ‪ ،‬ل يمنع بكاء الخاطئ عليها ‪ 0‬إنه ل يبكى خوفا ً من‬
‫العقوبة ‪ 00‬إنما يبكى لنه أحزن قلب الله بخطاياه ‪ ،‬أحزن روح الله‬
‫الذى فى داخله ‪ ،‬وابعد عنه الملئكة المحيطين به ‪ ،‬وكشف نفسه رديئة‬
‫أمام أرواح المنتقلين ويبكى أيضا لنه بخطيئته قد فقد صورته اللهية ‪،‬‬
‫وسقط وتدنس ‪00‬‬
‫يبكى متألما ً ‪ ،‬كيف ضعفت إرادته هكذا ‪ ،‬وتدنست روحه ؟ ‍‬
‫ويشعر بالخجل أمام نفسه ‪ ،‬وبالخزى أيضا ً ‪ 0‬كما قال دانيال النبى فى‬
‫المزمور " خزى وجهى قد غطانى " ) مز ‪ 0 ( 15 : 44‬وكما قال دانيال‬
‫النبى وهو يعترف بخطايا الشعب " ياسيد‪ ،‬لنا خزى الوجوه لملوكنا‬
‫لرؤسائنا ولبائنا ‪ ،‬لننا أخطأنا إليك " ) دا ‪0 ( 7 ، 8 : 9‬‬
‫وهكذا كان القديسون يبكون ايضا ً من أجل خطايا الشعب ‪0‬‬
‫يبكون حزنا ً على الذين يسقطون والذين يهلكون ‪ ،‬كما ناح صموئيل على‬
‫شاول الملك ) ‪1‬صم ‪ 0 ( 35 : 15‬ويبكون طالبين المغفرة للناس ‪،‬‬
‫وطالبين لهم نعمة للتوبة ‪ ،‬كما بكى عزرا ً الكاهن‬
‫بسبب خطايا الشعب ‪ ،‬ومزق ثيابه ونتف شعر راسه ) عز ‪0 ( 3 : 9‬‬
‫وصلى وأعترف وهو باك وساقط أمام بيت الله " ) عز ‪ 0 ( 1 : 10‬وقال‬
‫" اللهم أنى أخجل وأخزى أن أرفع يا الهى وجهى نحوك ‪ ،‬لن ذنوبنا قد‬
‫كثرت فوق رؤوسنا ‪ ،‬وآثامنا تعاظمت إلى السماء " ) عز ‪( 6 : 9‬‬
‫ونفس الوضع حدث مع نحيما ‪ ،‬حينما أعترف بخطايا الشعب وقال " إنى‬
‫أنا وبيت أبى قد أخطأنا وأفسدنا أمامك " ) نح ‪0 ( 7 ، 6 : 1‬‬
‫ومن أجل الشعب أيضا ً بكى ارمياء النبى ‪:‬‬
‫وتسجلت دموعه ومراثيه فى سفر كامل فى الكتاب نقرؤه باستمرار‬
‫فى الساعة الثانية عشرة من يوم الجمعة العظيمة ‪00‬‬
‫إن كان الناس ل يبكون على خطاياهم ‪ ،‬فمن واجب القديسين أن يبكوا‬
‫من أجلهم ‪ ،‬طالبين لهم الرحمة والمغفرة وطالبين لهم التوبة ‪0‬‬
‫لقد بكى السيد المسيح على أورشليم ) لو ‪ ، ( 41 : 19‬إذ كان يبصر‬
‫هلكها أمام عينيه ‪ 00‬ونحن فى كل يوم نبصر الذين يسقطون ويهلكون‬
‫‪ ،‬والذين ينحرفون ويبتعدون ‪ 0‬أفل يستحقون منا البكاء ؟ إن نحميا ‪ ،‬لما‬
‫سمع أن سور أورشليم منهدم ‪ ،‬وأبوابها محروقة بالنار ‪ ،‬يقول " فلما‬
‫سمعت هذا الكلم ‪ ،‬جلست وبكيت ‪ ،‬ونحت أياما ً وصمت وصليت ‪ ) "00‬نح‬
‫‪( 3،4 : 1‬‬
‫ً‬
‫وبكى نحميا أمام الله معترفا بخطايا الشعب ‪ 00‬وقال للرب فى صلته "‬
‫إنى أنا وبيت أبى قد أخطأنا ‪ 0‬لقد أفسدنا أمامك ‪ ،‬ولم نحفظ الوصايا و‬
‫الفرائض والحكام التى أمرت بها موسى عبدك ‪"00‬‬
‫والسيد المسيح لما بكت عليه بنات أورشليم ‪ ،‬قال لهن " ل تبكين على ‪،‬‬
‫بل أبكين على أنفسكن وعلى أولدكن " ) لو ‪ 00 ( 28 : 23‬حقا ً ‪ ،‬كانت‬
‫تلك النفوس تحتاج إلى البكاء ‪ ،‬تلك الخاطئة التى بكى المسيح من أجلها‬
‫‪00‬‬
‫ً‬
‫حينما نبكى على خطايانا ‪ ،‬نتذكر أيضا محبة الله التى صبرت علينا كل‬
‫هذا الزمان ‍‬
‫نتذكر احتمال الله لنا ‪ ،‬وطول أناته ‪ ،‬ونحن مستمرون فى الخطأ زمانا ً‬
‫هذه مدته ‪ 00‬وتذكرنا لمحبة الله الصابرة والمحتملة ‪ ،‬تعطينا سببا ً‬
‫جديدا ً للبكاء تأثرا ً بمعاملته المترفقة ‪ 00‬وحينما تبكى النفس التائبة‬
‫أمامه ‪ ،‬يشفق الرب ‪ ،‬ويغلب من تحننه ‪ ،‬ويقول لتلك النفس " حولى‬
‫عينيك عن ‪ ،‬فإنهما قد غلبتانى "‬
‫) نش ‪0 ( 5 : 6‬‬
‫إن داود النبى من أبرز المثلة للبكاء على الخطايا ‪0‬‬
‫يكفى قوله " فى كل ليلة أعوم سريرى ‪ 0‬بدموع أبل فراشى " )مز ‪(6‬‬
‫تعبر عن الوقت واستمرار البكاء ‪ 0‬وعبارة " أعوم سريرى " تدل على‬
‫كمية الدموع المنسكبة ‪ !00‬تصوروا هذا الملك العظيم ‪ ،‬ويرجع إلى‬
‫قصره ليل ً ‪ ،‬فبخلع عنه تاجه وملبسه الملكية ‪ ،‬ويركع أمام الله باكيا ‪،‬‬
‫ليبلل فراشه بالدموع ‪ 0‬وحتى إذا نام ‪ ،‬ينام على سرير غارق فى‬
‫الدموع ‪ 00‬على الرغم من كل مظاهر العظمة والبهة المحيطة ‪0‬‬
‫ويقول أيضا ً ‪ " :‬صارت دموع لى خبزا ً نهارا ً وليل ً " ) مز ‪0 ( 3 : 42‬‬
‫وأيضا ً يقول فى تذلله وبكائه " " أكلت الرماد مثل الخبز ‪ ،‬ومزجت‬
‫شرابى بالدموع "‬
‫) مز ‪ 00 ( 9 : 102‬أى أنه حينما يشرب ‪ ،‬تتساقط دموعة فتختلط بالماء‬
‫الذى يشربه ‪ ،‬فيشربها معه ! وكان داود يحدث الله عن هذه الدموع ‪،‬‬
‫فيقول له " أنصت إلى دموعى ‪ ،‬ول تسكت عنى ‪ ،‬لنى غريب عندك "‬
‫) مز ‪ " ، ( 12 : 39‬اجعل دموعى فى زق عندك " ) مز ‪0 ( 8 : 56‬‬
‫إن الذين يسرعون إلى الفرح حال توبتهم ‪ ،‬يفقدون بركة النسحاق‬
‫وتعزية الدموع ‪0‬‬
‫وقد يرجعون إلى الخطية مرة أخرى ‪ ،‬لن التوبة لم تستوف مطالبا من‬
‫النسحاق ومن البكاء وهذا الفرح السريع عطل القلب عنه الشعور‬
‫بمرارة الخطية وقداحتها ‪ ،‬فعبر عليها كما لو كانت أمرا ً بسيطا ‪00‬‬
‫حينما يبدأ التائب فى البكاء والتذلل أمام الله ‪ ،‬يحاربه الشيطان‬
‫بعبارة ‪ " :‬امنحنى بهجة خلصك " ) مز ‪ 0 ( 50‬والملحظ أن داود النبى‬
‫قدمها كطلبة ‪ ،‬ولم يعرفها كحالة ‪ 00‬ولشك أنه ل يتمتع ببهجة الخلص‬
‫إل الذى أدراك مرارة الخطية ‪ ،‬وبكى بكاء مرا ً كما فعل القديس بطرس‬
‫الرسول ‪00‬‬
‫لقد كان خروف الفصح يمثل الخلص من عبودية فرعون ‪ ،‬ويرمز إلى‬
‫ذبيحة المسيح ) ‪1‬كو ‪ 0 ( 7 :5‬ومع ذلك كان أمر الرب أن يأكلوه على‬
‫أعشاب مرة ) خر ‪ ( 8 : 12‬متذكرين خطاياهم التى جلبت لهم العبودية ‪0‬‬
‫البكاء إذن هو الوسيلة إلى التعزية ‪ ،‬كما قال الكتاب ‪:‬‬
‫) الذين يزرعون بالدموع ‪ ،‬يحصدون بالبتهاج " ) مز ‪0 ( 5 : 126‬‬
‫بهذه الدموع التى تسكبها أمام الله تحصل على بهجة خلصه‬

‫التجارب والضيقات‬
‫التجارب الضيقات واللم والمراض والكوارث تجلب الدموع أحيانا ً ‪0‬‬
‫وبخاصة لو شعر النسان بالتخلى أو أنها عقوبة بسبب خطاياه ‪0‬‬
‫وهنا يدخل فى البكاء عامل روحى ‪ ،‬سببه شعور النسان أن النعمة قد‬
‫فارقته ‪ ،‬أو أن الله يسلمه إلى أيدى أعدائه ‪ 00‬فيحزن لذلك ويبكى ‪0‬‬
‫فأحيانا ً يبكى توبة وندما ً ‪0‬‬
‫وأحيانا ً يبكى فى عتاب مع الله‬
‫ولعل هذا ما فعله داود تجاربه وضيقاته ‪ ،‬حينما قال فى المزمور ‪" 0‬‬
‫لماذا يارب تقف بعيدا ً ؟ لماذا تختفى فى أزمنة الضيق ؟ " ) مز ‪( 1 : 10‬‬
‫‪0‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والرب يسمح أحيانا بالتجارب ‪ ،‬ل تخليا منه ‪ ،‬وإنما لفائدتها الروحية ‪0‬‬
‫لن النسان فى وقت المذلة تجلب له انسحاق القلب ‪ ،‬وتواضع الروح ‪،‬‬
‫وفيضا ً من الدموع يشعره بضعفه ‪ ،‬ويزيل منه كل أسباب ومظاهر‬
‫الكبرياء ‪0‬‬
‫وقد يرى الله أن دموع أحد أبنائه قد جفت بلذة العالم ‪00‬‬
‫فيسمح له بالتجارب والضيقات ‪ ،‬لكى تعصر عينيه بعد أن تعصر قلبه ‪00‬‬
‫والله ل يمنع هذه التجارب حتى عن قديسيه ‪ 0‬وفى هذا يقول المزمور‪:‬‬
‫" كثير هى أحزان " بليا " الصدقين ‪ ،‬ومن جميعها ينجيهم الرب " ) مز‬
‫‪0 ( 19 : 34‬‬
‫إنه يسمح بهذه البليا أن تصيب قديسيه ‪ 0‬فإن أتت بنتائجها الروحية ‪،‬‬
‫حينئذ ينجيهم منها ‪0‬‬
‫وهنا أحب أن أفرق بين نوعين من التجارب ونوعين من الدموع ‪00‬‬
‫نوع علمانى والخر روحى‬
‫هناك تجارب مادية أو عالمية ‪ ،‬تصيب النسان ‪ ،‬فى ماله أو جاهه ‪ ،‬أو‬
‫مركزه ‪ ،‬فيبكى حزنا ً لذة ضائعه من ملذ هذه الدنيا ‪ 00‬وربما فى بكائه‬
‫يتذمر و يتضجر ‪ ،‬حتى على الله نفسه !! كأن الله كان سببا ً فى بلياه !‬
‫مثل هذا النسان دموعه خطية ‪ 0‬ولسنا عن هذا النوع نتحدث ‪0‬‬
‫إن دموعه تدل على محبته العالم والشياء التى فى العالم ‪ ،‬التى تبيد‬
‫وشهوتها معه ) ايو ‪ ( 17، 16 :2‬والنسان آخر كلما تضغط عليه التجارب‬
‫‪ ،‬يشعر بتفاهة الدنيا ‪ ،‬ويشتاق إلى عالم أفضل ‪ ،‬هذا إنسان روحى‬
‫إن بكى ‪ ،‬يبكى خوفا ً من تخلى النعمة عنه ‪ 0‬أوانه يكون قد أحزن الرب ‪،‬‬
‫فتركه إلى هموم العالم‬
‫هذا النسان بكاؤه روحى ممزوج بالتوبة وتواضع القلب ‪ ،‬وممزوج‬
‫بالعتراف أيضا ً ‪ 0‬وقد يقول فى قلبه ‪ :‬إن ما حدث لى ‪ ،‬أقل بكثير مما‬
‫أستحقه بسبب خطاياى ‪ 0‬وخير لى أن أستوفى البليا على الرض‬
‫كلعازر المسكين ) لو ‪0 ( 25 : 16‬‬
‫أو يقول مع المرتل فى المزمور ‪ " :‬خير لى يارب أنك أذللتنى ‪ ،‬حتى‬
‫أتعلم حقوقك " ) مز ‪0 ( 71 : 119‬‬
‫إن مثل هذه الدموع تجلب للقلب عزاء ‪ ،‬لن الله يكون قد فبلها كرائحة‬
‫سرور قدامه ‪ ،‬وقبل دوافعها الروحية أيضا ً ‪00‬‬
‫وقد تكون التجارب من الضغط حروب الشياطين ‪ ،‬ويبكى النسان شاعرا ً‬
‫بضعفه ‪ ،‬طالبا ً من الرب معونة‬
‫فشعور النسان بأنه أضعف من أن يقاتل هذه القوى الروحية ‪ ،‬قد يجلب‬
‫دموعا ً ‪ ،‬خوفا ً من أن يسقط ‪ 000‬أو أن أفكار العدو تكون قد نجست‬
‫إنسان الله ‪ ،‬فيبكى حرصا ً على نقاوة قلبه وفكره وشعوره ‪ ،‬ويجاهد‬
‫طالبا ً نعمة الله معه ‪ 0‬وعن هذه الحرب الروحية ‪ ،‬أرسل بولس الرسول‬
‫موبخا ً العبرانيين بقوله‪:‬‬
‫" لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية " ) عب ‪( 4 : 12‬‬
‫هذا الجهاد حتى الدم ‪ ،‬تدخل الدموع عنصرا ً فيه ‪ 0‬حيث يخاطب الرب‬
‫قائل ً " أنصت إلى دموعى "‬
‫) مز ‪ ( 119‬ول تتخل عنى ‪ ،‬لنى بدونك ل استطيع أن أفعل شيئا ً ) يو‬
‫‪ ( 5: 15‬هناك سبب أخر للدموع وهو‬

‫تذكار الموت‬
‫المنشغل بالحياة الحاضرة ل يبكى‬
‫بل قد يقول مثل الغنى الغبى ‪ " :‬أهدم مخازنى وأبنى أعظم منها ‪،‬‬
‫وأجمع هناك جميع غلتى وخيراتى ‪ 0‬وأقول لنفسى ‪ :‬يا نفسى لك‬
‫خيرات كثيرة موضوعة لسنين عديدة فاستريحى وكلى واشربى وافرحى‬
‫" ) لو ‪( 19 ، 18 : 12‬‬
‫إن متع الدنيا تلهبيه عن أبديته ‪ ،‬فل يبكى ‪ ،‬بل يفرح ويتمتع !!‬
‫أما النسان الروحى ‪ ،‬فإن يضع أبديته أمامه فى كل حين ‪ ،‬ويدرك أن‬
‫يوم الرب قد يأتى كلص‬
‫) رؤ ‪ ، ( 15 : 16‬تراه يستعد لهذه البدية ‪ ،‬وما تستلزمه من حياة التوبة‬
‫والجهاد والكمال المطلوب والقداسة ‪00‬‬
‫وإذ يذكر الموت يبكى ‪ 00‬لنه ليس مستعدا ً له ‪00‬‬
‫ول يزال أمامه جهاد طويل ‪ ،‬لم يسرفيه خطوه واحدة ‪ 00‬إن أرسانيوس‬
‫العظيم ‪ ،‬رجل الوحدة والصمت والصلة ‪ ،‬كان يبكى لتذكار الموت ‪00‬إن‬
‫كان النسان الروحى يبكى لتذكار الموت بصفة عامة ‪00‬‬
‫فكم يكون بكاؤه إن كان الموت متوقعا ً لسبب واضح يوحى به !‬
‫إن البكاء وحدة ليس هو كل شئ ‪ 0‬وليس هو بسبب مفارقة الهل‬
‫والحباب و أو مفارقة ملذ الدنيا ‪ ،‬كما يفعل أهل العالم ومحبوه !‬
‫إنما هو بكاء مصحوب باستعداد روحى ‪ ،‬استعداد لمقابلة الله ‪0‬‬
‫وهكذا كان القديسون ينصحون بتذكار الموت ‪ ،‬وبزيارة المقابر ‪0‬‬
‫إن القديس النبا أنطونيوس تأثر روحيا ً بوفاة أبيه بالجسد ‪ ،‬وزهد الدنيا‬
‫وخرج منها بإرادته ‪ ،‬قبل أن يخرجوه كارها ‪ 0‬وموكب موت شاهده النبا‬
‫بول ترك تأثيره أيضا ً ‪ ،‬فترك العالم والمال والقضايا ‪ ،‬وصار أول السواح‬
‫وكان القديس أبا مقار الكبير يضع أحيانا ً جمجمة تحت رأسه تذكره‬
‫بالموت ‪ 0‬وأبا مقار السكندرانى زار إحدى المقابر ‪ 0‬والقديس‬
‫انطونيوس الكبير فى بدء حياته الرهبانية سكن فى مقبرة ‪00‬‬
‫تذكار الموت له فوائده العديدة ‪ ،‬الدموع واحدة منها ‪00‬‬
‫تذكار الموت يوقف النسان أمام حقيقة نفسه ‪ ،‬وأنه مجرد بخار يظهر‬
‫قليل ً ثم يضمحل ) يع ‪ ، ( 14 : 4‬وأنه " كزهر الحقل كذلك يزهر ‪ 0‬لنن‬
‫ريحا ً تعبر علية فل يكون ‪ ،‬ول يعرفه موضعه بعد " ) مز ‪( 16 ، 15 : 103‬‬
‫‪ 0‬ولذلك حسنا ً قال داود النبى ‪:‬‬
‫" عرفنى يارب نهايتى ‪ ،‬ومقدار أيامى كم هى ‪ ،‬لعلم كيف أنا زائل " )‬
‫مز ‪0 ( 4 : 39‬‬
‫وقال أيضا ً " إنما كل إنسان قد جعل ‪ 0‬إنما كخيال يتمشى النسان ) مز‬
‫‪0 ( 6 ، 5 : 39‬‬
‫بتذكار الموت ‪ ،‬يتضع النسان وينسحق ‪ 0‬والتضاع والنسحاق يجلبان‬
‫الدموع ‪0‬‬

‫الفرح والتاثر‬
‫كمال أن الحزن الشديد يجلب الدموع ‪ ،‬كذلك يسببها الفرح العميق أيضا‬
‫‪0‬‬
‫إن يوسف الصديق وأباه يعقوب لم يضبطا أنفسهما من البكاء الشديد‬
‫عند لقائهما بعد غيبة طويلة ‪0‬‬
‫ً‬
‫التأثر الشديد داخل القلب ‪ ،‬فاض دمعا ‪ 0‬ويقول الكتاب إن يوسف لما‬
‫رأى أباه " وقع على عنقه وبكى على عنقه زمانا ً " ) تك ‪0 ( 29 : 46‬‬
‫ونفس التأثر والبكاء ‪ ،‬حينما عرف يوسف أخوته بنفسه ‪0‬‬
‫وإن كانت المشاعر وقتذاك تختلف عن مشاعره حين لقائه بأبيه ويقول‬
‫الكتاب فى ذلك " فلم يستطع يوسف أن يضبط نفسه ‪ 00‬فصرخ ‪:‬‬
‫اخرجوا كل إنسان عنى ‪ 0‬فلم يقف أحد عنده ‪ ،‬حين عرف يوسف اخوته‬
‫بنفسه ‪ " 0‬فأطلق صوته بالبكاء ‪ 00‬وقال يوسف لخته ‪ :‬أنا يوسف ‪0‬‬
‫أحى أبى بعد ؟ " ) تك ‪0(3-1 : 45‬‬
‫ونفس التأثر نراه حينما قابل يعقوب فى غربته ‪ ،‬راحيل ابنة خاله ‪0‬‬
‫كانت مصادقة مفرحة ما كان يتوقعها ‪ 0‬فلما رآها ‪ ،‬وسقى لها غنمها ‪،‬‬
‫يقول الكتاب " وقبل يعقوب راحيل ‪ 0‬ورفع صوته وبكى ‪ 0‬وأخبر يعقوب‬
‫راحيل أنه أخو أبيها ‪ ،‬وأنه ابن رفقة " ) تك ‪0 ( 11 : 29‬‬
‫إن دموع الفرح باب طويل ‪00‬‬
‫دموع الفرح بالنجاح والتوفيق ‪ 0000‬دموع الفرح باللقاء بعد غيبة ‪0‬‬
‫دموع الفرح بعمل الله معنا ‪ ،‬فى أى أنقاذ من ضيقة ‪ 0‬وفى حل أى‬
‫اشكال معقد ‪ 00‬دموع الفرح بالنجاة وبالفرح ‪00‬‬
‫ما أكثر دموع القديسين فرحا ً ‪ 00‬وليست كلها بكاء على الخطايا ‪0‬‬
‫وهنا نذكر مجال ً آخر للدموع ‪ ،‬أو سببا ً لها وهو الصلة ‪0‬‬

‫الصلة‬
‫يبكى النسان فى صلته ‪ ،‬إذا كانت صلته من عمق مشاعره وعواطفه‬
‫قد يبكى خشوعا ً ‪ ،‬وهو يشعر بعدم استحقاقه للوجود فى حضرة الله ‪0‬‬
‫وقد بكى أمام المذبح أوالهيكل ‪ ،‬وهو شاعر بهيبة المكان ‪ 00‬أو أثناء‬
‫التناول أيضا ً للشعور بنفس الهيبة ‪0‬‬
‫وقد بكى حبا ً لله ‪ ،‬الذى قبله إليه ‪ ،‬ولم يضع معه حسب خطاياه‬
‫وضعفاته ‪0‬‬
‫ً‬
‫وقد يبكى تأثرا ببعض كلمات وردت فى الصلة هزت مشاعره ‪ 0‬كما‬
‫يبكى بعض الباء الكهنة وهم يصلون قسمة ذبح اسحق فى يوم خميس‬
‫العهد ‪0‬‬
‫ً‬
‫وقد يبكى خجل ‪ ،‬لنه لم يف بوعوده التى عاهد الرب بها ‪0‬‬
‫وقد يبكى حزنا ً على ضعفه وتقصيره ‪ ،‬وعلى مرات سقوطه ‪ ،‬كما نقول‬
‫فى صلة نصف الليل ‪0‬‬
‫" اعطنى يارب ينابيع دموع كثيرة ‪ ،‬كما أعطيت فى القديم للمرأة‬
‫الخاطئة ‪(00‬‬
‫وقد تكون دموعه فى صلته هى دموع التوبة ‪ ،‬لنه استطاع أن يعود إلى‬
‫الله أخيرا ً بعد غيبة طويلة ‪ ،‬أو بعد غيبة عميقة ‪0‬‬
‫إنها مشاعر تختلف من شخص لخر ‪ ،‬يتأثر بها القلب فتدمع العينان ‪0‬‬
‫هناك سبب آخر يدعو إلى البكاء وهو‬

‫الشعور بالعجز‬
‫الذى يشعر بقوته وقدرته وسيطرته على المواقف ‪ ،‬ربما من الصعب أن‬
‫يبكى وهو فى هذا الشعور ‪0‬‬
‫لكن يبكى الذى يشعر فى أعماقه بأنه عاجز ‪ ،‬وأو غير قادر على‬
‫التصرف السليم ‪ ،‬أو حائر أمام إشكال ‪0‬‬
‫حينئذ يبكى ‪ ،‬إذ ليس أمامه سوى البكاء ‪ 0‬وقد يصلى فى بكائه طالبا ً حل ً‬
‫ومعونة من القادر على كل شئ هكذا قد نبكى أمام مريض عجز الطباء‬
‫عن علجه ‪ ،‬أو أمام كارثة ل منقذ منها ‪ ،‬أو مأساة قادمة ول مفر من‬
‫مواجهتها ‪ ،‬ول يمكن تفاديها ‪0‬‬
‫ً‬
‫ويزداد اللم والبكاء ‪ ،‬إن كان هذا النسان عاجزا ‪ ،‬وكل من حوله عاجز‬
‫مثله ‪ ،‬فى ذلك الموقف‬
‫أو قد يبكى النسان بسبب خطية أو شهوة أو عادة سيطرت عليه ‪،‬‬
‫ويريد أن يتخلص منها ‪ ،‬ولكنه شاعر بعجزه أمامها أو بسبب عدو بضغط‬
‫عليه ‪ ،‬ويذل فى الرض نفسه ‪ ،‬وهو عاجزا ً تماما ً عن مقاومته ويبدو أنه‬
‫ل خلص ‪ 00‬هذا الشعور بالعجز ‪ ،‬إن اختلط بصلة وعاطفة ‪ ،‬فل مفر من‬
‫الدموع ‪ 0‬نتحدث عن سبب آخر وهو‪:‬‬

‫الشعور بالتخلى‬
‫سواء وقف النسان وحده ‪ ،‬وتخلى عنه كل الصدقاء والحباء أوبالكثر‬
‫الحساس بتخلى النعمة عنه‬
‫شعور القلب بأن الله قد تركه ‪ ،‬حتى لو كان شعورا ً خاطئا ً ‪ ،‬ولكنه‬
‫موجود ‪ ،‬يضغط على نفسه فيتألم ويبكى ‪ 00‬وبخاصة لو حدث هذا‬
‫الحساس بالتخلى وسط ظروف ضاغطة ومشاكل مؤلمة‬
‫أو لو حدث التخلى فى سقطات روحية ‪ ،‬ظن النسان أنه ل قيام منها ‪0‬‬
‫أو أحاطت بالنسان الكوارث أو ألوان من الفشل المتلحق ‪ 0‬وشعر أن‬
‫كل هذا بسبب تخلى الله عنه ‪ ،‬بسبب خطاياه ‪ 0‬وفى وسط كل هذا كل‬
‫هذا يبرز سبب آخر للدموع هو ‪:‬‬

‫الشمات‬
‫ة‬
‫وكما قال الشاعر ‪:‬‬
‫كل المصائب قد تمر على الفتى‬
‫فتهون غير شماتة العداء‬
‫إن الشماتة سبب للم عميق ‪ ،‬سواء من أعداء ‪ ،‬أو من معزين متعبين‬
‫كأصدقاء أيوب ) أى ‪( 2 : 16‬‬
‫وقد شكا داو النبى كثيرا ً من هذه الشماتة فى مزاميره ‪0‬‬
‫فقال "‪ 00‬إلهي عليك توكلت ‪ ،‬فل تخزني إلى البد ‪ ،‬ول تشمت بى‬
‫أعدائى " ) مز ‪ 0( 2 : 35‬وصرخ فى مزمور آخر قائل " حتى متى‬
‫الخطاة ؟ حتى متى الخطاة يشمتمون " ) مز ‪ 0 ( 3 : 94‬نرى ميخا النبى‬
‫يجتذب نفسيته خارج شماتة العداء هذه التى تحزن القلب ‪ ،‬فيقول " ل‬
‫تشمتى بى يا عدوتى ‪ ،‬فإنى إن سقطت أقوم " ) مى ‪( 8 : 7‬‬
‫إن استمرت الشماتة تدمى القلب وبالتالى تدمع العينين ‪ ،‬إل للذين‬
‫ارتفعوا تماما ً عن كلم الناس حتى القديسون كانت الشماتة الروحية‬
‫تتعهبم ‪ ،‬وبخاصة ممن يقولون " أين هو الرب إلهم " ‪!!000‬‬

‫قسوة القلب ‪0‬‬ ‫•‬


‫إدانة الخرين ‪0‬‬ ‫•‬
‫العنف ‪0‬‬ ‫•‬
‫الغضب والحقد ‪0‬‬ ‫•‬
‫الحياة فى الخطية ‪0‬‬ ‫•‬
‫اللذة والرفاهية ‪0‬‬ ‫•‬
‫التذمر ‪0‬‬ ‫•‬
‫الفخر والكبرياء ‪0‬‬ ‫•‬
‫التهاون والفتور ‪0‬‬ ‫•‬
‫قسوة القلب‬
‫القلب الرقيق الطيب دموعه قريبة ‪ 0‬أما القلب القاسى فتبتعد عنه‬
‫الدموع ‪0‬‬
‫ً‬
‫من السهل أن يبكى بطرس بكاء مرا ‪ 0‬ولكن من الصعب أن يبكى‬
‫فرعون أو أن يبكى هيرودس ‪0‬‬
‫كذلك فإن الشدة والحزم ‪ ،‬قد تمنعان الدموع أيضا ً‪0‬‬
‫لن النسان يستخدم فى ذلك الوقت القوة ل الرقة ويستثنى من هذا‬
‫حالة الحزم النابعة من قلب مملؤ من الحب ‪ ،‬كما قيل عن السيد فى‬
‫تطهير الهيكل ‪:‬‬
‫كفه والحب يدمى مدمعك‬ ‫يا قو يا ً ممسكا بالسوط فى‬
‫ً‬
‫وفى حديثنا عن القوة والرفة نقول ‪:‬‬
‫إن الدموع عند المرآة أسهل واكثر مما عند الرجل ‪ 0‬ولكن إن بكى‬
‫الرجل ‪ ،‬تكون دموعه أعمق ‪0‬‬
‫ذلك لن شدته أو قوته لم تستطع أن تقاوم المشاعر الجياشة ‪ 0‬فلبد‬
‫أن سبب الدموع كان أقوى والنفعال بها كان أشد ‪00‬‬
‫إن الدموع والقسوة ل يتفقان معا ً ‪0‬‬
‫فإن كنت تطلب الدموع ‪ ،‬إبعد عن قساوة بقدر ما تستطيع ‪ ،‬نضرب لك‬
‫الن بعض أمثلة ‪:‬‬

‫إدانة الخرين‬
‫وبالذات القسوة والشدة فى الحكم على الناس ‪ 00‬هناك أشخاص عنفاء‬
‫جدا ً فى أ حكامهم ‪ 0‬إذا أنتقدوا إنسانا ً‬
‫ينتقدونه بشدة وبقسوة ‪ ،‬وبقلب خال من الحب ومن العطف ‪،‬‬
‫وخال من تقدير ظروف الخرين‬
‫النسان الذى الحالة ‪ ،‬ل يمكن أن تسيل دموعه ‪ ،‬إل إذا تخلص من هذه‬
‫المشاعر !‬
‫الحديث عن أخطاء الناس ‪ ،‬أو التشهير بهم ‪ ،‬سبب من السباب‬
‫الرئيسية التى تمنع الدموع ‪ 0‬وفى نفس الوقت فإن هذ ‪ 1‬التشهير‬
‫سبب من السباب التى تقسى القلب ‪ ،‬وتبعده عن الرقة التى يتصف‬
‫بها أولد الله ‪00‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إدانة الخرين ليست فقط قسوة وعنفا ‪ 0‬وإنما فيها أيضا ينسى‬
‫النسان خطاياه الخاصة ‪0‬‬
‫والذى ينسى خطاياه ‪ ،‬يبعد عن أهم مصدر للدموع ‪ 00‬أما النسان‬
‫الروحى ‪ ،‬فإنه يشفق على الخطاه متذكرا ً قوة العدو وحروبه ‪ ،‬وضعف‬
‫الطبيعة البشرية ‪ ،‬ومتذكرا ً أيضا ً خطاياه وسقطاته ‪ 0‬فيبكى على‬
‫الساقطين كما يبكى على نفسه وفى ذلك قال القديس بولس‬
‫الرسول ‪ " :‬اذكر المقيدين ‪ ،‬كأنكم مقيدون معهم ‪ ،‬والمذلين كأنكم أيضا ً‬
‫فى الجسد " ) عب ‪0 ( 3 : 13‬‬
‫رجل الدموع يمكن أن تكون عنده هذه المشاعر ‪ 0‬ومن عنده هذه‬
‫المشاعر يمكن أن يقتنى الدموع‬
‫ً‬
‫وهكذا كان القديس يوحنا القصير ‪ 00‬حينما كان يرى إنسانا يخطئ ‪ ،‬كان‬
‫يبكى ويقول ‪ :‬هذا النسان سقط اليوم ‪ 0‬وقد أسقط أنا مثله غدا ً وربما‬
‫يخطئ هو يتوب ويخلص بينما أخطئ أنا أتوب ‪000‬‬
‫وهكذا كانت خطايا الناس تدفعه إلى البكاء ‪ ،‬ول تدفعه إلى والدانة ‪0‬‬
‫والقديس موسى أيضا ً كان باستمرار يتذكر خطاياه ‪ ،‬ل خطايا الناس‬
‫وهناك قاعدة روحية تقول ‪ :‬إن النسان يسقط عادة فى الخطايا التى‬
‫يدين الناس عليها ‪ 00‬والله يسمح بهذا ‪ ،‬لكى يخزى كبرياء الذين يدينون‬
‫غيرهم ‪ 0‬لكى نعرف أننا إذا سرنا حسنا ً فليس هذا لقوة فينا ‪ ،‬إنما‬
‫بسبب معونة تأتينا من فوق ‪ 0‬فإن أدنا غيرنا بقساوة قلب ‪ ،‬تتخلى عنا‬
‫النعمة الحافظة ‪ ،‬فنسقط مثلهم ‪ 00‬وحينما نسقط ‪ ،‬ونبكى على‬
‫خطايانا ‪ ،‬شاعرين بضعفنا ‪ ،‬وبأن الخطية‬
‫" طرحت كثيرين جرحى ‪ ،‬وكل قتلها أقويا " ) أم ‪ ( 26 : 7‬وحينئذ ترق‬
‫قلوبنا ‪ ،‬ونشفق على غيرنا ‪ ،‬ول ندين الساقطين ‪ ،‬بل نبكى من أجلهم‬
‫‪ 00‬شاعرين بأن الشيطان نشيط ‪ ،‬ونشاطه يدعونا إلى الخوف والحرص‬
‫والبكاء وطلب معونة ‪0‬‬
‫مثلما نسمع أن أسدا ً فى الطريق قد افترس إنسانا ‪000‬‬
‫ً‬
‫ل ندين هذا النسان ‪ ،‬بل نبكى عليه ‪ ،‬ونبكى على أنفسنا من خطر هذا‬
‫السد المفترس ‪ ،‬الذى شبة به الرسول عدونا الشيطان الذى يجول‬
‫ملتمسا ً من يبتلعه ) ‪1‬بط ‪( 8 : 5‬‬
‫أومثلما نسمع عن وبأ أصاب آخرين فماتوا ‪ 00‬هل نبكى عليهم أم‬
‫ندينهم ‪ !00‬؟‬
‫هكذا الخطية ‪ ،‬وهكذا الشيطان ‪ ،‬وهكذا حال الذين يسقطون ‪ ،‬والذين‬
‫يدينوهم ‪00‬‬
‫الدانة إذن هى قسوه ‪ ،‬ونسيان لقوة العدو ‪ ،‬ونسيان للضعف البشرى ‪0‬‬
‫وكلها أمور تبعد الدموع ‪ 00‬وبنفس الوضع نتحدث عن الدانة المستترة‬
‫‪0‬‬
‫ونقصد بالدانة المستترة التى تختفى وراء النصح أو التوبيخ أو النذار ‪0‬‬
‫ولعلك تسأل ‪ :‬هل معنى هذا إننى ل أنصح أحدا ً ول أحذره ؟ أقول لك ‪:‬‬
‫يمكن أن تفعل هذا ‪ ،‬ولكن فى محبة ‪ ،‬وليس بروح التعالى ‪ 0‬وتذكر قول‬
‫بولس الرسول لرعاة أفسس ‪:‬‬
‫ً‬
‫" متذكرين إننى ثلث سنوات ليل ً ونهارا ‪ ،‬لم أفتر عن أن أنذر بدموع كل‬
‫أحد " ) أع ‪( 31 : 20‬‬
‫لنه ينذر‪ ،‬ولكن بدموع ‪ 00‬بدموع فيها حب ورقة ‪ ،‬وخوف عليهم من‬
‫السقوط ‪ ،‬وتقدير للضعف البشرى ‪0‬‬
‫تذكر أن الطبيب حينما ينزع جزءا ً فاسدا ً من مريض ‪ ،‬إنما يفعل ذلك‬
‫يحنو دون أن يشمئز من فساد هذا الجزء الذى بقطعه ‪ ،‬ودون أن يدين‬
‫المريض بسبب ذلك ‪ 0‬سبب آخر يمنع الدموع وهو ‪:‬‬

‫العـنـ‬
‫ف‬
‫النسان العنيف ل يبكى ‪ 0‬إنما يمنع عنه الدموع ‪ 00‬أيا ً كان هذا العنف‬
‫ونوعه ‪ 00‬فالقاتل ل يبكى ‪ 0‬وقد يكون القتيل فى حالة تذيب القلوب ‪،‬‬
‫وقد يتوسل إليه ‪ 0‬ولكن قساوة قلبه فى العنف ‪ ،‬تجفف عينيه ‪00‬‬
‫قد يبكى فيما بعد ‪ ،‬حينما يرجع إلى نفسه ويتذكر قسوته ‪00‬‬
‫وكذلك المخرب والتاثر ‪ 00‬وحتى العنيف فى المنافسة ‪،‬أو الخصومات ‪،‬‬
‫أو النزاع مع الناس أيا ً كان نوعه‬
‫الذى يصيح ويعلو صوته فى نقاشة مع الخرين ‪ ،‬هذا تهرب منه الدموع‬
‫‪0‬‬
‫الذى يحل المشاكل بعنف ‪ ،‬أو يقرض عقوبات على مرؤوسيه بعنف ‪ ،‬أو‬
‫يستخدم العنف فى المعاملت ‪00‬‬
‫هذا ايضا ً بعيد عن موهبة الدموع ‪ 0‬وبالمثل الغضوب ‪:‬‬

‫الغضب والحقد‬
‫من المحال أن إنسانا ً غضوبا ً ‪ ،‬تكون له موهبة الدموع ‪0‬الدموع كما قلت‬
‫تتمشى مع رقة القلب ‪ 0‬والنسان الغضوب يتصف بالحدة والعنف‬
‫والقسوة ‪ 0‬وهذه كلها ضد الدموع ‪0‬‬
‫من الجائز أن إنسانا ً غضوبا ً ‪ ،‬يبكى من الغيظ والقهر ‪0‬‬
‫مثلما بكى عيسو لما اكتشف أن أخاه يعقوب أخذ منه البركة ) تك ‪: 27‬‬
‫‪ 0 ( 38‬ولكن هذه ليست من الدموع الروحية التى نتحدث عنها ‪ 0‬ومن‬
‫الجائز أن دموع الغيظ والقهر توجد فى العلقات العائلية ‪ ،‬أو مجالت‬
‫العمل ‪ 00‬إنها دموع ‪ ،‬ولكن ليست من النوع الروحى ‪ 00‬ربما يدفع إليها‬
‫اليًاس أو العجز أو الفشل أما الدموع الروحية فتصدر من قلب نقى ‪،‬‬
‫رقيق ‪ ،‬حساس ‪0‬‬
‫الذى يقتنى موهبة الدموع ‪ ،‬ثم يسلك فى الطبع الغضب ‪ ،‬بفقد تلك‬
‫الموهبة ‪00‬‬
‫ويجد أن دموعه قد جفت ‪ ،‬أو فارقته ‪ ،‬على القل فى وقت غضبه ‪00‬‬
‫فإن كان الله قد وهبك دموعا ً ‪ ،‬ثم فقدتها أدخل إلى داخل نفسك ‪،‬‬
‫وابحث عن السبب وعالجه ‪ 0‬واسأل نفسك ‪ :‬هل كان الغضب من أسباب‬
‫فقدك للدموع ‪0‬‬
‫الغضوب يركز أثناء ثورته على أخطاء غيره ‪0‬‬
‫أما صاحب موهبة الدموع ‪ ،‬فيركز على أخطائه الخاصة ‪0‬‬
‫تركيزه على أخطائه الخاصة يبكيه ‪ ،‬متذكرا ً ضعفه وسقوطه وانفصاله‬
‫عن الله ‪ 00‬أما التفكير أثناء الغضب فى أخطاء الغير ‪ ،‬فإنه قد يثير‬
‫المشاعر والعصاب ‪ ،‬كما أنه ينسى النسان خطاياه ‪ 0‬وقت البكاء وهو‬
‫وقت مشاعر وأحاسيس ‪ 0‬أما وقت الغضب ‪ ،‬فهو وقت أعصاب وثورة‬
‫وقسوة ‪ 0‬وقت البكاء يسوده الحب ‪ ،‬وأما وقت الغضب فتسوده‬
‫الكراهية ‪ 00‬لذلك ل تلم غيرك ‪ ،‬إنما لم نفسك ‪ 0‬فلباء يقولون ‪:‬‬
‫ملمة النفس تمنع الغضب ‪00‬‬
‫وإن غضب الذى يلوم نفسه ‪ ،‬فإنما يغضب على نفسه ‪ ،‬ل على غيره ‪00‬‬
‫لذلك نقوا أنفسكم من الغضب ‪ ،‬إن أردتم أن يهبكم الله موهبة الدموع‬
‫‪00‬‬
‫كذلك فإن الحقد أصعب وأقسى من الغضب ‪0‬‬
‫إن كانت إدانة الخرين تمنع الدموع ‪ ،‬والغضب يلشيها ‪ 0‬فمن باب أولى‬
‫الحقد والكراهية والعداوة ‪ ،‬لنها درجات أكبر من الغضب واعنف ‪ 0‬وتدل‬
‫على قسوة فى القلب ‪ ،‬ورفض لغفران إساءة المسئ ‪ 00‬وكلها تعكر‬
‫القلب وتفقده رقته ‪ 0‬من السباب الخرى التى تعوق الدموع ‪ :‬الحياة‬
‫فى الخطية ‪0‬‬

‫الحياة فى الخطية‬
‫اللم بسبب الخطية ‪ ،‬يجلبب الدموع ويكون فى التوبة ‪ 0‬أما الحياة فى‬
‫الخطية والتلذذ بها ‪ ،‬فيمنعان الدموع‬
‫ً‬
‫لنه على أى شئ يبكى النسان ‪ ،‬إن كان مسرورا بحياة الخطية التى‬
‫يعيشها ؟! إن البكاء قد يأتى من وخز الضمير التائر علية ‪ 0‬أما فى‬
‫التمتع بالخطية ‪ ،‬فإن الضمير يكون نائما ً أو مخدرا ً !! والنسان تقوده‬
‫المتعة ل الضمير ‪0‬‬
‫بل النسان فى الخطية ‪ ،‬قد يبكى إن فقد الخطية !!‬
‫وتكون دموعه فى هذه الحالة خطية ‪ 00‬مثلما بكى بنو اسرائيل فى‬
‫البرية ‪ ،‬ما لم يجدوا لحما ً يأكلونه ) خر ‪ ( 3 : 16‬ومثلما يبكى إنسان‬
‫مدمن ‪ ،‬ل يجد ما اعتاده من المخدرات ‪ 00‬أو كما يبكى محب المال ‪ ،‬إن‬
‫فقد أمواله ! أو كما يبكى محب اللذة الجسدية ‪ ،‬إن اغلقت أبوابها أمامه‬
‫‪ 00‬أو محب العظمة والسلطة إن فقدها ‪ ،‬وأصبح شخصا ً عاديا ً ‪!!00‬‬
‫وكلها دموع عالمية أو مادية ‪ ،‬تعتبر خطية تضاف إلى الخطايا السابقة‬
‫‪00‬‬
‫فهذه الدموع الخاطئة تدل على محبة عميقة للخطية ‪0‬‬
‫وبالتالى تدل على انفصال القلب عن الله ‪ 00‬كما تدل على تعلق القلب‬
‫بالعالم والماديات ‪ 0‬وليست هى نوع الدموع الروحية التى نتحدث عنها ‪0‬‬
‫على أنه قد يحيا النسان أحيانا ً فى الخطية ‪ ،‬وتوجد له دموع روحية ‪0‬‬
‫فكيف ذلك ؟ نذكر لهذا مثل ً ‪0‬‬
‫قد يحيا إنسان فى الخطية ‪ ،‬مقهورا ً من عادة مسيطرة عليه ‪ 0‬فيبكى إذ‬
‫يريد من كل قلبه أن يتخلص من الخطية ‪ ،‬وارادته أضعف من أن تساعده‬
‫!‬
‫هذا النسان تنتشله النعمة ‪ ،‬ويعتبر الله بكاءه بداية للتوبة ‪ 0‬وينظر إلى‬
‫قلبه ل إلى عمله ‪ ،‬إن كان صادقا ً فى نيته وفى دموعه ‪ 00‬وإن كان‬
‫يفعل الخطية وهو غير متلذذ بها ‪ ،‬إنما وهو مقهور منها ‪ 00‬فاللذة أيضا ً‬
‫تفقد الدموع ‪00‬‬

‫اللذة والرفاهية‬
‫اللذة بطبيعتها تتناقض مع الدموع ‪0‬‬
‫والذى يعيش فى لهو ومتعة ورفاهية ‪ ،‬يتمتع بالمال والمادة والسلطة‬
‫وكل متعة عالمية ‪ 00‬هذا النسان من أين تأتيه الدموع ‪00‬؟!‬
‫بل إنه يحتاج إلى دموع الناس عليه ‪ ،‬لكيما يصل إلى حياة الدموع ‪0‬‬
‫الذى يحيا حياة اللذة والمتعة ‪ ،‬يكره الدموع ‪ ،‬لنها تعكنن عليه !! وتقطع‬
‫حبل متعته ‪ ،‬وتكون كنشاز فى الحن ملذه كل هذه الشياء ‪ ،‬حتى ل‬
‫يفكر فى أبديته !‬
‫لذلك أبعد عن حياة اللذة ‪ ،‬حينئذ تدرك تفاهتها ‪ ،‬فتبكى على اليام الذى‬
‫ضيعتها فيها ‪00‬‬
‫وحينئذ تنشد مع سليمان الحكيم " لكل باطل وقبض الريح " " باطل‬
‫الباطيل ‪ ،‬الكل باطل ول منفعة تحت الشمس " ) جا ‪ 000 ( 1‬لقد قال‬
‫هذه العبارات إنسان مجرب ‪ ،‬ذاق كل متع الدنيا ‪ ،‬على تعدد أنواع ‪ ،‬وقال‬
‫فى ذلك " ومهما اشتهته عيناى ‪ ،‬لم أمنعه عنهما " ) جا ‪ 0 ( 10 : 2‬ومع‬
‫ذلك وجد الكل الباطل ‪ ،‬ووجد أنه " بكآبة الوجه يصلح القلب " ) جا ‪3 : 7‬‬
‫(‬
‫ينبعى أن تعرف أن حياة اللذة ‪ ،‬هى ضدك وليست لك ‪ 0‬وهى تنسيك‬
‫حقيقتك !‬
‫البن الضال حينما كان يعيش فى حياة اللذة العالمية ‪ ،‬ما كان يدرى ما‬
‫هو فيه ‪ 0‬ولكنه وصل إلى التوبة وإلى إنسحاق النفس ‪ ،‬حينما عاد إلى‬
‫نفسه ‪ ،‬وشعر بسوء خالته وعندئذ فقط بدا ً حياته الحقيقية كابن ‪ ،‬وعاد‬
‫إلى بيت أبيه ‪00‬‬
‫كذلك نقول ‪ :‬إن الستغراق فى الضحك والمزاح ‪ ،‬يمنع الدموع‬
‫حقا ً كما قال الحكيم " البكاء وقت ‪ ،‬وللضحك وقت " ) جا ‪0 ( 4 : 3‬‬
‫ولكن مع ذلك فإن الذين يعيشون فى حياة كلها مزاح وضحك ‪ ،‬من‬
‫الصعب أن يصلوا إلى حياة الدموع ‪00‬‬
‫على القل فى وقت ضحكهم ‪ ،‬يكونون بعيدين عن الدموع ‪0‬‬
‫إذن ‪ ،‬إن كانت حياة اللهو والضحك واللذة والمتعة ‪ ،‬تمنع الدموع ‪00‬‬
‫فإننا نقول من الناحية العكسية ‪ :‬إن التجارب والضيقات والمراض‬
‫واللم هى من مسببات الدموع ‪ 00‬ففيها يشعر النسان بضعفه ‪،‬‬
‫وبثقل النير عليه ‪ ،‬فيتجه إلى الله ‪ ،‬ويسكب دموعه أمامه ‪00‬‬
‫ولكن على شرط أن يقبل التجارب والضيقات بغير تذمر ‪0‬‬

‫التذمر‬
‫أن التذمر سبب من السباب التى تمنع الدموع ‪0‬‬
‫فإن النسان فى تذمره يكون ساخطا ً ‪ ،‬وشاعرا ً بأنه ل يستحق كل هذا‬
‫الذى يحدث له ‪ 0‬وفى سخطه وتذمره يفقد التواضع ويفقد النسحاق‬
‫اللذان يجلبان الدموع ‪00‬‬
‫وفى التذمر ‪ ،‬يشعر النسان أنه مظلوم ‪ ،‬وبالتالى يدين من ظلمة ‪0‬‬
‫وهكذا ينتقل من التفكير فى خطاياه ‪ ،‬إلى التفكير فى خطايا غيره ‪00‬‬
‫وهذا ضد منهج الدموع ‪00‬‬
‫والذى يتذمر قد يتذمر على الله نفسه ‪ ،‬فيجدف ‍ ‍‬
‫وفى كل ذلك يكون بعيدا ً عن الجو الروحى الذى تسيل فيه الدموع ‪00‬‬
‫بل إنه تذمره قد يدخل فى قساوة‬
‫القلب ‪ ،‬وفى العتداد بالذات ‪ ،‬وفى الغضب والحقد ‪ 00‬ول يمكن أن يجد‬
‫دموعا ً وسط هذه المشاعر الخاطئة كلها إن كانت الدموع تتفق مع‬
‫التواضع والنسحاق ‪ ،‬فلشك أن كبرياء القلب وكبرياء التصرف ‪ ،‬كلها‬
‫تمنع الدموع ‪ 00‬وإن كانت الدموع تتفق مع لوم النفس وتبكيت الذات ‪،‬‬
‫فبالتالى يكون الفخر والحديث عن فضائل‬
‫النفس ‪ ،‬من السباب المانعة للدموع ‪0‬‬
‫فل يمكن أن يبكى النسان وهو سعيد بذاته ‪ ،‬يرفع شأنها ‪ ،‬ويمتدح‬
‫صفاتها ‍‬
‫نفس الكلم نقوله عن العظمة ‪ ،‬ومحبة المناصب والمتكآت الولى ‪،‬‬
‫ومحبة الكرامة ومديح الناس ‪ 00‬فكل هذه تمنع الدموع تماما ً ‪ 00‬لن‬
‫الدموع تتفق مع الشعور بالضعف ‪ ،‬وليس مع الشعور بالقوة والعظمة‬
‫والسلطان ‪‍00‬‬
‫كذلك فإن الفتخار بالدموع ‪ ،‬يمنع الدموع ‪0‬‬

‫الفخر والكبرياء‬
‫فقد تسلك فى الطريق الروحى السليم ‪ ،‬وفى الحياة التوبة وحياة‬
‫التضاع والنسحاق ‪ ،‬وفى كل مسببات الدموع ‪ 00‬فإن أتتك الدموع ‪،‬‬
‫يحاربك الشيطان بها لكى يوقعك فى المجد الباطل ‪ 0‬فإن فرحت‬
‫بالدموع ‪ ،‬أو افتخرت بها ‪ ،‬أو أظهرتها قصدا ً ‪ ،‬حينئذ يمكن أن تمتنع عنك‬
‫وتنقطع ‪ 00‬ولذلك قال القديسون ‪:‬‬
‫إذ ما أتتك الدموع ‪ ،‬فل تنشغل بها ‪ 0‬إنما فكر فى السباب التى جلبت‬
‫الدموع ‪0‬‬
‫ً‬
‫إن بكيت مثل بسبب خطاياك ‪ ،‬فكر فى بشاعة تلك الخطايا ‪ ،‬فيزداد‬
‫انسحاقك وتزداد دموعك ‪ 00‬وحاذر أن تفتخر بدموعك أو تفرح بها ‪ ،‬لنك‬
‫فى هذا الوقت تكون قد نسيت خطاياك ‪ ،‬وانتقلت من النسحاق إلى‬
‫الكبرياء ‪ ،‬أى انتقلت من مسببات الدموع إلى موانع الدموع ‪0‬‬
‫ولتكن دموعك بينك وبين الله ‪ ،‬ل تكشفها للناس ‪ ،‬ول تتكبر بسببها ‪0‬‬
‫فكل ذلك يمنعها بعد مجيئها‬

‫التهاون والفتور‬
‫الدموع تناسبها الحرارة الروحية بكافة أنوعها ‪ ،‬سواء حرارة الحب ‪،‬‬
‫أو ‪ ،‬حرارة التوبة ‪ ،‬حرارة التأثر ‪0‬‬
‫أما النسان الفاتر ‪ ،‬فليست له دموع ‪0‬‬
‫يحتاج أن يعود إلى محبته الولى ‪ ،‬وإلى حرارته الولى ‪ ،‬فتعود إلية‬
‫الدموع ‪ " 0‬فاذكر من أين سقطت وتب ) رؤ ‪0 ( 5 : 2‬‬
‫وقد يأتى الفتور نتيجة للتهاون أو للرفاهية ‪0‬‬
‫عالج التهاون إذن فى حياتك الروحية ‪ ،‬واحذر الرفاهية ‪ 0‬إن داود النبى‬
‫كان فى مذلته يمزج شرابه بالدموع ) مز ‪ " ( 9 : 102‬وبدموعه كان يبل‬
‫فراشه " ) مز ‪ 0 (6 : 6‬أما فى حياة الرفاهية ‪ ،‬فلم تكن له دموع ‪ ،‬بل‬
‫كانت هناك الشهوة والخطية ‪ 0‬كذلك كان إبنه سليمان لم يستفد من‬
‫الرفاهية ‪ ،‬بل انتفع لما عرف أن الكل باطل وقبض الريح ‪0‬‬
‫صل إذن وقل ‪ :‬اعطنى يارب ينابيع دموع كثيرة ‪0‬‬

‫صفحة‬
‫مقدمة الكتاب ‪00000000000000000000000000000000‬‬
‫‪1‬‬
‫قمة الدموع ‪7 000000000000000000000000000000000‬‬
‫تطويب البكاء ‪8 00000000000000000000000000000000‬‬
‫أنواع من الدموع ‪00000000000000000000000000000‬‬
‫‪11‬‬
‫دموع الصلة ‪13 0000000000000000000000000000000‬‬
‫دموع الندم والتوبة ‪0000000000000000000000000000‬‬
‫‪14‬‬
‫دموع الحزن ‪0000000000000000000000000000000‬‬
‫‪18‬‬
‫دموع الفراق ‪0000000000000000000000000000000‬‬
‫‪20‬‬
‫دموع التأثر ‪23 00000000000000000000000000000000‬‬
‫دموع المشاركة ‪000000000000000000000000000000‬‬
‫‪25‬‬
‫دموع الفرح ‪26 00000000000000000000000000000000‬‬
‫دموع مرفوضة ) أنواع ( ‪0000000000000000000000000‬‬
‫‪27‬‬
‫دموع الشهوة ‪0000000000000000000000000000000‬‬
‫‪29‬‬
‫الدموع فى الخدمة ‪0000000000000000000000000000‬‬
‫‪31‬‬
‫أسباب الدموع فى الخدمة ‪0000000000000000000000000‬‬
‫‪37‬‬
‫الدموع فى حياة القديسين‬
‫‪39 0000000000000000000000000‬‬
‫مسببات الدموع ‪000000000000000000000000000000‬‬
‫‪51‬‬
‫الرقة والحساسية ‪00000000000000000000000000000‬‬
‫‪52‬‬
‫الشعور بتفاهة العالم ‪000000000000000000000000000‬‬
‫‪54‬‬
‫تذكر الخطايا ‪0000000000000000000000000000000‬‬
‫‪57‬‬
‫التجارب والضيقات ‪0000000000000000000000000000‬‬
‫‪63‬‬
‫تذكار المففوت ‪0000000000000000000000000000000‬‬
‫‪67‬‬
‫الفرح والتأثر ‪70 0000000000000000000000000000000‬‬
‫الصلة ‪72 00000000000000000000000000000000000‬‬
‫الشعور بالعجز ‪0000000000000000000000000000000‬‬
‫‪73‬‬
‫الشعور بالتخلى ‪000000000000000000000000000000‬‬
‫‪74‬‬
‫الشماتة ‪00000000000000000000000000000000000‬‬
‫‪75‬‬
‫معوقات الدموع ‪0000000000000000000000000000000‬‬
‫‪77‬‬
‫قسوة القلب ‪00000000000000000000000000000000‬‬
‫‪78‬‬
‫إدانة الخرين ‪00000000000000000000000000000000‬‬
‫‪79‬‬
‫العفنفف ‪83 00000000000000000000000000000000000‬‬
‫الغضب والحقد ‪0000000000000000000000000000000‬‬
‫‪84‬‬
‫الحياة فى الخطية ‪0000000000000000000000000000 0‬‬
‫‪87‬‬
‫اللذة الرفاهية ‪0000000000000000000000000000000‬‬
‫‪88‬‬
‫التذمر ‪00000000000000000000000000000000000‬‬
‫‪91‬‬
‫الفخروالكبرياء ‪000000000000000000000000000000‬‬
‫‪93‬‬
‫التهاون والفتور ‪000000000000000000000000000000‬‬
‫‪94‬‬

You might also like